You are on page 1of 112

‫األساليب النبوية يف التعامل‬

‫مع أخطـاء النّاس‬

‫مدار الوطن للنرش‬


‫تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء‪11.................‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص هلل‪11......................................... :‬‬
‫‪ -2‬اخلطأ من طبيعة البرش‪13................................. :‬‬
‫‪-3‬أن تكــون التخطئــة مبنية عىل الدليــل الرشعي‪ ،‬مقرتنة‬
‫بالبينة‪ ،‬وليست صادرة عن جهل‪ ،‬أو أمر مزاجي‪14.........‬‬
‫‪ -4‬كلام كان اخلطأ أعظم كان االعتناء بتصويبه آكد ‪15.........‬‬
‫‪ -5‬اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصويب اخلطأ ‪17.......‬‬
‫‪ -6‬التفريق بني املخطئ اجلاهل‪ ،‬واملخطئ عن علم ‪21..........‬‬
‫‪-7‬التفريق بني اخلطــأ الناتج عن اجتهاد صاحبــه ‪ ،‬وبني خطأ‬
‫العمد ‪ ،‬والغفلة ‪ ،‬والتقصري‪23.............................‬‬
‫‪ -8‬إرادة املخطئ للخري ال متنع من اإلنكار عليه‪25............ :‬‬
‫‪ -9‬العدل وعدم املحاباة يف التنبيه عىل األخطاء‪26............. :‬‬
‫‪ -10‬احلذر من إصالح خطأ يؤدي إىل خطأ أكرب‪28........... :‬‬
‫‪ -11‬إدراك الطبيعة التي نشأ عنها اخلطأ‪29....................:‬‬
‫‪-12‬التفريق بني اخلطأ يف حق الرشع‪ ،‬واخلطأ يف حق الشخص ‪31..‬‬
‫‪ -13‬اإلنكار عىل املخطئ الصغري بام يتناسب مع سنه‪33.......:‬‬
‫‪ -14‬احلذر عند اإلنكار عىل النساء األجنبيات‪34............. :‬‬
‫‪-15‬عدم االنشغال بتصحيح آثار اخلطأ‪ ،‬وترك معاجلة أصل‬
‫اخلطأ وسببه‪35......................................... .‬‬
‫‪ -16‬عدم تضخيم اخلطأ‪ ،‬واملبالغة يف تصويره‪36.............. .‬‬
‫‪-17‬تــرك التكلف واالعتســاف يف إثبــات اخلطأ‪ ،‬وجتنب‬
‫اإلرصار عىل انتزاع االعرتاف من املخطئ بخطئه‪36..........‬‬
‫‪ -18‬إعطاء الوقت الكايف لتصويب اخلطأ‪36...................‬‬
‫‪-19‬جتنــب إشــعار املخطــئ بأنه خصــم‪ ،‬ومراعــاة أن‬
‫كسب األشخاص أهم من كسب املواقف‪36..............‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‪37................‬‬
‫‪ -1‬املسارعة إىل تصحيح اخلطأ‪ ،‬وعدم إمهاله ‪37...............‬‬
‫‪ -2‬معاجلة اخلطأ ببيان احلكم ‪37...............................‬‬
‫‪-3‬رد املخطئني إىل الرشع‪ ،‬وتذكريهم باملبدأ الذي خالفوه ‪38..‬‬
‫‪-4‬تصحيح التصور الذي حصل اخلطأ نتيجة الختالله ‪38.....‬‬
‫‪ -5‬معاجلة اخلطأ باملوعظة‪ ،‬وتكرار التخويف ‪42...............‬‬
‫‪ -6‬إظهار الرمحة باملخطئ ‪44..................................‬‬
‫‪ -7‬عدم الترسع يف التخطئة ‪46................................‬‬
‫‪ -8‬اهلدوء يف التعامل مع املخطئ ‪48...........................‬‬
‫‪ -9‬بيان خطورة اخلطأ ‪52.....................................‬‬
‫‪ -10‬بيان مرضة اخلطأ ‪53.....................................‬‬
‫‪ -11‬تعليم املخطئ عملي ًا ‪57..................................‬‬
‫‪ -12‬تقديم البديل الصحيح‪58................................‬‬
‫‪ -13‬اإلرشاد إىل ما يمنع من وقوع اخلطأ ‪61...................‬‬
‫‪-14‬عــدم مواجهــة بعض املخطئــن باخلطــأ‪ ،‬واالكتفاء‬
‫بالبيان العام ‪63.........................................‬‬
‫‪ -15‬إثارة العامة عىل املخطئ ‪66..............................‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -16‬جتنب إعانة الشيطان عىل املخطئ ‪66......................‬‬


‫‪ -17‬طلب الكف عن الفعل اخلطأ ‪68.........................‬‬
‫‪ -18‬إرشاد املخطئ إىل تصويب خطئه‪69......................‬‬
‫‪ -19‬إنكار موضع اخلطأ‪ ،‬وقبول الباقي ‪72.....................‬‬
‫‪ -20‬إعادة احلق إىل صاحبه‪ ،‬وحفظ مكانة املخطئ ‪74..........‬‬
‫‪ -21‬توجيه الكالم إىل طريف النزاع يف اخلطأ املشرتك ‪79.........‬‬
‫‪ -22‬مطالبة املخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه ‪79................‬‬
‫‪ -23‬تذكري املخطئ بفضل من أخطأ عليه؛ ليندم‪ ،‬ويعتذر ‪80...‬‬
‫‪-24‬التدخل لتسكني الثائرة‪ ،‬ونزع فتيل الفتنة بني املخطئني ‪82.‬‬
‫‪ -25‬إظهار الغضب من اخلطأ ‪83.............................‬‬
‫‪-26‬التويل عن املخطئ‪ ،‬وترك جداله لعله يراجع الصواب‪89. :‬‬
‫‪ -27‬عتاب املخطئ ‪90.......................................‬‬
‫‪ -28‬لوم املخطئ ‪91..........................................‬‬
‫‪ -29‬اإلعراض عن املخطئ ‪93................................‬‬
‫‪ -30‬هجر املخطئ ‪95........................................‬‬
‫‪ -31‬الدعاء عىل املخطئ املعاند ‪97............................‬‬
‫‪-32‬اإلعــراض عن بعض اخلطأ اكتفاء بام جرت اإلشــارة‬
‫تكرم ًا مع املخطئ ‪98............................‬‬
‫إليه منه؛ ّ‬
‫‪ -33‬إعانة املسلم عىل تدارك خطئه‪ ،‬وتصويبه ‪99..............‬‬
‫‪ -34‬مالقاة املخطئ وجمالسته؛ ألجل مناقشته ‪100.............‬‬
‫‪ -35‬مصارحة املخطئ بحاله وخطئه ‪103....................‬‬
‫‪ -36‬إقناع املخطئ ‪105......................................‬‬
‫‪ -37‬إفهام املخطئ بأن عذره الزائف غري مقبول ‪106..........‬‬
‫‪ -38‬مراعاة ما هو مركوز يف الطبيعة واجلبلة البرشية ‪108......‬‬

‫‪4‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫احلمــد هلل رب العاملني‪ ،‬الرمحن الرحيــم‪ ،‬مالك يوم الدين‪،‬‬


‫إله األولني واآلخرين‪ ،‬وقيوم الســموات واألرضني‪ ،‬والصالة‬
‫والســام عىل نبيه األمني‪ ،‬معلم اخللق‪ ،‬املبعوث رمحة للعاملني‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬

‫فإن تعليم الناس من القربات العظيمة‪ ،‬التي يتعدّ ى نفعها‪،‬‬


‫ويعم خريها‪ ،‬وهي حظ الدعــاة واملر ّبني من مرياث األنبياء‬
‫واملرســلني‪ ،‬و«إن اهلل ومالئكته وأهل السموات واألرضني‪،‬‬
‫حتى النملــة يف جحرها‪ ،‬وحتى احلــوت ليصلون عىل معلم‬
‫الناس اخلري»(((‪.‬‬

‫والتعليم طرائق وأنواع‪ ،‬وله وسائل وسبل؛ منها تصحيح‬


‫األخطاء‪ ،‬فالتصحيح من التعليم‪ ،‬ومها صنوان ال يفرتقان‪.‬‬

‫(( ( رواه الرتمــذي (‪ ،)2685‬وقال أبو عيســى‪ :‬هذا حديث حســن غريب‬
‫صحيح‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)4213‬‬

‫‪5‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ومعاجلــة األخطاء وتصحيحها مــن النصيحة يف الدين‪،‬‬


‫الواجبة عــى مجيع املســلمني‪ ،‬وصلة ذلــك بفريضة األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر قوية‪ ،‬وواضحة(((‪.‬‬
‫وتصحيح األخطاء كذلــك من الوحي الرباين‪ ،‬واملنهج‬
‫القرآين؛ فقد كان القرآن ينزل باألوامر والنواهي‪ ،‬واإلقرار‬
‫واإلنكار‪ ،‬وتصحيح األخطاء‪ ،‬حتى مما وقع من النبي ﷺ‪،‬‬
‫فنزلت معاتبــات وتنبيهات‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ ) :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨ ﭩ ﭪﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ(‬
‫[عبس‪.]10-1 :‬‬
‫وقولــه‪) :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ( [األحزاب‪.]37 :‬‬
‫وقولــه‪) :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ( [األنفال‪.]67 :‬‬
‫وقولــه‪) :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ( [آل عمران‪.]128 :‬‬

‫(( ( مع مالحظة أن دائرة اخلطأ أوسع من دائرة املنكر؛ فاخلطأ قد يكون منكر ًا‬
‫وقد ال يكون‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وكان القــرآن يتنزل ببيان خطأ أفعــال بعض الصحابة يف‬


‫خطأ‬ ‫عدد من املواقف‪ ،‬فعندما أخطأ حاطب بن أيب بلتعة‬
‫عظي ًام يف مراســلة كفار قريش مبين ًا هلم وجهة النبي ﷺ إليهم‬
‫يف الغزو‪ ،‬نــزل قوله تعاىل‪ ) :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ( [املمتحنة‪.]1 :‬‬
‫ويف شــأن خطأ الرماة يف غزوة أحد‪ ،‬ملــا تركوا مواقعهم‬
‫التــي أمرهم النبي ﷺ بلزومها‪ ،‬نزل قوله تعاىل‪) :‬ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ( [آل عمران‪.]152 :‬‬
‫وملا اعتزل النبي ﷺ زوجاته تأديب ًا‪ ،‬وأشــاع بعض الناس‬
‫أنه ط ّلق نساءه‪ ،‬نزل قوله تعاىل‪) :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ( [النساء‪.]83 :‬‬
‫وملا ترك بعض املســلمني اهلجرة من مكــة إىل املدينة لغري‬
‫عذر رشعي أنزل اهلل‪) :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ( [النساء‪.]97 :‬‬

‫‪7‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وملا انساق بعض الصحابة وراء إشاعات املنافقني يف اهتام‬


‫بام هي منه بريئة أنزل اهلل آيات يف هذا‬ ‫أم املؤمنني عائشــة‬
‫اإلفك وفيهــا‪) :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡ‬
‫ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬﮭ‬
‫ﮮ( [النور‪.]15-14 :‬‬
‫ثم قــال‪) :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ( [النور‪.]17-16 :‬‬
‫وملا تنــازع بعض الصحابة بحرضة النبــي ﷺ‪ ،‬وارتفعت‬
‫أصواهتم نزل قوله تعاىل‪) :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ( [احلجرات‪.]2-1 :‬‬
‫وملا جاءت قافلة وقت خطبة اجلمعة‪ ،‬وترك بعض الناس‬
‫اخلطبــة‪ ،‬وانفضوا إىل التجارة نــزل قوله تعاىل‪) :‬ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ( [اجلمعة‪.]11 :‬‬
‫إىل غري ذلك من األمثلة الدالة عىل أمهية تصحيح األخطاء‪،‬‬
‫وعدم السكوت عنها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وقد ســار النبي ﷺ عىل نور من ربه ســالك ًا ســبيل إنكار‬


‫ٍ‬
‫متوان يف ذلك‪ ،‬ومن هذا وغريه‬ ‫املنكر‪ ،‬وتصحيح اخلطأ‪ ،‬غــر‬
‫استنبط العلامء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬قاعدة ‪« :‬ال جيوز يف حق النبي ﷺ‬
‫تأخري البيان عن وقت احلاجة»‪.‬‬
‫هــذا‪ ،‬وإدراك املنهج النبــوي يف التعامل مع أخطاء البرش‬
‫الذين القاهــم النبي ﷺ من األمهية بمــكان؛ ألنه ﷺ مؤ ّيد‬
‫من ربه‪ ،‬وأفعالــه وأقواله رافقها الوحي؛ إقرار ًا‪ ،‬وتصحيح ًا؛‬
‫فأســاليبه عليه الصالة والســام أحكم وأنجع‪ ،‬واستعامهلا‬
‫املرب هلذه األساليب والطرائق‬
‫أدعى الستجابة الناس‪ ،‬واتباع ّ‬
‫جيعل أمره ســديد ًا‪ ،‬وسلوكه يف الرتبية مســتقي ًام‪ ،‬ثم إن اتباع‬
‫املنهج النبوي وأساليبه فيه االقتداء بالنبي ﷺ الذي هو أسوة‬
‫حسنة لنا‪ ،‬وما يرتتب عىل ذلك من حصول األجر العظيم إذا‬
‫خلصت النية‪.‬‬
‫ومعرفة األســاليب النبوية تبني فشــل أســاليب املناهج‬
‫األرضية ‪-‬التي تزخر هبا اآلفاق‪ -‬وتقطع الطريق عىل اتّباعها‪،‬‬
‫فإن كثري ًا منها واضح االنحراف‪ ،‬وقائم عىل نظريات فاســدة‬
‫كاحلرية املطلقة‪ ،‬أو مســتمد من موروثــات باطلة‪ ،‬كالتقليد‬
‫األعمى لآلباء واألجداد‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة إىل أن التطبيق العلمي هلذا املنهج النبوي‬
‫يف الواقــع يعتمد عىل االجتهاد بدرجة كبــرة‪ ،‬وذلك يف انتقاء‬

‫‪9‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫األسلوب األمثل يف الظرف واحلدث واحلاصل‪ ،‬ومن كان فقيه‬


‫النفس استطاع مالحظة احلاالت املتشاهبة‪ ،‬واألحوال املتقاربة‪،‬‬
‫فينتقي من هذه األساليب النبوية ما يالئم ويوائم‪.‬‬
‫وهذا الكتــاب حماولة الســتقراء األســاليب النبوية يف‬
‫التعامل مع أخطاء الناس عىل اختالف مراتبهم ومشــارهبم‪،‬‬
‫ممن عايشهم ﷺ وواجههم‪.‬‬
‫أســأل اهلل ســبحانه وتعاىل أن يكتب له التوفيق‪ ،‬وإصابة‬
‫ويل ذلك والقادر‬
‫الصواب‪ ،‬والنفع يل وإلخواين املســلمني‪ ،‬إنه ّ‬
‫عليه‪ ،‬وهو اهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء‬

‫قبــل الدخول يف صلب هــذا البحث حيســن التنبيه عىل‬


‫بعض االعتبارات التي ينبغي أن تراعى؛ قبل وعند الرشوع يف‬
‫تصويب ومعاجلة أخطاء اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص هلل‪:‬‬
‫جيب أن يكون القصد عند القيام بتصحيح األخطاء إرادة‬
‫وجه اهلل تعاىل‪ ،‬وليس التعايل‪ ،‬وال التشــفي‪ ،‬وال السعي لنيل‬
‫استحسان املخلوقني‪.‬‬
‫روى الرتمــذي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬من حديث عقب َة ب َن مســل ٍم؛‬
‫برجل قدْ‬‫ٍ‬ ‫دخل املدين َة‪ ،‬فإذا َ‬
‫هو‬ ‫األصبحي حدّ ث ُه أ ّن ُه َ‬
‫َّ‬ ‫أن شــف ّي ًا‬‫َّ‬
‫فدنوت‬ ‫فقال‪ :‬م ْن هذا؟ فقالوا‪ :‬أبو هرير َة ‪،‬‬ ‫ّاس َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اجتمع عليه الن ُ‬ ‫َ‬
‫ســكت‪،‬‬ ‫فلم‬ ‫وهو حيدّ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّاس ّ‬ ‫ث الن َ‬ ‫بــن يديه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫قعدت‬
‫ُ‬ ‫من ُه حتّى‬
‫وبحق ملا حدّ ثتني حديث ًا سمعت ُه‬ ‫ٍّ‬ ‫بحق‪،‬‬ ‫أنشدك ٍّ‬ ‫َ‬ ‫قلت ل ُه‪:‬‬ ‫وخال ُ‬
‫أفعل‪،‬‬ ‫فقــال أبو هريرةَ‪ُ :‬‬‫َ‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ عقلت ُه‪ ،‬وعلمت ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫م ْن‬
‫رس��ول اهللِ ﷺ عقلت�� ُه‪ ،‬وعلمت ُه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ��ك حديث ًا حدّ ِ‬
‫ثنيه‬ ‫ألحدّ ثن َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫أفــاق َ‬
‫َ‬ ‫ثم‬ ‫َ‬
‫فمكــث قليالً‪َّ ،‬‬ ‫نشــغ أبو هرير َة نشــغ ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ثم‬ ‫َّ‬

‫‪11‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ِ‬
‫البيت ما معنا‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ يف هذا‬
‫ُ‬ ‫ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ‬
‫ثنيه‬
‫أفاق‬‫ثم َ‬ ‫نشــغ أبو هرير َة نشغ ًة أخرى‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫أحدٌ غريي وغري ُه‪َّ ،‬‬
‫رســول اهللِ‬
‫ُ‬ ‫فقــال‪ :‬ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ‬
‫ثنيه‬ ‫َ‬ ‫فمســح وجه ُه‪،‬‬
‫َ‬
‫ثم‬ ‫ِ‬
‫وهو يف هذا البيت‪ ،‬ما معنــا أحدٌ غريي وغري ُه‪َّ ،‬‬ ‫ﷺ‪ ،‬وأنــا َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ومسح وجه ُه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أفاق‪،‬‬‫ثم َ‬ ‫نشغ أبو هرير َة نشــغ ًة أخرى‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬وأنا مع ُه يف‬ ‫رســول ِ‬
‫ُ‬ ‫أفعــل ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ‬
‫ثنيه‬ ‫ُ‬
‫نشغ أبو هرير َة نشغ ًة‬ ‫ثم َ‬ ‫ِ‬
‫هذا البيت ما مع ُه أحدٌ غريي وغري ُه‪َّ ،‬‬
‫ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬
‫أفاق‬ ‫عيل طويالً‪َّ ،‬‬ ‫خار ًا عىل وجهه‪ ،‬فأسندت ُه َّ‬ ‫مال ّ‬ ‫شديدةً‪َّ ،‬‬
‫كان يو ُم‬ ‫تبارك وتعاىل إذا َ‬ ‫َ‬ ‫«أن اهللَ‬‫رسول اهللِ ﷺ‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬حدّ ثني‬ ‫َ‬
‫فأو ُل‬ ‫العباد؛ ليقيض بينه��م‪ٍ ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القيامة ُ‬
‫وكل ّأمة جاثي ٌة‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ينزل إىل‬
‫ســبيل اهللِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ورجل ُ‬
‫يقتتل يف‬ ‫ٌ‬ ‫القرآن‪،‬‬
‫َ‬ ‫مجــع‬
‫َ‬ ‫من يدعو ِبه ٌ‬
‫رجل‬ ‫ْ‬
‫أنزلت عىل‬ ‫للقارئ أمل ْ أع ّلمك ما‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيقول اهللُ‬ ‫ِ‬
‫كثري املال‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ورجل ُ‬
‫قال‪:‬‬ ‫مت؟ َ‬ ‫عملت فيام ع ّل َ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فامذا‬ ‫رب‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬بىل يا ِّ‬ ‫رسويل؟ َ‬
‫كذبت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فيقول اهللُ ل ُه‪:‬‬ ‫وآنــاء الن ِ‬
‫ّهار‪،‬‬ ‫يل‪،‬‬ ‫آناء ال ّل ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كنت أقو ُم به َ‬ ‫ُ‬
‫إن‬‫يقال‪َّ :‬‬‫أن َ‬ ‫أردت ْ‬
‫َ‬ ‫بل‬ ‫ُ‬
‫ويقول اهللُ‪ْ :‬‬ ‫كذبت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتقول ل ُه املالئك ُة‪:‬‬
‫ُ‬
‫فيقول اهللُ‬ ‫بصاحب ِ‬
‫املال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ذاك‪ ،‬ويؤتــى‬ ‫قيل َ‬ ‫فالن ًا قارئٌ ‪ ،‬فقدْ َ‬
‫قال‪ :‬بىل يا‬‫أحد؟ َ‬ ‫أدعك حتتاج إىل ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫عليك حتّى مل ْ‬ ‫ــع‬
‫أوس ْ‬‫ل ُه‪ :‬أمل ْ ّ‬
‫حم‬ ‫الر َ‬
‫أصل ّ‬ ‫كنت ُ‬ ‫قــال‪ُ :‬‬ ‫آتيتك؟ َ‬ ‫َ‬ ‫عملت فيام‬
‫َ‬ ‫رب‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬فامذا‬ ‫ِّ‬
‫كذبت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتقول ل ُه املالئك ُة‪:‬‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فيقول اهللُ لــ ُه‪:‬‬ ‫وأتصدّ ُق‪،‬‬
‫قيل َ‬
‫ذاك‪،‬‬ ‫فالن جوا ٌد‪ ،‬فقدْ َ‬
‫يقال‪ٌ :‬‬‫أن َ‬ ‫أردت ْ‬
‫َ‬ ‫بل‬ ‫ُ‬
‫ويقول اهللُ تعاىل ْ‬
‫قتلت؟‬ ‫ُ‬
‫فيقول اهللُ ل ُه‪ :‬يف ماذا َ‬ ‫ســبيل اهللِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ويؤتى با ّلذي َ‬
‫قتل يف‬

‫‪12‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ُ‬
‫فيقول‬ ‫قتلت‪،‬‬
‫فقاتلت‪ ،‬حتّى ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سبيلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باجلهاد يف‬ ‫أمرت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬
‫هــون مــو الزم‬
‫نضيــف قــوس‬ ‫ُ‬
‫ويقول اهللُ‪:‬‬ ‫كذبت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتقول لــ ُه املالئك ُة‪:‬‬ ‫كذبت‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهللُ تعاىل ل ُه‪:‬‬
‫بعــد كلمــة‬ ‫قيل َ‬ ‫جريء‪ ،‬فقــدْ َ‬ ‫أن َ‬ ‫ْ‬
‫فقد قال ذاك‬
‫رضب‬‫َ‬ ‫ذاك»‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ٌ‬ ‫فالن‬
‫يقال‪ٌ :‬‬ ‫أردت ْ‬ ‫َ‬ ‫بــل‬
‫انــه انتهــى‬ ‫أولئك ال ّثالث ُة‬
‫َ‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ عىل ركبتي‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬يا أبا هرير َة‬ ‫ُ‬
‫حديــث النبــي‬ ‫ِ‬ ‫ّأو ُل ِ‬
‫القيامة»(((‪ ،‬وإذا صدقت النية‬ ‫خلق اهللِ تس ّع ُر ْ‬
‫هبم الن ُّار يو َم‬
‫من الناصح حصل األجر‪ ،‬والتأثري والقبول بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬اخلطأ من طبيعة البرش‪:‬‬
‫ابون»(((‪،‬‬ ‫وخري اخل ّط َ‬
‫ائني الت ّّو َ‬ ‫ُ‬ ‫اء‪،‬‬ ‫«كل ِ‬
‫ابن آد َم خ ّط ٌ‬ ‫لقوله ﷺ‪ُّ :‬‬
‫ووضــوح هــذه احلقيقة‪ ،‬واســتحضارها يضــع األمور يف‬
‫إطارهــا الصحيح‪ ،‬فال يفرتض املــريب املثالية‪ ،‬أو العصمة يف‬
‫األشــخاص‪ ،‬ثم حياسبهم بناء عليها‪ ،‬أو حيكم عليهم بالفشل‬
‫إذا كــر اخلطأ أو تكرر‪ ،‬بل يعاملهــم معاملة واقعية‪ ،‬صادرة‬
‫عن معرفة بطبيعة النفس البرشيــة‪ ،‬املتأثرة بعوارض اجلهل‪،‬‬
‫والغفلة‪ ،‬والنقص‪ ،‬واهلوى‪ ،‬والنسيان‪.‬‬
‫وهــذه احلقيقة أيض ًا تفيــد يف منع فقدان التــوازن نتيجة‬
‫املباغتة بحصول اخلطأ‪ ،‬مما يــؤدي إىل ر ّدات فعل غري محيدة‪،‬‬
‫واملرب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وإدراك هــذه احلقيقــة فيه كذلــك تذكري للداعيــة‬

‫(( ( ســنن الرتمذي رقم (‪ )2382‬ط‪ .‬شــاكر‪ ،‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2382‬‬
‫((( ســنن الرتمذي (‪ ،)2499‬وابن ماجة (‪- )4251‬واللفظ له‪ -‬وحســنه‬
‫األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2499‬‬

‫‪13‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫اآلمر باملعروف‪ ،‬الناهي عن املنكر‪ ،‬بأنه برش من البرش يمكن‬


‫أن يقع فيام وقع فيه املخطئ؛ فيعامله من شــق الرمحة أكثر مما‬
‫يعامله من شق القســوة؛ ألن املقصود أص ً‬
‫ال هو االستصالح‬
‫ال املعاقبة‪.‬‬
‫ولكن كل ما سبق ال يعني أن نرتك املخطئني يف حاهلم‪ ،‬ونعتذر‬
‫عن العصاة وأرباب الكبائر بأهنم برش‪ ،‬أو أهنم مراهقون‪ ،‬أو أن‬
‫عرصهم ميلء بالفتن واملغريات‪ ،‬وغري ذلك من التربيرات‪ ،‬بل‬
‫ينبغي اإلنكار واملحاسبة‪ ،‬ولكن بميزان الرشع‪.‬‬
‫‪-3‬أن تكون التخطئة مبنية عىل الدليل الرشعي‪ ،‬مقرتنة‬
‫بالبينة‪ ،‬وليست صادرة عن جهل‪ ،‬أو أمر مزاجي‪:‬‬
‫عن حممد بن املنكدر قال‪« :‬صىل جابر يف إزار قد عقده من‬
‫قبل قفاه(((‪ ،‬وثيابه موضوعة عىل الـــمشجب‪ ،‬فقال له قائل‪:‬‬
‫تصــي يف إزار واحــد؟ فقال‪ :‬إنام صنعت ذلــك لرياين أمحق‬
‫مثلك‪ ،‬وأ ّينا كان له ثوبان عىل عهد النبي ﷺ»(((‪.‬‬
‫قــال ابن حجر ‪-‬رمحــه اهلل‪ : -‬املراد بقولــه أمحق هنا أي‬
‫جاهل‪ ...‬والغرض بيان جواز الصالة يف الثوب الواحد‪ ،‬ولو‬
‫كانت الصالة يف الثوبني أفضل‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬صنعته عمد ًا لبيان‬
‫عيل فأع ّلمه أن‬
‫اجلواز‪ ،‬إمــا ليقتدي يب اجلاهل ابتداء‪ ،‬أو ينكر ّ‬
‫(( ( وسبب ذلك أهنم مل يكن هلم رساويالت‪ ،‬فكان أحدهم يعقد إزاره يف قفاه‬
‫ليكون مستور ًا إذا ركع وإذا سجد‪ :‬فتح الباري ط‪ .‬السلفية (‪.)467/1‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)352‬‬

‫‪14‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ذلك جائز‪ ،‬وإنام أغلظ هلم يف اخلطاب زجر ًا عن اإلنكار عىل‬


‫العلامء‪ ،‬وليحثهم عىل البحث يف األمور الرشعية(((‪.‬‬
‫‪ -4‬كلام كان اخلطأ أعظم كان االعتناء بتصويبه آكد‪:‬‬
‫فالعناية بتصويب األخطاء املتعلقة باملعتقد ينبغي أن تكون‬
‫أعظم من تلك املتعلقة باآلداب مثــاً‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وقد اهتم ﷺ‬
‫غاية االهتامم بتتبع وتصحيح األخطاء املتعلقة بالرشك بجميع‬
‫أنواعه؛ ألنه أخطر ما يكون‪ ،‬وفيام ييل أمثلة‪:‬‬
‫عن املغرية بن شعبة قال‪ :‬انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم‪،‬‬
‫فقال الناس انكســفت ملــوت إبراهيم‪ ،‬فقال رســول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«إن الشــمس والقمر آيتان من آيات اهلل ال ينكسفان ملوت أحد‬
‫وال حلياته‪ ،‬فإذا رأيتمومها فادعوا اهلل‪ ،‬وص ّلوا حتى ينجيل»(((‪.‬‬
‫وعن أيب واقد الليثي أن رســول اهلل ﷺ ملا خرج إىل حنني‬
‫ٍ‬
‫أنــواط يع ّلقون عليها‬ ‫مر بشــجرة للمرشكني يقال هلا‪ :‬ذات‬
‫أسلحتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬اجعل لنا ذات أنواط كام هلم‬
‫ذات أنواط‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬ســبحان اهلل! هذا كام قال قوم‬
‫لرتكبن‬
‫َّ‬ ‫موســى‪ :‬اجعل لنا إهل ًا كام هلم آهلة‪ ،‬والذي نفيس بيده‬
‫سنّ َة من كان قبلكم»(((‪.‬‬

‫((( الفتح (‪.)467/1‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ ،)1061‬ومسلم (‪.)1508‬‬
‫((( رواه الرتمــذي (‪ ،)2180‬وقال‪ :‬هذا حديث حســن صحيح‪ ،‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2180‬‬

‫‪15‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ويف روايــة عن أيب واقد أيض ًا‪ :‬أهنــم خرجوا عن مكة مع‬
‫َ‬
‫يعكفون‬ ‫رســول اهلل ﷺ إىل حنني قال‪ :‬وكان للكفار ســدر ٌة‬
‫عندها‪ ،‬ويع ّل َ‬
‫قون هبا أســلحتهم‪ ،‬يقال هلا‪ :‬ذات أنواط‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فمررنا بسدرة خرضاء عظيمة‪ ،‬قال‪ :‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل اجعل‬
‫لنــا ذات أنواط‪ ،‬فقال رســول اهلل ﷺ‪« :‬قلتم ‪-‬والذي نفيس‬
‫بيده‪ -‬كام قال قوم موســى )ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬
‫سنن‬
‫لرتكبن َ‬
‫َّ‬ ‫ــنن‪،‬‬
‫الس ٌ‬‫ﭧ ﭨ ﭩ ( [األعراف‪ ،]138 :‬إهنا ّ‬
‫من كان قبلكم سنّة سنّة»(((‪.‬‬
‫وعن زيد بن خالد اجلهني‪ ،‬أنه قال‪« :‬صىل لنا رســول اهلل ﷺ‬
‫صالة الصبح باحلديبية عىل ِ‬
‫إثر ســاء كانت مــن الليلة‪ ،‬فلام‬
‫َ‬
‫تدرون ماذا قال ربكم؟‬ ‫انرصف أقبل عــى الناس‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬
‫قالوا‪ :‬اهلل ورســوله أعلم‪ ،‬قــال‪« :‬أصبح من عبادي مؤمن يب‬
‫وكافر‪ ،‬فأما من قال‪ :‬مطرنــا بفضل اهلل ورمحته‪ ،‬فذلك مؤمن‬
‫يب‪ ،‬وكافر بالكوكب‪ ،‬وأما من قــال‪ِ :‬‬
‫بنوء كذا‪ ،‬وكذا‪ ،‬فذلك‬
‫كافر يب‪ ،‬ومؤمن بالكوكب»(((‪.‬‬
‫وعن ابن عباس أن رج ً‬
‫ال قال‪ :‬يا رســول اهلل ما شــاء اهلل‬
‫وشئت‪ ،‬فقال‪« :‬جعلتني هلل عدالً؟ بل ما شاء اهلل وحده»(((‪.‬‬

‫((( رواه أمحد (‪ ،)218/5‬وصححه األلباين يف ظالل اجلنة (‪.)76‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ ،)846‬ومسلم (‪.)104‬‬
‫((( رواه أمحد (‪ ،)283/1‬وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد (‪،)605‬‬
‫وشئت‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبوب البخاري يف صحيحه‪ :‬باب ال ُ‬
‫يقول ما شا َء اهللُ‬

‫‪16‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫أنه أدرك عمر بن اخلطاب يف ركب وهو‬ ‫وعن ابن عمر‬


‫حيلف بأبيه‪ ،‬فناداهم رسول اهلل ﷺ‪« :‬أال إن اهلل ينهاكم أن حتلفوا‬
‫فليصمت»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫بآبائكم‪ ،‬فمن كان حالف ًا‪ ،‬فليحلف باهلل‪ ،‬وإال‬
‫وعن أيب رشيح هاينء بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬وفد عىل النبي ﷺ قوم‬
‫يســمون رج ً‬
‫ال عبد احلجر‪ ،‬فقال له‪« :‬ما اسمك؟»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فسمعهم‬
‫قال‪ :‬عبد احلجر‪ ،‬فقال له رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال‪ ،‬أنت عبد اهلل»(((‪.‬‬

‫‪ -5‬اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصويب اخلطأ‪:‬‬


‫فبعض الناس يتقبل منهم ما ال يتقبل من غريهم؛ ألن هلم‬
‫مكانة ليســت لغريهم‪ ،‬أو ألن هلم سلطة عىل املخطئ ليست‬
‫لغريهــم‪ ،‬ومن أمثلة هذا األب مع ابنه‪ ،‬واملدرس مع تلميذه‪،‬‬
‫واملحتســب مع من ينكر عليه‪ ،‬فليــس الكبري كالصغري‪ ،‬وال‬
‫القريــب كالغريب‪ ،‬وليس صاحب الســلطان كمن ليس له‬
‫ســلطة‪ ،‬واإلدراك هلذه الفروق يؤدي بالـــمصلح إىل وضع‬
‫األمــور يف نصاهبا‪ ،‬وتقديــر األمور حق قدرهــا‪ ،‬فال يؤدي‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)6108‬ومسلم (‪.)3105‬‬


‫ فائــدة‪ :‬روى اإلمام أمحــد يف مســنده (‪ :)5222‬حدثنا وكيــع‪ ،‬حدثنا‬
‫ٍ‬
‫حلقة‪ ،‬ســمع‬ ‫األعمش‪ ،‬عن ســعد بن عبيدة‪ ،‬قال ‪ :‬كنت مع ابن عمر يف‬
‫رج ً‬
‫ال يف حلقة أخرى‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ال وأيب‪ ،‬فرماه ابن عمر باحلىص‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ٌ‬
‫إهنا كانت يمني عمر‪ ،‬فنهاه النبي ﷺ عنها‪ ،‬وقال‪« :‬إهنا رشك»‪.‬‬
‫(( ( رواه البخاري يف األدب املفــرد (‪ ،)813‬وقال األلباين يف صحيح األدب‬
‫املفرد‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫إنــكاره أو تصحيحه إىل منكر أكــر‪ ،‬أو خطأ أعظم‪ ،‬ومكانة‬


‫املنكر وهيبتــه يف نفس املخطئ مهمة يف تقدير درجة اإلنكار‪،‬‬
‫وضبط معيار الشدة واللني‪ ،‬ومن هذا نستفيد أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن عىل من آتاه اهلل مكانة أو سلطان ًا أن ّ‬
‫يسخر ذلك‬
‫يف األمــر باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكــر‪ ،‬وتعليم اخللق‪ ،‬وأن‬
‫يدرك أن مســؤوليته عظيمة؛ ألن النــاس يتقبلون منه أكثر مما‬
‫يتقبلون من غريه ‪-‬غالب ًا‪ -‬ويتمكن مما ال يتمكن منه اآلخرون‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أن عىل اآلمر الناهي أن ال ييسء التقدير؛ فيضع نفسه‬
‫ٍ‬
‫شــخصية ال‬ ‫يف موضع أعىل مما هو عليه‪ ،‬ويترصف بصفات‬
‫يملكها؛ ألن ذلك يؤدي إىل النفور والصدّ ‪.‬‬
‫وقد كان النبي ﷺ يستفيد مما أعطاه اهلل من املكانة واملهابة‬
‫بني اخللق يف إنكاره وتعليمه‪ ،‬وربام أتى بيشء لو فعله غريه ما‬
‫وقع املوقع املناسب‪ ،‬وفيام ييل مثال عىل ذلك‪:‬‬
‫يعيش بن طهف َة الغفاري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬ضفت رسول‬
‫عن َ‬
‫اهلل ﷺ فيمن تضيفه من املساكني‪ ،‬فخرج رسول اهلل ﷺ يف الليل‬
‫يتعاهد ضيفه‪ ،‬فــرآين منبطح ًا عىل بطنــي‪ ،‬فركضني برجله‪،‬‬
‫وقال‪« :‬ال تضطجع هــذه الضجعة؛ فإهنا ضجعة يبغضها اهلل‬
‫عزوجــل»‪ ،‬ويف رواية‪ :‬فركضه برجلــه فأيقظه‪ ،‬فقال‪« :‬هذه‬
‫ضجع ُة أهل النار»(((‪.‬‬

‫((( رواه أمحــد ‪ :‬الفتح الربــاين (‪ ،)245-244/14‬وصححــه األلباين يف‬


‫صحيح اجلامع (‪.)4035‬‬

‫‪18‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وإذا كان إنــكاره ﷺ هبذه الطريقة مناســب ًا حلاله ومكانته‪،‬‬


‫فإنه ليس بمناسب آلحاد الناس‪ ،‬وال يصلح ألي شخص يريد‬
‫أن ينكر عىل آخر نومه عــى بطنه أن يركضه برجله‪ ،‬وهو نائم‪،‬‬
‫فيوقظه‪ ،‬ثم يتوقع أن يقبل منه‪ ،‬ويشكره((( ‪.‬‬

‫(( ( وقريب من هــذا‪ :‬رضب املخطئ‪ ،‬أو رميه بــيء؛ كاحلىص ونحوه‪ ،‬وقد‬
‫فعل ذلك بعض الســلف‪ ،‬وكل ذلك يعود إىل مكانة املنكر‪ ،‬وفيام ييل بعض‬
‫القصص‪ :‬روى الدارمي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن ســليامن بن يسار «أن رج ً‬
‫ال يقال‬
‫ِ‬
‫متشابه القرآن‪ ،‬فأرسل إليه عمر‪ ،‬وقد‬ ‫له‪ :‬صبيغٌ قدم املدينة‪ ،‬فجعل يسأل عن‬
‫أعد له عراجنيَ النخل‪ ،‬فقال‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬أنا عبد اهلل صبيغ‪ ،‬فأخذ عمر‬
‫عرجون ًا من تلك العراجنيَ فرضبه‪ ،‬وقال‪ :‬أنا عبد اهلل عمر‪ ،‬فجعل له رضب ًا‬
‫دمي رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني حسبك قد ذهب الذي كنت أجد يف‬ ‫حتى َ‬
‫رأيس»‪ .‬سنن الدارمي ت‪ :‬عبد اهلل هاشم يامين (‪ 51/1‬رقم ‪.)146‬‬
‫ وروى البخــاري (‪ )5632‬عن ابن أيب ليىل قــال‪« :‬كان حذيفة باملداين‪،‬‬
‫ٌ‬
‫دهقان بقدح فضة‪ ،‬فرماه به‪ ،‬فقــال‪ :‬إين مل أرمه إال أين‬ ‫فاستســقى‪ ،‬فأتاه‬
‫هنيته‪ ،‬فلــم ينته‪ ،‬وإن النبي ﷺ هنانا عن احلرير والديباج‪ ،‬والرشب يف آنية‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬وقال‪« :‬هن هلم يف الدنيا‪ ،‬وهي لكم يف اآلخرة»‪.‬‬
‫ ويف رواية أمحــد للقصة عن عبد الرمحن بن أيب ليــى‪ ،‬قال‪« :‬خرجت مع‬
‫واد‪ ،‬فاستسقى‪ ،‬فأتاه دهقان بإناء من فضة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حذيفة إىل بعض هذا الس ِ‬
‫ّ‬
‫فرماه به يف وجهه‪ ،‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬اسكتوا‪ ،‬اســكتوا‪ ،‬وإنا إن سألناه مل حيدثنا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فسكتنا‪ ،‬قال‪ :‬فلام كان بعد ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أتدرون مل رميت به يف وجهه؟‬
‫قال‪ :‬قلنا ال‪ ،‬قال‪ :‬إين كنت هنيته‪ ،‬قال‪ :‬فذكر النبي ﷺ قال‪« :‬ال ترشبوا يف‬
‫آنية الذهب‪ ،‬وال تلبســوا احلرير وال الديباج؛ فإهنام هلم يف الدنيا‪ ،‬ولكم يف‬
‫اآلخرة» املسند (‪.)396/5‬‬
‫ً‬
‫ وروى البخاري معلقا (‪ )151/3‬أن سريين سأل أنسا املكاتبة‪ ،‬وكان كثري‬
‫املال‪ ،‬فأبى‪ ،‬فانطلق إىل عمر ‪ ،‬فقال‪ :‬كاتبه‪ ،‬فأبى‪ ،‬فرضبه بالدرة‪ ،‬ويتلو‬
‫=‬ ‫عمر «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خري ًا»‪ ،‬فكاتبه‪.)184/5( .‬‬

‫‪19‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ونالحــظ أيضــ ًا أن إنكار النبي ﷺ عــى بعض خواص‬


‫=أصحابه كان أحيان ًا أشد منه عىل أعرايب مثالً‪ ،‬أو غريب‪ ،‬وكل‬
‫هذا من احلكمة‪ ،‬وتقدير احلال يف اإلنكار‪.‬‬

‫وروى النســائي عن أيب ســعيد اخلدري أنه كان يصيل‪ ،‬فإذا بابن ملروان‬ ‫ ‬
‫يمر بني يديه‪ ،‬فدرأ ُه‪ ،‬فلــم يرجع‪ ،‬فرضبه‪ ،‬فخرج الغالم يبكي‪ ،‬حتى أتى‬
‫مــروان‪ ،‬فأخربه‪ ،‬فقال مروان أليب ســعيد‪ :‬مل رضبت ابــن أخيك؟ قال‪:‬‬
‫ما رضبته إنام رضبت الشــيطان‪ ،‬سمعت رســول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إذا كان‬
‫أحدكم يف صالة‪ ،‬فأراد إنســان يمر بني يديه فيدرؤ ُه ما استطاع‪ ،‬فإن أبى‬
‫فليقاتل ُه ؛ فإنه شيطان»‪ .‬املجتبى من ســنن النسائي (‪ ،)61/8‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح النسائي برقم (‪.)4518‬‬
‫وروى أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أيب النرض «أن أبا سعيد اخلدري كان يشتكي‬ ‫ ‬
‫رجلــه‪ ،‬فدخل عليه أخوه‪ ،‬وقد جعل إحــدى رجليه عىل األخرى‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬
‫الوجعة‪ ،‬فأوجعه‪ ،‬فقال‪ :‬أوجعتني‪ ،‬أو‬ ‫مضطجع‪ ،‬فرضبه بيده عــى رجله‬
‫مل تعلــم أن رجيل وجعة؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬فــا َ‬
‫محلك عىل ذلك؟ قال‪ :‬أو مل‬
‫تسمع أن النبي ﷺ قد هنى عن هذه»‪ .‬املسند (‪.)42/3‬‬
‫ال خطب إىل رجل أخته‪ ،‬فذكر أهنا قد‬ ‫وروى مالك عن أيب الزبري املكي أن رج ً‬ ‫ ‬
‫كانت أحدثت (أي زنت)‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن اخلطاب‪ ،‬فرضبه‪ ،‬أو كاد يرضبه‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬مالك وللخرب‪ .‬موطأ مالك (‪ .)1553‬وقوله‪« :‬ما لك وللخرب؟» أي‪:‬‬
‫ما غرضك بإخبار اخلاطب بأمر زناها؟ الزرقاين‪ ،‬هامش املوطأ‪.‬‬
‫وروى مسلم يف صحيحه‪ ،‬عن أيب إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬كنت مع األسود بن يزيد‬ ‫ ‬
‫جالس ًا يف املسجد األعظم‪ ،‬ومعنا الشعبي‪ ،‬فحدث الشعبي بحديث فاطمة‬
‫بنت قيس أن رســول اهلل ﷺ مل جيعل هلا سكنى‪ ،‬وال نفقة‪ ،‬ثم أخذ األسود‬
‫كفــا من حىص‪ ،‬فحصبه به‪ ،‬فقال‪ :‬ويلك حتــدث بمثل هذا‪ ،‬قال‪ :‬عمر ال‬
‫نرتك كتاب اهلل وســنة نبينــا ﷺ لقول امرأة؛ ال نــدري لعلها حفظت أو‬
‫وجل (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫َّ‬ ‫نســيت‪ ،‬هلا السكنى والنفقة‪ ،‬قال اهلل عزَّ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)‪ .‬صحيح مسلم رقم (‪.)1480‬‬

‫‪20‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -6‬التفريق بني املخطئ اجلاهل‪ ،‬واملخطئ عن علم‪:‬‬


‫ومن القصــص الواضحة يف هذا ما حــدث ملعاوية بن‬
‫هــي‬ ‫احلكم الســلمي ملا جاء إىل املدينة مــن البادية‪ ،‬ومل يكن‬
‫بينــا ؟‬ ‫مع‬
‫أصل َ‬ ‫يدري عن حتريم الــكالم يف الصالة‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬بينا أنا ّ‬
‫َ‬
‫يرمحك اهللُ‪،‬‬ ‫فقلت‬
‫ُ‬ ‫عطس ٌ‬
‫رجل م ْن القو ِم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬إ ْذ‬
‫شــأنكم‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫واثكل أ ّميا ْه‪ ،‬ما‬ ‫فقلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫بأبصارهــم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فرمــاين القو ُم‬
‫فلم‬
‫أفخاذهم‪ّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫بأيدهيم عــى‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫يرضبون‬ ‫َ‬
‫تنظــرون إ َّيل‪ ،‬فجعلوا‬
‫رسول ِ‬
‫اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫ســكت ‪ ،‬فل ّم ّ‬
‫صل‬ ‫(((‬
‫ُّ‬ ‫يصمتونني لكنّي‬‫رأيتهم ّ‬
‫ْ‬
‫رأيت مع ّل ًام قبل ُه‪ ،‬وال بعد ُه أحســ َن تعلي ًام‬
‫هو وأ ّمي‪ ،‬ما ُ‬ ‫فبأيب َ‬
‫«إن‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫فواهللِ ما كهرين(((‪ ،‬وال رضبني‪ ،‬وال شــتمني‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫منــ ُه‪،‬‬
‫هو‬ ‫ِ‬ ‫من كال ِم الن‬ ‫ِ‬
‫ّــاس‪ ،‬إنّام َ‬ ‫يشء ْ‬
‫يصلح فيهــا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الصال َة ال‬
‫هــذه ّ‬
‫ِ‬
‫القرآن»(((‪.‬‬ ‫ّكبري‪ ،‬وقراء ُة‬
‫ّسبيح‪ ،‬والت ُ‬‫الت ُ‬
‫فاجلاهــل حيتــاج إىل تعليم‪ ،‬وصاحب الشــبهة حيتاج إىل‬
‫واملرص حيتــاج إىل وعظ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بيــان‪ ،‬والغافل حيتــاج إىل تذكري‪،‬‬
‫فال يسوغ أن يسوى بني العامل باحلكم‪ ،‬واجلاهل به يف املعاملة‬
‫واإلنكار‪ ،‬بل إن الشدة عىل اجلاهل كثري ًا ما حتمله عىل النفور‪،‬‬
‫ورفض االنقياد‪ ،‬بخالف ما لو ع ّلمــه أوال باحلكمة واللني؛‬
‫ألن اجلاهل عند نفسه ال يرى أنه خمطئ‪ ،‬فلسان حاله يقول ملن‬
‫ينكر عليه‪ :‬أفال علمتني قبل أن هتامجني‪.‬‬

‫(( ( أي أوشكت أن أرد عليهم ‪ ،‬لكني متالكت نفيس‪ ،‬ولزمت السكوت‪.‬‬


‫(( ( أي زجرين وعبس يف وجهي ‪.‬‬
‫(( ( صحيح مسلم (‪. )537‬‬

‫‪21‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وقد جيانب املخطئ الصواب‪ ،‬وهو ال يشــعر‪ ،‬بل قد يظن‬


‫نفســه مصيب ًا؛ فرياعى ألجل ذلك‪ ،‬جاء يف مسند اإلمام أمحد‬
‫أكل طعام ًا‪،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫بن شعب َة َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫املغرية ِ‬ ‫‪-‬رمحه اهلل‪ِ -‬‬
‫عن‬
‫ذلك‪ ،‬فأتيته ٍ‬
‫بامء؛‬ ‫قبل َ‬ ‫توض َأ َ‬ ‫الصالةُ‪ ،‬فقا َم‪ ،‬وقدْ َ‬
‫ُ‬ ‫كان ّ‬ ‫أقيمت ّ‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ثم‬
‫ذلك‪َّ ،‬‬ ‫واهللِ َ‬
‫وراءك‪ ،‬فســاءين ِ‬ ‫َ‬ ‫ليتوض َأ من ُه‪ ،‬فانتهرين‪َ ،‬‬
‫وقال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إن املغري َة قدْ‬ ‫نبي اهللِ َّ‬
‫فقال‪ :‬يا َّ‬ ‫عمر‪َ ،‬‬ ‫ذلك إىل َ‬ ‫فشــكوت َ‬ ‫ُ‬ ‫صل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫عليه يش ٌء‪،‬‬ ‫نفسك ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يكون يف‬ ‫وخيش ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫انتهارك إ ّيا ُه‪،‬‬ ‫شق ِ‬
‫عليه‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ولكن أتاين‬ ‫ْ‬ ‫يشء ّإل ٌ‬
‫خري‪،‬‬ ‫«ليس عليه يف نفيس ٌ‬ ‫ّبي ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫فقال الن ُّ‬
‫ولو فعلت ُه َ‬ ‫ألتوض َأ‪ ،‬وإنّام‬ ‫ٍ‬
‫ّاس‬ ‫ذلك الن ُ‬ ‫فعل َ‬ ‫أكلــت طعام ًا‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بامء‬
‫بعدي»(((‪.‬‬
‫ويالحــظ هنا أن ختطئــة النبي ﷺ ملثل هــؤالء الصحابة‬
‫األجالء مل تكن لتؤثر يف نفوســهم تأثري ًا سلبي ًا‪ ،‬فتحملهم عىل‬
‫كره أو نفور‪ ،‬بل إهنــا كانت تؤثر يف نفوســهم تأثري ًا إجيابي ًا‪،‬‬
‫فيبقى الواحد منهم بعد ختطئته من النبي ﷺ وجالً‪ ،‬مشــفق ًا‪،‬‬
‫مته ًام نفســه‪ ،‬يعيش يف حرج عظيم ال يرسي عنه إال أن يتأكد‬
‫من رضا رسول اهلل ﷺ عنه‪.‬‬
‫ويالحظ يف هذه القصة كذلك أن ختطئة النبي ﷺ للمغرية مل‬
‫تكن غضب ًا من شخص املغرية؛ ولكن شفقة عىل الناس‪ ،‬وتبيين ًا‬
‫هلم حتى ال يظنوا ما ليس بواجب واجب ًا؛ فيقعوا يف احلرج‪.‬‬

‫((( املسند (‪ ،)253/4‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫إن موقــع املريب والقدوة يف نفــس أصحابه كبري وعظيم‪،‬‬


‫املرب‬
‫ولومه لبعضهــم‪ ،‬أو ختطئته تقع بموقــع‪ ،‬وقد يالحظ ّ‬
‫مصلحة أشــخاص آخرين يف إنكاره عــى أحد أصحابه من‬
‫أجل املنفعة العامــة‪ ،‬ولكن هذا ال يعني ترك األثر الســلبي‬
‫اخلاص باقي ًا؛ بل يمكن تداركه‪ ،‬وحمو أثره بطرق منها‪ :‬املعاتبة‬
‫من قبل التابع‪ ،‬ولو بطريق واســطة‪ ،‬كام فعل املغرية بتوسيط‬
‫‪ ،‬ويف املقابل‪ :‬إيضاح املوقــف‪ ،‬والتأكيد عىل مكانة‬ ‫عمــر‬
‫التابع‪ ،‬وحسن الظن به من قبل القدوة واملريب‪.‬‬

‫‪-7‬التفريق بني اخلطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه ‪ ،‬وبني‬


‫خطأ العمد ‪ ،‬والغفلة ‪ ،‬والتقصري‪:‬‬
‫شــك أن األول ليس بملوم؛ بل إنه يؤجر أجر ًا واحد ًا‬
‫َّ‬ ‫وال‬
‫ثم‬
‫احلاكم‪ ،‬فاجتهدَ ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حكم‬
‫َ‬ ‫إذا أخلص واجتهد؛ لقوله ﷺ‪« :‬إذا‬
‫أجر»(((‪.‬‬ ‫َ‬
‫أخطأ‪ ،‬فل ُه ٌ‬ ‫ثم‬
‫حكم‪ ،‬فاجتهدَ ‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أجران‪ ،‬وإذا‬ ‫أصاب؛ فل ُه‬
‫َ‬
‫وهذا بخالف املخطئ عن عمد وتقصري‪ ،‬فال يســتويان‪،‬‬
‫فاألول يع ّلم‪ ،‬ويناصح‪ ،‬بخــاف الثاين‪ ،‬فإنه يوعظ‪ ،‬وينكر‬
‫عليه‪.‬‬
‫وجيب أن يكــون االجتهاد الذي يعذر به صاحبه اجتهاد ًا‬
‫ســائغ ًا من شخص مؤهل‪ ،‬بخالف من يفتي بغري علم‪ ،‬أو ال‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)6805‬ومسلم (‪.)3240‬‬

‫‪23‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫يراعي األحوال‪ ،‬ولذلك اشتد إنكار النبي ﷺ عىل املخطئني‬


‫الشجة‪ ،‬فقد روى أبو داود يف سننه ع ْن ٍ‬
‫جابر‬ ‫ّ‬ ‫يف قصة صاحب‬
‫فشــج ُه يف‬
‫ّ‬ ‫حجر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فأصاب رج ً‬
‫ال منّا‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ســفر‪،‬‬ ‫قال‪ :‬خرجنا يف‬ ‫َ‬
‫جتدون يل رخص ًة‬
‫َ‬ ‫فقال‪ْ :‬‬
‫هل‬ ‫فسأل أصحاب ُه‪َ ،‬‬
‫احتلم‪َ ،‬‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫رأسه‪َّ ،‬‬
‫لك رخص ًة‪ ،‬وأنت تقدر عىل ِ‬
‫املاء‪،‬‬ ‫ّيم ِم؟ فقالوا‪ ،‬ما نجدُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يف الت ّ‬
‫بذلك‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّبي ﷺ أخ َ‬
‫رب‬ ‫فلم قدمنا عىل الن ِّ‬
‫فامت‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫فاغتسل‪َ ،‬‬
‫العي‬
‫شــفاء ِّ‬
‫ُ‬ ‫قتلهم اهللُ‪ ،‬أال ســألوا إ ْذ مل ْ يعلموا؛ فإنّام‬
‫ْ‬ ‫«قتلو ُه‬
‫الس ُ‬
‫ؤال»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وكذلك فإن النبــي ﷺ أخرب‪« :‬القضا ُة ثالثــ ٌة‪ ،‬واحدٌ يف‬
‫احلق‪،‬‬
‫عرف َّ‬‫َ‬ ‫ٌ‬
‫فرجل‬ ‫فأما ا ّلذي يف اجلن ِّة‪،‬‬
‫ّار‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫واثنــان يف الن ِ‬ ‫اجلن ِّة‪،‬‬
‫فهو يف الن ِ‬
‫ّار‪،‬‬ ‫فجــار يف احلكمِ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫احلق‪،‬‬
‫عرف َّ‬‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ورجل‬ ‫فقىض ِبه‪،‬‬
‫ّار»(((‪ ،‬فلم يعترب هذا‬ ‫فهو يف الن ِ‬ ‫ٍ‬
‫جهل َ‬ ‫ورجــل قىض للن ِ‬
‫ّاس عىل‬ ‫ٌ‬
‫الثالث معذور ًا‪.‬‬
‫ومن األمور التي تضبط درجــة إنكار اخلطأ‪ :‬مراعاة البيئة‬
‫التي حصل فيها اخلطأ‪ ،‬مثل انتشار السنة‪ ،‬أو البدعة‪ ،‬وكذلك‬
‫مدى استرشاء املنكر‪ ،‬أو وجود من يفتي بجوازه من اجلهلة‪ ،‬أو‬
‫املتساهلني ممن يراهم الناس شيئ ًا‪.‬‬

‫((( ســنن أيب داود (‪ )336‬كتاب الطهــارة‪ ،‬باب املجروح يتيمم‪ ،‬وحســنه‬
‫األلباين يف صحيح أيب داود‪.‬‬
‫((( سنن أيب داود (‪ ،)3573‬وصححه األلباين يف اإلرواء (‪.)2164‬‬

‫‪24‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -8‬إرادة املخطئ للخري ال متنع من اإلنكار عليه‪:‬‬


‫عــن عمرو بن حييى‪ ،‬قال‪ :‬ســمعت أيب حيــدث عن أبيه‬
‫قال‪ :‬كنــا نجلس عىل بــاب عبد اهلل بن مســعود قبل صالة‬
‫الغداة‪ ،‬فإذا خرج مشــينا معه إىل املسجد‪ ،‬فجاءنا أبو موسى‬
‫األشعري‪ ،‬فقال‪ :‬أخرج إليكم أبو عبد الرمحن بعد؟ قلنا‪ :‬ال‪،‬‬
‫فجلس معنا حتى خرج‪ ،‬فلام خرج قمنا إليه مجيع ًا‪ ،‬فقال له أبو‬
‫موسى‪ :‬يا أبا عبد الرمحن إين رأيت يف املسجد آنف ًا أمر ًا أنكرته‪،‬‬
‫ومل َأر‪ -‬واحلمد هلل‪ -‬إال خري ًا‪ ،‬قال ‪ :‬فام هو؟ فقال‪ :‬إن عشــت‬
‫فســراه‪ ،‬قال‪ :‬رأيت يف املســجد قوم ًا حلق ًا جلوس ًا ينتظرون‬
‫الصالة يف كل حلقة رجــل‪ ،‬ويف أيدهيم حىص‪ ،‬فيقول‪ :‬كربوا‬
‫مائة فيكربون مائة‪ ،‬فيقول‪ :‬هللوا مائة‪ ،‬فيهللون مائة‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫ســبحوا مائة‪ ،‬فيســبحون مائة‪ ،‬قال‪ :‬فامذا قلت هلم؟ قال‪ :‬ما‬
‫قلت هلم شــيئ ًا انتظار رأيك‪ ،‬وانتظار أمرك‪ ،‬قال‪ :‬أفال أمرهتم‬
‫وضمنت هلم أن ال يضيع من حسناهتم؟‬
‫َ‬ ‫أن يعدوا ســيئاهتم‪،‬‬
‫ثم مىض‪ ،‬ومضينا معه‪ ،‬حتى أتى حلقة من تلك احللق‪ ،‬فوقف‬
‫عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الــذي أراكم تصنعون؟ قالوا‪ :‬يا أبا عبد‬
‫الرمحن حىص نعدُّ به التكبري‪ ،‬والتهليل‪ ،‬والتسبيح‪ ،‬قال‪ :‬فعدوا‬
‫سيئاتكم‪ ،‬فأنا ضامن أن ال يضيع من حسناتكم يشء‪ ،‬وحيكم‬
‫هلكتكــم‪ ،‬هؤالء صحابــة نبيكم ﷺ‬
‫ْ‬ ‫يا أمة حممــد ما أرسع‬
‫متوافرون‪ ،‬وهذه ثيابه مل ْ‬
‫تبل‪ ،‬وآنيته مل تكرس‪ ،‬والذي نفيس بيده‬

‫‪25‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫إنكم لعىل ملة هي أهدى من ملــة حممد ﷺ‪ ،‬أو مفتتحو باب‬


‫ضاللة‪ ،‬قالوا‪ :‬واهلل يا أبا عبــد الرمحن ما أردنا إال اخلري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكــم من مريد للخري لن يصيبه‪ ،‬إن رســول اهلل ﷺ حدثنا أن‬
‫تراقيهم‪ ،‬وأيم اهلل ما أدري لعل‬
‫ُ‬ ‫قوم ًا يقرءون القــرآن ال جياوز‬
‫أكثرهم منكم‪ ،‬ثم توىل عنهم‪ ،‬فقال عمرو بن سلم َة‪ :‬رأينا عامة‬
‫ِ‬
‫ّهروان مع اخلوارج(((‪.‬‬ ‫أولئك احللق يطاعنونا يوم الن‬
‫‪ -9‬العدل وعدم املحاباة يف التنبيه عىل األخطاء‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل ‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ) [األنعام‪ ،]152 :‬وقال‪:‬‬
‫(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النســاء‪ ،]58 :‬ومل‬
‫حب النبي ﷺ‪ ،‬وابن حبه أن يشتد‬
‫يمنع كون أســامة بن زيد َّ‬
‫عليه يف اإلنكار حينام حاول أن يشــفع يف حدّ من حدود اهلل‪،‬‬
‫هم شأن املرأة التي رسقت‬ ‫أن قريش ًا أ ّ‬
‫مه ْ‬ ‫فقد روت عائشة‬
‫يف عهد النبي ﷺ يف غزوة الفتح‪ ،‬فقالوا‪ :‬من يكلم فيها رسول‬
‫فتلو َن‬
‫جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد؟‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫اهلل ﷺ؟‪ ،‬فقالوا‪ :‬ومن‬
‫وجه رسول اهلل ﷺ فقال‪« :‬أتشــفع يف حدِّ من حدود اهلل؟»‪،‬‬
‫فقال له أسامة‪ :‬استغفر يل يا رســول اهلل‪ ،‬فلام كان العيش قام‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فاختطب‪ ،‬فأثنى عىل اهلل بام هو أهله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«أما بعد؛ فإنام أهلك الذين من قبلكم أهنم كانوا إذا رسق فيهم‬

‫(( ( رواه الدارمي يف الســنن (‪ ،)210‬وصحح األلباين إســناده يف السلســلة‬


‫الصحيحة حتت حديث (‪.)2005‬‬

‫‪26‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫الرشيف تركــوه‪ ،‬وإذا رسق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪،‬‬


‫وإين والذي نفيس بيده لو أن فاطمة بنت حممد رسقت لقطعت‬
‫يدها‪ ،‬ثم أمر بتلك املرأة التي رسقت فقطعت يدها»(((‪.‬‬
‫قالت‪« :‬استعارت امرأة‬ ‫ويف رواية للنسائي عن عائشة‬
‫َ‬
‫أناس‪-‬يعرفون‪ ،‬وهي ال تعــرف‪ -‬حل ّيا فباعته‪،‬‬ ‫عىل ألســنة‬
‫باالقواس عم‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فسعى أهلها إىل أسامة‬ ‫وأخذت ثمنه‪ ،‬فأيت هبا‬
‫دوخ انا‬ ‫فتلون وجه رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫بن زيد‪ ،‬فكلم رسول اهلل ﷺ فيها‪ّ ،‬‬
‫مو معقول‬ ‫إيل يف حد من‬
‫وهو يكلمه‪ ،‬ثم قال له رســول اهلل ﷺ‪« :‬أتشفع َّ‬
‫حط قوسني‬ ‫حدود اهلل؟»‪ ،‬فقال أســامة‪ :‬اســتغفر يل يا رسول اهلل‪ ،‬ثم قام‬
‫بنهاية القول‬ ‫عز َّ‬
‫وجل بام هو أهله‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عشــ ّيتئذ‪ ،‬فأثنى عىل اهلل َّ‬
‫»»‬ ‫ثم قال‪« :‬أما بعد؛ فإنام هلك الناس قبلكم أهنم كانوا إذا رسق‬
‫الرشيف فيهم تركــوه‪ ،‬وإذا رسق الضعيف فيهم أقاموا عليه‬
‫احلد‪ ،‬والذي نفــس حممد بيده لو أن فاطمة بنت حممد رسقت‬
‫لقطعت يدها‪ ،‬ثم قطع تلك املرأة»(((‪.‬‬
‫دال عىل‬ ‫وموقفــه عليه الصالة والســام من أســامة‬
‫عدله‪ ،‬وأن الرشع عنده فوق حمبة األشــخاص‪ ،‬واإلنسان قد‬
‫يســامح من يريد يف اخلطأ عىل شــخصه‪ ،‬ولكن ال يملك أن‬
‫يسامح أو حيايب من خيطئ عىل الرشع‪.‬‬

‫((( احلديث يف الصحيحني‪ ،‬وهذا لفظ مسلم‪ ،‬رقم (‪.)1688‬‬


‫(( ( سنن النسائي (‪ ،)73/8‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي برقم‬
‫(‪.)4548‬‬

‫‪27‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وبعــض الناس إذا أخطأ قريبه أو صاحبــه مل يكن إنكاره‬


‫عليه مثل إنــكاره عىل من ال يعرفه‪ ،‬وربــا ظهر حتيز‪ ،‬ومتييز‬
‫غري رشعي يف املعاملة بســبب ذلك‪ ،‬بل ربام تغاىض عن خطأ‬
‫صاحبه‪ ،‬وشدد يف خطأ غريه‪.‬‬
‫وعني الرضا عن ّ‬
‫كل عيب كليلة ‬
‫السخط تبدي املساويا‬
‫ولكن عني ّ‬
‫ّ‬
‫وهذا ينعكس عىل تفســر األفعال أيض ًا‪ ،‬فقد يصدر الفعل‬
‫من شخص حمبوب فيحمل عىل حممل‪ ،‬ويصدر مثله من شخص‬
‫آخر‪ ،‬فيحمل عىل حممل آخر‪.‬‬
‫وكل ما سبق مقيد بام إذا استوت األحوال‪ ،‬وإال فقد يكون‬
‫هناك تفاوت يف االعتبارات كام سيأيت ذكره‪.‬‬

‫‪ -10‬احلذر من إصالح خطأ يؤدي إىل خطأ أكرب‪:‬‬


‫من املعلوم أن من قواعد الرشيعة حتمل أدنى املفســدتني‬
‫لدرء أعالمها‪ ،‬فقد يسكت الداعي عن خطأ؛ لئال يؤدي األمر‬
‫إىل وقوع خطأ أعظم‪.‬‬
‫لقد ســكت النبي ﷺ عن املنافقني‪ ،‬ومل يقتلهم مع ثبوت‬
‫كفرهم‪ ،‬وصرب عــى أذاهم؛ لئال يقول النــاس‪ :‬حممد يقتل‬
‫أصحابــه‪ ،‬خصوص ًا مــع خفاء أمرهم‪ ،‬ومل هيــدم النبي ﷺ‬
‫الكعبة؛ ليبنيها عىل قواعد إبراهيم اخلليل من أجل أن قريش ًا‬

‫‪28‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫كانوا حديثي عهد بجاهلية‪ ،‬وخيش عليه الصالة والسالم أن‬


‫ال حتتمل ذلك عقوهلم‪ ،‬وترك البنيان عىل ما فيه من النقص‪،‬‬
‫والباب عــى ارتفاعه‪ ،‬وإغالقه عن العامــة‪ ،‬مع أن يف ذلك‬
‫خمالفة ما ينبغي أن يكون عليه األمر‪.‬‬
‫وقبل ذلك هنى اهلل تعاىل عن ســب آهلــة املرشكني مع أنه‬
‫طاعة وقربة؛ إذا كان ذلك يؤدي إىل ســب اهلل عزوجل‪ ،‬وهو‬
‫أعظم منكر(((‪.‬‬
‫فقد يسكت الداعية عن منكر‪ ،‬أو يؤجل اإلنكار‪ ،‬أو يغري‬
‫الوسيلة إذا رأى يف ذلك تالفي ًا خلطأ‪ ،‬أو منكر أكرب‪ ،‬وال يعترب‬
‫ذلــك تقصري ًا‪ ،‬وال ختاذالً ما دام صــادق النية ال خياف يف اهلل‬
‫لومة الئم‪ ،‬وكان الذي منعه مصلحة الدين ال اخلور واجلبن‪.‬‬
‫ومما يالحظ أن من األســباب املؤديــة إىل الوقوع يف خطأ‬
‫أكرب عند إنكار خطأ ما‪ :‬هو احلامس غري املنضبط باحلكمة‪.‬‬
‫‪ -11‬إدراك الطبيعة التي نشأ عنها اخلطأ‪:‬‬
‫هناك بعــض األخطاء التــي ال يمكن إزالتهــا بالكلية؛‬
‫ألمر يتعلق بأصل اخللقة‪ ،‬ولكــن يمكن تقليلها‪ ،‬والتخفيف‬
‫منها؛ ألن التقويم النهائي يؤدي إىل كارثة‪ ،‬كام هو الشــأن يف‬
‫املــرأة‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إن املرأة خلقت من ضلعٍ‪ ،‬لن تســتقيم لك‬

‫(( ( قال تعــاىل‪ ( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬


‫ﯘ) [األنعام‪.]108 :‬‬

‫‪29‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫اســتمتعت هبا استمتعت هبا‪ ،‬وهبا عوج‪ ،‬وإن‬


‫َ‬ ‫عىل طريقة‪ ،‬فإن‬
‫ذهبت تقيمها كرسهتا‪ ،‬وكرسها طالقها»(((‪.‬‬
‫ويف رواية ‪« :‬اســتوصوا بالنســاء خري ًا؛ فإهنن خلقن من‬
‫ضلع‪ ،‬وإن أعــوج يشء يف الضلع أعاله‪ ،‬فــإن ذهبت تقيمه‬
‫كرسته‪ ،‬وإن تركته مل يزل أعوج‪ ،‬فاستوصوا بالنساء خري ًا»(((‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬قوله‪« :‬بالنساء خري ًا»؛ كأن فيه‬
‫رمــز ًا إىل التقويم برفق‪ ،‬بحيــث ال يبالغ فيه فيكرس‪ ،‬وال يرتكه‬
‫بالت ِ‬
‫مجة‬ ‫ِ‬
‫بإتباعه ّ‬ ‫ف‬‫أشــار املؤ ّل ُ‬ ‫فيســتمر عىل عوجه‪ ،‬وإىل هذا‬
‫َ‬
‫(باب قوا أنفســكم وأهليكم نارا)‪ ،‬فيؤخذ منه أن‬‫ا ّلتــي بعد ُه ُ‬
‫ال يرتكها عىل االعوجاج إذا تعدّ ت ما طبعت عليه من النقص‬
‫إىل تعاطي املعصية بمبارشهتــا‪ ،‬أو ترك الواجب‪ ،‬وإنام املراد أن‬
‫يرتكها عىل اعوجاجها يف األمور املباحة‪ .‬ويف احلديث الندب إىل‬
‫املداراة الستاملة النفوس‪ ،‬وتألف القلوب‪ ،‬وفيه سياسة النساء‬
‫بأخذ العفو منهن‪ ،‬والصرب عىل عوجهن‪ ،‬وأن من رام تقويمهن‬
‫فاته االنتفاع هبن‪ ،‬مع أنه ال غنى لإلنسان عن امرأة يسكن إليها‪،‬‬
‫ويستعني هبا عىل معاشــه‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬االستمتاع هبا ال يتم إال‬
‫بالصرب عليها»(((‪.‬‬

‫رقــم (‪،)1468‬‬ ‫((( رواه البخــاري (‪ ،)4786‬ومســلم عن أيب هريرة‬


‫واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫((( متفق عليه‪.‬‬
‫((( الفتح (‪.)254/9‬‬

‫‪30‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪-12‬التفريق بني اخلطأ يف حق الرشع‪ ،‬واخلطأ يف حق‬


‫الشخص‪:‬‬
‫فــإذا كان الدين أغــى عندنا من ذواتنا وجــب علينا أن‬
‫ننترص له‪ ،‬ونحامي عنه‪ ،‬ونغضب له أكثر مما نغضب ألنفسنا‪،‬‬
‫وننترص هلا‪ ،‬وإن من ضعف احلمية الدينية أن ترى الشــخص‬
‫يغضب لنفســه إذا س ّبه أحد‪ ،‬وال يغضب لدين اهلل إذا اعتدى‬
‫عىل جنابه أحد‪ ،‬أو تراه يدافع باستحياء وضعف‪.‬‬
‫وقد كان النبي ﷺ يسامح من أخطأ عليه كثري ًا‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫جفاة األعراب ؛ تأليف ًا لقلوهبم‪ ،‬فقد جاء يف صحيح البخاري‬
‫مع‬ ‫َ‬ ‫بــن ٍ‬ ‫أنس ِ‬ ‫‪-‬رمحــه اهلل‪ -‬ع ْن ِ‬
‫«كنت أميش َ‬
‫ُ‬ ‫قــال‪:‬‬ ‫مالك‬
‫ِ‬
‫احلاشــية‪ ،‬فأدرك ُه‬ ‫ُ‬
‫غليظ‬ ‫نجراين‬ ‫ِ‬
‫وعليه بر ٌد‬ ‫ِ‬
‫رس��ول اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫صفحة‬ ‫نظرت إىل‬ ‫بردائه جبذ ًة شــديدةً‪ ،‬حتّى‬ ‫ِ‬ ‫يب‪ ،‬فجبذ ُه‬
‫ُ‬ ‫أعرا ٌّ‬
‫جبذته‪،‬‬‫ِ‬ ‫الربد م ْن شدّ ِة‬
‫رت هبا حاشي ُة ِ‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل ﷺ قدْ أ ّث ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاتق‬
‫فالتفت ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬
‫عندك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مــال اهللِ ا ّلذي‬ ‫مر يل م ْن‬ ‫ثم َ‬
‫َ‬ ‫حممدُ ْ‬ ‫قال‪ :‬يا ّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫أمر ل ُه بعطاء»(((‪.‬‬ ‫ثم َ‬ ‫ضحك‪َّ ،‬‬‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ُ‬
‫وأمــا إذا كان اخلطأ عىل الدين‪ ،‬فإنه ﷺ كان يغضب هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وستأيت أمثلة‪.‬‬
‫وهناك أمور أخرى حتتاج إىل مراعاة يف باب التعامل مع‬
‫األخطاء مثل‪:‬‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)5362‬ومسلم (‪.)5362‬‬

‫‪31‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -‬التفريــق بني اخلطــأ الكبري واخلطأ الصغــر‪ ،‬وقد فرقت‬


‫الرشيعة بني الكبائر والصغائر‪.‬‬
‫‪ -‬التفريــق بني املخطــئ صاحب الســوابق يف عمل اخلري‪،‬‬
‫واملايض احلسن ‪-‬الذي يتالشــى خطؤه‪ ،‬أو يكاد يف بحر‬
‫حســناته‪ -‬وبني العايص املرسف عىل نفسه‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫صاحب السوابق احلسنة حيتمل منه ما ال حيتمل من غريه‪،‬‬
‫ومما وقع للصدّ يق يف ذلك القصة التالية‪ :‬عن أسامء ِ‬
‫بنت أيب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حجاج ًا‪ ،‬حتّى إذا كنّا‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ ّ‬ ‫مع‬
‫قالت‪ :‬خرجنا َ‬‫بكر ْ‬‫ٍ‬
‫فجلست عائش ُة‬
‫ْ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪ ،‬ونزلنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بالعرج َ‬
‫نزل‬ ‫ِ‬
‫وكانت‬
‫ْ‬ ‫وجلست إىل ِ‬
‫جنب أيب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إىل ِ‬
‫جنب‬
‫مع غال ٍم‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ واحد ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫بكر‪ ،‬وزمال ُة‬ ‫زمال ُة((( أيب ٍ‬
‫فطلع‪،‬‬ ‫أن يطلــع ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫ينتظر ْ‬ ‫فجلــس أبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫أليب ٍ‬
‫بكر‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬أضللت ُه البارح َة‪،‬‬ ‫َ‬
‫بعريك‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬أي َن‬ ‫وليس مع ُه بعري ُه‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫فطفق يرضب ُه‪،‬‬ ‫بعري واحدٌ تض ّل ُه‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫فقال أبو ٍ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫بكر‪ٌ :‬‬
‫ويقول‪« :‬انظروا إىل هذا املحر ِم ما‬ ‫ُ‬ ‫ورسول اهللِ ﷺ ّ‬
‫يتبس ُم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يقول‪« :‬انظروا إىل‬ ‫أن َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ عىل ْ‬ ‫ُ‬ ‫يصنع»‪ ،‬فام يزيدُ‬‫ُ‬
‫ويتبس ُم»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يصنع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هذا املحر ِم ما‬
‫‪ -‬التفريــق بني من وقع منه اخلطأ مــرار ًا‪ ،‬وبني من وقع فيه‬
‫ألول مرة‪.‬‬

‫(( ( دابة السفر‪.‬‬


‫(( ( رواه أبو داود (‪ ،)1818‬وحســنه األلباين يف صحيح ســنن أيب داود رقم‬
‫(‪.)1602‬‬

‫‪32‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -‬التفريق بني من يتواىل منه حدوث اخلطأ‪ ،‬وبني من يقع فيه‬


‫عىل فرتات متباعدة‪.‬‬
‫‪ -‬التفريق بني املجاهر باخلطأ‪ ،‬واملسترت به‪.‬‬
‫‪ -‬مراعاة من دينه رقيق‪ ،‬وحيتــاج إىل تأليف قلب فال يغلظ‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار حال املخطئ من جهة املكانة والسلطان‪.‬‬
‫وهذه االعتبارات التي مىض ذكرها ال تتعارض مع العدل‬
‫املشار إليه آنف ًا‪.‬‬
‫‪ -13‬اإلنكار عىل املخطئ الصغري بام يتناسب مع سنه‪:‬‬
‫أن احلسن بن‬ ‫روى البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أيب هريرة‬
‫عيل أخذ مترة من متر الصدقــة‪ ،‬فجعلها يف فيه‪ ،‬فقال النبي ﷺ‬
‫كخ‪ ،‬أما تعرف أنّا ال نأكل الصدقة»(((‪.‬‬
‫«كخ ْ‬
‫بالفارسية‪ْ :‬‬
‫وروى الطرباين ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن زينب بنت أيب سلمة‪ ،‬أهنا‬
‫دخلت عىل رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو يغتسل‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذ حفنة‬
‫من ماء‪ ،‬فرضب هبا وجهي‪ ،‬وقال‪« :‬وراءك أي لكاع»(((‪.‬‬
‫وهبذا يتبــن أن صغر الصغري ال يمنع من تصويب خطئه‪،‬‬
‫بل ذلك من إحسان تربيته‪ ،‬وهذا مما ينطبع يف ذاكرته‪ ،‬ويكون‬

‫(( ( البخاري (‪ ،)1396‬ومسلم (‪.)1778‬‬


‫(( ( املعجــم الكبــر (‪ ،)281/24‬وقال اهليثمي‪ :‬إســناده حســن‪ :‬املجمع‬
‫(‪.)269/1‬‬

‫‪33‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ذخرية ملســتقبله‪ ،‬فاحلديث األول فيه تعليــم الطفل الورع‪،‬‬


‫والثاين فيه تعليمه األدب يف االســتئذان‪ ،‬وعدم االطالع عىل‬
‫العورات‪.‬‬
‫ومن الشــواهد الرائعة يف هذا أيضــ ًا قصة الغالم الصغري‬
‫عمر بن أيب سلمة‪ ،‬فقد روى البخاري عنه قال‪ :‬كنت غالم ًا يف‬
‫حفة‪ ،‬فقال‬‫حجر رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وكانت يدي تطيش يف الص ِ‬
‫ّ‬
‫يل رســول اهلل ﷺ‪« :‬يا غالم ســم اهلل‪ ،‬وكل بيمينك‪ ،‬وكل مما‬
‫يليك»‪ ،‬فام زالت تلك طعمتي بعد(((‪.‬‬
‫نلحظ يف هذه القصة أن توجيهات النبي ﷺ لذلك الغالم‬
‫الــذي أخطأ يف جتوال يده يف الطعــام كانت قصرية وخمترصة‬
‫وواضحة؛ يسهل حفظها وفهمها‪ ،‬ولقد أثرت يف نفس الغالم‬
‫طيلة عمره‪ ،‬فقال‪ :‬فام زالت تلك طعمتي بعد‪.‬‬
‫‪ -14‬احلذر عند اإلنكار عىل النساء األجنبيات‪:‬‬
‫حتى ال يفهم اإلنكار فه ًام خاطئــ ًا‪ ،‬وحتى تؤمن الفتنة‪،‬‬
‫فال يتســاهل يف كالم الشــاب مع الفتاة الشــابة بحجة بيان‬
‫جر هذا مــن مصائب‪،‬‬
‫اخلطأ أو اإلنــكار والتعليــم‪ ،‬وكم ّ‬
‫وينبغي أن يتاح يف هذا املجال دور كبري ألهل احلســبة‪ ،‬ومن‬
‫يقوم معهم باإلنكار من كبار الســن‪ ،‬وعىل اآلمر الناهي أن‬
‫يعمــل بام غلب عىل ظنه يف جــدوى اإلنكار؛ فإن غلب عىل‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)4957‬ومسلم (‪.)3767‬‬

‫‪34‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ظنــه النفع تكلم‪ ،‬وإال أحجم عن الكالم مع ســفيهات ربام‬


‫رمينه ببهتان‪ ،‬وه َّن مرصات عىل الباطل‪.‬‬
‫ويبقى حال املجتمع‪ ،‬ومكانة اآلمر الناهي هلا دور أسايس‬
‫يف نجاح عملية اإلنــكار أو التبليغ‪ ،‬وإقامة احلجة‪ ،‬وفيام ييل‬
‫قصة‪:‬‬
‫لقي امرأ ًة‬
‫َ‬ ‫أن أبا هرير َة‬‫عن موىل أيب ره ٍم واسمه عبيد َّ‬
‫قالت‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬يا أم َة اجل ّب ِ‬
‫ار أي َن تريدي َن؟ ْ‬ ‫متط ّيب ًة تريدُ املس��جدَ ‪َ ،‬‬
‫ســمعت‬ ‫فإن‬
‫قال‪ّ :‬‬ ‫نعم‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬وله تطي ِ‬
‫املســجدَ ‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ْ :‬‬ ‫بت؟ ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫خرجت إىل‬ ‫ثــم‬ ‫ٍ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ ُ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫بت‪َّ ،‬‬ ‫امرأة تط ّي ْ‬ ‫يقول‪« :‬أ ّيــا‬
‫َ‬
‫تغتسل»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد مل ْ ْ‬
‫تقبل هلا صال ٌة حتّى‬
‫ويف صحيح ابن خزيمة‪ :‬مرت بأيب هريرة امرأة‪ ،‬ورحيها‬
‫تعصــف‪ ،‬فقال هلا‪ :‬إىل أين تريدين يا أمــة اجلبار؟ قالت‪ :‬إىل‬
‫املسجد‪ ،‬قال‪ :‬تطيبت؟ قالت‪ :‬نعم‪ :‬قال‪ :‬فارجعي‪ ،‬فاغتسيل‪،‬‬
‫فإين سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ال يقبل اهلل من امرأة صالة‬
‫خرجت إىل املسجد‪ ،‬ورحيها تعصف حتى ترجع فتغتسل»(((‪.‬‬
‫‪-15‬عــدم االنشــغال بتصحيح آثار اخلطــأ‪ ،‬وترك‬
‫معاجلة أصل اخلطأ وسببه‪.‬‬
‫(( ( رواه ابــن ماجــه (‪ ،)4002‬وصححــه األلبــاين يف صحيــح ابن ماجه‬
‫(‪.)367/2‬‬
‫((( صحيــح ابن خزيمة (‪ ،)1682‬وقال األلباين يف تعليقه‪ :‬حديث حســن‪،‬‬
‫وهو يف املسند (‪ ،)246/2‬وصححه أمحد شاكر‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -16‬عدم تضخيم اخلطأ‪ ،‬واملبالغة يف تصويره‪.‬‬


‫‪-17‬تــرك التكلف واالعتســاف يف إثبــات اخلطأ‪،‬‬
‫وجتنــب اإلرصار عــى انتزاع االعــراف من‬
‫املخطئ بخطئه‪.‬‬
‫‪ -18‬إعطاء الوقت الكايف لتصويب اخلطأ‪.‬‬
‫خصوص ًا ملن درج عليــه‪ ،‬واعتاده زمان ًا طوي ً‬
‫ال من عمره‪،‬‬
‫هذا مع املتابعة‪ ،‬واالستمرار يف التنبيه والتصحيح‪.‬‬
‫‪-19‬جتنب إشــعار املخطئ بأنه خصــم‪ ،‬ومراعاة أن‬
‫كسب األشخاص أهم من كسب املواقف‪.‬‬
‫وبعد هذه املقدمــة آن األوان للرشوع يف عرض بعض ما‬
‫كان النبي ﷺ يسلكه من الوسائل واألساليب يف التعامل مع‬
‫أخطاء الناس‪ ،‬كام جاء يف السنة الصحيحة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -1‬املسارعة إىل تصحيح اخلطأ‪ ،‬وعدم إمهاله‪:‬‬


‫وقد كان النبي ﷺ يبادر إىل ذلك‪ ،‬ال ســيام وأنه ال جيوز يف‬
‫حقه تأخري البيان عن وقت احلاجة‪ ،‬وأنه مك ّلف بأن يبني للناس‬
‫احلق‪ ،‬ويدهلم عىل اخلري‪ ،‬وحيذرهم من الرش‪ ،‬ومســارعته ﷺ‬
‫إىل تصحيح أخطاء الناس واضحة يف مناسبات كثرية؛ كقصة‬
‫امليسء صالته‪ ،‬وقصة املخزومية‪ ،‬وابن اللتبية‪ ،‬وقصة أسامة‪،‬‬
‫والثالثة الذين أرادوا التشديد والتبتل‪ ،‬وغريها‪ ،‬وستأيت هذه‬
‫القصص يف ثنايا هذا البحث إن شاء اهلل‪.‬‬
‫يفوت املصلحة‪،‬‬
‫وعدم املبادرة إىل تصحيــح األخطاء قد ّ‬
‫ويض ّيع الفائدة‪ ،‬وربام تذهب الفرصة‪ ،‬وتضيع املناسبة‪ ،‬ويربد‬
‫احلدث‪ ،‬ويضعف التأثري‪.‬‬
‫‪ -2‬معاجلة اخلطأ ببيان احلكم‪:‬‬
‫ِ‬
‫فخذه‪،‬‬ ‫كاشف ع ْن‬ ‫وهو‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫مر به َ‬‫ّبي ﷺ َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫جرهد‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫العورة»(((‪.‬‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪ِّ :‬‬ ‫َ‬
‫فإنا ْ‬
‫فخذك‪ّ ،‬‬ ‫«غط‬ ‫فقال الن ُّ‬
‫(( ( ســنن الرتمذي (‪ ،)2796‬وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح الرتمذي ( ‪.)2796‬‬

‫‪37‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪-3‬رد املخطئــن إىل الــرع‪ ،‬وتذكريهــم باملبــدأ‬


‫الذي خالفوه‪:‬‬
‫يف غمرة اخلطأ ومالبســات احلادث يغيب املبدأ الرشعي‬
‫عن األذهان‪ ،‬ويضيع يف املعمعة‪ ،‬فيكون يف إعادة إعالن املبدأ‪،‬‬
‫واجلهــر بالقاعدة الرشعية ر ّد ملن أخطــأ‪ ،‬وإيقاظ من الغفلة‬
‫التي حصلــت‪ ،‬وإذا تأملنا احلادثة اخلطــرة التي وقعت بني‬
‫املهاجرين واألنصار بســبب نار الفتنة التي أوقدها املنافقون‬
‫لوجدنا مثاالً نبوي ًا عىل ذلك‪ ،‬فعــن جابر قال‪ :‬غزونا َ‬
‫مع‬
‫ناس مــ ْن املهاجري َن ‪ ،‬حتّى كثروا‪،‬‬
‫ثاب مع ُه ٌ‬
‫ّبــي ﷺ‪ ،‬وقدْ َ‬
‫الن ِّ‬
‫فغضب‬
‫َ‬ ‫فكســع أنصار ّي ًا‪،‬‬
‫َ‬ ‫اب‪،‬‬
‫رجل ل ّع ٌ‬‫وكان مــ ْن املهاجري َن ٌ‬
‫َ‬
‫األنصاري‪ :‬يا‬
‫ُّ‬ ‫األنصاري غضب ًا شــديد ًا‪ ،‬حتّى تداعوا‪َ ،‬‬
‫وقال‬ ‫ُّ‬
‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫فخرج الن ُّ‬ ‫َ‬ ‫املهاجري‪ :‬يا للمهاجري َن‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وقال‬ ‫ِ‬
‫لألنصــار‪َ ،‬‬
‫شأهنم؟»‪،‬‬ ‫ثم َ‬
‫قال‪« :‬ما‬ ‫ِ‬ ‫بال دعوى ِ‬ ‫فقال‪« :‬ما ُ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫أهل اجلاهل ّية؟»‪َّ ،‬‬
‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫قــال‪َ :‬‬
‫األنصاري‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫فقال الن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫املهاجري‬
‫ِّ‬ ‫بكســعة‬ ‫رب‬
‫فأخ َ‬
‫فإنا خبيث ٌة»(((‪.‬‬
‫«دعوها ّ‬
‫‪-4‬تصحيح التصور الذي حصل اخلطأ نتيجة الختالله‪:‬‬
‫ففي صحيح البخــاري‪ ،‬عن مح ّي ِد بــن أيب محيد الطويل؛‬
‫ِ‬
‫بيوت‬ ‫أنه ســمع أنس بن مالك يقول‪ :‬جاء ثالث ُة ٍ‬
‫رهط إىل‬ ‫َ‬
‫فلم أخربوا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ّبــي ﷺ‪ّ ،‬‬
‫يســألون ع ْن عبادة الن ِّ‬ ‫ّبي ﷺ‬
‫أزواج الن ِّ‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)3518‬ومسلم (‪.)2584‬‬

‫‪38‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫غفر ل ُه‬
‫ّبي ﷺ؟ قدْ َ‬ ‫كأن ْم تقا ّلوها(((‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأي َن نح ُن م ْن الن ِّ‬
‫ّ‬
‫أصل‬ ‫فإن‬ ‫تأخ َر(((‪َ ،‬‬ ‫ما تق��دّ م من ِ‬
‫ذنبه‪ ،‬وما ّ‬
‫ّ‬ ‫أحدهم‪ :‬أ ّما أنا ّ‬
‫ْ‬ ‫قال‬ ‫َ ْ‬
‫آخر‪:‬‬ ‫أفطر‪َ ،‬‬
‫وقال ُ‬ ‫هر‪ ،‬وال ُ‬ ‫آخر‪ :‬أنا أصو ُم الدّ َ‬ ‫ال ّل َيل أبد ًا‪َ ،‬‬
‫وقال ُ‬
‫إليهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫أتزو ُج أبد ًا‪ ،‬فجا َء‬ ‫ُ‬
‫أعتزل النّسا َء‪ ،‬فال ّ‬ ‫أنا‬
‫ألخشــاكم هللِ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫قلتم كذا وكذا؛ أما واهللِ ّإن‬
‫ذين ْ‬‫«أنتم ا ّل َ‬ ‫َ‬
‫فقال‪ْ :‬‬
‫وأتزو ُج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأصــي‪ ،‬وأرقدُ ‪،‬‬ ‫وأفطر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وأتقاكم ل ُه‪ ،‬لكنّي أصو ُم‪،‬‬
‫ْ‬
‫فليس منّي»(((‪.‬‬
‫عن سنّتي َ‬
‫رغب ْ‬
‫َ‬ ‫فمن‬
‫ّساء‪ْ ،‬‬
‫الن َ‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫أصحاب الن ِّ‬ ‫أن نفر ًا م ْن‬
‫َّ‬ ‫ورواه مسلم‪ :‬عن أنس‬
‫بعضهم‪ :‬ال‬ ‫الس‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّبي ﷺ ع ْن عمله يف ّ ِّ‬ ‫أزواج الن ِّ‬
‫َ‬ ‫ســألوا‬
‫بعضهم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫حم‪َ ،‬‬
‫وقال‬ ‫آكل ال ّل َ‬ ‫بعضهم‪ :‬ال ُ‬
‫ْ‬ ‫أتزو ُج النّســا َء‪َ ،‬‬
‫وقال‬ ‫ّ‬
‫بال أقوا ٍم‬‫فقال‪« :‬ما ُ‬
‫عليه‪َ ،‬‬ ‫فراش‪ ،‬فحمدَ اهللَ‪ ،‬وأثنى ِ‬
‫ٍ‬ ‫ال أنا ُم عىل‬
‫وأتزو ُج‬
‫ّ‬ ‫وأفطر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قالوا‪:‬كذا وكذا‪ ،‬لكنّي ّ‬
‫أصل‪ ،‬وأنا ُم‪ ،‬وأصو ُم‪،‬‬
‫فليس منّي»(((‪.‬‬
‫عن سنّتي َ‬
‫رغب ْ‬
‫َ‬ ‫فمن‬
‫ّساء؛ ْ‬
‫الن َ‬
‫ونالحظ هنا ما ييل‪:‬‬
‫‪ -‬أن النبي ﷺ أتاهم؛ فوعظهم يف أنفســهم فيام بينه وبينهم‪،‬‬
‫وملــا أراد أن يعلم الناس عمومــ ًا أهبمهم‪ ،‬ومل يفضحهم‪،‬‬

‫(( ( أي رأى كل منهم أهنا قليلة‪.‬‬


‫(( ( أي أهنــم ظنوا بأن من مل يعلم مغفرة ذنوبه حيتاج إىل املبالغة يف العبادة أكثر‬
‫من النبي ﷺ؛ رجاء أن حتصل له املغفرة‪.‬‬
‫(( ( البخاري (‪.)4675‬‬
‫(( ( صحيح مسلم (‪.)1041‬‬

‫‪39‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وإنام قــال‪« :‬ما بال أقــوام ‪ ،»...‬وهذا رفق ًا هبم‪ ،‬وســر ًا‬
‫عليهم مع حتصيل املصلحة يف اإلخبار العام‪.‬‬
‫‪ -‬يف احلديث تت ّبع أحوال األكابر؛ للتأيس بأفعاهلم‪ ،‬والســر‬
‫عــى منواهلــم‪ ،‬وأن التنقيب عن ذلك من كــال العقل‪،‬‬
‫والسعي يف تربية النفس‪.‬‬
‫‪ -‬وفيه أن األمور املفيدة واملرشوعة إذا تعذرت معرفتها من‬
‫جهة الرجال جاز استكشافها من جهة النساء‪.‬‬
‫‪ -‬وأنــه ال بأس بحديث املرء عن عمله إذا أمن الرياء‪ ،‬وكان‬
‫يف اإلخبار منفعة لآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬وفيه أن األخذ بالتشديد يف العبادة يؤدي إىل إمالل النفس‬
‫القاطع هلا عن أصل العبادة‪ ،‬وخري األمور أوساطها‪.‬‬
‫ ‪ -‬أن األخطــاء عموم ًا تنشــأ مــن خلل يف التصــورات‪ ،‬فإذا‬
‫صلح التصــور ق ّلت األخطاء كثــر ًا‪ ،‬وواضح من احلديث‬
‫أن الســبب الذي دفع أولئك الصحابــة إىل تلك الصور من‬
‫التبتل والرهبانية والتشديد؛ هو ظنهم أن البد من الزيادة عىل‬
‫عبادة النبي ﷺ؛ رجاء النجاة‪ ،‬حيث إنه أخرب من ربه باملغفرة‬
‫فصحح هلم النبي ﷺ تصورهم املجانب للصواب‪،‬‬ ‫بخالفهم‪ّ ،‬‬
‫وأخربهم بأنه مع كونه مغفور ًا له‪ ،‬فإنه أخشى الناس‪ ،‬وأتقاهم‬
‫هلل‪ ،‬وأمرهم بأن يلزموا سنته‪ ،‬وطريقته يف العبادة‪.‬‬
‫وقريب مــن هذا ما حصل ألحــد الصحابة‪ ،‬وهو كهمس‬
‫الذي روى قصته فقال‪ :‬أســلمت‪ ،‬فأتيت النبي ﷺ‬ ‫اهلاليل‬

‫‪40‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فأخربت��ه بإسلـامي‪ ،‬فمكثت حوال‪ ،‬وقــد ضمرت‪ ،‬ونحل‬


‫جســمي [ثم أتيته]‪ ،‬فخفض يف البرص‪ ،‬ثــم رفعه‪ ،‬قلت‪ :‬أما‬
‫تعرفني؟ قــال‪« :‬ومن أنت؟»‪ ،‬قلت‪ :‬أنا كهمس اهلاليل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«فام بلغ بك مــا أرى؟»‪ ،‬قلت‪ :‬ما أفطــرت بعدك هناراً‪ ،‬وال‬
‫نمت ليالً‪ ،‬فقال‪« :‬ومن أمرك أن تعذب نفســك؟! صم شهر‬
‫الصرب‪ ،‬ومن كل شــهر يوم ًا»‪ ،‬قلت‪ :‬زدين‪ ،‬قال‪« :‬صم شــهر‬
‫الصرب‪ ،‬ومن كل شــهر يومني»‪ ،‬قلت‪ :‬زدين‪ ،‬أجد قوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«صم شهر الصرب‪ ،‬ومن كل شهر ثالثة أيام»(((‪.‬‬
‫ومن اخللل يف التصورات مــا يكون متعلق ًا بموازين تقويم‬
‫األشــخاص‪ ،‬والنظرة إليهم‪ ،‬وقــد كان النبي ﷺ حريص ًا عىل‬
‫تصحيح ذلك وبيانه؛ ففي صحيح البخاري‪ ،‬عن سهل بن سعد‬
‫فقال‪« :‬ما‬ ‫ِ‬
‫رســول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬ ‫مر ٌ‬
‫رجل عىل‬ ‫الســاعدي‪ ،‬أنه قال‪َّ :‬‬
‫أن‬‫شفع ْ‬‫وإن َ‬ ‫ينكح‪ْ ،‬‬ ‫أن َ‬ ‫خطب ْ‬ ‫َ‬ ‫حري ْ‬
‫إن‬ ‫تقولون يف هذا؟»‪ ،‬قالوا‪ٌّ :‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فقراء‬ ‫رجل م ْن‬ ‫فمر ٌ‬ ‫يستمع‪َ ،‬‬ ‫وإن َ‬
‫قال ْ‬ ‫يش ّف َع‪ْ ،‬‬
‫سكت‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫خطب‬‫َ‬ ‫حري ْ‬
‫إن‬ ‫تقولون يف هذا؟»‪ ،‬قالوا‪ٌّ :‬‬ ‫َ‬ ‫املســلمني‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬ما‬ ‫َ‬
‫فقال‬ ‫يستمع‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫أن ال‬ ‫وإن َ‬
‫قال ْ‬ ‫أن ال يش ّف َع‪ْ ،‬‬ ‫شفع ْ‬
‫وإن َ‬ ‫ينكح‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫أن ال َ‬
‫مثل هذا»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬هذا خري من ِ‬
‫ملء‬ ‫ُ‬
‫ٌ ْ‬

‫((( رواه البخاري يف التاريخ (‪ ،)239/7‬وهو يف السلســلة الصحيحة برقم‬


‫(‪.)2623‬‬
‫األو ُل كافراً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الكرمــاين‪ :‬إن كان ّ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫(( ( البخــاري (‪ ،)6447‬قال ابن حجر‪ :‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫ذلك معلوما لرســول اهلل ﷺ بالوحي‪ .‬فتح‬ ‫ُ‬
‫فيكون َ‬ ‫ظاهــر‪ّ ،‬‬
‫وإل‬ ‫فوجه ُه‬
‫ٌ‬
‫(‪.)132/9‬‬

‫‪41‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫رجل‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫ِ‬
‫رس��ول اهللِ ﷺ ٌ‬ ‫مر عىل‬
‫ويف رواي��ة ابن ماجة‪َّ :‬‬
‫رأيك يف هذا‬ ‫ِ‬
‫جــل؟»‪ ،‬قالوا‪َ :‬‬ ‫الر‬
‫تقولون يف هذا ّ‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪« :‬ما‬
‫الن ُّ‬
‫ِ‬
‫أرشف الن ِ‬ ‫ُ‬
‫ب‪،‬‬‫أن خي ّط َ‬‫خطب ْ‬
‫َ‬ ‫حري ْ‬
‫إن‬ ‫ٌّ‬ ‫ّاس‪ ،‬هذا‬ ‫نقول‪ :‬هذا م ْن‬
‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وإن َ‬
‫قال ْ‬ ‫أن يش ّف َع‪ْ ،‬‬
‫شفع ْ‬ ‫ْ‬
‫فسكت الن ُّ‬
‫َ‬ ‫لقوله‪،‬‬ ‫يسمع‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫وإن َ‬
‫تقولون يف هذا؟»‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪« :‬ما‬ ‫آخر‪َ ،‬‬
‫فقال الن ُّ‬ ‫رجل ُ‬ ‫ومر ٌ‬ ‫َّ‬
‫حري ْ‬
‫إن‬ ‫املسلمني‪ ،‬هذا‬ ‫ِ‬
‫فقراء‬ ‫رسول اهللِ‪ :‬هذا م ْن‬
‫َ‬ ‫واهللِ يا‬
‫نقول ِ‬ ‫ُ‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لقوله‪،‬‬ ‫يسمع‬ ‫وإن َ‬
‫قال ال‬ ‫شفع ال يش ّف ْع‪ْ ،‬‬ ‫ينكح‪ْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫وإن َ‬ ‫خطب مل ْ ْ‬ ‫َ‬
‫مثل هذا»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض َ‬ ‫فقال النّبي ﷺ‪« :‬هلذا خري من ِ‬
‫ملء‬ ‫َ‬
‫ٌ ْ‬ ‫ُّ‬
‫‪ -5‬معاجلة اخلطأ باملوعظة‪ ،‬وتكرار التخويف‪:‬‬
‫‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ َ‬
‫بعث‬ ‫عن جندب بن عبد اهلل البجيل‬
‫َ‬
‫فكان‬ ‫وإن ْم التقوا‪،‬‬
‫املرشكني‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫املســلمني إىل قو ٍم م ْن‬
‫َ‬ ‫بعث ًا م ْن‬
‫املسلمني‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫رجل م ْن‬ ‫املرشكني إذا شــا َء ْ‬
‫أن يقصدَ إىل‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رجل م ْن‬
‫قال‪:‬‬‫املســلمني قصدَ غفلت ُه‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ال م ْن‬ ‫قصدَ لــ ُه‪ ،‬فقتل ُه‪َّ ،‬‬
‫وإن رج ً‬
‫يف َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قال‪ :‬ال‬ ‫الس َ‬‫رفع عليه ّ‬
‫فلم َ‬ ‫ث أ ّن ُه أســام ُة ب ُن زيد‪ّ ،‬‬
‫وكنّا نحدّ ُ‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬فسأل ُه‪ ،‬فأخرب ُه‪،‬‬
‫البشــر إىل الن ِّ‬
‫ُ‬ ‫إل َه ّإل اهلل‪ ،‬فقتل ُه‪ ،‬فجا َء‬
‫صنع‪ ،‬فدعا ُه‪ ،‬فســأل ُه‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫كيف‬ ‫الر ِ‬
‫جل‪َ ،‬‬ ‫رب ّ‬‫حتّى أخرب ُه خ َ‬
‫املسلمني‪َ ،‬‬
‫وقتل فالن ًا‬ ‫َ‬ ‫أوجع يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫«مل َ قتلت ُه؟»‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬يا‬
‫ــيف‬
‫الس َ‬ ‫ِ‬ ‫وســمى ل ُه نفر ًا‪ّ ،‬‬ ‫وفالن ًا‪،‬‬
‫فلم رأى ّ‬
‫محلت عليه‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وإن‬ ‫ّ‬

‫((( سنن ابن ماجة (‪ ،)4120‬وصححه األلباين يف صحيح ابن ماجه‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫نعم‪،‬‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‪« :‬أقتلت ُه؟»‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ال إل َه ّإل اهللُ‪َ ،‬‬
‫قال‬ ‫َ‬
‫جاءت يو َم القيامة؟ِ»‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تصنع بال إلــ َه ّإل اهللُ إذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫«فكيف‬ ‫قال‪:‬‬‫َ‬
‫تصنع بال إل َه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫«وكيف‬ ‫اســتغفر يل‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫رســول اهللِ؛‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬يا‬‫َ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫فجعل ال يزيد ُه عىل ْ‬ ‫القيامة؟»‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫جــاءت يو َم‬
‫ْ‬ ‫ّإل اهللُ إذا‬
‫ِ‬
‫القيامة؟»(((‪.‬‬ ‫جاءت يو َم‬
‫ْ‬ ‫تصنع بال إل َه ّإل اهللُ إذا‬ ‫َ‬
‫«كيف‬ ‫َ‬
‫يقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫رسـ�ول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬بعثنا‬ ‫ويف رواية أســامة بن زيد‬
‫فأدركت رجالً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلرقات م ْن جهينــ َة‪،‬‬ ‫يف رس ّي ٍة‪ ،‬فص ّبحنــا‬
‫فوقع يف نفــي م ْن َ‬
‫ذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فقــال‪ :‬ال إلــ َه ّإل اهللُ‪ ،‬فطعنت ُه‪،‬‬
‫َ‬
‫«أقال ال إل َه ّإل‬
‫َ‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‪:‬‬‫ُ‬ ‫ّب��ي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫فذكرت ُه للن ِّ‬
‫رســول اهللِ؛ إنّام قاهلا خوف ًا م ْن‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬يا‬
‫قال‪ُ :‬‬‫اهللُ‪ ،‬وقتلت ُه؟»‪َ ،‬‬
‫تعلم أقاهلا أ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ــاح ‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫عن قلبه حتّى َ‬ ‫شــققت ْ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬أفال‬ ‫الس‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ(((‪.‬‬ ‫أسلمت‬ ‫ّيت ّأن‬‫عيل حتّى متن ُ‬ ‫ال؟»‪ ،‬فام َ‬
‫ُ‬ ‫يكررها َّ‬ ‫زال ّ‬
‫ومما يدخل يف مواجهة اخلطأ باملوعظة‪ :‬التذكري بقدرة اهلل‪،‬‬
‫وهذا مثال‪:‬‬
‫كنت‬
‫روى مسلم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أيب مسعود البدري‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫«اعلم أبا‬ ‫فسمعت صوت ًا م ْن خلفي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أرضب غالم ًا يل بالس ِ‬
‫وط‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الغضب‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فلم دنا منّي إذا‬
‫قال‪ّ :‬‬ ‫وت م ْن‬
‫الص َ‬
‫أفهم ّ‬
‫فلم ْ‬ ‫مسعود»‪ْ ،‬‬
‫ٍ‬
‫اعلم أبا‬
‫«اعلم أبا مسعود‪ْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫هو ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪ ،‬فإذا َ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫َ‬

‫(( ( رواه مسلم (‪.)97‬‬


‫(( ( رواه مسلم (‪.)69‬‬

‫‪43‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ٍ‬
‫مسعود‬ ‫«اعلم أبا‬ ‫وط م ْن يدي‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫الس َ‬ ‫ٍ‬
‫مسعود»‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫فألقيت ّ‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫أرضب‬
‫ُ‬ ‫فقلت‪ :‬ال‬
‫قال‪ُ :‬‬ ‫منك عىل هذا الغالمِ»‪َ ،‬‬‫عليك َ‬ ‫َ‬ ‫أقدر‬
‫أن اهللَ ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫لوجه‬ ‫حر‬
‫هو ٌّ‬ ‫رســول اهللِ َ‬
‫َ‬ ‫مملوك ًا بعد ُه أبد ًا‪ .‬ويف رواية‪ُ :‬‬
‫فقلت يا‬
‫ملس َ‬
‫تك الن ُّار»‪.‬‬ ‫َ‬
‫للفحتك الن ُّار‪ْ ،‬أو ّ‬ ‫تفعل‬ ‫اهللِ‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬أما ْلو مل ْ ْ‬

‫ويف رواية ملسلم أيض ًا؛ فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬واهللِ هلل ُ‬
‫أقدر‬
‫قال‪ :‬فأعتق ُه(((‪.‬‬ ‫منك ِ‬
‫عليه»‪َ ،‬‬ ‫عليك َ‬
‫َ‬
‫فســمعت‬
‫ُ‬ ‫أرضب مملوك ًا يل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫ويف روايــة عنه قــال‪ُ :‬‬
‫ٍ‬
‫مسعود»‪،‬‬ ‫اعلم أبا‬ ‫ٍ‬ ‫ال م ْن خلفي ُ‬ ‫قائ ً‬
‫«اعلم أبا مســعود‪ْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫عليك َ‬
‫منك‬ ‫َ‬ ‫أقدر‬ ‫ِ‬
‫برســول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬هللُ ُ‬ ‫فالتفت‪ ،‬فإذا أنا‬
‫ُّ‬
‫رضبت مملوك ًا يل بعدَ َ‬
‫ذلك(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مسعود‪ :‬فام‬ ‫قال أبو‬ ‫ِ‬
‫عليه»‪َ ،‬‬

‫‪ -6‬إظهار الرمحة باملخطئ‪:‬‬


‫وهذا يكون يف حال من يســتحق ممن عظم ندمه‪ ،‬واشــتد‬
‫أســفه‪ ،‬وظهرت توبته مثلام يقع أحيان ًا من بعض املستفتني كام‬
‫يف مثل هذه قصة‪:‬‬
‫أن رج ً‬
‫ال أتــى النبي ﷺ قد ظاهر من‬ ‫عن ابن عباس‬
‫امرأته‪ ،‬فوقع عليها‪ ،‬فقال‪ :‬يا رســول اهلل‪ ،‬إين قد ظاهرت من‬
‫زوجتي‪ ،‬فوقعت عليها قبــل أن أك ّف َر‪ ،‬فقال‪« :‬وما محلك عىل‬

‫(( ( صحيح مسلم (‪.)1659‬‬


‫((( رواه الرتمذي (‪ ،)1948‬قال أبو عيســى‪ :‬هذا حديث حســن صحيح‪.‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ذلك يرمحك اهلل»‪ ،‬قــال‪ :‬رأيت خلخاهلا يف ضوء القمر‪ ،‬قال‪:‬‬


‫فال تقرهبا‪ ،‬حتى تفعل ما أمرك اهلل به(((‪.‬‬
‫ّبي ﷺ‬
‫جلوس عندَ الن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وعن أيب هريرة قال‪ :‬بينام نح ُن‬
‫قال‪« :‬ما َ‬
‫لك؟»‪،‬‬ ‫هلكت‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رســول اهللِ‬
‫َ‬ ‫رجل‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬يا‬ ‫إ ْذ جاء ُه ٌ‬
‫رس��ول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫صائم‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫ٌ‬ ‫وقعت عىل امرأيت‪ ،‬وأنا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق��ال‪:‬‬
‫أن‬‫تســتطيع ْ‬
‫ُ‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫«فهل‬ ‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫«هل جتدُ رقبــ ًة تعتقها؟»‪َ ،‬‬
‫فقال‪ْ :‬‬
‫«فهل جتدُ إطعا َم‬ ‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫متتابعني؟»‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫شــهرين‬ ‫تصو َم‬
‫ّبــي ﷺ‪ ،‬فبينا‬ ‫فمكث الن ُّ‬ ‫َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬ ‫ّني مســكين ًا؟»‪َ ،‬‬ ‫ســت َ‬
‫ُ‬
‫املكتل(((‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والعرق‬ ‫متر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ّبي ﷺ بعرق فيها ٌ‬ ‫يت الن ُّ‬
‫ذل��ك أ َ‬ ‫نح ُن عىل‬
‫قال‪ :‬خذها‪ ،‬فتصدّ ْق ِبه‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫فقال‪ :‬أنا‪َ ،‬‬ ‫ــائل؟»‪َ ،‬‬ ‫الس ُ‬ ‫«أين ّ‬
‫قال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫بني البتيها ‪-‬يريدُ‬ ‫رسول اهللِ؟ فواهللِ ما َ‬
‫َ‬ ‫أفقر منّي يا‬
‫جل‪ :‬أعىل َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ّ‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬حتّى‬ ‫َ‬ ‫أفقر م ْن ِ‬ ‫تني‪ٍ ُ -‬‬ ‫احلر ِ‬
‫فضحك الن ُّ‬ ‫أهل بيتي‪،‬‬ ‫أهل بيت ُ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫أهلك»(((‪.‬‬ ‫قال‪« :‬أطعم ُه‬ ‫ثم َ‬ ‫بدت أنياب ُه‪َّ ،‬‬
‫ْ‬
‫إن هذا املستفتي املخطئ مل يكن هازال‪ ،‬وال مستخف ًا باألمر؛‬
‫بل إن تأنيبه نفســه‪ ،‬وشعوره بخطئه واضح من قوله‪ :‬هلكت‪،‬‬
‫ولذلك استحق الرمحة‪ ،‬ورواية أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬فيها مزيد من‬
‫التوضيح حلال الرجل عند جميئه مســتفتي ًا‪ :‬فعن أيب هريرة‬

‫((( ســنن الرتمذي (‪ ،)1199‬قال أبو عيســى‪ :‬هذا حديث حســن غريب‬
‫صحيح‪ ،‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتمذي‪.‬‬
‫(( ( وهو الزنبيل الكبري‪.‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)1936‬ومسلم (‪.)1111‬‬

‫‪45‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ُ‬
‫ويقول‪ :‬ما أراين‬ ‫وينتف شــعر ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يلطم وجه ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أن أعراب ّي ًا جا َء‬
‫َّ‬
‫أهلكك؟»‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل ﷺ‪« :‬وما‬ ‫ُ‬ ‫هلكت‪َ ،‬‬
‫فقال ل ُه‬ ‫ُ‬ ‫ّإل قدْ‬
‫تعتق رقب ًة؟»‪،‬‬
‫أن َ‬
‫«أتســتطيع ْ‬
‫ُ‬ ‫رمض��ان‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أصبت أهيل يف‬
‫ُ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫متتابعني؟»‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫شهرين‬ ‫أن تصو َم‬
‫«أتســتطيع ْ‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫وذكر‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫ّني مسكين ًا؟»‪َ ،‬‬ ‫تطعم ست َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫«أتستطيع ْ‬
‫ُ‬ ‫ال‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫املكتل‪ِ -‬‬
‫فيه‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬وهو‬ ‫ٍ‬
‫بزنبيل‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫يت‬ ‫احلاج�� َة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬فأ َ‬
‫جل»‪،‬‬ ‫الر ُ‬ ‫«أين ّ‬
‫ّبي ﷺ‪َ :‬‬ ‫عرش صاع ًا‪ ،‬أحسب ُه متر ًا‪َ ،‬‬
‫قال الن ُّ‬ ‫مخس َة َ‬
‫أحوج‬
‫ُ‬ ‫بني البتيها أحدٌ‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل ما َ‬ ‫َ‬ ‫«أطعم هذا»‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬يا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال‪:‬‬
‫بدت أنياب ُه‪،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬حتّى ْ‬ ‫ُ‬ ‫فضحك‬‫َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫بيت‪َ ،‬‬‫أهل ٍ‬ ‫منّا ُ‬
‫أهلك»(((‪.‬‬‫َ‬ ‫«أطعم‬
‫ْ‬ ‫قال‪:‬‬‫َ‬
‫‪ -7‬عدم الترسع يف التخطئة‪:‬‬
‫سمعت‬‫ُ‬ ‫وقد حدثت لعمر قصة رواها بنفســه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫الفرقان يف ِ‬
‫حياة‬ ‫ِ‬ ‫بن حزا ٍم يقر ُأ سور َة‬ ‫هشــا َم ب َن حكي ِم ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لقراءته‪ ،‬فإذا َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫هو يقرأ عىل حروف كثرية مل ْ‬ ‫فاستمعت‬
‫ُ‬
‫فتصب ُت‪،‬‬ ‫فكدت أساوره يف الص ِ‬
‫الة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هلل ﷺ‪،‬‬ ‫رسول ا ِ‬‫ُ‬ ‫يقرئنيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫السور َة ا ّلتي‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتّى ســ ّل َم‪ ،‬فل ّببت ُه‬
‫أقرأك هذه ّ‬ ‫فقلت‪ :‬م ْن‬
‫ُ‬ ‫بردائه‪،‬‬
‫‪:‬كذبت؛‬ ‫َ‬ ‫فقلت‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬أقرأنيها‬‫ســمعتك تقر ُأ؟ َ‬ ‫َ‬
‫فانطلقت ِبه‬
‫ُ‬ ‫قرأت‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهلل ﷺ قدْ أقرأنيها عىل ِ‬
‫غري ما‬ ‫رسول ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫ِ‬
‫بسورة‬ ‫سمعت هذا يقر ُأ‬ ‫ُ‬ ‫فقلت‪ّ :‬إن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫أقود ُه إىل‬

‫((( املسند (‪ ،)10688‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬صحيح‪ ،‬وهذا إسناد حسن‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬أرسل ُه‪،‬‬


‫ُ‬ ‫حروف مل ْ تقرئنيها‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الفرقان عىل‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫فقال‬ ‫اقرأ يا هشام»‪ ،‬فقر َأ ِ‬
‫عليه القراء َة ا ّلتي سمعت ُه يقر ُأ‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫فقرأت‬
‫ُ‬ ‫عمر»‪،‬‬
‫«اقرأ يــا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ثم َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫أنزلــت»‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ﷺ‪«:‬كذلك‬ ‫اهللِ‬
‫إن‬
‫أنزلت‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ﷺ‪«:‬كذلك‬ ‫رســول اهللِ‬
‫ُ‬ ‫القراء َة ا ّلتي أقرأين‪َ ،‬‬
‫فقال‬
‫تيس من ُه»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫القرآن َ‬
‫أنزل عىل سبعة أحرف‪ ،‬فاقرءوا ما ّ َ‬ ‫َ‬ ‫هذا‬
‫ومن الفوائد الرتبوية يف هذه القصة ما ييل‪:‬‬
‫‪ -‬أمر كل واحد منهام أن يقرأ أمام اآلخر مع تصويبه أبلغ يف‬
‫أي منهام‪.‬‬
‫تقرير صواهبام‪ ،‬وعدم خطأ ّ‬
‫‪ -‬أمر النبي ﷺ عمر بإطالق هشام بقوله‪« :‬أرسله» فيه هتيئة‬
‫اخلصمني لالســتامع‪ ،‬ومها يف حال اهلدوء‪ ،‬وفيه إشارة إىل‬
‫‪.‬‬ ‫استعجال عمر‬
‫‪ -‬عــى طالب العلم أن ال يســتعجل بتخطئة من حكي قوالً‬
‫خيالــف ما يعرفه‪ ،‬إال بعد التثبــت‪ ،‬فربام يكون ذلك القول‬
‫قوالً معترب ًا من أقوال أهل العلم‪.‬‬
‫ومما يتعلق هبذا املوضوع أيضــ ًا‪ :‬عدم الترسع يف العقوبة‪،‬‬
‫ويف القصة التالية شاهد‪ :‬روى النسائي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن عب ِ‬
‫اد‬ ‫ّ‬
‫فدخلت‬
‫ُ‬ ‫مع عمومتــي املدين َة‪،‬‬ ‫قدمت َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رشحبيل قال‪:‬‬ ‫بــن‬
‫ِ‬
‫احلائط‪،‬‬ ‫صاحب‬ ‫ِ‬
‫سنبله‪ ،‬فجا َء‬ ‫ففركت م ْن‬
‫ُ‬ ‫حائط ًا م ْن حيطاهنا‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ أستعدي ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فأتيت‬
‫ُ‬ ‫فأخذ كسائي‪ ،‬ورضبني‪،‬‬ ‫َ‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)4992‬ومسلم (‪.)818‬‬

‫‪47‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫محلك عىل هذا؟»‪،‬‬‫َ‬ ‫جل‪ ،‬فجاءوا ِبه‪َ ،‬‬


‫فقال‪« :‬ما‬ ‫الر ِ‬ ‫َ‬
‫فأرســل إىل ّ‬
‫ِ‬
‫سنبله‪ ،‬ففرك ُه‪،‬‬ ‫َ‬
‫فأخذ م ْن‬ ‫دخل حائطي‪،‬‬‫رسول اهللِ‪ ،‬إ ّن ُه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ما ع ّلمت ُه إ ْذ َ‬
‫كان جاهالً‪ ،‬وال أطعمت ُه إ ْذ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فقال‬
‫ٍ‬ ‫رسول ِ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بوسق‪،‬‬ ‫اهلل ﷺ‬ ‫كان جائع ًا‪ ،‬ارد ْد عليه كساء ُه»‪َ ،‬‬
‫وأمر يل‬ ‫َ‬
‫نصف ٍ‬
‫وسق(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ْأو‬
‫يســتفاد من هــذه القصــة أن معرفة ظــروف املخطئ‪،‬‬ ‫إما‬
‫أو املتعدى يوجه إىل الطريقة السليمة يف التعامل معه‪.‬‬ ‫املتعدي‬
‫وكذلك يالحظ أن النبي ﷺ مل يعاقب صاحب البستان؛‬
‫أو املعتدي‬
‫ألنه صاحب حق‪ ،‬وإنام خ ّطأه يف أســلوبه‪ ،‬ون ّبهه بأن ترصفه‬
‫مع من جيهل مل يكن بالترصف الســليم يف مثل ذلك املوقف‪،‬‬
‫ثم أرشــده إىل الترصف الصحيح‪ ،‬وأمره بــرد ما أخذه من‬
‫ثياب اجلائع‪.‬‬
‫‪ -8‬اهلدوء يف التعامل مع املخطئ‪:‬‬
‫وخصوصــ ًا عندما يؤدي القيام عليه‪ ،‬واالشــتداد يف هنيه‬
‫إىل توســيع نطاق املفســدة‪ ،‬ويمكن أن نتبني ذلك من خالل‬
‫مواجهة النبي ﷺ خلطأ األعرايب الذي بال يف املسجد‪ ،‬كام جاء‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫مع‬ ‫ِ‬
‫عن أنس بن مالك ‪ ،‬قال‪ :‬بينام نح ُن يف املســجد َ‬
‫ِ‬
‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫املسجد‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫يبول يف‬ ‫اهللِ ﷺ‪ ،‬إ ْذ جا َء أعرا ٌّ‬
‫يب‪ ،‬فقا َم ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ال تزرمو ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫قال‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ :‬م ْه‪ ،‬مه‪َ ،‬‬

‫(( ( سنن النسائي (‪ ،)5409‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫رســول اهللِ ﷺ دعا ُه‪َ ،‬‬


‫فقال‬ ‫َ‬ ‫إن‬‫ثم َّ‬ ‫دعو ُه»‪ ،‬فرتكو ُه‪ ،‬حتّى َ‬
‫بال‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫البول‪ ،‬وال‬ ‫من هــذا‬ ‫ٍ‬ ‫«إن ِ‬
‫تصلح ليشء ْ‬
‫ُ‬ ‫هذه املســاجدَ ال‬ ‫لــ ُه‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫القرآن»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وقراءة‬ ‫وجل‪ ،‬والص ِ‬
‫الة‪،‬‬ ‫لذكر اهللِ ع َّز َّ‬
‫ِ‬ ‫هي‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫القذر‪ ،‬إنّام َ‬
‫�لا م ْن القو ِم‪ ،‬فجا َء‬
‫فأمر رج ً‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اهلل ﷺ َ‬ ‫رســول ِ‬
‫ُ‬ ‫قال‬‫ْأو كام َ‬
‫ماء فشنّه ِ‬‫بدلو من ٍ‬
‫عليه(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ ْ‬
‫لقد كانت القاعدة التــي اتبعها النبي ﷺ يف مواجهة اخلطأ‪:‬‬
‫التيســر‪ ،‬وعدم التعســر‪ ،‬فقد جاء يف رواية البخاري‪ ،‬عن أيب‬
‫ّاس؛ ليقعوا ِبه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فثار إليه الن ُ‬
‫ِ‬ ‫أن أعراب ّي ًا َ‬
‫بال يف املسجد‪َ ،‬‬ ‫هريرة ‪َّ :‬‬
‫بوله ذنوب ًا من ٍ‬
‫ماء‪،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬دعوه‪ ،‬وأهريقوا عىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫هلم‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فقال ْ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ْأو سج ً‬
‫معس َ‬
‫ين‪ ،‬ومل ْ تبعثوا ّ‬
‫ميس َ‬
‫بعثتم ّ‬
‫من ماء؛ فإنّام ْ‬ ‫ال ْ‬
‫لقد حتمس الصحابة ‪-‬رضــوان اهلل عليهم‪ -‬إلنكار املنكر‬
‫حرص ًا عىل طهارة مســجدهم‪ ،‬وروايــات احلديث تدل عىل‬
‫ذلك‪ ،‬ومنها‪« :‬فصــاح به الناس»‪« ،‬فثار إليه الناس»‪« ،‬فزجره‬
‫الناس»‪« ،‬فأرسع إليه الناس»‪ « ،‬فقال أصحاب رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫مه‪ ،‬مه»(((‪.‬‬
‫ولكن النبي ﷺ نظــر يف عواقب األمور‪ ،‬وأن األمر يدور‬
‫بني احتاملني‪ ،‬إما أن يمنع الرجل‪ ،‬وإما أن يرتك‪ ،‬وأنه لو منع‪،‬‬
‫فإما أن ينقطــع البول فعالً‪ ،‬فيحصل عــى الرجل رضر من‬

‫(( ( البخاري (‪ ،)6025‬ومسلم (‪.)285‬‬


‫(( ( البخاري (‪.)6128‬‬
‫(( ( جامع األصول (‪.)87-83/7‬‬

‫‪49‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫احتباس بوله‪ ،‬وإما أن ال ينقطع‪ ،‬ويتحرك خوف ًا منهم‪ ،‬فيزداد‬


‫انتشار النجاسة يف املسجد‪ ،‬أو عىل جسد الرجل وثيابه‪ ،‬فرأى‬
‫النبي ﷺ بثاقب نظره أن ترك الرجل يبول هو أدنى املفسدتني‪،‬‬
‫وأهون الرشين؛ خصوص ًا وأن الرجل قد رشع يف املفســدة‪،‬‬
‫والنجاســة يمكن تداركها بالتطهري‪ ،‬ولذلك قال ألصحابه‪:‬‬
‫بالكف؛‬
‫ّ‬ ‫«دعوه‪ ،‬ال تزرموه»؛ أي ال تقطعوا عليه بوله‪ ،‬فأمرهم‬
‫ألجل املصلحة الراجحة‪ ،‬وهو دفع أعظم املفسدتني باحتامل‬
‫أيرسمها‪ ،‬وحتصيل أعظم املصلحتني برتك أيرسمها‪.‬‬
‫وقد جاء يف رواية أنه ﷺ سأل الرجل عن سبب فعله‪ ،‬فقد‬
‫قال‪ :‬أتى النبي ﷺ‬ ‫روى الطرباين يف الكبري‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫أعرايب‪ ،‬فبايعه يف املســجد‪ ،‬ثم انرصف‪ ،‬فقــام‪ ،‬ففحج(((‪ ،‬ثم‬
‫بال‪ ،‬فهم الناس به‪ ،‬فق��ال النبي ﷺ‪« :‬ال تقطعوا عىل الرجل‬
‫بوله»‪ ،‬ثم قال‪« :‬ألســت بمسلم؟»‪ ،‬قال ‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪« :‬ما محلك‬
‫عىل أن بلت يف مسجدنا؟»‪ ،‬قال‪ :‬والذي بعثك باحلق ما ظننته‬
‫إال صعيدا من الصع��دات‪ ،‬فبلت فيه‪ ،‬فأمر النبي ﷺ بذنوب‬
‫من ماء‪ ،‬فصب عىل بوله(((‪.‬‬
‫إن هذا األسلوب احلكيم يف املعاجلة قد أحدث أثر ًا بالغ ًا‬
‫يف نفس ذلك األعرايب‪ ،‬يتضــح من عبارته كام جاء يف رواية‬
‫الس ِ‬
‫ــاقني يف اإلنسان والدابة‪ ،‬وقيل تباعدُ ما‬ ‫(( ( الفحج تباعد ما بني أوساط ّ‬
‫وفح َج رجليه أي ّفرقهام‪.‬‬
‫بني الفخذين‪ ،‬وقيل تباعد ما بني الرجلني‪ّ ،‬‬
‫((( رواه الطرباين يف الكبري (‪ ،)11552‬وقــال اهليثمي يف املجمع (‪:)10/2‬‬
‫رجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫يب املســجدَ ‪،‬‬ ‫دخل أعرا ٌّ‬‫ابن ماجــه‪ :‬عن أيب هريرة قــال‪َ :‬‬
‫وملحم ٍد‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫اغفر يل‪،‬‬
‫هم ْ‬ ‫فقال‪ :‬ال ّل َّ‬‫جالس‪َ ،‬‬‫ٌ‬ ‫ورســول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬
‫احتظرت‬
‫َ‬ ‫وقال‪« :‬لقدْ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فضحك‬ ‫ألحد معنا‪،‬‬‫ٍ‬ ‫تغفر‬
‫ْ‬
‫فشج((( ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يبول‪،‬‬ ‫كان يف ناحية املسجد َ‬ ‫ول‪ ،‬حتّى إذا َ‬ ‫ثم ّ‬ ‫واســع ًا»‪َّ ،‬‬
‫ّب‪ ،‬ومل ْ‬‫فلم يؤن ْ‬‫أن فق َه‪ :‬فقا َم إ َّيل بأيب وأ ّمي‪ْ ،‬‬ ‫يب بعدَ ْ‬
‫فقــال األعرا ُّ‬ ‫َ‬
‫لذكر ِ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫بني ِ‬ ‫«إن هذا املسجدَ ال ُ ِ‬ ‫يســب‪َ ،‬‬
‫يبال فيه‪ ،‬وإنّام َ‬ ‫فقال‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بسجل م ْن ماء‪ ،‬فأفر َغ عىل بوله(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أمر‬
‫ثم َ‬ ‫وللصالة»‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وقد ذكــر ابن حجر ‪-‬رمحــه اهلل‪ -‬تعــاىل فوائد يف رشح‬
‫حديث األعرايب منها‪:‬‬
‫‪ -‬الرفق باجلاهل‪ ،‬وتعليمه ما يلزمه من غري تعنيف‪ ،‬إذا مل يكن‬
‫ذلك منه عناد ًا‪ ،‬وال سيام إن كان ممن حيتاج إىل استئالفه‪.‬‬
‫‪ -‬وفيه رأفة النبي ﷺ‪ ،‬وحسن خلقه‪.‬‬
‫مقــرر ًا يف نفوس‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وفيــه أن االحــراز من النجاســة كان‬
‫الصحابــة؛ وهلذا بــادروا إىل اإلنــكار بحرضته ﷺ قبل‬
‫استئذانه‪ ،‬وملا تقرر عندهم أيض ًا من طلب األمر باملعروف‪،‬‬
‫والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫‪ -‬وفيه املبادرة إىل إزالة املفاسد عند زوال املانع؛ ألمرهم عند‬
‫بصب املاء(((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فراغه‬

‫((( الفشج‪ :‬تفريج ما بني الرجلني‪.‬‬


‫(( ( سنن ابن ماجه (‪ ،)529‬وحسنه األلباين يف صحيح ابن ماجة‪.‬‬
‫((( الفتح (‪.)325-324/1‬‬

‫‪51‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -9‬بيان خطورة اخلطأ‪:‬‬


‫عن ابن عمر‪ ،‬وحممــد بن كعب‪ ،‬وزيد بن أســلم‪ ،‬وقتادة‬
‫‪-‬دخل حديث بعضهم يف بعض‪« -‬أنه قال رجل يف غزوة تبوك‪:‬‬
‫ما رأينا مثل قرائنا هؤالء‪ ،‬أرغب بطون ًا‪ ،‬وال أكذب ألســنا‪ ،‬وال‬
‫أجبن عند اللقاء‪ ،‬يعني رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وأصحابه القراء‪ ،‬فقال‬
‫عوف بن مالك‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنك منافق‪ ،‬ألخربن رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫فذهب عوف إىل رســول اهلل ﷺ؛ ليخــره‪ ،‬فوجد القرآن قد‬
‫سبقه‪ ،‬فجاء ذلك الرجل إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد ارحتل‪ ،‬وركب‬
‫ناقته‪ ،‬فقال‪ :‬يا رســول اهلل إنام كنا نخوض‪ ،‬ونلعب‪ ،‬ونتحدث‬
‫حديــث الركب‪ ،‬نقطع به عنا الطريق‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬كأين أنظر‬
‫إليه متعلق ًا بنسعة((( ناقة رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وإن احلجارة لتنكب‬
‫وين انتهى‬ ‫رجليه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنام كنا نخوض‪ ،‬ونلعب‪ ،‬فيقول رسول اهلل‬
‫القوس؟‬ ‫)ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ( [التوبة‪،]65 :‬‬
‫وما يلتفت إليه‪ ،‬وما يزيد عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬قال رجل يف غزوة تبوك‬ ‫ويف روايــة عن ابن عمر‬
‫يف جملس‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء‪ ،‬أرغب بطون ًا‪ ،‬وال أكذب‬
‫ألســنا‪ ،‬وال أجبن عند اللقاء! قال رجل يف املجلس‪ :‬كذبت‪،‬‬
‫ولكنك منافق! ألخربن رســول اهلل ﷺ‪ ،‬ونــزل القرآن‪ ،‬قال‬
‫عبد اهلل بن عمر‪ :‬فأنا رأيته متعلق ًا بحقب ناقة رســول اهلل ﷺ‬

‫(( ( سري مضفور جيعل زماما للبعري وغريه‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫تنكبه احلجــارة‪ ،‬وهو يقول‪ :‬يا رســول اهلل؛ إنام كنا نخوض‪،‬‬
‫ونلعب! ورسول اهلل ﷺ يقول‪) :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ( (((‪.‬‬

‫‪ -10‬بيان مرضة اخلطأ‪:‬‬


‫ّــاس إذا نزلوا منزالً‪،‬‬
‫كان الن ُ‬ ‫اخلشــني‪َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫عن أيب ثعلب َة‬
‫(ويف رواية‪ :‬كان الناس إذا نزل رســول اهلل ﷺ منزالً‪ّ ،‬‬
‫تفرقوا‬
‫قكم يف‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واألودية‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫يف ّ‬
‫تفر ْ‬
‫«إن ّ‬ ‫فقال‬ ‫ــعاب‬‫الش‬
‫فلم ْ‬ ‫الش ِ‬
‫من ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه ّ‬
‫ينزل‬ ‫يطان»‪ْ ،‬‬ ‫ذلكم ْ‬
‫ْ‬ ‫واألودية(((‪ ،‬إنّام‬ ‫ــعاب‬ ‫الش‬
‫يقال‪ْ :‬لو‬ ‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬حتّى َ‬ ‫بعضهــم إىل‬
‫ْ‬ ‫انضم‬
‫َّ‬ ‫ذلك منزالً ّإل‬
‫بعدَ َ‬
‫هم)(((‪.‬‬
‫لعم ْ‬
‫ثوب ّ‬
‫عليهم ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫بسط‬
‫بســطت عليهم كســاء‬
‫ُ‬ ‫ويف رواية‪« :‬حتى إنك لتقول‪ :‬لو‬
‫هم»(((‪.‬‬
‫لعم ْ‬
‫ّ‬

‫((( تفسري ابن جرير الطربي (‪ ،)333/14‬ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬إال هشام‬
‫بن سعد‪ ،‬فلم خيرج له مسلم إال يف الشواهد كام يف امليزان‪ ،‬وله شاهد بسند‬
‫حسن عند ابن أيب حاتم من حديث كعب بن مالك‪( .‬الصحيح املسند من‬
‫أسباب النزول ص‪.)71‬‬
‫(( ( قال يف عون املعبود‪( :‬الشــعاب) بكرس أوله مجع الشعب‪ ،‬وهو الطريق يف‬
‫اجلبل‪ ،‬أو ما انفرج بني اجلبلني‪( ،‬واألودية) مجع الوادي‪ ،‬وهو املســيل مما‬
‫بني اجلبلني (‪.)210/7‬‬
‫((( رواه أبو داود يف ســننه (‪ ،)2286‬وصححه األلباين يف صحيح ســنن أيب‬
‫داود‪.‬‬
‫((( أمحد‪ :‬الفتح الرباين (‪.)44/14‬‬

‫‪53‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ويالحظ رعاية النبي ﷺ ألصحابــه‪ ،‬وفيه حرص القائد‬


‫عىل مصلحة جنوده‪.‬‬
‫تفرق اجليش إذا نزل‪ ،‬فيه ختويف الشيطان للمسلمني‪،‬‬
‫إن ّ‬
‫وإغراء للعدو هبــم(((‪ .‬والتفرق يمنع بعض اجليش من معونة‬
‫بعض(((‪.‬‬
‫ويالحظ امتثال أصحاب النبي ﷺ لتوجيهه فيام استقبلوا‬
‫من أمرهم‪.‬‬
‫ومن األمثلة أيض ًا عىل بيان مرضة اخلطأ وخطورته‪ :‬حديث‬
‫صفوفكم‪ْ ،‬أو‬
‫ْ‬ ‫«لتسو َّن‬
‫ّ‬ ‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫قال الن ُّ‬ ‫النعامن بن بشري‬
‫وجوهكم»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫بني‬
‫ليخالفن اهللُ َ‬
‫َّ‬
‫ويف صحيح مســلم‪ ،‬عن ســاك بن حرب قال‪ :‬ســمعت‬
‫يسوي صفوفنا‪،‬‬ ‫رســول ا ِ‬
‫هلل ﷺ ّ‬ ‫ُ‬ ‫النعامن بن بشــر ُ‬
‫يقول َ‬
‫‪:‬كان‬
‫ثم‬‫القداح‪ ،‬حتّى رأى أنّا قدْ عقلنا عن ُه‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫يســوي هبا‬
‫ّ‬ ‫حتّى كأنّام‬
‫ال بادي ًا صدر ُه م ْن‬
‫يكب‪ ،‬فرأى رج ً‬ ‫خرج يوم ًا‪ ،‬فقا َم‪ ،‬حتّى كا َد ّ ُ‬ ‫َ‬
‫بني‬ ‫ليخالفن اهللُ َ‬
‫َّ‬ ‫صفوفكم‪ْ ،‬أو‬
‫ْ‬ ‫فقال‪« :‬عبا َد اهللِ ّ‬
‫لتسو َّن‬ ‫ف‪َ ،‬‬ ‫الص ِّ‬
‫ّ‬
‫وجوهكم»(((‪.‬‬
‫ْ‬
‫(( ( انظر‪ :‬عون املعبود (‪.)292/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬دليل الفاحلني (‪.)130/6‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)717‬ومسلم (‪.)436‬‬
‫(( ( صحيح مسلم (‪.)436‬‬

‫‪54‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫«راصوا‬
‫قال‪ّ :‬‬‫نبي اهللِ ﷺ َ‬ ‫َّ‬
‫أن َّ‬ ‫وروى النســائي‪ ،‬عن أنس‬
‫حمم ٍد‬
‫نفس ّ‬ ‫ِ‬
‫باألعناق‪ ،‬فوا ّلذي ُ‬ ‫صفوفكم‪ ،‬وقاربوا بينها‪ ،‬وحاذوا‬
‫ْ‬
‫احلذف»(((‪.‬‬ ‫كأنا‬ ‫الص ِّ‬ ‫من ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بيده ّإن ألرى ّ‬
‫ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫خلل ّ‬ ‫تدخل ْ‬ ‫ياطني‬
‫الش َ‬
‫فتبيني مفاســد اخلطأ‪ ،‬وما يرتتب عليــه من العواقب أمر‬
‫مهم يف اإلقناع للمخطئ‪ ،‬وقد تكون عاقبة اخلطأ عىل املخطئ‬
‫نفســه‪ ،‬وقد تتعدى إىل آخرين‪ ،‬فمــن األول ما رواه أبو داود‬
‫يح‪،‬‬
‫الر َ‬
‫ال لع َن ّ‬ ‫َّ‬
‫أن رج ً‬ ‫اس‬ ‫‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف ســننه ع ْن ِ‬
‫ابن ع ّب ٍ‬
‫لعن شــيئ ًا‬
‫من َ‬‫فإنا مأمورةٌ‪ ،‬وإ ّن ُه ْ‬
‫ّبي ﷺ‪« :‬ال تلعنها؛ ّ‬ ‫َ‬
‫فقال الن ُّ‬
‫رجعت ال ّلعن ُة ِ‬
‫عليه»(((‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ليس ل ُه ٍ‬
‫بأهل‬ ‫َ‬
‫ومثال الثاين ما رواه البخــاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف صحيحه‪،‬‬
‫عن عبــد الرمحن بن أيب بكرة‪ ،‬عن أبيه قــال‪ :‬أثنى ٌ‬
‫رجل عىل‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫فقال ٌ‬
‫رجل يا‬ ‫ّبي ﷺ‪ ،‬ويف رواية ملســلم‪َ :‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل عندَ الن ِّ‬
‫ُ‬
‫أفضل من ُه يف كذا وكذا(((‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫رجل بعدَ‬ ‫اهللِ؛ ما م ْن‬
‫َ‬
‫صاحبك»‪،‬‬ ‫عنق‬
‫قطعت َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاحبك‪،‬‬ ‫عنق‬
‫قطعت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫«ويلك‬ ‫فقال‪:‬‬
‫ْ‬
‫فليقل‪:‬‬ ‫منكم مادحــ ًا أخا ُه ال حمال َة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫كان‬
‫«من َ‬ ‫قال‪ْ :‬‬ ‫ثم َ‬‫مرار ًا‪َّ ،‬‬
‫أحسب فالن ًا‪ ،‬واهللُ حســيب ُه‪ ،‬وال أزكّي عىل اهللِ أحد ًا‪ ،‬أحسب ُه‬
‫ُ‬
‫يعلم َ‬
‫ذلك من ُه»(((‪.‬‬ ‫كان ُ‬
‫إن َ‬
‫كذا وكذا ْ‬

‫(( ( املجتبى (‪ ،)92/2‬وصححه األلباين يف صحيح ســنن النسائي (‪،)785‬‬


‫واحلذف الغنم السود الصغار‪.‬‬
‫((( رواه أبوداد (‪ ،)4908‬وصححه األلباين يف صحيح أيب داود (‪.)4102‬‬
‫(( ( صحيح مسلم (‪.)3000‬‬
‫(( ( البخاري (‪ )2662‬كتاب الشهادات‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ويف رواية البخاري يف األدب املفرد‪ ،‬عن حمجن األسلمي‬


‫رسول اهللِ ﷺ رج ً‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬رأى‬ ‫يف قصة له‪ ،‬قال‪ :‬حتّى إذا كنّا يف‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ْ :‬‬
‫«من هذا؟»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويركع‪َ ،‬‬
‫فقال يل‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يصل‪ ،‬ويسجدُ ‪،‬‬
‫رسول اهللِ‪ ،‬هذا ٌ‬
‫فالن‪ ،‬وهذا‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أطريه‪،‬‬ ‫فأخذت‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫«أمسك‪ ،‬ال تسمع ُه فتهلك ُه»(((‪.‬‬
‫ّبي ﷺ رج ً‬
‫ال‬ ‫سمع الن ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ويف رواية ع ْن أيب موســى‬
‫قطعتم‬ ‫«أهلكتم‪ْ ،‬أو‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مدحه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ويطريه يف‬ ‫ٍ‬
‫رجل‪،‬‬ ‫يثني عىل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الر ِ‬
‫جل»(((‪.‬‬ ‫ظهر ّ‬
‫َ‬
‫فقــد بني النبي ﷺ هنا هلذا املبالــغ يف املدح‪ ،‬املخطئ فيه‬
‫عاقبة خطئــه؛ وذلك أن الزيادة يف اإلطــراء تدخل يف قلب‬
‫املمــدوح الغرور‪ ،‬فيتيه بنفســه كرب ًا أو إعجابــ ًا‪ ،‬وربام يفرت‬
‫عن العمل متواك ً‬
‫ال عىل الشــهرة اآلتية من املدح‪ ،‬أو يقع يف‬
‫حيســه من لذة املدح‪ ،‬فيكون يف ذلك هالكه‪ ،‬وهو‬
‫الرياء؛ ملا ّ‬
‫عب عنــه ﷺ بقوله‪« :‬أهلكتم»‪ ،‬أو «قطعتم عنق الرجل»‪،‬‬
‫ما ّ‬
‫أو «ظهر الرجل»‪.‬‬
‫ثم إن املــادح قد جيازف يف املدح‪ ،‬ويقــول ما ال يتحققه‪،‬‬
‫وجيزم بام ال يســتطيع االطالع عليه‪ ،‬وقد يكذب‪ ،‬وقد يرائي‬
‫املمــدوح بمدحه‪ ،‬فتكــون الطامة‪ ،‬الســيام إن كان املمدوح‬
‫ظالـ ًام أو فاسق ًا(((‪.‬‬

‫((( األدب املفرد (‪ ،)341‬وحسنه األلباين يف صحيح األدب املفرد‪.‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ ،)2663‬ومسلم (‪.)3001‬‬
‫((( انظر الفتح (‪.)478/10‬‬

‫‪56‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫واملدح ليــس منهي ًا عنــه بإطالق‪ ،‬وقد مــدح النبي ﷺ‬


‫أشخاص ًا‪ ،‬وهم حضور‪ ،‬وقد جاء يف عنوان الباب يف صحيح‬
‫مســلم إيضاح مهم‪ :‬باب النّهي عن املدح إذا كان فيه إفراط‪،‬‬
‫وخيف منه فتن ٌة عىل املمدوح(((‪.‬‬
‫رت؛‬‫مقص ًا ال يرضه املدح‪ ،‬وإذا مدح ال يغ ّ‬
‫والذي يعدّ نفسه ّ‬
‫جل‬‫الر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ألنه يعرف حقيقة نفســه‪َ ،‬‬
‫مدح ّ‬
‫السلف‪ :‬إذا َ‬ ‫بعض ّ‬‫وقال ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يعلمون‪ ،‬وال تؤاخذين بام‬ ‫اغفر يل ما ال‬
‫هم ْ‬ ‫فليقل‪ :‬ال ّل َّ‬ ‫وجهه؛‬ ‫يف‬
‫البيهقي يف ّ‬
‫الشعب(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يقولون‪ ،‬واجعلني خري ًا ممّا يظنون‪ ،‬أخرجه‬
‫َ‬

‫‪ -11‬تعليم املخطئ عملي ًا‪:‬‬


‫يف كثري من األحيان يكون التعليم العلمي أقوى وأشدَّ أثر ًا‬
‫بن‬ ‫جبري ِ‬‫من التعليم النظري‪ ،‬وقد فعل ذلــك النبي ﷺ‪ ،‬فعن ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فقال‪:‬‬‫بوضوء‪َ ،‬‬ ‫فأمر ل ُه‬‫نفري‪ ،‬ع ْن أبيه أ ّن ُه قد َم عىل رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بفيه‪َ ،‬‬
‫فقال ل ُه‬ ‫جبري ِ‬ ‫جبري»‪ ،‬فبد َأ أبو ٍ‬ ‫«توض ْأ يا أبا ٍ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫بفيك يا أبا ٍ‬ ‫ِ‬
‫ثم دعا‬ ‫الكافــر يبتدئُ بفيه»‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫جبري؛ َّ‬ ‫«ال تبتــدئْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬
‫متضمض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فغسل ك ّفيه حتّى أنقامها‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫بوضوء‪،‬‬
‫وغســل يد ُه اليمنى إىل‬ ‫َ‬ ‫وغسل وجه ُه ثالث ًا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واستنشــق ثالث ًا‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رجليه(((‪.‬‬ ‫َ‬
‫وغسل‬ ‫ومسح رأس ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املرفق ثالث ًا‪ ،‬واليرسى ثالث ًا‪،‬‬
‫َ‬

‫((( انظر‪ :‬رشح النووي عىل مسلم (‪.)126/18‬‬


‫((( شعب اإليامن (‪ ،)4876‬وانظر‪ :‬الفتح (‪.)478/10‬‬
‫((( رواه البيهقي يف السنن (‪ ،)46/1‬وهو يف السلسلة الصحيحة (‪.)2820‬‬

‫‪57‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫واملالحظ هنا أن النبــي ﷺ عمد إىل تنفري ذلك الصحايب‬


‫مــن فعله املجانب للصواب عندما أخربه أن الكافر يبدأ بفيه‪،‬‬
‫ولعل املعنى أن الكافر ال يغسل كفيه قبل إدخاهلام يف اإلناء(((‪،‬‬
‫وهذا من عدم املحافظة عىل النظافة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -12‬تقديم البديل الصحيح‪:‬‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫َ‬ ‫عن ِ‬
‫عبد ِ‬
‫مع الن ِّ‬
‫قال‪ :‬كنّا إذا كنّا َ‬ ‫اهلل بن مســعود‬ ‫ْ‬
‫عباده‪ ،‬السالم عىل فالن‪ٍ،‬‬‫ِ‬ ‫السال ُم عىل اهللِ م ْن‬ ‫ِ‬
‫ّ ُ‬ ‫الصالة‪ ،‬قلنا‪ّ :‬‬ ‫يف ّ‬
‫وفالن (ويف رواية النسائي الســام عىل جربيل‪ ،‬السالم عىل‬ ‫ٍ‬

‫الس�لا ُم عىل اهللِ؛‬


‫ّبــي ﷺ‪« :‬ال تقولوا ّ‬ ‫ميكائيــل((()‪َ ،‬‬
‫فقال الن ُّ‬
‫لوات‬
‫والص ُ‬ ‫ــات هللِ‪ّ ،‬‬ ‫ولكن قولوا‪ :‬التّح ّي ُ‬ ‫ْ‬ ‫الســا ُم‪،‬‬ ‫هو ّ‬
‫فإن اهللَ َ‬ ‫َّ‬
‫ّبي ورمح ُة اهللِ وبركات ُه‪ّ ،‬‬
‫السال ُم‬ ‫َ‬
‫عليك ّأيا الن ُّ‬ ‫السال ُم‬‫بات‪ّ ،‬‬ ‫وال ّط ّي ُ‬
‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبد‬ ‫أصاب َّ‬ ‫َ‬ ‫قلتم‬
‫ّكم إذا ْ‬‫احلني؛ فإن ْ‬ ‫الص َ‬ ‫علينا وعىل عباد اهللِ ّ‬
‫أن ال إل َه ّإل اهللُ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪ ،‬أشــهدُ ْ‬ ‫ــاء‪ ،‬أو بني الس ِ‬
‫امء‬ ‫يف الس ِ‬
‫ْ َ ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫من الدّ عاء أعجب ُه‬ ‫يتخي ْ‬
‫ثم ّ ُ‬ ‫حممد ًا عبد ُه ورســول ُه‪َّ ،‬‬ ‫أن ّ‬ ‫وأشهدُ َّ‬
‫إليه‪ ،‬فيدعو»(((‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫مالــك‬ ‫أنس ِ‬
‫بن‬ ‫ومــن هذا البــاب ما جاء عــ ْن ِ‬
‫ِ‬ ‫فشــق َ‬ ‫ِ‬ ‫ّبي ﷺ رأى نخام ًة يف‬
‫ذلك عليه‪ ،‬حتّى َ‬
‫رئي‬ ‫َّ‬ ‫القبلة‪،‬‬ ‫الن َّ‬
‫(( ( أفادنيه العالمة الشيخ عبد العزيز بن باز عندما سألته عن رشح احلديث‪.‬‬
‫(( ( املجتبى ‪ :‬كتاب التطبيق باب كيف التشــهد األول‪ ،‬وهو يف صحيح سنن‬
‫الرتمذي رقم (‪.)1119‬‬
‫(( ( البخاري (‪ ،)835‬ومسلم (‪.)402‬‬

‫‪58‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫أحدكم إذا قا َم يف‬ ‫«إن‬ ‫َ‬


‫فقــال‪َّ :‬‬ ‫وجهه‪ ،‬فقــام‪ ،‬فح ّكه ِ‬
‫بيده‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يبزقن‬ ‫ِ‬
‫القبلة‪ ،‬فال‬ ‫وبني‬ ‫ِ‬
‫صالته‪ ،‬فإ ّن ُه يناجي ر ّب ُه‪ْ ،‬أو َّ‬
‫َّ‬ ‫إن ر ّب ُه بين ُه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قبل ِ‬ ‫أحدكم َ‬
‫حتــت قدميه»‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫َ‬ ‫يســاره‪ْ ،‬أو‬ ‫عن‬
‫ولكن ْ‬
‫ْ‬ ‫قبلته‪،‬‬ ‫ْ‬
‫بعض‪َ ،‬‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫فبصق فيه‪َّ ،‬‬
‫ثم ر َّد بعض ُه عىل‬ ‫َ‬ ‫طرف ردائه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أخذ‬
‫«أو ُ‬
‫يفعل هكذا»(((‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫يمينه‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ِ‬
‫بني يديــه‪ ،‬وال ْ‬ ‫أحدكم َ‬
‫ْ‬ ‫يتفلن‬
‫َّ‬ ‫ويف روايــة‪« :‬ال‬
‫ِ‬
‫رجله»(((‪.‬‬ ‫حتت‬
‫يساره‪ْ ،‬أو َ‬‫ِ‬ ‫عن‬ ‫ولكن ْ‬
‫ْ‬
‫قال‪ :‬جا َء ٌ‬
‫بالل‬ ‫اخلــدري ‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ســعيد‬ ‫ومثال آخر‪ :‬عن أيب‬
‫َّ‬
‫قال‬‫ّبي ﷺ‪ :‬م ْن أي َن هذا؟ َ‬ ‫فقال ل ُه الن ُّ‬‫برين‪َ ،‬‬ ‫ّبــي ﷺ ٍ‬
‫بتمر ٍّ‬ ‫إىل الن ِّ‬
‫لنطعم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫صاعني بصاعٍ؛‬ ‫فبعت منــ ُه‬ ‫ُ‬ ‫ردي‪،‬‬‫متر ٌّ‬ ‫‪:‬كان عندنا ٌ‬ ‫ٌ‬
‫بالل َ‬
‫الربا‪،‬‬
‫عني ّ‬
‫«أو ْه‪ّ ،‬أو ْه‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫ذلــك‪ّ :‬‬ ‫ّبي ﷺ عندَ‬ ‫ّبــي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال الن ُّ‬ ‫الن َّ‬
‫ّمر ببي ٍع‬
‫فبع الت َ‬‫تشرتي ْ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫أردت ْ‬ ‫َ‬ ‫ولكن إذا‬
‫ْ‬ ‫الربا‪ ،‬ال ْ‬
‫تفعل‪،‬‬ ‫عني ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ثم اشرته»(((‪.‬‬ ‫آخر‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫متر‬ ‫َ‬
‫وكان ُ‬ ‫ــان‪،‬‬ ‫يت ٍ‬
‫بتمر ر ّي َ‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ أ َ‬
‫َ‬ ‫ويف روايــة‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫ّمر»‪،‬‬ ‫يبــس‪َ ،‬‬ ‫نبي اهللِ ﷺ متر ًا بعالً‪ِ ،‬‬
‫لكم هذا الت ُ‬ ‫فقال‪« :‬أنّى ْ‬ ‫ٌ‬ ‫فيه‬ ‫ِّ‬
‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫فقال الن ُّ‬ ‫ِ‬
‫بصاعني م ْن مترنا‪َ ،‬‬ ‫متر‪ ،‬ابتعنا صاع ًا‬ ‫فقالوا‪ :‬هذا ٌ‬
‫َ‬
‫حاجتك»(((‪.‬‬ ‫ابتع‬
‫ثم ْ‬ ‫بع َ‬
‫مترك‪َّ ،‬‬ ‫ولكن ْ‬
‫ْ‬ ‫ذلك‪،‬‬‫يصلح َ‬ ‫ُ‬ ‫«ال‬

‫(( ( البخاري (‪.)405‬‬


‫(( ( البخاري (‪.)412‬‬
‫(( ( البخاري (‪ ،)2312‬ورواه مسلم (‪.)1594‬‬
‫(( ( مسند أمحد (‪.)31/23‬‬

‫‪59‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫والــذي نجده يف واقع بعض الدعــاة‪ ،‬اآلمرين باملعروف‬


‫الناهني عــن املنكر قصــور ًا يف دعوهتم‪ ،‬عنــد إنكار بعض‬
‫أخطاء النــاس‪ ،‬وذلك باالكتفاء بالتخطئــة وإعالن احلرمة‪،‬‬
‫دون تقديــم البديل‪ ،‬أو بيان ما هــو الواجب فعله إذا حصل‬
‫اخلطأ‪ ،‬ومعلوم مــن طريقة الرشيعة أهنا تقدم البدائل؛ عوض ًا‬
‫عن أي منفعة حمرمة‪ ،‬فلام حرمــت الزنا رشعت النكاح‪ ،‬وملا‬
‫حرمت الربا أباحت البيــع‪ ،‬وملا حرمت اخلنزير وامليتة‪ّ ،‬‬
‫وكل‬
‫ذي ناب من الســباع وخملب من الطري أباحــت الذبائح من‬
‫هبيمــة األنعام وغريها‪ ،‬وهكذا‪ .‬ثم لو وقع الشــخص يف أمر‬
‫حمرم‪ ،‬فقد أوجدت له الرشيعة املخــرج بالتوبة والكفارة كام‬
‫هو مبني يف نصــوص الكفارات‪ ،‬فينبغي عىل الدعاة أن حيذوا‬
‫حذو الرشيعة يف تقديم البدائل‪ ،‬وإجياد املخارج الرشعية(((‪.‬‬
‫ومما جتدر اإلشارة إليه أن مسألة تقديم البديل هي بحسب‬
‫اإلمكان والقدرة‪ ،‬فقد يكون األمر أحيان ًا ً‬
‫خطأ جيب االمتناع‬
‫عنه‪ ،‬وال يوجد يف الواقع بديل مناسب؛ إما لفساد احلال‪ ،‬وبعد‬
‫الناس عن رشيعة اهلل‪ ،‬أو ألن اآلمر الناهي ال يستحرض شيئ ًا‪،‬‬
‫أو ليس لديه إملام ببديل يقولــه‪ ،‬ويوجه إليه‪ ،‬وهذا يقع كثري ًا‬
‫يف بعض التعامالت املالية‪ ،‬وأنظمة االســتثامر التي نشأت يف‬
‫جمتمعات الكفار‪ ،‬ونقلت بام هي عليه من املخالفات الرشعية‬

‫(( ( ومن األمثلة لتقديم البديل ذكر احلديث الصحيح الذي يغنى عن احلديث‬
‫الضعيف‪ ،‬أو املوضوع‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫إىل جمتمعات املســلمني‪ ،‬ويف املسلمني من القصور والضعف‬


‫ما حيول دون إجيــاد البديل الرشعي وتعميمــه‪ .‬ولكن يبقى‬
‫احلــال أن ذلك قصور ونقص‪ ،‬وأن املنهج اإلهلي فيه البدائل‪،‬‬
‫واملخارج التي ترفع احلرج‪ ،‬والعنت عن املسلمني‪ ،‬علمها من‬
‫علمها‪ ،‬وجهلها من جهلها‪.‬‬

‫‪ -13‬اإلرشاد إىل ما يمنع من وقوع اخلطأ‪:‬‬


‫َ‬
‫رسول‬ ‫أن أبا ُه حدّ ث ُه‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫حنيف‪َّ ،‬‬ ‫سهل ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫ع ْن أيب أمام َة ِ‬
‫بن‬
‫ِ‬
‫بشعب‬ ‫نحو م ّك َة‪ ،‬حتّى إذا كانوا‬ ‫خرج وســاروا مع ُه َ‬‫اهللِ ﷺ َ‬
‫َ‬
‫وكان رج ً‬
‫ال‬ ‫ٍ‬
‫حنيــف‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ســهل ب ُن‬ ‫َ‬
‫اغتســل‬ ‫ِ‬
‫اجلحفة‬ ‫اخلز ِار م ْن‬
‫ّ‬
‫عامر ب ُن ربيع َة أخو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فنظر إليه ُ‬ ‫أبيض‪ ،‬حس َن اجلســ ِم واجللد‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫رأيت كاليو ِم‬ ‫يغتســل‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬مــا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كعب‪َ ،‬‬
‫وهو‬ ‫عدي ِ‬
‫بن‬ ‫ِّ‬ ‫بني‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقيل ل ُه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فلبط ٌ‬
‫سهل(((‪َ ،‬‬
‫فأيت‬ ‫وال جلدَ خمب ٍ‬
‫أة(((‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫يفيق‪،‬‬ ‫سهل؟ واهللِ ما ُ‬
‫يرفع رأس ُه‪ ،‬وما ُ‬ ‫ٍ‬ ‫لك يف‬ ‫رسول اهللِ ْ‬
‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ ِ‬ ‫قال‪ْ :‬‬‫َ‬
‫عامر ب ُن‬
‫نظر إليه ُ‬‫من أحــد؟»‪ ،‬قالوا‪َ :‬‬‫ّهمون فيه ْ‬ ‫«هل تت‬
‫وقال‪« :‬عال َم‬ ‫رسول اهللِ ﷺ عامر ًا‪ ،‬فتغي َظ ِ‬
‫عليه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ربيع َة‪ ،‬فدعا‬
‫ّ‬
‫قال‬‫ثم َ‬ ‫كت»‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫يعجبك ّبر َ‬ ‫رأيت ما‬
‫َ‬ ‫هل إذا‬‫أحدكم أخا ُه؟ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يقتل‬
‫ِ‬
‫وركبتيه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومرفقيه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويديه‪،‬‬ ‫َ‬
‫فغســل وجه ُه‪،‬‬ ‫ْ‬
‫«اغتسل ل ُه»‪،‬‬ ‫ل ُه‪:‬‬
‫صب َ‬ ‫ِ‬
‫إزاره يف ٍ‬ ‫ِ‬
‫رجليه‪ ،‬وداخلــ َة‬
‫ذلك املا ُء‬ ‫ثم َّ‬‫قدح‪َّ ،‬‬ ‫وأطراف‬
‫َ‬

‫((( املخبأة‪ :‬هي الفتاة يف خدرها‪ ،‬وهو كناية عن شدة بياضه‪.‬‬


‫(( ( رصع‪ ،‬وسقط عىل األرض‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫القدح‬ ‫يكفئ‬ ‫ِ‬


‫خلفه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وظهره م ْن‬ ‫ِ‬
‫رأسه‪،‬‬ ‫رجل عىل‬ ‫ِ‬
‫عليه‪ ،‬يص ّب ُه ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫مع الن ِ‬ ‫فراح ٌ‬ ‫ففعل ِبه َ‬
‫وراء ُه‪َ ،‬‬
‫بأس(((‪.‬‬
‫ليس به ٌ‬
‫ّاس َ‬ ‫سهل َ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬
‫سهل‬ ‫بن ِ‬ ‫بن أيب أمام َة ِ‬ ‫حمم ِد ِ‬
‫ويف رواية مالك ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ع ْن ّ‬
‫سهل ب ُن‬ ‫اغتسل أيب‪ُ ،‬‬‫َ‬ ‫يقول‪:‬‬‫سمع أبا ُه أبا أمامة‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫حنيف‪ ،‬أ ّن ُه‬ ‫بن‬‫ِ‬
‫َ‬
‫كانت ِ‬ ‫ٍ‬
‫ينظر‪،‬‬ ‫وعامر ب ُن ربيع َة ُ‬
‫ُ‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫باخلر ِار‪َ ،‬‬
‫فنزع ج ّب ًة ْ‬ ‫حنيف‪ّ ،‬‬
‫عامر‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اجللد‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫سهل رج ً‬ ‫وكان ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فقال ُ‬ ‫أبيض حســ َن‬ ‫ال َ‬ ‫قال‪:‬‬
‫سهل مكان ُه‪ ،‬واشتدَّ‬‫فوعك ٌ‬ ‫َ‬ ‫رأيت كاليو ِم‪ ،‬والَ جلدَ عذرا َء‪،‬‬ ‫ما ُ‬
‫غري‬
‫وعك‪ ،‬وأ ّن ُه ُ‬‫ال َ‬ ‫أن سه ً‬ ‫رب َّ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪ ،‬فأخ َ‬
‫ُ‬ ‫يت‬
‫وعك ُه‪ ،‬فأ َ‬
‫سهل‬‫رس��ول اهللِ ﷺ‪ ،‬فأخرب ُه ٌ‬
‫ُ‬ ‫رس��ول اهللِ‪ ،‬فأتا ُه‬
‫َ‬ ‫رائح َ‬
‫معك يا‬ ‫ٍ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬عال َم‬
‫ُ‬ ‫عامر بن ربيعة‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫كان م ْن شأن ٍ‬‫با ّلذي َ‬
‫توض ْأ ل ُه»‪ّ ،‬‬
‫فتوض َأ‬ ‫حق‪ّ ،‬‬
‫العني ٌّ‬
‫إن َ‬ ‫أحدكم أخا ُه؟ ّأل ّبر َ‬
‫كت؛ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يقتل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأس(((‪.‬‬
‫ليس به ٌ‬‫رسول اهللِ ﷺ َ‬ ‫مع‬
‫سهل بن حنيف َ‬ ‫فراح ٌ‬
‫ل ُه‪َ ،‬‬
‫وقد تضمنت هذه القصة‪:‬‬
‫املرب عىل من تسبب يف إيذاء أخيه املسلم‪.‬‬
‫‪ -‬تغ ّيظ ّ‬
‫‪ -‬بيان مرضة اخلطأ‪ ،‬وأنه ربام يؤدي إىل القتل‪.‬‬
‫‪ -‬اإلرشاد إىل ما يمنع من وقوع الرضر‪ ،‬وإيذاء املسلم‪.‬‬

‫(( ( املســند (‪ ،)486/3‬وقال اهليثمي‪ :‬رجال أمحد رجال الصحيح‪ ،‬املجمع‬


‫(‪ .)107/5‬وصححه األلباين يف مشكاة املصابيح (‪.)4562‬‬
‫(( ( املوطأ (‪ ،)1972‬وصححه األلباين يف التعليقات احلسان عىل صحيح ابن‬
‫حبان (‪.)458/8‬‬

‫‪62‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪-14‬عدم مواجهة بعض املخطئني باخلطأ‪ ،‬واالكتفاء‬


‫بالبيان العام‪:‬‬
‫ّبي ﷺ‪« :‬مــا ُ‬
‫بال أقوا ٍم‬ ‫ق��ال‪َ :‬‬
‫مالك َ‬ ‫ع��ن أنس بن ٍ‬
‫قال الن ُّ‬ ‫َ‬
‫ذلك‬‫صالهتم»‪ ،‬فاشتدَّ قول ُه يف َ‬ ‫يرفعون أبصارهم إىل الس ِ‬
‫امء يف‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫أبصارهم»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لتخطفن‬
‫َّ‬ ‫عن َ‬
‫ذلك‪ْ ،‬أو‬ ‫«لينتهن ْ‬
‫َّ‬ ‫حتّى َ‬
‫قال‪:‬‬

‫رشاء جارية اســمها بريرة رفض‬ ‫وملا أرادت عائشــة‬


‫أهلها بيعها إال برشط أن يكون الوالء هلم‪ ،‬فلام علم النبي ﷺ‬
‫قــام يف الناس‪ ،‬فحمد اهلل‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬ما بال رجال‬
‫يشرتطون رشوط ًا ليست يف كتاب اهلل؟ ما كان من رشط ليس‬
‫يف كتــاب اهلل فهو باطل‪ ،‬وإن كان مائة رشط‪ ،‬قضاء اهلل أحق‪،‬‬
‫أوثق‪ ،‬وإنام الوالء ملن أعتق»(((‪.‬‬ ‫ورشط اهلل ُ‬‫ُ‬
‫ّبي ﷺ شــيئ ًا‪،‬‬ ‫قالت عائشــ ُة ‪َ :‬‬ ‫ٍ‬
‫صنع الن ُّ‬ ‫مرسوق‪ْ ،‬‬ ‫وع ْن‬
‫فرخص ِ‬
‫فخطب‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪،‬‬‫ذلك الن َّ‬ ‫فتنز َه عن ُه قــو ٌم‪َ ،‬‬
‫فبلغ َ‬ ‫فيه ‪ّ ،‬‬ ‫ّ َ‬
‫الش ِء أصنع ُه‪،‬‬
‫عن ّ‬ ‫قال‪« :‬ما ُ‬
‫بال أقوا ٍم يتنز َ‬
‫ّهون ْ‬ ‫ثم َ‬‫فحمدَ اهللَ‪َّ ،‬‬
‫هم ل ُه خشي ًة»(((‪.‬‬
‫ألعلمهم باهللِ‪ ،‬وأشدّ ْ‬
‫ْ‬ ‫فواهللِ ّإن‬

‫قال‬‫قال‪َ :‬‬
‫بن سمر َة َ‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)750‬ورواه مسلم (‪ )428‬عن ِ‬
‫جابر ِ‬
‫امء يف الص ِ‬
‫الة‪ْ ،‬أو‬ ‫يرفعون أبصارهم إىل الس ِ‬
‫َ‬ ‫«لينتهني أقوا ٌم‬ ‫رســول ا ِ‬
‫هلل ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫إليهم»‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ترجع‬
‫ُ‬ ‫ال‬
‫((( رواه البخاري (‪ )2168‬ومسلم (‪.)1504‬‬
‫(( ( البخاري (‪.)6101‬‬

‫‪63‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫رســول اهللِ ﷺ رأى نخام ًة يف ِ‬


‫قبلة‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َّ‬ ‫وع ْن أيب هرير َة‬
‫َ‬
‫مستقبل‬ ‫أحدكم يقو ُم‬ ‫فقال‪« :‬ما ُ‬
‫بال‬ ‫ّاس َ‬ ‫فأقبل عىل الن ِ‬ ‫املسجد‪َ ،‬‬‫ِ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫يســتقبل‪ ،‬فيتنخّ َع يف‬ ‫أن‬
‫أحدكم ْ‬ ‫أحيــب‬ ‫ــه‪ ،‬فيتنخّ ُع أمام ُه‪،‬‬ ‫رب ِ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫حتت قدمه‪ِ،‬‬ ‫ِ‬
‫عن يســاره‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫أحدكم‪ ،‬فليتنخّ ْع ْ‬
‫ْ‬ ‫وجهه‪ ،‬فإذا تنخّ َع‬
‫ِ‬ ‫القاسم‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫فتفل يف ثوبه‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ُ‬ ‫ووصف‬
‫َ‬ ‫فليقل‪ :‬هكذا»‪،‬‬ ‫فإن مل ْ جيدْ ‪،‬‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫بعض(((‪.‬‬ ‫مسح بعض ُه عىل‬ ‫َ‬
‫صل صال َة‬‫ّبي ﷺ أ ّن ُه ّ‬
‫وروى النســائي يف ســننه‪ ،‬ع ْن الن ِّ‬
‫ِ‬
‫بال‬‫قال‪« :‬ما ُ‬
‫صــى َ‬ ‫ّ‬ ‫فالتبس عليه‪ّ ،‬‬
‫فلم‬ ‫َ‬ ‫بح‪ ،‬فقر َأ ّ‬
‫الــرو َم‪،‬‬ ‫الص ِ‬
‫ّ‬
‫القرآن‬
‫َ‬ ‫يلبس علينا‬ ‫حيسنون ال ّط َ‬
‫هور؛ فإنّام ُ‬ ‫َ‬ ‫أقوا ٍم يص ّل َ‬
‫ون معنا ال‬
‫َ‬
‫أولئك»(((‪.‬‬
‫واألمثلة كثــرة‪ ،‬وجيمعها‪ :‬عدم فضــح صاحب اخلطأ‪،‬‬
‫واســتخدام أســلوب التعريض باملخطئ‪ ،‬وعدم مواجهته له‬
‫فوائد‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬جتنب رد الفعل الســلبي للمخطئ‪ ،‬وإبعــاده عن تزيني‬
‫الشيطان له باالنتقام الشخيص‪ ،‬واالنتصار للنفس‪.‬‬

‫(( ( صحيح مسلم (‪.)550‬‬


‫(( ( سنن النســائي (‪ ،)947‬وضعفه األلباين يف ضعيف النسائي‪ .‬ورواه أمحد‬
‫رســول اهللِ ﷺ صالةً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫صل بنا‬ ‫الكالعي‪َ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫(‪ )15872‬ع ْن أيب ٍ‬
‫روح‬
‫ــيطان‬
‫ُ‬ ‫لبس علينا ّ‬
‫الش‬ ‫َ‬
‫فلبــس بعضها‪ ،‬قال‪« :‬إنّام َ‬
‫َ‬ ‫فقر َأ فيها ســور َة ّ‬
‫الرومِ‪،‬‬
‫الصال َة‬ ‫ٍ‬ ‫الصــا َة ِ‬ ‫أجل أقــوا ٍم‬‫من ِ‬
‫أتيتم ّ‬
‫بغري وضوء‪ ،‬فــإذا ُ‬ ‫يأتون ّ‬‫َ‬ ‫القــراء َة ْ‬
‫الوضوء»‪ ،‬وحسنه حمققو املسند‪.‬‬
‫َ‬ ‫فأحسنوا‬

‫‪64‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -2‬أنه أكثر قبوالً‪ ،‬وتأثري ًا يف النفس‪.‬‬


‫‪ -3‬أنه أسرت للمخطئ بني الناس‪.‬‬
‫املرب‪ ،‬وزيادة املحبة للناصح‪.‬‬
‫‪ -4‬ازدياد منزلة ّ‬
‫وينبغي االنتباه إىل أن أســلوب التعريــض هذا إليصال‬
‫احلكــم إىل املخطئ دون فضحه وإحراجــه إنام يكون إذا كان‬
‫أمر املخطئ مســتور ًا ال يعرفه أكثر النــاس‪ ،‬أما إذا كان أكثر‬
‫احلارضين يعرفونه‪ ،‬وهو يعلم بذلك‪ ،‬فإن األسلوب حينئذ قد‬
‫ٍ‬
‫وفضح بالغ السوء‪ ،‬واملضايقة‬ ‫يكون أسلوب تقريع وتوبيخ‪،‬‬
‫للمخطئ‪ ،‬بل إنه ربام يتمنى لو أنه ووجه بخطئه‪ ،‬ومل يستعمل‬
‫معه ذلك األسلوب‪.‬‬
‫ومن األمور املؤثرة‪ :‬من هو الذي يوجه الكالم؟ وبحرضة‬
‫من يكون الكالم؟ وهل كان بأسلوب اإلثارة واالستفزاز‪ ،‬أم‬
‫بأسلوب النصح واإلشفاق؟‬
‫فاألســلوب غري املبارش أســلوب تربوي‪ ،‬نافع للمخطئ‬
‫ولغريه‪ ،‬إذا استعمل بحكمة‪.‬‬
‫‪ -15‬إثارة العامة عىل املخطئ‪:‬‬
‫وهذا يكون يف أحوال معينة‪ ،‬وينبغي أن يوزن وزن ًا دقيق ًا؛‬
‫حتى ال تكون له مضاعفات ســلبية‪ ،‬وفيام ييل مثال نبوي هلذه‬
‫الوسيلة‪.‬‬
‫ّبي ﷺ يشكو جار ُه‪،‬‬ ‫قال‪ :‬جا َء ٌ‬
‫رجل إىل الن ِّ‬ ‫َ‬ ‫ع ْن أيب هرير َة‬

‫‪65‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫«اذهب‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫مر ِ‬
‫تني‪ْ ،‬أو ثالث ًا‪َ ،‬‬ ‫فاصرب»‪ ،‬فأتا ُه ّ‬ ‫«اذهب‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فقال‪:‬‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫فجعل‬ ‫فطــرح متاع ُه يف ال ّط ِ‬
‫ريق‪،‬‬ ‫َ‬ ‫متاعك يف ال ّط ِ‬
‫ريق»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فاطرح‬
‫ْ‬
‫ّاس يلعنون ُه‪َ ،‬‬
‫فعل‬ ‫َ‬
‫فجعل الن ُ‬ ‫فيخربهم خرب ُه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ّاس يسألون ُه‪،‬‬
‫الن ُ‬
‫ارجع ال ترى‬ ‫فقال ل ُه‪:‬‬ ‫وفعل‪ ،‬فجاء ِ‬
‫إليه جار ُه‪َ ،‬‬ ‫وفعل‪َ ،‬‬ ‫اهللُ ِبه‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫منّي شيئ ًا تكره ُه(((‪.‬‬
‫ويقابل هذا األسلوب أســلوب آخر‪ ،‬يستخدم يف أحوال‬
‫أخــرى‪ ،‬ومع أشــخاص آخرين يف محاية املخطــئ من إيذاء‬
‫العامة‪ ،‬ويبينه الفقرة التالية‪:‬‬
‫‪ -16‬جتنب إعانة الشيطان عىل املخطئ‪:‬‬
‫ّبي ﷺ َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬ ‫‪َّ ،‬‬
‫أن رج ً‬ ‫بن اخل ّط ِ‬ ‫عمر ِ‬
‫ال عىل عهد الن ِّ‬ ‫اب‬ ‫ع ْن َ‬
‫رسول اهللِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يضحك‬ ‫َ‬
‫وكان‬ ‫ب‪ :‬محار ًا‪،‬‬ ‫وكان يل ّق ُ‬
‫َ‬ ‫اس��م ُه عبدَ ِ‬
‫اهلل‪،‬‬
‫فأمر ِبه‪،‬‬ ‫اب‪ ،‬فأ ِ‬
‫يت به يوم ًا‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ّبي ﷺ قدْ جلد ُه يف ّ‬ ‫َ‬
‫وكان الن ُّ‬ ‫ﷺ‪،‬‬
‫أكثر ما يؤتى ِبه؟ َ‬
‫فقال‬ ‫هم العن ُه ما َ‬ ‫رجل م ْن القو ِم‪ :‬ال ّل َّ‬
‫فقال ٌ‬ ‫فجلدَ ‪َ ،‬‬
‫حيب اهللَ ورسول ُه»(((‪.‬‬‫علمت إ ّن ُه ُّ‬
‫ُ‬ ‫ّبي ﷺ‪« :‬ال تلعنو ُه‪ ،‬فواهللِ ما‬ ‫الن ُّ‬
‫فأمر‬ ‫َ‬
‫بســكران‪َ ،‬‬ ‫ّبي ﷺ‬ ‫يت الن ُّ‬ ‫وع ْن أيب هريــر َة ‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬أ َ‬
‫ِ‬
‫بنعله‪ ،‬ومنّا م ْن‬ ‫برضبــه‪ ،‬فمنّا من يرضبه ِ‬
‫بيده‪ ،‬ومنّا م ْن يرضب ُه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫رجل‪ :‬مــا ل ُه أخزا ُه اهللُ‪َ ،‬‬ ‫قال ٌ‬ ‫انرصف َ‬ ‫ِ‬
‫فقال‬ ‫َ‬ ‫يرضب ُه بثوبه‪ّ ،‬‬
‫فلم‬
‫أخيكم»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الش ِ‬
‫يطان عىل‬ ‫عون ّ‬‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬ال تكونوا َ‬ ‫ُ‬

‫(( ( رواه أبو داود (‪ ، )5153‬وصححه األلباين يف صحيح أيب داود ‪.‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)6780‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)6781‬‬

‫‪66‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫قال ارضبو ُه‪:‬‬ ‫رشب‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬


‫برجل قدْ‬ ‫ّبي ﷺ‬‫يت الن ُّ‬ ‫وعنه قال‪ :‬أ َ‬
‫ِ‬
‫بنعله‪،‬‬ ‫ارب‬ ‫ِ‬
‫بيــده‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫والض ُ‬ ‫ارب‬
‫الض ُ‬ ‫قال أبو هريــر َة ‪ :‬فمنّا ّ‬
‫َ‬
‫أخزاك اهللُ‪،‬‬ ‫بعض القو ِم‪:‬‬ ‫انرصف‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬ ‫ارب بثوبه‪ّ ،‬‬
‫فلم‬ ‫والض ُ‬
‫ّ‬
‫يطان»(((‪.‬‬
‫الش َ‬ ‫عليه ّ‬ ‫قال‪« :‬ال تقولوا هكذا‪ ،‬ال تعينوا ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ألصحابه‪ :‬بكّتو ُه‪،‬‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫ثم َ‬
‫قال‬ ‫ويف رواية‪َّ ...« :‬‬
‫خشــيت اهللَ؟ وما‬
‫َ‬ ‫ّقيت اهللَ؟ ما‬ ‫َ‬
‫يقولون‪ :‬مــا ات َ‬ ‫فأقبلــوا ِ‬
‫عليه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخره‪:‬‬ ‫وقال يف‬‫ثم أرســلو ُه‪َ .‬‬ ‫اس��تحييت م ْن رسول اهللِ ﷺ؟ َّ‬ ‫َ‬
‫وبعضهم يزيدُ‬
‫ْ‬ ‫اغفر ل ُه‪ ،‬ال ّل َّ‬
‫هــم ارمح ُه»‪،‬‬ ‫هم ْ‬ ‫«ولكن قولوا‪ ،‬ال ّل َّ‬
‫ْ‬
‫الكلم َة‪ ،‬ونحوها(((‪.‬‬
‫َ‬
‫أخزاك اهللُ‪،‬‬ ‫بعض القو ِم‪:‬‬ ‫انرصف‪َ ،‬‬
‫قال ُ‬ ‫َ‬ ‫فلم‬
‫ويف رواية‪ّ ...( :‬‬
‫يطان‪،‬‬
‫الش َ‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬ال تقولوا هكذا‪ ،‬ال تعينوا ِ‬
‫عليه ّ‬ ‫رسول ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫َ‬
‫رمحك اهللُ»)(((‪.‬‬ ‫ولكن قولوا‪:‬‬
‫ْ‬
‫ويســتفاد من جمموع هذه الروايات أن املسلم ‪-‬وإن وقع‬
‫يف معصيــة‪ -‬فإنه يبقى معه أصل اإلســام‪ ،‬وأصل املحبة هلل‬
‫ورســوله‪ ،‬فال جيوز أن ينفى عنه ذلك‪ ،‬وال أن يدعى عليه بام‬
‫يعني عليه الشيطان‪ ،‬بل يدعى له باهلداية واملغفرة والرمحة‪.‬‬
‫‪ -17‬طلب الكف عن الفعل اخلطأ‪:‬‬
‫من األمهيــة بمــكان إيقاف املخطــئ عن االســتمرار يف‬

‫((( رواه البخاري (‪.)6777‬‬


‫(( ( رواه أبو داود (‪ ،)4478‬وصححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود‪.‬‬
‫((( رواه أمحد (‪ ،)300/2‬قال أمحد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫اخلطأ؛ حتى ال يزداد ســوء ًا‪ ،‬وحتى حيصل القيام بإنكار املنكر‪،‬‬
‫وال يتأخر‪.‬‬
‫رس��ول اهللِ ﷺ‪« :‬م ْه؛‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ال وأيب‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫عمر أ ّن ُه َ‬
‫ع ْن َ‬
‫َ‬ ‫دون اهللِ فقدْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫أرشك»(((‪.‬‬ ‫بيشء َ‬ ‫حلف‬ ‫إ ّن ُه ْ‬
‫من‬
‫«مه»‪ :‬كلمة زجر وإنكار؛ بمعنى‪ :‬اكفف‪.‬‬
‫مع‬ ‫الزاهر ّي ِة‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬كنّا َ‬ ‫وروى أبو داود يف ســننه‪ ،‬عــ ْن أيب ّ‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‪ -‬فجا َء‬ ‫ّبي ﷺ ي��و َم‬ ‫ِ‬ ‫بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبــد اهللِ ِ‬
‫صاحــب الن ِّ‬ ‫برس‪-‬‬
‫رجل‬‫برس‪ :‬جا َء ٌ‬‫اهلل ب ُن ٍ‬ ‫فقال عبدُ ِ‬ ‫ّاس‪َ ،‬‬‫رقاب الن ِ‬
‫َ‬ ‫رجل يتخ ّطى‬ ‫ٌ‬
‫خيطب‪َ ،‬‬
‫فقال ل ُه‬ ‫ّبي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫رقاب الن ِ‬ ‫يتخ ّطى‬
‫ُ‬ ‫ّاس يو َم اجلمعة‪ ،‬والن ُّ‬ ‫َ‬
‫آذيت»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫«اجلس فقدْ‬
‫ْ‬ ‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫الن ُّ‬
‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫جتش َأ ٌ‬
‫رجل عندَ الن ِّ‬ ‫عمر‪َ ،‬‬
‫قال‪ّ :‬‬ ‫وروى الرتمذي‪ ،‬ع ْن ِ‬
‫ابن َ‬
‫أطوهلم‬
‫ْ‬ ‫أكثرهم شبع ًا يف الدّ نيا‬
‫ْ‬ ‫فإن‬ ‫َ‬
‫جشــاءك؛ َّ‬ ‫َّ‬
‫«كف عنّا‬ ‫َ‬
‫فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫القيامة»(((‪.‬‬ ‫جوع ًا يو َم‬
‫ففي هــذه األحاديث الطلب املبارش مــن املخطئ بالكف‬
‫واالمتناع عن فعله‪.‬‬
‫‪ -18‬إرشاد املخطئ إىل تصويب خطئه‪:‬‬
‫وقد كان ذلك من النبي ﷺ بعدة أساليب منها‪:‬‬

‫((( رواه اإلمام أمحد (‪ ،)47/1‬وقال أمحد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬


‫((( سنن أيب داود (‪ .)1118‬وصححه األلباين يف صحيح أيب داود‪.‬‬
‫((( رواه الرتمذي (‪ ،)2478‬وحسنه األلباين يف صحيح الرتمذي‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -1‬حماولة لفــت نظر املخطئ إىل خطئه؛ ليقوم بتصحيحه‬


‫بنفسه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ســعيد‬ ‫ومن األمثلة عىل ذلك ما رواه أمحد‪ ،‬ع ْن ً‬
‫مول أليب‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬ ‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫اخلدري‪ ،‬أ ّن ُه َ‬
‫وهو َ‬
‫مع أيب سعيد‪َ ،‬‬ ‫كان َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬مش ّبك ًا‬ ‫َ‬
‫وسط‬ ‫ال جالســ ًا‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬فرأى رج ً‬ ‫ُ‬
‫فدخل الن ُّ‬
‫فلم يفط ْن‪،‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫أصابعه‪ ،‬حيدّ ُ‬
‫ّبي ﷺ‪ْ ،‬‬ ‫فأومأ إليه الن ُّ‬ ‫ث نفســ ُه‪،‬‬ ‫بني‬
‫َ‬
‫أحدكم فال‬ ‫ّ‬
‫صــى‬ ‫فقال‪« :‬إذا‬ ‫ٍ‬
‫ســعيد‪َ ،‬‬ ‫فالتفــت إىل أيب‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬‫َ‬
‫ْ‬
‫أحدكم‬ ‫فإن‬
‫يطان؛ َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫من ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّشبيك ْ‬ ‫فإن الت‬
‫أصابعه؛ َّ‬ ‫بني‬
‫كن َ‬ ‫يشــ ّب َّ‬
‫خيرج من ُه»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُ‬
‫يزال يف صالة ما دا َم يف املسجد‪ ،‬حتّى َ‬
‫‪ -2‬طلب إعــادة الفعل عىل الوجه الصحيح إذا كان ذلك‬
‫ممكن ًا‪.‬‬

‫َ‬
‫فدخل‬ ‫ّبي ﷺ َ‬
‫دخل املس��جدَ ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫فع ْن أيب هريــر َة‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫ثم جا َء‪ ،‬فسـ� ّل َم عىل الن ِّ‬
‫ّبـ�ي ﷺ‪ ،‬فر َّد الن ُّ‬ ‫فصل‪َّ ،‬‬‫رجل‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫تصل»‪ّ ،‬‬
‫فصل‪،‬‬ ‫ّــك مل ْ ِّ‬ ‫«ارجع ِّ‬
‫فصل؛ فإن َ‬ ‫الس�لا َم‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫عليه ّ‬
‫فصل؛ فإن َ‬
‫ّك مل ْ‬ ‫«ارجع ِّ‬‫ْ‬ ‫ّبي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ثم جا َء‪ ،‬فســ ّل َم عىل الن ِّ‬‫َّ‬
‫باحلق؛ فام أحســ ُن غري ُه‪،‬‬ ‫فقــال‪ :‬وا ّلذي َ‬
‫بعثك ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫تصل» ثالث ًا‪،‬‬
‫فكب‪ْ َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫فع ّلمني‪َ ،‬‬
‫تيس‬
‫ثــم اقرأ ما ّ َ‬ ‫الصالة ّ ْ‬
‫قمت إىل ّ‬
‫قــال‪« :‬إذا َ‬

‫((( رواه أمحد يف مسنده (‪ ،)54/3‬وقال اهليثمي يف املجمع (‪ :)25/2‬إسناده‬


‫حسن‪ .‬وضعفه األلباين يف الضعيفة (‪.)2628‬‬

‫‪69‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ارفع حتّى‬
‫ثم ْ‬ ‫تطمئن راكع ًا‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫اركع‪ ،‬حتّى‬
‫ثم ْ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪َّ ،‬‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫معك ْ‬
‫ارفع حتّى‬
‫ثم ْ‬ ‫تطمئن ســاجد ًا‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫تعتدل قائ ًام‪َّ ،‬‬
‫ثم اســجدْ حتّى‬ ‫َ‬
‫ذلك‬ ‫ثم ْ‬
‫افعل َ‬ ‫تطمئن ساجد ًا‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫تطمئن جالس ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم اسجدْ حتّى‬ ‫َّ‬
‫صالتك ك ّلها»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫يف‬
‫ومن املالحظ‪ :‬أن النبــي ﷺ كان ينتبه ألفعال الناس من‬
‫حوله؛ كي يعلمهــم‪ ،‬وقد وقع يف رواية النســائي‪َّ :‬‬
‫أن رج ً‬
‫ال‬
‫نشعر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ورسول اهللِ ﷺ يرمق ُه‪ ،‬ونح ُن ال‬
‫ُ‬ ‫فصل‬‫دخل املسجدَ ‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ارجع‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فقــال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫أقبل‪ ،‬فســ ّل َم عىل‬
‫فلم فر َغ‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ب أن يكون‬ ‫تصل‪ ...‬احلديث(((‪ ،‬فمن صفة املر ّ‬ ‫فصل؛ فإن َّك مل ْ ِّ‬
‫ِّ‬
‫يقظ ًا ألفعال من معه‪.‬‬
‫إن مــن احلكمة يف التعليم طلب إعادة الفعل من املخطئ؛‬
‫لعله ينتبه إىل خطئه‪ ،‬فيصوبه بنفســه خصوص ًا إذا كان اخلطأ‬
‫ظاهر ًا ال ينبغي أن حيدث منه‪ ،‬وربام يكون ناسي ًا فيتذكر‪.‬‬
‫إن املخطئ إذا مل ينتبه إىل خطئه وجب البيان والتفصيل‪.‬‬
‫إن إعطاء املعلومة للشــخص إذا اهتم بمعرفتها‪ ،‬وســأل‬
‫عنها‪ ،‬وتعلقت هبا نفســه أوقع أثر ًا يف حسه‪ ،‬وأحفظ يف ذهنه‬
‫تشوف‪.‬‬
‫من إعطائه إياها ابتداء دون سؤال‪ ،‬وال ّ‬

‫(( ( رواه اجلامعة‪ ،‬واللفظ للبخاري (‪.)6251‬‬


‫(( ( املجتبى (‪ ،)193/2‬وقال األلباين يف صحيح سنن النسائي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫املرب أن وســائل التعليم كثــرة‪ ،‬فليخرت منها ما‬


‫وليعلم ّ‬
‫يناسب احلال والظرف‪.‬‬

‫ومن أمثلة طلب إعادة الفعــل اخلطأ عىل الوجه الصحيح‬


‫أيض ًا ما رواه مسلم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف صحيحه‪ ،‬ع ْن ٍ‬
‫جابر‪ :‬أخربين‬
‫موضع ٍ‬
‫ظفر عىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فــرك‬ ‫توض َأ‪،‬‬
‫ال ّ‬‫«أن رج ً‬ ‫عمــر ب ُن اخل ّط ِ‬
‫ــاب َّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫وضوءك»‪،‬‬ ‫فأحســن‬ ‫«ارجع‪،‬‬ ‫ّبي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قدمه‪ ،‬فأبرص ُه الن ُّ‬
‫ثم ّ‬
‫صل(((‪.‬‬ ‫فرجع‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫ومثال ثالث رواه الرتمذي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف سننه‪ ،‬عن كلد َة‬
‫(((‬
‫وضغابيس‬
‫َ‬ ‫بلبن‪ ،‬ولبإٍ(((‪،‬‬
‫صفوان ب َن أم ّي َة بعث ُه ٍ‬
‫َ‬ ‫حنبل؛ َّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بن‬
‫فدخلت ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫ّبي ﷺ بأعىل الوادي‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ّب��ي ﷺ‪ ،‬والن ُّ‬ ‫إىل الن ِّ‬
‫السال ُم‬ ‫«ارجع‪ْ ،‬‬
‫فقل‪ّ :‬‬ ‫ْ‬ ‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫أستأذن‪َ ،‬‬
‫فقال الن ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ومل ْ أس�� ّل ْم‪ ،‬ومل ْ‬
‫ُ‬
‫صفوان(((‪.‬‬ ‫أسلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وذلك بعدَ ما‬ ‫ُ‬
‫أأدخل؟»‪،‬‬ ‫عليكم‪،‬‬
‫ْ‬
‫‪ -3‬طلب تدارك ما أمكن لتصويب اخلطأ‪:‬‬
‫فقد روى البخــاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف صحيحــه‪ ،‬ع ْن ِ‬
‫ابن‬
‫ٍ‬
‫بامرأة‪،‬‬ ‫خيلون ٌ‬
‫رجل‬ ‫ّبي ﷺ ُ‬
‫يقول‪« :‬ال‬ ‫ع ّب ٍ‬
‫َّ‬ ‫ســمع الن َّ‬
‫َ‬ ‫اس أ ّن ُه‬

‫(( ( صحيح مسلم (‪.)243‬‬


‫(( ( أول ما حيلب عند الوالدة‪.‬‬
‫((( صغار القثاء‪.‬‬
‫(( ( رواه الرتمذي (‪ ،)2710‬وقال‪ :‬حديث حســن غريب‪ .‬وصححه األلباين‬
‫يف صحيح سنن الرتمذي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫فقال ‪ :‬يا‬ ‫تسافرن امرأ ٌة ّإل ومعها حمر ٌم» فقا َم ٌ‬
‫رجل َ‬ ‫َّ‬ ‫وال‬
‫حاج ًة َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اهللِ‪،‬‬
‫وخرجت امرأيت ّ‬
‫ْ‬ ‫غزوة كذا‪ ،‬وكذا‪،‬‬ ‫اكتتبت يف‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫امرأتك»(((‪.‬‬ ‫مع‬
‫فحج َ‬
‫«اذهب‪َّ ،‬‬
‫ْ‬
‫‪ -4‬إصالح آثار اخلطأ‪:‬‬
‫بن ٍ‬
‫عمرو؛‬ ‫روى النسائي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف سننه عن ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اهلجرة‪،‬‬ ‫َ‬
‫أبايعك عىل‬ ‫جئت‬ ‫ّبي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪ّ :‬إن ُ‬ ‫َّ‬
‫أن رج ً‬
‫ال أتى الن َّ‬
‫«ارجع إليهام؛ فأضحكهام‪،‬كام‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يبكيان‪َ ،‬‬ ‫أبوي‬
‫ْ‬ ‫تركت َّ‬
‫ُ‬ ‫ولقدْ‬
‫أبكيتهام»(((‪.‬‬
‫‪ -5‬الكفارة عن اخلطأ‪.‬‬
‫إذا كانت بعض األخطاء ال يمكن استدراكها‪ ،‬فإن الرشيعة‬
‫قــد جعلت أبواب ًا أخر ملحو أثرها‪ ،‬ومن ذلك الكفارات وهي‬
‫كثرية؛ ككفارة اليمني‪ ،‬والظهار‪ ،‬وقتل اخلطأ‪ ،‬والوطء يف هنار‬
‫رمضان‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ -19‬إنكار موضع اخلطأ‪ ،‬وقبول الباقي‪:‬‬
‫قد ال يكون الكالم أو الفعل كله ً‬
‫خطأ‪ ،‬فيكون من احلكمة‬
‫االقتصار يف اإلنكار عىل موضع اخلطأ‪ ،‬وعدم تعميم التخطئة؛‬
‫لتشمل سائر الكالم أو الفعل‪ ،‬يدل عىل ذلك ما أخرجه البخاري‬
‫دخل‬ ‫معو ٍذ ْ‬
‫قالت‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫الرب ّي ِع بنت ّ‬
‫‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف صحيحه‪ ،‬عــ ْن ّ‬
‫(( ( البخاري (‪ ،)5233‬ومسلم (‪.)1341‬‬
‫((( املجتبى (‪ ،)143/7‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي (‪.)3881‬‬

‫‪72‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫َ‬
‫فرايش‪،‬كمجلسك‬ ‫فجلس عىل‬
‫َ‬ ‫عيل‪،‬‬ ‫ّبي ﷺ غدا َة َ‬
‫بني َّ‬ ‫عيل الن ُّ‬
‫َّ‬
‫قتل م ْن آبائه َّن‬‫ف‪ ،‬يندب َن م ْن َ‬ ‫وجويريات يرضب َن بالــدّ ِّ‬
‫ٌ‬ ‫منّي‪،‬‬
‫فقال‬‫غد‪َ ،‬‬ ‫قالت جاريــ ٌة‪ :‬وفينا نبي يعلم ما يف ٍ‬ ‫بدر‪ ،‬حتّى ْ‬‫يو َم ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌّ‬
‫تقولني»(((‪.‬‬ ‫النّبي ﷺ‪« :‬ال تقويل هكذا‪ ،‬وقويل ما ِ‬
‫كنت‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫عن‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬اسكتي ْ‬ ‫رسول ِ‬ ‫ُ‬ ‫ويف رواية الرتمذي‪َ :‬‬
‫فقال هلا‬
‫تقولني قبلها»(((‪.‬‬ ‫هذه‪ ،‬وقويل ا ّلذي ِ‬
‫كنت‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يعلم ما‬
‫«أما هذا فال تقولو ُه‪ ،‬ما ُ‬ ‫ويف رواية ابن ماجه‪َ :‬‬
‫فقال‪ّ :‬‬
‫يف ٍ‬
‫غد ّإل اهللُ»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫شــك أن مثل هذا الترصف يشــعر املخطئ بإنصاف‬ ‫وال‬
‫وعدل القائم باإلنكار والتصويب‪ ،‬وجيعل تنبيهه أقرب للقبول‬
‫يف نفــس املخطئ‪ ،‬بخالف بعض املنكريــن الذين قد يغضب‬
‫أحدهم من اخلطأ غضب ًا جيعله يتعدى يف اإلنكار‪ ،‬ليصل به إىل‬
‫ختطئة ورفض سائر الكالم بام اشتمل عليه من حق وباطل؛ مما‬
‫يسبب عدم قبول كالمه‪ ،‬وعدم انقياد املخطئ‪.‬‬
‫وبعــض املخطئني ال يكون خطؤهم يف ذات الكالم الذي‬
‫تفوهوا به؛ ولكن يف املناســبة التي قالــوا فيها ذلك الكالم‪،‬‬
‫كمثل قول البعض عند وفاة شــخص‪ :‬الفاحتــة‪ ،‬ثم يقرؤها‬

‫(( ( البخاري (‪.)5147‬‬


‫(( ( سنن الرتمذي (‪ ،)1090‬وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي‪.‬‬
‫(( ( سنن ابن ماجه (‪ ،)1879‬وصححه األلباين يف صحيح ابن ماجه‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫احلارضون‪ ،‬وقــد حيتجون بأن مــا قرأوه قــرآن‪ ،‬ليس غناء‬


‫ونحــوه‪ ،‬فالبد أن يبني هلم أن اخلطأ يف فعلهم هو يف ختصيص‬
‫الفاحتة هبذه املناسبة عىل وجه التعبد دون دليل رشعي‪ ،‬وهذه‬
‫هي البدعة بعينها‪.‬‬
‫وهــذا املعنى هو الذي لفت إليه ابــن عمر نظر رجل‬
‫ِ‬
‫رســول اهللِ‪،‬‬ ‫والســا ُم عىل‬ ‫عطس إىل جنبه‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬احلمدُ هللِ‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهللِ‪،‬‬ ‫والســا ُم عىل‬ ‫عمر‪ :‬وأنا ُ‬ ‫َ‬
‫أقول احلمدُ هللِ‪ّ ،‬‬ ‫قال اب ُن َ‬
‫أن َ‬
‫نقول‪« :‬احلمدُ هللِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬ع ّلمنا ْ‬
‫ُ‬ ‫وليس هكذا ع ّلمنا‬
‫َ‬
‫كل ٍ‬
‫حال»(((‪.‬‬ ‫عىل ِّ‬
‫‪ -20‬إعادة احلق إىل صاحبه‪ ،‬وحفظ مكانة املخطئ‪:‬‬
‫محري‬ ‫«قتل ٌ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫مالك‪َ ،‬‬ ‫بن ٍ‬ ‫عوف ِ‬ ‫ِ‬
‫رجل م ْن َ‬ ‫روى مسلم ع ْن‬
‫َ‬
‫وكان‬ ‫ِ‬
‫الوليد‪،‬‬ ‫العدو‪ ،‬فأرا َد ســلب ُه‪ ،‬فمنع ُه خالدُ ب ُن‬ ‫ال م ْن‬ ‫رج ً‬
‫ِّ‬
‫مالك‪ ،‬فأخرب ُه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عوف ب ُن‬
‫ُ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‬‫َ‬ ‫عليهم‪ ،‬فأتى‬ ‫والي ًا‬
‫ْ‬
‫قال‪ :‬استكثرت ُه يا‬ ‫أن تعطي ُه ســلب ُه؟»‪َ ،‬‬ ‫منعك ْ‬‫َ‬ ‫خلالد‪« :‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫فقال‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهللِ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫بردائه‪،‬‬ ‫فجر‬
‫فمر خالدٌ بعوف‪َّ ،‬‬ ‫قال‪« :‬ادفع ُه إليه»‪َّ ،‬‬
‫رســول اهللِ ﷺ؟‬ ‫ِ‬ ‫لك م ْن‬‫ذكرت َ‬ ‫ُ‬ ‫لك ما‬ ‫أنجزت َ‬
‫ُ‬ ‫هل‬‫قال‪ْ :‬‬ ‫ثم َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫فقال‪« :‬ال تعطه يا خالدُ ‪،‬‬ ‫فاستغضب‪َ ،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فسمع ُه‬
‫َ‬
‫مثلكم‪،‬‬ ‫تاركون يل أمرائــي؟ إنّام‬ ‫أنتم‬ ‫تعطه يا خالدُ ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هــل ْ‬ ‫ال‬
‫حتي‬‫ثم ّ َ‬‫ال ْأو غنــ ًا‪ ،‬فرعاها‪َّ ،‬‬ ‫اســرعي إب ً‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫ِ‬
‫كمثل‬ ‫ومثلهم‬
‫ْ‬
‫(( ( سنن الرتمذي (‪ )2738‬وحسنه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فرشبــت صفو ُه‪،‬‬


‫ْ‬ ‫فرشعــت ِ‬
‫فيه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ســقيها‪ ،‬فأوردها حوض ًا‪،‬‬
‫لكم‪ ،‬وكدر ُه عليهم»(((‪.‬‬
‫وتركت كدر ُه‪ ،‬فصفو ُه ْ‬
‫ْ‬
‫ورواه اإلمــام أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬بســياق أتم من هذا‪ :‬ع ْن‬
‫الشا ِم‪،‬‬ ‫طرف ّ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬غزونا غزو ًة إىل‬ ‫األشجعي‪َ ،‬‬ ‫بن ٍ‬
‫مالك‬ ‫عوف ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫أمداد‬ ‫رجل م ْن‬ ‫فانضم إلينا ٌ‬ ‫الوليد‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فأ ّم َر علينــا خالدُ ب ُن‬
‫َّ‬
‫ليس مع ُه‬ ‫ســيف‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ليس مع ُه يش ٌء ّإل‬ ‫محــر‪ ،‬فأوى إىل رحلنا‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫حيتل‪،‬‬ ‫يزل ْ‬ ‫فلم ْ‬ ‫املسلمني جزور ًا‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫رجل م ْن‬ ‫فنحر ٌ‬ ‫سالح غري ُه‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫األرض‪،‬‬‫ِ‬ ‫كهيئة املج ِّن‪ ،‬حتّى بســط ُه عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلده‬ ‫حتّى َ‬
‫أخذ م ْن‬
‫س‪،‬‬ ‫الت ِ‬ ‫كهيئة ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فجعل ل ُه ممســك ًا‬ ‫جــف‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ثــم وقدَ ِ‬
‫عليه‪ ،‬حتّى‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫والعرب م ْن‬ ‫الرو ِم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫أخالط م ْن ّ‬ ‫فيهــم‬
‫ْ‬ ‫عدونا‪،‬‬‫أن لقينا ّ‬ ‫فقيض ْ‬ ‫َ‬
‫الرو ِم عىل‬ ‫رجل م ْن ّ‬ ‫قضاع َة‪ ،‬فقاتلونا قتاالً شديد ًا‪ ،‬ويف القو ِم ٌ‬
‫وسيف‬ ‫خة ذهب ًا‪،‬‬ ‫ومنطقة مل ّط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ب‪،‬‬‫مذه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ورسج ّ‬ ‫أشقر‪،‬‬‫فرس ل ُه َ‬
‫ذلك‬ ‫يزل َ‬ ‫فلم ْ‬ ‫هبم‪ْ ،‬‬ ‫حيمل عىل القو ِم‪ ،‬ويغري ْ‬ ‫فجعل ُ‬ ‫َ‬ ‫مثل َ‬
‫ذلك‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فرضب‬
‫َ‬ ‫مر ِبه‪ ،‬فاســتقفا ُه‪،‬‬ ‫ومي‪ ،‬حتّى َّ‬ ‫الر ِّ‬ ‫لذلك ّ‬ ‫َ‬ ‫املددي ُ‬
‫حيتال‬ ‫ُّ‬
‫يف‪ ،‬حتّى‬ ‫يف‪ ،‬فوقع‪ ،‬ثم أتبعه رضب ًا بالس ِ‬ ‫فرسه بالس ِ‬ ‫ِ‬ ‫عرقوب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ّاس‬ ‫لب‪ ،‬وقدْ شهدَ ل ُه الن ُ‬ ‫للس ِ‬
‫يسأل ّ‬ ‫أقبل ُ‬ ‫الفتح َ‬
‫فتح اهللُ َ‬ ‫فلم َ‬ ‫قتل ُه‪ّ ،‬‬
‫رجع‬ ‫َ‬ ‫بعض ِ‬
‫فلم َ‬ ‫وأمسك سائر ُه‪ّ ،‬‬ ‫سلبه‪،‬‬ ‫بأ ّن ُه قاتل ُه‪ ،‬فأعطا ُه خالدٌ َ‬
‫َ‬
‫فليعطك ما‬ ‫عوف‪ :‬ارجع ِ‬
‫إليه؛‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫فقــال ل ُه‬ ‫عوف ذكر ُه‪،‬‬ ‫رحل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫ْ‬
‫عوف‪ ،‬حتّى أتى خالد ًا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عليه‪ ،‬فمشــى‬ ‫إليه‪ ،‬فأبى ِ‬ ‫بقي‪ ،‬فرجع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫للقاتل‪َ ،‬‬ ‫بالس ِ‬
‫لب‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ قىض ّ‬ ‫َ‬ ‫تعلم َّ‬
‫أن‬ ‫فقال‪ :‬أما ُ‬ ‫َ‬

‫((( مسلم برشح النووي (‪.)64/12‬‬

‫‪75‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫قال خالدٌ ‪:‬‬ ‫إليه ســلب ِ‬


‫قتيله؟ َ‬ ‫أن تدفع ِ‬
‫يمنعك ْ‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬فام‬ ‫بــى‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫رسـ�ول اهللِ ﷺ‬ ‫رأيت وج َه‬
‫عـ�وف لئ ْن ُ‬
‫ٌ‬ ‫اسـ�تكثرت ُه ل ُه‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫عوف‪ ،‬فاســتعدى إىل‬ ‫ٌ‬ ‫فلم قد َم املدين َة بعث ُه‬ ‫ذلك ل ُه‪ّ ،‬‬‫ألذكرن َ‬ ‫َّ‬
‫رسـ�ول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬ ‫وعوف قاعدٌ ‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّبي ﷺ‪ ،‬فدعا خالد ًا‪،‬‬ ‫الن ِّ‬
‫قال‪:‬‬ ‫قتيله؟»‪َ ،‬‬ ‫أن تدفع إىل هذا ســلب ِ‬ ‫يمنعك يا خالــدُ ْ‬ ‫َ‬ ‫«مــا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فمر‬ ‫إليــه»‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫رس��ول اهللِ‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬ادفع ُه‬ ‫َ‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫اس��تكثرت ُه ل ُه يا‬
‫لك‬ ‫ذكرت َ‬ ‫لك ما‬ ‫فقال‪ :‬ليجزي َ‬ ‫ِ‬
‫بردائــه‪َ ،‬‬ ‫عوف‬ ‫فجر‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بعوف‪َّ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫فاستغضب‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬فسمع ُه‬ ‫ِ‬ ‫م ْن‬
‫ومثلهم‬ ‫مثلكم‬ ‫أنتم تاركي أمرائي؟ إنّام‬ ‫تعطه يا خالدُ ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هل ْ‬ ‫«ال‬
‫ختي سقيها‪،‬‬ ‫ثم ّ َ‬ ‫اســرعي إبالً‪ْ ،‬أو غن ًام‪ ،‬فرعاها‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫ِ‬
‫كمثل‬
‫وتركت‬
‫ْ‬ ‫فرشبت صفو َة ِ‬
‫املاء‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فرشعــت ِ‬
‫فيه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فأوردها حوض ًا‪،‬‬
‫عليهم»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لكم‪ ،‬وكدر ُه‬
‫كدر ُه‪ ،‬فصفو ُه ْ‬
‫ونالحظ أن خالــد ًا ملا أخطأ يف اجتهــاده بمنع القاتل من‬
‫الســلب الكثري‪ ،‬أمر النبي ﷺ بوضع األمــر يف نصابه بإعادة‬
‫احلق إىل صاحبه‪ ،‬ولكنه عليه الصالة والسالم غضب ملا سمع‬
‫يعرض بخالد‪ ،‬ويتهكم عليه بقوله‪ :‬هل أنجزت لك‬‫ّ‬ ‫عوف ًا‬
‫ما ذكرت لك من رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان عــوف قد جر برداء‬
‫خالد ملا مر بجانبه‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬ال تعطه يا خالد»‪ ،‬وهذا من باب‬
‫رد االعتبــار إىل األمري والقائد؛ ألن يف حفظ مكانته بني الناس‬
‫مصلحة ظاهرة‪.‬‬

‫((( املسند (‪ ،)22862‬وصححه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)56/5‬‬

‫‪76‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وقد يرد هنا اإلشــكال اآليت‪ :‬إذا كان القاتل قد اســتحق‬


‫الســلب‪ ،‬فكيف يمنعه إياه؟ أجاب النووي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن‬
‫ذلك بوجهني‪:‬‬
‫أخر ُه تعزير ًا‬ ‫ِ‬
‫للقاتل‪ ،‬وإنّام ّ‬ ‫َ‬
‫ذلــك‬ ‫أحدمها‪ :‬لع ّل ُه أعطا ُه بعدَ‬
‫خالد ‪،‬‬ ‫مالك؛ لكوهنام أطلقا ألســنتهام يف ٍ‬ ‫بــن ٍ‬ ‫ولعوف ِ‬‫ِ‬ ‫ل ُه‬
‫وانتهكا حرم َة الوايل وم ْن ّ‬
‫ول ُه‪.‬‬
‫ِ‬
‫صاحبه‪ ،‬فرتك ُه صاحب ُه‬ ‫قلب‬ ‫الوج ُه ال ّثاين‪ :‬لع ّل ُه‬
‫اســتطاب َ‬
‫َ‬
‫بذلك اســتطاب َة‬
‫وكان املقصو ُد َ‬‫َ‬ ‫للمســلمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باختياره وجعل ُه‬
‫ِ‬
‫األمراء(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للمصلحة يف إكرا ِم‬ ‫قلب ٍ‬
‫خالد‬ ‫ِ‬
‫ومن شــواهد مسألة إعادة االعتبار ملن أخطي عليه‪ ،‬ما جاء‬
‫بن واثل َة‪َّ ،‬‬
‫أن رج ً‬
‫ال‬ ‫فيل ِ‬
‫عامر ِ‬ ‫يف مســند اإلمام أمحد‪ ،‬ع ْن أيب ال ّط ِ‬
‫جاوزهم َ‬
‫قال‬ ‫فلم‬ ‫ِ‬ ‫مر عىل قو ٍم‪ ،‬فس ّل َم‬
‫ْ‬ ‫السال َم‪ّ ،‬‬
‫عليهم‪ ،‬فر ّدوا عليه ّ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫املجلس‪:‬‬ ‫فقال ُ‬
‫أهل‬ ‫ألبغض هــذا يف اهللِ‪َ ،‬‬‫ُ‬ ‫منهم‪ :‬واهللِ ّإن‬‫رجل ْ‬ ‫ٌ‬
‫منهم‪-‬‬
‫ال ْ‬ ‫فالن ‪-‬رج ً‬ ‫قلت‪ ،‬أمــا واهللِ لنن ّبئنّ ُه‪ْ ،‬‬
‫قم يا ُ‬ ‫بئس واهللِ ما َ‬
‫َ‬
‫الر ُ‬
‫جل‪،‬‬ ‫فانرصف ّ‬
‫َ‬ ‫رسوهلم‪ ،‬فأخرب ُه بام َ‬
‫قال‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فأخرب ُه‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬فأدرك ُه‬
‫ٍ‬
‫بمجلس‬ ‫مررت‬
‫ُ‬ ‫رسول اهللِ‬
‫َ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬يا‬ ‫َ‬ ‫حتّى أتى‬
‫فلم‬
‫السال َم‪ّ ،‬‬
‫عليهم‪ ،‬فر ّدوا ّ‬
‫ْ‬ ‫فالن‪ ،‬فس ّل ُ‬
‫مت‬ ‫فيهم ٌ‬
‫املســلمني‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫م ْن‬
‫قال‪ِ :‬‬
‫واهلل ّإن‬ ‫أن فالن ًا َ‬
‫منهم‪ ،‬فأخــرين َّ‬
‫رجل ْ‬ ‫جاوزهتم أدركني ٌ‬
‫ْ‬
‫جل يف اهللِ‪ ،‬فادع ُه‪ ،‬فسل ُه عىل ما يبغضني؟ فدعا ُه‬
‫الر َ‬
‫ألبغض هذا ّ‬
‫ُ‬

‫(( ( رشح النووي عىل مسلم (‪.)64/12‬‬

‫‪77‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فاعرتف َ‬
‫بذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جل‪،‬‬‫الر ُ‬‫عم أخرب ُه ّ‬ ‫فقال‪ :‬فسأل ُه ّ‬‫رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫«فلم‬
‫اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫رسول ِ‬
‫ُ‬ ‫فقال‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫قلت ل ُه َ‬
‫ذلك يا‬ ‫وقال‪ :‬قدْ ُ‬‫َ‬
‫خابــر‪ ،‬واهللِ ما رأيت ُه ّ‬
‫يصل‬ ‫ٌ‬ ‫قال‪ :‬أنا ج��ار ُه‪ ،‬وأنا ِبه‬ ‫تبغضــ ُه؟»‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫والفاجر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الصــا َة املكتوب َة ا ّلتي يص ّليها ال ُّ‬
‫رب‬ ‫قط ّإل هذه ّ‬ ‫صال ًة ُّ‬
‫أخرهتا ع ْن وقتها؟‬ ‫قط ّ‬‫هل رآين ُّ‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل؛ ْ‬ ‫َ‬ ‫الر ُ‬
‫جل‪ :‬سل ُه يا‬ ‫قال ّ‬ ‫َ‬
‫والسجو َد فيها؟ فسأل ُه‬‫كوع ّ‬‫الر َ‬‫أسأت ّ‬
‫ُ‬ ‫أسأت الوضو َء هلا؟ ْأو‬
‫ُ‬ ‫ْأو‬
‫قال‪ :‬واهللِ ما رأيت ُه يصو ُم‬
‫ثم َ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬ال‪َّ ،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ع ْن َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫والفاجر‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫ــهر ا ّلذي يصوم ُه ال ّ‬
‫رب‬ ‫الش َ‬‫قط ّإل هذا ّ‬‫ُّ‬
‫انتقصت م ْن ح ّق ِه شيئ ًا؟ فسأل ُه‬
‫ُ‬ ‫أفطرت ِ‬
‫فيه‪ْ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫هل رآين ُّ‬
‫قط‬ ‫ِ‬
‫اهلل؛ ْ‬
‫قط‪،‬‬ ‫قال‪ :‬واهللِ ما رأيت ُه يعطي سائ ً‬
‫ال ُّ‬ ‫ثم َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬ال‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫بخري‪ّ ،‬إل ِ‬
‫هذه‬ ‫سبيل اهللِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ماله شيئ ًا يف ٍ‬
‫يشء م ْن‬ ‫ينفق من ِ‬
‫وال رأيت ُه ُ ْ‬
‫هل‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل؛ ْ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فسل ُه يا‬ ‫والفاجر‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الصدق َة ا ّلتي يؤ ّدهيا ال ُّ‬
‫رب‬ ‫ّ‬
‫ماكست فيها طالبها؟ َ‬
‫قال‪ :‬فسأل ُه‬ ‫ُ‬ ‫قط؟ ْأو‬ ‫الز ِ‬
‫كاة شيئ ًا ُّ‬ ‫كتمت م ْن ّ‬‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‪ْ :‬‬
‫«قم‬ ‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬ال‪َ ،‬‬
‫فقال ل ُه‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ع ْن َ‬ ‫ُ‬
‫منك»(((‪.‬‬ ‫إن أدري لع ّل ُه ٌ‬
‫خري َ‬ ‫ْ‬
‫ومن األمــور املهمة‪ :‬حفــظ مكانة املخطــئ بعد توبته‬
‫ورجوعه؛ لكي يثبت عىل االســتقامة‪ ،‬ويامرس حياة عادية‬
‫بني النــاس‪ ،‬وقد جــاء يف قصة املــرأة املخزوميــة ‪-‬التي‬
‫«فحسنت توبتها بعدُ ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫قالت‪:‬‬ ‫قطعت يدها‪ -‬عن عائش ُة‬

‫((( رواه أمحد (‪ ،)23803‬وضعفه حمققو املسند‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فأرفــع حاجتها إىل‬


‫ُ‬ ‫وكانــت تأتيني بعدَ َ‬
‫ذلك‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫جت‪،‬‬ ‫وتزو ْ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ»(((‪.‬‬
‫‪ -21‬توجيه الكالم إىل طريف النزاع يف اخلطأ املشرتك‪:‬‬
‫يف كثري من األحيان يكون اخلطأ مشرتك ًا‪ ،‬ويكون الـمخطأ‬
‫عليه خمطئ ًا يف الوقت نفسه‪ ،‬ولكن نسبة اخلطأ ربام تتفاوت بني‬
‫الطرفــن‪ ،‬فينبغي توجيه الكالم‪ ،‬والنصــح إىل طريف اخلطأ‪،‬‬
‫وفيام ييل مثال‪:‬‬
‫عن عبــد اهلل بن أيب أوىف‪ ،‬قال‪ :‬شــكا عبــد الرمحن بن‬
‫عوف خالد بن الوليد إىل رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪:‬‬
‫«يــا خالد ال تؤذ رج ً‬
‫ال من أهل بدر؛ فلــو أنفقت مثل أحد‬
‫ذهب ًا مل تدرك عمله»‪ ،‬فقــال‪ :‬يقعون ّيف‪ ،‬فأرد عليهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«ال تؤذوا خالد ًا؛ فإنه سيف من سيوف اهلل عزوجل ص ّبه اهلل‬
‫عىل الكفار»(((‪.‬‬
‫‪ -22‬مطالبة املخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه‪:‬‬
‫قال‪« :‬كانت العرب ختدم بعضها‬ ‫عن أنــس بن مالك‬
‫بعضا يف األســفار‪ ،‬وكان مع أيب بكــر وعمر رجل خيدمهام‪،‬‬
‫فناما‪ ،‬فاستيقظا‪ ،‬ومل هييئ هلام طعاما‪ ،‬فقال أحدمها لصاحبه‪:‬‬
‫إن هذا ليوائم نوم نبيكم ﷺ «ويف رواية‪ :‬ليوائم نوم بيتكم»‪،‬‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)2648‬ومسلم (‪.)1688‬‬


‫((( رواه ابن حبان يف صحيحه (‪.)7091‬‬

‫‪79‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فأيقظاه‪ ،‬فقاال‪ :‬ائت رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقل له‪ :‬إن أبا بكر وعمر‬
‫يقرئانك السالم‪ ،‬ومها يستأدمانك(((‪ .‬فقال‪« :‬أقرمها السالم‪،‬‬
‫وأخربمهــا أهنام قــد ائتدما!»‪ ،‬ففزعا‪ ،‬فج��اءا إىل النبي ﷺ‪،‬‬
‫فقاال‪ :‬يا رسول اهلل! بعثنا إليك نستأدمك‪ ،‬فقلت‪ :‬قد ائتدما‪،‬‬
‫فبأي يشء ائتدمنا؟ قــال‪« :‬بلحم أخيكام‪ ،‬والذي نفيس بيده‬
‫إين ألرى حلمه بني أنيابكام‪ ،‬يعني حلم الذي استغاباه»‪ ،‬قاال‪:‬‬
‫فاستغفر لنا‪ ،‬قال‪« :‬هو فليستغفر لكام»(((‪.‬‬
‫‪-23‬تذكــر املخطئ بفضل من أخطــأ عليه؛ ليندم‪،‬‬
‫ويعتذر‪:‬‬
‫وقد فعل ذلك النبي ﷺ‪ ،‬فيام حصل بني أيب بكر وعمر‬
‫فقــد روى البخــاري ‪-‬رمحــه اهلل‪ -‬يف كتاب التفســر من‬
‫وعمر‬
‫َ‬ ‫بني أيب ٍ‬
‫بكر‬ ‫«كانت َ‬
‫ْ‬ ‫صحيحه‪ ،‬عن أيب الدرداء قال‪:‬‬
‫عمر مغضب ًا‪،‬‬
‫فانرصف عن ُه ُ‬
‫َ‬ ‫عمــر‪،‬‬
‫َ‬ ‫فأغضب أبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫َ‬ ‫حماورةٌ‪،‬‬
‫أغلق‬
‫يفعل‪ ،‬حتّى َ‬ ‫فلم ْ‬ ‫يســتغفر ل ُه‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫بكر‪ ،‬يسأل ُه ْ‬
‫أن‬ ‫فاتّبع ُه أبو ٍ‬
‫اهلل ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال أبو‬ ‫ِ‬
‫رســول ِ‬ ‫فأقبل أبو ٍ‬
‫بكر إىل‬ ‫وجهــه‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫باب ُه يف‬
‫الدّ ِ‬
‫صاحبكم‬
‫ْ‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‪ّ :‬‬
‫«أما‬ ‫ُ‬ ‫رداء‪ :‬ونح ُن عند ُه‪َ ،‬‬
‫فقال‬
‫كان من ُه‪َ ،‬‬
‫فأقبل‬ ‫عمر عىل مــا َ‬ ‫قال‪ :‬وند َم ُ‬ ‫غامــر»(((‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫هذا فقدْ‬
‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫وقص عىل‬ ‫ّبي ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫حتّى سـ� ّل َم‬
‫وجلس إىل الن ِّ‬
‫َ‬

‫((( أي يطلبان اإلدام للطعام‪.‬‬


‫((( رواه الضياء يف املختارة‪ ،‬وصححه األلباين يف الصحيحة (‪.)2608‬‬
‫((( أي‪ :‬دخل يف خصومة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫َ‬
‫وجعل أبو‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وغضب‬ ‫قال أبو الدّ ِ‬
‫رداء‪:‬‬ ‫رب‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫اخل َ‬
‫ُ‬
‫رســول‬ ‫أظلم‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫كنت َ‬ ‫رســول اهللِ ألنا ُ‬
‫َ‬ ‫يقول‪ :‬واهللِ يا‬
‫بكر ُ‬‫ٍ‬
‫تاركون يل‬
‫َ‬ ‫أنتم‬
‫هل ْ‬ ‫تاركون يل صاحبــي؟ ْ‬
‫َ‬ ‫أنتم‬
‫«هل ْ‬‫اهللِ ﷺ‪ْ :‬‬
‫إليكم مجيع ًا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫رســول اهللِ‬ ‫ّاس ّإن‬
‫قلت‪ :‬يا ّأيا الن ُ‬
‫صاحبي؟ ّإن ُ‬
‫صدقت»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقال أبو ٍ‬
‫بكر‪:‬‬ ‫‪:‬كذبت‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫فقلتم‬
‫ْ‬
‫وروى البخاري القصة أيضــ ًا يف كتاب املناقب من صحيحه‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬إ ْذ َ‬ ‫َ‬ ‫عن أيب الدّ ِ‬
‫أقبل أبو‬ ‫كنت جالس�� ًا عندَ الن ِّ‬
‫قال‪ُ :‬‬ ‫رداء‬ ‫ْ‬
‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ركبتـ�ه‪َ ،‬‬ ‫بطرف ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بكر آخـ�ذ ًا‬
‫فقال الن ُّ‬ ‫ثوبه‪ ،‬حتّى أبدى ع ْن‬
‫وبني‬
‫كان بيني َ‬ ‫وقال‪ّ :‬إن َ‬‫غامر»‪ ،‬فســ ّل َم‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫صاحبكم فقدْ‬
‫ْ‬ ‫«أما‬ ‫ّ‬
‫ندمت‪ ،‬فســألت ُه ْ‬
‫أن‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫ابن اخل ّط ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫فأرسعــت إليه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ــاب يش ٌء‪،‬‬
‫لك يا أبا‬ ‫«يغفر اهللُ َ‬
‫ُ‬ ‫إليك‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫فأقبلــت َ‬
‫ُ‬ ‫عيل‪،‬‬‫يغفر يل‪ ،‬فأبى َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫فســأل‪ :‬أ ّث َم‬ ‫بكر‪،‬‬‫منزل أيب ٍ‬
‫عمر ند َم‪ ،‬فأتى َ‬
‫إن َ‬ ‫ثم َّ‬‫بكر»‪ ،‬ثالث ًا‪َّ ،‬‬‫ٍ‬
‫َ‬
‫فجعل وج ُه‬ ‫ّبي ﷺ‪ ،‬فســ ّل َم‪،‬‬ ‫أبو ٍ‬
‫بكر؟ فقالوا‪ :‬ال‪ ،‬فأتى إىل الن ِّ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ركبتيه‪َ ،‬‬ ‫أشفق أبو ٍ‬
‫بكر‪ ،‬فجثا عىل‬ ‫ّبي ﷺ يتم ّع ُر‪ ،‬حتّى َ‬ ‫الن ِّ‬
‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫ت�ين‪َ ،‬‬
‫فقال الن ُّ‬ ‫مر ِ‬‫أظلم‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫رس��ول اهللِ‪ ،‬واهللِ أنا ُ‬
‫كنت‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫َ‬
‫صدق‪،‬‬ ‫وقال أبو ٍ‬
‫بكر‪:‬‬ ‫كذبت‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫فقلت��م‪:‬‬
‫ْ‬ ‫إليكم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫«إن اهللَ بعثني‬
‫َّ‬
‫مر ِ‬ ‫ِ‬
‫وماله‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫تني‪،‬‬ ‫أنتم تاركو يل صاحبي؟»‪ّ ،‬‬
‫فهل ْ‬ ‫بنفسه‪،‬‬ ‫وواساين‬
‫أوذي بعدها(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫فام‬

‫(( ( البخاري (‪.)4640‬‬


‫(( ( البخاري (‪.)3661‬‬

‫‪81‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪-24‬التدخل لتســكني الثائرة‪ ،‬ونزع فتيل الفتنة بني‬


‫املخطئني‪:‬‬
‫وقد فعل النبي ﷺ ذلــك يف عدد من املواضع؛ كام جاء يف‬
‫حادثة اإلفك‪ :‬فعن عائشــة قالت يف تلك القصة‪... :‬فقا َم‬
‫وهو عىل‬ ‫يومه‪ ،‬فاستعذر من ِ‬
‫عبد اهللِ ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ من ِ‬ ‫ُ‬
‫يب‪َ ،‬‬ ‫بن أ ٍّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫من ٍ‬
‫رجل قدْ بلغني‬ ‫من يعذرين ْ‬ ‫املسلمني‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫معرش‬ ‫املنرب‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬يا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫علمت عىل أهيل ّإل خري ًا‪ ،‬ولقدْ ذكروا‬ ‫ُ‬ ‫عن ُه أذا ُه يف أهيل‪ ،‬واهللِ ما‬
‫يدخل عىل أهيل ّإل معي»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫علمت ِ‬
‫عليه ّإل خري ًا‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬ ‫ال ما‬ ‫رج ً‬
‫ِ‬
‫األشهل‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬أنا يا‬ ‫معاذ أخو بني ِ‬
‫عبد‬ ‫قالت‪ :‬فقام ســعدُ بن ٍ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وإن َ‬
‫كان‬ ‫رضبت عنق ُه‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األوس‬ ‫فإن َ‬
‫كان م ْن‬ ‫َ‬
‫أعذرك‪ْ ،‬‬ ‫رسول اهللِ‬
‫َ‬
‫قالت‪ :‬فقا َم ٌ‬
‫رجل‬ ‫َ‬
‫أمرك‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلزرج أمرتنا ففعلنا‬ ‫م ْن إخواننا م ْن‬
‫وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حس َ‬ ‫ِ‬
‫عمــه م ْن فخذه‪َ -‬‬ ‫بنت ّ‬
‫ــان َ‬ ‫‪-‬وكانت أ ُّم ّ‬
‫ْ‬ ‫اخلزرج‬ ‫م ْن‬
‫ذلك‬ ‫وكان َ‬
‫قبل َ‬ ‫َ‬ ‫قالت‪:‬‬‫اخلزرج‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وهو ســ ّيدُ‬‫ســعدُ ب ُن عبادة‪َ ،‬‬
‫لعمر‬ ‫ٍ‬ ‫ال صاحل ًا‪ ،‬ولك ْن احتملت ُه احلم ّي ُة‪َ ،‬‬ ‫رج ً‬
‫كذبت ُ‬ ‫َ‬ ‫لسعد‪:‬‬ ‫فقال‬
‫ِ‬
‫أحببت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رهطك ما‬ ‫ولو َ‬
‫كان م ْن‬ ‫تقدر عىل قتله‪ْ ،‬‬ ‫اهللِ ال تقتل ُه‪ ،‬وال ُ‬
‫فقال‬‫ســعد‪َ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫عم‬ ‫ٍ‬ ‫أن َ‬ ‫ْ‬
‫‪-‬وهو اب ُن ِّ‬ ‫َ‬ ‫حضري‬ ‫يقتل‪ ،‬فقا َم أســيدُ ب ُن‬
‫جتادل‬‫ُ‬ ‫لعمر اهللِ لنقتلنّ ُه‪ ،‬فإن َّك ٌ‬
‫منافق‬ ‫ِ‬
‫لســعد ِ‬
‫كذبت ُ‬ ‫َ‬ ‫بن عبادةَ‪:‬‬
‫مهوا‬ ‫قالت‪ :‬فثار احلي ِ‬
‫واخلزرج‪ ،‬حتّى ّ‬‫ُ‬ ‫األوس‬
‫ُ‬ ‫ان‬ ‫َ ّ‬ ‫املنافقني‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫عــ ْن‬
‫يزل‬ ‫فلم ْ‬
‫قالت‪ْ :‬‬ ‫املن�بر‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ورس��ول اهللِ ﷺ ٌ‬
‫قائم عىل‬ ‫ُ‬ ‫أن يقتتلوا‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وسكت‪.(((...‬‬ ‫َ‬ ‫ضهم‪ ،‬حتّى سكتوا‬ ‫رسول اهللِ ﷺ خي ّف ْ‬ ‫ُ‬

‫((( متفق عليه‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وقد ذهب النبــي ﷺ إىل بني عمرو بــن عوف؛ ليصلح‬


‫بينهــم‪ ،‬وتأخر مــن أجل ذلك عن بداية صــاة اجلامعة‪ ،‬كام‬
‫ٍ‬
‫ســعد‬ ‫يف الصحيحــن‪ ،‬ويف رواية النســائي‪ :‬عن ســهل بن‬
‫ِ‬
‫األنصــار كال ٌم‪ ،‬حتّى‬ ‫بني ح ّي ِ‬
‫ني م ْن‬ ‫«وقع َ‬
‫َ‬ ‫ــاعدي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫الس‬
‫ّ‬
‫فحرضت‬ ‫بينهم‪،‬‬ ‫ليصلح‬ ‫ّبي ﷺ؛‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فذهب الن ُّ‬
‫َ‬ ‫تراموا باحلجارة‪،‬‬
‫فاحتبس‪ ،‬فأقا َم‬
‫َ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وانتظر‬
‫َ‬ ‫الصالةُ‪ ،‬فأ ّذ َن ٌ‬
‫بالل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫‪ ...‬احلديث»(((‪.‬‬ ‫الصالةَ‪ ،‬وتقدّ َم أبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫ّ‬
‫آت‪،‬‬‫رسول اهللِ ﷺ ٍ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬أتى‬ ‫ِ‬
‫سهل َ‬ ‫ويف رواية ألمحد ع ْن‬
‫ِ‬
‫باحلجارة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عوف قــدْ اقتتلوا‪ ،‬وتراموا‬ ‫إن بني عمرو ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬
‫فقال َّ‬
‫بينهم‪.(((»...‬‬
‫ْ‬ ‫ليصلح‬
‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ؛‬
‫ُ‬ ‫إليهم‬
‫ْ‬ ‫فخرج‬
‫َ‬
‫‪ -25‬إظهار الغضب من اخلطأ‪:‬‬
‫إذا رآه‪ ،‬أو سمع به‪ ،‬وخصوص ًا عندما يكون اخلطأ متعلق ًا‬
‫باالعتقاد‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬اخلوض يف القدر‪ ،‬والتنازع يف القرآن؛‬
‫أبيه ع ْن جدّ ِه‬
‫شــعيب عن ِ‬
‫ٍ ْ‬ ‫ففي ســنن ابن ماجه ع ْن عمرو ِ‬
‫بن‬
‫َ‬
‫خيتصمون يف‬ ‫وهم‬ ‫ِ‬ ‫رســول ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل ﷺ عىل أصحابه‪ْ ،‬‬ ‫«خرج‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الغضب‪َ ،‬‬ ‫ان م ْن‬ ‫ِ‬
‫وجهه حــب الرم ِ‬ ‫يفقأ يف‬ ‫ِ‬
‫القدر‪ ،‬فكأنّام ُ‬
‫ُّ ّ ّ‬
‫القــرآن بعض ُه‬
‫َ‬ ‫ترضبون‬
‫َ‬ ‫خلقتم؟‪،‬‬
‫ْ‬ ‫أمرتم؟»‪ْ ،‬أو «هلــذا‬
‫ْ‬ ‫«هبــذا‬

‫(( ( املجتبى كتــاب آداب القضاة (‪ ،)243/8‬وصححــه األلباين يف صحيح‬


‫النسائي‪.‬‬
‫((( املسند (‪.)338/5‬‬

‫‪83‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فقــال عبدُ اهللِ ب ُن‬


‫َ‬ ‫قبلكم»‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫األمــم‬
‫ُ‬ ‫هلكت‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫ببعض‪ ،‬هبذا‬
‫اهلل ﷺ‬ ‫رسول ِ‬‫ِ‬ ‫فت ِ‬
‫فيه ع ْن‬ ‫ٍ‬
‫بمجلس خت ّل ُ‬ ‫غبطت نفيس‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عمرو‪ :‬ما‬
‫ِ‬
‫املجلس‪ ،‬وخت ّلفي عن ُه (((‪.‬‬ ‫َ‬
‫بذلك‬ ‫غبطت نفيس‬
‫ُ‬ ‫ما‬
‫ٍ‬
‫شعيب‬ ‫وعند ابن أيب عاصم يف كتابه السنة‪ :‬ع ْن عمرو ِ‬
‫بن‬
‫رســول اهللِ ﷺ عىل‬
‫ُ‬ ‫خرج‬
‫قال‪َ :‬‬ ‫أبيه ع ْن جــدّ ِه َ‬
‫أحســبه عن ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ينزع آي ًة‪ ،‬وهذا ُ‬
‫ينزع‬ ‫القــدر‪ ،‬هذا ُ‬ ‫َ‬
‫يتنازعون يف‬ ‫أصحابه‪ْ ،‬‬
‫وهم‬
‫خلقتم؟‬ ‫ان‪َ ،‬‬
‫فقال‪« :‬أهلذا‬ ‫وجهــه حب الرم ِ‬‫ِ‬ ‫آي ًة‪ ،‬فكأنّام فقئ يف‬
‫ْ‬ ‫ُّ ّ ّ‬
‫ٍ‬
‫ببعض‪ ،‬انظروا ما‬ ‫كتاب ِ‬
‫اهلل بعض ُه‬ ‫َ‬ ‫أمرتــم؟ ال ترضبوا‬
‫ْ‬ ‫أ ْم هبذا‬
‫هنيتم عن ُه فاجتنبو ُه»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أمرتم به‪ ،‬فاتّبعو ُه‪ ،‬وما ْ‬
‫ْ‬
‫وممــا حصل من غضبه ﷺ إنكار ًا يف مســألة من األصول‪:‬‬
‫ما حصل يف قصة عمر يف قضيــة مصدر التلقي‪ ،‬فقد روى‬
‫َّ‬
‫«أن‬ ‫اهلل‬ ‫ِ‬
‫عبــد ِ‬ ‫بن‬ ‫أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف مســنده‪ ،‬عــ ْن ِ‬
‫جابر ِ‬
‫بعض ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بكتــاب أصاب ُه م ْن‬ ‫ّبي ﷺ‬ ‫عمــر ب َن اخل ّط ِ‬
‫اب أتى الن َّ‬ ‫َ‬
‫كون فيها يا‬ ‫«أمتهو َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫فقــال‪:‬‬ ‫فغضب‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكت��ب‪ ،‬فقرأ ُه الن ُّ‬
‫بيضاء نق ّي ًة‪،‬‬ ‫جئتكــم هبا‬ ‫ــاب؟ وا ّلذي نفيس ِ‬
‫بيده لقدْ‬ ‫ابن اخل ّط ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫((( رواه ابن ماجه رقم (‪ ،)85‬وقال يف الزوائد (‪ :)14/1‬هذا إسناد صحيح‬
‫رجاله ثقات‪ ،‬وقال األلباين يف صحيح ابن ماجه (‪ :)69‬حســن صحيح‪.‬‬
‫غبطت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ ما‬ ‫فت ِ‬
‫فيه ع ْن‬ ‫ٍ‬
‫بمجلس خت ّل ُ‬ ‫غبطت نفيس‬
‫ُ‬ ‫وقوله «ما‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫بذلك املجلس‪ ،‬وختلفي عن ُه»؛ يعني أنه يغبط نفسه عىل أنه مل يتسبب‬ ‫نفيس‬
‫النبي ﷺ‪.‬‬
‫يف غضب النبي ﷺ‪ ،‬وال كان من أهل جملس أغضب َ‬
‫(( ( السنة البن أيب عاصم‪ ،‬حتقيق األلباين (‪ ،)406‬وقال‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ٍ‬
‫بباطل‪،‬‬ ‫فتكذبوا ِبه‪ْ ،‬أو‬
‫بحق‪ّ ،‬‬
‫فيخربوكم ٍّ‬
‫ْ‬
‫ال تسألوهم عن ٍ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫ْ ْ‬
‫كان ح ّي ًا ما‬
‫أن موســى ﷺ َ‬ ‫بــه‪ ،‬وا ّلذي نفيس ِ‬
‫بيده ْلو َّ‬ ‫فتصدّ قوا ِ‬

‫وسع ُه ّإل ْ‬
‫أن يتّبعني» (((‪.‬‬
‫وقد روى احلديث أيض ًا الدارمي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن جابر‪ :‬أن‬
‫عمر بن اخلطاب أتى رس��ول اهلل ﷺ بنسخة من التوراة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا رســول اهلل هذه نســخة من التوراة‪ ،‬فســكت‪ ،‬فجعل يقرأ‪،‬‬
‫ووجه رســول اهلل يتغري‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ثكلتك الثواكل ما ترى‬
‫بوجه رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فنظر عمر إىل وجه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‬
‫أعوذ باهلل من غضب اهلل‪ ،‬ومن غضب رسوله‪ ،‬رضينا باهلل رب ًا‪،‬‬
‫وباإلســام ديناً‪ ،‬وبمحمد نبي ًا‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬والذي‬
‫نفس حممد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموين لضللتم‬
‫عن سواء السبيل‪ ،‬ولو كان حي ًا‪ ،‬وأدرك نبويت التبعني»(((‪.‬‬
‫ومن شواهده حديث أيب الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬جاء عمر بجوامع‬
‫من التوراة إىل رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رســول اهلل جوامع‬
‫من التــوراة‪ ،‬أخذهتا مــن أخ يل من بني زريــق‪ ،‬فتغري وجه‬
‫رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال عمر‪ :‬رضينا باهلل ر ّب ًا‪ ،‬وباإلسالم دين ًا‪،‬‬
‫وبمحمــد نبي ًا‪ ،‬وبالقرآن إمام ًا‪ ،‬فرسي عن رســول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫((( مسند أمحد (‪ ،)387/3‬وحســنه األلباين بشواهده يف اإلرواء (‪،)1589‬‬


‫قــال ابن عون ‪ :‬فقلت للحســن‪ :‬ما (متهوكو )؟ قــال‪ :‬متحريون‪ .‬ذكره‬
‫البيهقي يف «شعب اإليامن» (‪.)132/1‬‬
‫((( سنن الدارمي (‪ ،)441‬وحسنه األلباين يف مشكاة املصابيح (‪.)68/1‬‬

‫‪85‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ثم قال‪« :‬والذي نفس حممد بيده لو كان موسى بني أظهركم‪،‬‬
‫ثم اتبعتموه وتركتموين لضللتم ضالالً بعيد ًا‪ ،‬أنتم حظي من‬
‫األمم‪ ،‬وأنا حظكم من النبيني»(((‪.‬‬
‫للمرب من‬
‫ّ‬ ‫ونالحظ يف شــواهد هذه القصة الدور املساند‬
‫تغي وجه املريب‪ ،‬واختاذ املوقف‬
‫قبل احلارضيــن‪ ،‬مع مالحظة ّ‬
‫بناء عىل ذلك‪ ،‬وال شك أن اجتامع هذه األمور حيدث يف نفس‬
‫مرت باملراحل التالية‪:‬‬
‫املوعوظ األثر البالغ؛ فإن العملية ّ‬
‫أوالً‪:‬االنفعال الذي حدث للنبي ﷺ بتغري وجهه؛ غضب ًا قبل‬
‫أن يتكلم‪.‬‬
‫ثاني ًا‪:‬مالحظة الصدّ يق لذلك‪ ،‬وتنبيه عمر عليه‪.‬‬
‫ثالث ًا‪:‬تنبه عمر خلطئه‪ ،‬ومبادرتــه إىل تصويب ذلك‪ ،‬واالعتذار عام‬
‫فعل مستعيذ ًا باهلل من غضب اهلل‪ ،‬وغضب رسوله ﷺ‪ ،‬ومعلن ًا‬
‫لألصل األصيل من الرىض باهلل‪ ،‬ورسوله ودينه‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬انفراج أســارير النبي ﷺ من رجوع عمــر‪ ،‬وإدراكه‬
‫خلطئه‪.‬‬
‫خامســ ًا‪ :‬التعقيب النبوي الكريم يف تثبيت األصل‪ ،‬والتأكيد‬
‫عليه بوجوب اتباع رشيعة النبي ﷺ‪ ،‬والتحذير من مصادر‬
‫التلقي األخرى‪.‬‬

‫((( قال اهليثمي يف املجمع (‪ :)174/1‬رواه الطرباين يف الكبري‪ ،‬وفيه أبو عامر‬
‫القاسم بن حممد األســدي‪ ،‬ومل أر من ترمجه وبقية رجاله موثقون‪ ،‬وانظر‬
‫الصحيحة (‪.)3207‬‬

‫‪86‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ومما حصل من غضبه ﷺ لرؤية منكر‪ :‬ما ورد يف صحيح‬


‫ّبي ﷺ‬ ‫مالــك ‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنس ِ‬‫البخــاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ع ْن ِ‬
‫أن الن َّ‬ ‫بن‬
‫ِ‬
‫وجهه‪،‬‬ ‫رئي يف‬ ‫ِ‬ ‫فشــق َ‬ ‫ِ‬ ‫رأى نخام ًة يف‬
‫ذلك عليه‪ ،‬حتّى َ‬ ‫َّ‬ ‫القبلة‪،‬‬
‫ِ‬
‫صالته‪ ،‬فإ ّن ُه‬ ‫أحدكــم إذا قا َم يف‬ ‫«إن‬
‫فقال‪َّ :‬‬ ‫بيده‪َ ،‬‬‫فقام‪ ،‬فح ّكه ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قبل‬‫أحدكم َ‬ ‫يبزقن‬ ‫ِ‬
‫وبني القبلة‪ ،‬فال‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫إن ر ّب ُه بين ُه َ‬ ‫يناجــي ر ّب ُه‪ْ ،‬أو َّ‬
‫ِ‬ ‫ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ردائه‪،‬‬ ‫طرف‬
‫َ‬ ‫أخذ‬ ‫حتت قدميه»‪َّ ،‬‬ ‫يساره‪ْ ،‬أو َ‬ ‫عن‬
‫ولكن ْ‬ ‫ْ‬ ‫قبلته‪،‬‬
‫يفعل هكذا»(((‪.‬‬ ‫«أو ُ‬ ‫بعض‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ ِ‬
‫فقال‪ْ :‬‬ ‫ثم ر َّد بعض ُه عىل‬ ‫فبصق فيه‪َّ ،‬‬
‫وممــا حصل مــن غضبه ﷺ عند ســاعه خلطــأ أدى إىل‬
‫األنصاري‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مسعود‬ ‫مفسدة‪ :‬ما ورد يف البخاري أيض ًا‪ ،‬ع ْن أيب‬
‫ِّ‬
‫رسول اهللِ؛ ّإن‬
‫َ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫قال‪« :‬جا َء ٌ‬
‫رجل إىل‬ ‫َ‬
‫يطيل بنا‬ ‫ٍ‬
‫فــان؛ ممّا ُ‬ ‫الغداة م ْن ِ‬
‫أجل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صــاة‬ ‫ّ‬
‫ألتأخ ُر ع ْن‬ ‫واهللِ‬
‫ٍ‬
‫موعظة من ُه‬ ‫قط أشــدَّ غضب ًا يف‬ ‫ّبي ﷺ ُّ‬ ‫فيها‪َ ،‬‬
‫رأيت الن َّ‬
‫قال‪ :‬فام ُ‬
‫كم ما ّ‬ ‫ثم َ‬ ‫ٍ‬
‫صل‬ ‫رين‪ ،‬فأ ّي ْ‬‫منكم من ّف َ‬
‫ْ‬ ‫إن‬
‫ّاس َّ‬‫قال‪« :‬يا ّأيا الن ُ‬ ‫يومئذ‪َّ ،‬‬
‫عيف وذا احلاجة»(((‪.‬‬ ‫والض َ‬‫الكبري ّ‬
‫َ‬ ‫فيهم‬
‫فإن ْ‬ ‫ّاس‪ ،‬فليوجزْ؛ َّ‬ ‫بالن ِ‬
‫ومن هذا البــاب أيض ًا إظهار املفتــي الغضب عند تك ّلف‬
‫يب‬ ‫اجلهني ‪َ ،‬‬ ‫بن ٍ‬ ‫املستفتي وتعنته‪ ،‬فعن ِ‬
‫زيد ِ‬
‫قال‪ :‬جا َء أعرا ٌّ‬ ‫ِّ‬ ‫خالد‬ ‫ْ‬
‫ْ‬
‫احفظ‬ ‫عرفها ســن ًة‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫عــا يلتقط ُه؟ َ‬
‫فقال‪ّ :‬‬ ‫ّبي ﷺ‪ ،‬فســأل ُه ّ‬
‫الن َّ‬
‫وإل فاســتنفقها‪،‬‬ ‫َ‬
‫خيربك هبا‪ّ ،‬‬ ‫عفاصها‪ ،‬ووكاءها‪ْ ،‬‬
‫فإن جا َء أحدٌ‬

‫((( رواه البخاري (‪.)405‬‬


‫(( ( البخاري (‪ ،)7159‬ومسلم (‪.)466‬‬

‫‪87‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫َ‬
‫ألخيك‪،‬‬ ‫َ‬
‫«لــك‪ْ ،‬أو‬ ‫رســول اهللِ فضا ّل ُة الغنــ ِم؟ َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قــال‪ :‬يا‬
‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلبــل؟ فتم ّع َر وجــ ُه الن ِّ‬ ‫قــال‪ :‬ضا ّلــ ُة‬ ‫للذ ِ‬
‫ئــب»‪َ ،‬‬ ‫ْأو ّ‬
‫املاء‪،‬‬
‫لك وهلا؟ معها حذاؤها‪ ،‬وســقاؤها‪ ،‬تــر ُد َ‬ ‫َ‬
‫فقال‪« :‬مــا َ‬
‫جر»(((‪.‬‬
‫الش َ‬ ‫ُ‬
‫وتأكل ّ‬
‫املرب املتوازن مع اخلطأ عند حدوثه أو رؤيته أو‬
‫إن انفعال ّ‬
‫سامعه بحيث يرى ذلك يف وجهه‪ ،‬ويعرف يف صوته وأسلوبه‪،‬‬
‫هو عالمة حياة يف القلب ضد املنكر‪ ،‬وعدم الســكوت عليه؛‬
‫حتى تقع يف قلوب احلارضيــن الرهبة من ذلك اخلطأ‪ ،‬ويؤ ّثر‬
‫الكالم وقت االنفعال يف النفوس‪ ،‬هذا بخالف كتم األمر‪ ،‬أو‬
‫تأخريه؛ فربام يربد‪ ،‬أو يزول أثر التعليق‪.‬‬
‫وقد يكون من احلكمة تأخري التعليق عىل احلادثة املنكرة‪،‬‬
‫أو الكالم اخلطري إىل حني مجع النــاس‪ ،‬أو اجتامعهم؛ ألجل‬
‫أمهية األمــر‪ ،‬أو لعدم وجود العدد الكايف الذي يتعظ وينقل‪،‬‬
‫وال مانــع من تعليقني‪ :‬خــاص مبارش‪ ،‬وعــام مؤخر‪ ،‬ففي‬
‫اهلل ﷺ‬‫رسول ِ‬
‫َ‬ ‫ــاعدي‪َّ ،‬‬
‫أن‬ ‫الس‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫صحيح البخاري ع ْن أيب محيد ّ‬
‫فقال‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫عمله‪َ ،‬‬ ‫حني فر َغ م ْن‬ ‫ُ‬
‫العامل َ‬ ‫َ‬
‫اس��تعمل عامالً‪ ،‬فجاء ُه‬
‫قعدت يف‬
‫َ‬ ‫فقال ل ُه‪« :‬أفال‬ ‫أهدي يل‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫لكم‪ ،‬وهذا‬‫رسول اهللِ هذا ْ‬
‫َ‬

‫ُ‬
‫رسول‬ ‫فغضب‬
‫َ‬ ‫(( ( رواه البخاري (‪ ،)2436‬ومسلم (‪ ،)1722‬ويف لفظ هلام‪:‬‬
‫لك وهلا؟ معها‬ ‫ثم َ‬
‫قال‪« :‬ما َ‬ ‫امحر وجه ُه‪َّ ،‬‬ ‫اهللِ ﷺ حتّى ّ‬
‫امحر ْت‪ ،‬وجنتا ُه‪ْ ،‬أو َّ‬
‫ربا»‪.‬‬
‫حذاؤها‪ ،‬وسقاؤها‪ ،‬حتّى يلقاها ّ‬

‫‪88‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ُ‬ ‫فنظرت‪ :‬أهيدى َ‬ ‫وأم َ‬ ‫ِ‬


‫بيت َ‬
‫رسول‬ ‫لك أ ْم ال؟»‪َّ ،‬‬
‫ثم قا َم‬ ‫َ‬ ‫ك‪،‬‬ ‫أبيك ّ‬
‫ِ‬
‫فتشهدَ ‪ ،‬وأثنى عىل اهللِ بام َ‬
‫هو أهل ُه‪،‬‬ ‫الصالة‪ّ ،‬‬‫اهللِ ﷺ عش ّي ًة بعدَ ّ‬
‫فيقول‪ :‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫العامل نستعمل ُه‪ ،‬فيأتينا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بال‬‫«أما بعدُ فام ُ‬
‫قال‪ّ :‬‬ ‫ثم َ‬ ‫َّ‬
‫فنظر‬ ‫أبيه‪ِ ،‬‬ ‫بيت ِ‬ ‫من عملكم‪ ،‬وهذا أهدي يل؟ أفال قعدَ يف ِ‬
‫وأمه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫حممد بيده ال ُّ‬ ‫ٍ‬
‫أحدكم‬
‫ْ‬ ‫يغل‬ ‫نفس ّ‬ ‫هل هيدى لــ ُه‪ ،‬أ ْم ال؟ فوا ّلذي ُ‬ ‫ْ‬
‫القيامة حيمله عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاء ِبه يو َم‬
‫كان بعري ًا‬‫إن َ‬ ‫عنقه‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫منها شيئ ًا ّإل َ‬
‫كانت‬ ‫ْ‬ ‫وإن‬
‫خوار‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫جاء هبا هلا‬
‫كانت بقر ًة َ‬ ‫ْ‬ ‫وإن‬
‫رغاء‪ْ ،‬‬‫ٌ‬ ‫جاء ِبه ل ُه‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫غت»‪َ ،‬‬ ‫تيعر‪ ،‬فقدْ ب ّل ُ‬
‫رسول‬ ‫رفع‬
‫ثم َ‬ ‫فقال أبو محيد‪َّ :‬‬ ‫جاء هبا ُ‬ ‫شا ًة َ‬
‫ِ‬
‫إبطيه(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عفرة‬ ‫لننظر إىل‬ ‫اهللِ ﷺ يد ُه‪ ،‬حتّى إنّا‬
‫ُ‬
‫‪-26‬التويل عــن املخطئ‪ ،‬وترك جدالــه لعله يراجع‬
‫الصواب‪:‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫طالب‪َ ،‬‬ ‫بن أيب‬‫عــي ِ‬
‫ِّ‬ ‫روى البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن‬
‫بنت‬
‫الســام‪َ -‬‬ ‫اهلل ﷺ طرق�� ُه‪ ،‬وفاطم َة ‪-‬عليها ّ‬ ‫رســول ِ‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫«إن‬
‫فقلت‪:‬‬ ‫عيل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫هلم‪ :‬أال تص ّل َ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫فقــال ٌّ‬ ‫ون؟‬ ‫فقال ْ‬
‫أن يبعثنا بعثنا‪،‬‬ ‫رســول اهللِ إنّام أنفســنا ِ‬
‫بيد اهللِ‪ ،‬فإذا شــا َء ْ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫ذل��ك‪ ،‬ومل يرجع ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫قال ل ُه‬ ‫رســول اهللِ ﷺ َ‬
‫حني َ‬ ‫ُ‬ ‫فانرصف‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يقول‪) :‬ﭛ‬ ‫وهو ُ‬ ‫يرضب فخذ ُه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫مدبر‬
‫وهو ٌ‬‫ثم سمع ُه‪َ ،‬‬ ‫شيئ ًا‪َّ ،‬‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ(» [ الكهف‪.(((]54 :‬‬

‫(( ( البخاري (‪ ،)6636‬ومسلم (‪.)1832‬‬


‫حيتمل أمور ًا‪ ،‬ينظر‬ ‫((( البخاري (‪ ،)1127‬ومســلم (‪ ،)775‬وكالم عيل‬
‫الفتح (‪.)7347‬‬

‫‪89‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -27‬عتاب املخطئ‪:‬‬
‫كام فعل النبي ﷺ مع حاطب ‪ ،t‬حينام علم أنه أرســل إىل‬
‫كفار قريش خيربهم بنية املســلمني يف التوجه إىل مكة لفتحها‪،‬‬
‫حاطب‪ :‬واهللِ‬
‫ٌ‬ ‫صنعت؟»‪َ ،‬‬
‫قال‬ ‫َ‬ ‫محلك عىل مــا‬ ‫َ‬ ‫فإنه قال له‪« :‬ما‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫أردت ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ورســوله ﷺ‪،‬‬ ‫أكون مؤمن ًا باهللِ‬
‫َ‬ ‫مــا يب ْ‬
‫أن ال‬
‫وليس أحدٌ م ْن‬
‫يدفع اهللُ هبا ع ْن أهيل ومايل‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫يل عندَ القو ِم يــدٌ‬
‫عشــرته مــن يدفع اهللُ ِبه عن ِ‬
‫أهله‬ ‫ِ‬ ‫أصحابك ّإل ل ُه َ‬
‫هناك م ْن‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫«صدق‪ ،‬وال تقولوا ل ُه ّإل خري ًا»‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وماله‪َ ،‬‬
‫فقال الن ُّ‬
‫فألرضب‬
‫َ‬ ‫واملؤمنني‪ ،‬فدعني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خان اهللَ ورســول ُه‬ ‫عمر‪ :‬إ ّن ُه قدْ‬
‫ُ‬
‫لع إىل ِ‬
‫أهل‬ ‫لعل اهللَ ا ّط َ‬ ‫بدر‪َ ،‬‬
‫فقال‪َّ :‬‬ ‫أهل ٍ‬‫من ِ‬
‫«أليس ْ‬‫َ‬ ‫عنق ُه‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫لكم اجلنّ ُة‪ْ ،‬أو فقدْ‬
‫وجبــت ْ‬‫ْ‬ ‫شــئتم‪ ،‬فقدْ‬
‫ْ‬ ‫بدر‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬اعملوا ما‬ ‫ٍ‬
‫أعلم(((‪.‬‬ ‫عمر‪َ ،‬‬
‫وقال‪ :‬اهللُ ورسول ُه ُ‬ ‫فدمعت عينا َ‬
‫ْ‬ ‫لكم»‪،‬‬
‫غفرت ْ‬
‫ُ‬
‫ويف هذه القصة عدد من الفوائد الرتبوية العظيمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬معاتبة النبــي ﷺ للصحايب املخطئ خطأ بالغ ًا‪ ،‬بقوله له‪:‬‬
‫«ما محلك عىل ما صنعت؟»‪.‬‬
‫‪ -2‬االستعالم عن السبب الذي دفع باملخطئ إىل اخلطأ‪ ،‬وهذا‬
‫ال َّ‬
‫شك سيؤثر يف املوقف الذي سيتخذ منه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن أصحاب الفضل والسابقة ليسوا معصومني من الذنب‬
‫الكبري‪.‬‬

‫(( ( البخاري (‪ ،)6259‬ومسلم (‪.)2494‬‬

‫‪90‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫املرب أن يكون واســع الصــدر يف حتمل أخطاء‬


‫‪ -4‬أن عــى ّ‬
‫أصحابــه؛ ليدوموا معــه عىل املنهج الســوي‪ ،‬فالغرض‬
‫إصالحهم‪ ،‬ال إبعادهم‪.‬‬
‫متر‬
‫املــرب أن يقدّ ر حلظة الضعف البرشي التي قد ُّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -5‬أن عىل‬
‫ببعض من معه‪ ،‬وأن ال يؤاخذ بســقطة قوية‪ ،‬وخطأ فظيع‬
‫قد يقع من بعض القدامى‪.‬‬
‫‪ -6‬املدافعة عمن يستحق الدفاع عنه من املخطئني‪.‬‬
‫‪ -7‬أن املخطئ إذا كانت له حســنات عظيمة سابقة‪ ،‬فالبدّ أن‬
‫تؤخذ باالعتبار عند تقويم خطئه‪ ،‬واختاذ موقف منه‪.‬‬

‫‪ -28‬لوم املخطئ‪:‬‬
‫اخلطأ الواضح ال يمكن السكوت عليه‪ ،‬والبد من توجيه‬
‫لوم وتأنيب إىل املخطئ؛ ليحــس بخطئه‪ ،‬روى البخاري يف‬
‫شــارف م ْن نصيبي م ْن املغن ِم‬
‫ٌ‬ ‫كانت يل‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫أن عل ّي ًا َ‬
‫صحيحه َّ‬
‫ِ‬
‫اخلمس‪ّ ،‬‬
‫فلم‬ ‫ّبي ﷺ أعطاين ش�اـرف ًا م�� ْن‬ ‫َ‬
‫وكان الن ُّ‬ ‫يو َم ٍ‬
‫بدر‪،‬‬
‫واعدت رج ً‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫أن أبتني بفاطم َة ِ‬
‫بنت‬ ‫أردت ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫أن‬‫أردت ْ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بإذخر‬ ‫يت‬
‫معي؛ فنأ َ‬ ‫يرحتل َ‬‫َ‬ ‫أن‬‫قينقاع ْ‬
‫َ‬ ‫صواغ ًا م ْن بني‬‫ّ‬
‫أمجع‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫وأســتعني به يف وليمة عريس‪ ،‬فبينا أنا ُ‬ ‫اغني‪،‬‬
‫الص ّو َ‬ ‫أبيع ُه ّ‬
‫وشــارفاي‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واحلبال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والغرائر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األقتاب‪،‬‬ ‫لشــاريف متاع ًا م ْن‬
‫َّ‬
‫حني‬‫رجعت َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األنصار‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل مــ ْن‬ ‫ِ‬
‫حجرة‬ ‫ِ‬
‫جنب‬ ‫ِ‬
‫مناختان إىل‬

‫‪91‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫اجتب(((أســنمتهام(((‪،‬‬
‫َّ‬ ‫شــارفاي قدْ‬
‫َ‬ ‫مجعــت‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫مجعت ما‬
‫ُ‬
‫عيني‬
‫أملك َّ‬ ‫ْ‬ ‫فلم‬ ‫َ‬
‫وأخذ مــ ْن أكبادمها‪ْ ،‬‬ ‫وبقرت(((خوارصمها‪،‬‬
‫ْ‬
‫فقلت‪ :‬م ْن َ‬
‫فعل هذا؟ فقالوا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫املنظر منهام(((‪،‬‬
‫َ‬ ‫رأيت َ‬
‫ذلك‬ ‫حني ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫رشب((( م ْن‬ ‫ِ‬
‫البيت يف‬ ‫وهو يف هذا‬ ‫فعل محز ُة بن ِ‬
‫عبد امل ّط ِ‬ ‫َ‬
‫لب‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬وعند ُه زيدُ‬ ‫َ‬
‫أدخل عىل الن ِّ‬ ‫فانطلقت؛ حتّــى‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األنصار‪،‬‬
‫فقال‬ ‫ّبي ﷺ يف وجهي ا ّل��ذي ُ‬
‫لقيت‪َ ،‬‬ ‫فعــرف الن ُّ‬
‫َ‬ ‫ب ُن حارث َة‪،‬‬
‫رســول اهللِ ما ُ‬
‫رأيت كاليو ِم‬ ‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫لك؟»‪،‬‬‫ّبي ﷺ‪« :‬ما َ‬ ‫الن ُّ‬
‫وبقر خوارصمها‪،‬‬ ‫فأجب أسنمتهام‪َ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ناقتي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قط‪ ،‬عدا محز ُة عىل‬‫ُّ‬
‫بردائه‪ ،‬فارتدى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ّبي ﷺ‬ ‫وها هو ذا يف ٍ‬
‫رشب‪ ،‬فدعا الن ُّ‬
‫ٌ‬ ‫بيت مع ُه‬ ‫َ‬
‫البيت‬
‫َ‬ ‫انطلق يميش‪ ،‬واتّبعت ُه أنا وزيدُ ب ُن حارث َة‪ ،‬حتّى جا َء‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫فطفق‬
‫رشب‪َ ،‬‬ ‫هم‬ ‫َ‬ ‫ا ّلذي ِ‬
‫(((‬
‫ٌ‬ ‫هلم‪ ،‬فإذا ْ‬ ‫فاســتأذن فأذنوا ْ‬ ‫فيه محزةُ‪،‬‬
‫حممر ًة‬
‫ثمل(((‪ّ ،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يلو ُم محز َة فيام َ‬
‫فعل‪ ،‬فإذا محز ُة قدْ َ‬ ‫ُ‬

‫االستئصال يف القطعِ‪ .‬فتح (‪.)200/6‬‬ ‫ُ‬ ‫واجلب‬‫ُّ‬ ‫قطع‪ ،‬قال ابن حجر‪:‬‬
‫جب أي َ‬ ‫(( ( َّ‬
‫ِ‬
‫السنا ُم ما عىل ظهر البعري (‪.)200/6‬‬ ‫ِ‬ ‫((( قال ابن حجر‪ّ :‬‬
‫(( ( بقر‪ ،‬أي‪ :‬شق‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(( ( قال ابن حجر‪ :‬واملرا ُد أ ّن ُه بكى م ْن شدّ ة القهر الذي حصل ل ُه‪ ،‬ويف رواية ابن‬
‫َ‬
‫وذلك‬ ‫خميف ٌ‬
‫مهول‪،‬‬ ‫أي ٌ‬ ‫مفظع‪ْ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫نزل يب ٌ‬ ‫أي َ‬ ‫رأيت منظر ًا أفظعني‪ْ ،‬‬ ‫جريج‪ُ :‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستعان به عليه‪ْ ،‬أو خلشية أنْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتصوره تأخ َر االبتناء بزوجته؛ بسبب فوات ما‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ملجرد فوات النّاقتني‪ .‬فتح (‪.)200/6‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ينسب يف حقها إىل تقصري‪ ،‬ال ّ‬ ‫َ‬
‫مجع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والش ُب ِ‬
‫موحدةٌ‪ُ ،‬‬
‫الراء بعدها ّ‬ ‫بفتح املعجمة‪ ،‬وسكون ّ‬ ‫ّ‬ ‫(( ( قال ابن حجر‪:‬‬
‫كتاجر وجتر‪ .‬فتح (‪.)200/6‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شارب‪،‬‬
‫(( ( رشع وبدأ ‪.‬‬
‫((( أي سكر ففقد رشده‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ِ‬
‫فنظر‬
‫ّظر‪َ ،‬‬ ‫ثم ص ّعــدَ الن َ‬‫فنظر محز ُة إىل رســول اهللِ ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫عينا ُه‪َ ،‬‬
‫ّظر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم ص ّعدَ الن َ‬
‫رستــه‪َّ ،‬‬ ‫فنظر إىل ّ‬
‫ّظر‪َ ،‬‬ ‫ثم ص ّعدَ الن َ‬ ‫إىل ركبتــه‪َّ ،‬‬
‫فعرف‬ ‫أنتم ّإل عبيدٌ أليب(((‪،‬‬ ‫قال محزةُ‪ْ :‬‬‫ثم َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫هل ْ‬ ‫فنظر إىل وجهه‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫رسول اهللِ ﷺ عىل عقبيهِ‬ ‫ُ‬ ‫فنكص‬ ‫رســول اهللِ ﷺ أ ّن ُه قدْ َ‬
‫ثمل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫القهقرى(((‪ ،‬وخرجنا مع ُه»(((‪.‬‬
‫يقهق��ر‪ ،‬حتّى َ‬
‫خرج‬ ‫ُ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫«فرجع‬
‫َ‬ ‫ويف رواية‪:‬‬
‫وذلك َ‬
‫قبل حتري ِم اخلمر(((»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عنهم‪،‬‬
‫ْ‬
‫‪ -29‬اإلعراض عن املخطئ‪:‬‬
‫قال‪ :‬أتاين الوليدُ‬ ‫روى اإلمام أمحــد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن ٍ‬
‫محيد‪َ ،‬‬
‫أشــب منّي ســنّ ًا‪،‬‬‫ُّ‬ ‫هلم‪ ،‬فأنتام‬
‫فقال لنا‪ّ :‬‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫وصاحب يل‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أنا‬
‫قال‪:‬‬ ‫بن عاص ٍم‪َ ،‬‬ ‫فانطلق بنا إىل ِ‬
‫برش ِ‬ ‫َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫للحديث منّي‪َ ،‬‬ ‫وأوعى‬
‫قال‪ :‬حدّ ثنا عقب ُة‬ ‫حديثك؟‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫هذين‬ ‫ث‬ ‫ِ‬
‫العالية‪ :‬حتدّ ُ‬ ‫َ‬
‫فقال لــ ُه أبو‬
‫ِ‬ ‫يثي‪َ :‬‬ ‫قال أبو الن ِ‬ ‫بن ٍ‬
‫رهطه‪-‬‬ ‫َ‬
‫‪-‬وكان م ْن‬ ‫هبز‬
‫قال ٌ‬ ‫ّــر ال ّل ُّ‬ ‫مالك‪َ :‬‬ ‫ُ‬

‫ولعيل أيض ًا‪،‬‬


‫ٍّ‬ ‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫لب جدٌّ للن ِّ‬‫أن أبــا ُه عبدَ امل ّط ِ‬ ‫(( ( قال ابن حجر‪َ :‬‬
‫قيل أرا َد َّ‬
‫أقرب إىل‬
‫ُ‬ ‫عليهم بأ ّن ُه‬
‫ْ‬ ‫االفتخار‬
‫َ‬ ‫أن محز َة أرا َد‬ ‫واجلدُّ يدعى ســ ّيد ًا‪ ،‬وحاصل ُه َّ‬
‫منهم‪ .‬فتح (‪.)200/6‬‬ ‫ِ‬
‫عبد امل ّط ِ‬
‫لب ْ‬
‫ذلك؛ خشــي َة ْ‬
‫أن‬ ‫فعل َ‬ ‫خلف‪ ،‬وكأ ّن ُه َ‬‫ٍ‬ ‫امليش إىل‬
‫هو ُ‬ ‫(( ( قال ابن حجر‪ :‬القهقرى َ‬
‫أن يكونَ‬ ‫الفعل‪ ،‬فأرا َد ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حال سكره‪ ،‬فينتقل م َن القول إىل‬ ‫عبث محز َة يف ِ‬
‫يزدا َد ُ‬
‫وقع من ُه يش ٌء‪ .‬فتح (‪.)200/6‬‬ ‫إن َ‬ ‫يقع م ْن محز َة بمرأى من ُه؛ ليدفع ُه ْ‬ ‫ما ُ‬
‫(( ( البخاري (‪ ،)3091‬ومسلم (‪.)1979‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّبي ﷺ محز َة بقوله‪ .‬فتح (‪.)200/6‬‬ ‫ولذلك ْمل يؤاخذ الن ُّ‬ ‫َ‬ ‫أي‬
‫((( قال ابن حجر‪ْ :‬‬
‫(( ( البخاري (‪ ،)2375‬ومسلم (‪.)1979‬‬

‫‪93‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫قال‪:‬‬‫فأغارت عىل قو ٍم‪َ ،‬‬


‫ْ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ رس ّي ًة‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫بعث‬
‫الس ّي ِة شــاهر ًا‬ ‫قال‪ :‬فاتّبع ُه ٌ‬
‫رجل م ْن ّ‬ ‫رجل‪َ ،‬‬
‫فشــذ م ْن القو ِم ٌ‬
‫َّ‬
‫فلم‬
‫قال‪ْ :‬‬‫مســلم‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫الشــا ُّذ م ْن القو ِم‪ّ :‬إن‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫فقال ّ‬ ‫ســيف ُه‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫رســول‬ ‫ُ‬
‫احلديث إىل‬ ‫قال‪ :‬فنمى‬‫قال‪ ،‬فرضب ُه‪ ،‬فقتل ُه‪َ ،‬‬
‫ينظر فيام َ‬
‫ْ‬
‫القاتل‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬فبينا‬ ‫َ‬ ‫فقال فيه قوالً شــديد ًا‪َ ،‬‬
‫فبلغ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪َ :‬‬‫اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫رسول اهللِ؛ واهللِ ما َ‬
‫قال‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫القاتل‪ :‬يا‬ ‫خيطب‪َ ،‬‬
‫قال‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬
‫وعم ْن‬
‫فأعرض عن ُه‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫القتل‪َ ،‬‬
‫قــال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قــال ّإل ّ‬
‫تعوذ ًا م ْن‬ ‫ا ّلذي َ‬
‫رسول اهللِ؛‬
‫َ‬ ‫ثم َ‬
‫قال أيض ًا‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قبل ُه م ْن الن ِ‬
‫وأخذ يف خطبته‪َّ ،‬‬ ‫ّاس‪،‬‬
‫وعم ْن‬
‫فأعرض عن ُه‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫القتل‪،‬‬ ‫قال ّإل ّ‬
‫تعوذ ًا مــ ْن‬ ‫قال ا ّلذي َ‬
‫ما َ‬
‫رب‪َ ،‬‬
‫فقال ال ّثالث َة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قبل ُه م ْن الن ِ‬
‫ثــم مل ْ يص ْ‬‫وأخذ يف خطبته‪َّ ،‬‬ ‫ّاس‪،‬‬
‫فأقبل ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل؛ ِ‬
‫رســول ِ‬
‫عليه‬ ‫القتل‪َ ،‬‬ ‫قال ّإل ّ‬
‫تعوذ ًا مــ ْن‬ ‫واهلل ما َ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫«إن اهللَ ع َّز‬
‫قال ل ُه‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫وجهه‪َ ،‬‬ ‫تعرف املس��اء ُة يف‬
‫ُ‬ ‫رس��ول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬
‫ثالث مر ٍ‬ ‫قتل مؤمن ًا»‪،‬‬ ‫من َ‬ ‫َّ‬
‫ات(((‪.‬‬ ‫َ ّ‬ ‫وجل أبى عىل ْ‬
‫أن‬‫وروى النســائي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أيب ســعيد اخلدري َّ‬
‫خاتم م ْن‬ ‫ِ‬
‫وعليه‬ ‫اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رســول ِ‬ ‫َ‬
‫نجــران إىل‬ ‫رج ً‬
‫ال قد َم م ْن‬
‫ٌ‬
‫ّك جئتني‪ ،‬ويف‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َ ،‬‬
‫وقال‪« :‬إن َ‬ ‫ُ‬ ‫فأعرض عن ُه‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ذهب‪،‬‬
‫من ٍ‬
‫نار» (((‪.‬‬ ‫َ‬
‫يدك مجر ٌة ْ‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫أبيه‪ ،‬ع ْن جدّ ِه َّ‬
‫«أن الن َّ‬
‫شــعيب‪ ،‬عن ِ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫وع ْن عمرو ِ‬
‫بن‬

‫(( ( املســند (‪ ،)289/5‬وقال األلباين يف التعليقات احلسان عىل صحيح ابن‬


‫حبان (‪ :)5941‬صحيح لغريه‪.‬‬
‫((( املجتبى (‪ )170/8‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فأعرض عن ُه‪ ،‬فألقا ُه‪،‬‬


‫َ‬ ‫ذهب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أصحابه خامت ًا م ْن ٍ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫رأى عىل‬
‫ّار»‪،‬‬‫أهل الن ِ‬
‫رش‪ ،‬هذا حلي ُة ِ‬ ‫ٍ‬
‫حديد‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وات َذ خامت ًا م ْن‬
‫فقال‪« :‬هذا ٌّ‬
‫فسكت عن ُه((( ‪.‬‬
‫َ‬ ‫فات َذ خامت ًا م ْن ٍ‬
‫ورق‪،‬‬ ‫فألقا ُه‪ّ ،‬‬

‫‪ -30‬هجر املخطئ‪:‬‬
‫وهو من األســاليب النبوية املؤثرة خصوص ًا إذا عظم اخلطأ‬
‫والذنب؛ وذلك ملا حيدثــه اهلجران والقطيعة مــن األثر البالغ‬
‫يف نفس املخطئ‪ ،‬ومن أمثلــة ذلك ما حصل لكعب بن مالك‪،‬‬
‫وصاحبيــه الذين خلفوا يف قصــة غزوة تبوك‪ ،‬فبعــد أن تأكد‬
‫للنبي ﷺ أنه مل يكــن هلم عذر‪ ،‬واعرتفوا بذلك‪ ،‬قال كعب ‪:‬‬
‫املسلمني ع ْن كالمنا ّأيا ال ّثالث ُة م ْن ِ‬
‫بني‬ ‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫«وهنى‬
‫ّرت يف‬
‫وتغيوا لنا‪ ،‬حتّى تنك ْ‬ ‫م ْن خت ّل َ‬
‫��ف عن ُه‪ ،‬فاجتنبنا الن ُ‬
‫ّاس‪ّ ،‬‬
‫مخســن‬
‫َ‬ ‫أعرف‪ ،‬فلبثنا عىل َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫هي ا ّلتي‬
‫األرض‪ ،‬فام َ‬
‫ُ‬ ‫نفــي‬
‫ِ‬
‫يبكيان‪ ،‬وأ ّما‬ ‫صاحباي‪ ،‬فاستكانا‪ ،‬وقعدا يف بيوهتام‬ ‫ليل ًة‪ ،‬فأ ّما‬
‫َ‬
‫أخرج؛ فأشــهدُ‬
‫ُ‬ ‫فكنت‬
‫ُ‬ ‫وأجلدهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫أشــب القو ِم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فكنت‬
‫ُ‬ ‫أنا‪،‬‬
‫ِ‬
‫األسواق‪ ،‬وال يك ّلمني أحدٌ ‪،‬‬ ‫وأطوف يف‬
‫ُ‬ ‫املسلمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫مع‬
‫الصال َة َ‬ ‫ّ‬
‫جملسه بعدَ الص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬فأس ّل ُم عليه‪َ ،‬‬
‫وهو يف‬ ‫َ‬ ‫وآيت‬
‫ِ‬
‫ثم‬ ‫حر َك شــفتيه بر ِّد ّ‬
‫الســا ِم َّ‬
‫عيل أ ْم ال؟ َّ‬ ‫هل ّ‬ ‫فأقول يف نفيس‪ْ :‬‬ ‫ُ‬
‫أقبل‬‫أقبلت عىل صاليت َ‬
‫ُ‬ ‫أصل قريب ًا من ُه‪ ،‬فأســارق ُه الن َ‬
‫ّظر‪ ،‬فإذا‬ ‫ّ‬
‫ذلك‬‫عيل َ‬‫طال َّ‬‫أعــرض عنّي‪ ،‬حتّى إذا َ‬‫َ‬ ‫التفت نحو ُه‬
‫ُّ‬ ‫إ َّيل‪ ،‬وإذا‬

‫((( املسند (‪ ،)6518‬وصححه األلباين يف آداب الزفاف (ص‪.)217‬‬

‫‪95‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ِ‬
‫حائط أيب قتادةَ‪،‬‬ ‫جدار‬ ‫رت‬‫تسو ُ‬ ‫ِ‬
‫جفوة الن ِ‬
‫َ‬ ‫مشيت‪ ،‬حتّى ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّاس‬ ‫م ْن‬
‫ِ‬
‫مت عليه‪ ،‬فواهللِ ما ر َّد‬ ‫وأحب الن ِ‬
‫ّاس إ َّيل‪ ،‬فس ّل ُ‬ ‫عمي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وهو اب ُن ّ‬
‫َ‬
‫أحب‬ ‫هل تعلمني ُّ‬ ‫أنشدك ِ‬
‫باهلل ْ‬ ‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا أبا قتادةَ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السال َم‪،‬‬
‫عيل ّ‬‫َّ‬
‫فعدت‬
‫ُ‬ ‫فسكت‪،‬‬
‫َ‬ ‫فعدت ل ُه‪ ،‬فنشدت ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فســكت‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهللَ ورسول ُه؟‬
‫عيناي ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ففاضت‬
‫ْ‬ ‫أعلم ‪،‬‬ ‫ل ُه‪ ،‬فنشــدت ُه ‪َ ،‬‬
‫فقال ‪ :‬اهللُ ورســول ُه ُ‬
‫اجلدار‪ ...‬إىل أن قال يف قصته‪:‬‬
‫َ‬ ‫رت‬‫تســو ُ‬
‫ّ‬ ‫وتو ّل ُ‬
‫يت ‪ ،‬حتّى‬
‫رسـ�ول اهللِ ﷺ‬
‫ُ‬ ‫مخسـ�ون ليل ًة‪ ،‬م ْن َ‬
‫حني هنى‬ ‫َ‬ ‫كملت لنا‬
‫ْ‬ ‫حتّى‬
‫مخســن ليل ًة‪ ،‬وأنا‬
‫َ‬ ‫صبح‬ ‫ِ‬
‫الفجر َ‬ ‫يت صال َة‬‫فلم ص ّل ُ‬
‫ع ْن كالمنا‪ّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ظهر ٍ‬
‫عىل ِ‬
‫جالس عىل احلال ا ّلتي َ‬
‫ذكر‬ ‫ٌ‬ ‫بيت مــ ْن بيوتنا‪ ،‬فبينا أنا‬
‫رحبت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫األرض بام‬
‫ُ‬ ‫عيل‬
‫وضاقت َّ‬
‫ْ‬ ‫عيل نفيس‪،‬‬
‫ضاقــت َّ‬
‫ْ‬ ‫اهللُ‪ ،‬قدْ‬
‫ِ‬
‫صوته‪ ،‬يا‬ ‫صوت صارخٍ أوىف عىل ِ‬
‫جبل ســل ٍع بأعىل‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬
‫أبرش‪.(((»...‬‬ ‫ٍ‬
‫كعب ب َن مالك ْ‬‫ُ‬
‫ويف هذه القصة من الفوائد العظيمــة‪ ،‬والعظات البالغة ما‬
‫املســلم معرفته‪ ،‬وينرشح له صدره‪ ،‬ويمكن االطالع عىل‬
‫َ‬ ‫يرس‬
‫ُّ‬
‫يشء من ذلك يف رشوح العلامء للقصة‪ ،‬كزاد املعاد وفتح الباري‪.‬‬
‫ومما يدل عــى اعتامده ﷺ هذا األســلوب أيضــ ًا ما رواه‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫أبغض إىل‬
‫خلق َ‬ ‫قالت‪« :‬ما َ‬
‫كان ٌ‬ ‫ْ‬ ‫الرتمذي‪ ،‬ع ْن عائش َة‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫ث عندَ الن ِّ‬ ‫جل حيــدّ ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫ِ‬
‫الك��ذب‪ ،‬ولقدْ َ‬
‫كان ّ‬ ‫اهللِ ﷺ م ْن‬
‫أحدث منها توب ًة»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫يعلم أ ّن ُه قدْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالكذبة‪ ،‬فام ُ‬
‫يزال يف نفسه‪ ،‬حتّى َ‬
‫(( ( البخاري (‪ ،)4418‬ومسلم (‪.)2769‬‬
‫((( رواه الرتمذي (‪ ،)1973‬وحسنه‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ِ‬
‫نفسه عليه ‪.(((»...‬‬ ‫ويف رواية أمحد‪ ...« :‬فام ُ‬
‫يزال يف‬
‫ويف رواية ‪« :‬وما اطلع منه عىل يشء عند أحد من أصحابه‪،‬‬
‫فيبخل له من نفسه‪ ،‬حتى يعلم أنه قد أحدث توبة»(((‪.‬‬
‫أهل ِ‬
‫بيته‬ ‫رسول اهللِ إذا ا ّطلع عىل ٍ‬
‫أحد م ْن ِ‬ ‫ُ‬ ‫ويف رواية ‪َ :‬‬
‫«كان‬
‫َ‬
‫حيدث هللِ توب ًة»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫يكذب مل ْ ْ‬
‫يزل معرض ًا عن ُه حتّى‬ ‫ُ‬
‫ويتضح من الروايات السابقة أن اإلعراض عن املخطئ؛‬
‫حتى يعود عن خطئه أسلوب تربوي مفيد‪ ،‬ولكن لكي يكون‬
‫نافعــ ًا البد أن يكون اهلاجر والـــمعرض لــه مكانة يف نفس‬
‫املهجور‪ ،‬وإال فلن يكون هلــذا الفعل أثر إجيايب عليه‪ ،‬بل ربام‬
‫يشعر أنه قد اسرتاح‪.‬‬
‫‪ -31‬الدعاء عىل املخطئ املعاند‪:‬‬
‫روى مســلم ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬أن رج ً‬
‫ال أكل عند رســول‬
‫اهلل ﷺ بشامله‪ ،‬فقال‪« :‬كل بيمينك»‪ ،‬قال‪ :‬ال أستطيع‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«ال استطعت»‪ ،‬ما منعه إال الك ُ‬
‫رب‪ ،‬قال‪ :‬فام رفعها إىل فيه»(((‪.‬‬
‫جواز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلديــث‬ ‫قــال النــووي ‪-‬رمحــه اهلل‪« :-‬ويف هذا‬

‫((( املسند (‪.)152/6‬‬


‫((( رواه ابن ســعد يف الطبقات (‪ ،)285/1‬وصححه األلباين يف السلســلة‬
‫الصحيحة (‪.)2052‬‬
‫((( رواه ابــن عبد الــر يف التمهيد (‪ ،)69/1‬وصححــه األلباين يف صحيح‬
‫اجلامع (‪.)4675‬‬
‫(( ( صحيح مسلم (‪.)2021‬‬

‫‪97‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫األمر‬ ‫عذر‪ِ ،‬‬


‫وفيه‬ ‫عــي بال ٍ‬ ‫الدّ ِ‬
‫ُ‬ ‫الش َّ‬ ‫احلكم ّ‬
‫َ‬ ‫خالف‬
‫َ‬ ‫عاء عىل م ْن‬
‫حــال حتّى يف ِ‬
‫حال‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫املنكر‪ ،‬يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫عــن‬ ‫ّهي‬ ‫ِ‬
‫باملعــروف‪ ،‬والن ُ‬
‫ِ‬
‫األكل إذا خالف ُه»(((‪.‬‬ ‫آداب‬
‫اآلكل َ‬‫ِ‬ ‫واستحباب تعلي ِم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األكل‪،‬‬
‫ونالحظ هنا أن الدعاء عليه مل يكن بام يعني عليه الشيطان‪،‬‬
‫ولكن كان بام يشبه التعزير‪.‬‬
‫‪-32‬اإلعراض عــن بعض اخلطأ اكتفــاء بام جرت‬
‫تكرم ًا مع املخطئ‪:‬‬
‫اإلشارة إليه منه؛ ّ‬
‫قال تعــاىل‪) :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ) [التحريم‪.]3 :‬‬
‫قال القاســمي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف حماسن التأويل‪) :‬ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ (‪ ،‬أي حممــد )ﭴ ﭵ (‪ ،‬هي حفصة‪) ،‬ﭶ(‪،‬‬
‫حرم عىل نفســه ممــا كان اهلل جل ثناؤه‬
‫حتريــم فتاته‪ ...‬أو ما ّ‬
‫قد أحله لــه )ﭷ ﭸ ﭹ (‪ ،‬أي أخــرت بالرس صاحبتها‬
‫(عائشة)‪ ( ،‬ﭺ ﭻ ﭼ )‪ ،‬أطلعه عن حتديثها به‪) ،‬ﭽ‬
‫عرفها بعض ما أفشته معاتب ًا‪) ،‬ﭿ ﮀ ﮁ (‬
‫ﭾ (‪ ،‬أي ّ‬
‫تكرم ًا‪.‬‬
‫أي بعض احلديث ّ‬
‫ويف اإلكليل‪ :‬يف اآلية أنه ال بــأس بإرسار بعض احلديث‬
‫إىل مــن يركن إليه مــن زوج‪ ،‬أو صديق‪ ،‬وأنــه يلزمه كتامنه‪،‬‬

‫(( ( رشح صحيح مسلم (‪.)192/13‬‬

‫‪98‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وفيها حســن املعارشة مع الزوجــات‪ ،‬والتلطف يف العتب‪،‬‬


‫الزخمرشي عن‬
‫ّ‬ ‫واإلعراض عن اســتقصاء الذنب‪ ،‬وحكــى‬
‫سفيان‪ ،‬قال‪ :‬ما زال التغافل من فعل الكرام(((‪.‬‬
‫قال احلسن‪« :‬ما استقىص كريم قط»(((‪.‬‬

‫‪ -33‬إعانة املسلم عىل تدارك خطئه‪ ،‬وتصويبه‪:‬‬


‫ّبي ﷺ‬
‫جلوس عندَ الن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وعن أيب هريرة قال‪ :‬بينام نح ُن‬
‫قال‪« :‬ما َ‬
‫لك؟»‪،‬‬ ‫هلكت‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رســول اهللِ‬
‫َ‬ ‫رجل‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬يا‬ ‫إ ْذ جاء ُه ٌ‬
‫رســول اهللِ ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫صائم‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫ٌ‬ ‫وقعت عىل امرأيت‪ ،‬وأنا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قــال‪:‬‬
‫أن‬‫تســتطيع ْ‬
‫ُ‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫«هل‬ ‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫«هــل جتدُ رقب ًة تعتقهــا؟»‪َ ،‬‬
‫فقال‪ْ :‬‬
‫«فهل جتدُ إطعا َم‬ ‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫متتابعني؟»‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫شــهرين‬ ‫تصو َم‬
‫ّبي ﷺ‪ ،‬فبينا نح ُن‬ ‫َ‬
‫فمكث الن ُّ‬ ‫قال‪:‬‬‫قال‪ :‬ال‪َ ،‬‬
‫ّني مسكين ًا؟»‪َ ،‬‬ ‫ست َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫املكتل(((‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والعرق‬ ‫متر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عىل َ‬
‫ّبي ﷺ بعرق فيها ٌ‬ ‫يت الن ُّ‬
‫ذلك أ َ‬
‫فقال‬‫قال‪« :‬خذها‪ ،‬فتصدّ ْق ِبه»‪َ ،‬‬ ‫فقال‪ :‬أنا‪َ ،‬‬
‫ــائل؟»‪َ ،‬‬ ‫الس ُ‬ ‫«أين ّ‬
‫َ‬
‫رسول اهللِ؟ فواهللِ ما َ‬
‫بني البتيها ‪-‬يريدُ‬ ‫َ‬ ‫أفقر منّي يا‬
‫جل‪ :‬أعىل َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ّ‬
‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أفقر م ْن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تــن‪ُ -‬‬‫احلر ِ‬
‫فضحك الن ُّ‬ ‫أهل بيتــي‪،‬‬ ‫أهل بيت ُ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫أهلك»(((‪.‬‬ ‫ثم َ‬
‫قال‪« :‬أطعم ُه‬ ‫بدت أنياب ُه‪َّ ،‬‬
‫حتّى ْ‬

‫((( حماسن التأويل (‪.)274/9‬‬


‫(( ( تفسري البغوي (‪.)164/8‬‬
‫(( ( وهو الزنبيل الكبري‪.‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)1936‬ومسلم (‪.)1111‬‬

‫‪99‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -34‬مالقاة املخطئ وجمالسته؛ ألجل مناقشته‪:‬‬


‫‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫بن ٍ‬
‫عمرو‬ ‫عبد اهللِ ِ‬ ‫جاء يف صحيح البخاري‪ ،‬عن ِ‬
‫ْ‬
‫فكان يتعاهدُ كنّت ُه‪ ،‬فيسأهلا‬ ‫َ‬ ‫حس��ب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬‫«أنكحني أيب امرأ ًة َ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫الر ُ‬ ‫ُ‬
‫رجل‪ ،‬مل ْ يطأ لنا فراش ًا‪ ،‬ومل ْ‬ ‫جل م ْن‬ ‫نعم ّ‬ ‫فتقول‪َ :‬‬ ‫ع ْن بعلها‪،‬‬
‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫طال َ‬ ‫فلم َ‬ ‫يفت ّْش لنا كنف ًا ُ‬
‫ذكر للن ِّ‬
‫ذلك عليه‪َ ،‬‬ ‫منذ أتينا ُه‪ّ ،‬‬
‫‪:‬كل‬ ‫قال َّ‬
‫«كيف تصو ُم؟»‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فقال‪« :‬القني ِبه»‪ ،‬فلقيت ُه بعدُ ‪َ ،‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫«صم يف ِّ‬ ‫ليلة‪َ ،‬‬ ‫‪:‬كل ٍ‬ ‫قــال َّ‬ ‫ختتم؟»‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يو ٍم‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫«وكيف ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫أكثر‬
‫أطيق َ‬ ‫قلت‪ُ :‬‬ ‫قال‪ُ :‬‬ ‫شهر»‪َ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫القرآن يف ِّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫شهر ثالث ًة‪ ،‬واقرأ‬
‫أكثر‬ ‫اجلمعة»‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫«صم ثالث َة أ ّيا ٍم يف‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬ ‫مــ ْن َ‬
‫أطيق َ‬ ‫قلت‪ُ :‬‬ ‫ْ‬ ‫قال‪:‬‬
‫أطيق‬ ‫قلت ُ‬ ‫قال‪ُ :‬‬ ‫وصم يوم ًا»‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫يومــن‪،‬‬ ‫«أفطر‬
‫ْ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫م ْن َ‬
‫الصومِ‪ ،‬صو َم داو َد‪ ،‬صيا َم‬ ‫َ‬
‫أفضــل ّ‬ ‫«صم‬
‫ْ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫أكثر م ْن َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫واقرأ يف ِّ‬‫ْ‬
‫قبلت‬ ‫مرةً»‪ ،‬فليتني ُ‬ ‫كل ســب ِع ليال ّ‬ ‫وإفطار يومٍ‪،‬‬
‫َ‬ ‫يومٍ‪،‬‬
‫َ‬
‫فكان‬ ‫وضعفت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كــرت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وذاك ّأن‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫رخص َة‬
‫ّهار‪ ،‬وا ّلذي يقرؤ ُه‬ ‫ِ‬
‫القرآن بالن ِ‬ ‫ــبع م ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫يقر ُأ عىل‬
‫الس َ‬ ‫بعض أهله ّ‬
‫أن‬ ‫أخف ِ‬
‫عليه بال ّل ِ‬
‫يــل‪ ،‬وإذا أرا َد ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ليكون‬ ‫يعرض ُه مــ ْن الن ِ‬
‫ّهار؛‬
‫يرتك‬ ‫أن َ‬ ‫أفطر أ ّيام ًا‪ ،‬وأحىص‪ ،‬وصــا َم مثله َّن؛كراهي َة ْ‬ ‫يتقــوى َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ّبي ﷺ عليه(((‪.‬‬ ‫شيئ ًا َ‬
‫فارق الن َّ‬
‫ويف رواية أمحد مزيد إيضاح‪ ،‬وفوائد حسنة‪:‬‬
‫زوجنــي أيب امرأ ًة م ْن‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبــد اهللِ ِ‬
‫قال‪ّ :‬‬ ‫عمــرو‬ ‫بن‬ ‫ع ْن‬

‫(( ( البخاري (‪.)5052‬‬

‫‪100‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫القو ِة‬ ‫ُ‬


‫أنحاش هلا؛ ممّا يب م ْن ّ‬ ‫جعلت ال‬
‫ُ‬ ‫عيل‬
‫دخلت َّ‬ ‫ْ‬ ‫قريش‪ّ ،‬‬
‫فلم‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫العاص إىل‬ ‫الة‪ ،‬فجا َء عمرو ب ُن‬ ‫العبادة من الصــو ِم والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫ّ‬ ‫ْ ّ‬
‫قالت‪:‬‬ ‫بعلك؟ ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجدت‬ ‫هلا‪:‬كيف‬
‫َ‬ ‫دخل عليها‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫كن ِّته‪ ،‬حتّى َ‬
‫ٍ‬
‫رجــل‪ ،‬مل ْ يفت ّْش لنا كنف ًا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البعولة م ْن‬ ‫ِ‬
‫كخري‬ ‫جال‪ْ ،‬أو‬ ‫خــر الر ِ‬
‫َ ّ‬
‫وعضني بلسانه‪ِ،‬‬ ‫عيل‪ ،‬فعذمني‪ّ ،‬‬ ‫يعرف لنا فراشــ ًا‪َ ،‬‬
‫فأقبل َّ‬ ‫ْ‬ ‫ومل ْ‬
‫حســب‪ ،‬فعضلتها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫قريش َ‬ ‫ٍ‬ ‫أنكحتك امــرأ ًة م ْن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فقــال‪:‬‬
‫َ‬
‫فأرسل‬ ‫ّبي ﷺ‪ ،‬فشــكاين‪،‬‬ ‫انطلق إىل الن ِّ‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫وفعلت‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وفعلت‪،‬‬
‫َ‬
‫قلت‪:‬‬ ‫ّهــار؟»‪ُ ،‬‬
‫فقــال يل‪« :‬أتصو ُم الن َ‬ ‫َ‬ ‫ّبــي ﷺ‪ ،‬فأتيت ُه‪،‬‬ ‫إ َّيل الن ُّ‬
‫نعم‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬لكنّي أصو ُم‪،‬‬ ‫قال‪« :‬وتقو ُم ال ّل َ‬
‫يــل؟»‪ُ ،‬‬
‫قلت‪ْ :‬‬ ‫نعم‪َ ،‬‬
‫ْ‬
‫عن سنّتي‬
‫رغب ْ‬
‫َ‬ ‫فمن‬
‫ّســاء‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫وأمس الن‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫وأصل‪ ،‬وأنا ُم‪،‬‬ ‫وأفطر‪،‬‬
‫ُ‬
‫قلت‪ّ :‬إن أجدين‬ ‫شهر»‪ُ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫القرآن يف ِّ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬اقرأ‬ ‫فليس منّي»‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫كل عــرة أ ّيامٍ»‪ُ ،‬‬
‫قلت‪ّ :‬إن‬ ‫قال‪« :‬فاقرأ ُه يف ِّ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬‫أقــوى م ْن َ‬
‫ثم‬ ‫ثالث»‪َ ،‬‬‫ٍ‬ ‫قــال‪« :‬فاقرأ ُه يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬ ‫أجدين أقوى م ْن َ‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫قلت‪ّ :‬إن أقوى م ْن َ‬
‫ذلك‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫شهر ثالث َة أ ّيامٍ»‪ُ ،‬‬ ‫«صم يف ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال‪:‬‬
‫وأفطر يوم ًا؛ فإ ّن ُه‬
‫ْ‬ ‫«صم يوم ًا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫يزل يرفعني حتّى َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫فلم ْ‬ ‫قال‪ْ :‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وهو صيا ُم أخي داو َد»‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫حديثه‪:‬‬ ‫حصني يف‬
‫ٌ‬ ‫قال‬ ‫الصيامِ‪َ ،‬‬ ‫أفضل ّ‬
‫ولــكل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فإما إىل‬ ‫رشة فرتةً‪ّ ،‬‬ ‫ِّ ّ‬ ‫رشةً‪،‬‬‫لكل عابد ّ‬‫«فإن ِّ‬
‫قال ﷺ‪َّ :‬‬ ‫ثــم َ‬‫َّ‬
‫ٍ‬
‫كانت فرتت ُه إىل سنّة‪ ،‬فقدْ اهتدى‪،‬‬ ‫فمن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫وإما إىل بدعة‪ْ ،‬‬‫ســنّة‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫فكان‬ ‫قال جماهدٌ ‪:‬‬ ‫هلك»‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ذلك‪ ،‬فقدْ‬‫غري َ‬‫كانت فرتت ُه إىل ِ‬
‫ْ‬ ‫ومن‬‫ْ‬
‫َ‬
‫كذلك‪،‬‬ ‫رب يصو ُم األ ّيا َم‬
‫ضعــف‪ ،‬وك َ‬
‫َ‬ ‫عمرو ُ‬
‫حيث‬ ‫عبدُ اهللِ ب ُن ٍ‬
‫يفطر بعدِّ َ‬
‫تلك‬ ‫ثــم ُ‬ ‫َ‬
‫بذلك‪َّ ،‬‬ ‫ليتقوى‬ ‫ٍ‬
‫بعض؛ ّ‬ ‫يصل بعضهــا إىل‬‫ُ‬

‫‪101‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫كذلــك‪ ،‬يزيدُ أحيان ًا‪،‬‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫حزبه‬ ‫وكان يقــر ُأ يف ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫األ ّيــا ِم‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫وينقــص أحيان ًا‪َ ،‬‬
‫غري أ ّن ُه يــويف العد َد‪ ،‬إ ّما يف ســبعٍ‪ ،‬وإ ّما يف‬ ‫ُ‬
‫قبلت رخص َة‬ ‫َ‬
‫أكون ُ‬ ‫ذلك‪ْ :‬‬
‫ألن‬ ‫يقول بعدَ َ‬ ‫كان ُ‬ ‫ثم َ‬ ‫ثالث‪َ ،‬‬‫ٍ‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫عدل ِبه‪ْ ،‬أو َ‬
‫عدل‪ ،‬لكنّي فارقت ُه عىل‬ ‫أحب إ َّيل ممّا َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللِ ﷺ ُّ‬
‫أن أخالفه إىل ِ‬
‫غريه(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أمر أكر ُه ْ‬
‫ُ‬
‫ومن فوائد القصة‪:‬‬
‫ســبب املشكلة‪ ،‬وهو االهنامك يف العبادة‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬معرفة النبي ﷺ‬
‫بحيث مل يبق وقت ألداء حق الزوجة فوقع التقصري‪.‬‬
‫‪ -‬إن مبدأ (أعط كل ذي حق حقه) يطبق يف حق كل من كان‬
‫منشــغالً‪ ،‬ومنهمكا بأمور من الطاعــات؛ كطالب العلم‬
‫الذي يلقي دروســ ًا كثرية‪ ،‬والداعية املنغمس يف شــئون‬
‫دعوته‪ ،‬بحيث يؤدي ذلك إىل شكاية الزوجة‪ ،‬وترضرها‪،‬‬
‫وهذا ينشــأ عن عدم املوازنة يف القيام بالطاعات املختلفة‪،‬‬
‫وتوزيع الوقت عىل أصحاب احلقوق‪ ،‬فال بأس أن خيفف‬
‫هذا من دروسه شيئ ًا ما‪ ،‬وهذا من انشغاالته‪ ،‬بحيث يتوفر‬
‫الوقــت الكايف لالهتــام بالبيت‪ ،‬والزوجــة‪ ،‬واألوالد‪،‬‬
‫وإعطائهم حقوقهم يف اإلصالح‪ ،‬واملعارشة‪ ،‬والرتبية‪.‬‬

‫((( املســند (‪ ،)158/2‬وقال أمحد شاكر‪ :‬إســناده صحيح (‪ .)6477‬وقال‬


‫األلباين يف صفــة صالة النبي ﷺ (‪ :)518/2‬ســنده صحيح عىل رشط‬
‫الشيخني‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -35‬مصارحة املخطئ بحاله وخطئه‪:‬‬


‫ِ‬
‫غالمه برد ًا‪،‬‬ ‫رأي��ت ِ‬
‫عليه برد ًا‪ ،‬وعىل‬ ‫ذر ‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ع ْن أيب ٍّ‬
‫آخر‪،‬‬‫كانت ح ّل ًة‪ ،‬وأعطيت ُه ثوب ًا َ‬
‫ْ‬ ‫أخذت هذا فلبست ُه‬
‫َ‬ ‫فقلت‪ْ :‬لو‬
‫ُ‬
‫فنلت‬ ‫وكانت أ ّم ُه أعجم ّي ًة‪ُ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫رجل كال ٌم‪،‬‬ ‫وبني‬
‫‪:‬كان بيني َ‬ ‫َ‬
‫فقــال َ‬
‫قلت‪:‬‬ ‫«أساببت فالن ًا؟»‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فقال يل‪:‬‬ ‫ّبي ﷺ‪َ ،‬‬ ‫منها‪ ،‬فذكرين إىل الن ِّ‬
‫ّك امرؤٌ‬ ‫قال‪« :‬إن َ‬ ‫نعــم‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫من ّأم ِه؟»‪ُ ،‬‬ ‫«أفنلت ْ‬ ‫َ‬ ‫نعــم‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ْ‬
‫الســ ِّن‪،‬‬ ‫هذه م ْن ِ‬ ‫حني ســاعتي ِ‬ ‫قلت‪ :‬عىل ِ‬ ‫فيك جاهل ّي ٌة»‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫كرب ّ‬
‫جعل‬ ‫فمن َ‬ ‫أيديكم‪ْ ،‬‬‫ْ‬ ‫حتت‬
‫جعلهم اهللُ َ‬ ‫ْ‬ ‫إخوانكم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫هم‬
‫«نعم‪ْ ،‬‬ ‫قال‪ْ :‬‬ ‫َ‬
‫يلبس‪ ،‬وال‬ ‫يده‪ ،‬فليطعم ُه ممّا ُ‬ ‫حتت ِ‬
‫يأكل‪ ،‬وليلبســ ُه ممّا ُ‬ ‫اهللُ أخا ُه َ‬
‫فإن ك ّلفه ما يغلبه‪ ،‬فليعنه ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه»((( ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العمل ما يغلب ُه‪ْ ،‬‬ ‫يك ّلف ُه ْ‬
‫من‬
‫«قال مررنا بأيب‬ ‫سويد‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫املعرور ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫ويف صحيح مسلم‪ ،‬ع ْن‬
‫ذر ْلو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالربــذة‪ ،‬وعليه بر ٌد‪ ،‬وعىل غالمه مثلــ ُه‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا أبا ٍّ‬ ‫ذر ّ‬ ‫ٍّ‬
‫رجل م ْن‬ ‫ٍ‬ ‫وبني‬
‫كان بيني َ‬ ‫فقال‪ :‬إنّــ ُه َ‬ ‫كانت ح ّل ًة؟ َ‬ ‫مجعت بينهام ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫فعيت ُه بأ ّمه‪ ،‬فشــكاين إىل‬ ‫وكانت أ ّم ُه أعجم ّي ًة‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫إخواين كال ٌم‪،‬‬
‫فيك‬ ‫ّك امرؤٌ َ‬ ‫ذر إن َ‬ ‫فقــال‪« :‬يا أبا ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫فلقيت الن َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّبي ﷺ‪،‬‬ ‫الن ِّ‬
‫جال س ّبوا أبا ُه وأ ّم ُه‪،‬‬ ‫الر َ‬ ‫سب ّ‬ ‫رسول اهللِ م ْن َّ‬ ‫َ‬ ‫قلت‪ :‬يا‬ ‫جاهل ّي ٌة»‪ُ ،‬‬
‫جعلهم اهللُ‬
‫ْ‬ ‫إخوانكم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فيك جاهل ّي ٌة‪ْ ،‬‬
‫هم‬ ‫ّك امرؤٌ َ‬
‫ذر إن َ‬ ‫َ‬
‫قال‪« :‬يا أبا ٍّ‬
‫تلبسون‪،‬‬
‫َ‬ ‫وألبســوهم ممّا‬
‫ْ‬ ‫تأكلون‪،‬‬
‫َ‬ ‫فأطعموهم ممّا‬
‫ْ‬ ‫أيديكم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫حتت‬
‫َ‬
‫فأعينوهم»((( ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فتموهم‬
‫ْ‬ ‫فإن ك ّل‬
‫يغلبهم‪ْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫فوهم ما‬
‫ْ‬ ‫وال تك ّل‬

‫(( ( البخاري (‪ ،)6050‬ومسلم (‪.)1661‬‬


‫((( صحيح مسلم رقم (‪.)1661‬‬

‫‪103‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫كانت‬ ‫وهذه املصارحة‪ ،‬واملفاحتة من النبي ﷺ أليب ذر‬


‫لعلمه ﷺ بقبول الصحايب لذلك؛ فالرصاحة وســيلة مفيدة‬
‫ختتــر الوقت‪ ،‬وتوفر اجلهد‪ ،‬وتبــن املقصود بأيرس طريق‪،‬‬
‫ولكنها تكون فيام يناسب من األحوال واألشخاص‪.‬‬
‫وقــد يعــدل الداعية عــن مصارحة املخطــئ إذا كان يف‬
‫مصارحته حصول مفســدة أكرب‪ ،‬أو تفويــت مصلحة أعىل‪،‬‬
‫كأن يكون املخطئ صاحب جــاه‪ ،‬أو منصب ال يتقبل ذلك‪،‬‬
‫أو أن يكون يف املصارحــة إحراج بالغ للمخطئ‪ ،‬أو يكون ذا‬
‫حساسية زائدة جتعله ذا ر ِّد ٍ‬
‫فعل سلبي‪ ،‬وال شك أن املصارحة‬
‫مكروهة للمخطئ‪ ،‬وثقيل ًة عىل نفســه؛ ملــا فيها من املواجهة‬
‫واإلحراج‪ ،‬والظهور بمظهــر الناقص يف مقابل ظهور الناقد‬
‫يف موضع املستعيل واألستاذ‪.‬‬
‫وكذلك فإنه جيب التنبه إىل أن أسلوب «اللف والدروان»‬
‫قد يكون له سلبيات مضاعفة تفوق املصارحة أحيان ًا؛ وذلك‬
‫ملا قد يشعر به املخطئ من االســتغفال والتالعب‪ ،‬ويتضايق‬
‫من اإلشارات اخلفية؛ لشــعوره بأهنا غمز‪ ،‬وإيذاء مبطن‪ ،‬ثم‬
‫إن التوجيه قد ال يصل أصالً؛ خلفاء املقصود‪ ،‬وبعده عن ذهن‬
‫املخطئ؛ فيميض يف خطئه قدم ًا‪.‬‬
‫وعموم ًا فإن األشخاص يتفاوتون يف التقبل‪ ،‬واألسلوب‬
‫األمثل املناســب لكل منهم‪ ،‬ولكن يبقى أن حســن اخللق يف‬
‫العرض والتوجيه له األثر األكرب يف نجاح املهمة‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -36‬إقناع املخطئ‪:‬‬
‫إن الســعي ملناقشــة املخطئ؛ بغية إقناعه يؤدي إىل إزالة‬
‫احلاجز الضبايب الذي يعــري بصريته‪ ،‬فيعود إىل احلق‪ ،‬وإىل‬
‫طريق مســتقيم‪ ،‬ومن أمثلة ما ورد يف الســنة هبذا الشأن‪ :‬ما‬
‫إن فتًى شــا ّب ًا أتى‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫رواه اإلمــام أمحد عــن أيب أمامة‬
‫بالزنا‪َ ،‬‬
‫فأقبل القو ُم‬ ‫ْ‬
‫ائــذن يل ّ‬ ‫رســول اهللِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّبي ﷺ‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬يا‬ ‫الن َّ‬
‫ِ‬
‫عليه فزجــرو ُه‪ ،‬وقالوا‪ :‬م ْه‪ .‬م ْه‪َ .‬‬
‫فقال‪« :‬ادن ْه»‪ ،‬فدنا من ُه قريب ًا‪،‬‬
‫قــال‪ :‬ال‪ ،‬واهللِ جعلني‬
‫ك؟»‪َ ،‬‬
‫ألم َ‬ ‫فجلس‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬أحت ّب ُه ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قــال‪:‬‬
‫قال‪« :‬أفتح ّب ُه‬‫هاهتم»‪َ ،‬‬
‫ألم ْ‬ ‫ّاس حي ّبون ُه ّ‬
‫قال‪« :‬وال الن ُ‬ ‫َ‬
‫فداءك‪َ ،‬‬ ‫اهللُ‬
‫َ‬
‫فداءك‪،‬‬ ‫رســول اهللِ جعلني اهللُ‬
‫َ‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬واهللِ يا‬
‫البنتــك؟»‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ألختك؟»‪،‬‬ ‫لبناهتــم»‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬أفتح ّب ُه‬ ‫ْ‬ ‫ّاس حي ّبون ُه‬ ‫َ‬
‫قال‪« :‬وال الن ُ‬
‫ّاس حي ّبون ُه‬
‫قــال‪« :‬وال الن ُ‬ ‫َ‬
‫فداءك‪َ ،‬‬ ‫قــال‪ :‬ال‪ ،‬واهللِ جعلني اهللُ‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬واهللِ جعلني‬ ‫تك؟»‪َ ،‬‬‫لعم َ‬ ‫ألخواهتم»‪َ ،‬‬
‫قــال‪« :‬أفتح ّب ُه ّ‬ ‫ْ‬
‫هتم»‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬أفتح ّب ُه‬ ‫لعم ْ‬‫ّــاس حي ّبون ُه ّ‬
‫قال‪« :‬وال الن ُ‬ ‫َ‬
‫فداءك‪َ ،‬‬ ‫اهللُ‬
‫ّاس‬ ‫قال‪« :‬وال الن ُ‬ ‫َ‬
‫فداءك‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬واهللِ جعلني اهللُ‬‫خلالتك؟»‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫اغفر‬ ‫قال‪ :‬فوضع يده ِ‬
‫عليه‪َ ،‬‬ ‫خلاالهتم»‪َ ،‬‬
‫«اللهم ْ‬‫َّ‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫حي ّبونــ ُه‬
‫ذلك‬‫فلم يك ْن بعدُ َ‬ ‫قال‪ْ :‬‬ ‫وحص ْن فرجــ ُه»‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وطه ْر قلب ُه‪،‬‬
‫ذنب ُه‪ّ ،‬‬
‫الفتى يلتفت إىل ٍ‬
‫يشء(((‪.‬‬ ‫ُ‬

‫((( رواه أمحد (‪ ،)22211‬وصححه األلباين يف الصحيحة (‪.)370‬‬

‫‪105‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫‪ -37‬إفهام املخطئ بأن عذره الزائف غري مقبول‪:‬‬


‫حياول بعــض املخطئني تقديــم مــررات خمتلقة‪ ،‬وغري‬
‫مقبولة‪ ،‬وخصوص ًا إذا انكشــف أمرهــم بغتة عىل حني غرة‬
‫منهــم‪ ،‬بل قد يبدو عىل بعضهم التلعثم‪ ،‬وهم ينطقون بالعذر‬
‫الزائــف‪ ،‬وخصوص ًا الذين ال حيســنون الكــذب؛ لنقاء يف‬
‫املــرب يا ترى إذا صادف مثل هذا‬
‫ّ‬ ‫رسائرهم‪ ،‬فكيف يترصف‬
‫صح ْت‪-‬‬
‫املوقف من أحد املخطئني؟ إن القصــة التالية ‪-‬إن ّ‬
‫تبــن موقف ًا رائع ًا‪ ،‬ودقيق ًا للنبي ﷺ مع أحد أصحابه‪ ،‬ويظهر‬
‫من خالل القصة املتابعة املستمرة من املريب للمخطئ إىل حني‬
‫ختليه عن موقفه اخلاطئ‪:‬‬
‫مر‬
‫خوات بن جبري ‪ ،‬قال‪ :‬نزلنا مع رســول اهلل ﷺ َّ‬
‫عن ّ‬
‫الظهران(((‪ ،‬قال‪ :‬فخرجت من خبائي‪ ،‬فإذا نســوة يتحدثن‪،‬‬
‫فأعجبني‪ ،‬فرجعت فاستخرجت عيبتي(((‪ ،‬فاستخرجت منها‬
‫حلة فلبستها‪ ،‬وجئت فجلست معهن‪ ،‬فخرج رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أبا عبد اهلل؟!(((‪ ،‬فلام رأيت رسول اهلل هبته‪ ،‬واختلطت(((‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل مجل يل رشد‪ ،‬وأنا أبتغي له قيد ًا(((‪ ،‬فمىض‪،‬‬

‫((( موضع بقرب مكة‪.‬‬


‫((( وعاء توضع فيه الثياب‪.‬‬
‫(( ( أي أنه ينكر عليه جلوسه مع هؤالء النسوة األجنبيات‪.‬‬
‫((( تلعثم يبحث عن عذر‪.‬‬
‫((( أتى ريض اهلل عنه بعذر غري صحيح ؛ ليربر به فعله‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫واتبعته‪ ،‬فألقى إ َّيل رداءه‪ ،‬ودخل األراك‪ ،‬كأين أنظر إىل بياض‬
‫متنه يف خــرة األراك‪ ،‬فقىض حاجته‪ ،‬وتوضأ‪ ،‬وأقبل‪ ،‬واملاء‬
‫يســيل من حليته عىل صدره‪ ،‬فقال‪ :‬أبــا عبد اهلل ما فعل رشاد‬
‫مجلك؟ ثم ارحتلنا فجعل ال يلحقني يف املسري إال قال‪ :‬السالم‬
‫عليك أبا عبد اهلل‪ ،‬ما فعل رشاد ذلك اجلمل؟ فلام رأيت ذلك‬
‫تعجلت إىل املدينة‪ ،‬واجتنبت املسجد‪ ،‬وجمالسة النبي ﷺ‪ ،‬فلام‬
‫ّ‬
‫طال ذلك حت ّينت ساعة خلوة املسجد‪ ،‬فخرجت إىل املسجد‪،‬‬
‫وقمت أصيل‪ ،‬وخرج رسول اهلل ﷺ من بعض حجره‪ ،‬فجاء‪،‬‬
‫فصىل ركعتني خفيفتني‪ ،‬وطولــت رجاء أن يذهب ويدعني‪،‬‬
‫طو ْل أبا عبد اهلل ما شــئت أن ّ‬
‫تطول‪ ،‬فلست قائ ًام حتى‬ ‫فقال‪ّ :‬‬
‫تنرصف‪ ،‬فقلت يف نفيس‪ :‬واهلل ألعتذرن إىل رســول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫وألبرئن صدر رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فلام انرصفت قال‪ :‬الســام‬
‫عليك يا أبا عبــد اهلل‪ ،‬ما فعل رشاد مجلــك؟ فقلت‪ :‬والذي‬
‫بعثك باحلق ما رشد ذلك اجلمل منذ أســلمت‪ ،‬فقال‪ :‬رمحك‬
‫اهلل ثالث ًا‪ ،‬ثم مل يعد ليشء مما كان(((‪.‬‬
‫إنه درس رائع يف الرتبية‪ ،‬واخلطة احلكيمة املؤدية إىل النتيجة‬
‫املطلوبة‪ ،‬ويمكن أن يؤخذ من القصة أيض ًا الفوائد التالية‪:‬‬
‫املرب صاحب اهليبة يســتحيي منه مــن البس املعصية إذا‬
‫‪ّ -‬‬
‫مر به‪.‬‬
‫َّ‬
‫(( ( رواه الطرباين يف الكبري (‪ )4146‬وإسناده منقطع‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫املرب ‪-‬عــى وجازهتا وقرصها‪-‬‬


‫‪ -‬إن نظرات‪ ،‬وســؤاالت ّ‬
‫هلا دالالهتا الكبرية‪ ،‬وأثرها يف النفوس‪.‬‬
‫‪ -‬عدم مناقشة العذر املل ّفق حلظة سامعه ‪-‬مع وضوح الثغرة‬
‫فيه‪ -‬واإلعــراض عن صاحبه يكفي يف إشــعار املخطئ‬
‫بعدم قبوله‪ ،‬مما يدفعــه للتوبة واالعتذار‪ ،‬وهذا يؤخذ من‬
‫قوله «فمىض»‪.‬‬
‫املرب اجليد هو الذي جيعل املخطئ يشــعر باالستحياء منه‬
‫‪ّ -‬‬
‫املوجب للتواري عنه‪ ،‬واحلاجة إليه املوجبة لإلتيان إليه‪ ،‬ثم‬
‫يتغلب الثاين عىل األول‪.‬‬
‫‪ -‬إن تغري املوقف من املخطئ ينبنــي ‪-‬يف مثل هذه احلالة‪-‬‬
‫عىل إظهار اعرتافه‪ ،‬ورجوعه عام حصل منه‪.‬‬

‫‪ -38‬مراعاة ما هو مركوز يف الطبيعة واجلبلة البرشية‪:‬‬


‫ومن ذلك غرية النســاء‪ ،‬وخصوص ًا بــن الرضائر؛ فإن‬
‫بعضهن قد ختطئ خطأ لو أخطأه إنســان يف األحوال العادية‬
‫لكان التعامل معه بطريقة خمتلفة متام ًا‪ ،‬وقد كان النبي ﷺ يراعي‬
‫مسألة الغرية بني نسائه وما ينتج عنها من أخطاء مراعاة خاصة‬
‫يظهر منها الصرب‪ ،‬واحللم مع العدل‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫ذلك‪ :‬ما رواه البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف صحيحه‪ ،‬ع ْن ٍ‬
‫أنس‬
‫فأرسلت إحدى أم ِ‬
‫هات‬ ‫ِ‬
‫نسائه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ّبي ﷺ عندَ‬ ‫َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫كان الن ُّ‬

‫‪108‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫ٍ‬
‫فرضبت ا ّلتي الن ُّ‬
‫ّبي ﷺ يف بيتها‬ ‫ْ‬ ‫بصحفة(((فيها طعا ٌم‪،‬‬ ‫املؤمنني‬
‫َ‬
‫فلق‬
‫ّبي ﷺ َ‬ ‫فجمع الن ُّ‬
‫َ‬ ‫فانفلقت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الصحف ُة‪،‬‬ ‫فسقطت ّ‬
‫ْ‬ ‫يدَ اخلاد ِم‪،‬‬
‫كان يف الص ِ‬
‫حفة‪،‬‬ ‫جيمع فيها ال ّطعا َم ا ّلذي َ‬ ‫ثــم َ‬
‫جعل‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الصحفة‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫حبس اخلاد َم»(((حتّى َأيت‬ ‫ُ‬
‫بصحفة‬ ‫ثــم َ‬ ‫كم‪َّ ،‬‬ ‫«غارت ّأم ْ‬
‫ْ‬ ‫ويقول‪:‬‬
‫الصحيح َة إىل ا ّلتي‬ ‫ِ‬
‫الصحف َة ّ‬
‫فدفع ّ‬
‫َ‬ ‫هو يف بيتهــا‪،‬‬‫م ْن عند ا ّلتي َ‬
‫كرست(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وأمسك املكسور َة يف ِ‬
‫بيت ا ّلتي‬ ‫َ‬ ‫كرست صحفتها‪،‬‬ ‫ْ‬
‫أتــت بطعا ٍم يف‬ ‫ْ‬ ‫ويف رواية النســائي‪ ،‬ع ْن أ ِّم ســلم َة‪ّ :‬أنا‬
‫فجاءت عائش ُة متّزر ًة‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وأصحابه‪،‬‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صحفة هلا إىل‬
‫ّبي ﷺ‬ ‫الصحف َة‪،‬‬ ‫ْ ِ‬ ‫ٍ‬
‫فجمع الن ُّ‬
‫َ‬ ‫ففلقت به ّ‬ ‫فهر(((‪،‬‬
‫بكســاء‪ ،‬ومعها ٌ‬
‫مر ِ‬ ‫ُ‬ ‫بني فلقتي الص ِ‬
‫ثم‬‫تني‪َّ ،‬‬ ‫كم»‪ّ ،‬‬ ‫غارت ّأم ْ‬
‫ْ‬ ‫ويقول‪«:‬كلوا‪،‬‬ ‫حفة‪،‬‬ ‫ْ ّ‬ ‫َ‬
‫فبعث هبا إىل أ ِّم سلم َة‪،‬‬
‫َ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ صحف َة عائش�� َة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أخذ‬
‫وأعطى صحف َة أ ِّم سلم َة عائش َة(((‪.‬‬
‫قال‪ :‬أهدى بعض أزواج‬ ‫ويف رواية الدارمي‪ ،‬عن أنس‬
‫النبــي ﷺ قصعة فيها ثري��د‪ ،‬وهو يف بيت بعــض أزواجه‪،‬‬
‫فرضبــت القصعة‪ ،‬فانكرست‪ ،‬فجعل النبي ﷺ يأخذ الثريد‪،‬‬

‫((( إناء واسع‪.‬‬


‫((( يعني أوقفه وأبقاه‪.‬‬
‫(( ( البخاري (‪. )5225‬‬
‫((( أي‪ :‬حجر‪.‬‬
‫(( ( كتاب عرشة النســاء من ســنن النســائي‪ ،‬املجتبى (‪ ،)70/7‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح النسائي‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫فــرده يف الصحفة‪ ،‬وهــو يقول‪« :‬كلوا‪ ،‬غــارت أمكم»‪ ،‬ثم‬


‫انتظــر‪ ،‬حتى جــاءت بقصعة صحيحة‪ ،‬فأخذهــا‪ ،‬فأعطاها‬
‫صاحبة القصعة املكسورة(((‪.‬‬
‫وغري ُة املرأة أمــر مركوز فيها حيملها عىل أمور شــديدة‪،‬‬
‫وحيول بينها وبــن التبرص يف عواقب األمــور حتى قيل‪ :‬إن‬
‫املرأة إذا غارت ال تبرص أسفل الوادي من أعاله‪.‬‬

‫((( سنن الدارمي (‪.)2640‬‬

‫‪110‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫وبعد هذه اجلولة يف رياض الســنة العطرة‪ ،‬واالطالع عىل‬


‫يشء من األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‪ ،‬حيسن‬
‫قبل مغادرة املوضوع التذكري بالنقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تصويــب األخطاء واجب ومهم‪ ،‬وهــو من النصيحة يف‬
‫الدين‪ ،‬ومن النهي عــن املنكر‪ ،‬ولكنه ليس كل الواجب‪،‬‬
‫فــإن الدين ليس هني ًا عــن املنكر فحســب؛ وإنام هو أمر‬
‫باملعروف أيض ًا‪.‬‬
‫‪ -‬ليســت الرتبية هي تصويــب األخطاء فقــط‪ ،‬وإنام هي‬
‫تلقني وتعليــم وعرض ملبادئ الديــن‪ ،‬وأحكام الرشيعة‬
‫أيض ًا‪ ،‬واستعامل الوسائل املختلفة؛ لتأسيس التصورات‪،‬‬
‫وتثبيتها يف النفوس من الرتبية بالقدوة واملوعظة‪ ،‬والقصة‬
‫واحلدث‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬ومن هنا يتبني قصــور بعض اآلباء‬
‫ِّ‬
‫جــل اهتاممهم‬ ‫واألمهات‪ ،‬واملدرســن واملربني بتوجيه‬
‫إىل معاجلة األخطاء‪ ،‬ومتابعــة االنحرافات‪ ،‬دون ترجيح‬
‫االهتامم بتعليم املبادئ واألســس‪ ،‬واملبــادرة بالتحصني‬

‫‪111‬‬
‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬

‫الذي يمنع وقوع االنحرافــات واألخطاء‪ ،‬ويبادرها قبل‬


‫حدوثها أو يقلل منها‪.‬‬
‫‪ -‬يتضح مما ســبق ذكــره مــن املواقف واألحــداث تنوع‬
‫األســاليب النبوية يف التعامل مع األخطاء‪ ،‬وأن ذلك قد‬
‫اختلف باختالف األحوال واألشــخاص‪ ،‬ومن كان لديه‬
‫فقه وأراد االقتداء قاس النظري عىل النظري‪ ،‬والشــبيه عىل‬
‫يمر به من مواقف‪ ،‬وأحــداث؛ ليتوصل إىل‬
‫الشــبيه‪ ،‬فيام ّ‬
‫األسلوب املناسب للحالة املعينة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونســأل اهلل ســبحانه وتعاىل أن يلهمنا رشدنا‪ ،‬وأن‬
‫يقينا رش أنفســنا‪ ،‬وجيعلنا مفاتيح للخــر مغاليق للرش‪ ،‬وأن‬
‫هيدينا وهيدي بنا‪ ،‬إنه ســميع قريب جميــب‪ ،‬وهو نعم املوىل‪،‬‬
‫ونعم النصري‪ ،‬واهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬
‫وصىل اهلل عــى النبي األمي‪ ،‬وعىل آلــه وصحبه أمجعني‪،‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫كتبه‬
‫حممـد صـالـح الـمنجد‬
‫اخلرب ص ب‪2999 :‬‬

‫‪112‬‬

You might also like