You are on page 1of 5

‫توطئة ‪:‬‬

‫مـن الـواضـح جـدا ان مـفهوم الـرأسـمالـية قـد تـشكل بـعد اكـتشاف الـعالـم الجـديـد مـن رحـالـة‬
‫ومبشــريــن وا‪N‬هــم مــن ذلــك كــله ا‪N‬ســتعمار ‪ ،‬فــمنذ اواســط الــقرن الــتاســع عشــر بــدأ الــتوســع‬
‫ا^وربـي الـذي وصـل ‪W‬ـناطـق جـديـدة لـم تـكن مـعروفـة مـن قـبل ‪ ،‬فـصارت ا‪W‬ـعلومـات تـتدفـق عـن‬
‫شـعوب وصـفت بـالـبدائـية والـوحـشية وقـدمـت نـفسها ا‪N‬نـثروبـولـوجـيا عـلما اسـتعماريـا ً بـحت يـفهم‬
‫ال ــغرب م ــن خ ــ‪o‬ل ــه آل ــيه ع ــمل ا‪ W‬ــجتمعات اق ــتصادي ـا ً وث ــقاف ــيا ً واج ــتماع ــيا ً وه ــناك ح ــدي ــث ‪ N‬زال‬
‫ل‪s‬ن يتهمها بتلك النزعة ‪.‬‬
‫ارادت ا‪W‬ـعلومـات ا‪N‬ثـنوغـرافـية ا‪N‬ولـية مـن مبشـريـن ورحـالـه وعـلماء انـثروبـولـوجـي‪ t‬حـقيقي‪t‬‬
‫ان تفس ــر ال ــكثير م ــن ال ــظواه ــر وال ــتفاع ــ‪o‬ت ال ــتي تح ــرك ا‪ W‬ــجتمع وال ــتي ك ــان اه ــمها ال ــجان ــب‬
‫ا‪N‬قــتصادي الــذي مــثل مــدخ ـ‪ ًo‬مــهما لــلغرب كــي يــضع نــفسه راعــيا ً لــتلك الــشعوب ‪ ،‬مــن هــذا‬
‫كـانـت الـبذرات ا‪N‬ولـى الـتي فـتحت اعـ‪ t‬عـلماء ا‪N‬قـتصاد عـن كـيفية ربـط ا‪N‬سـواق مـع بـعضها‬
‫بــإطــار نــظري يسهــل عــملية تحــرك الــنقود ‪N ،‬ســيما مــع شــعوب ‪ N‬تــملك عــملة نــقديــة الــتي قــدم‬
‫مـثا‪" ًN‬اسـتعماريـا ً" واضـحا ً عـن الـنويـر بـدراسـات ايـفانـز بـريـتشارد الـذي كـان يـعمل ‪W‬ـصلحة‬
‫وزير ا‪W‬ستعمرات البريطانية وقتها ‪.‬‬
‫رافـق هـذا إكـتشاف ا^مـيركـيت‪ t‬الـذي جـعل الـعالـم فـضاء مـفتوح امـام الـغرب لـيطبق رؤى‬
‫نــظريــة تــ‪o‬ئــم مــصالــح الــشعوب الــغربــية مــن خــ‪o‬ل الــتنظير الــذي رافــق الــثورة الــصناعــية فــي‬
‫انــكلترا فــكانــت نــظرتــهم لــتلك الــشعوب فــيها شئ مــن الجحــد وكــان بــدايــة انــط‪o‬ق الــرأســمالــية‬
‫يــقول جــيرار لــكراك ) إن ســتيوارت أو آدم ســميث أو حــتى ريــكاردو لــم يــأخــذوا عــلى عــاتــقهم‬
‫تح ــليل ا‪ W‬ــجتمعات غ ــير ال ــغرب ــية‪ :‬ف ــا‪ W‬ــجتمعات ال ــبدائ ــية ‪ N‬ت ــشكل ب ــالنس ــبة „دم س ــميث إ‪N‬‬
‫الـنقطة الـصفر ‪ ،‬الـتي يـمكن بـواسـطتها شـرح نـظريـة قـيمة الـعمل ‪ .‬أمـا ريـكاردو فـقد رأى فـي‬
‫هــذه ا‪W‬ــجتمعات إمــكانــية ســمحت لــه أن يــربــط نــظامــه بــطبيعة قــعدت رمــانــية الــتاريــخ ؛ وبــذلــك‬
‫اعتبر النظام الرأسمالي نظاما ً طبيعيا ً ‪ N‬يؤثر فيه تاريخ ‪ N‬جوهر له(‪.1‬‬
‫ف ــا‪ W‬ــجتمعات ال ــزراع ــية ام ــام ا‪ W‬ــجتمعات ال ــغرب ــية ال ــصناع ــية ال ــتي اخ ــذت ت ــغير م ــن مج ــرى‬
‫الــعمليات ا‪N‬قــتصاديــة وتــعالــجها لتظهــر نــظريــات قــيمة الــعمل الــتي تــبناهــا الــليبرالــي لــيأتــي‬
‫بــعدهــا مــاركــس مــعالــجا ً هــذا الــشأن ويــطلب اعــادة الــنظر لــكنه مــتفق ســميث بــرؤيــة ان الــنمط‬
‫ا‪N‬قـتصادي يـجب ان يـتغير لـتلك الـشعوب ‪،‬هـذه الـوصـايـات الـنظريـة هـي الـتي سـتكون مـدخـ‪o‬‬
‫لفهم جذور الع‪o‬قة ب‪ t‬العو‪W‬ة والرأسمالية ‪.‬‬

‫‪ 1‬ﺟـﯾرار ﻟـﻛﻠرك ‪ ،‬اﻻﻧـﺛروﺑـوﻟـوﺟـﯾﺎ واﻻﺳـﺗﻌﻣﺎر ‪،‬ت ﺟـورج ﻛـﺗورة ‪ ،‬اﻟـﻣؤﺳـﺳﺔ اﻟـﺟﺎﻣـﻌﯾﺔ ﻟـﻠدراﺳـﺎت واﻟﻧﺷـر‬
‫واﻟﺗوزﯾﻊ ‪ ،‬ﺑﯾروت ‪ ، 1990 ،‬ص ‪20‬‬
‫الرأسمالية وجذورها ‪:‬‬

‫مــرت الــرأســمالــية بــوصــفها مظهــر اقــتصادي بــتحو‪N‬ت كــثيرة مــن خــ‪o‬ل الــتغيرات الــكبيرة‬
‫لـلمجتمعات الـقديـمة وتـ‪o‬قـح الـثقافـات فـيما بـينها جـعلت الـصيرورة الـحضاريـة تـتقدم بعجـلتها‬
‫لـ‪o‬مـام فـاتـحة ا‪W‬ـجال امـام ا‪N‬كـتشافـات وا‪N‬خـتراعـات الـتي بـدأت تـبدع فـيها ا‪W‬ـجتمعات فـصار‬
‫مــوضــوع نــقلها ثــقافــي وفــق مــبدأ ا‪N‬نــتشار امــرا ً حــتميا ً فــي تــقارب تــلك ا‪W‬ــجتمعات ‪ N ،‬ســيما‬
‫عـلى صـعيد ا‪N‬نـساق الـثقافـية وا‪N‬قـتصاديـة وا‪N‬جـتماعـية بـحيث طـرأت هـذه الـتحو‪N‬ت لـتصبح‬
‫ل ــدي ــنا م ــدن ك ــبيرة وإم ــبراط ــوري ــات ت ــوس ــعت ب ــشكل ك ــبير ‪ ،‬م ــا ي ــهمنا ه ــو ال ــنظام ا‪N‬ق ــتصادي‬
‫وق ــتها ح ــيث ك ــان ا‪N‬ق ــطاع ه ــو ال ــلبنة ا‪N‬س ــاس ف ــي ت ــلك ا‪ W‬ــدن ‪ ،‬ن ــذك ــر م ــثال ا‪ W‬ــدن ال ــروم ــان ــية‬
‫وســقوط رومــا عــلى يــد الجــرمــان حــيث رغــم بــربــريــة ا‪N‬خــير ا‪ N‬انــه اســتغل الــنظام ا‪N‬قــتصادي‬
‫ب ــتوزي ــع ا‪N‬راض ــي الج ــدي ــدة ع ــلى ال ــف‪o‬ح ــي‪ t‬واع ــتبره ــا داف ــع م ــهم للح ــرب وال ــتوس ــع ف ــي ض ــم‬
‫العديد من الجنود للقوة العسكرية ‪.‬‬
‫م ــع ام ــتداد ال ــقرون ال ــوس ــطى )وف ــي تح ــلي‪o‬ت م ــعاص ــرة ح ــول ج ــذور ال ــرأس ــمال ــية ال ــغرب ــية‬
‫يــرى عــالــم ا‪N‬جــتماع أنــتونــي غــيدنــز احــتمالــية مــوافــقة كــارل مــاركــس عــلى أراء فــردريــك فــي‬
‫ك ــتاب ــه أص ــل ال ــعائ ــلة وا‪ W‬ــلكية ال ــخاص ــة وال ــدول ــة‪ ،‬ب ــخصوص ال ــنظام ا•ق ــطاع ــي‪ ،‬وال ــتي ي ــقول‬
‫ف ــيها‪ :‬إن ال ــبراب ــرة م ــضطرون ف ــي م ــواج ــهة م ــهمة إدارة ا‪ W‬ــناط ــق ال ــتي ب ــات ــت ب ــحوزت ــهم إل ــى‬
‫تـعديـل نـظام حـكمهم الـخاص وتـبني عـناصـر مـن ا‪W‬ـوروث الـرومـانـي‪ .‬وهـذا الـنظام ا‪N‬جـتماعـي‬
‫الجــديــد مــتمركــز عــلى ا‪W‬ــوقــع ا‪W‬ــهيمن لــلقائــد الــعسكري‪ ،‬ومــنته بــتحول الــقيادة الــعسكريــة إلــى‬
‫نـ ــظام مـ ــلكي‪ .‬وهـ ــكذا فـ ــإن طـ ــبقة نـ ــب‪o‬ء جـ ــديـ ــدة تتحـ ــلق حـ ــول بـ ــطانـ ــة شـ ــخصية مـ ــن الخـ ــدم‬
‫العسكري‪ t‬مستكملة بنخبة متعلمة مؤلفة من أعداد من ا‪W‬وظف‪ t‬والدارس‪ t‬ا‪W‬ترومن‪.2(t‬‬
‫مــع تــزايــد عــدد ا‪N‬قــطاعــي‪ t‬واعــتبار ا^رض هــي مــحور الــنسق ا‪N‬قــتصادي الــذي مــرتــبط‬
‫بــالــزراعــة مــدخـ‪ ًo‬لــلثراء صــارت عــدد ا‪N‬قــطاعــيات تــتزايــد وتــتوســع حســب مــغانــم الحــرب بــحيث‬
‫كــان هــناك احــتراب مــن اجــل الــحصول عــلى ا‪N‬رض )وبــطبيعة الــحال إن هــذا الــتصارع بــ‪t‬‬
‫ا•ق ــطاع ــيات ب ــعد ه ــذه ال ــزي ــادة ال ــسكان ــية ان ــما ت ــعكس ق ــلة م ــوارد ب ــ‪o‬ده ــم ل ــيس ل ــ“ق ــطاع ــي‪t‬‬
‫فحســب بــل وبــالــدرجــة ا^ولــى فــي ا^صــل لــلف‪o‬حــ‪ .t‬وقــد عــرفــت هــذه الــظاهــرة بــاســم الــجوع‬
‫إلــى ا^رض‪ ،‬والــتي تســببت بــتلك الحــروب‪ ،‬وبــذلــت الــكنيسة كــل مــا فــي وســعها لــحصر نــطاق‬
‫الحــرب فــي ا‪W‬ــجتمع ا•قــطاعــي فــي الــقرن الــحادي عشــر ا‪W‬ــي‪o‬دي عــن طــريــق الــترويــج لحــركــة‬
‫»س‪o‬م« الرب«‪ ،‬ولكن هذه الحركة لم تحرز نجاحا ً يذكر(‪.3‬‬
‫بــدأت ا‪W‬ــؤســسة الــديــنية تــدخــل بــاعــتبارهــا راعــي لــلظواهــر والــعمليات ا‪N‬قــتصاديــة حــيث‬
‫ا‪ W‬ــقدس ي ــشكل داف ــعا ً م ــلهما ً ن ــحو الح ــرب وال ــقتال ‪ ،‬واص ــبحت ال ــكنيسة ن ــفسها ع ــبارة ع ــن‬

‫‪ 2‬د جـ ــعفر نجـ ــم نـ ــصر ‪ ،‬مـ ــقدمـ ــة فـ ــي انـ ــثروبـ ــولـ ــوجـ ــيا الـ ــعو‪W‬ـ ــة ‪ ،‬صـ ــفحات لـ ــلدراسـ ــات والنشـ ــر ‪ ،‬سـ ــوريـ ــا ‪،‬‬
‫‪،2011‬ص ‪61‬‬

‫ا‪W‬صدر نفسه ‪ ،‬ص ‪65‬‬ ‫‪3‬‬


‫مـؤسـسة اقـطاعـية ذات بـعد سـياسـي واضـح فـي تـوزيـع ا‪N‬راضـي ودفـع ا‪N‬خـريـن للحـرب مـن‬
‫اج ــل ال ــحصول ع ــلى م ــغان ــم ف ــي ك ــتاب اص ــول ال ــعنف يس ــرد ع ــن ال ــشخصيات ال ــروم ــان ــية‬
‫وا‪N‬قــطاعــية الــتي كــانــت تــتحارب مــع بــعضها مــن اجــل ا‪N‬رض مــن بــاب ا‪W‬ــقدس والــديــن حــيث‬
‫يــقول ) وعــندمــا اســتلم أغــريــكو‪ N‬زمــام الــحكم الــرومــانــي فــي بــريــطانــيا فــيما بــعد‪ ، ،‬رغــب فــي‬
‫زرع الـهوى نـفسه فـي نـفوس جـنوده‪ .‬فـفي إحـدى الحـم‪o‬ت‪ ،‬يتح ّـرك أغـريـكو‪ N‬شـما‪W ًN‬ـحاربـة‬
‫الــكالــيدونــي‪ t‬فــي مــحاولــة •خــضاعــهم‪ .‬ويُــذكــر جــنوده فــي الخــطبة الــتي ألــقاهــا قــبل ا‪W‬ــعركــة‬
‫بـأنـه هـو وهـم يـغزون بـريـطانـيا »بـاسـم عـظمة رومـا ا•مـبراطـوريـة الـتي تُسـدد خـطاهـا الـعنايـة‬
‫ا•لهية« وكان هو ا‪N‬ب ‪W‬دينته (‪.4‬‬
‫مــع صــعود عــصر الــتنويــر عــلى يــد الــف‪o‬ســفة الــذيــن خــطوا مــنهجا ً يــحاول ان يــضع حــق‬
‫الـفرد او‪ N‬ويـنادي بحـريـته عـلى الـصعيد الـسياسـي وا‪N‬قـتصادي لـتختتم بـالـثورة ا‪N‬قـتصاديـة‬
‫الــتي كــانــت مــرحــلة مــهمة تــلت الــثورة الــفرنــسية الــتي نســتطيع ان نــصفها ثــورة فــكريــة ‪ ،‬لــكن‬
‫ه ــذا ‪ N‬ي ــعني ان ج ــذور ال ــرأس ــمال ــية ق ــد ان ــطلقت م ــن ه ــنا ب ــل ام ــتدت ل ــلقرن ال ــساب ــع عش ــر ‪،‬‬
‫حـيث كـانـت ) غـلب عـلى الـدراسـات ا‪N‬قـتصاديـة الـخاصـة بـإنجـلترا خـ‪o‬ل الـقرن الـسابـع عشـر‪،‬‬
‫ال ــترك ــيز ع ــلى وص ــف ه ــيكل ه ــذا ا‪ W‬ــجتمع ب ــمرح ــلة ا‪N‬ن ــتقال م ــن ا•ق ــطاع ــية إل ــى ال ــرأس ــمال ــية‪.‬‬
‫اتـسمت بـدايـة ذلـك الـقرن‪ ،‬مـن نـاحـية نـمط ا•نـتاج ا‪N‬قـتصادي‪ ،‬بـسيطرة الـزراعـة‪ .‬وقـد كـرسـت‬
‫مــعظم ســاكــنة الــباديــة عــملها لســلسلة إنــتاج ا‪W‬ــحاصــيل الــغذائــية والــصوف‪ .‬وفــي ظــل هــيمنة‬
‫ن ــمط ا•ن ــتاج ا•ق ــطاع ــي‪ ،‬ن ــشأت ج ــماع ــات مح ــلية م ــنعزل ــة ف ــيما ب ــينها‪ ،‬ت ــمحور إن ــتاج ــها ع ــلى‬
‫ا‪N‬سـته‪o‬ك الـذاتـي‪ ،‬بـينما كـان الـتبادل داخـل هـذا الـنسيج ضـئي‪ .o‬تـعرضـت هـذه الـبنية شـبه‬
‫الــراكــدة لخــلخلة قــويــة‪ ،‬إذ فــرض مــنطق ا^شــياء عــلى الــساكــنة ا‪W‬ــنطويــة عــلى ذاتــها‪ ،‬تــسويــق‬
‫مـنتجاتـها الـزراعـية‪ ،‬مـنذ الـقرن الـخامـس عشـر والـسابـع عشـر‪ ،‬خـارج إطـار الـباديـة‪ ،‬مـن خـ‪o‬ل‬
‫ذيوعها في السوق الوطنية(‪.5‬‬
‫رافــق هــذا ا‪N‬يــقاع نــمو ســكانــي كــبير مــع تــطور ا‪N‬دوات الــزراعــية مــن فــؤوس الــى تــطور‬
‫الحــدادة وصــل الــى حــدوده الــقصوى مــع اســتغ‪o‬ل ا‪N‬رض بــشكل قــاســي بــحيث كــانــت هــناك‬
‫ازمـة عـلى حـد وصـف مـارفـن هـاريـس حـيث يـرى ان هـذه الـعوامـل كـانـت تـلوح بـا‪N‬فـق ان هـناك‬
‫شئ مـا قـادم ليحـل بـديـ‪ ًo‬عـن الـنظام الـقديـم فـهو يـعتقد ) ان تـكثيف اسـلوب ا‪N‬نـتاج ا‪W‬ـعتمد‬
‫ع ــلى ا‪ W‬ــزارع وص ــل ح ــدوده ال ــقصوى م ــن ال ــناح ــية ال ــبيئية ‪ ،‬وان ا‪N‬زم ــة ال ــتي س ــبقت اس ــلوب‬
‫ا‪N‬نـتاج الجـديـد الـذي نـدعـوه الـرأسـمالـية كـانـت فـي عـمقها شـبيهة بـا‪N‬زمـات الـتي سـبقت ثـورة‬
‫الـ ــعصر الـ ــنيولـ ــيتي وصـ ــعود الـ ــبدائـ ــية (‪ ، 6‬حـ ــيث يـ ــشخص ا‪W‬ـ ــشكلة بـ ــانـ ــها تـ ــكمن فـ ــي ازمـ ــة‬

‫جون دوكر ‪ ،‬أصول العنف ‪ ،‬ت علي مزهر ‪ ،‬جامعة الكوفة ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2018 ،‬ص ‪217‬‬ ‫‪4‬‬

‫احمد الزاهد ‪ ،‬م‪o‬حظات في عصر هوبز وفكره السياسي ‪ ،‬مقال منشور ‪ ،‬مؤمنون ب‪o‬د حدود ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬م ــارف ــن ه ــاري ــس ‪ ،‬التح ــري ــم وال ــتقدي ــس ‪ ،‬ن ــشوء ال ــثقاف ــات وال ــدول ‪ ،‬ا‪ W‬ــرك ــز ال ــعرب ــي ل ــ‪o‬ب ــحاث ودراس ــة‬
‫السياسات ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2020 ،‬ص ‪. 233‬‬
‫ا‪N‬قـطاع ا‪N‬وربـي تحـديـدا ً فـي افـتقار ضـحايـا تـسييج ا‪N‬راضـي وتـربـية الـحيوانـات حـيث اثـرت‬
‫بــشكل واضــح عــلى واقــع ا‪N‬فــراد فــي ا‪W‬ــجتمع فــهي عــززت ا‪N‬غــنياء والــنب‪o‬ء مــن جــهة وجــعلت‬
‫الــفقراء فــي دائــرة ‪ N‬مــناص مــنها ا‪ N‬بــالــصناعــات الــفرديــة حــيث )ســميت ا‪N‬ســيجة بــالــتسمية‬
‫الـصحيحة ا‪W‬ـ‪o‬ئـمة وهـي ثـورة ا‪N‬غـنياء عـلى الـفقراء(‪ ، 7‬كـان الـنسيج ا‪N‬جـتماعـي عـلى ا‪W‬ـحك‬
‫وال ــقطاع ال ــزراع ــي ب ــدأ ي ــأخ ــذ م ــنحى أخ ــر ‪ ،‬ف ــتعدد ال ــصناع ــات ال ــيدوي ــة ف ــتح ا‪ W‬ــجال ام ــام‬
‫مصانع بسيطة قدمت ل‪o‬فراد مدخ‪ ًo‬اخر لتراكم ا‪W‬ال غير الزراعة ‪.‬‬
‫ب ــدأت ق ــيمة ال ــعمل ت ــفرض ن ــفسها ع ــلى ال ــتفكير ا‪N‬ورب ــي ح ــيث أس ــس ع ــلماء ا‪N‬ق ــتصاد‬
‫اسـ ــسا ً جـ ــديـ ــدة تـ ــ‪o‬ئـ ــم هـ ــذه ا‪W‬ـ ــتغيرات الـ ــتي سـ ــاهـ ــمت بـ ــشكل كـ ــبير فـ ــي تـ ــعزيـ ــز الـ ــفردانـ ــية‬
‫لــلمجتمع ‪ ،‬الــفرد الــذي نــاضــل لــوك ومــنتسيكو ورســو ابــاء الــثورة الــفرنــسية مــن اجــل حــقه فــي‬
‫الح ــري ــة وال ــعمل وال ــسياس ــة ف ــات ــح‪ t‬ا‪ W‬ــجال ل ــرؤي ــة اك ــثر وض ــوح ـا ً ت ــكللت ب ــال ــثورة ال ــصناع ــية‬
‫لــتتصاعــد الــنظرة الــفردانــية لــلمجتمع وتــضع قــوانــ‪ t‬جــعلت مــن الــعمل قــيمة وســلعة لــ‪o‬نــسان‬
‫ي ــمكن ان ي ــناض ــل م ــن اج ــلها ول ــها ب ــاع ــتباره ــا ا‪ W‬ــصدر ال ــوح ــيد ل ــتراك ــم رأس ا‪ W‬ــال وك ــان ه ــذا‬
‫فاتحة جديدة للفكر الليبرالي ‪.‬‬
‫ف ــكان ادم س ــميث م ــع ري ــكاردو ق ــد اه ــتموا ب ــكيفية ت ــوزي ــع ال ــقيمة ال ــتي ي ــول ــده ــا ال ــسوق‬
‫ا‪ W‬ــتوس ــع ع ــلى ن ــحو ا‪N‬ف ــضل ‪ W‬ــصلحة ن ــمو اق ــتصادي ^ي ب ــلد ك ــان )ف ــاذا ك ــان ال ــبيان ا‪N‬ول‬
‫ل ــعلم ا‪N‬ق ــتصاد ال ــليبرال ــي ينس ــب ل ــسميث ف ــأن ري ــكاردو ه ــو م ــن ق ــدم ع ــرض ــا اك ــثر م ــنهجية‬
‫‪W‬ـبادئ ذلـك الـعلم الـنظريـة اذ حـدد هـو اتـباعـه ثـ‪o‬ثـة انـواع مـن ا‪W‬ـوارد ‪ ،‬مـعتقدا ان كـل واحـد‬
‫م ــنها ي ــتمتع ب ــال ــقدرة ع ــلى ال ــزي ــادة وه ــذه ا‪ W‬ــوارد ه ــي ا‪N‬رض وال ــنقود وا‪N‬ب ــداع البش ــري اي‬
‫ال ــعمل (‪ ، 8‬ب ــمعنى اخ ــر ه ــم م ــ‪o‬ك ا‪N‬راض ــي وال ــرأس ــمال ــيون وال ــعمال ‪ ،‬به ــذا ا‪ W‬ــقياس ك ــان‬
‫ل ــزوم ـا ً ع ــلى ا‪ W‬ــنظر ان ي ــضع ب ــنظر ا‪N‬ع ــتبار ال ــسياس ــة ام ــام ع ــينه ف ــ‪ o‬ي ــمكن له ــذه ا‪ W‬ــوارد ان‬
‫تــكون فــوضــى فــتمت صــياغــة ا‪N‬قــتصاد الــسياســي الــذي يــملك وفــق ‪W‬ــا يــراه ســميث مــصادر‬
‫دخــل مــعينة فــمن الــطبيعي بــعد تحــديــد ا‪W‬ــوارد ان يــنشأ صــراع بــ‪ t‬مــالــك ا‪N‬رض وصــاحــب‬
‫ا‪N‬مـوال "الـرأسـمالـي" واهـمل الـعامـل نـوعـا ً مـا وتـم اعـتباره سـلعة قـد تـخضع لـرأسـمال ايـضا ً‬
‫وهذا ما يحدث اليوم في صورة متقدمة جدا من النيوليبرالية ‪.‬‬
‫كـانـت هـذه ا‪W‬ـرحـلة مـن الـرأسـمالـية تـسمى لـيبرالـية كـ‪o‬سـيكية تـبعتها مـوجـات مـتعددة حـيث‬
‫‪ N‬ي ــتم ن ــكران ت ــكيف ال ــرأس ــمال ــية م ــع ا‪N‬وض ــاع وم ــقدرت ــها ع ــلى اع ــادة ص ــياغ ــة ن ــفسها ‪ ،‬م ــع‬
‫ت ــسيد ال ــنظري ــة ال ــك‪o‬س ــيكية ال ــليبرال ــية ص ــعد م ــنظور اش ــتراك ــي اخ ــر ي ــحاول اع ــادة ص ــياغ ــة‬
‫ا‪W‬ــوارد الــتي اهــمها هــي الــعامــل عــلى يــد مــاركــس وانجــلز لــيقدم نــظريــة تــعالــج عــملية تــوزيــع‬
‫ال ــقيمة ال ــتي ح ــددت ــها ال ــرأس ــمال ــية م ــعتبرا ً ان ه ــذه ا‪N‬خ ــيرة م ــا ه ــي ا‪ N‬م ــرح ــلة ت ــمثل ال ــشكل‬

‫‪ 7‬ك ــارل ب ــو‪N‬ن ــيي ‪ ،‬ال ــتحول ال ــكبير ا‪N‬ص ــول ال ــسياس ــية وا‪N‬ق ــتصادي ــة ل ــزم ــننا ا‪ W‬ــعاص ــر ‪ ،‬ا‪ W‬ــنظمة ال ــعرب ــية‬
‫للترجمة ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2009 ،‬ص ‪111‬‬

‫‪ 8‬كــريــس هــان وكــيث هــارت ‪ ،‬ا‪N‬نــثروبــولــوجــيا ا‪N‬قــتصاديــة ‪ ،‬ا‪W‬ــركــز الــعربــي لــ‪œ‬بــحاث ودراســة الــسياســات ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ، 2014 ،‬ص ‪. 47‬‬
‫الـنهائـي الـذي تـذوب فـيه اشـكال ا‪W‬ـجتمع حـيث يـقول فـي نـصه الـتسك‪o‬ت ا‪N‬قـتصاديـة مـا قـبل‬
‫الــرأســمالــية )شــروط ا•نــتاج ا^صــلية ‪ N‬يــمكن إنــتاجــها هــي ذاتــها‪ .‬ومــا يــحتاج تــفسيرا لــيس‬
‫وحـدة الـكائـنات ا•نـسانـية الـحية والـنشيطة مـع شـروط اسـتق‪o‬بـها )‪ (Metabolism‬الـطبيعية‬
‫غ ــير ال ــعضوي ــة م ــع ال ــطبيعة؛ ك ــما أن ه ــذا ل ــيس ن ــتيجة س ــيرورة ت ــاري ــخية م ــا ي ــجب ان ــفصال‬
‫ش ــروط ال ــوج ــود ا•ن ــسان ــي غ ــير ال ــعضوي ــة ع ــن ه ــذا ال ــوج ــود ال ــنشيط‪ ،‬أن نفس ــره ه ــو ذل ــك‬
‫ا‪N‬نفصال الذي ‪ N‬يكتمل تماما إ‪ N‬بالع‪o‬قة ب‪ t‬العمل ا‪W‬أجور ورأس ا‪W‬ال (‪.9‬‬
‫وهـو اكـثر مـن لـفت الـنظر نـحو الـبلدان غـير الـغربـية حـيث كـان يـرى الـرأسـمالـية نـقطة تـحول‬
‫كـبير فـي الـتاريـخ الـعا‪W‬ـي وانـها سـلسة مـن الـحوادث سـيخضع لـها بـقية الـعالـم الـتناقـضي ‪،‬‬
‫وهــنا تتجــلى عــبقريــة مــاركــس بــتنبأه لــلعو‪W‬ــة وكــيف الــرأســمالــية ســتبيح كــل شئ بــعد دراســته‬
‫للتاريخ ا‪N‬نساني ا‪N‬قتصادي ‪.‬‬
‫ب ـ ــعد ه ـ ــذا ال ـ ــبعد ا‪N‬ش ـ ــتراك ـ ــي ال ـ ــذي ت ـ ــنبه ل ـ ــ‪o‬ن ـ ــسان وق ـ ــيمته راج ـ ــعت ال ـ ــليبرال ـ ــية م ـ ــوق ـ ــفها‬
‫ا‪N‬ق ــتصادي ال ــرأس ــمال ــي ل ــتنشأ ل ــنا ل ــيبرال ــية م ــحاف ــظة " ت ــدع ــو ل ــلحفاظ ع ــلى ب ــعض ال ــعادات‬
‫الـتي تـتعلق بـهويـة الـفرد داخـل ا‪N‬مـة " بـصياغـة مـ‪o‬ئـمة لـطبيعة ا‪W‬ـرحـلة خـصوصـا بـعد الـكساد‬
‫ال ــعا‪ W‬ــي ال ــذي اث ــرت الح ــرب ال ــعا‪ W‬ــية ع ــليه ب ــشكل واض ــح ‪ ،‬ل ــكن س ــرع ــان م ــا ارت ــدت ل ــتعطي‬
‫ليبرالية وحشية جدا تسحق كل شئ في سبيل الكسب ا‪W‬الي وتراكم رأس ا‪W‬ال ‪.‬‬
‫واخــيرا فــي هــذا ا‪W‬ــوضــوع هــناك اطــروحــه بــتأثــير مــاركــسي يــتناولــها ا‪N‬قــتصادي ا‪W‬ــصري‬
‫سـمير أمـ‪ t‬فـي كـتابـه )مـا بـعد الـرأسـمالـية ا‪W‬ـتهالـكة ( حـيث يـؤكـد عـلى ا‪N‬فـكار الـتي تـناولـها‬
‫فـ ــي مـ ــقا‪N‬ت سـ ــابـ ــقة حـ ــملت عـ ــنوان )ثـ ــقافـ ــة الـ ــعو‪W‬ـ ــة وعـ ــو‪W‬ـ ــة الـ ــثقافـ ــة ( يـ ــؤكـ ــد عـ ــلى مـ ــصطلح‬
‫ا‪N‬مـبريـالـية الـذي نـفهم مـنه الـوجـه ا‪N‬خـر لـلرأسـمالـية بتسـلسل زمـني يـضعه وفـق ثـ‪o‬ث لحـظات‬
‫تاريخية‬
‫ا‪N‬ول ــى ‪ :‬اللح ــظة ا^ول ــى له ــذا ا‪N‬ن ــتشار ا‪N‬م ــبري ــال ــي ال ــتدم ــيري ان ــتظمت ح ــول أم ــيرك ــا‪ ،‬ف ــي‬
‫إطــار الــنظام ا‪W‬ــركــنتيلي ^وروبــا ا^طــلسية‪ .‬وانــتهى هــذا الــغزو بــتدمــير الــحضارات الــهنديــة‬
‫وتــحويــلها إلــى هســبانــية ‪ -‬مــسيحية‪ ،‬أو بــبساطــة بمجــزرة كــامــلة بــنيت عــليها الــو‪N‬يــات ا‪W‬تحــدة‬
‫والـ ــعنصريـ ــة الـ ــعميقة لـ ــدى ا‪W‬سـ ــتوطـ ــن‪ t‬ا^نجـ ــلو ‪ -‬سـ ــكسون تفسـ ــر كـ ــيف أعـ ــيد إنـ ــتاج هـ ــذا‬
‫النموذج في مناطق أخرى مثل أستراليا وا‪N‬مثلة كثيرة ‪.‬‬
‫الــثانــية ‪ :‬اللحــظة الــثانــية فــي هــذا الــتدمــير ا•مــبريــالــي قــامــت عــلى الــثورة الــصناعــية وكــشفت‬
‫عـن نـفسها مـن خـ‪o‬ل ا•خـضاع الـكولـونـيالـي „سـيا وأفـريـقيا‪» .‬فـتح ا^سـواق« ‪ -‬مـثل سـوق‬
‫اس ــته‪o‬ك ا^ف ــيون ال ــذي ف ــرض ــه ا‪W‬تش ــددون ال ــدي ــنيون ا•ن ــكليز ع ــلى ال ــصيني‪ - t‬ا‪N‬س ــتحواذ‬
‫ع ــلى ا‪ W‬ــوارد ال ــطبيعية ل ــلكوك ــب ‪ . . .‬ك ــان ــت ال ــدواف ــع ال ــحقيقية ال ــتي ي ــعرف ــها الج ــميع ال ــيوم ‪.‬‬
‫ولكن الرأي العام ا^وروبي لم ير‪ ،‬مرة جديدة هذه الحقائق‬
‫الثالثة ‪:‬‬

‫كريس هات وكيث هات ‪ ،‬ا‪N‬نثروبولوجيا ا‪N‬قتصادية ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬ ‫‪9‬‬

You might also like