You are on page 1of 112

‫=‬

‫”‬‫~˙‬
‫˚‬‫^‬‫=‬
‫‪Ô‬‬‫‪ƒ‬‬
‫‪È‬‬‫‪ã‬‬‫‪È‬‬
‫‹‬
‫=‬
‫‹‪ç‬‬‫_‬
‫^¶‬‫=‬
‫‪Ú‬‬
‫‪ä‬‬‫^§‬
‫=‬
‫“‬‫‪Ã‬‬
‫‪à‬‬‫‪ÿ‬‬
‫^‬‫=‬
‫‪J‬‬‫=‬
‫‪Ô‬‬‫‪πà‬‬
‫‪ÿ‬‬‫^‬
‫=‬
‫‪J‬‬‫=‬
‫‪Ú‬‬‫_‬
‫‪Î‬‬‫^•‬
‫=‬
‫‪J‬‬‫=‬
‫‪fi‬‬‫‪Ÿ‬‬
‫^•‬

‫اد‬
‫إﻋﺪ‬
‫ﻴﺔ‬
‫ﻨ‬‫ﻟﺴ‬
‫را‬‫ر‬
‫ﻟﺪ‬‫ﻠﻤ ﻲﺑﻤﺆﺳﺴﺔا‬
‫ﻟﻌ‬‫ﻟﻘﺴﻢا‬
‫ا‬

‫ﻴﺦ‬
‫ﻟﺸ‬‫افا‬
‫إﺷﺮ‬
‫ ‬

‫موسوعة األخالق‬ ‫ ‬
‫موسوعة األخالق‬
‫اجلزء اخلامس‬
‫الر ْف ُق‬
‫الرحْمَة ‪ِّ -‬‬
‫الحيَاء ‪َّ -‬‬
‫الحِلْم ‪َ -‬‬

‫إعداد‬

‫القسم العلمي مبؤسسة الدرر السنية‬

‫إشراف الشيخ‬

‫الس َّقاف‬
‫علوي بن عبد القادر َّ‬
‫ْ‬
‫احللم‬
‫ِ‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫حللْم‬
‫ا ِ‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫احل ْلم ً‬
‫لغة‬ ‫معنى ِ‬
‫احل ْلم ً‬
‫لغة‪:‬‬ ‫• •معنى ِ‬
‫وم(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحلُ ٌ‬
‫َحالم ُ‬
‫احل ْل ُم ‪-‬بالكسر‪ :-‬األَناةُ والعقل‪ ،‬ومجعه‪ :‬أ ْ‬
‫حليم(((‪.‬‬
‫ت عنه أحلُم‪ ،‬فأنا ٌ‬ ‫خالف الطَّيش‪ .‬يقال‪َ :‬حلُ ْم ُ‬
‫ُ‬ ‫واحلِْلم‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫احل ْلم‬
‫• •معنى ِ‬
‫عُِّرف احلِْلم بعدَّة تعريفات منها‪:‬‬
‫احلِْلم‪ :‬ضبط النَّفس والطَّبع عن هيجان الغضب(((‪.‬‬
‫وقيل هو‪( :‬الطُّ َمأْنِينَة عند َس ْوَرة الغضب‪ ،‬وقيل‪ :‬تأخري مكافأة الظَّامل)(((‪.‬‬
‫وقيل احلِْلم‪( :‬اسم يقع على ِّزم النَّفس عن اخلروج عند الورود عليها‪ُّ ،‬‬
‫ضد‬
‫حتب إىل ما هني عنه‪ .‬فاحلِْلم يشتمل على املعرفة و َّ‬
‫الصرب واألَنَاة)(((‪.‬‬ ‫ما ُّ‬
‫احل ْلم وبعض ِّ‬
‫الصفات‪:‬‬ ‫الفرق بني ِ‬
‫احل ْلم َّ‬
‫والصرب‪:‬‬ ‫• •الفرق بني ِ‬
‫يصح احلِْلم َّإل ممَّن‬
‫املستحق‪ ...‬وال ُّ‬
‫ِّ‬ ‫اإلم َهال بتأخري العقاب‬ ‫َّ ِ‬
‫أن احل ْلم هو‪ْ :‬‬
‫الصرب‪ :‬حبس النَّفس ملصادفة املكروه‪،‬‬ ‫يقدر على العقوبة وما جيري جمراها‪ ...‬و َّ‬
‫الرجل‪َ :‬حبَس نفسه عن إظهار اجلزع(((‪.‬‬ ‫وص َب َّ‬
‫َ‬
‫((( ((لسان العرب)) البن منظور (‪.)145/12‬‬
‫((( ((مقاييس اللغة)) البن فارس (‪.)93/2‬‬
‫للراغب (ص ‪.)253‬‬
‫((( ((مفردات ألفاظ القرآن)) َّ‬
‫((( ((التعريفات)) للجرجاين (ص ‪.)92‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبَّان البسيت (ص ‪.)208‬‬
‫((( ((الفروق اللغوية)) أليب هالل العسكري (ص ‪.)199‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪6‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫احل ْلم وال َو َقار‪:‬‬


‫• •الفرق بني ِ‬

‫الوقَار‪ :‬هو اهلدوء وسكون األطراف‪ ،‬وقلَّة احلركة يف اجمللس‪ ،‬ويقع ً‬


‫أيضا‬ ‫َ‬
‫الوقْر وهو‪ :‬احلِ ْمل(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫على مفارقة الطيش عند الغضب‪ ،‬مأخوذ من َ‬
‫احل ْلم ْ‬
‫واإلمهَال‪:‬‬ ‫• •الفرق بني ِ‬
‫حلما؛ َّ‬
‫ألن اهلل تعاىل لو أمهل َمن‬ ‫إمهال‪ ،‬وليس ُّ ٍ‬
‫كل حل ٍم ٌ‬ ‫َّ‬
‫كل إمهال ً‬ ‫أن َّ‬
‫حلما(((‪.‬‬
‫اإلم َهال ً‬
‫أخذه مل يكن هذا ْ‬
‫والرفق‪:‬‬ ‫احل ْلم َ‬
‫واأل َناة ِّ‬ ‫• •الفرق بني ِ‬
‫غضب وهو قادر‬
‫ٌ‬ ‫احلِْلم‪ :‬أن ميلك اإلنسان نفسه عند الغضب‪ ،‬فإذا حصل‬
‫على العقاب‪ ،‬فإنَّه َْيلم وال يعاقب‪.‬‬
‫َّأن يف األمور وعدم العجلة‪ ،‬و َّأل يأخذ اإلنسان األمور‬
‫و َّأما األَنَاة‪ :‬فهي الت ِّ‬
‫يتأن فيه وينظر‪.‬‬
‫وحي ُكم على الشَّيء قبل أن َّ‬
‫فيتعجل ْ‬
‫بظاهرها َّ‬
‫ُّ‬
‫يستحقون‬ ‫ُّ‬
‫استحقوا ما‬ ‫بالرفق واهلون حىت وإن‬
‫الرفق‪ :‬فهو معاملة النَّاس ِّ‬ ‫و َّأما ِّ‬
‫ِمن العقوبة والنَّكال‪ ،‬فإنَّه يرفُق هبم(((‪.‬‬
‫احل ْلم‪:‬‬ ‫َّ‬
‫التغيب يف ِ‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬يف القرآن الكريم‬
‫وردت آيات قرآنيَّة كثرية تشري إىل صفة احلِْلم‪ ،‬ووصف اهلل نفسه باحلِْلم‪،‬‬
‫ْ‬
‫ومسَّى نفسه احلليم‪ ،‬ووردت آيات تدعو املسلمني إىل التَّحلِّي هبذا اخلُلُق‬

‫((( ((الفروق اللغوية)) أليب هالل العسكري (ص ‪.)575‬‬


‫((( ((املصدر السابق)) (ص ‪.)197‬‬
‫((( ((شرح رياض الصاحلني)) البن عثيمني (‪.)573/3‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪7‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫احلث على الدَّفع باليت‬


‫النَّبيل‪ ،‬وعدم املعاملة باملثل ومقابلة اإلساءة باإلساءة‪ ،‬و ِّ‬
‫الصفح عن األذى والعفو عن اإلساءة‪.‬‬‫التغيب يف َّ‬ ‫هي أحسن‪ ،‬و َّ‬
‫‪ -‬ق ـ ــال ت ـ ـعـ ــاىل‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﮊ‬
‫[آل‪ ‬عمران‪.]134 -133 :‬‬
‫قال ابن كثري يف تفسري قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭣﭤﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﮊ (أي‪ :‬ال يعملون غضبهم يف النَّاس‪ ،‬بل يكفون عنهم َّ‬
‫شرهم‪،‬‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وحيتسبون ذلك عند اهلل َّ‬
‫مثَّ قال تعاىل‪ :‬ﮋﭥ ﭦ ﭧﭨﮊ أي‪ :‬مع ِّ‬
‫كف الشَِّّر يعفون‬
‫عمن ظلمهم يف أنفسهم‪ ،‬فال يبقى يف أنفسهم َموجدة على أحد‪ ،‬وهذا‬ ‫َّ‬
‫أكمل األحوال‪ ،‬وهلذا قال‪ :‬ﮋﭩﭪﭫﮊ‪ ،‬فهذا ِمن مقامات‬
‫اإلحسان)(((‪.‬‬
‫وجل‪ :‬ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ‬ ‫َّ‬ ‫عز‬
‫‪ -‬وقال َّ‬
‫[األعراف‪.]199 :‬‬
‫بعض أنبيائه باحلِْلم؛ قال تعاىل‪ :‬ﮋﯵ ﯶ‬ ‫وجل َ‬
‫عز َّ‬‫‪ -‬ووصف اهلل َّ‬
‫ﯷﮊ [الصافات‪ ،]101:‬يقول ابن تيمية‪( :‬وقد انطوت البشارة على‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ثالث‪ :‬على َّ‬
‫أي‬ ‫ذكر‪ ،‬وأنَّه يبلغ احل ْلم‪ ،‬وأنَّه يكون ً‬
‫حليما‪ ،‬و ُّ‬ ‫غالم ٌ‬
‫أن الولد ٌ‬
‫الذبح فقال‪ :‬ﮋﰏ ﰐﰑ‬ ‫حل ٍم أعظم ِمن حلمه حني عرض عليه أبوه َّ‬
‫بأقل ِمن‬
‫ﰒ ﰓ ﰔﮊ [الصافات‪]102:‬؟ وقيل‪ :‬مل ينعت اهلل األنبياء َّ‬
‫((( ((تفسري ابن كثري)) (‪.)122/2‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪8‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫احلِْلم وذلك َّ‬


‫لعزة وجوده‪ ،‬ولقد نعت إبراهيم به يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮊ [التَّوبة‪ ،]114:‬ﮋﭼﭽﭾﭿﮀﮊ [هود‪]75:‬؛ َّ‬
‫ألن‬
‫احلادثة شهدت حبلمهما‪ ،‬ﮋﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔﮊ [الصافات‪.((( )]102:‬‬
‫‪ -‬قال ابن كثري يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮊ ِّ‬
‫[فصلت‪]34:‬‬
‫(أي‪ :‬إذا أحسنت إىل َمن أساء إليك‪ ،‬قادته تلك احلسنة إليه إىل مصافاتك‬
‫وحمبَّتك‪ ،‬واحلنو عليك‪ ،‬حىت يصري كأنَّه ويلٌّ لك محيم‪ ،‬أي‪ :‬قريب إليك‬
‫ِمن الشَّفقة عليك واإلحسان إليك‪ .‬مثَّ قال‪ :‬ﮋﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮊ‬
‫[فصلت‪ ،]35:‬أي‪ :‬وما يقبل هذه الوصيَّة ويعمل هبا َّإل َمن صرب على ذلك‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫يشق على النُّفوس‪ ،‬ﮋﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮊ أي‪ :‬ذو نصيب‬ ‫فإنَّه ُّ‬
‫وافر ِمن َّ‬
‫السعادة يف ُّ‬
‫الدنْيا واآلخرة‪.‬‬
‫قال علي بن أيب طلحة‪ ،‬عن ابن عبَّاس رضي اهلل عنهما يف تفسري هذه‬
‫بالصرب عند الغضب‪ ،‬واحلِْلم عند اجلهل‪ ،‬والعفو عند‬
‫اآلية‪( :‬أمر اهلل املؤمنني َّ‬
‫اإلساءة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصمهم اهلل ِمن الشَّيطان‪ ،‬وخضع هلم ُّ‬
‫عدوهم كأنَّه‬
‫ويلٌّ محيم)(((‪.‬‬
‫بوية‬ ‫السَّنة َّ‬
‫الن َّ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬يف ُّ‬
‫ألشج عبد القيس‪َّ :‬‬
‫((إن فيك خلصلتني حيبُّهما‬ ‫‪ -‬قال صلى اهلل عليه وسلم ِّ‬

‫((( ((جمموع الفتاوى)) (‪.)332/4‬‬


‫((( ((تفسري ابن كثري)) (‪.)181/7‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪9‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫اهلل‪ :‬احلِْلم واألَنَاة))(((‪.‬‬


‫‪ -‬وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنَّه قال‪(( :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫َّأن ِمن اهلل‪ ،‬والعجلة ِمن الشَّيطان‪ ،‬وما أح ٌد أكثر معاذير ِمن‬
‫عليه وسلم‪ :‬الت ِّ‬
‫أحب إىل اهلل ِمن احلِْلم))(((‪.‬‬ ‫اهلل‪ ،‬وما ِمن ٍ‬
‫شيء ُّ‬
‫‪ -‬وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫بالصَرَعة‪َّ ،‬إنا الشَّديد الذي ميلك نفسه عند الغضب))(((‪.‬‬
‫((ليس الشَّديد ُّ‬
‫قال ابن بطَّال‪( :‬مدح اهلل تعاىل الذين يغفرون عند الغضب وأثىن عليهم‪،‬‬
‫أن ما عنده خريٌ وأبقى هلم ِمن متاع احلياة ُّ‬
‫الدنْيا وزينتها‪ ،‬وأثىن على‬ ‫وأخرب َّ‬
‫الكاظمني الغيظ والعافني عن النَّاس‪ ،‬وأخرب أنَّه حيبُّهم بإحساهنم يف ذلك)(((‪.‬‬
‫دليل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال ابن عبد الرب‪( :‬يف هذا احلديث من الفقه‪ :‬فضل احل ْلم‪ .‬وفيه ٌ‬
‫أن العاقل َمن َملَك نفسه عند الغضب؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أن احلِْلم‪ :‬كتمان الغيظ‪ .‬و َّ‬‫على َّ‬
‫العقل ‪-‬يف اللُّغة‪ :-‬ضبط الشَّيء وحبسه منه)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ليليين منكم أولو األحالم‬
‫والنُّهى‪.((())..‬‬

‫((( رواه مسلم (‪ِ )18‬من حديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫((( رواه أبو يعلى (‪ ،)247/7‬والبيهقي يف ((الشُّعب)) (‪ ،)211/6‬واحلارث بن أسامة يف‬
‫بدل ِمن (احلِْلم) ِمن حديث أنس رضي اهلل‬
‫((مسنده)) (‪ )828/2‬كلُّهم بلفظ‪( :‬احلمد) ً‬
‫التهيب)) (‪ )359/2‬واهليثمي يف ((اجملمع)) (‪:)22/8‬‬ ‫((التغيب و َّ‬
‫عنه‪ .‬قال املنذري يف َّ‬
‫الصحيح‪ .‬وقال البوصريي يف ((إحتاف اخلرية)) (‪ :)31/6‬رجال إسناده ثقات‪.‬‬
‫رجاله رجال َّ‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)6114‬ومسلم (‪.)2609‬‬
‫((( ((شرح صحيح البخاري)) ( ‪.)296 /9‬‬
‫((( ((التمهيد)) (‪.)322/6‬‬
‫((( رواه مسلم (‪ِ )432‬من حديث عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪10‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫(أي ذوو األلباب والعقول‪ ،‬واحدها‪ِ :‬ح ْل ٌم بالكسر‪ ،‬فكأنَّه ِمن احلِْلم‪:‬‬
‫األَنَاة والتَّثبُّت يف األمور‪ ،‬وذلك ِمن شعائر العقالء‪ ،‬وواحد النُّهى‪ :‬نـُْهيَة‬
‫بالضَّم‪ُ ،‬سِّي العقل بذلك ألنَّه ينهى صاحبه عن القبيح)(((‪.‬‬
‫احل ْلم‪:‬‬
‫السلف والعلماء يف ِ‬
‫أقوال َّ‬
‫علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪( :‬ليس اخلري أن يَ ْكثُر مالك وولدك‪،‬‬ ‫‪ -‬قال ُّ‬
‫لكن اخلري أن يَ ْكثُر علمك ويـَْعظُم حلمك‪ ،‬وأن ال تباهي النَّاس بعبادة اهلل‪ ،‬وإذا‬
‫و َّ‬
‫أحسنت‪ :‬محدت اهلل تعاىل‪ ،‬وإذا أسأت‪ :‬استغفرت اهلل تعاىل)(((‪.‬‬
‫أن مجاعة ِمن رعيَّته اشتكوا ِمن‬ ‫‪( -‬وبلغ عمر بن اخلطَّاب رضي اهلل عنه َّ‬
‫فلما أتوه‪ ،‬قام فحمد اهلل وأثىن عليه مثَّ قال‪ :‬أيُّها‬ ‫عماله؛ فأمرهم أن يوافوه‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫حقا‪ :‬النَّصيحة بالغيب واملعاونة على‬ ‫إن لنا عليكم ًّ‬ ‫الرعيَّة‪َّ ،‬‬
‫النَّاس‪ ،‬أيَّتها َّ‬
‫حقا فاعلموا أنَّه ال شيء ُّ‬
‫أحب إىل اهلل‬ ‫للرعيَّة عليكم ًّ‬ ‫الرعاة َّ‬
‫إن َّ‬ ‫اخلري‪ ،‬أيَّتها ُّ‬
‫أغم من جهل‬ ‫جهل أبغض إىل اهلل وال َّ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫وال ُّ ِ ِ‬
‫أعز من ح ْلم إمام ورفْقه‪ ،‬وليس ٌ‬
‫وخرقه)(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إمام ْ‬
‫السكينة واحلِْلم)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وقال رضي اهلل عنه‪( :‬تعلَّموا العلم وتعلَّموا للعلم َّ‬
‫‪ -‬وقال ابن مسعود رضي اهلل عنه‪( :‬ينبغي حلامل القرآن أن يكون باكيًا‬
‫حليما سكينًا‪ ،‬وال ينبغي حلامل القرآن أن يكون جافيًا وال‬
‫حكيما ً‬
‫ً‬ ‫حمزونًا‬

‫((( ((حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي)) (‪.)423/2‬‬


‫((الزهد الكبري)) (‪ )276‬موقوفًا على علي‬
‫((( رواه أبو نعيم يف ((احللية)) (‪ ،)75/1‬والبيهقي يف ُّ‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫((الزهد)) (‪ ،)602/2‬والطَّربي يف ((التاريخ)) (‪.)224/4‬‬
‫((( رواه هنَّاد يف ُّ‬
‫((الزهد)) (‪.)99‬‬ ‫((( رواه الطَّرباين يف ((األوسط)) (‪ ،)200/6‬ووكيع يف ُّ‬
‫((الزهد)) (‪ ،)538‬وأمحد يف ُّ‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪11‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫حديدا)(((‪.‬‬
‫احا وال ً‬
‫صخابًا وال صيَّ ً‬
‫غافل وال َّ‬
‫ً‬
‫الرأي‬
‫‪ -‬وقال معاوية بن أيب سفيان رضي اهلل عنهما‪( :‬ال يبلغ العبد مبلغ َّ‬
‫بقوة احلِْلم)(((‪.‬‬‫حىت يغلب ِح ْل ُمه جهله‪ ،‬وصربُه شهوته‪ ،‬وال يبلغ ذلك َّإل َّ‬
‫رد جهله ِحب ْلمه‪،‬‬ ‫الرجال أشجع؟ قال‪َ :‬من َّ‬ ‫(أي ِّ‬
‫وسئل عمرو بن األهتم‪ُّ :‬‬ ‫‪ُ -‬‬
‫الرجال أسخى؟ قال‪َ :‬من بذل دنياه لصاحل دينه)(((‪.‬‬ ‫فأي ِّ‬
‫قال‪ُّ :‬‬
‫أحلُم‬
‫مرةً َلعَرابَة بن أوس‪( :‬مب سدت قومك يا َعَرابَة؟ قال‪ :‬كنت ْ‬ ‫‪ -‬وقال َّ‬
‫فمن فعل فعلي فهو‬ ‫عن جاهلهم‪ ،‬وأعطي سائلهم‪ ،‬وأسعى يف حوائجهم‪َ ،‬‬
‫عن فأنا خري منه)(((‪.‬‬ ‫قصر ِّ‬‫ومن َّ‬ ‫ومن جاوزين فهو أفضل‪َ ،‬‬ ‫مثلي‪َ ،‬‬
‫أيضا‪( :‬عليكم باحلِْلم واالحتمال حىت متكنكم الفرصة‪ ،‬فإذا‬ ‫‪ -‬وقال ً‬
‫بالصفح واإلفضال)(((‪.‬‬
‫أمكنتكم فعليكم َّ‬
‫(إن أستحيي أن‬ ‫شديدا‪ ،‬فقيل له‪ :‬لو عاقبته‪ ،‬فقال‪ِّ :‬‬ ‫كالما ً‬
‫رجل ً‬‫‪ -‬وأمسعه ٌ‬
‫يضيق حلمي عن ذنب ٍ‬
‫أحد من رعيَّيت)(((‪.‬‬
‫لكن اخلري أن‬
‫‪ -‬وعن أيب الدَّرداء قال‪( :‬ليس اخلري أن يَ ْكثُر مالك وولدك‪ ،‬و َّ‬
‫يـَْعظُم ِح ْل ُمك‪ ،‬ويَ ْكثُر علمك‪ ،‬وأن تنادي النَّاس يف عبادة اهلل‪ ،‬فإذا أحسنت‬
‫محدت اهلل‪ ،‬وإذا أسأت استغفرت اهلل)(((‪.‬‬
‫((الزهد)) (‪ ،)133‬وأبو نعيم يف ((احللية)) (‪)129/1‬‬
‫((( رواه ابن أيب شيبة (‪ ،)35584‬وأمحد يف ُّ‬
‫موقوفًا على ابن مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫الدنْيا (‪.)26-25‬‬ ‫((( ِ‬
‫((احل ْلم)) البن أيب ُّ‬
‫((( ذكره الغزايل يف ((إحياء علوم الدِّين)) (‪.)178/3‬‬
‫الدنْيا يف ِ‬
‫((احل ْلم)) (‪ ،)40‬وذكره الغزايل يف ((إحياء علوم الدِّين)) (‪.)178/3‬‬ ‫((( رواه ابن أيب ُّ‬
‫((( ذكره الغزايل يف ((إحياء علوم الدِّين)) (‪.)184/3‬‬
‫الدنْيا يف ((حلم معاوية)) (‪ ،)22‬وابن عساكر يف ((تاريخ دمشق)) (‪.)179/59‬‬ ‫((( رواه ابن أيب ُّ‬
‫((( رواه ابن أيب شيبة (‪ ،)34585‬وأبو نعيم يف ((احللية)) (‪ ،)212/1‬وابن عساكر يف ((تاريخ‬
‫دمشق)) (‪.)158/47‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪12‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫نعد احلِْلم‬
‫‪ -‬وقال عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪( :‬حنن معشر قريش ُّ‬
‫السؤدد‪ُّ ،‬‬
‫ونعد العفاف وإصالح املال‪ ،‬املروءة)(((‪.‬‬ ‫واجلُود‪ُّ ،‬‬
‫البصري يف تفسري قوله تعاىل‪ :‬ﮋﯙﯚﯛ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬وقال احلسن‬
‫(حلَ َماء‪ :‬إن ُج ِهل عليهم مل جيهلوا)(((‪.‬‬‫ﯜﯝﮊ [الفرقان‪ُ :]63 :‬‬
‫بالوقَار واحلِْلم)(((‪.‬‬
‫أيضا‪( :‬اطلبوا العلم وزيِّنوه َ‬
‫‪ -‬وقال ً‬
‫صيفي‪( :‬دعامة العقل احلِْلم‪ ،‬ومجاع األمر َّ‬
‫الصرب‪ ،‬وخري‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬وقال أكثم بن‬
‫األمور العفو)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن رجاء بن أيب سلمة قال‪(:‬احلِْلم خصلة ِمن خصال العقل)(((‪.‬‬
‫ومن‬ ‫ِ‬
‫(من َحلُ َم َوقَى ع ْرضه‪َ ،‬‬‫علي رضي اهلل عنهما‪َ :‬‬ ‫حممد بن ٍّ‬ ‫‪ -‬وقال َّ‬
‫ومن احتمل امل ْكروه كثرت‬ ‫َصلح مالَه استـَ ْغىن‪َ ،‬‬
‫ومن أ ْ‬ ‫جادت ُّ‬
‫كفه َح ُسن ثناؤه‪َ ،‬‬
‫ومن َعفا عن‬ ‫ِ‬
‫ومن كظَم غيظَه فشا إحسانُه‪َ ،‬‬ ‫أمره‪َ ،‬‬
‫صرب ُحد ُ‬ ‫ومن َ‬‫َماسنه‪َ ،‬‬
‫ومن اتَّقى اهلل كفاه ما أمهَّه)(((‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الذنوب‪ ،‬كثُرت أياديه‪َ ،‬‬
‫‪ -‬وقال أبو رزين يف قوله‪ :‬ﮋﮂﮃﮊ [آل عمران‪( :]79 :‬حلماء‬
‫علماء)(((‪.‬‬
‫(مكتوب يف احلكمة‪ :‬ال جتالس ِحب ْلمك‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬وعن معاوية بن َّقرة قال‪:‬‬

‫((( ذكره ابن مفلح يف ((اآلداب الشَّرعية)) (‪.)215/2‬‬


‫((( رواه حيىي بن سالم يف ((تفسريه)) (‪ ،)489‬وذكره القرطيب يف ((تفسريه)) (‪.)69/13‬‬
‫((( ذكره الغزايل يف ((إحياء علوم الدِّين)) (‪.)178/3‬‬
‫الدنْيا (ص ‪.)27‬‬ ‫((( ِ‬
‫((احل ْلم)) البن أيب ُّ‬
‫((( ((املصدر السابق)) (ص ‪.)21‬‬
‫((( ((العقد الفريد)) البن عبد ربه األندلسي (‪.)181/1‬‬
‫الدنْيا (ص ‪.)23‬‬ ‫((( ِ‬
‫((احل ْلم)) البن أيب ُّ‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪13‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫السفهاء‪ ،‬وال جتالس بسفهك احلُلَماء)(((‪.‬‬


‫ُّ‬
‫حليم ال يظلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حليم ال جيهل وإن ُجهل عليه‪ٌ ،‬‬ ‫‪ -‬وعن احلسن قال‪( :‬املؤمن ٌ‬
‫وإن ظُلِم َغ َفر‪ ،‬ال يقطع‪ ،‬وإن قُ ِطع وصل‪ ،‬ال يبخل‪ ،‬وإن ُب ِل عليه صرب)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وقال وهب بن منبه‪( :‬العلم خليل املؤمن‪ ،‬واحلِْلم وزيره‪ ،‬والعقل دليله‪،‬‬
‫الرفق أبوه‪ ،‬واللِّني أخوه)(((‪.‬‬
‫الصرب أمري جنوده‪ ،‬و ِّ‬
‫والعمل قيمته‪ ،‬و َّ‬
‫‪ -‬وقال عطاء بن أيب رباح‪( :‬ما أوى شيء إىل ٍ‬
‫شيء أزين ِمن حل ٍم إىل‬ ‫ٌ‬
‫علم)(((‪.‬‬
‫فوائد احللم‪:‬‬
‫‪ -1‬احلليم عظيم الشَّأن‪ ،‬رفيع املكان‪ ،‬حممود األمر‪ ،‬مرضي الفعل(((‪.‬‬
‫‪( -2‬أنَّه دليل كمال العقل وسعة َّ‬
‫الصدر‪ ،‬وامتالك النَّفس‪.‬‬
‫‪ -3‬يعمل على تآلف القلوب ونشر احملبَّة بني النَّاس‪.‬‬
‫‪ -4‬يزيل البغضاء بني النَّاس ومينع احلسد)(((‪.‬‬
‫‪ -5‬صفة احلِْلم عواقبها حممودة‪.‬‬
‫أنصاره على اجلاهل(((‪.‬‬ ‫‪ -6‬أوَّل ِع َوض احلَليم عن ِح ْلمه َّ‬
‫أن النَّاس ُ‬
‫((( ِ‬
‫((احل ْلم)) البن أيب ُّ‬
‫الدنْيا (ص ‪.)53‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)55-54‬‬
‫((( ((التَّغيب يف فضائل األعمال)) للحافظ ابن شاهني (ص ‪. )251‬‬
‫((( رواه الدارمي (‪.)596( )470/1‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبَّان البسيت (‪.)208‬‬
‫((( ((نضرة النعيم)) (‪ - )1752/5‬بتصرف‪.‬‬
‫لعلي رضي اهلل عنه‪ .‬انظر‪(( :‬العقد الفريد)) البن عبد ربه األندلسي‬
‫((( هذا القول يـُْن َسب ٍّ‬
‫(‪.)182/1‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪14‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫القوة يف الت ُّ‬


‫َّحكم يف انفعاالته‪ ،‬قال الن ُّ‬ ‫‪ -7‬احلليم له َّ‬
‫بالصَرَعة‪َّ ،‬إنا الشَّديد الذي ميلك نفسه عند الغضب))(((‪.‬‬
‫((ليس الشَّديد ُّ‬
‫احل ْلم‪:‬‬
‫الوسائل املعينة على اكتساب ِ‬
‫‪ُّ -1‬‬
‫تذكر كثرة حلم اهلل على العبد‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل حليم‪ :‬يرى‬
‫معصية العاصي وخمالفته ألمره فيمهله‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [البقرة‪.]235 :‬‬
‫قال أبو حامت‪( :‬الواجب على العاقل‪ ،‬إذا غضب واحتدَّ‪ ،‬أن يذكر كثرة‬
‫حلم اهلل عنه‪ ،‬مع تواتر انتهاكه حمارمه‪ ،‬وتعدِّيه حرماته‪ ،‬مثَّ َْيلُم‪ ،‬وال خيرجه‬
‫غيظه إىل الدُّخول يف أسباب املعاصي)(((‪.‬‬
‫حممد بن السعدي البنه عروة ملا َوِل اليمن‪( :‬إذا غضبت فانظر إىل‬
‫وقال َّ‬
‫السماء فوقك‪ ،‬وإىل األرض حتتك‪ ،‬مثَّ عظِّم خالقهما)(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫تذكر الثَّواب ِمن اهلل للعافني عن النَّاس‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋﭒ‬
‫‪ُّ -2‬‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫﮊ [آل عمران‪.]134 -133 :‬‬
‫َّيب صلى‬ ‫عن أيب جعفر اخلطمي َّ‬
‫أن جدَّه عمري بن حبيب ‪-‬وكان قد بايع الن َّ‬
‫السفهاء؛‬
‫(أي بين! إيَّاكم وخمالطة ُّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬أوصى بنيه‪ ،‬فقال هلم‪ْ :‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)6114‬ومسلم (‪ِ )2609‬من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبَّان البسيت (ص ‪.)212‬‬
‫((( ((املصدر السابق))‪.‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪15‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫ومن‬ ‫ِِ‬ ‫فإن جمالستهم داء‪ ،‬وإنَّه من َيلُم عن َّ ِ‬


‫َّ‬
‫ومن جيبه يندم‪َ ،‬‬
‫السفيه يُ َسر حب ْلمه‪َ ،‬‬ ‫َ ْ‬
‫الس ِفيه‪ ،‬يقر بالكثري)(((‪.‬‬
‫ال يقر بقليل ما يأيت به َّ‬
‫الرمحة باجلاهل‪ِ ،‬‬
‫ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫‪َّ -3‬‬
‫حيث قال‪(( :‬بينما حنن يف املسجد مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذ‬
‫ايب‪ ،‬فقام يبول يف املسجد‪ ،‬فقال أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫جاء أعر ٌّ‬
‫وسلم‪ :‬مه مه‪ .‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال تزرموه‪ ،‬دعوه‪.‬‬
‫إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دعاه‪ ،‬فقال له‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫فرتكوه حىت بال‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫هذه املساجد ال تصلح لشيء ِمن هذا البول وال القذر‪َّ ،‬إنا هي لذكر اهلل َّ‬
‫عز‬
‫الصالة‪ ،‬وقراءة القرآن‪ .‬أو كما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫وجل‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬
‫رجل ِمن القوم فجاء بدل ٍو ِمن ماء فشنَّه((( عليه))(((‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأمر ً‬
‫وعلو‬
‫يدل على شرف النَّفس‪ِّ ،‬‬ ‫السيِّئة باملثل‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫التفُّع عن املعاملة َّ‬
‫‪َّ -4‬‬
‫اهلمة‪ ،‬يقول جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه‪(( :‬غزونا مع رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫َّ‬
‫ضاه(((‪ ،‬فنزل‬ ‫ِ‬ ‫عليه وسلم غزوة َْن ٍد‪َّ ،‬‬
‫فلما أدركته القائلة وهو يف واد كثري الع َ‬
‫فتفرق النَّاس يف الشَّجر يستظلُّون‪،‬‬
‫استظل هبا وعلَّق سيفه‪َّ ،‬‬‫حتت شجرة‪ ،‬و َّ‬
‫ايب‬
‫وبينا حنن كذلك إذ دعانا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فجئنا‪ ،‬فإذا أعر ٌّ‬
‫نائم‪ ،‬فاخرتط سيفي(((‪ ،‬فاستيقظت‬ ‫إن هذا أتاين وأنا ٌ‬ ‫قاعد بني يديه‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬

‫((( رواه الطَّرباين (‪ ،)108( )50/17‬والبيهقي (‪ ،)20705( )95/10‬قال اهليثمي يف ((جممع‬


‫الزوائد)) (‪ :)269/7‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫((( شنه‪ :‬صبه‪(( .‬شرح النووي على مسلم)) (‪. )193/3‬‬
‫((( رواه مسلم (‪ِ )285‬من حديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫((( العضاه‪ :‬كل شجرة ذات شوك ((شرح النووي على مسلم)) (‪.)44/15‬‬
‫((( اخرتط السيف‪ :‬سله من غمده ((النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)23/2‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪16‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫فش َامه‬
‫قائم على رأسي خمرت ٌط صلتًا ‪ ،‬قال‪َ :‬من مينعك مين؟ قلت‪ :‬اهلل‪َ .‬‬
‫(((‬
‫وهو ٌ‬
‫مثَّ قعد‪ ،‬فهو هذا‪ ،‬قال‪ :‬ومل يعاقبه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم))(((‪.‬‬
‫‪ -5‬التَّفضُّل على املسيء‪ِ ،‬‬
‫ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫برد جنراينٌّ‬
‫حيث قال‪( :‬كنت أمشي مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعليه ٌ‬
‫ايب‪ ،‬فجبذه بردائه َجْب َذةً شديدةً‪ ،‬حىت نظرت إىل‬ ‫غليظ احلاشية‪ ،‬فأدركه أعر ٌّ‬
‫صفحة عاتق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد أثَّرت هبا حاشية البـُْرد ِمن شدَّة‬
‫حممد! ُم ْر يل ِمن مال اهلل الذي عندك‪ ،‬فالتفت إليه رسول‬ ‫َجْب َذته‪ ،‬مثَّ قال‪ :‬يا َّ‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم مثَّ ضحك‪ ،‬مثَّ أمر له بعطاء)(((‪.‬‬
‫(من مل‬ ‫ِ‬
‫‪ -6‬االستحياء من جزاء اجلواب‪ ،‬وكان األحنف بن قيس يقول‪َ :‬‬
‫جترعته خمافة ما هو ُّ‬
‫أشد منه‪،‬‬ ‫ب ٍ‬
‫غيظ قد َّ‬ ‫ور َّ‬
‫يصرب على كلمة مسع كلمات‪ُ ،‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫(((‬
‫كذلك بعض الشَِّّر أهو ُن ِمن بعض‬ ‫رضيــت ببعــض الـ ُّـذل خــوف مجيعــه‬
‫وحس ِن العهد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الرعاية ليد سالفة‪ ،‬وحرمة الزمة‪ ،‬وهذا من الوفاء‪ُ ،‬‬
‫‪ِّ -7‬‬
‫جالسا عند جعفر بن‬
‫وكمال املروءة‪ ،‬عن حفص بن غياث قال‪( :‬كنت ً‬
‫رجل عنده‪ ،‬قال يل كذا‪ ،‬وفعل يل كذا‪ ،‬فقال له جعفر‪:‬‬
‫حممد‪ ،‬ورجل يشكو ً‬
‫استخف بك فأكرم نفسك عنه)(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ومن‬
‫َمن أكرمك فأكرمه‪َ ،‬‬
‫((( صلتًا‪ :‬جمردا ((النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)45/3‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)4139‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)3149‬‬
‫((( ((العقد الفريد)) البن عبد ربه (‪.)279/2‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبَّان البسيت (‪.)213‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪17‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫قال الشَّاعر‪:‬‬
‫واللُّــؤم مقــرون بــذي اإلخ ــاف‬ ‫َّ‬
‫إن الوفــاء علــى الكــرمي فريض ــة‬
‫(((‬
‫وتــرى اللَّئيــم جمانــب اإلنصــاف‬ ‫وتــرى الكــرمي ملــن يعاشــر منص ًفــا‬
‫احل ْلم‪:‬‬
‫مناذج يف ِ‬
‫يب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫• •مناذج ِمن حلم َّ‬
‫الن ِّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم غاية احلِْلم والعفو‪ ،‬و ُّ‬
‫السنَّة النَّبويَّة حافلة‬ ‫لقد بلغ الن ُّ‬
‫ومن ذلك‪:‬‬ ‫الرسول الكرمي يف احلِْلم‪ِ ،‬‬‫مبواقف َّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم بردائه َجْب َذ ًة شديد ًة‪،‬‬ ‫قصة األعرايب الذي جبذ الن َّ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪(( :‬كنت أمشي مع رسول اهلل صلى اهلل‬
‫ايب‪ ،‬فجبذه((( بردائه‬ ‫برد جنراينٌّ غليظ احلاشية‪ ،‬فأدركه أعر ٌّ‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وعليه ٌ‬
‫جب َذةً شديدةً‪ ،‬حىت نظرت إىل صفحة عاتق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ْ‬
‫حممد! ُم ْر يل ِمن مال‬ ‫قد أثَّرت هبا حاشية البـُْرد ِمن شدَّة َجْب َذته‪ ،‬مثَّ قال‪:‬يا َّ‬
‫اهلل الذي عندك‪ ،‬فالتفت إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مثَّ ضحك‪ ،‬مثَّ‬
‫أمر له بعطاء))(((‪.‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫رجل أتى الن َّ‬
‫أن ً‬ ‫‪ -‬وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه َّ‬
‫فهم به أصحابه‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬دعوه‬ ‫يتقاضاه فأغلظ‪َّ ،‬‬
‫مقال‪ .‬مثَّ قال‪ :‬أعطوه ِسنًّا ِمثْل ِسنِّه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬ ‫احلق ً‬ ‫فإن لصاحب ِّ‬ ‫َّ‬
‫فإن ِمن خريكم أحسنكم قضاءً))(((‪.‬‬ ‫ال جند َّإل أمثل ِمن ِسنِّه‪ ،‬فقال‪ :‬أعطوه‪َّ ،‬‬
‫((( ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص ‪.)255‬‬
‫((( اجلبذ‪ :‬اجلذب‪(( .‬النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)235/1‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)3149‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)2306‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪18‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫َّيب صلى‬
‫((كأن أنظر إىل الن ِّ‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪:‬‬
‫اهلل عليه وسلم حيكي نبيًّا ِمن األنبياء ضربه قومه فأدموه‪ ،‬فهو ميسح الدَّم عن‬
‫رب اغفر لقومي َّ‬
‫فإنم ال يعلمون))(((‪.‬‬ ‫وجهه‪ ،‬ويقول‪ِّ :‬‬
‫َّووي‪( :‬فيه ما كانوا عليه صلوات اهلل وسالمه عليهم ِمن احلِْلم‬ ‫قال الن ُّ‬
‫َّصب والعفو والشَّفقة على قومهم‪ ،‬ودعائهم هلم باهلداية والغفران‪ ،‬وعذرهم‬ ‫والت ُّ‬
‫َّيب املشار إليه ِمن املتقدِّمني‪،‬‬ ‫يف جنايتهم على أنفسهم َّ‬
‫بأنم ال يعلمون‪ ،‬وهذا الن ُّ‬
‫وقد جرى لنبيِّنا صلى اهلل عليه وسلم مثل هذا يوم أحد)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أنس رضي اهلل عنه قال‪(( :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يوما حلاجة‪ ،‬فقلت‪ :‬واهلل ال أذهب‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫من أحسن النَّاس ُخلُ ًقا‪ ،‬فأرسلين ً‬
‫نيب اهلل صلَّى اهلل عليه وعلى آله وسلَّم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نفسي أن أذهب ملا أمرين به ُّ‬
‫السوق‪ ،‬فإذا رسول اهلل صلَّى‬
‫أمر على صبيان وهم يلعبون يف ُّ‬ ‫فخرجت حىت َّ‬
‫قابض بقفاي ِمن ورائي‪ ،‬فنظرت إليه وهو يضحك‪،‬‬ ‫اهلل عليه وآله وسلَّم‪ٌ ،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أنيس! اذهب حيث أمرتك‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أذهب يا رسول اهلل‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬واهلل لقد خدمته سبع سنني أو تسع سنني ما علمت قال لشيء‬
‫فعلت كذا وكذا؟))(((‪.‬‬
‫هل َ‬ ‫كت‪َّ :‬‬
‫فعلت كذا وكذا؟ وال لشيء تر ُ‬ ‫صنعت‪ :‬مل َ‬
‫ُ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم َّأنا قالت‬
‫‪ -‬وعن عائشة رضي اهلل عنها زوج الن ِّ‬
‫ُح ٍد؟ قال‪:‬‬ ‫للنَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬هل أتى عليك يوم كان َّ ِ‬
‫أشد من يوم أ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫لقد لقيت ِمن قومك ما لقيت‪ ،‬وكان ُّ‬
‫أشد ما لقيت منهم‪ :‬يوم العقبة‪ ،‬إذ‬

‫((( رواه البخاري (‪.)3477‬‬


‫((( ((شرح النَّووي على مسلم)) (‪.)150/12‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)2310‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪19‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد ُك َل ٍل‪ ،‬فلم جيبين إىل ما أردت‪،‬‬
‫مهموم على وجهي‪ ،‬فلم أستفق َّإل وأنا بقرن الثَّعالب‪ ،‬فرفعت‬
‫ٌ‬ ‫فانطلقت وأنا‬
‫رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتين‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جربيل‪ ،‬فناداين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث اهلل إليك ملك‬ ‫إن اهلل قد مسع قول قومك لك‪ ،‬وما ُّ‬ ‫َّ‬
‫اجلبال لتأمره مبا شئت فيهم‪ .‬فناداين ملك اجلبال‪ ،‬فسلَّم َّ‬
‫علي‪ ،‬مثَّ قال‪ :‬يا‬
‫حممد‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك فيما شئت‪ ،‬إن شئت أن أطبق عليهم األخشبني‪ ،‬فقال‬ ‫َّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬بل أرجو أن ُيْرِج اهلل ِمن أصالهبم َمن يعبد اهلل‬
‫الن ُّ‬
‫وحده ال يشرك به شيئًا))(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال‪(( :‬بينما حنن عند رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو يـَْقسم قَ ْس ًما‪ ،‬إذ أتاه ذو اخلَُويصرة ‪-‬رجل ِمن‬
‫بين متيم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل اعدل! فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫وخسرت إذا مل أعدل‪ ،‬فمن‬ ‫ُ‬ ‫خبت‬
‫ومن يعدل إن مل أعدل؟! لقد ُ‬ ‫ويلك! َ‬
‫يعدل؟! فقال عمر بن اخلطَّاب رضي اهلل عنه‪ :‬يا رسول اهلل! ائذن يل فأضرب‬
‫فإن له أصحابًا َْي ِقر‬
‫عنقه‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬د ْعه‪َّ ،‬‬
‫أح ُدكم صالتَه مع صالهتم‪ ،‬وصيامه مع صيامهم‪ ،‬يقرؤون القرآن ال جياوز‬
‫صله‬ ‫السهم ِمن َّ‬ ‫تراقِيهم(((‪ ،‬ميرقون ِ‬
‫الرميَّة ‪ ،‬ينظر إىل نَ ْ‬ ‫ميرق َّ‬ ‫كما‬ ‫اإلسالم‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫(((‬
‫ُ‬
‫((( رواه البخاري (‪ )3231‬ومسلم (‪.)1795‬‬
‫((( مجع ترقوة‪ ،‬وهي العظم الذي بني ثغرة النحر والعاتق‪ .‬ومها ترقوتان من اجلانبني ((النهاية يف‬
‫غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)187/1‬‬
‫((( الرمية‪ :‬الصيد املرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه وخيرج‪ ‬منه‬
‫ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي ال يعلق من جسد الصيد شيء‪(( .‬فتح الباري)) البن‬
‫حجر (‪.)618/6‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪20‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫فال يوجد فيه شيء‪ ،‬مثَّ إىل ِرصافِ ِه‪ ،‬فال يوجد فيه شيء‪ ،‬مثَّ ينظر إىل نَ ِ‬
‫ضيَّة‬ ‫َ‬
‫‪-‬وهو قِ ْدحه‪ -‬فال يوجد فيه شيء‪ ،‬مثَّ ينظر إىل قُ َذ ِذه ((( فال يوجد فيه شيء‪،‬‬
‫قد سبق ال َف ْرث والدَّم‪ ،‬آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثَ ْدي املرأة‪ ،‬أو‬
‫ض َعة تَ َد ْرَد ُر (((‪ ،‬وخيرجون على حني فُـ ْـرقة ِمن النَّاس‪ .‬قال أبو سعيد‪:‬‬‫مثل البَ ْ‬
‫علي بن‬
‫أن َّ‬ ‫أن مسعت هذا ِمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأشهد َّ‬ ‫فأشهد ِّ‬
‫الرجل فالتُمس‪ ،‬فأُيت به‬‫أيب طالب رضي اهلل عنه قاَتـلَهم وأنا معه‪ ،‬وأمر بذلك َّ‬
‫نظرت إليه على نـَْعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي نعت))(((‪.‬‬ ‫حىت ُ‬
‫‪ -‬وعن أنس رضي اهلل عنه قال‪ :‬ملا كان يوم احلديبية‪ ،‬هبط على رسول‬
‫بالسالح ِمن‬ ‫رجل ِمن أهل َّ‬
‫مكة ِّ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬مثانون ً‬
‫قِبَل جبل التـَّْنعيم يريدون ِغَّرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فدعا عليهم‬
‫فأُخذوا‪ ،‬قال َّ‬
‫عفان‪ :‬فعفا عنهم‪ ،‬ونزلت هذه اآلية‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﮊ [ الفتح‪.((()]24 :‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬وعن زيد بن أرقم رضي اهلل عنه قال‪ :‬سحر الن َّ‬
‫رجل ِمن اليهود‪ ،‬فاشتكى لذلك أيَّ ًاما‪ ،‬قال‪ :‬فجاءه جربيل عليه َّ‬
‫السالم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عقدا يف بئر كذا وكذا‪ ،‬فأرسل‬‫رجل ِمن اليهود سحرك‪ ،‬عقد لك ً‬ ‫إن ً‬ ‫فقال‪َّ :‬‬
‫إليها َمن جييء هبا‪ .‬فبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عليًّا رضي اهلل‬
‫تعاىل عنه‪ ،‬فاستخرجها‪ ،‬فجاءه هبا فحلَّلها‪ ،‬قال‪ :‬فقام رسول اهلل صلى اهلل‬

‫((( القذذ‪ :‬ريش السهم ((النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)28/4‬‬
‫((( تضطرب وتذهب وجتيء‪(( .‬شرح النووي على مسلم)) (‪.)166/7‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)3610‬ومسلم (‪.)1064‬‬
‫((( رواه مسلم (‪ ،)1808‬وأمحد (‪.)12249( )122/3‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪21‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫ط ِم ْن ِع َق ٍال‪ ،‬فما ذكر ذلك لليهودي وال رآه يف وجهه‬


‫كأنا نُ ِش َ‬
‫عليه وسلم َّ‬
‫حىت مات(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪(( :‬أن امرأة يهودية أتت رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ‬بشاة‪ ‬مسمومة‪ ،‬فأكل منها‪ .‬فجيء هبا إىل رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬فسأهلا عن ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬أردت ألقتلك‪ .‬قال‪ :‬ما كان‬
‫اهلل ليسلطك على ذاك‪ ،‬قال‪ :‬أو قال‪ :‬علي‪ ،‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬أال نقتلها؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما زلت أعرفها يف هلوات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم))(((‪.‬‬
‫مناذج ِمن ِح ْلم َّ‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪:‬‬
‫ِح ْلم أبي ذر رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫رجل أبا َذ ٍّر رضي اهلل عنه فقال‪( :‬يا هذا‪ ،‬ال تُغرق يف َشتمنا‬
‫َشتم ٌ‬
‫وضعا‪ ،‬فإنَّا ال نكافئ َمن عصى اهلل فينا بأكثر ِمن أن‬
‫للصلح َم ً‬ ‫ودع ُّ‬ ‫َ‬
‫نُطيع اهلل فيه)(((‪.‬‬
‫ِح ْلم معاوية رضي اهلل عنه‪:‬‬

‫لتستقيمن بنا يا معاوية‪ ،‬أو‬


‫َّ‬ ‫الرجل يقول ملعاوية رضي اهلل عنه‪ :‬واهلل‬
‫كان َّ‬
‫لنقومنَّك‪ ،‬فيقول‪ :‬مباذا؟ فيقولون باخلشب‪ ،‬فيقول إ ًذا أستقيم(((‪.‬‬
‫ِّ‬

‫((( رواه النسائي (‪ ،)4080‬وأمحد (‪ .)19286( )367/4‬ذكر ابن حجر يف الفتح (‪:)239/10‬‬
‫وصحح إسناده األلباين يف ((صحيح النسائي)) (‪.)4091‬‬ ‫َّ‬
‫أن له طرقًا‪َّ ،‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)2617‬ومسلم (‪ ،)2190‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( رواه أبو نعيم يف ((حلية األولياء)) (‪ ،)113/5‬والبيهقي يف ((الشُّعب)) (‪)8106( )30/11‬‬
‫وابن عساكر يف ((تاريخ دمشق)) (‪.)29/45‬‬
‫((( رواه ابن عساكر يف ((تاريخ دمشق)) (‪ ،)184/59‬وذكره َّ‬
‫الذهيب يف ((سري أعالم النُّبالء))‬
‫(‪.)149/5‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪22‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫ِح ْلم عمرو بن العاص رضي اهلل عنه‪:‬‬


‫غن لك‪ ،‬قال‪ :‬هنالك‬‫ألتفر َّ‬
‫قال رجل لعمرو بن العاص رضي اهلل عنه‪ :‬واهلل َّ‬
‫وقعت يف الشُّغل‪ ،‬قال‪ :‬كأنَّك هتدِّدين‪ ،‬واهلل لئن قلت يل كلمة ألقو َّ‬
‫لن لك‬
‫أقل لك واحدة(((‪.‬‬
‫عشرا‪ ،‬مل ْ‬
‫قلت يل ً‬ ‫عشرا‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬وأنت واهلل لئن َ‬ ‫ً‬
‫ِح ْلم ابن َّ‬
‫عباس رضي اهلل عنهما‪:‬‬
‫للرجل‬
‫رجل ابن عبَّاس رضي اهلل عنهما‪ ،‬فقال ابن عبَّاس‪( :‬يا عكرمة هل َّ‬
‫سب ٌ‬‫َّ‬
‫الرجل رأسه‪ ،‬واستحى ممَّا رأى ِمن حلمه عليه) ‪.‬‬
‫(((‬ ‫حاجة فنقضيها؟ َّ‬
‫فنكس َّ‬
‫مناذج ِمن ِح ْلم َّ‬
‫السلف‪:‬‬
‫ِح ْلم عمر بن عبد العزيز‪:‬‬
‫بعض ما يَ ْكره‪ ،‬فقال‪( :‬ال عليك‪َّ ،‬إنا‬‫رجل عمر بن عبد العزيز َ‬ ‫وأمسع ٌ‬
‫غدا‪،‬‬ ‫من ً‬
‫السلطان‪ ،‬فأنال منك اليوم ما تنالُه ِّ‬
‫بعزة ُّ‬
‫تفزين الشَّيطان َّ‬
‫أردت أن يَ ْس َّ‬
‫َ‬
‫انصرف إذا شئت) ‪.‬‬
‫(((‬
‫ْ‬
‫ِح ْلم َّ‬
‫الش َعيب‪:‬‬
‫كنت كاذبًا‬ ‫عب‪ ،‬فقال له‪ :‬إن َ‬
‫كنت صادقًا فغَفر اهلل يل‪ ،‬وإن َ‬ ‫الش ََّ‬
‫رجل َ‬‫َشتم ٌ‬
‫فغفر اهلل لك(((‪.‬‬
‫مناذج ِمن ِح ْلم العلماء املعاصرين‪:‬‬
‫ِح ْلم َّ‬
‫الشيخ ابن باز‪:‬‬
‫قبل سنتني ِمن وفاته رمحه اهلل‪ ،‬كان يف الطَّائف‪ ،‬ويف ٍ‬
‫يوم ِمن األيَّام جاء‬
‫مساحته ِمن َّ‬
‫الدوام‪ ،‬ودخل جملسه‪ ،‬فحيَّا اجلموع اليت كانت تأيت كالعادة إليه‪،‬‬
‫رجل ثائر‪ ،‬ومعه أوراق يطلب فيها شفاعة الشَّيخ؛‬
‫ويف هذه األثناء دخل عليه ٌ‬
‫((( ((العقد الفريد)) البن عبد ربِّه (‪.)275/2‬‬
‫((( ((إحياء علوم الدِّين)) للغزايل (‪.)178/3‬‬
‫((( ((العقد الفريد)) البن عبد ربِّه (‪.)279/2‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)276/2‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪23‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫تفع أزعج احلاضرين‬‫الرجل يتكلَّم بصوت مر ٌ‬ ‫ليتزوج‪ ،‬فشرع َّ‬


‫ليحصل على مال؛ َّ‬
‫فوجهه مساحة الشَّيخ مبا يلزم‪ ،‬وقال‪ :‬اذهب إىل فالن يف بلدكم‬ ‫يف اجمللس‪َّ ،‬‬
‫الفالين‪ ،‬واطلب منه أن يكتب لكم تزكية‪ ،‬ويقوم َّ‬
‫باللزم‪ ،‬مثَّ يرفعه إلينا‪ ،‬وحنن‬
‫اللزم‪ ،‬ونرفع إىل أحد احملسنني يف شأنك‪.‬‬ ‫نكمل َّ‬
‫الرجل‪ :‬يا شيخ ارفعها إىل املسؤول الفالين ‪-‬يعين أحد املسؤولني‬ ‫فقال َّ‬
‫الرجل صوته‪ ،‬وأخذ‬ ‫الكبار‪ -‬فقال مساحة الشَّيخ‪ :‬ما يكون َّإل خري‪ ،‬فرفع َّ‬
‫ويرفق‬
‫يردد‪ ،‬وما زال الشَّيخ يالطفه‪ْ ،‬‬ ‫يكرر‪َّ :‬‬
‫البد أن ترفعها إىل فالن‪ ،‬وما زال ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إن احلاضرين تكدَّروا‪ ،‬وبدا الغضب ِمن على وجوههم‪،‬‬ ‫به‪ ،‬ويعِ ُده باخلري‪ ،‬حىت َّ‬
‫تأدبوا حبضرة الشَّيخ‪ .‬ومل يرغبوا‬‫الرجل‪ ،‬ولكنَّهم َّ‬
‫إن بعضهم َه َّم بإخراج َّ‬ ‫بل َّ‬
‫الرجل‪ :‬يا شيخ! عمري يزيد على اخلمسني‪ ،‬وما‬ ‫بالتَّقدُّم بني يديه‪ .‬فقال َّ‬
‫فتبسم مساحة الشَّيخ‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬‫عندي زوجة‪ ،‬وما بقي ِمن عمري َّإل القليل‪َّ ،‬‬
‫ستتزوج‪ ،‬ويزيد عمرك إن شاء اهلل على التَّسعني‪ ،‬وسنعمل‬
‫ولدي إن شاء اهلل‪َّ ،‬‬
‫ما نستطيع يف تلبية طلبك‪.‬‬
‫فما كان ِمن ذاك َّ‬
‫الرجل الثائر املستوفز ((( إلَّ أن تَبلَّجت أساريره‪ ،‬وأقبل‬
‫هم باالنصراف‪،‬‬
‫فلما َّ‬
‫على مساحة الشَّيخ‪ ،‬وأخذ برأس الشَّيخ يـَُقبِّله‪ ،‬ويدعو له‪َّ ،‬‬
‫ودع الشَّيخ‪ ،‬فقال له مساحته‪ :‬ال نسمح لك؛ غداؤك معنا‪ ،‬فقال‪ :‬يا شيخ‬ ‫َّ‬
‫أنا على موعد‪ ،‬فقال له الشَّيخ‪ :‬هذا اهلاتف اعتذر‪ ،‬فما زال حياول التَّخلُّص‪،‬‬
‫يلح عليه بتناول الغداء‪ ،‬ومل يقبل مساحته االعتذار َّإل‬
‫وما زال مساحة الشَّيخ ُّ‬
‫بعد َلْ ٍي َ‬
‫وج ْهد‪.‬‬ ‫(((‬

‫((( املستوفز الذي رفع أليتيه ووضع ركبتيه‪(( .‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)132/14‬‬
‫((( َلْي‪ :‬شدة وإبطاء‪(( .‬املصدر السابق)) (‪.)237/15‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪24‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫حتمل الشَّيخ‪ ،‬وأصبحت تـَُرى الدَّهشة بادية‬‫تعجب احلاضرون ِمن ُّ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ َّ‬
‫درسا عمليًّا يف فضل احلِْلم‪ ،‬ومحيد عاقبته(((‪.‬‬
‫على وجوههم‪ ،‬فكأنَّه أعطاهم ً‬
‫احل ْلم‪:‬‬
‫األمثال يف ِ‬
‫فاحلُم وال تسارع إليه‪.‬‬
‫‪( -‬قوهلم‪ :‬إذا نزل بك الشَُّّر فاقعد‪ .‬أي‪ْ :‬‬
‫‪ -‬وقوهلم‪ :‬احلليم مطيَّة اجلاهل‪.‬‬
‫‪ -‬وقوهلم‪ :‬ال ينتصف حليم ِمن جاهل‪.‬‬
‫صماء‪.‬‬
‫أصم‪ ،‬وأذين غري َّ‬
‫‪ -‬وقوهلم‪ :‬حلمي ُّ‬
‫‪ -‬وقوهلم يف احلُلَماء‪َّ :‬‬
‫كأنا على رؤوسهم الطَّري)(((‪.‬‬
‫احل ْلم يف واحة ِّ‬
‫الشعر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قال الشافعي‪:‬‬
‫ـكل قبـ ٍـح‬ ‫َّ ِ‬
‫فأكــرهُ أن أكــو َن لــه جميبَــا‬ ‫الســفيهُ بـ ِّ‬ ‫خياطبــي‬
‫(((‬
‫اق طيبَــا‬ ‫كعـ ٍ‬
‫ـود زاده اإلح ـر ُ‬ ‫حلمــا‬ ‫يزيـ ُـد ســفاهةً فأزيـ ُـد‬
‫ً‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫ـكوت‬ ‫فخــرٌ ِمــن إجابتِــه ُّ‬
‫السـ ُ‬ ‫السـ ِـفيهُ فــا ُِتْبــه‬
‫إذا نطــق َّ‬
‫(((‬
‫وإن خلَّيتــه كمـ ًـدا ميـ ُ‬
‫ـوت‬ ‫فــإن كلَّمتــه َّفرجــت عنــه‬

‫بتصرف‬
‫((( ((جوانب من سرية اإلمام عبد العزيز بن باز ‪-‬رمحه اهلل‪ ))-‬حملمد إبراهيم احلمد‪ُّ .‬‬
‫(ص ‪.)220‬‬
‫((( ((العقد الفريد)) البن عبد ربِّه (‪.)104/3‬‬
‫((( ((ديوان اإلمام الشَّافعي)) (ص ‪.)33‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (ص ‪.)39‬‬
‫احل ْلم‬
‫ِ‬ ‫‪25‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫وقال أيضا‪:‬‬
‫ـب َّإل أن أكــو َن مســاببه‬
‫ومــا العيـ ُ‬ ‫ـذل تزايــدت رفع ـةً‬ ‫إذا س ـبَّين نـ ٌ‬
‫كل نـ ٍ‬
‫ـذل حتاربـُـه‬ ‫ملكنتُهــا ِمــن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ولــو مل تكـ ْـن نفســي علـ َّـي عزيــزًة‬
‫ـر التَّ ـواين للَّــذي أنــت طالبُــه‬
‫كثـ َ‬ ‫ولــو أنـَّـي أســعى لنفعــي وجدتــي‬
‫(((‬ ‫وعار على الش ِ‬
‫َّبعان إن جاع صاحبُه‬ ‫ولكنَّــي أســعى ألنفـ َـع صاحــي‬
‫ٌ‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫ِ‬
‫م ل ـ ـ ـئـ ـ ـ َّـا أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـاب مب ـ ـ ـ ــا أكـ ـ ـ ـ ـ ــرهُ‬ ‫الــكال‬ ‫ـور‬
‫وإين ألتــرك عـ َ‬
‫ِ‬
‫أحلُـ ُـم واحل ْلـ ُـم يب أشــبهُ‬ ‫ت وْ‬
‫ِ‬ ‫احمل ِفظــا‬
‫ْ‬ ‫وأغضــى علــى الكل ـ ِم‬
‫موه ـوا‬
‫ومــا زخرف ـوا لــك أو َّ‬ ‫الرجــال‬ ‫ِّ‬ ‫ـرر بــرو ِاء‬ ‫فــا تغـ ْ‬
‫النَّاظري ـ ـ ـ‬ ‫ـب‬ ‫ِ‬
‫ــن لــه ألسـ ٌـن ولــه أوجــهُ‬ ‫فكــم مــن فــى يعجـ ُ‬
‫ت وعنــد َّ ِ‬‫ِ‬
‫الدنــاءة يســتنبهُ‬ ‫ـام إذا حـ ـ ـ ـض ـ ـ ــر امل ـ ـك ـ ــرم ـ ــا‬
‫ي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ُ‬
‫(((‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫وخرســا عــن الفحشــاء عنــد التهات ـ ِر‬ ‫صمــا عــن اخلنــا‬ ‫ختاهلــم ِ‬
‫للح ْلــم ًّ‬
‫ً‬
‫ـوث اخل ـواد ِر‬‫وعنــد احلــروب كاللُّيـ ِ‬ ‫حيــاءً وعف ـةً‬ ‫ومرضــى إذا الق ـوا‬
‫ذل إنصـ ٍ‬ ‫هلــم ُّ‬
‫ـاب املعاش ـ ِر‬‫هبــم وهلــم ذلَّــت رقـ ُ‬ ‫ـن تواض ـ ٍع‬
‫ولـ ُ‬ ‫ـاف‬
‫ِ (((‬
‫صمهــم َّإل اتقــاءُ املعاي ـر‬
‫ومــا َو ُ‬ ‫خيافــون عـ َـاره‬ ‫وصمــا‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫كأن هبــم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ـائن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن احلِْلــم َزيْـ ٌـن ُم َسـ ِّـوٌد‬
‫أمل تــر َّ‬
‫لصاحبــه واجلهـ ُـل للمــرء شـ ُ‬
‫((( ((ديوان اإلمام الشَّافعي)) (ص ‪.)33‬‬
‫((( ِ‬
‫((احل ْلم)) البن أيب ُّ‬
‫الدنْيا (ص ‪.)29‬‬
‫((( ((األمايل)) للقايل (‪.)238/1‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪26‬‬ ‫احل ْلم‬
‫ِ‬

‫(((‬
‫دافن‬ ‫ِ‬
‫للجهل ُ‬ ‫إن احلِْل َم‬
‫ِمــن اجلهــل َّ‬ ‫ـرح‬ ‫ِ‬
‫فكــن دافنًــا للجهــل باحل ْلــم تسـ ْ‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫نسـ ٍـبة‬ ‫ِ‬ ‫َأل َّ ِ‬
‫يُســامى هبــا عنــد الفخــار كــرميُ‬ ‫إن ح ْلـ َـم املــرء أكــرُ ْ‬
‫(((‬
‫ـدم عليــه حليـ ُـم‬ ‫ِ‬
‫أرى احل ْلـ َـم مل ينـ ْ‬ ‫ـب يل منــك ِح ْل ًمــا فإنـَّـي‬
‫رب َهـ ْ‬‫فيــا ِّ‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫َخَرقــا‬
‫ـك أ ْ‬ ‫ويف ا ُخلْ ــرق إغ ـراءٌ فــا تَـ ُ‬ ‫للسـ ِـفيه عــن األذى‬ ‫ويف احلِلــم َرْدعٌ َّ‬
‫(((‬
‫كمــا نـ ِـدم امل ْغبُــو ُن ملــا َتـ َفـ ـَّـرقا‬ ‫َفـَتـنْ ـ َد َم إذ ال تنفعنــك ندام ـةٌ‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫وكان الفعـ ُـل عنــه لــه ِلَامــا‬ ‫السـ ِـفيه بفضـ ِـل ِح ْل ـ ٍم‬
‫رجعــت علــى َّ‬
‫ـت لــه ســاما‬ ‫ـافهه وقلـ ُ‬
‫أسـ ُ‬ ‫ـفاه فلــم جيــدين‬ ‫السـ َ‬ ‫وظـ َّـن يب َّ‬
‫املذم ـةَ واملالمــا‬
‫َّ‬ ‫وقــد كســب‬ ‫فقــام جيـ ُّـر رجليــه ذليـ ًـا‬
‫(((‬
‫ـال بــه انتقامــا‬
‫وأحــرى أن ينـ َ‬ ‫وفضــل احلِْل ـ ِم أبلـ ُـغ يف سـ ٍ‬
‫ـفيه‬ ‫ُ‬
‫وقال اآلخر‪:‬‬
‫ـرا يــا أخيَّــا‬ ‫عجلــت علـ َّـي خـ ً‬ ‫ـفاها‬
‫تدعــي شــتمي سـ ً‬ ‫أيــا َمــن َّ‬
‫وأســتدعي بــه إمثـًـا إليَّــا‬ ‫أكســيك الثَّـواب بِبِْنـ ِ‬
‫ـت شــتمي‬
‫(((‬
‫أعـ ُّـز علـ َّـي ِمــن نفســي عليَّــا‬ ‫فأنــت إذن وقــد أصبحــت ضــدًّا‬

‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)209‬‬


‫((( ((العقد الفريد)) البن عبد ربه (‪.)140/2‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)180/1‬‬
‫((( ِ‬
‫((احل ْلم)) البن أيب ُّ‬
‫الدنْيا (ص ‪.)34‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (ص ‪.)48‬‬
‫َ َ‬
‫احلياء‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪28‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫ا َ‬
‫حل َياء‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫لغة‬ ‫معنى َ‬
‫احل َياء ً‬
‫• •معنى َ‬
‫احل َياء ً‬
‫لغة‪:‬‬
‫احلياء‪ :‬احلشمة‪ ،‬ضد الوقاحة‪ .‬وقد حيي منه حياء واستحيا واستحى فهو‬
‫َحيِ ٌّي‪ ،‬وهو االنقباض واالنزواء(((‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫• •معنى َ‬
‫احل َياء‬
‫حذرا عن اللَّوم فيه)(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هو‪( :‬انقباض النَّفس من شيء وتركه ً‬
‫وقال ابن حجر‪( :‬احلَياء‪ُ :‬خلُق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح‪ ،‬ومينع‬
‫احلق)(((‪.‬‬
‫حق ذي ِّ‬‫ِمن التقصري يف ِّ‬
‫(تغي وانكسار يعرتي اإلنسان ِمن خوف ما يـَُعاب به ويُ َذ ُّم‪،‬‬
‫وقيل هو‪ُّ :‬‬
‫وحملُّه الوجه)(((‪.‬‬
‫الفرق بني َ‬
‫احل َياء واخلجل‪:‬‬
‫حج ٍة‪ ،‬أو‬
‫لغم يلحق القلب‪ ،‬عند ذهاب َّ‬‫(اخلجل‪ :‬معىن يظهر يف الوجه ٍّ‬
‫ظهور على ريبة‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬فهو شيء تتغري به اهليبة‪.‬‬
‫بقوة احلَيَاء‪ ،‬وهلذا يـَُقال‪ :‬فال ٌن يستحي يف هذا احلال‬
‫واحلَيَاء‪ :‬هو االرتداع َّ‬
‫تتغي‬ ‫أن يفعل كذا‪ ،‬وال يقال‪ :‬خيجل أن يفعله يف هذه احلال؛ َّ‬
‫ألن هيئته ال َّ‬

‫((( ((مقاييس اللغة)) البن فارس (‪(( ،)122/2‬لسان العرب)) (‪(( ،)217/14‬املصباح املنري))‬
‫للفيومي (‪.)160/1‬‬
‫((( ((التعريفات)) للجرجاين (ص ‪.)94‬‬
‫((( ((فتح الباري)) البن رجب (‪.)52/1‬‬
‫((( ((التبيان يف تفسري غريب القرآن)) البن اهلائم (ص ‪.)61‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪29‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫منه قبل أن يفعله‪ ،‬فاخلَ َجل ممَّا كان واحلَيَاء ممَّا يكون‪.‬‬
‫توس ًعا‪ ،‬وقال األنباري‪ :‬أصل اخلَ َجل يف‬
‫وقد يُ ْستَعمل احلَيَاء موضع اخلَ َجل ُّ‬
‫اللُّغة‪ :‬ال َك َسل والتَّواين وقلَّة احلركة يف طلب ِّ‬
‫الرزق‪ ،‬مثَّ كثر استعمال العرب له‬
‫حىت أخرجوه على معىن االنقطاع يف الكالم‪.‬‬
‫«وقعنت» أي‪:‬‬
‫َّ‬ ‫خجلنت))(((‪،‬‬
‫َّ‬ ‫شبعنت‬
‫َّ‬ ‫وقعنت‪ ،‬وإذا‬
‫جعنت َّ‬
‫ويف احلديث‪(( :‬إذا َّ‬
‫ذللنت‪ ،‬و«خجلنت»‪ :‬كسلنت‪.‬‬
‫َّ‬
‫َشر‪ ،‬وقيل هو سوء احتمال العناء‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة‪ :‬اخلَ َجل هاهنا األ َ‬
‫وقد جاء عن العرب اخلَ َجل مبعىن‪ :‬الدَّهش‪.‬‬
‫ت‪:‬‬
‫قال ال ُك َمْي ُ‬
‫لـ ـ ــوقـ ـ ــع احلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروب ومل خي ـ ـج ـ ـل ـ ـوا‬ ‫فـ ـ ـل ـ ــم يـ ـ ــدف ـ ـ ـع ـ ـ ـوا عـ ـ ـن ـ ــدن ـ ــا مـ ـ ــا هل ــم‬
‫أي مل يبقوا دهشني مبهوتني)(((‪.‬‬
‫التغيب يف َ‬
‫احل َياء‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬يف القرآن الكريم‬
‫‪ -‬قال تعاىل‪ :‬ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂﮊ [األعراف‪.]26:‬‬
‫فُ ِّسر لباس التَّقوى بأنَّه احلَيَاء كما ُرِوي عن احلسن(((‪ ،‬ومعبد اجلهين(((‪.‬‬
‫‪ -‬قال تعاىل‪ :‬ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫((( ذكره املتقي اهلندي يف ((كنز العمال)) (‪ )377/6‬وقال‪ :‬رواه ابن األنباري يف كتاب األضداد‬
‫مرسل‪.‬‬
‫عن منصور بن املعتمر ً‬
‫((( ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص ‪.)244‬‬
‫((( ((تفسري اآللوسي)) (‪.)344/4‬‬
‫((( ((تفسري الثَّعاليب)) (‪.)19/3‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪30‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ [القصص‪.]25 :‬‬
‫اجة وال وَّل ٍ‬
‫جة)(((‪.‬‬ ‫خبر ٍ‬
‫(يعين‪ :‬واضعةً ثوهبا على وجهها ليست َّ‬
‫َ‬ ‫قال جماهد‪ْ :‬‬
‫تستَ ْحيِي منه)(((‪.‬‬ ‫قال الطَّربي‪( :‬فأَتـته تَْ ِشي علَى ِ ٍ‬
‫است ْحيَاء)‪ ،‬وهي ْ‬
‫َ ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫‪ -‬وقــال ســبحانه‪ :‬ﮋﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﮊ [األحزاب‪.]53:‬‬
‫يش ُّق عليه‬ ‫قال ابن كثري‪( :‬قيل‪ :‬املراد َّ‬
‫أن دخولكم منزله بغري إذنه‪ ،‬كان ُ‬
‫ويتأذَّى به‪ ،‬لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك ِمن شدَّة َحيَائه عليه َّ‬
‫السالم‪،‬‬
‫حىت أنزل اهلل عليه النَّهي عن ذلك)(((‪.‬‬
‫(أي‪:‬يستَ ْحيِي أن يقول لكم‪ :‬قوموا‪ ،‬أو اخرجوا)(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وقال الشَّوكاين‪:‬‬
‫بوية‬ ‫السَّنة َّ‬
‫الن َّ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬يف ُّ‬
‫‪ -‬عن أيب مسعود البدري رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫((إن ممَّا أدرك النَّاس ِمن كالم الن َّ‬
‫ُّبوة األوىل‪ :‬إذا مل تستح فاصنع‬ ‫عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫ما شئت))(((‪.‬‬
‫((( ((تفسري جماهد)) (ص‪.)529‬‬
‫((( ((جامع البيان)) للطربي (‪.)221/18‬‬
‫((( ((تفسري ابن كثري)) (‪.)454/6‬‬
‫((( ((فتح القدير)) (‪.)342/4‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)6120‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪31‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫أن احلَيَاء مل يزل‬ ‫قال اخلطَّايب‪( :‬قال الشَّيخ‪ :‬معىن قوله ((الن َّ‬
‫ُّبوة األوىل)) َّ‬
‫نيب َّإل وقد‬ ‫ِ‬
‫ُّبوة األوىل‪ ،‬وأنه ما من ٍّ‬
‫أمره ثابتًا‪ ،‬واستعماله واجبًا منذ زمان الن َّ‬
‫نَ َدب إىل احلَيَاء وبُعِث عليه‪ ،‬وأنَّه مل ينسخ فيما نسخ ِمن شرائعهم‪ ،‬ومل يـُبَدَّل‬
‫فيما بُدِّل منها)(((‪.‬‬
‫(خلق احلَيَاء ِمن أفضل األخالق وأجلِّها وأعظمها‬ ‫قال ابن القيِّم‪ُ :‬‬
‫فمن ال حياء فيه‪ ،‬فليس‬ ‫خاصة اإلنسانيَّة‪َ ،‬‬ ‫نفعا‪ ،‬بل هو َّ‬ ‫قدرا وأكثرها ً‬ ‫ً‬
‫معه ِمن اإلنسانيَّة َّإل اللَّحم والدَّم وصورهتما الظَّاهرة‪ ،‬كما أنَّه ليس معه‬
‫ِمن اخلري شيء)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((اإلميان بضع وسبعون ‪-‬أو بضع وستُّون‪ -‬شعبة‪ ،‬أعالها‪ :‬قول‪ :‬ال إله َّإل‬
‫اهلل‪ .‬وأدناها‪ :‬إماطة األذى عن الطَّريق‪ .‬واحلياء شعبة ِمن اإلميان))(((‪.‬‬
‫أن احلَيَاء يقطع‬‫قال اخلطَّايب‪( :‬معىن قوله‪(( :‬احلَيَاء شعبة ِمن اإلميان)) َّ‬
‫صاحبه عن املعاصي وحيجزه عنها‪ ،‬فصار بذلك ِمن اإلميان)(((‪.‬‬
‫و(إنا أفرد صلَّى اهلل عليه وسلَّم هذه اخلصلة ِمن خصال اإلميان يف هذا‬‫َّ‬
‫بالذكر دون غريها ِمن باقي شعب اإلميان؛ َّ‬
‫ألن احلَيَاء‬ ‫وخصها ِّ‬
‫احلديث‪َّ ،‬‬
‫كالدَّاعي إىل باقي الشُّعب‪َّ ،‬‬
‫فإن صاحب احلَيَاء خياف فضيحة ُّ‬
‫الدنْيا واآلخرة‬
‫ص ِّ‬
‫بالذكر ومل‬ ‫كالسبب لفعل باقي الشُّعب؛ ُخ َّ‬
‫فلما كان احلَيَاء َّ‬
‫فيأمتر وينزجر‪َّ ،‬‬
‫يذكر غريه معه)(((‪.‬‬
‫((( ((معامل السنن)) للخطَّايب (‪.)109/4‬‬
‫بتصرف يسري‪.‬‬ ‫السعادة)) (‪ُّ )277/1‬‬ ‫((( ((مفتاح دار َّ‬
‫((( رواه مسلم (‪)35‬‬
‫((( ((معامل السنن)) (‪.)312/4‬‬
‫((( ((اجملالس الوعظيَّة يف شرح أحاديث خري الربيَّة)) للسفريي (‪.)365/1‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪32‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫أن اإلميان‬‫وقال السعدي‪( :‬هذا احلديث ِمن مجلة النُّصوص الدَّالة على َّ‬
‫اسم يشمل عقائد القلب وأعماله‪ ،‬وأعمال اجلوارح‪ ،‬وأقوال اللِّسان‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬ ‫ٌ‬
‫داخل يف‬ ‫ومستحب فإنَّه‬
‫ٍّ‬ ‫يقرب إىل اهلل‪ ،‬وما حيبُّه ويرضاه ِمن و ٍ‬
‫اجب‬ ‫ما ِّ‬
‫ٌ‬
‫لعل ذكر احلَيَاء؛‬‫اإلميان‪ .‬وذكر هنا أعاله وأدناه‪ ،‬وما بني ذلك وهو‪ :‬احلَيَاء‪ .‬و َّ‬
‫فإن َمن استحيا ِمن اهلل‬ ‫السبب األقوى للقيام جبميع شعب اإلميان‪َّ .‬‬ ‫ألنَّه َّ‬
‫لتواتر نعمه‪ ،‬وسوابغ كرمه‪ ،‬وجتلِّيه عليه بأمسائه احلسىن‪- ،‬والعبد مع هذا كثري‬
‫ب اجلليل الكبري‪ ،‬يظلم نفسه وجيين عليها‪ -‬أوجب له هذا‬ ‫الر ِّ‬
‫التَّقصري مع هذا َّ‬
‫احلَيَاء التوقِّي ِمن اجلرائم‪ ،‬والقيام بالواجبات واملستحبَّات)(((‪.‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه‬
‫‪ -‬وعن عمران بن حصني رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال الن ُّ‬
‫وسلم‪(( :‬احلَيَاء ال يأيت َّإل خبري))(((‪.‬‬
‫أن َمن استحيا ِمن النَّاس أن يروه يأيت الفجور‬ ‫قال ابن بطَّال‪( :‬معناه َّ‬
‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫ويرتكب احملارم‪ ،‬فذلك داعيةٌ له إىل أن يكون َّ‬
‫أشد حياءً من ربِّه وخالقه‪َ ،‬‬
‫اجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫فإن حياءه ز ٌ‬ ‫استحيا ِمن ربِّه َّ‬
‫الرزاق واحمليي‬ ‫كل ذي فطرة صحيحة‪ ،‬يعلم َّ‬
‫أن اهلل تعاىل النَّافع له والضَّار و َّ‬ ‫َّ‬
‫وجل)(((‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫واملميت‪ ،‬فإذا َعلِم ذلك فينبغي له أن يستحيي منه َّ‬
‫يكف عن ارتكاب‬ ‫قال ابن رجب‪(( ...( :‬احلياء ال يأيت َّإل خبري))‪ :‬فإنَّه ُّ‬
‫وحيث على استعمال مكارم األخالق ومعاليها‪ ،‬فهو‬
‫القبائح ودناءة األخالق‪ُّ ،‬‬
‫ِمن خصال اإلميان هبذا االعتبار)(((‪.‬‬

‫((( ((هبجة قلوب األبرار)) (ص ‪.)179‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ ،)6117‬ومسلم (‪.)37‬‬
‫((( ((شرح صحيح البخاري)) (‪.)297/9‬‬
‫((( ((جامع العلوم واحلكم)) (‪.)501/1‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪33‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫قال ابن حجر‪( :‬إذا صار احلَيَاء عادة‪ ،‬وختَلَّق به صاحبه‪ ،‬يكون سببًا جيلب‬
‫السبب)(((‪.‬‬
‫بالذات و َّ‬‫اخلري إليه‪ ،‬فيكون منه اخلري َّ‬
‫مادة اخلري والفضيلة‪ ،‬وهبذا وصفه‬ ‫فاحلَيَاء فضيلة ِمن فضائل الفطرة‪ ،‬وهو َّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم بقوله‪(( :‬احلَيَاء خريٌ كلُّه))‪.‬‬ ‫الن ُّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬‫‪ -‬وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬أن الن ُّ‬
‫مر على رجل‪ ،‬وهو يعاتب أخاه يف احلياء‪ ،‬يقول‪ :‬إنَّك لتستحىي حىت كأنَّه‬ ‫َّ‬
‫أضر بك‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬دعه‪َّ ،‬‬
‫فإن احلياء‬ ‫يقول‪ :‬قد َّ‬
‫ِمن اإلميان))(((‪.‬‬
‫أن احلَيَاء ِمن أسباب اإلميان وأخالق أهله؛ وذلك‬ ‫قال ابن بطَّال‪( :‬معناه َّ‬
‫الصرب واخلري‪ ،‬كما مينع‬‫أنَّه ملا كان احلَيَاء مينع ِمن الفواحش‪ ،‬وحيمل على َّ‬
‫اإلميان صاحبه ِمن الفجور‪ ،‬ويقيِّده عن املعاصي‪ ،‬وحيمله على الطَّاعة‪ ،‬صار‬
‫كاإلميان ملساواته له يف ذلك‪ ،‬وإن كان احلَيَاء غريزة‪ ،‬واإلميان فعل املؤمن‪،‬‬
‫فاشتبها ِمن هذه اجلهة)(((‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫حق احلياء‪ .‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل إنَّا لنستحيي‪،‬‬ ‫وسلم‪(( :‬استحيوا ِمن اهلل َّ‬
‫حق احلياء‪ :‬أن حتفظ‬ ‫لكن االستحياء ِمن اهلل َّ‬ ‫واحلمد للَّه‪ .‬قال‪ :‬ليس ذاك‪ ،‬و َّ‬
‫ومن أراد‬‫وتتذكر املوت والبِلَى‪َ ،‬‬
‫الرأس وما وعى‪ ،‬وحتفظ البطن وما حوى‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫فمن فعل ذلك‪ ،‬فقد استحيا ِمن اهلل َّ‬
‫حق احلياء))(((‪.‬‬ ‫اآلخرة‪ ،‬ترك زينة الدُّنيا‪َ ،‬‬
‫((( ((فتح الباري)) (‪.)522/10‬‬
‫((( رواه البخاري (‪)6118‬‬
‫((( ((شرح صحيح البخاري)) (‪.)298/9‬‬
‫التمذي (‪ِ )2458‬من حديث عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‪ .‬وقال‪ :‬غريب‪َّ .‬‬
‫وحسن‬ ‫((( رواه ِّ‬
‫التمذي)) (‪.)2458‬‬
‫وحسنه األلباين يف ((صحيح ِّ‬
‫إسناده النَّووي يف ((اجملموع)) (‪َّ ،)105/5‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪34‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫السمع والبصر واللِّسان ِمن َّ‬


‫احملرمات‪،‬‬ ‫قال ابن رجب‪( :‬يدخل فيه حفظ َّ‬
‫حرم اهلل‪،‬‬
‫يتضمن حفظ القلب عن اإلصرار على ما َّ‬ ‫وحفظ البطن وما حوى‪َّ ،‬‬
‫ويتضمن أيضا حفظ البطن ِمن إدخال احلرام إليه ِمن املآكل واملشارب‪ِ ،‬‬
‫ومن‬ ‫َّ ً‬
‫وجل اللِّسان والفرج)(((‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫أعظم ما جيب حفظه ِمن نواهي اهلل َّ‬
‫كفوري يف شرح احلديث‪( :‬قوله‪(( :‬استحيوا ِمن اهلل َّ‬
‫حق احلَيَاء))‪.‬‬ ‫وقال املبار ُّ‬
‫حق تقاته‪.‬‬‫املناوي‪ ،‬وقيل‪ :‬أي‪ :‬اتَّقوا اهلل َّ‬
‫ُّ‬ ‫الزما صادقًا‪ ،‬قاله‬
‫أي‪ :‬حياءً ثابتًا و ً‬
‫نيب اهلل إنَّا لنستحيي))‪ .‬مل يقولوا‪َّ :‬‬
‫حق احلَيَاء؛ اعرتافًا بالعجز عنه‪.‬‬ ‫((قلنا يا َّ‬
‫((واحلمد هلل))‪ .‬أي على توفيقنا به‪.‬‬
‫حق احلَيَاء ما حتسبونه‪ ،‬بل أن حيفظ مجيع‬
‫((قال‪ :‬ليس ذاك))‪ .‬أي‪ :‬ليس َّ‬
‫عما ال يرضى‪.‬‬‫جوارحه َّ‬
‫الرأس))‪ .‬أي‪ :‬عن‬ ‫((ولكن االستحياء ِمن اهلل َّ‬
‫حق احلَيَاء‪ :‬أن حتفظ َّ‬
‫استعماله يف غري طاعة اهلل‪ ،‬بأن ال تسجد لغريه‪ ،‬وال تصلِّي ِّ‬
‫للرياء‪ ،‬وال ختضع‬
‫به لغري اهلل‪ ،‬وال ترفعه تك ـُّبـ ًرا‪.‬‬
‫حيل‬ ‫الرأس ِمن اللِّسان والعني واألذن َّ‬
‫عما ال ُّ‬ ‫((وما وعى))‪ .‬أي‪ :‬مجعه َّ‬
‫استعماله‪.‬‬
‫((وحتفظ البطن))‪ .‬أي‪ :‬عن أكل احلرام‪.‬‬
‫((وما حوى))‪ .‬أي ما اتصل اجتماعه به ِمن الفرج و ِّ‬
‫الرجلني واليدين‬
‫فإن هذه األعضاء متَّصلة باجلوف‪ ،‬وحفظها بأن ال تستعملها يف‬ ‫والقلب‪َّ ،‬‬
‫املعاصي‪ ،‬بل يف مرضاة اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( ((جامع العلوم واحلكم)) (ص ‪.)464‬‬


‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪35‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫((وتتذكر املوت والبِلَى))‪ .‬بكسر الباء‪ِ ،‬من بـَلَى الشَّيء إذا صار َخلِ ًقا‬
‫َّ‬
‫عظاما بالية‪.‬‬
‫تتذكر صريورتك يف القرب ً‬ ‫متفتِّتًا‪ ،‬يعين َّ‬
‫الدنْيا))‪َّ .‬‬
‫فإنما ال جيتمعان على وجه الكمال‬ ‫((ومن أراد اآلخرة ترك زينة ُّ‬
‫َ‬
‫حىت لألقوياء‪ ،‬قاله القاري‪.‬‬
‫ضرتان‪ ،‬فمىت أرضيت إحدامها أغضبت األخرى)(((‪.‬‬ ‫املناوي‪َّ :‬‬
‫ألنما َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫رجل يغتسل بالبَـ َـراز‬ ‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رأى ً‬ ‫‪ -‬وعن يـَْعلَى َّ‬
‫ي ِستِّريٌ‪،‬‬ ‫عز َّ ِ‬ ‫فصعد املنرب‪ ،‬فحمد اهلل وأثىن عليه‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫يم َحِ ٌّ‬
‫وجل َحل ٌ‬ ‫إن اهلل َّ‬
‫الس ْت‪ ،‬فإذا اغتسل أحدكم فليَ ْستَِت))(((‪.‬‬
‫حيب احلَيَاء و َّ‬
‫ُّ‬
‫‪ -‬عن أنس رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما‬
‫كان ال ُف ْحش يف شيء َّإل شانه‪ ،‬وما كان احلَيَاء يف شيء َّإل َزانَهُ))(((‪.‬‬
‫السلف والعلماء يف َ‬
‫احل َياء‪:‬‬ ‫أقوال َّ‬
‫قل ورعه مات‬ ‫ومن َّ‬
‫قل ورعه‪َ ،‬‬
‫قل حياؤه َّ‬
‫(من َّ‬ ‫‪ -‬قال عمر رضي اهلل عنه‪َ :‬‬
‫قلبه)(((‪.‬‬
‫‪ -‬قال ابن القيِّم يف حقيقة احلَيَاء‪( :‬قال صاحب املنازل‪ :‬احلَيَاء‪ِ :‬من‬
‫((( ((حتفة األحوذي)) للمباركفوري (‪.)131-130/7‬‬
‫َّووي يف ((اخلالصة)) (‪،)204/1‬‬
‫وصححه الن ُّ‬
‫((( رواه أبو داود (‪ ،)4012‬والنسائي (‪َّ .)406‬‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫وقال الشَّوكاين يف ((نيل األوطار)) (‪ :)317/1‬رجال إسناده رجال َّ‬
‫قال‪ ‬التمذي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫التمذي (‪ ،)1974‬وابن ماجه (‪ ،)4185‬وأمحد (‪.)12712( )165/3‬‬ ‫((( رواه ِّ‬
‫الصحيح‪،‬‬‫حسن غريب‪ .‬وقال ابن حجر يف ((ختريج املشكاة)) (‪ :)386/4‬رجاله رجال َّ‬ ‫ٌ‬
‫وصححه األلباين يف ((صحيح الرتغيب والرتهيب)) (‪.)2635‬‬
‫((( رواه الطَّرباين يف ((املعجم األوسط)) (‪ ،)370/2‬والبيهقي يف ((الشُّعب)) (‪ِ )59/7‬من‬
‫حديث األحنف بن قيس رضي اهلل عنه‪ .‬قال اهليثمي يف ((جممع الزوائد)) (‪ :)305/10‬فيه‬
‫دويد بن جماشع‪ ،‬ومل أعرفه‪ ،‬وبقيَّة رجاله ثقات‏‪.‬‏‏‏‏‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪36‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫بود‪َّ .‬إنا َج َعل احلَيَاء ِمن‬ ‫َّأول مدارج أهل اخلصوص‪ ،‬يتولَّد ِمن تعظي ٍم ٍ‬
‫منوط ٍّ‬
‫َّأول مدارج أهل اخلصوص‪ :‬ملا فيه ِمن مالحظة حضور َمن يستَحيي منه‪،‬‬
‫حاضرا معهم‪ ،‬وعليه بناء‬ ‫ً‬ ‫احلق سبحانه‬
‫و َّأول سلوك أهل اخلصوص‪ :‬أن يروا َّ‬
‫أن احلَيَاء حالة حاصلة‬ ‫بود‪ .‬يعين‪َّ :‬‬ ‫سلوكهم‪ .‬وقوله‪ :‬إنَّه يتولَّد ِمن تعظي ٍم ٍ‬
‫منوط ٍّ‬
‫باملودة‪ ،‬فإذا اقرتنا تولَّد بينهما احلَيَاء‪ ،‬واجلنيد يقول‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ِمن امتزاج التَّعظيم َّ‬
‫تولُّده ِمن مشاهدة النِّعم ورؤية التَّقصري‪ ،‬ومنهم َمن يقول‪ :‬تولُّده ِمن شعور‬
‫القلب مبا يستحيي منه‪ ،‬فيتولَّد ِمن هذا الشُّعور والنُّفرة‪ ،‬حالةٌ تُ َس َّمى‪ :‬احلَيَاء‪،‬‬
‫فإن للحياء عدَّة أسباب)(((‪.‬‬‫وال تنايف بني هذه األقوال‪َّ ،‬‬
‫أيضا‪( :‬حياة القلب يكون فيه َّقوة ُخلُق احلَيَاء‪ ،‬وقلَّة احلَيَاء ِمن‬ ‫‪ -‬وقال ً‬
‫الروح‪ ،‬فكلَّما كان القلب أحىي كان احلَيَاء أمت‪.‬‬ ‫موت القلب و ُّ‬
‫‪ -‬قال اجلنيد‪ :‬احلَيَاء‪ :‬رؤية اآلالء ورؤية التَّقصري‪ ،‬فيتولَّد بينهما حالة‬
‫سمى احلَيَاء‪ ،‬وحقيقته‪ُ :‬خلُ ٌق يبعث على ترك القبائح‪ ،‬ومينع ِمن التَّفريط يف‬ ‫تُ َّ‬
‫احلق)‪.‬‬
‫حق صاحب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫(مخس ِمن عالمات الشَّقاوة‪ :‬القسوة يف‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬وقال الفضيل بن عياض‪:‬‬
‫الدنْيا‪ ،‬وطول األمل)(((‪.‬‬ ‫القلب‪ ،‬ومجود العني‪ ،‬وقلَّة احلَيَاء‪ ،‬و َّ‬
‫الرغبة يف ُّ‬
‫َّكرم خصلتان‬ ‫‪ -‬وقال أبو عبيدة النَّاجي‪ :‬مسعت احلسن يقول‪( :‬احلَيَاء والت ُّ‬
‫وجل هبما)(((‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫ِمن خصال اخلري‪ ،‬مل يكونا يف عبد َّإل رفعه اهلل َّ‬
‫‪( -‬وقال ابن عطاء‪ :‬العلم األكرب‪ :‬اهليبة واحلَيَاء؛ فإذا ذهبت اهليبة واحلَيَاء‪،‬‬
‫مل يبق فيه خري‪.‬‬

‫السالكني)) (‪.)253/2‬‬‫((( ((مدارج َّ‬


‫((( رواه البيهقي يف ((شعب اإلميان)) (‪ ،)182/10‬وابن عساكر يف ((تاريخ دمشق)) (‪.)416/48‬‬
‫((( ((مكارم األخالق)) البن أيب ُّ‬
‫الدنْيا (‪.)43/1‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪37‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪ -‬وقال ذو النُّون املصري‪ :‬احلَيَاء‪ ،‬وجود اهليبة يف القلب‪ ،‬مع وحشة ما‬
‫سبق منك إىل ربِّك تعاىل‪.‬‬
‫وجل فيما‬
‫عز َّ‬ ‫‪ -‬وقال أبو عثمان‪َ :‬من تكلَّم يف احلَيَاء وال يستحي ِمن اهلل َّ‬
‫درج‪.‬‬‫يتكلَّم به‪ ،‬فهو ُمستَ َ‬
‫األول ِمن النَّاس فيما بينهم بالدِّين‪ ،‬حىت‬
‫‪ -‬وقال اجلريري‪ :‬تعامل القرن َّ‬
‫رق الدِّين‪ ..‬مثَّ تعامل القرن الثَّاين بالوفاء حىت ذهب الوفاء‪ ،‬مثَّ تعامل القرن‬ ‫َّ‬
‫الرابع باحلَيَاء حىت ذهب‬ ‫الثَّالث باملروءة حىت ذهبت املروءة‪ ،‬مثَّ تعامل القرن َّ‬
‫الرهبة‪.‬‬
‫بالرغبة و َّ‬
‫احلَيَاء‪ ،‬مثَّ صار النَّاس يتعاملون َّ‬
‫‪ -‬وقيل‪ِ :‬من عالمات املستحي‪ :‬أن ال يـَُرى مبوضع يُ ْستَ َحيا منه)(((‪.‬‬
‫الدنْيا‪( :‬قيل لبعض احلكماء‪ :‬ما أنفع احلَيَاء؟ قال‪ :‬أن‬ ‫‪ -‬وقال ابن أيب ُّ‬
‫حتب‪ ،‬وتأيت ما يكره)(((‪.‬‬
‫تستحي أن تسأله ما ُّ‬
‫الصمت)(((‪.‬‬‫‪ -‬وقال ربيط بين إسرائيل‪( :‬زين املرأة احلَيَاء‪ ،‬وزين احلكيم َّ‬
‫فوائد َ‬
‫احل َياء‪:‬‬
‫‪1-‬أن احلَيَاء ِمن خصال اإلميان‪.‬‬
‫خجل من اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪2-2‬هجر املعصية ً‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫‪3-3‬اإلقبال على الطَّاعة بوازع ِّ‬
‫احلب هلل َّ‬
‫‪4-4‬يبعد عن فضائح ُّ‬
‫الدنْيا واآلخرة‪.‬‬
‫كل شعب اإلميان‪.‬‬
‫‪5-5‬أصل ِّ‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫((( ((الرسالة القشريية)) (‪ُّ )369-368/2‬‬
‫((( ((التَّوبة)) (ص ‪.)91‬‬
‫((الصمت)) البن أيب ُّ‬
‫الدنْيا (ص ‪.)263‬‬ ‫((( َّ‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪38‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫خيل باملروءة والتوقري وال يؤذي َمن‬


‫الوقَار فال يفعل ما ُّ‬
‫‪6-6‬يكسو املرء َ‬
‫يستحق اإلكرام‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪7-7‬ال مينع ِمن مواجهة أهل الباطل ومرتكيب السوء‪.‬‬
‫‪َ 8-8‬من استحى ِمن اهلل سرته اهلل يف ُّ‬
‫الدنْيا واآلخرة‪.‬‬
‫عد صاحبه ِمن احملبوبني عند اهلل وعند النَّاس‪.‬‬ ‫‪9-9‬يُ ُّ‬
‫‪1010‬مينع الشَّخص عن الفواحش‪ ،‬وجيعله يسترت هبا إذا هو سقط يف‬
‫شيء ِمن أوحاهلا‪.‬‬
‫بكل مجيل حمبوب‪ ،‬والتَّخلِّي عن ِّ‬
‫كل قبيح‬ ‫‪1111‬يدفع املرء إىل التَّحلِّي ِّ‬
‫مكروه(((‪.‬‬
‫أقسام َ‬
‫احل َياء‪:‬‬
‫احل َياء باعتبار ِّ‬
‫حمله إىل قسمني‪:‬‬ ‫(ينقسم َ‬
‫متزوًدا به‪،‬‬
‫فطري‪ :‬وهو الذي يُولَد مع اإلنسان ِّ‬
‫األول‪ :‬حياء ٌّ‬ ‫‪1-‬القسم َّ‬
‫ومن أمثلته‪ :‬حياء الطِّفل عندما تنكشف عورته أمام النَّاس‪ ،‬وهذا النَّوع ِمن‬ ‫ِ‬
‫احلَيَاء منحة أعطاها اهلل لعباده‪.‬‬
‫‪2-2‬والقسم الثَّاين‪ :‬حياء مكتسب‪ :‬وهو الذي يكتسبه املسلم ِمن دينه‪،‬‬
‫شرعا‪ ،‬خمافة أن يراه اهلل حيث هناه‪ ،‬أو يفقده حيث أمره‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فيمنعه من فعل ما يُ َذ ُّم ً‬
‫وينقسم باعتبار َّ‬
‫متعلقه إىل قسمني‪:‬‬
‫األول‪ :‬احلَيَاء الشَّرعي‪ :‬وهو الذي يقع على وجه اإلجالل‬
‫‪1-‬القسم َّ‬
‫واالحرتام‪ ،‬وهو حممود‪.‬‬
‫الرمحن امليداين (‪.)491/2‬‬
‫((( ((األخالق اإلسالميَّة)) لعبد َّ‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪39‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪2-2‬القسم الثَّاين‪ :‬احلَيَاء غري الشَّرعي‪ :‬وهو ما يقع سببًا لرتك أمر شرعي‪،‬‬
‫وهذا النَّوع ِمن احلَيَاء مذموم‪ ،‬وهو ليس حبياء شرعي‪َّ ،‬‬
‫وإنا هو ضعف ومهانة)(((‪.‬‬
‫صور احلياء‪:‬‬
‫من صور احلياء احملمود‪:‬‬
‫احلَيَاء ِمن اهلل‪ :‬وذلك باخلوف منه ومراقبته‪ ،‬وفعل ما أمر واجتناب ما هنى‬
‫عنه‪ ،‬وأن يستحي املؤمن أن يراه اهلل حيث هناه‪ ،‬وهذا احلَيَاء مينع صاحبه ِمن‬
‫ط باهلل يراقبه يف ِحلِّه وترحاله‪.‬‬
‫ارتكاب املعاصي واآلثام؛ ألنَّه مرتب ٌ‬
‫بأن املالئكة معه‬ ‫‪ -‬احلَيَاء ِمن املالئكة‪ :‬وذلك عندما يستشعر املؤمن َّ‬
‫كل أوقاته‪ ،‬وال يفارقونه َّإل عندما يأيت الغائط‪ ،‬وعندما يأيت أهله‪.‬‬ ‫يرافقونه يف ِّ‬
‫دليل على مروءة اإلنسان؛ فاملؤمن يستحي أن يؤذي‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬احلَيَاء من النَّاس‪ :‬وهو ٌ‬
‫بالسوء‪ ،‬وال يطعن‬‫يتلفظ ُّ‬ ‫اآلخرين سواءً بلسانه أو بيده‪ ،‬فال يقول القبيح وال َّ‬
‫أو يغتاب أو ينم‪ ،‬وكذلك يستحي ِمن أن تنكشف عوراته فيطَّلع عليها النَّاس‪.‬‬
‫صور َ‬
‫احل َياء املذموم‪:‬‬
‫ِمن صور َ‬
‫احل َياء املذموم‪:‬‬
‫‪َ -‬‬
‫احل َياء يف طلب العلم‪:‬‬
‫السؤال فيه أو عرضه يف تعليم‬ ‫ديين‪ ،‬مينع احلَيَاء ِمن ُّ‬
‫إذا تعلَّق احلَيَاء بأمر ٍّ‬
‫فإن ممَّا ينبغي حينها‪ ،‬رفع احلرج‪ ،‬ومدافعة هذا احلَيَاء الذي مينع ِمن‬
‫أو دعوة‪َّ ،‬‬
‫الرجال أو النساء(((‪.‬‬‫التَّحصيل العلمي أو الدَّعوة إىل اهلل سواءً عند ِّ‬
‫((( ((األخالق اإلسالميَّة)) حلسن السعيد املرسي (ص ‪.)146‬‬
‫((( ((املرأة املسلمة املعاصرة‪ ..‬إعدادها ومسؤوليتها يف الدَّعوة)) ألمحد بن حممد أبا بطني‬
‫(‪.)389-388‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪40‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫أن َّأم سليم رضي اهلل عنها ((جاءت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫فقد ورد َّ‬
‫احلق‪ ،‬فهل على املرأة ِمن‬
‫إن اهلل ال يستحيي ِمن ِّ‬ ‫وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اهلل َّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا رأت املاء‪ .‬فغطَّت ُّأم‬ ‫ٍ‬
‫غسل إذا احتلمت؟ قال الن ُّ‬
‫سلمة ‪-‬تعين وجهها‪ -‬وقالت‪ :‬يا رسول اهلل وحتتلم املرأة؟! قال‪ :‬نعم‪ ،‬تَ ِربَت‬
‫فيم يشبهها ولدها))(((‪.‬‬
‫ميينك‪َ ،‬‬
‫مستح وال ٍِّ‬
‫متكب)(((‪.‬‬ ‫(إن هذا العلم ال يتعلَّمه ٍ‬
‫وعن جماهد‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫((أن أبا موسى قال لعائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ِّ :-‬‬ ‫وعن سعيد بن املسيب َّ‬
‫عما‬
‫إن أستحييك‪ .‬فقالت‪ :‬ال تستحيي أن تسألين َّ‬ ‫أسألك عن ٍ‬
‫شيء و ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أريد أن‬
‫فإنا أنا ُّأمك‪ .‬قلت‪ :‬فما يوجب الغسل؟‬ ‫سائل عنه َّأمك اليت ولدتك‪َّ ،‬‬
‫كنت ً‬
‫قالت‪ :‬على اخلبري سقطت‪ ،‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إذا جلس‬
‫ومس اخلتا ُن اخلتا َن فقد وجب الغسل))(((‪.‬‬‫بني ُش َعبِها األربع‪َّ ،‬‬
‫للصائم‪،‬‬
‫وم ْس ُروق قال‪(( :‬أتينا عائشة لنسأهلا عن املباشرة َّ‬ ‫ورِوي عن األسود َ‬ ‫ُ‬
‫فاستحينا فقمنا قبل أن نسأهلا‪ ،‬فمشينا ال أدري كم‪ ،‬مثَّ قلنا‪ :‬جئنا لنسأهلا عن‬
‫حاجة مثَّ نرجع قبل أن نسأهلا؟ فرجعنا فقلنا‪ :‬يا َّأم املؤمنني‪ ،‬إنَّا جئنا لنسألك‬
‫عما بدا لكما‪ .‬قلنا‪ :‬أكان‬ ‫عن شيء فاستحينا فقمنا‪ .‬فقالت‪ :‬ما هو؟ سال َّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت‪ :‬قد كان يفعل ذلك‪،‬‬ ‫الن ُّ‬
‫إلربِه((( منكم))(((‪.‬‬
‫ولكنَّه كان أملك ْ‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)130‬ومسلم (‪)313‬‬
‫((( ((حلية األولياء)) أليب نعيم (‪.)287/3‬‬
‫((( رواه مسلم (‪)349‬‬
‫ألربِه‪ :‬حلاجته‪ ،‬تعين أنه كان غالبًا هلواه‪(( .‬النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)36/1‬‬
‫((( ْ‬
‫((( رواه أمحد (‪ِ )25857( )216/6‬من حديث عائشة رضي اهلل عنها‪ .‬واحلديث ٌّ‬
‫مروي يف‬
‫القصة‪.‬‬
‫الصحيحني بدون ذكر َّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪41‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪َ -‬‬
‫احل َياء ِمن األمر باملعروف َّ‬
‫والنهي عن املنكر‪:‬‬

‫احلَيَاء ال مينع املسلم ِمن أن يأمر باملعروف أو ينهى عن املنكر‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﮊ [األحزاب‪.]53:‬‬
‫بل األمر باملعروف والنَّهي عن املنكر مسة ِمن مسات هذه َّ‬
‫األمة‪ ،‬كما قال‬
‫وجل‪ :‬ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫عز َّ‬ ‫َّ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﮊ [آل عمران‪.]110:‬‬
‫احلق‪،‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم مع شدَّة حيائه‪ ،‬مل يثنه ذلك عن قول ِّ‬ ‫والن ُّ‬
‫ويتبي ذلك يف موقفه مع أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما‪ ،‬حينما أراد أن يشفع‬ ‫َّ‬
‫حد ِمن احلدود‪ ،‬فلم مينعه حياؤه صلى اهلل عليه وسلم ِمن أن يقول ألسامة‬ ‫يف ٍّ‬
‫حد ِمن حدود اهلل؟! مثَّ قام فاختطب‪ ،‬مثَّ قال‪َّ :‬إنا أهلك‬
‫يف غضب‪ :‬أتشفع يف ٍّ‬
‫الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضَّعيف‬ ‫الذين قبلكم َّأنم كانوا إذا سرق فيهم َّ‬
‫حممد سرقت لقطعت يدها)(((‪.‬‬ ‫أن فاطمة بنت َّ‬ ‫أقاموا عليه احلدَّ‪ ،‬وامي اهلل لو َّ‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫العبد يوم القيامة حىت يقول‪ :‬ما منعك إ ْذ‬
‫((إن اهلل ليسأل َ‬‫عليه وسلم يقول‪َّ :‬‬
‫ت‬ ‫رب! رجوتُك وفَ ِرقْ ُ‬
‫حجته قال‪ :‬يا ِّ‬ ‫أيت املنكر أن تنكره؟ فإذا َّلقن اهلل ً‬
‫عبدا َّ‬ ‫ر َ‬
‫ِمن النَّاس))(((‪.‬‬
‫‪ -‬فعل أمر نهى عنه َّ‬
‫الشارع‪:‬‬
‫فمن دفعه حياؤه إىل فعل أم ٍر هنى عنه الشَّارع‪ ،‬أو إىل ترك واجب مرغوب‬
‫َ‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)3475‬ومسلم (‪ِ )1688‬من حديث عائشة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫((( رواه ابن ماجه (‪ ،)4017‬واحلميدي يف ((مسنده)) (‪ .)756‬قال ابن كثري يف ((تفسري القرآن))‬
‫وحسنه‬
‫وصححه األلباين يف ((صحيح ابن ماجه)) (‪َّ ،)3260‬‬ ‫(‪ :)155/3‬إسناده ال بأس به‪َّ .‬‬
‫((الصحيح املسند)) (‪.)403‬‬
‫الوادعي يف َّ‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪42‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫شرعا‪َّ ،‬‬
‫وإنا هذا يعترب ضع ًفا ومهانة‪.‬‬ ‫يف الدِّين فليس حييًّا ً‬
‫ٍ‬
‫ضيوف عنده حىت تفوته‬ ‫الصالة الواجبة بسبب‬‫فليس ِمن احلَيَاء أن يرتك َّ‬
‫الصالة‪ .‬وليس ِمن احلَيَاء أن ميتنع الشَّخص ِمن املطالبة باحلقوق اليت كفلها‬
‫َّ‬
‫له الشَّرع(((‪.‬‬
‫القيم‪:‬‬ ‫صور َ‬
‫احل َياء كما ذكرها ابن ِّ‬
‫وقسمها إىل عشرة أوجه وهي‪:‬‬
‫القيم صو ًرا للحياء َّ‬
‫ذكر ابن ِّ‬
‫(حياء جناية‪ ،‬وحياء تقصري‪ ،‬وحياء إجالل‪ ،‬وحياء كرم‪ ،‬وحياء ِح ْش َمة‪،‬‬
‫وحياء استصغا ٍر للنَّفس واحتقا ٍر هلا‪ ،‬وحياء حمبَّة‪ ،‬وحياء عبوديَّة‪ ،‬وحياء شرف‬
‫وعزة‪ ،‬وحياء املستحيي ِمن نفسه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫السالم ملا َّفر هاربًا يف اجلنَّة‪ ،‬قال‬
‫فأما حياء اجلناية‪ :‬فمنه حياء آدم عليه َّ‬ ‫َّ‬
‫رب‪ ،‬بل حياءً منك‪.‬‬ ‫من يا آدم؟ قال‪ :‬ال يا ِّ‬
‫اهلل تعاىل‪ :‬أفر ًارا ِّ‬
‫وحياء التَّقصري‪ :‬كحياء املالئكة الذين يسبِّحون اللَّيل والنَّهار ال يفرتون‪،‬‬
‫حق عبادتك‪.‬‬
‫فإذا كان يوم القيامة قالوا‪ :‬سبحانك! ما عبدناك َّ‬
‫وحياء اإلجالل‪ :‬هو حياء املعرفة‪ ،‬وعلى حسب معرفة العبد بربِّه‪ ،‬يكون‬
‫حياؤه منه‪.‬‬
‫َّيب ِمن القوم الذين دعاهم إىل وليمة زينب َّ‬
‫وطولوا‬ ‫وحياء ال َكَرم‪ :‬كحياء الن ِّ‬
‫اجللوس عنده‪ ،‬فقام واستحىي أن يقول هلم‪ :‬انصرفوا‪.‬‬
‫وحياء احلِ ْش َمة‪ :‬كحياء علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪ ،‬أن يسأل رسول‬
‫اهلل عن امل ْذي ملكان ابنته منه‪.‬‬

‫((( ((األخالق اإلسالميَّة)) حلسن السعيد (ص ‪.)155‬‬


‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪43‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫جل حني‬ ‫وحياء االستحقار واستصغار النَّفس‪ :‬كحياء العبد ِمن َربِّه َّ‬
‫عز و َّ‬
‫استصغارا هلا‪...‬‬
‫ً‬ ‫احتقارا لشأن نفسه و‬
‫ً‬ ‫يسأله حوائجه‪،‬‬
‫وقد يكون هلذا َّ‬
‫النوع سببان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬استحقار َّ‬


‫السائل نفسه‪ ،‬واستعظام ذنوبه وخطاياه‪.‬‬
‫والثَّاني‪ :‬استعظام مسؤوله‪.‬‬
‫احملب ِمن حمبوبه‪ ،‬حىت إنَّه إذا خطر على قلبه‬ ‫و َّأما حياء احملبَّة‪ :‬فهو حياء ِّ‬
‫أحس به يف وجهه‪ ،‬وال يدرى ما سببه‪ ،‬وكذلك‬ ‫يف غيبته هاج احلَيَاء ِمن قلبه‪ ،‬و َّ‬
‫للمحب عند مالقاته حمبوبه ومناجاته له روعةٌ شديدةٌ‪ ،‬ومنه قوهلم‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫يعرض‬
‫الروعة‪ ،‬ممَّا ال يعرفه أكثر النَّاس‪.‬‬
‫مجال رائع‪ ،‬وسبب هذا احلَيَاء و َّ‬
‫قاهرا للقلب‪ ،‬أعظم ِمن سلطان َمن يقهر البدن‪،‬‬ ‫أن للمحبَّة سلطانًا ً‬ ‫وال ريب َّ‬
‫تعجبت امللوك واجلبابرة‬ ‫فأين َمن يقهر قلبك وروحك إىل َمن يقهر بدنك؟ ولذلك َّ‬
‫للخ ْلق‪ ،‬وقهر احملبوب هلم وذهلم له‪ ،‬فإذا فاجأ احملبوب ُِمبَّه ورآه بغتةً‪:‬‬ ‫ِ‬
‫من قهرهم َ‬
‫أحس القلب هبجوم سلطانه عليه فاعرتاه روعةٌ وخوف‪...‬‬ ‫َّ‬
‫قادرا عليه كأمته وزوجته‪ -‬فسببه‬
‫و َّأما احلَيَاء الذي يعرتيه منه ‪-‬وإن كان ً‬
‫السلطان ل َّـما زال خوفه عن القلب‪ ،‬بقيت هيبته واحتشامه‪،‬‬
‫أن هذا ُّ‬ ‫واهلل أعلم َّ‬
‫فظاهر الستيالئه على‬ ‫َّ‬
‫فتولد منها احلَيَاء‪ ،‬و َّأما حصول ذلك له يف غيبة احملبوب ٌ‬
‫قلبه‪ ،‬فومهه يغالطه عليه ويكابره حىت كأنَّه معه‪.‬‬
‫و َّأما حياء العبوديَّة‪ :‬فهو حياء ممتز ٌج ِمن حمبَّة وخوف‪ ،‬ومشاهدة عدم‬
‫أجل منها‪ ،‬فعبوديتَّه له توجب‬
‫أن قدره أعلى و ُّ‬ ‫صالح عبوديَّته ملعبوده‪ ،‬و َّ‬
‫استحياءه منه ال حمالة‪.‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪44‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫العزة‪ ،‬فحياء النَّفس العظيمة الكبرية‪ ،‬إذا صدر منها‬ ‫وأما حياء الشَّرف و َّ‬
‫وإحسان‪ ،‬فإنَّه يستحيي ‪-‬مع بذله‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫بذل أو ٍ‬
‫عطاء‬ ‫ما هو دون قدرها ِمن ٍ‬
‫وعزٍة‪ ،‬وهذا له سببان‪ :‬أحدمها‪ :‬هذا‪ .‬والثَّاين‪ :‬استحياؤه‬ ‫نفس َّ‬‫حياء شرف ٍ‬
‫إن بعض أهل ال َكَرم ال تطاوعه‬ ‫ِمن اآلخذ حىت كأنَّه هو اآلخذ َّ‬
‫السائل‪ ،‬حىت َّ‬
‫َّلوم؛ ألنَّه يستحيي‬
‫نفسه مبواجهته ملن يعطيه حياءً منه‪ ،‬وهذا يدخل يف حياء الت ُّ‬
‫ِمن َخ ْجلَة اآلخذ‪.‬‬
‫الرفيعة ِمن رضاها‬ ‫وأما حياء املرء ِمن نفسه‪ :‬فهو حياء النُّفوس َّ‬
‫الشريفة العزيزة َّ‬
‫لنفسها بالنَّقص وقناعتها بالدُّون‪ ،‬فيجد نفسه مستحيًا ِمن نفسه حىت َّ‬
‫كأن له‬
‫نفسني يستحيي بإحدامها ِمن األخرى‪ ،‬وهذا أكمل ما يكون ِمن احلَيَاء؛ َّ‬
‫فإن‬
‫العبد إذا استحىي ِمن نفسه فهو بأن يستحيي ِمن غريه أجدر)(((‪.‬‬
‫ِمن مظاهر َّ‬
‫قلة َ‬
‫احل َياء‪:‬‬
‫بالذنوب واملعاصي وعدم اخلوف ِمن اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬اجملاهرة ُّ‬
‫‪ -‬لبس النِّساء الكاسيات العاريات املالبس اليت تصف األجسام‪ ،‬أو‬
‫الضيِّقة أو املفتوحة ِمن األعلى واألسفل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الرجل األجنيب عند خروجها واختالطها به‪.‬‬
‫‪ -‬حديث املرأة مع َّ‬
‫السيِّئة اليت جترح اآلخرين‪.‬‬
‫َّفوه باأللفاظ البذيئة و َّ‬ ‫‪ -‬الت ُّ‬
‫َّلفظ والت ُّ‬
‫اخلاصة اليت حتصل بينه‬
‫الزوجية واألمور َّ‬
‫الرجل مع غريه باألسرار َّ‬
‫‪ -‬كالم َّ‬
‫وبني زوجته‪.‬‬
‫‪ -‬كشف العورات و عدم سرتها‪.‬‬
‫بتصرف (‪.)252-250/2‬‬
‫السالكني)) البن القيِّم‪ُّ ،‬‬
‫((( ((مدارج َّ‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪45‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫موانع اكتساب َ‬
‫احل َياء‪:‬‬
‫• •الغناء‪:‬‬
‫يثي قال‪ :‬قال يزيد بن الوليد‬‫الدنْيا عن أيب عثمان اللَّ ِّ‬
‫روى البيهقي وابن أيب ُّ‬
‫النَّاقص‪( :‬يا بين أميَّة إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص احلَيَاء‪ ،‬ويزيد يف الشَّهوة‪،‬‬
‫ويهدم املروءة)(((‪.‬‬
‫• •ارتكاب املعاصي‪:‬‬

‫(ومن عقوباهتا‬ ‫الذنوب واملعاصي تُ ْذ ِهب احلياء فقال‪ِ :‬‬ ‫أن ُّ‬‫َّبي ابن القيِّم َّ‬
‫ََ‬
‫كل‬
‫كل خري وذهاب ِّ‬ ‫مادة احلياة للقلب‪ ،‬وهو أصل ِّ‬ ‫ذهاب احلَيَاء الذي هو َّ‬
‫الصحيح عنه أنَّه قال‪(( :‬احلَيَاء خري كلُّه))‪ .‬وقال‪َّ :‬‬
‫((إن‬ ‫خري بأمجعه‪ ،‬ويف َّ‬
‫ُّبوة األوىل‪ :‬إذا مل تستح فاصنع ما شئت))‪ .‬وفيه‬ ‫ممَّا أدرك النَّاس ِمن كالم الن َّ‬
‫تفسريان‪ :‬أحدمها أنَّه على التَّهديد والوعيد‪ ،‬واملعىن‪َ :‬من مل يستح فإنَّه يصنع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما شاء من القبائح؛ إذ احلامل على تركها احلَيَاء‪ ،‬فإذا مل يكن هناك حياءٌ‬
‫أن الفعل إذا‬ ‫نزعه ِمن القبائح‪ ،‬فإنَّه يواقعها‪ ،‬وهذا تفسري أيب عبيدة‪ ،‬والثَّاين‪َّ :‬‬
‫وإنا الذي ينبغي تركه ما يُستحى منه ِمن اهلل‪،‬‬ ‫مل تستح فيه ِمن اهلل فافعله‪َّ ،‬‬
‫هتديدا‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫األول يكون ً‬ ‫وهذا تفسري اإلمام أمحد يف رواية ابن هاين‪ ،‬فعلى َّ‬
‫[فصلت‪ ،]40:‬وعلى الثَّاين يكون إذنًا وإباحة‪ ،‬فإن قيل‬ ‫ﮋﭿﮀﮁﮂﮊ ِّ‬
‫فهل ِمن سبيل إىل محله على املعنيني؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬وال على قول َمن حيمل‬
‫املشرتك على مجيع معانيه‪ ،‬ملا بني اإلباحة والتَّهديد ِمن املنافاة‪ ،‬ولكن اعتبار‬
‫ضعِف احلَيَاء ِمن‬‫الذنوب تُ ْ‬ ‫أن ُّ‬‫أحد املعنيني يوجب اعتبار اآلخر‪ ،‬واملقصود‪َّ :‬‬
‫العبد حىت َّربا انسلخ منه بالكلِّيَّة‪ ،‬حىت َّربا أنَّه ال يتأثَّر بعلم النَّاس بسوء‬
‫((( ((روح املعاين)) لأللوسي (‪.)68/11‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪46‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫حاله‪ ،‬وال باطِّالعهم عليه‪ ،‬بل كثري منهم خيرب عن حاله وقبح ما يفعله‪،‬‬
‫واحلامل على ذلك انسالخه ِمن احلَيَاء‪ ،‬وإذا وصل العبد إىل هذه احلالة‪ ،‬مل‬
‫يبق يف صالحه مطمع)(((‪.‬‬
‫الوسائل املعينة على اكتساب َ‬
‫احل َياء‪:‬‬
‫كل أقوالنا‬
‫احلَيَاء موجود يف فطرة اإلنسان‪ ،‬وعلينا أن جنعله رفي ًقا لنا يف ِّ‬
‫ومن‬ ‫وتقويها يف نفوسنا‪ِ ،‬‬
‫الصفة ِّ‬‫تنمي هذه ِّ‬ ‫وأفعالنا‪ ،‬وهناك بعض الوسائل اليت ِّ‬
‫هذه الوسائل‪:‬‬
‫كل حني‪ ،‬واستشعار‬ ‫‪ -1‬اتِّباع أوامر اهلل سبحانه واخلوف منه‪ ،‬ومراقبته يف ِّ‬
‫معيته‪.‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم واالقتداء به يف حياته القوليَّة‬ ‫‪ -2‬اتِّباع سنَّة الن ِّ‬
‫والفعليَّة‪.‬‬
‫حرم اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وعدم تتبُّع عورات اآلخرين‪.‬‬ ‫عما َّ‬
‫غض البصر َّ‬ ‫‪ُّ -3‬‬
‫الصرب عن املعصية يعني على مالزمة احلَيَاء‪.‬‬ ‫‪َّ -4‬‬
‫‪ -5‬تربية األوالد على احلَيَاء‪.‬‬
‫‪ -6‬جمالسة َمن يتَّصف بصفة احلَيَاء‪.‬‬
‫للح َياء‪:‬‬
‫مناذج َ‬
‫• •مناذج ِمن َح َياء األنبياء واملرسلني عليهم السالم‪:‬‬
‫وأمنا حواء‪:‬‬
‫حياء أبينا آدم ِّ‬
‫إن احلَيَاء خاصيَّة ِمن اخلصائص اليت حبا اهلل هبا اإلنسان؛ ليبتعد عن مزاولة‬
‫َّ‬
‫الذنوب واملعاصي والشَّهوات‪ ،‬وحينما أكل آدم وحواء ِمن الشجرة اليت هنامها‬ ‫ُّ‬

‫((( (اجلواب الكايف) (‪.)70-69‬‬


‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪47‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫اهلل عن األكل منها‪ ،‬بدت هلما سوءاهتما‪ ،‬فأسرعا يأخذان ِمن أوراق اجلنَّة‬
‫ليسرتا عوراهتما‪ ،‬فتحدَّث القرآن الكرمي عن ذلك بقوله‪ :‬ﮋﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ‪...‬ﮊ [األعراف‪.]22:‬‬
‫مفطور على احلَيَاء‪ ،‬و َّأما قلَّة احلَيَاء فهي منافية‬
‫ٌ‬ ‫يدل على َّ‬
‫أن اإلنسان‬ ‫وهذا ُّ‬
‫للفطرة‪ ،‬بل ِمن اتِّباع الشَّيطان‪.‬‬
‫السالم‪:‬‬
‫حياء نيب اهلل موسى عليه َّ‬

‫السالم أنَّه كان حييًّا ست ً‬


‫ِّريا‪ ،‬حىت كان يسرت‬ ‫جاء يف وصف موسى عليه َّ‬
‫بدنه‪ ،‬ويستحي أن يظهر ممَّا حتت الثِّياب شيئًا حىت ممَّا ليس بعورة‪ .‬وبسبب‬
‫الزائد‪ ،‬آذاه بعض بين إسرائيل يف أقواهلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما يبالغ يف سرت نفسه‬
‫تسته َّ‬
‫ُّ‬
‫َّإل ِمن عيب يف جسمه‪ ،‬أو ِمن أ ُْد َرة((( هو مصاب هبا(((‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫ِّريا‪ ،‬ال يـَُرى ِمن جلده شيء استحياءً منه‪،‬‬
‫رجل حييًّا ست ً‬
‫((إن موسى كان ً‬ ‫َّ‬
‫َّست َّإل ِمن عيب‬
‫فآذاه َمن آذاه ِمن بين إسرائيل‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما يسترت هذا الت ُّ‬
‫وإما آفة‪َّ .‬‬
‫وإن اهلل أراد أن يب ِّـرئه ممَّا قالوا ملوسى‬ ‫وإما أ ُْد َرة َّ‬
‫جبلده‪َّ ،‬إما برص َّ‬
‫فلما فرغ أقبل إىل ثيابه‬ ‫يوما وحده‪ ،‬فوضع ثيابه على احلجر مثَّ اغتسل‪َّ ،‬‬ ‫فخال ً‬
‫وإن احلجر عدا بثوبه‪ ،‬فأخذ موسى عصاه وطلب احلجر‪ ،‬فجعل‬ ‫ليأخذها‪َّ ،‬‬
‫يقول‪ :‬ثويب حجر! ثويب حجر! حىت انتهى إىل م ٍإل ِمن بين إسرائيل‪ ،‬فرأوه‬
‫عريانًا أحسن ما خلق اهلل‪ ،‬وأبرأه ممَّا يقولون‪ ،‬وقام احلجر فأخذ ثوبه فلبسه‪،‬‬
‫((( ُاأل ْد َرة‪ :‬نفخة يف اخلصية‪(( .‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)15/4‬‬
‫الرمحن امليداين (‪.)495/2‬‬
‫((( ((األخالق اإلسالميَّة)) لعبد َّ‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪48‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫إن باحلجر لندبًا((( ِمن أثر ضربه ثالثًا‪ ،‬أو‬


‫وطفق باحلجر ضربًا بعصاه‪ ،‬فو اهلل َّ‬
‫مخسا‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫أر ًبعا‪ ،‬أو ً‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ [األحزاب‪.((())]69:‬‬
‫السابقة‪:‬‬
‫• •مناذج ِمن حياء األمم َّ‬
‫حياء امرأة صاحلة‪:‬‬
‫ق ــال ت ـع ــاىل‪ :‬ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﮊ [القصص‪.]25 :‬‬
‫السالم‬
‫وهذه اآلية تتحدَّث عن حياء االبنة‪ ،‬حني جاءت إىل موسى عليه َّ‬
‫تدعوه إىل أبيها ليجزيه على صنيعه‪ ،‬فجاءت إليه متشي على استحياء(((‪.‬‬
‫بس ْل َف ٍع ((( ِمن النِّساء‪ ،‬ال‬
‫وقال عمر رضي اهلل عنه‪( :‬فأقبلت إليه ليست َ‬
‫خراجة وال َّولجة‪ ،‬واضعة ثوهبا على وجهها)(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫اجلاهلية‪:‬‬
‫َّ‬ ‫حياء العرب يف‬
‫يتحرجون ِمن بعض القبائح بدافع احلَيَاء‪ ،‬فها هو هرقل‬
‫كان أهل اجلاهليَّة َّ‬
‫يسأل أبا سفيان عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيقول أبو سفيان‪:‬‬
‫علي كذبًا لكذبت عنه)(((‪ .‬فمنعه ا َحليَاء‪ ،‬من‬ ‫ِ‬
‫(فواهلل لوال احلَيَاء من أن يأثروا َّ‬
‫((( الندب‪ :‬اآلثر الباقي يف احلجر من ضرب موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬له‪(( .‬فتح الباري)) البن‬
‫رجب (‪.)330/1‬‬
‫((( رواه البخاري (‪)3404‬‬
‫نصار (ص‪.)242‬‬ ‫((( ((األخالق اإلسالميَّة ودورها يف بناء اجملتمع)) جلمال َّ‬
‫((( سليطة جريئة‪(( .‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)161/8‬‬
‫((( رواه ابن أيب شيبة يف ((املصنف)) (‪.)31842( )334/6‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)7‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪49‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫االفرتاء على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؛ َّ‬


‫لئل يوصف بالكذب‪ ،‬ويشاع‬
‫عنه ذلك(((‪.‬‬
‫قال عنرتة‪:‬‬
‫حــى ي ـواري جــاريت مأواهــا‬
‫(((‬
‫وأغــض طــريف إن بــدت يل جــاريت‬
‫يب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫• •مناذج ِمن حياء َّ‬
‫الن ِّ‬

‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم َّ‬


‫أشد النَّاس حياءً‪ ،‬فعن أيب سعيد اخلدري‬ ‫كان الن ُّ‬
‫أشد حياءً ِمن‬
‫رضي اهلل عنه قال‪(( :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫الصحابة يف وجهه‪.‬‬
‫العذراء يف خدرها((())(((‪ .‬وكان إذا كره شيئًا عرفه َّ‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﮊ [األحزاب‪.]21 :‬‬
‫حياؤه ِمن اهلل‪:‬‬

‫ومن مظاهر حيائه صلى اهلل عليه وسلم حياؤه ِمن خالقه سبحانه وتعاىل؛‬
‫ِ‬
‫السالم ِمن نبيِّنا صلى اهلل عليه وسلم يف ليلة‬
‫وذلك ملا طلب موسى عليه َّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الصالة‪ ،‬قال الن ُّ‬
‫اإلسراء أن يراجع ربَّه يف ختفيف فرض َّ‬
‫رب))(((‪.‬‬‫السالم‪(( :‬استحييت ِمن ِّ‬
‫ملوسى عليه َّ‬

‫نصار (‪.)244‬‬‫((( ((األخالق اإلسالميَّة ودورها يف بناء اجملتمع)) جلمال َّ‬


‫((( ((ديوان عنرتة)) (‪.)308‬‬
‫((( اخلدر‪ :‬سرت جيعل للبكر يف جنب البيت‪(( .‬شرح النووي على مسلم)) (‪.)78/15‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)3562‬ومسلم (‪.)2320‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)349‬ومسلم (‪ِ )163‬من حديث أيب ذر رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪50‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫حياؤه ِمن َّ‬


‫الناس‪:‬‬

‫َّيب صلى‬ ‫ِمن ذلك ما جاء عن عائشة رضي اهلل عنها َّ‬
‫((أن امرأة سألت الن َّ‬
‫اهلل عليه وسلم عن غسلها ِمن احمليض‪ ،‬فأمرها كيف تغتسل‪ ،‬مثَّ قال‪ :‬خذي‬
‫فتطهري هبا‪ .‬قالت‪ :‬كيف أتطهر هبا؟ قالت‪ :‬فسرت وجهه‬ ‫فرصة ِمن مسك َّ‬
‫تطهري هبا‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فاجتذبت املرأة‬ ‫بطرف ثوبه‪ ،‬وقال‪ :‬سبحان اهلل! َّ‬
‫فقلت‪ :‬تتبَّعي هبا أثر الدم))(((‪.‬‬
‫ومن صور حيائه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ما جاء عن أنس بن مالك‬ ‫‪ِ -‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم بزينب‬ ‫ن على الن ِّ‬ ‫ِ‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬حيث قال‪(( :‬بُ َ‬
‫لت على الطَّعام داعيًا‪ ،‬فيجيء قوم فيأكلون‬ ‫ِ‬
‫ابنة جحش خببز وحلم‪ ،‬فأ ُْرس ُ‬
‫أحدا أدعوه‪،‬‬‫قوم فيأكلون وخيرجون‪ ،‬فدعوت حىت ما أجد ً‬ ‫وخيرجون‪ ،‬مثَّ جييء ٌ‬
‫أحدا أدعوه‪ .‬قال‪ :‬ارفعوا طعامكم‪ ،‬وبقي ثالثة‬ ‫فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما أجد ً‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم فانطلق إىل حجرة‬ ‫رهط يتحدَّثون يف البيت‪ ،‬فخرج الن ُّ‬
‫السالم عليكم أهل البيت ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫السالم ورمحة اهلل‪ ،‬كيف وجدت أهلك يا رسول اهلل؟ بارك‬ ‫قالت‪ :‬وعليك َّ‬
‫هلن كما يقول لعائشة‪ ،‬ويقلن له‬ ‫هن‪ ،‬يقول َّ‬ ‫فتقرى ُح َجر نسائه كلِّ َّ‬‫اهلل لك‪َّ ،‬‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإذا ثالثة رهط يف‬ ‫كما قالت عائشة‪ ،‬مثَّ رجع الن ُّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم شديد احلَيَاء‪ ،‬فخرج منطل ًقا‬ ‫البيت يتحدَّثون‪ ،‬وكان الن ُّ‬
‫أن القوم خرجوا‪ ،‬فرجع حىت إذا‬ ‫ُخِب َّ‬ ‫حنو ُح ْجرة عائشة فما أدري أخربته أم أ ْ‬
‫السرت بيين وبينه‪،‬‬
‫ُسكفة الباب داخله واألخرى خارجة‪ ،‬أرخى ِّ‬ ‫وضع رجله يف أ َّ‬
‫وأنزلت آية احلجاب))(((‪.‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)314‬‬
‫ِ‬
‫((( رواه البخاري (‪ )4793‬من حديث أنس رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪51‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫حياؤه يف تعامله مع َمن بلغه عنه شيء‪:‬‬


‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم ((إذا بلغه‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها قالت كان الن ُّ‬
‫الرجل الشَّيء مل يقل‪ :‬ما بال ٍ‬
‫فالن يقول؟ ولكن يقول‪ :‬ما بال أقو ٍام‬ ‫عن َّ‬
‫ْ‬
‫يقولون كذا وكذا؟))(((‪.‬‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪:‬‬
‫• •مناذج ِمن حياء َّ‬
‫الصدِّيق رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫حياء أبي بكر ِّ‬
‫يوما‪ ،‬فقال‪( :‬يا معشر املسلمني‪ ،‬استحيوا ِمن اهلل‪،‬‬
‫الصدِّيق النَّاس ً‬
‫خطب ِّ‬
‫ألظل حني أذهب الغائط يف الفضاء متقنـًِّعا بثويب‬
‫إن ُّ‬ ‫فو الذي نفسي بيده ِّ‬
‫وجل)(((‪.‬‬
‫عز َّ‬ ‫رب َّ‬‫استحياءً ِمن ِّ‬
‫حياء عثمان بن َّ‬
‫عفان رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫أن املالئكة كانت تستحي‬ ‫عُ ِرف عثمان رضي اهلل عنه بشدَّة احلَيَاء‪ ،‬حىت َّ‬
‫منه‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬قالت‪(( :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫مضطجعا يف بييت‪ ،‬كاش ًفا عن فخذيه‪ ،‬أو ساقيه‪ ،‬فاستأذن أبو بكر‬ ‫ً‬ ‫وسلم‬
‫فأذن له‪ ،‬وهو على تلك احلال‪ ،‬فتحدَّث‪ ،‬مثَّ استأذن عمر‪ ،‬فأذن له‪ ،‬وهو‬
‫كذلك‪ ،‬فتحدَّث‪ ،‬مثَّ استأذن عثمان‪ ،‬فجلس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وسوى ثيابه ‪ -‬قال حممد‪ :‬وال أقول ذلك يف يوم واحد ‪ -‬فدخل فتحدَّث‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فلما خرج‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬دخل أبو بكر‪ ،‬فلم هتتش له ومل تباله‪ ،‬مثَّ دخل عمر‬ ‫َّ‬

‫((( رواه أبو داود (‪ ،)4788‬والطَّحاوي يف ((شرح املشكل)) (‪ ،)114/15‬والبيهقي يف‪(( ‬شعب‬


‫اإلميان)) (‪ .)427/10‬صححه األلباين يف ((صحيح اجلامع)) (‪ ،)4692‬وقال الوادعي يف‬
‫((الصحيح املسند)) (‪ :)1612‬صحيح على شرط الشَّيخني‪.‬‬
‫َّ‬
‫((( رواه أبو نعيم يف ((حلية األولياء)) (‪ ،)34/1‬والبيهقي يف ((شعب اإلميان)) (‪)142/6‬‬
‫(‪.)7732‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪52‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫وسويت ثيابك‪ ،‬فقال‪ :‬أال‬


‫فلم هتتش له ومل تباله‪ ،‬مثَّ دخل عثمان فجلست َّ‬
‫أستحي ِمن رجل تستحي منه املالئكة))(((‪.‬‬
‫حياء علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫مذاءً فكنت أستحي أن أسأل‬‫رجل َّ‬
‫علي رضي اهلل عنه قال‪(( :‬كنت ً‬ ‫عن ٍّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ملكان ابنته‪ ،‬فأمرت املقداد فسأله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ويتوضأ))(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يغسل ذ َكَره‬
‫حياء عائشة رضي اهلل عنها‪:‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪( :‬كنت أدخل بييت‪ ،‬الذي ُدفِ َن فيه رسول‬
‫فلما ُدفِ َن‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأيب‪ ،‬فأضع ثويب‪ ،‬فأقول َّإنا هو زوجي وأيب‪َّ ،‬‬
‫علي ثيايب؛ َحيَاءً ِمن عمر)(((‪.‬‬ ‫عمر معهم‪ ،‬فو اهلل ما دخلت َّإل وأنا َم ْش ُد َ‬
‫ودةٌ َّ‬
‫حياء فاطمة بنت عتبة رضي اهلل عنها‪:‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأخذ عليها أن ال يُ ْش ِرْك َن باهلل شيئًا وال‬ ‫تبايع الن َّ‬
‫ب رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫َع َج َ‬
‫ني‪ ،‬اآلية‪ .‬قالت‪ :‬فوضعت يدها على رأسها َحيَاءً‪ ،‬فأ ْ‬ ‫يـَْزن َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ما رأى منها‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬أَقِِّري أيَّتها املرأة‪ ،‬فواهلل ما‬
‫بايعنا َّإل على هذا‪ .‬قالت‪ :‬فنعم إ ًذا‪ .‬فبايعها باآلية))(((‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪.)2401‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ ،)132‬ومسلم (‪ )303‬واللَّفظ له‪.‬‬
‫((( رواه أمحد (‪ ،)25701( )202/6‬واحلاكم (‪ِ )4402( )63/3‬من حديث عروة بن ُّ‬
‫الزبري‬
‫الصحيح‪ .‬ومثله قال‬
‫‪-‬رمحه اهلل‪ .-‬قال اهليثمي يف ((جممع الزوائد)) (‪ :)29/8‬رجاله رجال َّ‬
‫األلباين يف ((ختريج املشكاة)) (‪.)1712‬‬
‫((( رواه أمحد (‪ ،)25216( )151/6‬وابن حبان (‪ ،)418/10‬وابن منده يف ((اإلميان))‪= ‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪53‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫السلف‪:‬‬
‫• •مناذج ِمن حياء َّ‬
‫َّعيب‪ ،‬قال‪ :‬مسع عمر بن اخلطَّاب رضي اهلل عنه امرأة تقول‪:‬‬
‫‪ -‬عن الش َ‬
‫إىل ال ـ ـ ـ ـ ـلَّـ ـ ـ ـ ـ َّـذات ت ـ ـطَّـ ـلـ ــع اطِّـ ــاع ـ ــا‬ ‫دع ـت ــي ال ـنَّ ـفــس ب ـعــد خـ ــروج عـمــرو‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ــو ط ـ ـ ــال ـ ـ ــت إق ـ ــامـ ـ ـت ـ ــه ربَـ ـ ــاع ـ ـ ــا‬ ‫ف ـق ـلــت هل ــا ع ـج ـلــت ف ـل ــن ت ـطــاعــي‬
‫وخم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزاة حت ـ ـ ـ ـ ـلِّ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـن ـ ــاع ـ ــا‬ ‫ـب نفسي‬
‫أحـ ـ ــاذر أن أط ـي ـعــك سـ ـ َّ‬
‫فقال هلا عمر‪( :‬ما الذي منعك ِمن ذلك؟ قالت‪ :‬احلَيَاء وإكرام زوحي‪.‬‬
‫إن يف احلَيَاء هلَنات ذات ألوان‪َ ،‬من استحىي اختفى‪َ ،‬‬
‫ومن‬ ‫(((‬ ‫فقال عمر‪َّ :‬‬
‫ومن اتَّقى ُوقِي)(((‪.‬‬
‫اختفى اتَّقى‪َ ،‬‬
‫اجلراح احلكمي‪( :‬تركت ُّ‬
‫الذنوب حياءً أربعني سنة‪ ،‬مثَّ أدركين‬ ‫‪ -‬وقال َّ‬
‫الورع)(((‪.‬‬
‫أن عمرو بن عتبة بن فرقد كان يصلِّي ذات ليلة‪ ،‬فسمعوا صوت‬ ‫ورِوي َّ‬
‫‪ُ -‬‬
‫األسد‪ ،‬فهرب َمن كان حوله‪ ،‬وهو قائم يصلِّي فلم ينصرف‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أما‬
‫إن ألستحي ِمن اهلل أن أخاف شيئًا سواه(((‪.‬‬
‫خفت األسد؟ فقال‪ِّ :‬‬
‫حممد بن‬‫الصانع‪ :‬كان يف جريان أيب عبد اهلل أمحد بن َّ‬
‫‪ -‬وقال جعفر َّ‬
‫يوما إىل جملس أمحد يسلِّم‬
‫حنبل‪ ،‬رجل ممَّن ميارس املعاصي والقاذورات‪ ،‬فجاء ً‬

‫=‪ِ )581/2( ‬من حديث عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ .-‬قال اهليثمي يف ((جممع الزوائد))‬
‫((الصحيح املسند)) (‪ :)1636‬صحيح‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ :)40/6‬رجال رجاله صحيح‪ .‬وقال الوادعي يف‬
‫الصحيحني‪.‬‬
‫وبيعة النساء مذكورة يف َّ‬
‫((( هنات‪ :‬أشياء‪ .‬انظر‪(( :‬الصحاح)) للجوهري (‪.)2537/6‬‬
‫((( ((حماسبة النَّفس)) البن أيب ُّ‬
‫الدنْيا (ص ‪.)113‬‬
‫((( ((سري أعالم النُّبالء)) للذهيب (‪.)190/5‬‬
‫((( ((حلية األولياء)) أليب نعيم األصبهاين (‪.)40/2‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪54‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫تاما وانقبض منه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا عبد‬ ‫ردا ًّ‬‫يرد عليه ًّ‬
‫عليه‪ ،‬فكأن أمحد مل َّ‬
‫عما كنت تعهدين برؤيا رأيتها‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فإن قد انتقلت َّ‬ ‫من؟ ِّ‬ ‫اهلل! مل تنقبض ِّ‬
‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم يف النَّوم كأنَّه على‬
‫أي شيء رأيت؟ قال‪ :‬رأيت الن َّ‬ ‫و ُّ‬
‫رجل منهم‬ ‫ٍّ ِ‬
‫رجل ٌ‬‫علو من األرض‪ ،‬وناس كثري أسفل جلوس‪ ،‬قال‪ :‬فيقوم ٌ‬
‫إليه‪ ،‬فيقول‪ :‬ادع يل! فيدعو له حىت مل يبق ِمن القوم غريي‪ ،‬قال‪ :‬فأردت‬
‫أن أقوم فاستحييت ِمن قبيح ما كنت عليه‪ ،‬قال يل‪ :‬يا فالن! مل ال تقوم‬
‫إيل فتسألين أدعو لك؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! يقطعين احلَيَاء لقبيح ما‬
‫أنا عليه‪ .‬فقال‪ :‬إن كان يقطعك احلَيَاء فقم فسلين أدع لك فإنَّك ال ُّ‬
‫تسب‬
‫أحدا ِمن أصحايب‪ .‬قال‪ :‬فقمت‪ ،‬فدعا يل‪ ،‬فانتبهت وقد بغَّض اهلل َّ‬
‫إيل ما‬ ‫ً‬
‫كنت عليه‪ .‬قال‪ :‬فقال لنا أبو عبد‪ ‬اهلل‪ :‬يا جعفر‪ ،‬يا فالن‪ ،‬حدِّثوا هبذا‬
‫واحفظوه فإنَّه ينفع(((‪.‬‬
‫الربيع بن ُخثَيم ِمن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُ ُّن بعض النَّاس‬ ‫‪ -‬وكان َّ‬
‫أنَّه أعمى‪ ،‬وكان خيتلف إىل منزل ابن مسعود عشرين سنة‪ ،‬فإذا رأته جاريته‬
‫قالت البن مسعود‪ :‬صديقك األعمى قد جاء‪ ،‬فكان يضحك ابن مسعود‬
‫غاضا بصره(((‪.‬‬
‫دق الباب خترج اجلارية إليه فرتاه مطرقًا ًّ‬ ‫ِمن قوهلا‪ ،‬وكان إذا َّ‬
‫‪ -‬وملا احتُضر األسود بن يزيد بكى‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما هذا اجلزع؟ قال‪ :‬ما يل‬
‫من بذلك؟ واهلل لو أُتيت باملغفرة ِمن اهلل ألمهَّين احلَيَاء‬‫أحق ِّ‬
‫ومن ُّ‬
‫ال أجزع؟ َ‬
‫الصغري‪ ،‬فيعفو‬ ‫الذنْب َّ‬‫الرجل َّ‬‫الرجل ليكون بينه وبني َّ‬ ‫منه ممَّا قد صنعت‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬
‫عنه‪ ،‬وال يزال مستحييًا منه(((‪.‬‬
‫((( ((التوَّابني)) البن قدامة (ص ‪.)152‬‬
‫للغزايل (‪.)181/1‬‬
‫((( ((إحياء علوم الدِّين)) َّ‬
‫((( ((حلية األولياء)) أليب نعيم األصبهاين (‪.)103/2‬‬
‫َ‬
‫احل َياء‬ ‫‪55‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫َ‬
‫احل َياء يف واحة ِّ‬
‫الشعر‪:‬‬
‫قال الشَّاعر‪:‬‬
‫ـتح فاصنـ ْـع مــا تشــاءُ‬ ‫ومل تسـ ِ‬ ‫ـش عاقب ـةَ الليــايل‬‫إذا مل ختـ َ‬
‫فــا و ِ‬
‫اهلل مــا يف العيـ ِ‬
‫وال الدنيــا إذا ذهــب احليــاءُ‬ ‫ـش خــرٌ‬
‫(((‬
‫ـود مــا بقــي اللِّحــاءُ‬
‫ويب َقــى العـ ُ‬ ‫ـش املــرءُ مــا اســتحيا خب ـ ٍر‬
‫يعيـ ُ‬
‫الصلت ميدح ابن ُج ْد َعان باحلَيَاء‪:‬‬ ‫وقال أميَّة بن أيب َّ‬

‫إن شــيمتَك احلَيَــاءُ‬ ‫ـاؤك؟ َّ‬


‫حيـ ُ‬ ‫أأذكـ ُـر حاجــي أم قــد كفــاين‬
‫كفــاه مــن ُّ ِ‬ ‫يومــا‬
‫تعرضــك الثَّنــاءُ‬ ‫إذا أثــى عليــك املــرءُ ً‬
‫(((‬
‫ُ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ـر يف وجــه إذا قـ َّـل مــاؤهُ‬ ‫فــا خـ َ‬ ‫إذا قـ َّـل مــاءُ الوجــه قـ َّـل حيــاؤهُ‬
‫(((‬
‫ـرمي حيــاؤهُ‬ ‫يـ ُّ‬
‫ـدل علــى فضـ ِـل الكـ ِ‬ ‫حيــاءك فاحفظْــه عليــك َّ‬
‫فإنــا‬ ‫َ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ـاح دواين‬ ‫الرمـ ِ‬
‫اف ِّ‬
‫ويدنــو وأط ـر ُ‬ ‫ـرف فضـ َـل حيائـِـه‬
‫ـض الطَّـ َ‬
‫كــرميٌ يغـ ُّ‬
‫ِ ِ (((‬ ‫كالسـ ِ‬
‫وحــدَّاهُ إن خاشــنته َخشــنان‬ ‫ـيف إن الينتــه َل َن متنُــه‬ ‫و َّ‬
‫وقال العرجي‪:‬‬
‫ـكل قبيـ ٍـح كان منــه جديـ ُـر‬
‫بـ ِّ‬ ‫إذا ُح ـ ِرم املــرءُ احلَيَــاءَ فإنـَّـه‬

‫((( ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (‪.)103/2‬‬


‫((( ((املنتحل)) للثعاليب (ص ‪.)61‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)57‬‬
‫((( ((لباب اآلداب)) للثعاليب (ص ‪.)153‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪56‬‬ ‫َ‬
‫احل َياء‬

‫ـرور‬ ‫ـيء‪ ،‬وسـ ُّـره‬ ‫لــه قِح ـةٌ يف كل شـ ٍ‬


‫ـاح‪ ،‬وخدنــاه خنًــا وغـ ُ‬ ‫مبـ ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ـور‬
‫للســمع منــه يف العظــات نفـ ُ‬ ‫و َّ‬ ‫الدنــاءة رفع ـةً‬ ‫مدحــا و َّ‬
‫الشــتم ً‬ ‫يــرى َّ‬
‫ـن كثــرُ‬ ‫ـض إليــه مــا يشـ ُ‬ ‫بغيـ ٌ‬ ‫ـس جلـ َـد ِرقَّـ ٍـة‬‫ووجــهُ احلَيَــاء ُملبَّـ ٌ‬
‫ِ‬ ‫لــه رغب ـةٌ يف أم ـ ِره وجتـ ُّـرٌد‬
‫حليـ ٌـم لــدى جهـ ِـل اجلهــول وقـ ُ‬
‫ـور‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فــر ِّج الفــى مــادام حييــا فإنـَّـه‬
‫إىل خ ـر حــاالت املنيــب يصــرُ‬
‫(((‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫َّإل هنــاين احلَيَــاءُ وال َكـ َـرُم‬ ‫مــا إن دعــاين اهلــوى لفاحشـ ٍـة‬
‫ـدم‬ ‫ٍ‬ ‫فــا إىل فاحـ ٍ‬
‫ـت يب لريبــة قـ ُ‬ ‫وال َم َشـ ْ‬ ‫ـددت يــدي‬
‫ـش مـ ُ‬
‫(((‬

‫((( ((لباب اآلداب)) لألمري أسامة بن منقذ (ص ‪.)287‬‬


‫((( ((ذم اهلوى)) البن اجلوزي (ص ‪.)238‬‬
‫َّ ْ َ‬
‫الرحمة‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪58‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫حة‬
‫الر ْ َ‬
‫َّ‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫حة ً‬
‫لغة‬ ‫الر ْ َ‬
‫معنى َّ‬
‫حة ً‬
‫لغة‪:‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫• •معنى َّ‬
‫رق له‪ ،‬وتعطف عليه‪ ،‬وأصل هذه‬ ‫الرمحة‪ :‬من رمحة يرمحه‪ ،‬رمحة ومرمحة‪ ،‬إذا َّ‬
‫بعضا‪.‬‬
‫يدل على الرقة والعطف والرأفة‪ ،‬وتراحم القوم‪ :‬رحم بعضهم ً‬ ‫املادة ُّ‬
‫الرِحم‪ :‬وهي َعالقة القرابة‪.‬‬
‫ومنها َّ‬
‫الر ْحَة على ِّ‬
‫الرزق‬ ‫الر ْحَة‪ ،‬كإطالق َّ‬
‫الر ْحَة‪ ،‬ويراد هبا ما تقع به َّ‬
‫وقد تطلق َّ‬
‫والغيث(((‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫• •معنى َّ‬
‫الرقَّة‬ ‫ِ‬
‫(الر ْحَة رقَّة تقتضي اإلحسان إىل الْ َم ْر ُحوم‪ ،‬وقد تستعمل تارةً يف ِّ‬
‫َّ‬
‫الرقَّة)(((‪.‬‬
‫اجملرد عن ِّ‬
‫اجملردة‪ ،‬وتارة يف اإلحسان َّ‬
‫َّ‬
‫وقيل‪( :‬هي ِرقَّة يف النفس‪ ،‬تبعث على سوق اخلري ملن تتعدى إليه)(((‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي ( ِرقَّة يف القلب‪ ،‬يالمسها األمل حينما تدرك احلواس أو تدرك‬
‫السرور‬
‫باحلواس‪ ،‬أو يتصور الفكر وجود األمل عند شخص آخر‪ ،‬أو يالمسها ُّ‬
‫حينما تدرك احلواس أو تدرك باحلواس أو يتصور الفكر وجود املسرة عند‬
‫شخص آخر)(((‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬الصحاح)) للجوهري (‪ ،)1929/5‬و((مقاييس اللغة)) البن فارس (‪،)498/2‬‬


‫و((لسان العرب)) البن منظور (‪ ،)230/12‬و((خمتار الصحاح)) للرازي (ص ‪.)120‬‬
‫((( ((مفردات القرآن)) للراغب (‪.)347/1‬‬
‫((( ((التحرير والتنوير)) البن عاشور (‪.)21/26‬‬
‫((( ((األخالق اإلسالمية وأسسها)) لعبد الرمحن امليداين (‪.)3/2‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪59‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫والرأفة‪:‬‬
‫حة َّ‬‫الر ْ َ‬
‫الفرق بني َّ‬
‫الرأفة‪ِ :‬رقَّة تنشأ عند حدوث ضر باملرؤوف به‪ .‬يقال‪:‬‬
‫قال ابن عاشور‪( :‬و َّ‬
‫عموم وخصوص‬‫الر ْحَة‪ :‬رقَّة تقتضي اإلحسان للمرحوم‪ ،‬بينهما ٌ‬
‫رؤوف رحيم‪ .‬و َّ‬
‫ٌ‬
‫مطلق)(((‪.‬‬
‫الرأفة مبالغة يف رمحة خاصة‪،‬‬ ‫الر ْحَة‪َّ :‬‬
‫أن َّ‬ ‫الرأفة و َّ‬
‫وقال القفال‪( :‬الفرق بني َّ‬
‫وهي دفع املكروه وإزالة الضَّرر‪ ،‬كقوله‪ :‬ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﮊ‬
‫الر ْحَة َّ‬
‫فإنا اسم‬ ‫[النور‪ ]2 :‬أي‪ :‬ال ترأفوا هبما فرتفعوا اجللد عنهما‪ ،‬و َّأما َّ‬
‫جامع‪ ،‬يدخل فيه ذلك املعىن‪ ،‬ويدخل فيه االنفصال واإلنعام)(((‪.‬‬
‫الرأفة هي أن‬
‫(الر ْحَة هي أن يوصل إليك املسار‪ ،‬و َّ‬‫وقال أبو البقاء الكفوي‪َّ :‬‬
‫الرأفة‬
‫الرأفة من باب التَّخلية‪ ،‬و َّ‬
‫فالر ْحَة من باب التزكية‪ ،‬و َّ‬
‫يدفع عنك املضار‪َّ ...‬‬
‫الر ْحَة بعدها يف‬
‫مبالغة يف رمحة خمصوصة‪ ،‬هي رفع املكروه وإزالة الضر‪ ،‬فذكر َّ‬
‫مطردا لتكون أعم وأمشل)(((‪.‬‬
‫القرآن ً‬
‫الرأفة أقوى‬
‫الرأفة‪ ،‬و َّ‬
‫(الر ْحَة أكثر من َّ‬
‫الر ْحَة)‪ ،‬وقيل‪َّ :‬‬
‫(الرأفة أشد من َّ‬
‫وقيل‪َّ :‬‬
‫منها يف الكيفية؛ َّ‬
‫ألنا عبارة عن إيصال النِّعم صافية عن األمل)(((‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫الرتغيب يف َّ‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬يف القرآن الكريم‬
‫ذكر اهلل هذه الصفة العظيمة يف غري ما آية من كتابه الكرمي‪َّ ،‬إما يف معرض‬

‫((( ((التحرير والتنوير)) (‪.)239/10‬‬


‫((( ((مفاتيح الغيب)) لفخر الدين الرازي (‪.)93/4‬‬
‫((( ((الكليات)) (‪.)742/1‬‬
‫((( ((الفروق اللغوية)) للعكسري (‪.)246/1‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪60‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫تسميه واتصافه هبا‪ ،‬أو يف معرض االمتنان على العباد مبا يسبغه عليهم من‬
‫آثارها‪ ،‬أو تذكريهم بسعتها‪ ،‬أو من باب املدح والثناء للمتصفني هبا املتحلِّني‬
‫مبعانيها‪ ،‬أو غري ذلك من السياقات‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫الر ْحَة‪:‬‬
‫الرحيم‪ ،‬واتصافه بصفة َّ‬
‫الرمحن و َّ‬
‫جل وعال باسم َّ‬
‫سميه َّ‬ ‫‪ -‬تَ ِّ‬
‫وهذا كثري جدًّا يف القرآن‪ ،‬نذكر منه على سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭓ ﭔﮊ [الفاحتة‪ ،]3 :‬فقد مسى اهلل نفسه هبذين‬
‫الر ْحَة‪ ،‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪( :‬مها‬
‫االمسني املشتملني على صفة َّ‬
‫امسان رقيقان‪ ،‬أحدمها أرق من اآلخر‪ ،‬أي أكثر رمحة)(((‪.‬‬
‫أن اهلل جعل هذه الصفة لصفوة خلقه‪ ،‬وخرية عباده‪ ،‬وهم‬ ‫‪ -‬ومن ذلك َّ‬
‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬ومن سار على هنجهم من املصلحني‪ ،‬فقد قال اهلل تعاىل‬
‫الر ْحَة‪،‬‬
‫ممتنًا على رسوله صلى اهلل عليه وسلم على ما ألقاه يف قلبه من فيوض َّ‬
‫جعلته يلني للمؤمنني‪ ،‬ويرمحهم ويعفو عنهم‪ ،‬ويتجاوز عن أخطائهم‪ :‬ﮋ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﮊ [آل عمران‪.]159 :‬‬
‫أي‪ :‬فبسبب رمحة من اهلل أودعها اهلل يف قلبك يا حممد‪ ،‬كنت هِّيـنًا‪ ،‬لني‬
‫اجلانب مع أصحابك‪ ،‬مع أهنم خالفوا أمرك وعصوك(((‪.‬‬
‫بالر ْحَة واملتخلِّقني هبا‪ ،‬فقد قال تعاىل‬
‫‪ -‬ومن ذلك ثناء اهلل على املتَّصفني َّ‬
‫واص ًفا رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأصحابه الذين معه‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜﮊ [الفتح‪ ،]29 :‬فهم أشدَّاء على‬
‫الكفار‪ ،‬رمحاء بينهم‪ ،‬حبسب ما يقتضيه منهم إمياهنم‪ ،‬فاإلميان باهلل واليوم‬

‫((( ((تفسري البغوي)) (‪.)51/1‬‬


‫((( ((صفوة التفاسري)) للصابوىن (‪.)154/1‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪61‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫الر ْحَة مبقدار قوته وتغلغله(((‪.‬‬ ‫اآلخر مىت تغلغل يف القلب ًّ‬
‫حقا‪ ،‬غرس فيه َّ‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﮋﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﮊ‬
‫[البلد‪.]18 – 11 :‬‬
‫بالذكر من أوصاف املؤمنني‪ ،‬تواصيهم‬ ‫(خص ِّ‬
‫قال حممد الطاهر بن عاشور‪َّ :‬‬
‫الصرب‬ ‫ألن ذلك أشرف صفاهتم بعد اإلميان‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬ ‫بالصرب‪ ،‬وتواصيهم باملرمحة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫الصاحلة كلِّها؛ َّ‬
‫ألنا ال ختلو من كبح الشَّهوة النَّفسانيَّة وذلك‬ ‫مالك األعمال َّ‬
‫الصرب‪ .‬واملرمحة‪ ،‬مالك صالح اجلماعة اإلسالميَّة قال تعاىل‪ :‬ﮋﭚ‬ ‫من َّ‬
‫أيضا كناية‬
‫بالرمحة فضيلة عظيمة‪ ،‬وهو ً‬ ‫ﭛﭜﮊ [الفتح‪ ،]29 :‬والتَّواصي َّ‬
‫ألن من يوصي باملرمحة هو الذي عرف قدرها وفضلها‪،‬‬ ‫عن اتِّصافهم باملرمحة‪َّ ،‬‬
‫فهو يفعلها قبل أن يوصي هبا)(((‪.‬‬
‫بوية‬ ‫السَّنة َّ‬
‫الن َّ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬يف ُّ‬
‫الر ْحَة‪ ،‬احلاثَّة عليها‪ِّ ،‬‬
‫املرغبة‬ ‫السنَّة فقد استفاضت نصوصها الداعية إىل َّ‬‫أما ُّ‬
‫مفهوما‪ ،‬كيف ال وصاحبها صلى اهلل عليه وسلم هو نيب‬ ‫ً‬ ‫نصا أو‬ ‫فيها َّإما ًّ‬
‫الر ْحَة كما وصف نفسه فقال‪(( :‬أنا حممد‪ ،‬وأمحد‪ ،‬واملقفي‪ ،‬واحلاشر‪ ،‬ونيب‬ ‫َّ‬
‫الر ْحَة))(((‪.‬‬
‫التوبة‪ ،‬ونيب َّ‬
‫‪ -‬فعن النُّعمان بن بشري رضي اللَّه عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬

‫((( ((األخالق اإلسالمية وأسسها)) لعبد الرمحن امليداين (‪.)17/2‬‬


‫((( ((التحرير والتنوير)) البن عاشور (‪.)361/30‬‬
‫((( رواه مسلم (‪ )2355‬من حديث أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪62‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫عليه وسلم‪(( :‬ترى املؤمنني يف ترامحهم‪ ،‬وتو ِّادهم‪ ،‬وتعاطفهم‪ ،‬كمثل اجلسد‬
‫احلمى))(((‪.‬‬
‫بالسهر و َّ‬
‫عضوا‪ ،‬تداعى له سائر جسده َّ‬ ‫إذا اشتكى ً‬
‫يقول النووي معل ًقا على هذا احلديث‪( :‬هذه األحاديث صرحية يف تعظيم‬
‫حقوق املسلمني بعضهم على بعض‪ ،‬وحثِّهم على الرتاحم‪ ،‬واملالطفة‪،‬‬
‫والتعاضد‪ ،‬يف غري إمث وال مكروه)(((‪.‬‬
‫التاحم‪ ،‬والتوادد‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬وإن‬ ‫وقال ابن أيب مجرة‪( :‬الذي يظهر َّ‬
‫أن َّ‬
‫التاحم فاملراد به أن‬ ‫كانت متقاربة يف املعىن لكن بينها فرق لطيف‪ ،‬فأما َّ‬
‫بعضا بأخوة اإلميان‪ ،‬ال بسبب شيء آخر‪ ،‬وأما التوادد فاملراد‬ ‫يرحم بعضهم ً‬
‫به التواصل اجلالب للمحبة‪ ،‬كالتزاور والتهادي‪ ،‬وأما التعاطف فاملراد به إعانة‬
‫ملخصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعضا‪ ،‬كما يعطف الثوب عليه ليقويه)((( اهـ‬
‫بعضهم ً‬
‫ايب إىل النَّيب صلى اهلل عليه‬
‫‪ -‬وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‪(( :‬جاء أعر ٌّ‬
‫الصبيان فما نقبِّلهم‪ ،‬فقال النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أو‬
‫وسلم فقال‪ :‬تقبِّلون ِّ‬
‫الر ْحَة؟))(((‪.‬‬
‫أملك لك أن نزع اهلل من قلبك َّ‬
‫قال ابن بطال‪( :‬رمحة الولد الصغري‪ ،‬ومعانقته‪ ،‬وتقبيله‪ ،‬والرفق به‪ ،‬من‬
‫األعمال اليت يرضاها اهلل وجيازي عليها‪ ،‬أال ترى قوله عليه السالم لألقرع بن‬
‫حابس حني ذكر عند النَّيب صلى اهلل عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبل‬
‫أحدا‪(( :‬من ال يرحم ال يرحم))؟(((‪.‬‬‫منهم ً‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)6011‬ومسلم (‪.)2586‬‬


‫((( ((شرح النووي على مسلم)) (‪.)139/16‬‬
‫((( ((فتح الباري)) البن حجر (‪.)439/10‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)5998‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)5997‬ومسلم (‪ )2318‬من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪63‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪ -‬وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫الرمحن‪ ،‬ارمحوا أهل األرض يرمحكم‬‫((الرامحون يرمحهم َّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫السماء))(((‪.‬‬
‫من يف َّ‬
‫الر ْحَة‪،‬‬
‫قال مشس الدين السفريي‪( :‬فندب صلى اهلل عليه وسلم إىل َّ‬
‫والعطف على مجيع اخللق من مجيع احليوانات‪ ،‬على اختالف أنواعها يف غري‬
‫رحيما لنفسك ولغريك‪ ،‬وال‬‫كافرا‪ ،‬فكن ً‬‫حديث‪ ،‬وأشرفها اآلدمي‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫تستبد خبريك‪ ،‬فارحم اجلاهل بعلمك‪ ،‬و َّ‬
‫الذليل جباهك‪ ،‬والفقري مبالك‪ ،‬والكبري‬
‫والصغري بشفقتك ورأفتك‪ ،‬والعصاة بدعوتك‪ ،‬والبهائم بعطفك‪ ،‬فأقرب النَّاس‬
‫الر ْحَة على‬
‫من رمحة اهلل أرمحهم خبلقه‪ ،‬فمن كثرت منه الشفقة على خلقه‪ ،‬و َّ‬
‫عباده‪ ،‬رمحه اهلل برمحته‪ ،‬وأدخله دار كرامته‪ ،‬ووقاه عذاب قربه‪ ،‬وهول موقفه‪،‬‬
‫وأظله بظله إذ كل ذلك من رمحته)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أيب هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬مسعت أبا القاسم صلى اهلل عليه‬
‫الر ْحَة َّإل من ٍّ‬
‫شقي))(((‪.‬‬ ‫وسلم يقول‪(( :‬ال تنزع َّ‬
‫الر ْحَة إرادة املنفعة‪ ،‬وإذا ذهبت إرادهتا من قلب‬
‫قال ابن العريب‪( :‬حقيقة َّ‬
‫شقي بإرادة املكروه لغريه‪ ،‬ذهب عنه اإلميان واإلسالم)(((‪.‬‬
‫((( رواه بألفاظ متقاربة‪ :‬أبو داود (‪ ،)4941‬والرتمذي (‪ ،)1924‬وأمحد (‪.)6494( )160/2‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وصححه ابن دقيق العيد يف ((االقرتاح)) (‪ ،)127‬والعراقي يف‬
‫((األربعون العشارية)) (‪ ،)125‬وحسنه ابن حجر يف ((االمتاع)) (‪ ،)62/1‬وصححه األلباين‬
‫يف ((صحيح اجلامع)) (‪.)3522‬‬
‫((( ((شرح صحيح البخاري)) لشمس الدين السفريي (‪.)51-50/2‬‬
‫((( رواه أبو داود (‪ ،)4942‬والرتمذي (‪ ،)1923‬وأمحد (‪ .)7988( )301/2‬وحسنه الرتمذي‪،‬‬
‫وصححه ابن تيمية يف ((جمموع الفتاوى)) (‪ ،)117/6‬وحسنه األلباين يف ((صحيح اجلامع))‬
‫(‪.)7467‬‬
‫((( ((فيض القدير شرح اجلامع الصغري)) (‪.)547/6‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪64‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫الر ْحَة يف اخللق رقة القلب‪ ،‬ورقته عالمة اإلميان‪ ،‬ومن‬ ‫ويقول املناوي‪َّ :‬‬
‫(ألن َّ‬
‫ال رأفة له ال إميان له‪ ،‬ومن ال إميان له شقي‪ ،‬فمن ال رمحة عنده شقي)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن جرير بن عبد اللَّه رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪(( :‬ال يرحم اهلل من ال يرحم النَّاس))(((‪.‬‬
‫يقول السعدي‪( :‬رمحة العبد للخلق من أكرب األسباب اليت تنال هبا رمحة‬
‫اهلل‪ ،‬اليت من آثارها خريات الدنيا‪ ،‬وخريات اآلخرة‪ ،‬وفقدها من أكرب القواطع‬
‫واملوانع لرمحة اهلل‪ ،‬والعبد يف غاية الضرورة واالفتقار إىل رمحة اهلل‪ ،‬ال يستغين‬
‫عنها طرفة عني‪ ،‬وكل ما هو فيه من النِّعم واندفاع النقم‪ ،‬من رمحة اهلل‪.‬‬
‫فمىت أراد أن يستبقيها ويستزيد منها‪ ،‬فليعمل مجيع األسباب اليت تنال هبا‬
‫رمحته‪ ،‬وجتتمع كلها يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﯝﯞﯟﯠﯡﯢﮊ‬
‫[األعراف‪ ]56 :‬وهم احملسنون يف عبادة اهلل‪ ،‬احملسنون إىل عباد اهلل‪ .‬واإلحسان‬
‫إىل اخللق أثر من آثار رمحة العبد هبم)(((‪.‬‬
‫غشوما‪ ،‬شقيًّا‪ ،‬فهذا ال‬
‫ً‬ ‫ظلوما‬
‫بعيدا عن اإلحسان باخللق‪ً ،‬‬ ‫أما من كان ً‬
‫ينبغي له أن يطمع يف رمحة اهلل وهو متلبس بظلم عباده‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪(( :‬قبَّل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫جالسا‪ ،‬فقال األقرع‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫احلسن بن علي‪ ،‬وعنده األقرع بن حابس التَّميمي ً‬
‫أحدا‪ ،‬فنظر إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫يل عشرة من الولد ما قبَّلت منهم ً‬
‫وسلم‪ ،‬مثَّ قال‪ :‬من ال يَرحم ال يُرحم))(((‪.‬‬

‫((( ((التيسري بشرح اجلامع الصغري)) (‪.)962/2‬‬


‫((( رواه البخاري (‪.)7376‬‬
‫((( ((هبجة قلوب األبرار)) (ص ‪.)269‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ )5997‬ومسلم (‪.)2318‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪65‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫عددا من األحاديث‪ ،‬وذكر هذا احلديث‬ ‫قال ابن بطال بعد أن ذكر ً‬
‫الر ْحَة للخلق كلهم‪،‬‬
‫من مجلتها‪( :‬يف هذه األحاديث احلض على استعمال َّ‬
‫كافرهم‪ ،‬ومؤمنهم‪ ،‬وجلميع البهائم والرفق هبا‪ ،‬وأن ذلك مما يغفر اهلل به‬
‫الذنوب‪ ،‬ويكفر به اخلطايا‪ ،‬فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب يف األخذ حبظه‬
‫الر ْحَة‪ ،‬ويستعملها يف أبناء جنسه ويف كل حيوان)(((‪.‬‬
‫من َّ‬
‫أن من ال يرحم النَّاس وال يعطف عليهم إذا‬‫وقد دل الواقع واملشاهدة‪َّ ،‬‬
‫صادف موق ًفا حيتاج فيه إىل رمحتهم‪ ،‬فإهنم ال يرمحونه وال يعطفون عليه‪،‬‬
‫الر ْحَة خور يف‬ ‫وقد ذكر صاحب األغاين َّ‬
‫أن حممد بن عبد امللك كان يقول‪َّ :‬‬
‫الطبيعة‪ ،‬وضعف يف املنة‪ ،‬ما رمحت شيئًا قط‪ .‬فكانوا يطعنون عليه يف دينه‬
‫هبذا القول‪ ،‬فلما وضع يف الثقل واحلديد قال‪ :‬ارمحوين فقالوا له‪ :‬وهل رمحت‬
‫شيئًا قط فرتحم؟ هذه شهادتك على نفسك وحكمك عليها(((‪.‬‬
‫الر ْحَة مبفهومها وهي ال تكاد حتصى؛‬
‫واستفاضت األحاديث الدالة على َّ‬
‫وذلك ألنَّه ما من معاملة من املعامالت‪ ،‬أو رابطة من الروابط االجتماعية أو‬
‫الر ْحَة‪.‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬إال وأساسها وقوام أمرها َّ‬
‫فمن عالقة اإلنسان بنفسه اليت بني جنبيه‪ ،‬وعالقته بذويه وأهله‪ ،‬إىل‬
‫عالقته مبجتمعه احمليط به‪ ،‬إىل معاملته جلميع خلق اهلل من إنسان أو حيوان‪،‬‬
‫السجيَّة العظيمة‪.‬‬
‫كل ذلك مبين على هذا اخللق الرفيع‪ ،‬و َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫فوائد َّ‬
‫الر ْحَة فوائد عظيمة ومثار جليلة‪ ،‬فما أن يتحلى املؤمن هبذه‬
‫للتحلي خبلق َّ‬

‫((( ((شرح صحيح البخاري)) (‪.)219/9‬‬


‫((( ((األغاين)) أليب الفرج األصفهاين (‪.)57/23‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪66‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫السجيَّة حىت تظهر آثارها وتؤيت أكلها‪ ..‬ليس عليه‬


‫ويتجمل هبذه َّ‬
‫َّ‬ ‫احللية‪،‬‬
‫إمجال‪،‬‬
‫فقط‪ ،‬بل عليه وعلى من حوله‪ ،‬وسنعرض لبعض هذه اآلثار والفوائد ً‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫‪َّ 1-‬أنا سبب للتعرض لرمحة اهلل‪ ،‬فأهلها خمصوصون برمحته جزاء‬
‫لرمحتهم خبلقه‪.‬‬
‫‪2-2‬حمبة اهلل للعبد‪ ،‬ومن مث حمبة النَّاس له‪.‬‬
‫‪3-3‬ومن أعظم فوائدها‪َّ ،‬‬
‫أن املتحلي هبا يتحلى خبلق حتلى به رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪4-4‬أهنا ركيزة عظيمة‪ ،‬ينبين عليها جمتمع مسلم متماسك حيس بعضه‬
‫بعضا‪.‬‬
‫ببعض‪ ،‬ويعطف بعضه على بعض‪ ،‬ويرحم بعضه ً‬
‫‪5-5‬أهنا تشعر املرء بصدق انتمائه للمجتمع املسلم‪ ،‬فمن ال يرحم ال‬
‫فردا يف اجملتمع أو جزءًا منه؛ لذا قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫يستحق أن يكون ً‬
‫عليه وسلم‪(( :‬ليس منا من مل يرحم صغرينا‪ ،‬ويعرف شرف كبرينا))(((‪.‬‬

‫((( رواه بألفاظ متقاربة أبو داود (‪ ،)4943‬والرتمذي (‪ ،)1920‬وأمحد (‪)6937( )207/2‬‬
‫من حديث عبداهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫ قال الرتمذي والنووي يف ((الرتخيص بالقيام)) (‪ :)57‬حسن صحيح‪ ،‬وصحح إسناده أمحد‬
‫شاكر يف حتقيق ((مسند أمحد)) (‪ ،)143/11‬وصححه األلباين يف ((صحيح سنن أيب داود))‬
‫(‪ ،)4943‬والوادعي يف ((الصحيح املسند)) (‪.)788‬‬
‫ ورواه البزار (‪ ،)2718( )157/7‬والطحاوي يف ((شرح مشكل اآلثار)) (‪)365/3‬‬
‫(‪ ،)1328‬واحلاكم (‪ )211/1‬من حديث عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ حسن إسناده املنذري يف ((الرتغيب والرتهيب)) (‪ ،)90/1‬وابن كثري يف ((جامع املسانيد‬
‫والسنن)) (‪ ،)5865‬واهليثمي يف ((جممع الزوائد)) (‪ ،)17/8‬وحسنه األلباين يف ((صحيح‬
‫اجلامع)) (‪.)5443‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪67‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫الر ْحَة‪ ،‬تكون درجته عند اهلل تبارك‬


‫‪6-6‬أنه على قدر حظ اإلنسان من َّ‬
‫وتعاىل‪ ،‬وقد كان األنبياء َّ‬
‫أشد النَّاس رمحة‪ ،‬وكان الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أوفرهم حظًّا منها‪.‬‬
‫‪7-7‬أهنا سبب ملغفرة اهلل تبارك وتعاىل وكرمي عفوه‪ ،‬كما َّ‬
‫أن نقيضها سبب‬
‫يف سخطه وعذابه‪.‬‬
‫‪8-8‬ومن أعظم فوائدها َّأنا خلق ٍّ‬
‫متعد إىل مجيع خلق اهلل‪.‬‬
‫‪9-9‬أهنا سبب لاللتفات إىل ضعفة اجملتمع؛ من الفقراء‪ ،‬واملساكني‪،‬‬
‫واألرامل‪ ،‬واأليتام‪ ،‬والكبار‪ ،‬والعجزة‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫أقسام َّ‬
‫• •أقسامها من حيث املدح والذم‪:‬‬
‫الر ْحَة منه ما هو حممود ‪ -‬وهو األصل ‪ -‬ومنه ما هو مذموم‪.‬‬
‫إن خلق َّ‬
‫أما احملمود فهو ما ذكرناه آن ًفا‪ ،‬واستدللنا عليه من كتاب اهلل‪ ،‬وسنة نبينا‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مبا يغين عن إعادة ذكره هاهنا‪.‬‬
‫وأما املذموم‪ :‬فهو ما حصل بسببه تعطيل لشرع اهلل‪ ،‬أو هتاون يف تطبيق‬
‫جرما يستحق به حدًّا‪ ،‬فيحاول‬ ‫حدوده وأوامره‪ ،‬كمن يشفق على من ارتكب ً‬
‫الر ْحَة يف‬
‫أن ذلك من رمحة اخللق وهو ليس من َّ‬ ‫إقالته والعفو عنه‪ ،‬وحيسب َّ‬
‫ورده‬
‫الرأفة هي زجره عن غيِّه ُّ‬ ‫الر ْحَة هي إقامة احلد على املذنب‪ ،‬و َّ‬
‫شيء‪ ،‬بل َّ‬
‫((إن العقوبات الشَّرعيَّة كلَّها‬
‫عن بغيه بتطبيق حكم اهلل فيه‪ ،‬قال ابن تيمية‪َّ :‬‬
‫أدوية نافعة‪ ،‬يصلح اللَّه هبا مرض القلوب‪ ،‬وهي من رمحة اهلل بعباده ورأفته هبم‪،‬‬
‫الدَّاخلة يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮐﮑﮒﮓﮔﮊ [األنبياء‪]107:‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪68‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫الرمحة النَّافعة لرأفة جيدها باملريض‪ ،‬فهو الَّذي أعان على عذابه‬
‫فمن ترك هذه َّ‬
‫وهالكه‪ ،‬وإن كان ال يريد َّإل اخلري إذ هو يف ذلك جاهل أمحق)(((‪.‬‬
‫‪ -‬لذا هنى اهلل تعاىل املؤمنني عن أن تأخذهم رأفة أو رمحة يف تطبيق‬
‫حدود اهلل وإقامة شرعه فقال‪ :‬ﮋﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﮊ [النور‪.]2 :‬‬
‫(إن دين اهلل هو طاعته‪ ،‬وطاعة رسوله‪ ،‬املبين على حمبَّته‬ ‫قال ابن تيمية‪َّ :‬‬
‫الرمحة‬‫الرأفة و َّ‬ ‫أحب إليه ممَّا سوامها؛ َّ‬
‫فإن َّ‬ ‫وحمبَّة رسوله‪ ،‬وأن يكون اهلل ورسوله َّ‬
‫حيبُّهما اللَّه ما مل تكن مضيِّعةً لدين اهلل)(((‪.‬‬
‫الر ْحَة املذمومة‪ ،‬ما يكون سببًا يف فساد املرحوم وهالكه‪،‬كما يفعلكثري‬
‫ومن َّ‬
‫من اآلباء من ترك تربية األبناء وتأديبهم‪ ،‬وعقوبتهم رمحة هبم‪ ،‬وعط ًفا عليهم‪،‬‬
‫فيتسببون يف فسادهم وهالكهم وهم ال يشعرون‪ .‬قال ابن تيمية‪( :‬ما يفعله‬
‫اجلهال مبرضاهم‪ ،‬ومبن يربُّونه من أوالدهم‪ ،‬وغلماهنم‪،‬‬ ‫الرجال َّ‬
‫بعض النِّساء و ِّ‬
‫وغريهم‪ ،‬يف ترك تأديبهم وعقوبتهم‪ ،‬على ما يأتونه من الشَِّّر ويرتكونه من اخلري‬
‫رأفةً هبم‪ ،‬فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوهتم وهالكهم)(((‪.‬‬
‫الر ْحَة‪ ،‬صفة تقتضي إيصال املنافع واملصاحل إىل العبد‪،‬‬ ‫وقال ابن القيم‪َّ :‬‬
‫(إن َّ‬
‫الر ْحَة احلقيقية‪ ،‬فأرحم النَّاس بك‬
‫وشقت عليها‪ ،‬فهذه هي َّ‬‫وإن كرهتها نفسه‪َّ ،‬‬
‫شق عليك يف إيصال مصاحلك ودفع املضار عنك‪ ،‬فمن رمحة األب بولده‪:‬‬ ‫من َّ‬
‫((( ((جمموع الفتاوى)) البن تيمية (‪.)291/15‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)290/15‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)291/15‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪69‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل‪ ،‬ويشق عليه يف ذلك بالضرب وغريه‪،‬‬
‫ومينعه شهواته اليت تعود بضرره‪ ،‬ومىت أمهل ذلك من ولده كان لقلة رمحته به‪،‬‬
‫وإن ظن أنَّه يرمحه‪ ،‬ويرفهه‪ ،‬ويرحيه‪ ،‬فهذه رمحة مقرونة جبهل كرمحة األم)(((‪.‬‬
‫• •أقسامها من حيث الغريزة واالكتساب‪:‬‬

‫الر ْحَة اليت يتصف هبا العبد نوعان‪:‬‬


‫قال عبد الرمحن السعدي‪( :‬و َّ‬
‫النوع األول‪ :‬رمحة غريزيَّة‪ ،‬قد جبل اهلل بعض العباد عليها‪ ،‬وجعل يف‬
‫الر ْحَة‪ ،‬مجيع ما‬
‫الر ْحَة واحلنان على اخللق‪ ،‬ففعلوا مبقتضى هذه َّ‬
‫الرأفة و َّ‬
‫قلوهبم َّ‬
‫يقدرون عليه من نفعهم‪ ،‬حبسب استطاعتهم‪ ،‬فهم حممودون‪ ،‬مثابون على ما‬
‫قاموا به‪ ،‬معذورون على ما عجزوا عنه‪ ،‬ورمبا كتب اهلل هلم بنياهتم الصادقة ما‬
‫عجزت عنه قواهم‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬رمحة يكتسبها العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة‪ ،‬جتعل قلبه‬
‫أجل مكارم األخالق‬‫أن هذا الوصف من ِّ‬ ‫على هذا الوصف‪ ،‬فيعلم العبد َّ‬
‫وأكملها‪ ،‬فيجاهد نفسه على االتصاف به‪ ،‬ويعلم ما رتب اهلل عليه من‬
‫الثواب‪ ،‬وما يف فواته من حرمان الثواب؛ فريغب يف فضل ربه‪ ،‬ويسعى‬
‫أن اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫أن‬ ‫بالسبب الذي ينال به ذلك‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫األخوة الدينية واحملبة اإلميانية‪ ،‬قد عقدها اهلل وربطها بني املؤمنني‪ ،‬وأمرهم‬
‫َّ‬
‫أن يكونوا إخوانًا متحابني‪ ،‬وأن ينبذوا كل ما ينايف ذلك من البغضاء‪،‬‬
‫والعداوات‪ ،‬والتدابر)(((‪.‬‬

‫((( ((إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)) (‪.)174/2‬‬


‫((( ((هبجة قلوب األبرار)) (‪.)270‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪70‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫صور َّ‬
‫‪ -1‬شفقة اإلمام برعيته‪ ،‬وجتنب ما من شأنه أن جيلب املشقة عليهم‪:‬‬
‫‪ -‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬أعتم النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وحت نام أهل املسجد‪ُ ،‬ثَّ خرج فصلَّى‪،‬‬‫عامة اللَّيل‪َّ ،‬‬
‫ذات ليلة‪ ،‬حتَّ ذهب َّ‬
‫فقال‪ :‬إنَّه لوقتها‪ ،‬لوال أن َّ‬
‫أشق على َّأميت))(((‪.‬‬
‫‪ -‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫السقيم وذا‬ ‫((إذا صلى أحدكم للنَّاس فليخفِّف‪َّ ،‬‬
‫فإن يف النَّاس الضَّعيف و َّ‬
‫احلاجة))(((‪.‬‬
‫‪ -2‬التوسط يف العبادات وترك ما يشق على النفس‪:‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها‪َّ :‬‬
‫((أن النَّيب صلى اهلل عليه وسلم دخل عليها‬
‫وعندها امرأة‪ ،‬قال‪ :‬من هذه؟ قالت‪ :‬فالنة‪ ،‬تذكر من صالهتا‪ ،‬قال‪ :‬مه‪،‬‬
‫ميل اهلل حىت متلوا‪ ،‬وكان أحب الدِّين إليه ما داوم‬
‫عليكم مبا تطيقون‪ ،‬فواهلل ال ُّ‬
‫عليه صاحبه))(((‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة هلما‪:‬‬ ‫‪ -3‬الرب بالوالدين‪ ..‬وخفض جناح ُّ‬
‫الذل من َّ‬
‫‪ -‬عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‪(( :‬سألت النَّيب صلى اهلل‬
‫الصالة على وقتها‪.‬‬‫وجل؟ قال‪َّ :‬‬
‫عز َّ‬ ‫أحب إىل اللّه َّ‬
‫أي العمل ُّ‬ ‫عليه وسلم‪ُّ :‬‬
‫قال‪ُ :‬ثَّ أي؟ قال‪ُّ :‬بر الوالدين‪ .‬قال‪ُ :‬ثَّ أي؟ قال‪ :‬اجلهاد يف سبيل اهلل))(((‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪.)638‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ ،)703‬ومسلم (‪.)467‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)43‬مسلم (‪.)785‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)527‬ومسلم (‪.)85‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪71‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫اخلدري رضي اهلل عنه قال‪ :‬هاجر إىل رسول اهلل صلى‬‫ِّ‬ ‫‪ -‬عن أيب سعيد‬
‫اهلل عليه وسلم رجل من اليمن‪ ،‬فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((هجرت الشِّرك ولكنَّه اجلهاد‪ .‬هل باليمن أبواك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أ َِذنا لك؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ارجع إىل أبويك فإن فعال‪،‬‬
‫َّ‬
‫وإل فربمها))(((‪.‬‬
‫ريا واإلحسان إليها‪:‬‬
‫‪ -3‬الوصية باملرأة خ ً‬
‫فإنن عو ٍان((( عندكم‪،‬‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬استوصوا بالنساء خريا؛ َّ‬
‫ً‬
‫فروجهن بكلمة اهلل)) ‪.‬‬
‫(((‬
‫َّ‬ ‫أخذمتوهن بأمانة اهلل‪ ،‬واستحللتم‬
‫َّ‬
‫‪ -4‬الشفقة على األبناء‪ ،‬والعطف واحلزن عليهم‪ ،‬إذا أصابهم مكروه‪:‬‬
‫ايب إىل النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬جاء أعر ٌّ‬
‫الصبيان فما نقبِّلهم‪ ،‬فقال النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬أو‬ ‫فقال‪ :‬تقبِّلون ِّ‬
‫الر ْحَة؟))(((‪.‬‬
‫أملك لك أن نزع اهلل من قلبك َّ‬
‫وعن أسامة بن زيد رضي اللّه عنهما قال‪ :‬أَرسلت ابنة النَّيب صلى اهلل عليه‬
‫((إن للَّه ما‬
‫السالم ويقول‪َّ :‬‬ ‫وسلم إليه‪َّ :‬‬
‫إن ابنًا يل قبض‪ ،‬فأتنا‪ .‬فأرسل يقرأ َّ‬
‫مسمى‪ .‬فلتصرب ولتحتسب‪ .‬فأرسلت‬ ‫أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وكلٌّ عنده بأجل َّ‬
‫أيب‬
‫إليه تُقسم عليه ليأتينَّها‪ .‬فقام ومعه سعد بن عبادة‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬و ُّ‬

‫((( رواه أبو داود (‪ ،)2530‬أمحد (‪ ،)11739( )75/3‬وابن حبان (‪.)422( )165/2‬‬
‫وصحح إسناده احلاكم‪ ،‬وحسن إسناده اهليثمي يف ((اجملمع)) (‪ ،)138/8‬وصححه األلباين‬
‫يف ((صحيح اجلامع)) (‪.)892‬‬
‫((( أسراء‪ ،‬أو كاألسراء‪(( .‬النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)314/3‬‬
‫((( رواه مسلم (‪ )1218‬بلفظ مقارب‪ ،‬من حديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫((( رواه البخاري (‪)5998‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪72‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫ابن كعب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬ورجال‪ُ ،‬فرفع إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫شن‪ ،‬ففاضت عيناه‪.‬‬ ‫يب ونفسه تتقعقع(((‪ ،‬قال حسبته أنَّه قال‪ :‬كأنَّا ٌّ‬ ‫الص ُّ‬
‫َّ‬
‫فقال سعد‪ :‬يا رسول اهلل ما هذا؟ فقال‪ :‬هذه رمحة جعلها اهلل يف قلوب عباده‪،‬‬
‫الرمحاء))(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وإنا يرحم اهلل من عباده َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫حة مبن هم حتت سلطانه‪ ،‬من العبيد‪ ،‬واخلدم‪ ،‬والعمال‪،‬‬ ‫‪َّ -5‬‬
‫وغريهم‪:‬‬
‫بالربذة ((( وعليه‬
‫ذر َّ‬
‫عن املعرور بن سويد رمحه اهلل تعاىل قال‪ :‬لقيت أبا ٍّ‬
‫حلَّة (((‪ ،‬وعلى غالمه حلَّة‪ ،‬فسألته عن ذلك فقال‪ :‬إنِّ ساببت رجلً فعيَّرته‬
‫بأمه؟ إنَّك امرؤ‬
‫أعيته ِّ‬
‫بأمه‪ ،‬فقال يل النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬يا أبا ذر َّ‬
‫ِّ‬
‫فيك جاهليَّة‪ ،‬إخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت أيديكم‪ ،‬فمن كان أخوه‬
‫حتت يده فليطعمه ممَّا يأكل‪ ،‬وليلبسه ممَّا يلبس‪ ،‬وال تكلِّفوهم ما يغلبهم‪ ،‬فإن‬
‫كلَّفتموهم فأعينوهم))(((‪.‬‬
‫‪ -6‬األمر بإحسان ال ِقتلة والذحبة‪:‬‬
‫عن شدَّاد بن أوس رضي اهلل عنه أنَّه قال‪ :‬ثنتان حفظتهما عن رسول اهلل‬
‫كل شيء‪ ،‬فإذا‬
‫((إن اهلل كتب اإلحسان على ِّ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذحبتم فأحسنوا َّ‬
‫الذبح‪ ،‬و َّ‬
‫ليحد أحدكم شفرته‪،‬‬
‫ولريح ذبيحته))(((‪.‬‬

‫((( تضطرب وتتحرك‪(( .‬النهاية يف غريب احلديث واألثر)) البن األثري (‪.)88/4‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)1284‬ومسلم (‪)923‬‬
‫((( الربذة‪ :‬مكان معروف بني مكة واملدينة‪(( .‬فتح الباري)) البن حجر (‪.)121/1‬‬
‫((( احللة ثوبان من جنس واحد‪(( .‬املصدر السابق)) (‪.)86/1‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)30‬ومسلم (‪.)1661‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1955‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪73‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪ -7‬النهي عن تعذيب احليوان أو إخافته أو إجهاده أو إجاعته‪:‬‬


‫عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنه َّ‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫هرة ربطتها‪ ،‬فلم تطعمها‪ ،‬ومل تدعها تأكل من‬
‫قال‪(( :‬دخلت امرأة النَّار يف َّ‬
‫خشاش األرض))(((‪.‬‬
‫وعلى نقيض هذه الصورة‪ ،‬ذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم صورة‬
‫أخرى‪ ،‬المرأة غفر اهلل هلا ذنبها بسبب كلب‪:‬‬
‫فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أنَّه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫بغي من بغايا بين‬
‫((بينما كلب يطيف بركيَّة كاد يقتله العطش‪ ،‬إ ْذ رأته ٌّ‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫إسرائيل‪ ،‬فنزعت موقها ((( فسقته‪ ،‬فغفر هلا به))(((‪.‬‬


‫قال السعدي معل ًقا على هذين احلديثني‪( :‬ومن ذلك ما هو مشاهد جمرب‪،‬‬
‫أن من أحسن إىل هبائمه باإلطعام‪ ،‬والسقي‪ ،‬واملالحظة النافعة‪َّ ،‬‬
‫أن اهلل يبارك‬ ‫َّ‬
‫له فيها‪ ،‬ومن أساء إليها‪ ،‬عوقب يف الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وقال تعاىل‪ :‬ﮋﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬﮊ‪ [ .‬املائدة‪ ،]32 :‬وذلك ملا يف قلب األول من القسوة‪ ،‬والغلظة‪،‬‬
‫الرأفة‪ ،‬إذ هو بصدد إحياء كل‬
‫الر ْحَة والرقة و َّ‬
‫والشر‪ ،‬وما يف قلب اآلخر من َّ‬
‫أن ما يف قلب األول من القسوة‪،‬‬ ‫من له قدرة على إحيائه من النَّاس‪ ،‬كما َّ‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)3318‬ومسلم (‪.)2242‬‬


‫((( يطيف‪ :‬أي يدور حوهلا‪(( .‬شرح النووي على مسلم)) (‪.)242/14‬‬
‫((( الركية‪ :‬البئر مطوية أو غري مطوية‪(( .‬فتح الباري)) البن حجر (‪.)516/6‬‬
‫((( املوق بضم امليم هو اخلف فارسي‪(( .‬شرح النووي على مسلم)) (‪.)242/14‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)3467‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪74‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫مستعد لقتل النفوس كلها)(((‪.‬‬


‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫األسباب املعينة على التخلق خبلق َّ‬
‫قال السعدي‪( :‬فال يزال العبد يتعرف األسباب اليت يدرك هبا هذا الوصف‬
‫الر ْحَة‪ ،‬واحلنان على اخللق‪.‬‬
‫اجلليل‪ ،‬وجيتهد يف التحقق به‪ ،‬حىت ميتلئ قلبه من َّ‬
‫الر ْحَة اليت يف‬
‫ويا حبذا هذا اخللق الفاضل‪ ،‬والوصف اجلليل الكامل‪ ،‬وهذه َّ‬
‫القلوب‪ ،‬تظهر آثارها على اجلوارح واللسان‪ ،‬يف السعي يف إيصال الرب‪ ،‬واخلري‪،‬‬
‫واملنافع إىل النَّاس‪ ،‬وإزالة األضرار واملكاره عنهم)(((‪.‬‬
‫وهاك أخي الكرمي بعض األسباب املعينة على التخلق هبذا اخللق الكرمي‬
‫والسجيَّة العظيمة‪:‬‬
‫‪1-‬القراءة يف سرية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والتدبر يف معاملها‪،‬‬
‫التأسي به يف مواقف رمحته صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫و ِّ‬
‫‪2-2‬جمالسة الرمحاء وخمالطتهم‪ ،‬واالبتعاد عن ذوي الغلظة والفظاظة‪ ،‬فاملرء‬
‫يكتسب من جلسائه طباعهم وأخالقهم‪.‬‬
‫‪3-3‬تربية األبناء على هذا اخللق العظيم‪ ،‬وحماولة غرسه يف قلوهبم‪ ،‬ومىت‬
‫الر ْحَة ثبتت يف قلبه وأصبحت سجيَّة له بإذن اهلل‪.‬‬
‫نشأ الناشئ على َّ‬
‫‪4-4‬معرفة جزاء الرمحاء وثواهبم‪ ،‬وأهنم هم اجلديرون برمحة اهلل دون غريهم‪،‬‬
‫ومعرفة عقوبة اهلل ألصحاب القلوب القاسية؛ َّ‬
‫فإن هذا مما يدفع للتخلق بصفة‬
‫الرمحة‪ ،‬ويردع عن القسوة‪.‬‬

‫((( ((هبجة قلوب األبرار)) (‪.)190/1‬‬


‫((( ((املصدر السابق))‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪75‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪5-5‬معرفة اآلثار املرتتبة على التحلي هبذا اخللق‪ ،‬والثمار اليت جينيها الرمحاء‬
‫يف الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬
‫‪6-6‬االختالط بالضعفاء‪ ،‬واملساكني‪ ،‬وذوي احلاجة؛ فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب‪،‬‬
‫الر ْحَة والشفقة هبؤالء وغريهم‪.‬‬
‫ويدعو إىل َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫مناذج يف َّ‬
‫• •مناذج من رمحة َّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫قال تعاىل واص ًفا نبيه الكرمي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ﮋﮬﮭ‬
‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [التوبة‪.]128 :‬‬
‫فقد كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أرحم النَّاس بالنَّاس وأرأفهم هبم؛‬
‫إن رمحته صلى اهلل عليه‬‫أصل‪ ،‬بل َّ‬‫املؤمنني ومن مل يكن يدين بدين اإلسالم ً‬
‫وسلم تعدت ذلك إىل احليوان‪ ،‬واجلماد‪ ،‬وسنعرض هنا بعض النماذج من‬
‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫بالكفار‪:‬‬
‫‪( -‬عن عائشة رضي اللّه عنها زوج النَّيب صلى اهلل عليه وسلم َّأنا قالت‬
‫أشد من يوم أحد؟ قال‪:‬‬‫للنَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬هل أتى عليك يوم كان َّ‬
‫أشد ما لقيت منهم يوم العقبة‪ ،‬إذ‬ ‫((لقد لقيت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان َّ‬
‫عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كالل‪ ،‬فلم جيبين إىل ما أردت‬
‫فانطلقت‪ .‬وأنا مهموم على وجهي‪ ،‬فلم أستفق َّإل وأنا بقرن الثَّعالب‪ ،‬فرفعت‬
‫رأسي‪ ،‬فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتين‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جربيل‪ ،‬فناداين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث اهلل إليك ملك‬ ‫َّ‬
‫إن اهلل قد مسع قول قومك لك وما ُّ‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪76‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫اجلبال لتأمره مبا شئت فيهم‪ .‬فناداين ملك اجلبال فسلَّم َّ‬
‫علي‪ ،‬مثَّ قال‪ :‬يا‬
‫حممد‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك فيما شئت‪ ،‬إن شئت أن أطبق عليهم األخشبني‪ .‬فقال‬ ‫َّ‬
‫النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬بل أرجو أن خيرج اهلل من أصالهبم من يعبد اهلل‬
‫ال يشرك به شيئًا))(((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪( :‬يف هذا احلديث بيان شفقة النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫على قومه‪ ،‬ومزيد صربه وحلمه‪ ،‬وهو موافق لقوله تعاىل‪ :‬ﮋﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟﮊ [آل عمران‪ ،]159 :‬وقوله‪ :‬ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮊ [األنبياء‪.((()]107 :‬‬
‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم باحليوان‪:‬‬
‫عن عبد اهلل بن جعفر رضي اهلل عنه قال‪(( :‬أردفين رسول اهلل صلى اهلل‬
‫أحدا من النَّاس‪،‬‬
‫إيل حديثًا ال أحدث به ً‬ ‫فأسر َّ‬
‫عليه وسلم خلفه ذات يوم‪َّ ،‬‬
‫وكان أحب ما استرت به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حلاجته هدفًا أو‬
‫َّيب‬
‫حائش خنل‪ ،‬قال‪ :‬فدخل حائطًا لرجل من األنصار فإذا مجل‪ ،‬فلما رأى الن َّ‬
‫حن وذرفت عيناه‪ ،‬فأتاه النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫فمسح ذفراه‪ ،‬فسكت‪ ،‬فقال‪ :‬من رب هذا اجلمل؟ ملن هذا اجلمل؟ فجاء فىت‬
‫من األنصار فقال‪ :‬يل يا رسول اهلل‪ .‬فقال‪ :‬أفال تتقي اهلل يف هذه البهيمة اليت‬
‫إلي أنك جتيعه وتدئبه))(((‪.‬‬‫ملَّكك اهلل إياها؟ فإنه شكا َّ‬
‫((( رواه البخاري (‪.)3231‬‬
‫((( ((فتح الباري)) (‪.)316/6‬‬
‫((( روى مسلم (‪ )342‬أوله‪ ،‬وأبو داود (‪ )2549‬واللفظ له‪ ،‬وأمحد (‪،)1745( )203/1‬‬
‫واحلاكم (‪.)109/2‬‬
‫ قال ابن تيمية يف ((اجلواب الصحيح)) (‪ :)186/6‬روى مسلم بعضه‪ ،‬وبعضه على شرطه‪،‬‬
‫وقال ابن امللقن يف ((حتفة احملتاج)) (‪ :)438/2‬سنده يف مسلم‪ ،‬ووثق رواة إسناده‪ ‬البوصريي‪= ‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪77‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪ -‬عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪(( :‬كنَّا مع رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يف سفر‪ ،‬فانطلق حلاجته فرأينا ُحرة معها فرخان‪ ،‬فأخذنا فرخيها‪،‬‬
‫فجاءت احلُمرةُ فجعلت تف ِرش‪ ،‬فجاء النَّيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪( :‬من‬
‫فجع هذه بولدها؟ ُّردوا ولدها إليها‪ ،‬ورأى قرية منل قد حرقناها‪ ،‬فقال‪ :‬من‬
‫يعذب بالنَّار َّإل ُّ‬
‫رب النَّار))(((‪.‬‬ ‫حرق هذه؟ قلنا‪ :‬حنن‪ ،‬قال‪ :‬إنَّه ال ينبغي أن ِّ‬
‫َّ‬
‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم باجلماد‪:‬‬
‫‪ -‬عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪َّ ،‬‬
‫أن النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((كان يقوم يوم اجلمعة إىل شجرة أو خنلة‪ ،‬فقالت امرأة من األنصار‪ ،‬أو رجل‪:‬‬
‫منربا‪ ،‬فلما كان‬
‫منربا؟ قال‪ :‬إن شئتم‪ .‬فجعلوا له ً‬ ‫يا رسول اهلل‪ ،‬أال جنعل لك ً‬
‫يوم اجلمعة دفع إىل املنرب‪ ،‬فصاحت النخلة صياح الصيب‪ ،‬مث نزل النَّيب صلى‬
‫تئن أنني الصيب الذي يسكن‪ ،‬قال‪ :‬كانت تبكي‬ ‫فضمه إليه(((‪ُّ ،‬‬
‫اهلل عليه وسلم َّ‬
‫على ما كانت تسمع من الذكر عندها))(((‪.‬‬
‫• •مناذج من رمحة الصحابة رضوان اهلل عليهم‪:‬‬
‫سار صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على هنجه‪ ،‬واقتدوا به يف‬
‫التمسك هبذا اخللق الكرمي‪ ،‬حىت صار الرجل املعروف بشدته‪ ،‬وصرامته‪ ،‬هِّيـنًا‬
‫رحيما رؤوفًا‪.‬‬
‫لِّيـنًا‪ً ،‬‬
‫=‪ ‬يف ((إحتاف اخلرية املهرة)) (‪ ،)105/7‬وصحح إسناده أمحد شاكر يف حتقيق ((مسند‬
‫أمحد)) (‪ ،)189/3‬وصححه األلباين يف ((صحيح سنن أيب داود)) (‪ ،)2549‬والوادعي يف‬
‫((صحيح دالئل النبوة)) (‪ )559‬وقال‪ :‬على شرط مسلم وقد أخرج بعضه‪.‬‬
‫((( رواه أبو داود (‪ .)2675‬وصحح إسناده النووي يف ((رياض الصاحلني)) (‪ ،)455‬وابن امللقن‬
‫يف ((البدر املنري)) (‪ ،)689/8‬وصححه األلباين يف ((صحيح سنن أيب داود)) (‪.)2675‬‬
‫ضم جذع النخلة إليه عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫((( أي‪َّ :‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)3584‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪78‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫وقوته‪ ،‬تغري‬
‫‪ -‬فهذا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه الذي عرف بشدَّته‪َّ ،‬‬
‫الر ْحَة من طباعه‪ ،‬فيصبح رقي ًقا ميتأل قلبه رمحةً‪ ،‬ويفيض فؤاده شفقةً‪ ،‬ومما‬
‫َّ‬
‫يدل على ذلك قوله لعبد الرمحن بن عوف حينما أتاه يكلمه يف أن يلني هلم‬
‫ألنَّه أخاف النَّاس حىت خاف األبكار يف خدورهن‪ ،‬فقال‪( :‬إين ال أجد هلم‬
‫الر ْحَة‪ ،‬والشفقة‪،‬‬ ‫َّإل ذلك‪ ،‬واهلل لو أهنم يعلمون ما هلم عندي‪ ،‬من َّ‬
‫الرأفة‪ ،‬و َّ‬
‫ألخذوا ثويب عن عاتقي)(((‪.‬‬
‫يوما يقبل أحد أبنائه‪ ،‬وقد وضعه يف حجره وهو‬ ‫‪ -‬ورآه عيينة بن حصن ً‬
‫حينو عليه‪ ،‬فقال عيينة‪ :‬أتُقبِّل وأنت أمري املؤمنني؟ لو كنت أمري املؤمنني ما‬
‫قبلت يل و ًلدا‪ .‬فقال عمر‪ :‬اهلل‪ ،‬اهلل حىت استحلفه ثالثًا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬فما أصنع‬
‫إن اهلل َّإنا يرحم من عباده ُّ‬
‫الرمحاء(((‪.‬‬ ‫الر ْحَة من قلبك؟ َّ‬
‫إن كان اهلل نزع َّ‬
‫يوما‪ ،‬فقال‪ :‬لقد خطر على قليب شهوة الطري من‬ ‫‪ -‬واشتهى احلوت ً‬
‫حيتان‪ ،‬فخرج يرفأ‪ ،‬يف طلب احلوت لعمر رضي اهلل عنه‪ ،‬ورحل راحلته‪،‬‬
‫مكتل‪ ،‬وجاء باحلوت‪ ،‬مث غسل‬
‫مقبل‪ ،‬واشرتى ً‬‫مدبرا‪ ،‬وليلتني ً‬
‫فسار ليلتني ً‬
‫يرفأ الدابة‪ ،‬فنظر إليها عمر فرأى عرقًا حتت أذهنا‪ ،‬فقال‪ :‬عذبت هبيمة من‬
‫البهائم يف شهوة عمر‪ ،‬ال واهلل ال يذوقه عمر‪ ،‬عليك مبكتلك(((‪.‬‬
‫(ومر رضي اهلل عنه براهب فوقف ونودي بالراهب فقيل له‪ :‬هذا أمري‬ ‫َّ‬
‫وترِك الدنيا‪َّ ،‬‬
‫فلما رآه عمر‬ ‫املؤمنني‪ ،‬فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر واالجتهاد ْ‬
‫بكى‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنَّه نصراين‪ ،‬فقال عمر‪ :‬قد علمت ولكين رمحته‪ ،‬ذكرت‬

‫((( ((اجملالسة وجواهر العلم)) أليب بكر الدينوري (‪.)1199( )43/4‬‬


‫((( ((جامع معمر بن راشد)) (‪.)20590( )299/11‬‬
‫((( رواه أمحد (‪ ،)443( )319/1‬وابن عساكر (‪.)301/44‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪79‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫وجل‪ :‬ﮋﭭﭮﭯﭰﭱﭲﮊ [الغاشية‪ُ ]4 -3 :‬‬


‫رمحت‬ ‫عز َّ‬‫قول اهلل َّ‬
‫نصبَه واجتهاده وهو يف النَّار)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬جاءتين مسكينة حتمل ابنتني هلا‪،‬‬
‫فأطعمتها ثالث مترات‪ ،‬فأعطت كل واحدة منهما مترة‪ ،‬ورفعت إىل فيها‬
‫مترة لتأكلها‪ ،‬فاستطعمتها ابنتاها‪ ،‬فشقت التمرة‪ ،‬اليت كانت تريد أن تأكلها‬
‫بينهما‪ ،‬فأعجبين شأهنا‪ ،‬فذكرت الذي صنعت لرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫((إن اهلل قد أوجب هلا هبا اجلنة‪ ،‬أو أعتقها هبا من النار))(((‪.‬‬‫وسلم فقال‪َّ :‬‬
‫‪ -‬وهذا أبو برزة األسلمي رضي اهلل عنه من رمحته أنه كان له جفنة ((( من‬
‫ثريد‪ ،‬غدوة‪ ،‬وجفنة عشية‪ ،‬لألرامل واليتامى واملساكني(((‪.‬‬
‫• •مناذج من رمحة السلف‪:‬‬
‫رمحة عمر بن عبد العزيز رمحه اهلل‪:‬‬
‫إبل‬ ‫(كتب عمر بن عبد العزيز رمحه اهلل إىل حيَّان مبصر‪ :‬إنَّه بلغين َّ‬
‫أن مبصر ً‬
‫أعرفن‬
‫نقاالت‪ ،‬حيمل على البعري منها ألف رطل‪ ،‬فإذا أتاك كتايب هذا‪ ،‬فال َّ‬
‫أنَّه حيمل على البعري أكثر من ستمائة رطل‪ ،‬وكتب إىل صاحب السكك أن‬
‫أحدا بلجام ثقيل من هذه الرستنية‪ ،‬وال ينخس ((( مبقرعة ((( يف‬ ‫ال حيملوا ً‬
‫أسفلها حديدة)(((‪.‬‬
‫((( رواه عبد الرزاق (‪.)3584( )420/3‬‬
‫((( رواه مسلم (‪)2630‬‬
‫((( اجلفنة‪ :‬القصعة ((القاموس احمليط)) للفريوزآبادي (ص‪.)1186 :‬‬
‫((( رواه ابن سعد يف ((الطبقات الكربى)) (‪ ،)299/4‬وابن عساكر يف ((تاريخ دمشق)) (‪.)99/62‬‬
‫((( خنس الدابة‪ ،‬غرز مؤخرها أو جنبها بعود وحنوه‪(( .‬القاموس احمليط)) للفريوزآبادي (ص ‪.)576‬‬
‫((( املقرعة‪ :‬خشبة تضرب هبا البغال واحلمري‪(( .‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)264/8‬‬
‫((( ((سرية عمر بن عبد العزيز على ما رواه اإلمام مالك بن أنس وأصحابه)) أليب حممد‬
‫املصري (ص ‪.)141‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪80‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫• •مناذج من رمحة العلماء املتقدمني‪:‬‬


‫رمحة ابن تيمية رمحه اهلل‪:‬‬
‫قال عمر بن علي البزار‪( :‬وحدَّثين من أثق به َّ‬
‫أن الشيخ رضي اهلل عنه كان‬
‫يوما يف بعض األزقَّة فدعا له بعض الفقراء‪ ،‬وعرف الشيخ حاجته‪ ،‬ومل‬ ‫مارا ً‬
‫ًّ‬
‫يكن مع الشيخ ما يعطيه‪ ،‬فنزع ثوبًا على جلده ودفعه إليه‪ ،‬وقال‪ :‬بعه مبا تيسر‬
‫وأنفقه‪ .‬واعتذر إليه من كونه مل حيضر عنده شيء من النفقة)(((‪.‬‬
‫• •مناذج من رمحة العلماء املعاصرين‪:‬‬
‫رمحة الشيخ ابن باز رمحه اهلل‪:‬‬

‫قال حممد بن موسى املوسى‪( :‬يف يوم من األيام‪ ،‬طلب مين أحد السائقني‬
‫لدى مساحة الشيخ أن يتصل عرب اهلاتف بأهله خارج البالد‪ ،‬أي‪ :‬يريد‬
‫االتصال من اهلاتف الذي يف منزل مساحة الشيخ‪ ،‬فقلت له‪ :‬ال بد من‬
‫االستئذان من مساحته‪ .‬فأتيت إىل مساحة الشيخ وقلت له‪ :‬فالن طلب مين‬
‫اإلذن له باالتصال بأهله‪ ،‬فقال مساحته‪ :‬لعلك منعته؟ فقلت‪ :‬ال بد من إذن‬
‫مساحتكم‪ .‬فقال‪ :‬اتركه يتصل‪ ،‬ال متنعوهم‪ ،‬ارمحوهم‪ ،‬أما لكم أوالد؟ أعوذ‬
‫باهلل‪ ،‬الرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول‪(( :‬من ال يَرحم ال يُرحم))‪.((() ‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‪:‬‬ ‫قالوا عن َّ‬
‫الر ْحَة‬
‫الر ْحَة يف قلب العبد‪( :‬وعالمة َّ‬
‫‪ -‬قال السعدي عن َع َلمة وجود َّ‬
‫عموما‪،‬‬
‫املوجودة يف قلب العبد‪ ،‬أن يكون حمبًّا لوصول اخلري لكافة اخللق ً‬
‫((( ((األعالم العلية يف مناقب ابن تيمية)) لسراج الدين (‪.)65‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)5997‬ومسلم (‪ )2318‬من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪81‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫كارها حصول الشر والضرر عليهم‪ ،‬فبقدر هذه احملبة‬


‫خصوصا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫وللمؤمنني‬
‫والكراهة تكون رمحته)(((‪.‬‬
‫ت هذه العالمة يف قلب العبد‪ ،‬دلَّت على َّ‬
‫أن قلبه عامر‬ ‫ِ‬
‫فمىت ما ُوج َد ْ‬
‫بالرأفة‪.‬‬
‫بالر ْحَة‪ ،‬مفعم َّ‬
‫َّ‬
‫الر ْحَة كلمة صغرية‪ ..‬ولكن بني‬
‫‪ -‬وقال مصطفى لطفي املنفلوطي‪( :‬إن َّ‬
‫لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بني الشمس يف منظرها‪ ،‬والشمس يف‬
‫حقيقتها‪.‬‬
‫لو تراحم النَّاس ملا كان بينهم جائع‪ ،‬وال مغبون‪ ،‬وال مهضوم‪ ،‬وألقفرت‬
‫الر ْحَة الشقاء من‬
‫اجلفون من املدامع‪ ،‬والطمأنت اجلنوب يف املضاجع‪ ،‬وحملت َّ‬
‫اجملتمع‪ ،‬كما ميحو لسان الصبح مداد الظالم‪.‬‬
‫أيُّها اإلنسان ارحم األرملة اليت مات عنها زوجها‪ ،‬ومل يرتك هلا غري صبية‬
‫صغار‪ ،‬ودموع غزار‪ ،‬ارمحها قبل أن ينال اليأس منها‪ ،‬ويعبث اهلم بقلبها‪،‬‬
‫فتؤثر املوت على احلياة‪.‬‬
‫ارحم الزوجة أم ولدك‪ ،‬وقعيدة بيتك‪ ،‬ومرآة نفسك‪ ،‬وخادمة فراشك؛ َّ‬
‫ألنا‬
‫ضعيف؛ و َّ‬
‫ألن اهلل قد وكل أمرها إليك‪ ،‬وما كان لك أن تكذب ثقته بك‪.‬‬
‫ارحم ولدك وأحسن القيام على جسمه‪ ،‬ونفسه‪ ،‬فإنَّك إال تفعل قتلته أو‬
‫أشقيته فكنت أظلم الظاملني‪.‬‬
‫ارحم اجلاهل‪ ،‬ال تتحني فرصة عجزه عن االنتصاف لنفسه‪ ،‬فتجمع عليه‬

‫((( ((هبجة قلوب األبرار)) للسعدي (ص ‪.)189‬‬


‫موسوعة األخالق‬ ‫‪82‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬

‫متجرا تربح فيه‪ ،‬ليكون من اخلاسرين‪.‬‬


‫بني اجلهل والظلم‪ ،‬وال تتخذ عقله ً‬
‫ارحم احليوان؛ ألنَّه حيس كما حتس‪ ،‬ويتأمل كما تتأمل‪ ،‬ويبكي بغري دموع‬
‫ويتوجع‪.‬‬
‫ارحم الطري ال حتبسها يف أقفاصها‪ ،‬ودعها هتيم يف فضائها حيث تشاء‪،‬‬
‫وتقع حيث يطيب هلا التغريد والتنقري‪َّ ،‬‬
‫إن اهلل وهبها فضاء ال هناية له‪ ،‬فال‬
‫تغتصبها حقها‪ ،‬فتضعها يف حمبس ال يسع مد جناحها‪ ،‬أطلق سبيلها وأطلق‬
‫مسعك وبصرك وراءها‪ ،‬لتسمع تغريدها فوق األشجار‪ ،‬ويف الغابات‪ ،‬وعلى‬
‫شواطئ األهنار‪ ،‬وترى منظرها وهي طائرة يف جو السماء‪ ،‬فيخيَّل إليك َّأنا‬
‫أمجل من منظر الفلك الدائر‪ ،‬والكوكب السيَّار‪.‬‬
‫أيها السعداء أحسنوا إىل البائسني والفقراء‪ ،‬وامسحوا دموع األشقياء‪،‬‬
‫وارمحوا من يف األرض يرمحكم من يف السماء)(((‪.‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة يف واحة الشعر‪:‬‬ ‫َّ‬
‫قال أبو القاسم ابن عساكر‪:‬‬
‫وال تكــن ِمــن قليـ ِـل العـ ِ‬ ‫مغتنمــا‬ ‫ـادر إىل اخل ـ ِر يــا ذا اللـ ِّ‬
‫ـرف حمتشــما‬ ‫ْ‬ ‫ـب ً‬ ‫بـ ْ‬
‫اإلفضال والكرما‬
‫َ‬ ‫يستوجب‬
‫ُ‬ ‫فالشكر‬
‫ُ‬ ‫ـكر ملــوالك مــا أوالك مــن نع ـ ٍم‬ ‫واشـ ْ‬
‫ِ (((‬ ‫َّ‬
‫فإنــا يرحـ ُـم الرمحـ ُـن َمــن َرحــا‬ ‫وارحـ ْـم بقلبِــك خلـ َـق اهلل و َ‬
‫ارع ُهــم‬
‫وقال زين الدين العراقي‪:‬‬
‫العدمــا‬
‫ـر إذا يشــكو لــك َ‬
‫وال الفقـ َ‬ ‫املسكني إن َع ِدما‬
‫َ‬ ‫ترحم‬
‫كنت ال ُ‬
‫إ ْن َ‬
‫((( ((مؤلفات مصطفى لطفي املنفلوطي الكاملة)) (ص ‪.)88‬‬
‫((( ((بريقة حممودية)) أليب سعيد اخلادمي (‪.)45/3‬‬
‫الر ْ َ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫‪83‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫(((‬
‫وإنــا يرحـ ُـم الرمحـ ُـن مــن َرِحــا‬
‫َّ‬ ‫فكيــف ترجــو مــن الرمح ـ ِن رمحتَــه‬
‫وقال أبو الفضل ابن حجر‪:‬‬
‫الســما‬
‫جاءنــا يرمحــه مــن يف َّ‬ ‫ِ‬
‫األرض قــد‬ ‫َّ‬
‫إن مـ ْـن يرحـ ُـم أهـ َـل‬
‫(((‬
‫يرحـ ُـم الرمحـ ُـن منَّــا ُّ‬
‫الرمحــا‬ ‫مجيعــا َّإنــا‬
‫ً‬ ‫فارح ـ ِم اخللـ َـق‬
‫وقال أبو الفتح حممد بن أمحد الكندي‪:‬‬
‫وقعُهــا يعظـُ ُـم‬ ‫ـوب‬
‫منــه ذنـ ٌ‬ ‫ت‬ ‫ـامح أخــاك َّ‬
‫الدهـ َـر مهمــا بـ َـد ْ‬ ‫سـ ْ‬
‫(((‬
‫َمــن يرحـ ُـم‬ ‫فربُّنــا يرحـ ُـم‬ ‫وارحـ ْـم لتل َقــى رمح ـةً يف غـ ٍـد‬
‫وقال ابن يعقوب‪:‬‬
‫حمرتما‬
‫صاح ً‬ ‫الورى يا ِ‬ ‫ضعاف َ‬ ‫َ‬ ‫فارحم‬
‫ْ‬ ‫ـت ترجــو ِمــن الرمح ـ ِن رمحتَــه‬
‫إن كنـ َ‬
‫ســبحانَه ِمــن إلـ ٍـه قــد بــرى النَّســما‬ ‫اهلل ِ‬
‫خالقنــا‬ ‫واقص ـ ْد بذلــك وجــه ِ‬
‫َ‬
‫ِ (((‬
‫فإنــا يرحـ ُـم الرمحـ ُـن َمــن رحــا‬ ‫َّ‬ ‫ـب ج ـزا ذاك ِمــن مــوالك رمحتَــه‬‫واطلـ ْ‬
‫وقال ابن الشوائطي‪:‬‬
‫ـكر لربـِّـك مــا أوىل ِمــن املن ـ ِن‬
‫واشـ ْ‬ ‫ـادر إىل اخل ـ ِر يــا ذا اللـ ِّ‬
‫ـب واللس ـ ِن‬ ‫بـ ْ‬
‫ِ (((‬
‫ـف اخلش ـن‬ ‫ين ْلــك رمحتــه يف املوقـ ِ‬ ‫وارحــم بقلبِــك خلــق ِ‬
‫اهلل كلَّهــم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫((( ((صيد األفكار)) حلسني بن حممد املهدي (‪.)171/2‬‬


‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)169/2‬‬
‫((( ((االزدهار يف ما عقده الشعراء من األحاديث واآلثار)) للسيوطي (ص ‪.)98‬‬
‫((( ((الضوء الالمع)) للسخاوي (‪.)137/8‬‬
‫((( ((املصدر السابق)) (‪.)174/5‬‬
‫ِّ ْ ُ‬
‫الرفق‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪85‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫الرفق‬
‫ِّ‬
‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫معنى الرفق ً‬
‫لغة‬
‫• •معنى الرفق ً‬
‫لغة‪:‬‬

‫الرفق ضد العْنف‪ ،‬وهو لني اجلانب‪ ،‬ويقال‪َ :‬رفَق باألَمر وله وعليه َيـ ْرفُق‬ ‫ِّ‬
‫ورفِ َق لطف ورفَ َق‬‫ِرْفـ ًقا‪ ،‬ومرف ًقا‪ :‬الن له جانبه وحسن صنيعه‪َ .‬ورفُ َق َيـ ْرفُ ُق َ‬
‫بالرجل وأ َْرفَقه مبعىن وكذلك تَرفَّق به(((‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫الرفق‬
‫• •معنى ِّ‬
‫الرفق‪( :‬هو لني اجلانب بالقول‪ ،‬والفعل‪ ،‬واألخذ‬
‫قال ابن حجر يف تعريف ِّ‬
‫باألسهل‪ ،‬وهو ضد العنف)(((‪.‬‬
‫وقال القاري‪( :‬هو املداراة مع الرفقاء‪ ،‬ولني اجلانب‪ ،‬واللطف يف أخذ األمر‬
‫بأحسن الوجوه‪ ،‬وأيسرها)(((‪.‬‬
‫الرفق‪:‬‬
‫الرتغيب يف ِّ‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬يف القرآن الكريم‬

‫‪ -‬قــال تعــاىل‪ :‬ﮋﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ [آل عمران‪.]159 :‬‬

‫((( ((النهاية)) البن األثري (‪(( ،)246/2‬لسان العرب)) البن منظور (‪(( ،)118/10‬املعجم‬
‫الوسيط)) (‪.)362/1‬‬
‫((( ((فتح الباري)) البن حجر (‪.)449/10‬‬
‫((( ((مرقاة املفاتيح)) للقاري (‪.)3170/8‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪86‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫(يقول تعاىل خماطبًا رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ممتنًّا عليه وعلى املؤمنني‬
‫فيما أالن به قلبه على أمته‪ ،‬املتبعني ألمره‪ ،‬التاركني لزجره‪ ،‬وأطاب هلم لفظه‪:‬‬
‫ﮋﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﮊ أي‪ :‬أي شيء جعلك هلم لينًا لوال رمحة اهلل‬
‫بك وهبم)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وقال سبحانه خماطبًا الرسول‪ :‬ﮋﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮊ [الشعراء‪( ]215 :‬أي‪ :‬ارفق هبم وألن جانبك هلم)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮊ [طه‪.]44-43 :‬‬
‫فقوله تعاىل‪ :‬ﮋﮨﮩﮪﮫﮊ (أي‪ً :‬‬
‫سهل لطي ًفا‪ ،‬برفق ولني وأدب يف‬
‫اللفظ من دون فحش وال صلف(((‪ ،‬وال غلظة يف املقال‪ ،‬أو فظاظة يف األفعال‪،‬‬
‫ﮋﮬﮊ بسبب القول اللني ﮋﮭﮊ ما ينفعه فيأتيه‪ ،‬ﮋﮮﮯﮊ ما يضره‬
‫فيرتكه‪َّ ،‬‬
‫فإن القول اللني داع لذلك‪ ،‬والقول الغليظ منفر عن صاحبه)(((‪.‬‬
‫بوية‬ ‫السَّنة َّ‬
‫الن َّ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬يف ُّ‬
‫‪ -‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬أن يهود أتوا النَّيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬السام عليكم‪ .‬فقالت عائشة‪ :‬عليكم ولعنكم اهلل وغضب اهلل‬
‫بالرفق وإياك والعنف والفحش‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫مهل يا عائشة‪ ،‬عليك ِّ‬
‫عليكم‪ .‬قال‪ً :‬‬
‫أو مل تسمع ما قالوا؟ قال‪ :‬أو مل تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب‬
‫((( ((تفسري القرآن العظيم)) البن كثري (‪.)148/2‬‬
‫((( ((معامل التنزيل)) للبغوي (‪.)207/6‬‬
‫((( الصلف‪ :‬جماوزة القدر يف الظرف والرباعة واالدعاء فوق ذلك تكربا‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب))‬
‫البن منظور (‪.)196/9‬‬
‫((( ((تيسري الكرمي الرمحن)) للسعدي (‪.)506‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪87‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫يل فيهم وال يستجاب هلم يف))(((‪.‬‬


‫‪ -‬وعن جرير رضي اهلل عنه عن النَّيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬من حيرم‬
‫الرفق حيرم اخلري)(((‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الرفق يف األمور فيما يتصرف فيه لنفسه‪،‬‬ ‫أن اإلنسان إذا حرم ِّ‬ ‫(يعين َّ‬
‫تصرف فيه‪ ،‬فإذا‬‫وفيما يتصرف فيه مع غريه‪ ،‬فإنَّه حيرم اخلري كله‪ ،‬أي‪ :‬فيما َّ‬
‫ب‬ ‫تصرف اإلنسان بالعنف والشدة‪ ،‬فإنَّه حيرم اخلري فيما فعل‪ ،‬وهذا شيء َّ‬
‫جمر ٌ‬ ‫َّ‬
‫أن اإلنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشِّدَّة؛ فإنَّه حيرم اخلري وال‬‫ومشاهد‪َّ ،‬‬
‫بالرفق واحللم واألناة وسعة الصدر؛ حصل على‬ ‫ينال اخلري‪ ،‬وإذا كان يتعامل ِّ‬
‫دائما رفي ًقا‬ ‫ٍ‬
‫خري كثري‪ ،‬وعلى هذا فينبغي لإلنسان الذي يريد اخلري أن يكون ً‬
‫حىت ينال اخلري)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬مسعت من رسول اهلل صلى اهلل‬
‫فشق عليهم‬
‫عليه وسلم يقول يف بييت هذا‪ :‬اللهم من ويل من أمر أميت شيئًا َّ‬
‫فاشقق عليه‪ ،‬ومن ويل من أمر أميت شيئًا فرفق هبم فارفق به))(((‪.‬‬
‫الرفق أن تأيت للناس على ما يشتهون‬ ‫و(قد يظن بعض النَّاس َّ‬
‫أن معىن ِّ‬
‫الرفق أن تسري بالنَّاس حسب أوامر اهلل‬
‫ويريدون‪ ،‬وليس األمر كذلك‪ ،‬بل ِّ‬
‫ورسوله‪ ،‬ولكن تسلك أقرب الطرق وأرفق الطرق بالنَّاس‪ ،‬وال تشق عليهم يف‬
‫شيء ليس عليه أمر اهلل ورسوله‪ ،‬فإن شققت عليهم يف شيء ليس عليه أمر‬
‫اهلل ورسوله‪ ،‬فإنَّك تدخل يف الطرف الثاين من احلديث‪ ،‬وهو الدعاء عليك‬

‫((( رواه البخاري (‪.)6030‬‬


‫((( رواه مسلم (‪.)2592‬‬
‫((( ((شرح رياض الصاحلني)) البن عثيمني (‪.)592/3‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1828‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪88‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫بأن يشق اهلل عليك)(((‪.‬‬


‫أيضا رضي اهلل عنها عن النَّيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪َّ :‬‬
‫((إن‬ ‫‪ -‬وعنها ً‬
‫الرفق ال يكون يف شيء إال زانه(((‪ ،‬وال ينزع من شيء إال شانه((())(((‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -‬وعن أيب الدرداء رضي اهلل عنه عن النَّيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من‬
‫الرفق حرم‬
‫الرفق فقد أعطي حظه من اخلري‪ ،‬ومن حرم حظه من ِّ‬ ‫أعطي حظه من ِّ‬
‫حظه من اخلري))(((‪( .‬إذ به تنال املطالب األخروية والدنيوية وبفوته يفوتان)(((‪.‬‬
‫الرفق‬
‫الرفق يف األمور‪ ،‬و ِّ‬
‫أن ِّ‬ ‫وهذه النصوص اليت مرت معنا تدل (على َّ‬
‫بالنَّاس‪ ،‬واللني‪ ،‬والتيسري‪ ،‬من جواهر عقود األخالق اإلسالمية‪ ،‬و َّأنا من‬
‫أن اهلل تعاىل من صفاته أنَّه رفيق‪ ،‬وأنه حيب من عباده‬ ‫صفات الكمال‪ ،‬و َّ‬
‫الرفق‪ ،‬فهو يوصيهم به ويرغبهم فيه‪ ،‬ويعدهم عليه عطاء ال يعطيه على ٍ‬
‫شيء‬ ‫ِّ‬
‫ً‬
‫أن العنف َش ْي خلقي‪ ،‬وأنَّه ظاهرة قبيحة‪ ،‬و َّ‬
‫أن اهلل‬ ‫آخر‪ .‬ويُفهم من النصوص َّ‬
‫ال حيبه من عباده)(((‪.‬‬
‫الرفق‪:‬‬
‫أقوال السلف والعلماء يف ِّ‬
‫أن مجاعة من رعيته اشتكوا من‬ ‫‪( -‬بلغ عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه َّ‬
‫عماله‪ ،‬فأمرهم أن يوافوه‪ ،‬فلما أتوه قام فحمد اهلل وأثىن عليه‪ُ ،‬ثَّ قال‪ :‬أيها‬
‫((( ((شرح رياض الصاحلني)) البن عثيمني (‪.)634/3‬‬
‫((( الزين‪ :‬ضد الشني‪ .‬انظر‪(( :‬تاج العروس)) للزبيدي (‪.)162/35‬‬
‫((( شانه يشينه شينا‪ :‬ضد زانه‪ ،‬أي عابه‪ .‬انظر‪(( :‬املصدر السابق)) (‪.)299/35‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)2594‬‬
‫((( رواه الرتمذي (‪ )2013‬واللفظ له‪ ،‬وأمحد (‪ ،)27593( )451/6‬والبخاري يف ((األدب املفرد))‬
‫(‪ .)464‬قال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وصححه األلباين يف ((صحيح اجلامع)) (‪.)6055‬‬
‫((( ((فيض القدير)) للمناوي (‪.)75/6‬‬
‫((( ((األخالق اإلسالمية)) لعبد الرمحن امليداين (‪.)339/2‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪89‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫إن لنا عليكم ًّ‬


‫حقا‪ ،‬النصيحة بالغيب‪ ،‬واملعاونة على اخلري‪،‬‬ ‫النَّاس‪ ،‬أيَّتها الرعية َّ‬
‫حقا فاعلموا أنَّه ال شيء أحب إىل اهلل وال أعز‬ ‫أيَّتها الرعاة َّ‬
‫إن للرعيَّة عليكم ًّ‬
‫من حلم إمام ورفقه‪ ،‬ليس جهل أبغض إىل اهلل‪ ،‬وال أغم من جهل إمام وخرقه‪،‬‬
‫واعلموا أنَّه من يأخذ بالعافية فيمن بني ظهريه يرزق العافية ممن هو دونه)(((‪.‬‬
‫أن عمرو بن العاص كتب إىل معاوية يعاتبه يف التأين فكتب‬ ‫‪ -‬و(روي َّ‬
‫فإن التفهم يف اخلرب زيادة رشد‪َّ ،‬‬
‫وإن الرشيد من رشد‬ ‫إليه معاوية‪ :‬أما بعد‪َّ :‬‬
‫عن العجلة‪ ،‬وإن اخلائب من خاب عن األناة‪ ،‬وإن املتثبت مصيب أو كاد‬
‫الع ِجل خمطئ أو كاد أن يكون خمطئًا‪ ،‬وأن من ال ينفعه‬‫أن يكون مصيبًا وإن َ‬
‫الرفق يضره اخلرق‪ ،‬ومن ال ينفعه التجارب ال يدرك املعايل)(((‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الرفق رأس احلكمة)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن عروة بن الزبري قال‪( :‬كان يقال‪ِّ :‬‬
‫‪ -‬وعن الشعيب قال‪( :‬غُشي على مسروق يف يوم صائف‪ ،‬وكانت عائشة‬
‫فسمى بنته عائشة‪ ،‬وكان ال يعصي ابنته شيئًا‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت إليه‬ ‫قد تبنته َّ‬
‫الرفق‪ ،‬قال‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬أفطر واشرب‪ ،‬قال‪ :‬ما أردت يل يا بُنية؟ قالت‪ِّ :‬‬
‫الرفق لنفسي يف يوم كان مقداره مخسني ألف سنة)‪ ،‬ويف‬ ‫يا بنية‪َّ ،‬إنا طلبت ِّ‬
‫الرفق لتعيب)‪.‬‬ ‫رواية‪َّ :‬‬
‫(إنا طلبت ِّ‬
‫الرفق؟ قالوا‪ :‬قل يا أبا حممد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ -‬وقال سفيان ألصحابه‪( :‬تدرون ما ِّ‬
‫أن تضع األمور يف مواضعها؛ الشدة يف موضعها‪ ،‬واللني يف موضعه‪ ،‬والسيف‬
‫يف موضعه‪ ،‬والسوط يف موضعه)(((‪.‬‬

‫((( رواه الطربي يف ((تارخيه)) (‪.)224/4‬‬


‫((( ((إحياء علوم الدين)) للغزايل (‪.)186/3‬‬
‫((( رواه ابن أيب شيبة (‪ ،)25308( )209/5‬ووكيع يف ((الزهد)) (ص ‪ ،)776‬وأمحد يف‬
‫((الزهد)) (ص ‪ ،)44‬وهناد يف ((الزهد)) (‪.)653/2‬‬
‫((( ((إحياء علوم الدين)) للغزايل (‪.)186/3‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪90‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫(الرفق ثين احللم)(((‪.‬‬


‫‪ -‬قال وهب بن منبه‪ِّ :‬‬
‫(الرفق مين‪ ،‬واخلرق شؤم)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن قيس بن أيب حازم قال كان يقال‪ِّ :‬‬
‫القيسي قال‪( :‬كان يقال‪ :‬ما أحسن اإلميان يزينه‬‫ِّ‬ ‫‪ -‬وعن حبيب بن حجر‬
‫الرفق)(((‪.‬‬
‫العلم‪ ،‬وما أحسن العلم يزينه العمل‪ ،‬وما أحسن العمل يزينه ِّ‬
‫‪ -‬وقال ابن القيم‪( :‬من رفَق ِ‬
‫بعباد اهلل َرفَ َق اهلل به‪ ،‬ومن رمحهم رمحه‪ ،‬ومن‬ ‫ََ‬
‫أحسن إليهم أحسن إليه‪ ،‬ومن جاد عليهم جاد اهلل عليه‪ ،‬ومن نفعهم نفعه‪،‬‬
‫ومن سرتهم سرته‪ ،‬ومن منعهم خريه منعه خريه‪ ،‬ومن عامل خلقه ٍ‬
‫بصفة عامله‬
‫الصفة بعينها يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فاهلل تعاىل لعبده حسب ما يكون‬‫اهلل بتلك ِّ‬
‫العبد خللقه)(((‪.‬‬
‫الرفق‪ ،‬إال‬
‫‪ -‬قال ابن حجر‪( :‬ال يتعمق أحد يف األعمال الدينية ويرتك ِّ‬
‫عجز وانقطع فيغلب)(((‪.‬‬
‫الرفق يف األمور كلها‪ ،‬وترك‬
‫‪ -‬وقال أبو حامت‪( :‬الواجب على العاقل لزوم ِّ‬
‫الرفق‬
‫الرفق يف األمور كلها‪ ،‬ومن منع ِّ‬ ‫العجلة و َّ‬
‫اخلفة فيها‪ ،‬إذ اهلل تعاىل حيب ِّ‬
‫الرفق أعطي اخلري‪ ،‬وال يكاد املرء يتمكن من‬
‫أن من أعطي ِّ‬ ‫منع اخلري ‪،‬كما َّ‬
‫بغيته يف سلوك قصده يف شيء من األشياء على حسب الذي حيب‪ ،‬إال‬
‫الرفق ومفارقة العجلة)(((‪.‬‬
‫مبقارنة ِّ‬
‫الرفق يف األوقات‪ ،‬واالعتدال يف احلاالت؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أيضا‪( :‬العاقل يلزم ِّ‬
‫‪ -‬وقال ً‬
‫((( ((إحياء علوم الدين)) للغزايل (‪.)186/3‬‬
‫((( ((الزهد)) هلناد بن السري (‪.)654/2‬‬
‫((( ((عيون األخبار)) البن قتيبة (‪.)396/1‬‬
‫((( ((الوابل الصيب)) البن القيم (ص ‪.)35‬‬
‫((( ((فتح الباري)) البن حجر (‪.)94/1‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)215‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪91‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫أن النقصان فيما جيب من املطلب‬ ‫عيب‪ ،‬كما َّ‬


‫الزيادة على املقدار يف املبتغى ٌ‬
‫الرفق مل يصلحه العنف‪ ،‬وال دليل أمهر من رفق‪ ،‬كما ال‬
‫عجز‪ ،‬وما مل يصلحه ِّ‬
‫الرفق يكون االحرتاز‪ ،‬ويف االحرتاز ترجى السالمة‪،‬‬
‫ظهري أوثق من العقل‪ ،‬ومن ِّ‬
‫الرفق يكون اخلرق‪ ،‬ويف لزوم اخلرق ختاف اهللكة)(((‪.‬‬
‫ويف ترك ِّ‬
‫الرفق(((‪:‬‬
‫فوائد ِّ‬
‫‪ -1‬طريق موصل إىل اجلنة‪.‬‬
‫‪ -2‬دليل كمال اإلميان وحسن اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -3‬يثمر حمبة اهلل وحمبة النَّاس‪.‬‬
‫ينمي روح احملبة والتعاون بني النَّاس‪.‬‬
‫‪ِّ -4‬‬
‫‪ -5‬دليل على صالح العبد وحسن خلقه‪.‬‬
‫بالرفق ينشأ اجملتمع سال ًـما من الغل والعنف‪.‬‬
‫‪ِّ -6‬‬
‫‪ -7‬عنوان سعادة العبد يف الدارين‪.‬‬
‫الرفق يزين األشياء‪.‬‬
‫‪ِّ -8‬‬
‫الرفق باحليوان يف إطعامه‪ ،‬أو ذحبه‪ ،‬من مظاهر اإلحسان‪.‬‬
‫‪ِّ -9‬‬
‫‪ -10‬الرفق دليل على فقه الرفيق وأناته وحكمته‪.‬‬
‫الرفق ينتج منه حسن اخللق‪.‬‬
‫‪ِّ -11‬‬
‫بالرفق ينال اإلنسان اخلري‪.‬‬
‫‪ِّ -12‬‬

‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)216‬‬


‫((( ((نضرة النعيم)) (‪ )2168/6‬بتصرف يسري‪.‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪92‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫الرفق‪:‬‬
‫صور ِّ‬
‫الرفق بالنفس يف أداء ما فرض عليه‪:‬‬
‫‪ِّ -1‬‬
‫املسلم ال ُيَ ِّمل نفسه من العبادة ماال تطيقه‪ ،‬فاإلسالم دين يسر وسهولة‪،‬‬
‫فاملتبع له يوغل فيه برفق‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫((إن الدين يسر‪ ،‬ولن‬
‫يشاد((( الدين أحد إال غلبه‪ ،‬فسددوا وقاربوا وأبشروا‪ ،‬واستعينوا بالغدوة‪،‬‬
‫َّ‬
‫والروحة(((‪ ،‬وشيء من ُّ‬
‫الدلْجة((())(((‪.‬‬
‫((أن احلوالء بنت ُتـ َويْ ِت بن حبيب بن أسد‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها‪َّ :‬‬
‫العزى مرت هبا‪ ،‬وعندها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قالت‪:‬‬ ‫ابن عبد َّ‬
‫فقلت‪ :‬هذه احلوالء بنت ٍ‬
‫تويت‪ .‬وزعموا َّأنا ال تنام بالليل‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال تنام بالليل‪ ،‬خذوا من العمل ما تطيقون‪ ،‬فو اهلل ال‬
‫يسأم اهلل حىت تسأموا((())(((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬هنى النَّيب صلى اهلل عليه وسلم عن التشديد يف الدين‬
‫أن تشديد العبد‪ ،‬على‬‫بالزيادة على املشروع‪ ،‬وأخرب صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫نفسه هو السبب لتشديد اهلل عليه إما بالقدر وإما بالشرع‪ .‬فالتشديد بالشرع‪:‬‬
‫كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل‪ ،‬فيلزمه الوفاء به‪ ،‬وبالقدر كفعل أهل‬

‫((( املشادة يف الشيء‪ :‬التشدد فيه واملغالبة‪ .‬انظر‪(( :‬تاج العروس)) للزبيدي (‪.)242/8‬‬
‫((( الغدوة‪ :‬البكرة ما بني صالة الغداة وطلوع الشمس‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور‬
‫(‪.)116/15‬‬
‫ الروحة‪ :‬الوقت ملا بني زوال الشمس إىل الليل‪ .‬انظر‪(( :‬فتح الباري)) البن احلجر (‪.)126/1‬‬
‫((( الدُّلْة‪ :‬سري السحر‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)272/2‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ )39‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)2816‬‬
‫((( سئم الشيء وسئم منه سآمة‪ :‬مل‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)280/12‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)785‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪93‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫الوسواس‪ .‬فإهنم شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد عليهم القدر‪ ،‬حىت استحكم‬
‫ذلك‪ ،‬وصار صفة الزمة هلم)(((‪.‬‬
‫الرفق مع َّ‬
‫الناس عامة‪:‬‬ ‫‪ِّ -2‬‬
‫احة‪،‬‬
‫بالس َم َ‬
‫ويكون بلني اجلانب وعدم الغلظة واجلفاء‪ ،‬والتعامل مع النَّاس َّ‬
‫ف(((‪ ،‬إن قِيد‬‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬املؤمنون هيِّنون ليِّنون‪ ،‬كاجلمل األنِ ِ‬
‫انقاد‪ ،‬وإذا أُنيخ على صخرة استناخ((())(((‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫((إن‬
‫الرفق يف األمر كلِّه))(((‪.‬‬
‫اهلل رفيق حيب ِّ‬
‫الرفق بالرعية‪:‬‬
‫‪ِّ -3‬‬
‫مسؤول‪ ،‬عليه أن يرفق برعيته‪،‬‬
‫ً‬ ‫ئيسا‪ ،‬أو‬
‫حاكما‪ ،‬أو ر ً‬
‫ً‬ ‫الراعي‪ ،‬سواء كان‬
‫ويؤدي مصاحلهم برفق‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬اللهم‬ ‫فيقضي حاجتهم‪ِّ ،‬‬
‫من ويل من أمر أميت شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه‪ ،‬ومن ويل من أمر أميت‬
‫شيئًا فرفق هبم فارفق به))(((‪.‬‬
‫الرعاء احلُطَمة((())(((‪.‬‬
‫شر ِّ‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫((إن َّ‬
‫((( ((إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)) البن القيم (‪.)132/1‬‬
‫((( األنف‪ :‬الذليل املؤايت‪ .‬انظر‪(( :‬تاج العروس)) للزبيدي (‪.)45/23‬‬
‫((( أخنت اجلمل‪ :‬أبركته‪ .‬انظر‪(( :‬املصدر السابق)) (‪.)362/7‬‬
‫((( رواه ابن املبارك يف ((الزهد)) (‪،)130/1‬والبيهقي يف ((الشعب)) (‪ )7777( )447/10‬من‬
‫حديث مكحول مرسال‪ .‬ورواه القضاعي يف ((مسنده)) (‪ ،)114/1‬والبيهقي يف ((الشعب))‬
‫(‪ )7778( )448/10‬من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ .‬وقال البيهقي‪ :‬املرسل أصح‪.‬‬
‫وحسنه األلباين يف ((صحيح اجلامع)) (‪.)6669‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ ،)6927‬ومسلم (‪.)2593‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1828‬‬
‫((( احلطمة هو الراعي الذي ال ميكن رعيته من املراتع اخلصيبة ويقبضها وال يدعها تنتشر يف املرعى‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)139/12‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1830‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪94‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫مثل لكل راع‬ ‫(وقد ضرب الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف هذا احلديث ً‬
‫عنيف‪ ،‬قاس شديد ال رمحة يف قلبه على رعيته من النَّاس‪ ،‬سواء أكان ويل أسرة‪،‬‬
‫فشر الرعاة من النَّاس على‬
‫أو صاحب سلطان‪ ،‬صغرت دائرة رعيته أو كربت‪ُّ ،‬‬
‫تلي سياسته وقيادته‪ ،‬فهو‬‫النَّاس هو احلطمة‪ ،‬الذي ال رفق عنده‪ ،‬وال رمحة يف قلبه ِّ‬
‫دائما إىل املآزق‬
‫وحتطيما‪ ،‬ويدفعهم ً‬
‫ً‬ ‫يقسو ويشتد على رعيته‪ ،‬ويوسعهم عس ًفا‬
‫بالرفق واحلكمة يف اإلدارة والسياسة)(((‪.‬‬
‫واحملرجات‪ ،‬وال يعاملهم ِّ‬
‫الرفق بالرعية‪ ،‬واإلحسان‬
‫قال ابن عثيمني‪( :‬أما والة األمور فيجب عليهم ِّ‬
‫إليهم‪ ،‬واتباع مصاحلهم‪ ،‬وتولية من هو أهل للوالية‪ ،‬ودفع الشر عنهم‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من مصاحلهم؛ َّ‬
‫ألنم مسئولون عنهم أمام اهلل عز وجل)(((‪.‬‬
‫باملدعوين‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫الرفق‬
‫‪ِّ -4‬‬
‫الداعية عليه أن يرفق يف دعوته‪ ،‬فيشفق على النَّاس وال يشق عليهم‪ ،‬وال‬
‫ينفِّرهم من الدين بأسلوبه الغليظ والعنيف‪( ،‬وأوىل النَّاس بالتَّخلُّق خبلق ِّ‬
‫الرفق‬
‫الدعاة إىل اهلل واملعلِّمون‪ ،‬فالدعوة إىل اهلل ال تؤثر ما مل تقرتن خبلق ِّ‬
‫الرفق‬
‫يف دعوة اخللق إىل احلق‪ ،‬وتعليم النَّاس ال يُؤيت مثراته الطيبات ما مل يقرتن‬
‫الرفق الذي ميلك القلوب باحملبة)(((‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ﮋﮦﮧﮨﮩ‬ ‫خبلق ِّ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ [النحل‪.]125 :‬‬
‫فيدعو باحلكمة واملوعظة احلسنة‪ ،‬ويتلطَّف مع العاصي بكالم ِّلي وبرفق‪،‬‬
‫وال يعني الشيطان عليه‪ ،‬فعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪( :‬إذا‬
‫رأيتم أخاكم قارف ذنبًا‪ ،‬فال تكونوا أعوانًا للشيطان عليه‪ ،‬تقولوا‪ :‬اللهم أخزه‪،‬‬
‫((( ((األخالق اإلسالمية)) لعبد الرمحن امليداين (‪ )341/2‬بتصرف يسري‪.‬‬
‫((( ((شرح رياض الصاحلني)) البن عثيمني (‪.)627/3‬‬
‫((( ((األخالق اإلسالمية)) لعبد الرمحن امليداين (‪.)340/2‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪95‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫اللهم العنه‪ ،‬ولكن سلوا اهلل العافية‪ ،‬فإنا‪ -‬أصحاب حممد صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬كنَّا ال نقول يف أحد شيئًا حىت نعلم عالم ميوت؟ فإن ُختم له خبري‬
‫بشر خفنا عليه)(((‪.‬‬
‫خريا‪ ،‬وإن ُختم ٍّ‬
‫علمنا أن قد أصاب ً‬
‫وانظر إىل رفق إبراهيم عليه السالم مع أبيه ﮋﮦﮧﮨﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ [مرمي‪.]47-46 :‬‬
‫(بي اهلل جل وعال يف هاتني اآليتني الكرميتني َّ‬
‫أن إبراهيم‬ ‫قال الشنقيطي‪َّ :‬‬
‫الرفق واللني‪ ،‬وإيضاح احلق‪،‬‬ ‫ملا نصح أباه النصيحة املذكورة مع ما فيها من ِّ‬
‫والتحذير من عبادة ما ال يسمع وال يبصر‪ ،‬ومن عذاب اهلل تعاىل‪ ،‬ووالية‬
‫الشيطان‪ ،‬خاطبه هذا اخلطاب العنيف ومساه بامسه‪ ،‬ومل يقل له يا بين يف مقابلة‬
‫قوله له يا أبت‪ ،‬وأنكر عليه أنَّه راغب عن عبادة األوثان‪ ،‬أي‪ :‬معرض عنها‬
‫جل وعال‪ ،‬وهدَّده‬‫ال يريدها؛ ألنَّه ال يعبد إال اهلل وحده جل وعال‪ ،‬وهدَّده َّ‬
‫بأنَّه إن مل ينته عما يقوله له لريمجنه‪ ،‬قيل‪ :‬باحلجارة‪ ،‬وقيل‪ :‬باللسان ً‬
‫شتما‪،‬‬
‫طويل‪ُ ،‬ثَّ َّبي َّ‬
‫أن إبراهيم قابل‬ ‫واألول أظهر‪ ،‬مث أمره هبجره مليًّا‪ ،‬أي‪ :‬زمانًا ً‬
‫الرفق واللني‪ ،‬يف قوله‪ :‬ﮋﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬ ‫أيضا جوابه العنيف بغاية ِّ‬
‫ً‬
‫ﯛ ﯜﯝ‪...‬ﮊ [مرمي‪. )]47 :‬‬
‫(((‬

‫الرفق باخلادم واململوك‪:‬‬


‫‪ِّ -5‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول هلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫((( رواه الطرباين يف ((املعجم الكبري)) (‪ ،)8574( )110/9‬وابن املبارك يف ((الزهد)) (‪)313/1‬‬
‫السنَّة)) (‪.)137/13‬‬
‫(‪ ،)896‬وأبو نعيم يف ((حلية األولياء)) (‪ ،)205/4‬والبغوي يف ((شرح ُّ‬
‫قال اهليثمي يف ((اجملمع)) (‪ :)250/6‬رجاله ثقات‪ ،‬إال أن عبيدة مل يسمع من أبيه‪.‬‬
‫((( ((أضواء البيان)) للشنقيطي (‪.)427/3‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪96‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫((للمملوك طعامه وكسوته باملعروف‪ ،‬وال يكلَّف من العمل إال ما يطيق))(((‪.‬‬


‫الرفق واإلحسان إليهم‪ ،‬وأن‬ ‫قال الشنقيطي‪( :‬فأوجب على مالكيهم ِّ‬
‫يطعموهم مما يطعمون‪ ،‬ويكسوهم مما يلبسون‪ ،‬وال يكلفوهم من العمل ما ال‬
‫السنَّة الواردة عنه صلى‬
‫يطيقون‪ ،‬وإن كلفوهم أعانوهم؛ كما هو معروف يف ُّ‬
‫اهلل عليه وسلم مع اإليصاء عليهم يف القرآن)(((‪.‬‬
‫الرفق باحليوان‪:‬‬
‫‪ِّ -6‬‬
‫الرفق باحليوان‪ ،‬أن تدفع عنه أنواع األذى‪ ،‬كالعطش واجلوع واملرض‪،‬‬
‫فمن ِّ‬
‫واحلمل الثقيل‪ ،‬فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه‪َّ :‬‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال‪:‬‬
‫بئرا‪ ،‬فشرب منها‪ُ ،‬ثَّ خرج‬
‫‪(( -‬بينا رجل ميشي‪ ،‬فاشتدَّ عليه العطش‪ ،‬فنزل ً‬
‫فإذا هو بكلب يلهث‪ ،‬يأكل الثرى من العطش‪ ،‬فقال‪ :‬لقد بلغ هذا مثل‬
‫الذي بلغ يب‪ ،‬فمأل خفه‪ ،‬مث أمسكه بفيه‪ ،‬مث رقي‪ ،‬فسقى الكلب‪ ،‬فشكر اهلل‬
‫أجرا؟ قال‪ :‬يف كل كبد‬
‫له‪ ،‬فغفر له‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وإن لنا يف البهائم ً‬
‫رطبة أجر))(((‪.‬‬
‫طريا‬
‫((مر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا ً‬‫‪ -‬وعن سعيد بن جبري قال‪َّ :‬‬
‫وهم يرمونه‪ ،‬وقد جعلوا لصاحب الطري كل خاطئة من نبلهم‪ ،‬فلما رأوا ابن‬
‫إن رسول‬ ‫عمر تفرقوا‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬من فعل هذا؟! لعن اهلل من فعل هذا‪َّ ،‬‬
‫غرضا((())(((‪.‬‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم لعن من اختذ شيئًا فيه الروح ً‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1662‬‬
‫((( ((أضواء البيان)) للشنقيطي (‪.)30/3‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)2363‬‬
‫((( الغرض‪ :‬هدف يرمى فيه‪ .‬انظر‪(( :‬تاج العروس)) للزبيدي (‪.)451/18‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)1958‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪97‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫الرفق‪:‬‬
‫مناذج يف ِّ‬
‫• •مناذج من رفق َّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫سهل‪ ،‬يف تعامله‪ ،‬ويف‬
‫‪ -‬كان النَّيب صلى اهلل عليه وسلم رفي ًقا هِّيـنًا لِّيـنًا ً‬
‫الرفق‪ِّ ،‬‬
‫ويرغبهم فيه‪،‬‬ ‫الرفق‪ ،‬وحيث النَّاس على ِّ‬ ‫أقواله وأفعاله‪ ،‬وكان حيب ِّ‬
‫فعن عبادة بن شرحبيل قال‪(( :‬أصابنا عام خممصة‪ ،‬فأتيت املدينة‪ ،‬فأتيت‬
‫سنبل ففركته فأكلته‪ ،‬وجعلته يف كسائي‪ ،‬فجاء‬ ‫حائطًا من حيطاهنا‪ ،‬فأخذت ً‬
‫صاحب احلائط‪ ،‬فضربين وأخذ ثويب‪ ،‬فأتيت النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫جائعا‪ ،‬أو ساغبًا‪ ،‬وال علمته إذ كان‬ ‫فأخربته‪ ،‬فقال للرجل‪ :‬ما أطعمته إذ كان ً‬
‫فرد إليه ثوبه‪ ،‬وأمر له بوسق من‬ ‫جاهل‪ ،‬فأمره النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪َّ ،‬‬‫ً‬
‫طعام‪ ،‬أو نصف وسق))(((‪.‬‬
‫‪ -‬وكان صلى اهلل عليه وسلم رفي ًقا بقومه رغم أذيتهم له‪ ،‬فعن عروة َّ‬
‫أن‬
‫عائشة رضي اهلل عنها زوج النَّيب صلى اهلل عليه وسلم حدثته َّأنا قالت للنيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ ((قال‪ :‬لقد‬
‫أشد ما لقيت منهم يوم العقبة‪ ،‬إذ عرضت‬ ‫لقيت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان َّ‬
‫يل بن عبد ُكالل‪ ،‬فلم جيبين إىل ما أردت‪ ،‬فانطلقت‬ ‫ِ‬
‫نفسي على ابن عبد يَال َ‬
‫وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إال وأنا بقرن الثعالب‪ ،‬فرفعت رأسي‪ ،‬فإذا‬
‫أنا بسحابة قد أظلتين‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جربيل فناداين‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫إن اهلل قد‬
‫مسع قول قومك لك‪ ،‬وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث إليك ملك اجلبال لتأمره مبا‬

‫((( رواه ابن أيب عاصم يف ((اآلحاد واملثاين)) (‪ ،)1654( )273/3‬وابن األثري يف ((أسد الغابة))‬
‫(‪.)49/3‬‬
‫ صحح إسناده الشنقيطي يف ((أضواء البيان)) (‪ ،)141/1‬وصححه األلباين يف ((صحيح ابن‬
‫ماجه)) (‪.)1875‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪98‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫شئت فيهم‪ ،‬فناداين ملك اجلبال فسلَّم علي‪ُ ،‬ثَّ قال‪ :‬يا حممد‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك‬
‫فيما شئت‪ ،‬إن شئت أن أُطبق عليهم األخشبني(((؟ فقال النَّيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ :‬بل أرجو أن خيرج اهلل من أصالهبم من يعبد اهلل وحده ال يشرك‬
‫به شيئًا(((‪.‬‬
‫‪ -‬وكان صلى اهلل عليه وسلم رفي ًقا يف تعليمه للجاهل‪ ،‬فعن أنس بن مالك‬
‫رضي اهلل عنه قال‪(( :‬بينما حنن يف املسجد مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫إذ جاء أعرايب فقام يبول يف املسجد‪ ،‬فقال أصحاب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪َ :‬م ْه َم ْه(((‪ .‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال تُ ْـزرموه‬
‫(((‬

‫إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دعاه‪ ،‬فقال له‪:‬‬‫دعوه‪ ،‬فرتكوه حىت بال‪ُ ،‬ثَّ َّ‬
‫إن هذه املساجد ال تصلح لشيء من هذا البول وال القذر‪َّ ،‬إنا هي لذكر اهلل‬ ‫َّ‬
‫وجل والصالة وقراءة القرآن‪ ،‬أو كما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫عز َّ‬
‫َّ‬
‫رجل من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه((())(((‪.‬‬
‫قال فأمر ً‬
‫‪ -‬وعن معاوية بن احلكم السلمي قال‪(( :‬بينا أنا أصلي مع رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬يرمحك اهلل‪ .‬فرماين‬
‫القوم بأبصارهم‪ ،‬فقلت‪ :‬واثُ ْك َل أ ُِّميَاه‪ ،‬ما شأنكم تنظرون إيل؟ فجعلوا يضربون‬
‫صمتونين لكين سكت‪ ،‬فلما صلَّى‬ ‫فلما رأيتهم يُ ِّ‬ ‫بأيديهم على أفخاذهم‪َّ ،‬‬
‫((( األخشبان‪ :‬جبال مكة‪ .‬انظر‪(( :‬تاج العروس)) للزبيدي (‪.)357/2‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ )3231‬ومسلم (‪.)1795‬‬
‫((( مه‪ :‬اسم لفعل األمر‪ ،‬ومعناه اكفف‪ .‬انظر‪(( :‬خمتار الصحاح)) للرازي (ص ‪.)300‬‬
‫((( ال تزرموه‪ :‬أي ال تقطعوا عليه بوله‪ .‬انظر‪(( :‬املصدر السابق)) (ص ‪.)136‬‬
‫((( الشن‪ :‬الصب املتقطع‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)242/13‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)285‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪99‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫معلما قبله وال بعده‬


‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فبأيب هو وأمي‪ ،‬ما رأيت ً‬
‫إن هذه‬‫تعليما منه‪ ،‬فو اهلل ما كهرين(((‪ ،‬وال ضربين‪ ،‬وال شتمين‪ .‬قال‪َّ :‬‬
‫أحسن ً‬
‫الصالة ال يصلح فيها شيء من كالم النَّاس‪َّ ،‬إنا هو التسبيح والتكبري وقراءة‬
‫القرآن))(((‪.‬‬
‫بالرفق‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫‪ -‬كما أنَّه صلى اهلل عليه وسلم كان يُ ِّبي للناس األمور ِّ‬
‫الشاب الذي طلب منه أن يأذن له بالزىن‪ ،‬فعن أيب أمامة قال ((إن فىت شابًّا‬
‫أتى النَّيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول اهلل ائذن يل بالزنا‪ ،‬فأقبل القوم‬
‫عليه فزجروه‪ ،‬وقالوا‪ :‬مه مه‪ ،‬فقال‪ْ :‬ادنُه‪ ،‬فدنا منه قريبًا‪ ،‬قال‪ :‬فجلس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ألمك؟ قال‪ :‬ال واهلل جعلين اهلل فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال النَّاس حيبونه ألمهاهتم‪،‬‬
‫أحتبُّه ِّ‬
‫قال‪ :‬أفتحبه البنتك؟ قال‪ :‬ال واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬جعلين اهلل فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال‬
‫النَّاس حيبونه لبناهتم‪ ،‬قال‪ :‬أفتحبه ألختك؟ قال‪ :‬ال واهلل جعلين اهلل فداءك‪،‬‬
‫قال‪ :‬وال النَّاس حيبونه ألخواهتم؟ قال‪ :‬أفتحبه لعمتك؟ قال‪ :‬ال واهلل جعلين‬
‫اهلل فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال النَّاس حيبونه لعماهتم‪ ،‬قال‪ :‬أفتحبه خلالتك؟ قال‪ :‬ال‬
‫واهلل جعلين اهلل فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال النَّاس حيبونه خلاالهتم‪ ،‬قال‪ :‬فوضع يده عليه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬اللهم اغفر ذنبه‪ ،‬وطهر قلبه‪ ،‬وحصن فرجه‪ ،‬فلم يكن بعد ذلك الفىت‬
‫يلتفت إىل شيء))(((‪.‬‬
‫‪ -‬وكان صلى اهلل عليه وسلم رفي ًقا بنسائه‪ ،‬فعن أنس ((أن النَّيب صلى اهلل‬

‫((( الكهر‪ :‬االنتهار‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)154/5‬‬


‫((( صحيح مسلم (‪.)537‬‬
‫((( رواه أمحد (‪ ،)22265( )256/5‬والبيهقي يف ((الشعب)) (‪.)295/7‬‬
‫قال اهليثمي يف ((جممع الزوائد)) (‪ :)134/1‬رجاله رجال الصحيح‪ ،‬وصحح إسناده األلباين يف‬
‫((السلسلة الصحيحة)) (‪ ،)712/1‬وصححه الوادعي يف ((الصحيح املسند)) (‪.)501‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪100‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫هبن يُقال له‪ :‬أ َْنَ َشة‪ ،‬وكان َْي ُدو‬


‫وق َّ‬
‫يس ُ‬
‫وس َّواق ُ‬
‫عليه وسلم أتى على أزواجه‪َ ،‬‬
‫لإلبل ببعض الشعر حىت تسرع على ِح َدائه‪ ،‬فقال له النيب‪ :‬وحيك يا أ َْنَ َشة‪،‬‬
‫يدا َس ْوقَك القوارير((())(((‪.‬‬
‫ُرَو ً‬
‫‪ -‬كما أنَّه صلى اهلل عليه وسلم كان يرفق بأبناء املسلمني‪ ،‬فعن أسامة بن‬
‫زيد رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يأخذين‬
‫فيقعدين على فخذه‪ ،‬ويقعد احلسن على فخذه اآلخر‪ ،‬مث يضمهما‪ ،‬مث يقول‪:‬‬
‫فإن أرمحهما))(((‪.‬‬
‫اللهم ارمحهما‪ِّ ،‬‬
‫• •مناذج من رفق الصحابة رضي اهلل عنهم‪:‬‬
‫رفق عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪:‬‬

‫‪ -‬عن زيد بن وهب قال‪ :‬خرج عمر رضي اهلل عنه ويداه يف أذنيه وهو‬
‫يقول‪ :‬يا لبيكاه يا لبيكاه‪ ،‬قال النَّاس‪ :‬ما له؟ قال‪ :‬جاءه بريد من بعض أمرائه‬
‫رجل‬
‫هنرا حال بينهم وبني العبور ومل جيدوا سفنًا‪ ،‬فقال أمريهم‪ :‬اطلبوا لنا ً‬ ‫َّ‬
‫أن ً‬
‫يعلم غور املاء‪ .‬فأيت بشيخ فقال‪ :‬إين أخاف الربد وذاك يف الربد‪ ،‬فأكرهه‬
‫فأدخله‪ ،‬فلم يلبثه الربد‪ ،‬فجعل ينادي‪ :‬يا عمراه يا عمراه! فغرق‪ ،‬فكتب إليه‬
‫معرضا عنه‪ ،‬وكان إذا وجد على أحد منهم فعل به ذلك‪ ،‬مث‬ ‫أياما ً‬
‫فأقبل فمكث ً‬
‫قال‪ :‬ما فعل الرجل الذي قتلته؟ قال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ما تعمدت قتله‪ ،‬مل جند‬
‫شيئًا يعرب فيه‪ ،‬وأردنا أن نعلم غور املاء‪ ،‬ففتحنا كذا وكذا‪ ،‬وأصبنا كذا وكذا‪،‬‬
‫كل شيء جئت به‪ ،‬لوال‬ ‫إيل من ِّ‬
‫أحب َّ‬
‫فقال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬لرجل مسلم ُّ‬

‫رويدا أي مهلً‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)154/5‬‬


‫((( ً‬
‫((( رواه مسلم (‪.)2323‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)6003‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪101‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫أن تكون ُسنَّة لضربت عنقك‪ ،‬اذهب فأعط أهله ديته‪ ،‬واخرج فال أراك(((‪.‬‬
‫‪ -‬وعن زيد بن أسلم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪( :‬خرجت مع عمر بن اخلطاب‪،‬‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬إىل السوق‪ ،‬فلحقت عمر امرأة شابَّة فقالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‬
‫اعا(((‪ ،‬وال هلم زرع‪ ،‬وال‬ ‫صغارا‪ ،‬واهلل ما ينضجون كر ً‬
‫هلك زوجي‪ ،‬وترك صبية ً‬
‫ضرع‪ ،‬وخشيت أن تأكلهم الضبع‪ ،‬وأنا بنت ُخفاف بن إِمياء الغفاري‪ ،‬وقد‬
‫شهد أيب احلديبية مع النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فوقف معها عمر ومل ميض‪،‬‬
‫ُثَّ قال‪ :‬مرحبًا بنسب قريب‪ ،‬مث انصرف إىل بعري ظهري((( كان مربوطًا يف‬
‫طعاما ومحل بينهما نفقة وثيابًا‪ ،‬مث ناوهلا‬
‫الدار‪ ،‬فحمل عليه غرارتني مألمها ً‬
‫(((‬

‫خبطامه‪ُ ،‬ثَّ قال‪ :‬اقتاديه فلن يفىن حىت يأتيكم اهلل خبري‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا أمري‬
‫املؤمنني‪ ،‬أكثرت هلا‪ ،‬قال عمر‪ :‬ثكلتك ُّأمك‪ ،‬واهلل إين ألرى أبا هذه وأخاها‬
‫قد حاصرا حصنا زمانًا فافتتحاه‪ ،‬مث أصبحنا نستفيء((( سهماهنما فيه)(((‪.‬‬
‫‪ -‬وكان عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يذهب إىل العوايل كل يوم سبت‪،‬‬
‫عبدا يف عمل ال يطيقه وضع عنه(((‪.‬‬
‫فإذا وجد ً‬

‫((( رواه البيهقي يف ((السنن الكربى)) (‪.)17555( )559/8‬‬


‫مستد ُّق ِ‬
‫الساق‪ .‬انظر‪(( :‬الصحاح))‬ ‫((( الكراع يف الغنم والبقر مبنزلة الوظيف يف الفرس والبعري‪ ،‬وهو َ‬
‫للجوهري (‪.)1275/3‬‬
‫((( بعري ظهري أي قوي‪ .‬انظر‪(( :‬فتح الباري)) البن حجر (‪.)152/1‬‬
‫((( مثىن غرارة وهي ما يوضع فيها الشيء من التنب وغريه‪ .‬انظر‪(( :‬عون املعبود)) للعظيم آبادي‬
‫(‪.)147/8‬‬
‫((( نستفيء من استفأت هذا املال أي أخذته فيئا‪ ،‬أي نطلب الفيء من سهماهنما‪ .‬انظر‪:‬‬
‫((عمدة القاري)) لبدر الدين العيين (‪.)219/17‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)4160‬‬
‫((( رواه مالك (‪.)41( )980/2‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪102‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫الرفق يف واحة الشعر‪:‬‬


‫ِّ‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ـف والزلـ ُـل‬
‫ـرق منــه يكــو ُن العنـ ُ‬
‫واخلـُ ُ‬ ‫الرفـ ُـق ممــن ســيل َقى اليمـ َـن صاحبُــه‬
‫ِّ‬
‫ـت فشـ ُـل‬‫ـف عنهــا إذا مــا أمكنـ ْ‬
‫والكـ ُّ‬ ‫ـزم أن يتــأىن املــرءُ فرصتَــه‬ ‫واحلـ ُ‬
‫ـر عــو ٌن مالــه مثـ ُـل‬
‫واهللُ للـ ِّ‬ ‫هلل خــرُ األم ـ ِر عاقب ـةً‬ ‫ـر ِ‬ ‫والـ ُّ‬
‫(((‬
‫العمل‬
‫يصلح ُ‬‫القول حىت َ‬‫يصلح ُ‬‫ال ُ‬ ‫خــرُ الربيـَّ ِـة قـ ًـول خريُهــم عمـ ًـا‬
‫وقال القاضي التنوخي‪:‬‬
‫يــكاد يقطــر ِمــن مـ ِ‬
‫ـاء البشاشـ ِ‬ ‫ـوب بــه‬ ‫ٍ‬
‫ـات‬ ‫ُ ُ‬ ‫ـدو بوجــه ال قطـ َ‬ ‫الـ َـق العـ َّ‬
‫يف جس ـ ِم حقـ ٍـد وثـ ٍ‬
‫ـوب ِمــن مـ ِ‬ ‫ـزم النَّـ ِ‬
‫ـاس َمــن يل َقــى أعاديَــه‬
‫ـودات‬ ‫فأحـ ُ‬
‫(((‬‫وكثــرةُ املــزِح مفتــاح العــداو ِ‬
‫ات‬ ‫الرفــق ميــن وخــر القـ ِ‬
‫ـول أصدقُــه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ ُ ٌ‬
‫وقال منصور بن حممد الكريزي‪:‬‬
‫الرجــا‬ ‫ـرق أشــأم شـ ٍ‬
‫ـيء يقـ ُـد ُم ِّ‬ ‫واخلـ ُ‬ ‫ـيء أنــت تتبعُــه‬ ‫الرفــق أميــن شـ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫(((‬
‫الزلال‬ ‫ِ‬
‫يستحقب((( َّ‬ ‫فق ال‬
‫الر َ‬ ‫َمن ير ِ‬
‫كب ِّ‬ ‫ـت ِمــن محـ ٍـد إىل ظف ـ ٍر‬
‫وذو التثبـ ِ‬

‫وقال النابغة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاســتأن يف رفـ ٍـق تــاق ً‬
‫جناحــا‬ ‫ســامةٌ‬ ‫واألنــاةُ‬ ‫ميـ ٌـن‬ ‫الرفـ ُـق‬
‫(((‬
‫ِّ‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)215‬‬
‫((( ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص ‪.)182‬‬
‫((( استحقبه‪ :‬ادخره‪ .‬انظر‪(( :‬لسان العرب)) البن منظور (‪.)325/1‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)216‬‬
‫((( ((ديوان النابغة الذبياين)) (ص‪.)77 :‬‬
‫الرفق‬
‫ِّ‬ ‫‪103‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫وقال أمحد بن موسى األزرق‪:‬‬


‫ِ‬
‫ـوب املنطـ ُـق‬‫ـول أو العيـ َ‬
‫يُبــدي العقـ َ‬ ‫ـت‪َّ ،‬‬
‫فإنــا‬ ‫وِزن الـ َ‬
‫ـكالم إذا نطقـ َ‬
‫ـكل ســه ٍم يُرشـ ُـق‬‫ـب بـ ِّ‬ ‫َّ‬
‫إن الغريـ َ‬ ‫ال أُلفينَّــك ثاويـًـا يف غربـ ٍـة‬
‫َّ (((‬ ‫مل ِ‬
‫يقضهــا إال الــذي يرتفـ ُـق‬ ‫مدجـ ٍـج يف حاجـ ٍـة‬
‫ـف َّ‬ ‫لــو ســار ألـ ُ‬
‫وقال مسلم بن الوليد‪:‬‬
‫(((‬‫مستعجل يأيت على ِ‬
‫مهل‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫كاملوت‬ ‫ـال بــه‬
‫بالرفــق مــا يعيــا الرجـ ُ‬
‫ـال ِّ‬
‫ينـ ُ‬
‫وقال حممد بن حبيب الواسطي‪:‬‬
‫ـرز‬
‫ـب وأحـ ُ‬ ‫فللرفـ ُـق أوىل باألريـ ِ‬‫ِّ‬ ‫ـي إذا مــا ســاقك الضـ ُّـر فاتئ ـ ْد‬ ‫بـ َّ‬
‫(((‬
‫ـورث الـ ُّـذ َل الطويـ َـل التعـ ُ‬
‫ـزز‬ ‫فقــد يـ ُ‬ ‫ـن عنــد األمــوِر تعـ ُّـزًزا‬ ‫فــا َْت َمـ ْ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إيــاك ِمــن عجـ ٍـل يدعــو إىل وصـ ِ‬ ‫ـور برفـ ٍـق واتئ ـ ْد أبـ ًـدا‬ ‫ِ‬
‫ـب‬ ‫خــذ األمـ َ‬
‫الرفق أو ينجو ِمن العطب‬
‫ِ (((‬ ‫يصيب ذو ِ‬
‫ُ‬ ‫ـور بــه‬ ‫الرفـ ُـق أحسـ ُـن مــا تُؤتَــى األمـ ُ‬
‫وقال املنتصر بن بالل‪:‬‬
‫ِ‬
‫ـتصعبات ِم ـرا ُن‬ ‫الرفـ ُـق للمسـ‬
‫و ِّ‬ ‫ـض األمــوِر صعوب ـةٌ‬
‫وعليــك يف بعـ ِ‬
‫وعلــى املغـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـارس تُثمـ ُـر العيــدا ُن‬ ‫وحبس ـ ِن عقـ ِـل املــرء يثبـ ُ‬
‫ـت حالُــه‬
‫(((‬

‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)216‬‬


‫((( ((احلماسة البصرية)) لصدر الدين البصري (‪.)167/1‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)218‬‬
‫((( ((نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب)) للمقري التلمساين (‪.)582/5‬‬
‫((( ((روضة العقالء)) البن حبان البسيت (ص ‪.)218‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪104‬‬ ‫الرفق‬
‫ِّ‬

‫وقال أبو احلسن الربعي‪:‬‬


‫ويســوءُ ظنُّــك أن تكــو َن شــفيقا‬ ‫رفي َقــا‬
‫ـذت‬
‫ـف مــا اختـ َ‬ ‫الرفـ ُـق ألطـ ُ‬‫ِّ‬
‫ودع التعمـ َـق فيــه والتحقيقــا‬ ‫ِ‬ ‫وأهلِــه‬‫فخـ ِـذ اجملـ َـاز ِمــن الزمـ ِ‬
‫ـان‬
‫ـب التوفيقــا‬ ‫ـألت اهللَ صحب ـةَ صاحـ ٍ‬
‫ـب‬ ‫وإذا سـ َ‬
‫فاســألْه يف أن يصحـ َ‬
‫ـئت وعاجـ ًـزا مرزوقــا‬
‫(((‬
‫ـث شـ َ‬
‫يف حيـ ُ‬ ‫ـذرا‬
‫حازمــا متعـ ً‬
‫ً‬ ‫وانظـ ْـر بعينِــك‬

‫((( ((جممع احلكم واألمثال)) ألمحد قبش (ص ‪.)193‬‬


‫فهرس املوضوعات‬ ‫‪105‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪5‬‬ ‫الحلْم ‪.....................................................‬‬ ‫ِ‬
‫‪5‬‬ ‫واصطالحا‪................................ :‬‬ ‫معنى ِ‬
‫الحلْم لغةً‬
‫ً‬
‫‪5‬‬ ‫معىن احلِْلم لغةً‪.............................................:‬‬
‫‪5‬‬ ‫اصطالحا‪...................................... :‬‬‫ً‬ ‫معىن احلِْلم‬
‫‪5‬‬ ‫الصفات‪.......................... :‬‬
‫الحلْم وبعض ِّ‬ ‫الفرق بين ِ‬
‫‪5‬‬ ‫الصرب‪.................................... :‬‬ ‫الفرق بني احلِْلم و َّ‬
‫‪6‬‬ ‫الوقَار‪.................................... :‬‬ ‫ِ‬
‫الفرق بني احل ْلم و َ‬
‫‪6‬‬ ‫اإلم َهال‪.................................. :‬‬ ‫ِ‬
‫الفرق بني احل ْلم و ْ‬
‫‪6‬‬ ‫الرفق‪............................... :‬‬‫الفرق بني احلِْلم واألَنَاة و ِّ‬
‫‪6‬‬ ‫الحلْم‪........................................:‬‬ ‫التَّرغيب في ِ‬
‫‪6‬‬ ‫أول‪ :‬يف القرآن الكرمي ‪.......................................‬‬ ‫ً‬
‫‪8‬‬ ‫السنَّة النَّبويَّة‪........................................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يف ُّ‬
‫‪10‬‬ ‫السلف والعلماء في ِ‬
‫الحلْم‪.......................... :‬‬ ‫أقوال َّ‬
‫‪13‬‬ ‫فوائد الحلم‪.............................................. :‬‬
‫‪14‬‬ ‫الوسائل المعينة على اكتساب ِ‬
‫الحلْم‪.......................:‬‬
‫‪17‬‬ ‫الحلْم‪..........................................:‬‬ ‫نماذج في ِ‬
‫‪17‬‬ ‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪..................... :‬‬ ‫ِ‬
‫مناذج من حلم الن ِّ‬
‫‪21‬‬ ‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪................... :‬‬ ‫نماذج ِمن ِحلْم َّ‬
‫‪21‬‬ ‫ِح ْلم أيب ذر رضي اهلل عنه‪.................................. :‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪106‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪21‬‬ ‫ِح ْلم معاوية رضي اهلل عنه‪...................................:‬‬


‫‪22‬‬ ‫ِح ْلم عمرو بن العاص رضي اهلل عنه‪..........................:‬‬
‫‪22‬‬ ‫ِح ْلم ابن عبَّاس رضي اهلل عنهما‪............................. :‬‬
‫‪22‬‬ ‫السلف‪................................... :‬‬ ‫نماذج ِمن ِحلْم َّ‬
‫‪22‬‬ ‫ِح ْلم عمر بن عبد العزيز‪................................... :‬‬
‫‪22‬‬ ‫َّعيب‪.............................................. :‬‬ ‫ِ‬
‫ح ْلم الش َ‬
‫‪22‬‬ ‫نماذج ِمن ِحلْم العلماء المعاصرين‪......................... :‬‬
‫‪22‬‬ ‫ِح ْلم الشَّيخ ابن باز‪....................................... :‬‬
‫‪24‬‬ ‫الحلْم‪.........................................:‬‬ ‫األمثال في ِ‬
‫‪24‬‬ ‫الحلْم في واحة ِّ‬
‫الشعر‪.................................... :‬‬ ‫ِ‬
‫‪28‬‬ ‫الحيَاء‪.....................................................‬‬ ‫َ‬
‫‪28‬‬ ‫واصطالحا‪................................:‬‬
‫ً‬ ‫الحيَاء لغةً‬
‫معنى َ‬
‫‪28‬‬ ‫معىن احلَيَاء لغةً‪........................................... :‬‬
‫‪28‬‬ ‫اصطالحا‪...................................... :‬‬
‫ً‬ ‫معىن احلَيَاء‬
‫‪28‬‬ ‫الحيَاء والخجل‪.................................:‬‬ ‫الفرق بين َ‬
‫‪29‬‬ ‫الحيَاء‪........................................:‬‬‫التَّرغيب في َ‬
‫‪29‬‬ ‫أول‪ :‬يف القرآن الكرمي ‪.......................................‬‬ ‫ً‬
‫‪30‬‬ ‫السنَّة النَّبويَّة‪........................................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يف ُّ‬
‫‪35‬‬ ‫الحيَاء‪..........................:‬‬
‫السلف والعلماء في َ‬ ‫أقوال َّ‬
‫‪37‬‬ ‫الحيَاء‪.............................................. :‬‬ ‫فوائد َ‬
‫‪38‬‬ ‫الحيَاء‪............................................. :‬‬ ‫أقسام َ‬
‫فهرس املوضوعات‬ ‫‪107‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪38‬‬ ‫(ينقسم احلَيَاء باعتبار حملِّه إىل قسمني‪........................:‬‬


‫‪38‬‬ ‫وينقسم باعتبار متعلَّقه إىل قسمني‪........................... :‬‬
‫‪39‬‬ ‫صور الحياء‪.............................................. :‬‬
‫‪39‬‬ ‫من صور احلياء احملمود‪......................................:‬‬
‫‪39‬‬ ‫الحيَاء المذموم‪..................................... :‬‬ ‫صور َ‬
‫‪39‬‬ ‫ِمن صور احلَيَاء املذموم‪..................................... :‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪ -‬احلَيَاء يف طلب العلم‪.................................... :‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -‬احلَيَاء ِمن األمر باملعروف والنَّهي عن املنكر‪................ :‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -‬فعل أمر هنى عنه الشَّارع‪................................. :‬‬
‫‪42‬‬ ‫صور احلَيَاء كما ذكرها ابن القيِّم‪............................ :‬‬
‫‪42‬‬ ‫وقسمها إىل عشرة أوجه وهي‪...... :‬‬‫صورا للحياء َّ‬‫ذكر ابن القيِّم ً‬
‫‪43‬‬ ‫وقد يكون هلذا النَّوع سببان‪................................. :‬‬
‫ِ‬
‫‪44‬‬ ‫الحيَاء‪..................................... :‬‬‫من مظاهر قلَّة َ‬
‫‪45‬‬ ‫الحيَاء‪..................................... :‬‬
‫موانع اكتساب َ‬
‫‪45‬‬ ‫الغناء‪..................................................... :‬‬
‫‪45‬‬ ‫ارتكاب املعاصي‪...........................................:‬‬
‫‪46‬‬ ‫الحيَاء‪.......................:‬‬
‫الوسائل المعينة على اكتساب َ‬
‫‪46‬‬ ‫للحيَاء‪.............................................:‬‬ ‫نماذج َ‬
‫‪46‬‬ ‫مناذج ِمن َحيَاء األنبياء واملرسلني عليهم السالم‪................:‬‬
‫‪46‬‬ ‫حياء أبينا آدم و ِّأمنا حواء‪................................. :‬‬
‫‪47‬‬ ‫السالم‪............................ :‬‬‫حياء نيب اهلل موسى عليه َّ‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪108‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪48‬‬ ‫مناذج ِمن حياء األمم َّ‬


‫السابقة‪............................... :‬‬
‫‪48‬‬ ‫حياء امرأة صاحلة‪......................................... :‬‬
‫‪48‬‬ ‫حياء العرب يف اجلاهليَّة‪.................................... :‬‬
‫‪49‬‬ ‫َّيب صلى اهلل عليه وسلم‪.....................:‬‬ ‫ِ‬
‫مناذج من حياء الن ِّ‬
‫‪49‬‬ ‫حياؤه ِمن اهلل‪............................................. :‬‬
‫‪50‬‬ ‫حياؤه ِمن النَّاس‪.......................................... :‬‬
‫‪51‬‬ ‫حياؤه يف تعامله مع َمن بلغه عنه شيء‪...................... :‬‬
‫‪51‬‬ ‫الصحابة رضي اهلل عنهم‪..................... :‬‬ ‫مناذج ِمن حياء َّ‬
‫‪51‬‬ ‫الصدِّيق رضي اهلل عنه‪........................ :‬‬ ‫حياء أيب بكر ِّ‬
‫‪51‬‬ ‫عفان رضي اهلل عنه‪......................... :‬‬ ‫حياء عثمان بن َّ‬
‫‪52‬‬ ‫حياء علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪...................... :‬‬
‫‪52‬‬ ‫حياء عائشة رضي اهلل عنها‪................................ :‬‬
‫‪52‬‬ ‫حياء فاطمة بنت عتبة رضي اهلل عنها‪....................... :‬‬
‫‪53‬‬ ‫السلف‪..................................... :‬‬ ‫مناذج ِمن حياء َّ‬
‫‪55‬‬ ‫الحيَاء في واحة ِّ‬
‫الشعر‪.................................... :‬‬ ‫َ‬
‫‪58‬‬ ‫الر ْح َمة ‪....................................................‬‬ ‫َّ‬
‫‪58‬‬ ‫واصطالحا‪............................... :‬‬
‫ً‬ ‫الر ْح َمة لغةً‬
‫معنى َّ‬
‫‪58‬‬ ‫الر ْحَة لغةً‪........................................... :‬‬ ‫معىن َّ‬
‫‪58‬‬ ‫اصطالحا‪..................................... :‬‬
‫ً‬ ‫الر ْحَة‬
‫معىن َّ‬
‫‪59‬‬ ‫والرأفة‪.................................. :‬‬
‫الر ْح َمة َّ‬ ‫الفرق بين َّ‬
‫‪59‬‬ ‫الر ْح َمة‪....................................... :‬‬ ‫الترغيب في َّ‬
‫فهرس املوضوعات‬ ‫‪109‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪59‬‬ ‫أول‪ :‬يف القرآن الكرمي ‪.......................................‬‬ ‫ً‬


‫‪61‬‬ ‫السنَّة النَّبويَّة‪........................................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يف ُّ‬
‫‪65‬‬ ‫الر ْح َمة‪............................................. :‬‬ ‫فوائد َّ‬
‫‪67‬‬ ‫الر ْح َمة‪.............................................:‬‬ ‫أقسام َّ‬
‫‪67‬‬ ‫أقسامها من حيث املدح والذم‪.............................. :‬‬
‫‪69‬‬ ‫أقسامها من حيث الغريزة واالكتساب‪....................... :‬‬
‫‪70‬‬ ‫الر ْح َمة‪.............................................. :‬‬ ‫صور َّ‬
‫‪70‬‬ ‫‪ -1‬شفقة اإلمام برعيته‪ ،‬وجتنب ما من شأنه أن جيلب املشقة‬
‫عليهم‪................................................... :‬‬
‫‪70‬‬ ‫‪ -2‬التوسط يف العبادات وترك ما يشق على النفس‪........... :‬‬
‫‪70‬‬ ‫الر ْحَة هلما‪....... :‬‬
‫الذل من َّ‬‫‪ -3‬الرب بالوالدين‪ ..‬وخفض جناح ُّ‬
‫‪71‬‬ ‫خريا واإلحسان إليها‪...................... :‬‬
‫‪ -3‬الوصية باملرأة ً‬
‫‪71‬‬ ‫‪ -4‬الشفقة على األبناء‪ ،‬والعطف واحلزن عليهم‪ ،‬إذا أصاهبم‬
‫مكروه‪................................................... :‬‬
‫‪72‬‬ ‫الر ْحَة مبن هم حتت سلطانه‪ ،‬من العبيد‪ ،‬واخلدم‪ ،‬والعمال‪،‬‬ ‫‪َّ -5‬‬
‫وغريهم‪.................................................. :‬‬
‫‪72‬‬ ‫‪ -6‬األمر بإحسان ِ‬
‫القتلة والذحبة‪........................... :‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪ -7‬النهي عن تعذيب احليوان أو إخافته أو إجهاده أو إجاعته‪. :‬‬
‫‪74‬‬ ‫الر ْح َمة‪.................:‬‬
‫األسباب المعينة على التخلق بخلق َّ‬
‫‪75‬‬ ‫الر ْح َمة‪......................................... :‬‬
‫نماذج في َّ‬
‫‪75‬‬ ‫مناذج من رمحة النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪..................... :‬‬
‫موسوعة األخالق‬ ‫‪110‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪75‬‬ ‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم َّ‬


‫بالكفار‪.......................... :‬‬
‫‪76‬‬ ‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم باحليوان‪.......................... :‬‬
‫‪77‬‬ ‫رمحته صلى اهلل عليه وسلم باجلماد‪...........................:‬‬
‫‪77‬‬ ‫مناذج من رمحة الصحابة رضوان اهلل عليهم‪.................... :‬‬
‫‪79‬‬ ‫مناذج من رمحة السلف‪......................................:‬‬
‫‪79‬‬ ‫رمحة عمر بن عبد العزيز رمحه اهلل‪............................ :‬‬
‫‪80‬‬ ‫مناذج من رمحة العلماء املتقدمني‪............................. :‬‬
‫‪80‬‬ ‫رمحة ابن تيمية رمحه اهلل‪..................................... :‬‬
‫‪80‬‬ ‫مناذج من رمحة العلماء املعاصرين‪.............................:‬‬
‫‪80‬‬ ‫رمحة الشيخ ابن باز رمحه اهلل‪................................ :‬‬
‫‪80‬‬ ‫الر ْح َمة‪.......................................... :‬‬ ‫قالوا عن َّ‬
‫‪82‬‬ ‫الر ْح َمة في واحة الشعر‪....................................:‬‬ ‫َّ‬
‫‪85‬‬ ‫الرفق‪......................................................‬‬ ‫ِّ‬
‫‪85‬‬ ‫واصطالحا‪.................................:‬‬
‫ً‬ ‫معنى الرفق لغةً‬
‫‪85‬‬ ‫معىن الرفق لغةً‪............................................ :‬‬
‫‪85‬‬ ‫اصطالحا‪....................................... :‬‬
‫ً‬ ‫الرفق‬
‫معىن ِّ‬
‫‪85‬‬ ‫الرفق‪........................................ :‬‬ ‫الترغيب في ِّ‬
‫‪85‬‬ ‫أول‪ :‬يف القرآن الكرمي ‪.......................................‬‬ ‫ً‬
‫‪86‬‬ ‫السنَّة النَّبويَّة‪........................................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يف ُّ‬
‫‪88‬‬ ‫الرفق‪...........................:‬‬ ‫أقوال السلف والعلماء في ِّ‬
‫‪91‬‬ ‫الرفق‪............................................... :‬‬ ‫فوائد ِّ‬
‫فهرس املوضوعات‬ ‫‪111‬‬ ‫موسوعة األخالق‬

‫‪92‬‬ ‫الرفق‪............................................... :‬‬ ‫صور ِّ‬


‫‪92‬‬ ‫الرفق بالنفس يف أداء ما فرض عليه‪..................... :‬‬ ‫‪ِّ -1‬‬
‫‪93‬‬ ‫الرفق مع النَّاس عامة‪.................................. :‬‬‫‪ِّ -2‬‬
‫‪93‬‬ ‫الرفق بالرعية‪.......................................... :‬‬‫‪ِّ -3‬‬
‫‪94‬‬ ‫باملدعوين‪....................................... :‬‬
‫ِّ‬ ‫الرفق‬
‫‪ِّ -4‬‬
‫‪95‬‬ ‫الرفق باخلادم واململوك‪................................. :‬‬‫‪ِّ -5‬‬
‫‪96‬‬ ‫الرفق باحليوان‪......................................... :‬‬‫‪ِّ -6‬‬
‫‪97‬‬ ‫الرفق‪.......................................... :‬‬ ‫نماذج في ِّ‬
‫‪97‬‬ ‫مناذج من رفق النَّيب صلى اهلل عليه وسلم‪..................... :‬‬
‫‪100‬‬ ‫مناذج من رفق الصحابة رضي اهلل عنهم‪.......................:‬‬
‫‪100‬‬ ‫رفق عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪.......................... :‬‬
‫‪102‬‬ ‫الرفق في واحة الشعر ‪......................................‬‬ ‫ِّ‬
‫‪105‬‬ ‫الفهرس ‪...................................................‬‬

You might also like