You are on page 1of 228

‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫قواعد الدهاء عند‬


‫عمرو ومعاوية‬
‫هشام األفندي‬

‫‪1‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫إسم الــــــكـتـاب ‪ :‬قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬


‫إسم الكـــــاتـــب ‪ :‬هشام األفندي‬
‫تصميم الغـــــالف ‪ :‬عبدالله عباس‬
‫تدقيق لـــــغــــوي ‪ :‬فاطمة هاشم‬
‫رقــــــم إيــــــداع ‪:‬‬
‫تـــرقيم دولــــــي ‪:‬‬

‫شارك سطورك مع العامل‬

‫‪2‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫قواعد الدهاء عند‬


‫عمرو ومعاوية‬
‫هشام األفندي‬

‫‪The Writer Operation‬‬


‫شارك سطورك مع العامل‬

‫‪3‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫‪4‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫إهداء‬
‫إىل روح أبي الغالية يف مستقر رمحة اهلل تعاىل‬

‫إىل أمي العظيمة التي مل أزل أنعم يف ظالل من دعائها‬

‫إىل إخوتي وأخواتي وكل أصدقائي األعزاء‬

‫إىل كل باحث عن الدهاء واحليلة‪ ،‬كل من يسعى يف تغيري‬


‫نفسه حنو االفضل يف عامل ال مكان فيه لبسطاء العقول‬

‫إىل كل باحث عن الدهاء والذكاء الفذ والعقل الذي ال يهدأ‬

‫إيل كل متعطش يريد أن يشرب من زمزم عمرو ومعاوية‬


‫فال يظمأ تفكريه‬
‫إىل كل باحث عن اإلنسان األمسى الذي يريد أن ميتلك‬
‫حتمل اجلمال ‪ ،‬وجراءة االسود ‪ ،‬ومكر الثعالب‪ ،‬وانقضاض‬
‫الذئاب‪ ،‬وتلون احلرباء‪ ،‬وإقدام االبطال‪ ،‬وبراءة االطفال‬

‫إىل كل باحث عن الرباعة التي تعطي السطوة لكل من‬


‫يتقنها لكنها ال ختلص نفسها إال ملن يستحقها‬

‫أهدي هذا الكتاب‬


‫‪5‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫املقدمة‬
‫الغني كالعقل وال فقر كاجلهل والمرياث كاألدب وال ظهري كاملشاورة‪.‬‬

‫تنافس اجلميع قدميا وحديثا يف كل معاركهم احلياتية ألجل أن‬


‫يتصفوا بالدهاء‪..‬فهي الصفة التي يبحث عنها اجلميع يف كل‬
‫زمان ومكان‪ ،‬كما تسابق الكتاب والباحثني يف خمتلف العصور‬
‫البراز هذا الفن‪ ،‬والبحث عنه يف أروقة الكتب وأحداث التاريخ‪،‬‬
‫يسردون القصص ليخرجوا مافيها من حيل ومكر توصل االنسان‬
‫إىل غايته‪ ،‬ويكشفوا عن سر جناحه ومتيزه على غريه‪ ،‬وراح الكتاب‬
‫يف شىت البقاع يكتبون عن حيل االجانب والغزاة دون التطرق‬
‫ألحد من أمة العرب اال على استحياء‪ ،‬وكأن العرب ابعد مايكونون‬
‫عن الدهاء أو استخدام احليلة‪ ،‬وكأنهم نسوا أو تناسوا مقولة‬
‫القائل(كل دهاء العامل ليس إال بعض من دهاء عمرو ومعاوية)وكأن‬
‫الباحثني والكتاب أرادوا عن قصد أو غري قصد جتريد العرب من‬
‫أعظم نعمة ميز اهلل بها االنسان وهي العقل وكيفية استخدامه‪،‬‬
‫على أن هذه األمة هلا جوالت وصوالت يف هذا الفن ‪ ،‬حىت أن كثريا‬
‫من األجانب واألوروبيني أخذوا عنهم حيلهم وطرقهم ليتوصلوا‬

‫‪6‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫بها إىل مآربهم‪..‬وكان على القمة من أمة العرب عمرو بن العاص‬


‫رضي اهلل عنه‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان رضي اهلل عنه‪..‬إيل جانب‬
‫الكثري غريهم‪::‬كاملغرية بن شعبة ‪ ،‬وزياد بن أبيه‪ ،‬وقيس بن سعد‬
‫بن عبادة الذي قال ( لوال اإلسالم ملكرت مكرا التطيقه العرب)‪،‬‬
‫وغريهم الكثري ممن اشتهر بصفة الدهاء‪..‬إىل جانب الكثري ممن‬
‫مل يشتهر بهذه الصفة ولكنهم كانوا من أدهى الدهاة كأمري‬
‫املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه الذي قال ( لست باخلب‬
‫وال اخلب خيدعني) ‪ .‬وكان يتندر الصحابه بذكاء عمرو ومعاوية‬
‫فيقول (تذكرون كسري وقيصر ودهاؤهما وعندكم معاوية)؟ وكان‬
‫إذا استضعف رجال يف رأيه قال (أشهد أن خالقك وخالق عمرو واحد)‬
‫ومع كل ذلك وغريه مل نرى من يذكرهما يف كتاباته عند احلديث‬
‫عن هذا الفن مع أنهما من مؤسسيه األوائل‪..‬كما أن اإلسالم حث‬
‫ّ‬
‫املؤمن على ان يكون كيسا فطنا‪ ،‬ذو عقل ودهاء ومكيدة‪ ،‬كما أن‬
‫القران الكريم ذكر طرفا من استخدام احليلة يف قصة سيدنا يوسف‬
‫عليه السالم مع إخوته عندما وضع صواع امللك يف رحل أخيه‬
‫وأذن مؤذن من جنود امللك (أيتها العري إنكم لسارقون) ثم خيتم‬
‫ربنا هذا املشهد بقوله( كذلك كدنا ليوسف)‪ ،‬وقد استفاد رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم من احتيال نعيم بن مسعود يف غزوة‬
‫األحزاب وقد أفشل اهلل بتدبريه ومكيدته مسعى غطفان ويهود‬

‫‪7‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫فكانت اهلزمية يف معركة األحزاب باحليلة والدهاء وليس بالسيف‬


‫والرمح‪..‬وحىت الفقهاء اتصفوا بهذه الصفة فكان الرجل إذا جاء أبا‬
‫حنيفة النعمان يستفتيه يف شيء‪..‬يقول له ابو حنيفة ‪..‬إجلس‬
‫أحتال لك‪ ،‬وقد ألف تلميذه حممد بن احلسن الشيباني كتابا‬
‫أمساه ( املخارج يف احليل) يستعرض فيه حيل أستاذه أبو حنيفة‬
‫يف الفقه‪ ،‬فاحليلة متأصلة يف اإلسالم ويف أمة العرب‪..‬وملا كان على‬
‫الرأس من كل هؤالء عمرو ومعاوية‪..‬فقد أفردنا هلما يف كتابنا هذا‬
‫عشرين قاعدة مجعت خالصة دهائهما يف شىت مناحي حياتهما‬
‫قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬نلقي الضوء على جزء من سياستهما يف كل‬
‫مايعرتضهما من أمور‪..‬واستشهدنا لكل قاعدة باحلدث املناسب‬
‫هلذه القاعدة واستخرجنا مافيها من عرب لنعرف كيف كانا‬
‫يفكران‪ ،‬وكيف وضعا أيديهما على مفاتيح القوة والسطوة ‪ ،‬حىت‬
‫أصبح أحدهما خليفة للمسلمني‪ ،‬وأصبح اآلخر أمريا علي مصر‪،‬‬
‫بعدما كانا آحادا الناس‪ ،‬وكيف برزوا يف جمتمعهم وسط الكثري‬
‫من الصحابة والدهاة‪،‬كيف اقتحما عامل السطوة وابتكرا قواعد‬
‫الدهاء التي استخدموها ليتوصلوا بها إىل مطلوبهم يف أعتي‬
‫املواقف‪ ،‬وكيف شكلوا أتباعهم واستخدموهم جيدا‪ ،‬وكيف أتقن‬
‫كل منهما استخدام ما لديه من أسلحة‪ ،‬حىت أصبح لكل منهما‬
‫طريقته اخلاصة الىت أصبحت يف ما بعد منهجا حيتذى به‪ ،‬فلم‬

‫‪8‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫يفرضوا أنفسهم علي الواقع وإمنا حتركوا برباعة حىت تسللوا إيل‬
‫قلب األحداث برشاقة وصاروا رؤوس الناس‪..‬ويف النهاية‪..‬‬

‫الشيء أحق بالقراءة والتطبيق من خربات وجتارب العظماء يف كل‬


‫فن‪ ،‬وهذا الفن أعظم العظماء فيه عمرو بن العاص ‪ ،‬ومعاوية بن‬
‫أبي سفيان ‪ ،‬فمن سريتهما نتعلم الرباعة يف شىت أمورنا ‪ ،‬ونكتسب‬
‫الدهاء الذي هو مسة القادة واملتميزين علي مر التاريخ‪..‬لذا ‪..‬‬

‫استعن باهلل واقرأ برتكيز‬

‫‪9‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫صفات الداهية‬

‫جميع القواعد األخرى يف هذا الكتاب هي من صفات الدهاة‪ ،‬ولكن أردنا هنا أن‬
‫نفرد صفات الداهية الخلقية وال ُخلقية‪،‬النفسية واملعنوية كام كانت عند عمرو‬
‫ومعاوية‪ ،‬وبتطبيق هذه القواعد مجتمعة تتمكن من املنافسة يف هذا العامل‪ ،‬فال‬
‫تضيع وقتك بالجدل والتأمل مام يسببه لك الواقع من مظامل‪،‬وتعلم كيف تتفوق يف‬
‫اللعبة‪،‬فاكتسابك لهذه املهارات ميكنك من أن تكون ماتحب أن تكون‪..‬ويكسبك‬
‫تقدير الجميع‪،‬ويجعلك تتحكم بانفعاالتك‪ ،‬كام تكون قادرا عىل أن تحرر نفسك‬
‫من أرس اللحظة الحارضة لتنظر مبوضوعية ويف آن واحد للاميض واملستقبل معا‬
‫حتى يسهل عليك التعرف من أين تاتيك املخاطر‪.‬‬

‫كام أن اكتسابك لهذه الصفات يجعلك تتقن فنون املراوغة واالستدراج وتتحكم يف‬
‫مشاعرك‪ ،‬الحب والكره‪ ،‬الحلم والغضب‪ ،‬الصرب والعجلة‪،‬‬

‫املوضوع ببساطة أن هناك أفعال إن قمت بها تتحقق لك السطوة والنجاح‪ ،‬وإن‬
‫خالفتها تفقدك السطوة أو تحرمك منها‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫معرفتك لنوع دهائك‬


‫قال معاوية لعمرو بن العاص يوما‪:‬يا عمرو مابلغ بك دهائك؟‬
‫فقال عمرو‪ :‬والله يا أمري املؤمنني ما وقعت يف مصيبة إال خرجت منها‪.‬‬
‫فقال معاوية‪ :‬أما أنا فكان دهايئ حرزا يل من أقع فيام يسوؤين‪.‬‬
‫العربة‪-:‬‬
‫كان دهاء معاوية للروية والصرب‪،‬فهو كالصياد ينتظر الوقت املناسب لينقض عيل‬
‫فريسته ‪ ،‬أما عمرو فكان دهائه دهاء بديهة‪ ،‬فهو قادر عىل الوصول إىل رأي وقناعة‬
‫وترصف برسعة عالية جدا ً‪..‬ولذلك كان يقتحم األخطار عىل عكس معاوية الذي‬
‫كان يخىش اقتحامها‪..‬ألن دهاء عمرو كان يخلصه مام يقع فيه‪.‬‬
‫تذكر دائما‪-:‬‬
‫من أهم صفات األذكياء‪-:‬‬
‫‪-1‬منو العقلية لديهم عن طريق تقبل الصعوبات املختلفة برحابة صدر‬
‫‪-2‬الصرب‪ :‬حيث يعد هو املفتاح إىل الوصول للنجاح‬
‫‪-3‬الوعي‪ :‬من خالل التخطيط الجيد للمستقبل‬
‫‪-4‬امتالك املهارات االجتامعية والذي يظهر من خالل التعاون والقدرة عىل العمل‬
‫مع فريق‬
‫‪11‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-5‬امليل إىل الفويض‪ :‬مييل األذكياء إىل الفوىض حيث انها تعزز لديهم التفكري‬
‫اإلبداعي وتساعد يف تحفيز حضور األفكار الجديدة ألنها تساعد عىل كرس القواعد‪.‬‬

‫‪-‬صعد معاوية املنرب يوم الجمعة ليخطب يف الناس‪ ،‬وملا صعد املنرب أمام الناس يف‬
‫دمشق تذكر أنه ليس عىل وضوء‪ ،‬فاحتار يف أمره ‪ ،‬أينزل عن املنرب وتكون فضيحة‬
‫له‪ ،‬أو يكتم خربه ويحفظ ماء وجهه ولكن يُسخط الله عليه؟ ولكن دهائه ريص الله‬
‫عنه أسعفه ‪ ،‬فصاح لغالمه قائال‪ :‬يا غالم ائتني بوضوء (ماء) ليك أُعلم الناس كيف‬
‫كان يتوضأ رسول الله صيل الله عليه وسلم‪.‬‬

‫العربة‪-:‬‬

‫الداهية اليعدم طريقة يخرج بها من مأزق وقع فيه‪..‬فدامئا حافظ عىل مبادئك‬
‫وجد املربر لها‪ ،‬واجعل الجميع يأخذها عنك‪.‬‬
‫عليك أن تثق بنفسك وتؤمن بقدراتك‪ ،‬فحدود طاقة البرش ليست هي الحدود‬
‫الخارجية التي تحارصهم وإمنا هي الحدود التي رسموها يف عقولهم‬

‫يرفع الداهية من قيمة العقل ‪،‬فالحيلة تحتاج إىل عقل راجح ونظر ثاقب‪..‬قال‬
‫معاوية‪ :‬العقل والحلم أفضل ما أعطى العبد‪ .‬كام أن الحيلة تتطلب ذكاءا حادا‪،‬‬
‫وذهنا متوقدا‪ ،‬مع رسعة البديهة و ُحسن االرتجال‪.‬‬
‫على من يطلب الدهاء ان يعلم ان الدهاء دهائني‪-:‬‬

‫‪12‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-1‬الدهاء االول‪ :‬الذي يعتمد فيه صاحبه عىل قدرة عقلية فائقة يتسلط بها عىل‬
‫الناس فيسخرهم يف مطامعه‪،‬ويقودهم كام يُقاد املسخر بالتنويم املغناطييس‬
‫لخدمته فيام يستفيدون منه ‪ ،‬أو فيام ال فائدة لهم فيه عىل اإلطالق‪،‬بل قد يكون‬
‫فيه الرضر لهم وهم اليفقهون‪ ،‬ويغشاهم السحر بغشاوته فال يستمعون ملا يُقال‬
‫لهم غري مايقوله ذلك الداهية‪ ،‬او يوحيه إىل شعورهم بغري مقال‪.‬‬

‫‪-2‬الدهاء الثاين‪:‬الذي ال يعتمد عىل قدرة عقلية فائقة‪ ،‬ولكنه يعتمد عىل قدرة‬
‫مادية يستطيع بها صاحبها قضاء املصالح والتعامل مع غريه عىل أساس التبادل يف‬
‫املنفعة واملعرفة التى يفهمها املتبادلون جميعا بغري حاجة إىل احتيال أو خداع‪.‬‬

‫والسؤال هنا‪ :‬بأي الدهائني متكن معاوية من اجتذاب عمرو واملغرية بن شعبة‬
‫وزياد بن ابيه وغريهم ممن ُعرفوا بالدهاء؟‬

‫بإمكاننا أن نقول ان هؤالء الدهاة قد خدعوه أيضا وسخروه لقضاء مآربهم كام‬
‫خدعهم هو وسخرهم لقضاء مآربه‪ ،‬فدهاء معاوية ليس دهاء القدرة العقلية‬
‫الفائقة التى أوقعت يف روع أعوانه زعام تخفي عليهم حقيقته‪ ،‬وينقادون به إليهم‬
‫وهم اليفقهون‪ ،‬وإمنا أخذ منهم معاوية وأخذوا منه عيل سواء‪،‬‬

‫أما دهاء عمرو بن العاص فكان مزيجا بني الدهائني كام سيظهرالحقاً‪ ،‬والذي ال‬
‫اختالف فيه‪..‬أنهم جميعا من الدهاة عىل اختالف أنواع الدهاء وأن دهائهم جميعا(‬
‫عمرو بن العاص واملغرية بن شعبة وزياد بن ابيه) هو الذي قادهم إيل معاوية ومل‬
‫يكن دهاء معاوية هو الذي قادهم إليه‪،‬‬
‫‪13‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقد عرفوا مطالبهم وعرفوا انهم اليجدونها إال عند معاوية‪ ،‬ولو أنهم استطاعوا‬
‫ان ينازعوه الخالفة ملا سلموها له طوعا وملا قنعوا منه بالنصيب الذي ارتضوه يف‬
‫خالفته‪ ،‬ولكن الخالفة كانت مطلبا بعيدا عليهم فلم يضيعوا فيه جهودهم ونظروا‬
‫إيل غاية املطالب دونه فبلغوه بجهد يسري‪.‬‬

‫وقصة كل رجل من هؤالء الدهاة الثالثة ال تدع محال للظن بأنهم سيقوا إيل‬
‫نرصة معاوية مخدوعني أو منقادين بحيلة من حيل الدهاء‪ ،‬بل هي كفيلة أن‬
‫تنبئنا بغلبتهم عيل معاوية يف املبادلة وأنهم اخذوا منه فوق ما أعطوه بكثري‪.‬‬
‫تذكر دائما‪-:‬‬

‫اإلميان بال قوة مثل سالح يف غمده‪،‬وشجاعة بال دهاء مثل ر ُجل بساق واحدة‪،‬‬
‫وباكتاملهم جميعا يفتح صاحبها العامل ويسوسه خري سياسة‪.‬‬

‫الصرب والروية‪.‬‬
‫غمز رجل يقال له ابو الجهم معاوية بكالم كثريفيه شدة صغر فيه من شأن معاوية‪،‬‬
‫فقال معاوية‪ :‬يا ابا الجهم ‪:‬إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبيان ويأخذ أخذ‬
‫األسد‪،‬وإن قليله يغلب كثري الناس‪ .‬ثم أعطاه معاوية ماال ورده مكرما‪.‬‬

‫العربة‪-:‬‬
‫غض برصك وطأطئ رأسك عام اليستحق اإلنرصاف إليه‪ ،‬والتقعد لكل كبرية وصغرية‬
‫فإمنا انت رجل العظائم فقط‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ذات يوم قال عبدالرحمن بن الحكم لخاله معاوية‪ :‬إن فالنا شتمني‪..‬فقال له‬
‫معاوية‪ :‬طأطئ لها رأسك متر‪.‬‬

‫كان معاوية حريصا عيل التحبب إىل الناس‪ ،‬ألنه ينتزع سلطانه منهم‪ .‬ويعلم ان‬
‫الناس ال ينطوون عىل الحب ملن ينتزع السلطان‪،‬وملا سئل من أحب الناس إليك؟‬
‫قال معاوية‪ :‬أشدهم تحبيبا يل إيل الناس‪،‬فلم يكن معاوية وال اتباعه يقرصون يف‬
‫إذاعة كل خرب فيه مأثرة من مآثر العفو واألناة والرب بكل مسئ من اولئك الذين‬
‫كانوا يتطاولون عليه باملساءة يف أول عهده بامللك عىل الخصوص ومل يكن عدد‬
‫هؤالء املسيئني بالقليل‪،‬‬

‫فحد الحلم عند معاوية أال يكون يف العدوان والتطاول مساس مبلكه وسلطانه‪،‬‬
‫فأكث‪..‬قيل ملعاوية ‪ :‬أتحلم عن هذا؟ فقال معاوية‪ :‬إين ال‬‫ولذلك ملا أغلظ له رجل َ‬
‫أحول بني الناس وبني ألسنتهم مامل يحولوا بيننا وبني ملكنا‪.‬‬
‫لذلك‪-:‬‬

‫ال تكون داهية بغري ان تكون حليام‪،‬فحلمك يقربك إىل الناس ويحببهم فيك إال أنه‬
‫يستجرئ أعدائك وخصومك‪ ،‬فاغفر كل ذلة مااستطعت إن مل تنتقص من سلطانك‬
‫شيئا‪،‬أو تقلل ولو قدرا بسيطا من مكانتك‪ ،‬والحلم أجمل ما يكون عن الضعيف‪،‬‬
‫فكل من هو دونك يف القوة واملكانة فالحلم إليه أجدى‪ ،‬وكل من ساواك فال تبسط‬
‫له يف الحلم وإمنا تحلم عليه تارة وتجهل عليه اخرى‪..‬فإذا نازعك السلطان فال مكان‬
‫للحلم حينئذ‪ ،‬وإن الجهل منه يرده الجهل منك‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫فتعلم متى تستخدم حلمك ومتى ال تستخدمه‪ ،‬فإذا ظهر سلطانك عىل الجميع‬
‫حيث مل يبق منازع فالحلم الحلم فإنه أفضل مايكون عن مكانة ومقدرة‪..‬فبعض‬
‫الحلم دهاء وبعض الصرب دهاء‪.‬‬

‫كان يف أخبارحلم معاوية بعض اإلفراط ومجاوزة للأملوف من امثاله‪ ،‬وكان من‬
‫أهله من يثور إلفراطه هذا ويحس الهوان يف عزته ملا يحتمله صاحب األمر كله يف‬
‫دولتهم من الجرأة عليه وعليهم‪ ،‬فهذا يزيد ابنه وويل عهده أشد الثائرين سخطا‬
‫عىل أبيه يقول له كلام راجعه يف حلمه ( أخاف أن يُعد هذا جبنا منك وضعفا)‬
‫فيقول له معاوية‪ :‬يابني إنه اليكون مع الحلم ندامة وال مذمة فامض لشأنك‬
‫ودعني ورأيي‪ .‬وكان ملبالغته احتامل األذى والصرب عىل املساءة يف رأي بعض آل‬
‫بيته املحنكني ‪..‬فهذا عبدامللك بن مروان الداهية‪..‬كان يسمي هذا ( دهانا) كام‬
‫قال يف بعض خطبه( ما انا بالخليفة املستضعف_يعني عثامن‪ ،‬وما انا بالخليفة‬
‫املداهن_ يعني معاوية_‪ ،‬وما أنا بالخليفة املأفون_ يعني يزيد بن معاوية)‪.‬‬

‫حتى ان معاوية كان يف خصومته مع عيل ريض الله عنه يستخدم حلمه وله يف‬
‫هذا رأي‪..‬فلم يكن أحد ينكر عىل عيل كرم الله وجهه شجاعته وتقواه وسابقته‬
‫إىل اإلسالم وقرابته من رسول الله صيل الله عليه وسلم فإذا شاء معاوية أن يوازيه‬
‫بصفة من صفات الرئاسة‪..‬فتلك هي الحلم دون غريه ودعواه فيها أنه صاحب‬
‫الرأي والحلم والحزم‪ ،‬وأن عليا صاحب الشجاعة والصالح‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫حسن السياسة والرئاسة‬

‫قال ابن عمر ريض الله عنهام‪ :‬ما رأيت أحدا أسود من معاوية‪،‬فسئل وال عمر؟فقال‪:‬‬
‫كان عمر خريا منه‪ ،‬وكان معاوية أسود منه‪.‬‬

‫وقال العوام بن حوشب ذات يوم‪ :‬ما رأيت أحدا بعد رسول الله صىل الله عليه‬
‫وسلم أسود من معاوية‪..‬قيل وال أبو بكر؟ قال‪ :‬كان ابو بكر وعمر وعثامن خريا منه‬
‫ومعاوية أسود منهم‪.‬‬

‫وهذا السؤدد ليس بالغريب من صفات رجل ورث السيادة من أبيه واعطى بها‬
‫حقه وحق عشريته يف الرئاسة‪.‬‬

‫سأل أعرايب معاوية‪ :‬كيف حكمت الشام أربعني سنة ومل تحدث فتنة والدنيا تغيل‬
‫من حولك؟ فقال معاوية‪ :‬إن بيني وبني الناس شعرة إذا أرخوا شددت‪ ،‬وإذا شدوا‬
‫أرخيت‪..‬ميكنني أن اريض الناس كلهم إال حاسد نعمة فإنه ال يرضيه إال زوالها‪.‬‬

‫العربة‪-:‬‬

‫عىل الداهية أن يكون حليام حازما‪ ،‬حلمه يقهر غضبه‪ ،‬وجوده يغلب منعه‪ ،‬يصل‬
‫وال يقطع‪ ،‬ال يُظهر العداوة أبدا وال يبدأ بها وال يصارح بها‪ ،‬فغري الدهاة يرون‬
‫األمور إما ابيض وإما أسود ويغفلون أن بينهام درجات كثرية من االلوان واألطياف‪،‬‬
‫وإما معي أو عيل ويغفلون أن بينهام درجات كثرية من الناس‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫دامئا يكون الداهية مثابرا مجتهدا ال يتوقف وال يستسلم‪.‬‬

‫يستفيد الداهية من أخطائه وأخطاء عدوه‪ ،‬فاألخطاء رضيبة اإلتقان والفشل ليس‬
‫بعدد األخطاء التي وقعت فيها وإمنا الفشل هو حني تخضع وتستكني لهذه االخطاء‬
‫وتستسلم لها‪.‬‬

‫الداهية يثق بنفسه متام الثقة وال يتأثر بكالم االخرين‪ ،‬فهو ملك لنفسه‪ ،‬يعلم أنه‬
‫يستطيع وأنه قادر عىل أن يبهر الجميع‪ ،‬يبدأ حياته من جديد يف كل يوم يطلع‬
‫عليه‪ ،‬ينجز املستحيل ليصل إىل هدفه‪ ،‬فال أحد غريه يستطيع أن يغري له حياته إىل‬
‫االفضل‪.‬‬

‫تذكر دائما‪-:‬‬

‫الدهاء قدرة أعمق من الذكاء تختص يف املبادرة واإلنتاج كالتخطيط أو املكر أو‬
‫االحتيال أو التقمص أو التمثيل لغاية أو من أجل إثبات حقيقة وقد تدخل ضمن‬
‫قامئة الدهاء الخدع أو النصب أو االحتياالت وهذه أشياء سلبية ‪..‬لكن الدهاء هو‬
‫استخدام القدرات لتحقيق الغايات ليك يتم إقناع إنسان بيشء هو غري مقتنع به‪.‬‬
‫اخلالصة‪-:‬‬

‫أهم صفات الداهية‪-:‬‬


‫‪-‬يشعر دامئا بالوحدة‪ ،‬الن الوحدة تجعلهم أكرث إبداعا وقدرة عىل الخلو بالذات‬
‫والرتكيز بشكل كبري‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫–دامئي التمرد عىل كل من حولهم‪ ،‬يرغب فيام هو أفضل مام يوقعه يف كثري من‬
‫املشاكل‪.‬‬
‫‪-‬يجيد إخفاء مشاعره فال يظهر الغضب وال الكره وإمنا يتودد ويتلطف‪.‬‬
‫‪-‬ال يضيعون وقتهم من أجل التأسف عىل أحوالهم ومشاكلهم‪ ،‬وال يعطون فرصة‬
‫ألحد يك يسيطر عليهم‪ ،‬ويفضلون التغيري ويسعون إليه‪.‬‬
‫‪-‬يبحثون عام يرضيهم أوال ثم يلتفتون ملن يحيط بهم‪ .‬ولذلك يحبون املخاطرة من‬
‫التفوق واألفضلية‪.‬‬
‫‪-‬اليشغلهم املايض وما مر به‪ ،‬وإمنا يتعلمون منه وال يفكرون إال يف املستقبل‪،‬‬
‫يخرسون وال ييأسون وال يستسلمون للفشل‪ ،‬بل يأخذونه حافزا للنجاح والصعود ‪.‬‬
‫‪-‬قلييل الكالم فكرثته تضيع الهيبة وتظهر صاحبه أقل عزما ولن تكون داهية إال ان‬
‫كانت لك هيبة عند الناس‪.‬‬
‫‪-‬ينترص بأفعاله وليس بكالمه فقوته تأيت من اتفاق االخرين معه من خالل أفعاله‬
‫دون أن يتفوه بكلمة‪.‬‬
‫‪-‬صاحب شخصية قوية تتفاعل مع املجتمع‪،‬يبتعد عن كل ماهو مضيعة للوقت‬
‫والجهد‪.‬‬
‫‪-‬محبا للعلم وخاصة فيام يستجد عليه من أمور مام ميكنه من إجادة إتخاذ‬
‫القرارات املناسبة‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-‬يجيدون استخدام الرجال ويجيدون اختيارهم وال الخرين فرصة الستخدام السلطة‬
‫عليهم‪.‬‬

‫‪-‬اليتوقعون نتائج رسيعة فهم يعلمون أن التغيري الحقيقي يستغرق وقتا‪-.‬أخريا‪ :‬ال‬
‫يعاين يف هذا العامل سوى االذكياء‪ ،‬اما األغبياء فال يعانون من احد وإمنا يعاين العامل‬
‫‪-‬‬ ‫منهم‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫اصنع نفسك‬

‫كيف تصنع من نفسك داهية أسطورة؟‬

‫‪-1‬حدد ماذا تريد‪..‬فوضوح الرؤية هو األهم واألهداف الغري واضحة نتائجها دامئا‬
‫باهته‪.‬‬

‫‪ -2‬كن عىل يقني ان لكل مشكلة حل‪،‬كل مايف االمر أنك مل تستطع رؤيته بعد‪.‬‬

‫‪ -3‬بادر مبساعدة االخرين قبل أن يساعدوك‪.‬‬

‫‪ -4‬كن األكرث شغفا واهتامما وتركيزا‪،‬وستجد تلك الطباع تنترش كالعدوى فيمن هم‬
‫حولك‪.‬‬

‫‪-5‬تعرف أكرث عىل ما متتلكه من مهارات ومتكن منها جيدا‬

‫‪-6‬تذكرجيدا أن املشكلة ال تكون مشكلة إال إذا اخرتت أنت أن تكون كذلك‪.‬‬

‫‪-7‬قف متاما عن لعب دور الضحية فحياتك الشخصية وعملك ال يرتبطان سوى‬
‫بقراراتك انت فقط‪.‬‬

‫‪-8‬إن مل تُنتقد بشدة فأنت التفعل يشء يُذكر(الطموح مثنه السخرية)‪.‬‬

‫‪-9‬ليكن لديك من القوة والجرأة ما الميتلكه غريك من الناس‪.‬‬

‫‪ -10‬اذا مل تجد األمور تسوء فأنت التحقق اي تقدم‪.‬‬


‫‪21‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-11‬تذكر أن للكلامت قوة‪ ،‬فعليك أن تختار ألفاظ القائد وتجنب استخدام مفردات‬
‫‪-‬‬ ‫الشخص الضحية‪.‬‬
‫كان زياد بن أبيه يف مجلس فيه عمر ريض الله عنه‪ ،‬فتحدث بكالم وفصل فيه‬
‫بقدرته عىل الكالم فأعجب به عمر وقال‪ :‬لله در هذا الغالم‪ ،‬لو كان قرشيا لساق‬
‫العرب بعصاه‪.‬وكان أبوسفيان جالسا حينام قال عمر هذا الكالم‪،‬فهمس لعيل بن‬
‫أيب طالب أنه والد هذا الغالم‪-‬يعني زياد‪ -‬فسأله عيل مل ال تعرتف به وتستلحقه؟‬
‫فقال أبوسفيان‪ :‬أخاف هذا الجالس أن يخرق عيل إهايب (جلدي) ويقصد بالجالس‬
‫عمر ريض الله عنه‪.‬‬

‫حتى جاء زمن معاوية وخصومته مع عيل‪..‬فوعد زيادا أن يعرتف به أخا من والده‬
‫أبوسفيان ‪ ،‬وكان كذلك‪ .‬فجاءه الرد مرسعا من ابن املفرغ الحمريي الذي كان أحد‬
‫خصوم معاوية بثالثة أبيات من الشعر زلزلت هذه الشهادة واالعرتاف من معاوية‬
‫بأخيه الجديد زياد فقال‪.‬‬
‫مغلغلة عن الرجل اليامين‬ ‫أال أبلغ معاوية بن حرب‬

‫وترىض أن يقال أبوك زاين‬ ‫أتغضب أن يقال أبوك عف‬

‫كرحم الفيل من ولد األتاين‬ ‫فاشهد أن رحمك من زياد‬


‫العربة‪-:‬‬

‫‪22‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫زياد بن أبيه كان مجهول النسب لذا لقب بابن أبيه ألنه اليُعلم له أب‪ ،‬ولكن‬
‫بخطبة واحدة بليغة عربت عن عقلية فذة صارت حديث الناس‪،‬فهذا عمر يشيد‬
‫به‪ ،‬وأبوسفيان يتمنى لو يعرتف له بأبوته ولكنه يخاف عمر الجالس معهم‪ ،‬وفيام‬
‫بعد يعرتف به معاوية أخا له ليجعله يف صفه ضد عيل ريض الله عنه‪ ،‬ويرد عليه‬
‫ابن املفرغ الحمريي ينكر نسبه له‪ ،‬فكان زيادا هنا األسطورة التي أخذت بالباب‬
‫الجميع بني مادح ومنتسب ومنكر للنسب‪.‬‬

‫‪-‬اجعل من نفسك حديث الناس دامئا‪ ،‬مابني مفتون بك‪ ،‬وحاقد عليك‪ ،‬يف كل األحوال‬
‫اجعل املجالس تضج بذكرك واصنع نفسك بنفسك‪..‬فإن من ضاع ذكره بني الناس هو‬
‫‪-‬‬ ‫ميت مييش بينهم‪.‬‬
‫‪-‬ملا قدم عمر ريض الله عنه عىل معاوية ذات مرة واستقبله معاوية مبوكب فخم‪،‬‬
‫جاوزه عمر وأعرض عنه‪ ،‬فأقبل إليه معاوية فأعرض عنه عمر ثانية ومىش ‪ .‬فقال‬
‫عبدالرحمن بن عوف لعمر‪ :‬أتعبت الرجل‪ ،‬فسأل عمر معاوية قائال‪ :‬أنت صاحب‬
‫املوكب آنفا مع مابلغني عن وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال نعم يا أمري املؤمنني‪.‬‬
‫قال عمر ومل ذاك املوكب؟ قال معاوية‪ :‬يا أمري املؤمنني انا يف بالد يكرث فيها جواسيس‬
‫العدو وال بد لهم مام يرهبهم من هيبة السلطان‪ ،‬فإن أمرتني بذلك أقمت عليه‪،‬‬
‫وإن نهيتني عنه انتهيت‪ .‬قال عمر‪ :‬لنئ كان الذي قلت حقا فإنه رأي أريب( حاذق‬
‫ماهر) ولنئ كان باطال فإنها خدعة وال آمرك وال أنهاك‪.‬‬
‫العربة‪-:‬‬

‫‪23‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ترصف كملك تعامل كملك‪ ،‬ترصف كسوقة تعامل كسوقة‪..‬فال تنتقص من نفسك‬
‫شيئا‪ ،‬فلديك دامئا ما يحتاجه الناس وال يوجد عند غريك‪ ،‬أنت بالفطرة متميز يف‬
‫أمر ما‪ ،‬والداهية الحق هو الذي يعرف أي أمر يتقنه‪ ،‬فيستغل حاجة الناس إليه‬
‫يف هذا األمر‪.‬‬

‫‪-‬التألق عىل كل من حولك هو مهارة ال يولد أحد وهو يتقنها‪ ،‬لذا عليك أن تتعلم‬
‫كيف تجذب االنتباه إليك كام يجذب املغناطيس الحديد‪ ،‬عليك أن تربط اسمك‬
‫وسمعتك بخصلة أو مظهر مييزك عن االخرين‪ ،‬وليكن لك أسلوبك الخاص لجعل‬
‫الناس يتحدثون عنك ومبجرد أن يرتسخ هذا التصور يصبح لك مكان يف سامء‬
‫الشهرة تصنع يف نجوميتك وتحفر فيه اسمك‪.‬‬

‫‪-‬كن متألقا وظاهرا للجميع‪ ،‬فمن ال يحظي بالظهور كأنه مل يولد قط‪ ،‬الضوء هو‬
‫الذي يعطي لكل الكائنات قدرتها عىل إشعاع وجودها‪ ،‬واإلستعراض ميحو الفراغات‬
‫ويغطي عيل النقائص ومينح كل يشء حياة أخرى خاصة إن كانت تدعمه جدارة‬
‫حقيقية‪( .‬بالتسار جراتسيان)‬

‫_ ملا أقبلت الفتنة وتفاقم الخطب عىل عثامن بن عفان ريض الله عنه وكان عنده‬
‫معاوية فقال له عثامن‪ :‬ماترى يا معاوية؟‬

‫قال معاوية‪ :‬اخرت مني إحدى ثالث خصال‪.‬‬


‫قال عثامن‪ :‬ماهي؟‬

‫‪24‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫قال معاوية‪ :‬أرتب لك هاهنا أربعة االف من جند الشام يكونون لك ردءا ( عونا‬
‫ونارص) وبني يديك يدا‪.‬‬

‫قال عثامن‪ :‬من أين أرزقهم؟‬

‫قال معاوية‪ :‬من بيت املال‪.‬‬

‫قال عثامن‪ :‬أرزق أربعة أالف من الجنود من بيت مال املسلمني لحرز دمي؟ ال‬
‫فعلت هذا‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬فثانية‪.‬‬

‫قال عثامن‪ :‬ماهي؟‬

‫قال معاوية‪ :‬فرقهم عنك فال يجتمع اثنان يف مرص واحد‪ ،‬وارضب عليهم البعوث‬
‫والندب حتى يكون َدبَر بعري منهم( الجرح يف ظهر الدابة) أهم عليه من صالته‪.‬‬
‫قال عثامن‪ :‬سبحان الله‪..‬شيوخ املهاجرين وكبار أصحاب رسول الله عليه وسلم‬
‫وبقية الشورى أُخرجهم من ديارهم وأفرق بينهم وبني أهليهم وأبنائهم؟ ال أفعل‬
‫هذا‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬فثالثة‪.‬‬


‫قال عثامن ‪ :‬ماهي؟‬

‫‪25‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫قال معاوية‪ :‬اخرج معي إيل الشام قبل أن يهجم عليك ماال تطيقه‪.‬‬

‫قال عثامن‪ :‬ال أبتغي بجوار رسول الله بدال‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬إذا ً فاجعل يل الطلب بدمك إن قتلت‪.‬‬

‫قتلت فال يُهدر دمي‪.‬‬


‫قال عثامن‪ :‬نعم‪..‬هذه لك‪..‬إن ُ‬
‫العربة‪-:‬‬

‫جملة االراء التي أشار بها معاوية عىل عثامن ما من رأي فيها إال والنفع فيه ثابت‬
‫ملعاوية عن عثامن‪ ،‬وليس معاوية أن يختارها لنفسه لو كان يف موضع عثامن‪.‬‬

‫فاإلشارة عىل عثامن بإقامة أربعة االف من خيل الشام يحرسونه فهو تسليم الحجاز‬
‫إىل معاوية يف حياة الخليفة وبعد حياته‪ ،‬فال يقدر أحد عىل بيعة فيه غري البيعة‬
‫التى يرضاها معاوية‪.‬‬

‫والخروج من املدينة إىل الشام مع معاوية ينقل العاصمة إىل دمشق ويجعل القول‬
‫الفصل بعد موت الخليفة لصاحب القول الفصل فيها‪ ،‬وما من أحد قط ينتفع بهذه‬
‫النصائح غري معاوية يف جميع الحاالت‪.‬‬

‫ومعاوية بهذه االراء كان يوطئ األمر وميهده لنفسه‪ ،‬وأثبت ما ثبت من منفعة‬
‫معاوية بتلك املطالب التي عرضها عىل الخليفة يف شدته‪..‬مطلبه أن تكون له والية‬
‫الدم بعد مقتله‪ ،‬فإنه مبثابة والية العهد بإذن صاحب األمر‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ لذلك ‪-:‬‬

‫اجعل اسمك مرتبطا يف أذهان الناس باإلثارة‪ ،‬واجذب االنتباه لنفسك بصنع صورة‬
‫ال تُنىس‪ ،‬افعل أي يشء يجعلك أسطوريا ومختلفا عن بقية األشخاص العاديني‪،‬‬
‫واألفضل لك أن يُشهر الناس بك ويهاجموك عن أن يتجاهلوك‪..‬وهو ماحدث بعد‬
‫ذلك ملعاوية‪.‬‬

‫مبجرد أن تُسلط عليك أضواء الشهرة‪..‬عليك دامئا أن تجددها مبوامئة أسلوبك يف‬
‫جذب االنتباه إليك‪ ،‬ألنك إن مل تفعل ذلك فسوف متل منك الجامهري وتنتقل عنك‬
‫إىل نجم جديد‪..‬واعترب ذلك كأنه مباراة تتطلب الحذر واإلبداع املستمرين‪.‬‬

‫اصطنع لنفسك هالة من الغموض والرهبة‪ ،‬فال تجعل أبدا من السهل معرفة ما‬
‫تفعل أو ما تنوي ان تفعل‪ ،‬وال تُظهر كل أوراق اللعب يف التي يف يديك‪ ،‬فالغموض‬
‫يُضفي عىل حضورك جالال ويدفع االخرين للتخمني‪ ،‬فالكل سرياقبك ليعرف خطوتك‬
‫التالية‪ .‬استخدم الغموض لألخذ بألباب الناس وغوايتهم أو حتى ترهيبهم‪.‬‬

‫_ صناعة الذات أمر يسري عىل من وضعه أبواه عىل الطريق الصحيح‪ ،‬فمعاوية مل‬
‫يصنع نفسه بنفسه‪ ،‬وإمنا كان بعضه صنعة أبواه وباألخص أمه هند بنت عتبة‪ ،‬فقد‬
‫كانت مبكة ومعها معاوية وهو طفل صغري يلعب‪ ،‬فمر بهام رجل ونظر إليه فقال‪:‬‬
‫يسد إال قومه ‪..‬أماته الله‪.‬‬
‫إين ألرى غالما إن عاش ليسودن قومه‪ ،‬فقالت هند‪ :‬إن مل ُ‬

‫‪27‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ونظر أبو سفيان يوما إىل معاوية وهو غالم فقال لهند زوجته‪ :‬إن ابني هذا لعظيم‬
‫يسد‬
‫الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه‪ ،‬فقالت هند‪ :‬قومه فقط؟ ثكلته إن مل ُ‬
‫العرب قاطبة‪.‬‬

‫وكان يزيد بن ايب سفيان أخ غري شقيق ملعاوية‪ ،‬وملا واله عمر بن الخطاب إمارة‬
‫الشام وخرج إليه معاوية يتبعه إليها‪ ،‬قال أبوسفيان لهند‪ :‬أرأيت كيف صار ابنك‬
‫تابعا البني؟فقالت هند‪ :‬إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك وأين‬
‫يكون ابني‪.‬‬

‫_العربة‪-:‬‬

‫معاوية كان صنيعة أبويني قويني يف عشرية قوية‪ ،‬ولعله ورث من جانب أمه أكرث‬
‫مام ورث من جانب أبيه‪ ،‬فهو أشبه بها يف تكوين جسمه وأشبه بها يف وسامة‬
‫مالمحه وأشبه بأصولها املعروفة يف ُخلق األناة والحلم وبطء الغضب وإيثار‬
‫املطاولة واملراوغة يف الحروب‪ ،‬ولذا كانوا ينعتونه بابن هند‪.‬‬

‫إن مل تكن صنيعة أبواك فاصنع نفسك بنفسك‪ ،‬باملثابرة وبالصرب وباملخلصني من‬
‫األتباع وبتحديد األهداف وبطموحك الذي ال يقف عند حد وبحسن تدبريك‪ ،‬كن‬
‫سيدا وتعامل كملك ودع الناس ينظرون إليك عىل هذا‪.‬‬
‫_ تفاخر بابآئك لتكمل صنيعة نفسك‪.‬‬

‫أرسل عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص من يحاسبه ويشاطره ماله‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫فغضب عمرو وقال للرسول‪ :‬قبح الله زمانا فيه عمرو بن العاص عامال لعمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬والله إين ألعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعىل‬
‫ابنه مثلها‪ ،‬وما منهام إال يف نَ رة(جلباب) ال تبلغ ُرسغيه‪ ،‬والله ما كان العاص بن‬
‫وائل يرىض ألن يلبس الديباج(نوع من الحرير) إال ُمزررا بالذهب‪ .‬ثم خيش عمرو‬
‫العاقبة فاستحلف الرسول ليكتمن عليه ماقال بأمانة الله‪.‬‬
‫_ وملا عزل عثامن بن عفان ريض الله عنه عمرو بن العاص من والية مرص ودعاه‬
‫عثامن فأنباه وقال له‪ :‬استعملتك عىل ظلعك(ضعفك) وكرثة القالة فيك‪ .‬فقال‬
‫عمرو‪:‬قد كنت عامال لعمر بن الخطاب وفارقني وهو عني راض‪ .‬واحتدم الجدل‬
‫بينهام‪،‬فهم عمرو بالخروج مغضبا وهو يقول‪ :‬قد رأيت العاص بن وائل ورأيت‬
‫أباك‪ ،‬فوالله للعاص كان أرشف من عفان‪ ،‬فام زاد عثامن عىل أن قال‪ :‬مالنا ولذكر‬
‫الجاهلية؟‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫إذا وىل الزمان عنك ودارت بك الدوائر‪ ،‬وذكر الناس كل نقيصة لك‪..‬فاستعن‬
‫بتاريخك وآبآئك ولن تعدم ألحدهم رشفا وفخرا تعتز به‪ ،‬وإن كانت هذه حيلة‬
‫العاجز إال أنها الشك فيها مجدية‪ ،‬فاإلبن من صنعة أبيه‪ ،‬وأمام الفخر بذكر األمجاد‬
‫يسقط كل فخر‪ .‬فاملال زائل واملنصب ذاهب والتاريخ باق عىل حاله ال يتغري‪.‬‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫ليك تصنع نفسك عليك أن تكون لك كاريزما خاصة بك وإليك أهم خطوات صناعة‬
‫الكاريزما‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-1‬استمع أكرث مام تتحدث‪ :‬عليك أن تهتم بالحديث املوجه إليك‪ ،‬حافظ عىل‬
‫اإلتصال بالعني واإلبتسامة وال تقاطع من يحدثك كثريا‪ ،‬امنحهم اإلحساس بأن كل‬
‫شخص هو شخص مهم بالنسبة لك‪ ،‬وال تعطي النصائح بشكل مبالغ فيه‪.‬‬

‫‪-2‬اعط كل شخص اإلهتامم املناسب له‪ ،‬دعه يشعر أنه ذو قيمة عندك‪-3 .‬عندما‬
‫تتحدث مع شخص ما‪ ،‬اترك هاتفك قدر اإلمكان وال تنظر يف الساعة‪ ،‬انتباهك‬
‫الكامل ملن يحدثك موهبة ال يتمتع بها الكثريين‪ ،‬بينام تجعل الجميع يلتف حولك‬
‫ويتذكرك مهام طال الزمن‪.‬‬

‫‪-4‬ركز عىل دعمك لالخرين والتفكر فيام سوف تجنيه من مساعدتك لهم‪ ،‬فهي‬
‫الطريقة األفضل يف كسب عالقات حقيقية تدوم‪.‬‬

‫‪-5‬اعط انطباع أنك تهتم بالناس‪ ،‬تحبهم‪ ،‬صدرك رحب يتسع للجميع برصف النظر‬
‫عن سنه أو لونه أو دينه أو موقعه‪.‬‬
‫‪-6‬ال تبخل بالنصيحة ما دام يف استطاعتك‪.‬‬

‫‪-7‬اخرت األسلوب املناسب إللقاء النصيحة‪ ،‬وال تتعاىل عليهم بأنك أفضل منهم‪ ،‬أو‬
‫أنك تعرف أكرث منهم وال تعط نصيحتك بأسلوب األمر‪ ،‬اجعله يشعربأنك تخىش‬
‫عىل مصلحته وتريد له التوفيق والنجاح‪.‬‬
‫‪-8‬اخرت كلامتك بعناية فالكلمة التي تقولها متس سلوك االخرين‪،‬فيمكن لكلمتك أن‬
‫تؤثر يف أشخاص لدرجة أنهم لن ينسوها ما داموا عىل قيد الحياة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪ -9‬ال تناقش االخر فيام يكره وال تُذكره بفشله فهذا سينفرهم من الحديث معك‪.‬‬

‫‪ -10‬ابتسم‪ :‬فاإلبتسامة أكرث مايخطف القلوب وكن بشوشا عندما يراك الناس ينسوا‬
‫همومهم‪،‬اجعلهم يشعرون باألمل والتفاؤل والتفاؤل والحب‪.‬‬

‫_ الكاريزما ليست شيئا متتلكه‪،‬بل يشء تكتسبه بحيث يجعلك الناس تشعر أنك‬
‫مهم بالنسبة لهم‪ ،‬أو أنك تتمتع مبكانة خاصة عندهم‪ُ ،‬جل ما يف األمر‪ ..‬عليك أن‬
‫تأرس القلوب بطبيعتك وتعامالتك الرائعة مع غريك‪.‬‬

‫*****‬

‫‪-‬‬

‫‪31‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫لكل داهية أتباع‬


‫_ لكل داهية أتباع ‪،‬احرص أن يكون لك أكرب عدد منهم وحينها ستجد من مل يقيم‬
‫لك وزنا سيقيم ألتباعك‪،‬من مل يراك مبفردك حتام سرياك عندما يرى أتباعك‪ ،‬كرثة‬
‫املريدين من حولك سيمنحك مصدر قوة‪ ،‬استخدم حيلك وأفكارك يف ذلك‪ ،‬حني‬
‫تشارك الناس أفراحهم وهمومهم وتخالطهم سائر اليوم ستجدهم صاروا تبعا لك‪،‬‬
‫تتكلم عنهم وتُفاوض لهم وتُحارب بهم‪.‬‬
‫_ نحن كبرش كائنات اجتامعية بالطبيعة فإننا النكتسب املهارات التي تجعل‬
‫االخريحبون صحبتنا إال باملخالطة واإلنطالق‪ ،‬وكلام زاد إتصالنا باالخرين يزداد‬
‫شعورنا باإلمتنان والراحة‪.‬‬
‫_ السطوة نشاط إنساين ‪،‬ومن املحتوم أن تزيد بالتواصل مع الناس‪ ،‬فعليك أن‬
‫تكون سلسا تجيد التنقل بني الدوائر اإلجتامعية املختلفة دون أن تنحرص داخل أو‬
‫خارج جامعة‪ ،‬وهذا النوع من املرونة والتواصل اإلجتامعي يحميك من املتآمرين‬
‫ضدك‪ ،‬ويحميك من أعدائك ألنهم لن يستطيعوا عزلك عن حلفائك‪.‬‬
‫_ كن دائم التحرك وامتزج وخالط كل الناس‪،‬وال تقف أو تستقر يف مكان واحد فال‬
‫أحد يستطيع أن يتصيد كائن لديه مثل هذه الرشاقة‪.‬‬
‫_ اليشء الوحيد الذي ميكن أن تخرسه من التواصل مع الناس هو التفكري ‪ ،‬فضغوط‬
‫التواءم مع املجتمع وعدم التنايئ بنفسك عن الناس ال يسمح لك أن تفكر بوضوح‬
‫وموضوعية يف طبيعة مايدور حولك‪ .‬بعض العزلة املؤقته ميكن لها أن تعيد لك‬
‫املنظور الصحيح‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫‪-‬‬ ‫معاوية ب َعمرِه‪..‬وكل ملك بوزيره‪.‬‬
‫‪-‬سأل اإلمام أحمد بن حنبل أباه عن عيل ومعاوية ريض الله عنهام‪ ،‬فقال له أبوه‪:‬‬
‫اعلم يا بني أن عليا كان كثري األعداء ففتش له أعدائه عن عيب فلم يجدوا‪ ،‬فجاءوا‬
‫إىل رجل حاربه فأطروه كيادا منهم له‪،‬‬

‫_ تذكر دامئا‪-:‬‬

‫كثري من الثناء ال يصدر عن حب للمثنى عليه كام يصدر عن حقد عىل غريه‪ ،‬وكثري‬
‫من هذا الحقد تبعثه الفضائل وال تبعثه العيوب‪.‬‬

‫_ كان معاوية غافال عن شأن عمرو بن العاص وعن خطره يف معونة أي الفريقني‪،‬‬
‫فأعرض عنه حتى نبهه عتبة بن أيب سفيان إىل شأنه وخطره فكتب إليه معاوية‪:‬‬
‫أما بعد‪..‬فقد كان من أمر عيل وطلحة والزبري ما قد بلغك وقد سقط علينا مروان‬
‫بن الحكم يف رافضة من أهل البرصة وقدم عيل جرير بن عبدالله يف بيعة عيل وقد‬
‫حسبت نفيس عليك فأقدم عيل بركة الله‪.‬‬

‫للداهية أسلوبه الخاص يف اختيار أتباعه‪ ،‬وعىل تابعه أن يكون له أيضا أسلوبه‬
‫الخاص‪ ،‬فيجب أن تختلف الطرق وأن يكون املقصد واحد‪.‬‬

‫_ الذ رجل مطلوب ل زياد بن أبيه للمحاكمة بأمري املؤمنني معاوية‪ :‬فكتب زياد‬

‫‪33‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫إىل معاوية‪ :‬أكلام حاولت محاكمة أحد الذ بك وتعلق بحامك؟‬

‫اللهم إن هذا إفساد لعميل ومحاربة يل يا أمري املؤمنني‪ .‬فأجابه معاوية‪ :‬يا زياد ال‬
‫يجوز أن تسوس الناس بسياسة واحدة فيكون شعارنا شعار رجل واحد ولكن لتكن‬
‫أنت للشدة والعنف‪ ،‬وأنا للرحمة والعطف فيسرتيح الناس إىل جانبنا ويطمئنوا‬
‫إلينا‪ ،‬فسكت زياد وقال‪ :‬ما غلبني معاوية إال يف هذه‪.‬‬

‫*****‬

‫_ كان من أتباع عيل ريض الله عنه قيس بن سعد بن عبادة‪ ،‬وكان داهية يتفجر‬
‫حيلة ومهارة وذكاء وقال عن نفسه وهو صادق‪ :‬لوال اإلسالم ملكرت مكرا ال تُطيقه‬
‫العرب‪ .‬فهو حاد الذكاء واسع الحيلة‪ ،‬متوقد الذهن وكان قبل اإلسالم يحسبون له‬
‫ألف حساب يف املدينة ألنهم ال يحتملون منه ومضة ذهن‪ .‬وكان مكانه يوم صفني‬
‫مع عيل ريض الله عنه ضد معاوية‪ ،‬وكان يجلس مع نفسه فريسم الخدعة التى‬
‫ميكن أن تؤدي مبعاوية ومن معه يف يوم أو بعض يوم‪ ،‬ثم يتفحص خطته فيجدها‬
‫من املكر اليسء الخطر فيذكر قوله تعاىل ( وال يحيق املكر اليسء إال بأهله) وقوله‬
‫صىل الله عليه وسلم ( املكر والخديعة يف النار) فيهب من فوره مستنكرا مستغفرا‪،‬‬
‫ولسان حاله يقول‪ :‬والله لنئ قُدر ملعاوية أن يغلبنا فلن يغلبنا بذكائه بل بورعنا‬
‫وتقوانا‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫‪34‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫عىل الداهية أن يُحدد ألتباعه نُبل الغاية من مقصده‪ ،‬فيستثري عزامئهم ويستفيد‬
‫من وسائلهم وطرقهم‪ .‬وأن يربر هذه الوسيلة عىل النحو الذي ال يجعلهم يشككون‬
‫يف نواياه‪ ،‬فقيس هذا من أمكر العرب وكان من أتباع عيل ريض الله عنه ومع هذا‬
‫فإن اإلمام عيل مل يستفد من مكره وإن استفاد من شجاعته‪ ،‬يف الوقت الذي استفاد‬
‫فيه معاوية ريض الله عنه من دهاء وشجاعة أتباعه يف آن واحد‪ ،‬فكانت له الغلبة‬
‫باالثنتني عىل الواحدة‪.‬‬

‫_ ليك تُقنع أتباعك مبا تريد عليك أن تعلم أن رس اإلقناع هو تليني مشاعر االخرين‬
‫وتذويب جفائهم بلطف‪ ،‬افتنهم بسالح مزدوج‪ ،‬أثر يف مشاعرهم وتالعب بأفكارهم‪،‬‬
‫انتبه مل مييزهم عن االخرين ( رس تفردهم) وكذلك ملا يشرتكون فيه مع غريهم‪ -‬من‬
‫حيث املشاعر العامة التى تأخذ بألبابهم‪ .‬تف ّهم مشاعرهم األساسية مثل الحب‬
‫والكره والغرية وغريها‪ ،‬ومبجرد أن تحرك فيهم هذه املشاعر ستزول مقاومتهم‬
‫ويسهل عليك إقناعهم مبا تريد‪.‬‬
‫*****‬

‫قدم الحجاج بن خزمية عىل معاوية بالشام بعد قتل عثامن بن عفان ريض الله عنه‬
‫بأيام‪ ،‬فقال ملعاوية‪ :‬اعلم يا معاوية أنك تقوى عىل عيل بن أيب طالب بدون مايقوى‬
‫به عليك‪ ،‬وليس ذلك إال ألن من معك ال يقولون إذا قلت ‪ ،‬وال يسألون إذا أمرت‪.‬‬
‫وألن من مع عيل يقولون إذا قال‪ ،‬ويسالون إذا امر‪ .‬فقليل ممن معك خري من كثري‬
‫ممن مع عيل‪ .‬واعلم أن عليا ال يُرضيه إال الرضا‪ ،‬وإن رضاه يُسخطك‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ولست وعيل بالسواء‪ ،‬ال يرىض عيل بالعراق دون الشام‪ ،‬ورضاؤك بالشام دون الع‬
‫راق‪.‬‬

‫العربة‪-:‬‬

‫اعلم أيهاالداهية أن أتباعك أحد ثالثة‪-:‬‬

‫‪-1‬من ينرصك وينرص قضيتك فهو أخلص االتباع الثالثة فاحرص عليه أشد الحرص‬
‫فال غنى لك عنه‪.‬‬

‫‪-2‬من ينرصك وينرص قضيتك ولكن ألجل مصلحته فاحرص عليه وحاذر منه واقض‬
‫له حاجته‪.‬‬

‫‪-3‬من ينرصك وينرص قضيتك‪ ،‬ليس ألنك عىل الحق وال لحاجة له عندك‪ ،‬وإمنا كراهية‬
‫يف خصمك‪ ،‬فاجعل عينك عليه‪ ،‬واحرتس لنفسك منه‪ ،‬وان استطعت أال تؤمل فيه‬
‫خريا فافعل‪ .‬فال يشء يبقى عىل حاله‪ ،‬فالعداوة تنقلب إىل نُرصة‪ ،‬والكراهية تتحول‬
‫محبة‪.‬‬

‫_ اجعل اتباعك يؤمنون بكل ما تؤمن به متام اإلميان‪ .‬وازرع يف داخلهم الشك‬
‫فيام عداه‪ ،‬فكام أنت بدهائك‪..‬أنت أيضا بأتباعك‪ ،‬ومن ال يقيم لك وزنا سيقيم‬
‫التباعك ألف وزن‪ .‬وإن واحدا ال يقول إذا قلت وال يسأل إذا أمرت خري من ألف‬
‫رجل يسألون ويقولون‪.‬‬
‫_ اترك املجال التباعك ليدافعوا عن أنفسهم‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ذهب بعض الناس إىل معاوية والموه عىل تقدميه عمرا‪ ،‬وملا بلغت عمرا مالمتهم‪..‬‬
‫غي الدهر‪،‬‬‫وقف خطيبا يقول‪ :‬قد علمتم أنني الكرار يف الحرب‪ ،‬وأنني الصبور عىل َ‬
‫ال أنام عن طلب‪ .‬كأمنا أنا األفعى عند اصل الشجرة‪ ،‬ولعمري لست بالواين أو‬
‫الضعيف‪ ،‬بل أنا مثل الحية الصامء الشفاء ملن عضته‪ ،‬وال يرقد َمن لسعته‪ ،‬وإين ما‬
‫رضبت إال فريت‪ ،‬وال يخبو ما شيبت‪ ،‬عرفني أصحايب يوم الهرير ( بحرب صفني)‬
‫أنني أشدهم قلبا‪ ،‬وأثبتهم يدا‪ ،‬احمي اللواء وأذود عن الحمى‪ ،‬فكأنني وشانئي (‬
‫عدوي ومبغيض) عند قول القائل‪:‬‬
‫إذا كنت ال أرىض مفاخرة العشب‬ ‫وهل عجب إن كان فرعي عسجدا‬
‫العربة‪-:‬‬
‫يلوم الناس عىل معاوية أنه قدم عمرا‪ ،‬فكان عىل عمرو ملا بلغته املالمة أن يذكرهم‬
‫مبا نسوه أو تناسوه من صفاته التى تشهد بها أقواله وأعامله ومساعيه وغريها من‬
‫صفاته القوية‪ ،‬وهو الطموح إىل الهيبة والرثاء والجاه والسلطان‪ ،‬فلم يقف طموحه‬
‫عند حد وال قعد عن الخالفة وهو مختار‪ ،‬بل قد طمح إليها وأعد عدته إلقصاء بني‬
‫أمية عنها‪ ،‬فلام أيأسه مغمز النسب ورجحان بني أمية عىل بني سهم يف العصبية‬
‫القرشية‪ ،‬طوى الصدر عن كظم‪ ،‬وقعد عنها وهو كاره‪ ،‬يُعزي نفسه بقوله املأثور‬
‫عنه ( أن والية مرص جامعة تعدل الخالفة)‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫‪-‬سمعتك سوف تحميك من مخاطر لعبة الحكم باملظاهر وتبعد عنك أعني من‬
‫يرتبصون بك ليعرفوا حقيقتك ومتنحك درجة من التحكم بحكم الناس عليك‪ ،‬وهذا‬
‫التحكم يضعك يف موضع القوة‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-‬السمعة لها قوة السحر‪،‬فلمسة واحدة من عصاها الخارقة تضاعف قوتك وتزيد‬
‫اتباعك وتبعد عنك حقد الحاقدين‪،‬وقد يتغري الحكم عىل فعل ما من رائع إىل‬
‫مروع بتغري سمعة من يقوم به‪.‬‬

‫‪-‬عليك أن تسعى لرتسيخ سمعة تقوم عىل خصلة بارزة لديك كالكرم أو األمانة‬
‫أو الذكاء‪ ،‬وسوف متيزك هذه الخصلة وتجعل الناس يتحدثون عنك‪ ،‬ثم عليك أن‬
‫تعمل عىل نرش هذه الخصلة بني أكربعدد من الناس بهدوء ولكن دون تباطؤ‪،‬‬
‫وعليك ان تؤسس لها قاعدة متينة من املقتنعني بها‪ ،‬وبعد ذلك تأملها وهي تنطلق‬
‫كالنار يف الهشيم‪.‬‬

‫‪-‬عندما يكون اتباعك أصحاب سمعة قوية فإن ذلك يزيد من قوتك واقتدارك دون‬
‫أن تبذل مزيدا من الجهد‪ ،‬وتضع حولك هالة تكسبك االحرتام والهيبة‪.‬‬

‫‪-‬سمعتك تسبقك دوما وإن كانت لك سمعة تكسبك االحرتام فإن جزءا من أعاملك‬
‫–رمبا تكون‬ ‫يتحقق قبل أن تطلب بل حتى قبل أن تصل إىل املكان املنشود‪.‬‬
‫قد أفسدت سمعتك من قبل بحيث ال تستطيع أن تؤسس سمعة جديدة‪.‬حينها قد‬
‫يفيدك أن تربط اسمك بشخص تتناقض سمعته مع سمعتك وسوف يسمح لك هذا‬
‫االرتباط بإعالء وتبييض اسمك‪ ،‬فمن الصعب أن متحوا اشتهارك بني الناس بالغدر‬
‫مثال‪..‬لكن استعانتك بشخص يعرفه الناس باألمانة قد يساعدك‪.‬‬
‫*****‬

‫‪38‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫‪ -3‬قوتك من قوة أتباعك‪.‬‬


‫جاء األحنف ذات يوم ملعاوية‪..‬فتذكروا يوم صفني‪،‬وكان األحنف يف صف عبى ريض‬
‫الله عنه‪.‬فقال األحنف والله يا معاوية لو رجع الزمان لعرفت كيف أفعل بك‪.‬‬
‫فغضب معاوية وقال ساخطا‪ :‬يا أحنف‪.‬‬
‫فقال األحنف مبثلها‪ :‬يا معاوية‪.‬‬
‫فدخلت عليهم ابنة معاوية‪ ،‬فهدأ معاوية وقال لألحنف ‪ :‬يا ابا بحر‪.‬‬
‫فقال األحنف مبثلها ‪:‬يا أبا يزيد‪ ،‬وهدأ ما كان بينهم وخرج األحنف‪ ،‬فعاتبت ابنة‬
‫معاوية أباها عىل عدم معاقبة االحنف‪ .‬فقال لها معاوية‪ :‬أي يابنية‪.‬والله إن وراءه‬
‫مائة ألف رجل يغضبون لغضبه ال يسألونه فيام غضب‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫مبنتهى البساطة لوال املائة ألف رجل خلف األحنف يغضبون لغضبه ملا تردد‬
‫معاوية يف عقابه‪.‬‬
‫تذكر دامئا‪-:‬‬
‫العامل مكان خطر ملئ باألعداء وعىل الجميع أن يحمي نفسه‪ ،‬وقد تظن‬
‫أن العزلة والتحصن يؤمنك‪ ،‬لكن العزلة تضيف إىل املخاطر أكرث مام تحمي‬
‫منها‪،‬فهي تربزك كهدف سهل للهجوم‪،‬االفضل لك أن تختلط بالناس وتصنع‬
‫من بينهم حلفاء‪ ،‬فالجموع هي الدرع الحقيقي الذي تحتمي به من األعداء‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫–العزلة عن الناس تفقدك اإلتصال مبصادر سطوتك وال تعرف ما يحدث حولك‬
‫فتفقد الحكمة واإلحساس بالتوازن‪ ،‬وبدال من أن تحصل عىل األمان تنقطع عن‬
‫املعرفة املطلوبة لإلبقاء عىل حياتك وازدهارك‪.‬‬
‫‪-‬التقطع نفسك أبدا عن الشارع لدرجة متنعك من معرفة ما يدور حولك مبا يف ذلك‬
‫املؤامرات التى تُحاك ضدك‪.‬‬
‫‪ -‬استمد القوة والسطوة من تعامالتك مع الناس واختالطك بهم‪ ،‬وأن تضع نفسك‬
‫يف مركز األحداث فيصبح كل من حولك أتباعا لك‪.‬‬
‫‪ -‬يف أوقات الخطرإياك أن تنعزل عن أتباعك‪ .‬بل كن أكرث انفتاحا حتى عىل االخرين‪،‬‬
‫وابحث عن حلفائك القدامى وكون تحالفات جديدة بأتباع جدد وادخل يف دوائر‬
‫متنوعة من العالقات‪.‬‬
‫‪ -‬العزلة عن الناس ترض العقل وال تفيد الفضيلة‪ ،‬ولتعرف أن الشخص املنعزل دامئا‬
‫(د‪.‬صامويلجونسون)‬ ‫يكون من املرتفني‪ ،‬وغالبا من املتطريين‪ ،‬وأحيانا مجنونا‪.‬‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ لكي جتذب لك األتباع‪-:‬‬
‫‪-1‬اجعل كالمك بسيطا ويحتمل أكرث من معنى‪،‬ليك تلفت انتباههم إليك‪ .‬االفعال‬
‫ال توفر لك ذلك الن من السهل قرائتها وتفسري مقاصدها‪ ،‬لذا عليك بالكلامت ألنها‬
‫مبهمة وخادعة‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫اجعل لقاءاتك وأحاديثك وخطبك األوىل إىل الناس تشتمل عىل عنرصين‪-:‬‬
‫االول_ أن تعدهم بإحداث تحوالت كبرية يف حياتهم‪.‬‬

‫الثاين_ أن يتسم كالمك باملراوغة واإللتباس التام‪.‬‬

‫وسوف يطلق هذا املزيج لدى من يستمعون إليك أشكاال متنوعة من األحالم‬
‫املسرتسلة‪.‬‬

‫‪ -2‬خاطب الحواس واالبصار وليس العقل والتفكري حتى ال يتهددك خطران قد‬
‫يصيبان أتباعك وهام امللل واالستهزاء بافكارك‪.‬‬

‫امللل‪ :‬يرصف الناس عنك‪.‬‬

‫االستهزاء‪ :‬مينحهم الفرصة يف التأين بأنفسهم والتفكري بعقالنية فيام تعرضه عليهم‬
‫بعيدا عن الضبابية التى أحطت بها أفكارك ويرونها عىل حقيقتها‪ ،‬ولتفعل ذلك‬
‫عليك أن تحيط نفسك مبظاهر الرتف‪ ،‬وان تبهر أتباعك مبا يخلب أبصارهم ويفنت‬
‫عيونهم‪ ..‬وستجذب إليك بذلك املزيد من األتباع‪.‬‬

‫‪ -3‬تعلم من االديان الراسخة كيف تنظم جامعتك‪ ،‬حني تتزايد أعداد اتباعك يكون‬
‫عليك أن تصنع لهم هيكال أو نظاما‪ ،‬اصنع لهم نوع من املامرسات والطقوس وضع‬
‫لهم مراتب والقاب سامية حسب إخالصهم الفكارك‪.‬‬

‫‪ُ -4‬ي ّني أتباعك أنفسهم بانهم باتباعهم لك سيفيض عليهم الخري من كل اتجاه‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وإحاطتك لنفسك مبظاهر الرتف تقدم لهم الدليل الحي الذي يشعرهم بصدق‬
‫مذهبك‪،‬اجعلهم يظنون أنك حققت الرثوة والسلطة من صواب تفكريك وستجدهم‬
‫يقلدونك يف كل تحركاتك أمال أن ذلك سيحقق لهم ما تحقق لك‪.‬‬

‫‪-5‬اصنع لجامعتك عدوا يوحدهم ويبغضونه‪ .‬عندما تزيد جامعتك ويكون‬


‫لك الكثري من األتباع‪ ،‬احرص أال يصيبهم الركود والتفكك بفعل الوقت‬
‫وامللل‪.‬اجعل أتباعك يشعرون أنهم رفاق مميزون يف جامعة لها رسالة‬
‫توحدوا من أجلها‪ ،‬إن مل تجد لك عدوا اصطنع عدوا وامنح النصارك شيطانا‬
‫يرجمونه بالحجارة حتى تقوى روح األخوة والرتابط عندهم‪ ،‬عندها‬
‫ستكون قد منحتهم مبادئ يؤمنون بها وينارصونها‪ ،‬وكفارا جاحدين يقاتلون‬
‫هم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫كيف حتارب عدوك‬

‫‪-‬الحياة عبارة عن صخور كبرية عىل شاطئ كيانك فاعمل عىل تدمري تلك الصخور‬
‫قبل أن تصبح جباال ال تستطيع تسلقها‪.‬‬

‫–اجعل الهدافك الحقيقية قناعا باستخدام حيلة تكون هدفا وهميا إىل أن يتحقق‬
‫الهدف الحقيقي‪.‬‬

‫–عليك أن تخيف عدوك باتباع االيت‪-:‬‬

‫‪-1‬فهم العدو‪:‬عليك أن تفهم عدوك جيدا وأن تعرف أسباب عداوته لك فذلك‬
‫يسهل لك توقع الخطوة التي يريد أن يخطوها فتفسدها عليه‪.‬‬

‫‪-2‬إبقاء العدو قريبا‪ :‬استعمل املقولة التي تقول ( أبق صديقك قريبا وعدوك‬
‫أقرب) لتعرف جيدا نقاط قوته فتعمل عليها ونقاط ضعفه فتستغلها‪.‬‬

‫‪-3‬مراقبة العدو وليس االهتامم به ألن ذلك سيجعله يشعر بثقة يف نفسه‪.‬‬
‫‪-4‬ترصف بثقة عند مقابلته لتثري يف نفسه القلق والحذر‪ ،‬وال تتوتر أو تنزعج عند‬
‫رؤيته‪.‬‬

‫‪-5‬إكتسب مجموعة من األصدقاء واألتباع املوثوقني األذكياء لتجعل عدوك يخاف‬


‫ويرتبك‪ ،‬اجعله يعلم أنك لست مبفردك ولست فريسة سهلة‪.‬‬

‫‪-6‬التقض عىل عدوك بإعدامه وإمنا بإبطال مبادئه‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-7‬إذا أردت أن تشغل عدوك فكن صامتا‪ ،‬فالصمت باعث للحرية واالستغراب ‪.‬‬
‫‪-8‬ال تستهن بعدوك أبدا قبل املعركة‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا استحال عليك هزمية عدوك فاجعله صديقا لك حتى تتمكن من هزميته‪.‬‬
‫‪ -10‬حارب عدوك بالسالح الذي ال يتوقعه‪.‬‬
‫‪ _11‬ابق دامئا بابا مفتوحا للتفاوض‪.‬‬
‫_ملا ورد قتل عثامن إىل معاوية‪ ،‬كتب إىل مروان ( إذا قرأت كتايب هذا فكن‬
‫كالفهد ال يصطاد إال غيلة(خديعة)‪ ،‬وال يباعد إال عن حيلة‪ ،‬وكالثعلب ال يغلب‬
‫إال روغانا‪ ،‬واخف نفسك عنهم كام أخفى الغراب سناده‪ ،‬والقنفذ رأسه عند ملس‬
‫األكف‪ ،‬وأمنهم نفسك أمان من يأس القوم من نرصه‪ ،‬وابحث عن أخبارهم بحث‬
‫الدجاجة)‪.‬‬
‫العربة‪-:‬‬
‫اإلحساس بالحالة الطارئة ينبع من صلة قوية بالحارض‪ ،‬بدال من ان تحلم باإلنقاذ‬
‫أواألمل مبستقبل افضل‪ ،‬عليك ان تواجه الوضع الراهن‪ ،‬سقوطك يعني هالكك ‪،‬‬
‫عليك االعتامد عىل ذكائك ليك تجد مخرجا‪ ،‬اخرج من أزمتك الحالية أوال ثم افعل‬
‫بعد ذلك ماتشاء‪.‬‬

‫_ بإمكاننا أن نقول أن هذه الخطة من معاوية مبثابة روشته تصلح للتعامل بها مع‬
‫األعداء يف كل زمان ومكان‪..‬حتى تستعيد توازنك وتسرتد قواك‪ ،‬أو يأيت لك الدعم‬
‫الذي تنتظره‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫عدا عبيد ملعاويةعىل أرض ابن الزبري ‪ .‬فكتب إليه ابن الزبري‪..‬أما بعد (يا معاوية‬
‫إن مل متنع عبيدك من دخول أريض كان يل ولك شأن)‪ .‬فأطلع معاوية ابن يزيد عىل‬
‫كتاب ابن الزبري وسأله ‪:‬ماترى يا يزيد؟ فقال له يزيد‪ :‬لتنفذن إليه جيشا أوله عنده‬
‫واخره عندك يأتونك برأسه‪.‬‬

‫فقال معاوية‪ :‬بل عندي يا بني خري من ذلك‪ ،‬وكتب عىل ابن الزبري‪:‬‬

‫(وقفت عىل كتابك يا ابن حواري رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وساءين والله‬
‫ما ساءك‪ ،‬والدنيا هينة عندي يف جنب رضاك‪ ،‬وقد كتبت عىل نفيس كتابا باألرض‬
‫والعبيد وأشهدت عىل ما فيه‪ ،‬لتُضف األرض إىل أرضك والعبيد إىل عبيدك‪ .‬والسالم)‪.‬‬
‫فجاءه الجواب من ابن الزبري يقول له فيه‪:‬‬

‫(وقفت عىل كتاب أمري املؤمنني اطال الله بقاءه‪ ،‬فال عدم الرأي الذي أحله من‬
‫قريش ما أحله والسالم) وأطلع معاوية ابنه يزيد عىل الكتاب الثاين كام اطلعه عىل‬
‫الكتاب األول‪ ،‬فأسفر وجهه‪ ،‬وأبوه يقول له‪ :‬يا بني إذا ُرميت بهذاالداء‪..‬‬

‫فهذا الدواء‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫ال تعادي أصحاب الفضل‪،‬فإن معاداتهم تفقدك مكانتك وهيبتك عند الناس‪..‬‬
‫وإن خاصمك أحد منهم فحاربه بالسالح الذي ال يتوقعه‪ ،‬وصربك عليهم من أهم‬
‫األسلحة‪ .‬وإظهار اإلذعان والخضوع والحلم من األسلحة التى ال يستغني عنها‬
‫الدهاة‪ ،‬فلن يكون يف وسعك أن تروض رعاياك وأتباعك دفعة واحدة‪،‬‬
‫‪45‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فتمهل يف ذلك‪ ،‬وال يكون التمهل إال بالصرب عىل كره أو اختيار‪ .‬فدع لنفسك الوقت‬
‫الكايف قبل أن ترد عىل إساءة أو وعيد أو تهديد أو غري ذلك مام تكره‪.‬‬
‫_ التفرقة بني اخلصوم‪-:‬‬
‫كان معاوية يرضب خصومه بعضهم ببعض كام فعل يف العراق حيث رضب الشيعة‬
‫بالخوارج‪ ،‬والخوارج بالشيعة‪ ،‬ويفرق بني العشائر العربية بالتقريب واإلقصاء‬
‫لعشرية منهم بعد عشرية‪ ،‬وفرق بني اليامنية والقيسية‪ ،‬وبني جنوب الجزيرة‬
‫وشاملها‪ .‬وفرق كذلك بني العرب واملوايل‪ ،‬حتى أوشك أن يُنكل باملوايل ليقصيهم‬
‫عن مناصب الدولة وعن اإلقامة يف عواصمها‪ ،‬ألنه كان يعلم أن العرب يلوذون‬
‫برؤسائهم‪،‬وال رؤساء للموايل يلوذون بهم يف نقمة أو مظلمة‪ ،‬فتفرق املوايل بني‬
‫الخوارج والشيعة‪ ،‬ينرصون هؤالء تارة وهؤالء تارة أخرى‪.‬‬
‫كام اتبع خطة التفرقة بني أهل الشام أنفسهم‪ ،‬فاستخلص لنفسه فرقة منهم ال‬
‫يخرجون من الشام وال يلتقون بأحد من دعاة العراق أو الحجاز أو مرص أو إفريقيا‪،‬‬
‫ونقل إىل األردن طوائف من الفرس واملوايل‪ ،‬ونقل إىل انطاكية قادة املواينء بالعراق‬
‫من الفرس‪ ،‬وخلط العرب العجم‪.‬‬
‫حتى قبيلة بني كلب أصهاره‪ ،‬استخلص منهم أخوال يزيد ابنه‪ ،‬وجعلهم فريقني‪.‬‬
‫فريق يدعوا إىل خالد بن يزيد‪ ،‬وفريق يدعوا إىل مروان‪.‬‬
‫العربة‪-:‬‬
‫كان معاوية يكف يد البطش والنكاية عنه يف معاملة هؤالء جميعا عىل اختالف‬
‫النسب واملقام‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ألنه كان يغري بعضهم ببعض فيستغني بالوقيعة بينهم عن الغيقاع بهم‪ .‬وكان‬
‫مييز بعضهم عىل بعض ليستثري ضغائنهم عىل بعضهم فيأمن رش اجتامعهم عليه‪.‬‬
‫_ حني تنظر إىل أعدائك ال يخيفك مظهرهم اإلجاميل‪ ،‬بل انظر إىل األجزاء التى‬
‫تك ّون الكل‪ ،‬وعرب فصل األجزاء عن بعضها وزرع بذور التفرقة واإلنقسام من‬
‫الداخل ميكنك أن تُضعف وأن تهزم حتى أقوى األعداء‪ ،‬حني تعد لهجومك اعمل‬
‫عىل عقولهم ليك تخلق رصاعا داخليا‪ ،‬ابحث عن الصالت والروابط‪ .‬األمور التى‬
‫تحشد الناس يف مجموعة أو تربط بني مجموعة وأخرى‪ .‬الفرقة ضعف‪ ،‬وهذه‬
‫املفاصل هي الجزء األضعف يف أي بدن‪ ،‬حني تواجه مشكالت أو أعداء ‪..‬ح ّول‬
‫املشكلة الكبرية إىل أجزاء صغرية ميكن أن تُهزم‪.‬‬

‫*****‬
‫_ التفوق على االخر‪-:‬‬
‫عليك أن تتعلم كيف تهزم الخصوم الذين يزعمون العمل من أجل قضية مشرتكة‬
‫‪،‬ولتحقق ذلك عليك أن تعمل عىل بث الشكوك واالضطراب فيهم‪ ،‬ادفعهم إىل‬
‫التفكري كثريا والترصف بدفاعية‪ ،‬انصب لهم الفخاخ عرب تحديات خفية تؤثر فيهم‬
‫وتجعلهم يبالغون يف ردود افعالهم والقيام بأخطاء محرجة‪.‬‬
‫_ أراد عمرو بن العاص أن يقنع عظامء القبط بأن العرب غري تاريك مرص وقد‬
‫دخلوها فامذا فعل؟‬
‫أمرعمرو بن العاص بجزور فذبحت وطبخت باملاء وامللح‪،‬وأمر أمراء األجناد أن‬
‫يحرضوا وأصحابهم‪.‬وجلس عمرو وأذن ألهل مرص وجيء باللحم واملرق فطافوا به‬

‫‪47‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫عىل املسلمني فأكلوا اكال عربيا‪..‬انتشلوا وحسوا وهم يف العباء وال سالح‪ ،‬وافرتق‬
‫أهل مرص وقد ازدادوا طمعا وجرأة يف إخراج العرب من مرص‪.‬‬
‫ثم بعث يف أمراء األجناد بأن يحرضوا وأصحابهم من الغد‪ ،‬وأمرهم ان يجيئوا يف‬
‫ثياب أهل مرص وأحذيتهم‪ ،‬وأن يأكلوا عىل طريقة أهل مرص‪ ،‬ففعلوا واذن عمرو‬
‫الهل مرص بالحضور‪ ،‬وقام عليهم الخدم بإحضار الطعام فأكلوا أكل أهل مرص‬
‫ونحوا نحوهم‪..‬فرأي القبط من أهل مرص شيئا غري ما رأوه باألمس‪ .‬فافرتقوا وقد‬
‫ارتابوا يف أمر العرب‪ .‬ثم بعث عمرو إىل أمراء األجناد مرة ثالثة وأمرهم أن يتسلحوا‬
‫للعرض غدا‪..‬وغدا عىل العرض وأهل مرص ينظرون فقال للقبط‪ :‬قد علمت أنكم‬
‫رأيتم أنفسكم أنكم يف يشء حني رأيتم افتقار العرب وهوان حالهم‪ ،‬فخشيت أن‬
‫تهلكوا فأحببت أن أريكم حالهم وكيف كانت يف أرضهم‪ ،‬ثم حالهم يف أرضكم‪ ،‬ثم‬
‫حالهم يف الحرب‪..‬فظفروا بكم وذلك عيشهم‪ .‬وقد كلِبوا عىل بالدكم قبل أن ينالوا‬
‫منها ما رايتم يف اليوم الثاين‪.‬‬
‫فأحببت أن اعلمكم أن من رأيتم يف اليوم الثالث غري تاريك عيش اليوم الثاين‬
‫ليعودوا إىل عيش اليوم األول‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫أراد عمرو بن العاص ان يرسل رسالة إىل أهل مرص مفادها‪ :‬أن العرب غري تاريك‬
‫حصل‬‫مرص ابدا‪ .‬فلجأ إىل الطعام وكثريا ماكان يستخدمه ليلجأ إىل فن اإلقناع ويُ ّ‬
‫مقصوده فكان من كالمه( أكرثوا الطعام فوالله ما بطن قوم قط إال فقدوا بعض‬
‫عقولهم‪،‬وما مضيت عزمة رجل بات بطينا) وكان ذلك ليعطل تفكريهم ولو لفرتة‪.‬‬
‫ثم جعل القبط يرون حال العرب يف أول يوم ويف اليوم الذي يليه‬
‫‪48‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ويف ساحة القتال ليخربهم أن العرب قد «طَبعوا بطبع أهل مرص وأنهم غري تاركيها‬
‫بعد ذلك أبدا‪.‬‬
‫_ َخلْق الشك وعدم األمان والقلق هدفه األسايس الوصول إىل أعامق الخصوم‬
‫واستفزازهم من الداخل‪ .‬ليشعروا أنهم تعرضوا للهجوم لكنهم ليسوا واثقني ملاذا‬
‫أو كيف‪ .‬النتيجة هي إحساس غامض باإلستياء‪ ،‬يبدأ الشعور بالدونية يتسلل إىل‬
‫داخلهم‪.‬‬
‫_ ما يحقق التأثري األكرب يف لعبة فن التفوق عىل االخر هو أن تعمل يف الخفاء عىل‬
‫إحداث االضطراب يف مزاجه وتفكريه‪ ،‬ال تكن مبارشا حتى ال تنبه أعدائك إىل الخطر‬
‫الذي متثله وتُحرك نوازع التنافس عندهم‪ ،‬أما عدم املبارشة فإنها تدعهم يضيعون‬
‫يف متاهة تفكريهم‪،‬وقد يثري فيهم ترصف برئ يف ظاهره مشاعر اإلحباط والغضب‬
‫ونفاد الصرب‪ ،‬مام يشوش تفكريهم عىل نحو مامثل‪ ،‬ويف الحالني سيبدأون بارتكاب‬
‫األخطاء ويعرتيهم شعور قوي بالهزمية‪.‬‬
‫_ التفاوض‪-:‬‬
‫فن ال يتقنه إال الدهاة بحق‪ ،‬فهي حرب عقلية ال تقل خطورة عن حرب السالح‪.‬‬
‫طبق ما يف السطور االتية وال تجعل أحدا يستغل ما فيها ضدك أو يطبقه عليك‪.‬‬
‫سيحاول الناس دامئا أن يأخذوا منك باملفاوضات ما عجزوا عن أخذه بالحرب أو‬
‫باملواجهة املبارشة‪ ،‬سيلجأون حتى إىل مبادئ العدل واألخالق كغطاء مينحهم موقعا‬
‫متقدما‪ ،‬ال تنخدع بهذا‪ .‬فالتفاوض ليس إال مناورة لحيازة السلطة أو املوقع‪ .‬عليك‬
‫أن تضع نفسك دامئا يف موقع قوي ال يتيح للطرف األخر الحصول عىل أي مكاسب‬
‫خالل التفاوض‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ عليك أن تخلق ضغط دائم يجرب الطرف االخر عىل املوافقة عىل تسوية برشوطك‬
‫أنت‪.‬‬
‫_ كلام أخذت أكرث ميكنك أن تعطي يف املقابل بتتابع ال معنى له‪ ،‬فخذ ما تريد وما‬
‫ال تريد وال تعطي إال ما التريده‪.‬‬
‫_ أنشئ لنفسك سمعة بأنك رجل صلب وغري مسا َوم بحيث يكون الناس مستنفرين‬
‫حتى قبل التقائك‪.‬‬
‫_ اعرف كل يشء عن خصمك الذي يتفاوض معك‪ ،‬فذلك مينحك قوة دفع إضافية‪.‬‬
‫_ اخدع خصمك بكل طريقة ولن تعدم وسيلة لذلك‪ ،‬وال ت ُظهر له أنك خادعه‪.‬‬

‫_ إن كان ال بد ممن يتفاوض عنك ألجلك فعليك بالداهية األريب الذي ال يحتاج‬
‫نصيحة‪ ،‬وإذا نصحته سمع منك‪.‬‬

‫_ ملا اتفق عيل ومعاوية ريض الله عنهام عىل الصلح وإرسال الحكمني ‪ ،‬وكان من‬
‫عاقبة التحكيم ما يعلمه الجميع وال يخفى عىل أحد‪.‬‬

‫_قال معاوية ألصحابه من ترون عليا يختار؟ فأما نحن فصاحبنا عمروبن العاص‪.‬‬
‫فقال عتبة بن أيب سفيان‪ :‬أنت أعلم بعيل منا‪ .‬فقال معاوية‪ :‬إن لعيل خمسة رجال‬
‫من ثقاته‪ .‬عبدالله بن عباس وإنه ال يقوى عىل عمرو‪ .‬وعدي بن حاتم وإنه يرد‬
‫عمرا سائال ويسأله مجيبا‪ .‬ورشيح بن هانئ وإنه ال يدع لعمرو حياضا‪ .‬واألحنف بن‬
‫قيس وإنه بديهته كرويته‪ .‬وقيس بن سعد وإنه لو كان من قريش لبايعته العرب‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ومع هذا فإن الناس قد ملوا هذه الحرب‪ ،‬ولن يرضوا إال رجال له تقية وكل هؤالء‬
‫ال تقية لهم‪ .‬ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله صىل الله‬
‫عليه وسلم تأمنه أهل الشام وترىض به أهل العراق‪ .‬فقال عتبة‪ :‬ذلك أبو موىس‬
‫األشعري‪.‬‬

‫وفُرض أبو موىس األشعري عىل عيل بن أيب طالب‪ ،‬واختار معاوية عمرا برغبيته‪،‬‬
‫واستمع كال الحكمني لنصائح منارصيهام‪ .‬فأما أبو موىس‪..‬فكان ذو تقية مل يعمل‬
‫بنصائح منارصيه‪ ،‬وأما عمرو فكان يسمع النصائح من منارصيه مع أنه ال يحتاج‬
‫إليها‪ .‬وكان من نصائح معاوية له‪ :‬يا عمرو إن أهل العراق قد أكرهوا عليا عىل‬
‫أبو موىس‪ ،‬وأنا وأهل الشام راضون بك‪ .‬وأرجوا يف دفع هذه الحرب خصاال‪-:‬‬
‫قوة ألهل الشام‪ ،‬وفرقة ألهل العراق‪ ،‬وإمدادا ألهل اليمن‪ ،‬وقد ضم إليك رجل‬
‫طويل اللسان قصري الرأي‪ ،‬وله عىل ذلك دين وفضل‪ .‬فدعه يقل‪ ،‬وإذا قال فاصمت‪،‬‬
‫واعلم أن ُحسن الرأي زيادة العقل ‪ ،‬إن خوفك بالعراق فخوفه بالشام‪،‬‬
‫وإن خوفك مرص فخوفه باليمن‪ ،‬وإن خوفك عليا فخوفه مبعاوية‪ .‬وإن اتاك‬
‫بالجميل فأته بالجميل‪ .‬قال عمرو‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ..‬أقلل اإلهتامم مبا ِقبيل‪ ،‬وارج‬
‫الله تعاىل فيام وجهتني إليه‪ .‬إنك من أمرك عىل مثل حد السيف‪ ،‬مل تنل يف حربك‬
‫خفت‪ ،‬ونحن نرجوا أن يصنع الله لك خريا‪ ،‬وقد ذكرت أليب‬ ‫ما رجوتَ ‪ ،‬ومل تأمن ما َ‬
‫موىس دينا‪..‬وإن الدين منصور‪ .‬أرأيت إن ذكر عليا وجاءنا باإلسالم والهجرة واجتامع‬
‫الناس عليه‪..‬ما أقول؟ فقال معاوية‪ :‬قل ما تريد وما ترى‪ .‬وانرصف عمرو إىل منزله‪،‬‬
‫فقال ألصحابه‪ :‬هل ترون ما أراد معاوية من تصغري أيب موىس؟ قالوا ال‪ ،‬قال عمرو‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫قد عرف معاوية أين خادع أبا موىس غدا‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_احرتم عدوك وابذل ما يف وسعك لسحقه‪.‬‬
‫احرتامك لعدوك يهبك االحرتام يف قلوب أتباعك‪ ،‬اعلن للجميع أنك ستحارب‬
‫معركتك برشف‪ ،‬وال تجعل للرشف مكانا يف حربك‪ .‬حتى إذا تم لك االنتصار عىل‬
‫عدوك‪..‬فاحرتمه قوال وفعال‪ .‬فاملرء بعدوه‪.‬‬
‫–اكسب عدوك املهابة حتى يظهر نرصك كبريا‪ ،‬ومغنمك عظيام‪ ،‬حتى كأنك انترصت‬
‫عىل جيوش األرض قاطبة‪.‬‬
‫_ إذا وقع عدوك يف األرس فال تقتله وإمنا أحسن إليه‪ ،‬فإن يف قتله راحة أبدية‬
‫وميتتة شبيهة مبيتة األبطال‪ .‬ويف إحسانك إليه سيموت كل يوم مائة مرة وهو يرى‬
‫ما صنعته به‪ ،‬وما كان فيه وما أصبح إليه‪ .‬حتى إنه سيتمنى كل يوم ألف مرة لو‬
‫كنت قتلته وأرحته من عذاب الحرسة عىل الهزمية‪.‬‬
‫_ إذا مات عدوك قابله وع ّدد مآثره حتى كأنه أسد هصور‪ ،‬فعندما تربز مكانة‬
‫عدوك تربز أيضا مكانتك‪.‬‬
‫ملا قُتل عيل كرم الله وجهه‪ .‬بكاه معاوية‪ ،‬فقالت له زوجته‪ .‬أتبكيه وقد قاتلته؟‬
‫فقال لها معاوية‪ :‬ويحك ‪..‬إنك ال تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم‪.‬‬

‫*****‬

‫‪52‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ حدد أعدائك جيدا وتعلم كيف تخرجهم من مخابئهم‪ ،‬وأعلن الحرب عليهم رسا‪.‬‬

‫_ التكرر املعادالت املستنفذة وكن قاسيا عىل نفسك‪ ،‬وعليك أن ترضب يف اتجاهات‬
‫مختلفة‪ .‬وتوقع كيف سيحاربك عدوك واستعد له وال تدع عدوك يفاجئك أبدا‪.‬‬
‫_اعتمد عىل نفسك وأبق عقلك يف حالة حضور دائم أيا كانت الظروف‪ ،‬وتعلم أن‬
‫تفصل نفسك عن فوىض ساحة املعركة‪.‬‬
‫_ التتعاطف مع عدوك أبدا أو تأخذك بهم شفقة أو أمل يف التصالح معهم‪ ،‬وال‬
‫ترتك لهم فرصة للعودة لالنتقام‪ ،‬عليك بسحقهم وإبادتهم جميعا‪.‬‬
‫_ ال ترتك ألعدائك ما يفاوضون عليه‪ .‬فاملفاوضات ثعبان ماكر يلتهم انتصارك‪..‬ابق‬
‫التفاوض لك أنت فقط‪.‬‬

‫_ ركز رضباتك لتحافظ عىل قواك وطاقاتك‪ ،‬وال تشتت نفسك‪ ،‬فالقوة دامئا تتغلب‬
‫عىل الكرثة‪ ,‬األفضل لك أن تكون قويا دامئا‪.‬‬

‫_ جرد عدوك من كل أسلحته وافقده اتزانه وثقته بنفسه‪ ،‬واظهر لهم الصفات‬
‫التى عليهم أن يخجلوا منها يف أنفسهم وتريهم مدى حامقتهم وهمجيتهم‪.‬‬

‫_اقلب الطاولة عىل أعدائك العدوانيني بوضع الطعم لهم حتى يقوموا بهجوم‬
‫مترسع يضعهم يف موقع ضعيف‪ ،‬وحتى لتكتشف مدى قوتهم‬

‫‪53‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ اصنع لنفسك سمعة أن قتالك ليس مجزيا‪ ،‬وأنك تأخذ أعدائك معك حني تسقط‬
‫وسيكلف أعدائك أنفسهم بالعبث معك ليكتشفوا مدى مصداقية ذلك‪.‬‬

‫_ اخرس املعركة واربح الحرب‪ ،‬دع االخرين ينشغلون يف تفاصيل املعركة‪ ،‬ويبتهجون‬
‫بانتصاراتهم الصغرية قبل أن تسحقهم يف الجولة األخرية من املعركة‪ ..‬فمن يضحك‬
‫أخريا يضحك كثريا‪.‬‬

‫*****‬

‫‪54‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫كيف تستخدم أسلحتك‬

‫_ كثرية هي األسلحة املتواجدة معنا ومن حولنا‪ .‬ال أحد يف هذه الدنيا يسري بدون‬
‫سالح‪ .‬الدهاء كل الدهاء أن تحسن اختيار السالح الذي تحارب به معركتك‪.‬‬

‫_ لتعرف كيف تختار سالحك عليك أن تفهم طبيعة الحرب التي تدور من حولك‪.‬‬

‫_ الحرب فن ولكل فن رجاله‪ ،‬والحياة معارك ولكل معركة سالح‪ .‬ع ّدد أسلحتك‪،‬‬
‫واحتفظ بها دامئا جاهزة‪ ،‬وكن عىل أهبة االستعداد للتبديل بينها عىل حسب ما‬
‫تقتضيه تطورات املعركة‪.‬‬

‫_ السالح الذي لن ينفعك اليوم قد ينقذ حياتك غدا‪.‬‬

‫_ اعرف عدوك جيدا واعرف نفسك أيضا‪ ،‬علمك بعدوك يعرفك كيف تدافع‪,‬‬
‫وعلمك بنفسك يعلمك كيف تهاجم‪ .‬الهجوم رس الدفاع‪ ،‬والدفاع هو التخطيط‬
‫للهجوم‪.‬‬

‫_ اتقن فن املناورة‪ :‬وهي التحرك والترصف بطريقة تُسلب الغريم من أي ميزة قد‬
‫اكتسبها‪.‬‬

‫_ ال تتحرك حتى فرصة تنتهزها‪ ،‬وال تستعمل قواتك مامل تكن هناك فائدة ترجوها‪،‬‬
‫وال تقاتل مامل يكن موقفك حرجا يستدعي منك القتال‪.‬‬

‫_ استخدم الجواسيس لتعرف تحركات ونوايا العدو الفعلية‪.‬‬


‫‪55‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ هاجم عدوك مستخدما سالح غريك قدر ما استطعت‪ ،‬كأن تخدع حليفا يك‬
‫يهاجمه‪ ،‬أو تستخدم قوة العدو ذاتها ضده‪.‬‬

‫*****‬

‫قدم عمرو بن العاص عيل معاوية‪ ،‬ساومه معاوية عىل رضاه فلم يقنع‬ ‫‪-‬عندما ِ‬
‫عمرو مبا دون والية مرص مدى الحياة‪ ،‬وهذه صفقة كأنها صفقة املنترص الذي مييل‬
‫رشوطه يف حومة الحرب‪ .‬ألن عمرو كان واليا عىل مرص فعزله عنها عثامن بن عفان‬
‫ريض الله عنه‪ .‬ومل يزل عمرو واجدا عىل عثامن لذلك حتى إنه كان يحرض عليه‬
‫ويُخاذل بني أنصاره كام قيل‪ .‬فإذا جاء عمرو قوما يطلبون دم عثامن فأخذ منهم ما‬
‫أباه عثامن عليه فإمنا هو النرص لعمرو‪ .‬وال مباالة مبا يقولون ومبا يقال‪ ،‬وشق عىل‬
‫معاوية أن يجيبه إىل هذا املطلب الضخم‪ ،‬فتلكأ معاوية وقال لعمرو‪ :‬أمل تعلم أن‬
‫مرص كالشام؟ قال عمرو ‪ :‬بىل‪ .‬ولكن مرص تكون يل إذا كانت الشام لك‪ ،‬والشام‬
‫تكون لك إذا طلبت عليا عىل العراق‪ .‬فدخل عتبة بن أيب سفيان عىل معاوية فقال‪:‬‬
‫اما ترىض أن تشرتي عمرا مبرصإن هي صفت لك؟ ليتك ال ت ُغلب عىل الشام‪ .‬فلام‬
‫سمع معاوية ذلك بعث إىل عمرو فأعطاه كتاب مرص وكتب يف أسفل الكتاب وال‬
‫ينقض رشط طاعة‪ ،‬فكتب عمرو وال تنقض طاعة رشطا‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫اليشء الذي تجيده ال تفعله مجانا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫خرج عمرو من الصفقة غالبا غري مغلوب‪ ،‬وفهم ما يبتغيه فقصد إليه‪ .‬ومل يكن‬
‫معاوية يفهم ما يبتغيه إال بعد مامنعة واستقصاء‪ ،‬وقد عقد معاوية لعمرو بعد‬
‫ذلك أربعة ألوية‪ ،‬لواء له‪ ،‬ولواء لكل من ولديه‪ ،‬ولواء لوردان غالم عمرو‪ .‬وكان‬
‫هذا من الحيلة التى ال تخفى وال حاجة بها إىل إخفاء أنها (لعب عىل املكشوف)‬
‫كأنها هي لعبة تلعب نفسها بنفسها وال محل فيها لتدبري الالعبني لظهوره واتباعه‬
‫يف اللعب منهجا ال تحيد عنه‪.‬‬

‫وهكذا كانت الحيلة بني عمرو ومعاوية‪ :‬قال عمرو ملعاوية ذات مرة‪ :‬أترى أننا‬
‫خالفنا عليا لفضل منا عليه؟ ال والله‪ .‬إن هي إال الدنيا نتكالب عليها‪ ،‬وايم الله‬
‫لتقطعن يل قطعة من دنياك وإال نابذتك عليها‪ .‬وعىل هذه الخطة املكشوفة بدأت‬
‫املعاملة بني الداهيتني‪ ،‬وكان حظ عمرو فيها أكرب من حظ معاوية بالقياس إىل ما‬
‫بذل فيها‪.‬‬
‫_ كانت العالقة بني عمرو ومعاوية ذات طبيعة فريدة‪ ،‬وسمة غريبة‪ .‬فقد كان‬
‫عمرو يكرب معاوية بحوايل ‪ 28‬سنة‪ ،‬حيث أنه تويف سنة ‪ 43‬هجرية عن ‪ 90‬عاما‪،‬‬
‫بينام تويف معاويةسنة ‪ 61‬هجرية عن ‪ 80‬عاما‪ .‬وكانت تجمعهام صفات كثرية‬
‫وأخالق عديدة‪ ،‬ويفرقهام التنافس والتفاضل‪ ،‬فكان املكر والخديعة من صفاتهام‬
‫ومن أهم أسلحتهام‪ ،‬واملراوغة والحيلة من أخالقهام‪ ،‬وكثريا ما استخدما أسلحتهام‬
‫ضد بعضهام البعض‪ .‬فكان عمرو ال يتورع عن خداع معاوية‪ ،‬ومعاوية ال يكف عن‬
‫االحتيال عىل عمرو‪ ،‬فكانت تربطهام صلة إعجاب متبادل وتقدير متامثل‪ ،‬وكان‬
‫التنافس بينهام حادا قد يصل أحيانا إىل حد التهديد بالقتل‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وكان عمرو دائم التطاول عىل معاوية‪ ،‬وكان معاوية حليام معه متسامحا‪ ،‬مستغال‬
‫فارق السن بينهام‪ ،‬فرياوغ معاوية مراوغة الشيخ لتلميذه‪ .‬وكان معاوية بثقب‬
‫نظره مدركا لدهاء عمرو‪ ،‬مستمعا إىل رأيه‪ ،‬مستفيدا من حنكته‪ .‬ومن ذلك‪.‬‬

‫قدم من مرص ‪ ،‬ومعاوية بن أيب سفيان من الشام عىل أمري‬ ‫أن عمرو بن العاص ِ‬
‫املؤمنني عمر بن الخطاب‪ .‬فأقعدهام بني يديه وجعل يسألهام عن أعاملهام ‪ ،‬إىل‬
‫يل تعيب ‪ ،‬وإ ّيل تقصد؟‬ ‫أن اعرتض عمرو عىل حديث معاوية‪ .‬فقال له معاوية‪ :‬اع ّ‬
‫ألخربن أمري املؤمنني عن عملك‪ .‬وتخربه عن عميل‪ .‬فقال عمرو لنفسه ( أنه أبرص‬
‫بعميل مني بعمله) وأن عمر ال يدع أول الحديث حتى يأيت عىل أخره فأردت أن‬
‫أفعل شيئا أقطع به ذلك‪ ،‬فرفعت يدي ولطمت معاوية‪ .‬فقال عمر له‪ :‬والله ما‬
‫رأيت رجال أسفه منك يا عمرو‪ .‬يامعاوية‪..‬الطمه‪ .‬فقال معاوية‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن‬
‫يل أمريا ال أقيض األمور دونه‪ .‬فأرسل عمر إىل أيب سفيان‪ ،‬وملا حرض ألقى له وسادة‬
‫وقال له‪.‬قال رسول الله صىل الله عليه وسلم إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه‪ .‬ثم قص‬
‫عليه ما جرى بني عمرو ومعاوية‪ .‬فقال أبو سفيان‪ :‬الهذا بعثت إ ّىل؟ أخوه وابن‬
‫عمه وقد اىت غري كبري‪..‬قد وهبت له ذلك‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫أراد عمرو أن يغري مجرى الحديث أو ينهيه بعدما أخطا هو ومعاوية أمام عمر‪.‬‬
‫فكانت اللطمة هي السالح الذي فعل ما اراده عمرو وما فطن له معاوية وما‬
‫انشغل به عمر عام كان بينهام من الحديث عن عملهام‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فعمرو حتى عندما يصفع فهو ال يصفع غضبا ولكن احتياال ومكرا‪ ،‬وهذا يوضح‬
‫عدم تورعه يف استخدام أي سالح ميكنه من الوصول إىل غايته‪ ،‬والخروج من املأزق‬
‫الذي يقع فيه‪.‬‬
‫_ فن الردع‪-:‬‬
‫يقوم هذا الفن عىل ثالثة حقائق متعلقة بالحرب وبالطبيعة البرشية‪-:‬‬
‫‪ _1‬مييل الناس أكرث إىل مهاجمتك إذا رأوا أنك ضعيف‪.‬‬
‫‪ _2‬ال يستطيعون التأكد من مدى ضعفك فيعتمدون عىل اإلشارات التي تصدر‬
‫منك عرب سلوكك يف املايض والحارض‪.‬‬
‫‪ _3‬يسعون إىل االنتصارات الرسيعة وغري الدموية ولهذا ينقضون عىل الضعيف‪.‬‬
‫الردع ببساطة هو قلب هذا الوضع وعكس أي صورة ليهم عنك بأنك‬
‫ضعيف وذلك عرب إيصال الرسالة التي تقول أن املعركة معك لن تكون سهلة‬
‫مثلام ظنوا‪ .‬وهذا ميكن فعله عرب القيام ببعض الترصفات الواضحة للعيان‬
‫التى من شأنها أن تربك املعتدين وتجعلهم يحسبوا أنهم أساءوا تقديرك‪.‬‬
‫– ليك تردع املعتدين يجب أن تصبح بارعا يف الخفاء‪ ،‬متالعبا باملظاهر‪ ،‬متالعبا‬
‫أيضا بفكرتهم عنك‪.‬‬
‫_ للردع والتخويف املعاكس أساسيات ميكن استعاملها جميعا يف الحرب الهجومية‪،‬‬
‫لكنها فعالة خصوصا يف الدفاع‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪ _1‬فاجئ املعتدين مبناورة جريئة تنطوي عىل بعض الخطرليك تخفي ضعفك‬
‫وخداعك لهم وحتى يتخلوا عن هجومهم عليك‪.‬‬
‫‪_2‬اظهر مبظهر الالعقالين والذي ال ميكن توقع ترصفاته كأن تفعل شيئا يوحي‬
‫لديهم بأنك مستعد لفعل أي يشء‪.‬الخصوم املجانني مخيفون‪.‬وال أحد يحب أن‬
‫يقاتل أشخاصا ال ميكن التنبؤ بأفعالهم وليس لديهم ما يخرسونه‪.‬‬
‫‪ _3‬أسس لنفسك سمعة مرعبة ‪ .‬بأنك صعب وقاس وعنيد‪ ،‬رسخ هذه الصورة عىل‬
‫مر السنني وسيتهيب الناس االعتداء عليك ويعاملونك باحرتام وبعض الخوف‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫القوة ليست ما متتلكه فقط‪ ،‬بل ما يظن العدو أنك متتلكه‪.‬‬
‫(سول دي ألينسيك)‬
‫*****‬
‫_ ملا رفض معاوية قتال عيل ومبارزته بالسيف وطعن يف نصيحة عمرو له أنه‬
‫يريده أن يبارز عليا ليموت هو ويفوز عمرو بالخالفة‪ .‬قال عمرو ملعاوية‪ :‬أتجنب‬
‫يل وتتهمني يف نصيحتي إليك؟ والله ألبارزن عليا ولو مت ألف موتة يف أول‬ ‫عن ع ّ‬
‫يل فرصعه واتقاه عمرو بعورته‪.‬‬
‫لقائه‪ .‬فبارزه عمرو ملثام ومل يعرفه عيل ّ‪ ،‬فطعنه ع ّ‬
‫وول بوجهه عنه‪ .‬وكان عيل كرم الله وجهه مل‬ ‫فانرصف عنه عيل ريض الله عنه‪ّ ،‬‬
‫ينظر إىل عورة أحد حياءا وتكرما وتنزها عام ال يحل وال يجمل مبثله‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫كان لعمرو من الرباعة والدهاء ما ميكنه من استخدام أي سالح يوصله إىل غايته‪،‬‬
‫فهو يريد أن ميعن يف كيد معاوية بقتاله لعيل بعدما رفض معاوية قتاله‪ ،‬ويريد‬
‫يل الكرار‪ ،‬ولذا ملا رصعه عيل استخدم عمرو أخر‬
‫أيضا أن يحافظ عىل حياته أمام ع ّ‬
‫يل ويعود عمرو إىل صفوف‬ ‫أسلحته لينقذ به حياته‪ ،‬فكشف له عورته ليتقيها ع ّ‬
‫جيشه ساملا يكيد معاوية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ سالح التفرقة والوقيعة‪-:‬‬


‫كتب معاوية إىل سعيد بن العاص وهو عىل املدينة أن يهدم دار مروان ويقبض‬
‫أمواله كلها‪ ،‬فراجعه سعيد بن العاص يف ذلك‪.‬فأعاد معاوية الكتاب بذلك‪،‬فلم‬
‫وول مروان‪ .‬وكتب إليه أن يقبض‬ ‫يفعل سعيد ووضع الكتابني عنده‪.‬فعزله معاوية ّ‬
‫أموال سعيد كلها ويهدم داره‪.‬فأخذ مروان ال َف َعلة وسار إىل دار سعيد ليهدمها‪.‬‬
‫فقال له سعيد بن العاص‪ .‬يا أبا عبدامللك‪ :‬أتهدم داري؟قال نعم‪..‬كتب إ ّىل أمري‬
‫املؤمنني بذلك ولو كتب إليك يف هدم دارك لفعلت‪ .‬فقال سعيد‪ :‬ماكنت ألفعل‪.‬قال‬
‫مروان‪ :‬بىل والله كنت تفعل‪ .‬فقال سعيد لغالمه ائتني بكتايب معاوية‪ .‬فجاءه الغالم‬
‫بالكتابني‪.‬فلام رآهام مروان قال‪ :‬طلب إليك فلم تفعل ومل تُعلمني؟ قال سعيد‪ :‬ما‬
‫كنت آلمن عليك‪ ،‬وإمنا أراد معاوية أن يُحرض بيننا‪.‬فقال مروان‪ :‬انت والله خري‬
‫مني وانرصف ومل يهدم دار سعيد‪.‬وكتب إىل معاوية‪ :‬العجب مام صنع أمري املؤمنني‬
‫بنا يف قرابتنا أن يُحرض بعضنا عىل بعض‪،‬فوالله مل نكن أوالد أب واحد ملا جمعنا‬
‫الله عليه من نرصة أمري املؤمنني الخليفة املظلوم وباجتامع كلمتنا‪ .‬كان حقا عليك‬
‫يا معاوية أن ترعى ذلك‪.‬فكتب إليه معاوية يتنصل (يخرج ويتربأ) ويعتذر وأنه‬
‫عائد إىل أحسن ما يعهده‪.‬‬
‫_العربة‪-:‬‬
‫كان معاوية اليُطيق أن يرى رجلني ذوي خطر عىل وفاق‪،‬فكان يصطنع الحيلة‬
‫التي تجديه يف كفاح خصومه‪ .‬وهي الحيلة التى أتقنها وأبدع فيها واستخدمها مع‬
‫خصومه من املسلمني وغري املسلمني‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وكان قوام تلك الحيلة العمل الدائم عىل التفريق والتخذيل بني خصومه بإلقاء‬
‫الشبهات بينهم وإثارة املحن فيهم حتى لو كانوا من أهل بيته وقرابته‪ .‬وكان مام‬
‫يعينه عىل اإليقاع بهم التنافس الفطري بني ذوي األخطار‪ ،‬كام كان يحدث مع‬
‫املغرية بن شعبة وعمرو بن العاص‪،‬ودأبه يف الوقيعة بني أهل بيته كدأبه يف الوقيعة‬
‫بني النظراء من أعوانه‪ .‬وظل معاوية عىل هذه الحيلة التى ال تتطلب من صاحبها‬
‫حظا كبريا من الحيلة والروية‪ .‬فكانت خطة التفرقة عامة عنده ال يقرصها عىل‬
‫الخصوم ‪.‬ليرضب بعضهم ببعض ويتقي رش فريق منهم برش فريق‪ .‬حتى أنه كان‬
‫يفرق بني مكة واملدينة وبني املهاجرين واألنصار‪.‬‬
‫_ إلقاء الشبهة بني خصومك‪-:‬‬
‫أبدع ما أبدع فيه معاوية من ألوان الدهاء إلقاء الشبهة بني خصومه يف زمن كانت‬
‫فيه هذه الشبهات من أيرس األمور لكرثة التقلب والتحول يف الدول واملاملكبني‬
‫أنصار اليوم وخصوم األمس‪ ،‬او أنصار االمس وخصوم اليوم‪.‬‬
‫كان معاوية إذا أراد ان يستميل أحد البطارقة من دولة الروم فاستعىص عليه ذلك‪.‬‬
‫كتب له رسالة ثناء ومودة وأرسلها مع رسول يحمل الهداياوالرشا كأنها جواب عىل‬
‫طلب منه يساوم فيه عىل املصالحة والغدر برؤسائه من دولة الروم‪.‬ويخرج رسول‬
‫معاوية من طريق متباعد كأنه يتعمد الروغان من العيون والجواسيس‪،‬فإذا اعتقله‬
‫الروم والبد أن يعتقلوه ألنه يتعرض لالعتقال ويسعى إليه‪.‬وقعت الشبهة عىل‬
‫البطريق املقصود وتعذّر االطمئنان إليه من قومه بعد ذلك وعزلوه وأبعدوه إن مل‬
‫ينكلوا به أشد تنكيل‪ .‬ويف النهاية يُحقق معاوية مقصوده‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫يل بن ايب طالب‪.‬فاحتال معاوية يف ذلك ليوقع الريبة‬‫_ كان قيس بن سعد مبايعا لع ّ‬
‫ىل من قيس‪،‬وساعدته الحوادث عىل خلق الشك‪ .‬وذلك ان قيس‬ ‫والشك يف نفس ع ّ‬
‫بن سعد مر بجامعة من حزب معاوية وهو يف طريقه إىل مرص فأجازوه ومل يحاربوه‬
‫وهو يف سبعة نفر ال يحمونه من بطشهم ألنهم حسبوه من العثامنيني الهاربني إىل‬
‫يل يف الحجاز‪ .‬وملا بايع املرصيون عليا بقي العثامنيون ال يبايعون‬
‫مرص من دولة ع ّ‬
‫وال يثورون وقالوا لسعد‪ :‬أمهلنا حتى يتبني لنا األمر‪ ،‬فأمهلهم وتركهم وادعني حيث‬
‫طاب لهم املقام بجوار اإلسكندرية‪ .‬وأراد اإلمام أن يستوثق من الخصومة بني قيس‬
‫ومعاوية فأمر قيسا مبحاربة املتخلفني عن البيعة فلم يفعل‪ .‬وكتب إليه يقول‪ :‬إننا‬
‫متى قاتلناهم ساعدوا عليك عدوك وهم االن معتزلون والرأي تركهم‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫تعاظمت الظنون يف زمن صدقت فيه أكرث هذه الظنون‪،‬فأما معاوية فلم يكن‬
‫يزعجه الظن وال الشبه بالظن‪ .‬ألنه يعلم املنفعة التى يعطيها واملنفعة التى يريده‬
‫أعوانه من أجلها‪ .‬وأما الغامم فلم تكن له عصمة من الظن غري الحيطة وغري‬
‫التجربة‪ .‬ومل يكن للتجربة سابقة مقطوع بها‪.‬بل كانت كلها مام سينجيل عنه‬
‫مستقبل مجهول‪.‬‬

‫*****‬

‫‪64‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ سالح القدر والظروف‪-:‬‬


‫مات الحسن بن عيل‪،‬ومات مالك بن األشرت الذي واله اإلمام أمر مرص بعد عزل‬
‫قيس‪،‬ومات عبدالرحمن بن خالد بن الوليد‪ .‬جميعهم عوجلوا من غري علة‬
‫ظاهرة‪،‬فسبق إىل الناس ظن كاليقني أنها غيلة مدبرة وأن صاحب الغيلة من كان‬
‫له نفع عاجل من أجل تدبريها وهو معاوية‪.‬ومام عزز ذلك أن عمرو بن العاص قال‬
‫بعد موت األشرت ‪..‬أن لله جنودا من عسل‪ .‬وكان موت األشرت بعد رشبة من عسل‬
‫مل متهله غري ساعات‪.‬‬

‫وشاعت الشوائع مبثل ذلك عن أخرين من أعداء معاوية ومنافسيه‪ُ .‬ييل للناس يف‬
‫تصديقها أن هؤالء األعداء ماتوا بغري علة موصوفة‪..‬يف املوعد الذي يبغيه معاوية‪..‬‬
‫وترتتب عليها سياساته التي كان يرجئها إىل مواعيدها‪ .‬فالحسن ميوت قبل بيعة‬
‫يزيد يك ال يخرج معاوية عن رشطه املكتوب للحسن‪.‬ومالك بن األشرت ميوت عىل‬
‫أبواب مرص‪ .‬وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد ميوت وهو يف أوج سمعته بني قوم‬
‫أعجبوا من قبل بأبيهويوشك أن يتجمع حوله الناقمون من أهل الشام وأهل الكوفة‬
‫والحجاز‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫دامئا ما تساعدنا الظروف من حيث ال ندري‪ ،‬فقد تحقق لك مصلحة‪ ،‬او تخلق لك‬
‫شهرة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫او تكون عونا لك عىل خصمك‪ .‬الداهية فقط هو من يحسن استغالل الظروف‬
‫ألن سالحها أشد فتكا من كل األسلحة األخرى‪ ،‬كام أنها ال تكلفك شيئا‪ .‬فالظروف‬
‫والشبهات واألقاويل وغريها من األقدار متنحك اليشء الكثري إىل قضاء ما تبغيه‪.‬‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ حارب عدوك رسا بدال من املواجهة املبارشة‪ ،‬وإن مل يكن ممكنا تفادي املعركة‬
‫فاجعل خصمك يقاتل وفقا ملعايريك أنت‪.‬‬

‫_ حارب عدوك بسالحك فإن مل تنترص به حاربه بسالحه‪ .‬وال تلقي كل حيلك مرة‬
‫واحدة‪ .‬واحتفظ مبا تتقنه حتى النهاية‪.‬‬

‫_ حدد نقاط ضعف عدوك واستهدفها فذلك يحط من معنوياتهم‪.‬‬

‫_ إذا كنت متساويا مع عدوك فإن الحصول عىل املزيد من األسلحة أقل أهمية من‬
‫استعامل ما لديك بطريقة أفضل‪.‬‬

‫_ لديك الكثري من األسلحة مل تتقن استخدامها بعد وقد تنهي عىل خصمك من‬
‫أول رضبة‪ .‬اعرفها جيدا واستخدمها عندما تحتاج إليها‪ .‬فاملال سالح‪ ،‬والحلم سالح‬
‫والصرب سالح والتفريق بني أعدائك سالح وزرع الفتنة بينهم سالح والتفاوض سالح‬
‫وتصاريف القدر سالح وغريها الكثري والكثري من األسلحة‪ .‬فتش عنها جيدا يف‬
‫داخلك وادخرها للوقت املناسب حتى تحارب بها قبل أن تحارب بسيفك‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫دع االخرين يعملون ألجلك‬

‫_ عليك أن تسأل نفسك دامئا ملاذا ال تتحكم باألمور رغم تحمسك لحل املشكالت‬
‫وهزمية الخصوم؟ وملاذا تجد نفسك دامئا رغم حزمك يف وضع الدفاع وليس املبادرة؟‬

‫اإلجابة‪-:‬‬

‫هي أن عليك أن تغري فكرتك الخاطئة النك غالبا ما تظن أن الحزم والشدة يؤديان‬
‫إىل الحسم والفاعلية‪.‬والحقيقة أن أنجح األفعال هي ضبط النفس والتنايئ بنفسك‬
‫واستدراج خصومك ومراقبتهم وهم يدخلون الفخاخ التى أعددتها لهم‪.‬فالجوهر‬
‫األسايس أن تحتفظ باملبادرة وأن تجعل االخرين يستجيبون لتحركاتك وأن تضعهم‬
‫دامئا يف موقف الدفاع‪.‬‬

‫_ حني تستدرج االخرين تجد نفسك املتحكم مبقاليد األمور‪ ،‬ومن ميلك التحكم‬
‫ميلك القوة‪ .‬وهناك أمران رضوريان لتحتل هذا املوقع‪-:‬‬

‫‪-1‬أن تسيطر عىل انفعاالتك وال تستسلم أبدا للغضب‪.‬‬

‫‪-2‬أن تتالعب مبيل الناس الطبيعي لالستجابة بغضب حني تستفزهم أو تضللهم‬
‫بالطُعم املناسب‪.‬‬

‫_ القدرة عىل استدراج االخرين تعد سالحا له سطوة أكرب بكثري عىل املدى الطويل‬
‫من أي وسيلة للعنف أو االعتداء‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ُجل االمر يعتمد عىل حالوة الطُعم وإن كان الطعم الذي تُعده جذابا كفاية فإنه‬
‫سيشوش مشاعر ورغبات خصومك ومينعهم من رؤية الواقع‪ .‬كلام زاد جشعهم‬
‫زادت قدرتك عىل قياداتهم‪.‬‬
‫_ إن استطعت أن تجعل االخرين يحفرون قبورهم بأنفسهم فلامذا تحفرها لهم؟‬
‫_ سافر عمرو بن العاص ذات مرة إىل الحبشة هو وعامرة بن الوليد‪.‬أخو خالد بن‬
‫الوليد‪ .‬ومع عمرو زوجته وعمرو وعامرة كالهام شاعر فاتك وهام يف جاهليتهام‬
‫وكان عامرة جميال وسيام مغرما بالنساء صاحب محادثة لهم‪ .‬فركبا يف السفينة‬
‫أياما وليايل‪ ،‬ورشبا من خمر معهام ‪ ،‬وحذر عمرو عىل زوجته من عامرة فجعل إذا‬
‫أقل من الرشاب ّ‬
‫وأرق لنفسه باملاء مخافة أن يسكر فيغلبه عامرة عىل‬ ‫رشب معه ّ‬
‫زوجته‪ .‬وانتىش عامرة من الرشاب فقال المرأة عمرو قبليني‪ .‬فامتنعت‪ .‬فقال لها‬
‫عمرو قبيل ابن عمك‪ ،‬فقبلته‪..‬فهويها عامرة وجعل يراودها عن نفسه ومتتنع عليه‪.‬‬
‫ثم إن عمرو ذهب مرة إىل ناحية السفينة ليبول يف البحر فدفعه عامرة فسقط يف‬
‫البحر واخذ عمرو يسبح حتى صعد السفينة ثانية‪ .‬فقال عامرة‪ :‬أما والله لو أعلم‬
‫أنك تحسن السباحة ما فعلت‪.‬فاحتملها عمرو وعلم أنه أراد قتله‪ ،‬فسار يتحرز كل‬
‫منهام االخر حتى قدما أرض الحبشة ونزالها‪.‬فكتب عمرو إىل أبيه العاص بن وائل‪:‬‬
‫أن اخلعني وتربأ من جريريت(جنايتي) إىل بني املغرية وجميع بني مخزوم( وذلك‬
‫ألنه خيش عىل أبيه العاص أن يُؤاخذ بجريرته وهو يتأهب ليفتك بعامرة) فلام ورد‬
‫الكتاب إىل العاص بن وائل‪.‬مىش يف رجال من قومه إىل بني املغرية وغريهم من‬
‫بني مخزوم فقال‪ :‬إن هذين الرجلني قد خرجا حيث علمتم‪ ،‬وكالهام فاتك صاحب‬
‫رش‪ ،‬وهام غري مأمونني عىل انفسهام والندري ما يكون‪ ،‬وإين أبرأ إليكام من عمرو‬
‫وقد خلعته‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقالت بنو املغرية وبنو مخزوم‪ :‬أنت تخاف عمرا عىل عامرة ونحن ايضا‪ ،‬وقد خلعنا‬
‫فخل بني الرجلني‪ .‬فقال بنو سهم قد قبلنا‪..‬فابعثوا مناديا‬
‫عامرة وتربأنا من جريرته ّ‬
‫مبكة إنا قد خلعناهام‪ ،‬وتربأ كل قوم من صاحبه ومام ج ّر عليهم‪ .‬فبعثوا مناديا‬
‫ينادي مبكة بذلك‪.‬‬

‫فقال االسود بن املطلب‪ :‬بطل والله دم عامرة بن الوليد أخر الدهر‪.‬‬

‫دب المرأة عند النجايش‬‫وملا اطمئنا عمرو وعامرة بالحبشة‪ ،‬مل يلبث عامرة أن ّ‬
‫فأدخلته فاختلف إليها‪ ،‬وكان غذا رجع من عندها أخرب عمرو مبا حدث‪ ،‬وعمرو‬
‫يقول‪:‬ما أُصدق أنك قدرت عىل هذا الشأن‪ ،‬إن املرأة أرفع من ذلك‪ .‬فلام أكرث‬
‫عامرة عىل عمرو مبا كان يخربه قال له عمرو‪ :‬إن كنت صادقا فقل لها تعطيك من‬
‫دهن(طيب) النجايش الذي اليوجد عند غريه يف االرض‪ ،‬فإين أعرفه‪ .‬ولو أتيتني به‬
‫صدقتك‪.‬ففعل عامرة وجاء بقارورة من دهن النجايش‪ .‬فلام شمه عرفه‪،‬فقال له‬
‫عمرو‪ :‬انت صادق‪ ،‬لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد ميله قط من العرب‪ ،‬ونِلت من‬
‫املرأة شيئا‪ ،‬ماسمعنا مبثل هذا من قبل‪ .‬وكانوا أهل جاهلية‪ .‬ثم سكت عنه حتى‬
‫اطأمن عامرة‪.‬فدخل عمرو عىل النجايش فقال‪ :‬أيها امللك‪..‬إن ابن عمي سفيه‪ ،‬وقد‬
‫خشيت أن يعيبني عندك أمره‪ ،‬وقد اردت أن أُعلمك شأنه ومل افعل حتى استبنت‬
‫أنه قد دخل عىل بعض نسائك‪ ،‬وهذا من ُدهنك قد أُعطيه ودهنني منه‪ ،‬فلام شم‬
‫النجايش ال ُدهن قال صدقت‪ ،‬هذا ُدهني الذي ال يكون إال عندي‪ ،‬ثم دعا بعامره‬
‫ودعا بالسواحر‪ ،‬فجردوه من ثيابه ونفخ الساحر يف َذكَره فنخر عامرة وخرج صائحا‬
‫هاربا حتى استقر يف الغابات يعيش مع الوحوش ‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ومل يزل كذلك حتى خالفة عمر بن الخطاب خرج إىل الحبشة رجاال من بني املغرية‬
‫ومنهم عبدالله بن أيب ربيعة علموا بأمره فرصدوه عىل ماء بأرض الحبشة كان يرده‬
‫مع الوحوش‪ ،‬فلام وجدوا ريح اإلنس هربوا حتى أجهده العطش فورد ورشب حتى‬
‫امتأل‪ ،‬فخرجوا إليه وأمسكه عبدالله‪..‬فجعل عامرة يقول له‪ :‬أرسلني إين أموت إن‬
‫أمسكتني‪ ،‬فضغط عليه عبدالله حتى مات عامرة يف يده فواروه الرتاب ثم انرصفوا‪،‬‬
‫وكان شعر عامرة يغطي كل يشء منه‪ .‬ويف ذلك يقول عمرو‪.‬‬
‫املرء أن يدعي ابن عم له ابنام‬ ‫تعلم عامرة أن من رش سنة عىل‬
‫فلست براع البن عمك محرما‬ ‫أإن كنت ذا بردين أحوى مرجال‬
‫إذا املرء مل يرتك طعاما أحبهومل ينه قلبا غاويا حيث ميام‬
‫قىض وطرا منه يسريا وأصبحتإذا ذكرت أمثالها متأل الفام‬
‫العربة‪-:‬‬
‫الداهية اليفهم إال شيئا واحدا‪ ،‬القوة واملصلحة الشخصية‪ ،‬ويستمد سكوته من‬
‫الخداع والقسوة يف أغلب األحيان ولذلك مل يرتدد عمرو بن العاص يف الفتك بعامرة‬
‫بن الوليد وهوصديقه وابن عمه‪ ،‬ومل يُؤنبه ضمريه عىل ما فعل فيه‪ ،‬ألن صديق‬
‫األمس قد يكون عدو اليوم‪ ،‬وكام أن عامرة مل يشعر بالذنب تجاه ما فعل مع عمرو‬
‫بن العاص ومل يهتم ملشاعر الصداقة فكان من عمرو ما كان‪ .‬وهو التخلص منه‬
‫بأحسن طريقة ودون أن يكلف نفسه شيئا أو يُؤاخذ بجريرة فعلته‪ .‬فقط جعل‬
‫االخرين يعملون ألجله‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ عليك أن تعلم أن الكثري من زمالئك وأصدقائك سيحاولون التآمر ضدك وتقديم‬
‫أجنداتهم الخاصة عىل حسابك‪ ،‬وليك تتخلص منهم عليك أن تعلم أيضا أن‬
‫منافسيك يحملون بداخلهم بذور دمارهم الذايت‪ .‬استغل ذلك جيدا واجمع عنهم‬
‫كل املعلومات التى تخدمك‪ .‬راقب سلوكهم اليومي وأفعالهم املاضية وأخطائهم‬
‫بحثا عن الثغرات وحني تحصل عىل هذه املعرفة يصبح بيدك الحبل الذي سيطوق‬
‫أعناقهم ويُخلصك منهم إىل األبد‪.‬‬

‫_ يجب أن تتجنب غواية الزهو أو القيام برضبة أخرية‪ ،‬بل ترصف بود وستجد‬
‫خصمك يكشف نفسه أكرث من الالزم وتجد التخلص منه أمرا سهال دون أن تلوث‬
‫يداك أو سمعتك‪ ،‬وتكون قد صعدت خطوة وانحدر هو خطوة‪..‬يتبعها االنحدار‬
‫األخري الذي سيجعله يخرس كل يشء‪.‬‬

‫_ عليك ان تغوي خصمك بأن يتحرك يف اإلتجاه الذي تريده انت أن يذهب فيه‪،‬‬
‫وليك تفعل ذلك عليك أن تجعله يظن أنه هو من يقوم بالخطوة األوىل‪ ،‬فتقربه‬
‫منك وتصادقه وت ُع َجب به‪ ،‬دعه يشعر أنك مهتام به ومبا يفعله وستجده قد‬
‫استسلم بالكامل لك‪ .‬فيفعل ما تريده أنت بدافع أنه هو من يريد ذلك؟‬

‫_ تذكر دامئا‪-:‬‬

‫ال تتدخل ابدا بعدو مييض يف سياق اإلنتحار ‪( .‬نابليون بونابرت)‬


‫*****‬

‫‪71‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ اجتمع قوم من قريش فقالوا ‪ :‬ما نظن معاوية أغضبه يشء قط؟ قال بعضهم‪:‬‬
‫بىل‪..‬إن ذُكرت أمه غضب‪ .‬فقال أحدهم واسمه مالك بن أسامء املنى (وهي أمه‪..‬‬
‫وقيل لها املنى لكرثة ما متناها الرجال لجاملها)‪ .‬قال مالك‪ :‬والله ألغضبنه إن جعلتم‬
‫يل ُجعال‪ .‬فجعلوا له ما أراد‪..‬وأىت معاوية فدخل عليه وقال له‪ :‬يا أمري املؤمنني ما‬
‫أشبه عينيك بعيني أمك؟ فقال معاوية‪ :‬هذه العينان طاملا أعجبتا أيب سفيان‪..‬ثم‬
‫قال له‪ :‬يا ابن اخي‪ ،‬انظر ما أُعطيت من ال ُجعل فخذه وال تتخذنا متجرا‪ .‬فرجع‬
‫مالك إىل قومه وأخذ ُجعله‪ ،‬فقال له رجل منهم‪ :‬لك ضعفا ما ُجعل لك إن أتيت‬
‫عمرو بن الزبري فشبهته بأمه‪...‬فأىت مالك إىل عمرو بن الزبري وقال له‪ :‬ما أشبه‬
‫فضب حتى مات‪.‬‬ ‫وجهك بوجه أمك؟ فأمر به عمرو ُ‬
‫فبعث معاوية إىل أمه بديته وقال‪-:‬‬
‫فإين لعمرو الله أقتلت مالكا‬ ‫أال قل ألسامء املنى أم مالك‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫لو كان معاوية انترص لنفسه وأ ّدب مالكا ملا تجرأ مالك عىل غريه‪ ،‬ولكن يف عفو‬
‫معاوية وحلمه عىل مالك ما جعله يطمع يف إهانة غريه ليقتل نفسه بيد عمرو بن‬
‫الزبري‪ ،‬فام الذي حدث؟‬
‫أراد معاوية االنتقام لنفسه دون ان يلوث يده بذلك‪..‬وهو الذي ماكان يُغضبه‬
‫يشء قدر ما يُغضبه أن تُذكر أمه‪..‬فاستدرج مالكا لقتل نفسه بنفسه‪ ،‬ومالك كان‬
‫يحسب انه إن اهان أي شخص فلن يرد عليه إهانته وكيف ال وهو الذي أهان أمري‬
‫املؤمنني وخليفة املسلمني‪ ،‬فذهب يهني غريه دون ان يشعر أنه ينساق إىل حتفه‬
‫وأفصح معاوية عام كان يدور بداخله بدفعه الدية ألم مالك ألنه هو الذي اقتاد‬
‫مالكا لقتل نفسه بحلمه عليه‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ أحد املفاتيح الهامة يف فن الدهاء عند معاوية أنه كان يعرف من يفيد مصالحه‬
‫يف كل موقف‪،‬وأن يحتفظ بهدوئه وحلمه إىل أبعد مدى وأن يستعني إلنجاز أعامله‬
‫باملهرة األكفاء من العامة دون أن يشعرهم بذلك‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫أعدائك منجم من الذهب عليك أن تستغله‪ ،‬يف الوقت املناسب عليك ان تدع‬
‫السيف الذي بينك وبني عدوك وأن تستدرجه ليعمل لصالحك ‪ ،‬او أن تتخلص منه‬
‫_‬ ‫بأن تجعله يدمر نفسه ذاتيا‪.‬‬
‫_ دعا معاوية أهل ثقته فاستشارهم يف أمر حربه مع عيل كرم الله وجهه‪ ,‬فقال‬
‫عتبة بن أيب سفيان‪ :‬استعن عىل هذا األمر بعمرو بن العاص‪ ،‬فإنه من قد عرفت‪..‬‬
‫وقد اعتزل عثامن يف حياته وهو ألمرك أشد اعتزاال إال أن ت ُرضيه‪ .‬فأرسل معاوية إىل‬
‫عمرو بن العاص وكان بينهام ما كان من تحالف رغم ما كان بينهام من العداوة‬
‫السابقة‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫كان من املشهور عن معاوية أنه من سياسته العمل مع من يختلفون معه‪ ،‬حتى‬
‫أنه كان يتفاهم مع أعدائه بشكل أفضل من أصدقائه‪ ،‬فكانت طريقته يف استدراج‬
‫االخرين تقوم عىل املصالح املشرتكة واملنافع املتبادلة وال تعكرها املشاعر الشخصية‪.‬‬

‫_ مشكلة توظيف األصدقاء واستدراجهم للعمل لصالحك‪..‬أنها تقلل حتام من‬


‫سطوتك‪ .‬فاألصدقاء نادرا ما يكونون أكفأ من ينجز لك أعاملك‪ .‬عليك بصفة عامة‬
‫أن تقدر الكفاءة والرباعة أكرث من الصداقة‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ هناك أوقات يفيدك فيها توظيف الصديق أكرث من اإلستعانة بالعدو‪ .‬ألن مشاعر‬
‫األصدقاء نحوك تجعلهم مستعدين للمخاطرة أكرث من غريهم‪.‬‬

‫_ إن وظفت من كان يوما عدوك فإنه سيسعي إىل أن يثبت لك جدارته ووالءه‬
‫وسيكون أوىف من كثري من األصدقاء‪.‬‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫تعلم كيف تجعل أعدائك يعملون لصالحك متاما كام ت ُسخر السيف للدفاع عنك‬
‫بإمساكه من مقبضه وليس من نصله الجارح‪ .‬الحكيم يستفيد من أعدائه أكرث مام‬
‫يستفيد األحمق من أصدقائه‪.‬‬

‫(بالتسار جراتسيان)‬

‫اخلالصة‪-:‬‬
‫_ كل رجل سطوة يضطر أحيانا للقيام بأعامل قذرة وليحافظ عىل مظهره يُفضل ان‬
‫يستعني بغريه ليقوموا عنه بهذه األعامل‪.‬‬

‫_ عليك أن تعلم ان التالعب بالناس يشء خطري‪ ،‬ومبجرد أن يشعر شخص ما أنك‬
‫تتالعب به يصعب عليك أكرث فأكرث أن تتحكم به‪ ،‬لكن حني تستدرج خصام إليك‬
‫يتولد لديه الوهم بأنه هو من يتحكم يف املوقف‪ ،‬وال يشعر بالخيوط التى تحركه‬
‫داخل املوقف متاما‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ املحارب الجيد يستدرج االخرين إليه وال يذهب إىل أحد‪ .‬ذلك هو مبدأ اإلمتالء‬
‫والخواء بينك وبني االخرين‪.‬فحني تستحث خصومك عىل املجئ إليك تستهلك‬
‫قواهم وتصبح خاوية ألنك مل تجهد نفسك إليهم‪ ،‬وتظل طاقاتك دامئا ممتلئة‪.‬‬
‫واملواجهة بني الخواء واالمتالء تشبه قذف البيض باألحجار‪.‬‬
‫(زانج يو‪ -‬فن الحرب)‬
‫_ كذلك يف املفاوضات واالجتامعات يكون من الحكمة دامئا أن تغري االخرين‬
‫باملجئ إىل أرضك ‪ ،‬أو ألرض من اختيارك حيث يكون لك وضعك بينام ال يجدون‬
‫هم شيئا مألوفا وبدون أن يشعروا يجدون أنفسهم يف موقف الدفاع‪.‬‬
‫_ دع االخرين يبذلون الجهد واحصل انت عىل التقدير وسوف يظهرك ذلك صاحب‬
‫إمكانيات التُصدق‪.‬‬
‫_ إن كنت تظن أن من املهم أن تقوم بالعمل بنفسك فلن تستطيع ابدا أن تحقق‬
‫شيئا كبريا‪.‬‬
‫_ ابحث عن أشخاص ميلكون مهارات وإبداعات ال متلكها ثم وظفهم واجعل اسمك‬
‫يربز فوق أسامئهم وسوف يظهرك ذلك عبقريا‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫_ تعلم كيف تستدرج االخرين لفعل ما تريد‪ ،‬ولكل طريقته‪ ،‬إما باإلغواء‪ ،‬وإما‬
‫باملكر‪ ،‬وإما باإلكراه الرصيح‪ ،‬وإما بغريها ولن تعدم وسيلة لذلك‪.‬‬

‫_ ال تفعل بنفسك ما ميكن ان يفعله لك االخرون‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫املشورة‬
‫_ يف مجالس املشورة أصحاب الرأي انداد وإال اختلت األمور‪.‬‬
‫_ عىل الداهية أن يستشري ذوي العقول فإن ملشورتهم مكانة ال يستهان بها‪ ،‬وذوي‬
‫االراء قلة‪ ،‬عليك أن تعرفهم جيدا فقد تحتاج مشورتهم يوما‪.‬‬
‫_ من استشار الرجال استعار عقولهم‪ ،‬قد تسأل إنسانا سؤاال فتستعيد خربة خمسني‬
‫عاما بال مقابل‪ .‬ع ّود نفسك أن تستشري‪ ،‬أن تكون فردا يف فريق عمل حتى تصل‬
‫إىل مقصودك‪ ،‬أن تأخذ وتعطي‪ ،‬ان تعرف رأي االخرين‪ ،‬أن تتطلع عىل وجهات‬
‫نظرهم‪ ،‬فذلك أقوى لك‪.‬‬
‫_ من استشار من حوله ط ّيب قلوبهم له‪.‬‬
‫إذا استرشت من دونك أخذت حيزا يف قلوبهم‪ ،‬وجعلتهم عونا لك‪ ،‬وكانوا جندا لك‪،‬‬
‫يُسخرون قدراتهم كلها ألجلك‪،‬وإنك تقوى بهم‪ ،‬فام من إنسان يرى رؤية كاملة‬
‫مطلقة‪ ،‬البد من التعاون‪ .‬لذلك فإن املستشري يقوى برأي املستشار ويطمنئ إىل‬
‫صحة قراره‪.‬‬
‫_ يف االستشارة تقديرا للمستشار‪ ،‬واعتبارا ملنزلته‪ ،‬وإعطاءا له حرية الرأي والنظر‪،‬‬
‫فالذي اليستشري من حوله يعد املوجودين حوله كاملفقودين‪ ،‬ويعد املختارين‬
‫كاملكرهني‪ .‬من دون استشارة العقالء حولك تعد وجودهم الغيا‪ ،‬إن احسوا هذا‬
‫اإلحساس انقلبوا إىل أعداء‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ املستشارين كالحلفاء وأفضل الحلفاء هم اولئك الذين يعطونك شيئا ال تستطيع‬
‫الحصول عليه وحدك‪ ،‬عليك أن تبحث عن هؤالء وليكن لديك ما تقدمه لهم‪،‬‬
‫منشئا معهم صلة قامئة عىل املصلحة الذاتية وحتى لتضمن والئهم دامئا‪.‬‬
‫_ ال أحد يستطيع التقدم يف الحياة من دون استشارة‪،‬ولكن الحيلة هنا تكمن يف‬
‫متييز الفرق من االستشارة الخاطئة وتلك الصحيحة‪ .‬االستشارة الصحيحة تنشأ من‬
‫املصلحة الذاتية املتبادلة بحيث يؤمن كل طرف لالخر ما يفتقر إليه‪.‬‬
‫يل بالخالفة يف املدينة ذهب إليه املغرية بن شعبة ميهد يف العهد الجديد‬
‫_ملا بويع ع ّ‬
‫للقرىب واملنزلة‪ ،‬وأشار عىل اإلمام أن يقر معاوية بواليته يف الشام ليدين له بالوالء‬
‫يل كرم الله وجهه أن يُقر معاوية ويأخذ مبشورة املغرية‪.‬‬‫ثم يعزله متى شاء‪ .‬فأىب ع ّ‬
‫فعاد إليه املغرية بن شعبة يف اليوم التايل فقال ‪ :‬إين قد أرشت عليك أول مرة‬
‫بالذي أرشت وخالفتني فيه‪ ،‬ثم علمت أن الصواب فيام رأيت ‪ ،‬فاعزلهم‪ .‬أي ‪ .‬والة‬
‫عثامن‪..‬واستعن مبن تثق به فإنهم أهون شوكة مام كان‪ ,‬وعاد املغرية إىل عزلته‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫كانت مشورة املغرية لعيل بن ايب طالب مشورة داهية يتيقن من خطر داهية‬
‫يل كانت‬
‫كمعاوية‪ .‬فكان يرى من معاوية مارآه عيل ّ ولكن مل يأخذ به‪ .‬فحرب ع ّ‬
‫حرب الشجاع الذي ال يخىش أحد‪..‬وكانت حرب معاوية حرب داهية يخيش الجميع‬
‫يل يقول‪ :‬والله ما معاوية بأدهى‬
‫ولكن يتعامل بدهائه فيام يخشاه‪ .‬ولذلك كان ع ّ‬
‫مني ولكنه يغدر ويفجر‪ ،‬ولوال كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس‪ .‬وإذا اجتمع‬
‫الدهاء والشجاعة يف حرب‪ .‬قلام انترصت الشجاعة عىل الدهاء‪..‬ألن الدهاء يغلب‬
‫أشجع الشجعان ولو كان عىل بن أيب طالب كرم الله وجهه‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ طلب عمرو بن العاص من معاوية أن يويل ابنه عبدالله بن عمرو عىل الكوفة‪،‬‬
‫وكان عمرو واليا عىل مرص‪.‬فاستشار معاوية املغرية بن شعبة يف ذلك‪ .‬فقال املغرية‪:‬‬
‫توىل عمرا عىل مرص وابنه عىل الكوفة وأنت بالشام فتصبح كالقاعد بني فيك األسد؟‬
‫قال معاوية‪ :‬فام ترى؟ قال املغرية‪ :‬أنا أكفيك الكوفة فويل املغرية الكوفة ملعاوية‬
‫إىل وفاته‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫كان معاوية يستشري ذوي األخطار من الدهاة فيام يخص بعضهم البعض ليمعن يف‬
‫الوقيعة بينهم‪..‬فهو يستشري املغرية يف تعيني عبدالله بن عمرو بن العاص ثم يوليه‬
‫مكانه عىل الكوفة‪..‬ليحفظها عمرو للمغرية ويردها بعد ذلك‪.‬‬
‫_ إذا احتاج الداهية إىل من يستشري فإنه ال يستشري إال داهية أريب‪ .‬فلكل عقل‬
‫رأي‪ ،‬ولكل ذي رأي مشورة‪ ،‬فإن الداهية يرى األمر غري ما تري ويفهم غري ما‬
‫فهمت‪ .‬فإياك أن تستشري من هو أدىن منك عقال فتصيبك من ُحمقه عداوة‪.‬‬
‫*****‬
‫يل كرم‬
‫قدم عبيدالله بن عمر بن الخطاب عىل معاوية بالشام أيام حربه مع ع ّ‬ ‫_ ِ‬
‫شديدا‪،‬وس به أهل الشام‪ .‬وكان أشد قريش‬
‫ُ‬ ‫فس به معاوية رسورا‬ ‫الله وجهه‪ُ .‬‬
‫رسورا به عمرو بن العاص‪.‬وطمع معاوية يف عبدالله بن عمر أخو عبيدالله‪ .‬فقال‬
‫لعمرو‪ :‬ما مينع عبدالله أن يكون كعبيدالله أخيه؟ فضحك عمرو بن العاص وقال ‪:‬‬
‫يل بالهرمزان‪ .‬ورأى عبدالله‬
‫شبهت غري شبيه‪ ،‬إمنا أتاك عبيدالله مخافة أن يقتله ع ّ‬
‫أال يكون لك أو عليك‪ .‬ولو كان معك لنفعك أو عليك لرضك‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫بعدما طُعن عمر بن الخطاب وتويف يف طعنته تلك‪ ،‬قتل عبيدالله ابنه الهرمزان‬
‫‪ .‬وملا بويع عثامن ريض الله عنه بالخالفة قال لجامعة املهاجرين واألنصار‪ :‬أشريوا‬
‫يل ريض الله عنه‪ :‬أرى أن تقتله‪.‬‬
‫عيل يف هذا الذي فتق يف اإلسالم ما فتق؟ فقال ع ّ‬
‫يل األمر أن يقتله بالهرمزان ففر إىل معاوية وكان منه ما‬
‫وخاف عبيدالله إذا ويل ع ّ‬
‫كان مع عمرو‪ .‬وكان معاوية يستشري عمرو يف طريقة يستميل بها عبدالله بن عمر‬
‫ريض الله عنهام‪ .‬فقطع عليه عمرو كل طريق لهذا‪.‬‬
‫_ استشارتك للدهاة توضح لك الصورة متاما‪..‬فتعيد ترتيب أولوياتك‬
‫ومايستحق اهتاممك وما يجب أن ترصف عنه النظر ألنه ال طائل من وراءه‪.‬‬
‫_ ال تشغل نفسك مبا ال تستطيع أن تناله أبدا‪ ،‬وارصف نظرك إىل غريه مام يكون‬
‫يف صالحك‪.‬‬
‫_ ملا نزل معاوية يف صفني‪ .‬انتهى إىل جانب رشيعة من الفرات وليس يف ذلك‬
‫يل من ورود املاء‪ .‬فسار أصحاب‬‫املكان رشيعة غريه يف حيزه وحامه ومنع أصحاب ع ّ‬
‫يل إليه وأخربوه‪ ،‬فأرسل إىل معاوية يقول له‪ :‬أن الذي جاء له غري املاء ولو سبقوه‬
‫ع ّ‬
‫إليه ما منعوه عنه‪ .‬فاستشار معاوية من معه وكانوا كرث‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬نرى أن‬
‫نقتلهم عطشا كام قتلوا عثامن ظلام‪ ،‬وهنا برز عمرو بن العاص وقال‪ :‬ال تظن يا‬
‫بيده‪..‬خل عن القوم فليرشبوا‪ .‬فقال معاوية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫معاوية أن عليا يظأم وأع ّنة الخيل‬
‫هذا والله أول الظفر‪ ،‬ال سقاين الله من حوض رسول الله صىل الله عليه وسلم إن‬
‫رشبوا منه حتى يغلبوين عليه‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال عمرو‪ :‬هذا والله أول الجور‪ ،‬اما تعلم أن فيهم العبد واألجري والضعيف ومن‬
‫ال ذنب له؟ لقد شجعت الجبان وحملت من اليريد قتالك عىل قتالك‪ .‬ومل يستمع‬
‫معاوية ملشورة عمرو‪ .‬ودارت مناوشة بني الفريقني غلب عىل إثرها أصحاب عيل‬
‫كرم الله وجهه عىل املاء‪ ،‬فشمت عمرو بن العاص مبعاوية وقال له‪ :‬ما ظنك إن‬
‫يل املاء اليوم كام منعته أمس؟ أتراك ضاربهم كام رضبوك؟ فقال معاوية‪:‬‬‫منعك ع ّ‬
‫دع عنك ما مىض فإن عليا ال يستحل منك ما استحللت منه‪،‬وإن الذي جاء له غري‬
‫املاء‪ .‬فقال عمرو شامتا يف معاوية‪.‬‬

‫رأي ابن أيب رسحة‬ ‫أمرتك أمرا ففسخته لرأي‬

‫وقلدك األشعث الفضحة‬ ‫وقد رشب القوم ماء الفرات‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫رأى عمرو أن رأيه لرجاحته فمشورته تكون مبثابة األمر ملعاوية ولكن معاوية مل‬
‫يل كرم الله وجهه عىل املاء‪ ،‬وحز يف نفس عمرو‬‫يستمع لرأيه حتى غلبه أصحاب ع ّ‬
‫بن العاص أال يستمع معاوية ملشورته فشمت مبعاوية‪.‬‬

‫_ ال تسترش الجمع من الناس‪،‬بل انظر إىل األريب منهم والعاقل الذيك وأرشكه يف‬
‫أمرك دون األحمق الذي ال يزن األمور مبيزانها‪،‬وإمنا يطلقها لسانه فلته ال يدري ما‬
‫ورائها حتى ال يشمت فيك شامت‪.‬‬

‫*****‬

‫‪80‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ خطب سلامن الفاريس إىل عمر بن الخطاب‪،‬فأجمع عىل تزويجه‪ ،‬فشق ذلك‬
‫عىل عبدالله بن عمر وشكا إىل عمرو بن العاص ما يجد‪ .‬فقال عمرو لعبدالله‪:‬‬
‫يل أن أرده راضيا‪ ،‬وأىت سلامن الفاريس وجلس بني يديه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬هنيئا لك يا‬
‫ع ّ‬
‫ابا عبدالله‪..‬هذا أمري املؤمنني يتواضع بتزويجك‪ .‬فقال سلامن مغضبا‪ :‬أيب يتواضع؟‬
‫والله ال تزوجتها أبدا‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ استرش من يتقن إقناع االخرين مبا يريد‪.‬‬
‫سلامن الفاريس موىل من مواىل العرب‪ ،‬يريد مصاهرة بني عدي وهي إحدى أكرب‬
‫قبائل العرب‪ .‬ويقبل األب ويرفض االبن ويوشك ان يحدث الصدام بينهام‪ .‬فيستشري‬
‫اإلبن الداهية االريب عمرو بن العاص يف هذه املسألة الدقيقة بني األب وابنه يف‬
‫تزويج رجل ال تحسن اإلساءة إليه بعد وعده‪ ،‬وال بد للحكم فيها من رفق ولني‬
‫حتى يرىض االب واالبن والخطيب وما منهم من يسخط عىل زميله‪ .‬فكان من عمرو‬
‫بن العاص ما كان‪..‬فيتلطف يف حسم الشقاق ويتغلب عىل حرج النفوس يف هذه‬
‫املسألة الدقيقة‪ ،‬فيقنع سلامن الفاريس عن طريق التهوين منه ليصل إىل مراده‪.‬‬
‫_ احتفظ دامئا بكتيبة من املبدعني وإن اختلفوا معك‪ .‬فحتام سيأيت يوم تستشريهم‬
‫فيه فيام يصعب عليك من أمور‪.‬‬

‫_ أصعب خطوه يف إقناع شخص‪ .‬هي ان تعرف ما يدور يف قلبه لتنتقي الكلامت‬
‫التى تناسبه‪ ،‬لهذا يتوجب عليك لتكون مقنعا أن تعرف ما يسعد خصمك وما‬
‫ينفره‪ ،‬ما يتمناه وما يقلقه‪ .‬حتى تتمكن من الوصول إيل قلبه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ استرش من تحتاج إىل وساطته‪-:‬‬

‫خطب عمر بن الخطاب ريض الله عنه أم كلثوم بنت أيب بكر إىل أختها أم املؤمنني‬
‫عائشة ريض الله عنها‪ .‬فقالت له‪ :‬االمر إليك‪ .‬ثم سألت أختها ام كلثوم فرفضت‬
‫وهي تقول‪ :‬ال حاجة يب إليه‪ ،‬فزجرتها السيدة عائشة ريض الله عنها قائلة لها‪:‬‬
‫أترغبني عن أمري املؤمنني؟ فقالت أم كلثوم‪ :‬نعم ‪ ،‬إنه لخشن العيش‪ ،‬شديد عىل‬
‫النساء‪.‬فلجأت السيدة عائشة إىل عمرو بن العاص ليحتال يف األمر برفقة ودهاء‪.‬‬
‫فذهب إىل عمر بن الخطاب وقال‪ :‬بلغني خرب أعيذك بالله منه‪ .‬قال عمر وماهو‪:‬‬
‫قال عمرو‪ :‬خطبت أم كلثوم بنت أيب بكر؟ قال نعم‪ ،‬أفرغبت يب عنها أم رغبت بها‬
‫عني؟ فقال عمرو وال واحدة من ذلك يا أمري املؤمنني‪ ،‬ولكنها حدثة صغرية‪ ،‬نشأت‬
‫تحت كنف أبيها أمري املؤمنني أبو بكر ريض الله عنه يف لني ورفق‪ ،‬وفيك غلظة‪،‬‬
‫ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن ُخلق من أخالقك‪ ،‬فكيف بها إن خالفتك يف‬
‫يشء فسطوت بها؟ كنت قد خلفت أبا بكر يف ولده بغري ما يحق عليك‪.‬وفطن عمر‬
‫إىل هذه الوساطة وفهم أن عمرو بن العاص ال يقدم عليها من عند نفسه‪ ،‬فسأله‬
‫وكأنه يستطلع ما وراءه‪ :‬كيف بعائشة وقد كلمتُها؟ قال عمرو‪ :‬أنا لك بها‪ ،‬وأدلك‬
‫يل بن أيب طالب‪ ،‬تعلق منها بنسب رسول الله صىل‬ ‫عىل خري منها‪ ،‬أم كلثوم بنت ع ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ليكون يف األخري ما أرادت عائشة ريض الله عنها وما استشارت‬
‫ألجله عمرو بن العاص فتوسط بينهام‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫‪82‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫سياسة اإلرضاء والتناول الرفيق لكل شائك محرج من العالقات التى يصعب الحكم‬
‫فيها بغري هوادة وحنكة‪ .‬سياسة أتقنها عمرو بن العاص‪ .‬فال أعدمه الله من مستشار‬
‫وملجأ لكل ذي حاجة صعبت عليه حاجته‪.‬‬

‫_ عليك أن تنتبه دامئا ملن حولك وتكتشف طبائعهم‪ ،‬وتصيغ كلامتك بالطريقة‬
‫_ عليك‬ ‫التى تجذبهم وتفتنهم‪ .‬وكل ذلك يتطلب منك الجهد واملهارة‪.‬‬
‫أن تُظهر بعض اللفتات الرمزية حتى تكسب ود الناس وتعلقهم بك‪ ،‬فتكون لك‬
‫الوساطة مستحقة عندهم يقدرونها بقدرها‪ ،‬ألجل ذلك عليك أن تقوم بعمل‬
‫يوحي باهتاممك بهم وتضحيتك بذاتك من أجلهم‪ .‬كأن تُظهر لهم أنك تشعر بأملهم‬
‫ومعاناتهم وتشاركهم فيها‪ .‬فإن ذلك يجعلك قدوه ومثاال يف أعينهم حتى وإن كانت‬
‫تضحياتك رمزية وبسيطة وتضحياتهم هم حقيقة وكبرية‪.‬‬

‫_ اظهر الود واالهتامم باالخرين حتى تلني لك قلوبهم‪ ،‬ويسهل عليك القيام‬
‫باألعامل الصعبة التى ستطلبها منهم الحقا‪.‬‬

‫_ مل يظهر لعمرو بن العاص شأن ذو بال يف الرتشيح للخالفة بعد الفاروق ريض الله‬
‫عنه‪ .‬بل ُع ّد دخوله يف هذا األمر من باب الفضول والتظاهر مبا ليس من قدره‪ ،‬فلام‬
‫اجتمع رهط الشورى يف بيت عائشة ريض الله عنها النتخاب الخليفة أقبل عمرو‬
‫بن العاص واملغرية بن شعبة فجلسا بالباب‪ ،‬فحصبهام سعد بن أيب وقاص وأقامهام‬
‫من مكانهام وهو يهزأ بهام قائال‪ :‬تريدان أن تقوال حرضنا وكنا يف الشورى؟‬
‫‪83‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فام زالت األيام تدور دائرتها حتى أصبح هذا املحصوب الذي استُكرث عليه الجلوس‬
‫بباب اهل الشورى‪ ،‬فإذا هو قبلة القصاد يف مشكلة الخالفة‪ ،‬وكل من عداه الئذون‬
‫باألبواب‪ ،‬يطلبون مشورته يف كل أمورهم‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫ليك تحافظ عىل مكانتك بني الناس عليك ان تجعلهم محتاجني إليك‪ ،‬معتمدين‬
‫عليك يف تحقيق مصالحهم‪ ،‬لكن ال تعلّمهم أبدا ما ميكّنهم من االستغناء عنك‪.‬‬

‫_ الرضورة تحكم العامل‪ ،‬فالناس ال يعملون مامل يحركهم دافع‪ ،‬وإن مل تجعل لوجودك‬
‫رضورة فستجد نفسك مطرودا يف اول فرصة‪ ،‬وعىل العكس من ذلك‪ ،‬إن كنت تفهم‬
‫القواعد املطلقة للقوة وجعلت االخرين يعتمدون عليك لتحقيق مصالحهم‪ ،‬وإن‬
‫كنت تعوض ضعفهم بقدرتك عىل الترصف فسوف تنجو من غدر أوليائك‪ ،‬وسوف‬
‫تجني مثار السطوة دون أن تؤملك أشواكها‪.‬‬
‫_ يف سعيك للقوة والسطوة ستجد نفسك تطلب العون ممن هم أعىل منك سلطة‬
‫ومقدرة‪ ،‬وكذلك من هم أقل منك‪ ،‬وهناك فن لطلب العون يعتمد باألساس عىل‬
‫فهمك لطبيعة الشخص الذي تتعامل معه‪ ،‬وأن التخلط بني ما تريده أنت وما‬
‫يريده هو‪.‬‬
‫*****‬

‫_ ملا بعث معاوية إىل عمرو بن العاص ليلحق به يف حربه ضد عيل كرم الله وجهه‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫جمع ولديه عبدالله ومحمد يستشريهام وقال لهام‪ .‬إين رأيت العرب صاروا عنزين‬
‫يضطربان وأنا طارح نفيس بني جزاري مكة ولست ارىض بهذه املنزلة‪ ،‬فإىل أي‬
‫الفريقني أع ِمد؟ فقال عبدالله وهو من أهل التقوى‪ ،‬إن النبي صىل الله عليه وسلم‬
‫قد تويف والشيخان بعده وهم عنك راضون‪ ،‬فأرى أن تكف يدك وتجلس يف بيتك‬
‫يل‪ .‬فقال عمرو‪ :‬إن أتيت عليا‬ ‫حتى يجتمع الناس‪ ،‬وإن كنت البد فاعال فالحق بع ّ‬
‫يقول يل أمنا أنت رجل من املسلمني وإن اتيت معاوية يرشكنى يف امره ويخلطني‬
‫بنفسه‪ .‬فقال له ابنه محمد‪ :‬أنت ناب من انياب العرب فكيف يجتمع هذا األمر‬
‫وليس لك فيه صوت؟الحق مبعاوية‪ .‬فقال لهام عمرو‪ :‬أما أنت يا عبدالله فقد‬
‫اخرتت الخريت ‪ ،‬وأما أنت يا محمد فقد اخرتت لدنياي‪ .‬وأنا ناظر فيه‪ ،‬فلام ج ّنه‬
‫الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه وهو يقول‪:‬‬
‫وخوف التى تجلو وجوه العوائق‬ ‫تطاول لييل للهموم الطوارق‬
‫وتلك التى فيها بنات البوائق‬ ‫إن ابن هند سائيل أن أزوره‬
‫أم ّرت عليه العيش ذات مضائق‬ ‫يل بخطة‬ ‫أتاه جرير ِمن ع ّ‬
‫وإن مل ينله ذَل ذُل املطابق‬ ‫فإن نال مني ما يؤمل ر ّده‬
‫أكون ومهام قادين فهو سائقي‬ ‫فوالله ما أدري وما كنت هكذا‬
‫أم أعطيه من نفيس نصيحة وامق‬ ‫أُخادعه إن الخداع دنية‬
‫لشيخ يخاف املوت يف كل شارق‬ ‫أم اقعد يف بيتي ويف ذاك راحة‬
‫النفس إن مل تقتطعني عوائقي‬ ‫وقد قال عبدالله قوال تعلقت به‬

‫وإىن لصلب العود عند الحقائق‬ ‫وخالفه فيه أخوه محمد‬


‫‪85‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال عبدالله ابنه‪ :‬بال الشيخ عىل عقبيه وباع دينه بدنياه‪.‬‬

‫وملا أصبح الصباح تردد عمرو قليال بني شد الرحال وحط الرحال‪ ،‬فقال له غالمه‬
‫وردان وهو من املوصوفني بالدهاء معه‪ .‬أما إنك إن شئت بدأتك مبا يف نفسك‪،‬‬
‫اعرتضت الدنيا واالخرة يف قلبك‪ ،‬فقلت مع عيل االخرة بال دنيا‪ ،‬ومع معاوية الدنيا‬
‫بال اخرة فأنت واقف بينهام‪ .‬فقال عمرو‪ :‬ما أخطأت يا وردان ما يف نفيس‪ ،‬فامذا‬
‫ترى؟ فقال وردان‪ :‬ارى أن تقيم يف منزلك فإن ظهر أهل الدين عشت يف دينهم‪،‬‬
‫وإن ظهر أهل الدنيا مل يستغنوا عنك‪ .‬فقال عمرو‪ :‬االن حني شهرتني العرب مبسريي‬
‫إىل معاوية؟ فارتحل عمرو إىل معاوية وهو يقول‪:‬‬

‫أبدى لعمرك ما يف النفس وردان‬ ‫يا قاتل الله وردانا وفطنته‬

‫بحرص نفيس ويف اإلطباع إدهان نفس تعف‬ ‫ملا تعرضت الدنياعرضت لها‬
‫واملرء ياكل تبنا وهو غرثان(جائع)‬ ‫ ‬‫وأخرى الحرص يغلبها‬
‫وذاك له دنيا وسلطان‬ ‫يل فدين ليس يرشكه دنيا‬
‫أما ع ّ‬
‫وما معي بالذي أختار برهان‬ ‫فاخرتت من طمعي دنيا عىل برص‬

‫و ّيف أيضا ملا أهواه الوان‬ ‫إين ألعرف ما فيها وأبرصه‬

‫وليس يرىض بذُل العيش إنسان‬ ‫لكن نفيس تحب العيش يف رشف‬
‫واملرء يعطس والوسنان وسنان‬ ‫عمرو لعمرو أبيه غري مشتبه‬

‫‪86‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫حتى عمرو بن العاص الداهية الذي اليعادله أحد يف دهائه استشار ابنيه وكان‬
‫يعلم مبا يشريان عليه به‪ ،‬ولكنه االطمئنان الذي يعقب املشورة‪ ،‬حتى إنه استشار‬
‫غالمه وردان لفطنته‪ .‬وملا استعار كل هذه العقول كانت له يف النهاية الحظوة‬
‫واملكانة‪ ،‬وحقق ما متناه وأخذ من معاوية ما طلبه منه‪.‬‬

‫*****‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ املستشارين كالحلفاء‪ ،‬وافضل الحلفاء هم اولئك الذين يعطونك شيئا ال تستطيع‬
‫الحصول عليه وحدك‪ ،‬فعليك أن تبحث عن هؤالء‪ ،‬وليكن لديك ما تقدمه لهم يف‬
‫املقابل منشئا معهم صلة قامئة عىل املصلحة الذاتية وحتى لتضمن والئهم دامئا‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫بحزم ناصح أو نصيحة حازم‬ ‫_ إذا بلغ الرأي املشورة فاستعن‬
‫(بشار بن برد)‬
‫(املتنبي)‬ ‫_ الرأي قبل شجاعة الشجعان‬

‫_ اذا صد الرأي اصقلته املشورة‬

‫(الجاحظ)‬ ‫_ املشورة عني الهداية ولقاح العقول‬

‫وإن كنت من أهل املشورات‬ ‫_ شاور سواك إن نابتك نائبة‬


‫‪87‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫*من ال تستشريه‪-:‬‬

‫_ التسترش من ليس يف بيته دقيق فإن عقله غائب ( الشافعي)‬

‫_ ال تشاور عدوك واسرته خربك‬

‫_ ال تشاور الكذاب وال البخيل وال الجبان وال الحسود‪.‬‬

‫_ مشورتك لغريك تحقق لك النجاح يف العمل والوصول إىل الرأي االصوب‪ ،‬وعدم‬
‫تكرار تجارب االخرين واالكتفاء بأرائهم فمعاوية عىل دهائه كان يستشري‪ ،‬وعمرو‬
‫رغم حنكته كان يستشري وكذلك الدهاة‪.‬‬

‫_ الداهية داهية بعقله وبرأي غريه يكمل عقله‪.‬‬

‫_ ال توسع يف دائرة الشورى ولكن اقرصها عيل العقالء من االتباع ‪.‬‬

‫_ تذكر دامئا قول الله تعاىل( وشاورهم يف األمر) صدق الله العظيم‪.‬‬

‫*****‬

‫‪88‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫اعط حىت تأخذ‬


‫_ عىل الداهية أن يشتهر بكرمه وبعطائه حتى وإن مل يجد ما يعطيه فإن لديه‬
‫الكثري ليتصدق به من أجل تحقيق هدفه‪ .‬فاملرء يعطي بيده مساعدة لغريه‪،‬ومباله‬
‫صدقة‪ ،‬وبلسانه ثناءا حسنا‪ ،‬وبرجله سعيا يف حاجته‪ ،‬فإن االُعطية تفتح األبواب‬
‫املغلقة‪.‬‬
‫_ منحك هدية مالمئة لشخص ما تجعله يشعر بالواجب تجاهك‪.‬‬
‫_ املال يحرك املشاعر وهو أيضا وسيلة للتعبري عن التحرض واالختالط‪ ،‬وهو أحد‬
‫أهم األسلحة التى تنترص بها يف معاركك‪.‬‬
‫_ إذا كنت تبحث عن السطوة والقوة فال تتدىن ابدا يف ترصفاتك‪ ،‬وكن تواقا‬
‫للعظائم من األمور‪ .‬والعطاء هو الساحة األوضح إلظهار التدين أو الفخامة‪ ،‬ومن‬
‫ينفق املال بسخاء ويشتهر بني الناس بكرمه يحقق مع الوقت مكاسب كثرية‪ ،‬فال‬
‫تنشغل بتفاصيل الحسابات املالية عن رؤية الصورة الكربى ملكانتك بني الناس‪.‬‬
‫_ ال تُغدق عطاياك أو تكرر منحها لنفس الشخص فذلك يؤدى إىل التملق والجحود‬
‫والنكران عىل اعتبار أنها حقه الطبيعي‪ ،‬كام يؤدي به إىل الغضب من اإلحساس‬
‫بالشعور بالدونية وأن له دامئا اليد السفىل ‪.‬‬
‫_ اجعل عطائك مفاجئا وغري متوقع‪ ،‬فالهدية املفاجئة وغري املتوقعة تجعل متلقيها‬
‫دامئا تحت طوعك ورهن إشارتك‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ البخالء والجشعني يبتعد عنهم الجميع‪ .‬فال تكن منهم وتجنب استغاللهم لك‪.‬‬
‫أو أن تستغل جشعهم لصالحك‪ ،‬ويف الغالب األعم فإنهم يقعون فريسة للمحتالني‪.‬‬
‫_ ال سلطان إال برجال‪ ،‬وال رجال إال مبال‪ ،‬وال مال إال بعامرة‪ ،‬وال عامرة إال بعدل‬
‫(عمرو بن العاص)‬
‫_ ال تتعامل مطلقا مع من يتعامل مع املال بدناءة وبخل‪ ،‬ومياطلك يف دفع ما‬
‫تستحقه بل عليك أن تؤهل نفسك لخسارة بعض املال بدال من تعريض نفسك‬
‫إليذائه وألعابه الدنيئة‪.‬‬

‫*****‬
‫_ املغرية بن شعبة فطن إىل أهمية اإلعطاء واملنح فقال‪ :‬أنا أول من رشا يف اإلسالم‪،‬‬
‫جئت يرفأ حاجب عمر بن الخطاب وكنت أجالسه فقلت له‪ :‬خذ هذه العاممة‬
‫فالبسها فإن عندي أختها‪.‬‬
‫فكان يأنس يب ويأذن يل أن أجلس من داخل الباب ‪ ،‬وكنت آيت فأجلس يف القائلة‬
‫فيمر املار فيقول إن للمغرية عند عمر منزلة‪ ،‬إنه ليدخل عليه يف ساعة ال يدخل‬
‫فيها أحد‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫اعلم أن لكل يشء مثن‪ ،‬فال متنع احدا من أتباعك شيئا قد أراده وقد ق ّدم إليك‬
‫قيمته راضية بها نفسه‪ .‬فاملال يشرتي الرجال‪ ،‬وأنت آلغنى لك عن الرجال فلست‬
‫بيشء دونهم‪ .‬فمن أتباعك تستمد قوتك‪،‬ويُقدرك الناس حق قدرك‪.‬فإنك تأخذ‬
‫منهم كل يشء حتى دينهم مقابل أن تعطيهم دنياهم‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫يل‪ :‬وكم دينك؟‬
‫يل سداده‪ .‬فقال ع ّ‬‫_ كان عىل عقيل بن أيب طالب َدينا‪ ،‬فسأل ع ٌّ‬
‫يل‪ :‬ماهي عندي‪ ،‬ولكن اصربحتى يخرج عطايئ فإنه‬ ‫قال عقيل‪ :‬اربعني ألفأ‪ٌ..‬قال ع ّ‬
‫أربعةاالف فأدفعه إليك‪ .‬قال عقيل‪ :‬بيوت املال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟‬
‫يل‪ :‬أتأمرين أن أدفع إليك أموال املسلمني وقد ائتمنوين عليها؟ قال عقيل‪:‬‬ ‫فقال ع ّ‬
‫قدم عقيل عىل معاوية أحسن إليه‬ ‫يل‪ .‬وملا ِ‬
‫فإين آت معاوية فائذن يل‪..‬فأذن له ع ّ‬
‫معاوية وأجزل له العطاء‪ .‬ثم خطب معاوية يف أهل الشام فقال‪ :‬ما ظنكم برجل ال‬
‫يصلح ألخيه (يقصد عليا كرم الله وجهه)؟ فقال عقيل‪ :‬إن أخي خري لنفسه ورش يل‪،‬‬
‫وإن معاوية رش لنفسه وخرييل‪ .‬أيها الناس إين أخربكم‪ .‬إين أردت معاوية عىل دينه‬
‫فاختار دينه‪ ،‬وأردت معاوية عيل دينه فاختارين عىل دينه‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫ترك عقيل أخاه عليا يف حربه من أجل املال‪ ،‬عىل إبقاء النرصة وال ّرحم له‪ ،‬ولكنه‬
‫أىت من يقيض له حاجته‪ ،‬فاملال يصنع العجائب‪ ،‬ولذلك‪.‬‬
‫كل دهاء يُذكر ملعاوية‪ ،‬فإمنا يُذكر إىل جانبه رِفد أو عطاء‪ ،‬أو والية يستفيد منها‬
‫من ينرصه وال ينخدع عنها يف مبادلة النفع بينه وبني من ينرصه‪ ،‬وال جرم كان‬
‫العطاء عامد هذا الدهاء‪ ،‬وكان نقش الخاتم الذي يختم به معاوية ( لكل عمل‬
‫ثواب)‪.‬‬
‫_ تعلم توظيف اإلغراءات املادية التي تعمل يف املقام األول عىل حاسة النظر وهي‬
‫أكرث حاسة نعتمد عليها يف ثقافاتنا‪ .‬فقط تذكر أن كل يشء يبدأ بك حني تعطي‬
‫ومتنح االخرين ما يطلبونه وهو عندك ذو وفرة‪ ،‬وهو عليك هني‪ ،‬أنت تطلبهم وهم‬
‫يطلبونك ملا عندك‪.‬مثة املصلحة املشرتكة‪ .‬أعطهم ما يطلبون لتأخذهم جميعا يف‬
‫صفك‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ قال معاوية لعمرو ملا قدم عليه وقد اشتدت حوله األزمات‪ ،‬يا أبا عبدالله‬
‫طرقتني يف ليلتي هذه ثالثة أخبار ليس فيها ِورد وال صدر‪-:‬‬

‫_ قد كرس ابن أيب حذيفة سجن مرص وهرب‪.‬‬

‫_ وقد زحف قيرص بجامعة الروم ليأخذ الشام‪.‬‬

‫_ وقد تهيأ عيل بن أيب طالب للمجئ إلينا‪ .‬فام عندك؟‬

‫_ قال عمرو‪ :‬كل هذا عظيم‪ .‬اما ابن أيب حذيفة فخرج يف أشباهه من الناس فإن‬
‫تبعث إليه أحد يقتله‪ ،‬وإن يُقتل فال يرضك‪.‬‬

‫وأما قيرص فأهد له من وصائف الروم ومن الذهب والفضة واطلب إليه املوادعة‬
‫تجده إليها رسيعا‪.‬‬

‫يل فوالله إن له يف الحرب لحظا ما هو ألحد من الناس‪ ،‬وإنه لصاحب األمر‪.‬‬


‫وأما ع ّ‬
‫قال معاوية‪ :‬صدقت‪ ،‬ولكني اقاتله عىل ما بني أيدينا‪ ،‬ونلزمه دم عثامن‪.‬‬

‫قال عمرو‪ :‬واسواتاه‪ ،‬إن أحق الناس أال يذكر دم عثامن ألنا وانت‪،‬‬

‫قال معاوية‪ :‬ومل يا عمرو؟‬


‫قال عمرو‪ :‬أما انت فخذلته ومعك أهل الشام‪ ،‬واستغاثك فأبطأت عليه‪ ،‬وأما انا‬
‫فرتكته عيانا وهربت إىل فلسطني‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ قال معاوية‪ :‬دعني من هذا‪ ،‬هلم فبايعني‪ .‬فقال عمرو‪ ،‬ال والله‪ ..‬وآل أعطيك من‬
‫_ فقال عمرو‪:‬‬ ‫ديني حتى آخذ من دنياك‪ .‬قال معاوية‪ :‬سل تعطى‪،‬‬
‫مرص طُعمة‪ .‬فغضب مروان بن الحكم وقال‪ :‬ماىل ال أُشرتى؟ فقال معاوية‪ :‬اسكت‬
‫ياابن عم‪ ،‬فإمنا يشرتي لك الرجال‪ ،‬فكتب معاوية مرص طعمة لعمرو ‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫اليشء الذي تجيده ال تقدمه مجانا‪.‬‬

‫_ عليك ان تعلم أن للسخاء وظائف محددة عند الدهاة‪ ،‬وهي أنه يجذب إليك‬
‫الناس‪ ،‬ويلينهم لك‪ ،‬ويجعلهم حلفائك‪ ،‬عليك أن تستخدم اليشء الذي تعطيه‬
‫بشكل اسرتاتيجي‪ ،‬وتنفقه لعرض يف ذهنك‪ .‬فمعاوية مل يتنازل عن مرص لعمرو‬
‫بن العاص إال ليضمن خالفته عىل الناس‪ ،‬وامتالكه زمام امورهم‪ ،‬فهو إن ترك مرص‬
‫طعمة لعمرو مغلوبا عليه لحاجته له إال إنها بقيت تحت خالفته‪ ،‬وبقي عمرو‬
‫حليفا له‪.‬‬

‫_ ولذلك ملا علم معاوية أن األمر ال يتم له إن مل يبايعه عمرو وينرصه‪ ،‬قال لعمرو‪:‬‬
‫يا عمرو اتبعني‪ .‬فقال عمرو‪ :‬وملاذا؟ لالخرة؟ فوالله ما معك اخرة‪ .‬ام الدنيا؟ فوالله‬
‫ال كان حتى أكون رشيكك فيها‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬فأنت رشييك فيها‪.‬‬

‫قال عمرو‪ :‬فاكتب يل مرص وكُورها‪ ،‬فكتب له معاوية ما أراد‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وكتب عمرو إىل معاوية يقول‪:‬‬
‫به دنيا منك فانظرن كيف تصنع‬ ‫معاوية ال أعطيك ديني ومل انل‬
‫الخذ ما تعطي ورأيس مقنع‬ ‫وما الدين والدنيا سواء وإنني‬
‫اخذت بها شيخا يرض وينفع‬ ‫فإن تعطني مرص فاربح صفقة‬
‫_ يف عامل السطوة والوصول عليك ان تحكم عىل أي يشء بثمنه‪ ،‬ألن لكل يشء‬
‫بالفعل مثن‪.‬فإذا أردت شيئا فادفع مثنه وامتلكه لألبد‪ ،‬فمعاوية اشرتى عمرا مبرص‪،‬‬
‫وإن غال عىل معاوية الثمن إال أن عمرا سيهبه ماهو أغىل وأمثن‪ ،‬سيهبه الخالفة‬
‫يل كرم الله وجهه‪.‬‬
‫وامتالك زمام األمور عىل حساب من هو األفضل منهم جميع‪ .‬ع ّ‬
‫_ الساعني إىل القوة والسطوة يحكمون عىل األشياء بثمنها‪ ،‬والثمن ال يعني املال‬
‫وحده ولكن أيضا راحة البال والحفاظ عىل الوقار‪ .‬ابذل املزيد لتحصل عىل هذه‬
‫األشياء وال تساوم يف سبيل الحصول عليها‪.‬‬
‫_ السخاء والعطاء والبذل والكرم‪ .‬يلني نفوس الناس ويجعلهم منقادين إليك وحني‬
‫يشتهر عنك الكرم والعطاء ستنال إعجاب االخرين‪ .‬فإنفاقك للامل بذكاء يجذب‬
‫إليك الرجال ويجعلهم حلفاء لك‪.‬‬
‫_ تعلم أن تقبض الثمن املناسب جراء خدماتك‪ ،‬فال يشء يف هذه الدنيا مجاين مائة‬
‫يف املائة‪ ،‬ومن له عندك منفعة فليقدرها بقدرها‪ ،‬فإن منفعته تساوي لديه الكثري‬
‫وتساوي لدى غريه األكرث‪ .‬فمن ارادك لقضاء مصلحته فليدفع ألجل مصلحته ما‬
‫تريد‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ إذا أردت أن تتحكم بأعامل املبدعني الذين يعملون ألجلك فعليك عىل األقل أن‬
‫تدفع لهم بسخاء‪ ،‬ألن العطاء وليس يشء غريه هو ما يضمن لك طاعتهم ووالئهم‪.‬‬

‫_ اشتُهر عن عمرو بن العاص ريض الله عنه ُحب املال حتى عرضه ذلك لظنون‬
‫الخلفاء واحدا بعد واحد‪ .‬فقاسمه عمر بن الخطاب ريض الله عنه ماله‪ ،‬وعزله‬
‫عثامن ريض الله عنه من والية مرص وهو يحسب أنه قد استأثر بخراجها دون بيت‬
‫املال‪ ،‬حتى أن بعض من أحصوا ثروته يوم وفاته بالغوا وقالوا أنه خلّف سبعني‬
‫بهارا(جلد ثور) دنانري‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫كل الدهاة يعرفون أن الطريق األقرب للوصول إىل مبتغاهم هو بذل العطاء‪.‬‬
‫اإلغداق عىل االخرين يفتح لك قلوبهم إىل أن متتلئ جيوبهم‪ ،‬فإنك بذلك يدعوا‬
‫اهدافك ألن يتبعوا قيادتك وينساقوا لك‪ .‬ال تحدثهم عن العمل وال الواجب وال‬
‫املستقبل فالكثري من الناس سوف يقومون بهذا‪ ،‬بدال من ذلك ق ِّدم لهم اإلثارة‬
‫النادرة املتأنية من فقدان املرء لنفسه‪ ،‬حيث تندفع الحواس وترتك العقل وراءها‪.‬‬
‫ُجل هذه اإلثارة يكمن فيام تُغدقه عىل االخرين من النعم‪.‬‬

‫_ حركة املال وليس تراكمه هي التي تأيت لك بالسطوة والقوة‪ ،‬وأهم ما يشرتيه‬
‫املال ليس األشياء الجامدة وإمنا السطوة عىل االخرين‪ ،‬فحني متنح شخصا أي يشء‬
‫ولو هدية فإنها ت ُشعر متلقيها بنوع من اإلحراج وااللتزام نحو واهبها‪ ،‬فحني تقدم‬
‫له الهدية يصبح من الصعب عليه أن يرفض لك طلب‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ أشار عمرو بن العاص عىل معاوية بقتال قيس بن سعد يف جيشه الذي كان معه‬
‫ىل كرم الله وجهه بعد نزول ابنه الحسن عن الخالفة‪ ،‬وكان قيس‬ ‫من بقايا حزب ع ّ‬
‫صعب املراس‪ ،‬مقداما عىل الخطر‪ ،‬ال يُؤ َمن قتاله‪ .‬والدولة يف أوائلها بني الشك‬
‫واليقني‪ ،‬فأعرض معاوية عن مشورته تلك وبذل العطاء واألمان لقيس ومن معه‪،‬‬
‫وأرضاهم باملصانعة والعطاء ومازال يعطيه ويصلهم حتى يأمن رشهم‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ املال يتحكم يف العالقات‪ ،‬وذلك اليعتمد عىل قدر املال الذي متلكه‪ ،‬بل عىل‬
‫الطريقة التي تستخدمه بها‪.‬فالدهاة ينفقون بحرية‪ ،‬ويشرتون النفوذ أكرث من‬
‫رشائهم األشياء وإن تقبلت موضع اليد السفىل بحجة أنك المتلك ما يكفي من املال‬
‫ستظل دامئا يف هذا املوضع‪ .‬ترصف كالسادة وتعلم أن تنفق بسخاء وأن تفتح بابك‬
‫للضيوف وأن تبتعد عن تكنيز املال‪ .‬اصنع لنفسك واجهة السطوة من خالل السحر‬
‫الذي يحول املال إىل نفوذ‪ ،‬واجعل املرتفني يشعرون أنك ن ّد لهم‪.‬‬

‫*****‬

‫_ كان معاوية ريض الله عنه بارعا يف استخدام العطاء فكان يصل ويعطي حتى من‬
‫يل كرم الله وجهه يف يوم من األيام ليستميلهم إليه‪ ،‬فكأنه بعطائه‬‫حاربوه مع ع ّ‬
‫ذلك كان يشرتي القبول اإلجتامعي باملال‪ .‬وليك يؤمن ثروته من املال كان عليه أن‬
‫يهدره وذلك هو السخاء اإلسرتاتيجي‪ ،‬وهو القدرة عىل التعامل مبرونة مع الرثوة‬
‫وج ْعلها مفيدة ليس يف رشاء األشياء واملقتنيات بل يف كسب قلوب الناس‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ الدهاء الحقيقي أن تستخدم املال لتليني اإلرادة‪ .‬فمعاوية كان يعطي أعدائه‪،‬‬
‫يُظهرون له العداء ويُظهر هو لهم العطاء‪ ،‬فيتحول من كان يُضمر له أشد العداوة‬
‫وكأنه و ّيل حميم‪ .‬وكان اليعطي الرجل العنيد ماال بل يصله أوال بحلمه‪ .‬ألن العناد‬
‫مينع من الود‪.‬فكان يُذيب عناد الرجال بحلمه ثم يستخدم ماله ليصبحوا أكرث لينا‬
‫وقابلية‪،‬ثم ال يزال يغدق عليهم العطايا والهدايا‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫_ األحمق هو من يبخل حني يكون عظيام‪،‬واليشء يدمر سلطة أصحاب املناصب‬
‫تول‪.‬ألنه لن يجد احدا يحبه أو‬
‫أكرث من البخل‪ .‬فالبخيل ال زرعا حصد وال برشا ّ‬
‫يسانده‪ ،‬فليك تكسب ود الناس عليك أن تقاوم حبك للامل وأن تقدم لهم الهدايا‬
‫والعطايا ‪ ،‬ألنه كام يجذب املغناطيس قطع الحديد‪ ،‬تجذب الهدايا قلوب الناس‪.‬‬
‫(جيلوم دي لوري)‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ اإللهاء هو جوهر الخداع واملكيدة‪.‬ألنه يشتت أذهان الناس ويوفر لك الوقت‬
‫والحيز لفعل يشء دون أن يالحظوا‪.‬والترصف بعطف أو صدق أو سخاء من أقوى‬
‫أنواع اإللهاء ألنه يقيض عىل ارتياب االخرين فيك ويجعلهم كاألطفال يفرحون بأي‬
‫يشء يُقدم لهم‪.‬‬
‫_ عطاؤك للشخص ال يجعله يالحظ ما تأخذه منه وهذه القاعدة لها استخدامات‬
‫عملية ال تُحىص‪ ،‬فالعطاء يفتح لك األبواب املغلقة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_تعلم أن تعطي قبل أن تاخذ فذلك يلطف األجواء ويصنع لك هالة من الحضور‬
‫ويشتت عنك األذهان‪.‬‬

‫_ للعطاء أشكال كثرية كالهدية أو الترصف بسخاء أو تقديم معروف أو التعبري عن‬
‫إعجاب صادق أو أي يشء أخر قد يقتضيه املوقف‪.‬‬

‫_ من النادر أن يرفض الناس الهدايا ولو كانت من ألد األعداء ‪ ،‬وذلك هو ما يجعلها‬
‫يف أغلب األحيان طريقة متقنة لنزع سالح االخرين‪ ،‬فالهدية هي السالح األمثل‬
‫للخداع واملكيدة‪.‬‬

‫_ إن كان معروفا عنك املكر والخداع فلن ينخدع أحد مبا قد تُظهره من صدق‬
‫أو عطف أو سخاء‪ ،‬بل يجعل الناس يحذرونك ويرتابون منك أكرث‪ .‬يف هذه الحالة‬
‫عليك أن تلعب دور الفاسد الرصيح‪ .‬اليشء مقابل اليشء‪.‬‬
‫_ كن سخيا وانفق من مالك بحرية ألن السخاء هو رس القوة وقلبها النابض‪.‬‬

‫_ تذكر دامئا القاعدة الفقهية التي تقول ( الغنم بالغرم)‪ .‬اغرم املزيد من املال‬
‫لتجنى املزيد منه‪.‬‬

‫*****‬

‫‪98‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ُ ّ‬
‫التقلل من شأن أحد‬
‫_ ال تُقلّل ابدا من شأن أحد‪ ،‬وال تظن يف الشخص الذي يتعامل معك أنه أقل قيمة‬
‫أو أهمية منك وإن كان كذلك بالفعل فال تُظهر له ذلك‪.‬‬
‫_ بعض األشخاص يتحلّون بالهدوء ويُبطئون يف إظهار ما بداخلهم‪ ،‬فإياك أن تغرت‬
‫بنفسك وتترسع بالحكم عليهم أو تتجرأ عىل إهانتهم فقد تجد نفسك وقعت يف‬
‫حرب رضوس‪ ،‬وقد تخرس أحد أهم معاونيك ‪ ،‬وتزيد أعدائك واحدا‪.‬‬
‫_ ارفض بأدب وتكلم باحرتام وال تُصد أحدا بصلف أو إهانة فقد تجد نفسك أمام‬
‫أدهى الدهاة أو أشجع الشجعان وأنت التعرف‪.‬‬
‫_ ال تثق أبدا يف املظاهر‪ ،‬عليك أن تُعلم نفسك رؤية التناقضات يف املظاهر‬
‫الخارجية‪ ،‬وأن تستقرئ ما يكمن تحت السطح‪ ،‬وال تثق أبدا يف بالصورة التي‬
‫مينحها الناس ألنفسهم فهي مضللة متاما‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫الطيور تأكل النمل‪ ،‬وعندما متوت الطيور فإن النمل يأكلها‪ .‬الظروف قد تتغري فال‬
‫( حكمة)‬ ‫تقلل من شأن أحد‪.‬‬
‫_ ال تقلل من شأن االخرين‪ ،‬وأيضا ال تقلل من شأن نفسك‪ ،‬فالتقليل من شأن‬
‫نفسك ليس عالمة عىل التواضع بل هو وسيلة لتدمري الذات‪ ،‬التواضع هو أن تعتز‬
‫وتثق بنفسك ولكن دون تفاخر أو غرور أو انتقاص من نفسك أو من االخرين‪.‬‬
‫(حكمة)‬

‫‪99‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ إذا اعتربت نفسك أقل من االخرين فإن االخرين سيعتربونك أقل منهم‪ .‬التقلل‬
‫ابدا من ذاتك وال تقارنها باالخرين فكل البرش مختلفون ولكل شخص ما مييزه‪.‬‬
‫تجاهل هذه النظرة وامض يف طريقك فأنت من يصنع نفسك ويُعيل قدرها‪ ،‬ومن‬
‫(حكمة)‬ ‫ينظر للناس بدونية فهو إنسان يحتاج ملراجعة نفسه وتصحيحها‪.‬‬

‫_ جلس عمرو بن العاص واملغرية بن شعبة ذات يوم وهام من أدهاة الدهاة‪ .‬فقال‬
‫املغرية لعمرو‪ :‬أنت تفعل أو توهم عمر بن الخطاب شيئا فيلقنه عنك( يأخذ به‬
‫فورا دون تفكري)‪ .‬فقال عمرو‪ :‬والله مارأيت عمر مستخليا بأحد إال رحمته كائنا‬
‫من كان ذلك الرجل‪ ،‬كان عمر والله أعقل من أن يُخدع‪ ،‬وأفضل من أن يَخدع‪.‬‬

‫_ العربة‪ -:‬داهيتان يتحدثان فيام بينهام فيقران بأن دهاؤهام ال يَشكل خطرا عىل‬
‫من هو أقوي وأذىك وأحوط منهام مبا يفرتقان‪ .‬وكيف ال وهو القائل ( لست ِ‬
‫بالخب‬
‫الخب يخدعني)‪ .‬فدهائك كفيل بجعلك أن تعرف كل أحد دون انتقاص منه أو‬ ‫وال ِ‬
‫انتقاص منك‪ .‬فكن هذا الشخص الذي يوزن األمور مبيزانها ‪ ،‬ويُقدر الناس بقدرها‪.‬‬

‫_ ملا مرض معاوية مرض املوت أوىص ابنه يزيد وصية تدل عىل سداد رأيه‪ ،‬وخربته‬
‫يل‪،‬‬
‫باألمور‪ ،‬ومعرفته بالرجال‪ .‬فقال له‪ :‬لست أخاف عليك إال ثالثة‪ .‬الحسني بن ع ّ‬
‫وعبدالله بن الزبري‪ ،‬وعبدالله بن عمر‪.‬‬

‫فأما الحسني فأرجوا أن يكفيكه الله‪ .‬فإنه قُتل أباه‪ ،‬و ُخذل أخاه‪.‬‬
‫وأما عبدالله بن الزبري فإنه ِخب ضب( أي داهية) فإن ظفرت به فقطعه إربا إربا‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فخل بينه وبني اخرته‬
‫وأما عبدالله بن عمر فإنه رجل قد وقذه الورع( متكن منه) ّ‬
‫خل بينك وبني دنياك‪.‬‬
‫يُ ّ‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫القدرة عىل قراءة الناس ومعرفة من تتعامل معهم من أهم املهارات الالزمة‬
‫الكتساب قوتك وسطوتك‪ ،‬وبدون ذلك تتخبط وترتنح‪.‬‬

‫_ قبل أن تبدأ يف التحرك حدد بدقة طبيعة خصومك أو ضحاياك‪ ،‬فبدون ذلك‬
‫تُضيع وقتك هباءا وترتكب األخطاء‪.‬‬

‫_ ادرس نقاط ضعف االخرين والرشوخ يف دفاعاتهم‪ ،‬ومناطق فخرهم وضعفهم‪،‬‬


‫واستشف ظاهرهم وباطنهم لتعرف كيف تتعامل مع كل منهم‪.‬‬

‫*****‬
‫قدم عبدالله بن ايب محجن الثقفي عىل معاوية بن ايب سفيان أيام حربه مع عيل‬ ‫ِ‬
‫كرم الله وجهه‪.‬فقال يا أمري املؤمنني جئتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أيب‬
‫طالب‪ .‬فقاطعه معاوية قائال‪..‬لله أنت‪..‬أتدري ما قلت؟ أما قولك الغبي‪ ،‬فوالله‬
‫لو أن ألسن الناس ُجمعت فكانت لسانا واحدا لكفاها لسان عيل‪ .‬وأما قولك إنه‬
‫جبان فثكلتك أمك‪ ،‬هل رأيت أحدا قط بارزه إال قتله؟ وأما قولك البخيل‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فوالله لو كان له بيتان أحدهام من ترب (ذهب) واالخر من تنب ألنفد تربه قبل تبنه‪.‬‬
‫فقال الثقفي‪ :‬فعالم تقاتله إذا؟ قال معاوية‪ :‬عىل دم عثامن‪ ،‬وعىل هذا الخاتم‬
‫الذي من جعله يف يده جادت طينته‪ ،‬وأطعم عياله‪ ،‬وادخر ألهله‪ .‬فضحك الثقفي‬
‫يدي ب ُجرمي‪ ،‬ال دنيا‬
‫ثم لحق بعيل كرم الله وجهه وقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ :‬هب يل ّ‬
‫يل وقال‪ :‬أنت منها عىل رأس أمرك وإمنا يأخذ الله العباد‬
‫أصبت وال اخرة‪ .‬فضحك ع ّ‬
‫بأحد األمرين‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ معاوية عىل كل ماكان بينه وبني عيل بن أيب طالب مل يبغضه حقه‪ ،‬بل ع ّدد‬
‫صفاته الحسنة ملن قال له غري ذلك عن عيل‪.‬‬

‫_ احرتام الذات واالخرين هو أحد األشياء التي تجعل الناجحني يربزون‪ ،‬فاملعرفة‬
‫قد تعطيك القوة‪ ،‬ولكن االحرتام مينحك السمعة الحسنة‪ .‬فمعاوية يف أشد األوقات‬
‫يل ال يستطيع إال أن يبدي احرتامه له‪ ،‬ويعرتف بفضائله ومزاياه‬‫خصومة مع ع ّ‬
‫وحتى إن كان يحاربه‪.‬‬

‫_ ال تنتقص مكرمة ألهلها ومارس اإلمتنان‪ ،‬فاإلمتنان لديه القدرة عىل تغيري تفكريك‬
‫فهو يُذكرك بتقدير األشياء‪ ،‬ويساعدك عىل معرفة ما تحتاجه حقا‪ ،‬فالنجاح يُصادف‬
‫أولئك الذين ميتنون لالخرين بفضائلهم‪ ،‬وميتنون ألنفسهم مبا حققوه من إنجازات‪.‬‬
‫_ ِ‬
‫قدم جارية بن قدامة السعدي عىل معاوية ذات مرة بعد أن متت له الخالفة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال معاوية‪ :‬من أنت؟ قال معاوية‪ :‬جارية بن قدامة‪ ،‬قال معاوية‪ :‬وما عسيت أن‬
‫تكون؟ هل أنت إال نحلة؟ قال جارية‪ :‬ال‪..‬وإمنا شبهتني بها حامية اللسعة‪ ،‬حلوة‬
‫البصاق‪ .‬ووالله ما معاوية إال كلبة تعاوي الكالب( تعوي مثل الكالب)‪ ،‬وما أمية‬
‫إال تصغري أَمة‪.‬‬

‫فبادره معاوية قائال‪ :‬أنت الساعي مع عيل بن أيب طالب‪ ،‬واملوقد النار يف شُ َعل(جمع‬
‫شعلة)‪ ،‬تجوس قرى عربية لتسفك دمائهم‪ .‬فقال جارية‪ :‬يا معاوية دع عنك هذا‪،‬‬
‫فام أبغضنا عليا منذ أحببناه‪ ،‬وال غششناه منذ صحبناه‪ .‬قال معاوية‪ :‬ويحكيا جارية‪،‬‬
‫ما كان أهونك عىل أهلك غذ سموك جارية ال أم لك‪ .‬قال جارية‪ :‬أم ماولدتني‪..‬إن‬
‫قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفني يف أيدينا‪ .‬إنك مل متلكنا قرسة‪ ،‬ومل تفتتحنا‬
‫عنوة‪ ،‬ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق‪ ،‬فإن وفيت لنا وفينا لك‪ ،‬وإن ترغب يف غري‬
‫ذلك فقد تركنا وراءنا رجاال مدادا(جمع مديد وهو الطويل)‪ ،‬وأذرعا شدادا‪ ،‬وأسنة‬
‫حدادا‪ .‬فإن بسطت فرتا من غدر دلِفنا (قدمنا) إليك بباع من خرت( غدر)‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ عليك أن تبحث عن كل عالقة تقوم عىل الثقة واالحرتام‪ ،‬ألن جميع العالقات‬
‫هي أساس كل يشء جيد يف الحياة‪ ،‬فالناس الذين يقحمون السلبية وإصدار األحكام‬
‫يف حياتك يجعلون من الصعب عليك أن تنال ما تطمح إليه‪.‬‬
‫_ احرتم الجميع حتى عدوك‪ ،‬أظهر له االحرتام وأنت تدبر له املكائد‪ ،‬فاحرتامك‬
‫لغريك من احرتامك لنفسك‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ال تستدعي اإلساءة لنفسك‪ ،‬فلن تستطيع أن تسوم الناس الصرب عىل ما يكرهون‪،‬‬
‫وترقب منهم أن يردوا الكالم مبثله يف كل مقام‪ ،‬فمعاوية ملا خاطب جارية بن‬
‫قدامة السعدي وهو الذي نستطيع أن نصفه يف عرصنا هذا بأنه من آكيل النار‪..‬‬
‫سمع منه ما سمع‪،‬وإن مل يغب عن ذهنه أن جارية أهل لذلك‪ ،‬فجاوبه الجواب‬
‫الرسيع املتوقع ممن يحسن رد الكالم مبثله يف هذا املقام‪.‬‬

‫_ ال تستهزئ بغريك فيهزأ بك‪-:‬‬

‫_ دخل خريم بن فاتك يوما عىل معاوية بن أيب سفيان مشمرا مئزره‪ .‬فقال له‬
‫معاوية‪ :‬لو كانت هاتان الساقان إلمرأة؟فأجابه خريم قائال‪ :‬يف مثل عجيزتك‬
‫(مؤخرتك) يا أمري املؤمنني‪ .‬وكان معاوية عظيم اإلليتني يُهجى بهام فيقال فيه‪ :‬إنه‬
‫الجاحظ العني العظيم الحاوية‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫ثق دامئا أن من تستهزئ به سيهتزأ بك‪ ،‬ومن تسخر منه سيسخر منك وإن كان‬
‫ضعيفا متبلدا‪ ،‬فأغىل ما ميلكه اإلنسان كرامته فال تنازعه إياها‪ .‬وافهم ذلك جيدا‪،‬‬
‫وال يغرنك منه ضعفه وبساطته‪ .‬فإنك إن مل تفرق بني الليث والحمل فسوف تدفع‬
‫الثمن ال محالة‪ .‬فكل من تراه أمامك َحمال وديعا يصبح أسدا ضاريا إذا تعلق األمر‬
‫باملساس بكرامته‪.‬‬
‫*****‬

‫‪104‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ كان ذوو الجرأة من املعارضني لعثامن يلقون باللوم كلام أخذهم به أحد ألنهم‬
‫مل ينرصوا عثامن‪ ،‬وكان من هؤالء أبو الطفيل عامر بن وائلة الصحايب املعروف‪ .‬قال‬
‫له معاوية‪ :‬ألست من قتلة عثامن؟‬

‫فقال أبو الطفيل‪ :‬ال‪..‬ولكنني ممن حرضه فلم ينرصه‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬فام منعك من نرصه؟‬

‫قال ابو الطفيل‪ :‬مل تنرصه املهاجرين وال األنصار‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬أما لقد كان واجبا عليهم أن ينرصوه‪.‬‬

‫فقال أبو الطفيل‪ :‬وما منعك يا أمري املؤمنني من نرصه ومعك أهل الشام؟‬

‫فقال معاوية‪ :‬أما طلبي بدمه نرصة له؟‬


‫فضحك أبو الطفيل وقال‪ :‬أنت وعثامن كام قال الشاعر‪-:‬‬

‫ويف حيايت ما زودتني زادي‬ ‫ال ألفينك بعد املوت تندبني‬

‫فكتمها معاوية يف نفسه مغتاظا‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫ال ت ُلق باللوم أمام الناس إال عىل من يتقبله‪ ،‬أما من اليتقبل اللوم فيكون العتاب‬
‫أجدى وأنفع وإن كان يف ظاهره لوم‪ُ .‬ج ّل األمر أن تعرف مع من تتعامل ‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ال تُقلل ابدا من الشخص الجرئ الذي يصيح دامئا يف وجه خصومه‪ ،‬فإنه إن أحس‬
‫أحدا يهاجمه يلتهب إحساسه بالتجريح‪ .‬ويبدأ يف مهاجمتك فورا برضبات خفية‬
‫تقوى تدريجيا قبل أن تالحظها‪ ،‬ويظل يستنزفك إىل أن يقيض عليك‪.‬‬

‫*****‬
‫_ جلس معاوية ذات يوم بني أصحابه إذ اقبلت قافلتان من الربية‪ .‬فقال معاوية‬
‫لبعض من كان بني يديه‪ :‬انظروا هؤالء القوم وائتوين بأخبارهم‪ ،‬فمضوا وعادوا‬
‫وقالوا يا أمري املؤمنني‪..‬إحداهام من قريش واالخرى من اليمن‪ .‬فقال ‪ :‬ارجعوا‬
‫إليهم وادعوا قريشا يأتونا‪ ،‬وأما أهل اليمن فينزلون يف أماكنهم إىل أن نأذن لهم‬
‫يف الدخول‪.‬‬
‫فلام دخلت قريشا سلم عليهم وقربهم وقال لهم‪ :‬أتدرون يا أهل قريش مل أ ّخرت‬
‫أهل اليمن وقربتكم؟ قالوا ال والله يا أمري املؤمنني‪،‬‬
‫قال معاوية‪ :‬ألنهم مل يزالوا يتطاولون علينا بالفخار ويقولون ما ليس فيهم‪ ،‬وإين‬
‫اريد إذا دخلوا غدا وأخذوا أماكنهم من الجلوس ان القوم فيهم نذيرا وا ُلقي عليهم‬
‫قل به إكرامهم‪،‬وأُر ّخص به مقامهم‪ ،‬فإذا دخلوا وأخذوا أماكنهم من‬‫من املسائل ما أُ ّ‬
‫الجلوس وسألوا عن يشء فال يجيبهم أحد غريي‪ .‬وكان امل ُقدم عىل أهل اليمن رجال‬
‫يقال له الطرماح بن الحكم الباهيل وهو رئيسهم وقد علم ما يكون من معاوية يف‬
‫الغد‪ .‬فقال لقومه‪ :‬أتدرون يا أهل اليمن مل أخركم ابن هند وق ّدم قريشا؟ قالوا ال‪.‬‬
‫قال الطرماح‪ :‬ألنه يف غداة الغد يقوم فيكم نذيرا ويلقي عليكم من املسائل ما يقل‬
‫به إكرامكم‪ ،‬ويرخص به مقامكم‪ ،‬فإذا دخلتم عليه من الغد وأخذتم أماكنكم من‬
‫الجلوس وسألكم عن يشء فال يجيبه أحد غريي‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فلام كان من الغد دخلوا عىل معاوية وأخذوا أماكنهم فنهض معاوية قامئا عىل‬
‫قدميه وقال‪ :‬أيها الناس من تكلم قبل العرب وعىل من أنزلت العربية؟ فقام‬
‫الطرماح وقال‪ :‬نحن يا معاوية –ومل يقل يا أمري املؤمنني‪ -‬فقال معاوية ‪ :‬وملاذا؟‬

‫فقال الطرماح‪:‬ألنه ملا نزلت العرب ببابل وكانت العربانية لسان الناس كافة أرسل‬
‫الله تعاىل العربية عىل لسان يعرب بن قحطان الباهيل وهو جدنا‪ ،‬فقرأ العربية‬
‫وتداولها قومه من بعده إىل يومنا هذا‪ ،‬فنحن يا معاوية عرب بالجنس وأنتم عرب‬
‫بالتعليم‪.‬‬

‫فسكت معاوية زمانا ثم رفع رأسه وقال‪ :‬ايها الناس من أقوى العرب غيامنا ومن‬
‫شهد له بذلك؟‬

‫فقال الطرماح‪ :‬نحن يا معاوية‪ .‬فقال معاوية‪ :‬ومل؟‬


‫فقال الطرماح‪ :‬ألن الله بعث محمدا صىل الله عليه وسلم فكذبتموه وسفهتموه‬
‫وجعلتموه مجنونا‪ ،‬فآويناه ونرصناه فأنزل الله تعاىل( والذي آووا ونرصوا أولئك هم‬
‫املؤمنون حقا)‪ .‬وكان النبي صىل الله عليه وسلم محسنا لنا متجاوزا عن سيئاتنا فلم‬
‫تفعل أنت كذلك‪ ،‬كأنك خالفت رسول الله صىل الله عليه وسلم‪.‬‬

‫فسكت معاوية زمانا ثم رفع رأسه قائال‪ :‬أيها الناس من أفصح العرب لسانا ومن‬
‫شهد له بذلك؟‬

‫فقال الطرماح‪ :‬نحن يا معاوية‪ .‬فقال معاوية‪ :‬ومل ذلك؟‬

‫‪107‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫قال الطرماح‪ :‬ألن امرؤ القيس بن حجر الكندي قال يف بعض قصائده‪-:‬‬
‫يف السنني املمحالت‬ ‫يطعمون الناس غبا‬
‫وقدور راسيات‬ ‫يف جفان كالخوايب‬
‫وقد تكلم بألفاظ جاء مثلها يف القرأن الكريم‪ ،‬وشهد له رسول الله صىل الله عليه‬
‫وسلم بذلك‪.‬‬
‫فسكت معاوية زمانا ثم رفع رأسه وقال‪ :‬أيها الناس من أقوى العرب شجاعة وذكرا؟‬
‫ومن شهد له بذلك؟‬
‫فقال الطرماح‪ :‬نحن يا معاوية‪ .‬قال معاوية‪ :‬ومل ذلك؟‬
‫قال الطرماح‪ :‬ألن منا عمرو بن معد يكرب الزبيدي‪ ،‬كان فارسا يف الجاهلية‪ ،‬وفارسا‬
‫يف اإلسالم‪ ،‬وشهد له النبي صىل الله عليه وسلم بذلك‪.‬‬
‫قال معاوية بيشء من الغضب‪ :‬وأين انت وقد أىت به مصفدا بالحديد؟ قال الطرماح‪:‬‬
‫يل بن ايب طالب‪.‬‬
‫ومن أىت به؟ قال معاوية ‪ :‬ع ّ‬
‫يل لسلمت له الخالفة‪ ،‬وال طمعت فيها ابدا‪.‬‬
‫قال الطرماح‪ :‬والله لو عرفت مقدار ع ّ‬
‫فقال معاوية‪ :‬أتحجني يا عجوز اليمن؟‬
‫قال الطرماح‪ :‬نعم‪..‬أحجك يا عجوز مرض‪ ،‬ألن عجوز اليمن بلقيس آمنت بالله‬
‫وتزوجت بنبيه سليامن بن داوود عليهام السالم‪ ،‬وعجوز مرض قال الله يف حقها(‬
‫وامرأته حاملة الحطب يف جيدها حبل من مسد)‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فسكت معاوية ثم رفع رأسه قائال‪ :‬جزاك الله خريا من صاحب‪ ،‬ووفر عقلك‪ ،‬ورحم‬
‫سلفك‪ .‬وأعطاه وأحسن إليه‪.‬‬

‫_ العربة‪ -:‬أراد معاوية أن يثني أهل اليمن عن فخارهم بأنفسهم‪ ،‬وظنه بهم أنهم‬
‫يقولون عن أنفسهم ما ليس فيهم‪ ،‬فنازع كربيائهم‪ .‬فام زادهم ذلك إال عزا وفخارا‬
‫عىل عزهم وفخارهم‪.‬‬

‫_ لتكن واثقا من أنه ال يوجد أحد أقل قيمة أو أهمية من أن تحتاج إليه يوما‬
‫ملهارته وخربته‪ ،‬والتي لن يعطيها إليك إن كنت تحتقره وتزدريه‪ ،‬فالناس غالبا ما‬
‫ينسون ما ارت ُكب يف حقهم من أخطاء‪ ،‬لكن ال ينسون ابدا من عاملهم باحتقار ألن‬
‫كربيائهم سيذكرهم به إىل األبد‪.‬‬

‫(لورد شسرت فيلد)‬


‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ عليك أن تتبني جيدا مع من تتعامل‪،‬واعرف لكل ذي قدر قدره‪ ،‬فالعامل ملئ‬


‫بأنواع مختلفة من البرش‪ ،‬فاعرف الناس جيدا حتى ال تصيب أحدا بجهالة‪.‬‬

‫_ معرفتك بأصناف الناس والتعامل معهم عىل حسب هذه املعرفة من أهم‬
‫املطالب املصريية للنجاح‪.‬‬
‫_ املتغطرس واملتكرب‪ :‬إن رأى شيئا يجرح إحساسه فإنه يصبح شديد الخطورة‪،‬‬

‫‪109‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وما يظنه استهزأ به فإنه يرد عليه بعنف شديد‪ ،‬فإن رأيت لدى من تتعامل معه‬
‫مبالغة يف الحساسية والكربياء فابتعد عنه‪ ،‬وأيا كان ما ترجوه منه فإنه ال يستحق‬
‫املخاطرة‪.‬‬

‫_ املرتاب‪ :‬الذي يرى يف أفعال من حوله ما يريد أن يراه‪ ،‬وغالبا ما يكون الذي يراه‬
‫هو افرتاض أسوأ النوايا‪ ،‬ويكون من السهل خداعه‪ ،‬ولكن إن رأيت أنك قد أصبحت‬
‫هدفا لشكوكه فعليك أن تراقبه وتنتبه لنفسك جيدا‪.‬‬

‫_ الذي ال ينىس ثأره لن يُظهر لك اي رد فعل حني تؤذيه أو تخدعه‪ ،‬بل يحسب‬
‫وينتظر وحني تحني الفرصة ينفذ انتقامه بهدوء ودون رحمة‪ .‬عليك أن تحذر أن‬
‫تؤذيه أو تجرحه‪ ،‬وإن حدث ذلك فإما أن تدمره متاما أو تبتعد عنه متاما‪.‬‬

‫_ال ميكن دامئا أن تتأكد من مكانة من تتعامل معه‪ .‬فقليل الشأن اليوم قد يكون‬
‫غدا ذا سطوة كبرية‪ ،‬ونحن كبرش ننىس الكثري يف حياتنا‪ ،‬ولكننا ال ننىس اإلهانة أبدا‪.‬‬
‫_ ال تعتمد عىل إحساسك أبدا أو فطنتك يف تقييم خصومك‪ ،‬فال يشء يغني عن‬
‫املعلومات املحددة‪ ،‬فخذ وقتك وتعرف عىل خصمك جيدا‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫عندما تقع وسط الدهاة‬


‫_ إذا رأيت الدهاة قد كرثوا من حولك‪ ،‬فقربهم إليك بأي وسيلة‪ .‬فإن كان فبها‬
‫ونعمت‪ ،‬وإن مل يكن فاجعلهم يحتاجون إليك دوما‪ ،‬واجعلهم ال يتفقون عىل أمر‪،‬‬
‫ازرع بينهم الوقيعة والبغضاء وحتام سيكون ذلك يف صالحك‪ .‬ف ّرق بينهم قدر‬
‫مااستطعت‪ ،‬وق ّرب كل منهم إليك عىل حدة‪ ،‬سيحاربون بعضهم البعض ألجلك‪،‬‬
‫ولن يتحدوا إال لك ما دامت مصالحهم معلّقة بك‪ ،‬وحاذر أشد الحذر من اتفاقهم‬
‫عليك‪ ،‬حينها لن يكون لك وجود يف كتب التاريخ‪.‬‬
‫_ أنت لن تستطيع أن تستغني عن الدهاة أبدا‪ ،‬ولن تقدر أيضا عىل مواجهتهم إذا‬
‫اتفقوا ضدك أو اتحدوا عليك‪ ،‬فابحث عن الطريقة األمثل للتعامل معهم بحيث‬
‫ال يستطيعون االستغناء عنك أو التآمر عليك والطريقة األمثل ستحددها املصالح‬
‫املشرتكة بينكم‪.‬‬
‫_ كان املغرية بن شعبة ينظر إىل واليته األوىل عىل الكوفة حني كان واليا عليها لعمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬وكان عمرو بن العاص ينظر أيضا إىل واليته األوىل عىل مرص حني كان‬
‫واليا عليها لعمر بن الخطاب أيضا‪ ،‬واراد معاوية أن يعهد بالكوفة لعبدالله بن‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬وعلِم املغرية بذلك‪ ،‬فذهب إىل معاوية يبذل له النصيحة التى‬
‫ياخذ منها أكرث مام يهبه ملعاوية‪.‬وقال له‪ :‬اتستعمل عمرا عىل مرص وابنه عىل‬
‫الكوفة ؟ إنك بني نايب األسد‪ .‬وأخذ معاوية برأيه وحرم عبدالله بن عمرو من الكوفة‬
‫وول املغرية مكانه عىل الكوفة‪ .‬وعلِم عمرو مبكيدة املغرية له فر ّدها مبثلها‪،‬‬
‫ّ‬

‫‪111‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ومل يطلب إعادة عبدالله ابنه إىل واليته وإمنا قنع بحرمان املغرية من والية الخراج‪.‬‬
‫فذهب إىل معاوية يبذل له النصيحة أيضا فقال له‪ :‬إنك تستعمل املغرية عىل‬
‫تول عىل الخراج رجال يخافك‬‫الخراج فيأخذه وال تستطيع أن تنتزعه منه‪ ،‬والرأي أن ّ‬
‫وال تبايل أن تعزله متى شئت‪ ،‬وأن تستعمل املغرية عىل الصالة واإلمارة فال يقوى‬
‫عليك بغري مال‪ ،‬واتبع معاوية نصيحة عمرو أيضا غري كاره‪ ،‬ألنها أكسبته إعامل‬
‫العداوة بني الداهيتني فأمن اجتامعهام ومكرهام عليه‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ كان معاوية يعرف جيدا دهاء عمروبن العاص‪ ،‬ودهاء املغرية بن شعبة‪ .‬وملا‬
‫خاف اتحادهام عليه مل يكن له بُ ّد من أن يُف ّرق بينهام ويزرع العداوة بني بعضهم‬
‫البعض‪ .‬فاملغرية ال يُؤ َمن مكره‪ ،‬وعمرو ال تنتهي حيله‪ .‬فجعل معاوية دهاؤهام‬
‫ومكرهام عىل أنفسهام ولصالحه هو فقط‪ ،‬فأمن مكرهام وأشغلهام ببعضهام‬
‫البعض‪ .‬فكانت السيادة له فقط‪ ،‬وقنعا هام مبا دون ذلك وهو اإلمارة‪ ،‬وصار عمرو‬
‫واملغرية ينتبهان لبعضهام البعض ويغفال عن معاوية‪ ،‬وكان حرصهام عىل ُملك‬
‫معاوية أشد من حرصهام عىل نفسيهام‪ ،‬فإمنا هام به‪ .‬إذا ساد معاوية سادوا‪ ،‬وإذا‬
‫زال معاوية زالوا‪.‬‬

‫*****‬

‫‪112‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا استقر األمر ملعاوية هان عليه شأن املغرية بن شعبة وه ّم بعزله‪ ،‬ومنى الخرب‬
‫إىل املغرية من عيونه حول معاوية‪ ،‬وأشفق عىل نفسه من غضاضة العزل‪،‬فأعمل‬
‫دهائه واحتال بحيلة يُرغم بها معاوية عىل استبقائه أمريا وهو عزيز الجانب‪،‬‬
‫مرغوبا فيه‪ ،‬فامذا فعل املغرية؟‬
‫شَ َخص إىل معاوية يف دمشق واختىل بيزيد بن معاوية وكأنه يلقاه ع َرضا عن غري‬
‫قصد‪ ،‬ووسوس له أن يطلب إىل أبيه تسميته لوالية العهد‪ ،‬وزين له األمر قائال‪ :‬إن‬
‫أصحاب النبي صىل الله عليه وسلم وكرباء قريش قد ذهبوا وبقي األبناء وأنت من‬
‫أفضلهم‪ ،‬فال أدري ما مينع أمري املؤمنني أن يعقد لك البيعة؟ قال يزيد‪ :‬أو ترى ذلك‬
‫يتم؟ قال املغرية‪ :‬نعم‪ .‬فدخل يزيد عىل أبيه وأخربه مبقالة املغرية‪ ،‬فتعجل معاوية‬
‫لقاء املغرية واستدعاه ليطمنئ إىل حقيقة الخرب‪ ،‬وابتدره سائال‪ :‬ما هذا الذي يقوله‬
‫يزيد؟ فقال املغرية‪ :‬إين يا أمري املؤمنني قد رأيت ما ُس ِفك من الدماء بعد عثامن‪،‬ويف‬
‫يزيد منك خلف‪ ،‬فاعقد له البيعة بعدك‪ ،‬فإن حدث بك حدث كان كهفا للناس‬
‫وخلفا منك وال تُسفَك دماء وال تكون فتنة‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬ومن يل بهذا؟ فقال املغرية‪ :‬أنا أكفيك أهل الكوفة‪ ،‬ويكفيك زياد أهل‬
‫البرصة‪،‬وليس بني هذين املرصين أحد يُخالف‪ .‬فأمره معاوية أن يرجع إىل الكوفة‬
‫وأن يتحدث مع ثقاته يف ذلك ثم يرى ما يرى‪.‬‬
‫وملا رجع املغرية قال لبعض ثقاته‪ :‬لقد وضعت رِجل معاوية يف غرز بعيد الغاية‪،‬‬
‫وفتقت عليهم فتقا ال يرتق أبدا‪ ،‬ثم أجابه ناس من قبيلته إىل بيعة يزيد فأرسل‬
‫منهم عرشة إىل دمشق ومل يًرسل سائرهم ليمد يف حبل املساومة‪ ،‬وكان من حكمة‬
‫معاوية أنه استمهلهم وطلب إليهم أال يتعجلوا بإعالن رأيهم‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫ملا ِ‬
‫فطن املغرية إىل أمر عزله يف أي وقت‪ ،‬كان عليه أن يتحرك من فوره ويُعمل عقله‬
‫ويرى حيلة جديرة يبلغ بها مأربه‪ ،‬فكان منه ما كان‪ ،‬وكان من معاوية أن استبقاه‬
‫أمريا‪ ،‬وخرج املغرية يف كل ذلك كاسبا رابحا ال يفقد شيئا يقدر عىل استبقائه‪ ،‬فإن‬
‫خرج مستعفيا فذلك خري من خروجه معزوال‪ ،‬وإن كانت املساومة عىل والية يزيد‬
‫للعهد مجدية له فيام اراد فقد ربح ومل يخرس‪ ،‬وباع السمك يف املاء‪ ،‬والش َبكة من‬
‫عند غريه‪ .‬وإن أعرض معاوية عن املساومة ومل يقبل عقد البيعة ليزيد وهو أبعد‬
‫الفروض فقد كسب الواىل املعزول والء يزيد‪ ،‬ومل يفقد والء معاوية ألنه مفقود من‬
‫قبل‪ .‬ويقال يف جميع األحوال أن املخدوع من الرجلني ( معاوية واملغرية) مل يكن‬
‫هو املغرية إن كان البد بينهام من مخدوع‪.‬‬

‫*****‬

‫_ كان معاوية قلقا من جانب زياد بن أبيه‪ ،‬فزياد مل يبايع معاوية ومل يستجب‬
‫لدعوته حتى قُتل اإلمام عيل بن أيب طالب ريض الله عنه‪ .‬وصالح ابنه الحسن‬
‫معاوية‪ .‬وكان معاوية آلي أ َمن مكر زياد وجرأته‪ ،‬ولكن يقول لخاصته‪:‬ما يُؤمنني‬
‫ىل الحرب جذعة(جديدة) كام‬ ‫أن يبايع لرجل من أهل البيت فإذا هو قد أعاد ع ّ‬
‫بدأَت؟ فتقدم املغرية يتوسط بينهام ليشد ساعده بزياد يف كيده البن العاص‪،‬‬
‫واستأذن معاوية يف إتيانه فأذن له أن يلقاه ويتلطف يف خطابه‪ ،‬وجاءه املغرية عىل‬
‫يأس من خالفة بني هاشم‪ ،‬وأمل مبسوط مع املواعيد‪،‬‬
‫‪114‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وتصحيح النسب يف خالفة بني امية‪ ،‬واستجاب زياد للمغرية يف أمر البيعة ملعاوية‪،‬‬
‫ومتنع بعد ذلك يف أمر البيعة ليزيد بوالية العهد‪ ،‬وأنفذ رجال من ثقاته إىل الخليفة‬
‫يوصيه باألناة فإن( إدراكا ولحاقا خري من أناة يف عجلة) ولوال أن زيادا مات قبل‬
‫البيعة بوالية العهد ملا استقر األمر عىل قرار‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫عليك أن تتقن لعبة التحكم بصورتك لدى الناس‪ ،‬وعليك أن تحمى نفسك من‬
‫حسد االخرين بأن تُظهر لهم أنك تُشاركهم طريقتهم وقيمهم وتتخذهم حلفاء‪،‬‬
‫وترفعهم إىل مراكز القوة وتقربهم منك حتى تنال دعمهم حني تحتاجه‪ .‬فإشعار‬
‫االخرين بالدونيةيولّد الكراهية لك وياكل الحسد قلوبهم إىل ان يُق َوضوا سطوتك‬
‫بطرق ال ميكنك أن تتخيلها‪.‬‬
‫_ اجتمع عمرو بن العاص ومعاوية بن أيب سفيان يوما‪ .‬فقال معاوية لعمرو‪َ :‬من‬
‫الناس؟ فقال عمرو‪ :‬أنا وأنت واملغرية بن شعبة وزياد بن ابيه‪ .‬قال معاوية وكيف‬
‫ذلك؟ قال عمرو‪ :‬أما أنت فللتأين‪ ،‬وأما أنا فللبديهة‪ ،‬وأما املغرية فللمعضالت‪ ،‬وأما‬
‫زياد فللصغرية والكبرية‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬أما هذين فقد غابا‪ ،‬فهات بديهيتك يا عمرو‪ .‬قال عمرو أو تريد‬
‫ذلك حقا؟ فأجابه معاوية‪ :‬نعم‪ .‬فسأله عمرو أن يُخرج ُمن عنده من املجلس‪،‬‬
‫فأخرجهم معاوية‪ .‬فقال عمرو يا أمري املؤمنني‪ :‬ا ٌ ْد ُن مني يا أمري املؤمنني أُساررك‪.‬‬
‫فأدىن معاوية منه رأسه‪ .‬فقال عمرو هذا من ذاك‪ ،‬من معنا يف املجلس حتى أُسا ّرك‬
‫يا أمري املؤمنني؟‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ تفكري عمرو بن العاص تفكري بديهة حارضة‪ ،‬وتفكري معاوية بن ايب سفيان تفكري‬
‫رويّة بطيئة ومرجع ذلك سببني‪-:‬‬

‫‪-1‬السبب األصيل ‪:‬أن تفكري عمرو يصدر عن وحى العبقرية‪ ،‬ومعاوية صاحب عقل‬
‫من العقول الوسطى التي افادتها املرانة ومتثلت أمامها قدرة اآلباء كأنها السجل‬
‫املحفوظ الذي ينقل منه‪.‬‬

‫‪-2‬السبب العارض‪ :‬أن عمرو بن العاص مضطر إىل الوثوب واالقتحام‪ ،‬ألنه لن يُفتح‬
‫له باب بغري اقتحام‪ .‬أما معاوية ففي موضعه وانتظار ساعته عىل هينة ووثوق‪،‬‬
‫فإن وصل فذاك‪ ،‬وإن مل يصل فالذي يف يده يُغنيه‪ ،‬والعجلة ال تُغني عنه وال تنفعه‬
‫كام تنفعه األناة‪.‬‬

‫_ ال تجعل أحدا يخترب دهائك حتى وإن كان مثلك يف الدهاء‪ ،‬فإن كنت مضطرا‬
‫لذلك فاجعلهم يندمون عىل ذلك‪ ،‬بأن تهزمهم يف ميدان الحيلة‪ ،‬اجعلهم يعلمون‬
‫أنك ما زال لديك الكثري الذي مل تخرجه بعد‪.‬‬

‫_ قتل الروم رجال من املسلمني حول اإلسكندرية‪ ،‬واحتزوا رأسه وانطلقوا به إىل‬
‫داخل الحصن‪ ،‬فأقسم أبناء قبيلته أنه ال يُدفَن إال برأسه‪ .‬وذهبوا إىل عمرو بن‬
‫العاص فقال لهم يف ذلك‪ :‬تتغضبون كأنكم تتغضبون عىل من يبايل بغضبكم؟‬
‫احملوا عىل القوم إذا خرجوا فاقتلوا منهم رجال ثم ارموا برأسه يرموكم برأس‬
‫صاحبكم‪ .‬ففعلوا كام قال عمرو بن العاص فإذا برأس صاحبهم يسقط عليهم‪ ،‬فقال‬
‫لهم عمرو‪ :‬دونكم االن فادفنوه برأسه‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫لله در عمرو بن العاص‪ ،‬إذ فهم أن أهل الروم ال يبالون بغضب املسلمني ولكنهم‬
‫يبالوا بأخذ ثأرهم‪ ،‬فإذا قُتل منهم رجل يريدون قتل مثله من املسلمني‪ ،‬وإذا أُلقيت‬
‫إليهم رأس واحد منهم حسبوها امتهانا لكرامتهم وضعفا لشأنهم‪ .‬فليس لهم إال‬
‫أن يلقوا عىل املسلمني برأس رجل منهم‪.‬‬

‫فإنها البديهة الحارضة التي التغيب عن عمرو‪ ،‬فقد اجتمع له لسان وذكاء ماض‪،‬‬
‫حسب‬‫وعزمية ماضية‪ ،‬وهو مييض يف زمامه‪،‬وينثني بعد غرامه‪ ،‬فذلك الرجل الذي يُ َ‬
‫له الف حساب يف كل زمان ُوجد فيه‪ ،‬وأحرى أن يُحسب له كل حساب أيام الفنت‬
‫والقالئل‪ ،‬واختالف الدعاوى والحقوق ألنه يستطيع التفريق والتوفيق‪ ،‬يستطيع‬
‫التأليب والتغليب‪ ،‬وعسري جدا أن يُه َمل شأنه بني الشيع واألحزاب‪.‬‬

‫*****‬

‫_ أرسل معاوية بن أيب سفيان إىل عمرو بن العاص وهو عىل مرص يقول له‪ :‬إنه قد‬
‫فسيه إ ّىل قوال‬
‫ُسيه ّ‬
‫تردد كتايب إليك بطلب خراج مرص وأنت متتنع وتدافع ومل ت ّ‬
‫واحدا‪ ،‬وطلبا حازما ‪ ،‬والسالم‪.‬‬

‫فاغتاظ عمرو بن العاص ‪ ،‬وعلِم ماالذي يريده معاوية من اإلمعان يف كيده‪ ،‬وكتب‬
‫إليه يرد عليه يف قصيدة تُسمى( الجلجلية) يقول فيها‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وعن نهج الحق ال تعد ِل‬ ‫معاوية الفضل التنس يل‬
‫عىل أهلها يوم لبس ال ُحىل‬ ‫نسيت احتيايل يف جلّق‬
‫ويأتون كالبقر املهلِ‬ ‫وقد اقبلوا زمرا يُهرعون‬

‫تخاف الخروج من املنزل‬ ‫ولوالي كنت كمثل النساء‬

‫ونحن عىل دومة الجندل‬ ‫نسيت محاورة األشعري‬

‫وأُخ ّبئ من تحته حنظل‬ ‫وألعقته عسال باردا‬

‫وسهمي قد غاب يف املفصل‬ ‫ألني فيطمع يف جانبي‬

‫كخلع النعال من األرجل‬ ‫وأخلعتها منه عن خدعة‬


‫كلبس الخواتم يف األمنلِ‬ ‫وألبستها فيك ملا عجزتَ‬
‫إىل أن يقول‪-:‬‬
‫ورب املقام ومل تك ُملِ‬
‫ُّ‬ ‫ومل تك والله من أهلها‬

‫كسري الجنوب مع الشأمل‬ ‫وسيتُ ذكرك يف الخافقني‬


‫ّ‬
‫عىل البطل األعظم األفضل‬ ‫نرصناك من جهلنا يا ابن هند‬

‫ف ُزفت إليك وال مهر يل‬ ‫وكنت ولن ترها يف املنام‬

‫‪118‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫نزلنا إىل أسفل األرجل‬ ‫وحني تركنا أعايل النفوس‬

‫وصايا مخصصة يف عيل‬ ‫وكم قد سمعنا من املصطفى‬

‫إىل أن يقول‪-:‬‬

‫فأين الحسام من املنجل؟‬ ‫وإن كان بينكام نسبة‬

‫وأين معاوية من عيل؟‬ ‫وأين الرثيا وأين الرثى‬

‫فلام سمع معاوية هذه األبيات ترك عمرا ومل يتعرض له بعد ذلك‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫دامئا تكون العالقة بني الدهاة عالقة تنافر وتباعد إن مل تكن بينهام مصلحة‪ ،‬كام‬
‫أن الداهية يكون بينه وبني مجتمعه نوع من العداء والنبذ املتبادل‪ ،‬فقدميا قيل(‬
‫الذكاء لعنة عىل صاحبه)‪ ،‬فإذا اضطرتك الظروف ألن تتعامل مع هذا الداهية‬
‫فاجعل بينكام مصلحة قامئة فإنك بذلك تضمن الطريق األمثل للتعامل معه‪ ،‬فإذا‬
‫انتهت املصلحة فال تتعرض له مامل يُشكل خطرا عليك‪.‬‬
‫_ هناك دامئا من يكيد لك ومن يحسدك عىل يشء ما‪ ،‬فقف لهم جميعا باملرصاد‪ ،‬وال‬
‫تحاول أن تساعدهم أو تقدم لهم خدمات‪ .‬فتأثري الحسد بني الرفاق واألنداد أكرب‬
‫بكثري من الذين يسود بينهم الشعور باملساواة‪ ،‬فاملجتمع ال يحرتم كثريا البارزين‬
‫يف شتى املجاالت بغري قوة لهم‪ .‬لذا عليك أن تستغل كل تفوق جديد يف إزعاجهم‬
‫ومترير حياتهم‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ كانت سطوة معاوية أكرب بكثري من سطوة عمرو بن العاص‪ ،‬فاألول خليفة‬
‫للمسلمني والثاين عامل عىل مرص لخليفة املسلمني‪ ،‬ولكن معاوية كان يرى دامئا أن‬
‫عمرو بن العاص يتفوق عليه‪ ،‬ألنه وإن كان خليفة للمسلمني فهو صنيعة عمرو‪،‬‬
‫فكان دامئا يشعر بالدونية والنقص ولذا كان ينزعج منه ألنه يتفوق عليه يف املهارة‬
‫والدهاء‪ ،‬وكان عمرو يُر ّوعه دامئا فيظل الحسد عند معاوية دفني األعامق ويخرج‬
‫يف صور غري مبارشة مثل البحث عن يشء ينتقد به عمرو‪.‬‬

‫*****‬

‫_ دخل عبادة بن الصامت ذات يوما عيل معاوية وعنده عمرو‪ ،‬فجلس بينهام‬
‫وفرقهام عن بعضهام البعض ثم قال لهام‪ :‬أتدريان مل جلست بينكام يف مكانكام؟‬
‫قاال‪ :‬نعم‪ ،‬لفضلك وسابقتك ورشفك‪ .‬فقال عبادة‪ :‬ال والله‪ ،‬ما جلست بينكام لذلك‬
‫ولكن بينام نحن نسري مع رسول الله صىل الله عليه وسلم إذ نظر إليكام تسريان‬
‫وأنتام تتحدثان‪ ،‬فالتفت إلينا وقال‪ :‬إذا رأيتموهام اجتمعا ففرقوا بينهام فإنهام ال‬
‫يجتمعان عىل خري‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫اإلجتامع بني الدهاة من نوادر األشياء ألنهام دامئا يكيدان لبعضهام البعض‪ .‬ويف رأي‬
‫األخيار أن اجتامع الدهاة من عالمات األخطار‪ .‬فمعاوية مل يستقدم عمرا لصداقة‬
‫وصحبة قدمية بينهام‪،‬وعمرو مل يقدم عىل معاوية ليشء من ذالك‪ .‬ولكنهام رجالن‬
‫طموحان أريبان‪ ،‬مثلهام ال يُ َعادى إذا كان له يف الصداقة نفع‪،‬‬
‫‪120‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وال يصادق إذا مل يكن له يف الصداقة حاجة‪ ،‬وأقرب الناس عندهام وشيك أن‬
‫يُقىص إذا أقصته املنفعة‪ ،‬وأقصاهم وشيك أن يكون قريبا غذا كان يف بعده رضر‪،‬‬
‫فاتفاقهام ال يكون إال ملصلحتهام عىل حساب االخرين‪.‬‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ الدهاة يكونون دامئا صوت العقل يف عامل الفوىض‪ ،‬هم أصحاب املزاج املعتدل‬
‫واألفكار املحكمة املحسوبة بدقة‪ ،‬يصمتون كثريا ويتكلمون قليال عندما يجدون ما‬
‫يستحق الكالم‪ ،‬إذا وقعت بينهم فتعامل مثلهم‪.‬‬
‫_ عليك أن تكون غامضا ‪ ،‬فالغموض أمام االخرين أمر جيد ومنصوح به‪ ،‬ولكن‬
‫الغموض بينك وبني نفسك أمر غري مستحب‪ ،‬ويجب عليك التخلص منه‪ ،‬فمعرفتك‬
‫بذاتك يشء ال مفر منه من أجل منح نفسك حياة تستحقها‪.‬‬
‫_ ال تكن أبدا شخصية مغايرة لنفسك‪ ،‬ال ت ّدع صفات غري صفاتك‪ ،‬أو تبالغ يف متثيل‬
‫حالة ال تناسبك‪ .‬لن يفيدك ابدا أن تكون غريبا عن نفسك‪.‬‬
‫_ كن دامئا عىل أهبة االستعداد لنئ تهاجم وتدافع وتناور وتفاوض‪ ،‬فالدهاة غري‬
‫مأمونني الجانب يف أغلب األحيان‪ ،‬وال يخدعك ما يظهرونه لك من ود واحرتام‪ ،‬فإن‬
‫الحاجة إليك إذا زالت زال معها كل ود واحرتام‪ ،‬فكن مستعدا دامئا ألي يشء‪.‬‬
‫_ أَبقِ عيونك مفتوحة وأسلحتك جاهزة لالستخدام‪ ،‬وانتبه دامئا لترصفات االخرين‪،‬‬
‫وحني تعلم أنهم يكيدون لك ويضعون يف طريقك العوائق‪ ،‬استخدم أسلحتك وكرش‬
‫عن أنيابك‪ ،‬واردعهم جميعا حتى تستطيع السيطرة عىل األمور قبل أن تتفاقم‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫اقرأ ما بني السطور‬

‫_ لكل يشء وجهني‪ ،‬وجه ظاهر واخر خفي‪ .‬قد يكون الظاهر املدح والذ ّم يف‬
‫الخفاء‪ ،‬ويكون اإلنكار يف الظاهر واإلقرار يف الخفاء وهكذا‪ .‬الداهية فقط هو من‬
‫يستطيع أن يجعل الخفي ظاهرا بدهائه‪ ،‬وأن يقرأ مامل يُكتب‪ ،‬ويسمع ملا مل يقال‬
‫أفضل منه لو قيل‪.‬‬

‫_ عليك أن تفكر باألحداث التى متر بك‪ ،‬وحاول أن تجيب عىل التساؤالت‪ ،‬وأن‬
‫تتوقع األحداث املستقبلية وكيفية حدوثها من خالل دراسة ما تراه وتسمعه دراسة‬
‫متأنية لتستنبط مامل يُكتب بني ثنايا السطور‪..‬وهو املعنى الغري مرصح به‪.‬‬

‫_ اعمل فكرك وعقلك بالقراءة الحكيمة لألشياء‪ ،‬وهي مخاطبة النصوص ليس‬
‫يف شكلها الظاهر وحسب‪ ،‬وإمنا يف سرب أغوارها واستخدام ما عندك من معرفة‬
‫لتحليلها والوصول بها إىل املعرفة الحقيقية لألشياء‪ ،‬إذ ليس بالشكل تعرف األشياء‪.‬‬

‫_ ال يقرأ ما بني السطور إال أصحاب العقول املستنرية‪ ،‬ذوو الذكاء الثاقب‪ ،‬وهذه‬
‫الظاهرة ال تتواجد إال عند طبقة معينة من البرش‪ ،‬أوتوا نعمة كشف املعاىن‬
‫الحقيقية لألشياء مهام كانت النصوص غامضة‪ ،‬وأكرث من ميارسها رجال السياسة‬
‫وأصحاب الحيل التى ميارسونها بني الجامهري ومناقشتهم‪ .‬ويظهرون دامئا خالف‬
‫ما يبطنون‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا رجع أبو سفيان إىل عمر بن الخطاب أمري املؤمنني من عند ابنه معاوية وكان‬
‫واليا عىل دمشق‪ .‬شك عمر ريض الله عنه أن معاوية أعطى لوالده شيئا من أموال‬
‫الشام‪ ،‬فلام سأله عام إذا نال شيئا من ابنه أنكر أبوسفيان‪ ،‬فكان عىل عمر بن‬
‫الخطاب أن يستخرج الخفي من الظاهر‪ .‬فامذا فعل؟‬
‫أخذ خاتم أيب سفيان وأرسله مع خادمه إىل هند بنت عتبة زوجة أىب سفيان وقال‬
‫لها‪ :‬يطلب منك ابو سفيان أن تأتيه ب ُخرجني‪ .‬فام لبث عمر ريض الله عنه أن أويت‬
‫ب ُخرجني فيهام عرشة االف من الدراهم‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫لو صارح أبو سفيان أنه أُعطي من ابنه خمسة االف درهم‪ ،‬لرمبا اقتنع الفاروق‬
‫بذلك‪ ،‬ولكن أنكر عليه أبو سفيان أنه أخذ شيئا من ابنه معاوية فكان من عمر‬
‫ماكان‪.‬‬
‫_ الداهية ال تنطىل عليه حيلة بسهولة وملا كان عمر داهية أريب‪ ،‬دائم الفكر‬
‫اليسرتيح عقله حتى إن اسرتاح جسده‪ ،‬وعلم أنه يتعامل مع داهية آخر هو أبو‬
‫سفيان‪ ،‬كان البد من إعامل الحيلة‪ ،‬ليصل إىل مقصوده‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫كل ما تراه أمامك ليس هو الحقيقة املطلقة‪ ،‬وإمنا هناك حقيقة أخرى خفيت عن‬
‫الكثري ولكن يراها الداهية‪ ،‬فإن مل تُعمل عقلك وتُشغل فكرك لتكون بنفس الدهاء‬
‫فلن تراها أبدا‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا طعن معاوية يف السن اعرتاه أرق‪ ،‬وكان إذا نام أيقظته النواقيس‪ .‬فلام أصبح‬
‫ذات يوم ودخل الناس عليه قال‪ :‬يا معرش العرب هل فيكم من يفعل ما آمره به‬
‫وأُعطيه ثالث ديات (جمع دية) أُعجلها له وديتني إذا رجع؟‬
‫فقام رجل من غسان فقال‪ :‬أنا يا أمري املؤمنني‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬تذهب بكتايب إىل ملك الروم فإذا رصت عىل بساطه أذّنت‪ .‬قال الرجل‪:‬‬
‫لقد كلفت صغريا وأعطيت كثريا‪ ،‬فلام خرج الرجل وصار عىل بساط قيرص الروم‬
‫أذّن‪ .‬فحارت البطارقة ‪ ،‬واخرتطوا سيوفهم‪ ،‬فسبق إليه ملك الروم وجثى عليه (‬
‫حامه منهم) وجعل يسالهم بحق عيىس وبحقه عليهم حتى كفوا عنه‪ ،‬ثم ذهب‬
‫بالرجل إىل رسير امل ُلك وجعله بني يديه ثم قال يا معرش البطارقة‪..‬إن معاوية قد‬
‫قتل َمن‬
‫أس ّن ‪ ،‬ومن أس ّن أرِق‪ ،‬وقد أذته النواقيس‪ ،‬وأراد أن يُقتل هذا عىل األذان ف ُي َ‬
‫ببالده عىل رضب النواقيس‪ ،‬وبالله لريجعن إليه عىل خالف ما ظن‪.‬‬
‫فكساه وج ّمله فلام رجع إىل معاوية ورآه‪ ،‬قال له معاوية‪ :‬أو قد جئتني ساملا؟ قال‬
‫الرجل‪ :‬أما من ِق َبلِك فال‪.‬‬
‫_ العربة‪_:‬‬
‫_ اقرأ أعني الناس وتلميحاتهم‪ ،‬ألن العيون مقياس للبهجة واألمل أ ّدق من اي‬
‫كلامت الحظ التفاصيل وتذكرها كاملالبس ونوعية األصدقاء والتعليقات العفوية‬
‫ألنها تُظهر لك الرغبات واألمنيات التى قليال ما تتحقق للشخص‪ ،‬ثم اخلط كل ذلك‬
‫معا وغربله لتكتشف ما تحت السطح‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ أرسل عىل بن أيب طالب كتابا ملعاوية يدعوه فيه إىل بيعته وجلس ينتظر الجواب‪،‬‬
‫فاختار معاوية بن أيب سفيان رجال من بني عبس‪ ،‬وكان له لسان( متحدثا ماهرا)‪،‬‬
‫وأرسله بكتاب فيه الجواب إىل عيل كرم الله وجهه‪ ،‬وكان يف الكتاب( بسم الله‬
‫ىل‪ ،‬عرف مافيه وأنه‬
‫قدم الرسول ودفع الكتاب إىل ع ّ‬‫الرحمن الرحيم) فقط‪ .‬وملا ِ‬
‫يل‪.‬‬
‫محارب له‪ ،‬وأنه ال يُجيبه إىل يشء مام يريده ع ّ‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫اقرأ الجواب جيدا وافهمه جيدا‪ ،‬ثم اعمل فكرك فيام مل يقال‪ ،‬فكل كلمة قيلت‬
‫تحمل تحتها الف كلمة مل تقال‪ ،‬إذا استطعت أن تفهم ما يخفيه عنك فقد سبقته‬
‫بخطوة‪ .‬فلكل إنسان خبيئة ال يحب أن يراها أحد‪ ،‬الداهية فقط يراها ويسمعها ‪،‬‬
‫نصب‬ ‫فإياك أن تعطي عقلك أجازة‪ ،‬وتُؤمن بكل ما تراه يف الرسالة‪ ،‬فقد يكون فخا يُ َ‬
‫لك‪ ،‬فاجعله أول من يقع فيه‪.‬‬
‫_ قد يعتم التواصل عىل االستعارات والرموز وذلك هو أساس اللغة‪ ،‬االستعارات قد‬
‫تعرب عن الواقع ب ُعمق ووضوح يتخطى كثريا الوصف املبارش‪.‬‬

‫*****‬

‫_ ُسئل عمرو بن العاص‪..‬ما العقل؟‬


‫فقال‪:‬اإلصابة بالظن‪ ،‬ومعرفة ما سيكون مبا قد كان‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫‪125‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ األجدر أن يقال‪ :‬أن التعريف بالعقل هنا هو التعريف بعقل عمرو بن العاص‬
‫نفسه‪،‬ألنه كان يجمع بني الفطنة والخربة‪ ،‬وبني التخمني واليقني‪ ،‬ويأخذ َمن امامه‬
‫بالنظرة الخاطفة فإذا هو قد وصل‪ ،‬والذي أمامه ال يزال يتحرى سبيل الوصول‪.‬‬

‫_ عليك أن تجيد التوقع والتخمني‪ .‬وذلك ال يكون إال عن طريق خربات سابقة‬
‫مرتاكمة‪ ،‬فقراءتك ملا بني السطور تتضمن لك التقدم بخطوة عىل خصمك مام‬
‫يضمن لك بالتايل تفوقك عليه‪.‬‬

‫_ قراءة ما بني السطور فن ال يجيده الكثري من الناس‪ ،‬ألننا ببساطة ال نفهم ما نقرأ‬
‫أو ما نسمع أو مانرى إال حسب تشكيل القيم لدينا‪ ،‬والتى هي ناتجة عن تنشئتنا‬
‫وثقافة محيطنا‪ ،‬لذا علينا أن نتجرد من كل هذا ونضع أنفسنا موضع االخر لنكون‬
‫هذا الشخص نفسه‪.‬‬

‫*****‬

‫_ طلب الفاروق عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص أن يصف له مرص‪ ،‬فكان‬


‫ما أراد عمر ريض الله عنه‪ ،‬وكان من وصف عمرو له ان قال‪ .......:‬والذي يصلح‬
‫هذه البالد ويُنميها اال يُقيل قول خسيسها يف رئيسها‪ ،‬وأال يُستأذى خراج مثرة إال‬
‫رصف ثلث ارتفاعها يف عمل جسورها وتُرعها‪ ،‬فإذا تقرر الحال مع‬ ‫يف أوانها‪ ،‬وأن يُ َ‬
‫العامل ( الوالة)يف هذه األحوال‪..‬تضاعف ارتفاع املال‪ ،‬والله تعاىل يُوفق يف املبتدأ‬
‫واملآل‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫كان عمرو بن العاص أخلَق الناس أن يحذر يف عهد الفاروق( سعي الخسيس‬
‫بالرئيس) وهو الذي يعلم أنه مستَهدف ملثل هذا السعي‪ ،‬وأنه ُمالق به شيئا‬
‫من القلق الدائم يف ساحة الفاروق‪ ،‬وهو العظامي الذي يتعصب للنسب تعصب‬
‫املأخوذ بالريب ويتقي كلمة السفلة فيقول‪:‬‬

‫( إن ذهاب ألف من العل ّية أهون رضرا من ارتفاع واحد من السفلة) ‪.‬‬

‫_ علم عمرو بحنكته ودهائه وسابق خربته أنه وال بد يوما سييش به الواشون عند‬
‫أمري املؤمنني عمر بن الخطاب‪ ،‬فاوعز يف وصفه للفاروق أال يقبل قول القائل فيه‪.‬‬
‫ورمبا كان من اإلغراق يف الرجاء أن يطمع وال من الوالة يف اإلفالت من حساب‬
‫الفاروق ‪ ،‬وأعلم الناس بذلك عمرو نفسه الذي يعلم حساب الفاروق للوالة‪،‬‬
‫ويسمع مبراجعته للمحسن منهم واملسئ‪ ،‬ولذلك ظفر مبا اراده وظل فخورا بهذا‬
‫الظفر بقية حياته‪ ،‬يقول ملن ال يعجبه ُحكمه‪ :‬إن الفاروق قد مات وهو عنه راض‪.‬‬

‫*****‬

‫_ روى مسلم عن املستورد القريش انه قال عند عمرو بن العاص ريض الله عنه‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صىل الله عليه وسلم يقول‪-:‬‬

‫( تقوم الساعة والروم أكرث الناس) فقال عمرو للمستور القريش‪ :‬أبرص ما تقول‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال املستورد‪ :‬اقول ما سمعت عن رسول الله صىل الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فقال عمرو‪ :‬لنئ قلت ذلك‪ ،‬إن فيهم إذا لخصاال اربعة‪.‬‬
‫‪-1‬إنهم ألحلم الناس عند الفتنة‪.‬‬
‫‪ -2‬وأرسعهم إفاقة بعد مصيبة‪.‬‬
‫‪ -3‬وأوشكهم كَرة بعد فرة‪.‬‬
‫‪ -4‬وخريهم ملسكني ويتيم وضعيف‪.‬‬
‫وخامسة حسنة وجميلة‪ :‬أمنعهم من ظلم امللوك‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ عمرو ابن العاص يقرأ ما بني السطور حتى أخر الدهر‪ ،‬فمن عرف األوروبيني‬
‫قراءة عنهم‪ ،‬أو معارشة لهم‪ ،‬يرى لديهم الحلم يف الرزية‪ ..‬حتى لقد قيل شعب‬
‫بارد‪ ،‬ومن تفكر يف حال بعضهم كأملانيا وفرنسا واليابان وغريهم‪ ،‬فسيجد الفواق‬
‫الرسيع بعد املصائب‪ ،‬مع الك ّرة واستخالص الثأر عىل العجلة‪ ،‬ومن طالع يف اهتامم‬
‫أثريائهم باألعامل الخريية والخدمات اإلنسانية‪ ،‬فإنه سيلحظ الخريية يف رشهم‪.‬‬
‫وأما الخامسة فلعمر الله قد وقع عليها عمر‪ ،‬إذ ان تلك املجتمعات قد حققت‬
‫قدرا عاليا من العدالة اإلجتامعية‪ ،‬حتى رصنا نردد بعدها ( إن الله ينرص األمة‬
‫الكافرة العادلة عىل األمة املسلمة الظاملة)‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقد بلغ من دهاء عمرو بن العاص أنه قرأ طبائع األمم ووصف حالهم الخر الدنيا‬
‫وصفا يعجز عنه من يعايش الواقع هذه األيام‪.‬‬
‫_ ال تقف عند ظاهر األشياء‪ ،‬وإمنا ابحث عن رسها ونجواها وما ترمى إليه لتكشف‬
‫النقاب عام ت ُخبئه هذه األشياء‪ ،‬وهذه املسالة عقالنية بحته‪ ،‬ال يفطن إليها وما‬
‫ترمى إليه من املعنى املختبئ ما بني السطور إال القليل‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫_ ال تؤ َخذ العبارات باملباين بل باملعاين‪.‬‬
‫_ العني تقرأ السطور‪ ،‬والحكمة تقرأ ما بني السطور‪ ،‬والقلب الواعي يقرأ ما وراء‬
‫السطور‪ ،‬والبصرية تقرأ عمق مامل تتناوله السطور‪.‬‬
‫_ ال تدع االخرين يعرفون أنك تعرف ما ينوون فعله‪ ،‬ولكن دعهم يفعلون ما‬
‫يريدون مطمئنني متصورين أنهم يفعلون ذلك خفية ما مل ترضك أفعالهم‪.‬‬
‫_عندما تتقن هذه القاعدة ستمكنك من‪:‬‬
‫‪ _1‬إدراك ماال يدركه االخرون‪.‬‬
‫‪ _2‬رؤية ما ال يراه االخرون‪.‬‬
‫‪ _3‬اإلحساس باألمر قبل وقوعه‪.‬‬
‫_ لتتقن هذه القاعدة‪-:‬‬
‫‪129‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ليك تقرأ ما بني السطور عليك أن تعيش حياة كاتبها‪ ،‬انظر بعينه‪ ،‬فكر كام يفكر‪،‬‬
‫تحرك كام يتحرك‪ .‬فمر ّد العدالة أن تقيس األمر عىل نفسك‪.‬‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ قرائتك ملا بني السطور تجعل كل أفعالك مخالفة للتوقعات‪ ،‬وتكون مبثابة‬
‫املفاجأة بالنسبة لخصومك‪ ،‬وذلك سوف يضعهم يف موقف صعب لعدم فهمهم‬
‫لك‪ ،‬وعدم فهمهم لك يُفقدهم الثقة يف ترصفاتهم نحوك‪ ،‬ويف هذه الحالة تضمن‬
‫سطوتك عليهم‪.‬‬

‫_ تعلّم أن تقرأ الدوافع وراء أفعال خصمك‪ ،‬وتوقع ترصفاته‪ ،‬واستخدم هذه‬
‫التوقعات لصالحك ضده‪.‬‬

‫_ ليك ال يستعمل أعدائك هذه القاعدة ضدك‪-:‬‬

‫_ ال تترصف بطرق ثابته‪ ،‬فالحيوانات فقط هي التي تترصف بطرق ثابته ولذلك‬
‫يسهل توقع ترصفاتها واصطيادها‪.‬‬

‫محاصا وتكالب عليك االخرون ممن هم أقوى منك‪ ،‬فعليك‬


‫َ‬ ‫_ إذا وجدت نفسك‬
‫أن تقوم بترصفات تخالف توقعاتهم‪ ،‬وسيجعلهم ذلك يرتبكون لدرجة تبعدهم‬
‫عنك‪.‬‬

‫_ أحيانا‪-:‬‬

‫‪130‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_يكون مراعاتك للتوقعات من صالحك‪ ،‬فاتخاذك لنسق يعتاده االخرون ويرتاحون‬
‫له يغريهم بالتغافل عنك‪ ،‬ألن كل ما قد يدبرونه لك يعتمد عىل أفكارهم املسبقة‬
‫عنك وذلك من املمكن أن يفيدك بطريقتني‪-:‬‬

‫‪-1‬مينحك واجهة مقبولة من االخرين تسمح لك بخداعهم‪.‬‬

‫‪ -2‬يسمح لك توقع االخرين لترصفاتك أن تقوم يف حاالت استثنائية مبخالفة طريقتك‬


‫املعتادة لتُوتر خصمك بشدة تجعله يسقط حتى قبل أن متسه‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ُ ّ‬
‫ال تتشبه بأحد وال تقلد أبدا‬

‫_ عىل الداهية أن تكون له طريقته الخاصة‪ ،‬إذا أجربتك الظروف أن تحل محل‬
‫رجل عظيم فعليك أن تغري مسارك متاما وال تقلده أبدا‪ ،‬احتقر تراثه وادفنه معه‪،‬‬
‫فالناس تحرتم األصل وتحتقر التقليد‪ ،‬ابذل أضعاف ما بذله من جهد حتى ال تضيع‬
‫صورتك يف ظالله‪.‬‬

‫_ ال تلتزم أبدا مباض ليس من ُصنعك‪ ،‬وأسس لهويتك الخاصة بتغيري مسارك عمن‬
‫سبقك‪.‬‬

‫_ ابدأ نفسيا من الصفر‪ ،‬واسخر من املايض ومام ورثته وابدأ يف اتجاه جديد‪ ،‬واصنع‬
‫عاملك الخاص بك‪.‬‬

‫ابحث لنفسك عن مكان فارغ من السطوة‪ ،‬واصنع النظام من الفوىض دون أن‬
‫تنافس شخصا حقق نجوميته يف هذا املكان‪ ،‬فالقوة املطلقة تقوم عىل أن تظهر‬
‫أكرب من االخرين‪.‬‬

‫_ ال تكن رحيام مع املايض‪ ،‬ليس فقط مايض أبيك‪ ،‬ولكن ماضيك أنت نفسك‪،‬‬
‫فالضعفاء وحدهم هم من يتمسكون بأكاليل الذكريات وانتصاراتهم يف املايض‪.‬‬

‫_ امأل بالجديد الفراغ الذي خلّفه زوال سطوة املايض‪ ،‬واخلق مساحة كبرية لفرض‬
‫نظامك الجديد‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ أبسط الطرق للهرب من املايض هو أن تُقلل من شأنه‪ ،‬وأن تلعب عىل التعارض‬
‫األبدي بني األجيال‪ ،‬وتستثري الشبان ضد الكبار‪ ،‬وليك تُحقق ذلك بكفاءة عليك أن‬
‫تختار شخصية ُمسنة لتُش ّهر بها‪.‬‬

‫_ يف التجهيز ملعركة أجنادين بني املسلمني والروم أواخرالسنة الثانية عرش للهجرة‪،‬‬
‫مل يشأ عمرو بن العاص أن ينتظر حتى يُ َربم الرأي يف مسألة القيادة العليا وهو‬
‫غائب عنها‪ .‬فلام أخذ الخليفة أبو بكر الصديق تجريد الجيوش وعقد األولوية‬
‫ذهب عمرو بن العاص إىل عمر بن الخطاب وقال له متلطفا‪ :‬يا ابا حفص‪..‬أنت‬
‫تعلم شديت عىل العدو‪،‬وصربي يف الحرب‪ ،‬فلو كلمت الخليفة أن يجعلني أمريا عىل‬
‫أيب عبيدة بن الجراح؟ وقد علمت منزلتي عند رسول الله صىل الله عليه وسلم‪،‬‬
‫يدي البالد ويهلك األعداء‪.‬‬
‫وإين ألرجوا أن يفتح الله عىل ّ‬
‫فأجابه عمر برصاحته الصادعة‪ :‬كال‪..‬ما كنت ألكلم أبو بكر يف ذلك‪ ،‬فإنه ليس عىل‬
‫أيب عبيدة أمري‪،‬وألبوعبيدة أفضل عندنا منك‪ ،‬وأقدم سابقة‪ ،‬والنبي صىل الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬أبو عبيدة أمني األمة‪.‬‬

‫ومل ييأس عمرو من إقناعه بعد ما سمع‪ ،‬وراح يقول له‪ :‬ما ينقص من منزلته إذا‬
‫كنت واليا عليه؟ فانتهره عمر قائال‪ :‬ويلك يا عمرو‪ ،‬إنك ما تطلب بقولك هذا إال‬
‫الرئاسة والرشف‪ .‬فاتق الله وال تطلب إال وجه الله تعاىل ورشف االخرة‪.‬‬
‫واستقر رأي ابو بكر الصديق عىل البعوث وقوادها‪ .‬فأنفذ أبو عبيدة بن الجراح‬
‫إىل حمص‪ ،‬ويزيد بن أيب سفيان إىل دمشق‪،‬ورشحبيل بن حسنة إىل وادي األردن‪،‬‬
‫‪133‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وعمرو بن العاص إىل فلسطني‪ .‬وخيش الخليفة أبو بكر أن يقع الخالف مرة أخرى‬
‫عىل الرئاسة فقال لعمرو وهو يودعه‪ :‬كاتِب أبو عبيدة وأنجده إذا أرادك‪ ،‬وال تقطع‬
‫أمرا إال مبشورته‪.‬‬

‫ويُق ّدر عدد جيوش املسلمني كافة بسبعة وعرشين ألفا من الفرسان واملشاة‪،‬ومع‬
‫ذلك فإن دهاء عمرو بن العاص أنزله من هذه الجيوش منزلة املشورة واملراجعة‪،‬‬
‫وإن مل يُنزله منزلة الرئاسة العامة والقيادة العليا‪.‬‬

‫وفوجئ املسلمون بجحافل جرارة من جيوش الروم تبلغ عدتها مائة وخمسني ألفا‪،‬‬
‫ترددوا وتشاوروا وكتبوا إىل عمرو بن العاص وإىل الخليفة فوافاهام الجواب منهام‬
‫معا باالجتامع للقاء الروم يف موقع واحد‪ .‬وأقبل خالد بن الوليد عليهم لنجدتهم‬
‫فوجدهم متفرقني ال يجتمعون عىل قيادة‪ ،‬فاقرتح عليهم تداول اإلمارة بينهم‪،‬‬
‫وأن تكون اإلمارة إليه يف اليوم األول‪.‬وكانت ملحمة الرجاء املستميت‪ ،‬واليأس‬
‫املستميت‪ ،‬وتنادى أبطال املسلمني عىل عهد املوت ال يرجعون إال منترصين أو‬
‫يقعوا مكانهم مستشهدين حتى أت ّم الله النرص للمسلمني عىل عدوهم‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫اشرتك عمرو بن العاص يف أكرث حروب الشام بني دمشق وفلسطني ‪ ،‬وكانت شجاعته‬
‫فيها جميعا كفاء دهائه وحزمه‪ ،‬ومل يكن لريىض لنفسه مقاما يف الشجاعةدون مقام‬
‫أحد من القواد وأيا كان حظه من سمعة البأس واإلقدام‪ ،‬حتى أنه يف معركة الريموك‬
‫ملا هجم الروم يف بعض حمالتهم بقضّ هم وقضيضهم عىل فريق من املسلمني‬
‫‪134‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وول صاحب رايتهم تسابق مع خالد بن الوليد ألخذ الراية‪،‬‬
‫وانكشف املسلمون ّ‬
‫فأخذها عمرو واندفع بها يقاتل املتقدمني من الروم حتى تجمع املسلمون حوله‬
‫وأدبر الروم منهزمني‪.‬‬
‫_ فطن عمرو بن العاص إىل أن الناس تُق ّدر األشياء مبظهرها‪ ،‬فهم ال يهتمون إال مبا‬
‫يرون‪ ،‬فأراد أن يختلف عن االخرين حتى ال يكون نكرة وسط الجموع ويتجاهله‬
‫الناس‪ ،‬فأظهر من الحيوية واإلقدام ما يليق به ومبكانته‪ ،‬فافطن هداك الله إىل ما‬
‫فطن له عمرو بن العاص‪.‬‬
‫_ ال تجعل من نفسك نسخة لشخص أخر‪ ،‬بل عليك أن تكون لك طريقتك الخاصة‪،‬‬
‫ولذلك عليك أن تبذل كل طاقتك يف إظهار تفوقك عىل االخرين حتى تجذب انتباه‬
‫الناس إليك‪.‬‬
‫_ كان عمرو بن العاص متفردا يف كل يشء‪ ،‬له طريقته الخاصة التى ابتكرها‪ ،‬ال‬
‫يُقلد وال يحايك وال يتشبه بأحد حتى إنه ملا رآه عمر بن الخطاب ذات مرة مييش ‪،‬‬
‫نظر إىل مشيته وقال ‪ :‬ال ينبغي أن مييش أبو عبدالله عىل األرض إال أمريا‪.‬‬
‫_ حج عمرو بن العاص فمر بعبدالله بن عباس فحسد مكانه‪ ،‬وما رأى من هيبة‬
‫الناس له وموقعه يف قلوبهم‪ .‬فقال له يا ابن عباس‪ :‬مالك إذا رأيتني وليتني الق ََصة‬
‫كأن بني عينك َدبَرة؟(أعرضت وازوررت عني)‪ .‬فأجابه ابن عباس جوابا فيه من‬
‫الجرأة مثل ما فيه من الدهاء وانتهى منه قائال له‪ :‬حملك معاوية عىل رقاب‬
‫الناس‪ ،‬فأنت تسطع بحلمه وتسمو بكرمه‪ .‬ومل يشأ عمرو أن يبارزّه ابن عباس‬
‫يف الدهاء فعاد يقول له‪ :‬أما والله إين ملرسور بك‪ ،‬فهل ينفعني عندك؟ فقال ابن‬
‫عباس‪ :‬حيث مال الحق ِملنا‪ ،‬وحيث سلك َ‬
‫قصدنا‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ليك تُؤكد عىل املسافة التى تفصلك عن الجميع من سابقيك أو أمثالك وتعلن‬
‫التغريات للجمهور عليك أن تبتكر طريقة مل يسبقك إليها أحد‪ ،‬عليك أن ت ُظهر‬
‫اختافك يف كل يشء‪ ،‬يف املظهر ويف األسلوب ويف األداء ويف كل يشء مييزك عمن جاء‬
‫قبلك‪.‬‬
‫_ املشكلة يف أن يكون لك سلف فرض نفسه أنه يكون فعال قد مأل األفق‪ ،‬كاملغرية‬
‫بن شعبة وعبدالله بن عباس بالنسبة لعمرو بن العاص‪ .‬حيث ال تجد مكانا تصنع‬
‫فيه اسمك ومجدك‪ .‬ليك تتمكن من التعامل مع هذا املوقف عليك أن تبحث عن‬
‫الجوانب الفارغة‪ .‬أي املجالت التى مل يهتم بها من سبقك‪ ،‬والتى متكّنك من أن‬
‫تكون أول من يشتهر مبألها وإعامرها‪.‬‬

‫*****‬
‫_ بعد أن أقدم املسلمون عىل فتح مرص بقيادة عمرو بن العاص‪ ،‬وبعدما كان منه‬
‫من كر وفر‪ ،‬وحيلة وتدبري‪ ،‬ومكر وخداع تن ّم عن دهاء مكني و ِعلم بأمور مرص‪،‬‬
‫وما كان من الروم للقبط من تعذيب وتنكيل وترشيد مام أيقن يف داخل عمرو‬
‫أن القبط يكرهون الروم أشد كراهية ملا ال قوه منهم‪ ،‬وإعامل عمرو لدهائه يف‬
‫مناوراته التى كانت مع الروم للتعمية واالستطالع‪ .‬كان عمر بن الخطاب أمري‬
‫املؤمنني يرتقب جيشه الزاحف عىل مرص بعني ال تغفل وقلب ال يَو َجل‪ ،‬وهو الذي‬
‫أحق عنده بالتفقد‬
‫مل يزل ميدهم‪ ،‬ويسأل عن أخبارهم ويتفقدهم وال يرى شيئا ّ‬
‫من سالحهم املايض قبل كل سالح‪ ،‬وعدتهم الالزمة قبل كل ُعدة‪..‬وهي اإلميان وقوة‬
‫الروح‪ ،‬فلام أبطأ الفتح املبني مل يرجع بإبطائه إىل قلة العدد أو قوة العدو‪ ،‬بل رجع‬
‫به إىل نقص اإلميان ود ْخل النيات‪ ،‬فكتب إىل املسلمني يقول‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫( عجبت إلبطائكم فتح مرص‪ ،‬تقاتلونهم منذ سنتني‪ ،‬وماذاك إال ملا أحدثتم وأصبتم‬
‫من الدنيا ما أَحب عدوكم‪ ،‬وإن الله تعاىل ال ينرص قوما إال بصدق نياتهم) حتى أت ّم‬
‫الله عىل املسلمني فتح مرص‪ ،‬وانعقد الصلح برشوط عمرو التى متيز بها عن غريه‬
‫من الفاتحني يف سائر األمصار فكانت رشوط الصلح‪_:‬‬

‫_ أن تُؤ ّدى الجزية دينارين عىل كل رجل قادر عىل العمل‪.‬‬

‫_ تستمر الهدنة أحد عرش شهرا تجلو الجيوش الرومانية يف خاللها عن املدينة‪.‬‬

‫_ تباح للمسيحيني عبادتهم وتصان لهم كنائسهم‪ ،‬وأن يُؤذَن لليهود بالبقاء يف‬
‫اإلسكندرية ‪.‬‬

‫_ يضع الروم عند املسلمني رهائن لضامن نفاذ اإلتفاق مائة وخمسني من املقاتلني‪،‬‬
‫الساة غري املقاتلني‪.‬‬
‫وخمسني من ُ‬
‫عىل أن العظمة التى ثبتت لعمرو بعد فتح مرص ال تقل عن عظمة الفاتح الجرئ‪،‬‬
‫وال عظمة القائد الضليع بفنون الخدعة واإلقدام‪ .‬فقد عرف مرص وهومقبل عىل‬
‫حكمها كام عرفها وهو مقبل عىل فتحها‪ ،‬فإذا هو صالح للعامر والقرار صالحه‬
‫للهجوم والحصار‪.‬‬

‫وكان رأي عمرو بن العاص رأيا متفردا عن الجميع وهو أن مرص أُ ِخذَت فتحا ومل‬
‫ت ُؤ َخذ صلحا كام يُفهم منه الصلح بغري قتال‪ ،‬ويف ذلك يقول عمرو‪-:‬‬
‫يل عهد‪ ،‬إن شئت قتلت‪،‬‬
‫( قعدت مقعدي هذا وما ألحد من قبط مرص ع ّ‬
‫‪137‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫شئت بعت)‪ .‬ولكنه مع هذا‬ ‫شئت خمست (الخمس من الغنيمة) ‪ ،‬وإن ُ‬ ‫وإن ُ‬
‫مل يقتل أو يُخمس أو يبيع فعامل الرعية يف أمور دينها ودنياها معاملة رضيتها‪،‬‬
‫وأطلقت ثنائها وجعلت البطريق بنيامني يُسمي عهد العرب بعهد السالمة واألمان‪،‬‬
‫وعهد الروم بعهد الجور والطغيان‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ كان عمرو بن العاص يسعى دامئا أن يثبت للجميع أنه أقوى من كل الوالة وأنه‬
‫يختلف عنهم متاما‪ ،‬فاتخذ القرار رسيعا بأن تجري األمور عىل طريقته الخاصة حتى‬
‫وإن تأخر الفتح بعض اليشء بل إنه حني أراد الفاروق عمر بن الخطاب أن يُثنيه‬
‫عن فتح مرص مل يرتك له عمرو السبيل لذلك‪ ،‬فعمرو كان ُيهد لنفسه سبيال جديدا‪،‬‬
‫فتوجه إىل مرص ليفتحها بأربعة االف جندي فقط‪ ،‬يف الوقت الذي كانت جيوش‬
‫الروم تتع ّدي املليون جندي‪ .‬وكان لعمرو ما أراد من فتح مرص وحكمها عىل عكس‬
‫التوقعات‪ ،‬ليصنع لنفسه مجدا جديدا وتكون مرص له وهو لها‪ ،‬مل يعبأ بالجميع‬
‫واحتقر املايض وصنع مملكته الخاصة يف مرص وصنعته مرص أيضا ليخلد اسمه إىل‬
‫أخر الدهر بتميزه وانفراده واختالفه عن االخرين‪.‬‬

‫*****‬
‫_ عندما رأى مقوقس مرص التقاء جيوش هرقل واملسلمني يف فلسطني‪ ،‬وأيقن أن‬
‫مرص ستكون من نصيب الظافر من الفريقني‪ ،‬وظن ان هرقل سيكون صاحب الكفة‬
‫الراجحة بادر عىل العمل عىل هذا التقدير‪ ،‬فامذا فعل؟‬

‫‪138‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫كانت له فتاة حسناء تُسمى( أرمانوسة) فخطر له خاطر بارع ‪..‬أن يُزوجها من‬
‫قسطنطني بن هرقل‪ ،‬ووارث عرشه من بعده‪ ،‬الذي ماتت زوجته‪ ،‬وكان قسطنطني‬
‫حينئذ يف قيرصية‪ .‬فجهز املقوقس ابنته بجهاز يليق بها‪ ،‬وخرجت العروس املرصية‬
‫يف موكب فخم تُ َزف إىل قرينها املليك‪ ،‬حتى أن حراس املوكب بلغوا ألفي فارس‬
‫غري الحشم والخدم وحملة الذخائر والتحف املهداة‪ ،‬وما كاد املوكب يقرتب من‬
‫الحدود الرشقية ملرص ناحية العريش حتى وصل إىل ( أرمانوسة) خرب انتصار العرب‬
‫ومحارصتهم لقيرصية وتأهبهم للهجوم عىل مرص فامذا فعلت؟‬

‫ترصفت الشابة املرصية الشجاعة بشجاعتها وفطنتها الجديرتني بأسالفها العريقني‪،‬‬


‫وقفلت عائدة إىل بلبيس للدفاع عنها‪ ،‬وأرسلت حراسها إىل ( الفرما) للمقاومة‬
‫فيها إذا قدم العدو كام كانت تُرجح هي‪ ،‬وأرسلت إىل أبيها تحذره‪.‬إال أن عمرو بن‬
‫العاص الذي مل يهدأ دهائه ابدا‪ ،‬والذي كانت له طريقته الخاصة يف معالجة األمور‬
‫تجنب الفرما وتقدم راسا إىل بلبيس ورضب عليها الحصار‪ ،‬ولبثت الفتاة شهرا تصد‬
‫يل ال ُعرس‪،‬‬
‫العرب وتقاومهم بفرقتها الصغرية غري املد َّربة عىل القتال‪ ،‬وطرحت ُح َ‬
‫وزينة الفرح‪ ،‬وتقلدت السيف بدال من الوشاح‪ ،‬ونزلت من مركبتها وامتطت منت‬
‫جواد أشهب وقالت ملن معها‪:‬‬

‫هيا نخضب أيدينا بدماء األعداء بدل خضاب األوانس‪ ،‬ونرشب بجامجمهم‬
‫عوضا عن رشبنا بكاسات الذهب وطاسات اإلبريز‪ ،‬تعالوا نُشنف آذاننا بصلصلة‬
‫السيوف وصليل الخيل‪ ،‬بدل وقْع ال ٌدف ورنّة العود‪ ،‬سريوا بنا نحو األعادي‪ ،‬وهناك‬
‫إذا وقعت العني عىل العني وحمي وطيس الحرب‪ ،‬وعال سعري الطعن والرضب‪،‬‬
‫‪139‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وتقابلت الفرسان‪ ،‬وأنا فتاة بيضاء بضّ اء ‪ ،‬وغادة هيفاء‪ ،‬تجدونني أردد ما قاله‬
‫عنرتتهم األسود‪:‬‬

‫ومد إليك رصف الدهر باعا‬ ‫إذا كشف لك الزمان القناعا‬

‫ودافع ما استطعت لها دفاعا‬ ‫فال تخش املنية والتقيها‬

‫وال تبك املنازل والبقاعا‬ ‫وال تخرت فراشا من حرير‬

‫ودارت الدائرة ووقعت أرمانوسة أسرية يف أيدي املسلمني‪ .‬فام كان من عمرو إال إن‬
‫خالف التوقعات كعادته وأرسلها إىل أبيها بكل احرتام وتبجيل‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫كان يف إمكان عمرو بن العاص أن يتخذ أرمانوسة جارية له‪ ،‬أو زوجة يف أحسن‬
‫األحوال‪ ،‬كام كانت عادة الفاتحني من أقرانه‪ ،‬ولكنه مل يفعل كل هذا ومل يتشبه أو‬
‫يُقلد‪ ،‬فعالج األمر بطريقته الخاصة كعادته وأرسلها إىل أبيها معززة مكرمة‪ ،‬إما ألنه‬
‫أُعجب بشجاعتها وبسالتها‪ ،‬أو مخافة أن يُسئ إىل والدها وهوصديقه الحميم‪ ،‬ويف‬
‫كل األحوال مل يكن يضريه يشء ألنه املنترص‪ ،‬إال أن عمرا كان متفردا يف كل يشء ‪،‬‬
‫يتبعه الناس وال يتبعهم‪ ،‬يقلدون ما يفعل‪ ،‬وال يحايك شيئا من أفعالهم‪ ،‬ألن دهائه‬
‫كان وحيدا من نوعه‪ ،‬فعصمه من هذه املحاكاة وجعله يسري يف طريق مل يسلكه‬
‫أحد قبله‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ اتباع التقاليد ال يعني أن األموات أحياء ‪ ،‬بل يعني أن األحياء أموات‪.‬‬
‫_ كن جريئا مبا فيه الكفاية لتُ ِ‬
‫قدم عىل ما أحجم عنه االخرين‪ ،‬فبدون الجرأة لن‬
‫تتمكن من صنع طريق خاص بك مير فيه الجميع خلفك‪ ،‬فالضعف هو الذي يدفع‬
‫بالجموع لتحايك وتُقلد‪.‬‬
‫_ حني يفضل الجميع الطريق األسهل باإلتباع والتشبه مبن سبق من العظامء‪ ،‬اخرت‬
‫أنت الطريق األصعب وابتكر شيئا جديدا واخلقه من العدم‪ ،‬وال محالة سيتبعه‬
‫الناس وحينئذ ترى عظمتك الحقيقية‪.‬‬
‫_ اجعل ثقتك بنفسك كاملة فالتقدم بقلب خائف يحفر القرب لصاحبه‪.‬‬
‫_ إقدامك بجراءة مييزك عن القطيع ومينحك حضورا ومهابة ويجعلك تبدوا استثنائيا‬
‫ومختلفا‪ ،‬فالجبناء ال يالحظهم أحد وسط زحام الجموع‪ ،‬أما أصحاب القلوب التى‬
‫ال تهاب فتربز يف املقدمة ويلفتون األنظار‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫_ شخصيتك كبصمة يدك ال تشبه أحد‪ ،‬كن أنت‪ ،‬ثق بنفسك‪ ،‬فكر لنفسك‪ ،‬اعمل‬
‫لنفسك‪ ،‬وكن نفسك وال تقلد أحدا فالتقليد انتحار‪ ( .‬حكمة)‬
‫_ الخطر الرئييس يف العرص الحايل هو قلة من يجرؤون عىل أن يكونوا مختلفني‪.‬‬
‫( جون ستيوارت ميل)‬
‫‪141‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ال بأس من االستفادة من تجارب االخرين‪ ،‬لكن تقليدهم ال يعني أنك ستحصل‬
‫( مارتن لوثر كينغ)‬ ‫عىل ما حصلوا عليه‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫حتدى من يصنع لك املشاكل‬

‫_ ستواجه دامئا الكثري من املشكالت التى تُفتت أي جامعة‪ ،‬عليك أن تجد املصدر‬
‫لكل هذه املشاكل‪ ،‬وأن تنتبه له جيدا‪ ،‬وأن تترصف قبل أن تتكاثر الفنت ويستحيل‬
‫عليك أن تجد لها حال‪ .‬وإياك أن تصالحهم أو تسرتضيهم فلن يزيدهم ذلك إال‬
‫استكبارا ‪ ،‬تحداهم رصاحة ألن ُخبث طبائعهم سيجعلهم يعملون بكل ِج ّد عىل‬
‫إسقاطك وتدمريك‪ ،‬ابعدهم واطردهم عن جامعتك قبل أن يتحولوا إىل إعصار يدمر‬
‫كل ما بنيت‪.‬‬

‫_ يف الغالب األعم املصدر الرئييس لكل املشكالت هم األشخاص التعساء الني ال‬
‫يشعرون بالرضا أبدا‪ ،‬ويشيعون السخط والفُرقة بني الناس‪.‬‬

‫_ستعرف مثريي الفنت واملشاكل من طبيعتهم املتعالية وشكواهم الدامئة‪.‬‬

‫_ يف سعيك نحو القمة ستُحرك ضدك عداوات وتكتسب خصوما‪ ،‬وستجد أشخاصا‬
‫لن تستطيع أن تكسبهم إىل صفك وسيظلون أعداء مهام فعلت‪ ،‬انتبه إىل أنه ال‬
‫مجال هنا للسالم معهم خاصة إن كنت ال زلت تحتفظ مبا تسعى إليه‪.‬‬

‫_ خطب زياد بن أبيه يف يوم الجمعة‪ ،‬فأطال وأخر الصالة‪ .‬فقال له ُحجر بن عدي‪:‬‬
‫الصالة‪ .‬فمىض زياد يف خطبته وملا خيش حجر بن عدي فوت الصالة رضب بيده إىل‬
‫فصل‬
‫كف من الحىص وقام إىل الصالة وقام الناس معه‪ ،‬فلام رأى زياد ذلك نزل ّ‬
‫بالناس‪ .‬وكتب إىل معاوية وأكرث عليه‪،‬‬

‫‪143‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فكتب إليه معاوية ليشده بالحديد ويرسله إليه‪ ،‬فلام أراد زياد أ ْخذه‪..‬قام إليه قوم‬
‫ُحجر ليمنعوه‪ ..‬فقال ُحجر لهم‪ :‬ال‪ ..‬ولكن سمعا وطاعة‪ .‬فشُ د يف الحديد و ُحمل‬
‫إىل معاوية‪.‬‬

‫فلام دخل عىل معاوية قال‪ :‬السالم عليك يا أمري املؤمنني‪ ،‬فقال معاوية ‪ :‬أأمري‬
‫املؤمنني انا؟ والله ال أقيلك وال أستقيلك‪ ،‬وأمر جنوده بإخراجه ورضي عنقه‪ .‬فقال‬
‫صل‪ .‬فصىل ركعتني خفف‬ ‫ُحجر للذين يلون أمره‪ :‬دعوين أصيل ركعتني ‪ ،‬فقالوا ّ‬
‫فيهام‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬والله لوال أن تظنوا يب غري الذي أردت ألطلتهام‪ ،‬وقال ملن حرض‬
‫من قومه‪ :‬والله ال تطلقوا عني حديدا‪ ،‬وال تغسلوا عني دما‪ ،‬فإين الق غدا معاوية‬
‫وضبت عنقه‪.‬‬ ‫الجادة‪ُ ،‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ عىل قدر ما اشتهر به معاوية من الحلم واألناة والر ّوية فإنه أمر بقتل ُحجر بن‬
‫عدي لغري رضورة عاجلة‪ ،‬وال ملصلحة آجلة‪ .‬مع أن معاوية تحلّم عىل من هو اشد‬
‫منه إساءة له‪ ،‬ولعله حني عفا عمن عفا عنه كان يرى يف عفوه إستاملة ملن عفا‬
‫عنه‪ ،‬ولعله حني عاقب حجر بن عدي ومن معه مبثل ما عاقب‪..‬رأى فيه مشكلة قد‬
‫يكب حجمها ويستعيص‬ ‫تتحول لفتنة بعد ذلك‪ ،‬فأراد أن يئدها يف مهدها حتى ال ُ‬
‫عىل معاوية حلها‪ .‬مع أن الناس دهشوا لهذه املقتلة الجزاف التى اهتز لها العامل‬
‫االسالمي هزة عنيفة أورثته مبغضة لدولة بني أمية من تلك املبغضات التى كمنت‬
‫وطالت حتى نُسيت أسبابها وبقيت نوازعها‪،‬‬

‫‪144‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وظل شبح الشهيد الوقور يطارد معاوية إىل يوم وفاته‪ ،‬حتى أن معاوية ملا حرضته‬
‫الوفاة جعل يقول‪ :‬يومي منك يا ُحجر طويل‪ .‬إال أن معاوية عندما عاقبه كان‬
‫يف عقابه هذا تحديا ملشكلة ال يستطيع إال أن يتحداها حتى ال تتفاقم وتتطور‬
‫ويستعيص عليه حلها‪.‬‬

‫_ كان بنو امية عامة ومعاوية خاصة من أصحاب املظهر االجتامعي‪ ،‬وليس فيهم‬
‫غري القليل النادر من أصحاب الطموح إىل الزعامة‪ ،‬وقد صرب معاوية عىل ألوان‬
‫شتى من الخضوع يف طلب وجاهته السياسية ال يصرب عليها كثري من عامة الناس‪،‬‬
‫ألنه يطلب هذه الوجاهة بتقليد ورايث‪ ،‬ولكن يف صربه هذا تحديا للجميع ممن‬
‫يريد أن ينازعه األمر‪ ،‬فقد قال ذات مرة يفصح عام بداخله‪( :‬ما قاتلتكم لتصوموا‬
‫وال لتصلوا وال لتحجوا وال لتزكوا‪ ،‬قد علمت أنكم تفعلون ذلك‪ ،‬ولكن قاتلتكم‬
‫ألتأمر عليكم‪ ).‬وهي قولة مل يقلها أحد غريه من املطبوعني عىل الصولة والزعامة‪،‬‬
‫ألنهم ال يحتاجون إليها‪ ،‬ولكنه قالها ألنها قعدت عىل صدره لطول ما صرب عىل‬
‫مجابهة هذا ومصانعة ذاك‪.‬‬

‫*****‬

‫_ حمل عمرو بن العاص كتاب النبي صىل الله عليه وسلم إىل ُعامن والذي يدعوا‬
‫فيه َجيفر وع ّباد ابني ال ُجلندي إىل اإلسالم‪ ،‬وكان يف الكتاب بعد السالم عىل من اتبع‬
‫الهدى( أما بعد‪،‬فإين ادعوكام بدعاية اإلسالم‪ ،‬أسلِام فإين رسول الله إىل الناس كافة‬
‫ألنذر من كان حيا ويحق القول عىل الكافرين‪ ،‬وإنكام إن أقررمتا باإلسالم وليتُكام‪،‬‬

‫‪145‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وإن أبيتام أن تقرا باإلسالم فإن ملككام زائل‪ ،‬وخييل تحل بساحتكام‪ ،‬وتظهر بنويت‬
‫عىل ُملككام)‪.‬‬

‫وكان اختيار عمرو بن العاص لهذه املهمة ألنه يستجمع لكل ما فُطر عليه من‬
‫اللباقة والدهاء و ُحب الرئاسة والرثاء‪ .‬فحمل الكتاب وبدأ بأصغر األخوين ع ّباد‪،‬‬
‫ألنه مل يكن عىل والية امل ُلك فهو أقرب إىل ُحسن اإلصغاء‪ ،‬فاحتفى به عباد‪ ،‬وأصغى‬
‫إليه ووعده أن يوصله إىل أخيه وميهد له عنده‪ .‬ثم لقي عمرو جيفرا فغذا هو‬
‫صعب املراس من عباد‪ ،‬فطفق يسأل عمرا عن نفسه وعن ابيه وهل اسلم قبله‬
‫ام مات عىل غري اإلسالم؟ وسأله عام صنعت قريش‪ .‬فلخص له عمرو املوقف أوقع‬
‫تلخيص متحديا له‪ ..‬قائال‪ :‬إما راغب يف الدين‪ ،‬وإما مقهور بالسيف‪ ،‬ثم عقّب بكالم‬
‫وجيز فيه وعد ووعيد قائال‪ :‬وأنت إن مل تُسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل‪ ،‬فأسلم‬
‫تسلم‪ ،‬فيوليك عىل قومك‪ ،‬وتبقى عىل ُملكك يف اإلسالم‪ ،‬وال تدخل عليك الخيل‬
‫والرجال‪ ،‬ويف هذا ومع سعادة الدارين راحة من القتال‪.‬‬
‫وأتبع هذا الوعيد مبا يوامئه من قلة االكرتاث لجيفر حني ظل عىل عناده‪ ،‬وأعلن‬
‫عمرا بلقاء املسلمني دون أرضه وصدهم عن حوزة ُملكه‪.‬‬

‫وانرصف عمرو وقد ألقى يف روع عباد وجيفر ما ألقى‪ ،‬فإذا بعباد قد أت ّم له ما بدأه‬
‫من النذير والنصيحة‪ ،‬وإذا باألخوين ومن تبعهام يستجيبون لإلسالم‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫‪146‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ يجب يف التعامل مع الرجال إما أن تتود إليهم وإما أن متحقهم من الوجود‪ ،‬ألن‬
‫الناس ينتقمون ملا يجرحهم وال يستطيعون االنتقام ملا يقيض عليهم متاما‪ ،‬ولذلك‬
‫إذا أردت أن تصيب أحدا فتأكد أن األرضار التى تسببها لهم لن تسمح لهم بالعودة‬
‫للثأر‪( .‬مكيافيليل)‬

‫_ حني تحارص شخصا وال تُبق له أمال يف التعايف‪ ،‬اتركه يشنق نفسه بنفسه‪ ،‬ويصبح‬
‫املذنب يف تدمري نفسه‪ ،‬وستحصل عىل النتيجة نفسها ولكن لن تشعر بنفس القدر‬
‫من الذنب‪.‬‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫_ أن املفاوضات ثعبان ماكر يلتهم انتصارك‪ ،‬فال ترتك ألعدائك ما يفاوضون عليه‪.‬‬
‫أبقهم دون أمل أو فرص للمناورة‪ ،‬وأن عليهم أن يعلموا أنهم ُهزموا وأن هذا هو‬
‫كل مالديهم‪.‬‬
‫_ للحضور أهمية قصوى يف هذه القاعدة ويف اإلغواء أيضا‪ ،‬عليك أن تُكثف حضورك‬
‫أو أن تخلق لدى من تريد أن تؤثر فيه الشعور الدائم بحضورك الدائم‪ ،‬ففقدان‬
‫الشخصية وغياب الهيبة يرمز إىل فقدان القوة‪.‬‬

‫_ إذا تحديت شخصا ما فاحرص عىل أن تُفقده الوسائل التى متكنه من أن يرد لك‬
‫الرضبة التى ستوجهها إليه‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ عمر بن الخطاب ريص الله عنه كان أشد الخلفاء عىل والته‪ ،‬ومل يكن أحد ليجرتئ‬
‫عليه‪..‬عىل ما يجدونه منه من شدة ومحاسبة دامئة‪ .‬ولكن عمرو بن العاص ريض‬
‫الله عنه يف واليته عىل مرص يف حياة عمر قد اقتصد يف تحصيل الرضائب حتى‬
‫ارتاب الخليفة يف أمره‪ ،‬وحاسبه حسابا عسريا كعادته يف محاسبة العامل والوالة‬
‫إبراءا لذمته من العبث ببيت املال‪ .‬وعمرو وهو من هو يف ُخلقه وقوة شكيمته‪.‬‬
‫كتب الفاروق عمر بن الخطاب كتابا يف ذلك وأرسله إىل عمرو يف مرص يتعجب فيه‬
‫من أن أرض مرصال تؤدي ما كانت تؤديه ويعرض له ببعض الشبهات‪ ،‬فأجابه‬
‫عمرو مغضبا‪ (:‬إننا عملنا لرسول الله صىل الله عليه وسلم وملن بعده‪ ،‬فكنا بحمد‬
‫الله مؤدين ألماناتنا‪ ،‬حافظني ملا عظم الله من حق أمتنا‪ ،‬وإن الله قد نزهني عن‬
‫بعض الطُّ َعم الدنيئة‪ ،‬والرغبة فيها بعد كتابك الذي مل تستبق فيه عرضا‪ ،‬ومل تكرم‬
‫فيه أخا‪).........‬إىل أن قال وهو أشد ما واجه به أحد من الوالة أمري املؤمنني عمر‬
‫بن الخطاب(والله يا ابن الخطاب ألنا حني يراد مني ذلك أشد غضبا لنفيس‪ ،‬ولها‬
‫إنزاها وإكراما‪ ،‬وما عملت من عمل أرى عليه متعلقا‪ ،‬ولكني حفظت مامل تحفظ‪،‬‬
‫ولو كنت من يهود يرثب ما زدت‪ ،‬يغفر الله لك ولنا‪).‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫مل يكن أحد ليجرتئ عىل أمري املؤمنني عمر بن الخطاب ريض الله عنه مبثل ما اجرتأ‬
‫عليه عمرو بن العاص‪ ،‬ولكن للسطوة متطلبات ‪ ،‬وللدهاء أمور يجب فيه إعاملها‬
‫بإظهار بعض الشدة ملن يتعامل بالشدة‪ ،‬فام كان عمرو بن العاص بالذي يقبل ان‬
‫يطعن احد يف ذمته أو يقلل من شأنه حتى ولو كان الفاروق عمر بن الخطاب ريض‬
‫الله عنهم أجمعني‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫من قوانني عزة النفس عند الدهاة‪-:‬‬
‫أال يكرم من اهانه‪ ،‬وال يحنو عىل من قسا عليه‪ ،‬وال يحن ملن باعه‪ ،‬وال يلجأ ملن‬
‫أضل طريقه عمدا‪ ،‬وال يشتاق إىل من استغنى عنه‪.‬‬
‫_ ملا عزل عثامن ريض الله عنه عمرو بن العاص من والية مرص‪ ،‬ترقب عمرو يف‬
‫بيته بفلسطني حيث تفرتق ال ُُسبل( الطرق) بني الحجاز ومرص والشام والعراق‬
‫السبل وهو آمن جهد ما يتاح له األمان‪ ،‬ورمبا‬‫يحرض من يحرض من عابري تلك ُ‬
‫رحل بني الحني والحني إىل مكة أو املدينة يستطلع ويستوثق ويدفع الحوادث إىل‬
‫الطريق الذي يرتجيه‪ ،‬حتى وىش به الوشاة إىل الخليفة‪ ،‬فاستدعاه عثامن وأغلظ يف‬
‫يل وتأتيني بوجه وتذهب عني‬ ‫شتمه يقول له بأح ّد لسان‪ :‬يا ابن النابغة‪..‬أتطعن ع ّ‬
‫بوجه اخر؟ فتنصل عمرو وقال‪ :‬إن كثريا مام يقول الناس وينقلون إىل والتهم باطل‪.‬‬
‫فقال الخليفة‪ :‬استعملتم عىل ظلمك وكرثة القالة فيك‪ .‬فثار عمرو إىل فخره القديم‬
‫يقول‪ :‬لقد كنت عامال لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض‪ .‬فقال عثامن‪ :‬لو‬
‫أخذتك مبا اخذك به عمر الستقمت ‪ ،‬ولكني لِ ُ‬
‫نت عليك فاجرتأت‪.‬‬
‫ومع هذا كان عثامن يستشريه كلام أعيته الحيلة وغلبته الحرية يف حكومته‪ ،‬فكان‬
‫عمرو ينصحه مبا يعلم أنه ال يضريه وال ينفع الخليفة‪ ،‬فيقول له‪ :‬أرى ان تلتزم‬
‫طريقة صاحبك_ أي الفاروق_ فتشتد يف موضع الشدة‪ ،‬وتلني يف موضع اللني‪ ،‬وإن‬
‫الشدة تنبغي ملن ال يألوا الناس رشا‪ ،‬واللني ملن ال يخلص بالنصح وقد فرشتهام‬
‫جميعا باللني‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫يف أوجز عبارة كان عمرو بن العاص أول من يعلم أن طريقة عمر ال يصلح لها غري‬
‫عمر‪ ،‬وأنه مكلف عثامن شططا حني يُركبه منت هذا الطريق الذي سلكه عمر‪ ،‬وهو‬
‫الذي قال له عثامن يوما‪:‬‬
‫لقد أمرت عبدالله بن سعد أن يتبع أثرك‪.‬‬
‫فقال عمرو له‪ :‬لقد كلفته شططا يا أمري املؤمنني‪.‬‬
‫*****‬
‫_ ملا تدرجت الفتنة يف التفاقم واالستفحال‪ ،‬دعا عثامن ملجلس شوري وكان من‬
‫بني املجلس عمرو بن العاص‪ ..‬فقال له عثامن‪ :‬ماترى يا عمرو؟ فلم يباىل عمرو أن‬
‫يجيبه أمام صحبه بجرأة‪ /‬إنك قد ركبت الناس مبثل بني أمية‪ ،‬فقلت وقالوا‪ ،‬وزغت‬
‫وزاغوا‪ ،‬فاعتدل او اعتزل‪ ،‬فإن أبيت فاعتزم عزما وامض قُدما‪ .‬وملا تفرق املجلس‬
‫خال عمرو بالخليفة وقال له يعتذر بينه وبينه‪ :‬ال والله يا أمري املؤمنني ألنت أكرم‬
‫ىل من ذلك‪ ،‬ولكن قد علمت أن بالباب قوما قد علموا أنك جمعتنا لنشري عليك‪،‬‬ ‫ع ّ‬
‫فأحببت ان يبلغهم قويل فأقود لك خريا‪ ،‬وأدفع عنك رشا‪.‬‬
‫وكانت دولة عثامن تضعف يوما بعد يوم‪ ،‬فصاح به عمرو يف املسجد ذات مرة‪:‬‬
‫اتق الله يا عثامن‪.‬فإنك قد ركبت أمورا وركبناها معك فتُب إىل الله نتُب‪ .‬ثم ترك‬
‫عمرو الفتنة وأوي إىل بيته بفلسطني يتلقى الركبان ويسأل منهم كل عابر ينفعه‬
‫سؤاله‪ ،‬فمر به راكب من املدينة فاستخربه خرب عثامن‪،:‬فقال الراكب‪ :‬إنه محصور‪،‬‬
‫ثم أعقبه راكب اخر‬

‫‪150‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال‪ :‬قُتل عثامن‪ .‬فصاح يومئذ عمرو قائال‪ :‬انا ابو عبدالله إذا نكأت قرحة أدميتها‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬والله إين كنت ألقى الراعي فأحرضه عىل عثامن‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ رس النجاح يف أي يشء يكمن يف القدرة عىل الرتكيز عىل هدف واحد والدفع‬
‫باستمرار إىل أن تناله‪.‬‬
‫_ كان عزل عثامن لعمرو بن العاص مبثابة إعالن حرب عىل عمرو‪ ،‬فليس عمرو‬
‫بالذي يحتمل هذا العزل أو يستكني إليه‪ ،‬وليس هو بالرجل الذي يثور يف غري‬
‫موضع الثورة‪ ،‬أو يأخذ يف انتقام ال يثق يف إنفاذه وسالمة عقباه عليه‪ ،‬فأعلن‬
‫التحدي رسا‪ ،‬وجلس يرتبص الدوائر بالعهد كله واضعا نُصب عينيه هدفا وحيدا‬
‫وهو إنهاء دولة عثامن بن عفان‪.‬‬
‫_ من الحامقة أن تتحرك اعتباطا دون أن تحدد هدفك ‪،‬أو أن تهاجم الجميع‪ ،‬بل‬
‫عليك أن تعرف من يتحكم باألمور ومن الذي يحرك املشهد خلف الكواليس‪.‬‬
‫_ عند تحديك لخصم أو عدو عليك اال تكون رحيام ‪ ،‬بل تسحق اعدائك دون‬
‫رحمة‪ ،‬واملغزي من ذلك بسيط وهو ‪...‬أعدائك يتمنون لك الرش وليس هناك أحب‬
‫إليهم من التخلص منك‪ ،‬فال تتوقف يف منتصف الطريق فتكون قد شددت من‬
‫عزمهم فيعودون لالنتقام منك يوما ما‪ ،‬فال تأخذك رحمة بأعدائك‪ ،‬اسحقهم وال‬
‫تبق لهم شيئا ‪ .‬كام يريدون أن يسحقوك‪ ،‬ففي النهاية لن تحظي باألمان والسالم‬
‫من اعدائك إال بالقضاء عليهم‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ غاية الدهاء يف هذه القاعدة ‪ :‬هو التحكم التام باعدائك وإخضاعهم إلرادتك‬
‫وإن مل ترتك لهم خيارات لن يكون أمامهم إال االستجابة ألوامرك‪.‬‬

‫_ عليك أن تخطط بوضوح للطريق الذي يوصلك للنهاية التى تريدها آخذا يف‬
‫االعتبار كل العقبات والعوائق ونكبات القدر التى قد ت ُبعد عنك املجد ومتنحه‬
‫لغريك‪.‬‬

‫*****‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ ال تضيع وقتك يف الهجوم عىل الرؤوس املتعددة لعدوك‪ ،‬بل ابحث عن الرجل‬
‫األذىك أو األكرث عزما أو األكرث تاثريا عىل االخرين‪ ،‬وابذل كل ما تستطيع لتبعده عن‬
‫سيشل قدراتهم وسيكون هو خارج دائرة الصفوة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الجامعة ألن ذلك‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫القاعدة الساسية يف هذه اللعبة‪ :‬أن رجال واحدا لديه القدرة والعزم ميكن أن يُحول‬
‫قطيعا من الخراف إىل أسود‪ ،‬ال تلتفت للقطيع ولكن انتبه لهذا الشخص جيدا‪.‬‬

‫_ ال تضيع وقتك الثمني أو تهدر طاقاتك يف اقتناص خروف او اثنني وال تخاطر‬
‫بحياتك مبهاجمة الكالب التى تحرس القطيع‪ ،‬بل استدرج الراعي بعيدا وسوف‬
‫تتبعه الكالب وحينها ستتساقط الخراف يف يدك واحدا واحدا‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ إذا أردت قوسا ُخذ األقوي‪،‬وإن أطلقت سهام فليكن األطول‪ ،‬وليك ترضب الفارس‬
‫ص ّوب عىل الفرس‪ ،‬وإن أردت أن تبيد عصابة اقتل الرئيس ألن من الصعب أن تقتل‬
‫الجميع‪ ،‬وإن كان ميكنك أن توقف هجوم عدوك بالقضاء عىل القائد فامذا يفيدك‬
‫أن تُثخن يف القتل؟‬

‫(الشاعر الصيني توفو)‬

‫*****‬

‫‪153‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫اتقن لعبة اخلداع‬


‫_ يف لعبة الخداع تكون االنطباعات األوىل هي األهم‪ ،‬وإن مل يرتاب فيك الناس من‬
‫أول نظرة فاألغلب أنهم لن يرتابوا فيك بعد ذلك أبدا‪ ،‬ويصبح عليك أن تخدعهم‬
‫باملظاهر والتقليد ‪ ،‬عليك دامئا أن تالحظ مظاهر األشياء يف عاملك املحيط وأن‬
‫تقلدها عندما تستدعي الحاجة إىل ذلك‪ ،‬وأن تغري عاداتك يف املظهر وامللبس‬
‫واألسلوب لتعكس الصورة التى تريدها‪.‬‬
‫_ قواعد لعبة الخداع مع الصفوة‪-:‬‬
‫_ تجنب التفاخر بنفسك عندما ال تكون هناك حاجة لذلك‪ ،‬وال تبالغ يف اإلشارة إىل‬
‫إنجازاتك‪..‬فالتواضع عموما يفيدك أكرث‪.‬‬
‫_ خاطب الناس عىل قدر عقولهم ومكانتهم‪.‬‬
‫_ ال تجعل نفسك أبدا نذير شؤم‪ ،‬احرص عىل أن تكون دامئا بشريا بالخري ألن ذلك‬
‫سيسعد الجميع خاصة أوليائك وال تفعل العكس وتذكر دامئا (امللك يقتل حامل‬
‫النبأ اليسء)‪.‬‬
‫_ ال تُرصح بنقد من يرأسونك‪ ،‬وال تتجرأ أبدا عىل ول ّيك أو تعامله كأنه صديقك‬
‫املقرب‪ ..‬بل كن تابعا مخلصا‪.‬‬

‫_ تحكم بانفعاالتك‪ ،‬وتعلّم أن تكتم مشاعرالغضب أو الرضا أو الضيق أو االعجاب‬


‫أو غري ذلك من املشاعر‪ ،‬وتحكّم بتعبريات وجهك‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ عليك ان تقوم بتجنيد مجموعة من االشخاص ملساعدتك يف القيام بخدعتك‬
‫إذا عجزت عن القيام بها مبفردك‪ ،‬وذلك مبشاركتهم يف اللعبة لتشجيع الشخص‬
‫املراد خداعه باالنضامم أو حتى القيام بدور املغفل والتصديق عىل كالمك اثناء‬
‫قيامك بالخدعة‪ ،‬حتى ينال األمر تصديقا أكرب من ِق َبل املتلقي‪ ،‬وليك تضمن والء‬
‫املساعدين عليك أن تغريهم مبا يحفزهم ويجعلهم سعداء‪.‬‬

‫_ معاوية بن أيب سفيان ريض الله عنه نادى بالثأر من قتلة عثامن‪ ،‬وملا استتب له‬
‫وقدم قريشا حتى وصل إىل دار عثامن بن عفان‪ .‬فلقي عائشة بنت‬ ‫األمر بالخالفة ِ‬
‫عثامن‪ ،‬فندبت أباها وبكته وصاحت عليه‪ ،‬فرصف معاوية الناس عنها ثم قال لها‪:‬‬
‫يا بنت أخي إن الناس أعطونا سلطانا فأظهرنا لهم حلام تحته غضب‪ ،‬وأظهروا لنا‬
‫طاعة تحتها حقد‪ ،‬فبعناهم هذا بهذا‪ ،‬وباعونا هذا بهذا‪ ،‬فإن أعطيناهم غري ما‬
‫اشرتوا منا ش ّحوا علينا بحقنا وأبخسناهم حقهم‪ ،‬ومع كل إنسان منا شيعته‪ ،‬وهو‬
‫يرى مكان شيعته فإن نكثناهم نكثوا بنا‪ ،‬ثم آل ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا؟‬
‫أحب إ ّيل من أن تكوين أَ َمة ( جارية)‬
‫وأن تكوين ابنة عثامن وعمك أمري املؤمنني ّ‬
‫من إماء املسلمني‪ ،‬ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك‪ .‬فاستكانت ابنة عثامن وسكتت‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫خاض معاوية ومن معه من الدهاة ما خاضوا من الحروب وجنودهم يظنون بهم‬
‫أنهم يحاربون طلبا لثأر عثامن من قَتلته‪ ،‬والعا ّمة مخدوعني يف ذلك‪ ،‬مندفعني إىل‬
‫حتفهم‪ ،‬يهبون حياتهم طلبا لهذا الثأر املزعوم‪،‬‬

‫‪155‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ويف ذلك الوقت كان معاوية يحثهم عىل ما خدعهم به‪ .‬ويف الحقيقة جعلهم‬
‫يحاربون ملا يريده هو‪ ،‬ويحثهم عىل الدفع بأرواحهم يف سبيله هو إىل أن حقق‬
‫ونيس أمر الثأر لعثامن بعدما حصل له‬
‫ما يريده يف نهاية األمر وكانت له الخالفة‪َ ،‬‬
‫مقصوده من كل ذلك‪.‬‬

‫_ كان معاوية غذا خ ّوفه أحد تخ ّوف له‪ ،‬وإذا خدعه أحد انخدع له‪ ،‬حتى كان‬
‫معاوية يخافه حقا وينخدع حقا‪ .‬وليس من أحد أتقن هذه اللعبة مثل ما أتقنها‬
‫معاوية‪.‬‬

‫_ يقول عبدالله بن الزبري‪ :‬لله د ّر ابن هند_ يعني معاوية_ إنا كنا لنفرقه ( نخوفه)‬
‫وما الليث يف براثنه بأجرأ منه‪ ،‬فيتفارق لنا‪ .‬وإن كنا لنخدعه وما من ابن ليلة من‬
‫أهل األرض بأدهى منه فيتخادع لنا‪ .‬والله لوددت أنا ُمتّعنا به ما دام يف هذا الجبل‬
‫حجر( وأشار إىل جبل أيب قُبيس)‪.‬‬
‫_ أخر من بايع معاوية من الدهاة الذين كان يستميلهم إليه زياد بن أبيه‪ ،‬مل‬
‫يقنعه معاوية ومل يستطع خداعه أو استاملته‪،‬ومل يُقبل هو عىل معاوية‪ ،‬مع أنه‬
‫كان أول املنظور إىل بيعتهم يف تقدير بني أمية ألنه كان وليدا رشعيا أليب سفيان‬
‫وأخا ملعاوية من أبيه‪.‬‬

‫والّه عيل بن أيب طالب فارس وكرمان‪ ،‬فأرسل إليه معاوية يتوعده‪..‬وكانت خطيئته‬
‫الكربى‪ ..‬ذلك أن زيادا قام يف الناس خطيبا يغلظ الجواب ملعاوية ويرد الوعيد‬
‫مبثله‪ ،‬وجعل يقول عىل مسمع من أتباعه يف خطبته تلك‪:‬‬
‫‪156‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫العجب كل العجب من ابن آكلة األكباد‪ ،‬ورأس النفاق‪ ،‬يخوفني بقصده إياي‪.‬‬
‫وبيني وبينه ابن عم رسول الله صىل الله عليه وسلم يف املهاجرين واألنصار‪ ،‬أما‬
‫والله لو أذن يل يف لقائه لوجدين أحمر مخشيا رضابا بالسيف‪.‬‬

‫وأدرك معاوية خطأه‪ ،‬فليس مثل زياد من يأيت بالتهديد والوعيد‪ ،‬فكتب إليه يرتضاه‬
‫ويلني القول ودعاه بزياد بن أيب سفيان وهو يقول له‪ :‬كأنك لست بأخي ؟ وليس‬
‫صخر بن حرب أباك وأيب؟ وشتان ما بني وبينك‪ ،‬أطلب بدم ابن أيب العاص _ عثامن‬
‫بن عفان_ وأنت تقاتلني؟ولكن أدركك عرق الرخاوة من ِقبل النساء فكنت كتاركة‬
‫بيضها بالعراء و ُملحقة بيض أخرى جناحها‪ ،‬وقد رأيت أال أؤاخذك بسوء سعيك‪،‬‬
‫وأن أصل رحمك ‪ ،‬وأبتغي الثواب من أمرك‪ ،‬فاعلم يا أخي أنك إن خضت البحر‬
‫رضب بالسيف حتى ينقطع متنه ملا ازددت من القوم إال بعدا‪،‬‬ ‫يف طاعة القوم فتُ َ‬
‫فإن بني عبد شمس أبغض إىل بني هاشم من الشفرة إىل الثور الرصيع وقد أُوثق‬
‫للذبح‪ ،‬فارجع رحمك الله إىل أصلك‪ ،‬واتصل بقومك‪ ،‬وال تكن كاملوصول يطري بريش‬
‫غريه‪ ،‬فقد أصبحت ضال النسب‪ ،‬وما فعل بك ذلك إال متاديك يف األمر‪ ،‬فإن أحببت‬
‫جانبي ووثقت يب فإمرة بإمرة وإن كرهت جانبي ومل تثق بقويل ففعل جميل‪ ،‬وال‬
‫يل‪ .‬والسالم‪.‬‬
‫ّيل وال ع ّ‬
‫ومع كل هذا اللني يف الخطاب والوعد الحسن يف الجواب‪ ،‬مل يسيجب زياد لدعوته‬
‫حتى قُتل اإلمام وصالح ابنه الحسن معاوية‪ ،‬ولبث معاوية قلقا من زياد و ُجرأته‪،‬‬
‫ال يأمن مكره حيث كان يقول لخاصته (ما يؤمنني أن يبايع لرجل من آل البيت‬
‫يل الحرب جذعة)‪.‬‬
‫فإذا هو قد اعاد ع ّ‬
‫‪157‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫العربة‪-:‬‬
‫_ أخطأ معاوية حني تهدد زيادا وتوعده‪ ،‬فحاول إدراك األمر وإعادة لعبة الخداع‬
‫ولكن هذه املرة باللني‪.‬رمبا ألنه مل يعرف زياد حق املعرفة‪ ،‬أو قلّل من شأنه‪...‬‬
‫فزياد ال تنطيل عليه ما ينطيل عىل العامة من أمور‪ ،‬ولكنه داهية يطعن يف داهية‪،‬‬
‫ومخادع يكيد ملخادع‪ ،‬ويف النهاية مل يستطه أحد منهم أن يخدع االخر‪.‬‬
‫_ تذكر جيدا‪-:‬‬
‫الذيك األريب ‪..‬الداهية بحق لن تنطىل عليه ِحيلك وال خداعك له‪ ،‬فلن تخدعه مبا‬
‫خدعت به العامة‪..‬فهم ليسوا أدهياء مثله‪ ،‬وال يرسي عليه ما رسى عىل العوام‪.‬‬
‫ولكن عليك أن تستميله بأي مثن كان ‪ ،‬اجعله يرى فيك ما ينقصه‪..‬إن كان ماال‬
‫أغدق عليه منه‪ ،‬وإن كانت شجاعتك فكن سخيا عليه بها‪ ،‬وإن كان منصبا فاشغله‬
‫به‪ ،‬وإن كان له كل هذا فعليك مبهادنته ومساملته‪ ،‬وال تقطع حبل التفاوض بينك‬
‫وبينه‪ ..‬وليكن الوسيط بينكام داهية مثلكام قد تعلقت حبال مصالحه بك‪ ،‬واتركه‬
‫لأليام والظروف وسيأتيك وحده‪..‬فاملصالح تتصالح‪.‬‬
‫_ ُخذ وقتك لتتعرف عىل مشاعر من تتعامل معهم‪ ،‬ونقاط تأث ُرهم النفسية واعلم‬
‫أن استخدام القوة يزيد مقاومة االخرين‪ ،‬أما القلب املفتوح فهو املفتاح للوصول‬
‫إىل معظم الناس‪،‬ألن معظمنا كاألطفال تحكمنا مشاعرنا وليك ت ُلني قلوب من تتعامل‬
‫معهم عليك باستخدام الشدة والتسامح بالتبادل‪ ،‬وليك تخدعهم ح ّرك مخاوفهم‬
‫وال تنىس أن تثري فيهم أيضا مشاعر الحب والحرية وغري ذلك حتى يخضعوا لك‪،‬‬
‫ومبجرد أن يخضعوا لك ستجدهم حلفاء ينارصونك بقوة طوال حياتهم‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل غزة‪ ،‬فبعث إليه أمريها أن‬
‫أرسل إ ّىل رجال من أصحابك أُكلمه‪ ،‬ففكر عمرو وقال ‪ :‬ما لهذا األمر أحد غريي‪..‬‬
‫فقام وتنكر ودخل عىل أمريها وأسمعه كالما مل يسمع مثله قط‪ .‬فقال له األمري‪:‬‬
‫حدثني عن أصحابك‪ ،‬هل فيهم أحد مثلك؟ فقال عمرو‪ :‬ال تسأل عن هواين عليهم‬
‫إذ بعثوين إليك وع ّرضوين ملا ع ّرضوين فال يدرون ما تصنع يب‪ .‬وشك فيه األمري أنه‬
‫هو عمرو بن العاص نفسه‪ ،‬فأمر له بجائزة وكسوة وبعث إىل البواب‪..‬إذا مر بك‬
‫فاقطع عنقه وخذ ما معه‪ ،‬ومر عمرو برجل من النصارى من غسان فعرفه فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫فأحسن الخروج‪ ،‬فرجع إىل األمري فقال له‪ :‬مار ّدك إلينا؟ قال‬ ‫قد أحسنت الدخول‬
‫عمرو‪ :‬نظرت فيام أعطيتني فلم أجد ذلك ليسع بني عمي فأردت أن آتيك بعرشة‬
‫منهم فتعطيهم ما أعطيتني فيكون معروفك عند عرشة خري من أن يكون عند‬
‫واحد‪ .‬فقال األمري‪ :‬صدقت‪..‬أَعجِل بهم‪ ،‬وبعث إىل البواب ليخيل سبيله‪ ،‬فخرج‬
‫عمرو وهو يلتفت حتى إذا أ ِمن ‪..‬قال‪ :‬ال عدتُ ملثلها أبدا‪ .‬فلام صالحه عمرو دخل‬
‫عليه األمري فلام رآه قال له‪ :‬أنت هو؟ فقال عمرو‪ :‬نعم‪..‬عىل ما كان من غدرك‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ املخادعني بحق هم من يتكلمون ويترصفون بطريقة مألوفة ومعتادة‪ ،‬وال يضللون‬
‫الناس بالكالم املزخرف والحكايات املؤثرة ألنهم يعلمون أن املبالغة تولّد الشك‬
‫والريبة‪ ،‬ومبجرد أن يطمنئ خصمك فلن يالحظ أي خداع تحكيه لهم‪ ،‬والسبب‬
‫يف ذلك‪..‬أن الناس ال يستطيعون الرتكيز يف أكرث من يشء يف وقت واحد‪ ،‬ويصعب‬
‫عليهم أن يتخيلوا أن الشخص الوديع واملسامل الذي يتعاملون معه ميكنه أن يدبر‬
‫لهم شيئا يف الخفاء‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ أكرث طُرق الخداع فعالية ‪..‬القيام بأعامل وتلميحات تدل عىل ال ُنبل‪ ،‬ألن الناس‬
‫يحبون أن يقنعوا أنفسهم بأن هذا النبل صادق وحقيقي ألن ذلك ميتعهم ويرضيهم‬
‫ويجعلهم ينسون أن هذا ال ُنبل قد يكون مفتعال وخادعا‪.‬‬
‫_ من نقاط الضعف النفسية التي ميكن أن تؤيت مثارها معك‪..‬ميل الناس لالنخداع‬
‫باملظاهر‪ ،‬والظن بأن من يترصف وكأنه واحد منهم يكون بالفعل مخلصا لهم‪ .‬هذه‬
‫العادة تجعل االمتزاج التام بالناس من الواجهات الفعالة للغاية‪..‬وتحقيق ذلك‬
‫يقل شك االخرين فيك‪.‬‬‫سهل للغاية‪..‬أن تخالط من حولك وكلام زاد امتزاجك بهم ّ‬
‫_ يتطلب منك األمر صربا وتواضعا لتتمكن من إخفاء صفاتك البارزة واملتألقة‪،‬‬
‫وارتداء قناع معتم ال يشف عن حقيقتك‪ ،‬وال يحزنك أن يحرمك هذا القناع الرمادي‬
‫من انبهار الناس بحيويتك ومواهبك‪ .‬ألن أغلب ما يُظهرك مبظهر القوة ويجذب‬
‫الناس إليك هو عدم قدرتهم عىل قرائتك‪.‬‬
‫_ ضع نُصب عينيك دامئا‪-:‬‬
‫الضأن شديد الوداعة‪ ،‬وال يغدر وال يخدع أبدا‪ ،‬ولكن حني يرتدي الثعلب جلد‬
‫الضأن ميكنه أن يتجول بحرية يف حظرية الدجاج‪.‬‬

‫*****‬
‫_ حرض عمرو بن العاص مجلس معاوية وحاجبه يستأذن لوفود األنصار‪ .‬فقال‬
‫عمرو‪ :‬ما هذا اللقب يا أمري املؤمنني؟ اردد القوم إىل أنسابهم‪ .‬ثم قال للحاجب‪:‬‬
‫اخرج فقل من كان هاهنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل‪..‬فدخل َولد عمرو بن‬
‫عامر كلهم إال األنصار‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فنظر معاوية لعمرو نظرة منكرة وقال‪ :‬باعدت جدا‪.‬‬

‫فقال عمرو للحاجب‪ :‬اخرج فقل من كان هاهنا من األوس والخزرج فليدخل‪.‬‬
‫فخرج الحاجب فقالها‪..‬فدخلوا يقدمهم النعامن بن بشري األنصاري وهو يقول‪-:‬‬

‫نسب نجيب به سوى األنصار‬ ‫تجب الدعاء فاملنا‬


‫يا سع ُد ال ِ‬
‫منكم يوم القليب هم وقود النار‬ ‫إن الذين ث َ َووا(قُتلوا) ببدر‬

‫فجعل معاوية يقول متندما ‪ :‬لقد كنا أغنياء عن هذا‪ .‬وعمرو يضحك‪.‬‬

‫_ العربة‪_:‬‬

‫كان عمرو يف نصائحه ملعاوية سديد املرمى قبل هزمية عىل ريض الله عنه‪ ،‬ولكنه‬
‫كان متهام يف كل نصيحة أدىل بها إىل معاوية بعد ذلك‪ ،‬وكان ظاهرا من نصائحه‬
‫يف جملتها أنه أراد أن يثري عليه العداوات‪ ،‬وأن يُوغر عليه صدر الصحابة‪ ،‬ويرتكه‬
‫مشغوال بخوف الفتنة أو واقعا يف جوانبها‪ .‬فعمرو هو أقرب قريب من الخالفة‬
‫متى زال عنها معاوية‪ ،‬ورغم ذلك كان معاوية يسمع منه نصائحه وال يدرك ما فيها‬
‫إال بعد فوات األوان‪ ،‬فيستدرك بدهائه ما أوقعه عمرو فيه‪ ،‬وما فعل ذلك عمرو‬
‫إال ألنه أتقن لعبة الخداع جيدا‪ ،‬فكان يخادع الجميع ويخدعهم حتى معاوية‬
‫رغم علمه به وحرصه منه‪ ،‬لكنها سياسة عمرو الناعمة التى تشتمل عىل الخداع‬
‫والتضليل إلدراك الغاية التى يسعى إليها‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ من السهل جدا أن تخدع من يستعجل األمور‪ ،‬ألنه اليرى األمور ببصرية املتأين‬
‫املتأمل للحوادث‪.‬‬

‫_ خداع االخرين يتنايف مع قواعد األخالق العامة‪ ،‬إال أنه يصبح رضورة يف بعض‬
‫األحيان‪..‬لص ّد رضر‪ ،‬أو تحصيل منفعة ال ميكن تحصيلها بدون خداع االخرين‪.‬‬

‫( مثل صيني)‬ ‫_ تنكر كخنزير يك تصيد النمر‪.‬‬

‫_ لتخدع شخص ما‪..‬اتبع االيت‪-:‬‬

‫‪-1‬حدد هدفك وما ترغب يف الوصول إليه أو الحصول عليه عند القيام بخداع‬
‫االخرين‪.‬‬

‫‪-2‬اختار الطريقة الخاصة بك‪..‬سواء كان ذلك ماال أو مفاوضات‪ ،‬أو مصالح مشرتكة‬
‫بينك وبني من تخادعه‪ ،‬أو غريها مام يتناسب لك‪.‬‬

‫‪-3‬ع ّدل سلوكك حتى تتمكن من توصيل الكذب عىل أنه حقيقة‪.‬‬

‫‪-4‬ابحث عن سبب يدعوا االخرين إىل الثقة بك مبا يكفي لتخدعهم ‪.‬‬

‫‪-5‬قبل القيام بخداع االخرين عليك التأكد من أن كل يشء تحتاجه يف مكانه‬


‫الصحيح‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪-6‬إذا كنت تريد إخفاء دورك يف لعبة الخداع يجب أن تتظاهر بالرباءة والتعاطف‬
‫حتى النهاية‪ ،‬فتفاعلك مع عواقب الخدعة سيغري من عالقتك بالضحية بصورة‬
‫كبرية‪.‬‬

‫‪-7‬تجنب الشعور بالذنب‪ ،‬واجعل ابتعادك عن مكان الخدعة غري ُملفت للنظر‪،‬‬
‫فاالبتعاد فور قيامك بخداع االخرين سيجعلك موضع الشك األول‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫الفخ‬
‫تتجل قيمة الدهاء والحيلة يف الفخ الذي تنصبه ألعدائك‪ .‬يشء قد يكون أشبه‬
‫_ ّ‬
‫بالصياد حني يوقع فريسته‪ ،‬يحتال عليها وينصب الفخ مبهارة فيجرد فريسته من كل‬
‫أسلحتها فال تجد إال اإلذعان والرضوخ‪ .‬دع األمر يظهر عىل أنه قدر من الترشيف‬
‫والتعظيم بينام هو يف الحقيقة فخ محكم الصنع‪ ،‬وما ال يتوصل له بالقوة يُتوصل‬
‫له بالحيلة‪.‬‬
‫_ عليك أن تكتشف مفتاح الشخصية لدى كل من تتعامل معهم‪ ،‬فذلك هو فن‬
‫جعل الناس يفعلون ما تريدهم أن يفعلوه‪ ،‬وهو فن ال يتطلب اال القوة بقدر ما‬
‫يتطلب املهارة والتدريب‪ .‬كل إرادة يحركها دافع ما يختلف حسب ميل صاحبها‪،‬‬
‫فال يوجد من الناس إال قليلون ال يخضعون لوثن ما‪..‬فالبعض يعبدون الشهرة‬
‫واخرون مهووسون باالمتالك واملصالح الذاتية والغالبية يخضعون للشهوات‪ .‬املهارة‬
‫هي أن تعرف وثن كل شخص وتُخضعه به‪ ،‬فمعرفتك مبنبع الدوافع التى تحرك‬
‫الشخص أشبه بامتالك املفتاح الخضاع إرادته‪ ( .‬بالتسار جراتسيان)‬
‫_ اقرتب من هدفك بطرح فكرة تبدو عادية ومألوفة وسوف يتشتت ذهن من‬
‫تخادعه لتستدرجه إىل فخك‪ ،‬فتزول عنه شكوكه وينقاد معك إن أخذته برفق عرب‬
‫املسار املنزلق الذي يف نهايته سيكون فريسة سهلة ملكيدتك‪.‬‬
‫_ األفضل لك حني تستدرج خصومك للفخ الذي أعددته لهم أن ترتكهم يختارون‬
‫السم ألنفسهم بأنفسهم‪ ،‬ثم تسعى جاهدا إلخفاء أنك من قدمته لهم‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا أراد معاوية أ ْخذ البيعة ليزيد‪..‬كتب لواليه عىل املدينة مروان بن الحكم يقول‬
‫له‪ :‬إين كربت سني‪ ،‬ورق عظمي‪ ،‬وخشيت االختالف عىل األمة من بعدي‪ ،‬وكرهت‬
‫أن أقطع أمرا دون مشورة َمن عندك‪ ،‬فاعرض عليهم ذلك وخربين مبا ير ّدون‪.‬‬
‫فلام قرأ الكتاب عىل الناس يف املسجد هاجوا وماجوا‪ ،‬فقال عبدالرحمن بن أيب‬
‫بكر‪:‬ما الخري أردتم ألمة محمد‪ ،‬ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية‪ ..‬كلام مات‬
‫هرقل قام هرقل‪.‬‬
‫وقام الحسني ين عىل فأنكر ذلك‪ ،‬وفعل مثله عبدالله بن عمر‪ ،‬وعبدالله بن الزبري‪.‬‬
‫وقدم معاوية املدينة بعد فراغه‬ ‫فكتب مروان بن الحكم إىل معاوية ما حدث‪ِ .‬‬
‫من أداء العمرة‪ ،‬وحاول أن يقنع كبار الصحابة يف ذلك‪ ..‬فخاطبهم يف شأن البيعة‬
‫ليزيد‪ ،‬ولكنهم أنكروا جميعا عليه‪ ،‬فلام رأى منهم إرصارا وعنادا‪..‬أرسل يف طلبهم‬
‫جميعا وقد عهدوا أن يتحدث ابن الزبري بلسانهم جميعا‪ ،‬فلام دخلوا عىل معاوية‬
‫ر ّحب بهم وقال لهم‪ :‬قد علمتم نظري لكم وتعطفي عليكم وصلتي أرحامكم‪،‬‬
‫ويزيد أخوكم وابن عمكم‪ ،‬وإمنا أردت أن أقدمه باسم الخالفة وتكونوا أنتم تأمرون‬
‫وتنهون‪ ..‬فسكتوا جميعا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أجيبوين‪..‬ثم أشار إىل ابن الزبري أن يتكلم ‪،‬‬
‫فقال ابن الزبري له‪ :‬نخريك بني ثالث خصال‪:‬‬
‫فقال معاوية ‪ :‬اعرضهن‪.‬‬
‫فقال ابن الزبري‪:‬تصنع كام صنع رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬أو كام صنع أبو‬
‫بكر‪ ،‬أو كام صنع عمر‪ .‬فقال معاوية‪ :‬ما صنعوا؟‬

‫‪165‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال ابن الزبري‪ :‬قُبض رسول الله صىل الله عليه وسلم ومل يستخلف أحدا فارتىض‬
‫الناس أبا بكر خليفة‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬ليس فيكم مثل أيب بكر وأخاف االختالف‪.‬‬

‫قال ابن الزبري‪ :‬صدقت‪ ،‬فاصنع كام صنع أبو بكر‪ ،‬فإنه عهد إىل رجل من قاصية‬
‫قريش وليس من بني أمية فاستخلَفه‪ ،‬وإن شئت فاصنع كام صنع عمر‪..‬جعل األمر‬
‫شورى يف ستة نفر ليس فيهم أحد من ولده وال بني أبيه‪ .‬قال معاوية البن الزبري‪:‬‬
‫هل عندك غري هذا؟ قال ابن الزبري‪ :‬ال‪.‬‬

‫فتوعدهم معاوية وصاح فيهم قائال‪:‬إين كنت أخطب فيكم فيقوم القائم منكم إ ّيل‬
‫يل‬
‫فيكذبني عىل رؤوس الناس فأصفح‪ ،‬وإين اليوم قائم مبقالة وأقسم بالله لنئ ر ّد ع ّ‬
‫أحد منكم كلمة يف مقامي هذا ال ترجع إليه كلمة غريها حتى يسبقها السيف إىل‬
‫رأسه فال يبقني رجل إال عىل نفسه‪.‬‬
‫ثم دعا معاوية صاحب حرسه أمامهم فقال له‪ :‬أقم عىل رأس كل رجل من هؤالء‬
‫رجلني مع كل منهام سيف‪ ،‬فإن ذهب رجل منهم ير ّد عىل وأنا أخطب بكلمة‬
‫تصديق أو تكذيب فليرضباه بسيفيهام‪ ،‬ثم خرج إىل املسجد وأخذهم معه‪ ،‬ورقي‬
‫املنرب فحمدالله وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هؤالء الرهط‪ ..‬سادة املسلمني وخيارهم‪ ،‬ال‬
‫يُبتز أمر دونهم‪ ،‬وال يُقىض إال عن مشورتهم‪ ،‬وأنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد‪ ،‬فبايِعوا‬
‫عىل اسم الله‪ .‬وملا سمع الناس هذا القول اعتقدوا أن زعامؤهم بايعوا‪..‬فأق َبلوا‬
‫فبايعوا‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫وهكذا استطاع معاوية بالحيلة واالكراه معا أن يأخذ البيعة ليزيد ابنه بوالية العهد‬
‫من أهل الحجاز‪..‬بعدما سقطوا يف فخه‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ املرتابني واملتشككني أسهل من ميكن استدراجهم إىل الفخ الذي تريده‪ ،‬وكسبك‬
‫لثقتهم يف ناحية مينحك ستارا من الدخان يعميهم ويسمح لك بالتسلل وكيل‬
‫الرضبات املميته لهم يف نواح أخرى‪ ،‬ومن آليات التضليل البارعة ال ستدراجهم‬
‫نحو الفخ أن تأيت ببادرة تثبت صدقك وحسن نواياك واستعدادك للتعاون وكذلك‬
‫الترصف بطريقة تُشعر من تتعامل معه بتفوقه عليك‪.‬‬

‫_ كل الناس الذين حولك هم ضحايا محتملني ألن يقعوا يف فخك‪ ،‬لكن عليك أوال‬
‫أن تعرف منط الشخصية التي تتعامل معها‪ ،‬تعلّم أن ترى الحقيقة الكامنة خلف‬
‫هذا الشخص لتعرف كيف تنصب الفخ املالئم له‪.‬‬
‫_ املقاتل الحقيقي هو الذي يفاجئ أعدائه بخطة ماكرة وغري متوقعة‪ ،‬ولذلك‬
‫عليك أن تخفي مشاعرك تجاهه‪ ،‬وأن تبدي له عدم الرغبة يف االنتقام والتحيل‬
‫باللني قبل القوة‪.‬‬

‫_ من أخالقيات النرص عىل عدوك أال تعترب نرصك انتقاما منه‪ ،‬بل ردعا ألعداء‬
‫اخرين تتوقعهم‪ ،‬وبعدما تنال منهم تعاملهم باملعاملة الحسنة فيشعرون بضآلة‬
‫أنفسهم أمامك‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫يعس بالليل وهو أمري عىل مرص‪ ،‬فسمع ناسا‬
‫_ خرج عمرو بن العاص ذات يوم ّ‬
‫يقعون فيه ويتوعدونه‪ ،‬وعلم أنه إن تركهم إىل غده مل يعرفهم ومل يظفر بهم‪.‬‬
‫فأقبل عليهم إقبال الخائف الطريد‪،‬فأوهمهم أنه يلوذ بهم ويرضع إليه أال يسلموه‬
‫إىل األمري ألنه يتعقبهم وميعن يف طلبه‪ ،‬فاستبقوا إىل تقييده وساقوه إىل باب قرصه‬
‫ال يتخلف منهم أحد طمعا يف املثوبة‪ ،‬فأوصلهم إىل حيث يريد هو دون أن يعلموا‬
‫بذلك‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ عليك أن تتقن فن الخداع واملكر لتستدرج الناس إىل الفخ الذي تريده ‪ ،‬وليك‬
‫تتقن الخداع عليك أن تستخدم تعبريات تُضلل الناس عن مقاصدك الحقيقية‪.‬‬
‫كتعبريات الوجه التي تصعب قرائتها‪ ،‬التعبريات املحايدة التي ال متيل إىل يشء‪.‬‬
‫فاستخدامك لهذه التعبريات املألوفة يُطمنئ االخرين ويستدرجهم نحو الفخ الذي‬
‫أعددته لهم‪.‬‬

‫*****‬

‫يل كرم الله وجهه إىل موقف فصل‪ ،‬وتأهبوا للقتال‬


‫_ مل ينته معاوية يف نزاعه مع ع ّ‬
‫يل‬
‫ثانية‪ ،‬وكان معسكر معاوية ينئ من األمل وهو عىل وشك الهزمية‪ ،‬وأصبح جند ع ّ‬
‫عىل راياتهم ومصافّهم‪ ،‬فلام رآهم معاوية قد برزوا للقتال خيش العاقبة فقال‬
‫خرجت منه؟ قال‬
‫َ‬ ‫لعمرو بن العاص‪ :‬يا عمرو أمل تزعم أنك ما وقعت يف أمر قط إال‬
‫عمرو‪ :‬بىل‪ .‬قال معاوية‪ :‬فام املخرج مام ترى؟‬
‫‪168‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال عمرو‪ :‬والله ألدعونهم إن شئت إىل أمر أُفرق به جمعهم‪ ،‬ويزداد إليك جمعك‬
‫اجتامعا‪ ،‬إن أعطوكه اختلفوا وإن منعوكه اختلفوا‪.‬‬
‫فتفع ثم تدعوهم إىل ما فيها‪،‬‬‫قال معاوية‪ :‬وما ذاك؟ فقال عمرو‪ :‬تأمرباملصاحف ُ‬
‫فوالله لنئ ق ِبلَه لتفرتقن عنه جامعته‪ ،‬وإن ر ّده ليكفرنه أصحابه‪ .‬فدعا معاوية‬
‫باملصحف ثم دعا رجال من أصحابه يقال له ابن هند‪ ..‬فنرشه بني الصفني ثم نادى‪:‬‬
‫الله الله يف دمائنا ودمائكم الباقية‪ ،‬بيننا وبينكم كتاب الله‪ ،‬فلام سمع الناس ذلك‬
‫يل وقالوا له‪ :‬قد أعطاك معاوية الحق ودعاك إىل كتاب الله فاقبل منه‪.‬‬ ‫ثاروا عىل ع ّ‬
‫ورفع صاحب معاوية املصحف وهو يقول‪ :‬بيننا وبينكم هذا املصحف ثم تال( أمل‬
‫تر إىل الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يُد َعون إىل كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتوىل‬
‫فريق منهم وهم معرضون) ثم نادي‪َ :‬من لفارس من الروم؟ فقال األشعث‪ :‬والله‬
‫ال نأيت هذه أبدا ونرىض معك أو نقاتل معك‪..‬وتابعه أرشاف أهل اليمن وركنوا إىل‬
‫الصلح وكرهوا القتال‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫اجعل انسحابك مرشفا‪ ،‬مامل ينله معاوية بحربه ناله بانسحابه‪ ،‬ومن هنا يبدأ‬
‫انتصار معاوية‪ ،‬فقد ف ّرق بني عىل وعسكره ووصل معاوية مبن معه للمربع اآلمن‪..‬‬
‫وللعبة التى يتقنها‪..‬لعبة التفاوض‪.‬‬
‫_ أتقن معاوية هذا الفن‪ ،‬ينسحب ليلتقط األنفاس ويعيد الحسابات‪ ،‬ويرتب‬
‫أوراقه من جديد‪ ،‬الفخ املحكم الصنع يدخله عدوك بسهولة دون أن يشك يف‬
‫ذلك‪ ،‬سيظن أنه قد استدرجك من حيث ال يعلم أنه هو من تم استدراجه بالفعل‪،‬‬
‫وحيث يقع يف الفخ تبدأ أنت بجني مثار نرصك الكبري‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا رفع أهل الشام املصاحف عىل الرماح يوم صفني يدعون إىل ُحكم القران قال‬
‫يل ريض الله عنه‪ :‬عباد الله ‪..‬أنا أحق من أجاب إىل كتاب الله ولكن معاوية بن‬‫ع ّ‬
‫أيب سفيان وعمرو بن العاص وابن أيب معيط وحبيب بن أيب مسلمة وابن أيب رسح‬
‫ليسوا بأصحاب دين وال قرأن‪ ،‬إين أ ْع َر ُف بهم منكم‪ ،‬صحبتهم رجاال وصحبتهم‬
‫أطفاال‪ ،‬فكانوا رش أطفال ورش رجال‪ .‬إنها كلمة حق يراد بها باطل‪ .‬إنهم والله ما‬
‫رفعوها‪ ،‬إنهم يعرفونها وال يعملون بها‪ ،‬وما رفعوها لكم إال خديعة ومكر‪.‬‬

‫يل كرم الله وجهه عليا عىل التحكيم‪ ،‬وحدث ما حدث يف التحكيم‪،‬‬‫وغلب أتباع ع ّ‬
‫يل أنهم وقعوا يف فخ عمرو ومعاوية‪ .‬هرب أبو موىس إىل مكة‪ ،‬وقام‬
‫وأيقن أتباع ع ّ‬
‫يل خطيبا يف الكوفة فقال‪:‬‬
‫ع ّ‬
‫الحمدلله وإن أىت الدهر بالخطب الفادح والحدث الجلل‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال الله‬
‫وحده ال رشيك له وليس معه إله غريه‪ ،‬وأن محمداعبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‪:‬فإن‬
‫معصية الناصح الشفيق والعالِم املجرب تورث الحرسة وتعقب الندامة‪ .‬قد كنت‬
‫أمرتكم يف هذه الحكومة أمري ونحلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصري أمر‪.‬‬
‫( قصري هو موىل جذمية األبرش ملك اليمن وكان قد أشار عىل سيده أال يأمن الزباء‬
‫ملكة الجزيرة وقد دعته إىل زواجها‪ ،‬فخالفه جذمية وقصد إليها فقتلته‪ .‬فقال قصري‪.‬‬
‫يل إباء املخالفني الجفاة‪ ،‬واملنابذين‬
‫ال يطاع لقصري أمر‪..‬فأرسلها مثال) فأبيتم ع ّ‬
‫العصاة‪ ،‬حتى ارتاب الناصح بنصحه‪ ،‬وضنى الزند بقدحه‪ ،‬فكنت وإياكم كام قال‬
‫أخو هوازن (دريد بن الصمة)‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد‬ ‫أمرتكم أمري مبنعرج اللوي‬

‫أال إن هذين الرجلني ( عمرو وأبو موىس األشعري) الذين اخرتمتوهام حكمني قد‬
‫نبذا حكم القرأن وراء ظهورهام‪ ،‬وأحييا ما أمات القرأن‪ ،‬وأماتا ما أحيا القران‪،‬واتبع‬
‫كل واحد منهام هواه بغري هدى من الله‪ ،‬فحكام بغري بينة‪ ،‬وال سنة ماضية‪ ،‬واختلفا‬
‫يف حكمهام‪ ،‬وكالهام مل يرشدهام الله‪ ،‬فربئ الله منهام ورسوله وصالح املؤمنني‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫فطن عيل كرم الله وجهه للفخ الذي أعده عمرو ومعاوية له‪ ،‬غري أن اتباع عيل مل‬ ‫ِ‬
‫يل كرم الله‬
‫يفطنوا ملا فطن له اإلمام‪ ،‬وغلّبوا رأيه عىل رأيهم ولو أنهام تبعوا رأي ع ّ‬
‫وجهه لتغري وجه التاريخ متاما‪ ،‬ولكن كان االمام بني قوم كل منهم إمام نفسه فال‬
‫يطيعون أمرا لقائدهم وإمنا قائدهم هو الذي نزل عىل رأيهم مجربا وقبِل بالتحكيم‬
‫وهو يعلم متام العلم أنه فخ محكم الصنع قد وقعوا فيه باختيارهم ووقع فيه‬
‫اإلمام مجربا‪.‬‬

‫_ مثة أمر واحد يحميك من الوقوع يف أي فخ‪ ،‬أتباعك هم كلمة الرس‪ .‬هل أنت من‬
‫تقودهم؟ أم هم من يقودونك؟ مشكلة قيادة أي مجموعة هي أن الناس ميلكون‬
‫أجنداتهم الخاصة بصورة ال ميكن تفاديها‪ ،‬عليك أن ال تقع يف فخ التفكري الجامعي‪،‬‬
‫الالعقالنية التي تنتج عن اتخاذ القرار بصورة جامعية‪ .‬عليك أن تشاورهم لتجعل‬
‫نفسك تبدو مثاال لإلنصاف‪ ،‬لكن ال تتخىل أبدا عن وحدة القيادة ألنك وحدك من‬
‫سيدفع الثمن األكرب يف حال انقلبت األمور ضدك‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫ما يهم يف الحرب ليس الرجال بل الرجل ( القائد) نابليون بونابرت‪.‬‬
‫_ مل يقع معاوية أبدا يف أي فخ ألنه قرص الرأي عىل أضيق دائرة‪ ،‬وهم أعوانه من‬
‫حوله وكلهم دهاة‪ .‬أما العامة فلم يكن من شأنهم التدخل يف أي قرارات يتخذها‬
‫معاوية ‪ ،‬كام كان أتباع عيل كرم الله وجهه‪ ،‬وإمنا كان الذي عليهم السمع والطاعة‬
‫فلم يناقشوا معاوية يف قرار يتخذه ومن ذلك‪.‬‬
‫أن رجال من أهل الكوفة دخل دمشق عىل بعري له يف حال انرصافهم عن صفني‪،‬‬
‫فتعلق به رجل من دمشق وقال‪ :‬هذه ناقتي أُخذت مني بصفني‪ ..‬فارتفع أمرهام‬
‫إىل معاوية وأقام الدمشقي خمسني رجال يشهدون أنها ناقته فقىض معاوية عىل‬
‫الكويف وأمره بتسليم البعري إليه‪ ،‬فقال الكويف‪ :‬أصلح الله األمري إنه جمل وليس‬
‫بناقة‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬هذا حكم قد ميض‪ ،‬ودس إىل الكويف بعد ما تفرق الناس‬
‫فأحرضه وسأله عن مثن بعريه ودفع إليه أضعافه وب ّره وأحسن إليه وقال له‪ :‬أبلغ‬
‫عليا أين أقابله مبائة ألف ما فيهم من يفرق بني الجمل والناقة‪.‬‬
‫_ بعدما انتهى التحكيم بني عمرو وأبو موىس وتفرق الفريقان‪ ،‬امتنع عمرو عن‬
‫الذهاب إىل معاوية وإبالغه مبا كان‪ ،‬ويبدو أنه قد عزم عىل االستيالء عىل السلطة‪،‬‬
‫وتنحية معاوية عن ال ُحكم‪ ،‬ومل ال‪..‬وهو الذي خدع عليا وأصحابه يف صفني‪ ،‬ثم‬
‫احتال عىل أيب موىس يف التحكيم‪ ،‬بينام كان دور معاوية صغريا يف هذه الفرتة‪،‬‬
‫وأدرك معاوية ما يجول بخاطر عمرو‪..‬فلم ينتظر‪ ،‬وما لبث أن أرسل إىل عمرو‬
‫يدعوه‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬إمنا كنت أجيئك إذا كانت يل إليك حاجة‪،‬‬

‫‪172‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فأما إذا كانت الحاجة إلينا فأنت أحق أن تأتينا‪ ،‬فتيقن معاوية من ظنونه‪ ،‬و َخ َم َر‬
‫فصنع‪ ،‬ثم دعا خاصته ومواليه وأهله وقال‬ ‫رأيه وأعمل الحيلة‪ ،‬وأمر بطعام كثري ُ‬
‫لهم‪ :‬إين سأغدوا إىل عمرو‪ ،‬فإذا دعوت بالطعام فدعوا أهله ومواليه فليجلسوا‬
‫قبلكم‪ ،‬فإذا شبع منهم رجل وقام فليجلس رجل منكم مكانه‪ ،‬فإذا خرجوا جميعا‬
‫ومل أحد منهم فأغلقوا الباب واحذروا ألن يدخل أحد منهم إال أن آمركم‪ .‬واتفقوا‬
‫عىل ذلك‪.‬‬

‫وغدا معاوية عىل عمرو وهو جالس يف فراشه فلم يقم له عنها‪ ،‬وال دعاه لها‪،‬‬
‫فجلس معاوية عىل األرض‪ ،‬واتكأ ناحية الفراش‪ ،‬ذلك أن عمرا كان يحدث نفسه أنه‬
‫ملك األمر‪ ،‬وإليه العقد يضعها فيمن يرى‪ ،‬ويندب للخالفة من يشاء‪ .‬فجرى بينهام‬
‫كالم كثري وكان مام قاله عمرو‪ :‬هذا الكتاب بيني وبينه عليه خامتي وخامته‪ ،‬وقد‬
‫يل رجاال مل أرهم‬
‫أقر بأن عثامن قُتل مظلوما‪ ،‬وأخرج عليا من هذا األمر وعرض ع ّ‬
‫أهال لها‪ ،‬وهذا األمر إىل أن أستخلف من شئت‪ ،‬وقد أعطاين أهل الشام عهودهم‬
‫ومواثيقهم‪ ،‬فحادثه معاوية ساعة‪ ،‬وأخرجه عام كانوا عليه من الحديث وضاحكه‬
‫وداعبه‪ ،‬ثم قال يا أبا عبدالله هل من طعام؟ فقال عمرو‪ :‬اليشء يشبع كل هؤالء‪،‬‬
‫فأمر معاوية مواليه فأحرضوا الطعام املتفق عليه وقال يا أبا عبدالله ‪..‬ادع مواليك‬
‫وأهلك‪ ..‬فدعاهم عمرو وقال له ‪ :‬ادع أنت أيضا أصحابك‪ ،‬فقال معاوية‪..‬نعم نعم‪..‬‬
‫يأكل أصحابك أوال‪ .‬فجلس أصحاب عمرو وكلام شبع رجل منهم وقام‪..‬جلس مكانه‬
‫رجل من خاصة معاوية حتى خرج أصحاب عمرو وبقي أصحاب معاوية‪ ،‬ثم أُغلق‬
‫الباب‪ .‬فقال عمرو قد فعلتها يا معاوية‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال معاوية‪ :‬بيني وبينك أمران فاخرت أيهام شئت‪ ،‬البيعة يل أو أقتلك؟ ليس والله‬
‫غريهام‪ .‬قال عمرو‪ :‬فأذن لغالمي وردان أشاوره وأنظر رأيه‪ .‬فقال معاوية‪ :‬والله ال‬
‫تراه‪ ،‬وال يراك إال مقتوال أو عىل ما قلت لك‪ .‬قال عمرو‪ :‬فالوفاء إذن بطعمة مرص‪.‬‬

‫قال معاوية‪ :‬هي لك ما عشت‪ ،‬فاستوثق كل واحد منهام صاحبه‪ ،‬وأحرض معاوية‬
‫الخواص من أهل الشام ومنع أن يدخل معهم أحد من حاشية عمرو‪ ،‬فقال عمرو‬
‫لهم‪ :‬قد رأيت أن أبايع معاوية فلم أر أحدا أقوى عىل هذا األمر منه‪ ،‬فبايعه أهل‬
‫الشام وانرصف معاوية إىل منزله خليفة‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ إذا كنت مبارشا أكرث من الالزم فستكون عرضة ألن تقع يف الفخ الذي تنصبه‬
‫لعدوك‪ ،‬عليك أن تظهر مبظهر من يسعى لخلق جديدة منتقال بذلك تدريجيا من‬
‫الصديق إىل الحبيب‪ ،‬اجعل األمر يبدو وكأنك أنت وهدفك متآلفني‪ .‬اجعله يشعر‬
‫باألمان التام معك حتى ينسلق نحو الفخ ثم اهجم عليه من حيث ال يتوقع منك‬
‫الهجوم‪.‬‬

‫_ االنتقال من الصداقة إىل الحب ميكنه أن يحرز النجاح دون أن يلفت النظر إليه‬
‫كمناورة‪ ،‬محادثاتك الودية املتخذة طابع الصداقة واملحبة مع أهدافك ستجلب لك‬
‫ما تريد‪ ،‬قضاء الوقت مع أهدافك ستجعلهم مرتاحني معك عندما يعتقدون بأنك‬
‫مهتم بهم‪ ،‬فسوف يخفضون مقاومتهم وتجعلهم مستمتعني بالوهم بأنهم من‬
‫يسيطر عىل مجريات األحداث‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ تعلّم وأنت تنصب فخك أن‪-:‬‬
‫رصاعك مع خصومك يلزمك يف أغلب األحيان أن تؤذيهم وإن ظهر لهم بوضوح أنك‬
‫من آذاهم يردون بانتقام‪ ،‬لكن إن ظهر لهم أنهم هم من آذوا أنفسهم بأنفسهم‬
‫يخضعون لك رسيعا‪.‬‬
‫_ إعطاؤك للخصوم حني يقعون يف الفخ حرية االختيار أو األدق توهم حرية‬
‫االختيار مينحك سطوة كبرية حني تحدد لهم البدائل التى يختارون منها‪.‬‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ الفخ الذي تنصبه لخصمك وال يقع فيه ستقع فيه أنت‪ ،‬وحتى ال يحدث ذلك‬
‫اعرف فريستك واخرتها بعناية واحكم فخك حتى توقعهم فيه‪.‬‬
‫_يف كل مجاالت الحياة عليك أال تعطي انطباع أبدا بأنك تحتال للحصول عىل يشء‪،‬‬
‫فذلك سوف يثري مقاومة لن تستطيع تحييدها ابدا‪ ،‬لذا عليك أن تتعلم أن تتعلم‬
‫أن تدنوا من الناس بشكل جانبي‪ ،‬عتّم ألوانك وانخرط يف حياتهم‪ ،‬اظهر عىل أنه ال‬
‫يصدر منك اي تهديد أو خطر وعندها سيكون لديك املجال لتصنع الفخ املناسب‬
‫لضحيتك‪.‬‬
‫_ ازرع الشك عند أهدافك فيام يعتقدونه أو فيام يثقون فيه‪ ،‬ولكن ابق أسلوبك‬
‫خفيا‪ ،‬فكلامتك تكشف إمكانية وتخلق شكا‪ ،‬دع أهدافك يتخيلون األفكار التى قد‬
‫أث َرتها وستعرتيهم الشكوك وسرتاهم يُقتادون ببطء إىل شبكتك دون أن يدركوا أنه‬
‫فخ ولن يتسنى لهم أن يقاوموا أو يصبحوا دفاعيني‪ ،‬إذا مل يستطيعوا أن يروا ماذا‬
‫يحدث‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫كلام كان مكر املرء أكرب كانت األمور األبسط هي التى توقعه يف الفخ‪.‬‬
‫(دوستوفيسيك)‬

‫_ األمري مضطر إىل أن يعلم جيدا كيف يترصف كالحيوان ‪ ،‬فهو يقلد الثعلب‬
‫واألسد‪ ،‬لكن األسد ال يستطيع أن يحمي نفسه من الفخاخ‪ ،‬والثعلب غري قادر عىل‬
‫مواجهة الذئاب‪ ،‬عىل املرء إذن أن يكون ثعلبا ليواجه الفخاخ‪ ،‬ويكون أسدا ليخيف‬
‫الذئاب‪ ،‬ومن يريد أن يكون أسدا فقط ‪..‬ال يفهم األمور جيدا‪.‬‬

‫_ إذا وقعت يف الفخ عليك أن تخرج منه وحدك‪ ،‬إذا مل تستطع فتقبل مصريك‬
‫( إبراهيم الكوين)‬ ‫بشجاعة‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫حتلى باملرونة‬

‫_ ال تستمر القوة والسطوة إال حني تكون مرنة‪ ،‬الجمود ال يعني الهيئة‪ ،‬وعدم‬
‫الجمود ال يعني فقدان الهيئة فال ميكن ليشء أن يكون بال هيئة‪.‬‬

‫_ عليك أن تغري من أساليبك ألن ذلك يجعل من الصعب عىل خصومك أن يفهموا‬
‫أو يتوقعوا تحركاتك‪ ،‬فال يجدوا أشياء محددة يهاجمونها‪.‬‬

‫_ التهيؤ األمثل لسطوتك أن تكون مراوغة ورشيقة‪ ،‬أن تكون مثل الزئبق الذي‬
‫يتخذ أي شكل يريده ليخدع من يشاء‪.‬‬

‫_ اإللتفاف واملراوغة تحقق لك الكثري دون أن تبذل إال أقل القليل‪ ،‬كل ما تبذله هو‬
‫أن تتخيل طرقا لبعرثة تحركاتك حتى تشتت خصمك وتتفهم طرق تفكريه ونقاط‬
‫ضعفه النفسية حتى تقوض تحركاته‪.‬‬

‫_ ما ال يتغري باستمرار ويتجمد يف قالب محدد يوحي باملوت ويولّد الرغبة يف‬
‫تدمريه وتغيريه‪.‬‬

‫_ األشخاص الذين تُثقلهم ال ُنظم واألساليب الجامدة يف التعامل مع أمور حياتهم‬


‫ال ميكنهم التحرك برسعة وال يسايرون التغريات وال يتكيفون معها ويظل يعيقهم‬
‫التباطؤ إىل أن ينقرضوا كالديناصورات‪ ،‬فعليك أن تتعلم كيف تتحرك مبرونة وأن‬
‫تتكيف برسعة وإال التهمتك الوحوش حولك‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫املرونة قد ال تكون محمودة يف كل املواقف‪ ،‬ألنها تجعلك مح ّط سخرية األحمق‬


‫حق‪ ،‬ومح ّط إعجاب الذيك وهو ُم ّ‬
‫حق أيضا‪ ،‬حيث أن املرونة الحقيقية هي‬ ‫وهو ُم ّ‬
‫أن تكون أحمق جيد مع األحمق ‪ ،‬وذيك جيد مع الذيك‪ ،‬ويف الواقع أنت مجرد‬
‫شخص مرن يف الكالم وبارع يف التمثيل‪.‬‬

‫تول معاوية بالدا ال ينازعه فيها أحد‬


‫يل ومعاوية ريض الله عنهام‪ّ ،‬‬
‫_ يف النزاع بني ع ّ‬
‫يل كرم الله وجهه‬‫وتول ع ّ‬
‫وال يو ّد أحد فيها أن تخرج من يديه وتؤول إىل غريه‪ّ ،‬‬
‫بالدا كلها نزاع من أمر الخالفة إىل أصغر األمور‪ .‬فنازعه الخالفة طلحة والزبري ريض‬
‫الله عنهام‪ ،‬وأحاط به رهط من املتزمتني املتفقهني يسألونه عن الكبرية والصغرية‪،‬‬
‫ويجتهدون اجتهادهم يف كل شأن من شئون السياسة‪.‬‬

‫وهذا إىل الفارق األكرب واألعرس واألعضل وهو الفارق بني ال ُملْك والخالفة وقد‬
‫افرتقت طريقاهام منذ سنني‪ ،‬وت ّم افرتاقهام بعد مقتل عثامن ريض الله عنه‪ ،‬فكانت‬
‫يل‪ ،‬وكانت أحوال امل ُلك كلها مع معاوية مؤاتية له ومحيطة‬
‫أعباء الخالفة كلها عىل ع ّ‬
‫يل ينظرون إىل سنة النبي صىل الله‬ ‫به فيام يريد وما ال يريد‪ ،‬فكان الناس مع ع ّ‬
‫عليه وسلم وخلفاؤه من بعده‪ ،‬وكان الناس مع معاوية ينظرون إىل هرقل وكرسى‬
‫وال يكلفونه أن يحكم كام حكم النبي صىل الله عليه وسلم أو كام حكم من بعده‬
‫الخليفتان األوالن‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫يل‬
‫فال يكون ملكا بأدوات خليفة وال خليفة بأدوات ملك‪ ،‬ولن تبلغ الحيلة بع ّ‬
‫ريض الله عنه أن يحارب رجال يريد العرص والعرص يريده‪ ،‬ألنه عرص ُملْك تهيأتْ‬
‫له دواعيه االجتامعية‪ ،‬وتهيأ له الرجل بخالئقه ونياته ومعاونة أمثاله‪ ،‬فلم يكن‬
‫معاوية زاهدا يف الخالفة عىل عهد أبو بكر وعمر وعثامن ولكن كانت الخالفة‬
‫يل ريض الله عنه‬‫زاهدة فيه‪ .‬فلام جاء عرص امل ُلك‪ ،‬طلب امل ُلك وامل ُلك يطلبه‪ ،‬وكان ع ّ‬
‫يكبح تيارا جارفا ال حيلة له يف السري معه وال يف دفعه‪ ،‬وكان معاوية يركب ذلك‬
‫التيار رخاءا سخاءا بغري مدافعة وال حرية‪ ،‬ويركبه معه من ال يدافعه وال يحار فيه‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ عىل الداهية أن يكون مرنا بدرجة تسمح بانتهاز أي فرصة تلوح يف األفق مهام‬
‫كانت صغرية‪ ،‬فجمودك عىل أسلوب محدد ميكّن عدوك من رؤية تحركاتك وما‬
‫تخطط له‪ ،‬ويُس ّهل هجومه عليك‪،‬فعليك أن تكون متدفقا كاملاء وال تتخذ شكال‬
‫محددا‪ ،‬وال تراهن أبدا عىل االستقرار أو دوام الحال ألن كل يشء يتغري‪ ،‬ودوام‬
‫الحال من املحال‪.‬‬
‫_ عمرو بن العاص واملغرية بن شعبة كانا آحاد الرعية يوم نشب النزاع عىل الخالفة‬
‫بني عميد بني هاشم عيل بن أيب طالب‪ ،‬وعميد بني أمية معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬ومل‬
‫يكن ألحدهام (عمرو واملغرية)جند وال مال وال عصبة تنافس العصبة الهاشمية أو‬
‫العصبة األموية‪ ،‬فهام خليقان أن ينظرا إىل الطلب امليسور حيث تيرس‪ ،‬وقد نظرا‬
‫يل ومعاوية فلم يعرفا له طريقا أقرب من طريق معاوية وبخاصة بعد‬ ‫إليه عند ع ّ‬
‫مقتل عيل ريض الله عنه‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫مرونتك ستحقق لك مصالحك‪ ،‬كل ما عليك أن تنتظر وترتقب وتعمل عىل كل‬
‫الجهات‪ ،‬فال تتجمد يف قالب واحد‪ ،‬وال تُغلق عليك كل األبواب‪ ،‬اترك بابا مفتوحا‬
‫فرمبا تعرب منه ذات يوم إىل ما تريد‪.‬‬
‫*****‬
‫_ قال معاوية ذات يوم البن عباس‪ :‬إن يف النفس منكم يا بني هاشم لحزازات(‬
‫وجع القلب وغيظه)‪ ،‬وإين لخليق أن أُدرك فيكم الثأر وأنفى العار‪ ،‬فإن دمائنا‬
‫ِقبلكم وظالمتنا فيكم‪.‬‬
‫فقال له ابن عباس‪ :‬والله إن ُرمت ذلك يا معاوية لتثرين عليك أُ ْسدا مخ ّدرة‪،‬‬
‫وأفاعي ُمطرقة‪ ،‬ال مينعها كرثة السالح‪ ،‬وال تعضها نكاية الجراح‪ ،‬يضعون أسيافهم‬
‫عىل عواتقهم ويرضبون قُدما قُدما من ناوأهم‪ ،‬وإن أكرب همك سالمة حشاشة‬
‫نفسك‪ ،‬ولوال طغام ( عامة الناس)أهل الشام وقوك بأنفسهم‪ ،‬وبذلوا دونك ُم َهجهم‪،‬‬
‫لكنت شلْوا (قطعة لحم)‬ ‫َ‬ ‫ورفعوا املصاحف مستجريين بها وعائذين بعصمتها‬
‫مطروحا بالعراء‪،‬وما أقول هذا ألرصفك عن عزميتك‪،‬وال ألزيلك عن معقود نيتك‪،‬‬
‫ولكنها الرحم تعطف عليك‪ ،‬واألوارص(صلة القرابة) توجب رصف النصيحة إليك‪،‬‬
‫تكشفت األيام منك إال عن سيف صقيل‬ ‫ْ‬ ‫فقال معاوية‪..‬لله د ّرك يا ابن عباس‪ ،‬ما‬
‫ورأي أصيل‪ ،‬والله لو مل يلد بنو هاشم غريك ملا نقص عددهم‪ ،‬ولو مل يكن ألهلك‬
‫كثهم‪.‬‬‫سواك لكان الله قد ّ‬

‫‪180‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫بلغ معاوية حدا من املرونة أنه كان يحاور خصومه ويقربهم إليه ويدنيهم منه‬
‫ليعرف يف النهاية مرادهم‪ ،‬فهو ال يقول مثل هذا الكالم إال لعبدالله بن عباس‪..‬‬
‫فإنه حديث داهية ميتحن به أعامق داهية يقارنه من بيت خصومه ويستشف ما‬
‫بداخله‪ ،‬فمعاوية استثاره ثم مدحه غاية املدح‪ ،‬فضمن بذلك والء الجميع حتى‬
‫خصومه‪.‬‬
‫*****‬
‫_ اإلذعان والتنازل من املرونة‪.‬‬
‫_ كان عمرو بن العاص رغم الفخر بأبيه يخجل من نسبه ألمه‪ ،‬واجرتاء الناس عليها‬
‫الغض منه واإلساءة إليه‪ ،‬فكان حساده يالحقونه دوما بكرها‬
‫مبسبتها كلام تعمدوا ّ‬
‫حتى وهو يف محل اإلمارة وعىل منرب الخطبة‪ ،‬ومن ذلك أنه كان يخطب يوما فقام‬
‫إليه رجل وقال‪ :‬من أُ ّم األمري؟ فأمسك عمرو غضبه وقال‪ :‬النابغة بنت عبدالله‪..‬‬
‫أصابتها رماح العرب فبيعت بسوق عكاظ فاشرتاها عبدالله بن جدعان ووهبها‬
‫للعاص بن وائل‪ ،‬فولدت فأنجبت‪ .‬وإن كانوا جعلوا لك شيئا فخذه‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫عمرو بن العاص كان يخجل من نسبه ألمه‪ ،‬فمام روي أنها كانت سبية‪..‬وكانت‬
‫ت ُؤجر للغناء يف مكة وغريها‪ ،‬وكان أعداء عمرو يُش ّهرون بها وكانت مرونته أنه‬
‫يُذعن لذلك املجرتئ عليه‪ ،‬ال عن ضعف وال عن خنوع‪ .‬وإمنا عن دهاء له مداه‬
‫البعيد‪،‬‬

‫‪181‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فاألشخاص الذين يتجربون ويتباهون بسلطتهم يسهل مراوغتهم باستخدام‬
‫خدعة الخضوع‪ ،‬فإبدائك لإلذعان ظاهريا يشعرهم بقوتهم‪ ،‬وتوقريك لهم يُشبع‬
‫غرورهم‪،‬وحينها يصبحون أهدافا سهلة لهجامتك املتتالية‪ ،‬ومينحك القوة عىل‬
‫املدى الطويل‪ ،‬فال تُضحي أبدا بقدرتك عىل املناورة عىل املدى البعيد لصالح املجد‬
‫القصري الذي تجنيه من املواجهة‪.‬‬

‫_حني تكون األضعف ال تقاوم أو تقاتل بدافع الكرامة‪ ،‬واخرت بدال من ذلك االذعان‪،‬‬
‫فاإلذعان مينحك الوقت للتعايف وتقويض راحة عدوك يف الخفاء‪،‬واالنتظار إىل أن‬
‫تزول عنه قوته‪ ،‬ال متنع املتجربين متعة هزميتك وسحقك مؤقتا قبل أن تسحقهم‬
‫لألبد‪ ،‬واجعل اإلذعان ضمن ترسانة ِحيلك للحصول عىل القوة‪.‬‬

‫*****‬

‫_ شتم عمرو بن العاص يوما أروى بنت الحارث بن عبداملطلب يف مجلس معاوية‪،‬‬
‫فانتهرته قائلة‪ :‬وأنت يا ابن النابغة تتكلم؟ وأمك أشهر امرأة تغ ّني مبكة وآخذهن‬
‫لألجرة؟ اربع عىل ظلعك( ارفق بنفسك)‪،‬وأ ِعن بشأن نفسك‪ ،‬فوالله ما أنت من‬
‫قريش يف اللباب من حسبها وال كريم منصبها‪ ،‬ولقد ا ّدعاك خمسة نفر من قريش‬
‫فسئلت أمك عنهم فقالت‪ :‬كلهم أتاين‪..‬فانظروا أشبههم به‬ ‫كلهم يزعم أنه أبوك‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫فألحقوه به‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬

‫‪182‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫أوال_ أيا كان شأن املبالغة يف التعيري بأُم عمرو لعمرو‪ ،‬فإنها كانت سبية مغلوبة‬
‫عىل أمرها‪ ،‬فلم تقارف البغاء سقوطا منها وابتذاال لعرضها‪ ،‬ومثل هذه ال ت ُحسب‬
‫عليها زالتها كام ت ُحسب عىل املرأة التى تزل ولها مندوحة عن الزلل‪ ،‬وتهوى وهي‬
‫يف موضع الصون والكرامة‪ ،‬وإنجاب هذه ومثيالتها للنوابغ من البنني ليس مام‬
‫يخالف املالوف من سنن النسب والوراثة‪.‬‬
‫ثانيا_عمرو بن العاص عىل مافيه من نسبه يهني امرأة من أعظم بيوت قريش‬
‫عىل اإلطالق‪ ،‬ويف مجلس معاوية‪،‬فتُذكره هذه املرأة بتاريخ لطاملا سعى عمرو‬
‫يتحل مبرونة يتفادى بها‬
‫أال يتذكره‪ ،‬وما كان ذلك إال ألنه مل يساير األحداث ومل ّ‬
‫مثل هذه املواقف‪ ،‬فلام تجرأ عليها تجراتْ عليه‪ ،‬وال ُجرأة تجعل حتى من أضعف‬
‫املخلوقات وحوشا‪.‬‬
‫_ الداهية الحق ال يجرتئ عىل ذوي الصول والنسب‪ ،‬أصحاب الوجاهة واملكانة‪..‬‬
‫ال يهابون صاحب السلطان وال يقبلون الدن ّية يف يشء منهم‪ .‬ال تعاديهم ابدا فإنهم‬
‫ال يهابون أحدا‪..‬كن من املرونة بحيث تستميلهم إليك عىل رغم اختالفهم معك‪،‬‬
‫تواضع وانحنِ لهم ظاهريا‪ ،‬وابتسم لهم وتو ّدد‪ ،‬والعنهم جميعا يف الخفاء‪.‬‬
‫*****‬
‫_ غري أساليبك بني املشاعر والعقل يف الوقت املناسب‪-:‬‬

‫_ كان عمرو بن العاص من أشد الناس اعتدادا بأبيه‪ ،‬وكان العتداده بأبيه د ْخل يف‬
‫تعويق إسالمه وتأخري شهادته للدين الجديد إىل ما بعد موت أبيه‪ ،‬وكان يعلم ذلك‬
‫من نفسه ويجهر به إذا فوتح فيه‪ ،‬ومن ذلك أن رجال سأله ذات مرة‪ :‬يا عمرو ما‬
‫أبطابك عن اإلسالم وأنت من أنت يف عقلك؟‬
‫‪183‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فقال عمرو‪ :‬إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم‪ ،‬وكان مام يوازي أحالمهم الجبال‪ ،‬ما‬
‫سلكوا فجا فتبعناهم إال وجدناه سهال‪ ،‬فلام بُعث النبي صىل الله عليه وسلم أنكروا‬
‫عليه فلُذنا بهم‪ ،‬فلام ذهبوا وصار األمر لنا نظرنا وتدبرنا‪..‬فإذا حق ّبي فوقع يف‬
‫قلبي اإلسالم فأسلمت‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ كان من فرط محبة عمرو ألبيه واعتداده به تأخره عن الدخول يف اإلسالم‪ ،‬فكانت‬
‫املشاعر طاغية عىل العقل‪..‬فاملشاعر تُش ّوش العقل وت ُفقدك الرؤية الواضحة‪ ،‬وهذا‬
‫مينعك من التأهب واالستجابة باقتدار ملا يواجهك من تحديات‪ ،‬فالحب شعور‬
‫تعب عنهام بحكمة وال‬‫مدمر يفقدك الرؤية الجيدة لألمور فعليك أن تتعلم أن ّ‬
‫تدعهام ابدا يُش ّوشان تفكريك واسرتاتيجياتك‪ ،‬حتى تستطيع تحرير نفسك من أُ ْس‬
‫اللحظة الحارضة لتنظر مبوضوعية ويف آن واحد للمستقبل واملايض فتنىس املايض‬
‫وتسترشف املستقبل وتعمل عليه جيدا‪.‬‬

‫ونح مشاعرك جانبا فالخطأ اليوم قد يكون صائبا غدا‪،‬‬


‫_ افسح الطريق لعقلك ّ‬
‫والصواب اليوم قد يتبني لك خطؤه غدا‪ ،‬فاعتد بعقلك ال يشء غريه‪ ،‬أما مشاعرك‬
‫فاحتفظ بها لنفسك فقط‪.‬‬

‫*****‬
‫_ قال عمرو بن العاص البنه يحدثه عن اإلمامة ‪ :‬يابني ‪-:‬‬

‫‪184‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫إمام عادل خري من مطر وابل‪ ،‬وأسد خطوم(مقدام) خري من إمام ظلوم‪ ،‬وإمام‬
‫ظلوم خري من فتنة تدوم‪.‬‬
‫يابني‪ :‬مزاحمة األحمق خري من مصافحته‪ ،‬يابني‪ :‬زلة الرجل عظم يُجرب وزلة‬
‫اللسان ال تبقي وال تذر‪ ،‬يابني‪ :‬اسرتاح من ال عقل له‪.‬‬
‫وكان معاوية يقول عن نفسه‪-:‬‬
‫ميكنني أن أرىض الناس كلهم إال حاسد نعمة فإنه ال يرضيه إال زوالها‪.‬‬
‫وكان يقول أيضا‪ :‬لو أن بيني وبني الناس شعرة ما انقطعت أبدا‪ ،‬كنت إذا م ّدوها‬
‫أرخيتها‪ ،‬وإذا أرخوها مددتها‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ عمرو بن العاص ومعاوية بن أيب سفيان عرفا الدنيا حق معرفة‪ ،‬وتعايشا فيها‬
‫كام يحلوا لهام‪ ،‬وناال منها ما أرادا‪..‬وما ذالك إال ملرونة أتقنوها مكنتهم من العيش‬
‫بحرية وسالسة مع أقوى الخلفاء وألْينهم حتى صار األمر لهام‪ ،‬فأحسن كل واحد‬
‫منهم للقريب‪ ،‬وأدنَوا منهم البعيد‪ ،‬وجمعوا الكلمة بعد تفرقة باللني تارة وبالشدة‬
‫تارة حتى ت ّم لهام ما أرادا‪.‬‬
‫_ الشخص األكرث مرونة يستطيع التحكم يف أحاسيسه‪ ،‬ويحقق أهدافه أكرث من‬
‫الشخص الذي ليس عنده مرونة‪ ،‬ألن الشخص املرن يعرف كيف يفكر بطريقة‬
‫مختلفة‪ ،‬فإذا فكر بطريقة ال توصله إىل الطريق الذي يريده فإنه يفكر بطريقة‬
‫أخرى حتى يصل ويحقق ما يريد يف أخر االمر‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫حني تجد نفسك يف رصاع قوي مع شخص قوي ومتصلب‪ ،‬اتركه يحقق نرصا مؤقتا‪،‬‬
‫واظهر خضوعك لتفوقه ثم اعمل عىل التسلل ببطء إىل أعامق نفسه باملسايرة‬
‫واملرونة لتزيل عنه القلق والتحفظ تجاهه‪ .‬واعلم أن املتصلبني يكونون دوما أقوياء‬
‫يف الرد عىل الرضبات املبارشة‪ ،‬وضعفاء يف مقاومة االخرتاق والتسلل‪ ،‬وليك تفوز‬
‫يف النهاية عليك أن تتلون ظاهريا كالحرباء بلون عدوك ومن الباطن تعمل عىل‬
‫تقويضه‪ ،‬وتحطيم سطوته‪.‬‬

‫_ املرونة ورسعة الحركة هام االسرتاتيجيتان التي تنترصان دامئا‪.‬‬

‫_ املرونة ومسايرة التغريات ليست مجرد مجاراة سلبية لألحداث أو تق ُبل قدري‬
‫ملا يأيت به الزمن وليس القصد منها أن تحصل عىل الطأمنينة والسالم الداخيل‪..‬بل‬
‫هي زيادة لسطوتك‪.‬‬

‫_ الجمود والسكون يجعل أفعالك متوقعة‪ ،‬ويق ّوض من سطوتك‪ ،‬فعليك باملرونة‬
‫يف كل يشء عندما تستدعي الحاجة إليها‪.‬‬

‫*****‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ أهم املتطلبات النفسية للمرونة‪-:‬‬

‫‪186‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ال تتعامل مع األمور وكأنها متسسك شخصيا‪ ،‬وال تلجأ أبدا للدفاع والتربير‪.‬‬
‫_ ال تترصف بدفاعية فتبني لخصمك أنك تتأثر نفسيا وهذا يجعله يقرأ شخصيتك‬
‫ويعرف كيف يستثريك‪.‬‬
‫_ د ّرب نفسك عىل أال تأخذ أي أمر عىل محمل شخيص حتى ال ميتطيك أعدائك‬
‫ويحركونك من نقاط تأث ُرك‪.‬‬
‫_ ال تكشف ألحد ما الذي يخيفك أو يغريك او يغضبك ألن هذه نقاط ضعف تُ كّن‬
‫االخرين من استدراجك‪.‬‬
‫_ اجعل وجهك بال تعبري محدد ألن ذلك سيشوش من يحاول أن يكيد لك‪.‬‬
‫_ ليك تتمتع باملرونة عليك أن تعرف أن هدفك له العديد من الطرق للوصول إليه‪،‬‬
‫وعليك وضع خطة اساسية‪ ،‬ووضع خطة بديلة حال فشل الخطة الساسية‪.‬‬
‫_ عليك ان تتدرب عىل قبول االخرين مهام اختفوا معك وتتعايش معهم فالكون‬
‫يتسع للجميع‪ ،‬والله قد خلقنا متنوعني ومختلفني‪.‬‬
‫_ ال تجعل نفسك تشعر بالعجز مهام حدث‪ ،‬ففشلك يف تحقيق هدفك ال يعني‬
‫تغي من خطتك أو طريقتك‬‫بالرضورة نهاية الطريق‪ ،‬وإمنا يعني أن عليك أن ّ‬
‫للوصول للنجاح‪.‬‬
‫_ عليك أن تتحىل بالرضا مبا قسمه الله لك‪ ،‬فهناك أمور قدرية ال حيلة لك فيها‬
‫وينبغي عليك أن تتقبلها كام هي‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪_:‬‬
‫عص‪.‬‬
‫كس وال لينا فتُ َ‬
‫ال تكن صلبا فتُ َ‬

‫‪187‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫اخف هذه األشياء‬


‫ِ‬
‫الداهية الحق يحرص دامئا عىل إفاء بعض األشياء وإظهار البعض االخر ‪ ،‬من‬
‫األشياء التي يجب أن تخفيها‪-:‬‬
‫_ ِ‬
‫اخف أخطائك لتظهر مثاال للتحرض والكفاءة‪.‬‬
‫_ ِ‬
‫اخف نواياك لتحتفظ بعنرص املفاجأة‪.‬‬
‫_ ِ‬
‫اخف حضورك بعض اليشء ليزداد احرتامك وتكرميك‪.‬‬
‫_ ِ‬
‫اخف إظهار تفوقك عىل االخرين قليال لئال تولّد يف قلوبهم العداوة والحقد نا‬
‫حيتك‪.‬‬

‫أقل ذكاءا ممن تتعامل معهم حتى ال يتوقعوا ما‬ ‫ِ‬


‫_اخف دهائك وتظاهر بأنك ّ‬
‫تدبره لهم يف الخفاء‪.‬‬

‫ُحي من حولك ومتنعهم من الكيد أو االستعداد‬ ‫_ ِ‬


‫اخف مقاصدك الحقيقية ُلتبك وت ّ‬
‫لك‪ ،‬اجعلهم يتخبطون يف الظالم حتى إذا أدركوا ما أنت ُمقدم عليه يكون األوان‬
‫قد فات عىل إيذائك أو تعطيلك‪.‬‬

‫_ ال تجعل أحدا يكتشف أنك تخادع رغم أنه ال أحد يف زماننا هذا يستطيع أن‬
‫يعيش دون أن يخادع‪ ،‬لكن اجعل أكرب مكرك هو يف أن تخفي كل ما قد يكشف‬
‫(بالتسار جراتسيان)‬ ‫لالخرين مكرك‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ِ‬
‫اخف نواياك ‪،‬ليس بالكتامن الذي يُظهرك غامضا ويُشكك الناس بك‪ ،‬بل بالحديث‬
‫كثريا عن رغباتك وأهدافك غري الحقيقية وحينها سوف تصطاد ثالثة عصافري بحجر‬
‫واحد‪-:‬‬

‫‪ _1‬سرياك الناس ودودا ومنفتحا وأهال للثقة‪.‬‬

‫‪ _2‬تُخفي نواياك الحقيقية‪.‬‬

‫‪ _3‬تجعل اعدائك يجهدون أنفسهم يف مطاردة األوهام‪.‬‬

‫– الدهاء الحقيقي هو أن تُش ِعر َمن تستدرجه أنه ليس ذكيا فحسب‪ ،‬بل إنه‬
‫يتفوق عليك يف الذكاء ومبجرد أن يقتنع بذلك لن يشك أو يتوقع أبدا ما ت ُدبره له‬
‫يف الخفاء‪.‬‬

‫_ أول يشء يجب أن تُخفيه عن الجميع هو دهائك وقدرتك العقلية عىل من‬
‫تتعامل معهم‪ ،‬فال أحد يحتمل الشعور بأن هناك من يفوقونه ذكاءا‪ ،‬عليك أن‬
‫تتظاهربالبالهة نوعا ما لتفتح لصالحك الباب لكل أنواع املكر والخداع‪ ،‬وشعور‬
‫االخرين بالتفوق العقيل يٌعطّل ما لديهم من االرتياب والحذر وميكنك حينها أن‬
‫ت ُج ّرهم من أعناقهم دون أن ينتبهوا‪.‬‬

‫_ كان معاوية ال يفخر بصفة كام كان يفخر بحلمه‪ ،‬كان يفاخر خاصته بالدهاء‬
‫بينه وبينهم‪ ،‬ولكن مل يفخر قط بالدهاء عالنية كام كان يفخر بالحلم واألناة‪ ،‬وال‬
‫غرابة يف ذلك من جميع الوجوه‪،‬فام من رجل عىل نصيب من الدهاء يعلن دهاءه‬

‫‪189‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ويفخر به وهو يستطيع أن يخفيه ومي ّوهه بالنصيحة والرصاحة‪ ،‬ومن فعل ذلك‬
‫فهو كالصياد الذي يكشف حباله للفريسة وهي خليقة أال تقع فيها إذا انكشفت‬
‫لعينها‪.‬‬
‫_ معظم الناس تسهل قرائتهم ككتاب مفتوح‪ ،‬فهم ال يتحكمون بكلامتهم أو‬
‫صورتهم وال يصعب توقع ترصفاتهم‪ ،‬فالتحفظ والصمت واإلالء أحيانا بعبارات‬
‫ملتبسة وتع ّمد الظهور مبظهر عدم االتساق والترصف بغرابة بطُرق لطيفة وخفية‬
‫ميكنك أن تشيع حولك هالة من الغموض‪.‬‬
‫_ األشخاص الغامضون يضعون االخرين يف مرتبة أدىن نوعا ما بجعلْهم ينشغلون‬
‫بالتفسري‪ ،‬كام يبثون فيهم الخوف والرهبة التي تحيط بأي يشء مجهول أو محري‪.‬‬
‫فقط الدهاة يعرفون أن هالة الغموض تجذب إليهم االنتباه وتثري الخوف فيمن‬
‫حولهم‪.‬‬
‫_ هناك أوقات ال يصح فيها جذب االنتباه إليك حيث يكون عليك أن تتجنب‬
‫الشهرة والفضائح‪ ،‬فال يجب أبدا أن تهدد شهرتك أو تتحدى شهرة من هم أعىل‬
‫منك إن كانوا راسخني يف مواقعهم‪ ،‬فذلك لن يٌظهرك دنيئا فحسب‪..‬بل تافها أيضا‪.‬‬
‫عليك أن تتقن فن توقيت متى تجذب االنتباه إليك ومتى تبعده عنك‪.‬‬
‫_ ال ُجنب والخوف‪-:‬‬

‫ال يليق بالداهية أن يكون جبانا حتى وإن كان كذلك بالفعل‪ ،‬عليك أن تعتصم‬
‫تجب فيه فتهدم كل ما بنيت ويتفرق عنك‬‫بأسباب القوة فال يرى أحد منك موقفا ُ‬
‫أتباعك‪ ،‬فلن تكون بأخوف من معاوية حني كان يحارب عليا كرم الله وجهه‪,‬‬
‫‪190‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ سأل عمرو بن العاص ريض الله عنه معاوية يوما قائال‪ :‬والله ما أدري يا أمري‬
‫املؤمنني‪..‬أشجاع أنت أم جبان؟ فقال معاوية‪:‬‬

‫فإن مل تكن يل فرصة فجبان‬ ‫شجاع إذا ما أمكنتني فرصة‬

‫ومل يؤث َر ملعاوية موقف واحد يُحسب له من مواقف الشجاعة البينة‪ ،‬بل ُحسب‬
‫عليه أنه كان يأوي إىل قُبة يحيط بها الحراس يف معارك صفني‪ ،‬وأنه أرس َع إىل‬
‫فرسه يف ليلة الهرير (خامتة حرب صفني) لينجو بحياته‪،‬ثم هدأ الخطر بعض اليشء‬
‫فراجع نفسه وتراجع إىل مكانه وهو آمن من عاقبة هذه الرجعة بعد أن خفّت‬
‫أدل عىل ذلك من موقفه يوم دعاه‬ ‫الهجمة عىل موضعه يف ميدان القتال‪ .‬وليس ّ‬
‫يل كرم الله وجهه ملنازلته عىل أن يكون األمر ملن يرصع االخر‪ ،‬فاستشار عمرو بن‬
‫ع ّ‬
‫يل يا معاوية‪..‬أرى أن تنازله‪.‬‬
‫العاص يف ذلك فقال له عمرو‪ :‬أنصفك ع ّ‬
‫يل بن أيب‬
‫فقال معاوية‪ :‬أراك رغبت باألمر من بعدي‪ ،‬ومن يقدر عىل منازلة ع ّ‬
‫طالب؟ إنه مل ينازل أحاد إال رصعه‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫كان معاوية ريض الله عنه ال يثق بأحد ولو كان أقرب أتباعه له وخاصة أيام حربه‬
‫يل ريض الله عنهام‪ ،‬كان ال يثق إال يف عقله وقوته‪ ،‬وهو األعلم بعيل بن أيب‬ ‫مع ع ّ‬
‫طالب يف الحرب من أي أحد آخر‪ ،‬ويعلم أنه ال طاقة له بنزاله‪ ،‬ولكنه يريد أن‬
‫يل‪ ،‬ليظهر للجميع أن معاوية‬‫يخفي ُجبنه ذلك فيقنع هو عمرو بن العاص بنزال ع ّ‬
‫أكرب من هذا النزال‪ ،‬وإمنا يرسل أحد ق ّواده لينازل بالنيابة عنه‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ عليك أن تعلم أن‪-:‬‬


‫أفضل املاكرين هم من يبذلون كل جهدهم إلخفاء خداعهم‪ ،‬فهم يزرعون الصدق‬
‫يف جانب ليحصدوا ما يريدون من عدم الصدق يف جوانب أخري‪ ،‬الصدق بالنسبة‬
‫لهم مجرد سالح غضايف يف ترسانة مكرهم‪.‬‬
‫_ ضلّل الناس بعيدا عن مقاصدك الحقيقية بالتظاهر بأنك ترغب يف يشء آخر‪،‬‬
‫وال متنحهم الفرصة ملعرفة ما أنت مقدم عليه‪ ،‬فالناس بطبيعتهم ال يفرقون بني‬
‫الزائف والحقيقي وتظاهرك برغبتك يف يشء أخر يعميهم عن الذي تريده حقا‪.‬‬

‫*****‬
‫_ اقتحم عمرو بن العاص هو وفريق من جنده أحد حصون االسكندرية‪ ،‬ثم ارتدوا‬
‫وبقي هو وثالثة من صحبه‪،‬فعرض عليهم الروم أن يخرجوا إليهم ليبارزوهم واحدا‬
‫لواحد‪ ،‬فتص ّدى هو للمبارزة لوال أن منعه صاحبه مسلمة بن مخلد ووقف دونه‬
‫وهو يقول‪ :‬ما هذا ؟ تخطئ مرتني‪ ،‬فتشذ عنك أصحابك وأنت أمري‪ ،‬وإمنا قوامهم‬
‫بك‪ ،‬وقلوبهم معلقة نحوك‪ ،‬ال يدرو ما أمرك حتى تبارزه وتتعرض للقتل؟ فإن‬
‫قُتلت كان ذلك بالء عىل أصحابك‪ ،‬مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله‪.‬‬

‫ومث َُل عمرو بني يدي البطريق فعجب البطريق من أنفته وقوة جوابه‪ ،‬فالتفت إىل‬
‫َمن يف مجلسه وقال لهم باليونانية( يظهر من أنفة هذا الرجل وكِرب نفسه أنه من‬
‫نتخل عن قتله)‪ .‬وكان وردان‬
‫وجوه العرب‪ ،‬ورمبا كان من كبار قواده‪ ،‬فال ينبغي أن ّ‬
‫موىل عمرو بن العاص يفهم اليونانية‪ ،‬فأراد النجاة لسيده عمرو‪،‬‬
‫‪192‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فأراد أن يبني للبطريق ومن معه خطأهم‪ ،‬ويبني لهم أن الذي يكلمهم (عمرو) إمنا‬
‫هو رجل من عامة الجند‪ ،‬فأرسع إليه فلطمه صائحا به‪ ،‬ما أنت ولهذا يا لكع؟ دع‬
‫املقال ملن هو أوىل بالكالم منك‪ ،‬وفهم عمرو أن يف األمر شيئا فسكت عىل ما فعله‬
‫غالمه وردان ‪ ،‬فكانت هذه اللطمة سبب نجاته ‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ إذا كنت ترغب بالقوة املطلقة تخىل عن الرصاحة وتد ّرب عىل فن كتامن نواياك‪،‬‬
‫إن أتقنت هذا الفن ستكون لك دامئا اليد العليا‪.‬‬
‫الرس يف نجاح الكتامن يك ُمن يف حقيقة بسيطة عن الطبيعة البرشية‪ ،‬فغريزتنا‬
‫تفرض علينا أن نصدق املظاهر‪ ،‬وال ميكن لنا أن منيض يف حياتنا إن كنا نتشكك يف‬
‫كل ما نراه‪.‬‬
‫_ ال تجعل من السهل أبدا معرفة ما تفعل أو ما تنوي أن تفعل‪ ،‬وال تُظهر كل‬
‫أوراق اللعب التى يف يديك‪ ،‬فالغموض يُضفي عىل حضورك جالال ويدفع االخرين‬
‫للتخمني والشك‪ ،‬استخدم الغموض لألخد بألباب الناس وغوايتهم أو حتى ترهيبهم‪.‬‬
‫_ إذا أردت أن تكتشف ما إذا كان أحدهم يخفي عنك شيئا ويف الغالب األعم‬
‫سيكون هناك ما يخفيه عنك‪..‬اتبع االيت‪-:‬‬
‫‪ _1‬انتبه للتلميحات واإلمياءات الالشعورية‪،‬فكام قال فرويد‪( :‬ال أحد عىل وجه‬
‫األرض يستطيع أن يُخفي رسا‪ ،‬وحني تصمت شفتاه تتكلم أنامله‪ ،‬فاألرسار تترسب‬
‫منه من كل ثغر)‪.‬‬
‫‪193‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪ _2‬ابحث عن التناقضات‪-:‬‬

‫الصفة الظاهرة غالبا ما تُخفي نقيضها‪ ،‬فالشخص الذي يبالغ يف إظهار الجرأة‬
‫غالبا ما يكون جبانا‪ ،‬ومن يتباهى بالتقوى كثريا ما يكون فاحشا‪ ،‬والكثريون‬
‫من املتشددين يتوقون للمغامرة والتجدد‪ ،‬والخجلون يتمنون من يلتفت إليهم‬
‫ويهتم بهم‪..‬وهكذا‪ ،‬وحني تتحقق من السامت العميقة خلف املظاهر وتكتشف‬
‫التناقضات تجد أن ما يخفيه عنك الناس هو بالضبط عكس ما يُظهرونه‪.‬‬
‫‪ _3‬اعط كل إنسان ما ينقصه‪ :‬إذا استطعت إشباع القلوب الخاوية‪ ،‬وأن ت ُكمل ملن‬
‫يخفي عنك شيئا وتريد معرفته الفراغ الناقص لديه فإن ذلك مينحك سطوة عليه ال‬
‫ح ّد لها وال أمد‪،‬ويخربك طواعية بكل ما يخفى عنك تريد أن تعرفه‪.‬‬

‫_ عليك أن تعرف كيف ترى ما ال يستطيع الرجل أن يخفيه كالجشع أو الشهوانية‬


‫أو الخوف الشديد‪ ،‬فهذه املشاعر يصعب حجبها‪ ،‬وال ميكن للشخص أن يتحكم بها‪.‬‬
‫وما ال يستطيع الناس أن يتحكموا به يف أنفسهم ميكنك أنت أن تتحكم لهم به‪.‬‬
‫_ دخل عمرو بن العاص عىل معاوية بن أيب سفيان يوما‪ ،‬فضحك معاوية ملا رآه‪،‬‬
‫فقال عمرو‪ :‬ما يضحكك يا أمري املؤمنني؟ أضحك الله سنك‪ .‬قال معاوية‪ :‬أضحك‬
‫من حضور ذهنك عند إبدائك سوأتك يوم بارزت ابن أيب طالب‪ ،‬أما والله لقد‬
‫وافقت منانا كرميا ولو شاء أن يقتلك لقتلك‪ .‬فلم يربح عمرو أن أرشكه معه يف عاره‪،‬‬
‫يل للنزال فقال عمرو‪ :‬أما‬
‫فأمعن يف وصف فزع معاوية بن أيب سفيان حني طالبه ع ّ‬
‫والله إين لعن ميينك حني دعاك إىل الرباز فاحولّت عيناك‪ ،‬وضاق صدرك‪ ،‬وبدا منك‬

‫‪194‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ما أكره ذكره لك‪ .‬يا أمري املؤمنني مل يفتضح امرؤ بارز عليا‪..‬وإمنا افتضح من دعاه‬
‫إىل النزال فلم يُجبه‪ .‬فمن نفسك فاضحك أو دع‪.‬‬
‫_العربة‪-:‬‬
‫كل إنسان يف هذه الحياة لديه نقيصة يجتهد يف إخفائها قدر اإلمكان‪ ،‬فإذا علمت‬
‫تكلمت تكلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫هذه النقيصة فإياك أن تكشفها أنت‪ ،‬فال شك أن لك ما يسوؤك‪ ،‬فإن‬
‫وإن أرشت أشار‪ ،‬وإن فضحت فضح‪.‬‬
‫_ عمرو ومعاوية ريض الله عنهام كانا فيام بينهام عىل رصاحة وتفاهم واحرتاس‪،‬‬
‫وكانا يعلامن ما يريدان‪ ،‬ويعلامن ألنهام ال يتعاونان معا ألنهام عىل ثقة من إخالص‬
‫كل منهام لصاحبه وإيثاره لنفعه‪،‬ولكنام يتعاونان معا ألن التعاون أنفع لهام من‬
‫التخاذل والشقاق‪ ،‬وما اشرتكا فيه أكرث مام تف ّرد به كل منهام عن صاحبه‪ ،‬ويعلامن‬
‫عن بعضهام ما ال يعلمه عنهام غريهام‪ ،‬وملا أراد معاوية إظهار ما أخفاه عمرو‪،‬‬
‫كان ر ّد عمرو أقىس وأفظع‪،‬فإخفاء نقيصة أحدهام عن الناس هي باألحرى إخفاء‬
‫لنقائص صاحبه‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫_ عليك أن تلجأ للتحايل والرباعة إلتقان اإلبداع أو املظهر الذي تريده وال تدع‬
‫الجمهور واألتباع يشاهدون ما تبذله من ال َع َرق والتعب‪ ،‬إن قلّدت الطبيعة بأن ال‬
‫ت ُظهر أبدا ِحيلك ووسائلك وتجعل أفعالك تبدو تلقائية ودون جهد تحصل عىل ما‬
‫للطبيعة من تأثري وسطوة يف عيون الناس‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ احرص دامئا عىل عدم املبالغة يف الطريقة التي تُخفي بها ما تريد ان تخفيه‪،‬فذلك‬
‫يجعل االخرين يستاءون منك ويظنون بك أنك مصاب باالرتياب ‪ ،‬فالناس يسعدهم‬
‫أن يكتشفون عنك كل يشء‪ ،‬فاظهر لهم ماتريد واخف عنهم ما تريد دون أن‬
‫يشعروا أنك تخفي عنهم شيئا‪.‬‬
‫_ إذا أردت أن تبوح أنت مبا تخفيه فتذكر أنه حني يكون البوح الجرئ لحيلك‬
‫والحك‬
‫ْ‬ ‫وأساليبك مخططا له بدقة وليس بدافع من الرغبة الجامحة يف الرثثرة‬
‫يصبح من املهارات الكربى التي ميكنك االستفادة منها ألنه يجعل جمهورك وأتباعك‬
‫يتوهمون أنهم يشاركونك بأفعالك ويتحكمون بها حتى وإن كان معظم ما تفعله‬
‫يظل خافيا عليهم‪.‬‬

‫*****‬
‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ هل سمعت أبدا قائد يعلن خططه للعدو قبل أن يهاجمه؟ عليك أنت أيضا أن‬
‫تُخف مقاصدك ومت ّوه تحركاتك وال تكشف مقاصدك إال عند نهاية املعركة حيث‬
‫يصبح من املستحيل عىل خصمك تفاديها ومن الصعب مقاومتها‪.‬‬

‫_ ال ميكنك أن تنجح يف إخفاء مقاصدك إن كنت مشهورا بالخداع‪ ،‬فحني تُع َرف‬
‫حكاياتك يكون من الصعب عليك أن تُخفي طبيعة خداعك‪.‬فالكل سيعرف أنك‬
‫ماكر‪ ،‬وإن ظللت تلعب دور الساذج سيعتربونك منافقا وسوف يح ّد ذلك كثريا من‬
‫قدرتك عىل مناورة أعدائك‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫األفضل لك يف هذه الحالة أن تعرتف وتلعب دور املحتال الرصيح‪ ،‬وأفضل من‬
‫ذلك أن تلعب دور املحتال التائب ألن ذلك يكسبك االحرتام ولكنه سيسمح لك‬
‫باالستمرار يف اسرتاتيجيتك‪.‬‬

‫_ إن مل ت ُبح نفسك لالخرين فإنهم سيسعون ألن يفهموك‪،‬أضف ملسة من الغموض‬


‫عىل كل يشء‪ ،‬فهذا الغموض هو الذي يضفي عليك املهابة‪ ،‬وحني تفرس شيئا ال‬
‫تكن واضحا متاما‪ .‬بهذه الطريقة تقلد الحكمة اإللهية التى تجعل الناس يتسائلون‬
‫ويتفكرون فيام سوف تأيت به األقدار‪.‬‬

‫(بالتسار جراتسيان)‬

‫_ إن كان وضعك االجتامعي مينعك من الغموض واإلختفاء فاحرص عىل األقل أن‬
‫ال تبدو مقروءا متاما‪ ،‬فمن آن آلخر عليك أن تخالف ما يتوقعه الناس منك‪ ،‬فذلك‬
‫يضع َمن حولك يف موقف دفاع ويجذب إليك االنتباه الذي مينحك القوة الالزمة‪،‬‬
‫كام أن الحرية واأللغاز إن أتقنت صنعهام مينكهام أن يبثا الرعب يف قلوب أعدائك‪.‬‬

‫_ تذكردامئا ‪ :‬قول النبي صىل الله عليه وسلم‪-:‬‬

‫(استعينوا عىل قضاء حوائجكم بالكتامن)‬

‫‪197‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫حافظ على توازنك‬

‫_ ال أحد يف هذه الدنيا يعرفك كام تعرف نفسك‪ ،‬فال يغرنك حديث الناس عنك‬
‫باملدح والثناء‪ ،‬وال يزعجك حديثهم عنك بالنقد والتجريح‪ .‬وليكن لك يف كل أحد‬
‫نظرة أريب عاقل داهية‪ ،‬كل ما يف األمر إياك أن تفقد حضورك الذهني أو توازنك‬
‫حتى لو واجهت الكثري من املشكالت يف وقت واحد‪ ،‬ال تشك يف دهائك أبدا‪ ،‬وكن‬
‫واثقا من نفسك عىل كل حال‪ .‬دع االخرين يفقدون صوابهم وافصل نفسك متاما‬
‫عن هذه الفوىض كأن شيئا مل يحدث‪ ،‬وكن األكرث صربا حني يجزع الجميع‪ ،‬فحضورك‬
‫الذهني وحفاظك عىل توازنك سيحررك من كل هذه املشكالت‪ ،‬وسيلتف الجميع‬
‫حولك ويرون فيك ملجأهم الوحيد‪.‬‬

‫_ حني تصل إىل مبتغاك من السلطة أوالرثوة فال تتباهى أو تتبجح‪ ،‬وال تُشعر‬
‫االخرين بأنهم دونك يف يشء فإنك بذلك تستثريهم ضدك من حيث ال تدري‪.‬‬

‫_ ال تبالغ أيضا يف الحفاظ عىل توازنك‪ ،‬فكل يشء زاد عن حده انقلب لضده‪ ،‬كن‬
‫متوازنا يف حفاظك عىل توازنك لئال ترتدد يف التقدم أو تفقد الزخم والحامس ‪،‬ولكن‬
‫فقك تحتاط من التهور واالندفاع‪ ..‬فأنت من تصنع النجاح وإن جاء بعده نجاح‬
‫فأنت أيضا من تصنعه‪.‬‬

‫_ أن تبقى هادئا ومنضبطا خالل انتظارك أن تع ّم الفوىض صفوف أعدائك‪..‬فإن هذا‬


‫( صن تسو)‬ ‫هو فن السيطرة عىل النفس‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ يقول معاوية وهو يوازن بني الخلفاء‪-:‬‬

‫(أما أبو بكر فلم يُرِد الدنيا ومل تُرده الدنيا‪ ،‬وأما عمر فأرادته الدنيا ومل يُرِدها‪ ،‬وأما‬
‫نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن)‬

‫_ ليك تحافظ عىل توازنك عليك أن تكتم تاثراتك النفسة من غضب ورسور ومو ّده‬
‫وبغضاء وغريها‪ .‬وقد قيل أن أحكم بيت قالته العرب هو‪:‬‬

‫وفؤاده من ح ّره يتأ ّو ُه‬ ‫ولرمبا ابتسم الكريم من األذى‬


‫_ دعا معاوية يوما مروان بن الحكم لحرب األشرت‪ ،‬فقال يا مروان‪ :‬إن األشرت قد‬
‫غمني‪ ،‬فاخرج بهذه الخيل فقاتله بها غدا‪ ،‬فقال مروان‪ :‬اد ُع لها عمرا فإنه شعارك‬
‫دون دثارك‪ .‬قال معاوية‪ :‬وأنت نفيس دون وزيري‪ .‬فقال مروان‪ :‬لو كنت كذلك‬
‫ألحقتني به يف العطاء‪ ،‬ولكنك اعطيته ما يف يدك وأعطيتني ما يف يدي غريك‪ ،‬فإن‬
‫خف املهرب عليك‪ .‬قال معاوية‪ :‬يُغني الله عنك‪ .‬قال‬ ‫غَلبت طاب املقام وإن غُلبت ّ‬
‫مروان‪ :‬أما اليوم فال‪.‬‬

‫ودعا معاوية عمرا فأمره بامره‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬أما والله لنئ فعلت لقد قدمتني كافيا‪،‬‬
‫وأدخلتني ناصحا‪ ،‬وقد غ ّمك القوم يف مرص‪..‬فإن كان ال يرضيك إال أ ْخذها ف ُخذها‪،‬‬
‫أما والله يا أمري املؤمنني إن مروان يباعدك منا ويباعدنا منك‪ ،‬ويأىب الله إال أن‬
‫يقربنا إليك‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫‪199‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫عليك أن توازن يف كل يشء‪ ،‬يف الغضب ويف الرسور ويف الحقد ويف الحب ويف العطاء‬
‫ويف املنع ويف القرب منك ويف البعد حتى ال تثري الضغائن واألحقاد بني أتباعك‪،‬‬
‫فال تُعط أحدا دون االخر‪ ،‬وال تقرب أو تباعد بغري حساب‪ ،‬فإن الناس ينظرون‬
‫إىل بعضهم البعض‪ ،‬وكل منهم يقارن نفسه بغريه‪ ،‬ولن تعدم كارها أو حاقدا‪ .‬فإذا‬
‫خصصت أحدا بعط ّية فاخفها عن غريهن وإن فضّ لت أحدا أو قربته فال تجاهر‬
‫بذلك‪ ،‬ولكن أظهِر للجميع أنهم لديك سواء‪ ،‬ال فاضل وال مفضول‪ ،‬ال إفراط وال‬
‫تفريط‪ ،‬ولتكن موازنتك بني الجميع ظاهرة للعيان‪ ،‬فإن َمن ِمثل مروان بن الحكم‬
‫يوجدون يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫_ استخدم ما لديك من قدرات وإمكانيات‪-:‬‬

‫كان دهاء معاوية من قبيل الدهاء الذي ي َع ّول عىل قضاء املصالح وتبادل املنافع‪،‬‬
‫وليس من قبيل ذلك الدهاء الذي يسوق األعوان َسوقا إىل خدمة مقاصده بسلطان‬
‫القدرة العقلية الخارقة وغلبة اإلقناع ‪ ،‬وإمنا استطاع معاوية ان يستهوي الناس إليه‬
‫بقضاء املصالح لقيامه عىل والية الشام عرشين سنة واستئثاره بأقطارها جميعا عىل‬
‫ايام عثامن بن عفان‪ ،‬واحتجازه ملا شاء من أموالها وخرياتها ووالء أعوانها بغري رقابة‬
‫عليه بعد الفاروق ‪.‬‬

‫فالرجل كان عىل نصيب من العقل ُييل له طبع مفطور عىل األناة مل تتعجله‬
‫الحوادث قط كام تعجلت منافسيه يف الحجاز والعراق‪ ،‬وكان ذلك النصيب حسبه‬
‫من العدة يف ذلك النزاع الذي ال سواء فيه بني املصاعب والعقبات من الجانبني‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ولو انه قورن بينه وبني اقرانه من الدهاة يف سعة الدهاء لكان اخر االربعة الشهر‬
‫صفا(عمرو بن العاص ومعاوية بن أيب سفيان وزياد بن ابيه واملغرية بن شعبة)‪ ،‬أو‬
‫مل يكن عىل اليقني أول األربعة قبل عمرو بن العاص عىل الخصوص‪ ،‬فالفارق بينهام‬
‫كالفارق بني العبقرية والعادة‪ ،‬أو بني العقل املش ّبع بالقوة الحيوية‪ ،‬والعقل الذي‬
‫قصاراه من الرأي أن يحذر ويرتبص ويتجنب حيثام كان‪.‬‬

‫_العربة‪-:‬‬

‫عليك أن تعرف أي دهاء حباك الله به من الدهاءين وأن تعمل عليه وتستغله‬
‫جيدا‪ ،‬فذلك أفضل بكثريمن أن تكون كالخراف التى ارتدت رداء األسود فأكلتها‬
‫الذئاب مع أول مواجهة‪.‬‬

‫_ دهاء عمرو كان سالح هجوم ودفاع‪ ،‬وكان دهاء معاوية سالح دفاع دائم عىل‬
‫أحسن األحوال‪ ،‬وكان معاوية يجهل موازين الرجحان بني الدهائني‪ ،‬ويحسب أن‬
‫اتقاء العواقب هو كل ما يطلبه الداهية من دهائه‪ ،‬كأمنا السالح يعمل عمل الدرع‬
‫وال يعمل عمل السيف أو السهم يف وقت من األوقات‪.‬‬

‫_ سال معاوية عمرا ذات يوم فقال‪ :‬مابلغ بك عقلك؟‬

‫قال عمرو‪ :‬ما دخلت يف يشء قط إال خرجت منه‪ ..‬قال معاوية‪ :‬لكنني ما دخلت‬
‫يف يشء قط واردت الخروج منه‪.‬‬

‫_ مل يكن عمرو ليقتحم املخاطر عىل الرغم منه ثم يبحث عن مخارج النجاة منها‪،‬‬

‫‪201‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫ولكنه يقتحم ويقول غري مرة_ عليكم بكل مهلكة مزلقة( أرض ال تثبت عليها‬
‫األقدام)_‪ ،‬ألنه كان عىل ثقة من دهائه كلام ثاب إليه‪ ،‬وعىل وفاء لطبيعة اإلقدام‬
‫واالقتحام التى تقرتن بالعبقرية ودوافع القوة والحيوية‪ ،‬وليس ِمن َعزم األمور‬
‫دهاء ال يندفع بصاحبه يف املضامر‪ ،‬وال يُر َجى من نفعه قط إال أنه لجام‪ .‬وال نكران‬
‫بعد لدهاء معاوية عىل هذا التقدير‪ ،‬وإمنا قصاراه من هذا التقدير أنه مل يصنع‬
‫الفرصة التى ُسنحت له‪ ،‬وأنه صرب يف انتظارها وأطال الصرب غري متعجل لها قبل‬
‫أوانه‪ ،‬وقد كان ذلك حسبه فيام توخاه‪.‬‬

‫فعليك أن تحافظ عىل توازنك وتعرف من تكون يف االثنني وتعمل عليه جيدا‪ ،‬هل‬
‫أنت كمعاوية يف توخيه وحذره‪ ،‬أم كعمرو يف ُجرأته وإقدامه؟‬

‫*****‬

‫_ قال أحد من ُص ِحب عمرو بن العاص(صحبت عمرو بن العاص فام وجدت أنصع‬
‫ظُرفا منه‪ ،‬وال أكرم جليسا‪ ،‬وال أشبه رسيرة بعالنية منه)‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫_ الطريف يف هذا الوصف أن عمرا بلغ من توازنه بينه وبني نفسه أن يصفه‬
‫الواصف هذا الوصف‪..‬مشابهة الرسيرة بالعالنية‪..‬يف الرجل الذي مل يشتهر بيشء‬
‫كام اشتهر بالدهاء‪ .‬فهل فرط الدهاء الذي ُخ ّيل إىل الرجل الذي وصفه بتلك الصفة‬
‫أنه أشبه الناس رسا بعالنية‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫أو هو الصدق الذي رآه الرجل الطيب فوصفه كام رآه غري مبال مبن يستغرب هذه‬
‫الغريبة أو تخامره الشكوك فيها‪.‬‬
‫ويف الغالب أن عمر بن العاص بلغ حدا من التوازن أن يكون شبيه الرس بالعالنية‬
‫يف جميع األمور التي ال يعنيه أن يكتمها بحيطته ودهائه‪.‬‬
‫*****‬
‫يل‬
‫_ دخل ذات يوم عىل معاوية زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم بنت ع ّ‬
‫يل كرم الله‬
‫بن أيب طالب‪ ،‬وكان عند معاوية بُ ْس بن أرطأة‪ .‬فنال بُ ْس من اإلمام ع ّ‬
‫وشج رأسه‪ .‬فام زاد معاوية أن قال‬
‫وجهه‪ ،‬فام أمهله زيد أن قام إليه فعاله بالعصا ّ‬
‫لزيد‪ :‬عمدت إىل شيخ قريش وسيد أهل الشام فرضبته؟‬
‫ثم قال ل ُب ْس‪ :‬تشتم عليا عىل رؤوس الناس وهو جد زيد ابن الفاروق ثم تراه يصرب‬
‫عىل ذلك؟ وما عاتب هذا وال ذاك‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫كان معاوية يرىض عن سفاهة بُرس إن مضت يف سبيلها‪ ،‬ولكنه ال يبطش بزيد‬
‫أن غضب لجده‪ ،‬وأصاب السفيه بجريرة سفاهته‪ .‬وال تساوي تلك السفاهة أن‬
‫يشرتيها بالنكال الذي تعود عليه الالمئة فيه وال تعود عليه منه زيادة يف ُملكه‪.‬‬
‫إال ان معاوية كان يحب هذه االستثارة ألنها تُ تعه بذكرى الشدائد التي تخطاها‬
‫بعد فوات الغاشية‪ ،‬وتريحه إىل لقاء خصومه وهم يف كنفه ينظرون إليه يف مستقر‬
‫نجاحه وظفره‪ ،‬وال يضريه مقولة يقولونها ال تحول بينه وبني ُملْكه‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا استتب األمر ملعاوية يف الخالفة‪ ،‬وايقن أنه ال أحد ينازعه األمر‪َ ..‬ه ّم أكرث من‬
‫مرة أن يخلف وعده مع عمرو بن العاص ويعزله عن والية مرص‪ ،‬ثم يرجع عن ذلك‬
‫لتوقعه الرش من عمرو‪ ،‬ويع ّزي نفسه أنها والية عام أو أعوام قالئل عىل األكرث ثم‬
‫تصري إليه فيعطيها من يشاء‪ .‬وقد مات عمرو بالفعل بعد أعوام قالئل فض ّم معاوية‬
‫خزائن أمواله إىل بيت املال وخالف رجاء عمرو يف تولية ابنه عبدالله مكانه‪ ،‬وأسند‬
‫الوالية إىل أخيه ألبيه عتبة بن أيب سفيان‪.‬‬

‫_العربة‪-:‬‬

‫عمرو بن العاص ريض الله عنه هو من َصنع معاوية وجعله خليفة‪ ،‬لذلك كان يرى‬
‫صب نفسه مبرص ألنها تعدل الخالفة جامعة‪ ،‬أما معاوية‬ ‫نفسه نِ ّدا له‪،‬ولكنه كان يُ ّ‬
‫فقد صار خليفة للمسلمني قاطبة وكان يوازن بينه وبني هذا الشعور عند عمرو‪،‬‬
‫وملا رأى بعض الغدر واملكر من عمرو ه ّم بعزله غري مرة ولكنه يرجع عن ذلك‪،‬‬
‫فعمرو غري مأمون الجانب‪ ،‬ومل يبالغ معاوية ويعتمد عىل دهائه وجنده وماله‬
‫وسلطانه ليعزل عمرا‪ ،‬وإمنا كان متوازنا إىل أبعد ح ّد‪..‬يقع يف خدعة عمرو ثم يخرج‬
‫منها بدهائه املشهود‪ ،‬وال يعاقب عليها عمرا وإمنا يحفظها له ويحلُم عليه ليتقي‬
‫حسده ويكون يف مامن من مكره‪.‬‬

‫غيون إيقاعهم ومسارهم ويكيفونها مع متغريات‬‫_ الدهاة بصدق واألقوياء بحق يُ ّ‬


‫املوقف ويتعلمون اإلرتجال وال يرتكون نشوة االندفاع تحركهم‪ ،‬بل ينأون بأنفسهم‬
‫ويفكرون يف خطوتهم التالية‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ قال معاوية وهو يف حالة من حاالت النقمة والطمع لعمرو يف خلوة بينهام‪ :‬ما‬
‫أعجب األشياء؟ فقال عمرو‪ :‬أعجب األشياء غلبة املبطل ذا الحق عىل حقه‪ .‬فر ّدها‬
‫معاوية قائال‪ :‬بل أعجب األشياء من هذا أن تعطي من ال حق له بحق من غري غلبة‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫يل كرم الله‬


‫_ معاوية يسأل عمرا ويجيبه عمرو وهويلمح له أنه غلب بباطله ع ّ‬
‫وجهه بحقه‪ ،‬فريدها معاوية له‪ :‬كيف أنه وهو عمرو بن العاص يعطي الخالفة‬
‫ملعاوية وهي ليست حقا له بعدما جعلها هو حقا أمام الناس من غري أن يغلبه‬
‫هو عليها؟ فعمرو هو َمن صنع معاوية وجعله خليفة‪.‬‬

‫_ كان كل حني يخرج عمرو ومعاوية عندما ينفردان ببعضهام البعض عن توازنهام‬
‫ليثقل عليهام ما يحمالنه من الرياء لبعضهام البعض‪ ،‬فيتصارحان يف النوايا رصاحة‬
‫هي أشبه بالرصاع الذي يجمع فيه الن ّدان بني اللعب والخصومة‪ ،‬وال يدع أحدا‬
‫منهام مجاال لالخر لينترص عليه فيه‪ ..‬حسدا لبعضهام البعض‪ ..‬وحقدا يف كثري من‬
‫األحيان غري أن الحاجة تفرض عليهام أن يتصنعا لبعضهام الحب والو ّد‪.‬‬

‫_ ال تستهن أبدا برشور الحسد‪ ،‬وحتى اليصيبك اتخذ حذرك وتعلّم اسرتاتيجيات‬
‫تجنبه بإظهار أحد نقائصك أو ضعفك أو مخاوفك أو سوء حظك عامدا امام‬
‫حاسديك‪.‬‬
‫*****‬

‫‪205‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ عليك أن تحافظ عىل توازنك لتتقن لعبة التحكم بصورتك أمام الناس ‪ ،‬فال يرونك‬
‫متعاليا عليهم فيضمروا لك الحقد والحسد‪ ،‬وليك تحمي نفسك من ذلك اظهر لهم‬
‫أنك تشاركهم طرقتهم وقيمهم‪ ،‬وأن تتخذ حلفاء وأتباع ممن هم أقل منك وأن‬
‫ترفعهم إىل مراكز القوة حتى تنال دعمهم حني تحتاجه‪ ،‬وأن تتعامل مع االخرين‬
‫وكأنهم أعىل منك مقدرة‪.‬‬
‫_ حفاظك عىل توازنك مينع عنك حسد األقران وحقدهم‪ ،‬واعلم أن من جاوزتهم‬
‫وتفوقت عليهم يحسدونك‪ .‬قد ال يظهرون ذلك لك ولكنه محتوم‪ ،‬فال تنخدع مبا‬
‫تراه منهم من ود واقرأ الحسد يف تعليقاتهم التى تنتقدك وتسخر منك‪ ،‬ويف التشهري‬
‫بك يف غيابك‪ ،‬واالفراط يف مدحك يف حضورك أو نفي نظرات السخط يف أعينهم‪.‬‬
‫انتبه لذلك جيدا‪.‬‬
‫_ عليك أن تكون متوازنا حتى يف لحظات انتصارك‪ ،‬واعمل عقلك دامئا وال تدع‬
‫نشوة االنتصار تؤثر عليك وتدفع تحركاتك ألن ذلك يدمرك‪ ،‬حني يتحقق لك انتصار‬
‫تناءي بنفسك وفكر وكن حذرا واكشف ما لعبته الظروف يف نجاحك وتعلم متي‬
‫تتوقف لرتسخ مكاسبك‪.‬‬
‫_ وازن بني قوتك ومكرك‪ ،‬فاالفراط يف القوة يولّد املقاومة‪ ،‬واالفراط يف املكر يجعل‬
‫الناس يكتشفونه مهام كان بارعا‪ ،‬وازن بني حبك وبغضك‪ ،‬فاالفراط يف الحب يعمي‬
‫العقل عن كل يشء‪ ،‬واالفراط يف البغض يخلق العداوة‪ ،‬وازن بني الفرح والحزن‪ ،‬بني‬
‫الرضا والسخط‪ ،‬بني القرب والبعد‪ ،‬وازن بني كل يشء يف حياتك لتبقى حياتك متزنة‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫مىت تنسحب‬
‫_ عليك أن تعرف متى تنسحب‪ ،‬اخرت معاركك بعناية وال تقاوم طبيعة الحياة‬
‫فاملستحيل موجود بالفعل يف هذه الحياة‪ ،‬وما هو يف طاقتك ومقدرتك ليس‬
‫باملستحيل وإمنا يكون صعبا فاجتهد ألجل هذا الصعب فيصبح ممكنا ومن ثِ ّم‬
‫ميكنك الحصول عليه‪.‬‬
‫_ اإلقدام واجب ملن أراد النجاح‪ ،‬ولكن العاقل الداهية من يعلم أيضا متى ينسحب‪.‬‬
‫يجب االنسحاب إذا ثبت لك استحالة ما أنت ُمقدم عليه‪ ،‬أو كانت قدراتك الحالية‬
‫ال تكفي‪.‬‬
‫_ اإلنسحاب عندما يكون يف صالحك فهو دليل قوتك وليس دليال عىل ضعف‬
‫شخصيتك‪.‬‬
‫_ تذكر دامئا‪-:‬‬
‫تراجع ليك تتقدم‪ ،‬فالحرب مخادعة والتقدم ليس جيدا دامئا‪ ،‬والرتاجع ليس ضعفا‬
‫دامئا‪.‬لذا عليك أن تعرف الفرق بينك وبني اآلخرين‪ ..‬أن تفهم نفسك وأنصارك‬
‫وعدوك قدر اإلمكان ليك ترى األحداث عىل حقيقتها‪ .‬املقدرة عىل فعل ذلك تنبع‬
‫فقط من معرفتك مبتى وكيف تنسحب‪ ،‬ومتى تستمر يف التقدم والهجوم‪.‬‬

‫يل ومعاوية ريض الله عنهام‪ ،‬مكث الناس أربعني ليلة يغدون‬‫_ يف حرب صفني بني ع ّ‬
‫للقتال ويروحون‪ ،‬فأما القتال الذي كان فيه الفناء فثالثة ايام فقط‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫يل كرم الله وجهه كرثة القتل يف الناس‪..‬برز يوما من اليام ومعاوية فوق‬‫فلام رأى ع ّ‬
‫التل‪ ،‬فنادى بأعىل صوته‪ :‬يا معاوية‪ .‬فأجابه معاوية‪ :‬ما تشاء يا أبا الحسن؟ فقال‬ ‫ّ‬
‫يل‪ :‬عالم يقتتل الناس ويذهبون؟ عىل ُملْك إن نلته كان لك دونهم ؟ وإن نلته أنا‬ ‫ع ّ‬
‫كان يل دونهم؟ ابرز إ ّىل ودع الناس فيكون األمر ملن غلب‪ .‬قال معاوية لعمرو‪ :‬ما‬
‫ترى يا عمرو؟ فقال عمرو‪ :‬أنصفك الرجل يا معاوية‪ .‬فضحك معاوية وقال‪ :‬طمعت‬
‫فيها يا عمرو؟ والله يا عمرو ما تريد إال أن أُقتَل فتصيب الخالفة من بعدي‪ ،‬اذهب‬
‫فليس مثيل يُخ َدع‪ .‬فقال عمرو‪ :‬ما أراه يجمل بك إال أن تبارزه‪ .‬فقال معاوية‪ :‬ما‬
‫أراك إال مازحا‪ .‬نلقاه بجمعنا يا عمرو‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫يل ريض الله عنه يحارب حربا رشيفة‪ ،‬حرب شجاع لشجاع‪ ،‬وكان معاوية‬ ‫كان ع ّ‬
‫ريض الله عنه يحارب لشئ آخر متاما‪ ،‬فكانت حربه حرب مكر وخداع‪..‬فكان يراوغ‬
‫يل إذا تقدم‬
‫ويختفي وينسحب‪ .‬فإذا أراد معاوية أن يبارزه فال يجده‪ ،‬وكان ع ّ‬
‫انسحب معاوية‪ ،‬وإذا برز اختفي معاوية‪ .‬مبثل هذه الحيل استم ّد معاوية بقاءه ‪،‬‬
‫كان يساير األحداث وال يتجمد يف قالب معني‪ ،‬يفاجئ عدوه ويضللهم‪ ،‬فأبطل كل‬
‫يل كان من شأنها هزمية معاوية‪ ،‬فانسحابه اليوم جاء بالنرص املبني‬‫اسرتاتيجية لع ّ‬
‫طول الزمان‪.‬‬
‫*****‬

‫‪208‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ ملا دانت الدنيا ملعاوية واستتب األمر له بالخالفة‪ .‬كان قيس بن سعد ذلك البطل‬
‫لعي بن أيب طالب كرم الله وجهه قبل عزله إياه وبعد‬
‫القوي األمني الذي حفظ عهده ّ‬
‫عزله‪ ،‬وظل حافظا لهذا العهد حتى بعد مصالحة الحسن ملعاوية‪ .‬أرسل معاوية إىل‬
‫قيس صحيفة بيضاء موقعة بتوقيعه مختومة بخاتم الخليفة‪ ..‬يكتب فيها ما يشاء‪،‬‬
‫فلم يكتب فيها إال عهدا باألمان له وألصحابه الذين نرصوا عليا والحسن بقيادته‪،‬‬
‫وجلس معاوية بالكوفة يتلقى البيعة من مخالفيه القدماء‪ ،‬فقال قيس‪ :‬إين كنت‬
‫ألكره مثل هذا اليوم يا معاوية‪ ،‬فقال معاوية له‪َ :‬مه(اسم فعل أمر مبعنى اكفف)‬
‫رحمك الله‪ ،‬عىس أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم‪ .‬فقال قيس‪ :‬لقد كنت حريصا أن‬
‫أفرق بني روحك وجسدك قبل ذلك‪ ،‬فأىب الله إال ما أَحب يا ابن أيب سفيان‪ .‬فقال‬
‫معاوية‪ :‬فال يُ َرد أمر الله‪ .‬فأقبل قيس بوجهه عىل الناس فقال‪ :‬يا معرش الناس لقد‬
‫اعتضتم الرش من الخري ‪ ،‬واستبدلتم الذُل من العز‪ ،‬والكفر من اإلميان‪ ،‬فأصبحتم‬
‫بعد والية أمري املؤمنني وسيد املسلمني وابن عم رسول رب العاملني‪ ،‬وقد ولِيكم‬
‫الطليق بن الطليق(الخفيف)‪ ،‬يسومكم الخسف(يكلفكم املشقة والذل) ويسري‬
‫فيكم بالعسف( الجور والظلم)‪ ،‬فكيف تجهل ذلك أنفسكم؟أم طبع الله عىل‬
‫قلوبكم وأنتم ال تعقلون؟‬

‫فجثا معاوية عىل ركبتيه ثم أخذ بيد قيس وقال‪ :‬أقسمت عليك‪ ،‬ثم صفّق عىل‬
‫يده ونادى الناس‪..‬بايع قيس‪..‬بايع قيس‪ .‬فقال قيس‪ :‬والله كذبتم‪ ،‬والله ما بايعت‪،‬‬
‫فضاع صوته بني الصياح والضجيج‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫‪209‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ معاوية يعلم جيدا من هو قيس بن سعد‪ ،‬ويعلم أيضا أنه لن تفلح معه سياسة‬
‫ال ُملْك والرعية‪،‬ألن قيسا ال يرى يف معاوية خليفة‪ ،‬وال يرى أنه من رعيته‪ ،‬وحاجة‬
‫معاوية إىل مبايعة قيس أجدى وأنفع له‪ .‬وليس قيس ممن ينفع معه الرتهيب‬
‫والنكال وإمنا قد تُجدي معه الحيلة‪ ،‬وليس من حيلة ملعاوية أجدى له من انسحابه‬
‫أمام قيس‪،‬فمعاوية ينسحب لينتحر ويحصل عىل ما يريد‪ ،‬وال ينسحب لهزمية‪.‬‬
‫يتنازل عن خالفته لبعض الوقت ليحافظ عليها كل الوقت‪ ،‬ويجثو عىل ركبتيه أما‬
‫رسخ سلطان بني أمية‪.‬‬‫قيس الشهم الصلب ليقف ثانية وهو رابح مبايعة قيس ويُ ّ‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫_ إياك أن يتم استدراجك لنفق مظلم ال يناسبك‪ ،‬ولكن اخرت نفقك الخاص وتعلّم‬
‫قراءة كل املؤرشات التي تساعدك عىل قراءة خطواتك وتوقع مستقبلك يف ذلك‬
‫النفق‪ .‬احتفظ دامئا بأهم سالح‪..‬السالح الذي ال يخيب أبدا‪ ،‬سالح اإلنسحاب‪ ،‬ذلك‬
‫هو األهم بالنسبة لك‪..‬‬

‫فن اإلنسحاب هو أن تصل مبا تبقى لك من قوة للمربع اآلمن‪ ،‬هذا املربع الذي‬
‫تسيطر عليه وال يبلغك فيه يشء تكرهه من عدوك‪ .‬يف إنسحابك فرصة إللتقاط‬
‫األنفاس‪ ،‬وليك تعيد بناء نفسك وتجهيز قواتك‪.‬‬

‫_ أظهر للجميع أن انسحابك ليس عن هزمية وإمنا استعدادا لخوض جوالت أخرى‪،‬‬
‫حتى وإن ظهر للجميع أنك مهزوم ستحظى باحرتامهم وأنت منسحب كام كنت‬
‫تحظى باحرتامهم وأنت تهاجم‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ اإلنسحاب أفضل من االستسالم وطلب الرحمة من العدو‪.‬‬

‫_ االنسحاب ليس قرارا سهال أبدا‪ ،‬فهو فن له أصوله وأساليبه‪..‬من تضليل ومتويه‬
‫ومنع عدوك من االستفادة مبواردك‪.‬‬

‫_ إنسحابك املبكر يوفر عليك الكثري من الوقت والجهد بدال من أن تُضيع كثريا من‬
‫عمرك وأنت تتعلم أشياء ال تحبها أو ال تستطيع االستفادة منها‪.‬‬

‫_ ال تظهر أبدا جشعا للفت األنظار ألن ذلك يظهرك مهزوزا ويبعد عنك‬
‫السطوة‪،‬والعم أن هناك أوقات يكون األصلح لك أن تبتعد عن مركز االنتباه‪ ،‬فحني‬
‫تكون يف حرضة امللك أو من يف قدره‪ ..‬انحنِ وانسحب إىل الظالل وال تنافسهم أبدا‪.‬‬

‫_ بإمكانك القيام بهجامت صغرية أثناء انسحابك‪..‬كأنك تحارب بظهرك‪.‬‬

‫*****‬
‫_ تنازع عمرو بن عثامن بن عفان وأسامة بن زيد موىل رسول الله صىل الله عليه‬
‫وسلم يف قطعة أرض إىل معاوية بن أيب سفيان‪ .‬فقال عمرو ألسامة‪ :‬كأنك تنكرين؟‬
‫فقال أسامة‪ :‬ما يرسين نسبك بواليئ‪ .‬فقام مروان بن الحكم فجلس إىل جانب عمرو‬
‫بن عثامن‪ .‬وقام الحسن فجلس إىل جانب أسامة‪ .‬فقام سعيد بن العاص فجلس إىل‬
‫جانب مروان وقام الحسني فجلس إىل جانب الحسن‪ ،‬فقام عبدالله بن عامر فجلس‬
‫إىل جانب سعيد بن العاص وقام عبدالله بن جعفر فجلس إىل جانب الحسني‪ ،‬فقام‬
‫عبدالرحمن بن الحكم فجلس إىل جانب عبدالله بن عامر وقام عبدالله بن عباس‬

‫‪211‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫فجلس إىل جانب عبدالله بن جعفر‪ .‬فلام رأى معاوية ذلك قال‪ :‬ال تعجلوا‪..‬أنا كنت‬
‫شاهدا إذ أقطعها رسول الله صىل الله عليه وسلم أسامة‪ ،‬فقام الهاشميون وخرجوا‬
‫منترصين‪ ،‬وأقبل األمويون عىل معاوية فقالوا‪ :‬أال كنت أصلحت بيننا وأظهرتنا‬
‫عليهم؟‬
‫فقال معاوية‪ :‬دعوين‪..‬فوالله ما ذكرت عيونهم تحت املغافر ( لباس الحرب)‬
‫ىل عقيل‪ ،‬وإن الحرب أولها نجوى وأوسطها شكوى وآخرها بلوى‪.‬‬
‫بصفني إال لبس ع ّ‬
‫ومتثّل بأبيات امرئ القيس إذ يقول‪:‬‬
‫تسعى بزينتها لكل جهول‬ ‫الحرب أول ما تكون فتية‬
‫عادت عجوزا غري ذات خليل‬ ‫وشب رضامها‬
‫حتى إذا استعرت ّ‬
‫والتقبيل‬ ‫مكروهة للش ّم‬ ‫شمطاء ج ّزت رأسها وتنكرت‬
‫ثم قال‪ :‬ما يف القلوب يَ ِش ّب الحرب‪ ،‬واألمر الكبري يدفعه األمر الصغري‪.‬‬
‫_ العربة‪_:‬‬
‫ِ‬
‫انسحب منها‪ ،‬وال تدخل معركة إال إذا كنت‬ ‫_ املواجهة التي ال تفيدك يف يشء‬
‫متيقنا من انتصارك فيها‪ ،‬وال تنارص الضعفاء إال إذا كانوا أصحاب حق ألن من يفعل‬
‫ذلك لن يحصد إال املخاطر‪ .‬فقط عليك أن تنسحب حني ترى نفسك األضعف‪ ،‬أو‬
‫حني تعلم أن مواجهتك للخصم ستضعفك بعد انتهاء املواجهة‪ ،‬كل ما عليك أن‬
‫تُسلّم له القليل وأنت قوي كام أنت بدال من أن تُسلّم كل يشء وتصري األضعف يف‬
‫معادلة ال يصمد فيها إال األقوياء‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ اظهر الخضوع‪ ،‬فالخضوع يحوي سلطة هائلة خفية‪ ،‬فهو يغري العدو باالطمئنان‬
‫لقوته ومينحك الوقت الستجامع قواك وتقويض قوى الخصم والتخطيط لالنتقام‪،‬‬
‫فال تهدر الوقت أبدا لتنال رشف الدخول يف معارك تعرف أنت لن تكسبها‪.‬‬
‫*****‬
‫وسمي ذلك العام بعام الجامعة‬ ‫_ بعدما متت البيعة ملعاوية عام ‪41‬هجرية ُ‬
‫وهدأت األمور‪ ،‬خطر له خاطر أن يعزل عمرو بن العاص عن مرص‪ ،‬فلعله يعيش‬
‫فيغلب أعقابه عىل الخالفة‪ .‬وكان أهون يشء عىل عمرو أن ينتزع الخالفة من‬
‫َ‬ ‫بعده‬
‫يزيد‪ .‬ولكن معاوية تراجع عن ذلك مل رآه من وهن عمرو‪ ،‬فعمرو يف ذلك الوقت‬
‫جاوز الثامنني واشتكت أعضائه يف جسده‪ ،‬فاشتكت بطنه يف اليوم املحدد للتخلص‬
‫يل كرم الله وجهه فكانت سببا يف نجاته‪ ،‬إىل غري الكثري مام‬
‫منه ومن معاوية ومن ع ّ‬
‫اشتكاه عمرو بعد ذلك يف جسده‪ .‬فقرر معاوية عدم املواجهة مع عمرو‪ ،‬فهو إن‬
‫عاش اليوم لن يعيش الغد‪ ،‬وقد كان معاوية منصفا يف ظنه‪ .‬فقد تويف عمرو ليلة‬
‫عيد الفطر عام ‪43‬هجرية‪.‬‬
‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ آية الدهاء أن ينتفع اإلنسان مبا يضري الناس‪ ،‬وعمرو نفسه انتفع من وهنه‬
‫مرتني‪ ،‬مرة حني شكا بطنه فنجا من املوت‪ ،‬ومرة حني سلمت له والية مرص بربكة‬
‫هذا الوهن الذي ال محيص عنه‪ ،‬فلواله ما طابت نفس معاوية له بوالية عمرو‬
‫ملرص‪..‬ميلك فيها األموال والرجال‪ ..‬ولوال وهن عمرو ملا طابت له نفسه أن يكون‬
‫معاوية خليفة عليه‪ ،‬ولكن كل منهام قرر اإلنسحاب من املواجهة املدمرة لكليهام‪،‬‬
‫واالكتفاء مبا وصال إليه‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬
‫_ الضعيف هو من ال يتنازل حني يكون من مصلحته التنازل ‪.‬‬
‫(كاردينال دي ريتز)‬
‫يعب عن ضعف أو جنب أو عدم قدرة عىل املواجهة‪ ،‬االنسحاب‬ ‫_ ليس كل انسحاب ّ‬
‫الحكيم يتطلب الشجاعة الكافية لتُقدم عليه‪.‬‬
‫_ انسحب من أمام األغبياء واملتطرفني فكريا ومن كل مواجهة سيكون العائد عليك‬
‫منها خسارة محققة لك‪ ،‬فانسحابك يغلق دائرة الرش‪.‬‬
‫_ اجعل انسحابك مرشفا كأن تؤجل املواجهة التى لن تعرف كيف تنسحب منها أو‬
‫تنترص فيها‪ ،‬اجعل انسحابك يبدو من باب التواضع‪ ،‬فالتواضع قوة وليس ضعف‪،‬‬
‫والقوة الحقيقية تقتيض سيطرتك عىل نفسك وغرائزك وأفكارك‪.‬‬
‫_ جوهر االنسحاب يقوم عىل رفض االشتباك مع العدو بأي شكل‪ ،‬سواء جسديا‬
‫أو نفسيا‪ ،‬قد تفعل ذلك بطريقة دفاعية وبهدف حامية الذات‪ ،‬لكنه ميكن أيضا‬
‫أن يكون إيجابيا‪ ،‬فبانسحابك ورفضك قتال أعداء عدوانيني ميكنك أن تثري غضبهم‬
‫وتُفقدهم توازنهم بصورة فعالة‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫‪ _1‬ال ينبغي أن يكون االنسحاب هدفا بحد ذاته‪،‬ففي لحظة ما سيكون عليك أن‬
‫تقاتل إذا مل ترتاجع وتراجعك هذا يسمى بدقة أكرب ( االنسحاب)‪ .‬فإن العدو يربح‬
‫واملعركة عىل املدى الطويل حتمية‪ ،‬الرتاجع يجب أن يكون مؤقتا فقط‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫‪ _2‬لو أن النبي صىل الله عليه وسلم ظل يف مكة وهاجم أعدائه لكان ُس ِحق وبات‬
‫منسيا ولكنه انسحب إىل املدينة ليظل ذكره خالدا أبد اآلبدين‪.‬‬

‫(‪ 33‬اسرتاتيجية للحرب)‬

‫_ االنسحاب من الفوىض راحة ال تُق ّدر بثمن‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫التغافل والتجاهل والتغابي‬


‫_ عىل الداهية أن يتقبل الطرف االخر وأن يتغاىض ويتغافل عام ال يعجبه فيه‬
‫من صفات أو طبائع كام أنه عالمة عىل حسن ال ُخلق‪ ،‬وهو أداة فعالة ليتجمع‬
‫الناس حولك ‪.‬كذلك عليك أن تتغاىض عن كل صغرية حتى ال تعطي األمور أكرب من‬
‫حجمها‪.‬‬
‫(تسعة أعشار حسن ال ُخلق يف التغافل) اإلمام أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫_ من الدهاء ‪..‬كل الدهاء التغافل عن كل ذنب ال تستطيع العقوبة عليه‪ ،‬ومن‬
‫عداوة كل عدو ال تقدر عىل االنتصار منه‪.‬‬
‫_ ال يكون املرء عاقال حتى يكون عام ال يعنيه غافال‪( .‬حكمة)‬
‫ولكن سيد قومه املتغايب‬ ‫_ ليس الغبي بسيد يف قومه‬
‫(الشاعر أبو متام)‬
‫_ األحنف بن قيس سئل عن السيادة فقال‪:‬‬
‫( هي وعاء ثلثه فطنة وثلثاه تغافل)‬
‫_ عليك أن تتعلم االستفادة من الغباء فأكرث الناس دهاء وحكمة يستخدمون‬
‫هذه القاعدة أحيانا كثرية‪ ،‬ليس الجهل أو الغفلة أو الغباء‪ ،‬بل التظاهر بأنك‬
‫تغفل وأنك تغبى وأنك تجهل‪ ،‬فليس من الخري أن تظهر حكيام يف وسط حمقى‪،‬‬
‫أو عاقال بني مجانني‪ ،‬وليس من السذاجة أن ت ّدعي السذاجة‪ ،‬والطريقة األمثل‬
‫التي تجعل الجميع يفتحون لك قلوبهم هي أن تتظاهر بأنك أغبى منهم جميعا‪.‬‬
‫( بالتسار جراتسيان)‬
‫‪216‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫التغافل‬

‫يل‬
‫_ أرسل معاوية يوما إىل الزرقاء بنت عدي (خطيبة معركة صفني) وكانت مع ع ّ‬
‫كرم الله وجهه‪ ،‬وملا دخلت املجلس وفيه عتبة بن أيب سفيان‪ ،‬وسعيد بن العاص‪،‬‬
‫العاص‪،‬هش لها معاوية ورحب بها ثم سألها‪ :‬أتدرين فيم بعثت إليك؟‬
‫ّ‬ ‫وعمرو بن‬

‫_ قالت‪ :‬وأىن يل بعلم مامل أعلم؟ اليعلم الغيب إال الله‪ .‬فسكت هنيهة ثم قال‪:‬‬
‫ألست ِ‬
‫أنت الراكبة الجمل األحمر يوم صفني تحضني الناس بني الصفني عىل القتال؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فام حملك عىل ذلك؟‬

‫قالت‪ :‬يا أمري املؤمنني ‪..‬مات الرأس‪ ،‬وبُ ِت الذنَب‪ ،‬ولن يعود ما ذهب‪ ،‬والدهر ذو‬
‫ِغ َي‪ ،‬ومن تفكر أبرص‪ ،‬واألمر يحدث بعده األمر‪.‬‬
‫ِ‬
‫صدقت‪ .‬أتحفظني كالمك يومئذ؟‬ ‫قال‪:‬‬
‫قالت‪ :‬ال والله ا ِ‬
‫ُنسيتُه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولكني أحفظه‪..‬ولله ِ‬
‫أبوك حني تقولني‪ :‬أيها الناس‪..‬ارعوا وارجعوا‪ ،‬إنكم‬
‫أصبحتم يف فتنة‪ ،‬غشيتكم جالليب الظلم‪ ،‬وجارت بكم عن قصد املحجة‪ ،‬فيالها من‬
‫فتنة عمياء صامء بكامء‪ ،‬ال تسمع لناعقها(الصائح بأعىل صوته)‪ ،‬وال تسلس (تلني)‬
‫لقائدها‪ ،‬إن املصباح ال يضئ يف الشمس‪ ،‬والكواكب ال تنري مع القمر‪،‬وال يقطع‬
‫ِ‬
‫رشكت عليا يف كل دم سفكه‪.‬‬ ‫الحديد إال الحديد‪ .‬ثم قال لها‪ :‬والله يا زرقاء لقد‬

‫‪217‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫رس جليسه‪.‬‬
‫بش بخري‪ ،‬و ّ‬
‫قالت‪ :‬أحسن الله بشارتك‪ ،‬وأدام سالمتك‪ ،‬فمثلك ّ‬
‫قال معاوية‪ :‬أو ِ‬
‫يرسك ذلك؟ قالت ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫يل بعد موته اعجب إ ّيل من حبكم يف حياته‪ ،‬اذكري حاجتك‪.‬‬
‫قال‪ :‬والله لوفاؤكم لع ّ‬
‫قالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ..‬آليت عىل نفيس ال أسألن أمريا أعنت عليه أبدا‪ .‬ولكن‬
‫معاوية عيل ذلك أكرمها وأجزل لها العطاء وأرضاها‪.‬‬
‫_ العربة‪:‬‬
‫تغافل معاوية عن وفاء الزرقاء لعيل بن أيب طالب بعد موته ونرصتها له يف حياته‪،‬‬
‫وقد كانت له مبثابة العدو والخصم‪ ،‬ثم أعطاها وأرضاها‪ .‬فعليك ان تدير ظهرك ملا‬
‫ال ميكن أن يؤذيك عىل املدى الطويل‪ ،‬إنك بهذا التغافل تلغيهم متاما من الحساب‪،‬‬
‫وهذا يُفقدهم استقرارهم‪،‬‬
‫_ عليك أن تعلم أنك أنت من تختار أن تدع األمور تزعجك‪ ،‬وميكنك أيضا أن تتغافل‬
‫عنها‪ ..‬فانظر لها باحتقار واظهر أن هذه التوافه ال تستحق اهتاممك‪ ،‬وهذا الفن‬
‫من يتقنه يستطيع أن يريح رأسه من كل يشء صعب مير عليه‪ ،‬فتخلص مام يُحزنك‬
‫من أمور بتغافلك عنها‪ ،‬وال تُع ّول كثريا عىل ما حدث يف املايض ما دمت قد نِ َ‬
‫لت‬
‫مطلوبك ‪ ،‬فاملايض ذهب ولن يعود ثانية فتغافل عنه وانتبه للحظة أنت وليدها‪.‬‬
‫_ من أعظم املصائب أن تعيش مع من يدقق يف كل أعاملك ويتتبعها معلقا عىل‬
‫شاردة وواردة‪ ،‬ابتعد عن ذلك الشخص فهو محدود التفكري ضئيل الرؤية ال تتعدى‬
‫حدوده تحت قدميه‪.‬‬

‫(اإلمام جعفر الصادق)‬ ‫_ عظموا أقداركم بالتغافل‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫التغابي‬

‫_ أصناف الرجال أربعة‪ ..‬غبي‪ ،‬ذيك‪ ،‬متذايك‪ ،‬ذيك متغايب‪..‬يُه َزم جميعهم باستثناء‬
‫(حكمة)‬ ‫األخري‪.‬‬

‫_ دخل يزيد بن معاوية عىل أبيه يخربه بتشبيب عبدالرحمن بن حسان بأخت‬
‫معاوية يف شعره ‪..‬فقال له‪ :‬إن عبدالرحمن يقول‪-:‬‬

‫ومللت الثواء(اإلقامة) يف جريون‬


‫ُ‬ ‫وبت كاملجنون‬
‫طال لييل ُّ‬
‫فقال له معاوية‪ :‬وما علينا يا بني من طول ليله وحزنه؟ أبعده الله‪.‬‬

‫قال يزيد ‪ :‬وإنه ليقول‪:‬‬

‫ظن أهيل مرجامت الظنون‬ ‫فلذلك اغرتبت بالشام حتى‬

‫قال معاوية‪ :‬وما علينا من ظَنِ أهله؟‬

‫قال يزيد‪ :‬وإنه ليقول‪:‬‬

‫ميزت من جوهر مكنون‬ ‫هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص‬

‫قال معاوية‪ :‬صدق يا بني‪..‬هي كذلك‪.‬‬

‫قال يزيد ‪:‬وإنه ليقول‪:‬‬

‫‪219‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫متيش يف مرمر مسنون‬ ‫ثم خارصتها إىل القبة الخرضاء‬

‫وإذا ما تركتها عن مييني‬ ‫عن يساري إذا دخلت إليها‬

‫فضحك معاوية وقال‪ :‬وال كل ذلك كان‪ ،‬ثم حذّر ابنه قائال‪ :‬ليس يجب القتل يف‬
‫هذا ولكننا نكفيه بالصلة‪ .‬ثم ارسل معاوية يف طلب الشاعر وأبلغه أن هندا أخت‬
‫رملة تعتب عليه ألنه ال يُس ّويها بأختها‪ .‬واراد بذلك أن يُشبب الشاعر بهند فيعلم‬
‫الناس أنه كاذب يف كل ما قال‪ ،‬وأنها أقاويل الشعراء الذي يقولون ما ال يفعلون‪.‬‬

‫_ العربة‪-:‬‬

‫لغة التغايب والتغافل والتجاهل ‪..‬كل هذه اللغات ال يفهمها إال ذوو النفوس‬
‫الراقية التي تفقد الشعور االنساين‪ ،‬وهذا الفن ال يتقنه إال األذكياء‪ ،‬فتغافل قدر‬
‫ما استطعت‪ ،‬فإن مل تفعل فالسالمة يف التغايب‪ ،‬فإن مل تستطع فتجاهل واجعل من‬
‫نفسك معاوية‪.‬‬

‫_ ال تجعل أحدا يستدرجك إلهدار الوقت والجهد يف مثل هذه الصغائر ‪،‬فليس‬
‫عليك أن تلوم إال نفسك‪ ،‬تعلُم أن تستخدم سالح التغايب والتجاهل وكذلك االزدراء‬
‫لكل من ال يستطيع أن يُشكّل لك تهديدا عىل املدى البعيد‪.‬‬

‫_ التغايب سيغريك كثريا عندما تصادف أناسا يحبون إثارة العواصف ‪ ،‬التغايب قد‬
‫يكون نوعا من الهروب من املشاكل وأيضا وسيلة من وسائل التواضع الغري مبارش‪،‬‬
‫بل إنه يجعل صاحبه يدرك كم أن املتذاكني هم أنفسهم أغبى أنواع البرش‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫_ أن تصبح ذكيا فال جديد‪ ،‬أما أن تكون غبيا فهذا هو الدهاء‪ ،‬لذا فانت متغايب‬
‫وهو الحل الذي يجعل االخرين ميارسون ذكائهم عليك بكل غباء‪.‬‬

‫_ ظلّل خطواتك بالغشم وافعل ما تريد بكل دهاء‪.‬‬

‫_ التغايب آلية مؤقتة لتفحص األدمغة من حولنا‪ ،‬له قوانينه الخاصة ومن مميزاته‬
‫أنه يكرث من سقطات من يحيطون بنا للتخفف من اإلحساس باملراقبة من شخص‬
‫دقيق املالحظة‪ ،‬كذلك أيضا هو دهاء يستخدمه الكثري من الناس مع من هم عىل‬
‫طبيعتهم ويتكلمون بأريحية‪.‬‬

‫_ التغايب يدفع عنك الحساد ويقيض أمورك ويوصلك لهدفك أرسع كام أنه يحقق‬
‫طموحاتك من حيث ال تحتسب‪ ،‬والذيك الداهية من يحسن استخدام تغابيه يف‬
‫الوقت والزمان املناسبني‪.‬‬

‫_ ال تستعمل فن التغايب إال إذا أتقنته‪ ،‬فالغبي ال يحسن استغاللها‪ ،‬والذيك وحده‬
‫هو القادر عىل إدارة هذه الحكمة يف حياته‪..‬فالذكاء قد يكون نقمة أيضا كالغباء‬
‫إن مل تحرص عىل توجيهه وجهته الصحيحة‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫التجاهل‬
‫قد َم رجل من تجار الروم ب ُحلّة من لباس قيرص عىل أهل مكة‪ .‬فأىت بها عامرة بن‬ ‫ِ‬
‫الوليد (أخو خالد بن الوليد) فعرضها عليه مبائة ِحق من اإلبل‪..‬فاستغالها عامرة‪..‬‬
‫فأىت بها التاجر عمرو بن العاص‪ ،‬فقال له عمرو‪ :‬هل أتيت بها أحدا؟ فقال التاجر ‪:‬‬
‫نعم‪..‬أتيت بها عامرة بن الوليد فاستغالها‪ ،‬وقال‪ :‬لن تعدم لها غويا من بني سهم‪.‬‬
‫قال عمرو‪ :‬قد اخذتها واشرتاها منه مبائة ِحق (مائة بعري)‪ .‬ثم أقبل بها عمرو يخطُ ُر‬
‫فيها حتى أىت بني مخزوم ‪ ،‬فناداه عامرة‪..‬أتبيع ال ُحلّة يا عمرو؟ فغضب عمرو‬
‫والتفت إليه يقول‪:‬‬
‫كفيناك املسهمة الرقاقا‬ ‫عليك ب َج ّز رأس أبيك إنا‬
‫وأعطينا بها مائة ِحقاقا‬ ‫زووها عنكم و َغلَت عليكم‬
‫وكل سوف يلبس ما يطاقا‬ ‫وقلتم ال نطيق ثياب سهم‬
‫فغضب عامرة وقال‪ :‬يا عمرو ما هذا التهور؟ إنك لست بعتبة بن ربيعة‪ ،‬وال أيب‬
‫سفيان بن حرب‪ ،‬وال الوليد بن املغرية‪ ،‬وال سهيل بن عمرو‪ ،‬وال أُ ّيب بن خلف‪ .‬فقال‬
‫عمرو‪ :‬إن مل أكن بعضهم فإن كل واحد فيهم ّيف خري ما فيه‪ّ .‬يف من عتبة حلمه‪،‬‬
‫ومن أيب سفيان رأيه‪ ،‬ومن سهيل جوده‪ ،‬ومن أُ ّيب بن خلف نجدته‪ ،‬وأما الوليد‬
‫فوالله إين ما أحب أن يكون ّيف كل ما فيه‪ .‬فقال عامرة مغضبا‪ :‬ولكنك والله مالك‬
‫عقل الوليد‪ ،‬وال بأس خالد بن الوليد‪ ،‬وال لسان أيب الحكم(أبو جهل) وانرصف عنه‬
‫مغضبا‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ العربة‪-:‬‬
‫_ ملا ذكر عامرة لعمرو كرباء قريش ومنهم أبوه الوليد بن املغرية‪ .‬ذكر عمرو أن فيه‬
‫من كل منهم ما مييزه وأهمل ِذك َر الوليد بن املغرية (أبوعامرة) متجاهال ما فيه من‬
‫رفعة النسب واملكانة‪ .‬فالوليد هذه كان من أغنى األغنياء يف مكة يف عرصه حتي‬
‫ُسمي ب (الوحيد) و (ريحانة قريش) ألن قريش كانت تكسو الكعبة مجتمعني‬
‫عاما‪ ،‬ويكسوها الوليد وحده عاما‪ ،‬وكان يرفض أن توقد نار غري ناره إلطعام الناس‬
‫خاصة يف مواسم الحج‪ ،‬إال أن عمرو تجاهل كل هذه ليمعن يف إغاظة عامرة‬
‫ويجعله صاغرا عن كل رشف‪.‬‬
‫_إستخدامك لسالح التجاهل مينحك سطوة كبرية‪،‬ألنه يجعلك تتحكم يف رشوط‬
‫الرصاع‪ ،‬ويجعل الحرب تنطلق وتستمر برشوطك وهذا هو التهيؤ األفضل إلظهار‬
‫القوة‪،‬فهو يجعلك كامللك ويرفعك فوق كل من يفكر أن يهينك‪ ،‬وهذا التكتيك‬
‫يُضيع نصف مجهود االخرين يف محاولة لفت انتباهك ويجعلهم يف أشد حالة من‬
‫التخبط والغيظ واإلحباط‪.‬‬
‫_ التجاهل هو أكرث األفعال قسوة واذى نفيس‪ ،‬والهدف منه إضعاف االخر للسيطرة‬
‫عليه‪ ،‬فال يشء أقىس من أن تلحظ إهامل االخرين لك ألن فيه إهدارا للكرامة‬
‫وجرحا للكربياء املتوطن يف كل نفس‪.‬‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫التجاهل أفضل رد فعل تجاه أشخاص ال ينفع معهم الكالم‪( .‬مندل)‬

‫‪223‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ كيف تتعامل مع من يتجاهلك؟‬


‫_ الرد عىل التجاهل هو التجاهل والربود وعدم اإلرصار عىل اللحاق بالشخص الذي‬
‫يتجاهلك‪،‬فال تبادر بالتواصل معه إطالقا حتى يتواصل هو‪.‬‬
‫_ يجب أن ال تلفت انتباه من يتجاهلك أنك تُ ثل عليه التجاهل وكأنك تكشف‬
‫له خطتك‪ ،‬واعلم أن من تتجاهله سيكون يف قمة الغضب‪ ،‬ألن الشخص املبادر‬
‫بالتجاهل كان ينتظر رؤيتك ضعيفا ومستسلام‪ ،‬ولن يقبل عىل نفسه التجاهل هو‬
‫االخر ورمبا سيحاول إزعاجك بطريقة أخرى‪.‬‬
‫_ عندما يبدي املبادر بالتجاهل غضبه منك فهذا يعني أنك من تتحكم يف يف‬
‫العالقة االن‪ ،‬عليك بالحوار معه والتخفيف من غضبه واستعادة العالقة معه كام‬
‫كنت دون إعالمه بخطتك‪ ،‬أنت لست مضطرا ألن تضع مربرات ملا فعلت ألنك مل‬
‫تكن املبادر‪ .‬وإذا مل يدرك خطأه ‪..‬إذن فال يوجد تفاهم‪ ،‬وإذا انعدم التفاهم فال‬
‫داعي لوجود عالقة‪.‬‬
‫_ إياك ان تلوم نفسك أو تحملها سبب فشل العالقة ‪،‬ألنه البد من وضع ح ّد‬
‫ملثل تلك العالقات التى التقود سوى الرصاعات والجروح النفسية‪ ،‬ألن الدهاء كل‬
‫الدهاء يف مثل هذه املواقف هو ‪ .‬تجاهل التجاهل‪.‬‬
‫_ تذكر دائما‪-:‬‬
‫_ التجاهل يعيد كل شخص إىل حجمه الطبيعي‪.‬‬
‫_ األشخاص الضعفاء ينتقمون‪ ،‬األشخاص األقوياء يسامحون‪ ،‬األشخاص األذكياء يتج‬
‫(زيج زيجلر)‬ ‫اهلون‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫_ اخلالصة‪-:‬‬

‫_ الرتفع سمة امللوك‪ ،‬وما يلتفت إليه امللك يأخذ رشعية وحضورا ‪ ،‬وما يتجاهله‬
‫ويدير له ظهره يبدو وكأنه امنحى من الوجود‪.‬‬

‫_ التجاهل يعزز سطوتك والتعهد واالهتامم يضعفك‪ ،‬فاهتاممك الزائد بعدو تافه‬
‫يُظهرك تافها ايضا‪.‬‬

‫_ من الحكمة أحيانا أن تتجاهل أخطائك ‪ ،‬فالرغبة يف التربير تجعل األمور يف أغلب‬


‫األحيان تزداد تعقيدا‪.‬‬

‫_ إذا كانت لك رغبة يف يشء وتعرف أنك لن تناله ‪ ،‬ال تظهر لالخرين تلهفك عليه‪،‬‬
‫َ‬
‫يستهوك أبدا‪.‬‬ ‫بل تعامل وكأنه لن‬

‫_ أقوى استجابة إلزعاجات االخرين التافهني ممن ال شأن لهم هي أن تتجاهلهم‬


‫وترتفع عن االنتباه لهم‪ .‬فال تظهر أبدا أن أيا مام يستفزك به االخرون يؤثر فيك أو‬
‫يهينك ألنك بذلك تحقق لهم ما أرادوه لك‪.‬‬

‫_ التجاهل طبق يجب أن يق َّدم باردا ودون تكلف أو انفعال‪.‬‬

‫_بعض التجاهل تغافل وبعضه تغايب‪ ،‬وهذا هو األسلوب األكرث تهذيبا لالنتقام‪،‬‬
‫عليك أن تدفن خصومك يف غياهب النسيان وأن ترتكهم يتحللون يف تفاهتهم وعدم‬
‫التفات الناس إليهم‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬
‫_ استخدم هذه القاعدة بحرص وكياسة‪ ،‬فبعض املشكالت قد تكرب وتتضخم إذا‬
‫تجاهلتها أو تغافلت عنها‪ ،‬ألنها كانت تتطلب حال مبكرا‪.‬‬

‫_ تذكر دائما‪-:‬‬

‫_ إذا تعلمت التجاهل فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة‪.‬‬

‫(جربان خليل جربان)‬

‫‪226‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫‪227‬‬
‫قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية‬

‫‪228‬‬

You might also like