You are on page 1of 5

‫موضوع الجهوية المتقدمة بالمغرب‬

‫من اعداد‪ :‬عبد اللطيف ند الحاج‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫بات موضوع الجهوية المتقدمة يستقطب اهتماما متزايدا من لدن مكونات المجتمع المغربي‪ ،‬وذلك‬
‫ألهميته حيت ان موضوع الجهوية ليس وليد اللحظة بل هو نتاج مسلسل االصالح الذي تبناه المغرب مند‬
‫فجر االستقالل كسياسة لترسيخ الديمقراطية والحكامة الجيدة والنهوض بالمجال وتنميته‪.‬‬

‫ان مشروع الجهوية المتقدمة جاء امتثاال لإلرادة الملكية السامية وااللتزام الحر السيادي للدولة‬
‫المغربية‪ ،‬وذلك بغية االرتقاء من جهوية ناشئة الى جهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي‪ K‬تنموي‪ ،‬فقد كانت‬
‫دعوة صاحب الجاللة للجنة االستشارية للجهوية‪ ،‬دعوة صريحة إليجاد نموذج مغربي‪-‬مغربي للجهوية‬
‫يكون نابعا من خصوصيات المغرب‪.‬‬

‫والغاية من مشروع الجهوية ليست سوى تمكين المواطنين في تدبير امورهم‪ K‬بأنفسهم‪ ،‬انطالقا من‬
‫الموارد‪ K‬والصالحيات المتوفرة لتحقيق التنمية المجالية‪ ،‬ولكن ليس في انفصال عن الدولة او عن السلطة‬
‫المركزية‪ ،‬فالجهوية بالمغرب ال تعني االنفصال او الخروج عن سيادة الدولة بل توجها حاسما لتطور‪K‬‬
‫وتحديث هياكل الدولة‪ ،‬والنهوض بالتنمية المندمجة كما يمكن ان تكون مدخال لإلصالح عميق لهياكل‬
‫الدولة من خالل السير على درب الديمقراطية‪ ،‬والمقاربة التشاركية والتنمية االجتماعية والتحديث‬
‫السياسي‪ K‬واالداري‪.‬‬

‫ولمعالجتنا‪ K‬لهذا الموضوع اقتضينا‪ K‬االعتماد على المنهج التاريخي‪ K‬لرصد التطورات التاريخية التي‬
‫شهدتها‪ K‬الجهوية في المطلب االول‪ ،‬تم التطرق الى امكانيات والمعيقات التي تحول دون تحقيق تنمية‬
‫جهوية شاملة في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬التطورات التاريخية للجهوية بالمغرب‬


‫الفرع االول‪ :‬السياق التاريخي للجهوية بالمغرب‬
‫أظهرت الدولة المغربية الحديثة اهتمامها الكبير بمجالها الجهوي خاصة باستفحال التفاوتات‬
‫الجهوية‪ ،‬وعجز اإلطار االقليمي‪ K‬عن مواجهتها بسبب محدوديته في النهوض بالتنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية والقضاء على مختلف االختالالت وال توازنات التي تعرفها‪ K‬جهات المملكة‪ ،‬وقد بدأ تدعيم‬
‫االختيار‪ K‬للجهوي كأساس لتنظيم الترابي يبرز بشكل الفت خالل عدة محطات مند ازيد من ‪ 30‬سنة في‬
‫‪ 16‬يونيو‪ .1971 K‬حيت صدر الظهير المتعلق بإحداث الجهات االقتصادية والذي اسس للتنمية الوطنية‬
‫الجهوية‪ ،‬وقد‪ K‬جاء في الخطاب الملكي بتاريخ ‪ 24‬اكتوبر ‪ 1984‬اثناء ترأس جاللة الملك الحسن الثاني‬
‫الجتماع المجلس االستشاري‪ K‬الجهوي للمنطقة الوسطى الشمالية‪ ،‬تأكيده على ضرورة اقامة هياكل جهوية‬
‫ذات اختصاصات تشريعية ومالية وادارية‪ .‬ومحاولة نقلها من اطارها الالتمركزي الى معطى جديد يغلب‬
‫عليه الطابع الالمركزي‪K.‬‬

‫كما جاء مخطط مسار التنمية ‪ 1992-1988‬ليترجم هذا التوجه حيت ورد في رسالة ملكية موجهة‬
‫للوزير‪ K‬االول في موضوع التنمية االقتصادية واالجتماعية «ان اإلطار ألعام للعمل التنموي للبالد ينبغي‬
‫التخطيط‪ K‬له على مستوى‪ K‬الجهة باعتبارها الخلية التي تتناسب مع المغرب وما يشتمل عليه من تنوع‬
‫واختالف‪ K‬سواء على المستوى‪ K‬الجغرافي او الديمغرافي‪K.‬‬

‫و من المبادئ التي رعيت في هذا المخطط مواصلة تعزيز الجهوية و تأسيسه على قاعدة واسعة‬
‫للتشاور‪ K‬و المشاركة من اجل تحقيق تنمية متوازنة‪ ،‬تم جاء التعديل الدستوري‪ K‬لسنة ‪ 1992‬ليرتقي بالجهة‬
‫لمستوى‪ K‬جماعة ترابية الى‪  ‬جانب العماالت و االقاليم و الجماعات الحضرية و القروية‪  ،‬فكان ذلك‬
‫االرتقاء حلقة اساسية للتطور االداري بالمغرب‪ ،‬و بعد ان راكم المغرب التجارب في الديمقراطية المحلية‬
‫و الالمركزية ‪ ،‬صدر‪ K‬القانون المتعلق بتنظيم الجهات لسنة ‪ 1997‬و الذي ابدى وضعا جديدا للجهة‪ ،‬كان‬
‫من المأمول ان يمكن السكان من التداول في اطارها بكيفية ديمقراطية من خالل منتخبيهم‪ K‬في الجماعات‬
‫المحلية‪ ،‬و الهيئات االجتماعية المهنية‪ ،‬بخصوص مطامح مشاريع‪ K‬جهتهم و اعطاء دينامية للتنمية الجهوية‬
‫المندمجة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مراحل دسترة الجهوية المتقدمة‬

‫تأكدت الرغبة في هدا االختيار بمبادرة ملكية سامية بدكري المسيرة الخضراء بتاريخ ‪ 6‬يونيو‪K‬‬
‫‪ 2008‬حيت اعتبر ارساء ورش الجهوية قرارا يفتح صفحة جديدة في االصالحات الشاملة و المتواصلة‬
‫بالمملكة و تأكيده بمناسبة تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية بتاريخ ‪ 3‬يناير ‪ 2010‬ان الجهوية مشروع‪K‬‬
‫مؤسساتي و ديمقراطي و نمط جديد للحكامة الترابية في اطار الدولة الموحدة ينبني على مبداي التوازن و‬
‫التضامن حيت صرح جاللته " الجهوية الموسعة ليست مجرد اجراء تقني و اداري بل توجها حاسما‬
‫لتطوير‪ K‬و تحديت هياكل الدولة و النهوض بالتنمية المندمجة‪  " ،‬اتضحت معالم هدا االختيار في خطاب‬
‫‪ 17‬يونيو‪ 2011  K‬حول مشروع‪ K‬الدستور‪ K‬الذي اعتبر المغرب الموحد للجهات مغربا يقوم على الالمركزية‬
‫واسعة ذات جوهر ديمقراطي في خدمة التنمية المندمجة البشرية و المستدامة‪ ،‬ذلك في نطاق وحدة التراب‬
‫و مبادئ التوازن و التضامن الوطني و الجهوي‪.‬‬

‫وتحددت معالم الجهوية مع دستور‪ 2011 K‬الذي كرس لها كمقاربة استراتيجية في سياسة اعداد‬
‫التراب الوطني وتطوير الالمركزية‪ ،‬فقد جاء في الفصل االول من الدستور الجديد والمخصصة لثوابت‬
‫المملكة ان تنظيم التراب تنظيم المركزي يقوم على الجهوية المتقدمة‪ ،‬كما خصص الباب التاسع منه‬
‫للجهات والجماعات الترابية االخرى وأكد فيه على اتنا عشر فصال مرتكزات التنظيم الترابي الجهوي‪،‬‬
‫والمبادئ‪ K‬المؤطرة له من متل التدبير‪ K‬الحر والتضامن ومشاركة السكان في تسيير شؤونهم‪ K‬وكذا تقاسم‬
‫االختصاصات بين الدولة والمجالس الجهوية‬

‫كما بوء للجهة و تحت اشراف رئيس مجلسها مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات االخرى كما ورد‬
‫في الفصل ‪ 143‬و غير ذلك من مقتضيات الفصول الدستورية الممتدة من ‪ 135‬الى ‪ ,145‬مما يجعل من‬
‫دستور‪ 2011 K‬بحق نقلة نوعية و تتويجا‪ K‬لهذا المسار الطويل للجهوية و نضجا كبيرا لتعاطي الدولة لمفهوم‬
‫الجهات ‪ ،‬و ارتقاء حقيقيا للجهوية ببالدنا‪ ،‬كما افصحت القوانين التنظيمية عن مضامين الجهوية و موقعها‬
‫في التنظيم الالمركزي‪ ، K‬عبر التنصيص على مجموعة من المبادئ االساسية و ترجمتها الى احكام و‬
‫مقتضيات منها االشارة على صدارة الجهة و التموقع‪ K‬المؤسساتي‪ K‬المتميز لها داخل التنظيم‪ K‬الالمركزي و‬
‫توسيع االختصاصات الموكلة للجهات السيما المتعلقة بإعداد تصاميم للتنمية الجهوية ‪ ،‬و التصميم‪ K‬الجهوي‬
‫‪ ،‬و التنصيص على مبدأ التفريع‪ ،‬و مبدأ التدبير الحر ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اهداف و معيقات التنمية الجهوية بالمغرب‬


‫الفرع االول‪ :‬لماذا الجهوية المتقدمة‬

‫يمكن اعتبار الجهوية المتقدمة كتحديث في بنية هياكل الدولة واالدارة فهي تعيد النظر في‬
‫عالقات السلطات المركزية بالمنتخبين‪ ،‬سعيا نحو انتقال من عالقات السلطة العمومية المقترنة بالوصاية‬
‫والرقابة الى عالقات التشاور‪ K‬والتدبير التشاركي‪ K‬والتعاون دون االخالل باالختصاصات‪ K‬التي تعود حكرا‬
‫للدولة التي تمكنها من ضمان سيادة القانون واسبقية السياسات الوطنية على المحلية‪.‬‬

‫ادن يمكن القول ان الجهوية تتوخى‪ K‬في اهم ابعادها واهدافها ترسيخ الحكامة الترابية المحلية‬
‫وتقرير‪ K‬سياسة القرب من المواطن‪ ،‬وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة‪ ،‬وهي مختلف االمكانات واالليات‬
‫التي من خاللها يمكن للمنتخبين المحليين ترشيد وعقلنة تدبيرهم للشأن المحلي‪ ،‬بهدف تحقيق اقصى‪K‬‬
‫النتائج من خالل التركيز‪ K‬على مبادئ الشفافية والنجاعة والمأسسة والمسؤولية‪.‬‬

‫ان تكريس الجهوية المتقدمة يتطلب من الدولة منح الجهات مزيدا من الحرية واالستقالل االداري‬
‫والمالي‪ ،‬وتعزيز‪ K‬مواردها المالية والبشرية‪ ،‬والتخفيف من حدة الرقابة وتعويضها بنظام المواكبة االدارية‪،‬‬
‫ونظام‪ K‬الرقابة القضائية والمالية البعدية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬امكانيات ومعيقات التنمية الجهوية‬


‫لقد أعطيت صالحيات هامة وواسعة للجماعات الترابية بدءا بالجهة مرورا بمجالس العماالت‬
‫واألقاليم وصوال إلى الجماعات الترابية‪ ،‬فيما يخص برامج التنمية‪ ،‬إذ حظي موضوعها بأولوية قصوى‬
‫وذلك بتكريس تلك األولوية على عدة مستويات من النصوص القانونية‪ :‬الدستور‪ K‬والقوانين التنظيمية‪.‬‬

‫وردت التنمية في الدستور‪ K‬الحالي دستور ‪ 2011‬في الفصول التالية ‪ 136‬و‪ 139‬و‪ 142‬و‪ 143‬و‬
‫‪ 145‬و‪ ،146‬وإن دل هذا التكريس على شيء‪ ،‬فإنما يدل على توجيه دعوة قوية وصريحة للجماعات‬
‫الترابية لالنخراط الكامل والقوي‪ ،‬من أجل االنكباب على وضع مخططات للتنمية الجهوية والمحلية‬
‫كأولوية في جميع المجاالت بما يضمن تنمية متوازنة وشاملة لكل الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬كي تتحول إلى ورش كبير ومفتوح قاعدته األساسية تحقيق التنمية‪ .‬وبالنظر للدور‪ K‬المحوري‬
‫لالستثمار‪ K‬كقاطرة للتنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ولرفع العراقيل‪ K‬اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬التي ظلت عالمة‬
‫سوداء في التصنيفات الدولية لفرص االستثمار‪ K‬بالمغرب ووضع تحفيزات جبائيه مشجعة‪ ،‬تم إحداث‬
‫مراكز جهوية لالستثمار بعد الرسالة الموجهة إلى الوزير‪ K‬األول بتاريخ ‪ 09‬يناير ‪ 2002‬في موضوع‪K‬‬
‫التدبير االمتمركز لالستثمار‪K.‬‬

‫تم أناط المشرع للجهة تدبيرها‪ K‬لشؤونها‪ K‬وتنفيذها لسياستها العمومية بنفسها في إطار من االستقاللية‬
‫وفي‪ K‬إطار الضوابط القانونية المعمول بها‪ ،‬عن طريق‪ K‬الوكاالت الجهوية لتنفيذ المشاريع وشركات التنمية‬
‫الجهوية‪.‬‬
‫ادى هذا الرهان على البعد الجهوي في إطار سياسة عمومية واضحة تهدف إلى مشاركة الفاعلين‬
‫الجهويين في اتخاذ القرار وتكريس‪ K‬إدارة القرب‪ ،‬وذلك عبر تأسيس لالمركزية جهوية غايتها استغال أمثل‬
‫إلمكانيات الجهوية في سبيل تحقيق تنمية متكاملة‪ ،‬إلى ظهور‪ K‬مجموعة من المعوقات تتمثل في ضعف‪K‬‬
‫الموارد‪ K‬المالية الن الحجم اإلجمالي للموارد المالية المخصصة للجهات يبقى محدودا وضعيفا جدا‪ ،‬حيث‬
‫ال يمكن الجهات من تغطية جميع اختصاصاتها‪ K‬وممارسة مسؤولياتها الواسعة‪ ،‬خصوصا مع تنامي‬
‫الحاجيات وتطور‪ K‬الوظائف‪ K‬االقتصادية لهذه الهيئات وعلى هذا األساس‪ ،‬يرى عدد كبير من المهتمين‬
‫والمختصين‪ K‬في قضايا‪ K‬الجهوية والالمركزية‪ ،‬في ظل عدم توفر الجهات على الموارد المالية الكافية لتنفيذ‬
‫مشاريع‪ K‬التنمية الجهوية المسطرة‪ ،‬ال يمكن لهذا المشروع‪ K‬أن ينجح ويحقق األهداف المرسومة له‪.‬‬

‫يعد إشكال النخب السياسية من أبرز اإلشكاالت والتحديات الجوهرية التي تواجه تفعيل مشروع‬
‫الجهوية المتقدمة في المغرب فحسب‪ ،‬بل العالم المعاصر‪ K‬أيضا وسرعة التحوالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫حيث ظل واقع هذا المجال‪ ،‬بمختلف محدداته ومكوناته وعناصره وظواهره واقعا‪ K‬مشوها‪ ،‬ينخره الفساد‬
‫وتعتمل فيه الممارسات والمسلكيات التقليدية‪ ،‬كتلك المتعلقة بطرق وأساليب إنتاج النخب السياسية‪ ،‬التي‬
‫ظلت ترتبط عبر التاريخ وحتى اآلن‪ ،‬بالمال والنسب و والقبلية والزبونية والمحسوبية والمحاباة وكذلك‬
‫شأن سيادة والوساطات‪ ،‬وهو ما يحرم المجتمع خيرة أطره ونخبه التي يمكنها أن تؤدي دورا محوريا‪ K‬في‬
‫اإلصالح والنهوض‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫أمام التحوالت الكبرى االقتصادية والسياسية واالجتماعية التي ميزت السنوات األخيرة‪ ،‬وأمام‬
‫حجم التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها المغرب‪ ،‬وجدت الدولة نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة‬
‫جهودها‪ K‬في مجال التنمية وتطوير التجهيزات األساسية‪ ،‬بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة‬
‫وهي تشجيع وتقوية اإلدارة المحلية بشقيها المعينة في إطار االلتمركز والمنتخبة في إطار الالمركزية‪،‬‬
‫فلتحقيق التنمية الشمولية المستدامة والمنشودة أصبحت المراهنة أكثر من أي وقت مضى على المستوى‬
‫الترابي‪ ،‬أو ما يسمى بالمقاربة الترابية في التنمية‪ ،‬بعد أن أثبتت المقاربة المركزية فشلها وعدم قدرتها‬
‫على تحقيق متطلبات التنمية الحقيقية‪.‬‬

You might also like