You are on page 1of 26

‫الفلسفة السياسية وانظمة الحكم‬

‫من منظور أرسطو وجون لوك ومونتسكيو‬


‫م‪.‬د‪ .‬عدي حسن مزعل‬

‫لظاهــرة الدميقراطيــة‪ ،‬وحديثــة‪ ،‬كــا يف الحالــة‬ ‫ملخص البحث‪:‬‬


‫األوروبيــة التــي عمــل بعــض فالســفتها عــى‬ ‫يهتــم هــذا البحــث بدراســة وتحليــل جملــة‬
‫اســتعادة أفــكار التجربــة األوىل للدميقراطيــة‬ ‫مــن املفاهيم األساســية يف الفلســفة السياســية‪،‬‬
‫اليونانيــة‪ .‬إن أهــم مــا مييــز تلــك الظــروف‬ ‫وذلــك مــن خــال تصــورات نخبــة مــن كبــار‬
‫التــي أدت إىل ظهــور الدميقراطيــة‪ ،‬هــو احتكار‬ ‫الفالســفة ممــن ينتمــون إىل عصــور تاريخيــة‬
‫الســلطة إمــا مــن قبــل فــرد واحــد «ملــك»‪،‬‬ ‫متباعــدة‪ ،‬لكــن هــذا التباعــد يف األزمنــة مــا هو‬
‫أو مــن قبــل فئــة قليلــة كـــــ «طبقــة النبــاء»‪،‬‬ ‫إال مظهــر‪ ،‬ال يلغــي حقيقــة حضــور القديــم‬
‫وهــو احتــكار آل إىل تــردي األوضــاع ومامرســة‬ ‫يف الحديــث وتأثــره فيــه‪ ،‬عــى نحــو يكشــف‬
‫الظلــم والتعســف تجــاه املجتمــع‪ ،‬وال غرابــة يف‬ ‫قيمــة القديــم ومــدى راهنيــة مفاهيمــه‪ ،‬كــا‬
‫أن تــؤول أوضــاع املجتمــع ـــــــ كل مجتمعــــــ‬ ‫ال يلغــي جــدة وبراعــة الحديــث يف توظيفــه‬
‫إىل هكــذا حــال‪ ،‬مــادام ليــس هنــاك ســلطة‬ ‫للقديــم‪ ،‬مبــا يســهم يف إعــادة قراءتــه تــارة‪،‬‬
‫ثانيــة تحــد مــن ســلطة الفــرد الواحــد أومــن‬ ‫وتطويــره واإلضافــة إليــه تــارة أخــرى‪.‬‬
‫ســلطة الفئــة الغنيــة‪.‬‬ ‫ويف كل األحــوال يســلط البحــث الضــوء عــى‬
‫مــن طبيعــة مامرســة الســلطة‪ ،‬ومــا آلــت‬ ‫جوانــب مــن الفلســفة السياســية لهــؤالء‬
‫إليــه األوضــاع يف ظــل هكــذا مامرســة‪ ،‬نشــأت‬ ‫الفالســفة‪ ،‬كــا يهتــم بالســياق التاريخــي‬
‫الحاجــة إىل إيجــاد صيغــة تحــد مــن التفــرد يف‬ ‫والظــروف التــي انبثقــت بفعلهــا هــذه‬
‫اتخــاذ الق ـرار‪ .‬متثلــت هــذه الصيغــة يف حــل‬ ‫الفلســفة‪ ،‬مــع املقارنــة الدامئــة بــن مفاهيــم‬
‫اإلشــكال الحاصــل بــن الســلطة واملجتمــع‬ ‫بعضهــم بعــض‪ ،‬وبيــان أوجــه الشــبه واالختالف‬
‫بــن نــزوات وأهــواء الحاكــم وبــن حاجــة‬ ‫إن وجــدت‪.‬‬
‫ومتطلبــات املجتمــع بــن التفــرد يف الســلطة‬ ‫الكلــات املفتاحيــة‪ :‬الدميقراطيــة‪ ،‬االســتبداد‪،‬‬
‫وبــن املشــاركة الفعليــة مــن قبــل املجتمــع‬ ‫الدولــة‪ ،‬املجتمــع املــدين‪ ،‬القانــون‪.‬‬
‫بــن مــن يؤســس ملفهــوم خليفــة اللــه يف األرض‬
‫أو الدولــة أنــا (لويــس الســادس عــر) وبــن‬ ‫مقدمة‪:‬‬
‫مــن يعمــل عــى اقتــاع هــذا املفهــوم مــن‬ ‫مل يكــن ظهــور الدميقراطيــة نتيجة تــرف فكري‪،‬‬
‫جــذوره وبيــان مــدى زيفــه وتهافتــه‪.‬‬ ‫بقــدر مــا كان نتيجــة ألوضــاع وظــروف عاشــها‬
‫الصفــة األوىل والثانيــة لطبيعــة العالقــة بــن‬ ‫بعــض املجتمعــات يف ف ـرات تاريخيــة قدميــة‪،‬‬
‫الســلطة واملجتمــع هــي الصفــة األساســية‬ ‫كــا يف الحالــة اليونانيــة‪ ،‬حالــة التأســيس األول‬
‫‪159‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫الضغــط الــذي تعرضــت لــه الفئــات املالكــة‬ ‫التــي ســادت يف الفــرة اليونانيــة القدميــة‪،‬‬
‫لــأرض واملــال مــن قبــل الفقراء(ديفيــد هيلــد‪،‬‬ ‫والتــي عمــل بعــض الفالســفة ــــــــ نقــول‬
‫منــاذج الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪ ،)28 ،27‬ضغــط‬ ‫بعــض الفالســفة ألن ليــس كل فالســفة اليونــان‬
‫وصــل إىل ذروتــه يف بدايــة القــرن الســادس‬ ‫دعــاة دميقراطيــة كــا هــو الحــال مــع ســقراط‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬ونتــج عنــه فيــا بعــد إصــاح األوضــاع‬ ‫وأفالطــون الذيــن عرفــوا بنقدهــم للدميقراطيــة‬
‫االقتصاديــة عــن طريــق قانــون «رفــع األعبــاء»‬ ‫ـــــــ والسياســيني اليونــان عــى إعــادة ترتيبهــا‬
‫الــذي تــم مبوجبــه إلغــاء كل الديــون املرتتبــة‬ ‫بشــكل تكــون فيــه العالقــة بعيــدة عــن التفــرد‬
‫عــى املزارعــن‪ ،‬وتــم مبوجبــه أيضــا تحريــر‬ ‫يف الحكــم‪ ،‬وال مخــرج لهــذه العالقــة ســوى‬
‫املزارعــن مــن العبودية(عمــر عبــد الحــي‪،‬‬ ‫التأســيس لنمــط جديــد مــن أمنــاط إدارة‬
‫الفكــر الســيايس يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة‬ ‫الســلطة‪ ،‬منــط يعتمــد عــى املشــاركة الفعليــة‬
‫‪ ،)52‬وبعبــارة أكــر إيجــازا ً تــم وفــق هــذا‬ ‫للشــعب أو الجمهــور‪ ،‬وتلــك هــي الدميقراطيــة‬
‫القانــون إعــادة النظــر يف القوانــن القدميــة‬ ‫أول صيغــة للحكــم شــهدته اليونــان وشــهده‬
‫التــي كانــت موضوعــة يف األصــل لصالــح‬ ‫تاريــخ البرشيــة‪.‬‬
‫األغنيــاء فقــط بقوانــن أخــرى تطبــق عــى‬
‫جميــع الطبقــات أغنيــاء أم فق ـراء‪ ،‬ومــن دون‬ ‫أوال‪ :‬دميقراطية أثينا‪ :‬عرص التأسيس‬
‫أي متييــز بينهــم‪.‬‬ ‫تعــد مدينــة أثينــا واحــدة مــن أبــرز املــدن‬
‫هــذه التغـرات التــي حصلــت يف بنيــة املجتمع‬ ‫اليونانيــة يف القــرن الخامــس ق‪.‬م‪ ،‬ففــي الفــرة‬
‫األثينــي كانــت نتيجــة للحــراك االقتصــادي‬ ‫الواقعــة مــا بــن القــرن الثامــن و الخامس ق‪.‬م‪،‬‬
‫والــراع االجتامعــي الــذي شــهدته هــذه‬ ‫شــهدت هــذه املدينــة الواقعــة يف شــبه جزيــرة‬
‫املدينــة‪ ،‬والــذي أدى فيــا بعــد إىل تقديــم‬ ‫أتــكا املعروفــة بجوهــا النظيــف ومناخهــا‬
‫جملــة مــن التنــازالت للحفــاظ عــى تــوازن‬ ‫املعتدل(عمــر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر الســيايس يف‬
‫القــوة بــن الطبقات(ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج‬ ‫العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪)48‬بــروز تجمعــات‬
‫الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪ .)28‬ذلــك أن التنــازالت‬ ‫صغــرة متالحمــة فيــا بينهــا‪ ،‬كانــت خاضعــة‬
‫التــي حصلــت بفعــل الضغــط عــى الطبقــات‬ ‫لنمــط مــن أمنــاط الســلطة القائــم عــى أســاس‬
‫املالكــة لــرأس املــال جعــل أثينــا تجتــاز مرحلــة‬ ‫تراتبيــة هرميــة يكــون عــى رأســها ملــك أو‬
‫مهمــة مــن التطــور‪ ،‬عرفــت خاللهــا إصالحــات‬ ‫زعيــم قبيلــة‪ ،‬إال أن هــذا النمــط يف الحكــم‬
‫كبــرة أدت يف نهايــة األمــر إىل تطويــر البنيــة‬ ‫مل يــدم طويــاً‪ ،‬وذلــك نظــرا ً لصعــود حــكام‬
‫السياســية واالقتصاديــة واالجتامعيــة‪ ،‬بشــكل‬ ‫اتصفــوا باالســتبداد والهيمنــة‪ ،‬كــا اتصفــوا‬
‫وصلــت فيــه أثينــا إىل درجــة متطــورة مــن‬ ‫بتمثيــل مصالــح الفئــات الغنيــة املالكــة‬
‫االزدهــار الســيايس واالقتصــادي واالجتامعــي‬ ‫لــأرض واملســيطرة عــى أعــال التجــارة‪،‬‬
‫الــذي كان لــه األثــر البالــغ يف خلــق أجــواء‬ ‫وهــذا الوضــع مل يــدم طويــاً أيضــاً بســبب‬
‫‪ 160‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫ينطبــق عــى الناحيــة السياســية ينطبــق أيضـاً‬ ‫فكريــة مناســبة لإلبداعــات التــي قدمهــا‬
‫عــى الناحيــة االقتصاديــة‪.‬‬ ‫األثينيــون يف الفعــل الحضــاري اليونــاين‪.‬‬
‫وبفعــل هــذه التطــورات والتغــرات تــم‬ ‫وال غرابــة يف أن تصبــح أثينــا مدينــة مزدهــرة‬
‫التأســيس لنظــام جديــد مغايــر للنظــام‬ ‫وفاعلــة بالنســبة إىل بقيــة املــدن‪ ،‬فالتطــور‬
‫القديــم‪ ،‬لقــد أســهم يف بنــاء هــذا النظــام بعض‬ ‫عــى املســتوى االقتصــادي واالجتامعــي البد أن‬
‫السياســيني األثينيــن أمثــال صولــون(‪550-640‬‬ ‫يفــرز تطــورات أخــرى‪ ،‬والبــد أن ينتــج أشــكاالً‬
‫ق‪.‬م)‪ ،‬إذ عمــل هــذا األخــر عــى تدشــن‬ ‫مغايــرة مــن النظــم السياســية والطبقــات‬
‫جملــة مــن اإلصالحــات مــن ضمنهــا قانــون‬ ‫االجتامعيــة للنظــم التــي كانــت ســائدة ســابقاً‪،‬‬
‫رفــع األعبــاء الــذي تحدثنــا عنــه ســابقاً‪،‬‬ ‫أي أ َّن البنيــة الســائدة هنــا هــي بنيــة مغايــرة‬
‫باإلضافــة إىل إقامــة دســتور مبنــي عــى أســاس‬ ‫متام ـاً للبنيــة الســابقة‪ ،‬ومــن الطبيعــي لهكــذا‬
‫أربــع ركائــز هــي‪:‬‬ ‫ح ـراك أن يزدهــر عــى مســتوى آخــر ال يقــل‬
‫‪1‬ـــــ مجلــس شــيوخ يتكــون مــن تســعة‬ ‫أهميــة عــن املســتوى االقتصــادي والســيايس‪،‬‬
‫حــكام يتــم اختيارهــم عــن طريــق القرعــة‬ ‫هــذا املســتوى هــو (الفلســفة)‪ ،‬ففــي القــرن‬
‫مــن بــن األســاء املختــارة داخــل كل قبيلــة‪.‬‬ ‫الخامــس ق‪.‬م وبعــده ظهــرت ألول مــرة يف‬
‫ويتمتــع أفـراد هــذا املجلــس بالســلطات العليا‬ ‫تاريــخ أثينــا مــدارس فلســفية‪ ،‬كــا بــرزت‬
‫كســلطة الحاكــم األول وســلطة امللــك االســمية‬ ‫شــخصيات فلســفية مهمــة تتنــاول بالــدرس‬
‫وســلطة آمــر الحــرب وســلطة املرشعني الســتة‪.‬‬ ‫والتحليــل مختلــف الظواهــر واملفاهيــم‬
‫‪2‬ــــــ مجلــس شــورى مكــون مــن ‪ 400‬عضــو‬ ‫(العــامل‪ ،‬املجتمــع‪ ،‬العقــل‪ ،‬النفــس‪ ،‬اللــه‪،‬‬
‫مختــص يف مناقشــة الترشيعــات التــي تعــرض‬ ‫اللغــة‪ ،‬السياســة‪ ،‬األخــاق‪ ،‬الخطابة‪......‬الــخ)‪.‬‬
‫عــى الجمعيــة العامــة‪ ،‬وهــذا املجلــس يــأيت يف‬ ‫كل هــذا الحــراك والتطــور عــى مختلــف‬
‫املرتبــة الثانيــة بعــد مجلــس الشــيوخ‪.‬‬ ‫املســتويات كان بحاجــة إىل نظــام أو قوانــن‬
‫‪3‬ــــــ جمعيــة عامــة يتــم اختيــار أفرادهــا‬ ‫تضبــط املجتمــع يف مختلــف قطاعاتــه‪ ،‬فمــن‬
‫كل ســنة‪ ،‬مهمتهــا محاســبة أي موظــف عــن‬ ‫الناحيــة السياســية البــد مــن وضــع نظــام‬
‫ســلوكه يف الوظيفــة‪ ،‬كــا لهــا الحــق أيض ـاً يف‬ ‫يضبــط العالقــة بــن الحاكــم واملحكــوم بــن‬
‫حرمــان أي شــخص مــن حــق عضويــة مجلــس‬ ‫الفــرد والســلطة‪ ،‬خصوصـاً بعــد صعــود طبقات‬
‫الشــيوخ‪.‬‬ ‫اجتامعيــة جديــدة أصبــح لهــا دور يف الحيــاة‬
‫‪4‬ـــــ هيئــة حــكام مكونــة مــن ســتة آالف‬ ‫السياســية‪ ،‬ال بــل أن هــذه الطبقــات تعــدت‬
‫محلــف يتــم اختيارهــم بالقرعــة‪ ،‬ومــن‬ ‫هــذا املســتوى إىل مســتوى أكــر حضــورا ً يف‬
‫هــذه الهيئــة تتألــف املحاكــم عــى اختــاف‬ ‫املجتمــع متثــل يف أن أصبحــت «ركنــاً مركزيــاً‬
‫أنواعهــا‪ ،‬والتــي تعمــل عــى الفصــل يف‬ ‫مــن أركان الدفــاع عــن الجامعة»(ديفيــد‬
‫الدعــاوى واملنازعــات حتــى تلــك املتعلقــة‬ ‫هيلــد‪ ،‬منــاذج الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪ ،)29‬ومــا‬
‫‪161‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫وملتزمــون بالقانــون يف حياتهــم‪ .‬فالقانــون‬ ‫بالدســتور(عمر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر الســيايس‬
‫يحظــى بالطاعــة واالحــرام‪ ،‬كــا يحظــى‬ ‫يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪.)54 ،53 ،52‬‬
‫الذيــن يتســلمون مواقــع يف الســلطة‪.‬‬ ‫شــهدت أثينــا بعــد حكــم صولــون العديــد‬
‫‪5‬ـــــــ يف النظــام األثينــي كل فــرد يهتــم‬ ‫مــن التطــورات يف نظــام الحكــم كان أهمهــا‬
‫بشــؤون الدولــة ال بشــؤونه الخاصــة فقــط‪،‬‬ ‫تلــك التــي عمــل بريكليــس (‪ 490‬ـــــــ ‪429‬‬
‫وهــذه الصفــة واحــدة مــن أبــرز خصوصيــات‬ ‫ق‪.‬م)»زعيــم الدميقراطيــة األثينيــة» يف القــرن‬
‫املواطــن األثينــي‪ ،‬ذلــك أن املواطــن الــذي‬ ‫الخامــس ق‪.‬م عــى تدشــينها داخــل املجتمــع‬
‫يعــزف عــن االهتــام بالشــأن الســيايس‬ ‫األثينــي‪ .‬اتصفــت سياســة هــذا األخــر‬
‫مواطــن ليــس لــه أي عمــل باملطلــق يف‬ ‫بالحكمــة واالعتــدال لدرجــة أن أثينــا بلغــت‬
‫املجتمــع األثينــي‪.‬‬ ‫يف عهــده «أعــى درجــات التقــدم يف مامرســة‬
‫‪6‬ــــــ يتصــف املواطــن األثيني بــروح املبادرة‬ ‫الدميقراطيــة واإلبــداع األديب والفنــي والشــعري‬
‫يف اتخــاذ القــرارات املتعلقــة بالتخطيــط‬ ‫والفكري»(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)82 ،60‬‬
‫والسياســة‪ ،‬ويتصــف أيضــاً بإخضــاع هــذه‬ ‫يتضــح هــذا التقــدم يف املامرســة السياســية‬
‫القــرارات للنقــاش وإشــباعها بحــث ونقــاش‬ ‫لــدى الشــعب األثينــي يف خطــاب لــــ بريكليــس‬
‫للكشــف عــا قــد ينتــج عــن هــذه الق ـرارات‬ ‫يصــف فيــه طبيعــة الدميقراطيــة التــي كانــت‬
‫مــن خســائر ‪،‬أو أرباح(ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج‬ ‫ســائدة يف أثينــا‪ ،‬وميكــن اختصــار أهــم مضامني‬
‫الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪.)34 ،33 ،32‬‬ ‫هــذا الخطــاب يف‪:‬‬
‫ميثــل خطــاب بريكليــس وثيقــة مهمــة عــن‬ ‫‪1‬ـــــــ متكــن النظــام الســيايس يف أثينــا مــن‬
‫طبيعــة الحيــاة السياســية يف تلــك الفــرة‪،‬‬ ‫خلــق أمنوذجــه الدميقراطــي الخــاص بعيــدا ً‬
‫تلــك الحيــاة التــي مل تــدم طويـاً بفعــل عــدة‬ ‫عــن تقليــد أي منــوذج ســيايس للحكــم مجــاور‬
‫عوامــل‪ :‬منهــا مــا هــو دخــي‪ ،‬كام متثــل ذلك يف‬ ‫ألثينــا‪.‬‬
‫طبيعــة جهــاز الحكــم الــذي غلــب عليــه طابــع‬ ‫‪2‬ـــــــالدستور القائــم يف أثينــا يحمــل اســم‬
‫التقســيم املؤسســايت غــر املركزي‪ ،‬وهــو ما أدى‬ ‫الدميقراطيــة‪ ،‬مــا دامــت الســلطة القامئــة‬
‫إىل ازديــاد الصعوبــات يف إدارة االقتصــاد لدولــة‬ ‫بأيــدي الشــعب كلــه ال بــن أيــدي أقليــة مــا‪.‬‬
‫متتلــك تجــارة واســعة(املصدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬ ‫‪3‬ــــــ جميــع املواطنــن متســاويني أمــام‬
‫‪ ،)67‬ومنهــا مــا هــو خارجــي متثــل يف صعــود‬ ‫القانــون ال فــرق بــن شــخص وآخــر يف تــويل‬
‫إمرباطوريــات جديــدة عملــت للســيطرة عــى‬ ‫منصــب أو تحمــل مســؤولية عامــة‪ ،‬فاملهــم يف‬
‫مــدن اليونــان‪ ،‬وهــذا مــا قــام بــه اإلســكندر‬ ‫هــذا الشــخص ليــس انتســابه إىل طبقــة معينــة‬
‫املقــدوين (‪356‬ــــــ ‪ 323‬ق‪.‬م) الــذي ســقطت‬ ‫بقــدر مــا يهــم امتالكــه القــدرة والقابليــة عــى‬
‫أثينــا الدميقراطيــة عــى يديــه ســنة ‪ 334‬ق‪.‬م‪،‬‬ ‫إدارة الشــأن العــام وتحمــل املســؤولية‪.‬‬
‫وهــو ســقوط مل يــدم طوي ـاً‪ ،‬ففــي عــام ‪214‬‬ ‫‪4‬ــــــاملواطنون يف أثينــا أحـرار ومتســامحون‬
‫‪ 162‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫أوجه ـاً عديــدة مــن فكــره‪ .‬و خــاف أفالطــون‬ ‫ق‪.‬م متكــن الرومــان مــن االســتيالء عــى مــدن‬
‫الــذي اتبــع منهج ـاً مثالي ـاً يف تفكــره عموم ـاً‬ ‫اليونــان بأكملهــا وضمهــا إىل إمرباطورتيهــم‬
‫ويف فكــره الســيايس عــى وجــه الخصــوص‪،‬‬ ‫الرومانية(عمــر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر الســيايس‬
‫فــإ َّن فكــر أرســطو اتســم بواقعيــة حــاول فيهــا‬ ‫يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪ ،)71 ،56‬لتنتهــي‬
‫أن يتبــع منهجــاً تحليــاً وتاريخيــاً للوصــول‬ ‫بذلــك أول دميقراطيــة «اســتثنائية يف تاريــخ‬
‫إىل نظريتــه يف السياســة واملجتمــع‪ .‬ومــا مييــز‬ ‫الدميقراطيــة فكــرا ًومامرســة»(ديفيد هيلــد‪،‬‬
‫كتاباتــه‪ ،‬أنهــا ذات طبيعــة نقديــة بعيــدة‬ ‫منــاذج الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪.)67‬‬
‫عــن الخيــال والعاطفــة‪ ،‬وتتنــاول مواضيــع يف‬ ‫ثانياً‪ :‬أرسطو طاليس(‪384‬ــــــ ‪ 322‬ق‪.‬م)‬
‫السياســة‪ ،‬واملنطــق‪ ،‬والطبيعــة‪ ،‬حتــى قيــل إ َّن‬ ‫الواقعيــة السياســية وتأســيس السياســة عــى‬
‫أرســطو هــو صاحــب كل علــم‪ ،‬ورغــم كــرة‬ ‫العقــل‬
‫مؤلفاتــه‪ ،‬إال أ َّن كتــايب (الدســاتري والسياســة)‬ ‫‪1‬ــــ منزلته الفكرية و منهجه‬
‫هــا أهــم مؤلفاتــه السياســية قاطبة(غانــم‬ ‫ال خــاف بــن معظــم املهتمــن بالفلســفة‬
‫محمــد صالــح‪ ،‬الفكــر الســيايس القديــم‬ ‫السياســية يف أ َّن أرســطو طاليــس املولــود‬
‫والوســيط‪ ،‬صفحــة ‪)87 ،86‬‬ ‫يف ســتاغريا‪ ،‬إحــدى املســتعمرات اإلغريقيــة‬
‫تعــود أهميــة أرســطو يف حقــل الفلســفة‬ ‫عــى الشــاطئ اليونــاين‪ ،‬هــو واحــد مــن‬
‫السياســية إىل طبيعــة خطابــه حــول الدولــة‬ ‫أبــرز الفالســفة اليونــان اســتقطاباً لالهتــام‬
‫واملجتمــع‪ .‬فالخطــاب األرســطي هــو خطــاب‬ ‫والــدرس‪ ،‬وذلــك نظـرا ً لألهميــة التــي جســدها‬
‫علمــي ‪،‬وصفــي‪ ،‬واقعــي‪ ،‬يقــع بخــاف خطــاب‬ ‫كتابــه (السياســة)‪ ،‬ذلــك الكتــاب الــذي كان‬
‫أســتاذه أفالطــون‪ .‬فاألخــر كتــب يف السياســة‬ ‫نتــاج الخــرة السياســية لشــعب بأكملــه‪،‬‬
‫ويف املجتمــع‪ ،‬ولكــن مــن خــال تصــور‬ ‫خــرة اســتطاع العقــل األرســطي اســتلهامها‬
‫مثــايل عــن املجتمــع وعــن الســلطة‪ ،‬يف حــن‬ ‫وصبهــا بشــكل مكثــف يف نظريــة (موريــس‬
‫أن أرســطو كان بعيــد عــن النزعــة املثاليــة‪،‬‬ ‫كرانســتون‪ ،‬أعــام الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة‬
‫وعــن كل مالــه عالقــة بالتخيــات واألحــام‪،‬‬ ‫‪ )24‬سياســية كان لهــا األثــر الكبــر يف الفلســفة‬
‫وذلــك ملــا أتصــف بــه مــن براعــة يف البحــث‬ ‫السياســية التــي كانــت ســائدة يف أوروبــا‬
‫يف «أعــاق اإلنســان ‪،‬واملجتمــع ‪،‬والسياســة‪،‬‬ ‫قبــل انطــاق املجتمــع املدين(عزمــي بشــارة‪،‬‬
‫فــكان بذلــك أول عــامل ســيايس وواضــع أســس‬ ‫املجتمــع املــدين‪ :‬دراســة نقديــة‪ ،‬صفحــة ‪،38‬‬
‫علــم السياســة»(عمر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر‬ ‫‪)39‬يف هــذه القــارة مــن العــامل‪.‬‬
‫الســيايس يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪.)202‬‬ ‫تلمــذ أرســطو عــى يــد أفالطــون(‪ 427‬ـــــــــ‬
‫و الفــرق بــن أفالطــون وأرســطو هــو فــرق‬ ‫‪ 347‬ق‪.‬م) حــوايل عرشيــن عامــاً‪ ،‬وهــو يف‬
‫بــن مــن يريــد الوصــول إىل الحقيقــة الكليــة‬ ‫تفكــره‪ ،‬أكــر عمقــاً وعمليــة مــن أســتاذه‪،‬‬
‫مــن خــال عــامل الســاء وبــن مــن يريــد‬ ‫فقــد تفــوق عليــه يف جوانــب عديــدة وانتقــد‬
‫‪163‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫شــتاتهم وتفرقهــم‪ ،‬وذلــك مبقــدار مــا تحقــق‬ ‫الوصــول إىل الحقيقــة عــن طريــق العــامل‬
‫لهــم مــن رخــاء العيــش والســعادة(املصدر‬ ‫املــادي األريض(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)207‬‬
‫نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)268‬‬ ‫و هــذا هــو جوهــر االختــاف بــن طريقتــن يف‬
‫وحــول العالقــة بــن الدولــة واملجتمــع‪،‬‬ ‫التفكــر‪ :‬األوىل تعــرف باملثاليــة‪ ،‬فيــا تعــرف‬
‫فــإن أرســطو مل مييــز بينهــا‪ ،‬فهــا واحــدا ً‪،‬‬ ‫الثانيــة بالواقعيــة‪ .‬لهــذا قيــل إ َّن النــاس أمــا‬
‫وعــدم التمييــز بينهــا هــو أســاس االنتــاء‬ ‫افالطونيــن ‪،‬أو أرســطيني‪ ،‬نســبة إىل طريقــة‬
‫إىل املدينــة‪ /‬الدولــة‪ .‬لكــن هــذا ال يعنــي أن‬ ‫التفكــر التــي يتبعونهــا مــن أجــل الوصــول إىل‬
‫أرســطو مل مييــز بــن دولــة‪ /‬املدينــة وبــن‬ ‫الحقيقــة‪.‬‬
‫البيــت‪ /‬املنزل(عزمــي بشــارة‪ ،‬املجتمــع املــدين‪:‬‬ ‫‪2‬ــــ الدولة‪ :‬نشأتها وغاياتها‬
‫دراســة نقديــة‪ ،‬صفحــة ‪ ،)39‬نظـرا ً للحاجــة إىل‬ ‫يف حديثــه عــن الدولــة وكيفيــة نشــأتها يــرى‬
‫إعــادة تحديــد العالقــة بــن املواطــن والدولــة‪،‬‬ ‫أرســطو أن النــواة األوىل املكونــة للدولــة هــي‬
‫وهــي حاجــة ناجمــة عــن حالــة االنفصــال‬ ‫األرسة‪ ،‬والتــي تنشــأ مــن اجتــاع الرجــل‬
‫الوظيفــي بــن الدولــة واملنــزل‪ ،‬فالبيــت واحــد‪،‬‬ ‫‪،‬واملــرأة‪ ،‬فهــم ال يســتطيعون البقــاء منفرديــن‪،‬‬
‫وحــدة عضويــة مجســدة لــرب األرسة لهــا إرادة‬ ‫ألن الطبيعــة تفــرض عليهــم االجتــاع بغيــة‬
‫واحــدة ومصلحــة واحــدة‪ ،‬وليــس فيــه تعددية‬ ‫التناســل‪ .‬وهكــذا فالبيــت هــو أول مــا ينشــأ‬
‫آراء‪ ،‬يف حــن أن الدولــة متتــاز بالكــرة (املصــدر‬ ‫عــن هــذا االجتامع(أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪،‬‬
‫نفســه‪ ،‬صفحــة ‪ ،)39‬ألنهــا ليســت فــردا ً‬ ‫صفحــة ‪ ،)101 ،100‬ومــن اجتــاع عــدد مــن‬
‫واحــدا ً‪ ،‬وال هــي جمــع بــن أف ـراد متســاوين‪،‬‬ ‫البيــوت تنشــأ القريــة‪ ،‬ومــن اجتــاع جملــة‬
‫وإمنــا الدولــة جامــع ألفــراد مختلفــن‪ ،‬لهــذا‬ ‫قــرى تنشــأ الدولــة التــي تنطــوي عــى عنــارص‬
‫يعــرف أرســطو بحــق االختــاف والتعدديــة‪،‬‬ ‫االكتفــاء الــذايت‪ ،‬وهــو مــا يجعــل مــن الدولــة‬
‫عــى خــاف أســتاذه أفالطــون‪ ،‬الــذي كان يــرى‬ ‫حالــة طبيعية(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪،102‬‬
‫يف الدولــة وحــدة واحــدة وليــس كرثة(املصــدر‬ ‫‪.)103‬‬
‫نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)40‬‬ ‫غــر أن اجتــاع الرجــل واملــرأة‪ ،‬ليــس هــو‬
‫واالختــاف بينهــا نجــده‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬يف تحليلهــا‬ ‫الشــكل األول املســؤول عــن بقــاء اإلنســان‬
‫لنشــأة الدولــة‪ ،‬فأفالطــون يرجــع نشــأتها‬ ‫واملفــروض مــن الطبيعــة‪ ،‬فاإلنســان بطبعــه‬
‫إىل حاجــة اإلنســان إلشــباع حاجاتــه املاديــة‪،‬‬ ‫حيــوان مــدين‪ ،‬وهــو أكــر قابليــة لالجتــاع‬
‫والتــي تدفعــه إىل االجتــاع مــع أفـراد آخريــن‬ ‫مــن الكائنــات األخــرى التــي تعيــش عــى‬
‫مــن أجــل إشــباع حاجــات بعضهــم‪ ،‬ومــن‬ ‫شــكل جامعات(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪،104‬‬
‫مجمــوع هــؤالء األف ـراد تتكــون الدولــة التــي‬ ‫‪ .)105‬لــذا مييــل البــر إىل االجتــاع‪ ،‬حتى وإن‬
‫تعتــر مبثابــة وحــدة مثاليــة ليــس لألفـراد فيهــا‬ ‫اســتغنى بعضهــم عــن مســاعدة البعــض اآلخر‪،‬‬
‫وجــود مســتقل(غانم محمــد صالــح‪ ،‬الفكــر‬ ‫فــإن املصلحــة املشــركة تجمعهــم وتضــم‬
‫‪ 164‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫اشــراك آرس وقــرى يف حيــاة كاملــة قامئــة‬ ‫الســيايس القديــم والوســيط‪ ،‬صفحــة ‪ .)88‬يف‬
‫بنفســها‪ .‬وهــذه الحيــاة ‪ .....‬هــي العيــش‬ ‫حــن أن تصــور أرســطو ســالف الذكــر‪ ،‬يســلط‬
‫الرغيــد الفاضل»(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬ ‫الضــوء عــى الدولــة بوصفهــا حالــة طبيعيــة‪،‬‬
‫‪.)281‬‬ ‫وأن األفــراد الذيــن يشــكلونها هــم بطبعهــم‬
‫‪3‬ــــــ أنظمــة الحكــم والدميقراطية بني أرســطو‬ ‫ميالــن إىل االجتــاع والتآلــف‪ .‬لــذا‪ ،‬ال غرابــة‬
‫وأفالطون‬ ‫يف أن يصــف أرســطو كل مــن ال يســتطيع‬
‫أرســطو يف تقســيمه ألنظمــة الحكــم خلــص إىل‬ ‫االئتــاف مــع اآلخريــن‪ ،‬بأنــه ال ميــت إىل‬
‫أن هنــاك ثالثــة أشــكال مــن أنظمــة (الحكــم‬ ‫الدولــة بصلــة‪ ،‬وهــو أمــا وحــش أو إلــه‪ ،‬لذلــك‬
‫الصالحــة)‪ ،‬وثالثــة أشــكال أخــرى مــن أنظمــة‬ ‫كان ميــل الجميــع إىل االجتــاع املــدين أمــر‬
‫(الحكــم الفاســدة)‪ ،‬فأنظمــة الحكــم الصالحــة‬ ‫طبيعــي (أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪ ،‬صفحــة ‪،105‬‬
‫التــي يكــون هدفهــا الصالــح العــام هــي‪:‬‬ ‫‪،)106‬فالطبــع هــو مــن يحثهــم عــى االئتــاف‬
‫‪1‬ـــــ الحكم املليك‬ ‫فيــا بينهــم‪ ،‬ومــن ائتالفهــم هــذا كظاهــرة‬
‫‪2‬ـــــــ حكــم األعيــان (حكــم األقليــة‬ ‫طبيعيــة تتأســس الدولــة‪.‬‬
‫األرســتقراطي)‬ ‫أمــا حــول غايــة الدولــة فهــي تحقيــق الحيــاة‬
‫‪3‬ـــــــ حكــم الجمهــور (حكــم األغلبيــة‬ ‫الســعيدة ألفــراد املجتمــع‪ ،‬وليــس االجتــاع‬
‫الدميقراطــي)‬ ‫ملجــرد االجتــاع وحســب‪ ،‬يقــول أرســطو‪:‬‬
‫ويف حــال انحــراف هــذه األشــكال الثالثــة‬ ‫«إن الدولــة ليــس اش ـراكاً يف املوقــع‪ ،‬وإنهــا ال‬
‫للحكــم‪ ،‬بســبب الســعي إىل تحقيــق (املصلحــة‬ ‫تتألــف لدفــع آذى بعــض القــوم عــن بعــض‪،‬‬
‫الخاصــة) دون العامــة‪ ،‬فأنهــا ســتنتهي إىل‬ ‫وال قصــد التبــادل التجــاري‪ ....‬بــل إمنــا الدولــة‬
‫ظهــور ثالثــة أشــكال أخــرى مــن الحكــم‬ ‫رشكــة حيــاة فاضلــة‪ ،‬يقصــد منهــا االكتفــاء‬
‫الفاســدة‪ ،‬وهــي‪:‬‬ ‫الــذايت واملعيشــة الكاملــة للبيــوت واألرس»‬
‫‪1‬ـــــ حكم الفرد الواحد (الطغيان)‬ ‫(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)280‬وبلــوغ هــذه‬
‫‪2‬ـــــ حكم األقلية (األغنياء)‬ ‫النتيجــة املتمثلــة بالحيــاة الفاضلــة واالكتفــاء‬
‫‪3‬ـــــ الحكم الشعبي (حكم الفقراء)‬ ‫الــذايت أمــر ال يتحقــق مــن غــر العيــش مــع‬
‫فالنظــم السياســية التــي تهــدف إىل تحقيــق‬ ‫اآلخريــن‪ ،‬واالختــاط بهــم عــر املصاهــرة التــي‬
‫املصلحــة العامــة خــرة وصالحــة‪ ،‬والنظــم التي‬ ‫نتــج عنهــا يف الــدول روابــط عائليــة وقبائــل‬
‫تهــدف إىل تحقيــق املصلحــة الخاصــة رشيــرة‬ ‫وطقــوس تجمــع بــن املواطنــن وتقربهــم‪،‬‬
‫وفاســدة(ينظر‪ :‬أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪ ،‬صفحــة‬ ‫وذلــك هــو مــا يحمــل املــرء عــى إيثــار العيــش‬
‫‪ 271‬ومــا بعدها)‪.‬ومــن بــن أشــكال الحكــم‬ ‫املشــرك‪ .‬وهكــذا «فغايــة الدولــة إذن هــي‬
‫الســتة هــذه يحظــى (النظــام الدميقراطــي)‬ ‫الحيــاة الفاضلــة‪ .‬ومظاهــر الحيــاة االجتامعيــة‬
‫الــذي يهــدف إىل تحقيــق املصلحــة العامــة‬ ‫تلــك‪ ،‬تهــدف إىل غايــة الدولــة‪ .‬فالدولــة هــي‬
‫‪165‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫يف شــؤون غريه(أفالطــون‪ ،‬الجمهوريــة‪ ،‬صفحــة‬ ‫مبنزلــة رفيعــة مقارنــة مــع أنظمــة الحكــم‬
‫‪ .)210‬فالفــرد يجــب أن يبقــى يف حــدود‬ ‫األخــرى عنــد أرســطو‪ .‬وهــذا الطــرح مغايــر‬
‫الجامعــة أو الطبقــة التــي ينتمــي إليهــا‪ ،‬ألن‬ ‫متامــاً لطروحــات أفالطــون حــول النظــام‬
‫خروجــه عــن الحرفــة التــي منحتــه الطبيعــة‬ ‫األفضــل وحــول الدميقراطيــة‪ .‬فالنظــام الــذي‬
‫القــدرة عــى أدائهــا لــي ميــارس حرفــة‬ ‫فضلــه أفالطــون هــو النظــام املثــايل القائم عىل‬
‫أخــرى يشــكل خطــرا ً عــى الدولــة‪ ،‬ويــؤدي‬ ‫فكــرة (الفيلســوف الحاكــم) صاحــب املعرفــة‬
‫إىل اإلخــال بالتــوازن‪ ،‬والخلــط بــن طبقــات‬ ‫التــي تؤهلــه للحكــم‪ ،‬ويعنــي ذلــك نقــده‬
‫املجتمــع (املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪،)212‬‬ ‫للدميقراطيــة التــي تقــوم عــى أســاس املســاواة‬
‫وبالتــايل اإلخــال مببــدأ العدالــة أو النظــام‬ ‫بــن األفــراد وحقهــم يف املشــاركة جميعــاً‬
‫العــادل الــذي يصفــه أفالطــون بكلــات تكرس‬ ‫يف إدارة شــؤون الدولــة‪ ،‬يف حــن أن هــذه‬
‫التمييــز وتنشــد الثبــات‪ ،‬بأنــه «النظــام البديــع‬ ‫املســاواة ال وجــود لهــا يف الواقــع‪ ،‬ألن األف ـراد‬
‫الــذي ينبغــي مبقتضــاه ملــن ولــد ليكــون‬ ‫يختلفــون يف مواهبهــم وقدراتهــم‪ ،‬كــا أن مــن‬
‫حـذّاء أن يقتــر عــى صناعــة األحذيــة‪ ،‬وملــن‬ ‫يحكــم يجــب أن يتمتــع بصفــة املعرفــة يك‬
‫ولــد ليكــون نجــارا ً أن يقتــر عــى النجــارة‪،‬‬ ‫يكــون قــادرا ً عــى حكــم اآلخرين(غانــم محمد‬
‫وباملثــل يف بقيــة الصناعات»(املصــدر نفســه‪،‬‬ ‫صالــح‪ ،‬الفكــر الســيايس القديــم والوســيط‪،‬‬
‫صفحــة ‪.)226‬‬ ‫صفحــة ‪ ،)55‬وهــو مــا ال توفــره الدميقراطيــة‪،‬‬
‫وال يخلــو طــرح أفالطــون هــذا مــن أبعــاد‬ ‫ألن فيهــا مــن الضعــف والتســاهل مــا يســمح‬
‫طبقيــة تتعلــق بشــخصه ومصالــح الطبقــة‬ ‫بصعــود فئــات غــر متعلمــة إىل الســلطة‪،‬‬
‫التــي ينتمــي إليهــا‪ ،‬فهــو مــن عائلــة‬ ‫وذلــك مــا يرفضــه أفالطــون‪.‬‬
‫أرســتقراطية ثريــة كان لهــا دور وحضــور قــوي‬ ‫وال غرابــة يف أن يتخــذ أفالطــون موقفــاً‬
‫يف الســلطة السياســية‪ ،‬والدميقراطية وشــعاراتها‬ ‫نقديــاً جذريــاً مــن دميقراطيــة أثينــا‪ ،‬تلــك‬
‫تؤســس للمســاواة يف الحقــوق والحريــات بــن‬ ‫الدميقراطيــة التــي أســهمت يف إعــدام أســتاذه‬
‫عامــة أفــراد املجتمــع‪ ،‬وهــذا مــا ال يرتضيــه‬ ‫ســقراط (‪ 469‬ــــــــ ‪ 399‬ق‪.‬م)‪ .‬مــن هنا‪ ،‬فضالً‬
‫املحســوبني عــى الطبقــة األرســتقراطية‪ ،‬مــن‬ ‫عــن أســباب أخــرى‪ ،‬أهمهــا تــردي األوضــاع يف‬
‫الذيــن يــرون يف هــذه السياســة خط ـرا ً يهــدد‬ ‫أثينــا بســبب الحــروب واالضطرابــات الداخلية‪،‬‬
‫مصالحهــم السياســية ومكانتهــم االجتامعيــة‪،‬‬ ‫كذلــك مفهومــه للعدالــة وتقســيمه للطبقــات‪،‬‬
‫لذلــك يدافــع أفالطــون عــن مفهــوم للعدالــة‬ ‫يــأيت موقفــه النقــدي مــن دميقراطيــة أثينــا‪.‬‬
‫يكــرس بقــاء التفــاوت بــن طبقــات املجتمــع‪،‬‬ ‫وحــول مفهومــه للعدالــة وتصــوره للطبقــات‪،‬‬
‫ألن يف هــذا التفــاوت مــا يعــزز نفــوذ وســطوة‬ ‫يــرى أفالطــون أن العدالــة تكمــن يف أن عــى‬
‫األغنيــاء‪ ،‬وال يســمح باالنتقــال مــن طبقــة إىل‬ ‫كل فــرد أن يــؤدي وظيفــة واحــدة يف املجتمــع‬
‫أخــرى‪ ،‬ملــا يف هــذا االنتقــال مــن خطــر عــى‬ ‫ال غــر‪ ،‬وأن ينــرف إىل شــؤونه‪ ،‬وال يتدخــل‬
‫‪ 166‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫أراد أفالطــون‪ ،‬الــذي تراجعفــي شــيخوخته‬ ‫النظــام وخلــط بــن طبقــات املجتمــع التــي‬
‫عــن آرائــه هــذه حــول الفيلســوف الحاكــم‬ ‫ينبغــي أن تبقــى متاميــزة وثابتــة ال تتغــر‪.‬‬
‫وقدرتــه عــى الحكــم مبعــزل عــن القوانــن‬ ‫‪4‬ــــ سلطة القانون بني أفالطون وأرسطو‬
‫املرشعــة مســبقاً‪ ،‬لصالــح آراء تقــول بأهميــة‬ ‫يشــكل القانــون وعالقــة الســلطة بــه‪ ،‬محطــة‬
‫القوانــن وســيادتها ورضورة االحتــكام إليهــا‬ ‫مهمــة‪ ،‬يجــدر الوقــوف عندهــا‪ ،‬وذلــك نظ ـرا ً‬
‫بــدالً مــن االحتــكام إىل الفيلســوف‪ ،‬وذلــك يف‬ ‫لعالقتــه بأشــكال الحكــم‪ ،‬ومــدى الخضــوع‬
‫كتــاب (القوانــن)‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬فــإن أفالطــون‬ ‫لــه بعيــدا ً عــن الفرديــة واالســتبداد يف الق ـرار‪.‬‬
‫مل يتخــل نهائيــاً عــا قالــه يف (الجمهوريــة)‪،‬‬ ‫وباملقارنــة بــن تصــور أفالطــون وأرســطو‬
‫فدولــة القوانــن لديــه تبقــى أدىن مرتبــة مــن‬ ‫للقانــون‪ ،‬يــرى األول أن الســلطة مامرســة‬
‫الدولــة املثاليــة‪ ،‬أي الدولــة التــي يحكمهــا‬ ‫فرديــة مرتبطــة بشــخص الفيلســوف الحاكــم‬
‫الفالســفة(غانم محمــد صالــح‪ ،‬الفكــر الســيايس‬ ‫املؤهــل وحــده ملامرســتها بحكــم متتعــه‬
‫القديــم والوســيط‪ ،‬صفحــة ‪.)76‬‬ ‫بفضيلــة املعرفــة‪ ،‬ولذلــك ال يوجــد قيــدا ً عــى‬
‫ومــن الواضــح أن أفالطــون ال يقيــم للجمهــور‬ ‫ســلطته وال قانــون يعيــق ترصفاتــه‪ ،‬فالحاكــم‬
‫أي اعتبــار‪ ،‬فهــو مــن منظــوره غــر قــادر عــى‬ ‫الفيلســوف غــر ملــزم بوضــع قوانــن عامــة‬
‫قيــادة ذاتــه‪ ،‬وال بــد لــه مــن مرشــد يهديــه ملــا‬ ‫تكــون مرجعيتــه يف الحكــم‪ ،‬وإمنــا يعتمــد‬
‫فيــه مصلحتــه‪ ،‬وهــذا املرشــد هــو الفيلســوف‬ ‫رأيــه فقــط يف كل حالــة متخــذا ً القــرار‬
‫الحاكــم ال غري(أفالطــون‪ ،‬الجمهوريــة‪ ،‬ص‪،)289‬‬ ‫املناســب بشــأنها(عبد الرضــا الطعــان وآخــرون‪،‬‬
‫الــذي ميــارس معرفتــه ويفــرض إرادتــه‬ ‫موســوعة الفكــر الســيايس عــر العصــور‪،‬‬
‫عــى املجمــوع دون أخــذ رأيهــا أو االســتامع‬ ‫صفحــة ‪ .)254‬وعــى النقيــض مــن ذلــك‪،‬‬
‫لصوتهــا‪ .‬فالجامهــر‪ ،‬يف النهايــة‪ ،‬تفتقــد إىل‬ ‫يعتقــد أرســطو أن الســلطة مصدرهــا الجامعــة‬
‫الرؤيــة العقالنيــة التــي متيــز مــن هــم مبنزلــة‬ ‫وترتبــط بهــا‪ ،‬والســلطة للقانــون وأحكامــه‬
‫الفالســفة الحــكام حـرا ً‪ ،‬لذلــك تبــدو العالقــة‬ ‫العامــة ال للفــرد وإرادتــه الخاصــة‪ ،‬حتــى لــو‬
‫بــن الحاكــم واملواطــن عالقــة ســيد وعبــد‪.‬‬ ‫كان فيلســوفاً‪ ،‬فالقانــون هــو «العقــل مجــرد‬
‫يتعــارض هــذا الطــرح مــع تصــورات أرســطو‪،‬‬ ‫مــن الهــوى»‪ ،‬وان أفضــل الحــكام وأكرثهــم‬
‫يف القانــون‪ ،‬الــذي أعــى شــأنه عــى حســاب‬ ‫حكمــة وعلــاً ال ميكــن أن يســتغني عــن‬
‫شــأن الحاكــم‪ ،‬أيـاً كان ذلــك الحاكــم‪ ،‬فمؤلــف‬ ‫القانــون كتجســيد فعــي لســلطة العقــل ال‬
‫كتــاب السياســة يفســح املجــال للتعدديــة‪،‬‬ ‫ســلطة األهــواء واإلرادات الذاتيــة الشــخصية‪.‬‬
‫ويؤمــن بالدميقراطيــة‪ ،‬ألن يف الحريــة‪ ،‬وهــي‬ ‫وااللت ـزام بالقانــون دليــل عــى صــاح الدولــة‬
‫املبــدأ األســاس الــذي تقــوم عليــه الدميقراطيــة‪،‬‬ ‫وعقالنيتهــا‪ .‬وبذلــك جعــل أرســطو الســلطة‬
‫مــا مينــح العامــة مــن املجتمــع فرصــة‬ ‫العليــا يف الدولــة للقانــون‪ ،‬أي للعقــل‪ ،‬وليــس‬
‫التعبــر عــن رأيهــا‪ ،‬واملشــاركة يف الســلطة‬ ‫للحكام(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪ )254‬كــا‬
‫‪167‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫إىل نقطــة تــوازن بــن عنــري الغنــى والحرية‪،‬‬ ‫شــأنها شــأن باقــي الطبقــات‪ .‬ومــن هــذه‬
‫بشــكل يبــدو فيــه الحكــم كأنــه حكــم الشــعب‬ ‫الزاويــة يبــدو أرســطو تقدمي ـاً وأقــرب لــروح‬
‫وحكــم أقليــة معاً»(عمــر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر‬ ‫العــر الحديــث ومطالبــه ــــــــ كــا ســرى‬
‫الســيايس يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪.)241‬‬ ‫الحق ـاً ــــــــ يف التحــرر واملشــاركة يف الحكــم‬
‫وهــذا مــا يجســده قــول أرســطو‪ »:‬ال بــد‬ ‫وتقويــض االســتبداد بوصفــه انحرافــاً عــن‬
‫«للسياســة» الجيــدة ‪ ....‬مــن أن تظهــر مبظهــر‬ ‫الهــدف املتمثــل بتحقيــق املصلحــة العامــة‪.‬‬
‫الحكــم الشــعبي وحكــم األقليــة معــاً‪ ،‬وأن‬ ‫أمــا أفالطــون فتفيــد طروحاتــه حــول الســلطة‬
‫تكــون ال هــذا وال ذاك»(أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪،‬‬ ‫وصفــات قياداتهــا العليــا‪ ،‬فض ـاً عــن رأيــه يف‬
‫صفحــة ‪ ،)373‬أي ان ال يكــون الحكــم الشــعبي‬ ‫الجمهــور‪ ،‬والقانــون ‪،‬والدميقراطيــة‪ ،‬األنظمــة‬
‫خاليــاً مــن وجــود األقليــة الغنيــة‪ ،‬وان ال‬ ‫التــي تنشــد تكريــس االســتبداد والفــوارق‬
‫يكــون حكــم األقليــة الغنيــة خاليـاً مــن وجــود‬ ‫الطبقيــة بــن املجتمــع‪.‬‬
‫الحكــم الشــعبي الطالــب للحريــة‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫‪5‬ـــ النظام املختلط والطبقة الوسطى‬
‫فــإن السياســة الجيــدة هــي السياســة التــي‬ ‫هــذا التصــور حــول الدميقراطيــة والطبقــات‬
‫تعــر عــن روح الطبقتــن مع ـاً‪.‬‬ ‫وشــكل النظــام الســيايس الــذي يفضلــه‬
‫يعــود هــذا االختيــار للنظــام الســيايس الــذي‬ ‫أفالطــون‪ ،‬يقــع بخــاف التصــور الــذي‬
‫يعمــل عــى دمــج فئتــن مــن فئــات الشــعب‬ ‫يذهــب إليــه أرســطو‪ ،‬إذ يبــدو هــذا األخــر‬
‫إىل الفهــم الــذي قدمــه أرســطو حــول الســبب‬ ‫أكــر عقالنيــة وواقعيــة يف تحليلــه للطبقــات‬
‫الــذي يقــف وراء الثــورات واالنقالبــات‪.‬‬ ‫وأســباب قيــام الثــورات‪ ،‬وخاصــة تحليلــه‬
‫أهــم هــذه األســباب يعــود إىل «عــدم‬ ‫لشــكل النظــام الســيايس الــذي يبتغيــه‪،‬‬
‫املســاواة»(املصدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪ ،)420‬يف‬ ‫ويــرى فيــه أفضــل أنــواع األنظمــة وأكرثهــا‬
‫حــن أن أســاس أي نظــام ســيايس يريــد لنفســه‬ ‫اســتقرارا ً‪ ،‬وهــو النظــام الــذي يطلــق عليــه‬
‫أن يبقــى ويســود هــو «منــط العــدل واملســاواة‬ ‫(نظــام الحكــم الدســتوري)‪ ،‬والــذي يقــوم‬
‫الــذي يســتهدف» (موريــس كرانســتون‪ ،‬أعــام‬ ‫عــى أســاس «مزيــج مــن حكــم األقليــة ومــن‬
‫الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪ .)30‬ويف حــال وجــود‬ ‫الحكــم الشــعبي»‪ ،‬فــــــ «النقطــة الجوهرية يف‬
‫نظــام ســيايس يعمــل بخــاف هــذا املبــدأ‪ ،‬فــإ َّن‬ ‫تحديــد حكــم األقليــة هــي الغنــى‪ ،‬والنقطــة‬
‫الثــورة ‪ ،‬أو االنقــاب أمــر يحصــل بــن فــرة‬ ‫الجوهريــة يف تحديــد الحكــم الشــعبي هــي‬
‫وأخــرى‪.‬‬ ‫الحرية»(أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪ ،‬صفحــة ‪،366‬‬
‫قــدم أرســطو تحليــاً ملفهــوم املســاواة أراد‬ ‫‪ ،)367‬أي املــزج بــن النظــام الــذي ميثــل حالــة‬
‫منــه تبيــان عــدم فهــم مختلــف األنظمــة‬ ‫الغنــى والــروة‪ ،‬والنظــام الــذي ميثــل حالــة‬
‫مبــدأ املســاواة فهـاً صحيحـاً‪ ،‬أضافــة إىل عــدم‬ ‫الحريــة واملســاواة‪.‬‬
‫متييزهــم بــن املســاواة النســبية واملســاواة‬ ‫والســبب وراء هذا االختيــار يكمن يف «الوصول‬
‫‪ 168‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫التعــرض للصعــاب والثورات»(عمــر عبــد‬ ‫املطلقــة‪ .‬ففــي «مختلــف األنظمــة‪ ،‬يقــوم‬
‫الحــي‪ ،‬الفكــر الســيايس يف العصــور القدميــة‪،‬‬ ‫التعــارض والن ـزاع بســبب التناقــض يف التمييــز‬
‫صفحــة ‪.)244‬‬ ‫مــا بــن النســبي واملطلــق‪ .‬ففــي الحكــم‬
‫إن»الحكــم الــذي يعتمــد عــى الطبقــات‬ ‫الشــعبي (الدميقراطــي)‪ .....‬يتســاوى النــاس يف‬
‫الوســطى‪ ،‬هــو أقــرب إىل الحكــم الشــعبي‪ ،‬مــن‬ ‫أمــر واحــد هــو الحريــة‪ ،‬غــر أن النــاس مــن‬
‫الحكــم الــذي يعتمــد عــى األقليــة‪ ،‬وهــو أكــر‬ ‫العامــة‪ ،‬يعتقــدون‪ ،‬بأنهــم نظــراء يف كل يشء‬
‫تلــك األحــكام كلهــا رســوخاً وثباتاً»(أرســطو‪ ،‬يف‬ ‫وعــى الدرجــة ذاتهــا مــن الكفــاءة‪ .‬وكذلــك‬
‫السياســة‪ ،‬صفحــة ‪ .)423‬لهــذا كانــت الطبقــة‬ ‫الحــال يف الحكــم األقــي حيــث يزعــم أصحابــه‬
‫الوســطى ذات أهميــة كبــرة يف املجتمــع فهــي‬ ‫بأنهــم متفاوتــون عــى وجــه االطــاق عــن‬
‫«ميــزان االعتــدال يف الدولــة‪ ،‬وأي انحــراف‬ ‫غريهــم‪ ،‬يف حــن أنهــم يكونــون متفاوتــن‬
‫عنــه ينشــئ احتــاالت عــدم االســتقرار وحكــم‬ ‫يف أمــر واحد»(عمــر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر‬
‫الطغيان»(عمــر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر الســيايس‬ ‫الســيايس يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪،)238‬‬
‫يف العصــور القدميــة‪ ،‬صفحــة ‪ .)245‬والحــل‬ ‫وهــو الــروة التــي تجعلهــم يعتــرون أنفســهم‬
‫األفضــل لتجنــب هكــذا مــأزق هــو الدميقراطية‬ ‫متفوقــن يف كل يشء‪ .‬أي أن الفكــرة الرئيســية‬
‫التــي أثبتــت «أنهــا أكــر اســتقرارا ً وأقــل تعرضاً‬ ‫يف الدميقراطيــة هــي أ َّن املتســاوين يف أي مجال‬
‫للثــورة مــن االوليجاركية»(موريــس كرانســتون‪،‬‬ ‫يعتقــدون أنهــم متســاوون أطالقـاً‪ ،‬يف حــن أن‬
‫أعــام الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪ ،)30‬وذلــك‬ ‫الفكــرة الرئيســية يف االوليجاركيــة تقــوم عــى‬
‫بفعــل قابليــة النظــام الدميقراطــي عــى‬ ‫أســاس أن عــدم التســاوي يف مجــال واحــد‬
‫اســتيعاب طبقــات املجتمــع عــى اختالفهــا‪،‬‬ ‫معنــاه عــدم التســاوي يف كل املجــاالت‪.‬‬
‫ومتثيلهــا مبــا ال يــؤدي إىل الثــورة‪.‬‬ ‫والفكرتــان وأن تضمنتــا قســطاً مــن الحق إال أن‬
‫ثالثاً‪:‬جون لوك(‪ 1632‬ــــــــ ‪)1704‬‬ ‫كلتاهــا «مخطئــة عــى وجــه اإلطــاق‪ .‬ولهــذه‬
‫نقــد الســلطة املطلقــة والتأســيس لليرباليــة‬ ‫العلــة‪ ،‬عندمــا ال يشــرك كل فريق يف السياســة‪،‬‬
‫الدميقراطيــة‬ ‫اشــراكاً يالئــم أوهامــه وظنونــه‪ ،‬يثــور عــى‬
‫إذا كانــت القيمــة الفكريــة للفلســفة‬ ‫الفريــق اآلخر»(أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪ ،‬صفحــة‬
‫السياســية األرســطية‪ ،‬ال زالــت مثــار اهتــام‬ ‫‪ .)418‬وهــذا هــو الســبب يف قيــام الثــورات‪،‬‬
‫معظــم املشــتغلني يف الفكــر الســيايس‪ ،‬فض ـاً‬ ‫الــراع بــن (االغنيــاء والفقــراء)‪ ،‬والــذي‬
‫عــن كونهــا قــد بقيــت يف إطــار الحقــل‬ ‫يحتــاج لتفاديــه نظــام ســيايس يعمــل عــى‬
‫النظــري‪ ،‬ومــن دون أن تجــد لهــا تطبيقـاً عــى‬ ‫الجمــع بــن الطبقتــن معـاً‪ ،‬كــا ويعتمــد عــى‬
‫أرض الواقــع‪ ،‬فــإن القيمــة الفكريــة للفلســفة‬ ‫وجــود «طبقــة وســطى كبــرة تقــوم بتنفيــذ‬
‫السياســية عنــد جــون لــوك‪ ،‬تــأيت مــن جهــة‬ ‫سياســة االعتــدال التــي تؤمــن النظــام وكل‬
‫كونهــا أول فلســفة سياســية ستشــق طريقهــا‬ ‫الظــروف املالمئــة لألمــن واالســتقرار وعــدم‬
‫‪169‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫الســلطة الشــاملة غــر املحــدودة التــي تتيــح‬ ‫إىل التطبيــق عــى أرض الواقــع‪.‬‬
‫لصاحــب الســيادة الحكــم وفــق إرادتــه ودون‬ ‫ولــد لــوك يف إنجلـرا‪ ،‬وعــاش خــال فــرة حكــم‬
‫أن تحــد منهــا األعــراف أو القوانــن‪ ،‬كانــت‬ ‫آل ســتيورت‪ ،‬أي الفــرة التــي شــهدت رصاع ـاً‬
‫حالــة يف آدم فأصبحــت حاّلــة يف جميــع امللــوك‬ ‫حــادا ً مــا بــن الربملــان والســلطة امللكيــة‬
‫بعــده‪ ،‬كحــق رشعــي منحــه اللــه (جــون لــوك‪،‬‬ ‫ممثلــة بشــخص شــارل الثــاين الــذي كان لــوك‬
‫يف الحكــم املــدين‪ ،‬صفحــة ‪ 49‬ومــا بعدهــا)‪،‬‬ ‫مــن مؤيديــه‪ ،‬إال أن هــذا التأييــد مل يــدم‬
‫كــا هــو الحــال مــع أرسة آل ســتيورت يف‬ ‫طويـاً بفعــل مامرســات الســلطة امللكيــة التــي‬
‫حكمهــا إلنجلــرا‪ ،‬ذلــك الحكــم الــذي ترتــب‬ ‫دفعتــه إىل توجيــه نقــد صــارم لفكــرة الحــق‬
‫عليــه عــدم جــواز التعــرض لهــذا الحــق‪،‬‬ ‫اإللهــي التــي يســتند إليهــا ملــوك آل ســتيورت‪،‬‬
‫مــا دام «امللــوك فــوق القوانــن» و «فــوق‬ ‫وهــو نقــد نتــج عنــه قطــع عالقتــه وإىل األبــد‬
‫الرشائــع»‪ ،‬وأن «امللكيــة الكاملــة هــي التــي‬ ‫بــأرسة آل ســتيورت(مهدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات‬
‫يحكــم امللــك كل يشء فيهــا بحســب إرادتــه‬ ‫الفكــر الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة‬
‫املحضة»(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪ ،)55 ،54‬كام‬ ‫‪ ،)88‬فضــاً عــن تأييــده لثــورة ‪ 1688‬التــي‬
‫يــرى فيلمــر‪ .‬وبالتــايل مــا عــى املجتمــع أمــام‬ ‫أســهمت يف فــرض «قيــودا ً دســتورية معينــة‬
‫هكــذا رؤيــة توظــف املقــدس ســوى الخضــوع‬ ‫عــى ســلطة امللك»(ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج‬
‫لهــذا الحكــم املدعــوم بفكــرة الحــق اإللهــي‪،‬‬ ‫الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪.)143‬‬
‫فــا اع ـراض أو نقــد‪ ،‬وإمنــا خضــوع وتســليم‬ ‫‪1‬ــــ نقد نظرية الحق اإللهي للملوك‬
‫ملشــيئة الحاكــم وإرادتــه‪ ،‬التــي هــي دومــاً‬ ‫تجســدت فلســفة لــوك السياســية يف كتابــه‬
‫وأبــدا ً عــى حــق‪ ،‬مــادام لصاحــب الســلطة‬ ‫الشــهري (يف الحكــم املــدين ــــــــ ‪ ،)1690‬فقــد‬
‫الحــق اإللهــي بالســيادة‪ ،‬الحــق الــذي ميلــك‬ ‫احتــوى عــى مجمــل آرائــه السياســية عــن‬
‫مبقتضــاه ســلطة تامــة مطلقــة عــى رعايــاه‬ ‫شــكل الســلطة الــذي يبتغيــه‪ ،‬الشــكل الــذي‬
‫(أرواحهــم‪ ،‬حرياتهــم‪ ،‬ممتلكاتهــم ‪ ......‬الــخ)‪.‬‬ ‫يتضــح مــن خــال نقــده لواحــد مــن أبــرز‬
‫هــذا الدفــاع مــن طــرف فيلمــر عــن الحــق‬ ‫دعــاة «الســلطة املطلقــة» ـــــ كــا يصفه لوك‬
‫اإللهــي للملــوك انتقــده لــوك‪ ،‬متبعـاً يف نقــده‬ ‫ـــــــ وهــو الســر روبــرت فيلمــر (‪ 1588‬ــــــــ‬
‫تحليــاً عقالنيــاً لهــذا النــوع مــن القضايــا‬ ‫‪ )1653‬صاحــب كتــاب (الحكــم األبــوي ــــــــ‬
‫السياســية واالجتامعيــة‪ ،‬وعامــاً مــن خــال‬ ‫‪ ،)1680‬واملدافــع األكــر تطرفــاً عــن عقيــدة‬
‫هــذا النقــد عــى نــزع األســاس املقــدس لهكــذا‬ ‫«الحــق اإللهــي للملــوك»‪ ،‬إذ يــرى هــذا األخــر‬
‫أفــكار اســتند إليهــا «التــاج الربيطــاين يف تثبيت‬ ‫أن البــر مل يولــدوا أح ـرارا ً‪ ،‬ولذلــك يســتحيل‬
‫ســلطته املطلقة»(حســن ناظــم و عــي حاكــم‪،‬‬ ‫عليهــم أن يتمتعــوا بحريــة اختيــار حكامهــم‬
‫املجتمــع املــدين‪ :‬تاريــخ نقــدي‪ ،‬صفحــة ‪.)22‬‬ ‫أو أشــكال الحكــم عندهــم‪ .‬فللملــوك الســلطة‬
‫متثــل هــذا النقــد الســاعي إىل تفكيــك وبيــان‬ ‫املطلقــة القامئــة عــى الحــق اإللهــي‪ ،‬وهــذه‬
‫‪ 170‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫اللفياثــان‪ :‬األصــول الطبيعيــة والسياســية‬ ‫تهافــت هكــذا خطــاب يف عــدة نــواح‪ ،‬منهــا‪:‬‬
‫لســلطة الدولــة‪ ،‬صفحــة ‪ .)186 ،185‬فالحاكــم‬ ‫‪1‬ـــــــ إن ســلطة األب عــى األبنــاء ليســت‬
‫هــو صاحــب الحــق بإصــدار القوانــن‪ ،‬ألن مــن‬ ‫ســلطة مطلقــة‪ ،‬ألن هــذه الســلطة ســتنتهي‬
‫صفــات الســيادة املطلقــة للحاكــم هــي القدرة‬ ‫بعــد انتهــاء حاجــة األبنــاء لهــا عندمــا يكــرون‬
‫عــى «إصــدار القانــون ونقضــه‪ .‬فالســيد‬ ‫ويصبحــون بوعيهــم قادريــن عــى تحمــل‬
‫املطلــق هــو صاحــب الســلطة الترشيعيــة وال‬ ‫مســؤولياتهم‪.‬‬
‫ميكــن إصــدار قانــون أو تنفيــذه إال برضــاه‬ ‫‪2‬ـــــــ إن العالقــة بــن امللــك ورعايــاه ال‬
‫الكامل»(مهــدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر‬ ‫تشــبه العالقــة بــن األب وأبنائــه‪.‬‬
‫الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة ‪.)84‬‬ ‫‪3‬ـــــــ مــن الصعــب تعقــب االنتقــال‬
‫ولذلــك يدعــو هوبــز رصاحــة‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫املبــارش للســلطة األبويــة مــن آدم إىل شــارل‬
‫تكريــس الســلطة املطلقــة‪ ،‬إىل تعليــم الشــعب‬ ‫الثاين(مهــدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر‬
‫التمســك بنظــام الحكــم املوجــود‪ ،‬وإن ال‬ ‫الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة ‪.)90‬‬
‫يتمنــى التغيــر‪ ،‬فاالزدهــار مصــدره طاعــة‬ ‫‪2‬ــــــ الســلطة املطلقــة ونظريــة الحــق اإللهــي‬
‫األف ـراد‪ ،‬ومــن دون الطاعــة يتوقــف االزدهــار‬ ‫بــن هوبــز وفيلمــر‬
‫ويتفــكك الشــعب (تومــاس هوبــز‪ ،‬اللفياثــان‪:‬‬ ‫مل يقتــر نقــد لــوك عــى داعيــة (الحكــم‬
‫األصــول الطبيعيــة والسياســية لســلطة الدولــة‪،‬‬ ‫األبــوي) فقــط‪ ،‬بــل طــال هــذا النقــد فيلســوفاً‬
‫صفحــة ‪ .)333‬كذلــك عــى الشــعب إن ال‬ ‫آخــر ـــــــ يصعــب الحديــث عــن فلســفة لــوك‬
‫يشــكك بســلطة صاحــب الســيادة‪ ،‬وال يتعــرض‬ ‫السياســية مــن دون املــرور مبؤلــف كتــاب‬
‫لــه بالحديــث الــيء أو يســتخدم أســمه‬ ‫اللفياثــان (التنــن) ـــــــ يصنــف داخــل حقــل‬
‫بطريقــة غــر الئقــة‪ ،‬مبــا يــؤدي إىل عــدم‬ ‫الفلســفة السياســية الحديثــة بوصفــه «أول‬
‫احرتامــه وإطاعتــه‪ ،‬فهكــذا أفعــال يعدهــا‬ ‫فالســفة الفكــر الســيايس الحديــث» (املصــدر‬
‫أخطــاء كبــرة (املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪،333‬‬ ‫نفســه‪ ،‬صفحــة ‪ ،)77‬هــذا الفيلســوف هــو‬
‫‪ )334‬بحــق صاحــب الســيادة الــذي يجــدر‬ ‫اإلنجليــزي تومــاس هوبز(‪1588‬ـــــــــ ‪.)1679‬‬
‫طاعتــه وعــدم االعــراض أو الشــكوى مــن‬ ‫يلتقــي هوبــز مــع فيلمــر يف نقطــة واحــدة‬
‫طــرف مــن يحكمهــم‪.‬‬ ‫هــي وجــوب وجــود ســلطة مطلقــة‪ ،‬فامللــك‬
‫غــر أن هــذا التالقــي يف األفــكار يقابلــه اختالفاً‬ ‫أو صاحــب الســلطة املطلقــة ــــــ كــا يصفــه‬
‫حــول مصــدر الســلطة املطلقــة التــي دعــا لهــا‬ ‫هوبــز ـــــــ يحظــى بصالحيــات غــر محــدودة‪،‬‬
‫فيلمــر‪ ،‬فهوبــز ـــــــــ وهنــا تكمــن أهميــة‬ ‫مــادام األفـراد قــد اتفقــوا عــى منحــه الســلطة‬
‫تصــوره حــول الســلطة الــذي جــاء مخالفــاً‬ ‫التــي تخولــه حكمهــم‪ ،‬وهــو مــا يجعــل من كل‬
‫للكثــر مــن أســافه ـــــــــ رفــض أن يكــون‬ ‫فــرد وفق ـاً لهــذا االتفــاق‪ ،‬صانــع لــكل أفعــال‬
‫مصــدر الســلطة املطلقــة هــو نظريــة الحــق‬ ‫وآراء الحاكــم امل ُطلــق امل ُنصب(تومــاس هوبــز‪،‬‬
‫‪171‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫والســلطة غــر املطلقــة ذات الســيادة الجزئيــة‪،‬‬ ‫اإللهــي التــي ال تتفــق «برأيــه مــع العقــل‬
‫فالثانيــة تــؤول ال محالــة إىل الفــوىض والـراع‬ ‫واملنطق»(مهــدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر‬
‫نتيجــة تــوزع مراكــز الســيادة‪ .‬ومثــال هوبــز‬ ‫الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة ‪،)76‬‬
‫عــى ذلــك هــو الحــرب األهليــة التــي اندلعــت‬ ‫ذاهبــاً عــى أســاس عــدم االتفــاق هــذا إىل‬
‫يف إنجلــرا‪ ،‬والتــي حصلــت بســبب انقســام‬ ‫«إنتــاج نظريــة عــن الدولــة مــن دون اك ـراث‬
‫الســلطات وتوزعهــا بــن امللــك والربملــان‪ ،‬األمــر‬ ‫بالتقاليــد‪ ،‬والوحــي‪ ،‬والحــق اإللهــي للملــوك»‬
‫الــذي أدى إىل انقســام الشــعب ووقــوع الحرب‬ ‫(جــون إهرنــرغ‪ ،‬املجتمــع املــدين‪ :‬التاريــخ‬
‫األهلية(تومــاس هوبــز‪ ،‬اللفياثــان‪ :‬األصــول‬ ‫النقــدي للفكــرة‪ ،‬صفحــة ‪ .)160‬فالدولــة عنــد‬
‫الطبيعيــة والسياســية لســلطة الدولــة‪ ،‬صفحــة‬ ‫هوبــز ال تقــوم عــى أســاس الحــق اإللهــي‪،‬‬
‫‪ .)190‬ذلــك أن عــدم احتفــاظ امللــك بالســيادة‬ ‫وإمنــا هــي نتــاج اتفــاق البــر فيــا بينهــم‪ ،‬أي‬
‫الكاملــة‪ ،‬وموافقتــه عــى قانــون عــدم حــل‬ ‫أنهــا كيــان ُمصطنع(تومــاس هوبــز‪ ،‬اللفياثــان‪:‬‬
‫الربملــان‪ ،‬أتــاح للربملــان أن يصبــح قــوة مســتقلة‬ ‫األصــول الطبيعيــة والسياســية لســلطة الدولــة‪،‬‬
‫إىل جانبــه‪ ،‬وبذلــك أصبــح للبلــد ســيدان‪ ،‬وهــو‬ ‫صفحــة ‪ ،)179‬صنعــه البــر تحديــدا ً‪ ،‬ال جهــة‬
‫مــا أدى إىل فقــدان معنــى الســيادة‪ ،‬ألن تجزئــة‬ ‫أخــرى مفارقــة للعــامل البــري‪ .‬وهــذا مــا‬
‫الســيادة يعنــي تحطيمها(موريــس كرانســتون‪،‬‬ ‫يذهــب إليــه لــوك أيض ـاً‪ ،‬فالحكومــات عنــده‬
‫أعــام الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪ ،)49‬وهــذا مــا‬ ‫إمنــا هــي «مثــرة طبيعيــة الجتهــاد البــر‬
‫يرفضــه هوبــز رفض ـاً قاطع ـاً‪.‬‬ ‫واتفــاق كلمتهم»(جــون لــوك‪ ،‬يف الحكــم‬
‫موقــف هوبــز الداعــي إىل ســلطة مطلقــة‪،‬‬ ‫املــدين‪ ،‬صفحــة ‪.)51‬‬
‫ال ســلطة مجزئــة‪ ،‬ضعيفــة‪ ،‬فاقــدة للســيادة‪،‬‬ ‫واملهــم يف رؤيــة هوبــز لشــكل الســلطة هــو‬
‫ال يفــره ســوى الفــرة التــي عاشــها‪ ،‬والتــي‬ ‫تأكيــده عــى أن الســيادة يجــب أن تكــون‬
‫كان لهــا أثــر كبــر يف فلســفته السياســية‪.‬‬ ‫مطلقــة للحاكــم وغــر قابلــة للتجزئــة‪ ،‬حتــى‬
‫فقــد شــهدت أوروبــا يف القــرن الســابع‬ ‫أنــه مل مييــز بــن أشــكال الحكــم الثالثــة‪:‬‬
‫عــر العديــد مــن الثــورات والحــروب‪ ،‬كــا‬ ‫(امللكيــة ـــــــ التــي يفضلها ــــ‪ ،‬األرســتقراطية‪،‬‬
‫شــهدت إنجل ـرا (موطــن هوبــز) حرب ـاً أهليــة‬ ‫الدميقراطيــة)‪ ،‬إال عــى أســاس الســيادة‪ .‬فاملهم‬
‫(‪1642‬ـــــــ ‪ )1651‬بــن أنصــار امللــك (وهوبــز‬ ‫لديــه هــو أن تكــون الســيادة مطلقــة‪ ،‬وليســت‬
‫أحدهــم) وأنصــار الربملــان‪ .‬حتــى أن مؤلفاتــه‬ ‫منقوصــة‪ .‬ذلــك ألن ســيادة الحاكــم إمــا أن‬
‫الثالثــة املؤسســة للفلســفة السياســية الحديثــة‬ ‫يكــون معرتف ـاً بهــا وتوجــد دولــة أو ال يكــون‬
‫وضعــت خــال فــرة الحــرب األهليــة‪ ،‬ومــن‬ ‫معرتفــاً بهــا وتوجــد فوىض(مهــدي محفــوظ‪،‬‬
‫بينهــا كتابــه (اللفياثــان ــــــــ ‪()1651‬عبــد‬ ‫اتجاهــات الفكــر الســيايس يف العــر الحديث‪،‬‬
‫اإللــه بلقزيــز‪ ،‬يف الدولــة‪ :‬األصــول الفلســفية‪،‬‬ ‫صفحــة ‪ .)86 ،85 ،83‬وذلــك يعنــي أنــه ليــس‬
‫صفحــة ‪.)53‬‬ ‫هنــاك خيــار ثالــث بــن الســلطة املطلقــة‬
‫‪ 172‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫ينتــج عنــه تجنــب األخطــار الناتجــة عــن‬ ‫‪3‬ـــــ حالــة الطبيعــة واملجتمــع املــدين عنــد‬
‫حالــة الفــوىض‪ ،‬وذلــك مــن أجــل تأمــن رشوط‬ ‫هوبــز‬
‫قــدر أكــر مــن الســام (ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج‬ ‫ال يكتمــل الحديــث عــن هوبــز مــامل نتطــرق‬
‫الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪ ،)139‬رشط حصولهــا هو‬ ‫إىل رؤيتــه لإلنســان يف حالــة الطبيعــة‪ ،‬وهــي‬
‫التأســيس ملجتمــع مــا بعــد حالــة الطبيعــة‪ ،‬أي‬ ‫املرحلــة الســابقة ملرحلــة نشــوء الدولــة‬
‫املجتمــع الســيايس الــذي يقــوم عــى أســاس‬ ‫أو املجتمــع املــدين‪ .‬عــى نقيــض املقولــة‬
‫عقــد بــن األفــراد يتنازلــون مبوجبــه طوعــاً‬ ‫الشــهرية ألرســطو (اإلنســان كائــن اجتامعــي‬
‫عــن حقوقهــم إىل ســلطة قــادرة عــى الدفــاع‬ ‫بطبعــه)‪ ،‬يــرى هوبــز أن اإلنســان ذو طبيعــة‬
‫عنهــم مــن أعــداء الخــارج ورصاعــات الداخــل‬ ‫ال اجتامعيــة‪ ،‬فهــو يتســم باألنانيــة‪ ،‬وتتحكــم‬
‫فيــا بينهــم‪ ،‬مبــا يؤمــن حاميتهــم وتوجيههــم‬ ‫فيــه غرائــز وشــهوات كالبحــث عــن الســلطة‪،‬‬
‫صــوب الخــر العــام‪ ،‬كــا تقودهــم إىل الســام‬ ‫املــال‪ ،‬القــوة‪ ،‬هــذه الغرائــز وامليــول الطبيعيــة‬
‫وتحقيــق األمن(تومــاس هوبــز‪ ،‬اللفياثــان‪:‬‬ ‫هــي التــي تتحكــم باإلنســان وتدفعــه إىل‬
‫األصــول الطبيعيــة والسياســية لســلطة الدولــة‪،‬‬ ‫تحقيــق تلــك املتطلبــات يف حالــة الطبيعــة‪،‬‬
‫صفحــة ‪ ،)179‬ألنــه مــن دون التنــازل عــن هذا‬ ‫التــي يعيــش فيهــا اإلنســان بغــر ســلطة تنظــم‬
‫الحــق ومتســك كل فــرد يف فعــل أي يشء يــو ّد‬ ‫ســلوكه وتفــرض القوانني(ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج‬
‫فعلــه‪ ،‬يكــون البــر يف حالــة حــرب‪ ،‬لذلــك‬ ‫الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪ ،)139‬مــا يجعــل مــن‬
‫كان التخــي عــن هــذا الحــق أو تفويضــه‪،‬‬ ‫طبيعــة هــذه املرحلــة عبــارة عــن حالــة حــرب‪،‬‬
‫إمنــا الدافــع والغايــة مــن ورائــه هــو تحقيــق‬ ‫حيــث إن كل إنســان عــدو لــكل إنســان‪ .‬ويف‬
‫أمــن اإلنســان وحفــظ حياته(املصــدر نفســه‪،‬‬ ‫حالــة كهــذه يعيــش فيهــا البــر دون أمــان‪،‬‬
‫صفحــة ‪،)142 ،140‬فينتــج عــن هــذا العقــد‬ ‫ســوى مــا تؤمنــه لهــم قوتهــم الخاصــة‪ ،‬ينتــج‬
‫تحويــل املجتمــع مــن حالــة الطبيعــة إىل حالــة‬ ‫عنهــا غيــاب الزراعــة‪ ،‬والتجــارة‪ ،‬والعمــران‪،‬‬
‫املجتمــع الســيايس أو املــدين‪ ،‬أو مــن مجتمــع‬ ‫والفنــون‪ ،‬واآلداب‪ .‬واألســوأ هــو الشــعور‬
‫الفــوىض والـراع إىل مجتمــع الســلم والقانون‪،‬‬ ‫الدائــم بالخــوف وخطــر املــوت العنيــف‪،‬‬
‫حيــث الســلطة هــي الجهــة الوحيــدة املخولــة‬ ‫فحيــاة البــر يف هــذه املرحلــة تكــون بائســة‬
‫إدارة الشــأن العــام‪ ،‬وذلــك مــن خــال إحــكام‬ ‫‪،‬وقاســية‪ ،‬وقصرية(تومــاس هوبــز‪ ،‬اللفياثــان‪:‬‬
‫قبضتهــا عــى جميــع مفاصــل الحيــاة‪ ،‬للحفــاظ‬ ‫األصــول الطبيعيــة والسياســية لســلطة الدولــة‪،‬‬
‫عــى املجتمــع مــن كل مــا قــد يــؤدي إىل‬ ‫صفحــة ‪.)135 ،134‬‬
‫العــودة لحالــة الطبيعــة (حالــة حــرب الــكل‬ ‫غــر أن حالــة الطبيعــة هــذه لــن تــدوم طويالً‪،‬‬
‫ضــد الــكل)‪.‬‬ ‫ألن اإلنســان ســيدرك رضورة تجــاوز هكــذا‬
‫‪4‬ــــــ حالــة الطبيعــة واملجتمــع املــدين عنــد‬ ‫مرحلــة نحــو مرحلــة أخــرى‪ ،‬يتــم فيهــا االلتزام‬
‫لــوك‬ ‫بالقواعــد أو القوانــن‪ ،‬بوصفهــا أم ـرا ً رضوري ـاً‪،‬‬
‫‪173‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫مصالحــه وإىل املبالغــة يف االقتصــاص بدافــع‬ ‫هــذه الرؤيــة الجديــدة التــي دشــنها هوبــز‬
‫الهــوى والثأر(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)213‬‬ ‫داخــل حقــل الفكــر الســيايس الحديــث‪ ،‬والتــي‬
‫وهــذا مــا يجعــل مــن املصالــح الشــخصية‬ ‫جــاءت مغايــرة يف مفاهيمهــا (للســلطة) ـــــــ‬
‫الظاهــرة األبــرز يف حالــة الطبيعــة‪ ،‬فهي ســبب‬ ‫كــا متثــل ذلــك يف القــول إن منشــأها إنســاين‬
‫من أســباب اســترشاء الحقــد‪ ،‬والعدوانيــة‪ ،‬فــــ‬ ‫وليــس إلهــي ــــــــ و (لإلنســان) ــــــــ بوصفــه‬
‫«األفــراد الخاصــن ال يســتطيعون أن يديــروا‬ ‫ذا طبيعــة ال اجتامعيــة ـــــــــ‪ ،‬تعرضــت للنقــد‬
‫منازعاتهــم بأنفســهم‪ ،‬ألنــه ال يتوقــع مــن‬ ‫مــن طــرف لــوك‪ ،‬مــن دون أن يعنــي ذلــك أن‬
‫النــاس أن يفصلــوا يف أمورهــم بنزاهــة‪ ،‬لذلــك‬ ‫هــذا النقــد قــد أقتــر عــى هــذه املفاهيــم‬
‫صــار قيــام ســلطة عامــة وقانــون عــام ملــزم‬ ‫فقــط‪.‬‬
‫أمريــن رضوريني»(حســن ناظــم و عــي حاكــم‪،‬‬ ‫فمــن جهــة وضــع املجتمــع يف حالــة الطبيعــة‪،‬‬
‫املجتمــع املــدين‪ :‬تاريــخ نقــدي‪ ،‬صفحــة ‪،)23‬‬ ‫يــرى لــوك أن البــر فيهــا يتمتعــون بالحريــة‬
‫مــن أجــل تجــاوز ظاهــرة غيــاب القانــون‪،‬‬ ‫التامــة يف أعاملهــم والتــرف بأمالكهــم‬
‫صــوب القانــون امللــزم لــكل األف ـراد إطاعتــه‪،‬‬ ‫وذواتهــم‪ ،‬ومــن غــر أن يحتاجــوا إىل إذن أحــد‬
‫األمــر الــذي ينتــج عنــه بنــاء املجتمــع وفــق‬ ‫أو يتقيــدوا مبشــيئة أي إنســان‪ ،‬وهــذا الوضــع‬
‫قوانــن تطبــق عــى الجميــع‪ ،‬وتحمــي مصالــح‬ ‫يتســم باملســاواة التامــة بــن األفراد(جــون‬
‫األف ـراد‪ ،‬وكل مــا يتعلــق بحياتهــم وحرياتهــم‬ ‫لــوك‪ ،‬يف الحكــم املــدين‪ ،‬صفحــة ‪،)207‬كــا أن‬
‫وأمالكهــم‪.‬‬ ‫هــذه املرحلــة ال تــؤدي إىل حالــة حــرب الــكل‬
‫إن حالــة الطبيعــة مليئــة باملشــاكل واآلفــات‬ ‫ضــد الــكل كــا صورهــا هوبــز‪ ،‬والســبب أن‬
‫التــي تدفــع البــر إىل االلتحــاق باملجتمــع‬ ‫هنــاك ُســنة طبيعيــة يخضــع لهــا الجميــع‬
‫املــدين‪ ،‬ففــي حالــة الطبيعــة تعوزهــم أمــور‬ ‫هــي ُســنة (العقــل)‪ ،‬الــذي يعلــم البــر‪ ،‬أنهــم‬
‫عــدة‪:‬‬ ‫جميع ـاً متســاوون وأح ـرار‪ ،‬وأنــه ينبغــي أن ال‬
‫‪1‬ــــــ قانــون ثابــت و ُمســلم بــه‪ ،‬قائــم عــى‬ ‫يوقــع أحــد منهــم رضرا ً بحيــاة أو حريــة أو‬
‫املوافقــة العامــة‪ ،‬ويكــون املرجــع للفصــل يف‬ ‫ممتلــكات غريه(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)209‬‬
‫جميــع املنازعــات‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك فــإ َّن حالــة الطبيعــة (حالــة الحريــة‬
‫‪2‬ــــــ حــكام أو قضــاة غــر متحيزيــن‪،‬‬ ‫واملســاواة) ال تخلــو مــن بعــض املســاوئ‬
‫يتمتعــون بصالحيــة الفصــل يف جميــع‬ ‫واآلفــات‪ .‬ففــي بحثــه عــن أســباب نشــوء‬
‫الخالفــات طبقــاً للقوانــن القامئــة‪.‬‬ ‫الســلطة وانتقــال املجتمــع مــن حالــة الطبيعــة‬
‫‪3‬ــــــــ ســلطة تنفيذيــة تعمــل عــى دعــم‬ ‫إىل حالــة املجتمــع املــدين‪ ،‬يذهــب لــوك إىل أن‬
‫األحــكام الصــادرة وتنفيذهــا كــا ينبغي(جــون‬ ‫مــن ســات حالــة الطبيعــة الســلبية هــي أن‬
‫لــوك‪ ،‬يف الحكــم املــدين‪ ،‬صفحــة ‪.)296‬‬ ‫كل فــرد هــو الخصــم والحكــم يف القضايــا التــي‬
‫وعنــد توفر(القوانــن والقضــاة والســلطة‬ ‫تعنيــه‪ ،‬ويف هكــذا حــال مييــل الفــرد إىل إيثــار‬
‫‪ 174‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫يدعــو إىل ســلطة مطلقــة‪ ،‬ال ســلطة مجزئــة أو‬ ‫التنفيذيــة) يحصــل التغيــر‪ ،‬أي االنتقــال مــن‬
‫ضعيفــة‪ .‬بخــاف هــذا املفهــوم يدشــن لــوك‬ ‫حالــة الطبيعــة إىل حالــة املجتمــع املــدين‪،‬‬
‫مفهــوم جديــد للســلطة‪ ،‬ســيكون لــه أثــره‬ ‫فالحكومــات وجــدت لتــايف الفــوىض التــي‬
‫البالــغ يف حقــل الفكــر الســيايس‪ ،‬ســواء كان‬ ‫تنتــج عــن أن كل فــرد هــو الخصــم والحكــم‬
‫ذلــك األثــر عــى مســتوى النظريــة أو عــى‬ ‫يف مرحلــة الطبيعــة‪ ،‬حيــث يقبــل البــر عــى‬
‫مســتوى التطبيــق‪.‬‬ ‫االجتــاع‪ ،‬نظــرا ً للمخاطــر واملصاعــب التــي‬
‫يــرى لــوك أن ســلطة الحاكــم ليســت ســوى‬ ‫يتعرضــون لهــا يف حالــة الطبيعــة‪ ،‬فيتخلــون‬
‫ســلطة ائتامنيــة تعمــل ألغــراض معينــة‪ ،‬وأ َّن‬ ‫علــن ســلطتهم وحريتهــم لصالح ســلطة أخرى‪،‬‬
‫الشــعب هــو صاحــب الســلطة العليــا الــذي‬ ‫وظيفتهــا الفصــل يف النزاعــات وفــق قوانــن‬
‫تخضــع لــه كل ســلطة أخــرى‪ .‬فالحكومــة‬ ‫ثابتــة ومتفــق عليهــا‪ ،‬فيتــاح لهــم الحفــاظ‬
‫مســؤولة أمــام الشــعب‪ ،‬وســلطتها مقيــدة‬ ‫عــى حياتهــم وأمالكهــم‪ ،‬وحســب لــوك هــذا‬
‫بالتــزام القوانــن والرشائــع التــي ال يجــوز‬ ‫هــو منشــأ الســلطتني الترشيعيــة والتنفيذيــة‬
‫العمــل خالفها(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)317‬‬ ‫واملجتمعــات األصيل(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬
‫وهــذا يعنــي أن لــوك يرمــي التأســيس لتصــور‪،‬‬ ‫‪.)297 ،295‬‬
‫يــرى يف الحكومــة أنهــا وجــدت ألغـراض تتمثل‬ ‫هــذا مــن جهــة حالــة الطبيعــة التــي نجــد‬
‫يف خدمــة املصلحــة العامــة للمجتمــع‪ ،‬وذلــك‬ ‫فيهــا لــوك بقــدر مــا يقــرب مــن هوبــز بقــدر‬
‫انطالق ـاً مــن املســؤولية امللقــاة عــى عاتقهــا‪،‬‬ ‫مــا يبتعــد عنــه‪ ،‬فهــو مــن جهــة يتفــق مــع‬
‫كــا أن الســلطة عنــده ليســت ســوى وديعــة‬ ‫هوبــز عــى أن حالــة الطبيعــة حالــة مســاواة‬
‫مــن قبــل الشــعب للحكومــة تســتخدمها يف‬ ‫وحريــة‪ ،‬ولكنــه يختلــف عنــه يف وصــف هــذه‬
‫ســبيل الخــر العــام‪ .‬وحــول ذلــك يقــول ‪:‬إن «‬ ‫الحالــة عــى أنهــا حالــة حــرب الــكل ضــد‬
‫النظــم السياســية يســتحيل أن تبنــى إال عــى‬ ‫الــكل‪ ،‬ويتفــق مــع هوبــز عــى أن االنتقــال‬
‫رىض الشــعب» (املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪،)339‬‬ ‫مــن حالــة الطبيعــة إىل حالــة املجتمــع املــدين‬
‫ألن هــذا الــرىض هــو املبــدأ الرئيــي الــذي‬ ‫تــم بفعــل الحاجــة إىل القوانــن التــي تســهم يف‬
‫ينبغــي أن تقــوم عليــه كل حكومــة تريــد‬ ‫تنظيــم املجتمــع‪ ،‬ولكنــه يختلــف معــه حــول‬
‫لنفســها أن تكــون رشعيــة أمــام الشــعب‪.‬‬ ‫شــكل الســلطة املنبثقــة عــن تلــك الحاجــة‪.‬‬
‫إن لوك»بقــدر مــا كان‪ .....‬يؤمــن بــأن الحكومة‬
‫رضورة البــد منهــا لخدمــة املصلحــة العامــة‪،‬‬ ‫‪5‬ــــــ الســلطة واملجتمــع ورشعيــة الثــورة عنــد‬
‫فقــد كان يؤمــن بــأن هــذه الحكومــة تســتمد‬ ‫لــوك‬
‫حقوقـاً مــن الشــعب ال ميكــن أن تنتــزع منهــا‬ ‫االختــاف الثــاين هــو األهــم يف حديثنــا عــن‬
‫طاملــا هــي حائــزة عــى ثقته»(مهــدي محفوظ‪،‬‬ ‫مفهــوم لــوك للســلطة‪ .‬وضحنــا ســابقاً يف‬
‫اتجاهــات الفكــر الســيايس يف العــر الحديث‪،‬‬ ‫حديثنــا عــن مفهــوم هوبــز للســلطة كيــف أنه‬
‫‪175‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫بعــده‪ ،‬أي ثنائيــة الســلطة واملجتمــع‪ ،‬ذلــك‬ ‫صفحــة ‪ ،)91‬املرهونــة بتأديــة واجباتهــا وفــق‬
‫أنــه كلــا «ازداد املجتمــع املــدين قــوة تحققت‬ ‫القانــون‪ ،‬أو وفــق العقــد االجتامعــي الــذي‬
‫لــه الحريــة الكافيــة ليكــون مجتمعــاً مدنيــاً‬ ‫تــم إبرامــه بــن الســلطة واملجتمــع‪ ،‬ويف‬
‫حقيقي ـاً»‪ ،‬يف حــن «أنــه كلــا ازدادت الدولــة‬ ‫حــال انتهــاك رشوط هــذا العقــد ونقــض‬
‫ومؤسســاتها الســلطوية قــوة وجربوت ـاً ضعــف‬ ‫األمانــة التــي عهــد بهــا الشــعب للحكومــة‪،‬‬
‫املجتمــع املدين»(حســن ناظــم و عــي حاكــم‪،‬‬ ‫«فللشــعب الحــق أن يخلــع عنــوة أي قــوة‬
‫املجتمــع املــدين‪ :‬تاريــخ نقــدي‪ ،‬صفحــة ‪.)23‬‬ ‫تحــاول أن ترصفــه عــا هــو رضوري للمجتمــع‬
‫واملعنــى األخــر هــو مــا مل تكــن فلســفة لــوك‬ ‫وعــا تقــوم عليه ســامة الشــعب وبقــاؤه‪ .‬ألن‬
‫السياســية منتــرة لــه‪ ،‬كــا هــو الحــال مــع‬ ‫عــاج القــوة غــر املرشوعــة يف جميــع األحــوال‬
‫هوبــز‪.‬‬ ‫واألوضــاع هــو معارضتهــا بالقوة»(جــون لــوك‪،‬‬
‫يف الحكــم املــدين‪ ،‬صفحــة ‪،)321‬مثــال ذلــك‬
‫‪6‬ــــلوك والفكر الليربايل الحديث‬ ‫مــا حصــل يف انجل ـرا‪ ،‬حيــث أن ســلطة امللــك‬
‫إذا كان هوبــز قــد مهــد للفالســفة الذيــن‬ ‫أفضــت إىل «إحــال اإلرادة الكيفيــة محــل‬
‫ســيأتون بعــده بفكرتــن أساســيتني‪»:‬األوىل‬ ‫القانــون‪ ،‬الحيلولــة دون اجتــاع الربملــان يف‬
‫وهــي إبـراز فكــرة املصلحــة الشــخصية لألفـراد‬ ‫موعــده املقــرر‪ ،‬خيانــة البــاد ملصلحــة أمــر‬
‫بوصفهــا الدافــع املحــرك للنشــاط اإلنســاين؛‬ ‫أجنبــي‪ ،‬وارتــأى لــوك أن مثــل هــذه األعــال‬
‫والثانيــة هــي إمنــاء ســلطة القانون»(مهــدي‬ ‫غــر املرشوعــة تعيــد الشــعب إىل حالــة‬
‫محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر الســيايس يف‬ ‫الطبيعــة ويصبــح مــن حقــه مامرســة حقــه‬
‫العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة ‪ ،)87‬فــإن هــذا‬ ‫الطبيعــي يف العصيان»(موريــس كرانســتون‪،‬‬
‫التمهيــد ال يعفــي مــن القــول بحــق هوبــز‬ ‫أعــام الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪ )63‬ومقاومــة‬
‫أنــه يظهــر مقارنــة بـــــ لــوك «داعيــة إىل‬ ‫الحاكــم إذا مــا تجــاوز ســلطة القانــون وعمــل‬
‫نظــام توتاليتــاري مــن دون حدود»(موريــس‬ ‫بخــاف املصلحــة العامــة للمجتمــع‪.‬‬
‫كرانســتون‪ ،‬أعــام الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة‬ ‫عــى هــذا النحــو يكــون لــوك قــد انتــر يف‬
‫‪ .)55‬يف حــن أن فلســفة لــوك السياســية‪ ،‬وإن‬ ‫فلســفته السياســية للمجتمــع‪ ،‬مــررا ً حــق‬
‫مل تتســم بالعمــق الفلســفي وســعة األفــق‪ ،‬إال‬ ‫األفــراد يف الخــروج عــن طاعــة الحاكــم‪ ،‬يف‬
‫أنهــا عــرت بشــكل نظــري عــن مشــاعر النــاس‬ ‫حــال مــارس الحاكــم ســلطته بشــكل تجــاوز‬
‫يف كل مــكان بوجــوب لجــم الســلطة املطلقــة‪،‬‬ ‫فيــه حــدود ســلطة القانــون وأرض باملصلحــة‬
‫كــا أنهــا تركــت أثـرا ً بالغــا ودامئــا عــى الوعــي‬ ‫العامــة للمجتمــع‪ ،‬الــذي عمــل لــوك عــى‬
‫الســيايس يف أوروبــا الغربيــة وأمريكا(املصــدر‬ ‫تقويــة ســلطته مقابــل ســلطة الدولــة‪ .‬وتلــك‬
‫نفســه‪ ،‬صفحــة ‪ ،)58‬وذلــك ملــا قدمتــه مــن‬ ‫هــي الثنائيــة التــي عمــل لــوك عليهــا‪ ،‬وكذلــك‬
‫«أســس وقواعــد ملفهــوم الدميقراطيــة الليربالية‪،‬‬ ‫معظــم فالســفة السياســة الذيــن ســيأتون‬
‫‪ 176‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫ويتطلــع إىل املســتقبل الــذي يجســد حقــوق‬ ‫التــي ظهــرت عــى أساســه إعالنــات حقــوق‬
‫األفـراد يف الحريــة والحيــاة وامللكيــة‪ .‬مــن هنــا‬ ‫اإلنســان خــال الثورتــن‪ .....‬األمريكيــة والثــورة‬
‫أهميــة فلســفة لــوك السياســية‪.‬‬ ‫الفرنســية»(مهدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر‬
‫رابعاً‪ :‬مونتسكيو(‪ 1689‬ـــــ ‪)1755‬‬ ‫الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة ‪.)99‬‬
‫التنظيــات الوســيطة ونظريــة الفصــل بــن‬ ‫وهــذا مــا جعــل لوكـــــ مــرة ثانية ـــــــ مقارنة‬
‫الســلطات‬ ‫بــــــ هوبــز أكــر تأثــرا ً «يف عــامل السياســة‬
‫‪1‬ــــ حياته واهتامماته الفكرية‬ ‫العملية»(ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج الدميقراطيــة‪،‬‬
‫أســهمت الفلســفة السياســية التــي دشــنها لوك‬ ‫صفحــة ‪ ،)148‬ذلــك التأثــر الــذي كنا قــد أرشنا‬
‫يف تــرك تأثــر بالــغ األهميــة عىل إنجلـرا خاصة‬ ‫إليــه يف املقدمــة‪ ،‬والــذي يرجــع إىل إســهامه يف‬
‫وعــى القــارة األوربيــة عامــة‪ ،‬فضالً عــن تأثريها‬ ‫«تدشــن أحــد أكــر مبــادئ الليرباليــة األوربيــة‬
‫عــى معظــم فالســفة القــرن الثامــن عــر‪،‬‬ ‫الحديثــة محوريــة‪ ،‬مبــدأ أن الحكــم موجــود‬
‫إذ ينــدر وجــود فيلســوف كتــب يف السياســة‬ ‫لحاميــة حقــوق وحريــات املواطنــن‪ ....‬ومبــدأ‬
‫عامــة‪ ،‬ويف حقــوق وحريــات املواطنــن خاصــة‪،‬‬ ‫أن عــى الحكــم‪....‬أن يبقــى مقيــدا ً ومنضبط ـاً‬
‫مــن دون أن يحــر لــوك يف كتابتــه رصاحــة‬ ‫مامرســة لضــان الحــد األقــى املمكــن مــن‬
‫أو ضمنــاً‪ .‬مــن هــؤالء الفالســفة الذيــن كان‬ ‫حريــة كل مواطن»(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬
‫لــــ لــوك تأثــرا ً يف فلســفتهم السياســية هــو‬ ‫‪ .)148‬لهــذا تــم اعتبــاره «رائــدا ً مهــد لقيــام‬
‫البــارون دي مونتســكيو‪.‬‬ ‫تقليــد قــوي وصــدور ترشيعــات تضمــن حــق‬
‫ينتمــي مونتســكيو إىل عائلــة غنيــة مــن طبقــة‬ ‫املواطــن يف التعبــر العلنــي عــن رأيــه يف‬
‫النبــاء الربملانيــة‪ ،‬درس العلــوم يف أكادمييــة‬ ‫القضايــا السياســية واالنضــام إىل الجمعيــات‬
‫بــوردو‪ ،‬املدينــة التــي أصبــح رئيســاً لربملانهــا‬ ‫العامة»(موريــس كرانســتون‪ ،‬أعــام الفكــر‬
‫ملــا يقــارب العــر ســنوات‪ ،‬بعــد تخليــه عــن‬ ‫الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪.)67‬‬
‫منصبــه قــام برحلــة طويلــة اســتغرقت ‪3‬‬ ‫وذلــك هــو جوهــر االختــاف بــن الخطابــن‬
‫أعــوام زار خاللهــا العديــد مــن البلــدان‪ ،‬كــــ‪:‬‬ ‫خطــاب هوبــز املحصــور يف زمــان ومــكان‬
‫النمســا‪ ،‬إيطاليــا‪ ،‬املجــر وســويرسا‪ ،‬فض ـاً عــن‬ ‫معينــن‪ ،‬ألنــه خطــاب ميزتــه الرئيســية إنــه مل‬
‫إنجلـرا التــي تــرك نظامهــا الســيايس أثـرا ً بالغـاً‬ ‫يكــن يتطلــع إىل املســتقبل‪ ،‬مســتقبل املجتمــع‬
‫يف فلســفته السياســية‪.‬‬ ‫يف نشــدان الحريــة واملســاواة يف الحقــوق‬
‫يف رحلتــه هــذه اهتــم مونتســكيو بدراســة‬ ‫السياســية بوصفهــا حــق طبيعــي لإلنســان‬
‫أشــكال الحكــم املختلفــة للبلــدان‪ ،‬كــا‬ ‫وليســت منحــة مــن أحــد‪ ،‬وخطــاب لــوك‬
‫اهتــم بدراســة تأثــر البيئــة أو املنــاخ عــى‬ ‫املفتــوح والقابــل للتمثــل يف كل زمــان ومــكان‪،‬‬
‫عــادات وتقاليــد الشــعوب‪ ،‬نــر العديــد‬ ‫ألنــه خطــاب ميزتــه الرئيســية أنــه تحــدث عام‬
‫مــن املؤلفــات‪ ،‬منها‪(:‬رســائل فارســية ــــــــ‬ ‫يف داخــل كل إنســان ينشــد إصــاح الحــارض‬
‫‪177‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫البلــدان واطالعــه عــى قوانينهــا ونظمهــا‬ ‫‪( ،)1721‬أســباب عظمــة الرومــان وســقوطهم‬
‫السياســية‪ ،‬فض ـاً عــن دراســته تاريــخ فرنســا‬ ‫ـــــــ ‪( ،)1734‬روح الرشائــع ـــــــ ‪ )1748‬كتابــه‬
‫وتاريــخ العــامل توصــل إىل الــروح الحقيقيــة‬ ‫الشــهري الــذي اســتغرق تأليفــه أكــر من ســبعة‬
‫للقوانــن‪ ،‬أي الــروح التــي تكمــن يف «الظــروف‬ ‫عــر عام ـاً‪ ،‬ويف هــذا الكتــاب مل يتطــرق كــا‬
‫الخاصــة بــكل بلــد والتــي منهــا تســتمد‬ ‫يف كتبــه الســابقة إىل حالــة الطبيعــة والعقــد‬
‫القوانــن روحهــا‪ ،‬هــذه الظــروف أو البيئــات‬ ‫االجتامعــي‪ ،‬وإمنــا اهتــم بنقطتــن رئيســيتني ‪:‬‬
‫قــد تكــون ثقافيــة ‪،‬أو سياســية ‪،‬أو دينيــة ‪،‬أو‬ ‫األوىل‪ :‬تــدور حــول نظريــة اجتامعيــة للقانــون‬
‫جغرافيــة‪ ،‬أو مناخيــة ‪،‬أو هــي معاً»(إبراهيــم‬ ‫والحكــم حيــث ربــط القوانــن البرشيــة بواقــع‬
‫ابـراش‪ ،‬تاريــخ الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪.)264‬‬ ‫النــاس وثقافتهــم ومنــاخ بالدهــم‪.‬‬
‫فاملجتمعــات»ال ميكــن أن تتكــون وتظهــر‬ ‫الثانيــة‪ :‬تــدور حــول رفــض االســتبداد وإعــاء‬
‫بصورتهــا العفويــة أو االعتباطيــة‪ ،‬بالعكــس‬ ‫شــأن الحريــة السياســية ورضورة فصــل‬
‫فــإن تكونهــا وظهورهــا يخضــع لقوانــن ثابتــة‬ ‫الســلطات(إبراهيم ابــراش‪ ،‬تاريــخ الفكــر‬
‫ال تتغــر‪ ،‬ذلــك أن تاريــخ أي أمــة مــن األمــم‬ ‫الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪.)263 ،262‬‬
‫ال يعكــس إال حالــة مــن حــاالت تأثــر هــذه‬ ‫‪2‬ــــالقوانني وأسباب نشأتها‬
‫القوانــن الثابتــة عليها»(مهــدي محفــوظ‪،‬‬ ‫يف مطلــع مؤلفــه (روح القوانــن) يتحــدث‬
‫اتجاهــات الفكــر الســيايس يف العــر الحديث‪،‬‬ ‫مونتســكيو عــن صلــة القوانــن مبختلــف‬
‫صفحــة ‪.)107‬‬ ‫املوجــودات‪ ،‬في ّعــرف القوانــن بوصفهــا‪:‬‬
‫تتمثــل هــذه القوانــن الثابتــة التــي تلعــب‬ ‫عالقــات رضوريــة مشــتقة مــن طبيعة األشــياء‪،‬‬
‫دورا ً كبـرا ً يف تحديــد طبيعــة القوانــن وأشــكال‬ ‫وتشــمل جميــع املوجــودات‪ ،‬فللعــامل املــادي‬
‫الحكــم والعقليــة القوميــة والتقاليــد والفنــون‬ ‫قوانينــه‪ ،‬ولعــامل الحيــوان قوانينــه‪ ،‬ولإلنســان‬
‫يف عــدة عوامــل‪ ،‬منهــا مــا هــو مناخــي‪ ،‬مثــال‬ ‫قوانينه(مونتســكيو‪ ،‬روح الرشائــع‪ ،‬ج‪ ،1‬صفحــة‬
‫ذلــك أن ســكان األقاليــم البــاردة يتصفــون‬ ‫‪ .)11‬وهــذه القوانــن تختلــف باختــاف األمــم‬
‫بالشــجاعة والعلــم والحريــة‪ ،‬يف حــن أن‬ ‫والشــعوب‪ ،‬فهــي خاصــة بطبيعــة البلــد‪،‬‬
‫ســكان األقاليــم الحــارة يتصفــون بالجــن‬ ‫باإلقليــم البــارد أو الحــار‪ ،‬وبطبيعــة األرض‬
‫والكســل والضعف(مونتســكيو‪ ،‬روح الرشائــع‪،‬‬ ‫وموقعهــا وأتســاعها‪ ،‬وبطبيعــة حيــاة األمــم‬
‫ج‪ ،1‬صفحــة ‪ ،)330‬ومنهــا مــا هــو أريض‪ ،‬أي‬ ‫أكانــوا مزارعــن أو رعــاة أو صائديــن ‪ ......‬الــخ‬
‫لــه عالقــة بطبيعــة األرض‪ ،‬مثــال ذلــك أن‬ ‫(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)19‬‬
‫ســكان املناطــق الزراعيــة يتميــزون بالخضــوع‬ ‫لقــد كان اهتــام مونتســكيو منصبــاً عــى‬
‫والتبعيــة‪ ،‬يف حــن أن عقليــة التطلــع والحريــة‬ ‫دراســة وتفســر طبيعــة األنظمــة السياســية‬
‫تســود يف املناطــق التــي ال متــارس الزراعــة‪.‬‬ ‫ومؤسســاتها االجتامعيــة القامئــة لــدى مختلــف‬
‫يضــاف إىل هــذه العوامــل عوامــل أخــرى‬ ‫األمــم‪ ،‬ومــن خــال ســفره إىل العديــد مــن‬
‫‪ 178‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫فالتجــارة عنــر الــروة والــروة عامــل الحرية‪،‬‬ ‫تشــرك بتحديــد الــروح العامــة ألمــة مــا‪ ،‬هــذه‬
‫وظهــور الطبقــة الربجوازيــة عــى حســاب‬ ‫العوامــل هــي العوامــل االجتامعيــة الســائدة‬
‫الطبقــة اإلقطاعيــة واألرســتقراطية‪ ،‬أدى إىل‬ ‫يف مجتمــع معــن كالديــن‪ ،‬أحــداث املــايض‪،‬‬
‫مطالبتهــا بالســلطة أو املشــاركة فيهــا‪ ،‬ذلــك‬ ‫العــادات‪ ،‬التقاليــد‪ ،‬آداب الســلوك‪ ،‬التــي‬
‫أن التوزيــع الجديــد للــروة أدى إىل توزيــع‬ ‫تســهم إىل جانــب العوامــل الطبيعيــة‪ ،‬وبنــوع‬
‫جديــد للحكم(إبراهيــم اب ـراش‪ ،‬تاريــخ الفكــر‬ ‫مــن االتســاق يف تكويــن الــروح العامــة لألمــة‬
‫الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪ .)262 ،261‬إذ أســهم صعود‬ ‫التــي هــي روح القوانني(مهــدي محفــوظ‪،‬‬
‫الطبقــة الربجوازيــة يف حصــول رصاع بــن ملوك‬ ‫اتجاهــات الفكــر الســيايس يف العــر الحديث‪،‬‬
‫فرنســا واألرســتقراطية‪ .‬ففــي الوقت الــذي كان‬ ‫صفحــة ‪ .)109 ،108‬ومــن دون أن يعنــي ذلــك‬
‫فيــه امللــوك يدعمــون الطبقــة الربجوازيــة‪ ،‬كان‬ ‫أن مونتســكيو يقــول بوجــود نظــام شــمويل‬
‫األرســتقراطيون يصارعــون مــن أجــل الحفــاظ‬ ‫مــن القوانــن الطبيعيــة املالمئــة لــكل ظــرف‬
‫عــى امتيازاتهــم املهددة(حســن ناظــم و عــي‬ ‫ومــكان‪ ،‬مــا دامــت رشوط وظــروف حيــاة‬
‫حاكــم‪ ،‬املجتمــع املــدين‪ :‬تاريــخ نقــدي‪ ،‬صفحــة‬ ‫األمــم تختلــف وتتبايــن وفقـاً لطابعهــا الخــاص‬
‫‪ )39 ،38‬مــن قبــل امللــوك‪ ،‬وتحديــدا ً لويــس‬ ‫بهــا‪ ،‬لهــذا كان التنــوع يف القوانــن وأشــكال‬
‫الرابــع عرش(‪1638‬ـــــــ ‪ )1715‬الــذي اتســم‬ ‫الحكــم مــن مجتمــع إىل آخــر أمــرا ً طبيعيــاً‪،‬‬
‫حكمــه بالتســلط واالســتبداد‪ ،‬املتمثــل يف إنـزال‬ ‫لدرجــة أنــه مــن قبيــل الصدفــة الكبــرة جــدا ً‬
‫الــرر البليــغ بأســس النظــام امللــي وركائــزه‬ ‫أن توافــق قوانــن أمــة مــا‪ ،‬أمــة أخرى(إبراهيــم‬
‫القامئــة عــى الحكــم املحــي والربملانــات‬ ‫ابـراش‪ ،‬تاريــخ الفكــر الســيايس‪ ،‬صفحــة ‪.)264‬‬
‫وعــى ســلطة النبــاء وامتيازاتهــم‪ .‬لهــذا‬ ‫‪3‬ــــــ التنظيــات الوســيطة ودورهــا يف تحقيق‬
‫كان الحكــم االســتبدادي مــن أســوأ وأخطــر‬ ‫االستقرار‬
‫أشــكال الحكم(مهــدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات‬ ‫ال يختلــف حــال مونتســكيو‪ ،‬يف فلســفته‬
‫الفكــر الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة‬ ‫السياســية‪ ،‬عــن حــال معظــم الفالســفة‬
‫‪ ،)109،110‬وذلــك ألن ســلطة امللــك الــذي‬ ‫السياســيني‪ ،‬مــن الذيــن كانــت فلســفتهم‬
‫يحكــم دون قانــون ســتؤول إىل االســتبداد وإىل‬ ‫السياســية متأثــرة إىل حــد كبــر بواقعهــم‪ ،‬كــا‬
‫الفــراغ «بــن صاحــب الســيادة واملحكومــن‪،‬‬ ‫هــو الحــال مــع هوبــز ولــوك‪.‬‬
‫إذ إن صاحــب الســيادة يدمــر التنظيــات‬ ‫لقــد شــهدت أوروبــا يف القــرن الثامــن عــر‬
‫الوســيطة ليبقــى واحــدا ً أوحــد يحكــم بالحديد‬ ‫حدثــاً بــارزا ً‪ ،‬متثــل يف ظهــور طبقــة جديــدة‬
‫والنــار‪ ،‬ويســتعبد األفـراد‪ ،‬ويحولهــم إىل عبيــد‬ ‫هــي (الطبقــة الربجوازيــة)‪ .‬منــت هــذه‬
‫يخدمــون نزواته»(حســن ناظــم و عــي حاكــم‪،‬‬ ‫الطبقــة املتكونــة مــن خليــط مــن املوظفــن‬
‫املجتمــع املــدين‪ :‬تاريــخ نقــدي‪ ،‬صفحــة‬ ‫واملنتجــن والتقنيــن واملثقفــن‪ ،‬بفعــل التطــور‬
‫‪ ،)39‬لذلــك كان أفضــل تعريــف لالســتبداد‬ ‫الصناعــي والتجــاري الــذي عــم أوروبــا‪،‬‬
‫‪179‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫إىل اســتبداد الجميــع‪ ،‬ويُصــار يف الحالــة الثانيــة‬ ‫هــو «أنــه ملكيــة بــا تنظيــات وســيطة‬
‫إىل اســتبداد الفــرد» (املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬ ‫لألرســتقراطية»(املصدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)39‬‬
‫‪ .)172‬لذلــك أبــدى حــاس لهــذه الســلطات‪،‬‬ ‫يقســم مونتســكيو أنظمــة الحكــم إىل ثالثــة‬
‫ورضب أمثلــة عــى ذلــك مبــا حصــل يف بعــض‬ ‫أنــواع‪:‬‬
‫الــدول األوروبيــة مــن إلغــاء امتيــازات طبقــة‬ ‫‪1‬ـــــــ النظــام الجمهــوري‪ :‬وينقســم إىل‬
‫رجــال الديــن والنبــاء‪ ،‬وهــو أمــر يقــود إىل‬ ‫نوعــن‪ :‬إذا كانــت الســلطة بيــد الشــعب كان‬
‫االســتبداد‪ ،‬ولــه مضــار وآفــات عــى النظــام‬ ‫دميقراطيـاً‪ ،‬وإذا كانــت الســلطة بيــد فئــة مــن‬
‫امللــي ذاتــه وعــى املجتمــع‪ .‬وحــول ذلــك‬ ‫الشــعب كان أرســتقراطياً‪.‬‬
‫يقــول‪« :‬تــزول امللكية‪،‬حينــا يُــرد األمــر كل‬ ‫‪2‬ــــــــ النظــام امللــي‪ :‬حكــم الفــرد الواحــد‬
‫يشء إليــه فقــط‪ ،‬فيدعــو الدولــة إىل عاصمتــه‪،‬‬ ‫وفــق قوانــن ثابتــة‪.‬‬
‫والعاصمــة إىل بالطــه والبــاط إىل شــخصه‬ ‫‪3‬ــــــ النظــام االســتبدادي‪ :‬حكــم الفــرد‬
‫وحــده» (املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)173‬‬ ‫الواحــد بــا قانــون وحســب إرادتــه‬
‫‪4‬ــــ الحرية السياسية والفصل بني السلطات‬ ‫وأهوائه(مونتســكيو‪ ،‬روح الرشائــع‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫يُعــد أرســطو أول مــن قــال بنظريــة الفصــل‬ ‫صفحــة ‪.)21 ،20‬‬
‫بــن الســلطات‪ ،‬وقــد اقتبــس مونتســكيو مــن‬ ‫ولتجــاوز النظــام االســتبدادي عمــل‬
‫أرســطو هــذه النظريــة دون االشــارة اليــه‬ ‫مونتســكيوـــــ الــذي تشــكل فكــرة التنظيامت‬
‫(غانــم محمــد صالــح‪ ،‬الفكــر الســيايس القديــم‬ ‫الوســيطة حضــورا ً مهـاً يف فلســفته السياســية‬
‫والوســيط‪ ،‬صفحــة ‪ .)98 ،97‬ويف كتــاب أرســطو‬ ‫ـــــــ عــى إيجــاد صيغــة تــؤدي للوصــول إىل‬
‫(يف السياســة) وردت نظريــة الفصــل بــن‬ ‫شــكل مــن أشــكال الســلطة يؤمــن التــوازن‬
‫الســلطات بشــكل واضــح‪ ،‬حتــى أن أرســطو‬ ‫داخــل املجتمــع ويحفــظ حقــوق الطبقــات‬
‫يتحــدث‪ ،‬وبتفصيــل‪ ،‬عــن مهــام كل ســلطة‬ ‫الثالث‪(:‬امللــك‪ ،‬العامــة‪ ،‬األرســتقراطية)‪.‬‬
‫مــن الســلطات الثــاث‪ ،‬ويشــر إىل أن املــرع‬ ‫يــرى مونتســكيو رضورة وجــود ســلطات‬
‫الحكيــم هــو مــن يجيــد تنظيــم العالقــة‬ ‫وســيطة بــن الســلطة العليــا وبــن الشــعب‪،‬‬
‫فيــا بــن هــذه الســلطات(ينظر‪ :‬أرســطو‪ ،‬يف‬ ‫ومــن هــذه الســلطات ســلطة النبــاء‪ ،‬ألنــه‬
‫السياســة‪ ،‬صفحــة ‪ 391‬ومــا بعدهــا)‪.‬‬ ‫مــن دون هــذه الســلطات الوســيطة‪ ،‬التــي‬
‫ومــا يلفــت النظــر أن كتــاب (يف السياســة)‬ ‫تعمــل وفــق القانــون وتخضــع لــه‪ ،‬ســيغدو‬
‫ألرســطو هــو احــد املصــادر املعتمــدة يف عمــل‬ ‫الحكــم اســتبدادياً(املصدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬
‫مونتســكيو(روح الرشائــع)‪ .‬فاألخــر يقتبــس‬ ‫‪ .)33 ،31‬فالدميقراطيــات تــزول حــن يعمــد‬
‫العديــد مــن صفحــات مؤلفــه‪ ،‬ويف فصــول‬ ‫الشــعب إىل إلغــاء وظائــف الحــكام والقضــاء‪،‬‬
‫متنوعــة‪ ،‬مــن كتــاب أرســطو (يف السياســة)‪،‬‬ ‫وامللكيــات تفســد عندمــا تلغــى امتيــازات‬
‫لكنــه يهمــل اإلشــارة إىل ســبق أرســطو وفضلــه‬ ‫الســلطات املحليــة‪« ،‬ويُصــار يف الحالــة األوىل‬
‫‪ 180‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫العقوبــات املتعلقــة بالجرائــم والفصــل فيــا‬ ‫يف القــول بالفصــل بــن الســلطات‪ .‬غــر أن‬
‫بــن األفــراد مــن نزاعات(ينظــر‪ :‬مونتســكيو‪،‬‬ ‫هــذه املالحظــة ال تغنــي عــن القــول إن‪:‬‬
‫روح الرشائــع‪ ،‬ج‪ ،1‬صفحــة ‪ 228‬ومــا بعدهــا)‪.‬‬ ‫مونتســكيو هــو مــن أعــاد موضــوع الفصــل‬
‫أراد مونتســكيو مــن حديثــه عــن الســلطات‬ ‫بــن الســلطات إىل دائــرة االهتــام‪ ،‬وذلــك عــر‬
‫الثــاث ورضورة فصلهــا‪ ،‬الربهنــة عــى أن هــذه‬ ‫اهتاممــه بالنظــام الســيايس يف إنجلرتا(عبــد‬
‫الســلطات يف حــال جمعــت يف شــخص واحــد‬ ‫الرضــا الطعــان وآخــرون‪ ،‬موســوعة الفكــر‬
‫أو هيئــة حاكمــة واحــدة‪ ،‬فــإن الحريــة تتــاىش‪،‬‬ ‫الســيايس عــر العصــور‪ ،‬صفحــة ‪ ،)459‬خاصــة‬
‫كــا أن هــذا الجمــع يرتتــب عليــه الكثــر مــن‬ ‫وأ َّن إنجلـرا هــي الدولــة التــي أقــام فيهــا مــدة‬
‫املخاطــر‪ .‬وحــول ذلــك يقــول‪ « :‬كل يشء يضيع‬ ‫طويلــة قياســاً إىل باقــي الــدول التــي زارهــا‬
‫إذا مــارس الرجــل نفســه أو هيئــة األعيــان أو‬ ‫واطلــع عــى عمــل نظمهــا ومؤسســاتها‪.‬‬
‫األرشاف أو الشــعب نفســه هــذه الســلطات‬ ‫مــن املحــاور املهمــة يف فلســفة مونتســكيو‬
‫الثــاث‪ :‬ســلطة وضــع القوانــن وســلطة تنفيــذ‬ ‫السياســية هــو حديثــه عــن الحريــة السياســية‬
‫األوامــر العامــة وســلطة القضــاء يف الجرائــم‬ ‫وقولــه بــرورة فصــل الســلطات لضــان هــذه‬
‫أويف خصومــات األفراد»(املصــدر نفســه‪،‬‬ ‫الحريــة‪ .‬اســتلهم مونتســكيو آراءه يف هــذا‬
‫صفحــة ‪.)229‬‬ ‫املجــال مــن النظــام امللــي الدســتوري القائــم‬
‫الحــظ مونتســكيو أن الطبيعــة البرشيــة تــأىب‬ ‫يف إنجل ـرا‪ ،‬التــي أخــذت تطبــق فلســفة لــوك‬
‫الطغيــان وتثــور عليــه باســتمرار‪ ،‬مــع ذلــك‬ ‫السياســية‪ ،‬لذلــك ميتــدح مونتســكيو النظــام‬
‫فــإ َّن الكثــر مــن األمــم تخضــع لــه رغــم‬ ‫الســيايس االنجليــزي‪ ،‬ويــرى أن هدفــه املبــارش‬
‫حبهــم للحريــة ورفضهــم الطغيــان‪ ،‬ويقــرح‬ ‫يقــوم عــى «الحريــة السياســية»‪ .‬ولتوضيــح‬
‫عالجـاً لذلــك يتمثــل بحكومــة معتدلــة تعمــل‬ ‫محاســنه أفــرد فصـاً كامـاً مــن البــاب الحادي‬
‫عــى ترتيــب الســلطات وتنظيمهــا‪ ،‬ومنــح كل‬ ‫عــر بعنــوان‪( :‬نظــام إنجل ـرا)‪ ،‬تحــدث فيــه‬
‫ســلطة مــن الــوزن مــا تقــاوم بــه الســلطة‬ ‫عــن الحريــة السياســية وعــن رضورة الفصــل‬
‫األخرى(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪.)98‬فلــي‬ ‫بــن الســلطات‪.‬‬
‫يوجــد ضــان ألكــر قــدر مــن الحريــة ال بــد‬ ‫وهذه السلطات هي ‪:‬‬
‫مــن توزيــع الســلطات عــى هيئــات مختلفــة‬ ‫‪1‬ـــــــالسلطة الترشيعيــة‪ :‬ومهمتهــا وضــع‬
‫تعمــل الواحــدة منهــا عــى الحــد مــن ســلطة‬ ‫القوانــن‪.‬‬
‫األخــرى وعــدم طغيانهــا‪ ،‬وحتــى ال تتمكــن‬ ‫‪2‬ـــــــ الســلطة التنفيذيــة‪ :‬ومهمتهــا تنفيــذ‬
‫هيئــة مــن الهيئــات الثــاث مــن إســاءة‬ ‫القوانــن مــن قبيــل الحفــاظ عــى الســلم‬
‫الســلطة(مهدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر‬ ‫الداخــي وتوطيــد األمــن والتصــدي لألخطــار‬
‫الســيايس يف العــر الحديــث‪ ،‬صفحــة ‪.)113‬‬ ‫الخارجيــة‪.‬‬
‫فمــا تخربنــا بــه التجــارب التاريخيــة هــو ميــل‬ ‫‪3‬ـــــــ الســلطة القضائيــة‪ :‬ومهمتهــا فــرض‬
‫‪181‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫(االوليغــاريش)‪ ،‬وأخــرا ً (الحكــم الشــعبي)‪،‬‬ ‫مــن ميلــك الســلطة إىل ســوء اســتعاملها‪ ،‬وهــو‬
‫وجميــع هــذه الحكومــات عنــده ال تهــدف إىل‬ ‫ميــي يف ذلــك حتــى يالقــي حــدودا ً‪ ،‬إذ البــد‬
‫تحقيــق املصلحة العامة (أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪،‬‬ ‫مــن أن توقــف «الســلطة الســلطة» يك ال يســئ‬
‫صفحــة ‪ .)274‬والحكــم األول (الطغيــان) هــو‬ ‫استخدامها(مونتســكيو‪ ،‬روح الرشائــع‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫أســوأ أنــواع الحكومــات‪ ،‬وعلــة ذلــك أن هدفــه‬ ‫صفحــة ‪.)226‬‬
‫املصلحــة الخاصــة ال العامــة‪ ،‬أي اســتغالله‬ ‫‪5‬ــــــاالستبداد واثــر أرســطو يف فالســفة العقــد‬
‫الســلطة ملصلحتــه فقــط ودون التقيــد بقانــون‬ ‫االجتامعــي‬
‫والحكــم رغــم إرادة املحكومني(غانــم محمــد‬ ‫يف حديثنــا الســابق عــن أرســطو رأينــا كيــف‬
‫صالــح‪ ،‬الفكــر الســيايس القديــم والوســيط‪،‬‬ ‫أن هــذا األخــر يــرى أن أفضــل شــكل للحكــم‬
‫صفحــة ‪.)95‬‬ ‫إذا مــا أريــد لــه أن يســتمر دون ثــورات أو‬
‫والــذي يعنينــا تحديــدا ً هــو تصــور أرســطو‬ ‫انقالبــات البــد لــه أن يســتوعب الطبقــة‬
‫لالســتبداد بوصفــه اســتغالالً للســلطة والعمــل‬ ‫الوســطى أو الشــعب‪ ،‬هــذا املفهــوم األرســطي‬
‫للمصلحــة الخاصــة ال العامــة وتجــاوز القانــون‪،‬‬ ‫لشــكل الســلطة الصالحــة تــم توظيفــه مــن‬
‫خصائــص االســتبداد الــذي ينتهــي إىل صــورة‬ ‫قبــل مونتســكيو‪ ،‬لدرجــة أنــه أصبــح ركنــاً‬
‫مــن صــور الحكــم الفاســدة‪ ،‬نجدهــا لــدى‬ ‫محوريــاً ملجمــل تعاليمــه‪ ،‬إذ «ال بــد للدولــة‬
‫لــوك أيضــاً‪ ،‬يف تحديــده ســات الطغيــان‬ ‫مــن أن تنظــم متثيــل مصالــح جامعــات قويــة‬
‫مبفــردات وعبــارات ال تختلــف عــن التــي قــال‬ ‫مختلفــة‪ ،‬أي عليهــا أن تكــون دولــة مختلطــة‬
‫بهــا أرســطو‪ ،‬مــن قبيــل‪ :‬االســتغالل‪ ،‬الســلطة‬ ‫قامئــة عــى املوازنــة بــن أوضــاع امللــك‪،‬‬
‫املتعســفة‪ ،‬تحقيــق املصلحــة الخاصــة للحاكــم‬ ‫األرســتقراطية والشــعب»‪ .‬لهــذا كانــت الطبقــة‬
‫ال مصلحــة املحكومــن‪ ،‬إلغــاء القانــون وإحــال‬ ‫األرســتقراطية «عنــرا ً جوهريــاً يف عمليــة‬
‫إرادة الحاكــم محلــه‪ ،‬إشــباع مطامعه وشــهواته‬ ‫الصيانــة الفعالــة لنــوع مــن التــوازن بــن‬
‫بــدل املحافظــة عــى أمــاك شــعبه(ينظر‪:‬‬ ‫النظــام امللــي‪ ،‬والشــعبي امليالــن كليهــا‪ ،‬إذا‬
‫جــون لــوك‪ ،‬يف الحكــم املــدين‪ ،‬صفحــة ‪357‬‬ ‫مــا تــركا وشــأنهام إىل االســتبداد»(ديفيد هيلــد‪،‬‬
‫ومــا بعدهــا)‪.‬‬ ‫منــاذج الدميقراطيــة‪ ،‬صفحــة ‪.)153‬‬
‫واالقتبــاس مــن أرســطو ال يقتــر عــى لــوك‬ ‫كذلــك الحظنــا كيــف أن أرســطو منــح القانــون‬
‫ومونتســكيو وحســب‪ ،‬وإمنــا عــى مجمــل‬ ‫ســلطة ال تعلــو عليهــا ســلطة‪ ،‬وأن الدولــة‬
‫فالســفة العقــد االجتامعــي‪ ،‬مــن بــاروخ‬ ‫الصالحــة هــي التــي تلتــزم بالقانــون‪ ،‬كام قســم‬
‫ســبينوزا (‪1632‬ـــــــ ‪ )1677‬إىل عامنوئيــل‬ ‫أنظمــة الحكــم عــى أســاس العــدد والهــدف‬
‫كانــت (‪1724‬ــــــــ ‪ ،)1804‬وذلــك يف نقدهــم‬ ‫الــذي يســعى إليــه هــذا النظــام أو ذاك‪ ،‬وفيــا‬
‫لنظــام الحكــم املطلــق‪ ،‬فقــد رأوا فيــه ـــــــ‬ ‫يتعلــق بالحكومــات الفاســدة بــدأ بـــــــ حكــم‬
‫مثــل أرســطو ــــــــ انحرافــاً نحــو الطغيــان‬ ‫الفــرد الواحــد (الطغيــان)‪ ،‬ثــم حكــم األقليــة‬
‫‪ 182‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫عــن عبيــد‪ ،‬والخــوف هــو املبــدأ األســايس‬ ‫وفقــدان للمرشوعيــة‪ .‬واســتدعاء أرســطو يف‬
‫الــذي يحكمهــا ويقــي عــى كل شــجاعة فيها‪،‬‬ ‫كتابــات هــؤالء كشــف عــن أن بنيــة نُظــم‬
‫وطبيعــة الــدول املســتبدة تســتلزم الطاعــة‬ ‫التســلط يف أوروبــا‪ ،‬تحمــل الســات عينهــا‬
‫املتناهيــة‪ ،‬وفيهــا ال يعــد الفــرد مواطن ـاً‪ ،‬فهــي‬ ‫التــي حددهــا تصنيــف أرســطو لنظــم الحكــم‬
‫دولــة يســودها التمييــز بــن األعــى واألدىن من‬ ‫يف عــره‪ ،‬والتــي ال تختلــف عــن نُظــم الحكــم‬
‫الناس(مونتســكيو‪ ،‬روح الرشائــع‪ ،‬ج‪ ،1‬صفحــة‬ ‫يف عرصهــم‪ ،‬لذلــك اســتعانوا مبفاهيمــه لإليحاء‬
‫‪.)103 ،48 ،47 ،46 ،34‬‬ ‫بــأن نظــام التســلط القائــم ينتمــي إىل زمــن‬
‫ومالحظــة أخــرة تتعلــق بتحليــل مونتســكيو‬ ‫قديــم ال يطابــق العــر‪ ،‬وأن ال مهــرب مــن‬
‫لالســتبداد ونقــده لألنظمــة االســتبدادية‪ ،‬ذلــك‬ ‫تغيريه(عبــد اإللــه بلقزيــز‪ ،‬يف الدولــة‪ :‬األصــول‬
‫أن أمثلتــه حــول االســتبداد‪ ،‬املســتقاة يف كثــر‬ ‫الفلســفية‪ ،‬صفحــة ‪.)59‬‬
‫منهــا مــن شــعوب آســيا‪ ،‬وال ســيام الشــعوب‬ ‫وهكــذا‪ ،‬فالفلســفة السياســية بعــد هوبــز‬
‫اإلســامية بوصفهــا منــوذج لالســتبداد الرشقــي‪،‬‬ ‫كان هاجســها الحــد مــن الســلطة‪ ،‬وتبيــان‬
‫مــع إشــارات متفرقــة إىل أباطــرة رومــا القدميــة‬ ‫الحريــة وحقــوق األف ـراد‪ .‬والحاجــة إىل تقييــد‬
‫وملــوك اإلغريــق وبعــض األمــراء األوروبيــن‪،‬‬ ‫الســلطة أمــر ال ميكــن إدراكــه يف فكــر فالســفة‬
‫ال تخلــو مــن مواقــف منحــازة وعنرصيــة‪،‬‬ ‫العقــد االجتامعــي‪ ،‬مــن دون األخــذ بالحســبان‬
‫تجــاه الــرق عمومــاً واملســلمني خصوصــاً‪.‬‬ ‫املكانــة املعتــرة التــي شــغلها هاجــس التســلط‬
‫فالقــول بــأن االســتبداد يســود عــادة «يف‬ ‫يف وعــي هــؤالء الفالســفة‪ .‬فالدعــوة إىل عقــد‬
‫األقاليــم الحــارة»‪ ،‬يف حــن تقــل العيــوب وتكــر‬ ‫رادع للتســلط يف أوروبــا يقــف خلفــه تاريــخ‬
‫الفضائــل مثــل «اإلخــاص والحريــة» يف األقاليم‬ ‫ســيايس متثلــه أشــكال مــن اإلمــارات وامللكيــات‬
‫الشــالية الباردة(املصــدر نفســه‪ ،‬صفحــة ‪،98‬‬ ‫املطلقــة التــي ســادت يف أوروبــا منــذ انهيــار‬
‫‪ ،)333‬تعميــات مبالــغ فيهــا وغــر موضوعيــة‪.‬‬ ‫اإلمرباطوريــة الرومانيــة‪ ،‬وانتقــال مقاليــد‬
‫ففــي تحليالتــه يبــدو االســتبداد وكأنــه منتــج‬ ‫السياســة إىل الكنيســة(املصدر نفســه‪ ،‬صفحــة‬
‫آســيوي حــرا ً‪ ،‬وان منــاخ وديانــات وســعة‬ ‫‪.)59 ،58‬‬
‫أرايض هــذه القــارة قــد مهــدت لذلــك‪ ،‬هــذا‬ ‫وفيــا يتعلــق مبونتســكيو‪ ،‬فإنــه يصــدر عــن‬
‫مــع مالحظــة أن مونتســكيو مل يســافر إىل‬ ‫موقــف نقــدي صــارم وجــذري مــن الحكــم‬
‫الــرق أو يــرى بلدانــه‪ ،‬كــا ســافر وشــاهد‬ ‫االســتبدادي‪ ،‬إذ يشــر إىل خصائــص املســتبد‬
‫عــن قــرب بلــدان أوروبيــة كثــرة‪ ،‬درس‬ ‫والحكومــة املســتبدة‪ ،‬وذلــك مــن خــال أمثلــة‬
‫تاريخهــا ونظمهــا السياســية وحلــل عاداتهــا‬ ‫كثــرة مســتمدة مــن تجــارب تاريخيــة ألنظمــة‬
‫وتقاليدهــا وقوانينهــا‪ ،‬وإمنــا اقتــر عــى‬ ‫حكــم مختلفــة‪ ،‬فاملســتبد يعتقــد أنــه كل يشء‪،‬‬
‫دراســات تعــود لباحثــن ســبقوه يف الحديــث‬ ‫واآلخريــن ليســوا شــيئاً‪ ،‬فهــو كســول وجاهــل‬
‫عــن الــرق‪ ،‬وهــي يف النهايــة تعميــات‬ ‫وشــهواين‪ ،‬والنــاس يف الــدول املســتبدة عبــارة‬
‫‪183‬‬ ‫مجلة الفلسفة (‪)27‬‬
‫الفكــر الســيايس عــر العصــور‪ ،‬ابــن النديــم‬ ‫بعيــدة عــن الدراســة املوضوعيــة وأقــرب إىل‬
‫للنــر والتوزيــع‪ ،‬الجزائــر‪ ،‬ط‪.2015 ،1‬‬ ‫التصــورات الذاتيــة‪.‬‬
‫عزمــي بشــارة‪ ،‬املجتمــع املــدين‪ :‬دراســة نقدية‪،‬‬ ‫املصادر‪:‬‬
‫مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬بــروت‪،‬‬ ‫إبراهيــم اب ـراش‪ ،‬تاريــخ الفكــر الســيايس‪ ،‬دار‬
‫‪ ،2008‬ط‪.2000 ،2‬‬ ‫الســام‪ ،‬الربــاط‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬
‫عمــر عبــد الحــي‪ ،‬الفكــر الســيايس يف العصــور‬ ‫أرســطو‪ ،‬يف السياســة‪ ،‬ترجمــة أوغســطي ُنس‬
‫القدميــة‪ ،‬املؤسســة الجامعيــة للدراســات‬ ‫بربــاره البولــي‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة‬
‫والنــر والتوزيــع‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪.2006 ،2‬‬ ‫العربيــة‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪.2012 ،1‬‬
‫غانــم محمــد صالــح‪ ،‬الفكــر الســيايس القديــم‬ ‫أفالطــون‪ ،‬الجمهوريــة‪ ،‬ترجمــة عيىس الحســن‪،‬‬
‫والوســيط‪ ،‬دار الكتــب للطباعــة والنــر‪،‬‬ ‫األهليــة للنــر والتوزيــع‪ ،‬عــان‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬
‫بغــداد‪.2001 ،‬‬ ‫تومــاس هوبــز‪ ،‬اللفياثــان‪ :‬األصــول الطبيعيــة‬
‫مهــدي محفــوظ‪ ،‬اتجاهــات الفكــر الســيايس‬ ‫والسياســية لســلطة الدولــة‪ ،‬ترجمــة ديانــا‬
‫يف العــر الحديــث‪ ،‬املؤسســة الجامعيــة‬ ‫حــرب وبــرى صعــب‪ ،‬كلمــة و دار الفــارايب‪،‬‬
‫للدراســات والنــر والتوزيــع‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫أبــو ظبــي ـــــــ بــروت‪ ،‬ط‪.2011 ،1‬‬
‫‪.1994‬‬ ‫جــون إهرنــرغ‪ ،‬املجتمــع املــدين‪ :‬التاريــخ‬
‫موريــس كرانســتون‪ ،‬أعــام الفكــر الســيايس‪،‬‬ ‫النقــدي للفكــرة‪ ،‬ترجمــة عــي حاكــم و حســن‬
‫دار النهــار للنــر‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪.1991 ،3‬‬ ‫ناظــم‪ ،‬املنظمــة العربيــة للرتجمــة‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫مونتســكيو‪ ،‬روح الرشائــع‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمــة عــادل‬ ‫ط‪.2008 ،1‬‬
‫زعيــر‪ ،‬دار املعارفـــ القاهــرة‪.1953 ،‬‬ ‫جــون لــوك‪ ،‬يف الحكــم املــدين‪ ،‬ترجمــة ماجــد‬
‫فخــري‪ ،‬املنظمــة العربيــة للرتجمــة‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫ط‪.2015 ،1‬‬
‫حســن ناظــم‪ ،‬عــي حاكــم‪ ،‬املجتمــع املــدين‪:‬‬
‫تاريــخ نقــدي‪ ،‬معهــد الدراســات االسـراتيجية‪،‬‬
‫بــروت ـــــــ بغــداد‪ ،‬ط‪.2007 ،1‬‬
‫ديفيــد هيلــد‪ ،‬منــاذج الدميقراطيــة‪ ،‬ترجمــة‬
‫فاضــل جتكــر‪ ،‬معهــد الدراســات االسـراتيجية‪،‬‬
‫بــروت ـــــــ بغــداد‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬
‫عبــد اإللــه بلقزيــز‪ ،‬يف الدولــة‪ :‬األصــول‬
‫الفلســفية‪ ،‬منتــدى املعــرف‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2020‬‬
‫عبــد الرضــا حســن الطعــان وآخرون‪ ،‬موســوعة‬
‫‪ 184‬مجلة الفلسفة (‪)27‬‬

You might also like