Professional Documents
Culture Documents
طريق الصدام
طريق الصدام
ملخص الورقة يأتى فى مقدمتها على الوجه التالى :قد تكون هذه اللحظة نقطة تحول فى الصراع الفلسطينى
اإلسرائيلى ،ربما بنفس أهمية نقطة التحول تلك التى تبلورت قبل 30عا ًما بالضبط وأصبحت تُعرف باسم عملية أوسلو.
وفى حني أنه من الصعب تقييم النتيجة املستقبلية للديناميات الحالية ،إال أنها ال تبدو جيدة بالنسبة لفلسطني أو
إسرائيل .سيتشكل املستقبل القريب عند تصادم تطورين ،أحدهما فلسطينى واآلخر إسرائيلى .فى الجانب
الفلسطينى ،وصلت السلطة الفلسطينية اآلن إلى النقطة التى لم تعد فيها قادرة على تلبية توقعات إسرائيل األمنية فى
ضمان »احتكار« القوة املسلحة فى املناطق الخاضعة لسيطرتها .ويتجلى هذا التطور حاليًا فى تشكيل جماعات
مسلحة يقودها شباب فلسطينيون فى املدن ومخيمات الالجئني ،وأبرزها فى الجزء الشمالى من الضفة الغربية .ويعتقد
خا أن التكاليف التى فرضت على إسرائيل خالل االنتفاضتني األولى والثانية هى التى الفلسطينيون اعتقا ًدا راس ً
أقنعتها باعتبار الدولة الفلسطينية مصلحة وطنية إسرائيلية .وهذا االعتقاد بفاعلية القوة هو الذى يغذى اآلن صعود
الجماعات املسلحة فى الضفة الغربية .على الجانب اإلسرائيلى ،تظهر »إسرائيل جديدة« تتميز بأيديولوجيا قومية دينية
حريصة على تحجيم إسرائيل العلمانية التى عرفها الفلسطينيون خالل معظم السنوات الثالثني املاضية ،منذ اتفاق
أوسلو ،وعلى تأكيد سيطرة إسرائيل الدائمة على الضفة الغربية .إن تشكيل اليمني الحالى ،أى القومى والقومى-
الدينى ،والحكومة املتطرفة التى تمثله ،والتى تهيمن عليها ألول مرة فى تاريخ إسرائيل أحزاب سياسية دينية وقومية-
دينية فى الغالب ،هو أوضح إشارة حتى اآلن على التطور الثانى .تُعيد »إسرائيل الجديدة« الصراع الفلسطينى
اإلسرائيلى إلى جذوره التاريخية الوجودية.
منت الورقة يصف الطريق واملتغيرات داخل الساحتني الفلسطينية واإلسرائيلية التى أدت إلى ذلك؛ ومن جانب آخر كيف
فاعال فى هذا التطور .الحقيقة التى يمكن اشتقاقها من هذا التحليل هى أن العالم ال ً كانت املتغيرات العاملية واإلقليمية
يقف ساكنًا فى أى لحظة زمنية ،وإنما تتراكم فيه تطورات صغيرة أو كبيرة سرعان ما تصبح تغيرات نوعية إما أنها
تكون فارضة لصدام يبحث عن مقياس جديد لتوازنات القوى؛ أو أنها تكون باعثة على التفكير فى سبل أخرى للتعامل
مع حالة سياسية معقدة .كان عالِم السياسة األمريكى -لبنانى األصل -إدوارد عازار هو الذى ابتكر وصف الصراع
العربى اإلسرائيلى بأنه »صراع مركب ومعقد أو «Protracted Conflictيتخلله العديد من الخاليا التاريخية
متعذرا ،حتى عندما تلوح فرص وموارد لحل الصراع .لقد مضت ً واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،بحيث يجعل حله
اآلن ثالثة عقود على توقيع »اتفاق أوسلو« ،الذى فتح الباب على حل الصراع الفلسطينى اإلسرائيلى ،بينما سار
تأثرا باإلطار اإلقليمى لألخير ،بينما ال يزال األول واق ًعا داخل التشابك بني
الصراع العربى اإلسرائيلى إلى مسار آخر ً
عناصره األولية املتداخلة جغرافيًّا وديموغرافيًّا.
وبينما املؤكد أن الصراعني ال ينفصالن بشكل كامل ،فإن قوانني حركة كليهما تفرض مداخل جديدة للتعامل مع
العناصر املتشابكة ذات الطبيعة »الجيوسياسية« بالنسبة لألول؛ والعناصر »الجيوسياسية واجتماعية والثقافية«
وجه الضربات بالنسبة للثانى .املثال الواضح على ذلك له طبيعة »جيو استراتيجية« واضحة ،فالبُعد اإليرانى الذى ّ
الصاروخية إلى السعودية واإلمارات من خالل النافذة »الحوثية /اإليرانية« كان هو ذاته الذى كان على عالقة وثيقة مع
جماعات اإلسالم السياسى فى غزة ،وحتى مع السلطة الوطنية الفلسطينية فى رام اهلل .النتيجة املباشرة لذلك لم تكن
كما تصورها اإلسرائيليون أو األمريكيون تكوين تحالف عربى إسرائيلى ملواجهة إيران ،وإنما تحرير اإلرادة العربية
فى تكوين حساباتها االستراتيجية بفتح النوافذ مع إيران وتركيا دون ممانعة مع إسرائيل إذا ما كان ذلك مفي ًدا.
والحقيقة هى أن »السالم اإلبراهيمى« لم يكن هو وحده الساعى الستيعاب إسرائيل فى املنطقة؛ وإنما كان استيعاب
إسرائيل من خالل إنتاج وتوزيع وتصدير الغاز فى املنطقة سواء كان ذلك من خالل منتدى شرق البحر األبيض
املتوسط ،أو توقيع التفاهم بني مصر وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية من أجل إنتاج الغاز من »حقل غاز غزة
البحرى« ،األمر الذى يتيح املوارد للشعب الفلسطينى .وربما دون قصد أو تدبير ،فإن تخطيط الحدود البحرية مع لبنان
يؤدى ربما دون قصد إلى تهدئة األزمة اللبنانية ،وإلى إنتاج الغاز فى الحقول املواجهة للبنان وما يقدمه من توفير موارد
يلتف حولها الشعب اللبنانى.
عملية االستيعاب إلسرائيل هذه ال تغض البصر عن املمارسات اإلسرائيلية فى األراضى الفلسطينية املحتلة ،فالواقع
هنا أنه ال توجد شيكات مفتوحة على بياضها إلسرائيل لتفعل ما تراه بالشعب الفلسطينى سواء كان باالستيطان
املستمر أو االعتداء الدائم .قرار املغرب بوقف اجتماع مجموعة النقب -إسرائيل والواليات املتحدة واملغرب ومصر
والبحرين واإلمارات -كان أولى اإلشارات على أن هناك حدو ًدا للتعامل مع إسرائيل فى ظل سياساتها العدوانية الحالية
اختيارا ثالثًا للتعامل العربى والفلسطينى ً
أيضا مع إسرائيل، ً تجاه األراضى الفلسطينية املحتلة .مثل هذا األمر يخلق
فال يكون الصدام حتميًّا ،وال يكون السالم ممكنًا ،ما لم تكفل السياسات االستراتيجية تغييرات واقعية داخل الساحتني
الفلسطينية واإلسرائيلية تكفل القدرة على التعامل مع القضية الفلسطينية من خالل املبادرة العربية ،أو العمل من أجل
االستقرار والتنمية االقتصادية فى الشرق األوسط.
ولكن هذا االختيار الثالث باستيعاب إسرائيل مثل تركيا وحتى إيران داخل منظومة شرق أوسطية تسود فيها »اإلقليمية
الجديدة« فى سعيها نحو التعاون سوف يظل ممكنًا تصادمه مع الشعب الفلسطينى ،ما لم يتم الدفع فى اتجاه
انتخابات إسرائيلية جديدة تكفل خروج اليمني املتطرف من الحكم؛ وتكفل عقد انتخابات فلسطينية جديدة تجدد الدماء
الفلسطينية .هنا يكون التمييز بني اإلسرائيليني فى تعاملهم مع الدول العربية ضرور ّيًا؛ ويكون ضرور ّيًا فى البداية
السعى العربى الستيعاب الفلسطينيني داخل إسرائيل ،بحيث يكون فى مقدورهم املشاركة السياسية فى العملية
االنتخابية دون تفتيت ما لديهم من أصوات فى تكتالت صماء غير منفتحة على مصالح محلية أو إقليمية تخص القضية
الفلسطينية فى جوهرها ٪٢١ .من سكان إسرائيل من العرب الفلسطينيني ،وبمقدورهم تكوين جبهة وطنية ال تُخرج
اليمينيني املتعصبني من الحكم فقط ،وإنما يكون بمقدورها بناء جبهة من الوسط واليسار تغير من إسرائيل وأقدار
املنطقة