You are on page 1of 8

‫محور العدد‪ :‬مستقبل الصراع اإلسرائيلي ‪-‬الفلسطيني‪ :‬أطروحات وبدائل إسرائيلية جديدة‬

‫أمير مخول‬

‫مبادرة بيلين ‪ -‬الحسيني للكونفدرالية اإلسرائيلية الفلسطينية‪:‬‬


‫مصير دون حق تقرير المصير‬

‫الدوليــة‪ .‬ويســعى املقــال لإلجابــة عــى مســألة‪ :‬هــل‬ ‫يســعى هــذا املقــال إىل مناقشــة مبــادرة الكونفدراليــة‬
‫هــي مبــادرة تمهيديــة الســراتيجيات إرسائيــل للحقبــة‬ ‫اإلرسائيليــة الفلســطينية التــي ارتبطــت إعالميًــا باســم يويس‬
‫مــا بعــد مرحلــة الرئيــس الفلســطيني محمــود عبــاس؟‪.‬‬ ‫بيلــن أحــد مهنــديس اتفاقــات اوســلو‪ ،‬وذلــك عــى الرغــم‬
‫كمــا يســعى املقــال إىل تبيــان التباينــات بــن عــدد مــن‬ ‫مــن وجــود رشيكــة فلســطينية هــي املحاميــة واملستشــارة‬
‫طروحــات الكونفدراليــة‪ ،‬وبالــذات يف مســألة الحــل‬ ‫القانونيــة للوفــد الفلســطيني املفــاوض يف التســعينيات مــن‬
‫التحريــري يف التعامــل مــع االســتعمار االســتيطاني مقــال‬ ‫القــرن املــايض هبــة الحســيني‪ .‬كمــا يســعى إىل قــراءة‬
‫مــا يف أساســه تســليم بالواقــع‪ .‬وهــل هنــاك قيمــة إضافيــة‬ ‫مر ّكبــات املبــادرة ودوافعهــا ويُجــري مقاربــات بينهــا وبــن‬
‫لكثــرة االنشــغاالت بأشــكال الحــل يف مرحلــة فلســطينية‬ ‫املبــادرات األخــرى التــي كان يــويس بيلــن رشيــ ًكا فيهــا‬
‫وعربيــة مرتدّيــة مــن غــر الواضــح مــا إذا كانــت قــادرة‬ ‫ومبــاد ًرا لهــا‪ .‬يف مناقشــة املبــادرة يجــري التوقــف عنــد‬
‫عــى إنتــاج حلــول؟ وهــل باإلمــكان الجــزم باندثــار حــل‬ ‫املســوغات التــي يطرحهــا بيلــن يف مســألة املســتوطنني‪،‬‬
‫الدولتــن‪ ،‬وهــذا مرتبــط بمــدى صمــود مقولــة «اســتحالة‬ ‫وملــاذا يــرى بهــم الطــرف األول الــذي ينبغــي التوجّ ــه إليــه‬
‫طنات واملســتوطنني»؟ ثــم يناقــش املقــال‬ ‫إخــاء املســتو َ‬ ‫ـة إىل مســعاه والحســيني‬ ‫ومناقشــته بشــأن املبــادرة‪ ،‬إضافـ ً‬

‫‪23‬‬
‫مســألة هــل انتهــى فعــاً «حــ ّل الدولتــن»؟ ومــا عالقــة‬ ‫لتحويلهــا إىل وثيقــة دوليــة العتمادهــا إطــا ًرا لحــل دائــم‪،‬‬
‫ذلــك بكثــرة االنشــغال بالصيــغ املســتقبلية يف حــن يبتعــد‬ ‫ويتــم التطــ ّرق إىل مفهــوم الخــروج عــن إطــار الرشعيــة‬

‫عدد ‪85‬‬
‫الالجئــن الفلســطينيني بالعــودة إىل دولــة فلســطني وحمــل‬ ‫الحــل‪ ،‬وكذلــك بمســألة حــق الشــعب الفلســطيني يف تقريــر‬
‫جنســيتها وعندهــا بمســتطاعهم اإلقامــة يف دولــة إرسائيــل‬ ‫مصــره بشــكل مســتق ّل عــن صيغــة الحــل املقرتحــة‪.‬‬
‫وليــس املواطنــة‪ ،‬وعمليًــا إذا بقــي مائــة ألــف مســتوطن‬
‫فيســمح للعــدد نفســه مــن الالجئــن باإلقامــة يف إرسائيــل‪.‬‬
‫أي أن عــدد الالجئــن املتــاح لهــم الحصــول عــى إقامــة‬
‫الكونفدرالية اإلسرائيلية الفلسطينية –‬
‫يف إرسائيــل منــوط يف نهايــة املطــاف بــإرادة املســتوطنني‬ ‫مبادرة يوسي بيلين وهبة الحسيني‬
‫وقرارهــم‪.‬‬ ‫عــى امتــداد عامــن‪ ،‬أعــ ّد يــويس بيلــن الوزيــر‬
‫كمــا تنــص الخطــة عــى أنــه ســيكون إلرسائيــل‬ ‫ً‬
‫والحقــا رئيــس‬ ‫اإلرسائيــي الســابق عــن حــزب العمــل‬
‫تنســقان عــى‬ ‫وفلســطني حكومتــان منفصلتــان‪ ،‬لكنهمــا ّ‬ ‫حــزب مريتــس‪ ،‬وأحــد مهنــديس اتفاقيــات أوســلو‪ ،‬مــع‬
‫أعــى املســتويات بشــأن األمــن والبنيــة التحتيــة والقضايــا‬ ‫املحاميــة الفلســطينية هبــة الحســيني املستشــارة القانونيــة‬
‫األخــرى التــي تؤثــر عــى كال الشــعبني‪ .‬ويف القنــال‬ ‫للوفــد الفلســطيني املفــاوض يف ســنوات التســعينيات‪،‬‬
‫الســابعة‪ ،‬أكــد بيلــن بأنــه «لــن يتــم اقتــاع مســتوطن‬ ‫ومعهمــا لفيــف مــن املســاهمني اآلخريــن مــن شــخصي ٍ‬
‫ّات‬
‫ّ‬
‫بــأن حمايــة‬ ‫واحــد»‪ .‬تنــص املبــادرة كمــا رصح بيلــن‬ ‫أكاديميــة وأمنيّــة‪ ،‬خطــة تفصيليــة لحــل ســلمي يقــوم عــى‬
‫الحــدود للدولــة الكونفدراليــة تكــون بمســؤولية الجيــش‬ ‫مبــدأ الكونفيدراليــة بــن دولتــن مســتقلتني همــا إرسائيــل‬
‫اإلرسائيــي وســاح الجــو لتحمــي حــدود البلديــن مــن أي‬ ‫وفلســطني‪ ،‬عــى أن يتــم تقديمهــا لألمــن العــام لألمــم‬
‫عــدو خارجــي‪ .‬يف حــال تطبيــق املبــادرة فذلــك يعنــي‬ ‫املتحــدة ومســؤولني يف اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬منهــم نائبــة وزيــر‬
‫نهايــة الــراع وا َملطالــب‪.‬‬ ‫الخارجيــة وينــدي شــرمان‪ ،‬وعضــو مجلــس األمــن القومــي‬
‫مــا يطرحــه بيلــن ومــا تطرحــه الحســيني ‪ -‬بغــض‬ ‫لشــؤون الــرق األوســط وافريقيــا بربــارا ليــف‪ ،‬وهــي‬
‫ُخضــع فعليًــا‪ ،‬حــق الشــعب‬ ‫النظــر عــن نوايــا املبادريــن ‪ -‬ي ِ‬ ‫ـة يف الشــؤون العربيــة‬‫مــن أهــم الخــراء وأكثرهــم تجربـ ً‬
‫الفلســطيني يف تقريــر مصــره لصيغــة محــددة‪ ،‬ال تــؤدي‬ ‫واإلرسائيليــة‪ ،‬كمــا أكــد بيلــن أنــه «تــم إطــاع مســؤولني‬
‫بالــرورة إىل كونفدراليــة عــى أســاس نــديّ بــل يُبقــي‬ ‫فلســطينيني وإرسائيليــن عــى مســوّدة الخطــة»‪ .‬كل ذلــك‬
‫الســيطرة اإلرسائيليــة اليهوديــة‪ .‬فهــو ال يتحــدث عــن دولــة‬ ‫دون اإلفصــاح عــن أســمائهم ومراكزهــم‪.‬‬
‫فلســطينية ذات ســيادة وال عــن حــق تقريــر املصري للشــعب‬ ‫ـص‬‫لقــد اســتعرض بيلــن جوهــر الخطــة يف مقابلــة خـ ّ‬
‫الفلســطيني بــل عــن دولــة يف ســياق الكونفدراليــة وحــق‬ ‫بهــا القنــال الســابعة املخصصــة للمســتوطنني‪ ،‬وســبقتها‬
‫تقريــر املصــر ضمــن الوضــع القائــم‪ ،‬وعمليًــا‪ ،‬اعتبــا ًرا‬ ‫بيــوم واحــد ترصيحاتــه وترصيحــات هبــة الحســيني‬
‫مــن آخــر نقطــة وصــل إليهــا توســع املــروع االســتعماري‬ ‫لوكالــة أسوشــييتد بــرس ‪ 7‬شــباط ‪ .2022‬تدعــو الخطــة‬
‫االســتيطاني الصهيونــي وتعمقــه‪ .‬ال يتحــدث حتــى عــن‬ ‫إىل إقامــة دولــة فلســطني املســتقلة يف معظــم املناطــق‬
‫انســحاب إرسائيــل مــن كل املناطــق املحتلــة عــام ‪.1967‬‬ ‫الفلســطينية املحتلــة عــام ‪ 1967‬يف الضفــة الغربيــة وغــزة‬
‫ثــم إذا كانــت صيغــة الكونفدراليــة إطــا ًرا لحــل جــزء مــن‬ ‫والقــدس الرشقيــة‪ ،‬وستســمح الخطــة لنحــو ‪ 500‬ألــف‬
‫مركبــات الــراع‪ ،‬فــإن كل مــا تطرحــه الخطــة املذكــورة‬ ‫مســتوطن يهــودي يف الضفــة الغربيــة املحتلــة بالبقــاء‬
‫ال يخــرج مــن التكافــؤ‪ ،‬بــل مــن الــا ‪ -‬تــوازن الصــارخ‬ ‫هنــاك‪ ،‬مــع ضــم مســتوطنات كبــرة بالقــرب مــن الحــدود‬
‫بــن القــوى عــى األرض‪ ،‬والحديــث ليــس عــن منطــق‬ ‫[حــدود ‪ ]1967‬إلرسائيــل يف تبــادل لــأرايض‪ ،‬عــى أن تمنــح‬
‫األمــور باملســتوى النظــري وإنمــا هنــاك نظــام اســتعماري‬ ‫إرسائيــل مناطــق باملســاحة نفســها لدولة فلســطني‪ .‬وســيتم‬
‫اســتيطاني احتــايل يســيطر عــى كل فلســطني‪ ،‬وال تنحــر‬ ‫منــح املســتوطنني الذيــن يعيشــون يف عمــق الضفــة الغربيــة‬
‫ســيطرته بالجانــب العســكري فحســب‪ ،‬بــل يف كل مناحــي‬ ‫خيــار االنتقــال اىل إرسائيــل أو أن يصبحــوا ســكانًا يتمتعــون‬
‫الحيــاة املدنيــة واالقتصاديــة والتشــغيلية والتجاريــة‬ ‫بإقامــة دائمــة يف دولــة فلســطني‪ .‬وســيتم الســماح للعــدد‬
‫ومناهــج التعليــم وغريهــا‪ ،‬وعــى كل خــرات البــاد‪ .‬كمــا‬ ‫نفســه مــن الالجئــن الفلســطينيني يف الــدول املجــاورة‪،‬‬
‫ينــدرج هــذا النظــام ضمــن معيــار «األمــم الغنيــة»‪ ،‬حســب‬ ‫باالنتقــال إىل إرسائيــل كمواطنــن فلســطينيني مــع امكانيــة‬
‫مواصفــات منظمــة الــدول املتطــورة ‪ ،OECD‬بينمــا الشــعب‬ ‫إقامــة دائمــة يف إرسائيــل‪ .‬وإن بقــي نصــف مليــون‬ ‫‪24‬‬
‫الفلســطيني ُمـ ْد َرج ضمــن الشــعوب الناميــة‪ .‬بنــا ًء عليــه ال‬ ‫مســتوطن يف الضفــة‪ ،‬فعندهــا يســمح لعــدد مماثــل مــن‬

‫عدد ‪85‬‬
‫(أ‪.‬ف‪.‬ب)‬ ‫ ‬‫«شبح» املستوطنني يطل برأسه من سيناريوهات الحلول‪.‬‬

‫الرشقيــة بحيــث تتبــع األحيــاء اليهوديــة إىل إرسائيــل‬ ‫أســاس مــن التكافــؤ أو النديّــة يمكــن ضمانهمــا يف الفجــوة‬
‫والفلســطينية إىل فلســطني مــع ضمــان حريــة التنقــل‬ ‫الهائلــة يف تــوازن القــوى حتــى يف ظــل اتفــاق ســام‪.‬‬
‫بالكامــل لســكان املدينــة ومناليــة األماكــن املقدســة‪ ،‬كمــا‬
‫حــا نهائيًــا ملســألة الالجئــن عــى أســاس‬ ‫ً‬ ‫تضمنــت‬ ‫بين مبادرة الكونفدرالية ومبادرة جنيف‬
‫االنتقــال إىل دولــة فلســطني والتعويــض ومنظومــة إرشاف‬ ‫تســتند املبــادرة بشــكل كبــر إىل مبــادرة جنيــف مــن‬
‫دوليــة عــى تطبيــق الحــل‪.‬‬ ‫مفصلــة وشــاملة تــم‬ ‫ّ‬ ‫العــام ‪ ،2003‬وهــي خطــة ســام‬
‫العمــل عليهــا مــن قبــل إرسائيليــن وفلســطينيني بارزيــن‪،‬‬
‫المبادرة والمستوطنون‬ ‫أساســا لهــا صيغــة الرئيــس‬‫ً‬ ‫بقيــادة بيلــن نفســه‪ ،‬اعتمــدت‬
‫ً‬
‫طرفــا بحـ ّد‬ ‫إن طــرح املبــادرة للمســتوطنني بصفتهــم‬ ‫ّ‬ ‫األمريكــي األســبق كلينتــون إطــا ًرا للحــل‪ ،‬وهــي الصيغــة‬
‫ذاتــه‪ ،‬وأخــذ إمكانيــة اعرتاضهــم عــى الحــل باالعتبــار‬ ‫التــي طرحهــا الرئيــس األمريكــي يف شــهر كانــون األول‬
‫املشـدَّد‪ ،‬ال يعنــي منحهــم وضعيــة خــارج إطــار الالعــب‬ ‫‪ 2000‬قبــل انتهــاء واليتــه‪ ،‬ويف أعقــاب انــدالع االنتفاضــة‬
‫اإلرسائيــي مقابــل الفلســطينيني‪ ،‬بــل إضافتهــم إىل قــوة‬ ‫الثانيــة ورفــض الرئيــس الفلســطيني يــارس عرفــات التنازل‬
‫أصل‬‫ً‬ ‫دولــة االحتــال ‪ -‬إرسائيــل يف ميــزان القــوى املائــل‬ ‫عــن حــق الالجئــن يف العــودة‪ ،‬وعــن القــدس‪ ،‬ورفضــه‬
‫لصالحهــا وبشــكل صــارخ‪ ،‬لذلــك تنشــغل الوثيقــة‬ ‫االنصيــاع لإلمــاءات اإلرسائيليــة األمريكيــة‪.‬‬
‫ـت‪ ،‬يف عــدم التصــادم مــع املســتوطنني؛ أي‬ ‫ـكل الفـ ٍ‬
‫بشـ ٍ‬ ‫بدورهــا‪ ،‬اعتــرت وثيقــة جنيــف أن القبــول ببنودهــا‬
‫فعليًــا االعــراف ضمنيًّــا بامتيــاز للمســتوطنني يضاهــي‬ ‫يعنــي إنهــاء الــراع واالدعــاءات وا َملطالــب أيًّــا كانــت‪،‬‬
‫«حــق» تقريــر مصريهــم ومصــر دولتهــم‪ ،‬وبمــا‬ ‫القائــم عــى حــدود متفــق عليهــا عــى إســاس حــدود‬
‫يناقــض القانــون الــدويل‪ .‬بينمــا تســعى هبــة الحســيني‬ ‫‪ 1967‬واإلبقــاء عــى الكتــل االســتيطانية مــع إرسائيــل‬
‫إىل االعــراف بهــذه املعضلــة‪ ،‬لكنهــا تراهــن عــى اإلطــار‬ ‫أراض‪ ،‬ودولــة فلســطينية مــن دون جيــش‬ ‫مقابــل تبــادل ٍ‬
‫الشــامل للحــل الــذي يجعلهــا مســألة قابلــة للضبــط‪ .‬بل‬ ‫مقابــل ترتيبــات أمنيــة‪ ،‬واالعــراف املتبــادل بــن الدولتــن‬
‫‪25‬‬
‫إنهــا ‪ -‬كمــا بيلــن ‪ -‬ال تطــرح حــق الالجئــن بالعــودة‬ ‫بصفتهمــا الوطنــن القوميــن ك ٌّل لشــعبه‪ ،‬وتقســيم القــدس‬

‫عدد ‪85‬‬
‫من نماذج األمر الواقع المعاكس –‬ ‫إال ّ مرهونًــا بعــدد املســتوطنني يف الضفــة الغربيــة الذيــن‬
‫ســيكونون تحــت الســيادة الفلســطينية يف يــوم مــا فيمــا‬
‫الدولة أقوى من مستوطنيها؟!‬
‫لــو تــم تطبيــق الخطــة‪ .‬يــرر بيلــن محاججتــه وخطتــه‬
‫يف نظــرة لعــددٍ مــن املحطــات التاريخيــة أو املفصليــة‬
‫بعــدم إخــاء املســتوطنات وإجــاء املســتوطنني بأنهــم‬
‫نجــد أن مســألة املســتوطنات أو االنســحاب هــي قــرارات‬
‫«يهيمنــون عــى النظــام الســيايس يف إرسائيــل‪ ،‬ذلــك الذي‬
‫ســيادية للدولــة وال تعلــو عليهــا ســلطة مــن داخلهــا‪.‬‬
‫يــرى يف الضفــة الغربيــة جــزءًا ال يتجــزأ مــن إرسائيــل»‬
‫ـر واقــع‬‫فقــد تعاملــت إرسائيــل بعــد حــرب ‪ 1967‬كأمـ ٍ‬
‫لكنــه يــدرك أن املجتمــع الــدويل يعتــر االســتيطان غــر‬
‫ال تراجــع عنــه مــع االســتيطان يف شــبه جزيــرة ســيناء‬
‫رشعــي ومنــاف للقانــون الــدويل‪ .‬وعليــه باإلمــكان اعتبار‬
‫الــذي تشــ ّكل مــن كتلتــن‪ :‬واحــدة – كتلــة يف رفــح‬
‫ً‬
‫طريقــا التفافيــة عــى الرشعيــة الدوليــة‪.‬‬ ‫هــذا املســلك‬
‫املرصيــة ‪-‬كتلــة يميــت‪ -‬هدفهــا عــزل قطــاع غــزة عــن‬
‫وفقــا لترصيحــات ك ٍّل مــن بيلــن والحســيني‬ ‫ً‬
‫ســيناء‪ ،‬وضمّ ــت ثــاث عــرة مســتوطنة أكربهــا مدينــة‬
‫ألسوشــيتد بــرس‪ ،‬وبيلــن يف القنــال الســابعة التابعــة‬
‫يميــت‪ ،‬أمــا الكتلــة الثانيــة فتمثلــت بمســتوطنات «خليــج‬
‫ايــات»‪ ،‬وتمثلــت بثــاث مســتوطنات إىل حينــه‪ .‬هــذا‬ ‫للمســتوطنني‪ ،‬تتطلــب الخطــة املزيــد مــن التنــازالت‬
‫ناهيــك عــن التواجــد العســكري واملطــارات والقواعــد‪.‬‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وهــذا مــا تؤكــده الحســيني‪« :‬الإجــاز‬
‫فضــل رشم‬ ‫وأكــد ذلــك قــول مــويش ديــان الشــهري «أ ُ ِّ‬ ‫إقامــة الدولــة وإحقــاق حــق تقريــر املصــر املنشــود‬
‫الشــيخ مــن دون ســام‪ ،‬عــى ســام بــدون رشم الشــيخ»‬ ‫الــذي نعمــل عليــه منــذ ‪ ،1948‬علينــا ً‬
‫حقــا‪ ،‬أن نقــدم‬
‫ولــم تمــض ســنوات حتــى تــم االنســحاب مــن كل ســيناء‬ ‫بعــض التنــازالت»‪ ،‬وتضيــف مــن حيــث نقطــة االنطــاق‬
‫وهــدم كامــل مســتوطناتها‪.‬‬ ‫«نحــن نعكــس العمليــة ونبــدأ باالعــراف» كمخــرج‬
‫لقــد انســحبت إرسائيــل يف أعقــاب اتفاقــات أوســلو‬ ‫نحــو الحــل‪ .‬يف حــن ال يتجاهــل بيلــن الصعوبــات‬
‫والحقــا مــن مســتوطنات يف شــمال الضفــة ألن‬ ‫ً‬ ‫‪1993‬‬ ‫كمــا رصح للمصــدر نفســه‪ ،‬لكنــه يشــر إىل أنــه «يف‬
‫الفائــدة السياســية مــن االنســحاب باتــت أكــر مــن فائــدة‬ ‫حــال تـ ّم تجــاوُز التهديــد باملواجهــات مــع املســتوطنني‪،‬‬
‫بقائهــا وحمايتهــا وتوفــر البنيــة التحتيــة لهــا‪ .‬كمــا‬ ‫ّ‬
‫محف ـ ًزا ألولئــك املعنيــن بحــل الدولتــن‪،‬‬ ‫فســيكون هــذا‬
‫آنفــا‪ ،‬مــن لبنــان يف العــام ‪2000‬‬ ‫انســحبت كمــا ذكــر ً‬ ‫إذ إن صيغــة الكونفدراليــة ســتجعل هــذه املعضلــة أكثــر‬
‫بســبب التكلفــة والثمــن االســراتيجي‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬دفعــت‬ ‫قابليــة للحــل ومجديــة أكثــر»‪ .‬وهــو بذلــك يؤكــد مــا‬
‫االنتفاضــة األوىل إرسائيــل إىل التفتيــش عــن حــ ٍّل بضغـ ٍ‬
‫ـط‬ ‫معنــاه أن حــل الدولتــن غــر ممكــن ألنــه ســيصطدم‬
‫أيضــا مــن املجتمــع الــدويل‪ ،‬بينمــا دفعتهــا االنتفاضــة‬ ‫ً‬ ‫باملســتوطنني النصــف مليــون‪ ،‬يف حــن أن الكونفدراليــة‬
‫الثانيــة إىل اتخــاذ خطــوات أحاديــة الجانــب‪ ،‬وأهمّ هــا‬ ‫ُخضــع حــق تقريــر املصــر‬ ‫تتجــاوز املشــكلة‪ .‬بينمــا ي ِ‬
‫االنســحاب املذكــور مــن قطــاع غــزة وإخــاء املســتوطنني‬ ‫والدولــة ملتطلبــات الكونفدراليــة التــي بــادر إليهــا‪ .‬يبقى‬
‫وهــدم املســتوطنات مقابــل حصــار غــزة مــن خارجهــا‪،‬‬ ‫الســؤال أو التســاؤل بــأي ثمــن فلســطيني ســيكون‬
‫فقــد جــاء االنســحاب مــن غــزة ألن إرسائيــل باتــت تدفــع‬ ‫ذلــك؟ وهــو مــا يقبلــه الطــرف الفلســطيني يف املبــادرة‬
‫ثمنًــا أعــى مــن فائــدة بقائهــا أو أنهــا ال تســتطيع أن‬ ‫عنــد الحديــث عــن تبادليــة التنــازالت‪ .‬حســب الحســيني‬
‫تتحملــه‪ ،‬أي لــم يــأت االنســحاب اإلرسائيــي أحــادي الجانب‬ ‫فــإن االقــراح بالنســبة للمســتوطنني «مثــر للجــدل‬
‫مــن غــزة عــام ‪ 2005‬نتيجــة لضغــط مــن الــرأي العــام‪،‬‬ ‫إىل حــ ّد كبــر»‪ ،‬ولــو توقفنــا عنــد هــذه الجملــة فهــي‬
‫ألن املســتوطنني انصاعــوا‬ ‫أو نتيجــة لضغوطــات دوليــة‪ ،‬أو ّ‬ ‫تأكيــد مــن ناحيــة عــى الخــاف بهــذا الشــأن حتــى‬
‫للقــرار‪ ،‬بــل نتيجــة قــراءة اســراتيجية بعيــدة املــدى قــام‬ ‫بــن أطــراف الوثيقــة‪ ،‬بــل والقبــول بهــا عــى مضــض‪،‬‬
‫بهــا شــارون وحكومتــه‪ ،‬ربمــا اســتلهم مركبــات منهــا مــن‬ ‫وفيهــا إشــارة إىل أن مبــدأ النديّــة ليــس هــو مــا يحكــم‬
‫االنســحاب اإلرسائيــي مــن جنــوب لبنــان العــام ‪،2000‬‬ ‫التفاعــل بــن أطــراف املبــادرة‪ ،‬فكــم بالحــري يف حــال‬
‫الــذي كان نتــاج قــراءة اســراتيجية بعيــدة املــدى لحكومــة‬ ‫لــو ت ـ ّم تطبيقهــا‪ ،‬فهنــاك مــن ســيدفع ثمنهــا أال وهــو‬
‫إيهــود بــاراك قصــرة األمــد يف حينــه‪ ،‬وهــي بدورهــا ال‬ ‫الشــعب الفلســطيني والقانــون الــدويل‪.‬‬
‫نســب إىل حركــة االحتجــاج اإلرسائيليــة‪ ،‬وال إىل‬‫يمكــن أن تُ َ‬ ‫‪26‬‬
‫حركــة األمهــات الثــاكالت «أربــع أمهــات»‪ ،‬فأثرهــا يف حينــه‬

‫عدد ‪85‬‬
‫خضع‬ ‫ُ‬
‫ما يطرحه بيلين وما تطرحه الحسيني ‪ -‬بغض النظر عن نوايا المبادرين ‪ -‬ي ِ‬
‫ً‬
‫فعليا‪ ،‬حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره لصيغة محددة‪ ،‬ال تؤدي بالضرورة‬
‫ندي بل ُيبقي السيطرة اإلسرائيلية اليهودية‪ .‬فهو‬
‫إلى كونفدرالية على أساس ّ‬
‫ال يتحدث عن دولة فلسطينية ذات سيادة وال عن حق تقرير المصير للشعب‬
‫الفلسطيني بل عن دولة في سياق الكونفدرالية وحق تقرير المصير ضمن الوضع‬
‫ً‬
‫اعتبارا من آخر نقطة وصل إليها توسع المشروع االستعماري‬ ‫ً‬
‫وعمليا‪،‬‬ ‫القائم‪،‬‬
‫االستيطاني الصهيوني وتعمقه‪.‬‬

‫واملقصــود حســب املواصفــات اإلرسائيليــة فلســطينيون ذوو‬ ‫كان محــدودًا للغايــة وقــد جــرى توظيفهــا سياس ـيًا لدعــم‬
‫نزعــة براغماتيــة واعتــدال ســيايس يتنازلــون بموجبــه عــن‬ ‫القــرار باالنســحاب‪.‬‬
‫أوّل يف بحــدود الرابــع مــن حزيــران ‪ 1967‬وال‬ ‫مبــدأ الدولــة ً‬ ‫تؤكــد الحالــة اإلرسائيليــة أن الدولــة تملــك كل القــدرات‬
‫يــرون يف املســتوطنات العقبــة األكــر‪ ،‬بــل يقبلــون بفكــرة‬ ‫ملعالجــة مســألة إخــاء املســتوطنات فيمــا لــو أرادت‪،‬‬
‫احتوائهــا‪ .‬وهــذا مــا ال يتوفــر لــدى الرئيــس محمــود عبــاس‬ ‫دون مطالبــة الفلســطينيني بالتنــازل مجــ ّددًا‪ ،‬وذلــك ثمنًــا‬
‫املتمســك بالحــل املذكــور وبالرشعيــة الدوليــة‪ .‬بنــا ًء عليــه‪،‬‬ ‫للوضــع اإلرسائيــي الســيايس الداخــي‪ ،‬والدولــة قــادرة‬
‫فــإن املســعى هــو أن تتعــزز هــذه املبــادرة يف مرحلــة‬ ‫عــى عــدم االنصيــاع ملســتوطنيها‪ .‬إال أنهــا معنيّــة بهــم‪،‬‬
‫«مــا بعــد أبــو مــازن» كمــا تصفهــا مراكــز أبحــاث األمــن‬ ‫ومعنيــة باملســتوطنني يف عمــق الضفــة الغربيــة‪ ،‬وهــم مــن‬
‫القومــي اإلرسائيليــة‪.‬‬ ‫التنظيمــات اإلرهابيــة التــي تعتــدي يوميًــا عىل الفلســطينيني‬
‫إن مســاعي هندســة النخــب الفلســطينية مــن قبــل‬ ‫وتقتلــع زيتونهــم وتخ ـ ّرب مواســمهم‪ ،‬وتعتــدي عــى حيــاة‬
‫دولــة االحتــال ليســت جديــدة‪ ،‬بــل إنهــا اســراتيجية‬ ‫النــاس‪ ،‬وهنــاك كل الســلطات املخوّلــة بردعهــم وتملــك كل‬
‫هيمنــة وضبــط واســتنزاف دائمــة‪ ،‬لفــرض إزاحــة املنحــى‬ ‫األدوات‪ ،‬إال أنهــا غــر معنيّــة‪ ،‬بينمــا مــن الظلــم الصــارخ‬
‫الفلســطيني عــن مســار الرشعيــة الدوليــة‪ ،‬وليــس‬ ‫للفلســطينيني مطالبتهــم بقبــول هــؤالء املســتوطنني‬
‫بالــرورة مــن أجــل حــل الكونفدراليــة‪ .‬بــل هنالــك‬ ‫ومنحهــم إقامــة دائمــة يف مســتوطناتهم املقامــة عــى أرايض‬
‫ـاع كثيفــة للضغــط عــى القيــادة الفلســطينية يف م‪ .‬ت‪.‬‬ ‫مسـ ٍ‬ ‫ضحايــا اعتداءاتهــم‪.‬‬
‫ف والســلطة إلفشــال عمــل لجنــة التحقيــق املنبثقــة عــن‬
‫مجلــس حقــوق اإلنســان‪ ،‬إضافــة إىل تعزيــز التنســيق‬ ‫مخاطر التنازل عن الشرعية الدولية‬
‫األمنــي وتعزيــز الرابــط املصلحــي للســلطة بدولــة االحتــال‬ ‫أو «انتظار ما بعد حقبة أبو مازن»‬
‫ـة هــو‬‫مــن خــال التنســيق املدنــي‪ .‬لكــن األكثــر جوهريـ ً‬ ‫يــدرك بيلــن بدهائــه الســيايس وبتجربتــه الغنيــة يف‬
‫املســاعي لتجــاوز مفهــوم الرشعيــة الدوليــة‪ ،‬وهــو أمــر‬ ‫هندســة اتفاقــات أوســلو وعــدد مــن نمــاذج الحــل التــي‬
‫ممكــن فقــط بالتوافــق مــع الفلســطينيني‪ ،‬وحــن يحصــل‬ ‫ســعى إليهــا‪ ،‬إضافــة إىل كونــه مــن أقــرب املقربــن إىل‬
‫مثــا‪ ،‬قــد يتــم‬‫ً‬ ‫يفقــد الحــق الفلســطيني مرشوعيتــه‪.‬‬ ‫شــمعون برييــس يف حينــه ورشيكــه يف الوصــول إىل اتفاقــات‬
‫إلغــاء وضعيــة فلســطني الخاصــة املتمثلــة باللجنــة املعنيــة‬ ‫بــأن أيّ حــ ٍّل خــارج حــدود الرشعيــة الدوليــة‬‫ّ‬ ‫أوســلو‪،‬‬
‫بحقــوق الشــعب الفلســطيني يف األمــم املتحــدة‪ ،‬أو الوضعيــة‬ ‫باإلمــكان تمريــره فقــط يف حــال كان إرسائيليًــا ‪ -‬فلســطينيًا‪،‬‬
‫الخاصــة لالجئــن الفلســطينيني يف األمــم املتحــدة‪ ،‬وهــي‬ ‫هــذا مــا حصــل يف أوســلو‪.‬‬
‫وأن مكانــة وكالــة‬ ‫إنجــاز وأداة للشــعب الفلســطيني‪ ،‬كمــا ّ‬ ‫مســاعي للوصــول إىل رشيــك‬‫َ‬ ‫لذلــك ال بــد أن هنــاك‬
‫غــوث الالجئــن الفلســطينيني ‪ -‬األونــروا مهــددة باالندثــار‪،‬‬ ‫فلســطيني قيــادي رســمي يقبــل املبــادرة‪ ،‬يف حــن أن‬
‫يف حــن أن املســتهدف الفعــي هــو ليــس األونــروا بحــ ّد‬ ‫هنــاك إشــكالية بــأن الرشيــك الفلســطيني ا ُملرتجَ ــى يجــب‬
‫ذاتهــا‪ ،‬بــل حــق العــودة وقضيــة الالجئــن‪.‬‬ ‫أن ال يكــون متمســ ًكا بحــ ّل الدولتــن والرشعيــة الدوليــة؛‬
‫‪27‬‬
‫أي مــن تصفــه الحســيني بأنــه يمتلــك «تفكــرًا جديــدًا»‪،‬‬

‫عدد ‪85‬‬
‫القــدرة عــى ذلــك‪ ،‬أو النوايــا ‪ -‬دون أي تشــكيك بصدقهــا‬
‫‪ -‬القائلــة بإمكانيــة احتــواء حــل الكونفدراليــة ملســألة‬ ‫مقارنة مع مبادرة «بالد للجميع‪:‬‬
‫املســتوطنات‪ .‬هنــاك اختــاف آخــر يتعلــق بالغايــة مــن ك ٍّل‬ ‫دولتان وطن واحد»‬
‫مــن الوثيقتــن‪ ،‬فــإن كانــت مبــادرة رببــورت – املنــي‪،‬‬ ‫شــهدت قضيــة فلســطني العديــد مــن املبــادرات‬
‫قائمــة عــى العمــل الشــعبي كأســاس إلقنــاع الشــعبني بهــا‪،‬‬ ‫واملشــاريع للحــل الكونفــدرايل‪ ،‬ســواء قبــل العــام ‪ 1948‬أو‬
‫فــإن مبــادرة بيلــن الحســيني موجّ هــة للمنظومــة الدوليــة‬ ‫بعــده‪ ،‬بــل إن قــرار التقســيم ‪ 181‬للعــام ‪ 1947‬يتضمــن‬
‫وبالــذات الواليــات املتحــدة وبرعايــة األمــم املتحــدة‪ ،‬وال‬ ‫أن حــل الدولتــن يف حــدود‬ ‫مركبــات كونفدراليــة‪ ،‬يف حــن ّ‬
‫تتوجــه إىل الشــعب الفلســطيني حتــى وال لإلرسائيليــن بــل‬ ‫«الخــط األخــر» هــو نتــاج احتــال ‪ 1967‬وليــس‬
‫تخــص املســتوطنني ً‬
‫أول‪.‬‬ ‫‪ ،1948‬بينمــا أتــى بمقوّمــات مــن الحــق التاريخــي ونــزع‬
‫يســتعري بيلــن النمــوذج األوروبــي لتطبيقــه برؤيــة‬ ‫املــروع االســتعماري يف هــذا الجــزء مــن فلســطني‪ ،‬وحــق‬
‫مســتقبلية يف فلســطني‪ .‬عــى الرغــم مــن هــذا النمــوذج‬ ‫العــودة وحــل قضيــة الالجئــن عــى أســاس القــرار األممــي‬
‫الطمــوح‪ ،‬فــإن النمــوذج األوروبــي متعــدد األطــراف مختلف‬ ‫‪ .194‬باالنتقــال إىل العقــود الثالثــة األخــرة؛ أي منــذ مؤتمــر‬
‫يف جوهــره عــن ثنائــي األطــراف‪ ،‬ليــس فقــط يف العــدد‬ ‫مدريــد واتفاقــات أوســلو‪ ،‬فقــد وردت مقرتحــات عــدة‬
‫بــل يف جوهــر األمــور ويف القــدرة عــى تحييــد جــزء مهــم‬ ‫تحمــل عنــوان الكونفدراليــة‪ ،‬مــا يعنــي أن مبــادرة بيلــن‬
‫مــن الفجــوات يف توازنــات القــوى ويف منظومــات الضبــط‬ ‫الحســيني ليســت األوىل يف هــذا املضمــار‪ ،‬بــل ســبقتها‬
‫والهيمنــة والتس ـيّد‪ .‬فلــو أخذنــا نمــوذج الســوق األوروبيــة‬ ‫وثيقــة الصحــايف والناشــط اإلرسائيــي مــرون رببــورت‬
‫املشــركة التــي شــكلت البنيــة التحتيــة لالتحــاد األوروبــي‪،‬‬ ‫والناشــط الســيايس الفلســطيني عونــي املنــي ولفيــف‬
‫فــإن الحالــة اإلرسائيليــة الفلســطينية هي ســوق مشــركة أو‬ ‫مــن املثقفــن واألكاديميــن واملهتمــن‪ ،‬وقــد حملــت عنــوان‬
‫ســوق واحــدة أو كمــا ع ّرفهــا تقريــر أمنســتي نظــام جامــع‬ ‫«بــاد للجميــع‪ :‬دولتــان وطــن واحــد»‪ .‬الوثيقتــان مختلفتان‬
‫ومهيمــن‪ ،‬ال تســمح (إرسائيــل) بــأن تصبح الســوق مشــركة‬ ‫يف مــا يتعلــق بجوهــر األمــور وبالتوجــه؛ أي يف التعاطــي مع‬
‫ـا إال بمفهــوم هيمنــة الطــرف القــوي‪ ،‬طاملــا لــم يجــر‬ ‫فعـ ً‬
‫الحــق الفلســطيني ومــع الغبــن التاريخــي‪ .‬فخطــة بيلــن‬
‫ـبقا تفكيــك املنظومــة االســتعمارية املهيمنــة عــى كل‬ ‫مسـ ً‬
‫تعتمــد منطــق «طمأنــة» اليمــن الصهيونــي والتيــار الديني‬
‫فلســطني‪ .‬ومــا تطرحــه املبــادرة ال يحتــوي عــى أي نــوع‬
‫القومــي االســتيطاني‪ ،‬وتســعى إىل إقناعــه بقبــول الحــل من‬
‫مــن تفكيــك هــذه البنيــة‪ ،‬وهــي ليســت بنيــة شــكلية بــل‬
‫خــال تجــاوز مســألة إزالــة املســتوطنات املقامــة يف عمــق‬
‫تقــوم عليهــا الدولــة املهيمنــة‪ ،‬وال تتــم هــذه مســألة بإقنــاع‬
‫الضفــة الغربيــة‪ ،‬كمــا تخاطــب املركــز الصهيونــي بمســألة‬
‫املهيمــن بــأن يتنــازل عــن امتيــازات القــوة التــي يعتربهــا‬
‫أساســا وضمانًــا لوجــوده‪.‬‬‫ً‬ ‫الديمغرافيــا‪ .‬جوهريًــا‪ ،‬ال تكــون الحلــول للرصاعــات نتــاج‬
‫رأي عــام فحســب‪ ،‬فالقانــون الــدويل ال يعتمــد الــرأي العــام‬
‫اإلرسائيــي كــي يحــدد النظــرة القانونيــة لحقــوق الشــعب‬
‫فرضية الجزم بانتهاء حل الدولتين‪،‬‬ ‫الفلســطيني عــى أساســه‪ .‬بــل يعتمــد معايــر القانــون‬
‫واالنشغال ّ‬
‫بالصيغ البديلة‬ ‫والرشعيــة الدوليــة وحــق الشــعوب يف تقريــر مصريهــا‬
‫قــد يكــون مبــدأ الكونفدراليــة برؤيــة مســتقبلية مناسـبًا‬ ‫املرســخ بالقــرارات الدوليــة‪ .‬هنــاك أهميــة للــرأي العــام‬ ‫ّ‬
‫صيغــا‬‫ً‬ ‫لحــل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬إال أن للكونفدراليــة‬ ‫حتــى يف نظــام اســتعماري‪ ،‬إال أنهــا ليســت حاســمة وال‬
‫وليــس صيغــة واحــدة‪ ،‬ويصــح األمــر عــى كافــة أشــكال‬ ‫جوهريــة يف مــا يتعلــق بحــق الضحايا‪ .‬كمــا ّ‬
‫أن الــرأي العام‬
‫الحكــم بمــا فيهــا النظــام الديمقراطــي والجمهــوري وغــر‬ ‫هــو مســألة ينتجهــا الواقــع وهــو واقــع ممكــن أن يتغــر يف‬
‫ذلــك‪ .‬قــد تكــون الصيــغ متشــابهة‪ ،‬وقــد تكــون مختلفــة‬ ‫ـن‪ .‬ثــم إن إرسائيــل لــم تنســحب مــن املناطــق‬ ‫ظــرف معـ ّ‬
‫وحتــى متناقضــة‪ .‬الكونفدراليــة يف أساســها هــي اتحــاد‬ ‫املحتلــة عــام ‪ 1967‬قبــل بدايــة املــروع االســتيطاني‬
‫بــن دول تتوافــق عــى نظــام جامــع ال يلغــي ســياد َة أيٍّ‬ ‫فيهــا‪ ،‬كموقــف اســراتيجي‪ ،‬لذلــك فــإن انتهاكاتهــا‬
‫ُلزمــة لكيانــات ســيادية تقــوم بتحويــل‬ ‫منهــا‪ ،‬أو رابطــة م ِ‬ ‫للقانــون الــدويل واحتالالتهــا املتتاليــة ليســت نتــاج ضغــط‬
‫ُ‬
‫جــزء مــن صالحياتهــا لآلليّــة املشــركة‪ ،‬التــي تديــر‬ ‫الــرأي العــام بــل نتــاج مخططــات اســراتيجية‪ .‬إال أن‬ ‫‪28‬‬
‫بدورهــا املجــاالت املتفــق عليهــا بشــأن الكينونــة املشــركة‪،‬‬ ‫الخطتــن لــم تتبنّيــا إزالــة املســتوطنات مبديتــان عــدم‬

‫عدد ‪85‬‬
‫تعتمد خطة بيلين منطق «طمأنة» اليمين الصهيوني والتيار الديني القومي‬
‫االستيطاني‪ ،‬وتسعى إلى إقناعه بقبول الحل من خالل تجاوز مسألة إزالة‬
‫المستوطنات المقامة في عمق الضفة الغربية‪ ،‬كما تخاطب المركز الصهيوني‬
‫ً‬
‫جوهريا‪ ،‬ال تكون الحلول للصراعات نتاج رأي عام فحسب‪،‬‬ ‫بمسألة الديمغرافيا‪.‬‬
‫فالقانون الدولي ال يعتمد الرأي العام اإلسرائيلي كي يحدد النظرة القانونية لحقوق‬
‫الشعب الفلسطيني على أساسه‪.‬‬

‫ونفوذهــا فإنهــا غــر قــادرة عــى حســم قضيــة فلســطني‬ ‫وتقــوم بتنســيق السياســات وتشــ ّكل إطــا ًرا جديــدًا‬
‫وال عــى تجاوزهــا‪ ،‬ممــا قــد ينعكــس عــى جوهــر إرسائيــل‬ ‫ـا عنهــا‪ .‬كمــا أن‬‫ـا للكيانــات الســيادية وليــس بديـ ً‬ ‫مكمّ ـ ً‬
‫وطبيعتهــا مــن وجهــة النظــر الصهيونيــة‪ ،‬بمــا يف ذلــك‬ ‫الكونفدراليــة الزمــت تاريخيًــا مناطــق وشــعوب ومجموعات‬
‫تهديــد طابعهــا الديمغــرايف اليهــودي أو طابــع نظــام الحكم‬ ‫كانــت تخــوض رصاعــات أليمــة فيمــا بينهــا وجــاء اإلطــار‬
‫فيهــا‪ ،‬وكذلــك يواجــه إرسائيــل يف توســيع نفوذهــا اإلقليمــي‬ ‫التوافقــي بعــد أن خمــدت نــران تلــك الحــروب وليــس قبــل‬
‫االســراتيجي‪ .‬كمــا هنــاك قــوى تــرى بــأن الحـ ّل هــو رشط‬ ‫ذلــك‪ .‬ويُســأل الســؤال حــول الحالــة الفلســطينية والــراع‬
‫رضوري الســتدامة إرسائيــل دولــة يهوديــة ديمقراطيــة‪،‬‬ ‫الفلســطيني مــع املــروع الصهيونــي ودولــة إرسائيــل‪،‬‬
‫آفاقــا للحــل وجــدوى للشــعبني‪ ،‬ولهــذا التيــار‬ ‫ويــرى ً‬ ‫فهــل تتأســس الكونفدراليــة عــى التســليم بمــا حققــه‬
‫ينتمــي يــويس بيلــن‪ .‬يف املقابــل ال يــرى التيــار املهيمــن‬ ‫املــروع االســتعماري االســتيطاني يف فلســطني أم عــى‬
‫يف إرسائيــل يف العقــد األخــر رضور ًة للحــ ّل‪ ،‬بــل هنــاك‬ ‫أن الــرط االســاس‬ ‫نز ِعــه وتفكيكــه كــرط مســبق؟ كمــا ّ‬
‫حاجــة يف نظــره إلدارة الــراع‪ ،‬وقــد طــوّر اســراتيجياته‬ ‫واملســبق للكونفدراليــة يف الحالــة الفلســطينية هــو إنهــاء‬
‫العســكرية واألمنيّــة والسياســية بنــاء عــى ذلــك‪ ،‬ويف ظــل‬ ‫االحتــال وقيــام دولــة فلســطينية ذات ســيادة‪ ،‬ومعــرف‬
‫احتوائــه للمعارضــة اإلرسائيليــة‪ ،‬ويف ظــل غيــاب حالــة‬ ‫بهــا دوليًــا‪ ،‬لتقــرر حينهــا إذا مــا كانــت معنيــة برابطــة‬
‫فلســطينية تهــدد اســراتيجياته‪.‬‬ ‫كونفدراليــة مــع إرسائيــل‪ ،‬فهــذا جــزء مــن حــق الشــعب‬
‫مــن الخطــأ وضــع كل االجتهــادات الفلســطينية يف‬ ‫الفلســطيني يف تقريــر مصــره‪ .‬وإىل أي مــدى تتجــاوب‬
‫تغليفــة واحــدة‪ ،‬بــل هنــاك مــا هــو نتــاج الفكــر القائــم‬ ‫املبــادرة طــي البحــث مــع متطلبــات إنهــاء االحتــال‬
‫عــى التحريــر ونــزع االســتعمار مــن كل فلســطني وتوفــر‬ ‫كــرط مســبق‪ ،‬أم نحــن بصــدد نــوع جديــد مــن الصيــغ؟‬
‫الحــل األمثــل لشــعب فلســطني بتصحيــح الغبــن التاريخــي‪،‬‬ ‫كل ذلــك يف مســعى لقــراءة مكوّنــات املبــادرة ومعاينــة‬
‫وهنــاك مــن ينطلق مــن اســتحالة إنهــاء االحتــال اإلرسائييل‬ ‫قابليتهــا للتطبيــق‪ .‬يف حــن يبقــى ســؤال آخــر وهــو‪ :‬هــل‬
‫مــن العــام ‪ ،1967‬وبالــذات اســتحالة نــزع االســتعمار‬ ‫عــى الفلســطينيني االنشــغال يف الحلــول وهــم يف وضــع‬
‫االســتيطاني ومســتوطناته وبنيتــه وهيمنتــه يف القــدس‬ ‫حقــا اندثــر حــل الدولتــن؟‬‫ـول‪ ،‬وهــل ًّ‬‫يبــدو أنــه ال يو ّلــد حلـ ً‬
‫والضفــة الغربيــة‪ .‬كمــا هنــاك اجتهــادات تــرى رضورة‬ ‫يعكــس االنشــغال املكثــف يف صياغــة تصــوّرات لحلــول‬
‫الفصــل الجوهــري مــا بــن وضعيّتــي اإلقامــة واملواطنــة‪،‬‬ ‫تُنصــف الشــعب الفلســطيني ولحــل عــادل لقضيــة‬
‫مخرتقــا لالنســدادات التــي تواجــه حــل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عامــا‬ ‫بصفتــه‬ ‫ـاعي جديّــة واجتهــادات كبــرة وبالــذات يف‬ ‫فلســطني‪ ،‬مسـ َ‬
‫الدولتــن‪ ،‬وهــي نــوع مــن التفتيــش عــن مخــارج يعتمــد‬ ‫قــراءة الحالــة الفلســطينية املتعثــرة يف موضــوع التحريــر‪،‬‬
‫املنطــق املعيــاري‪ ،‬كمــا هنــاك توجّ ــه يــرى بـ ّ‬
‫ـأن األولويــة‬ ‫واملعضــات التــي تواجــه حــل الدولتــن وهــو الحــل األكثــر‬
‫هــي يف تدعيــم الشــعب الفلســطيني داخليًــا واســتعادة روح‬ ‫اعتمــادًا دوليًــا وعربيًــا وحتــى يمكــن القــول فلســطينياً‪،‬‬
‫مرشوعــه التحــرري مــن خــال تشــخيص طبيعــة الــراع‬ ‫غبــن للشــعب‬
‫ٍ‬ ‫هــذا عــى الرغــم مــن مــا يتضمنــه مــن‬
‫دونمــا االنشــغال املكثّــف بالحــل النهائــي يف ظــل الوضعيــة‬ ‫الفلســطيني‪ ،‬لكــن يبــدو أنــه هــو املتــاح واألكثــر احتماليــة‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫القائمــة فلســطينيًا وعربيًــا ودوليًــا‪ ،‬وباألســاس فلســطينيًا‪،‬‬ ‫بينمــا تعكــس االنشــغاالت الصهيونيــة يف هــذه املســألة‬
‫يوفــر للفلســطينيني القــدرة‬ ‫فمــن شــأن هــذا التدعيــم أن ّ‬ ‫نوعً ــا مــن االعــراف بأنــه عــى الرغــم مــن قــوة إرسائيــل‬

‫عدد ‪85‬‬
‫إرسائيــل اختفــى‪ ،‬وبــات طــوق إرسائيــي مــع دول عربيــة‬ ‫محصلــة املعــادالت القائمــة وتعزيــز قــدرات‬‫ّ‬ ‫عــى تغيــر‬
‫عــى شــعب فلســطني وقضيــة فلســطني‪ .‬كمــا هنــاك تســليم‬ ‫الشــعب ونضاالتــه‪.‬‬
‫إرسائيــي أمنــي اســراتيجي باســتحالة وجــود حالــة تســمح‬ ‫إن مــا نحــن بصــدده عنــد نقــاش هــذه القضيــة‬ ‫ّ‬
‫إلرسائيــل بالقضــاء عــى قضيــة فلســطني‪ ،‬حتــى اتفاقــات‬ ‫الكــرى هــو ليــس مــا هــو املنطــق الســليم‪ ،‬وال التوجــه‬
‫التطبيــع واتفاقــات أبراهــام ومــا ينتــج عنهــا تؤكــد أن‬ ‫الحســابي وال الحقوقــي‪ .‬فاإلعــان الجــازم بســقوط حــل‬
‫اســراتيجية تجــاوز قضيــة فلســطني غــر قابلــة للعيــش‪،‬‬ ‫الدولتــن قــد يكــون غــر قابــل للجــزم‪ ،‬حتــى وإن كانــت‬
‫عــى الرغــم مــن قــوة إرسائيــل و«العــر الذهبــي» الــذي‬ ‫الحقائــق االســتعمارية عــى األرض تفــرض ذاتهــا‪ ،‬وقــد‬
‫أن تغيــر ميــزان القــوى ال يعنــي‬ ‫تتمتــع بــه عربيًــا‪ .‬إال ّ‬ ‫يكــون صحيحً ــا لــو كانــت الحالــة الفلســطينية والعربيــة‬
‫التعــادل بالقــوة‪ ،‬بــل بالقــدرة عــى منــع الطــرف املســيطر‬ ‫متماســكة وقويــة لدرجــة تفــرض ســقوط األمــر الواقــع‬
‫مــن تحقيــق أهدافــه أو تعطيــل مشــاريعه لتجــاوز الحالــة‬ ‫املهيمــن حاليًــا‪ .‬إال أن االســتنتاج ليــس بالــرورة أن تكــون‬
‫قــادر عــى‬
‫ٍ‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬أو أن تفــرض عليــه ثمنًــا غــر‬ ‫أي صيغــة حــل آخــر أكثــر نفــادًا‪ ،‬أو االنطبــاع بــأن أي‬
‫تحمــل عواقبــه سياســيًا‪.‬‬ ‫حــل آخــر ســيكون أكثــر قابليــة ويحمــل أفــق تحقيقــه‪.‬‬
‫تــراوح كل الحلــول مــا بــن الحــل املنصــف بنــاء عــى‬
‫الخالصة‬ ‫منطــق الحقــوق ويقابلــه الحــل املمكــن بنــاء عــى منطــق‬
‫فــإن مبــدأ الكونفدراليــة بصفتــه إطــا ًرا‬ ‫ّ‬ ‫نظريًّــا‪،‬‬ ‫التوازنــات البنيويــة باملفهــوم الــدويل وليــس الراهنــة‬
‫مفاهيميًّــا إطــار ممكــن مــن حيــث املنطــق‪ .‬إال أن املقرتحات‬ ‫فحســب‪ .‬وهنــاك رأي بــرورة عــدم الخــوض الفلســطيني‬
‫القائمــة عــى الكونفدراليــة يف فلســطني التاريخيــة ك ّلهــا‪،‬‬ ‫يف الســعي لصياغــة تصــورات لحلــول بديلــة اســراتيجية‬
‫قــد تحمــل التســمية ذاتهــا والعنــوان ذاتــه لكــن ليــس‬ ‫بــل تعزيــز مقومــات قــوة الشــعب الفلســطيني التحرريــة‬
‫الجوهــر‪ ،‬يف حــن أن الــرخ األســايس هــو بــن مفهــوم‬ ‫منطلقــن مــن محوريــة تغيــر موازيــن القــوى األساســية‪،‬‬
‫أساســا لقيــام دولــة فلســطينية‬ ‫ً‬ ‫نــزع االســتعمار وبنيتــه‬ ‫وســد الطريــق أمــام أي احتمــال لحســم إرسائيــي أحــادي‬
‫وبــن تبييــض االســتعمار ورشعنتــه ضمــن الســعي إىل حــل‬ ‫ملســتقبل فلســطني وشــعبها‪ .‬أو اعتبــار قيمــة إضافيــة‬
‫ال يضمــن حتــى قيــام الكونفدراليــة‪.‬‬ ‫لخطــاب الدولــة الواحــدة كمــا ع ّرفــه رائــف زريــق «بأنــه‬
‫يف حــال قبــل الفلســطينيون رســميًا بالكونفدراليــة‬ ‫يتيــح إعــادة صياغــة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وفهــم الواقــع‬
‫ـي البحــث‪ ،‬فإنهــم بذلــك يســقطون عن‬ ‫بصيغــة املبــادرة طـ ّ‬ ‫عــى ضــوء ذلــك‪ ،‬باإلضافــة إىل تزويــد الفلســطينيني‬
‫إرسائيــل املســؤولية ويســقطون فاعليّــة القــرارات األمميــة‬ ‫بخطــاب واســراتيجية جديــدة ملواصلــة نضالهــم‪ .‬كمــا‬
‫والقانــون الــدويل ويُبقــون االحتــال بســبب تــوازن القــوى‬ ‫يوفــر خطــاب الدولــة الواحــدة أدوات صياغــة أفضــل‬ ‫ّ‬
‫ـغ جديــدة‪.‬‬ ‫واالســتعمار االســتيطاني‪ ،‬وقــد يكــون ِ‬
‫بصيَـ ٍ‬ ‫للقضيــة وإلدراك الواقــع الراهــن بشــكل أفضــل مــن خــال‬
‫ال يســتطيع الطــرف الفلســطيني أن يتبنــى أي صيغــة‬ ‫النظــرة املســتقبلية»‪.‬‬
‫للكونفدراليــة مــا لــم تقــم دولــة‪ ،‬فالدولــة الســيادية هــي‬ ‫ال يتيــح تــوازن القــوى الراهــن أيّ حــل عــادل‪.‬‬
‫التــي ســتقرر إىل أيــن وجهتهــا‪ ،‬كمــا لــن ينتــج الفلســطيني‬ ‫واملقصــود بتــوازن القــوى هــو الســيطرة االحتالليــة‬
‫ً‬
‫ضعيفــأ وال يملــك‬ ‫حـ ً‬
‫ـا‪ ،‬وال أجنــدة حـ ٍّل‪ ،‬مــا دام عــى حالــه‬ ‫الصهيونيــة االســتعمارية العميقــة عــى فلســطني وعــى‬
‫درجــة مــن القــوة تجعــل االحتــال م ً‬
‫ُكلفــا إلرسائيــل أكثــر‬ ‫كل مصــر الشــعب الفلســطيني‪ ،‬إضافــة إىل قــوة إرسائيــل‬
‫مــن فائدتــه‪.‬‬ ‫االســراتيجية العســكرية واالقتصاديــة واإلســناد األمريكــي‬
‫ّ‬
‫تعنــي املبــادرة‪ ،‬لــو تــ ّم تبنيهــا‪ ،‬التنــازل عــن إحــدى‬ ‫الكامــل لهــا‪ ،‬يعززهــا اخــراق إرسائيــل للعالــم العربــي‪،‬‬
‫أهــم نقــاط القــوة الفلســطينية؛ أي الرشعيــة الدوليــة‪ ،‬وإن‬ ‫والرتاجــع املريــب يف التــزام الكتلــة العربيــة الفعــي بقضيــة‬
‫كانــت هنــاك نجاحــات فلســطينية رســمية تذكــر فهــي‬ ‫فلســطني‪ ،‬ويف تشــتت قــوة العالــم العربــي وارتبــاط‬
‫يف الدبلوماســية الفســطينية عامليًــا‪ ،‬ولــو حصــل قبــول‬ ‫عــدد كبــر مــن بلدانــه بتحالفــات أمنيــة واســراتيجية‬
‫مبــادرة بيلــن الحســيني أللغــت الدبلوماســية الفلســطينية‬ ‫واقتصاديــة مــع إرسائيــل متجاوزيــن قــوة الضغــط التــي‬
‫رشعيتهــا‪ ،‬ولتحــول القضيــة الفلســطينية إىل مســألة‬ ‫كان مــن املمكــن أن تمــارس عليهــا‪ .‬فالطــوق التاريخــي‬ ‫‪30‬‬
‫تفاهمــات تفرضهــا موازيــن القــوى‪.‬‬ ‫‪-‬حتــى وإن كان غــر محكــم ‪ -‬الــذي فرضــه العــرب عــى‬

‫عدد ‪85‬‬

You might also like