You are on page 1of 4

‫رسالة ومواعظ ــ عبدالرحمن اليحي‬

‫فإن الذي دعاني إلى كتابة هذه الرسالة هو النصح هلل ولرسوله ولعامة المسلمين ‪ ،‬وما رأيت من جهل الناس بفوائد المرض إلى درجة أني سمعت‬
‫أناسًا يقولون ‪ :‬أال ترحمه يارب ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬إما ارحمه أو ريحه ‪ ،‬مع أن اهلل يقول في بعض اآلثار ‪ (( :‬كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ ))‪،‬‬
‫وكذلك ما سمعت ورأيت من بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان أو غيره من األمراض التي ال يوجد لها عالج ‪ ،‬فبلغ بهم اليأس‬
‫ـ الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يؤيسه‬ ‫مبلغًا عظيمًا فتجد‬
‫ـ الذين ءامنوا ))[المجادلة‪ ، ]10 :‬مع أن المريض ال خوف عليه‬ ‫من روح اهلل ويوقعه في القنوط ‪ ،‬يقول اهلل‪ (( :‬إنما النجوى من الشيطان ليحزن‬
‫مادام موحدًا ومحافظًا على الصالة ‪ ،‬حتى ولو لم يصل إال لما مرض ‪ ،‬فإن من تاب توبة صادقة قبل الغرغرة تاب اهلل عليه ‪ ،‬ولو وقع في كبائر الذنوب‬
‫ـ أبو ذر ‪ :‬وإن‬ ‫‪ ،‬فإنه يرجى لكل من مات من الموحدين ولم يمت على الكفر ‪ ،‬ففي الحديث (( من مات من أمتي ال يشرك باهلل شيئًا دخل الجنة )) ‪ ،‬فقال‬
‫زنى وإن سرق ‪ ،‬قال ‪ (( :‬وإن زنى وإن سرق )) ‪ ،‬ويقول صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬ال يموتن أحدكم إال وهو يحسن الظن باهلل عز وجل )) [ رواه‬
‫مسلم ] ‪ ،‬ويقول اهلل (( أنا عند ظن عبدي ‪ ،‬فليظن بي ما يشاء )) ‪0‬‬
‫فعلى المؤمن أن يصبر على البالء مهما اشتد فإن مع العسر يسرًا ‪ ،‬وعذاب الدنيا أهون من عذاب اآلخرة ‪ ،‬يقول أنس ‪ :‬إن النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ـ ‪ (( :‬ال يجتمعان في قلب عبد‬ ‫ـ ‪ (( :‬كيف تجدك ؟ )) قال ‪ :‬أرجو رحمة اهلل يا رسول اهلل ‪ ،‬وأخاف ذنوبي ‪ ،‬فقال‬ ‫دخل على شاب وهو في الموت ‪ ،‬فقال‬
‫في مثل هذا الموطن إال أعطاه اهلل ما يرجو وأمنه مما يخاف )) ‪ ،‬فال تسيء العمل وأنت صحيح بحجة هذا الحديث ‪ ،‬فلعل الموت يأتيك بغتة ‪ .‬وعلى‬
‫كل فالمؤمن يصبر ويرضى بقضاء اهلل ‪ ،‬فإن عاش لم يحرم األجر ‪ ،‬وإن مات فإلى رحمة اهلل ‪ ،‬يقول صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬تحفة المؤمن الموت ))‬
‫[رواه الطبراني بسند جيد ] ‪0‬‬
‫ـ فوائد المرض العظيمة وما يترتب عليه من مصالح ومنافع قلبية وفكل قضاء اهلل للمسلم خير )) وفي رواية ألحمد (( فالمؤمن‬ ‫فإذا تقرر هذا كله فأليكم‬
‫يؤجر في كل أمره )) فالمؤمن البد وأن يرضى بقضاء اهلل وقدره في المصائب ‪ ،‬اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر ‪ ،‬وإذا أذنب استغفر ‪ ،‬وإذا ابتلي‬
‫ـ والشكر فهو بشر حال ‪ ،‬وكل واحدة من السراء والضراء في حقه تفضي إلى قبيح المآل ؛ إن أعطاه طغى وإن‬ ‫صبر ‪ ،‬ومن لم ينعم اهلل عليه بالصبر‬
‫ابتاله جزع وسخط ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض وتمام نعمة اهلل على عبده ‪ ،‬أن ينزل به من الضر والشدائد ما يلجئه إلى المخاوف حتى يلجئه إلى التوحيد ‪ ،‬ويتعلق قلبه بربه‪5‬‬
‫ـ مستخرج الدعاء بالبالء ‪ ،‬ومستخرج الشكر بالعطاء ‪ ،‬يقول وهب بن منبه ‪ :‬ينزل البالء ليستخرج به الدعاء‬ ‫ـ مخلصًا له الدين ‪ ،‬فسبحان‬ ‫فيدعوه‬
‫(( وإذا أنعمنا على اإلنسان ونئا بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض )) [ فصلت ‪ ، ]51 :‬فيحدث العبد من التضرع والتوكل وإخالص الدعاء ما‬
‫ـ هلل الدين‬ ‫يزيد إيمانه ويقينه ‪ ،‬ويحصل له من اإلنابة وحالوة اإليمان وذوق طعمه ما هو أعظم من زوال المرض ‪ ،‬وما يحصل ألهل التوحيد المخلصين‬
‫ـ من أن يعبر عن كنهه مقال ‪ ،‬ولكل مؤمن نصيب ‪،‬‬ ‫الذين يصبرون على ما أصابهم فال يذهبون إلى كاهن وال ساحر وال يدعون قبرًا ‪ ،‬أو صالحًا فأعظم‬
‫فإذا نزل بهم مرض أو فقر أنزلوه باهلل وحده ‪ ،‬فإذا سألوا سألوا اهلل وحده ‪ ،‬وإذا استعانوا استعانوا باهلل وحده ‪ ،‬كما هو الحاصل مع نبي اهلل أيوب‬
‫(( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الرحمين )) [ األنبياء ‪0 ]83 :‬‬
‫وتأمل عظيم بالء أيوب فقد فقد ماله كله وأهله ومرض جسده كله حتى ما بقي إال لسانه وقلبه ‪ ،‬ومع عظيم هذا البالء إال أنه كان يمسي ويصبح وهو‬
‫يحمد اهلل ‪ ،‬ويمسي ويصبح وهو راض عن اهلل ‪ ،‬ألنه يعلم أن األمور كلها بيد اهلل ‪ ،‬فلم يشتك ألمه وسقمه ألحد ‪ ،‬ثم نادى ربه بكلمات صادقة (( إني‬
‫مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين )) فكشف اهلل ضره وأثنى عليه ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬إنا وجدناه صابرًا نعم العبد أنه أواب )) [ ص‪ ،]44:‬وقد ورد في بعض‬
‫اآلثار ‪ (( :‬يا ابن آدم ‪ ،‬البالء يجمع بيني وبينك ‪ ،‬والعافية تجمع بينك وبين نفسك )) ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬ظهور أنواع التعبد ‪ ،‬فإن هلل على القلوب أنواعًا من العبودية ‪ ،‬كالخشية وتوابعها ‪ ،‬وهذه العبوديات لها أسباب تهيجها ‪ ،‬فكم‪6‬‬
‫من بلية كانت سببًا الستقامة العبد وفراره إلى اهلل وبعده عن الغي ‪ ،‬وكم من عبد لم يتوجه إلى اهلل إال لما فقد صحته ‪ ،‬فبدأ بعد ذلك يسأل عن دينه وبدأ‬
‫يصلي ‪ ،‬فكان هذا المرض في حقه نعمة ((ومن الناس من يعبد اهلل على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر‬
‫الدنيا واآلخرة )) [ الحج ‪ ، ]11 :‬وذلك أن على العبد عبودية في الضراء كما أن عليه عبودية في السراء ‪ ،‬وله عبودية فيما يكره ‪ ،‬كما أن له عليه‬
‫عبودية فيما يحب ‪ ،‬وأكثر الناس من يعطي العبودية فيما يحب ‪ ،‬والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ‪ ،‬وفيها تتفاوت مراتب العباد ‪ ،‬وبحسبها‬
‫ـ عند اهلل ‪ ،‬ومن كان من أهل الجنة فال تزال هداياه من المكاره تأتيه حتى يخرج من الدنيا نقيًا ‪ .‬يروى أنه لما أصيب عروة بن الزبير‬ ‫تكون منازلهم‬
‫باألكلة في رجله قال ‪ (( :‬اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحدًا وأبقيت ستة ‪ ،‬وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفًا وأبقيت ثالثة‪ ،‬ولئن ابتليت لقد‬
‫عافيت ‪ ،‬ولئن أخذت لقد أبقيت )) ‪ ،‬ثم نظر إلى رجله في الطست بعدما قطعت فقال ‪ (( :‬إن اهلل يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم )) ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أن اهلل يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر ‪ ،‬فلو دامت للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى ‪ ،‬ولكن‪7‬‬
‫اهلل سلط عليه األمراض واألسقام واآلفات وخروج األذى منه والريح والبلغم ‪ ،‬فيجوع كرهًا ويمرض كرهًا ‪ ،‬وال يملك لنفسه نفعًا وال ضرًا وال موتًا‬
‫ـ ‪ ،‬وأحيانًا يريد الشيء وفيه هالكه ‪ ،‬ويكره الشيء وفيه‬ ‫وال حياة وال نشورًا ‪ ،‬أحيانًا يريد أن يعرف الشيء فيجهله ‪ ،‬ويريد أن يتذكر الشيء فينساه‬
‫ـ‬
‫حياته ‪ ،‬بل ال يأمن في أي لحظة من ليل أو نهار أن يسلبه اهلل ما أعطاه من سمعه وبصره ‪ ،‬أو يختلس عقله ‪ ،‬أو يسلب منه جميع ما يهواه من دنياه‬
‫ـ شيء أذل منه لو عرف نفسه ؟ فكيف يليق به الكبر على اهلل وعلى خلقه وما أتى إال من‬ ‫فال يقدر على شيء من نفسه ‪ ،‬وال شيء من غيره ‪،‬فأي‬
‫جهله؟‬
‫ومن هذه أحواله فمن أين له الكبر والبطر ؟ ولكن كما قيل ‪ :‬من أكفر الناس بنعم اهلل افقير الذي أغناه اهلل ‪ ،‬وهذه عادة األخساء إذا رفع شمخ بأنفه ‪،‬‬
‫ـ يكون مكسور القلب كائنًا من كان ‪ ،‬فال بد أن يكسره المرض ‪ ،‬فإذا كان مؤمنًا وانكسر قلبه‬ ‫ومن هنا سلط اهلل على العبد األمراض واآلفات ‪ ،‬فالمريض‬
‫ـ‪0‬‬‫ـ وهي االنكسار واالتضاع في النفس وقرب اهلل منه ‪ ،‬وهذه هي أعظم فائدة‬ ‫ـ حصل على هذه الفائدة‬ ‫فالمريض‬
‫ـ )) وهذا هو السر في استجابة دعوة الثالثة ‪ :‬المظلوم ‪ ،‬والمسافر ‪ ،‬والصائم ‪ ،‬وذلك للكسرة التي في قلب كل‬ ‫يقول اهلل ‪ (( :‬أنا عند المنكسرة قلوبهم‬
‫ـ ‪ ،‬وكذا األمر في المريض والمظلوم‬ ‫واحد منهم ‪ ،‬فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه ‪ ،‬وكذلك الصوم فإنه يكسر سورة النفس ويذلها‬
‫‪ ،‬فإذا أراد اهلل بعبد خيرًا سقاه دواء من االبتالء يستفرغ به من األمراض المهلكة للعبد حتى إذا هذبه رد عليه عافيته ‪ ،‬فهذه األمراض حمية له ‪،‬‬
‫ـ من يرحم ببالئه ويبتلي بنعمائه ‪0‬‬ ‫فسبحان‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬انتظار المريض لفرج ‪ ،‬وأفضل العبادات انتظار الفرج ‪ ،‬األمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه باهلل وحده ‪ ،‬وهذا ملموس‪8‬‬
‫ـ وحصل له اإلياس منهم وتعلق قلبه باهلل وحده ‪،‬‬ ‫ومالحظ على أهل المرض أو المصائب ‪ ،‬وخصوصًا إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين‬
‫وقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما بقي لهذا المرض إال أنت ‪ ،‬فإنه يحصل له الشفاء بإذن اهلل ‪ ،‬وهو من أعظم األسباب التي تطلب بها الحوائج ‪ ،‬وقد ذكر أن رج ً‬
‫ال‬
‫ـ اهلل بعد حين ‪،‬‬‫ال ‪ ،‬وأنه ال يوجد له عالج‪ ،‬وكان مريضًا بالسرطان ‪ ،‬فألهمه اهلل الدعاء في األسحار ‪ ،‬فشفاه‬‫أخبره األطباء بأن عالجه أصبح مستحي ً‬
‫ـ إذا تناهت وحصل اإلياس من الخلق ‪ ،‬عند ذلك يأتي الفرج ‪ ،‬فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق باهلل‬ ‫وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة‬
‫جاءه الفرج ‪ ،‬وهذه عبودية ال يمكن أن تحصل إال بمثل هذه الشدة ((حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا )) [ يوسف ‪]110 :‬‬
‫‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض‪ :‬أنه عالمة على إرادة اهلل بصاحبه الخير ‪ ،‬فعن أبي هريرة مرفوعًا ‪ (( :‬من يرد اهلل به خيرًا يصب منه )) [ رواه البخاري] ‪9،‬‬
‫ومفهوم الحديث أن من لم يرد اهلل به خيرًا ال يصيب منه ‪ ،‬حتى يوافي ربه يوم القيامة ‪ ،‬ففي مسند أحمد عن أبي هريرة قال ‪ (( :‬مر برسول اهلل صلى‬
‫ـ فقال له ‪ :‬متى أحسست بأم ملدم ؟ قال ‪ :‬وما أم ملدم ؟ قال ‪ :‬الحمى ‪ ،‬قال ‪ :‬وأي شيء‬ ‫ـ ‪ ،‬قال ‪ :‬فدعاه‬
‫اهلل عليه وسلم أعرابي أعجبه صحته وجلده‬
‫الحمى ؟ قال ‪ :‬سخنة تكون بين الجلد والعظام ‪ ،‬قال ‪ :‬ما بذلك لي عهد ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬ما وجدت هذا قط ‪ ،‬قال ‪ :‬فمتى أحسست بالصداع؟ قال ‪ :‬وأي‬
‫ـ ـ أو ولى ـ‬ ‫شيء الصداع ؟ قال ‪ :‬ضربات تكون في الصدغين والرأس ‪ ،‬قال ‪ :‬مالي بذلك عهد ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬ما وجدت هذا قط ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما قفا‬
‫ـ صحيح البدن مريض القلب ‪ ،‬والمؤمن بالعكس ‪0‬‬ ‫ـ إليه )) [ وإسناده حسن ] فالكافر‬ ‫األعرابي قال ‪ :‬من سره أن ينظر إلى رجل من أهل المار فلينظر‬
‫ـ له عمله الصالح إذا حبسه‪10‬‬ ‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة والتعرف على اهلل في الرخاء ‪ ،‬فإنه يحفظ‬
‫المرض ‪ ،‬وهذا كرم من اهلل وتفضل ‪ ،‬هذا فوق تكفير السيئات ‪ ،‬حتى ولو كان مغمى عليه ‪ ،‬أو فاقدًا لعقله ‪ ،‬فإنه مادام في وثاق اهلل يكتب له عمله‬
‫ـ لم تكتب عليه معصية ويكتب له عمله الصالح الذي‬ ‫ـ تقل معاصيه ‪ ،‬وإن كان فاقدًا للعقل‬ ‫الصالح ‪ ،‬تعرف إلى اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة ‪ ،‬وبالتالي‬
‫كان يعمله في حال صحته ‪ ،‬ففي مسند أحمد عن عبداهلل بن عمرو عن النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬ما من أحد من الناس يصاب بالبالء في جسده‬
‫ـ كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي )) ‪0‬‬ ‫ـ ‪ :‬اكتبوا لعبدي‬‫إال أمر اهلل عز وجل المالئكة الذين يحفظونه ‪ ،‬فقال‬
‫ـ بعمله ابتاله اهلل في جسده ‪ ،‬أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ‪ ،‬قال‪11‬‬ ‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة ولم يبلغها‬
‫ـ بعمل ‪ ،‬فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها )) يقول‬ ‫‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إن الرجل ليكون له عند اهلل المنزلة فما يبلغها‬
‫ـ بالعافية ‪0‬‬‫ـ درجة ببالء فبلغنيها‬ ‫سالم بن مطيع ‪ :‬اللهم إن كنت بلغت أحدًا من عبادك الصالحين‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته ‪ ،‬فإنه إذا تربى في العافية ال يعلم ما يقاسيه المبتلى فال يعرف مقدار النعمة ‪12،‬‬
‫فإذا ابتلي العبد كان أكثر همه وأمانيه وآماله العودة إلى حالته األولى ‪ ،‬وأن يمتعه اهلل بعافيته ‪ ،‬فلوال المرض لما عرف قدر الصحة ‪ ،‬ولوال الليل لما‬
‫عرف قدر النهار ‪ ،‬ولوال هذه األضداد لما عرفت كثير من النعم ‪ ،‬فكل مريض يجد من هو أشد مرضًا فيحمد اهلل ‪،‬وكل غني يجد من هو أغنى منه ‪،‬‬
‫ـ العبد (( وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو‬ ‫ـ يجد من هو أفقر منه ‪ ،‬ثم كم نسبة صحة العبد إلى مرضه فوق ما فيه من الفوائد والمنافع التي يجهلها‬ ‫وكل فقير‬
‫خير لكم )) [ البقرة ‪ ، ]216:‬ولهذا روي أن آدم لما نشر اهلل له ذريته رأى الغني والفقير وحسن الصورة ‪ ،‬ورأى الصحيح على هئيته والمبتلى على‬
‫هيئته ‪ ،‬ورأى األنبياء على هيئتهم مثل السرج ‪ ،‬قال ‪ :‬يارب أال سويت بين عبادك ؟ قال ‪ :‬إني أحب أن أشكر ‪ ،‬فإن العبد إذا رأى صاحب البالء قال ‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي عافاني مما ابتالك ‪ ،‬فيعافيه اهلل من ذلك البالء بشرط الحمد ‪ ،‬والمبتلى إذا صبر حصل على أجر عظيم ‪0‬‬
‫ـ يقول ‪ :‬نحن أفضل من غيرنا ‪،‬‬ ‫ـ نظر إلى من هو فوقه ‪ ،‬لكنه إذا نظر في دينه نظر إلى من هو أسفل منه ‪ ،‬فتجده‬ ‫والغريب أن العبد إذا نظر في دنياه‬
‫ـ ‪ ،‬ومن ذاق ألم األمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة ‪ ،‬وكم نسبة مرضه إلى نسبة صحته ‪ ،‬روي أن الفضيل كانت له بنت‬ ‫لكنه ال يقول ذلك في دنياه‬
‫ال فلقد عافى اهلل مني كثيرًا ‪،‬‬ ‫صغيرة فمرض كفها فسألها يومًا ‪ :‬يا بنية ‪ ،‬كيف حال كفك ؟ فقالت ‪ :‬يا أبت بخير ‪ ،‬واهلل لئن كان اهلل تعالى ابتلى مني قلي ً‬
‫ابتلى كفي وعافى سائر بدني ‪ ،‬فله الحمد على ذلك ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أنه إحسان ورحمة من الرب للعبد ‪ ،‬فما خلقه ربه إال ليرحمه ال ليعذبه (( ما يفعل اهلل بعذابكم إن شكرتم وءامنتم ))‪13‬‬
‫‪ [ :‬النساء‪ ، ]147 :‬وكما قيل‬
‫وربما كان مكروه النفس إلى‪ .......‬محبوبها سبب ما مثله سبب‬
‫ـ ‪ ،‬وهذا ورد في بعض اآلثار أن العبد إذا أصابته البلوى‬ ‫ولكن أكثر النفوس جاهلة باهلل وحكمته ‪ ،‬ومع هذا فربها يرحمها لجهلها وعجزها ونقصها‬
‫ال الوالد عندما يجبر ابنه‬‫فيدعو ربه ويستبطئ اإلجابة ‪ ،‬ويقول الناس ‪ :‬أال ترحمه يارب ؟ فيقول اهلل ‪ (( :‬كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ )) ‪ .‬فمث ً‬
‫على شرب الدواء المر وهو يبكي وأمه تقول‪ :‬أال ترحمه ؟ مع أن فعل الوالد هو رحمة به ‪ ،‬وهلل المثل األعلى ‪ ،‬فال يتهم العبد ربه بابتالئه وليعلم أنه‬
‫إحسان إليه ‪0‬‬
‫ـ‬
‫لعــــــل عتبك محمود عواقبه ‪...........‬وربما صحت األجساد بالعلل‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أنه يكون سببًا لصحة كثير من األمراض ‪ ،‬فلوال تلك اآلالم لما حصلت هذه العافية ‪ ،‬وهذا شأن أكبر األمراض ‪ ،‬أال وهو‪14‬‬
‫ـ ‪ ،‬ففيها منافع لألبدان ال يعلمها إال اهلل ‪ ،‬حيث أنها تذيب الفضالت وتتسبب في إنضاج بعض المواد الفاسدة‬ ‫الحمى وهي المعروفة اآلن بالمالريا‬
‫وإخراجها من البدن ‪ ،‬وال يمكن أن يصل إليه دواء غيرها‪ ،‬يقول بعض الفضالء من األطباء‪ :‬إن كثيرًا من األمراض التي نستبشر فيها الحمى ‪ ،‬كما‬
‫يستبشر المريض بالعافية ‪ ،‬فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء الكثير ‪ ،‬فمـــن األمراض التي تتسبب الحمى في عالجها مرض الــــرمد‬
‫ـ واللقوة ـ وهو داء يكون في الوجه يعوج منه الشدق ـ وزيادة على الصحة فهي من أفضل األمراض في تكفير الذنوب ‪ ،‬ففي مسلم عن‬ ‫والفالج‬
‫ـ ‪ (( :‬ال تسبي الحمى فإنها‬ ‫ـ ‪ (( :‬مالك ؟)) فقالت ‪ :‬الحمى ‪ ،‬ال بارك فيها ‪ ،‬فقال‬ ‫جبران أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دخل على أم السائب ‪ ،‬فقال‬
‫تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد )) وعند أحمد بسند صحيح (( حمى يوم كفارة سنة )) [ عن ابن عمرو ] وفي األدب للبخاري عن‬
‫ال ‪ ،‬وقيل إنها تؤثر في البدن‬ ‫ـ وعددها ‪ 360‬مفص ً‬ ‫أبي هريرة ‪ (( :‬ما من مرض يصيبني أحب إلى من الحمى )) ألنها تدخل في كل األعضاء والمفاصل‬
‫تأثيرًا ال يزول بالكلية إال بعد سنة ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد األمراض ‪ :‬تخويف العبد ((ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )) [ المؤمنون ‪(( ، ] 76 :‬وأخذناهم بالعذاب‪15‬‬
‫لعلهم يرجعون )) [الزخرف‪ ، ] 48 :‬فما ابتاله اهلل إال ليخوفه لعله أن يرجع إلى ربه ‪ ،‬أخرج اإلمام أبو داود عن عامر مرفوعًا ‪ (( :‬إن المؤمن إذا‬
‫ـ عقله أهله ثم أرسلوه‬ ‫ـ لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل ‪ ،‬وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير‬ ‫أصابه سقم ثم أعفاه منه كان كفارة‬
‫ـ ولم أرسلوه )) ‪0‬‬ ‫فلم يدر لم عقلوه‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أن اهلل يستخرج به الشكر ‪ ،‬فإن العبد إذا ابتلي بعد الصحة بالمرض وبعد القرب بالبعد اشتاقت نفسه إلى العافية ‪ ،‬وبالتالي‪16‬‬
‫ـ ‪ :‬يكفي من سؤالي علمه‬ ‫ـ اهلل بالدعاء فإنه ال يرد القدر إال الدعاء بل ينبغي له أن يتوسل إلى اهلل وال يتجلد تجلد الجاهل فيقول‬ ‫تتعرض إلى نفحات‬
‫بحالي !! فإن اهلل أمر العبد أن يسأله تكرمًا وهو يغضب إذا لم تسأله ‪ ،‬فإذا منح اهلل العبد العافية وردها عليه عرف قدر تلك النعمة ؛ فلهج بشكره شكر‬
‫من عرف المرض وباشر وذاق آالمه ال شكر من عرف وصفه ولم يقاس ألمه ‪ ،‬فكما يقال ‪ :‬أعرف الناس باآلفات أكثرهم آفات ‪ ،‬فإذا نقله ربه من‬
‫ضيق المرض والفقر والخوف إلى سعة األمن والعافية والغنى فإنه يزداد سروره وشكره ومحبته لربه بحسب معرفته وبما كان فيه ‪ ،‬وليس كحال من‬
‫ولد في العافية والغنى فال يشعر بغيره ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى اهلل ‪ ،‬فأهل السموات واألرض محتاجون إليه سبحانه ‪ ،‬فهم فقراء إليه وهو غني عنهم‪17‬‬
‫ولوال أن سلط على العبد هذه األمراض لنسي نفسه ‪ ،‬فجعله ربه يمرض ويحتاج ليكون تكرار أسباب الحاجة فيه سبب لخمود آثار الدعوى وهو ادعاء‬
‫الربوبية ‪ ،‬فلو تركه بال فاقة لتجرأ وادعى ‪ ،‬فإن النفس فيها مضاهاة للربوبية ‪ ،‬ولهذا سلط اهلل عليه ذل العبودية وهي أربع ‪ :‬ذل الحاجة ‪ ،‬وذل‬
‫ـ وفاقته إلى اهلل كائنًا من كان ‪0‬‬‫الطاعة ‪ ،‬وذل المحبة ـ فالمحب ذليل لمن أحبه ـ وذل المعصية ‪ ،‬وعلى كل فإذا مرض العبد أحس بفقره‬
‫لعلك تقول ‪ :‬هذه األخبار ددل على أن البالء خير في الدنيا من النعيم ‪ ،‬فهل نسأل اهلل البالء ؟ ٌفول لك ‪ :‬ال وجه لذلك ‪ ،‬بل إن الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال دعائه لما أخرجه أهل الطائف ‪ (( :‬إن لم يكن بك غضب علي فال أبالي ‪ ،‬ولكن عافيتك أوسع لي )) ‪ ،‬وروى أن العباس لما طلب من الرسول‬
‫ـ له ‪ (( :‬سل اهلل العفو والعافية ‪ ،‬فإنه ما أعطى أحد أفضل من العافية بعد اليقين )) ‪ ،‬وقال الحسن ‪ :‬الخير‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم أن يعلمه دعاء فقال‬
‫الذي ال شر فيه العافية مع الشكر ‪ ،‬فكم من منعم عليه غير شاكر ‪ ،‬وهذا أظهر من أن يحتاج إلى دليل ‪ ،‬فينبغي أن نسأل اهلل تمام النعمة في الدنيا ودفع‬
‫البالء عنا ‪ ،‬لكن إذا ابتلي العبد ببالء فينبغي له الصبر والرضا بقضاء اهلل عليه ‪0‬‬
‫‪:‬أخيرًا أختم هذه الرسالة بأن المرض نعمة وليس بنقمة ‪ ،‬وأن في المرض لذائذ *‬
‫ـ به المريض والحب الذي يغمره من أقاربه ومعارفه ‪10‬‬ ‫ـ منها ‪ :‬لذة العطف الذي يحاط‬
‫ـ ومنها ‪ :‬اللذة الكبرى التي يجدها المريض ساعة اللجوء إلى اهلل ‪ ،‬هندما يدعوه مخلصًا مضطرًا ‪20‬‬
‫ـ الضيق على المريض وهو مقيد على السرير ‪ ،‬ويبلغ به المرض أقصاه فيفيء لحطتها إلى اهلل كما‪3‬‬ ‫ـ ومنها ‪ :‬لذة الرضا عن اهلل عندما تمر لحظات‬
‫حصل في نداء أيوب ‪ ،‬فال يحكم على المريض أو البائس بمظهره ‪ ،‬فلعل وراء الجدار الخرب قصرًا عامرًا ‪ ،‬ولعل وراء الباب الضخم كوخًا خربًا ‪0‬‬
‫ـ ‪ ،‬فال يفرق المرض بين غني أو فقير ‪ ،‬فلو كان المرض سببه الفقر أو نقص الغذاء لكان المرض‪4‬‬ ‫ـ ومنها ‪ :‬لذة المساواة التامة ‪ ،‬فهي سنة الحياة‬
‫ً‬
‫وقفًا على الفقراء ‪ ،‬ولكان األغنياء في منجى منه ‪ ،‬لكنه ال يعرف حقيرًا أو جليال ‪ ،‬الناس سواء ‪0‬‬
‫تمت هذه الرسالة وهلل الحمد والمنة‬
‫ـ نقمته وجميع سخطه ‪0‬‬ ‫نسأل اهلل من عظيم لطفه وكرمه وستره الجميل في الدنيا واآلخرة ‪ ،‬ونعوذ به من زوال نعمته وتحول عافيته وفجأة‬
‫وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪0‬بدنية ‪ ،‬وقبل الشروع البد من مقدمة قبل الدخول في المقصود ‪0‬‬
‫إن اهلل لم يخلق شيئًا إال وفيه نعمة أيضًا ‪ ،‬إما على المبتلى أو على غير المبتلى ‪ ،‬حتى إن ألم الكفار في نار جهنم نعمة ‪ ،‬ولكنها في حق غيرهم من‬
‫العباد ‪ ،‬فمصائب قوم عند قوم فوائد ‪ ،‬ولوال أن اهلل خلق العذاب واأللم لما عرف المتنعمون قدر نعمته عليهم ولجهلت كثير من النعم ‪ ،‬ومن هنا خلق‬
‫سبحانه األضداد لحكم كثيرة منها معرفة النعم ‪ ،‬فلوال الليل لما عرف قدر النهار ‪ ،‬ولوال المرض لما عرف قدر الصحة ‪ ،‬وكذا الفقر والسماء والجنة ‪،‬‬
‫ففرح أهل الجنة إنما يتضاعف إذا تفكروا في آالم أهل النار ‪ ،‬بل إن من نعيم أهل الجنة رؤية أهل النار وما هم فيه من العذاب ‪ ،‬مع العلم أن كل بالء‬
‫ـ عليه ‪ ،‬بل يؤمر بإزالته ففي الحديث ‪ (( :‬ليس للمؤمن أن يذل نفسه ‪ ،‬أن يحمل نفسه ماال يطيق )) ‪ .‬وإنما‬ ‫يقدر العبد على دفعه ‪ ،‬ال يؤمر بالصبر‬
‫ـ ‪ ،‬فإنه يبتلى بالنعماء والبأساء ‪ ،‬وكم من بالء يكون‬ ‫بالء على صاحبها‬
‫المحمود الصبر على ألم ليس له حيلة في إزالته ‪ ،‬كما أن من النعم نعمة تكون ً‬
‫نعمة على صاحبه ‪ ،‬فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ‪ ،‬ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى (( ولو بسط اهلل الرزق لعباده لبغوا في‬
‫األرض )) [ الشورى ‪0 ]27 :‬‬
‫فكل نعمة سوى اإليمان وحسن الخلق قد تكون بالء في حق بعض الناس ‪ ،‬وتكون أضدادها نعمًا في حقهم ‪ ،‬فكما أن المعرفة كمال ونعمة ‪ ،‬إال أنها قد‬
‫ـ نعمة مثل أجل العبد أو جهله بما يضمر له الناس ‪ ،‬إذ لو رفع له الستر لطال غمه وحسده ‪ .‬وكم من نعمة يحرص‬ ‫تكون في بعض األحيان بالء وفقدها‬
‫ً‬
‫عليها العبد فيها هالكه ‪ ،‬ولما كانت اآلالم واألمراض أدوية لألرواح واألبدان وكانت كماال لإلنسان ‪ ،‬فإن فاطره وبارئه ما أمرضه إال ليشفيه ‪ ،‬وما‬
‫ال إليها ‪ ،‬ولهذا قال العقالء قاطبة ‪ :‬إن‬ ‫ابتاله إال ليعافيه ‪ ،‬وما أماته إال ليحييه ‪ ،‬وقد حجب سبحانه أعظم اللذات بأنواع المكاره وجعلها جسرًا موص ً‬
‫ال نزول األمطار والثلوج وهبوب‬ ‫ـ ‪ ،‬وإن الراحة ال تنال بالراحة ‪ ،‬فهذه اآلالم والمشاق من أعظم النعم‪ ،‬إذ هي أسباب النعم ‪ ،‬فمث ً‬ ‫النعيم ال يدرك بالنعيم‬
‫ال لو أن المرأة نظرت إلى آالم الحمل والوالدة لما‬ ‫ـ من اآلالم فإنها مغمورة جدًا بالنسبة إلى المنافع والمصالح التي تصحبها ‪ ،‬فمث ً‬ ‫الرياح وما يصاحبها‬
‫تزوجت ‪ ،‬لكن لذة األمومة واألوالد أضعاف أضعاف تلك اآلالم ‪ ،‬بل إنها إذا حرمت األوالد لم تترك طبيبًا إال وذهبت إليه من أجل الحصول على األبناء ‪،‬‬
‫إنه ال يوجد شر محض ‪ ،‬وما نهى سبحانه عن األعمال القبيحة إال ألن مفسدتها راجحة على خيرها ‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬وقد قال اهلل عن الخمر ‪ :‬إثمها أكبر من‬
‫نفعها ‪ ،‬فلو نظر العبد كم يحصل له من المضار والمفاسد منها لما أقدم عليها ‪0‬‬

‫ـ نقتصر على بعض منها‬


‫‪ :‬فإذا تقرر هذا كله ‪ ،‬فإليكم فوائد ومصالح ومنافع األمراض والتي تزيد عن المائة فائدة‬

‫ـ من فوائد المرض ‪ ،‬أنه تهذيب للنفس ‪ ،‬وتصفية لها من الشر الذي فيها (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ))‪1‬‬
‫[ الشورى ‪ ، ]30 :‬فإذا أصيب العبد فال يقل ‪ :‬من أين هذا ‪ ،‬ول من أين أتيت ؟ فما أصيب إال بذنب ‪ ،‬وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب‬
‫ـ ‪ ،‬أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ (( :‬ما يصيب المؤمن من وصب وال هم وال‬ ‫الدنيا عقوبات لذنوبنا‬
‫حزن وال أذى حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهلل بها من خطاياه )) وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وال يزال البالء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى‬
‫ـ أو المرض ‪ ،‬وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا‬ ‫يلقى اهلل وما عليه خطيئة )) ‪ ،‬فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتاله اهلل بالحزن‬
‫أفضل من احتمال مرارة األبد ‪ ،‬يقول بعض السلف ‪ :‬لوال مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في اآلخرة أضعاف ما يحصل له من المرض ‪ ،‬فإن مرارة الدنيا حالوة اآلخرة والعكس‪2‬‬
‫ـ )) وقال أيضًا ‪ (( :‬تحفة المؤمن الموت )) [ رواه ابن أبي الدنيا بسند‬ ‫بالعكس ‪ ،‬ولهذا قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‬
‫ـ مرض أو مصيبة فحمد اهلل بني له بيت الحمد في جنة الخلد ‪ ،‬فوق ما ينتظره من الثواب ‪ ،‬أخرج الترمذي عن جابر مرفوعًا‬ ‫حسن ] ‪ ،‬وإذا نزل بالعبد‬
‫ـ في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البالء )) ‪0‬‬ ‫‪ (( :‬يود الناس يوم القيامة أن جلود كانت تقرض بالمقاريض‬

‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬قرب اهلل من المريض ‪ ،‬وهذا قرب خاص ‪ ،‬يقول اهلل ‪ (( :‬ابن آدم ‪ ،‬عبدي فالن مرض فلم تعده ‪ ،‬أما لو عدته لوجدتني‪3‬‬
‫عنده)) [ رواه مسلم عن أبي هريرة ] ‪ ،‬واثر ‪ (( :‬أنا عند المنكسرة قلوبهم )) ‪0‬‬
‫ـ ومن فوائد المرض ‪ :‬أنه يعرف به صبر العبد ‪ ،‬فكما قيل ‪ :‬لوال االمتحان لما ظهر فضل الصبر ‪ ،‬فإذا وجد الصبر وجد معه كل خير ‪ ،‬وإذا فات فقد‪4‬‬
‫ـ الكير عن خبث الحديد ( ومعنى‬ ‫معه كل خير ‪ ،‬فيمتحن اهلل صبر العبد وإيمانه به ‪ ،‬فإما أن يخرج ذهبًا أو خبثًا ‪ ،‬كما قيل ‪ :‬سبكناه ونحسبه لجينًا فأبدى‬
‫اللجين الفضة ) ‪ ،‬والمقصود‪ :‬أن حظه من المرض ما يحدث من الخير والشر ‪ ،‬فعن أنس مرفوعًا ‪ (( :‬إن عظم الجزاء من عظم البالء ‪ ،‬وإن اهلل إذا‬
‫أحب قومًا ابتالهم ‪ ،‬فمن رضي فله الرضا ‪ ،‬ومن سخط فله السخط)) ‪ ،‬وفي رواية ‪ (( :‬ومن جزع فله الجزع ))[ رواه الترمذي ]‪ ،‬فإذا أحب اهلل عبدًا‬
‫أكثر غمه ‪ ،‬وإذا أبغض عبدًا وسع عليه دنياه وخصوصًا إذا ضيع دينه ‪ ،‬فإذا صبر العبد إيمانًا وثباتًا كتب في ديوان الصابرين ‪ ،‬وإن أحدث له الرضا‬
‫كتب في ديوان الراضين ‪ ،‬وإن أحدث له الحمد والشكر كان جميع ما يقضي اهلل له من القضاء خيرًا له‪ ،‬أخرج مسلم من حديث صهيب قال ‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :‬عجبًا ألمر المؤمن ‪ ،‬إن أمره كله خير ‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ‪ ،‬إن أصابه سراء فشكر اهلل فله أجر ‪ ،‬وإن أصابته‬
‫‪ ،‬ضاء فصبر فله أجر‬

You might also like