Professional Documents
Culture Documents
مقدمة:
بات موضوع الجهوية المتقدمة يستقطب اهتماما متزايدا من لدن مكونات المجتمع المغربي ،وذلك
ألهميته حيت ان موضوع الجهوية ليس وليد اللحظة بل هو نتاج مسلسل االصالح الذي تبناه المغرب مند
فجر االستقالل كسياسة لترسيخ الديمقراطية والحكامة الجيدة والنهوض بالمجال وتنميته.
ان مشروع الجهوية المتقدمة جاء امتثاال لإلرادة الملكية السامية وااللتزام الحر السيادي للدولة
المغربية ،وذلك بغية االرتقاء من جهوية ناشئة الى جهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي Kتنموي ،فقد كانت
دعوة صاحب الجاللة للجنة االستشارية للجهوية ،دعوة صريحة إليجاد نموذج مغربي-مغربي للجهوية
يكون نابعا من خصوصيات المغرب.
والغاية من مشروع الجهوية ليست سوى تمكين المواطنين في تدبير امورهم Kبأنفسهم ،انطالقا من
الموارد Kوالصالحيات المتوفرة لتحقيق التنمية المجالية ،ولكن ليس في انفصال عن الدولة او عن السلطة
المركزية ،فالجهوية بالمغرب ال تعني االنفصال او الخروج عن سيادة الدولة بل توجها حاسما لتطورK
وتحديث هياكل الدولة ،والنهوض بالتنمية المندمجة كما يمكن ان تكون مدخال لإلصالح عميق لهياكل
الدولة من خالل السير على درب الديمقراطية ،والمقاربة التشاركية والتنمية االجتماعية والتحديث
السياسي Kواالداري.
ولمعالجتنا Kلهذا الموضوع اقتضينا Kاالعتماد على المنهج التاريخي Kلرصد التطورات التاريخية التي
شهدتها Kالجهوية في المطلب االول ،تم التطرق الى امكانيات والمعيقات التي تحول دون تحقيق تنمية
جهوية شاملة في المطلب الثاني.
كما جاء مخطط مسار التنمية 1992-1988ليترجم هذا التوجه حيت ورد في رسالة ملكية موجهة
للوزير Kاالول في موضوع التنمية االقتصادية واالجتماعية «ان اإلطار ألعام للعمل التنموي للبالد ينبغي
التخطيط Kله على مستوى Kالجهة باعتبارها الخلية التي تتناسب مع المغرب وما يشتمل عليه من تنوع
واختالف Kسواء على المستوى Kالجغرافي او الديمغرافيK.
و من المبادئ التي رعيت في هذا المخطط مواصلة تعزيز الجهوية و تأسيسه على قاعدة واسعة
للتشاور Kو المشاركة من اجل تحقيق تنمية متوازنة ،تم جاء التعديل الدستوري Kلسنة 1992ليرتقي بالجهة
لمستوى Kجماعة ترابية الى جانب العماالت و االقاليم و الجماعات الحضرية و القروية ،فكان ذلك
االرتقاء حلقة اساسية للتطور االداري بالمغرب ،و بعد ان راكم المغرب التجارب في الديمقراطية المحلية
و الالمركزية ،صدر Kالقانون المتعلق بتنظيم الجهات لسنة 1997و الذي ابدى وضعا جديدا للجهة ،كان
من المأمول ان يمكن السكان من التداول في اطارها بكيفية ديمقراطية من خالل منتخبيهم Kفي الجماعات
المحلية ،و الهيئات االجتماعية المهنية ،بخصوص مطامح مشاريع Kجهتهم و اعطاء دينامية للتنمية الجهوية
المندمجة.
تأكدت الرغبة في هدا االختيار بمبادرة ملكية سامية بدكري المسيرة الخضراء بتاريخ 6يونيوK
2008حيت اعتبر ارساء ورش الجهوية قرارا يفتح صفحة جديدة في االصالحات الشاملة و المتواصلة
بالمملكة و تأكيده بمناسبة تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية بتاريخ 3يناير 2010ان الجهوية مشروعK
مؤسساتي و ديمقراطي و نمط جديد للحكامة الترابية في اطار الدولة الموحدة ينبني على مبداي التوازن و
التضامن حيت صرح جاللته " الجهوية الموسعة ليست مجرد اجراء تقني و اداري بل توجها حاسما
لتطوير Kو تحديت هياكل الدولة و النهوض بالتنمية المندمجة " ،اتضحت معالم هدا االختيار في خطاب
17يونيو 2011 Kحول مشروع Kالدستور Kالذي اعتبر المغرب الموحد للجهات مغربا يقوم على الالمركزية
واسعة ذات جوهر ديمقراطي في خدمة التنمية المندمجة البشرية و المستدامة ،ذلك في نطاق وحدة التراب
و مبادئ التوازن و التضامن الوطني و الجهوي.
وتحددت معالم الجهوية مع دستور 2011 Kالذي كرس لها كمقاربة استراتيجية في سياسة اعداد
التراب الوطني وتطوير الالمركزية ،فقد جاء في الفصل االول من الدستور الجديد والمخصصة لثوابت
المملكة ان تنظيم التراب تنظيم المركزي يقوم على الجهوية المتقدمة ،كما خصص الباب التاسع منه
للجهات والجماعات الترابية االخرى وأكد فيه على اتنا عشر فصال مرتكزات التنظيم الترابي الجهوي،
والمبادئ Kالمؤطرة له من متل التدبير Kالحر والتضامن ومشاركة السكان في تسيير شؤونهم Kوكذا تقاسم
االختصاصات بين الدولة والمجالس الجهوية
كما بوء للجهة و تحت اشراف رئيس مجلسها مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات االخرى كما ورد
في الفصل 143و غير ذلك من مقتضيات الفصول الدستورية الممتدة من 135الى ,145مما يجعل من
دستور 2011 Kبحق نقلة نوعية و تتويجا Kلهذا المسار الطويل للجهوية و نضجا كبيرا لتعاطي الدولة لمفهوم
الجهات ،و ارتقاء حقيقيا للجهوية ببالدنا ،كما افصحت القوانين التنظيمية عن مضامين الجهوية و موقعها
في التنظيم الالمركزي ، Kعبر التنصيص على مجموعة من المبادئ االساسية و ترجمتها الى احكام و
مقتضيات منها االشارة على صدارة الجهة و التموقع Kالمؤسساتي Kالمتميز لها داخل التنظيم Kالالمركزي و
توسيع االختصاصات الموكلة للجهات السيما المتعلقة بإعداد تصاميم للتنمية الجهوية ،و التصميم Kالجهوي
،و التنصيص على مبدأ التفريع ،و مبدأ التدبير الحر .
يمكن اعتبار الجهوية المتقدمة كتحديث في بنية هياكل الدولة واالدارة فهي تعيد النظر في
عالقات السلطات المركزية بالمنتخبين ،سعيا نحو انتقال من عالقات السلطة العمومية المقترنة بالوصاية
والرقابة الى عالقات التشاور Kوالتدبير التشاركي Kوالتعاون دون االخالل باالختصاصات Kالتي تعود حكرا
للدولة التي تمكنها من ضمان سيادة القانون واسبقية السياسات الوطنية على المحلية.
ادن يمكن القول ان الجهوية تتوخى Kفي اهم ابعادها واهدافها ترسيخ الحكامة الترابية المحلية
وتقرير Kسياسة القرب من المواطن ،وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة ،وهي مختلف االمكانات واالليات
التي من خاللها يمكن للمنتخبين المحليين ترشيد وعقلنة تدبيرهم للشأن المحلي ،بهدف تحقيق اقصىK
النتائج من خالل التركيز Kعلى مبادئ الشفافية والنجاعة والمأسسة والمسؤولية.
ان تكريس الجهوية المتقدمة يتطلب من الدولة منح الجهات مزيدا من الحرية واالستقالل االداري
والمالي ،وتعزيز Kمواردها المالية والبشرية ،والتخفيف من حدة الرقابة وتعويضها بنظام المواكبة االدارية،
ونظام Kالرقابة القضائية والمالية البعدية.
وردت التنمية في الدستور Kالحالي دستور 2011في الفصول التالية 136و 139و 142و 143و
145و ،146وإن دل هذا التكريس على شيء ،فإنما يدل على توجيه دعوة قوية وصريحة للجماعات
الترابية لالنخراط الكامل والقوي ،من أجل االنكباب على وضع مخططات للتنمية الجهوية والمحلية
كأولوية في جميع المجاالت بما يضمن تنمية متوازنة وشاملة لكل الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات
الترابية ،كي تتحول إلى ورش كبير ومفتوح قاعدته األساسية تحقيق التنمية .وبالنظر للدور Kالمحوري
لالستثمار Kكقاطرة للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،ولرفع العراقيل Kاإلدارية والتنظيمية ،التي ظلت عالمة
سوداء في التصنيفات الدولية لفرص االستثمار Kبالمغرب ووضع تحفيزات جبائيه مشجعة ،تم إحداث
مراكز جهوية لالستثمار بعد الرسالة الموجهة إلى الوزير Kاألول بتاريخ 09يناير 2002في موضوعK
التدبير االمتمركز لالستثمارK.
تم أناط المشرع للجهة تدبيرها Kلشؤونها Kوتنفيذها لسياستها العمومية بنفسها في إطار من االستقاللية
وفي Kإطار الضوابط القانونية المعمول بها ،عن طريق Kالوكاالت الجهوية لتنفيذ المشاريع وشركات التنمية
الجهوية.
ادى هذا الرهان على البعد الجهوي في إطار سياسة عمومية واضحة تهدف إلى مشاركة الفاعلين
الجهويين في اتخاذ القرار وتكريس Kإدارة القرب ،وذلك عبر تأسيس لالمركزية جهوية غايتها استغال أمثل
إلمكانيات الجهوية في سبيل تحقيق تنمية متكاملة ،إلى ظهور Kمجموعة من المعوقات تتمثل في ضعفK
الموارد Kالمالية الن الحجم اإلجمالي للموارد المالية المخصصة للجهات يبقى محدودا وضعيفا جدا ،حيث
ال يمكن الجهات من تغطية جميع اختصاصاتها Kوممارسة مسؤولياتها الواسعة ،خصوصا مع تنامي
الحاجيات وتطور Kالوظائف Kاالقتصادية لهذه الهيئات وعلى هذا األساس ،يرى عدد كبير من المهتمين
والمختصين Kفي قضايا Kالجهوية والالمركزية ،في ظل عدم توفر الجهات على الموارد المالية الكافية لتنفيذ
مشاريع Kالتنمية الجهوية المسطرة ،ال يمكن لهذا المشروع Kأن ينجح ويحقق األهداف المرسومة له.
يعد إشكال النخب السياسية من أبرز اإلشكاالت والتحديات الجوهرية التي تواجه تفعيل مشروع
الجهوية المتقدمة في المغرب فحسب ،بل العالم المعاصر Kأيضا وسرعة التحوالت االقتصادية واالجتماعية
حيث ظل واقع هذا المجال ،بمختلف محدداته ومكوناته وعناصره وظواهره واقعا Kمشوها ،ينخره الفساد
وتعتمل فيه الممارسات والمسلكيات التقليدية ،كتلك المتعلقة بطرق وأساليب إنتاج النخب السياسية ،التي
ظلت ترتبط عبر التاريخ وحتى اآلن ،بالمال والنسب و والقبلية والزبونية والمحسوبية والمحاباة وكذلك
شأن سيادة والوساطات ،وهو ما يحرم المجتمع خيرة أطره ونخبه التي يمكنها أن تؤدي دورا محوريا Kفي
اإلصالح والنهوض.
خاتمة:
أمام التحوالت الكبرى االقتصادية والسياسية واالجتماعية التي ميزت السنوات األخيرة ،وأمام
حجم التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها المغرب ،وجدت الدولة نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة
جهودها Kفي مجال التنمية وتطوير التجهيزات األساسية ،بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة
وهي تشجيع وتقوية اإلدارة المحلية بشقيها المعينة في إطار االلتمركز والمنتخبة في إطار الالمركزية،
فلتحقيق التنمية الشمولية المستدامة والمنشودة أصبحت المراهنة أكثر من أي وقت مضى على المستوى
الترابي ،أو ما يسمى بالمقاربة الترابية في التنمية ،بعد أن أثبتت المقاربة المركزية فشلها وعدم قدرتها
على تحقيق متطلبات التنمية الحقيقية.