You are on page 1of 24

‫دراسة مقارنة بني تجربة اإلصالح التونسية واملغربية‬

‫اإلصالح والتحديث‬
‫باملغارب يف القرن التاسع عرش‬
‫مقا الت‬
‫نبيل ادريوش‬ ‫قضايا معارصة‬

‫جميع الحقوق محفوظة ‪2022‬‬ ‫‪ 5‬مارس ‪2022‬‬


‫اإلصالح والتحديث باملغارب يف القرن‬
‫التاسع عرش‬
)‫(دراسة مقارنة بني تجربة اإلصالح التونسية واملغربية‬
Reform and modernization of the Moroccans in
the nineteenth century
(A comparative study between the Tunisian and Moroccan reform experiences)

‫نبيل ادريوش‬
Nabil Driuich

3
‫ملخص الورقة‬

‫تتنــاول الورقــة مســألة اإلصــاح والتحديــث يف العامل العــريب خالل القرن التاســع‬
‫عــر‪ ،‬مــن خــال دراســة مقارنــة للتجربتــن االصالحيتــن التونســية واملغربيــة‪.‬‬
‫تنقســم الورقــة إىل ثالثــة محــاور‪ :‬األول يقــدم الســياق التاريخــي الــذي جعــل كال‬
‫البلديــن يتبنــى اإلصــاح‪ ،‬مــع دراســة ألوضــاع كل بلــد عــى حــدة‪ ،‬خاصــة عــى‬
‫املســتوى الســيايس واالقتصــادي واالجتامعــي قبــل حــدوث مــا يعــرف تاريخ ًيــا‬
‫بصدمــة الحداثــة‪ ،‬يف املقابــل يتنــاول املحــور الثــاين الرحــات الســفارية‪ ،‬التــي‬
‫زارت كال مــن الديــار الفرنســية واإلنجليزيــة ومــا تبعــه مــن اكتشــاف لآلخــر ووقــوع‬
‫الصدمــة الحضاريــة‪ ،‬أمــا املحــور الثالــث فيتطــرق للحديــث عــن تبنــي اإلصــاح‬
‫والنواميــس التــي حالــت دون نجــاح التجربــة اإلصالحيــة‪ ،‬لينتهــي املطــاف بالبلديــن‬
‫إىل وقوعهــا تحــت الحاميــة الفرنســية‪.‬‬

‫الكلامت املفتاحية‪:‬‬
‫تونــس‪ ،‬املغــرب‪ ،‬القــرن التاســع عــر‪ ،‬أوضــاع البــاد والعبــاد‪ ،‬صدمــة الحداثــة‪،‬‬
‫اإلصــاح والتحديــث‪ ،‬الحاميــة‪.‬‬

‫اإلشكالية‪:‬‬
‫تنامــت القــوة األوروبيــة يف القــرن التاســع عــر‪ ،‬بشــكل مطــرد بفعــل عــدة محاذيــر‬
‫يف طليعتهــا الثــورة الصناعيــة والعلميــة‪ ،‬اللذيــن صنعــا التفــوق األورويب عــى باقــي‬
‫الشــعوب‪ ،‬خاصــة الضفــة الجنوبيــة لحــوض املتوســط‪ ،‬يف هــذا الخضــم ســقطت‬

‫‪4‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫الجزائــر يــد االســتعامر الفرنــي يف عــام ‪ ،1830‬وكان لهــذا الحــدث وقــع كبــر عــى‬
‫العــامل اإلســامي‪ ،‬حيــث طفــى إىل الســطح ســؤال حــارق‪ ،‬ملــاذا تقــدم اآلخــر وتأخرنــا‬
‫نحــن؟‪ .‬يف هــذا الوضــع بــدأت دعــوات إىل اإلصــاح مــن أجــل مســايرة تغــرات العرص‬
‫والدفــاع عــن بيضــة اإلســام‪.‬‬

‫إذن والحالــة هــذه‪ ،‬كيــف هــي األوضــاع السياســية واالقتصاديــة واالجتامعيــة يف كل‬
‫مــن البــاد التونســية واملغــرب األقــى خــال القــرن التاســع عــر‪ ،‬هــل كانــت هنــاك‬
‫نقــاط تشــابه أم كان االختــاف هــو الطاغــي‪ ،‬وهــل كان تصــور النخبــة التونســية لصدمــة‬
‫الحداثــة يتقاطــع مــع نظريتهــا املغربيــة؟ ومــا هــي الجوانــب التــي شــملها اإلصــاح‬
‫والتحديــث يف كال البلديــن؟ وهــل كان اإلصــاح كافيًــا للبــاد والعبــاد لتجنــب‬
‫االســتعامر؟‬

‫‪5‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتــر القــرن التاســع عــر فــرة زمنيــة‪ ،‬اختلفــت فيهــا أوضــاع العــامل وأحــوال‬
‫األمــم‪ ،‬فالعــامل اإلســامي «دار اإلســام» بــدأ يســلك طريقــه (القــرن ‪ )14‬نحــو تراجعــه‬
‫التاريخــي لعــدة أســباب (فــن ومتــردات‪ ،‬جوائــح ومســاغب‪ ،‬واقتصــاد قلــة وكفــاف‪،)...‬‬
‫يف مقابــل ذلــك كان الغــرب «دار الكفــر» يشــهد ديناميكيــة وتطــورات سياســية وعســكرية‬
‫واقتصاديــة‪ ،‬واجتامعيــة‪ ،‬وثقافيــة‪...‬؛ إذ تفشــت الثــورة الصناعيــة‪ ،‬بشــكل كبــر يف الجــزء‬
‫الغــريب مــن القــارة‪ ،‬وتحولــت مبوجــب الرأســالية وآثــار الثــورة الصناعيــة مــن منــط‬
‫إنتاجــي يعتمــد األرض والســواعد البرشيــة‪ ،‬إىل منــط إنتاجــي أساســه اآللــة واملكننــة‪.‬‬

‫يف هــذا الســياق العــام كانــت «دار اإلســام»‪ ،‬مــا تــزال تعيــش عــى ســجيتها األوىل‬
‫وتعــرف اســتمرارية للبنــى االقتصاديــة واالجتامعيــة‪ ،‬التــي متثــل امتــدادا للعصــور‬
‫الوســطى‪ ،‬كــا لــو كانــت تلــك األمــم يف غفلــة وال تــدري حجــم التطــور والديناميكيــة‬
‫التــي حققتهــا دول الغــرب‪ ،‬كذلــك مل ت ـعِ تلــك الكيانــات تخلفهــا التاريخــي‪ ،‬إال عنــد‬
‫مواجهتهــا لآلخــر وهزميتهــا أمامــه‪ ،‬فقــد كان البــون شاســ ًعا بــن املجالــن‪ ،‬العــامل‬
‫اإلســامي واملســيحي‪ ،‬يف تلــك اللحظــة بــدأت تظهــر عــى الســطح تســاؤالت مــن‬
‫قبيــل مــا الــذي حصــل‪ ،‬وملــاذا تقــدم اآلخــر «الكافــر» وتأخرنــا نحــن‪ .‬وعندمــا بــدأت‬
‫البعثــات تتوجــه إىل الضفــة الشــالية للتمكــن مــن اإلجابــة عــى هــذا الســؤال الحــارق‪،‬‬
‫وقعــت يف صدمــة الحداثــة‪.‬‬

‫بالتــايل والحالــة هــذه كيــف كانــت أحــوال البــاد والعبــاد يف كل مــن البــاد التونســية‬
‫واملغــرب األقــى زمــن القــرن التاســع عــر؟ ومــا التصــور الــذي تشــكل لــدى الرحالة‬
‫عــن اآلخــر عندمــا احتكــوا بــه؟ ومــا هــي ردود أفعالهــم بعــد حصــول الصدمــة؟‬

‫ ‬

‫‪6‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫املحــور األول‪ :‬تونــس واملغــرب يف القــرن التاســع عــر‬
‫(أوضــاع البــاد والعبــاد)‬

‫ســيحاول املوضــوع بشــكل عــام مقارنــة التجربتــن اإلصالحيتــن بالبــاد التونســية‬


‫واملغــرب األقــى‪ ،‬إضافــة إىل الوقــوف عــى التقاطعــات واالختالفــات فيــا بينهــا‪،‬‬
‫لكــن قبــل ذلــك ال بــد مــن اســتعراض لحالــة كل منهــا‪ ،‬خاصــة فيــا يتعلــق باألوضــاع‬
‫االقتصاديــة والسياســية واالجتامعيــة‪...‬‬

‫شــهدت منطقــة حــوض املتوســط يف القــرن التاســع عــر جملــة مــن التطــورات‬
‫التاريخيــة‪ ،‬فعــى املســتوى الســيايس‪ ،‬كانــت تونــس تحــت الحكــم العثــاين‪ ،‬يف حــن‬
‫تواجــد العلويــون باملغــرب‪ ،‬مــا يبــن التبايــن بــن الدولتــن‪ ،‬فالبــاد التونســية يف عهــد‬
‫البايــات الحســينيني الذيــن عرفــت يف ظلهــم البــاد نو ًعــا مــن االســتقرار‪ ،‬وكانــت تتمتــع‬
‫بنــوع مــن االســتقالل عــن األســتانة خصوصــا يف القــرن التاســع عــر‪« ،‬وهكــذا جمــع‬
‫حســن بــاي الســلط يف يــده تجمي ًعــا‪ ،‬فالعســكر الــريك قــد تضــاءل عــدده ومازجتــه‬
‫عنــارص مــن الكوارغليــة‪ ،‬وانحــر دوره يف أن أصبــح قــوة تســهر عــى النظــام العــام‬
‫(‪ )...‬ولقــد فضــل البــاي حســن‪ ،‬يك يســوس البــاد أن يســتعني برجــال مل يتقلبــوا ســابقًا‬
‫يف املناصــب ويدينــون لــه بــكل يشء (‪ )...‬وعــاد البــاي إىل اســتخدام قبائــل أمثــال‬
‫قبيلــة دريــد»(((‪.‬‬

‫شــهدت تونــس مجموعــة مــن التطــورات والرصاعــات السياســية بــن البايــات‬


‫املراديــن والحســينيني‪ ،‬ليســتقر الحكــم لصالــح البايــات الحســينيني وتنعــم البــاد‬
‫باالســتقرار واألمــن‪ ،‬وهــذا اســتقرار كان يفتقــده املغــرب يف القــرن التاســع عــر؛ إذ‬
‫انتــرت التمــردات والفــن‪ ،‬فيــا ســمي بــراع القبيلــة واملخــزن‪ ،‬فارتبطــت بيعــة كل‬
‫ســلطان بلــم شــمل البــاد «ثــم ملــا عــاد {املــوىل عبــد الرحمــن بــن هشــام} إىل فــاس‬

‫((( محمــد الهــادي الرشيــف‪ ،‬تاريــخ تونــس مــن عصــور مــا قبــل التاريــخ إىل االســتقالل‪( ،‬تعريــب)‬
‫محمــد الشــاوش ومحمــد عجينــة‪( ،‬دار رساس للنــر‪ ،‬الطبعــة الثالثــة ‪ ،)1993‬ص‪.83-82 :‬‬

‫‪7‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫اســتعد االســتعداد التــام بقصــد تدويــخ املغــرب ومتهيــد أقطــاره ومل شــعته وتــدارك‬
‫رمقــه؛ إذ كانــت الفتنــة أيــام الفــرة (األزمــة) قــد أحالــت حالــه وكســفت بالــه»(((‪.‬‬

‫يبــدو أن األوضــاع السياســية بالبلديــن اختلفــت‪ ،‬نــوع مــن االســتقرار ألحــوال الدولــة‬
‫التونســية «بفضــل طبقــة حاكمــة قويــة نســب ًيا‪ ،‬واعيــة مبصالحهــا يف الداخــل والخــارج‪،‬‬
‫ـا للحكــم املركــزي»(((‪.‬‬
‫عرفــت البــاد يف هــذه الفــرة اســتقرا ًرا سياسـيًا وتدعيـ ً‬

‫أمــا املغــرب فعــرف تــوايل الفــن وشــق زعــاء القبائــل عصــا الطاعــة‪ ،‬ودخولهــم يف‬
‫مواجهــات مــع املخــزن «ومل تــردد هــذه القبائــل يف مبايعتــه {بوحــارة} ســلطانا عــى‬
‫املغــرب؛ ألن النــاس قــد ملــت الفــوىض التــي أحدثهــا الفــراغ الســيايس‪ ،‬وهكــذا أســس‬
‫بوحــارة مملكــة يف املغــرب الرشقــي والريــف‪ ،‬ومل يســتطع املخــزن الرشعــي إيقــاف‬
‫حركتــه»(((‪.‬‬

‫أمــا عــى املســتوى االقتصــادي واالجتامعــي‪ ،‬فقــد شــهد تذبذبًــا أو كان منشــاريًا‪،‬‬
‫فاقتصــاد البلديــن اعتمــد عــى األرض باعتبارهــا وســيلة إنتاجيــة إضافــة إىل الســواعد‬
‫البرشيــة (هــذا ال يعنــي غيــاب النشــاط التجــاري‪ ،‬الــذي كان يتســم بالضعــف)‪ ،‬ومــا‬
‫يرتتــب عــن ذلــك مــن قلــة لإلنتــاج وندرتــه‪ ،‬وارتباطــه بتقلبــات املنــاخ ومزاجيتــه‪،‬‬
‫ففــي القــرن التاســع عــر رضبــت منطقــة حــوض املتوســط مجموعــة مــن الجوائــح‬
‫واملســاغب‪ ،‬أثــرت ســل ًبا عــى البنيــة االقتصاديــة واالجتامعيــة بالبلديــن‪.‬‬

‫شــهدت تونــس انتشــار مجاعــات وأوبئــة أنهكــت البــاد والعبــاد‪« ،‬ففــي ســنة ‪1849‬‬

‫((( أحمــد النــارصي‪ ،‬االســتقصا ألخبــار املغــرب األقــى‪ ،‬تحقيــق وتعليــق‪ ،‬جعفــر النــارصي ومحمــد‬
‫النــارصي‪( ،‬دار الكتــاب‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ ،‬الجــزء التاســع‪ ،)‍1997 ،‬ص‪.9 :‬‬
‫((( عبــد الحميــد هنيــة‪ ،‬تونــس العثامنيــة بنــاء الدولــة واملجــال‪( ،‬أوتــار تــر الزمــان‪ ،‬الطبعــة الثانيــة‬
‫‪ ،)2016‬ص‪.187 :‬‬
‫((( محمــد الصغيــر الخلــويف‪ ،‬بوحــارة مــن الجهــاد إىل التآمــر‪ ،‬املغــرب الرشقــي والريــف مــن ‪ 1990‬إىل‬
‫‪ ،1909‬دراســة ووثائــق‪( ،‬دار نشــر املعرفــة‪ ،‬الرباط‪-‬املغــرب‪ ،)1993 ،‬ص‪.29 :‬‬

‫‪8‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫مل تســلم البــاد التونســية مــن الوبــاء ويف نهايــة الســنة‪ ،‬ظهــرت الكولــرا مبنطقــة باجــة‬
‫وتســببت يف ســقوط عــدة مئــات مــن األرواح باملدينــة‪ ،‬وخــال األشــهر األوىل مــن‬
‫ســنة ‪ ،1850‬اكتســحت الكولــرا تونــس ومنطقتهــا»(((‪ .‬مبــوازاة ذلــك كان املغــرب‬
‫يعــرف وض ًعــا مشــاب ًها أيضــا كــا جــاء يف دراســة محمــد أمــن البــزاز الــذي يقــول‬
‫«وبلــغ الجــوع بالقرويــن مبلغــه وهــم يجوبــون الحقــول بحثًــا عــن الجــذور (النباتــات)‬
‫والكثــرون يتهالكــون جو ًعــا»(((‪ .‬فقــد اتســم تاريــخ املغــرب بتــوايل عــدة مجاعــات‬
‫أدت إىل تراجــع دميغــرايف‪ .‬مل تكــن املجاعــة وحدهــا مــن تفعــل فعلهــا يف املجتمــع‪،‬‬
‫بــل كانــت األوبئــة أيضــا تحصــد أرواح األهــايل؛ «ففــي عهــد مــوالي ســليامن (‪-1792‬‬
‫‪ )1822‬وبدايــة عهــد خلفــه مــوالي عبــد الرحمــن (‪ )1859-1822‬تعــرض املغــرب‬
‫لثــاث كــوارث طبيعيــة جديــدة تركــت كل واحــدة منهــا بصامتهــا عــى حيــاة البــاد‬
‫االجتامعيــة واالقتصاديــة والسياســية»‪.‬‬

‫كانــت األوبئــة تــرب منطقــة حــوض البحــر األبيــض املتوســط بشــكل دوري «وقــد‬
‫غطــت السلســلة الجديــدة مــن األوبئــة التــي بــدأت آنــذاك‪ ،‬خطــوة بخطــوة كامــل بــاد‬
‫املغــرب مــن طرابلــس إىل املغــرب األقــى‪ ،‬ففــي نهايــة القــرن الثامــن عــر تقاســمت‬
‫تحصــد‬
‫ُ‬ ‫كامــل املنطقــة املتوســطية اإلســامية الكارثــة»(((‪ .‬بالتــايل كانــت الكــوارث‬
‫را مــن الســواعد اإلنتاجيــة‪ ،‬مؤديــة إىل قلــة اإلنتــاج‪،‬‬
‫عديــد األرواح آخــذة معهــا عــددا كبـ ً‬
‫لتنتــر املجاعــة موديــة (مــوت) مبــا تبقــى مــن الخالئــق‪.‬‬

‫عمو ًمــا يظهــر أن أوضــاع البــاد والعبــاد ســواء باملغــرب أو تونــس‪ ،‬كانــت تتشــابه‬

‫((( لوســيت فالنــي‪ ،‬الفالحــون التونســيون‪ :‬االقتصــاد الريفــي وحيــاة األريــاف يف القرنــن ‪ 18‬و‪،19‬‬
‫(ترجمــة) مصطفــى التليــي‪ ،‬مراجعــة جــال بــن طاهــر‪( ،‬املركــز الوطنــي للرتجمــة‪ ،‬تونــس‪ ،‬الطبعــة‬
‫األوىل ‪ ،)2015‬ص‪.418 :‬‬
‫((( محمــد األمــن البــزاز‪ ،‬تاريــخ األوبئــة واملجاعــات باملغــرب يف القرنــن ‪ 18‬و‪( ،19‬منشــورات كليــة‬
‫اآلداب والعلوم االنســانية‪-‬الرباط‪ ،)1992 ،‬ص‪.74 :‬‬
‫((( لوسيت فالنيس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.405 :‬‬

‫‪9‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫يف تــوايل الكــوارث الطبيعيــة‪ ،‬وتتبايــن عــى املســتوى الســيايس‪ ،‬أمــام هــذه العوامــل‬
‫والتطــورات التاريخيــة املتناقضــة وذات التطــور املنشــاري‪ ،‬كانــت تلــك املجتمعــات‬
‫تعيــش يف غفــوة عــا يــدور يف العــامل املســيحي ومــا وصلــه مــن متــدن وتطــور‪ ،‬إىل أن‬
‫أفاقــت ذات صبيحــة بـــ»دار الكفــر» بجانبهــم‪ ،‬ويقصــد بذلــك احتــال الجزائــر يف عــام‬
‫‪ ،1830‬فشــكل ذلــك الحــادث صدمــة لــدار اإلســام عامــة وللبــاد التونســية واملغــرب‬
‫عــى وجــه الخصــوص‪.‬‬

‫املحور الثاين‪ :‬اكتشاف اآلخر وصدمة الحداثة‬

‫شــكل احتــال الفرنســيني الجزائــ َر صدمــة لــكل املســلمني‪ ،‬وبــرزت تســاؤالت‬


‫حارقــة مــن قبيــل كيــف بـ«الكافــر» أن يحتــل «دار اإلســام»‪ ،‬وملــاذا تراجــع املســلمون‬
‫وتقــدم اآلخــر وغريهــا مــن األســئلة املحــرة والطريفــة منهــا‪ ،‬كاستفســار املغاربــة هــل‬
‫يجــوز الحــج إذا مــر املســلمون عــر دار الكفــر‪ ،‬وغريهــا مــن األســئلة الطارئــة‪ ،‬التــي‬
‫تــرز حجــم الصدمــة واالرتبــاك الــذي أحدثــه االحتــال‪.‬‬

‫دفعــت الصدمــة االســتعامرية تونــس واملغــرب إىل البحــث عــن حلــول لتفــادي‬
‫ســيناريو الجزائــر واالحتفــاظ باالســتقالل‪ ،‬فكانــت أول الخطــوات التــي اتخــذت هــي‬
‫التعــرف عــى اآلخــر والوقــوف عــى النواميــس الباعثــة عــى تطــوره ومتدنــه‪.‬‬

‫بــدأت الســلط الحاكمــة باملغــرب وتونــس يف تنظيــم رحــات ســفارية((( خاصــة إىل‬
‫الديــار اإلنجليزيــة والفرنســية‪ ،‬الهــدف منهــا اكتشــاف اآلخــر والتعــرف عــى التمــدن‬
‫والتنظيــم االقتصــادي والعســكري واالجتامعــي الســائد بــه مــع أن موقــف العلــاء‬
‫والرعيــة كان ال ينظــر بعــن الرضــا لســفر الحــكام والديبلوماســيني إىل «دار الكفــر»‪.‬‬

‫((( الرحلــة‪ :‬فــن الرحلــة قديــم يف األدب العــريب مــن خاللــه ويف قالبــه األديــب العــريب‪ ،‬عــر عــا‬
‫ـا‪ ،‬انظــر‪ :‬الحســن الشــاهدي‪ ،‬أدب الرحلــة باملغــرب‬
‫أحــس بــه وهــو يجــوب اآلفــاق مكتشـفًا أو متعلـ ً‬
‫يف العــر املرينــي‪( ،‬منشــورات عــكاظ‪ ،‬الربــاط‪ ،‬الجــزء األول‪ ،)1990 ،‬ص‪.47 :‬‬

‫‪10‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫انطلــق البــاي أحمــد باشــا((( ومعــه وفــد مــن «مثقفــي» زمانــه نحــو فرنســا‪ ،‬وكان مــن‬
‫ضمنهــم أحمــد ابــن أيب الضيــاف الــذي ســجل الرحلــة وكل مــا عاينــه مــن تحــر‬
‫فمثــا يفيــد «أن الســالك يف تلــك الطريــق يشــاهد معنــى العمــران‬
‫ً‬ ‫وعمــران فرنــي‪،‬‬
‫وصــورة التقــدم يف مياديــن الحضــارة وذلــك نتيجــة األمــن واألمــان‪ ،‬وال تــكاد تجــد‬
‫موض ًعــا معطــا مــن نفــع شــجرة أو حــرث أو كأل مســتنبت‪ ،‬يــود الســالك يف تلــك‬
‫الطريــق الســهلة أن املســافة تطــول‪ ،‬وباريــس هــي الغانيــة الحســناء الباســم ثغرهــا‪،‬‬
‫مشــحونة بأعاجيــب الدنيــا»(((‪.‬‬

‫يظهــر حجــم الصدمــة مــن الجديــد عنــد ابــن أيب الضيــاف الــذي ميثــل عقليــة زمانــه‬
‫ومجتمعــه‪ ،‬فهــو مل يســتوعب التطــور والتنظيــم الــذي بلغتــه فرنســا‪ ،‬وتطغــى عــى وصفه‬
‫ملدينــة باريــس العجائبيــة والغرائبيــة كــا ســجله بخصــوص باريــس‪ ،‬بــل ويتحــر‬
‫بالســؤال ملــاذا ال توجــد مثــل تلــك األمــور يف تونــس‪.‬‬

‫يســتمر طابــع الدهشــة والتعجــب مــع الرحالــة املغاربــة‪ ،‬الذيــن انطلقــوا مبــارشة بعــد‬
‫هزميــة إيســي أمــام الفرنســيني يف عــام ‪ 1844‬وحــرب تطــوان أمــام اإلســبان يف ســنة‬
‫‪« ،1860‬ووقعــة تطاويــن هــذه هــي التــي أزالــت حجــاب الهيبــة عــن بــاد املغــرب‬
‫واســتطال النصــارى بهــا وانكــر املســلمون انكســارا مل يعهــد لهــم مثلــه وكــرت‬
‫الحاميــات ونشــأ عــن ذلــك رضر كبــر»(((‪.‬‬

‫انطلقــت رحــات ســفارية مغربيــة عديــدة‪ ،‬مــن بينهــا رحلــة الصفــار يف عــام ‪1846‬‬

‫((( أحمــد بــاي‪ :‬هــو عــارش البايــات الحســينيني حكــم فيــا بــن (‪ ،)1855-1837‬شــهدت فــرة‬
‫حكمــه تداعيــات ســقوط الجزائــر يف يــد الفرنســيني عــام ‪ ،1830‬مــا جعلــه يعجــل ويســلك طريــق‬
‫إصــاح وتحديــث الجيــش بدرجــة أوىل ملواجهــة األطــاع الفرنســية‪ ،‬كــا عرفــت تونــس يف عهــده‬
‫نوعــا مــن االســتقاللية عــن البــاب العــايل‪.‬‬
‫((( ابــن أيب الضيــاف‪ ،‬إتحــاف أهــل الزمــان بأخبــار ملــوك تونــس وعهــد األمــان‪( ،‬تحقيــق) لجنــة مــن‬
‫وزارة الشــؤون الثقافيــة‪( ،‬الــدار العربيــة للكتــاب‪ ،‬الجــزء الرابــع‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.99 :‬‬
‫((( النارصي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.101 :‬‬

‫‪11‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫إىل فرنســا‪ ،‬أي بعــد عامــن مــن الهزميــة والصدمــة إىل باريــس‪ ،‬فعندمــا وصــل إىل‬
‫باريــس‪ ،‬بــدأ يقــول «وهــي مدينــة عظيمــة كبــرة مــن كبــار املــدن املذكــورة‪ ،‬وبهــا بيــوت‬
‫وخزنــات ألنــواع الســاح الــذي يحمــل مــن ســيوف ومكاحــل وبيضــات ودروع‪ ،‬ومــن‬
‫عــادة هــؤالء القــوم أنهــم ال يعرفــون اقتعــاد بســيطة األرض وال يبــارشون الطعــام باليــد‬
‫وال يجتمعــون عــى ماعــون واحــد»(((‪ .‬فمــن وصــف الصفــار يتبــن وقــع الصدمــة التــي‬
‫أحاطــت بــه‪ ،‬حيــث مل يعهــد تلــك األمــور يف بــاده‪ ،‬بــل هــي بيئــة جديــدة تختلــف عــن‬
‫التــي نشــأ فيهــا‪ .‬وتتمثــل صدمتــه بجــاء عندمــا شــاهد جــال النســاء الفرنســيات‪ ،‬فــراح‬
‫ينشــد شــع ًرا يف حقهــن وال يســع اإلنســان إال أن يعــذر الرجــل وهــو يف حالتــه تلــك‪.‬‬
‫بعــد الصفــار توالــت الرحــات املغربيــة‪ ،‬لعــل أبرزهــا الرحلــة اإلبريزيــة إىل الديــار‬
‫اإلنجليزيــة((( والرحلــة التتويجيــة إىل عاصمــة البــاد اإلنجليزيــة(((‪.‬‬

‫خلــص املغاربــة والتونســيون مــن خــال رحالتهــم‪ ،‬إىل معرفــة قــوة الغــرب وكونــوا‬
‫صــورة عــن ســطوته العســكرية‪ ،‬التــي مل يقــدروا عــى مواجهتهــا‪ ،‬هنــا بــدأوا يفكــرون يف‬
‫إيجــاد الحلــول الناجعــة للمواجهــة وصيانــة مصالــح األمــة‪ ،‬ويبــدو أن أهــم يشء متــت‬
‫الدعــوة إليــه هــو القيــام باإلصــاح والتحديــث‪ ،‬معنــى ذلــك وجــود عطــل أصــاب كيــان‬
‫الدولــة وجــب إصالحــه وتحديــث نظمهــا‪.‬‬

‫ويظهــر أن التجربتــن اإلصالحيتــن يف كال البلديــن تباينتــا‪ ،‬لطبيعــة األنظمــة الحاكمة‬

‫((( محمــد بــن عبــد اللــه الصفــار‪ ،‬رحلــة الصفــار إىل فرنســا ‪ ،1846-1845‬تحقيــق ســوزان ميلــر‪،‬‬
‫(تعريــب) خالــد بــن الصغــر‪( ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪ ،)2007‬ص‪.201-163-146 :‬‬
‫((( الرحلــة اإلبريزيــة إىل الديــار اإلنجليزيــة‪ ،‬ملحمــد الطاهــر الفــايس‪ ،‬وهــو مــن علــاء (فقهــاء)‬
‫الدولــة املغربيــة‪ ،‬قــام برحلتــه املذكــورة عــام ‪ ،1860‬بإيعــاز مــن ســلطان املغــرب محمــد الرابــع‪،‬‬
‫قصــد التعــرف عــى اآلخــر‪.‬‬
‫((( الرحلــة التتويجيــة إىل عاصمــة البــاد االنجليزيــة‪ ،‬ملحمــد الغســال الــذي كان ضمــن وفــد رســمي‬
‫مــن قبــل الــدواة املغربيــة املتوجــه إلنجلــرا ســنة ‪ ،1902‬ليــدون رحلتــه واص ًفــا فيهــا التمــدن والتطــور‬
‫بإنجلرتا‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫والبنيــة االجتامعيــة والثقافيــة وبدرجــة كــرى‪ ،‬وإىل اختــاف مــا يســمى بالنخبــة‪،‬‬
‫ففــي تونــس قــادت اإلصــاح نخبــة متمثلــة يف أحمــد ابــن أيب الضيــاف وخــر الديــن‬
‫التونــي‪ ،‬يف حــن تزعــم ســاطني املغــرب العمليــة اإلصالحيــة‪.‬‬

‫وعليــه هــل تقاطعــت األفــكار اإلصالحيــة بينهــا أم اختلفــت؟ ومــا هــي الجوانــب‬
‫التــي رأوا فيهــا األجــدر باإلصــاح والتغيــر؟‬

‫املحور الثالث‪ :‬الوعي بالتأخر وتبني اإلصالح‬

‫حصلــت صدمــة الحداثــة بعــد احتــال الجزائــر بالنســبة للتونســيني‪ ،‬مقابــل ذلــك‬
‫كانــت هزميــة إيســي هــي مــن رفعــت حجــاب الهيبــة عــن املغــرب‪ .‬إثــر ذلــك وعــى‬
‫كل طــرف تأخــره التاريخــي ومــن أجــل تــدارك األمــر وتفــادي مــا وقــع للجزائــر‪ .‬بــدأت‬
‫مجموعــة مــن الرحــات مــن العــامل اإلســامي (العثامنيــون‪ ،‬مــر‪ ،‬تونــس‪ ،‬املغــرب)‬
‫تجــاه الغــرب وخاصــة الديــار الفرنســية واالنجليزيــة‪.‬‬

‫بعــد الصدمــة والدهشــة مــن التمــدن األورويب ومــا عاينــوه مــن حجــم «التحــوالت‬
‫العميقــة التــي قامــت بهــا الربجوازيــة األوروبيــة الحديثــة»(((‪ .‬تنبهــت النخبــة التونســية‬
‫واملغربيــة إىل العطــب دون تشــخيص وفهــم دقيقــن (ســيبني البحــث معنــى ذلــك)‪،‬‬
‫ودعــوا إىل رضورة اإلصــاح‪.‬‬

‫يبــدو أن التعاطــي لقضيــة اإلصــاح لــدى التونســيني مل تكــن تتشــابه يف مجملهــا مــع‬
‫تلــك التــي تبناهــا املغــرب‪ .‬فالتجربــة التونســية رأت يف اإلصــاح الســيايس والعســكري‬
‫واالجتامعــي أســاس التغيــر والتجديــد‪ ،‬وتعــد مســألة الحكــم وامل ُلــك‪ ،‬مــن أهــم مبادئ‬
‫اإلصــاح؛ إذ «يعتــر (بفتــح اليــاء) ابــن أيب الضيــاف امل ُلــك املطلــق مخال ًفــا للــرع‬

‫((( عبــد الســام الحيمــر‪ ،‬النخبــة املغربيــة وإشــكالية التحديــث‪( ،‬مطبعــة النجــاح الجديدة‪-‬الــدار‬
‫البيضــاء‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪ ،)2001‬ص‪.19 :‬‬

‫‪13‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫وللعقــل‪ ،‬فالحكــم القهــري يــذل الرعايــا فتــزول عــن نفوســهم فضائــل املواطنــة»(((‪.‬‬

‫يبــدو أن ابــن أيب الضيــاف كان لــه موقــف معــارض مــن مســألة الحكــم املطلــق‪،‬‬
‫حيــث يتبنــى تقييــد امللــك بالقانــون بغــرض صيانــة حقــوق الرعيــة‪ ،‬وحتــى يســتقيم ذلك‬
‫ال بــد مــن ربــط ســلطة الحاكــم بالدســتور‪ ،‬مبعنــى أن يكــون الدســتور هــو الســلطة‬
‫األســمى‪ ،‬وبالتــايل يحاســب الحاكــم إن أخطــأ أو زاغ عــن أمــور ومصالــح الرعيــة‪ .‬مل‬
‫يقتــر ابــن أيب الضيــاف يف دعوتــه اإلصالحيــة عــى الجانــب الســيايس‪ ،‬بــل دعــا إىل‬
‫إصــاح جوانــب أخــرى؛ عســكرية‪ ،‬جبائيــة‪ ،‬إداريــة‪...‬‬

‫ويف نفــس االتجــاه اإلصالحــي ذهــب خــر الديــن التونــي أو خــر الديــن باشــا‪،‬‬
‫الــذي تبنــى أفــكا ًرا إصالحيــة متباينــة‪ ،‬عــى مــا يبــدو عــن ابــن أيب الضيــاف؛ إذ حــاول‬
‫خــر الديــن التونــي مــن خــال رحالتــه إىل البلــدان األوروبيــة وتجاربــه السياســية‪،‬‬
‫أن ينظــر لإلصــاح بشــكل أعمــق نو ًعــا مــا وبشــكل مختلــف؛ فالرجــل دعــا إىل‬
‫إصــاح أحــوال البــاد التونســية سياس ـيًا وثقافيًــا وعســكريًا‪ ،‬لكــن دون االســتقالل عــن‬
‫البــاب العــايل؛ فحســبه بقــاء تونــس يف حظــرة الدولــة العثامنيــة ســيقيها الســقوط يف‬
‫االســتعامر‪ ،‬فخــر الديــن التونــي «مل يســاند فكــرة التميــز القومــي للشــعوب اإلســامية‬
‫رغــم وعيــه بأزمــة الخالفــة العثامنيــة‪ ،‬لكنــه آمــن إميانًــا قويــا بالحلــول الليبرياليــة القامئــة‬
‫عــى الحكــم الدســتوري والحريــة االقتصاديــة‪ ،‬ومل يلتفــت إىل الجوانــب األخــرى التــي‬
‫بــدت لــه بعيــدة عــن أغراضــه اإلصالحيــة»(((‪.‬‬

‫كانــت الدعــوات اإلصالحيــة التونســية‪ ،‬تتلخــص يف اإلصــاح الســيايس مــن خــال‬


‫دســتور ينظــم حقــوق الجميــع ويحــد مــن ســلطة الحاكــم‪ ،‬وتحديــث الجيــش عــى‬

‫((( أحمــد عبــد الســام‪ ،‬املؤرخــون التونســيون يف القــرون ‪ 17‬و‪ 18‬و‪( ،19‬ترجمــة) أحمــد عبد الســام‬
‫وعبــد الــرزاق الحليــوي‪( ،‬املجمــع التونــي للعلــوم واآلداب والفنــون‪ ،‬بيــت الحكمــة‪ ،)1993 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.426‬‬
‫((( خــر الديــن التونــي‪ ،‬أقــوم املســالك يف معرفــة أحــوال املاملــك‪( ،‬ترجمــة) محمــد حــداد‪( ،‬دار‬
‫الكتــاب اللبنــاين‪ ،‬بــروت‪ ،)2012 ،‬ص‪.29 :‬‬

‫‪14‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫الطــراز األورويب بإنشــاء الكليــة الحربيــة ببــاردو‪ ،‬واالهتــام بجانــب التعليــم عــن طريــق‬
‫تأســيس املدرســة الصادقيــة‪ .‬وبالتــايل فعمليــة التجديــد همــت الجانــب الســيايس‬
‫والتعليمــي والعســكري‪ ،‬إضافــة إىل االهتــام بإنعــاش االقتصــاد وأحــوال املجتمــع‪ .‬هذه‬
‫إذن عــى مــا يبــدو مجمــل اإلصالحــات التــي تزعمتهــا الســلطة التونســية ونخبهــا‪ .‬يف‬
‫مقابــل ذلــك مــا هــي املجــاالت التــي اهتــم بهــا املغاربــة ورأوا فيهــا العطــل الــذي‬
‫يجــب إصالحــه وتطويــره؟‬

‫ُهــزم املغــرب يف معركــة إيســي ســنة ‪ ،1844‬التــي شــكلت بدايــة مرحلــة جديــدة‬
‫يف تاريــخ البــاد‪ ،‬والــذي يرجحــه البعــض كبدايــة للحقبــة الحديثــة‪ ،‬وذلــك موضــوع‬
‫يعــرف اختالفــات وتجاذبــات بــن الدارســن‪ ،‬زيــادة عــى التداعيــات التــي نتجــت عــن‬
‫حــرب تطــوان‪.‬‬

‫بــدأت الدولــة املغربيــة عــى عهــد العلويــن التفكــر واملبــارشة بعــد ذلــك يف عملية‬
‫اإلصــاح‪ ،‬الــذي كان يف األســاس يركــز عــى امليــدان العســكري وبنــاء جيــش قــوي‬
‫مبواصفــات وطــراز العــر‪ ،‬يف هــذا البــاب يقــول محمــد املنــوين‪« :‬ميكــن القــول بــأن‬
‫إصــاح الجيــش املغــريب كان أول إصــاح تناولــه جهــاز الدولــة املغربيــة‪ ،‬فبعــد موقعــة‬
‫إيســي بــدأت املحــاوالت األوىل للتجديــد املغــريب أيــام الســلطان عبــد الرحمــن الذي‬
‫نُظمــت يف عهــده بعــض فــرق الجيــش عــى نســق نظــام الجيــش الــريك الحديــث»(((‪.‬‬
‫ويضيــف مؤلفــو كتــاب تاريــخ املغــرب تحيــن وتركيــب‪« :‬ويف هــذه املرحلــة ســعى‬
‫كل مــن الســلطانني عبــد الرحمــن بــن هشــام وابنــه ســيدي محمــد إىل الــروع يف‬
‫املبــادرات اإلصالحيــة (‪ )...‬فقــام بإحــداث تنظيــات عســكرية عــى الطريقــة الرتكيــة‪،‬‬
‫واســتفاد مــن التجربــة املرصيــة»(((‪.‬‬

‫((( محمــد املنــوين‪ ،‬مظاهــر يقظــة املغــرب الحديــث‪( ،‬منشــورات وزارة األوقــاف والشــؤون اإلســامية‬
‫والثقافيــة‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،)1973 ،‬ص‪.55 :‬‬
‫((( محمــد القبــي وآخــرون‪ ،‬تاريــخ املغــرب تحيــن وتركيــب‪( ،‬منشــورات املعهــد امللــي للبحــث‬
‫يف تاريــخ املغــرب‪ ،‬الربــاط‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،)2011 ،‬ص‪.87 :‬‬

‫‪15‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫يظهــر أن نهــج اإلصــاح عــرف تبنيــه بشــكل كبــر يف عهــدي الســلطان محمــد بــن‬
‫عبــد الرحمــن والســلطان الحســن األول‪ ،‬حيــث بــدأ تحديــث الجيــش وتجاوز األســاليب‬
‫القدميــة مــن قبــل محمــد بــن عبــد الرحمــن‪ ،‬ثــم أكمــل العمليــة بعــده الحســن األول‪،‬‬
‫حيــث يفيــد صاحــب كتــاب املغــرب األقــى يف عهــد الحســن األول‪« :‬ومــا أن بــدأ‬
‫حكــم الســلطان محمــد بــن عبــد الرحمــن حتــى انطلقــت محــاوالت جــادة يف ميــدان‬
‫اإلصــاح‪ ،‬فدعــا شــخصيًا إىل نبــذ األســاليب العتيقــة‪ ،‬وشــجع التأليــف‪ ،‬ورشع يف‬
‫إنشــاء مــدارس علميــة كمدرســة الفنــون التــي تخــرج منهــا البعــض‪ ،‬فيــا أرســلت‬
‫بعثــات إلمتــام الدراســة يف أوروبــا ومــر‪ ،‬ودخلــت املطبعــة إىل املغــرب األقــى يف‬
‫هــذا العهــد بالــذات»(((‪ .‬يبــدو أن النخبــة املغربيــة وعــت بــرورة التغيــر والتجديــد‪،‬‬
‫مــن أجــل مواجهــة ضغــوط األوروبيــن املتزايــدة‪ ،‬فــكان االهتــام بتحديــث مؤسســة‬
‫العســكر واألســاليب التعليميــة‪ ،‬مــن خــال إرســال بعثــات تعليميــة ســواء إىل أوروبــا أو‬
‫مــر‪.‬‬

‫يبــدو أن عمليــة اإلصــاح ركــزت بشــكل كبــر عــى الجانــب العســكري وتنظيمــه‬
‫وفــق النمطــن الــريك واملــري مــن خــال تجربــة محمــد عــي باشــا‪ ،‬ولكــن املغــرب‬
‫اعتمــد تجربتــن عســكريتني تأثرتــا بالنمــط األورويب ومل تكــن متطــورة بشــكل كاف‪،‬‬
‫ويفهــم مــن ذلــك أيضــا أن عمليــة اإلصــاح أتــت وفــق صــرورة تاريخيــة تدخلــت فيهــا‬
‫ظــروف ذاك الزمــن‪ ،‬ومل تكــن نابعــة مــن داخــل هيــاكل ونظــم وبنــى الدولــة آنــذاك‪ ،‬بــل‬
‫فرضهــا الســياق العــام‪ ،‬ويظهــر أن تأثــر اإلصــاح املرشقــي كان كبــرا‪« ،‬ويبــدو أن كل‬
‫يشء يف الواقــع يــدل عــى أن النموذجــن الــريك واملــري نُظــر إليهــا مــن طــرف‬
‫األوســاط الداعيــة إىل هــذه الفكــرة باعتبارهام ســابقتني يكــون من الالئــق اســتلهامهام»(((‪.‬‬

‫((( محمــد العــريب معريــش‪ ،‬املغــرب األقــى يف عهــد الســلطان الحســن األول‪( ،‬دار الغــرب‬
‫اإلســامي‪ ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪ ،)1989‬ص‪.159 :‬‬
‫((( بهيجــة ســيمو‪ ،‬اإلصالحــات العســكرية باملغــرب ‪( ،1912-1844‬منشــورات اللجنــة املغربيــة‬
‫للتاريــخ العســكري‪ ،‬املطبعــة امللكية‪-‬الربــاط‪ ،)2000 ،‬ص‪.135 :‬‬

‫‪16‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫يبــدو أن األفــكار اإلصالحيــة والتحديثيــة بــكل مــن املغــرب وتونــس‪ ،‬شــهدت تباينــا‬
‫فيــا بينهــا‪ ،‬ففــي املغــرب تزعــم اإلصــاح الســلطة الحاكمــة‪ ،‬خاصــة مــن خــال‬
‫تجربتــي الســلطان محمــد بــن عبــد الرحمــن والســلطان الحســن األول‪ ،‬الــذي أرســل‬
‫بعثــات طالبيــة إىل الغــرب‪« ،‬فرغــم تأســيس مدرســتني للتداريــب العســكرية يف كل‬
‫مــن الجديــدة وطنجــة‪ ،‬فقــد بــادر مــوالي الحســن إىل إرســال البعثــات الطــاب إىل‬
‫الــرق وإىل أوروبــا قصــد تكويــن األطــر‪ ،‬لقــد كان اهتــام طــاب البعثــات مــن الناحيــة‬
‫الدراســية هــو االتجــاه العســكري»(((‪.‬‬

‫عــى الرغــم مــن اختــاف توجهــات اإلصــاح بــن تونــس (الدســتور‪ ،‬ووثيقــة‬
‫عهــد األمــان‪ ،‬والتنظيــات‪ )...‬واملغــرب (التحديــث اإلداري والجبــايئ والنقــدي‪،)...‬‬
‫إال أن رؤيتهــا اإلصالحيــة التقــت يف تحديــث الجيــش وفــق طــراز عــري‪ ،‬بــل كان‬
‫جوهــر اإلصــاح هــو تجديــد الجيــش ليكــون قــاد ًرا عــى مواجهــة األخطــار الخارجيــة‬
‫املتفاقمــة وصيانــة مصالــح البــاد والعبــاد مــن تربــص األوروبيــن‪ ،‬بالتــايل فاإلصــاح‬
‫مل يكــن ناب ًعــا مــن صميــم الدولــة واملجتمــع والبنيــة االقتصاديــة‪ ،‬بــل فرضتــه ظــروف‬
‫العــر وســياقه العــام‪.‬‬

‫يبقــى الســؤال املحــوري‪ ،‬هــل أعطــت اإلصالحــات والتحديثــات أكلهــا‪ ،‬ونحــت‬


‫بتونــس واملغــرب بعيــ ًدا عــن االســتعامر‪ ،‬أم مل يُكتــب لهــا النجــاح وكان مصريهــا‬
‫الفشــل؟ ومــا هــي العوامــل التــي أثــرت عــى تجديــد نظــم الدولــة؟‬

‫((( عمــر أفــا‪ ،‬التجــارة املغربيــة يف القــرن التاســع عــر البنيــات والتحــوالت ‪( ،1912-1830‬دار‬
‫األمــان‪ ،‬الربــاط‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪ ،)2006‬ص‪.122 :‬‬

‫‪17‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫املحور الرابع‪ :‬فشل اإلصالحات وفرض الحامية‬

‫حققــت أوروبــا تطورهــا التاريخــي عــر مــدة طويلــة مــن الزمــن‪ ،‬امتــدت مــن القــرن‬
‫الثالــث عــر إىل القــرن التاســع عــر‪ ،‬لتظافــر عــدة تراكــات ورواســب (إصــاح دينــي‬
‫وســيايس‪ ،‬ثقــايف واجتامعــي‪ ،)...‬ولكــن العامــل االقتصــادي كان حاســا يف بلــورة‬
‫التغيــر‪ ،‬مــن خــال االنتقــال مــن منــط إنتاجــي فيــودايل إىل النظــام الرأســايل‪ ،‬الــذي‬
‫قادتــه فئــة التجــار والربجوازيــة فيــا بعــد‪.‬‬

‫بالعــودة إىل تونــس واملغــرب وتبنيهــا اإلصــاح باتبــاع النمــط األورويب‪ ،‬خاصــة‬
‫فيــا يتعلــق بنظــام الحكــم ومؤسســة الجيــش‪ ،‬مبــوازاة ذلــك كانــت البنيــة االقتصاديــة‬
‫واالجتامعيــة تعــرف الرتاجــع والضعــف‪ ،‬وهــذا يعنــي أن عمليــة التجديــد كانــت منفصلــة‬
‫عــن واقــع وبيئــة البلديــن‪.‬‬

‫فاقتصــاد املغــرب يف الفــرة املذكــورة (القــرن التاســع عــر)‪ ،‬شــهد اســتمرارية‬


‫لــذاك الــذي ســاد يف العــر الوســيط املتأخــر أو باألحــرى تراجــع عنــه مبراحــل‪،‬‬
‫حيــث «بقيــت الفالحــة التقليديــة باملغــرب مرتبطــة بتقلبــات املنــاخ ومخاطــر الكــوارث‬
‫الطبيعيــة‪ ،‬ومل يكــن الفــاح ميلــك أمــام قســاوة الطبيعــة مــا كان يصيبــه مــن جفــاف‬
‫وجــراد‪ ،‬ســوى أن ينــدب حالــه ويبتهــل إىل اللــه»(((‪.‬‬

‫ومبــا أن الفالحــة هــي األســاس االقتصــادي للبــاد‪ ،‬ومــع حالتهــا تلــك (مرتبطــة‬
‫ـا‪ ،‬حتــى ســمي منــط اإلنتــاج‬
‫ـا وقليـ ً‬
‫بتقلبــات املنــاخ ومزاجيتــه)‪ ،‬كان إنتاجهــا ضئيـ ً‬
‫باملغــرب «بنمــط إنتــاج النــدرة»(((‪ .‬وعليــه فاقتصــاد املغــرب منهــك وال يســتطيع أن‬

‫((( محمــد املنصــور‪ ،‬املغــرب قبــل االســتعامر‪ ،‬املجتمــع والدولــة والديــن‪( ،‬ترجمــة) محمــد حبيــدة‪،‬‬
‫(املركــز الثقــايف العــريب‪ ،‬الــدار البيضاء‪-‬املغــرب‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،)2006 ،‬ص‪.73 :‬‬
‫(((محمــد الغرايــب‪ ،‬التصــوف اليهــودي بــن العقيــدة والتاريــخ‪( ،‬مجلــة املناهــل‪ ،‬عــدد خــاص‪،‬‬
‫‪ ،)2007‬ص‪.471 :‬‬

‫‪18‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫يســاير التطــور والتجديــد الــذي حملــه الســاطني‪ ،‬زد عــى ذلــك فــإن التحديــث‬
‫اصطــدم باملجتمــع (الفقهــاء والعامــة) الــذي رفــض إدخــال أي يشء جديــد‪ ،‬ورأى يف‬
‫حــا عــن ديــن اإلســام‪.‬‬
‫جــا رصي ً‬
‫ذلــك اتبا ًعــا مللــة الكافــر وخرو ً‬

‫كــا كان الضغــط األورويب يحــول دون نجــاح العمليــة اإلصالحيــة‪« ،‬لقــد كشــفت‬
‫الوثائــق األوروبيــة عــن مــروع الخطــة التنظيميــة التــي انتهجهــا قناصلــة الــدول‬
‫األوروبيــة املقيمــن بطنجــة يف أواخــر القــرن الثامــن عــر‪ ،‬بقصــد إحــكام الســيطرة‬
‫عــى التجــارة املغربيــة‪ ،‬ومامرســة وســائل الضغــط عــى الســلطان يك يســتجيب‬
‫لرغبــات التجــار وأصحــاب الــوكاالت املاليــة»(((‪.‬‬

‫ـال‪ ،‬وإن صــح القــول إنهــا عاشــت نفــس‬


‫أمــا البــاد التونســية فلــم تكــن أفضــل حـ ً‬
‫الظــروف االقتصاديــة واالجتامعيــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن اختــاف األنظمــة الحاكمــة‪ ،‬فعــى‬
‫املســتوى االقتصــادي حــاول البايــات الحســينيون االهتــام باالقتصــاد‪ ،‬خاصــة عــى‬
‫عهــد أحمــد بــاي‪ ،‬لكــن تلــك املحــاوالت بــاءت بالفشــل؛ إذ «تراجعــت بعدهــا أربــاح‬
‫البنــك‪ ،‬وأصبحــت غــر كافيــة لســد طلبــات البــاي املتواصلــة للــال‪ ،‬كــا تراجعــت‬
‫ثقــة التجــار األجانــب بالعملــة الورقيــة التونســية حتــى تالشــت فتوقفــوا عــن التعامــل‬
‫معــه»(((‪.‬‬

‫كان اقتصــاد اإليالــة التونســية متداع ًيــا‪ ،‬عــى الرغــم مــن كل اإلصالحــات التــي تبنتهــا‬
‫الســلطة‪ ،‬وكــا وجــد اإلصــاح يف املغــرب معارضــة مــن املجتمــع‪ ،‬كذلــك فعــل‬
‫املجتمــع التونــي ووقــف موقفًــا معاديًــا لعمليــة «تغريــب» املجتمــع «يف مقدمتهــم‬
‫علــاء الديــن والعامــة؛ ألنهــم يعتــرون اإلصالحــات منافيــة للديــن والتقاليــد»(((‪ .‬زد‬
‫عــى ذلــك جنــون العظمــة التــي كانــت لــدى البــاي أحمــد‪ ،‬املتأثــر بالثقافــة الفرنســية‪،‬‬

‫((( عمر آفا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.25-24 :‬‬


‫((( حســن جبــار إبراهيــم‪ ،‬إيالــة تونــس يف عهــد أحمــد باشــا بــاي‪( ،‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪،‬‬
‫بــروت‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪ ،)2017‬ص‪.157 :‬‬
‫((( خريالدين التونيس‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.61 :‬‬

‫‪19‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫فــكان ينشــأ القصــور والبســاتني التــي كلفــت بيــت مــال املســلمني الــيء الكثــر‪ ،‬ومــن‬
‫دون عائــدات ماليــة تداعــت اإلصالحــات ليكــون مصريهــا الفشــل‪ ،‬ومــن ثــم دخــول‬
‫الفرنســيني عــام ‪ 1881‬إىل تونــس و‪ 1912‬إىل املغــرب‪.‬‬

‫خامتة‬
‫خالصــة القــول‪ ،‬حاولــت كل مــن البــاد التونســية واملغــرب يف القــرن التاســع عــر‪،‬‬
‫اســتيعاب التغــرات التــي طــرأت عــى العــامل آنــذاك‪ ،‬وتخطــي الصدمــة التــي خلفتهــا‬
‫الهزائــم التــي منيــت بهــا أمــام اآلخــر‪ ،‬مــن خــال نهــج طريــق اإلصــاح والتحديــث‬
‫باقتبــاس التجربــة األوروبيــة ونســخها عــى مجتمعاتهــا‪.‬‬

‫ويظهــر أن التجربتــن اإلصالحيتــن املغربيــة والتونســية عــى الرغــم مــن تباينهــا يف‬
‫التصــور والفــرة الزمنيــة والظــروف االقتصاديــة واالجتامعيــة والثقافيــة‪ ،‬إال أنهــا اتخــذا‬
‫مــن تجديــد الجيــش أهــم مجــال وجــب إصالحــه حتــى يتســنى الدفــاع اســتقالليتهام‪،‬‬
‫متغافلــن وغــر مدركــن أن مــا وصلتــه أوروبــا مــن تطــور تاريخــي‪ ،‬هــو وليــد ســنوات‬
‫طويلــة مــن الرتاكــات واإلصالحــات‪ ،‬وليــس ابــن عقــد مــن الزمــن‪ .‬بالتــايل انهــارت‬
‫اإلصالحــات وكان مصريهــا الســقوط أمــام رضبــات املســتعمر الفرنــي وضغوطاتــه‪.‬‬

‫ولكــن الســؤال الــذي يطــرح نفســه‪ ،‬ولعلــه طُــرح يف تلــك املجتمعــات يف القــرن‬
‫التاســع عــر‪ ،‬ملــاذا مل يتطــوروا وكيــف تــم تجاوزهــم‪ .‬وميكــن إضافــة إشــكال يبــدو‬
‫معقــ ًدا ومقلقًــا‪ ،‬وهــو ملــاذا مل تســتفد املجتمعــات اإلســامية يف الحقبــة الوســيطية‪،‬‬
‫ـا رأســال ًيا مهــا‪ ،‬مــن‬
‫وخاصــة عندمــا كانــت عائــدات الوســاطة التجاريــة متثــل تراكـ ً‬
‫شــأنه تغيــر البنيــة االقتصاديــة واالجتامعيــة يســاعد يف تحقيــق التطــور التاريخــي؟‬

‫‪20‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫املصادرواملراجع املعتمدة‪:‬‬

‫املصادر‪:‬‬

‫ •ابــن أيب الضيــاف‪ ،‬أحمــد‪ ،‬إتحــاف أهــل الزمــان بأخبــار ملــوك تونــس وعهــد‬
‫األمــان‪ ،‬تحقيــق لجنــة مــن وزارة الشــؤون الثقافيــة‪( ،‬الــدار العربيــة للكتــاب‪،‬‬
‫الجــزء الرابــع‪ ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬

‫ •ابــن عبــد اللــه الصفــار‪ ،‬محمــد‪ ،‬رحلــة الصفــار إىل فرنســا ‪،1846-1845‬‬
‫(تحقيــق ســوزان ميلــر‪ ،‬تعريــب خالــد بــن الصغــر‪( ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪ ،‬الطبعــة‬
‫األوىل ‪.)2007‬‬

‫ • التونــي‪ ،‬خــر الديــن‪ ،‬أقــوم املســالك يف معرفــة أحــوال املاملــك‪( ،‬ترجمــة)‬


‫محمــد حــداد‪( ،‬دار الكتــاب اللبنــاين‪ ،‬بــروت‪.)2012 ،‬‬

‫ •الفــايس‪ ،‬محمــد الطاهــر‪ ،‬الرحلــة اإلبريزيــة إىل الديــار اإلنجليزيــة‪ ،‬تحقيــق‬


‫وتعليــق‪ ،‬محمــد الفــايس‪( ،‬مطبعــة جامعــة محمــد الخامس‪-‬فــاس‪.)1967 ،‬‬

‫ •الغســال‪ ،‬محمــد‪ ،‬الرحلــة التتويجيــة إىل عاصمــة البــاد اإلنجليزيــة‪ ،‬تحقيــق‪ ،‬عبــد الرحيــم‬
‫املــودن‪( ،‬دار الســويدي للنــر والتوزيع‪ ،‬أبــو ظبي‪-‬اإلمــارات‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)2003‬‬

‫ • النــارصي‪ ،‬أحمــد بــن خالــد‪ ،‬االســتقصا ألخبــار املغــرب األقــى‪ ،‬تحقيــق‬


‫وتعليــق‪ ،‬جعفــر النــارصي ومحمــد النــارصي‪( ،‬دار الكتــاب‪ ،‬الــدار البيضــاء‪،‬‬
‫الجــزء التاســع‪1997‍،‬ــ)‪.‬‬

‫ •املنــوين‪ ،‬محمــد‪ ،‬مظاهــر يقظــة املغــرب الحديــث‪( ،‬منشــورات وزارة األوقــاف‬


‫والشــؤون اإلســامية والثقافيــة‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)1973‬‬

‫‪21‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫املراجع‪:‬‬

‫ •البــزاز‪ ،‬محمــد األمــن‪ ،‬تاريــخ األوبئــة واملجاعــات باملغــرب يف القرنــن ‪18‬‬


‫و‪( ،19‬منشــورات كليــة اآلداب والعلــوم االنســانية‪-‬الرباط‪.)1992 ،‬‬

‫ • الحيمــر‪ ،‬عبــد الســام‪ ،‬النخبــة املغربيــة وإشــكالية التحديــث‪( ،‬مطبعــة النجــاح‬


‫الجديدة‪-‬الــدار البيضــاء‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)2001‬‬

‫ •جبــار إبراهيــم ‪ ،‬حســن‪ ،‬إيالــة تونــس يف عهــد أحمــد باشــا بــاي‪( ،‬مركز دراســات‬
‫الوحــدة العربية‪ ،‬بــروت‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)2017‬‬

‫ •الشــاهدي‪ ،‬الحســن‪ ،‬أدب الرحلــة باملغــرب يف العــر املرينــي‪( ،‬منشــورات‬


‫عــكاظ‪ ،‬الربــاط‪ ،‬الجــزء األول‪.)1990 ،‬‬

‫ • الصغــر الخلــويف‪ ،‬محمــد‪ ،‬بوحــارة مــن الجهــاد إىل التآمــر‪ ،‬املغــرب الرشقــي‬
‫والريــف مــن ‪ 1990‬إىل ‪ ،1909‬دراســة ووثائــق‪( ،‬دار نــر املعرفــة‪ ،‬الربــاط‪-‬‬
‫املغرب‪.)1993 ،‬‬

‫ •العــريب معريــش‪ ،‬محمــد‪ ،‬املغــرب األقــى يف عهــد الســلطان الحســن األول‪،‬‬


‫(دار الغــرب اإلســامي‪ ،‬بريوت‪-‬لبنــان‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)1989‬‬

‫ •الغرايــب‪ ،‬محمــد‪ ،‬التصــوف اليهــودي بــن العقيــدة والتاريــخ‪( ،‬مجلــة املناهــل‪،‬‬


‫عــدد خــاص‪.)2007 ،‬‬

‫ •القبــي‪ ،‬محمــد وآخــرون‪ ،‬تاريــخ املغــرب تحيــن وتركيــب‪( ،‬منشــورات املعهــد‬


‫امللــي للبحــث يف تاريــخ املغــرب‪ ،‬الربــاط‪ ،‬الطبعــة األوىل‪.)2011 ،‬‬

‫ • آفــا‪ ،‬عمــر‪ ،‬التجــارة املغربيــة يف القــرن التاســع عــر‪ :‬البنيــات والتحــوالت‬

‫‪22‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


‫‪( ،1912-1830‬دار األمــان‪ ،‬الربــاط‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)2006‬‬

‫ •املنصــور‪ ،‬محمــد‪ ،‬املغــرب قبــل االســتعامر‪ ،‬املجتمــع والدولــة والديــن‪،‬‬


‫(ترجمــة) محمــد حبيــدة‪( ،‬املركــز الثقــايف العــريب‪ ،‬الــدار البيضاء‪-‬املغــرب‪،‬‬
‫الطبعــة األوىل‪.)2006 ،‬‬

‫الهــادي الرشيــف‪ ،‬محمــد‪ ،‬تاريــخ تونــس مــن عصــور ما قبــل التاريــخ إىل االســتقالل‪،‬‬
‫(تعريــب) محمــد الشــاوش ومحمــد عجينــة‪( ،‬دار رساس للنــر‪ ،‬الطبعة الثالثــة ‪.)1993‬‬

‫ســيمو‪ ،‬بهيجــة‪ ،‬اإلصالحــات العســكرية باملغــرب ‪( ،1912-1844‬منشــورات اللجنــة‬


‫املغربيــة للتاريــخ العســكري‪ ،‬املطبعــة امللكية‪-‬الربــاط‪.)2000 ،‬‬

‫عبــد الســام‪ ،‬أحمــد‪ ،‬املؤرخــون التونســيون يف القــرون ‪ 17‬و‪ 18‬و‪( ،19‬ترجمــة)‬


‫أحمــد عبــد الســام وعبــد الــرزاق الحليــوي‪( ،‬املجمــع التونــي للعلــوم واآلداب‬
‫والفنــون‪ ،‬بيــت الحكمــة‪.)1993 ،‬‬

‫فالنــي‪ ،‬لوســيت‪ ،‬الفالحــون التونســيون‪ :‬االقتصــاد الريفــي وحيــاة األريــاف يف‬


‫القرنــن ‪ 18‬و‪( ،19‬ترجمــة) مصطفــى التليــي‪( ،‬مراجعــة جــال بــن طاهــر‪ ،‬املركــز‬
‫الوطنــي للرتجمــة‪ ،‬تونــس‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.)2015‬‬

‫هنيــة‪ ،‬عبــد الحميــد‪ ،‬تونــس العثامنيــة بنــاء الدولــة واملجــال‪( ،‬أوتــار تــر الزمــان‪،‬‬
‫الطبعــة الثانيــة ‪.)2016‬‬

‫‪• Braudel, Fernand, The structures of everyday life, Vol 1, Translation by‬‬
‫‪Sian Reynolds, New york, 1985.‬‬

‫‪• D. MOUSSAOUI, O. BATTAS, A. CHAKIB, Histoire de la médecine‬‬


‫‪au Maroc pendant le Protectorat, Tom 26, 1992.‬‬

‫‪23‬‬ ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬


• EL BEZZAZ, Mohamed Amine, Les débuts de la réglementation sani-
taire du pèlerinage marocain à la Mecque (1831-1866), HESPÉRIS TA-
MUDA Vol 22, Rabat 1984.

• Khiari, Farid, Au Maghreb, pestes et famines contre les hommes : un


combat inégal, Revue d’histoire moderne et contemporaine, Persée,
tome 39, 1992.

• Naciri, Mohammed, Calamités naturelles et fatalité historique, Hes-


péris-Tamuda LII (1) (2017).

• RAYNAUD, Lucien, Etude sur l’hygiène et la médecine au Maroc suiv-


ie d’une notice (sur la climatologie des principales villes de l’empire)
‫ منشــورات كليــة‬،3 ‫ (كنانيــش العــدد‬،‫ بوجمعــة رويــان‬،‫ وهــو كتــاب قــام بعرضــه‬,
147 ‫ ص‬،)1996 ‫ وجــدة‬،‫اآلداب والعلــوم اإلنســانية‬

• ROSENBERGER, Bernard et TRIKI, Hamid, Famines et épidémies au


Maroc aux 16 et 17 siècles, (HESPÉRIS TAMUDA Vol 17, Rabat 1974).

• Westermarck, Edward, Ritual and Belief in Morocco, Vol 2, macmil-


lan, London, 1926.

24 ‫ع عساتلا نرقلا يف براغملاب ثيدحتلاو حالصإلا‬

You might also like