Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
1
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
2
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
3
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
4
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
إهداء
إىل روح أبي الغالية يف مستقر رمحة اهلل تعاىل
املقدمة
الغني كالعقل وال فقر كاجلهل والمرياث كاألدب وال ظهري كاملشاورة.
6
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
7
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
8
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
يفرضوا أنفسهم علي الواقع وإمنا حتركوا برباعة حىت تسللوا إيل
قلب األحداث برشاقة وصاروا رؤوس الناس..ويف النهاية..
9
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
صفات الداهية
جميع القواعد األخرى يف هذا الكتاب هي من صفات الدهاة ،ولكن أردنا هنا أن
نفرد صفات الداهية الخلقية وال ُخلقية،النفسية واملعنوية كام كانت عند عمرو
ومعاوية ،وبتطبيق هذه القواعد مجتمعة تتمكن من املنافسة يف هذا العامل ،فال
تضيع وقتك بالجدل والتأمل مام يسببه لك الواقع من مظامل،وتعلم كيف تتفوق يف
اللعبة،فاكتسابك لهذه املهارات ميكنك من أن تكون ماتحب أن تكون..ويكسبك
تقدير الجميع،ويجعلك تتحكم بانفعاالتك ،كام تكون قادرا عىل أن تحرر نفسك
من أرس اللحظة الحارضة لتنظر مبوضوعية ويف آن واحد للاميض واملستقبل معا
حتى يسهل عليك التعرف من أين تاتيك املخاطر.
كام أن اكتسابك لهذه الصفات يجعلك تتقن فنون املراوغة واالستدراج وتتحكم يف
مشاعرك ،الحب والكره ،الحلم والغضب ،الصرب والعجلة،
املوضوع ببساطة أن هناك أفعال إن قمت بها تتحقق لك السطوة والنجاح ،وإن
خالفتها تفقدك السطوة أو تحرمك منها،
10
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-صعد معاوية املنرب يوم الجمعة ليخطب يف الناس ،وملا صعد املنرب أمام الناس يف
دمشق تذكر أنه ليس عىل وضوء ،فاحتار يف أمره ،أينزل عن املنرب وتكون فضيحة
له ،أو يكتم خربه ويحفظ ماء وجهه ولكن يُسخط الله عليه؟ ولكن دهائه ريص الله
عنه أسعفه ،فصاح لغالمه قائال :يا غالم ائتني بوضوء (ماء) ليك أُعلم الناس كيف
كان يتوضأ رسول الله صيل الله عليه وسلم.
العربة-:
الداهية اليعدم طريقة يخرج بها من مأزق وقع فيه..فدامئا حافظ عىل مبادئك
وجد املربر لها ،واجعل الجميع يأخذها عنك.
عليك أن تثق بنفسك وتؤمن بقدراتك ،فحدود طاقة البرش ليست هي الحدود
الخارجية التي تحارصهم وإمنا هي الحدود التي رسموها يف عقولهم
يرفع الداهية من قيمة العقل ،فالحيلة تحتاج إىل عقل راجح ونظر ثاقب..قال
معاوية :العقل والحلم أفضل ما أعطى العبد .كام أن الحيلة تتطلب ذكاءا حادا،
وذهنا متوقدا ،مع رسعة البديهة و ُحسن االرتجال.
على من يطلب الدهاء ان يعلم ان الدهاء دهائني-:
12
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-1الدهاء االول :الذي يعتمد فيه صاحبه عىل قدرة عقلية فائقة يتسلط بها عىل
الناس فيسخرهم يف مطامعه،ويقودهم كام يُقاد املسخر بالتنويم املغناطييس
لخدمته فيام يستفيدون منه ،أو فيام ال فائدة لهم فيه عىل اإلطالق،بل قد يكون
فيه الرضر لهم وهم اليفقهون ،ويغشاهم السحر بغشاوته فال يستمعون ملا يُقال
لهم غري مايقوله ذلك الداهية ،او يوحيه إىل شعورهم بغري مقال.
-2الدهاء الثاين:الذي ال يعتمد عىل قدرة عقلية فائقة ،ولكنه يعتمد عىل قدرة
مادية يستطيع بها صاحبها قضاء املصالح والتعامل مع غريه عىل أساس التبادل يف
املنفعة واملعرفة التى يفهمها املتبادلون جميعا بغري حاجة إىل احتيال أو خداع.
والسؤال هنا :بأي الدهائني متكن معاوية من اجتذاب عمرو واملغرية بن شعبة
وزياد بن ابيه وغريهم ممن ُعرفوا بالدهاء؟
بإمكاننا أن نقول ان هؤالء الدهاة قد خدعوه أيضا وسخروه لقضاء مآربهم كام
خدعهم هو وسخرهم لقضاء مآربه ،فدهاء معاوية ليس دهاء القدرة العقلية
الفائقة التى أوقعت يف روع أعوانه زعام تخفي عليهم حقيقته ،وينقادون به إليهم
وهم اليفقهون ،وإمنا أخذ منهم معاوية وأخذوا منه عيل سواء،
أما دهاء عمرو بن العاص فكان مزيجا بني الدهائني كام سيظهرالحقاً ،والذي ال
اختالف فيه..أنهم جميعا من الدهاة عىل اختالف أنواع الدهاء وأن دهائهم جميعا(
عمرو بن العاص واملغرية بن شعبة وزياد بن ابيه) هو الذي قادهم إيل معاوية ومل
يكن دهاء معاوية هو الذي قادهم إليه،
13
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقد عرفوا مطالبهم وعرفوا انهم اليجدونها إال عند معاوية ،ولو أنهم استطاعوا
ان ينازعوه الخالفة ملا سلموها له طوعا وملا قنعوا منه بالنصيب الذي ارتضوه يف
خالفته ،ولكن الخالفة كانت مطلبا بعيدا عليهم فلم يضيعوا فيه جهودهم ونظروا
إيل غاية املطالب دونه فبلغوه بجهد يسري.
وقصة كل رجل من هؤالء الدهاة الثالثة ال تدع محال للظن بأنهم سيقوا إيل
نرصة معاوية مخدوعني أو منقادين بحيلة من حيل الدهاء ،بل هي كفيلة أن
تنبئنا بغلبتهم عيل معاوية يف املبادلة وأنهم اخذوا منه فوق ما أعطوه بكثري.
تذكر دائما-:
اإلميان بال قوة مثل سالح يف غمده،وشجاعة بال دهاء مثل ر ُجل بساق واحدة،
وباكتاملهم جميعا يفتح صاحبها العامل ويسوسه خري سياسة.
الصرب والروية.
غمز رجل يقال له ابو الجهم معاوية بكالم كثريفيه شدة صغر فيه من شأن معاوية،
فقال معاوية :يا ابا الجهم :إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبيان ويأخذ أخذ
األسد،وإن قليله يغلب كثري الناس .ثم أعطاه معاوية ماال ورده مكرما.
العربة-:
غض برصك وطأطئ رأسك عام اليستحق اإلنرصاف إليه ،والتقعد لكل كبرية وصغرية
فإمنا انت رجل العظائم فقط.
14
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ذات يوم قال عبدالرحمن بن الحكم لخاله معاوية :إن فالنا شتمني..فقال له
معاوية :طأطئ لها رأسك متر.
كان معاوية حريصا عيل التحبب إىل الناس ،ألنه ينتزع سلطانه منهم .ويعلم ان
الناس ال ينطوون عىل الحب ملن ينتزع السلطان،وملا سئل من أحب الناس إليك؟
قال معاوية :أشدهم تحبيبا يل إيل الناس،فلم يكن معاوية وال اتباعه يقرصون يف
إذاعة كل خرب فيه مأثرة من مآثر العفو واألناة والرب بكل مسئ من اولئك الذين
كانوا يتطاولون عليه باملساءة يف أول عهده بامللك عىل الخصوص ومل يكن عدد
هؤالء املسيئني بالقليل،
فحد الحلم عند معاوية أال يكون يف العدوان والتطاول مساس مبلكه وسلطانه،
فأكث..قيل ملعاوية :أتحلم عن هذا؟ فقال معاوية :إين الولذلك ملا أغلظ له رجل َ
أحول بني الناس وبني ألسنتهم مامل يحولوا بيننا وبني ملكنا.
لذلك-:
ال تكون داهية بغري ان تكون حليام،فحلمك يقربك إىل الناس ويحببهم فيك إال أنه
يستجرئ أعدائك وخصومك ،فاغفر كل ذلة مااستطعت إن مل تنتقص من سلطانك
شيئا،أو تقلل ولو قدرا بسيطا من مكانتك ،والحلم أجمل ما يكون عن الضعيف،
فكل من هو دونك يف القوة واملكانة فالحلم إليه أجدى ،وكل من ساواك فال تبسط
له يف الحلم وإمنا تحلم عليه تارة وتجهل عليه اخرى..فإذا نازعك السلطان فال مكان
للحلم حينئذ ،وإن الجهل منه يرده الجهل منك.
15
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فتعلم متى تستخدم حلمك ومتى ال تستخدمه ،فإذا ظهر سلطانك عىل الجميع
حيث مل يبق منازع فالحلم الحلم فإنه أفضل مايكون عن مكانة ومقدرة..فبعض
الحلم دهاء وبعض الصرب دهاء.
كان يف أخبارحلم معاوية بعض اإلفراط ومجاوزة للأملوف من امثاله ،وكان من
أهله من يثور إلفراطه هذا ويحس الهوان يف عزته ملا يحتمله صاحب األمر كله يف
دولتهم من الجرأة عليه وعليهم ،فهذا يزيد ابنه وويل عهده أشد الثائرين سخطا
عىل أبيه يقول له كلام راجعه يف حلمه ( أخاف أن يُعد هذا جبنا منك وضعفا)
فيقول له معاوية :يابني إنه اليكون مع الحلم ندامة وال مذمة فامض لشأنك
ودعني ورأيي .وكان ملبالغته احتامل األذى والصرب عىل املساءة يف رأي بعض آل
بيته املحنكني ..فهذا عبدامللك بن مروان الداهية..كان يسمي هذا ( دهانا) كام
قال يف بعض خطبه( ما انا بالخليفة املستضعف_يعني عثامن ،وما انا بالخليفة
املداهن_ يعني معاوية_ ،وما أنا بالخليفة املأفون_ يعني يزيد بن معاوية).
حتى ان معاوية كان يف خصومته مع عيل ريض الله عنه يستخدم حلمه وله يف
هذا رأي..فلم يكن أحد ينكر عىل عيل كرم الله وجهه شجاعته وتقواه وسابقته
إىل اإلسالم وقرابته من رسول الله صيل الله عليه وسلم فإذا شاء معاوية أن يوازيه
بصفة من صفات الرئاسة..فتلك هي الحلم دون غريه ودعواه فيها أنه صاحب
الرأي والحلم والحزم ،وأن عليا صاحب الشجاعة والصالح.
16
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
قال ابن عمر ريض الله عنهام :ما رأيت أحدا أسود من معاوية،فسئل وال عمر؟فقال:
كان عمر خريا منه ،وكان معاوية أسود منه.
وقال العوام بن حوشب ذات يوم :ما رأيت أحدا بعد رسول الله صىل الله عليه
وسلم أسود من معاوية..قيل وال أبو بكر؟ قال :كان ابو بكر وعمر وعثامن خريا منه
ومعاوية أسود منهم.
وهذا السؤدد ليس بالغريب من صفات رجل ورث السيادة من أبيه واعطى بها
حقه وحق عشريته يف الرئاسة.
سأل أعرايب معاوية :كيف حكمت الشام أربعني سنة ومل تحدث فتنة والدنيا تغيل
من حولك؟ فقال معاوية :إن بيني وبني الناس شعرة إذا أرخوا شددت ،وإذا شدوا
أرخيت..ميكنني أن اريض الناس كلهم إال حاسد نعمة فإنه ال يرضيه إال زوالها.
العربة-:
عىل الداهية أن يكون حليام حازما ،حلمه يقهر غضبه ،وجوده يغلب منعه ،يصل
وال يقطع ،ال يُظهر العداوة أبدا وال يبدأ بها وال يصارح بها ،فغري الدهاة يرون
األمور إما ابيض وإما أسود ويغفلون أن بينهام درجات كثرية من االلوان واألطياف،
وإما معي أو عيل ويغفلون أن بينهام درجات كثرية من الناس.
17
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
دامئا يكون الداهية مثابرا مجتهدا ال يتوقف وال يستسلم.
يستفيد الداهية من أخطائه وأخطاء عدوه ،فاألخطاء رضيبة اإلتقان والفشل ليس
بعدد األخطاء التي وقعت فيها وإمنا الفشل هو حني تخضع وتستكني لهذه االخطاء
وتستسلم لها.
الداهية يثق بنفسه متام الثقة وال يتأثر بكالم االخرين ،فهو ملك لنفسه ،يعلم أنه
يستطيع وأنه قادر عىل أن يبهر الجميع ،يبدأ حياته من جديد يف كل يوم يطلع
عليه ،ينجز املستحيل ليصل إىل هدفه ،فال أحد غريه يستطيع أن يغري له حياته إىل
االفضل.
تذكر دائما-:
الدهاء قدرة أعمق من الذكاء تختص يف املبادرة واإلنتاج كالتخطيط أو املكر أو
االحتيال أو التقمص أو التمثيل لغاية أو من أجل إثبات حقيقة وقد تدخل ضمن
قامئة الدهاء الخدع أو النصب أو االحتياالت وهذه أشياء سلبية ..لكن الدهاء هو
استخدام القدرات لتحقيق الغايات ليك يتم إقناع إنسان بيشء هو غري مقتنع به.
اخلالصة-:
-اليتوقعون نتائج رسيعة فهم يعلمون أن التغيري الحقيقي يستغرق وقتا-.أخريا :ال
يعاين يف هذا العامل سوى االذكياء ،اما األغبياء فال يعانون من احد وإمنا يعاين العامل
- منهم.
20
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
اصنع نفسك
-1حدد ماذا تريد..فوضوح الرؤية هو األهم واألهداف الغري واضحة نتائجها دامئا
باهته.
-2كن عىل يقني ان لكل مشكلة حل،كل مايف االمر أنك مل تستطع رؤيته بعد.
-4كن األكرث شغفا واهتامما وتركيزا،وستجد تلك الطباع تنترش كالعدوى فيمن هم
حولك.
-6تذكرجيدا أن املشكلة ال تكون مشكلة إال إذا اخرتت أنت أن تكون كذلك.
-7قف متاما عن لعب دور الضحية فحياتك الشخصية وعملك ال يرتبطان سوى
بقراراتك انت فقط.
حتى جاء زمن معاوية وخصومته مع عيل..فوعد زيادا أن يعرتف به أخا من والده
أبوسفيان ،وكان كذلك .فجاءه الرد مرسعا من ابن املفرغ الحمريي الذي كان أحد
خصوم معاوية بثالثة أبيات من الشعر زلزلت هذه الشهادة واالعرتاف من معاوية
بأخيه الجديد زياد فقال.
مغلغلة عن الرجل اليامين أال أبلغ معاوية بن حرب
22
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
زياد بن أبيه كان مجهول النسب لذا لقب بابن أبيه ألنه اليُعلم له أب ،ولكن
بخطبة واحدة بليغة عربت عن عقلية فذة صارت حديث الناس،فهذا عمر يشيد
به ،وأبوسفيان يتمنى لو يعرتف له بأبوته ولكنه يخاف عمر الجالس معهم ،وفيام
بعد يعرتف به معاوية أخا له ليجعله يف صفه ضد عيل ريض الله عنه ،ويرد عليه
ابن املفرغ الحمريي ينكر نسبه له ،فكان زيادا هنا األسطورة التي أخذت بالباب
الجميع بني مادح ومنتسب ومنكر للنسب.
-اجعل من نفسك حديث الناس دامئا ،مابني مفتون بك ،وحاقد عليك ،يف كل األحوال
اجعل املجالس تضج بذكرك واصنع نفسك بنفسك..فإن من ضاع ذكره بني الناس هو
- ميت مييش بينهم.
-ملا قدم عمر ريض الله عنه عىل معاوية ذات مرة واستقبله معاوية مبوكب فخم،
جاوزه عمر وأعرض عنه ،فأقبل إليه معاوية فأعرض عنه عمر ثانية ومىش .فقال
عبدالرحمن بن عوف لعمر :أتعبت الرجل ،فسأل عمر معاوية قائال :أنت صاحب
املوكب آنفا مع مابلغني عن وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال نعم يا أمري املؤمنني.
قال عمر ومل ذاك املوكب؟ قال معاوية :يا أمري املؤمنني انا يف بالد يكرث فيها جواسيس
العدو وال بد لهم مام يرهبهم من هيبة السلطان ،فإن أمرتني بذلك أقمت عليه،
وإن نهيتني عنه انتهيت .قال عمر :لنئ كان الذي قلت حقا فإنه رأي أريب( حاذق
ماهر) ولنئ كان باطال فإنها خدعة وال آمرك وال أنهاك.
العربة-:
23
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ترصف كملك تعامل كملك ،ترصف كسوقة تعامل كسوقة..فال تنتقص من نفسك
شيئا ،فلديك دامئا ما يحتاجه الناس وال يوجد عند غريك ،أنت بالفطرة متميز يف
أمر ما ،والداهية الحق هو الذي يعرف أي أمر يتقنه ،فيستغل حاجة الناس إليه
يف هذا األمر.
-التألق عىل كل من حولك هو مهارة ال يولد أحد وهو يتقنها ،لذا عليك أن تتعلم
كيف تجذب االنتباه إليك كام يجذب املغناطيس الحديد ،عليك أن تربط اسمك
وسمعتك بخصلة أو مظهر مييزك عن االخرين ،وليكن لك أسلوبك الخاص لجعل
الناس يتحدثون عنك ومبجرد أن يرتسخ هذا التصور يصبح لك مكان يف سامء
الشهرة تصنع يف نجوميتك وتحفر فيه اسمك.
-كن متألقا وظاهرا للجميع ،فمن ال يحظي بالظهور كأنه مل يولد قط ،الضوء هو
الذي يعطي لكل الكائنات قدرتها عىل إشعاع وجودها ،واإلستعراض ميحو الفراغات
ويغطي عيل النقائص ومينح كل يشء حياة أخرى خاصة إن كانت تدعمه جدارة
حقيقية( .بالتسار جراتسيان)
_ ملا أقبلت الفتنة وتفاقم الخطب عىل عثامن بن عفان ريض الله عنه وكان عنده
معاوية فقال له عثامن :ماترى يا معاوية؟
24
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
قال معاوية :أرتب لك هاهنا أربعة االف من جند الشام يكونون لك ردءا ( عونا
ونارص) وبني يديك يدا.
قال عثامن :أرزق أربعة أالف من الجنود من بيت مال املسلمني لحرز دمي؟ ال
فعلت هذا.
قال معاوية :فرقهم عنك فال يجتمع اثنان يف مرص واحد ،وارضب عليهم البعوث
والندب حتى يكون َدبَر بعري منهم( الجرح يف ظهر الدابة) أهم عليه من صالته.
قال عثامن :سبحان الله..شيوخ املهاجرين وكبار أصحاب رسول الله عليه وسلم
وبقية الشورى أُخرجهم من ديارهم وأفرق بينهم وبني أهليهم وأبنائهم؟ ال أفعل
هذا.
25
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
قال معاوية :اخرج معي إيل الشام قبل أن يهجم عليك ماال تطيقه.
جملة االراء التي أشار بها معاوية عىل عثامن ما من رأي فيها إال والنفع فيه ثابت
ملعاوية عن عثامن ،وليس معاوية أن يختارها لنفسه لو كان يف موضع عثامن.
فاإلشارة عىل عثامن بإقامة أربعة االف من خيل الشام يحرسونه فهو تسليم الحجاز
إىل معاوية يف حياة الخليفة وبعد حياته ،فال يقدر أحد عىل بيعة فيه غري البيعة
التى يرضاها معاوية.
والخروج من املدينة إىل الشام مع معاوية ينقل العاصمة إىل دمشق ويجعل القول
الفصل بعد موت الخليفة لصاحب القول الفصل فيها ،وما من أحد قط ينتفع بهذه
النصائح غري معاوية يف جميع الحاالت.
ومعاوية بهذه االراء كان يوطئ األمر وميهده لنفسه ،وأثبت ما ثبت من منفعة
معاوية بتلك املطالب التي عرضها عىل الخليفة يف شدته..مطلبه أن تكون له والية
الدم بعد مقتله ،فإنه مبثابة والية العهد بإذن صاحب األمر.
26
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ لذلك -:
اجعل اسمك مرتبطا يف أذهان الناس باإلثارة ،واجذب االنتباه لنفسك بصنع صورة
ال تُنىس ،افعل أي يشء يجعلك أسطوريا ومختلفا عن بقية األشخاص العاديني،
واألفضل لك أن يُشهر الناس بك ويهاجموك عن أن يتجاهلوك..وهو ماحدث بعد
ذلك ملعاوية.
مبجرد أن تُسلط عليك أضواء الشهرة..عليك دامئا أن تجددها مبوامئة أسلوبك يف
جذب االنتباه إليك ،ألنك إن مل تفعل ذلك فسوف متل منك الجامهري وتنتقل عنك
إىل نجم جديد..واعترب ذلك كأنه مباراة تتطلب الحذر واإلبداع املستمرين.
اصطنع لنفسك هالة من الغموض والرهبة ،فال تجعل أبدا من السهل معرفة ما
تفعل أو ما تنوي ان تفعل ،وال تُظهر كل أوراق اللعب يف التي يف يديك ،فالغموض
يُضفي عىل حضورك جالال ويدفع االخرين للتخمني ،فالكل سرياقبك ليعرف خطوتك
التالية .استخدم الغموض لألخذ بألباب الناس وغوايتهم أو حتى ترهيبهم.
_ صناعة الذات أمر يسري عىل من وضعه أبواه عىل الطريق الصحيح ،فمعاوية مل
يصنع نفسه بنفسه ،وإمنا كان بعضه صنعة أبواه وباألخص أمه هند بنت عتبة ،فقد
كانت مبكة ومعها معاوية وهو طفل صغري يلعب ،فمر بهام رجل ونظر إليه فقال:
يسد إال قومه ..أماته الله.
إين ألرى غالما إن عاش ليسودن قومه ،فقالت هند :إن مل ُ
27
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ونظر أبو سفيان يوما إىل معاوية وهو غالم فقال لهند زوجته :إن ابني هذا لعظيم
يسد
الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه ،فقالت هند :قومه فقط؟ ثكلته إن مل ُ
العرب قاطبة.
وكان يزيد بن ايب سفيان أخ غري شقيق ملعاوية ،وملا واله عمر بن الخطاب إمارة
الشام وخرج إليه معاوية يتبعه إليها ،قال أبوسفيان لهند :أرأيت كيف صار ابنك
تابعا البني؟فقالت هند :إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك وأين
يكون ابني.
_العربة-:
معاوية كان صنيعة أبويني قويني يف عشرية قوية ،ولعله ورث من جانب أمه أكرث
مام ورث من جانب أبيه ،فهو أشبه بها يف تكوين جسمه وأشبه بها يف وسامة
مالمحه وأشبه بأصولها املعروفة يف ُخلق األناة والحلم وبطء الغضب وإيثار
املطاولة واملراوغة يف الحروب ،ولذا كانوا ينعتونه بابن هند.
إن مل تكن صنيعة أبواك فاصنع نفسك بنفسك ،باملثابرة وبالصرب وباملخلصني من
األتباع وبتحديد األهداف وبطموحك الذي ال يقف عند حد وبحسن تدبريك ،كن
سيدا وتعامل كملك ودع الناس ينظرون إليك عىل هذا.
_ تفاخر بابآئك لتكمل صنيعة نفسك.
28
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فغضب عمرو وقال للرسول :قبح الله زمانا فيه عمرو بن العاص عامال لعمر بن
الخطاب ،والله إين ألعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعىل
ابنه مثلها ،وما منهام إال يف نَ رة(جلباب) ال تبلغ ُرسغيه ،والله ما كان العاص بن
وائل يرىض ألن يلبس الديباج(نوع من الحرير) إال ُمزررا بالذهب .ثم خيش عمرو
العاقبة فاستحلف الرسول ليكتمن عليه ماقال بأمانة الله.
_ وملا عزل عثامن بن عفان ريض الله عنه عمرو بن العاص من والية مرص ودعاه
عثامن فأنباه وقال له :استعملتك عىل ظلعك(ضعفك) وكرثة القالة فيك .فقال
عمرو:قد كنت عامال لعمر بن الخطاب وفارقني وهو عني راض .واحتدم الجدل
بينهام،فهم عمرو بالخروج مغضبا وهو يقول :قد رأيت العاص بن وائل ورأيت
أباك ،فوالله للعاص كان أرشف من عفان ،فام زاد عثامن عىل أن قال :مالنا ولذكر
الجاهلية؟
_ العربة-:
إذا وىل الزمان عنك ودارت بك الدوائر ،وذكر الناس كل نقيصة لك..فاستعن
بتاريخك وآبآئك ولن تعدم ألحدهم رشفا وفخرا تعتز به ،وإن كانت هذه حيلة
العاجز إال أنها الشك فيها مجدية ،فاإلبن من صنعة أبيه ،وأمام الفخر بذكر األمجاد
يسقط كل فخر .فاملال زائل واملنصب ذاهب والتاريخ باق عىل حاله ال يتغري.
_ اخلالصة-:
ليك تصنع نفسك عليك أن تكون لك كاريزما خاصة بك وإليك أهم خطوات صناعة
الكاريزما.
29
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-1استمع أكرث مام تتحدث :عليك أن تهتم بالحديث املوجه إليك ،حافظ عىل
اإلتصال بالعني واإلبتسامة وال تقاطع من يحدثك كثريا ،امنحهم اإلحساس بأن كل
شخص هو شخص مهم بالنسبة لك ،وال تعطي النصائح بشكل مبالغ فيه.
-2اعط كل شخص اإلهتامم املناسب له ،دعه يشعر أنه ذو قيمة عندك-3 .عندما
تتحدث مع شخص ما ،اترك هاتفك قدر اإلمكان وال تنظر يف الساعة ،انتباهك
الكامل ملن يحدثك موهبة ال يتمتع بها الكثريين ،بينام تجعل الجميع يلتف حولك
ويتذكرك مهام طال الزمن.
-4ركز عىل دعمك لالخرين والتفكر فيام سوف تجنيه من مساعدتك لهم ،فهي
الطريقة األفضل يف كسب عالقات حقيقية تدوم.
-5اعط انطباع أنك تهتم بالناس ،تحبهم ،صدرك رحب يتسع للجميع برصف النظر
عن سنه أو لونه أو دينه أو موقعه.
-6ال تبخل بالنصيحة ما دام يف استطاعتك.
-7اخرت األسلوب املناسب إللقاء النصيحة ،وال تتعاىل عليهم بأنك أفضل منهم ،أو
أنك تعرف أكرث منهم وال تعط نصيحتك بأسلوب األمر ،اجعله يشعربأنك تخىش
عىل مصلحته وتريد له التوفيق والنجاح.
-8اخرت كلامتك بعناية فالكلمة التي تقولها متس سلوك االخرين،فيمكن لكلمتك أن
تؤثر يف أشخاص لدرجة أنهم لن ينسوها ما داموا عىل قيد الحياة.
30
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-9ال تناقش االخر فيام يكره وال تُذكره بفشله فهذا سينفرهم من الحديث معك.
-10ابتسم :فاإلبتسامة أكرث مايخطف القلوب وكن بشوشا عندما يراك الناس ينسوا
همومهم،اجعلهم يشعرون باألمل والتفاؤل والتفاؤل والحب.
_ الكاريزما ليست شيئا متتلكه،بل يشء تكتسبه بحيث يجعلك الناس تشعر أنك
مهم بالنسبة لهم ،أو أنك تتمتع مبكانة خاصة عندهمُ ،جل ما يف األمر ..عليك أن
تأرس القلوب بطبيعتك وتعامالتك الرائعة مع غريك.
*****
-
31
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
32
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
- معاوية ب َعمرِه..وكل ملك بوزيره.
-سأل اإلمام أحمد بن حنبل أباه عن عيل ومعاوية ريض الله عنهام ،فقال له أبوه:
اعلم يا بني أن عليا كان كثري األعداء ففتش له أعدائه عن عيب فلم يجدوا ،فجاءوا
إىل رجل حاربه فأطروه كيادا منهم له،
_ تذكر دامئا-:
كثري من الثناء ال يصدر عن حب للمثنى عليه كام يصدر عن حقد عىل غريه ،وكثري
من هذا الحقد تبعثه الفضائل وال تبعثه العيوب.
_ كان معاوية غافال عن شأن عمرو بن العاص وعن خطره يف معونة أي الفريقني،
فأعرض عنه حتى نبهه عتبة بن أيب سفيان إىل شأنه وخطره فكتب إليه معاوية:
أما بعد..فقد كان من أمر عيل وطلحة والزبري ما قد بلغك وقد سقط علينا مروان
بن الحكم يف رافضة من أهل البرصة وقدم عيل جرير بن عبدالله يف بيعة عيل وقد
حسبت نفيس عليك فأقدم عيل بركة الله.
للداهية أسلوبه الخاص يف اختيار أتباعه ،وعىل تابعه أن يكون له أيضا أسلوبه
الخاص ،فيجب أن تختلف الطرق وأن يكون املقصد واحد.
_ الذ رجل مطلوب ل زياد بن أبيه للمحاكمة بأمري املؤمنني معاوية :فكتب زياد
33
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
إىل معاوية :أكلام حاولت محاكمة أحد الذ بك وتعلق بحامك؟
اللهم إن هذا إفساد لعميل ومحاربة يل يا أمري املؤمنني .فأجابه معاوية :يا زياد ال
يجوز أن تسوس الناس بسياسة واحدة فيكون شعارنا شعار رجل واحد ولكن لتكن
أنت للشدة والعنف ،وأنا للرحمة والعطف فيسرتيح الناس إىل جانبنا ويطمئنوا
إلينا ،فسكت زياد وقال :ما غلبني معاوية إال يف هذه.
*****
_ كان من أتباع عيل ريض الله عنه قيس بن سعد بن عبادة ،وكان داهية يتفجر
حيلة ومهارة وذكاء وقال عن نفسه وهو صادق :لوال اإلسالم ملكرت مكرا ال تُطيقه
العرب .فهو حاد الذكاء واسع الحيلة ،متوقد الذهن وكان قبل اإلسالم يحسبون له
ألف حساب يف املدينة ألنهم ال يحتملون منه ومضة ذهن .وكان مكانه يوم صفني
مع عيل ريض الله عنه ضد معاوية ،وكان يجلس مع نفسه فريسم الخدعة التى
ميكن أن تؤدي مبعاوية ومن معه يف يوم أو بعض يوم ،ثم يتفحص خطته فيجدها
من املكر اليسء الخطر فيذكر قوله تعاىل ( وال يحيق املكر اليسء إال بأهله) وقوله
صىل الله عليه وسلم ( املكر والخديعة يف النار) فيهب من فوره مستنكرا مستغفرا،
ولسان حاله يقول :والله لنئ قُدر ملعاوية أن يغلبنا فلن يغلبنا بذكائه بل بورعنا
وتقوانا.
_ العربة-:
34
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
عىل الداهية أن يُحدد ألتباعه نُبل الغاية من مقصده ،فيستثري عزامئهم ويستفيد
من وسائلهم وطرقهم .وأن يربر هذه الوسيلة عىل النحو الذي ال يجعلهم يشككون
يف نواياه ،فقيس هذا من أمكر العرب وكان من أتباع عيل ريض الله عنه ومع هذا
فإن اإلمام عيل مل يستفد من مكره وإن استفاد من شجاعته ،يف الوقت الذي استفاد
فيه معاوية ريض الله عنه من دهاء وشجاعة أتباعه يف آن واحد ،فكانت له الغلبة
باالثنتني عىل الواحدة.
_ ليك تُقنع أتباعك مبا تريد عليك أن تعلم أن رس اإلقناع هو تليني مشاعر االخرين
وتذويب جفائهم بلطف ،افتنهم بسالح مزدوج ،أثر يف مشاعرهم وتالعب بأفكارهم،
انتبه مل مييزهم عن االخرين ( رس تفردهم) وكذلك ملا يشرتكون فيه مع غريهم -من
حيث املشاعر العامة التى تأخذ بألبابهم .تف ّهم مشاعرهم األساسية مثل الحب
والكره والغرية وغريها ،ومبجرد أن تحرك فيهم هذه املشاعر ستزول مقاومتهم
ويسهل عليك إقناعهم مبا تريد.
*****
قدم الحجاج بن خزمية عىل معاوية بالشام بعد قتل عثامن بن عفان ريض الله عنه
بأيام ،فقال ملعاوية :اعلم يا معاوية أنك تقوى عىل عيل بن أيب طالب بدون مايقوى
به عليك ،وليس ذلك إال ألن من معك ال يقولون إذا قلت ،وال يسألون إذا أمرت.
وألن من مع عيل يقولون إذا قال ،ويسالون إذا امر .فقليل ممن معك خري من كثري
ممن مع عيل .واعلم أن عليا ال يُرضيه إال الرضا ،وإن رضاه يُسخطك،
35
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ولست وعيل بالسواء ،ال يرىض عيل بالعراق دون الشام ،ورضاؤك بالشام دون الع
راق.
العربة-:
-1من ينرصك وينرص قضيتك فهو أخلص االتباع الثالثة فاحرص عليه أشد الحرص
فال غنى لك عنه.
-2من ينرصك وينرص قضيتك ولكن ألجل مصلحته فاحرص عليه وحاذر منه واقض
له حاجته.
-3من ينرصك وينرص قضيتك ،ليس ألنك عىل الحق وال لحاجة له عندك ،وإمنا كراهية
يف خصمك ،فاجعل عينك عليه ،واحرتس لنفسك منه ،وان استطعت أال تؤمل فيه
خريا فافعل .فال يشء يبقى عىل حاله ،فالعداوة تنقلب إىل نُرصة ،والكراهية تتحول
محبة.
_ اجعل اتباعك يؤمنون بكل ما تؤمن به متام اإلميان .وازرع يف داخلهم الشك
فيام عداه ،فكام أنت بدهائك..أنت أيضا بأتباعك ،ومن ال يقيم لك وزنا سيقيم
التباعك ألف وزن .وإن واحدا ال يقول إذا قلت وال يسأل إذا أمرت خري من ألف
رجل يسألون ويقولون.
_ اترك املجال التباعك ليدافعوا عن أنفسهم.
36
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ذهب بعض الناس إىل معاوية والموه عىل تقدميه عمرا ،وملا بلغت عمرا مالمتهم..
غي الدهر،وقف خطيبا يقول :قد علمتم أنني الكرار يف الحرب ،وأنني الصبور عىل َ
ال أنام عن طلب .كأمنا أنا األفعى عند اصل الشجرة ،ولعمري لست بالواين أو
الضعيف ،بل أنا مثل الحية الصامء الشفاء ملن عضته ،وال يرقد َمن لسعته ،وإين ما
رضبت إال فريت ،وال يخبو ما شيبت ،عرفني أصحايب يوم الهرير ( بحرب صفني)
أنني أشدهم قلبا ،وأثبتهم يدا ،احمي اللواء وأذود عن الحمى ،فكأنني وشانئي (
عدوي ومبغيض) عند قول القائل:
إذا كنت ال أرىض مفاخرة العشب وهل عجب إن كان فرعي عسجدا
العربة-:
يلوم الناس عىل معاوية أنه قدم عمرا ،فكان عىل عمرو ملا بلغته املالمة أن يذكرهم
مبا نسوه أو تناسوه من صفاته التى تشهد بها أقواله وأعامله ومساعيه وغريها من
صفاته القوية ،وهو الطموح إىل الهيبة والرثاء والجاه والسلطان ،فلم يقف طموحه
عند حد وال قعد عن الخالفة وهو مختار ،بل قد طمح إليها وأعد عدته إلقصاء بني
أمية عنها ،فلام أيأسه مغمز النسب ورجحان بني أمية عىل بني سهم يف العصبية
القرشية ،طوى الصدر عن كظم ،وقعد عنها وهو كاره ،يُعزي نفسه بقوله املأثور
عنه ( أن والية مرص جامعة تعدل الخالفة).
_ تذكر دائما-:
-سمعتك سوف تحميك من مخاطر لعبة الحكم باملظاهر وتبعد عنك أعني من
يرتبصون بك ليعرفوا حقيقتك ومتنحك درجة من التحكم بحكم الناس عليك ،وهذا
التحكم يضعك يف موضع القوة.
37
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-السمعة لها قوة السحر،فلمسة واحدة من عصاها الخارقة تضاعف قوتك وتزيد
اتباعك وتبعد عنك حقد الحاقدين،وقد يتغري الحكم عىل فعل ما من رائع إىل
مروع بتغري سمعة من يقوم به.
-عليك أن تسعى لرتسيخ سمعة تقوم عىل خصلة بارزة لديك كالكرم أو األمانة
أو الذكاء ،وسوف متيزك هذه الخصلة وتجعل الناس يتحدثون عنك ،ثم عليك أن
تعمل عىل نرش هذه الخصلة بني أكربعدد من الناس بهدوء ولكن دون تباطؤ،
وعليك ان تؤسس لها قاعدة متينة من املقتنعني بها ،وبعد ذلك تأملها وهي تنطلق
كالنار يف الهشيم.
-عندما يكون اتباعك أصحاب سمعة قوية فإن ذلك يزيد من قوتك واقتدارك دون
أن تبذل مزيدا من الجهد ،وتضع حولك هالة تكسبك االحرتام والهيبة.
-سمعتك تسبقك دوما وإن كانت لك سمعة تكسبك االحرتام فإن جزءا من أعاملك
–رمبا تكون يتحقق قبل أن تطلب بل حتى قبل أن تصل إىل املكان املنشود.
قد أفسدت سمعتك من قبل بحيث ال تستطيع أن تؤسس سمعة جديدة.حينها قد
يفيدك أن تربط اسمك بشخص تتناقض سمعته مع سمعتك وسوف يسمح لك هذا
االرتباط بإعالء وتبييض اسمك ،فمن الصعب أن متحوا اشتهارك بني الناس بالغدر
مثال..لكن استعانتك بشخص يعرفه الناس باألمانة قد يساعدك.
*****
38
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
40
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
اجعل لقاءاتك وأحاديثك وخطبك األوىل إىل الناس تشتمل عىل عنرصين-:
االول_ أن تعدهم بإحداث تحوالت كبرية يف حياتهم.
وسوف يطلق هذا املزيج لدى من يستمعون إليك أشكاال متنوعة من األحالم
املسرتسلة.
-2خاطب الحواس واالبصار وليس العقل والتفكري حتى ال يتهددك خطران قد
يصيبان أتباعك وهام امللل واالستهزاء بافكارك.
االستهزاء :مينحهم الفرصة يف التأين بأنفسهم والتفكري بعقالنية فيام تعرضه عليهم
بعيدا عن الضبابية التى أحطت بها أفكارك ويرونها عىل حقيقتها ،ولتفعل ذلك
عليك أن تحيط نفسك مبظاهر الرتف ،وان تبهر أتباعك مبا يخلب أبصارهم ويفنت
عيونهم ..وستجذب إليك بذلك املزيد من األتباع.
-3تعلم من االديان الراسخة كيف تنظم جامعتك ،حني تتزايد أعداد اتباعك يكون
عليك أن تصنع لهم هيكال أو نظاما ،اصنع لهم نوع من املامرسات والطقوس وضع
لهم مراتب والقاب سامية حسب إخالصهم الفكارك.
ُ -4ي ّني أتباعك أنفسهم بانهم باتباعهم لك سيفيض عليهم الخري من كل اتجاه،
41
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وإحاطتك لنفسك مبظاهر الرتف تقدم لهم الدليل الحي الذي يشعرهم بصدق
مذهبك،اجعلهم يظنون أنك حققت الرثوة والسلطة من صواب تفكريك وستجدهم
يقلدونك يف كل تحركاتك أمال أن ذلك سيحقق لهم ما تحقق لك.
42
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-الحياة عبارة عن صخور كبرية عىل شاطئ كيانك فاعمل عىل تدمري تلك الصخور
قبل أن تصبح جباال ال تستطيع تسلقها.
–اجعل الهدافك الحقيقية قناعا باستخدام حيلة تكون هدفا وهميا إىل أن يتحقق
الهدف الحقيقي.
-1فهم العدو:عليك أن تفهم عدوك جيدا وأن تعرف أسباب عداوته لك فذلك
يسهل لك توقع الخطوة التي يريد أن يخطوها فتفسدها عليه.
-2إبقاء العدو قريبا :استعمل املقولة التي تقول ( أبق صديقك قريبا وعدوك
أقرب) لتعرف جيدا نقاط قوته فتعمل عليها ونقاط ضعفه فتستغلها.
-3مراقبة العدو وليس االهتامم به ألن ذلك سيجعله يشعر بثقة يف نفسه.
-4ترصف بثقة عند مقابلته لتثري يف نفسه القلق والحذر ،وال تتوتر أو تنزعج عند
رؤيته.
_ بإمكاننا أن نقول أن هذه الخطة من معاوية مبثابة روشته تصلح للتعامل بها مع
األعداء يف كل زمان ومكان..حتى تستعيد توازنك وتسرتد قواك ،أو يأيت لك الدعم
الذي تنتظره.
44
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
عدا عبيد ملعاويةعىل أرض ابن الزبري .فكتب إليه ابن الزبري..أما بعد (يا معاوية
إن مل متنع عبيدك من دخول أريض كان يل ولك شأن) .فأطلع معاوية ابن يزيد عىل
كتاب ابن الزبري وسأله :ماترى يا يزيد؟ فقال له يزيد :لتنفذن إليه جيشا أوله عنده
واخره عندك يأتونك برأسه.
فقال معاوية :بل عندي يا بني خري من ذلك ،وكتب عىل ابن الزبري:
(وقفت عىل كتابك يا ابن حواري رسول الله صىل الله عليه وسلم ،وساءين والله
ما ساءك ،والدنيا هينة عندي يف جنب رضاك ،وقد كتبت عىل نفيس كتابا باألرض
والعبيد وأشهدت عىل ما فيه ،لتُضف األرض إىل أرضك والعبيد إىل عبيدك .والسالم).
فجاءه الجواب من ابن الزبري يقول له فيه:
(وقفت عىل كتاب أمري املؤمنني اطال الله بقاءه ،فال عدم الرأي الذي أحله من
قريش ما أحله والسالم) وأطلع معاوية ابنه يزيد عىل الكتاب الثاين كام اطلعه عىل
الكتاب األول ،فأسفر وجهه ،وأبوه يقول له :يا بني إذا ُرميت بهذاالداء..
فهذا الدواء.
_ العربة-:
ال تعادي أصحاب الفضل،فإن معاداتهم تفقدك مكانتك وهيبتك عند الناس..
وإن خاصمك أحد منهم فحاربه بالسالح الذي ال يتوقعه ،وصربك عليهم من أهم
األسلحة .وإظهار اإلذعان والخضوع والحلم من األسلحة التى ال يستغني عنها
الدهاة ،فلن يكون يف وسعك أن تروض رعاياك وأتباعك دفعة واحدة،
45
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فتمهل يف ذلك ،وال يكون التمهل إال بالصرب عىل كره أو اختيار .فدع لنفسك الوقت
الكايف قبل أن ترد عىل إساءة أو وعيد أو تهديد أو غري ذلك مام تكره.
_ التفرقة بني اخلصوم-:
كان معاوية يرضب خصومه بعضهم ببعض كام فعل يف العراق حيث رضب الشيعة
بالخوارج ،والخوارج بالشيعة ،ويفرق بني العشائر العربية بالتقريب واإلقصاء
لعشرية منهم بعد عشرية ،وفرق بني اليامنية والقيسية ،وبني جنوب الجزيرة
وشاملها .وفرق كذلك بني العرب واملوايل ،حتى أوشك أن يُنكل باملوايل ليقصيهم
عن مناصب الدولة وعن اإلقامة يف عواصمها ،ألنه كان يعلم أن العرب يلوذون
برؤسائهم،وال رؤساء للموايل يلوذون بهم يف نقمة أو مظلمة ،فتفرق املوايل بني
الخوارج والشيعة ،ينرصون هؤالء تارة وهؤالء تارة أخرى.
كام اتبع خطة التفرقة بني أهل الشام أنفسهم ،فاستخلص لنفسه فرقة منهم ال
يخرجون من الشام وال يلتقون بأحد من دعاة العراق أو الحجاز أو مرص أو إفريقيا،
ونقل إىل األردن طوائف من الفرس واملوايل ،ونقل إىل انطاكية قادة املواينء بالعراق
من الفرس ،وخلط العرب العجم.
حتى قبيلة بني كلب أصهاره ،استخلص منهم أخوال يزيد ابنه ،وجعلهم فريقني.
فريق يدعوا إىل خالد بن يزيد ،وفريق يدعوا إىل مروان.
العربة-:
كان معاوية يكف يد البطش والنكاية عنه يف معاملة هؤالء جميعا عىل اختالف
النسب واملقام،
46
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ألنه كان يغري بعضهم ببعض فيستغني بالوقيعة بينهم عن الغيقاع بهم .وكان
مييز بعضهم عىل بعض ليستثري ضغائنهم عىل بعضهم فيأمن رش اجتامعهم عليه.
_ حني تنظر إىل أعدائك ال يخيفك مظهرهم اإلجاميل ،بل انظر إىل األجزاء التى
تك ّون الكل ،وعرب فصل األجزاء عن بعضها وزرع بذور التفرقة واإلنقسام من
الداخل ميكنك أن تُضعف وأن تهزم حتى أقوى األعداء ،حني تعد لهجومك اعمل
عىل عقولهم ليك تخلق رصاعا داخليا ،ابحث عن الصالت والروابط .األمور التى
تحشد الناس يف مجموعة أو تربط بني مجموعة وأخرى .الفرقة ضعف ،وهذه
املفاصل هي الجزء األضعف يف أي بدن ،حني تواجه مشكالت أو أعداء ..ح ّول
املشكلة الكبرية إىل أجزاء صغرية ميكن أن تُهزم.
*****
_ التفوق على االخر-:
عليك أن تتعلم كيف تهزم الخصوم الذين يزعمون العمل من أجل قضية مشرتكة
،ولتحقق ذلك عليك أن تعمل عىل بث الشكوك واالضطراب فيهم ،ادفعهم إىل
التفكري كثريا والترصف بدفاعية ،انصب لهم الفخاخ عرب تحديات خفية تؤثر فيهم
وتجعلهم يبالغون يف ردود افعالهم والقيام بأخطاء محرجة.
_ أراد عمرو بن العاص أن يقنع عظامء القبط بأن العرب غري تاريك مرص وقد
دخلوها فامذا فعل؟
أمرعمرو بن العاص بجزور فذبحت وطبخت باملاء وامللح،وأمر أمراء األجناد أن
يحرضوا وأصحابهم.وجلس عمرو وأذن ألهل مرص وجيء باللحم واملرق فطافوا به
47
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
عىل املسلمني فأكلوا اكال عربيا..انتشلوا وحسوا وهم يف العباء وال سالح ،وافرتق
أهل مرص وقد ازدادوا طمعا وجرأة يف إخراج العرب من مرص.
ثم بعث يف أمراء األجناد بأن يحرضوا وأصحابهم من الغد ،وأمرهم ان يجيئوا يف
ثياب أهل مرص وأحذيتهم ،وأن يأكلوا عىل طريقة أهل مرص ،ففعلوا واذن عمرو
الهل مرص بالحضور ،وقام عليهم الخدم بإحضار الطعام فأكلوا أكل أهل مرص
ونحوا نحوهم..فرأي القبط من أهل مرص شيئا غري ما رأوه باألمس .فافرتقوا وقد
ارتابوا يف أمر العرب .ثم بعث عمرو إىل أمراء األجناد مرة ثالثة وأمرهم أن يتسلحوا
للعرض غدا..وغدا عىل العرض وأهل مرص ينظرون فقال للقبط :قد علمت أنكم
رأيتم أنفسكم أنكم يف يشء حني رأيتم افتقار العرب وهوان حالهم ،فخشيت أن
تهلكوا فأحببت أن أريكم حالهم وكيف كانت يف أرضهم ،ثم حالهم يف أرضكم ،ثم
حالهم يف الحرب..فظفروا بكم وذلك عيشهم .وقد كلِبوا عىل بالدكم قبل أن ينالوا
منها ما رايتم يف اليوم الثاين.
فأحببت أن اعلمكم أن من رأيتم يف اليوم الثالث غري تاريك عيش اليوم الثاين
ليعودوا إىل عيش اليوم األول.
_ العربة-:
أراد عمرو بن العاص ان يرسل رسالة إىل أهل مرص مفادها :أن العرب غري تاريك
حصلمرص ابدا .فلجأ إىل الطعام وكثريا ماكان يستخدمه ليلجأ إىل فن اإلقناع ويُ ّ
مقصوده فكان من كالمه( أكرثوا الطعام فوالله ما بطن قوم قط إال فقدوا بعض
عقولهم،وما مضيت عزمة رجل بات بطينا) وكان ذلك ليعطل تفكريهم ولو لفرتة.
ثم جعل القبط يرون حال العرب يف أول يوم ويف اليوم الذي يليه
48
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ويف ساحة القتال ليخربهم أن العرب قد «طَبعوا بطبع أهل مرص وأنهم غري تاركيها
بعد ذلك أبدا.
_ َخلْق الشك وعدم األمان والقلق هدفه األسايس الوصول إىل أعامق الخصوم
واستفزازهم من الداخل .ليشعروا أنهم تعرضوا للهجوم لكنهم ليسوا واثقني ملاذا
أو كيف .النتيجة هي إحساس غامض باإلستياء ،يبدأ الشعور بالدونية يتسلل إىل
داخلهم.
_ ما يحقق التأثري األكرب يف لعبة فن التفوق عىل االخر هو أن تعمل يف الخفاء عىل
إحداث االضطراب يف مزاجه وتفكريه ،ال تكن مبارشا حتى ال تنبه أعدائك إىل الخطر
الذي متثله وتُحرك نوازع التنافس عندهم ،أما عدم املبارشة فإنها تدعهم يضيعون
يف متاهة تفكريهم،وقد يثري فيهم ترصف برئ يف ظاهره مشاعر اإلحباط والغضب
ونفاد الصرب ،مام يشوش تفكريهم عىل نحو مامثل ،ويف الحالني سيبدأون بارتكاب
األخطاء ويعرتيهم شعور قوي بالهزمية.
_ التفاوض-:
فن ال يتقنه إال الدهاة بحق ،فهي حرب عقلية ال تقل خطورة عن حرب السالح.
طبق ما يف السطور االتية وال تجعل أحدا يستغل ما فيها ضدك أو يطبقه عليك.
سيحاول الناس دامئا أن يأخذوا منك باملفاوضات ما عجزوا عن أخذه بالحرب أو
باملواجهة املبارشة ،سيلجأون حتى إىل مبادئ العدل واألخالق كغطاء مينحهم موقعا
متقدما ،ال تنخدع بهذا .فالتفاوض ليس إال مناورة لحيازة السلطة أو املوقع .عليك
أن تضع نفسك دامئا يف موقع قوي ال يتيح للطرف األخر الحصول عىل أي مكاسب
خالل التفاوض.
49
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ عليك أن تخلق ضغط دائم يجرب الطرف االخر عىل املوافقة عىل تسوية برشوطك
أنت.
_ كلام أخذت أكرث ميكنك أن تعطي يف املقابل بتتابع ال معنى له ،فخذ ما تريد وما
ال تريد وال تعطي إال ما التريده.
_ أنشئ لنفسك سمعة بأنك رجل صلب وغري مسا َوم بحيث يكون الناس مستنفرين
حتى قبل التقائك.
_ اعرف كل يشء عن خصمك الذي يتفاوض معك ،فذلك مينحك قوة دفع إضافية.
_ اخدع خصمك بكل طريقة ولن تعدم وسيلة لذلك ،وال ت ُظهر له أنك خادعه.
_ إن كان ال بد ممن يتفاوض عنك ألجلك فعليك بالداهية األريب الذي ال يحتاج
نصيحة ،وإذا نصحته سمع منك.
_ ملا اتفق عيل ومعاوية ريض الله عنهام عىل الصلح وإرسال الحكمني ،وكان من
عاقبة التحكيم ما يعلمه الجميع وال يخفى عىل أحد.
_قال معاوية ألصحابه من ترون عليا يختار؟ فأما نحن فصاحبنا عمروبن العاص.
فقال عتبة بن أيب سفيان :أنت أعلم بعيل منا .فقال معاوية :إن لعيل خمسة رجال
من ثقاته .عبدالله بن عباس وإنه ال يقوى عىل عمرو .وعدي بن حاتم وإنه يرد
عمرا سائال ويسأله مجيبا .ورشيح بن هانئ وإنه ال يدع لعمرو حياضا .واألحنف بن
قيس وإنه بديهته كرويته .وقيس بن سعد وإنه لو كان من قريش لبايعته العرب.
50
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ومع هذا فإن الناس قد ملوا هذه الحرب ،ولن يرضوا إال رجال له تقية وكل هؤالء
ال تقية لهم .ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله صىل الله
عليه وسلم تأمنه أهل الشام وترىض به أهل العراق .فقال عتبة :ذلك أبو موىس
األشعري.
وفُرض أبو موىس األشعري عىل عيل بن أيب طالب ،واختار معاوية عمرا برغبيته،
واستمع كال الحكمني لنصائح منارصيهام .فأما أبو موىس..فكان ذو تقية مل يعمل
بنصائح منارصيه ،وأما عمرو فكان يسمع النصائح من منارصيه مع أنه ال يحتاج
إليها .وكان من نصائح معاوية له :يا عمرو إن أهل العراق قد أكرهوا عليا عىل
أبو موىس ،وأنا وأهل الشام راضون بك .وأرجوا يف دفع هذه الحرب خصاال-:
قوة ألهل الشام ،وفرقة ألهل العراق ،وإمدادا ألهل اليمن ،وقد ضم إليك رجل
طويل اللسان قصري الرأي ،وله عىل ذلك دين وفضل .فدعه يقل ،وإذا قال فاصمت،
واعلم أن ُحسن الرأي زيادة العقل ،إن خوفك بالعراق فخوفه بالشام،
وإن خوفك مرص فخوفه باليمن ،وإن خوفك عليا فخوفه مبعاوية .وإن اتاك
بالجميل فأته بالجميل .قال عمرو :يا أمري املؤمنني ..أقلل اإلهتامم مبا ِقبيل ،وارج
الله تعاىل فيام وجهتني إليه .إنك من أمرك عىل مثل حد السيف ،مل تنل يف حربك
خفت ،ونحن نرجوا أن يصنع الله لك خريا ،وقد ذكرت أليب ما رجوتَ ،ومل تأمن ما َ
موىس دينا..وإن الدين منصور .أرأيت إن ذكر عليا وجاءنا باإلسالم والهجرة واجتامع
الناس عليه..ما أقول؟ فقال معاوية :قل ما تريد وما ترى .وانرصف عمرو إىل منزله،
فقال ألصحابه :هل ترون ما أراد معاوية من تصغري أيب موىس؟ قالوا ال ،قال عمرو:
51
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
قد عرف معاوية أين خادع أبا موىس غدا.
_ العربة-:
_احرتم عدوك وابذل ما يف وسعك لسحقه.
احرتامك لعدوك يهبك االحرتام يف قلوب أتباعك ،اعلن للجميع أنك ستحارب
معركتك برشف ،وال تجعل للرشف مكانا يف حربك .حتى إذا تم لك االنتصار عىل
عدوك..فاحرتمه قوال وفعال .فاملرء بعدوه.
–اكسب عدوك املهابة حتى يظهر نرصك كبريا ،ومغنمك عظيام ،حتى كأنك انترصت
عىل جيوش األرض قاطبة.
_ إذا وقع عدوك يف األرس فال تقتله وإمنا أحسن إليه ،فإن يف قتله راحة أبدية
وميتتة شبيهة مبيتة األبطال .ويف إحسانك إليه سيموت كل يوم مائة مرة وهو يرى
ما صنعته به ،وما كان فيه وما أصبح إليه .حتى إنه سيتمنى كل يوم ألف مرة لو
كنت قتلته وأرحته من عذاب الحرسة عىل الهزمية.
_ إذا مات عدوك قابله وع ّدد مآثره حتى كأنه أسد هصور ،فعندما تربز مكانة
عدوك تربز أيضا مكانتك.
ملا قُتل عيل كرم الله وجهه .بكاه معاوية ،فقالت له زوجته .أتبكيه وقد قاتلته؟
فقال لها معاوية :ويحك ..إنك ال تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم.
*****
52
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اخلالصة-:
_ حدد أعدائك جيدا وتعلم كيف تخرجهم من مخابئهم ،وأعلن الحرب عليهم رسا.
_ التكرر املعادالت املستنفذة وكن قاسيا عىل نفسك ،وعليك أن ترضب يف اتجاهات
مختلفة .وتوقع كيف سيحاربك عدوك واستعد له وال تدع عدوك يفاجئك أبدا.
_اعتمد عىل نفسك وأبق عقلك يف حالة حضور دائم أيا كانت الظروف ،وتعلم أن
تفصل نفسك عن فوىض ساحة املعركة.
_ التتعاطف مع عدوك أبدا أو تأخذك بهم شفقة أو أمل يف التصالح معهم ،وال
ترتك لهم فرصة للعودة لالنتقام ،عليك بسحقهم وإبادتهم جميعا.
_ ال ترتك ألعدائك ما يفاوضون عليه .فاملفاوضات ثعبان ماكر يلتهم انتصارك..ابق
التفاوض لك أنت فقط.
_ ركز رضباتك لتحافظ عىل قواك وطاقاتك ،وال تشتت نفسك ،فالقوة دامئا تتغلب
عىل الكرثة ,األفضل لك أن تكون قويا دامئا.
_ جرد عدوك من كل أسلحته وافقده اتزانه وثقته بنفسه ،واظهر لهم الصفات
التى عليهم أن يخجلوا منها يف أنفسهم وتريهم مدى حامقتهم وهمجيتهم.
_اقلب الطاولة عىل أعدائك العدوانيني بوضع الطعم لهم حتى يقوموا بهجوم
مترسع يضعهم يف موقع ضعيف ،وحتى لتكتشف مدى قوتهم
53
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اصنع لنفسك سمعة أن قتالك ليس مجزيا ،وأنك تأخذ أعدائك معك حني تسقط
وسيكلف أعدائك أنفسهم بالعبث معك ليكتشفوا مدى مصداقية ذلك.
_ اخرس املعركة واربح الحرب ،دع االخرين ينشغلون يف تفاصيل املعركة ،ويبتهجون
بانتصاراتهم الصغرية قبل أن تسحقهم يف الجولة األخرية من املعركة ..فمن يضحك
أخريا يضحك كثريا.
*****
54
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ كثرية هي األسلحة املتواجدة معنا ومن حولنا .ال أحد يف هذه الدنيا يسري بدون
سالح .الدهاء كل الدهاء أن تحسن اختيار السالح الذي تحارب به معركتك.
_ لتعرف كيف تختار سالحك عليك أن تفهم طبيعة الحرب التي تدور من حولك.
_ الحرب فن ولكل فن رجاله ،والحياة معارك ولكل معركة سالح .ع ّدد أسلحتك،
واحتفظ بها دامئا جاهزة ،وكن عىل أهبة االستعداد للتبديل بينها عىل حسب ما
تقتضيه تطورات املعركة.
_ اعرف عدوك جيدا واعرف نفسك أيضا ،علمك بعدوك يعرفك كيف تدافع,
وعلمك بنفسك يعلمك كيف تهاجم .الهجوم رس الدفاع ،والدفاع هو التخطيط
للهجوم.
_ اتقن فن املناورة :وهي التحرك والترصف بطريقة تُسلب الغريم من أي ميزة قد
اكتسبها.
_ ال تتحرك حتى فرصة تنتهزها ،وال تستعمل قواتك مامل تكن هناك فائدة ترجوها،
وال تقاتل مامل يكن موقفك حرجا يستدعي منك القتال.
*****
قدم عمرو بن العاص عيل معاوية ،ساومه معاوية عىل رضاه فلم يقنع -عندما ِ
عمرو مبا دون والية مرص مدى الحياة ،وهذه صفقة كأنها صفقة املنترص الذي مييل
رشوطه يف حومة الحرب .ألن عمرو كان واليا عىل مرص فعزله عنها عثامن بن عفان
ريض الله عنه .ومل يزل عمرو واجدا عىل عثامن لذلك حتى إنه كان يحرض عليه
ويُخاذل بني أنصاره كام قيل .فإذا جاء عمرو قوما يطلبون دم عثامن فأخذ منهم ما
أباه عثامن عليه فإمنا هو النرص لعمرو .وال مباالة مبا يقولون ومبا يقال ،وشق عىل
معاوية أن يجيبه إىل هذا املطلب الضخم ،فتلكأ معاوية وقال لعمرو :أمل تعلم أن
مرص كالشام؟ قال عمرو :بىل .ولكن مرص تكون يل إذا كانت الشام لك ،والشام
تكون لك إذا طلبت عليا عىل العراق .فدخل عتبة بن أيب سفيان عىل معاوية فقال:
اما ترىض أن تشرتي عمرا مبرصإن هي صفت لك؟ ليتك ال ت ُغلب عىل الشام .فلام
سمع معاوية ذلك بعث إىل عمرو فأعطاه كتاب مرص وكتب يف أسفل الكتاب وال
ينقض رشط طاعة ،فكتب عمرو وال تنقض طاعة رشطا.
_ العربة-:
اليشء الذي تجيده ال تفعله مجانا.
56
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
خرج عمرو من الصفقة غالبا غري مغلوب ،وفهم ما يبتغيه فقصد إليه .ومل يكن
معاوية يفهم ما يبتغيه إال بعد مامنعة واستقصاء ،وقد عقد معاوية لعمرو بعد
ذلك أربعة ألوية ،لواء له ،ولواء لكل من ولديه ،ولواء لوردان غالم عمرو .وكان
هذا من الحيلة التى ال تخفى وال حاجة بها إىل إخفاء أنها (لعب عىل املكشوف)
كأنها هي لعبة تلعب نفسها بنفسها وال محل فيها لتدبري الالعبني لظهوره واتباعه
يف اللعب منهجا ال تحيد عنه.
وهكذا كانت الحيلة بني عمرو ومعاوية :قال عمرو ملعاوية ذات مرة :أترى أننا
خالفنا عليا لفضل منا عليه؟ ال والله .إن هي إال الدنيا نتكالب عليها ،وايم الله
لتقطعن يل قطعة من دنياك وإال نابذتك عليها .وعىل هذه الخطة املكشوفة بدأت
املعاملة بني الداهيتني ،وكان حظ عمرو فيها أكرب من حظ معاوية بالقياس إىل ما
بذل فيها.
_ كانت العالقة بني عمرو ومعاوية ذات طبيعة فريدة ،وسمة غريبة .فقد كان
عمرو يكرب معاوية بحوايل 28سنة ،حيث أنه تويف سنة 43هجرية عن 90عاما،
بينام تويف معاويةسنة 61هجرية عن 80عاما .وكانت تجمعهام صفات كثرية
وأخالق عديدة ،ويفرقهام التنافس والتفاضل ،فكان املكر والخديعة من صفاتهام
ومن أهم أسلحتهام ،واملراوغة والحيلة من أخالقهام ،وكثريا ما استخدما أسلحتهام
ضد بعضهام البعض .فكان عمرو ال يتورع عن خداع معاوية ،ومعاوية ال يكف عن
االحتيال عىل عمرو ،فكانت تربطهام صلة إعجاب متبادل وتقدير متامثل ،وكان
التنافس بينهام حادا قد يصل أحيانا إىل حد التهديد بالقتل.
57
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وكان عمرو دائم التطاول عىل معاوية ،وكان معاوية حليام معه متسامحا ،مستغال
فارق السن بينهام ،فرياوغ معاوية مراوغة الشيخ لتلميذه .وكان معاوية بثقب
نظره مدركا لدهاء عمرو ،مستمعا إىل رأيه ،مستفيدا من حنكته .ومن ذلك.
قدم من مرص ،ومعاوية بن أيب سفيان من الشام عىل أمري أن عمرو بن العاص ِ
املؤمنني عمر بن الخطاب .فأقعدهام بني يديه وجعل يسألهام عن أعاملهام ،إىل
يل تعيب ،وإ ّيل تقصد؟ أن اعرتض عمرو عىل حديث معاوية .فقال له معاوية :اع ّ
ألخربن أمري املؤمنني عن عملك .وتخربه عن عميل .فقال عمرو لنفسه ( أنه أبرص
بعميل مني بعمله) وأن عمر ال يدع أول الحديث حتى يأيت عىل أخره فأردت أن
أفعل شيئا أقطع به ذلك ،فرفعت يدي ولطمت معاوية .فقال عمر له :والله ما
رأيت رجال أسفه منك يا عمرو .يامعاوية..الطمه .فقال معاوية :يا أمري املؤمنني ،إن
يل أمريا ال أقيض األمور دونه .فأرسل عمر إىل أيب سفيان ،وملا حرض ألقى له وسادة
وقال له.قال رسول الله صىل الله عليه وسلم إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه .ثم قص
عليه ما جرى بني عمرو ومعاوية .فقال أبو سفيان :الهذا بعثت إ ّىل؟ أخوه وابن
عمه وقد اىت غري كبري..قد وهبت له ذلك.
_ العربة-:
أراد عمرو أن يغري مجرى الحديث أو ينهيه بعدما أخطا هو ومعاوية أمام عمر.
فكانت اللطمة هي السالح الذي فعل ما اراده عمرو وما فطن له معاوية وما
انشغل به عمر عام كان بينهام من الحديث عن عملهام.
58
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فعمرو حتى عندما يصفع فهو ال يصفع غضبا ولكن احتياال ومكرا ،وهذا يوضح
عدم تورعه يف استخدام أي سالح ميكنه من الوصول إىل غايته ،والخروج من املأزق
الذي يقع فيه.
_ فن الردع-:
يقوم هذا الفن عىل ثالثة حقائق متعلقة بالحرب وبالطبيعة البرشية-:
_1مييل الناس أكرث إىل مهاجمتك إذا رأوا أنك ضعيف.
_2ال يستطيعون التأكد من مدى ضعفك فيعتمدون عىل اإلشارات التي تصدر
منك عرب سلوكك يف املايض والحارض.
_3يسعون إىل االنتصارات الرسيعة وغري الدموية ولهذا ينقضون عىل الضعيف.
الردع ببساطة هو قلب هذا الوضع وعكس أي صورة ليهم عنك بأنك
ضعيف وذلك عرب إيصال الرسالة التي تقول أن املعركة معك لن تكون سهلة
مثلام ظنوا .وهذا ميكن فعله عرب القيام ببعض الترصفات الواضحة للعيان
التى من شأنها أن تربك املعتدين وتجعلهم يحسبوا أنهم أساءوا تقديرك.
– ليك تردع املعتدين يجب أن تصبح بارعا يف الخفاء ،متالعبا باملظاهر ،متالعبا
أيضا بفكرتهم عنك.
_ للردع والتخويف املعاكس أساسيات ميكن استعاملها جميعا يف الحرب الهجومية،
لكنها فعالة خصوصا يف الدفاع.
59
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_1فاجئ املعتدين مبناورة جريئة تنطوي عىل بعض الخطرليك تخفي ضعفك
وخداعك لهم وحتى يتخلوا عن هجومهم عليك.
_2اظهر مبظهر الالعقالين والذي ال ميكن توقع ترصفاته كأن تفعل شيئا يوحي
لديهم بأنك مستعد لفعل أي يشء.الخصوم املجانني مخيفون.وال أحد يحب أن
يقاتل أشخاصا ال ميكن التنبؤ بأفعالهم وليس لديهم ما يخرسونه.
_3أسس لنفسك سمعة مرعبة .بأنك صعب وقاس وعنيد ،رسخ هذه الصورة عىل
مر السنني وسيتهيب الناس االعتداء عليك ويعاملونك باحرتام وبعض الخوف.
_ تذكر دائما-:
القوة ليست ما متتلكه فقط ،بل ما يظن العدو أنك متتلكه.
(سول دي ألينسيك)
*****
_ ملا رفض معاوية قتال عيل ومبارزته بالسيف وطعن يف نصيحة عمرو له أنه
يريده أن يبارز عليا ليموت هو ويفوز عمرو بالخالفة .قال عمرو ملعاوية :أتجنب
يل وتتهمني يف نصيحتي إليك؟ والله ألبارزن عليا ولو مت ألف موتة يف أول عن ع ّ
يل فرصعه واتقاه عمرو بعورته.
لقائه .فبارزه عمرو ملثام ومل يعرفه عيل ّ ،فطعنه ع ّ
وول بوجهه عنه .وكان عيل كرم الله وجهه مل فانرصف عنه عيل ريض الله عنهّ ،
ينظر إىل عورة أحد حياءا وتكرما وتنزها عام ال يحل وال يجمل مبثله.
60
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
كان لعمرو من الرباعة والدهاء ما ميكنه من استخدام أي سالح يوصله إىل غايته،
فهو يريد أن ميعن يف كيد معاوية بقتاله لعيل بعدما رفض معاوية قتاله ،ويريد
يل الكرار ،ولذا ملا رصعه عيل استخدم عمرو أخر
أيضا أن يحافظ عىل حياته أمام ع ّ
يل ويعود عمرو إىل صفوف أسلحته لينقذ به حياته ،فكشف له عورته ليتقيها ع ّ
جيشه ساملا يكيد معاوية.
61
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
62
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وكان قوام تلك الحيلة العمل الدائم عىل التفريق والتخذيل بني خصومه بإلقاء
الشبهات بينهم وإثارة املحن فيهم حتى لو كانوا من أهل بيته وقرابته .وكان مام
يعينه عىل اإليقاع بهم التنافس الفطري بني ذوي األخطار ،كام كان يحدث مع
املغرية بن شعبة وعمرو بن العاص،ودأبه يف الوقيعة بني أهل بيته كدأبه يف الوقيعة
بني النظراء من أعوانه .وظل معاوية عىل هذه الحيلة التى ال تتطلب من صاحبها
حظا كبريا من الحيلة والروية .فكانت خطة التفرقة عامة عنده ال يقرصها عىل
الخصوم .ليرضب بعضهم ببعض ويتقي رش فريق منهم برش فريق .حتى أنه كان
يفرق بني مكة واملدينة وبني املهاجرين واألنصار.
_ إلقاء الشبهة بني خصومك-:
أبدع ما أبدع فيه معاوية من ألوان الدهاء إلقاء الشبهة بني خصومه يف زمن كانت
فيه هذه الشبهات من أيرس األمور لكرثة التقلب والتحول يف الدول واملاملكبني
أنصار اليوم وخصوم األمس ،او أنصار االمس وخصوم اليوم.
كان معاوية إذا أراد ان يستميل أحد البطارقة من دولة الروم فاستعىص عليه ذلك.
كتب له رسالة ثناء ومودة وأرسلها مع رسول يحمل الهداياوالرشا كأنها جواب عىل
طلب منه يساوم فيه عىل املصالحة والغدر برؤسائه من دولة الروم.ويخرج رسول
معاوية من طريق متباعد كأنه يتعمد الروغان من العيون والجواسيس،فإذا اعتقله
الروم والبد أن يعتقلوه ألنه يتعرض لالعتقال ويسعى إليه.وقعت الشبهة عىل
البطريق املقصود وتعذّر االطمئنان إليه من قومه بعد ذلك وعزلوه وأبعدوه إن مل
ينكلوا به أشد تنكيل .ويف النهاية يُحقق معاوية مقصوده.
63
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
يل بن ايب طالب.فاحتال معاوية يف ذلك ليوقع الريبة_ كان قيس بن سعد مبايعا لع ّ
ىل من قيس،وساعدته الحوادث عىل خلق الشك .وذلك ان قيس والشك يف نفس ع ّ
بن سعد مر بجامعة من حزب معاوية وهو يف طريقه إىل مرص فأجازوه ومل يحاربوه
وهو يف سبعة نفر ال يحمونه من بطشهم ألنهم حسبوه من العثامنيني الهاربني إىل
يل يف الحجاز .وملا بايع املرصيون عليا بقي العثامنيون ال يبايعون
مرص من دولة ع ّ
وال يثورون وقالوا لسعد :أمهلنا حتى يتبني لنا األمر ،فأمهلهم وتركهم وادعني حيث
طاب لهم املقام بجوار اإلسكندرية .وأراد اإلمام أن يستوثق من الخصومة بني قيس
ومعاوية فأمر قيسا مبحاربة املتخلفني عن البيعة فلم يفعل .وكتب إليه يقول :إننا
متى قاتلناهم ساعدوا عليك عدوك وهم االن معتزلون والرأي تركهم.
_ العربة-:
تعاظمت الظنون يف زمن صدقت فيه أكرث هذه الظنون،فأما معاوية فلم يكن
يزعجه الظن وال الشبه بالظن .ألنه يعلم املنفعة التى يعطيها واملنفعة التى يريده
أعوانه من أجلها .وأما الغامم فلم تكن له عصمة من الظن غري الحيطة وغري
التجربة .ومل يكن للتجربة سابقة مقطوع بها.بل كانت كلها مام سينجيل عنه
مستقبل مجهول.
*****
64
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وشاعت الشوائع مبثل ذلك عن أخرين من أعداء معاوية ومنافسيهُ .ييل للناس يف
تصديقها أن هؤالء األعداء ماتوا بغري علة موصوفة..يف املوعد الذي يبغيه معاوية..
وترتتب عليها سياساته التي كان يرجئها إىل مواعيدها .فالحسن ميوت قبل بيعة
يزيد يك ال يخرج معاوية عن رشطه املكتوب للحسن.ومالك بن األشرت ميوت عىل
أبواب مرص .وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد ميوت وهو يف أوج سمعته بني قوم
أعجبوا من قبل بأبيهويوشك أن يتجمع حوله الناقمون من أهل الشام وأهل الكوفة
والحجاز.
_ العربة-:
دامئا ما تساعدنا الظروف من حيث ال ندري ،فقد تحقق لك مصلحة ،او تخلق لك
شهرة.
65
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
او تكون عونا لك عىل خصمك .الداهية فقط هو من يحسن استغالل الظروف
ألن سالحها أشد فتكا من كل األسلحة األخرى ،كام أنها ال تكلفك شيئا .فالظروف
والشبهات واألقاويل وغريها من األقدار متنحك اليشء الكثري إىل قضاء ما تبغيه.
_ اخلالصة-:
_ حارب عدوك رسا بدال من املواجهة املبارشة ،وإن مل يكن ممكنا تفادي املعركة
فاجعل خصمك يقاتل وفقا ملعايريك أنت.
_ حارب عدوك بسالحك فإن مل تنترص به حاربه بسالحه .وال تلقي كل حيلك مرة
واحدة .واحتفظ مبا تتقنه حتى النهاية.
_ إذا كنت متساويا مع عدوك فإن الحصول عىل املزيد من األسلحة أقل أهمية من
استعامل ما لديك بطريقة أفضل.
_ لديك الكثري من األسلحة مل تتقن استخدامها بعد وقد تنهي عىل خصمك من
أول رضبة .اعرفها جيدا واستخدمها عندما تحتاج إليها .فاملال سالح ،والحلم سالح
والصرب سالح والتفريق بني أعدائك سالح وزرع الفتنة بينهم سالح والتفاوض سالح
وتصاريف القدر سالح وغريها الكثري والكثري من األسلحة .فتش عنها جيدا يف
داخلك وادخرها للوقت املناسب حتى تحارب بها قبل أن تحارب بسيفك.
66
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ عليك أن تسأل نفسك دامئا ملاذا ال تتحكم باألمور رغم تحمسك لحل املشكالت
وهزمية الخصوم؟ وملاذا تجد نفسك دامئا رغم حزمك يف وضع الدفاع وليس املبادرة؟
اإلجابة-:
هي أن عليك أن تغري فكرتك الخاطئة النك غالبا ما تظن أن الحزم والشدة يؤديان
إىل الحسم والفاعلية.والحقيقة أن أنجح األفعال هي ضبط النفس والتنايئ بنفسك
واستدراج خصومك ومراقبتهم وهم يدخلون الفخاخ التى أعددتها لهم.فالجوهر
األسايس أن تحتفظ باملبادرة وأن تجعل االخرين يستجيبون لتحركاتك وأن تضعهم
دامئا يف موقف الدفاع.
_ حني تستدرج االخرين تجد نفسك املتحكم مبقاليد األمور ،ومن ميلك التحكم
ميلك القوة .وهناك أمران رضوريان لتحتل هذا املوقع-:
-2أن تتالعب مبيل الناس الطبيعي لالستجابة بغضب حني تستفزهم أو تضللهم
بالطُعم املناسب.
_ القدرة عىل استدراج االخرين تعد سالحا له سطوة أكرب بكثري عىل املدى الطويل
من أي وسيلة للعنف أو االعتداء.
67
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ُجل االمر يعتمد عىل حالوة الطُعم وإن كان الطعم الذي تُعده جذابا كفاية فإنه
سيشوش مشاعر ورغبات خصومك ومينعهم من رؤية الواقع .كلام زاد جشعهم
زادت قدرتك عىل قياداتهم.
_ إن استطعت أن تجعل االخرين يحفرون قبورهم بأنفسهم فلامذا تحفرها لهم؟
_ سافر عمرو بن العاص ذات مرة إىل الحبشة هو وعامرة بن الوليد.أخو خالد بن
الوليد .ومع عمرو زوجته وعمرو وعامرة كالهام شاعر فاتك وهام يف جاهليتهام
وكان عامرة جميال وسيام مغرما بالنساء صاحب محادثة لهم .فركبا يف السفينة
أياما وليايل ،ورشبا من خمر معهام ،وحذر عمرو عىل زوجته من عامرة فجعل إذا
أقل من الرشاب ّ
وأرق لنفسه باملاء مخافة أن يسكر فيغلبه عامرة عىل رشب معه ّ
زوجته .وانتىش عامرة من الرشاب فقال المرأة عمرو قبليني .فامتنعت .فقال لها
عمرو قبيل ابن عمك ،فقبلته..فهويها عامرة وجعل يراودها عن نفسه ومتتنع عليه.
ثم إن عمرو ذهب مرة إىل ناحية السفينة ليبول يف البحر فدفعه عامرة فسقط يف
البحر واخذ عمرو يسبح حتى صعد السفينة ثانية .فقال عامرة :أما والله لو أعلم
أنك تحسن السباحة ما فعلت.فاحتملها عمرو وعلم أنه أراد قتله ،فسار يتحرز كل
منهام االخر حتى قدما أرض الحبشة ونزالها.فكتب عمرو إىل أبيه العاص بن وائل:
أن اخلعني وتربأ من جريريت(جنايتي) إىل بني املغرية وجميع بني مخزوم( وذلك
ألنه خيش عىل أبيه العاص أن يُؤاخذ بجريرته وهو يتأهب ليفتك بعامرة) فلام ورد
الكتاب إىل العاص بن وائل.مىش يف رجال من قومه إىل بني املغرية وغريهم من
بني مخزوم فقال :إن هذين الرجلني قد خرجا حيث علمتم ،وكالهام فاتك صاحب
رش ،وهام غري مأمونني عىل انفسهام والندري ما يكون ،وإين أبرأ إليكام من عمرو
وقد خلعته.
68
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقالت بنو املغرية وبنو مخزوم :أنت تخاف عمرا عىل عامرة ونحن ايضا ،وقد خلعنا
فخل بني الرجلني .فقال بنو سهم قد قبلنا..فابعثوا مناديا
عامرة وتربأنا من جريرته ّ
مبكة إنا قد خلعناهام ،وتربأ كل قوم من صاحبه ومام ج ّر عليهم .فبعثوا مناديا
ينادي مبكة بذلك.
دب المرأة عند النجايشوملا اطمئنا عمرو وعامرة بالحبشة ،مل يلبث عامرة أن ّ
فأدخلته فاختلف إليها ،وكان غذا رجع من عندها أخرب عمرو مبا حدث ،وعمرو
يقول:ما أُصدق أنك قدرت عىل هذا الشأن ،إن املرأة أرفع من ذلك .فلام أكرث
عامرة عىل عمرو مبا كان يخربه قال له عمرو :إن كنت صادقا فقل لها تعطيك من
دهن(طيب) النجايش الذي اليوجد عند غريه يف االرض ،فإين أعرفه .ولو أتيتني به
صدقتك.ففعل عامرة وجاء بقارورة من دهن النجايش .فلام شمه عرفه،فقال له
عمرو :انت صادق ،لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد ميله قط من العرب ،ونِلت من
املرأة شيئا ،ماسمعنا مبثل هذا من قبل .وكانوا أهل جاهلية .ثم سكت عنه حتى
اطأمن عامرة.فدخل عمرو عىل النجايش فقال :أيها امللك..إن ابن عمي سفيه ،وقد
خشيت أن يعيبني عندك أمره ،وقد اردت أن أُعلمك شأنه ومل افعل حتى استبنت
أنه قد دخل عىل بعض نسائك ،وهذا من ُدهنك قد أُعطيه ودهنني منه ،فلام شم
النجايش ال ُدهن قال صدقت ،هذا ُدهني الذي ال يكون إال عندي ،ثم دعا بعامره
ودعا بالسواحر ،فجردوه من ثيابه ونفخ الساحر يف َذكَره فنخر عامرة وخرج صائحا
هاربا حتى استقر يف الغابات يعيش مع الوحوش .
69
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ومل يزل كذلك حتى خالفة عمر بن الخطاب خرج إىل الحبشة رجاال من بني املغرية
ومنهم عبدالله بن أيب ربيعة علموا بأمره فرصدوه عىل ماء بأرض الحبشة كان يرده
مع الوحوش ،فلام وجدوا ريح اإلنس هربوا حتى أجهده العطش فورد ورشب حتى
امتأل ،فخرجوا إليه وأمسكه عبدالله..فجعل عامرة يقول له :أرسلني إين أموت إن
أمسكتني ،فضغط عليه عبدالله حتى مات عامرة يف يده فواروه الرتاب ثم انرصفوا،
وكان شعر عامرة يغطي كل يشء منه .ويف ذلك يقول عمرو.
املرء أن يدعي ابن عم له ابنام تعلم عامرة أن من رش سنة عىل
فلست براع البن عمك محرما أإن كنت ذا بردين أحوى مرجال
إذا املرء مل يرتك طعاما أحبهومل ينه قلبا غاويا حيث ميام
قىض وطرا منه يسريا وأصبحتإذا ذكرت أمثالها متأل الفام
العربة-:
الداهية اليفهم إال شيئا واحدا ،القوة واملصلحة الشخصية ،ويستمد سكوته من
الخداع والقسوة يف أغلب األحيان ولذلك مل يرتدد عمرو بن العاص يف الفتك بعامرة
بن الوليد وهوصديقه وابن عمه ،ومل يُؤنبه ضمريه عىل ما فعل فيه ،ألن صديق
األمس قد يكون عدو اليوم ،وكام أن عامرة مل يشعر بالذنب تجاه ما فعل مع عمرو
بن العاص ومل يهتم ملشاعر الصداقة فكان من عمرو ما كان .وهو التخلص منه
بأحسن طريقة ودون أن يكلف نفسه شيئا أو يُؤاخذ بجريرة فعلته .فقط جعل
االخرين يعملون ألجله.
70
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ عليك أن تعلم أن الكثري من زمالئك وأصدقائك سيحاولون التآمر ضدك وتقديم
أجنداتهم الخاصة عىل حسابك ،وليك تتخلص منهم عليك أن تعلم أيضا أن
منافسيك يحملون بداخلهم بذور دمارهم الذايت .استغل ذلك جيدا واجمع عنهم
كل املعلومات التى تخدمك .راقب سلوكهم اليومي وأفعالهم املاضية وأخطائهم
بحثا عن الثغرات وحني تحصل عىل هذه املعرفة يصبح بيدك الحبل الذي سيطوق
أعناقهم ويُخلصك منهم إىل األبد.
_ يجب أن تتجنب غواية الزهو أو القيام برضبة أخرية ،بل ترصف بود وستجد
خصمك يكشف نفسه أكرث من الالزم وتجد التخلص منه أمرا سهال دون أن تلوث
يداك أو سمعتك ،وتكون قد صعدت خطوة وانحدر هو خطوة..يتبعها االنحدار
األخري الذي سيجعله يخرس كل يشء.
_ عليك ان تغوي خصمك بأن يتحرك يف اإلتجاه الذي تريده انت أن يذهب فيه،
وليك تفعل ذلك عليك أن تجعله يظن أنه هو من يقوم بالخطوة األوىل ،فتقربه
منك وتصادقه وت ُع َجب به ،دعه يشعر أنك مهتام به ومبا يفعله وستجده قد
استسلم بالكامل لك .فيفعل ما تريده أنت بدافع أنه هو من يريد ذلك؟
_ تذكر دامئا-:
71
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اجتمع قوم من قريش فقالوا :ما نظن معاوية أغضبه يشء قط؟ قال بعضهم:
بىل..إن ذُكرت أمه غضب .فقال أحدهم واسمه مالك بن أسامء املنى (وهي أمه..
وقيل لها املنى لكرثة ما متناها الرجال لجاملها) .قال مالك :والله ألغضبنه إن جعلتم
يل ُجعال .فجعلوا له ما أراد..وأىت معاوية فدخل عليه وقال له :يا أمري املؤمنني ما
أشبه عينيك بعيني أمك؟ فقال معاوية :هذه العينان طاملا أعجبتا أيب سفيان..ثم
قال له :يا ابن اخي ،انظر ما أُعطيت من ال ُجعل فخذه وال تتخذنا متجرا .فرجع
مالك إىل قومه وأخذ ُجعله ،فقال له رجل منهم :لك ضعفا ما ُجعل لك إن أتيت
عمرو بن الزبري فشبهته بأمه...فأىت مالك إىل عمرو بن الزبري وقال له :ما أشبه
فضب حتى مات. وجهك بوجه أمك؟ فأمر به عمرو ُ
فبعث معاوية إىل أمه بديته وقال-:
فإين لعمرو الله أقتلت مالكا أال قل ألسامء املنى أم مالك
_ العربة-:
لو كان معاوية انترص لنفسه وأ ّدب مالكا ملا تجرأ مالك عىل غريه ،ولكن يف عفو
معاوية وحلمه عىل مالك ما جعله يطمع يف إهانة غريه ليقتل نفسه بيد عمرو بن
الزبري ،فام الذي حدث؟
أراد معاوية االنتقام لنفسه دون ان يلوث يده بذلك..وهو الذي ماكان يُغضبه
يشء قدر ما يُغضبه أن تُذكر أمه..فاستدرج مالكا لقتل نفسه بنفسه ،ومالك كان
يحسب انه إن اهان أي شخص فلن يرد عليه إهانته وكيف ال وهو الذي أهان أمري
املؤمنني وخليفة املسلمني ،فذهب يهني غريه دون ان يشعر أنه ينساق إىل حتفه
وأفصح معاوية عام كان يدور بداخله بدفعه الدية ألم مالك ألنه هو الذي اقتاد
مالكا لقتل نفسه بحلمه عليه.
72
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ أحد املفاتيح الهامة يف فن الدهاء عند معاوية أنه كان يعرف من يفيد مصالحه
يف كل موقف،وأن يحتفظ بهدوئه وحلمه إىل أبعد مدى وأن يستعني إلنجاز أعامله
باملهرة األكفاء من العامة دون أن يشعرهم بذلك.
_ تذكر دائما-:
أعدائك منجم من الذهب عليك أن تستغله ،يف الوقت املناسب عليك ان تدع
السيف الذي بينك وبني عدوك وأن تستدرجه ليعمل لصالحك ،او أن تتخلص منه
_ بأن تجعله يدمر نفسه ذاتيا.
_ دعا معاوية أهل ثقته فاستشارهم يف أمر حربه مع عيل كرم الله وجهه ,فقال
عتبة بن أيب سفيان :استعن عىل هذا األمر بعمرو بن العاص ،فإنه من قد عرفت..
وقد اعتزل عثامن يف حياته وهو ألمرك أشد اعتزاال إال أن ت ُرضيه .فأرسل معاوية إىل
عمرو بن العاص وكان بينهام ما كان من تحالف رغم ما كان بينهام من العداوة
السابقة.
_ العربة-:
كان من املشهور عن معاوية أنه من سياسته العمل مع من يختلفون معه ،حتى
أنه كان يتفاهم مع أعدائه بشكل أفضل من أصدقائه ،فكانت طريقته يف استدراج
االخرين تقوم عىل املصالح املشرتكة واملنافع املتبادلة وال تعكرها املشاعر الشخصية.
_ إن وظفت من كان يوما عدوك فإنه سيسعي إىل أن يثبت لك جدارته ووالءه
وسيكون أوىف من كثري من األصدقاء.
_ تذكر دائما-:
تعلم كيف تجعل أعدائك يعملون لصالحك متاما كام ت ُسخر السيف للدفاع عنك
بإمساكه من مقبضه وليس من نصله الجارح .الحكيم يستفيد من أعدائه أكرث مام
يستفيد األحمق من أصدقائه.
(بالتسار جراتسيان)
اخلالصة-:
_ كل رجل سطوة يضطر أحيانا للقيام بأعامل قذرة وليحافظ عىل مظهره يُفضل ان
يستعني بغريه ليقوموا عنه بهذه األعامل.
_ عليك أن تعلم ان التالعب بالناس يشء خطري ،ومبجرد أن يشعر شخص ما أنك
تتالعب به يصعب عليك أكرث فأكرث أن تتحكم به ،لكن حني تستدرج خصام إليك
يتولد لديه الوهم بأنه هو من يتحكم يف املوقف ،وال يشعر بالخيوط التى تحركه
داخل املوقف متاما.
74
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ املحارب الجيد يستدرج االخرين إليه وال يذهب إىل أحد .ذلك هو مبدأ اإلمتالء
والخواء بينك وبني االخرين.فحني تستحث خصومك عىل املجئ إليك تستهلك
قواهم وتصبح خاوية ألنك مل تجهد نفسك إليهم ،وتظل طاقاتك دامئا ممتلئة.
واملواجهة بني الخواء واالمتالء تشبه قذف البيض باألحجار.
(زانج يو -فن الحرب)
_ كذلك يف املفاوضات واالجتامعات يكون من الحكمة دامئا أن تغري االخرين
باملجئ إىل أرضك ،أو ألرض من اختيارك حيث يكون لك وضعك بينام ال يجدون
هم شيئا مألوفا وبدون أن يشعروا يجدون أنفسهم يف موقف الدفاع.
_ دع االخرين يبذلون الجهد واحصل انت عىل التقدير وسوف يظهرك ذلك صاحب
إمكانيات التُصدق.
_ إن كنت تظن أن من املهم أن تقوم بالعمل بنفسك فلن تستطيع ابدا أن تحقق
شيئا كبريا.
_ ابحث عن أشخاص ميلكون مهارات وإبداعات ال متلكها ثم وظفهم واجعل اسمك
يربز فوق أسامئهم وسوف يظهرك ذلك عبقريا.
_ تذكر دائما-:
_ تعلم كيف تستدرج االخرين لفعل ما تريد ،ولكل طريقته ،إما باإلغواء ،وإما
باملكر ،وإما باإلكراه الرصيح ،وإما بغريها ولن تعدم وسيلة لذلك.
75
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
املشورة
_ يف مجالس املشورة أصحاب الرأي انداد وإال اختلت األمور.
_ عىل الداهية أن يستشري ذوي العقول فإن ملشورتهم مكانة ال يستهان بها ،وذوي
االراء قلة ،عليك أن تعرفهم جيدا فقد تحتاج مشورتهم يوما.
_ من استشار الرجال استعار عقولهم ،قد تسأل إنسانا سؤاال فتستعيد خربة خمسني
عاما بال مقابل .ع ّود نفسك أن تستشري ،أن تكون فردا يف فريق عمل حتى تصل
إىل مقصودك ،أن تأخذ وتعطي ،ان تعرف رأي االخرين ،أن تتطلع عىل وجهات
نظرهم ،فذلك أقوى لك.
_ من استشار من حوله ط ّيب قلوبهم له.
إذا استرشت من دونك أخذت حيزا يف قلوبهم ،وجعلتهم عونا لك ،وكانوا جندا لك،
يُسخرون قدراتهم كلها ألجلك،وإنك تقوى بهم ،فام من إنسان يرى رؤية كاملة
مطلقة ،البد من التعاون .لذلك فإن املستشري يقوى برأي املستشار ويطمنئ إىل
صحة قراره.
_ يف االستشارة تقديرا للمستشار ،واعتبارا ملنزلته ،وإعطاءا له حرية الرأي والنظر،
فالذي اليستشري من حوله يعد املوجودين حوله كاملفقودين ،ويعد املختارين
كاملكرهني .من دون استشارة العقالء حولك تعد وجودهم الغيا ،إن احسوا هذا
اإلحساس انقلبوا إىل أعداء.
76
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ املستشارين كالحلفاء وأفضل الحلفاء هم اولئك الذين يعطونك شيئا ال تستطيع
الحصول عليه وحدك ،عليك أن تبحث عن هؤالء وليكن لديك ما تقدمه لهم،
منشئا معهم صلة قامئة عىل املصلحة الذاتية وحتى لتضمن والئهم دامئا.
_ ال أحد يستطيع التقدم يف الحياة من دون استشارة،ولكن الحيلة هنا تكمن يف
متييز الفرق من االستشارة الخاطئة وتلك الصحيحة .االستشارة الصحيحة تنشأ من
املصلحة الذاتية املتبادلة بحيث يؤمن كل طرف لالخر ما يفتقر إليه.
يل بالخالفة يف املدينة ذهب إليه املغرية بن شعبة ميهد يف العهد الجديد
_ملا بويع ع ّ
للقرىب واملنزلة ،وأشار عىل اإلمام أن يقر معاوية بواليته يف الشام ليدين له بالوالء
يل كرم الله وجهه أن يُقر معاوية ويأخذ مبشورة املغرية.ثم يعزله متى شاء .فأىب ع ّ
فعاد إليه املغرية بن شعبة يف اليوم التايل فقال :إين قد أرشت عليك أول مرة
بالذي أرشت وخالفتني فيه ،ثم علمت أن الصواب فيام رأيت ،فاعزلهم .أي .والة
عثامن..واستعن مبن تثق به فإنهم أهون شوكة مام كان ,وعاد املغرية إىل عزلته.
_ العربة-:
كانت مشورة املغرية لعيل بن ايب طالب مشورة داهية يتيقن من خطر داهية
يل كانت
كمعاوية .فكان يرى من معاوية مارآه عيل ّ ولكن مل يأخذ به .فحرب ع ّ
حرب الشجاع الذي ال يخىش أحد..وكانت حرب معاوية حرب داهية يخيش الجميع
يل يقول :والله ما معاوية بأدهى
ولكن يتعامل بدهائه فيام يخشاه .ولذلك كان ع ّ
مني ولكنه يغدر ويفجر ،ولوال كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس .وإذا اجتمع
الدهاء والشجاعة يف حرب .قلام انترصت الشجاعة عىل الدهاء..ألن الدهاء يغلب
أشجع الشجعان ولو كان عىل بن أيب طالب كرم الله وجهه.
77
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ طلب عمرو بن العاص من معاوية أن يويل ابنه عبدالله بن عمرو عىل الكوفة،
وكان عمرو واليا عىل مرص.فاستشار معاوية املغرية بن شعبة يف ذلك .فقال املغرية:
توىل عمرا عىل مرص وابنه عىل الكوفة وأنت بالشام فتصبح كالقاعد بني فيك األسد؟
قال معاوية :فام ترى؟ قال املغرية :أنا أكفيك الكوفة فويل املغرية الكوفة ملعاوية
إىل وفاته.
_ العربة-:
كان معاوية يستشري ذوي األخطار من الدهاة فيام يخص بعضهم البعض ليمعن يف
الوقيعة بينهم..فهو يستشري املغرية يف تعيني عبدالله بن عمرو بن العاص ثم يوليه
مكانه عىل الكوفة..ليحفظها عمرو للمغرية ويردها بعد ذلك.
_ إذا احتاج الداهية إىل من يستشري فإنه ال يستشري إال داهية أريب .فلكل عقل
رأي ،ولكل ذي رأي مشورة ،فإن الداهية يرى األمر غري ما تري ويفهم غري ما
فهمت .فإياك أن تستشري من هو أدىن منك عقال فتصيبك من ُحمقه عداوة.
*****
يل كرم
قدم عبيدالله بن عمر بن الخطاب عىل معاوية بالشام أيام حربه مع ع ّ _ ِ
شديدا،وس به أهل الشام .وكان أشد قريش
ُ فس به معاوية رسورا الله وجههُ .
رسورا به عمرو بن العاص.وطمع معاوية يف عبدالله بن عمر أخو عبيدالله .فقال
لعمرو :ما مينع عبدالله أن يكون كعبيدالله أخيه؟ فضحك عمرو بن العاص وقال :
يل بالهرمزان .ورأى عبدالله
شبهت غري شبيه ،إمنا أتاك عبيدالله مخافة أن يقتله ع ّ
أال يكون لك أو عليك .ولو كان معك لنفعك أو عليك لرضك.
78
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
بعدما طُعن عمر بن الخطاب وتويف يف طعنته تلك ،قتل عبيدالله ابنه الهرمزان
.وملا بويع عثامن ريض الله عنه بالخالفة قال لجامعة املهاجرين واألنصار :أشريوا
يل ريض الله عنه :أرى أن تقتله.
عيل يف هذا الذي فتق يف اإلسالم ما فتق؟ فقال ع ّ
يل األمر أن يقتله بالهرمزان ففر إىل معاوية وكان منه ما
وخاف عبيدالله إذا ويل ع ّ
كان مع عمرو .وكان معاوية يستشري عمرو يف طريقة يستميل بها عبدالله بن عمر
ريض الله عنهام .فقطع عليه عمرو كل طريق لهذا.
_ استشارتك للدهاة توضح لك الصورة متاما..فتعيد ترتيب أولوياتك
ومايستحق اهتاممك وما يجب أن ترصف عنه النظر ألنه ال طائل من وراءه.
_ ال تشغل نفسك مبا ال تستطيع أن تناله أبدا ،وارصف نظرك إىل غريه مام يكون
يف صالحك.
_ ملا نزل معاوية يف صفني .انتهى إىل جانب رشيعة من الفرات وليس يف ذلك
يل من ورود املاء .فسار أصحاباملكان رشيعة غريه يف حيزه وحامه ومنع أصحاب ع ّ
يل إليه وأخربوه ،فأرسل إىل معاوية يقول له :أن الذي جاء له غري املاء ولو سبقوه
ع ّ
إليه ما منعوه عنه .فاستشار معاوية من معه وكانوا كرث ،فقال بعضهم :نرى أن
نقتلهم عطشا كام قتلوا عثامن ظلام ،وهنا برز عمرو بن العاص وقال :ال تظن يا
بيده..خل عن القوم فليرشبوا .فقال معاوية:
ّ معاوية أن عليا يظأم وأع ّنة الخيل
هذا والله أول الظفر ،ال سقاين الله من حوض رسول الله صىل الله عليه وسلم إن
رشبوا منه حتى يغلبوين عليه.
79
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال عمرو :هذا والله أول الجور ،اما تعلم أن فيهم العبد واألجري والضعيف ومن
ال ذنب له؟ لقد شجعت الجبان وحملت من اليريد قتالك عىل قتالك .ومل يستمع
معاوية ملشورة عمرو .ودارت مناوشة بني الفريقني غلب عىل إثرها أصحاب عيل
كرم الله وجهه عىل املاء ،فشمت عمرو بن العاص مبعاوية وقال له :ما ظنك إن
يل املاء اليوم كام منعته أمس؟ أتراك ضاربهم كام رضبوك؟ فقال معاوية:منعك ع ّ
دع عنك ما مىض فإن عليا ال يستحل منك ما استحللت منه،وإن الذي جاء له غري
املاء .فقال عمرو شامتا يف معاوية.
_ العربة-:
رأى عمرو أن رأيه لرجاحته فمشورته تكون مبثابة األمر ملعاوية ولكن معاوية مل
يل كرم الله وجهه عىل املاء ،وحز يف نفس عمرويستمع لرأيه حتى غلبه أصحاب ع ّ
بن العاص أال يستمع معاوية ملشورته فشمت مبعاوية.
_ ال تسترش الجمع من الناس،بل انظر إىل األريب منهم والعاقل الذيك وأرشكه يف
أمرك دون األحمق الذي ال يزن األمور مبيزانها،وإمنا يطلقها لسانه فلته ال يدري ما
ورائها حتى ال يشمت فيك شامت.
*****
80
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ خطب سلامن الفاريس إىل عمر بن الخطاب،فأجمع عىل تزويجه ،فشق ذلك
عىل عبدالله بن عمر وشكا إىل عمرو بن العاص ما يجد .فقال عمرو لعبدالله:
يل أن أرده راضيا ،وأىت سلامن الفاريس وجلس بني يديه ،ثم قال له :هنيئا لك يا
ع ّ
ابا عبدالله..هذا أمري املؤمنني يتواضع بتزويجك .فقال سلامن مغضبا :أيب يتواضع؟
والله ال تزوجتها أبدا.
_ العربة-:
_ استرش من يتقن إقناع االخرين مبا يريد.
سلامن الفاريس موىل من مواىل العرب ،يريد مصاهرة بني عدي وهي إحدى أكرب
قبائل العرب .ويقبل األب ويرفض االبن ويوشك ان يحدث الصدام بينهام .فيستشري
اإلبن الداهية االريب عمرو بن العاص يف هذه املسألة الدقيقة بني األب وابنه يف
تزويج رجل ال تحسن اإلساءة إليه بعد وعده ،وال بد للحكم فيها من رفق ولني
حتى يرىض االب واالبن والخطيب وما منهم من يسخط عىل زميله .فكان من عمرو
بن العاص ما كان..فيتلطف يف حسم الشقاق ويتغلب عىل حرج النفوس يف هذه
املسألة الدقيقة ،فيقنع سلامن الفاريس عن طريق التهوين منه ليصل إىل مراده.
_ احتفظ دامئا بكتيبة من املبدعني وإن اختلفوا معك .فحتام سيأيت يوم تستشريهم
فيه فيام يصعب عليك من أمور.
_ أصعب خطوه يف إقناع شخص .هي ان تعرف ما يدور يف قلبه لتنتقي الكلامت
التى تناسبه ،لهذا يتوجب عليك لتكون مقنعا أن تعرف ما يسعد خصمك وما
ينفره ،ما يتمناه وما يقلقه .حتى تتمكن من الوصول إيل قلبه.
81
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ استرش من تحتاج إىل وساطته-:
خطب عمر بن الخطاب ريض الله عنه أم كلثوم بنت أيب بكر إىل أختها أم املؤمنني
عائشة ريض الله عنها .فقالت له :االمر إليك .ثم سألت أختها ام كلثوم فرفضت
وهي تقول :ال حاجة يب إليه ،فزجرتها السيدة عائشة ريض الله عنها قائلة لها:
أترغبني عن أمري املؤمنني؟ فقالت أم كلثوم :نعم ،إنه لخشن العيش ،شديد عىل
النساء.فلجأت السيدة عائشة إىل عمرو بن العاص ليحتال يف األمر برفقة ودهاء.
فذهب إىل عمر بن الخطاب وقال :بلغني خرب أعيذك بالله منه .قال عمر وماهو:
قال عمرو :خطبت أم كلثوم بنت أيب بكر؟ قال نعم ،أفرغبت يب عنها أم رغبت بها
عني؟ فقال عمرو وال واحدة من ذلك يا أمري املؤمنني ،ولكنها حدثة صغرية ،نشأت
تحت كنف أبيها أمري املؤمنني أبو بكر ريض الله عنه يف لني ورفق ،وفيك غلظة،
ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن ُخلق من أخالقك ،فكيف بها إن خالفتك يف
يشء فسطوت بها؟ كنت قد خلفت أبا بكر يف ولده بغري ما يحق عليك.وفطن عمر
إىل هذه الوساطة وفهم أن عمرو بن العاص ال يقدم عليها من عند نفسه ،فسأله
وكأنه يستطلع ما وراءه :كيف بعائشة وقد كلمتُها؟ قال عمرو :أنا لك بها ،وأدلك
يل بن أيب طالب ،تعلق منها بنسب رسول الله صىل عىل خري منها ،أم كلثوم بنت ع ّ
الله عليه وسلم ،ليكون يف األخري ما أرادت عائشة ريض الله عنها وما استشارت
ألجله عمرو بن العاص فتوسط بينهام.
_ العربة-:
82
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
سياسة اإلرضاء والتناول الرفيق لكل شائك محرج من العالقات التى يصعب الحكم
فيها بغري هوادة وحنكة .سياسة أتقنها عمرو بن العاص .فال أعدمه الله من مستشار
وملجأ لكل ذي حاجة صعبت عليه حاجته.
_ عليك أن تنتبه دامئا ملن حولك وتكتشف طبائعهم ،وتصيغ كلامتك بالطريقة
_ عليك التى تجذبهم وتفتنهم .وكل ذلك يتطلب منك الجهد واملهارة.
أن تُظهر بعض اللفتات الرمزية حتى تكسب ود الناس وتعلقهم بك ،فتكون لك
الوساطة مستحقة عندهم يقدرونها بقدرها ،ألجل ذلك عليك أن تقوم بعمل
يوحي باهتاممك بهم وتضحيتك بذاتك من أجلهم .كأن تُظهر لهم أنك تشعر بأملهم
ومعاناتهم وتشاركهم فيها .فإن ذلك يجعلك قدوه ومثاال يف أعينهم حتى وإن كانت
تضحياتك رمزية وبسيطة وتضحياتهم هم حقيقة وكبرية.
_ اظهر الود واالهتامم باالخرين حتى تلني لك قلوبهم ،ويسهل عليك القيام
باألعامل الصعبة التى ستطلبها منهم الحقا.
_ مل يظهر لعمرو بن العاص شأن ذو بال يف الرتشيح للخالفة بعد الفاروق ريض الله
عنه .بل ُع ّد دخوله يف هذا األمر من باب الفضول والتظاهر مبا ليس من قدره ،فلام
اجتمع رهط الشورى يف بيت عائشة ريض الله عنها النتخاب الخليفة أقبل عمرو
بن العاص واملغرية بن شعبة فجلسا بالباب ،فحصبهام سعد بن أيب وقاص وأقامهام
من مكانهام وهو يهزأ بهام قائال :تريدان أن تقوال حرضنا وكنا يف الشورى؟
83
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فام زالت األيام تدور دائرتها حتى أصبح هذا املحصوب الذي استُكرث عليه الجلوس
بباب اهل الشورى ،فإذا هو قبلة القصاد يف مشكلة الخالفة ،وكل من عداه الئذون
باألبواب ،يطلبون مشورته يف كل أمورهم.
_ العربة-:
ليك تحافظ عىل مكانتك بني الناس عليك ان تجعلهم محتاجني إليك ،معتمدين
عليك يف تحقيق مصالحهم ،لكن ال تعلّمهم أبدا ما ميكّنهم من االستغناء عنك.
_ الرضورة تحكم العامل ،فالناس ال يعملون مامل يحركهم دافع ،وإن مل تجعل لوجودك
رضورة فستجد نفسك مطرودا يف اول فرصة ،وعىل العكس من ذلك ،إن كنت تفهم
القواعد املطلقة للقوة وجعلت االخرين يعتمدون عليك لتحقيق مصالحهم ،وإن
كنت تعوض ضعفهم بقدرتك عىل الترصف فسوف تنجو من غدر أوليائك ،وسوف
تجني مثار السطوة دون أن تؤملك أشواكها.
_ يف سعيك للقوة والسطوة ستجد نفسك تطلب العون ممن هم أعىل منك سلطة
ومقدرة ،وكذلك من هم أقل منك ،وهناك فن لطلب العون يعتمد باألساس عىل
فهمك لطبيعة الشخص الذي تتعامل معه ،وأن التخلط بني ما تريده أنت وما
يريده هو.
*****
_ ملا بعث معاوية إىل عمرو بن العاص ليلحق به يف حربه ضد عيل كرم الله وجهه.
84
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
جمع ولديه عبدالله ومحمد يستشريهام وقال لهام .إين رأيت العرب صاروا عنزين
يضطربان وأنا طارح نفيس بني جزاري مكة ولست ارىض بهذه املنزلة ،فإىل أي
الفريقني أع ِمد؟ فقال عبدالله وهو من أهل التقوى ،إن النبي صىل الله عليه وسلم
قد تويف والشيخان بعده وهم عنك راضون ،فأرى أن تكف يدك وتجلس يف بيتك
يل .فقال عمرو :إن أتيت عليا حتى يجتمع الناس ،وإن كنت البد فاعال فالحق بع ّ
يقول يل أمنا أنت رجل من املسلمني وإن اتيت معاوية يرشكنى يف امره ويخلطني
بنفسه .فقال له ابنه محمد :أنت ناب من انياب العرب فكيف يجتمع هذا األمر
وليس لك فيه صوت؟الحق مبعاوية .فقال لهام عمرو :أما أنت يا عبدالله فقد
اخرتت الخريت ،وأما أنت يا محمد فقد اخرتت لدنياي .وأنا ناظر فيه ،فلام ج ّنه
الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه وهو يقول:
وخوف التى تجلو وجوه العوائق تطاول لييل للهموم الطوارق
وتلك التى فيها بنات البوائق إن ابن هند سائيل أن أزوره
أم ّرت عليه العيش ذات مضائق يل بخطة أتاه جرير ِمن ع ّ
وإن مل ينله ذَل ذُل املطابق فإن نال مني ما يؤمل ر ّده
أكون ومهام قادين فهو سائقي فوالله ما أدري وما كنت هكذا
أم أعطيه من نفيس نصيحة وامق أُخادعه إن الخداع دنية
لشيخ يخاف املوت يف كل شارق أم اقعد يف بيتي ويف ذاك راحة
النفس إن مل تقتطعني عوائقي وقد قال عبدالله قوال تعلقت به
وملا أصبح الصباح تردد عمرو قليال بني شد الرحال وحط الرحال ،فقال له غالمه
وردان وهو من املوصوفني بالدهاء معه .أما إنك إن شئت بدأتك مبا يف نفسك،
اعرتضت الدنيا واالخرة يف قلبك ،فقلت مع عيل االخرة بال دنيا ،ومع معاوية الدنيا
بال اخرة فأنت واقف بينهام .فقال عمرو :ما أخطأت يا وردان ما يف نفيس ،فامذا
ترى؟ فقال وردان :ارى أن تقيم يف منزلك فإن ظهر أهل الدين عشت يف دينهم،
وإن ظهر أهل الدنيا مل يستغنوا عنك .فقال عمرو :االن حني شهرتني العرب مبسريي
إىل معاوية؟ فارتحل عمرو إىل معاوية وهو يقول:
بحرص نفيس ويف اإلطباع إدهان نفس تعف ملا تعرضت الدنياعرضت لها
واملرء ياكل تبنا وهو غرثان(جائع) وأخرى الحرص يغلبها
وذاك له دنيا وسلطان يل فدين ليس يرشكه دنيا
أما ع ّ
وما معي بالذي أختار برهان فاخرتت من طمعي دنيا عىل برص
وليس يرىض بذُل العيش إنسان لكن نفيس تحب العيش يف رشف
واملرء يعطس والوسنان وسنان عمرو لعمرو أبيه غري مشتبه
86
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
حتى عمرو بن العاص الداهية الذي اليعادله أحد يف دهائه استشار ابنيه وكان
يعلم مبا يشريان عليه به ،ولكنه االطمئنان الذي يعقب املشورة ،حتى إنه استشار
غالمه وردان لفطنته .وملا استعار كل هذه العقول كانت له يف النهاية الحظوة
واملكانة ،وحقق ما متناه وأخذ من معاوية ما طلبه منه.
*****
_ اخلالصة-:
_ املستشارين كالحلفاء ،وافضل الحلفاء هم اولئك الذين يعطونك شيئا ال تستطيع
الحصول عليه وحدك ،فعليك أن تبحث عن هؤالء ،وليكن لديك ما تقدمه لهم يف
املقابل منشئا معهم صلة قامئة عىل املصلحة الذاتية وحتى لتضمن والئهم دامئا.
_ تذكر دائما-:
بحزم ناصح أو نصيحة حازم _ إذا بلغ الرأي املشورة فاستعن
(بشار بن برد)
(املتنبي) _ الرأي قبل شجاعة الشجعان
*من ال تستشريه-:
_ مشورتك لغريك تحقق لك النجاح يف العمل والوصول إىل الرأي االصوب ،وعدم
تكرار تجارب االخرين واالكتفاء بأرائهم فمعاوية عىل دهائه كان يستشري ،وعمرو
رغم حنكته كان يستشري وكذلك الدهاة.
_ تذكر دامئا قول الله تعاىل( وشاورهم يف األمر) صدق الله العظيم.
*****
88
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
89
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ البخالء والجشعني يبتعد عنهم الجميع .فال تكن منهم وتجنب استغاللهم لك.
أو أن تستغل جشعهم لصالحك ،ويف الغالب األعم فإنهم يقعون فريسة للمحتالني.
_ ال سلطان إال برجال ،وال رجال إال مبال ،وال مال إال بعامرة ،وال عامرة إال بعدل
(عمرو بن العاص)
_ ال تتعامل مطلقا مع من يتعامل مع املال بدناءة وبخل ،ومياطلك يف دفع ما
تستحقه بل عليك أن تؤهل نفسك لخسارة بعض املال بدال من تعريض نفسك
إليذائه وألعابه الدنيئة.
*****
_ املغرية بن شعبة فطن إىل أهمية اإلعطاء واملنح فقال :أنا أول من رشا يف اإلسالم،
جئت يرفأ حاجب عمر بن الخطاب وكنت أجالسه فقلت له :خذ هذه العاممة
فالبسها فإن عندي أختها.
فكان يأنس يب ويأذن يل أن أجلس من داخل الباب ،وكنت آيت فأجلس يف القائلة
فيمر املار فيقول إن للمغرية عند عمر منزلة ،إنه ليدخل عليه يف ساعة ال يدخل
فيها أحد.
_ العربة-:
اعلم أن لكل يشء مثن ،فال متنع احدا من أتباعك شيئا قد أراده وقد ق ّدم إليك
قيمته راضية بها نفسه .فاملال يشرتي الرجال ،وأنت آلغنى لك عن الرجال فلست
بيشء دونهم .فمن أتباعك تستمد قوتك،ويُقدرك الناس حق قدرك.فإنك تأخذ
منهم كل يشء حتى دينهم مقابل أن تعطيهم دنياهم.
90
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
يل :وكم دينك؟
يل سداده .فقال ع ّ_ كان عىل عقيل بن أيب طالب َدينا ،فسأل ع ٌّ
يل :ماهي عندي ،ولكن اصربحتى يخرج عطايئ فإنه قال عقيل :اربعني ألفأٌ..قال ع ّ
أربعةاالف فأدفعه إليك .قال عقيل :بيوت املال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟
يل :أتأمرين أن أدفع إليك أموال املسلمني وقد ائتمنوين عليها؟ قال عقيل: فقال ع ّ
قدم عقيل عىل معاوية أحسن إليه يل .وملا ِ
فإين آت معاوية فائذن يل..فأذن له ع ّ
معاوية وأجزل له العطاء .ثم خطب معاوية يف أهل الشام فقال :ما ظنكم برجل ال
يصلح ألخيه (يقصد عليا كرم الله وجهه)؟ فقال عقيل :إن أخي خري لنفسه ورش يل،
وإن معاوية رش لنفسه وخرييل .أيها الناس إين أخربكم .إين أردت معاوية عىل دينه
فاختار دينه ،وأردت معاوية عيل دينه فاختارين عىل دينه.
_ العربة-:
ترك عقيل أخاه عليا يف حربه من أجل املال ،عىل إبقاء النرصة وال ّرحم له ،ولكنه
أىت من يقيض له حاجته ،فاملال يصنع العجائب ،ولذلك.
كل دهاء يُذكر ملعاوية ،فإمنا يُذكر إىل جانبه رِفد أو عطاء ،أو والية يستفيد منها
من ينرصه وال ينخدع عنها يف مبادلة النفع بينه وبني من ينرصه ،وال جرم كان
العطاء عامد هذا الدهاء ،وكان نقش الخاتم الذي يختم به معاوية ( لكل عمل
ثواب).
_ تعلم توظيف اإلغراءات املادية التي تعمل يف املقام األول عىل حاسة النظر وهي
أكرث حاسة نعتمد عليها يف ثقافاتنا .فقط تذكر أن كل يشء يبدأ بك حني تعطي
ومتنح االخرين ما يطلبونه وهو عندك ذو وفرة ،وهو عليك هني ،أنت تطلبهم وهم
يطلبونك ملا عندك.مثة املصلحة املشرتكة .أعطهم ما يطلبون لتأخذهم جميعا يف
صفك.
91
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ قال معاوية لعمرو ملا قدم عليه وقد اشتدت حوله األزمات ،يا أبا عبدالله
طرقتني يف ليلتي هذه ثالثة أخبار ليس فيها ِورد وال صدر-:
_ قال عمرو :كل هذا عظيم .اما ابن أيب حذيفة فخرج يف أشباهه من الناس فإن
تبعث إليه أحد يقتله ،وإن يُقتل فال يرضك.
وأما قيرص فأهد له من وصائف الروم ومن الذهب والفضة واطلب إليه املوادعة
تجده إليها رسيعا.
قال عمرو :واسواتاه ،إن أحق الناس أال يذكر دم عثامن ألنا وانت،
92
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ قال معاوية :دعني من هذا ،هلم فبايعني .فقال عمرو ،ال والله ..وآل أعطيك من
_ فقال عمرو: ديني حتى آخذ من دنياك .قال معاوية :سل تعطى،
مرص طُعمة .فغضب مروان بن الحكم وقال :ماىل ال أُشرتى؟ فقال معاوية :اسكت
ياابن عم ،فإمنا يشرتي لك الرجال ،فكتب معاوية مرص طعمة لعمرو .
_ العربة-:
_ عليك ان تعلم أن للسخاء وظائف محددة عند الدهاة ،وهي أنه يجذب إليك
الناس ،ويلينهم لك ،ويجعلهم حلفائك ،عليك أن تستخدم اليشء الذي تعطيه
بشكل اسرتاتيجي ،وتنفقه لعرض يف ذهنك .فمعاوية مل يتنازل عن مرص لعمرو
بن العاص إال ليضمن خالفته عىل الناس ،وامتالكه زمام امورهم ،فهو إن ترك مرص
طعمة لعمرو مغلوبا عليه لحاجته له إال إنها بقيت تحت خالفته ،وبقي عمرو
حليفا له.
_ ولذلك ملا علم معاوية أن األمر ال يتم له إن مل يبايعه عمرو وينرصه ،قال لعمرو:
يا عمرو اتبعني .فقال عمرو :وملاذا؟ لالخرة؟ فوالله ما معك اخرة .ام الدنيا؟ فوالله
ال كان حتى أكون رشيكك فيها.
قال معاوية :فأنت رشييك فيها.
93
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وكتب عمرو إىل معاوية يقول:
به دنيا منك فانظرن كيف تصنع معاوية ال أعطيك ديني ومل انل
الخذ ما تعطي ورأيس مقنع وما الدين والدنيا سواء وإنني
اخذت بها شيخا يرض وينفع فإن تعطني مرص فاربح صفقة
_ يف عامل السطوة والوصول عليك ان تحكم عىل أي يشء بثمنه ،ألن لكل يشء
بالفعل مثن.فإذا أردت شيئا فادفع مثنه وامتلكه لألبد ،فمعاوية اشرتى عمرا مبرص،
وإن غال عىل معاوية الثمن إال أن عمرا سيهبه ماهو أغىل وأمثن ،سيهبه الخالفة
يل كرم الله وجهه.
وامتالك زمام األمور عىل حساب من هو األفضل منهم جميع .ع ّ
_ الساعني إىل القوة والسطوة يحكمون عىل األشياء بثمنها ،والثمن ال يعني املال
وحده ولكن أيضا راحة البال والحفاظ عىل الوقار .ابذل املزيد لتحصل عىل هذه
األشياء وال تساوم يف سبيل الحصول عليها.
_ السخاء والعطاء والبذل والكرم .يلني نفوس الناس ويجعلهم منقادين إليك وحني
يشتهر عنك الكرم والعطاء ستنال إعجاب االخرين .فإنفاقك للامل بذكاء يجذب
إليك الرجال ويجعلهم حلفاء لك.
_ تعلم أن تقبض الثمن املناسب جراء خدماتك ،فال يشء يف هذه الدنيا مجاين مائة
يف املائة ،ومن له عندك منفعة فليقدرها بقدرها ،فإن منفعته تساوي لديه الكثري
وتساوي لدى غريه األكرث .فمن ارادك لقضاء مصلحته فليدفع ألجل مصلحته ما
تريد.
94
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ إذا أردت أن تتحكم بأعامل املبدعني الذين يعملون ألجلك فعليك عىل األقل أن
تدفع لهم بسخاء ،ألن العطاء وليس يشء غريه هو ما يضمن لك طاعتهم ووالئهم.
_ اشتُهر عن عمرو بن العاص ريض الله عنه ُحب املال حتى عرضه ذلك لظنون
الخلفاء واحدا بعد واحد .فقاسمه عمر بن الخطاب ريض الله عنه ماله ،وعزله
عثامن ريض الله عنه من والية مرص وهو يحسب أنه قد استأثر بخراجها دون بيت
املال ،حتى أن بعض من أحصوا ثروته يوم وفاته بالغوا وقالوا أنه خلّف سبعني
بهارا(جلد ثور) دنانري.
_ العربة-:
كل الدهاة يعرفون أن الطريق األقرب للوصول إىل مبتغاهم هو بذل العطاء.
اإلغداق عىل االخرين يفتح لك قلوبهم إىل أن متتلئ جيوبهم ،فإنك بذلك يدعوا
اهدافك ألن يتبعوا قيادتك وينساقوا لك .ال تحدثهم عن العمل وال الواجب وال
املستقبل فالكثري من الناس سوف يقومون بهذا ،بدال من ذلك ق ِّدم لهم اإلثارة
النادرة املتأنية من فقدان املرء لنفسه ،حيث تندفع الحواس وترتك العقل وراءها.
ُجل هذه اإلثارة يكمن فيام تُغدقه عىل االخرين من النعم.
_ حركة املال وليس تراكمه هي التي تأيت لك بالسطوة والقوة ،وأهم ما يشرتيه
املال ليس األشياء الجامدة وإمنا السطوة عىل االخرين ،فحني متنح شخصا أي يشء
ولو هدية فإنها ت ُشعر متلقيها بنوع من اإلحراج وااللتزام نحو واهبها ،فحني تقدم
له الهدية يصبح من الصعب عليه أن يرفض لك طلب.
95
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ أشار عمرو بن العاص عىل معاوية بقتال قيس بن سعد يف جيشه الذي كان معه
ىل كرم الله وجهه بعد نزول ابنه الحسن عن الخالفة ،وكان قيس من بقايا حزب ع ّ
صعب املراس ،مقداما عىل الخطر ،ال يُؤ َمن قتاله .والدولة يف أوائلها بني الشك
واليقني ،فأعرض معاوية عن مشورته تلك وبذل العطاء واألمان لقيس ومن معه،
وأرضاهم باملصانعة والعطاء ومازال يعطيه ويصلهم حتى يأمن رشهم.
_ العربة-:
_ املال يتحكم يف العالقات ،وذلك اليعتمد عىل قدر املال الذي متلكه ،بل عىل
الطريقة التي تستخدمه بها.فالدهاة ينفقون بحرية ،ويشرتون النفوذ أكرث من
رشائهم األشياء وإن تقبلت موضع اليد السفىل بحجة أنك المتلك ما يكفي من املال
ستظل دامئا يف هذا املوضع .ترصف كالسادة وتعلم أن تنفق بسخاء وأن تفتح بابك
للضيوف وأن تبتعد عن تكنيز املال .اصنع لنفسك واجهة السطوة من خالل السحر
الذي يحول املال إىل نفوذ ،واجعل املرتفني يشعرون أنك ن ّد لهم.
*****
_ كان معاوية ريض الله عنه بارعا يف استخدام العطاء فكان يصل ويعطي حتى من
يل كرم الله وجهه يف يوم من األيام ليستميلهم إليه ،فكأنه بعطائهحاربوه مع ع ّ
ذلك كان يشرتي القبول اإلجتامعي باملال .وليك يؤمن ثروته من املال كان عليه أن
يهدره وذلك هو السخاء اإلسرتاتيجي ،وهو القدرة عىل التعامل مبرونة مع الرثوة
وج ْعلها مفيدة ليس يف رشاء األشياء واملقتنيات بل يف كسب قلوب الناس.
96
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ الدهاء الحقيقي أن تستخدم املال لتليني اإلرادة .فمعاوية كان يعطي أعدائه،
يُظهرون له العداء ويُظهر هو لهم العطاء ،فيتحول من كان يُضمر له أشد العداوة
وكأنه و ّيل حميم .وكان اليعطي الرجل العنيد ماال بل يصله أوال بحلمه .ألن العناد
مينع من الود.فكان يُذيب عناد الرجال بحلمه ثم يستخدم ماله ليصبحوا أكرث لينا
وقابلية،ثم ال يزال يغدق عليهم العطايا والهدايا.
_ تذكر دائما-:
_ األحمق هو من يبخل حني يكون عظيام،واليشء يدمر سلطة أصحاب املناصب
تول.ألنه لن يجد احدا يحبه أو
أكرث من البخل .فالبخيل ال زرعا حصد وال برشا ّ
يسانده ،فليك تكسب ود الناس عليك أن تقاوم حبك للامل وأن تقدم لهم الهدايا
والعطايا ،ألنه كام يجذب املغناطيس قطع الحديد ،تجذب الهدايا قلوب الناس.
(جيلوم دي لوري)
_ اخلالصة-:
_ اإللهاء هو جوهر الخداع واملكيدة.ألنه يشتت أذهان الناس ويوفر لك الوقت
والحيز لفعل يشء دون أن يالحظوا.والترصف بعطف أو صدق أو سخاء من أقوى
أنواع اإللهاء ألنه يقيض عىل ارتياب االخرين فيك ويجعلهم كاألطفال يفرحون بأي
يشء يُقدم لهم.
_ عطاؤك للشخص ال يجعله يالحظ ما تأخذه منه وهذه القاعدة لها استخدامات
عملية ال تُحىص ،فالعطاء يفتح لك األبواب املغلقة.
97
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_تعلم أن تعطي قبل أن تاخذ فذلك يلطف األجواء ويصنع لك هالة من الحضور
ويشتت عنك األذهان.
_ للعطاء أشكال كثرية كالهدية أو الترصف بسخاء أو تقديم معروف أو التعبري عن
إعجاب صادق أو أي يشء أخر قد يقتضيه املوقف.
_ من النادر أن يرفض الناس الهدايا ولو كانت من ألد األعداء ،وذلك هو ما يجعلها
يف أغلب األحيان طريقة متقنة لنزع سالح االخرين ،فالهدية هي السالح األمثل
للخداع واملكيدة.
_ إن كان معروفا عنك املكر والخداع فلن ينخدع أحد مبا قد تُظهره من صدق
أو عطف أو سخاء ،بل يجعل الناس يحذرونك ويرتابون منك أكرث .يف هذه الحالة
عليك أن تلعب دور الفاسد الرصيح .اليشء مقابل اليشء.
_ كن سخيا وانفق من مالك بحرية ألن السخاء هو رس القوة وقلبها النابض.
_ تذكر دامئا القاعدة الفقهية التي تقول ( الغنم بالغرم) .اغرم املزيد من املال
لتجنى املزيد منه.
*****
98
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ُ ّ
التقلل من شأن أحد
_ ال تُقلّل ابدا من شأن أحد ،وال تظن يف الشخص الذي يتعامل معك أنه أقل قيمة
أو أهمية منك وإن كان كذلك بالفعل فال تُظهر له ذلك.
_ بعض األشخاص يتحلّون بالهدوء ويُبطئون يف إظهار ما بداخلهم ،فإياك أن تغرت
بنفسك وتترسع بالحكم عليهم أو تتجرأ عىل إهانتهم فقد تجد نفسك وقعت يف
حرب رضوس ،وقد تخرس أحد أهم معاونيك ،وتزيد أعدائك واحدا.
_ ارفض بأدب وتكلم باحرتام وال تُصد أحدا بصلف أو إهانة فقد تجد نفسك أمام
أدهى الدهاة أو أشجع الشجعان وأنت التعرف.
_ ال تثق أبدا يف املظاهر ،عليك أن تُعلم نفسك رؤية التناقضات يف املظاهر
الخارجية ،وأن تستقرئ ما يكمن تحت السطح ،وال تثق أبدا يف بالصورة التي
مينحها الناس ألنفسهم فهي مضللة متاما.
_ تذكر دائما-:
الطيور تأكل النمل ،وعندما متوت الطيور فإن النمل يأكلها .الظروف قد تتغري فال
( حكمة) تقلل من شأن أحد.
_ ال تقلل من شأن االخرين ،وأيضا ال تقلل من شأن نفسك ،فالتقليل من شأن
نفسك ليس عالمة عىل التواضع بل هو وسيلة لتدمري الذات ،التواضع هو أن تعتز
وتثق بنفسك ولكن دون تفاخر أو غرور أو انتقاص من نفسك أو من االخرين.
(حكمة)
99
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ إذا اعتربت نفسك أقل من االخرين فإن االخرين سيعتربونك أقل منهم .التقلل
ابدا من ذاتك وال تقارنها باالخرين فكل البرش مختلفون ولكل شخص ما مييزه.
تجاهل هذه النظرة وامض يف طريقك فأنت من يصنع نفسك ويُعيل قدرها ،ومن
(حكمة) ينظر للناس بدونية فهو إنسان يحتاج ملراجعة نفسه وتصحيحها.
_ جلس عمرو بن العاص واملغرية بن شعبة ذات يوم وهام من أدهاة الدهاة .فقال
املغرية لعمرو :أنت تفعل أو توهم عمر بن الخطاب شيئا فيلقنه عنك( يأخذ به
فورا دون تفكري) .فقال عمرو :والله مارأيت عمر مستخليا بأحد إال رحمته كائنا
من كان ذلك الرجل ،كان عمر والله أعقل من أن يُخدع ،وأفضل من أن يَخدع.
_ العربة -:داهيتان يتحدثان فيام بينهام فيقران بأن دهاؤهام ال يَشكل خطرا عىل
من هو أقوي وأذىك وأحوط منهام مبا يفرتقان .وكيف ال وهو القائل ( لست ِ
بالخب
الخب يخدعني) .فدهائك كفيل بجعلك أن تعرف كل أحد دون انتقاص منه أو وال ِ
انتقاص منك .فكن هذا الشخص الذي يوزن األمور مبيزانها ،ويُقدر الناس بقدرها.
_ ملا مرض معاوية مرض املوت أوىص ابنه يزيد وصية تدل عىل سداد رأيه ،وخربته
يل،
باألمور ،ومعرفته بالرجال .فقال له :لست أخاف عليك إال ثالثة .الحسني بن ع ّ
وعبدالله بن الزبري ،وعبدالله بن عمر.
فأما الحسني فأرجوا أن يكفيكه الله .فإنه قُتل أباه ،و ُخذل أخاه.
وأما عبدالله بن الزبري فإنه ِخب ضب( أي داهية) فإن ظفرت به فقطعه إربا إربا.
100
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فخل بينه وبني اخرته
وأما عبدالله بن عمر فإنه رجل قد وقذه الورع( متكن منه) ّ
خل بينك وبني دنياك.
يُ ّ
_ العربة-:
القدرة عىل قراءة الناس ومعرفة من تتعامل معهم من أهم املهارات الالزمة
الكتساب قوتك وسطوتك ،وبدون ذلك تتخبط وترتنح.
_ قبل أن تبدأ يف التحرك حدد بدقة طبيعة خصومك أو ضحاياك ،فبدون ذلك
تُضيع وقتك هباءا وترتكب األخطاء.
*****
قدم عبدالله بن ايب محجن الثقفي عىل معاوية بن ايب سفيان أيام حربه مع عيل ِ
كرم الله وجهه.فقال يا أمري املؤمنني جئتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أيب
طالب .فقاطعه معاوية قائال..لله أنت..أتدري ما قلت؟ أما قولك الغبي ،فوالله
لو أن ألسن الناس ُجمعت فكانت لسانا واحدا لكفاها لسان عيل .وأما قولك إنه
جبان فثكلتك أمك ،هل رأيت أحدا قط بارزه إال قتله؟ وأما قولك البخيل،
101
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فوالله لو كان له بيتان أحدهام من ترب (ذهب) واالخر من تنب ألنفد تربه قبل تبنه.
فقال الثقفي :فعالم تقاتله إذا؟ قال معاوية :عىل دم عثامن ،وعىل هذا الخاتم
الذي من جعله يف يده جادت طينته ،وأطعم عياله ،وادخر ألهله .فضحك الثقفي
يدي ب ُجرمي ،ال دنيا
ثم لحق بعيل كرم الله وجهه وقال :يا أمري املؤمنني :هب يل ّ
يل وقال :أنت منها عىل رأس أمرك وإمنا يأخذ الله العباد
أصبت وال اخرة .فضحك ع ّ
بأحد األمرين.
_ العربة-:
_ معاوية عىل كل ماكان بينه وبني عيل بن أيب طالب مل يبغضه حقه ،بل ع ّدد
صفاته الحسنة ملن قال له غري ذلك عن عيل.
_ احرتام الذات واالخرين هو أحد األشياء التي تجعل الناجحني يربزون ،فاملعرفة
قد تعطيك القوة ،ولكن االحرتام مينحك السمعة الحسنة .فمعاوية يف أشد األوقات
يل ال يستطيع إال أن يبدي احرتامه له ،ويعرتف بفضائله ومزاياهخصومة مع ع ّ
وحتى إن كان يحاربه.
_ ال تنتقص مكرمة ألهلها ومارس اإلمتنان ،فاإلمتنان لديه القدرة عىل تغيري تفكريك
فهو يُذكرك بتقدير األشياء ،ويساعدك عىل معرفة ما تحتاجه حقا ،فالنجاح يُصادف
أولئك الذين ميتنون لالخرين بفضائلهم ،وميتنون ألنفسهم مبا حققوه من إنجازات.
_ ِ
قدم جارية بن قدامة السعدي عىل معاوية ذات مرة بعد أن متت له الخالفة.
102
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال معاوية :من أنت؟ قال معاوية :جارية بن قدامة ،قال معاوية :وما عسيت أن
تكون؟ هل أنت إال نحلة؟ قال جارية :ال..وإمنا شبهتني بها حامية اللسعة ،حلوة
البصاق .ووالله ما معاوية إال كلبة تعاوي الكالب( تعوي مثل الكالب) ،وما أمية
إال تصغري أَمة.
فبادره معاوية قائال :أنت الساعي مع عيل بن أيب طالب ،واملوقد النار يف شُ َعل(جمع
شعلة) ،تجوس قرى عربية لتسفك دمائهم .فقال جارية :يا معاوية دع عنك هذا،
فام أبغضنا عليا منذ أحببناه ،وال غششناه منذ صحبناه .قال معاوية :ويحكيا جارية،
ما كان أهونك عىل أهلك غذ سموك جارية ال أم لك .قال جارية :أم ماولدتني..إن
قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفني يف أيدينا .إنك مل متلكنا قرسة ،ومل تفتتحنا
عنوة ،ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق ،فإن وفيت لنا وفينا لك ،وإن ترغب يف غري
ذلك فقد تركنا وراءنا رجاال مدادا(جمع مديد وهو الطويل) ،وأذرعا شدادا ،وأسنة
حدادا .فإن بسطت فرتا من غدر دلِفنا (قدمنا) إليك بباع من خرت( غدر).
_ العربة-:
_ عليك أن تبحث عن كل عالقة تقوم عىل الثقة واالحرتام ،ألن جميع العالقات
هي أساس كل يشء جيد يف الحياة ،فالناس الذين يقحمون السلبية وإصدار األحكام
يف حياتك يجعلون من الصعب عليك أن تنال ما تطمح إليه.
_ احرتم الجميع حتى عدوك ،أظهر له االحرتام وأنت تدبر له املكائد ،فاحرتامك
لغريك من احرتامك لنفسك.
103
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ال تستدعي اإلساءة لنفسك ،فلن تستطيع أن تسوم الناس الصرب عىل ما يكرهون،
وترقب منهم أن يردوا الكالم مبثله يف كل مقام ،فمعاوية ملا خاطب جارية بن
قدامة السعدي وهو الذي نستطيع أن نصفه يف عرصنا هذا بأنه من آكيل النار..
سمع منه ما سمع،وإن مل يغب عن ذهنه أن جارية أهل لذلك ،فجاوبه الجواب
الرسيع املتوقع ممن يحسن رد الكالم مبثله يف هذا املقام.
_ دخل خريم بن فاتك يوما عىل معاوية بن أيب سفيان مشمرا مئزره .فقال له
معاوية :لو كانت هاتان الساقان إلمرأة؟فأجابه خريم قائال :يف مثل عجيزتك
(مؤخرتك) يا أمري املؤمنني .وكان معاوية عظيم اإلليتني يُهجى بهام فيقال فيه :إنه
الجاحظ العني العظيم الحاوية.
_ العربة-:
ثق دامئا أن من تستهزئ به سيهتزأ بك ،ومن تسخر منه سيسخر منك وإن كان
ضعيفا متبلدا ،فأغىل ما ميلكه اإلنسان كرامته فال تنازعه إياها .وافهم ذلك جيدا،
وال يغرنك منه ضعفه وبساطته .فإنك إن مل تفرق بني الليث والحمل فسوف تدفع
الثمن ال محالة .فكل من تراه أمامك َحمال وديعا يصبح أسدا ضاريا إذا تعلق األمر
باملساس بكرامته.
*****
104
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ كان ذوو الجرأة من املعارضني لعثامن يلقون باللوم كلام أخذهم به أحد ألنهم
مل ينرصوا عثامن ،وكان من هؤالء أبو الطفيل عامر بن وائلة الصحايب املعروف .قال
له معاوية :ألست من قتلة عثامن؟
فقال أبو الطفيل :وما منعك يا أمري املؤمنني من نرصه ومعك أهل الشام؟
_ العربة-:
ال ت ُلق باللوم أمام الناس إال عىل من يتقبله ،أما من اليتقبل اللوم فيكون العتاب
أجدى وأنفع وإن كان يف ظاهره لومُ .ج ّل األمر أن تعرف مع من تتعامل .
105
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ال تُقلل ابدا من الشخص الجرئ الذي يصيح دامئا يف وجه خصومه ،فإنه إن أحس
أحدا يهاجمه يلتهب إحساسه بالتجريح .ويبدأ يف مهاجمتك فورا برضبات خفية
تقوى تدريجيا قبل أن تالحظها ،ويظل يستنزفك إىل أن يقيض عليك.
*****
_ جلس معاوية ذات يوم بني أصحابه إذ اقبلت قافلتان من الربية .فقال معاوية
لبعض من كان بني يديه :انظروا هؤالء القوم وائتوين بأخبارهم ،فمضوا وعادوا
وقالوا يا أمري املؤمنني..إحداهام من قريش واالخرى من اليمن .فقال :ارجعوا
إليهم وادعوا قريشا يأتونا ،وأما أهل اليمن فينزلون يف أماكنهم إىل أن نأذن لهم
يف الدخول.
فلام دخلت قريشا سلم عليهم وقربهم وقال لهم :أتدرون يا أهل قريش مل أ ّخرت
أهل اليمن وقربتكم؟ قالوا ال والله يا أمري املؤمنني،
قال معاوية :ألنهم مل يزالوا يتطاولون علينا بالفخار ويقولون ما ليس فيهم ،وإين
اريد إذا دخلوا غدا وأخذوا أماكنهم من الجلوس ان القوم فيهم نذيرا وا ُلقي عليهم
قل به إكرامهم،وأُر ّخص به مقامهم ،فإذا دخلوا وأخذوا أماكنهم منمن املسائل ما أُ ّ
الجلوس وسألوا عن يشء فال يجيبهم أحد غريي .وكان امل ُقدم عىل أهل اليمن رجال
يقال له الطرماح بن الحكم الباهيل وهو رئيسهم وقد علم ما يكون من معاوية يف
الغد .فقال لقومه :أتدرون يا أهل اليمن مل أخركم ابن هند وق ّدم قريشا؟ قالوا ال.
قال الطرماح :ألنه يف غداة الغد يقوم فيكم نذيرا ويلقي عليكم من املسائل ما يقل
به إكرامكم ،ويرخص به مقامكم ،فإذا دخلتم عليه من الغد وأخذتم أماكنكم من
الجلوس وسألكم عن يشء فال يجيبه أحد غريي.
106
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فلام كان من الغد دخلوا عىل معاوية وأخذوا أماكنهم فنهض معاوية قامئا عىل
قدميه وقال :أيها الناس من تكلم قبل العرب وعىل من أنزلت العربية؟ فقام
الطرماح وقال :نحن يا معاوية –ومل يقل يا أمري املؤمنني -فقال معاوية :وملاذا؟
فقال الطرماح:ألنه ملا نزلت العرب ببابل وكانت العربانية لسان الناس كافة أرسل
الله تعاىل العربية عىل لسان يعرب بن قحطان الباهيل وهو جدنا ،فقرأ العربية
وتداولها قومه من بعده إىل يومنا هذا ،فنحن يا معاوية عرب بالجنس وأنتم عرب
بالتعليم.
فسكت معاوية زمانا ثم رفع رأسه وقال :ايها الناس من أقوى العرب غيامنا ومن
شهد له بذلك؟
فسكت معاوية زمانا ثم رفع رأسه قائال :أيها الناس من أفصح العرب لسانا ومن
شهد له بذلك؟
107
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
قال الطرماح :ألن امرؤ القيس بن حجر الكندي قال يف بعض قصائده-:
يف السنني املمحالت يطعمون الناس غبا
وقدور راسيات يف جفان كالخوايب
وقد تكلم بألفاظ جاء مثلها يف القرأن الكريم ،وشهد له رسول الله صىل الله عليه
وسلم بذلك.
فسكت معاوية زمانا ثم رفع رأسه وقال :أيها الناس من أقوى العرب شجاعة وذكرا؟
ومن شهد له بذلك؟
فقال الطرماح :نحن يا معاوية .قال معاوية :ومل ذلك؟
قال الطرماح :ألن منا عمرو بن معد يكرب الزبيدي ،كان فارسا يف الجاهلية ،وفارسا
يف اإلسالم ،وشهد له النبي صىل الله عليه وسلم بذلك.
قال معاوية بيشء من الغضب :وأين انت وقد أىت به مصفدا بالحديد؟ قال الطرماح:
يل بن ايب طالب.
ومن أىت به؟ قال معاوية :ع ّ
يل لسلمت له الخالفة ،وال طمعت فيها ابدا.
قال الطرماح :والله لو عرفت مقدار ع ّ
فقال معاوية :أتحجني يا عجوز اليمن؟
قال الطرماح :نعم..أحجك يا عجوز مرض ،ألن عجوز اليمن بلقيس آمنت بالله
وتزوجت بنبيه سليامن بن داوود عليهام السالم ،وعجوز مرض قال الله يف حقها(
وامرأته حاملة الحطب يف جيدها حبل من مسد).
108
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فسكت معاوية ثم رفع رأسه قائال :جزاك الله خريا من صاحب ،ووفر عقلك ،ورحم
سلفك .وأعطاه وأحسن إليه.
_ العربة -:أراد معاوية أن يثني أهل اليمن عن فخارهم بأنفسهم ،وظنه بهم أنهم
يقولون عن أنفسهم ما ليس فيهم ،فنازع كربيائهم .فام زادهم ذلك إال عزا وفخارا
عىل عزهم وفخارهم.
_ لتكن واثقا من أنه ال يوجد أحد أقل قيمة أو أهمية من أن تحتاج إليه يوما
ملهارته وخربته ،والتي لن يعطيها إليك إن كنت تحتقره وتزدريه ،فالناس غالبا ما
ينسون ما ارت ُكب يف حقهم من أخطاء ،لكن ال ينسون ابدا من عاملهم باحتقار ألن
كربيائهم سيذكرهم به إىل األبد.
_ معرفتك بأصناف الناس والتعامل معهم عىل حسب هذه املعرفة من أهم
املطالب املصريية للنجاح.
_ املتغطرس واملتكرب :إن رأى شيئا يجرح إحساسه فإنه يصبح شديد الخطورة،
109
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وما يظنه استهزأ به فإنه يرد عليه بعنف شديد ،فإن رأيت لدى من تتعامل معه
مبالغة يف الحساسية والكربياء فابتعد عنه ،وأيا كان ما ترجوه منه فإنه ال يستحق
املخاطرة.
_ املرتاب :الذي يرى يف أفعال من حوله ما يريد أن يراه ،وغالبا ما يكون الذي يراه
هو افرتاض أسوأ النوايا ،ويكون من السهل خداعه ،ولكن إن رأيت أنك قد أصبحت
هدفا لشكوكه فعليك أن تراقبه وتنتبه لنفسك جيدا.
_ الذي ال ينىس ثأره لن يُظهر لك اي رد فعل حني تؤذيه أو تخدعه ،بل يحسب
وينتظر وحني تحني الفرصة ينفذ انتقامه بهدوء ودون رحمة .عليك أن تحذر أن
تؤذيه أو تجرحه ،وإن حدث ذلك فإما أن تدمره متاما أو تبتعد عنه متاما.
_ال ميكن دامئا أن تتأكد من مكانة من تتعامل معه .فقليل الشأن اليوم قد يكون
غدا ذا سطوة كبرية ،ونحن كبرش ننىس الكثري يف حياتنا ،ولكننا ال ننىس اإلهانة أبدا.
_ ال تعتمد عىل إحساسك أبدا أو فطنتك يف تقييم خصومك ،فال يشء يغني عن
املعلومات املحددة ،فخذ وقتك وتعرف عىل خصمك جيدا.
110
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
111
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ومل يطلب إعادة عبدالله ابنه إىل واليته وإمنا قنع بحرمان املغرية من والية الخراج.
فذهب إىل معاوية يبذل له النصيحة أيضا فقال له :إنك تستعمل املغرية عىل
تول عىل الخراج رجال يخافكالخراج فيأخذه وال تستطيع أن تنتزعه منه ،والرأي أن ّ
وال تبايل أن تعزله متى شئت ،وأن تستعمل املغرية عىل الصالة واإلمارة فال يقوى
عليك بغري مال ،واتبع معاوية نصيحة عمرو أيضا غري كاره ،ألنها أكسبته إعامل
العداوة بني الداهيتني فأمن اجتامعهام ومكرهام عليه.
_ العربة-:
_ كان معاوية يعرف جيدا دهاء عمروبن العاص ،ودهاء املغرية بن شعبة .وملا
خاف اتحادهام عليه مل يكن له بُ ّد من أن يُف ّرق بينهام ويزرع العداوة بني بعضهم
البعض .فاملغرية ال يُؤ َمن مكره ،وعمرو ال تنتهي حيله .فجعل معاوية دهاؤهام
ومكرهام عىل أنفسهام ولصالحه هو فقط ،فأمن مكرهام وأشغلهام ببعضهام
البعض .فكانت السيادة له فقط ،وقنعا هام مبا دون ذلك وهو اإلمارة ،وصار عمرو
واملغرية ينتبهان لبعضهام البعض ويغفال عن معاوية ،وكان حرصهام عىل ُملك
معاوية أشد من حرصهام عىل نفسيهام ،فإمنا هام به .إذا ساد معاوية سادوا ،وإذا
زال معاوية زالوا.
*****
112
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا استقر األمر ملعاوية هان عليه شأن املغرية بن شعبة وه ّم بعزله ،ومنى الخرب
إىل املغرية من عيونه حول معاوية ،وأشفق عىل نفسه من غضاضة العزل،فأعمل
دهائه واحتال بحيلة يُرغم بها معاوية عىل استبقائه أمريا وهو عزيز الجانب،
مرغوبا فيه ،فامذا فعل املغرية؟
شَ َخص إىل معاوية يف دمشق واختىل بيزيد بن معاوية وكأنه يلقاه ع َرضا عن غري
قصد ،ووسوس له أن يطلب إىل أبيه تسميته لوالية العهد ،وزين له األمر قائال :إن
أصحاب النبي صىل الله عليه وسلم وكرباء قريش قد ذهبوا وبقي األبناء وأنت من
أفضلهم ،فال أدري ما مينع أمري املؤمنني أن يعقد لك البيعة؟ قال يزيد :أو ترى ذلك
يتم؟ قال املغرية :نعم .فدخل يزيد عىل أبيه وأخربه مبقالة املغرية ،فتعجل معاوية
لقاء املغرية واستدعاه ليطمنئ إىل حقيقة الخرب ،وابتدره سائال :ما هذا الذي يقوله
يزيد؟ فقال املغرية :إين يا أمري املؤمنني قد رأيت ما ُس ِفك من الدماء بعد عثامن،ويف
يزيد منك خلف ،فاعقد له البيعة بعدك ،فإن حدث بك حدث كان كهفا للناس
وخلفا منك وال تُسفَك دماء وال تكون فتنة.
قال معاوية :ومن يل بهذا؟ فقال املغرية :أنا أكفيك أهل الكوفة ،ويكفيك زياد أهل
البرصة،وليس بني هذين املرصين أحد يُخالف .فأمره معاوية أن يرجع إىل الكوفة
وأن يتحدث مع ثقاته يف ذلك ثم يرى ما يرى.
وملا رجع املغرية قال لبعض ثقاته :لقد وضعت رِجل معاوية يف غرز بعيد الغاية،
وفتقت عليهم فتقا ال يرتق أبدا ،ثم أجابه ناس من قبيلته إىل بيعة يزيد فأرسل
منهم عرشة إىل دمشق ومل يًرسل سائرهم ليمد يف حبل املساومة ،وكان من حكمة
معاوية أنه استمهلهم وطلب إليهم أال يتعجلوا بإعالن رأيهم.
113
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
ملا ِ
فطن املغرية إىل أمر عزله يف أي وقت ،كان عليه أن يتحرك من فوره ويُعمل عقله
ويرى حيلة جديرة يبلغ بها مأربه ،فكان منه ما كان ،وكان من معاوية أن استبقاه
أمريا ،وخرج املغرية يف كل ذلك كاسبا رابحا ال يفقد شيئا يقدر عىل استبقائه ،فإن
خرج مستعفيا فذلك خري من خروجه معزوال ،وإن كانت املساومة عىل والية يزيد
للعهد مجدية له فيام اراد فقد ربح ومل يخرس ،وباع السمك يف املاء ،والش َبكة من
عند غريه .وإن أعرض معاوية عن املساومة ومل يقبل عقد البيعة ليزيد وهو أبعد
الفروض فقد كسب الواىل املعزول والء يزيد ،ومل يفقد والء معاوية ألنه مفقود من
قبل .ويقال يف جميع األحوال أن املخدوع من الرجلني ( معاوية واملغرية) مل يكن
هو املغرية إن كان البد بينهام من مخدوع.
*****
_ كان معاوية قلقا من جانب زياد بن أبيه ،فزياد مل يبايع معاوية ومل يستجب
لدعوته حتى قُتل اإلمام عيل بن أيب طالب ريض الله عنه .وصالح ابنه الحسن
معاوية .وكان معاوية آلي أ َمن مكر زياد وجرأته ،ولكن يقول لخاصته:ما يُؤمنني
ىل الحرب جذعة(جديدة) كام أن يبايع لرجل من أهل البيت فإذا هو قد أعاد ع ّ
بدأَت؟ فتقدم املغرية يتوسط بينهام ليشد ساعده بزياد يف كيده البن العاص،
واستأذن معاوية يف إتيانه فأذن له أن يلقاه ويتلطف يف خطابه ،وجاءه املغرية عىل
يأس من خالفة بني هاشم ،وأمل مبسوط مع املواعيد،
114
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وتصحيح النسب يف خالفة بني امية ،واستجاب زياد للمغرية يف أمر البيعة ملعاوية،
ومتنع بعد ذلك يف أمر البيعة ليزيد بوالية العهد ،وأنفذ رجال من ثقاته إىل الخليفة
يوصيه باألناة فإن( إدراكا ولحاقا خري من أناة يف عجلة) ولوال أن زيادا مات قبل
البيعة بوالية العهد ملا استقر األمر عىل قرار.
_ العربة-:
عليك أن تتقن لعبة التحكم بصورتك لدى الناس ،وعليك أن تحمى نفسك من
حسد االخرين بأن تُظهر لهم أنك تُشاركهم طريقتهم وقيمهم وتتخذهم حلفاء،
وترفعهم إىل مراكز القوة وتقربهم منك حتى تنال دعمهم حني تحتاجه .فإشعار
االخرين بالدونيةيولّد الكراهية لك وياكل الحسد قلوبهم إىل ان يُق َوضوا سطوتك
بطرق ال ميكنك أن تتخيلها.
_ اجتمع عمرو بن العاص ومعاوية بن أيب سفيان يوما .فقال معاوية لعمروَ :من
الناس؟ فقال عمرو :أنا وأنت واملغرية بن شعبة وزياد بن ابيه .قال معاوية وكيف
ذلك؟ قال عمرو :أما أنت فللتأين ،وأما أنا فللبديهة ،وأما املغرية فللمعضالت ،وأما
زياد فللصغرية والكبرية.
قال معاوية :أما هذين فقد غابا ،فهات بديهيتك يا عمرو .قال عمرو أو تريد
ذلك حقا؟ فأجابه معاوية :نعم .فسأله عمرو أن يُخرج ُمن عنده من املجلس،
فأخرجهم معاوية .فقال عمرو يا أمري املؤمنني :ا ٌ ْد ُن مني يا أمري املؤمنني أُساررك.
فأدىن معاوية منه رأسه .فقال عمرو هذا من ذاك ،من معنا يف املجلس حتى أُسا ّرك
يا أمري املؤمنني؟.
115
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تفكري عمرو بن العاص تفكري بديهة حارضة ،وتفكري معاوية بن ايب سفيان تفكري
رويّة بطيئة ومرجع ذلك سببني-:
-1السبب األصيل :أن تفكري عمرو يصدر عن وحى العبقرية ،ومعاوية صاحب عقل
من العقول الوسطى التي افادتها املرانة ومتثلت أمامها قدرة اآلباء كأنها السجل
املحفوظ الذي ينقل منه.
-2السبب العارض :أن عمرو بن العاص مضطر إىل الوثوب واالقتحام ،ألنه لن يُفتح
له باب بغري اقتحام .أما معاوية ففي موضعه وانتظار ساعته عىل هينة ووثوق،
فإن وصل فذاك ،وإن مل يصل فالذي يف يده يُغنيه ،والعجلة ال تُغني عنه وال تنفعه
كام تنفعه األناة.
_ ال تجعل أحدا يخترب دهائك حتى وإن كان مثلك يف الدهاء ،فإن كنت مضطرا
لذلك فاجعلهم يندمون عىل ذلك ،بأن تهزمهم يف ميدان الحيلة ،اجعلهم يعلمون
أنك ما زال لديك الكثري الذي مل تخرجه بعد.
_ قتل الروم رجال من املسلمني حول اإلسكندرية ،واحتزوا رأسه وانطلقوا به إىل
داخل الحصن ،فأقسم أبناء قبيلته أنه ال يُدفَن إال برأسه .وذهبوا إىل عمرو بن
العاص فقال لهم يف ذلك :تتغضبون كأنكم تتغضبون عىل من يبايل بغضبكم؟
احملوا عىل القوم إذا خرجوا فاقتلوا منهم رجال ثم ارموا برأسه يرموكم برأس
صاحبكم .ففعلوا كام قال عمرو بن العاص فإذا برأس صاحبهم يسقط عليهم ،فقال
لهم عمرو :دونكم االن فادفنوه برأسه.
116
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
لله در عمرو بن العاص ،إذ فهم أن أهل الروم ال يبالون بغضب املسلمني ولكنهم
يبالوا بأخذ ثأرهم ،فإذا قُتل منهم رجل يريدون قتل مثله من املسلمني ،وإذا أُلقيت
إليهم رأس واحد منهم حسبوها امتهانا لكرامتهم وضعفا لشأنهم .فليس لهم إال
أن يلقوا عىل املسلمني برأس رجل منهم.
فإنها البديهة الحارضة التي التغيب عن عمرو ،فقد اجتمع له لسان وذكاء ماض،
حسبوعزمية ماضية ،وهو مييض يف زمامه،وينثني بعد غرامه ،فذلك الرجل الذي يُ َ
له الف حساب يف كل زمان ُوجد فيه ،وأحرى أن يُحسب له كل حساب أيام الفنت
والقالئل ،واختالف الدعاوى والحقوق ألنه يستطيع التفريق والتوفيق ،يستطيع
التأليب والتغليب ،وعسري جدا أن يُه َمل شأنه بني الشيع واألحزاب.
*****
_ أرسل معاوية بن أيب سفيان إىل عمرو بن العاص وهو عىل مرص يقول له :إنه قد
فسيه إ ّىل قوال
ُسيه ّ
تردد كتايب إليك بطلب خراج مرص وأنت متتنع وتدافع ومل ت ّ
واحدا ،وطلبا حازما ،والسالم.
فاغتاظ عمرو بن العاص ،وعلِم ماالذي يريده معاوية من اإلمعان يف كيده ،وكتب
إليه يرد عليه يف قصيدة تُسمى( الجلجلية) يقول فيها:
117
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وعن نهج الحق ال تعد ِل معاوية الفضل التنس يل
عىل أهلها يوم لبس ال ُحىل نسيت احتيايل يف جلّق
ويأتون كالبقر املهلِ وقد اقبلوا زمرا يُهرعون
118
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
نزلنا إىل أسفل األرجل وحني تركنا أعايل النفوس
إىل أن يقول-:
فلام سمع معاوية هذه األبيات ترك عمرا ومل يتعرض له بعد ذلك.
_ العربة-:
دامئا تكون العالقة بني الدهاة عالقة تنافر وتباعد إن مل تكن بينهام مصلحة ،كام
أن الداهية يكون بينه وبني مجتمعه نوع من العداء والنبذ املتبادل ،فقدميا قيل(
الذكاء لعنة عىل صاحبه) ،فإذا اضطرتك الظروف ألن تتعامل مع هذا الداهية
فاجعل بينكام مصلحة قامئة فإنك بذلك تضمن الطريق األمثل للتعامل معه ،فإذا
انتهت املصلحة فال تتعرض له مامل يُشكل خطرا عليك.
_ هناك دامئا من يكيد لك ومن يحسدك عىل يشء ما ،فقف لهم جميعا باملرصاد ،وال
تحاول أن تساعدهم أو تقدم لهم خدمات .فتأثري الحسد بني الرفاق واألنداد أكرب
بكثري من الذين يسود بينهم الشعور باملساواة ،فاملجتمع ال يحرتم كثريا البارزين
يف شتى املجاالت بغري قوة لهم .لذا عليك أن تستغل كل تفوق جديد يف إزعاجهم
ومترير حياتهم.
119
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ كانت سطوة معاوية أكرب بكثري من سطوة عمرو بن العاص ،فاألول خليفة
للمسلمني والثاين عامل عىل مرص لخليفة املسلمني ،ولكن معاوية كان يرى دامئا أن
عمرو بن العاص يتفوق عليه ،ألنه وإن كان خليفة للمسلمني فهو صنيعة عمرو،
فكان دامئا يشعر بالدونية والنقص ولذا كان ينزعج منه ألنه يتفوق عليه يف املهارة
والدهاء ،وكان عمرو يُر ّوعه دامئا فيظل الحسد عند معاوية دفني األعامق ويخرج
يف صور غري مبارشة مثل البحث عن يشء ينتقد به عمرو.
*****
_ دخل عبادة بن الصامت ذات يوما عيل معاوية وعنده عمرو ،فجلس بينهام
وفرقهام عن بعضهام البعض ثم قال لهام :أتدريان مل جلست بينكام يف مكانكام؟
قاال :نعم ،لفضلك وسابقتك ورشفك .فقال عبادة :ال والله ،ما جلست بينكام لذلك
ولكن بينام نحن نسري مع رسول الله صىل الله عليه وسلم إذ نظر إليكام تسريان
وأنتام تتحدثان ،فالتفت إلينا وقال :إذا رأيتموهام اجتمعا ففرقوا بينهام فإنهام ال
يجتمعان عىل خري.
_ العربة-:
اإلجتامع بني الدهاة من نوادر األشياء ألنهام دامئا يكيدان لبعضهام البعض .ويف رأي
األخيار أن اجتامع الدهاة من عالمات األخطار .فمعاوية مل يستقدم عمرا لصداقة
وصحبة قدمية بينهام،وعمرو مل يقدم عىل معاوية ليشء من ذالك .ولكنهام رجالن
طموحان أريبان ،مثلهام ال يُ َعادى إذا كان له يف الصداقة نفع،
120
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وال يصادق إذا مل يكن له يف الصداقة حاجة ،وأقرب الناس عندهام وشيك أن
يُقىص إذا أقصته املنفعة ،وأقصاهم وشيك أن يكون قريبا غذا كان يف بعده رضر،
فاتفاقهام ال يكون إال ملصلحتهام عىل حساب االخرين.
_ اخلالصة-:
_ الدهاة يكونون دامئا صوت العقل يف عامل الفوىض ،هم أصحاب املزاج املعتدل
واألفكار املحكمة املحسوبة بدقة ،يصمتون كثريا ويتكلمون قليال عندما يجدون ما
يستحق الكالم ،إذا وقعت بينهم فتعامل مثلهم.
_ عليك أن تكون غامضا ،فالغموض أمام االخرين أمر جيد ومنصوح به ،ولكن
الغموض بينك وبني نفسك أمر غري مستحب ،ويجب عليك التخلص منه ،فمعرفتك
بذاتك يشء ال مفر منه من أجل منح نفسك حياة تستحقها.
_ ال تكن أبدا شخصية مغايرة لنفسك ،ال ت ّدع صفات غري صفاتك ،أو تبالغ يف متثيل
حالة ال تناسبك .لن يفيدك ابدا أن تكون غريبا عن نفسك.
_ كن دامئا عىل أهبة االستعداد لنئ تهاجم وتدافع وتناور وتفاوض ،فالدهاة غري
مأمونني الجانب يف أغلب األحيان ،وال يخدعك ما يظهرونه لك من ود واحرتام ،فإن
الحاجة إليك إذا زالت زال معها كل ود واحرتام ،فكن مستعدا دامئا ألي يشء.
_ أَبقِ عيونك مفتوحة وأسلحتك جاهزة لالستخدام ،وانتبه دامئا لترصفات االخرين،
وحني تعلم أنهم يكيدون لك ويضعون يف طريقك العوائق ،استخدم أسلحتك وكرش
عن أنيابك ،واردعهم جميعا حتى تستطيع السيطرة عىل األمور قبل أن تتفاقم.
121
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ لكل يشء وجهني ،وجه ظاهر واخر خفي .قد يكون الظاهر املدح والذ ّم يف
الخفاء ،ويكون اإلنكار يف الظاهر واإلقرار يف الخفاء وهكذا .الداهية فقط هو من
يستطيع أن يجعل الخفي ظاهرا بدهائه ،وأن يقرأ مامل يُكتب ،ويسمع ملا مل يقال
أفضل منه لو قيل.
_ عليك أن تفكر باألحداث التى متر بك ،وحاول أن تجيب عىل التساؤالت ،وأن
تتوقع األحداث املستقبلية وكيفية حدوثها من خالل دراسة ما تراه وتسمعه دراسة
متأنية لتستنبط مامل يُكتب بني ثنايا السطور..وهو املعنى الغري مرصح به.
_ اعمل فكرك وعقلك بالقراءة الحكيمة لألشياء ،وهي مخاطبة النصوص ليس
يف شكلها الظاهر وحسب ،وإمنا يف سرب أغوارها واستخدام ما عندك من معرفة
لتحليلها والوصول بها إىل املعرفة الحقيقية لألشياء ،إذ ليس بالشكل تعرف األشياء.
_ ال يقرأ ما بني السطور إال أصحاب العقول املستنرية ،ذوو الذكاء الثاقب ،وهذه
الظاهرة ال تتواجد إال عند طبقة معينة من البرش ،أوتوا نعمة كشف املعاىن
الحقيقية لألشياء مهام كانت النصوص غامضة ،وأكرث من ميارسها رجال السياسة
وأصحاب الحيل التى ميارسونها بني الجامهري ومناقشتهم .ويظهرون دامئا خالف
ما يبطنون.
122
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا رجع أبو سفيان إىل عمر بن الخطاب أمري املؤمنني من عند ابنه معاوية وكان
واليا عىل دمشق .شك عمر ريض الله عنه أن معاوية أعطى لوالده شيئا من أموال
الشام ،فلام سأله عام إذا نال شيئا من ابنه أنكر أبوسفيان ،فكان عىل عمر بن
الخطاب أن يستخرج الخفي من الظاهر .فامذا فعل؟
أخذ خاتم أيب سفيان وأرسله مع خادمه إىل هند بنت عتبة زوجة أىب سفيان وقال
لها :يطلب منك ابو سفيان أن تأتيه ب ُخرجني .فام لبث عمر ريض الله عنه أن أويت
ب ُخرجني فيهام عرشة االف من الدراهم.
_ العربة-:
لو صارح أبو سفيان أنه أُعطي من ابنه خمسة االف درهم ،لرمبا اقتنع الفاروق
بذلك ،ولكن أنكر عليه أبو سفيان أنه أخذ شيئا من ابنه معاوية فكان من عمر
ماكان.
_ الداهية ال تنطىل عليه حيلة بسهولة وملا كان عمر داهية أريب ،دائم الفكر
اليسرتيح عقله حتى إن اسرتاح جسده ،وعلم أنه يتعامل مع داهية آخر هو أبو
سفيان ،كان البد من إعامل الحيلة ،ليصل إىل مقصوده.
_ تذكر دائما-:
كل ما تراه أمامك ليس هو الحقيقة املطلقة ،وإمنا هناك حقيقة أخرى خفيت عن
الكثري ولكن يراها الداهية ،فإن مل تُعمل عقلك وتُشغل فكرك لتكون بنفس الدهاء
فلن تراها أبدا.
123
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا طعن معاوية يف السن اعرتاه أرق ،وكان إذا نام أيقظته النواقيس .فلام أصبح
ذات يوم ودخل الناس عليه قال :يا معرش العرب هل فيكم من يفعل ما آمره به
وأُعطيه ثالث ديات (جمع دية) أُعجلها له وديتني إذا رجع؟
فقام رجل من غسان فقال :أنا يا أمري املؤمنني.
قال معاوية :تذهب بكتايب إىل ملك الروم فإذا رصت عىل بساطه أذّنت .قال الرجل:
لقد كلفت صغريا وأعطيت كثريا ،فلام خرج الرجل وصار عىل بساط قيرص الروم
أذّن .فحارت البطارقة ،واخرتطوا سيوفهم ،فسبق إليه ملك الروم وجثى عليه (
حامه منهم) وجعل يسالهم بحق عيىس وبحقه عليهم حتى كفوا عنه ،ثم ذهب
بالرجل إىل رسير امل ُلك وجعله بني يديه ثم قال يا معرش البطارقة..إن معاوية قد
قتل َمن
أس ّن ،ومن أس ّن أرِق ،وقد أذته النواقيس ،وأراد أن يُقتل هذا عىل األذان ف ُي َ
ببالده عىل رضب النواقيس ،وبالله لريجعن إليه عىل خالف ما ظن.
فكساه وج ّمله فلام رجع إىل معاوية ورآه ،قال له معاوية :أو قد جئتني ساملا؟ قال
الرجل :أما من ِق َبلِك فال.
_ العربة_:
_ اقرأ أعني الناس وتلميحاتهم ،ألن العيون مقياس للبهجة واألمل أ ّدق من اي
كلامت الحظ التفاصيل وتذكرها كاملالبس ونوعية األصدقاء والتعليقات العفوية
ألنها تُظهر لك الرغبات واألمنيات التى قليال ما تتحقق للشخص ،ثم اخلط كل ذلك
معا وغربله لتكتشف ما تحت السطح.
124
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ أرسل عىل بن أيب طالب كتابا ملعاوية يدعوه فيه إىل بيعته وجلس ينتظر الجواب،
فاختار معاوية بن أيب سفيان رجال من بني عبس ،وكان له لسان( متحدثا ماهرا)،
وأرسله بكتاب فيه الجواب إىل عيل كرم الله وجهه ،وكان يف الكتاب( بسم الله
ىل ،عرف مافيه وأنه
قدم الرسول ودفع الكتاب إىل ع ّالرحمن الرحيم) فقط .وملا ِ
يل.
محارب له ،وأنه ال يُجيبه إىل يشء مام يريده ع ّ
_ العربة-:
اقرأ الجواب جيدا وافهمه جيدا ،ثم اعمل فكرك فيام مل يقال ،فكل كلمة قيلت
تحمل تحتها الف كلمة مل تقال ،إذا استطعت أن تفهم ما يخفيه عنك فقد سبقته
بخطوة .فلكل إنسان خبيئة ال يحب أن يراها أحد ،الداهية فقط يراها ويسمعها ،
نصب فإياك أن تعطي عقلك أجازة ،وتُؤمن بكل ما تراه يف الرسالة ،فقد يكون فخا يُ َ
لك ،فاجعله أول من يقع فيه.
_ قد يعتم التواصل عىل االستعارات والرموز وذلك هو أساس اللغة ،االستعارات قد
تعرب عن الواقع ب ُعمق ووضوح يتخطى كثريا الوصف املبارش.
*****
_ عليك أن تجيد التوقع والتخمني .وذلك ال يكون إال عن طريق خربات سابقة
مرتاكمة ،فقراءتك ملا بني السطور تتضمن لك التقدم بخطوة عىل خصمك مام
يضمن لك بالتايل تفوقك عليه.
_ قراءة ما بني السطور فن ال يجيده الكثري من الناس ،ألننا ببساطة ال نفهم ما نقرأ
أو ما نسمع أو مانرى إال حسب تشكيل القيم لدينا ،والتى هي ناتجة عن تنشئتنا
وثقافة محيطنا ،لذا علينا أن نتجرد من كل هذا ونضع أنفسنا موضع االخر لنكون
هذا الشخص نفسه.
*****
126
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
كان عمرو بن العاص أخلَق الناس أن يحذر يف عهد الفاروق( سعي الخسيس
بالرئيس) وهو الذي يعلم أنه مستَهدف ملثل هذا السعي ،وأنه ُمالق به شيئا
من القلق الدائم يف ساحة الفاروق ،وهو العظامي الذي يتعصب للنسب تعصب
املأخوذ بالريب ويتقي كلمة السفلة فيقول:
( إن ذهاب ألف من العل ّية أهون رضرا من ارتفاع واحد من السفلة) .
_ علم عمرو بحنكته ودهائه وسابق خربته أنه وال بد يوما سييش به الواشون عند
أمري املؤمنني عمر بن الخطاب ،فاوعز يف وصفه للفاروق أال يقبل قول القائل فيه.
ورمبا كان من اإلغراق يف الرجاء أن يطمع وال من الوالة يف اإلفالت من حساب
الفاروق ،وأعلم الناس بذلك عمرو نفسه الذي يعلم حساب الفاروق للوالة،
ويسمع مبراجعته للمحسن منهم واملسئ ،ولذلك ظفر مبا اراده وظل فخورا بهذا
الظفر بقية حياته ،يقول ملن ال يعجبه ُحكمه :إن الفاروق قد مات وهو عنه راض.
*****
_ روى مسلم عن املستورد القريش انه قال عند عمرو بن العاص ريض الله عنه:
سمعت رسول الله صىل الله عليه وسلم يقول-:
( تقوم الساعة والروم أكرث الناس) فقال عمرو للمستور القريش :أبرص ما تقول.
127
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال املستورد :اقول ما سمعت عن رسول الله صىل الله عليه وسلم.
فقال عمرو :لنئ قلت ذلك ،إن فيهم إذا لخصاال اربعة.
-1إنهم ألحلم الناس عند الفتنة.
-2وأرسعهم إفاقة بعد مصيبة.
-3وأوشكهم كَرة بعد فرة.
-4وخريهم ملسكني ويتيم وضعيف.
وخامسة حسنة وجميلة :أمنعهم من ظلم امللوك.
_ العربة-:
_ عمرو ابن العاص يقرأ ما بني السطور حتى أخر الدهر ،فمن عرف األوروبيني
قراءة عنهم ،أو معارشة لهم ،يرى لديهم الحلم يف الرزية ..حتى لقد قيل شعب
بارد ،ومن تفكر يف حال بعضهم كأملانيا وفرنسا واليابان وغريهم ،فسيجد الفواق
الرسيع بعد املصائب ،مع الك ّرة واستخالص الثأر عىل العجلة ،ومن طالع يف اهتامم
أثريائهم باألعامل الخريية والخدمات اإلنسانية ،فإنه سيلحظ الخريية يف رشهم.
وأما الخامسة فلعمر الله قد وقع عليها عمر ،إذ ان تلك املجتمعات قد حققت
قدرا عاليا من العدالة اإلجتامعية ،حتى رصنا نردد بعدها ( إن الله ينرص األمة
الكافرة العادلة عىل األمة املسلمة الظاملة).
128
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقد بلغ من دهاء عمرو بن العاص أنه قرأ طبائع األمم ووصف حالهم الخر الدنيا
وصفا يعجز عنه من يعايش الواقع هذه األيام.
_ ال تقف عند ظاهر األشياء ،وإمنا ابحث عن رسها ونجواها وما ترمى إليه لتكشف
النقاب عام ت ُخبئه هذه األشياء ،وهذه املسالة عقالنية بحته ،ال يفطن إليها وما
ترمى إليه من املعنى املختبئ ما بني السطور إال القليل.
_ تذكر دائما-:
_ ال تؤ َخذ العبارات باملباين بل باملعاين.
_ العني تقرأ السطور ،والحكمة تقرأ ما بني السطور ،والقلب الواعي يقرأ ما وراء
السطور ،والبصرية تقرأ عمق مامل تتناوله السطور.
_ ال تدع االخرين يعرفون أنك تعرف ما ينوون فعله ،ولكن دعهم يفعلون ما
يريدون مطمئنني متصورين أنهم يفعلون ذلك خفية ما مل ترضك أفعالهم.
_عندما تتقن هذه القاعدة ستمكنك من:
_1إدراك ماال يدركه االخرون.
_2رؤية ما ال يراه االخرون.
_3اإلحساس باألمر قبل وقوعه.
_ لتتقن هذه القاعدة-:
129
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ليك تقرأ ما بني السطور عليك أن تعيش حياة كاتبها ،انظر بعينه ،فكر كام يفكر،
تحرك كام يتحرك .فمر ّد العدالة أن تقيس األمر عىل نفسك.
_ اخلالصة-:
_ قرائتك ملا بني السطور تجعل كل أفعالك مخالفة للتوقعات ،وتكون مبثابة
املفاجأة بالنسبة لخصومك ،وذلك سوف يضعهم يف موقف صعب لعدم فهمهم
لك ،وعدم فهمهم لك يُفقدهم الثقة يف ترصفاتهم نحوك ،ويف هذه الحالة تضمن
سطوتك عليهم.
_ تعلّم أن تقرأ الدوافع وراء أفعال خصمك ،وتوقع ترصفاته ،واستخدم هذه
التوقعات لصالحك ضده.
_ ال تترصف بطرق ثابته ،فالحيوانات فقط هي التي تترصف بطرق ثابته ولذلك
يسهل توقع ترصفاتها واصطيادها.
_ أحيانا-:
130
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_يكون مراعاتك للتوقعات من صالحك ،فاتخاذك لنسق يعتاده االخرون ويرتاحون
له يغريهم بالتغافل عنك ،ألن كل ما قد يدبرونه لك يعتمد عىل أفكارهم املسبقة
عنك وذلك من املمكن أن يفيدك بطريقتني-:
131
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ُ ّ
ال تتشبه بأحد وال تقلد أبدا
_ عىل الداهية أن تكون له طريقته الخاصة ،إذا أجربتك الظروف أن تحل محل
رجل عظيم فعليك أن تغري مسارك متاما وال تقلده أبدا ،احتقر تراثه وادفنه معه،
فالناس تحرتم األصل وتحتقر التقليد ،ابذل أضعاف ما بذله من جهد حتى ال تضيع
صورتك يف ظالله.
_ ال تلتزم أبدا مباض ليس من ُصنعك ،وأسس لهويتك الخاصة بتغيري مسارك عمن
سبقك.
_ ابدأ نفسيا من الصفر ،واسخر من املايض ومام ورثته وابدأ يف اتجاه جديد ،واصنع
عاملك الخاص بك.
ابحث لنفسك عن مكان فارغ من السطوة ،واصنع النظام من الفوىض دون أن
تنافس شخصا حقق نجوميته يف هذا املكان ،فالقوة املطلقة تقوم عىل أن تظهر
أكرب من االخرين.
_ ال تكن رحيام مع املايض ،ليس فقط مايض أبيك ،ولكن ماضيك أنت نفسك،
فالضعفاء وحدهم هم من يتمسكون بأكاليل الذكريات وانتصاراتهم يف املايض.
_ امأل بالجديد الفراغ الذي خلّفه زوال سطوة املايض ،واخلق مساحة كبرية لفرض
نظامك الجديد.
132
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ أبسط الطرق للهرب من املايض هو أن تُقلل من شأنه ،وأن تلعب عىل التعارض
األبدي بني األجيال ،وتستثري الشبان ضد الكبار ،وليك تُحقق ذلك بكفاءة عليك أن
تختار شخصية ُمسنة لتُش ّهر بها.
_ يف التجهيز ملعركة أجنادين بني املسلمني والروم أواخرالسنة الثانية عرش للهجرة،
مل يشأ عمرو بن العاص أن ينتظر حتى يُ َربم الرأي يف مسألة القيادة العليا وهو
غائب عنها .فلام أخذ الخليفة أبو بكر الصديق تجريد الجيوش وعقد األولوية
ذهب عمرو بن العاص إىل عمر بن الخطاب وقال له متلطفا :يا ابا حفص..أنت
تعلم شديت عىل العدو،وصربي يف الحرب ،فلو كلمت الخليفة أن يجعلني أمريا عىل
أيب عبيدة بن الجراح؟ وقد علمت منزلتي عند رسول الله صىل الله عليه وسلم،
يدي البالد ويهلك األعداء.
وإين ألرجوا أن يفتح الله عىل ّ
فأجابه عمر برصاحته الصادعة :كال..ما كنت ألكلم أبو بكر يف ذلك ،فإنه ليس عىل
أيب عبيدة أمري،وألبوعبيدة أفضل عندنا منك ،وأقدم سابقة ،والنبي صىل الله عليه
وسلم قال :أبو عبيدة أمني األمة.
ومل ييأس عمرو من إقناعه بعد ما سمع ،وراح يقول له :ما ينقص من منزلته إذا
كنت واليا عليه؟ فانتهره عمر قائال :ويلك يا عمرو ،إنك ما تطلب بقولك هذا إال
الرئاسة والرشف .فاتق الله وال تطلب إال وجه الله تعاىل ورشف االخرة.
واستقر رأي ابو بكر الصديق عىل البعوث وقوادها .فأنفذ أبو عبيدة بن الجراح
إىل حمص ،ويزيد بن أيب سفيان إىل دمشق،ورشحبيل بن حسنة إىل وادي األردن،
133
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وعمرو بن العاص إىل فلسطني .وخيش الخليفة أبو بكر أن يقع الخالف مرة أخرى
عىل الرئاسة فقال لعمرو وهو يودعه :كاتِب أبو عبيدة وأنجده إذا أرادك ،وال تقطع
أمرا إال مبشورته.
ويُق ّدر عدد جيوش املسلمني كافة بسبعة وعرشين ألفا من الفرسان واملشاة،ومع
ذلك فإن دهاء عمرو بن العاص أنزله من هذه الجيوش منزلة املشورة واملراجعة،
وإن مل يُنزله منزلة الرئاسة العامة والقيادة العليا.
وفوجئ املسلمون بجحافل جرارة من جيوش الروم تبلغ عدتها مائة وخمسني ألفا،
ترددوا وتشاوروا وكتبوا إىل عمرو بن العاص وإىل الخليفة فوافاهام الجواب منهام
معا باالجتامع للقاء الروم يف موقع واحد .وأقبل خالد بن الوليد عليهم لنجدتهم
فوجدهم متفرقني ال يجتمعون عىل قيادة ،فاقرتح عليهم تداول اإلمارة بينهم،
وأن تكون اإلمارة إليه يف اليوم األول.وكانت ملحمة الرجاء املستميت ،واليأس
املستميت ،وتنادى أبطال املسلمني عىل عهد املوت ال يرجعون إال منترصين أو
يقعوا مكانهم مستشهدين حتى أت ّم الله النرص للمسلمني عىل عدوهم.
_ العربة-:
اشرتك عمرو بن العاص يف أكرث حروب الشام بني دمشق وفلسطني ،وكانت شجاعته
فيها جميعا كفاء دهائه وحزمه ،ومل يكن لريىض لنفسه مقاما يف الشجاعةدون مقام
أحد من القواد وأيا كان حظه من سمعة البأس واإلقدام ،حتى أنه يف معركة الريموك
ملا هجم الروم يف بعض حمالتهم بقضّ هم وقضيضهم عىل فريق من املسلمني
134
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وول صاحب رايتهم تسابق مع خالد بن الوليد ألخذ الراية،
وانكشف املسلمون ّ
فأخذها عمرو واندفع بها يقاتل املتقدمني من الروم حتى تجمع املسلمون حوله
وأدبر الروم منهزمني.
_ فطن عمرو بن العاص إىل أن الناس تُق ّدر األشياء مبظهرها ،فهم ال يهتمون إال مبا
يرون ،فأراد أن يختلف عن االخرين حتى ال يكون نكرة وسط الجموع ويتجاهله
الناس ،فأظهر من الحيوية واإلقدام ما يليق به ومبكانته ،فافطن هداك الله إىل ما
فطن له عمرو بن العاص.
_ ال تجعل من نفسك نسخة لشخص أخر ،بل عليك أن تكون لك طريقتك الخاصة،
ولذلك عليك أن تبذل كل طاقتك يف إظهار تفوقك عىل االخرين حتى تجذب انتباه
الناس إليك.
_ كان عمرو بن العاص متفردا يف كل يشء ،له طريقته الخاصة التى ابتكرها ،ال
يُقلد وال يحايك وال يتشبه بأحد حتى إنه ملا رآه عمر بن الخطاب ذات مرة مييش ،
نظر إىل مشيته وقال :ال ينبغي أن مييش أبو عبدالله عىل األرض إال أمريا.
_ حج عمرو بن العاص فمر بعبدالله بن عباس فحسد مكانه ،وما رأى من هيبة
الناس له وموقعه يف قلوبهم .فقال له يا ابن عباس :مالك إذا رأيتني وليتني الق ََصة
كأن بني عينك َدبَرة؟(أعرضت وازوررت عني) .فأجابه ابن عباس جوابا فيه من
الجرأة مثل ما فيه من الدهاء وانتهى منه قائال له :حملك معاوية عىل رقاب
الناس ،فأنت تسطع بحلمه وتسمو بكرمه .ومل يشأ عمرو أن يبارزّه ابن عباس
يف الدهاء فعاد يقول له :أما والله إين ملرسور بك ،فهل ينفعني عندك؟ فقال ابن
عباس :حيث مال الحق ِملنا ،وحيث سلك َ
قصدنا.
135
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ليك تُؤكد عىل املسافة التى تفصلك عن الجميع من سابقيك أو أمثالك وتعلن
التغريات للجمهور عليك أن تبتكر طريقة مل يسبقك إليها أحد ،عليك أن ت ُظهر
اختافك يف كل يشء ،يف املظهر ويف األسلوب ويف األداء ويف كل يشء مييزك عمن جاء
قبلك.
_ املشكلة يف أن يكون لك سلف فرض نفسه أنه يكون فعال قد مأل األفق ،كاملغرية
بن شعبة وعبدالله بن عباس بالنسبة لعمرو بن العاص .حيث ال تجد مكانا تصنع
فيه اسمك ومجدك .ليك تتمكن من التعامل مع هذا املوقف عليك أن تبحث عن
الجوانب الفارغة .أي املجالت التى مل يهتم بها من سبقك ،والتى متكّنك من أن
تكون أول من يشتهر مبألها وإعامرها.
*****
_ بعد أن أقدم املسلمون عىل فتح مرص بقيادة عمرو بن العاص ،وبعدما كان منه
من كر وفر ،وحيلة وتدبري ،ومكر وخداع تن ّم عن دهاء مكني و ِعلم بأمور مرص،
وما كان من الروم للقبط من تعذيب وتنكيل وترشيد مام أيقن يف داخل عمرو
أن القبط يكرهون الروم أشد كراهية ملا ال قوه منهم ،وإعامل عمرو لدهائه يف
مناوراته التى كانت مع الروم للتعمية واالستطالع .كان عمر بن الخطاب أمري
املؤمنني يرتقب جيشه الزاحف عىل مرص بعني ال تغفل وقلب ال يَو َجل ،وهو الذي
أحق عنده بالتفقد
مل يزل ميدهم ،ويسأل عن أخبارهم ويتفقدهم وال يرى شيئا ّ
من سالحهم املايض قبل كل سالح ،وعدتهم الالزمة قبل كل ُعدة..وهي اإلميان وقوة
الروح ،فلام أبطأ الفتح املبني مل يرجع بإبطائه إىل قلة العدد أو قوة العدو ،بل رجع
به إىل نقص اإلميان ود ْخل النيات ،فكتب إىل املسلمني يقول:
136
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
( عجبت إلبطائكم فتح مرص ،تقاتلونهم منذ سنتني ،وماذاك إال ملا أحدثتم وأصبتم
من الدنيا ما أَحب عدوكم ،وإن الله تعاىل ال ينرص قوما إال بصدق نياتهم) حتى أت ّم
الله عىل املسلمني فتح مرص ،وانعقد الصلح برشوط عمرو التى متيز بها عن غريه
من الفاتحني يف سائر األمصار فكانت رشوط الصلح_:
_ تستمر الهدنة أحد عرش شهرا تجلو الجيوش الرومانية يف خاللها عن املدينة.
_ تباح للمسيحيني عبادتهم وتصان لهم كنائسهم ،وأن يُؤذَن لليهود بالبقاء يف
اإلسكندرية .
_ يضع الروم عند املسلمني رهائن لضامن نفاذ اإلتفاق مائة وخمسني من املقاتلني،
الساة غري املقاتلني.
وخمسني من ُ
عىل أن العظمة التى ثبتت لعمرو بعد فتح مرص ال تقل عن عظمة الفاتح الجرئ،
وال عظمة القائد الضليع بفنون الخدعة واإلقدام .فقد عرف مرص وهومقبل عىل
حكمها كام عرفها وهو مقبل عىل فتحها ،فإذا هو صالح للعامر والقرار صالحه
للهجوم والحصار.
وكان رأي عمرو بن العاص رأيا متفردا عن الجميع وهو أن مرص أُ ِخذَت فتحا ومل
ت ُؤ َخذ صلحا كام يُفهم منه الصلح بغري قتال ،ويف ذلك يقول عمرو-:
يل عهد ،إن شئت قتلت،
( قعدت مقعدي هذا وما ألحد من قبط مرص ع ّ
137
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
شئت بعت) .ولكنه مع هذا شئت خمست (الخمس من الغنيمة) ،وإن ُ وإن ُ
مل يقتل أو يُخمس أو يبيع فعامل الرعية يف أمور دينها ودنياها معاملة رضيتها،
وأطلقت ثنائها وجعلت البطريق بنيامني يُسمي عهد العرب بعهد السالمة واألمان،
وعهد الروم بعهد الجور والطغيان.
_ العربة-:
_ كان عمرو بن العاص يسعى دامئا أن يثبت للجميع أنه أقوى من كل الوالة وأنه
يختلف عنهم متاما ،فاتخذ القرار رسيعا بأن تجري األمور عىل طريقته الخاصة حتى
وإن تأخر الفتح بعض اليشء بل إنه حني أراد الفاروق عمر بن الخطاب أن يُثنيه
عن فتح مرص مل يرتك له عمرو السبيل لذلك ،فعمرو كان ُيهد لنفسه سبيال جديدا،
فتوجه إىل مرص ليفتحها بأربعة االف جندي فقط ،يف الوقت الذي كانت جيوش
الروم تتع ّدي املليون جندي .وكان لعمرو ما أراد من فتح مرص وحكمها عىل عكس
التوقعات ،ليصنع لنفسه مجدا جديدا وتكون مرص له وهو لها ،مل يعبأ بالجميع
واحتقر املايض وصنع مملكته الخاصة يف مرص وصنعته مرص أيضا ليخلد اسمه إىل
أخر الدهر بتميزه وانفراده واختالفه عن االخرين.
*****
_ عندما رأى مقوقس مرص التقاء جيوش هرقل واملسلمني يف فلسطني ،وأيقن أن
مرص ستكون من نصيب الظافر من الفريقني ،وظن ان هرقل سيكون صاحب الكفة
الراجحة بادر عىل العمل عىل هذا التقدير ،فامذا فعل؟
138
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
كانت له فتاة حسناء تُسمى( أرمانوسة) فخطر له خاطر بارع ..أن يُزوجها من
قسطنطني بن هرقل ،ووارث عرشه من بعده ،الذي ماتت زوجته ،وكان قسطنطني
حينئذ يف قيرصية .فجهز املقوقس ابنته بجهاز يليق بها ،وخرجت العروس املرصية
يف موكب فخم تُ َزف إىل قرينها املليك ،حتى أن حراس املوكب بلغوا ألفي فارس
غري الحشم والخدم وحملة الذخائر والتحف املهداة ،وما كاد املوكب يقرتب من
الحدود الرشقية ملرص ناحية العريش حتى وصل إىل ( أرمانوسة) خرب انتصار العرب
ومحارصتهم لقيرصية وتأهبهم للهجوم عىل مرص فامذا فعلت؟
هيا نخضب أيدينا بدماء األعداء بدل خضاب األوانس ،ونرشب بجامجمهم
عوضا عن رشبنا بكاسات الذهب وطاسات اإلبريز ،تعالوا نُشنف آذاننا بصلصلة
السيوف وصليل الخيل ،بدل وقْع ال ٌدف ورنّة العود ،سريوا بنا نحو األعادي ،وهناك
إذا وقعت العني عىل العني وحمي وطيس الحرب ،وعال سعري الطعن والرضب،
139
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وتقابلت الفرسان ،وأنا فتاة بيضاء بضّ اء ،وغادة هيفاء ،تجدونني أردد ما قاله
عنرتتهم األسود:
ودارت الدائرة ووقعت أرمانوسة أسرية يف أيدي املسلمني .فام كان من عمرو إال إن
خالف التوقعات كعادته وأرسلها إىل أبيها بكل احرتام وتبجيل.
_ العربة-:
كان يف إمكان عمرو بن العاص أن يتخذ أرمانوسة جارية له ،أو زوجة يف أحسن
األحوال ،كام كانت عادة الفاتحني من أقرانه ،ولكنه مل يفعل كل هذا ومل يتشبه أو
يُقلد ،فعالج األمر بطريقته الخاصة كعادته وأرسلها إىل أبيها معززة مكرمة ،إما ألنه
أُعجب بشجاعتها وبسالتها ،أو مخافة أن يُسئ إىل والدها وهوصديقه الحميم ،ويف
كل األحوال مل يكن يضريه يشء ألنه املنترص ،إال أن عمرا كان متفردا يف كل يشء ،
يتبعه الناس وال يتبعهم ،يقلدون ما يفعل ،وال يحايك شيئا من أفعالهم ،ألن دهائه
كان وحيدا من نوعه ،فعصمه من هذه املحاكاة وجعله يسري يف طريق مل يسلكه
أحد قبله.
140
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اخلالصة-:
_ اتباع التقاليد ال يعني أن األموات أحياء ،بل يعني أن األحياء أموات.
_ كن جريئا مبا فيه الكفاية لتُ ِ
قدم عىل ما أحجم عنه االخرين ،فبدون الجرأة لن
تتمكن من صنع طريق خاص بك مير فيه الجميع خلفك ،فالضعف هو الذي يدفع
بالجموع لتحايك وتُقلد.
_ حني يفضل الجميع الطريق األسهل باإلتباع والتشبه مبن سبق من العظامء ،اخرت
أنت الطريق األصعب وابتكر شيئا جديدا واخلقه من العدم ،وال محالة سيتبعه
الناس وحينئذ ترى عظمتك الحقيقية.
_ اجعل ثقتك بنفسك كاملة فالتقدم بقلب خائف يحفر القرب لصاحبه.
_ إقدامك بجراءة مييزك عن القطيع ومينحك حضورا ومهابة ويجعلك تبدوا استثنائيا
ومختلفا ،فالجبناء ال يالحظهم أحد وسط زحام الجموع ،أما أصحاب القلوب التى
ال تهاب فتربز يف املقدمة ويلفتون األنظار.
_ تذكر دائما-:
_ شخصيتك كبصمة يدك ال تشبه أحد ،كن أنت ،ثق بنفسك ،فكر لنفسك ،اعمل
لنفسك ،وكن نفسك وال تقلد أحدا فالتقليد انتحار ( .حكمة)
_ الخطر الرئييس يف العرص الحايل هو قلة من يجرؤون عىل أن يكونوا مختلفني.
( جون ستيوارت ميل)
141
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ال بأس من االستفادة من تجارب االخرين ،لكن تقليدهم ال يعني أنك ستحصل
( مارتن لوثر كينغ) عىل ما حصلوا عليه.
142
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ستواجه دامئا الكثري من املشكالت التى تُفتت أي جامعة ،عليك أن تجد املصدر
لكل هذه املشاكل ،وأن تنتبه له جيدا ،وأن تترصف قبل أن تتكاثر الفنت ويستحيل
عليك أن تجد لها حال .وإياك أن تصالحهم أو تسرتضيهم فلن يزيدهم ذلك إال
استكبارا ،تحداهم رصاحة ألن ُخبث طبائعهم سيجعلهم يعملون بكل ِج ّد عىل
إسقاطك وتدمريك ،ابعدهم واطردهم عن جامعتك قبل أن يتحولوا إىل إعصار يدمر
كل ما بنيت.
_ يف الغالب األعم املصدر الرئييس لكل املشكالت هم األشخاص التعساء الني ال
يشعرون بالرضا أبدا ،ويشيعون السخط والفُرقة بني الناس.
_ يف سعيك نحو القمة ستُحرك ضدك عداوات وتكتسب خصوما ،وستجد أشخاصا
لن تستطيع أن تكسبهم إىل صفك وسيظلون أعداء مهام فعلت ،انتبه إىل أنه ال
مجال هنا للسالم معهم خاصة إن كنت ال زلت تحتفظ مبا تسعى إليه.
_ خطب زياد بن أبيه يف يوم الجمعة ،فأطال وأخر الصالة .فقال له ُحجر بن عدي:
الصالة .فمىض زياد يف خطبته وملا خيش حجر بن عدي فوت الصالة رضب بيده إىل
فصل
كف من الحىص وقام إىل الصالة وقام الناس معه ،فلام رأى زياد ذلك نزل ّ
بالناس .وكتب إىل معاوية وأكرث عليه،
143
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فكتب إليه معاوية ليشده بالحديد ويرسله إليه ،فلام أراد زياد أ ْخذه..قام إليه قوم
ُحجر ليمنعوه ..فقال ُحجر لهم :ال ..ولكن سمعا وطاعة .فشُ د يف الحديد و ُحمل
إىل معاوية.
فلام دخل عىل معاوية قال :السالم عليك يا أمري املؤمنني ،فقال معاوية :أأمري
املؤمنني انا؟ والله ال أقيلك وال أستقيلك ،وأمر جنوده بإخراجه ورضي عنقه .فقال
صل .فصىل ركعتني خفف ُحجر للذين يلون أمره :دعوين أصيل ركعتني ،فقالوا ّ
فيهام ،ثم قال لهم :والله لوال أن تظنوا يب غري الذي أردت ألطلتهام ،وقال ملن حرض
من قومه :والله ال تطلقوا عني حديدا ،وال تغسلوا عني دما ،فإين الق غدا معاوية
وضبت عنقه. الجادةُ ،
_ العربة-:
_ عىل قدر ما اشتهر به معاوية من الحلم واألناة والر ّوية فإنه أمر بقتل ُحجر بن
عدي لغري رضورة عاجلة ،وال ملصلحة آجلة .مع أن معاوية تحلّم عىل من هو اشد
منه إساءة له ،ولعله حني عفا عمن عفا عنه كان يرى يف عفوه إستاملة ملن عفا
عنه ،ولعله حني عاقب حجر بن عدي ومن معه مبثل ما عاقب..رأى فيه مشكلة قد
يكب حجمها ويستعيص تتحول لفتنة بعد ذلك ،فأراد أن يئدها يف مهدها حتى ال ُ
عىل معاوية حلها .مع أن الناس دهشوا لهذه املقتلة الجزاف التى اهتز لها العامل
االسالمي هزة عنيفة أورثته مبغضة لدولة بني أمية من تلك املبغضات التى كمنت
وطالت حتى نُسيت أسبابها وبقيت نوازعها،
144
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وظل شبح الشهيد الوقور يطارد معاوية إىل يوم وفاته ،حتى أن معاوية ملا حرضته
الوفاة جعل يقول :يومي منك يا ُحجر طويل .إال أن معاوية عندما عاقبه كان
يف عقابه هذا تحديا ملشكلة ال يستطيع إال أن يتحداها حتى ال تتفاقم وتتطور
ويستعيص عليه حلها.
_ كان بنو امية عامة ومعاوية خاصة من أصحاب املظهر االجتامعي ،وليس فيهم
غري القليل النادر من أصحاب الطموح إىل الزعامة ،وقد صرب معاوية عىل ألوان
شتى من الخضوع يف طلب وجاهته السياسية ال يصرب عليها كثري من عامة الناس،
ألنه يطلب هذه الوجاهة بتقليد ورايث ،ولكن يف صربه هذا تحديا للجميع ممن
يريد أن ينازعه األمر ،فقد قال ذات مرة يفصح عام بداخله( :ما قاتلتكم لتصوموا
وال لتصلوا وال لتحجوا وال لتزكوا ،قد علمت أنكم تفعلون ذلك ،ولكن قاتلتكم
ألتأمر عليكم ).وهي قولة مل يقلها أحد غريه من املطبوعني عىل الصولة والزعامة،
ألنهم ال يحتاجون إليها ،ولكنه قالها ألنها قعدت عىل صدره لطول ما صرب عىل
مجابهة هذا ومصانعة ذاك.
*****
_ حمل عمرو بن العاص كتاب النبي صىل الله عليه وسلم إىل ُعامن والذي يدعوا
فيه َجيفر وع ّباد ابني ال ُجلندي إىل اإلسالم ،وكان يف الكتاب بعد السالم عىل من اتبع
الهدى( أما بعد،فإين ادعوكام بدعاية اإلسالم ،أسلِام فإين رسول الله إىل الناس كافة
ألنذر من كان حيا ويحق القول عىل الكافرين ،وإنكام إن أقررمتا باإلسالم وليتُكام،
145
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وإن أبيتام أن تقرا باإلسالم فإن ملككام زائل ،وخييل تحل بساحتكام ،وتظهر بنويت
عىل ُملككام).
وكان اختيار عمرو بن العاص لهذه املهمة ألنه يستجمع لكل ما فُطر عليه من
اللباقة والدهاء و ُحب الرئاسة والرثاء .فحمل الكتاب وبدأ بأصغر األخوين ع ّباد،
ألنه مل يكن عىل والية امل ُلك فهو أقرب إىل ُحسن اإلصغاء ،فاحتفى به عباد ،وأصغى
إليه ووعده أن يوصله إىل أخيه وميهد له عنده .ثم لقي عمرو جيفرا فغذا هو
صعب املراس من عباد ،فطفق يسأل عمرا عن نفسه وعن ابيه وهل اسلم قبله
ام مات عىل غري اإلسالم؟ وسأله عام صنعت قريش .فلخص له عمرو املوقف أوقع
تلخيص متحديا له ..قائال :إما راغب يف الدين ،وإما مقهور بالسيف ،ثم عقّب بكالم
وجيز فيه وعد ووعيد قائال :وأنت إن مل تُسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ،فأسلم
تسلم ،فيوليك عىل قومك ،وتبقى عىل ُملكك يف اإلسالم ،وال تدخل عليك الخيل
والرجال ،ويف هذا ومع سعادة الدارين راحة من القتال.
وأتبع هذا الوعيد مبا يوامئه من قلة االكرتاث لجيفر حني ظل عىل عناده ،وأعلن
عمرا بلقاء املسلمني دون أرضه وصدهم عن حوزة ُملكه.
وانرصف عمرو وقد ألقى يف روع عباد وجيفر ما ألقى ،فإذا بعباد قد أت ّم له ما بدأه
من النذير والنصيحة ،وإذا باألخوين ومن تبعهام يستجيبون لإلسالم.
_ العربة-:
146
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ يجب يف التعامل مع الرجال إما أن تتود إليهم وإما أن متحقهم من الوجود ،ألن
الناس ينتقمون ملا يجرحهم وال يستطيعون االنتقام ملا يقيض عليهم متاما ،ولذلك
إذا أردت أن تصيب أحدا فتأكد أن األرضار التى تسببها لهم لن تسمح لهم بالعودة
للثأر( .مكيافيليل)
_ حني تحارص شخصا وال تُبق له أمال يف التعايف ،اتركه يشنق نفسه بنفسه ،ويصبح
املذنب يف تدمري نفسه ،وستحصل عىل النتيجة نفسها ولكن لن تشعر بنفس القدر
من الذنب.
_ تذكر دائما-:
_ أن املفاوضات ثعبان ماكر يلتهم انتصارك ،فال ترتك ألعدائك ما يفاوضون عليه.
أبقهم دون أمل أو فرص للمناورة ،وأن عليهم أن يعلموا أنهم ُهزموا وأن هذا هو
كل مالديهم.
_ للحضور أهمية قصوى يف هذه القاعدة ويف اإلغواء أيضا ،عليك أن تُكثف حضورك
أو أن تخلق لدى من تريد أن تؤثر فيه الشعور الدائم بحضورك الدائم ،ففقدان
الشخصية وغياب الهيبة يرمز إىل فقدان القوة.
_ إذا تحديت شخصا ما فاحرص عىل أن تُفقده الوسائل التى متكنه من أن يرد لك
الرضبة التى ستوجهها إليه.
147
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ عمر بن الخطاب ريص الله عنه كان أشد الخلفاء عىل والته ،ومل يكن أحد ليجرتئ
عليه..عىل ما يجدونه منه من شدة ومحاسبة دامئة .ولكن عمرو بن العاص ريض
الله عنه يف واليته عىل مرص يف حياة عمر قد اقتصد يف تحصيل الرضائب حتى
ارتاب الخليفة يف أمره ،وحاسبه حسابا عسريا كعادته يف محاسبة العامل والوالة
إبراءا لذمته من العبث ببيت املال .وعمرو وهو من هو يف ُخلقه وقوة شكيمته.
كتب الفاروق عمر بن الخطاب كتابا يف ذلك وأرسله إىل عمرو يف مرص يتعجب فيه
من أن أرض مرصال تؤدي ما كانت تؤديه ويعرض له ببعض الشبهات ،فأجابه
عمرو مغضبا (:إننا عملنا لرسول الله صىل الله عليه وسلم وملن بعده ،فكنا بحمد
الله مؤدين ألماناتنا ،حافظني ملا عظم الله من حق أمتنا ،وإن الله قد نزهني عن
بعض الطُّ َعم الدنيئة ،والرغبة فيها بعد كتابك الذي مل تستبق فيه عرضا ،ومل تكرم
فيه أخا).........إىل أن قال وهو أشد ما واجه به أحد من الوالة أمري املؤمنني عمر
بن الخطاب(والله يا ابن الخطاب ألنا حني يراد مني ذلك أشد غضبا لنفيس ،ولها
إنزاها وإكراما ،وما عملت من عمل أرى عليه متعلقا ،ولكني حفظت مامل تحفظ،
ولو كنت من يهود يرثب ما زدت ،يغفر الله لك ولنا).
_ العربة-:
مل يكن أحد ليجرتئ عىل أمري املؤمنني عمر بن الخطاب ريض الله عنه مبثل ما اجرتأ
عليه عمرو بن العاص ،ولكن للسطوة متطلبات ،وللدهاء أمور يجب فيه إعاملها
بإظهار بعض الشدة ملن يتعامل بالشدة ،فام كان عمرو بن العاص بالذي يقبل ان
يطعن احد يف ذمته أو يقلل من شأنه حتى ولو كان الفاروق عمر بن الخطاب ريض
الله عنهم أجمعني.
148
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
من قوانني عزة النفس عند الدهاة-:
أال يكرم من اهانه ،وال يحنو عىل من قسا عليه ،وال يحن ملن باعه ،وال يلجأ ملن
أضل طريقه عمدا ،وال يشتاق إىل من استغنى عنه.
_ ملا عزل عثامن ريض الله عنه عمرو بن العاص من والية مرص ،ترقب عمرو يف
بيته بفلسطني حيث تفرتق ال ُُسبل( الطرق) بني الحجاز ومرص والشام والعراق
السبل وهو آمن جهد ما يتاح له األمان ،ورمبايحرض من يحرض من عابري تلك ُ
رحل بني الحني والحني إىل مكة أو املدينة يستطلع ويستوثق ويدفع الحوادث إىل
الطريق الذي يرتجيه ،حتى وىش به الوشاة إىل الخليفة ،فاستدعاه عثامن وأغلظ يف
يل وتأتيني بوجه وتذهب عني شتمه يقول له بأح ّد لسان :يا ابن النابغة..أتطعن ع ّ
بوجه اخر؟ فتنصل عمرو وقال :إن كثريا مام يقول الناس وينقلون إىل والتهم باطل.
فقال الخليفة :استعملتم عىل ظلمك وكرثة القالة فيك .فثار عمرو إىل فخره القديم
يقول :لقد كنت عامال لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض .فقال عثامن :لو
أخذتك مبا اخذك به عمر الستقمت ،ولكني لِ ُ
نت عليك فاجرتأت.
ومع هذا كان عثامن يستشريه كلام أعيته الحيلة وغلبته الحرية يف حكومته ،فكان
عمرو ينصحه مبا يعلم أنه ال يضريه وال ينفع الخليفة ،فيقول له :أرى ان تلتزم
طريقة صاحبك_ أي الفاروق_ فتشتد يف موضع الشدة ،وتلني يف موضع اللني ،وإن
الشدة تنبغي ملن ال يألوا الناس رشا ،واللني ملن ال يخلص بالنصح وقد فرشتهام
جميعا باللني.
149
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
يف أوجز عبارة كان عمرو بن العاص أول من يعلم أن طريقة عمر ال يصلح لها غري
عمر ،وأنه مكلف عثامن شططا حني يُركبه منت هذا الطريق الذي سلكه عمر ،وهو
الذي قال له عثامن يوما:
لقد أمرت عبدالله بن سعد أن يتبع أثرك.
فقال عمرو له :لقد كلفته شططا يا أمري املؤمنني.
*****
_ ملا تدرجت الفتنة يف التفاقم واالستفحال ،دعا عثامن ملجلس شوري وكان من
بني املجلس عمرو بن العاص ..فقال له عثامن :ماترى يا عمرو؟ فلم يباىل عمرو أن
يجيبه أمام صحبه بجرأة /إنك قد ركبت الناس مبثل بني أمية ،فقلت وقالوا ،وزغت
وزاغوا ،فاعتدل او اعتزل ،فإن أبيت فاعتزم عزما وامض قُدما .وملا تفرق املجلس
خال عمرو بالخليفة وقال له يعتذر بينه وبينه :ال والله يا أمري املؤمنني ألنت أكرم
ىل من ذلك ،ولكن قد علمت أن بالباب قوما قد علموا أنك جمعتنا لنشري عليك، ع ّ
فأحببت ان يبلغهم قويل فأقود لك خريا ،وأدفع عنك رشا.
وكانت دولة عثامن تضعف يوما بعد يوم ،فصاح به عمرو يف املسجد ذات مرة:
اتق الله يا عثامن.فإنك قد ركبت أمورا وركبناها معك فتُب إىل الله نتُب .ثم ترك
عمرو الفتنة وأوي إىل بيته بفلسطني يتلقى الركبان ويسأل منهم كل عابر ينفعه
سؤاله ،فمر به راكب من املدينة فاستخربه خرب عثامن،:فقال الراكب :إنه محصور،
ثم أعقبه راكب اخر
150
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال :قُتل عثامن .فصاح يومئذ عمرو قائال :انا ابو عبدالله إذا نكأت قرحة أدميتها،
ثم قال :والله إين كنت ألقى الراعي فأحرضه عىل عثامن.
_ العربة-:
_ رس النجاح يف أي يشء يكمن يف القدرة عىل الرتكيز عىل هدف واحد والدفع
باستمرار إىل أن تناله.
_ كان عزل عثامن لعمرو بن العاص مبثابة إعالن حرب عىل عمرو ،فليس عمرو
بالذي يحتمل هذا العزل أو يستكني إليه ،وليس هو بالرجل الذي يثور يف غري
موضع الثورة ،أو يأخذ يف انتقام ال يثق يف إنفاذه وسالمة عقباه عليه ،فأعلن
التحدي رسا ،وجلس يرتبص الدوائر بالعهد كله واضعا نُصب عينيه هدفا وحيدا
وهو إنهاء دولة عثامن بن عفان.
_ من الحامقة أن تتحرك اعتباطا دون أن تحدد هدفك ،أو أن تهاجم الجميع ،بل
عليك أن تعرف من يتحكم باألمور ومن الذي يحرك املشهد خلف الكواليس.
_ عند تحديك لخصم أو عدو عليك اال تكون رحيام ،بل تسحق اعدائك دون
رحمة ،واملغزي من ذلك بسيط وهو ...أعدائك يتمنون لك الرش وليس هناك أحب
إليهم من التخلص منك ،فال تتوقف يف منتصف الطريق فتكون قد شددت من
عزمهم فيعودون لالنتقام منك يوما ما ،فال تأخذك رحمة بأعدائك ،اسحقهم وال
تبق لهم شيئا .كام يريدون أن يسحقوك ،ففي النهاية لن تحظي باألمان والسالم
من اعدائك إال بالقضاء عليهم.
151
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ غاية الدهاء يف هذه القاعدة :هو التحكم التام باعدائك وإخضاعهم إلرادتك
وإن مل ترتك لهم خيارات لن يكون أمامهم إال االستجابة ألوامرك.
_ عليك أن تخطط بوضوح للطريق الذي يوصلك للنهاية التى تريدها آخذا يف
االعتبار كل العقبات والعوائق ونكبات القدر التى قد ت ُبعد عنك املجد ومتنحه
لغريك.
*****
_ اخلالصة-:
_ ال تضيع وقتك يف الهجوم عىل الرؤوس املتعددة لعدوك ،بل ابحث عن الرجل
األذىك أو األكرث عزما أو األكرث تاثريا عىل االخرين ،وابذل كل ما تستطيع لتبعده عن
سيشل قدراتهم وسيكون هو خارج دائرة الصفوة. ّ الجامعة ألن ذلك
_ تذكر دائما-:
القاعدة الساسية يف هذه اللعبة :أن رجال واحدا لديه القدرة والعزم ميكن أن يُحول
قطيعا من الخراف إىل أسود ،ال تلتفت للقطيع ولكن انتبه لهذا الشخص جيدا.
_ ال تضيع وقتك الثمني أو تهدر طاقاتك يف اقتناص خروف او اثنني وال تخاطر
بحياتك مبهاجمة الكالب التى تحرس القطيع ،بل استدرج الراعي بعيدا وسوف
تتبعه الكالب وحينها ستتساقط الخراف يف يدك واحدا واحدا.
152
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ إذا أردت قوسا ُخذ األقوي،وإن أطلقت سهام فليكن األطول ،وليك ترضب الفارس
ص ّوب عىل الفرس ،وإن أردت أن تبيد عصابة اقتل الرئيس ألن من الصعب أن تقتل
الجميع ،وإن كان ميكنك أن توقف هجوم عدوك بالقضاء عىل القائد فامذا يفيدك
أن تُثخن يف القتل؟
*****
153
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ معاوية بن أيب سفيان ريض الله عنه نادى بالثأر من قتلة عثامن ،وملا استتب له
وقدم قريشا حتى وصل إىل دار عثامن بن عفان .فلقي عائشة بنت األمر بالخالفة ِ
عثامن ،فندبت أباها وبكته وصاحت عليه ،فرصف معاوية الناس عنها ثم قال لها:
يا بنت أخي إن الناس أعطونا سلطانا فأظهرنا لهم حلام تحته غضب ،وأظهروا لنا
طاعة تحتها حقد ،فبعناهم هذا بهذا ،وباعونا هذا بهذا ،فإن أعطيناهم غري ما
اشرتوا منا ش ّحوا علينا بحقنا وأبخسناهم حقهم ،ومع كل إنسان منا شيعته ،وهو
يرى مكان شيعته فإن نكثناهم نكثوا بنا ،ثم آل ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا؟
أحب إ ّيل من أن تكوين أَ َمة ( جارية)
وأن تكوين ابنة عثامن وعمك أمري املؤمنني ّ
من إماء املسلمني ،ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك .فاستكانت ابنة عثامن وسكتت.
_ العربة-:
خاض معاوية ومن معه من الدهاة ما خاضوا من الحروب وجنودهم يظنون بهم
أنهم يحاربون طلبا لثأر عثامن من قَتلته ،والعا ّمة مخدوعني يف ذلك ،مندفعني إىل
حتفهم ،يهبون حياتهم طلبا لهذا الثأر املزعوم،
155
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ويف ذلك الوقت كان معاوية يحثهم عىل ما خدعهم به .ويف الحقيقة جعلهم
يحاربون ملا يريده هو ،ويحثهم عىل الدفع بأرواحهم يف سبيله هو إىل أن حقق
ونيس أمر الثأر لعثامن بعدما حصل له
ما يريده يف نهاية األمر وكانت له الخالفةَ ،
مقصوده من كل ذلك.
_ كان معاوية غذا خ ّوفه أحد تخ ّوف له ،وإذا خدعه أحد انخدع له ،حتى كان
معاوية يخافه حقا وينخدع حقا .وليس من أحد أتقن هذه اللعبة مثل ما أتقنها
معاوية.
_ يقول عبدالله بن الزبري :لله د ّر ابن هند_ يعني معاوية_ إنا كنا لنفرقه ( نخوفه)
وما الليث يف براثنه بأجرأ منه ،فيتفارق لنا .وإن كنا لنخدعه وما من ابن ليلة من
أهل األرض بأدهى منه فيتخادع لنا .والله لوددت أنا ُمتّعنا به ما دام يف هذا الجبل
حجر( وأشار إىل جبل أيب قُبيس).
_ أخر من بايع معاوية من الدهاة الذين كان يستميلهم إليه زياد بن أبيه ،مل
يقنعه معاوية ومل يستطع خداعه أو استاملته،ومل يُقبل هو عىل معاوية ،مع أنه
كان أول املنظور إىل بيعتهم يف تقدير بني أمية ألنه كان وليدا رشعيا أليب سفيان
وأخا ملعاوية من أبيه.
والّه عيل بن أيب طالب فارس وكرمان ،فأرسل إليه معاوية يتوعده..وكانت خطيئته
الكربى ..ذلك أن زيادا قام يف الناس خطيبا يغلظ الجواب ملعاوية ويرد الوعيد
مبثله ،وجعل يقول عىل مسمع من أتباعه يف خطبته تلك:
156
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
العجب كل العجب من ابن آكلة األكباد ،ورأس النفاق ،يخوفني بقصده إياي.
وبيني وبينه ابن عم رسول الله صىل الله عليه وسلم يف املهاجرين واألنصار ،أما
والله لو أذن يل يف لقائه لوجدين أحمر مخشيا رضابا بالسيف.
وأدرك معاوية خطأه ،فليس مثل زياد من يأيت بالتهديد والوعيد ،فكتب إليه يرتضاه
ويلني القول ودعاه بزياد بن أيب سفيان وهو يقول له :كأنك لست بأخي ؟ وليس
صخر بن حرب أباك وأيب؟ وشتان ما بني وبينك ،أطلب بدم ابن أيب العاص _ عثامن
بن عفان_ وأنت تقاتلني؟ولكن أدركك عرق الرخاوة من ِقبل النساء فكنت كتاركة
بيضها بالعراء و ُملحقة بيض أخرى جناحها ،وقد رأيت أال أؤاخذك بسوء سعيك،
وأن أصل رحمك ،وأبتغي الثواب من أمرك ،فاعلم يا أخي أنك إن خضت البحر
رضب بالسيف حتى ينقطع متنه ملا ازددت من القوم إال بعدا، يف طاعة القوم فتُ َ
فإن بني عبد شمس أبغض إىل بني هاشم من الشفرة إىل الثور الرصيع وقد أُوثق
للذبح ،فارجع رحمك الله إىل أصلك ،واتصل بقومك ،وال تكن كاملوصول يطري بريش
غريه ،فقد أصبحت ضال النسب ،وما فعل بك ذلك إال متاديك يف األمر ،فإن أحببت
جانبي ووثقت يب فإمرة بإمرة وإن كرهت جانبي ومل تثق بقويل ففعل جميل ،وال
يل .والسالم.
ّيل وال ع ّ
ومع كل هذا اللني يف الخطاب والوعد الحسن يف الجواب ،مل يسيجب زياد لدعوته
حتى قُتل اإلمام وصالح ابنه الحسن معاوية ،ولبث معاوية قلقا من زياد و ُجرأته،
ال يأمن مكره حيث كان يقول لخاصته (ما يؤمنني أن يبايع لرجل من آل البيت
يل الحرب جذعة).
فإذا هو قد اعاد ع ّ
157
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
العربة-:
_ أخطأ معاوية حني تهدد زيادا وتوعده ،فحاول إدراك األمر وإعادة لعبة الخداع
ولكن هذه املرة باللني.رمبا ألنه مل يعرف زياد حق املعرفة ،أو قلّل من شأنه...
فزياد ال تنطيل عليه ما ينطيل عىل العامة من أمور ،ولكنه داهية يطعن يف داهية،
ومخادع يكيد ملخادع ،ويف النهاية مل يستطه أحد منهم أن يخدع االخر.
_ تذكر جيدا-:
الذيك األريب ..الداهية بحق لن تنطىل عليه ِحيلك وال خداعك له ،فلن تخدعه مبا
خدعت به العامة..فهم ليسوا أدهياء مثله ،وال يرسي عليه ما رسى عىل العوام.
ولكن عليك أن تستميله بأي مثن كان ،اجعله يرى فيك ما ينقصه..إن كان ماال
أغدق عليه منه ،وإن كانت شجاعتك فكن سخيا عليه بها ،وإن كان منصبا فاشغله
به ،وإن كان له كل هذا فعليك مبهادنته ومساملته ،وال تقطع حبل التفاوض بينك
وبينه ..وليكن الوسيط بينكام داهية مثلكام قد تعلقت حبال مصالحه بك ،واتركه
لأليام والظروف وسيأتيك وحده..فاملصالح تتصالح.
_ ُخذ وقتك لتتعرف عىل مشاعر من تتعامل معهم ،ونقاط تأث ُرهم النفسية واعلم
أن استخدام القوة يزيد مقاومة االخرين ،أما القلب املفتوح فهو املفتاح للوصول
إىل معظم الناس،ألن معظمنا كاألطفال تحكمنا مشاعرنا وليك ت ُلني قلوب من تتعامل
معهم عليك باستخدام الشدة والتسامح بالتبادل ،وليك تخدعهم ح ّرك مخاوفهم
وال تنىس أن تثري فيهم أيضا مشاعر الحب والحرية وغري ذلك حتى يخضعوا لك،
ومبجرد أن يخضعوا لك ستجدهم حلفاء ينارصونك بقوة طوال حياتهم.
158
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل غزة ،فبعث إليه أمريها أن
أرسل إ ّىل رجال من أصحابك أُكلمه ،ففكر عمرو وقال :ما لهذا األمر أحد غريي..
فقام وتنكر ودخل عىل أمريها وأسمعه كالما مل يسمع مثله قط .فقال له األمري:
حدثني عن أصحابك ،هل فيهم أحد مثلك؟ فقال عمرو :ال تسأل عن هواين عليهم
إذ بعثوين إليك وع ّرضوين ملا ع ّرضوين فال يدرون ما تصنع يب .وشك فيه األمري أنه
هو عمرو بن العاص نفسه ،فأمر له بجائزة وكسوة وبعث إىل البواب..إذا مر بك
فاقطع عنقه وخذ ما معه ،ومر عمرو برجل من النصارى من غسان فعرفه فقال:
ِ
فأحسن الخروج ،فرجع إىل األمري فقال له :مار ّدك إلينا؟ قال قد أحسنت الدخول
عمرو :نظرت فيام أعطيتني فلم أجد ذلك ليسع بني عمي فأردت أن آتيك بعرشة
منهم فتعطيهم ما أعطيتني فيكون معروفك عند عرشة خري من أن يكون عند
واحد .فقال األمري :صدقت..أَعجِل بهم ،وبعث إىل البواب ليخيل سبيله ،فخرج
عمرو وهو يلتفت حتى إذا أ ِمن ..قال :ال عدتُ ملثلها أبدا .فلام صالحه عمرو دخل
عليه األمري فلام رآه قال له :أنت هو؟ فقال عمرو :نعم..عىل ما كان من غدرك.
_ العربة-:
_ املخادعني بحق هم من يتكلمون ويترصفون بطريقة مألوفة ومعتادة ،وال يضللون
الناس بالكالم املزخرف والحكايات املؤثرة ألنهم يعلمون أن املبالغة تولّد الشك
والريبة ،ومبجرد أن يطمنئ خصمك فلن يالحظ أي خداع تحكيه لهم ،والسبب
يف ذلك..أن الناس ال يستطيعون الرتكيز يف أكرث من يشء يف وقت واحد ،ويصعب
عليهم أن يتخيلوا أن الشخص الوديع واملسامل الذي يتعاملون معه ميكنه أن يدبر
لهم شيئا يف الخفاء.
159
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ أكرث طُرق الخداع فعالية ..القيام بأعامل وتلميحات تدل عىل ال ُنبل ،ألن الناس
يحبون أن يقنعوا أنفسهم بأن هذا النبل صادق وحقيقي ألن ذلك ميتعهم ويرضيهم
ويجعلهم ينسون أن هذا ال ُنبل قد يكون مفتعال وخادعا.
_ من نقاط الضعف النفسية التي ميكن أن تؤيت مثارها معك..ميل الناس لالنخداع
باملظاهر ،والظن بأن من يترصف وكأنه واحد منهم يكون بالفعل مخلصا لهم .هذه
العادة تجعل االمتزاج التام بالناس من الواجهات الفعالة للغاية..وتحقيق ذلك
يقل شك االخرين فيك.سهل للغاية..أن تخالط من حولك وكلام زاد امتزاجك بهم ّ
_ يتطلب منك األمر صربا وتواضعا لتتمكن من إخفاء صفاتك البارزة واملتألقة،
وارتداء قناع معتم ال يشف عن حقيقتك ،وال يحزنك أن يحرمك هذا القناع الرمادي
من انبهار الناس بحيويتك ومواهبك .ألن أغلب ما يُظهرك مبظهر القوة ويجذب
الناس إليك هو عدم قدرتهم عىل قرائتك.
_ ضع نُصب عينيك دامئا-:
الضأن شديد الوداعة ،وال يغدر وال يخدع أبدا ،ولكن حني يرتدي الثعلب جلد
الضأن ميكنه أن يتجول بحرية يف حظرية الدجاج.
*****
_ حرض عمرو بن العاص مجلس معاوية وحاجبه يستأذن لوفود األنصار .فقال
عمرو :ما هذا اللقب يا أمري املؤمنني؟ اردد القوم إىل أنسابهم .ثم قال للحاجب:
اخرج فقل من كان هاهنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل..فدخل َولد عمرو بن
عامر كلهم إال األنصار.
160
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فنظر معاوية لعمرو نظرة منكرة وقال :باعدت جدا.
فقال عمرو للحاجب :اخرج فقل من كان هاهنا من األوس والخزرج فليدخل.
فخرج الحاجب فقالها..فدخلوا يقدمهم النعامن بن بشري األنصاري وهو يقول-:
فجعل معاوية يقول متندما :لقد كنا أغنياء عن هذا .وعمرو يضحك.
_ العربة_:
كان عمرو يف نصائحه ملعاوية سديد املرمى قبل هزمية عىل ريض الله عنه ،ولكنه
كان متهام يف كل نصيحة أدىل بها إىل معاوية بعد ذلك ،وكان ظاهرا من نصائحه
يف جملتها أنه أراد أن يثري عليه العداوات ،وأن يُوغر عليه صدر الصحابة ،ويرتكه
مشغوال بخوف الفتنة أو واقعا يف جوانبها .فعمرو هو أقرب قريب من الخالفة
متى زال عنها معاوية ،ورغم ذلك كان معاوية يسمع منه نصائحه وال يدرك ما فيها
إال بعد فوات األوان ،فيستدرك بدهائه ما أوقعه عمرو فيه ،وما فعل ذلك عمرو
إال ألنه أتقن لعبة الخداع جيدا ،فكان يخادع الجميع ويخدعهم حتى معاوية
رغم علمه به وحرصه منه ،لكنها سياسة عمرو الناعمة التى تشتمل عىل الخداع
والتضليل إلدراك الغاية التى يسعى إليها.
161
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اخلالصة-:
_ من السهل جدا أن تخدع من يستعجل األمور ،ألنه اليرى األمور ببصرية املتأين
املتأمل للحوادث.
_ خداع االخرين يتنايف مع قواعد األخالق العامة ،إال أنه يصبح رضورة يف بعض
األحيان..لص ّد رضر ،أو تحصيل منفعة ال ميكن تحصيلها بدون خداع االخرين.
-1حدد هدفك وما ترغب يف الوصول إليه أو الحصول عليه عند القيام بخداع
االخرين.
-2اختار الطريقة الخاصة بك..سواء كان ذلك ماال أو مفاوضات ،أو مصالح مشرتكة
بينك وبني من تخادعه ،أو غريها مام يتناسب لك.
-3ع ّدل سلوكك حتى تتمكن من توصيل الكذب عىل أنه حقيقة.
-4ابحث عن سبب يدعوا االخرين إىل الثقة بك مبا يكفي لتخدعهم .
162
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
-6إذا كنت تريد إخفاء دورك يف لعبة الخداع يجب أن تتظاهر بالرباءة والتعاطف
حتى النهاية ،فتفاعلك مع عواقب الخدعة سيغري من عالقتك بالضحية بصورة
كبرية.
-7تجنب الشعور بالذنب ،واجعل ابتعادك عن مكان الخدعة غري ُملفت للنظر،
فاالبتعاد فور قيامك بخداع االخرين سيجعلك موضع الشك األول.
163
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
الفخ
تتجل قيمة الدهاء والحيلة يف الفخ الذي تنصبه ألعدائك .يشء قد يكون أشبه
_ ّ
بالصياد حني يوقع فريسته ،يحتال عليها وينصب الفخ مبهارة فيجرد فريسته من كل
أسلحتها فال تجد إال اإلذعان والرضوخ .دع األمر يظهر عىل أنه قدر من الترشيف
والتعظيم بينام هو يف الحقيقة فخ محكم الصنع ،وما ال يتوصل له بالقوة يُتوصل
له بالحيلة.
_ عليك أن تكتشف مفتاح الشخصية لدى كل من تتعامل معهم ،فذلك هو فن
جعل الناس يفعلون ما تريدهم أن يفعلوه ،وهو فن ال يتطلب اال القوة بقدر ما
يتطلب املهارة والتدريب .كل إرادة يحركها دافع ما يختلف حسب ميل صاحبها،
فال يوجد من الناس إال قليلون ال يخضعون لوثن ما..فالبعض يعبدون الشهرة
واخرون مهووسون باالمتالك واملصالح الذاتية والغالبية يخضعون للشهوات .املهارة
هي أن تعرف وثن كل شخص وتُخضعه به ،فمعرفتك مبنبع الدوافع التى تحرك
الشخص أشبه بامتالك املفتاح الخضاع إرادته ( .بالتسار جراتسيان)
_ اقرتب من هدفك بطرح فكرة تبدو عادية ومألوفة وسوف يتشتت ذهن من
تخادعه لتستدرجه إىل فخك ،فتزول عنه شكوكه وينقاد معك إن أخذته برفق عرب
املسار املنزلق الذي يف نهايته سيكون فريسة سهلة ملكيدتك.
_ األفضل لك حني تستدرج خصومك للفخ الذي أعددته لهم أن ترتكهم يختارون
السم ألنفسهم بأنفسهم ،ثم تسعى جاهدا إلخفاء أنك من قدمته لهم.
164
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا أراد معاوية أ ْخذ البيعة ليزيد..كتب لواليه عىل املدينة مروان بن الحكم يقول
له :إين كربت سني ،ورق عظمي ،وخشيت االختالف عىل األمة من بعدي ،وكرهت
أن أقطع أمرا دون مشورة َمن عندك ،فاعرض عليهم ذلك وخربين مبا ير ّدون.
فلام قرأ الكتاب عىل الناس يف املسجد هاجوا وماجوا ،فقال عبدالرحمن بن أيب
بكر:ما الخري أردتم ألمة محمد ،ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية ..كلام مات
هرقل قام هرقل.
وقام الحسني ين عىل فأنكر ذلك ،وفعل مثله عبدالله بن عمر ،وعبدالله بن الزبري.
وقدم معاوية املدينة بعد فراغه فكتب مروان بن الحكم إىل معاوية ما حدثِ .
من أداء العمرة ،وحاول أن يقنع كبار الصحابة يف ذلك ..فخاطبهم يف شأن البيعة
ليزيد ،ولكنهم أنكروا جميعا عليه ،فلام رأى منهم إرصارا وعنادا..أرسل يف طلبهم
جميعا وقد عهدوا أن يتحدث ابن الزبري بلسانهم جميعا ،فلام دخلوا عىل معاوية
ر ّحب بهم وقال لهم :قد علمتم نظري لكم وتعطفي عليكم وصلتي أرحامكم،
ويزيد أخوكم وابن عمكم ،وإمنا أردت أن أقدمه باسم الخالفة وتكونوا أنتم تأمرون
وتنهون ..فسكتوا جميعا ،فقال لهم :أجيبوين..ثم أشار إىل ابن الزبري أن يتكلم ،
فقال ابن الزبري له :نخريك بني ثالث خصال:
فقال معاوية :اعرضهن.
فقال ابن الزبري:تصنع كام صنع رسول الله صىل الله عليه وسلم ،أو كام صنع أبو
بكر ،أو كام صنع عمر .فقال معاوية :ما صنعوا؟
165
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال ابن الزبري :قُبض رسول الله صىل الله عليه وسلم ومل يستخلف أحدا فارتىض
الناس أبا بكر خليفة.
قال ابن الزبري :صدقت ،فاصنع كام صنع أبو بكر ،فإنه عهد إىل رجل من قاصية
قريش وليس من بني أمية فاستخلَفه ،وإن شئت فاصنع كام صنع عمر..جعل األمر
شورى يف ستة نفر ليس فيهم أحد من ولده وال بني أبيه .قال معاوية البن الزبري:
هل عندك غري هذا؟ قال ابن الزبري :ال.
فتوعدهم معاوية وصاح فيهم قائال:إين كنت أخطب فيكم فيقوم القائم منكم إ ّيل
يل
فيكذبني عىل رؤوس الناس فأصفح ،وإين اليوم قائم مبقالة وأقسم بالله لنئ ر ّد ع ّ
أحد منكم كلمة يف مقامي هذا ال ترجع إليه كلمة غريها حتى يسبقها السيف إىل
رأسه فال يبقني رجل إال عىل نفسه.
ثم دعا معاوية صاحب حرسه أمامهم فقال له :أقم عىل رأس كل رجل من هؤالء
رجلني مع كل منهام سيف ،فإن ذهب رجل منهم ير ّد عىل وأنا أخطب بكلمة
تصديق أو تكذيب فليرضباه بسيفيهام ،ثم خرج إىل املسجد وأخذهم معه ،ورقي
املنرب فحمدالله وأثنى عليه ،ثم قال :إن هؤالء الرهط ..سادة املسلمني وخيارهم ،ال
يُبتز أمر دونهم ،وال يُقىض إال عن مشورتهم ،وأنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ،فبايِعوا
عىل اسم الله .وملا سمع الناس هذا القول اعتقدوا أن زعامؤهم بايعوا..فأق َبلوا
فبايعوا.
166
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
وهكذا استطاع معاوية بالحيلة واالكراه معا أن يأخذ البيعة ليزيد ابنه بوالية العهد
من أهل الحجاز..بعدما سقطوا يف فخه.
_ العربة-:
_ املرتابني واملتشككني أسهل من ميكن استدراجهم إىل الفخ الذي تريده ،وكسبك
لثقتهم يف ناحية مينحك ستارا من الدخان يعميهم ويسمح لك بالتسلل وكيل
الرضبات املميته لهم يف نواح أخرى ،ومن آليات التضليل البارعة ال ستدراجهم
نحو الفخ أن تأيت ببادرة تثبت صدقك وحسن نواياك واستعدادك للتعاون وكذلك
الترصف بطريقة تُشعر من تتعامل معه بتفوقه عليك.
_ كل الناس الذين حولك هم ضحايا محتملني ألن يقعوا يف فخك ،لكن عليك أوال
أن تعرف منط الشخصية التي تتعامل معها ،تعلّم أن ترى الحقيقة الكامنة خلف
هذا الشخص لتعرف كيف تنصب الفخ املالئم له.
_ املقاتل الحقيقي هو الذي يفاجئ أعدائه بخطة ماكرة وغري متوقعة ،ولذلك
عليك أن تخفي مشاعرك تجاهه ،وأن تبدي له عدم الرغبة يف االنتقام والتحيل
باللني قبل القوة.
_ من أخالقيات النرص عىل عدوك أال تعترب نرصك انتقاما منه ،بل ردعا ألعداء
اخرين تتوقعهم ،وبعدما تنال منهم تعاملهم باملعاملة الحسنة فيشعرون بضآلة
أنفسهم أمامك.
167
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
يعس بالليل وهو أمري عىل مرص ،فسمع ناسا
_ خرج عمرو بن العاص ذات يوم ّ
يقعون فيه ويتوعدونه ،وعلم أنه إن تركهم إىل غده مل يعرفهم ومل يظفر بهم.
فأقبل عليهم إقبال الخائف الطريد،فأوهمهم أنه يلوذ بهم ويرضع إليه أال يسلموه
إىل األمري ألنه يتعقبهم وميعن يف طلبه ،فاستبقوا إىل تقييده وساقوه إىل باب قرصه
ال يتخلف منهم أحد طمعا يف املثوبة ،فأوصلهم إىل حيث يريد هو دون أن يعلموا
بذلك.
_ العربة-:
_ عليك أن تتقن فن الخداع واملكر لتستدرج الناس إىل الفخ الذي تريده ،وليك
تتقن الخداع عليك أن تستخدم تعبريات تُضلل الناس عن مقاصدك الحقيقية.
كتعبريات الوجه التي تصعب قرائتها ،التعبريات املحايدة التي ال متيل إىل يشء.
فاستخدامك لهذه التعبريات املألوفة يُطمنئ االخرين ويستدرجهم نحو الفخ الذي
أعددته لهم.
*****
يل كرم الله وجهه عليا عىل التحكيم ،وحدث ما حدث يف التحكيم،وغلب أتباع ع ّ
يل أنهم وقعوا يف فخ عمرو ومعاوية .هرب أبو موىس إىل مكة ،وقام
وأيقن أتباع ع ّ
يل خطيبا يف الكوفة فقال:
ع ّ
الحمدلله وإن أىت الدهر بالخطب الفادح والحدث الجلل ،وأشهد أن ال إله إال الله
وحده ال رشيك له وليس معه إله غريه ،وأن محمداعبده ورسوله ،أما بعد:فإن
معصية الناصح الشفيق والعالِم املجرب تورث الحرسة وتعقب الندامة .قد كنت
أمرتكم يف هذه الحكومة أمري ونحلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصري أمر.
( قصري هو موىل جذمية األبرش ملك اليمن وكان قد أشار عىل سيده أال يأمن الزباء
ملكة الجزيرة وقد دعته إىل زواجها ،فخالفه جذمية وقصد إليها فقتلته .فقال قصري.
يل إباء املخالفني الجفاة ،واملنابذين
ال يطاع لقصري أمر..فأرسلها مثال) فأبيتم ع ّ
العصاة ،حتى ارتاب الناصح بنصحه ،وضنى الزند بقدحه ،فكنت وإياكم كام قال
أخو هوازن (دريد بن الصمة).
170
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد أمرتكم أمري مبنعرج اللوي
أال إن هذين الرجلني ( عمرو وأبو موىس األشعري) الذين اخرتمتوهام حكمني قد
نبذا حكم القرأن وراء ظهورهام ،وأحييا ما أمات القرأن ،وأماتا ما أحيا القران،واتبع
كل واحد منهام هواه بغري هدى من الله ،فحكام بغري بينة ،وال سنة ماضية ،واختلفا
يف حكمهام ،وكالهام مل يرشدهام الله ،فربئ الله منهام ورسوله وصالح املؤمنني.
_ العربة-:
فطن عيل كرم الله وجهه للفخ الذي أعده عمرو ومعاوية له ،غري أن اتباع عيل مل ِ
يل كرم الله
يفطنوا ملا فطن له اإلمام ،وغلّبوا رأيه عىل رأيهم ولو أنهام تبعوا رأي ع ّ
وجهه لتغري وجه التاريخ متاما ،ولكن كان االمام بني قوم كل منهم إمام نفسه فال
يطيعون أمرا لقائدهم وإمنا قائدهم هو الذي نزل عىل رأيهم مجربا وقبِل بالتحكيم
وهو يعلم متام العلم أنه فخ محكم الصنع قد وقعوا فيه باختيارهم ووقع فيه
اإلمام مجربا.
_ مثة أمر واحد يحميك من الوقوع يف أي فخ ،أتباعك هم كلمة الرس .هل أنت من
تقودهم؟ أم هم من يقودونك؟ مشكلة قيادة أي مجموعة هي أن الناس ميلكون
أجنداتهم الخاصة بصورة ال ميكن تفاديها ،عليك أن ال تقع يف فخ التفكري الجامعي،
الالعقالنية التي تنتج عن اتخاذ القرار بصورة جامعية .عليك أن تشاورهم لتجعل
نفسك تبدو مثاال لإلنصاف ،لكن ال تتخىل أبدا عن وحدة القيادة ألنك وحدك من
سيدفع الثمن األكرب يف حال انقلبت األمور ضدك.
171
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
ما يهم يف الحرب ليس الرجال بل الرجل ( القائد) نابليون بونابرت.
_ مل يقع معاوية أبدا يف أي فخ ألنه قرص الرأي عىل أضيق دائرة ،وهم أعوانه من
حوله وكلهم دهاة .أما العامة فلم يكن من شأنهم التدخل يف أي قرارات يتخذها
معاوية ،كام كان أتباع عيل كرم الله وجهه ،وإمنا كان الذي عليهم السمع والطاعة
فلم يناقشوا معاوية يف قرار يتخذه ومن ذلك.
أن رجال من أهل الكوفة دخل دمشق عىل بعري له يف حال انرصافهم عن صفني،
فتعلق به رجل من دمشق وقال :هذه ناقتي أُخذت مني بصفني ..فارتفع أمرهام
إىل معاوية وأقام الدمشقي خمسني رجال يشهدون أنها ناقته فقىض معاوية عىل
الكويف وأمره بتسليم البعري إليه ،فقال الكويف :أصلح الله األمري إنه جمل وليس
بناقة ،فقال معاوية :هذا حكم قد ميض ،ودس إىل الكويف بعد ما تفرق الناس
فأحرضه وسأله عن مثن بعريه ودفع إليه أضعافه وب ّره وأحسن إليه وقال له :أبلغ
عليا أين أقابله مبائة ألف ما فيهم من يفرق بني الجمل والناقة.
_ بعدما انتهى التحكيم بني عمرو وأبو موىس وتفرق الفريقان ،امتنع عمرو عن
الذهاب إىل معاوية وإبالغه مبا كان ،ويبدو أنه قد عزم عىل االستيالء عىل السلطة،
وتنحية معاوية عن ال ُحكم ،ومل ال..وهو الذي خدع عليا وأصحابه يف صفني ،ثم
احتال عىل أيب موىس يف التحكيم ،بينام كان دور معاوية صغريا يف هذه الفرتة،
وأدرك معاوية ما يجول بخاطر عمرو..فلم ينتظر ،وما لبث أن أرسل إىل عمرو
يدعوه ،فقال عمرو :إمنا كنت أجيئك إذا كانت يل إليك حاجة،
172
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فأما إذا كانت الحاجة إلينا فأنت أحق أن تأتينا ،فتيقن معاوية من ظنونه ،و َخ َم َر
فصنع ،ثم دعا خاصته ومواليه وأهله وقال رأيه وأعمل الحيلة ،وأمر بطعام كثري ُ
لهم :إين سأغدوا إىل عمرو ،فإذا دعوت بالطعام فدعوا أهله ومواليه فليجلسوا
قبلكم ،فإذا شبع منهم رجل وقام فليجلس رجل منكم مكانه ،فإذا خرجوا جميعا
ومل أحد منهم فأغلقوا الباب واحذروا ألن يدخل أحد منهم إال أن آمركم .واتفقوا
عىل ذلك.
وغدا معاوية عىل عمرو وهو جالس يف فراشه فلم يقم له عنها ،وال دعاه لها،
فجلس معاوية عىل األرض ،واتكأ ناحية الفراش ،ذلك أن عمرا كان يحدث نفسه أنه
ملك األمر ،وإليه العقد يضعها فيمن يرى ،ويندب للخالفة من يشاء .فجرى بينهام
كالم كثري وكان مام قاله عمرو :هذا الكتاب بيني وبينه عليه خامتي وخامته ،وقد
يل رجاال مل أرهم
أقر بأن عثامن قُتل مظلوما ،وأخرج عليا من هذا األمر وعرض ع ّ
أهال لها ،وهذا األمر إىل أن أستخلف من شئت ،وقد أعطاين أهل الشام عهودهم
ومواثيقهم ،فحادثه معاوية ساعة ،وأخرجه عام كانوا عليه من الحديث وضاحكه
وداعبه ،ثم قال يا أبا عبدالله هل من طعام؟ فقال عمرو :اليشء يشبع كل هؤالء،
فأمر معاوية مواليه فأحرضوا الطعام املتفق عليه وقال يا أبا عبدالله ..ادع مواليك
وأهلك ..فدعاهم عمرو وقال له :ادع أنت أيضا أصحابك ،فقال معاوية..نعم نعم..
يأكل أصحابك أوال .فجلس أصحاب عمرو وكلام شبع رجل منهم وقام..جلس مكانه
رجل من خاصة معاوية حتى خرج أصحاب عمرو وبقي أصحاب معاوية ،ثم أُغلق
الباب .فقال عمرو قد فعلتها يا معاوية.
173
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال معاوية :بيني وبينك أمران فاخرت أيهام شئت ،البيعة يل أو أقتلك؟ ليس والله
غريهام .قال عمرو :فأذن لغالمي وردان أشاوره وأنظر رأيه .فقال معاوية :والله ال
تراه ،وال يراك إال مقتوال أو عىل ما قلت لك .قال عمرو :فالوفاء إذن بطعمة مرص.
قال معاوية :هي لك ما عشت ،فاستوثق كل واحد منهام صاحبه ،وأحرض معاوية
الخواص من أهل الشام ومنع أن يدخل معهم أحد من حاشية عمرو ،فقال عمرو
لهم :قد رأيت أن أبايع معاوية فلم أر أحدا أقوى عىل هذا األمر منه ،فبايعه أهل
الشام وانرصف معاوية إىل منزله خليفة.
_ العربة-:
_ إذا كنت مبارشا أكرث من الالزم فستكون عرضة ألن تقع يف الفخ الذي تنصبه
لعدوك ،عليك أن تظهر مبظهر من يسعى لخلق جديدة منتقال بذلك تدريجيا من
الصديق إىل الحبيب ،اجعل األمر يبدو وكأنك أنت وهدفك متآلفني .اجعله يشعر
باألمان التام معك حتى ينسلق نحو الفخ ثم اهجم عليه من حيث ال يتوقع منك
الهجوم.
_ االنتقال من الصداقة إىل الحب ميكنه أن يحرز النجاح دون أن يلفت النظر إليه
كمناورة ،محادثاتك الودية املتخذة طابع الصداقة واملحبة مع أهدافك ستجلب لك
ما تريد ،قضاء الوقت مع أهدافك ستجعلهم مرتاحني معك عندما يعتقدون بأنك
مهتم بهم ،فسوف يخفضون مقاومتهم وتجعلهم مستمتعني بالوهم بأنهم من
يسيطر عىل مجريات األحداث.
174
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تعلّم وأنت تنصب فخك أن-:
رصاعك مع خصومك يلزمك يف أغلب األحيان أن تؤذيهم وإن ظهر لهم بوضوح أنك
من آذاهم يردون بانتقام ،لكن إن ظهر لهم أنهم هم من آذوا أنفسهم بأنفسهم
يخضعون لك رسيعا.
_ إعطاؤك للخصوم حني يقعون يف الفخ حرية االختيار أو األدق توهم حرية
االختيار مينحك سطوة كبرية حني تحدد لهم البدائل التى يختارون منها.
_ اخلالصة-:
_ الفخ الذي تنصبه لخصمك وال يقع فيه ستقع فيه أنت ،وحتى ال يحدث ذلك
اعرف فريستك واخرتها بعناية واحكم فخك حتى توقعهم فيه.
_يف كل مجاالت الحياة عليك أال تعطي انطباع أبدا بأنك تحتال للحصول عىل يشء،
فذلك سوف يثري مقاومة لن تستطيع تحييدها ابدا ،لذا عليك أن تتعلم أن تتعلم
أن تدنوا من الناس بشكل جانبي ،عتّم ألوانك وانخرط يف حياتهم ،اظهر عىل أنه ال
يصدر منك اي تهديد أو خطر وعندها سيكون لديك املجال لتصنع الفخ املناسب
لضحيتك.
_ ازرع الشك عند أهدافك فيام يعتقدونه أو فيام يثقون فيه ،ولكن ابق أسلوبك
خفيا ،فكلامتك تكشف إمكانية وتخلق شكا ،دع أهدافك يتخيلون األفكار التى قد
أث َرتها وستعرتيهم الشكوك وسرتاهم يُقتادون ببطء إىل شبكتك دون أن يدركوا أنه
فخ ولن يتسنى لهم أن يقاوموا أو يصبحوا دفاعيني ،إذا مل يستطيعوا أن يروا ماذا
يحدث.
175
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
كلام كان مكر املرء أكرب كانت األمور األبسط هي التى توقعه يف الفخ.
(دوستوفيسيك)
_ األمري مضطر إىل أن يعلم جيدا كيف يترصف كالحيوان ،فهو يقلد الثعلب
واألسد ،لكن األسد ال يستطيع أن يحمي نفسه من الفخاخ ،والثعلب غري قادر عىل
مواجهة الذئاب ،عىل املرء إذن أن يكون ثعلبا ليواجه الفخاخ ،ويكون أسدا ليخيف
الذئاب ،ومن يريد أن يكون أسدا فقط ..ال يفهم األمور جيدا.
_ إذا وقعت يف الفخ عليك أن تخرج منه وحدك ،إذا مل تستطع فتقبل مصريك
( إبراهيم الكوين) بشجاعة.
176
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
حتلى باملرونة
_ ال تستمر القوة والسطوة إال حني تكون مرنة ،الجمود ال يعني الهيئة ،وعدم
الجمود ال يعني فقدان الهيئة فال ميكن ليشء أن يكون بال هيئة.
_ عليك أن تغري من أساليبك ألن ذلك يجعل من الصعب عىل خصومك أن يفهموا
أو يتوقعوا تحركاتك ،فال يجدوا أشياء محددة يهاجمونها.
_ التهيؤ األمثل لسطوتك أن تكون مراوغة ورشيقة ،أن تكون مثل الزئبق الذي
يتخذ أي شكل يريده ليخدع من يشاء.
_ اإللتفاف واملراوغة تحقق لك الكثري دون أن تبذل إال أقل القليل ،كل ما تبذله هو
أن تتخيل طرقا لبعرثة تحركاتك حتى تشتت خصمك وتتفهم طرق تفكريه ونقاط
ضعفه النفسية حتى تقوض تحركاته.
_ ما ال يتغري باستمرار ويتجمد يف قالب محدد يوحي باملوت ويولّد الرغبة يف
تدمريه وتغيريه.
177
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
وهذا إىل الفارق األكرب واألعرس واألعضل وهو الفارق بني ال ُملْك والخالفة وقد
افرتقت طريقاهام منذ سنني ،وت ّم افرتاقهام بعد مقتل عثامن ريض الله عنه ،فكانت
يل ،وكانت أحوال امل ُلك كلها مع معاوية مؤاتية له ومحيطة
أعباء الخالفة كلها عىل ع ّ
يل ينظرون إىل سنة النبي صىل الله به فيام يريد وما ال يريد ،فكان الناس مع ع ّ
عليه وسلم وخلفاؤه من بعده ،وكان الناس مع معاوية ينظرون إىل هرقل وكرسى
وال يكلفونه أن يحكم كام حكم النبي صىل الله عليه وسلم أو كام حكم من بعده
الخليفتان األوالن.
178
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
يل
فال يكون ملكا بأدوات خليفة وال خليفة بأدوات ملك ،ولن تبلغ الحيلة بع ّ
ريض الله عنه أن يحارب رجال يريد العرص والعرص يريده ،ألنه عرص ُملْك تهيأتْ
له دواعيه االجتامعية ،وتهيأ له الرجل بخالئقه ونياته ومعاونة أمثاله ،فلم يكن
معاوية زاهدا يف الخالفة عىل عهد أبو بكر وعمر وعثامن ولكن كانت الخالفة
يل ريض الله عنهزاهدة فيه .فلام جاء عرص امل ُلك ،طلب امل ُلك وامل ُلك يطلبه ،وكان ع ّ
يكبح تيارا جارفا ال حيلة له يف السري معه وال يف دفعه ،وكان معاوية يركب ذلك
التيار رخاءا سخاءا بغري مدافعة وال حرية ،ويركبه معه من ال يدافعه وال يحار فيه.
_ العربة-:
_ عىل الداهية أن يكون مرنا بدرجة تسمح بانتهاز أي فرصة تلوح يف األفق مهام
كانت صغرية ،فجمودك عىل أسلوب محدد ميكّن عدوك من رؤية تحركاتك وما
تخطط له ،ويُس ّهل هجومه عليك،فعليك أن تكون متدفقا كاملاء وال تتخذ شكال
محددا ،وال تراهن أبدا عىل االستقرار أو دوام الحال ألن كل يشء يتغري ،ودوام
الحال من املحال.
_ عمرو بن العاص واملغرية بن شعبة كانا آحاد الرعية يوم نشب النزاع عىل الخالفة
بني عميد بني هاشم عيل بن أيب طالب ،وعميد بني أمية معاوية بن أيب سفيان ،ومل
يكن ألحدهام (عمرو واملغرية)جند وال مال وال عصبة تنافس العصبة الهاشمية أو
العصبة األموية ،فهام خليقان أن ينظرا إىل الطلب امليسور حيث تيرس ،وقد نظرا
يل ومعاوية فلم يعرفا له طريقا أقرب من طريق معاوية وبخاصة بعد إليه عند ع ّ
مقتل عيل ريض الله عنه.
179
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
مرونتك ستحقق لك مصالحك ،كل ما عليك أن تنتظر وترتقب وتعمل عىل كل
الجهات ،فال تتجمد يف قالب واحد ،وال تُغلق عليك كل األبواب ،اترك بابا مفتوحا
فرمبا تعرب منه ذات يوم إىل ما تريد.
*****
_ قال معاوية ذات يوم البن عباس :إن يف النفس منكم يا بني هاشم لحزازات(
وجع القلب وغيظه) ،وإين لخليق أن أُدرك فيكم الثأر وأنفى العار ،فإن دمائنا
ِقبلكم وظالمتنا فيكم.
فقال له ابن عباس :والله إن ُرمت ذلك يا معاوية لتثرين عليك أُ ْسدا مخ ّدرة،
وأفاعي ُمطرقة ،ال مينعها كرثة السالح ،وال تعضها نكاية الجراح ،يضعون أسيافهم
عىل عواتقهم ويرضبون قُدما قُدما من ناوأهم ،وإن أكرب همك سالمة حشاشة
نفسك ،ولوال طغام ( عامة الناس)أهل الشام وقوك بأنفسهم ،وبذلوا دونك ُم َهجهم،
لكنت شلْوا (قطعة لحم) َ ورفعوا املصاحف مستجريين بها وعائذين بعصمتها
مطروحا بالعراء،وما أقول هذا ألرصفك عن عزميتك،وال ألزيلك عن معقود نيتك،
ولكنها الرحم تعطف عليك ،واألوارص(صلة القرابة) توجب رصف النصيحة إليك،
تكشفت األيام منك إال عن سيف صقيل ْ فقال معاوية..لله د ّرك يا ابن عباس ،ما
ورأي أصيل ،والله لو مل يلد بنو هاشم غريك ملا نقص عددهم ،ولو مل يكن ألهلك
كثهم.سواك لكان الله قد ّ
180
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
بلغ معاوية حدا من املرونة أنه كان يحاور خصومه ويقربهم إليه ويدنيهم منه
ليعرف يف النهاية مرادهم ،فهو ال يقول مثل هذا الكالم إال لعبدالله بن عباس..
فإنه حديث داهية ميتحن به أعامق داهية يقارنه من بيت خصومه ويستشف ما
بداخله ،فمعاوية استثاره ثم مدحه غاية املدح ،فضمن بذلك والء الجميع حتى
خصومه.
*****
_ اإلذعان والتنازل من املرونة.
_ كان عمرو بن العاص رغم الفخر بأبيه يخجل من نسبه ألمه ،واجرتاء الناس عليها
الغض منه واإلساءة إليه ،فكان حساده يالحقونه دوما بكرها
مبسبتها كلام تعمدوا ّ
حتى وهو يف محل اإلمارة وعىل منرب الخطبة ،ومن ذلك أنه كان يخطب يوما فقام
إليه رجل وقال :من أُ ّم األمري؟ فأمسك عمرو غضبه وقال :النابغة بنت عبدالله..
أصابتها رماح العرب فبيعت بسوق عكاظ فاشرتاها عبدالله بن جدعان ووهبها
للعاص بن وائل ،فولدت فأنجبت .وإن كانوا جعلوا لك شيئا فخذه.
_ العربة-:
عمرو بن العاص كان يخجل من نسبه ألمه ،فمام روي أنها كانت سبية..وكانت
ت ُؤجر للغناء يف مكة وغريها ،وكان أعداء عمرو يُش ّهرون بها وكانت مرونته أنه
يُذعن لذلك املجرتئ عليه ،ال عن ضعف وال عن خنوع .وإمنا عن دهاء له مداه
البعيد،
181
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فاألشخاص الذين يتجربون ويتباهون بسلطتهم يسهل مراوغتهم باستخدام
خدعة الخضوع ،فإبدائك لإلذعان ظاهريا يشعرهم بقوتهم ،وتوقريك لهم يُشبع
غرورهم،وحينها يصبحون أهدافا سهلة لهجامتك املتتالية ،ومينحك القوة عىل
املدى الطويل ،فال تُضحي أبدا بقدرتك عىل املناورة عىل املدى البعيد لصالح املجد
القصري الذي تجنيه من املواجهة.
_حني تكون األضعف ال تقاوم أو تقاتل بدافع الكرامة ،واخرت بدال من ذلك االذعان،
فاإلذعان مينحك الوقت للتعايف وتقويض راحة عدوك يف الخفاء،واالنتظار إىل أن
تزول عنه قوته ،ال متنع املتجربين متعة هزميتك وسحقك مؤقتا قبل أن تسحقهم
لألبد ،واجعل اإلذعان ضمن ترسانة ِحيلك للحصول عىل القوة.
*****
_ شتم عمرو بن العاص يوما أروى بنت الحارث بن عبداملطلب يف مجلس معاوية،
فانتهرته قائلة :وأنت يا ابن النابغة تتكلم؟ وأمك أشهر امرأة تغ ّني مبكة وآخذهن
لألجرة؟ اربع عىل ظلعك( ارفق بنفسك)،وأ ِعن بشأن نفسك ،فوالله ما أنت من
قريش يف اللباب من حسبها وال كريم منصبها ،ولقد ا ّدعاك خمسة نفر من قريش
فسئلت أمك عنهم فقالت :كلهم أتاين..فانظروا أشبههم به كلهم يزعم أنه أبوكُ ،
ِ
فألحقوه به.
_ العربة-:
182
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
أوال_ أيا كان شأن املبالغة يف التعيري بأُم عمرو لعمرو ،فإنها كانت سبية مغلوبة
عىل أمرها ،فلم تقارف البغاء سقوطا منها وابتذاال لعرضها ،ومثل هذه ال ت ُحسب
عليها زالتها كام ت ُحسب عىل املرأة التى تزل ولها مندوحة عن الزلل ،وتهوى وهي
يف موضع الصون والكرامة ،وإنجاب هذه ومثيالتها للنوابغ من البنني ليس مام
يخالف املالوف من سنن النسب والوراثة.
ثانيا_عمرو بن العاص عىل مافيه من نسبه يهني امرأة من أعظم بيوت قريش
عىل اإلطالق ،ويف مجلس معاوية،فتُذكره هذه املرأة بتاريخ لطاملا سعى عمرو
يتحل مبرونة يتفادى بها
أال يتذكره ،وما كان ذلك إال ألنه مل يساير األحداث ومل ّ
مثل هذه املواقف ،فلام تجرأ عليها تجراتْ عليه ،وال ُجرأة تجعل حتى من أضعف
املخلوقات وحوشا.
_ الداهية الحق ال يجرتئ عىل ذوي الصول والنسب ،أصحاب الوجاهة واملكانة..
ال يهابون صاحب السلطان وال يقبلون الدن ّية يف يشء منهم .ال تعاديهم ابدا فإنهم
ال يهابون أحدا..كن من املرونة بحيث تستميلهم إليك عىل رغم اختالفهم معك،
تواضع وانحنِ لهم ظاهريا ،وابتسم لهم وتو ّدد ،والعنهم جميعا يف الخفاء.
*****
_ غري أساليبك بني املشاعر والعقل يف الوقت املناسب-:
_ كان عمرو بن العاص من أشد الناس اعتدادا بأبيه ،وكان العتداده بأبيه د ْخل يف
تعويق إسالمه وتأخري شهادته للدين الجديد إىل ما بعد موت أبيه ،وكان يعلم ذلك
من نفسه ويجهر به إذا فوتح فيه ،ومن ذلك أن رجال سأله ذات مرة :يا عمرو ما
أبطابك عن اإلسالم وأنت من أنت يف عقلك؟
183
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فقال عمرو :إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم ،وكان مام يوازي أحالمهم الجبال ،ما
سلكوا فجا فتبعناهم إال وجدناه سهال ،فلام بُعث النبي صىل الله عليه وسلم أنكروا
عليه فلُذنا بهم ،فلام ذهبوا وصار األمر لنا نظرنا وتدبرنا..فإذا حق ّبي فوقع يف
قلبي اإلسالم فأسلمت.
_ العربة-:
_ كان من فرط محبة عمرو ألبيه واعتداده به تأخره عن الدخول يف اإلسالم ،فكانت
املشاعر طاغية عىل العقل..فاملشاعر تُش ّوش العقل وت ُفقدك الرؤية الواضحة ،وهذا
مينعك من التأهب واالستجابة باقتدار ملا يواجهك من تحديات ،فالحب شعور
تعب عنهام بحكمة والمدمر يفقدك الرؤية الجيدة لألمور فعليك أن تتعلم أن ّ
تدعهام ابدا يُش ّوشان تفكريك واسرتاتيجياتك ،حتى تستطيع تحرير نفسك من أُ ْس
اللحظة الحارضة لتنظر مبوضوعية ويف آن واحد للمستقبل واملايض فتنىس املايض
وتسترشف املستقبل وتعمل عليه جيدا.
*****
_ قال عمرو بن العاص البنه يحدثه عن اإلمامة :يابني -:
184
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
إمام عادل خري من مطر وابل ،وأسد خطوم(مقدام) خري من إمام ظلوم ،وإمام
ظلوم خري من فتنة تدوم.
يابني :مزاحمة األحمق خري من مصافحته ،يابني :زلة الرجل عظم يُجرب وزلة
اللسان ال تبقي وال تذر ،يابني :اسرتاح من ال عقل له.
وكان معاوية يقول عن نفسه-:
ميكنني أن أرىض الناس كلهم إال حاسد نعمة فإنه ال يرضيه إال زوالها.
وكان يقول أيضا :لو أن بيني وبني الناس شعرة ما انقطعت أبدا ،كنت إذا م ّدوها
أرخيتها ،وإذا أرخوها مددتها.
_ العربة-:
_ عمرو بن العاص ومعاوية بن أيب سفيان عرفا الدنيا حق معرفة ،وتعايشا فيها
كام يحلوا لهام ،وناال منها ما أرادا..وما ذالك إال ملرونة أتقنوها مكنتهم من العيش
بحرية وسالسة مع أقوى الخلفاء وألْينهم حتى صار األمر لهام ،فأحسن كل واحد
منهم للقريب ،وأدنَوا منهم البعيد ،وجمعوا الكلمة بعد تفرقة باللني تارة وبالشدة
تارة حتى ت ّم لهام ما أرادا.
_ الشخص األكرث مرونة يستطيع التحكم يف أحاسيسه ،ويحقق أهدافه أكرث من
الشخص الذي ليس عنده مرونة ،ألن الشخص املرن يعرف كيف يفكر بطريقة
مختلفة ،فإذا فكر بطريقة ال توصله إىل الطريق الذي يريده فإنه يفكر بطريقة
أخرى حتى يصل ويحقق ما يريد يف أخر االمر.
185
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
حني تجد نفسك يف رصاع قوي مع شخص قوي ومتصلب ،اتركه يحقق نرصا مؤقتا،
واظهر خضوعك لتفوقه ثم اعمل عىل التسلل ببطء إىل أعامق نفسه باملسايرة
واملرونة لتزيل عنه القلق والتحفظ تجاهه .واعلم أن املتصلبني يكونون دوما أقوياء
يف الرد عىل الرضبات املبارشة ،وضعفاء يف مقاومة االخرتاق والتسلل ،وليك تفوز
يف النهاية عليك أن تتلون ظاهريا كالحرباء بلون عدوك ومن الباطن تعمل عىل
تقويضه ،وتحطيم سطوته.
_ املرونة ومسايرة التغريات ليست مجرد مجاراة سلبية لألحداث أو تق ُبل قدري
ملا يأيت به الزمن وليس القصد منها أن تحصل عىل الطأمنينة والسالم الداخيل..بل
هي زيادة لسطوتك.
_ الجمود والسكون يجعل أفعالك متوقعة ،ويق ّوض من سطوتك ،فعليك باملرونة
يف كل يشء عندما تستدعي الحاجة إليها.
*****
_ اخلالصة-:
186
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ال تتعامل مع األمور وكأنها متسسك شخصيا ،وال تلجأ أبدا للدفاع والتربير.
_ ال تترصف بدفاعية فتبني لخصمك أنك تتأثر نفسيا وهذا يجعله يقرأ شخصيتك
ويعرف كيف يستثريك.
_ د ّرب نفسك عىل أال تأخذ أي أمر عىل محمل شخيص حتى ال ميتطيك أعدائك
ويحركونك من نقاط تأث ُرك.
_ ال تكشف ألحد ما الذي يخيفك أو يغريك او يغضبك ألن هذه نقاط ضعف تُ كّن
االخرين من استدراجك.
_ اجعل وجهك بال تعبري محدد ألن ذلك سيشوش من يحاول أن يكيد لك.
_ ليك تتمتع باملرونة عليك أن تعرف أن هدفك له العديد من الطرق للوصول إليه،
وعليك وضع خطة اساسية ،ووضع خطة بديلة حال فشل الخطة الساسية.
_ عليك ان تتدرب عىل قبول االخرين مهام اختفوا معك وتتعايش معهم فالكون
يتسع للجميع ،والله قد خلقنا متنوعني ومختلفني.
_ ال تجعل نفسك تشعر بالعجز مهام حدث ،ففشلك يف تحقيق هدفك ال يعني
تغي من خطتك أو طريقتكبالرضورة نهاية الطريق ،وإمنا يعني أن عليك أن ّ
للوصول للنجاح.
_ عليك أن تتحىل بالرضا مبا قسمه الله لك ،فهناك أمور قدرية ال حيلة لك فيها
وينبغي عليك أن تتقبلها كام هي.
_ تذكر دائما_:
عص.
كس وال لينا فتُ َ
ال تكن صلبا فتُ َ
187
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ال تجعل أحدا يكتشف أنك تخادع رغم أنه ال أحد يف زماننا هذا يستطيع أن
يعيش دون أن يخادع ،لكن اجعل أكرب مكرك هو يف أن تخفي كل ما قد يكشف
(بالتسار جراتسيان) لالخرين مكرك.
188
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ِ
اخف نواياك ،ليس بالكتامن الذي يُظهرك غامضا ويُشكك الناس بك ،بل بالحديث
كثريا عن رغباتك وأهدافك غري الحقيقية وحينها سوف تصطاد ثالثة عصافري بحجر
واحد-:
– الدهاء الحقيقي هو أن تُش ِعر َمن تستدرجه أنه ليس ذكيا فحسب ،بل إنه
يتفوق عليك يف الذكاء ومبجرد أن يقتنع بذلك لن يشك أو يتوقع أبدا ما ت ُدبره له
يف الخفاء.
_ أول يشء يجب أن تُخفيه عن الجميع هو دهائك وقدرتك العقلية عىل من
تتعامل معهم ،فال أحد يحتمل الشعور بأن هناك من يفوقونه ذكاءا ،عليك أن
تتظاهربالبالهة نوعا ما لتفتح لصالحك الباب لكل أنواع املكر والخداع ،وشعور
االخرين بالتفوق العقيل يٌعطّل ما لديهم من االرتياب والحذر وميكنك حينها أن
ت ُج ّرهم من أعناقهم دون أن ينتبهوا.
_ كان معاوية ال يفخر بصفة كام كان يفخر بحلمه ،كان يفاخر خاصته بالدهاء
بينه وبينهم ،ولكن مل يفخر قط بالدهاء عالنية كام كان يفخر بالحلم واألناة ،وال
غرابة يف ذلك من جميع الوجوه،فام من رجل عىل نصيب من الدهاء يعلن دهاءه
189
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ويفخر به وهو يستطيع أن يخفيه ومي ّوهه بالنصيحة والرصاحة ،ومن فعل ذلك
فهو كالصياد الذي يكشف حباله للفريسة وهي خليقة أال تقع فيها إذا انكشفت
لعينها.
_ معظم الناس تسهل قرائتهم ككتاب مفتوح ،فهم ال يتحكمون بكلامتهم أو
صورتهم وال يصعب توقع ترصفاتهم ،فالتحفظ والصمت واإلالء أحيانا بعبارات
ملتبسة وتع ّمد الظهور مبظهر عدم االتساق والترصف بغرابة بطُرق لطيفة وخفية
ميكنك أن تشيع حولك هالة من الغموض.
_ األشخاص الغامضون يضعون االخرين يف مرتبة أدىن نوعا ما بجعلْهم ينشغلون
بالتفسري ،كام يبثون فيهم الخوف والرهبة التي تحيط بأي يشء مجهول أو محري.
فقط الدهاة يعرفون أن هالة الغموض تجذب إليهم االنتباه وتثري الخوف فيمن
حولهم.
_ هناك أوقات ال يصح فيها جذب االنتباه إليك حيث يكون عليك أن تتجنب
الشهرة والفضائح ،فال يجب أبدا أن تهدد شهرتك أو تتحدى شهرة من هم أعىل
منك إن كانوا راسخني يف مواقعهم ،فذلك لن يٌظهرك دنيئا فحسب..بل تافها أيضا.
عليك أن تتقن فن توقيت متى تجذب االنتباه إليك ومتى تبعده عنك.
_ ال ُجنب والخوف-:
ال يليق بالداهية أن يكون جبانا حتى وإن كان كذلك بالفعل ،عليك أن تعتصم
تجب فيه فتهدم كل ما بنيت ويتفرق عنكبأسباب القوة فال يرى أحد منك موقفا ُ
أتباعك ،فلن تكون بأخوف من معاوية حني كان يحارب عليا كرم الله وجهه,
190
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ سأل عمرو بن العاص ريض الله عنه معاوية يوما قائال :والله ما أدري يا أمري
املؤمنني..أشجاع أنت أم جبان؟ فقال معاوية:
ومل يؤث َر ملعاوية موقف واحد يُحسب له من مواقف الشجاعة البينة ،بل ُحسب
عليه أنه كان يأوي إىل قُبة يحيط بها الحراس يف معارك صفني ،وأنه أرس َع إىل
فرسه يف ليلة الهرير (خامتة حرب صفني) لينجو بحياته،ثم هدأ الخطر بعض اليشء
فراجع نفسه وتراجع إىل مكانه وهو آمن من عاقبة هذه الرجعة بعد أن خفّت
أدل عىل ذلك من موقفه يوم دعاه الهجمة عىل موضعه يف ميدان القتال .وليس ّ
يل كرم الله وجهه ملنازلته عىل أن يكون األمر ملن يرصع االخر ،فاستشار عمرو بن
ع ّ
يل يا معاوية..أرى أن تنازله.
العاص يف ذلك فقال له عمرو :أنصفك ع ّ
يل بن أيب
فقال معاوية :أراك رغبت باألمر من بعدي ،ومن يقدر عىل منازلة ع ّ
طالب؟ إنه مل ينازل أحاد إال رصعه.
_ العربة-:
كان معاوية ريض الله عنه ال يثق بأحد ولو كان أقرب أتباعه له وخاصة أيام حربه
يل ريض الله عنهام ،كان ال يثق إال يف عقله وقوته ،وهو األعلم بعيل بن أيب مع ع ّ
طالب يف الحرب من أي أحد آخر ،ويعلم أنه ال طاقة له بنزاله ،ولكنه يريد أن
يل ،ليظهر للجميع أن معاويةيخفي ُجبنه ذلك فيقنع هو عمرو بن العاص بنزال ع ّ
أكرب من هذا النزال ،وإمنا يرسل أحد ق ّواده لينازل بالنيابة عنه.
191
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
*****
_ اقتحم عمرو بن العاص هو وفريق من جنده أحد حصون االسكندرية ،ثم ارتدوا
وبقي هو وثالثة من صحبه،فعرض عليهم الروم أن يخرجوا إليهم ليبارزوهم واحدا
لواحد ،فتص ّدى هو للمبارزة لوال أن منعه صاحبه مسلمة بن مخلد ووقف دونه
وهو يقول :ما هذا ؟ تخطئ مرتني ،فتشذ عنك أصحابك وأنت أمري ،وإمنا قوامهم
بك ،وقلوبهم معلقة نحوك ،ال يدرو ما أمرك حتى تبارزه وتتعرض للقتل؟ فإن
قُتلت كان ذلك بالء عىل أصحابك ،مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله.
ومث َُل عمرو بني يدي البطريق فعجب البطريق من أنفته وقوة جوابه ،فالتفت إىل
َمن يف مجلسه وقال لهم باليونانية( يظهر من أنفة هذا الرجل وكِرب نفسه أنه من
نتخل عن قتله) .وكان وردان
وجوه العرب ،ورمبا كان من كبار قواده ،فال ينبغي أن ّ
موىل عمرو بن العاص يفهم اليونانية ،فأراد النجاة لسيده عمرو،
192
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فأراد أن يبني للبطريق ومن معه خطأهم ،ويبني لهم أن الذي يكلمهم (عمرو) إمنا
هو رجل من عامة الجند ،فأرسع إليه فلطمه صائحا به ،ما أنت ولهذا يا لكع؟ دع
املقال ملن هو أوىل بالكالم منك ،وفهم عمرو أن يف األمر شيئا فسكت عىل ما فعله
غالمه وردان ،فكانت هذه اللطمة سبب نجاته .
_ العربة-:
_ إذا كنت ترغب بالقوة املطلقة تخىل عن الرصاحة وتد ّرب عىل فن كتامن نواياك،
إن أتقنت هذا الفن ستكون لك دامئا اليد العليا.
الرس يف نجاح الكتامن يك ُمن يف حقيقة بسيطة عن الطبيعة البرشية ،فغريزتنا
تفرض علينا أن نصدق املظاهر ،وال ميكن لنا أن منيض يف حياتنا إن كنا نتشكك يف
كل ما نراه.
_ ال تجعل من السهل أبدا معرفة ما تفعل أو ما تنوي أن تفعل ،وال تُظهر كل
أوراق اللعب التى يف يديك ،فالغموض يُضفي عىل حضورك جالال ويدفع االخرين
للتخمني والشك ،استخدم الغموض لألخد بألباب الناس وغوايتهم أو حتى ترهيبهم.
_ إذا أردت أن تكتشف ما إذا كان أحدهم يخفي عنك شيئا ويف الغالب األعم
سيكون هناك ما يخفيه عنك..اتبع االيت-:
_1انتبه للتلميحات واإلمياءات الالشعورية،فكام قال فرويد( :ال أحد عىل وجه
األرض يستطيع أن يُخفي رسا ،وحني تصمت شفتاه تتكلم أنامله ،فاألرسار تترسب
منه من كل ثغر).
193
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_2ابحث عن التناقضات-:
الصفة الظاهرة غالبا ما تُخفي نقيضها ،فالشخص الذي يبالغ يف إظهار الجرأة
غالبا ما يكون جبانا ،ومن يتباهى بالتقوى كثريا ما يكون فاحشا ،والكثريون
من املتشددين يتوقون للمغامرة والتجدد ،والخجلون يتمنون من يلتفت إليهم
ويهتم بهم..وهكذا ،وحني تتحقق من السامت العميقة خلف املظاهر وتكتشف
التناقضات تجد أن ما يخفيه عنك الناس هو بالضبط عكس ما يُظهرونه.
_3اعط كل إنسان ما ينقصه :إذا استطعت إشباع القلوب الخاوية ،وأن ت ُكمل ملن
يخفي عنك شيئا وتريد معرفته الفراغ الناقص لديه فإن ذلك مينحك سطوة عليه ال
ح ّد لها وال أمد،ويخربك طواعية بكل ما يخفى عنك تريد أن تعرفه.
194
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ما أكره ذكره لك .يا أمري املؤمنني مل يفتضح امرؤ بارز عليا..وإمنا افتضح من دعاه
إىل النزال فلم يُجبه .فمن نفسك فاضحك أو دع.
_العربة-:
كل إنسان يف هذه الحياة لديه نقيصة يجتهد يف إخفائها قدر اإلمكان ،فإذا علمت
تكلمت تكلم،
َ هذه النقيصة فإياك أن تكشفها أنت ،فال شك أن لك ما يسوؤك ،فإن
وإن أرشت أشار ،وإن فضحت فضح.
_ عمرو ومعاوية ريض الله عنهام كانا فيام بينهام عىل رصاحة وتفاهم واحرتاس،
وكانا يعلامن ما يريدان ،ويعلامن ألنهام ال يتعاونان معا ألنهام عىل ثقة من إخالص
كل منهام لصاحبه وإيثاره لنفعه،ولكنام يتعاونان معا ألن التعاون أنفع لهام من
التخاذل والشقاق ،وما اشرتكا فيه أكرث مام تف ّرد به كل منهام عن صاحبه ،ويعلامن
عن بعضهام ما ال يعلمه عنهام غريهام ،وملا أراد معاوية إظهار ما أخفاه عمرو،
كان ر ّد عمرو أقىس وأفظع،فإخفاء نقيصة أحدهام عن الناس هي باألحرى إخفاء
لنقائص صاحبه.
_ تذكر دائما-:
_ عليك أن تلجأ للتحايل والرباعة إلتقان اإلبداع أو املظهر الذي تريده وال تدع
الجمهور واألتباع يشاهدون ما تبذله من ال َع َرق والتعب ،إن قلّدت الطبيعة بأن ال
ت ُظهر أبدا ِحيلك ووسائلك وتجعل أفعالك تبدو تلقائية ودون جهد تحصل عىل ما
للطبيعة من تأثري وسطوة يف عيون الناس.
195
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ احرص دامئا عىل عدم املبالغة يف الطريقة التي تُخفي بها ما تريد ان تخفيه،فذلك
يجعل االخرين يستاءون منك ويظنون بك أنك مصاب باالرتياب ،فالناس يسعدهم
أن يكتشفون عنك كل يشء ،فاظهر لهم ماتريد واخف عنهم ما تريد دون أن
يشعروا أنك تخفي عنهم شيئا.
_ إذا أردت أن تبوح أنت مبا تخفيه فتذكر أنه حني يكون البوح الجرئ لحيلك
والحك
ْ وأساليبك مخططا له بدقة وليس بدافع من الرغبة الجامحة يف الرثثرة
يصبح من املهارات الكربى التي ميكنك االستفادة منها ألنه يجعل جمهورك وأتباعك
يتوهمون أنهم يشاركونك بأفعالك ويتحكمون بها حتى وإن كان معظم ما تفعله
يظل خافيا عليهم.
*****
_ اخلالصة-:
_ هل سمعت أبدا قائد يعلن خططه للعدو قبل أن يهاجمه؟ عليك أنت أيضا أن
تُخف مقاصدك ومت ّوه تحركاتك وال تكشف مقاصدك إال عند نهاية املعركة حيث
يصبح من املستحيل عىل خصمك تفاديها ومن الصعب مقاومتها.
_ ال ميكنك أن تنجح يف إخفاء مقاصدك إن كنت مشهورا بالخداع ،فحني تُع َرف
حكاياتك يكون من الصعب عليك أن تُخفي طبيعة خداعك.فالكل سيعرف أنك
ماكر ،وإن ظللت تلعب دور الساذج سيعتربونك منافقا وسوف يح ّد ذلك كثريا من
قدرتك عىل مناورة أعدائك.
196
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
األفضل لك يف هذه الحالة أن تعرتف وتلعب دور املحتال الرصيح ،وأفضل من
ذلك أن تلعب دور املحتال التائب ألن ذلك يكسبك االحرتام ولكنه سيسمح لك
باالستمرار يف اسرتاتيجيتك.
(بالتسار جراتسيان)
_ إن كان وضعك االجتامعي مينعك من الغموض واإلختفاء فاحرص عىل األقل أن
ال تبدو مقروءا متاما ،فمن آن آلخر عليك أن تخالف ما يتوقعه الناس منك ،فذلك
يضع َمن حولك يف موقف دفاع ويجذب إليك االنتباه الذي مينحك القوة الالزمة،
كام أن الحرية واأللغاز إن أتقنت صنعهام مينكهام أن يبثا الرعب يف قلوب أعدائك.
197
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ال أحد يف هذه الدنيا يعرفك كام تعرف نفسك ،فال يغرنك حديث الناس عنك
باملدح والثناء ،وال يزعجك حديثهم عنك بالنقد والتجريح .وليكن لك يف كل أحد
نظرة أريب عاقل داهية ،كل ما يف األمر إياك أن تفقد حضورك الذهني أو توازنك
حتى لو واجهت الكثري من املشكالت يف وقت واحد ،ال تشك يف دهائك أبدا ،وكن
واثقا من نفسك عىل كل حال .دع االخرين يفقدون صوابهم وافصل نفسك متاما
عن هذه الفوىض كأن شيئا مل يحدث ،وكن األكرث صربا حني يجزع الجميع ،فحضورك
الذهني وحفاظك عىل توازنك سيحررك من كل هذه املشكالت ،وسيلتف الجميع
حولك ويرون فيك ملجأهم الوحيد.
_ حني تصل إىل مبتغاك من السلطة أوالرثوة فال تتباهى أو تتبجح ،وال تُشعر
االخرين بأنهم دونك يف يشء فإنك بذلك تستثريهم ضدك من حيث ال تدري.
_ ال تبالغ أيضا يف الحفاظ عىل توازنك ،فكل يشء زاد عن حده انقلب لضده ،كن
متوازنا يف حفاظك عىل توازنك لئال ترتدد يف التقدم أو تفقد الزخم والحامس ،ولكن
فقك تحتاط من التهور واالندفاع ..فأنت من تصنع النجاح وإن جاء بعده نجاح
فأنت أيضا من تصنعه.
198
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ يقول معاوية وهو يوازن بني الخلفاء-:
(أما أبو بكر فلم يُرِد الدنيا ومل تُرده الدنيا ،وأما عمر فأرادته الدنيا ومل يُرِدها ،وأما
نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن)
_ ليك تحافظ عىل توازنك عليك أن تكتم تاثراتك النفسة من غضب ورسور ومو ّده
وبغضاء وغريها .وقد قيل أن أحكم بيت قالته العرب هو:
ودعا معاوية عمرا فأمره بامره ،فقال عمرو :أما والله لنئ فعلت لقد قدمتني كافيا،
وأدخلتني ناصحا ،وقد غ ّمك القوم يف مرص..فإن كان ال يرضيك إال أ ْخذها ف ُخذها،
أما والله يا أمري املؤمنني إن مروان يباعدك منا ويباعدنا منك ،ويأىب الله إال أن
يقربنا إليك.
_ العربة-:
199
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
عليك أن توازن يف كل يشء ،يف الغضب ويف الرسور ويف الحقد ويف الحب ويف العطاء
ويف املنع ويف القرب منك ويف البعد حتى ال تثري الضغائن واألحقاد بني أتباعك،
فال تُعط أحدا دون االخر ،وال تقرب أو تباعد بغري حساب ،فإن الناس ينظرون
إىل بعضهم البعض ،وكل منهم يقارن نفسه بغريه ،ولن تعدم كارها أو حاقدا .فإذا
خصصت أحدا بعط ّية فاخفها عن غريهن وإن فضّ لت أحدا أو قربته فال تجاهر
بذلك ،ولكن أظهِر للجميع أنهم لديك سواء ،ال فاضل وال مفضول ،ال إفراط وال
تفريط ،ولتكن موازنتك بني الجميع ظاهرة للعيان ،فإن َمن ِمثل مروان بن الحكم
يوجدون يف كل زمان ومكان.
كان دهاء معاوية من قبيل الدهاء الذي ي َع ّول عىل قضاء املصالح وتبادل املنافع،
وليس من قبيل ذلك الدهاء الذي يسوق األعوان َسوقا إىل خدمة مقاصده بسلطان
القدرة العقلية الخارقة وغلبة اإلقناع ،وإمنا استطاع معاوية ان يستهوي الناس إليه
بقضاء املصالح لقيامه عىل والية الشام عرشين سنة واستئثاره بأقطارها جميعا عىل
ايام عثامن بن عفان ،واحتجازه ملا شاء من أموالها وخرياتها ووالء أعوانها بغري رقابة
عليه بعد الفاروق .
فالرجل كان عىل نصيب من العقل ُييل له طبع مفطور عىل األناة مل تتعجله
الحوادث قط كام تعجلت منافسيه يف الحجاز والعراق ،وكان ذلك النصيب حسبه
من العدة يف ذلك النزاع الذي ال سواء فيه بني املصاعب والعقبات من الجانبني،
200
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ولو انه قورن بينه وبني اقرانه من الدهاة يف سعة الدهاء لكان اخر االربعة الشهر
صفا(عمرو بن العاص ومعاوية بن أيب سفيان وزياد بن ابيه واملغرية بن شعبة) ،أو
مل يكن عىل اليقني أول األربعة قبل عمرو بن العاص عىل الخصوص ،فالفارق بينهام
كالفارق بني العبقرية والعادة ،أو بني العقل املش ّبع بالقوة الحيوية ،والعقل الذي
قصاراه من الرأي أن يحذر ويرتبص ويتجنب حيثام كان.
_العربة-:
عليك أن تعرف أي دهاء حباك الله به من الدهاءين وأن تعمل عليه وتستغله
جيدا ،فذلك أفضل بكثريمن أن تكون كالخراف التى ارتدت رداء األسود فأكلتها
الذئاب مع أول مواجهة.
_ دهاء عمرو كان سالح هجوم ودفاع ،وكان دهاء معاوية سالح دفاع دائم عىل
أحسن األحوال ،وكان معاوية يجهل موازين الرجحان بني الدهائني ،ويحسب أن
اتقاء العواقب هو كل ما يطلبه الداهية من دهائه ،كأمنا السالح يعمل عمل الدرع
وال يعمل عمل السيف أو السهم يف وقت من األوقات.
قال عمرو :ما دخلت يف يشء قط إال خرجت منه ..قال معاوية :لكنني ما دخلت
يف يشء قط واردت الخروج منه.
_ مل يكن عمرو ليقتحم املخاطر عىل الرغم منه ثم يبحث عن مخارج النجاة منها،
201
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
ولكنه يقتحم ويقول غري مرة_ عليكم بكل مهلكة مزلقة( أرض ال تثبت عليها
األقدام)_ ،ألنه كان عىل ثقة من دهائه كلام ثاب إليه ،وعىل وفاء لطبيعة اإلقدام
واالقتحام التى تقرتن بالعبقرية ودوافع القوة والحيوية ،وليس ِمن َعزم األمور
دهاء ال يندفع بصاحبه يف املضامر ،وال يُر َجى من نفعه قط إال أنه لجام .وال نكران
بعد لدهاء معاوية عىل هذا التقدير ،وإمنا قصاراه من هذا التقدير أنه مل يصنع
الفرصة التى ُسنحت له ،وأنه صرب يف انتظارها وأطال الصرب غري متعجل لها قبل
أوانه ،وقد كان ذلك حسبه فيام توخاه.
فعليك أن تحافظ عىل توازنك وتعرف من تكون يف االثنني وتعمل عليه جيدا ،هل
أنت كمعاوية يف توخيه وحذره ،أم كعمرو يف ُجرأته وإقدامه؟
*****
_ قال أحد من ُص ِحب عمرو بن العاص(صحبت عمرو بن العاص فام وجدت أنصع
ظُرفا منه ،وال أكرم جليسا ،وال أشبه رسيرة بعالنية منه).
_ العربة-:
_ الطريف يف هذا الوصف أن عمرا بلغ من توازنه بينه وبني نفسه أن يصفه
الواصف هذا الوصف..مشابهة الرسيرة بالعالنية..يف الرجل الذي مل يشتهر بيشء
كام اشتهر بالدهاء .فهل فرط الدهاء الذي ُخ ّيل إىل الرجل الذي وصفه بتلك الصفة
أنه أشبه الناس رسا بعالنية.
202
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
أو هو الصدق الذي رآه الرجل الطيب فوصفه كام رآه غري مبال مبن يستغرب هذه
الغريبة أو تخامره الشكوك فيها.
ويف الغالب أن عمر بن العاص بلغ حدا من التوازن أن يكون شبيه الرس بالعالنية
يف جميع األمور التي ال يعنيه أن يكتمها بحيطته ودهائه.
*****
يل
_ دخل ذات يوم عىل معاوية زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم بنت ع ّ
يل كرم الله
بن أيب طالب ،وكان عند معاوية بُ ْس بن أرطأة .فنال بُ ْس من اإلمام ع ّ
وشج رأسه .فام زاد معاوية أن قال
وجهه ،فام أمهله زيد أن قام إليه فعاله بالعصا ّ
لزيد :عمدت إىل شيخ قريش وسيد أهل الشام فرضبته؟
ثم قال ل ُب ْس :تشتم عليا عىل رؤوس الناس وهو جد زيد ابن الفاروق ثم تراه يصرب
عىل ذلك؟ وما عاتب هذا وال ذاك.
_ العربة-:
كان معاوية يرىض عن سفاهة بُرس إن مضت يف سبيلها ،ولكنه ال يبطش بزيد
أن غضب لجده ،وأصاب السفيه بجريرة سفاهته .وال تساوي تلك السفاهة أن
يشرتيها بالنكال الذي تعود عليه الالمئة فيه وال تعود عليه منه زيادة يف ُملكه.
إال ان معاوية كان يحب هذه االستثارة ألنها تُ تعه بذكرى الشدائد التي تخطاها
بعد فوات الغاشية ،وتريحه إىل لقاء خصومه وهم يف كنفه ينظرون إليه يف مستقر
نجاحه وظفره ،وال يضريه مقولة يقولونها ال تحول بينه وبني ُملْكه.
203
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا استتب األمر ملعاوية يف الخالفة ،وايقن أنه ال أحد ينازعه األمرَ ..ه ّم أكرث من
مرة أن يخلف وعده مع عمرو بن العاص ويعزله عن والية مرص ،ثم يرجع عن ذلك
لتوقعه الرش من عمرو ،ويع ّزي نفسه أنها والية عام أو أعوام قالئل عىل األكرث ثم
تصري إليه فيعطيها من يشاء .وقد مات عمرو بالفعل بعد أعوام قالئل فض ّم معاوية
خزائن أمواله إىل بيت املال وخالف رجاء عمرو يف تولية ابنه عبدالله مكانه ،وأسند
الوالية إىل أخيه ألبيه عتبة بن أيب سفيان.
_العربة-:
عمرو بن العاص ريض الله عنه هو من َصنع معاوية وجعله خليفة ،لذلك كان يرى
صب نفسه مبرص ألنها تعدل الخالفة جامعة ،أما معاوية نفسه نِ ّدا له،ولكنه كان يُ ّ
فقد صار خليفة للمسلمني قاطبة وكان يوازن بينه وبني هذا الشعور عند عمرو،
وملا رأى بعض الغدر واملكر من عمرو ه ّم بعزله غري مرة ولكنه يرجع عن ذلك،
فعمرو غري مأمون الجانب ،ومل يبالغ معاوية ويعتمد عىل دهائه وجنده وماله
وسلطانه ليعزل عمرا ،وإمنا كان متوازنا إىل أبعد ح ّد..يقع يف خدعة عمرو ثم يخرج
منها بدهائه املشهود ،وال يعاقب عليها عمرا وإمنا يحفظها له ويحلُم عليه ليتقي
حسده ويكون يف مامن من مكره.
204
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ قال معاوية وهو يف حالة من حاالت النقمة والطمع لعمرو يف خلوة بينهام :ما
أعجب األشياء؟ فقال عمرو :أعجب األشياء غلبة املبطل ذا الحق عىل حقه .فر ّدها
معاوية قائال :بل أعجب األشياء من هذا أن تعطي من ال حق له بحق من غري غلبة.
_ العربة-:
_ كان كل حني يخرج عمرو ومعاوية عندما ينفردان ببعضهام البعض عن توازنهام
ليثقل عليهام ما يحمالنه من الرياء لبعضهام البعض ،فيتصارحان يف النوايا رصاحة
هي أشبه بالرصاع الذي يجمع فيه الن ّدان بني اللعب والخصومة ،وال يدع أحدا
منهام مجاال لالخر لينترص عليه فيه ..حسدا لبعضهام البعض ..وحقدا يف كثري من
األحيان غري أن الحاجة تفرض عليهام أن يتصنعا لبعضهام الحب والو ّد.
_ ال تستهن أبدا برشور الحسد ،وحتى اليصيبك اتخذ حذرك وتعلّم اسرتاتيجيات
تجنبه بإظهار أحد نقائصك أو ضعفك أو مخاوفك أو سوء حظك عامدا امام
حاسديك.
*****
205
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اخلالصة-:
_ عليك أن تحافظ عىل توازنك لتتقن لعبة التحكم بصورتك أمام الناس ،فال يرونك
متعاليا عليهم فيضمروا لك الحقد والحسد ،وليك تحمي نفسك من ذلك اظهر لهم
أنك تشاركهم طرقتهم وقيمهم ،وأن تتخذ حلفاء وأتباع ممن هم أقل منك وأن
ترفعهم إىل مراكز القوة حتى تنال دعمهم حني تحتاجه ،وأن تتعامل مع االخرين
وكأنهم أعىل منك مقدرة.
_ حفاظك عىل توازنك مينع عنك حسد األقران وحقدهم ،واعلم أن من جاوزتهم
وتفوقت عليهم يحسدونك .قد ال يظهرون ذلك لك ولكنه محتوم ،فال تنخدع مبا
تراه منهم من ود واقرأ الحسد يف تعليقاتهم التى تنتقدك وتسخر منك ،ويف التشهري
بك يف غيابك ،واالفراط يف مدحك يف حضورك أو نفي نظرات السخط يف أعينهم.
انتبه لذلك جيدا.
_ عليك أن تكون متوازنا حتى يف لحظات انتصارك ،واعمل عقلك دامئا وال تدع
نشوة االنتصار تؤثر عليك وتدفع تحركاتك ألن ذلك يدمرك ،حني يتحقق لك انتصار
تناءي بنفسك وفكر وكن حذرا واكشف ما لعبته الظروف يف نجاحك وتعلم متي
تتوقف لرتسخ مكاسبك.
_ وازن بني قوتك ومكرك ،فاالفراط يف القوة يولّد املقاومة ،واالفراط يف املكر يجعل
الناس يكتشفونه مهام كان بارعا ،وازن بني حبك وبغضك ،فاالفراط يف الحب يعمي
العقل عن كل يشء ،واالفراط يف البغض يخلق العداوة ،وازن بني الفرح والحزن ،بني
الرضا والسخط ،بني القرب والبعد ،وازن بني كل يشء يف حياتك لتبقى حياتك متزنة.
206
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
مىت تنسحب
_ عليك أن تعرف متى تنسحب ،اخرت معاركك بعناية وال تقاوم طبيعة الحياة
فاملستحيل موجود بالفعل يف هذه الحياة ،وما هو يف طاقتك ومقدرتك ليس
باملستحيل وإمنا يكون صعبا فاجتهد ألجل هذا الصعب فيصبح ممكنا ومن ثِ ّم
ميكنك الحصول عليه.
_ اإلقدام واجب ملن أراد النجاح ،ولكن العاقل الداهية من يعلم أيضا متى ينسحب.
يجب االنسحاب إذا ثبت لك استحالة ما أنت ُمقدم عليه ،أو كانت قدراتك الحالية
ال تكفي.
_ اإلنسحاب عندما يكون يف صالحك فهو دليل قوتك وليس دليال عىل ضعف
شخصيتك.
_ تذكر دامئا-:
تراجع ليك تتقدم ،فالحرب مخادعة والتقدم ليس جيدا دامئا ،والرتاجع ليس ضعفا
دامئا.لذا عليك أن تعرف الفرق بينك وبني اآلخرين ..أن تفهم نفسك وأنصارك
وعدوك قدر اإلمكان ليك ترى األحداث عىل حقيقتها .املقدرة عىل فعل ذلك تنبع
فقط من معرفتك مبتى وكيف تنسحب ،ومتى تستمر يف التقدم والهجوم.
يل ومعاوية ريض الله عنهام ،مكث الناس أربعني ليلة يغدون_ يف حرب صفني بني ع ّ
للقتال ويروحون ،فأما القتال الذي كان فيه الفناء فثالثة ايام فقط.
207
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
يل كرم الله وجهه كرثة القتل يف الناس..برز يوما من اليام ومعاوية فوقفلام رأى ع ّ
التل ،فنادى بأعىل صوته :يا معاوية .فأجابه معاوية :ما تشاء يا أبا الحسن؟ فقال ّ
يل :عالم يقتتل الناس ويذهبون؟ عىل ُملْك إن نلته كان لك دونهم ؟ وإن نلته أنا ع ّ
كان يل دونهم؟ ابرز إ ّىل ودع الناس فيكون األمر ملن غلب .قال معاوية لعمرو :ما
ترى يا عمرو؟ فقال عمرو :أنصفك الرجل يا معاوية .فضحك معاوية وقال :طمعت
فيها يا عمرو؟ والله يا عمرو ما تريد إال أن أُقتَل فتصيب الخالفة من بعدي ،اذهب
فليس مثيل يُخ َدع .فقال عمرو :ما أراه يجمل بك إال أن تبارزه .فقال معاوية :ما
أراك إال مازحا .نلقاه بجمعنا يا عمرو.
_ العربة-:
يل ريض الله عنه يحارب حربا رشيفة ،حرب شجاع لشجاع ،وكان معاوية كان ع ّ
ريض الله عنه يحارب لشئ آخر متاما ،فكانت حربه حرب مكر وخداع..فكان يراوغ
يل إذا تقدم
ويختفي وينسحب .فإذا أراد معاوية أن يبارزه فال يجده ،وكان ع ّ
انسحب معاوية ،وإذا برز اختفي معاوية .مبثل هذه الحيل استم ّد معاوية بقاءه ،
كان يساير األحداث وال يتجمد يف قالب معني ،يفاجئ عدوه ويضللهم ،فأبطل كل
يل كان من شأنها هزمية معاوية ،فانسحابه اليوم جاء بالنرص املبنياسرتاتيجية لع ّ
طول الزمان.
*****
208
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ ملا دانت الدنيا ملعاوية واستتب األمر له بالخالفة .كان قيس بن سعد ذلك البطل
لعي بن أيب طالب كرم الله وجهه قبل عزله إياه وبعد
القوي األمني الذي حفظ عهده ّ
عزله ،وظل حافظا لهذا العهد حتى بعد مصالحة الحسن ملعاوية .أرسل معاوية إىل
قيس صحيفة بيضاء موقعة بتوقيعه مختومة بخاتم الخليفة ..يكتب فيها ما يشاء،
فلم يكتب فيها إال عهدا باألمان له وألصحابه الذين نرصوا عليا والحسن بقيادته،
وجلس معاوية بالكوفة يتلقى البيعة من مخالفيه القدماء ،فقال قيس :إين كنت
ألكره مثل هذا اليوم يا معاوية ،فقال معاوية لهَ :مه(اسم فعل أمر مبعنى اكفف)
رحمك الله ،عىس أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم .فقال قيس :لقد كنت حريصا أن
أفرق بني روحك وجسدك قبل ذلك ،فأىب الله إال ما أَحب يا ابن أيب سفيان .فقال
معاوية :فال يُ َرد أمر الله .فأقبل قيس بوجهه عىل الناس فقال :يا معرش الناس لقد
اعتضتم الرش من الخري ،واستبدلتم الذُل من العز ،والكفر من اإلميان ،فأصبحتم
بعد والية أمري املؤمنني وسيد املسلمني وابن عم رسول رب العاملني ،وقد ولِيكم
الطليق بن الطليق(الخفيف) ،يسومكم الخسف(يكلفكم املشقة والذل) ويسري
فيكم بالعسف( الجور والظلم) ،فكيف تجهل ذلك أنفسكم؟أم طبع الله عىل
قلوبكم وأنتم ال تعقلون؟
فجثا معاوية عىل ركبتيه ثم أخذ بيد قيس وقال :أقسمت عليك ،ثم صفّق عىل
يده ونادى الناس..بايع قيس..بايع قيس .فقال قيس :والله كذبتم ،والله ما بايعت،
فضاع صوته بني الصياح والضجيج.
_ العربة-:
209
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ معاوية يعلم جيدا من هو قيس بن سعد ،ويعلم أيضا أنه لن تفلح معه سياسة
ال ُملْك والرعية،ألن قيسا ال يرى يف معاوية خليفة ،وال يرى أنه من رعيته ،وحاجة
معاوية إىل مبايعة قيس أجدى وأنفع له .وليس قيس ممن ينفع معه الرتهيب
والنكال وإمنا قد تُجدي معه الحيلة ،وليس من حيلة ملعاوية أجدى له من انسحابه
أمام قيس،فمعاوية ينسحب لينتحر ويحصل عىل ما يريد ،وال ينسحب لهزمية.
يتنازل عن خالفته لبعض الوقت ليحافظ عليها كل الوقت ،ويجثو عىل ركبتيه أما
رسخ سلطان بني أمية.قيس الشهم الصلب ليقف ثانية وهو رابح مبايعة قيس ويُ ّ
_ تذكر دائما-:
_ إياك أن يتم استدراجك لنفق مظلم ال يناسبك ،ولكن اخرت نفقك الخاص وتعلّم
قراءة كل املؤرشات التي تساعدك عىل قراءة خطواتك وتوقع مستقبلك يف ذلك
النفق .احتفظ دامئا بأهم سالح..السالح الذي ال يخيب أبدا ،سالح اإلنسحاب ،ذلك
هو األهم بالنسبة لك..
فن اإلنسحاب هو أن تصل مبا تبقى لك من قوة للمربع اآلمن ،هذا املربع الذي
تسيطر عليه وال يبلغك فيه يشء تكرهه من عدوك .يف إنسحابك فرصة إللتقاط
األنفاس ،وليك تعيد بناء نفسك وتجهيز قواتك.
_ أظهر للجميع أن انسحابك ليس عن هزمية وإمنا استعدادا لخوض جوالت أخرى،
حتى وإن ظهر للجميع أنك مهزوم ستحظى باحرتامهم وأنت منسحب كام كنت
تحظى باحرتامهم وأنت تهاجم.
210
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اإلنسحاب أفضل من االستسالم وطلب الرحمة من العدو.
_ االنسحاب ليس قرارا سهال أبدا ،فهو فن له أصوله وأساليبه..من تضليل ومتويه
ومنع عدوك من االستفادة مبواردك.
_ إنسحابك املبكر يوفر عليك الكثري من الوقت والجهد بدال من أن تُضيع كثريا من
عمرك وأنت تتعلم أشياء ال تحبها أو ال تستطيع االستفادة منها.
_ ال تظهر أبدا جشعا للفت األنظار ألن ذلك يظهرك مهزوزا ويبعد عنك
السطوة،والعم أن هناك أوقات يكون األصلح لك أن تبتعد عن مركز االنتباه ،فحني
تكون يف حرضة امللك أو من يف قدره ..انحنِ وانسحب إىل الظالل وال تنافسهم أبدا.
*****
_ تنازع عمرو بن عثامن بن عفان وأسامة بن زيد موىل رسول الله صىل الله عليه
وسلم يف قطعة أرض إىل معاوية بن أيب سفيان .فقال عمرو ألسامة :كأنك تنكرين؟
فقال أسامة :ما يرسين نسبك بواليئ .فقام مروان بن الحكم فجلس إىل جانب عمرو
بن عثامن .وقام الحسن فجلس إىل جانب أسامة .فقام سعيد بن العاص فجلس إىل
جانب مروان وقام الحسني فجلس إىل جانب الحسن ،فقام عبدالله بن عامر فجلس
إىل جانب سعيد بن العاص وقام عبدالله بن جعفر فجلس إىل جانب الحسني ،فقام
عبدالرحمن بن الحكم فجلس إىل جانب عبدالله بن عامر وقام عبدالله بن عباس
211
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
فجلس إىل جانب عبدالله بن جعفر .فلام رأى معاوية ذلك قال :ال تعجلوا..أنا كنت
شاهدا إذ أقطعها رسول الله صىل الله عليه وسلم أسامة ،فقام الهاشميون وخرجوا
منترصين ،وأقبل األمويون عىل معاوية فقالوا :أال كنت أصلحت بيننا وأظهرتنا
عليهم؟
فقال معاوية :دعوين..فوالله ما ذكرت عيونهم تحت املغافر ( لباس الحرب)
ىل عقيل ،وإن الحرب أولها نجوى وأوسطها شكوى وآخرها بلوى.
بصفني إال لبس ع ّ
ومتثّل بأبيات امرئ القيس إذ يقول:
تسعى بزينتها لكل جهول الحرب أول ما تكون فتية
عادت عجوزا غري ذات خليل وشب رضامها
حتى إذا استعرت ّ
والتقبيل مكروهة للش ّم شمطاء ج ّزت رأسها وتنكرت
ثم قال :ما يف القلوب يَ ِش ّب الحرب ،واألمر الكبري يدفعه األمر الصغري.
_ العربة_:
ِ
انسحب منها ،وال تدخل معركة إال إذا كنت _ املواجهة التي ال تفيدك يف يشء
متيقنا من انتصارك فيها ،وال تنارص الضعفاء إال إذا كانوا أصحاب حق ألن من يفعل
ذلك لن يحصد إال املخاطر .فقط عليك أن تنسحب حني ترى نفسك األضعف ،أو
حني تعلم أن مواجهتك للخصم ستضعفك بعد انتهاء املواجهة ،كل ما عليك أن
تُسلّم له القليل وأنت قوي كام أنت بدال من أن تُسلّم كل يشء وتصري األضعف يف
معادلة ال يصمد فيها إال األقوياء.
212
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اظهر الخضوع ،فالخضوع يحوي سلطة هائلة خفية ،فهو يغري العدو باالطمئنان
لقوته ومينحك الوقت الستجامع قواك وتقويض قوى الخصم والتخطيط لالنتقام،
فال تهدر الوقت أبدا لتنال رشف الدخول يف معارك تعرف أنت لن تكسبها.
*****
وسمي ذلك العام بعام الجامعة _ بعدما متت البيعة ملعاوية عام 41هجرية ُ
وهدأت األمور ،خطر له خاطر أن يعزل عمرو بن العاص عن مرص ،فلعله يعيش
فيغلب أعقابه عىل الخالفة .وكان أهون يشء عىل عمرو أن ينتزع الخالفة من
َ بعده
يزيد .ولكن معاوية تراجع عن ذلك مل رآه من وهن عمرو ،فعمرو يف ذلك الوقت
جاوز الثامنني واشتكت أعضائه يف جسده ،فاشتكت بطنه يف اليوم املحدد للتخلص
يل كرم الله وجهه فكانت سببا يف نجاته ،إىل غري الكثري مام
منه ومن معاوية ومن ع ّ
اشتكاه عمرو بعد ذلك يف جسده .فقرر معاوية عدم املواجهة مع عمرو ،فهو إن
عاش اليوم لن يعيش الغد ،وقد كان معاوية منصفا يف ظنه .فقد تويف عمرو ليلة
عيد الفطر عام 43هجرية.
_ العربة-:
_ آية الدهاء أن ينتفع اإلنسان مبا يضري الناس ،وعمرو نفسه انتفع من وهنه
مرتني ،مرة حني شكا بطنه فنجا من املوت ،ومرة حني سلمت له والية مرص بربكة
هذا الوهن الذي ال محيص عنه ،فلواله ما طابت نفس معاوية له بوالية عمرو
ملرص..ميلك فيها األموال والرجال ..ولوال وهن عمرو ملا طابت له نفسه أن يكون
معاوية خليفة عليه ،ولكن كل منهام قرر اإلنسحاب من املواجهة املدمرة لكليهام،
واالكتفاء مبا وصال إليه.
213
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اخلالصة-:
_ الضعيف هو من ال يتنازل حني يكون من مصلحته التنازل .
(كاردينال دي ريتز)
يعب عن ضعف أو جنب أو عدم قدرة عىل املواجهة ،االنسحاب _ ليس كل انسحاب ّ
الحكيم يتطلب الشجاعة الكافية لتُقدم عليه.
_ انسحب من أمام األغبياء واملتطرفني فكريا ومن كل مواجهة سيكون العائد عليك
منها خسارة محققة لك ،فانسحابك يغلق دائرة الرش.
_ اجعل انسحابك مرشفا كأن تؤجل املواجهة التى لن تعرف كيف تنسحب منها أو
تنترص فيها ،اجعل انسحابك يبدو من باب التواضع ،فالتواضع قوة وليس ضعف،
والقوة الحقيقية تقتيض سيطرتك عىل نفسك وغرائزك وأفكارك.
_ جوهر االنسحاب يقوم عىل رفض االشتباك مع العدو بأي شكل ،سواء جسديا
أو نفسيا ،قد تفعل ذلك بطريقة دفاعية وبهدف حامية الذات ،لكنه ميكن أيضا
أن يكون إيجابيا ،فبانسحابك ورفضك قتال أعداء عدوانيني ميكنك أن تثري غضبهم
وتُفقدهم توازنهم بصورة فعالة.
_ تذكر دائما-:
_1ال ينبغي أن يكون االنسحاب هدفا بحد ذاته،ففي لحظة ما سيكون عليك أن
تقاتل إذا مل ترتاجع وتراجعك هذا يسمى بدقة أكرب ( االنسحاب) .فإن العدو يربح
واملعركة عىل املدى الطويل حتمية ،الرتاجع يجب أن يكون مؤقتا فقط.
214
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_2لو أن النبي صىل الله عليه وسلم ظل يف مكة وهاجم أعدائه لكان ُس ِحق وبات
منسيا ولكنه انسحب إىل املدينة ليظل ذكره خالدا أبد اآلبدين.
215
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
التغافل
يل
_ أرسل معاوية يوما إىل الزرقاء بنت عدي (خطيبة معركة صفني) وكانت مع ع ّ
كرم الله وجهه ،وملا دخلت املجلس وفيه عتبة بن أيب سفيان ،وسعيد بن العاص،
العاص،هش لها معاوية ورحب بها ثم سألها :أتدرين فيم بعثت إليك؟
ّ وعمرو بن
_ قالت :وأىن يل بعلم مامل أعلم؟ اليعلم الغيب إال الله .فسكت هنيهة ثم قال:
ألست ِ
أنت الراكبة الجمل األحمر يوم صفني تحضني الناس بني الصفني عىل القتال؟
قالت :نعم .قال :فام حملك عىل ذلك؟
قالت :يا أمري املؤمنني ..مات الرأس ،وبُ ِت الذنَب ،ولن يعود ما ذهب ،والدهر ذو
ِغ َي ،ومن تفكر أبرص ،واألمر يحدث بعده األمر.
ِ
صدقت .أتحفظني كالمك يومئذ؟ قال:
قالت :ال والله ا ِ
ُنسيتُه.
قال :ولكني أحفظه..ولله ِ
أبوك حني تقولني :أيها الناس..ارعوا وارجعوا ،إنكم
أصبحتم يف فتنة ،غشيتكم جالليب الظلم ،وجارت بكم عن قصد املحجة ،فيالها من
فتنة عمياء صامء بكامء ،ال تسمع لناعقها(الصائح بأعىل صوته) ،وال تسلس (تلني)
لقائدها ،إن املصباح ال يضئ يف الشمس ،والكواكب ال تنري مع القمر،وال يقطع
ِ
رشكت عليا يف كل دم سفكه. الحديد إال الحديد .ثم قال لها :والله يا زرقاء لقد
217
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
رس جليسه.
بش بخري ،و ّ
قالت :أحسن الله بشارتك ،وأدام سالمتك ،فمثلك ّ
قال معاوية :أو ِ
يرسك ذلك؟ قالت :نعم.
يل بعد موته اعجب إ ّيل من حبكم يف حياته ،اذكري حاجتك.
قال :والله لوفاؤكم لع ّ
قالت :يا أمري املؤمنني ..آليت عىل نفيس ال أسألن أمريا أعنت عليه أبدا .ولكن
معاوية عيل ذلك أكرمها وأجزل لها العطاء وأرضاها.
_ العربة:
تغافل معاوية عن وفاء الزرقاء لعيل بن أيب طالب بعد موته ونرصتها له يف حياته،
وقد كانت له مبثابة العدو والخصم ،ثم أعطاها وأرضاها .فعليك ان تدير ظهرك ملا
ال ميكن أن يؤذيك عىل املدى الطويل ،إنك بهذا التغافل تلغيهم متاما من الحساب،
وهذا يُفقدهم استقرارهم،
_ عليك أن تعلم أنك أنت من تختار أن تدع األمور تزعجك ،وميكنك أيضا أن تتغافل
عنها ..فانظر لها باحتقار واظهر أن هذه التوافه ال تستحق اهتاممك ،وهذا الفن
من يتقنه يستطيع أن يريح رأسه من كل يشء صعب مير عليه ،فتخلص مام يُحزنك
من أمور بتغافلك عنها ،وال تُع ّول كثريا عىل ما حدث يف املايض ما دمت قد نِ َ
لت
مطلوبك ،فاملايض ذهب ولن يعود ثانية فتغافل عنه وانتبه للحظة أنت وليدها.
_ من أعظم املصائب أن تعيش مع من يدقق يف كل أعاملك ويتتبعها معلقا عىل
شاردة وواردة ،ابتعد عن ذلك الشخص فهو محدود التفكري ضئيل الرؤية ال تتعدى
حدوده تحت قدميه.
218
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
التغابي
_ أصناف الرجال أربعة ..غبي ،ذيك ،متذايك ،ذيك متغايب..يُه َزم جميعهم باستثناء
(حكمة) األخري.
_ دخل يزيد بن معاوية عىل أبيه يخربه بتشبيب عبدالرحمن بن حسان بأخت
معاوية يف شعره ..فقال له :إن عبدالرحمن يقول-:
219
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
متيش يف مرمر مسنون ثم خارصتها إىل القبة الخرضاء
فضحك معاوية وقال :وال كل ذلك كان ،ثم حذّر ابنه قائال :ليس يجب القتل يف
هذا ولكننا نكفيه بالصلة .ثم ارسل معاوية يف طلب الشاعر وأبلغه أن هندا أخت
رملة تعتب عليه ألنه ال يُس ّويها بأختها .واراد بذلك أن يُشبب الشاعر بهند فيعلم
الناس أنه كاذب يف كل ما قال ،وأنها أقاويل الشعراء الذي يقولون ما ال يفعلون.
_ العربة-:
لغة التغايب والتغافل والتجاهل ..كل هذه اللغات ال يفهمها إال ذوو النفوس
الراقية التي تفقد الشعور االنساين ،وهذا الفن ال يتقنه إال األذكياء ،فتغافل قدر
ما استطعت ،فإن مل تفعل فالسالمة يف التغايب ،فإن مل تستطع فتجاهل واجعل من
نفسك معاوية.
_ ال تجعل أحدا يستدرجك إلهدار الوقت والجهد يف مثل هذه الصغائر ،فليس
عليك أن تلوم إال نفسك ،تعلُم أن تستخدم سالح التغايب والتجاهل وكذلك االزدراء
لكل من ال يستطيع أن يُشكّل لك تهديدا عىل املدى البعيد.
_ التغايب سيغريك كثريا عندما تصادف أناسا يحبون إثارة العواصف ،التغايب قد
يكون نوعا من الهروب من املشاكل وأيضا وسيلة من وسائل التواضع الغري مبارش،
بل إنه يجعل صاحبه يدرك كم أن املتذاكني هم أنفسهم أغبى أنواع البرش.
220
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ تذكر دائما-:
_ أن تصبح ذكيا فال جديد ،أما أن تكون غبيا فهذا هو الدهاء ،لذا فانت متغايب
وهو الحل الذي يجعل االخرين ميارسون ذكائهم عليك بكل غباء.
_ التغايب آلية مؤقتة لتفحص األدمغة من حولنا ،له قوانينه الخاصة ومن مميزاته
أنه يكرث من سقطات من يحيطون بنا للتخفف من اإلحساس باملراقبة من شخص
دقيق املالحظة ،كذلك أيضا هو دهاء يستخدمه الكثري من الناس مع من هم عىل
طبيعتهم ويتكلمون بأريحية.
_ التغايب يدفع عنك الحساد ويقيض أمورك ويوصلك لهدفك أرسع كام أنه يحقق
طموحاتك من حيث ال تحتسب ،والذيك الداهية من يحسن استخدام تغابيه يف
الوقت والزمان املناسبني.
_ ال تستعمل فن التغايب إال إذا أتقنته ،فالغبي ال يحسن استغاللها ،والذيك وحده
هو القادر عىل إدارة هذه الحكمة يف حياته..فالذكاء قد يكون نقمة أيضا كالغباء
إن مل تحرص عىل توجيهه وجهته الصحيحة.
221
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
التجاهل
قد َم رجل من تجار الروم ب ُحلّة من لباس قيرص عىل أهل مكة .فأىت بها عامرة بن ِ
الوليد (أخو خالد بن الوليد) فعرضها عليه مبائة ِحق من اإلبل..فاستغالها عامرة..
فأىت بها التاجر عمرو بن العاص ،فقال له عمرو :هل أتيت بها أحدا؟ فقال التاجر :
نعم..أتيت بها عامرة بن الوليد فاستغالها ،وقال :لن تعدم لها غويا من بني سهم.
قال عمرو :قد اخذتها واشرتاها منه مبائة ِحق (مائة بعري) .ثم أقبل بها عمرو يخطُ ُر
فيها حتى أىت بني مخزوم ،فناداه عامرة..أتبيع ال ُحلّة يا عمرو؟ فغضب عمرو
والتفت إليه يقول:
كفيناك املسهمة الرقاقا عليك ب َج ّز رأس أبيك إنا
وأعطينا بها مائة ِحقاقا زووها عنكم و َغلَت عليكم
وكل سوف يلبس ما يطاقا وقلتم ال نطيق ثياب سهم
فغضب عامرة وقال :يا عمرو ما هذا التهور؟ إنك لست بعتبة بن ربيعة ،وال أيب
سفيان بن حرب ،وال الوليد بن املغرية ،وال سهيل بن عمرو ،وال أُ ّيب بن خلف .فقال
عمرو :إن مل أكن بعضهم فإن كل واحد فيهم ّيف خري ما فيهّ .يف من عتبة حلمه،
ومن أيب سفيان رأيه ،ومن سهيل جوده ،ومن أُ ّيب بن خلف نجدته ،وأما الوليد
فوالله إين ما أحب أن يكون ّيف كل ما فيه .فقال عامرة مغضبا :ولكنك والله مالك
عقل الوليد ،وال بأس خالد بن الوليد ،وال لسان أيب الحكم(أبو جهل) وانرصف عنه
مغضبا.
222
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ العربة-:
_ ملا ذكر عامرة لعمرو كرباء قريش ومنهم أبوه الوليد بن املغرية .ذكر عمرو أن فيه
من كل منهم ما مييزه وأهمل ِذك َر الوليد بن املغرية (أبوعامرة) متجاهال ما فيه من
رفعة النسب واملكانة .فالوليد هذه كان من أغنى األغنياء يف مكة يف عرصه حتي
ُسمي ب (الوحيد) و (ريحانة قريش) ألن قريش كانت تكسو الكعبة مجتمعني
عاما ،ويكسوها الوليد وحده عاما ،وكان يرفض أن توقد نار غري ناره إلطعام الناس
خاصة يف مواسم الحج ،إال أن عمرو تجاهل كل هذه ليمعن يف إغاظة عامرة
ويجعله صاغرا عن كل رشف.
_إستخدامك لسالح التجاهل مينحك سطوة كبرية،ألنه يجعلك تتحكم يف رشوط
الرصاع ،ويجعل الحرب تنطلق وتستمر برشوطك وهذا هو التهيؤ األفضل إلظهار
القوة،فهو يجعلك كامللك ويرفعك فوق كل من يفكر أن يهينك ،وهذا التكتيك
يُضيع نصف مجهود االخرين يف محاولة لفت انتباهك ويجعلهم يف أشد حالة من
التخبط والغيظ واإلحباط.
_ التجاهل هو أكرث األفعال قسوة واذى نفيس ،والهدف منه إضعاف االخر للسيطرة
عليه ،فال يشء أقىس من أن تلحظ إهامل االخرين لك ألن فيه إهدارا للكرامة
وجرحا للكربياء املتوطن يف كل نفس.
_ تذكر دائما-:
223
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
224
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ اخلالصة-:
_ الرتفع سمة امللوك ،وما يلتفت إليه امللك يأخذ رشعية وحضورا ،وما يتجاهله
ويدير له ظهره يبدو وكأنه امنحى من الوجود.
_ التجاهل يعزز سطوتك والتعهد واالهتامم يضعفك ،فاهتاممك الزائد بعدو تافه
يُظهرك تافها ايضا.
_ إذا كانت لك رغبة يف يشء وتعرف أنك لن تناله ،ال تظهر لالخرين تلهفك عليه،
َ
يستهوك أبدا. بل تعامل وكأنه لن
_بعض التجاهل تغافل وبعضه تغايب ،وهذا هو األسلوب األكرث تهذيبا لالنتقام،
عليك أن تدفن خصومك يف غياهب النسيان وأن ترتكهم يتحللون يف تفاهتهم وعدم
التفات الناس إليهم.
225
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
_ استخدم هذه القاعدة بحرص وكياسة ،فبعض املشكالت قد تكرب وتتضخم إذا
تجاهلتها أو تغافلت عنها ،ألنها كانت تتطلب حال مبكرا.
_ تذكر دائما-:
226
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
227
قواعد الدهاء عند عمرو ومعاوية
228