You are on page 1of 13

‫الحسد‬

‫أسبابه وأضراره وعالجه‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ..‬قَّس م الحظوَظ والمَلكاِت واألرزاَق على بني آَد م ِبمقاديَر‬
‫ُم ختلفة‪ ،‬وأشكاٍل ُم تباينة؛ حَّتى يستقيم أمُر الحياة الدنيا على الهيئة اَّلتي هي‬
‫عليها‪ .‬فقال تعالى‪َ ﴿ :‬نْح ُن َق َس ْمَن ا َبْيَن ُه م َّم ِع يَش َت ُه ْم ِفي الَحَياِة الُّد ْنَيا َو َر َف ْع َن ا َبْع َض ُه ْم‬
‫َفْو َق َبْع ٍض َد َرَج اٍت ِّلَيَّتِخَذ َبْعُض ُه م َبْع ضًا ُس ْخ ِريًا ﴾ [الزخرف‪ .]32 :‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫هللا وحده ال شريك له‪ ..‬أثنى على عباده المؤمنين الصادقين بالحب واإلخاء فقال‬
‫تعالى (وال يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا)) الحشر‪ .‬وأشهد أن سيدنا محمدا‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ..‬حذر من أمراض القلوب التي تفتك باألمة وتأكل‬
‫الحسنات فقال صَّلى هللا عليه وسَّلم‪" :‬ال تحاسدوا وال تناجشوا وال تباغضوا وال‬
‫تدابروا وال يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد هللا إخوانا " [رواه البخاري]‪.‬‬

‫فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪..‬‬

‫أما بعد‪ ..‬فيا أيها المؤمنون‪.‬‬


‫لقد سعى اإلسالم إلى طهارة البدن وطهارة القلب‪ ،‬وطهارة القلب أولى من طهارة‬
‫األبدان‪ ،‬قال تعالى ﴿ َيْوَم اَل َيْن َف ُع َم اٌل َواَل َبُن وَن * ِإاَّل َمْن َأَتى الَّلَه ِبَق ْلٍب َس ِليٍم ﴾‬
‫[الشعراء‪ ،]89 ،88 :‬والقلب هو محل نظر هللا تعالى إليه‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم (إن هللا ال ينظر إلي صوركم وال إلي أموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم‬
‫وأعمالكم) (رواه مسلم)‪.‬‬

‫ولقد حذر المولى تبارك وتعالى من أمراض القلوب لما لها من أضرار على الفرد‬
‫والمجتمع فأمر باالستعاذة منها فقال تعالى ﴿ ُق ْل َأُع وُذ ِبَرِّب الَف َلِق * ِم ن َش ِّر َم ا‬
‫َخ َلَق * َو ِم ن َش ِّر َغاِس ٍق ِإَذا َو َقَب * َو ِم ن َش ِّر الَّنَّف اَثاِت ِفي الُع َقِد * َو ِم ن َش ِّر َح اِسٍد‬
‫ِإَذا َحَس َد ﴾ [الفلق‪.]5 - 1 :‬‬

‫ولقد انتشرت أمراض القلوب بين الناس من غل وحسد وغش وبغضاء ولن يجتمع‬
‫شمل هذه األمة إال إذا طهرت قلوبها وتماسكت فيما بينها البين‪ ،‬ولن يؤمن أحدنا‬
‫حتى يحب ألخيه المسلم ما يحبه لنفسه‪.‬‬

‫فمن األمراض الخطيرة التي تفتك باألمة أفرادا ومجتمعات مرض الحسد الذي كان‬
‫في سبب كثير من الجرائم مثل القتل والدمار‪ ،‬فالحسد صفة ذميمة ال تتخلق بها‬
‫إال النفوس المريضة التي ال تحب إال العيش منفردة واالستئثار على غيرها بما‬
‫تهواه‪ .‬والحسد بوابة اآلثام‪ ،‬وبضاعة اللئام‪ ،‬يبدأ بالقريب قبل البعيد‪ ،‬والصديق قبل‬
‫العدو‪ ،‬فهو أكثر ما يكون بين األقارب‪ ،‬وبين الجيران‪ ،‬وبين الزمالء‪ .‬فالقريب الحاسد‬
‫ال يحب أن يكون قريبه أحسن منه فيما يتباهى به الناس‪ ،‬ولو كان أخاه ألبيه وأمه‪.‬‬
‫والجار الحاسد ال يحب أن يكون جاره أفضل منه في مال أو جاه أو قوة أو جمال أو‬
‫علم‪ .‬والزمالء في الدراسة أو الوظائف أو األعمال ال يرضى الواحد منهم أن يتقدم‬
‫عليه في معلومات أو ترقيات أو مكافآت أو زيادة خير‪.‬‬

‫والحسد يدخل بين األقران واألمثال في أكثر األحيان فالعامل يحسد العامل والتاجر‬
‫يحسد التاجر والفالح يحسد الفالح ولذلك ال تستغربوا من حصول المشكالت‬
‫والمكايدات‪ ،‬والبغضاء والتقاطع‪ ،‬والهجران وفساد العالقات وتعثر المشروعات‪،‬‬
‫والتقاتل واألضرار بين األصناف السابقة‪ ،‬فما ذلك إال نتيجة من نتائج مرض الحسد‪.‬‬

‫لذلك كان حديثنا عن مرض الحسد‪ ،‬وذلك من خالل هذه العناصر الرئيسية التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬حقيقة الحسد‪.‬‬
‫‪ -2‬مراتب الحسد‪.‬‬
‫‪ -3‬أسباب الحسد‪.‬‬
‫‪ -4‬أضرار الحسد علي الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪ -5‬قصص في خطورة الحسد‪.‬‬
‫‪ -6‬عالج الحسد‪.‬‬

‫العنصر األول‪ :‬حقيقة الحسـد‪-:‬‬


‫الحسد‪ :‬هو تمِّني زوال الِّنعمة عن الغير‪ ،‬وهو في جوهِره اعِتراٌض على عطاء‬
‫المنعم سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫و يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد اصل الحسد‪ :‬هو بغض نعمة هللا على‬
‫المحسود وتمني زوالها‪ .‬وأمر الحسد ثابت شرعا قال هللا ‪ -‬تعالى ﴿ َو ِإْن َيَك اُد اَّلِذ يَن‬
‫َك َف ُر وا َلُيْز ِلُق وَنَك ِبَأْبَصاِرِه ْم ﴾ [القلم‪ ،]51 :‬قال ابن عباس وغيره في تفسيرها‪ :‬أي‬
‫يعينوك بأبصارهم‪ ،‬ويقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬العين حق‪ ،‬ولو كان شيء‬
‫سابق القدر سبقت العين‪ ،‬وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم‪ ،‬وعن عائشة‬
‫رضي هللا عنها قالت‪ " :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأمرني أن أسترقي‬
‫من العين " (البخاري ومسلم)‪ ،‬وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن‬
‫عباس رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬العين حق ولو كان‬
‫شيء سابق القدر لسبقته العين‪ ،‬وإذا استغسلتم فاغسلوا " صححه األلباني في‬
‫السلسلة الصحيحة‪.‬‬

‫العنصر الثاني‪ :‬مراتب الحسد‪ - :‬ذكر العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي‪-:‬‬
‫األولى‪ :‬تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد‪ .‬الثانية‪:‬‬
‫تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى ال يحصل‬
‫التفاوت بينهما‪ ،‬فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬حسد الغبطة ويسمى حسدًا مجازًا وهو تمني حصوله على مثل النعمة‬
‫التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه فهذا الحسد محمود كماجاء في‬
‫الحديث الصحيح في قوله صلى هللا عليه وسلم (ال حسد إال في إ ثنتين رجل أتاه‬
‫هللا القران فهو يقوم به آناء الليل وأناء النهار ورجل آتاه هللا ماال فهو ينفقه آناء الليل‬
‫وآناء النهار)) فأنت تتمنى أن تكون مثله‪ ،‬مع بقاء تلك النعمة عنده وهذا الحسد‬
‫معناه الغبطة‪ ،‬وقد يجوز ان يسمى ذلك منافسة ومنه قوله تبارك وتعالى ﴿ َو ِفي‬
‫َذِلَك َفْلَيَتَناَفِس اْلُم َتَناِفُس وَن ﴾ [المطففين‪.]26 :‬‬

‫والحسد خلق ذميم‪ ،‬وصفة وضيعة‪ ،‬حقيرة ال تكون إال في النفس العاجزة‪ ،‬المهانة‬
‫التي تعجز عن فعل الخير‪ ،‬وتتمني زواله من غيره حتي يكون العاجز والعامل سواء‬
‫كما قال تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)‪.‬‬

‫فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هوفمن كان يحب‬
‫هللا واليوم اآلخر فلينتهي عن هذه الصفة إن كانت فيه وليحذر عقاب هللا في الدنيا‬
‫واآلخرة ومن لم يكن من أهلها فليحمد ربه حمدًا كثيرا علي ذلك فإن اآلفة الوضيعة‬
‫تقتل صاحبها وتهينه وتجعله من السافلين‪.‬‬

‫وأصل الحسد والعداوة التزاحم على غرض واحد ومنشأ ذلك كله‪ ،،‬حب الدنيا فإن‬
‫الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين وأما اآلخرة فال ضيق فيها‪.‬‬

‫وأنه بحسب فضل اإلنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له‪ ،‬فإن كثر‬
‫فضله كثر حساده وإن قل فضله قلوا‪ ،‬ألن ظهور الفضل يثير الحسد‪ ،‬وحدوث النعمة‬
‫يضاعف الكمد‪..‬‬

‫العنصر الثالث‪ :‬أسباب الحسـد‪-:‬‬


‫إن الحسد مرض ينشأ من ضعف اإليمان بالقضاء والقدر وقلة الفهم لمعاني‬
‫األسماء والصفات‪.‬‬

‫فالحاسد لو كان عنده إيمان قوي بقضاء هللا وقدره ما حسد الناس على ما قضاه‬
‫هللا وقدره‪ ،‬ولو كان عنده علم وفهم السمي هللا‪ :‬العليم والحكيم ما حسد؛ ألن هللا‬
‫حكيم في قضائه وقدره وعليم بخلقه‪ ،‬فمن علم ذلك انكف عن حسده‪.‬‬

‫إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على اآلخرين؛ ولهذا يتمنى‬
‫الحاسد زوال النعمة عن الُم ْن َع م عليه‪ .‬ذكر العلماء دواعي الحسد‪ ،‬فذكروا منها‪-:‬‬
‫‪ُ -1‬بغض المحسود‪ ،‬فإذا كانت له فضيلة ُتذكر أو منقبة ُتشكر ثارت نفس من أبغضه‬
‫حسًد ا‪ .‬وال يفارقه فإذا أصاب عدوه بالء فرح وإذا أصابته نعماء ساءه ذلك‪.‬‬

‫جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى‪( :‬أم يحسدون الناس على ماآتاهم هللا‬
‫من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)‪ .‬قال في‬
‫قوله (أم يحسدون‪ )......‬قال هم اليهود والناس يعني النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وعن إبن عباس ومجاهد وغيرهما قالوا (حسدوا محمد صلى هللا عليه وسلم على‬
‫النبوة وحسدوا أصحابه على اإليمان به وال زالت آثار حسدهم تظهر يوما بعد يوم)‪.‬‬

‫‪ -2‬الكبر والعجب كأن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه‬
‫فيه‪ ،‬فيثير ذلك حسًد ا‪ ،‬فالحسد هنا يختص بمن عال مع عجز الحاسد عن إدراكه‪.‬‬

‫وكان حسد الكفار للنبي صلى هللا عليه وسلم قريبا من ذلك‪ ،،‬قال تعالى( وقالوا‬
‫لوال نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم) الزخرف‪ ،.‬وقالوا عن المؤمنين‪:‬‬
‫(أهؤالء من هللا عليهم من بيننا))‪.‬‬

‫‪ -3‬حب الرئاسة والجاه ومثاله أن الرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في مجال‬
‫من المجاالت أو فن من الفنون إذا سمع بنظير له في مكان ما ساءه ذلك وأحب‬
‫هلكه أو زوال نعمته التي يشاركه بها وذلك لحب الرئاسة والجاه واإلنفراد به‪ .‬لقد‬
‫التقى أبو جهٍل ‪ ،‬وأبو ُس فيان بن حرب‪ ،‬واألخنُس بن شريق‪ ،‬وقِد انصرفوا من حْو ِل‬
‫بْي ِت رسول هللا ‪ -‬صَّلى هللا عليه وسَّلم وقد جاءوا ال َيعرف كُّل واحد منهم من خبر‬
‫اآلَخ ر شيًئ ا‪ ،‬يستمعون إلى رسول هللا صَّلى هللا عليه وسَّلم يتلو الُق رآن الكريم‪،‬‬
‫وكان ذلك لقاَء هم الثالَث ‪ ،‬وتعاهدوا أن ال يعودوا ِلمثلها فُيَر ْو ا على غْي ِر ما يعهدهم‬
‫الناس‪ ،‬وفي صباح اليوم الثالث‪ ،‬دَلف األخنُس بن شريق إلى بْي ِت أبي جهل‪،‬‬
‫يستْطِلُع األَثَر الذي ترَك ه َس ماُع القرآن الكريم من َف ِم رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬في نفس أبي جهل‪ ،‬ويسأُل األخنس‪ :‬فيم َس مع من محمد؟ ويرُّد أبو‬
‫جهل‪ :‬ما سمعت! (أي مثل ما َس معَت يا أخنس)‪" :‬تنازعنا َنحن وبنو عبدمناف‬
‫الَّش رَف ‪ :‬أطعموا فأطعْم نا‪ ،‬وَح ملوا فحمْلنا‪ ،‬وأعَطْو ا فأعَطْي نا‪ ،‬حَّتى كَّنا كفَر َس ْي‬
‫رهان قالوا‪ :‬مَّنا نبٌّي يأتيه الوحي من السماء‪ ،‬فمتى ُنْد ِرك مثَل هذه؟ وِهللا ‪ ،‬ال ُنؤِم ُن‬
‫به أبًد ا‪ ،‬وال ُنصِّد ُقه"‪ .‬وانكشف لألخنس ما انَطَو ْت علْي ِه نفُس أبي جهل‪ ،‬لقد كان‬
‫الحسد‪ ،‬فهو وراَء كِّل تلك الخصومة‪ ،‬والَّلَد د‪ ،‬والمقاومة الشديدة لإلسالم ونبِّيه‪.‬‬

‫لقد صار أبو جهٍل مدرسًة في الكفر؛ بسَبِب هذه اآلفِة القاتلة‪ ،‬الحسِد ‪َ ،‬وَع َلًم ا‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪ -4‬السخط على قضاء هللا تعالى‪ ،‬فيحسد اآلخرين على ما منحهم هللا تعالى إياه‪،‬‬
‫وإن كانت نعم هللا عنده أكثر‪ ،‬وِم َن حه عليه أظهر‪.‬‬

‫‪ -5‬خبث النفس وبخلها وهذا يحب اإلدبار لغيره ويبخل بنعمة هللا على عباده‪ ،‬فإذا‬
‫ُو صف له حسن حال عبد من عباد هللا شق ذلك عليه‪ ،‬وإذا وصف له أمرسوء‬
‫وتنغيص عيش الناس فرح بذلك والعياذ باهلل‪.‬‬

‫قال بعض العلماء‪ :‬البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح الذي يبخل بمال غيره‪.‬‬
‫سبحان هللا كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه‪.‬‬
‫العنصر الرابع‪ :‬أضرارالحسد علي الفرد والمجتمع‪-:‬‬
‫أضرار تعود على الحاسد‪-:‬‬
‫الحاسد قد يشعر وقد ال يشعر أنه أول المتضررين بلفح نار حسده‪ ،‬فالحسد نار‬
‫متأججة تحرق أول ما تحرق مذكيها ومشعلها‪ .‬وقد قالوا‪ :‬هلل در الحسد ما أعدله‬
‫بدأ بصاحبه فقتله‪.‬‬

‫وقال معاوية رضي هللا عنه‪" :‬ليس من خصال الشر أعدل من الحسد‪ ،‬يقتل‬
‫الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود"‪.‬‬

‫فيصل الى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل الى المحسود شئ‪-:‬‬
‫أولها‪ :‬غم ال ينقطع‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬مصيبة ال يؤجر عليه‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬مذمـة اليحمد بها‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬سخط الرب‬
‫خامسها‪ :‬عدم التوفيق يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى هللا بقلب سليم‪.‬‬

‫والحاسد عدو نعمة هللا‪ ،‬قال بعض الحكماء‪ :‬بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنه ابغض كل نعمة ظهرت على غيره‬
‫ثانيا‪ :‬أنه ساخط لقسمة ربه‪ ،‬كأنه يقول ربي لما قسمت هذه القسمة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنه َض اَّد هللا بفعله أي أن فضل هللا يؤتيه من يشاء وهو يبخل بفضل هللا تبارك‬
‫وتعالى‬
‫رابعا‪ :‬أنه خذل أولياء هللا أو يريد خذالنهم وزوال النعمة عنهم وهذا من الخذالن‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أنه أعان عدوه إبليس‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬الحاسد ال ينال في المجالس إال ندامًة وال ينال عند المالئكة إال لعنة وبغضاًء‬
‫وال ينال في الخلوة إال جزعًا وغما وال ينال في االخرة إال حزنا واحتراقًا وال ينال من‬
‫هللا إال بعدا ومقًت ا‪ ،،‬روي عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ( :‬ثالثة ال يستجيب هللا‬
‫دعائهم‪ ،‬آكل الحرام‪ ،‬ومخبر الغيبة ومن كان في قلبه غٌل أو حسٌد للمسلمين)‪.‬‬

‫والحسد ينافي اإليمان‪ -:‬ألن اإليمان يأمر صاحبه بالتسليم ألفعال هللا‪ .‬فلو حسد‬
‫العالم أو العابد أو الصالح فإن ذلك يدل على ضعف إيمانه؛ ولهذا قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه و سلم‪( :‬ال يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل هللا وفيح‬
‫جهنم وال يجتمع في جوف عبد اإليمان والحسد)‪.‬‬

‫و يقول رسول هللا صَّلى هللا عليه وسَّلم (الحسُد يأكُل الحسناِت‪ ،‬كما تأكل الَّناُر‬
‫الحطب)[رواه البخاري]‪.‬‬
‫وقال عبدهللا ابن مسعود‪( :‬ال تعادوا نعم هللا‪ .‬قيل له ومن يعادي نعم هللا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫الذين يحسدون الناس على ماآتاهم هللا من فضله يقول هللا تعالى في بعض‬
‫الكتب‪( :‬الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راٍض بقسمتي‪.).....‬‬

‫وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها؛ إذ ليس لصاحبه راحة‪ ،‬وال لرضاه غاية‪.‬‬

‫كما أن الحاسد ال ينقطع همه‪.‬‬

‫قال بعض األدباء‪ " :‬ما رأيت ظالمًـا أشبه بمظلوم من الحسود‪َ ،‬نَف ٌس دائم‪ ،‬وَه ٌّم‬
‫الزم‪ ،‬وقلٌب هائم "‪ .‬والحاسد مسيء لألدب مع هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬
‫أيا حاسًد ا لي على نعمتي‬
‫أتدري على َمْن أسأت‬
‫األدْب ؟‬
‫أسأت على اهلل في ُح كمه‬
‫ألنك لم ترَض لي ما وهْب‬
‫فأخزاك ربي بأن زادني‬
‫وَس َّد عليك وجوه الطلب‬

‫أضراره علي المحسود‪-:‬‬


‫األذي والتعدي على المسلم‪ ،‬ولقد نهى هللا ورسوله عنه قال تعالى (والذين‬
‫يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ماإكتسبوا فقد إحتملوا بهتانا وإثما مبينا) األحزاب‪.‬‬

‫وقال تعالى في ذم الحاسدين وإستنكار لفعلهم (أم يحسدون الناس على ماآتاهم‬
‫هللا من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)‪.‬‬

‫أضراره علي المجتمع‪-:‬‬


‫‪ -1‬الحسد يمزق المجتمع ويفرقه‪ ،‬ويزرع فيه الشحناء والضغينة‪ ،‬قال النبي صلى‬
‫هللا عليه و سلم قال‪( :‬دب إليكم داء األمم‪ :‬الحسد والبغضاء هي الحالقة‪ ،‬ال أقول‪:‬‬
‫تحلق الشعر‪ ،‬ولكن تحلق الدين‪ ،‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا‪،‬‬
‫وال تؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أفال أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السالم بينكم)‪.‬‬

‫وانظر إلي ما فعله إخوة يوسف بيوسف‪ ،‬حين أظهروا ما في قلوبهم من الحقد‬
‫والحسد‪ ،‬قال تعالى مخبرا عنهم‪( :‬ليوسف وأخوه أحب الى أبينا منا ونحن عصبة‬
‫إن أبانا لفي ضالل مبين اقتلوا يوسف أو إطرحوه أرضا يخلوا لكم وجه أبيكم وتكونوا‬
‫من بعده قوما صالحين) يوسف فكان ثمرة ذلك تفكك األسرة وتغرب يوسف عدد‬
‫سنين وذلك كله بسبب الحسد والحقد‪.‬‬

‫‪ -2‬إشاعة الجريمة‪-:‬‬
‫الحسد معصية عظيمة‪ ،‬وأَّول ذنٍب ُع ِص َي به ُهللا في السماء‪ ،‬وأَّول ذنٍب ُع ِص َي ُهللا‬
‫به في األرض‪.‬‬

‫وأَّم ا ما كان في السماء‪ ،‬فهو ِع صيان إبليَس أمَر رِّبه أن َيسُج د آلَد م‪ ،‬لقد كان دافَع ه‬
‫الحسُد إلْك رام هللا له؛ قال تعالى‪َ ﴿ :‬فِإَذا َس َّوْي ُت ُه َو َنَفْخ ُت ِفيِه ِم ن ُّروِح ي َف َق ُع وا َلُه‬
‫َس اِجِد يَن ﴾ [الحجر‪ ،]29 :‬وسجد المالئكُة ألمر ربهم‪ ،‬وأبى إبليس‪.‬‬

‫ولَّم ا ُس ِئَل عن سبب ذلك أجاب‪َ ﴿ :‬خ َلْق َت ِني ِم ن َّناٍر َوَخ َلْق َتُه ِم ن ِط يٍن ﴾ [األعراف‪:‬‬
‫‪ ،]12‬وكفر إبليس وُطِرَد من السماء‪ ،‬وخِس ر خسراًنا مبيًن ا بسبب تلك اآلفة القاتلة‪.‬‬

‫وأَّم ا ما كان في األرض‪ ،‬فَق ْت ُل قابيل ألخيه هابيل‪ ،‬لقد قَّد م كٌّل منُه ما ُقرباًنا إلى‬
‫هللا‪ ،‬فُق ِبَل قرباُن هابيل‪ ،‬ولم ُيْقبل قربان قابيل‪ ،‬وقتل قابيُل أخاه هابيل‪ ،‬وعجز عن‬
‫مواراة جَّثته‪ ،‬إلى أن أرسل هللا له ُغ رابْي ِن فاْق َتَت ال‪ ،‬وحفر القاتُل حفرًة ‪ ،‬ودَف ن اآلَخ َر‬
‫القتيَل ‪ ،‬فحذا قابيُل حذَو ه‪ ،‬ووارى أخاه الُّتراب‪.‬‬

‫لقد كان الحسد هو الدافَع وراَء أَّول جريمٍة على األرض‪ ،‬على ما ساقه هللا من‬
‫فضل وإكرام لعبده‪ ،‬الذي قَّرب إليه قرباًنا فتقَّبله منه‪ ،‬إشارًة إلى رضاه عنه‪،‬‬
‫فحسده أخوُه على ذلك الفضل‪.‬‬

‫لقد ُقتل عثمان رضي هللا عنه حسدا‪ ،،‬قال أبو قتادة ما قتلوا عثمان االحسدا أي‬
‫حسدوه على الخالفة فأحبوا أن يزيلوها عنه‪.‬‬

‫‪ -3‬الحسد يمنع صاحبه من قبول الحق واإلذعان له‪-:‬‬


‫كان األنبياُء في بني إسرائيل كثيرين‪ ،‬منهم وإليهم‪ ،‬وشاء ُهللا أن يحِّول النبَّوة إلى‬
‫العرب‪ ،‬فبعَث ُم حَّم ًد ا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إلى الَّناس كاَّفة‪ ،‬باإلسالم عقيدًة‬
‫وشريعًة ‪ ،‬ال يتلوه رسالة‪ .‬وكان أمُر هذه البعثِة وخَبُر ها معلوًم ا ألهل اليهودَّية‬
‫والنصرانَّية في ذلك الوقت‪ ،‬منُذ أن ُأْنِزَل كتاباُه ما من السماء‪ ،‬ولكَّنهم لم ينصاعوا‬
‫إلى هذا الحِّق الذي ُأْنِزل من السماء‪ ،‬ولم ُيْؤِم نوا بنبَّوة ُم حمٍد ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬وال باإلسالم؛ ألَّنهم حسدوا المسلمين على هذا اِإل ْك رام اإللهِّي العظيم‪.‬‬

‫قال تعالى ُيَق ِّرر حقيقَة ِع ْلِم هم بنبَّوة ُم حمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وَنْف ي اِّد عائهم‬
‫بأَّنهم ال يعلمون شيًئ ا من ذلك‪ ،‬بقوٍل قاطع ال يقدر أحٌد على دحضه ﴿ اَّلِذ يَن‬
‫آَتْيَناُه ُم اْلِكَت اَب َيْع ِرُفوَنُه َكَم ا َيْع ِرُفوَن َأْبَناَءُهْم َو ِإَّن َف ِريًق ا ِم ْن ُه ْم َلَيْك ُتُم وَن اْلَحَّق َوُهْم‬
‫َيْع َلُم وَن ﴾ [البقرة‪ ،]146 :‬وقال‪َ ﴿ :‬وَّد َك ِثيٌر ِّم ْن َأْه ِل الِكَت اِب َلْو َيُر ُّدوَنُكم ِّم ْن َبْع ِد‬
‫ِإيَم اِنُك ْم ُك َّف ارًا َحَس دًّا ِّم ْن ِع نِد َأنُف ِس ِه م ِّم ْن َبْع ِد َم ا َتَبَّيَن َلُه ُم الَح ُّق ﴾ [البقرة‪.]109 :‬‬
‫لقد كان اليهود يعلمون أن محمدًا عليه الصالة والسالم نبي هللا حقًا‪ ،‬لكن حينما‬
‫جاء من غيرهم ‪-‬أي‪ :‬من العرب‪ -‬كفروا به بغيًا وحسدًا‪.‬‬

‫العنصر الخامس‪ :‬قصص في خطورة الحسد‪..‬‬


‫‪ -1‬ومما يروى عن الحسد والحاسدين قال ابن عبد هللا‪( :‬كان رجل يخشى بعض‬
‫الملوك فيقوم بحذاء الملك ويقول‪ :‬أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ‬
‫سيكفيه إساءته‪.‬كان يردد هذا دائما حين يعمل على حذاء الملك‪ ،‬فحسده رجل‬
‫على ذلك المقام والكالم فسعى به الى الملك وقال‪ :‬ان هذا الذي يقوم بحذائك‬
‫ويقول ما يقول زعم ان الملك تخرج من فمه رائحة كريهة‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬وكيف‬
‫يصح ذلك عندي‪ ،‬كيف اثبت عليه ذلك عندي؟ قال‪ :‬فادعوه اليَك ‪ .‬فإنه إذا دنا منَك‬
‫وضع يده على أنفه لئال يشم رائحة البخط ـ الرائحة الكريهةـ فقال الملك‪ :‬انصرف‬
‫حتي أنظر‪.‬فخرج الرجل من عند الملك ودعا ذلك الرجل الذي يقوم بحذاء الملك‪،‬‬
‫فدعاه الى منزله فأطعمه طعاما فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك‬
‫فقال كعادته أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته فقال له‬
‫الملك ادن مني‪ ،‬فدنا منه ووضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة‬
‫الثوم‪ ،‬فقال الملك في نفسه ما أرى فالنا اال صدق‪ ،‬قال وكان الملك ال يكتب بخطه‬
‫اال بجائزة أو صلة‪ ،‬فكتب الرجل كتابا بخطه الى عامل من عماله كتب فيه‪ ،‬إذا اتاك‬
‫حامل الرسالة هذه فاذبحه واسلكه واحش جلده تبنا وابعث به الَّي ‪ ،‬فأخذ الرجل‬
‫الكتاب وخرج وهو ال يدري ما الذي كتب في الكتاب فلقيه الرجل الذي سعى به‬
‫واطعمه الثوم‪ ،‬فقال ماهذا الكتاب‪ ،‬قال خَّطا الملك لي صلًة ‪ ،‬فقال الحاسد هبه لي‬
‫فقال له‪ :‬هو لك‪ ،‬فأخذه ومضى به الى العامل‪ ،‬وقال العامل له‪ :‬أتدري ماذا في‬
‫الكتاب؟ قال‪ :‬هبه لي‪ .‬قال في الكتاب اني اذبحك وأسلخك‪ ،‬فقال ان الكتاب ليس‬
‫لي‪ ،‬بل هو لفالن أعطاه اياه وانا اخذته منه‪ ،‬فاهلل هللا في امري حتى تراجع‬
‫الملك‪.‬قال العامل‪ :‬ليس لكتاب الملك مراجعة‪ .‬فذبحه وسلخه ومأل جلده تبنًا وبعث‬
‫به الى الملك‪.‬ثم عاد الرجل كعادته الى الملك وقال مثل قوله‪ :‬أحسن الى‬
‫المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته‪ ،‬فعجب الملك وقال‪ :‬مافعل‬
‫الكتاب؟ قال‪ :‬لقيني فالن فاستوهبه مني فوهبته‪.‬قال له الملك‪ :‬إنه ذكر لي انك‬
‫تزعم أني صاحب رائحة كريهة قال‪ :‬ما قلت ذلك‪.‬قال له الملك‪ :‬اذا لماذا وضعت‬
‫يدك على فيك حين دنوت مني‪.‬قال‪ :‬النه اطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت ان‬
‫تشمه‪.‬قال‪ :‬صدقت‪.‬ارجع الى مكانك‪ ،‬فقد كفا المسئ إساءته (وال يحيق المكر‬
‫السئ اال بأهله) فاطر‪.‬‬

‫‪ -2‬ما رواه النسائي وابن ماجة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل‬
‫فقال لم أر كاليوم وال جلد مخبأة‪ ،‬فما لبث أن لبط به فأتي به رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم فقيل له‪ :‬أدرك سهال صريعا فقال‪ :‬من تتهمون؟ قالوا عامر بن ربيعة‪،‬‬
‫فقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬عالم يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من‬
‫أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة) ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه‬
‫ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخله إزاره وأمره أن يصب عليه وفي لفظ يكفأ اإلناء‬
‫من خلفه‪.‬‬

‫‪ -3‬كان هناك رجل وكان له جار لديه ماال كثيرا فحسده على ما وهبه هللا من ذلك‬
‫المال‪ ،‬ففكر كيف يزول هذا المال؟؟ فذهب إلى رجل حاسد صاحب عين فطلب‬
‫منه رؤية مال جاره ليتسبب في زواله‪ ،‬فقال له انظر إلى مال جاري هذا يمْال هذه‬
‫األودية‪ ،‬ولحسن الحظ كان بصره ضعيف‪ ،‬فقال الرجل العائن لذلك الرجل أولك من‬
‫قوة النظر ما ترى به هذه األنعام في هذه األودية؟؟ فأصيب بالعمى‪.‬‬
‫قيل‪( :‬هلل در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله)‬

‫العنصر السادس‪ :‬عالج الحسد‪ -:‬ذكر اإلمام ابن ابن القيم ‪ -‬رحمه هللا تعالى في‬
‫عالج الحسد أمور منها‪:‬‬
‫‪ -1‬التعوذ باهلل من شره‪ ،‬والتحصن به واللجوء إليه‪ -:‬ولَّم ا كان الحسد سلوًكا‪ ،‬له‬
‫آثاُر ه الضاَّرة على المؤمن‪ ،‬فقد أَم َر الحُّق عباَد ه أن يعوذوا به من شِّر هذه اآلفة‬
‫القاتلة؛ قال تعالى‪ُ ﴿ :‬ق ْل َأُع وُذ ِبَرِّب الَف َلِق * ِم ن َش ِّر َم ا َخ َلَق * َو ِم ن َش ِّر َغ اِس ٍق ِإَذا‬
‫َو َقَب * َو ِم ن َش ِّر الَّنَّف اَثاِت ِفي الُع َقِد * َو ِم ن َش ِّر َح اِسٍد ِإَذا َحَس َد ﴾ [الفلق‪.]5 - 1 :‬‬
‫‪ -2‬تقوى هللا تعالى‪ ،‬وحفظه عند أمره ونهيه فمن أتقى هللا تعالى توَّلى هللا عز‬
‫وجل حفظه‪ ،‬ولم يِكْله إلى غيره‪.‬‬

‫‪ -3‬الصبر على عدوه‪ ،‬وأال يقاتله وال يشكوه‪ ،‬وال يحّد ث نفسه بأذاه أصاًل فما ُنِص َر‬
‫على حاسده وعُد ِّوه بمثل الصبر عليه قال الشاعر‪:‬‬
‫اصبر على حسد‬
‫الحسود‬
‫فإن صبرك قاتله‬
‫فالنار تأكل بعضها‬
‫إن لم تجد ما تأكله‬

‫‪ -4‬التوكل على هللا‪ -:‬فمن توكل على هللا فهو حسُبه‪ ،‬والتوُّكل من أقوى األسباب‬
‫التي يدفع بها العبد ما ال ُيطيق من أذى الخلق وظلمهم وُع دوانهم‪.‬‬

‫والرضا بقضاء هللا وقدره خيره وشره وحلوه وُم ّره‪ ،‬على النفس أو على غيرها‪.‬‬

‫قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬م ا َأَص اَب ِم ن ُّمِص يَبٍة ِإاَّل ِبِإْذِن الَّلِه َوَم ن ُيْؤِم ن ِبالَّلِه َيْه ِد َقْلَبُه َو الَّلُه‬
‫ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم ﴾ [التغابن‪.]11‬‬

‫وهو من أقوى األسباب في ذلك‪ ،‬فإن هللا تعالى حسُبُه ‪ ،‬أي كافيه‪ ،‬ومن كان هللا‬
‫عز وجل كافيه وواقيه فال مطمع فيه لعدّوه‪.‬‬
‫‪ -5‬فراُغ القلب من االشتغال به والفكر فيه‪ ،‬وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر‬
‫له‪ .‬فال يلتفت إليه‪ ،‬وال يخافه‪ ،‬وال يمُأل قلبُه بالفكر فيه‪ .‬وهذا من أنفع األدوية‪،‬‬
‫وأقوى األسباب المعينة على اندفاع شره‪.‬‬

‫‪ -6‬تجريد التوبة إلى هللا تعالى من الذنوب التي َس َّلَطْت عليه أعداءه‪.‬فإن هللا تعالى‬
‫يقول‪َ ﴿ :‬وَم ا َأَصاَبُك ْم ِم ْن ُم ِص يَبٍة َفِبَم ا َكَس َبْت َأْي ِد يُك ْم ﴾ [الشوري‪.]30 :‬‬

‫‪ -7‬الصدقة واإلحساُن ما أمكنه‪ ،‬فإن لذلك تأثيًر ا عجيبًـا في دفع البالء‪ ،‬ودفع العين‪،‬‬
‫وشر الحاسد‪ ،‬ولو لم يكن في هذا إال بتجارب األمم قديمًـا وحديثًـا لُكفي به‪.‬‬

‫فما َح َر َس العبُد نعمة هللا عليه بمثل ُش كرها‪ ،‬وال عَّرضها للَّزوال بمثل العمل فيها‬
‫بمعاصي هللا تعالى‪ ،‬وهو ُكفراُن النعمة‪ ،‬وهو باٌب إلى كفران الُم ْن ِع ِم ‪.‬‬

‫‪ -8‬وهو من أصعب األسباب على النفس‪ ،‬وأشقها عليها‪ ،‬وال ُيوَّفق له إال من عُظم‬
‫حُّظُه من هللا تعالى‪ ،‬وهو إطفاُء نار الحاسد والباغي والمؤذي باإلحسان إليه‪،‬‬
‫فكلما ازداد أذى وشًر ا وبغيًـا وحسًد ا ازدْد ت إليه إحسانًـا‪ ،‬وله نصيحة‪ ،‬وعليه‬
‫شفقًة ‪.‬‬

‫يقول هللا تعالى ﴿ َو ال َتْس َت ِوي اْلَحَس َن ُة َو ال الَّس ِّيَئ ُة اْد َف ْع ِباَّلِتي ِه َي َأْح َس ُن َفِإَذا‬
‫اَّلِذ ي َبْيَنَك َوَبْيَنُه َع َد اَوٌة َكَأَّنُه َوِلٌّي َح ِم يٌم * َوَم ا ُيَلَّق اَه ا ِإاَّل اَّلِذ يَن َص َبُر وا َوَم ا ُيَلَّق اَه ا ِإَّال‬
‫ُذ و َح ٍّظ َع ِظ يٍم * َو ِإَّم ا َيْنَز َغ َّنَك ِم َن الَّش ْي َطاِن َنْز ٌغ َفاْس َت ِعْذ ِبالَّلِه ِإَّنُه ُهَو الَّس ِم يُع‬
‫اْلَع ِليُم ) ﴾ [فصلت‪.]36 - 34‬‬

‫‪ -9‬وهو الجامع لذلك كله‪ ،‬وعليه مداُر هذه األسباب‪ ،‬وهو تجريُد التوحيد‪ ،‬والَّتَرُّح ُل‬
‫بالفكر في األسباب إلى المسبب العزيز الحكيم‪ ،‬والعلُم بأن هذه اآلالت بمنزلة‬
‫حركات الرياح‪ ،‬وهي بيد ُم حركها‪ ،‬وفاطرها وبارئها‪ ،‬وال تضُّر وال تنفُع إال بإذنه‪ ،‬فهو‬
‫الذي ُيحسُن عبُد ُه بها‪ ،‬وهو الذي يصرفها عنه وحدُه ال أحد سواه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ َو ِإْن َيْمَس ْس َك الَّلُه ِبُض ٍّر َف ال َكاِش َف َلُه ِإَّال ُهَو َو ِإْن ُيِرْدَك ِبَخ ْي ٍر َف ال َر اَّد ِلَف ْضِلِه ﴾‬
‫[يونس ‪ .]107‬انتهي كالم ابن القيم‪.‬‬

‫‪ -10‬إخفاء بعض النعم التي تخاف عليها من الحسد قال هللا تعالى عن سيدنا‬
‫يعقوب عليه السالم‪َ ﴿ :‬يا َبِنَّي َال َتْد ُخ ُلوْا ِم ن َباٍب َو اِحٍد َو اْدُخ ُلوْا ِم ْن َأْبَو اٍب ُّم َت َف ِّرَقٍة َوَم ا‬
‫ُأْغ ِني َع نُكم ِّم َن الّلِه ِم ن َش ْي ٍء ِإِن اْلُح ْك ُم ِإَّال ِلّلِه َع َلْي ِه َتَو َّكْلُت َو َع َلْي ِه َفْلَيَتَو َّكِل‬
‫اْلُم َتَو ِّكُلوَن ﴾ [يوسف‪.]67‬‬

‫وروى الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب اإليمان عن معاذ بن جبل بلفظ قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها‪ ،‬فإن‬
‫كل ذي نعمة محسود)‪( .‬صححه األلباني في السلسلة وصحيح الجامع)‪.‬‬
‫و أخيرا إذا ابتليت بنظرة حاسد فعليك بالعالج بالرقية الشرعية وإياك واللجوء إلى‬
‫الكهنة والعرافين والدجالين( كاإلعتقاد في الخرز األزرق‪ ،‬أو تعليق التمائم‬
‫الشركية‪ ،‬أو تعليق األحذية في السيارة أو البيت بزعم دفع الحسد‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫األمور‪ ،‬واجعل ناصيتك بيد هللا ورجائك في الشفاء من ربك دون سواه وعليك بما‬
‫ورد في شرعه واألخذ باألسباب بمراجعة الرقى الشرعية المأخوذه من كتاب هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم المختصرة في بعض الكتب المتخصصة‬
‫في هذا المجال‪.‬‬

‫بعض الرقى الشرعية‪-:‬‬


‫وأخرج اإلمام أحمد والترمذي وصححه‪ ،‬عن أسماء بنت عميس أنها قالت‪ :‬يا رسول‬
‫هللا‪ ،‬إن بني جعفر تصيبهم العين‪ ،‬أفنسترقي لهم؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلو كان شيء‬
‫سابق القدر لسبقته العين‪ .‬وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪.‬‬

‫♦ تقرأ الفاتحة وتنفث في يديك وتمسح بها ما استطعت من جسدك‪.‬‬


‫♦ تقرأ المعوذات (اإلخالص‪ ،‬الفلق‪ ،‬الناس) وتنفث في يديك وتمسح بها ما‬
‫استطعت من جسدك‪.‬‬
‫♦ تقرأ آية الكرسي وبخاصة في الصباح وعند النوم لتتحصن بها من الشيطان‪.‬‬
‫♦ وهناك آيات كثيرة يجب اإلطالع عليها من خالل الكتب المتخصصة في الرقى من‬
‫كتاب هللا تعالى‪.‬‬

‫أما سنة نبينا النبي صلى هللا عليه وسلم فمنها قوله‪( :‬ال رقية إال من عين أو‬
‫حمة) وقد كان جبريل يرقي النبي صلى هللا عليه وسلم فيقول‪( :‬باسم هللا أرقيك‬
‫من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد‪ ،‬هللا يشفيك‪ ،‬باسم هللا‬
‫أرقيك)‪ - .‬رقية جبريل للنبي صلى هللا عليه وسلم (بسم هللا أرقيك من كل داء‬
‫يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد هللا يشفيك‪ ،‬باسم هللا أرقيك وهللا يشفيك)‬
‫مسلم‪.‬‬

‫♦ تعويذ الرسول صلى هللا عليه وسلم للحسن والحسين بقوله (أعيذ كما بكلمات‬
‫هللا التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين المة)البخاري‪.‬‬

‫♦ وورد أمره لعثمان بن أبي العاص رضي هللا عنه عندما شكى له وجعا يجده في‬
‫جسده منذ أسلم فقال لهصلى هللا عليه وسلم‪( :‬ضع يدك على الذي يألم من‬
‫جسدك وقل‪( :‬بسم هللا ثالث مرات)‪( :‬أعوذ بعزة هللا وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)‬
‫أخرجه مسلم‪.‬‬

‫♦ للمريض أن يقرأ على نفسه الفاتحة وقل هو هللا أحد والمعوذتين وينفث في يده‬
‫ويمسح بها وجهه وما استطاع من جسده‪ .‬الوقاية من الحسد قبل وقوعه‪-:‬‬
‫♦ التحصن باألذكار (الفاتحة ‪ -‬آية الكرسي ‪ -‬المعوذات وبعض األذكار الواردة خالل‬
‫اليوم من سنة المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫♦ ورد عن المصطفى صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ( :‬من رأى شيئا فأعجبه فقال‬
‫ما شاء هللا ال قوة إال باهلل لم يضره )‪.‬‬

‫♦ ستر محاسن من يخشى عليه العين‪.‬‬

‫♦ وللوقاية من حسد الجن وعورات بني آدم فقد روي عن انس ان النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم قال (ستر مابين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم‬
‫إذا أراد أن يطرح ثيابه‪ ( :‬باسم هللا الذي ال إله إال هو) رواه ابن السني‪.‬‬

‫♦ و قال صلى هللا عليه وسلم‪( :‬ستر مابين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل‬
‫أحدهم الخالء أن يقول باسم هللا) رواه أحمد‬

‫الخاتمة‪-:‬‬
‫أيها المسلمون‪ -:‬علينا أن يقوي إيمانه باهلل تعالى وقضائه وقدره‪ ،‬ويرضى بما قسم‬
‫هللا له‪ ،‬ويكثر من الطاعات والقربات‪ .‬ويلجأ إلى هللا تعالى بالدعاء والتضرع بين‬
‫يديه؛ ليزيل عنه هذا الداء‪.‬‬

‫وعلينا أيضًا‪ :‬أن يفكر في نتائج الحسد وعواقبه الوخيمة؛ فاإلنسان العاقل ال يقدم‬
‫على ما يجلب له التعب والضرر‪.‬‬

‫وعلىنا أن ينظر بعين التأمل إلى ما أعطاه هللا تعالى من النعم؛ فإنه لو نظر جيدًا‬
‫سيجد أن لديه نعمًا كثيرة قد ال توجد عند غيره‪ .‬فقد يحسد فقير غنيًا وال يدري‬
‫ذلك الفقير أنه أحسن منه صحة وأتم عافية وهدوء بال‪.‬‬

‫وقد يحسد إنسان ليست له وظيفة مرموقة أو مسؤولية عالية من نالها في‬
‫المجتمع‪ ،‬وال يعرف ذلك الحاسد أنه في أمن واطمئنان وسرور وانشراح صدر أفضل‬
‫من ذلك المسؤول أو الموظف الكبير‪ .‬فيا عباد هللا‪ ،‬من أراد سالمة الدين‪ ،‬وصحة‬
‫البدن‪ ،‬والنجاح في الحياة فال يسلك مسلك الحسد‪ ،‬وليرحم نفسه؛ فإن الحاسد‬
‫مصاب ال يجد أحدًا يرحمه‪ .‬وليكن حال اإلنسان كما قال الشاعر‪-:‬‬
‫وإني امرؤ ال أحسد الناس‬
‫نعمة‬
‫إذا نالها قبلي من الناس نائُل‬
‫أأحسد فضل اهلل أْن ناله امرؤ‬
‫سواي وعندي لإلله فضائل‬

‫نسأل هللا تعالى أن يقينا شر األشرار‪ ،‬وكيد الفجار‪ ،‬وشر طوارق الليل والنهار‪،‬‬
‫ونعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك‪.‬‬
https://www.alukah.net/sharia/0/93764/#ixzz6FrzvoK7S :‫رابط الموضوع‬

You might also like