Professional Documents
Culture Documents
دعتين احلاجة ـ وكم للحاجة من أحكام ـ إىل مراجعة أكثر من أرشيف كتب حبثا عن بعض املفردات اليت ختص عالقة الرجل
ابملرأة ،ونظرته إليها؛ يف اجملتمع العريب واإلسالمي ،وهي عالقة يبدو أهنا خضعت إىل الكثري من الضغوط غري املربرة والبعيدة
عن منظومات الدين والقيم واألخالق والنواميس ،فُصِد مُت لكثرة ما وجدته ُك تَب عن (املرأة واجلنس) ،واستغربت من
نوعية املواضيع واملفردات واملسميات اليت تناولتها تلك الكتب ،واليت مل تعرف أوراب وأمريكا الكثري منها؛ إال يف أواسط
القرن العشرين.
وصعقت لندرة ما كتب عن (املرأة واألخالق) ،ابلرغم من اهتمام اإلسالم هبذه اجلنبة كثريا ،إذا مل أجد إال ملما مما كتب عن
املرأة األم واألخت والبنت واجلدة ،أو املرأة اجملاهدة العاملة الفاضلة املقاتلة الشاعرة العاملة!.
والظاهر أن العالقة بني هذين الكائنني الغريبني كانت عرب التاريخ موضع حوار ال ينتهي ،ليس إلجياد احللول هلا ،وإمنا
لرتجيح كفة أحدمها وهو (الرجل) على اآلخر وهي (املرأة) ،واألغرب أن بداايت احلديث كانت ترجع إىل اخللف ،إىل
مراحل العماء البوهيمي ،حيث ال شاهد وال شهيد ،لتتوقف عند حلظات خلق أمنا الطيبة حواء ،حيث ادعى املفسرون
واملؤولون الذين جاءوا بعد آالف السنني ،وحتدثوا عن حدث مل يشهده أحد على اإلطالق؛ إال املالئكة املقربون ،أن هللا
سبحانه خلقها من ضلع أبينا املسكني آدم؛ فجعل أحد أضلعه أقصر من األخرايت ،يف إشارة إىل التبعية التارخيية املطلقة،
وكأن هللا تعاىل كان غري قادر على خلقها من عني الرتاب الذي خلق منه زوجها ،أو من أي مصدر آخر؛ وهو خالق كل
شيء! .ولتستمر حماوالهتم مع استمرار وجودها وإىل اليوم.
وال غرابة يف هذا الرأي ألن قوما يؤمنون أن رسول هللا (ص) كان له املوقف نفسه من النساء ،لدرجة أنه قال حمذرا من شر
النساء" :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" ،ال يستبعد أن يؤمنوا بقصة الضلع األعوج!.
والنكاية الكربى أن هذا احلديث أخذ حيزا واسعا من تفكري النساء والرجال على السواء ،حيث تناولته إحداهن ،وتدعى
سارة بنت عبد الرمحن الفارس يف رسالتها لنيل درجة املاجستري؛ املعنونة "التدابري الواقية من انتكاسة املسلم" ،لتلقي اللوم
من خالله على النساء؛ اللوايت ُيغِرَيَن الرجال ويوقعنهم ابملعاصي .وابلتأكيد أن هذه الباحثة مل تنب رأيها من فراغ ،وإمنا
استندت إىل أقوال تنال لديها ولدى املشرفني على رسالتها واملناقشني هلا رضا ومصداقية ،كيف ال؛ وابن أيب شيبة على
جليل قدره ،أخرج يف مصنفه عن أحد السلف قوله" :مل يكن كفر من مضى إال من قِـَبل النساء ،وهو كائن كفر من بقي من
قبل النساء"؟.
كيف ال؛ والقرطيب على كبري منزلته ،يذكر يف كتابه املوسوم "التذكرة يف أمور اآلخرة" ،قصة خرافية ،جاء فيها" :ذكر أن
رجال ملتزما مسجدا لألذان والصالة ،وعليه هباء العبادة وأنوار الطاعة ،كان يرقى كل يوم املنارة لألذان ،ويف أحد األايم
https://www.kitabat.info/print.php?id=67240 1/5
4/18/24, 9:11 AM كتابات في الميزان /أدب المواخير عند العرب؛ جهاد المناكحة أنموذجا
نظر إىل بيت نصراين ذمي حتت منارة املسجد فرأى بنت صاحب الدار ،فافتنت هبا ،وترك األذان ،ونزل إليها ،ودخل الدار،
فقالت له :ماذا تريد؟ قال :أريدك أنِت ،قالت :ملاذا؟ قال هلا :قد سلبتين ليب ،وأخذت مبجامع قليب ،قالت :ال أجيبك إىل
ريبة ،قال :أتزوجك ،قالت :أنت مسلم وأان نصرانية ،وأيب ال يزوجين منك ،قال :أتنصر ،قالت :إن فعلت أفعل ،فتنصر
ليتزوجها ،وأقام معها يف الدار ،وقبل الزواج رقى إىل سطح الدار فسقط منه فمات ،فال ظفر هبا ،وال ظفر بدينه".
ويف جمتمع كان حيمل مثل هذه الرؤى يف صدر اإلسالم والقرون اإلسالمية املاضية ،ال غرابة أن جتد املرأة نفسها خملوقا
ومواطنا وكائنا وإنساان من الدرجة الثانية ،وال غرابة أن يستمر هذا الشعور إىل اآلن ،فهي ال زالت يف الدرجة الثانية أو
الثالثة يف سلم الرقي ،ليس يف عاملنا اإلسالمي فحسب ،بل حىت يف البلدان األكثر تقدما وتطورا ،فهي عرب نضاهلا الطويل
جنحت يف الصعود إىل هاتني الدرجتني ،وتوقفت ،أو أجربت على التوقف عندمها ،فال قانون وال عرف يسمح هلا بتجاوزمها،
لتضع رأسها قبالة رأس الرجل؛ املقدم عليها يف كل شيء.
أما دعوات حترير املرأة اليت انطلقت هنا وهناك فهي جمرد حديث هرطقة إنسانية فيه الكثري من الضوضاء والضجيج،
والقليل من الثمر واخلري ،بل إنه وصل يف بعض مراحله إىل إعادة املرأة إىل درجات سبق وان جتاوزهتا ببطوالهتا ومواقفها
التارخيية.
واألكثر دهشة أن األعم األغلب من األيديولوجيات الدنيوية والدينية تشرتك يف هذا اجلهد ،دون اتفاق ،فاملرأة ليس يف
احلضارات السابقة فحسب بل حىت يف احلضارات املعاصرة ،ال زالت أداة للمتعة وإشباع النزوات والرغبات والتمتع
ابجلمال ،وهي ليست أكثر من سلعة ،كأي سلعة أخرى ،تقيم وتباع وتشرتى .واألمر ليس موقوفا على احلضارات وإمنا جتده
حىت يف الدايانت السماوية املعاصرة ،والسيما دايانت الغربيني ،وجتده يف فكر اجلماعات اإلرهابية اإلسالموية املتطرفة؛ اليت
تدعي أهنا متثل الدين.
يف احلضارة املعاصرة والدين املعاصر جتد املرأة فضال عن كوهنا أمنوذجا ملعىن اخلطيئة األبدية ،ال تزيد عن كوهنا مكلفة بنفس
الواجب النزوي التارخيي ،ال حيق هلا جتاوزه ،فحينما يقاتل (املسلم الراديكايل) من أجل فرض عقيدة (اإلسالم املتطرف)
على مجيع البشر واألداين كما يدعي وحيلم ،ال ُتكلف املرأة حبمل السالح والتواجد يف ساحات احلرب ،وال ترتك جالسة يف
بيتها ،وإمنا ُتوكل إليها مهمة من نوع آخر ،عرفت ابسم (جهاد املناكحة) تؤديها يف اخلطوط اخللفية للجبهات الساخنة،
فالرجل عند اإلسالمويني ،جياهد بسالحيه ،واملرأة عندهم جتاهد بسالح جسدها وحده.
وهذا ليس ابتداعا فرضته حالة العزلة اليت تعيشها اجملاميع الراديكالية املتطرفة ،وال فوضى االنبهار اليت تعيشها اجملتمعات
الغربية ،وإمنا متتد جذوره إىل عمق اترخينا اإلنساين ،هذا التاريخ احلافل أبقوال وأفعال (الذكورية املطلقة).
وبعيدا عن التحدث عن السيب واإلماء والقيان واستباحة األجساد ابسم الدين ،كان الفكر العريب اإلسالمي حمصورا يف حيز
ضيق جدا ال يرغب مبغادرته ،فأنت حينما تبحث عن كتب إسالمية تتحدث عن احلقيقة ،ال جتد سوى متفرقات هنا
وهناك ،فكتب األخالق والرتبية واحلوار والتعايش واحملبة اإلنسانية واأللفة وقبول اآلخر واحرتام التفرعات املذهبية ،ال متثل
https://www.kitabat.info/print.php?id=67240 2/5
4/18/24, 9:11 AM كتابات في الميزان /أدب المواخير عند العرب؛ جهاد المناكحة أنموذجا
سوى حماوالت شخصية ،ابءت أغلبها ابلفشل الذريع بعد أن وجد فيها اخللفاء واحلكام والسياسيون هتديدا حلكمهم وحتداي
لسطوهتم وتقييدا حلرايهتم.
لكن الكتب اليت تتحدث عن (اجلنس) بلغت لديهم شأوا عاليا ،والسيما بعد أن مألت نساء السيب بيوهتم لدرجة أن بيت
أفقر شخص بينهم كانت فيه اثنتان أو ثالث من ملك اليمني املباح بال حدود ،فأغدقوا العطاء على من كتبها هلم ،وشجعوا
اآلخرين على خوض هذا امليدان الناعم .ويف الوقت الذي ضاعت فيه أغلب كتب اجملموعة األوىل ألسباب كثرية يطول
شرحها ،وال يستبعد التعمد والقصدية وراء تلفها ،خلدت كتب اجملموعة الثانية لسبب وجيه وبسيط ،وهو أن اخللفاء،
واحلكام واألمراء والسياسيني وقادة اجليش وكبار الرأمساليني والوجهاء وحىت بعض رجال الدين ،كانوا حيتفظون هبا يف
خزائنهم احملمية احملصنة؛ مع غايل مدخراهتم وكأهنا شيء نفيس.
وهم لكي يشرعنوا هذا النوع من الكتابة ،عدوه من (مكمالت العلوم) ،فاجلاحظ الذي جرب حظه وكتب ،قال يف إحدى
رسائله يصف هذه احلالة ابلذات" :إن بعض من يظهر النسك والتقشف؛ إذا ذكر الـ[......جتاوزت ذكر كلماته اخلادشة]،
تقزز وانقبض ،وأكثر من جتده كذلك؛ فإمنا هو رجل ليس معه من املعرفة والكرم والنبل والوقار إال بقدر هذا التصنع" .إذا
هي بزعمهم ثقافة ،تدل على رجحان علوم من خيوضها ،وعلى نبل ووقار ُك تاهبا .هكذا أرادوا أن يقنعوان جبدواها ومنفعتها،
وقد صدقهم الكثري ،وكذهبم القلة!.
ومع شدة ما ستكون عليه دهشتك ،لن تفاجأ حينما جتد الشيخ الكبري صاحب املؤلفات اليت زاد عددها على ()900
مؤلف ،ينال قصب الِس بق يف هذا الباب ،فيكتب أضعاف ما كتبه اآلخرون .هذا الفقيه احملدث املفسر العامل اجلليل هو
جالل الدين بن عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي املتوىف سنة 911هجرية ،والظاهر أنه ختصص يف هذا اجلانب أكثر من
غريه؛ ألن ما وصلنا من مؤلفاته يف هذا الباب ،بلغ أحد عشر كتااب ،أما ما ضاع منها أو ُك تَب خصيصا ألشخاص بعينهم ،مل
يطلع عليه أحد غريهم ،ومنعوا أن تكتب نسخا أخرى منه ،فعلمها عند هللا ،ومن كتبه اليت وصلت إلينا:
1ـ الوشاح يف فوائد النكاح
2ـ نزهة املتأمل ومرشد املتأهل
3ـ نزهة العمر يف التفضيل بني البيض والسود والسمر
4ـ اإلفصاح يف أمساء النكاح
5ـ اليواقيت الثمينة يف صفات السمينة
6ـ مباسم املالح ومباسم الصباح يف مواسم النكاح
7ـ اإليضاح يف أسرار النكاح
8ـ األيك يف معرفة النيك
9ـ نواضر األيك يف نوادر النيك
10ـ شقائق االترنج يف رقائق الغنج
https://www.kitabat.info/print.php?id=67240 3/5
4/18/24, 9:11 AM كتابات في الميزان /أدب المواخير عند العرب؛ جهاد المناكحة أنموذجا
11ـ رشف الزالل من السحر احلالل .وهذا الكتاب مقامة من مقامات السيوطي اللهوية العبثية ،يتحدث عن واحد
وعشرين عاملا من علماء ذلك الزمان لكل منهم ختصصه ،تزوج كل منهم ابمرأة ،ووصف كل منهم ليلته األوىل مع زوجته،
موراي أبلفاظ فنه الذي ختصص به.
وعليه أجد قول داود سلمان الشويلي يف مقاله املعنون (اجلنس يف الرتاث العريب):
"وكنا إىل زمن قريب ،نظن أن املكتبة العربية خالية من هذه املؤلفات اليت تدرس تلك العالقة -مهما كانت املعاجلة اليت
عاجلتها ،علمية ،أو أدبية ،أو كانت ممزوجة بصور اللذة والشهوة اجلنسيتان ،بعد أن قرأان الكتب املرتمجة من اللغات
األجنبية ،إال أن الكثري من احملققني ودور النشر ،قد حققوا ونشروا مؤخرا العديد من تلك املؤلفات اليت تتحدث عن اجلنس
بصيغته الشرعية ،أو غري الشرعية ،وكان اغلب مؤلفيها من رجال الدين اإلسالمي" قوال واقعيا وحقيقيا.
إن أمر الكتابة يف هذا التخصص الغريب مل تقتصر على السيوطي وحده ،فمن خالل البحث جند علماء كبار آخرين ،كانت
هلم مشاركاهتم الفاعلة واملميزة يف هذا امليدان ،وهم كثر ،أحصينا منهم جمموعة للتذكري فقط ،فمنهم على سبيل املثال:
اجلاحظ يف كتابه العرس والعرائس
الرازي يف كتابه الباه
أبو حسان يف كتابيه بردان وحباحب الكبري وبردان وحباحب الصغري
أبو العنبس الصيمري يف جمموعة كتب منها :السحاقات والبغائني ،اخلضخضة يف جلد عمرية ،فضل السرم على الفم.
مرطوس الرومي يف كتابه حديث الباه.
النحلي يف كتابه الباه.
عز الدين املسيحي يف كتابه املناكحه واملفاحتة يف أصناف اجلماع وآالته.
النفزاوي يف كتابه الروض العاطر يف نزهة اخلاطر.
أبن حاجب النعمان يف كتابه القيان أو حديث ابن الدكاين.
الشيخ عبد الرمحن بن نصر الشريازي يف كتابه اإليضاح يف أسرار النكاح.
أبو نصر يف كتابه جامع اللذات يف الباه
ابن مندويه أمحد بن عبد الرمحن األصبهاين يف كتابه رسالة يف الباه وأسبابه
الشيخ ابن قليته أىب العباس أمحد بن حممد بن علي اليمىن يف كتاب رشد اللبيب إىل معاشرة احلبيب.
القاضي كمال الدين حممد ابن امحد الزملكاين يف كتاب املنهاج يف تعلقات االيالج.
أمحد بن مصطفى املعروف بطاشكربي زاده يف كتابيه منية الشبان يف معاشرة النسوان ،يف علم الباه
الشيخ السموأل بن حيىي بن عباس املغريب يف كتابه نزهة األصحاب يف معاشرة األحباب.
حممد بن يعقوب الفريوزآابدي صاحب القاموس يف كتابه أمساء النكاح.
https://www.kitabat.info/print.php?id=67240 4/5
4/18/24, 9:11 AM كتابات في الميزان /أدب المواخير عند العرب؛ جهاد المناكحة أنموذجا
إن أمة جتد يف تراثها كل هذا االهتمام ابجلنس وثقافته ،وجتد خلفائها وملوكها وقادهتا وسياسييها وكبار رجاهلا مهتمون
ابإلماء واجلواري والقيان أكثر من اهتمامهم جبندهم وشعبهم ،البد وان تكون مهووسة ابجلنس إىل درجة تلهيها عن أمور
حياهتا األخرى ،والنظر إىل املخاطر اليت حتيق هبا ،والشرور اليت ترتصد هبا ،وابلتايل ليس من الغرابة أن نرتبع على عرش
اجلهل والتخلف والتوحش والقسوة والغباء ،وال من العجب أن نتقاتل فيما بيننا ونرتك عدوان يضحك ملء شدقيه علينا،
يف وقت كان من املنتظر أن نقود العامل كله ،ونصبح األمنوذج األروع لإلنسانية احلقيقية!.
https://www.kitabat.info/print.php?id=67240 5/5