You are on page 1of 59

‫الثاني‬

‫الفصل ّ‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الفصل الثّاني‬
‫المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫المأساوية التي أفرزتها المأساة الوطنية‬


‫ّ‬ ‫اإلنسانية‬
‫ّ‬ ‫أمام ما أفصحت عنه الحصيلة‬
‫الدستورية في حماية‬
‫الدولة الجزائرية في االضطّالع بمهامها ّ‬
‫الخارجية من فشل ّ‬
‫ّ‬ ‫وتداعياتها‬
‫األمنية‪ ،‬الحت‬
‫ّ‬ ‫مواطنيها‪ ،‬عمد الم ّشرع الجزائري إلي تبني نهج جديد في معالجة األزمة‬
‫الوطنية‪ ،‬والتي أعقبتها عملية التّجسيد‬
‫ّ‬ ‫بوادرها من خالل التّمهيد السياسي لعملية المصالحة‬
‫تفرد من خاللها‪4‬‬
‫التّشريعي لهذه األخيرة من خالل جملة من األطر التشريعية (مبحث ّأول)‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫الوطنية بما يطرحه من تقارب مع فكرة العادلة االنتقالية‪ ،‬من حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫قانون المصالحة‪4‬‬
‫مجرد البحث عن حل لألزمة األمنية إلى محاولة معالجة أثارها‪ ،‬لكن‬
‫أهدافه قد تجاوزت ّ‬
‫بالسياق الجزائري التي لم تكتمل في إطارها أركان العادلة االنتقالية‬
‫وفقا لمقاربة خاصة ّ‬
‫(مبحث ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫األول‬
‫المبحث ّ‬
‫المصالحة الوطنية‬
‫السياسي إلى التّجسيد التّشريعي–‬
‫– من التّمهيد ّ‬

‫بأن المصالحة‪ 4‬الوطنية هي عبارة‪ 4‬عن عملية معقدة في سياق سلسلة‬


‫إدراكاً منه ّ‬
‫النظام الجزائري إلي التّمهيد لهذه العملية من خالل تبنيه‬
‫من الخيارات الحاسمة‪ ،‬عمد ّ‬
‫لسياسة الحوار الوطني (مطلب ّأول)‪ ،‬هذه األخيرة ورغم إخفاقها‪ 4‬في التّوصل إلي بناء‬
‫الوطنية‪ ،‬إالّ ّأنها نجحت في التّمهيد لهذا المسعى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أرضية وإ طار سياسي قوى للمصالحة‬
‫وهو ما تجل من خالل مختلف المقاربات التّشريعية الهادفة لتحقيق المصالحة‬
‫الوطنية(مطلب ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫األول‬
‫المطلب ّ‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫الحوار الوطني كأرضية للمصالحة‬

‫عبرت سياسة الحوار التي الحت بوادرها في الجزائر بداية من ال ّشروع في‬
‫ّ‬
‫مشاورات وطنية على نطاق واسع مرورا بإنشاء ندوة الوفاق الوطني التي كللت باإلفراج‬
‫بأن ّأية بادرة للخروج من األزمة‬
‫السلطة الجزائرية ّ‬
‫عن أرضية الوفاق الوطني‪ ،‬عن وعي ّ‬
‫النجاح بدون بناء أرضية‬
‫المتعددة األقطاب التي عايشتها الجزائر‪ ،‬ال يمكن أن يكتب لها ّ‬
‫ّ‬
‫قائمة على أساس التّوافق الوطني في تسير المرحلة االنتقالية‪ ،‬مما من شانه أن ي ّشكل دفعا‬
‫أن أرضية الوفاق الوطني قد أخفقت‪ 4‬في‬
‫الوطنية (فرع ّأول)‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫قويا نحو تحقيق المصالحة‬
‫الدفع بمسعى المصالحة‪ 4‬إلي األمام (فرع ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬ ‫بناء هذه األرضية التي من شأنها ّ‬

‫األول‬
‫الفرع ّ‬
‫إدراك ضرورة التّوصل إلى توافق وطني حول‬
‫تسيير المرحلة االنتقالية كأرضية لل ّنهوض بالمصالحة الوطنية‬

‫يطرح التّوافق الوطني على ّأنه عملية ديمقراطية هادفة إلى تسطير برنامج‬
‫الساحة‬
‫السياسية واالجتماعية الفاعلة على ّ‬
‫يحضا بنوع من اإلجماع من قبل مختلف القوى ّ‬
‫الديمقراطي‪.14‬‬
‫الوطنية بهدف رسم معالم عملية االنتقال ّ‬
‫الديمقراطي‪ 4‬عبر آلية التّوافق الوطني" صدارة‬
‫لقد احتّلت هذه العملية "االنتقال ّ‬
‫الديمقراطي‪ 4‬في مجموعة من التّجارب المقارنة‪،‬‬
‫انشغاالت القائمين على عمليات االنتقال ّ‬
‫الديمقراطي‪ ،‬أين‬
‫وهو ما تمت تّرجمته عبر جملة من التّجارب الرائدة في مجال االنتقال ّ‬
‫نجحت في إيجاد صيغة "سياسية" لتحقيق التّوافق الوطني حول المرحلة‪ 4‬االنتقالية‪ ،2‬سواء‬

‫‪1‬‬
‫‪-(YOUSSEF Nada, Op.cit, p.63.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(-TIANGYE (N), « Crise de l’légitimité du pouvoir de l’Etat et conférences nationales en Afrique  »,‬‬
‫‪In R.A.D.I.C, N°-1992, p.605.‬‬
‫‪85‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الديمقراطي‪ 4‬على ّأنها محاولة لتالفي حرب‬


‫التحول ّ‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة للحاالت التّي طرحت فيها عملية‬
‫ّ‬
‫أهلية‪ ،‬أو تّلك التّي طرحت فيها على أنها ضرورة حتمية للخروج من حالة حرب أهلية‪.1‬‬
‫الدول اإلفريقية‪،2‬‬
‫الوطنية مجموعة واسعة من ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا‪ ،‬وقد ألهمت صيغة المؤتمرات‬
‫الرائدة في تحقيق انتقال ديمقراطي‪ 4‬سلسل عبر آلية‬
‫جمهورية البنين ّ‬
‫ّ‬ ‫مقتبسة من تجربة‬
‫المؤتمر الوطنية‪.‬‬
‫أن هذا األخير قد نجح في فرض سيادته ونفاذ قراراته‪ ،‬مما أسفر عن صياغة‬
‫كما ّ‬
‫الديكتاتورية‬
‫النظام السابق القائم على ّ‬
‫دستور توافقي وإ حداث القطيعة التّامة مع أبجديات ّ‬
‫الماركسية اللينينية‪.3‬‬
‫ومن بين أهم التّجارب‪ 4‬التي أعقبت التّجربة البنينية‪ ،‬تبرز التّجربة الجنوب اإلفريقية‬
‫الديمقراطية والذي جمع ‪ 19‬هيئة من هيئات‬
‫من خالل المؤتمر الوطني لجنوب إفريقيا ّ‬
‫الوطنية‪ ،‬أهم محاور هذا المؤتمر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المجتمع المدني‪ ،4‬أين ش ّكلت مسألة تحقيق المصالحة‬
‫الذي خلص بشأنها إلى تبني سياسة العفو المشروط عن الجرائم التي تم ارتكابها سواء باسم‬
‫نظام الفصل العنصري أو باسم معارضته‪ ،‬رغم إصرار حكومة الفصل العنصري على‬
‫تبني خيار العفو ال ّشامل‪.5‬‬
‫‪1‬‬
‫‪)- YOUSSEF Nada, Op.cit, p.64.‬‬
‫النيجر سنة‪ ،1991‬تجربة الزائير‪ ،1992-1991‬وتجربة التشاد ‪ ،1993‬أنظر في ذلك‪:‬‬
‫)‪ -‬نذكر منها تجربة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪-TIANGYE (N),  Op. cit, P.604.‬‬


‫الديمقراطي عبر آلية الحوار الوطني‪ ،‬في ّأنها كانت‬
‫)‪ -‬تميزت هذه التّجربة عن غيرها من تجارب االنتقال ّ‬
‫‪3‬‬

‫نتيجة لمفارقة حقيقية ذلك أن الرئيس البنيني"‪ "Mathieu Kérékou‬المسؤول عن إرساء نظام الحكم الماركسي‪،‬‬
‫خلفية أعمال ال ّشغب التي‬
‫الوطنية‪ ،‬على ّ‬
‫ّ‬ ‫الندوة‬
‫اللينينى منذ سنة ‪ 1972‬في البنين هو نفسه من طرح فكرة ّ‬
‫الدولة من دفع‬
‫النظام المصرفي في البينين وعدم تمكن ّ‬‫عرفتها البالد في سنة ‪ 1989‬والتي كانت نتيجة انهيار ّ‬
‫مرتّبات الجيش‪ ،‬وبعد تنصيب ندوة القوات الحية للدولة والتي ضمت مندوبين‪ 4‬منتخبين عن مختلف الفعاليات‬
‫وأن قراراتها نافذة في‬
‫االجتماعية والسياسة‪ ،‬عمدت هذه األخيرة إلى تنصيب نفسها على ّأنها هيئة سيادية‪ّ ،‬‬
‫الدولة انتهت فعاليتها بإرساء دستور توافقي كما تم تنظيم انتخابات رئاسية في سنة‬
‫مؤسسات ّ‬‫مواجهة جميع ّ‬
‫‪ ،1991‬أنظر في ذلك‪:‬‬
‫‪-EBOUSSI- BOULAG fabien, Les conférences nationales en Afrique noire - une affaire a suivre ,‬‬
‫‪Karthala, 1993, p.65-68.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-(YOUSSEF Nada, Op.cit, p.66.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪(-VALLY Hanif , « La paix avec la justice : l’amnistie en Afrique du sud », Mouvements , N°53, 2008,‬‬
‫‪pp.102-109.‬‬
‫‪86‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الزعيم‬
‫وقد انتهت هذه المفاوضات إلى إقرار دستور انتقالي في سنة ‪ ،1993‬وتعيين ّ‬
‫السيد "نلسون منديال" رئيسا للحكومة االنتقالية سنة ‪ ،1995‬الذي شرع‬
‫اإلفريقي الراحل ّ‬
‫في تجسيد برنامج للمصالحة‪ 4‬الوطنية في جنوب إفريقيا‪.1‬‬ ‫عقبها‬
‫في محاولة‪ 4‬لمقاربة التّجارب المبينة أعاله ‪ ،2‬مدفوعا بدنو نهاية عهدته‪ ،‬طرح‬
‫للدولة آلية الحوار الوطني على ّأنها الوسيلة الوحيدة للخروج من األزمة‬
‫المجلس األعلى ّ‬
‫الطريق نحو الدخول في مرحلة‬
‫التي تعيشها الجزائر‪ ،‬أين لم يكن هنالك من بد من تعبيد ّ‬
‫يتم بمنأى عن حث‬
‫السابقة‪ ،‬وال يمكن لذلك أن ّ‬
‫جديدة‪ ،‬لكن مع تدارك اإلخفاقات ّ‬ ‫انتقالية‬
‫حد ما‬
‫ومؤسساتية تعكس إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫مختلف الفاعلين الوطنيين على االلتفاف حول أرضية سياسية‬
‫تطلّعات المجتمع الجزائري‪ ،3‬من شّأنها أن تشكل مرتكزا للنهوض بعملية المصالحة‬
‫الوطنية‪.4‬‬
‫ّ‬
‫للدولة منذ يوم ‪ 27‬جويلية‬
‫تم ال ّشروع فيه من قبل المجلس األعلى ّ‬
‫وهو ما ّ‬
‫الوطنية‪ ،‬والتي أعقبت‬
‫ّ‬ ‫‪ ،1993‬الذي يمثّل تاريخ انطالق المرحلة األولى من المشاورات‬
‫مؤسسات شبه دستورية لتسير المرحلة‪4‬‬
‫بمرحلتين ثانيتين‪ ،‬تمحورت جلها حول بحث تعيين ّ‬
‫االنتقالية القادمة‪.5‬‬
‫للدولة‬
‫الرغم من المؤ ّشرات اإليجابية‪ ،‬التّي بدأ المجلس األعلى ّ‬
‫إالّ ّأنه وعلى ّ‬
‫النظر حول بعض المسائل‬
‫يلمسها‪ ،‬من هذه الجوالت‪ ،‬أين نجحت في تقريب وجهات ّ‬
‫للدولة‪ ،‬احترام‬
‫التي تمحورت حول التّأكيد على كل من‪ :‬الطّابع الجمهوري ّ‬ ‫المبدئية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪(- TIANGYE (N), Op.cti, pp.609.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪)- BRAHIMI Mohamed, Op.cit ,p.147.‬‬
‫‪ -)3‬بلحربي نوال‪ ،‬أزمة الشرعية في الجزائر(‪ ،)2007-1992‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في فرع التنظيم‬
‫السياسي واإلداري‪ ،‬قسم العلوم السياسية والعالقات الدولية‪ ،‬كلية العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة بن يوسف بن‬
‫خدة‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.176-175.‬‬
‫‪ -)4‬أحمد طعيبة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.217.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪(-Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit ,pp.104-115‬‬
‫‪87‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫السياسية‪ ،‬احترام الحقوق‪ 4‬والحريات ومبدأ التّداول على‬


‫الديمقراطية والتّعددية ّ‬
‫مبادئ ّ‬
‫السلطة‪ ،‬ناهيك عن االتفاق على التّنديد باإلرهاب‪.1‬‬
‫ّ‬
‫المتضمنة اإلجماع الوطني حول‬
‫ّ‬ ‫أن‪ ،‬المشروع التّمهيدي المتعلق باألرضية‬
‫غير ّ‬
‫المرحلة االنتقالية‪ ،‬والذي كان نتاجا لهذه الجوالت‪ ،‬قد حمل معه بوادر فشله أين لم يعكس‬
‫تطلعات أطراف الحوار‪ ،‬وهو ما جعله محال النتقادات واسعة من قبل مجموعة معتبرة من‬
‫السياسية‪.2‬‬
‫األحزاب ّ‬
‫لقد حمل هذا الرفض الذي قوبل به المشروع التّمهيدي المتعلق باألرضية‬

‫ض ِمَنة اإلجماع الوطني حول المرحلة‪ 4‬االنتقالية‪ ،‬المجلس األعلى ّ‬


‫للدولة‪ ،‬إلى التّوجه نحو‬ ‫المتَ َ‬
‫ٌ‬
‫اتخاذ خطوات أخرى‪ ،‬تمثلت في تنصيب لجنة للحوار الوطني بتاريخ ‪.313/10/1993‬‬
‫أن‬
‫الرغم من ّ‬
‫يعتري الطّبيعة القانونية لهذه األخيرة غموضا ملفتا لالنتباه‪ ،‬فعلى ّ‬
‫‪4‬‬
‫أن كل من عامل تنصيبها‬
‫للدولة قد طرحها على ّأنها هيئة مستقلّة ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫المجلس األعلى ّ‬
‫بموجب معيار أدنى من المعايير التّشريعية المعتمدة عادةً‪ ،‬أين تم تنصيبها بموجب إعالن‬
‫الرسمية‪ ،‬فضال عن حصر‬
‫للدولة‪ ،‬والذي لم ينشر في الجريدة ّ‬
‫من قبل المجلس األعلى ّ‬
‫صالحياتها في مجرد تقريب وجهات الّنظر بين مختلف األطراف‪ ،‬من أجل التّوافق حول‬
‫المدة الوجيزة التي يفترض بها إنهاء‬
‫مشروع تمهيدي للمرحلة االنتقالية‪ ،‬ضف إلى ذلك ّ‬
‫عملها خاللها‪ ،‬كل هذه االعتبارات تنفي حسب رأى األستاذ "بوسوماح"عنها صفة الهيئة‬
‫اإلدارية المستقلّة‪.5‬‬

‫للدولة‬
‫)‪ -‬يذهب األستاذ "محمد براهيمي" فيما يتعلق بنقطة التّنديد‪ 4‬باإلرهاب‪ ،‬والتي طرحها المجلس األعلى ّ‬
‫‪1‬‬

‫كشرط مبدئي لالنخراط في جلسات الحوار على ّأنه يهدف إلى التّقليص من ال ّشرعية التي اكتسبها الحزب الفائز‬
‫األول من االنتخابات التّشريعية (الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ المحلة)‪ ،‬مما من شأنه أن‬
‫الدور ّ‬
‫بأغلبية األصوات في ّ‬
‫للدولة راجع في ذلك كل من‪ :‬قوقة وداد‪ ،‬مرجع‬
‫ي ّشكل بمفهوم المخالفة اعترافا بضرورة إيجاد المجلس األعلى ّ‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.110.‬‬
‫‪-BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.112.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(- Voir : BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, pp.111-119.‬‬
‫‪ -)3‬بلحربي نوال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.181.‬‬
‫‪ -)4‬قوقة وداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪)- Voir : BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, pp.119-120.‬‬
‫‪88‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫وما زاد من تعقيد مهام هذه األخيرة‪ ،‬جملة العراقيل التي صادفتها في تعبئة‬
‫بالسجال الذي طرح بشأن إشراك‬
‫مختلف فعاليات المجتمع المدني‪ ،‬ويتعلق األمر خاصة‪ّ 4‬‬
‫قيادات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) في عملية الحوار من عدمها‪.‬‬
‫مؤسساتي‪ ،‬بفعل انتهاء عهدة المجلس‬
‫الدخول في مرحلة شغور ّ‬
‫أمام هاجس ّ‬
‫للدولة‪ ،‬التي صادفت نهاية سنة ‪ ،1993‬اجتمع كل من المجلس األعلى لألمن‬
‫األعلى ّ‬
‫للدولة‪ ،‬لتقرير تمديد عهدة هذا األخير إلى غاية ‪ 31‬جانفي‪ ،1994 4‬كما تم‬
‫والمجلس األعلى ّ‬
‫تحديد يومي ‪ 26-25‬جانفي‪ 4‬موعدا النعقاد ندوة الوفاق الوطني‪.1‬‬
‫وفي التاريخ المحدد لها انعقدت ندوة الوفاق الوطني في ظل مقاطعة‪ 4‬األحزاب‬
‫األول لالنتخابات التّشريعية لسنة‬
‫السياسية الحائزة على ال ّشرعية ال ّشعبية في الدور ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ،*1991‬كما عرف سير أشغال الندوة العديد من التّوترات‪ ،‬والتي أسفرت عن انسحاب‬
‫بعض من األحزاب األخرى‪ ،‬في حين عرفت مشاركة واسعة من قبل المنظّمات‬
‫الجماهيرية والوطنية المختلفة‪.2‬‬
‫انتهت أعمال هذه األخيرة‪ ،‬باإلفراج عن أرضية الوفاق الوطني التي أثارت العديد‬
‫من التّساؤالت حول طبيعتها القانونية‪.3‬‬

‫الصدد عن الطّبيعة القانونية لهذا التّمديد‪ ،‬أين تقرر هيئة استشارية‬


‫ّ‬ ‫‪ -)1‬يتساءل األستاذ "طعيبة أحمد" في هذا‬
‫تمديد‪ 4‬عمل هيئة مؤسسة‪" ،‬يشير االمتداد‪ 4‬الدستوري الذي تم إضفاؤه على عملها بأنها أسمى من المجلس األعلى‬
‫نرده ‪-‬على األرجح‪ -‬إلى تحري هذه األخيرة في عملية التّمديد‪ 4‬احترام مبدأ توازي األشكال‪،‬‬
‫لألمن"‪ ،‬وهو ما قد ّ‬
‫أنظر في ذلك ‪ :‬طعيبة أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.220.‬‬
‫‪ *2‬يتعلق األمر بكل من الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) بمجموع (‪ 3260222‬صوت)‪ ،‬جبهة التحرير الوطنية‬
‫بمجموع (‪1612947‬صوت )‪ ،‬جبهة القوى االشتراكية بمجموع (‪ 510661‬صوت)‪.‬‬
‫‪)-Voir : BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit,pp.129-141.‬‬
‫‪ -)3‬قوقة ودادا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.118.‬‬
‫‪89‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الفرع الثّاني‬
‫إخفاق أرضية الوفاق الوطني في تحقيق توافق وطني حول تسيير‬
‫المرحلة االنتقالية‬

‫موحدة‬
‫ّ‬ ‫الرغم من إخفاق‪ 4‬ندوة الوفاق الوطني في التّوصل إلي صيغة‬
‫على ّ‬
‫أن ذلك لم يحل دون إقرار أرضية الوفاق الوطني كنص دستوري‬
‫للمرحلة االنتقالية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫الدولة‪ ،‬الهدف الذي عهدت‬
‫بحكم الواقع‪ ،‬يستقي مشروعيتّه من ضرورة استرجاع هيبة ّ‬
‫المؤسسات االنتقالية الفعلية الخاضعة في تشكيلتها لمبدأ‬
‫ّ‬ ‫بمهمة تحقيقه لمجموعة من‬
‫التّعيين‪.‬‬

‫ّأوالً‬
‫للدستور القائم‬
‫أرضية الوفاق الوطني نص دستوري بحكم الواقع أم امتداد ّ‬

‫في الوقت الذي عجزت فيه أحكام دستور ‪1989‬عن إيجاد مخرج‪ 4‬ألزمة ال ّشرعية‬
‫‪1‬‬
‫الدستوري‬
‫الدستورية في أعقاب توقيف المسار االنتخابي ‪ ،‬وأمام حتمية تعزيز النظام ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الدخول في مرحلة‪ 4‬انتقالية‬
‫السلطة السياسية في الجزائر مناصاً من ّ‬
‫واستمراريته ‪ ،‬لم تجد ّ‬
‫والدستورية العادية‪ ،3‬تكون كفيلة بتوفير ظروف أكثر‬
‫تفصل بين ال ّشرعيتين االستثنائية ّ‬
‫مالئمة للخروج‪ 4‬من األزمة‪ ،‬على أساس تالحم سياسي واجتماعي أوسع من شأنه تعبئة‬
‫طاقات من جديد وتوظيف اإلمكانيات المتوافرة‪ ،4‬متخذةً من معيار قانوني جديد منافس‬
‫ال ّ‬

‫‪ -)1‬بلودنين أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.151.‬‬


‫‪ -)2‬المادة ‪ 3‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬المؤرخ في ‪ 29‬جانفي ‪ ،1994‬يتعلق بنشر أرضية الوفاق‬
‫الوطني حول المرحلة االنتقالية‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،06 4‬الصادرة بتاريخ ‪ 1‬جانفي ‪.1994‬‬
‫‪ -)3‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104.‬‬
‫‪ -)4‬الفقرة ‪ 5‬من مرسوم رئاسي رقم ‪ ،40-49‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫في تحقيق ذلك‪ ،1‬وهو ما يدفعنا للتّساؤل عن موقع دستور‪1989‬‬ ‫للدستور مرجعية لها‬
‫من هذا األخير‪.‬‬

‫المتكررة من طرف أرضية الوفاق الوطني‬


‫ّ‬ ‫تستوقفنا في هذا الصدد اإلحاالت‬
‫‪2‬‬
‫الديباجة‪ ،‬التي أفضت إلى القول ببقاء‬
‫الدستور ‪ ،‬خاصةً ما تعلق بنص الفقرة‪ 12 4‬من ّ‬
‫إلى ّ‬
‫الدستور األساس القانوني لهذا البناء و أنه يعد اإلطار المرجعي الجوهري الذي ينير الحياة‬
‫ّ‬
‫العامة‪ ،‬إال أنها علقت كل ذلك على شرط إمكانية تطبيقه بشكل كامل‪ ،‬وهو ما لم يكن‬
‫بالنظر إلى ما أسمته باالستحالة المسلم بها فيما يتعلق‬
‫متوافرا حسب ما يعبر عنه مضمونها ّ‬
‫بتنظيم انتخابات على المدى القصير‪.3‬‬
‫يدفعنا هذا المعطى األخير إلى المنازعة في فكرة االمتداد التي يوحي بها نص‬
‫المتضمنة الوفاق الوطني‪ ،4‬لعدم استيفاء هذه األخيرة للمتطلبات‬
‫ّ‬ ‫من األرضية‬ ‫الفقرة ‪12‬‬
‫اإلجرائية للتّعديل الدستوري وفقا لما تطرحه أحكام دستور‪ ،1989‬في ظل غياب كل من‬
‫الجمهورية ‪ ،5‬وهيئة اإلقرار المبدئي ممثّلةً في المجلس‬
‫ّ‬ ‫في رئيس‬ ‫هيئة االقتراح ممثّلةً‬
‫الشعبي الوطني‪.6‬‬
‫األصلية ممثّالً في ال ّشعب عن عملية‬
‫ّ‬ ‫السلطة التّأسيسية‬
‫هذا فضال عن تغييب صاحب ّ‬
‫اإلقرار النهائية ألرضية الوفاق الوطني‪ ،6‬دون مراعاة االستثناء الوارد في معرض المادة‬
‫جوازي‪،‬‬
‫ً‬ ‫الدستورية أمرا‬
‫الدستور التي تجعل من عملية عرض مشاريع التّعديالت ّ‬
‫‪164‬من ّ‬
‫بأن ذلك ال يمس البتّة بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع‬
‫الدستوري ّ‬
‫متى رأى المجلس ّ‬

‫‪ -)1‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140 .‬‬


‫‪ -)2‬يتعلق األمر بكل من الفقرتين ‪ 8‬و‪ 12‬من الديباجة‪ ،‬وكذا المادة ‪ 5‬من المرسوم الرئاسي ‪ ،40-49‬مرجع‬
‫سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬راجع في ذلك‪ :‬الفقرة ‪ 12‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(-Voir : BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.145.‬‬
‫‪ -)5‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 163‬من دستور ‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-)6‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬المادتين ‪ 163‬و‪ 165‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)7‬أنظر في ذلك كل من ‪:‬المادة ‪ ،07‬المادة ‪ ،163‬المادة ‪ ،165‬المادة ‪ ،166‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫‪1‬‬
‫بأي شكل من األشكال‬
‫الجزائري وحقوق اإلنسان والمواطن وحرياتهما ‪ ،‬وال يمس ِّ‬
‫الدستورية وعلل رأيه‪ ،‬وهو اإلجراء الذي كان‬
‫والمؤسسات ّ‬
‫ّ‬ ‫للسلطات‬
‫األساسية ّ‬
‫ّ‬ ‫التّوازنات‬
‫مغيباً في إطار عملية وضع وثيقة أرضية الميثاق الوطني‪.‬‬
‫السلطة التّأسيسية األصلية في إقرار هذه‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬لم يتّم اللّجوء إلى طريقة ّ‬
‫‪2‬‬
‫الناحية اإلجرائية ال ّشروط‬
‫األرضية لم تستوف من ّ‬
‫ّ‬ ‫بأن‬
‫األخير ‪ ،‬وهو ما يدفعنا إلى القول ّ‬
‫‪3‬‬
‫الناحية الموضوعية ما يفيد بغير‬
‫الدستوري ‪ ،‬فهل نجد من ّ‬
‫التي تكفل لها وصف التّعديل ّ‬
‫هذا االستنتاج ؟‪.‬‬
‫منا الوقوف على معالم االختالف الموضوعي‬
‫إن اإلجابة على هذا الطرح تقتضي ّ‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫مست‬
‫بين ما تطرحه أرضية الوفاق الوطني وما تقضي به أحكام دستور ‪ ، 1989‬بحيث ّ‬
‫المؤسساتي أين جاء هذا‬
‫ّ‬ ‫الصعيد‬
‫النقاط الجوهرية سواء على ّ‬
‫هذه التّعديالت جملة من ّ‬
‫‪5‬‬
‫الصعيد المعياري أين أضحت‬
‫األخير بهيكلة جديدة لمختلف مؤسسات الدولة ‪ ،‬أو على ّ‬
‫الوظيفة التشريعية تعتمد على نوعين من المعايير‪ ،‬المراسيم الرئاسية المخولة لرئيس‬
‫الدولة‪ ،‬واألوامر المخولة للمجلس الوطني االنتقالي‪ ،6‬وهو ما يؤكد بأن دستور ‪ 1989‬قد‬
‫توجه‬
‫للدولة خارج‪ 4‬اإلجراءات المعتمدة في أي ّ‬
‫عمد إلى وضع نظام دستوري جديد ّ‬
‫طبيعة القانونية لهذا النص‪.7‬‬
‫دستوري‪ ،‬مما يطرح إشكالية ال ّ‬
‫فالمرسوم الرئاسي رقم‪ ،40-94‬من حيث أنه معيار قانوني أدنى من أن يكفل صفة‬
‫المشروعية ألرضية الوفاق الوطني‪ ،‬فضال عن أن تقنية النشر التي تم اعتمادها من قبل‬
‫للدولة في طرح هذا النص ال تعدو أن تكون إال أداة قانونية مفادها إعالم‬
‫المجلس األعلى ّ‬
‫الجمهور بصدور نص قانوني جديد دون ترتيب أدنى أثر قانوني على طبيعة هذا‬

‫‪ -)1‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 164‬من المرجع نفسه‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪(- Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.145.‬‬
‫‪ -)3‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.102.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-( Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.145.‬‬
‫‪ -)5‬بولودنين أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.148.‬‬
‫‪ -)6‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104.‬‬
‫‪ -)7‬قوقة ودادا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121.‬‬
‫‪92‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫النص‪ ،1‬ليستا كفيلتين بإضفاء وصف التصرف القانوني على المرسوم الرئاسي‬
‫‪ ،04-94‬المتعلق بنشر األرضية المتضمنة الوفاق الوطني‪.2‬‬
‫المتضمنة الوفاق‬
‫ّ‬ ‫كما ّأنه نزوال عند مقتضيات المادة األولى من األرضية‬
‫السياسية‬
‫أن المرحلة‪ 4‬االنتقالية تستمد مشروعيتها من موافقة القوى ّ‬
‫الوطني‪ ،‬التي تشير إلى ّ‬
‫واالقتصادية واالجتماعية على محتوى األرضية المعتمدة من طرف ندوة الوفاق الوطني‪،3‬‬
‫نذهب إلى القول بأن المشروعية التي تستند عليها المرحلة االنتقالية أضحت منعدمة بفعل‬
‫السياسية الثالثة الحائزة‪ 4‬على ال ّشرعية ال ّشعبية‪ ،‬خاصةً ما تعلق بغياب‬
‫غياب األحزاب ّ‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) التي تعد طرفا أساسيا في األزمة‪ ،‬ومقاطعة أحزاب أخرى‬
‫لفعالياتها‪.4‬‬
‫األرضية المتضمنة‬
‫ّ‬ ‫بأن‬
‫السالفة البيان نصل إلى القول ّ‬
‫ّإنه‪ ،‬وبقراءة متالزمة ّلنتائج ّ‬
‫الدساتير الفعلية‪ ،‬لذلك تفيد معنى تجميد‬
‫الوفاق الوطني هي عبارة عن وثيقة تحتوي مدلول ّ‬
‫دستور‪ ،51989‬أين أضحى هذا األخير مجرد معيار تكميلي احتياطي للمعايير التي تطرحها‬
‫أرضية الوفاق الوطني‪.6‬‬

‫ثانياً‬
‫الدول‬
‫المرحلة االنتقالية كضرورة حتمية السترجاع هيبة ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪)-Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit ,pp.146-147.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(- Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.145.‬‬
‫‪ -)3‬المادة األولى من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬يتعلق األمر ب‪ 11‬تشكيلة أهمها‪ ،‬حركة حماس(سابقا) وحزب التجديدي الجزائري‪ ،‬راجع‪ :‬طعيبة أحمد‪،‬‬
‫ص‪.121.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-( Voir : BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.144.‬‬
‫أن يتم‬
‫للدستور ال يمكن ّ‬
‫أن التّطبيق الكامل ّ‬
‫بناء على الفقرة ‪ 12‬من ديباجة األرضية التي تشير إلى ّ‬‫)‪ -‬وذلك ً‬
‫‪6‬‬

‫بشكل كلي بالنظر إلى االستحالة المسلم بها فيما يتعلق بتنظيم انتخابات على المدى القصير‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫والدولي الخانق الذي شهدته الجزائر‪ ،1‬لم يكن هنالك‬


‫المتأزم ّ‬
‫ّ‬ ‫الداخلي‬
‫أمام الوضع ّ‬
‫الصدد‬
‫الدولة‪ ،‬وفي هذا ّ‬
‫مناص من العمل على وضع إستراتيجية ناجعة بغية استعادة هيبت ّ‬
‫السابقة‪ ،2‬لتنتقل‬
‫المتضمنة الوفاق الوطني من التّسليم بإخفاق الممارسات ّ‬
‫ّ‬ ‫تنطلق األرضية‬
‫إلى تحديد عناصر األزمة‪ ،3‬ثم تنتهي بعدها إلى وضع برنامج مسطّر للخروج منها‪ ،‬والذي‬
‫كان موجهة ألربع محاور رئيسية (سياسية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬أمنية‪ ،‬واجتماعية ) وهو ما‬
‫سنتعرض إليه فيما يلي‪:‬‬
‫السياسية‪:‬‬
‫‪ -)1‬األهداف ّ‬
‫السياسية أعلى نقاط االهتمام المزمع تحقيقها خالل المرحلة‪4‬‬
‫تتصدر األهداف ّ‬
‫االنتقالية‪ ،‬وهو ما يرده األستاذ "بوسوماح" إلى وعي واضعي أرضية الوفاق الوطني‪ ،‬بأن‬
‫األزمة التي عرفتها الجزائر‪ ،‬هي قبل كل شيء أزمة سياسية‪.4‬‬
‫طموحة‪4‬‬
‫يمكننا أن نوجز هذه األهداف التي وصفها األستاذ "براهيمي" باألهداف ال ّ‬
‫والتي تتطلب ثورة حقيقية من طرف سلطة ال تملك ال المقدرة وال الوسائل لتحقيقها‪ ،54‬في‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫للسلم المدني‪.‬‬
‫االسترجاع الحازم ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الرجوع في أقرب الظّروف الممكنة للمسار االنتخابي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الدولة‪.‬‬
‫النهوض بعملية إصالح هيكلية لغرض إعادة االعتبار لوظيفة ّ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -)1‬لقد تّم تشديد الحصار الدبلوماسي واالقتصادي على الجزائر من قبل المجموعة الدولية‪ ،‬أين أبدي الموقف‬
‫الرافض لألوضاع التي تعيشها الجزائر‪ ،‬في حين ربطت الواليات المتّحدة األمريكية دعمها للجزائر‬
‫الفرنسي ّ‬
‫الدعم االجتماعي ومرافقة هذا المسعى بمزيد من الدعم‬
‫الوطنية وسياسة ّ‬
‫ّ‬ ‫تقدمها في مسار المصالحة‬
‫بمدى ّ‬
‫الدولية على الجزائر‪ ،‬ويحضرنا في هذا‬
‫حدة الضغوط ّ‬‫االقتصادي‪ ،‬هذا وقد ضاعفت المنظّمات الحقوقية من ّ‬
‫الصدد التّوصية التي رفعتها االتّحادية الفدرالية األوروبية لإلتحاد األوروبي تطالب فيها اللّجنة األوروبية بإيقاف‬
‫المفاوضات االقتصادية واشتراط استئنافها بتحسين األوضاع اإلنسانية في الجزائر‪ ،‬راجع في ذلك‪ :‬بوضياف‬
‫محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.176.‬‬
‫‪ -)2‬راجع في ذلك‪ :‬الفقرة الثانية من ديباجة المرسوم الرئاسي رقم‪ ،40-94 ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬راجع في ذلك‪ :‬الفقرة الرابعة من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(-Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p150.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-(Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.147.‬‬
‫‪94‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الرقابة‪.‬‬
‫الوظائف العمومية وتعزيز وظائف ّ‬ ‫ت َ‬ ‫َأخلَّقَ ْ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫النظر في قوانين سابقة كانت أساسا للتّعددية‪.1‬‬
‫إعادة ّ‬ ‫‪-‬‬

‫األمنية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ) 2‬األهداف‬
‫الكارثية"‪ ،‬التي كانت تعيشها الجزائر‬
‫ّ‬ ‫المتردية إن لم نقل"‬
‫ّ‬ ‫األمنية‬
‫ّ‬ ‫فرضت األوضاع‬
‫‪2‬‬
‫ثمنتها أرضية‬
‫السياسة التي ّ‬
‫الدولة ‪ ،‬وهي ّ‬
‫منذ البداية‪ ،‬اعتماد سياسة الكل األمني من قبل ّ‬
‫الوفاق الوطني مع اإلشارة إلى إمكانية اتّخاذ تدابير لتهدئة الوضع بصفة تدريجية وحسب‬
‫تطور الوضع‪.3‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جعل ربط واضعي أرضية الوفاق الوطني بين عملية مكافحة‪ 4‬اإلرهاب‬
‫الدولة في ضمان أمن األشخاص والممتلكات واستتباب األمن المدني‪ ،4‬األستاذ‬
‫ومهمة ّ‬
‫األمنية للمرحلة‪4‬‬
‫ّ‬ ‫"براهيمي" يذهب إلى توصيف الحكومة االنتقالية "بمفهوم األهداف‬
‫للنموذج الذي تولّد على أثر قيام الثورة الفرنسية‪.5‬‬
‫االنتقالية"‪ ،‬على أنها حكومة ثورية وفقا ّ‬
‫ّ‬
‫االقتصادية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )3‬األهداف‬
‫المتردية التي عرفتها الجزائر منذ سنوات الثّمانينات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أثّرت األوضاع االقتصادية‬
‫‪6‬‬
‫الرامي إلى وضع إستراتيجية شاملة قصد‬
‫والتي تفاقمت بفعل أعمال العنف ‪ ،‬على التّوجه ّ‬
‫إنعاش االقتصاد الوطني‪ ،‬وهو ما لم يتجل بصورة واضحة في إطار أرضية الوفاق‬

‫األول من أهداف المرحلة االنتقالية‪ ،‬المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫)‪ -‬الهدف ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -)2‬يتعل‪44‬ق األم‪44‬ر بالمرس وم الرئاس ي رقم‪ ،42-92 ،‬مرج‪44‬ع س‪44‬ابق؛ المرس وم التش ريعي رقم ‪ ،03-92‬مرج‪44‬ع‬
‫سابق؛ المرسوم تشريعي رقم‪ ،05-93‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬راجع في ذلك‪ :‬الفقرة الرابعة من أهداف المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬الفقرة الرابعة من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-(Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit, pp.151-152.‬‬
‫‪ -)6‬بشأن الحالة االقتصادية الجزائرية راجع‪ :‬بوضياف محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.220-217.‬‬
‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الوطني‪ ،‬التي اكتفت بوضع برنامج يتسم بالعمومية‪ ،‬والقائم على أربعة محاور‪ 4‬يمكن‬
‫اختزالها في‪:‬‬
‫تكييف االقتصاد الوطني مع التحوالت الكبرى لالقتصاد العالمي‪ ،‬واالنتقال المتحكم‬ ‫‪-‬‬
‫السوق‪.‬‬
‫فيه إلى اقتصاد ّ‬
‫الصناعية‪.‬‬
‫إجراء إعادة الهيكلة ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الصادرات من غير المحروقات‪ 4‬قصد تنويع مصادر تمويل االقتصاد‪.‬‬
‫تدعيم وترقية ّ‬ ‫‪-‬‬
‫انتهاج سياسة حيوية وشاملة لصالح الفالحة‪ ،‬تم ّكن البالد من الوصول إلى أمنها‬ ‫‪-‬‬
‫الغذائي‪.‬‬
‫ترقية مجال الخدمات‪.1‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ )4‬األهداف االجتماعية‪:‬‬
‫رسمت أرضية الوفاق الوطني جملة من األهداف‪ ،‬التي تصب في مسعى تحسن‬
‫ظروف المعيشية للمواطن‪ ،‬معلنةً عن جملة من النقاط التي تهدف إلى تحقيقها‪ ،‬والتي‬
‫ال ّ‬
‫تتمثّل في تعزيز العدالة االجتماعية‪ ،‬ترقية اإلسكان‪ ،‬وكذا إعداد وتنفيذ سياسة مالئمة‬
‫في فائدة ال ّشباب‪.2‬‬ ‫وجريئة‬
‫المتضمنة الوفاق‬
‫ّ‬ ‫المسطرة أعاله‪ ،‬إمكانية تصنيف األرضية‬
‫تطرح مختلف األهداف ّ‬
‫الوطني على أنها دستور برنامج‪.3‬‬

‫ثالثّاً‬
‫مؤسسات المرحلة االنتقالية‬
‫ّ‬
‫‪-‬بين التّعيين وتركيز السلطة‪-‬‬

‫‪ -)1‬القرة الثانية من أهداف المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬الفقرة الثالثة من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)3‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104.‬‬
‫‪96‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫مهمة تحقيق شروط الخروج‬


‫المتضمنة الوفاق الوطني ّ‬
‫ّ‬ ‫األرضية‬
‫ّ‬ ‫لقد أوكلت‬
‫من األزمة لهيئات المرحلة االنتقالية ممثّلة‪ ،1‬في كل من ‪:‬‬
‫الجهاز الّتنفيذي‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫السلطات‬
‫االنتقالية على مقاربة مبدأ الفصل بين ّ‬
‫ّ‬ ‫يقوم الجهاز‪ 4‬التّنفيذي للمرحلة‬
‫بحيث يتكون من كل من‪:‬‬

‫الدولة‪:‬‬
‫رئاسة ّ‬ ‫أ)‬
‫مبرر‬
‫للدولة في تكرار غير ّ‬
‫وهي الهيئة التي يتّم تعيينها من طرف المجلس األعلى ّ‬
‫مؤسساتية‪ ،‬من حيث‬
‫إلثارة مسألة الم ّشروعية‪ ،‬أين عمدت هيئة استشارية إلى تعيين هيئة ّ‬
‫الدستور‪ ،‬وأرضية الوفاق الوطني‪ ،‬فضال‬
‫الدولة مستمدة من كل من ّ‬
‫أن صالحيات رئاسة ّ‬
‫ّ‬
‫الجمهورية في الدساتير‬
‫ّ‬ ‫المخولة لرئيس‬
‫ّ‬ ‫الصالحيات التّقليدية‬
‫عن ّأنها لم تخرج عن ّ‬
‫الجزائرية المتعاقبة‪.2‬‬
‫الحكومة‪:‬‬ ‫ب)‬
‫الدولة‪ ،3‬بمجموعة‬
‫المعين من طرف رئيس ّ‬
‫ّ‬ ‫يضطلع رئيس الحكومة‬
‫الصالحيات‪ ،4‬لع ّل أهمها إعداد البرنامج االنتقالي طبقا لألهداف الواردة في أرضية‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫الوفاق الوطني‪ ،5‬الذي يعرض على المجلس الوطني االنتقالي للمصادقة عليه بأغلبية ‪2/3‬‬
‫يكيف برنامجه‬
‫واستثناء في حالة التّصويت على الئحة التّحفظات‪ 4‬حيث ّ‬
‫ً‬ ‫من األعضاء‪،‬‬

‫‪ -)1‬الفقرة‪ 11‬من ديباجة‪ ،‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬أنظر الفرع األول من الفصل الثاني من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬المادة‪ 13/2 :‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)4‬راجع في ذلك‪ :‬الفرع الثاني من الفصل الثاني من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)5‬المادة‪ 17/1 :‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫المعبر عنها‪ ،‬أو يطلب تصويتا بالثّقة الذي يتم باألغلبية البسيطة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حسب هذه التحفظات‪4‬‬
‫وذلك بعد إجراء مجلس الوزراء مداولة حوله‪.1‬‬
‫المجلس الوطني االنتقالي‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫يعتبر المجلس الوطني االنتقالي الهيئة الثانية المستخلفة‪ 4‬للمجلس الشعبي الوطني‬
‫بعد المجلس االستشاري الوطني‪ ،2‬وعلى الرغم من أنه‪ ،‬من الناحية الوظيفية يقارب إلى حد‬
‫بمهمة التّشريع‬
‫طالعه ّ‬
‫بعيد من حيث صالحياته مهام المجلس ال ّشعبي الوطني‪ ،‬من حيث اض ّ‬
‫عن طريق األوامر‪ ،‬كما يتمتع بصالحيات رقابية‪ ،‬إالّ ّأنه من ناحية التّشكيلة ال يعدو أن‬
‫الدولة‪ ،‬من األحزاب السياسية‪ ،‬والقوى االقتصادية‬
‫معينة من قبل كل من رئاسة ّ‬
‫يكون هيئة ّ‬
‫واالجتماعية‪.3‬‬
‫مما يجعلنا نقول بإخفاق‪ 4‬أرضية الوفاق الوطني في مقاربة مبدأ الفصل بين‬
‫السلطات‪.4‬‬
‫ّ‬

‫المطلب الثّاني‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫المقاربة التّشريعية للمصالحة‬

‫الرغم من إخفاق‪ 4‬سياسة الحوار الوطني في بناء أرضية قوية ّلدفع بمسعى‬
‫علي ّ‬
‫أن هذه األخيرة قد عرفت طريقها إلى التّجسيد من خالل جملة من‬
‫الوطنية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫المصالحة‪4‬‬
‫األطر التّشريعية التي إعتمد بشأنها المشرع مقاربات متفاوتة‪ ،‬في تبني سياسة احتوائية ّلدفع‬
‫الرحمة (فرع ّأول)‪ ،‬مرورا بإشراك‬
‫الوطنية‪ ،‬بداية من إقرار تدابير ّ‬
‫ّ‬ ‫بعملية المصالحة‬
‫الوطنية (فرع ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلرادة ال ّشعبية من خالل قانوني الوئام المدني والمصالحة‪4‬‬

‫األول‬
‫الفرع ّ‬

‫‪ -)1‬المادة‪17/2 :‬و‪ 3‬من المرجع نفسه‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪(-Voir : BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.166.‬‬
‫‪ -)3‬راجع في ذلك‪ :‬المادة ‪ 27‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬قوقة وداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.166.‬‬
‫‪98‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الرحمة‬
‫تدابير ّ‬

‫السيد "اليمين‬
‫الرحمة على أنه امتداد لسياسة الحوار التي تبناها ّ‬
‫يطرح قانون ّ‬
‫جدي مع الجميع‪.1‬‬
‫للدولة‪ ،‬أين أعرب عن ّنيته في فتح حوار ّ‬
‫زروال" عقب تنصيبه رئيسا ّ‬
‫الدولة آنذاك في اتّخاذ إجراءات حاسمة‬
‫السيد رئيس ّ‬
‫تجسيدا لهذا المسعى‪ ،‬شرع ّ‬
‫جدية مسعاه‪ ،‬أهمها إطالق صراح إثنين من قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‬
‫تأكيدا على ّ‬
‫(المحلّة) المدعوان (علي جدي وعبد القادر بوخمهم)‪ ،‬إقالة حكومة السيد "رضا مالك"‪،‬‬
‫السيد "مقداد سيفي"‪ ،‬إعالنه عن شروعه في عملية الحوار‬
‫وتعيين حكومة جديدة بقيادة ّ‬
‫بنفسه مع بعض التشكيالت السياسية الفاعلة‪ 4‬ومع قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ( المحلّة)‪.2‬‬
‫تعنت كل‬
‫الدولة "اليمين زروال" قد باءت بالفشل‪ ،‬بفعل ّ‬
‫أن مساعي السيد رئيس ّ‬
‫غير ّ‬
‫التمسك بمطالبها‪ ،‬فضال عن رفض‬
‫ّ‬ ‫السياسية الفاعلة على الساعة الوطنية في‬
‫من التشكيالت ّ‬
‫قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) لمقترحات هذا األخير التي تبدو معقولة لحد بعيد‪،‬‬
‫والتي تجلّت في اقتران إطالق صراح قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) وإ لغاء جميع‬
‫القوانين االستثنائية‪ ،‬فضال عن إعادة االعتبار لهذه األخيرة تحت تسمية أخرى‪ ،‬بمجرد نبذ‬
‫العنف من قبل هذه األخيرة‪ ،‬وهو ما قوبل بالرفض القاطع من قبل هؤالء؟‪.3‬‬
‫السيد رئيس الدولة عن فشلها في‪ 31‬أكتوبر‪،1994‬‬
‫انتهت عملية الحوار بإعالن ّ‬
‫محمال وزر هذا الفشل ألطراف الحوار األخرى‪ ،‬وعلى إثر ذلك دعى هذا األخير األحزاب‬
‫ّ‬
‫لمواجهة ال ّشعب مباشرةً من خالل اإلعالن عن تّنظيم انتخابات رئاسية مسبقة‪ ،‬وذلك‬
‫الرئاسية‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫المؤسسة‬
‫ّ‬ ‫إلضفاء ال ّشرعية على‬
‫السيد رئيس الدولة‬
‫لم يؤثر إخفاق عملية الحوار على النهج التّصالحي‪ ،‬الذي تبناه ّ‬
‫الرحمة نزوال عند‬
‫"اليمين زروال"‪ ،‬أين تّم إصدار األمر رقم ‪ ،12-96‬المتضمن تدابير ّ‬

‫‪ -)1‬تاملت محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.135.‬‬


‫‪ -)2‬بلحربي نوال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.198.‬‬
‫‪ -)3‬يونسي حفيظة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.187.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(- GHEZALI Abdelkarim, Le discoure de Zeroual confirme les incertitudes sure un accord politique,‬‬
‫‪Op.cit.‬‬
‫‪99‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫المتضمنة الوفاق الوطني‪ ،‬التي تذهب في فقرتها الرابعة المتعلقة‬


‫ّ‬ ‫مقتضيات األرضية‬
‫بأهداف المرحلة االنتقالية إلى القول بإمكانية اتخاذ تدابير لتهدئة الوضع بصفة تدريجية‬
‫تطور الوضع‪.1‬‬
‫وحسب ّ‬
‫يستوقفنا البناء القانوني لألمر رقم ‪ ،12-69‬المؤسس على أحكام المادة ‪8 /13‬‬
‫السيد رئيس الدولة‪ ،‬حق إصدار عفو‬
‫تخول ّ‬‫المتضمنة الوفاق الوطني‪ ،‬التي ّ‬
‫ّ‬ ‫من األرضية‬
‫خاص وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها‪ ،2‬في الوقت الذي تّم إصداره بموجب معيار‬
‫تشريعي‪ ،‬ممثّل في أمر رئاسي من طرف المجلس الوطني االنتقالي‪.‬‬
‫النحو‬
‫أما عن محاور هذا األخير فيمكن تقسيمها في األساس إلى ثالث محاور على ّ‬
‫التّالي‪:‬‬
‫الرحمة‪:‬‬
‫‪ )1‬األشخاص المستفيدون من تدابير ّ‬
‫لق‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬د قّس‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬م الم ّش‪4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬رع الجزائ‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬ري األش‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬خاص المس‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬تفيدون من ت‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬دابير الرحم‪44 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4‬ة إلى‪:‬‬
‫األشخاص المستفيدون من عدم المتابعة القضائية‪:‬‬ ‫أ)‬
‫الرحمة‪ 4‬في األشخاص المنتمين إلى أحد المنظّمات‬
‫حصرتهم المادة ‪ 32‬من قانون ّ‬
‫المذكورة في المادة ‪ 87‬مكرر‪ 3‬من قانون العقوبات سواء باإلنشاء أو التّأسيس‪ ،‬أو‬
‫التّسيير أو بمجرد االنخراط أو المشاركة مع معرفة أغراضها أو نشاطاتها‪ ،‬والذين لم‬
‫بالسالمة‬
‫يقوموا بارتكاب جريمة قتل شخص أو التّسبب له في عجز دائم وكذا عدم المساس ّ‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العمومية أو‬
‫ّ‬ ‫المعنوية أو الجسدية للمواطن‪ ،‬فضال عن عدم تخريب األمالك‬
‫وكذا األشخاص الذين يسلمون تلقائيا‪ ،‬ما بحوزتهم من أسلحة ومتفجرات أو وسائل‬
‫مادية أخرى‪.3‬‬
‫األشخاص المستفيدون من التّخفيف من العقوبة‪:‬‬ ‫ب)‬

‫‪ -)1‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬المادة‪ ، 13/8 :‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،40-94‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬المادتين‪ 2 4‬و‪ 3‬من أمر رقم ‪ ،12-95‬مؤرخ في ‪ 13‬يوليو ‪ ،1999‬يتضمن تدابير الرحمة‪،‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،46‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬يوليو‪.1999‬‬
‫‪100‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫المختصة‪ ،‬وأشعروها‬
‫ّ‬ ‫للسلطات‬
‫ويتعلق األمر باألشخاص الذين سلموا أنفسهم تلقائياً ّ‬
‫بتوقّفهم عن كل نشاط إرهابي‪ ،‬لكنهم تسببوا في قتل أشخاص أو إصابتهم بعجز دائم‪.1‬‬

‫إجراءات االستفادة من تدابير الرحمة ‪:‬‬ ‫‪)2‬‬


‫بالنسبة لألشخاص المستفيدون من عدم المتابعة القضائية‪:‬‬ ‫أ)‬
‫تتطلب االستفادة من عدم المتابعة القضائية‪ ،‬إتباع الشخص التّائب لإلجراءات‬
‫التّالية‪:‬‬
‫المختصة‪ ،‬مع اصطحاب الولي عند االقتضاء‬
‫ّ‬ ‫السلطات‬
‫الحضور التّلقائي أمام ّ‬ ‫‪‬‬
‫و‪ /‬أو المحامي‪.‬‬
‫يتم عند حضورهم تسليمهم وصل الحضور يّؤ كد من خالله حضورهم التّلقائي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يسلّم المعني خالل أجل ‪ 30‬يوم من تاريخ تسليم وصل الحضور‪ ،‬وثيقة تتضمن‬ ‫‪‬‬
‫السلطة القضائية‪.2‬‬
‫الرحمة‪ 4‬من طرف ّ‬
‫عبارة مستفيد من تدابير ّ‬
‫بالنسبة لألشخاص المستفيدون من تخفيف العقوبة‪:‬‬ ‫ت)‬
‫يحول جميع األشخاص التائبين الذين ال تتوافر فيهم شروط االستفادة من تدابير‬
‫ّ‬
‫يحرر‬
‫عدم المتابعة القضائية إلى المحكمة المختصة لتقديمهم إلى وكيل الجمهورية‪ ،‬الذي ّ‬
‫ويحرك الدعوى العمومية‪.3‬‬
‫ّ‬ ‫محضر معاينة‬
‫مهمين من‬
‫نالحظ على األمر المتضمن تدابير الرحمة خلوه من أية إشارة لعنصرين ّ‬
‫العناصر التي تقتضي توصيفه على أنه قانون هادف لتحقيق المصالحة‪ 4‬الوطنية‪ ،‬والتي‬

‫‪ -)1‬المادة ‪ 4‬من المرجع نفسه‪.‬‬


‫‪ -)2‬المادتين‪ 2 4:‬و‪ 3‬من األمر رقم ‪ ،12-95‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬المواد‪ 9،8،4 :‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫تتعلق بعدم تحقيقه لنهج شامل لعدم اإلفالت من العقاب‪ ،‬الذي يقتضي تفعيل المحاكمات في‬
‫بناء على تصرفات معزولة ‪ ،1‬وكذا عدم‬
‫مواجهة األطراف األمنية التي تخرق القانون ً‬
‫الضرر بالنسبة لضحايا اإلرهاب‪.2‬‬
‫اإلشارة إلى لمسألة جبر ّ‬

‫الفرع الثّاني‬
‫عملية المصالحة‬
‫ّ‬ ‫شعبية في‬
‫إشراك اإلرادة ال ّ‬

‫تكتسي العمليات اإلستفتائية أهمية بالغة من حيث ّأنها تعد من أحد مظاهر‬
‫السلطة‬
‫الديمقراطية غير المباشرة‪ ،‬التي تضع بين يدي ال ّشعب وسائل تم ّكنه من ممارسة ّ‬
‫ّ‬
‫خارج أطر الديمقراطية التمثلية‪.3‬‬
‫السياق الجزائري‪ ،‬مكسب من المكاسب ال ّشعبية‪،‬‬
‫مؤسسة االستفتاء في ّ‬
‫وتعتبر ّ‬
‫لبعدها التّاريخي‪ ،‬أين تقترن بعملية االستفتاء على تقرير المصير في ‪ 1‬جويلية ‪ ،1962‬هذا‬
‫الشعبية هذه‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطية‬
‫ّ‬ ‫الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫للجمهورية‬
‫ّ‬ ‫الدساتير المتعاقبة‬
‫كرست جميع ّ‬
‫وقد ّ‬
‫السيادة‬
‫الربط بين عملية االستفتاء‪ ،‬ومبدأ ّ‬
‫الديمقراطية المباشرة ‪ ،‬مع ّ‬
‫الصورة من صور ّ‬
‫ّ‬
‫ال ّشعبية‪.4‬‬

‫‪ -)1‬برقوق محند‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪(- Voir : O.N.D.H, Rapport annuel de l’observatoire national des droits de l’homme 1994 ,Op.cti,p.215.‬‬
‫‪ -)3‬بقالم مراد‪"،‬االستفتاء كوسيلة مباشرة لتعديل الدستور"‪ ،‬مداخلة مقدمة في إطار الملتقي الدولي حول‪،‬‬
‫الدستورية في الجزائر‪ ،‬يومي ‪ 5‬و‪ 6‬ديسمبر ‪ ،2012‬جامعة الشلف‪ ،‬ص‪.3.‬‬ ‫التّعديالت‪ّ 4‬‬
‫السيادة التّشريعية للبرلمان في ظل دستور‪ ،1996‬مذكرة لنيل درجة الماجستير‬
‫)‪ -‬مزياني لوناس‪ ،‬انتفاء ّ‬
‫‪4‬‬

‫الدولة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ ،2011،‬ص‪.232.‬‬


‫في القانون العام‪ ،‬فرع تحوالت ّ‬
‫‪102‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫عدة استفتاءات؛ من بينها االستفتاء حول قانون‬


‫هذا وقد عرفت الممارسة الجزائرية ّ‬
‫السلم والمصالحة الوطنية‪ ،5‬محل بحثنا‪.‬‬
‫الوئام المدني‪ ،‬واالستفتاء حول الميثاق من أجل ّ‬
‫مما يدفعنا إلى البحث عن القيمة القانونية لهذين األخيرين‪ ،‬وهو ما سنعمد إلى‬
‫ّ‬
‫تناوله من خالل نقطتين تتعلق األولى منهما باإلجراءات المتبعة في سبيل إقرار هذين‬
‫النصين‪ ،‬أما الثانية فتتعلق باآلثار المترتبة عنها ‪:‬‬

‫ّأوالً‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫اإلجراءات المتبعة في سبيل إقرار كل من قانون المصالحة‬
‫وقانون الوّئام المدني‬

‫المتبعة في سبيل إقرار كل‬


‫األهمية بما كان الوقوف على اإلجراءات ّ‬
‫ّ‬ ‫يبدو من‬
‫الوحيدين‬
‫ّ‬ ‫النموذجين‬
‫الوطنية وقانون الوئام المدني‪ ،‬من حيث ّأنهما؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫من قانون المصالحة‬
‫لنمط االستفتاء التّشريعي في الجزائر‪.2‬‬
‫هذه األخيرة‪ ،‬من حيث ّأنها تمثل مشاريع قوانين من المفترض أن يتم التقّدم بها‬
‫وفقا ألسلوبي‪:‬‬
‫األول فيتعلق بالطّريقة العادية‪ ،‬والتي تتجلى في تقديم مشروع القوانين‬
‫أما ّ‬
‫اإلستفتائية من طرف الحكومة أو اقتراحها من قبل ‪ 20‬نائبا لتضحي قابلة للمناقشة‪،3‬‬

‫‪ -)5‬راجع في ذلك كل من‪ :‬إعالن المجلس الدستوري رقم ‪/02‬أ‪.‬م‪.‬د‪ ،99/‬المؤرخ في ‪ ،19/09/1999‬المتعلق‬
‫بإعالن نتائج قانون الوئام المدني‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد‪ ،66‬الصادرة بتاريخ‪21‬سبتمبر‪1999‬؛ مرسوم رئاسي‬
‫الناخبين لالستفتاء المتعلق بالمصالحة‬
‫رقم ‪ ،278-05‬مؤرخ في ‪ 14‬غشت سنة ‪ ،2005‬يتضمن استدعاء هيئة ّ‬
‫الوطنية‪ ،‬يوم الخميس ‪ 29‬سبتمبر سنة ‪ ،2005‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد ‪ ،55‬الصادر بتاريخ ‪ 15‬غشت ‪.2005‬‬
‫‪ -)2‬في مفهوم االستفتاء التّشريعي راجع‪ :‬بقالم مراد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5.‬‬
‫‪ -)3‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 119‬من المرسوم الرئاسي‪ ،438 - 96‬المؤرخ ‪ 07‬ديسمبر‪ ،‬المتعلق بنشر دستور‬
‫‪ 28‬نوفمبر‪ ،1996‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد ‪ ،76‬الصادرة بتاريخ ‪ 8‬ديسمبر ‪.1996‬‬
‫‪103‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الدستور و حسب‬
‫لتمر بعد ذلك بإجراءات التّصديق‪ ،‬وفقا لألساليب المنصوص عليها في ّ‬
‫الطبيعة القانونية للنص محل التّصديق‪ ،1‬أو أن يتّم تمريرها بموجب أمر رئاسي وفقا‬
‫‪2‬‬
‫النهائي‬
‫الدستور ‪ ،‬في حين يبقي إقرارها ّ‬
‫لل ّشروط المحددة بموجب المادة ‪ 124‬من ّ‬
‫مرهونا بتصديق ال ّشعب علي مشروع القانون اإلستفائي‪.3‬‬
‫وما يالحظ على الممارسة الجزائرية‪ ،‬فيما يتعلّق بإقرار كل من قانون الوئام‬
‫الوطنية‪ّ ،‬أنها لم تشذ عن هذه القاعدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المدني وقانون المصالحة‪4‬‬
‫فأما بالنسبة إلقرار قانون الوئام المدني‪ ،‬نجد بأنه تم وفقا لإلجراءات التّشريعية‬
‫العادية إلقرار القوانين‪ ،‬أين عمدت رئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان تّؤ كد فيه أن رئيس‬
‫بتبني مشروع قانون جديد يعرض على البرلمان‪ ،‬وهو ما تم‬
‫الجمهورية‪ ،‬سيكلّف الحكومة ّ‬
‫المتضمن الوئام المدني‪ ،‬ليتم‬
‫ّ‬ ‫ال ّشروع فيه‪ ،‬حيث قامت الحكومة بإعداد محتوى المشروع‬
‫مرة أخرى‬
‫الرأي بشأنه‪ ،‬قبل أن يعرض ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولة من أجل أخذ‬
‫عرضه بعد ذلك على مجلس ّ‬
‫على مجلس الوزراء للمصادقة عليه‪.4‬‬

‫وقد ٌْأر ِدفَ ْ‬


‫ت هذه اإلجراءات بعرض المشروع المتضمن الوئام المدني للمصادقة‬
‫المقرر‬
‫من قبل البرلمان‪ ،‬والذي انتهى إلى إجازته بعد استيفائه لنصاب التّصويت ّ‬ ‫عليه‬
‫دستورا بالنسبة للقوانين العادية‪.5‬‬
‫السيد رئيس‬
‫تأتي المرحلة الثالثة‪ ،‬والتي تدعو حقيقة للتّساؤل‪ ،‬أين عمد ّ‬
‫الدستور إلى إصدار‬
‫المخولة له دستورا بموجب المادة ‪126‬من ّ‬
‫ّ‬ ‫للصالحيات‬
‫الجمهورية وفقا ّ‬
‫نص قانون الوئام المدني‪ ،‬الذي تم نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية‬

‫‪ -)1‬راجع في ذلك‪ :‬المادة ‪ 120‬من المرجع نفسه‪.‬‬


‫‪ -)2‬راجع في ذلك‪ :‬المادة ‪ ،124‬من المرسوم الرئاسي ‪ ،438 -96‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.179.‬‬
‫‪ -)4‬لمزيد من التّفاصيل راجع‪ :‬شريفي عبد الغني‪ ،‬تطبيق االستفتاء في الجزائر انطالقا من تجربة ‪،1999‬‬
‫كلية الحقوق‪ -‬بن عكنون‪ ،‬جامعة‬
‫الدستوري وعلم التّنظيم السياسي‪ّ ،‬‬‫رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون ّ‬
‫الجزائر‪ ،2001 ،‬ص‪.53.‬‬
‫‪ -)5‬راجع في ذالك كل من‪ :‬المادتين‪ 120 4‬و‪ 122‬من دستور‪ ،1996‬مرجع سابق؛ شريفي عبد الغني‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.49-41.‬‬
‫‪104‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الشعبية‪ ،‬المؤرخة‪ 4‬في‪ ،113/07/199‬وذلك قبل عرضه على االستفتاء ال ّشعبي‬


‫ّ‬ ‫الديمقراطية‬
‫ّ‬
‫بتاريخ ‪ 16‬سبتمبر‪ ،21999‬وهو ما يدفعنا للتّساؤل عن مدى تأثير هذا اإلجراء على‬
‫الصورة التي من المفترض أن تكتسيها عملية االستفتاء والتي من المفترض أن تلعب دورا‬
‫تصديقيا‪.3‬‬
‫الوطنية‪ ،‬فقد سلك المشرع‬
‫ّ‬ ‫السلم والمصالحة‪4‬‬
‫بالنسبة للميثاق من أجل ّ‬
‫أما ّ‬‫ّ‬
‫الجزائري بشأنه أسلوب التّشريع االستثنائي‪ ،‬أين تم إنفاذه في صيغة أمر رئاسي‪ ،‬وذلك بعد‬
‫من قبل ال ّشعب في استفتاء ‪ 29‬سبتمبر ‪ ،42005‬ليتم عرضه بعد ذلك‬ ‫المصادقة عليه‬
‫على البرلمان للموافقة عليه في أول دورة له‪.5‬‬

‫ثانياً‬
‫شعبية‬
‫السيادة ال ّ‬
‫اإلستفتائية لمبدأ ّ‬
‫ّ‬ ‫البحث في حقيقة تفعيل القوانين‬

‫الوطنية من حيث ّأنها عملية قوامها تحقيق مصالحة‬


‫ّ‬ ‫إن عملية المصالحة‪4‬‬
‫ّ‬
‫بالضرورة إشراك جميع القوي الفاعلة في المجتمع‪ ،‬عطفا عن إشراط‬
‫ّ‬ ‫مجتمعية‪ ،‬تقتضي‬
‫السيادة ال ّشعبية‪ ،‬والذي تم إفراغه‬
‫الدستوري القائم على مبدأ ّ‬
‫في بعدها ّ‬ ‫اإلرادة ال ّشعبية‬
‫في صورة الديمقراطية المباشرة عن طريق العمليات اإلستفتائية‪،‬‬ ‫السياق الجزائري‬
‫في ّ‬
‫القانونية " للقوانين‬
‫ّ‬ ‫طبيعة "ما فوق‬
‫السيادة ال ّشعبية هي العامل الذي يضفي ال ّ‬
‫إالّ ّانه لما كانت ّ‬

‫‪ -)1‬قانون رقم ‪ ،08-99‬الم‪44‬ؤرخ في‪ ،13/07/199‬المتعل‪44‬ق باس‪44‬تعادة الوئ‪44‬ام الم‪44‬دني‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬رقم‪،46‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪.13/07/1999‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذلك‪ :‬إعالن المجلس الدستوري رقم ‪/02‬أ‪.‬م‪.‬د‪ ،99/‬مرجع سابق‪.‬‬
‫أن نتائج االستفتاء لم تكن في صالح قانون الوئام المدني‪ ،‬هل كان سينجر عن ذلك إلغائه بأثر‬
‫)‪ -‬فماذا لو ّ‬
‫‪3‬‬

‫النص على أنه‬


‫رجعي؟!‪ ،‬وهو اإلجراء الذي من شأنه أن يؤثر على الحقوق المكتسبة بموجبه‪ ،‬أم اإلبقاء على ّ‬
‫أن‬
‫تشريع عادي استوفى جميع اإلجراءات الواجب إتّباعها في إقرار هذا النوع من النصوص‪ ،‬وهو ما من شأنه ّ‬
‫الدستور‪.‬‬
‫السابعة من ّ‬
‫السيادة ال ّشعبية بموجب المادة ّ‬
‫يعتبر مساسا بمبدأ‪ّ 4‬‬
‫‪ -)4‬أنظر في ذلك‪ :‬المرسوم الرئاسي ‪ ،278-05‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)5‬راجع في ذلك‪ :‬كل من المادة ‪ 124/2‬من دستور‪ ،1996‬مرجع سابق؛ باخالد عبد الرزاق‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.125.‬‬
‫‪105‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫اإلستفتائية فإننا نتساءل عن فعلية إشراك اإلرادة ال ّشعبية في سياق عملية إقرار المصالحة‪4‬‬
‫الوطنية الجزائرية‪ ،‬وهو ما يمكن أن نتبينه من خالل البحث عن أثار تبني القوانين‬
‫الدستوري الجزائري‪.‬‬
‫اإلستفتائية في النظام ّ‬
‫الطّبيعة "ما فوق القانونية" للقوانين اإلستفتائية ‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫أن التشريعات اإلستفتائية تنصب على القوانين من الناحية‬
‫الرغم من ّ‬
‫على ّ‬
‫أن ارتباط المصادقة عليها باالستفتاء تجعله يسمو عن سائر المعايير‬
‫الموضوعية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫للدستور ضمن التصنيف المعياري‬
‫التّشريعية األخرى‪ ،‬وهو بذلك يحتل مرتبة موالية ّ‬
‫العام‪.1‬‬
‫هذا ويذهب األستاذ"بويحيى جمال" في معرض توصيفه للطّبيعة القانونية لميثاق‬
‫السلم والمصالحة‪ 4‬الوطنية‪ ،‬بأنه آلية فوق قانونية (‪ ،) SUPRA JURIDIQUE‬معلّال‬
‫ّ‬
‫الدول بمؤسساتها حالة‪ 4‬من عدم‬
‫بأن مثل هذه اآلليات تأتي في مراحل تجتاز فيها ّ‬
‫ذلك ّ‬
‫االستقرار واالنهيار إلى درجة تهديد ‪ -‬هذه األخيرة – في استمراريتها‪ ،‬كما يفتقد‬
‫مهددا‬
‫جموع متساكنيها للعديد من حقوقهم‪ ،‬بالقدر الذي يصبح معه الحق في الحياة ّ‬
‫بشكل كبير‪ ،‬حينها تصبح مثل هذه الحلول كمخرج ‪ -‬و إن كان منتقد‪ -‬ألزمة غير‬
‫عادية‪.2‬‬
‫اآلثار المترتّبة عن القوانين اإلستفتائية ‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫السياق الجزائري بما لها من ارتباط‬
‫يترتب عن إقرار القوانين اإلستفتائية في ّ‬
‫السيادة ال ّشعبية فضال عن صورية إشراك اإلرادة ال ّشعبية حول البرنامج‬
‫وثيق بمبدأ ّ‬
‫الرقابة على‬
‫السياقات الجزائرية ‪ ،‬تقويض دور البرلمان في ّ‬
‫موضوع االستفتاء في ّ‬
‫الرقابة على مدى‬
‫الدستوري في ّ‬
‫القوانين اإلستفتائية ناهيك عن تحجيم دور المجلس ّ‬
‫للدستور‪.‬‬
‫مطابقة القوانين اإلستفتائية ّ‬
‫‪ -)1‬راجع في ذلك كل من‪ :‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 187.‬؛‬
‫‪- HONFUNG (M.G), Le référendum, collection que sais – je ?, P.U.F, Paris, 198, p.63.‬‬
‫الراهنة"‪ ،‬ورقة بحث مقدمة إلى‬
‫الديمقراطي‪ :‬تداعيات االنتفاضات ّ‬
‫)‪ -‬بويحيى جمال "دولة القانون واالنتقال ّ‬
‫‪2‬‬

‫مخبر العولمة والقانون الوطني‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو‪،2014 ،‬‬
‫ص‪.14.‬‬
‫‪106‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫أ)‪-‬تقويض دور البرلمان‪:‬‬


‫يظهر من خالل عمومية نص كل من المادة ‪ 7‬والمادة ‪ 77/8‬من دستور‪(1996‬‬
‫الجمهورية في تفعيل سلطته في‬
‫ّ‬ ‫قبل التعديل الدستوري لسنة ‪ ،)2008‬إطالقها لحق رئيس‬
‫وطنية‪ ،‬دون إيراد أية ضوابط لترسيم‬
‫ّ‬ ‫إلى ال ّشعب في كل قضية ذات أهمية‬ ‫اللّجوء‬
‫تصور عما من شأنه أن يدرج في مصاف المواضيع ذات‬
‫حدود هذه السلطة أو إعطاء ّ‬
‫األهمية الوطنية‪.1‬‬
‫وهو ما من شأنه أن يتّخذ من قبل رئيس الجمهورية كمطية لتحجيم دور البرلمان‬
‫الجمهورية تجاوز هذا األخير‬
‫ّ‬ ‫الرقابي‪ ،2‬أين يتّأتى لرئيس‬
‫في شقه التّشريعي أو ّ‬ ‫سواء‬
‫من خالل عرض مشاريع القوانين التي يرفضها هذا األخير على الشعب‬ ‫نهائيا‪ ،‬سواء‬
‫مما يجعل من تصديق البرلمان على مشاريع القوانين من عدمها مجرد‬
‫للفصل فيها‪ّ ،‬‬
‫تحصيل حاصل‪ ،‬أو من خالل تمرير مشاريع القوانين اإلستفتائية مباشرةً على صاحب‬
‫يخول له وحده الفصل في إجازة القانون الستفتائي أو رفضه‪.3‬‬
‫السيادة األصلي الذي ّ‬
‫ّ‬

‫ب)‪-‬تحجيم دور المجلس الدستوري‪:‬‬


‫السيادة‪ ،‬وهو ما يجعل من دور‬
‫تنضوي القوانين اإلستفتائية ضمن طائفة أعمال ّ‬
‫العملية اإلستفتائية‪ ،4‬دون‬
‫ّ‬ ‫صحة‬
‫السهر على ّ‬
‫الدستوري بشأنها يختزل في مجرد ّ‬
‫المجلس ّ‬
‫الدستور‪.5‬‬
‫تجاوزها لفرض رقابته على مدى مطابقة هذه األخيرة ألحكام ّ‬
‫شعبية‪:‬‬
‫ج)‪-‬صورية إشراك اإلرادة ال ّ‬
‫إن المتتبع لمالبسات العمليات اإلستفتائية في الجزائر‪ ،‬ال يسعه إالّ اإلقرار‬
‫ّ‬
‫بانسحاب مفهوم االستفتاء ال ّشخصي على هذه األخيرة‪ ،‬أين أضحت عملية لتزكية شخص‬

‫‪ -)1‬أنظر في ذلك‪ :‬المادتين ‪ 7‬و‪ 77/8‬من دستور‪ ،1996‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬رابحي أحسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189.‬‬
‫‪ -)3‬مزياني لوناس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223 .‬‬
‫‪ -)4‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 163‬من دستور ‪ ،1996‬مرجع سابق؛ المادة ‪.165‬‬
‫‪ -)5‬شريفي عبد الغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.137-133.‬‬
‫‪107‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫‪1‬‬
‫طرح أساسه في‬
‫حد ذاته ‪ ،‬ويجد هذا ال ّ‬
‫الرئيس وليس عملية للمصادقة على برنامج قائم في ّ‬
‫ّ‬
‫الدستور ذاته التي جعلت من حق في اللّجوء إلى اإلرادة ال ّشعبية حقا محجوزا لرئيس‬
‫أحكام ّ‬
‫الجمهورية‪ ،2‬مما يجعلنا ننزع للقول بصورية إشراك اإلرادة ال ّشعبية حول البرنامج‬
‫ّ‬
‫موضوع االستفتاء في السياقات الجزائرية‪.‬‬

‫المبحث الثّاني‬
‫الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫االنتقالية في إطار التجربة‬
‫ّ‬ ‫عدم اكتمال أركان العدالة‬

‫يمكن َتبُين أركان العادلة االنتقالية في ضوء التّعريف الذي أورده األمين العام‬
‫لألمم المتحد بشأنها‪ ،‬والذي يقضي بأنها عبارة عن"مجموعة من اآلليات والعمليات‬
‫القضائية وغير القضائية المرتبطة بالمحاوالت التي يبذلها المجتمع لمعالجة آثار تركت من‬
‫تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة‪ 4‬المسألة وإ قامة العدالة وتحقيق المصالحة‪.3" 4‬‬
‫االنتقالية على ركنين أساسيين؛ يتعلق األول‬
‫ّ‬ ‫نستشف مما سبق قيام العدالة‬
‫أما الثّاني فيتعلق بإرساء آليات‬
‫بضرورة تحقيق التّكامل بين عناصر العدالة االنتقالية‪ّ ،‬‬
‫فعالة لالضطّالع بعملية تحقيق هذا التّكامل‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهو ما ال نلمسه في إطار المقاربة الجزائرية أين لم تنجح هذه األخيرة في‬
‫استيفاء العناصر التي تطرحها‪ 4‬العدالة االنتقالية (مطلب ّأول)‪ ،‬فضال عن إقصاء آليات هذه‬
‫األخيرة من إنفاذ قانون المصالحة الوطنية (مطلب ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫األول‬
‫المطلب ّ‬
‫االنتقالية‬
‫ّ‬ ‫الجزائرية لعناصر العدالة‬
‫ّ‬ ‫عدم استيفاء المقاربة‬

‫‪-)1‬لمزيد من التّفاصيل حول الموضوع راجع ‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.81-73.‬‬


‫‪ -)2‬راجع في ذلك‪ :‬المادة ‪ 87/2‬من دستور‪ ،1996‬مرجع سابق‪.‬‬
‫الصراع وما بعد‬
‫)‪ -‬تقرير األمين العام لألمم المتّحدة‪ ،‬سيادة القانون والعدالة االنتقالية في مجتمعات ّ‬
‫‪3‬‬

‫الصراع‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،S/2004/61 :‬ص‪.6 .‬‬


‫ّ‬
‫‪108‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫االنتقالية من ضرورة إرساء التّوازن بين مجموعة من األهداف‬


‫ّ‬ ‫تنطلق العدالة‬
‫المختلفة بل والمتناقضة‪ ،‬فهي من جهة ال تسعى لتحقيق عدالة بأثر رجعي بأي ثمن‪ ،‬كما‬
‫السالم على حساب الضحايا‪ ،1‬مما يجعلها تقوم‬
‫ال ترتكز على المحافظة‪ 4‬على ّ‬ ‫أنها‬
‫أن‬
‫على نهج متكامل من العناصر التصالحية والجنائية بغية تحقيق مصالحة عادلة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫نهج الم ّشرع الجزائري في التعاطي مع هذه العناصر من حيث غياب مقاربة شاملة‬
‫الوطنية (فرع ّأول)‪ ،‬فضال عن تبنيه‬
‫ّ‬ ‫لعناصر العدالة االنتقالية في إطار قانون المصالحة‬
‫الجزائرية لعناصر العدالة‬
‫ّ‬ ‫لخيار العفو(فرع ٍ‬
‫ثان)‪ ،‬جعلنا نقول بعدم استيفاء المقاربة‬
‫االنتقالية‪.‬‬
‫ّ‬

‫األول‬
‫الفرع ّ‬
‫االنتقالية‬
‫ّ‬ ‫الحية للعدالة‬
‫التص ّ‬
‫َ‬ ‫غياب مقاربة شاملة للعناصر‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫في إطار قانون المصالحة‬

‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫في الوقت الذي تفترض فيه العدالة االنتقالية‪ ،‬اضطالع برامج المصالحة‬
‫التصالحية للعدالة االنتقالية من خالل مقاربة شاملة‪ ،‬تقوم المقاربة الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫بالعناصر‬
‫الضرر‪ ،‬وإ هدار الحق في معرفة الحقيقة‪.‬‬
‫على التّعويض كبديل لجبر ّ‬

‫ّأوالً‬
‫الضرر‬
‫التّعويض كبديل عن جبر ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪-(PENA Mariana, « Réparation individuelle et réparation collective », In acte du séminaire pour :la‬‬
‫‪paix et conciliation, organiser pars :CFDA, SOS disparus, FDA, Djazairouna, ANFD, Soumoud,‬‬
‫‪Bruxelles,18-19 mars 2007, p.153.‬‬
‫‪109‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الضرر‪ -‬والذي يجد في القانون الدولي‬


‫لقد أضحى الحق في االنتصاف وجبر ّ‬
‫الدولية‬
‫مرسخا بقوة في المعاهدات ّ‬
‫ّ‬ ‫الدول مصدرا معززا ألساسه‪،1-‬‬
‫العرفي لمسؤولية ّ‬
‫الدولي الجنائي‪،4‬‬ ‫‪3‬‬
‫الدولي اإلنساني ‪ ،‬بل وحتى القانون ّ‬
‫‪2‬‬
‫لكل من حقوق اإلنسان ‪ ،‬والقانون ّ‬
‫الدولي‬
‫الدول بفعل تفاعل القانون ّ‬
‫وقد انعكس هذا اإلدماج لحقوق اإلنسان في مسؤولية ّ‬
‫الدول مع التطور التدريجي‬
‫على النحو المنصوص عليه في قانون مسؤولية ّ‬ ‫العرفي‬
‫لقانون حقوق اإلنسان في جانبه التعاهدي على المفهوم التّقليدي لهذه المسؤولية‪ ،‬بشكل‬
‫الضرر‪ ،5‬طبقا للمبدأ القائل بأن كل انتهاك‬
‫يكرس حق الفرد في االنتصاف وجبر ّ‬
‫الضرر‪ ،‬وأبعاده تقتضي التّكامل‬
‫الدولية يؤدي إلى إنهاض واجب يتعلق بجبر ّ‬
‫لاللتزامات ّ‬
‫الضرر‪.6‬‬
‫بين شمولية الجانب المادي والموضوعي لمسألة جبر ّ‬
‫الضرر‪ ،‬لكن‬
‫الوطنية بدوره الحق في االنتصاف وجبر ّ‬
‫ّ‬ ‫كرس قانون المصالحة‪4‬‬
‫ّ‬
‫التعويض أو من حيث‬
‫وفقا لتصور خاص بالمشرع الجزائري سواء من حيث أساس ّ‬
‫أبعاده‪:‬‬
‫للدولة كأساس للتّعويض‪:‬‬
‫السلبية ّ‬
‫‪ )1‬المسؤولية ّ‬

‫الدول عن‬
‫أن"الدولة مسئولة في مواجهة باقي ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولي مفادها‬
‫)‪ -‬يتعلق األمر بقاعدة عرفية راسخة في القانون ّ‬
‫‪1‬‬

‫الناتج عن أفعالها غير المشروعة"‪ ،‬راجع في ذلك‪ :‬هنكرتس جون –ماري و لويز دون والد –بك‪،‬‬
‫الضرر ّ‬
‫جبر ّ‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.463.‬‬
‫والسياسة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدولي الخاص بالحقوق المدنية‬
‫)‪ -‬نذكر منها‪ :‬المادة ‪ 2‬من العهد ّ‬
‫‪2‬‬

‫األول الملحق باتفاقيات جنيف األربعة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫)‪ -‬نذكر منها‪ :‬المادة ‪ 91‬من البرتوكول اإلضافي ّ‬
‫‪3‬‬

‫الدولية‪ ،‬مرجع‬
‫)‪ -‬يتعلق األمر بالمادتين‪ 68‬و‪ 75‬من نظام روما األساسي‪ ،‬المتعلق بإنشاء المحكمة الجنائية ّ‬
‫‪4‬‬

‫سابق‪.‬‬
‫الصراعات‪ ،‬برامج جبر‬
‫للدول الخارجة من ّ‬
‫)‪ -‬مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫‪5‬‬

‫الضرر‪ ،‬وثائق األمم المتحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،/HR/PUB/06 2006 ،‬ص‪.6.‬‬


‫ّ‬
‫‪6‬‬
‫‪(- PENA Mariana, «Réparation individuelle et réparation collective », In acte du séminaire pour :la‬‬
‫‪paix et conciliation , organiser pars : CFDA, SOS disparus, FDA, Djazairouna, ANFD, Soumoud,‬‬
‫‪bruxelles, 18-19 mars, 2007,p.153.‬‬
‫‪110‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الدولة في التّعويض بعنوان المأساة‬


‫الوطنية مسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫يقيم قانون المصالحة‬
‫الضرر مع إقصاء عنصر الخطأ‪ 4‬أو الفعل غير المشروع من عناصر‬
‫الوطنية‪ ،‬على أساس ّ‬
‫ّ‬
‫المسؤولية ‪ ،‬وهو ما يتجل من خالل ما يلي‪:‬‬
‫التّعويض بعنوان ضحية المأساة الوطنية‪:‬‬ ‫أ)‬
‫– المخاطر االجتماعية كأساس للمسؤولية‪-‬‬
‫السلم والمصالحة‪ 4‬الوطنية‬
‫يقضي البند الرابع من مشروع الميثاق من أجل ّ‬
‫بالتّمييز بين المسؤولية الجنائية عن عمليات االختفاء القسري‪ ،‬التي يردها إلى كل من‬
‫النشاط اإلجرامي لإلرهابيين وبعض التّجاوزات الفردية ألعوان الدولة‪ ،‬وبين المسؤولية‬
‫للدولة في التّعويض التي تقوم في استقالل تام عن ّأية مسؤولية جنائية‪.1‬‬
‫المدنية ّ‬
‫الوطنية التي تحصر شروط‬
‫ّ‬ ‫ويتأ ّكد هذا الطّرح من خالل بنود قانون المصالحة‬
‫الحصول على صفة ضحية المأساة الوطنية‪ ،2‬التي من شأنها تخويل ذوي حقوقه الحق‬
‫‪3‬‬
‫تعده الشرطة‬
‫بناء على محضر ّ‬
‫ً‬ ‫بالوفاة‬ ‫صريح‬‫ّ‬‫الت‬ ‫حكم‬ ‫استصدار‬ ‫في‬ ‫‪،‬‬ ‫في اقتضاء التّعويض‬
‫القضائية على إثر عملية البحث والتّحري الذي تقوم به بكل الوسائل القانونية التي بقيت‬
‫‪4‬‬
‫ألي من عنصر الفعل غير المشروع أو حتى إقران الحصول‬
‫بدون جدوى ‪ ،‬دون اشتراط ّ‬
‫الناشئة عن أعمال أعوان األمن المشروعة‬
‫على صفة ضحية المأساة الوطنية‪ ،‬بالمخاطر‪ّ 4‬‬
‫في إطار مكافحة‪ 4‬اإلرهاب‪.5‬‬

‫‪ - )1‬أنظر في ذلك‪ :‬البند الرابع من مشروع الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية متوافر على الموقع‬
‫اإللكتروني‪:‬‬
‫‪www.el-mouradia.dz/consulter, consulté le:06/06/2015, à 01 :16‬‬

‫ظرف‬
‫يصرح بفقدانه في ال ّ‬
‫ضحية المأساة الوطنية ال ّشخص الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -)2‬تنص المادة ‪ 27‬على ما يلي‪" :‬يعتبر‬
‫الخاص الذي نجم عن المأساة الوطنية‪ ،‬التّي فصل فيها ال ّشعب بكل سيادة ‪ ....‬تترتب صفة ضحية المأساة‬
‫الوطنية الحق في التّصريح بالوفاة بموجب حكم قضائي"‪ ،‬أمر رقم ‪ ،01-06‬المؤرخ في ‪ 27‬فبراير ‪،2006‬‬
‫الوطنية‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،11‬موافق‪ 28‬فبراير ‪.2006‬‬
‫ّ‬ ‫السلم والمصالحة‬
‫يتضمن تنفيذ ميثاق ّ‬
‫‪ -)3‬المادة‪ 37‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬المادة ‪ 30‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫وهو ما يجعلنا نقول باتّساع األساس القانوني للتّعويض في إطار‪ 4‬إجراءات التكفل‬
‫بناء على أحكام قانون المصالحة الوطنية‪ ،‬التي لم تتوقف عند شرط‬
‫بملف المفقودين ً‬
‫الخطأ الجسيم أو شرط المخاطر‪ 4‬الناشئة عن أعمال أعوان األمن‪ ،1‬للقول باستحقاق ذوي‬
‫حقوق ضحية المأساة الوطنية بمفهوم المادة ‪ 2‬من المرسوم الرئاسي رقم‪93-06‬‬
‫للتّعويض‪ ،‬وإ نما أقامتها على أساس المخاطر‪ 4‬االجتماعية‪.2‬‬
‫التّعويض على أساس التّضامن االجتماعي‪:‬‬ ‫ب)‬
‫لقد أقام الم ّشرع الجزائري التّعويضات بعنوان اإلجراءات الرامية إلى تعزيز‬
‫‪3‬‬
‫الرامية إلى تعزيز التّماسك‬
‫المصالحة الوطنية ‪ ،‬وكذا التّعويضات بعنوان اإلجراءات ّ‬
‫الوطني‪ ،4‬على أساس التّضامن االجتماعي وهو ما يتّجلى من خالل ما يلي‪:‬‬

‫الرامية إلى تعزيز المصالحة‬


‫‪-‬التّعويض أو إعادة اإلدماج بعنوان اإلجراءات ّ‬
‫الوطنية‪:‬‬
‫ّ‬
‫كفل الم ّشرع الجزائري الحق في التّعويض أو إعادة اإلدماج للشغل بالنسبة‬
‫للموظفين أو العمال الذين كانوا محل إجراء للتّسريح اإلداري من العمل بسبب األفعال‬
‫المتّصلة بالمأساة الوطنية‪ ،5‬متى كان حائزا لقرار عزل معلل قانونا‪ ،6‬ولم يتم تعويضه‬

‫‪ -)5‬أنظر في ذلك‪ :‬عميرش نذير‪ ،‬المسؤولية المدنية‪ 4‬للدولة عن األضرار الناتجة عن أعمال العنف واإلرهاب‪:‬‬
‫دراسة مقاربة‪ ،‬أطروحة لنيل درجة دكتوراه علوم في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،2011،‬ص‪.468.‬‬
‫‪ -)1‬باخالد عبد الرزاق‪ ،‬المصالحة الوطنية في إطار السياسة الجنائية‪ ،‬بحث لنيل شهادة الماجستير في القانون‬
‫الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم القانونية‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة‪ ،2010-2009 ،‬ص‪.202.‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذلك‪ :‬عميرش نذير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.471.‬‬
‫‪ -)3‬القسم الثاني من الفصل الثالث‪ ،‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬الفصل الخامس من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)5‬أنظر في ذلك المادة ‪ 25‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)6‬المادة ‪ 5‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،124-06‬المؤرخ في ‪ 27‬مارس ‪ ،2006‬يحدد كيفيات إعادة إدماج‬
‫أو تعويض األشخاص الذين كانوا موضوع إجراءات إدارية للتّسريح من العمل بسبب األفعال المتّصلة بالمأساة‬
‫‪112‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫بمقتضى قرار قضائي أو إداري سابق لتاريخ نشر هذا المرسوم‪ ،1‬وموجود ضمن قائمة‬
‫األشخاص إما الموضوعين قيد االعتقال بموجب إجراء إداري‪ ،‬أو المتابعين والمحبوسين‬
‫الوطنية ‪،‬أو المستفيدين من أحكام قانون‬
‫ّ‬ ‫أو المحكوم عليهم بسبب أفعال مرتبطة بالمأساة‬
‫الوئام المدني واألمر المتعلق بالمصالحة الوطنية‪.2‬‬
‫ويكون التّعويض متناسبا مع سنوات النشاط المهني ويدفع من الحساب رقم‬
‫‪ 302-096‬الذي عنوانه‪" :‬الصندوق الخاص للتّضامن الوطني"‪ ،‬مما يجعل التّعويض في‬
‫هذه الحاالت قائما على أساس الّتضامن الوطني‪.3‬‬
‫الرامية إلى تعزيز التّماسك الوطني‪:‬‬
‫‪-‬التّعويض بعنوان اإلجراءات ّ‬
‫الرامي إلى تعزيز التّماسك الوطني‪ ،‬فظال‬
‫عمد الم ّشرع الجزائري في إطار مسعاه ّ‬
‫عن إسقاط تهمة اعتبار األسر التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في األفعال المذكورة في‬
‫المادة ‪ 2‬من نفس األمر فاعلين أصليين أو محرضين أو مساهمين أو شركاء‪ ،4‬وكذا‬
‫أي تمييز في حق هذه الفئة‪ ،5‬إلى إقرار حق األسر المحرومة‪ 4‬التي ابتليت بضلوع‬
‫تجريم ّ‬
‫الدولة بعنوان التّضامن االجتماعي‪.6‬‬
‫في اإلرهاب من إعانة تمنحها ّ‬ ‫أحد أقاربها‬
‫وسع من األساس القانوني‬
‫على ضوء ما سلف بيانه نالحظ بأن المشرع قد ّ‬
‫للتعويض الذي أقامه في استقاللية تامة عن عنصر الخطأ‪ ،‬ما من شأنه أن يكفل تعزيز‬

‫الوطنية‪ ،‬ج‪.‬رج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،19‬الصادرة بتاريخ ‪ 29‬مارس سنة ‪.2006‬‬


‫أن اشتراط إرفاق طلب عادة اإلدماج أو التّعويض بقرار التّسريح قد يشكل عوائق حقيقية‬
‫‪ -‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أمام االستفادة من أحكام المادة ‪ 25‬من األمر ‪ 01-06‬خاصة في حاالت التّسريح الفعلي‪.‬‬
‫‪ -)1‬المادة ‪ ،20‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)2‬المادة ‪ ،8‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪-)3‬عميرش نذير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.436.‬‬
‫‪-)4‬المادة ‪ 40‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-)5‬المادة ‪ 41‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-)6‬المادة ‪ 43‬من المرجع نفسه؛ وفي هذا الصدد يشير تقرير اللجنة الوطنية االستشارية لترقية وحماية حقوق‬
‫اإلنسان إلى أنه في سنة ‪ 2007‬تم قبول ‪ 7696‬ملفا من أصل ‪ 17078‬ملف تم تقديمه على مستوى اللجان‬
‫الوالئية‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الضحايا وحقهم في اقتضاء التّعويض‪ ،1‬إالّ ّأنه ليس يخفانا أن نبحث عن مدى كفاية‬
‫مركز ّ‬
‫الضرر في‬
‫اتّساع األساس القانوني للتّعويض في تجسيد برنامج متكامل وشامل لجبر ّ‬
‫بعديه المادي والموضوعي‪.‬‬
‫الوطني ة لعناص ر‬
‫ّ‬ ‫‪) 2‬ع دم تحقي ق برن امج التّع ويض في إط ار ق انون المص الحة‬
‫مولية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ال والش‬ ‫االكتم‬
‫جوهرية في مسار تحقيق‬
‫ّ‬ ‫الضرر‪ ،‬من حيث ما تش ّكله من أهمية‬
‫إن مسألة جبر ّ‬
‫للضحايا بما يضمن توفير أرضية خصبة لتجاوز الماضي‬
‫العدالة وإ عادة االعتبار ّ‬
‫واالنطالق نحو المستقبل‪ ،‬تفترض النهوض ببرامج متكاملة وشاملة لتحقيق هذا المسعى‪.2‬‬
‫السامية لحقوق‬
‫الضرر بالمفهوم الذي تطرحه المفوضية ّ‬
‫ويتخذ اكتمال برامج جبر ّ‬
‫اإلنسان بعدين؛ بعد موضوعي وبعد مادي وهو ما سنعمل على توضيحه على النحو‬
‫التالي‪:3‬‬

‫الضرر‪:‬‬
‫أ) من حيث البعد المادي لبرامج جبر ّ‬
‫ضحية من ضحايا‬
‫ّ‬ ‫الضرر في بعدها المادي تحويل كل‬
‫يقتضي اكتمال برامج جبر ّ‬
‫الدولي اإلنساني إلى مستفيد‪،‬‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان والقانون ّ‬
‫االنتهاكات الجسيمة للقانون ّ‬
‫وهو ما يقتضي شمولية جميع ضحايا االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان في برامج‬
‫التّعويض‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪)- Voir: C.N.P.P.D.H, Rapport annuel, état de droit en Algérie, ANEP, Alger, 2000, pp.21-22.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-(MOTTET Carol et POUT Christina , la justice transitionnel: une voie vers la réconciliation et la‬‬
‫‪construction d’une paix durable, en collaborations de: D.F.A.E , M.A.E.E.F, C.N.O.U.D.H.D.A.C,‬‬
‫‪Conférence paper1/2011, p.21.‬‬
‫الصراعات‪ ،‬برامج جبر‬
‫للدول الخارجة من ّ‬
‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)3‬‬
‫الضرر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6.‬‬
‫ّ‬
‫الصراعات‪ ،‬برامج جبر‬
‫للدول الخارجة من ّ‬
‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)4‬‬
‫الضرر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15.‬‬
‫ّ‬
‫‪114‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫والناجحة منها لمقصد االكتمال‬


‫الضرر بل ّ‬
‫إن تسليمنا باستحالة تحقيق برامج جبر ّ‬
‫ّ‬
‫لما يرتبط به من صعوبات على مستوى التّمويل‪ ،‬فضال عن المستوى اإلجرائي‪ ،‬وكذا‬
‫‪1‬‬
‫بأي شكل من األشكال إقصاء شريحة‬
‫على مستوى ضبط المعايير االستداللية ‪ ،‬ال يبرر ّ‬
‫الضرر على غرار ما ذهب إليه الم ّشرع الجزائري‬
‫واسعة من الضحايا من برامج جبر ّ‬
‫في إطار قانون المصالحة الوطنية‪.‬‬
‫يقرها تحت عنوان تعويض ضحايا المأساة الوطنية ال‬
‫بأن األحكام التي ّ‬
‫مع العلم‪ّ ،‬‬
‫تعدو أن تكون إال استكماالً للتّدابير التي تم إقرارها‪ ،‬بعنوان تعويض ضحايا اإلرهاب منذ‬
‫سنوات‪ ،21992‬ورغم ذلك يبقي هذا األخير بعيدا كل البعد عن استيفاء مقتضيات‬
‫االكتمال‪.‬‬

‫الناجحة في مجال‬
‫الرغم من اعتبار كل من تجربة جنوب إفريقيا والتّجربة المغربية من التّجارب ّ‬
‫)‪ -‬على ّ‬
‫‪1‬‬

‫الضرر‪ ،‬لمزيد من التّفاصيل راجع كل‬


‫العدالة االنتقالية إالّ ّأنهما لم تتمكنا من بلوغ الكمال فيما يتعلّق بجبر ّ‬
‫من ‪ :‬الطيب هايدي‪" ،‬العدالة االنتقالية نماذج دولية مختارة "‪ ،‬العدالة االنتقالية في السياقات العربية‪ ،‬المنضمة‬
‫اإلنسان‪ ،‬د‪.‬ب‪.‬ن‪.2014 ،‬ص‪57.‬؛ الريسونس مصطفى‪" ،‬جبر الضر في التجربة المغربية"‪،‬‬ ‫العربية لحقوق‬
‫العدالة االنتقالية في السياقات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.99-85.‬‬
‫‪ -)2‬يتعلق األمر بكل من‪:‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ 20-90‬المؤرخ في ‪ 15‬أوت ‪ ،1990‬يتعلق بالتعويضات الناجمة عن قانونا للعفو الشامل رقم‬
‫‪ ،19-90‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد ‪ 35‬بتاريخ ‪15‬أوت ‪.1990‬‬
‫‪ -‬مرسوم تشريعي رقم ‪ 01-93‬مؤرخ في ‪ 19‬يناير‪ ،1993‬المتضمن قانون المالية لسنة‪،1993‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬دش‪ ،‬عدد ‪ ،4‬الصادرة بتاريخ‪ 20 ،‬يناير ‪.1993‬‬
‫‪ -‬مرسوم تشريعي رقم ‪ ،18-93‬مؤرخ في ‪ 29‬ديسمبر‪ ،1993‬يتضمن قانون المالية لسنة‬
‫‪،1994‬ج‪.‬رج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،88‬الصادرة بتاريخ ‪ 30‬ديسمبر ‪.1993‬‬
‫‪ -‬قانون رقم ‪ ،08-99‬المؤرخ في ‪ 13‬يوليو ‪ ،1999‬يتعلق باستعادة الوئام المدني‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪،64‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 13‬يوليو ‪.1999‬‬
‫‪ -‬مرسوم تنفيذي رقم ‪ ،424-98‬المؤرخ في ‪13‬ديسمبر‪ ،1998‬يحدد شروط التّكفل بالعائالت المحرومة‬
‫ضحايا المأساة الوطنية وكيفيات تطبيقها‪ ،‬ج‪.‬رج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد ‪ ،94‬الصادرة بتاريخ ‪ 16‬ديسمبر‪.1998‬‬
‫‪ -‬مرسوم تنفيذي رقم ‪ ،47-99‬المؤرخ في ‪ 13‬فبراير‪ ،1999‬يتعلق بمنح تعويضات لصالح األشخاص‬
‫والمادية التي لحقت بهم نتيجة أعمال إرهابية أو حوادث وقعت في إطار‬
‫ّ‬ ‫الجسدية‬
‫ّ‬ ‫طبيعيين‪ 4‬ضحايا األضرار‬
‫ال ّ‬
‫مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وكذا لصالح ذوي حقوقهم‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،09‬الصادرة بتاريخ ‪ 17‬فبراير ‪.1999‬‬
‫‪115‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫المشرع الجزائري لمفهوم‬


‫ّ‬ ‫الصدد‪ ،‬مسألة عدم توسيع‬
‫تستوقفنا كذلك في هذا ّ‬
‫الوطنية لباقي الحاالت المتضمنة في النصوص القانونية المتعلقة بتعويض‬
‫ّ‬ ‫ضحية المأساة‬
‫ضحايا اإلرهاب تماشيا مع منطقه المبني على ربط التّعويضات واإلعانات بالمأساة‬
‫الهوة بين مختلف التّدابير المتعلقة‬
‫الوطنية‪ ،‬والذي كان من شأنه أن يحول دون تعميق ّ‬
‫الضحايا‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫بإعادة كرامة‬
‫الوطنية في التّعاطي مع مسألة‬
‫ّ‬ ‫نتوقف عند نهج واضعي قانون المصالحة‬
‫تعويض ضحايا المأساة الوطنية في بعدها المادي‪ ،‬والذي على الرغم مما ذهب إليه– في‬
‫الضرر لتشمل كل من األسر‬
‫المادي لمسألة جبر ّ‬
‫النطاق ّ‬
‫خطوة محمودة– من توسيع ّ‬
‫المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في اإلرهاب من إعانات مالية بعنوان التضامن‬
‫االجتماعي‪ ،2‬وكذا تقرير حق األشخاص الذين كانوا محل تسريح إداري من العمل بسبب‬
‫األفعال المتصلة بالمأساة الوطنية في االستفادة من التّعويض أو إعادة إدماجهم في مناصب‬
‫‪3‬‬
‫الضحايا من تقرير‬
‫الشغل ‪ ،‬إالّ ّأنه انتهى وفي مفارقة‪ 4‬عجيبة إلى إقصاء طائفة واسعة من ّ‬
‫في التّعويض سواء بصفة جزئية أم كلية‪.‬‬ ‫حقّهم‬
‫النقص الذي يعتري نظام‬
‫فمن حيث اإلقصاء الجزئي نجده يتجلي من خالل ّ‬
‫الوطنية‪ ،‬والذي يقصي كل من المتضررين‬
‫ّ‬ ‫التّعويض المقرر‪ 4‬بعنوان ضحايا المأساة‬
‫المباشرين " الشخص المفقود" في حالة‪ 4‬ما إذا أسفرت نتائج عمليات البحث المتّبعة‬
‫من طرف ال ّشرطة القضائية عن عدم هالكه‪ ،‬من الحق في الحصول على تعويض متى‬

‫يتضمن إحداث دور استقبال اليتامى ضحايا‬


‫‪ -‬مرسوم تنفيذي رقم‪ ،142-99‬مؤرخ في‪ 13‬فبراير‪ّ ،1999‬‬
‫اإلرهاب وتنظيمها وعملها‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد‪ ،09 4‬الصادرة بتاريخ ‪ 17‬فبراير ‪.1999‬‬
‫السلم والمصالحة‬
‫)‪ -‬لقد دعا األستاذ "مروان عزي"رئيس خلية المساعدة القضائية لتنفيذ الميثاق من أجل ّ‬
‫‪1‬‬

‫الوطنية‪ ،‬إلى ضرورة تحيين القوانين المتعلقة بتعويض ضحايا اإلرهاب بما يتوافق مع متطلّبات هذه الفئة‪ ،‬أنظر‬
‫في ذلك‪(،‬خ) ملكية‪ ،‬خلية المساعدة القضائية لتنفيذ ميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية‪ 15:‬اقتراحا‬
‫الستكمال المسار وسد الثغرات‪ ،‬جريدة المساء‪ ،‬يوم ‪.2011-05-18‬‬
‫‪ -)2‬المادة ‪ 42‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪ 25‬من األمر ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫ثبت أن حالة الفقدان لم تكن نتيجة التحاق‪ 4‬ال ّشخص( بالجماعات اإلرهابية)‪ ،1‬فضال عن‬
‫إقصاء كل من أبناء "ضحية المأساة الوطنية" البالغين ‪ 21‬سنة فما فوق وكذلك األبناء‬
‫الدراسة أو ال يتبعون التّمهين‪ ،‬فضال عن‬
‫البالغين ‪ 19‬سنة فما فوق والذين ال يزاولون ّ‬
‫بنات الهالك ذوات دخل‪ ،2‬مما يجعلنا نتساءل عن سبب هذه التّرجمة التّشريعية الخاطئة‬
‫للدولة‪ ،‬الذي يفترض أن يطال‬
‫لمفهوم التّعويض ال ّشامل المترتب عن المسؤولية المدنية ّ‬
‫المتضررين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جميع‬
‫المشرع الجزائري‪ ،‬ما ذهب إليه من عدم التّمييز بين‬
‫ّ‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬نأخذ على‬
‫األشخاص الذين كانوا محل تسريح إداري بفعل األعمال المتّصلة بالمأساة الوطنية والذين‬
‫ثبتت براءتهم فيما بعد‪ ،‬وأولئك الذين تأ ّكدت إدانتهم‪ ،3‬خاصة فيما يتعلق بإجراءات إعادة‬
‫المشرع الجزائري من تغليب عملية التّعويض‬
‫ّ‬ ‫اإلدماج‪ ،‬فإذا كان من المنطقي ما ذهب إليه‬
‫المستخدم‪ ،‬الذي قد يكون قد تعرض للتّصفية أو اإلفالس‬
‫ّ‬ ‫بدال من اإلدماج مراعاةً‪ 4‬لوضعية‬
‫المؤسسات‬
‫ّ‬ ‫انجر عن عملية الخوصصة من غلق العديد من‬
‫وإ عادة الهيكلة‪ ،‬هذا فضال عما ّ‬
‫أي حائل آخر قد يحول دون‬
‫النفسية أو البدنية أو ّ‬
‫االقتصادية العامة‪ ،‬وكذا مراعاة للحالة ّ‬
‫تمكن الشخص التائب من العودة إلى منصب عمله‪.4‬‬
‫الصادرة‬
‫وإ ذا كان‪ ،‬من المنطقي ما ذهبت إليه تعليمة رئيس الحكومة ّ‬
‫المقررة‪،‬‬
‫في أفريل‪ ،2006‬من استثناء كل من العارضين الذين تتوافر فيهم الشروط ّ‬
‫الدفاع الوطني و‬
‫والذين مارسوا سابقا بصفتهم مستخدمين مدنيين شبيهين بوزارة ّ‬
‫مستخدمي المديرية العامة لألمن الوطني‪ ،‬زيادةً على مناصب التّعليم و التّأطير في‬
‫مؤسسات التّربية الوطنية والتّكوين المهني والجامعات‪ ،‬من الحق في إعادة اإلدماج‪ ،5‬وإ ذا‬
‫ّ‬
‫المشرع من عدم ترتيب آثار مالية رجعية عن عملية إعادة‬
‫ّ‬ ‫كان من المقبول ما ذهب إليه‬

‫‪1‬‬
‫‪) - C.F.D.A , Rapport annuel, situation des droit de l’homme en Algérie, 2013, p.25.‬‬
‫‪ -)2‬راجع المادة‪ 9‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،93-06‬المؤرخ في ‪ 28‬فبراير‪ ،2006‬يتعلق بتعويض ضحايا‬
‫المأساة الوطنية‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،11‬الصادرة بتاريخ ‪ 28‬فبراير سنة ‪.2006‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪ 25‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬المادة ‪13‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،124-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫‪1‬‬
‫هدار للحقوق عندما يتعلق األمر بأشخاص‬
‫ً‬ ‫إ‬‫و‬ ‫إجحافا‬ ‫يعتبر‬ ‫قد‬ ‫ذلك‬ ‫كل‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫‪،‬‬ ‫اإلدماج‬
‫ثبتت براءتهم‪.‬‬
‫الضحايا المباشرين‬
‫عملية اإلقصاء الكلي‪ ،‬فهي تتعلق بمجموعة واسعة من ّ‬
‫أما عن ّ‬
‫الدولي اإلنساني خالل المأساة‬
‫لالنتهاكات الجسيمة للقانون الّدولي لحقوق اإلنسان والقانون ّ‬
‫الصحراء‪ ،‬ملف‬
‫الوطنية‪ ،‬طرحت جملة من الملفات ممثّلة في كل من؛ ملف معتقلي ّ‬
‫ّ‬
‫عناصر األمن الوطني الذين كانوا محل تسريح خالل المأساة الوطنية‪ ،‬ملف األشخاص‬
‫الذين كانوا ضحايا عمليات تعذيب و معامالت الإنسانية ومهينة نتيجة تصرفات انفرادية‬
‫من طرف أعوان األمن الوطني‪ ،‬ملف األشخاص الذين ثبتت براءتهم بعد مكوثهم فترة‬
‫المؤسسات العقابية‪ ،2‬ملف أطفال الجبل الذين لم يثبت نسبهم‪ ،3‬ملف عناصر‬
‫ّ‬ ‫معتبرة في‬
‫المهجرين داخليا‪ ،5‬فضال عن تعويض‬
‫ّ‬ ‫الدفاع الذاتي‪ ،4‬وكذلك الملّفات المتعلقة بكل من‬
‫ّ‬
‫المتضررة من المأساة الوطنية‪ ،6‬كما ظل ملف‬
‫ّ‬ ‫الممتلكات الخاصة لألشخاص المعنوية‬
‫النسيان لمدة ‪ 10‬سنوات من تاريخ إقرار قانون المصالحة‬
‫النساء المغتصبات طي ّ‬
‫ّ‬
‫الوطنية‪.7‬‬
‫ّ‬ ‫النوع (الجندر) خارج‪ 4‬نطاق قانون المصالحة‬
‫الوطنية‪ ،‬بقية فيها مقاربة ّ‬
‫الضرر‪:‬‬
‫من حيث البعد الموضوعي لبرامج جبر ّ‬ ‫ب)‬

‫‪-)5‬تعليمة رئيس الحكومة رقم‪ 05‬المؤرخة في‪ ،23/11/2006‬المتعلقة بدراسة طلبات التعويض المقدمة من‬
‫قبل المستخدمين العسكريين والمدنيين التابعين لوزارة الدفاع الوطني المتطوعين أو المفصولين من الخدمة‪.‬‬
‫‪-)1‬المادة ‪ 12/3‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،142-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) - Voir :C.N.P.P.D.H, Rapport annuel, état de droit en Algérie, Op.cti,p.69.‬‬

‫‪ -)3‬لقد صرح األستاذ "مروان عزي" بأن خليته تلقت ‪ 100‬ملف من أبناء الجبال دون شهادة ميالد وقد تم تسوية‬
‫‪ 40‬ملف منها فقط عن طريق اعتماد تقنية الحمض النووي المكلفة جدا على حد تعبيره‪ ،‬كما أشار هذا األخير‬
‫إلى وجود ‪ 500‬طفال آخرين لم تتم تسوية ملفاتهم بعد‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬بوروينة فتيحة‪ 500" ،‬طفل مولودون‬
‫في معاقل اإلرهاب ينتظرون شهادات ميالد رسمية"‪ ،‬المساء‪ 22 ،‬جويلية ‪.2012‬‬
‫‪4‬‬
‫‪( - Voir :C.N.P.P.D.H, 2010, Op.cit.p.69.‬‬
‫‪ -)5‬لقد تم إحصاء أكثر من مليون ومأتي مهجر داخلي خال في أعقاب األزمة األمنية الجزائرية‪ ،‬راجع برقوق‬
‫محند‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪40.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪) -Billant de l’application de la charte pour la paix et la réconciliation entre satisfaction et scepticisme,‬‬
‫‪In el watan. du 12/9/2006.‬‬
‫‪118‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الضرر في بعدها الموضوعي في مجرد‬


‫يختزل قانون المصالحة عمليات جبر ّ‬
‫أهمية محورية في برامج جبر‬
‫التّعويض المالي‪ ،‬والذي إن كان في حقيقة األمر يحتّل ّ‬
‫الضرر إالّ ّأنها ال تتوقف عنده‪ ،‬أين تقتضي شمولية برامج جبر الضرر في بعدها‬
‫ّ‬
‫الموضوعي استيفاء كل من عنصر‪:‬‬
‫والنفسية وكذا اإلجراءات‬ ‫إعادة الـتّأهيل‪ :‬الذي يشمل كل من ّ‬
‫الرعاية الطّبية ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫بأنها كانت منعدمة في إطار قانون‬
‫االجتماعية والقانونية ‪ ،‬والتي يمكن القول ّ‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المصالحة‬
‫إعادة الوضع إلى ما كان عليه‪ :‬قبل وقوع االنتّهاكات المتعلّقة بحقوق اإلنسان‬ ‫‪-‬‬
‫الدولي اإلنساني‪ ،‬والذي قد يتّخذ صورة استرداد الممتلكات‪،‬الحصول على‬
‫والقانون ّ‬
‫والمعنوية‬
‫ّ‬ ‫الطبيعية‬
‫الحرية‪ ،‬ضمان العودة إلى مكان اإلقامة‪ ،‬تعويض األشخاص ّ‬
‫ّ‬
‫الوطنية هذا‬
‫ّ‬ ‫المتضررة‪ ،2‬وقد تناول قانون المصالحة‬
‫ّ‬ ‫عن الممتلكات الخاصة‪4‬‬
‫هامشية‪ ،‬من خالل إقرار إعادة الموظفين والمستخدمين الذين كانوا‬
‫ّ‬ ‫العنصر بصفة‬
‫ضيق‪ ،3‬تعويض األشخاص‬
‫محل تسريح إداري إلى مناصب عملهم على نطاق ّ‬
‫جراء‬
‫جراء األعمال اإلرهابية أو ّ‬
‫المتضررة سواء ّ‬
‫ّ‬ ‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫الطّبيعية عن ممتلكاتهم‬
‫عمليات مكافحة‪ 4‬اإلرهاب‪.4‬‬

‫‪ -)7‬مرسوم تنفيذي رقم ‪ ،26-14‬مؤرخ في‪ 1‬فيفري ‪ ،2014‬يتمم مرسوم تنفيذي رقم‪ ،47-99‬المؤرخ في‪13‬‬
‫فبراير‪ ،1999‬يتعلق بمنح تعويضات لصالح األشخاص الطبيعيين ضحايا األضرار الجسدية والمادية التي لحقت‬
‫بهم نتيجة أعمال إرهابية أو حوادث وقعت في إطار مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وكذا لصالح ذوي حقوقهم‪،‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،5‬الصادرة بتاريخ ‪ 2‬فبراير ‪.2014‬‬
‫‪1‬‬
‫‪)- Voir : PENA Mariana,« Réparation individuelle et réparation collective », Op.cit, p.155.‬‬
‫الصراعات‪ ،‬برامج جبر‬
‫للدول الخارجة من ّ‬
‫)‪ -‬مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫‪2‬‬

‫الضرر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6.‬‬


‫ّ‬
‫‪ -)3‬أنظر مرسوم رئاسي رقم ‪ ،124-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬أنظر مرسوم تنفيذي ‪ ،47-99‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫ضمان عدم التّكرار‪ :‬وهو العنصر الذي يأخذ بعد جبر ّ‬


‫الضرر الجماعي‪ ،‬ويتعلق‬ ‫‪-‬‬
‫خاصة باالضطالع بعمليات إصالحات مؤسسية‪ ،‬وترقية حقوق اإلنسان‪ ،1‬وهو ما‬
‫المشرع الجزائري على محاولة تحقيقه من خالل مجموعة من التدابير‬
‫ّ‬ ‫عمل‬
‫الوطنية‪ ،‬منها ما‬
‫ّ‬ ‫التشريعية ‪ -‬الغير مكتملة البناء‪ -‬خارج إطار قانون المصالحة‪4‬‬
‫كان الحقاً‪ 4‬عن قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية ويتعلق األمر برفع حالة‪ 4‬الطوارئ‪ ،2‬تعديل‬
‫قانون اإلعالم‪ ،‬إعادة هيكلة الواقع التّشريعي المتعلّق بحرية اإلعالم‪ ،‬الممارسة‬
‫الحزبية وكذلك الحركة الجمعوية؛ ومنها ما كان سابقاً عن قانون المصالحة‬
‫المؤسسية الواسعة التي طالت كل من مرفق‬
‫ّ‬ ‫الوطنية ويتعلق األمر باإلصالحات‬
‫ّ‬
‫العمومية‪ ،3‬هذا وترتبط ضمانات عدم التّكرار‬
‫ّ‬ ‫السجون‪ ،‬وكذلك اإلدارات‬
‫القضاء‪ّ ،‬‬
‫ارتباطا وثيقا بالحق في معرفة الحقيقة‪ 4‬في بعده الجماعي‪ 4‬واالعتراف باألخطاء‬

‫السابقة‪ ،‬وهو ما سنرى الحقاً في إطار هذا البحث بأنه من الحقوق التي تم‬
‫ّ‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إقصائها في إطار قانون المصالحة‪4‬‬
‫الترضية‪ :‬وتتعلق بمجموعة واسعة من التّدابير‪ ،‬تتراوح بين التّدابير الهادفة إلى‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫وقف االنتهاكات من خالل استجالء الحقيقة وفرض العقوبات القضائية‪.4‬‬

‫ثانياً‬
‫الوطنية للحق في معرفة الحقيقة‬
‫ّ‬ ‫إهدار قانون المصالحة‬

‫‪1‬‬
‫‪) - Voir : PENA Mariana, «Réparation individuelle et réparation collective », Op.cit, p.155.‬‬
‫‪-)2‬أمر رقم ‪ ،01-11‬مؤرخ في‪ 23‬فبراير‪ ،2011‬يتضمن رفع حالة الطوارئ‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد‪،124‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 23‬فبراير ‪.2011‬‬
‫المؤسساتي التي تبناها المشرع الجزائري راجع‪ ،‬بولودنين‬
‫ّ‬ ‫‪ -)3‬لمزيد من التّفاصيل حول عمليات اإلصالح‬
‫أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.313-188.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪)- MOTTET Carol et POUT Christina, la justice transitionnel: une voie vers la réconciliation et la‬‬
‫‪construction d’une paix durable, Op.cti.23.‬‬
‫‪120‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫أهم المساءل التي عادة ما تثار في أعقاب‬


‫لقد برز الحق في معرفة الحقيقة‪ 4‬كأحد ّ‬
‫الضحايا وأسرهم‬
‫الداخلية‪ ،‬وقد ارتبط منذ أزمنة قريبة بحقوق ّ‬
‫النزاعات واالضطرابات ّ‬
‫ّ‬
‫في معرفة وقائع ومالبسات حاالت االختفاء القسري‪ ،‬إالّ أنه سرعان ما اتسع نطاقه‬
‫المادي ليشمل جميع صور االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان‪.1‬‬
‫بأهمية واسعة في إطار التّجارب المقارنة للعدالة االنتقالية‪،2‬‬
‫هذا الحق الذي حضي ّ‬
‫والذي تم طرحه على ّأنه حق غير قابل للتّصرف أو التّقادم ومرتبط ارتباطا وثيقا بالحقوق‬
‫األخرى‪ ،3‬يجد في تدابير العفو غير الخاضعة للمسألة أحد أبرز مظاهر الممارسة التي‬
‫تعوق تكريسه على أرض الواقع‪.4‬‬
‫الوطنية الذي يقصي الحق في معرفة الحقيقة‬
‫ّ‬ ‫وهو ما يعكسه قانون المصالحة‬
‫من أولوياته سواء في بعده الفردي‪ ،‬أين اختزل قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية حق ذوي حقوق‬
‫األشخاص المفقودين في مجرد الحصول على تعويضات مادية‪ ،‬وهو الحق الذي يتوقف‬
‫على مدى استعداد عائالت المفقود في التّصريح بوفاة ال ّشخص المفقود مما يشكل عذابا‬
‫الضحايا‪ ،5‬فضال عن ما تتك ّشف عنه نصوص الميثاق ذاته‬
‫نفسيا حقيقيا بالنسبة لعائالت ّ‬
‫يتعين على أعضاء ال ّشرطة القضائية ال ّشروع فيها‪ ،‬نظرا‬
‫من صورية عملية البحث التي ّ‬

‫‪ -)1‬نقبي ياسمين‪" ،‬الحق في معرفة الحقيقة في القانون الدولي واقع أم خيال"‪ ،‬مختارات من المجلّة الدولية‬
‫للصليب األحمر‪ ،‬اللّجنة الدولية للصليب األحمر‪ ،‬المجلد ‪ ،88‬العدد‪ ،8624‬حزيران ‪ ،2006‬ص‪.95-58.‬‬
‫ولجنة المصالحة واإلنصاف المغربية من‬
‫ّ‬ ‫‪ -)2‬تعتبر كل من لجان الحقيقة والمصالحة المنشأة في جنوب إفريقيا‪،‬‬
‫قبيل التّجارب الرائدة في هذا المجال ‪:‬‬
‫‪-Voir : YOUSSEF Nada, Op.cti ,pp.227-246.‬‬
‫الصراع‪ ،‬وثائق‪ ،‬األمم المتّحدة‪،‬‬
‫االنتقالية لمجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -)3‬سيادة القانون والعدالة‬
‫رمز الوثيقة ‪ S/661/2004‬بتاريخ ‪ 23‬أوت ‪ ، 2004‬ص‪.10-9.‬‬
‫السالم من خالل الكشف عن المسؤوليات"‪،‬‬
‫)‪ -‬سووكا ياسمين‪"،‬النظر إلى الماضي والعدالة االنتقالية لبناء ّ‬
‫‪4‬‬

‫للصليب األحمر)‪ ،‬مختارات من األعداد ‪ 2006‬ص‪.31.‬‬


‫الدولية ّ‬
‫للصليب األحمر‪( ،‬اللّجنة ّ‬
‫الدولية ّ‬
‫المجلّة ّ‬
‫‪ -)5‬لقد طالبت لجنة حقوق اإلنسان من الجزائر إلغاء شرط التّصريح بالوفاة للحصول على التّعويض‪ ،‬أنظر‬
‫في ذلك‪:‬‬
‫‪- Comité des droit de l’homme, Observation final sur l’Algérie, CCPR/C/DZA/3, du 12 décembre‬‬
‫‪2007, p. 12.‬‬
‫‪121‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫لربطها بنتيجة وحيدة وتتمثل في تحرير محضر بالفقدان جراء عدم جدوى البحث‪ ،‬دون‬
‫ينجر عنه من نتائج ‪.1‬‬
‫إيراد أي احتمال آخر‪ ،‬وتنظيم ما قد ّ‬
‫الضحايا‪ ،‬بالحق في الحصول‬
‫الوطنية لذوي حقوق ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا‪ ،‬وال يقّر قانون المصالحة‪4‬‬
‫على معلومات كافية عن ظروف ومالبسات وقوع حاالت االختفاء‪ ،‬أو تحديد مكان الوفاة‬
‫وسببها وإ رشاد األهالي إلى مكان دفن ذويهم‪.2‬‬
‫أما عن الحق في معرفة الحقيقة في بعده الجماعي فنجد مقصي من خالل المادة‬
‫‪ 46‬من قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية التي تنص على ما يلي‪" :‬يعاقب بالحبس من ‪ 3‬سنوات‬
‫إلى ‪ 5‬سنوات وبغرامة من‪ 25.000‬دج إلى ‪ 5000.000‬دج كل من يستعمل من خالل‬
‫تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر‪ ،‬جراح‪ 4‬المأساة الوطنية أو يعتّد بها للمساس‬
‫الدولة‪ ،‬أو لإلضرار‬
‫الشعبية‪ ،‬أو إلضعاف ّ‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطية‬
‫ّ‬ ‫الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫الجمهورية‬
‫ّ‬ ‫بمؤسسات‬
‫ّ‬
‫الدولية"‪،3‬‬
‫ّ‬ ‫بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف‪ ،‬أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل‬
‫‪4‬‬
‫قيدا‬
‫مما يش ّكل ً‬
‫معينا من القيد على كل باحث على الحقيقة ‪ّ ،‬‬
‫وهو ما نستقرئ منه مقدار ً‬
‫على كل باحث عن الحقيقة‪.‬‬

‫الفرع الثّاني‬
‫الوطنية لخيار العفو‬
‫ّ‬ ‫تبني قانون المصالحة‬
‫‪-‬بين ضرورة استتباب األمن ومتطلبات تحقيق العدالة –‬

‫‪ -)1‬المادة ‪ 30‬مناألمر ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬لقد حثت لجنة حقوق اإلنسان الدولية الجزائر على اتخاذ اإلجراءات الضرورية لضمان ذوي حق عائالت‬
‫المفقودين في معرفة مصير ال ّشخص المفقود‪،‬‬
‫‪-Voir : Comité des droit de l’homme, Observation final sur l’Algérie, CCPR/C/DZA/3, du 12 décembre‬‬
‫‪2007, Op.cit, pr.12.‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪ 46‬من األمر ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫ضد اإلرهاب الذي‬
‫الدولة الجزائرية كانت في حرب ّ‬
‫أن ّ‬‫)‪ -‬ومع تقديرنا الكامل لمضمون هذه المادة من جهة ّ‬
‫‪4‬‬

‫أن كل حالة عنف مسلّح من هذا القبيل‬


‫الدولة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫مؤسسات ّ‬
‫سعى إلى المساس بالمنظومة االجتماعية فضال عن ّ‬
‫بحد ذاته تحقيقا لشرف‬
‫الوطنية على هذه النزوات هو ّ‬
‫ّ‬ ‫أن إطباق العدالة‬
‫تقتضي وجود تجاوزات– انفرادية – إلى ّ‬
‫األعوان وضمان لهيبة الدولة بل وانجازا للثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الدولي التّعاهدي في‬


‫الدولية في إطار القانون ّ‬
‫الرغم من تضافر الجهود ّ‬
‫على ّ‬
‫الدولية التي لم يغفل المجتمع‬
‫الصكوك ّ‬
‫محاربة اإلفالت من العقاب‪ ،‬من خالل ترسانة من ّ‬
‫تشدد على بذل جميع الجهود الالّزمة لمحاكمة مرتكبي الجرائم‬
‫الدولي عن تضمينها أحكام ّ‬
‫ّ‬
‫السعي الحثيث للنهوض بهذه القيمة من قبل‬
‫المتضمنة لمظاهر ّ‬
‫ّ‬ ‫أن هاته األحكام‬
‫الدولية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬
‫الدولي تصطدم بااللتباس المتوطّن حول مدى شرعية تدابير العفو من عدمها‪.1‬‬
‫المجتمع ّ‬
‫الدولي‬
‫النزاعات المسلّحة ذات الطابع غير ّ‬
‫الدول في أعقاب ّ‬
‫والتي عادةً‪ ،‬ما تلجأ ّ‬
‫إلى تبنيها‪ ،‬نزوالً عند مقتضيات المادة ‪ 6/2‬من البرتوكول اإلضافي الثّاني التفاقيات‬
‫الدولي‬
‫طابع غير ّ‬
‫النزاعات المسلّحة ذات ال ّ‬
‫الدول في أعقاب ّ‬
‫تحث ّ‬
‫جنيف األربعة‪ ،‬التي ّ‬
‫النزاع المسلّح أو الذين‬
‫لمنح العفو ال ّشامل على نطاق واسع لألشخاص الذين شاركوا في ّ‬
‫بالنزاع المسلّح‪ ،‬سواء كانوا معتقلين أم محتجزين‪.2‬‬
‫حريتهم ألسباب تتعلق ّ‬
‫ّقيدت ّ‬
‫على صعيد آخر يذهب مجلس األمن في قراره رقم ‪ 1315‬إلى تأييد التّحفظ‪4‬‬
‫بأن إجراء العفو يعتبر إجراءا قانونيا‬
‫المتضمن إقرارا ّ‬
‫ّ‬ ‫الوارد في تقرير األمين العام‪،‬‬
‫أهلية أو‬
‫السلم وتحقيق المصالحة عقب انتهاء حرب ّ‬
‫مقبوال باعتباره خطوة مهّمة الستتباب ّ‬
‫صراع داخلي مسلّح‪ ،‬إالّ ّأنه ال يمكن تطبيقه في حالة ارتكاب جرائم دولية‪ ،‬وانتهى األمر‬
‫بإدراج نص المادة ‪ 10‬في النظام األساسي للمحكمة الجنائية المختلطة لسيراليون‪.3‬‬
‫الدول في اتخاذ تدابير العفو‪،‬‬
‫نخلص من خالل ما سبق إلى القول بعدم إطالق حق ّ‬
‫ذلك أن شرعية هذه األخيرة من عدمها تتوقف على مدى استجابتها للقيود التي يفرضها‬
‫الدولي من خالل مسعاه في مكافحة اإلفالت من العقاب‪.‬‬
‫القانون ّ‬

‫الدولي الجنائي‪ ،‬مذكرة لنيل درجة الماجستير في الحقوق‪،‬‬


‫الضحايا في القانون ّ‬
‫)‪ -‬بن خديم نبيل‪،‬استيفاء حقوق ّ‬
‫‪1‬‬

‫تخصص القانون الدولي العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم الحقوق‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪،‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪.199.‬‬
‫‪ -)2‬المادة ‪ 6/2‬من البرتوكول اإلضافي الثّاني الملحق باتفاقيات جنيف األربعة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬بن خديم نبيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.200.‬‬
‫‪123‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫نستشف ‪-‬بصفة واضحة‪ -‬عند العودة إلى أحكام قانون المصالحة‬
‫أن يكون إالّ صورة أخرى من صور اإلفالت من العقاب بعنوان‬
‫الجزائري أنه ال يعدو ّ‬
‫العفو ال ّشامل غير الخاضع للمسألة‪ ،‬وهو ما يمكن تبيينه من خالل ما يلي‪:‬‬

‫ّأوالً‬
‫الوطنية عبارة عن تدبير عفو غير خاضع للمسألة‬
‫ّ‬ ‫قانون المصالحة‬

‫تعتبر من قبيل تدابير العفو ألغراض البحث في مدى مشروعيتها بالمفهوم الذي‬
‫تطرحه هيئة األمم المتحدة تلك القوانين التي تهدف إلى‪:‬‬
‫حظر المالحقة الجنائية وفي بعض الحاالت اإلجراءات المدنية الحقا‪ ،‬ضد أشخاص‬
‫محدد أرتكب قبل اعتماد‬
‫معنيين أو فئات معينة من األشخاص فيما يتعلق بسلوك إجرامي ّ‬
‫حكم العفو؛ أو إبطال أي مسؤولية قانونية سبق إثباتها‪.1‬‬
‫وهو الّتعريف الذي استوفى قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية إلى حد بعيد مقتضياته‪ ،‬أين‬
‫يترتب عن االستفادة من إجراءات انقضاء الدعوى العمومية اإلعفاء من المتابعة‪ ،‬إذا‬
‫كانت القضية ال تزال على مستوى التّحقيق االبتدائي‪،‬أو انقضاء الدعوى العمومية إذا‬
‫كانت موضوع تحقيق قضائي أو تأجيل أو قيد في الجدول أو مداولة أمام الجهات القضائية‬
‫بالمحصلة حضر المتابعة الجزائية‬
‫ّ‬ ‫للحكم‪ ،‬انقضاء الدعوى العمومية‪ ،‬والتي يترتب عنه‬
‫في حق ال ّشخص التائب عن األفعال محل قانون العفو‪ ،2‬وذلك بالنسبة للفئات‬ ‫والمدنية‬
‫التّالية ‪:‬‬
‫السلطات المختصة في الفترة الممتدة‬
‫األشخاص الذين سلّموا أنفسهم إلى ّ‬ ‫‪)1‬‬
‫من ‪ 13‬يناير من سنة ‪ 2000‬إلى ‪ 28‬فبراير‪.32006‬‬

‫للدول ما بعد الصراع‪ ،‬تدابير العفو وثائق‬


‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)1‬‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،HR /PUB/09 01 2009 ،‬ص‪.6 .‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذاك المادة ‪15‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬ويتعلق األمر باألشخاص الذين سلّموا أنفسهم بعد انقضاء سريان قانون الوئام المدني‪ ،‬كما تقضي‪21‬من نفس‬
‫والسياسية‬
‫القانون بإلغاء إجراءات الحرمان من حق االنتخاب أو التّرشح وعلى العموم كافة الحقوق الوطنية ّ‬
‫‪124‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫األشخاص الذين يكفّون عن ارتكاب األفعال المنصوص عليها في المواد‬ ‫‪)2‬‬


‫‪87‬مكرر إلى ‪87‬مكرر‪ 3‬ومن المادة ‪87‬مكرر‪ 2/‬إلى ‪10‬من قانون‬
‫ويقدمون تصريحا‬
‫السلطات المختصة ّ‬
‫العقوبات‪ ،‬ويمثلون طواعيةً أمام ّ‬
‫حرضوا عليها وبالوسائل ذات الصلة بهذه‬
‫باألفعال التي ارتكبوها أو ّ‬
‫األفعال ‪ ،‬وتسليمها أو التدليل على مكان وجودها‪.‬‬
‫والتحري داخل أو خارج‪ 4‬التّراب الوطني الرتكابهم أو‬
‫ّ‬ ‫األشخاص محل البحث‬ ‫‪)3‬‬
‫مشاركتهم في ارتكاب فعل أو أكثر من أفعال المادة ‪ 02‬من هذا القانون‪،‬‬
‫السابقة الذكر‪.1‬‬
‫السلطات المختصة في أجل ‪ 06‬أشهر ّ‬
‫ويمثلون طوعا أمام ّ‬
‫حدا ألنشطتهم ويصرحون به في أجل ‪ 06‬أشهر‪،‬‬
‫األشخاص الذين يضعون ّ‬ ‫‪)4‬‬
‫وتخص فقط أفعال المادتين ‪87‬مكرر‪ 4‬ومكرر‪.25‬‬

‫ومن حمل أي وسام ‪-‬وهو الحكم الذي تقرره المادة ‪ 5‬من قانون الوئام المدني‪ -‬بالنسبة لألشخاص المستفيدين‬
‫بأن هذا الحكم قد جاء لتعميم حكم المرسوم الرئاسي رقم‬
‫من أحكام قانون الوئام المدني‪ ،‬ونتوجه إلى القّول ّ‬
‫إرادية‬
‫ّ‬ ‫قررت بصفة‬
‫‪ 03-0200‬المتضمن عفوا خاصا عن األشخاص الذين سبق لهم االنتماء إلى منظّمات ّ‬
‫وتلقائية إنهاء أعمال العنف ووضعت نفسها تحت تصرف الدولة كليا أو جزئيا والمذكورة أسماؤهم بملحق أصل‬
‫هذا المرسوم‪ ،‬كما جاء للمساواة بين اإلرهابيين التّائبين‪ 4‬المستفيدين من أحكام قانون الوئام المدني وغيرهم من‬
‫اإلرهابيين التائبين المستفيدين‪ 4‬من أحكام قانون المصالحة الوطنية‪ ،‬كون هذا األخير ال يقرر ّأية عقوبة تبعية‪،‬‬
‫أن هذا الحكم يبقي موقوفا – تحت عنوان إجراءات الوقاية من تكرار المأساة الوطنية‪ -‬سواء‬
‫تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫من إجراءات قانون الوئام المدني‪ ،‬أو بالنسبة لؤلئك المستفيدين‪ 4‬من إجراءات قانون‬ ‫بالنسبة للمستفيدين‪4‬‬
‫ضد األمة وسياسة‬
‫الوطنية‪ ،‬على شرط اإلقرار بمسؤوليتهم في وضع وتطبيق سياسة تمجيد العنف ّ‬
‫ّ‬ ‫المصالحة‬
‫الدولة‪ ،‬وفقا لما تفصح عنه المادة ‪ 26/2‬من قانون المصالحة الوطنية‪ ،‬إالّ ّانه يستوقفنا في هذا الصدد ما ذهبت‬
‫ّ‬
‫إليه نفس المادة في فقرتها األولى من حضر ممارسة النشاط السياسي بأي شكل من األشكال على كل شخص‬
‫الوطنية مما يدفعنا للقول بعم استفادة قيادات‬
‫ّ‬ ‫مسؤول عن االستعمال المغرض للدين الذي أفضي إلى المأساة‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)من الحق في ممارسة الحقوق السياسية‪ ،‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬المادة ‪4‬و‪،21‬‬
‫من أمر رقم ‪ 01-06‬مرجع سابق؛ لمادة ‪ 5‬من القانون رقم ‪08-99‬؛ مرسوم رئاسي رقم ‪ ،03-2000‬مؤرخ‬
‫في ‪ 10‬جانفى ‪ ،2000‬يتضمن عفوا خاصا‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،1‬الصادرة بتاريخ ‪11‬جانفي ‪.2000‬‬
‫‪ -)1‬المادة ‪ ،5‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)2‬المادة‪ 6‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫األشخاص المحكوم عليهم غيابيا وفقا إلجراءات التّخلف عن الحضور‬ ‫‪)5‬‬


‫الرتكابهم فعل منصوص عليه في المادة ‪.113‬‬
‫الوطنية من تخويل اإلرهابيين التّائبين‬
‫ّ‬ ‫هذا فضال عن ما يطرحه قانون المصالحة‬
‫الوطنية من إجراءات العفو‬
‫ّ‬ ‫المادتين ‪16‬و‪ 17‬من قانون المصالحة‬
‫من االستفادة بموجب ّ‬
‫بالنسبة لألشخاص المحكوم عليهم نهائيا بسبب ارتكابهم أو مشاركتهم في ارتكاب أحد‬
‫الوطنية أو المواد ‪7/87‬مكرر‬
‫ّ‬ ‫األفعال المنصوص عليها في المادة ‪ 2‬من قانون المصالحة‬
‫الدستور‬
‫‪ 4‬و‪87‬مكرر‪ 5‬من قانون العقوبات من العفو طبقا لألحكام المنصوص عليها في ّ‬
‫والتي تخول رئيس الجمهورية حق إصدار العفو الخاص‪.2‬‬

‫ثانياً‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫منافذ اإلفالت من العقاب في إطار قانون المصالحة‬

‫الوطنية من خالل‬
‫ّ‬ ‫يمكن أن تتبين منافذ اإلفالت من العقاب في إطار قانون المصالحة‪4‬‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫السلوك‬
‫استعماله سياسة استبعاد ناقصة بعيدة كل البعد عن استيعاب جميع فئات ّ‬ ‫‪)1‬‬
‫األدلة‪ ،3‬وهو‬
‫التي ينبغي أن تخضع لتحقيق فعال وأن يالحق مرتكبوها جنائيا عند ثبوت ّ‬
‫الوطنية من قبيل قوانين العفو‬
‫ّ‬ ‫ما يفضي بنا إلى القول بصورية اعتبار قانون المصالحة‬

‫‪ -)1‬المادة ‪ ،7‬المرجع نفسه‪.‬‬


‫‪ -)2‬المادتين ‪16‬و‪ ،17‬الأمر ‪ ،01-06‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫للدول ما بعد الصراع‪ ،‬تدابير العفو‪ ،‬وثائق األمم‬
‫)‪-‬مفوضية األمم المتحدة السامية‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫‪3‬‬

‫المتحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،HR /PUB/09 01 2009 ،‬ص‪.9 .‬‬


‫‪126‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫المستبعدة من االستفادة من أحكامه في كل من‪:‬‬


‫ّ‬ ‫الخاضعة للمسألة‪ ،‬أين اختزل الفئات‬
‫األشخاص الذين ارتكبوا أفعال المجازر الجماعية‪ ،‬أو انتهاك الحرمات‪ 4،‬أو استعمال‬
‫المتفجرات في األماكن العمومية‪ ،‬أو شاركوا فيها أو حرضوا عليها‪.1‬‬
‫الوطنية ألحكام عفو بحكم الواقع في صورة حصانة‬
‫ّ‬ ‫تقرير قانون المصالحة‪4‬‬ ‫‪)2‬‬
‫السلم‬
‫من المقاضاة من خالل نص المادة ‪ 45‬من األمر ‪ 01-06‬المتضمن تنفيذ ميثاق ّ‬
‫والمصالحة الوطنية‪ ،‬ويتعلق األمر بحضر الشروع في ّأية متابعة قضائية بصورة فردية‬
‫الدفاع واألمن للجمهورية بسبب أفعال نفذت من أجل حماية‬
‫أو جماعية في حق أفراد قوى ّ‬
‫األشخاص والممتلكات‪،‬ونجدة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية ال ّشعبية‪ ،2‬فإذا كانت‬
‫المتابعات القضائية العامة مرفوضة بحكم قواعد اإلنصاف وحقوق اإلنسان وبإعمال مبدأ‬
‫أن المتابعات الفردية ال يوجد مبرر أو مسوغ‬
‫بمؤسسات الجمهورية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫عدم المساس‬
‫الستبعادها‪ ،‬إن لم تكن من جهة الضحايا كان يجب أن تكون من جهة النيابة العامة‬
‫المختصة تلقائيا‪.‬‬

‫المطلب الثّاني‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫إقصاء آليات العدالة االنتقالية من إنفاذ قانون المصالحة‬

‫االنتقالية على ّأنها عملية مرنة‪ ،‬من حيث ّأنها‬


‫ّ‬ ‫تطرح عملية بناء آليات العدالة‬
‫للدولة التي هي بصدد عملية انتقال‪،‬‬
‫موحد عن هذه اآلليات‪ّ ،‬‬
‫تسمح في ظل غياب نموذج ّ‬
‫السابقة‬
‫استلهام آليات خاصةّ بها من خالل اإلفادة من مكاسب وإ خفاقات‪ 4‬التّجارب المقارنة ّ‬
‫عنها‪ ،3‬مما من شأنه أن يتيح لها بناء آليات للعدالة االنتقالية على درجة من ال ّشمولية‬
‫في ضوء معايير العدالة االنتقالية وخصوصية تجربتها‪.4‬‬

‫الوطنية لهذه الفئة الحق في االستفادة من استبدال العقوبة أو تخفيضها‬


‫ّ‬ ‫‪ -)1‬هذا وقد خولت أحكام قانون المصالحة‬
‫؟!!‪ ،‬أ نضر في ذلك المواد ‪ 10‬و‪ 16/2‬و‪18‬و ‪19‬و ‪20‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)2‬المادة ‪ 45‬من األمر‪ ،01-06‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪)- YOUSSEF Nada, Op.cti, p.227.‬‬
‫‪127‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫بأن بناء العدالة االنتقالّية على مقاربة‬


‫المسلم به على نطاق واسع‪ّ ،‬‬
‫وإ ذا أضحى من ّ‬
‫شمولية ومتكاملة ال يمكن أن يتأتّى بمنأى عن الموازنة بين اآلليات التّصالحية واآلليات‬
‫أي مقاربة قائمة على أساس نهج واحد من اآلليات تطرح فكرة العدالة‬
‫وأن ّ‬
‫العقابية‪ّ ،‬‬
‫االنتقائية‪ ،1‬فإن قيام المقاربة الجزائرية على إقصاء كل من اآلليات التّصالحية (فرع ّأول)‬
‫الوطنية يطرح مفهوم العدالة‬
‫ّ‬ ‫واآلليات العقابية (فرع ٍ‬
‫ثان) من نطاق إنفاذ قانون المصالحة‬
‫اإلقصائية‪.‬‬
‫األول‬
‫الفرع ّ‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫إقصاء اآلليات التّصالحية من نطاق إنفاذ قانون المصالحة‬

‫االنتقالية ببناء اتجاه جديد مثلتها‬


‫ّ‬ ‫لقد سمحت التّجارب‪ 4‬المقارنة في مجال العدالة‬
‫‪2‬‬
‫الرغم من إسهامها في إثراء‬
‫االنتقالية من خالل لجان الحقيقة‪ ، 4‬والتي على ّ‬
‫ّ‬ ‫تجارب العدالة‬
‫االنتقالية من خالل ما يقارب‪ 30‬تجربة على درجات متفاوتة من النجاح‬
‫ّ‬ ‫حقل العدالة‬
‫تعد من التّطورات الحديثة‬
‫السبعينات‪ ،‬إالّ ّأنها الزالت ّ‬
‫عرفت إرهاصاتها األولى منذ بداية ّ‬
‫في إرساء آليات (تصالحية) غير قضائية ضمن نهج شامل ومتكامل للعدالة‬ ‫نسبيا‬
‫االنتقالية‪.3‬‬
‫ّ‬
‫أما عن المقصود بلجان الحقيقة‪ ،‬فيمكن أن نستقي دالالتها في ضوء أهم‬
‫ّ‬
‫الخصائص التي تتميز بها هذه األخيرة‪ ،‬والتي يمكن استنباطها من مختلف التّجارب‬
‫المقارنة في هذا الصدد والمتمثّلة في‪:‬‬

‫السياقات العربية‪ ،‬المنظّمة العربية‬


‫)‪ -‬بلكوش حبيب‪"،‬العدالة االنتقالية ‪ ...‬المفاهيم اآلليات"‪ ،‬العدالة االنتقالية في ّ‬
‫‪4‬‬

‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬د‪.‬ب‪.‬ن‪.2014 ،‬ص‪.45.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪)- YOUSSEF Nada, Op.cti, p.227 .‬‬
‫‪ -)2‬بلكوش حبيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.45.‬‬
‫الصراعات‪ :‬لجان الحقيقة‪ ،‬منشورات‬
‫)‪ -‬مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬سيادة القانون ّلدول ما بعد ّ‬
‫‪3‬‬

‫األمم المتّحدة‪ ،‬رمز المنشورة ‪ ،HR/PUB/06/1:‬الصادرة سنة ‪ ،2006‬ص‪.16.‬‬


‫الوطنية"‪ ،‬مجلة المف ّكر‪ ،‬كلّية الحقوق والعلوم‬
‫ّ‬ ‫الدين‪" ،‬لجان الحقيقة وشروط تحقيق المصالحة‬
‫‪-‬حتحوت نور ّ‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة ‪ ،‬العدد ‪ ،2010 ،5‬ص‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪128‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫محدودية الوالية‪ :‬سواء تعلق األمر بالوالية الموضوعية‪ ،‬من خالل الحصر‬ ‫‪)1‬‬
‫المرن لنوع الجرائم التي تعني اللّجنة بالتحقيق فيها‪ ،‬كما قد تم توسيع الوالية‬
‫‪1‬‬
‫الزمنية‬
‫الضرر ‪ ،‬وكذا الوالية ّ‬
‫الموضوعية للجان الحقيقة لتشمل عمليات جبر ّ‬
‫الزمني لهذه اللّجان مؤقت‪ ،‬سواء فيما يتعلق بالوالية محل‬
‫أين يكون االختصاص ّ‬
‫التّحقيق أو فيما يتعلق بمدة عملها‪ ،‬على أن يكون تحديد هذه األخيرة مرنا وقابال‬
‫للتّمديد لعهدة أو عهدتين‪.2‬‬
‫التّفاعل مع مناهج العدالة االنتقالية األخرى‪ :‬سواء تعلق األمر بالبرامج‬ ‫‪)2‬‬
‫التّصالحية األخرى‪ ،‬والتي قد تكون لجان الحقيقة‪ 4‬وعاء لها متى تمت إناطتها‬
‫السبل الفّعالة لإلصالح‬
‫طالع بعمليات جبر الضرر و‪/‬أو البحث في ّ‬
‫بمهمة االض ّ‬
‫المؤسساتي‪ ،‬أو قد تكون هذه البرامج امتداد لعمل لجان الحقيقة‪ ،‬من خالل ما‬
‫ّ‬
‫أسس يمكن االستناد عليها في بناء نهج متكامل للعدالة‬
‫تطرحه توصياتها من ّ‬
‫إما بتعزيز‬
‫العمليات الجنائية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫االنتقالية‪ ،3‬هذا وتتقاطع أعمال لجان الحقيقة مع‬
‫الهدف المنشود منها من خالل ما قد تّقدمه من دعم لجهات االتّهام‪ ،‬أين تتناول‬
‫موضوعا للمحاكم‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫لجان الحقيقة بالتّحقيق المواضيع التي يمكن لها أن تكون‬
‫بالنسبة لتقرير حق العفو المشروط مقابل الحقيقة‪،‬‬
‫بتجاوزها كما هو األمر ّ‬
‫للجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا‪.4‬‬
‫بالنسبة ّ‬
‫ّ‬

‫للدول ما بعد الصراع‪ ،‬لجان الحقيقة‪ ،‬وثائق‬


‫)‪ -‬مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫‪1‬‬

‫األمم المتحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،HR/PUB/06/1 ، 2006:‬ص‪.5.‬‬


‫‪)- HAZAN Pierre, « Mesurer l'impact des politiques de châtiment et de pardon : plaidoyer pour‬‬
‫‪2‬‬

‫‪l'évaluation de la justice transitionnelle », In R.I.C.R, Volume 88,N° 861, mars 2006, p. 358.‬‬
‫للدول ما بعد الصراع‪ ،‬لجان الحقيقة‪ ،‬مرجع‬
‫)‪ -‬مفوضية األمم المتحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫‪3‬‬

‫سابق‪ ،‬ص‪.6.‬‬
‫‪ -)4‬سووكا ياسمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37.‬‬
‫‪129‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫االنطالق من الماضي لبناء المستقبل‪ ،‬بحيث تقوم فلسفة لجان الحقيقة على الوقوف‬ ‫‪)3‬‬
‫على انتهاكات الماضي من أجل اإلفادة منها في صياغة توصيات للمساعدة‬
‫على النهوض بالمستقبل‪.5‬‬
‫أن نجاعة أداء لجان الحقيقة يدور وجودا وعدما مع‬
‫وإ ذا كان من المسلّم به‪ّ ،‬‬
‫الدعم الجماهيري لها‪،‬‬
‫استيفائها لمقومات‪ ،‬الحياد‪ ،‬االستقاللية‪ ،‬مدى االلتزام بتوصياتها‪ّ ،‬‬
‫المقدرة على حماية ال ّشهود‪ ،‬كفاية التّمويل‪ ،‬التّكامل مع إجراءات العدالة االنتقالية‬
‫‪2‬‬
‫الدولة محل عملية‬
‫األخرى ‪ ،‬فضال عن التّفرد بما يستجيب لخصوصية سياق تجربة ّ‬
‫االنتقال‪ ،‬والتي إن كانت تشكل المبادئ األساسية لنجاعة عمل لجان الحقيقة‪ 4،‬إالّ ّأنها‬
‫التحديات التي تواجه العدالة االنتقالية عبر آلية لجان‬
‫يصدق عليها في الوقت نفسه وصف ّ‬
‫الحقيقة‪.3‬‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬تحتّل إشكالية مدى مالئمة آلية لجان الحقيقة كبنية أساسية‬
‫لتحقيق العدالة االنتقالية‪ ،‬صدارة المسائل التي يجب التّوقف عندها والتي عادة ما تكون‬
‫للسياق الذي تطرح فيه‬
‫االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫السياسية‪،‬‬
‫رهينة المحددات التّاريخية‪ّ ،‬‬
‫مسألة العدالة االنتقالية‪ ،4‬أين تتفاعل هذه المحددات للحيلولة دون اعتماد آليات الستجالء‬
‫الحقيقة بالمطلق‪ ،‬سواء تعلق األمر بلجان الحقيقة‪ 4‬أو غيرها من نماذج اآلليات التي يطلق‬
‫عليها وصف اآلليات التّصالحية الهادفة إلى إعادة اعتبار للّضحايا ووضع ضمانات عدم‬
‫التّكرار من خالل قناة إجالء الحقيقة‪ ،5‬األمر الذي يمكن أن نلمس مظاهره من خالل‬
‫التّجربة الجزائرية‪.‬‬

‫‪ -)5‬بلكوش حبيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47 .‬‬


‫‪2‬‬
‫‪) - HAZAN Pierre, Op.cti, p.359.‬‬
‫للدول ما بعد الصراع‪ ،‬لجان الحقيقة‪ ،‬مرجع‬
‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)3‬‬
‫سابق ص‪.20.‬‬
‫‪ -)4‬بلكوش حبيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48.‬‬
‫‪ -)5‬سووكا ياسمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.38.‬‬
‫‪130‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫نسجل كذلك‪ ،‬محدودية تجربة العدالة االنتقالية من خالل آليات إجالء الحقيقة‬
‫السلم والمصالحة‪ ،1‬رغم أن الجزائر قد عرفت تجربة‬
‫في إلهام واضعي الميثاق من أجل ّ‬
‫السيد رئيس الجمهورية "عبد العزيز بوتفليقة"‬
‫سابقة شبيهة بلجان الحقيقة حيث انتهى ّ‬
‫بموجب المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،299-03‬إلى إلحاق هيئة خاصة ومؤقتة باللجنة‬
‫الرامية إلى‬
‫االستشارية لترقية وحماية حقوق اإلنسان‪ ،‬أنيطت بها مهمة التّكفل بالعرائض ّ‬
‫البحث عن كل شخص يصرح أحد أعضاء أسرته بفقدانه‪.2‬‬
‫يطغى على عمل هذه األخيرة طابع الجرد والتنسيق أين تم حصر صالحياتها في‪:‬‬
‫اإلدعاء بالفقدان‪.3‬‬
‫‪-‬تحديد حاالت ّ‬
‫الضرورية لتحديد مكان وجود‬
‫السلطات المختصة بالقيام بجميع األبحاث ّ‬
‫‪ -‬تكليف ّ‬
‫المصرح بفقدانهم والتكليف بالقيام بعمليات تحديد هوية الجثث التي يتم العثور‬
‫ّ‬ ‫األشخاص‬
‫عليها‪.4‬‬
‫المصرح بفقدانهم بنتيجة األبحاث المنجزة‪ ،‬وتوجيههم فيما يخص‬
‫ّ‬ ‫‪-‬إعالم أسر األشخاص‬
‫اإلجراءات الواجب إتباعها لتسوية المسائل الزوجية والمسائل المتعلقة بالميراث على‬
‫مختلف الحاالت‪.5‬‬
‫‪-‬تصور تدابير اإلعانة والتعويض باالتصال مع السلطات العمومية لصالح ذوي حقوق‬
‫ّ‬
‫األشخاص المفقودين‪.6‬‬
‫‪-‬القيام بدور الوسيط بين المؤسسات العمومية وأسر األشخاص المصرح بفقدانهم‪.7‬‬

‫‪ -)1‬أمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪-)2‬مرسوم رئاسي‪ ،299-03‬المؤرخ في ‪11‬سبتمبر ‪ ،2003‬يتمم المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،71-01‬المؤرخ‬
‫‪ 25‬مارس ‪ ،2001‬والمتضمن إحداث الجنة االستشارية بترقية حقوق اإلنسان وحمايتها‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪4‬‬
‫‪ 55‬الصادرة بتاريخ ‪ 14‬سبتمبر‪.2003‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪1/1‬من المرسوم الرئاسي‪ ،299-03‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬المادة ‪ 1/2‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)5‬المادة ‪ 1/3‬من المرسوم الرئاسي‪ ،299-03‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)6‬المادة ‪ 1/4‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،71-01‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)7‬المادة‪ ،1/5‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫وهو ما يدفعنا للقول بأن المرسوم رقم ‪ ،299-03‬قد أناط اللجنة الوطنية الخاصة‪4‬‬
‫المعنية بالمفقودين بصالحيات مبتورة أين تنعدم اإلشارة ألي اختصاص يتعلق بتحديد‬
‫المسؤوليات عن عملية االختفاء القسري‪ ،‬عدم اإلشارة على ضرورة تضمين توصيتها‬
‫تصورا عن ضمانات عدم التكرار‪ ،‬حصر التزاماتها إزاء أسر الضحايا في إعالمهم‬
‫أن انتهاء‬
‫بنتيجة األبحاث المنجزة‪ ،‬وهو ما ال يعتبر كافيا بأي شكل من األشكال‪ ،‬بحيث ّ‬
‫بعض التحقيقات الوقتية إلى عدم جدوى البحث غير كاف إلقناع أسر الضحايا بالمصير‬
‫الحقيقي لذويهم‪.1‬‬
‫بأن أعمال‬
‫هذا وتستوقفنا الفقرتين ج و د من المادة ‪ 7‬مكرر اللتان تعطيان انطباع ّ‬
‫اللّجنة تنصرف على وجه التخصيص إلى ذوي حقوق ضحايا االختفاء القسري‪ ،‬أين ال‬
‫يشير المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،299-03‬ألي التزامات لهذه األخيرة في مواجهة‬
‫األشخاص الذين تم العثور عليهم‪ ،‬سواء تعلق األمر بعمليات التّعويض أو إعادة اإلدماج‬
‫الرابطة الجزائرية لحقوق اإلنسان إلى كون نتائج التّحقيق في‬
‫ترده ّ‬
‫في المجتمع‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫حقيقة األمر كانت محسومة منذ البداية‪.2‬‬
‫نزوال عند مقتضيات المادة‪7‬مكرر‪ 2‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪،299-03‬‬
‫عمدت اللّجنة إلى رفع تقريرها إلى رئيس الجمهورية تزامنا مع نهاية عهدتها أواخر شهر‬
‫مارس‪ ،‬وهو التقرير الذي لم يبصر النور بعدها أبدا‪.3‬‬
‫أن أعمال هذه األخيرة‪ ،‬لم تسفر عن ّأية نتيجة تذكر‪ ،‬أين اختزل‬
‫يبقى أن نشير إلى ّ‬
‫قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية التّدابير المعتمدة إزاء ملفات االختفاء القسري في تعويض ذوي‬
‫الضحايا بعنوان "ضحية المأساة الوطنية" بناء على حكم قضائي بالوفاة‪ ،‬يتم‬
‫حقوق ّ‬
‫استصداره من طرف أحد ورثته أو أي شخص ذي مصلحة‪ ،‬بموجب محضر معاينة‬

‫‪1‬‬
‫‪)- C.F.D.A, Op.cit , p.28.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(-Ibid.p.26.‬‬
‫‪ -)3‬سي صالح نورالدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61.‬‬
‫‪132‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫بفقدان الشخص المعني‪ ،‬تعده ال ّشرطة القضائية على إثر عمليات البحث التي تنتهي إلى‬
‫عدم جدوى البحث‪.1‬‬
‫أن تسليمنا بكون إخفاق‪ 4‬تجربة العدالة االنتقالية من عدمها‪ ،‬ليس مرهونا‬
‫إالّ ّ‬
‫محورية دور هذه األخيرة في مسارات‬
‫ّ‬ ‫الرغم من‬
‫باعتماد آليات استجالء الحقيقة‪ 4‬على ّ‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫االنتقالية‪ ،2‬دفعنا إلى عدم التّوقف عند جزئية إقصاء قانون المصالحة‬
‫ّ‬ ‫العدالة‬
‫لهذه الطّائفة‪ 4‬من اآلليات‪ ،‬للحكم على نجاح المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية في بعدها‬
‫فعالة في‬
‫اإلجرائي‪ ،‬بل نتجاوزها للبحث عن حقيقة رصد قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية آلليات ّ‬
‫السياسية في‬
‫إطار نهج متكامل وشامل للعدالة االنتقالية‪ ،‬من شأنها أن تعكس حقيقة اإلرادة ّ‬
‫السياق‬
‫تجاوز مخلفات‪ 4‬الماضي وفقا لرؤية خاصة ومتفردة تستجيب للخصوصية ّ‬
‫الجزائري‪.3‬‬
‫وهو ما انتهينا بشأنه إلى القول بقيام المقاربة الجزائرية في بعدها اإلجرائي على‬
‫أين لم يتّم رصد أي آلية تصالحية تذكر‬
‫نهج سلبي في التعامل مع آليات العدالة االنتقالية‪ّ ،‬‬
‫الوطنية في التّعامل‬
‫ّ‬ ‫الصدد‪ ،‬وهو ما ٌيفَ ِس ُر في حقيقة األمر إخفاق‪ 4‬قانون المصالحة‬
‫في هذا ّ‬
‫الضرر‪ ،‬فضال عن التّجاوز‬
‫والنقص في التّعامل مع مسألة جبر ّ‬
‫مع ملف المفقودين‪ّ ،‬‬
‫المؤسساتي‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫النهائي والتام لمسألة اإلصالح‬

‫الفرع الثّاني‬
‫الوطنية وإ شكالية اعتماد آليات المساءلة الجنائية‬
‫ّ‬ ‫قانون المصالحة‬

‫‪ -)1‬المادتين ‪ 30‬و‪ 31‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬بلكوش حبيب‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬ص‪.48.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪)- YOUSSEF Nada, Op.cti, p.227.‬‬
‫السيد رئيس‬
‫تضمنت جملة االقتراحات التي طرحها على ّ‬
‫ّ‬ ‫نوه إليه األستاذ "مروان عزي" أين‬
‫)‪ -‬وهو ما ّ‬
‫‪4‬‬

‫الوطنية ضرورة‪ ،‬إنشاء هيئة خاصة بغية الوقوف على‬


‫ّ‬ ‫الجمهورية ضمن مسعى‪ ،‬استكمال مسار المصالحة‬
‫الوطنية ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الثّغرات التي تعتري قانون المصالحة‬
‫‪133‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الردعي‪ ،‬على مدى‬


‫االنتقالية في شقها ّ‬
‫ّ‬ ‫يتوقف تحقيق مقاربة فعلية للعدالة‬
‫االضطالع بتعزيز عملية إقرار المساءلة الجنائية بآليات إجرائية فعالة‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫الدولية بهذه المهمة‬
‫يقتضي أولوية الفعل الوطني‪ ،‬مع اإلبقاء على افتراض نهوض اآلليات ّ‬
‫في حالة عدم مقدرة أو عدم رغبة الدولة في االضطّالع بمهامها المتعلقة بالمساءلة‬
‫الجنائية‪.1‬‬
‫وفي هذا الصدد تعتبر قوانين العفو غير الخاضعة‪ 4‬للمساءلة على غرار قانون‬
‫الوطنية‪ ،‬من بين المقّوضات األكثر شيوعا لتفعيل اختصاص الهيئة القضائية‬
‫ّ‬ ‫المصالحة‬
‫الدولي لحقوق‬
‫الدولي اإلنساني والقانون ّ‬
‫المحلية في مواجهة االنتهاكات الجسيمة للقانون ّ‬
‫‪2‬‬
‫الدولية في محاربة اإلفالت من العقاب‪4‬‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وهو ما يطرح دور اآلليات الجنائية ّ‬
‫السياق الجزائري على باسطة البحث‪.‬‬
‫في ّ‬

‫أوالً‬
‫المحلية‬
‫ّ‬ ‫الوطنية اختصاص الهيئات القضائية‬
‫ّ‬ ‫تقويض قانون المصالحة‬
‫في مواجهة اإلفالت من العقاب‬

‫المحلية في مواجهة اإلفالت من‬


‫ّ‬ ‫تجد عملية تفعيل اختصاص الهيئات القضائية‬
‫العقاب‪ ،‬ترجمتها في كل من القيام بعمليات تحقيق شاملة ومستقلة في جميع أنماط الجرائم‬

‫الصراعات‪ ،‬مبادرات‬
‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّلدول ما بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)1‬‬
‫المقاضاة‪ ،‬وثائق األمم المتّحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،HR/PUB/06.04، 2006 ،‬ص‪.7.‬‬
‫الصراعات‪ ،‬تدابير العفو‪ ،‬مرجع‬
‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون لدول ما بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)2‬‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.5.‬‬
‫‪134‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬و‬


‫الدولي اإلنساني والقانون ّ‬
‫التي قد تشكل انتهاكات جسيمة للقانون ّ‬
‫إخضاع الفاعلين المحتملين لهذه الجرائم للمحاكمة‪.1‬‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫أين ربط‬
‫الوطنية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وهو ما نجده مغيبا تماما في إطار قانون المصالحة‪4‬‬
‫الدعوى العمومية إلى بيوتهم بمجرد استيفاء جملة‬
‫الجزائري عودة المستفيدين من انقضاء ّ‬
‫من اإلجراءات ال ّشكلية التي تقتصر على‪ ،‬تقديم تصريح يشتمل خصوصا على كل من‬
‫األفعال التي ارتكبها أو كان شريكا فيها أو محرضا‪ 4‬عليها واألسلحة والذخائر أو‬
‫المتفجرات أو أي وسيلة أخرى يحوزها كانت ذات صلة بهذه األفعال‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫للسلطات المذكورة أو ّيدلها على المكان التي تكون موجودة فيه‪.2‬‬
‫عليه أن يسلّمها ّ‬
‫بالنسبة لألشخاص الذين يقومون في أجل أقصاه ‪ 6‬أشهر ابتداء من تاريخ‬
‫وذلك ّ‬
‫السلطات المختصة‪،‬‬
‫الرسمية‪ ،‬بالمثول طوعا أمام ّ‬
‫نشر األمر رقم ‪ 01-06‬في الجريدة ّ‬
‫ويكفّون عن ارتكاب األفعال المنصوص عليها بموجب أحكام المادة ‪ 2‬من نفس األمر‬
‫ماعدا المواد ‪87‬مكرر‪ 4‬و‪ 87‬مكرر‪ ،35‬وكذا األشخاص الذين هم محل بحث في داخل‬
‫التراب الوطني أو خارجه‪ 4،‬بسبب ارتكابه أو اشتراكه في فعل من األفعال المنصوص‬
‫عليها بموجب األحكام المذكورة في المادة ‪ 2‬من قانون المصالحة الوطنية‪ ،‬والذي يمثل‬
‫طوعا أمام السلطات المختصة في أجل أقصاه ‪ 6‬أشهر‪.4‬‬
‫السالفين الذكر من إجراءات انقضاء‬
‫مما يجعل من احتمال استفادة األشخاص ّ‬
‫الدعوى العمومية بناء على تصريحات كاذبة‪ ،‬أمر محتمل الوقوع في ظل عدم إشارة‬
‫ّ‬
‫قضائية‪ ،‬لبحث مدى صحة التّصريحات‬
‫قانون المصالحة‪ 4‬الوطنية لضرورة القيام بتحقيقات ّ‬
‫المدلى بها‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يفرغ نص المادة ‪ 10‬من األمر رقم ‪ 01-06‬من‬

‫الصراع‪ ،‬وثائق األمم المتحدة‪ ،‬رمز‬


‫الصراع ومجتمعات ما بعد ّ‬
‫)‪-‬سيادة القانون والعدالة االنتقالية لمجتمعات ّ‬
‫‪1‬‬

‫الوثيقة‪ S/661/2004‬بتاريخ ‪ 23‬أوت ‪ ،2004‬ص‪.29 .‬‬


‫‪ -)2‬المادة ‪ 13‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪ 6‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)4‬المادة‪ 7‬من األمر رقم ‪ ،01-06‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫في ظل انعدام احتمال إخضاع مرتكبي األفعال المنصوص عليها في المادة‬ ‫محتواه‪،‬‬
‫‪10‬إلى المحاكمة‪.1‬‬
‫على صعيد أخر‪ ،‬نجد في الحصانة من المقاضاة‪ 4‬التي تطرحها المادة ‪ 45‬من قانون‬
‫المصالحة الوطنية‪ ،‬مظهرا آخر من مظاهر تقويض اختصاص الهيئات القضائية المحلية‬
‫في محاربة اإلفالت من العقاب‪.2‬‬

‫ثانياً‬
‫مدى اختصاص آليات العدالة الجنائية الّدولية في مكافحة اإلفالت من العقاب في‬
‫سياق حالة العنف المسلّح الجزائرية‬

‫السياق الجزائري‪،‬‬
‫في الوقت الذي نستبعد فيه إمكانية إقامة محاكم مختلطة في ّ‬
‫النظر في الجرائم المرتكبة في‬
‫الدولية الدائمة في ّ‬
‫وأمام عدم اختصاص المحكمة الجنائية ّ‬
‫نطاق حالة العنف المسلّح الجزائرية‪ ،‬يبقي بذلك االختصاص العالمي اآللية الوحيدة‬
‫الدولية الجسيمة في إطار حالة العنف المسلّح الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫لمكافحة إفالت مرتكبي الجرائم‬
‫من العقاب‪.‬‬
‫استبعاد إقامة محاكم مختلطة في سياق حالة العنف المسلح الجزائرية؟!‬ ‫‪)1‬‬
‫إن غياب تعريف جامع لما يصطلح على تسميته بالمحاكم المختلطة‪ ،‬يفضي‬
‫ّ‬
‫بنا إلى البحث عن مفهوم هذه األخيرة في ضوء خصائصها المستقاة من التّجارب‪ 4‬المقارنة‬
‫النوع من اآلليات‪ ،‬والتي يمكن أن نجملها في كونها‪:3‬‬
‫في مجال إرساء هذا ّ‬

‫‪ -)1‬تقصي المادة ‪ 10‬من قانون المصالحة الوطنية كل من مرتكبي أفعال المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات‬
‫أو استعمال المتفجرات في األماكن العمومية أو شاركوا فيها أو حرضوا عليها‪ ،‬من االستفادة من أحكام انقضاء‬
‫الدعوى العمومية‪ ،‬مع استفادتهم من إجراءات استبدال العقوبة أو تخفيفها وفقا لمقتضيات المواد من‪-19- 18‬‬
‫‪ 20‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)2‬المادة ‪ ،45‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫الدولية"‪ ،‬مجلّة الفقه والقانون‪ ،‬العدد الثّالث عشر‪،‬‬
‫)‪-‬جدادوة عادل‪" ،‬المحاكم المختلطة نموذج جديد للعدالة ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ .2013‬ص‪.196.‬‬
‫‪136‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫‪-‬محاكم هجينة ذات تشكيلة مختلطة ووالية مختلطة‪ ،‬بحيث تضم عناصر دولية وعناصر‬
‫محلّية‪.‬‬
‫‪ -‬تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة لمشكلة اإلفالت من العقاب‪ ،‬تتعدى مجرد المحاكمة‪ ،‬و‬
‫الوطنية لضمان نهج مستمر لسيادة القانون وحماية حقوق‬
‫ّ‬ ‫إنما تتجاوزها إلى بناء القدرات‬
‫اإلنسان‪.1‬‬
‫الدول‪،‬‬
‫‪ -‬هي محاكم اتّفاقية عادةً ما يتم إنشاؤها بناء على اتفاق بين منظمة دولية وأحد ّ‬
‫يكون مردها إما عدم مقدرة نظام العدالة المحلي على االضطالع بالتزاماته في مجال‬
‫محاربة اإلفالت من العقاب‪ ،‬أو عدم كفاية القدرات المحلية في هذا الصدد والتي تقتضي‬
‫الدولية ‪.2‬‬
‫تعزيزها عن طريق الخبرات ّ‬
‫هذا وقد اكتسبت المحاكم المختلطة أهمية بارزة باعتبارها من أهم التّطورات‬
‫االنتقالية‪ ،‬التي جسدتها جملة من التّجارب‪ 4‬المتفاوتة النجاح‪.3‬‬
‫ّ‬ ‫الهيكلية في مجال العدالة‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن نجاح المحاكم المختّلطة في االضطالع بالمهام التي أنشأت‬
‫لغرضها‪ ،‬يبقى مرهونا بمدى تمتّعها بمقومات االستقاللية والحياد عن األطراف الحكومية‬
‫للضغوطات‪ ،‬كفاية التّمويل‪ ،‬فضال عن مراعاة سياق إنشائها‪.‬‬
‫وعدم الخضوع ّ‬
‫بالنظر إلى التّوجه العام‬
‫السياق الجزائري‪ ،‬فبالتّأكيد ينتفي هذا الطرح ّ‬
‫أما في ّ‬
‫السياسي والقانوني‪،‬‬
‫النوع من المحاكم‪ ،‬بما يحويه من تداخل بين ّ‬
‫للرؤية الجزائرية لهذا ّ‬
‫ّ‬
‫ظمات الدولية العاملة‪ 4‬في هذا المجال‪ ،‬والتي‬
‫هذا فضال عن الموقف المبدئي من المن ّ‬
‫بالضرورة واضحة‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫تنطوي على أهداف ال تكون‬

‫الصراع‪ ،‬زيادة موروث المحاكم‬


‫مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدواة سيادة القانون لدول ما بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-)1‬‬
‫المختلطة‪ ،‬وثائق األمم المتّحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪ ،HR/PUB/08/02، 2008 ،‬ص‪.12 .‬‬
‫‪ -)2‬جدادوة عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.197.‬‬
‫الصراع‪ ،‬مبادرات المقاضاة‪،‬‬
‫)‪-‬مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬أدوات سيادة القانون ّلدول ما بعد ّ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬

‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3.‬‬


‫الوطنية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السلم والمصالحة‬
‫)‪ -‬أنظر في ذلك الفقرة ‪ 4‬من ديباجة مشروع الميثاق من أجل ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الدولية المرتكبة في نطاق حالة العنف المسلّح‬


‫عدم خضوع الجرائم ّ‬ ‫‪)2‬‬
‫الدائمة‪:‬‬
‫الدولية ّ‬
‫الجزائرية لوالية المحكمة الجنائية ّ‬
‫األمنية اإلنسانية ككل من أمن اإلنسان ذاته‪ ،‬هذه األخيرة‬
‫ّ‬ ‫تتكون المنظومة‬
‫التي الحت بوادرها في أعقاب الحرب العالمية األولى لتتوطّد أكثر لدى المجموعة‬
‫الدولية‪ ،‬جراء الكارثة اإلنسانية التي خلفتها الحرب العالمية الثّانية خلفت أيما أثر‪ ،‬على‬
‫ّ‬
‫الدولية‪ ،‬والتي‬
‫الدولية في التّعاطي مع مسألة إرساء آليات للعدالة الجنائية ّ‬
‫منهج المجموعة ّ‬
‫الدولية من طرف‬
‫منيت في نهاية المطاف بإقرار النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ ‪ 17‬جويلية ‪ ،1998‬والذي دخل حيز النفاذ بعد إيداع‬
‫الصك الستين للتّصديق بتاريخ ‪ 1‬جويلية ‪.12002‬‬
‫ّ‬
‫وتعتبر هذه األخيرة بمفهوم المادة األولى من نظامها األساسي‪ ،‬هيئة قضائية دولية‬
‫مستقلة ومكملة للوالية القضائية الوطنية‪،2‬في اإلشارة لمبدأ التّكاملية الذي يجعل من‬
‫الدولية اختصاصا مكمال للوالية القضائية الوطنية‪ ،‬كمحاولة‪4‬‬
‫اختصاص المحكمة الجنائية ّ‬
‫للتّوفيق بين احترام سيادة الدول ومهمتها األصيلة في مكافحة‪ 4‬اإلفالت من العقاب‪.3‬‬
‫الدولية‪ ،‬في حالة ما إذا ثبتت عدم مقدرة‬
‫بحيث تنعقد والية المحكمة‪ 4‬الجنائية ّ‬
‫طالع باختصاصاتها القضائية‪ ،‬متى تم استيفاء شروط كل‬
‫الدولة أو عدم رغبتها في االض ّ‬
‫ّ‬
‫الدولية‪ ،4‬وهي ال ّشروط‬
‫الزمني والمكاني والموضوعي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫من االختصاص ّ‬
‫أن اختصاص المحكمة‪ 4‬الجنائية‬
‫السياق الجزائري‪ ،‬بحيث ّ‬
‫التي ال يبدو ّأنها مستوفاة في ّ‬
‫الدولية اختصاص مستقبلي ال ينعقد بأثر رجعي‪ 4‬على الجرائم التي تم ارتكابها قبل دخول‬
‫ّ‬

‫الدولي في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬مذكرة لنيل‬


‫)‪-‬لمزيد من التّفاصيل راجع‪ :‬خياطي مختار‪ ،‬دور القضاء الجنائي ّ‬
‫‪1‬‬

‫شهادة الماجستير‪ ،‬في إطار مدرسة الدكتوراه "القانون األساسي والعلوم السياسية"‪ ،‬فرع القانون الدولي العام‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو‪ ،2011،‬ص‪.127-114.‬‬
‫الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫)‪ -‬المادة األولى من ّ‬
‫‪2‬‬

‫للبحث القانوني‪ ،‬كلّية‬


‫ّ‬ ‫المجلة األكاديمية‬
‫الدولية"‪ّ ،‬‬
‫)‪ -‬حساني خالد‪" ،‬مبدأ التّكامل في اختصاص المحكمة الجنائية ّ‬
‫‪3‬‬

‫الرحمان ميرة‪ ،‬بجاية‪̔̔ ،‬المجلد‪ ،10‬عدد‪ ،2014 ،02‬ص‪.12-11.‬‬ ‫الحقوق‪ ،‬جامعة عبد ّ‬
‫‪ -)4‬راجع‪ :‬دريدي وفاء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.216-212.‬‬
‫‪138‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫‪1‬‬
‫أن أغلب الجرائم التي تّم ارتكابها في إطار حالة‬
‫النفاذ ‪ ،‬في حين ّ‬
‫نظامها األساسي حيز ّ‬
‫العنف المسلّح الجزائرية والتي تدخل في مجال االختصاص الموضوعي للمحكمة‪ 4‬الجنائية‬
‫الدولية قد تم ارتكابها قبل تاريخ ‪ 1‬جويلية ‪ ،22002‬اللهم ما تعلق بجريمة االختفاء‬
‫ّ‬
‫القسري باعتبارها من الجرائم المستمرة‪ ،‬وحتى هذه األخيرة ال يمكن تصور خضوعها‬
‫الدائمة إالّ متى صادقت الجزائر على النظام األساسي لهذه‬
‫الدولية ّ‬
‫لوالية المحكمة الجنائية ّ‬
‫األخيرة ‪.3‬‬
‫االختص اص الع المي كآلي ة وحي دة لمكافح ة اإلفالت من العق اب في إط ار‬ ‫‪)3‬‬
‫حالة العنف المسلّح الجزائرية‪:‬‬
‫يقوم مبدأ االختصاص العالمي على إشراك القضاء الجنائي الوطني في تنفيذ‬
‫القانون الدولي الجنائي‪،‬عن طريق االعتراف للمحاكم الوطنية بسلطة عقد اختصاصها‬
‫أي رابط مباشر أو فعلي مع الجريمة أو‬
‫النظر في الجرائم دون ّ‬
‫القضائي الجنائي في ّ‬
‫المجرم ‪ ،‬متى كانت الجريمة الدولية على درجة من الخطورة‪ ،‬وكذا الوجود اإلرادي‬
‫للمتهم على إقليم دولة االختصاص العالمي‪.4‬‬
‫تجدر اإلشارة ‪ -‬في هذا الصدد‪ -‬إلى ّأنه تم اتهام ومتابعة كل من األخوين عبد‬
‫القادر وحسين محمد من قبل وكيل جمهورية محكمة "نيم" بشأن تهمة التعذيب‪ ،‬كما تم‬
‫ضد‬
‫رفع شكوى ضد الجنرال األسبق السيد "خالد نزار" أمام المحاكم الفرنسية‪ ،‬وأيضا ّ‬
‫وزير الدولة ورئيس حزب حمس –سابقا‪ -‬السيد"أبو جرة سلطاني" أمام المحاكم‬
‫السويسرية بتهمة التعذيب‪.5‬‬
‫الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫)‪ -‬المادة ‪11‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -)2‬بشان الجرائم المرتكبة في الجزائر نحيل القارئ الكريم إلى‪ :‬ص‪ 74-69.‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪ -)3‬سوسن تمرخان بكة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.483.‬‬
‫‪ -)4‬أوكيل محمد أمين‪ ،‬اإلختصاص الجنائي العالمي ودوره في الحد من اإلفالت من العقاب‪ ،‬مداخلة مقدمة‬
‫في إطار الملتقى الدولي حول القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة‪ ،‬بجاية‪ ،‬يومي ‪ 05-06‬نوفمبر‬
‫‪ ،2012‬ص‪.6-3.‬‬
‫اإللكتروني‪. www.trialdejustice.org consulté le:06/06/2015, à 01 :16:‬‬ ‫‪ -)5‬متوافرة علي الموقع‬

‫‪139‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫خالصة الفصل الثاني‬


‫السياسة الردعية " الكل األمني" المعتمدة‬
‫للنتائج المحدودة التي أسفرت عنها ّ‬
‫نظرا ّ‬
‫الدولة الجزائرية‪ -‬في بدايات األزمة ‪-‬لمواجهة الظّاهرة اإلرهابية‪ ،‬في مجال‬
‫من طرف ّ‬
‫الجزائرية‪ -‬و بالموازاة مع هذه األخيرة ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫حماية المواطنين (خاصة)‪،‬كان لزاما علي ّ‬
‫التّوجه نحو تأصيل سياسة قانونية أخرى بهدف احتواء األزمة األمنية‪.‬‬
‫ّشرع في التمهيد لهذه األخيرة من خالل إقرار الحوار الوطني كحل وحيد لبناء‬
‫الوطنية‪ ،‬مرورا بإرساء مجموعة من‬
‫ّ‬ ‫أرضية خصبة لالنطالق نحو تحقيق مسعى المصالحة‪4‬‬

‫‪140‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المقاربة الجزائرية للعدالة االنتقالية‬

‫الّتشريعات االحتوائية‪ ،‬برز في إطارها قانون المصالحة للوطنية علي ّأنه مقاربة غير‬
‫االنتقالية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مكتملة األركان للعدالة‬

‫‪141‬‬

You might also like