You are on page 1of 6

‫الفن الجسدي‬

‫‪-‬في إطار نزع القدسية على الجسد التي وضعتها النظم االنسانية والعقائدي ة عملت الفرنس ية‬
‫أوروالن على تق ديم البره ان على زي ف القيم الجمالي ة المثلى وتحطيمه ا وإثب ات نس بيتها‪،‬‬
‫وذلك من خالل عرض جسدها للتشريح ليكون خامة قابلة للتحوير‪ ،‬وفتحت بذلك النقاش من‬
‫خالل عرض جسدها للطب التجميلي لتقدم أنموجا جمالي ا متف ق علي ه ولتجع ل ه ذه األفك ار‬
‫تسقط وتفن ّد‪ .‬من خالل تقديم دالئل واقعية‪.‬‬
‫إنّ الفك رة الس ائدة وال تي س يطرت على األذه ان الذكوري ة (من وض ع البش ر) هي التس ليم‬
‫بوجود معايير تتطابق مع قيمة الجمال (أنف الروح لجيروم‪ ،‬وثغر أوروبا لفرانسوا ب وش‪،‬‬
‫وجبهة الموناليزا‪ ،‬وعيون ديانا‪ ،‬وذقن فينوس لبوتشيللي) لذلك جعلت أورلون من جسدها‬
‫تركيبة هجينة لتبيّن أن هذا الفعل الفني ينفي التصورات التي وضعها الرجل المثالية‪.‬‬
‫فبجمعها لهذه التصورات قدمت فلسفة جديدة للجم ال األنث وي تجعلن ا نتس اءل عن مص داقية‬
‫األحكام الذكورية وما مدى توافقها مع الواقع الملموس‪ ،‬وه ذه المقارب ة الفني ة ألورل ون هي‬
‫محاولة لتغيير نمطية األفكار السائدة لتقدم بذلك عمال ص ادما يس تفز ويث ير التس اؤل ويثبت‬
‫المقولة الكانطية (الذوق مسألة ذاتية)‪.‬‬
‫ق دمت أورل ون جس دها لمناقش ة القيم الجمالي ة وطوعت ه ليص بح م ادة ي دحض الكث ير من‬
‫األطروح ات القائم ة على هيمن ة ثقافي ة ذكورية‪ ،‬وذل ك من خالل القيم بتس عة عملي ات‬
‫جراحية (من ‪ ،)1991/1993‬حيث كانت في ك ّل مرة تقوم بتحوير جسدها حسب الش روط‬
‫الجمالية السبعة لتاريخ الفن التشكيلي‪.‬‬
‫من ه ذا المنطل ق يمكن أن نعت بر أنّ أورل ون تتعام ل م ع الجس د باعتب اره بني ة هندس ية أو‬
‫معمارية قابلة للتغيير‪ ،‬واستطاعت من خالل هذه التجربة إخ راج الجس د من فض ائه ال ذاتي‬
‫وعزلته إلى الفضاء المشترك فرمت به أمامن ا بجمي ع تفاص يله المحظ ورة على الع ري في‬
‫لحظة إنكشاف قصوى محمال بمدلوالت ومشحونا ب الرموز ال تي تح ولت إلى معطى ك وني‬
‫نتشارك في إدراك عوراته والنطق بمحدوديته المادية والحسية‪.‬‬
‫من هذه المنطلقات الفكرية والجمالي ة ط رح الفن ان المعاص ر جس ده ليمث ل كجس د مش ترك‬
‫يشارك فيه المتلقي في عملية البحث والتحليل‪ .‬إذ جاءت الفنان ة أورل ون بجس د يخص ها في‬
‫مستوى االنتماء والتكوين العض وي‪ ،‬لتقدم ه كحام ل لق راءة خاص ة للنظم الجمالي ة وأحك ام‬
‫الذوق في المنطلق الذكوري‪ ،‬ليصبح جسدها في هذه الممارسة صيغة وأسلوبا لتناول جم ال‬
‫فلسفي‪( .‬ص‪)11‬‬
‫إنّ أورلون باعتبارها فنانة معاصرة نسوية تريد أن تسقط التص ورات البطرياركي ة ط وعت‬
‫جسدها لتتكلم من خالله عن الجسد البشري وليكون بالتالي جسدنا‪ ،‬ويمكن أن نعت بر انطالق‬
‫مما سبق طرحه أن أورلون وصلت إلى ح ّد االيغ ال في الت دخل على جس دها مغيّبت ا ب ذلك‬
‫طبائعها الحسية ونظمها الغرائزية ألجل تدعيم فكرتها ال تي تأسس ت على الجس د "األدائي"‪.‬‬
‫(ص‪)12‬‬
‫تبحث أورلون عن الجسد الخاص الرافض لما تقدمه الطبيعة التي تنحت معالمه وفقا لتصور‬
‫جديد‪ ،‬غير الذي قدمته الطبيعة البيولوجية‪ ،‬ومن هنا يمكن أن نعتبر أن ه ذه الممارس ة تنب ع‬
‫من فلسفة وجودية تحاور الطبيعة فيم ا قدمت ه للبش ر وتبحث عن ب دائل‪ ،‬فهي ت رفض ب ذلك‬
‫الخنوع واالستسالم للطبيعة‪.‬‬
‫تقول أورلون في هذا السياق‪ ":‬يتفق ال دين وعلم النفس على مقول ة أن الش خص ال يجب أن‬
‫يحارب الجسد والطبيعة‪ ،‬أن يقبل ويقنع‪ ...‬هذه مفاهيم خاطئة‪،‬قبّلية‪ ،‬بدائية‪ .‬نعتق د أن الس ماء‬
‫ستنهار على رؤوسنا لو مسسنا الجسد !مازلن ا مقتنعين بأنن ا يجب أن ننح ني أم ام ق رارات‬
‫وزع بالصدفة"‬‫الطبيعة‪ .‬هذا اليانصيب من الجينات ّ‬
‫إن جسد أورالن ليس عمل فني جاهز على غرار ما ذهب إليه دوشامب من إستبدال ّ‬
‫لألث ر‬
‫في المسار الفني الذي انعكس في فنون ما بع د الحداث ة ذل ك أ ّن ه ح وّ ل اللوح ة وال زيت إلى‬
‫شيء جاهز ليرتقي إلى مستوى األعمال الفنية المعروضة في المتاحف العالمية‪ ،‬إض افة إلى‬
‫ذلك أحدث دوشامب صدمة من خالل سخريته من الرم وز االجتماعي ة المقدسة‪ .1‬وفي نفس‬
‫ه ذا الس ياق نج د أورالن تنبش أفك ارا من لحمه ا مث ل مس ألة الهوي ة والجنس وال ذكورة‬
‫واالنوثة واالخالق ومكانة الجسد في المجتمع‪ ،‬والنسوية بتشكل خاص‪،‬ع بر أداء وع روض‬
‫‪2‬‬
‫الذي يسمى فن جسدي‬
‫مثل عملها تحت عنوان "تناسخات القديسة أورلون" محاولة لسحق المفاهيم والمقاييس‬ ‫لقد ّ‬
‫الذكورية وتجاوز الق وانين الطبيعي ة والبيولوجي ة والوراثي ة والتقس يمات الجندري ة‪ .‬وتق ول‬
‫أورلون في هذا السياق‪ ":‬عملي كفاح ض ّد الفطريين‪ ،‬العنيدين‪ ،‬المبرمجين‪ ،‬الطبيعة‪ ،‬الدين ‪،‬‬
‫يمكنني بباسطة وبال معاناة أن أنظر للحمي كيف يشق‪ ،‬أن أج ري بعي ني على أحش ائي‪ ،‬أن‬
‫أنظر إلى قلب حبيبي‪ ،‬تصميمه الرائع ال عالقة له بالعاطفية الركيكة"‪.‬‬
‫إنّ هذا الطرح الف ّني الطريف ألرلون يدعون للبحث في رهانات ه الفلس فية الفن ّي ة باعتب ار أنّ‬
‫مبحثنا يتمحور حول ا"لفن المعاصر والجنوسة" إذ وقعّت هذه الفنانة النسوية توجه ا جدي دا‬
‫أ‪.‬د‪ .‬بالسم محمد‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬سالم جبار‪ ،‬الفن المعاصر أساليبه واتجاهاته‪ ،‬مكتب الفتح‪ ،‬بغداد‪.2015 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫& ‪- 26‬‬
‫& ‪/ 11 / 2009‬‬
‫قديسة الجسد الجديد أورالن ‪ ..‬خطوة في اللحم ال يحتملها العالم‪ ،‬يوسف ليموند‪ ،‬الحوار المتمدن‪-‬العدد‪- 2840 :‬‬
‫‪.17:12‬‬
‫‪https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=193031‬‬
‫باستعمال جس دها ليص بح موض وع ممارس ة إبداعي ة‪ ،‬ين اهض ب ذلك ك ّل أش كال المقاوم ة‬
‫النسوية المألوفة‪ ،‬ولع ّل إثارة نقاشات جذري ة ه و ه دفها لتخلخ ل ب ذلك الكث ير من القناع ات‬
‫العامة‪ ،‬إذ تقول‪ ":‬عملي ليس ضد الجراحة التجميلية‪ ،‬لكنه ضد معايير الجمال المعتمدة‪،‬‬
‫ضد قواعد وعقائد مهيمنة ومعجبة بنفسها كثيرا‪ ،‬تما َرس على األنثى“‬

‫في ممارس تها للفن الجس دي إعتم دت أورالن على توظي ف ثنائي ة ال داعر والمق دس‪ ،‬إذ‬
‫صورت نفسها على شاكلة القديسة تيريز ا الذي أنجزه برنيني في القرن السابع عشر‪ ،‬كاش فة‬
‫عن أحد نهديها‪ ،‬فهذه القديسة تمثل في التراث المسيحي تجمع بين القداسة والنشوة الص وفية‬
‫والجنسية‪ ،‬وتحمل هذه الصورة فكرة نسوية ثورية الذي يذرنا بأسطورة محاربات األمازون‬
‫الذي يقطعن نهودهن كي ال يعوقها في رمي الرمح‪ ،‬ويمكن تبعا ل ذلك أن نق ول أن ه ؤوالء‬
‫النساء ضحيّن بأنفسهن من أجل إفتكاك قيم إنسانية عليا‪.‬‬
‫&ها “قبل ة‬ ‫واصلت أورالن نضالها الفني النسوي‪ ،‬ففي ‪ 1977‬قامت بعرض&‬
‫الفنان“‪ ،‬وفيه وقفت خارج الجراند بااليز‪ ،‬جنب صورة بالحجم الطبيعي لجذعها‬
‫&ائن‬
‫&بيع القبالت للزب&‬
‫عرفته هي كجسم آلي ل&‬ ‫الذي‪ ،‬جعلته ماكينة تعمل بالنقود‪ّ ،‬‬
‫الذين يدخلون خمسة فرنكات في ّ‬
‫الشق بين النهدين‪ ،‬يمكن أن يراقب&&وا قطع&&ة‬
‫العملة تنزلق عبر أنابيب إلى األسفل‪ ،‬هنا تقفز الفنانة من مكان وقوفها لتك&&افئ‬
‫دعمت أورالن “قبلة الفنان” بنصوص كتبتها بالتعاون مع‬ ‫المشتري بقبلة حقيقية‪ّ .‬‬
‫&ة‬‫&ت الفنان&‬
‫&يحة‪ ،‬حيث غرس&‬ ‫هيبرت بيساسير‪ .‬هذا العرض الذي قد يبدو فض&‬
‫إصبعها في دمل مجتمع األمهات والتجار والفن والدعارة‪ ،‬وهبها اسما في عالم‬
‫&د‬‫&ة على ح&‬ ‫&لبية واإليجابي&‬
‫الفن‪ ،‬بسبب ردود الفعل العنيفة التي قوبل بها‪ ،‬الس&‬
‫&ال‬‫&دلل على أن الجم&‬ ‫&تاين‪ ،‬لت&‬
‫سواء‪ .‬بعد هذا‪ ،‬ارتدت باروكة عروس فرنكنش&‬
‫&‬
‫األنثوي مصنوع من قِبل الرجل‪.‬‬
‫ثم نراها في ‪ 1998‬تعالج بالكمبيوتر مجموعة من الصور وتجهيزات الفي&&ديو‬
‫التفاعلية‪ ،‬بالتعاون مع بيير زوفيل‪ ،‬استلهما فيها تحوالت الجسد في ثقافة ماي ا‬
‫اريلو جل في المكس&&&&يك‪.‬‬ ‫وأولميك‪ ،‬لمع&&&&رض في متح&&&&ف ك‬
‫&زال تعيش في‬ ‫&انت ال ت&‬
‫&نة ‪ 1964‬حين‪ ،‬أو حيث ك&‬ ‫عودة إلى بدايتها الفنية س&‬
‫بلدتها األصلية سان اتيان‪ ،‬ن ّفذت عملها “المشي بطيئا” ‪Marches au ralenti‬‬
‫&ام ‪ 1965‬إلى‬ ‫&ا يمكن‪ .‬ومن ع&‬
‫&أ م&‬‫&ة بأبط&‬ ‫وفيه مشت عبر نقطتين في المدين&‬
‫‪ ،1983‬بدأت مشروعها “قياسات“‪ ،‬استعملت فيه جسدها كآلة قي&&اس أس&&متها‬
‫“جسد أورالن“‪ .‬في هذا العرض األدائي المعقد‪ ،‬استخدمت أورالن وحدة “جسد‬
‫أورالن” لتحديد‪ :‬كم عدد الناس الذين يمكن أن يدخلوا في الفض&&اء المعم&&اري‬
‫&ام‬
‫&ا من ع&‬‫&اس! ونراه&‬ ‫المتاح؟ استعملت في هذا العمل دمية جذعها كوحدة قي&‬
‫‪ 1964‬إلى ‪ 1966‬في سلس&&لة من الص&&ور الفوتوغرافي&&ة المعروف&&ة اآلن‬
‫&لية حيث‬‫&ورة أص&‬ ‫&ل ص&‬ ‫بـ“محاصيل العنب” (هناك نسخة باقية وحيدة من ك&‬
‫صورت عارية في وقفات‬ ‫نيجاتيف الصور األصلي تم إعدامه)‪ ،‬في هذه السلسلة ُ‬
‫&‬
‫مختلف&&&&&&&ة تش&&&&&&&به أوض&&&&&&&اع اليوج&&&&&&&ا‪.‬‬
‫وفي ‪ ،1978‬قامت بعرض أعضائها الجنسية تحت عدسة مكبّرة أثناء دورته&&ا‬
‫الشهرية‪ ،‬عبر عمل وثائقي باسم “رأس ميدوزا“‪ ،‬شعار األداء في&&ه ك&&ان نص‬
‫&‬
‫الفرج“!‬
‫فرويد عن رأس ميدوزا بعنوان‪“ :‬يهرب الشيطان ل ّما يرى ْ‬
‫لقد مثلت أورالن فنانة نوعية في عالم الفن المعاصر‪ ،‬مس تحدثة ب ذلك ع ّدة تقني ات للتعب ير‬
‫عن أطروحاتها‪ ،‬و ال شك أنها‪ ،‬كما ذهبت بجسدها مسافة أبعد من الع&&الم‪ ،‬خطت‬
‫بالفن خطوة مماثلة‪ .‬هي الفنانة الوحيدة التي استعملت جسمها بهذا الشكل غ&&ير‬
‫& المعاص&&ر‬ ‫المسبوق‪ ،‬وهذه منطقة األصالة فيها‪ ،‬إذ هي استجلبت إلى الجم&&ال‬
‫مستويات استثنائية‪ ،‬عبر استخدامها الجراحة التقويمية كوسيط فني‪ ،‬بما تتضمنه‬
‫رسالتها من أخالقية تتمثل في احتفائها بالتقدم الحديث تكنولوجيا وطبيا‪ ،‬طالم&&ا‬
‫& حيث امتالك القدرة على تغيير الطبيعة وإعادة تش&&كيل‬ ‫كان االستخدام إيجابيا‪،‬‬
‫الجسد كما يريد اإلنسان‪ .‬هذا الجانب في عملها‪ ،‬وكذلك الجانب الناقد للمف&&اهيم‬
‫&اواة بين‬
‫&ق المس&‬ ‫الخاطئة في المجتمع‪ ،‬وإيمانها بالنسوية ودفاعها العنيد عن ح&‬
‫&كيك‬‫&ها أو التش&‬‫&عب دحض&‬ ‫الجنسين‪ ،‬هي الظاهر أو النوايا المعلنة‪ ،‬والتي يص&‬
‫&ير‬‫&داع غ&‬ ‫ّ‬
‫فيها‪.‬ولعل هذا الفن المعاصر يندرج ضمن ما س ّماه مارك جيمنيز إب&‬
‫‪3‬‬
‫متوقع يميل إلى "الصدام واالستفزاز"‬
‫لكن يبدو أنّ الفن الجسدي كان قد ظهر في القرن الس ابع عش ر‪ ،‬فتح ول الجس د‬
‫إلى مجال للفن والتعبير‪ ،‬و"ينبث ق فن الجس د من فن األداء‪ ،‬فيعم د في ه الفن ان إلى‬
‫الرسم أو الكتابة على الجسد باعتباره بديال عن اللوحة الفنية وله وقع مباش ر على‬
‫المتلقين‪ ،‬ورس الته في ذل ك ليس ت غرائزي ة" فحس ب ب ل هي تمسّ الكث ير من‬
‫المستويات االجتماعية واالقتصادية والنفسية ولع ّل هذا ماتدعمه الفنانة هالة فيصل‬
‫‪- 3‬جيمنيز‪ ،‬الفن المعاصر ‪،‬االتجاهات والرهانات‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫التي تعرت في س احة واش نطن للتعب ير عن على إحتجاجه ا ض ّد الح رب وكتبت‬
‫على جسدها "أوقفوا الحرب"‪.4‬‬
‫ولم تقتص ر أش كال المطالب ة بالحري ة بمح اوالت فردي ة إ ّنم ا ش ملت مح اوالت‬
‫جماعية كأس لوب لالحتج اج وجم ع التبرع ات أو االش هار وغيره ا من المط الب‬
‫الدعائي ة‪ ،‬وينطل ق من العم ل الجم اعي نح و التواص ل لكس ب دعم المتلقين‬
‫الم واجهين لجم وع هائل ة من راك بي ال درجات الع راة تكس و أجس ادهم تص اميم‬
‫مختلفة وأشكال لونية تسبب الدهشة والصدمة‪.5‬‬
‫وهذا يعبر على جرأة في التعبير من خالل األجساد على العمل الفني الذي أص بح‬
‫في ه ذا الس ياق يحم ل دالالت متع ّددة نابع ة من تغ ير الثقاف ات وتش كل انقالب‬
‫محوري تفرض على الجمهور نمطا جديدا من فعل االب داع مم ا يح دث إس تفزازا‬
‫داخل المتلقي أو المجتمعات المختلفة‪.6‬‬
‫ولع ّل هذا ما جع ل أورالن تت أثر به ذا التوج ه الف ني المن اهض للثقاف ة الذكوري ة‪،‬‬
‫المتم ر ّد على التص ورات الس ائدة ح ول رمزي ات الجس د األنث وي‪ ،‬ال ذي يحم ل‬
‫خصوصية بيولوجية‪ ،‬رسختها تمثالت تميّزت برؤي ة س لبية مقاب ل رؤي ة إيجابي ة‬
‫لمفهوم الذكورة التي حظيت بك ّل التقدير واالحترام‪ ،‬بينما أحتقرت األنوثة بأبعادها‬
‫المختلفة‪ ،‬فالجسد األثنوي خضع لمقاييس جمالي ة ذكوري ة ح ّددها الرج ل‪ ،‬لتس قط‬
‫على المرأة وتغيّبها كليّا‪.‬‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬نجد في كتاب الجسد األنثوي وهوي ة جندرية‪ 7‬للكاتب ة خل ود الس باعي‬
‫حق النساء‪ ،‬واختزالهن في أجس اد مفرغ ة‬ ‫تنبيها لضرورة التمييز الذي يحدث في ّ‬
‫من المعنى ويظهر هذا بامتياز في مرحلة الشباب إذ تك ون الم رأة هن ا موض وعا‬
‫جذابة‪ ،‬لكن سرعان ما تتحوّ ل هذه الرغبة إلى إنطفاء عند بل وغ‬ ‫للرغبة باعتبارها ّ‬
‫مرحلة الشيخوخة‪ .‬مم ا يج بر النس اء على االلتج اء لعملي ات التجمي ل لتأيي د ه ذا‬
‫البراديغم الذكوري المناهض للحريات‪ ،‬ولع ّل هذا م ا ي دعونا لالش ارة إلى اعتب ار‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪61‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪64‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪64‬‬


‫‪ 7‬خلود السباعي‪ ،‬الجسد األنثوي والهوية الجندرية‪ ،‬جداول‬
‫س يمون دي بوف وار أنّ الم رأة هي الس بب الرئيس ي في نش أة ه ذه المنظوم ة‬
‫‪8‬‬
‫الذكورية‪ ،‬إذ تقول‪":‬يعتبر جسم المرأة حافال بالقيود التي تعرقل حركة صاحبته‪".‬‬

‫‪-‬ندى حداد‪،‬الجنس اآلخر‪ ،‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬األهلية‪ ،‬المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬عمان‪.2008،‬‬ ‫‪8‬‬

You might also like