You are on page 1of 95

‫ال جمهوري ة الجزائرية الديمقراطية الشعبيــــة‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمـــــي‬


‫جامعة عبد الرحمان ميرة "بجاية "‬

‫كلية األدب واللغات‬


‫قسم اللّغة واألدب العربي‬

‫مذكرة تخ ّرج لنيل شهادة الماستر‬


‫صص‪ :‬أدب جزائري‬
‫تخ ّ‬

‫خخخخخخخخخمعطوب لوناس "‬


‫االلتزام في الشعر القبائلي‪" :‬‬

‫' أنموذجا '‬

‫إشراف ال ّدكتورة ‪:‬‬ ‫إعداد الطّالبتان ‪:‬‬


‫فريدة مولى‬ ‫عميمر نسيمة‬
‫ثيللي أعمارة‬

‫سنة الجامعية‪4102/4102 :‬‬


‫ال ّ‬
‫وقفة شكر وعرفان‬

‫‪ -‬الحمد هلل الذي وفقنا لهذا وما كنا لنفعل لوال توفيقه‪ ،‬نحمده ونشكره ونستعين به أما بعد‪:‬‬
‫‪ -‬نشكر األستاذة المشرفة التي كانت نعم الموجه والمرشد في هذا المشوار‪ ،‬نشكرها على‬
‫صبرها علينا ووقفتها معنا أما وأستاذة‪ :‬الدكتورة‪ :‬مولى فريدة‪.‬‬
‫‪ -‬نشكر كل من قدم لنا المساعدة ولو بكلمة طيبة‪.‬‬
‫‪ -‬وقفة شكر لكل معلم وأستاذ من الطور االبتدائي إلى أخر المشوار الدراسي‪.‬‬
‫‪ -‬نشكر الزمالء والزميالت الذين كانوا على استعداد دائم لتقديم المساعدة‪.‬‬
‫‪ -‬شك ار للجميع‪ ،‬لكل من وقف جنبا إلى جنب معنا على طول المسيرة الدراسية‬
‫شكرا‪.‬‬
‫إهداء‬

‫أهدي بحثي هذا‪:‬‬

‫يتغمده برحمته في ك ّل ثانية‪ ،‬وأن‬


‫إلى روح المرحوم أخي العزيز "عاشور" الذي أدعو اللّه أن ّ‬
‫يسكنه فسيح جناته‪.‬‬

‫إلى نور عيناي‪ ،‬والى التي علّمتني أن الصبر هو مفتاح النجاح‪ ،‬أمي الحبيبة‪.‬‬

‫إلى سندي في الحياة أبي العزيز‬

‫أهديه لكل الكتاكيت الصغار‪ :‬ملك‪ ،‬موهوب‪ ،‬أيوب‪ ،‬فايز‪.‬‬

‫إلى كافة إخوتي‪ :‬عبد الرحمان زاكي‪ ،‬خوضير‪.‬‬

‫أخواتي‪ :‬حسيبة‪ ،‬لهنة‪ ،‬ميليسة‬

‫إلى نسرين وليديا‬

‫وأهديه خاصة إلى رفيق دربي وسندي في الضراء قبل السراء‬

‫وأهديه إلى األستاذة المشرفة "مولى فريدة"‪.‬‬

‫والى ك ّل الزمالء والزميالت‪ ،‬ولك ّل من له بصمة في إنجاز هذا العمل البسيط والمتواضع‪.‬‬

‫ثيللي‬
‫إه داء‬
‫أهدي بحثي هذا إلى من رباني صغيرة ووجهني كبيرة‪ ،‬وبدد لي بنوره كل الظلم‪،‬‬
‫واجتهد ألغدو من أرباب العلم‪:‬‬

‫إلى والدي العزيز‬

‫ثم أهديه إلى التي ولدت‪،‬‬

‫والتي ربت‪،‬‬

‫والتي ألهمت‪،‬‬

‫إلى أمي الغالية التي تحملت في تربيتي كل الصعوبات‪.‬‬

‫ثم إلى من ظلوا يشجعونني طيلة مساري الدراسي‪ ،‬إلى اإلخوة واألخوات األعزاء‪،‬‬
‫الذين ساندوني وأعانوني‪ ،‬وأرشدوني‪ ،‬فكانوا نعم السند والرشد‪.‬‬
‫كما أهديه إلى كل األصدقاء و الصديقات‪ ،‬الزمالء و الزميالت‪ ،‬رفقاء الدرب‪،‬‬
‫الذين لطالما كانوا على أتم االستعداد لتقديم المساعدة‪.‬‬

‫أهديه لكل أمازيغي غيور على هويته وثقافته‪ ،‬إلى روح شهيد القضية‪ ،‬وفقيد‬
‫الساحة الفنية واألدبية األمازيغية "معطوب لوناس"‪.‬‬

‫ثم هو هدية مني لكل من طلب العال وسهر الليالي طلبا للعلم والمعرفة‪.‬‬

‫إلى أولئك جميعا‪ ،‬أهدي هذا العمل المتواضع الذي أرجوا أن يكون عند حسن ظن‬
‫القارئ و المتلقي‪.‬‬

‫نسيمة عميمر‬
‫مقدمة‬

‫إن األدب الحديث العربي منه والغربي‪ ،‬وحتى األمازيغي ليس بمعزل عن‬
‫المعركة الحضارية‪ ،‬بوصفه عامل من عوامل التحول واالرتقاء بالوعي الثقافي‬
‫واإلنساني‪ ،‬وهو جزء من التجربة العاطفية والذهنية لألمة‪ ،‬حيث لم يقف هذا األدب‬
‫–والشعر منه‪ -‬موقف المنفعل حيال الحوادث واألزمات‪ ،‬بل تجاوز ذلك ليؤدي دوره‬
‫الفاعل في مواجهة األخطار والتحديات‪ ،‬فالشعر ليس وسيلة للتعبير عما يجيش في‬
‫نفس اإلنسان من انفعال ومشاعر‪ ،‬في مواجهتها مع مظاهر العالم الخارجي وأحداثه‬
‫فحسب‪ ،‬بل هو طريقة لممارسة الحياة‪ ،‬ومفتاح للدخول إلى أعماقها‪ ،‬ومشعل‬
‫إلضاءة دهاليزها المعتمة‪ ،‬وجسر لوصل ما انقطع من وشائج بين اإلنسان و أشياء‬
‫الوجود‪ ،‬منذ أن ظهر اإلنسان ككائن مستقل في هذا العالم‪.‬‬

‫إن تاريخ الشعر مرتبط بتاريخ البشرية ارتباطا صميميا‪ ،‬فمنذ أن وجد اإلنسان‬
‫وجد الشعر‪ ،‬ال يستثنى من ذلك عصر من العصور‪ ،‬قديمها وحديثها‪ ،‬وال مكان من‬
‫األمكنة‪ ،‬سواء كان ذلك المكان في مراكز الحضارات الكبرى‪ ،‬أم في أعماق الغابات‪،‬‬
‫أم على سواحل البحر أو ضفاف األنهار‪ ،‬أم في قلب الصحراء‪.‬‬

‫وانطالقا من هذه الحقيقة يمكن القول إن الشعر هو أحد خصائص الوجود‬


‫البشري‪ ،‬أو أحد تجليات الجوهر اإلنساني األصيل‪ ،‬مما يعني أنه ال يمكن لنا تخيل‬
‫استمرار الوجود البشري‪ ،‬والمحافظة على أصالة الجوهر اإلنساني‪ ،‬إذا انتفى الشعر‬
‫من الوجود‪.‬‬

‫وبما أن األدب‪ ،‬والشعر خاصة مرتبطان بالوجود البشري‪ ،‬واإلنسان بالمقابل‬


‫ابن بيئته التي يحيا فيها‪ ،‬والزمان الذي ولد فيه‪ ،‬فإن هذا اإلنسان وجد نفسه مسؤول‬

‫‪1‬‬
‫عن هذه البيئة التي يعيش في كنفها‪ ،‬خاصة إذا كان هذا األخير‪-‬اإلنسان‪ -‬أديبا‬
‫ومفكرا‪.‬‬

‫إن األدب هو ابن الحياة‪ ،‬وبالتالي عليه خدمتها‪ ،‬وذلك بمعالجة مشكالتها‪ ،‬أو‬
‫تجميلها‪ ،‬أو الكشف عن أسرارها‪ ،‬أو ايضاح الغرض منها أو بيان الحق والباطل‬
‫فيها‪ ،‬وذلك يعين اإلنسان على العيش فيها‪ ،‬ويكون هاديا في طريقها البعيد‪ ،‬من هنا‬
‫جاءت مهمة األدب في التزام واقع األديب‪ ،‬فااللتزام حرية واعية مسؤولة‪ ،‬تحمل في‬
‫طياتها رسالة تريد ابالغها‪ ،‬وهذه الحرية نجدها في كل اآلداب وفي كل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬في األدب العربي والغربي‪ ،‬واألدب األمازيغي‪ ،‬خاصة منه الشعر الذي يمثل‬
‫نمط عيش في هذا المجتمع –األمازيغي‪ -‬العريق‪.‬‬

‫لقد تناول الشعر األمازيغي مختلف الموضوعات في كل المجاالت‬


‫(االقتصادية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬االجتماعية وحتى السياسية‪ ،‬واألخالقية)‪ ،‬فجاء هذا الشعر‬
‫متماشيا مع أحداث الواقع المعيش لهذا المجتمع‪ ،‬فكان الشاعر ملتزما بنقل آالم‬
‫وآمال هذا الشعب‪ ،‬فنجد على رأس هؤالء الشعراء الملتزمين‪ ،‬الشاعر والفنان المتمرد‬
‫"معطوب لوناس"‪ ،‬من هنا جاء عنوان بحثنا " االلتزام في الشعر القبائلي‪' ،‬معطوب‬
‫لوناس' –أنموذجا‪ ،"-‬حيث لم يكن اختيارنا لهذا الموضوع عبثا‪ ،‬بل رغبة ملحة في‬
‫رفع الستار عن بعض من الشعر القبائلي بحثا فيه عن مظاهر االلتزام وصوره‪ ،‬فوقع‬
‫اختيارنا على الشاعر "معطوب لوناس"‪ ،‬لكونه أكبر متمرد عن الواقع وأكثر شخص‬
‫رفض كل أنواع القهر واالهانة‪ ،‬فقضى حياته رافعا صوته عاليا مدافعا عن قضية‬
‫صادقة ووطن كان على حافة الهاوية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اخترنا هذا المتمرد كنموذج في بحثنا نظ ار النعدام البحوث األكاديمية التي‬
‫تتناول شعره بالدراسة تقريبا‪ ،‬خاصة في قسم اللغة واألدب العربي‪ ،‬ونظ ار لكونه شهيد‬
‫القضية األمازيغية‪ ،‬رأينا أن يكون هذا البحث المتواضع تكريما له‪ ،‬وتخليدا لذكرى‬
‫وفاته السادسة عشر‪ ،‬والتي تصادف(‪ 52‬جوان ‪ ،)5102‬ارتأينا وأثرنا الحفر في‬
‫أعماق نصوصه الشعرية الكتشاف أسرارها ومعانيها‪ ،‬واألكثر من ذلك اكتشاف‬
‫مظاهر االلتزام في شعره‪ ،‬من هنا جاءت إشكالية البحث كالتالي‪ " :‬كيف تجلت‬
‫مظاهر االلتزام في شعر "معطوب لوناس"؟ وما هي أهم القضايا التي التزم بها؟‬
‫وهل ظل على ضفاف الواقع أم توغل في أغواره وخلفياته؟ وما األدوات التي وظفها‬
‫لتوصيل رسالته إلى الشعب الجزائري عامة والقبائلي خاصة بغية تفعيل الشارع‬
‫ودفعه إلى الفعل الثوري؟‪.‬‬

‫حاولنا في هذا البحث اإلجابة عن هذه األسئلة من خالل النصوص الشعرية‬


‫التي تخدم الموضوع‪ ،‬معتمدين على المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬ال بوصفه أداة‬
‫مساعدة في استنطاق ووصف الحوادث والظواهر فقط‪ ،‬ولكن لكونه يستجيب لبنية‬
‫النص الفنية والفكرية‪.‬‬

‫لقد سرنا في هذا البحث على خطة واضحة‪ ،‬قسمناها إلى فصلين كل فصل‬
‫جاء في ثالث مباحث‪ ،‬عنونا الفصل األول ب‪ " :‬االلتزام في األدب "‪ ،‬ويتفرع بدوره‬
‫إلى ثالث مباحث‪ :‬األول عن ماهية االلتزام‪ ،‬والثاني تطرقنا فيه إلى االلتزام عند‬
‫العرب والغرب‪ ،‬أما المبحث الثالث واألخير فقد تناولنا فيه االلت ازم في األدب‬
‫األمازيغي والذي تطرقنا فيه إلى إسهامات األمازيغ في مختلف اآلداب‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني جاء معنونا ب‪" :‬اللتزام في شعر 'معطوب لوناس"‪ ،‬وقد كان‬
‫فصال تحليليا وجاء هو اآلخر في ثالث مباحث‪ :‬األول وهو "نظرة في الموسيقى‬
‫واألغنية األمازيغية الملتزمة"‪ ،‬هذا المبحث الذي رأينا ضرورة إدراجه للفصل الثاني‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كون الشاعر على عالقة كلية بالموسيقى والغناء‪ ،‬فهو شاعر وفنان في اآلن ذاته‪،‬‬
‫ليتطرق المبحث الثاني إلى " نبذة عن حياة الشاعر "معطوب لوناس"‪ ،‬وقد لخصنا‬
‫فيه أهم مراحل حياته منذ والدته إلى غاية وفاته‪ ،‬ليكون المبحث الثالث تطبيقيا‬
‫محضا‪ ،‬تناولنا فيه بالدراسة ثالث قصائد تجلت فيها صور االلتزام بوضوح‪ ،‬وأتت‬
‫الخاتمة خالصة ألهم النتائج واالستنتاجات التي خرجنا بها من هذا البحث‪ ،‬دون أن‬
‫ننسى أننا استتبعنا البحث بملحق صغير حول بعض الشخصيات األدبية والفكرية‬
‫التي ورد ذكرها في متن البحث‪ ،‬إضافة إلى ملحق ضمنناه القصائد المتناولة وبعض‬
‫صور الشاعر‪.‬‬

‫وقد اعتمدنا في انجاز هذا العمل على مجموعة من المصادر والمراجع التي‬
‫أنارت دربنا وأرشدتنا على طول المشوار العملي نذكر أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ل‪" -‬موسى معوشي"‪.‬‬


‫‪ -‬االلتزام في الشعر العربي‪ ،‬ل‪" -‬أحمد أبو حاقة" ‪.‬‬
‫‪ -‬المتمرد‪" ،‬معطوب لوناس"‪ ،‬ترجمة ل‪" -‬عبد اهلل زارو"‪.‬‬

‫لقد عانينا الكثير من المتاعب والعقبات في سبيل استكمال هذا البحث‪ ،‬ونحن‬
‫بين طامحتين وطامعتين‪ ،‬مع شعورنا بجسامة هذه المهمة التي فيها من المشقة ما‬
‫صبرنا عليها‪ ،‬ومن المتعة ما سعدنا بها‪ ،‬وبين المشقة والمتعة فسحة أمل أن يخرج‬
‫هذا البحث إلى النور ويحظى بالقبول من طرف المعنيين‪ ،‬وحسبنا أن تعد دراستنا‬
‫هذه محاولة متواضعة خدمة للثقافة واألدب‪.‬‬

‫واهلل ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫إن اإلنسان ابن بيئته‪ ،‬وابن عصره والزمان الذي يحيا فيه‪ ،‬وهو بطبيعته اجتماعي ال يمكنه‬
‫ّ‬
‫إالّ أن يكون جزء ال يتج أز من الواقع والمجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬يؤثر فيه ويتأثّر به‪ ،‬خاصة إذا‬
‫كان هذا اإلنسان أديبا على وعي بما يحيط به من أوضاع سعيدة كانت أم حزينة‪ ،‬فما كان منه إالّ‬
‫أن يكون مرآة عاكسة للمجتمع‪ ،‬وصوتا ينقل هموم الشعب وانشغاالته‪ ،‬من هنا جاء مفهوم االلتزام‪.‬‬

‫األول‪ :‬مفهوم االلتزام‬


‫المبحث ّ‬

‫‪ .1‬مفهوم االلتزام‪:‬‬
‫لغويا‪ :‬جاء في لسان العرب "البن منظور"‪ :‬لزم ال ّشيء‪ ،‬يلزمه لزما ولزوما‪ ،‬والزمه‬
‫ّ‬ ‫أ‪.‬‬
‫مالزمة ولزوما‪ ،‬والتزمه‪ ،‬وألزمه ّإياه فالتزمه‪ ،‬ورجل لُزمة يلزم ال ّشيء فال يفارقه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الدوام عليه‪ ،‬وااللتزام‪ :‬االعتناق‪.‬‬
‫واللّزوم المالزمة للشيء و ّ‬
‫كما ورد في "القاموس المحيط" للفيروز أبادي‪ :‬لزم ال ّشيء‪ :‬ثبت ودام‪ ،‬لزم بيته‪ :‬لم‬
‫يفارقه‪ ،‬لزم بال ّشيء‪ :‬تعلّق به ولم يفارقه‪.‬‬
‫التزمه‪ :‬اعتنقه‪ ،‬التزم ال ّشيء‪ :‬لزمه من غير أن يفارقه‪ ،‬التزم العمل والمال‪ :‬أوجبه على‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪.‬‬
‫الفن واألدب‬
‫إن أكثر ما تعلّق هذه اللّفظة اليوم في معرض الكالم على ّ‬
‫ب‪ .‬اصطالح ّيا‪ّ :‬‬
‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫اإلنسانية الكبرى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والفكر‪ ،‬حيث نجد في مضامينها مشاركات واعية في القضايا‬
‫االجتماعية والفكرّية‪ ،‬وليس األمر مقتص ار على المشاركة في هذه القضايا‪ ،‬واّنما يقوم‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫الفنان في هذه‬
‫الدرجة األولى على الموقف الذي يتّخذه المف ّكر أو األديب أو ّ‬
‫االلتزام في ّ‬
‫القضايا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مجلّد ‪ ،21‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ،2591 ،‬ص ‪.941 ،942‬‬
‫‪2‬‬
‫الفيروز أبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬ط ‪ ،2591 ،4‬ج‪ ،4‬ص ‪.279‬‬

‫‪5‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وهذا الموقف يقتضي صراحة ووضوحا واخالصا وصدقا‪ ،‬واستعدادا من المف ّكر الملتزم ألن‬
‫ويتحمل كامل التبعية التي تترتّب على هذا االلتزام‪ ،‬وااللتزام أيضا يعني‬
‫ّ‬ ‫يحافظ على التزامه دائما‪،‬‬
‫وجدانية‬
‫ّ‬ ‫الحرة من ذات صاحبه‪ ،‬مستجيبا لدوافع‬
‫اإليجابية ّ‬
‫ّ‬ ‫حرية االختيار‪ ،‬وهو يقوم على المبادرة‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫نابعة من أعماق نفسه وقلبه‪.‬‬

‫الخلقي‪ ،‬إذ يكثر الحديث في ّأيامنا عن‬


‫ّ‬ ‫خصت موسوعة "الروس" لفظة االلتزام بالمعنى‬
‫وقد ّ‬
‫ولكن مظاهر االلتزام موجودة في ك ّل عصر والسيما حيث يوجد نزاع‬‫الفكر الملتزم واألدب الملتزم‪ّ ،‬‬
‫الصراع السياسي واالجتماعي وااليديولوجي‪ ،‬بأن يتّخذ اإلنسان‬
‫بين الواجبات التي تفرضها أنواع ّ‬
‫‪2‬‬
‫النتائج المترتّبة عن هذا الموقف‪.‬‬
‫لتحمل ّ‬
‫مستعدا ّ‬
‫ّ‬ ‫موقفا واضها فيها‪ ،‬وأن يكون‬

‫‪"La‬‬ ‫"‪conduite‬‬ ‫السلوك‬


‫أن االلتزام يفهم بمعنيين‪ :‬معنى ّ‬
‫العالمية‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫وقد جاء في الموسوعة‬
‫فاألول يكون تبعا لما يد ّل عليه من نوع الوجود الذي فيه‬
‫ومعنى فعل التّقرير "‪ّ ،"Acte de décision‬‬
‫عما يحصل‪ ،‬ويفتح باب المستقبل‬
‫يتورط المرء في مجرى العالم‪ ،‬فيشعر ّأنه مسؤول ّ‬
‫أو بواسطته ّ‬
‫إما‬
‫ذاتيا بمستقبله‪ّ ،‬‬
‫للعمل‪ .‬والثّاني يكون بداللة اللّفظة على عمل يرتبط المرء بواسطته ارتباطا ّ‬
‫‪3‬‬
‫بتصرفات يأتيها أو بنشاط يمارسه‪ ،‬أو بنوع من العيش يحياه‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ .2‬مفهوم الملتزم‪:‬‬

‫حر من قلبه وبيئته وعقيدته‪ ،‬يقوم به عن وعي واقتناع‬


‫إن الملتزم هو الذي ينبع االلتزام ّا‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫واختيار دونما تكلفة أو اكراه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أحمد أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ ،2575 ،2‬ص ‪.24 ،29‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪3‬‬
‫الصفحة نفسها‪.‬‬
‫المرجع نفسه‪ّ ،‬‬
‫‪4‬‬
‫الصفحة نفسها‪.‬‬
‫المرجع نفسه‪ّ ،‬‬
‫‪6‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫االجتماعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اجتماعي بطبعه‪ ،‬يؤثّر ويتأثّر بمن حوله وبما يدور في عالمه‬
‫ّ‬ ‫إن اإلنسان‬
‫ّ‬
‫ليحس بما حوله ويعاني لمعاناة مجتمعه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اإلنساني الذي ال يمكن إالّ أن يوقظ ضميره‬
‫ّ‬ ‫ووسطه‬
‫يتحدد عن طريق وعي القيم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ويفرح لفرحه‪ ،‬خاصة إن كان هذا اإلنسان أديبا‪« :‬اإلنسان موقف‬
‫حرية الفرد‪ ،‬لكن الفرد ليس منسلخا عن العام الذي يعيش فيه‪ ،‬بل هو يشكل مع‬
‫ومدار هذا الوعي ّ‬
‫تتجزأ‪ ،‬فوعيه الفردي‪ ،‬مشتركا مع وعي اآلخرين‪ ،‬هو الذي يكسب الموقف‬
‫ّ‬ ‫مجتمعه وحدة ال‬
‫‪1‬‬
‫اإلنساني ك ّل ما له قيمة»‪.‬‬

‫ليقدمها رسالة للقارئ‪،‬‬


‫سر اإلنسان‪ّ ،‬‬
‫مسؤولية الكشف عن ّ‬
‫ّ‬ ‫من هنا حمل المبدع على عاتقه‬
‫ويتركها عبرة لمن يريد أن يعتبر‪ ،‬فالكاتب ال يكتب لنفسه وال عن نفسه فقط‪ ،‬واّنما يمكنه أن يكون‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مرآة مجتمعه وسفير‬

‫‪ .3‬أهداف االلتزام‪:2‬‬

‫نلخصها فيما يلي‪:‬‬


‫لاللتزام أهداف نبيلة كثيرة ّ‬

‫‪ -‬إيصال ما ال يمكن ايصاله‪.‬‬


‫‪ -‬القضاء على التوتّر بين الك ّل والجزء‪ ،‬بين الكلّية والتكليل‪ ،‬بين العالم والكينونة‪.‬‬
‫الخصوصية والعالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬مصارعة التّناقض بين‬
‫‪ -‬تغيير العالم‪.‬‬
‫‪ -‬الوقوف إلى جانب المضطهدين‪ ،‬والتّقريب بين البشر‪.‬‬
‫حريته‪.‬‬
‫السياسي واعادة القارئ إلى ّ‬
‫‪ -‬ايقاظ ال ّشعور ّ‬
‫‪ -‬اإلصالح وتهذيب األخالق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر في هذا الصدد ك ّل من‪:‬‬
‫‪ -‬أحمد أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.27-24‬‬
‫المتمدن‪http://www.hewer.org ،‬في‬
‫ّ‬ ‫الماركسية الحوار‬
‫ّ‬ ‫الفن ببين سارتر و‬
‫الصباغ‪ ،‬االلتزام في األدب و ّ‬
‫‪ -‬رمضان ّ‬
‫‪.1881/82/81‬‬

‫‪7‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ -‬تقديم صورة للواقع ينح ّل فيها التناقض بين المظهر والواقع‪ ،‬الجزئي والعام‪ ،‬المباشر‬
‫التصوري‪.‬‬
‫و ّ‬
‫حركيتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وفعال‪ ،‬ذو تأثير في مسار الحياة وفي‬
‫‪ -‬جعل األدب نشاط جاد ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪ .4‬الفرق بين االلزام وااللتزام‪:‬‬

‫األول ثمرة من ثمرات الوعي واإلدراك‬


‫االلتزام هو ابن االختيار‪ ،‬وااللزام هو ابن االجبار‪ّ ،‬‬
‫المسؤولية‪ ،‬والثّاني من ثمرات التّغييب واإلمالء والتّسيير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واليقظة و‬

‫مسيس‪ ،‬مستعبد‪ ،‬مبيع‬


‫حر شريف‪ ،‬وك ّل أديب ملزم هو أديب ّ‬
‫ك ّل أديب ملتزم هو أديب ّ‬
‫ومشترى‪.‬‬

‫يلتف حول يديه‪ ،‬أو‬


‫ّ‬ ‫السابح المنطلق‪ ،‬ال قيد يمسكه‪ ،‬وال غ ّل‬
‫إن األديب الملتزم كالطّائر ّ‬
‫ّ‬
‫للحرية والبهاء والجمال‪.‬‬
‫الرحب‪ ،‬الفسيح شاديا ّ‬
‫جناحيه أو عنقه‪ّ ،‬إنه يمضي في هذا الفضاء ّ‬

‫ل ّكن األديب الملزم هو كالطائر الحبيس‪ ،‬ال يشفع له في سجنه جمال قفصه‪ ،‬أو أعمدة‬
‫ال ّذهب التي صنع منها القفص‪ ،‬أو نفاسة األسورة التي وضعت في معصمه‪ ،‬إذ حسبه عا ار ّأنه‬
‫سجين‪ ،‬ال يحلّق إالّ في هذا القفص الذي أريد له أن يحلّق فيه‪.‬‬

‫الحرية‬
‫الحرية التي تحمل رسالة تريد إبالغها وليس ّ‬
‫الحرية المسؤولة الواعية‪ّ ،‬‬
‫االلتزام هو ّ‬
‫الزائفة المنطلقة على غير هدى‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.alukah.net‬‬ ‫ولي قصاب‪ ،‬االلتزام في األدب‪ ،‬شبكة األلوكة ‪.1887/87/28‬‬

‫‪8‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المبحث الثّاني‪ :‬االلتزام في األدب‬

‫االلتزام في األدب العربي‪:‬‬

‫شعر العربي القديم وااللتزام‪:‬‬


‫‪ .1‬ال ّ‬

‫أن هذه الفلسفة‬


‫أن فلسفة االلتزام لم تكن معروفة عند العرب القدامى‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ك فيه ّ‬
‫مما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫بدأت تأخذ طريقها وتبرز في العصر الحديث‪ ،‬فلم تنتشر مبادؤها عند العرب إالّ بعد الحرب‬
‫ألنه من حين إلى آخر نجد‬
‫نغيب االلتزام في الشعر العربي‪ّ ،‬‬
‫ولكن هذا ال يجعلنا ّ‬
‫العالمية الثّانية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الضمير‬
‫شعراء اتّخذوا من مواقفهم وقناعاتهم سبيال إلظهار االلتزام‪ ،‬وهذا ناتج بالطّبع ع ّما يمليه ّ‬
‫المسؤولية اتّجاه المجتمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحر‪ ،‬أو‬
‫ّ‬

‫أن االلتزام عند العرب لم ينحصر في عصر دون آخر‪ ،‬ولكن االختالف‬
‫لذلك تجدر اإلشارة ّ‬
‫بالدرجة األولى‬
‫قوة وصدقا‪ ،‬وك ّل هذه االختالفات راجعة ّ‬
‫ونوعية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫كمية‬
‫يكمن في تباين هذا االلتزام ّ‬
‫نفسيات ال ّشعراء‪ ،‬واتّجاهاتهم الفكرّية‪ ،‬هنا نتطرق ولو بشكل‬
‫ّ‬ ‫العامة‪ ،‬وكذلك‬
‫ّ‬ ‫يخية‬
‫للظّروف التّار ّ‬
‫وجيز لعرض وابراز مظاهر االلتزام في مختلف العصور كاآلتي‪:‬‬

‫الجاهلية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )1.1‬في‬

‫أن ال ّشعر الجاهلي الملتزم يرتكز على ثالثة‬


‫من خالل اطّالعنا على مختلف الكتب وجدنا ّ‬
‫يديولوجية له‪ ،‬هذه القضايا تتمثّل في الوالء للقبيلة‪ ،‬فال ّشاعر ملتزم‬
‫ّ‬ ‫قضايا يمكن اعتبارها نواة إ‬
‫يسخر شعره‬
‫الفردية‪ ،‬وهذا ما يجعل ال ّشاعر ّ‬
‫ّ‬ ‫بقضايا قبيلته العتبارها جوهر وجوده وقوام حياته‬
‫خدمة لقبيلته‪ ،‬فال ّشاعر بمثابة الولي المباشر لقبيلته في مختلف ال ّشؤون‪ ،‬لذلك عرف ال ّشعر‬
‫‪1‬‬
‫النابغة ال ّذبياني"‪.‬‬
‫قبليا‪ ،‬وأفضل مثال عن ال ّشعراء الملتزمين بقضايا قبائلهم نجد " ّ‬
‫الجاهلي التزاما ّ‬
‫ّ‬

‫حساسا‪ ،‬حيث نجد ال ّشاعر ملتزما بذكر‬


‫ضية الثّانية فهي المروءة‪ ،‬وتشمل موضوعا ّ‬
‫أما الق ّ‬
‫ّ‬
‫التغني بها‪ ،‬ومن بين هذه‬
‫النبيلة لرجال القبيلة‪ ،‬كما التزموا بذكر القيم العليا في أشعارهم و ّ‬
‫الصفات ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.19-11‬‬

‫‪9‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫القضية الثّالثة التي رّكز عليها االلتزام في‬


‫ّ‬ ‫أما‬
‫الصدق‪ ،‬مساعدة المظلوم‪ ،‬الكرم‪ّ .‬‬
‫الصفات نجد ّ‬
‫ّ‬
‫الرجل الجاهلي‪ ،‬ومن مقتضيات الحرب‬
‫الفروسية التي تعتبر من صفات ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّشعر الجاهلي فنجد‬
‫ومقوماتها‪ ،‬وخير ممثّل وملتزم بأصول‬
‫ّ‬ ‫الفروسية‬
‫ّ‬ ‫والقتال‪ ،‬حتى ّأنه برزت في الجاهلية آداب‬
‫بقضية الفقراء‬
‫ّ‬ ‫الصعاليك من خالل التزامه‬
‫شداد"‪ ،‬والذي مثّل ال ّشعراء ّ‬
‫الفروسية آنذاك "عنترة بن ّ‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والعبيد في عصر‬

‫الرغم من ك ّل محاوالت ال ّشاعر الجاهلي لتحقيق االلتزام إالّ ّأنه حالت بينه وبين ذلك‬
‫وعلى ّ‬
‫قيد ال ّشاعر‬
‫لحرية بحكم االنتماء إلى القبلي الذي ّ‬
‫عوائق من بينها نقص الثّقافة‪ ،‬وكذلك غياب ا ّ‬
‫باألعراف‪.‬‬

‫‪ )1.1‬في العصر اإلسالمي‪:‬‬

‫السابع ميالدي بمثابة ميالد جديد للعرب‪ ،‬وذلك بظهور اإلسالم الذي جاء ومعه‬
‫يعتبر القرن ّ‬
‫ممن كانوا "يدخلون في‬
‫فتدين به العرب وغير العرب‪ّ ،‬‬
‫يتتبعه‪ّ ،‬‬
‫ك ّل االمتيازات التي تجعل اإلنسان ّ‬
‫الصعيد االجتماعي والفكري‬
‫دين اللّه أفواجا" (الفتح اآلية ‪ .)2‬وهذا ما خلق انقالبا جذرّيا على ّ‬
‫اإلسالمية على‬
‫ّ‬ ‫الدعوة‬
‫خاصة‪ ،‬فقد قامت ّ‬
‫ّ‬ ‫عامة وال ّشعر‬
‫األدبية ّ‬
‫ّ‬ ‫مس الحياة‬
‫الروحي‪ ،‬حتّى ّأنه ّ‬
‫وّ‬
‫وحرية االختيار‪ ،‬حتى‬
‫الصادق‪ّ ،‬‬
‫االلتزام بك ّل ما للكلمة من معنى‪ ،‬منطلقة في أساسها على اإليمان ّ‬
‫نعرضه‬
‫خاصة بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‪،‬‬
‫النبي ‪-‬صلّى اللّه عليه وسلّم‪ -‬لم يغفل أهمية ال ّشعر في المعترك العقائد ّ‬
‫ّ‬
‫بالرد عليهم فكان‬
‫للهجاء من طرف جماعة من ال ّشعراء الكفّار‪ ،‬فأعوز لعدد من ال ّشعراء المؤمنين ّ‬
‫مقدمتهم‪" :‬حسان بن ثابت" (‪ ،)476-095‬فجاء شعرهم ملتزما ينطلق من العقيدة التي تنظّم‬
‫في ّ‬
‫‪1‬‬
‫شؤون الحياة جميعها‪ ،‬إالّ ّأنهم لم يصلوا إلى االلتزام المنشود‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪10‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األموي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )1.1‬في العصر‬

‫تحوالت خطيرة سياس ّية‬


‫تغيرت األوضاع‪ ،‬وشهد المجتمع اإلسالمي ّ‬
‫في عصر بني أمية ّ‬
‫السياسي‪ ،‬وشعراء األحزاب‪ ،‬ليصبح لك ّل حزب شعراؤه‪،‬‬
‫واجتماع ّية‪ ،‬فكرّية ودينّية‪ ،‬فظهر ال ّشعر ّ‬
‫فظهر االلتزام بشكل واضح وصريح‪ ،‬ومن بين ال ّشعراء الملتزمين البارزين في تلك الفترة نجد‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫"أخطل نبي تغلب"‪ ،‬و"الطّرماح بن حكيم"‪.‬‬

‫العباسي‪:‬‬
‫‪ )1.1‬في العصر ّ‬

‫سمي‬
‫خاصة منه ال ّشعر‪ ،‬فقد ّ‬
‫ّ‬ ‫أدبيا‬
‫ور فكرّيا و ّ‬
‫العباسي من أكثر العصور تطّ ا‬
‫يعتبر العصر ّ‬
‫دينية‬
‫سياسية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫العباسي بسيره في ثالثة اتّجاهات مختلفة‪:‬‬
‫بالعصر ال ّذهبي‪ .‬امتاز االلتزام ال ّشعر ّ‬
‫الدارجة آنذاك من بينهم‪ " :‬األصمعي"‪" ،‬أبو‬
‫عدة شعراء ملتزمين بالقضايا ّ‬
‫اجتماعية‪ ،‬فظهر ّ‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫المتنبي" الذي اعتبر خير مثال لل ّشعراء العرب الملتزمين التزاما‬
‫العتاهية"‪ ،‬وكذلك " ّ‬
‫ّ‬ ‫نواس"‪" ،‬أبو‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫أمته‪.‬‬
‫تهم ّ‬
‫أمته‪ ،‬وذلك من خالل التزامه جملة من األفكار والمبادئ التي ّ‬
‫قوميا‪ ،‬فأصبح هو رمز ّ‬
‫ّ‬

‫‪ .1‬شعر ال ّنهضة وااللتزام‬


‫‪ )1.1‬االلتزام في المرحلة األولى من عصر ال ّنهضة‪:‬‬

‫خرج العرب من القرن التّاسع عشر مرهقين باالنحطاط‪ ،‬ومتأثّرين بمساوئ الحكم العثماني‬
‫خاصة بعد أن‬
‫ّ‬ ‫السعي لغد أفضل‪ ،‬فبدأوا يبحثون عن سبيل الخالص‬
‫وهذا كلّه دفعهم إلى التطّلع و ّ‬
‫تفتّحت عيونهم على صور من الحضارة األورّبية‪ ،‬فأرادوا تحقيق شيء من ذلك القبيل لبالدهم‪،‬‬
‫الصبر والجهاد الطّويل والطّاقة العظيمة التي كانت الزمة للمواصلة‪،‬‬
‫لكنهم كانوا بحاجة إلى ّ‬
‫ّ‬
‫تعرضت مسيرة األمم في طريق التقدم‪ ،‬ومن بين هذه العراقيل نجد‪:‬‬
‫وتجنب ك ّل المصاعب التي ّ‬
‫ّ‬

‫أمية وسذاجة في التّفكير‪ ،‬وعجز عن إدراك‬


‫‪" -‬االنحطاط والتخلّف وما يرافقهما من جهل و ّ‬
‫السلوك وتنابذ وبغضاء‪ ،‬وتشتّت‪،‬‬
‫التصرف و ّ‬
‫ّ‬ ‫النظر‪ ،‬وغباء في‬
‫حقائق األمور‪ ،‬وقصر في ّ‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪11‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫داخلية وفساد‬
‫ّ‬ ‫للضمير‪ ،‬وذ ّل وفقر‪ ،‬ومسكنة ومنازعات‬
‫أنانية‪ ،‬واستغالل وتسخير ّ‬
‫وجشع‪ ،‬و ّ‬
‫السياسي واالجتماعي‬
‫في األخالق واألنظمة‪ ،‬وما إلى ذلك من ضروب التخلّف ّ‬
‫واالقتصادي والفكري"‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫األول من القرن التّاسع عشر‪،‬‬


‫النصف ّ‬
‫للنهضة في ّ‬
‫للسير البطيء ّ‬
‫ّ‬ ‫أدت‬
‫ك ّل هذه العراقيل ّ‬
‫أدت إلى عدم إخالص الح ّكام الذين كثي ار ما كانوا يعملون عكس مصلحة البالد العر ّبية‪.‬‬
‫وكذلك ّ‬

‫أن ك ّل هذه الظّروف أسهمت في ظهور فئة من المف ّكرين‬


‫ومن هنا تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫الدين‬
‫بي من بينهم "رفاعة الطّهطاوي"‪" ،‬خير ّ‬ ‫والمثقّفين وزعماء اإلصالح في أنحاء العالم العر ّ‬
‫جراء االحتكاك والتّفاعل‬
‫عدة أفكار وتساؤالت ّ‬
‫البستاني"‪...‬إلخ‪ .‬فتبلورت لديهم ّ‬
‫ّ‬ ‫التّونسي"‪ ّ،‬بطرس‬
‫الدول‬
‫أن التعامل مع ّ‬
‫عدة تساؤالت وأفكار من بينها‪ّ :‬‬
‫بين الحضارتين الغر ّبية والعر ّبية‪ ،‬فظهرت ّ‬
‫حد ينبغي أن يصل هذا التّعامل وما‬
‫أي ّ‬
‫وسيئات‪ ،‬فالعرب في حاجة إليه‪ ،‬فإلى ّ‬
‫األور ّبية ذو حسنات ّ‬
‫‪2‬‬
‫األسس التي يجب أن يقوم عليها؟‬

‫الزعماء وتسيطر عليهم‪ ،‬وأبسط مثال على ذلك‪،‬‬


‫هذه األفكار والتّساؤالت أخذت تراود عقول ّ‬
‫إسالمية واحدة فظهر االلتزام عنده من خالل دعوته‬
‫ّ‬ ‫أن "األفغاني" قد رّكز على تحقيق حكومة‬
‫نجد ّ‬
‫إلى ضرورة االلتفاف حول القرآن الكريم لتحقيق دولة أساسها العدل وال ّشورى مع االجتهاد في فقه‬
‫العلمية‪ ،‬فمن جهة التزامه نجده رفض‬
‫ّ‬ ‫الدين‪ ،‬وكذلك دعوته للتّنسيق بين جوهر اإلسالم والحقائق‬
‫ّ‬
‫الرفض القاطع للتّقليد األعمى للغرب‪ ،‬وهذا ما جعله في‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫ك ّل ما يتناقض والعقيدة‬
‫النفي واالضطهاد والتّشريد‪ ،‬إالّ ّأنه بقي صامدا ملتزما بنشر رسالته التي آمن بها بين‬
‫األخير يلقى ّ‬
‫"محمد عبدو" الذي واصل مسيرته مع إدخال بعض التّجديدات في‬
‫ّ‬ ‫الناس‪ ،‬وفيما بعد جاء تلميذه‬
‫ّ‬
‫النظريات "أوغست كونت" في علم‬
‫االلتزام‪ ،‬وذلك راجع الطالعه على الثقافة الغربية‪ ،‬وكذا ّ‬
‫النظر في‬
‫االجتماع‪ ،‬فكان له هدفين بارزين ّأولهما‪ :‬إعادة تحديد ماهية اإلسالم الحقيقي‪ ،‬وثانيهما ّ‬
‫مقتضياته بالنسبة للمجتمع الحديث‪ ،‬فظهر بذلك االلتزام عنده من خالل معالجته لمختلف القضايا‬

‫‪1‬‬
‫أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.281‬‬

‫‪12‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تطرقه لموضوع االستعمار واالستقالل‪ ،‬الثّورة والمساواة‬


‫اإلنسانية‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬
‫بين البشر‪ ،‬ويمكن التّأكيد على رأي ك ّل من "األفغاني" و"محمد عبدو"‪ ،‬باالستناد إلى قول‬
‫المقدسة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إن واجب المسلمين أن يلتفّوا أجمعين حول راية الخالفة اإلسالمية‬
‫"مصطفى كامل"‪ّ « :‬‬
‫يعززوها باألموال واألرواح‪ ،‬ففي حفظها حفظ كرامتهم وشرفهم‪ ،‬وفي بقاء مجدها رفعتهم ورفعة‬
‫وأن ّ‬
‫أن النزعة اإلسالمية انتشرت‪ ،‬ودارت على ألسنة‬
‫العقيدة اإلسالمية»‪ ،‬فيمكن القول في المجمل ّ‬
‫الكثير من شعراء القرن التاسع عشر‪ ،‬ومطلع القرن العشرين‪ ،‬وكان من بين أبرز مظاهر االلتزام‬
‫التي حفل بها الشعر العربي آنذاك‪ 1،‬ويمكن تقديم مثال عن شعر االلتزام في االتّجاه اإلسالمي من‬
‫بالرسول (ص) يقول‬
‫بالدين اإلسالمي واعت اززه ّ‬
‫خالل بيت شعري "ألحمد شوقي" يظهر فيه التزامه ّ‬
‫‪2‬‬
‫اء"‪.‬‬
‫َوفَ ُم الزمان تََبس َم وثََن ُ‬ ‫اء‬
‫ض َي ٌ‬
‫ات َ‬
‫ائن ُ‬
‫فيه‪"ُ :‬و َلد الهُ َدى فَال َك َ‬

‫أن حالة االلتزام في هذه الفترة تبلورت عامة حول موضوع العقيدة اإلسالمية‬
‫يمكن القول ّ‬
‫التمسك بها من أجل الوصول إلى المراتب العليا مع مراعاة العلم والتّقدم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وضرورة‬

‫‪ )1.1‬االلتزام في المرحلة الثّانية من عصر ال ّنهضة‪:‬‬

‫أن ال ّشعر العربي قد عرف في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن‬
‫ك فيه ّ‬
‫مما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫النهضة واالزدهار‪ ،‬وذلك بارز في مختلف المواضيع المتناولة في مختلف‬
‫العشرين بوادر ّ‬
‫وفعاال يتمثّل‬
‫هاما ّ‬
‫عنصر ّ‬
‫ا‬ ‫االجتماعية وحتى الحضارّية‪ ،‬دون أن تغفل‬
‫ّ‬ ‫السياسية أو‬
‫المجاالت سواء ّ‬
‫الفعال في صنع‬
‫الدور الكبير و ّ‬
‫أن األدب ‪-‬وال ّشعر جزء منه‪ -‬له ّ‬
‫يبين ّ‬
‫في ذلك الغموض الذي ّ‬
‫التّاريخ وكذلك تحويل مجرى الحياة وتغييره‪ ،‬هذا ما دفع بشعراء تلك الفترة إلى االلتزام من خالل‬
‫الحرية‪ ،‬االستقالل‪ ،‬نظام الحكم‪ .‬وما يجدر ذكره‬
‫فتحدثوا عن ّ‬
‫ّ‬ ‫العامة في شعرهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تناول القضايا‬
‫األمة‬
‫تحدثوا عن شخصية ّ‬
‫قضية المجتمع ومختلف أحواله ومشكالته‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫أيضا ّأنهم لم ينسوا‬
‫المكونة لها‪ ،‬وبهذا استطاعت أشعارهم مالمسة‬
‫ّ‬ ‫مشاركين بذلك في البحث عن ذاتها‪ ،‬والعناصر‬
‫عدة شعراء‬
‫بالدخول في صميمه أو االقتراب منه‪ ،‬وهذا موجود في دواوين ّ‬
‫معنى االلتزام سواء ّ‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.229 ،224‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.221‬‬

‫‪13‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أن االلتزام‬
‫أمثال‪" :‬شوقي"‪" ،‬الرصافي"‪" ،‬مطران"‪" ،‬القروي"‪ ...‬لكن من جهة أخرى يلزم اإلشارة إلى ّ‬
‫الزمان بصورة عامة وذلك راجع إلى انفصال األقوال عن األعمال التي‬
‫الحقيقي لم يظهر في هذا ّ‬
‫الناتج بين‬
‫كانت تدور في النطاق النظري في أغلب األحيان‪ ،‬ونجد ّأنه من أسباب هذا الفراغ ّ‬
‫القول والفعل في االلتزام‪:‬‬

‫‪ -‬عدم كفاية الحوار بين ال ّشاعر وجمهوره لتحقيق االلتزام‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫الروح البرجوازّية أكثر من االلتزام بقضايا ال ّشعب‪.‬‬
‫‪ -‬قرب تفكير أغلبية ال ّشعراء إلى ّ‬

‫القومية كانت تقسيم بالدهم ووضعها‬


‫ّ‬ ‫وجهت إلى نهضة العرب‬
‫أن أكبر ضربة ّ‬
‫يمكن القول ّ‬
‫وطبيعي أن ينعكس ذلك على األدب العربي الذي نما بين الحربين‪ ،‬فلقد كان‬ ‫ّ‬ ‫تحت االنتداب‪،‬‬
‫العامة من‬
‫ّ‬ ‫للشعراء العرب عامة نفس الهموم حتّى ّأنهم كانوا جميعا يعكسون حالة البالد العربية‬
‫الضعف والعجز‪ ،‬وهنا خلق ذلك التجديد الذي كان العرب يصبون إليه في فترة ما بين‬
‫حيث ّ‬
‫هم االستعمار نقل العرب إلى‬
‫الحربين سواء في ال ّشعر أو في مواقف العيش المختلفة‪ ،‬فقد كان ّ‬
‫بي يسعى إليه ما ساعد‬ ‫المستوى العصري الذي بلغته دول الغرب من جهة‪ ،‬وهذا ما كان الفكر العر ّ‬
‫االنتداب على ضرب عصفورين بحجر واحد‪ ،‬وذلك بتشجيع إقبال أبناء البالد العر ّبية على الثّقافة‬
‫األجنبية ليحقّق بذلك هدفين؛ ّأولهما التّأثير في البالد العر ّبية من خالل ثقافته ليصبح له حضور‬
‫ّ‬
‫في حياة ال ّشعب الواقع تحت حكمه‪ ،‬والثّاني إبعاد العرب عن تراثهم الذي يعتبر محور وجودهم‬
‫التطور‪ ،‬وهكذا طغت موجة التّجديد عند العرب على مختلف‬
‫القومي وذلك تحت ستار التّجديد و ّ‬
‫الميادين سواء العلوم أو الفنون‪ ،‬الفكر أو اآلداب‪ ،‬وحتى ال ّشعر كان له نصيبه‪ ،‬فقد بدأت معالمه‬
‫مقومات العمل ال ّشعري بصورة‬
‫التغير سواء من حيث المضمون أو األسلوب واللّغة‪ ،‬وكذا ّ‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫عامة‪.‬‬
‫ّ‬

‫الساعي إلى‬
‫وهذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى توافق هذا التّجديد مع رسالة ال ّشعر الملتزم ّ‬
‫االجتماعية والحضارّية إجماال؟‬
‫ّ‬ ‫ياسية و‬
‫الس ّ‬‫تغيير األوضاع ّ‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي‪.215 ،211 ،‬‬

‫‪14‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أن التّغيير الجوهري لم يكن في صالح الحكم األجنبي وخاصة ما تعلّق‬


‫تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫عما كان يعارض مصالحه‪،‬‬
‫السياسي واالجتماعي‪ ،‬لهذا حاول جاهدا على تحويل األنظار ّ‬
‫بالجانب ّ‬
‫كالتغيرات ال ّشكلية في ال ّشعر‪ ،‬المتعلّقة باللّغة واألسلوب والتّركيب‬
‫ّ‬ ‫يؤمن مصالحه‬
‫مكتفيا بتشجيع ما ّ‬
‫لكنها ال تسمو لتحقيق التّغيير في‬
‫الفقهي‪ ،‬حتّى لو كانت هذه التغييرات الزمة في عملية التّجديد‪ّ ،‬‬
‫الرومانسية‪،‬‬
‫أدبية راجت في تلك الفترة مثل ّ‬
‫أن هناك مذاهب ّ‬
‫السياسي وغيره‪ ،‬فنجد ّ‬
‫الجانب ّ‬
‫للفن‪ ،‬وك ّل هذا لم يحقّق المعنى المنشود في االلتزام‪.‬‬
‫الفن ّ‬
‫ا ّلرمزية‪ ،‬ومذهب ّ‬

‫التغني‬
‫حب الطبيعة و ّ‬
‫النفسية للفرد‪ ،‬وكذا ّ‬
‫فالرومنسية تمحورت مواضيعها حول الحالة ّ‬
‫ّ‬
‫الفردية‪ ،‬وهذا ما يجعل ثورة‬
‫ّ‬ ‫الذاتية والمشاعر‬
‫ّ‬ ‫بالعزلة‪ ،‬بمعنى مواضيعها مرتكزة على االنفعاالت‬
‫المرء مكتوبة في ثنايا قلبه خاصة وان كان المجتمع المحيط به ضعيف ومفكك‪ ،‬ال تجاوب بينه‬
‫‪1‬‬
‫وبين شعرائه وأدبائه‪.‬‬

‫الرومنسية أبعدت ال ّشعراء العرب كلّهم عن االلتزام‪،‬‬


‫أن ّ‬‫ويبقى أن نقول ّأنه ال نستطيع الجزم ب ّ‬
‫تمزقا ثورّيا وموقفا‬
‫فهذه األخيرة لها جانب تتوافق فيه مع االلتزام وذلك العتبارها تحمل في ثناياها ّ‬
‫أن األمر يعود ّأوال وقبل ك ّل شيء إلى ال ّشاعر نفسه حسب مزاجه‬
‫من المجتمع‪ ،‬وهذا ما يؤ ّكد على ّ‬
‫الرومنسي‪ ،‬وقد ال يلتزم حتى وان‬
‫وتفكيره‪ ،‬والظّروف المحيطة به‪ ،‬فقد نجده يلتزم ضمن المذهب ّ‬
‫التشعبات يمكن االستناد‬
‫ّ‬ ‫الرغم من ك ّل هذه‬
‫للتهرب واليأس‪ ،‬فعلى ّ‬
‫كانت الظّروف تفتح أمامه أبوابا ّ‬
‫ك هذا الغموض‪" :‬لقد عرفت بالد العرب في فترة ما بين‬
‫الدكتور "أحمد أبو حاقة" لف ّ‬
‫إلى كالم ّ‬
‫الحربين‪ ،‬رغم انتشار الرومانسية وسيطرتها‪ ،‬جماعة من ال ّشعراء الذين وقفوا وقفات التزام في قسم‬
‫‪2‬‬
‫من أشعارهم"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.251 ،252‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.259‬‬

‫‪15‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الرمزية وأدب االلتزام‪:‬‬


‫‪ّ ‬‬

‫الرمزية‪ ،‬وقد جاءت‬


‫لقد راج في فترة ما بين الحربين مذهب شعري آخر عند العرب وهو ّ‬
‫األوروبي الذي كان من أبرز أعالمه "بودلير" (‪ ،)1247-1221‬وبهذا‬
‫ّ‬ ‫الرمزي‬
‫نتيجة التأثّر بال ّشعر ّ‬
‫حذا شعراء العرب حذوهم واستقوا من تجاربهم معاني جديدة‪ ،‬ودالالت رمزّية جديدة‪ ،‬فنجد من أبرز‬
‫بالرمزية األورّبية‪" :‬خليل شيبون"‪" ،‬سعيد عقل" و"صالح لبكي"‪.‬‬
‫ال ّشعراء العرب المتأثّرين ّ‬

‫أن هذه األخيرة ال تتعارض في جوهرها مع االلتزام‪ ،‬وال‬


‫الرمزية‪ّ ،‬‬
‫وما يمكن قوله عن االلتزام و ّ‬
‫فنية‬
‫الرمزية تغرق نفسها في هموم ّ‬
‫أن ّ‬‫قضية‪ ،‬ولكن اإلشكال بينهما ّ‬
‫ّ‬ ‫ترفض أن يكون لل ّشاعر‬
‫‪1‬‬
‫خالصة هي غير هموم ال ّشاعر الملتزم‪.‬‬

‫للفن وااللتزام‪:‬‬
‫الفن ّ‬
‫‪ ‬مذهب ّ‬

‫للفن هو مذهب يتنافى وااللتزام‪ ،‬حيث وصلت بعض دعواته إلى البالد‬
‫الفن ّ‬
‫إن مذهب ّ‬
‫ّ‬
‫ألنه يخدم‬
‫السلطات المحتلّة ّ‬
‫العربية عن طريق الثّقافة األورّبية‪ ،‬ولقد لقي التأييد من طرف ّ‬
‫الرفاهية‪ ،‬ويصرفهم عن االهتمام بالقضايا العامة‪ ،‬ومن جهة‬
‫ألنه يغري ال ّشعراء بحياة ّ‬
‫مصالحهم‪ ،‬و ّ‬
‫يتتبعون أسلوبهم‬
‫ألنهم أصال كانوا ّ‬
‫للفن" ّ‬
‫الفن ّ‬
‫أخرى نجد طائفة من شعراء لم يؤثّر فيهم مذهب " ّ‬
‫وذلك من خالل ثقافتهم ونمط تفكيرهم الرومنطيقي‪ ،‬هذا ما أبعدهم عن حقيقة االلتزام التي‬
‫الصارمة‪ ،‬والوقوف في‬
‫التضحيات‪ ،‬وكذلك الجرأة الكاملة في اتّخاذ المواقف ّ‬
‫ّ‬ ‫النضال و‬
‫تستوجب ّ‬
‫الدعوة إلى‬
‫أن االلتزام في تلك الفترة يعني الثّورة على األوضاع و ّ‬
‫السلطات ونقدها؛ بمعنى ّ‬
‫وجه ّ‬
‫تغييرها‪.‬‬

‫أن ال ّشعراء في تلك الفترة لم تكن لهم مواقف‪ ،‬بل العكس فناد ار‬
‫بالضرورة ّ‬
‫ّ‬ ‫ولكن هذا ال يعني‬
‫ّ‬
‫الدكتور "أحمد أبو حاقة"‪« :‬فواقع الحال ّأنه يندر‬
‫ما نجد بينهم من ليس له موقف‪ ،‬وها ما يؤ ّكده ّ‬
‫اكية أو‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وصاحب الميول االشتر ّ‬
‫ّ‬ ‫النزعة‬
‫أن نجد بينهم من ليس ذا موقف‪ ،‬فمنهم ذو ّ‬
‫جعي‪ ،‬وشعرهم يعكس‬
‫الر ّ‬
‫مي و ّ‬
‫التقد ّ‬
‫المثالي و ّ‬
‫ّ‬ ‫اقعي و‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ومن بينهم الو ّ‬
‫ّ‬ ‫وفية‪ ،‬أو‬
‫الص ّ‬
‫الية أو ّ‬
‫اللّيبر ّ‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.257‬‬

‫‪16‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫لكن هذه المواقف لم تتجاوز القول إلى الفعل ولم يستطع أصحابها أن يترجموها التزاما‬
‫ذلك كلّه‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫المعيشية»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لضرورات‬
‫إما لرواسب قديمة في نفوسهم وا ّما ل ّ‬
‫حقيقيا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫أدب االلتزام في الجزائر‪:‬‬

‫تتكيف مع الظّروف التي‬


‫أن رسالة األديب أو ال ّشاعر الملتزم في غالبها ّ‬
‫ك فيه ّ‬
‫مما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫أن التزامه ليس بال ّشيء الجامد القائم على قواعد‬
‫تحيط بالمجتمع الذي ينتسب إليه‪ ،‬وذلك راجع إلى ّ‬
‫مطبقة في جميع البلدان؛ بالنسبة لاللتزام في الجزائر‪-‬في فترة الثورة‪ -‬كان األديب يكتفي فقط‬
‫ّ‬
‫ي في الحياة وعن آماله وآالمه‪.‬‬
‫بالتّعبير عن مطامح ال ّشعب الجزائر ّ‬

‫مصايف" الذي يقول‪« :‬فرسالة‬


‫"محمد ّ‬
‫ّ‬ ‫الدكتور‬
‫أما المرحلة الحاضرة فهي شيء آخر حسب ّ‬
‫ّ‬
‫الساعة الحاضرة رسالة مزدوجة‪ ،‬فمن جهة أولى ننتظر منه أن يكون لسان‬
‫األديب الجزائري في ّ‬
‫يعمق االتّجاه العقائدي الذي تعتنقه وتسير عليه‬
‫الطّبقة الكادحة‪ ،‬ومن جهة ثانية ينبغي عليه أن ّ‬
‫‪2‬‬
‫هذه الطّبقة»‪.‬‬

‫أن االتّصال المباشر لألديب بمختلف الطّبقات في المجتمع‪ ،‬وكذلك‬


‫هذا ما يدفعنا للقول ّ‬
‫المعنية‪ ،‬دون نسيان‬
‫ّ‬ ‫بالقضية‬
‫ّ‬ ‫السبيل الوحيد للوصول إلى التزام حقيقي‬
‫االقتناع بك ّل ما يكتبه‪ ،‬هو ّ‬
‫تتلخص في‬
‫الفن الذي يبدع من خالله‪" .‬إذن فرسالة األديب ّ‬
‫الخطوة الثّانية وهي امتالك قواعد ّ‬
‫أمتنا وجماهيرنا الكادحة وفي ضرورة البحث المباشر عن‬
‫وعيه للمرحلة الحضارّية التي تجتازها ّ‬
‫فنيا يبتعد عن التقريرّية‬
‫تعبير ّ‬
‫ا‬ ‫عمالنا‬
‫طبيعة مطامح هذه الجماهير‪ ،‬ثم في التّعبير عنها‪ ،‬وعن حياة ّ‬
‫أن‬
‫الحوشية‪ ،‬والغموض في المواقف واألفكار"؛ وهذا مفاده ّ‬
‫‪3‬‬
‫ّ‬ ‫والخطابة في األسلوب ويتحاشى اللّغة‬
‫لقراء نصف مثقّفين‪ ،‬ولجماهير غايتها األولى رؤية نفسها فيما‬
‫األديب ال يجب أن ينسى ّأنه يكتب ّ‬
‫يكتب عنها وبطريقة بسيطة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪2‬‬
‫للنشر والتّوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2512 ،‬ص ‪.14‬‬
‫الوطنية ّ‬
‫ّ‬ ‫محمد مصايف‪ ،‬دراسات في النقد واألدب‪ ،‬ال ّشركة‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪17‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫االلتزام في األدب الغربي‪:‬‬

‫أمة قضاياها التي‬


‫أن لك ّل عصر انشغاالته‪ ،‬ولك ّل مجتمع مشاكله‪ ،‬ولك ّل ّ‬
‫ك فيه ّ‬
‫مما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫السائدة في‬
‫ولما كانت األوضاع ّ‬
‫تنشغل بها وتسعى جاهدة لمناقشتها ومحاولة االتيان بالحلول لها‪ّ ،‬‬
‫فإنه كان أكثر تأثّ ار لكونه‬
‫أي مجتمع تؤثّر على أفراده‪ ،‬وباعتبار األديب فردا ّأوال ومبدعا ثانيا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫يعتبر مرآة المجتمع وصوت ال ّشعب‪.‬‬

‫تطور ليرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم األدب‬


‫فإن مفهوم االلتزام ّ‬
‫ولما كان األديب مرتبطا بالحياة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫نفسه ومدى ارتباط هذا األخير بالحياة‪.‬‬

‫الفن‪ ،‬وذلك في‬


‫تطو ار كبي ار في الفكر الحديث‪ ،‬السيما في حقل األدب و ّ‬
‫عرفت لفظة "االلتزام" ّ‬
‫األدبية ذاتها‪ ،‬حيث أصبح مفهوم‬
‫ّ‬ ‫التطور كان نتيجة تط ّور المفاهيم‬
‫ّ‬ ‫العالمية‪ ،‬هذا‬
‫ّ‬ ‫مجمل اآلداب‬
‫الصلة الوثيقة بالحياة وعلى دور األديب في توجيهها‪،‬‬
‫االلتزام مرتبطا بمفهوم األدب القائم على ّ‬
‫النفوس والكشف عن واقعها ومصيرها‪ ،‬بحيث يكون التّعبير‬
‫فأصبح لهذا األخير مسؤولية تنبيه ّ‬
‫فعالة في تغيير أسس العيش‪.‬‬
‫األدبي وسيلة ّ‬

‫بأن القدامى واآلداب القديمة كانت بعيدة عن الحياة والواقع‪ ،‬وعن مفهوم‬
‫لكن هذا ال يعني ّ‬
‫ّ‬
‫النظري بهذه األمور ولم يتّخذوها‬
‫االلتزام اجماال‪ ،‬لكن أولئك لم يكونوا على قدر كاف من الوعي ّ‬
‫يؤسسون عليها كتاباتهم وتفكيرهم على نحو ما فعل المحدثون‪.‬‬
‫فلسفة‪ ،‬لتكون لهم القاعدة التي ّ‬

‫مر العصور‪ ،‬سيجد‬


‫الفنية التي ظهرت على ّ‬
‫األدبية و ّ‬
‫إن المطّلع على األعمال الفكرّية و ّ‬
‫ّ‬
‫وسيلمح بين الفينة واألخرى تألّقا لديوان أو كتاب أو نظرّية بزغت فيها مالمح االلتزام وان كانت ال‬
‫تش ّكل موجة طاغية أو تيا ار واضحا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ولما جاء القرن التّاسع عشر اتّسعت موجة االلتزام لتشمل ج ّل بقع العالم حتى إذا جاء القرن‬
‫ّ‬
‫عمت في ك ّل مكان لتنبعث منها موجات من الكتابات التي تعالج المجتمعات العصرّية‬
‫العشرون ّ‬
‫‪1‬‬
‫وتكشف عن أحوالها‪ ،‬وتعنى بقضاياها الكبرى واتجاهاتها المختلفة في مجابهة المستقبل‪.‬‬

‫إن منطلق فكرة االلتزام في األدب العربي يعود إلى الفكر اليوناني‪ ،‬حيث نجد "أفالطون"‬
‫ّ‬
‫على الرغم من نقمه على شعراء عصره الذين يتملّقون الجماهير في نظره‪ ،‬ويخضعون لنوعين من‬
‫يمجدون‬
‫يرحب بال ّشعراء الذين ّ‬
‫االستبداد؛ استبداد الجمهور‪ ،‬واستبداد الحاكم‪ ،‬إالّ ّأنه في جمهورّيته ّ‬
‫ويتغنون بالفضائل وأصحابها وهذا يد ّل على رغبة "أفالطون" في أن‬
‫ّ‬ ‫الصالحة‬
‫األبطال والقدوات ّ‬
‫اإلنسانية العليا‪ ،‬وأن تكون رسالتهم‬
‫ّ‬ ‫بوية‪ ،‬هادفة‪ ،‬ملتزمة بالفضيلة والمبادئ‬
‫تكون رسالة ال ّشعراء تر ّ‬
‫خيرة تم ّكن ال ّشباب من استقاء الخير من جميع منابعه‪.‬‬
‫ّ‬

‫الناظر إلى العمل األدبي‬


‫أما أرسطو فقد نادى بنظرّية التّطهير‪ ،‬وهي ّأول وجوه االلتزام ّ‬
‫ّ‬
‫االجتماعية‬
‫ّ‬ ‫الناس‬
‫األدبية تدور حول أمراض ّ‬
‫ّ‬ ‫أن األعمال‬
‫بمنظار المنفعة؛ والتّطهير بمعنى ّ‬
‫الخلقية وكيفية مداواتها‪.‬‬
‫النفسية و ّ‬
‫وّ‬

‫كما نجد في كتاب كليلة ودمنة موقفا واضحا من مواقف االلتزام وذلك من خالل كالم "بيدبا"‬
‫الشر‬
‫مسؤوليته كمف ّكر وفيلسوف في مقاومة الظّلم والطّغيان ودرء ّ‬
‫ّ‬ ‫الفيلسوف وسلوكه‪ ،‬حيث شعر‬
‫عن المجتمع‪.‬‬

‫تتطور يوما بعد يوم‪ ،‬حاملة‬


‫تتعدد‪ ،‬وفكرة االلتزام ّ‬
‫مر التاريخ ّ‬
‫هكذا كانت مواقف االلتزام على ّ‬
‫نسية التي لم تشذ‬
‫الكالسيكية الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫السابع عشر مع‬
‫على عاتقها أهدافا‪ ،‬إلى أن وصلت إلى القرن ّ‬
‫الحق على الباطل‪ ،‬وتقويم ك ّل من‬
‫ّ‬ ‫عن الفكرة والهدف‪ ،‬فجاء األدب الكالسيكي يدور حول انتصار‬
‫الخير وال ّشر تقويما دقيقا‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.27-21‬‬

‫‪19‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الصحيح إالّ ّأنه ال يخلو‬


‫الرغم من كون األدب الكالسيكي ليس أدب التزام بالمعنى ّ‬
‫وعلى ّ‬
‫من ومضات االلتزام التي كانت تنبعث من هنا وهناك مع "راسين" و"موليير" وحكايات "الفونتين"‪،‬‬
‫وكتابات "البرويير" و"بوالو"‪...‬‬

‫الضمير‬
‫وفي القرن الثّامن عشر برز ك ّل من "فولتير" و"روسو" و"ديدور" لمعالجة أزمات ّ‬
‫‪1‬‬
‫المؤسسات المختلفة‪.‬‬
‫األوروبي والعالمي التي أطلّت على األنظمة واألفكار و ّ‬
‫ّ‬

‫المرجوة من االلتزام بعد الكالسيكية‪ ،‬لتصل في‬


‫ّ‬ ‫النظر‪ ،‬واألهداف‬
‫وتتواكب المذاهب ووجهات ّ‬
‫التحرر‬
‫ّ‬ ‫الكالسيكية وقواعدها وأنماطها بغية‬
‫ّ‬ ‫ضد‬
‫احتجت ّ‬
‫ّ‬ ‫ومنطيقية التي‬
‫ّ‬ ‫الر‬
‫القرن التّاسع عشر إلى ّ‬
‫نسية‪.‬‬
‫من جميع القيود‪ ،‬وتطبيقا للمبادئ التي نادت بها الثّورة الفر ّ‬

‫مما جعل كالّ من المنحنيان‬


‫ومنطيقيون "ال" للواقع االجتماعي الفاسد في زمنهم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الر‬
‫كما قال ّ‬
‫النصيب األوفى في االلتزام‬
‫اقعية ّ‬
‫قويا يشير إلى بداية حركة االلتزام‪ ،‬وقد كان للو ّ‬
‫يتداخالن تداخال ّ‬
‫‪2‬‬
‫وفنا وفلسفة‪ ،‬وذلك منذ أواخر القرن التّاسع عشر‪.‬‬
‫أدبا ّ‬

‫اكية وااللتزام‪:‬‬
‫الواقع ّية االشتر ّ‬

‫فإن مفهوم‬
‫الديني‪ّ ،‬‬
‫إذا كانت بداية االلتزام عند الغرب تعود إلى القرون الوسطى مع االلتزام ّ‬
‫االلتزام يرجع إلى أواخر القرن التّاسع عشر‪ ،‬وأوائل القرن العشرين‪ ،‬كما يستخلص من نظرّيات ثورة‬
‫ومما سبقها من إرهاصات في روسيا‪.‬‬
‫اكية‪ّ ،‬‬
‫أكتوبر االشتر ّ‬

‫اكية تتمثّل في تعاليم "كارل ماركس"‬


‫اقعية االشتر ّ‬
‫األساسية التي انطلقت منها الو ّ‬
‫ّ‬ ‫إن القاعدة‬
‫ّ‬
‫الزراعي‬
‫المادي‪ ،‬الذي يعتمد على األساس االقتصادي القائم على اإلنتاج ّ‬
‫ّ‬ ‫ونظرّيته في الجدل‬
‫االجتماعية والحضارّية‪ ،‬من‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬ ‫التطورات‬
‫ّ‬ ‫النهاية‬
‫يحدد في ّ‬
‫الصناعي قبل ك ّل شيء‪ ،‬والذي ّ‬
‫و ّ‬
‫المادي‪ ،‬وبنية‬
‫ّ‬ ‫تحتية تتمثّل في اإلنتاج‬
‫اجتماعية بنيتين‪ :‬بنية ّ‬
‫ّ‬ ‫أن لك ّل حياة‬
‫هنا اعتبر "ماركس" ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.11-21‬‬


‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11-19‬‬

‫‪20‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫فوقية تتمثّل في اإلنتاج الفكري؛ حيث يعتبر البنية األولى هي األساس الحقيقي الذي يبنى عليه‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫المجتمع‪ ،‬لتكون الثّانية نتيجة عن األولى وشديدة االتّصال بها‪.‬‬

‫ويربط "ماركس" األدب بالعمل‪ ،‬كونه مرتبط بالبنية الدنيا‪ ،‬فاألديب عنده ال يعدو يمثّل مرآة‬
‫االجتماعية في مجتمعات أخذ الظّالم يسيطر‬
‫ّ‬ ‫عاكسة للمجتمع الذي يحيا فيه ليكشف العالقات‬
‫عليها‪.‬‬

‫اإلنساني‪ ،‬حيث ال تختلف غايته عن غاية‬‫ّ‬ ‫الفن بالوعي‬


‫كما نجد "ماركس" أيضا يربط ّ‬
‫حتية في‬
‫للفن أن يعيش من غير أفكار‪ ،‬يقول "ماركس" ّأنه رغم تأثير البنية التّ ّ‬
‫الفلسفة‪ ،‬فال يمكن ّ‬
‫فإن هذه األخيرة في مجملها تؤثّر بدورها في البنية‬
‫الفوقية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الفن وغيرها من مظاهر البنية‬
‫األدب و ّ‬
‫اجتماعية قادرة على قلب وتغيير حياة المجتمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قوة‬
‫تحول إلى ّ‬
‫الدنيا وت ّ‬
‫ّ‬

‫وعلى هذا النحو أضحى األدب ذو المضمون األيديولوجي أكثر الوسائل فعالية في تربية‬
‫للنفوس وذلك بترسيخ القيم واغناء الفكر وصقل‬
‫الحرية ّ‬
‫الضمائر واعادة ّ‬
‫الرأي العام وتوجيهه وايقاظ ّ‬
‫‪2‬‬
‫وتطور األنظمة والقيم والمثل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتجدد‬
‫ّ‬ ‫تغير‬
‫األذواق التي بدورها ّ‬

‫اجتماعيا‪ ،‬وأصبح لألدب‬


‫ّ‬ ‫من هنا كان االلتزام االشتراكي في األدب‪ ،‬واعتبر األديب مسؤوال‬
‫نفعي ة تزرع في المواطنين المبادئ والقيم التي تساعد على تحسين العالقات بين البشر‪،‬‬
‫وظيفة ّ‬
‫وتحارب القيم ال ّشريرة لتضع مكانها القيم الخيرّية من أجل الحياة الكريمة والغد األفضل‪.‬‬

‫اكية‪ ،‬التزام أهداف الطّبقة العاملة‬


‫اقعية االشتر ّ‬
‫هكذا كان الموقف المشترك بين كتّاب الو ّ‬
‫اكية والعالم األفضل‪.‬‬
‫النضال في سبيل تحقيق االشتر ّ‬
‫وّ‬

‫اكية األولى يالحظ ّأنها ال تستخدم كلمة "االلتزام" استخداما‬


‫النصوص االشتر ّ‬
‫والمتصفّح في ّ‬
‫ار في تحديدات‬
‫الصفات تكر ا‬
‫الصفة أكثر ّ‬
‫تركز على كلمة هادفة‪ ،‬فكانت هذه ّ‬
‫اصطالحيا‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬
‫األدب االشتراكي‪ ،‬حيث نجدها عند أقدم منظّري االلتزام في األدب االشتراكي وهو‪" :‬أناتولي‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪21‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫اكية" ‪ ،1992‬حيث وضع الفرق بين‬


‫اقعية االشتر ّ‬
‫لوناتشارسكي" في مقالته المبكرة "حول الو ّ‬
‫بأنها هادفة و ّأنها تعرف ما‬
‫اكية‪ ،‬هذه األخيرة التي يقول عنها ّ‬
‫اقعية االشتر ّ‬
‫اكية البرجوازّية والو ّ‬
‫االشتر ّ‬
‫شر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫هو خير وما هو ّ‬

‫النضال من‬
‫اكية موضوعاتها‪ ،‬وأهدافها التي ترمي من خاللها إلى ّ‬
‫هكذا كان للواقعّية االشتر ّ‬
‫أجل تحويل كامل للحياة وفق الخطوط االشتراكية‪ ،‬وقطع المذهب الواقعي االشتراكي في مشواره‬
‫التقدم‪ ،‬وذلك عن طريق األدب واألديب‪.‬‬
‫التطور و ّ‬
‫ّ‬ ‫بث الوعي وقيادته في طريق‬
‫هذا شوطا كبي ار في ّ‬

‫االلتزام والوجودية‪:‬‬

‫يتم ذلك بممارسة الحياة بحرّية مطلقة‪،‬‬


‫إن هدف اإلنسان يتمثّل في تحقيق الوجود ذاته‪ ،‬حيث ّ‬
‫ّ‬
‫أساسيا يختاره‬
‫ّ‬ ‫سميت الوجودية بأدب االلتزام أو أدب المواقف‪ ،‬أي األدب الذي يتّخذ له هدفا‬
‫وقد ّ‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية الملتزمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجمالية لألدب بعد القيمة‬
‫ّ‬ ‫الفنية و‬
‫صاحبه‪ ،‬وبذلك كانت القيمة ّ‬

‫بعينيات القرن العشرين‪ ،‬حيث كان‬


‫يرجع االستعمال االصطالحي لكلمة االلتزام إلى أوائل أر ّ‬
‫مصب‬
‫ّ‬ ‫ليصب في‬
‫ّ‬ ‫الفيلسوف الوجودي الفرنسي "جان بول سارتر" ّأول من بلور مفهوم االلتزام‪،‬‬
‫النفس أو تعبير‬
‫مجرد ترويج عن ّ‬
‫األدبية‪ ،‬حيث ال يعتبر األدب أو الكالم األدبي ّ‬
‫ّ‬ ‫المسؤولية‬
‫ّ‬
‫مما ال‬
‫الحرة يقول‪ّ « :‬‬
‫المسؤولية‪ ،‬فربط هذه األخيرة بقناعة األديب ّ‬
‫ّ‬ ‫جمالي‪ ،‬واّنما هو موقف يستتبع‬
‫اجتماعية‪ ،‬البد أن يكون الكاتب مقتنعا به عمق اقتناع‪ ،‬حتّى‬
‫ّ‬ ‫أن األثر المكتوب واقعة‬
‫ريب فيه ّ‬
‫مسؤوليته‪ ،‬وهو مسؤول عن ك ّل شيء‪ ،‬عن‬
‫ّ‬ ‫إن عليه بالفعل أن يشعر بمدى‬
‫قبل أن يتناول القلم‪ّ ،‬‬
‫الرابحة‪ ،‬عن التّمرد والقمع‪ّ ،‬إنه متواطئ مع المضطهدين إذا لم يكن الحليف‬
‫الحروب الخاسرة و ّ‬
‫‪3‬‬
‫الطّبيعي للمضطهدين»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.marefa.org‬‬ ‫االلتزام في األدب‬
‫‪2‬‬
‫‪http://www.elkhadra.com‬‬ ‫منتديات الخضرة‪ ،‬بحث حول المذهب الوجودي‪ ،‬السنة الثانية ثانوي‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫سحر عبد القادر اللبان‪ ،‬مفهوم االلتزام في األدب‪nnn.daaas.www،‬‬

‫‪22‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أي منحى أيديولوجي‪ ،‬فتربط‬


‫اكية في ّأنها تنأى عن ّ‬
‫اقعية االشتر ّ‬
‫الوجودية عن الو ّ‬
‫ّ‬ ‫وتختلف‬
‫االلتزام بوجدان الكاتب الفرد وقناعاته من غير معايير واضحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يعتبر "سارتر" أقوى مدافع عن نظرّية االلتزام‪ ،‬غير ّأنه قال باستحالة االلتزام في الشعر‪،‬‬
‫تتضمن موقفا‪ ،‬فااللتزام عنده ال يعني‬
‫ّ‬ ‫ثم ال‬
‫الدقيق‪ ،‬ومن ّ‬
‫أن الكلمة ال ّشعرية ال تفيد معناها ّ‬
‫باعتبار ّ‬
‫حيوية العمل األدبي وارتباطه بالعصر‪ ،‬فشعاره هو "أن نكتب‬
‫ّ‬ ‫سطحية العمل األدبي‪ ،‬واّنما يعني‬
‫‪2‬‬
‫للعصر"‪.‬‬

‫إن نظرية االلتزام عند سارتر هي خالصة تجارب حياتية وكتابية منذ طريق الحرّية‬
‫ّ‬
‫الضمير الفردي بالواقع‬
‫"‪ "Les chemins de la liberté‬عام ‪2549‬م إلى مزيد من ارتباط وجهة نظر ّ‬
‫‪3‬‬
‫مسؤولية األديب بما يلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وفي سنة ‪ 2541‬عمل سارتر على تحديد‬

‫الحرية والتّحرير‪.‬‬
‫إيجابية في ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إنتاج نظرة‬
‫‪ -‬أن يتّجه في ك ّل حالة من الحاالت إلى استنكار العنف من وجهة نظر أفراد الطّبقات‬
‫المضطهدة‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد عالقة صحيحة بين الغايات والوسائل‪ ،‬أي العالقة بين األخالق والسياسة‪ ،‬يرّكز‬
‫خاصا‪ ،‬العتباره األخالق أكبر غاية وأسمى هدف يلتزم‬
‫ّ‬ ‫النقطة تركي از‬
‫سارتر على هذه ّ‬
‫األديب بتحقيقه‪ ،‬خاصة في المجال السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬أن يرفض الكاتب فو ار استعمال أي وسيلة من وسائل العنف في تحقيق نظام من‬
‫األنظمة والمحافظة عليه‪.‬‬

‫وفي عيد ميالده الستّين (‪ )2519/87/29‬أعلن سارتر عن موقف آخر من مواقفه من‬
‫أن ارسال قمح إلى‬
‫مهمة األدب والكتابة‪ ،‬فيقول ب ّ‬
‫بأنه على حافة اليأس من ّ‬
‫االلتزام‪ ،‬حيث يعترف ّ‬

‫‪1‬بونوا دوني‪ ،‬األدب وااللتزام (من باسكال إلى سارتر)‪ ،‬ترجمة محمد برادة‪ ،‬ط‪ ،2‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪،1889 ،‬‬
‫ص ‪.992‬‬
‫‪2‬بونوا دوني‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪3‬‬
‫‪http://www.marefa.org‬‬ ‫ينظر‪ :‬االلتزام في األدب‬

‫‪23‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫سياسية محلّية تتعلّق باالنتخابات‬


‫ّ‬ ‫قضية‬
‫ّ‬ ‫شعب جائع خير من كتابة مقال في األدب‪ ،‬والعمل في‬
‫‪1‬‬
‫في فرنسا قد تكون أكثر نفعا من كتابة الجزء الثاني من النقد الدياليكتي‪.‬‬

‫أن االلتزام‬
‫مهمة األدب ليست سهلة‪ ،‬و ّ‬
‫بأن ّ‬
‫من خالل هذا الرأي لسارتر نالحظ ّأنه اعترف ّ‬
‫النفس ومجابهتها حتّى ال تيأس‪.‬‬
‫مهمة صعبة جدا تكلّف األديب عناء التفكير ومحاربة ّ‬
‫بقضية ّ‬
‫ّ‬

‫بأن االلتزام بمفهومه الواسع تلقى رفدا عظيما من نتاج األدباء‬


‫وفي األخير‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫ضد الظّلم واالستبداد وك ّل أنواع االحتالل في مختلف أنحاء العالم‪.‬‬
‫المناضلين ّ‬

‫المبحث الثّالث‪ :‬االلتزام في األدب‬

‫إسهامات األمازيغ في التراث الالّ تيني‪:‬‬

‫تنوعا واختالفا في الحضارات المتوافدة عليها‪ ،‬فتفاعل هذا ال ّشعب مع‬


‫عرفت بالد األمازيغ ّ‬
‫النهل والتثقّف منها‬
‫للنقل و ّ‬
‫هذه الحضارات تارة بالتّرهيب وتارة بالتّرغيب‪ ،‬فكانت تلك فرصة لألمازيغ ّ‬
‫أدبية مثل "تيرانس" الذي يمثّل أكبر‬
‫شخصيات ّ‬
‫ّ‬ ‫الروماني‪ ،‬وظهرت‬
‫حتّى برعوا في األدب الالّتيني و ّ‬
‫تينية بمؤلّفاتهم وأبدعوا فيه‪ ،‬كما نجد‬
‫الفكاهيين‪ ،‬واّنما ساهموا بدورهم في إثراء المكتبة الالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّشعراء‬
‫ينية‪.‬‬
‫يغية عبر اللّغة الالت ّ‬
‫منهم من سعى إلى نشر ثقافته ولغته األماز ّ‬

‫وفي العهد المسيحي زاد أثر األمازيغ وأصبحوا في صدارة الكتّاب الالّتين الذين دافعوا‬
‫عدة محامين أمازيغ بذلوا ك ّل ما في وسعهم‬
‫المسيحية‪ ،‬وقد ظهر في هذا العصر ّ‬
‫ّ‬ ‫بأقالمهم عن‬
‫األدبية‪ ،‬وفي هذا‬
‫ّ‬ ‫المسيحيين‪ ،‬ولم يكن بأيديهم سوى فصاحة ألسنتهم وبراعتهم‬
‫ّ‬ ‫للدفاع عن مو ّكليهم‬
‫ّ‬
‫ثمة أيضا‪ ،‬أدباء‬
‫يقول "بوزياني الدراجي"‪« :‬وباإلضافة إلى الذين ذكرناهم من علماء األمازيغ‪ّ ،‬‬
‫ويعبرون بالالّتينية كذلك‪ ،‬منهم‪ :‬القانوني ال ّشهير "سالفيوس‬
‫ّ‬ ‫ومحامون آخرون‪ ،‬كانوا يكتبون‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.marefa.org‬‬ ‫ينظر‪ :‬االلتزام في األدب‬

‫‪24‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الرواقي "كرينتوس"‪،‬‬
‫‪ ،Salvius‬وال ّشاعر "منيلوس"‪ ،‬والخطيب الفيلسوف ّ‬ ‫جوليانوس""‪Sulianus‬‬
‫‪1‬‬
‫والخطيب "سبتيموس سواريوس" الذي أصبح حفيده إمبراطو ار على روما نفسها‪.»...‬‬

‫النحو والبالغة‪ ،‬فاشتهر منهم ابن سيرتا "لكتانس"‬


‫لقد أثرى األمازيغ اللّغة الالّتينية في مجال ّ‬
‫بي واللّغة‬
‫ليذيع سيط "فرونطو" في البالغة‪ ،‬كما كان "ألغسطينيوس" عظيم األثر في األدب الغر ّ‬
‫اإلنسانية*‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السيرة ال ّذاتية في الثّقافة‬
‫يعد كتابه "اعترافات التّوبة" ّأول كتب ّ‬
‫الالّتينية‪ ،‬إذ ّ‬

‫يتصدر القائمة‪ ،‬وهو الملك‬


‫ّ‬ ‫أنجبت ثامزغا كتّابا وعلماء كبار‪ ،‬وهذا الملك "يوبا الثّاني"‬
‫يقية حتّى أصبح صاحب ثقافة ومعرفة واسعتين‪،‬‬ ‫يغي الذي اغترب وذاب في الالّتينية واإلغر ّ‬
‫األماز ّ‬
‫افية‪ ،‬اللّغوية‪،‬‬
‫يخية‪ ،‬الجغر ّ‬
‫كيف ال وهو من كتب في ميادين كثيرة مجموعة من المؤلّفات التّار ّ‬
‫الطبيعية‪ ،‬ال ّشعر والفنون‪...‬‬
‫ّ‬

‫وقد عرف "يوبا الثاني" بحبه االطّالع والبحث والتّجوال‪ ،‬وباهتمامه أثناء حكمه بالجانب‬
‫الطبيعية وأحاديثه عن المغرب في أحد‬
‫ّ‬ ‫العلمية وكشوفاته‬
‫ّ‬ ‫الثّقافي والعلمي والفكري‪ ،‬فقد جمع رحالته‬
‫تضمنته‬
‫ّ‬ ‫كتبه المعنونة ب "ليبيكا ‪ "Les Libyca‬في ثالثة أجزاء ضخمة أو مجلّدات‪ ،‬ومن أحسن ما‬
‫يغية وباللّغة‬
‫عدة مناطق أماز ّ‬
‫الجدات في ّ‬
‫ّ‬ ‫قصة "األسد الحقود" التي مازالت تروى على ألسنة‬
‫ّ‬
‫افية الجزيرة العربية بعنوان‬
‫يغية‪ ،‬هذا إضافة إلى كتاب آخر له؛ كتاب يبحث في تاريخ وجغر ّ‬
‫األماز ّ‬
‫"أرابيكا ‪."Les Arabica‬‬

‫لقد أثار هذا الملك المثقّف إعجاب العلماء اإلغريق حتى قيل عنه‪« :‬رغم كونه بربرّيا كان‬
‫‪2‬‬
‫األثينيون تمثاال تقدي ار لكفاءته الفكرّية‪ ،‬فكانت‬
‫ّ‬ ‫نصب له‬
‫حس»‪ ،‬وقد ّ‬
‫من أكثر األدباء ظرفا ورهافة ّ‬
‫أهم المراجع التي اعتمد عليها الالّتين‪.‬‬
‫مؤلّفاته من ّ‬

‫‪1‬بوزياني الدراجي‪ ،‬القبائل األمازيغية أدوارها‪ ،‬مواطنها‪ ،‬أعيانها‪ ،‬ج‪ ،2‬سلسلة العصبية القومية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،1887 ،‬‬
‫ص ‪.48‬‬
‫*أنظر في هذا الصدد‪ :‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار األمل‪ ،1824 ،‬ص‬
‫‪.997‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.991‬‬

‫‪25‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وتعتبر ّأول رواية في التّاريخ من إبداع أمازيغي جزائري وهي رواية "الحمار الذهبي" لكاتبها‬
‫شق القصب البسيط‪ ،‬أنظّم‬
‫بأني أوثر من اآلالت ّ‬
‫"أبوليوس" الذي يهيم حبا بالنظم فيقول‪« :‬أعترف ّ‬
‫به القصائد في جميع األغراض المالئمة لروح الملحمة أو فيض الوجدان‪ ،‬لمرح الملهاة‪ ،‬أو جالل‬
‫الروايات‪،‬‬
‫أقصر ال في الهجاء‪ ،‬وال في األحاجي‪ ،‬وال أعجز عن مختلف ّ‬
‫ّ‬ ‫المأساة‪ .‬وكذلك ال‬
‫يتذوقها الفالسفة‪ ،‬ثم ماذا بعد هذا كلّه؟ ّإني أنشئ في ك ّل‬
‫والخطب يثني عليها البلغاء‪ ،‬والحوارات ّ‬
‫‪1‬‬
‫تينية‪ ،‬بنفس األمل‪ ،‬ونفس الحماس‪ ،‬ونفس األسلوب»‪.‬‬
‫باليونانية‪ ،‬أم بالالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫شيء‪ ،‬سواء‬

‫عدة لغات منها ترجمتان إلى‬


‫الرواية من إحدى عشر جزءا‪ ،‬وقد ترجمت إلى ّ‬
‫تتكون هذه ّ‬
‫ّ‬
‫اللّغة العر ّبية‪ ،‬األولى من طرف اللّيبي "فهمي علي الخشيم" والثّانية ل‪" -‬أبي العيد دودو" عن‬
‫نسية‪.‬‬
‫الفر ّ‬

‫قصة‪ ،‬مكتوبة بأسلوب جميل‪ ،‬ورغم كونها كتبت باللّغة‬


‫الرواية على سبعة عشر ّ‬
‫تحتوي ّ‬
‫يغيا‪ ،‬كونه يخضع للمحيط الثّقافي األمازيغي‪ ،‬وما اللّغة‬
‫أن الباحثين اعتبروها أدبا أماز ّ‬
‫تينية إالّ ّ‬
‫الالّ ّ‬
‫إالّ وسيلة تعبير‪.‬‬

‫اسهامات األمازيغ في التراث العربي‬

‫تمتد إلى ما قبل اإلسالم‪ ،‬حيث هناك‬


‫جدا ّ‬‫أن معرفة األمازيغ للعرب قديمة ّ‬
‫ك فيه ّ‬
‫مما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫تعمقت هذه‬
‫عالقة تأثير وتأثّر ولو كانت خافتة‪ ،‬ولكن وبمجيء اإلسالم وانتشاره في شمال إفريقيا ّ‬
‫انكبوا على تعلّمها‬
‫مما أسهم وبشكل كبير في انتشار اللّغة العربية‪ ،‬كون األمازيغ قد ّ‬
‫العالقة ّ‬
‫النبوي ال ّشريف‪ ،‬فنجدهم قد سافروا‬
‫الدين وفهم تعاليم القرآن الكريم والحديث ّ‬
‫للتعمق في دراسة علوم ّ‬
‫ّ‬
‫قية في الحجاز والعراق‪ ،‬ال ّشام والقيروان لتبرز أسماء عديدة ومرموقة في‬
‫إلى مراكز العلم الشر ّ‬
‫النابغة األمازيغي" في األدب العربي وفنونه‪ ،‬وفي ال ّشعر بالذات "بكر بن‬
‫ال ّشعر واألدب معا‪ ،‬منهم " ّ‬
‫الدين يحي بن معطي عبد النور الزواوي"‪.‬‬
‫أما في األدب فقد نبغ "زين ّ‬
‫حماد التّيهرتي الزّناتي"‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬بوزياني الدراجي‪ ،‬القبائل األمازيغية أدوارها مواطنها أعيانها‪ ،‬ص ‪.95‬‬

‫‪26‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫النحو العربي وقواعد اللّغة العربية خاصةّ أمازيغ منطقة سوس بالمغرب‬
‫كما اشتهر في ّ‬
‫النحاة المغاربة "عيسى بن عبد العزيز يللبخت الجزولي"‬
‫األقصى على رأسهم شيخ ّ‬
‫(ت‪187‬ه‪2128/‬م)‪ ،‬وتلميذه "ابن بري المغربي"‪ ،‬و"أبو حياّن الغرناطي األمازيغي" (شارح ألفية‬
‫ابن مالك المشهور بمقارنته بين اللّغات)‪ ،‬هذه األسماء وغيرها كان لها اسهام كبير في اللّغة‬
‫واألدب العربي‪.‬‬

‫‪Des langues Grammaire‬‬ ‫السامية‬


‫النحو المقارن للّغات ّ‬
‫هذا وقد كان المغاربة ّأول من وضع ّ‬
‫‪ ،Comparative‬على يد "دونش بن تميم"‪ ،‬خالل القرن التّاسع الميالدي‪ ،‬ليكون بذلك قد سبق‬
‫السابع عشر بثمانية قرون‪ .‬إضافة إلى كون "يهود بن قريش‬
‫األلماني ‪ swdwaswd‬في القرن ّ‬
‫أن له كتابا في ذلك باللّغة العربية وجد بمكتبة‬
‫النحو التّنظيري‪ ،‬حيث نجد ّ‬
‫التاهرتي" واضع أساس ّ‬
‫اإلسالمية فنذكر على سبيل المثال "أبو الحسن اليوسي"‬
‫ّ‬ ‫أما في الثّقافة العر ّبية‬
‫"إكسفورد"" بإنجلترا‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫قدم خدمة جليلة لهذه الثّقافة‪ ،‬فكان مرجعا لمن بعده من الباحثين وقدوة لهم‪.‬‬
‫(ت ‪2282‬م)‪ ،‬الذي ّ‬

‫ناهيك عن المجهودات الكبيرة في العصر الحديث والمعاصر‪ ،‬والتي أثرت المكتبات العربية‬
‫بنفائس المؤلّفات‪ ،‬وبإضافات للّغة العر ّبية‪.‬‬

‫األمازيغ واألدب الفرنسي‪:‬‬

‫ميزت شمال إفريقيا‪ ،‬خاصة‬


‫نسية هو أدب فرضته حقبة زمنية ّ‬
‫إن األدب المكتوب باللّغة الفر ّ‬
‫ّ‬
‫الدول الثّالث‪ :‬الجزائر‪ ،‬تونس والمغرب‪ ،‬تلك التي عاشت نفس التجربة الكولونيالية تحت سيطرة‬
‫االستعمار الفرنسي الغاشم‪ ،‬فقد كانت للمدارس والمعاهد التي أنشأتها اإلدارة االستعمارّية لنشر‬
‫النوع من األدب‪ ،‬وقد كان‬
‫لغتها وثقافتها‪ ،‬وترسيخ هيمنتها‪ ،‬اليد الطولى في ظهور وبروز هذا ّ‬
‫"بلقاسم بن سديرة" رائد الكتابة عن القبائلية ‪-‬شع ار ونث ار‪ -‬باللّغة الفرنسية في الجزائر‪ ،‬ليأتي بعده‬
‫وجه ج ّل اهتمامه إلى جمع األدب ال ّشفوي األمازيغي كاألمثال‬
‫"سي أعمر أوسعيد بوليفة" الذي ّ‬
‫نسية‪ ،‬هذا إضافة إلى وضعه طرقا لتدريس األمازيغية‪.‬‬
‫واألشعار وتدوينه بالفر ّ‬

‫‪1‬‬
‫موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص ‪.942-995‬‬

‫‪27‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األول‬
‫النصف ّ‬
‫بعينيات و ّ‬
‫النصف الثّاني من األر ّ‬
‫إن مصطلح األدب الفرنسي قد تبلور ما بين ّ‬
‫ّ‬
‫الجادة‪ ،‬منها تجربة "مارغريت‬
‫ّ‬ ‫المد الثّوري لتظهر أولى التّجارب المغاربية‬
‫الخمسينيات مع بداية ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫الفنانة واألديبة الجزائرية بروايتها األولى "الياقوتة السوداء" سنة ‪2547‬م‪ ،‬لتعتبر‬
‫الطّاوس عمروش" ّ‬
‫نسية‪.‬‬
‫ائية جزائرّية مكتوبة باللّغة الفر ّ‬
‫بذلك أول رو ّ‬

‫الرائعة "ابن الفقير"‬


‫نسية‪ ،‬كاتب ّ‬
‫الناطق باللّغة الفر ّ‬
‫ويعد "مولود فرعون" رائد األدب الجزائري ّ‬
‫ّ‬
‫يغية‬
‫سنة ‪2598‬م‪ ،‬إلى جانب "مولود معمري" الذي يعتبر من أكبر المناضلين في سبيل األماز ّ‬
‫أن المضمون كان عن الهّوية وعن ثقافة‬
‫ورأس منظّريها‪ ،‬الذي كان رغم اللّغة التي يكتب بها إالّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫مجتمعه األمازيغ‪.‬‬

‫شعر عند األمازيغ‪:‬‬


‫ال ّ‬

‫شفوية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السنين رغم كونها‬
‫إن المجتمع األمازيغي استطاع أن يحافظ على آدابه طيلة آالف ّ‬
‫ّ‬
‫أن هذا المجتمع ال يق ّل عن غيره من المجتمعات غنى‬
‫يغية يجد ّ‬
‫والمتصفّح في أوراق الثّقافة األماز ّ‬
‫أهم‬
‫المتنوع من أمثال‪ ،‬شعر وألغاز‪...‬إلخ‪ .‬هذا التّراث الذي يمثّل إحدى ّ‬
‫ّ‬ ‫في امتالكه للتّراث‬
‫يتجز من هذا التّراث هو من‬
‫ألي مجتمع من المجتمعات‪ ،‬وال ّشعر باعتباره جزء ال ّأ‬
‫الهوية ّ‬
‫مكونات ّ‬
‫ّ‬
‫يغية‪ ،‬وأكثر األجناس انتشا ار وتداوال في المجتمع‬
‫األدبية‪ ،‬خاصة في الثّقافة األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫أقدم الفنون‬
‫تصور حياة ال ّشعوب‪ ،‬وتنقل‬
‫ّ‬ ‫القبائلي قديما وحديثا‪ ،‬كيف ال‪ ،‬وهو يمثّل إحدى الموروثات التي‬
‫يعبر عن ذلك‬
‫يعبر عن حياة اإلنسان ووجدانه بصدق كما ّ‬
‫أخبارهم على مدى األجيال‪ ،‬وال ّشعر ّ‬
‫‪2‬‬
‫"نزار قباني" قائال‪« :‬ال ّشعر هو الوجه اآلخر لإلنسان»‪.‬‬

‫جيدا قيمة هذا الموروث‪ ،‬فاستطاع من خالله نقل همومه‪،‬‬


‫إن اإلنسان األمازيغي عرف ّ‬
‫ّ‬
‫وطرح انشغاالته‪ ،‬رّبما كان بذلك يخفّف من عبء الحياة على نفسه وثقل الهموم على أكتافه‪ ،‬من‬
‫يعبر عنه‬
‫الدائم‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫الفن بمكانة ال يستهان بها عند شعب جعل منه رفيقه ّ‬
‫هنا حظي هذا ّ‬
‫هامة في المجتمع األمازيغي‪ ،‬إذ يعكس هموم‬
‫موسى معوشي قائال‪« :‬يحظى ال ّشعر "أمارق" بمكانة ّ‬
‫‪1‬‬
‫موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص ‪.944-941‬‬
‫‪2‬‬
‫نزار قباني‪ ،‬ما هو الشهر؟‪ ،‬ط‪ ،9‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1888 ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪28‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫النزاعات وفي الحروب‬


‫النفوس ويشحذ الهمم في ّ‬
‫وانشغاالت اإلنسان في القبيلة‪ ،‬ويزرع الحماس في ّ‬
‫‪1‬‬
‫التي خاضوها عبر العصور»‪.‬‬

‫الضراء‪ ،‬في ك ّل مكان وتحت‬


‫السراء و ّ‬
‫هكذا كان ال ّشعر وما يزال رفيق اإلنسان األمازيغي في ّ‬
‫بالرغم من كون بدايته شفهية‪ ،‬ورغم ضياع الكثير منه‪ ،‬إالّ ّأنه استطاع أن يثبت وجوده‪،‬‬
‫أي ظرف ّ‬
‫ّ‬
‫وأن يحافظ على مكانته بين اآلداب‪ ،‬ليعكس بذلك أحالم وآمال وآالم شعب‪ ،‬كما عكس ثقافته على‬
‫تتجمع تحت جلد ال ّشعوب‪ ،‬سنة‬
‫ّ‬ ‫الحرية‪ ،‬وأمطار الحزن‪ ،‬التي‬
‫مر العصور‪ ،‬فال ّشعر "هو ش اررات ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫لتنفجر بعد ذلك أزها ار وأقمارا‪ ،‬وحجارة ياقوت ومقاتلتين‪."...‬‬
‫ّ‬ ‫بعد سنة‪ ،‬وعص ار بعد عصر‪،‬‬

‫شفوية والتّدوين‪:‬‬
‫شعبي القبائلي بين ال ّ‬
‫شعر ال ّ‬
‫ال ّ‬

‫يعتبر ال ّشعر ال ّشعبي القبائلي ذلك اإلنتاج الفكري والشعوري المرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة‬
‫عدة حضارات‪ ،‬كما‬
‫بعدة مراحل في حياته‪ ،‬وعايش ّ‬
‫مر ّ‬‫الواقعية والالّواقعية لهذا المجتمع الذي ّ‬
‫ألمة الباحثة عن‬
‫وتفاعلية هذه ا ّ‬
‫ّ‬ ‫حركية‬
‫ّ‬ ‫يفسر ويترجم‬
‫الرمزي المكثّف الذي ّ‬
‫يعتبر أيضا ذلك اإليقاع ّ‬
‫قمة العدالة"‪ 3.‬ال ّشعر هو‬
‫الفن الخارج على القانون‪ ،‬يعكس ّ‬
‫العدالة واالستقرار‪" ،‬ال ّشعر هو ذلك ّ‬
‫الدكتور "رماني"‪ ،‬والقصيدة كما يصفها نزار‬
‫األمة كما يصفه ّ‬
‫نبض اإليقاع الذي يسري في أعماق ّ‬
‫األرضية‪ ،‬ويطير‪ ،‬والمتصفّح لل ّشعر‬
‫ّ‬ ‫قباني‪-‬طائ ار أسطورّيا‪ ،‬يحمل على ظهره التاريخ والحياة‪ ،‬والكرة‬
‫ّ‬
‫مهمتين هما‪ :‬ال ّشفوية والتّدوين‪.‬‬
‫مر بمرحلتين ّ‬
‫القبائلي يجده ّ‬

‫فوية‪:‬‬
‫ش ّ‬ ‫‪ .1‬ال ّ‬

‫النتاج الثّقافي ال ّشعبي عامة‪ ،‬وال ّشعر‬


‫إن الشفاهية هي الخاصية التي كانت تغلب على ّ‬
‫ّ‬
‫السنين قبل أن يدخل طور الكتابة والتّدوين‪،‬‬
‫ال ّشعبي خاصة‪ ،‬وقد ظلّت هذه الخاصية طيلة آالف ّ‬
‫الفن محافظا على عناصر ال ّشفوية التي خدمته وضمنت له البقاء طويال في ال ّذاكرة‬
‫حيث ظ ّل هذا ّ‬
‫الجماعية التي كانت الوعاء الذي حوته وحافظت عليه‪ ،‬وهذا ما يؤ ّكده "موسى معوشي" في قوله‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص ‪.947‬‬
‫‪2‬‬
‫نزار قباني‪ ،‬ما هو الشعر؟‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪29‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫بأن هذه ال ّذاكرة لم‬
‫الرهان الوحيد لحفظه وروايته»‪ ،‬لكن على ما يبدو ّ‬
‫الجماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫«أصبحت ال ّذاكرة‬
‫تسبب في ضياع الكثير‬
‫تكن كافية‪ ،‬ولم تملك القدرة الكافية للحفاظ على ج ّل هذا الموروث‪ ،‬ما ّ‬
‫منه‪ ،‬فال ّشفاهية لم تتم ّكن من أن تكون الحارس األمين على هذا الموروث‪ ،‬وهذا ال يعني ّأنها أيضا‬
‫العملية التّواصلية‬
‫ّ‬ ‫جدا في‬
‫بالنسبة لهذا المجتمع الذي اعتمدها لسنين طويلة ّ‬
‫لم تكن طريقة ناجحة ّ‬
‫اإلنتاجية في ك ّل ما يتعلّق باألشكال التعبيرية له‪ ،‬يقول "عبد الحميد بورايو"‪« :‬ظلّت أشكال التّعبير‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫اإلمكانية الوحيدة التي استخدمها المجتمع الجزائري للتّعبير عن واقعه‬
‫ّ‬ ‫األدبي ال ّشعبية ال ّشفوية تمثّل‬
‫‪2‬‬
‫المباشر بصفة عامة»‪.‬‬

‫هكذا تم ّكن الخطاب ال ّشفاهي من نقل ك ّل ما يتعلّق بالمجتمع القبائلي من عادات وتقاليد‬
‫شفويا‪ّ ،‬إنما كان صادقا في نقل ما يختلج في نفوس‬
‫ّ‬ ‫وانتاجات فكرّية وشعرّية‪ ،‬فال ّشعر رغم كونه‬
‫النبيل وبين األصالة‪ ،‬يقول عبد‬
‫الفن أن يجمع بين المضمون ّ‬
‫أفراد المجتمع القبائلي‪ ،‬فاستطاع هذا ّ‬
‫النبيل‪ ،‬وبين األصالة‬
‫المالك مرتاض‪« :‬واّنما ال ّشعر مثل هذا‪ ،‬هذا الذي يجمع بين المضمون ّ‬
‫الصميمة وبين التّاريخ والحضارة‪ ،‬وبين ال ّذوق والثّقافة‪ ،‬يجمع بين ك ّل ذلك جمال‬
‫ّ‬ ‫الجزائرّية‬
‫التّصوير الذي يسحرك ويأسرك‪...‬فإن التمست في هذه القصيدة الفلتة اإليقاع وجدته‪ ،‬وان نشدت‬
‫الربيع‬
‫الفنية ألفيتها‪ ،‬وان تطلب االستمتاع باللّغة ال ّشعرية المناسبة كساقية ماء ّ‬
‫الصور ّ‬
‫ّ‬ ‫فيها‬
‫‪3‬‬
‫حد االنتشاء»‪.‬‬
‫استمتعت إلى ّ‬

‫المجسد الحقيقي للواقع الذي يعيشه أفراد المجتمع سواء كان‬


‫ّ‬ ‫وهكذا كان ال ّشعر عند األمازيغ‬
‫قدر له أن يكون‬
‫إن الخطاب ال ّشفوي ّ‬
‫اجتماعيا أو واقعا نفسياّ‪ ،‬يقول "عبد الحميد بورايو"‪ّ « :‬‬
‫ّ‬ ‫واقعا‬
‫الوسيلة الوحيدة التي تملكها الجماعة ال ّشعبية من أجل إدراك العالم ونقل المعرفة وتوجيه السلوك‪،‬‬
‫المستمد من‬
‫ّ‬ ‫الرمزي‬
‫الدور عن طريق نظام من التّجسيدات ذات الطّابع ّ‬
‫وقد استطاع أن يقوم بهذا ّ‬

‫‪1‬‬
‫نزار قباني‪ ،‬ما هو الشعر؟‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الحميد بورايو‪ ،‬البطل المحمي والبطلة الضحية في األدب الشفوي الجزائري‪-‬دراسة حول خطاب المرويات الشفوية‬
‫األداء‪ ،‬الشكل‪ ،‬الداللة‪ ،-‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد المالك مرتاض‪ ،‬معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر ‪ ،1887‬ص ‪.945‬‬

‫‪30‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫أن‬
‫النفسي واالجتماعي»‪ ،‬من هنا نالحظ ّ‬
‫المعبرة في نفس الوقت عن الواقع ّ‬
‫التّراث الجماعي و ّ‬
‫الفن رفيق دربه ووعاء فكره‪.‬‬
‫ال ّشعر ال ّشفوي كان بمثابة المرآة العاكسة لواقع مجتمع جعل من هذا ّ‬

‫ولل ّشفوية بعض الخصائص منها‪:‬‬

‫‪ -‬الحفظ ال ّذهني‪.‬‬
‫‪ -‬االرتحال العفوي‪.‬‬
‫‪ -‬سرعة البديهة‪.‬‬
‫‪ -‬التّلقائية‪.‬‬
‫المتكون عند أفراد المجتمع القبائلي‪ ،‬والذي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬االقتصاد اللّغوي المراعي للفهم التقليدي‬
‫ينبغي فيه إيصال الخطاب واضحا ومفهوما لتفادي الفهم الخاطئ‪.‬‬
‫‪ -‬البساطة والوضوح في اللّغة الموظّفة في الخطاب ال ّشعري ال ّشفوي‪.‬‬
‫‪ .2‬التّدوين‪:‬‬

‫متأخرة من التّاريخ‪ ،‬خاصة‬


‫ّ‬ ‫لم يعرف األدب ال ّشعبي ال ّشفوي ظاهرة التّدوين إالّ في مرحلة‬
‫اهتم بهذا الموروث ألغراض استعمارّية‪ ،‬ولع ّل‬
‫ال ّشعر‪ ،‬وذلك بعد دخول االستعمار الفرنسي الذي ّ‬
‫شعبية من‬
‫ّ‬ ‫مدونة "هانوطو" التي جاءت بعنوان "أشعار‬
‫المدونات التي جمعت‪ ،‬هي ّ‬
‫ّ‬ ‫أهم هذه‬
‫أولى و ّ‬
‫قبائل جرجرة" وذلك سنة ‪2117‬م‪ ،‬حيث جمع فيها االنتاجات ال ّشعرية ال ّشفوية لمنطقة القبائل‪.‬‬

‫قضية انعكاسات انتفاضة‬


‫ّ‬ ‫وبعد "هانوطو" تأتي اهتمامات "روني سبيت" الذي نظر في‬
‫جسده في كتابه الذي صدر سنة ‪2151‬م بعنوان‬
‫النتاج ال ّشعري الغنائي‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫‪2172‬م على ّ‬
‫"انتفاضة ‪ 2172‬الجزائري في الغناء ال ّشعبي القبائلي"‪.‬‬

‫ولكن كون‬
‫ّ‬ ‫بالنثر أيضا‪،‬‬
‫يهتم ّ‬
‫إن هذه االهتمامات الكبيرة لالستعمار بال ّشعر ال يعني ّأنه لم ّ‬
‫ّ‬
‫لكن هذا ال‬
‫فإننا ال نجد الكثير من االهتمام بالنّثر‪ّ ،‬‬
‫المجتمع القبائلي مجتمع شعري أكثر منه نثري‪ّ ،‬‬
‫األدبية النثرّية‪ ،‬مثل‬
‫ّ‬ ‫اهتم بهذا الجانب أي باإلنتاجات الفكرّية‬
‫يعني انعدامه‪ ،‬فهذا "هنري بسيط" ّ‬

‫‪1‬‬
‫عبد الحميد بورايو‪ ،‬البطل الملحمي والبطلة الضحية في األدب ال ّشفوي الجزائري‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪31‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الحكاية ال ّشعبية بك ّل أصنافها‪ ،‬ليصدر كتابا عنونه ب‪" :‬دراسات حول األدب البربري" سنة‬
‫‪2518‬م‪.‬‬

‫نسية‬
‫أن أولى المحاوالت للتّدوين كانت أجنبية فر ّ‬
‫فإننا نالحظ ّ‬
‫ومن خالل ما قلناه آنفا ّ‬
‫بالتّحديد‪ ،‬ليستلم بعدها أصحاب اإلرث مشعل التّدوين للمشاركة في الحفاظ على هذا الموروث‬
‫بمدونته التي عنونها‬
‫المقدمة ّ‬
‫ّ‬ ‫اهتم باللّغة األمازيغية في‬
‫الوطني وقد كان "بلقاسم ببن سديرة" الذي ّ‬
‫ب"محاضرات اللّغة القبائلية ‪-‬أغاني وأشعار" سنة ‪2117‬م‪ ،‬وبعده كثيرون منهم "سعيد بوليفة"‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫"جون عمروش"‪" ،‬مولود فرعون"‪" ،‬مولود معمري"‪.‬‬

‫هكذا كان للتّدوين عظيم األثر على اإلبداع ال ّشعري القبائلي والحفاظ عليه‪ ،‬حيث عرفت‬
‫الساحة التأليفية لألدب األمازيغي عامة نشاطا ال مثيل له فيما مضى‪ ،‬فظهرت دواوين شعرّية‬
‫ّ‬
‫ائية استطاعت أن تكسب قلب القارئ وتأسر تفكيره‪ .‬لكن رغم ما حقّقته‬
‫قصصية ورو ّ‬
‫ّ‬ ‫ومجموعات‬
‫إيجابيات في مجال األدب عامة وال ّشعر خاصة‪ ،‬إالّ ّأنها ال تخلو من العيوب‬
‫ّ‬ ‫هذه الظاهرة من‬
‫األساسية والتي نذكر‬
‫ّ‬ ‫مميزاته‬
‫صح التّعبير أفقدت ال ّشعر العربي بعضا من ّ‬
‫ّ‬ ‫السلبيات التي إن‬
‫و ّ‬
‫منها‪:‬‬

‫التفرد باإلنتاج‬
‫‪ -‬التخلّي عن طابع اإلنتاج الجماعي واالنتقال إلى طابع اإلنتاج الفردي‪ ،‬أي ّ‬
‫وابعاده عن الموروث الجماعي‪.‬‬
‫الجماعية المتوارثة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرؤى‬
‫‪ -‬التخلّي عن ّ‬
‫النمطية اإلبداعية التّقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬التخلّص من ّ‬
‫وضعيات األداء واإللقاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ص ال ّشعري عن اإليقاع الموسيقي أثناء‬
‫الن ّ‬
‫‪ -‬إبعاد ّ‬
‫االجتماعية ألهل‬
‫ّ‬ ‫ص ال ّشعري عن عالم الممارسات الطّقوسية المرتبطة بالبيئة‬
‫الن ّ‬
‫‪ -‬إبعاد ّ‬
‫منطقة القبائل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد أسويق‪ ،‬مدخل تاريخي لل ّشعر القبائلي‪ ،‬أفريل‪.www.etudtant.y007.com ،1822‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪32‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫معينة وخاصة في‬


‫موجها لفئة ّ‬
‫أهمها كون هذا اإلنتاج الفكري أصبح ّ‬
‫ولعل أكبر العيوب و ّ‬
‫موجه‬
‫الخاصة‪ ،‬ليصبح في مرحلة التّدوين ّ‬
‫ّ‬ ‫للعامة و‬
‫ّ‬ ‫موجها‬
‫المجتمع بعدما كان في مرحلته ال ّشفوية ّ‬
‫للمثقّفين المتعلّمين الذين يعرفون القراءة فقط‪.‬‬

‫لغوية كون الفئة المنتجة تميل إلى تدوين انتاجاتها باألحرف‬


‫معوقات ّ‬
‫هذا إضافة إلى ظهور ّ‬
‫األم‪ ،‬ما يجعل هذا اإلنتاج‬
‫الالّتينية التي يستحيل أن تنقل مصداقية ذلك اإلنتاج كما هو في لغته ّ‬
‫حسه الجوهري وروحه ال ّشعبي‪.‬‬
‫كثي ار ما يفقد ّ‬

‫ورغم ما تحمله هذه الظاهرة من عيوب إالّ ّأنها م ّكنت المجتمع القبائلي من الحفاظ على‬
‫موروثه األدبي عامة وال ّشعري خاصة من الضياع لتضمن له بذلك البقاء‪ ،‬وتمنح له شرف‬
‫االستمرار‪.‬‬

‫شعر األمازيغي‬
‫أنواع ال ّ‬

‫شعر االجتماعي‪:‬‬
‫‪ .1‬ال ّ‬

‫وتحركات أفراد المجتمع القبائلي المعروف‬


‫ّ‬ ‫ألهم تفاعالت‬
‫هو ذلك ال ّشعر الذي يقف راصدا ّ‬
‫يصور هذه الحياة بك ّل جوانبها‪ ،‬من عادات وتقاليد‪ ،‬مبادئ‬
‫ّ‬ ‫وعفويتها‪ ،‬فنجد ال ّشاعر‬
‫ّ‬ ‫ببساطة حياته‬
‫(الدينية‪ ،‬الفكرّية‬
‫وأعراف يعتبرها اإلنسان والمجتمع القبائلي اإلطار الذي يرسم له أخالقه وتر ّبيته ّ‬
‫"محمد جالّوي" في‬
‫ّ‬ ‫خضم التعامالت والعالقات التي تربط بين األفراد‪ ،‬وهذا ما يؤ ّكده‬
‫ّ‬ ‫الروحية) في‬
‫وّ‬
‫ئيسية في البناء‬
‫أساسية ودعامة ر ّ‬
‫ّ‬ ‫قوله‪« :‬وهذه القيم والمبادئ تش ّكل في صورتها ال ّشاملة قاعدة‬
‫االجتماعية لألفراد والجماعات بما‬
‫ّ‬ ‫هاما في تنظيم الحياة‬
‫الهيكلي للمجتمع القبائلي‪ ،‬إذ تلعب دو ار ّ‬
‫‪1‬‬
‫المميز لإلنسان القبائلي»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أخالقية ساعدت على رسم الخطّ الحضاري‬
‫روحية و ّ‬
‫ّ‬ ‫توفّره من منطلقات‬
‫وهكذا يمكن اعتبار ال ّشاعر ال ّشعبي حامل اللّواء القومي الذي ينتمي إليه‪ ،‬وحامي العادات والتّقاليد‪،‬‬
‫الجماعية بشعره‪ ،‬وهنا تكمن‬
‫ّ‬ ‫تميز مجتمعه وذلك من خالل ترسيخها في ال ّذاكرة‬
‫وك ّل القيم التي ّ‬

‫‪1‬‬
‫محمد جالوي‪ ،‬تطور الشعر الشعبي القبائلي وخصائصه (بين التقليد والحداثة)‪ ،‬ج‪ ،2‬الشعراء التقليديين‪ ،‬مطبعة الزيتونة‪،‬‬
‫ّ‬
‫تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪ ،1885 ،‬ص ‪.971‬‬

‫‪33‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أهمية الشاعر الشفوي‪ ،‬والشاعر هو لسان الجماعة التي ينتمي إليها‪" ،‬فالشاعر في المجتمع‬
‫يعد حامل لواء القوم الذي ينتمي إليه‪ ،‬فهو المترجم األمين عن انشغاالته‬
‫القبائلي التقليدي ّ‬
‫‪1‬‬
‫واهتماماته‪ ،‬والحامي لقيمه ومبادئه"‪.‬‬

‫فني وابداعي‪ ،‬ناسجا‬


‫فإن ال ّشاعر القبائلي استطاع أن ينقل انشغاالت مجتمعه بشكل ّ‬
‫وهكذا ّ‬
‫مهمين ّأولهما الجانب االجتماعي‪ ،‬حيث تم ّكن من معالجة ج ّل‬
‫مهتما بجانبين ّ‬
‫ّ‬ ‫بتميز‬
‫شعره ّ‬
‫الفني الذي لم يهمله والذي‬
‫ومقومات المجتمع األمازيغي‪ ،‬والثّاني الجانب ّ‬
‫اهتمامات الفرد القبائلي ّ‬
‫فية‪.‬‬
‫الفنية اللّغوية وحتّى المعر ّ‬
‫امكانياته ّ‬
‫ّ‬ ‫من خالله يبرز‬

‫وينقسم ال ّشعر االجتماعي إلى أنواع هي‪:‬‬

‫‪ -‬ال ّشعر النسائي‪.‬‬


‫‪ -‬شعر أوقات العمل‪.‬‬
‫‪ -‬شعر األفراح‪.‬‬
‫‪ -‬شعر الغربة‪.‬‬
‫‪ -‬ال ّشعر العاطفي‪.‬‬

‫شعر االجتماعي‪:2‬‬
‫خصائص ال ّ‬

‫متمي از عن األنواع‬
‫يحمل ال ّشعر االجتماعي بك ّل أنماطه مجموعة من الخصائص التي تجعله ّ‬
‫مقسمة إلى نوعين‪:‬‬
‫المميزات ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّشعرية األخرى‪ ،‬ونجد هذه الخصائص أو‬

‫أ‪ .‬من حيث الموضوع‬

‫بالنظر إلى اسمه ك ّل القضايا المتعلّقة بالمجتمع من جميع النواحي‬


‫يتناول ال ّشعر االجتماعي ّ‬
‫قضية العمل واألفراح‬
‫ّ‬ ‫وتطرق إليها‪ ،‬حيث نجده يتناول‬
‫ّ‬ ‫أي قضية إالّ‬
‫الحياتية‪ ،‬فهو ال يترك ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫تطور ال ّشعر القبائلي وخصائصه‪( ،‬بين التقليد والحداثة)‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫محمد جالوي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.997‬‬

‫‪34‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫قضية العاطفة التي ال نجدها غائبة في جميع القضايا المتناولة في ال ّشعر‬


‫ّ‬ ‫والمناسبات‪ ،‬وحتّى‬
‫قضية الغربة التي مازالت مالزمة للمجتمع‬
‫ّ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬فهي الغالبة في جميع الفروع خاصة‬
‫لقضية الم أرة وانتاجاتها ال ّشعرية ال ّشعبية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القبائلي‪ ،‬وال ننسى تناوله‬

‫ب‪ .‬الفنية واإلبداعية‪:‬‬


‫السهلة؛ التي هي في متناول الفرد االجتماعي البسيط‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام اللّغة البسيطة و ّ‬
‫القضية المعالجة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النافذة إلى قلب‬
‫‪ -‬استخدام األلفاظ ّ‬
‫‪ -‬اللّجوء غير الواسع للموروث الثّقافي االجتماعي‪.‬‬
‫الصور ال ّشعرية التي‬
‫الطبيعية‪ ،‬أي المستوحاة من الطبيعة‪ ،‬واإلكثار من ّ‬
‫ّ‬ ‫الرموز‬
‫‪ -‬استخدام ّ‬
‫القضية بك ّل حذافيرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فني إبداعي واقع‬
‫ترسم بشكل ّ‬
‫السردي لألحداث المدرجة في‬
‫‪ -‬االعتماد على التّواصل ال ّشعري المبني على الحوار ّ‬
‫االجتماعية المدروسة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القضية‬
‫ّ‬ ‫مضمون‬
‫الديني‪:‬‬
‫شعر ّ‬
‫‪ .2‬ال ّ‬

‫الدين والمشايخ‬
‫النمط ال ّشعري الذي عرفته منطقة القبائل على يد رجال ّ‬
‫ويقصد به ذلك ّ‬
‫ودينية‪ ،‬وذلك لكونه‬
‫ّ‬ ‫أخالقية‬
‫ّ‬ ‫يهتم بك ّل ما له قيمة‬
‫الصالحين‪ ،‬وهو نمط ّ‬
‫الزوايا واألولياء ّ‬
‫ورجال ّ‬
‫الديني الجزائري‬
‫حني" في قوله‪« :‬ارتبط ال ّشعر ال ّشعبي ّ‬
‫يؤكده "عبد اللّطيف ّ‬
‫مرتبط باإلسالم وهذا ما ّ‬
‫الدائمة‬
‫استمد منه أشكاله وموضوعاته‪ ،‬وذلك راجع إلى العالقة الوثيقة ّ‬
‫وتطوره و ّ‬
‫ّ‬ ‫باإلسالم منذ نشأته‬
‫‪1‬‬
‫الناشئ‬
‫النمط ال ّشعري الذي يهدف إلى تربية ّ‬
‫عبيين»‪ ،‬فهذا ّ‬
‫الدينية لل ّشعراء ال ّش ّ‬
‫النشأة ّ‬
‫بينهما‪ ،‬والى ّ‬
‫الدينية التي جاءت عبر قوالب يسهل نظمها وبناؤها‪ ،‬ذلك لكون ال ّشعر أكثر تداوال في‬
‫على القيم ّ‬
‫األوساط ال ّشعبية نظ ار لسهولة حفظه وسرعة انتشاره‪ ،‬فهو ذو مضمون ديني وهدف أخالقي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفني ديوان ال ّشيخ عبد القادر بطبجي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في األدب العربي‬
‫حني‪ ،‬التشكيل ّ‬
‫عبد اللّطيف ّ‬
‫الحديث‪ ،‬تخصص أدب شعبي‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.1828-1885‬‬

‫‪35‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األخالقية على ال ّشعر‬


‫ّ‬ ‫الدينية و‬
‫الدين في ايصال رسالتهم ّ‬
‫وقد اعتمد هؤالء المشايخ ورجال ّ‬
‫النمط التّواصلي األكثر انتشا ار وتداوال في الوسط ال ّشعبي لمنطقة القبائل‪ ،‬وهو أيضا األكثر‬
‫لكونه ّ‬
‫الفني للمتلقّي‪.‬‬
‫إبداعية ترضي ال ّذوق ّ‬
‫ّ‬ ‫اعية إليصال رسائلهم في صيغة‬
‫طو ّ‬

‫بعدة أنماط شعرية راعي فيها الشاعر المناسبات القولية لتلك‬


‫أن هذا النوع الشعري يزخر ّ‬
‫كما ّ‬
‫بأن المجتمع القبائلي قد جعل من ك ّل ما يخص حياته‬
‫األشعار‪ ،‬هذا يدفع القارئ المتلقي إلى القول ّ‬
‫الجانب األقدس واألهم على اإلطالق‪.‬‬

‫بعدة أنواع شعرّية بارزة منها‪:‬‬


‫تميز ّ‬
‫الديني ّ‬
‫أن الشعر ّ‬
‫ومنه نجد ّ‬

‫النبي ‪-‬صلّى اللّه‬


‫فن الثّناء والتّقدير‪ ،‬ومنه مدح ّ‬
‫(أمدح أو لمدح)‪ ،‬وهو ّ‬
‫الديني ّ‬
‫‪ -‬المديح ّ‬
‫وتسبحوه بكرة‬
‫ّ‬ ‫وتعززوه وتوقّروه‬
‫عليه وسلّم‪ -‬عمال بقوله تعالى‪« :‬لتؤمنوا باللّه ورسوله ّ‬
‫وأصيال» (الفتح‪ ،‬آية ‪.)85‬‬
‫حي از كبي ار في‬
‫النوع من المديح نجده قد شغل ّ‬
‫الصالحين وهذا ّ‬
‫ومنه أيضا مدح األولياء ّ‬
‫السادات واعتقاداتهم بمقدرة هؤالء على‬
‫نظر إليمانهم بهؤالء األولياء و ّ‬
‫الوسط األمازيغي‪ ،‬ا‬
‫تحقيق األفعال الخارقة والمعجزات‪.‬‬
‫الديني (أذ ّكر) وهو تلك األشعار‬
‫الديني وهو ال ّذكر ّ‬
‫‪ -‬كما نجد نوعا آخر من ال ّشعر ّ‬
‫النفوس الخشوع‪ ،‬فكان ال ّشعراء‬
‫تؤدى في الجنائز حزنا؛ والتي توقظ في ّ‬
‫والقصائد التي ّ‬
‫الميت‪ ،‬وكذا‬
‫السهر على ّ‬
‫يساندون العائالت في مثل هذه الحاالت الحزينة بالتّسابيح أثناء ّ‬
‫الدعاء له بالمغفرة‪.‬‬
‫الميت إلى مثواه األخير و ّ‬
‫النعش وحمل ّ‬
‫عند حمل ّ‬
‫‪ -‬قصص األنبياء‪ ،‬ويدخل هذا النوع ضمن ال ّشعر القصصي الموضوعي‪ ،‬وهي عبارة عن‬
‫اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫تستمد موضوعاتها من القرآن الكريم‪ ،‬وتتّخذ من ال ّشخصيات‬
‫ّ‬ ‫مطولة‬
‫قصائد ّ‬
‫السلف خاصة األنبياء الذين هم عبرة‬
‫النوع هو االعتبار من ّ‬
‫أبطاال لها‪ ،‬والهدف من هذا ّ‬
‫لك ّل من على األرض‪.‬‬
‫النمط ال ّشعري على مراعاة عقائدية بين ال ّشر والخير‪ ،‬اإلسالم والكفّار لتكون‬
‫ويقوم هذا ّ‬
‫القوة الخيرّية هي الغالبة دائما في األخير‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪36‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫(التصوف)‪ ،‬وغالبا ما يأتي ممتزجا مع األغراض األخرى‪ ،‬ولذا ناد ار ما‬


‫ّ‬ ‫الصوفي‬
‫‪ -‬ال ّشعر ّ‬
‫النوع خالصة له‪.‬‬
‫مخصصة لهذا ّ‬
‫ّ‬ ‫نجد قصيدة كاملة‬

‫‪1‬‬
‫الديني‪:‬‬
‫شعر ّ‬
‫خصائص ال ّ‬

‫تميزه عن باقي األنواع المنتشرة في‬


‫الديني بمجموعة من الخصائص التي ّ‬
‫يتميز ال ّشعر ّ‬
‫ّ‬
‫األوساط القبائلية وهي‪:‬‬

‫أ‪ .‬من حيث الموضوع‪:‬‬

‫وحية للمجتمع القبائلي‪،‬‬


‫الر ّ‬
‫الدينية و ّ‬
‫الديني مواضيع متعلّقة بالحياة ّ‬
‫يتناول ال ّشعر ال ّشعبي ّ‬
‫اليومية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحياتية‬
‫ّ‬ ‫األخالقية التي تتّصل اتّصاال وثيقا بالممارسات‬
‫ّ‬ ‫العقائدية و‬
‫ّ‬ ‫مظه ار القيم والمبادئ‬
‫قضية‬
‫ّ‬ ‫الدينية ألفراد المجتمع القبائلي‪ ،‬باإلضافة إلى تناوله‬
‫المقدسة المتعلّقة بالحياة ّ‬
‫ّ‬ ‫والممارسات‬
‫النوع بالعناصر والمبادئ‬
‫ويهتم هذا ّ‬
‫ّ‬ ‫الناسك القبائلي لخالقه‪،‬‬
‫يكنها ّ‬
‫العالقة الجامعة والجامحة التي ّ‬
‫الدين اإلسالمي خاصة‪.‬‬
‫المؤسسة لإليمان و ّ‬
‫ّ‬ ‫القاعدية‬
‫ّ‬

‫ب‪ .‬الف ّنية واإلبداعية‪:‬‬


‫السهلة والواضحة‪.‬‬
‫‪ -‬توظيف اللّغة البسيطة‪ّ ،‬‬
‫‪ -‬االعتماد على الموروث الثّقافي العقائدي والعرفي لمنطقة القبائل‪ ،‬سواء من ناحية‬
‫استخدامه للتّسميات أو األلقاب المتداولة في هذه المنطقة‪ ،‬أو من ناحية العادات‬
‫والتقاليد‪.‬‬
‫للصور ال ّشعرية مثل التّشبيه واالستعارة والكناية‪ ،‬إلى جانب المجاز‬
‫‪ -‬االستعمال الواسع ّ‬
‫والبديع خاصة الطّباق والمقابلة‪.‬‬
‫الفني الذي‬
‫للرموز وذلك لصبغ انتاجه ال ّشعري بنوع من الغموض ّ‬
‫‪ -‬االستخدام المكثّف ّ‬
‫ولكن ال ّشاعر أيضا حريص على االبتعاد عن االبهام الذي ينفر‬
‫ّ‬ ‫يجلب انتباه المتلقّي‪،‬‬
‫الرموز توظيفا هي األسطورّية‪.‬‬
‫منه المتلقّي‪ ،‬ولع ّل أكثر ّ‬

‫‪ - 1‬محمد عيالن‪ ،‬التراث ال ّ‬


‫شعبي الجزائري‪ ،‬دراسات وبحوث ميدانية‪ ،‬الجزائر‪،2557 ،‬ص ‪.144‬‬

‫‪37‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫شعر التّاريخي‪:‬‬
‫‪ .3‬ال ّ‬

‫النوع ال ّشعري في منطقة القبائل منذ أمد بعيد‪ ،‬حيث ساهم في نقل ما يختلج‬
‫وقد عرف هذا ّ‬
‫طياتها‬
‫مر بها‪ ،‬والتي تحمل في ّ‬
‫يخية التي ّ‬
‫المجتمع األمازيغي عبر التّاريخ وفي ك ّل المراحل التار ّ‬
‫وتنظيمية حاسمة عرفتها هذه المنطقة‪ ،‬التي عانت الكثير من األلم بسبب‬
‫ّ‬ ‫سياسية‬
‫ّ‬ ‫تفاعالت‬
‫مهمة وهي‪:‬‬
‫مرت بمراحل تاريخية ّ‬
‫بأن هذه المنطقة قد ّ‬
‫الصراعات‪ ،‬وهذا ما يم ّكننا رّبما من القول ّ‬
‫ّ‬

‫القبلية‪.‬‬
‫الصراعات ّ‬
‫النزاعات و ّ‬
‫‪ -‬مرحلة ّ‬
‫ضد المستعمر‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة المقاومة ال ّشعبية ّ‬
‫يغية‪.‬‬
‫الهوية األماز ّ‬
‫‪ -‬مرحلة إثبات ّ‬

‫مر بها المجتمع القبائلي جاء ال ّشعر خادما ألهداف تلك المرحلة‪ ،‬مثال فيما‬
‫وفي ك ّل مرحلة ّ‬
‫النظام الهيكلي لمنطقة القبائل‬
‫القبلية فقد كان ال ّشعر بحكم ّ‬
‫ّ‬ ‫الصراعات‬
‫النزاعات و ّ‬
‫يخص مرحلة ّ‬
‫ّ‬
‫الذي يقوم على نظام القبيلة والعرش‪ ،‬جاء مختلف المساعي من شاعر آلخر‪ ،‬فهذا يستخدم شعره‬
‫الصراع بين قبيلتين أو أكثر‪ ،‬وآخر وظّفه من أجل توسيع الفجوة التي غالبا ما تنتهي‬
‫من أجل ح ّل ّ‬
‫ضحيتها أناس أبرياء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أهلية فتّاكة يذهب‬
‫بحروب ّ‬

‫مما‬
‫بالنسبة ألهل هذه المنطقة ّ‬
‫أما في مرحلة المقاومة ال ّشعبية فقد كانت هذه المرحلة حاسمة ّ‬
‫ّ‬
‫السالح‪ ،‬حيث‬
‫النزاعات‪ ،‬فقاوموا االستعمار الفرنسي باللّسان و ّ‬
‫جعلهم ينشغلون بها دون غيرها من ّ‬
‫أنتجت هذه المرحلة شع ار جاء لحشد الهمم واستنهاض العزائم‪ ،‬ليصبح هذا ال ّشعر وبطريقة غير‬
‫يؤكده‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ لألحداث التي عرفتها هذه المنطقة وال ّذاكرة التي حفظتها‪ ،‬وهذا ما‬
‫ّ‬ ‫مباشرة بمثابة‬
‫إن أشعار الثّورة التّحريرية (‪ )2511-2594‬شكل من أشكال التّعبير‬
‫"رمضان لشعب" في قوله‪ّ « :‬‬
‫ال ّشعبي في األدب ال ّشفوي‪ ،‬وهذه األشعار تعتبر ال ّشكل الممثّل لألحداث التّاريخية التي عرفتها‬
‫منطقة القبائل حاملة معها أحالم واحتياجات أهل المنطقة‪ ،‬وكذلك قيمهم‪ ،‬وهذا ما يجعل من هذا‬

‫‪38‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫التعبير ال ّشفوي المرآة العاكسة لهذا المجتمع المفعم بروح المقاومة‪ ،‬وهذا النوع ال ّشعري يحافظ على‬
‫‪1‬‬
‫السنين واألجيال»‪.‬‬
‫مر ّ‬‫الجماعية وهذا على ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّذاكرة ال ّشعبية أو‬

‫مما يرضيهم وال‬


‫يعبرون عن انفعاالتهم وأحالمهم وك ّل ما يختلجهم ّ‬
‫وظ ّل أهل منطقة القبائل ّ‬
‫النفيس تأتي‬
‫بالنفس و ّ‬
‫وضحوا ّ‬
‫ّ‬ ‫يرضيهم إلى يومنا هذا‪ ،‬فبعد الحرب التّحريرية التي جاهدوا فيها‬
‫أهم مرحلة عرفها المجتمع الجزائري عامة والقبائلي خاصة‪ ،‬وهي مرحلة إثبات‬
‫المرحلة التي تعتبر ّ‬
‫تحول في المسار التّاريخي للفرد القبائلي‪ ،‬حيث سعى هذا األخير‬
‫يغية وهي نقطة ّ‬
‫الهوية األماز ّ‬
‫ّ‬
‫يغية التي تمثّل‬
‫القضية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫جاهدا وحرص على تنفيذ ك ّل الوعود الثّورية وعمل على انصاف‬
‫ألم‬
‫اهتموا بما ّ‬
‫بالنسبة للمجتمع القبائلي‪ ،‬وهذا ما ترجمه العديد من ال ّشعراء الذين ّ‬
‫األصلية ّ‬
‫ّ‬ ‫الروح‬
‫ّ‬
‫نظامية الغرض‬
‫ّ‬ ‫يغية عامة من اجحاف سياسي وممارسات‬
‫بأهل منطقة القبائل خاصة‪ ،‬وباألماز ّ‬
‫يغية والحكم عليها بالفشل والفناء‪.‬‬
‫القضية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫منها‪ :‬عزل‬

‫يغية لم تمنع ال ّشاعر‬


‫لكن هذه العوائق التي وضعتها أياد وعقول ترفض فكرة الجزائر أماز ّ‬
‫ّ‬
‫بداعيا يالقي‬
‫فنيا وا ّ‬
‫القضية وجعلتها موضوعا ّ‬
‫ّ‬ ‫حررت هذه‬
‫يغية ّ‬
‫األمازيغي من إنتاج قصائد أماز ّ‬
‫السيف؛ بين سياسة الحكم‬
‫حدي ّ‬
‫الرواج في الوسط ال ّشعبي‪ ،‬فتم ّكن ال ّشاعر القبائلي من الجمع بين ّ‬
‫ّ‬
‫محمد جالّوي" بقوله‪« :‬هذه العالقة التي تبرز‬
‫يؤكده " ّ‬
‫يغي وهذا ما ّ‬
‫الوطنية في بعدها األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫و ّ‬
‫يغية عادة من طرف األجهزة المسيرة‪ ،‬حتى أضحى هذا‬ ‫النكران الذي تجابه األماز ّ‬
‫النفور و ّ‬
‫ذلك ّ‬
‫نفسية ال ّشعراء وولّد في ذواتهم نوعا من‬
‫التصدي في ّ‬
‫النكران وقودا إلذكاء حسن المجابهة و ّ‬
‫النفور و ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الحقد والكره تجاه هذا الحكم الذي تن ّكر لوجودهم وكيانهم التّاريخي والثّقافي»‪.‬‬

‫شعر التّاريخي‪:‬‬
‫أنواع ال ّ‬

‫القبلية‪.‬‬
‫الصراعات ّ‬
‫النزاعات و ّ‬
‫‪ -‬شعر ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪Ramdane Lasheb, chants de guerre des femmes kabyles (études et texte amazighs) l’odyssée, Tizi-Ouzou,‬‬
‫‪Algérie, 2008, P 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد جالوي‪ ،‬تطور الشعر الشعبي القبائلي وخصائصه (بين التقليد والحداثة)‪ ،‬ج‪ ،1‬الشعر الحديث‪ ،‬مطبعة الزيتونة‪،‬‬
‫تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪ ،1828 ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪39‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ضد االستعمار الفرنسي وهو نمطين‪:‬‬


‫‪ -‬شعر مرحلة المقاومة ّ‬
‫‪ ‬شعر فترة الكفاح السياسي (قبل الثورة)‪.‬‬
‫‪ ‬شعر فترة الكفاح السياسي (الثورة التحريرية)‪.‬‬
‫‪ -‬شعر مرحلة إثبات الهوية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫شعر التّاريخي‪:‬‬
‫خصائص ال ّ‬

‫أ‪ .‬من حيث الموضوع‪:‬‬

‫تميز بها مادة خاصة استطاع أن‬


‫لقد جعل ال ّشاعر ال ّشعبي من التّاريخ واألحداث التي ّ‬
‫فني إبداعي‪ ،‬ليش ّكل لنا في األخير إنتاجا شعرّيا ترجم فيه ك ّل ما يتعلّق بالحياة‬
‫يعجنها بشكل ّ‬
‫ياسية لمنطقة القبائل‪ ،‬ونجد من المواضيع التي جعل منها مصدر االلهام ما يلي‪:‬‬
‫الس ّ‬‫التّاريخية و ّ‬

‫الصراعات القبلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ضد االستعمار‪.‬‬
‫‪ -‬المقاومات ال ّشعبية ّ‬
‫السياسية في الجزائر ّإبان االحتالل الفرنسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الحركة‬
‫‪ -‬الثّورة التّحريرّية واف ارزاتها‪.‬‬
‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬االستقالل ومخلّفاته التّاريخية و‬
‫يغية التي مثّلت الجانب األكبر من هذه المواضيع‪.‬‬
‫القضية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الروح‬
‫الوطنية و ّ‬
‫ّ‬ ‫قضية الوحدة‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ب‪ .‬الف ّنية‪:‬‬
‫‪ -‬استخدام األساليب التّعبيرية المتماشية مع اللّغة ال ّشعرية الموظّفة في القصيدة‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام تقنية التّصوير‪.‬‬
‫الرموز واإليحاءات‪.‬‬
‫‪ -‬توظيف ّ‬
‫‪ -‬توظيف التّراث وال ّشخصيات التّاريخية الخالدة‪.‬‬

‫‪ www.etudtant.y007.com.-1‬محمد أسويق‪ ،‬مدخل تاريخي للشعر القبائلي‪.2011،‬‬

‫‪40‬‬
‫االلتزام في األدب‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ -‬اعتماد الموازنة خاصة فيما يتعلّق بالقصائد التي تتناول إحدى الصراعات أو المعارك‬
‫بين المقاومين والمستعمرين‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫إن الحديث عن ال ّشعر القبائلي يحيلنا إلى حديث آخر لطالما ارتبط بال ّشعر عامة‪ ،‬وال ّشعر‬
‫ّ‬
‫الفنان الذي ثمن جرأته‬
‫أي واحد تذكر أمامه اسم "معطوب" إالّ ويقول ّإنه ّ‬
‫األمازيغي خاصة‪ ،‬و ّ‬
‫بالقضية األمازيغية غاليا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والتزامه‬

‫الفن والموسيقى‪ ،‬كون هذه األخيرة‬


‫التحدث عن ال ّشعر القبائلي بعيدا عن ّ‬
‫ّ‬ ‫من هنا ال يمكننا‬
‫على عالقة وطيدة ال تكاد تنفصل عن ال ّشعر خاصة في المجتمع القبائلي الذي يعرف بهذه‬
‫الظاهرة بمختلف أشكالها‪ ،‬وهذا ما دفعنا إلى تخصيص مبحث نلقي من خالله نظرة على تاريخ‬
‫يغيين‪.‬‬
‫الموسيقى والغناء األماز ّ‬
‫‪1‬‬
‫األمازيغيين‬
‫ّ‬ ‫األول‪ :‬الموسيقى والغناء‬
‫المبحث ّ‬

‫فن من الفنون المتعلّقة باإلنسان منذ وجوده‪ ،‬اعتمدها‬


‫يغية‪ّ ،‬‬
‫إن الموسيقى أو "أ ازوان" باألماز ّ‬
‫ّ‬
‫يعبر بها عن خلجات نفسه‪ ،‬عن أحاسيسه ومشاعره‪،‬‬
‫اإلنسان األمازيغي وسيلة من الوسائل التي ّ‬
‫أي ظرف‪.‬‬
‫في ك ّل األوقات وتحت ّ‬

‫تنوع‬
‫مهما سمح ب ّ‬
‫وتنوع بيئته وامتداد رقعته الجغرافية عامال ّ‬
‫ويعتبر قدم ال ّشعب األمازيغي ّ‬
‫بتنوع واختالف‬
‫ومتنوعة ّ‬
‫ّ‬ ‫يقاعية وشعرّية مختلفة‬
‫لحنية وا ّ‬
‫لخصوصيات ّ‬
‫ّ‬ ‫أشكال الموسيقى واكتسابها‬
‫ورجالي أو مشترك بينهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نسوي‬
‫ّ‬ ‫وكثرة أصناف ال ّشعر القبائلي‪ ،‬من شعر‬

‫النقل والتّلقين منذ العصور‬


‫لقد اعتمدت الموسيقى األمازيغية وال ّشعر على ال ّشفوية في ّ‬
‫الضياع إالّ ما حفظته ال ّذاكرة الجماعية‪ ،‬ليكون مصيرها المحتّم‪،‬‬
‫للنسيان و ّ‬
‫عرضها ّ‬
‫مما ّ‬
‫الغابرة‪ّ ،‬‬
‫الزوال أو االندثار‪.‬‬
‫مفر منه هو ّ‬
‫الذي ال ّ‬

‫كده اآلثار‬
‫أن األمازيغ قد عرفوا الموسيقى منذ فجر التّاريخ‪ ،‬وهذا ما تؤ ّ‬
‫ك فيه ّ‬
‫ومما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫الرسومات التي نقشت على الجدران‪ ،‬منها ما نقش على جدارّيات جبال أكاكوس بليبيا والطّاسلي‬
‫وّ‬
‫الناي‪ ،‬هذه األخيرة‬
‫عدة أنواع من اآلالت مثل الطّبل و ّ‬
‫بالجزائر‪ ،‬كما عرفت الموسيقى األمازيغية ّ‬

‫‪ -1‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص‪.765/765‬‬

‫‪40‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫تعد ّأول آلة في العالم وأقدمها والتي تعود إلى أرض تامزغا والتي اكتشفت في كهف‬
‫التي ّ‬
‫هوافطيح‪ ،‬قرب بنغازي اللّيبية‪.‬‬

‫وتعد "أمزاد ‪ "Imzad‬ضمن أقدمها‬


‫إلى جانب التينيدي عرف األمازيغ كذلك اآلالت الوترّية‪ّ ،‬‬
‫ائية ذات القربة وزوج‬
‫بال منازع‪ ،‬كما يستعمل أمازيغ الصحراء كذلك "المزود ‪"Mezoued‬؛ اآللة الهو ّ‬
‫من المزامير‪.‬‬

‫فإن األمازيغ عرفوا أشكاال وأنواعا مختلفة منه منذ‬


‫يخص الغناء ّ‬
‫ّ‬ ‫أما فيما‬
‫هذا عن اآلالت‪ّ ،‬‬
‫السعيدة‬
‫الديني‪ ،‬ومنه ما ارتبط بالمناسبات ّ‬
‫القديم‪ ،‬فمنه ما هو مرتبط بالتراثيم أي الغناء الطّقوسي ّ‬
‫‪1‬‬
‫السنوية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫اليومية منها وال ّشهرية و ّ‬
‫ّ‬ ‫منها والحزينة‪،‬‬

‫تشدد البعض‬
‫وحتى بعد ظهور اإلسالم لم يختف الف ّن األمازيغي‪-‬الغناء والموسيقى‪-‬رغم ّ‬
‫وتحريمه‪ ،‬لكن ذلك لم يمنع من استم ارره وحفاظه على بقائه على ظهر الوجود‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫األغنية األمازيغية الملتزمة المعاصرة‪:‬‬

‫بعد الحرب العالمية األولى تزايد عدد المهاجرين األمازيغ إلى أوربا خاصة إلى فرنسا‪ ،‬وذلك‬
‫الجو المالئم وال حتى لقمة العيش للبقاء داخل الوطن‪،‬‬
‫ألن الظروف لم تسمح لهم ولم توفر لهم ّ‬
‫ّ‬
‫فاالستعمار الفرنسي قد مارس على ال ّشعب الجزائري عامة والقبائلي خاصة مختلف سياسات‬
‫ليضطروا إلى ترك بالدهم ومسقط رأسهم ويهاجروا بحثا عن لقمة عيش يسكتون‬
‫ّ‬ ‫التّجويع والتّفقير‬
‫بها جوع عائالتهم التي تركوها وراءهم‪.‬‬

‫يعبرون‬
‫هذه الظّروف التي كوت صدور هؤالء المهاجرين دفعت بهم إلى اتّخاذ الغناء وسيلة ّ‬
‫بها عن حنينهم وشوقهم إلى األهل والخالّن‪ ،‬إلى الوطن وساكنيه‪ ،‬فاتّخذوا منه دواء لجراحهم‪،‬‬
‫حبا بالوطن وشوقا لألهل واألحباب‪ ،‬ومن‬
‫وبرهما لمعاناتهم‪ ،‬فكانت أغانيهم حزينة مؤثّرة تفيض ّ‬
‫خدام" وآخرون‪.‬‬
‫زروقي" "شريف ّ‬
‫الفن نجد "ال ّشيح الحسناوي"‪" ،‬عالّوة ّ‬
‫الذين عرفوا في هذا ّ‬

‫‪ -1‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص‪.765/765‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪.755‬‬

‫‪41‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫بالنوع ال ّشرقي‪ ،‬بعد أن‬


‫طور هذا الجيل األغنية األمازيغية وأبدعوا فيها‪ ،‬متأثّرين في ذلك ّ‬
‫لقد ّ‬
‫الوهاب"‬
‫"محمد عبد ّ‬
‫ّ‬ ‫قية لكبار المطربين ذلك الزمان أمثال "أم كلثوم"‪،‬‬
‫راجت األغاني العر ّبية المشر ّ‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫الفنانون المغتربون بإدخال آالت موسيقية عصرّية إلى غنائهم‪ ،‬بعدما كانت األغنية‬
‫كما قام ّ‬
‫الدف‪ ،‬الطّبل والغيطة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الناي‪،‬‬
‫البدائية المتمثّلة في ّ‬
‫ّ‬ ‫األمازيغية تعتمد على اآلالت‬

‫الفن والغناء من أبوابه الواسعة‪ ،‬فأبدعوا فيه بشتّى أنواعه‪،‬‬


‫الفنانون األمازيغ عالم ّ‬
‫لقد دخل ّ‬
‫يغية برائعته "أكر أميس‬
‫الوطنية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫فهذا "محند أويدير أيت عمران" أبدع في األغاني واألناشيد‬
‫أومازيغ"‪-‬انهض أيها األمازيغي‪ -‬التي ناهض بها االستعمار الفرنسي‪ ،‬وأشاد فيها بالملوك‬
‫األمازيغ‪ ،‬حيث يعتبر ّأول نشيد وطني باألمازيغية‪ ،‬ثم الفنان "آيت منقالت" الحقا‪ ،‬و"سعيد عايش"‬
‫"شدوا أحزمتكم يا شباب"‪.‬‬
‫بأغنية "أقست أ يلمزين" أي ّ‬

‫بالفن والموسيقى‬
‫ّ‬ ‫ليعرفوا‬
‫األولين ّ‬
‫الفنانين على نفس درب ّ‬
‫الالح من ّ‬
‫هذا وقد واصل الجيل ّ‬
‫العالمية‪ ،‬ليكون "عيسى الجرموني" المطرب ال ّشاوي ّأول مسلم‬
‫ّ‬ ‫األمازيغية ويحملوها عاليا وبعيدا إلى‬
‫الفنان القبائلي‬
‫يد ّ‬ ‫يغية ذروة ازدهارها على ّ‬
‫يغني في األولمبياد بباريس‪ ،‬لتبلغ األغنية األماز ّ‬
‫وافريقي ّ‬
‫"حميد شرياط"‪ ،‬المعروف ب "يذير" بأغنية "‪ "Avava Inouva‬سنة ‪3555‬م‪ ،‬والتي ترجمت إلى ‪35‬‬
‫‪1‬‬
‫الحجار"‪.‬‬
‫لغة حول العالم منها العربية على يد المطرب المصري "علي ّ‬

‫الفنانين الذين جعلوا من األغنية‬


‫الفنية بعض ّ‬
‫الساحة ّ‬
‫أما في القرن العشرين فقد بزغ إلى ّ‬
‫ّ‬
‫ضد االستعمار‪ ،‬فناضلوا إلى جانب إخوانهم بالكلمة التي‬
‫السلمي ّ‬
‫السالح ّ‬
‫األمازيغية نوعا من ّ‬
‫الفنان "أكلي يحياتن"‪" ،‬سليمان عازم" برائعته "أفغ أيجراد‬
‫للنضال‪ ،‬ونذكر أبرزهم ّ‬
‫جعلوها سالحا ّ‬
‫السوسي" وغيرهم كثير‪ ،‬وقد ذاع‬
‫ثمورثيو" أي "أخرج ّأيها الجراد من بالدي"‪ ،‬و"الحسين جانطي ّ‬
‫سيط األغنية الملتزمة خاصة بعد اندالع الثّورة التّحريرية التي كان ال ّشعب الجزائري‪ ،‬كبيره‬
‫الفنانين أن‬
‫النفيس‪ ،‬فكان فداء ّ‬
‫بالنفس و ّ‬
‫مستعدون ألن يفدوا هذا الوطن ّ‬
‫ّ‬ ‫وصغيره‪ ،‬رجاله ونساؤه‬
‫يغية‪ ،‬لمساندة إخوانهم المجاهدين وبعث الحماس‬
‫وطنية باللّغتين العر ّبية واألماز ّ‬
‫ّ‬ ‫قدموا أغاني ثورّية‬
‫ّ‬

‫‪ -1‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات األدبية في كنز المعلومات األمازغية‪ ،‬ص‪.755‬‬

‫‪42‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫"أيما اصبر‬
‫تحت عنوان ّ‬ ‫يغية الثّورية على اإلطال‬
‫فيهم‪ ،‬فكانت أشهر تلك األغاني األماز ّ‬
‫أورتسرو" أي "اصبري يا أماه وال تبكي"‪ّ ،‬أول نشيد وطني أمازيغي لصاحبه المناضل "فريد علي"‪،‬‬
‫بثّته إذاعة الجزائر بالقاهرة سنة ‪3575‬م‪.‬‬

‫يصوب‬
‫ّ‬ ‫الرواد قادر أن ينجب جيال آخر جديدا بعد االستقالل‬
‫إن وطنا أنجب مثل هؤالء ّ‬
‫ّ‬
‫االستبدادية‪ ،‬ويرفض الظّلم والظّالمين‪ ،‬السترجاع الحقو المسلوبة‪ ،‬ورفع الحجب‬
‫ّ‬ ‫سالحه في وجه‬
‫النظر عنها‪،‬‬
‫وغض ّ‬
‫ّ‬ ‫عن حقائ زّيفت‪ ،‬والمطالبة بأبسط الحقو التي ال يمكن ألحد التخلّي عنها‬
‫الرواد‬
‫المهمشة‪ ،‬فإن كان ّ‬
‫ّ‬ ‫يغية‬
‫الهوية األماز ّ‬
‫هكذا جاء جيل االستقالل ليطالب بحقوقه الثّقافية و ّ‬
‫فإن جيل االستقالل عندما رأى‬
‫الوطنية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫هويتهم‬
‫ضد المستعمر الغاشم السترجاع ّ‬
‫طالبوا وناضلوا ّ‬
‫الضياع لم يصمت‪ ،‬واّنما نهض ليدافع عنها بك ّل ما‬
‫األصلية لهذا الوطن أشرفت على ّ‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫استطاع‪ ،‬كيف ال وهذا ال ّشبل من ذاك األسد‪.‬‬

‫لقد طغى على سطح األغنية القبائلية مجموعة من المطربين الذين ألهبوا الجماهير‬
‫السبعينيات والثّمانينات‪ ،‬حيث كان لهم‬
‫الحماسية التي بلغت أوجها في عقدي ّ‬
‫ّ‬ ‫األمازيغية بأغانيهم‬
‫لوناس" "األسطورة" كما يدعوه "موسى‬
‫الهوّياتي‪ ،‬ليكون "معطوب ّ‬
‫دور بارز في نشر الوعي القومي و ّ‬
‫مهني"‪" ،‬يذير"‪" ،‬لونيس أيت‬
‫ّ‬ ‫معوشي"‪ ،‬على رأس قائمة هؤالء المطربين‪" ،‬فرحات‬
‫الفنية‬
‫الفنانين والفر ّ‬
‫المزابية الحديثة "جابر بليلي" وغيرهم من ّ‬
‫منقالت"و"تاكفاريناس"‪ ،‬ورائد األغنية ّ‬
‫‪1‬‬
‫الفنية الجزائرّية‪.‬‬
‫الساحة ّ‬
‫التي برزت على ّ‬

‫الصحافيين‪ ،‬فألّفت كتب‬


‫ّ‬ ‫حيث أصبح هؤالء وغيرهم ظاهرة ملفتة للنظر من طرف الكتّاب و‬
‫حصة األسد‪ ،‬ورّبما كانت ّأول هذه الكتب وأكثرها‬
‫لوناس" ّ‬
‫حول األغنية القبائلية نال فيها "معطوب ّ‬
‫‪Véronique‬‬ ‫نسية "‬
‫"المتمرد" الذي ألّفه هو بنفسه بالتّعاون مع الكاتبة الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫رواجا هو "‪ "Rebelle‬أي‬
‫‪ "Taveau‬سنة ‪3557‬م‪ ،‬وقد ترجمه المغربي "عبد اللّه زارو"‪ ،‬كما ألّفت زوجته وأخته "مليكة" عنه‬
‫سنة ‪ ،0222‬والكاتبة "رشيدة فتّاس" "‪ "Tafat n wurghu‬سنة ‪0225‬م‪ ،‬وكتاب "أكليذ" أي "الملك" ل‬

‫‪ -1‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص‪.757‬‬

‫‪43‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫سنة ‪،0225‬‬ ‫قاية" ‪Mohamed Gaya‬‬ ‫‪ "Le‬ل "محمد‬ ‫"‪résistant" "Anazbay‬‬ ‫"عبد الحفيظ شتّات"‪،‬‬
‫الفنان المبدع‪ ،‬رغم كون مجملها تقريبا باللّغة الفرنسية‪.‬‬
‫وغيرها "من الكتب التي ألّفت عن هذا ّ‬

‫الفنانين نصيب في التأليف والكتابة عنهم من طرف‬


‫لكن هذا ال يعني ّأنه لم يكن لغيره من ّ‬
‫ّ‬
‫المهتمين‪ ،‬حيث نجد كتاب "أغاني فرحاث مهني" ل "شريف مخلوف"‪" ،‬أغاني المنفى" ل "رشيد‬
‫ّ‬
‫مختاري"‪" ،‬األغنية األمازيغية الملتزمة القبائلية والمغربية" ل "درموني وزولف‪ ،‬و "األغنية القبائلية‬
‫النجوم‬
‫والهوية األمازيغية" ل "موح شربي وأرزقي خواص"‪ ،‬كما ألّفت سير ذاتية لعدد من ّ‬
‫والمشاهير‪.‬‬

‫الفنان الفيلسوف "لونيس آيت منقالت" منها "آيت منقالت‬


‫عدة كتب عن ّ‬
‫كما صنفت أيضا ّ‬
‫نسية "‪ "Ait Menguellete chante‬ل "تسعديث ياسين" سنة ‪3555‬م‪" ،‬آيت منقالت حكيم‬
‫يغني" بالفر ّ‬
‫ّ‬
‫الزمان" ل "محند أرزقي فراد"‪" ،‬الصورة الشعرية في أعمال لونيس آيت منقالت" ل "محمد جالوي"‬
‫سنة ‪0227‬م‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫الفنانين من أقطاب الغناء ال ّشعبي يجدهم ينحدرون من‬


‫أن الباحث في جذور ّ‬
‫هذا إضافة إلى ّ‬
‫منطقة القبائل أمثال الحاج "محمد العنقاء"‪" ،‬عمار الزاهي"‪" ،‬بوجمعة العنقيس"‪" ،‬عبد القادر‬
‫‪1‬‬
‫شاعو"‪" ،‬كمال مسعودي"‪" ،‬شيخ الناظور"‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫فنانين تفتخر بهم ويفتخرون بها‪،‬‬


‫بأن أرض تامزغا قد أنجبت رجاال ونساء‪ّ ،‬‬
‫يمكن إذن القول ّ‬
‫فن‬
‫هويتها‪ ،‬وهذا ما يمكن استنتاجه باالطالع على ّ‬
‫للنضال من أجلها لرفع رايتها واثبات ّ‬
‫مستعدون ّ‬
‫ّ‬
‫هؤالء‪.‬‬

‫‪ -1‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص‪.757‬‬

‫‪44‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫شاعر الف ّنان "معطوب لوّناس"‬


‫المبحث الثاني‪ :‬نبذة عن حياة ال ّ‬

‫أنجبت أرض تامزغا رجاال عظماء كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب ونقشوها في ال ّذاكرة‬
‫بالسالح‪،‬‬
‫والتّاريخ‪ ،‬وصنعوا المجد لوطنهم ّأوال‪ ،‬وألصلهم ثانيا‪ ،‬وألنفسهم ثالثا؛ منهم من صنعه ّ‬
‫أن هناك‬
‫ومنهم من صنعه بالقلم واللّسان‪ ،‬ومنهم من أبى إالّ أن يرفع صوته عاليا ليسمع العالم ّ‬
‫الطيبة‪ ،‬أصوات‬
‫أرضا أصيلة أنجبت وماتزال تنجب رجاال وزعماء عظماء عظمة هذه األرض ّ‬
‫ترفض الظّلم والباطل وتبحث عن الح ّ وتنصره‪.‬‬

‫هذه هي األرض التي إن زرعت فيها حصدت أنقى وأرقى منتوج‪ ،‬وان شممت ريحها‬
‫لدنيا وما فيها‪.‬‬
‫بأنك مالك ا ّ‬
‫أحسست ّ‬

‫أن األمازيغ هم سادة هؤالء رجاال‬


‫أن الجزائر وطن األبطال والبطوالت‪ ،‬و ّ‬
‫إن التّاريخ يشهد ّ‬
‫ّ‬
‫النفيس لتحرير الجزائر‪ ،‬فدافعوا عن شرفها وكرامتها بأن رفضوا ك ّل‬
‫بالنفس و ّ‬
‫ونساء‪ ،‬فقد ضحوا ّ‬
‫أنواع االستبداد واالستعباد سواء من خارج الوطن أو من داخله‪ ،‬وهذا ما دفع بهم إلى مواصلة‬
‫للديمقراطية فيه رغم ما قيل‬
‫وهوية هذا الوطن وتحقيقا ّ‬
‫ّ‬ ‫النضال باللّسان والقلم دفاعا عن أصالة‬
‫ّ‬
‫الموجهة إليهم‪-‬بأنهم قليلي اإليمان‪ ،‬و ّأنهم‬
‫ّ‬ ‫عنهم ووصفوا به‪ ،‬وعلى الرغم من ك ّل االتّهامات الباطلة‬
‫فجرت قوى العمالة المطلب‬
‫الوطنية‪ّ « :-‬‬
‫ّ‬ ‫نسية تريد ضرب الوحدة‬
‫سياسية فر ّ‬
‫ّ‬ ‫يخضعون لق اررات‬
‫مرة وقد رعته فرنسا فأنشأت (األكاديمية البربرية) في (باريس) يشرف عليها‬
‫ألول ّ‬
‫األمازيغي( ّ‬
‫يهود‪-‬صهاينة باستمرار‪ -‬حتى اليوم‪ ،‬لضرب الوحدة الوطنية‪ ،‬إلقناع قليلي اإليمان من الجزائريين‬
‫‪1‬‬
‫أمة واحدة‪.»...‬‬
‫في (القبائل) ّأنهم ليسوا ّ‬

‫الدفاع عن الهوية إلثبات الوجود ذنب وجريمة ال تغتفر‪ ،‬أصبح‬


‫وهكذا إذن عندما صار ّ‬
‫األمازيغ قليلي اإليمان‪ ،‬ولك ّن الذين يتّهمون القبائل بمثل هذا االتّهام ّإنما حقيقتهم ّأنهم يرفضون‬
‫ثم لما جاء‬
‫أن التاريخ يشهد بذلك ويثبته‪« :‬الجزائر كانت أمازيغية ّ‬
‫فكرة الجزائر أمازيغية‪ ،‬رغم ّ‬

‫‪ -1‬عمر بن قينة‪ ،‬قضايا‪...‬ومواقف‪ ،....‬ط‪ ،0‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،0225 ،‬ص ‪.305‬‬

‫‪45‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫إسالميا لنشر الهداية ال لبسط السيادة‪ ،‬دخل األمازيغ في اإلسالم‪ ،‬كما‬


‫ّ‬ ‫العرب وفتحوها فتحا‬
‫‪1‬‬
‫أوصت بذلك "الكاهنة" أبناءها‪ ،‬وتعلّموا العربية طائعين‪ ،‬فامتزجوا بالعرب بالمصاهرة‪.»...‬‬

‫بأن الجزائر أمازيغية‪ ،‬واذا كان الدخول في اإلسالم‪-‬دين اللّه‪-‬وتعلّم‬


‫من هنا يمكن التأكد ّ‬
‫اللّغة العربية لغاية نبيلة هي فهم الدين والسير على سبله وقيمه أصبح تعريبا لدرجة استئصال‬
‫قوة جذور الشجرة األمازيغية وأصالتها وعراقتها‪ ،‬وهذا‬
‫فإن التاريخ مازال يثبت ّ‬
‫األصل األمازيغي‪ّ ،‬‬
‫وفنانين‪ ،‬العامة والخاصة إثباته والدفاع عنه بعد ما‬
‫ما سعى أبناء هذه األرض‪ ،‬من شعراء وأدباء ّ‬
‫يحبون الح ّ وأصحابه‬
‫أن الجزائر بحكمها وح ّكامها ال ّ‬
‫الضياع‪ ،‬وبما ّ‬
‫رأوه على طري االضمحالل و ّ‬
‫ضحية هذا الحكم الجائر الرافض لفكرة "الجزائر أمازيغية""‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فقد ذهب أولئك المناضلين بالكلمة‬
‫‪2‬‬
‫الداعي إلى التعريب‪ .‬يقول‪:‬‬
‫وّ‬
‫‪Même si la dépouille s’étiole‬‬ ‫‪Xas terka lgessa tefsi‬‬

‫‪L’idée ne meurt jamais‬‬ ‫‪Tikti ur tetmettat ara‬‬

‫‪Même si les temps sont rudes‬‬ ‫‪Xas fellag qeshet tizi‬‬

‫‪On aura raison de la lassitude‬‬ ‫‪Iffacala d naggeu d dwa‬‬

‫‪Même s’ils ont fauché tant d’étoiles‬‬ ‫‪Xas neqden achal d itri‬‬

‫‪Le ciel ne sera jamais dépouillé‬‬ ‫‪Igenni ur ineger ara‬‬

‫‪Kenza ô ma fille‬‬ ‫‪A Kenza a yelli‬‬

‫‪Supporte le fardeau de ta douleur‬‬ ‫‪Ur truy ara‬‬

‫‪En sacrifiés nous sommes tombés‬‬ ‫‪Sebba f negli‬‬

‫‪Pour l’Algérie de demain‬‬ ‫‪D lzayeruzekka‬‬

‫‪Kenza ô ma fille‬‬ ‫‪A Kenza a yelli‬‬

‫‪Ne pleure pas‬‬ ‫‪Ur truy ara‬‬

‫إن معطوب لوناس كتب هذه القصيدة "كنزة ‪ "Kenza‬في جوان ‪ ،3555‬أسابيع فقط بعد مقتل‬
‫ّ‬
‫النضال سيستمر من أجل الح ّ ‪ ،‬و ّأنه مهما راح‬
‫أن ّ‬‫‪ ،"Tahar‬يؤكد فيها ّ‬ ‫‪Djaout‬‬ ‫"الطاهر جاووت‬

‫‪1‬‬
‫محمد العلمي الساذحي‪ ،‬هموم تساورني‪ ،‬ط‪ ،3‬منشورات السائحي‪ ،‬الجزائر‪ ،0232 ،‬ص ‪.325‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, (avec la collaboration de Véronique Taveau), P 306-307.‬‬

‫‪46‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫النجوم مهما‬
‫بأن السماء لن تخلو من ّ‬
‫بالنجوم‪ ،‬حيث يقول ّ‬
‫وشبه أولئك ّ‬
‫رجال سيأتي آخرون‪ّ ،‬‬
‫أن أصحاب الح ّ لن يتخلّوا عن حقّهم مهما عانوا ومهما ظلموا‪.‬‬
‫اختفت‪ ،‬و ّ‬

‫إن ك ّل الذين سقطوا‪ ،‬قتلوا واغتيلوا أو سجنوا ونفوا ّإنما نضالهم من أجل جزائر الغد‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫فإنه سيظ ّل هناك من يتذ ّكر ّأنه كان في يوم من‬
‫أجل جزائر الحرية والديمقراطية‪ ،‬ومهما حدث ّ‬
‫األيام رجال أفدوا هذا الوطن بأرواحهم من أجل أن يعلوا علمه ويذيع صيطه بين البلدان‪.‬‬
‫ّ‬

‫هذه هي بالد القبائل‪-‬الكبرى منها والصغرى‪ ،-‬األرض التي ناشدت الحرية والديمقراطية‪،‬‬
‫العبودية بشتّى أنواعها‪ ،‬أرض سقيت بدماء ال ّشهداء وزعماء الثّورة‪ّ ،‬أم األبطال‬
‫ّ‬ ‫ورفضت القيود و‬
‫وساحة البطوالت‪ ،‬كتبت تاريخها بحروف من ذهب بعدما صنعته على أفضل شكل وألبسته أفضل‬
‫ممن دافعوا بالكلمة وحافظوا على شرف الوطن‬
‫الفنانين األدباء وال ّشعراء الكثير ّ‬
‫حلّة‪ ،‬أنجبت من ّ‬
‫بأكمله‪ ،‬وبالد تامزغا خاصة‪ ،‬فهي ّأم "سي محند ومحند" و"سليمان عازم"‪" ،‬مولود فرعون" و"مولود‬
‫إنسانية إضافة إلى ال ّشخصية وحتى‬
‫ّ‬ ‫قومية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وطنية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ممن عالجوا مواضيع‬
‫معمري"‪ ،‬وغيرهم ّ‬
‫السياسية‪ ،‬وذلك بطريقة حذقة وفطنة‪.‬‬
‫ّ‬

‫المغني‪ ،‬أسطورة األدب المهجري الجزائري تناول ج ّل ما سب‬


‫ّ‬ ‫الملحن‬
‫ّ‬ ‫فهذا "سليمان عازم"‬
‫وجدانيا وحزينا‪ ،‬صاحب روائع‬
‫ّ‬ ‫الهوية والوطن‬
‫ذكره من مواضيع وغيرها‪ ،‬وهو الذي كان حديثه عن ّ‬
‫‪1‬‬
‫يغية" التي يقول فيها‪:‬‬
‫كثيرة منها "يا بالدي الحبيبة"‪" ،‬األماز ّ‬

‫الصرامة هي المفتاح‬
‫أن ّ‬‫قالوا ّ‬

‫كي يطاع كالمك ويحترم‬

‫وأن المحافظة على التقاليد‬

‫تصون الحقو والهيبة‬

‫فال أحد يجرؤ بعدها على االعتراض‬

‫‪1‬‬
‫حيدر جوهر‪ ،‬سليمان عازم شعر المهجر‪ ،‬ترجمة لمجموعة من أشعار سليمان عازم‪ ،‬دار األمل‪ ،0232 ،‬ص ‪.53‬‬

‫‪47‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫ومن خالل هذا المقطع من قصيدة "األمازيغية" للشاعر "سليمان عازم" نالحظ ّأنه يناشد فيها‬
‫الخيام‬
‫الهوية التي ال يمكن ألحد التخلّي عنها‪ ،‬هذا إذن هو خليفة عمر ّ‬
‫ألنها ّ‬
‫التمسك باألصالة ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫األمازيغي "سي محند ومحند"‪" ،‬سليمان عازم" الذي يعتبر شاعر ك ّل األزمان‪.‬‬

‫المتمرد‪ ،‬المناضل‬
‫ّ‬ ‫"معطوب الوناس"‪ ،‬األسطورة‪،‬‬

‫والدته‬

‫عز الثّورة الجزائرّية‪-‬حرب التّحرير‪ -‬وفي أعالي جبال جرجرة في تيزي وزو بقرية‬
‫في ّ‬
‫توريرت موسى‪ ،‬تعالت صرخات مولود جديد في عائلة "معطوب" يوم ‪ 42‬يناير ‪ ،6591‬وهو‬
‫المولود الذي أدخل الفرحة العارمة لهذه العائلة التي ال وجود فيها إالّ للنساء‪ ،‬كان وحيد األبوين‬
‫جده "لوناس"‪ ،‬أبوه كان‬
‫سمي على ّ‬
‫أن شقيقته "مليكة" لم تولد إالّ بعد استقالل الجزائر بسنة‪ّ ،‬‬
‫بحيث ّ‬
‫الرجال األمازيغيين الذي يهاجرون بحثا عن لقمة عيش يضمنون بها الحياة‬
‫مهاج ار على غرار ّ‬
‫األم في اآلن ذاته‪.‬‬
‫أمه كانت بمثابة األب و ّ‬
‫ألنفسهم ولعائالتهم‪ ،‬و ّ‬

‫متخصصة في رواية األحاكي‪ ،‬كما كانت صاحبة صوت جميل‪ ،‬فاتن وديع وقوي‬
‫ّ‬ ‫أمه كانت‬
‫ّ‬
‫الناس يستدعونها في األعياد وفي مجالس العزى لتمتّعهم بصوتها ال ّشادي الذي‬
‫في آن واحد‪ ،‬كان ّ‬
‫هدهد "لوناس" طيلة طفولته‪.‬‬

‫ومتمردا منذ‬
‫ّ‬ ‫مما جعله مشاكسا‬
‫هو إذن من عائلة متواضعة ميسورة الحال‪ ،‬كان مدلّال ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصغر‪.‬‬
‫ّ‬

‫نشأته وتعلّمه‪:‬‬

‫"لوناس" طفال مدلّال‬


‫النسائية‪ ،‬نشأ ّ‬
‫الرجل الوحيد في العائلة ّ‬
‫باعتباره االبن الوحيد لألبوين‪ ،‬و ّ‬
‫رغم تواضع اإلمكانيات‪ ،‬كان يفعل ما يشاء‪ ،‬كان يقدم على أعمال تد ّل على شجاعته‪ ،‬لم يكن‬
‫حر طليقا‪ ،‬رغم‬
‫بأنه سجين وهو الذي يرفض إالّ أن يكون ّا‬
‫يحس ّ‬
‫ألنه بذلك ّ‬
‫كرسي المدرسة ّ‬
‫ّ‬ ‫يحب‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫حيدر جوهر‪ ،‬سليمان عازم شاعر المهجر‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Voir, LounesMatoub, Rebelle, P 16-17, et Mohamed Gaya, Anazbay, Le résistant, P 7-8.‬‬

‫‪48‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫دخوله المب ّكر للمدرسة إالّ ّأنه كان عوض الذهاب إليها كان يفضل التس ّكع‪ ،‬وقد كان يقضي معظم‬
‫بالدروس‪.‬‬
‫وقته في نصب المصائد لألرانب بدل االهتمام ّ‬

‫مما‬
‫تأثّر "معطوب لوناس" كثي ار بالّروايات التاريخية التي كان يسمعها عن الملوك األمازيغ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫ولّد فيه الوعي بالهوية‪.‬‬

‫قام بأعمال مشاغبة كثيرة ومغامرات دلّت على شجاعته‪ ،‬وما بين ‪ 6511‬و‪ ،6512‬الذي‬
‫بالهوية‬
‫النفوس كبيرا‪ ،‬أعلن "معطوب" رفضه لكل ما هو عربي وتنامى فيه الوعي ّ‬
‫كان وقعه على ّ‬
‫األول "بن بلة"‬
‫األمازيغية‪ ،‬فرفض سياسة التّعريب التي انتهجها النظام العسكري للرئيس الجزائري ّ‬
‫التي تهدف إلى محو اإلرث التّاريخي األمازيغي‪.‬‬

‫السجن‪ ،‬حيث كان جريئا‬


‫هكذا كانت طفولته مليئة بالمغامرات‪ ،‬من التس ّكع إلى السرقة‪ ،‬إلى ّ‬
‫‪2‬‬
‫تمرده على الواقع المعاش آنذاك‪.‬‬
‫ساهمت هذه الجرأة في ّ‬
‫‪3‬‬
‫معطوب لوّناس وتجربة الخدمة العسكرية‬

‫لوناس" هذه التجربة بإحساس اإلهانة‪ ،‬فقد أمضاها بين العقوبات واإلهانات‪،‬‬
‫عاش "معطوب ّ‬
‫النظام العسكري الذي ينظر إليه "معطوب" على ّأنه غير جدير‬
‫مما ولّد فيه الشعور بالحقد على ّ‬
‫ّ‬
‫بخدمته‪.‬‬

‫بالجندية قضية أمغاال‪ ،‬التي أدخلت الجزائر في مواجهة مع‬


‫ّ‬ ‫ال ّشاعر‬ ‫وقد صادف التحا‬
‫مهمة الحراسة التي مكنته من رؤية آالف المغاربة‬
‫"لوناس" ّ‬
‫المغرب‪ ،‬وفي هذه الظّروف تولّى ّ‬
‫بأن هذا القرار‬
‫فيه إحساس ّ‬ ‫مما خل‬
‫الرئيس ""بن بلة"‪ّ ،‬‬
‫يغادرون الجزائر بعد قرار طردهم من ّ‬
‫وصمة عار في جبين الجزائر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Voir, LounesMatoub, Rebelle, P 18, et Mohamed Gaya, Anazbay, Le résistant, P 7-8.‬‬
‫‪2‬‬
‫المتمرد‪ ،‬تر عبد اللّه ثارو‪ ،‬ص ‪ 37 ،35‬و‪.52‬‬
‫ّ‬ ‫معطوب لوناس‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.52-50‬‬

‫‪49‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫مرة رسالة‬
‫الجندية‪ ،‬فكتب ذات ّ‬
‫ّ‬ ‫لوناس" المستحيل للتخلّص من جحيم‬
‫لقد فعل "معطوب ّ‬
‫خاصة لثالثة ّأيام جعلها‬
‫ّ‬ ‫أمه هي من أرسلتها كذب فيها‪ ،‬فمنحه قائد الفرقة رخصة‬
‫بأن ّ‬
‫ا ّدعى ّ‬
‫بالرغم من معرفته بالعقوبة القاسية التي تنتظره‪ ،‬حيث حل شعره ووضعه في حفرة‬
‫"معطوب" عشرة ّ‬
‫لمدة خمسة عشر يوما‪.‬‬
‫ّ‬

‫هكذا لم يحتفظ "معطوب" عن ّأيام الجندية بأي ذكرى جميلة‪ ،‬واّنما العكس‪ ،‬فقد خرج منها‬
‫فاقدا الثّقة بالسياسة وبذكريات أليمة‪ ،‬كان ال ّشعر فيها المنفذ الوحيد للهروب من هذا الواقع المزري‬
‫ضد هذا النظام‬
‫وللتسلية‪ ،‬فقد كان في الخدمة حاض ار جسديا بينما فكره كان في القبائل المناضلة ّ‬
‫العسكري‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫"معطوب" والربيع األمازيغي‪:‬‬

‫مما دفعه إلى متابعتها عن‬


‫لوناس" بفرنسا‪ّ ،‬‬
‫صادفت أحداث أبريل ‪ 6591‬وجود "معطوب ّ‬
‫لكنه لم يب مكتوف اليدين حيث نظّم مع رفاقه وقفة أمام سفارة‬
‫بعد؛ عن طري الجرائد واألخبار‪ّ ،‬‬
‫لكن هذه الوقفة‬
‫الج ازئر بفرنسا تعبي ار عن تضامنه مع إخوانه‪ ،‬فعمد إلى ارتداء بدلة عسكرّية‪ّ ،‬‬
‫قوبلت بالقمع وقد كان لهذه االنتفاضة األثر الكبير بعد أن خرجت القبائل منها تنزف دما‪ ،‬فصارت‬
‫تخلّد ك ّل عام‪ ،‬وكان "معطوب" يخلّدها‪ ،‬فكتب متحدثا عن ك ّل شيء من الحياة‪ ،‬الحب والموت‪،‬‬
‫الحر من‬
‫وهويته ومنعت صوته ّ‬
‫ّ‬ ‫القمعية التي سلبت منه كرامته واحتقرت ثقافته‬
‫ّ‬ ‫وانتقد السلطة‬
‫لشخصيته في أحضان‬
‫ّ‬ ‫رد االعتبار‬
‫الوصول إلى الذين يستحقّون سماعه‪ ،‬ما جعله يراهن على ّ‬
‫وتأزمت األوضاع االقتصادية ارتفعت‬
‫لما ارتفعت األحداث في الجزائر في أكتوبر ‪6599‬م‪ّ ،‬‬
‫بلده‪ّ ،‬‬
‫مما‬
‫فتحولت إلى مواجهات بين ال ّشعب وقوى األمن‪ ،‬خاصة في منطقة القبائل ّ‬
‫معها االحتجاجات ّ‬
‫الثورة‪ ،‬لكن‬ ‫وزع "معطوب" آنذاك المناشير إيذانا بانطال‬
‫أدى إلى إعالن حالة الطّوارئ فيها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫رصاصات النظام لم ت أرف به وان لم تسلب منه روحه فقد أردته جريحا غائبا عن الوعي‪ ،‬ليخرج‬

‫‪1‬‬
‫كل من‪:‬‬
‫ينظر ّ‬
‫المتمرد‪ ،‬تر‪ .‬عبد اللّه ثارو‪ ،‬ص ‪.75-55‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬معطوب لوناس‪،‬‬
‫‪Mohamed Gaya, Anazbay, le résistant, P 18-24. -‬‬

‫‪50‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫من اإلصابة بإعاقة جسدية‪ ،‬وخالل مرضه هذا وفترة عالجه في فرنسا كنب مجموعته المعنوية ب‬
‫"سخريات القدر"‪.‬‬

‫استمر ال ّشاعر والمناضل كفاحه من‬


‫ّ‬ ‫المضي قدما‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬ ‫الرصاصات الخمس من‬ ‫لم تمنعه ّ‬
‫يغيتين‪ ،‬فكان صوت ال ّشعب‬‫يغية مطالبا بالحقو الثّقافية واللّغوية األماز ّ‬
‫الهوية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫أجل‬
‫الغاضب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اإلسالموبين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫"معطوب لوّناس" في أدغال‬

‫السوداء‬
‫تترصده‪ ،‬و ّأنه على الالّئحة ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلسالموبين‬
‫ّ‬ ‫بأن عيون‬
‫كان "معطوب لوناس" على علم ّ‬
‫لهم‪ ،‬وفي ‪ 49‬سبتمبر ‪ ،6552‬وهو عائد من الجزائر العاصمة اختطفته عصابة تنتمي إلى جماعة‬
‫متطرفون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجنة‪ ،‬وما هم إالّ‬
‫أن موتاهم شهداء مثواهم ّ‬
‫اإلسالموبين الذين يعتقدون ّأنهم مجاهدون و ّ‬
‫ّ‬

‫مرة ثانية بعد نجاته‬


‫األمرين‪ ،‬وكان على حافّة الموت ّ‬
‫ّ‬ ‫عانى "لوناس" من هذه التّجربة وذا‬
‫الدينيين‪ ،‬لوال‬
‫ّ‬ ‫المتطرفين‬
‫ّ‬ ‫المرة من طرف‬
‫يترصده هذه ّ‬
‫النظام العسكري‪ ،‬ها هو ّ‬
‫يد ّ‬‫من الموت على ّ‬
‫القبائليين تكاثفت واتّحدت لتطلب بصوت واحد وتطالب بإطال سراحه‪ ،‬وخوفا من قيام‬
‫ّ‬ ‫أن أصوات‬
‫ّ‬
‫ضدهم وخوفهم على ذويهم ألقوا سراحه يوم ‪ 61‬أكتوبر ‪.6552‬‬
‫انتفاضة الجماهير ّ‬

‫قوة ع ّما مضى‪ ،‬فهو‬


‫أشد ّ‬
‫أن معركته صارت ّ‬
‫الصعبة استنتج "معطوب" ّ‬
‫بعد هذه التجربة ّ‬
‫وشعبيته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المسؤولية اتّجاه شعب يدين له بحياته واسمه‬
‫ّ‬ ‫يشعر بكبر‬

‫‪2‬‬
‫وبعد‪..‬؟‬

‫واصل الشاعر حياته بعصبية وقل ‪ ،‬خاصة بعد حادثة االختطاف لكنه وجد في تأليفة كتابه‬
‫"المتمرد" الدواء التي يخفف عنه‪ ،‬كما وجد في أعماله الموسيقية وأشعاره برهما لمعاناته‪ ،‬وفي شهر‬
‫ّ‬
‫ديسمبر عام ‪ ،6552‬تسلّم جائزة أسعدته كثيرا‪ ،‬هي جائزة الذاكرة التي تسلّم لشخصية طبعت‬
‫بااللتزام والكفاح‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mohamed Gaya, Anazbay, le résistant, P 43.‬‬
‫‪2‬‬
‫المتمرد‪ ،‬تر‪ .‬عبد اللّه ثارو‪ ،‬ص ‪.65-65‬‬
‫ّ‬ ‫معطوب لوناس‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫جيدا ّأنه تحت نيران‬


‫كان الموت شعو ار دائم الحضور في نفس ال ّشاعر‪ ،‬حيث كان يدرك ّ‬
‫لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة كفاحه للعيش والغناء بحرية‪.‬‬
‫حكم موقوف التّنفيذ‪ّ ،‬‬

‫واصل الشاعر نضاله وكفاحه إلى أن غدر به يوم ‪ 49‬جوان ‪ ،6559‬لتنطفئ هذه ال ّشمعة‬
‫الهوية‪.‬‬
‫تحرري وهب حياته لتحيا ّ‬
‫للهوية وغيرة على الوطن‪ ،‬لتكون نهاية رمز ّ‬
‫حبا ّ‬‫المنيرة ّ‬

‫أدبيا شعرّيا‬
‫"المتمرد"‪-‬وهي سيرة ذاتية‪ -‬ترك "معطوب لوناّس" خلفه إرثا ّ‬
‫ّ‬ ‫إضافة إلى كتاب‬
‫بأنه أسطورة ك ّل األزمان‪ ،‬يتمثّل هذا التراث في أربع وثالثين مجموعة شعرّية‪ ،‬كانت‬
‫يشهد له ّ‬
‫حصيلة نضاله وكفاحه في الحياة منذ أن بدأ يسير على هذه الطري سنة ‪6599‬م‪ ،‬إلى أن يحرم‬
‫نوع خاللها من المواضيع وأغناها‪.‬‬
‫تتمة الطري سنة ‪6559‬م‪ّ ،‬‬
‫من ّ‬

‫الهوية‪ ،‬شهيد الغيرة على الوطن‬


‫هذا هو الشاعر المناضل من أجل الحرية‪ ،‬المدافع عن ّ‬
‫يغية الذي مهما قيل عنه فلن‬
‫القضية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫لوناس" أسطورة‬
‫الصادقة‪ ،‬هذا هو "معطوب ّ‬
‫والكلمة ّ‬
‫يوفى حقّه‪.‬‬

‫لكنه ترك األثر العظيم في نفوس ك ّل الجزائريين والقبائل خاصة‪ ،‬وترك وراءه‬
‫صحيح ّأنه قتل ّ‬
‫وحبه الذي أسكنه ك ّل القلوب‪.‬‬
‫النفوس‪ّ ،‬‬
‫احساسه الذي زرعه في ّ‬

‫وممن جاء بعده‪ ،‬فهذا "تاكفاريناس"‬


‫ممن عاصروه ّ‬
‫لكنه بقي ذكرى خالدة‪ ،‬خلّده ال ّشعراء ّ‬
‫رحل ّ‬
‫رد الجميل‬
‫غنى عنه تحت عنوان "‪ ،"A Lounes‬حكيم تيداف بأغنية "‪ "Iruh‬وغيرهما‪ ،‬ممن أرادوا ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ولو قليال لهذا الرجل وهذا ما فعله "‪."Dda Hsen‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪52‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االلتزام في شعر "معطوب لوناس"‬

‫مهمة في تاريخ الجزائر الحديث‪ ،‬وذلك بسبب‬


‫النصف الثّاني من القرن الماضي مرحلة ّ‬
‫يعد ّ‬
‫ّ‬
‫االجتماعية‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬ ‫السابقة‪ ،‬ومؤثّرة في الحياة‬
‫ما عرفه من أحداث متأثّرة بظروف الجزائر ّ‬
‫يخص منطقة القبائل التي كانت تنتظر في جيل ما بعد االستقالل أن‬
‫ّ‬ ‫المواكبة والتّالية‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يرد االعتبار لها‪.‬‬
‫ّ‬

‫بي في نفوس‬
‫الرفض لك ّل ما هو عر ّ‬
‫هزة ولّدت ّ‬
‫كانت فترة ما بين ‪ 6511‬و‪ 6512‬بمثابة ّ‬
‫أشد من ك ّل االضطهادات‬
‫معنويا كانت وطأته عليهم ّ‬
‫ّ‬ ‫العملية قتال‬
‫ّ‬ ‫يغيين الذين اعتبروا هذه‬
‫األماز ّ‬
‫‪1‬‬
‫الجسدية‪.‬‬
‫ّ‬

‫مرت بها الجزائر بعد االستقالل‪ ،‬ومنطقة القبائل على‬


‫هي إذن مجموع االضطرابات التي ّ‬
‫األخص‪- ،‬هذه المنطقة التي ناضلت ومازالت تناضل من أجل الهوية‪ ،-‬هذه االضطهادات جعلت‬
‫لوناس" ملتزما بالتّعبير عن آمال وآالم شعب أصيل يبحث ويسعى جاهدا إلثبات‬
‫من "معطوب ّ‬
‫يغية ونقل معاناة‬
‫الهوية األماز ّ‬
‫ّ‬ ‫بقضية‬
‫ّ‬ ‫أن ال ّشاعر التزم فقط‬
‫لكن هذا ال يعني ّ‬
‫هويته التي طمست‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وجهت إليها الكثير من االتّهامات من‬
‫القضية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫منطقة القبائل‪ ،‬ومعاناته هو شخصيا اتّجاه هذه‬
‫الضياع‪ ،‬وأوالده‬
‫بقضية هذا الوطن الذي رآه على حافة ّ‬
‫ّ‬ ‫ك ّل األنواع واألشكال‪ ،‬واّنما التزم أيضا‬
‫يتنازعون الحكم فيما بينهم بعدما ذهب في سبيله رجال عظماء لتحقي استقالله واسترجاع حقوقه‬
‫الحرية والكرامة‪.‬‬
‫في ّ‬

‫مرت بها‬
‫أن األحداث والوقائع التي ّ‬
‫الفنان اليافع إالّ ّ‬
‫سن هذا الشاعر و ّ‬
‫الرغم من ّ‬
‫على ّ‬
‫الجزائر‪ ،‬ومنطقة القبائل على األخص زادت من وعيه باألمور واألوضاع‪ ،‬وتنامت فيه روح‬
‫الفن من أجل قضايا عادلة‪ ،‬من‬
‫الوطنية لتأخذه عبر أمواجها ويصبح مناضال بالكلمة‪ ،‬بال ّشعر و ّ‬
‫ّ‬
‫ألن أصحابها موجودين‪.‬‬
‫أجل حقو ما كان لها أن تضيع ّ‬

‫‪1‬‬
‫المتمرد‪ ،‬السيرة الذاتية لمعتوب لوناس‪ ،‬ترجمة األستاذ عبد اللّه زارو‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫ّ‬ ‫معتوب لوناس‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫عز حرب التحرير الجزائرية‪ ،‬وترعرع في وسط‬


‫فإنه ال يمكن لمن ولد في ّ‬
‫من هنا‪ّ ،‬‬
‫وشب على نزاعات ما بعد االستقالل إالّ أن يكون مناشدا‬
‫ّ‬ ‫مقيد بسبب االستعمار‪،‬‬
‫مضطرب‪ّ ،‬‬
‫الصادقة مناضال من أجل األمازيغية‪ ،‬هو ابن "يوغرثن"‬
‫الهوية‪ ،‬ناطقا بالكلمة ّ‬
‫للحرية‪ ،‬باحثا عن ّ‬
‫ّ‬
‫و"الكاهنة"‪ ،‬تلميذ "سليمان عازم" و "سي محند ومحند"‪ ،‬طالب في مدرسة األمازيغية "مولود‬
‫متمردا على الباطل‪ ،‬طالبا للح ّ أينما‬
‫معمري"‪ ،‬ك ّل هذا وأمور أخرى ال يمكنها إالّ أن تصنع رجال ّ‬
‫كان‪ ،‬ومهما كان الثّمن‪.‬‬

‫فنانا مبدعا ومناضال‬


‫الصوت الجميل ال يمكنه إالّ أن يكون ّ‬
‫أمه "نالعلجة"‪ ،‬صاحبة ّ‬
‫هو ابن ّ‬
‫الوطنية كك ّل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال يعرف معنى االستسالم‪ ،‬هذا هو ال ّشاعر الذي أخذ على عاتقه القضية‬
‫النصر أو الموت‪.‬‬
‫وقرر أالّ يبرحها إالّ عند ّ‬
‫يغية على وجه الخصوص‪ ،‬حملها ّ‬
‫واألماز ّ‬

‫تمرد على الواقع الذي يرفض الح ّ ويحرم فيه اإلنسان من التعبير عن آالمه‬
‫هو الذي ّ‬
‫ضد اإلرهاب‪ ،‬وعن اغتيال المثقّفين‬
‫وغنى في مواضيع مختلفة‪ّ ،‬‬
‫وآماله‪ ،‬عن لغته وثقافته‪ ،‬كتب ّ‬
‫وقضيتها المشروعة خاصة بعد‬
‫ّ‬ ‫الحرة‪ ،‬المدافعة عن جذورها‬
‫السلطة العسكرّية لألصوات ّ‬
‫وقمع ّ‬
‫الربيع األمازيغي الذي ترك أث ار كبي ار في نفس ال ّشاعر‪.‬‬
‫ّ‬

‫يغية والتّمسك بهما يجعله ال يكتب قصيدة إالّ وكانت‬


‫وهويته األماز ّ‬
‫حب ال ّشاعر لوطنه ّ‬
‫إن ّ‬
‫ّ‬
‫الهوية التي طمست بسبب سياسة‬
‫الحب بادية عليها‪ ،‬مفتخ ار بكونه أمازيغي‪ ،‬هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫مالمح هذا‬
‫ضد ك ّل من ينكرها ويبعدها‪ ،‬فكانت‬
‫لكن "معطوب لوناس" لم يتخ ّل عنها ودافع عنها ّ‬
‫التعريب‪ّ ،‬‬
‫النضال وعدم‬
‫وهويته بهدف ايقاظ روح ّ‬
‫موجهة لك ّل غيور على وطنه ّ‬
‫الفنان ّ‬
‫دعوة هذا ال ّشاعر ّ‬
‫الدفاع عن أصله وأصل هذا الوطن‬
‫السامية لك ّل أمازيغي يريد ّ‬
‫المرجو والغاية ّ‬
‫ّ‬ ‫التّخلي عن الهدف‬
‫وعن هويته‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫‪Akit a yarrac nneg‬‬

‫‪Sdukklet igallenn nwen‬‬

‫‪Axxam-iw akken ad t-nezdeg‬‬

‫‪Ilaq lsas ara t-yettfen‬‬

‫‪54‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬
‫‪Amzun macci d atmaten1‬‬

‫للرئيس "بن بلة" يحطّم ما‬


‫بأن الحكم العسكري ّ‬
‫"معطوب لوناس" قال هذه القصيدة عندما رأى ّ‬
‫األخوة في بالد القبائل لم تعد موجودة‪ ،‬خاصة‬
‫ّ‬ ‫بأن‬
‫ناضل من أجله أبناء ثورة نوفمبر‪ ،‬وعندما رأى ّ‬
‫و ّأنه لم يستوعب صمت رجال مثل "كريم بلقاسم" و"محند أولحاج" الذين لهم ال ّشأن الكبير في‬
‫األخوة‪ ،‬ويذ ّكر‬
‫ّ‬ ‫النضال الجزائري‪ ،‬لم يجد في يده إالّ أن يرفع صوته عاليا ليعيد لملمة شكل هذه‬
‫النصر يأتي بتكاثف األيادي‬
‫قوة وفي التّفرقة ضعف‪ ،‬و ّأنه ّإنما ّ‬
‫هذا ال ّشعب العري ّأنه في االتّحاد ّ‬
‫وتآخي األصوات‪ ،‬وليس بصوت واحد‪ ،‬فجاءت هذه القصيدة محكمة‪ ،‬متناسقة األفكار‪ ،‬عالجت‬
‫اإلشكالية بشكل دقي ‪.‬‬
‫ّ‬

‫معطوب لوناس "‪"Asm’akken ngil tefra" ،"Impostures‬‬

‫المتحسر‪ ،‬يط ّل الشاعر‬


‫ّ‬ ‫وتمرده على الواقع‪ ،‬وبأسلوبه الحكائي‬
‫ّ‬ ‫المتميزة‬
‫ّ‬ ‫بنكهته الفنية‬
‫‪"Asm’akken‬‬ ‫"‪ngil tefra‬‬ ‫المناضل األمازيغي "معطوب لوناس" بقصيدته "‪ "Impostures‬أو‬
‫التحسر عليه‪ ،‬لنقل آالم وآمال الجزائر التي فرحت باالستقالل‬
‫كرسها لنقل الواقع و ّ‬
‫باألمازيغية‪ ،‬التي ّ‬
‫من استبداد الغريب لتقع بين أنياب استبداد القريب‪ ،‬حيث نجد الشاعر في قصيدته أقرب إلى‬
‫التحسر واإلحساس بالخيبة‬
‫ّ‬ ‫تميز بطابع الحكاية مع القليل من‬
‫التّقرير والمباشرة‪ ،‬وفي مطلعها الذي ّ‬
‫‪2‬‬
‫يقول‪:‬‬

‫‪On croyait la paix venue‬‬ ‫‪Asm’akken ngil tefra‬‬

‫‪Elle n’est jamais arrivée‬‬ ‫‪Ur tefriyara‬‬

‫‪D’où viendrait-elle aujourd’hui‬‬ ‫‪I wassa amek ara tfru‬‬

‫‪Même partie la France a légué‬‬ ‫‪Xas akken teffeg fransa‬‬

‫‪Le mal incurable‬‬ ‫‪Ayenig d-tessegwra‬‬

‫‪Elle a produit nos zaims‬‬ ‫‪Da meqenin ur nhellu‬‬

‫‪Leur a indiqué l’héritage‬‬ ‫‪Txelqa g d zzuaama‬‬

‫‪Adilapider sans retenue‬‬ ‫‪Nnan-asen atten d trika‬‬


‫‪1‬‬
‫‪Mohamen Gaya, Anazbay, Le résistant, compte auteur, P 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-299.‬‬

‫‪55‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬
‫‪La faim qu’efface de savoir‬‬ ‫‪Egzert t mbla akukru‬‬

‫‪En nous habite toujours‬‬ ‫‪Laz tesseffed leqraya‬‬

‫‪Puisque l’école est superchère‬‬ ‫‪Degneg irekkez itekka‬‬

‫‪I mi lakul d aguru.‬‬

‫هذه القصيدة كتبها ال ّشاعر أسبوع بعد إطال سراحه من طرف اإلسالمويين الذين اختطفوه‬
‫يوم ‪ 07‬سبتمبر ‪ ،3555‬وأطل سراحه في ‪ 35‬أكتوبر ‪3555‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد استخدم الشاعر االستفهام الذي ال ينتظر منه اإلجابة في قوله‪:‬‬

‫‪D’où viendrait-elle aujourd’hui‬‬ ‫‪I wassa amek ara tfru‬‬

‫هو ّإنما استعمل االستفهام حسرة على األوضاع التي آلت إليها البالد‪ ،‬فهو الذي عاش في‬
‫أن خروج فرنسا لم يكن نهاية ألزمة الجزائر‪،‬‬
‫أدغال اإلسالمويين وعرف كيف يكون تفكيرهم‪ ،‬أدرك ّ‬
‫فشبه‬
‫أشد وقعا على البالد وأبنائها‪ّ ،‬‬
‫ألن مخلّفات االستعمار كانت ّ‬
‫تتحرر ّ‬
‫ّ‬ ‫أن هذه األخيرة لم‬
‫وّ‬
‫الشاعر هذه اآلثار والمخلفات بالمرض والطاعون الذي ال دواء له‪ ،‬فاالستعمار بعد خروجه ترك‬
‫هدية بين أيدي زعماء يتنازعون الحكم عليها‪ ،‬فلم ينفع ال العلم وال المدارس في‬
‫هذه األرض ّ‬
‫القضاء على الجوع واألزمة االقتصادية التي طالت البالد والعباد‪.‬‬

‫بالداء الذي ال دواء له‪ ،‬أتى بصورة‬


‫شبه الشاعر مخلّفات وآثار فرنسا االستعمارية ّ‬
‫فبعدما ّ‬
‫أخرى جعلت من الجزائر هدية وتركة تسلّمها فرنسا لزعماء مزّيفين خلّفتهم‪ ،‬وطلبت منهم أن‬
‫يصنعوا بها ما يشاؤون‪.‬‬

‫المرة لم تنفع الممحاة ولم تتم ّكن من‬


‫شبه التعليم والعلم بممحاة تمحي الجوع‪ ،‬لكن هذه ّ‬
‫كما ّ‬
‫اقتالع جذور األزمة االقتصادية والقضاء على الجوع‪.‬‬

‫تتعدد األساليب ويستخدم الشاعر ال ّنداء للقريب مواصال حسرته ونقل آالمه التي خلّفتها‬
‫ثم ّ‬ ‫ّ‬
‫الوقائع التي تعيشها البالد‪ ،‬ففي هذا المقطع يعمد الشاعر إلى أساليب عديدة منها‪ :‬المخاطبة بعد‬
‫‪1‬‬
‫الضمائر من ضمير المتكلّم الفردي "أنا" إلى الغائب "هم"‪ ،‬وغيرها‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫وتتنوع ّ‬
‫النداء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-299.‬‬

‫‪56‬‬
"‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس‬ :‫الفصل الثّاني‬

Mon fils je ne saurais te garantir Aya mmi urkdmineg ara

Le savoir et la paix Tamusni d lehna

Dans un pays qui dévore les siens Di tmurt itetten arraw-is

La langue arrachée à la France Tutlayt idnekkes i Fransa

Par le sang de nos martyrs Slerwah n ccuhadda

Est interdite à l’Algérien Neqdent i wzayri g-yilsis

Réduits à vivre de privations Di tnesxas i degidnegwra

Nous errons sans but Anhemmel a nteddu urnezra

Tel un cheptel renié par son guide Am lmal yenker bab-is

Nous nous savons démunis Fidamen teswa lqaâa

Le sang qui a abreuvé notre terre Amusnaw yejreh wul-is

Meurtrit le cœur des gommes sagaces

‫يعد أحد يضمن لآلخر‬


ّ ‫ فلم‬،‫النضال من أجل الح ّ يعني الموت‬
ّ ‫أن‬ّ ‫ونالحظ في هذا المقطع‬
.‫الديمقراطية‬
ّ ‫هم أحدهم ناطقا بالحرية و‬
ّ ‫ والجزائر أصبحت تأكل أوالدها وتدفنهم كلّما‬،‫المعرفة والهناء‬

‫الهوية واللّغة التي أسالت دماء الشهداء فداء لها وعليها لتنتزع‬
ّ ‫ويشير هنا أيضا الشاعر إلى‬
‫ويؤكد على الجراح‬
ّ ،‫هوية تماما كالقطيع الذي يضيع من دون راع‬
ّ ‫من ألسنة الجزائريين ويظلّوا بال‬
‫ وان ظ ّل‬،‫ وهو إن تكلّم قتل‬،‫ الذي يرى وطنه يضيع‬،‫التي تحدثها هذه الظروف في نفس المثقّف‬
.‫فإن قلبه وضميره ال يطاوعانه‬
ّ ‫صامتا‬

‫لوناس" معاناة أرض وشعب من‬


ّ ‫هكذا وفي صورة إبداعية وتشبيهات بليغة نقل "معطوب‬
.‫مستبد وصراع همجي بين أبناء الوطن الواحد‬
ّ ‫حكم‬

1
LounesMatoub, Rebelle, P 298-299.

57
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫لوناس" كغيره من األدباء الغيورين على الوطن وشعبه‪ ،‬يبحث عن تاريخ‬


‫كان "معطوب ّ‬
‫هزه الواقع الذي كان يعيشه ال ّشعب الجزائري عامة‪ ،‬والقبائلي‬
‫اإلشكالية‪ ،‬حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫األزمة وجذور‬
‫وبندقية‪ ،‬ولغما؛ يجب أن يكون‬
‫ّ‬ ‫أن ال ّشعر يجب أن يكون قطعة سالح‪،‬‬
‫مما جعله يعي ّ‬
‫خاصة‪ّ ،‬‬
‫هجوما على الموت‪ ،‬وأوكار الفساد في التّاريخ الجزائري‪.‬‬

‫"لوناس معطوب" هو خالصة الخالصة‪ ،‬مساحة الكلمة فيه تعادل مساحة‬


‫إن الشعر عند ّ‬
‫ّ‬
‫استنكار‬
‫ا‬ ‫االنفعال‪ ،‬وحجم صوت ال ّشاعر بحجم فمه‪ ،‬فلم يصمت واّنما رفع صوته دفاعا عن الح ّ و‬
‫‪1‬‬
‫للباطل‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫‪Nous nous sommes bercés d’illusions‬‬

‫‪Avec force certitude‬‬ ‫‪Asma’akken nsenned s ufal‬‬

‫‪Jusqu’à aveugler notre avenir‬‬ ‫‪Nerra t d letkal‬‬

‫‪Si nous avions anticipé les conflits‬‬ ‫‪I nesdergel taggara‬‬

‫‪Pour en prévenir la genèse‬‬ ‫‪Limar net hezib i cwal‬‬

‫‪Nos problèmes seraient plus simples‬‬ ‫‪Uqbel ad ilal‬‬

‫‪Aujourd’hui l’ennemi abuse et provoque‬‬ ‫‪Ur ttigzifent tmucuha‬‬

‫‪Violant tous les interdits‬‬ ‫‪Assa aâdaw yetgebbwel idal‬‬

‫‪Notre bravoure nous sauvera-t-elle‬‬ ‫‪Idal sennig lmuhal‬‬

‫‪Toutes les limites sont dépassées‬‬ ‫‪Wiss m’as tizmir tirugza‬‬

‫‪Le désespoir nourrit l’épuisement‬‬ ‫‪Tabwnitt tâedda lmihlal‬‬

‫‪Nous sommes menacés d’extinction‬‬ ‫‪Nugad ad-ttegbu cetla‬‬

‫بالنمو المتصاعد‪ ،‬فبعدما ذكر ال ّشاعر‬


‫ّ‬ ‫تتطور البنية الفكرّية للقصيدة وتأخذ‬
‫ّ‬ ‫في هذا المقطع‬
‫مخلّفات فرنسا االستعمارّية وأثرها على الحكم الجزائري بعد االستقالل‪ ،‬ها هو ذا يصف هذا الحكم‬
‫بنبتة "‪ "Uffal‬وهي نبتة ضعيفة الجذور وه ّشة‪ ،‬ليذ ّكر بيوم اعتمدوا فيه على هذا الحكم وآمنوا به‪،‬‬
‫همشهم‪ ،‬واستعمل "معطوب" كلمة "‪ "Limer‬وهي بمثابة "لو" ال ّشرطية‪ ،‬ليقول‬
‫وهو الحكم نفسه الذي ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-301.‬‬

‫‪58‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫أن هذا ال ّشعب ف ّكر قبل‬


‫بأنه لو ّ‬
‫حكمه استخلصها من الواقع الذي يعاني منه شعب بأكمله قائال ّ‬
‫القصة لتصل إلى ما هي عليه من صراع بين أبناء الوطن الواحد‬
‫اتّخاذ الق اررات ما كانت الحكاية و ّ‬
‫الحقيقيين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من أجل الحكم‪ ،‬والذين يعتبرهم أعداء الوطن‬

‫وهويته التي استعيدت واسترجعت بدماء ال ّشهداء األبرار‪،‬‬


‫لقد ساء ال ّشاعر كثي ار أن يرى وطنه ّ‬
‫ألن‬
‫أشد سوءا‪ّ ،‬‬
‫لتسقط بين أيدي ح ّكام جهلة ظالمين ال تق ّل إساءتهم عن إساءة المستعمر‪ ،‬بل هم ّ‬
‫الداخلي الذي ذاع صيته أكثر من الالزم‪ ،‬وحفاظا على األصل‬
‫العدو ّ‬
‫ّ‬ ‫أشد مضاضة‪ ،‬هذا‬
‫ظلمهم ّ‬
‫الداخلي ورفض‬
‫العدو ّ‬
‫ّ‬ ‫يضمن المقطع دعوة إلى استئصال جذور هذا‬
‫ّ‬ ‫فإن "معطوب" هنا‬
‫واألصالة‪ّ ،‬‬
‫المستبدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السلطة‬
‫الهش و ّ‬
‫الحكم ّ‬
‫‪1‬‬
‫وفي المقطع األخير من القصيدة يقول‪:‬‬

‫? ‪Y a-t-il solution au dilemme‬‬ ‫‪Taluft amek ara tefru‬‬

‫‪Même si solution il y a‬‬ ‫‪Xas tebga ad ttefru‬‬

‫? ‪En mesurons-nous le prix‬‬ ‫‪Acu ara d tegg ma tekfa‬‬

‫‪Les esprits furent souillés‬‬ ‫‪Allag yekcem bu rekku‬‬

‫‪Dès le jour premier‬‬ ‫‪Degwas amenzu‬‬

‫‪Quand on nous a orienté vers la Mecque‬‬ ‫‪M’akken s wehhan lqebla‬‬

‫‪Pour parasiter nos âmes‬‬ ‫‪Izi as yekcem s aqerru‬‬

‫‪Par le verbe creux‬‬ ‫‪Imedden ad iftu‬‬

‫‪Qui prétend que religion et panacée‬‬ ‫‪D ddin i ddwa n-lmehna‬‬

‫المتحسر الذي ال‬


‫ّ‬ ‫مرة‪ ،‬وهو السؤال‬
‫ها هو ذا الشاعر يختم قصيدته متسائال كما استهلّها ّأول ّ‬
‫النظامين المتنازعين‬
‫جراء ّ‬
‫المر الذي آلت إليه البالد ّ‬
‫ينتظر منه إجابة‪ ،‬واّنما سؤال يبكي به الواقع ّ‬
‫الناس باسم‬
‫النظام العسكري وجماعة اإلسالمويين‪ ،-‬هذه األخيرة التي انتهكت حرمة ّ‬
‫على الحكم‪ّ -‬‬
‫فشبه ال ّشاعر‬
‫الدفاع عنهم‪ّ ،‬‬
‫بحجة ّ‬
‫ّ‬ ‫استبد بالشعب‬
‫ّ‬ ‫النظام العسكري الذي‬
‫الدين وبتهمة الكفر‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫األول وع ّشش فيه وأفسده فلم يعد يدرك أين القبلة‬
‫السوس من اليوم ّ‬
‫األوضاع بالعقل الذي دخله ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-301.‬‬

‫‪59‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫الدواء‪ ،‬بيد ّأنهم يقتلون وينتهكون‬


‫الدين هو ّ‬
‫بأن ّ‬
‫للناس ّ‬
‫الصحيحة‪ ،‬واإلسالمويون يفتون ّ‬
‫والوجهة ّ‬
‫الحقو اإلنسانية باسمه‪.‬‬

‫هذه هي قصيدة "‪ "Impostures‬في مجملها‪ ،‬والتي نقل ال ّشاعر من خاللها آالم ال ّشعب من‬
‫وفنية مستعمال مختلف األساليب من وصف واستفهام‪ ،‬فجاءت القصيدة‬
‫جذورها في صورة إبداعية ّ‬
‫وتحرر من عدو خارجي كان طامعا بخيرات البالد‪ ،‬ليقع‬
‫ّ‬ ‫قصة شعب استقل‬
‫على شكل حكاية أو ّ‬
‫عدو داخلي هم أبناء هذا الوطن الذين يتنازعون الحكم فيه بغير ح ّ ‪.‬‬
‫فريسة ّ‬

‫الخطابية والمباشرة‪ ،‬كما تتّضح غلبة الفكري على‬


‫ّ‬ ‫ومن هنا تتضح في هذا الكالم التّقريرية و‬
‫الفني كقوله‪:‬‬
‫السياسي على ّ‬
‫العاطفي‪ ،‬و ّ‬
‫‪Aujourd’hui l’ennemi abuse et provoque‬‬ ‫‪Assa aâdaw yetgebbwel idal‬‬

‫الفن‪ ،‬ك ّل هذا يد ّل على غيرة ال ّشاعر على وطنه‬


‫وهي عبارة أقرب إلى السياسة منها إلى ّ‬
‫يغية‪ ،‬كما يد ّل على وعيه بكبر الفجوة التي يعاني منها شعب بأكمله بسبب‬
‫وهويته األماز ّ‬
‫الجزائر‪ّ ،‬‬
‫متطرفين يسعون وراء مصالحهم وعلى حساب اآلخرين‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪60‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫الراحل "محمد بوضياف" بعد استالمه الحكم‬


‫الرئيس ّ‬
‫"الجزائر قبل ك ّل شيء"‪ ،‬كلمة قالها ّ‬
‫‪1‬‬

‫السليم‬
‫الرئيس الذي كان األمل فيه كبي ار في استعادة الحكم ّ‬
‫الرئيس "شادلي بن جديد"‪ ،‬وهو ّ‬
‫مكان ّ‬
‫الرجل المناضل‪ ،‬المجاهد على مرأى‬
‫لكن هذا األمل لم يدم إالّ بضعة أشهر ليقتل هذا ّ‬
‫للجزائر‪ّ ،‬‬
‫الرجل الذي وهب نفسه للجزائر والذي أ ارد أن يمحو‬
‫أعين الجزائريين يوم ‪ 45‬جوان ‪6554‬م‪ ،‬هذا ّ‬
‫عزها وكرامتها‪ ،‬دفع الثّمن غاليا واغتالته‬
‫ك ّل ما هو شائب في حكمها ليعيد الح ّ ألصحابه وللبالد ّ‬
‫أياد قذرة ال تريد مصلحة الوطن‪.‬‬

‫لقد كان لمقتل هذا الرجل العظيم األثر الكبير في نفوس الجزائريين عامة‪ ،‬وفي نفس‬
‫خاصة‪ ،‬حيث كان يعتبره مثاال لل ّرجل ال ّشريف الذي يغار على مصلحة البالد‬
‫ّ‬ ‫"معطوب لوناس"‬
‫والعباد‪.‬‬

‫ألن الجزائر خسرت ورّبما‬


‫تأسف كثيرا‪ّ ،‬‬
‫الرجل العظيم ّ‬
‫"معطوب" عندما علم بخبر موت هذا ّ‬
‫لرد الجميل له‪ ،‬فكتب قصيدة تكريمية له عنونها ب‪":‬‬
‫آخر رجل حقيقي فيها‪ ،‬لم يجد ما يصنعه ّ‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،"Hymne a Boudiaf‬يقول في مطلعها‪:‬‬

‫‪Exilé des années durant‬‬ ‫‪D lesnin teffged tamurt‬‬

‫‪Tu as défié et combattu l’arbitraire‬‬ ‫‪Tnufqed tugid leglad‬‬

‫‪De toi nous attendions le salut‬‬ ‫‪Dgek ak i nurja tt but‬‬

‫‪Pour ressusciter ce que d’autres ont anéanti‬‬ ‫‪Bbwayen akw hemjen wiyed‬‬

‫‪Derrière toi surgit la mort‬‬ ‫‪Tehlelli d deffirek lmut‬‬

‫‪Décidée par ceux qui t’ont trahi‬‬ ‫‪Bbwin tt id widn ur turgad‬‬

‫‪Miséreux souverons-nous‬‬ ‫‪Ayat lhif xas cfut‬‬

‫‪Nous avons aidé le mal‬‬ ‫‪D kwenwi id yugwen cyad‬‬

‫‪O sainte montagne‬‬ ‫‪Awah awah a tugal‬‬

‫‪1‬‬
‫أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في الشعر العربي ‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪2‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-301.‬‬

‫‪61‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬
‫‪Nous avons perdu les meilleurs‬‬ ‫‪Ruhen ag irgazen ur nuklal‬‬

‫النقاط على الحروف‪ ،‬يذ ّكر في هذه القصيدة‬


‫مرة أخرى يعود الشاعر إلى البداية حتى يضع ّ‬
‫ّ‬
‫بأنه رجاء ال ّشعب‬
‫بنفي المجاهد "محمد بوضياف" بسبب رفضه للباطل‪ ،‬فيخبره بصيغة المخاطب ّ‬
‫السابقون من انكسارات‪.‬‬
‫وأمله في ترميم ما خلّفه ّ‬

‫التأسف واأللم إلى الموت الذي أخذ حياته بأياد لم يتوقّعها‪ ،‬كما نجد ال ّشاعر‬
‫ّ‬ ‫ويشير بصيغة‬
‫ألن ال ّشعب قبل بالواقع ورضي باأللم والمعاناة‪.‬‬
‫النسيان ّ‬
‫ينادي على ال ّشعب معاتبا ّإياه‪ ،‬ينهاه عن ّ‬

‫هي إذن أفكار بسيطة رّكبها ال ّشاعر بطريقة محكمة‪ ،‬فعرف كيف يسته ّل الموضوع‪ ،‬وكيف‬
‫أما البيتين األخيرين من المقطع‬
‫يدخل فيه بأسلوب ممتع‪ ،‬سهل ممتنع يمكن فهمه واستيعابه‪ّ ،‬‬
‫بالفرنسية‪ ،‬حيث نجد‬ ‫و"‪ "Aâwed‬باألمازيغية‪ ،‬و"‪"Refrain‬‬ ‫تسمى بالعربية‪،‬‬
‫فيمثّالن "الالزمة" كما ّ‬
‫الرحيل‪ ،‬فاستعمل كلمة‬
‫يتأوه أسفا وتألّما على رجال رحلوا وهم ال يستحقون ّ‬
‫ال ّشاعر في هذه الالزمة ّ‬
‫مما زاد من‬
‫"‪ "Tugal‬التي تعني بالعربية "األرامل جمع أرملة" وهي المرأة التي مات عنها زوجها‪ّ ،‬‬
‫ترمل الج ازئر بعد فقدانها لهذا الرجل‬
‫وكأن الشاعر هنا يشير إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫قوة المعنى إلى جانب المبنى‪،‬‬
‫ّ‬
‫وفيا رغم ك ّل شيء‪.‬‬
‫وكرس حياته خدمة لها‪ ،‬فكان ّ‬
‫العظيم الذي وهب ّ‬
‫‪1‬‬
‫لوناس" قصيدته‪ ،‬وفي المقطع الثاني منها يقول‪:‬‬
‫ويواصل "معطوب ّ‬
‫‪Les intrigants t’ont appelé‬‬ ‫‪Ssawlen ak id wat ttindar‬‬

‫‪Dans une tragédie sans issue‬‬ ‫‪Ger tegwnit n ddiq qerrhen‬‬

‫‪Invité sur ce terrain‬‬ ‫‪Asm’i k id necden s annar‬‬

‫‪Tu as bravé tous les risques‬‬ ‫‪Ur thezbed i yreccaqen‬‬

‫‪Ils avaient déroulé leurs cordes‬‬ ‫‪I tmurt ssefsin amrar‬‬

‫‪Les tant au fond du puits la partie‬‬ ‫‪Tezder di temda lqayen‬‬

‫‪Qu’ils ont coulé à pic‬‬ ‫‪S uqerru i temhezwar‬‬

‫‪Devant les nations ébahies‬‬ ‫‪Lejnas degs a tnezzihen‬‬

‫‪1‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 294-295.‬‬

‫‪62‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫ضد المستعمر فلم‬


‫الرجل المناضل التي جاهد ّ‬
‫قصة هذا ّ‬
‫في هذا المقطع يواصل الشاعر ّ‬
‫ولما‬
‫النفي واالبعاد عن وطنه ومسقط رأسه‪ّ ،‬‬
‫الصالح بعد االستقالل فكان جزاؤه ّ‬
‫يقتل‪ ،‬وأراد للوطن ّ‬
‫النبيلة من أجل أرض األبطال‬
‫اشتدت الحال وضاقت البالد باألزمات عاد ليكمل رسالته ّ‬
‫ّ‬
‫العدو الداخلي غدر به فلم يسمح له بإعادة المياه لمجاريها‪.‬‬
‫لكن ّ‬‫والبطوالت‪ّ ،‬‬

‫شبه الجزائر وهي في‬


‫لوناس" في المقطع الثاني من القصيدة‪ ،‬حيث ّ‬
‫هذا ما قاله "معطوب ّ‬
‫حب الرئيس "بوضياف" لوطنه‬
‫مشوكة‪ ،‬ليصف مدى ّ‬
‫ّ‬ ‫السوداء‪ -‬بأرض‬
‫عز األزمة‪-‬العشرّية ّ‬
‫ّ‬
‫الرجل لم يبال بال ّشوك عندما‬
‫أن هذا ّ‬
‫عزة وكرامة هذا الوطن‪ ،‬فكان ّ‬
‫واستعداده للتضحية من أجل ّ‬
‫شبه أيضا الوطن بشيء ثقيل‬
‫تردد‪ .‬كما ّ‬
‫استدعي واستنجد به لح ّل األزمة‪ ،‬واّنما جاء دون خوف أو ّ‬
‫ك هذه الحبال وترك البالد تغر في بحر من األزمات‬
‫الداخلي ف ّ‬
‫العدو ّ‬
‫ّ‬ ‫الربط‪ ،‬لكن‬
‫كان محكم ّ‬
‫والهموم والمعاناة‪.‬‬

‫هكذا وبهذه التشبيهات البليغة نقل ال ّشاعر صورة الوطن وما آل إليه من أوضاع مزرية‪،‬‬
‫وكيف أن هذا األخير كان بحاجة لرجل يخرجه من أعما الوحل الذي دخل فيه‪ ،‬هذا الرجل الذي‬
‫أن أيادي الغدر سبقته‬
‫أفنى حياته خدمة لهذه البالد‪ ،‬وكان دائم االستعداد للقيام بأي شيء لو ال ّ‬
‫وعجلت موته‪.‬‬
‫ّ‬

‫مست‬
‫الجرح وكبر الخسارة التي ّ‬ ‫تتكرر بعد ك ّل مقطع لتؤ ّكد عم‬
‫وتبقى الالّزمة نفسها ّ‬
‫الرجل المناضل‪.‬‬
‫الوطن بعد فقدانها لهذا ّ‬
‫‪1‬‬
‫وفي المقطع الثّالث يقول الشاعر‪:‬‬

‫‪Tu avais trouvé ton pays bouleversé‬‬ ‫‪Tufid d tamurt tenneqlab‬‬

‫‪Eclaté en chans‬‬ ‫‪Tfreq truh d ihricen‬‬

‫‪L’un proclamant son arabisme‬‬ ‫‪wa ijebbed iqqar nek d aârab‬‬

‫‪Se pose en précurseur absolu‬‬ ‫‪Ulac wid iyi d yezwaren‬‬

‫‪Les barbus faiseurs de voiles‬‬ ‫‪Ma d at tmira d nniqab‬‬

‫‪1‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-301.‬‬

‫‪63‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬
‫‪Jurent qu’ils ne cèderont rien‬‬ ‫‪Tgallan ur s dliqen‬‬

‫‪Et menacent de jugement dernier‬‬ ‫‪Swejdend yum lhisab‬‬

‫‪Tout être différent d’eux‬‬ ‫‪Iyemdanen i ten ixulfen‬‬

‫النظام العسكري وسياسة‬


‫الصراع القائم بين ّ‬
‫وفي هذا المقطع يعرض ال ّشاعر حقيقة األزمة و ّ‬
‫عز هذا الصراع كتلة أو حبال بين‬
‫فيصور ال ّشاعر البالد في ّ‬
‫ّ‬ ‫التعريب‪ ،‬وبين جماعة اإلسالمويين‪،‬‬
‫ويقر بأسبقيته وأحقّّيته فيها‪ ،‬فكان مصير من يخالفهم‬
‫يشد إلى جهته ّ‬
‫النظامين‪ ،‬ك ّل واحد ّ‬
‫أيدي ّ‬
‫الموت‪.‬‬

‫أي‬
‫أن ال ّشاعر لم يعمد إلى ّ‬
‫نالحظ في هذا المقطع صراحة ووضوح المراد تصريحه‪ ،‬إذ ّ‬
‫ألنه بصدد تقرير الحقائ ووصف األوضاع‪ ،‬ويختم ال ّشاعر قصيدته‬
‫أسلوب آخر غير التقريرية‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫بهذا المقطع قائال‪:‬‬

‫‪Tu es rentré dans l’histoire‬‬ ‫‪Isem ik deg wemzruy yella‬‬

‫‪Les générations futures te retrouveront‬‬ ‫‪Lgil d itedun a t yaf‬‬

‫‪Le malheur ne durera pas‬‬ ‫‪Tizelgi ur tetdum ara‬‬

‫‪Même si l’indignation nous habité‬‬ ‫‪Xas akka izdeg aneg zzâf‬‬

‫‪L’Algérie se relevera‬‬ ‫‪Lzdayer ad tehlu an wassa‬‬

‫‪Le savoir bourgeonnera‬‬ ‫‪Tamusni ad tteger ixulaf‬‬

‫‪Tu as tracé la voie à lapostérité‬‬ ‫‪Tnejred iswi i ccetla‬‬

‫‪Maintenant repose en paix, seigneur Boudiaf‬‬ ‫‪Tura staâfu Mas Budyaf‬‬

‫ويؤكد له‬
‫ّ‬ ‫الراحل "بوضياف"‬
‫وكأن ال ّشاعر يطمئن من الرئيس ّ‬
‫ّ‬ ‫في هذا المقطع األخير نالحظ‬
‫لألجيال القادمة التي ستعبر به‪ ،‬كما‬ ‫دخوله في التاريخ من أبوابه الواسعة‪ ،‬إذ ّأنه مهّد الطري‬
‫فإنه سيأتي يوم‬
‫الزمن‪ّ ،‬‬
‫بأن األلم والمعاناة التي يحياها ال ّشعب الجزائري مهما طال بها ّ‬
‫يطمئنه ّ‬
‫الرئيس‬
‫تنجلي فيه لتندمل جراح الجزائر‪ ،‬والمعرفة ستنمو وتزدهر من جديد كما النبتة‪ ،‬ما دام هذا ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪LounesMatoub, Rebelle, P 298-301.‬‬

‫‪64‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫النوم قرير العين في قبره‬


‫الراحل االطمئنان و ّ‬
‫قد مهّد الطّري لألصل‪ ،‬كما يطلب الشاعر أيضا من ّ‬
‫مرتاحا مادام قد ترك أث ار تقتفيه األجيال من بعده وتعتبر منه‪.‬‬

‫الراحل "بوضياف" بعد موته ونهاية رسالته التي لم تكتمل‬


‫هكذا إذن خاطب ال ّشاعر الرئيس ّ‬
‫أن العبرة موجودة‪ ،‬وهذا الرجل العظيم سيظل‬
‫لكن رغم الموت المفاجئ إالّ ّ‬
‫بسبب األيادي الغادرة‪ّ ،‬‬
‫حيا مادام صنيعه عظيما وأثره جليا‪.‬‬
‫حيا مادام التاريخ يذكره‪ ،‬سيظل ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫وقد ختم الشاعر قصيدته بكالم منثور يقول فيه‪:‬‬

‫‪«De Abane à Boudiaf, combien de crimes orchestres ? Krim, Khider et‬‬


‫‪autres…laisserons-nous cette terre ancestrale aux mains de ces tristes sires qui l’ont plongé‬‬
‫‪dans le chaos ? Où entre les griffes de ces lâches illuminés ?».‬‬

‫هكذا أنهى "معطوب لوناس" قصيدته‪ ،‬بهذا الكالم الذي جمع فيه بعض األسماء التي سقطت‬
‫ضحية لحكم جائر وسلطة ضعيفة اإليمان‪ ،‬ضحايا سبقوا "بوضياف" فوجدت لها مكانا في قصيدة‬
‫التزم فيها الشاعر بنقل معاناة وثغرات شعب وحكم‪ ،‬على أرض عريقة وعتيقة وقعت بين أيدي‬
‫لقصة حكم قاهر‬
‫النثري جاء على شكل خاتمة ّ‬
‫يقدروها ح ّ قدرها‪ .‬هذا المقطع ّ‬
‫ح ّكام بؤساء لم ّ‬
‫تميز بالشفافية والوضوح والبساطة‪،‬‬
‫فني ّ‬
‫ورجال مقهورين‪ ،‬والعالقة التي بين هؤالء‪ ،‬فصاغها بشكل ّ‬
‫الصد وعدم التكلّف فيه‪.‬‬
‫وأكثر من ذلك ّ‬

‫يخص لغة ال ّشاعر‪ ،‬فهي واضحة عذبة وبسيطة‪ ،‬بعيدة عن التراكيب اللّغوية‬
‫ّ‬ ‫أما فيما‬
‫ّ‬
‫المعقّدة‪ ،‬والمفردات القاموسية المنحطّة‪ّ ،‬إنها باختصار لغة الحياة اليومية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Mohamed Gaya, Anazbay, Le résistant, P 31.‬‬

‫‪65‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫شاعر "معطوب لوّناس"‬


‫قصيدة "‪ "Monsieur le président‬لل ّ‬

‫التي كتبها سنة ‪4893‬م‪ ،‬ومن‬ ‫"‪"A tarwa n lhif‬‬ ‫ضمنها مجموعته الشعرية‬
‫هي قصيدة ّ‬
‫موجهة للرئيس‪ ،‬وقد كان الراحل‬
‫أن القصيدة عبارة عن خطاب أو رسالة ّ‬
‫الواضح من خالل العنوان ّ‬
‫‪1‬‬
‫"شادلي بن جديد" هو رئيس الدولة الجزائرية آنذاك يقول فيها‪:‬‬

‫‪Jour maudit que le jour où je maquis‬‬ ‫‪Asmi i d luleg d ass amcum‬‬

‫‪Dans la main serrant mon nœud de tourments‬‬ ‫‪Deg ufus i d kerseg lehmum‬‬

‫‪Afin qu’ils ne lâchent pas leur étreinte‬‬ ‫‪Akken ur diyi ttix iren ara‬‬

‫‪Mon cœur, que n’est-il jeune pousse‬‬ ‫‪Lukan uliw d agetum‬‬

‫‪Je le jetterais au brasier‬‬ ‫‪At greg d axel n lkanum‬‬

‫‪Afin de ne plus souffrir ses plaintes‬‬ ‫‪Akken ur s tthessiseg ara‬‬

‫‪Mais c’est sous mon corps qu’il s’ensevelit‬‬ ‫‪Imi s ssura- w i gumm‬‬

‫‪Force n’est de la rassasier de rêve‬‬ ‫‪Labuda as d jabeg nnum‬‬

‫‪Puisqu’il ne m’offre, lui, qu’insomnie‬‬ ‫‪Aimi ur di yessgan ara‬‬

‫للراحل المناضل "معطوب لوناس" دون أن تبدو عليها مالمح‬


‫تمر علينا قصيدة ّ‬
‫ال يمكن أن ّ‬
‫اإلشكالية التي هو بصدد معالجتها أو تناولها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألن ال ّشاعر دائما يعود إلى جذور‬
‫الطّابع الحكائي‪ّ ،‬‬
‫يتأسف‬
‫المرة بدايته هو قبل ك ّل شيء‪ ،‬فنجده ّ‬
‫لكنه هذه ّ‬
‫وها هو ذا في هذه القصيدة يبدأ من البداية‪ّ ،‬‬
‫بأنه ولد حامال في يده ك ّل الهموم التي أبت إالّ أن‬
‫ويقر ّ‬
‫اليوم الذي ولد فيه ويعتبره يوما ملعونا‪ّ ،‬‬
‫شبه ال ّشاعر الهموم بشيء‬
‫المنية‪ ،‬هنا ّ‬
‫تشاركه حياته‪ ،‬وتسير جنبا إلى جنب معه‪ ،‬إلى أن تتوفّاه ّ‬
‫يحمل بين اليدين‪ ،‬وهو بقوله هذا يشير إلى كونه ملتزما منذ أن ولد ووعي ما حوله وهو الذي ولد‬
‫السوداء‪.‬‬
‫عز العشرية ّ‬
‫عز حرب التّحرير‪ ،‬وعاش شبابه في صراعات وطنية قومية‪ ،‬ليتوفّى في ّ‬
‫في ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rachida FITAS, MATOUB LOUNES, TAFAT N WURGHU.volume2, editions mahdi, Tizi Ouzou,2014.‬‬
‫‪Page172, 174.‬‬

‫‪66‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫أن له قلبا من حطب حتى يرميه في النار ويتخلّص من‬


‫متمنيا لو ّ‬
‫ّ‬ ‫يواصل "معطوب"‬
‫تحمل‬
‫وشدة المعاناة التي يعيشها ال ّشاعر‪ ،‬وعدم قدرته على ّ‬
‫ّ‬ ‫قوة األلم‬
‫يصور ّ‬
‫ّ‬ ‫المعاناة‪ ،‬وهذا‬
‫التحدث عنها‪ ،‬وهذا هو المعنى الذي يوصله تعبيره "قلب من حطب"‪ ،‬فال ّشاعر لو‬
‫ّ‬ ‫األوضاع دون‬
‫ليتحمل وفقط أو ليصمد أمام المعاناة‪ ،‬لكن التزامه وشعوره‬
‫ّ‬ ‫لتمنى قلبا من حديد‬
‫لم يكن ملتزما‪ّ ،‬‬
‫الصمت عن الباطل‪،‬‬
‫بأنه ليس باإلنسان الذي يمكنه ّ‬
‫لتامة ّ‬
‫بالمسؤولية اتّجاه الجماهير‪ ،‬ومعرفته ا ّ‬
‫ّ‬
‫أن له قلبا من حطب‪ ،‬ال لكي يكسره ولكن لكي يحرقه ويتخلّص‬
‫يتمنى لو ّ‬
‫ك ّل هذه األمور جعلته ّ‬
‫قوة المعنى في جمال المبنى‪ ،‬عرف الشاعر كيف يوصل مشاعره‬
‫من آالمه ومعاناته‪ ،‬هذه هي ّ‬
‫بعبارة بسيطة تحمل معان كبيرة‪.‬‬

‫أن هذا القلب ليس من حطب‪ ،‬و ّأنه سيالزمه طيلة حياته اقترح‬
‫ولك ّن "معطوب" وهو يدرك ّ‬
‫النوم‪ ،‬هذا القلب الذي يرفض الواقع والسكوت‬
‫ألن قلبه هذا يمنعه عن ّ‬
‫على نفسه اسكاته باألحالم‪ّ ،‬‬
‫عنه‪ ،‬علّه يسكت باألحالم‪.‬‬

‫صور الشاعر بداية معاناته مع القلب منذ يوم ميالده وقد كان التصوير بضمير‬
‫هكذا ّ‬
‫لف أو‬
‫موجه مباشرة دون ّ‬
‫المتكلم‪ ،‬ليأخذنا في المقطع الثّاني إلى المخاطبة بضمير "أنتم"‪ ،‬المقطع ّ‬
‫‪1‬‬
‫دوران إلى النظام والحكام وكل من له يد في معاناته‪ ،‬يقول فيه‪:‬‬

‫‪Vous avez controuvé ma vie, dérobé ma jeunesse‬‬ ‫‪Tkellxem iyi di temz-iw‬‬

‫‪J’ai payé ce que je n’ai pas acheté‬‬ ‫‪Xellseg a wen ayen ur d ugeg‬‬

‫‪Vous m’avez arraché aux miens‬‬ ‫‪Tekksem iyi imawlan-iw‬‬

‫‪Anéanti toutes mes espérances‬‬ ‫‪Temham ayen ak ssarmeg‬‬

‫‪Le malheur a irrigué mes os‬‬ ‫‪Lmehna tenjr iges-iw‬‬

‫‪Avant que la mort sur moi se pose‬‬ ‫‪Uqbel a d ters lmut-iw‬‬

‫‪L’amertume que mon cœur amassa‬‬ ‫‪Ayen yakw yejmeâ wwul-iw‬‬

‫‪De ma langue je la balaierai‬‬ ‫‪S yilesiw a t in dummeg‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rachida fitas, Matoub lounes , TAFAT N WURGHU, p172 ,174.‬‬

‫‪67‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫وكأنه يجمل ك ّل من له‬


‫يتحدث الشاعر في هذا المقطع بصيغة المخاطب الجمع "أنتم"‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫عالقة في معاناته وآالمه‪ ،‬من نظام وحكم وشعب لم يسانده‪ ،‬ك ّل أولئك يخاطبهم ويلومهم على‬
‫يتأسف على‬
‫وكأن بال ّشاعر هنا ّ‬
‫ّ‬ ‫فعلتهم به‪ ،‬فكما قال سرقوا منه شبابه ودفع ثمن شيء لم يشتره‪،‬‬
‫السبب فيها‪،‬‬
‫قضية هو وحده دفع الثّمن فيها‪ ،‬ولم يكن ّ‬
‫ّ‬ ‫ذاك ال ّشباب الذي قضاه يناضل من أجل‬
‫خيبوا أمله ود ّمروا أحالمه‪ ،‬وهو الذي أفنى حياته خدمة لهم‪ ،‬ودفعا‬
‫ألنهم ّ‬
‫وال ّشاعر هنا يعاتب أولئك ّ‬
‫السبب في‬
‫ألنهم كانوا ّ‬
‫مرات عديدة فهو يلومهم ّ‬
‫السجن ّ‬
‫أن "معطوب" دخل ّ‬
‫للباطل عنهم‪ ،‬وبما ّ‬
‫بأنه سيقول ك ّل ما في قلبه قبل أن تتوفّاه‬
‫ليصرح ّ‬
‫ّ‬ ‫لكنه بعد هذا العتاب يعود‬
‫ابتعاده عن أهله‪ّ ،‬‬
‫المنية‪ ،‬سيقول لسانه ما يحفظه قلبه من ألم ومعاناة‪.‬‬
‫ّ‬

‫السجن‪ ،‬وظ ّل يعيشها إلى أن سجن في قبره‬


‫لوناس" منذ نعومة أظافره عاش تجربة ّ‬
‫"معطوب ّ‬
‫لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة نضاله من أجل دفع الباطل واسترجاع الح ّ ‪ ،‬ال ّشاعر‬
‫إلى األبد‪ّ ،‬‬
‫ألنها‬
‫يحب العربية ّ‬
‫ّ‬ ‫يحسها سجنا‪ ،‬ال‬
‫ألنه ّ‬
‫يحب المدرسة ّ‬
‫ّ‬ ‫منذ أن وعى على الحياة كان سجينا‪ ،‬ال‬
‫وحريته كأمازيغي كان‬
‫يهدد كيانه ّ‬
‫ضد ّهويته وثقافته‪ ،‬وك ّل ما ّ‬
‫بالنسبة له سجن‪ ،‬ك ّل ما حوله ّ‬
‫"معطوب" يعتبره سجنا‪ ،‬والحياة بالنسبة إليه في هذه األوضاع هي أكبر سجن وأقساه‪.‬‬

‫تغير واضطرب وأصبح شخصا آخر‪،‬‬


‫مر بها ّ‬
‫ال ّشاعر من كثر المعاناة والتجارب التي ّ‬
‫‪1‬‬
‫يقول‪:‬‬

‫‪Si bonheur, je pouvais fuir‬‬ ‫‪Lemmer zmireg a d snesreg‬‬

‫‪Et a l’aid aller à vous‬‬ ‫‪Di lâid an beddeg gur wen‬‬

‫‪Je viendrai vous visiter‬‬ ‫‪A n’aseg akwen gafrag‬‬

‫‪Parents que j’aime tant‬‬ ‫‪Ay imawlan azizen‬‬

‫‪Dans la clarté vous apparaissant‬‬ ‫‪Di tafat m ara n beddeg‬‬

‫‪Votre trouble ne me surprendra pas‬‬ ‫‪Xas temcakktem ur wehhmeg‬‬

‫‪Ce n’est pas le visage de mon départ‬‬ ‫‪Macci d udem i ssi ruheg‬‬

‫‪Que vos yeux reconnaitront‬‬ ‫‪Ad mlilent wallen nnwen‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rachida Fitas, Matoub Lounes, TAFAT N WURGHU.p172 , 174.‬‬

‫‪68‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫قيدته من ك ّل‬
‫معنويا رمزّيا‪ ،‬فالحياة ّ‬
‫ّ‬ ‫حقيقيا أو‬
‫ّ‬ ‫السجن بك ّل أنواعه إن كان‬
‫ال ّشاعر يعاني من ّ‬
‫أن بإمكانه الهرب ليتمكن‬
‫يتمنى في هذا المقطع لو ّ‬
‫النواحي وأردته سجين المعاناة واأللم‪ ،‬ما جعله ّ‬
‫ّ‬
‫لكن‬
‫من تهنئة أهله بالعيد‪ ،‬وهو يخاطب أهله في هذا المقطع ويصف ألم البعد عنهم وشوقه إليهم‪ّ ،‬‬
‫السجن يمنعه من ذلك‪ ،‬وحتى لو تم ّكن من الهرب فهو يخبر أهله أنهم سيرونه على غير صورته‬
‫ّ‬
‫يتعرفوا عليه‪.‬‬
‫التي اعتادوه عليها‪ ،‬وسيبدو لهم غريبا في أعينهم وحتى يمكن أالّ ّ‬

‫يمكن االستنتاج من هذا المقطع أن معاناة الشاعر أثرت حتى على مظهره وليس فقط على‬
‫‪1‬‬
‫نفسيته وهذا ما صوره في هذا المقطع الذي يوجهه إلى أهله‪ .‬ويواصل الشاعر قصيدته قائال‪:‬‬

‫‪Lui non plus me reconnaissant pas‬‬ ‫‪Seg wakken undi-d yettea qal‬‬

‫‪Mon fils effrayé me fuira‬‬ ‫‪Mmi a yerwel felli‬‬

‫‪Quant à ma digne femme‬‬ ‫‪Tametut-iw n lehlal‬‬

‫? ‪Se souviendra-t-elle-même de moi‬‬ ‫‪Wissen kan m’a d-temmekti‬‬

‫‪Je troublerai leurs tâches quotidiennes‬‬ ‫‪Ad asen-sxerbey lecyal‬‬

‫‪Ils en perdront la parole‬‬ ‫‪Ad asen-yeareq wawal‬‬

‫‪Puis nous étant tous retrouvés‬‬ ‫‪Taggara m’aa neyea qal‬‬

‫‪Le village vers moi accourt‬‬ ‫‪Taddart a d-teajel yur-i‬‬

‫سيتعرف عليه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بأنه ال أحد‬
‫يقر ّ‬
‫فإن ال ّشاعر ّ‬
‫السجن والمعاناة ّ‬
‫وكنتيجة لتغي‪µ‬ر مظهره بسبب ّ‬
‫قوة أثر المعاناة عليه‪،‬‬
‫بل بالعكس حتى ابنه سيهرب منه‪ ،‬والولد أو االبن استعاره الشاعر لوصف ّ‬
‫شدة قهر الحياة‬
‫بالذرية‪ ،-‬فمن ّ‬
‫ّ‬ ‫بأن ال ّشاعر رغم أنه تزوج ثالث مرات إالّ أنه لم يرز‬
‫و‪-‬ذلك علما ّ‬
‫التعرف على أبيه‪ ،‬فقط‬
‫التعرف عليه‪ ،‬هنا يطرح السؤال‪ :‬متى ال يمكن للولد ّ‬
‫له حتى ابنه ال يمكنه ّ‬
‫قوية في معناها‪ ،‬جميلة في مبناها‪ ،‬نقلها ال ّشاعر‬
‫تغير الوالد ال يمكن لولده معرفته‪ ،‬صورة ّ‬
‫إذا ّ‬
‫مصوار أثر الحياة األليمة عليه‪ ،‬كما أضاف متسائال إن كانت زوجته ستعرفه‪ ،‬وهذا التّساؤل‬
‫ّ‬
‫ولكنه هنا كما لو ّأنه‬
‫يتعرفوا على ابنهم‪ّ ،‬‬
‫قوة‪ ،‬إذ ّأنه ال يمكن لألهل إالّ أن ّ‬
‫األول ّ‬
‫أضاف للمعنى ّ‬
‫تمرد على ك ّل شيء حتّى يتم ّكن الجميع من معرفته ويتسابقون‬
‫قرر ال ّ‬
‫لكن ال ّشاعر ّ‬
‫يشك في ذلك‪ّ ،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rachida Fitas, Matoub Lounes, TAFAT N WURGHU.p172,174.‬‬

‫‪69‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫للتمرد على ك ّل ما حوله‪ ،‬حفاظا على‬


‫لرؤيته‪ ،‬وهنا يشير ال ّشاعر إلى ّأنه مستعد لفعل المستحيل‪ّ ،‬‬
‫للهوية‪.‬‬
‫األهل‪ ،‬واثباتا ّ‬

‫لوناس"‪ ،‬الهرب من سجن الحياة إلى واقع يريده أن يكون جميال‪،‬‬


‫هذه كانت أحالم "معطوب ّ‬
‫ليبقى هذا حلم ال يمكن له أن يطول‪ ،‬فيقول الشاعر هنا‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫‪Tous ceci est illusion de l’espoir‬‬ ‫‪Ayagi yakw d asirem‬‬

‫‪Ma rêverie est bien courte‬‬ ‫‪Targit-iw u tdul ara‬‬

‫‪L’adversité a changé mon nom‬‬ ‫‪Ibddel iyi zzman isem‬‬

‫‪Contre l’amulette de malheurs‬‬ ‫‪Yefka yi lherz u tlufa‬‬

‫‪La porte de la géole sur moi se referme‬‬ ‫‪Taburt n lhebs felli tezzem‬‬

‫‪Sur laquelle mon sort s’inscrit‬‬ ‫‪Fella-s tawriqt iw tewccem‬‬

‫‪Tu as signé, soumets toi‬‬ ‫‪Tura testenya tseggem‬‬

‫‪A vie ! Tel est mon châtiment‬‬ ‫‪Ttul n laâmer i temmerka‬‬

‫بأنه لن يطول‪ ،‬ليعود إلى الواقع‬


‫حدا لحلمه الجميل الذي يدري ّ‬
‫في هذا المقطع يضع ال ّشاعر ّ‬
‫تمنى الهرب منه والتخلّص من معاناته‪ ،‬سيظ ّل‬
‫السجن الذي ّ‬
‫المر الذي قهره بك ّل الطر ‪ ،‬ليظ ّل في ّ‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫فيه بعد أن أغلقت أبوابه عليه وختم على مصيره بالبقاء فيه إلى األبد‪ ،‬هنا يمكن المالحظة ّ‬
‫لكنه هنا‬
‫مرات‪ّ ،‬‬
‫عدة ّ‬
‫السجن الحقيقي رغم مروره بهذه التّجربة ّ‬
‫السجن لم يكن يقصد به ّ‬
‫الحديث عن ّ‬
‫السجن األبدي سجن الحياة القاسية والمعاناة المريرة‪ ،‬سجن األلم واألحالم المتحطّمة‪،‬‬
‫يتحدث عن ّ‬
‫ّ‬
‫هوية أو ثقافة سجن أبدي‪.‬‬
‫صور الحياة من منظوره‪ ،‬أل ّن الشاعر يرى في الحياة دون ّ‬
‫هو هكذا ّ‬

‫وقرر أالّ يكون إالّ‬


‫الصمت ّ‬
‫ومن خلف أبواب سجن الحياة الذي يعاني منه ال ّشاعر‪ ،‬رفض ّ‬
‫حرا‪ ،‬يقول ك ّل ما في قلبه وبصوت عال‪ ،‬لذلك ختم ال ّشاعر قصيدته بهذا الخطاب المنثور‬
‫صوتا ّ‬
‫الموجه للرئيس يقول‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫‪«Monsieur le président :‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rachida Fitas, Matoub Lounes, TAFAT N WURGHU.p173.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- idem,p173.‬‬

‫‪70‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬
‫‪C’est avec un cœur lourd que je m’adresse à vous,‬‬

‫‪Ces quelques phrases d’un condamné, étancheront peut être la soif de certains individus‬‬
‫‪opprimés,‬‬

‫‪Je m’adresse à vous avec une langue empruntée, pour vous dire simplement et‬‬
‫‪clairement que l’Etat n’a jamais été la patrie,‬‬

‫‪D’après Bakounine, c’est l’abstraction métaphysique, mystique, juridique, politique de‬‬


‫‪la patrie,‬‬

‫‪Les masses populaires de tous les pays aiment profondément leur patrie, mais c’est un‬‬
‫‪amour réel, naturel, pas une idée un fait‬‬

‫»‪Et c’est pour cela je me sens franchement le patriote de toutes les patries opprimées‬‬

‫لكن هذا‬
‫بالسجن األبدي‪ ،‬وبالموت أيضا‪ّ ،‬‬
‫الشاعر قال هذا الكالم وهو يدري ّأنه محكوم عليه ّ‬
‫الرئيس‪-‬وقد كان آنئذ‬
‫ووجه الكالم بطريقة مباشرة إلى ّ‬
‫الحكم لم يمنعه من الكالم‪ ،‬بل العكس تكلّم ّ‬
‫الراحل ‪-‬شادلي بن جديد‪ ،-‬هو هكذا رفع صوته بكل جرأة ليعلن التزامه بصريح‬
‫ال ّرئيس هو ّ‬
‫العبارة‪ ،‬ليشفي غليله وغليل ك ّل المقهورين‪ ،‬قال هذه الكلمات بلغة غير لغته حتّى يفهم الجميع‪،‬‬
‫الرئيس ببساطة ووضوح‪ ،‬ليضعه أمام األمر الواقع‪ ،‬يقول مخاطبا‬
‫استعار لغة غيره ليخاطب ّ‬
‫الرئيس ومخب ار إياه أن الدولة لم تعن يوما الوطن‪ ،‬وكأن ال ّشاعر هنا يتّهم الّنظام العام بالتّقصير‬
‫حب‬
‫بأن شعوب العالم ت ّ‬
‫فيقر ّ‬
‫والخيانة‪ ،‬خيانة الوطن والتّقصير اتّجاه شعبه من كل النواحي‪ّ .‬‬
‫حبا بالفكرة أو لمصلحة‪.‬‬
‫حب فعلي وليس ّ‬
‫وطبيعيا وبالتّالي فهو ّ‬
‫ّ‬ ‫حقيقيا عميقا‬
‫ّ‬ ‫حبا‬
‫أوطانها ّ‬

‫الدولة للوطن ليس حقيقي واّنما فقط من أجل المصلحة‪،‬‬


‫حب ّ‬‫أن ّ‬
‫يقر علنا ّ‬
‫إن ال ّشاعر بقوله هذا ّ‬
‫ّ‬
‫تحب أوطانها بصد وتسعى جاهدة لتحقي مصلحة الوطن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعكس شعوب البلدان األخرى التي‬
‫المصلحة العامة قبل المصلحة ال ّشخصية‪.‬‬

‫بأنه سيكون لسان ال ّشعب‪ ،‬وهو يعتبر نفسه المدافع عن‬


‫يقر ويعد ّ‬
‫وفي األخير ها هو ذا ال ّشاعر ّ‬
‫كل األوطان المضطهدة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫االلتزام في شعر "معطوب لوّناس"‬ ‫الفصل الثّاني‪:‬‬

‫فإنه في هذه‬
‫ومن هنا‪ ،‬إذا كان االلتزام باديا في قصائد ال ّشاعر التي تناولناها بالتّحليل‪ّ ،‬‬
‫تردد‪ ،‬وبك ّل جرأة‬
‫ألنه قالها بكل صراحة ودون ّ‬
‫القصيدة‪ ،‬ليس من داع للبحث عن مواطن التزامه فيها‪ّ ،‬‬
‫متحديا ك ّل من يقف أمامه‪ ،‬بأنه سيناضل وسيكافح لدفع الباطل عن المظلومين‪ ،‬وسيكون لسان حال‬
‫ّ‬
‫ال ّشعب إلى أن تنتهي رحلته في الحياة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫نستطيع أن نقول في نهاية هذا البحث‪ :‬إن االلتزام في شعر " معطوب لوناس"‬
‫جسد حقيقة الصراع بين وجهي الحياة اإلنسانية؛ الشعب الكادح‪ ،‬والطبقات التي تتنازع‬
‫الحكم‪ ،‬الوطنية والهوية‪ ،‬الصراع السياسي والصراع الثقافي الهوياتي‪ ،‬والشعب الذي يحيى‬
‫تحت نيران هذه الضغوطات والصراعات‪ ،‬وقد غدا واضحا أن هذه الموضوعات تشكل‬
‫البنية العامة لتفكير الشاعر ورؤيته‪.‬‬

‫ومن خالل رصد بواعث االلتزام ومظاهره في شعر "معطوب لوناس" تراءت لنا هذه‬
‫االستنتاجات‪:‬‬

‫‪ -‬بداية االلتزام عند الشاعر كانت مع بداية أزمته من عذابات النفس لتنتهي إلى‬
‫معاناة الشعب وصراعاته‪ ،‬فقد كان اصطدام " معطوب " بالواقع سببا في سعيه‬
‫للكشف عنه‪ ،‬حيث كانت حياة الشاعر ككل و معايشته لمختلف الفترات الصعبة‬
‫منذ ميالده امتحانا عسي ار كشف عن مدى قدرته على مواجهة الذات والواقع‪ ،‬فكل‬
‫قصيدة من قصائده ترتبط بالواقع النفسي وبواقع الحياة المتطورين في تواز وتالحم‪.‬‬

‫كما يرى الشاعر المتمرد الواقع من خالل وعيه للذات ووعيه للواقع‪ ،‬ومن هنا اتسم‬
‫شعره الوطني والهوياتي بالعمق‪ ،‬ليتحقق التوافق الباطني والظاهري بين الذات والموضوع‪،‬‬
‫فهو مثال‪ :‬في مواجهة الوطن‪ ،‬يضع الوطن في صلب التجربة لتكون الذاكرة هي الحكم‪،‬‬
‫وبهذا زاد من ح اررة الموقف وتأثيره في المتلقي‪.‬‬

‫لكن "معطوب لوناس" لم يكتف بموقف المتلقي المنفعل تجاه األحداث والصراعات‬
‫ف ي الجزائر عامة‪ ،‬وفي بالد القبائل خاصة‪ ،‬بل كثي ار ما كان يتجاوز هذا الموقف إلى‬
‫رفض الواقع‪ ،‬فاإلحساس بالظلم والتهميش صنعا منه متمردا على الواقع ورافضا له‪ ،‬وهذا‬
‫مؤشر واضح على انتقال الشاعر من مواجهة الذات إلى مواجهة المجتمع‪ ،‬فقد وجدناه‬
‫يتمرد على العادات و التقاليد االجتماعية والقيم المزيفة‪ ،‬ويهاجم الفئات الرجعية والزمر‬
‫الحاكمة‪ ،‬فالشاعر يرفض االضطهاد ويقر بذلك علنا دون خوف أو تردد‪ ،‬مطالبا بحقه‬
‫وحق الشعب الجزائري في الحرية والعيش الكريم‪ ،‬وحق الشعب األمازيغي في الهوية‬

‫‪73‬‬
‫والحرية و االحترام‪ ،‬وقد رأينا هذه المطالب تتجسد في قصائده المتمردة التي تناولناها‬
‫بالتحليل‪ ،‬وهو برفضه لهذا االضطهاد وتمرده عليه‪ ،‬لم يكتف بطرح المشاكل فقط‪ ،‬وانما‬
‫طرح بالمقابل البديل‪ ،‬وهذا نتيجة وعيه السياسي والثقافي‪ ،‬وصدق التزامه بالقضايا التي‬
‫عاشها وعايشها طيلة حياته‪.‬‬

‫عرفنا أن "معطوب لوناس" في شعره ال يعيش بضميرين‪ :‬ضمير مع نفسه‪ ،‬وضمير‬


‫مع الناس‪ ،‬وانما يواجه نفسه و مجتمعه بضمير واحد‪ ،‬ألنه يحس أن مشكالته ال تنفصل‬
‫عن مشكالت الناس‪ ،‬وأحيانا كثيرة كانت مشكالت الناس هي محور اهتمامه‪ ،‬فالشعب‬
‫الجزائري عامة‪ ،‬والقبائلي على وجه الخصوص‪ ،‬في حاجة دائمة إلى من يمهد له الطريق‬
‫إلى الحلول الناجعة لقضاياه ومشكالته التي يحس بوطأتها‪ ،‬والشاعر منذ يفاعته تبنى فكرة‬
‫مجتمعه وهويته أو ثقافته األمازيغية ‪ ،‬وذلك من خالل االلتحام الحميم به‪ ،‬والتجاذب‬
‫العنيف معه حتى صارت فكرته وقضيته الخاصة‪ ،‬وقد حاول "معطوب" إخراج القضية‬
‫الوطنية والهوياتية من الدائرة الضيقة إلى الدائرة األوسع واألشمل لتكتسي أبعادا قومية‬
‫وانسانية عالمية‪ ،‬وذلك من خالل تعاطفه البعيد المدى مع الشعوب المكافحة من أجل‬
‫هويتها‪.‬‬

‫وشعر "معطوب لوناس" غالبا ما كان يتجاوز الموقف الحماسي‪ ،‬ليؤدي وضيفته‬
‫الفاعلة‪ ،‬بدليل أن معظم أشعاره تتردد وما تزال على ألسنة الجزائريين عامة و األمازيغيين‬
‫خاصة‪.‬‬

‫ولعل السمة األكثر تمي از في شعره القدرة على االستعالء على الحكام الجهلة‪،‬‬
‫األنانيين‪ ،‬الظالمين‪ ،‬كما أن السمة األكثر برو از هي اتساع وجوه النقد السياسي‪ ،‬حيث‬
‫توغل في حقيقة نظام الحكم‪ ،‬وأسهب في التفاصيل المثيرة للسلطة‪ ،‬وهي جديرة أن تدخل‬
‫في أوسع مشروع نقدي ألزمة الحكم في الجزائر بعد االستقالل أو في التاريخ الحديث‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫لقد عبر "معطوب لوناس" تعبي ار جماليا عن التزامه ‪،‬حيث جمع بين الشعر وزخم‬
‫األحداث‪ ،‬فالشعر في طبيعته يرفض ما ينغمس في الواقع‪ ،‬ويجعل من كشفه عن أضداد‬
‫الحياة وسيلة للنهوض والتجاوز‪ ،‬وهذا ما وجدناه في القصائد التي قمنا بتحليلها‪ ،‬وفي‬
‫غيرها من القصائد‪ ،‬حيث برزت اللوحات الدرامية‪ ،‬من خالل عالقات التقابل والتباين بين‬
‫مفردات اللغة‪ ،‬والتي تعكس الصراع الدائر بين أطراف األزمة (النظام العسكري والنظام‬
‫اإلسالموي‪ ،‬الجماهير والحكام‪ ،‬األزمة االقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬الهوية‪ ،‬واالستبداد‪)...،‬‬
‫ومن هنا تكسب األزمة وجهها الجمالي‪.‬‬

‫كما أن الشاعر في معايشته الحارة لواقع أمته وعصره‪ ،‬وكونه عنصر فعال في هذه‬
‫الوقائع جسد من خالل شعره التزامه بقضايا مجتمعه‪ ،‬فتمرد على الواقع المظلم‪ ،‬والحكم‬
‫الظالم‪ ،‬جاءت في شعره جذور التمرد والنهوض بالواقع البائس‪ ،‬وهي التجسيد األكثر‬
‫واقعية عن معاناة الشعب الجزائري عامة والقبائلي خاصة‪ ،‬واألشد التحاما بالوجدان الثوري‬
‫والعاطفي لألمة كلها‪.‬‬

‫ونحن في عصر االتصال السريع تبقى الشعوب أكثر تواصال واقترابا من واقعها‬
‫المعيش ‪ ،‬ومن هنا يصبح مفهوم االلتزام أكثر بروزا‪ ،‬خاصة االلتزام اإليجابي الذي يناهض‬
‫أساليب العنف والقهر‪ ،‬ويرفض واقع الظلم والباطل‪ ،‬ليناشد الحق واألمان والحريات الفردية‬
‫والجماعية‪.‬‬

‫هكذا ويبقى شعر "معطوب لوناس" حقال خصبا للبحوث والدراسات على أن نكون‬
‫قد زرعنا بعضا من البذور في هذا الحقل الواسع‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫م لحق‬
‫ملحق لشخصيات أدبية وفكرية‪-‬وسياسية‪-‬‬

‫اعتمدت في هذا الملحق على‪:‬‬

‫الدرجي‪ ،‬القبائل األمازيغية‪ ،‬أدوارها‪ ،‬مواطنها‪،‬أعيانها‪ ،‬ص‪.04-93‬‬


‫بوزياني ّا‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪-‬موسى معوشي‪ ،‬المنثورات الذهبية في كنز المعلومات األمازيغية‪ ،‬ص‪.954-993‬‬

‫(أبولي)‪ :‬أديب وخطيب‪ ،‬ابن بلدة مداوروش بالشرق الجزائري‪ ،‬تعلم في‬ ‫‪Apulée‬‬ ‫‪ ‬أبوليوس‪:‬‬
‫أثينا ثم في روما‪ ،‬ثم استقر في قرطاج‪ ،‬حيث وضع مؤلفات في شتى العلوم (علم النبات‪،‬‬
‫الفلك‪ ،‬األدب‪ ،)...‬تربع في وقته على عرش اآلداب والفلسفة‪ ،‬وكتب مجموعة المؤلفات في‬
‫شتى العلوم و الفنون‪ ،‬ولكنها باللغة الالتينية‪ ،‬منها‪ :‬مجموعة أشعار ضمنها "كتاب‬
‫األزاهير"‪ ،‬وقصة" الحمار الذهبي" التي شاع ذكرها‪.‬‬
‫‪ ‬لكتاس ‪905-064(:Lactance‬هـ)‪ :‬ابن سيرتا‪ ،‬العالم في الالهوت والبالغة‪ ،‬الذي‬
‫استقدمه اإلمبراطور الروماني "قنسطنطين" إلى قصره ليعلم ابنه "كرسبوس ‪."crispus‬‬
‫‪ ‬فروتطو ‪ :Fronton‬عالم وخطيب أمازيغي بليغ‪ ،‬ولد بسيرتا حوالي عام ‪011‬هـ‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر اشهر خطيب في األدب الالتيني بعد "شيشرون"‪ ،‬كان أستاذا خاصا لإلمبراطور‬
‫الروماني ماركوس أوريليوس ‪.Marc Auréle‬‬
‫‪ ‬أغسطنوس (أغسطيس) ‪ :Saint Augustin‬ابن تاجسته أو سوق أهراس‪ ،‬وهو الذي تجاوز‬
‫صيته حدود بالد المغرب‪ ،‬بل اعتبر من أبرز فالسفة عصره‪...‬كتب هو اآلخر مؤلفاته‬
‫بالالتينية‪ ،‬ومن كتبه االعترافات‪ ،‬ومدينة اهلل‪ ،‬وهو الذي قال‪« :‬إن الدولة الرومانية التي‬
‫تعرف كيف تحكم الشعوب‪ .‬لم تعرض على المغلوبة منها سيطرتها السياسية فحسب‪ ،‬بل‬
‫لغتها أيضا»‪.‬‬
‫‪ ‬يوبا الثاني‪ :Juba 2 :‬الملك األمازيغي الذي اغترب وذاب في الالتينية واالغريقية‪ ،‬فكتب‬
‫مجموعة من الكتب في ميادين كثيرة منها‪ :‬التاريخية‪ ،‬الجغرافية‪ ،‬اللغوية‪ ،‬الطبيعية‪ ،‬الشعري‬
‫والفنون‪ ،‬كنها ضاعت بكاملها‪ ،‬وربما يكون أحد كتله المعنون ب‪ :‬ليبيكا ‪ ،les Libyca‬في‬
‫أجزائه الثالثة‪ .‬مفيدا في الجوانب التي تخص المجتمع األمازيغي بعاداته‪ ،‬ولغته وتقاليده‪،‬‬
‫ولكنه مع األسف يبقى بين ما فقد من مؤلفاته‪ ،‬كنا كتب كتابا آخر يبحث في تاريخ‬
‫وجغرافية الجزيرة العربية سماه أرابيكا ‪.les Arabica‬‬

‫‪ ‬بكر بن حماد التيهرتي الزناتي‪ :‬ولد سنة ‪ 011‬هـ بتيهرت ونسب أليها‪ ،‬وتوفي بها سنة‬
‫‪092‬هـ‪ .‬كانت له رحلة إلى المشرق‪ ،‬سمع فيها عن فقهائهم وجابه علماءهم‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫الشعر كان عالما بالحديث‪ ،‬مصاحبا لثلة منهم العلماء منهم "مسدد بن مسرهد األشدي"‬
‫المحدث بالبصرة و"عمرو بن مرزوق"‪ ،‬كنب عن مسدد مسنده ورواه عنه بتيهرت‪ .‬مما‬
‫يحكي عن "بكر بن حماد" في الحديث ما رواه القرطبي في تفسيره الجامع واقتبسه منه‬
‫"المقري" في نفحة‪ .‬هذا وقد أخذ الحديث عنه عدد من العلماء منهم‪" :‬القاسم بن أصبع"‪،‬‬
‫و"أبو عبد اهلل بن صالح القحطاني المعافري األندلسي" و"قاسم عبد الرحمان التميمي‬
‫التيهرتي"‪.‬‬
‫‪ ‬زين الدين يحي بن معطي عبد النور الزرواوي‪ :‬كان فاضال أدبيا‪ ،‬شاع ار واماما بار از في‬
‫العربية‪ ،‬أخذ النحو بالغرب األوسط على الجزولي ثم رحل إلى مصر واستوطنها‪ ،‬وتصدر‬
‫فيها بأمر الملك الكامل لتدريس النحو واألدب بالجامع العتيق إلى أن توفي بها سنة‬
‫‪206‬هـ‪ .‬وله تأليف جليلة وهي‪ :‬العقود‪ ،‬القوانين في النحو‪ ،‬حواس على أصول "ابن‬
‫السراج"‪ ،‬شرح الجمل في النحو‪ ،‬شرح أبيات "سبويه" نظما‪ ،‬ديوان خطب‪ ،‬قصيدة في‬
‫القراءات السبع‪ ،‬ونظمات في العروض وفي صحاح الجوهري ومما يمكن مالحظته هنا‬
‫كما يقول «موسى معوشي" أن هذا العالم األمازيغي له السبق في تأليف أول ألفيه في‬
‫النحو العربي‪ ،‬سماها «الدرة األلفية في علوم العربية"‪.‬‬
‫‪ ‬يهود بن قريش التاهرتي‪ :‬من المهتمين بالبحث في اللغات وحاول المقاربة بين العربية‬
‫والعبرية واألمازيغية‪ .‬وهو أسس النحو التنظيري‪ ،‬وله كتاب في ذلك باللغة العربية وجد‬
‫بمكتبة أوكسفورد بإنجلترا‪.‬‬
‫‪ ‬أبو الحسن اليوسي‪ :‬توفي سنة ‪0010‬هـ‪ ،‬قدم خدمة جليلة للثقافة العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫وظل يعتمد عليه الباحثون في أبواب من الثقافة العربية واإلسالمية‪ ،‬من عطاءاته العلمية‬
‫التي كانت محل إشادة العلماء في الشرق والغرب قديما وحديثا‪ ،‬كتبه العديدة التي تجاوزت‬
‫األربعين مؤلفا بعضها مازال مخطوطا‪.‬‬
‫‪ ‬بلقاسم بن سديرة‪ :‬يعتبر رائد الكتابة عن القبائلية (شع ار ونثرا) باللغة الفرنسية‪ ،‬ألف كتابا‬
‫شمل قاموسا وقواعدا وأشعا ار قبائلية نشره سنة ‪0661‬م‪.‬‬
‫‪ ‬سي أعمر أوسعيد بوليفة (‪1391-1661‬م)‪ :‬من الرواد األوائل الذين ألفوا بالفرنسية‪،‬‬
‫وكان جل شمامه هو جمع األدب الشفوي األمازيغي كاألمثال واألشعار وتدوينه بالفرنسية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى وضعه طرق التدريس األمازيغية‪ ،‬حيث وضع سنة ‪0691‬م كتابه األول‪:‬‬
‫"مذكرة حول تعليم السكان األصليين بالجزائر"‪.‬‬
‫‪« Mémoire sur l’enseignement des indigènes de l’Algérie ».‬‬
‫‪ ‬مرغريت الطاوس عمروش‪ :‬فنانة وأديبة جزائرية‪ ،‬ولدت بتونس في مارس ‪0901‬م‪ ،‬من‬
‫عائلة قبائلية مسيحية مهاجرة‪ ،‬يعود أصلها إلى إغيل علي ضواحي بجاية‪ ،‬وهي أخت‬
‫الكاتب "جون الموهوب عمروش"‪ ،‬تعتبر أول روائية جزائرية‪ ،‬نشرت روايتها األولى‬
‫(حصاد السنين)‬ ‫‪la récolte des années‬‬ ‫(الياقوت السوداء) سنة ‪0991‬م‪،‬‬ ‫‪Jacinthe Noir‬‬

‫عبرت فيها عن معاناتها في المنفى‪.‬‬


‫‪ ‬مولود فرعون‪ :‬اسمه الحقيقي مولود أيت شعبان‪ ،‬ولد في ‪ 6‬مارس ‪0901‬م بقرية تيزي‬
‫هيبل (بني دوالة)‪ ،‬درس في تيزي وزو ثم صار معلما سنة ‪0911‬م‪ ،‬اغتالته عناصر‬
‫(المنظمة العسكرية السرية اإلرهابية) المناهضة الستقالل الجزائر في ‪ 01‬ماري‬ ‫‪OAS‬‬

‫‪0920‬م‪ ،‬يعتبر رائد األدب الجزائري المناطق بالفرنسية‪ ،‬من آثاره‪ :‬ابن الفقير ‪،0111‬‬
‫األرض والدم ‪ ،0911‬الطريق الصاعد ‪ ،0911‬عيد الميالد ألفه قبل أن يفاجئه الموت‬
‫‪Jours des‬‬ ‫بقليل‪ ،‬لكن نشرت بعد ‪ 01‬أعوام من وفاته أي في ‪ ،0910‬يوميات بالد القبائل‬
‫‪ ،0919‬الذي قام "مهني فرحات" و "كمال بوعمارة" بترجمته إلى األمازيغية‬ ‫‪Kabylie‬‬

‫بعنوان "أوسان ذي ثمورث"‪ ،‬وجمع أشعار "سي محند أومحند" في مؤلف ‪ ،0921‬أكمله‬
‫"مولود معمري" بعدئذ‪.‬‬
‫‪ ‬مولود معمري‪ :‬اسمه الحقيقي محمد‪ ،‬ولد بقرية توريرت ميمون‪ ،‬بآث يني (تيزي وزو) في‬
‫‪ 06‬ديسمبر ‪0901‬م‪ ،‬يعتبر من أكبر المناضلين في سبيل القضية األمازيغية ورأس‬
‫منظريها‪ ،‬انطالقا من تناوله لمفهوم الهوية عبر مجموعة من الكتابات واألبحاث التي بدأ‬
‫نشرها في مجلة أكدال منذ سنة ‪0916‬م‪ ،‬المجلة الصادرة بالمغرب من طرف المعهد‬
‫العالي للدراسات األمازيغية‪ ،‬تهتم بثقافة المجتمع األمازيغي‪ .‬أصبح بروفيسور لألدب في‬
‫الجزائر سنة ‪0991‬م‪ ،...‬له رصيد حافل باإلنجازات والعطاء‪ .‬له إنتاج غزير وأعمال‬
‫كثيرة‪ ،‬ترجمت معظمها إلى اللغات اإلنجليزية‪ ،‬األلمانية‪ ،‬الروسية‪ ،‬اإلسبانية واإليطالية‪،‬‬
‫اليوغوسالفية والصينية‪ ،‬لم يترجم إلى العربية إال روايته الشهيرة الربوة المنسية على يد‬
‫عميد األدب العربي "طه حسين" الذي تعرف عليه في فرنسا‪.‬‬
‫توفي في ‪ 01‬فيفري ‪0969‬م إثر حادث سير قرب وحدة‪ ،‬بعد مشاركته في ندوة حول‬
‫األدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية‪ ،‬ترك مقولته المشهورة "نحن مهدنا الطريق وليكمله‬
‫اآلخرون"‪.‬‬
‫‪ ‬محمد خير الدين‪ :‬شاعر وروائي مغربي‪ ،‬من مواليد قرية تافراوت في تيزنيت سنة ‪0990‬م‬
‫كان محمد عصاميا‪ ،‬بدأ يكتب الشعر وهو ال يزال مراهقا‪ ،‬غادر مقاعد الدراسة مبك ار ليلج‬
‫عالم الشغل وهو ابن العشرين‪ ،‬كان ينشر قصائده في صحيفة (ال فيجي ماركين)‪ .‬امتازت‬
‫قصائده بحبكة على الطريقة الكالسيكية‪ ،‬وبلغة فرنسية أنيقة‪ .‬برز في ‪ 21‬كواحدة من ألمع‬
‫الشعراء المحدثين‪ .‬له عدة مؤلفات منها كتابة األول في لندن سنة ‪ 0929‬بعنوان "غثيان‬
‫أسود" وقد ضم قصائد تشي بيأس وجودي متأصل‪ ،‬كتب محمد خير الدين بالفرنسية فقط‪،‬‬
‫ولم يكتب مطلقا بالعربية أو األمازيغية‪ ،‬بيد أنه أشاد كثي ار باألمازيغية التي تشرب من‬
‫نسغها ووظف المكونات الثقافية األمازيغية والشخصيات التاريخية األمازيغية‪ ،‬التي تركت‬
‫بصماتها واضحة على صفحات التاريخ‪.‬‬
‫‪ ‬محمد شكري‪ :‬كاتب مغربي من أصول أمازيغية‪ ،‬ولد بقرية بني شيكر قرب الناظور بالريف‬
‫المغربي سنة ‪0911‬م‪ ،‬صاحب رواية "الخبز الحافي" التي تعد من أشهر إنتاجه األدبي‪،‬‬
‫كتبها سنة ‪0910‬م‪ ،‬ولم تنشر بالعربية حتى سنة ‪0960‬م‪ ،‬بينما ترجمت إلى ‪ 16‬لغة‬
‫أجنبية‪.‬‬
‫‪ ‬امرؤ القيس الطارقي‪ :‬يأتي علي رأس شخصيات الثقافة الشفوية في مجتمع الطوارق وهو‬
‫مأخوذ من اسم الشاعر العربي الجاهلي امرؤ القيس الذي تتقاطع معه الشخصية الطارقية‬
‫ال في انتحال االسم فحسب بل في صفات أخرى كذلك‪ ،‬من أبرز االهتمام بالمرأة حبا‬
‫وتغزال‪ .‬كما يوصف امرؤ القيس الطارقي بأنه شخص عمالق منعزل يستعمل حروف‬
‫التيفيناغ بشكل رمزي للتواصل مع النساء‪ .‬وكان مثال إذا كتب المرأة حرف السين‬
‫يالتيفيناغ (وهو دائرة في مركزها نقطة) فمعناه أنه سيذهب اليها‪ ،‬ويقال بأنه هو من اخترع‬
‫"إمزاد" اآللة الموسيقية التي يختص بها التوارق‪ ،‬من هنا كذلك المرئ القيس تأثيره الخالد‬
‫في الثقافة الطارقية‪.‬‬
‫‪ ‬علي غران‪ :‬شخصية تأخذ حي از هاما في الثقافة الطارقية الشفهية‪ ،‬فهو يجسد في المرموز‬
‫الطارقي منبع الحكمة‪ ،‬ومعنى "غران" بالتارقية البنية أو الذي ينطق صوابا‪ ،‬ويتميز علي‬
‫غران‪ .‬حسب الرواية الشعبية‪ .‬بذكائه الوقاد وأمثاله السائرة وتعابيره البيانية‪ ،‬التي ترد بشكل‬
‫تلقائي على لسان الطارقي أمثال وحكما‪ ،‬تهدف إلى التربية والوجيه وتنتشر بين الطوارق‬
‫ألغاز يروونها على لسان علي غران لتمرين الذهن وتربية األجيال‪.‬‬
‫قائمة المراجع والمصادر‬

‫القرآن الكريم‬

‫أ‪ .‬بالغة العربية‬


‫‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مجلّد ‪ ،21‬دار صادر‪.2591 ،‬‬
‫‪ )2‬أحمد أبو حاقة‪ ،‬االلتزام في ال ّشعر العربي‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪.1،11،1‬‬
‫‪ )3‬الفيروز أبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬ط‪.1131 ،4‬‬
‫‪ )4‬بوزياني الدراجي‪ ،‬القبائل األمازيغية‪-‬أدوارها مواطنها أعيادها‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬سلسلة العصبية‬
‫القومية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الجزائر‪1002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )5‬بونوا دوني‪ ،‬األدب وااللتزام (من باسكال إلى سارتر)‪ ،‬ترجمة محمد بوادة‪ ،‬ط‪ ،2‬المجلس‬
‫األعلى للثّقافة‪ ،‬القاهرة‪.1009 ،‬‬
‫‪ )6‬حيدر جوهر‪ ،‬سليمان عازم شاعر المهجر‪ ،‬ترجمة لمجموعة من أشعار سليمان عازم‪ ،‬دار‬
‫األمل للطباعة و النشر و التوزيع‪1020 ،‬م‪.‬‬
‫الضحية في األدب ال ّشفوي الجزائري‪،‬خطاب‬
‫ّ‬ ‫‪ )،‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬البطل الملحمي والبطلة‬
‫الداللة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دت‪.‬‬
‫فوية األداء‪ ،‬ال ّشكل‪ّ ،‬‬
‫المرويات ال ّش ّ‬
‫ّ‬
‫الفني ديوان الشيخ عبد القادر بطبجي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة‬
‫حني‪ ،‬التشكيل ّ‬
‫‪ )1‬عبد اللّطيف ّ‬
‫تخصص أدب شعبي‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫دكتوراه العلوم في األدب العربي الحديث‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪.1020-1005‬‬
‫‪ )1‬عبد المالك مرتاض‪ ،‬معجم ال ّشعراء الجزائريين في القرن العشرين‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر ‪.1002‬‬
‫‪ )11‬عمر بن قينة‪ ،‬قضايا وموقف‪ ،‬ط‪ ،1‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1002 ،‬‬
‫‪ )11‬محمد العلمي السّائحي‪ ،‬هموم تساورني‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات السائحي‪ ،‬الجزائر‪.2111‬‬
‫‪ )12‬محمد جالوي‪ ،‬تطور الشعر القبائلي وخصائصه (بين التقليد والحداثة)‪ ،‬ج‪ ،2‬الشعراء‬
‫التقليديين‪ ،‬مطبعة الزيتونة‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬الجزائر ‪.1005‬‬
‫‪ )13‬محمد جالوي‪ ،‬تطور الشعر القبائلي وخصائصه‪( ،‬بين التقليد والحداثة)‪ ،‬ج‪ ،1‬الشعر‬
‫الحديث‪ ،‬مطبعة الزيتونة‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪.1020‬‬
.1002‫ الجزائر‬،‫ دراسات وبحوث ميدانية‬،‫ التراث الشعبي الجزائري‬،‫) محمد عيالن‬14
.2592‫ الجزائر‬،‫للنشر والتّوزيع‬
ّ ‫ الشركة الوطنية‬،‫ دراسات في النقد واألدب‬،‫) محمد مصايف‬15
.PDF ،‫ ترجمة عبد اهلل ازرو‬،‫ المتمرد‬،‫وناس‬
ّ ‫) معتوب ل‬16
،‫ الجزائر‬،‫ دار األمل‬،2‫ ط‬،‫ المنثورات الذهبية في كنز المعلومات الذهبية‬،‫) موسى معوشي‬1،
.1020
.1000‫ بيروت لبنان‬،‫ منشورات نزار قباني‬،1‫ ط‬،‫ ماهو الشعر؟‬،‫) نزار قباني‬11

:‫ باللغة األجنبية‬.‫ب‬

1-Matoub Lounes, rebelle, avec la collaboration de Véronique Taveau, Dar Rafik El


Maarifa, Algérie, 2013.

2-Mohamed Gaya, Anazbay, le résistant, compe auteur, Algérie, 2008.

3-Rachida fitas, Matoub lounes, Tafat N Wurghu, volume2, edition mehdi, Tizi-
Ouzou2014.

4-Ramdane Lasheb, chants de guerre des femmes Kabyles (études et textes Amazighs),
L’odyssée, Tizi ouzou, Algérie, 2008.

:‫ المواقع اإللكترونية‬.‫ج‬

1. http://www.marefa.org.
2. http://www.saaid.net.
3. http://www.elkhadra.com.
4. http:// www.heuar.org.
5. http://www.etudtant.y007.com.
6. http://www.alukah.net.
‫الفهرس‬

‫مقدمة ‪10.................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬االلتزام في األدب‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية اإللتزام‪10..........................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االلتزام في األدب العربي والغربي‪10......................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االلتزام في األدب األمازيغي‪42..........................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬االلتزام في شعر "معطوب لوناس"‬

‫المبحث األول‪ :‬الموسيقى والغناء األمازيغيين‪21.........................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نبذة عن حياة الشاعر الفنان "معطوب لوناس"‪20........................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬اإللزام في شعر "معطوب لوناس"‪02....................................‬‬

‫خـ ــاتمة‪37.............................................................................‬‬

‫ملحق لشخصيات فكرية وأدبية‪......................................................‬‬

‫ملحق لصور وقصائد الشاعر‪......................................................‬‬

‫المصادر والمراجع‪.‬‬

‫الفهرس‪.‬‬

You might also like