Professional Documents
Culture Documents
الفصل الثان1
الفصل الثان1
الفصل ّ
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الفصل الثّاني
المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
األول
المبحث ّ
المصالحة الوطنية
السياسي إلى التّجسيد التّشريعي–
– من التّمهيد ّ
84
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
األول
المطلب ّ
الوطنية
ّ الحوار الوطني كأرضية للمصالحة
عبرت سياسة الحوار التي الحت بوادرها في الجزائر بداية من ال ّشروع في
ّ
مشاورات وطنية على نطاق واسع مرورا بإنشاء ندوة الوفاق الوطني التي كللت باإلفراج
بأن ّأية بادرة للخروج من األزمة
السلطة الجزائرية ّ
عن أرضية الوفاق الوطني ،عن وعي ّ
النجاح بدون بناء أرضية
المتعددة األقطاب التي عايشتها الجزائر ،ال يمكن أن يكتب لها ّ
ّ
قائمة على أساس التّوافق الوطني في تسير المرحلة االنتقالية ،مما من شانه أن ي ّشكل دفعا
أن أرضية الوفاق الوطني قد أخفقت 4في
الوطنية (فرع ّأول) ،إالّ ّ
ّ قويا نحو تحقيق المصالحة
الدفع بمسعى المصالحة 4إلي األمام (فرع ٍ
ثان). بناء هذه األرضية التي من شأنها ّ
األول
الفرع ّ
إدراك ضرورة التّوصل إلى توافق وطني حول
تسيير المرحلة االنتقالية كأرضية لل ّنهوض بالمصالحة الوطنية
يطرح التّوافق الوطني على ّأنه عملية ديمقراطية هادفة إلى تسطير برنامج
الساحة
السياسية واالجتماعية الفاعلة على ّ
يحضا بنوع من اإلجماع من قبل مختلف القوى ّ
الديمقراطي.14
الوطنية بهدف رسم معالم عملية االنتقال ّ
الديمقراطي 4عبر آلية التّوافق الوطني" صدارة
لقد احتّلت هذه العملية "االنتقال ّ
الديمقراطي 4في مجموعة من التّجارب المقارنة،
انشغاالت القائمين على عمليات االنتقال ّ
الديمقراطي ،أين
وهو ما تمت تّرجمته عبر جملة من التّجارب الرائدة في مجال االنتقال ّ
نجحت في إيجاد صيغة "سياسية" لتحقيق التّوافق الوطني حول المرحلة 4االنتقالية ،2سواء
1
-(YOUSSEF Nada, Op.cit, p.63.
2
(-TIANGYE (N), « Crise de l’légitimité du pouvoir de l’Etat et conférences nationales en Afrique »,
In R.A.D.I.C, N°-1992, p.605.
85
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
نتيجة لمفارقة حقيقية ذلك أن الرئيس البنيني" "Mathieu Kérékouالمسؤول عن إرساء نظام الحكم الماركسي،
خلفية أعمال ال ّشغب التي
الوطنية ،على ّ
ّ الندوة
اللينينى منذ سنة 1972في البنين هو نفسه من طرح فكرة ّ
الدولة من دفع
النظام المصرفي في البينين وعدم تمكن ّعرفتها البالد في سنة 1989والتي كانت نتيجة انهيار ّ
مرتّبات الجيش ،وبعد تنصيب ندوة القوات الحية للدولة والتي ضمت مندوبين 4منتخبين عن مختلف الفعاليات
وأن قراراتها نافذة في
االجتماعية والسياسة ،عمدت هذه األخيرة إلى تنصيب نفسها على ّأنها هيئة سياديةّ ،
الدولة انتهت فعاليتها بإرساء دستور توافقي كما تم تنظيم انتخابات رئاسية في سنة
مؤسسات ّمواجهة جميع ّ
،1991أنظر في ذلك:
-EBOUSSI- BOULAG fabien, Les conférences nationales en Afrique noire - une affaire a suivre ,
Karthala, 1993, p.65-68.
4
-(YOUSSEF Nada, Op.cit, p.66.
5
(-VALLY Hanif , « La paix avec la justice : l’amnistie en Afrique du sud », Mouvements , N°53, 2008,
pp.102-109.
86
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الزعيم
وقد انتهت هذه المفاوضات إلى إقرار دستور انتقالي في سنة ،1993وتعيين ّ
السيد "نلسون منديال" رئيسا للحكومة االنتقالية سنة ،1995الذي شرع
اإلفريقي الراحل ّ
في تجسيد برنامج للمصالحة 4الوطنية في جنوب إفريقيا.1 عقبها
في محاولة 4لمقاربة التّجارب المبينة أعاله ،2مدفوعا بدنو نهاية عهدته ،طرح
للدولة آلية الحوار الوطني على ّأنها الوسيلة الوحيدة للخروج من األزمة
المجلس األعلى ّ
الطريق نحو الدخول في مرحلة
التي تعيشها الجزائر ،أين لم يكن هنالك من بد من تعبيد ّ
يتم بمنأى عن حث
السابقة ،وال يمكن لذلك أن ّ
جديدة ،لكن مع تدارك اإلخفاقات ّ انتقالية
حد ما
ومؤسساتية تعكس إلى ّ
ّ مختلف الفاعلين الوطنيين على االلتفاف حول أرضية سياسية
تطلّعات المجتمع الجزائري ،3من شّأنها أن تشكل مرتكزا للنهوض بعملية المصالحة
الوطنية.4
ّ
للدولة منذ يوم 27جويلية
تم ال ّشروع فيه من قبل المجلس األعلى ّ
وهو ما ّ
الوطنية ،والتي أعقبت
ّ ،1993الذي يمثّل تاريخ انطالق المرحلة األولى من المشاورات
مؤسسات شبه دستورية لتسير المرحلة4
بمرحلتين ثانيتين ،تمحورت جلها حول بحث تعيين ّ
االنتقالية القادمة.5
للدولة
الرغم من المؤ ّشرات اإليجابية ،التّي بدأ المجلس األعلى ّ
إالّ ّأنه وعلى ّ
النظر حول بعض المسائل
يلمسها ،من هذه الجوالت ،أين نجحت في تقريب وجهات ّ
للدولة ،احترام
التي تمحورت حول التّأكيد على كل من :الطّابع الجمهوري ّ المبدئية،
1
(- TIANGYE (N), Op.cti, pp.609.
2
)- BRAHIMI Mohamed, Op.cit ,p.147.
-)3بلحربي نوال ،أزمة الشرعية في الجزائر( ،)2007-1992رسالة لنيل شهادة الماجستير في فرع التنظيم
السياسي واإلداري ،قسم العلوم السياسية والعالقات الدولية ،كلية العلوم السياسية واإلعالم ،جامعة بن يوسف بن
خدة ،الجزائر ،2007 ،ص.176-175.
-)4أحمد طعيبة ،مرجع سابق ،ص.217.
5
(-Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit ,pp.104-115
87
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
للدولة
) -يذهب األستاذ "محمد براهيمي" فيما يتعلق بنقطة التّنديد 4باإلرهاب ،والتي طرحها المجلس األعلى ّ
1
كشرط مبدئي لالنخراط في جلسات الحوار على ّأنه يهدف إلى التّقليص من ال ّشرعية التي اكتسبها الحزب الفائز
األول من االنتخابات التّشريعية (الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ المحلة) ،مما من شأنه أن
الدور ّ
بأغلبية األصوات في ّ
للدولة راجع في ذلك كل من :قوقة وداد ،مرجع
ي ّشكل بمفهوم المخالفة اعترافا بضرورة إيجاد المجلس األعلى ّ
سابق ،ص.110.
-BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.112.
2
(- Voir : BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, pp.111-119.
-)3بلحربي نوال ،مرجع سابق ،ص.181.
-)4قوقة وداد ،مرجع سابق ،ص.111.
5
)- Voir : BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, pp.119-120.
88
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
وما زاد من تعقيد مهام هذه األخيرة ،جملة العراقيل التي صادفتها في تعبئة
بالسجال الذي طرح بشأن إشراك
مختلف فعاليات المجتمع المدني ،ويتعلق األمر خاصةّ 4
قيادات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) في عملية الحوار من عدمها.
مؤسساتي ،بفعل انتهاء عهدة المجلس
الدخول في مرحلة شغور ّ
أمام هاجس ّ
للدولة ،التي صادفت نهاية سنة ،1993اجتمع كل من المجلس األعلى لألمن
األعلى ّ
للدولة ،لتقرير تمديد عهدة هذا األخير إلى غاية 31جانفي ،1994 4كما تم
والمجلس األعلى ّ
تحديد يومي 26-25جانفي 4موعدا النعقاد ندوة الوفاق الوطني.1
وفي التاريخ المحدد لها انعقدت ندوة الوفاق الوطني في ظل مقاطعة 4األحزاب
األول لالنتخابات التّشريعية لسنة
السياسية الحائزة على ال ّشرعية ال ّشعبية في الدور ّ
ّ
،*1991كما عرف سير أشغال الندوة العديد من التّوترات ،والتي أسفرت عن انسحاب
بعض من األحزاب األخرى ،في حين عرفت مشاركة واسعة من قبل المنظّمات
الجماهيرية والوطنية المختلفة.2
انتهت أعمال هذه األخيرة ،باإلفراج عن أرضية الوفاق الوطني التي أثارت العديد
من التّساؤالت حول طبيعتها القانونية.3
الفرع الثّاني
إخفاق أرضية الوفاق الوطني في تحقيق توافق وطني حول تسيير
المرحلة االنتقالية
موحدة
ّ الرغم من إخفاق 4ندوة الوفاق الوطني في التّوصل إلي صيغة
على ّ
أن ذلك لم يحل دون إقرار أرضية الوفاق الوطني كنص دستوري
للمرحلة االنتقالية ،إالّ ّ
الدولة ،الهدف الذي عهدت
بحكم الواقع ،يستقي مشروعيتّه من ضرورة استرجاع هيبة ّ
المؤسسات االنتقالية الفعلية الخاضعة في تشكيلتها لمبدأ
ّ بمهمة تحقيقه لمجموعة من
التّعيين.
ّأوالً
للدستور القائم
أرضية الوفاق الوطني نص دستوري بحكم الواقع أم امتداد ّ
في الوقت الذي عجزت فيه أحكام دستور 1989عن إيجاد مخرج 4ألزمة ال ّشرعية
1
الدستوري
الدستورية في أعقاب توقيف المسار االنتخابي ،وأمام حتمية تعزيز النظام ّ
ّ
2
الدخول في مرحلة 4انتقالية
السلطة السياسية في الجزائر مناصاً من ّ
واستمراريته ،لم تجد ّ
والدستورية العادية ،3تكون كفيلة بتوفير ظروف أكثر
تفصل بين ال ّشرعيتين االستثنائية ّ
مالئمة للخروج 4من األزمة ،على أساس تالحم سياسي واجتماعي أوسع من شأنه تعبئة
طاقات من جديد وتوظيف اإلمكانيات المتوافرة ،4متخذةً من معيار قانوني جديد منافس
ال ّ
في تحقيق ذلك ،1وهو ما يدفعنا للتّساؤل عن موقع دستور1989 للدستور مرجعية لها
من هذا األخير.
1
بأي شكل من األشكال
الجزائري وحقوق اإلنسان والمواطن وحرياتهما ،وال يمس ِّ
الدستورية وعلل رأيه ،وهو اإلجراء الذي كان
والمؤسسات ّ
ّ للسلطات
األساسية ّ
ّ التّوازنات
مغيباً في إطار عملية وضع وثيقة أرضية الميثاق الوطني.
السلطة التّأسيسية األصلية في إقرار هذه
على صعيد آخر ،لم يتّم اللّجوء إلى طريقة ّ
2
الناحية اإلجرائية ال ّشروط
األرضية لم تستوف من ّ
ّ بأن
األخير ،وهو ما يدفعنا إلى القول ّ
3
الناحية الموضوعية ما يفيد بغير
الدستوري ،فهل نجد من ّ
التي تكفل لها وصف التّعديل ّ
هذا االستنتاج ؟.
منا الوقوف على معالم االختالف الموضوعي
إن اإلجابة على هذا الطرح تقتضي ّ
ّ
4
مست
بين ما تطرحه أرضية الوفاق الوطني وما تقضي به أحكام دستور ، 1989بحيث ّ
المؤسساتي أين جاء هذا
ّ الصعيد
النقاط الجوهرية سواء على ّ
هذه التّعديالت جملة من ّ
5
الصعيد المعياري أين أضحت
األخير بهيكلة جديدة لمختلف مؤسسات الدولة ،أو على ّ
الوظيفة التشريعية تعتمد على نوعين من المعايير ،المراسيم الرئاسية المخولة لرئيس
الدولة ،واألوامر المخولة للمجلس الوطني االنتقالي ،6وهو ما يؤكد بأن دستور 1989قد
توجه
للدولة خارج 4اإلجراءات المعتمدة في أي ّ
عمد إلى وضع نظام دستوري جديد ّ
طبيعة القانونية لهذا النص.7
دستوري ،مما يطرح إشكالية ال ّ
فالمرسوم الرئاسي رقم ،40-94من حيث أنه معيار قانوني أدنى من أن يكفل صفة
المشروعية ألرضية الوفاق الوطني ،فضال عن أن تقنية النشر التي تم اعتمادها من قبل
للدولة في طرح هذا النص ال تعدو أن تكون إال أداة قانونية مفادها إعالم
المجلس األعلى ّ
الجمهور بصدور نص قانوني جديد دون ترتيب أدنى أثر قانوني على طبيعة هذا
النص ،1ليستا كفيلتين بإضفاء وصف التصرف القانوني على المرسوم الرئاسي
،04-94المتعلق بنشر األرضية المتضمنة الوفاق الوطني.2
المتضمنة الوفاق
ّ كما ّأنه نزوال عند مقتضيات المادة األولى من األرضية
السياسية
أن المرحلة 4االنتقالية تستمد مشروعيتها من موافقة القوى ّ
الوطني ،التي تشير إلى ّ
واالقتصادية واالجتماعية على محتوى األرضية المعتمدة من طرف ندوة الوفاق الوطني،3
نذهب إلى القول بأن المشروعية التي تستند عليها المرحلة االنتقالية أضحت منعدمة بفعل
السياسية الثالثة الحائزة 4على ال ّشرعية ال ّشعبية ،خاصةً ما تعلق بغياب
غياب األحزاب ّ
الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) التي تعد طرفا أساسيا في األزمة ،ومقاطعة أحزاب أخرى
لفعالياتها.4
األرضية المتضمنة
ّ بأن
السالفة البيان نصل إلى القول ّ
ّإنه ،وبقراءة متالزمة ّلنتائج ّ
الدساتير الفعلية ،لذلك تفيد معنى تجميد
الوفاق الوطني هي عبارة عن وثيقة تحتوي مدلول ّ
دستور ،51989أين أضحى هذا األخير مجرد معيار تكميلي احتياطي للمعايير التي تطرحها
أرضية الوفاق الوطني.6
ثانياً
الدول
المرحلة االنتقالية كضرورة حتمية السترجاع هيبة ّ
1
)-Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit ,pp.146-147.
2
(- Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.145.
-)3المادة األولى من المرسوم الرئاسي رقم ،40-94مرجع سابق.
-)4يتعلق األمر ب 11تشكيلة أهمها ،حركة حماس(سابقا) وحزب التجديدي الجزائري ،راجع :طعيبة أحمد،
ص.121.
5
-( Voir : BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.144.
أن يتم
للدستور ال يمكن ّ
أن التّطبيق الكامل ّ
بناء على الفقرة 12من ديباجة األرضية التي تشير إلى ّ) -وذلك ً
6
بشكل كلي بالنظر إلى االستحالة المسلم بها فيما يتعلق بتنظيم انتخابات على المدى القصير ،مرجع سابق.
93
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
-)1لقد تّم تشديد الحصار الدبلوماسي واالقتصادي على الجزائر من قبل المجموعة الدولية ،أين أبدي الموقف
الرافض لألوضاع التي تعيشها الجزائر ،في حين ربطت الواليات المتّحدة األمريكية دعمها للجزائر
الفرنسي ّ
الدعم االجتماعي ومرافقة هذا المسعى بمزيد من الدعم
الوطنية وسياسة ّ
ّ تقدمها في مسار المصالحة
بمدى ّ
الدولية على الجزائر ،ويحضرنا في هذا
حدة الضغوط ّاالقتصادي ،هذا وقد ضاعفت المنظّمات الحقوقية من ّ
الصدد التّوصية التي رفعتها االتّحادية الفدرالية األوروبية لإلتحاد األوروبي تطالب فيها اللّجنة األوروبية بإيقاف
المفاوضات االقتصادية واشتراط استئنافها بتحسين األوضاع اإلنسانية في الجزائر ،راجع في ذلك :بوضياف
محمد ،مرجع سابق ،ص.176.
-)2راجع في ذلك :الفقرة الثانية من ديباجة المرسوم الرئاسي رقم ،40-94 ،مرجع سابق.
-)3راجع في ذلك :الفقرة الرابعة من المرجع نفسه.
4
(-Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p150.
5
-(Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.147.
94
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الرقابة.
الوظائف العمومية وتعزيز وظائف ّ ت َ َأخلَّقَ ْ
ْ -
النظر في قوانين سابقة كانت أساسا للتّعددية.1
إعادة ّ -
األمنية:
ّ ) 2األهداف
الكارثية" ،التي كانت تعيشها الجزائر
ّ المتردية إن لم نقل"
ّ األمنية
ّ فرضت األوضاع
2
ثمنتها أرضية
السياسة التي ّ
الدولة ،وهي ّ
منذ البداية ،اعتماد سياسة الكل األمني من قبل ّ
الوفاق الوطني مع اإلشارة إلى إمكانية اتّخاذ تدابير لتهدئة الوضع بصفة تدريجية وحسب
تطور الوضع.3
هذا ،وقد جعل ربط واضعي أرضية الوفاق الوطني بين عملية مكافحة 4اإلرهاب
الدولة في ضمان أمن األشخاص والممتلكات واستتباب األمن المدني ،4األستاذ
ومهمة ّ
األمنية للمرحلة4
ّ "براهيمي" يذهب إلى توصيف الحكومة االنتقالية "بمفهوم األهداف
للنموذج الذي تولّد على أثر قيام الثورة الفرنسية.5
االنتقالية" ،على أنها حكومة ثورية وفقا ّ
ّ
االقتصادية:
ّ )3األهداف
المتردية التي عرفتها الجزائر منذ سنوات الثّمانينات،
ّ أثّرت األوضاع االقتصادية
6
الرامي إلى وضع إستراتيجية شاملة قصد
والتي تفاقمت بفعل أعمال العنف ،على التّوجه ّ
إنعاش االقتصاد الوطني ،وهو ما لم يتجل بصورة واضحة في إطار أرضية الوفاق
األول من أهداف المرحلة االنتقالية ،المرسوم الرئاسي رقم ،40-94مرجع سابق. ) -الهدف ّ
1
-)2يتعل44ق األم44ر بالمرس وم الرئاس ي رقم ،42-92 ،مرج44ع س44ابق؛ المرس وم التش ريعي رقم ،03-92مرج44ع
سابق؛ المرسوم تشريعي رقم ،05-93مرجع سابق.
-)3راجع في ذلك :الفقرة الرابعة من أهداف المرسوم الرئاسي رقم ،40-94مرجع سابق.
-)4الفقرة الرابعة من المرجع نفسه.
5
-(Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit, pp.151-152.
-)6بشأن الحالة االقتصادية الجزائرية راجع :بوضياف محمد ،مرجع سابق ،ص.220-217.
95
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الوطني ،التي اكتفت بوضع برنامج يتسم بالعمومية ،والقائم على أربعة محاور 4يمكن
اختزالها في:
تكييف االقتصاد الوطني مع التحوالت الكبرى لالقتصاد العالمي ،واالنتقال المتحكم -
السوق.
فيه إلى اقتصاد ّ
الصناعية.
إجراء إعادة الهيكلة ّ -
الصادرات من غير المحروقات 4قصد تنويع مصادر تمويل االقتصاد.
تدعيم وترقية ّ -
انتهاج سياسة حيوية وشاملة لصالح الفالحة ،تم ّكن البالد من الوصول إلى أمنها -
الغذائي.
ترقية مجال الخدمات.1 -
)4األهداف االجتماعية:
رسمت أرضية الوفاق الوطني جملة من األهداف ،التي تصب في مسعى تحسن
ظروف المعيشية للمواطن ،معلنةً عن جملة من النقاط التي تهدف إلى تحقيقها ،والتي
ال ّ
تتمثّل في تعزيز العدالة االجتماعية ،ترقية اإلسكان ،وكذا إعداد وتنفيذ سياسة مالئمة
في فائدة ال ّشباب.2 وجريئة
المتضمنة الوفاق
ّ المسطرة أعاله ،إمكانية تصنيف األرضية
تطرح مختلف األهداف ّ
الوطني على أنها دستور برنامج.3
ثالثّاً
مؤسسات المرحلة االنتقالية
ّ
-بين التّعيين وتركيز السلطة-
الدولة:
رئاسة ّ أ)
مبرر
للدولة في تكرار غير ّ
وهي الهيئة التي يتّم تعيينها من طرف المجلس األعلى ّ
مؤسساتية ،من حيث
إلثارة مسألة الم ّشروعية ،أين عمدت هيئة استشارية إلى تعيين هيئة ّ
الدستور ،وأرضية الوفاق الوطني ،فضال
الدولة مستمدة من كل من ّ
أن صالحيات رئاسة ّ
ّ
الجمهورية في الدساتير
ّ المخولة لرئيس
ّ الصالحيات التّقليدية
عن ّأنها لم تخرج عن ّ
الجزائرية المتعاقبة.2
الحكومة: ب)
الدولة ،3بمجموعة
المعين من طرف رئيس ّ
ّ يضطلع رئيس الحكومة
الصالحيات ،4لع ّل أهمها إعداد البرنامج االنتقالي طبقا لألهداف الواردة في أرضية
ّ من
الوفاق الوطني ،5الذي يعرض على المجلس الوطني االنتقالي للمصادقة عليه بأغلبية 2/3
يكيف برنامجه
واستثناء في حالة التّصويت على الئحة التّحفظات 4حيث ّ
ً من األعضاء،
المعبر عنها ،أو يطلب تصويتا بالثّقة الذي يتم باألغلبية البسيطة،
ّ حسب هذه التحفظات4
وذلك بعد إجراء مجلس الوزراء مداولة حوله.1
المجلس الوطني االنتقالي: )2
يعتبر المجلس الوطني االنتقالي الهيئة الثانية المستخلفة 4للمجلس الشعبي الوطني
بعد المجلس االستشاري الوطني ،2وعلى الرغم من أنه ،من الناحية الوظيفية يقارب إلى حد
بمهمة التّشريع
طالعه ّ
بعيد من حيث صالحياته مهام المجلس ال ّشعبي الوطني ،من حيث اض ّ
عن طريق األوامر ،كما يتمتع بصالحيات رقابية ،إالّ ّأنه من ناحية التّشكيلة ال يعدو أن
الدولة ،من األحزاب السياسية ،والقوى االقتصادية
معينة من قبل كل من رئاسة ّ
يكون هيئة ّ
واالجتماعية.3
مما يجعلنا نقول بإخفاق 4أرضية الوفاق الوطني في مقاربة مبدأ الفصل بين
السلطات.4
ّ
المطلب الثّاني
الوطنية
ّ المقاربة التّشريعية للمصالحة
الرغم من إخفاق 4سياسة الحوار الوطني في بناء أرضية قوية ّلدفع بمسعى
علي ّ
أن هذه األخيرة قد عرفت طريقها إلى التّجسيد من خالل جملة من
الوطنية ،إالّ ّ
ّ المصالحة4
األطر التّشريعية التي إعتمد بشأنها المشرع مقاربات متفاوتة ،في تبني سياسة احتوائية ّلدفع
الرحمة (فرع ّأول) ،مرورا بإشراك
الوطنية ،بداية من إقرار تدابير ّ
ّ بعملية المصالحة
الوطنية (فرع ٍ
ثان). ّ اإلرادة ال ّشعبية من خالل قانوني الوئام المدني والمصالحة4
األول
الفرع ّ
الرحمة
تدابير ّ
السيد "اليمين
الرحمة على أنه امتداد لسياسة الحوار التي تبناها ّ
يطرح قانون ّ
جدي مع الجميع.1
للدولة ،أين أعرب عن ّنيته في فتح حوار ّ
زروال" عقب تنصيبه رئيسا ّ
الدولة آنذاك في اتّخاذ إجراءات حاسمة
السيد رئيس ّ
تجسيدا لهذا المسعى ،شرع ّ
جدية مسعاه ،أهمها إطالق صراح إثنين من قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ
تأكيدا على ّ
(المحلّة) المدعوان (علي جدي وعبد القادر بوخمهم) ،إقالة حكومة السيد "رضا مالك"،
السيد "مقداد سيفي" ،إعالنه عن شروعه في عملية الحوار
وتعيين حكومة جديدة بقيادة ّ
بنفسه مع بعض التشكيالت السياسية الفاعلة 4ومع قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ( المحلّة).2
تعنت كل
الدولة "اليمين زروال" قد باءت بالفشل ،بفعل ّ
أن مساعي السيد رئيس ّ
غير ّ
التمسك بمطالبها ،فضال عن رفض
ّ السياسية الفاعلة على الساعة الوطنية في
من التشكيالت ّ
قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) لمقترحات هذا األخير التي تبدو معقولة لحد بعيد،
والتي تجلّت في اقتران إطالق صراح قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) وإ لغاء جميع
القوانين االستثنائية ،فضال عن إعادة االعتبار لهذه األخيرة تحت تسمية أخرى ،بمجرد نبذ
العنف من قبل هذه األخيرة ،وهو ما قوبل بالرفض القاطع من قبل هؤالء؟.3
السيد رئيس الدولة عن فشلها في 31أكتوبر،1994
انتهت عملية الحوار بإعالن ّ
محمال وزر هذا الفشل ألطراف الحوار األخرى ،وعلى إثر ذلك دعى هذا األخير األحزاب
ّ
لمواجهة ال ّشعب مباشرةً من خالل اإلعالن عن تّنظيم انتخابات رئاسية مسبقة ،وذلك
الرئاسية.4
ّ المؤسسة
ّ إلضفاء ال ّشرعية على
السيد رئيس الدولة
لم يؤثر إخفاق عملية الحوار على النهج التّصالحي ،الذي تبناه ّ
الرحمة نزوال عند
"اليمين زروال" ،أين تّم إصدار األمر رقم ،12-96المتضمن تدابير ّ
المختصة ،وأشعروها
ّ للسلطات
ويتعلق األمر باألشخاص الذين سلموا أنفسهم تلقائياً ّ
بتوقّفهم عن كل نشاط إرهابي ،لكنهم تسببوا في قتل أشخاص أو إصابتهم بعجز دائم.1
تتعلق بعدم تحقيقه لنهج شامل لعدم اإلفالت من العقاب ،الذي يقتضي تفعيل المحاكمات في
بناء على تصرفات معزولة ،1وكذا عدم
مواجهة األطراف األمنية التي تخرق القانون ً
الضرر بالنسبة لضحايا اإلرهاب.2
اإلشارة إلى لمسألة جبر ّ
الفرع الثّاني
عملية المصالحة
ّ شعبية في
إشراك اإلرادة ال ّ
تكتسي العمليات اإلستفتائية أهمية بالغة من حيث ّأنها تعد من أحد مظاهر
السلطة
الديمقراطية غير المباشرة ،التي تضع بين يدي ال ّشعب وسائل تم ّكنه من ممارسة ّ
ّ
خارج أطر الديمقراطية التمثلية.3
السياق الجزائري ،مكسب من المكاسب ال ّشعبية،
مؤسسة االستفتاء في ّ
وتعتبر ّ
لبعدها التّاريخي ،أين تقترن بعملية االستفتاء على تقرير المصير في 1جويلية ،1962هذا
الشعبية هذه
ّ الديمقراطية
ّ الجزائرية
ّ للجمهورية
ّ الدساتير المتعاقبة
كرست جميع ّ
وقد ّ
السيادة
الربط بين عملية االستفتاء ،ومبدأ ّ
الديمقراطية المباشرة ،مع ّ
الصورة من صور ّ
ّ
ال ّشعبية.4
ّأوالً
الوطنية
ّ اإلجراءات المتبعة في سبيل إقرار كل من قانون المصالحة
وقانون الوّئام المدني
-)5راجع في ذلك كل من :إعالن المجلس الدستوري رقم /02أ.م.د ،99/المؤرخ في ،19/09/1999المتعلق
بإعالن نتائج قانون الوئام المدني ،ج.ر.ج.ج.د.ش،عدد ،66الصادرة بتاريخ21سبتمبر1999؛ مرسوم رئاسي
الناخبين لالستفتاء المتعلق بالمصالحة
رقم ،278-05مؤرخ في 14غشت سنة ،2005يتضمن استدعاء هيئة ّ
الوطنية ،يوم الخميس 29سبتمبر سنة ،2005ج.ر.ج.ج.د.ش،عدد ،55الصادر بتاريخ 15غشت .2005
-)2في مفهوم االستفتاء التّشريعي راجع :بقالم مراد ،مرجع سابق ،ص.5.
-)3أنظر في ذلك :المادة 119من المرسوم الرئاسي ،438 - 96المؤرخ 07ديسمبر ،المتعلق بنشر دستور
28نوفمبر ،1996ج.ر.ج.ج.د.ش ،عدد ،76الصادرة بتاريخ 8ديسمبر .1996
103
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الدستور و حسب
لتمر بعد ذلك بإجراءات التّصديق ،وفقا لألساليب المنصوص عليها في ّ
الطبيعة القانونية للنص محل التّصديق ،1أو أن يتّم تمريرها بموجب أمر رئاسي وفقا
2
النهائي
الدستور ،في حين يبقي إقرارها ّ
لل ّشروط المحددة بموجب المادة 124من ّ
مرهونا بتصديق ال ّشعب علي مشروع القانون اإلستفائي.3
وما يالحظ على الممارسة الجزائرية ،فيما يتعلّق بإقرار كل من قانون الوئام
الوطنيةّ ،أنها لم تشذ عن هذه القاعدة.
ّ المدني وقانون المصالحة4
فأما بالنسبة إلقرار قانون الوئام المدني ،نجد بأنه تم وفقا لإلجراءات التّشريعية
العادية إلقرار القوانين ،أين عمدت رئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان تّؤ كد فيه أن رئيس
بتبني مشروع قانون جديد يعرض على البرلمان ،وهو ما تم
الجمهورية ،سيكلّف الحكومة ّ
المتضمن الوئام المدني ،ليتم
ّ ال ّشروع فيه ،حيث قامت الحكومة بإعداد محتوى المشروع
مرة أخرى
الرأي بشأنه ،قبل أن يعرض ّ
ّ الدولة من أجل أخذ
عرضه بعد ذلك على مجلس ّ
على مجلس الوزراء للمصادقة عليه.4
ثانياً
شعبية
السيادة ال ّ
اإلستفتائية لمبدأ ّ
ّ البحث في حقيقة تفعيل القوانين
-)1قانون رقم ،08-99الم44ؤرخ في ،13/07/199المتعل44ق باس44تعادة الوئ44ام الم44دني ،ج.ر.ج.ج.د.ش ،رقم،46
الصادرة بتاريخ .13/07/1999
-)2أنظر في ذلك :إعالن المجلس الدستوري رقم /02أ.م.د ،99/مرجع سابق.
أن نتائج االستفتاء لم تكن في صالح قانون الوئام المدني ،هل كان سينجر عن ذلك إلغائه بأثر
) -فماذا لو ّ
3
اإلستفتائية فإننا نتساءل عن فعلية إشراك اإلرادة ال ّشعبية في سياق عملية إقرار المصالحة4
الوطنية الجزائرية ،وهو ما يمكن أن نتبينه من خالل البحث عن أثار تبني القوانين
الدستوري الجزائري.
اإلستفتائية في النظام ّ
الطّبيعة "ما فوق القانونية" للقوانين اإلستفتائية : )1
أن التشريعات اإلستفتائية تنصب على القوانين من الناحية
الرغم من ّ
على ّ
أن ارتباط المصادقة عليها باالستفتاء تجعله يسمو عن سائر المعايير
الموضوعية ،إالّ ّ
للدستور ضمن التصنيف المعياري
التّشريعية األخرى ،وهو بذلك يحتل مرتبة موالية ّ
العام.1
هذا ويذهب األستاذ"بويحيى جمال" في معرض توصيفه للطّبيعة القانونية لميثاق
السلم والمصالحة 4الوطنية ،بأنه آلية فوق قانونية ( ،) SUPRA JURIDIQUEمعلّال
ّ
الدول بمؤسساتها حالة 4من عدم
بأن مثل هذه اآلليات تأتي في مراحل تجتاز فيها ّ
ذلك ّ
االستقرار واالنهيار إلى درجة تهديد -هذه األخيرة – في استمراريتها ،كما يفتقد
مهددا
جموع متساكنيها للعديد من حقوقهم ،بالقدر الذي يصبح معه الحق في الحياة ّ
بشكل كبير ،حينها تصبح مثل هذه الحلول كمخرج -و إن كان منتقد -ألزمة غير
عادية.2
اآلثار المترتّبة عن القوانين اإلستفتائية : )2
السياق الجزائري بما لها من ارتباط
يترتب عن إقرار القوانين اإلستفتائية في ّ
السيادة ال ّشعبية فضال عن صورية إشراك اإلرادة ال ّشعبية حول البرنامج
وثيق بمبدأ ّ
الرقابة على
السياقات الجزائرية ،تقويض دور البرلمان في ّ
موضوع االستفتاء في ّ
الرقابة على مدى
الدستوري في ّ
القوانين اإلستفتائية ناهيك عن تحجيم دور المجلس ّ
للدستور.
مطابقة القوانين اإلستفتائية ّ
-)1راجع في ذلك كل من :رابحي أحسن ،مرجع سابق ،ص 187.؛
- HONFUNG (M.G), Le référendum, collection que sais – je ?, P.U.F, Paris, 198, p.63.
الراهنة" ،ورقة بحث مقدمة إلى
الديمقراطي :تداعيات االنتفاضات ّ
) -بويحيى جمال "دولة القانون واالنتقال ّ
2
مخبر العولمة والقانون الوطني ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري ،تيزي وزو،2014 ،
ص.14.
106
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
1
طرح أساسه في
حد ذاته ،ويجد هذا ال ّ
الرئيس وليس عملية للمصادقة على برنامج قائم في ّ
ّ
الدستور ذاته التي جعلت من حق في اللّجوء إلى اإلرادة ال ّشعبية حقا محجوزا لرئيس
أحكام ّ
الجمهورية ،2مما يجعلنا ننزع للقول بصورية إشراك اإلرادة ال ّشعبية حول البرنامج
ّ
موضوع االستفتاء في السياقات الجزائرية.
المبحث الثّاني
الجزائرية
ّ االنتقالية في إطار التجربة
ّ عدم اكتمال أركان العدالة
يمكن َتبُين أركان العادلة االنتقالية في ضوء التّعريف الذي أورده األمين العام
لألمم المتحد بشأنها ،والذي يقضي بأنها عبارة عن"مجموعة من اآلليات والعمليات
القضائية وغير القضائية المرتبطة بالمحاوالت التي يبذلها المجتمع لمعالجة آثار تركت من
تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة 4المسألة وإ قامة العدالة وتحقيق المصالحة.3" 4
االنتقالية على ركنين أساسيين؛ يتعلق األول
ّ نستشف مما سبق قيام العدالة
أما الثّاني فيتعلق بإرساء آليات
بضرورة تحقيق التّكامل بين عناصر العدالة االنتقاليةّ ،
فعالة لالضطّالع بعملية تحقيق هذا التّكامل.
ّ
وهو ما ال نلمسه في إطار المقاربة الجزائرية أين لم تنجح هذه األخيرة في
استيفاء العناصر التي تطرحها 4العدالة االنتقالية (مطلب ّأول) ،فضال عن إقصاء آليات هذه
األخيرة من إنفاذ قانون المصالحة الوطنية (مطلب ٍ
ثان).
األول
المطلب ّ
االنتقالية
ّ الجزائرية لعناصر العدالة
ّ عدم استيفاء المقاربة
األول
الفرع ّ
االنتقالية
ّ الحية للعدالة
التص ّ
َ غياب مقاربة شاملة للعناصر
الوطنية
ّ في إطار قانون المصالحة
الوطنية
ّ في الوقت الذي تفترض فيه العدالة االنتقالية ،اضطالع برامج المصالحة
التصالحية للعدالة االنتقالية من خالل مقاربة شاملة ،تقوم المقاربة الجزائرية
ّ بالعناصر
الضرر ،وإ هدار الحق في معرفة الحقيقة.
على التّعويض كبديل لجبر ّ
ّأوالً
الضرر
التّعويض كبديل عن جبر ّ
1
-(PENA Mariana, « Réparation individuelle et réparation collective », In acte du séminaire pour :la
paix et conciliation, organiser pars :CFDA, SOS disparus, FDA, Djazairouna, ANFD, Soumoud,
Bruxelles,18-19 mars 2007, p.153.
109
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الدول عن
أن"الدولة مسئولة في مواجهة باقي ّ
ّ الدولي مفادها
) -يتعلق األمر بقاعدة عرفية راسخة في القانون ّ
1
الناتج عن أفعالها غير المشروعة" ،راجع في ذلك :هنكرتس جون –ماري و لويز دون والد –بك،
الضرر ّ
جبر ّ
مرجع سابق ،ص.463.
والسياسة ،مرجع سابق.
ّ الدولي الخاص بالحقوق المدنية
) -نذكر منها :المادة 2من العهد ّ
2
الدولية ،مرجع
) -يتعلق األمر بالمادتين 68و 75من نظام روما األساسي ،المتعلق بإنشاء المحكمة الجنائية ّ
4
سابق.
الصراعات ،برامج جبر
للدول الخارجة من ّ
) -مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون ّ
5
- )1أنظر في ذلك :البند الرابع من مشروع الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية متوافر على الموقع
اإللكتروني:
www.el-mouradia.dz/consulter, consulté le:06/06/2015, à 01 :16
ظرف
يصرح بفقدانه في ال ّ
ضحية المأساة الوطنية ال ّشخص الذي ّ
ّ -)2تنص المادة 27على ما يلي" :يعتبر
الخاص الذي نجم عن المأساة الوطنية ،التّي فصل فيها ال ّشعب بكل سيادة ....تترتب صفة ضحية المأساة
الوطنية الحق في التّصريح بالوفاة بموجب حكم قضائي" ،أمر رقم ،01-06المؤرخ في 27فبراير ،2006
الوطنية ،ج.ر.ج.ج.د.ش ،عدد ،11موافق 28فبراير .2006
ّ السلم والمصالحة
يتضمن تنفيذ ميثاق ّ
-)3المادة 37من األمر رقم ،01-06مرجع سابق.
-)4المادة 30من المرجع نفسه.
111
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
وهو ما يجعلنا نقول باتّساع األساس القانوني للتّعويض في إطار 4إجراءات التكفل
بناء على أحكام قانون المصالحة الوطنية ،التي لم تتوقف عند شرط
بملف المفقودين ً
الخطأ الجسيم أو شرط المخاطر 4الناشئة عن أعمال أعوان األمن ،1للقول باستحقاق ذوي
حقوق ضحية المأساة الوطنية بمفهوم المادة 2من المرسوم الرئاسي رقم93-06
للتّعويض ،وإ نما أقامتها على أساس المخاطر 4االجتماعية.2
التّعويض على أساس التّضامن االجتماعي: ب)
لقد أقام الم ّشرع الجزائري التّعويضات بعنوان اإلجراءات الرامية إلى تعزيز
3
الرامية إلى تعزيز التّماسك
المصالحة الوطنية ،وكذا التّعويضات بعنوان اإلجراءات ّ
الوطني ،4على أساس التّضامن االجتماعي وهو ما يتّجلى من خالل ما يلي:
-)5أنظر في ذلك :عميرش نذير ،المسؤولية المدنية 4للدولة عن األضرار الناتجة عن أعمال العنف واإلرهاب:
دراسة مقاربة ،أطروحة لنيل درجة دكتوراه علوم في القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة
منتوري ،قسنطينة ،2011،ص.468.
-)1باخالد عبد الرزاق ،المصالحة الوطنية في إطار السياسة الجنائية ،بحث لنيل شهادة الماجستير في القانون
الجنائي والعلوم الجنائية ،كلية الحقوق والعلوم القانونية ،جامعة منتوري قسنطينة ،2010-2009 ،ص.202.
-)2أنظر في ذلك :عميرش نذير ،مرجع سابق ،ص.471.
-)3القسم الثاني من الفصل الثالث ،من األمر رقم ،01-06مرجع سابق.
-)4الفصل الخامس من المرجع نفسه.
-)5أنظر في ذلك المادة 25من األمر رقم ،01-06مرجع سابق.
-)6المادة 5من المرسوم الرئاسي رقم ،124-06المؤرخ في 27مارس ،2006يحدد كيفيات إعادة إدماج
أو تعويض األشخاص الذين كانوا موضوع إجراءات إدارية للتّسريح من العمل بسبب األفعال المتّصلة بالمأساة
112
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
بمقتضى قرار قضائي أو إداري سابق لتاريخ نشر هذا المرسوم ،1وموجود ضمن قائمة
األشخاص إما الموضوعين قيد االعتقال بموجب إجراء إداري ،أو المتابعين والمحبوسين
الوطنية ،أو المستفيدين من أحكام قانون
ّ أو المحكوم عليهم بسبب أفعال مرتبطة بالمأساة
الوئام المدني واألمر المتعلق بالمصالحة الوطنية.2
ويكون التّعويض متناسبا مع سنوات النشاط المهني ويدفع من الحساب رقم
302-096الذي عنوانه" :الصندوق الخاص للتّضامن الوطني" ،مما يجعل التّعويض في
هذه الحاالت قائما على أساس الّتضامن الوطني.3
الرامية إلى تعزيز التّماسك الوطني:
-التّعويض بعنوان اإلجراءات ّ
الرامي إلى تعزيز التّماسك الوطني ،فظال
عمد الم ّشرع الجزائري في إطار مسعاه ّ
عن إسقاط تهمة اعتبار األسر التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في األفعال المذكورة في
المادة 2من نفس األمر فاعلين أصليين أو محرضين أو مساهمين أو شركاء ،4وكذا
أي تمييز في حق هذه الفئة ،5إلى إقرار حق األسر المحرومة 4التي ابتليت بضلوع
تجريم ّ
الدولة بعنوان التّضامن االجتماعي.6
في اإلرهاب من إعانة تمنحها ّ أحد أقاربها
وسع من األساس القانوني
على ضوء ما سلف بيانه نالحظ بأن المشرع قد ّ
للتعويض الذي أقامه في استقاللية تامة عن عنصر الخطأ ،ما من شأنه أن يكفل تعزيز
الضحايا وحقهم في اقتضاء التّعويض ،1إالّ ّأنه ليس يخفانا أن نبحث عن مدى كفاية
مركز ّ
الضرر في
اتّساع األساس القانوني للتّعويض في تجسيد برنامج متكامل وشامل لجبر ّ
بعديه المادي والموضوعي.
الوطني ة لعناص ر
ّ ) 2ع دم تحقي ق برن امج التّع ويض في إط ار ق انون المص الحة
مولية:
ّ ال والش االكتم
جوهرية في مسار تحقيق
ّ الضرر ،من حيث ما تش ّكله من أهمية
إن مسألة جبر ّ
للضحايا بما يضمن توفير أرضية خصبة لتجاوز الماضي
العدالة وإ عادة االعتبار ّ
واالنطالق نحو المستقبل ،تفترض النهوض ببرامج متكاملة وشاملة لتحقيق هذا المسعى.2
السامية لحقوق
الضرر بالمفهوم الذي تطرحه المفوضية ّ
ويتخذ اكتمال برامج جبر ّ
اإلنسان بعدين؛ بعد موضوعي وبعد مادي وهو ما سنعمل على توضيحه على النحو
التالي:3
الضرر:
أ) من حيث البعد المادي لبرامج جبر ّ
ضحية من ضحايا
ّ الضرر في بعدها المادي تحويل كل
يقتضي اكتمال برامج جبر ّ
الدولي اإلنساني إلى مستفيد،
الدولي لحقوق اإلنسان والقانون ّ
االنتهاكات الجسيمة للقانون ّ
وهو ما يقتضي شمولية جميع ضحايا االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان في برامج
التّعويض.4
1
)- Voir: C.N.P.P.D.H, Rapport annuel, état de droit en Algérie, ANEP, Alger, 2000, pp.21-22.
2
-(MOTTET Carol et POUT Christina , la justice transitionnel: une voie vers la réconciliation et la
construction d’une paix durable, en collaborations de: D.F.A.E , M.A.E.E.F, C.N.O.U.D.H.D.A.C,
Conférence paper1/2011, p.21.
الصراعات ،برامج جبر
للدول الخارجة من ّ
مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون ّ
ّ -)3
الضرر ،مرجع سابق ،ص.6.
ّ
الصراعات ،برامج جبر
للدول الخارجة من ّ
مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون ّ
ّ -)4
الضرر ،مرجع سابق ،ص.15.
ّ
114
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الناجحة في مجال
الرغم من اعتبار كل من تجربة جنوب إفريقيا والتّجربة المغربية من التّجارب ّ
) -على ّ
1
الوطنية ،إلى ضرورة تحيين القوانين المتعلقة بتعويض ضحايا اإلرهاب بما يتوافق مع متطلّبات هذه الفئة ،أنظر
في ذلك(،خ) ملكية ،خلية المساعدة القضائية لتنفيذ ميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية 15:اقتراحا
الستكمال المسار وسد الثغرات ،جريدة المساء ،يوم .2011-05-18
-)2المادة 42من األمر رقم ،01-06مرجع سابق.
-)3المادة 25من األمر ،01-06مرجع سابق.
116
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
ثبت أن حالة الفقدان لم تكن نتيجة التحاق 4ال ّشخص( بالجماعات اإلرهابية) ،1فضال عن
إقصاء كل من أبناء "ضحية المأساة الوطنية" البالغين 21سنة فما فوق وكذلك األبناء
الدراسة أو ال يتبعون التّمهين ،فضال عن
البالغين 19سنة فما فوق والذين ال يزاولون ّ
بنات الهالك ذوات دخل ،2مما يجعلنا نتساءل عن سبب هذه التّرجمة التّشريعية الخاطئة
للدولة ،الذي يفترض أن يطال
لمفهوم التّعويض ال ّشامل المترتب عن المسؤولية المدنية ّ
المتضررين.
ّ جميع
المشرع الجزائري ،ما ذهب إليه من عدم التّمييز بين
ّ ومن جهة أخرى ،نأخذ على
األشخاص الذين كانوا محل تسريح إداري بفعل األعمال المتّصلة بالمأساة الوطنية والذين
ثبتت براءتهم فيما بعد ،وأولئك الذين تأ ّكدت إدانتهم ،3خاصة فيما يتعلق بإجراءات إعادة
المشرع الجزائري من تغليب عملية التّعويض
ّ اإلدماج ،فإذا كان من المنطقي ما ذهب إليه
المستخدم ،الذي قد يكون قد تعرض للتّصفية أو اإلفالس
ّ بدال من اإلدماج مراعاةً 4لوضعية
المؤسسات
ّ انجر عن عملية الخوصصة من غلق العديد من
وإ عادة الهيكلة ،هذا فضال عما ّ
أي حائل آخر قد يحول دون
النفسية أو البدنية أو ّ
االقتصادية العامة ،وكذا مراعاة للحالة ّ
تمكن الشخص التائب من العودة إلى منصب عمله.4
الصادرة
وإ ذا كان ،من المنطقي ما ذهبت إليه تعليمة رئيس الحكومة ّ
المقررة،
في أفريل ،2006من استثناء كل من العارضين الذين تتوافر فيهم الشروط ّ
الدفاع الوطني و
والذين مارسوا سابقا بصفتهم مستخدمين مدنيين شبيهين بوزارة ّ
مستخدمي المديرية العامة لألمن الوطني ،زيادةً على مناصب التّعليم و التّأطير في
مؤسسات التّربية الوطنية والتّكوين المهني والجامعات ،من الحق في إعادة اإلدماج ،5وإ ذا
ّ
المشرع من عدم ترتيب آثار مالية رجعية عن عملية إعادة
ّ كان من المقبول ما ذهب إليه
1
) - C.F.D.A , Rapport annuel, situation des droit de l’homme en Algérie, 2013, p.25.
-)2راجع المادة 9من المرسوم الرئاسي رقم ،93-06المؤرخ في 28فبراير ،2006يتعلق بتعويض ضحايا
المأساة الوطنية ،ج.ر.ج.ج.د.ش ،عدد ،11الصادرة بتاريخ 28فبراير سنة .2006
-)3المادة 25من األمر رقم ،01-06مرجع سابق.
-)4المادة 13من المرسوم الرئاسي رقم ،124-06مرجع سابق.
117
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
1
هدار للحقوق عندما يتعلق األمر بأشخاص
ً إو إجحافا يعتبر قد ذلك كل أن
ّ ال
ّ إ ، اإلدماج
ثبتت براءتهم.
الضحايا المباشرين
عملية اإلقصاء الكلي ،فهي تتعلق بمجموعة واسعة من ّ
أما عن ّ
الدولي اإلنساني خالل المأساة
لالنتهاكات الجسيمة للقانون الّدولي لحقوق اإلنسان والقانون ّ
الصحراء ،ملف
الوطنية ،طرحت جملة من الملفات ممثّلة في كل من؛ ملف معتقلي ّ
ّ
عناصر األمن الوطني الذين كانوا محل تسريح خالل المأساة الوطنية ،ملف األشخاص
الذين كانوا ضحايا عمليات تعذيب و معامالت الإنسانية ومهينة نتيجة تصرفات انفرادية
من طرف أعوان األمن الوطني ،ملف األشخاص الذين ثبتت براءتهم بعد مكوثهم فترة
المؤسسات العقابية ،2ملف أطفال الجبل الذين لم يثبت نسبهم ،3ملف عناصر
ّ معتبرة في
المهجرين داخليا ،5فضال عن تعويض
ّ الدفاع الذاتي ،4وكذلك الملّفات المتعلقة بكل من
ّ
المتضررة من المأساة الوطنية ،6كما ظل ملف
ّ الممتلكات الخاصة لألشخاص المعنوية
النسيان لمدة 10سنوات من تاريخ إقرار قانون المصالحة
النساء المغتصبات طي ّ
ّ
الوطنية.7
ّ النوع (الجندر) خارج 4نطاق قانون المصالحة
الوطنية ،بقية فيها مقاربة ّ
الضرر:
من حيث البعد الموضوعي لبرامج جبر ّ ب)
-)5تعليمة رئيس الحكومة رقم 05المؤرخة في ،23/11/2006المتعلقة بدراسة طلبات التعويض المقدمة من
قبل المستخدمين العسكريين والمدنيين التابعين لوزارة الدفاع الوطني المتطوعين أو المفصولين من الخدمة.
-)1المادة 12/3من المرسوم الرئاسي رقم ،142-06مرجع سابق.
2
) - Voir :C.N.P.P.D.H, Rapport annuel, état de droit en Algérie, Op.cti,p.69.
-)3لقد صرح األستاذ "مروان عزي" بأن خليته تلقت 100ملف من أبناء الجبال دون شهادة ميالد وقد تم تسوية
40ملف منها فقط عن طريق اعتماد تقنية الحمض النووي المكلفة جدا على حد تعبيره ،كما أشار هذا األخير
إلى وجود 500طفال آخرين لم تتم تسوية ملفاتهم بعد ،أنظر في ذلك :بوروينة فتيحة 500" ،طفل مولودون
في معاقل اإلرهاب ينتظرون شهادات ميالد رسمية" ،المساء 22 ،جويلية .2012
4
( - Voir :C.N.P.P.D.H, 2010, Op.cit.p.69.
-)5لقد تم إحصاء أكثر من مليون ومأتي مهجر داخلي خال في أعقاب األزمة األمنية الجزائرية ،راجع برقوق
محند ،مرجع سابق ،ص40.
6
) -Billant de l’application de la charte pour la paix et la réconciliation entre satisfaction et scepticisme,
In el watan. du 12/9/2006.
118
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
-)7مرسوم تنفيذي رقم ،26-14مؤرخ في 1فيفري ،2014يتمم مرسوم تنفيذي رقم ،47-99المؤرخ في13
فبراير ،1999يتعلق بمنح تعويضات لصالح األشخاص الطبيعيين ضحايا األضرار الجسدية والمادية التي لحقت
بهم نتيجة أعمال إرهابية أو حوادث وقعت في إطار مكافحة اإلرهاب ،وكذا لصالح ذوي حقوقهم،
ج.ر.ج.ج.د.ش ،عدد ،5الصادرة بتاريخ 2فبراير .2014
1
)- Voir : PENA Mariana,« Réparation individuelle et réparation collective », Op.cit, p.155.
الصراعات ،برامج جبر
للدول الخارجة من ّ
) -مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون ّ
2
السابقة ،وهو ما سنرى الحقاً في إطار هذا البحث بأنه من الحقوق التي تم
ّ
الوطنية.
ّ إقصائها في إطار قانون المصالحة4
الترضية :وتتعلق بمجموعة واسعة من التّدابير ،تتراوح بين التّدابير الهادفة إلى
ّ -
وقف االنتهاكات من خالل استجالء الحقيقة وفرض العقوبات القضائية.4
ثانياً
الوطنية للحق في معرفة الحقيقة
ّ إهدار قانون المصالحة
1
) - Voir : PENA Mariana, «Réparation individuelle et réparation collective », Op.cit, p.155.
-)2أمر رقم ،01-11مؤرخ في 23فبراير ،2011يتضمن رفع حالة الطوارئ ،ج.ر.ج.ج.د.ش،عدد،124
الصادرة بتاريخ 23فبراير .2011
المؤسساتي التي تبناها المشرع الجزائري راجع ،بولودنين
ّ -)3لمزيد من التّفاصيل حول عمليات اإلصالح
أحمد ،مرجع سابق ،ص.313-188.
4
)- MOTTET Carol et POUT Christina, la justice transitionnel: une voie vers la réconciliation et la
construction d’une paix durable, Op.cti.23.
120
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
-)1نقبي ياسمين" ،الحق في معرفة الحقيقة في القانون الدولي واقع أم خيال" ،مختارات من المجلّة الدولية
للصليب األحمر ،اللّجنة الدولية للصليب األحمر ،المجلد ،88العدد ،8624حزيران ،2006ص.95-58.
ولجنة المصالحة واإلنصاف المغربية من
ّ -)2تعتبر كل من لجان الحقيقة والمصالحة المنشأة في جنوب إفريقيا،
قبيل التّجارب الرائدة في هذا المجال :
-Voir : YOUSSEF Nada, Op.cti ,pp.227-246.
الصراع ،وثائق ،األمم المتّحدة،
االنتقالية لمجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد ّ
ّ -)3سيادة القانون والعدالة
رمز الوثيقة S/661/2004بتاريخ 23أوت ، 2004ص.10-9.
السالم من خالل الكشف عن المسؤوليات"،
) -سووكا ياسمين"،النظر إلى الماضي والعدالة االنتقالية لبناء ّ
4
لربطها بنتيجة وحيدة وتتمثل في تحرير محضر بالفقدان جراء عدم جدوى البحث ،دون
ينجر عنه من نتائج .1
إيراد أي احتمال آخر ،وتنظيم ما قد ّ
الضحايا ،بالحق في الحصول
الوطنية لذوي حقوق ّ
ّ هذا ،وال يقّر قانون المصالحة4
على معلومات كافية عن ظروف ومالبسات وقوع حاالت االختفاء ،أو تحديد مكان الوفاة
وسببها وإ رشاد األهالي إلى مكان دفن ذويهم.2
أما عن الحق في معرفة الحقيقة في بعده الجماعي فنجد مقصي من خالل المادة
46من قانون المصالحة 4الوطنية التي تنص على ما يلي" :يعاقب بالحبس من 3سنوات
إلى 5سنوات وبغرامة من 25.000دج إلى 5000.000دج كل من يستعمل من خالل
تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر ،جراح 4المأساة الوطنية أو يعتّد بها للمساس
الدولة ،أو لإلضرار
الشعبية ،أو إلضعاف ّ
ّ الديمقراطية
ّ الجزائرية
ّ الجمهورية
ّ بمؤسسات
ّ
الدولية"،3
ّ بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف ،أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل
4
قيدا
مما يش ّكل ً
معينا من القيد على كل باحث على الحقيقة ّ ،
وهو ما نستقرئ منه مقدار ً
على كل باحث عن الحقيقة.
الفرع الثّاني
الوطنية لخيار العفو
ّ تبني قانون المصالحة
-بين ضرورة استتباب األمن ومتطلبات تحقيق العدالة –
تخصص القانون الدولي العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم الحقوق ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة،
،2012ص.199.
-)2المادة 6/2من البرتوكول اإلضافي الثّاني الملحق باتفاقيات جنيف األربعة ،مرجع سابق.
-)3بن خديم نبيل ،مرجع سابق ،ص.200.
123
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الوطنية
ّ نستشف -بصفة واضحة -عند العودة إلى أحكام قانون المصالحة
أن يكون إالّ صورة أخرى من صور اإلفالت من العقاب بعنوان
الجزائري أنه ال يعدو ّ
العفو ال ّشامل غير الخاضع للمسألة ،وهو ما يمكن تبيينه من خالل ما يلي:
ّأوالً
الوطنية عبارة عن تدبير عفو غير خاضع للمسألة
ّ قانون المصالحة
تعتبر من قبيل تدابير العفو ألغراض البحث في مدى مشروعيتها بالمفهوم الذي
تطرحه هيئة األمم المتحدة تلك القوانين التي تهدف إلى:
حظر المالحقة الجنائية وفي بعض الحاالت اإلجراءات المدنية الحقا ،ضد أشخاص
محدد أرتكب قبل اعتماد
معنيين أو فئات معينة من األشخاص فيما يتعلق بسلوك إجرامي ّ
حكم العفو؛ أو إبطال أي مسؤولية قانونية سبق إثباتها.1
وهو الّتعريف الذي استوفى قانون المصالحة 4الوطنية إلى حد بعيد مقتضياته ،أين
يترتب عن االستفادة من إجراءات انقضاء الدعوى العمومية اإلعفاء من المتابعة ،إذا
كانت القضية ال تزال على مستوى التّحقيق االبتدائي،أو انقضاء الدعوى العمومية إذا
كانت موضوع تحقيق قضائي أو تأجيل أو قيد في الجدول أو مداولة أمام الجهات القضائية
بالمحصلة حضر المتابعة الجزائية
ّ للحكم ،انقضاء الدعوى العمومية ،والتي يترتب عنه
في حق ال ّشخص التائب عن األفعال محل قانون العفو ،2وذلك بالنسبة للفئات والمدنية
التّالية :
السلطات المختصة في الفترة الممتدة
األشخاص الذين سلّموا أنفسهم إلى ّ )1
من 13يناير من سنة 2000إلى 28فبراير.32006
ومن حمل أي وسام -وهو الحكم الذي تقرره المادة 5من قانون الوئام المدني -بالنسبة لألشخاص المستفيدين
بأن هذا الحكم قد جاء لتعميم حكم المرسوم الرئاسي رقم
من أحكام قانون الوئام المدني ،ونتوجه إلى القّول ّ
إرادية
ّ قررت بصفة
03-0200المتضمن عفوا خاصا عن األشخاص الذين سبق لهم االنتماء إلى منظّمات ّ
وتلقائية إنهاء أعمال العنف ووضعت نفسها تحت تصرف الدولة كليا أو جزئيا والمذكورة أسماؤهم بملحق أصل
هذا المرسوم ،كما جاء للمساواة بين اإلرهابيين التّائبين 4المستفيدين من أحكام قانون الوئام المدني وغيرهم من
اإلرهابيين التائبين المستفيدين 4من أحكام قانون المصالحة الوطنية ،كون هذا األخير ال يقرر ّأية عقوبة تبعية،
أن هذا الحكم يبقي موقوفا – تحت عنوان إجراءات الوقاية من تكرار المأساة الوطنية -سواء
تجدر اإلشارة إلى ّ
من إجراءات قانون الوئام المدني ،أو بالنسبة لؤلئك المستفيدين 4من إجراءات قانون بالنسبة للمستفيدين4
ضد األمة وسياسة
الوطنية ،على شرط اإلقرار بمسؤوليتهم في وضع وتطبيق سياسة تمجيد العنف ّ
ّ المصالحة
الدولة ،وفقا لما تفصح عنه المادة 26/2من قانون المصالحة الوطنية ،إالّ ّانه يستوقفنا في هذا الصدد ما ذهبت
ّ
إليه نفس المادة في فقرتها األولى من حضر ممارسة النشاط السياسي بأي شكل من األشكال على كل شخص
الوطنية مما يدفعنا للقول بعم استفادة قيادات
ّ مسؤول عن االستعمال المغرض للدين الذي أفضي إلى المأساة
الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)من الحق في ممارسة الحقوق السياسية ،أنظر في ذلك كل من :المادة 4و،21
من أمر رقم 01-06مرجع سابق؛ لمادة 5من القانون رقم 08-99؛ مرسوم رئاسي رقم ،03-2000مؤرخ
في 10جانفى ،2000يتضمن عفوا خاصا ،ج.ر.ج.ج.د.ش ،عدد ،1الصادرة بتاريخ 11جانفي .2000
-)1المادة ،5من األمر رقم ،01-06مرجع سابق.
-)2المادة 6من المرجع نفسه.
125
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
ثانياً
الوطنية
ّ منافذ اإلفالت من العقاب في إطار قانون المصالحة
الوطنية من خالل
ّ يمكن أن تتبين منافذ اإلفالت من العقاب في إطار قانون المصالحة4
ما يلي:
السلوك
استعماله سياسة استبعاد ناقصة بعيدة كل البعد عن استيعاب جميع فئات ّ )1
األدلة ،3وهو
التي ينبغي أن تخضع لتحقيق فعال وأن يالحق مرتكبوها جنائيا عند ثبوت ّ
الوطنية من قبيل قوانين العفو
ّ ما يفضي بنا إلى القول بصورية اعتبار قانون المصالحة
المطلب الثّاني
الوطنية
ّ إقصاء آليات العدالة االنتقالية من إنفاذ قانون المصالحة
محدودية الوالية :سواء تعلق األمر بالوالية الموضوعية ،من خالل الحصر )1
المرن لنوع الجرائم التي تعني اللّجنة بالتحقيق فيها ،كما قد تم توسيع الوالية
1
الزمنية
الضرر ،وكذا الوالية ّ
الموضوعية للجان الحقيقة لتشمل عمليات جبر ّ
الزمني لهذه اللّجان مؤقت ،سواء فيما يتعلق بالوالية محل
أين يكون االختصاص ّ
التّحقيق أو فيما يتعلق بمدة عملها ،على أن يكون تحديد هذه األخيرة مرنا وقابال
للتّمديد لعهدة أو عهدتين.2
التّفاعل مع مناهج العدالة االنتقالية األخرى :سواء تعلق األمر بالبرامج )2
التّصالحية األخرى ،والتي قد تكون لجان الحقيقة 4وعاء لها متى تمت إناطتها
السبل الفّعالة لإلصالح
طالع بعمليات جبر الضرر و/أو البحث في ّ
بمهمة االض ّ
المؤسساتي ،أو قد تكون هذه البرامج امتداد لعمل لجان الحقيقة ،من خالل ما
ّ
أسس يمكن االستناد عليها في بناء نهج متكامل للعدالة
تطرحه توصياتها من ّ
إما بتعزيز
العمليات الجنائيةّ ،
ّ االنتقالية ،3هذا وتتقاطع أعمال لجان الحقيقة مع
الهدف المنشود منها من خالل ما قد تّقدمه من دعم لجهات االتّهام ،أين تتناول
موضوعا للمحاكم ،أو
ً لجان الحقيقة بالتّحقيق المواضيع التي يمكن لها أن تكون
بالنسبة لتقرير حق العفو المشروط مقابل الحقيقة،
بتجاوزها كما هو األمر ّ
للجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا.4
بالنسبة ّ
ّ
l'évaluation de la justice transitionnelle », In R.I.C.R, Volume 88,N° 861, mars 2006, p. 358.
للدول ما بعد الصراع ،لجان الحقيقة ،مرجع
) -مفوضية األمم المتحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون ّ
3
سابق ،ص.6.
-)4سووكا ياسمين ،مرجع سابق ،ص.37.
129
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
االنطالق من الماضي لبناء المستقبل ،بحيث تقوم فلسفة لجان الحقيقة على الوقوف )3
على انتهاكات الماضي من أجل اإلفادة منها في صياغة توصيات للمساعدة
على النهوض بالمستقبل.5
أن نجاعة أداء لجان الحقيقة يدور وجودا وعدما مع
وإ ذا كان من المسلّم بهّ ،
الدعم الجماهيري لها،
استيفائها لمقومات ،الحياد ،االستقاللية ،مدى االلتزام بتوصياتهاّ ،
المقدرة على حماية ال ّشهود ،كفاية التّمويل ،التّكامل مع إجراءات العدالة االنتقالية
2
الدولة محل عملية
األخرى ،فضال عن التّفرد بما يستجيب لخصوصية سياق تجربة ّ
االنتقال ،والتي إن كانت تشكل المبادئ األساسية لنجاعة عمل لجان الحقيقة 4،إالّ ّأنها
التحديات التي تواجه العدالة االنتقالية عبر آلية لجان
يصدق عليها في الوقت نفسه وصف ّ
الحقيقة.3
على صعيد آخر ،تحتّل إشكالية مدى مالئمة آلية لجان الحقيقة كبنية أساسية
لتحقيق العدالة االنتقالية ،صدارة المسائل التي يجب التّوقف عندها والتي عادة ما تكون
للسياق الذي تطرح فيه
االقتصادية ،واالجتماعية ّ
ّ السياسية،
رهينة المحددات التّاريخيةّ ،
مسألة العدالة االنتقالية ،4أين تتفاعل هذه المحددات للحيلولة دون اعتماد آليات الستجالء
الحقيقة بالمطلق ،سواء تعلق األمر بلجان الحقيقة 4أو غيرها من نماذج اآلليات التي يطلق
عليها وصف اآلليات التّصالحية الهادفة إلى إعادة اعتبار للّضحايا ووضع ضمانات عدم
التّكرار من خالل قناة إجالء الحقيقة ،5األمر الذي يمكن أن نلمس مظاهره من خالل
التّجربة الجزائرية.
نسجل كذلك ،محدودية تجربة العدالة االنتقالية من خالل آليات إجالء الحقيقة
السلم والمصالحة ،1رغم أن الجزائر قد عرفت تجربة
في إلهام واضعي الميثاق من أجل ّ
السيد رئيس الجمهورية "عبد العزيز بوتفليقة"
سابقة شبيهة بلجان الحقيقة حيث انتهى ّ
بموجب المرسوم الرئاسي رقم ،299-03إلى إلحاق هيئة خاصة ومؤقتة باللجنة
الرامية إلى
االستشارية لترقية وحماية حقوق اإلنسان ،أنيطت بها مهمة التّكفل بالعرائض ّ
البحث عن كل شخص يصرح أحد أعضاء أسرته بفقدانه.2
يطغى على عمل هذه األخيرة طابع الجرد والتنسيق أين تم حصر صالحياتها في:
اإلدعاء بالفقدان.3
-تحديد حاالت ّ
الضرورية لتحديد مكان وجود
السلطات المختصة بالقيام بجميع األبحاث ّ
-تكليف ّ
المصرح بفقدانهم والتكليف بالقيام بعمليات تحديد هوية الجثث التي يتم العثور
ّ األشخاص
عليها.4
المصرح بفقدانهم بنتيجة األبحاث المنجزة ،وتوجيههم فيما يخص
ّ -إعالم أسر األشخاص
اإلجراءات الواجب إتباعها لتسوية المسائل الزوجية والمسائل المتعلقة بالميراث على
مختلف الحاالت.5
-تصور تدابير اإلعانة والتعويض باالتصال مع السلطات العمومية لصالح ذوي حقوق
ّ
األشخاص المفقودين.6
-القيام بدور الوسيط بين المؤسسات العمومية وأسر األشخاص المصرح بفقدانهم.7
وهو ما يدفعنا للقول بأن المرسوم رقم ،299-03قد أناط اللجنة الوطنية الخاصة4
المعنية بالمفقودين بصالحيات مبتورة أين تنعدم اإلشارة ألي اختصاص يتعلق بتحديد
المسؤوليات عن عملية االختفاء القسري ،عدم اإلشارة على ضرورة تضمين توصيتها
تصورا عن ضمانات عدم التكرار ،حصر التزاماتها إزاء أسر الضحايا في إعالمهم
أن انتهاء
بنتيجة األبحاث المنجزة ،وهو ما ال يعتبر كافيا بأي شكل من األشكال ،بحيث ّ
بعض التحقيقات الوقتية إلى عدم جدوى البحث غير كاف إلقناع أسر الضحايا بالمصير
الحقيقي لذويهم.1
بأن أعمال
هذا وتستوقفنا الفقرتين ج و د من المادة 7مكرر اللتان تعطيان انطباع ّ
اللّجنة تنصرف على وجه التخصيص إلى ذوي حقوق ضحايا االختفاء القسري ،أين ال
يشير المرسوم الرئاسي رقم ،299-03ألي التزامات لهذه األخيرة في مواجهة
األشخاص الذين تم العثور عليهم ،سواء تعلق األمر بعمليات التّعويض أو إعادة اإلدماج
الرابطة الجزائرية لحقوق اإلنسان إلى كون نتائج التّحقيق في
ترده ّ
في المجتمع ،وهو ما ّ
حقيقة األمر كانت محسومة منذ البداية.2
نزوال عند مقتضيات المادة7مكرر 2من المرسوم الرئاسي رقم ،299-03
عمدت اللّجنة إلى رفع تقريرها إلى رئيس الجمهورية تزامنا مع نهاية عهدتها أواخر شهر
مارس ،وهو التقرير الذي لم يبصر النور بعدها أبدا.3
أن أعمال هذه األخيرة ،لم تسفر عن ّأية نتيجة تذكر ،أين اختزل
يبقى أن نشير إلى ّ
قانون المصالحة 4الوطنية التّدابير المعتمدة إزاء ملفات االختفاء القسري في تعويض ذوي
الضحايا بعنوان "ضحية المأساة الوطنية" بناء على حكم قضائي بالوفاة ،يتم
حقوق ّ
استصداره من طرف أحد ورثته أو أي شخص ذي مصلحة ،بموجب محضر معاينة
1
)- C.F.D.A, Op.cit , p.28.
2
(-Ibid.p.26.
-)3سي صالح نورالدين ،مرجع سابق ،ص.61.
132
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
بفقدان الشخص المعني ،تعده ال ّشرطة القضائية على إثر عمليات البحث التي تنتهي إلى
عدم جدوى البحث.1
أن تسليمنا بكون إخفاق 4تجربة العدالة االنتقالية من عدمها ،ليس مرهونا
إالّ ّ
محورية دور هذه األخيرة في مسارات
ّ الرغم من
باعتماد آليات استجالء الحقيقة 4على ّ
الوطنية
ّ االنتقالية ،2دفعنا إلى عدم التّوقف عند جزئية إقصاء قانون المصالحة
ّ العدالة
لهذه الطّائفة 4من اآلليات ،للحكم على نجاح المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية في بعدها
فعالة في
اإلجرائي ،بل نتجاوزها للبحث عن حقيقة رصد قانون المصالحة 4الوطنية آلليات ّ
السياسية في
إطار نهج متكامل وشامل للعدالة االنتقالية ،من شأنها أن تعكس حقيقة اإلرادة ّ
السياق
تجاوز مخلفات 4الماضي وفقا لرؤية خاصة ومتفردة تستجيب للخصوصية ّ
الجزائري.3
وهو ما انتهينا بشأنه إلى القول بقيام المقاربة الجزائرية في بعدها اإلجرائي على
أين لم يتّم رصد أي آلية تصالحية تذكر
نهج سلبي في التعامل مع آليات العدالة االنتقاليةّ ،
الوطنية في التّعامل
ّ الصدد ،وهو ما ٌيفَ ِس ُر في حقيقة األمر إخفاق 4قانون المصالحة
في هذا ّ
الضرر ،فضال عن التّجاوز
والنقص في التّعامل مع مسألة جبر ّ
مع ملف المفقودينّ ،
المؤسساتي.4
ّ النهائي والتام لمسألة اإلصالح
الفرع الثّاني
الوطنية وإ شكالية اعتماد آليات المساءلة الجنائية
ّ قانون المصالحة
أوالً
المحلية
ّ الوطنية اختصاص الهيئات القضائية
ّ تقويض قانون المصالحة
في مواجهة اإلفالت من العقاب
الصراعات ،مبادرات
مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون ّلدول ما بعد ّ
ّ -)1
المقاضاة ،وثائق األمم المتّحدة ،رمز الوثيقة ،HR/PUB/06.04، 2006 ،ص.7.
الصراعات ،تدابير العفو ،مرجع
مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان ،أدوات سيادة القانون لدول ما بعد ّ
ّ -)2
سابق ،ص.5.
134
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
في ظل انعدام احتمال إخضاع مرتكبي األفعال المنصوص عليها في المادة محتواه،
10إلى المحاكمة.1
على صعيد أخر ،نجد في الحصانة من المقاضاة 4التي تطرحها المادة 45من قانون
المصالحة الوطنية ،مظهرا آخر من مظاهر تقويض اختصاص الهيئات القضائية المحلية
في محاربة اإلفالت من العقاب.2
ثانياً
مدى اختصاص آليات العدالة الجنائية الّدولية في مكافحة اإلفالت من العقاب في
سياق حالة العنف المسلّح الجزائرية
السياق الجزائري،
في الوقت الذي نستبعد فيه إمكانية إقامة محاكم مختلطة في ّ
النظر في الجرائم المرتكبة في
الدولية الدائمة في ّ
وأمام عدم اختصاص المحكمة الجنائية ّ
نطاق حالة العنف المسلّح الجزائرية ،يبقي بذلك االختصاص العالمي اآللية الوحيدة
الدولية الجسيمة في إطار حالة العنف المسلّح الجزائرية
ّ لمكافحة إفالت مرتكبي الجرائم
من العقاب.
استبعاد إقامة محاكم مختلطة في سياق حالة العنف المسلح الجزائرية؟! )1
إن غياب تعريف جامع لما يصطلح على تسميته بالمحاكم المختلطة ،يفضي
ّ
بنا إلى البحث عن مفهوم هذه األخيرة في ضوء خصائصها المستقاة من التّجارب 4المقارنة
النوع من اآلليات ،والتي يمكن أن نجملها في كونها:3
في مجال إرساء هذا ّ
-)1تقصي المادة 10من قانون المصالحة الوطنية كل من مرتكبي أفعال المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات
أو استعمال المتفجرات في األماكن العمومية أو شاركوا فيها أو حرضوا عليها ،من االستفادة من أحكام انقضاء
الدعوى العمومية ،مع استفادتهم من إجراءات استبدال العقوبة أو تخفيفها وفقا لمقتضيات المواد من-19- 18
20من المرجع نفسه.
-)2المادة ،45من المرجع نفسه.
الدولية" ،مجلّة الفقه والقانون ،العدد الثّالث عشر،
)-جدادوة عادل" ،المحاكم المختلطة نموذج جديد للعدالة ّ
3
.2013ص.196.
136
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
-محاكم هجينة ذات تشكيلة مختلطة ووالية مختلطة ،بحيث تضم عناصر دولية وعناصر
محلّية.
-تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة لمشكلة اإلفالت من العقاب ،تتعدى مجرد المحاكمة ،و
الوطنية لضمان نهج مستمر لسيادة القانون وحماية حقوق
ّ إنما تتجاوزها إلى بناء القدرات
اإلنسان.1
الدول،
-هي محاكم اتّفاقية عادةً ما يتم إنشاؤها بناء على اتفاق بين منظمة دولية وأحد ّ
يكون مردها إما عدم مقدرة نظام العدالة المحلي على االضطالع بالتزاماته في مجال
محاربة اإلفالت من العقاب ،أو عدم كفاية القدرات المحلية في هذا الصدد والتي تقتضي
الدولية .2
تعزيزها عن طريق الخبرات ّ
هذا وقد اكتسبت المحاكم المختلطة أهمية بارزة باعتبارها من أهم التّطورات
االنتقالية ،التي جسدتها جملة من التّجارب 4المتفاوتة النجاح.3
ّ الهيكلية في مجال العدالة
تجدر اإلشارة إلى أن نجاح المحاكم المختّلطة في االضطالع بالمهام التي أنشأت
لغرضها ،يبقى مرهونا بمدى تمتّعها بمقومات االستقاللية والحياد عن األطراف الحكومية
للضغوطات ،كفاية التّمويل ،فضال عن مراعاة سياق إنشائها.
وعدم الخضوع ّ
بالنظر إلى التّوجه العام
السياق الجزائري ،فبالتّأكيد ينتفي هذا الطرح ّ
أما في ّ
السياسي والقانوني،
النوع من المحاكم ،بما يحويه من تداخل بين ّ
للرؤية الجزائرية لهذا ّ
ّ
ظمات الدولية العاملة 4في هذا المجال ،والتي
هذا فضال عن الموقف المبدئي من المن ّ
بالضرورة واضحة.4
ّ تنطوي على أهداف ال تكون
137
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
شهادة الماجستير ،في إطار مدرسة الدكتوراه "القانون األساسي والعلوم السياسية" ،فرع القانون الدولي العام،
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،2011،ص.127-114.
الدولية ،مرجع سابق.
النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ
) -المادة األولى من ّ
2
الرحمان ميرة ،بجاية̔̔ ،المجلد ،10عدد ،2014 ،02ص.12-11. الحقوق ،جامعة عبد ّ
-)4راجع :دريدي وفاء ،مرجع سابق ،ص.216-212.
138
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
1
أن أغلب الجرائم التي تّم ارتكابها في إطار حالة
النفاذ ،في حين ّ
نظامها األساسي حيز ّ
العنف المسلّح الجزائرية والتي تدخل في مجال االختصاص الموضوعي للمحكمة 4الجنائية
الدولية قد تم ارتكابها قبل تاريخ 1جويلية ،22002اللهم ما تعلق بجريمة االختفاء
ّ
القسري باعتبارها من الجرائم المستمرة ،وحتى هذه األخيرة ال يمكن تصور خضوعها
الدائمة إالّ متى صادقت الجزائر على النظام األساسي لهذه
الدولية ّ
لوالية المحكمة الجنائية ّ
األخيرة .3
االختص اص الع المي كآلي ة وحي دة لمكافح ة اإلفالت من العق اب في إط ار )3
حالة العنف المسلّح الجزائرية:
يقوم مبدأ االختصاص العالمي على إشراك القضاء الجنائي الوطني في تنفيذ
القانون الدولي الجنائي،عن طريق االعتراف للمحاكم الوطنية بسلطة عقد اختصاصها
أي رابط مباشر أو فعلي مع الجريمة أو
النظر في الجرائم دون ّ
القضائي الجنائي في ّ
المجرم ،متى كانت الجريمة الدولية على درجة من الخطورة ،وكذا الوجود اإلرادي
للمتهم على إقليم دولة االختصاص العالمي.4
تجدر اإلشارة -في هذا الصدد -إلى ّأنه تم اتهام ومتابعة كل من األخوين عبد
القادر وحسين محمد من قبل وكيل جمهورية محكمة "نيم" بشأن تهمة التعذيب ،كما تم
ضد
رفع شكوى ضد الجنرال األسبق السيد "خالد نزار" أمام المحاكم الفرنسية ،وأيضا ّ
وزير الدولة ورئيس حزب حمس –سابقا -السيد"أبو جرة سلطاني" أمام المحاكم
السويسرية بتهمة التعذيب.5
الدولية ،مرجع سابق.
) -المادة 11من النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ
1
-)2بشان الجرائم المرتكبة في الجزائر نحيل القارئ الكريم إلى :ص 74-69.من هذا البحث.
-)3سوسن تمرخان بكة ،مرجع سابق ،ص.483.
-)4أوكيل محمد أمين ،اإلختصاص الجنائي العالمي ودوره في الحد من اإلفالت من العقاب ،مداخلة مقدمة
في إطار الملتقى الدولي حول القانون الدولي اإلنساني ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية ،يومي 05-06نوفمبر
،2012ص.6-3.
اإللكتروني. www.trialdejustice.org consulté le:06/06/2015, à 01 :16: -)5متوافرة علي الموقع
139
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
140
الفصل الثاني :المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية
الّتشريعات االحتوائية ،برز في إطارها قانون المصالحة للوطنية علي ّأنه مقاربة غير
االنتقالية.
ّ مكتملة األركان للعدالة
141