You are on page 1of 14

‫شبكة األلوكة ‪ /‬آفاق الشريعة ‪ /‬مقاالت شرعية ‪ /‬عقيدة وتوحيد‬

‫السحر في ضوء القرآن والسنة‬


‫الشيخ وحيد عبدالسالم بالي‬

‫مقاالت متعلقة

‫تاريخ اإلضافة‪ 1/4/2014 :‬ميالدي ‪ 1/6/1435 -‬هجري


‫الزيارات‪
463210 :‬‬

‫السحر في ضوء القرآن والسنة‬

‫• األدلة من الكتاب والسنة على وجود الجن والشياطين‪.‬‬

‫• األدلة من الكتاب والسنة على وجود السحر‪.‬‬

‫• أقوال العلماء في السحر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫أوًال‪ :‬األدلة على وجود الجن والشياطين[‪:]1‬‬

‫إن العالقة قوية بين الجن والسحر‪ ،‬بل إن الجن والشياطين هم العامل األساسي في السحر‪،‬‬
‫ولقد أنكر بعض الناس وجود الجن‪ ،‬ومن ثم أنَكروا حدوث السحر؛ ولذلك فإني سأسرد األدلة‬
‫على وجود الجن والشياطين باختصار‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬األدلة القرآنية‪:‬‬

‫‪ -1‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و ِإ ْذ َص َر ْف َنا ِإ َلْي َك َنَف ًر ا ِم َن اْلِج ِّن َي ْس َت ِم ُع وَن اْلُق ْر آَن ﴾ [األحقاف‪.]29 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫َأ َلْم َي ْأ ِت ُكْم ُر ُس ٌل ِم ْن ُكْم َي ُق ُّص وَن َع َلْي ُكْم آَي اِت ي‬ ‫‪ -2‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ي ا َم ْع َش َر اْلِج ِّن َو اِإْل ْن ِس‬
‫َو ُي ْن ِذ ُر وَنُكْم ِل َق اَء َي ْو ِم ُكْم َه َذ ا ﴾ [األنعام‪.]130 :‬‬

‫‪ ‬‬
‫َف اْنُف ُذ وا اَل‬ ‫‪َ ﴿ -3‬ي ا َم ْع َش َر اْلِج ِّن َو اِإْل ْن ِس ِإ ِن اْس َت َط ْع ُت ْم َأ ْن َت ْن ُف ُذ وا ِم ْن َأْق َط اِر الَّس َم َو اِت َو اَأْلْر ِض‬
‫َت ْن ُف ُذ وَن ِإ اَّل ِب ُس ْلَط اٍن ﴾ [الرحمن‪.]33 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ُ ﴿ -4‬ق ْل ُأ وِح َي ِإ َلَّي َأ َّن ُه اْس َت َم َع َنَف ٌر ِم َن اْلِج ِّن َف َق اُلوا ِإ َّن ا َس ِم ْع َنا ُق ْر آًن ا َع َج ًب ا ﴾ [الجن‪.]1 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪َ ﴿ -5‬و َأ َّن ُه َكاَن ِرَج اٌل ِم َن اِإْل ْن ِس َي ُع وُذ وَن ِب ِر َج اٍل ِم َن اْلِج ِّن َف َز اُد وُه ْم َر َه ًق ا ﴾ [الجن‪.]6 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ِ ﴿ -6‬إ َّن َم ا ُي ِر يُد الَّش ْي َط اُن َأ ْن ُي وِق َع َب ْي َن ُكُم اْلَع َد اَو َة َو اْلَب ْغ َض اَء ِف ي اْلَخ ْم ِر َو اْلَم ْي ِس ِر َو َي ُص َّد ُكْم َع ْن‬
‫ِذ ْكِر اِهَّلل َو َع ِن الَّص اَل ِة َف َه ْل َأ ْن ُت ْم ُم ْنَت ُه وَن ﴾ [المائدة‪.]91 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪َ ﴿ -7‬ي ا َأ ُّي َه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَل َت َّت ِب ُع وا ُخ ُط َو اِت الَّش ْي َط اِن َو َم ْن َي َّت ِب ْع ُخ ُط َو اِت الَّش ْي َط اِن َف ِإ َّن ُه َي ْأ ُم ُر‬
‫ِب اْلَف ْح َش اِء َو اْلُم ْن َكِر ﴾ [النور‪.]21 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫واألدلة من القرآن كثيرة معروفة‪ ،‬ويكفيك أن تعرف في القرآن سورًة كاملة عن الجن‪ ،‬بل‬
‫يكفيك أن تعرف أن كلمة (الجن) ُذ ِك َر ت في القرآن ِثْنَت ْي ِن وعشرين مرة‪ ،‬وكلمة (الجان) سبَع‬
‫مراٍت ‪ ،‬وكلمة (الشيطان) ثماِن َي وستين مرًة ‪ ،‬وكلمة (الشياطين) سبَع عْش رَة مَّر ًة ‪ ،‬والشاهد أن‬
‫اآليات في ذكر الجن والشياطين كثيرة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانًي ا‪ :‬األدلة من السنة‪:‬‬

‫‪ -1‬عن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬كنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذات ليلة‪،‬‬
‫ففقدناه فالتمسناه في األودية والِّش َع اب‪ ،‬فقلنا‪ :‬اْس ُت ِط يَر َأ ِو اْغ ِت يَل ؛ َف ِب ْت َنا بشِّر ليلة بات بها قوم‪،‬‬
‫فلما أصبْح َنا إذا هو جاء من ِق َب ِل ِح َر اء‪ ،‬قال‪ :‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فقدناك فطلبناك‪ ،‬فلم نجْد ك‪،‬‬
‫فبتنا ِب َش ِّر ليلة بات بها قوم‪ ،‬فقال‪(( :‬أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرْأ ُت عليهم القرآن))‪،‬‬
‫قال‪ :‬فانَط َلَق بنا فأرانا آثارهم‪ ،‬وآثار نيرانهم‪ ،‬وسألوه عن الزاد فقال‪(( :‬لكم ُكُّل َع ْظ ٍم ُذ ِك َر اسم‬
‫اهلل عليه يقع في أيديكم َأ وَف َر ما يكون لحًم ا‪ ،‬وُكُّل َبْع َر ٍة َع َلٌف لدواِّب كم))‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬فال تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم))[‪.]2‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬وعن أبي سعيد الُخ ْد ِري رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((إني أراك ُت ِح ب الغنم والبادية‪ ،‬فإذا كنت في غنمك وباديتك فَأ َّذ ْن َت بالصالة‪ ،‬فارفع صوتك‬
‫بالنداء؛ فإنه ال يسمع صوَت المؤذن ِج ٌّن وال إنس وال شيء‪ ،‬إَّال َش ِه َد له يوم القيامة))[‪.]3‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ -3‬وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬انطلق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في طائفة‬
‫من أصحابه عامدين إلى سوق ُع َكاظ‪ ،‬وقد ِح يَل بين الشياطين وبين خبر السماء‪ ،‬وُأ ْر ِس َلت‬
‫عليهم الُّش ُه ب‪ ،‬فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا‪ :‬ما لكم؟ قالوا‪ :‬حيل بيننا وبين خبر‬
‫السماء‪ ،‬وُأ ْر ِس لت علينا الشهب‪ ،‬قالوا‪ :‬ما حال بينكم وبين خبر السماء إال شيٌء َح َد َث ‪ ،‬فاضربوا‬
‫مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬فانُظ روا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء؟ فانصرف أولئك‬
‫الذين توجهوا نحو ِت َه امَة إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم وهو بنخلَة عامدين إلى سوق عكاظ‪،‬‬
‫وهو يصلي بأصحابه صالة الفجر‪ ،‬فلما سمعوا القرآن‪ ،‬استمعوا له فقالوا‪ :‬هذا واهلل الذي حال‬
‫بينكم وبين خبر السماء‪ ،‬فهنالك حين رجعوا إلى قومهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا قومنا‪ِ ﴿ ‬إ َّن ا َس ِم ْع َنا ُق ْر آًن ا‬
‫َع َج ًب ا * َي ْه ِد ي ِإ َلى الُّر ْش ِد َف آَم َّنا ِب ِه َو َلْن ُن ْش ِر َك ِب َر ِّب َنا َأ َح ًد ا ﴾ [الجن‪ ،]2 ،1 :‬فأنزل اهلل على نبيه‬
‫ُأ‬ ‫ْل‬ ‫َل َأ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ُ ﴿ :‬ق ْل ُأ‬
‫وِح َي ِإ َّي َّن ُه اْس َت َم َع َنَف ٌر ِم َن ا ِج ِّن ﴾ [الجن‪ ،]1 :‬وإنما وِح َي‬
‫إليه قول الجن[‪.]4‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -4‬وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ُ(( :‬خ ِل َق ت المالئكة‬
‫من النور‪ ،‬وُخ ِل ق الجان من مارج من نار‪ ،‬وُخ ِل ق آدم مما ُو ِص َف لكم))[‪.]5‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -5‬وعن صفيَة بنِت ُح َي ٍّي رضي اهلل عنها أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إن الشيطان‬
‫يجري من ابن آدم مجرى الدم))[‪.]6‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -6‬وعن عبداهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إذا أكل‬
‫أحدكم فليأكل بيمينه‪ ،‬وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب‬
‫بشماله))[‪.]7‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -7‬وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما من مولود‬
‫ُي ولد إال نخسه الشيطان‪ ،‬فيستهُّل صارًخ ا من نخسة الشيطان‪ ،‬إال ابَن مريم وأَّم ه))[‪.]8‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -8‬وعن عبداهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ُ :‬ذ ِك َر عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رجل نام ليلًة حتى أصبح‪ ،‬قال‪(( :‬ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ‪ -‬أو في أذنه))[‪.]9‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -9‬وعن أبي قتادة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬الرؤيا الصالحة‬
‫من اهلل‪ ،‬والُح لم من الشيطان‪ ،‬فمن رأى شيًئ ا يكرهه‪ ،‬فليْن ُف ث عن شماله ثالًث ا‪ ،‬وليتعَّو ْذ من‬
‫الشيطان؛ فإنها ال تضره))[‪.]10‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ -10‬وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إذا‬
‫تثاءب أحدكم‪َ ،‬ف ْلُي ْم ِس ْك بيده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل))[‪.]11‬‬

‫‪ ‬‬

‫واألحاديث في الباب كثيرة‪ ،‬وفي ذلك كفاية لطالب الحق‪ ،‬ومن هنا يتبين لنا أن الجن‬
‫والشياطين حقيقة ال يعتريها ريب وال شك‪ ،‬وال يجادل في ذلك إال مكابٌر معاند‪ ،‬يَّت بع هواه‬
‫بغير هًد ى من اهلل[‪.]12‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانًي ا‪ :‬األدلة على وجود السحر‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬األدلة من القرآن الكريم‪:‬‬

‫‪ -1‬قال تعالى‪:‬‬

‫﴿ َو اَّت َب ُع وا َم ا َت ْت ُلو الَّش َي اِط يُن َع َلى ُم ْلِك ُس َلْي َم اَن َو َم ا َكَف َر ُس َلْي َم اُن َو َلِك َّن الَّش َي اِط يَن َكَف ُر وا ُي َع ِّلُم وَن‬
‫الَّناَس الِّس ْح َر َو َم ا ُأ ْن َل َع َلى اْلَم َلَكْي ِبَب اِب َل َهاُر وَت َو َم اُر وَت َو َم ا ُي َع ِّلَم ا ِم ْن َأ َح ٍد َح َّت ى َي ُق واَل‬
‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِز‬
‫ْل‬ ‫َّل‬
‫ِإ َّن َم ا َن ْح ُن ِف ْت َن ٌة َف اَل َتْكُف ْر َف َي َت َع ُم وَن ِم ْنُه َم ا َم ا ُي َف ِّر ُق وَن ِب ِه َب ْي َن ا َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه َو َم ا ُه ْم ِب َض اِّر يَن ِب ِه‬
‫ِم ْن َأ َح ٍد ِإ اَّل ِب ِإ ْذ ِن اِهَّلل َو َي َت َع َّلُم وَن َم ا َي ُض ُّر ُه ْم َو اَل َي ْن َف ُع ُه ْم َو َلَق ْد َع ِلُم وا َلَم ِن اْش َت َر اُه َم ا َلُه ِف ي اآْل ِخ َر ِة‬
‫ِم ْن َخ اَل ٍق َو َلِب ْئ َس َم ا َش َر ْو ا ِب ِه َأ ْنُف َس ُه ْم َلْو َكاُن وا َي ْع َلُم وَن * َو َلْو َأ َّن ُه ْم آَم ُنوا َو اَّتَق ْو ا َلَم ُث وَب ٌة ِم ْن ِع ْن ِد‬
‫اِهَّلل َخ ْي ٌر َلْو َكاُن وا َي ْع َلُم وَن ﴾ [البقرة‪.]103 ،102 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪َ ﴿ -2‬ق اَل ُم وَس ى َأ َتُق وُلوَن ِل ْلَح ِّق َلَّم ا َج اَء ُكْم َأ ِس ْح ٌر َه َذ ا َو اَل ُي ْف ِلُح الَّس اِح ُر وَن ﴾ [يونس‪.]77 :‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪َ ﴿ -3‬ف َلَّم ا َأ ْلَق ْو ا َق اَل ُم وَس ى َم ا ِج ْئُت ْم ِب ِه الِّس ْح ُر ِإ َّن اَهَّلل َس ُي ْب ِط ُلُه ِإ َّن اَهَّلل اَل ُي ْص ِلُح َع َم َل‬
‫اْلُم ْف ِس ِد يَن * َو ُي ِح ُّق اُهَّلل اْلَح َّق ِب َكِلَم اِتِه َو َلْو َكِر َه اْلُم ْج ِر ُم وَن ﴾ [يونس‪.]82 ،81 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪َ ﴿ -4‬ف َأ ْو َج َس ِف ي َنْف ِس ِه ِخ يَف ًة ُم وَس ى * ُق ْلَنا اَل َتَخ ْف ِإ َّن َك َأ ْن َت اَأْلْع َلى * َو َأ ْلِق َم ا ِف ي َي ِم يِنَك‬
‫َت ْلَق ْف َم ا َص َنُع وا ِإ َّن َم ا َص َنُع وا َكْي ُد َس اِح ٍر َو اَل ُي ْف ِلُح الَّس اِح ُر َح ْي ُث َأ َت ى ﴾ [طه‪.]69 - 67 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪َ ﴿ -5‬و َأ ْو َح ْي َنا ِإ َلى ُم وَس ى َأ ْن َأ ْلِق َع َص اَك َف ِإ َذ ا ِه َي َت ْلَق ُف َم ا َي ْأ ِف ُكوَن * َف َو َق َع اْلَح ُّق َو َبَط َل َم ا‬
‫َكاُن وا َي ْع َم ُلوَن * َف ُغ ِل ُب وا ُه َن اِلَك َو اْنَق َلُب وا َص اِغ ِر يَن * َو ُأ ْلِق َي الَّس َح َر ُة َس اِج ِد يَن * َق اُلوا آَم َّنا ِب َر ِّب‬
‫اْلَع اَلِم يَن * َر ِّب ُم وَس ى َو َهاُر وَن ﴾ [األعراف‪.]122 - 117 :‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ُ ﴿ -6‬ق ْل َأ ُع وُذ ِب َر ِّب اْلَف َلِق * ِم ْن َش ِّر َم ا َخ َلَق * َو ِم ْن َش ِّر َغ اِس ٍق ِإ َذ ا َو َق َب * َو ِم ْن َش ِّر الَّن َّف اَث اِت‬
‫ِف ي اْلُع َق ِد * َو ِم ْن َش ِّر َح اِس ٍد ِإ َذ ا َح َس َد ﴾ [الفلق‪.]5 - 1 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال القرطبي‪َ ﴿ :‬و ِم ْن َش ِّر الَّن َّف اَث اِت ِف ي اْلُع َق ِد ﴾ [الفلق‪]4 :‬؛ يعني الساحرات الالئي ينُف ْث َن في‬
‫عقد الخيط حين َي ْر ِق ين بها؛ اهـ[‪.]13‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال الحافظ ابن كثير‪َ ﴿ :‬و ِم ْن َش ِّر الَّن َّف اَث اِت ِف ي اْلُع َق ِد ﴾ [الفلق‪]4 :‬؛ قال مجاهد وِع ْكرمة‬
‫والحَس ن وَق َت ادة والَّض َّح اك‪ :‬يعني السواحر‪ .‬ا هـ[‪.]14‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال ابن جرير الطبري‪ :‬أي‪ :‬ومن َش ِّر السواحر الالئي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها‪،‬‬
‫قال القاسمي‪ :‬وبه قال أهل التأويل؛ اهـ[‪.]15‬‬

‫‪ ‬‬

‫واآليات في ذكر السحر والسحرة كثيرة مشهورة‪ ،‬عند من له أدنى معرفة بدين اإلسالم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانًي ا‪ :‬األدلة من السنة‪:‬‬

‫‪ -1‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪َ" :‬س َح َر رسوَل اهلل صلى اهلل عليه وسلم رجٌل من بني‬
‫ُز َرْي ٍق يقال له‪َ :‬لبيُد بُن األعصم‪ ،‬حتى كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُي َخ َّي ل إليه أنه كان‬
‫يفعل الشيء وما فعله‪ ،‬حتى إذا كان ذات يوم ‪ -‬أو ذات ليلة ‪ -‬وهو عندي‪ ،‬لكنه دعا ودعا‪ ،‬ثم‬
‫قال‪(( :‬يا عائشُة ‪ ،‬أَش َع ْر ِت أن اهلل أفتاني فيما استفتيُت ه فيه؟ أتاني رجالن فقعد أحدهما عند‬
‫رأسي‪ ،‬واآلخر عن رجلي‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما وَج ُع الرجِل ؟ فقال‪ :‬مطبوٌب ‪ ،‬قال‪ :‬من‬
‫َط َّب ه؟ قال‪ :‬لبيد بن األعصم‪ ،‬قال‪ :‬في أي شيء؟ قال‪ :‬في ُم ْش ٍط وُم شاطة وُج ِّف َط لِع نخلٍة‬
‫َذ َكر‪ ،‬قال‪ :‬وأين هو؟ قال‪ :‬في بئر َذ ْر َو ان))‪ ،‬فأتاها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في ناس‬
‫من أصحابه‪ ،‬فجاء فقال‪(( :‬يا عائشة‪ ،‬كأن ماءها نقاعة الحناء‪ ،‬وكأن رؤوس نخلها رؤوس‬
‫الشياطين))‪ ،‬قلُت ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أفال استخرْج َت ُه ؟ قال‪(( :‬قد عافاني اهلل‪ ،‬فكرهت أن أثير‬
‫على الناس فيه شًّر ا))‪ ،‬فأمر بها َف ُد ِف َنْت "[‪.]16‬‬

‫‪ ‬‬

‫معاني الكلمات‪:‬‬

‫• مطبوب‪ :‬مسحور‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• َم ن طَّب ه‪َ :‬م ن سَح ره؟‬

‫‪ ‬‬
‫• المشاطة‪ :‬الشعر المتساقط من الرأس واللحية عند ترجيلهما‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• جف َط ْلع نخلة‪ :‬الجف هو الغشاء الذي يكون على الطلع‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• الطلع‪ :‬هو ما يطلع من النخلة ثم يصير ثمًر ا إذا كانت أنثى‪ ،‬وإن كانت ذكًر ا لم يصر ثمًر ا‪ ،‬بل‬
‫يؤكل طرًي ا‪ ،‬ويترك على النخلة أياًم ا معلومًة ‪ ،‬حتى يصير فيه شيء أبيض مثل الدقيق‪ ،‬وله‬
‫رائحة زكية‪ ،‬فيلقح به األنثى‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• نقاعة الحناء‪ :‬حمراء مثل عصارة الحناء إذا ُو ِض عت في الماء‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• كأن نخلها رؤوس الشياطين‪ :‬أي‪ :‬إنها مستدقة كرؤوس الحيات‪ ،‬والحية يقال لها‪ :‬الشيطان‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أراد أنها َو ِح َش ة المنظر‪ ،‬قبيحة األشكال‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫معنى الحديث‪:‬‬

‫اليهود ‪ -‬لعنهم اهلل ‪ -‬اتفقوا مع لبيد بن األعصم‪ ،‬وهو من أسحر اليهود‪ ،‬أن يعمل سحًر ا لرسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ويعطوه ثالثة دنانير‪ ،‬وفعًال قام ذلك الشقي بعمل السحر على‬
‫شعرات من شعر النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قيل‪ :‬إنه حصل عليها من جارية صغيرة كانت‬
‫تذهب إلى بيوت النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعقد عليها سحًر ا له‪ ،‬ووضع السحر في بئر‬
‫ذروان‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والظاهر من جمع طرق الحديث أن هذا السحر كان من نوع َع ْق د الرجل عن زوجته‪ ،‬فكان‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم ُي َخ يل إليه أنه يستطيع أن يجامع إحدى زوجاته‪ ،‬فإذا اقترب منها‬
‫لم يستطع ذلك‪ ،‬ولم َي َم َّس هذا السحُر عقَله‪ ،‬وال سلوكياِت ه‪ ،‬وال تصرفاته‪ ،‬وإنما كان مقتصًر ا‬
‫على ما ُذ ِك ر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫واختلف في مدة هذا السحر‪ ،‬فقيل‪ :‬أربعين يوًم ا‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ ،‬فاهلل أعلم‪ ،‬ثم دعا النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم رَّبه‪ ،‬وألح في الدعاء‪ ،‬فاستجاب اهلل دعاءه‪ ،‬وأنزل مَلكين‪ ،‬جلس أحدهما‬
‫عند رأس النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واآلخر عند رجليه‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬ما به؟ فَر َّد عليه‬
‫اآلخر‪ :‬مطبوب ‪ -‬مسحور ‪ -‬قال‪َ :‬م ْن َس َح َر ه؟ قال‪َ :‬لبيد بن األعصم اليهودي‪ ،‬ثم بَّي ن أنه سحره‬
‫في ُم شط وُم شاطة من شعر النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ووضعه في جف َط ْلع نخل ذكر؛‬
‫ليكون أقوى وأشد تأثيًر ا‪ ،‬ثم دفنه تحت صخرة في بئر ذروان‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫فلما انتهى المَلكان من تشخيص حالة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أمر النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم باستخراج السحر‪ ،‬ودفنه‪ ،‬وفي بعض الروايات حرقه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ومن جمع طرق الحديث يظهر أن اليهود صنعوا للنبي صلى اهلل عليه وسلم سحًر ا من أشد‬
‫أنواع السحر‪ ،‬وكان غرضهم قتله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وِم َن السحر ما َي ْق ُت ل كما هو معلوم‪،‬‬
‫ولكن اهلل عصمه من كيدهم‪ ،‬فُخ ِّف ف إلى أخف أنواع السحر‪ ،‬وهو الربط‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫شبهة وجوابها‪:‬‬

‫قال المازري ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬قد أنكر هذا الحديَث المبتدعُة ؛ من حيث إنه يحط منصب النبوة‪،‬‬
‫وُي شِّكك فيها‪ ،‬وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع‪ ،‬وقالوا‪ :‬فلعله حينئٍذ ُي َخ يل إليه أن جبريل عليه‬
‫السالم يأتيه‪ ،‬وليس َث َّم جبريُل ‪ ،‬وأنه ُأ وِح َي إليه وما ُأ وحَي إليه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال‪ :‬وهذا الذي قالوه باطل قطًع ا؛ ألن دليل الرسالة‪ ،‬وهو المعجزة‪ ،‬دل على صدقه فيما يبلغه‬
‫عن اهلل تعالى‪ ،‬وعصمته صلى اهلل عليه وسلم فيه‪ ،‬وتجويُز ما قام الدليل بخالفه باطٌل [‪.]17‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال أبو الجكني اليوسفي ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬

‫أما وقوع المرض للنبي صلى اهلل عليه وسلم بسبب السحر‪ ،‬فال َي ُج ر خلًال لمنصب النبوة؛ ألن‬
‫المرض الذي ال نقص فيه في الدنيا يقع لألنبياء‪ ،‬ويزيد في درجاتهم في اآلخرة عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وحينئٍذ فإذا ُخ ِّي ل له بسبب مرض السحر أنه يفعل شيًئ ا من أمور الدنيا‪ ،‬وهو لم‬
‫يفعله‪ ،‬ثم زال ذلك عنه بالكلية بسبب إطالع اهلل تعالى له على مكان السحر‪ ،‬وإخراجه إياه‬
‫من محله وَد ْف ِن ه‪ ،‬فال نقص يلحق الرسالَة من هذا كله؛ ألنه مرض كسائر األمراض‪ ،‬ال َت َس ُّلَط له‬
‫على عقله‪ ،‬بل هو خاص بظاهر جسده كبصره؛ حيث صار ُي َخ َّي ل إليه تارة فعُل الشيء من‬
‫مالمسِة بعض أزواجه‪ ،‬وهو لم يفعل‪ ،‬وهذا في زمن المرض ال يضر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال‪ :‬والعجب ممن يظن هذا الذي وقع من المرض بسبب السحر لرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قادًح ا في رسالته‪ ،‬مع ما هو صريح في القرآن في قصة موسى مع َس َح رة فرعون؛‬
‫حيث صار يخَّي ل إليه من سحرهم أن ِع ِص َّي هم تسعى‪ ،‬فثَّب ته اهلل‪ ،‬كما دل عليه قوله تعالى‪﴿ :‬‬
‫ُق ْلَنا اَل َتَخ ْف ِإ َّن َك َأ ْن َت اَأْلْع َلى * َو َأ ْل َم ا ِف ي َي ِم يِنَك َت ْلَق ْف َم ا َص َنُع وا ِإ َّن َم ا َص َنُع وا َكْي ُد َس اِح َو اَل‬
‫ٍر‬ ‫ِق‬
‫ُل‬
‫ُي ْف ِلُح الَّس اِح ُر َح ْي ُث َأ َت ى * َف ُأ ْلِق َي الَّس َح َر ُة ُس َّج ًد ا َق ا وا آَم َّنا ِب َر ِّب َهاُر وَن َو ُم وَس ى ﴾ [طه‪- 68 :‬‬
‫‪.]70‬‬

‫‪ ‬‬
‫ولم يقل أحد من أهل العلم‪ ،‬وال من أهل الذكاء‪ :‬إن ما ُخ َّي ل لموسى عليه الصالة والسالم أوًال‬
‫من َس ْع ي ِع ِص ِّي السحرة ‪ -‬قادٌح في رسالته‪ ،‬بل وقوع مثل هذا لألنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫يزيد قوة اإليمان بهم؛ لكون اهلل تعالى ينصرهم على أعدائهم‪ ،‬ويخِر ق لهم العادة بالمعجزات‬
‫الباهرة‪ ،‬ويخذل السحرة والكفرة‪ ،‬ويجعل العاقبة للمتقين‪ ،‬كما هو مبَّي ن في آيات الكتاب‬
‫المبين؛ اهـ[‪.]18‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬اجتنبوا السبع‬
‫الموبقات))‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما هن؟ قال‪(( :‬الشرك باهلل‪ ،‬والِّس حر‪ ،‬وقتل النفس التي‬
‫حرم اهلل إال بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقْذ ف المحصنات‬
‫المؤمنات الغافالت))[‪.]19‬‬

‫‪ ‬‬

‫مفردات الحديث‪:‬‬

‫• الموبقات‪ :‬المهِل كات‪.‬‬

‫• التولي‪ :‬الفرار والنكوص‪.‬‬

‫• يوم الزحف‪ :‬ساعة الجهاد في سبيل اهلل‪.‬‬

‫• قذف المحصنات‪ :‬رمي المرأة بالزنا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الشاهد‪:‬‬

‫والشاهد من الحديث أن النبي صلى اهلل عليه وسلم أمَر نا باجتناب السحر‪ ،‬وبَّي ن أنه من‬
‫الكبائر المهلكات‪ ،‬وهذا يدل على أن السحر حقيقة ال خرافة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬من اقتبس‬
‫علًم ا من النجوم‪ ،‬اقتبس شعبة من السحر‪ ،‬زاد ما زاد))[‪.]20‬‬

‫‪ ‬‬

‫مفردات الحديث‪:‬‬

‫• من اقتبس‪ :‬تعلم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• شعبة‪ :‬قطعة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫• زاد ما زاد‪ :‬زاد من السحر ما زاد من النجوم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الشاهد‪:‬‬

‫الشاهد من الحديث أن النبي صلى اهلل عليه وسلم وَّض ح إحدى الطرق المؤدية إلى تعلم‬
‫السحر؛ كي يحَذ َر ه المسلمون‪ ،‬وهذا دليل على أن السحر علم حقيقي ُي تعَّلم‪ ،‬وما يدل على‬
‫ذلك أيًض ا قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َي َت َع َّلُم وَن ِم ْنُه َم ا َم ا ُي َف ِّر ُق وَن ِب ِه َب ْي َن اْلَم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه ﴾ [البقرة‪،]102 :‬‬
‫فاتضح أن السحر علم كالعلوم‪ ،‬له أصوله التي يقوم عليها‪ ،‬واآلية والحديث في َم عِر ض ذم‬
‫تعُّلم السحر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -4‬وعن ِع مران بن ُح َص ين رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ليس‬
‫منا من تطَّي ر أو ُت ُط ِّي ر له‪ ،‬أو َت َكَّه ن أو ُت ُكِّه ن له‪ ،‬أو َس َح ر أو ُس ِح ر له‪ ،‬ومن أتى كاهًنا فصدقه بما‬
‫يقول‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اهلل عليه وسلم))[‪.]21‬‬

‫‪ ‬‬

‫مفردات الحديث‪:‬‬

‫• تطير‪ :‬تشاءم‪ ،‬وكان العربي في الجاهلية إذا أراد أن يسافر أطلق طيًر ا؛ فإذا طار جهة‬
‫اليمين‪ ،‬مضى في سفره‪ ،‬وإذا طار جهة الشمال‪ ،‬تشاءم ورجع‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• َتَكهن‪ :‬ادعى معرفة الغيب‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫• ُت ُكِّه ن له‪ :‬ذهب إلى كاهن يسأله عن المستقبل‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الشاهد‪:‬‬

‫الشاهد أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى عن السحر والذهاب إلى الساحر‪ ،‬والنبُّي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ال ينهى إال عن شيء موجود وله حقيقة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -5‬وعن أبي موسى األشعري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ال‬
‫يدخل الجنَة مدمُن خمر‪ ،‬وال مؤمٌن بسحر‪ ،‬وال قاطُع رحم))[‪.]22‬‬

‫‪ ‬‬

‫معنى الحديث‪:‬‬
‫ثالثة ال يدخلون الجنة إال بعد أن ُي عَّذ بوا في النار فترًة لذنوبهم ومعاصيهم‪:‬‬

‫‪ -1‬مدمن خمر‪ :‬يعني شارب الخمر الذي أدمنها؛ يعني‪ :‬يداوم على شربها‪.‬‬

‫‪ -2‬مؤمن بسحر‪ :‬يعتقد أن السحر يؤثر بذاته‪ ،‬ال بتقدير اهلل وإرادته‪.‬‬

‫‪ -3‬قاطع رحم‪ :‬هاِج ٌر ألقاربه‪ ،‬فال َي ِص ُلهم‪ ،‬وال يزورهم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الشاهد‪:‬‬

‫أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى عن االعتقاد أن السحر يؤثر بذاته‪ ،‬وإنما يجب على‬
‫المؤمن أن يعتقد أن السحر أو غيره ال يؤثر إال بإرادة اهلل ﴿ َو َم ا ُه ْم ِب َض اِّر يَن ِب ِه ِم ْن َأ َح ٍد ِإ اَّل‬
‫ِب ِإ ْذ ِن اِهَّلل ﴾ [البقرة‪.]102 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -6‬قال ابن مسعود رضي اهلل عنه‪ :‬من أتى عَّر اًف ا أو ساحًر ا أو كاهًنا فصدقه بما يقول‪ ،‬فقد‬
‫كفر بما أنزل على محمد صلى اهلل عليه وسلم[‪.]23‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثالًث ا‪ :‬أقوال العلماء‪:‬‬

‫‪ -1‬قال الخَّط ابي ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬

‫قد أنكر قوم من أصحاب الطبائع السحَر ‪ ،‬وأبطلوا حقيقته‪ ،‬والجواب‪ :‬أن السحر ثابت‪،‬‬
‫وحقيقته موجودة‪ ،‬اتفق أكثُر األمم من العرب والُف ْر س والهند وبعض الروم على إثباته‪،‬‬
‫وهؤالء أفضل سكان أهل األرض‪ ،‬وأكثرهم علًم ا وحكمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقد قال تعالى‪ُ ﴿ :‬ي َع ِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر ﴾ [البقرة‪ ،]102 :‬وأمر باالستعاذة منه فقال‪َ ﴿ :‬و ِم ْن‬
‫َش ِّر الَّن َّف اَث اِت ِف ي اْلُع َق ِد ﴾ [الفلق‪.]4 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫وَر َد في ذلك عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخبار ال ينكرها إال َم ن أنكر العيان‬
‫والضرورة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وفَّر ع الفقهاء فيما يلزم الساحَر من العقوبة‪ ،‬وما ال أصل له ال يبلغ هذا المبلغ في الشهرة‬
‫واالستفاضة‪ ،‬فنفي السحر جهل‪ ،‬والرد على من نفاه لغٌو وفضل؛ اهـ[‪.]24‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬قال القرطبي ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬


‫ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة‪ ،‬وذهب عامة المعتزلة‪ ،‬وأبو إسحاق‬
‫اإلسترابادي من أصحاب الشافعي‪ ،‬إلى أن السحر ال حقيقة له‪ ،‬وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام‬
‫لكون الشيء على غير ما هو به‪ ،‬وأنه ضرب من الخفة والشعوذة‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ ﴿ :‬ي َخ َّي ُل ِإ َلْي ِه‬
‫ِم ْن ِس ْح ِر ِه ْم َأ َّن َه ا َت ْس َع ى ﴾ [طه‪ ،]66 :‬ولم يُق ل‪ :‬تسعى على الحقيقة‪ ،‬ولكن قال‪ُ ﴿ :‬ي َخ َّي ُل ِإ َلْي ِه‬
‫﴾‪ ،‬وقال أيًض ا‪َ ﴿ :‬س َح ُر وا َأ ْع ُي َن الَّناِس ﴾ [األعراف‪.]116 :‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال‪ :‬وهذا ال حجة فيه؛ ألننا ال ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر‪ ،‬ولكن ثبت‬
‫وراء ذلك أمور جَّو زها العقل‪ ،‬ووَر د بها السمع‪ ،‬فمن ذلك ما جاء في هذه اآلية من ِذ ْكر السحر‬
‫وتعليِم ه‪ ،‬ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليُم ه‪ ،‬وال أخبر تعالى أنهم ُي عِّلمونه الناس‪ ،‬فدل على‬
‫أن له حقيقة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون‪َ ﴿ :‬و َج اُؤ وا ِب ِس ْح ٍر َع ِظ يٍم ﴾ [األعراف‪ ،]116 :‬وسورة‬
‫الفلق‪ ،‬مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر َلبيد بن األعصم‪ ،‬وهو مما‬
‫خرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬سحر رسوَل اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يهودٌّي من يهود بني زريق يقال‪ :‬له َلبيد بن األعصم‪ ...‬الحديَث ‪ ،‬وفيه أن النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال لما حل السحر‪(( :‬إن اهلل شفاني))‪ ،‬والشفاء إنما يكون برفع العلة‪،‬‬
‫وزوال المرض‪ ،‬فدل على أن له حًّق ا وحقيقة‪ ،‬فهو مقطوع به بإخبار اهلل تعالى ورسوله على‬
‫وجوده ووقوعه‪ ،‬وعلى هذا أهل الَح ِّل والعقد الذين ينعقد بهم اإلجماع‪ ،‬وال عبرة مع اتفاقهم‬
‫بُح ثالة المعتزلة‪ ،‬ومخالفِت هم أهَل الحق‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال‪ :‬ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان‪ ،‬وتكلم الناس فيه‪ ،‬ولم يبُد من الصحابة وال من‬
‫التابعين إنكاٌر ألصله؛ اهـ[‪.]25‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬قال المازري ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬

‫السحر أمر ثابت وله حقيقة كغيره من األشياء‪ ،‬وله أثر في المسحور‪ ،‬خالًف ا لمن زعم أنه ال‬
‫حقيقة له‪ ،‬وأن الذي يتفق منه إنما هو خياالت باطلة ال حقيقة لها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وما ذكره من ذلك باطل؛ ألنه قد ذكره اهلل تعالى في كتابه الكريم‪ ،‬وأنه ُي تعَّلم‪ ،‬وأنه مما ُي كفر‬
‫به‪ ،‬وأنه مما يفِّر ق المرء وزوجه‪ ،‬وفي حديث سحر النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه أشياُء‬
‫ُد ِف َنت وُأ ْخ ِر جت‪ ،‬وهذه كلها أمور ال تكون فيما ال حقيقة له‪ ،‬وكيف ُي َت َع َّلم ما ال حقيقة له؟!‬

‫‪ ‬‬
‫قال‪ :‬وغيُر بعيد في العقل أن يخِر ق اهلل تعالى العادة عند النطق بكالم ملفق‪ ،‬أو تركيب‬
‫أجسام‪ ،‬أو المزج بين قوى‪ ،‬على ترتيب ال يعرفه إال الساحر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وَم ْن َش اَهَد من األجسام ما هو قَّت ال كالسموم‪ ،‬وما هو ُم ْس ِق م كاألدوية الحارة‪ ،‬وما هو مصِّح ح‬
‫كاألدوية المضادة للمرض‪ ،‬لم يبعد في العقل أن ينفرد الساحر بعْلِم قًو ى قتالٍة ‪ ،‬أو كالٍم ُم هِلٍك ‪،‬‬
‫أو يؤدي إلى التفرقة[‪]26‬؛ اهـ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -4‬قال النووي ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬

‫والصحيح أن السحر له حقيقة‪ ،‬وبه قطع الجمهور‪ ،‬وعليه عامة العلماء‪ ،‬ويدل عليه الكتاب‬
‫والسنة الصحيحة المشهورة[‪]27‬؛ اهـ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -5‬قال ابن ُق دامة ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬

‫والسحر له حقيقة‪ ،‬فمنه ما يقتل‪ ،‬وما ُي ْم رض‪ ،‬وما يأخذ الرجل عن امراته فيمنعه وطأها‪،‬‬
‫ومنه ما ُي فِّر ق بين المرء وزوجه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال‪ :‬وقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها‪ ،‬فال يقدر على إتيانها‪،‬‬
‫وإذا ُح َّل عقُد ه يقدر عليها بعد عجزه عنها‪ ،‬حتى صار متواتًر ا ال يمكن جحده‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫قال‪ :‬وقد روي من أخبار السحرة ما ال يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه؛ اهـ[‪.]28‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -6‬وقال ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬في "الكافي"‪:‬‬

‫السحر عزائُم ورًق ى وُع َق ٌد ‪ ،‬يؤِّث ر في القلب واألبدان‪ ،‬فُي ْم ِر ض‪ ،‬وَي قُت ل‪ ،‬وُي فِّر ق بين المرء‬
‫وزوجه‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ف َي َت َع َّلُم وَن ِم ْنُه َم ا َم ا ُي َف ِّر ُق وَن ِب ِه َب ْي َن اْلَم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه ﴾ [البقرة‪،]102 :‬‬
‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬و ِم ْن َش ِّر الَّن َّف اَث اِت ِف ي اْلُع َق ِد ﴾ [الفلق‪]4 :‬؛ يعني‪ :‬السواحر الالتي َي عِق ْد ن في‬
‫سحرهن‪ ،‬وينُف ْث ن في ُع َق ِد ِه َّن ‪ ،‬ولوال أن للسحر حقيقًة ‪ ،‬لم يأمِر اهلل باالستعاذة منه؛ اهـ[‪.]29‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -7‬قال العَّالمة ابن القِّي م ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬في "بدائع الفوائد"‪:‬‬

‫وقد دل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ِم ْن َش ِّر الَّن َّف اَث اِت ِف ي اْلُع َق ِد ﴾ [الفلق‪ ،]4 :‬وحديث عائشة رضي اهلل‬
‫عنها ‪ -‬على تأثير السحر‪ ،‬وأن له حقيقة؛ اهـ[‪.]30‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -8‬قال ابن أبي العز الحنفي ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪:-‬‬

‫وقد تنازع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه‪ ،‬واألكثرون يقولون‪ :‬إنه قد يؤِّث ر في موت‬
‫المسحور‪ ،‬ومرضه‪ ،‬من غير وصول شيء ظاهر إليه؛ اهـ[‪.]31‬‬

‫[‪ ]1‬راجع وقاية اإلنسان ‪.15‬‬

‫[‪ ]2‬رواه مسلم ‪ 4/170‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]3‬رواه مالك ‪ ،1/68‬والبخاري ‪ 6/343‬فتح‪ ،‬والنسائي ‪ ،2/12‬وابن ماجه ‪.1/239‬‬

‫[‪ ]4‬رواه البخاري ‪ 2/253‬فتح‪ ،‬ومسلم ‪ 4/168‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]5‬رواه أحمد ‪ ،168 ،6/153‬ومسلم ‪ 18/123‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]6‬رواه البخاري ‪ 4/282‬فتح‪ ،‬ومسلم ‪ 14/155‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]7‬رواه مسلم ‪ 13/191‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]8‬رواه البخاري ‪ 8/212‬فتح‪ ،‬ومسلم ‪ 15/121‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]9‬رواه البخاري ‪ 3/28‬فتح‪ ،‬ومسلم ‪ 6/64‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]10‬رواه البخاري ‪ 12/283‬فتح‪ ،‬ومسلم ‪ 15/16‬نووي‪.‬‬

‫[‪ ]11‬رواه مسلم ‪ 18/122‬نووي‪ ،‬والدارمي ‪.1/321‬‬

‫[‪ ]12‬من أراد التوسع في الموضوع‪ ،‬فليراجع كتاب‪ :‬وقاية اإلنسان من الجن والشيطان؛‬
‫للمؤلف‪.‬‬

‫[‪ ]13‬تفسير القرطبي ‪.20/257‬‬

‫[‪ ]14‬تفسير ابن كثير ‪.4/573‬‬

‫[‪ ]15‬تفسير القاسمي ‪.10/302‬‬

‫[‪ ]16‬رواه البخاري ‪ 10/222‬فتح‪ ،‬ومسلم في كتاب السالم‪ ،‬باب السحر‪.‬‬

‫[‪ ]17‬زاد المسلم ‪.4/221‬‬

‫[‪ ]18‬زاد المسلم ‪.4/22‬‬

‫[‪ ]19‬رواه البخاري ‪ 5/393‬فتح‪ ،‬ومسلم ‪ 2/83‬نووي‪.‬‬


‫[‪ ]20‬رواه أبو داود‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وحسنه األلباني في الصحيحة برقم ‪ ،793‬وفي صحيح ابن‬
‫ماجه ‪ 2/305‬برقم ‪.3002‬‬

‫[‪ ]21‬قال الهيثمي في المجمع ‪ :5/20‬رواه البزار‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح خال إسحاق بن‬
‫الربيع‪ ،‬وهو ثقة؛ اهـ‪ .‬وقال المنذري في الترغيب ‪ :4/32‬إسناده جيد؛ اهـ‪.‬‬

‫وقال األلباني في تخريج الحالل والحرام برقم ‪ :289‬الحديث يرتقي إلى درجة الحسن لغيره؛‬
‫اهـ‪.‬‬

‫[‪ ]22‬رواه ابن حبان‪ ،‬وقال األلباني في تخريج الحالل والحرام برقم ‪ :291‬للحديث شاهد‬
‫من حديث أبي سعيد يرتقي به إلى درجة الحسن؛ اهـ‪.‬‬

‫[‪ ]23‬قال الحافظ المنذري ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬في الترغيب ‪ :4/36‬رواه البزار وأبو يعلي‬
‫بإسناد جيد؛ اهـ‪.‬‬

‫[‪ ]24‬شرح السنة ‪.12/188‬‬

‫[‪ ]25‬تفسير القرطبي ‪.2/46‬‬

‫[‪ ]26‬زاد المسلم ‪.4/225‬‬

‫[‪ ]27‬نقًال عن فتح الباري ‪.10/222‬‬

‫[‪ ]28‬المغني ‪.106 /10‬‬

‫[‪ ]29‬نقًال عن فتح المجيد ‪.314‬‬

‫[‪ ]30‬نقًال عن هامش فتح المجيد ‪ 315‬تعليق األرناؤوط‪.‬‬

‫[‪ ]31‬شرح العقيدة الطحاوية ‪.505‬‬

‫حقوق النشر محفوظة ©


‪1443‬هـ ‪2022
/‬م لموقع األلوكة

‫آخر تحديث للشبكة بتاريخ ‪11/7/1443 :‬هـ ‪ -‬الساعة‪
23:11 :‬‬

You might also like