You are on page 1of 3

‫فضل صلة األرحام‬

‫دعت آيات القرآن الكريم ‪ ،‬وأحاديث النبي صلى هللا عليه وسلم إلى صلة الرحم ‪ ،‬ورغبت‬
‫فيها أعظم‪ ‬الترغيب ‪ ،‬وكان الترغيب دينيا ً ودنيويا ً ‪ ،‬وال شك أن‪ ‬المجتمع الذي يحرص‬
‫أفراده على التواصل والتراحم يكون حصنا ً‪ ‬منيعا ً ‪ ،‬وقلعـة صامدة ‪ ،‬وينشأ عن ذلك أسر‬
‫متماسكة ‪ ،‬وبناء اجتماعي متين‪ ‬يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمينـ والدعـاة‬
‫والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم ‪ ،‬وإلى الناس‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫معنى الرحم وصلة الرحم ‪:‬‬
‫قال الراغب األصفهاني ‪ ( :‬الرحم ‪ :‬رحـم المرأة ‪ ..‬ومنه استعير الرحم‪ ‬للقـرابة لكونهم‬
‫خارجين من رحم واحدة ) ‪.‬‬
‫والمراد بالرحم ‪ :‬األقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية األب واألم ‪ .‬ومعنى صلة‬
‫الرحم ‪ :‬اإلحسان إلى األقارب في القول والفعل ‪ ،‬ويدخل في ذلك زيارتهم ‪ ،‬وتفقد‬
‫أحوالهم ‪ ،‬والسؤال عنهم ‪ ،‬ومساعدة المحتاج منهم ‪ ،‬والسعي في مصالحهم ‪.‬‬
‫فضل صلة األرحام ‪:‬‬
‫‪ -1‬صلة الرحم من اإليمان ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫[ من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخـر فليـكرم ضيفه ‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‬
‫فليصل رحمه ‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيراً أو ليصمت ] رواه البخاري‪.‬‬
‫أمور ثالثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي ‪ :‬إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة‬
‫الطيبة‪ .‬وقد ربط الرسول صلى هللا عليه وسلم هذه األمور باإليمان فالذي يؤمن باهلل واليوم‬
‫اآلخر ال يقطع رحمه ‪ ،‬وصلة الرحم عالمة على اإليمان ‪.‬‬
‫‪ -2‬صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر ‪:‬‬
‫كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ‪ ،‬ويؤخر لهم في آجالهم ألن حب التملك وحب‬
‫البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس اإلنسان ‪ ،‬فمن‪ ‬أراد ذلك‪ ‬فعليه بصلة أرحامه ‪.‬‬
‫عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫[ من أحب أن يبسط له في رزقه ‪ ،‬وينسأ له في أثره ‪ ،‬فليصل رحمه ] ‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫عن علي رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ [:‬من سره أن يمد له في‬
‫عمره ‪ ،‬ويوسع له في رزقه ‪ ،‬ويدفع عنه ميتة السوء ‪ ،‬فليتق هللا وليصل رحمه ] ‪ .‬رواه‬
‫البزار والحاكم‪.‬‬
‫‪ -3‬صلة الرحم سبب لصلة هللا تعالى وإكرامه ‪:‬‬
‫عن عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ [:‬الرحم متعلقة‬
‫بالعرش تقول ‪ :‬من وصلني وصله هللا ‪ ،‬ومن قطعني قطعه هللا ] ‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وقد استجاب هللا الكريم سبحانه ‪ ،‬لها فمن وصل أرحامه وصله هللا بالخيرواإلحسان‪ ‬ومن‬
‫قطع رحمه تعرض إلى قطع هللا إياه ‪ ،‬وإنه ألمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات‬
‫واألرض عب ًدا ضعيفا ً فقيراً ‪.‬‬
‫‪ -4‬صلة الرحم من أسباب دخول الجنة ‪:‬‬
‫فعن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ [ :‬يأيها الناس أفشوا السالم أطعموا الطعام وصلوا‬
‫األرحام وصلوا بالليل والناس نيام ‪ ،‬تدخلوا الجنة بسالم ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك ‪:‬‬
‫المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل ‪ ،‬ألنه يـكافئ الزيارة‪ ‬بمثـلها ‪ ،‬وكذلك‬
‫إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن ‪ ،‬أو قضى له حاجه فر ّد له ذلك‪ ‬يمثله لم يكن واصالً‬
‫بل هو مكافئ ‪ ،‬فالواصل حقا ً هو الذي يصل من يقطعه ‪ ،‬ويزور من يجفوه ويحسن إلى من‬
‫أساء إليه من هؤالء األقارب ‪.‬‬
‫عن عبدهللا بن عمرو رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ [ :‬ليس الواصل‬
‫بالمكافئ ‪ ،‬ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ]‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رجالً قال ‪ :‬يا رسـول هللا إن لي قرابة أصلهـم‬
‫ويقطعونني ‪ ،‬وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ‪ ،‬وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إن كنت كما قلت فكأنما ُتسِ فهّم ال َم ّل وال يزال معك من هللا ظهير عليهم ما دمت‬
‫على ذلك ] ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وال َملّ‪ :‬الرماد الحار ‪ ،‬قال النووي ‪ :‬يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ‪ ،‬وهو تشبيه لما‬
‫يلحقهم من اإلثم بما يلحق آكل الرماد الحار من األلم ‪ ،‬وال شيء على هذا‪ ‬المحسن إليهم‬
‫لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال األذى عليه ‪.‬‬
‫ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون اإلحسان باإلساءة‬
‫ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤالء هم الخاسرون ‪.‬‬
‫قطع األرحام‬
‫إن اإلساءة إلى األرحام ‪ ،‬أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين‬
‫قطعوا ما أمر هللا به أن يوصل بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب‪ .‬وإن اإلنسان‬
‫منا ليسؤوه أشد اإلساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة ألقرب األرحام الذين‬
‫فُطر اإلنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ‪ ،‬حتى أصبح من األمور المعتادة أن نسمع أن‬
‫أحد الوالدين‪ ‬أضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ‪،‬‬
‫هذا الذي كان سبب وجوده ‪.‬‬
‫وال يفعل مثل هذا الجرم إال اإلنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه‬
‫بالمسؤولية ‪.‬‬
‫قاطع الرحم ملعون في كتاب هللا ‪:‬‬
‫قال هللا تعالى‪ ( :‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في األرض وتقطعوا أرحامكم ‪ .‬أولئك‬
‫الذين لعنهم هللا فأصمهم وأعمى أبصارهم ) ‪ .‬سورة محمد‪. 33-32:‬‬
‫قال على بن الحسين لولده ‪ :‬يا بني ال تصحبن قاطع رحم‪ ‬فإني وجدته ملعونا ً في كتاب هللا‬
‫في ثالثة مواطن ‪:‬‬
‫قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين ‪:‬‬
‫قال هللا تعالى‪ ( :‬وما يضل به إال الفاسقين ‪ .‬الذين ينقضون عهد هللا من بعد ميثاقه‬
‫ويقطعون ما أمر هللا به أن يوصل ويفسدون في األرض أولئك هم الخاسرون ) البقرة‪:‬ـ‪-26‬‬
‫‪.27‬‬
‫فقد جعل هللا من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين‪ ‬قطع ما أمر هللا به أن يوصل ومن ذلك‬
‫صلة األرحام ‪.‬‬
‫قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ‪:‬‬
‫ولعذاب األخرة أشد وأبقى ‪:‬‬
‫عن أبي بكر رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ [ :‬ما من ذنب أجدر‬
‫أن‪ ‬يعجل هللا لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في اآلخرة من البغي وقطيعة الرحم‬
‫] ‪ .‬رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه ‪.‬‬
‫وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ‪ ،‬فقاطع الرحم غالبا ً ما يكون تعبا ً قلقا ً على الحياة ‪ ،‬ال‬
‫يبارك له في رزقه ‪ ،‬منبوذاً بين الناس ال يستقر له وضع وال يهدأ له بال‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ [ :‬إن هللا تعالى‬
‫خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت ‪ :‬هذا مقام العائذ بك من القطيعة ‪ :‬قال‬
‫نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت ‪ :‬بلى قال ‪ :‬فذلك لك ] ‪.‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫وما أسوأ حال من يقطع هللا ‪ ..‬ومن قطعه هللا فمن ذا الذي يصله‬

You might also like