Professional Documents
Culture Documents
النص الأدبي الرقمي - بحث في المفهوم والخصائص
النص الأدبي الرقمي - بحث في المفهوم والخصائص
ملخص البحث:
تعالج هذه الدراسة الموسومة بـالنص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص ،موضوعا
أصبح يفرض نفسه ،في الوقت الراهن ،على المهتمين بحقل األدب عموما وبالنص الرقمي خصوصا.
ذلك بأننا صرنا نشهد ميالد نمط جديد من الكتابة األدبية حدثت بفعل التطور الهائل الذي عرفته
تكنولوجيا اإلعالم والتواصل ،وبفضل انفتاح الكتاب واألدباء على هذه التكنولوجيا ،وسعيهم إلى
االستفادة مما تتيحها للكتابة األدبية من إمكانات .وقد تعددت تسميات هذا النمط الجديد من
الكتابة التي توسم بالرقمية ،و"اضطرب" كثير من الباحثين في ضبط حدودها وبيان خصائصها .من
هنا ،يأتي هذا البحث بهدف ضبط حدود النص الرقمي عامة ،والنص األدبي الرقمي خاصة ،وبيان
أهم خصائصه التي تميزه من النص األدبي غير الرقمي ،سواء كان إلكترونيا أو ورقيا .كما تسعى هذه
الدراسة إلى الوقوف على واقع األدب الرقمي في األدب العربي المعاصر ،واستشراف مستقبله ،على
أمل تجاوز حالة االنحسار والركود التي يعاني منها ،وذلك من خالل تقديم جملة من المقترحات
والتوصيات التي من شأنها ،في اعتقادنا ،أن تدفع قدما بهذا النمط من اإلبداع ،وأن تنشر الوعي به في
أوساط النقاد والباحثين العرب ،بوصفه جزءا من حركة النص األدبي المعاصر.
الكلمات المفاتيح :الكتابة الرقمية – الترقيم -النص األدبي الرقمي – المبدع الرقمي – المتلقي
الرقمي – الرواية الرقمية – القصيدة الرقمية – المسرح الرقمي – الترابط النص ي.
Abstract:
This research ultimately tackles the concept and characteristics of a digital text; this
topic is now imposing itself on those who are extremly interested in the field of literature in
general and a digital text in particular. The reason is that we are witnessing the birth of a new
category of literary writing that has been eventually generated by the tremendous growth of
*المرسل :علـي ّ
صديقـي ،اإليميلSaddiki-1@hotmail.fr :
علي صديقي
information and communication technologies, as well as, by the acquaintance of writers and
novelists with this technology and their endeavor to benefit from what is offered to the
literary writing. This new style of writing has been different; many researchers have been
confused to adjust its boundaries and specific features. Hence, this research aims at
controlling the limits of digital text, in general, the literary text, in particular, to trace its main
distinctive features that differentiate it from the non-digital literary text, whether it is an
electronic or paper. Correspondingly, this study seeks to reveal the reality of digital literature
in contemporary Arabic literature and to explore its future in the hope of overcoming the
state of decline and stagnation. Subsequently, it aims at presenting a number of suggestions
and recommendations, which, we believe, will spread this pattern of creativity to raise
awareness among Arab critics and researchers as part of the contemporary literary
movement.
Keywords: Digital Writing - Numbering - Digital Literary Text - Digital Creator - Digital
Receiver - Digital Novel - Digital Poem - Digital Theater - Textual Interconnection.
:مقدمة
و"الكتابة،"شاعت في األدبيات العربية المعاصرة مصطلحات "النص األدبي الرقمي
وغيرها من المصطلحات،" و"الترقيم،" و"الكتاب اإللكتروني،" و"اإلبداع الرقمي،"الرقمية
ومن النصوص األدبية التي تولدت نتيجة التطور،التي تحيل إلى نمط جديد من الكتابة
غير أن هذه المصطلحات ما.الهائل الذي حدث في مجال تكنولوجيا اإلعالم والتواصل
بسبب عدم اهتمام عدد من، تعاني الكثير من الخلط واالضطراب، رغم شيوعها،تزال
بتحديد داللة هذه، والمهتمين بها، األدبية وغير األدبية،المنظرين العرب للكتابة الرقمية
ونستثني من هذا الحكم عددا قليال من الباحثين العرب. وضبط حدودها،المصطلحات
ومحاولة ضبط، يأتي هذا البحث لتحقيق هذا الهدف، من هنا.ممن اطلعنا على أعمالهم
وبيان أهم، وذلك عبر اإلسهام في التعريف بالنص األدبي الرقمي،مفهوم األدب الرقمي
كما يروم الوقوف على واقع.خصائصه الجوهرية التي تميزه عن النص األدبي الورقي
152
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
األدب الرقمي في األدب العربي المعاصر ،واستشراف مستقبله ،على أمل تجاوز حالة
االنحسار والركود التي يعاني منها ،وذلك من خالل تقديم جملة من المقترحات
والتوصيات التي من شأنها ،في اعتقادنا ،أن تدفع قدما بهذا النمط من اإلبداع ،وأن تنشر
الوعي به في أوساط النقاد والباحثين العرب ،وتجعلهم ُيقبلون على "قراءة" هذا النوع من
اإلبداع ،بعد أن َيقبلوه بوصفه جزءا من حركة النص األدبي المعاصر.
وقد اقتضت طبيعة البحث ،اعتماد المنهج الوصفي التحليلي ،بغرض تحديد
خصائص النص األدبي الرقمي ،موضوع الدراسة ،ووصف طبيعته ،وإدراك حقيقته ،في
محورينُ ،عني أولهما بضبط مفهوم ْ أفق تقديم تحليل علمي له .من هنا ،قسمنا بحثنا إلى
النص األدبي الرقمي ،واختص الثاني ببيان أهم خصائص هذا النص ،إلى جانب خاتمة
تضمنت جملة من المقترحات والتوصيات.
أوال :مفهوم النص األدبي الرقمي
.1مفهوم الترقيم Numérisation
أ .الترقيم لغة:
التعجيم تدل مادة قم في المعاجم اللغوية العربية على جملة من المعاني ،أهمهاَّ :
ر
َ
رقيم :ت ْعج ُ َّ
قم والت ُ "الر ُ
والتبيين والكتابة والقلم والخط .يقول ابن منظور (توفي 711ﻫ)َّ :
يم ِ
ُ
وم ،أي قد ُب ِّينت ُحروفه اب َم ْر ُق ٌ وبينهِ .وك َت ٌ الكتاب .و َر َق َم الك َ
تاب ْير ُق ُمه َر ْق ًماْ :
أع َج َم ُه َّ
ِ ِ
مكتوب ...والم ْر ُ
ٌ ٌ ُ
اب َم ْرق ٌ َ
نقيط .وقوله عز وجلِ « :كت ٌ َّ
قم :القلم... ِ كتاب وم» بعالماتها من الت ِ
ْ ُ َ ْ ّ والرقمَ : ْ
ض ْرب ُمخطط من الوش ي ...ورقم الثوب يرق ُمه َرقما والختمَّ ... َّ
والرقم :الكتابة
َّ َ ُ َ َّ
ططه"1. ورقمه :خ
ب .الترقيم اصطالحا:
يعرف سعيد يقطين الترقيم بأنه "عملية نقل أي صنف من الوثائق من النمط
التناظري إلى النمط الرقمي ،وبذلك يصبح النص والصورة الثابتة أو المتحركة والصوت
أو الملف ،...مشفرا إلى أرقام ،ألن هذا التحويل هو الذي يسمح للوثيقة أيا كان نوعها بأن
تصير قابلة لالستقبال واالستعمال بواسطة األجهزة المعلوماتية"2.
153
علي صديقي
وهكذا ،يمكن القول ،انطالقا من هذا التعريف العام للترقيم ،بأن ترقيم النص
جملة ،والنص األدبي خاصة ،ما دمنا بصدد الحديث عن مفهوم النص األدبي الرقمي ،هو
عملية تحويل النصوص التي هي من النمط التناظري ،Analogiqueأي الورقي ،سواء
كانت هذه النصوص مخطوطة أم مطبوعة ،إلى النمط الرقمي اإللكتروني ،وذلك بغرض
الحصول على نص رقمي قابل لالستقبال والمعاينة بواسطة األجهزة المعلوماتية ،وفي
مقدمتها جهاز الحاسوب.
نوعين من النصوص ،هما: وحتى يتضح هذا التعريف أكثر ،البد من التمييز بين ْ
المعاينة؛ إذ من المعلوم أن النص ينقسم ،باعتبارَ َ
المقروءة ،والنصوص النصوص
الوسيط المستعمل في إنتاجه وتلقيه ،إلى قسمين ،هما" :النص المقروء" ،الذي يتحقق
من خالل الكتابة الورقية ،والذي يعد الكتاب المطبوع ،في وقتنا الحاضر ،فضاء لقراءته.
المعاين" ،الذي يتحقق بالكتابة الرقمية ،والذي يعد الحاسوب فضاء لمعاينته َ و"النص
ومشاهدته.
ّ
وإذا كانت خصائص النص المقروء تتمثل بشكل خاص ،في قيامه على الخطية
والتتابع ،ألنه نص ال ُيقرأ إال على النحو الذي كتب به؛ أي أنه ال يمكن استخالص المعنى
منه إال بمراعاة تسلسل أفكاره وفقراته .من هنا ،فهو نص «تناظري» ،يشبه الصيغة التي
ألف بها من لدن مبدعه .كما أنه سكوني وثابت ال تتغير هيأته ،وأحادي العالمة؛ ألنه نص
لغوي فقط ،ويقرأ قراءة خطية عمودية ،وال يفرض علينا ،قصد إنتاجه وتلقيه ،سوى
امتالك آليات الكتابة اإلمالئية وتقنياتها.
المعاين Observableمختلفة تماما ،ولعل أهم ما يميزه عن َ فإن خصائص النص
النص المقروء هو أنه نص رقمي ،ال يتحقق إال من خالل شاشة الحاسوب ،كما أنه عبارة
عن شذرات تتالءم مع حجم هذه الشاشة ،إضافة إلى أنه قد يكون مترابطا ،يوظف
أنواعا متعددة من الروابط للربط بين مكوناته وعناصرهُ ،ويقرأ قراءة أفقية ،وذلك
باستعمال الروابط للتحرك في فضاء النص ،كما أنه قد يكون متعدد العالمات ،فهو
َ
يستوعب إلى جانب اللغة ،الصورة والصوت والحركة ،ويفرض علينا ،إلى جانب امتالك
آليات الكتابة اإلمالئية العادية ،تحصيل المعرفة المعلوماتية ،وكيفية تنظيم الشذرات
154
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
والربط بينها ،ومعرفة كيفية استثمار العالمات الصوتية والصورية والحركية بطريقة
إبداعية فعالة3.
155
علي صديقي
معه بصورة ال نجدها في أي نص آخر .وهذا النمط المركب هو المقصود (ضمنا أو
ّ
تنظر له5. مباشرة) بالنص المترابط في مختلف الدراسات أو األبحاث التي
.1مفهوم النص األدبي الرقمي:
تتعدد المصطلحات التي يستعملها الباحثون والنقاد العرب المعاصرون للداللة
على هذا النوع من النصوص األدبية ،منها :اإلبداع التفاعلي 6،واألدب التفاعلي 7،والنص
المترابط 8،واألدب الرقمي 9،والنص المتفرع 10،والنص المتشعب 11،وأدب الواقعية
الرقمية 12،واألدب االفتراض ي ،واألدب اإللكتروني ،واألدب المعلومياتي13.
ويعرف سعيد يقطين اإلبداع الرقمي أو التفاعلي بأنه "مجموع اإلبداعات (واألدب
من أبرزها) التي تولدت مع توظيف الحاسوب ،ولم تكن موجودة قبل ذلك ،أو تطورت
من أشكال قديمة ،ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في اإلنتاج والتلقي ...غير أن
"الحاسوب" ليس فقط "أداة" ،فهو في آن واحد :أداة ،وشكل ،ولغة ،وفضاء ،وعالم .فهو
بمعنى آخر أشمل :منتوج وأداة إنتاج وفضاء لإلنتاج وعالقات إنتاجية .وكل هذه األبعاد
والدالالت التي تحملها مادة "ن .ت .ج" تتحقق في "اإلبداع التفاعلي" ،من خالل "النص
المترابط" ،باعتباره هو أيضا وفي آن واحد :أداة لإلنتاج (برنامج) وإنتاجا يتحقق من خالل
النص (أيا كانت عالمته :اللغة ،الصورة ،الصوت ،الحركة)...
في هذا "اإلبداع" التفاعلي يتحقق "التفاعل" في أقص ى درجاته ومستوياته:
-بين المستعمل للحاسوب والحاسوب من جهة،...
-وبين العالمات بعضها ببعض (لكونها مترابطة) من جهة ثانية،
-وبين المرسل والمتلقي ،حيث يغدو المتلقي للنص المترابط بدوره منتجا،
بالمعنى التام للكلمة ،من جهة ثالثة14".
وتعرفه فاطمة البريكي بقولها" :إنه األدب الذي يوظف معطيات التكنولوجيا
الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد ،يجمع بين األدبية واإللكترونية ،وال يمكن أن يتأتى
لمتلقيه إال عبر الوسيط اإللكتروني ،أي من خالل الشاشة الزرقاء .وال يكون هذا األدب
تفاعليا إال إذا أعطى المتلقي مساحة تعادل ،أو تزيد عن ،مساحة المبدع األصلي
للنص"15.
156
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
أما زهور كرام فتقول عن األدب الرقمي بأنه "مجال خصب لتطوير مفهوم النص...
إنه يتشكل انطالقا من المواد التي تؤلف هيئته (اللغة ،الصوت ،الصورة ،االشتغال على
الوثائق والملفات ،ملتيميديا ،البرامج المعلوماتية) ،في الحدود المفتوحة مع القارئ
(خيارات خاصة ،قرارات فردية ،وضعيات نفسية وذهنية ،سلوك اجتماعي وثقافي .)...لهذا
فالنص يصبح نسيجا من العالمات التي ال تجعله يخضع لوضع قائم وثابت .وإنما نصيته
تتحقق من حيويته وال اكتماله .القراءة هي أفق تحقيق نصية النص الرقمي"16.
"المنتج" اإللكتروني لمبدع ما ،في سعيهَ ويعرفه السيد نجم بالقول بـ"أنه ذلك
إلنتاج "نص رقمي" على الشاشة الزرقاء" ،مستعينا" بمفهوم جنس أدبي ما (شعر -رواية-
قصة -مسرحية)" ،متوسال" بالتقنية الرقمية ومنجزاتها (التي أحالت الكاتب إلى ضرورة
تعلم فنون تركيب وتحريك الصورة ،والصوت ،وفن الجرافيك واألنيميشن ..أحالته إلى
التعرف على قدرات اإلخراج الفني الدرامي)"17.
ونخلص من التعريفات السابقة إلى أن النص األدبي الرقمي يتميز بجملة من
الخصائص التي تجعله ذا هوية خاصة متميزة من النص األدبي الورقي .وهذه الخصائص
ستكون موضوع حديثنا في المحور الثاني من هذه الورقة.
ويتأسس النص األدبي الرقمي على جملة من العناصر ،أهمها:
-المبدع الرقمي :يميز المهتمون باألدب الرقمي بين نوعين من المبدعين ،هما:
المبدع الورقي ،والمبدع الرقمي .إن المبدع الرقمي يشترط فيه امتالك المعرفة
المعلوماتية الكافية التي تمكنه من إنتاج النص الرقمي ،إلى جانب امتالكه آليات الكتابة
العادية اإلمالئية التي يمتلكها المبدع الورقي ،ألن هذا المبدع لم يعد يكتفي باستخدام
اللغة األدبية فحسب ،بل صار لزاما عليه أن يوظف عالمات متعددة (لغوية وصورية
وصوتية) ،وأن يربط بين هذه المكونات والعناصر .وهذا ما جعل يقطين يقول عنه إنه
كاتب وزيادة18.
إن المبدع الرقمي مبدع متميز؛ فهو يبدع العمل األدبي حين يكتبه ،وهذا عمل
يشترك فيه مع المبدع الورقي ،ويبدعه حين ينفذ فكرته ويؤلف بين العناصر اللغوية وغير
اللغوية التي يستعملها في عمله ،ويبدعه حين يقوم بإخراجه ،سواء بمفرده أو بمساعدة
157
علي صديقي
أحد المتخصصين ،خاصة إذا كان الكاتب ال يتقن استعمال تكنولوجيا المعلوميات ،وال
يحسن استخدام البرامج الخاصة بإنتاج النص الرقمي ،ويبدعه حين يقوم بإنتاجه .لذا،
من األفضل أن نتحدث عن المبدع المخرج والمنتج بدل الحديث عن المبدع فقط.
وهذه الصفات تحققت في محمد سناجلة الذي ُحق له أن يصف نفسه في بداية نصه
"صقيع" ،بالكاتب والمؤلف والمنفذ والمخرج 19.يقول سناجلة متحدثا عن الروائي
الرقمي" :إن على الروائي نفسه أن يتغير ،فلم يعد كافيا أن يمسك الروائي بقلمه ليخط
الكلمات على الورق ،فالكلمة لم تعد أداته الوحيدة ،على الروائي أن يكون شموليا بكل
معنى الكلمة ،عليه أن يكون مبرمجا أوال ،وعلى إلمام واسع بالكمبيوتر ولغة البرمجة ،عليه
أن يتقن لغة الـ HTMLعلى أقل تقدير ،كما عليه أن يعرف فن اإلخراج السينمائي ،وفن
كتابة السيناريو والمسرح20."...
البحث عن اسم آخر لهذا النص ،اسم ينسجم مع طبيعته الجديدة ويستوعب هذه
العالمات.
ويميز الباحثون بين نوعين من النصوص األدبية الرقمية ،هما:
السلبي ،أو ما يسميه سعيد يقطين األدب * النص األدبي الرقمي ذو النسق َّ
اإللكتروني ،أو األدب الرقمي البسيط :وهو نص مغلق ،يتحقق بنقل النص الورقي
المطبوع أو المخطوط إلى الحاسوب من أجل معاينته على شاشته ،وهو يحافظ على
جميع سمات النص الورقي حتى وإن أصبح خاضعا لمتطلبات الحاسوب ،مثل استعمال
الفأرة لالنتقال من صفحة إلى أخرى .وهذا النوع من األدب ال يعد أدبا رقميا بالمعنى
الحقيقي للكلمة حتى وإن كان منشورا على الشبكة العنكبوتية.
* النص األدبي الرقمي ذو النسق اإليجابي ،أو األدب الرقمي الحقيقي :وهو األدب
الذي يستخدم الحاسوب بوصفه أداة إلنتاجه وتلقيه معا ،ويوظف ما يقدمه له من
إمكانيات تقنية ،وهو بذلك ،يعتمد ،إلى جانب اللغة ،عالمات أخرى غير لغوية :صورية
وحركية وصوتية ،كما أنه يعتمد الترابط عنصرا جوهريا للربط بين مختلف هذه
العالمات21.
159
علي صديقي
ويعرفها رائد الرواية الرقمية العربية محمد سناجلة بأنها "تلك الرواية التي
تستخدم األشكال الجديدة التي أنتجها العصر الرقمي ،وبالذات تقنية النص المترابط
(هايبرتكست) ومؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صورة وصوت وحركة وفن الجرافيك
واألنيميشنـز المختلفة ،وتدخلها ضمن البنية السردية نفسها ،لتعبر عن العصر الرقمي
والمجتمع الذي أنتجه هذا العصر ،وإنسان هذا العصر ،اإلنسان الرقمي االفتراض ي الذي
يعيش ضمن المجتمع الرقمي االفتراض ي"25.
160
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
ويرى سناجلة أن هذه الرواية إنما جاءت لتعبر عن التحوالت العميقة التي رافقت
انتقال اإلنسان وتحوله من كينونته األولى ،بصفته إنسانا واقعيا ،إلى كينونته الجديدة
بوصفه إنسانا رقميا افتراضيا.
وتتميز الرواية الرقمية بما يتميز به األدب الرقمي عامة من خصائص ،كالترابط،
وتعدد العالمات ،وتكسير الخطية التي تتميز بها الرواية الورقية سواء على مستوى الكتابة
أو القراءة ،وتحققها عبر الوسيط اإللكتروني.
ويعد الكاتب األمريكي مايكل جويس رائد الرواية الرقمية التفاعلية في األدب
الغربي ،فقد أنتج عام 1891أول رواية تفاعلية ،وهي رواية ( ،)story afternoonوذلك
باستخدام برنامج المسرد 26.Storyspaceثم توالت بعدها اإلنتاجات والتجارب الروائية
الرقمية وتطورت.
أما في األدب العربي ،فال أحد يجادل في أن المخرج والمبدع والمنتج األردني محمد
سناجلة يعد رائد الرواية الرقمية العربية ،فقد أصدر سناجلة روايته الرقمية األولى عام
1001بعنوان "ظالل الواحد" ،ونشرها على موقعه الخاص .وقد استخدم في هذه الرواية
التقنيات التي تتيحها الثورة الرقمية ،حيث استفاد من تقنيات لقطات الفيديو ،ومن
تقنية الربط بين النصوص والعالمات المختلفة ،عن طريق استخدام عدد من الروابط27.
وتؤكد البريكي ريادة سناجلة بقولها" :يعد (سناجلة) بحق ،ودون تطرف أو مبالغة ،أول
روائي عربي يستخدم تقنية (النص المتفرع) وخاصية (الروابط) التي يتيحها لكتابة (رواية
تفاعلية) تعتمد عدم الخطية في سيرورة أحداثها ،وبنائها القصص ي"28.
وتواصلت جهود سناجلة في إغناء المكتبة األدبية العربية الرقمية بإنتاج ْ
نصين
روائيين ،هما "شات" ( ،)1005و"صقيع" (.)1001
.1.3القصيدة الرقمية /التفاعلية:
تعرفها فاطمة البريكي بأنها "ذلك النمط من الكتابة الشعرية الذي ال يتجلى إال في
الوسيط اإللكتروني ،معتمدا على التقنيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة ،ومستفيدا
من الوسائط اإللكترونية المتعددة في ابتكار أنواع مختلفة من النصوص الشعرية ،تتنوع
في أسلوب عرضها ،وطريقة تقديمها للمتلقي /المستخدم ،الذي ال يستطيع أن يجدها إال
161
علي صديقي
من خالل الشاشة الزرقاء ،وأن يتعامل معها إلكترونيا ،وأن يتفاعل معها ،ويضيف إليها،
ويكون عنصرا مشاركا فيها"29.
ويمكن توفير هذه القصائد الرقمية على شبكة اإلنترنيت ،أو على أقراص مدمجة
( ،)CD- Romكما يمكن تبادلها عبر البريد اإللكتروني .وقد ظهر هذا النوع من القصائد
الشعرية عام 1880على يد الشاعر األمريكي روبرت كاندال Robert Kendallالذي يعد
رائد هذا النوع من الشعر.
أما في العالم العربي فلعل أول مجموعة شعرية رقمية ظهرت هي "تباريح رقمية
لسيرة بعضها أزرق" ،للشاعر العراقي مشتاق عباس معن30.
وتربط البريكي القصيدة التفاعلية بنوع من الشعر معروف في األدب العربي ،وإن
لم يحظ باالنتشار واالهتمام من قبل الدارسين ،هذا النوع هو "الشعر الهندس ي" أو الشعر
البصري 31،وهو نمط من الشعر يكتب على شكل من األشكال الهندسية المعروفة
(الدائرة ،المربع ،المثلث ،المستطيل ،)...وتنظم فيه الكلمات على نحو يتناسب مع
الشكل الهندس ي المختار .ويتميز هذا النمط من الشعر بكونه يمنح المتلقي حق اختيار
البداية التي يشاء ،كما أنه ال يكون خطيا وثابتا ،فقد يكون دائريا ،أو قد يتخذ شكل
مربع ،أو شكل مثلث ،أو شكل شجرة ،وهذا ما يجعله ُيقرأ قراءة أفقية ال عمودية .من
هنا ،فإن المتلقي لهذا النوع من الشعر يكون له دور مهم في إنتاج معنى النص ،نظرا
للحرية التي يتمتع بها في اختيار نقطة البداية ،واختيار مسار القراءة ،وهي حرية ال يتمتع
بها قارئ القصيدة المطبوعة العمودية .وهذه السمات كلها تجعل القصيدة الهندسية
تشكل ،في نظر الكاتبة ،نواة لقصيدة تفاعلية عربية32.
162
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
أما المخرج والمبدع العراقي محمد حسين حبيب ،الذي يعد أحد أبرز رواد
المسرح العربي الرقمي ،وصاحب أول تجربة مسرحية رقمية عربية ،فيعرف المسرح
الرقمي بأنه "المسرح الذي يوظف معطيات ّ
التقانة العصرية الجديدة المتمثلة في
استخدامه الوسائط الرقمية المتعددة في إنتاج أو تشكيل خطابه المسرحي ،شريطة
اكتسابه صفة التفاعلية"34.
ويؤكد أن من أهم خصائص هذا النمط من المسرح" ،اعتماده على توظيف ذات
الخصائص الرقمية إلنتاج مسرحية نصا أو عرضا"35.
ويرى السيد نجم أن تجربة محمد حبيب الرائدة عربيا ،قد اتسمت بجملة من
الخصائص ،أهمها:
-توفير مناخ المشهدية الواقعية في العمل ،وذلك بفعل مشاهد الرقص والغناء
التي تضمنتها المسرحية.
-توظيف "اإلضاءة" لتحقيق ما يرجوه المخرج (رؤيته).
-محاولة إتاحة الفرصة لتوظيف "مكان" التلقي في تجسيد فكرة المسرحية (أو
الديكور).
-المزج بين اآللية (جهاز/أجهزة الحاسوب) ،والعنصر البشرى
(الممثل/الممثلون)36.
.1العنصر اللغوي :إذ إن النص اإلبداعي ،سواء كان رقميا أو ورقيا ،هو نص لغوي
أوال وأخيرا .وهذا العنصر في الحقيقة يصعب عده من مميزات اإلبداع الرقمي ،ألنه
مشترك بين النصين األدبيين الورقي والرقمي ،بل يمكن القول إنه من خصائص األدب
الورقي ال الرقمي.
.1تعدد العالمات :لم يعد النص األدبي أحادي العالمة ،إذا لم يعد يقتصر على
توظيف العالمة اللغوية فحسب ،وإنما صار يستثمر جميع اإلمكانيات التي يتيحها
الحاسوب للمبدع لتقديم نص متعدد العالمات .ذلك بأن النص الرقمي يضم إلى جانب
163
علي صديقي
العالمة اللغوية عالمات أخرى غير لغوية ،كالصوت ،والموسيقى ،والصورة الثابتة
والمتحركة ،واأللوان المختلفة ،وغيرها من العالمات التي يفتقر إلى بعضها النص الورقي.
إن تعدد العالمات من سمات األدب الرقمي الجوهرية التي نجدها في بعض
ْ
كروايتي شات وصقيع ،ففي هاتين الروايتين نجد النصوص اإلبداعية الرقمية العربية،
سناجلة قد نجح في استثمار جميع اإلمكانات التقنية التي أتاحها له الحاسوب ،لتوظيف
عالمات متعددة تخدم غرضه ،مثل الكلمات /العالمة اللغوية ،واألصوات المختلفة،
والموسيقى ،واأللوان المتباينة ،والصور الثابتة والمتحركة ...وتعد خاصية تعدد
هذين النصين ْ
عملين العالمات ،إلى جانب خاصية الترابط ،أهم الخصائص التي تجعل ْ
ّ
أدبيين رقميين مركبين حقيقيين.
.3الترابط النص ي :الرابط هو تلك العالقة التي تربط بين معلومتين أو بين شذرتين
نصيتين ،وهذه العالقة غير مرئية ،وإنما ُيؤشر عليها بوصالت (كلمات أو جمل) ،تكتب
بلون يختلف عن لون النص /المتن ،وغالبا ما يكون هذا اللون هو األزرق ،أو يوضع تحتها
خط لتمييزها من باقي كلمات النص وجمله.
ويعد الترابط أهم خاصية تميز النص الرقمي عامة ،واألدبي خاصة ،فهو ٌ
بعد
جوهري في إبداع النص الرقمي وتلقيه ،وبدونه ال يمكن الحديث عن نص رقمي ،وهو
ّ
الذي يميز النص الرقمي من النص اإللكتروني (المرقم) ،كما أن الترابط هو الذي يكسر
خطية النص المكتوب ،ويجعله متعدد األبعاد ،ويسمح للمتلقي بأن يتحرك في فضاء
النص وفق المسارات المتعددة التي يفرضها ،دون أن يلتزم بالخطية التي يتميز بها النص
الورقي.
وتؤكد زهور كرام أهمية الرابط بقولها" :يشكل الرابط Lieu/تقنية أساسية في
تنشيط النص المترابط والدفع به نحو التحقق .والرابط هو الذي يربط بين معلومتين،
وهذا االرتباط هو الذي ينتج المعنى .وعليه فإن تدخل القارئ في اختيار الرابط يفعل في
إنتاج نوعية العالقات المترابطة ،ومن ثمة في نوعية المعنى المنتوج من هذه العالقة بين
معلومتين ...يعطي الرابط خصوصية للنص المترابط التخييلي"38.
164
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
غير أن هذه األهمية القصوى الممنوحة للرابط ،ترتبط ،بحسب كرام ،بضرورة
الوعي ،من جانب المتلقي ،بوظيفة الرابط ،وبوضعه المحوري في عملية الربط بين
المعلومات والعناصر التي يشتمل عليها النص ،ألنه بدون هذا الوعي ،ال يمكن إدراك
منطق اشتغال النص المترابط ،وال يمكن تنشيط النص والدفع به إلى التحقق39.
ويميز سعيد يقطين بين "الترابط النص ي" ،و"النص المترابط" .يقول" :نميز بين
«الترابط النص ي» و«النص المترابط» .ونعني باألول السمة التفاعلية المميزة للنص كيفما
كان نوعه مطبوعا أو إلكترونيا .وهذا المعنى يتصل بوثوق بأنواع التفاعل النص ي ...أما
"النص المترابط" Hypertexteفنقصره على النص اإللكتروني الذي يقوم على الروابط
التي تصل بين مختلف أجزائه ومكوناته .وبذلك نرى أن:
-الترابط النص ي مظهر من مظاهر «التفاعل النص ي» ،وهو عام إذ نجده يتحقق في
أي نص كيفما كان جنسه أو نوعه.
-النص المترابط :خاص بالنص اإللكتروني الذي تتحقق فيه الروابط ،وذلك على
اعتبار أن ليس كل نص إلكتروني نصا مترابطا بالضرورة...
-إن النص المترابط هو الذي تتجسد فيه الروابط ،وذلك بناء على أنه يتشكل من
مجموعة من البنيات غير المتراتبة ،والتي يتصل بعضها ببعض بواسطة روابط يقوم
القارئ بتنشيطها ،والتي تسمح له باالنتقال السريع بين كل منها"40.
من هنا ،يميز يقطين بين صنفين من الترابط :الترابط العام ،والترابط الخاص؛
فالترابط األول "سمة إنسانية ألنه يجسد لنا أحد أهم مقومات النص ،والتي تتجلى في
كون أي نص هو ملتقى «عالمات» نصية متعددة (التفاعل النص ي) 41".وهذا النوع من
الترابط حاضر في النصوص ما قبل اإللكترونية ،وهو عفوي ومشترك بين جميع
النصوص ،وحاضر حتى في النصوص األحادية العالمة42.
أما الترابط الخاص ،فهو "مقصود لذاته" وليس عفويا ،وخاص بالنصوص التي
تنتمي إلى الحقبة اإللكترونية ،ولذلك فهو "متصل بطبيعة الجهاز الموظف في إنتاجه
وتلقيه" 43،وهو جهاز الحاسوب.
165
علي صديقي
وهكذا ،يكون النص المترابط ،بحسب يقطين ،عبارة عن "وثيقة رقمية تتشكل من
«عقد» من المعلومات قابلة ألن يتصل بعضها ببعض بواسطة روابط"44.
وتميز زهور كرام ،في سياق تحليلها رواية شات لمحمد سناجلة ،بين نوعين من
الروابط ،هما :الروابط التفاعلية الداخلية ،والروابط غير التفاعلية الخارجية.
األولى تحقق للنص تفاعليته عبر "تحقيق الترابط الوظيفي المعلوماتي بين النص
المتضمن والنص المتضمن رقميا ،مع توظيف نص ي داخلي" 45.وتنقسم هذه الروابط إلى
نوعين ،هما :الروابط المباشرة ،والمقصود بها "تلك الروابط التي تتفرع عن نص /مقطع
وتعود إليه (ذهاب /رجوع)" ،كالروابط التي تربط بين النصوص الشعرية المتضمنة في
الرواية ،وبين الرسائل المتبادلة بين السارد ومنال ،وبين الكالم المتبادل بين المتواصلين
من خالل دردشة غرفة الشات .والروابط غير المباشرة ،وهي متفرعة عن المباشرة،
وتحدث "جوا من الحركة بفعل تنشيط الروابط ،واالنتقال دفعة واحدة بين مجاالت
سردية عديدة .كما تحدث تعددية مفتوحة على العالقات التناصية بين نصوص الروابط.
مما يخلق حالة سردية يمكن التعبير عنها بالترابط التناص ي46."Hyper interxtualité
أما الثانية؛ أي الروابط غير التفاعلية الخارجية ،فهي تلك التي تحضر في النص
الروائي "من أجل تقديم خدمة معلوماتية للقارئ ،مثل توثيق اسم كاتب أو شاعر ورد
اسمه في النص .وتعد هذه الروابط "خارج نصية"؛ ألنها "ال تنتج المعنى المحتمل من
خالل الربط بين معلومتين /نصين /ملفوظين ،ولكنها ذات اتجاه واحد ،ننطلق من العالمة
إلى المعلومة"47.
ويمكن أن نضيف إلى هذه الخصائص التي ذكرها يقطين ،خصائص أخرى تستفاد
من تعريف يقطين نفسه لإلبداع التفاعلي ،ومن تعريفات غيره من النقاد والباحثين لألدب
الرقمي .وهذه الخصائص هي:
.1التفاعل :أشرنا سابقا إلى أن التفاعل أعم وأشمل من الترابط ،وهذا يعني أن
التفاعل حاضر في جميع النصوص األدبية ،قديمها وحديثها ،ور ّقيها ورقميها .وما نقصده
بهذه السمة هنا هو أن ظهور األدب الرقمي واإلبداع التفاعلي قد أدى إلى توسيع دائرة
التفاعل لتبلغ أقص ى مستوياتها ،تبعا لتوسيع أطراف العملية اإلبداعية؛ حيث أصبح
166
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
التفاعل يتحقق بين جميع هذه األطراف :بين المبدع والوسيط الذي هو الحاسوب ،وبين
المبدع والمتلقي ،وبين الوسيط والمتلقي ،وبين المبدع والمتلقي ،وبين العالمات
المتعددة المترابطة المكونة للنص األدبي الرقمي.
.1االنفتاح :النص األدبي الرقمي نص حيوي مفتوح ،ال حدود له ،متحرك
ديناميكي ،غير ثابت وغير مكتمل ،يمكن أن يشترك في إنتاجه وإخراجه مبدعون
متعددون ،كما يمكن للمبدع أن ينشئه ،فيضعه في إحدى المواقع ،ثم يأتي القارئ/
مبدع آخر ،ليكمله.
.3التمركز حول المتلقي :إن األدب الرقمي متمركز حول المتلقي ال حول المبدع وال
حول النص ،فهو يمنح القارئ مساحة تساوي أو تزيد عن مساحة المبدع األصلي للنص،
إذ إن القارئ في األدب الرقمي هو الذي يعطي المعنى للنص ،وهو المالك له ،ألنه يملك
الحق في اإلضافة والتعديل في النص األصلي ،واألدب الرقمي ال يعترف بالمبدع الوحيد
للنص ،بل إنه يكسر الحواجز التي أقامها النقد بين المبدع والمتلقي ،حيث يتحول
ال متلقي إلى مبدع ،والمبدع إلى متلق .إن النص األدبي الرقمي ال تتحقق نصيته إال
بالمعاينة والمشاهدة (القراءة).
.4القراءة األفقية :النص األدبي الرقمي ال يقرأ قراءة خطية عمودية ،وإنما يقرأ
قراءة أفقية ال تخضع لمسار معين ،نظرا لتعدد مساراته ،وتعدد بداياته ونهاياته؛ إذ يمكن
للقارئ أن يختار البداية التي يشاء ،وهذا االختيار ينتج عنه ،في النص السردي مثال،
اختالف في سيرورة األحداث من قارئ إلى آخر ،حيث إن كل قارئ يسير في اتجاه يختلف
عن االتجاه الذي يسير فيه القارئ اآلخر ،األمر الذي يفض ي إلى اختالف النهايات كذلك.
ففي المجموعة القصصية "محطات" لمحمد اشويكة مثال ،يمكن للقارئ أن يختار
البداية التي يشاء لمباشرة المعاينة ،إذ بمجرد النقر على الغالف الخارجي للمجموعة
القصصية ،تنفتح المجموعة على مجموعة من الكلمات التي يمكن بمجرد النقر عليها
الشروع في القراءة ،وباختيار القارئ الكلمة التي ستشكل نقطة البدء بالنسبة إليه ،يلج إلى
فضاء الحكاية ،ويسلك مسارا معينا يختلف تماما عن المسار الذي سيسلكه قارئ آخر
167
علي صديقي
يختار نقطة بداية مغايرة .وهذا ما سيفض ي إلى تباين في مسارات القراءة من قارئ إلى
آخر ،والسبب هو حرية القارئ في اختيار البداية.
خاتمـة
هذ ا هو مفهوم النص األدبي الرقمي ،وتلكم هي أهم خصائصه ،وال نريد في هذه
الخاتمة أن نكرر ما ذكرناه أثناء التحليل ،وحسبنا هنا أن نشير إلى ما يالحظه المتتبع
انحسار لهذا اإلبداع ،وعدم انتشاره بالشكل الذي ٍ لإلبداع الرقمي في العالم العربي من
يرجوه له دعاته وأنصاره؛ إذ إن عدد النصوص اإلبداعية الرقمية الحقيقية المنشورة
لحد اآلن قليل جدا .وتتعدد أسباب هذا االنحسار ،ولعل أهمها ما يأتي:
جدة تجربة األدب الرقمي وضعفها :ذلك بأن تجربة اإلبداع الرقمي في األدب * ّ
العربي جديدة وحديثة العهد ،وال تزال في بداياتها ،ولم تحقق بعد التراكم المطلوب الذي
يسمح بتطويرها وإثارة االهتمام بها.
* التباس مفاهيم األدب الرقمي :وهذا راجع إلى جدة التجربة ،من جهة ،وإلى ما
تطرحه الترجمة عن اللغات األجنبية من مشاكل وصعوبات ،من جهة أخرى .كما أنه راجع
في بعض الحاالت إلى سوء فهم بعض المهتمين باألدب الرقمي ،ومن تجليات سوء الفهم
هذا ،ذلك الخلط الذي نجده لدى البعض بين ما هو إلكتروني بسيط ،وما هو رقمي
مركب.
* عدم امتالك أغلب المبدعين تقنيات الكمبيوتر الالزمة إلنتاج النص األدبي
الرقمي المركب الحقيقي.
ولتجاوز هذا الوضع ،يدعو سعيد يقطين إلى ما يأتي:
* ضرورة الوعي بأهمية الحاسوب بوصفه وسيطا رقميا ال ُيستغنى عنه في العصر
الحديث.
* ضرورة تطوير معرفتنا بالمعلوميات في مختلف مجاالت حياتنا اليومية والعلمية
عن طريق إدراج مادة المعلوميات في مقرراتنا التعليمية ومختلف ممارساتنا الثقافية.
168
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
* تكوين ورشات للعمل بين الكتاب ،والمشتغلين باألدب والفن ،لتطوير ممارستنا
األدبية عبر الحوار والنقاش ،وذلك لتأكيد مقولة أن اإلبداع الرقمي عمل جماعي.
* إصدار دوريات ومجالت علمية متخصصة ،تعنى بما يتحقق في مجال المعرفة
المعلوماتية ومتابعة اإلبداعات الرقمية الغربية والعربية التي تصدر على شبكة اإلنترنيت.
كما يمكن أن نضيف إلى ذلك توصيات أخرى ،من قبيل:
* تنظيم ندوات وملتقيات علمية وطنية ودولية يشارك فيها متخصصون ومهتمون
يثرون النقاش ،ويغنون التجا ب القليلة َ
المنتجة. ر
* توجيه باحثينا وطلبتنا بالجامعات العربية إلى اختيار موضوعات األدب الرقمي
لرسائلهم وأطروحاتهم الجامعية.
* تخصيص جوائز تشجيعية لتشجيع الباحثين على ارتياد آفاق األدب الرقمي.
-اإلحاالت:
.1ابن منظور :لسان العرب .دار صادر (بيروت ،د .ت) .مادة رقم.
.2سعيد يقطين :من النص إلى النص المترابط ،مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي ،المركز الثقافي العربي( ،الدار
البيضاء /بيروت ،ط ،)1005 ،1ص.158
.3سعيد يقطين :النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية (نحو كتابة عربية رقمية) ،المركز الثقافي العربي( ،الدار
البيضاء /بيروت ،ط ،)1009 ،1ص 118وما بعدها.
.4المرجع نفسه ،ص.134
.5سعيد يقطين :من النص إلى النص المترابط ،ص.141
.6سعيد يقطين ،خاصة في الكتاب الذي سبق ذكره.
.7فاطمة البريكي ،في كتابها :مدخل إلى األدب التفاعلي ،المركز الثقافي العربي( ،الدار البيضاء /بيروت ،ط.)1001 ،1
.8سعيد يقطين ،في :النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية.
.9زهور كرام ،في :األدب الرقمي ،أسئلة ثقافية وتأمالت مفاهيمية ،دار رؤية للنشر والتوزيع( ،القاهرة ،ط.)1008 ،1
وسعيد يقطين ،في :النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية.
.10حسام الخطيب ،في :األدب والتكنولوجيا وجسر النص المتفرع ،المكتب العربي لتنسيق الترجمة والنشر( ،دمشق،
ط .)1881 ،1وعبد الله الغذامي ،في مقدمته لكتاب البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.10
.11عبير سالمة ،في :النص المتشعب ومستقبل الرواية .على الرابط اآلتي:
169
علي صديقي
http://www.alimizher.com/n/3y/studies3/Studies3/hyper.htm
.12محمد سناجلة ،في كتابه :رواية الواقعية الرقمية ،على الرابط:
http://6ollap.ps/article/16024
كما استعمل هذا التعبير في وصف روايته صقيع ،حيث وصفها بأنها "تجربة جديدة في أدب الواقعية الرقمية".
ُ .13ينظر كتاب سعيد يقطين :النص المترابط ،ص 193وما بعدها.
.14سعيد يقطين :من النص إلى النص المترابط ،ص.10-8
.15فاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.48
.16زهور كرام :األدب الرقمي ،ص.50
.17السيد نجم :النص الرقمي وأجناسه ،مجلة العربي الحر ،على الرابط اآلتي:
http://www.freearabi.com/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5-
%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84=%D8%B
3%D9%8A%D8%AF-%D9%86%D8%AC%D9%85.htm
.18سعيد يقطين :النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية ،ص.188
.19انظر نصه الروائي الرقمي صقيع ،وقد ساعده على إخراجه وتحريكه عمر الشاويش .ولإلشارة ،فإن نصا بهذه
المواصفات التي تجعله قريبا جدا من فيلم سينمائي ،يحتاج إلى مؤسسة لإلنتاج وليس إلى مطبعة عادية .لذا نجد أن
هذا النص قد أنتجته مؤسسة محمد سناجلة للتصميم والنشر اإللكتروني.
.20محمد سناجلة ،رواية الواقعية ،ص.81
.21سعيد يقطين :النص المترابط ،ص .180وفاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.11
.22سعيد يقطين :من النص إلى النص المترابط ،ص.133
.23سعيد يقطين :النص المترابط ،ص.185
.24فاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.111
.25أورد هذا التعريف السيد نجم في مقاله :النص الرقمي وأجناسه.
.26انظر :يقطين :من النص إلى النص المترابط ،ص .155والبريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.115
.27أحمد فضل شبلول :رواية الواقعية الرقمية :محمد سناجلة وميالد أدب عربي جديد .وذلك على الرابط:
http://www.nashiri.net/critiques-and-reviews/critiques-and-analyses/1273----i--v15-1273.html
.28فاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.111
.29فاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.77
.30انظر قراءة في المجموعة أنجزتها فاطمة البريكي ،في كتابها :الكتابة والتكنولوجيا ،المركز الثقافي العربي( ،الدار
البيضاء /بيروت ،ط ،)1009 ،1ص 117وما بعدها.
.31لمعرفة المزيد عن هذا النوع من الشعر ،ينظر كتاب محمد نجيب التالوي :القصيدة التشكيلية في الشعر العربي،
الهيئة المصرية العامة للكتاب( ،القاهرة.)1889 ،
.32فاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص.87-81
170
النص األدبي الرقمي :بحث في المفهوم والخصائص
.33فاطمة البريكي :مدخل إلى األدب التفاعلي ،ص .88ويعد هذا التعريف من أهم تعريفات المسرح الرقمي ،وهذا ما
يؤكده أحد رواد المسرح الرقمي العربي محمد حسين حبيب حين ذكر في إحدى حواراته ،أنه انطلق من هذا التعريف
ليقترح نظريته في المسرح الرقمي .انظر الحوار ،وهو بعنوان :المسرح الرقمي ..مفهومه وآفاقه المستقبلية ،على الرابط
اآلتي:
http://www.startimes.com/?t=16849256
.34انظر حوارا بعنوان :محمد حسين حبيب يؤكد أن المسرح الرقمي نظرية عراقية ،وذلك على الرابط اآلتي:
http://www.middle-east-online.com/?id=109103
.35المرجع نفسه.
.36السيد نجم :النص الرقمي وأجناسه.
.37سعيد يقطين :النص المترابط ،ص.180
.38زهور كرام :األدب الرقمي ،ص.47
.39المرجع نفسه ،ص.47
.40سعيد يقطين :من النص إلى النص المترابط ،ص .119وانظر أيضا المرجع نفسه ،ص.100
.41المرجع نفسه ،ص.113
.42المرجع نفسه ،ص.115 -113
.43المرجع نفسه ،ص.113
.44المرجع نفسه ،ص.130
.45زهور كرام :األدب الرقمي ،ص.91
.46المرجع نفسه ،ص.93 -91
.47المرجع نفسه ،ص.93
مراجع البحث
أوال :المراجع الورقية
.1ابن منظور :لسان العرب .دار صادر (بيروت ،د .ت).
.1سعيد يقطين:
-من النص إلى النص المترابط ،مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي ،المركز الثقافي العربي( ،الدار البيضاء/
بيروت ،ط.)1005 ،1
-النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية (نحو كتابة عربية رقمية) ،المركز الثقافي العربي( ،الدار البيضاء/
بيروت ،ط.)1009 ،1
.3فاطمة البريكي:
-مدخل إلى األدب التفاعلي ،المركز الثقافي العربي( ،الدار البيضاء /بيروت ،ط.)1001 ،1
171
علي صديقي
-الكتابة والتكنولوجيا ،المركز الثقافي العربي( ،الدار البيضاء /بيروت ،ط.)1009 ،1
.4زهور كرام :األدب الرقمي ،أسئلة ثقافية وتأمالت مفاهيمية ،دار رؤية للنشر والتوزيع( ،القاهرة ،ط،1
.)1008
.5حسام الخطيب :األدب والتكنولوجيا وجسر النص المتفرع ،المكتب العربي لتنسيق الترجمة والنشر،
(دمشق ،ط.)1881 ،1
.1محمد نجيب التالوي :القصيدة التشكيلية في الشعر العربي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب( ،القاهرة،
.)1889
ثانيا :المراجع اإللكترونية
.1محمد سناجلة:
-شات ،وصقيع ،منشورات اتحاد كتاب اإلنترنيت العرب.)1007( ،
-رواية الواقعية الرقمية.
http://6ollap.ps/article/16024
.1عبير سالمة :النص المتشعب ومستقبل الرواية.
http://www.alimizher.com/n/3y/studies3/Studies3/hyper.htm
.3السيد نجم :النص الرقمي وأجناسه ،مجلة العربي الحر.
http://www.freearabi.com/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5-
%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84=%D8%B
3%D9%8A%D8%AF-%D9%86%D8%AC%D9%85.htm
.4أحمد فضل شبلول :رواية الواقعية الرقمية :محمد سناجلة وميالد أدب عربي جديد.
http://www.nashiri.net/critiques-and-reviews/critiques-and-analyses/1273----i--v15-1273.html
.5محمد حسين حبيب:
-المسرح الرقمي ..مفهومه وآفاقه المستقبلية (حوار).
http://www.startimes.com/?t=16849256
-محمد حسين حبيب يؤكد أن المسرح الرقمي نظرية عراقية (حوار).
http://www.middle-east-online.com/?id=109103
172