Professional Documents
Culture Documents
المسئولية التي ألقيتها على عاتقي ،وأني لم اقدم عليها إلا خدمة للتاريخ ،وغيرة
على لغة هي أحق بنقله إليها من سواها وهي المرة الأولى التي برز فيها هذا
أنقل عنها هذا الإنجيل إنما هي نسخة إيطالية في مكتبة بلاط ” فيينا ” وهي
تعد من أنفس الذخائر والآثار التاريخية فيها ،تقع في مائتين وخمس وعشرين
جلدان لونهما داكن ضارب إلى الصفرة النحاسية ،ويحيط بهما على
الحواف الأربع خطان مذهبان ،وفي مـركـز الجلد نقش بارز عط ُل من
يسميها الغربيون بالطراز العربي ،ويستدلون من مجمل التجليد المنوه عنه انه
طراز شرقي .إلا أن البعض يذهب إلى أن التجليد المذكور برمته قد يكون
النسخة المذكورة التي كانت ملكا له على ما سيجيء بيانه ،فقد يكونان
جلّداها تقليدا للطراز العربي ،ومما حملهم على هذا الظن هو أن المحفظة
الخارجية للنسخة المذكورة هي صنع المجلدين الباريسيين بلا مـراء .إلا أن
الدولة العثمانية والبندقية ورد ذكرها في مـراسلات يرجع عهدها إلى أصيل
كما يستدل على ذلك من آثار كـتابه باللغة التركية الشائعة في ذلك الزمن
هي من الورق المسمي بالتركي ،إلا انه ليس فيها شيء يؤيد هذا الزعم فان
جميعها من الورق المعروف بالورق القطني .وهي متينة النسيج خشنته ،
وهنالك حجة قوية تفند مـزاعم القائلين بالأصل التركي ،وهي أن الآثار المائية
في الورق ،وهي التي تبدو لك متى استشففته ،لم تشاهد في نوع من أنواع
الورق الشرقي قط ،وهي في الصحائف المنوه عنها علي شكل مـرساة سفينة
تحيط بها دائرة ،وهي علامة مميزة لنوع الورق الإيطالي علي ما قال به بعض
بعد ذلك بأربع سنين إلى الأمير يويجين دو سافوا الذي كان على كثرة
التاريخية ،وبعد وفاة الأمير المذكور سنة 1738م انتقلت هذه النسخة مع
سائر مكتبتة إلى مكتبة البلاط الملكي في ” فيينا ” حيث لا تزال هناك إلى
الآن.
وقد وجد في أوائل القرن الثامن عشر نسخة أخرى أسبانية تقع في مائتين
واثنين وعشرين فصلا وأربع مائة وعشرين صفحة ،وكان الدكتور ” هلم ”
سايل ،ثم آلت بعد ذلك إلى الدكتور ” منكهوس ” أحد أعضاء كلية
سنة 1784م إلى الدكتور ” هوايت ” .الذي أشار إليها في إحدى محاضراته
،حيث استشهد ببعض الشذرات منها ،ولما طالعت هذه الشذرات وقابلتها
عن تلك ولم أر بينهما فرقا يستحق الذكـر إلا في أمـرين :فالنسخة الإيطالية
تقول( :أنه لما جاء ” يهوذا ” الخائن مع الجنود الرومان ليسلمهم ” يسوع ”
كان ” يسوع ” يصلي في البستان بجانب الغرفة التي كان تلاميذه نياما
فيها ،فلما أحس بالجنود خاف فلما رأى الله الخطر المحدق به أرسل
ملائكته الأربعة فأخذوه من النافذة إلى السماء الثالثة ،فلما دخل يهوذا
الخائن الغرفة غير الله منظره وصوته ،فصار شبيه ” يسوع ” تماما ،فلما
تنطبق حرفيا على الإيطالية ،إلا أن الأولى تزيد ” إلا بطرس ” أي أنها
” يسوع ” كما ذكـر فيها أن اسم أحد هؤلاءالملائكة “عـزرائيل “ ،بينما ذكر
في الإيطالية ” أنه أوريل “ .وهناك بعض اختلافات أخرى طفيفة اضربنا
عن ذكـرها .وقد ذكـر ” سايل ” في تعليقه على النسخة الأسبانية انه
فيها مكتشف النسخة الإيطالية – وهو راهب يسمي ” فرا مارينو ” – كيفية
عثوره عليها ،ومن جملة ما قال بهذا الصدد أنه عثر على رسائل ”لإرينايوس
ارينايوس ” اسند تنديده هذا إلى إنجيل القديس ” برنابا “ ،فاصبح من
ذلك الحين الراهب مارينو شديد الشغف بالعثور على هذا الإنجيل .واتفق
أنه اصبح حينا من الدهر مقربا من البابا ” اسكتس
الخامس “ ،فحدث يوما
انهما دخال معا مكتبة البابا ،فران السكرى علي أجفان
قداسته ،فاحب ” مرينو
” أن يقتل الوقت بالمطالعة إلى أن يفيق البابا ،فكان
الكتاب األول الذي وضع
يده عليه هو هذا اإلنجيل نفسه ،فكاد أن يطير فرحاً من
هذا االكتشاف ،فخبأ هذه
الذخيرة الثمينة في أحد ردنيه ،ولبث إلى أن استفاق البابا
فاستأذنه باالنصراف
حامال ذلك الكنز معه ،فلما خال بنفسه ،طالعه بشوق
عظيم ،فاعتنق على أثر ذلك الدين
اإلسالمي.
هذه
هي رواية الراهب ” فرامرينو ” علي ما هو مدون في
مقدمة النسخة
األسبانية ،كما رواها المستشرق ” سايل “ ،في مقدمة له
لترجمة القرآن،
وهي مع ما تقدم اإللماع إليه من خطب األستاذ ” هوايت
“ ،المصدر الوحيد
الذي لنا اآلن بخصوص النسخة األسبانية التي لم اعثر
علي كيفية فقدانها ،سوي انه
عهد بترجمتها إلى الدكتور ” منكهوش ” فدفعها إلى
الدكتور ” هوايت
” ثم طمس بعد ذلك خبرها وامحي أثرها(.)4
وهنا
يعرض للبيب سؤال وهو:
هل
النسخة اإليطالية الحاضرة هي التي اختلسها الراهب
مرينو من مكتبة البابا اسكتس
الخامس؟ أم هي نسخة أخرى سواها؟
وال
يمكن ترجيح ذلك إال بعد تعيين الزمن الذي كتبت فيه،
وإ ذا تحريت التاريخ وجدت أن
زمن البابا اسكتس الخامس – المذكور – نحو مغيب
القرن السادس عشر ،وقد علمت مما مر
بك بيانه أن نوع الورق التي سطرت علية النسخة
اإليطالية إنما هو ورق إيطالي يمكن
تعيين اصله من اآلثار المائية فيه ،والتي يمكن اتخاذها
دليال صادقا على تاريخ
النسخة اإليطالية ،والتاريخ الذي يخمنه العلماء من كل
ما تقدم بيانه يتراوح بين
منتصف القرن الخامس عشر والسادس عشر ،وعليه
فمن الممكن أن تكون النسخة اإليطالية
هي عينها التي اختلسها ” فرامرينو ” من مكتبة البابا
علي ما مرت اإلشارة
إليه.
ولما
شاع خبر إنجيل برنابا في فجر القرن الثامن عشر
احدث دوياً عظيماً في أندية الدين
والعلم وال سيما في إنجلترا ،فكثر بشأنه الجدل،
واحتدمت بين العلماء مناقشات كان
بعضها اقرب إلى التخرصات واألوهام منه إلى المباحث
العلمية ،وأول أمر توجهت إليه
همم الباحثين الخوض في أمر النسخة اإليطالية وفيما إذا
كانت منقولة عن نسخة أخرى
أو هي النسخة األصلية التي كانت عند الراهب ”
فرامرينو ” وادعي اختالسها
من مكتبة البابا ” اسكتس الخامس “ ،ومن الغريب إن
العلماء لم ينتبهوا في
حل هذه القضية إلى ما رأوه مسطوراً علي هوامش
النسخة من األلفاظ والجمل العربية
التي أثبتناها في هذه الترجمة أمانة في النقل ،ولكي
تكون مطابقة لألصل برمته من كل
وجه ،والحق يقال أن اللبيب يحار في أمر هذه الشروح
والهوامش العربية في نسخة
عن لي بشأنها
إيطالية ،والبد في هذا الموقف من ذكر ما ّ
بشيء من األسباب ألن كل
الثقات الذين تؤخذ أقوالهم حجة في الكالم علي النسخة
اإليطالية لم يوفوا هذا
الموضوع حقه بل لم يلموا به اقل إلمام حتى أن
مستشرقا كبيرا كاألستاذ ”
مرجليوث ” لم يذكرها إال علي سبيل العرض ،ولم يقل
بشأنها إال قوال واحدا وهو
أن ” الموتي ظنها صحيحة العبارة محكمة الوضع ،لكن
لم يخف أمرها علي العالم
” دنس ” الذي قال بسقم تركيبها ووفرة أغالطها “.
وأنت
إذا تفقدت هذه الهوامش وأعملت فيها الروية وجدت
بعضها صحيح العبارة محكم الوضع،
لعب فيه قلم الناسخ كل ملعب ،من مسخ وتصحيف،
والبعض اآلخر سقيم التركيب من أصله ال
تكاد تفقه لبعضه معني إال بكد الذهن ،وال تفقه لبعضه
اآلخر معني بالمرة ،وتجد أيضا
أن ما كان ركيك العبارة سقيم التركيب قد جري فيه
الكاتب علي الترجمة الحرفية في
أضيق معانيها وأسخفها ،فوضع المضاف إليه قبل
المضاف .وهو ما ال يفعله كاتب عربي
تحت الشمس ،وليس ذلك فقط في الهوامش التي هي
ترجمة بعض فقرات اإلنجيل إلى العربية،
بل أيضا في الهوامش التي هي من أوضاعه والتي ال
مقابل لها باإليطالية.
000
من ذلك قوله سورة ” عيسي ألم ” أي سورة آالم ”
عيسي “ ،وقوله
” ذكر اديرس قصص ” أي ذكر قصة ” إدريس ” وقوله
” متكبر
كاميل بيان ” أي بيان شر أنواع الكبرياء ،وقوله ” من
أي دين عنده ينبغي
أن يصدق من الخبائس ” إلى أخر ما هنالك من
الطمطمانيات التي هي أقرب إلى
العجمة منها إلى العربية ،فمن كان يحسن إجادة سبك
العبارات علي ما تقدم إيضاحه من
أمثله النوع األول ال يرتكب مثل هذه األغالط الفاضحة
التي يستحيل علي عربي أو
مستشرق ارتكابها.
فإذا
تدبرت ما تقدم هان عليك أن تفقه أن كاتب الهوامش
العربية اكثر من واحد ،فكان
واضعها األصلي صحيح العبارة فصيحها ،فجاء بعده من
نسخها ومسخها وبدل فيها ما شاء
قصور مداركه في اللغة العربية ،فافسد بنسخه كثيرا مما
وضعه الكاتب األول وزاد عليه
من عنده ما تري من التعابير السخيفة واألساليب
الركيكة ،والطمطمانيات التي ال
يستخرج منها معني بالمرة .والذي ارمي إلى االستدالل
عليه من هذا البيان أن النسخة
اإليطالية التي هي اآلن في مكتبة البالط الملكي في ”
فيينا ” إنما هي
مأخوذة بال مراء عن نسخة أخري وبالتالي ال يصح
اعتبارها النسخة األولي األصلية.
إذا
كان األمر كذلك ،فما هو األصل الذي أخذت منه النسخة
إليطالية؟ وهو سؤال صعب ،ولكن
ال يستحيل اإلجابة عليه ،فقد مر بك من الكالم علي
هوامش النسخة المشار إليها ما
يصح االستدالل به علي أن النسخة التي نقلت عنها
ليست بعربية الن من يجيد العربية
إلى حد يتمكن معها من ترجمة هذا اإلنجيل منها إلى لغة
أخري ال يرتكب مثل هذه
األغالط السخيفة التي تراها في الهوامش ،وال يقلب
الكالم إلى حد تقديم المضاف إليه
علي المضاف ،إلى غير ذلك من التعابير التي هي أدل
علي أصل التيني أو إيطالي قديم،
وهو استنتاج ينطبق علي ما قال به الثقات بعد التدقيق
وأمعان النظر في نوع خط
النسخة اإليطالية الموجودة اآلن في مكتبة بالط ” فيينا “،
فقد توصلوا
إلى الجزم بان ناسخها إنما هو من أهالي ” البندقية ”
نسخها في القرن
السادس عشر ،أو أوائل السابع عشر ،وأنه يرجح أنه
أخذها عن نسخة ” توسكانية
“ ،أو عن نسخة بلغة ” البندقية ” تطرقت إليها
اصطالحات ”
توسكانية “ ،وهي أقوال ” لونسدال ولورا راغ ” بعد أن
أخذا في ذلك أراء
أعظم الثقات اإليطاليين الذين يؤخذ قولهم حجة في هذه
المباحث األخصائية.
ويذهب
الكاتبان المذكوران إلى أن النسخ حدث نحو سنة (
1575م) وأن من المحتمل أن يكون ناسخ
هذا اإلنجيل الراهب ” فرامرينو ” الذي ورد ذكره في
مقدمة النسخة
اإليطالية علي ما جاءت اإلشارة إليه ثم يقولون بعد ذلك
ما ترجمته ” وكيف كان
الحال ،فيمكننا الجزم بأن كتاب ” برنابا ” اإليطالي إنما
هو كتاب
إنشائي ،وسواء قام به كاهن أو علماني أو راهب أو أحد
العامة ،فهو بقلم رجل له
إلمام عجيب بالتوراة الالتينية يقرب من إلمام ” دانت “،
وأنه نظير
” دانت ” متضلع علي نوع خاص من ” الزبور “ ،وهو
صنع رجل
معرفته لألسفار المسيحية تفوق كثيرا اطالعه علي
الكتب الدينية اإلسالمية ،فيرجح
إذا أنة مرتد عن النصرانية “.
والباعث
علي المقارنة بين كاتب هذا اإلنجيل والشاعر الشهير ”
دانت ” ما في
كالمهما من المالبسات وما في تعابير النسخة اإليطالية
من الشبه بمؤلفات ”
دانت ” الشعرية التي يصف فيها الجحيم والجنة (في
ملهاته الشعرية المسماة
بالكوميديا اإللهية) ،ففي هذا اإلنجيل أن هناك سبع
دركات للجحيم ،تختلف مراتبها
باختالف الخطايا الكبيرة السبع التي يعذب البشر ألجلها،
وأنه يوجد تسع سموات تأتي
في قمتها الجنة ،فتكون العاشرة .فيستنتج بعضهم من
ذلك أن كاتب هذا اإلنجيل إنما
جاء بعد ” دانت ” واخذ عنه هذه الشروح ،أو أنه كان
معاصرا له .فذكر نظير
” دانت ” ما كان شائعا من اآلراء في عصرهما ،فيكون
إذ ذاك ” برنابا
” هذا قد ظهر في القرن الرابع عشر ،إال أن وصف
الجحيم علي ما حاء به ”
برنابا ” هذا ال ينطبق علي وصف ” دانت ” أو غيره إال
من حيث العدد،
والرأي األصيل أن يكون كالهما قد اخذ عن مصدر
أخر قديم ال يترتب معه أن يكون
الكاتبان متعاصرين ،وذلك المصدر إنما هو ” ميثولوجيا
إلىونان “ ،وقد يعد
ما بين الكاتبان من الشبه والتصورات الشعرية واأللفاظ
الوضعية من قبيل توارد
الخواطر.
ولقد
تبادر إلى ذهن العلماء بادئ ذي بدء أن النسخة اإليطالية
مأخوذة من اصل عربي ،وكان
أول من أشار إلى ذلك ” كريمر ” الذي مر بك ذكره
صدر النسخة
حيث ُّ
اإليطالية التي أهداها إلى ” الدوق سافوي ” ببضعة
اسطر من عنده ،يذكر أن
هذا اإلنجيل ” المحمدي ” مترجم عن العربية أو سواها،
ثم تابعه في ذلك
” الموتي ” حيث يقول ” أراني البارون هو هندرف
الذي يجمع بين شرف
المحتد وسمو اآلداب وسعه االطالع كتاباً يزعم األتراك
أنه للقديس “برنابا
“ ،والظاهر أنة منقول إلى اإليطالية من العربية “،
ويريد بلفظ األتراك
جمهور المسلمين والعرب ،علي ما يزال شائعا من
استعمال غير المدقق من كتاب اإلفرنج
لهذه اللفظة في عصرنا الحاضر.
ثم
أن الدكتور ” هوايت ” الذي مر اإللماع إليه يقول في
سنة 1784م ” أن
األصل العربي ال يزال موجوداً في الشرق “ ،ولكنك إذا
أعملت البصيرة وجدت أن
كالم الدكتور” هوايت ” مبنى على كتابات المستشرق ”
سايل ”
التي نشرها قبل ذلك بنحو نصف قرن من الزمن
وسماها بالمباحث التمهيدية وفيها يقول
في عرض الكالم عن القرآن ” أن عند المسلمين إنجيالً
عربيا ينسبونه إلى القديس
” برنابا ” وفيه يروي تاريخ ” يسوع المسيح ” علي
أسلوب يباين
كل المباينة األناجيل الصحيحة 000ولكنه يعترف بعد
ذلك في عرض المقدمة التي له علي
القرآن ” أني لم أر إنجيل برنابا عندما ألمعت إليه في
المباحث التمهيدية
“ .فقوله السابق إذا مبنى على السماع وهو إنما تابع في
ذلك ” الموتى
” على ما جاءت اإلشارة إليه وقوله هذا أيضا مبنى على
السماع ألنه لم يعثر على
نسخة عربية لإلنجيل المذكور قط.
بيد
أنه البد لي من التصريح بعد كل ما تقدم بيانه أنى أشد
ميال لالعتقاد باألصل العربي
منى بسواه إذ ال يجوز اتخاذ عدم العثور علي ذلك
األصل حجة دامغة علي عدم وجوده،
وإ ال لوجب االعتقاد بأن النسخة اإليطالية هي النسخة
األصلية لهذا اإلنجيل ،فانه لم
يعثر أحد قط علي نسخة أخري سوي النسخة األسبانية
التي مر بيانها ،والتي ورد في
مقدمتها أنها مترجمة عن نسخة إيطالية ،والمطالع
الشرقي يري ألول وهلة أن لكاتب
إنجيل برنابا إلماما بالقرآن حتى أن كثيرا من فقراته يكاد
أن يكون ترجمة حرفية أو
معنوية آليات قرآنية .أقول هذا وأنا عالم أنى في ذلك
مخالف لجل كتاب الغرب الذين
خاضوا عباب هذا الموضوع ،وفي جملتهم ” لونسدال ”
و ” لورا راغ
” اللذان يزعمان أن إلمام كاتب هذا اإلنجيل باإلسالم
قليل ،فكان هذا من جملة
األسباب التي حملتهما علي نفي القول بأصل عربي،
ومن ذلك حديث ” إبراهيم
” مع أبيه ،ومنه ما ينطبق علي سورة 21و ،37وكقوله
عن سبب سقوط ” إبليس ”
انه أبى أن يسجد آلدم علي حد ما جاء في سورة ”
البقرة “ ،وكذلك ما ورد
في سورة الحجر ،ولوال ضيق المقام ألوردت كثيراً من
تلك الفقرات مع ما يقابلها من
آيات القرآن ،وليس ذلك فقط ،بل أن في إنجيل برنابا
كثيرا من األقوال التي تنطبق
على األحاديث النبوية واألساطير العلمية التي لم يكن
يعرفها حينئذ غير العرب ،حتى
انك ال تكاد تجد في هذه األيام – علي كثرة المستشرقين
والمشتغلين باللغة العربية
وتاريخ اإلسالم من الغربين – من يعد عالما بالحديث.
ومن
جملة األسباب التي تحدو بي إلى هذا الزعم أن طراز
تجليد النسخة اإليطالية إنما هو
طراز عربي بال مراء ،علي ما تقدم اإللمام إليه ،والقول
بأنه من صنع الباريسيين
اللذين استقدمها ” الدوق دي سافوي ” تقليدا للطراز
العربي ،ال يتعدى
الحدس والتخمين.
غير
أن القول بأن هذا اإلنجيل عربي األصل ال يترتب عليه
أن يكون كاتبه عربي األصل ،بل
الذي أذهب إليه أن الكاتب يهودي أندلسي اعتنق الدين
اإلسالمي بعد تنصره واطالعه
على أناجيل النصارى ،وعندي أن هذا الحل هو اقرب
إلى الصواب من غيره،ألنك إذا أعملت
النظر في هذا اإلنجيل وجدت لكاتبه إلماما عجيباً بأسفار
العهد القديم ”
التوارة ” ال تكاد تجد له مثيال بين طوائف النصارى إال
في أفراد قليلين من
األخصائيين الذين جعلوا حياتهم وقفاً على الدين
كالمفسرين ،حتى انه ليندر أن يكون
بين هؤالء أيضا من له إلمام بالتوراة يقرب من إلمام
كاتب إنجيل برنابا ،والمعروف
أن كثيرين من يهود األندلس كانوا يتضلعون في
العربية ،ولقد نبغ بينهم من كان له في
األدب والشعر القدح المعلى ،فيكون مثلهم في االطالع
على القرآن واألحاديث النبوية
مثل العرب أنفسهم.
ومما
يؤيد هذا المذهب ما ورد في هذا اإلنجيل عن وجوب
الختان ،والكالم الجارح الذي جاء
فيه من أن الكالب أفضل من الغلف ،فان مثل هذا القول
ال يصدر عن نصراني أصيل ،وأنت
إذا تفقدت تاريخ العرب بعد فتح األندلس وجدت انهم لم
يتعرضوا بادئ ذي بدء ألديان
اآلخرين في شيء عي اإلطالق ،فكان ذلك من جملة
البواعث التي حدت بأهل األندلس إلى
الرضوخ لسطوة المسلمين وسيطرتهم ،وثابروا على هذه
الخطة في جميع األمور الدينية إال
في شئ واحد وهو الختان إذ جاء زمن أكرهوا فيه
األهالي عليه وأصدروا أمرا يقضى على
النصارى باتباع سنة الختان على حد ما كان يجرى عليه
المسلمون واليهود ،فكان هذا من
جملة البواعث التي دعت النصارى إلى االنتقاض
عليهم .أما يهود األندلس فانهم كانوا
يدخلون في اإلسالم أفواجا وليس ذلك فقط بل كانت لهم
يد كبيرة في إدخال المسلمين
أسبانيا ورسوخ قدمهم فيها في ذلك العهد الطويل.
ومما
يعزز هذا الرأي أيضا أن هذا اإلنجيل يتضمن كثيراً من
التقاليد التلمودية التي
يتعذر على غير يهودي معرفتها ،وفيه أيضا شئ من
معاني األحاديث واألقاصيص اإلسالمية
الشائعة على ألسنة العامة ،وال سند لها من كتب الدين،
وال يتأتى ألحد االطالع على
مثل هذه الروايات إال إذا كان في بيئة عربية ،فالرأي
الذي اذهب إليه من أن الكاتب
األصلي هو يهودي أندلسي اعتنق اإلسالم يعلل جميع ما
تقدم تعليال واضحا.
إال
أن البعض يذهب إلى أن الوسط الذي ظهر فيه اإلنجيل
إنما هو إيطالي نحو أوائل القرون
الوسطى ،وأن كاتب هذا اإلنجيل إيطالي من ذلك الزمن
بدليل أن مجمل روح اإلنجيل
وعباراته تدل على هذا الوسط ،فقد ذكر في عرض
الكالم عن الحصاد وأناشيد المغنيين ما
يصح أن يكون وصفا حرفيا لما يحدث اآلن في ”
توسكانيا ” و” تينو
” من إيطاليا ،وأن اإلشارة إلى استخراج الحجارة من
المقاطع ونحتها وبناء
البيوت بالحجارة الصلدة اصح على كاتب من أمة خبيرة
بالبناء منه على كاتب من العرب
الذين يقيمون في الخيام ،وقس عليه ما جاء عن حمل
العبد خبزاً لفعلة سيده في الكروم
عن دوس العنب باألقدام في المعاصر إلى آخر ما هناك
من مثل هذه اإلشارات.
والحق
يقال أنى لم أجد في كل ذلك ما هو أدل على وسط
غربي منه على شرقي ،إال ذا كان مراد
الكاتب أن يكون ذلك الوسط الشرقي بالد العرب نفسها،
فإن ما ورد فيه ينطبق انطباقا
تاماً على ما كان جارياً في فلسطين وسوريا فيعهد
المسيح ،وال يزال كذلك لهذا العهد
الحاضر ،فالحصادون والحصادات ينشدون أناشيد يرن
صداها في جوانب السهول وبطون
األودية ،والبناءون يقطعون الحجارة وينحتونها على نحو
ما ذكر ” برنابا
“ ،وال يسكن الخيام إال البدو الرحل الذين ليسوا من أهل
البالد ،ويحمل
الغلمان والقوم الزاد لمن في الكروم أثناء القطاف كما
يحملونه للفعلة أثناء
الحراثة ،ويدوسون العنب بأقدامهم على ما هو معهود
من أمره في فلسطين وسوريا وبالد
الشرق كله ،إال أنه البد لي من اإلقرار بأن هنالك بعضاً
من األدلة يتعذر تطبيقها
على ما كان شائعا في ذلك الزمن في فلسطين ،منها
اإلشارة إلى كيفية تنظيف براميل
النبيذ وجدلها لهذا الغرض ،والمعروف في فلسطين قديما
– وفي يومنا الحاضر – أن
الخمور توضع في جرار كبيرة أو في زقاق ،ومنها
اإلشارة إلى الفرق بين إعدام السارق
شنقا أو إعدام القاتل بقطع الرأس ،وهو مما لم أقف له
على أثر من التاريخ القويم
لفلسطين ،ومهما يكن من األمر فإن األوصاف التي
تنطبق على إيطاليا تنطبق أيضا على
بالد األندلس من كل وجه.
وسواء
كان كاتب اإلنجيل يهودي األصل ،أو نصرانيه ،فمما ال
شبهه فيه أنه كان مسلما ،ومما
يبعث على األسى فقدان النسخة األسبانية التي مر بيانها،
وخصوصا ألن العلماء الذين
وصلت تلك النسخة إلى أيديهم لم يبحثوا فيها بحثا علميا
كما فعلوا في النسخة
اإليطالية ،وخصوصا ألننا ال نعرف شيئا عن مترجمها
“مصطفي العرندي ” الن
ترجمة حياة مسلم نظيره أتقن اللغتين اإليطالية
واألسبانية ،وهما اللغتان اللتان
ظهر بهما إنجيل برنابا إلى الوجود ،ال تخلو من أهمية
وتبصرة.
ولقد
علمت مما مر بك إن الثقات مجمعون على أن إنجيل
برنابا كتب في القرون الوسطى غير أن
هنالك دليال أكيدا يتمكن معه من الجزم بشأن الزمن الذي
كتب فيه ،فقد ورد فيه ما
نصه ” إن سنة ” اليوبيل ” التي تجئ اآلن مرة كل مائة
سنة ،والمعروف
أن ” اليوبيل ” اليهودي لم يحدث إال مرة كل خمسين
سنة ،وليس من ذكر في
التاريخ ل ” يوبيل ” يقع كل مائة سنة إال في الكنيسة
الرومانية وكان أول
من احتفل به البابا بونيفاسيوس الثامن سنة 1300م،
وقال بلزوم تكراره في كل فجر قرن
جديد ،ولكن ” اليوبيل ” األول في السنة المذكورة كان
باهراً جداً ،ودر
على الخزينة البابوية خيرا كثيرا ،فلهذا وإ جابة لرغائب
الشعب رأى أكليمنضوس السادس
تقصير المدة فجعله مرة كل خمسين سنة فوقع اليوبيل
الثاني سنة 1350ثم أمر البابا
” اربانوس السادس ” في سنة 1398أن يحتفل به مرة
كل ثالث وثالثين سنه
تذكارا لعمر ” المسيح ” ثم جعله البابا ” بولس الثاني ”
كل
خمس وعشرين سنة مرة ،فترى مما تقدم أن الزمن
الوحيد الذي يمكن فيه لكاتب أن يتكلم
عن ” يوبيل ” يقع مرة كل مائة سنة هو النصف األول
في القرن الربع عشر،
ويترتب على هذا أن يكون الكاتب معاصرا للشاعر ”
دانت ” الشهير على ما مر
اإللماع إليه في محله ،غير أنك إذا أعملت النظر فيما
كان عليه الكاتب من سعة االطالع
على أسفار العهد القديم ” التوراة ” تعذر عليك أن تفقه
كيف يقع مثله في
غلط ال يخفي على البسطاء ،ولعل الصواب أن هنالك
خطأ في النسخ أسقط الناسخ فيه بعض
حروف من كلمة خمسين اإليطالية فصارت تقرأ مائة،
الن في رسم الكلمتين ما يسهل
الوقوع في مثل هذا الخطأ.
بيد
أن هناك إنجيالً يسمي اإلنجيل ” االغنسطي ” طمست
رسومه وعفت آثاره،
يبتدئ بمقدمة تندد بالقديس ” بولس ” وينتهي بخاتمة فيها
مثل ذلك
التنديد ،ويذكر أن والدة ” المسيح ” أتت بدون ألم ،ولما
كان كل ذلك في
إنجيل برنابا فمن المحتمل أن يكون ذلك اإلنجيل ”
االغنسطي ” أباً إلنجيل
برنابا هذا ،وأن أحد معتنقي اإلسالم من اليهود أو
النصارى عثر علي نسخة منه في
اليونانية أو الالتينية في القرن الرابع عشر أو الخامس
عشر فصاغه في القالب الذي
تراه فيه اآلن فخفي بذلك أصله.
ويعتمد
هذا اإلنجيل في إيراد هذه الشواهد علي األسفار
المعهودة للعهد القديم ،فقد استشهد
منها باثنين وعشرين سفرا أخصها الزبور وسفر أشعياء
وأسفار موسى ،وأكثر رواياته
منطبق علي األناجيل األربعة ،وبعضها موافق لها
بالنص خال بعض اختالفات ال يعبأ
بها ،كمحادثة ” المسيح ” المرأة السامرية ،ويتضمن
أيضا جمال واردة في
الرسائل إال أنها قليلة جدا ،وذكر في قصة ” حجي
وهوشع ” أن الناس ال
يصدقونها مع أنها مسطورة في سفر ” دانيال “ ،وال
وجود لها في السفر
المذكور – كما هو في العهد القديم – وجاء في عرض
رواياته له ،كان يوجد كتاب في
مكتبه رئيس الكهنة عن ” إسماعيل ” يذكر فيه أنه هو
ابن الموعد ،ولم أقف
علي ذكر لهذا الكتاب في غير هذا الموضع.
ويباين
هذا اإلنجيل األناجيل األربعة المشهورة في عدة أمور
جوهرية( ،أولها) قوله أن
” يسوع ” أنكر ألوهيته وكونه ابن اهلل ،وذلك علي مرأى
ومسمع من ستمائة
ألف جندي وسكان اليهودية من رجال ونساء وأطفال.
(والثاني) أن االبن الذي عزم
” إبراهيم ” علي تقديمه ذبيحة هلل إنما هو ” إسماعيل ”
ال
” إسحاق “ ،وأن الموعد إنما كان بإسماعيل( .والثالث)
أن ” مسيا
” أو ” المسيح ” المنتظر ليس هو ” يسوع ” بل محمد
باللفظ
الصريح المتكرر في فصول ضافية الذيول وقال أنه
رسول اهلل (000والرابع) أن ”
يسوع ” لم يصلب ،بل حمل إلى السماء ،وأن الذي
صلب إنما كان ” يهوذا
” الخائن الذي شبة به 00
ويباين
األناجيل األصلية أيضا في بعض أساليبه ألنه كثيرا ما
يخوض في المسائل الفلسفية
والمباحث العلمية مما لم يرو قط عن ” المسيح ” الذي
كانت تعاليمه
الباهرة ومباحثه الدينية علي ما هي من التفرد في السمو
عنوان البساطة حتى كان
يفهمها ألول وهله الزارع والصانع والسيد والخادم
والشيخ والفتي دون أدني إجهاد
للذهن.
والفلسفة
التي تتخلل مباحث هذا اإلنجيل إنما هي ضرب من
فلسفة ” أرسطوطاليس ” التي
كانت شائعة في أوائل القرون الوسطي في أوربا ،فكان
ذلك من جملة أدلة بعضهم علي أن
كاتب هذا اإلنجيل رجل نبغ هناك في تلك العصور ،فهو
غربي المحتد ال عربيه ،ولكن
فلسفة ” أرسطوطاليس ” لم تصل إلى الغربيين إال من
العرب ،وخصوصا عرب
األندلس الذين دوخوا أسبانيا وأضاءوا بمشكاة علومهم
تلك األعصر األوروبية التي كان
الجهل مخيما فيها ،ظلمات بعضها فوق بعض ،فإذا صح
اعتبار تلك الفلسفة دليال علي
الكاتب كانت أدل علي أصل عربي منها علي أصل
غربي.
وكيف
كان الحال فيه فالحقيقة التي ال مراء فيها أن كاتب إنجيل
برنابا كان علي جانب كبير
من الفلسفة وسمو المدارك وقوة الحجة ،وشدة العارضة،
وجالء البيان ،وأن مباحثه
الفلسفية في الجسد والحس والنفس من الوجهة الدينية
لمن أسمى ما كتب الباحثون
الدينيون في هذا الموضوع 000
والبد
قبل الختام من اإللماع إلى أنني أليت علي نفسي ترجمة
هذا اإلنجيل بالحرف الواحد،
متوخيا أبسط األلفاظ وأسهل األساليب ،معرضا في ذلك
عن تنميق العبارات وتوشية
الكالم ،مفضال األمانة في الترجمة ،والبساطة في التعبير
علي الفصاحة والبالغة متي
كان فيهما أقل عدول عن األصل فهو مطابق من كل
وجه للترجمة اإلنجليزية المأخوذة من
األصل اإليطالي خال األعداد الموجودة فيه فأني وضعتها
من عندي تسهيال لإلشارة إلى
الكالم عند الحاجة.
وإ ني
أسدي في هذا الموقف أجمل الشكر وأطيب الثناء إلى
حضرة العالم المحقق ”
لونسدال راغ ” نائب مطران الكنيسة اإلنجليزية في ”
فنيس ” وعلي
حضرة العالمة المدققة ” لورا راغ ” عقيلته اللذين أذنا
لي بترجمة هذا
اإلنجيل إلى العربية عن ترجمتها اإلنجليزية التي
إصدارها حديثا مع األصل اإليطالي
فخدما بذلك التاريخ خدمه يذكرها لهما العلم معطرة
الثناء لما عانيا في دقة الترجمة
والمحافظة علي األصل وهو عمل شاق ال يقدره قدره
إال من يقوم بمثله ،وأهدي مثل هذا
الشكر إلى حضرة الفاضل أمين مطبعة ” كالرندن ” في
” أكسفورد ”
التي التزمت طبع هذا اإلنجيل ووضعت بين أيدي القراء
كتاباً نادراً فكان ذلك من أجل
الخدمات العلمية المتعددة التي قامت بها هذه المطبعة
الشهيرة.
وال
أري مندوحة في الختام من التنبيه إلى أني قد التزمت
في هذه المقدمة البحث في هذا
اإلنجيل من الوجهتين التاريخية والعلمية فقط ألني
ترجمته كما جاء في صدر هذه
المقدمة خدمة للتاريخ دون سواه ،ولذلك قد أعرضت كل
األعراض عن المناقشات الدينية
المحضة التي أتركها لمن هم أكثر مني كفاءة.
القاهرة
في 15مارس سنة 1908م.
خليل
سعادة
الفصل الأول
الفصل الثاني
)) إنباء المالك جبريل يوسف بحبل العذراء مريم ((
أما مريم فإذ كانت عالمة مشيئة هللا وموجسة خيفة أن يغضب الشعب
عليها ألنها حبلى ليرجمها كأنها ارتكبت الزنا اتخذت له))ا عش))يرا من
عشيرتها قويم السيرة يدعى يوسف ،ألنه ك))ان ب))ارا متقي))ا هلل يتق))رب
إليه بالصيام والصلوات ويرتزق بعمل يديه ألنه كان نجارا ،هذا ه))و
الرجل الذي كانت تعرفه الع))ذراء واتخذت))ه عش))يرا وكاش))فته باإلله))ام
اإللهي ،ولما كان يوسف بارا عزم إذ رأى م))ريم حبلى على إبعاده))ا
ألنه كان يتقي هللا ،وبينا ه))و ن))ائم إذا بمالك هللا يوبخ))ه ق))ائال :لم))اذا
عزمت على إبعاد امرأتك ،فاعلم أن ما كون فيه))ا إنم))ا ك))وّ ن بمش))يئة
هللا فس))تلد الع))ذراء ابن))ا ،وس))تدعونه) يس))وع ،وتمن))ع عن))ه الخم))ر
والمسكر وكل لحم نجس ،ألنه قدوس هللا من رحم أمه فإن))ه ن))بي من
هللا أرسل إلى شعب إسرائيل ليحول يهوذا إلى قلبه ،ويسلك) إس))رائيل
في شريعة الرب كما هو مكتوب في ناموس موسى ،وس))يجيء بق))وة
عظيم))ة يمنحه))ا ل))ه هللا ،وس))يأتي بآي))ات عظيم))ة تفض))ي إلى خالص
كثيرين .فلما استيقظ يوسف من النوم ش))كر هللا وأق))ام م))ع م))ريم ك))ل
حياته خادما هلل بكل إخالص .
الفصل الثالث
(( والدة المسيح العجيبة وظهور المالئكة ممجدين هلل))
ك))ان ه))يرودس في ذل))ك) ال))وقت ملك))ا على اليهودي))ة ب))أمر قيص))ر
أوغسطس) ،وكان بيالطس حاكما في زمن الرياسة الكهنوتي))ة لحن))ان
وقيافا ،فعمال بأمر قيصر اكتتب جميع العالم ،فذهب إذ ذاك ك))ل إلى
وطنه وقدموا نفوسهم بحس))ب أس))باطهم لكي يكتتب))وا ،فس))افر يوس))ف
من الناصرة إحدى مدن الجليل مع امرأت))ه وهي حبلى ذاهب))ا إلى بيت
لحم (ألنه))ا ك))انت مدينت))ه وه))و من عش))يرة داود) ليكتتب عمال ب))أمر
قيصر ،ولما بلغ بيت لحم لم يجد فيها مأوى إذ كانت المدينة ص))غيرة
وحشد جماهير الغرب))اء كث))يرا ،ف))نزل خ))ارج المدين))ة في ن))زل جع))ل
مأوى للرعاة ،وبينما كان يوسف مقيما هن))اك تمت أي))ام م))ريم لتل))د ،
فأحاط بالعذراء نور شديد الت))ألق) ،وول))دت) ابنه))ا ب))دون ألم ،وأخذت))ه
على ذراعيه))ا ،وبع))د أن ربطت))ه بأقمط))ة وض))عته في الم))ذود ،إذ لم
يوجد موضع في ال))نزل ،فج))اء ج))وق غف))ير من المالئك))ة إلى ال))نزل
بط))رب يس))بحون هللا وي))ذيعون بش))رى الس))الم لخ))ائفي هللا ،وحم))دت
مريم ويوسف هللا على والدة يسوع وقاما على تربيته بأعظم سرور .
الفصل الرابع
(( المالئك))ة تبش))ر الرع))اة ب))والدة يس))وع،وه))ؤالء يبش))رون ب))ه بع))د
رؤيتهم إياه ))
كان الرعاة في ذلك الوقت يحرسون قطيعهم على عادتهم ،وإذا بنور
متألق قد أحاط بهم وخرج من خالله مالك س))بح هللا ،فارت))اع الرع))اة
بس))بب الن))ور الفج))ائي وظه))ور المالك ،فس))كن روعهم مالك ال))رب
قائال :ها آنذا) أبشركم بفرح عظيم ،ألنه قد ولد في مدين))ة داود طف))ل
نبي لل)رب ال))ذي س))يحرز ل)بيت إس))رائيل خالص))ا عظيم))ا ،وتج)دون)
الطفل في المذود مع أمه التي تس))بح هللا ،وإذ) ق))ال ه))ذا حض))ر ج))وق
عظيم من المالئك))ة يس))بحون هللا ،ويبش))رون األخي))ار بس))الم ،ولم))ا
انصرفت المالئكة تكلم الرعاة فيما بينهم قائلين :لنذهب إلى بيت لحم
وننظر الكلمة التي كلمنا بها هللا بواسطة مالكه ،وجاء رعاة كث))يرون
إلى بيت لحم يطلبون الطفل المولود) ح))ديثا ،فوج))دوا الطف))ل المول))ود)
مضطجعا في المذود خارج المدينة حسب كلم))ة المالك ،فس))جدوا ل))ه
وقدموا لألم ما كان معهم وأخبروها بم)ا س)معوا وأبص))روا ،فأس)رّ ت
مريم هذه األمور في قلبها ويوس))ف أيض))ا ش)اكرين هلل ،فع)اد الرع))اة
إلى قطيعهم يقول))ون لك))ل أح))د م))ا أعظم م))ا رأوا ،فارت))اعت جب))ال
اليهودية كلها ،ووضع كل رجل الكلمة في قلبه قائال :ما سيكون هذا
الطفل يا ترى .
الفصل الخامس
(( ختان يسوع ))
فلما تمت األيام الثمانية حسب شريعة الرب كما هو مكتوب في كت))اب
موسى أخذا) الطفل واحتماله إلى الهيكل ليختناه ،فختنا الطفل وس))مياه
يس))وع كم))ا ق))ال المالك قب))ل أن حب))ل ب))ه في ال))رحم ،فعلمت م))ريم
ويوسف أن الطف))ل س))يكون لخالص وهالك كث))يرين ،ل))ذلك اتقي))ا هللا
وحفظا الطفل وربياه على خوف هللا .
الفصل السادس)
)) نجم في المشرق يهدي ثالث))ة من المج))وس إلى اليهودي)ة) ،ف))يرون
يسوع ويسجدون ويقدمون له هدايا ))
لم))ا ول))د يس))وع في زمن ه))يرودس مل))ك اليهودي))ة ك))ان ثالث))ة من
المجوس في أنح))اء المش))رق يرقب))ون نج))وم الس))ماء ،فتب))دى لهم نجم
شديد التألق) فتشاوروا من ثم فيم))ا بينهم وج))اءوا إلى اليهودي)ة) يه))ديهم
النجم الذي يتقدمهم ،فلما بلغوا أورشليم سألوا :أين ولد ملك اليهود .
فلما سمع هيرودس ذلك ارتاع واضطربت المدينة كله))ا فجم))ع من ثم
هيرودس) الكهنة والكتبة قائال :أين يولد) المسيح .فأج))ابوا :إن))ه يول))د
في بيت لحم ألن))ه مكت))وب في الن))بي هك))ذا ( وأنت ي))ا بيت لحم س))ت
ص))غيرة بين رؤس))اء يه))وذا) ألن))ه س))يخرج من))ك م))دبر ي))رعى ش))عبي
إسرائيل ) ،فاستحضر هيرودس) إذ ذاك المجوس) وسألهم عن مج))يئهم
،فأج))ابوا :أنهم رأوا نجم))ا في المش))رق ه))داهم إلى هن))اك ،فل))ذلك
أحبوا أن يق))دموا ه))دايا ويس))جدوا له))ذا المل)ك) الجدي))د ال))ذي تب))دى لهم
نجمه .فقال حينئذ هيرودس :اذهبوا إلى بيت لحم وابحثوا) بتدقيق عن
الصبي ،ومتى وج))دتموه تع))الوا وأخ))بروني ألني أن))ا أيض))ا أري))د أن
أسجد له ،وهو إنما قال ذلك مكرا .
الفصل السابع
)) زيارة المجوس ليسوع وعودتهم إلى وطنهم ،عمال بإن))ذار يس))وع
إياهم في حلم ))
وانص))رف المج))وس من أورش))ليم ،وإذا) ب))النجم ال))ذي ظه))ر لهم في
المشرق يتقدمهم ،فلم))ا رأوا النجم امتألوا س))رورا ،ولم))ا بلغ))وا بيت
لحم وهم خارج المدينة وجدوا) النجم واقفا فوق النزل حيث ولد) يسوع
،فذهب المجوس) إلى هناك ،ولما دخل))وا) الم))نزل وج))دوا) الطف))ل م))ع
أم))ه ،ف))انحنوا وس))جدوا) ل))ه ،وق))دموا ل))ه المج))وس) طيوب))ا م))ع فض))ة
وذهب ،وقصوا على العذراء كل ما رأوا ،وبينما كانوا نياما حذرهم
الطف))ل من ال))ذهاب إلى ه))يرودس ،فانص))رفوا في طري))ق أخ))رى
وعادوا) إلى وطنهم وأخبروا بما رأوا في اليهودية .
الفصل الثامن
((الهرب بالمسيح إلى مصر وقتل هيرودس األطفال ))
فلما رأى هيرودس أن المجوس لم يعودوا) إليه ظن أنهم سخروا منه ،
فعقد النية على قتل الطفل ال))ذي ول))د ،ولكن بينم))ا ك))ان يوس))ف نائم))ا
ظهر له مالك الرب قائال :انهض ع))اجال وخ))ذ الطف))ل وأم))ه واذهب
إلى مصر ألن هيرودس) يريد أن يقتله .فنهض يوسف بخ))وف عظيم
وأخ))ذ م))ريم والطف)ل) وذهب))وا) إلى مص))ر ،ولبث))وا هن))اك ح))تى م))وت
هيرودس) الذي حسب أن المج))وس ق))د س))خروا من))ه ،فأرس))ل جن))وده)
ليقتلوا) كل األطفال المولودين حديثا في بيت لحم ،فجاء الجنود) وقتلوا
ك)ل األطف)ال ال)ذين) ك)انوا هن)اك كم)ا أم)رهم ه)يرودس ،حينئ)ذ تمَّت
كلمات النبي القائل ( نواح وبك))اء في الرام))ة ،راحي))ل تن))دب أبناءه))ا
وليس لها تعزية ألنهم ليسوا) بموجودين) .
الفص))ل التاس))ع(( يس))وع يح))اج العلم))اء بع))د رجوع))ه إلى اليهودي))ة ،
وبلوغه اثني عشر عاما من العمر ))
ولما مات هيرودس ظهر مالك الرب في حلم ليوسف قائال :ع))د إلى
اليهودية ألنه قد مات الذين) كانوا يريدون موت الصبي ،فأخذ يوسف
الطفل ومريم ( وكان الطفل بالغ))ا س))بع س))نين من العم))ر ) وج))اء إلى
اليهودي)))ة حيث س)))مع أن أرخيالوس بن ه)))يرودس ك)))ان حاكم)))ا في
اليهودية ،فذهب إلى الجليل) ألنه خاف أن يبقى في اليهودية ،ف))ذهبوا
ليس))كنوا في الناص))رة ،فنم))ا الص))بي في النعم))ة والحكم))ة أم))ام هللا
والناس ،ولما بلغ يسوع اثنتي عشرة سنة من العمر ص))عد م))ع م))ريم
ويوسف إلى أورشليم ليسجد هناك حس)ب ش)ريعة ال)رب المكتوب))ة في
كتاب موسى ،ولما تمت ص))لواتهم انص))رفوا بع))د أن فق))دوا يس))وع ،
ألنهم ظنوا أنه عاد إلى الوطن) مع أقربائهم ،ولذلك ع))ادت م))ريم م))ع
يوسف إلى أورشليم ينشدان) يسوع بين األقرباء والجيران ،وفي اليوم
الث))الث وج))دوا) الص))بي في الهيك))ل وس))ط العلم))اء يح))اجهم في أم))ر
الناموس ،وأعجب كل أحد بأسئلته وأجوبت))ه ق))ائال :كي))ف أوتي مث))ل
هذا العلم وهو حدث ولم يتعلم القراءة .
فعنفته مريم قائلة :يا نبي ماذا فعلت بنا فقد نشدتك وأب))وك) ثالث))ة أي))ام
ونحن حزينان .فأجاب يسوع :أال تعلمين أن خدمة هللا يجب أن تقدم
على األب وأالم .ثم ن))زل يس))وع م))ع أم))ه ويوس))ف إلى الناص))رة ،
وكان مطيعا لهما بتواضع واحترام .
الفصل العاشر
((يسوع وهو ابن ثالثين سنة ،يتلقى على جبل الزيت))ون اإلنجي))ل من
المالك جبريل ))
ولما بلغ يسوع ثالثين سنة من العمر كم))ا أخ))برني ب))ذلك نفس))ه ص))عد
إلى جب))ل الزيت))ون م))ع أم))ه ليج))ني زيتون))ا ،وبينم))ا ك))ان يص))لي في
الظهيرة وبلغ هذه الكلم))ات ( ي))ارب برحم))ه ) ..وإذا) بن))ور ب))اهر ق))د
أحاط به وجوق ال يحصى من المالئكة كانوا يقولون ( ليتمجد هللا ) ،
فقدم له المالك جبريل كتابا كأنه م))رآة براق))ة ،ف))نزل إلى قلب يس))وع
الذي عرف به ما فعل هللا وما قال هللا وما يريد هللا حتى أن كل ش))يء
كان عريانا ومكشوفا له ،ولقد قال لي ( :صدق يا برنابا أني أعرف
كل نبي وكل نبوة وكل ما أقوله إنما قد جاء من ذلك الكت))اب ) .ولم))ا
تجلت ه))ذه الرؤي))ا ليس))وع وعلم أن))ه ن))بي مرس))ل إلى بيت إس))رائيل
كاشف مريم أمه بكل ذلك قائال لها :أنه يترتب عليه احتمال اضطهاد
عظيم لمجد هللا وأنه ال يق))در فيم))ا بع))د أن يقيم معه))ا ويخ))دمها .فلم))ا
سمعت مريم هذا أجابت ( :يا ب))ني إني ن))بئت بك))ل ذل))ك قب))ل أن تول))د
فليتمجد اسم هللا القدوس) ) .ومن ذلك اليوم انص))رف يس))وع عن أم))ه
ليمارس وظيفته النبوية .
الفص))ل الث))امن عش))ر)) يوض))ح هن))ا اض))طهاد الع))الم بخدم))ة هللا وأن
حماية هللا تقيهم ((
وبع))د أن ق))ال يس))وع ه))ذا ق))ال :لس))تم أنتم ال))ذين) اخ))ترتموني ب))ل أن))ا
اخترتكم لتكونوا تالميذي ،فإذا أبغضكم العالم تكونون حقا تالميذي ،
ألن العالم كان دائما عدو عبيد خدمة هللا ،تذكروا األنبي))اء واألطه))ار
الذين قتلهم العالم ،كما حدث في أيام ايليا إذ قتلت إيزابل عش))رة آالف
نبي ح)تى بالجه)د نج))ا ايلي))ا المس)كين وس)بعة آالف من أبن))اء األنبي))اء
ال))ذين) خب))أهم رئيس جيش أخ))اب ،أواه من الع))الم الف))اجر ال))ذي ال
يع))رف هللا ،إذا ال تخ))افوا أنتم الن ش))عور رؤوس))كم محص))اة كي ال
تهلك ،انظروا العصفور الدوري الطيور األخرى التي ال تسقط منه))ا
ريشة بدون إرادة هللا ،أيعتني هللا بالطيور أكثر من اعتنائ))ه باإلنس))ان
الذي ألجله خلق كل شيء ؟ أيتفق وج))ود انس))ان اش))د اعتن))اءا بحذائ))ه
منه بابنه ،كال ثم كال ،أفال يجب عليكم ب))األولى أن تظن))وا أن هللا ال
يهملكم وهو المعتني ب))الطيور ،وليكن لم))اذا أتكلم عن الطي))ور) ب))ل ال
تس))قط ورق))ة من ش))جرة ب))دون إرادة) هللا ،ص))دقوني الني أق))ول لكم
الحق أن العالم يرهبكم إذا) حفظتم كالمي ،ألنه لو لم يخش))ى فض))يحة
فجوره لما أبغضكم ولكنه يخشى فضيحته ولذلك) يبغضكم ويضطهدكم
،فإذا رأيتم العالم يستهين بكالمكم فال تحزنوا بل ت))أملوا كي))ف أن هللا
وه))و أعظم منكم ق))د اس))تهان ب))ه أيض))ا الع))الم ح))تى حس))بت حكمت))ه
جهالة ،فإذا كان هللا يحتمل العالم بصبر فلماذا تحزنون أنتم يا ت))راب
وطين األرض ،فصبركم تملكون أنفسكم ،فإذا لطمكم أح))د على خ))د
فحولوا) له اآلخر ليلطمه ،ال تجازوا شرا بشر ألن ذلك ما تفعل))ه ش))ر
الحيوانات كلها ،ولكن ج))ازوا الش))ر ب))الخير وص))لوا هلل ألج))ل ال))ذين
يبغضونكم ،النار ال تطفأ بالن))ار ب))ل بالم))اء ل)ذلك أق)ول لكم ال تغلب)وا
الشر بالش))ر ب))ل ب))الخير ،انظ))روا هللا ال))ذي جع))ل شمس))ه تطل))ع على
الصالحين والط))الحين) وك))ذلك) المط))ر ،فك))ذلك يجب عليكم أن تفعل))وا
خيرا مع الجمي))ع ألن))ه مكت))وب في الن))اموس كون))وا قديس))ين ألني أن))ا
إلهكم قدوس كونوا أنقياء ألني أنا نقي وكونوا كاملين
ألني أن))ا كام))ل ،الح))ق أق))ول لكم أن الخ))ادم يح))اول إرض))اء س))يده ،
وأثوابكم هي إرادتكم ومحبتكم ،اح))ذروا إذا من أن تري))دوا أو تحب))وا
شيئا غير مرضي من هللا ربنا ،أيقنوا أن هللا يبغض بهرجة وشهوات
العالم لذلك) أبغضوا أنتم العالم .
الفصل التاسع عشر
((لمسيح ينذر بتسليمه ويشفي عشرة برص ،عند نزوله من الجبل))
ولما ق))ال يس))وع ذل)ك) أج))اب بط))رس :ي))ا معلم لق))د تركن))ا ك))ل ش))يء
لنتبع))ك فم))ا مص))يرنا ؟ أج))اب يس))وع :أنكم لتجلس))ون ي))وم الدينون))ة
بجانبي لتشهدوا) على أسباط إسرائيل االثني عش))ر ،ولم))ا ق))ال يس))وع
ذلك تنهد قائال :يارب ما هذا ؟ إني قد اخترت اثني عشر فكان واح))د
منهم شيطانا ،فحزن التالميذ جدا لهذه الكلمة ،فعند ذل))ك س))أل ال))ذي
يكتب يسوع سرا بدموع قائال :يا سيد أيخدعني الشيطان وه))ل أك))ون
منبوذا) ،فأجاب يسوع :ال تأسف يا برنابا ألن الذين أختارهم هللا قبل
خل))ق الع))الم ال يهلك))ون تهل))ل الن اس))مك مكت))وب في س))فر الحي))اة ،
وعزى يسوع تالميذه قائال :ال تخافوا الن الذي سيبغض)ني ال يح)زن
لكالمي النه ليس فيه الش))عور اإللهي ،فتع))زى المخت))ارون بكالم))ه ،
وأدى يس))وع ص))لواته ،وق))ال التالمي))ذ :آمين ليكن هك))ذا أيه))ا ال))رب
اإلله القدير الرحيم ،ولما انتهى يسوع من العبادة) نزل من الجبل م))ع
تالميذه ،والتقى بعشرة برص صرخوا من بعيد :ي))ا يس))وع ابن داود
ارحمنا ،فدعاهم يسوع إلى قربه وقال لهم :م))اذا تري))دون م))ني أيه))ا
األخ))وة ؟ فص))رخوا جميعهم :أعطن))ا ص))حة ،أج))اب يس))وع :أيه))ا
األغبي))اء أفق))دتم عقلكم ح))تى تقول))وا) :أعطن))ا ص))حة ،أال ت))رون أني
إنسان نظيركم ؟ ادعوا إلهنا الذي خلقكم وهو الق))دير ال))رحيم يش))فكم ،
فأجاب البرص بدموع :إننا نعلم أنك إنس))ان نظيرن))ا ،ولكن))ك ق))دوس
هللا ونبي الرب فصلي هلل ليشفينا ،فتضرع الرسل إلى يسوع قائلين ي))ا
معلم أرحمهم ،حينئذ أنّ يسوع وصلى قائال :أيها الرب اإلل))ه الق))دير
الرحيم ،أرحم واصخ الس))مع إلى كلم))ات عب))دك أرحم رج))اء ه))ؤالء
الرجال ،وامنحهم صحة ألجل محبة إبراهيم أبينا وعه))دك المق))دس ،
وإذ قال يسوع ذل))ك تح))ول إلى ال))برص وق))ال :اذهب))وا وأروا أنفس))كم
للكهنة بحسب شريعة هللا ،فانصرف البرص وبرئ))وا على الطري))ق ،
فلما رأى أحدهم أنه برئ عاد ينشد يسوع ،وكان إسماعيليا ،وإذ وجد
يسوع انحنى احتراما له ق))ائال :أن))ك حق))ا ق))دوس هللا ،وتض))رع إلي))ه
بشكر لكي يقبله خادما ،
أجاب يسوع :قد برئ عشرة فأين التسعة ؟ وقال للذي برئ :إني م))ا
أتيت ُألخدَ م بل ألخ ِد م ،فاذهب إذا إلى بيتك ،واذكر ما أعظم ما فعل
هللا بك لكي يعلموا أن الوعود) الموعود) بها إبراهيم وابن))ه م))ع ملك))وت
هللا آخذة في االقتراب ،فانصرف األبرص المبرأ ولما بلغ جيرة حي))ة
قص ما صنع هللا به بواسطة يسوع .
وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في المركب مسافرا إلى الناصرة
مدينته ،فحدث نوء عظيم في البحر حتى اشرف المركب على الغرق
،وكان يس))وع نائم))ا في مق))دم الم))ركب ،ف))دنا من))ه تالمي))ذه وأيقظ))وه
قائلين :يا سيد خلص نفسك فإننا ه))الكون ،وأح))اط بهم خ))وف عظيم
بسبب الريح الشديدة التي كانت مضادة وعجيج البحر ،فنهض يسوع
ورفع عينيه نحو الس))ماء وق))ال :ي))ا أل))وهيم الص))باؤت ارحم عبي))دك ،
ولما قال يسوع هذا سكنت ال)ريح ح)اال وه)دأ البح)ر ،فج)زع النوتي)ة
قائلين :ومن هو هذا حتى أن البحر والريح يطيعانه ،ولما بلغ مدين))ة
الناصرة أذاع النوتية في المدينة كل ما فعل))ه يس))وع ،فمث))ل بين يدي))ه
الكتبة والعلماء وقالوا :لقد سمعنا كم فعلت في البحر واليهودي))ة فأتن))ا
إذا بآية من اآليات هنا في وطنك ،فأجاب يس))وع :يطلب ه))ذا الجي))ل
العديم اإليم)ان آي)ة ولكن لن تعطى ألن)ه ال يقب))ل ن)بي في وطن)ه ولق))د
كانت في زمن ايليا أرامل كثيرات في اليهودية ولكنه لم يرسل ليق))ات
إال إلى أرمل))ة ص))يدا ،وك))ان ال))برص في زمن اليش))ع في اليهودي))ة)
كث))يرين ولكن لم ي))برأ إال نعم))ان الس))رياني ،فحن))ق أه))ل المدين))ة
وأمس))كوه واحتمل))وه) إلى ش))فا ج))رف ل))يرموه ولكن يس))وع مش))ى في
وسطهم وانصرف عنهم .
فسأل التالميذ يسوع في ذلك النهار قائلين :يا معلم لماذا أجبت المرأة
به))ذا الج))واب ق))ائال أنهم كالب ،أج))اب يس))وع :الح))ق أق))ول لكم أن
الكلب أفضل من رجل غير مختون ،فحزن التالميذ ق))ائلين :إن ه))ذا
الكالم لثقيل ومن يقوى على قبول))ه ،أج))اب يس))وع :إذا الحظتم أيه))ا
الجه))ال م))ا يفع))ل الكلب ال))ذي ال عق))ل ل))ه لخدم))ة ص))احبه علمتم أن
كالمي صادق ،قولوا لي أيحرس الكلب بيت صاحبه ويع))رض نفس))ه
للص ؟ نعم ولكن ما جزاؤه ؟ ضرب كثير وأذى م))ع قلي))ل من الخ))بز
وهو يظهر لصاحبه وجها مسرورا أص)حيح ه)ذا ؟ فأج)اب التالمي)ذ :
إنه لصحيح يا معلم ،حينئذ قال يسوع :تأملوا إذا م))ا أعظم م))ا وهب
هللا اإلنسان فتروا إذا) ما أكفره لعدم وفائه بعهد هللا مع عبده إب))راهيم ،
اذكروا ما قاله داود لشاول ملك إسرائيل ضد جليات الفلسطيني ،قال
داود) ( يا سيدي بينما كان يرعى عبدك قطيع))ه ج))اء ذئب ودب وأس))د
وانقضت على غنم عبدك ،فجاء عبدك وقتلها وأنق))ذ الغنم ،وم))ا ه))ذا
األغلف إال كواحد منها ،لذلك يذهب عبدك باس)م ال)رب إل)ه إس)رائيل
ويقتل هذا النجس الذي يجدف على ش))عب هللا الط))اهر ) ،حينئ))ذ ق))ال
التالميذ :قل لنا يا معلم ألي سبب يجب على اإلنسان الختان ؟ فأج))اب
يسوع :يكفيكم أن هللا أمر به إبراهيم قائال ( :يا إبراهيم اقطع غرلت))ك
وغرلة كل بيتك ألن هذا عهد بيني وبينك إلى األبد) .
الفصل الثالثون
وذهب يسوع إلى أورشليم قرب المظال) وهو أح))د أعي))اد امتن))ا ،فلم))ا
علم هذا الكتبة والفريسيون تش))اوروا ليتس))قطوه بكالم))ه ،فل))ذلك ج))اء
اليه فقيه قائال :يا معلم ماذا يجب أن أفعل ألحصل على الحياة األبدي))ة
؟ ،أجاب يسوع :كيف كتب في الناموس ؟ أجاب قائال :أحب الرب
إلهك وقريبك ،أحب إلهك فوق كل شيء بكل قلبك وعقلك ،وقريب))ك
كنفس))ك ،أج))اب يس))وع :أجبت حس))نا ،واني أق))ول ل))ك اذهب وافع))ل
هك))ذا تكن ل))ك الحي))اة االبدي))ة ،فق))ال ل))ه :من ه))و قري))بي ؟ ،أج))اب
يسوع رافعا طرفه :كان رجل نازال من أورش))ليم لي))ذهب إلى أريح))ا
مدينة اعيد بناؤها تحت اللعن))ة ،فأمس))ك اللص))وص ه))ذا الرج))ل على
الطريق وجرحوه وعرّ وه ،ثم انصرفوا وتركوه مشرفا على الموت ،
فاتفق أن مر كاهن ب))ذلك الموض))ع ،فلم))ا رأى الج))ريح س))ار دون أن
يحييه ،ومر مثله الوى دون أن يقول كلمة ،واتف))ق ان م))ر ( أيض))ا)
س))امري ،فلم))ا رأى الج))ريح عط))ف علي))ه وترج))ل عن فرس))ه وأخ)ذ)
الجريح وغسل جراحه بخمر ودهنها بدهن ،وبع))د ان ض))مد جراح))ه
وعزاه اركبه على فرسه ،ولما بلغ في المساء النزل س))لمه الى عناي))ة
صاحبه ،ولما نهض صباحا قال :اعتن بهذا الرجل وأنا أدفع لك كل
شيء ،وبعد ان قدم اربع قطع من الذهب للعليل ألجل صاحب ال))نزل
قال :تعز ألني أعود) سريعا واذهب بك الى بي))تي ،ق))ال يس))وع :ق))ل
لي أيهما كان القريب؟ ،أجاب الفقيه :الذي أظهر الرحمة ،حينئذ قال
يسوع :قد أجبت بالصواب) ،فاذهب وافعل ك))ذلك ،فانص))رف الفقي))ه
بالخيبة .
الفصل األربعون
فلما علم الشيطان بذلك تميز غيظا ،فاقترب إلى باب الجنة حيث كان
الحارس حية مخوفة لها قوائم كجمل وأظ))افر أق))دامها مح))ددة) من ك))ل
جانب كموسى ،فق))ال له))ا الع))دو ( :اس))محي لي ب))أن ادخ))ل الجن))ة )
أجابت الحية ( :وكيف أسمح لك بالدخول وقد أمرني هللا بأن أطردك
؟ ) أجاب الشيطان) ( :أال ترين كم يحب))ك هللا إذ أقام))ك خ))ارج الجن))ة
لتحرسي كتلة من الطين) وهي اإلنسان ؟ ،فإذا أدخلتني الجن))ة أجعل))ك
رهيب))ة ح))تى ان ك))ل اح))د يه))رب من))ك ،فت))ذهبين وتقيمين حس))ب
ارادتك )فقالت الحية ( وكيف أدخلك) ) أجاب الشيطان ( :ان))ك كب))يرة
فافتحي فاك فأدخل بطنك ،فمتى دخلت الجن))ة ض))عيني بج))انب ه))اتين
الكتلتين من الطين اللتين) تمش))يان ح))ديثا على األرض ) ففعلت عندئ))ذ
الحية ذل)ك) ،ووض))عت الش))يطان بج))انب ح))واء ألن آدم زوجه))ا ك))ان
نائما،فتمثل الشيطان للمرأة مالكا جميال وقال لها ( :لم))اذا ال ت))أكالن
من هذا التفاح وهذه الحنطة ؟ ) أجابت حواء ( :قال لن))ا إلهن))ا إن))ا إذا
أكلنا منها صرنا نجسين ولذلك) يطردنا من الجنة ) فأجاب الش))يطان :
( انه لم يقل الصدق ،فيجب أن تعرفي ان هللا شرير وحسود ،ولذلك)
ال يحتمل اندادا ،ولكنه يستعبد كل أحد ،وهو إنما قال لكما ذلك لكيال
تص)يرا ن)دين ل)ه ،ولكن إذا كنت وعش)يرك تعمالن بنص)يحتي فإنكم)ا
تأكالن من هذه األثمار كما تأكالن من غيرها ،وال تلبثا خاض))عين ال
خرين ،بل تعرف))ان الخ))ير والش))ر كاهلل وتفعالن م))ا تري))دان ،ألنكم))ا
تصيران ندين هلل ) فأخذت حينئذ حواء وأكلت من هذه األثمار ،ولم))ا
استيقظ زوجها أخبرته بكل ما قال الشيطان) ،فتناول منها ما قدمته له
وأكل ،وبينما كان الطعام نازال ذكر كالم هللا ،فل))ذلك) أراد أن يوق))ف
الطعام فوضع يده في حلقه حيث كل إنسان له عالمة .
الفصل الخمسون)
قل لي أيها اإلنسان الذي تدين غيرك ،أال تعلم ان منشأ كل البش))ر من
طينة واحدة ،أال تعلم أن))ه ال يوج))د أح))د ص))الح إال هللا وح))ده ،ل))ذلك)
كان كل إنسان كاذبا وخاطئا ،صدقني أيها اإلنسان انك إذا كنت تدين
غيرك على ذنب فإن في قلبك من))ه م))ا ت))دان علي))ه ،م))ا أش))د القض))اء
خطرا ،ما أك))ثر ال))ذين) هلك))وا بقض))ائهم الج))ائر ،فالش))يطان حكم على
اإلنسان بأنه أنجس منه ،لذلك عصى هللا خالقه ،تلك المعصية ال))تي لم
يتب عنه))ا ف))ان لي علم))ا ب))ذلك من مح))ادثتي اي))اه ،وق))د حكم ابوان))ا
االوالن بحسن حديث الشيطان ،فطردا ل))ذلك من الجن))ة ،وقض))يا على
كل نسلهما ،الحق أقول لكم لعمر هللا الذي أقف في حض))رته ان الحكم
الباطل هو أبو كل الخطايا ،ألن ال أح))د يخطىء ب))دون ارادة) وال أح))د
يري))د م))ا ال يع))رف ،وي))ل إذا للخ))اطئ ال))ذي يحكم في قض))ائه ب))أن
الخطيئة صالحة والصالح فساد ،الذي ي))رفض ل))ذلك) الس))بب الص))الح
ويختار الخطيئة ،أنه سيحل به قصاص ال يطاق متى ج))اء هللا لي))دين
العالم ،ما أكثر الذين هلكوا بسبب القضاء الج))ائر ،وم))ا أك))ثر ال))ذين
أوش))كوا) أن يهلك))وا ،قض))ى فرع))ون على موس))ى وش))عب إس))رائيل
بالكفر ،وقضى شاول على داود بأنه مستحق للموت ،وقضى اخ))اب
على ايليا ،ونبوخذ نص))رعلى الثالث))ة الغلم))ان ال))ذين) لم يعب))دوا آلهتهم
الكاذبة ،وقضى الش))يخان على سوس))نة ،وقض))ى ك))ل الرؤس))اء عب))دة
االصنام على االنبي))اء ،م))ا أرهب قض))اء هللا ،يهل))ك القاض))ي وينج))و
المقض))ي علي))ه ،ولم))اذا) ه))ذا أيه))ا االنس))ان ان لم يكن ألنهم يحكم))ون
على البرئ ظلما بالطيش ؟ ما كان أشد قرب الص))الحين) من الهالك ،
ألنهم حكموا باطال ،يتبين ذلك من ( قصه ) أخوة) يوسف الذين باعوه
(( للمصريين )) ومن هرون وم))ريم اخت موس))ى الل))ذين حكم))ا على
أخيهما ،وثالثة من أصدقاء أيوب حكموا على خليل هللا البرئ أيوب ،
وداود قضى على مفيبوشت وأوريا ،وقضى كورش بأن يكون دانيال
طعاما لالسود) ،وكثيرون آخ))رون أش))رفوا على الهالك بس))بب ه))ذا ،
لذلك أقول لكم ال تدينوا فال تدانوا) ،فلما
أنج))ز يس))وع كالم))ه ت))اب كث))يرون ن))ائحين على خطاي))اهم وودوا ل))و
يتركون كل ش))يء ويتبعون))ه ،ولكن يس))وع ق))ال :ابق))وا في بي))وتكم ،
واتركوا الخطيئة ،واعبدوا هللا بخ)وف فبه))ذا تخلص)ون) ،ألني لم آت
ألخدَ م بل ألخدِم ،ولما قال هذا خرج من المجم))ع والمدين))ة ،وانف))رد
في الصحراء ليصلي ألنه كان يحب العزلة كثيرا.
الفصل الستون)
الجحيم واحد) وهي ضد الجنة كما أن الشتاء هو ض))د الص))يف وال))برد
ضد الحر ،فلذلك يجب على من يصف شقاء الجحيم أن يكون قد رأى
جنة نعيم هللا ،يا ل)ه من مك)ان ملع)ون بع)دل هللا ألج)ل لعن)ة الك)افرين
والمنبوذين ،الذين قال عنهم أيوب خليل هللا ( :ليس من نظام هناك بل
خوف أبدي ) ويقول أشعيا النبي في المنب))وذين ( :أن لهيبهم ال ينطفئ
ودودهم ال يموت) وق))ال داود) أبون))ا باكي))ا( :حينئ))ذ يمط))ر عليهم برق))ا
وصواعق) وكبريتا وعاصفة شديدة) تب))ا لهم من خط))اة تعس))اء م))ا أش))د
كراهتهم حينئذ للحوم الطيبة والثياب الثمينة واألرائك الوثيرة والح))ان
الغن))اء الرخيم))ة ،م))ا أش))د م))ا يس))قهم الج))وع واللهب اللذاع))ة والجم))ر
المحرق والعذاب األليم مع البكاء المر الشديد) ) ثم أن يسوع أ َّنه أسف
ق))ائال :حق))ا خ))ير لهم ل))و لم يكون))وا من أن يع))انوا ه))ذا الع))ذاب األليم،
تصوروا رجال يعاني العذاب في كل جارح))ة من جس))ده وليس ثم من
ي))رثي ل))ه ب))ل الجمي))ع يس))تهزئون ب))ه ،أخ))بروني أال يك))ون ه))ذا ألم))ا
مبرح))ا؟ فأج))اب التالمي))ذ :أش))د) ت))بريح ،فق))ال يس))وع :ان ه))ذا لنعيم
الجحيم ،الني أقول لكم بالحق أنه لو وضع هللا في كفة كل اآلالم ال)تي
عاناها الناس في هذا العالم والتي سيعانونها حتى يوم الدين وفي الكفة
األخ)رى س)اعة واح)دة من ألم الجحيم الخت)ار المنب)وذون) ب)دون ريب
المحن العالمية ،ألن العالمية تأتي على يد االنس))ان أم))ا األخ))رى فعلى
يد الشياطين الذين) ال شفقة لهم على االطالق ،فما أشد الذي سيصلونه
الخطاة األشقياء ،ما أشد البرد القارس الذي ال يخف))ف لهبهم ،م))ا أش))د
صرير األس))نان والبك))اء والعوي))ل ،ألن م))اء األردن أق))ل من ال))دموع
ال))تي س))تجري ك))ل دقيق))ة من عي))ونهم ،وس))تلعن هن))ا ألس))نتهم ك))ل
المخلوقات مع أبيهم وأمهم وخالقهم المبارك الى االبد.