You are on page 1of 343

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫مقدمــة‬
‫الحمــد للــه رب العاملــن‪ ،‬والصــاة والســام عــى أرشف املرســلني‪ ،‬ســيدنا‬
‫ونبينــا محمــد أفضــل الخلــق أجمعــن‪ ،‬وعــى آلــه وصحبــه والتابعــن‪ ،‬ومــن‬
‫ســار عــى هديهــم إىل يــوم الديــن‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فــإن اللــه تعــاىل خلــق اإلنســان وكرمــه‪ ،‬وأرســل منــه وإليــه رسـاً مــن كمــل‬
‫البــر‪ ،‬ورشع لــه مــن األحــكام أعظمهــا‪ ،‬ليعيــش النــاس يف رحمــة ووئــام‪،‬‬
‫ويتعاملــوا عــى أســس التســامح والتعايــش‪ ،‬فيحفظــوا قيــم الفضــل بينهــم‪،‬‬
‫ـي عليهــا عــى خــر وهــدى وإنســانية وعطــاء‪.‬‬ ‫ويحيــى مــن َح ِيـ َ‬
‫لقــد رضب اإلســام برحمتــه يف أرجــاء املعمــورة كلِّهــا‪ ،‬فلــم يكــن بترشيعاتــه‬
‫الســمحة ‪-‬يو ًمــا مــا‪ -‬تواقًــا إىل التصــادم مــع مخالفيــه البتــة‪ ،‬أو باغيًــا عليهــم‬
‫قصــد اســتئصالهم‪ ،‬بــل كان رحمــة للعاملــن‪ ،‬معرتفًــا باملخالفــن‪ ،‬متعايشً ــا‬
‫ـادل يف قضائــه بهــم‪ ،‬وراف ًقــا يف سياســته لهــم‪ ،‬ومتســام ًحا‬
‫ومتســاك ًنا معهــم‪ ،‬عـ ً‬
‫يف رشيعتــه تجاههــم‪.‬‬
‫وإنــه مــن فضــل اللــه تعــاىل عــى اإلنســانية واملســلمني‪ ،‬مــا ســخره تعــاىل لهم‬
‫ـال ظاه ـ ًرا وصال ًحــا للتمثــل بهــا يف تعزيــز‬
‫مــن منــاذج مرشقــة‪ ،‬أضحــت مثـ ً‬
‫قيــم التســامح والتعايــش بــن النــاس بــرف النظــر عــن اختالفهــم يف الديــن‬
‫أو الجنــس أو اللــون أو العــرق‪ ،‬وإن مــن الــدول املتصــدرة يف تعزيــز التســامح‬
‫دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬التــي غــدت تجربتهــا التســامحية فريــدة‬
‫وفــذة يف عــامل مــا زال يــرزح تحــت وطــأة الرصاعــات والطائفيــة‪ .‬وإن قــوام‬
‫هــذه التجربــة منظومــة مــن القيــم الدينيــة‪ ،‬واملرتكـزات الثقافيــة الوطنيــة‪،‬‬
‫والعــادات واألخــاق والشــيم العربيــة‪ ،‬املتوجــة بقيــادة عاملــة عادلــة رحيمــة‬
‫حكيمــة‪.‬‬
‫مــن هــذا املنطلــق رغبــت ‪-‬أدا ًء لواجبــي العلمــي والوظيفــي والوطنــي‪-‬‬
‫أن أتنــاول موضــوع‪( :‬التســامح يف الرشيعــة اإلســامية وتجربــة دولــة‬

‫‪2‬‬
‫اإلمــارات أمنوذ ًجــا) عنوانًــا لبحــث رســالة شــهادة الدكتــوراه‪ ،‬متعاط ًيــا مــع‬
‫هــذا املوضــوع بتأصيلــه مــن كتــاب اللــه عــز وجــل‪ ،‬وهــدي نبيــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وفهــم فقهــاء اإلســام‪ ،‬مــع تعزيــزه بالشــواهد التاريخيــة‪،‬‬
‫حتــى يرتفــع عــن هــذه القضيــة بعــض اللبــس الــذي اعرتاهــا جـراء مواقــف‬
‫شــخصية ألنــاس صاغتهــا بعــض الظــروف فضلــت وأضلــت‪ ،‬إذ مل تســتند إىل‬
‫املعرفــة الرشعيــة الســليمة املتأصلــة مبصــادر الترشيــع اإلســامي املجمــع‬
‫عليهــا أو املختلــف فيهــا‪.‬‬
‫أهمية املوضوع والحاجة إليه‪:‬‬
‫ال غــرو أن موضــوع التســامح مــن املوضوعــات املهمــة‪ ،‬والحاجــة إليــه رضورة‬
‫ملحــة؛ فاملوضــوع ذو قيمــة علميــة متعــددة‪ ،‬إذ فيــه إب ـراز لجانــب عظيــم‬
‫مــن جوانــب الصــورة الحقيقيــة لإلســام؛ ففــي رشيعتنــا الغــراء وديننــا‬
‫اإلســامي الحنيــف كنــوز ينبغــي أن تســتثمر وتُــرى‪ ،‬مــن أســس التعامــل‬
‫اإلنســاين‪ ،‬وقيــم التســامح مــع غــر املســلمني‪ ،‬وتنظيــم العالقــة معهــم‪ ،‬ســواء‬
‫املؤصلــة‪ ،‬أو يف التنزيــل الفعــي‪ ،‬والتطبيــق العمــي‪،‬‬ ‫يف النصــوص الرشعيــة ِّ‬
‫لتلــك التعاليــم الســمحة خــال العصــور الزاهيــة بالتعايــش عــر تاريخنــا‬
‫اإلســامي املنــر‪.‬‬
‫وفيــه إملــاع إىل أن التســامح يــأيت اســتجابة لفطــرة اإلنســان‪ ،‬الــذي يحــب‬
‫أخــاه اإلنســان‪ ،‬وأن الكليــات الرشعيــة العامــة ‪-‬ســواء منهــا االعتقاديــة‬
‫واألخالقيــة والترشيعيــة‪ -‬أو األدلــة الفرعيــة الكثــرة؛ ميــدان خصــب للتدليــل‬
‫عــى أن هــذا الديــن ديــن عــدل وإحســان وتســامح؛ قانونــه يف ســنة التدافــع‬
‫‪ :‬دفــع الســيئة بالحســنة‪ ،‬ويف ســنة االختــاف االتحــاد واالستمســاك بالوطــن‬
‫وبقيادتــه الرشــيدة‪ ،‬ووحــدة الصــف عــى كلمــة ســواء‪.‬‬
‫إن الحديــث عــن التســامح مطلــب ال بــد منــه؛ فالعــامل مــن حولنــا أصبــح‬
‫قريــة واحــدة‪ ،‬بــل مجموعــا يف شاشــة واحــدة‪ ،‬تالقت فيــه ثقافات الشــعوب‪،‬‬
‫وامتزجــت فيــه عوائــد النــاس وخصوصياتهــم املتوارثــة‪ ،‬ومتكــن كل واحــد أن‬
‫يخالــط اآلخــر يف داره وبيئتــه‪ ،‬فَ َجـ َّر ذلــك إلينــا كثـ ًرا مــن الثقافــات والعادات‬
‫والتقاليــد‪ ،‬تجعــل املتلقــي لهــا بــن خيــارات عديــدة؛ يحتــاج يف اختيــاره لهــا‬

‫‪3‬‬
‫إىل طريــق صائــب ينفعــه يف دينــه ومجتمعــه‪ ،‬ويقيــه مــن العثــار بعوائــق‬
‫التقوقــع عــى الــذات‪ ،‬أو االنفتــاح دون االكــراث للمســلامت الدينيــة أو‬
‫الوطنيــة‪ ،‬فلــم يعــد أي مجتمــع يســتطيع العيــش منعــزال عــن الواقــع‪ ،‬وال‬
‫متأثـرا مبــا يشــاع مــن الفتــاوى واألحــكام التــي تثــر التحــارب والتدابــر‪.‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬
‫تتجىل أسباب اختياري هذا املوضوع يف عدة أمور‪:‬‬
‫أول‪ :‬مــا يتســم بــه هــذا املوضــوع مــن أهميــة بالغــة؛ فمــن خــال التأمــل‬ ‫ً‬
‫يف العــامل مــن حولنــا وواقعــه املعيــش‪ ،‬نــرى مــدى الحاجــة إلنجــاز دراســات‬
‫عــن قيــم التســامح والتعايــش‪ ،‬وهــي مطلــب كل املجتمعــات؛ ألن هــذه‬
‫القيــم هــي القــادرة عــى انتشــال املجتمعــات مــا تتخبــط فيــه مــن‬
‫غ ـران مظلمــة‪ ،‬وأنفــاق متغــورة‪ ،‬أدت إىل التعــدي عــى حقــوق اآلخريــن‬
‫واحتقارهــم‪ ،‬وإتــاف كثــر مــن النفــوس الربيئــة‪ ،‬نتيجــة تعصبــات دينيــة‬
‫وثقافيــة وفكريــة وعرقيــة‪ ،‬ال متــت لديننــا وثقافتنــا بصلــة‪.‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬إن دي ًنــا بهــذه املثابــة مــن الرحمــة والهدايــة‪ ،‬والســاحة والحكمــة؛‬
‫لحــري بــه أن يرفــع هــذه القيــم عــى رؤوس األشــهاد‪ ،‬ويفخــر بهــا ويظهرهــا‬
‫لألقربــاء قبــل البعــداء‪ ،‬وهــذا البحــث يبتغــي إبـراز هــذه القيــم‪.‬‬
‫ثالثًــا‪ :‬إن تصحيــح الرؤيــة لــدى املســلمني‪ ،‬وتقديــم هــذه القيــم للعــامل‬
‫اآلخــر باعتبارهــا وج ًهــا مرشقًــا لديننــا الحنيــف؛ لَكَفيــل بتقديــم هــذا الديــن‬
‫الحنيــف بصورتــه الســمحة كــا أراد اللــه لــه‪ ،‬تلتئــم مــع حيــاة النــاس‬
‫ومعاشــهم دون حــرج أو قلــق‪.‬‬
‫راب ًعــا‪ :‬مــع هــذه األهميــة الكــرى ملوضــوع التســامح؛ مل أقــف عــى دراســة‬
‫علميــة جمعــت شــتى جوانبــه وأجــزاءه املتناثــرة‪ ،‬وأوضحــت مفاهيمــه‬
‫وقيمــه الشــاملة‪ ،‬فــكان واجبــا عــى الباحثــن التوجــه إلنجــاز رؤيــة متكاملــة‬
‫حولــه‪ ،‬تســهم إســهاما فعــاال يف ترشــيد الدراســات الفكريــة واالجتامعيــة‬
‫املعــارصة‪.‬‬
‫خامســا‪ :‬جـ ّـل دول العــامل اليــوم تحتــاج أمنوذجــا قامئــا ملجتمــع متســامح‪،‬‬ ‫ً‬

‫‪4‬‬
‫واإلمــارات العربيــة املتحــدة وشــعبها وحضارتهــا‪ ،‬خــر ســفري للتســامح‬
‫اإلنســاين‪ ،‬املنبثــق مــن الفطــرة الســليمة‪ ،‬فتوثيــق هــذه الدراســة لتجربــة‬
‫دولتنــا الحبيبــة وتقديــم أمنوذجهــا املتألــق شــامة هــذا البحــث‪.‬‬
‫وقــد شــجعني عــى املــي قد ًمــا يف هــذا االختيــار‪ ،‬مــن إشــارته واجبــة‬
‫الطاعــة‪ ،‬ورأيــه يف قمــة األصالــة؛ ســيدي صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن‬
‫زايــد –حفظــه اللــه ورعــاه‪ -‬إذ أهــدى إ ّيل مــن وقتــه العزيــز مــا هــو أجـ ّـل‬
‫ي مــن الذهــب اإلبريــز‪ ،‬وذلــك يف إحــدى ليــايل شــهر رمضــان املبــارك مــن‬ ‫عـ ّ‬
‫عــام ‪1438‬ه‪2016 -‬م حيــث ســألني بتواضعــه املهيــب‪ ،‬وأب ّوتــه الحانيــة؛ عــن‬
‫دراســتي فأجبتــه أين يف مرحلــة الدكتــوراة‪ ،‬وأين أفكــر يف التســامح كأطروحــة‬
‫يل لنيــل هــذه الدرجــة‪ ،‬فشــجعني ّأيــا تشــجيع‪ ،‬وق ـ ّدم يل –يحفظــه اللــه‪-‬‬
‫ـح كعقــود الجــان صاغهــا بعبقريتــه الفــذة‪ ،‬وكأنــه‬ ‫ـات جوامــع نصائـ َ‬‫يف كلـ ٍ‬
‫ينظــم فرائدهــا يف ســلك هــذه الدراســة‪ ،‬ويكســو عرائــس رياضهــا بأنــواع‬
‫الحلــل‪ ،‬وينــر عليهــا آليلء الوبــل و ُمــاءة إتقــان النظــر؛ فقــد كانــت وقفتــه‬
‫معــي تلــك ومــا ألهــم بــه هــذه القيمــة مــن تنوير األفــكار‪ ،‬وســمو املبــادرات؛‬
‫قائــدة البحــث إىل رحــاب اكتــال نضجــه‪ ،‬وتوســيع آفــاق طرحــه‪ ،‬وح ّفــازة‬
‫املواصلــة فيــه‪ ،‬وبــذل الجهــد يف ســبيله‪ ،‬فحفظــه اللــه‪ ،‬وأدامــه ذائ ـ ًدا عــن‬
‫حيــاض القيــم‪.‬‬
‫أهداف البحث‪ :‬‬
‫من أهم األهداف التي يتوخى هذا البحث اإلسهام يف تحقيقها ما يأيت‪:‬‬
‫‪ .1‬التأصيــل الرشعــي لقيمــة التســامح داخــل دائــرة اإلســام بــن املســلمني‬
‫بعضهــم بعضً ــا‪ ،‬ألن االلت ـزام بهــذه األخــاق يســاعد عــى انتشــار التســامح‬
‫بــن املســلمني وغريهــم‪.‬‬
‫‪ .2‬إظهــار ســاحة اإلســام وبعــده الحضــاري يف التعامــل مــع اآلخــر‪،‬‬
‫ومراعاتــه للحقــوق اإلنســانية‪ ،‬واإلســهام يف تعزيــز ثقافــة التســامح يف بلداننــا‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫‪ .3‬رســم منهــج واضــح يف التعامــل مــع املســلمني وغري املســلمني عىل أســاس التســامح‪،‬‬
‫واســتقراء األصــول والضوابــط التــي أصلتهــا الرشيعة اإلســامية يف هــذا املجال‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ .4‬وصــف بعــض الحلــول التــي تعالــج معضلــة التشــدد والعنــف‪ ،‬وبيــان‬
‫كيفيــة اســتخدام منهــج التســامح يف القضــاء عــى هــذه الظواهــر التــي‬
‫تــزداد يومــا بعــد يــوم مــع ازديــاد أثــر العوملــة واختــاط املجتمعــات‪.‬‬
‫‪ .5‬تقديــم دراســة ميدانيــة تتمثــل يف تجربــة التســامح بدولــة اإلمــارات؛‬
‫وهــي مبثابــة تطبيــق عمــي لهــذا التأصيــل‪ ،‬يــرز مــدى نجاحــه واســتدامته‪،‬‬
‫واســترشاف مســتقبل التســامح يف دولــة اإلمــارات‪.‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫موضــوع التســامح يعتــر مثــار شــبه ومزالــق كثــرة‪ ،‬ويف كل فــرة مــن التاريخ‬
‫تتولــد إشــكاالت متعــددة تجابهــه وتعكــر صفــوه‪ ،‬وتنتــر شــبه كثــرة‬
‫تحــاول قصــم أصلــه؛ مــن مثــل مفاهيــم‪ :‬الــردة والــوالء والـراء ودار اإلســام‬
‫ودار الكفــر‪ ،‬وأن الــدول غــر اإلســامية كيــان باطــل‪ ،‬وال ميكــن االعـراف بهــا‬
‫رش ًعــا‪ ،‬وأن األصــل يف العالقــات بــن الدولــة اإلســامية وغريهــا مــن الــدول؛‬
‫الحــرب‪ ،‬وأن الســام يشء طــارئ؛ واملؤســف أن هــذه الشــبه ناتجــة عــن‬
‫بحــوث علميــة محكمــة‪ ،‬ومقــررات دراســية مســلمة‪ ،‬فكيــف ميكــن إحيــاء‬
‫أصــل التســامح يف مواجهــة هــذا الفكــر؟ ومــا هــي الحلــول الناجعــة التــي‬
‫تتوافــق مــع رشيعتنــا للقضــاء عــى التحــارب والتدابــر بــن املجتمعــات التــي‬
‫تتكــون مــن أعـراق وأديــان ومذاهــب مختلفــة؟ وهــل ميكــن االســتفادة مــن‬
‫التجــارب الناجحــة مثــل تجربــة دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة يف تعزيــز‬
‫التســامح؟‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫طبيعــة هــذا البحــث تقتــي الســر عــى أســاليب متعــددة يف خطــوات‬
‫إعــداده‪ ،‬وقــد اســتخدمت عــدة مناهــج حســب مــا يناســب املــادة املطلوبــة‬
‫وهــي‪:‬‬
‫املنهــج االســتقرايئ‪ :‬وقــد اتبعــت هــذا املنهــج يف عــدة فصــول مــن البحــث‬
‫وذلــك باســتقراء األدلــة املتعلقــة بالتســامح مــن القــرآن‪ ،‬والســنة‪ ،‬ومظاهــر‬
‫التســامح يف املجتمــع اإلمــارايت‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫املنهــج التحليــي‪ :‬مبــا أن التأصيــل العلمــي للتســامح ‪-‬وخاصــة مبفهومــه‬
‫املعــارص‪ -‬يحتــاج إىل مزيــد مــن البحــث يف النصــوص الرشعيــة‪ ،‬والقواعــد‬
‫التــي تؤســس لــه‪ ،‬فــإن املنهــج التحليــي الــذي يعتمــد عــى جمــع املعطيــات‬
‫الواقعيــة‪ ،‬املتمثلــة يف صــور مجتمعيــة‪ ،‬وتحليلهــا والربــط بينهــا وبــن تلــك‬
‫األصــول الرشعيــة يف ضــوء النصــوص واســتخالص تلــك النتائــج؛ مــن املناهــج‬
‫التــي رست عليهــا يف فصــول عديــدة مــن هــذا البحــث يف التعامــل مــع‬
‫املفاهيــم والنصــوص‪ ،‬وكــذا تحليــل ظواهــر التســامح ونتائجهــا يف مجتمــع‬
‫اإلمــارات‪.‬‬
‫املنهــج الوصفــي‪ :‬اتبعــت هــذا املنهــج يف عــدة فصــول مــن هــذا البحــث‬
‫لدراســة املفاهيــم واملصطلحــات ذات الصلــة بالتســامح‪ ،‬وتتبــع األدلــة‬
‫املتعلقــة بالتســامح ووصفهــا ودراســة خصائصهــا وتصنيفهــا‪ ،‬حســب كل‬
‫قضيــة بعينهــا واملســائل املرتبطــة بهــا‪.‬‬
‫املنهــج النقــدي‪ :‬مجــال البحــث يف التســامح مــن املجــاالت التــي تناولتهــا‬
‫مختلــف الدراســات واألقــام مــن أصنــاف مختلفــة‪ ،‬ومســاحة النقــد فيــه‬
‫كثــرة‪ ،‬واملنهــج النقــدي هــو يف حقيقتــه عمليــة تقويــم وتصحيــح وترشــيد؛‬
‫والباحــث يف ميــدان التســامح يواجــه كثـرا مــن املغالطــات‪ ،‬ويحتــاج إىل نقــد‬
‫بعــض الشــبه التــي ألصقــت بالتســامح‪ ،‬وقــد اتبعــت هــذا املنهــج خاصــة يف‬
‫التعامــل مــع بعــض األدلــة التــي اســتخدمت لخــدش هــذه القيمــة والطعــن‬
‫فيهــا‪ ،‬وهــذا املنهــج متناثــر يف جميــع تضاعيــف هــذا البحــث‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫وقــد ضــم هــذا البحــث مــن خــال مقدمــة وثالثــة أبــواب رئيســة‪ ،‬عــى‬
‫النحــو اآليت‪:‬‬
‫أمــا البــاب األول فقــد عقــد للحديــث حــول مفهــوم التســامح وأهميتــه‬
‫وأسســه الرشعيــة؛ وقــد عالــج قضايــا متنوعــة يف ثالثــة فصــول‪ ،‬تنــاول‬
‫الفصــل األول‪ :‬مفهــوم التســامح ونشــأته؛ يف عــدة مباحــث‪ ،‬وحــدود التســامح‬
‫اللغويــة واالصطالحيــة‪ ،‬وتعاريفــه املختلفــة يف الثقافــات املتعــددة‪ ،‬واأللفــاظ‬
‫املســتعملة ذات الصلــة بالتســامح‪ ،‬وقــد تــم تخصيــص مبحــث خــاص يف هــذا‬

‫‪7‬‬
‫الفصــل‪ :‬للحديــث عــن تاريــخ التســامح قبــل اإلســام وبعــده‪ ،‬والتحــوالت‬
‫املعــارصة التــي تع ـ ّرض لهــا‪.‬‬
‫أمــا الفصــل الثــاين‪ :‬فقــد تنــاول أهميــة التســامح‪ ،‬وأنــه فريضــة رشعيــة‪،‬‬
‫ورضورة إنســانية‪ ،‬وأهــم مظاهــر التســامح وتجلياتــه‪ ،‬وآثــاره عــى املجتمعات‬
‫يف مباحــث ثالثــة‪.‬‬
‫ويف الفصــل الثالــث مــن البــاب األول تــم ذكــر أســس التســامح مــع املخالــف‬
‫مخصصــا ملرشوعيــة االختــاف‬‫ً‬ ‫مــن املســلمني؛ الــذي كان املبحــث األول فيــه‬
‫وضوابطــه‪ ،‬واملبحــث الثــاين يف قيــم التســامح بــن املســلمني‪.‬‬
‫البــاب الثــاين‪ :‬يعــد صلــب البحــث ومقصــده‪ ،‬وخصــص للحديــث حــول‬
‫أصــول التســامح مــع غــر املســلمني يف الرشيعــة اإلســامية؛ وتــم تقســيمه‬
‫إىل ثالثــة فصــول‪.‬‬
‫كان الفصــل األول‪ :‬يف أصــول العالقــة مــع غــر املســلمني ووســائل تحقيقهــا‪،‬‬
‫وأســهبت فيــه يف اســتقراء األصــول الحاكمــة للعالقــة مــع غــر املســلمني‪،‬‬
‫ووســائل تحقيــق التســامح بــن املســلمني وغريهــم‪.‬‬
‫وقــدم الفصــل الثــاين‪ :‬شــواهد تاريخيــة عــى تســامح املســلمني مــع غريهــم‪،‬‬
‫وأحــكام حاميــة أماكــن عبــادة غــر املســلمني يف الرشيعــة اإلســامية‪.‬‬
‫وتحــدث الفصــل الثالــث عــى ضوابــط التســامح ووســائل اســتدامته؛ مبــا‬
‫تحويــه مــن الضوابــط اإلنســانية والدينيــة والقانونيــة‪.‬‬
‫وختــم هــذا الفصــل مببحــث اســتدامة التســامح اإلنســاين‪ ،‬ودور الرتبيــة‬
‫األخالقيــة والتواصــل الحضــاري بــن الشــعوب وأثــره يف ذلــك‪.‬‬
‫أمــا البــاب الثالــث فــكان عنوانــه‪ :‬التســامح وقيمــه يف املجتمــع اإلمــارايت؛‬
‫خصــص لدراســة التســامح يف املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬يف الفصــول االتيــة‪:‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬الشــيخ زايــد –طيــب اللــه ثــراه‪ -‬ودوره يف ترســيخ ثقافــة‬
‫التســامح يف املجتمــع اإلمــارايت؛ وقــد حــاول اســتيعاب ِح َكــم الشــيخ زايــد‬
‫املؤسســة للتســامح فيــه‪ ،‬واســتنتج منهــا رؤيــة الشــيخ زايــد التســامحية‪،‬‬
‫وبــن دورهــا املحــي والعاملــي مــن خــال مبحثــن‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصــل الثــاين‪ :‬الثقافــة املحليــة اإلماراتيــة وأثرهــا يف إرســاء قيــم التســامح؛‬
‫مقومــات التســامح يف املجتمــع اإلمــارايت؛ وأهميــة منــوذج التديــن يف اإلمارات‬
‫وتأسيســه لثقافــة التســامح‪.‬‬
‫الفصــل الثالــث‪ :‬الربنامــج الوطنــي اإلمــارايت للتســامح؛ والتعريــف بأهميتــه‬
‫وأثــره يف تعزيــز التســامح وطنيا ودوليا؛ ودور املؤسســات الوطنيــة يف الحفاظ‬
‫عــى التســامح وتطويــره؛ ومنهــا مبــادرة عــام التســامح وأهــم منجزاتهــا يف‬
‫تعزيــز التســامح اإلمــارايت‬
‫الخامتــة‪ :‬أهــم النتائــج واآلفــاق والتوصيــات التــي تســاعد الباحثــن عــى‬
‫مواصلــة الســر يف هــذا املجــال‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫حســب مــا تيــر يل مــن البحــث واالطــاع مل أقــف عــى دراســة شــاملة‬
‫تعالــج هــذا املوضــوع عــى الصفــة والكيفيــة التــي أنــوي دراســته بهــا‪ ،‬ضمــن‬
‫الحــدود التــي رســمتها‪ ،‬والخطــة التــي وضعتهــا‪.‬‬
‫ومــع أن املــادة العلميــة املعالجــة ملوضــوع التســامح كثــرة ومتناثــرة‪ ،‬تزخــر‬
‫بهــا املصــادر واملراجــع والبحــوث واملجــات ‪-‬وخاصــة يف العصــور املتأخــرة‪-‬‬
‫مــا زال املوضــوع يف حاجــة للبحــث‪ ،‬وال ســيام مــع إضافــة دراســة ميدانيــة‬
‫تطبيقيــة‪.‬‬
‫وميكــن تصنيــف الدراســات التــي تناولــت هــذا املوضــوع وطرقــت بابــه عــى‬
‫النحــو اآليت‪:‬‬
‫أول‪ :‬الدراســات العامــة التــي تتحــدث عــن ســاحة اإلســام‪ ،‬والتأصيــل لهــا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وهــذه الدراســات متعــددة‪ ،‬أدلــل عليهــا بدراســتني‪:‬‬
‫أولهــا‪« :‬التســامح زينــة الدنيــا والديــن» للكاتــب الســعودي تــريك الدخيــل‪،‬‬
‫ســفري اململكــة العربيــة الســعودية يف دولــة اإلمــارات‪ ،‬وهــو مــن الدراســات‬
‫العلميــة الجامعــة يف مجــال التســامح(‪.)1‬‬

‫‪ - 1‬صدرت الدراسة عن دار مدارك للنرش والتوزيع‪ ،‬ديب‪ ،‬إبريل عام ‪ .2019‬وتقع الدراسة يف ‪ 300‬صفحة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وتتميــز هــذه الدراســة بكونهــا دراســة شــاملة ومركِّــزة عــى عــدة عنــارص‬
‫أساســية يف التســامح؛ واحتــوت عــى ثالثــة فصــول‪ ،‬كان عنــوان الفصــل األول‪:‬‬
‫«التســامح؛ يف البــدء كان الســؤال»‪ ،‬خصصــه لعــدة فق ـرات أهمهــا موجــز‬
‫لتاريــخ التســامح عنــد العــرب‪ ،‬وإثــارة أســئلة مهمــة منهــا مثــا ســؤال‪ :‬ملــاذا‬
‫غــاب التســامح؟‬
‫ويف الفصــل الثــاين مــن الكتــاب‪ ،‬الــذي هــو بعنــوان «التســامح‪ ..‬لــوك وفولتــر‬
‫ونحــن‪ ،‬مواقــف أمثــرت األفــكار» وقــف املؤلــف عنــد مفهــوم التســامح عنــد‬
‫لــوك وفولتــر‪ ،‬وتحــدث عــن نشــأة هــذا املفهــوم‪ ،‬واســتعرض عــددا مــن‬
‫املواقــف املعــارصة والتحــوالت التــي اعرتضــت هــذا املفهــوم‪ ،‬وعالقــة األديــان‬
‫بهــذه التحــوالت‪.‬‬
‫وخصــص املؤلــف الفصــل الثالــث مــن الكتــاب لـــ «تاريــخ التســامح يف عــر‬
‫اإلصــاح» وأهــم النقــاط التــي احتواهــا هــذا الفصــل أنــه تطــرق للتســامح يف‬
‫اإلنجيــل‪ ،‬والجــدل بــن الكنيســة والدولــة الــذي كان لــه أثــر كبــر يف وجــود‬
‫التسامح‪.‬‬
‫وال شــك أن هــذه الدراســة بهــذا البنــاء الــذي أسســت لــه يف مجــال التســامح‪،‬‬
‫ســدت فرا ًغــا كب ـ ًرا‪ ،‬وخاصــة يف تاريــخ التســامح الغــريب والعــريب‪ ،‬وقدمــت‬
‫التســامح باعتبــاره عال ًجــا ألم ـراض الكراهيــة والعنــف يف العــر الحــارض‪،‬‬
‫وألن دراســتنا رشعيــة ميدانيــة فقــد اســتقرأنا التأصيــل الرشعــي للتســامح‬
‫والتطبيــق امليــداين عــى حالــة دولــة اإلمــارات‪ ،‬وهــذان الجانبــان غــر‬
‫موجوديــن يف هــذه الدراســة‪.‬‬
‫ثانيهــا‪ :‬دراســة «الطائفيــة والتســامح والعدالــة االنتقاليــة‪ :‬مــن الفتنــة إىل‬
‫دولــة القانــون»(‪ )1‬أعــده مجموعــة مــن املفكريــن والباحثــن العــرب‪ ،‬مــن‬
‫ر مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪.‬‬ ‫تحريــر الدكتــور عبــد اإللــه بلقزيــز‪ ،‬ونـ ِ‬
‫والكتــاب يف األصــل عبــارة عــن نــدوات علميــة حــول هــذه املواضيــع‪ ،‬وقــد‬
‫ركــزت هــذه الدراســة عــى ثــاث مســائل لهــا أهميتهــا يف العــر الحــارض‬

‫‪ - 1‬صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية بريوت‪ ،‬سنة ‪ ،2013‬مبشاركة مجموعة من الباحثني‪ :‬أحمد شوقي بنيوي‪ ،‬سليامن‬
‫تقي الدين‪ ،‬انطوان مرسة‪ ،‬عبد الحسن شعبان‪ ،‬رضوان السيد‪ ،‬عيل أمليل‪ ،‬فالح عبد الجبار‪ ،‬يقع الكتاب يف ‪ 256‬صفحة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وهــي‪ :‬الطائفيــة والتســامح والعدالــة‪ ،‬وعالجــت هــذه املســائل مــن خــال‬
‫مثانيــة فصــول‪.‬‬
‫والفصــول التــي لهــا عالقــة بدارســتنا مــن الكتــاب هــي الفصــل الرابــع‬
‫بعنــوان‪« :‬مــن التســامح إىل التعدديــة الثقافيــة»‪ ،‬والفصــل الخامــس تحــت‬
‫عنــوان‪« :‬يف الحاجــة إىل التســامح»‪ ،‬والفصــل الســادس «يف الحاجــة إىل‬
‫التســامح‪ :‬ثقافــة القطيعــة والتواصــل»‪.‬‬
‫وإن كانــت هــذه الدراســة لهــا أبعــاد سياســية‪ ،‬إال أنهــا قدمــت تصــو ًرا مهــا‬
‫عــن التســامح يف الوطــن العــريب‪ ،‬وأنــه موضــع شــك لــدى الكثرييــن‪ ،‬نظـرا ملــا‬
‫تعلــق بهــذا املفهــوم مــن توظيفــات واســتقطابات داخليــة وخارجيــة‪ ،‬كــا‬
‫ركــزت الدراســة عــى البيئــة القابلــة واملضــادة للتســامح‪ ،‬وأن األخــرة مــا‬
‫زالــت خصبــة يف الوطــن العــريب‪.‬‬
‫ومــن أهــم مــا توصلــت إليــه الدراســة رضورة النظــر إىل التســامح عــى‬
‫أنــه واجــب قانــوين‪ ،‬وعــدم االكتفــاء باعتبــاره واج ًبــا ســلوك ًيا فقــط‪ ،‬ولكــون‬
‫الدراســة ذات توجــه ســيايس فإنهــا ال تنســجم يف طرحهــا مــع تصــور بحثنــا‬
‫هــذا عــن التســامح يف املجتمعــات العربيــة املعــارصة‪ ،‬وكذلــك يف تراثنــا‬
‫اإلســامي مــن تأصيــل التســامح الرشعــي‪ ،‬وتقديــم منــوذج عــريب قائــم يف‬
‫ميــدان التســامح‪.‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬الدراســات الفقهيــة التــي تناولــت موضــوع التعامــل مــع غــر‬
‫املســلمني‪ ،‬وهــي كثــرة‪ ،‬وقــد وقفــت عــى عــدد منهــا‪ ،‬وســأذكر أمنوذجــن‬
‫مــن أقدمهــا‪:‬‬
‫أولهــا‪ :‬كتــاب «التعامــل مــع غــر املســلمني أصــول معاملتهــم واســتعاملهم؛‬
‫دراســة فقهيــة»‪ .‬للدكتــور‪ :‬عبــد اللــه بــن إبراهيــم الطريفــي‪ ،‬وهــو رســالة‬
‫دكتــوراه ت َقـ َّدم بهــا املؤلِّــف إىل املعهــد العــايل للقضــاء التابــع لجامعــة اإلمــام‬
‫محمــد بــن ســعود اإلســامية‪ ،‬يف الريــاض باململكــة العربيــة الســعودية‪ .‬ســنة‪:‬‬
‫‪1406‬هـ‪.‬‬
‫وقــد تنــاول فيــه عــدة موضوعــات متشــعبة؛ مــن أهمهــا بالنســبة ملوضــوع‬
‫هــذا البحــث‪ :‬البــاب األول الــذي خصصــه ألصــول العالقــة مــع غري املســلمني‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫وذكــر فيــه أربعــة فصــول‪ ،‬خصــص فصــا منهــا ألســس عالقــة املســلمني‬
‫بغريهــم‪ ،‬وكانــت ســاحة اإلســام إحــدى تلــك األســس‪ ،‬إضافــة ألســس أخــرى‬
‫مثــل‪ :‬العــدل‪ ،‬والوفــاء بالعهــود واملواثيــق وســواها‪.‬‬
‫وهــذه األســس واألصــول ســنتناولها يف البحــث عنــد الحديــث عــن مقاصــد‬
‫التســامح وأسســه؛ خالفــا للســياق الــذي جــاءت فيــه خــال الدراســة التــي‬
‫نصفهــا‪ ،‬ذلــك أن هــذه الدراســة إمنــا حاولــت توظيــف هــذه األســس يف‬
‫التحذيــر مــن مــواالة غــر املســلمني‪ ،‬وبيــان خطورتهــم‪ ،‬وعــدم التســاهل يف‬
‫التعامــل معهــم‪ ،‬فالدراســة عبــارة عــن رد فعــل عــى الدعــوة املنتــرة إىل‬
‫التســامح والتعايــش‪ ،‬تتبنــى _أعنــي الدراســة_ أن هنــاك خلطــا علميــا يف‬
‫هــذه القضيــة‪ ،‬وأنهــا جــاءت لتميــز هــذا الخلــط‪ ،‬وتبطــل دعــوات التقــارب‬
‫والتعايــش الســلمي‪ ،‬وتقــرر أن األصــل يف العالقــة بــن املســلمني وغريهــم هــو‬
‫الحــرب وليــس الســلم‪ .‬واملقصــد الــذي نتوخــاه يف هــذا البحــث يختلــف عـ َّـا‬
‫ذهــب إليــه متا ًمــا‪.‬‬
‫ثانيهــا‪ :‬كتــاب «أحــكام التعامــل مــع غــر املســلمني واالســتعانة بهــم يف‬
‫الفقــه االســامي ‪-‬دراســة فقهيــة مقارنــة‪ ،»-‬للدكتــور عبــد الحكيــم أحمــد‬
‫محمــد عثــان‪ ،‬وهــي رســالة دكتــوراه مــن جامعــة األزهــر‪.‬‬
‫فقــد قــدم الباحــث تعريفــا بغــر املســلمني‪ ،‬وأقســامهم‪ ،‬ثــم خصــص بابــا‬
‫كامــا ألحــكام التعامــل مــع غــر املســلمني يف التجــارة وغريهــا‪ ،‬حيــث ركــز‬
‫عــى الضوابــط التــي تضبــط العالقــة بــن املســلمني وغريهــم يف املعاوضــات‬
‫املاليــة وغريهــا مــن املعامــات‪ ،‬كــا خصــص البــاب الثــاين يف بحثــه ملســألة‬
‫االســتعانة بغــر املســلمني‪ ،‬ومــا يتعلــق بهــا مــن مســائل يف الفقــه اإلســامي‪.‬‬
‫وهــذه الدراســة إمنــا اســتقصت الفــروع الفقهيــة‪ ،‬واألحــكام التجاريــة التــي‬
‫تخــص التعامــل مــع غــر املســلمني يف املدونــات الفقهيــة املقارنــة‪ ،‬ومل يكــن‬
‫هدفهــا التأصيــل الفقهــي للتســامح والتعايــش يف هــذه العالقــة‪ ،‬فهــي دراســة‬
‫فقهيــة محضــة‪ ،‬ليــس لهــا بصمــة تســامحية‪ ،‬ويف بحثنــا هــذا ســنخصص‬
‫مبحثــا خاصــا للتعامــل التجــاري مــع غــر املســلمني‪ ،‬وبيــان ســاحة اإلســام‬
‫يف ذلــك‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ثال ًثــا‪ :‬البحــوث والدراســات التــي ركــزت عــى توجيــه النقــد للتســامح مــع‬
‫غــر املســلمني‪ ،‬وانتقــاد التقــارب مــع األديــان عمومــا‪ ،‬وقــد اطلعــت عــى‬
‫مجموعــة منهــا مــن أجــل معرفــة الشــبهات التــي تــدور حــول التســامح‪،‬‬
‫ومــن أشــهر هــذه الدراســات مــا يــأيت‪:‬‬
‫كتــاب‪« :‬دعــوة التقريــب بــن األديــان‪ :‬دراســة نقديــة يف ضــوء العقيــدة‬
‫اإلســامية»; للمؤلــف‪ :‬أحمــد بــن عبــد الرحمــن بــن عثــان القــايض‪ ،‬وهــو‬
‫يف األصــل رســالة دكتــوراه يف قســم العقيــدة بجامعــة اإلمــام‪ .‬ســنة‪1421 :‬هـــ‪،‬‬
‫واشــتملت هــذه الرســالة عــى مجموعــة مــن األســس الرشعيــة يف التعامــل‬
‫بــن األديــان وامللــل‪ ،‬وركــزت بعــد ذلــك عــى التقريــب وحقيقتــه وأســبابه‬
‫وانتشــاره يف العــر الحديــث‪ ،‬وأهــم املؤسســات واألف ـراد الذيــن يتبنونــه‪.‬‬
‫ويف هــذه الرســالة مجموعــة مــن الشــبه املوجهــة للتســامح والحــوار القائــم‬
‫بــن األديــان‪ ،‬وقــد اعتمــدت عليهــا يف االطــاع عــى الشــبه التــي تحيــط‬
‫بالتســامح‪ ،‬مــن أجــل تفنيــد بعضهــا يف هــذا البحــث‪.‬‬
‫ومــن هــذا النــوع مــن الدراســات أيضــا كتــاب‪« :‬اإلبطــال لنظريــة الخلــط‬
‫بــن ديــن اإلســام وغــره مــن األديــان» للشــيخ بكــر أبــو زيــد‪ ،‬وهــو رســالة‬
‫يف الــرد عــى التقــارب والتعايــش بــن األديــان‪ ،‬واعتبــار ذلــك مــن الدعــوة‬
‫لوحــدة األديــان‪.‬‬
‫ومــع صغــر حجــم الرســالة وكونهــا يف حــدود مائــة صفحــة تقريبــا‪ ،‬إال أنهــا‬
‫تعــد مــن أهــم الدراســات املرجعيــة يف هــذا العــر‪ ،‬يف إبطال دعــوات الحوار‬
‫بــن األديــان ونظريــة التســامح‪ ،‬وقــد تتبــع املؤلــف تاريــخ هــذه الدعــوات‪،‬‬
‫ومراحــل نشــأتها‪ ،‬ومــن يقــف وراءهــا‪ ،‬وشــكك يف جميــع الجهــود املبذولــة‬
‫يف هــذا املجــال‪ ،‬كــا خصــص مســاحة مــن بحثــه للشــبه التــي اعتربهــا مــا‬
‫يلبــس بهــا أعــداء الديــن عــى املســلمني‪ ،‬مــن أجــل تشــكيكهم يف عقيدتهــم‪،‬‬
‫وهــدم دينهــم‪ .‬وال شــك أن هــذا الكتــاب ومثلــه يؤســس للكراهيــة والعنــف‪،‬‬
‫وال بــد للعامــل يف ميــدان التســامح مــن االطــاع عليــه؛ ليــدرك الواقــع‪،‬‬
‫ويوقــن أن مجــال التســامح ليــس خاليــا مــن العوائــق واألشــواك(‪.)1‬‬
‫‪ - 1‬وقد أرجأت ذكر اإلضافات العلمية التي يتميز بها هذا البحث عن غريه إىل الخامتة ضمن مثار البحث‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫صعوبات البحث‪:‬‬
‫واجهتنا خالل هذا البحث صعوبات جمة وعىل رأسها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن مــادة التســامح متناثــرة بــن علــوم ومؤلفــات متنوعــة‪ ،‬وليــس لهــا‬
‫ـرض لتنقــات كثــرة بــن‬ ‫مظنــة تقصــد مبــارشة‪ ،‬فالباحــث يف التســامح ُمعـ ٌ‬
‫علــوم وفنــون‪ ،‬ومعــارف متنوعــة‪.‬‬
‫‪ .2‬عــدم االتفــاق عــى مفهــوم دقيــق موحــد للتســامح‪ ،‬وهــو مــا أثــر عــى‬
‫عديــد مــن الدراســات التــي مل تضــع معايــر دقيقــة ملفهــوم التســامح املـراد‪،‬‬
‫وإذا وقــع الخلــل يف معالجــة املفهــوم تــرب إىل مــا بُنــي عليــه‪.‬‬
‫‪ .3‬شــح املصــادر واملراجــع‪ ،‬وخاصــة فيــا يتعلــق بالدراســات املعــارصة‬
‫للتســامح‪ ،‬وصعوبــة الوصــول إىل بعــض املراجــع املتعلقــة بثقافــة دولــة‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬وتوثيــق نصــوص وحكــم الشــيخ زايــد‪.‬‬
‫ـى للكثرييــن‪ ،‬والحديــث عنــه‬ ‫‪ .4‬أن ميــدان الكتابــة يف التســامح أصبــح مبتغـ ً‬
‫وكل يقدمــه حســب مــا‬ ‫يف الصحافــة أضحــى يف متنــاول أقــام جـ ّـل النــاس‪ٌّ ،‬‬
‫يـراه ويعتقــده؛ فأصبــح الراصــد ملادتــه –طل ًبــا للبحــث يف تحليلهــا وقراءتهــا‪-‬‬
‫يف املنشــورات اليوميــة يصــدق عليــه قــول األول‪:‬‬

‫ف ََم يَ ْدرِي ِخ َر ُاش َما يَ ِصي ُد» (‪.)1‬‬ ‫«تَكَاث َ َر ِت الظِّ َبا ُء َع َل ِخ َراش ‬

‫‪ - 1‬ابن األثري الجزري؛ أبو الفتح ضياء الدين نرص الله بن محمد بن محمد بن عبدالكريم ال ‪622‬ه‪ ،‬املثل السائر يف أدب‬
‫الكاتب والشاعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬املكتبة العرصية‪( ،‬بريوت – صيدا‪ ،‬ط‪ ،)1995 ،1 .‬ج ‪ 1‬ص ‪.108‬‬

‫‪14‬‬
‫التمهيد‪ :‬دواعي التسامح‬
‫قــد ال نــدرك أهميــة قيمــة التســامح ورضورتــه يف مثــل هــذه البحــوث‪ ،‬إذا‬
‫مل نقــف عــى منــاذج مــا تتعــرض لــه هــذه القيمــة مــن الهــدم واملحــو‬
‫والحمــات الشــنيعة‪ ،‬فالثقافــة الشــائعة حــول التســامح جــزء كبــر منهــا‬
‫مــن إنتــاج الجامعــات املتطرفــة واأليديولوجيــات املختلفــة‪ ،‬ولهــذا ســأخصص‬
‫هــذه التوطئــة للتطــرق إىل تلــك الدواعــي الواقعيــة والحقيقيــة لهــذا البحث‪،‬‬
‫بعــد اإلشــارة الرسيعــة ألســبابه فيــا مــى؛ ألن هــذه الدواعــي تســاعدنا عىل‬
‫اســتيعاب ســياق هــذا البحــث‪ ،‬فهــو مبثابــة إنجــاد هــذه القيمــة اإلنســانية‬
‫العظيمــة‪ ،‬وكشــف تلــك الســهام املســمومة املوجهــة إليهــا‪ ،‬وخطــورة الغفلــة‬
‫عنهــا‪.‬‬
‫ومــن هنــا فــا يختلــف اثنــان يف أهميــة التســامح مــن حيــث الحاجــة‬
‫إليــه‪ ،‬والــرورة امللحــة للمجتمعــات املتوقفــة عليــه‪ ،‬ودوره يف نــر الســلم‬
‫والســام وتجنيبهــا العنــف واالقتتــال‪ ،‬فهــذا الحــد قــد اتفــق عليه العقــاء وال‬
‫يختلــف فيــه اثنــان‪ ،‬إال أن أهميــة التســامح ومكانتــه التــي نريــد اســتهالل‬
‫هــذا البحــث بهــا‪ ،‬هــي تلــك التــي تدفــع الباحــث والقــارئ إلنقــاذ هــذه‬
‫القيمــة وإغاثتهــا مــن بــن فــي املتالعبــن والطاعنــن يف خرصهــا‪.‬‬
‫فالتســامح قــد كــر مدعــوه‪ ،‬وولــج يف ميدانــه الكثــرون‪ ،‬وتعلــق بــه مــن ال‬
‫يفقهــه‪ ،‬واسـتُغل يف أيديولوجيــات متعــددة‪ ،‬إىل حــد تشــويه هــذا املصطلــح‬
‫يركــب هــذا املفهــو َم لغايــة أراد تحقيقهــا مــن‬
‫ُ‬ ‫وكل‬
‫والطعــن يف أصالتــه‪ٌّ ،‬‬
‫ورائــه‪ ،‬فمنهــم مــن جعلــه ِمعــوال لهــدم األديــان‪ ،‬ومنهــم مــن يجعلــه مفهو ًما‬
‫مســتور ًدا ال أصــل لــه يف الرشيعــة والديــن‪ ،‬ومــن هــذا البــاب أولئــك الذيــن‬
‫فتحــوا أبــواب الرشيعــة مرشعــة بحجــة التســامح‪ ،‬فصــار هــذا املفهــوم مثــا ًرا‬
‫للتجاذبــات‪ ،‬وأداة للغــط واللبــس‪ ،‬بينــا هــو قيمــة قامئــة أصيلــة تســتوعب‬
‫الجميــع‪ ،‬لــه ضوابطــه وقواعــده وقيمــه‪ ،‬قــد شــهدت لهــا الفطــرة الســليمة‪،‬‬
‫وأَ َّصلَهــا القــرآ ُن الكريــم‪ ،‬و َر َّســختْها الســنة النبويــة‪ ،‬و َج َّســدتْها املجتمعــات‬
‫املســلمة يف تاريخهــا كقيمــه دينيــه وأخالقيــة واجتامعيــة‪.‬‬
‫فأهميــة بحــث التســامح يســتمد قوتــه مــن جوانــب متعــددة‪ ،‬مــن أهمهــا‬

‫‪15‬‬
‫حاجــة البحــث إىل تأصيــل مفاهيمــي ورشعــي‪ ،‬وتحديــد مســار التســامح‬
‫الســليم يف خضــم إيديولوجيــات مختلفــة‪ ،‬كلهــا تحمــل شــعار التســامح‬
‫وتدعــي أنــه ضمــن أولوياتهــا‪ ،‬فبعــد أن كانــت اإلشــكالية التــي تواجــه‬
‫التســامح مقتــرة عــى إشــكال واحــد‪ ،‬وهــو ذلــك املتعصــب الــذي ال‬
‫يعــرف معنــى التســامح والتســاهل والحــوار‪ ،‬ويــرى أنــه لوحــده عــى الحــق‬
‫وباقــي الخلــق عــى الباطــل‪ ،‬أصبــح اآلن يقــف يف وجــه التســامح إشــكاالت‬
‫مســتجدة ومتجــددة ومتعــددة‪ ،‬ولهــذا يجــدر بنــا الوقــوف يف هــذا التمهيــد‬
‫عــى منــاذج مــن تلــك املغالطــات التــي تثــار يف وجــه التســامح مــن فئــات‬
‫مختلفــة؛ ليــس رغبــة يف التهويــل والتضخيــم‪ ،‬ولكــن لتصويــر األمــر عــى‬
‫حقيقتــه‪ ،‬وإلبــراز رضورة إنجــاز مثــل هــذه البحــوث‪ ،‬ودورهــا الفاعــل يف‬
‫حاميــة الســلوك الحضــاري املتمثــل يف الحــوار البنــاء واح ـرام اآلخــر‪.‬‬
‫ولعــل أي باحــث يف حقــل التســامح ســيقتنع أنــه يجــب توجيــه جهــود كــرى‬
‫لهــذا الجانــب؛ ألن مــا تركــه الكتَّــاب واملفكــرون يف العقــود األخــرة‪ ،‬مــن‬
‫محاولــة طمــس أي عالقــة بــن التســامح والتعاليــم الدينيــة‪ ،‬بــل والثقافــة‬
‫العربيــة ليــس بيســر‪ ،‬ومــا زالــت تلــك الجهــود تــؤيت مثارهــا يف الدراســات‬
‫الحديثــة‪ ،‬وجــزء كبــر مــن الكتابــات الصحفيــة‪ ،‬فينبغــي تخصيــص دراســات‬
‫متعــددة يف هــذا الحقــل ســواء يف التأصيــل الرشعــي أو العمــي‪ ،‬بدراســة‬
‫مناهــج التســامح يف التاريــخ اإلســامي واالجتامعــي‪.‬‬
‫ونقــف أول مــا نقــف مــع بعــض أولئــك الكتــاب الــذي يقطعــون أوصــال‬
‫التســامح بالعــادات العربيــة‪ ،‬مســتندين يف ذلــك إىل االســتعامالت اللغويــة‬
‫للفظــة التســامح يف معــاين الجــود والكــرم(‪ ،)1‬ونتــج عــن ذلــك الخــروج‬
‫بهــذه النتيجــة‪ :‬أن التســامح مفهــوم دخيــل عــى الثقافــة العربيــة يقــول‬
‫أحــد الكتــاب يف تقريــر ذلــك‪( :‬فــإن الواقــع املدهــش حقــا هــو أن التســامح‬
‫الــذي يعتــر ســمة عامــة يف الفكــر الغــريب منــذ النصــف الثــاين مــن القــرن‬
‫الســابع عــر‪ ،‬وفكــرة معــارصة يف زماننــا هــذا‪ ،‬هــذا التســامح يبــدو يف‬
‫املقــام األول غائبــا عــن اللغــة العربيــة‪ ،‬وبالتــايل غائبــا غيابــا عــن أمنــاط‬

‫‪ - 1‬سيأيت بيان ذلك يف مفهوم التسامح لغة يف الفصل األول ص‪.17 :‬‬

‫‪16‬‬
‫التفكــر كافــة والتــي تعمــل عــر هــذه اللغــة)‪ )1(.‬فالنتيجــة الطبيعيــة‬
‫لغيــاب التســامح عــن اللغــة العربيــة نفيــه عــن اإلنســان العــريب وفكــره‬
‫وثقافتــه وعقيدتــه كــا هــو واضــح مــن الــكالم املتقــدم‪ ،‬وباملقابــل فهــو‬
‫ســمة للمجتمــع الغــريب‪)2(.‬‬
‫ويف وجهــة أخــرى هنــاك مــن املفكريــن مــن يــرى أن التســامح أيضــا ال عالقــة‬
‫لــه باإلســام‪ ،‬ومــا يُق ـ َّدم عــى أنــه تســامح يف الرشيعــة اإلســامية إمنــا هــو‬
‫توظيــف وتجيــر للنصــوص الدينيــة‪ ،‬مــن أجــل االســتتار عــى العنــف املتأصل‬
‫يف اإلســام‪ ،‬أمــا النصــوص العامــة للديــن اإلســامي وتاريخــه ال تســاعد عــى‬
‫التســامح؛ يقــول محمــد أركــون‪( :‬وإذا مــا نظرنــا إىل الناحيــة اإلســامية فــا‬
‫ذا نالحــظ؟ نالحــظ أن املســلمني يختــارون بعنايــة بعــض اآليــات القرآنيــة‬
‫املناســبة لــي يربهنــوا عــى تســامح اإلســام‪ ،‬ولــي يــردوا عــى االتهامــات‬
‫الغربيــة املصوغــة انطالقــا مــن عقــل األنــوار‪ ،‬وهــذه املامرســة ال تقــل‬
‫مغالطــة تاريخيــة وتالعبــا بالحقيقــة‪)3(.)...‬‬
‫فالتســامح اإلســامي بهــذا النظــر ال وجــود لــه‪ ،‬وإمنــا هــو انتقــاء لبعــض‬
‫النصــوص الرشعيــة‪ ،‬وتحميلهــا تلــك املعــاين املفقــودة يف اإلســام‪ ،‬مــن أجــل‬
‫إيجــاد أجوبــة مناســبة للغــرب‪ ،‬ولالســتهالك الدينــي‪ ،‬هــذه أقــى ثقافــة‬
‫التســامح لــدى املســلمني حســب مــا تقدمــه بعــض الدراســات الفكريــة‬
‫النقديــة يف هــذا املجــال‪.‬‬
‫إال أن نفــي التســامح عــن اإلســام أو الثقافــة العربيــة ال يتعــدى خطــره‬
‫قائلــه‪ ،‬ومــن يتأثــر بــه غالبــا‪ ،‬وليــس لذلــك أثــر مبــارش عــى التعاليــم‬
‫الدينيــة‪ ،‬فــكل مــا يرمــي إليــه هــذا االتجــاه إمنــا هــو رمــي اإلســام بالعنــف‪،‬‬
‫ولكــن األخطــر مــن ذلــك مــا يدعــو إليــه بعــض املتشــددين مــن تكريــس‬

‫‪ - 1‬ألفريد إيري‪ ،‬وتوماس بالدوين‪ ،‬وسمري الخليل‪ ،‬وكارل بوبر – ترجمة‪ :‬إبراهيم العريس؛ التسامح بني رشق وغرب‪،‬‬
‫دراسات يف التعايش وقبول اآلخر‪( ،‬دار الساقي – لبنان – ط‪1992 - 2 .‬م)‪ ،‬وأورد فيه مقاال لسمري خليل‪ ،‬ص‪.5 :‬‬
‫‪ - 2‬هناك مقاالت متعددة يف مجالت وجرائد ومواقع مختلفة تقرر هذه الشبهة واكتفينا بهذا املثال من أجل الوقوف عىل‬
‫خطورة ما يحاك للتسامح ووجوب حراسته‪.‬‬
‫‪ - 3‬أركون محمد‪ ،‬أين هو الفكر اإلسالمي املعارص‪ ،‬ترجمة وتعليق هاشم صالح‪( ،‬بريوت‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪)1993‬‬
‫ص‪.112 :‬‬

‫‪17‬‬
‫العنــف مــع اآلخــر‪ ،‬وأن التســامح ال يعــدو أن يكــون متيي ًعــا للديــن‪ ،‬وأن‬
‫مجــال التســامح يف اإلســام محــدود‪ ،‬وأُورد هنــا مــا قــرره أحــد منظريهــم‪،‬‬
‫ومــن يعتــر مرجعيــة لــدى جامعــات إرهابيــة متطرفــة متعــددة‪ ،‬كمثــال‬
‫عــى خطــورة املوضــوع‪ ،‬مــن أجــل بيــان شــدة مــا يحــاك للتســامح ورضورة‬
‫كشــف هــذه املغالطــات املحيطــة بهــذه الفضيلــة‪ ،‬يقــول منظــر الجامعــات‬
‫اإلرهابيــة ســيد قطــب‪( :‬إن الذيــن يحاولــون متييــع هــذه املفاصلــة الحاســمة‬
‫باســم التســامح والتقريــب بــن أهــل األديــان الســاوية‪ ،‬يخطــؤون فهــم‬
‫معنــى األديــان كــا يخطئــون فهــم معنــى التســامح‪ ،‬فالديــن هــو الديــن‬
‫األخــر وحــده عنــد اللــه‪ ،‬والتســامح يكــون يف املعامــات الشــخصية ال يف‬
‫التصــور االعتقــادي وال يف النظــام االجتامعــي‪ ،‬إنهــم يحاولــون متييــع اليقــن‬
‫الجــازم يف نفــس املســلم بــأن اللــه ال يقبــل دينــا إال اإلســام) (‪)1‬‬
‫هــذا النــص ميثــل رك ًنــا شــدي ًدا لــدى كثــر مــن الجامعــات اإلرهابيــة املتطرفــة‬
‫واألح ـزاب الدينيــة‪ ،‬ينطلقــون منــه للمواجهــة التــي يدعــون إليهــا‪ ،‬وقبــل‬
‫ذلــك للطعــن يف قيــم الديــن‪ ،‬وتشــويه اإلســام وتصويــره لآلخريــن بأنــه‬
‫ديــن يلغــي كل األديــان والثقافــات ويكــن لهــا العــداء‪ ،‬ويبنــي عــى أنقاضهــا‬
‫رصحــه‪ ،‬واإلســام بــريء مــن هــذه التهــم التــي وضعهــا مــن يدعــي االنتــاء‬
‫إليــه والدفــاع عنــه‪ ،‬ولكــن النظــرة الحزبيــة تعمــي العيــون وتصــم اآلذان‪،‬‬
‫وتجعــل صاحبهــا يُ َنظِّــر لحزبــه وجامعتــه وفــق مــا يريــد صياغــة الواقــع‬
‫عليــه‪ ،‬ال وفــق مــا تقتضيــه قيــم الديــن الحنيــف‪.‬‬
‫ونجــد ملثــل هــذا الــكالم أثـ ًرا عــى كثــر مــن الدراســات العلميــة‪ ،‬ففــي أحــد‬
‫البحــوث العلميــة املتخصصــة يف املقاصــد الرشعيــة يتهــم صاحبهــا قيمــة‬
‫التســامح بــرد النصــوص فيقــول‪( :‬وهــذه مقولــة خطــرة تــؤدي إىل رد كثــر‬
‫مــن النصــوص‪ ،‬فرتاهــم يقــررون أن مــن مقاصــد اإلســام التســامح‪ ،‬ويــردون‬
‫كل نــص يخالــف هــذا املقصــد‪ ،‬فــردون النصــوص الدالــة عــى ال ـراءة مــن‬
‫الكافريــن وعــدم محبتهــم ومودتهــم‪ ،‬ويف هــذا تضييــع لنصــوص كثــرة‬
‫وإغفــال ملقاصــد عظيمــة؛ كتميــز املســلم عــن الكافريــن ودفــع مفســدة‬

‫‪ - 1‬سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ -( ،‬بريوت‪ -‬القاهرة‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬الطبعة‪ ،‬السابعة عرش ‪ 1412‬هـ) ص ‪ .909 /2‬وهذا النص‬
‫يعترب أساسا يف متييع التسامح‪ ،‬وقد وظفه كثري من الباحثني والدعاة والوعاظ يف منشوراتهم يف الرد عىل دعاة التسامح‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الكفــر‪ ،‬وإلقــاء الشــبه عــى املســلمني إىل غــر ذلــك‪ ..‬مــا يطــول ذكــره‪،‬‬
‫ويعظــم خطــره)(‪.)1‬‬
‫إنــه ال ميكــن إقامــة فضيلــة التســامح كثقافــة مــا مل يقــف الباحثــون يف‬
‫وجــه مثــل هــذه املغالطــات التــي هــي أقــرب إىل الشــبه وتحتــاج إىل بيــان‬
‫وبرهــان أن التســامح أصيــل يف ديننــا الحنيــف‪ ،‬والثقافــة العربيــة وعادتنــا‬
‫االجتامعيــة‪ ،‬وليــس متيي ًعــا وال مخالفــة للنصــوص الرشعيــة ومقاصدهــا‪،‬‬
‫وتلــك النــاذج التــي ذكرناهــا إمنــا اخرتناهــا عــى ســبيل التمثيــل‪ ،‬وليســت إال‬
‫نــزرا يسـرا مــا طفحــت بــه الكتــب والرســائل العلميــة‪ ،‬وانتــر يف مواقــع‬
‫التواصــل االجتامعــي ومختلــف وســائل الســمعي البــري‪ ،‬مــا يؤكــد أن‬
‫قيمــة التســامح محاطــة بكثــر مــن الشــبه والتشــكيك‪ ،‬مــا يُلــزم الباحثــن‬
‫أن يقفــوا درعــا حاميــا يف وجــه كل مــن يريــد النيــل منــه‪.‬‬
‫ومــا ذكرنــاه يف هــذا املبحــث ليــس إال غيظــا مــن فيــض‪ ،‬وإال فهنــاك مــن‬
‫يــروج أيضــا بــان التســامح إمنــا أخــذه علــاء اإلســام مــن فالســفة اليونــان‪،‬‬
‫وغــر ذلــك مــا يــزرع مــن األلغــام يف طريــق هــذه الفضيلــة العظيمــة‪.‬‬
‫فالبحــوث الرصينــة يف التســامح يف الرشيعــة اإلســامية هــي التــي تقــف‬
‫كحــارس لهــذه القيمــة‪ ،‬ت َصــد عنهــا مــا يُرمــى به مــن تهــم واهيــة‪ ،‬ومغالطات‬
‫مشــبوهة‪ ،‬ومــن هنــا تــرز نظريــة دولــة اإلمــارات العربيــة يف التســامح التــي‬
‫تتميــز بالتــوازن‪ ،‬واالســتجابة الواقعيــة والشــمولية‪ ،‬وأهميــة تركيــز هــذا‬
‫البحــث عــى دراســتها؛ ألن هــذه النظريــة شــاملة متكاملــة انطلقــت مــن‬
‫أســس راســخة‪ ،‬فلــم تهتــم بجانــب دون آخــر‪ ،‬وإذا كانــت هــذه النظريــة هي‬
‫ذلــك الــدرع الواقــي للتســامح‪ ،‬الــذي طاملــا ارشأبــت إليــه أعنــاق الجميــع‪،‬‬
‫فإنهــا أيضــا منــوذج حضــاري إنســاين عديــم النظــر للتســامح يف التاريــخ‬
‫العــريب القديــم والحديــث‪ ،‬وبدراســة مثــل هــذه النظريــات والتعمــق فيهــا‬
‫نســتطيع الوصــول إىل التســامح املنشــود الــذى دعــت إليــه الفطــر‪ ،‬وو َّجهــت‬
‫إليــه الرشيعــة‪ ،‬وحافظــت عليــه العــادات والثقافــة‪ ،‬فهــذا التصــور هــو املثال‬
‫األعــى للتســامح الــذي ينــأى عــن كل تلــك االدعــاءات الغــر محايــدة‪.‬‬
‫‪ - 1‬اليويب‪ ،‬محمد سعد‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة الرشعية‪ ،‬رسالة علمية (الرياض‪ ،‬دار الهجرة للنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬السنة ‪ )1998‬ص‪418 :‬‬

‫‪19‬‬
‫وليســت هــذه العوامــل وحدهــا هــي امللحــة يف دراســة التســامح‪ ،‬فهنــاك‬
‫عوامــل أخــرى ترســخت يف عقليــة األجيــال جـراء ثقافــات وعــادات وعواطف‪،‬‬
‫وأســباب أخــرى قــد يكــون بعضهــا نفســيا؛ إذ أصبــح التســامح عنــد بعضهــم‬
‫تنــازال عــن املبــادئ اإلســامية‪ ،‬واســرخاصا لهــا وتفريطــا فيهــا‪ ،‬والتشــدد هــو‬
‫األخــذ بعزائــم األمــور‪ ،‬وأحســن مــن وقــف عنــد هــذه األســباب ووصفهــا‬
‫هــو الطاهــر بــن عاشــور‪ ،‬ولنذكــر ســببني مــا أشــار إليــه مــن تلــك األســباب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الغــرة الزائــد لــدى املتديــن‪ ،‬ودفاعــه عــن دينــه عــن حســن نيــة‪ ،‬جعلــه‬
‫يواجــه اآلخــر بكراهيــة وتعصــب‪ ،‬ولــو كانــت خارجــة عــن نطــاق الــرع‪.‬‬
‫ثانيــا‪ :‬مــا هــو ســائد تاريخيــا بــن مختلــف األديــان اســتعامل الديــن يف‬
‫احتــواء املنتمــن لــه‪ ،‬ومبادلــة قيــم املــودة واملحبــة بينهــم‪ ،‬ويف نفــس الوقت‬
‫يــؤدي هــذا التعصــب الدينــي لبغــض املخالــف والبطــش بــه‪ ،‬بحجــة أن‬
‫الديــن كــا يجمــع أهلــه مينــع غريهــم منــه‪ ،‬وهنــاك قصــص يف مختلــف‬
‫األمــم تؤكــد هــذا املبــدأ(‪.)1‬‬
‫فالســهام املوجهــة للتســامح كثــرة واألســباب الداعيــة لبحثــه واالهتــام‬
‫بــه عديــدة‪ ،‬فكــا أن الشــبه املاضيــة تحتــاج لدحضهــا فــإن هــذه األســباب‬
‫النفســية والداخليــة التــي كشــف عنهــا الشــيخ ابــن عاشــور تدفــع الباحــث‬
‫لدراســة مناهــج وبرامــج تجعــل التســامح قيمــة مشــركة يتذوقهــا الجميــع‬
‫املســلم وغــر املســلم العــامل والجاهــل والغنــي والفقــر‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن عاشور؛ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونيس (املتوىف‪ 1393 :‬ه‪ ،‬أصول النظام االجتامعي‬
‫يف اإلسالم‪( ،‬الرشكة التونسية للتوزيع – تونس‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر‪ ،‬ط‪ ،)2 .‬ص‪.228 ،227 :‬‬

‫‪20‬‬
‫البــاب األول‪ :‬مفهــوم التســامح وأهميتــه وأسســه الرشعية؛‬
‫وتحتــه ثالثــة فصول‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم التسامح ونشأته‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أهمية التسامح ومظاهره وآثاره‪.‬‬
‫الفصــل الثالــث‪ :‬أســس التســامح مــع املخالــف مــن‬
‫املســلمني‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم التسامح ونشأته وتطوره‪ ،‬وتحته‬
‫ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم التسامح‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالتسامح‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تاريخ التسامح‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم التسامح ونشأته وتطوره‬
‫إن تحديــد مفهــوم التســامح بدقــة مــن أولويــات هــذا البحــث ومرتكزاتــه؛ ملا‬
‫يالحظــه الباحــث مــن كــرة اســتعامل هــذا املصطلــح وتداولــه يف الخطــاب‬
‫الدينــي املعــارص‪ ،‬ويف الفكــر اإلنســاين عامــة‪ ،‬بــل وشــيوعه وجريانــه عــى‬
‫ألســنة العــوام والخــواص‪ ،‬فــرواج ســوق هــذا املصطلــح يف هــذا العــر؛‬
‫يجعــل منــه مركــز أهميــة يف هــذه األطروحــة‪ ،‬وبيانــه بدقــة ينهــض بــه‬
‫شــاهدا قامئــا نبتغــي بــه الوســيلة يف فهــم امل ـراد منــه‪.‬‬
‫إن املتنــاول للتســامح مبفهومــه الدينــي املبســوط يف هــذا البحــث؛ ال يجــد‬
‫كثــرا مــن املــادة املســاعدة عــى ضبــط مفهومــه وتحديــد ماهيتــه‪ ،‬وإن‬
‫ظفــر مبحــددات رشعيــة ونصــوص دالــة عليــه‪.‬‬
‫ومــن هنــا فمــن واجــب هــذا البحــث يف بنائــه املفاهيمــي أن يســتطرد قليــا‬
‫للخــوض يف بعــض العلــوم األجنبيــة عــن البحــث‪ ،‬مثــل العلــوم السياســية‬
‫وعلــم االجتــاع‪ ..‬ويُ َنقــب يف الثقافــات األخــرى مــن أجــل توضيــح هــذا‬
‫املفهــوم‪.‬‬
‫وبالنظــر لهــذا املعنــى جعلــت الحديــث عــن تاريــخ التســامح ونشــأته يف‬
‫مبحــث املفاهيــم؛ ألنهــا تبحــث يف الجوانــب التاريخيــة للتســامح‪ ،‬فهــي‬
‫أوثــق صلــة بهــذا الفصــل منهــا بغــره‪.‬‬
‫وعليــه‪ :‬فــإين قســمت هــذا الفصــل إىل ثالثــة مباحــث‪ :‬مبحــث يتعلــق‬
‫باملفهــوم‪ ،‬ومبحــث خــاص بتاريــخ التســامح‪ ،‬ومبحــث آخــر يتحــدث عــن‬
‫املصطلحــات القريبــة مــن التســامح‪ ،‬وتفصيــل ذلــك عــى النحــو اآليت‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم التسامح‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف اللغوي للتسامح‬
‫ال يوجــد –حســب علمــي‪ -‬لفــظ التســامح يف املدونــات اللغويــة العربيــة‪،‬‬
‫ولكــن جــذره موجــود‪ ،‬وهــو الســاح والســاحة‪ ،‬ومنــه أُخــذ مصطلــح‬
‫التســامح‪ ،‬وبتتبــع االســتعامل اللغــوي لهــذا الجــذر أن العــرب اســتعملوه يف‬
‫املعــاين اآلتيــة‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫املعنــى األول‪ :‬الجــود‪ :‬وهــو مــن أكــر املعــاين التــي تــواردت عليهــا املعاجــم؛‬
‫يقــول ابــن منظــور‪« :‬الســاح والســاحة الجــود‪ ...‬يقــال َسـ َم َح وأَ ْسـ َم َح إِذا‬
‫جــاد وأَعطــى عــن كَـ َر ٍم َ‬
‫وســخا ٍء»(‪.)1‬‬
‫«وسـ َمحت‬ ‫املعنــى الثــاين‪ :‬املتابعــة واالنقيــاد يقــول األزهــري يف التهذيــب‪َ :‬‬
‫ـت»(‪.)2‬‬‫رس َعـ ْ‬
‫ال َّناقــة يف ســرها إذا انْقــادت وأ َ‬
‫املعنــى الثالــث‪ :‬املســاهلة‪ ،‬وقــد ورد مــا يــدل عــى هــذا املعنــى يف كالم‬
‫العــرب‪ ،‬يقــول الجوهــري يف الصحــاح‪« :‬واملســامحة‪ :‬املســاهلة‪ .‬وتســامحوا‪:‬‬
‫تســاهلوا‪ ...‬والتســميح‪ :‬الســر الســهل»(‪ .)3‬ويقــول الزبيــدي يف التــاج‪:‬‬
‫«واملســاهلة‪ :‬كاملســامحة فهــا متقاربــان وزنــا ومعنــى»(‪.)4‬‬
‫املعنــى الرابــع‪ :‬املوافقــة عــى املطلــوب‪ ،‬قــال ابــن ســيده يف املحكــم‪:‬‬
‫«وســا َم َح‪ :‬وافقنــي عــى املطلــوب‪ .‬أنشــد ثعلــب‪:‬‬
‫كل خليلِ »(‪.)5‬‬ ‫النفس وا ْحلَ ْو َ‬
‫الك ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُسأل سام َحت لك‬ ‫ُعطي حني ت ُ‬ ‫كنت ت ِ‬
‫لو َ‬
‫فهــذه االســتعامالت اللغويــة األربعــة التــي أوردتهــا املعاجــم متقاربــة‪ ،‬دالــة‬
‫عــى اللــن‪ ،‬والعفــو‪ ،‬والســهولة‪ ،‬والتوافــق مــع املخالــف‪ ،‬وهــو املعنــى الــذي‬
‫يعــر عنــه لفــظ التســامح الــذي تنتــج عنــه السالســة واملرونــة يف التعامــل‬
‫بــن النــاس‪ ،‬وهــذا مــا اســتنتجه ابــن فــارس اللغــوي بعــد تأملــه يف هــذه‬
‫ـدل عــى َسالسـ ٍة‬ ‫املعــاين حيــث قــال‪«« :‬ســمح» الســن وامليــم والحــاء أصـ ٌـل يـ ُّ‬
‫وســهولة»(‪.)6‬‬
‫ُ‬
‫‪ - 1‬ابن منظور؛ محمد بن مكرم بن عىل‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جامل الدين ابن منظور األنصاري الرويفعي اإلفريقي ‪ 711‬ه‪ ،‬لسان‬
‫العرب‪( ،‬دار صادر – بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،3 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.489‬‬
‫‪ - 2‬األزهري؛ محمد بن أحمد بن األزهري الهروي‪ ،‬أبو منصور ‪ 370‬ه‪ ،‬تهذيب اللغة‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوض مرعب‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب – بريوت‪ ،‬ط‪2001 ،1 .‬م) ج ‪ 2‬ص ‪.48‬‬
‫‪ - 3‬الرازي؛ زين الدين أبو عبد الله محمد بن أيب بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي ‪ 666‬ه‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف‬
‫الشيخ محمد‪ ،‬املكتبة العرصية‪( ،‬الدار النموذجية‪ ،‬بريوت – صيدا‪ ،‬ط‪1420 ،5 .‬ه ‪1999 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.329‬‬
‫‪ - 4‬مرتىض الزبيدي؛ مح ّمد بن مح ّمد بن عبد الرزّاق الحسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬امللقّب مبرتىض‪ ،‬ال َّزبيدي ‪ 1205‬ه‪ ،‬تاج العروس‬
‫من جواهر القاموس‪( ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من املحققني‪ ،‬دار الهداية)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.486‬‬
‫‪ - 5‬ابن سيده؛ أبو الحسن عيل بن إسامعيل بن سيده املريس ت‪ 458 :‬ه‪ ،‬املحكم واملحيط األعظم‪( ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‬
‫هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬ط‪ 1421 ،1 .‬ه ‪2000 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.488‬‬
‫‪ - 6‬ابن فارس؛ أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسني ‪ 395‬ه‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪( ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم‬
‫محمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬ه ‪1979 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.454‬‬

‫‪24‬‬
‫وهنــاك معنــى لغــوي دقيــق‪ ،‬أثــاره الشــيخ الطاهــر ابــن عاشــور يف بحثــه‬
‫اللغــوي ملصطلــح التســامح‪ ،‬محلــا صيغــة التفاعــل يف التســامح حــن قــال‪:‬‬
‫«التســامح يف اللغــة‪ :‬مصــدر ســامحه إذا أبــدى لــه الســاحة القويــة‪ ،‬ألن‬
‫صيغــة التفاعــل هنــا ليــس فيهــا جانبــان‪ ،‬فيتعــن أن يكون املـراد بهــا املبالغة‬
‫يف الفعــل‪ ،‬مثــل‪ :‬عافــاك اللــه»(‪ ،)1‬وهــذا ميــول منــه إىل األصــل الرشعــي‬
‫واللغــوي ملصطلــح الســاحة كــا تقــدم‪ ،‬وســيأيت بيانــه‪ ،‬أمــا إشــارته إىل أن‬
‫الســاحة إمنــا تكــون مــن جانــب واحــد؛ فصحيــح يف التســامح الســلويك‪،‬‬
‫الــذي يكــون مــن جانــب واحــد دامئــا(‪ ،)2‬أمــا التســامح املســتدام‪ ،‬وهــو‬
‫التســامح االجتامعــي؛ فــا بــد أن يكــون مــن الطرفــن ليتحقــق فيــه تبــادل‬
‫املصالــح واملنافــع‪ ،‬والتعــاون عــى الخ ـرات‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف االصطالحي للتسامح‬


‫مــع أن مصطلــح التســامح شــائع ومنتــر وكثــر التــداول بــن األوســاط‬
‫املثقفــة وغــر املثقفــة إال أن داللتــه غــر واضحــة‪ ،‬ولعــل مــرد هــذا الغبــش‬
‫إىل األســباب اآلتيــة‪:‬‬
‫‪ .1‬خلو القرآن الكريم من هذه الكلمة‪ ،‬فال نجد جذرها فيه(‪.)3‬‬
‫ـكل‬
‫‪ .2‬الحمــوالت الثقافيــة والتبعــات الفكريــة اللصيقــة بهــذا املصطلــح؛ فـ ٌ‬
‫يحملــه عــى معنــى مقصــود يف ذهنــه‪ ،‬وحمــوالت فكريــة تثقــل كاهلــه(‪،)4‬‬

‫‪ - 1‬ابن عاشور؛ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونيس (املتوىف‪ 1393 :‬ه‪ ،‬أصول النظام االجتامعي‬
‫يف اإلسالم‪( ،‬الرشكة التونسية للتوزيع – تونس‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر‪ ،‬ط‪ ،)2 .‬ص ‪.226‬‬
‫‪ - 2‬كام أن التفاعل يأيت للمشاركة فإنه قد يأيت ملعان أخرى؛ يقول صالح الدين الزعبالوي‪« :‬قد يأيت التفاعل للمطاوعة مثل‬
‫باعدته فتباعد‪ ،‬وملا ليس بواقع يف واقع األمر مثل تغافل وتعامل‪ ،‬وقد يفيد التدرج يف وقوع الحدث مثل تنامى وتفاقم إىل‬
‫غري ذلك من املعاين التي نبه عليها النحويون»‪ .‬الزعبالوي؛ صالح الدين الزعبالوي‪( ،‬دراسات يف النحو‪ ،‬موقع اتحاد كتاب‬
‫العرب)‪ ،‬ص ‪ 373‬و‪.685‬‬
‫‪ - 3‬وهذا ال يعني أن التسامح غري موجود يف القرآن‪ ،‬نعم غري موجود بلفظه‪ ،‬ولكن معانيه وقيمه فيه كثرية جدا‪ ،‬كام سيأيت‬
‫بيانها يف مبحث‪ :‬األصول الحاكمة للعالقة مع غري املسلمني ضمن الباب الثاين‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجب التنبيه هنا عىل أنه ميكن التساهل يف التوظيف اإليديولوجي لهذا املفهوم إذا كان خاليًا عن مضامينه وداللته‬
‫املنطقية‪ ،‬وجدير بالتوضيح أن هذا التوظيف غري وار ٍد يف دولة اإلمارات؛ فقد أصبح للتسامح فيها قانون ينظمه ويعترب‬
‫مرجعا فيه وهو من مصادر هذا البحث‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ومدلــوالت تاريخيــة وعلميــة مختلفــة‪ ،‬ح َّملــت هــذا املصطلــح معــا َين أخــرى‬
‫غــر مقصــودة(‪.)1‬‬
‫‪ .3‬أن التســامح مــن املصطلحــات التــي مل يتعــرض لهــا املتقدمــون بتعريـ ٍ‬
‫ـف‬
‫يحــدد معناهــا‪ ،‬وكالم يبــن امل ـراد منهــا‪ ،‬وإن كان واضــح املدلــول عندهــم‪،‬‬
‫معهــود املرادفــات يف تحريرهــم‪ ،‬وهــذا مــا دعــا الدكتــور أحمــد مختــار إىل‬
‫إدراج مصطلــح «التســامح» ضمــن امل ُعــارص مــن املصطلحــات(‪.)2‬‬
‫تلــك األســباب وغريهــا كان لهــا األثــر يف اختــاف الباحثــن‪ ،‬وعــدم قدرتهــم‬
‫عــى تحديــد املعنــى املـراد مــن مصطلــح التســامح‪ ،‬وهــذا مــا يدعــو الباحــث‬
‫إىل تتبــع مفرداتــه يف مصــادر تراثنــا ليســتخرج محدداتــه وفــق االعتبــارات‬
‫اآلتيــة‪:‬‬

‫أول‪ :‬مفهوم التسامح يف كتب السنة النبوية‬ ‫ً‬


‫ســبقت اإلشــارة إىل خلــو القــرآن الكريــم مــن جــذر كلمــة التســامح‪ ،‬إال أن‬
‫الباحــث يجــده يف كتــب الســنة النبويــة يف أحاديــث عديــدة‪ ،‬نــورد بعضً ــا‬
‫منهــا هنــا مــع كالم ال ـراح لنتلمــس مــن خاللــه محــددات مفهومــه‪:‬‬
‫‪ .1‬حديــث ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‪} :‬أَ َحـ ُّ‬
‫ـب ال ِّديــنِ إِ َل اللَّـ ِه ال َح ِني ِف َّي ـ ُة‬
‫الس ـ ْم َح ُة(‪ .)4({)3‬قــال ال ـراح‪ :‬أي الرشيعــة الســهلة يف العمــل( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫َّ‬

‫‪ - 1‬فقد خضع هذا املصطلح لقراءات أخرى كانت منطلقاتها العلمية متغايرة‪ ،‬وصلت يف بعضها إىل التنافر والتضاد‪ ،‬وأخص‬
‫بالتمثيل هنا ما انترش يف العقدين املاضيني من الدراسات التي تناولت التسامح يف الدرس العقدي من باب الوالء والرباء حتى‬
‫انتهت إىل رفضه كل ًّيا بسبب اختالف التأيت الذي أدى إىل تحميله مفهو ًما ضيقًا ال يدل عىل رحابته‪.‬‬
‫‪ - 2‬أحمد مختار عمر؛ معجم اللغة العربية املعارصة‪( ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪1429 ،1 .‬ه‪-2008‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.1104‬‬
‫‪ - 3‬وهذا اللفظ النبوي فَهِم منه أهل اللغة معاين التسامح؛ يقول ابن منظور يف اللسان‪( :‬وقولهم‪ :‬الحنيفية السمحة ليس‬
‫فيها ضيق وال شدة) ابن منظور؛ لسان العرب‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.489‬‬
‫‪ - 4‬ابن حنبل‪ ،‬أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباين ‪ 241‬ه‪ ،‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬رقم‬
‫‪( ،2108‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬النارش‪ :‬دار الحديث – القاهرة‪ ،‬ط‪1416 ،1 .‬ه ‪1995 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .17‬وعلقه البخاري‬
‫يف صحيحه كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬الدين يرس‪ .‬ج‪ :1‬ص ‪.16‬‬
‫‪ - 5‬املناوي؛ زين الدين محمد املدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفني بن عيل بن زين العابدين الحدادي ثم املناوي القاهري‬
‫‪ 1031‬ه‪ ،‬التيسري برشح الجامع الصغري‪( ،‬مكتبة اإلمام الشافعي – الرياض‪ ،‬ط‪1408 ،3 .‬ه ‪1988 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.881‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ .2‬حديــث جابــر بــن عبــد اللــه ريض اللــه عنهــا أن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـى{(‪)1‬‬ ‫وســلم قــال‪َ } :‬ر ِحـ َم اللَّـ ُه َر ُجـ ًـا َسـ ْم ًحا إِذَا بَــاعَ‪َ ،‬وإِذَا اشْ ـ َ َ‬
‫ـرى‪َ ،‬وإِذَا اقْتَـ َ‬
‫قــال ابــن بطــال يف رشحــه‪« :‬فيــه الحــض عــى الســاحة وحســن املعاملــة‪،‬‬
‫واســتعامل معــايل األخــاق ومكارمهــا‪ ،‬وتــرك املشــاحة‪ ،‬والرقـ ُة يف البيــع»(‪.)2‬‬
‫‪ .3‬حديــث ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫َــك{(‪ )3‬قــال ابــن األثــر يف النهايــة‪« :‬وامل ُســامحة‬ ‫}اســ َم ْح‪ ،‬يُ ْســ َم ْح ل َ‬
‫قــال‪ْ :‬‬
‫«اس ـ َم ْح يُ ْس ـ َم ْح لــك» أي َس ـ ِّهل يُ َســهل عليــك»( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫امل ُســاهلة وفيــه ْ‬
‫كإسـ َـاحه إىل‬‫}أسـ ِمحوا لِ َعبْـ ِـدي ْ‬ ‫‪ .4‬وورد هــذا اللفــظ يف الحديــث القــديس‪ْ :‬‬
‫الســاح‪ .‬يقــال‬ ‫«اإلســاح‪ :‬لغــة يف َّ‬ ‫عبــادي{(‪ )5‬قــال ابــن األثــر يف النهايــة‪ْ :‬‬
‫وس ـ َخاء»(‪.)6‬‬ ‫وأس ـ َمح إذا جــا َد وأ ْعطــى عــن كَ ـ َرم َ‬ ‫س ـ َمح ْ‬
‫فتلــك ثالثــة مصطلحــات رشعيــة وردت يف الســنة النبويــة‪ ،‬وفهــم منهــا‬
‫العلــاء معــا َين تســامحية‪:‬‬
‫‪ - 1‬السامحة‪.‬‬
‫‪ - 2‬املسامحة‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلسامح‪.‬‬
‫وميكن أن نستنتج من النقول السالفة األمرين اآلتيني‪:‬‬
‫‪ .1‬أن التســامح يُقصــد بــه يف األحاديــث الرشيفــة‪ :‬املســاهلة مــع عامــة‬
‫النــاس‪ ،‬وحســن معاملتهــم بإعطائهــم أكــر مــن حقهــم جــو ًدا وكر ًمــا دون‬
‫مشــاحة‪ ،‬مــع الحــرص يف التعامــل معهــم عــى معــايل األخــاق‪.‬‬

‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2076( :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب السهولة والسامحة يف الرشاء والبيع‪ ،‬ج‪/3‬ص‪.57‬‬
‫‪ - 2‬ابن بطال؛ أبو الحسن عيل بن خلف بن عبد امللك ‪ 449‬ه ‪ -‬رشح صحيح البخاري‪( ،‬تحقيق‪ :‬أبو متيم يارس بن إبراهيم ‪-‬‬
‫مكتبة الرشد ‪ -‬السعودية‪ ،‬الرياض – ط‪1423 ،2 .‬ه ‪2003 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.210‬‬
‫‪ - 3‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )2233( :‬ج ‪ 4‬ص ‪.103‬‬
‫‪ - 4‬ابن األثري؛ املبارك بن محمد الجزري ‪ -‬النهاية يف غريب الحديث واألثر‪( ،‬املكتبة العلمية – بريوت – ‪1399‬ﻫ ‪1979‬م –‬
‫تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي ‪ -‬ومحمود محمد الطناحي)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.990‬‬
‫‪ - 5‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )15( :‬ج ‪ 1‬ص ‪.195‬‬
‫‪ - 6‬ابن األثري؛ النهاية‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.990‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ .2‬أن التســامح بهــذا االعتبــار الجامــع ملــا قيــل يف األحاديــث النبويــة؛ غــر‬
‫بعيــد عــن املعــاين اللغويــة التــي فُــر بهــا جــذر لفــظ التســامح كــا مــر يف‬
‫مطلــع هــذا املبحــث‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مفهوم التسامح عند علامء األخالق‬


‫ال شــك أن التســامح باالعتبــار األخالقــي؛ واســع الداللــة‪ ،‬رحــب املجــال‪،‬‬
‫وأقــدم هنــا أمنوذجــن مــن علــاء األخــاق تنــاوال هــذا املصطلــح‪:‬‬
‫‪ .1‬نجــد اإلمــام املــاوردي يف كتابــه «أدب الدنيــا والديــن» يصــور الســاحة‬
‫تصوي ـ ًرا دقي ًقــا جــدا‪ ،‬فلــم تســمح لــه نفســه أن يقــدم لهــا تعري ًفــا جام ًعــا‬
‫مان ًعــا؛ ألنــه يف تصــوره ال يتحقــق لــه ذلــك مــع هــذه الصفــة التــي لهــا‬
‫مجــاالت إنســانية مختلفــة؛ فاعتربهــا ضمــن املــروءات‪ ،‬ثــم جعلهــا مــن‬
‫معاقــد امليــارسة‪ ،‬وقســمها بعــد ذلــك إىل ثالثــة أقســام‪ :‬فقــال رحمــه اللــه‪:‬‬
‫«املســامحة نوعــان يف عقــود وحقــوق؛ فأمــا العقــود‪ ،‬فهــو أن يكــون فيهــا‬
‫ســهل املناجــزة‪ ،‬قليــل املحاجــزة مأمــون الغيبــة بعيــدا مــن املكــر والخديعة‪...‬‬
‫وأمــا الحقــوق فتتنــوع املســامحة فيهــا إىل نوعــن‪ :‬أحدهــا يف األحــوال‪،‬‬
‫والثــاين يف األمــوال‪ ...‬فأمــا املســامحة يف األحــوال‪ ،‬فهــو اطِّــراح املنازعــة يف‬
‫الرتــب‪ ،‬وتــرك املنافســة يف التقــدم‪ ...‬وأمــا املســامحة يف األمــوال فتتنــوع‪...‬‬
‫وهــي مــع اختــاف أســبابها تَفَضُّ ــل مأثــور وتآلــف مشــكور»(‪.)1‬‬
‫فهــذه نظريــة كاملــة مبكــرة‪ ،‬وتصــور بديــع يف زمانــه‪ ،‬بــل مــا زال يحفــظ‬
‫عــى رونقــه إىل اليــوم؛ ففيــه حــر للمجــاالت التــي يدخلهــا التســامح‪،‬‬
‫وتَطَلُّــع مــرق لــكل مــا ميكــن أن يشــمله هــذا املفهــوم مــن دالالت‪ ،‬تصــل‬
‫مبتأملهــا إىل أن املســامحة عنــد املــاوردي تعنــي‪ :‬املناجــزة الســهلة يف العقــود‪،‬‬
‫واملكارمــة يف املعامــات‪ ،‬واط ـراح املنازعــة يف الرتــب؛ لتحقيــق التآلــف‪.‬‬

‫‪ - 1‬املاوردي‪ ،‬أبو الحسن عيل بن محمد بن محمد بن حبيب البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي ‪ 450‬ه‪ ،‬أدب الدنيا‬
‫والدين‪( ،‬دار مكتبة الحياة‪1986 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.437-435‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ .2‬ونجــد عاملــا آخــر وهــو معــارص للــاوردي وقبلــه بقليــل؛ وهــو‬
‫مســكويه(‪( )1‬ت‪ 421:‬ه) يف تعريفــه للســاحة مل يخــرج بهــا عــن الســخاء‪،‬‬
‫إال أنــه وضــع فرقًــا بــن الســاحة واملســامحة فقــال‪« :‬وأمــا الســاحة فهــي‬
‫بــذل بعــض مــا ال يجــب‪ ،‬وأمــا املســامحة فهــي تــرك بعــض مــا يجــب‪،‬‬
‫والجميــع بــاإلرادة واالختيــار»(‪ .)2‬وتفريــق مســكويه بــن املصطلحــن ال شــك‬
‫أن منطلقــه الحديــث النبــوي وهــو واضــح‪ ،‬ولكــن أبــان يف تعريفــه عــن‬
‫العنــر األســاس املعتــر يف كليهــا وهــو اإلرادة واالختيــار‪ ،‬يف حــن أن ذكــر‬
‫املــاوردي للســاحة ضمــن املــروءات رمبــا يُفهــم منــه نــوع مــن اإللــزام؛‬
‫لكنــه إل ـزام مــروءة وخلــق‪ ،‬وليــس إلزامــا رشعيــا‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مفهوم التسامح عند علامء علم املصطلحات‬


‫وممــن تنــاول تعريــف املســامحة وأَ ْو َرده أيضً ــا‪ :‬أصحــاب الكتــب املهتمــة‬
‫بالتعريفــات واملصطلحــات‪ ،‬ويف تعريفهــم للمســامحة يصوغــون تعريفًــا‬
‫را مجــر ًدا عــن عنــارص األخــاق التــي ذكــرت يف التفسـرات الســابقة؛‬ ‫مختـ ً‬
‫ومــن تلــك التعريفــات‪:‬‬
‫‪ .1‬يقول الجرجاين يف تعريف السامحة‪« :‬هي بذل ما ال يجب تفضال»(‪.)3‬‬
‫‪ .2‬ويقول املناوي‪« :‬املسامحة ترك ما ال يجب تنزها»(‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬جرينا يف هذا البحث عىل أن «مسكويه» لقب له‪ ،‬مع أنه يوجد خالف يف ذلك‪ ،‬ومستندنا يف ذلك ترجيح ابن حجر‬
‫بقوله‪( :‬واشتهر عىل الْ َل ِْس َنة أَبُو َع ّ‬
‫يل بن مسكويه َوإِنَّ َا ُه َو لقبه ُه َو‪ .‬ذكر َذلِك ياقوت ِف األدباء)‪ .‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل أحمد‬
‫بن عيل بن محمد بن أحمد بن حجر العسقالين ‪ 852‬ه‪ ،‬نزهة األلباب يف األلقاب‪( ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز محمد بن صالح‬
‫السدير‪ ،‬مكتبة الرشد – الرياض‪ ،‬ط‪1409 ،1 .‬ه‪-1989‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.177‬‬
‫‪ - 2‬مسكويه؛ أبو عيل أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه ‪ 421‬ه‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهري األعراق‪( ،‬تحقيق‪ :‬ابن‬
‫الخطيب‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬ط‪ ،)1 .‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 3‬الجرجاين؛ عيل بن محمد بن عيل الزين الرشيف الجرجاين ‪ 816‬ه‪ ،‬معجم التعريفات‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد صديق املنشاوي‪،‬‬
‫دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪1403 ،‬ه ‪-1983‬م)‪ ،‬ص ‪ .105‬واملناوي‪ ،‬زين الدين محمد املدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفني بن عيل‬
‫بن زين العابدين الحدادي ثم املناوي القاهري ‪ 1031‬ه‪ ،‬التوقيف عىل مهامت التعريفات‪( ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪1410‬ه‪-1990‬م)‪ ،‬ص ‪ .181‬ومحمد رواس قلعجي ‪ -‬حامد صادق قنيبي‪ ،‬معجم لغة الفقهاء‪( ،‬دار النفائس للطباعة والنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪1408 ،2 .‬ه ‪1988 -‬م)‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ - 4‬املناوي؛ التوقيف عىل مهامت التعريفات‪ ،294 :‬وتقدم الكالم عن الفرق بني السامحة واملسامحة عند علامء األخالق‪،‬‬
‫ومن هناك أخذ املناوي هذا التعريف‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ .3‬ويعــود الربكتــي يف قواعــد الفقــه لذكــر العنــر الخلقــي يف التعريــف‬
‫فيقــول‪« :‬املســامحة‪ :‬هــي املســاهلة واملوافقــة عــى املطلــوب والصفــح عــن‬
‫الذنــب»(‪.)1‬‬
‫ويجــدر التنبيــه هنــا إىل أن مصطلــح التســامح مصطلــح علمــي شــائع يف‬
‫علــوم اآللــة أيضــا ويقصــد بــه عنــد علامئهــا التســاهل‪ ،‬يقــول الربكتــي‪:‬‬
‫«التســامح يف عــرف العلــاء‪ :‬اســتعامل اللفــظ يف غــر الحقيقــة بــا قصــد‬
‫عالقــة معنويــة‪ ،‬وال نصــب قرينــة دالــة عليــه؛ اعتــادا عــى ظهــور املعنــى‬
‫يف املقــام»(‪.)2‬‬
‫فجــل هــذه التعريفــات املتعــددة املصــدر تتفــق عــى أن املســامحة هــي‬
‫البــذل واإلحســان والتفضــل مبــا ال يجــب تكرمــا؛ تحقيقــا ملعــايل األخــاق‬
‫واطراحــا للمنازعــة واالختــاف‪ ،‬ودعــو ًة للتآلــف‪.‬‬
‫وسأرجئ التعريف املختار حتى أورد املفاهيم املعارصة ملصطلح التسامح‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املفهوم الحديث للتسامح‬


‫بعــد أن ُجلنــا يف مؤلفــات الـراث اإلســامي للبحــث عــن محــددات التســامح‬
‫واســتعامالته املختلفــة يف مختلــف العلــوم‪ ،‬ال بــد مــن وقفــة متأنيــة مــع‬
‫بعــض تعريفــات املعارصيــن لــه‪ ،‬وحديــثُ املعارصيــن حــول التســامح‬
‫يصعــب حــره لكرثتــه وشــيوعه‪ ،‬ســواء مــن أصحــاب الدراســات اإلســامية‪،‬‬
‫أو املفكريــن واملثقفــن‪ ،‬ولكــن نكتفــي بنــاذج مــن تلــك التعريفــات التــي‬
‫تكمــن أهميتهــا يف أنهــا ُوضعــت بعــد نشــوء مصطلــح التســامح وتداولــه‪.‬‬
‫فمــن أوائــل مــن اهتــم بتعريــف التســامح؛ الشــيخ الطاهــر ابــن عاشــور‪،‬‬
‫الــذي نجــد لــه وقفــات متعــددة مــع هــذا املصطلــح‪ ،‬فقــد خصــص لــه‬
‫مبحثــا يف كتابــه أصــول النظــام االجتامعــي حيــث قــال‪« :‬وأصــل الســاحة‪:‬‬

‫‪ - 1‬الربكتي؛ محمد عميم اإلحسان املجددي الربكتي‪ ،‬قواعد الفقه‪( ،‬الصدف ببلرشز – كراتيش‪ ،‬ط‪1986 – 1407 ،1 .‬م)‪ ،‬ج‬
‫‪ 1‬ص ‪.482‬‬
‫‪ - 2‬الربكتي‪ ،‬قواعد الفقه‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.227‬‬

‫‪30‬‬
‫الســهولة يف املخالطــة واملعــارشة‪ ،‬وهــي لــن يف الطبــع يف مظــان تكــر يف‬
‫أمثالهــا الشــدة‪ .‬وأنــا أريــد بالتســامح يف هــذا البحــث‪ :‬إبــداء الســاحة‬
‫للمخالفــن للمســلمني مــن جهــة الديــن»(‪.)1‬‬
‫وقــال يف مقاصــد الرشيعــة يف تعريــف الســاحة‪« :‬فالســاحة‪ :‬الســهولة‬
‫املحمــودة فيــا يظـ ّن النــاس التشــديد فيــه‪ .‬ومعنــى كونهــا محمــودة أنهــا ال‬
‫تفــي إىل رض أو فســاد»(‪.)2‬‬
‫فابــن عاشــور يفــرق بــن الســاحة والتســامح يف االصطــاح؛ فــاألوىل أصــل‬
‫للمصطلــح الثــاين بعــد أن اكتــى معنــى جديــدا‪ ،‬ولهــذا نجــد الفــرق واضحــا‬
‫بــن تعريفــه للســاحة بوصفهــا مكونــا أخالقيــا يف أصــول النظــام االجتامعــي‪،‬‬
‫وبــن تعريفــه لهــا بصفتهــا مقصــدا مــن مقاصــد الرشيعــة‪ ،‬وهــي يف هــذا‬
‫املعنــى أقــرب إىل التيســر‪ ،‬فابــن عاشــور يف رأيــي هــو أول مــن قــدم لنــا‬
‫تعريفــا للتســامح مبفهومــه املتــداول اآلن يف ميــدان الدراســات اإلســامية‪.‬‬
‫ونجــد مجمــع اللغــة العربيــة يعــرف التســامح بأنــه‪« :‬ســعة صــدر تفســح‬
‫لآلخريــن أن يعـ ّـروا عــن آرائهــم ولــو مل تكــن موضــوع تســليم أو قبــول‪ .‬وال‬
‫يحــاول صاحبــه فــرض آرائــه الخاصــة عــى اآلخريــن»(‪.)3‬‬
‫ومــن أجمــع التعريفــات املعــارصة للتســامح‪ :‬التعريــف الــذي اعتمدتــه‬
‫منظمــة الرتبيــة والعلــوم اليونســكو يف قولهــا إن التســامح‪« :‬احـرام اآلخريــن‬
‫وحرياتهــم‪ ،‬واالع ـراف باالختالفــات بــن األف ـراد‪ ،‬والقبــول بهــا‪ ...‬والتســامح‬
‫هــو تقديــر التنــوع الثقــايف‪ ،‬وهــو االنفتــاح عــى األفــكار والفلســفات األخــرى‬
‫بدافــع االطــاع‪ ،‬وعــدم رفــض مــا هــو غــر معــروف»(‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬ابن عاشور؛ أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ :‬ص ‪ ،226‬وقد أخذت من كالمه ما يناسب سياق التعريف‪ ،‬وسأقف مع‬
‫بقية كالمه يف موضع آخر من البحث حني الحديث عن نشأة التسامح‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابن عاشور؛ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونيس (املتوىف‪1393 :‬ه)‪ ،‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪،‬‬
‫(تحقيق‪ :‬محمد الطاهر امليساوي‪ ،‬دار النفائس للنرش والتوزيع – األردن ط‪1421 ،2 .‬ه ‪2011 -‬م) ص‪.269 :‬‬
‫‪ - 3‬املعجم الفلسفي‪( ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬الهيئة العامة لشؤون املطابع األمريية‪ ،‬مرص‪ ،‬القاهرة‪1403 ،‬ه‪-1983‬م)‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫وهناك تعريفات أخرى لشخصيات معارصة من قبيل بعض املثقفني واملفكرين؛ ولكن ال أراها تناسب هذه الرسالة‪.‬‬
‫‪ - 4‬إعالن مبادئ بشأن التسامح أعلنته اليونسكو يف ‪ 16‬ترشين الثاين نوفمرب ‪ ،1995‬واعتمدته الدول األعضاء وكتاب‪ :‬مفهوم‬
‫التعايش يف اإلسالم ص ‪ ،52‬عباس الجراري من إصدارات اليونسكو‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ومــن أهــم التعريفــات املعــارصة للتســامح مــا اعتمدتــه دولــة اإلمــارات‬
‫العربيــة املتحــدة يف الربنامــج الوطنــي للتســامح‪ ،‬وذلــك بعــد موافقــة‬
‫مجلــس الــوزراء يف يونيــو ‪2016‬م عــى إنشــاء وزارة خاصــة للتســامح‪ ،‬إذ‬
‫ورد يف البوابــة الرســمية لحكومــة دولــة اإلمــارات مــا ميكــن اعتبــاره تعري ًفــا‬
‫للتســامح بأنــه‪« :‬إظهــار الصــورة الحقيقيــة لالعتــدال‪ ،‬واحـرام اآلخــر‪ ،‬ونــر‬
‫قيــم الســام والتعايــش»(‪.)1‬‬
‫فهــذه التعريفــات املعــارصة تتفــق كلهــا عــى أن التســامح املـراد منــه قبــول‬
‫االختــاف‪ ،‬ويتمثــل ذلــك يف حريــة الــرأي واملعتقــد‪ ،‬ومتيــز مفهــوم دولــة‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة للتســامح برتكيــزه عــى الجانــب العمــي‪ ،‬وذكــره‬
‫أحــد أهــم أهــداف التســامح‪ ،‬وهــو إظهــار الصــورة الحقيقيــة لالعتــدال‬
‫املوجــود يف األديــان وثقافــات الشــعوب‪.‬‬
‫ومبــا أن الجميــع ســواء مــن املفكريــن أو مــن الباحثــن يف الثقافــة اإلســامية‬
‫يــكادون يســلمون بــأن هــذا املفهــوم أنشــأه الغــرب ومنــه ورد إلينــا(‪ ،)2‬فإننــا‬
‫ســنقف مــع التعريفــات الغربيــة لــه‪ ،‬بعــد أن نؤكــد أن كــون هــذا املفهــوم‬
‫نشــأ يف الغــرب ال ينــايف أصالــة هــذا املفهــوم يف التعاليــم اإلســامية‪ ،‬وال يعنــي‬
‫أيضً ــا أن نتجــاوز هــذه املحطــة املهمــة يف رحلــة هــذا املفهــوم‪ ،‬فالوقــوف‬
‫معهــا ميثــل مكونًــا مــن مكونــات التســامح بــن الشــعوب‪ ،‬واملثاقفــة مــع‬
‫الغــرب(‪.)3‬‬
‫مــن أشــهر التعريفــات عنــد مفكــري الغــرب للتســامح تعريــف «فولتــر»‬
‫الــذي أورده «بوبــر» واعتــره أروع تعبــر يف وصــف التســامح؛ حيــث يقــول‬
‫يف تعريفــه‪« :‬ومــا هــو التســامح‪ ،‬إنــه نتيجــة مالزمــة لكَينونتنــا البرشيــة‪،‬‬
‫إننــا جمي ًعــا مــن نتــاج الضعــف‪ ،‬كلنــا هشُّ ــون وميَّالــون للخطــأ‪ ،‬لــذا دعونــا‬

‫‪ - 1‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪.‬‬


‫‪http: beta.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-in-‬‬
‫‪the-uae‬‬
‫‪ - 2‬إذ يكاد الباحثون يتفقون عىل أن كلمة التسامح ولدت يف القرن السادس عرش عىل أعقاب نشوب الحروب الدينية بني‬
‫الكاثوليك والربوتستانت ثم شاعت هذه الكلمة وانترشت‪ .‬اندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪( ،‬منشورات عويدات‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬باريس‪ ،‬تعريب‪ :‬خليل أحمد خليل‪ ،‬ط‪2001 ،2 .‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.1460‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬عيىس الشامس‪ ،‬مدخل إىل علم اإلنسان «األنرثوبولوجيا»‪( ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪2004 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫‪32‬‬
‫نســامح بعضنــا‪ ،‬ونتســامح مــع جنــون بعضنــا بشــكل متبــادل‪ ،‬وذلــك هــو‬
‫املبــدأ األول لقانــون الطبيعــة‪ ،‬املبــدأ األول لحقــوق اإلنســان كافــة»(‪.)1‬‬
‫فقــد انطلــق فولتــر يف وصفــه هــذا –الــذي ال يعــد تعريفــا باملعنــى الدقيــق‬
‫للكلمــة‪ -‬مــن الفطــرة اإلنســانية‪ ،‬وك ـ َّون ‪-‬بنــا ًء عليهــا‪ -‬هــذه القيمــة التــي‬
‫تســتجيب للحاجــات اإلنســانية‪ ،‬وتتجــاوب مــع مــا يعــري اإلنســان مــن‬
‫الضعــف والقــوة‪ ،‬وكان يــرى أن التســامح الحقيقــي هــو الــذي يجمــع أشــتات‬
‫البــر برابــط الرحــم اإلنســانية‪ ،‬فيقــول‪« :‬أيكــون الــريك املســلم شــقيقًا يل؟‬
‫وكذلــك الصينــي؟ واليهــودي؟ والســيامي؟ أجــل بــا ريــب‪ ،‬أفلســنا جمي ًعــا‬
‫‪...‬مخلوقــات إللــه واحــد»(‪.)2‬‬
‫فهــذا النــص يؤكــد عــى أن التســامح عنــد فولتــر قيمــة إنســانية مطلقــة ال‬
‫حــدود لهــا‪ ،‬وينبغــي أن تعــر القــارات والحــدود(‪.)3‬‬
‫وقــد عرفــه الكاتــب الفرنــي جــان ليســاي بأنــه‪« :‬القبــول بوجــود الــيء‬
‫املخالــف»(‪.)4‬‬
‫ومــن أجمــع التعريفــات التــي أوردتهــا بعــض دوائــر املعــارف العامليــة‬
‫تعريــف التســامح بأنــه‪« :‬قيمــة رفيعــة ننطلــق منهــا يف التعامــل مــع اآلخرين‬
‫لــذا فهــو أمــر صعــب ومبــدأ حقيقــي‪ ،‬ونحــن نتســامح مــع مــن يشــاركنا يف‬
‫اللغــة والثقافــة واملجموعــة العرقيــة‪ ،‬فهــذه األســس هــي التــي تقــوم عليهــا‬
‫العالقــات البرشيــة خــال العصــور‪ ...‬ولكــن هنــاك حقيقــة مهمــة وهــي ال‬
‫بــد مــن التالقــي مــع املخالــف بــأي شــكل ســواء كان االختــاف معــه خلقيــا‬
‫أو ثقافيًّــا‪.)5(»...‬‬

‫‪ - 1‬ألفريد إيري‪ ،‬وتوماس بالدوين‪ ،‬وسمري الخليل‪ ،‬وكارل بوبر – ترجمة‪ :‬إبراهيم العريس؛ التسامح بني رشق وغرب‪ ،‬دراسات‬
‫يف التعايش وقبول اآلخر‪( ،‬دار الساقي – لبنان – ط‪1992 - 2 .‬م)‪ ،‬ص ‪ .76‬وأورد فيه مقاال للتسامح لكارل بوبر‪.‬‬
‫‪ - 2‬جون لوك؛ رسالة يف التسامح‪( ،‬ترجمة‪ :‬منى أبو سنة‪ ،‬مراجعة‪ :‬مراد وهبة‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬املرشوع القومي‬
‫للرتجمة‪ ،‬دار الكتب املرصية‪ ،‬ط‪1997 ،1 .‬م)‪ ،‬ص ‪65‬؟‪.‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن بدوي؛ املوسوعة الفلسفية‪ ،‬ص ‪ 165‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 4‬عبد اللطيف بن إبراهيم بن عبد اللطيف الحسني؛ تسامح الغرب مع املسلمني يف العرص الحارض‪ ،‬دراسة نقدية يف ضوء‬
‫اإلسالم‪( ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪ 1491 ،1 .‬ه‪1999 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.29،30‬‬

‫‪33‬‬
‫ويف بعــض القواميــس الغربيــة نجــد أنهــا تعــرف التســامح بأنــه‪« :‬ليــس‬
‫ﺷـﻴﺌﺎ آخــر ﻏـــر أن يحـــﺎول املــرء اﻟﺘﻌﺎﻣـﻞ ﻣـﻊ اآلخــر بــروح ﺳـﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬وأن ﻻ‬
‫مينــع أحــد ﻏـــرﻩ مــن حقوقــه الطبيعيــة‪ ،‬وأن يتــوىل املــرء بــكل لطــف دحض‬
‫اﻵراء الخاطئــة اﻟـــتي ﺗﻘـﺎل ﻋﻠـﻰ منابــر الوعــظ‪ ،‬والتــي يكتبهــا القامئــون عىل‬
‫هــذه املنابــر‪ ،‬وأن يجتهــد املــرء بــكل تواضــع ويحتمــل لتعليــم غــره مــا هــو‬
‫أفضــل»(‪.)1‬‬
‫وال شــك أن هــذه التعريفــات تعــد وصفــا عمل ًّيــا لثقافــة التســامح وأســاليب‬
‫نــره‪ ،‬وليــس تحديـ ًدا دقيقــا للتســامح كــا ســبق‪ ،‬واملطلــع عــى تعريفــات‬
‫املفكريــن الغربيــن يجدهــم يدخلــون صــو ًرا متعــددة تحــت مفهــوم‬
‫التســامح‪ ،‬وهــذا واضــح يف املوســوعات واملعاجــم التــي تطرقــت لهــذا‬
‫املصطلــح(‪.)2‬‬
‫مــن خــال مــا تقــدم مــن التعريفــات املختلفــة ملفهــوم التســامح‪ ،‬نخلــص إىل‬
‫ـتعمل يف مؤلفــات الفقــه اإلســامي‪ ،‬والعلــوم‬ ‫أن هــذا املصطلــح مل يكــن مسـ ً‬
‫اإلســامية عمو ًمــا؛ ولكــن هنــاك مصطلحــات أخــرى تــؤدي معنــاه‪ ،‬واملفهــوم‬
‫املأخــوذ مــن تلــك املعــاين والقيــم الثابتــة يف الرشيعــة اإلســامية ســواء منهــا‬
‫األخالقــي أو الحديثــي أو الفقهــي ميكــن تقريبــه بأنــه‪ :‬التســاهل مــع اآلخــر‬
‫وحــال‬
‫ً‬ ‫باختيــار‪ ،‬وحســن معاملتــه بإعطائــه أكــر مــن حقــه أخــذًا وتــركًا‬
‫وحقــا‪.‬‬
‫وال يبعــد هــذا املدلــول االصطالحــي عــن املعــاين اللغويــة لجــذر هــذه‬
‫الكلمــة‪.‬‬
‫وبعــد أن اســتقر مصطلــح التســامح؛ نجــد تعريفاتــه لــدى املعارصيــن تــدور‬
‫حــول قبــول االختــاف بــن املختلفــن دين ًّيــا وعرقيــا‪ ،‬وهــذا بــا شــك تأثــر‬

‫‪ - 1‬مجلة التسامح‪ ،‬فصلية – فكرية – إسالمية‪ ،‬العدد ‪( ،13‬مؤسسة عامن للصحافة‪ ،‬سلطنة عامن‪1427 ،‬ه‪-2006‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪.290‬‬
‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ص ‪ ،1460‬حيث أوردت للتسامح أربعة معان‪ ،‬وأيضا‪ :‬معجم صليبا الفلسفي ص ‪271‬‬
‫حيث أورد عدة تعريفات لهذا املصطلح‪ .‬وهذه التعريفات املتعددة واملتباعدة أحيانا يعود سبب هذا التضارب فيها إىل أن‬
‫ميادين التسامح يف املجتمعات الغربية متعددة؛ منها الديني واالجتامعي والثقايف والحقوقي والسيايس‪ ،‬وكل يعطي للتسامح‬
‫املعنى القريب من مجاله‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫منهــم بالتعريفــات الغربيــة‪ ،‬وإن كانــت هــي نفســها ال تــكاد تتفــق عــى‬
‫معنــى واحــد‪ ،‬غــر أن امليــزة يف تصورهــم لهــذا املفهــوم أنهــم يحيلــون فيــه‬
‫عــى الفطــرة اإلنســانية وطبيعتهــا‪ ،‬واســتحضا ُر هــذا الجانــب واالعـراف بــه‬
‫كفيــل بــإدراك معنــى التســامح وإن اختلفــت العبــارات يف تحديــده‪ ،‬كــا هــو‬
‫حــال تعريفــات املفكريــن الغربيــن‪.‬‬
‫ونتيجــة ملــا تقــدم مــن املحــددات والتعريفــات والتصــورات‪ ،‬وأخـذًا باالعتبــار‬
‫ـص الــوارد يف الربنامــج الوطنــي اإلمــارايت للتســامح؛ ميكــن أن نختــار يف هذا‬
‫النـ َّ‬
‫البحــث أن التســامح هــو‪ :‬قيمــة إنســانية اختياريــة تُنتــج الســام والعيــش‬
‫املشــرك بــن اإلنســانية باختــاف أعراقهــا وأديانهــا وثقافتهــا وانتامءاتهــا‪.‬‬
‫فالتعبــر بأنــه «قيمــة» املقصــد منــه أنــه ينتمــي إىل األخــاق التــي تدعــو‬
‫إليهــا الرشائــع والعقــول والفطــر الســليمة‪.‬‬
‫ووصفهــا باإلنســانية قيــد يخــرج بــه غــر اإلنســان‪ ،‬فــا يعــرف التســامح‬
‫صفــة إال لإلنســان؛ أمــا الحيــوان فغريزتــه الفطريــة هــي العنــف (‪.)1‬‬
‫ووصــف هــذه القيمــة بأنهــا اختياريــة فيــه احـراز مــن الحقــوق والواجبــات‪،‬‬
‫فــا يعــر عنهــا مبصطلــح التســامح يف الرشيعــة اإلســامية‪ ،‬بخــاف التســامح‬
‫يف الثقافــة الغربيــة‪ ،‬فقــد يطلقونــه عــى مــا هــو واجــب كــا هــو واضــح‬
‫مــن التعريفــات املتقدمــة‪.‬‬
‫وباقــي التعريــف يُبــن نتائــج التســامح ومثراتــه يف إشــاعته الســلم والســام‬
‫والعيــش املشــرك بــن النــاس بــدون تفرقــة بســبب لــون أو عــرق أو ديــن‪.‬‬
‫فلعــل هــذا التعريــف املختــار الــذي اســتنتجته مــن جميــع التعريفــات‬
‫الســابقة شــامل ملــا قيــل يف التســامح ومحدداتــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬حسن عبد الرزاق منصور؛ ثقافة العنف ومصادرها‪( ،‬أمواج للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2013 ،1 .‬م)‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪35‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالتسامح‬
‫هنــاك مصطلحــات متقاربــة مــع مفهــوم التســامح‪ ،‬قــد تــؤدي معنــاه أحيانًــا‪،‬‬
‫أو تنــوب عنــه يف أحايــن كثــرة‪ ،‬ولكــن ال بــد مــن تحديــد مفهومهــا ووجــه‬
‫اســتعاملها‪ ،‬حتــى نقــف عــى حقيقتهــا‪ ،‬خاصــة وأن هــذه املصطلحــات‬
‫املتداولــة بــن فئــات مختلفــة‪ ،‬تحتمــل معــاين شــتى‪ ،‬حتــى إن بعضهــا‬
‫ملتبســا أو ملبســا؛ فينبغــي إجالــة النظــر فيهــا لبيــان مــا بــه‬ ‫ً‬ ‫قــد يكــون‬
‫كشــف االلتبــاس واإللبــاس عنهــا‪ ،‬وربــط وجــوه الصلــة بينهــا‪ .‬وأبــرز هــذه‬
‫املصطلحــات مــا يــأيت‪:‬‬
‫‪ - 1‬التعارف‬
‫‪ - 2‬التعايش‬
‫‪ - 3‬التقريب بني األديان‬
‫كل هــذه املصطلحــات وغريهــا تلتقــي مــع التســامح يف بعــض معانيهــا‪،‬‬
‫ويســاق بعضهــا يف هــذا البــاب بنــوع مــن اإليهــام‪ ،‬ال حقيقــة فيــه‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫ســأوضحه يف املطالــب التابعــة لهــذا املبحــث‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مصطلح التعارف(‪)1‬‬
‫التعــارف لغــة‪ :‬مــن فعــل عــرف‪ ،‬قــال الصاغــاين‪« :‬وقــد تَ َعــا َر َف القــوم‪:‬‬
‫أي َع ـ َر َف بعضهــم بعضــا‪ ،‬ومنــه قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَبَآئِـ َـل‬
‫لِتَ َعا َرفُـ ٓوا ْ﴾»(‪ .)2‬وقــال ابــن منظــور‪« :‬وقــد تعــارف القــوم‪ ،‬أي عــرف بعضهــم‬
‫بعضــا»(‪ .)3‬فالتعــارف يف أصلــه اللغــوي يــدل عــى املعرفــة والعلــم‪ ،‬فمصطلح‬
‫املعرفــة الــذي يحيــل عليــه التعــارف مصطلــح دقيــق؛ إذ يجمــع معــاين‬
‫ســامية؛ بهــا نســتطيع إدراك مــا يحملــه مصطلــح التعــارف مــن مفاهيــم‬

‫‪ - 1‬بدأت به ألنه مصطلح قرآين وعتيق‪ ،‬مع شموله ملضمون التعايش بشكل عميق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصاغاين؛ العباب الزاخر واللباب الفاخر‪ ،‬ص ‪.624‬‬
‫‪ - 3‬ابن منظور؛ لسان العرب‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.2898‬‬

‫‪36‬‬
‫دقيقــة‪ ،‬يقــول الراغــب األصفهــاين‪« :‬املعرفــة والعرفــان إدراك الــيء بتفكــر‬
‫وتدبــر ألثــره‪ ،‬وهــو أخــص مــن العلــم ويضــاده اإلنــكار»(‪.)1‬‬
‫فأصــل التعــارف املعرفــة‪ ،‬التــي مــن خاصيتهــا أنهــا تنشــأ عــن تدبــر ورويــة‪،‬‬
‫وال يقــع معهــا اإلنــكار‪ ،‬وهــذه الخــواص هــي املد َركــة يف مصطلــح التعــارف‬
‫يف التعبــر القــرآين‪.‬‬
‫التعــارف يف االصطــاح‪ :‬يــكاد الباحــث يصــاب بالحــرة واالرتيــاب وهــو‬
‫يقلــب صفحــات التفاســر وبحــوث املتأخريــن وكلــات املفكريــن الذيــن‬
‫ينــادون بالتســامح‪ ،‬إذ يجدهــم مل يقفــوا عنــد هــذا املصطلــح القــرآين العظيــم‬
‫وقفــة تزيــح عنــه اللثــام‪ ،‬وتبــن أرساره‪ ،‬وتعــر عــن خبايــاه ومكنوناتــه‪ ،‬فلــم‬
‫أجــد فيــا وقــع بــن يــدي مــن املصــادر تعري ًفــا مذكــو ًرا لهــذا املصطلــح غــر‬
‫تعريفــن‪ ،‬عليهــا املعــول يف هــذا البــاب‪ ،‬أولهــا تعريــف لــزيك امليــاد الــذي‬
‫أىت مبفهــوم التعــارف ضمــن نظريتــه التــي ينــادي بهــا «تعــارف الحضــارات»‬
‫وعرفــه فيهــا بأنــه‪« :‬االنفتــاح العاملــي الــذي يرفــع جهــل كل حضــارة عــن‬
‫الحضــارات األخــرى لتتعــرف كل أمــة عــى غريهــا مــن األمــم بــا إقصــاء أو‬
‫اســتعالء»(‪.)2‬‬
‫وقريــب مــن هــذا التعريــف؛ تعريــف حســن البــاش للتعــارف بأنــه‪« :‬تَ َعـ ُّرف‬
‫كل إنســان عــى أخيــه اإلنســان‪ ،‬ليصــل إىل معرفــة عقليتــه ونفســيته وســلوكه‬
‫ومبادئــه والقيــم التــي صنعــت مقاييســه وموازينــه اإلنســانية‪ ،‬مبــا يضمــن‬
‫ترابــط القيــم املشــركة مــع اآلخريــن وتخطــي الفوقيــة واألنــا»(‪.)3‬‬
‫ففــي كال التعريفــن تركيــز عــى جانــب مــن مكونــات التعــارف؛ فالتعريــف‬
‫األول يركــز عــى التعــارف بــن الحضــارات‪ ،‬وهــذا هــو الهــدف األســمى‬

‫‪ - 1‬الراغب األصفهاين؛ أبو القاسم الحسني بن محمد ‪ 502‬ه‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪( ،‬تحقيق‪ :‬تحقيق‪ :‬محمد سيد‬
‫كيالين‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬دون سنة للنرش)‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫‪ - 2‬زيك امليالد‪ ،‬صالح الدين الجوهري‪ ،‬تعارف الحضارات‪ -‬رؤية جديدة ملستقبل العالقات بني الحضارات‪( ،‬دار الكتاب‬
‫املرصي – القاهرة‪ ،‬دار الكتاب اللبناين – بريوت‪ ،‬ط‪1435 ،1 .‬ه‪-2014‬م)‪ ،‬ص ‪ .9-8‬وزيك امليالد‪ ،‬املسألة الحضارية – كيف‬
‫نبتكر مستقبلنا يف عامل متغري‪( ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1999 ،1 .‬م)‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ - 3‬د‪ .‬حسن الباش‪ ،‬منهج التعارف اإلنساين يف اإلسالم‪ ،‬نحو قواسم مشرتكة بني الشعوب‪( ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية العاملية‪،‬‬
‫ط‪ ،1 .‬الجامهريية العظمى – طرابلس‪ 1373 ،‬ه‪2005 ،‬م)‪ ،‬ص ‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫للتعــارف‪ ،‬بينــا يوضــح التعريــف الثــاين طريقــة بنــاء التعــارف بــن اإلنســان‬
‫وأخيــه اإلنســان‪ ،‬والجام ـ ُع بينهــا أن كال منهــا يحتــاج إىل املعرفــة باآلخــر‪،‬‬
‫والقــرب منــه‪ ،‬وال ميكــن بنــاء حضــارة تعارفيــة دون أن تنطلــق مــن األســاس‬
‫وهــو اإلنســان‪.‬‬
‫وورد يف موســوعة نــرة النعيــم تعريــف التعــارف بأنــه‪« :‬أن يعــرف ال ّنــاس‬
‫بعضهــم بعضــا بحســب انتســابهم جمي ًعــا إىل أب واحــد وأ ّم واحــدة‪ ،‬ثــ ّم‬
‫بحســب ال ّديــن والشّ ــعوب والقبائــل‪ ،‬بحيــث يكــون ذلــك مدعــاة للشّ ــفقة‬
‫واأللفــة والوئــام‪ ،‬ال إىل التّنافــر والعصب ّيــة»(‪.)1‬‬
‫وانطالقــا مــن آيــة ســورة الحجـرات ‪ -‬التــي هــي أصــل أصيــل يف التعــارف‪،-‬‬
‫ومـ َّـا كُتــب حــول التعــارف عنــد املتأخريــن؛ ميكــن تعريــف التعــارف بأنــه‪:‬‬
‫ارتبــاط بــن النــاس كاشــف عــن أصــل اإلنســان ووحدتــه‪ ،‬يحصــل بــه أن‬
‫يعــرف بعضهــم بعضــا معرفــة ُخلقيــة‪ ،‬تحــل محــل االختــاف وتذهــب‬
‫التناكــر يف الظاهــر والباطــن‪.‬‬
‫وعــى هــذا فالتســامح قــد يكــون يف بعــض األحــوال مثــرة للتعــارف؛ إذ إن‬
‫العــارف باآلخــر حــق املعرفــة وبواقعــه وبيئتــه ومــا يحيــط بــه؛ يلتمــس لــه‬
‫املعاذيــر ويقبلــه عــى كل حاالتــه‪ ،‬ألن أثــر املعرفــة ينشــأ عــن تفكــر وتدبــر‪،‬‬
‫فــا يتحقــق التعــارف إال بعــد تجــاوز الخــاف واالختــاف‪ .‬والقبـ ُ‬
‫ـول باآلخــر‬
‫ـول‬
‫املشــرط يف التعــارف ليــس مجــرد قبــول‪ ،‬بــل هــو مــروط بــأن يكــون قبـ ً‬
‫خلق ًّيــا‪ ،‬وهــو أدعــى لالح ـرام؛ يقــول ابــن عطيــة يف تفســر آيــة الحج ـرات‪:‬‬
‫«﴿ َو َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَ َبآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُـ ٓوا ْ﴾ أي‪ :‬لئــا تفاخــروا‪ ،‬ويريــد بعضكــم‬
‫أن يكــون أكــرم مــن بعــض»(‪ .)2‬وقــال ابــن عرفــة يف تفســره‪« :‬إشــارة إىل أن‬
‫االختــاف بينهــم إمنــا هــو ليعــرف(‪ )3‬بعضهــم بعضــا َل لكــون بعضهــم أرشف‬

‫‪ - 1‬صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم امليك‪ ،‬نرضة النعيم يف مكارم أخالق الرسول الكريم صىل الله عليه‬
‫وسلم‪( ،‬دار الوسيلة للنرش والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪ ،)4 .‬ج ‪ 3‬ص ‪.1004‬‬
‫وأرى أن تلك التعريفات السابقة للتعارف ال تتوفر فيها رشوط التعريف املعروفة عند املناطقة‪ ،‬بل هي أقرب إىل الوصف‬
‫والرشح من التعريف‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن متام بن عطية األندليس املحاريب ‪ 542‬ه‪ ،‬املحرر الوجيز يف‬
‫تفسري الكتاب العزيز‪( ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم عبد الشايف محمد‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬ط‪ 1422 1- .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.152‬‬
‫‪ - 3‬يف النسخة املطبوعة‪ :‬إمنا ليعرف هو بعضهم بعضا‪ .‬ولعل الصواب ما أثبتُّه‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وأحســن مــن بعــض»(‪.)1‬‬
‫فعنــارص التعــارف املســتفادة مــن هــذه اآليــة هــي اإلميــان بالرابطــة‬
‫اإلنســانية‪ ،‬واالع ـراف باالختــاف الواقــع بــن النــاس‪ ،‬وبنــاء التعــارف عــى‬
‫أســس الحــوار واالحــرام كــا ســيأيت‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مصطلح التعايش‬


‫‪ .1‬التعايــش لغــة‪ :‬مــن لفــظ العيــش ومعنــاه الحيــاة؛ قــال ابــن فــارس‪:‬‬
‫ـدل عــى حيــا ٍة وبقــاء»(‪ .)2‬ولفــظ‬ ‫«العــن واليــاء والشــن أصـ ٌـل صحيــح يـ ُّ‬
‫التعايــش يف كتــب اللغــة العربيــة القدميــة قليــل‪ ،‬عكــس املعاجــم املتأخــرة؛‬
‫يقــول الزبيــدي‪« :‬ومــا يســتدرك عليــه‪ :‬عايشــه معايشــة‪ :‬عــاش معــه‪،‬‬
‫كقولهــم عــارشه‪ .‬قــال قعنــب بــن أم صاحــب‪:‬‬
‫ال ت ْ ََب ُح ال َّد ْه َر إِالّ بَ ْي َننا إِ َح ُن»(‪.)3‬‬ ‫وقد َعلِ ْم ُت عىل أَ ِّن أُ َعايِشُ ُه ْ م‬
‫وكــرة هــذا اللفــظ يف املعاجــم املتأخــرة؛ يــدل عــى أنــه مصطلــح محــدث؛‬
‫ففــي املعجــم الوســيط‪«« :‬تعايشــوا» عاشــوا عــى األلفــة واملــودة ومنــه‪:‬‬
‫التعايــش الســلمي»(‪.)4‬‬
‫فالتعايش يف اللغة يطلق عىل املعارشة واملساكنة‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن عرفة؛ محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونيس املاليك‪ ،‬أبو عبد الله ‪ 803‬ه‪ ،‬تفسري ابن عرفة‪( ،‬تحقيق‪ :‬جالل‬
‫األسيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪2008 ،1 .‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.45‬‬
‫‪ - 2‬ابن فارس؛ معجم مقاييس اللغة العربية‪.402 3 :‬‬
‫‪ - 3‬الزبيدي؛ تاج العروس‪ .285 17 :‬ومعنى اإلحن‪ :‬الحقد‪ ،‬قال زيد الدين الرازي‪«( :‬الْ ِ ْح َنةُ» ال ِْح ْق ُد َو َج ْم ُع َها «إِ َح ٌن»)‪ ،‬و‬
‫الرازي؛ زين الدين أبو عبد الله محمد بن أيب بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي ‪ 666‬ه‪ ،‬مختار الصحاح‪( ،‬تحقيق‪ :‬يوسف‬
‫الشيخ محمد‪ ،‬املكتبة العرصية ‪ -‬الدار النموذجية‪ ،‬بريوت – صيدا‪ ،‬ط‪1420 ،5 .‬ه ‪1999 -‬م)‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 4‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬أحمد الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪ ،‬محمد النجار‪ -‬املعجم الوسيط‪( ،‬دار الدعوة)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.189‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ .2‬أمــا التعايــش يف االصطــاح‪ :‬فلــم يهتــم علــاء الرشيعــة عامــة وال العلــوم‬
‫اللغويــة بــه كثـرا‪ ،‬مــع أنــه موجــود ومســتعمل ومتــداول يف نطــاق محــدود‬
‫بينهــم؛ إذ نجــده متــداوال يف كتــب األدب واألخــاق وغريهــا(‪.)1‬‬
‫وجــل الباحثــن يقــرون بــأن هــذا املصطلــح بحمولتــه املتداولــة اليــوم‪ ،‬مأخوذ‬
‫مــن الثقافــة الغربيــة‪ ،‬وأنــه يف األصــل يعتــر مصطل ًحــا سياســيا واقتصاديــا‬
‫تحـ َّول بعــد ذلــك ليصبــح مصطل ًحــا اجتامعيــا ودينيًّــا(‪.)2‬‬
‫وقــد ورد يف بعــض املعاجــم املعــارصة تعريــف التعايــش الســلمي بأنــه‪:‬‬
‫«تعبــر يـراد بــه خلــق جــو مــن التفاهــم بــن الشــعوب بعيــدا عــن الحــرب‬
‫والعنــف»(‪ .)3‬ويظهــر مــن هــذا التعريــف اإلطــاق األصــي لهــذا املصطلــح‬
‫أساســا يف العالقــات الدوليــة والتعــاون بــن‬ ‫ونشــأته‪ ،‬حيــث يســتعمل ً‬
‫األط ـراف املختلفــة‪ ،‬إال أن املصطلــح أخــذ بعــد ذلــك بُعــدا دين ًّيــا وثقاف ًّيــا‪،‬‬
‫وعــرف يف هــذا اإلطــار بأنــه‪« :‬أن تلتقــي إراد ُة أتبــاع األديــان الســاوية‬
‫والحضــارات املختلفــة يف العمــل مــن أجــل أن يســود األمـ ُن والســام العــامل‪،‬‬
‫وحتــى تعيــش اإلنســانية يف ج ـ ّو مــن اإلخــاء والتعــاون عــى مــا فيــه الخ ـ ُر‬
‫الــذي يع ـ ّم بنــي البــر جمي ًعــا‪ ،‬مــن دون اســتثناء»(‪.)4‬‬
‫فمــن هــذا التعريــف يتضــح أن التعايــش مصطلــح متقــارب مــع أهــداف‬
‫مصطلــح التســامح‪ ،‬إال أن التعايــش أعــم منــه‪ ،‬وميتــاز التســامح عنــه بأنــه‬

‫‪ - 1‬من هذه الكلامت التي وقفنا عليها وورد فيها لفظ التعايش الحكمة الشهرية القائلة‪( :‬جميع التعايش والتناصف‬
‫والتعارش يف ملء مكيال‪ ،‬ثلثاه فطنة)‪ ،‬املربد؛ محمد بن يزيد املربد‪ ،‬أبو العباس ‪ 285‬ه‪ ،‬الكامل يف اللغة واألدب‪( ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر العريب – القاهرة‪ ،‬ط‪1417 ،3 .‬ه ‪1997 -‬م)‪ ،‬ص ‪ .21‬وقولهم أيضا‪( :‬ثلثا التعايش‬
‫مداراة الناس)‪ ،‬الراغب األصفهاين؛ محارضات األدباء‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.127‬‬
‫ونجد يف كتب األخالق استعامل هذا املصطلح أيضا‪ ،‬فقد استعمله الراغب يف موطنني من كالمه حيث قال‪( :‬فالناس‬
‫مضطرون إىل التعاون وال يتم تعاونهم إال مبراعاة العهد والوفاء‪ ،‬ولوال ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش)‪ .‬الراغب؛‬
‫الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪ :‬ص ‪ ،210‬وقال أيضا‪( :‬وقد تقدم أن الناس يحتاج بعضهم إىل بعض‪ ،‬وال ميكنهم التعايش ما مل‬
‫عمل يصري به معي ًنا لآلخر مواس ًيا له)‪ .‬أبو القاسم الحسني بن محمد الراغب األصفهاين؛‬
‫يتظاهروا ويتوىل كل واحد منهم ً‬
‫الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪.273 :‬‬
‫‪ - 2‬التويجري؛ د‪ .‬عبد العزيز بن عثامن التويجري‪ ،‬اإلسالم والتعايش بني األديان يف أفق القرن الحادي والعرشين‪( ،‬املنظمة‬
‫اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة‪1998 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 3‬عبد الغني أبو العزم‪ ،‬معجم الغني الزاهر‪( ،‬مؤسسة الغني للنرش‪2013 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.1801‬‬
‫‪ - 4‬التويجري؛ اإلسالم والتعايش بني األديان‪ :‬ص ‪.13‬‬

‫‪40‬‬
‫مفهــوم رشعــي أصيــل بخــاف التعايــش‪ ،‬فقــد تحــول تحــوالت متعــددة‬
‫مــع أنــه حديــث‪ ،‬ومــا زال مفهومــه مل يســتقر بعــد‪ ،‬واملعنــى األســاس يف‬
‫مصطلــح التعايــش هــو العالقــات بــن الــدول والطوائــف املختلفــة‪ ،‬كــا أن‬
‫التســامح يف الرتتيــب املنطقــي والواقعــي يــأيت قبــل التعايــش‪ ،‬فــا بــد إلقامــة‬
‫أي تعايــش أن يكــون قبلــه تســامح بــن تلــك األط ـراف املتعايشــة‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مصطلح التقريب بني األديان‬


‫التقريــب لغــة‪ :‬مــن قـ َّرب ‪-‬املضعــف العــن‪ ،-‬الــيء يقـ ّرب تقري ًبــا‪ ،‬وأصلــه‬
‫مــن قَـ ُرب قربًــا أي‪ :‬دنــا‪ ،‬والقــرب نقيــض البعــد‪ ،‬ومــادة هــذا الفعــل دالــة‬
‫عــى معــان متعــددة(‪.)1‬‬
‫فمنهــا قولهــم‪ :‬تقــارب الشــيئان‪ ،‬أي‪ :‬تدانيــا‪ ،‬ومنــه التقــرب أي‪ :‬التــدين إىل‬
‫}سـ ِّد ُدوا‬
‫يشء(‪ .)2‬ويقــال‪ :‬قــارب فــان يف أمــوره إذا اقتصــد‪ ،‬ومنــه الحديــث‪َ :‬‬
‫َوقَا ِربُــوا{(‪ )3‬أي‪ :‬اقتصــدوا يف األمــور كلهــا واتركــوا الغلــو فيهــا والتقصــر(‪.)4‬‬
‫والتقريــب يف اللغــة أيضــا‪ :‬رضب مــن عــدو الفــرس‪ ...‬ويقــال‪ :‬قَـ َّرب فــان إِذا‬
‫قــال قَـ َّر َب اللّــه دا َرك(‪.)5‬‬
‫فهــذه املعــاين دالــة عــى الدنــو وعــى خــاف التباعــد‪ .‬قــال ابــن عاشــور‪:‬‬
‫«والتقريــب‪ :‬أصلــه الجعــل مبــكان القــرب‪ ،‬وهــو الدنــو وهــو ضــد البعــد»(‪.)6‬‬
‫والقــرب نوعــان كــا يظهــر يف األمثلــة‪ :‬حــي كقــرب املــكان‪ ،‬ومعنــوي‬
‫كالقــرب يف الرتبــة والرحــم والفكــر(‪.)7‬‬
‫‪ - 1‬معجم مقاييس اللغة‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،80‬مادة‪« :‬قرب»‪ .‬والفيومي‪ ،‬أحمد بن محمد بن عيل الفيومي ثم الحموي‪ ،‬أبو العباس‬
‫نحو ‪ 770‬ه‪ ،‬واملصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬مادة «قرب»‪( ،‬املكتبة العلمية – بريوت)‪ ،‬ص ‪.495‬‬
‫‪ - 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،666‬مادة‪« :‬قرب»‪.‬‬
‫‪ - 3‬متفق عليه؛ البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ .)6464( :‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪.)7300( :‬‬
‫‪ - 4‬تاج العروس‪ ،314 2 :‬مادة‪« :‬قرب»‪.‬‬
‫‪ - 5‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،669 1 :‬مادة‪« :‬قرب»‪.‬‬
‫‪ - 6‬التحرير والتنوير‪128 16 :‬م‪.‬‬
‫‪ - 7‬الكفوي‪ ،‬أيوب بن موىس الحسيني القرميي‪ ،‬أبو البقاء الحنفي ‪ 1094‬ه‪ ،‬الكليات معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية‪،‬‬
‫(تحقيق‪ :‬عدنان درويش ‪ -‬محمد املرصي‪ ،‬مؤسسة الرسالة – بريوت)‪ ،‬ص ‪ 634‬و‪.723‬‬
‫وقد تكون قرابة الفكر أشد من قرابة الرحم‪ ،‬كام قال الشاعر‪ .‬الزمخرشي‪ ،‬ربيع األبرار (مؤسسة األعلمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪1412‬ه)‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫وقراب ُة األُدبا ِء يق ُ‬
‫رص دونَها عن َد األديب قرابة األرحامِ‬

‫‪41‬‬
‫وينبغــي التنبيــه إىل أن مصطلــح التقريــب بــن األديــان مصطلــح ليــس لــه‬
‫مدلــول اصطالحــي خــاص‪ ،‬ولهــذا ال نجــد لــه تعري ًفــا محــد ًدا رغــم شــهرته‬
‫وشــيوعه وتداولــه‪ ،‬وميكــن تقريبــه بأنــه‪( :‬مــا يطلــق عــى مجمــل املحــاوالت‬
‫الفكريــة والعمليــة الســاعية إليجــاد لــون مــن ألــوان التالقــي واالتصــال بــن‬
‫ديــن اإلســام وغــره مــن األديــان) (‪.)1‬‬
‫ويف هــذا الســياق يكــر الخلــط بــن نظريتــي التقريــب بــن األديــان ووحــدة‬
‫األديــان اللّتــن تأتيــان يف إطــار الحــوار بــن األديــان‪ ،‬ولكــن لكل مــن التقريب‬
‫بــن األديــان ووحدتهــا‪ ،‬خصائــص ومميــزات بهــا يظهــر الفــرق بينهــا‬
‫ويتضــح‪ ،‬ومــن تلــك الفــروق‪:‬‬
‫‪ - 1‬التقريــب بــن األديــان نســبي كــا يفهــم مــن املدلــول اللغــوي ملفردتهــا‬
‫«القــرب والبعــد»‪ ،‬فهــا لفظــان نســبيان‪ ،‬فلنســبية هــذا املصطلــح كان‬
‫التقريــب بــن األديــان شــامال كافــة الصــور‪ ،‬ابتــداء مــن الحــوار والتعايــش‬
‫املشــرك والتســامح‪ ،‬والبحــث يف القواســم املشــركة بــن األديــان‪ ،‬واالتفــاق‬
‫عــى الخــروج مــن أوهــام التاريــخ‪ ،‬وتجنــب الطعــن يف األديــان‪ ،‬والتعــاون‬
‫عــى املصالــح التــي تحفــظ للمجتمــع املتعــدد االنتــاءات حقــه يف العيــش‪)2(.‬‬
‫‪ - 2‬هــذه الخصائــص واملميــزات تــؤدي يف األخــر إىل عنــر مهــم وأصــل‬
‫أصيــل يف مفهــوم التقريــب بــن األديــان‪ ،‬وهــو مبــدأ «لكــم دينكــم ويل دين»‬
‫بــأن يــرك كل طــرف نقــض ديــن الطــرف اآلخــر‪ ،‬وال يطعــن فيــه وال يزدريــه‬
‫ولكــن يحرتمــه وإن مل يكــن مؤم ًنــا بــه‪.‬‬
‫‪ - 3‬إضافــة إىل أن فكــرة التقريــب بــن األديــان فكــرة حديثــة‪ ،‬انتــرت يف‬
‫العقــود األخــرة يف أوروبــا وأقيمــت لهــا مؤمتـرات ونــدوات وشــاعت‪ ،‬وهــي‬
‫تســتهدف كافــة الديانــات واملذاهــب‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬دعوة التقريب بني األديان ‪.333/1‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪ :‬حوار األديان نشأته وأصوله وتطوره‪.88 :‬‬

‫‪42‬‬
‫أمــا «وحــدة األديــان» فهــي فكــرة تاريخيــة‪ ،‬اشــتهرت مــع التصوف الفلســفي‬
‫وبــرزت جل ّيــة عنــد ابــن عــريب والحــاج والــذي ميثَّــل لهــا بقــول ابــن عريب‪:‬‬
‫فـمرعى لغزالن ودير لرهبان‬ ‫«لقد صار قلبي قابالً كل صورة ‬
‫وألواح توراة ومصحف قرآن»(‪.)1‬‬ ‫وبيت ألوثان وكعبة طـائف ‬
‫وقــد تبنــت فكــرة «وحــدة األديــان» بعــض الطوائــف واملذاهــب واشــتهرت‬
‫بهــا‪ ،‬مثــل البهائيــة‪ ،‬والهــدف منهــا هــي االع ـراف بصحــة جميــع األديــان‬
‫والوصــول باألديــان لدرجــة االندمــاج الكامــل والوحــدة التامــة‪ ،‬و»االعتقــاد‬
‫بصحــة جميــع املعتقــدات الدين ّيــة‪ ،‬وصــواب جميــع العبــادات‪ ،‬وأنهــا طــرق‬
‫إىل غايــة واحــدة»‪)2( .‬‬
‫قلــت‪ :‬وال عالقــة لفكــرة وحــدة األديــان مبصطلــح آخــر شــائع وهــو «فكــرة‬
‫وحــدة الديــن» التــي تعنــي أن األديــان واحــدة يف أصولهــا ومتفقــة‪ ،‬والرشائــع‬
‫التــي جــاء بهــا األنبيــاء مختلفــة‪ ،‬فهــذه الفكــرة أقرهــا القــرآن الكريــم‬
‫وأكدهــا العلــاء‪ ،‬وال تدخــل يف هــذا الجــدل اآلنــف الذكــر ففكــرة وحــدة‬
‫الديــن أساســية يف القــرآن ويف األديــان األخــرى‪)3( .‬‬
‫أمــا صلــة التقريــب بــن األديــان بالتســامح‪ :‬فــإن هــذا املصطلــح مــن‬
‫املفاهيــم املعــارصة التــي انتــرت واتســع اســتعاملها‪ ،‬وألفــت فيهــا مؤلفــات‬
‫بــن مؤيــد ومنتقــد‪ ،‬وعقــدت مــن أجلهــا مؤمتـرات عــدة‪ ،‬حتــى أصبــح يطلــق‬

‫‪ - 1‬ابن عريب‪ ،‬ترجامن األشواق‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن املصطاوي‪( ،‬دار املعرفة‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ )2005-1425 ،1‬ص‪. 62:‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪ :‬دعوة التقريب بني األديان‪.360 339- /1 :‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪ :‬حجة الله البالغة‪.182 /1 :‬‬

‫‪43‬‬
‫عــى طائفــة مــن الدارســن والباحثــن دعــاة التقريــب‪ ،‬ومــع ذلــك ال نجــد‬
‫بــن أيدينــا تعريفــا رشعيــا دقيقــا لهــذا املصطلــح وامل ـراد منــه(‪.)1‬‬
‫ولقــد حاولــت بعــض الدراســات العلميــة أن تحــر املــراد بالدعــوة إىل‬
‫التقريــب بــن األديــان يف «مجمــل املحــاوالت الفكريــة والعمليــة الســاعية‬
‫إليجــاد لــون مــن ألــوان التالقــي واالتصــال بــن ديــن اإلســام وغــره مــن‬
‫األديــان»(‪.)2‬‬
‫إال أن التقريــب بــن األديــان أعــم مــن هــذا التصــور؛ ألن هذه الدعوة نشــأت‬
‫أصــا يف املجتمعــات غــر املســلمة‪ ،‬فهــي تشــمل كافــة األديــان واملذاهــب‬
‫األخــرى‪ ،‬وليســت متوجهــة لإلســام فقــط‪ ،‬والهــدف منهــا مجــرد حــوار دينــي‬
‫فكــري للتفاهــم عــى املشــرك بــن هــذه األديــان‪ ،‬وتَ َق ُّبــل صاحــب الديانــة‬
‫األخــرى‪ ،‬واالعـراف بــه مــن أجــل العيــش املشــرك(‪.)3‬‬
‫فالعالقــة بــن مصطلــح التقريــب بــن األديــان والتســامح عالقــة ســببية؛ فهــو‬
‫أحــد أدوات التســامح والتعايــش باســتخدام الحــوار واالتفــاق عــى املشــرك‬
‫بــن املختلفــن‪.‬‬

‫‪ - 1‬اطلعت عىل عدة رسائل علمية يف موضع دعوة التقريب بني األديان‪ ،‬إال أن هذه الدراسات مل تدرس هذه القضية‬
‫دراسة علمية مجردة بل كان الهدف منها انتقاد فكرة التقريب من البداية‪ ،‬ومن أشهر الكتب التي تناولت دعوة التقريب‬
‫ين األديان التي اطلعت عليها‪:‬‬
‫‪ .1‬أحمد القايض؛ أحمد بن عبد الرحمن بن عثامن القايض‪ ،‬دعوة التقريب بني األديان‪ ،‬دراسة نقدية يف ضوء العقيدة‬
‫اإلسالمية‪( ،‬دار ابن الجوزي‪1421 ،‬ه‪-2001‬م)‪ ،‬وهذا أوسع الكتب يف املوضوع ويقع يف أربع مجلدات‪ ،‬وهو رسالة علمية‬
‫تقدم بها املؤلف للحصول عىل الدكتوراه يف قسم العقيدة واملذاهب املعارصة بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪ .2‬عبد الحليم آيت أمجوض؛ حوار األديان نشأته وأصوله وتطوره‪( ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪-2012‬م)‬
‫وهي رسالة علمية نال بها صاحبها درجة الدكتوراه من جامعة الحسن الثاين باملغرب‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلبطال لنظرية الخلط بني اإلسالم وغريه من األديان» بكر بن عبد الله أبو زيد (دار العاصمة الرياض‪ 1417 ،‬هـ‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل) وهو من أكرث الكتب انتشارا يف هذا املوضوع‪ ،‬وهو كتاب صغري ولكنه سلك املنهجية العلمية املؤصلة املركزة عىل‬
‫الحكم الرشعي‪.‬‬
‫‪ .4‬محمد خليفة حسن؛ الحوار بني األديان أهدافه ورشوطه واملوقف اإلسالمي منه‪( ،‬مركز زايد‪ ،‬دولة اإلمارات ‪.)2003‬‬
‫‪ .5‬محمد السامك‪ ،‬مقدمة إىل الحوار اإلسالمي املسيحي‪( ،‬دار النفائس‪ ،‬لبنان‪.)1998 ،‬‬
‫‪ - 2‬أحمد القايض؛ أحمد بن عبد الرحمن بن عثامن القايض‪ ،‬دعوة التقريب بني األديان‪ ،‬دراسة نقدية يف ضوء العقيدة‬
‫اإلسالمية‪( ،‬دار ابن الجوزي‪1421 ،‬ه‪-2001‬م)‪ ،‬ص ‪.333‬‬
‫‪ - 3‬عبد الحليم آيت أمجوض؛ حوار األديان نشأته وأصوله وتطوره‪( ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1433 ،1 .‬ه‪-2012‬م)‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪44‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تاريخ التسامح‪:‬‬
‫إن مــن يرجــع البــر كرتــن فيــا تقــدم ذكــره مــن بيــان ملفهــوم التســامح؛‬
‫يظهــر لــه أن هــذا املفهــوم قــد مــ َّر مبراحــل كثــرة‪ ،‬ومداخــل متعــددة‪،‬‬
‫تنضــوي تحــت مبحــث تاريخــه‪ ،‬وحكايــة قصــة بداياتــه‪ ،‬وصــوال إىل الوقــت‬
‫املعــارص‪ ،‬ومــا شــهدته ســاحة هــذا املصطلــح مــن تحــوالت‪ ،‬فتحريــر القــول‬
‫يف تاريــخ التســامح يعــد مــن قبيــل الواجــب املضيــق‪ ،‬بيــد أن هــذا التنــاول‬
‫قــد يســتعظم عــى مــن يريــده‪ ،‬بالنظــر إىل أن متعلقــه مصطلــح إنســاين قــد‬
‫اتســعت دائرتــه‪ ،‬وتشــعبت أصولــه‪.‬‬
‫ومــن هنــا فــإين أســوق هــذا املبحــث الكفيــل ببلــورة التســامح يف منظومتــه‬
‫الرشعيــة واألخالقيــة والفطريــة والوطنيــة الشــاملة‪ ،‬التــي تحقــق املــراد‬
‫منــه(‪ ،)1‬وذلــك مــن خــال املطالــب اآلتيــة‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التسامح قبل اإلسالم‪:‬‬


‫إن أغلــب الباحثــن واملفكريــن يعتــرون أن فكــرة التســامح انطلقــت مــن‬
‫الغــرب يف القــرن املــايض‪ ،‬بعــد الحــروب التــي جــرت بينهــم‪ ،‬وإذا ذهبنــا‬
‫مــع هــذا االتجــاه‪ ،‬فمــن املؤكــد أننــا ســنطمس تاري ًخــا كامـ ًـا ناص ًعــا مــن‬
‫تقنــن التســامح وتطبيقــه العمــي بــن مختلــف الشــعوب‪ ،‬وخاصــة منهــا‬
‫مجتمعاتنــا املســلمة‪.‬‬
‫وعــى هــذا فــا ميكــن الحديــث عــن التاريــخ الحقيقــي لنشــأة التســامح دون‬
‫الرجــوع قليـ ًـا إىل مــا قبــل اإلســام(‪ ،)2‬عندمــا نشــبت الحــروب بني الشــعوب‪،‬‬
‫واســتمرت الرصاعــات فيهــا لقــرون‪ ،‬كــا حــدث بــن فــارس والــروم‪ ،‬وكــا‬
‫حصــل عندمــا كانــت القبائــل العربيــة تســتجيب لــكل تعصــب مقيــت؛ فــإذا‬

‫‪ - 1‬ال ينبغي أن يغيب عنا يف جميع أجزاء هذا البحث أننا نبحث التسامح ضمن إطار أول دولة أنشأت له وزارة خاصة‪،‬‬
‫فهو بهذا املعنى أصبحت له قوانني تنظمه‪ ،‬واسرتاتيجيات تهتم به‪ ،‬ومؤسسات ترعاه وتقوم عىل ترسيخه يف األجيال‪.‬‬
‫‪ - 2‬هذا تأريخ للتسامح باعتبار وجوده بالفعل من خالل األحداث التي تواترت بها األخبار يف كتب التاريخ‪ ،‬وإال فإن‬
‫تاريخ التسامح باعتبار وجوده بالقوة يبدأ من أول وجود البرش‪ ،‬فإن اإلنسان مذ وجد تتنازعه نوازع التسامح والالتسامح‪.‬‬
‫وللتسامح أيضا تاريخ يف الفكر الغريب مل أشأ أن أطيل بالتفصيل فيه‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ثــارت العصبيــة القبليــة مثـ ًـا يف إحــدى القبائــل‪ ،‬فإنــه ال يوقفهــا عــن التناحــر‬
‫والن ـزاع واالح ـراب يشء مــن املبــادئ األخالقيــة‪ ،‬وال تضــع الحــرب أوزارهــا‬
‫بينهــم حتــى تســيل األرض دمــا ًء‪ ،‬وتســتباح القيــم الفطريــة‪ ،‬إذ القبيلــة عندما‬
‫تكــون ذات شــوكة ورضاوة؛ قــد تفتــك بأمــة كاملــة بســبب قتــل أي رجــلٍ‬
‫مــن رجالهــا‪ ،‬كــا حصــل يف حــرب البســوس بــن بكــر وتغلــب‪ ،‬فقــد دامــت‬
‫أربعــن ســنة بســبب امــرأة كانــت مــرب املثــل يف الشــؤم لــدى العــرب(‪،)1‬‬
‫وإذا تبــارى النــاس عندهــم فالفخــار لــكل ذي طبقــة عليــة‪ ،‬والســؤدد ملــن‬
‫ـرق مبقامــه كل حـ ٍّر‪ ،‬ويســتضعف بصولتــه النســاء(‪.)2‬‬ ‫يسـ ُّ‬
‫ومــع اســتصحاب ذلكــم الحــال‪ ،‬واســتحضار مــا أحدثــه اإلســام يف أولئــك‬
‫النــاس ببعثــة ســيدنا ونبينــا محمــد صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬نــدرك قيمــة‬
‫التســامح التــي أعــى اإلســام قدرهــا‪ ،‬ورســخها حتــى أنقــذ بهــا البرشيــة‪،‬‬
‫وهــذا ال يعنــي أنــه ليــس هنــاك قبــل اإلســام منــاذج حضاريــة يف التســامح‬
‫لــدى األمــم الغابــرة‪ ،‬واألديــان الســالفة‪ ،‬فالتســامح قيمــة إنســانية أضفــى‬
‫عليهــا اإلســام مســحة مــن الربانيــة‪ ،‬حتــى جعلهــا يف سـلّم أولوياتــه‪ ،‬وصريهــا‬
‫مــن ركائــز اهتامماتــه‪ ،‬وال أدل عــى اهتــام اإلســام بهذه القيمــة من حديث‬
‫القــرآن الكريــم عــن منــاذج تســامحية رائعــة مــن ســر األمــم الســابقة‪ ،‬ومــن‬
‫أنصــع تلــك النصــوص القرآنيــة مــا ورد يف قصــة ســيدنا يوســف عليــه وعــى‬
‫نبينــا محمــد صــى اللــه عليــه وســلم أفضــل الصــاة والســام مــن تســامحه‬
‫ـب َعلَي ُك ـ ُم ٱل َيــو َم يَغ ِف ـ ُر ٱللَّ ـ ُه لَ ُكــم َو ُه ـ َو‬
‫﴿ل تَرثِيـ َ‬
‫مــع إخوتــه إذ قــال لهــم‪َ :‬‬
‫أَر َح ـ ُم ٱل َّر ِٰح ِم ـ َن﴾(‪.)3‬‬
‫ولكــون هــذا املوقــف غايــة يف التســامح اســتعاره النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم يف أعظــم موقــف للتســامح النبــوي‪ ،‬يــوم قــال ألهــل مكة حــن فتحها‪:‬‬

‫‪ - 1‬أبو الفرج األصفهاين‪ ،‬عيل بن الحسني األصفهاين‪ ،‬املتوىف سنة (‪356‬ه‪-976‬م) كتاب األغاين‪( ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪ ،‬د‪.‬‬
‫إبراهيم السعافني‪ ،‬األستاذ بكر عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1429 ،3 .‬ه‪2008 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.39‬‬
‫‪ - 2‬محمد أحمد حسونة بك ومحمد خليفة التونيس‪ ،‬التسامح يف اإلسالم‪( ،‬دار الكتاب العريب – مرص)‪ ،‬ص ‪ 5‬إىل ‪.14‬‬
‫‪ - 3‬سورة يوسف؛ اآلية رقم‪.92 :‬‬

‫‪46‬‬
‫{ال أقــول لكــم إال كــا قــال يوســف إلخوتــه‪ :‬ال ترثيــب عليكــم اليــوم}(‪.)1‬‬
‫ويحــر التســامح يف الثقافــة العربيــة قبــل اإلســام أيضً ــا‪ ،‬وهنــاك حاجــة‬
‫للتدليــل عــى هــذه القضيــة وإثبــات هــذه املرحلــة مــن تاريــخ التســامح‪،‬‬
‫وعالقــة العــرب بــه‪ ،‬ملــا قــد يصادفــه القــارئ أحيانــا مــن أن األصــل يف العــرب‬
‫وثقافتهــم وقيمهــم هــو االنتقــام والثــأر والعــداوة والبغضــاء والحــروب‬
‫والقتــل‪)2( .‬‬
‫والشــعر العــريب هــو الكفيــل بالفصــل يف هــذه القضيــة؛ ألنــه هــو ديــوان‬
‫العــرب وســجل ثقافتهــا وأيامهــا‪ ،‬ومقاصــد الشــعر العــريب يف األســاس جلهــا‬
‫قيميــة‪ ،‬تهــدف لرتســيخ مــكارم األخــاق وغرســها يف النــشء‪ ،‬والحفــاظ عليهــا‬
‫مــن االندثــار‪ ،‬فلهــذا كانــت العــرب متــدح عــى حســن األخــاق وصفــات‬
‫الكــرم واملــروءة‪ ،‬والــرف والشــهامة‪ ،‬والشــجاعة والرحمــة‪ ،‬وغريهــا مــن‬
‫الصفــات مثــل الحكمــة والصــدق والصــر‪ ،‬وتــذم عكــس ذلــك‪ ،‬فالشــعر‬
‫يدعــو اىل مــكارم األخــاق ويعلــم محاســن األعــال‪ ،‬ويبعــث عــى جميــل‬
‫األفعــال‪ ،‬ويحــث عــى املناقــب وادخــار املــكارم‪ ،‬وينهــى عــن األخــاق‬
‫الدنيئــة‪ ،‬ويزجــر عــن مواقعــة الريــب‪ ،‬ويحــض عــى معــاين الرتــب‪.‬‬
‫ومــا يُــروى يف ذلــك عــن ســيدنا عمــر ريض اللــه عنــه أنــه كان يقــول‪:‬‬
‫(تعلمــوا محاســن الشــعر فإنــه يــدل عــى مــكارم األخــاق)‪ )3( .‬وكتــب عبــد‬

‫ُس ْوجِردي الخراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي ‪ 458‬ه‪ ،‬السنن الكربى‪،‬‬ ‫‪ - 1‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسني بن عيل بن موىس الخ ْ َ‬
‫(تحقيق‪ :‬الدكتور عبد الله بن عبد املحسن الرتيك‪ ،‬مركز هجر للبحوث والدراسات العربية واإلسالمية الدكتور‪ /‬عبد السند‬
‫َعال‪ ،‬رقم (‪ .)18323‬ج‪ 18 :‬ص‪ .384 :‬وابن‬ ‫باب فت ِح َم َّك َة َح َر َسها اللَّ ُه ت َ‬ ‫حسن ميامة ط‪1432 ،1 .‬هـ ‪2011 -‬م)‪ ،‬كِ ِ‬
‫تاب القَسمِ ُ‬
‫هشام‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب الحمريي املعافري‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬جامل الدين ‪ 213‬ه‪ ،‬السرية النبوية‪( ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد‬
‫الرؤوف سعد‪ ،‬رشكة الطباعة الفنية املتحدة)‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.118‬‬
‫‪ - 2‬قرر الدكتور كامل اليازجي‪ :‬أن العرب قليلو التسامح يف حقوقهم‪ ،‬وهذا ما يفرس عدم تداول مصطلح التسامح عند‬
‫العرب‪ ،‬ويستشهد عىل ذلك بالشعر العريب‪ ،‬وبناء عىل هذا يقرر أن اإلنسان العريب ذوو إحساس مرهف‪ ،‬ومزاج عصبي حاد‬
‫رسيع التأثر‪ .‬انظر‪ :‬اليازجي‪ ،‬كامل‪ ،‬يف الشعر العريب القديم النوازع الخلقية‪( ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ )1973‬ج‪ /1‬ص ‪.284‬‬
‫‪ - 3‬الزمخرشي‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمر‪ 583‬هـ‪ ،‬ربيع األبرار ونصوص األخبار‪( ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة األعلمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪ 1412‬هـ) ج‪ /5‬ص‪.217‬‬

‫‪47‬‬
‫امللــك للحجــاج بــن يوســف ملــا منــع الشــعراء مــن الدخــول عليــه‪( :‬أجــز‬
‫الشــعراء فإنهــم يح ّبــون مــكارم األخــاق‪ ،‬ويح ّرضــون عــى الـ ّر والســخاء)‪)1( .‬‬
‫ونظم أبو متام هذا املعنى يف قوله‪:‬‬
‫ولوال خالل س ّنها الشعر ما درت ‪ ...‬بغاة العىل من أين تؤىت املكارم(‪ )2‬‬
‫ويوضــح ابــن رشــيق يف هــذا النــص التاريخــي الشــهري‪ ،‬الوظيفــة األخالقيــة‬
‫والقيمــة للشــعر فيقــول‪( :‬كان الــكالم كلــه منثــورا ً فاحتاجــت العــرب إىل‬
‫الغنــاء مبــكارم أخالقهــا‪ ،‬وطيــب أعراقهــا‪ ،‬وذكــر أيامهــا الصالحــة‪ ،‬وأوطانهــا‬
‫النازحــة‪ ،‬وفرســانها االنجــاد‪ ،‬وســمحائها األجــواد‪ ،‬لتهــز نفوســها إىل الكــرم‪،‬‬
‫وتــدل أبناءهــا عــى حســن الشــيم‪ ،‬فتوهمــوا أعاريــض جعلوهــا موازيــن‬
‫الــكالم‪ ،‬فلــا تــم لهــم وزنــه ســموه شــعرا ً؛ ألنهــم قــد شــعروا بــه أي فطنــوا‬
‫لــه)‪)3( .‬‬
‫فالشــعر العــريب قبــل اإلســامي مــيء بالقيــم اإلنســانية‪ ،‬وهــو منبــع‬
‫التســامح‪ ،‬ومصــدر مــن مصــادره‪ ،‬وهــذا مــا يفــره توجيــه األمئــة والعلــاء‬
‫والقــادة بتعليــم الشــعر‪ ،‬وهنــاك منــاذج كثــرة مــن تلــك الكلــات الجامعــة‬
‫واألبيــات املعــرة التــي يحفظهــا العــرب وتغــرس فيهــم التســامح‪ ،‬ومــن ذلــك‬
‫قــول عنــرة العبــي‪:‬‬
‫الغضب(‪)4‬‬
‫ُ‬ ‫ينال ال ُعال من طَ ْب ُعه‬
‫الرتب ‪ ...‬وال ُ‬
‫الح ْق َد من تعلو به ُ‬ ‫يحمل ِ‬
‫ال ُ‬
‫وقــد اســتخدم عنــرة نفســه مصطلــح الســاحة يف شــعره‪ ،‬وأرجعــه إىل‬
‫قيمــة املــروءة الكاملــة التــي هــي يف الحقيقــة منبــع التســامح‪ ،‬وخاصــة لــدى‬
‫العــرب يف هــذه املرحلــة التاريخيــة قبــل اإلســام‪ ،‬فهــي التــي تدلهــم عــى‬
‫الفضائــل وتحــول بينهــم وبــن الرذائــل‪ ،‬يقــول عنــرة بــن شــداد‪:‬‬

‫‪ - 1‬أبو املعايل‪ ،‬بهاء الدين البغدادي‪ ،‬محمد بن الحسن بن حمدون ‪562‬هـ‪ ،‬التذكرة الحمدونية‪( ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1417‬هـ) ج‪ /2‬ص‪.110‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص‪.110 :‬‬
‫‪ - 3‬ابن رشيق أبو عيل‪ ،‬الحسن القريواين ‪ 463‬هـ‪ ،‬العمدة يف محاسن الشعر وآدابه تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪( ،‬بريوت‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ 1401 ،‬هـ) ج‪ /1‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 4‬عنرتة بن شداد‪ ،‬ديوان عنرتة‪ ،‬نرش خليل الخوري‪( ،‬بريوت‪ ،‬مطبعة اآلداب‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬سنة‪ )،1893 :‬ص‪.12:‬‬

‫‪48‬‬
‫َوأَغ َُّض طَريف ما بَ َدت يل جا َريت ‪َ ...‬حـتّـى يُــواري جا َرتــي َمأواهـا‬
‫َجوج َهواها(‪)1‬‬ ‫فس الل َ‬ ‫مح ال َخلي َق ِة ماجِـ ٌد ‪ ...‬ال أُت ِب ُع ال َن َ‬
‫إِ ّن اِم ُر ٌؤ َس ُ‬
‫ونجــد عنــد شــاعر جاهــي آخــر‪ ،‬وهــو عــروة بــن الــورد العبــي منوذجــا‬
‫آخــر مــن التســامح يتمثــل يف إيثــار غــره عــى نفســه‪ ،‬وأنــه يقســم طعامــه‬
‫بينــه وبــن الفقـراء مــع جوعــه‪ ،‬مكتف ًيــا بــرب املــاء البــارد‪ ،‬مــن أجــل دفــع‬
‫غوائــل البــؤس والشــقاء عــن البؤســاء والضعفــاء فيقــول‪:‬‬
‫وم كثري ٍة ‪ ...‬وأَ ْح ُسو قَر َ‬
‫اح املاء واملا ُء بار ُد(‪)2‬‬ ‫أُق َِّس ُم ج ِْس ِمي يف ُج ُس ٍ‬
‫ويقــرر الشــنفرى يف الميتــه معنــى رائقــا للتســامح‪ ،‬ونظريــة جميلــة‪ ،‬بحيــث‬
‫ال يــرى أن هنــاك دواعــي للعــداوات والبغضــاء واألذيــة‪ ،‬حــن يقــول‪:‬‬
‫ويف األرض منأى للكريم عن األذى … وفيها ملن خاف القىل متحـ ّول‬
‫لعمرك ما باألرض ضيق عىل امرئ … رسى راغبا أو راهبا وهو يعقل(‪)3‬‬
‫وكيــف ميكــن نفــي هــذه املرحلــة التاريخيــة مــن تاريــخ التســامح ويف‬
‫العــرب حكــاء شُ ــبه كالمهــم بــكالم األنبيــاء‪ ،‬يحتــوي عــى قيــم التســامح‬
‫الكثــرة املتناثــرة يف أشــعارهم‪ ،‬لتعــدد أغراضــه وموضوعاتــه‪ ،‬فهــي تنبعــث‬
‫مــن البيئــة العربيــة التــي ترشبــت النزعــة اإلنســانية‪ ،‬ومنهــا الدعــوة للتحــي‬
‫بالفضائــل واملــكارم والقيــم‪ ،‬فــكل قيمــة أصيلــة نجــد مــن الشــعر العــريب مــا‬
‫يؤيدهــا ويــدل عليهــا ويرثيهــا‪ ،‬حتــى ألفــت مؤلفــات يف تتبع ذلك واســتقصاء‬
‫مواضيعــه يف كتــب اآلداب واألمثــال والدواويــن الشــعرية ورشوحهــا‪.‬‬
‫ومــن حكامئهــم املشــهورين زهــر بــن أيب ســلمى الــذي كان حكيــم الشــعراء‬
‫يف الجاهليــة‪ ،‬أحــد األربعــة الذيــن وقــع عليهــم االتفــاق عــى أنهــم أشــعر‬
‫العــرب‪ ،‬ولــه يف شــعره مواقــف تســامحية مهمــة‪ ،‬وعــى رأســها أن زهــر بــن‬
‫أيب ســلمى يف معلقتــه الشــهرية كــرم فيهــا صانعــي الســام‪ ،‬ومــدح الرجلــن‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ - 2‬عروة بن الورد‪ ،‬ديوان عروة بن الورد أمري الصعاليك‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسامء أبوبكر محمد‪( ،‬بريوت دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬سنة ‪1418‬هـ) ص‪.61:‬‬
‫‪ - 3‬ابن حمدون‪ ،‬التذكرة الحمدونية‪ :‬ج‪/2‬ص‪.53‬‬

‫‪49‬‬
‫اللذيــن كانــا الســبب يف إيقــاف حــرب البســوس التــي امتــدت ألربعــن ســنة‪،‬‬
‫ليــرز هنــا دور الشــعر يف صناعــة التســامح ودعمــه‪ ،‬فيقــول يف قصيدتــه‪:‬‬
‫يـش َو ُج ْر ُه ِـم‬ ‫ِجال بَن َـ ْو ُه مـن قُ َر ٍ‬ ‫فَأَق َْس ْم ُت بال َب ْي ِت الذي َ‬
‫طاف ح ْولَ ُه ‪ ...‬ر ٌ‬
‫كـل حا ٍل ِمـ ْن َسحيلٍ َو ُمبـْ َر ِم‬ ‫السيّـــدانِ ُو ِجدْتُ ــــَا ‪ ...‬عىل ّ‬ ‫َيي ًنـا لَ ِن ْعــ َم ّ‬
‫نشـم‬
‫ت َ َدا َركتُمـا َع ْب ًســا َوذُبيــان بَ ْع َدمـ َـا ‪ ...‬تَفَانَوا َو َدقّوا بَي َنهـم عطـ َر َم ِ‬
‫َسلـم(‪)1‬‬
‫روف مـن القـول ن ِ‬ ‫السل َم َواس ًعـا ‪ ...‬مبا ٍل َو َمع ْـ ٍ‬ ‫وقد قلتام‪ :‬إ ْن نُ ْدرِك ّ‬
‫ومــن قصائــده الشــهري قصيــدة قيــل عنهــا بأنهــا‪ :‬تشــبه كالم األنبيــاء وهــي‬
‫مــن أحكــم حكــم العــرب(‪ ،)2‬وهــي دعــوة للمــداراة والتصانــع‪ ،‬والبعــد عــن‬
‫الشــتيمة‪ ،‬وإعطــاء الفضــل‪ ،‬وتكريــم النفــس‪ ،‬وإضــار األخــاق الفاضلــة‬
‫وهــي قيــم فاعلــة يف التســامح‪ ،‬يقــول فيهــا‪:‬‬
‫َو َمــ ْن ال يُصـانـ ْع فـي أمــو ٍر كَ ِثيــ َر ٍة ‪ ...‬يُـضـ َّر ْس ِبأَنيـاب َويُـوطـأ بِ َـ ْن ِ‬
‫ـسم‬
‫املعروف من دون ِع ْر ِض ِه ‪ ...‬يَف ْر ُه و َمـ ْن ال يَتّقـي الشَ تْ َم يُشتَـم‬ ‫َ‬ ‫َو َم ْن يجعلِ‬
‫َو َمـ ْن يَ ُـك ذَا فَضْ ـلٍ ويَ ْب َخ ْـل ِبفَضْ لِــ ِه ‪ ...‬عىل قَ ْو ِمـ ِه يُ ْستَـ ْغ َن َع ْنـ ُه ويُ ْذ َم ِـم‬
‫َو َم ْن يَ ْغتَـر ِْب يَ ْح ِس ْب َعـ ُد ّوا ً َصديقَـ ُه ‪َ ...‬و َمــ ْن ال يُكَــ ِّر ْم نَـف َْسـ ُه ال يُـكَـ َّرم‬
‫اس تُ ْعل َِم(‪)3‬‬ ‫هم ت ُك ْن عن َد أمـرئ ِمـ ْن َخلِيقــ ٍة ‪ ...‬وإِ ْن خالَها ت َ ْخفَى َعىل ال َن ِ‬ ‫َو َم َ‬
‫إن الشــعر العــريب يف الحقيقــة هــو حــارس للقيــم اإلنســانية والفضائــل‬
‫النفســية‪ ،‬وهــو يف ذاتــه حــرب عــى التطــرف والغلــو يف غالــب أحوالــه‪.‬‬
‫وقــد كان للشــعر يف هــذه املرحلــة دور أســايس يف توثيــق القيــم اإلنســانية‬
‫املشــركة بــن جميــع األف ـراد والشــعوب‪ ،‬والقبائــل عــى اختــاف ثقافاتهــا‬
‫وانتامءاتهــا؛ ألن هــدف الشــعر ومقصــده هــو الجــال والــذوق الرفيــع‪ ،‬وال‬

‫‪ - 1‬األعلم أبو الحجاج‪ ،‬يوسف بن سليامن‪476 :‬هـ‪ ،‬أشعار الشعراء الستة الجاهليني‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪،‬‬
‫(بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪1422‬هـ) ج‪ /1‬ص‪.65‬‬
‫‪ - 2‬الثعالبي أبو منصور‪ ،‬عبد امللك بن محمد‪ ،‬لباب اآلداب‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد حسن لبج (بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ 1417 ،‬هـ) ص‪.108‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪ ،‬ص‪.109 ،108 :‬‬

‫‪50‬‬
‫نجــد شــيئا يقــف حائــا دون التعبــر عــا يـراه الشــاعر ومــا يحــس بــه تجــاه‬
‫اآلخــر‪ ،‬يدفعــه لذلــك مــا يجــده مــن التــذوق والوحــي الجــايل الروحــي‪)1( .‬‬
‫ويف ســياق حديثنــا عــن التســامح قبــل اإلســام ال ميكننــا إهــال ذلــك الحلف‬
‫التســامحي الخالــد الــذي ســجله التاريــخ لقريــش بحــروف مــن ذهــب؛‬
‫إنــه حلــف الفضــول‪ ،‬الــذي تخلصــت فيــه قريــش مــن عصبيتهــا وقبليتهــا‪،‬‬
‫ومتســكت مبــا دعتهــا إليــه فطرتهــا‪ ،‬فاتفقــت بعــض قبائلهــا عــى أن ال يجــدوا‬
‫مبكــة مظلومــا مــن أهلهــا‪ ،‬وال مــن ســائر النــاس ممــن دخلهــا؛ إال قامــوا‬
‫معــه‪ ،‬حتــى تــرد عليــه مظلمتــه(‪ .)2‬فــكان هــذا الحلــف مــن األحــاف التــي‬
‫أســهمت يف إحــال الســام‪ ،‬ونــر التســامح والوئــام‪ ،‬قبــل مجــيء اإلســام‪.‬‬
‫وإن مــن محاســن األقــدار؛ حضــور رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم هــذا‬
‫الحلــف وهــو شــاب مل يــوح إليــه بعــد‪ ،‬قــال عليــه الصــاة والســام‪{ :‬لقــد‬
‫شــهدت حلفــا مــا أحــب أن يل بــه حمــر النعــم‪ ،‬ولــو أدعــى بــه يف اإلســام‬
‫ألجبــت}(‪)3‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التسامح ثقافة إسالمية وعربية‪:‬‬


‫بعــد طــي بســاط الحديــث يف املطلــب الســابق‪ ،‬والتلويــح مبــا صاحــب‬
‫الســياق الزمــاين لهــذا الديــن الحنيــف‪ ،‬وســواء ذهبنــا مــع مــن يقــول إن‬
‫تاريــخ التســامح بــدأ باإلســام‪ ،‬أو اخرتنــا غــر هــذا املذهــب‪ ،‬فــإن الــذي‬
‫ال ميكــن إنــكاره أو التشــكيك فيــه أو القفــز عليــه؛ أن اإلســام هــو الــذي‬
‫جــاء بنصــوص دســتورية يف قضيــة التســامح‪ ،‬وأقرهــا وطبقهــا ورعاهــا عمليًّــا‪،‬‬

‫‪ - 1‬من أجل التوسع أكرث يف دور الشعر العريب وأهميته يف التسامح الديني وحضوره يف هذه الوسيلة األدبية‪ ،‬يراجع‪ :‬تريك‬
‫الدخيل‪ ،‬التسامح زينة الدنيا والدين‪( ،‬ديب‪ ،‬دار مدارك للنرش والتوزيع‪ ،‬إبريل عام ‪ )2019‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 2‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.134‬‬
‫اب إِ ْعطَا ِء الْف َْي ِء َع َل الدِّي َوانِ َو َم ْن يَ َق ُع ِب ِه الْ ِبدَايَةُ‪ ،‬رقم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ِ‬
‫اب ق َْسمِ الْف ْ َ َ َ ُ‬
‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ْ‬ ‫ء‬ ‫َي‬ ‫‪ - 3‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪ ،‬كِتَ ُ‬
‫(‪ )13211‬ج ‪ 13‬ص ‪.345‬‬

‫‪51‬‬
‫وأذكــر هنــا ثالثــة نصــوص رئيســة تعتــر مــن أوائــل النصــوص الدســتورية‬
‫التــي انتظمــت بهــا قضيــة التســامح‪:‬‬
‫ـى‬ ‫ـاس إِنَّــا َخلَق َٰن ُكــم ِّمــن َذكَ ـ ٖر َوأُنثَـ ٰ‬ ‫‪ .1‬آيــة الحج ـرات املدنيــة‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫ــل لِتَ َعا َرفُــ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َمكُــم ِعنــ َد ٱللَّــ ِه أَت َق ٰىكُــم إِ َّن‬ ‫َو َج َعل َٰنكُــم شُ ــ ُعوبٗا َوقَ َبآئِ َ‬
‫ٱللَّـ َه َعلِيـ ٌم َخ ِبــر﴾(‪ ،)1‬يقــرر هــذا النــص القــرآين أن حكمــة االختــاف هــي‬
‫التعــارف‪ ،‬والتعــاون‪ ،‬وتبــادل املنافــع‪ ،‬وحصــول كل شــعب عــى مــا عنــد‬
‫اآلخــر‪ ،‬بغــض النظــر عــن ال ِّديــن واالنتــاءات العرقيــة واملذهبيــة‪ ،‬وجــاءت‬
‫نصــوص أخــرى قرآنيــة ونبويــة تعضــد هــذا النــص وتوضــح صــوره الكثــرة يف‬
‫الرشيعــة اإلســامية‪.‬‬
‫‪ .2‬وثيقــة املدينــة املنــورة‪ :‬هــذا نــص آخــر يــدل عــى التســامح والتعدديــة‬
‫الدينيــة‪ ،‬وهــذه املــرة ورد يف أول وثيقــة نبويــة متثــل دســتورا ينظــم عالقــات‬
‫ســكان املدينــة مبختلــف طوائفهــم وأجناســهم‪ ،‬يقــول فيهــا النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪َ { :‬وإِ َّن يَ ُهــو َد بَ ِنــي َع ـ ْو ٍف أُ َّم ـ ٌة َم ـ َع الْ ُم ْؤ ِم ِن ـ َن‪ ،‬لِلْ َي ُهــو ِد ِدي ُن ُه ـ ْم‪،‬‬
‫َولِلْ ُم ْسـلِ َم ْ ِي ِدي ُن ُهـ ْم‪َ ،‬م َوالِي ِهـ ْم َوأَنْف ُُسـ ُه ْم‪َّ ،‬إل َمـ ْن ظَلَـ َم َوأَثِـ َم‪ ،‬فَ ِإنَّـ ُه َل يُوتِـغُ(‪)2‬‬
‫ـر َعـ َـى َم ـ ْن َحــا َر َب أَ ْهـ َـل َهـ ِـذ ِه‬ ‫َّإل نَف َْس ـ ُه‪َ ،‬وأَ ْهـ َـل بَ ْي ِت ـ ِه‪َ ...،‬وإِ َّن بَ ْي َن ُه ـ ْم ال َّنـ ْ َ‬
‫ْــم}( )‪ .‬وســيأيت‬ ‫‪3‬‬
‫ْــر ُدو َن الْ ِث ِ‬ ‫ــح َوال َّن ِصي َحــ َة‪َ ،‬وال ِ َّ‬ ‫الص ِحيفَــ ِة‪َ ،‬وإِ َّن بَيْ َن ُهــ ْم ال ُّن ْص َ‬ ‫َّ‬
‫الحديــث مفصــا عــن هــذه الوثيقــة وبنودهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬خطبــة حجــة الــوداع‪ :‬التــي ورد فيهــا هــذا القــول النبــوي صــى اللــه‬
‫احـ ٌد أَ َل َل فَضْ ـ َـل‬ ‫احـ ٌد َوإِ َّن أَبَاكُـ ْم َو ِ‬ ‫ـاس إِ َّن َربَّ ُكـ ْم َو ِ‬ ‫عليــه وســلم‪} :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َّنـ ُ‬
‫ـي َو َل ِلَ ْس ـ َو َد َعـ َـى أَ ْح َم ـ َر إِ َّل بِالتَّ ْق ـ َوى َخ ْ ُيكُ ـ ْم ِع ْن ـ َد اللَّ ـ ِه‬ ‫لِ َع ـ َر ِ ٍّب َعـ َـى َع َج ِمـ ٍّ‬
‫أَتْقَاكُ ـ ْم{(‪.)4‬‬
‫فهــذه النصــوص الكــرى أدلــة قاطعــة‪ ،‬وأصــول حاكمــة لقضيــة التســامح‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬


‫‪ - 2‬يوتغ؛ مبعنى يهلك‪ ،‬قال الزمخرشي‪( :‬فَ ِإنَّ ُه َل يوتغ‪ :‬أَي َل ي ْهلك إِ َّل نفسه‪ ،‬الزمخرشي‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن‬
‫أحمد‪ ،‬الزمخرشي جار الله ‪ 538‬ه‪ ،‬الفائق يف غريب الحديث واألثر‪(،‬تحقيق‪ :‬عيل محمد البجاوي ‪-‬محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار املعرفة – لبنان)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 3‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.503‬‬
‫‪ - 4‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )23489( :‬ج ‪ 14‬ص ‪.170‬‬

‫‪52‬‬
‫ولــكل منهــا فــروع وأفنــان‪ ،‬تنــدرج تحتهــا؛ توضحهــا وتبينهــا‪ .‬وتجــدر اإلشــارة‬
‫املؤسســة الثــاث؛ كلّهــا كانــت منتميــة للفــرة‬ ‫هنــا إىل أن هــذه النصــوص ِّ‬
‫املدنيــة‪ ،‬وآخرهــا كان قبــل وفــاة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بشــهور‪.‬‬
‫فيكفــي الرشيعــة اإلســامية أنهــا أسســت للتســامح نظريــا‪ ،‬ويكفــي شــاه ًدا‬
‫ودليـ ًـا هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم الــذي طبــق تلــك النصــوص‬
‫عمليًّــا يف مختلــف الوقائــع‪ ،‬وســائر األحــداث‪ ،‬وال حجــة ملــن تشــبث ببعــض‬
‫الحــوادث التــي أســفر عنهــا تاريــخ املســلمني ملحاجــة هــذا األصــل الثابــت‪،‬‬
‫فقــد يرينــا تاريــخ املســلمني يف بعــض أزمنتــه ضع ًفــا يف تطبيــق التســامح‪،‬‬
‫وقــد يكــون مــرد ذلــك الضعــف علــو األهــواء‪ ،‬وقلــة العلــم عــن اللــه تعــاىل‪،‬‬
‫وال يضــر ذلــك التأصيــل الرشعــي لهــذه القضيــة‪ ،‬أو بخــس التســامح حظــه‬
‫مــن مكانتــه يف اإلســام‪ ،‬إذ التســامح مــن خصائصــه‪ ،‬يقــول الطاهــر بــن‬
‫عاشــور‪« :‬يحــق لنــا أن نقــول‪ :‬إن التســامح مــن خصائــص ديــن اإلســام وهــو‬
‫أشــهر مميزاتــه‪ ،‬وأنــه مــن النعــم التــي أنعــم بهــا عــى أضــداده وأعدائــه‪،‬‬
‫وأدل حجــة عــى رحمــة الرســالة اإلســامية»(‪.)1‬‬
‫وكيــف تُقـ َّدم الرشيعــة اإلســامية مــن دون تســامح؟ إن هــذا مــا ال ميكــن‬
‫تصــوره‪ ،‬فمــكارم األخــاق التــي جــاءت بهــا الرشيعــة اإلســامية هدفهــا‬
‫التســامح؛ وعلــاء اإلســام برتاثهــم العلمــي العريــق قــد رضبــوا بســهم وافــر‬
‫يف بنــاء هــذه القيمــة‪ ،‬وتأســيس تلــك الفضيلــة؛ إذ ال تخلــو كتبهــم مــن‬
‫فيوضاتهــا‪ ،‬وال تتجــرد كلامتهــم مــن نــر حكمهــا‪ ،‬أو نظــم فرائدهــا‪.‬‬
‫إن اإلســام منــذ القــدم قــد أجــرى اإلمنــاء عــى هــذه القيمــة‪ ،‬مــا جعــل‬
‫منهــا ثقافــة متجــذرة يف املســلمني‪ ،‬موصولــة الجــذور بعاداتهــم العربيــة‬
‫وفطرتهــم اإلنســانية‪ ،‬وال أدل عــى ذلــك مــن كــرة اســتعامالت مفــردات‬
‫التســامح يف ال ـراث اإلســامي‪ ،‬فقــد اســتعمل أبــو الطيــب املتنبــي مفــردة‬
‫التســامح يف شــعره عندمــا قــال‪:‬‬
‫حقوقك كلها ومن ذا الذي يُرخي سوى من تسامح»(‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫«ومن ذا الذي يقيض‬
‫‪ - 1‬ابن عاشور؛ أصول النظام االجتامعي‪ :‬ص ‪.229‬‬
‫‪ - 2‬الواحدي‪ ،‬أبو الحسن عيل بن أحمد بن محمد بن عيل الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي ‪ 468‬ه‪ ،‬رشح ديوان املتنبي‪ ،‬ج‬
‫‪ 1‬ص ‪.262‬‬

‫‪53‬‬
‫يقــول الواحــدي يف بيــان معنــاه‪« :‬حقوقــك عــى النــاس أكــر مــن أن يقــدر‬
‫أحــد عــى القيــام بقضائهــا‪ ،‬ومــن ذا الــذي يرضيــك بقضــاء حقوقــك غــر مــن‬
‫تســامحه وتســاهله»(‪ .)1‬وقــال أبــو ســليامن الخطــايب‪:‬‬
‫وأبقِ فلم يستقص ق ُّط كريم»(‪.)2‬‬ ‫«تسامح وال تستوف حقّك كلَّه ‬
‫فالتسامح إذن متجذر يف الثقافة العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التحوالت املعارصة يف مجال التسامح‪:‬‬


‫مجــال للشــك؛ أصالــ ُة مفهــوم التســامح يف‬ ‫ً‬ ‫لقــد تأكــدَتْ لنــا‪ ،‬مبــا ال يــدع‬
‫علــوم الرشيعــة اإلســامية‪ ،‬وتبــن لنــا ِقــ َد ُم اســتعامله يف اللغــة العربيــة‪،‬‬
‫وبســبب االنفتــاح الثقــايف املعــارص‪ ،‬أخــذ هــذا املصطلــح ينتــر ويتســع‬
‫روي ـ ًدا روي ـ ًدا‪ ،‬حتــى بــرز جليًّــا واض ًحــا‪ ،‬وأخــذ مكانــه يف الفكــر اإلســامي‬
‫والخطــاب الدينــي‪ ،‬مــا حــدا مبتأملــه أن يرصــد كل تغــر يطــرأ عليــه‪ ،‬وكل‬
‫تحــو ٍل يحيــق مبضامينــه‪ ،‬وأقــف هنــا عــى أربعــة تحــوالت رئيســة معــارصة‬
‫تعــرض لهــا هــذا املفهــوم‪ ،‬وهــي‪:‬‬
‫‪ .1‬تخصيصــه بنهــج الســاحة مــع املخالفــن يف الديــن والعقيــدة‪ :‬وقــد‬
‫تقــدم إيــراد التعريفــات يف ذلــك‪ ،‬إال أنــه مل يســتقر هــذا املصطلــح بهــذا‬
‫املعنــى إال يف ف ـرات متأخــرة‪ ،‬يقــول الشــيخ الطاهــر ابــن عاشــور‪« :‬وهــو‬
‫لفــظ اصطلــح عليــه العلــاء الباحثــون عــن األديــان مــن املتأخريــن يف أواخــر‬
‫السـ ْم َح ِة{(‪،)3‬‬
‫ـت بِالْ َح ِني ِف َّيـ ِة َّ‬
‫القــرن املــايض الهجــري أخـذًا مــن الحديــث }بُ ِعثْـ ُ‬
‫فقــد صــار هــذا اللفــظ حقيقــة عرفيــة يف هــذا املعنــى‪ ،‬ورمبــا عــروا عــن‬
‫معنــاه ســالفا بلفــظ‪ :‬ت ََســاهل‪ ،‬وهــو مـرادف لــه يف اللغــة‪ ،‬ولكــن االصطــاح‬
‫الــذي خــص لفــظ التســامح مبعنــى الســاحة الخاصــة تلقــاء املخالفــن يف‬
‫الديــن كان حقيقــا بــأن يــرك مرادفــه يف أصــل معنــاه‪ ،‬فلذلــك هجــروا لفــظ‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.262‬‬


‫‪ - 2‬الثعالبي؛ عبد امللك بن محمد بن إسامعيل أبو منصور الثعالبي ‪ 429‬ه‪ ،‬يتيمة الدهر يف محاسن أهل العرص‪( ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬مفيد محمد قمحية‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1403 ،1 .‬ه‪1983‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.94‬‬
‫‪ - 3‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )22291( :‬ج ‪ 36‬ص ‪.623‬‬

‫‪54‬‬
‫التســاهل‪ ،‬إذ كان يــؤذن بقلــة متســك املســلم بدينــه‪ ،‬فتعــن لفــظ التســامح‬
‫للتعبــر عــن هــذا املعنــى‪ ،‬وهــو لفــظ رشــيق الداللــة عــى املعنــى املقصــود‬
‫ال ينبغــي اســتبداله بغــره»(‪.)1‬‬
‫‪ .2‬إدراجــه ضمــن علــم مقاصــد الرشيعــة‪ :‬فنجدهــم يطلقونــه مبعنــى‬
‫التيســر الــذي يعــد الصبغــة العامــة للرشيعــة اإلســامية‪ ،‬وقــد تقــدم تعريف‬
‫ابــن عاشــور للســاحة التــي أوردهــا يف كتابــه مقاصــد الرشيعــة‪.‬‬
‫ونجــد الحجــوي الثعالبــي الفــايس املغــريب أيضــا يســتعمل هــذا املصطلــح‬
‫مبعنــى التيســر والســعة فيقــول‪« :‬مذهــب الحنفيــة أوســع املذاهــب وأكرثها‬
‫تســام ًحا عــى وجــه اإلجــال‪ ،‬وأيرسهــا للمجتهــد»(‪.)2‬‬
‫عــى أن املصطلــح الــذي أكــر منــه علــاء املقاصــد هــو الســاحة‪ ،‬ومــن‬
‫أوائــل مــن اعتنــى بــه وأعــاده وأبــداه‪ :‬ويل اللــه الدهلــوي يف كتابــه حجــة‬
‫اللــه البالغــة‪ ،‬واقتــدى بــه املقاصديــون بعــد ذلــك(‪.)3‬‬
‫‪ .3‬إعــان املؤسســات الدوليــة العامليــة مبــادئ التســامح‪ :‬ففــي عــام‪1995 :‬‬
‫مل يعــد التســامح مجــرد خلــق وقيمــة‪ ،‬بــل أصبحــت لــه مبــادئ وقوانــن‬
‫تنظمــه‪ ،‬تحــت إرشاف املؤسســات الدوليــة العامليــة‪ ،‬مثــل األمــم املتحــدة‪،‬‬
‫فبمناســبة العيــد الخمســن لليونســكو يف ‪ 16‬نوفمــر ‪1995‬م‪ ،‬اعتمــدت‬
‫الــدول األعضــاء إعــان مبــادئ التســامح‪ ،‬وقــررت األمــم املتحــدة‪ ،‬مببــادرة‬
‫مــن اليونســكو‪ ،‬إعــا َن الســنة نفســها ســنة األمــم املتحــدة الدوليــة للتســامح‬
‫التــي تحتفــل خاللــه املنظمتــان بعيدهــا الخمســن(‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬ابن عاشور‪ ،‬أصول النظام االجتامعي‪ :‬ص ‪.227‬‬


‫‪ - 2‬الحجوي؛ محمد بن الحسن بن العر ّيب بن محمد الثعالبي الجعفري الفايس ‪ 1376‬ه‪ ،‬الفكر السامي يف تاريخ الفقه‬
‫اإلسالمي‪( ،‬مطبعة إدارة املعارف بالرباط ‪ 1340 -‬إىل ‪1345‬ه)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.135‬‬
‫‪ - 3‬الدهلوي؛ أحمد بن عبد الرحيم بن الشهيد وجيه الدين بن معظم بن منصور املعروف بـ «الشاه ويل الله الدهلوي»‬
‫‪ 1176‬ه‪ ،‬حجة الله البالغة‪( ،‬تحقيق‪ :‬السيد سابق‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1426 ،1 .‬ه ‪2005 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ 88‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪ )( - 4‬اليونسكو‪ ،‬منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة‪ ،‬موقع إلكرتوين‪.‬‬
‫‪http: www.unesco.org new ar social-and-human-sciences themes fight-against-discrimination‬‬
‫‪promoting-tolerance‬‬

‫‪55‬‬
‫كــا أصــدرت املنظمــة اإلســامية للرتبيــة والعلــوم والثقافــة‪« :‬إيسســكو» يف‬
‫تعزيــز مبــادئ التســامح كتابًــا باســم «مفهــوم التعايــش يف اإلســام» يوضــح‬
‫تلــك املبــادئ مــن منظــور إســامي‪.‬‬
‫‪ .4‬تبنــي دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة اسـراتيجية التســامح‪ :‬فقــد وصــل‬
‫التســامح يف دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة إىل أفضــل حاالتــه‪ ،‬حيــث أصبح‬
‫للتســامح مؤسســات تنظمــه‪ ،‬وتــرع القوانــن مــن أجــل حراســته وتنميتــه‪،‬‬
‫وتســعى يف ترســيخه‪ ،‬وتتبنــى دراســات ومشــاريع مــن أجــل نــره‪ ،‬ففــي‬
‫فربايــر ‪2016‬م‪ ،‬وافــق مجلــس الــوزراء املوقــر عــى إنشــاء وزارة التســامح يف‬
‫دولــة اإلمــارات‪ ،‬وتعيــن وزيــر دولــة للتســامح فيهــا(‪.)1‬‬
‫وتعمــل هــذه الــوزارة عــى دعــم قيــم التســامح‪ ،‬واحــرام التعدديــة‪،‬‬
‫والقبــول باآلخــر‪ ،‬وتكريــس هــذا النهــج ثقافــة إماراتيــة أصيلــة‪ ،‬فهــي تقــوم‬
‫عــى دعمهــا وتطويرهــا‪ ،‬وتعزيزهــا عــى املســتويني الوطنــي واإلقليمــي‪،‬‬
‫ومــن أجــل تحقيــق ذلــك اعتمــد مجلــس الــوزراء يف الســنة نفســها الربنامــج‬
‫الوطنــي للتســامح‪ ،‬وهــو برنامــج اس ـراتيجي يــرف عــى مؤسســات عــدة‪،‬‬
‫وأنشــطة مختلفــة‪ ،‬تركــز عــى إعــداد دراســات جــادة ودقيقــة حــول قيــم‬
‫التســامح ومجاالتهــا(‪ .)2‬وســيأيت الحديــث عــن هــذا مفصــا‪.‬‬

‫‪ - 1‬وقد التقيت مبعايل الشيخة لبنى القاسمي يف بدايات عملها يف الوزارة واستعرضت لها خطة هذا البحث وتطلعايت يف‬
‫هذه األطروحة‪ ،‬فرحبت بالفكرة‪ ،‬وأمدتني ببعض األفكار الرائقة‪ ،‬ودعمتني ببعض الدراسات‪ ،‬فجزاها الله خري الجزاء‪.‬‬
‫كام ترشفت بالسفر مع معايل الشيخ نهيان بن مبارك بعد تعيينه وزي ًرا للتسامح وأفدت منه كث ًريا يف هذا البحث‪.‬‬
‫‪ - 2‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪ ،‬موقع إلكرتوين‪.‬‬
‫‪https: government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-in-‬‬
‫‪the-uae‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أهمية التسامح ومظاهره وآثاره؛ وتحته ثالثة‬
‫مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية التسامح‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مظاهر التسامح وتجلياته‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬آثار التسامح ومثراته‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أهمية التسامح ومظاهره وآثاره‪:‬‬
‫إن التســامح والرتكيــز عليــه ال يعــد مــن فضــول القــول وال ترفًــا ثقافيًّــا‪ ،‬بــل‬
‫هــو حاجـ ٌة ملحــة ال ســيام يف هــذا العــر؛ ألن بــاب التالقــي بــن الشــعوب‬
‫قــد فُتــح عــى مرصاعيــه‪ ،‬ومل يعــد بــن اإلنســان واإلنســان حاجــب‪ ،‬بــل‬
‫أصبــح هــذا العــامل الشاســع مــع وجــود أدوات التواصــل قريــة واحــدة‪ ،‬بــل‬
‫هــو مجمــوع بــن يــدي املــرء يف شاشــة هاتفــه‪ ،‬ويعنــي ذلــك كلــه؛ أنــه ال‬
‫مفــر مــن التعايــش الســليم‪ ،‬وال ميكــن أن يتحقــق ذلــك إال برتســيخ ثقافــة‬
‫التســامح‪.‬‬
‫فالتســامح مــن األخــاق الجوهريــة‪ ،‬والقيــم املحوريــة‪ ،‬التــي مــا فتئــت‬
‫ـدل عــى ارتبــاط املــرء باملــكارم‪ ،‬واتصالــه بالشــيم والفضائــل‪ ،‬فمــن اختــار‬ ‫تـ ّ‬
‫التســامح فقــد أقــام حــق مــكارم األخالق‪ .‬والتســامح هــو القانون الــذي يكبح‬
‫كل منــاوأة ومنازعــة؛ فالنــاس مجبولــون عــى جلــب مصالحهــم ودفــع مــا‬
‫ـخص ورسوره‪ ،‬يجــر رض ًرا لغــره‪ ،‬ولرب‬ ‫ـرب عمــل فيــه مصلحــة شـ ٍ‬ ‫يرضهــم‪ ،‬ولـ ّ‬
‫إحجــام إنســان عــن الــرر‪ ،‬قــد يحــرم آخــر الظفــر‪ ،‬وهكــذا هــذه الطبيعــة‬
‫التــي تفــي عنــد التعــارض إىل تغالــب النــاس وتنازعهــم‪ ،‬وال يكبــح تلــك‬
‫الطبائــع عــن انتشــاب الخطــر بهــا إال أن تحتكــم إىل خلــق التســامح‪ ،‬ليمتــد‬
‫جــر العالقــات الحســنة بــن النــاس؛ فيتجــى عــى إثــر ذلــك انتشــار قيــم‬
‫األلفــة واملســاملة يف املحيــط القريــب بــن األرسة والجــار واملجتمــع‪ ،‬ويتعــدى‬
‫ذلــك إىل املحيــط البعيــد ممــن تجمعنــا بينهــم املشــركات اإلنســانية‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬فالتســامح يف أهميتــه البالغــة هــو الضامنــة األســاس الســتقرار‬
‫املجتمعــات وتنميتهــا‪ ،‬وقــد عقــدت هــذا الفصــل ألكشــف اللثــام عــن معاقد‬
‫أهميتــه الرشعيــة واإلنســانية‪ ،‬وتجليــات تلــك األهميــة‪ ،‬وأثرهــا عــى األفـراد‬
‫واملجتمعــات‪ ،‬وقــد جعلتــه يف مبحثــن‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية التسامح ويشتمل عىل ثالثة مطالب‬
‫املطلب األول‪ :‬التسامح فريضة رشعية‪:‬‬
‫إن التســامح أمــر ربــاين‪ ،‬وواجــب دينــي‪ ،‬دلــت عليــه آيــات القــرآن الكريــم‬
‫املتعــددة‪ ،‬وهــدي الرســول صــى اللــه عليــه وســلم الجــي‪ ،‬وإن ســيادة هــذا‬
‫الخلــق بــن النــاس‪ ،‬عــى اختــاف معتقداتهــم وأديانهــم وأجناســهم؛ دعــت‬
‫إليــه عموميــات الرشيعــة ونصوصهــا ومقاصدهــا املرعيــة‪ ،‬وقيمهــا اإلنســانية‪.‬‬
‫فالتســامح الــذي يدعــو الح ـرام اإلنســان وقبولــه(‪ ،)1‬والتواصــل الحضــاري‬
‫معــه‪ ،‬وإلغــاء التعصــب والكراهيــة‪ ،‬وكل مــا يكــرس العنــف يف املجتمعــات؛‬
‫هــو لــب تعاليــم الديــن اإلســامي الحنيــف‪ ،‬فنجدهــا تُركــز عليــه وتراعيــه يف‬
‫مختلــف ترشيعاتهــا‪.‬‬
‫فــكل األوامــر ال ِق َي ِم َّيــة الرشعيــة التــي تحــض عــى األخــاق الفاضلــة؛ ‪-‬والتــي‬
‫منهــا العفــو والصفــح واإلحســان واملحبــة والحلــم والصلــة والرفــق واللــن‬
‫ومقابلــة الســيئة بالحســنة‪ -‬مبجمــوع أجزائهــا‪ ،‬ومنثــور أوامرهــا‪ ،‬دالــة عــى‬
‫أن التســامح فريضــة رشعيــة‪ ،‬قــد وضــع لهــا اإلســام أسســا راســخة‪ ...‬وعقــد‬
‫لهــا املســلمون مواثيــق متينــة يف تاريخهــم(‪.)2‬‬
‫وبالنظــر إىل تلــك األســس الراســخة للتســامح‪ ،‬والتأمــل يف طبيعــة توجهاتهــا‬
‫الرشعيــة‪ ،‬نجــد أنهــا تتفاعــل يف دوائــر ثالثــة‪:‬‬
‫الدائــرة األوىل‪ :‬دائــرة شــخصية؛ وذلــك بتأهيــل النفــس اإلنســانية لقابليــة‬
‫التســامح‪ ،‬ويكــون ذلــك بغــرس األخــاق الحســنة فيهــا‪ ،‬ويف هــذه املرتبــة‬
‫ت ُفهــم األوامــر املوجهــة للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم بالعفــو والصفــح‪،‬‬
‫ـح ٱل َج ِميـ َـل﴾(‪ .)3‬وقولــه عــز وجــل‪:‬‬ ‫ٱلصفـ َ‬
‫مثــل قــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬فَٱص َف ـ ِح َّ‬

‫‪ - 1‬املقصود بهذا الحكم هو التسامح بهذا املعنى‪ ،‬أما املسامحة التي تعني إسقاط الحق والعدل فهذه فضل غري واجب‪،‬‬
‫صو َن َو َج َزا ُء َسيِّئَ ٍة َسيِّئَ ٌة ِمثْلُ َها فَ َم ْن َعفَا َوأَ ْصل ََح‬
‫وعليها تدل أدلة عديدة منها قوله تعاىل‪َ { :‬وال َِّذي َن إِذَا أَ َصابَ ُه ُم الْبَغ ُْي ُه ْم يَ ْنتَ ِ ُ‬
‫فَأَ ْج ُر ُه َع َل اللَّ ِه إِنَّ ُه َل يُ ِح ُّب الظَّالِ ِم َني} [الشورى‪.]40 :‬‬
‫‪ - 2‬ابن عاشور؛ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونيس ‪ 1393‬ه‪ ،‬أصول النظام االجتامعي يف‬
‫اإلسالم‪( ،‬الرشكة التونسية للتوزيع – تونس‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر‪ ،‬ط‪ ،)2 .‬ص ‪.230‬‬
‫‪ - 3‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.85 :‬‬

‫‪59‬‬
‫ـوف يَعلَ ُمــونَ﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿فَٱص َفــح َعن ُهــم َوقُــل َس ـلَٰ ‪ٞ‬م ف ََسـ َ‬
‫الدائــرة الثانيــة‪ :‬االنتقــال بهــذه األخــاق الشــخصية إىل املرحلــة التطبيقيــة‪،‬‬
‫فيتحقــق التعامــل بهــا مــع القريــب املحيــط باإلنســان‪ ،‬ومــن هنــا ُشع يف‬
‫كل مــا يحقــق التســامح مــع األرسة؛ مــن صلــة األرحــام والعــرة‬ ‫اإلســام ُّ‬
‫الحســنة‪ ..‬وأوامــر ذلــك يف الرشيعــة كثــرة‪ ،‬ومنهــا قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل يَأتَــلِ‬
‫ـرب َوٱمل ََٰسـ ِك َني َوٱمل ُ َٰه ِجرِيـ َن ِف‬‫ٱلسـ َع ِة أَن يُؤت ُـ ٓوا ْ أُ ْو ِل ٱل ُقـ َ ٰ‬‫أُ ْولُــوا ْ ٱلفَضــلِ ِمن ُكــم َو َّ‬
‫َسـبِيلِ ٱللَّـ ِه َول َيع ُفــوا ْ َول َيص َف ُحـ ٓوا ْ أَ َل ت ُِح ُّبــو َن أَن يَغ ِفـ َر ٱللَّـ ُه لَ ُكــم َوٱللَّـ ُه َغ ُفــو ‪ٞ‬ر‬
‫َّر ِحيــم﴾(‪.)2‬‬
‫الدائــرة الثالثــة‪ :‬الدائــرة البعيــدة مــع املخالفــن؛ بقبولهــم واحرتامهــم‪،‬‬
‫والتعــارف معهــم‪ ،‬وأمثلــة ذلــك أيضــا كثــرة يف القــرآن الكريــم‪ ،‬منهــا قــول‬
‫حس ـ ُن فَ ـ ِإذَا ٱلَّـ ِـذي بَي َنـ َـك َوبَي َن ـ ُه َع ـ َٰد َو ‪ٞ‬ة‬‫ـي أَ َ‬ ‫اللــه تعــاىل‪﴿ :‬ٱدفَــع بِٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫كَأَنَّـ ُه َو ِ ٌّل َح ِميـ ‪ٞ‬م﴾(‪ .)3‬قــال اإلمــام الطــري يف تفســرها‪َ « :‬م ْع َنــى َذلِـ َـك‪ :‬ا ْدفَـ ْع‬
‫ِالسـ َـا ِم َعـ َـى َم ـ ْن أَ َســا َء إِلَ ْيـ َـك إِ َســا َءت َ ُه»(‪.)4‬‬
‫ب َّ‬
‫وبعــد بيــان طبيعــة تلــك الدوائــر الثالثــة‪ ،‬نــرع يف ذكــر بعضهــا‪ ،‬وننبــه إىل‬
‫أن األدلــة الدالــة عــى وجــوب التســامح نوعــان‪:‬‬
‫النــوع األول‪ :‬األدلــة الرصيحــة اآلمــرة بالتســامح بلفظــه‪ ،‬وهــي قليلــة‪ ،‬ومنهــا‬
‫الحديــث النبــوي الــذي رواه ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا عــن رســول اللــه‬
‫}اس ـ َم ْح‪ ،‬يُ ْس ـ َم ْح لَـ َـك{(‪ .)5‬وعــن عطــاء‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪ْ :‬‬
‫}اسـ َم ُحوا يُ ْسـ َم ْح لَ ُكـ ْم{( )‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫مرسـ ًـا أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪ْ :‬‬

‫‪ - 1‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.89 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة فصلت‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫‪ - 4‬الطربي؛ محمد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلميل‪ ،‬أبو جعفر الطربي ‪ 310‬ه‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي‬
‫القرآن‪( ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد الله بن عبد املحسن الرتيك‪ ،‬دار هجر للطباعة والنرش والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪1422 ،1 .‬ه ‪-‬‬
‫‪2001‬م)‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪.432‬‬
‫‪ - 5‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )2233( :‬ج ‪ 4‬ص ‪.103‬‬
‫‪ - 6‬الصنعاين‪ ،‬أبو بكر عبد الرزاق بن هامم بن نافع الحمريي اليامين الصنعاين ‪ 211‬ه‪ ،‬املصنف‪( ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن‬
‫األعظمي‪ ،‬املجلس العلمي‪ -‬الهند‪ ،‬ط‪1403 ،2 .‬ه)‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ -‬باب الوضوء عن املطاهر ‪ -‬ج ‪ 1‬ص ‪ 73‬رقم ‪.237‬‬

‫‪60‬‬
‫ففــي هذيــن الحديثــن األمــر بالســاحة والتســامح‪ ،‬وأن الجـزاء مــن جنــس‬
‫العمــل‪ ،‬وقــد ورد األمــر متنــوع الصيغــة؛ مــرة بصيغــة املفــرد‪ ،‬ليــدل عــى‬
‫تســامح األفـراد‪ ،‬وأخــرى بصيغــة الجمــع‪ ،‬ليفيــد أن التســامح قيمــة جامعيــة‬
‫مشــركة بــن النــاس جمي ًعــا‪ ،‬وهــذا مــا فهمــه مــن هــذا الحديــث بعــض‬
‫الـراح‪ ،‬يقــول املنــاوي‪« :‬أي‪ :‬عامــل ال َخلــق الذيــن هــم عيــال اللــه وعبيــده‬
‫باملســامحة واملســاهلة؛ يعاملْــك ســيدهم مبثلــه يف الدنيــا واآلخــرة‪ .‬ويف‬
‫اإلنجيــل‪ :‬إن غفرتــم للنــاس خطاياهــم غفــر لكــم أبوكــم الســاوي خطاياكــم‪،‬‬
‫وإن مل تغفــروا للنــاس خطاياهــم مل يغفــر لكــم‪ ...‬وهــذا مــن اإلحســان املأمور‬
‫بــه يف القــرآن املتعلــق باملعامــات‪ ،‬وهــو حــث عــى املســاهلة يف املعاملــة‬
‫وحســن االنقيــاد‪ ،‬وهــو مــن ســخاوة الطبــع‪ ،‬وحقــارة الدنيــا يف القلــب‪ ،‬فمــن‬
‫مل يجــده مــن طبعــه فليتخلــق بــه‪ ،‬فعــى أن يســمح لــه الحــق مبــا قــر‬
‫فيــه مــن طاعتــه‪ ،‬وعــر عليــه يف االنقيــاد إليــه يف معاملتــه‪ ،‬إذا أوقفــه بــن‬
‫يديــه ملحاســبته»(‪.)1‬‬
‫النــوع الثــاين مــن األدلــة‪ :‬وهــي أدلــة عامــة بعضهــا يــدل عــى التســامح‬
‫مع ًنــى‪ ،‬وبعضهــا يدعــو إىل أخــاق التســامح مع ًنــى ومب ًنــى‪ ،‬ومعاقــد هــذه‬
‫األدلــة ترجــع إىل أربعــة أســس‪:‬‬
‫األســاس األول‪ :‬أن التســامح قاعــدة أخالقيــة يف التعامــل مــع جميــع النــاس‪،‬‬
‫وهــذا راجــع كــا تقــدم إىل الدائــرة األوىل؛ وهــي املعيــار الخلقــي ودوره‬
‫األســاس يف التســامح‪ ،‬وقــد أمــر اللــه تعــاىل نبيــه عليــه الصــاة والســام‬
‫بالعفــو عــن املخالفــن والصفــح عنهــم؛ فقــال تعــاىل‪ُ ﴿ :‬خـ ِـذ ٱل َعف ـ َو َوأ ُمــر‬
‫ـرف َوأَع ـرِض َعــنِ ٱل َٰج ِهلِ ـ َن﴾(‪ .)2‬فاملقصــود بالعفــو يف هــذه اآليــة هــو‬ ‫بِٱل ُعـ ِ‬
‫معنــى التســامح املتقــدم بيانــه وهــو املســاهلة‪ ،‬يقــول الـرازي يف تفســره‪« :‬ال‬
‫نُســلم أن العفــو هــو إســقاط الحــق‪ ،‬بــل املـراد مــن قولــه‪﴿ :‬فَ َمـ ْن ُع ِفـ َ‬
‫ـي لَـ ُه‬
‫ش ٌء﴾(‪ .)3‬أي فمــن ســهل لــه مــن أخيــه يشء‪ ،‬يقــال‪ :‬أتــاين هــذا‬ ‫ِم ـ ْن أَ ِخي ـ ِه َ ْ‬
‫املــال عفــوا صفــوا‪ ،‬أي ســهال‪ ،‬ويقــال‪ :‬خــذ مــا عفــا‪ ،‬أي مــا ســهل‪ ،‬قــال اللــه‬

‫‪ - 1‬املناوي‪ ،‬فيض القدير‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.512‬‬


‫‪ - 2‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.199 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.178 :‬‬

‫‪61‬‬
‫ــذ الْ َعفْــ َو﴾(‪ .)2(»)1‬وبــن ذلــك مبعنــى أوضــح يف موطــن آخــر‬ ‫تعــاىل‪ُ ﴿ :‬خ ِ‬
‫فقــال‪« :‬إذا عرفــت هــذا فنقــول‪ :‬الحقــوق التــي تســتوىف مــن النــاس وتؤخــذ‬
‫منهــم‪ ،‬إمــا أن يجــوز إدخــال املســاهلة واملســامحة فيهــا‪ ،‬وإمــا أن ال يجــوز‪.‬‬
‫أمــا القســم األول‪ :‬فهــو املـراد بقولــه‪ُ ﴿ :‬خـ ِـذ الْ َع ْفـ َو﴾(‪ ،)3‬ويدخــل فيــه تــرك‬
‫التشــدد يف كل مــا يتعلــق بالحقــوق املاليــة‪ ،‬ويدخــل فيــه أيضــا التخلــق مــع‬
‫النــاس بالخلــق الطيــب‪ ،‬وتــرك الغلظــة والفظاظــة»(‪.)4‬‬
‫ومــن تلــك اآليــات الداعيــة للتخلــق بأخــاق التســامح أيضــا قولــه تعــاىل‪:‬‬
‫﴿قُــل �لِّل َِّذي ـ َن َءا َم ُنــوا ْ يَغ ِف ـ ُروا ْ لِل َِّذي ـ َن َل يَر ُجــو َن أَيَّــا َم ٱللَّ ـ ِه﴾(‪ .)5‬قــال ابــن‬
‫عطيــة‪« :‬أمــر اللــه املؤمنــن فيهــا أن يتجــاوزوا عــن الكفــار وأن ال يعاقبوهــم‬
‫بذنــب‪ ،‬بــل يأخــذون أنفســهم بالصــر»(‪.)6‬‬
‫ــى َمــا يَقُولُــو َن َوٱه ُجر ُهــم َهجــ ٗرا َج ِم ٗ‬
‫يــا﴾(‪.)7‬‬ ‫وقولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و ِ‬
‫ٱصــر َع َ ٰ‬
‫رك‬‫قــال القشــري‪« :‬الهجــر الجميــل‪ :‬أن تعارشهــم بظاهــرك وتباينهــم ب ـ ّ‬
‫وقلبــك»(‪ .)8‬وتتحقــق هــذه العــرة باألخــاق الحســنة وعــدم مجاراتهــم‬
‫بالــرد عليهــم؛ يقــول الزمخــري‪« :‬الهجــر الجميــل‪ :‬أن يجانبهم بقلبــه وهواه‪،‬‬
‫ويخالفهــم مــع حســن املخالقــة واملــداراة واإلغضــاء وتــرك املكافــأة»(‪.)9‬‬
‫فهــذه اآليــات وغريهــا تدعــو إىل املبــادئ الدالــة عــى التســامح؛ مــن الصفــح‪،‬‬
‫والعفــو‪ ،‬واملغفــرة‪ ،‬والهجــر الجميــل‪ ،‬واملعــارشة الحســنة‪ ،‬وكلهــا مبــادئ‬
‫أخالقيــة ســامية‪ ،‬يتحــى بهــا املؤمــن يف التعامــل مــع املخالــف‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الجاثية؛ اآلية‪.14 :‬‬


‫‪ - 2‬تفسري الرازي‪.225 5 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة املزمل؛ اآلية‪.10 :‬‬
‫‪ - 4‬الرازي؛ أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسني التيمي الرازي امللقب بفخر الدين الرازي خطيب الري ‪606‬‬
‫ه‪ ،‬مفاتيح الغيب‪( ،‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت‪ ،‬ط‪1420 ،3 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 15‬ص ‪.434‬‬
‫‪ - 5‬سورة الجاثية‪ ،‬اآلية‪.14 :‬‬
‫‪ - 6‬ابن عطية؛ املحرر الوجيز‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 7‬سورة املزمل‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬
‫‪ - 8‬القشريي؛ عبد الكريم بن هوازن بن عبد امللك القشريي ‪ 465‬ه‪ ،‬لطائف اإلشارات‪( ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم البسيوين‪ ،‬الهيئة‬
‫املرصية العامة للكتاب – مرص‪ ،‬ط‪ ،)3 .‬ج ‪ 6‬ص ‪.644‬‬
‫‪ - 9‬الزمخرشي؛ أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخرشي جار الله ‪ 538‬ه‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪،‬‬
‫(دار الكتاب العريب – بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،3 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.640‬‬

‫‪62‬‬
‫ولعــل الناظــر يف تلــك اآليــات القرآنيــة اآلمــرة بالعفــو والصفــح والتســامح‬
‫مــع املخالــف؛ يُشـ ِكل عليــه مــا ينقلــه عــدد مــن املفرسيــن عــن املتقدمــن؛‬
‫مــن أن تلــك اآليــات منســوخة بآيــة الســيف واألمــر بالقتــل‪ ،‬وهــذا القــول‬
‫مشــهور يف كتــب التفســر‪ ،‬يقــول الــرازي‪« :‬ونظــره‪﴿ :‬فَأَعــرِض َعن ُهــم‬
‫َو ِعظ ُهــم﴾(‪َ ﴿ .)1‬وأَع ـرِض َعــنِ ٱل َٰج ِهلِ ـ َن﴾(‪﴿ .)2‬فَأَع ـرِض َعــن َّمــن تَـ َو َّ ٰل َعــن‬
‫ِذك ِرنَــا﴾(‪ .)3‬قــال املفــرون‪« :‬هــذه اآليــة إمنــا نزلــت قبــل آيــة القتــال ثــم‬
‫نســخت باألمــر بالقتــال»(‪.)4‬‬
‫ولدفــع هــذا اإلي ـراد نقــول‪ :‬إن هــذا قــول ِمــن أقــوال املفرسيــن قــد روي‬
‫ـوال أخــرى تفيــد اســتمرار العمــل‬ ‫عــن بعــض التابعــن‪ ،‬بيــد أن هنــاك أقـ ً‬
‫بهــذا النــوع مــن اآليــات وحملهــا عــى محامــل أخــرى‪ ،‬دون تعطيلهــا‪،‬‬
‫والقاعــدة أن الجمــع بــن األدلــة أوىل مــن إلغــاء أحدهــا‪ ،‬يقــول صاحــب‬
‫ـب متــى مــا أمكنــا»(‪ .)5‬وقــد ســلك العلــاء يف دفــع‬ ‫املراقــي‪« :‬والجمــع واجـ ٌ‬
‫هــذا اإلي ـراد ثالثــة مناهــج‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن هــذه اآليــات وأمثالهــا غــر منســوخة بــل هــي محكمــة‪ ،‬وقــد‬
‫صحــح هــذا القــول اإلمــام الطــري والـرازي وغريهــا؛ يقــول الطــري‪ ...« :‬فــا‬
‫ســبيل إىل العلــم بأنــه ناســخ إال بخــر مــن اللــه جــل وعــز‪ ،‬أو مــن رســوله‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وليــس يف قولــه‪﴿ :‬قَٰ ِتلُــوا ْ ٱل َِّذي ـ َن َل يُؤ ِم ُنــو َن بِٱللَّ ـ ِه‬
‫ـوم ٱألٓ ِخـرِ﴾(‪ ،)6‬داللــة عــى األمــر بنفــي معــاين الصفــح والعفــو عــن‬ ‫َو َل بِٱل َيـ ِ‬
‫اليهــود‪ .‬وإذ كان ذلــك كذلــك‪ ...‬مل يكــن واجبــا أن يحكــم لقولــه‪﴿ :‬قَٰ ِتلُــوا ْ‬
‫ـوم ٱألٓ ِخـرِ﴾(‪ .)7‬بأنــه ناســخ قولــه‪﴿ :‬فَٱعـ ُـف‬ ‫ٱل َِّذيـ َن َل يُؤ ِم ُنــو َن بِٱللَّـ ِه َو َل بِٱليَـ ِ‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.63 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.199 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النجم‪ ،‬اآلية‪.28 :‬‬
‫‪ - 4‬تفسري الرازي‪ :‬ج ‪ 30‬ص ‪ .689‬وينظر يف التامس العذر للمفرسين القائلني بالنسخ يف مثل هذه اآلية‪ :‬الزحييل‪ ،‬وهبة‪،‬‬
‫آثار الحرب يف الفقه اإلسالمي‪ -‬دراسة مقارنة‪( ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1419 ،3 .‬ه‪-1998‬م|)‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ - 5‬الشنقيطي‪ ،‬عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي‪ ،‬نرش البنود عىل مراقي السعود‪( ،‬تقديم‪ :‬الداي ولد سيدي بابا ‪-‬‬
‫أحمد رمزي‪ ،‬مطبعة فضالة باملغرب)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.279‬‬
‫‪ - 6‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬
‫‪ - 7‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬

‫‪63‬‬
‫َعن ُهــم َوٱصفَــح إِ َّن ٱللَّــ َه يُ ِح ُّ‬
‫ــب ٱمل ِ‬
‫ُحســ ِن َني﴾(‪ .)1‬وقــال الــرازي بعــد كالمــه‬
‫املتقــدم‪« :‬وقــال آخــرون‪ :‬بــل ذلــك هــو األخــذ بــإذن اللــه فيــا يكــون أدعــى‬
‫إىل القبــول‪ ،‬فــا يــرِد النســخ يف مثلــه وهــذا أصــح»(‪ .)2‬وقــال الزركــي‪:‬‬
‫«وبهــذا التحقيــق تبــن ضعــف مــا لهــج بــه كثــر مــن املفرسيــن يف اآليــات‬
‫اآلمــرة بالتخفيــف أنهــا منســوخة بآيــة الســيف‪ ،‬وليســت كذلــك بــل هــي‬
‫ُنســأ؛ مبعنــى أن كل أمــر ورد يجــب امتثالــه يف وقــت مــا‪ ،‬لعلــة توجــب‬ ‫مــن امل َ‬
‫ذلــك الحكــم‪ ،‬ثــم ينتقــل بانتقــال تلــك العلــة إىل حكــم آخــر‪ ،‬وليــس بنســخ‪،‬‬
‫إمنــا النســخ اإلزالــة حتــى ال يجــوز امتثالــه أبــدا»(‪.)3‬‬
‫الثــاين‪ :‬أن املنســوخ مــن هــذه اآليــات هــو املتعلــق باألمــور العظــام‪ ،‬أمــا‬
‫األمــور األخــرى املتعلقــة باألخــاق واملعاملــة الحســنة فهــي محكمــة‪ ،‬وقــد‬
‫حــى هــذا القــول ابــن عطيــة حيــث قــال‪« :‬قالــت فرقــة‪ :‬اآليــة محكمــة‪،‬‬
‫واآليــة تتضمــن الغفــران عمومــا‪ ،‬فينبغــي أن يقــال‪ :‬إن األمــور العظــام‬
‫كالقتــل والكفــر مجاهــرة ونحــو ذلــك قــد نســخ غفرانــه آيــة الســيف‬
‫والجزيــة‪ ،‬ومــا أحكمــه الــرع ال محالــة‪ ،‬وإن األمــور املحقــرة كالجفــاء يف‬
‫القــول ونحــو ذلــك يحتمــل أن تبقــى محكمــة‪ ،‬وأن يكــون العفــو عنهــا أقــرب‬
‫إىل التقــوى»(‪ .)4‬فعــى هــذا القــول يبقــى القــدر املتعلــق بالتســامح يف هــذه‬
‫اآليــات محكــا غــر منســوخ‪.‬‬
‫الثالــث‪ :‬ذهــب ابــن العــريب املالــي إىل أن هــذه منســوخة؛ إال أنــه يعمــل‬
‫بهــا مــع املخالــف إذا كانــت لــه الغلبــة‪ ،‬كــا كان حــال رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم مــع املرشكــن‪ ،‬يقــول ابــن العــريب‪« :‬وكل منســوخ ال فائــدة‬
‫ملعرفــة معنــاه‪ ،‬ال ســيام يف هــذا املوضــع إال عــى القــول بــأن املــرء إذا غلــب‬
‫بالباطــل كان لــه أن يفعــل مــا فعلــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع‬
‫الكفــار حــن غلبــوه»(‪ .)5‬فنقلــه هــذا القــول دون تعليــق منــه عليــه بنفــي‬
‫‪ - 1‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫‪ - 2‬تفسري الرازي‪30 :‬ج ص ‪.689‬‬
‫‪ - 3‬الزركيش؛ أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركيش ‪ 794‬ه‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن‪( ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية عيىس البايب الحلبي ورشكائه‪ ،‬ط‪1376 ،1 .‬ه ‪1957 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 4‬ابن عطية؛ املحرر الوجيز‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 5‬القرطبي؛ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أيب بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ‪ 671‬ه‪ ،‬الجامع ألحكام‬
‫القرآن‪( ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الربدوين وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب املرصية – القاهرة‪ ،‬ط‪1384 ،2 .‬ه ‪1964 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.333‬‬

‫‪64‬‬
‫أو تضعيــف؛ هــو مبثابــة إق ـراره‪.‬‬
‫وإمنــا أوردت هــذه املناهــج لألمئــة يف التعامــل مــع هــذه اآليــات لشــيوع‬
‫القــول بنســخها‪ ،‬ومــا دام هنــاك مــن العلــاء مــن يصحــح عــدم نســخها‪،‬‬
‫فاملناهــج األخــرى التــي أوردتهــا دالــة عــى أن القيــم ال تنســخ‪ ،‬ألنها مشــركة‬
‫ومتعديــة وإنســانية‪.‬‬
‫األســاس الثــاين‪ :‬مــن األســس الدالــة عــى وجــوب التســامح؛ النهــي عــن‬
‫االزدراء واالســتهزاء وســب املخالــف ولــو مل يكــن لــه ديــن‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪:‬‬
‫﴿ َو َل ت َُسـبُّوا ْ ٱل َِّذيـ َن يَد ُعــو َن ِمــن ُدونِ ٱللَّـ ِه فَيَ ُسـبُّوا ْ ٱللَّـ َه َعــد َوا ِب َغـرِ ِعلـ ٖـم﴾‬
‫(‪ .)1‬وقــد فهــم املفــرون مــن هــذه اآليــة النهــي عــن املعاملــة باملثــل يف‬
‫الســب والشــتم‪ ،‬يقــول الـرازي‪« :‬وبالجملــة فهــو تنبيــه عــى أن خصمــك إذا‬
‫شــافهك بجهــل وســفاهة‪ ،‬مل يجــز لــك أن تقــدم عــى مشــافهته مبــا يجــري‬
‫مجــرى كالمــه‪ ،‬فــإن ذلــك يوجــب فتــح بــاب املشــامتة والســفاهة‪ ،‬وذلــك ال‬
‫يليــق بالعقــاء»(‪.)2‬‬
‫ويتأكــد هــذا النهــي بأوامــر أخــرى كثــرة يف القــرآن الكريــم؛ منهــا األمــر‬
‫بالدعــوة بالحكمــة‪ ،‬ومجادلــة املخالفــن بالحســنى‪ ،‬واألمــر بالقــول الحســن‪،‬‬
‫وقــد أشــار ال ـرازي إىل مجمــوع تلــك األوامــر يف تفســر قــول اللــه تعــاىل‪:‬‬
‫حس ـ ُن﴾(‪ .)3‬يقــول ال ـرازي‪« :‬وقــل يــا‬ ‫ـي أَ َ‬‫﴿ َوقُــل لِّ ِع َبــا ِدي يَقُولُــوا ْ ٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫محمــد لعبــادي إذا أردتــم إيــراد الحجــة عــى املخالفــن‪ ،‬فاذكــروا تلــك‬
‫الدالئــل بالطريــق األحســن؛ وهــو أن ال يكــون ذكــر الحجــة مخلوطًــا بالشــتم‬
‫ِٱلحك َمـ ِة َوٱمل َو ِعظَـ ِة‬‫والســب‪ ،‬ونظــر هــذه اآليــة قولــه‪﴿ :‬ٱد ُع إِ َ ٰل َسـبِيلِ َربِّـ َـك ب ِ‬
‫حســ ُن﴾(‪ .)4‬وقولــه‪﴿ :‬وال ت ُ َٰج ِدلُــ ٓوا ْ أَ َ‬
‫هــل‬ ‫ــي أَ َ‬
‫ٱل َح َســ َن ِة َو َٰج ِدل ُهــم بِٱلَّ ِتــي ِه َ‬
‫حسـ ُن إِ َّل ٱل َِّذيـ َن ظَلَ ُمــوا ْ ِمن ُهــم﴾( )؛ وذلــك ألن ذكــر‬
‫‪5‬‬
‫ـي أَ َ‬ ‫ـب إِ َّل بِٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫ٱل ِكتَٰـ ِ‬
‫الحجــة لــو اختلــط بــه يشء مــن الســب والشــتم لقابلوكــم مبثلــه‪ ...‬ويــزداد‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.108 :‬‬


‫‪ - 2‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 13‬ص ‪.109‬‬
‫‪ - 3‬سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية‪.53 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.125 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية‪.46 :‬‬

‫‪65‬‬
‫الغضــب وتتكامــل النفــرة‪ ،‬وميتنــع حصــول املقصــود‪ ،‬أمــا إذا وقــع االقتصــار‬
‫عــى ذكــر الحجــة بالطريــق األحســن الخــايل عــن الشــتم واإليــذاء؛ أثــر يف‬
‫القلــب تأث ـ ًرا شــدي ًدا فهــذا هــو امل ـراد»(‪.)1‬‬
‫فهــذا هــو دور التســامح مــع املخالــف‪ ،‬الــذي يجعــل كل تواصــل معــه إمنــا‬
‫أي معاملــة مــن شــأنها‬ ‫يكــون بالطريقــة الحســنة دون احتقــار أو ازدراء أو ٍّ‬
‫أن تزيــد التنافــر والبغضــاء‪.‬‬
‫األســاس الثالــث‪ :‬مــن األســس الدالــة عــى وجــوب التســامح؛ وجــوب اإلميــان‬
‫بجميــع الرســل الســابقني وكتبهــم‪ ،‬وعــدم التفريــق بينهــم‪ ،‬وهــذا األســاس‬
‫مــن مقتضيــات اإلميــان‪ ،‬ويقتــي االعـراف بالديانــات الســاوية واحرتامهــا‪،‬‬
‫يقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬قُولُـ ٓوا ْ َءا َم َّنــا بِٱللَّـ ِه َو َمـآ أُنـز َِل إِلَي َنــا َو َمـآ أُنـز َِل إِ َ ٰلٓ إِب َٰر ِهي‍ـ َم‬
‫ـى َو َم ـآ أُ ِ َ‬
‫وت‬ ‫ـوس َو ِعيـ َ ٰ‬ ‫وت ُمـ َ ٰ‬ ‫ـوب َوٱألَس ـ َب ِاط َو َم ـآ أُ ِ َ‬ ‫َوإِس ـ َٰم ِع َيل َوإِس ـ َٰح َق َويَع ُقـ َ‬
‫ــد ِّمن ُهــم َونَحــ ُن لَــ ُه ُمســلِ ُمونَ﴾( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫ٱل َّن ِبيُّــو َن ِمــن َّربِّهِــم َل نُفَــ ِّر ُق بَــ َن أَ َح ٖ‬
‫ص ِب ـ ِه نُو ٗحــا َوٱلَّـ ِـذ ٓي أَو َحي َن ـآ‬ ‫﴿ش َع لَ ُكــم ِّم ـ َن ٱل ِّديــنِ َمــا َو َّ ٰ‬ ‫ويقــول أيضً ــا‪َ َ :‬‬
‫ـى أَن أَ ِقي ُمــوا ْ ٱل ِّديـ َن َو َل تَتَ َف َّرقُــوا ْ‬ ‫ـوس َو ِعيـ َ ٰٓ‬‫إِلَيـ َـك َو َمــا َو َّصي َنــا ِبـ ِٓه إِب َٰر ِهيـ َم َو ُمـ َ ٰ‬
‫ـرض عــن»( )‪ .‬ذلــك‬
‫‪4‬‬
‫ِفيـ ِه﴾(‪ .)3‬يقــول أبــو الســعود‪« :‬واإلميــا ُن بالــكل جملـ ًة فـ ُ‬
‫أن الرســاالت يف لبهــا وأساســها ‪-‬وإن اختلفــت أزمانهــا‪ -‬ال تبايــن بينهــا؛ فلهــذا‬
‫ســاها اللــه تعــاىل يف كتابــه ملــة إبراهيــم‪ ،‬يقــول أبــو زهــرة‪« :‬وقــد أمــر اللــه‬
‫تعــاىل املؤمنــن‪ ،‬ومل يكــن أمــره إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وحــده‪،‬‬
‫بــل كان أمــره لــه وملــن اتبعــه‪ ،‬وفيــه بيــان أن إميانهــم هــو إميــان إبراهيــم‪،‬‬
‫وبنيــه‪ ،‬ويعقــوب وبنيــه‪ ،‬والنبيــن أجمعــن‪ ،‬فهــو إميــان عــام بالرســالة اإللهيــة‬
‫َل فــرق بــن رســول ورســول‪ ،‬ولذلــك قــال بحــق بعــض الذيــن علمــوا اإلســام‬
‫ومــا يدعــو إليــه‪ :‬إن اإلســام ديــن عــام»(‪ .)5‬ف َف ـ ْر ُض اإلســام عــى املســلمني‬
‫اإلميــان باألديــان الســابقة؛ مــن األســس الدالــة عــى وجــوب احـرام املخالفني‬
‫والتســامح معهــم‪.‬‬
‫‪ - 1‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 20‬ص ‪.355‬‬
‫‪ - 2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.136 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫‪ - 4‬أبو السعود؛ محمد بن محمد بن مصطفى ‪ 982‬ه‪ ،‬إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم‪( ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب – بريوت)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.33‬‬
‫‪ - 5‬أبو زهرة؛ محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد ‪ 1394‬ه‪ ،‬زهرة التفاسري‪( ،‬دار الفكر العريب)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.423‬‬

‫‪66‬‬
‫األســاس الرابــع‪ :‬مــن األســس الدالــة عــى وجــوب التســامح؛ اإلميــان‬
‫بالتعدديــة‪ ،‬وعــدم حمــل النــاس عــى مــا يكرهــون‪ ،‬فالتنــوع ســنة اللــه عــز‬
‫وجــل يف كونــه الــذي يتســع لجميــع خلقــه‪ ،‬يتجــاورون فيــه‪ ،‬وال يكــره فريــق‬
‫منهــم غــره عــى مــا يخالــف قناعتــه‪ ،‬واإلميــان بالتعدديــة دعــا إليــه القــرآن‬
‫الكريــم وبنــاه عــى أن اختــاف النــاس يف أديانهــم وعقائدهــم إرادة اللــه‬
‫تعــاىل ومشــيئته الكونيــة‪ ،‬وال راد ملــا أراده وقــ َّد َره يف كونــه‪ ،‬يقــول اللــه‬
‫تعــاىل‪﴿ :‬لِـك ّ ُٖل َج َعل َنــا ِمن ُكــم ِش َع ـ ٗة َو ِمن َها ٗجــا َولَــو شَ ـآ َء ٱللَّ ـ ُه لَ َج َعلَ ُكــم أُ َّم ـ ٗة‬
‫َٰو ِح ـ َد ٗة َولَٰ ِكــن لِّ َيبلُ َوكُــم ِف َم ـآ َءاتَ ٰى ُكــم فَٱس ـتَ ِبقُوا ْ ٱل َخ ـ َٰر ِت إِ َل ٱللَّـ ِه َمر ِج ُع ُكــم‬
‫َج ِمي ٗعــا فَ ُي َن ِّبئُ ُكــم بِ َــا كُنتُــم ِفي ـ ِه تَختَلِ ُفــون﴾(‪.)1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التسامح رضورة إنسانية‬


‫إن التعامــل بالتســامح بــن اإلنســان وأخيــه اإلنســان يســمو باإلنســانية إىل‬
‫املقاصــد الجليلــة‪ ،‬ويشـ ُّد نطــاق رابطــة الرحــم اإلنســانية بينهــم‪ ،‬فمتــى مــا‬
‫عمــت روح التســامح بــن النــاس؛ ســهل عليهــم أن يتحملــوا تبعــات بعضهــم‪،‬‬
‫وتطوقــت أعناقهــم للقيــام بأمانــة الصــات وتعهدهــا‪ ،‬ومتــى مــا قدحــت‬
‫اإلنســانية زنــاد هــذه القيمــة‪ ،‬فإنهــا ســتعود عــى أصــل رابطــة وحــدة النــاس‬
‫بالحفــظ والتذكــر‪.‬‬
‫فعالقــة التســامح باإلنســانية متعانقــة متواشــجة‪ ،‬وتلــك حقيقــة ال تخالجهــا‬
‫ريبــة؛ إذ التســامح رضورة إنســانية قبــل أن يكــون قيمــة إســامية‪ ،‬وهــو أصل‬
‫فطــري يف طبيعــة ســائر البــر‪ ،‬يــدل عــى هــذا ويؤيــده شــواهد عديــدة يف‬
‫ديننــا الحنيــف‪ ،‬فهــو مــن جميــل الفعــال التــي فُطــرت عليهــا قلــوب النــاس‬
‫وعقولهــم‪ ،‬ومــن كريــم الخصــال التــي تحظــى بقابليــة مــن جميــع الفئــات‬
‫عــى اختــاف أجناســها وأعراقهــا‪ ،‬فهــو مناســب لجميعهــم‪ ،‬ألنــه شــيمة مــن‬
‫مل يطــرأ عليــه اســرقاق لفطرتــه‪ ،‬وهــذا مــا شــهد بــه املربــون يف أخــاق‬
‫األطفــال قبــل انحرافهــا‪ ،‬فالطفــل عــى الفطــرة تكــون والدتــه‪ ،‬ثــم تغتالــه‬
‫الــرور(‪.)2‬‬
‫‪ - 1‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.48 :‬‬
‫‪ - 2‬وهذا من خصائص كل ما هو مشرتك إنساين‪ ،‬ويف رشيعتنا ألوان من التعاليم املؤصلة لهذا املعنى‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وحالــة الطفــل تلــك هــي مي ـزان اإلنســانية ومقياســها الســليم‪ ،‬الخــايل مــن‬
‫االنحرافــات؛ فالفطــرة التــي تالحــظ يف الطفــل وتبنــى عليهــا تربيتــه هــي‬
‫ناشــئته التــي لهــا قابليــة الولــوج بــه إىل مياديــن الخــر‪ ،‬و ُخلــق اإلنســان‬
‫عــى وفقهــا وحالهــا‪ ،‬ويـراد منــه أن يســر عليهــا يف وجــوده كلــه‪ ،‬وقــد بُعــث‬
‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم مــن أجــل التذكــر بتلــك الفطــرة‪ ،‬ففــي‬
‫الحديــث أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪} :‬ك ُُّل َم ْولُــو ٍد يُولَ ـ ُد َعـ َـى‬
‫الْ ِفطْـ َر ِة{(‪ .)1‬والفطــرة تعنــي يف أبــرز مدلوالتهــا تلــك املوجهــات التــي تربــو‬
‫مــع الطفــل لتنحــو بــه إىل االختيــار الصحيــح الــذي جبــل عليــه؛ ســواء يف‬
‫معرفــة خالقــه(‪ ،)2‬أو ترصفاتــه التــي يعــد التســامح مكونًــا رئيســا فيهــا؛ ولهذا‬
‫نجــد اآليــة الــواردة يف الفطــرة قــد وردت يف ســياق القيــم التــي ال تتبــدل ﴿الَ‬
‫تَبْ ِديـ َـل لِ َخلْــقِ اللَّـ ِه َذلِـ َـك ال ِّديـ ُن الْ َقيِّـ ُم﴾(‪ .)3‬فمتــى نشــأ الطفــل عــى فطــرة‬
‫ســليمة بعيــدة عــن االنحـراف‪ ،‬فإنــه ســتتبلور لديــه برمجــة تلقائيــة ترتــي‬
‫الكــاالت‪ ،‬وتنــأى عــن الخــوض يف الســفاالت‪.‬‬
‫فالقيــم األخالقيــة‪ ،‬واآلداب الســلوكية؛ تنطلــق مــن الفطــرة الســليمة‪ ،‬وهــي‬
‫معدنهــا الــذي تتكــون منــه‪ ،‬ألنهــا هــي التــي تفيــد الكــال‪ ،‬واإلنســان بطبعه‬
‫حريــص عــى بلــوغ ذروة الكــال‪ ،‬والرتقــي يف مدارجــه؛ فالفطــرة بعمومهــا‬
‫وشــمولها تحتــوي كل الفضائــل التــي يف صدارتهــا وباكورتهــا فضيلة التســامح؛‬
‫وهــي مشــركة بــن جميــع البــر‪ ،‬وهــم مجبولــون عليهــا‪ ،‬وقــد بــن القــرآن‬
‫هــذا املعنــى وأكــد أن الفطــرة هــي جوهــر القيــم مبــا ال مزيــد عليــه‪ ،‬فقــال‬
‫حســنِ تَقوِيـ ٖـم‪ ،‬ث ُـ َّم َر َددنَٰـ ُه أَسـف ََل َٰسـ ِفلِ َني﴾‬
‫نسـ َن ِ ٓف أَ َ‬
‫تعــاىل‪﴿ :‬لَ َقــد َخلَق َنــا ٱ ِإل َٰ‬
‫(‪ .)4‬فوضحــت هــذه اآليــة أن اللــه عــز وجــل خلــق هــذا اإلنســان يف فطــرة‬
‫ســليمة مدركــة لحقائــق األمــور‪ ،‬حريصــة عــى معاليهــا‪ ،‬وكيــف انتكســت‬
‫تلــك الفطــرة عــن درج ال َخلــق وال ُخلــق فوقعــت يف مســتنقع الرذائــل بعــد‬
‫التفضيــل بشــتى الكــاالت‪.‬‬

‫‪ - 1‬الحديث متفق عليه أخرجه البخاري رقم‪ )4775( :‬يف كتاب التفسري‪ ،‬باب ﴿الَ ت َ ْب ِد َيل لِ َخلْقِ اللَّ ِه﴾‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪.114‬‬
‫ومسلم رقم‪ )2658( :‬كتاب القدر‪ ،‬باب معنى كل مولود يولد عىل الفطرة‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.2047‬‬
‫‪ - 2‬ولعل قصة حي بن يقظان البن طفيل شاهد عىل فطرية اإلميان لدى اإلنسان‪.‬‬
‫‪ - 3‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة التني‪ ،‬اآلية‪.5 ،4 :‬‬

‫‪68‬‬
‫ومــن أســطع األمثلــة عــى أصالــة قبــول التســامح يف النفــس اإلنســانية‬
‫مــا ذكــره اللــه تعــاىل يف قصــة قابيــل وهابيــل‪ ،‬التــي روت لنــا أول معركــة‬
‫عــى هــذه البســيطة بــن التســامح اإلنســاين والصفــات املختلــة املكتســبة‬
‫ج ـراء التيهــان يف أوديــة شاســعة مــن الرذائــل كالحســد والغضــب‪ ،‬وهــذا‬
‫كلــه مطــوي يف بالغــة التعبــر القــرآين الــوارد يف قولــه تعــاىل‪﴿ :‬فَطَ َّو َعــت لَـ ُه‬
‫َفس ـ ُه قَتـ َـل أَ ِخي ـ ِه فَ َقتَلَ ـ ُه﴾(‪.)1‬‬
‫ن ُ‬
‫فلفــظ التطويــع يشــر يف مدلولــه إىل تلــك الدواعــي الدخيلــة الناهضــة عــى‬
‫مغالبــة النــوازع اإلنســانية الباقيــة عــى أصلهــا املتســامح؛ وذلــك مــا نجــد‬
‫إشــارة لــه يف التفســر الوســيط عنــد تفســر هــذه اآليــة الكرميــة(‪)2‬‬
‫وألن هــذا التــرف الخاطــئ ليــس صوابًــا فقــد اســتيقظت اإلنســانية يف قلب‬
‫ـح‬‫القاتــل بعــد تنفيــذ الجرميــة وعــادت نفســه لطبيعتهــا البرشيــة؛ ﴿فَأَص َبـ َ‬
‫دليــا عــى أن التســامح صفــة إنســانية‬ ‫ِمــ َن ٱل َّنٰ ِد ِمــ َن﴾(‪ .)3‬فــكان ذلــك ً‬
‫مغــروزة يف فطــرة اإلنســان عــى حــد ســواء‪.‬‬
‫ويظهــر مــا تقــدم أن مــن ذهــب إىل أن األصــل يف طبــع اإلنســان الظلــم‬
‫وامليــول للعنــف غــر متســق مــع نصــوص القــرآن‪ ،‬فقــول اإلمــام الغــزايل‬
‫مثــا‪« :‬ملــا كانــت الطبــاع إىل العنــف والحــدة أميــل كانــت الحاجــة إىل‬
‫ترغيبهــم يف جانــب الرفــق أكــر فلذلــك كــر ثنــاء الــرع عــى جانــب الرفــق‪،‬‬
‫دون العنــف‪ ،‬وإن كان العنــف يف محلــه حســ ًنا‪ ،‬كــا أن الرفــق يف محلــه‬
‫حســن‪ ،‬فــإذا كان الواجــب هــو العنــف‪ ،‬فقــد وافــق الحــق الهــوى‪ ،‬وهــو ألــذ‬
‫مــن الزبــد بالشــهد»(‪ .)4‬إمنــا يقصــد بــه وبنحــوه مرحلــة انح ـراف الفطــرة‬
‫عــن أخــاق التســامح والرحمــة التــي جبلــت عليهــا النفــوس‪ ،‬بعــد أن نزعــه‬
‫الهــوى فاكتســبت الرذائــل مــن األخــاق‪ ،‬كــا هــو واضــح يف آخــر ســياق‬
‫كالمــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬


‫‪ - 2‬مجموعة من العلامء بإرشاف مجمع البحوث اإلسالمية باألزهر‪ ،‬التفسري الوسيط للقرآن الكريم‪ ،‬ج‪( 10.‬الهيئة العامة‬
‫لشئون املطابع األمريية‪ ،‬ط‪ 1393 1 . .‬هـ ‪ 1973 /‬م) ج‪ 2:‬ص‪.1056:‬‬
‫‪ - 3‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.31 :‬‬
‫‪ - 4‬الغزايل؛ أبو حامد محمد بن محمد الغزايل الطويس ‪ 505‬ه‪ ،‬إحياء علوم الدين‪( ،‬دار املعرفة – بريوت)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.375‬‬

‫‪69‬‬
‫فالتســامح إذن قيمــة إنســانية‪ ،‬وقانــون القيــم يقتــي مســاواة الجميــع‬
‫يف التعامــل اإلنســاين‪ ،‬ويفــرض عــى املستمســك باألخــاق الفاضلــة حســن‬
‫العــرة واأللفــة الحســنة‪ ،‬واملعاملــة الطيبــة مــع كافــة خلــق اللــه تعــاىل‪،‬‬
‫وهــذا مــن أهــم الدواعــي اإلنســانية الكتســاب الفضائــل قبــل الدواعــي‬
‫التعبديــة‪ .‬قــال ابــن حــزم‪« :‬طبائــع البــر كلهــم واحــدة‪ ،‬إال أن للعــادة‬
‫واالعتقــاد الدينــي تأثــ ًرا ظاهــ ًرا»(‪ ،)1‬ويقــول أبــو زهــرة‪« :‬واألخــاق يف‬
‫الرشيعــة اإلســامية عامــة وشــاملة‪ ،‬ألنهــا تقــوم عــى الفضيلــة‪ ،‬ومشــتقة مــن‬
‫الفطــرة اإلنســانية‪ ،‬فــا تخــص إقليــا دون إقليــم‪ ،‬وال شــعبا دون شــعب‪ ،‬وإ َّن‬
‫مــا يكــون رشا بــن اآلحــاد يف شــعب واحــد‪ ،‬يكــون أيضــا رشا بــن الجامعــات‬
‫والــدول‪ ،‬ومــا يكــون رشا يف وطنــك يكــون رشا أيضــا إن صنعتــه يف غــر وطنك‪،‬‬
‫ألن الفضيلــة مبقتــى قواعــد الســلوك الفاضــل حــق لــكل إنســان يســتحقها‬
‫مبقتــى إنســانيته التــي هــي وصــف مشــرك بــن كل أبنــاء آدم»(‪.)2‬‬
‫فاإلنســانية الكاملــة التــي يرتقــى بهــا املــرء عــن كثــر مــن السفاســف‬
‫والجهــاالت‪ ،‬إمنــا تحصــل بالفضائــل النفســية واألخالقيــة؛ يقــول الراغــب‬
‫األصفهــاين‪« :‬وهــذه الفضائــل إذا حصلــت حصــل بهــا اإلنســانية»(‪.)3‬‬
‫فالتفاضــل يف اإلنســانية إمنــا يــدرك بفضائــل األخــاق‪ ،‬وبحســب اتصــاف‬
‫اإلنســان مبــكارم األخــاق ينبــل ويــرف‪ ،‬وكلــا اتصــف بالرذائــل انســلخ‬
‫مــن إنســانيته وصــار كالبهائــم‪ ،‬فإنســانية اإلنســان عــى هــذا يف ازديــاد‬
‫ونقصــان‪ ،‬ولهــذا كان مقصــد البعثــة النبويــة إكــال هــذا الجانــب وإمتامــه‬
‫ثــت ألُتَ ِّــ َم َمــكا ِر َم األخــاقِ }(‪ .)4‬ويف بيــان‬
‫كــا ورد يف الحديــث‪{ :‬إنَّ ــا بُ ِع ُ‬
‫هــذا يقــول الراغــب أيضــا‪« :‬وذلــك أن اإلنســانية هــي الفضائــل النفســية‬
‫املختصــة باإلنســان‪ ،‬وبقــدر مــا يكتســبه اإلنســان يســتحقها»(‪ .)5‬وال شــك‬
‫ـرا مــع جميــع النــاس ال عني ًفــا‬ ‫أن فضيلــة اإلنســان أن يكــون متســام ًحا خـ ِّ ً‬

‫‪ - 1‬ابن حزم؛ أبو محمد عيل بن أحمد بن سعيد بن حزم األندليس القرطبي الظاهري ‪ 456‬ه‪ ،‬األخالق والسري يف مداواة‬
‫النفوس‪( ،‬دار اآلفاق الجديدة – بريوت – ط‪1399 ،2 .‬ه ‪1979 -‬م)‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ - 2‬أبو زهرة؛ محمد‪ ،‬العالقات الدولية يف اإلسالم‪( ،‬دار الفكر العريب‪1415 ،‬ه‪-1995‬م)‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ - 3‬محمد الراغب األصفهاين؛ الذريعة‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 4‬البيهقي‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )21301( :‬كتاب الشهادات‪ ،‬باب بيان مكارم األخالق ومعاليها‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪.322‬‬
‫‪ - 5‬الراغب األصفهاين؛ الذريعة‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪70‬‬
‫ذا رضر‪ ،‬وهــذه الفضائــل اإلنســانية تــدور يف فلــك التســامح؛ محبــة‪ ،‬ويـرا‪،‬‬
‫وإنصافــا‪ ،‬وحلــا‪ ،‬وعفــوا‪ ،‬وحســن معاملــة‪.‬‬
‫ومــا يؤكــد أيضــا أن التســامح أصــل يف اإلنســان‪ ،‬املبــدأ املشــهور الــذي‬
‫قــرره علــاء االجتــاع؛ وهــو أن اإلنســان اجتامعــي بالطبــع(‪ ،)1‬فهــذا قانــون‬
‫يف الحيــاة مطــرد‪ ،‬ونظــام يف البــر متســق‪ ،‬تســر عليــه كافــة املجتمعــات‬
‫يف تعامالتهــا وتعايشــها مــع بعضهــا؛ ســواء كان ذلــك بتلقائيــة دون شــعور‪،‬‬
‫أو بإحســاس بذلــك وشــعور‪ .‬وقــد وجهــت الرشيعــة اإلســامية النظــر إىل‬
‫هــذا املبــدإ ألهميتــه‪ ،‬وجــاءت مبــا يؤيــده وينظمــه‪ ،‬وأجزلــت عليــه الثــواب‬
‫واألجــر‪ ،‬قــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬الْ ُم ْؤ ِم ـ ُن يَأْلَـ ُـف َويُ ْؤلَـ ٌـف َوالَ‬
‫ـر ِفي َم ـ ْن الَ يَأْلَـ ُـف َوالَ يُ ْؤلَـ ُـف}(‪ .)2‬وبهــذا جعــل صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫َخـ ْ َ‬
‫منــاط الخــر يف اإلنســان انعطــاف القلــوب عليــه‪ ،‬وانجــذاب أرواح النــاس‬
‫إليــه‪ ،‬ولــن تلتــف أفئــدة النــاس إال عــى مــن ســهلت طباعــه‪ ،‬ووجــدوا فيــه‬
‫عاطفــة خاصــة‪ ،‬تتمخــض عنهــا مجانســة ومشــابهة ومواتــاة‪ ،‬تشــق طريقهــا‬
‫نحــو ربــط النــاس باإلينــاس واملصافــاة‪ ،‬وغــر هــذا الســبيل يــؤدي باملــرء‬
‫إىل املضــار والــردى؛ يقــول املــاوردي‪« :‬أمــا القاعــدة الثانيــة وهــي األلفــة‬
‫الجامعــة‪ :‬فــأن اإلنســان مقصــود باألذيــة‪ ،‬محســود بالنعمــة‪ ،‬فــإذا مل يكــن‬
‫آلفــا مألوفــا تخطفتــه أيــدي حاســديه‪ ،‬وتحكمــت فيــه أهــواء أعاديــه‪ ،‬فلــم‬
‫تســلم لــه نعمــة‪ ،‬ومل تصــف لــه مــدة‪ ،‬فــإذا كان آلفــا مألوفــا انتــر باأللفــة‬
‫عــى أعاديــه‪ ،‬وامتنــع مــن حاســديه‪ ،‬فســلمت نعمتــه منهــم‪ ،‬وصفــت مدتــه‬
‫را‪ ،‬وســلمه خط ـ ًرا»(‪.)3‬‬ ‫عنهــم‪ ،‬وإن كان صفــو الزمــان ع ـ ً‬

‫‪ - 1‬مسكويه‪ ،‬تهذيب األخالق‪ ،‬ص ‪.38‬‬


‫‪ - 2‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم (‪ )22840‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ,492 37 :‬والحاكم يف املستدرك رقم‪ )59( :‬الحاكم‪ ،‬أبو عبد‬
‫الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهامين النيسابوري املعروف بابن البيع‬
‫‪ 405‬ه‪ ،‬املستدرك عىل الصحيحني‪( ،‬تحقيق‪ :‬مكتب البحوث وتقنية املعلومات‪ ،‬دار التأصيل‪ ،‬ط‪1435 ،1 .‬ه – ‪2014‬م)‪،‬‬
‫كتاب اإلميان‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ .250‬وهذا لفظ الطرباين‪ ،‬سليامن بن أحمد بن أيوب بن مطري اللخمي الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطرباين‬
‫‪ 360‬ه‪ ،‬املعجم األوسط‪( ،‬تحقيق‪ :‬طارق بن عوض الله بن محمد‪ ،‬عبد املحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬دار الحرمني –‬
‫القاهرة)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ 58‬رقم ‪.5787‬‬
‫‪ - 3‬املاوردي‪ ،‬أبو الحسن عيل بن محمد بن محمد بن حبيب البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي ‪ 450‬ه‪ ،‬أدب الدنيا‬
‫والدين‪( ،‬دار مكتبة الحياة‪1986 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.182‬‬

‫‪71‬‬
‫ومــن أجــل ترســيخ هــذه القاعــدة جعــل اإلســام الســام والتحيــة حقــا‬
‫عامــا للجميــع‪ ،‬ألنــه يبعــث عــى املحبــة‪ ،‬ويكســب الــود‪ ،‬ويدفــع الــر؛‬
‫فذلــك ينســجم مــع األخــوة اإلنســانية الداعيــة لأللفــة والتواصــل والتعايــش‬
‫والتعــاون‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مظاهر التسامح وتجلياته‬
‫لقــد التفــت ديننــا اإلســامي الحنيــف إىل قيمــة التســامح‪ ،‬واعتربهــا قيمــة‬
‫وجوديــة ورضوريــة‪ ،‬يتجــى ذلــك يف عــدة مظاهــر قيميــة‪ ،‬تعتــر مبثابــة‬
‫آيــات دالــة عــى توفــر هــذه القيمــة ترصيحــا أو تلويحــا‪.‬‬
‫ومــن متعــن يف تلــك التجليــات واملظاهــر؛ يجدهــا مبثابــة القوانــن الرشعيــة‪،‬‬
‫والكنــوز الدســتورية والتاريخيــة لهــذه الرشيعــة الغــراء‪ ،‬والتــي ال ميكــن‬
‫للمســلم تجاوزهــا‪ .‬ولعــي آخــذ طرفًــا مــن تلــك املظاهــر يف هــذا املبحــث(‪،)1‬‬
‫فتتبعهــا جميعــا بــكل صورهــا وجزئياتهــا وأفرادهــا بغيــة اســتقرائها يعــد‬
‫مــن الصعــب جــدا‪ ،‬لــذا فــإين ســأقترص هنــا عــى أصــول تلــك املظاهــر‪ ،‬التــي‬
‫تنبنــي عليهــا فروعهــا‪ ،‬وذلــك عــى النحــو املبــن يف املطالــب اآلتيــة‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التيسري‬


‫قــد تقــدم يف املبحــث الخــاص مبفهــوم التســامح وجــه الصلــة بــن مفهومــي‬
‫التســامح والتيســر‪ ،‬وذكرنــا أن العالقــة الجامعــة بينهــا هــي الســهولة‬
‫واملرونــة والتـزام نهــج االعتــدال يف كل األمــور(‪ .)2‬فالتيســر بهــذا املعنــى مــن‬
‫مظاهــر التســامح‪ ،‬ألن صاحبــه تنجــذب القلــوب إليــه‪ ،‬وتهــوي إليــه األفئــدة‬
‫بقــوة‪ ،‬وال تنــرف عنــه إىل غــره‪ ،‬كــا قيــل‪:‬‬
‫بانجذاب هوى ال َّنف ِ‬
‫ْــس أ ُّيب ال َّزوا ِل والتَّحويل()‬ ‫ِ‬ ‫امليل‬
‫لكنِ ُ‬
‫إن إحــراز اإلنســان ثقــة النــاس وقربهــم‪ ،‬ونيــل املــرء محبتهــم و ُودهــم‬
‫وإِلْ َف ُهــم؛ يســتصحب التيســر يف التعامــل معهــم عــى وجــه األصالــة والتبــع‪،‬‬
‫وذلــك مــن مظاهــر التســامح امللموســة واملشــاهدة؛ لتعلقــه بالتطبيقــات‬
‫الرشعيــة والعالقــات االجتامعيــة‪ ،‬فمــن مل يكــن التيســر ديدنــه يف تأديــة‬
‫واجباتــه الرشعيــة؛ فإنــه ســيجاوز بنفســه حــد التوســط إىل التطــرف يف‬

‫‪ - 1‬ما سأورده من مظاهر للتسامح قد يصح أن يكون من آثاره والعكس بالعكس‪ ،‬لكني آثرت أن أذكر يف اآلثار ما متثله‬
‫فردي‪ ،‬أو جامعي محدود‪ ،‬وأترك الثمرات ملا صبغته أوسع‪ ،‬ومتثله أشمل‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابن عاشور؛ مقاصد الرشيعة‪ :‬ص‪.269 :‬‬

‫‪73‬‬
‫كل يشء‪ ،‬ولــن يراعــي الصلــة الدينيــة واألرسيــة واالجتامعيــة والوطنيــة‬
‫للمختلفــن معــه يف الفــروع الفقهيــة‪ ،‬وبعــدم تلــك املراعــاة ســتنفر منــه‬
‫القلــوب‪ ،‬وتهجــره النفــوس وينــأى عنــه النــاس‪ ،‬ويســتحيل معــه التســامح‬
‫وعــدم تحملــه وإلفــه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لشــدته وغلظتــه‪،‬‬
‫ولهــذه األهميــة نجــد القــرآن الكريــم والســنة النبويــة خاصــة‪ ،‬والرشيعــة‬
‫اإلســامية عامــة قــد أســندت ملظهــر التيســر مكانــة متميــزة‪ ،‬نســتجليها مــن‬
‫زاويتــن‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن التيســر هــو اختيــار اللــه تعــاىل لعبــاده املســلمني يف إقامــة دينهم‪،‬‬
‫ـر َك‬
‫فرشيعــة املســلمني وصفهــا اللــه تعــاىل باليــرى‪ ،‬فقــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬ونُ َيـ ِّ ُ‬
‫ر ٰى﴾(‪ ،)1‬ونــص ســبحانه عــى أنــه يريــد بعبــاده اليــر ال العــر فقــال‪:‬‬ ‫لِل ُيـ َ‬
‫ر﴾( )‪ ،‬وبــن أن الديــن برمتــه‬ ‫ر َو َل يُرِيـ ُد ِب ُكـ ُم ٱل ُعـ َ‬ ‫﴿يُرِيـ ُد ٱللَّـ ُه ِب ُكـ ُم ٱل ُيـ َ‬
‫‪2‬‬

‫قائ ـ ٌم عــى مبــدأ التيســر والســاحة‪ ،‬بــدءا مــن العقيــدة وانتهــا ًء بالرتبيــة‬
‫األخالقيــة‪ ،‬فقــال عــز مــن قائــل‪َ ﴿ :‬و َمــا َج َعـ َـل َعلَي ُكــم ِف ٱل ِّديــنِ ِمــن َحـ َر ٖج﴾‬
‫(‪ .)3‬يقــول ابــن عاشــور‪« :‬واســتقراء الرشيعــة يــدل عــى هــذا األصــل –أي‬
‫اليــر– يف ترشيــع اإلســام‪ ،‬فليــس االســتدالل عليــه مبجــرد آيـ ٍة أو خــر حتــى‬
‫يقــول معــرض‪ :‬إن األصــول القطعيــة ال تثبــت بالظواهــر؛ ألن أدلــة هــذا‬
‫األصــل كثــرة منتــرة‪ ،‬وكــرة الظواهــر تفيــد القطــع‪ .‬ولهــذا قــال إمــام الفقــه‬
‫والحديــث مالــك بــن أنــس يف مواضــع مــن املوطــأ‪{ :‬وديــن اللــه يــر} (‪،)4‬‬
‫وحســبك بهــذه الكلمــة مــن ذلــك اإلمــام‪ ،‬فإنــه مــا قالهــا حتــى اســتخلصها‬
‫مــن اســتقراء الرشيعــة»(‪.)5‬‬
‫وكــا أن التيســر اختيــار اللــه تعــاىل للمســلمني‪ ،‬فهــو اختيــار النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم لهــم‪ ،‬فإنــه لَــا كان لــدى بعــض النفــوس ميــول للتشــدد‬

‫‪ - 1‬سورة األعىل‪ :‬اآلية‪.7 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.185 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.78 :‬‬
‫‪ - 4‬اإلمام مالك‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي املدين ‪ 179‬ه‪ ،‬املوطأ‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب ما يفعل املريض يف‬
‫صيام ه‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان لألعامل الخريية واإلنسانية ‪ -‬أبو ظبي –‬
‫اإلمارات‪ ،‬ط‪1425 ،1 .‬ه ‪2004 -‬م)‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪ - 5‬أصول النظام االجتامعي‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪74‬‬
‫والتميــز عــن الغــر‪ ،‬والخــروج عــن عوائــد النــاس ومألوفهــم‪ ،‬والتديــن باملتــن‬
‫الــذي فيــه شــدة؛ بــن لهــم النبــي صىل اللــه عليــه وســلم يف نصوص كثــرة أن‬
‫الديــن مبنــي عــى الســاحة والتيســر‪ ،‬يرســم بذلــك ألمتــه منهــج االعتــدال؛‬
‫ألن هــذا النهــج هــو الكفيــل بإيجــاد أمــة متســامحة‪ ،‬قــال عليــه الصــاة‬
‫ـروا}(‪ ،)1‬وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪َ { :‬علِّ ُمــوا‬ ‫ـروا َوالَ ت ُ َعـ ِّ ُ‬ ‫والســام‪{ :‬يَـ ِّ ُ‬
‫ـب أَ َح ُدكُـ ْم فَلْ َي ْسـك ُْت}( )‪ .‬ومتثــل صــى اللــه‬
‫‪2‬‬
‫ـروا‪َ ،‬وإِذَا غ َِضـ َ‬ ‫ـروا‪َ ،‬والَ تُ َعـ ِّ ُ‬ ‫َويَـ ِّ ُ‬
‫عليــه وســلم اليــر بهديــه العمــي‪ ،‬فعــن عائشــة ‪ -‬ريض اللــه عنهــا ‪ -‬قالــت‪:‬‬
‫ـر‬‫ـن أَ ْم َريْــنِ ‪ ،‬أَ َح ُد ُهـ َـا أَيْـ َ ُ‬
‫ـول الل ـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم بَـ ْ َ‬ ‫ـر َر ُسـ ُ‬ ‫{ َمــا ُخـ ِّ َ‬
‫س ُهـ َـا‪َ ،‬مــا لَـ ْم يَ ُكـ ْن إِثْ ًــا‪ ،‬فَـ ِإ ْن كَا َن إِثْ ًــا‪ ،‬كَا َن أَبْ َعـ َد‬‫ِمـ َن ْال َخـرِ‪ ،‬إِ َّل ا ْختَــا َر أَيْ َ َ‬
‫ـاس ِم ْنـ ُه}(‪)3‬‬ ‫ال َّنـ ِ‬
‫الثانيــة‪ :‬أن أوىل النــاس بالتيســر والســاحة هــم املســلمون؛ وتقتــي‬
‫هــذه الخصوصيــة أن يكونــوا مبادريــن إىل التســامح والتعايــش والتــواد مــع‬
‫املخالفــن‪ ،‬وخاصــة ممــن ليســوا عــى دينهــم؛ وذلــك ألن اللــه تعــاىل قــد بــن‬
‫يف القــرآن الكريــم أن ديننــا اإلســامي الحنيــف مرفــوع عنــه اآلصــار واألغــال‪،‬‬
‫فــا تشــدد يف الديــن وال تطــرف يف الفهــم‪ ،‬وهــذا مــن الدعائــم الكــرى‬
‫لرتســيخ ثقافــة التســامح عنــد املســلمني؛ يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ويَضَ ـ ُع َعن ُهــم‬
‫رص ُهــم َوٱألَغلَٰـ َـل ٱلَّ ِتــي كَانَــت َعلَي ِهــم﴾(‪ .)4‬قــال ابــن كثــر‪« :‬أي‪ :‬إنــه جــاء‬ ‫إِ َ‬
‫بالتيســر والســاحة‪ ،‬كــا ورد الحديــث مــن طــرق عــن رســول اللــه صــى‬
‫السـ ْم َح ِة}(‪ .)5‬وقــال ألم َرييــه‬ ‫ـت بِالْ َح ِني ِف َّيـ ِة َّ‬
‫اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪{ :‬بُ ِعثْـ ُ‬
‫معــاذ وأيب مــوىس األشــعري – ريض اللــه عنهــا ‪ -‬ملــا بعثهــا إىل اليمــن‪:‬‬

‫‪ - 1‬الحديث متفق عليه؛ البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ .)69( :‬كتاب العلم‪ ،‬باب ما كان النبي صىل الله عليه وسلم‬
‫يتخولهم باملوعظة والعلم يك ال ينفروا‪ ،25 1 :‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ )1734( :‬كتاب الجهاد والسري‪ ،‬باب يف األمر بالتيسري‬
‫وترك التنفري‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.1359‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسامعيل بن إبراهيم بن املغرية البخاري‪ ،‬أبو عبد الله ‪ 256‬ه‪ ،‬األدب املفرد‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية – بريوت‪ ،‬ط‪1989 – 1409 ،3 .‬م)‪ ،،‬رقم ‪ ،245‬كتاب املعروف‪ ،‬باب العفو والصفح عن‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6786( :‬كتاب الحدود‪ ،‬باب إقامة الحدود واالنتقام لحرمات الله‪ ،‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪:‬‬
‫رقم‪ )2327( :‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب مباعدته صىل الله عليه وسلم لآلثام واختياره من املباح أسهله‪ .‬واللفظ له‪.‬‬
‫‪ - 4‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.157 :‬‬
‫‪ - 5‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )22291( :‬ج ‪ 36‬ص ‪.623‬‬

‫‪75‬‬
‫{ب ـرا وال تنف ـرا‪ ،‬وي ـرا وال تع ـرا‪ ،‬وتطاوعــا وال تختلفــا}(‪.)2(»)1‬‬
‫فهــذه النصــوص القرآنيــة والنبويــة املتضافــرة تحــث كلهــا عــى التـزام نهــج‬
‫الســاحة والتيســر؛ ملــا يف االبتعــاد عنهــا مــن مخاطــر‪.‬‬
‫فهــذا املنهــج كــا أنــه يحبِّــب صاحبــه إىل الخلــق‪ ،‬ويسـهِم يف املحبــة واملــودة‬
‫بــن النــاس‪ ،‬فهــو مح َّبــب عنــد اللــه تعــاىل ومفضــل عنــده؛ بــن ذلــك النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يف قولــه‪{ :‬أَ َحـ ُّ‬
‫ـب ال ِّديــنِ إِ َل اللَّـ ِه ال َح ِني ِف َّيـ ُة َّ‬
‫السـ ْم َح ُة}‬
‫(‪.)3‬‬
‫فالتكاليــف الرشعيــة يســرة وســهلة التنفيــذ‪ ،‬ومراعــاة الســاحة يف أدائهــا‬
‫دل عــى أن‬ ‫مقصــد رشعــي‪ ،‬يقــول ابــن عاشــور‪« :‬واســتقراء الرشيعــة ّ‬
‫الســاحة واليــر مــن مقاصــد الديــن»(‪ .)4‬لذلــك كان للتيســر أثــر حقيقــي‬
‫يف الرشيعــة اإلســامية يف مجــاالت متعــددة؛ وإمنــا يجــب الرتكيــز عــى هــذا‬
‫املظهــر؛ ألن التشــدد والغلــو املنافيــن للتيســر ال يصنعــان املتديــن املتســامح‪،‬‬
‫فمــن أخــذ نفســه يف عباداتــه ومعامالتــه مبنهــج الغلــو والتشــدد‪ ،‬فســيؤدي‬
‫بــه ذلــك ‪-‬ال محالــة‪ -‬إىل التعصــب وعــدم قبــول اآلخــر‪ ،‬أو االعــراف بــه‪،‬‬
‫وهــذا الجمــود الشــخيص لــه أثــر مبــارش عــى ثقافــة التســامح‪.‬‬
‫فالتيســر هــو منبــع االعتــدال؛ ومنهجــه هــو املنهــج الــذي يــري يف روح‬
‫الرشيعــة اإلســامية؛ ألنــه يراعــي طبيعــة اإلنســان وفطرتــه‪ ،‬ويحــرص عــى‬
‫إســعاده وصــاح حالــه ومآلــه مــع نفســه يف جميــع أمــوره‪ ،‬ســواء منهــا‬
‫الدينيــة والدنيويــة‪ ،‬ومــع غــره‪ ،‬بالتـزام املرونــة يف التعامــل معهــم‪ ،‬والرفــق‬
‫بهــم‪ ،‬والســاحة يف مخالطتهــم‪ ،‬وإقالــة عرثاتهــم‪ ،‬والتيســر عليهــم‪ ،‬وكلــا‬
‫كان هــذا املنهــج بتجلياتــه املختلفــة مرتســخا يف املســلم‪ ،‬كان ذلــك أدعــى ألن‬
‫يكــون متســامحا مــع َخلْــق اللــه وعبــاده‪.‬‬

‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ .)2001( :‬كتاب األرشبة‪ ،‬باب‪ :‬بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام‪3 :‬ج ص ‪.1586‬‬
‫‪ - 2‬ابن كثري؛ التفسري‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.488‬‬
‫‪ - 3‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )2107( :‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،17‬وعلقه البخاري يف صحيحه كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬الدين يرس‪ .‬الصحيح‪ ،‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.16‬‬
‫‪ - 4‬ابن عاشور؛ مقاصد الرشيعة‪ :‬ص‪.270 :‬‬

‫‪76‬‬
‫املطلب الثني‪ :‬التكافل والرتاحم‬
‫مــن املظاهــر البــارزة والفاعلــة يف ترســيخ قيمــة التســامح‪ :‬التكافــل والرتاحــم‬
‫بــن البــر‪ ،‬وهــو تحقيــق لألخــوة اإلنســانية‪ ،‬وداخــل تحــت مفهــوم صلــة‬
‫الرحــم الواســع‪ ،‬فروابــط الرحــم تبــدأ بــاألرسة‪ ،‬وتتوســع لتشــمل الجــوار‪،‬‬
‫والوطــن‪ ،‬واإلنســانية بأرسهــا‪ ،‬ولــكل منهــم حــق إنســاين يســتحقه‪.‬‬
‫إن مفهــوم التكافــل يــأيت ضمــن الرتاحــم والتعاطف اإلنســاين‪ ،‬بحيــث يتضامن‬
‫أبنــاء املجتمــع بينهــم‪ ،‬بغــض النظــر عــن أعراقهــم وألوانهــم وأديانهــم‪ ،‬يــؤازر‬
‫بعضهــم بعضً ــا عــى إقامــة مجتمــع منســجم متســامح‪ ،‬وهــذا النــوع مــن‬
‫التكافــل أكــدت عليــه الرشيعــة اإلســامية يف تعاليمهــا‪ ،‬وطبقــه املســلمون يف‬
‫مختلــف العصــور‪.‬‬
‫وأول أصــل رشعــي يدعــو لهــذا التكافــل هــو كرامــة اإلنســان التــي كفلهــا‬
‫اللــه لــه‪ ،‬وهــي حــق مــن حقوقــه‪ ،‬ويجــب عــى كل شــخص يف هــذا الكــون‬
‫أن يعمــل عــى صــون هــذه الكرامــة؛ يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ولَقَــد كَ َّرم َنــا‬
‫ـى‬ ‫ـر َوٱلبَحـ ِر َو َرزَق َٰن ُهــم ِّمـ َن ٱلطَّيِّبَٰـ ِ‬
‫ـت َوفَضَّ ل َٰن ُهــم َعـ َ ٰ‬ ‫بَ ِنـ ٓ‬
‫ـي َءا َد َم َو َح َمل َٰن ُهــم ِف ٱلـ َ ِّ‬
‫َفضيـ ٗـا﴾(‪ .)1‬قــال القرطبــي‪«« :‬كرمنــا» تضعيــف كــرم‪،‬‬ ‫كَ ِث ـرٖ ِّم َّمــن َخلَق َنــا ت ِ‬
‫أي‪ :‬جعلنــا لهــم كرمــا أي رشفــا وفضــا‪ ،‬وهــذا هــو كــرم نفــي النقصــان ال‬
‫كــرم املــال»(‪ .)2‬فاإلنســانية كلهــا مخاطبــة بتحقيــق هــذا الــرف والفضــل‬
‫لإلنســان‪ ،‬وإمنــا يتحقــق هــذا التكريــم بالتكافــل والرتاحــم بــن النــاس بأنواعه‬
‫املختلفــة‪ ،‬االجتامعــي منهــا واإلنســاين وغريهــا‪.‬‬
‫وقــد رد بعــض املفرسيــن عــى الشــبهة التــي تقــول بــأن غــر املســلم ال‬
‫كرامــة لــه بهــذه اآليــة‪ ،‬وأنهــا عامــة تشــمل الجميــع والكرامــة متفاوتــة؛ يقول‬
‫الخطيــب الرشبينــي‪( :‬فــإن قيــل‪ :‬خطــاب النــاس بقولــه تعــاىل «أكرمكــم»‬
‫يقتــي اشـراك الــكل يف اإلكـرام؛ وال كرامــة لكافــر فإنــه أضـ ّـل مــن األنعــام؟‬
‫أجيــب بــأ ّن ذلــك غــر الزم مــع أنــه حاصــل لدليــل قولــه تعــاىل‪« :‬ولقــد‬
‫كرمنــا بنــي آدم»؛ أل ّن كل مــن خلــق فقــد اعــرف بربــه‪ ،‬ثــم مــن اســتم ّر‬

‫‪ - 1‬سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية‪.70 :‬‬


‫‪ - 2‬القرطبي؛ التفسري‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪.293‬‬

‫‪77‬‬
‫عليــه وزاد زيــد يف كرامتــه‪ ،‬ومــن رجــع عنــه أزيــل عنــه أكــر الكرامــة) (‪.)1‬‬
‫ويوضــح هــذا؛ التوجيـ ُه النبــوي لرحمــة هــذا اإلنســان واإلحســان إليــه‪ ،‬ففــي‬
‫حديــث جريــر بــن عبــد اللــه – ريض اللــه عنــه ‪ -‬قــال‪ :‬قــال رســول اللــه‬
‫ـاس}(‪ .)2‬يقــول ابــن‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬الَ يَ ْر َحـ ُم اللَّـ ُه َمـ ْن الَ يَ ْر َحـ ُم ال َّنـ َ‬
‫بطــال‪« :‬يف هــذه األحاديــث الحــض عــى اســتعامل الرحمــة للخلــق كلهــم؛‬
‫كافرهــم ومؤمنهــم‪ ،‬ولجميــع البهائــم والرفــق بهــا‪ ،‬وأن ذلــك مــا يغفــر اللــه‬
‫بــه الذنــوب ويكفــر بــه الخطايــا‪ ،‬فينبغــي لــكل مؤمــن عاقــل أن يرغــب يف‬
‫األخــذ بحظــه مــن الرحمــة‪ ،‬ويســتعملها يف أبنــاء جنســه»(‪.)3‬‬
‫فالرتاحــم مــروع للجميــع وحــق لهــم‪ ،‬وعــى كل مؤمــن أن يــؤدي هــذا‬
‫الحــق تجــاه مجتمعــه‪ ،‬ومــن يعيــش معهــم‪ ،‬مــن مخالــف وموافــق‪ ،‬فيزدهــر‬
‫بذلــك التســامح‪.‬‬
‫إن مــن مقاصــد اإلســام التــي جــاء ليحققهــا وينرشهــا بــن أفـراده‪ :‬الرتاحــم‬
‫والتكافــل‪ ،‬فالنبــي صــى اللــه عليــه وســلم بُعــث رحمــة للعاملــن‪ ،‬ومــن‬
‫حــق كل إنســان أن يصلــه حظــه مــن هــذه الرحمــة‪ ،‬برتاحــم املســلمني‬
‫وتســامحهم مــع بعضهــم ومــع غريهــم‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َمــا أَ ْر َس ـلْ َن َاك‬
‫إِ َّل َر ْح َم ـ ًة لِلْ َعالَ ِم ـ َن﴾(‪ .)4‬وهــذه الخاصيــة النبويــة التــي بُعــث بهــا رســول‬
‫الرحمــة صــى اللــه عليــه وســلم هــي مصــدر ســعادة البرشيــة‪ ،‬يقــول أبــو‬
‫ـكام وغــر‬ ‫الســعود‪َ «« :‬و َمــا أرســلناك» مبــا ذكــر وبأمثالــه مــن الرشائــع واألحـ ِ‬
‫ذلـ َـك مــن األمــو ِر التــي هــي منــا ٌط لســعادة الداريــن «إِالَّ َر ْح َمـ ًة للعاملــن»‪...‬‬
‫أي مــا أرســلناك مبــا ذكــر لعلــة مــن العلــل إال برحمتنــا الواســع ِة للعاملــن‬ ‫ْ‬
‫قاطب ـ ًة‪ ،‬أو مــا أرســلناك يف حــا ٍل مــن األحــوا ِل إال حــال كونِــك رحم ـ ًة لهــم‪،‬‬
‫ـبب لســعادة الداريــن‪ ،‬ومنشــأ النتظــام مصالحهــم يف‬ ‫ـت بــه سـ ٌ‬‫فــإن مــا بُعثـ َ‬
‫النشــأتني»(‪.)5‬‬
‫‪ - 1‬الرشبيني؛ الرساج املنري‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.74‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )7376( :‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب قول الله تبارك وتعاىل‪« :‬قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن»‪:‬‬
‫ج ‪ 9‬ص ‪.115‬‬
‫‪ - 3‬ابن بطال؛ رشح صحيح البخاري‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪.219‬‬
‫‪ - 4‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.107 :‬‬
‫‪ - 5‬أبو السعود؛ أبو السعود العامدي محمد بن محمد بن مصطفى ‪ 982‬ه‪ ،‬إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم‪،‬‬
‫(دار إحياء الرتاث العريب – بريوت)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.89‬‬

‫‪78‬‬
‫وقــد أقــام النبــي صــى اللــه عليــه وســلم نظــام التكافــل والرتاحــم الــذي‬
‫هــو مظهــر مــن مظاهــر التســامح يف مجتمــع املدينــة املنــورة‪ ،‬وأَ َّســس لــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم دســتو ًرا ينظــم عالقاتــه مــع كافــة األديــان فيــه؛‬
‫ليعيشــوا يف أمــن وســام‪ ،‬ويقيمــوا مجتمعــا متســام ًحا‪ .‬وكان مــن ركائــز هــذا‬
‫النظــام املــدين التكافــل والتــآزر؛ ففــي وثيقــة املدينــة املنــورة نصــوص عــدة‬
‫أكــدت هــذه القيمــة الفريــدة‪ ،‬ونظمــت العالقــات بــن الســكان مــع اختــاف‬
‫أديانهــم وأعراقهــم‪ ،‬ووثقــت التزامــات كل طــرف وواجباتــه وحقوقــه‪ ،‬فأنتــج‬
‫مثــال‬
‫ذلــك مجتمعــا مســتقرا آمنــا متســامحا‪ ،‬وأصبحــت املدينــة املنــورة ً‬
‫للمجتمــع املتكافــل املتــآزر الــذي يحقــق جميــع أف ـراده وســكانه التســامح‬
‫والتعايــش‪.‬‬
‫ومــن نصــوص الوثيقــة الدالــة عــى التكافــل بــن ســكان املدينــة وأطرافهــا‬
‫املختلفــة مــا ورد مــن إطــاق وصــف األمــة عــى أطـراف التعاقــد فقــد جــاء‬
‫ـاس}(‪ .)1‬فقــد جعلتهــم هــذه الوثيقــة‬ ‫فيهــا‪{ :‬إنَّ ُهـ ْم أُ َّمـ ٌة َو ِ‬
‫احـ َد ٌة ِمـ ْن ُدونِ ال َّنـ ِ‬
‫أمــة واحــدة بغيــة تحقيــق التكافــل والتحالــف بينهــم‪ ،‬مركــزة بذلــك عــى‬
‫التكافــل االجتامعــي ســواء بــن املســلمني‪ ،‬أو بينهــم وبــن غريهــم‪ ،‬مــع أن‬
‫هنــاك عوامــل داخــل املجتمــع مــن شــأنها عــادة أن تؤثــر عــى وحدتــه؛‬
‫كعشــائر األنصــار‪ ،‬وقبائــل املهاجريــن‪ ،‬والديانــات التــي كانــت تســكن يف‬
‫املدينــة‪ .‬ويف مقابــل تركيــز وثيقــة املدينــة عــى الوحــدة والتنــارص؛ منعــت‬
‫يف كثــر مــن بنودهــا ‪-‬كــا ســيأيت‪ -‬الظلــم والعــدوان‪ ،‬وهــذه التوجيهــات‬
‫التكافليــة هــي غايــة يف إيجــاد أرضيــة خصبــة للتســامح؛ إذ التكافــل يســاعد‬
‫عــى تطهــر املجتمــع مــن العــداوات‪ ،‬ويســهم يف نــر االطمئنــان بــن الناس‪،‬‬
‫ومواســاة بعضهــم بعضــا‪ ،‬وتلــك إحــدى مصــادر القــوة للمجتمــع والدولــة؛‬
‫يقــول وهبــة الزحيــي‪« :‬ويف التكافــل والتعــاون قــوة وتــواد وتراحــم وتــآزر‪،‬‬
‫وتخلــص مــن أمــراض الفقــر والتمــزق والحقــد والحســد»(‪ .)2‬ورشط هــذا‬
‫التكافــل أن يكــون مطلقــا؛ غــر مقيــد بديــن أو مذهــب‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن هشام؛ السرية النبوية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ .501‬ومحمد حميد الله؛ مجموعة الوثائق‪ :‬ص ‪.59‬‬
‫‪ - 2‬الزحييل؛ د وهبة بن مصطفى‪ ،‬التفسري املنري يف العقيدة والرشيعة واملنهج‪( ،‬دار الفكر املعارص‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪،2 .‬‬
‫‪1418‬ه)‪ ،‬ج ‪ 21‬ص ‪.93‬‬

‫‪79‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الحرية الدينية‪:‬‬
‫انطالقًــا مــن أن األديــان اإللهيــة كلهــا متفقــة يف أصولهــا وغاياتهــا؛ وأنهــا‬
‫كلهــا مــن عنــد اللــه تعــاىل(‪)1‬؛ فــإن الحريــة الدينيــة ركيــزة أســاس يف اإلســام‪،‬‬
‫ومظهــر مــن مظاهــر التســامح‪ ،‬بــل ذهــب بعــض الباحثــن يف مفهــوم‬
‫التســامح إىل أن الحريــة الدينيــة هــي العامل األســاس يف التســامح؛ فالتســامح‬
‫هــو «االعـراف باآلخــر وحقــه يف التعبــر عــن رأيــه وعقيدتــه‪ ،‬والتعصــب هــو‬
‫رفــض اآلخــر‪ ،‬وســلبه حــق االعتقــاد‪ ،‬وحــق التعبــر عــن رأيــه»(‪.)2‬‬
‫وتعنــي الحريــة الدينيــة حريــة اإلنســان يف اعتقــاده ومامرســة شــعائره‬
‫الدينيــة‪ ،‬وقــد أرىس اإلســام هــذا املبــدأ؛ ألنــه مرتبــط يف األســاس بالقناعــة‬
‫واإلدراك‪ ،‬وليــس قضيــة ُيكــن أن يجــر اإلنســان عليهــا‪ ،‬أو يضطهــد بســببها‪،‬‬
‫وهــذه الحريــة الدينيــة هــي التــي تحفــظ لإلنســان إنســانيته‪ ،‬يقــول أبــو‬
‫زهــرة‪« :‬وإن الحريــة الدينيــة هــي معنــى اإلنســانية»(‪ .)3‬ويقــول أيضً ــا يف‬
‫بيــان أهميــة الحريــة الدينيــة ومركزيتهــا يف اإلســام‪« :‬ولقــد احــرم اإلســام‬
‫حريــة االعتقــاد‪ ،‬وجعــل األســاس يف االعتقــاد هــو أن يختــار اإلنســان الديــن‬
‫الــذي يرتضيــه مــن غــر إكــراه وال حمــل‪ ،‬وأن يجعــل أســاس اختيــاره‬
‫التفكــر الســليم‪ ،‬وأن يحمــي دينــه الــذي ارتضــاه‪ ،‬فــا يكــره عــى خــاف مــا‬
‫يقتضيــه»(‪.)4‬‬
‫ويتجــى التســامح يف هــذا املظهــر يف أن اللــه تعــاىل أعطــى اإلنســان حــق‬
‫االختيــار‪ ،‬واحــرم إرادتــه ومشــاعره وتــرك لــه القــرار‪ ،‬فلــم يفــرض عليــه‬
‫خاصــا‪.‬‬
‫معتق ـ ًدا ًّ‬
‫وهــذا املظهــر مــن مظاهــر التســامح خاصــة هــو الــذي يســهم يف البنــاء‬
‫األرسي بــن الزوجــن مختلفــي الديانــة مــع بقــاء الزوجــة الكتابيــة عــى دينها‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 29‬ص ‪.274‬‬


‫‪ - 2‬الغرباوي؛ ماجد ‪ -‬التسامح ومنابع الالتسامح – فرص التعايش بني األديان والثقافات‪( ،‬الحضارية للطباعة والنرش –‬
‫العراق‪ -‬بغداد‪ ،‬ط‪1429 ،1 .‬ه‪-2008‬م)‪ ،‬ص ‪.356‬‬
‫‪ - 3‬أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.690‬‬
‫‪ - 4‬أبو زهرة؛ تنظيم اإلسالم للمجتمع‪ :‬ص ‪.182‬‬

‫‪80‬‬
‫ـت‬ ‫ُحص َٰنـ ُ‬‫ـت َوٱمل َ‬ ‫ـت ِم ـ َن ٱمل ُؤ ِم َٰنـ ِ‬ ‫ُحص َٰنـ ُ‬
‫تحــت زوج مســلم؛ لقولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وٱمل َ‬
‫حص ِن ـ َن‬ ‫ـب ِمــن قَبلِ ُكــم إِ َذا ٓ َءات َيتُ ُمو ُه ـ َّن أُ ُجو َر ُه ـ َّن ُم ِ‬ ‫ِم ـ َن ٱل َِّذي ـ َن أُوتُــوا ْ ٱل ِكتَٰـ َ‬
‫َغـ َر ُم َٰسـ ِف ِح َني َو َل ُمتَّ ِخـ ِـذ ٓي أَخـ َدانٖ ﴾( )‪ .‬وحريــة االعتقــاد يف اإلســام ناتجــة‬
‫‪1‬‬

‫عــن التنــوع واالختــاف‪ ،‬وهــي تبنــى عــى ركيزتــن‪:‬‬


‫الركيــزة األوىل‪ :‬حريــة االختيــار لإلنســان؛ وهــو مــا أوضحتــه األديــان‪ ،‬بالبيــان‬
‫ٱلسـب َِيل إِ َّمــا شَ ــاكِ ٗرا َوإِ َّمــا كَ ُفــو ًرا﴾‬ ‫والربهــان‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬إِنَّــا َه َدي َٰنـ ُه َّ‬
‫(‪ .)2‬ويقــول ســبحانه‪َ ﴿ :‬وقُــلِ ٱل َحـ ُّـق ِمــن َّربِّ ُكــم فَ َمــن شَ ـآ َء فَل ُيؤ ِمــن َو َمــن‬
‫شَ ـآ َء فَل َيك ُفــر﴾(‪ .)3‬فاإلميــان ال يكــون بطريــق اإلك ـراه‪ ،‬أو بالطــرق التــي ال‬
‫تــؤدي إىل االقتنــاع بــه اقتنا ًعــا حقيقيًّــا‪ ،‬وطريــق اإلقنــاع محــدد بدقــة؛ فقــد‬
‫ِٱلحك َمــ ِة‬ ‫ــك ب ِ‬ ‫ــن اللــه تعــاىل أســلوبه ومراتبــه فقــال‪﴿ :‬ٱد ُع إِ َ ٰل َســبِيلِ َربِّ َ‬ ‫بَ َّ َ‬
‫حس ـ ُن﴾( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫َ‬
‫ـي أ َ‬ ‫َوٱمل َو ِعظَ ـ ِة ٱل َح َس ـ َن ِة َو َٰج ِدل ُهــم بِٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫إن دور الرســل واألنبيــاء مقتــر عــى البــاغ والبيــان بالحجــة والربهــان‪،‬‬
‫بأســلوب مبنــي عــى الحكمــة واملوعظــة الحســنة‪ ،‬ال إك ـراه فيــه وال إجبــار‪،‬‬
‫وتبقــى هدايــة التوفيــق بيــد اللــه عــز وجــل‪ ،‬وقــد ركــز القــرآن عــى هــذا‬
‫املعنــى‪ ،‬وكــرر التنصيــص عــى نفــي مســؤولية هدايــة النــاس عــن رســول الله‬
‫ـس َعلَيـ َـك ُه َدىٰ ُهــم َولَٰ ِك ـ َّن ٱللَّ ـ َه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فقــال تعــاىل‪﴿ :‬لَّيـ َ‬
‫ـت‬ ‫ـت ُم َذكِّ ـ ‪ٞ‬ر لَّسـ َ‬ ‫َ‬
‫يَهـ ِـدي َمــن يَشَ ـآ ُء﴾(‪ .)5‬وقــال عــز وجــل‪ ﴿ :‬فَ َذكِّــر إِنَّ َ ـآ أنـ َ‬
‫يطــر﴾(‪ .)6‬وقــد نقــل املفــرون أن تفســرها‪« :‬لســت بالــذي‬ ‫َعلَيهِــم بِ ُ َص ِ‬
‫تكرههــم عــى اإلميــان»( )‪ .‬وإمنــا مهمتــك أن تبلغهــم رشع اللــه تعــاىل‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫ـي لِلَّـ ِه َو َمــنِ ٱتَّبَ َعــنِ‬ ‫َمت َوج ِهـ َ‬ ‫ـوك فَ ُقــل أَسـل ُ‬ ‫كــا قــال ســبحانه‪﴿ :‬فَـ ِإن َحآ ُّجـ َ‬

‫‪ - 1‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.5 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة اإلنسان‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.125 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.272 :‬‬
‫‪ - 6‬سورة الغاشية‪ ،‬اآلية‪.22 ،21 :‬‬
‫‪ - 7‬ابن كثري؛ التفسري‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪ .388‬وقد أورد الرازي هذا التفسري يف اآلية ثم قال‪( :‬ثم نسختها آية القتال‪ ،‬هذا قول جميع‬
‫املفرسين)‪ .‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 31‬ص ‪ .146‬وقد تقدم التنبيه عىل مناهج الفرسين يف التعامل مع آيات العفو‬
‫والصفح‪ ،‬وآية السيف‪ ،‬وتقرر اعتامد رأي كبار املفرسين مثل الطربي وابن عطية والزركيش وغريهم الذي يذهب إىل أن‬
‫القول بالنسخ ضعيف‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ـب َوٱألُ ِّمِّ‍ي ـ َن َءأَس ـلَمتُم فَ ـ ِإن أَس ـلَ ُموا ْ فَ َقـ ِـد ٱهتَ ـ َدوا ْ‬ ‫َوقُــل �لِّل َِّذي ـ َن أُوتُــوا ْ ٱل ِكتَٰـ َ‬
‫َّوإِن تَ َولَّــوا ْ فَ ِإنَّ َــا َعلَيـ َـك ٱل َبلَٰ ـ ُغ َوٱللَّ ـ ُه بَ ِص ـ ُر بِٱل ِع َبــاد﴾( )‪ .‬وقــال عــز وجــل‪:‬‬
‫ِ ‪1‬‬

‫فسـ ِه َو َمــن ضَ ـ َّـل‬


‫ـاس بِٱل َحـ ِّـق فَ َمــنِ ٱهتَـ َد ٰى فَلِ َن ِ‬ ‫﴿إِنَّـآ أَن َزل َنــا َعلَيـ َـك ٱل ِكتَٰـ َ‬
‫ـب لِل َّنـ ِ‬
‫ـت َعلَي ِهــم ِب َوكِيــلٍ ﴾(‪ .)2‬قــال الطــري يف تفســره‪:‬‬ ‫فَ ِإنَّ َــا يَ ِضـ ُّـل َعلَي َهــا َو َم ـآ أَنـ َ‬
‫«يقــول تعــاىل ذكــره‪ :‬ومــا أنــت يــا محمــد عــى مــن أرســلتك إليــه مــن‬
‫النــاس برقيــب ترقــب أعاملهــم‪ ،‬وتحفــظ عليهــم أفعالهــم‪ ،‬إمنــا أنــت رســول‪،‬‬
‫وإمنــا عليــك البــاغ‪ ،‬وعلينــا الحســاب»(‪ .)3‬وإذا كان البــاغ الــذي ال يتجــاوز‬
‫املوعظــة الحســنة‪ ،‬والحــوار بالتــي هــي أحســن؛ هــو أقــى مهمــة الرســل‬
‫عليهــم الســام‪ ،‬فــإن املســلم أوىل أال يتجــاوز ذلــك إىل اإلكـراه واإلجبــار‪ ،‬فــا‬
‫أحــد مــن النــاس وكيــل عــى اآلخــر‪ ،‬أو رقيــب عــى أعاملــه وأفعالــه‪ ،‬وال‬
‫يحــق ألحــد أن يفــرض عــى أحــد غــر مــا يختــاره دينــا لنفســه‪ ،‬يقــول اللــه‬
‫﴿لٓ إِكــ َرا َه ِف ٱلدِّيــنِ ﴾(‪ .)4‬يقــول ابــن كثــر‪« :‬أي‪ :‬ال تكرهــوا أحــدا‬ ‫تعــاىل‪َ :‬‬
‫عــى الدخــول يف ديــن اإلســام؛ فإنــه بــن واضــح جــي دالئلــه وبراهينــه‪ ،‬ال‬
‫يحتــاج إىل أن يكــره أحــد عــى الدخــول فيــه‪ ،‬بــل مــن هــداه اللــه لإلســام‬
‫ورشح صــدره ونــور بصريتــه دخــل فيــه عــى بينــة»(‪ .)5‬وقــال الزمخــري‪« :‬مل‬
‫يجــر اللَّــه أمــر اإلميــان عــى اإلجبــار والقــر؛ ولكــن عــى التمكــن واالختيــار‪،‬‬
‫رض كُلُّ ُهــم جمي ًعــا‬ ‫ونحــوه قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ولَــو شَ ـآ َء َربُّـ َـك َلٓ َم ـ َن َمــن ِف ٱألَ ِ‬
‫ــى يَكُونُــوا ْ ُمؤ ِم ِنــ َن﴾(‪ .)6‬أي‪ :‬لــو شــاء لقرسهــم‬ ‫ــاس َحتَّ ٰ‬ ‫نــت تُكــ ِر ُه ٱل َّن َ‬ ‫أَفَأَ َ‬
‫عــى اإلميــان؛ ولكنــه مل يفعــل‪ ،‬وبنــى األمــر عــى االختيــار»( )‪ .‬فاالعتقــاد‬
‫‪7‬‬

‫القلبــي الحقيقــي الحــر باإلميــان هــو الســبيل الوحيــد إىل اإلميــان‪ ،‬يقــول‬
‫وهبــة الزحيــي‪« :‬مــن أجــل حريــة االعتقــاد أو الحريــة الدينيــة منــع القــرآن‬
‫اإلكــراه عــى الديــن؛‪ ...‬ألن اعتنــاق اإلســام ينبغــي أن يكــون عــن اقتنــاع‬
‫قلبــي واختيــار حــر‪ ،‬ال ســلطان فيــه للســيف‪ ،‬أو اإلك ـراه مــن أحــد‪ .‬وذلــك‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.20 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.41 :‬‬
‫‪ - 3‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪ :‬ج ‪ 20‬ص ‪.214‬‬
‫‪ - 4‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬
‫‪ - 5‬ابن كثري؛ التفسري‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.682‬‬
‫‪ - 6‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.99 :‬‬
‫‪ - 7‬الزمخرشي؛ الكشاف‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.303‬‬

‫‪82‬‬
‫حتــى تظــل العقيــدة قامئــة يف القلــب عــى الــدوام‪ ،‬فــإن فرضــت باإلرغــام‬
‫والســطوة‪ ،‬ســهل زوالهــا وضاعــت الحكمــة مــن قبولهــا»(‪.)1‬‬
‫فالديــن ال يكــره النــاس عــى اعتناقــه‪ ،‬وإمنــا ذلــك مرجعــه الختيار األشــخاص‪،‬‬
‫لــكل منهــم رشعتــه ومنهجــه ودينــه‪ .‬وال يصــح القــول بنســخ اآليــة التــي‬
‫تنفــي اإلك ـراه يف الديــن يقــول أبــو زهــرة‪« :‬والحــق أن حكــم هــذه اآليــة‪:‬‬
‫﴿لٓ إِكـ َرا َه ِف ٱل ِّديــنِ ﴾(‪)2‬؛ مــاض إىل يــوم القيامــة؛ ألنهــا تؤيــد حقيقــة ثابتــة‪،‬‬
‫َ‬
‫وتزكيهــا آيــات أخــرى‪ ،‬وأحاديــث للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم»( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫إذن‪ ،‬فاضطهــاد النــاس عــى الديــن منفــي عــن اإلســام‪ ،‬فهــو ال يُكرههــم عىل‬
‫غــر مــا يقتنعــون بــه مــن األديــان‪ ،‬ويقتــي ذلــك التســامح مــع املخالــف‬
‫مــن أصحــاب األديــان األخــرى‪.‬‬
‫الركيــزة الثانيــة‪ :‬مامرســة الشــعائر؛ وهــذا مجــال التســامح الفعــي؛ فقــد‬
‫كفــل اإلســام مامرســة الشــعائر الدينيــة لجميــع املخالفــن؛ فالحريــة الدينيــة‬
‫ومامرســة الشــعائر متالزمــان‪ ،‬فــإن هــذه الحريــة املكفولــة تقتــي أداء غــر‬
‫املســلمني شــعائر دينهــم‪ ،‬والســاح لهــم بإقامتهــا‪ ،‬وقــد طبــق الرســول صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم هــذا النــوع مــن التســامح عمليــا‪ ،‬حــن ســمح لوفــد نجران‬
‫بــأداء شــعائرهم الدينيــة يف مســجده صــى اللــه عليــه وســلم(‪.)4‬‬
‫يقــول وهبــة الزحيــي‪« :‬وتقريــر حريــة العقيــدة يســتتبع إقــرار حريــة‬
‫مامرســة الشــعائر الدينيــة؛ ألننــا أُمرنــا بــرك الذميــن ومــا يدينــون‪ ،‬وال‬
‫يعتــدى عــى كنائســهم ومعابدهــم‪ ،‬ولهــم مــا للمســلمني وعليهــم مــا عــى‬
‫املســلمني‪ ،‬وال يناقشــون يف عقائدهــم إال باللــن والخطــاب الحســن‪ ،‬قــال اللــه‬

‫اإلسالمي وأدلَّتُه‪( ،‬دار الفكر‪-‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،)4 .‬ج ‪ 8‬ص ‪.6209‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪ - 1‬الزحييل؛ َو ْهبَة بن مصطفى‪ ،‬ال ِف ْق ُه‬
‫‪ - 2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬
‫‪ - 3‬أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪.949‬‬
‫ُس ْوجِردي الخراساين‪ ،‬أبو‬ ‫‪ - 4‬ابن هشام؛ السرية النبوية‪1 :‬ج ص ‪ ،574‬والبيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسني بن عيل بن موىس الخ ْ َ‬
‫بكر البيهقي ‪ 458‬ه‪ ،‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الرشيعة‪( ،‬تحقيق‪ :‬عبد املعطي قلعجي‪ ،‬دار الكتب العلمية دار‬
‫اب َوف ِْد نَ ْج َرا َن‬ ‫الريان للرتاث‪ ،‬ط‪1408 ،1 .‬ه ‪1988 -‬م)‪ُ ،‬ج َّم ُع أَبْ َو ِ‬
‫اب ُوفُو ِد الْ َع َر ِب إِ َل َر ُسو ِل الل ِه َص َّل الل ُه َعلَيْ ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬بَ ُ‬
‫َوشَ َها َد ِة الْ َ َسا ِق َف ِة لِ َن ِبيِّ َنا َص َّل الل ُه َعلَيْ ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.382‬‬

‫‪83‬‬
‫ـي أَ َ‬
‫حسـ ُن إِ َّل ٱل َِّذيـ َن ظَلَ ُمــوا ْ‬ ‫تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل ت ُ َٰج ِدلُـ ٓوا ْ أَهـ َـل ٱل ِكتَٰـ ِ‬
‫ـب إِ َّل بِٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫ِمن ُهــم﴾(‪.)2(»)1‬‬
‫وهــذه قاعــدة أســاس يف الحريــة الدينيــة‪ ،‬وهــي تــرك أهــل األديــان‬
‫األخــرى ومــا يدينــون بــه‪ ،‬وعــدم مضايقتهــم يف إقامــة شــعائرهم‪ ،‬ومامرســة‬
‫معتقداتهــم؛ تحقي ًقــا للتســامح‪ ،‬وأول مــن أقــر ذلــك هــو النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬حيــث ضمــن للديانــات املســتقرة يف املدينــة مامرســة ديانتهــم‬
‫كــا ســنبني ذلــك عنــد حديثنــا عــن وثيقــة املدينــة‪.‬‬
‫إن ترســيخ هــذه الركائــز يف املامرســة الدينيــة يســاعد عــى تحقيــق التســامح‪،‬‬
‫وســتتجاوز آثــاره حينئــذ املجموعــة الواحــدة‪ ،‬والبلــد الواحــد‪ ،‬إىل الجــوار‬
‫والعالقــات الدوليــة‪ ،‬وهــذا مــا ســنبحثه يف مطالــب املبحــث القــادم‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية‪.46 :‬‬


‫‪ - 2‬الزحييل؛ الفقه اإلسالمي وأدلته‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.6209‬‬

‫‪84‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬آثار التسامح ومثراته‬
‫إن للتســامح آثــا ًرا جليّ ـ ًة‪ ،‬ومث ـر ٍ‬
‫ات يانع ـ ًة‪ ،‬وفيــا يــأيت أســتعرض بعضً ــا مــن‬
‫تلــك اآلثــار والثم ـرات مــن خــال املطالــب اآلتيــة‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعزيز السلم يف املجتمعات‬


‫إن التســامح يتجــاوز الــدور الدينــي واألخالقــي إىل دور اجتامعــي أســمى‪،‬‬
‫يســتظل بــه الجميــع‪ ،‬ويعــود أثــره عــى ســائر املجتمــع يف انســجامه وتعاونــه‬
‫وألفتــه‪ ،‬فتحقيــق الســلم االجتامعــي‪ ،‬وتوفــر الســام واالســتقرار لألوطــان‪،‬‬
‫وإرســاء قيــم الطأمنينــة‪ ،‬وحفــظ النــاس مــن غوائــل االحـراب والشــنآن؛ مــا‬
‫تدعــو إليــه قيمــة التســامح وت ُحققــه وتــؤدي إليــه‪.‬‬
‫إن الطريــق الســهل واملأمــون للوقايــة مــن االح ـراب بكافــة أنواعــه‪ ،‬وبنــاء‬
‫مجتمــع مســتقر يرفــل يف مطــارف الســلم؛ هــو نــر ثقافــة التســامح‪ ،‬ومــن‬
‫أجــل ذلــك ركــزت الرشيعــة اإلســامية الغ ـراء عــى جعــل التســامح مبــدأ‬
‫عمل ًّيــا لــه آثــاره وتجلياتــه الواقعيــة‪ ،‬ف َد َّعمتــه بترشيعــات أصبــح معهــا مبــدأ‬
‫التســامح قضيــة اجتامعيــة ال ميكــن للمجتمعــات االنفــكاك عنهــا‪ ،‬إذ هــو‬
‫رشيــان وجودهــا‪ ،‬وجــزء ال يتجــزأ مــن أعضائهــا‪ ،‬يقــول الشــيخ عبــد اللــه بــن‬
‫ب ّيــه‪« :‬الســلم يوجــد بيئــة الحــب والســعادة واالنتــاء‪ ...‬وهــو قبــل كل يشء‬
‫مصالحــة مــع الــذات قبــل أن يكــون مصالحــة مــع الغــر‪ ،‬إنــه قيــم ونعــم‬
‫ال يدركهــا إال مــن ذاق الحــرب‪ ...‬نتفــق مــع الفيلســوف (ســبينوزا) عندمــا‬
‫يقــول‪ :‬ليــس الســلم عــدم الحــرب وإمنا الســلم اتحــاد األرواح‪ .‬واتحــاد األرواح‬
‫يعنــي اعتــاد قيــم راســخة متثّــل الســلم االجتامعــي»(‪ ،)1‬والتســامح أيقونــة‬
‫تلــك القيــم املمثّلــة للســلم يف أدق مســتوياته‪ ،‬وجوهــر أعراضــه‪ ،‬فالتســامح‬
‫غايتــه الســام‪ ،‬وال ســام إال بالتســامح‪ ،‬يقــول وهبــة الزحيــي يف بيــان هــذا‬
‫االرتبــاط‪« :‬وإذا كان النــاس اليــوم يدعــون يف الظاهــر إىل مبــدأ التعايــش‬
‫الســلمي‪ ،‬متســرين وراء ألفــاظ خالبــة؛ كنظريــة الســام املشــرك بــن الــدول‪،‬‬

‫‪ - 1‬ابن بيّه ‪ -‬منشور الكلمة التأطريية ملنتدى تعزيز السلم ‪2014‬م‪ ،‬ص ‪.35‬‬

‫‪85‬‬
‫أو الســام العاملــي‪ ،‬فــإن اإلســام مل يــدع إىل هــذا املبــدأ فقــط‪ ،‬بــل دعــا إىل‬
‫مــا يفــوق ذلــك مــن التســامح والتعايــش الــودي‪ ،‬الــذي يتجــاوز املســاملة إىل‬
‫املــودة واملصاهــرة‪ ،‬واالشـراك يف القرابــات‪ ،‬واختــاط الدمــاء‪ ،‬وإيجــاد زمالــة‬
‫﴿ل يَن َه ٰى ُك ـ ُم ٱللَّ ـ ُه َعــنِ ٱل َِّذي ـ َن لَــم يُ َٰق ِتلُوكُــم‬
‫عامليــة حقــة‪ ،‬قــال اللــه تعــاىل‪َّ :‬‬
‫ِف ٱل ِّديــنِ َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم ِّمــن ِديَٰ ِركُــم أَن ت َ َُّبو ُهــم َوت ِ‬
‫ُقسـطُ ٓوا ْ إِلَي ِهــم إِ َّن ٱللَّـ َه‬
‫ـط َني﴾(‪ ،)1‬مــن وحــي هــذه النظــرة الوديــة لبقيــة الشــعوب يف‬ ‫ُقسـ ِ‬
‫ـب ٱمل ِ‬ ‫يُ ِحـ ُّ‬
‫اإلســام؛ نجــد قضيــة الســام العاملــي مدعمــة فيــه تدعيــا إيجابيــا‪ ،‬بــرط‬
‫أن تكــون هنــاك صيانــة حقيقيــة لحريــة األديــان والعقائــد‪ ،‬كــا تنــص عــى‬
‫ذلــك مختلــف الدســاتري واملواثيــق العامليــة‪ .‬وضامنــات إق ـرار الســام العــام‬
‫يف اإلســام كثــرة‪ ،‬فهــو قــد قــى عــى الفــوارق الجنســية والعصبيــة وتناحــر‬
‫الطبقــات‪ ،‬وأوجــد نوعــا مــن الرابطــة الطيبــة بــن املســلمني وغريهــم؛‬
‫أساســها محبــة الشــعوب ومودتهــم‪ ،‬والعنايــة بجلــب املنافــع لهــم‪ ،‬ودفــع‬
‫املضــار عنهــم‪ ،‬وأشــادت الرشيعــة بــروح التســامح معهــم»(‪.)2‬‬
‫وإمنــا أكــد اإلســام عــى تلــك الضامنــات ألجــل تحقيــق اآلثــار العائــدة عــى‬
‫املجتمــع واملؤثــرة فيــه‪ ،‬وقــد ربطهــا بثالثــة مقومــات رئيســة‪ ،‬تتجــى فيهــا‬
‫تلــك اآلثــار‪ ،‬وهــي‪:‬‬
‫أول‪ :‬املبــادرة الذاتيــة الهادفــة لتحقيــق املــودة واأللفــة والســام؛ وذلــك‬ ‫ً‬
‫باإلقــدام عــى التســامح مــع املخالفــن واملبــادرة الشــخصية إليــه‪ ،‬والعفــو‬
‫والصفــح عنهــم ولــو كانــوا أعــداء‪ ،‬وهــذا مــا وجــه إليــه القــرآن الكريــم يف‬
‫حس ـ ُن‬ ‫ـي أَ َ‬ ‫آيــات عديــدة‪ ،‬وأكرثهــا رصاحــة قولــه تعــاىل‪﴿ :‬ٱدفَــع بِٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫فَ ـ ِإذَا ٱلَّـ ِـذي بَي َنـ َـك َوبَي َن ـ ُه َع ـ َٰد َو ‪ٞ‬ة كَأَنَّ ـ ُه َو ِ ٌّل َح ِمي ـ ‪ٞ‬م﴾(‪ .)3‬يقــول ابــن عطيــة‬
‫عنهــا‪ :‬إنهــا «آيــة جمعــت مــكارم األخــاق وأنــواع الحلــم‪ ،‬واملعنــى‪ :‬ادفــع‬
‫أمــورك ومــا يعرضــك مــع النــاس ومخالطتــك لهــم بالفعلــة أو بالســرة التــي‬
‫هــي أحســن الســر والفعــات‪ ،‬فمــن ذلــك بــذل الســام‪ ،‬وحســن األدب‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬


‫‪ - 2‬الزحييل‪ ،‬آثار الحرب يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.140 ،139‬‬
‫‪ - 3‬سورة فصلت‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬

‫‪86‬‬
‫وكظــم الغيــظ‪ ،‬والســاحة يف القضــاء واالقتضــاء وغــر ذلــك‪ .‬قــال ابــن‬
‫عبــاس‪ :‬إذا فعــل املؤمــن هــذه الفضائــل عصمــه اللــه مــن الشــيطان وخضــع‬
‫لــه عــدوه»(‪.)1‬‬
‫فالتســامح يف هــذا املوطــن يقــود إىل التصــايف والتحــاب والصداقــة الحميميــة؛‬
‫كــا عــر عــن ذلــك القــرآن الكريــم‪ ،‬قــال ابــن كثــر‪« :‬وقولــه‪﴿ :‬فَـ ِإذَا ٱلَّـ ِـذي‬
‫بَي َنـ َـك َوبَي َنـ ُه َعـ َٰد َو ‪ٞ‬ة كَأَنَّـ ُه َو ِ ٌّل َح ِميـ ‪ٞ‬م﴾(‪ ،)2‬وهــو الصديــق‪ ،‬أي‪ :‬إذا أحســنت‬
‫إىل مــن أســاء إليــك قادتــه تلــك الحســنة إليــه إىل مصافاتــك ومحبتــك‪ ،‬والحنو‬
‫عليــك‪ ،‬حتــى يصــر كأنــه ويل لــك حميــم أي‪ :‬قريــب إليــك مــن الشــفقة‬
‫عليــك واإلحســان إليــك»(‪ .)3‬فهــذه اآليــة أصــل يف بيــان آثــار التســامح عــى‬
‫املجتمــع‪.‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬تحقيــق التعــاون بــن أفـراد املجتمــع؛ فقــد أمــر اللــه تعــاىل بالتعــاون‬
‫عــى تحقيــق العفــو‪ ،‬وتجنــب التشــفي واالنتقــام؛ ألن ذلــك مــا يجعــل‬
‫ــى ِ ِّ‬
‫ٱلــر‬ ‫ومســتحيل؛ فيقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وت َ َعا َونُــوا ْ َع َ‬
‫ً‬ ‫التســامح مفقــو ًدا‬
‫َوٱلتَّق ـ َو ٰى َو َل تَ َعا َونُــوا ْ َعـ َـى ٱ ِإلثـ ِـم َوٱل ُعــد َٰونِ ﴾( )‪ .‬يقــول أبــو الســعود‪« :‬ملــا‬
‫‪4‬‬

‫كان االعتــدا ُء غالبــا بطريــق التظاهــ ِر والتعــاون أُ ِمــروا إِث ْــ َر مــا نُهــوا عنــه‬
‫بــأن يتعاونــوا عــى كل مــا هــو مــن بــاب الــر والتقــوى‪ ...‬فدخــل فيــه مــا‬
‫نحــن بصــدده مــن التعــاون عــى العفــو واإلغضــا ِء عــا وقــع منهــم دخــوال‬
‫أ َّول ًّيــا‪ ،‬ثــم نُ ُهــوا عــن التعــاون يف كل مــا هــو مــن َمقولــة الظلـ ِـم واملعــايص ‪...‬‬
‫ـي عــن التعــاون عــى االعتــداء واالنتقــام»(‪.)5‬‬ ‫فانــدرج فيــه النهـ ُ‬
‫واألصــل أن هــذه اآليــة توجيــه للصحابــة ريض اللــه عنهــم بالتعــاون عــى‬
‫تحقيــق التســامح مــع مــن اعتــدى عليهــم مــن املرشكــن‪ ،‬وإقامــة آثــاره‬
‫يف املجتمــع‪ ،‬والنهــي عــن االنتقــام واالعتــداء الــذي ال ميكــن معــه إقامــة‬
‫مجتمــع يســوده التســامح‪ ،‬وقــد ذكــر املفــرون أن هــذه اآليــة نزلــت بعــد‬

‫‪ - 1‬ابن عطية‪ :‬التفسري؛ ج ‪ 5‬ص ‪.16‬‬


‫‪ - 2‬سورة فصلت‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫‪ - 3‬ابن كثري‪ ،‬التفسري ج ‪ 7‬ص ‪.181‬‬
‫‪ - 4‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬
‫‪ - 5‬أبو السعود‪ ،‬إرشاد العقل السليم؛ ج ‪ 3‬ص ‪.5‬‬

‫‪87‬‬
‫صلــح الحديبيــة حــن نــوى بعــض املســلمني صــد املرشكــن عــن البيــت‬
‫الحـرام؛ جــاء يف الجامــع ألحــكام القــرآن للقرطبــي‪« :‬ملــا صــد املســلمون عــن‬
‫البيــت عــام الحديبيــة‪ ،‬مــر بهــم نــاس مــن املرشكــن يريــدون العمــرة‪ ،‬فقــال‬
‫املســلمون‪ :‬نصدهــم كــا صدنــا أصحابهــم‪ ،‬فنزلــت هــذه اآليــة»(‪.)1‬‬
‫ثالثًــا‪ :‬املامرســة التســامحية الضامنــة لقيــم الســلم والنــأي عــن العنــف؛‬
‫وهــذه املامرســة تعــم جميــع املجــاالت‪ ،‬التــي يتحقــق فيهــا االختــاط مــع‬
‫اإلنســان اآلخــر‪ ،‬ســواء املوافــق أو املخالــف‪ ،‬وهــذا هــو التطبيــق العمــي‬
‫للتســامح‪ ،‬وقــد حــض النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــى املامرســة‬
‫التســامحية املطلقــة‪ ،‬فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪َ { :‬ر ِحـ َم اللَّـ ُه َر ُجـ ًـا َسـ ْم ًحا‬
‫ــى}(‪.)2‬‬‫ــرى‪َ ،‬وإِذَا اقْتَ َ‬
‫إِذَا بَــاعَ‪َ ،‬وإِذَا اشْ َ َ‬
‫فالتســامح يــرز أثــره يف املعــارشة واملشــاركة‪ ،‬والتعامــل مــع املخالــف‪ ،‬الــذي‬
‫تجمــع بينــه وبــن أخيــه األلفــة اإلنســانية الجامعــة؛ فإنســانية اإلنســان ال‬
‫تكمــل وال تنبــل إال بفعــل الفضائــل وتعديهــا إىل غــره‪ ،‬مبعــارشة جميلــة‪،‬‬
‫ـام ينتقــل بــه املجتمــع مــن‬ ‫ومحبــة صادقــة‪ ،‬وكل ذلــك لتحقيــق هــدف سـ ٍ‬
‫التســامح إىل الســلم‪ ،‬ثــم إىل قيــم الســعادة واإلســعاد‪ ،‬وتلــك صبغــة العالقــة‬
‫اإلنســانية األصيلــة؛ يقــول مســكويه‪« :‬ولهــذا قــال الحكــاء‪ :‬إن اإلنســان‬
‫مــدين بالطبــع أي هــو محتــاج إىل مدينــة فيهــا خلــق كثــر‪ ،‬لتتــم لــه الســعادة‬
‫ـكل بالطبــع وبالــرورة يحتــاج إىل غــره‪ ،‬فهــو لذلــك مضطــر إىل‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬فـ ٌّ‬
‫مصافــاة النــاس ومعارشتهــم العــرة الجميلــة‪ ،‬ومحبتهــم املحبــة الصادقــة؛‬
‫ألنهــم يكملــون ذاتــه‪ ،‬ويتممــون إنســانيته‪ ،‬وهــو أيضــا يفعــل بهــم مثــل‬
‫ذلــك‪ ...‬وليســت الفضائــل إعدامــا‪ ،‬بــل هــي أفعــال وأعــال‪ ،‬تظهــر عنــد‬
‫مشــاركة النــاس ومســاكنتهم‪ ،‬ويف املعامــات ورضوب االجتامعــات‪ .‬ونحــن‬
‫إمنــا نعلــم ونتعلــم الفضائــل اإلنســانية التــي نســاكن بهــا النــاس ونخالطهــم‪،‬‬
‫ونصــر عــى أذاهــم لنصــل منهــا وبهــا إىل ســعادات أخــر إذا رصنــا إىل حــال‬
‫أخــرى»(‪.)3‬‬
‫‪ - 1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن؛ ج ‪ 6‬ص ‪.46‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب السهولة والسامحة يف الرشاء والبيع‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ 57‬رقم ‪.2076‬‬
‫‪ - 3‬مسكويه؛ تهذيب األخالق وتطهري األعراق‪ :‬ص ‪ .10‬ونص مسكويه هذا يؤصل ملنهج دولة اإلمارات العربية يف املوازاة‬
‫بني التسامح والسعادة يف اسرتاتيجيتها الوطنية –كام سيأيت بيانه‪.-‬‬

‫‪88‬‬
‫إن الهــدف العمــي مــن ثقافــة التســامح هــو جعلــه مامرســة اجتامعيــة‪،‬‬
‫تلقــي بظاللهــا عــى ســائر فئــات املجتمــع‪ ،‬وبهــذه املامرســة املطالَــب بهــا‬
‫كل فــرد؛ تنتــر قيمــة الســام يف كل بيئــة‪ ،‬وال تتحقــق هــذه املامرســة إال‬
‫بالتدريــج والرتبيــة‪ ،‬واملبــادرة الفرديــة الخالقــة‪ ،‬واالتصــاف بأخــاق التســامح‪،‬‬
‫وهــي التــي حــث النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــى التخلــق بهــا يف‬
‫مختلــف األدوار االجتامعيــة‪ ،‬فقــد قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪ُ { :‬حــ ِّر َم‬
‫ـاس}(‪ .)1‬والقــرب مــن النــاس‬ ‫ـب ِمـ َن ال َّنـ ِ‬ ‫ـن لَـ ِّ ٍ‬
‫ـن َسـ ْهلٍ قَرِيـ ٍ‬ ‫َعـ َـى ال َّنــا ِر ك ُُّل َهـ ِّ ٍ‬
‫ومخالطتهــم بالســهولة كــا يف الحديــث؛ فيــه داللــة عــى مامرســة التســامح‬
‫مــع الجميــع‪ ،‬والتســاكن معهــم باللطــف‪ ،‬ومالزمــة تلــك األخــاق؛ تعنــي ري‬
‫النفــس مبــاء القيــم‪ ،‬حتــى ينشــأ عنهــا نبــات التســامح املثمــر لــكل خــر‪ ،‬يف‬
‫مختلــف الظــروف وأحلــك األوقــات‪ ،‬وهكــذا هــو هــدي النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬فقــد ســجل لنــا التاريــخ أعظــم مامرســة عمليــة لخلــق العفــو‬
‫والصفــح عندمــا تســامح صــى اللــه عليــه وســلم مــع قريــش‪ ،‬الذيــن آذوه‬
‫ســنني عديــدة‪ ،‬فقــال لهــم يــوم فتــح مكــة بعــد أن ظنــوا فيــه كل الظنــون‪:‬‬
‫{ا ْذ َهبُــوا فَأَنْتُ ـ ُم الطُّلَ َقــا ُء}(‪ .)2‬ومواقفــه صــى اللــه عليــه وســلم يف مامرســة‬
‫التســامح كثــرة‪ ،‬فقــد اتســمت رســالته كلهــا ويف جميــع ظروفهــا بقيــم‬
‫الصفــح والعفــو؛ ليغــذي يف أتباعــه معنــى اســتدامة تلــك القيمــة واطرادهــا‪،‬‬
‫ـف عفـ ٍو لــه عــى الــذي قبلــه‪ ،‬وهكــذا موق ًفــا‬ ‫فيعطــف كل مســلم آخـ َر موقـ ِ‬
‫بعــد موقــف‪ ،‬لتســتنري سلســلة قيــم املــرء عــى مبــادئ ثابتــة‪ ،‬ويتضــام أفـراد‬
‫املجتمــع عليهــا‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬استقرار العالقات الدولية‬


‫إن العالقــات املبنيــة عــى أســاس مــن الســام والســلم والتفاهــم مــع الغــر‬
‫مــن آثــار التســامح الدينــي‪ ،‬وإن هــذا النــوع مــن العالقــات ال ميكــن أن يقــام‬

‫‪ - 1‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )3938( :‬ج ‪ 7‬ص ‪.52‬‬


‫‪ - 2‬البيهقي‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )18276( :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب فتح مكة حرسها الله تعاىل‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪ .199‬وحكم الحافظ ابن‬
‫حجر عىل إسناده بأنه حسن‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن عيل بن حجر أبو الفضل العسقالين الشافعي‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح‬
‫البخاري‪( ،‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪ ،1379 ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي)‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.18‬‬

‫‪89‬‬
‫إال عــى نهــج التســامح؛ وكــا هــو معلــوم فــإن مجــال التســامح هــو التنــوع‬
‫واالختــاف‪ ،‬فأينــا كان التنــوع والتعدديــة فالتســامح مطلــوب؛ فلهــذا كان‬
‫التســامح أُســا مــن أســس العالقــات الدوليــة‪ ،‬وقــد كان النبــي صــى اللــه عليه‬
‫وســلم يــويل اهتام ًمــا كبـ ًرا لتطبيــق منهــج التســامح يف العالقــات بــن البلدان‬
‫ـول الل ـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬ ‫والقبائــل؛ ففــي الحديــث‪ :‬أنــه بَ َعــثَ َر ُسـ ُ‬
‫ضبُــو ُه‪ ،‬فَ َجــا َء إِ َل َر ُســو ِل الل ـ ِه‬‫ـي ِم ـ ْن أَ ْح َيــا ِء الْ َع ـ َر ِب‪ ،‬ف ََس ـ ُّبو ُه َو َ َ‬ ‫َر ُجـ ًـا إِ َل َحـ ٍّ‬
‫ـول اللـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬ ‫ـال َر ُسـ ُ‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فَأَ ْخـ َ َ‬
‫ـر ُه‪ ،‬فَ َقـ َ‬
‫ـوك}(‪ .)1‬فمــدح النبــي صــى‬ ‫ضبُـ َ‬ ‫ـت‪َ ،‬مــا َسـ ُّب َوك َو َل َ َ‬ ‫{لَـ ْو أَ َّن أَ ْهـ َـل ُعـ َـا َن أَت َ ْيـ َ‬
‫اللــه عليــه وســلم هــذا البلــد وأهلــه ألنهــم يتســامحون مــع غريهــم‪ :‬قــال‬
‫بعــض العلــاء‪« :‬كان أهــل عــان أرسع النــاس قبــوال للخــر»(‪.)2‬‬
‫وأصــل هــذا البــاب هــو قولــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫ـاس إِنَّــا َخلَق َٰن ُكــم ِّمــن َذكَـ ٖر‬
‫ــل لِتَ َعا َرفُــ ٓوا ْ﴾(‪ .)3‬فهــذه اآليــة دليــل عــى‬ ‫َــى َو َج َعل َٰنكُــم شُ ــ ُعوبٗا َوقَ َبآئِ َ‬ ‫َوأُنث ٰ‬
‫أن اإلســام مل ينظــر إىل الديــن أو املعتقــد يف بنــاء العالقــات بــن الــدول‬
‫والشــعوب‪ ،‬بــل تلــك العالقــات إمنــا تكــون عــى أســاس العيــش املشــرك‬
‫والســلم وإعــار األرض‪.‬‬
‫إن الفهــم الضيــق ملفهــوم العالقــات الدوليــة يســتمد ضيــق أُفُقــه مــن‬
‫العدوانيــة واإلقصــاء‪ ،‬واإلســام يدعــو إىل تقريــر مبــادئ الخــر والتعــاون‬
‫وإعــار األرض‪ ،‬وال يتحقــق ذلــك إال بالعالقــات املبنيــة عــى التســامح‪،‬‬
‫وقــد راعــى اإلســام يف العالقــات الدوليــة ثالثــة أســس يك تكــون قامئــة عــى‬
‫التعــاون والتفاهــم والتســامح‪ ،‬وهــي‪:‬‬
‫أول‪ :‬الســلم‪ :‬فاألصــل يف العالقــات بــن الــدول يف اإلســام هــو الســلم‪،‬‬ ‫ً‬
‫والقيــم اإلنســانية املشــركة التــي تتفيــأ البرشيــة كافــة ظاللهــا؛ فيعيشــون‬
‫يف تســامح واطمئنــان‪ ،‬بــدون حــروب وال افتتــان‪ ،‬ويعــم البســيطة كلهــا‬

‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2544( :‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل أهل عامن‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.1971‬‬
‫‪ - 2‬ابن الجوزي؛ جامل الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عيل بن محمد الجوزي ‪ 597‬ه‪ ،‬كشف املشكل من حديث‬
‫الصحيحني‪( ،‬تحقيق‪ :‬عيل حسني البواب‪ ،‬دار الوطن – الرياض)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .295‬هكذا يف النسخة املطبوعة «للخرب» ولعله‪:‬‬
‫«يف الخري»‪.‬‬
‫‪ - 3‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬

‫‪90‬‬
‫االســتقرار واألمــان؛ هــذا هــو منهــج العالقــات الدوليــة يف اإلســام‪ ،‬قــال اللــه‬
‫ـلم فَٱج َنــح لَ َهــا َوتَـ َوكَّل َعـ َـى ٱللَّـ ِه﴾(‪ .)1‬ويــدل عــى‬ ‫لسـ ِ‬‫تعــاىل‪َ ﴿ :‬وإِن َج َن ُحــوا ْ لِ َّ‬
‫هــذا املعنــى آيــات أخــرى يف القــرآن الكريــم‪ ،‬يقــول أبــو زهــرة‪« :‬إن اإلســام‬
‫مــا جــاء للحــرب‪ ،‬بــل جــاء للســام‪ ،‬وهــو يقــول‪َ ﴿ :‬و َل تَقُولُــوا ْ لِ َمــن أَل َقـ ٰٓ‬
‫ـى‬
‫ـت ُمؤ ِم ٗنــا ت َبتَ ُغــو َن َع ـ َر َض ٱل َح َي ـ ٰو ِة ٱل ُّدن َيــا﴾(‪ .)2‬فهــو ديــن‬ ‫ٱلس ـلَٰ َم لَسـ َ‬
‫إِلَي ُك ـ ُم َّ‬
‫الســام‪ ،‬ومــا كانــت الحــرب إال لتأييــد الســام‪ ،‬وليكــون عــى العــدل‪ ...،‬ومــا‬
‫حــارب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم املرشكــن إال بعــد أن فتنــوا النــاس عــن‬
‫دينهــم‪ ،‬وأخرجوهــم مــن ديارهــم وأموالهــم‪ ،‬ورشدوا املؤمنــن‪ ،‬فــكان البــد‬
‫مــن القتــال ليدفعوهــم‪ ،‬ومينعوهــم مــن هــذا الظلــم‪ ،‬فــإذا جنحــوا للســلم‪،‬‬
‫وامتنعــوا عــن الفتنــة‪ ،‬فقــد زال ســبب القتــال‪ ،‬وعــاد األمــر إىل أصــل الســام‬
‫الــذي هــو أســاس العالقــة اإلنســانية بــن املســلمني وغريهــم»(‪.)3‬‬
‫ويف هــذا البــاب تثــار الشــبه‪ ،‬ويتهــم اإلســام زورا وبهتانــا مبــا هــو بــريء‬
‫منــه‪ ،‬فمــرة بأنــه ديــن العنــف‪ ،‬وأخــرى بأنــه ديــن القتــل‪ ،‬وتــارة أخــرى بأنــه‬
‫يدعــو لبنــاء العالقــات مــع اآلخريــن عــى أســاس القتــال‪ ،‬وقــد تــوىل أبــو‬
‫زهــرة ‪ -‬باعتبــاره أبــرز العلــاء املتأخريــن الذيــن اهتمــوا بالعالقــات الدوليــة‬
‫يف اإلســام‪ ،‬وخصــص هــذا الجانــب مبقــاالت ودراســات متعــددة ‪ -‬تــوىل يف‬
‫دراســاته تفنيــد مــن يتهــم اإلســام بأنــه ليــس ديــن ســام مســتندا يف ذلــك‬
‫إىل مــا يف كتــب الفقهــاء‪ ،‬يقــول رحمــه اللــه‪« :‬أمــا مســاملة املســلمني لغــر‬
‫املســلمني‪ ،‬فقــد أثــار القــول حولهــا مــن فهــم ظواهــر األمــور‪ ،‬ومل يتغلغــل يف‬
‫بواطنهــا‪ ،‬إذ قــال‪ :‬إن اإلســام قــد أبــاح القتــال‪ ،‬والقتــال والســام نقيضــان َل‬
‫يجتمعــان‪ ،‬والكــرة الكــرى مــن فقهــاء املســلمني تقــرر أن األصــل يف العالقــة‬
‫الدوليــة بــن املســلمني وغريهــم الحــرب‪ ،‬حتــى يتقدمــوا بعهــد أو موادعــة‪،‬‬
‫ـلم فَٱج َنــح لَ َهــا َوت َ ـ َوكَّل َعـ َـى ٱللَّ ـ ِه﴾‬ ‫كــا قــال ســبحانه‪َ ﴿ :‬وإِن َج َن ُحــوا ْ لِ َّ‬
‫لسـ ِ‬
‫(‪ ،)4‬ذلــك قــول الذيــن فهمــوا األمــور بظواهرهــا‪ ،‬والحقيقــة أن اإلســام‬

‫‪ - 1‬سورة األنفال؛ اآلية‪.61 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة النساء؛ اآلية‪.94 :‬‬
‫‪ - 3‬أبو زهرة؛ محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد ‪ 1394‬ه‪ ،‬زهرة التفاسري‪( ،‬دار الفكر العريب)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.3177‬‬
‫‪ - 4‬سورة األنفال؛ اآلية‪.61 :‬‬

‫‪91‬‬
‫دعــا إىل الســام وحــث عليــه‪ ،‬ومبــدؤه العــام التعــارف بــن بنــي اإلنســان‪،‬‬
‫ـاس إِنَّــا َخلَق َٰن ُكــم ِّمــن َذكَ ـ ٖر‬ ‫َل التنابــذ بينهــم؛ ولــذا قــال تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫َوأُنثَـ ٰ‬
‫ـى َو َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَبَآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُـ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َم ُكــم ِعنـ َد ٱللَّـ ِه أَت َقىٰ ُكــم إِ َّن‬
‫ٱللَّـ َه َعلِيـ ٌم َخ ِبـ ‪ٞ‬ر﴾(‪ ،)1‬فــا جــاء اإلســام للحــرب والخصــام‪ ،‬بــل جــاء بالهــدى‬
‫والســام‪ ،‬ولكــن ســام اإلســام ســام عزيــز قــوي‪ ،‬وليــس بســام ذليــل خانــع‪،‬‬
‫والســام القــوي يــرد االعتــداء مبثلــه»(‪.)2‬‬
‫ومثــل هــذه اآليــات اآلمــرة بالســلم أيضــا حديــث النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـي صــى اللــه‬ ‫وســلم يف األمــر مبســاملة الــرك وأهــل الحبشــة‪ ،‬وفيــه أن ال َّن ِبـ َّ‬
‫ـر َك َمــا ت َ َركُوكُـ ْم}‬ ‫ـال‪َ { :‬د ُعــوا الْ َحبَشَ ـ َة َمــا َو َد ُعوكُـ ْم‪َ ،‬واتْ ُركُــوا الـ ُّ ْ‬ ‫عليــه وســلم قَـ َ‬
‫(‪ .)3‬والقصــد يف الحديــث مســاملتهم‪ ،‬يقــول املنــاوي‪{« :‬دعــوا الحبشــة} أي‬
‫اتركــوا التعــرض البتدائهــم بالقتــال {مــا ودعوكــم} يعنــي مــا وادعوكــم أي‬
‫ســاملوكم‪{ ...‬واتركــوا الــرك مــا تركوكــم} أي‪ :‬مــدة تركهــم لكــم فــا تتعرضــوا‬
‫لهــم إال إن تعرضــوا لكــم»(‪ .)4‬فالتســامح والســام هــا األصــل‪ ،‬وال يلجــأ إىل‬
‫الحــروب والقتــال إال عنــد الــرورة؛ يقــول وهبــة الزحيــي‪« :‬أمــا الحــرب‬
‫يف اإلســام‪ ،‬فهــي مرشوعــة كــا عرفنــا لغايــة محــدودة‪ ،‬ويف نطــاق ضيــق‪،‬‬
‫وليســت هــي مرشوعــة لذاتهــا‪ ...‬والســلم الــذي هــو أســاس العالقــات‬
‫الدوليــة يف اإلســام ليــس معنــاه إلقــاء الســاح وســبات األمــة»(‪.)5‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬حســن الجــوار‪ :‬إن مفهــوم الجــوار يف العالقــات بــن الشــعوب يتســع‬
‫ليشــمل الحضــارات والــدول املختلفــة املتجــاورة‪ ،‬فيدخــل يف تنظيــم هــذه‬
‫العالقــات وصيــة اإلســام بالجــار‪ ،‬وكفايتــه الحقــوق الواجبــة‪ ،‬ومواســاته‬
‫وعــدم إيذائــه‪ ،‬وقــد فهــم علــاء اإلســام مــن الوصيــة بالجــار العمــوم‪،‬‬
‫يقــول القرطبــي‪« :‬أمــا الجــار فقــد أمــر اللــه تعــاىل بحفظــه والقيــام بحقــه‪،‬‬
‫والوصــاة برعــي ذمتــه يف كتابــه‪ ،‬وعــى لســان نبيــه‪ .‬أال ت ـراه ســبحانه أكــد‬

‫‪ - 1‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬


‫‪ - 2‬أبو زهرة‪ ،‬زهرة التفاسري‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.652‬‬
‫‪ - 3‬أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )6015( :‬كتاب املالحم‪ ،‬باب يف النهي عن تهييج الرتك والحبشة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 4‬املناوي؛ التيسري‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.8‬‬
‫‪ - 5‬الزحييل؛ آثار الحرب يف الفقه اإلسالمي‪ :‬ص ‪.140‬‬

‫‪92‬‬
‫ـرب﴾(‪…)1‬‬ ‫ذكــره بعــد الوالديــن واألقربــن فقــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬وٱل َجــا ِر ِذي ٱل ُقـ َ ٰ‬
‫وعــى هــذا فالوصــاة بالجــار مأمــور بهــا‪ ،‬منــدوب إليهــا مســلام كان أو كافـرا‪،‬‬
‫وهــو الصحيــح‪ .‬واإلحســان قــد يكــون مبعنــى املواســاة‪ ،‬وقــد يكــون مبعنــى‬
‫حســن العــرة‪ ،‬وكــف األذى‪ ،‬واملحامــاة دونــه‪ .‬روى البخــاري عــن عائشــة –‬
‫ريض اللــه عنهــا ‪ -‬عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪َ { :‬مــا ز ََال ج ِْبِيـ ُـل‬
‫ـت أَنَّـ ُه َسـ ُي َو ِّرث ُ ُه}(‪ .)2‬وعــن أيب رشيــح أن النبــي‬ ‫وصي ِنــي بِالْ َجــارِ‪َ ،‬حتَّــى ظَ َن ْنـ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪َ } :‬واللَّــ ِه الَ يُ ْؤ ِمــ ُن‪َ ،‬واللَّــ ِه الَ يُ ْؤ ِمــ ُن‪َ ،‬واللَّــ ِه الَ‬
‫ـال‪{ :‬الَّـ ِـذي الَ يَأْ َم ـ ُن َجــا ُر ُه بَ َوائِ َق ـ ُه}‬‫ـول اللَّ ـ ِه؟ قَـ َ‬‫يُ ْؤ ِم ـ ُن» ِقيـ َـل‪َ :‬و َم ـ ْن يَــا َر ُسـ َ‬
‫(‪ ،)3‬وهــذا عــام يف كل جــار»( )‪ .‬وحســن الجــوار بــن الــدول يحقــق قيمــة‬ ‫‪4‬‬

‫التســامح‪ ،‬وبــه تســتدام التنميــة واالســتقرار‪.‬‬


‫ثالثًــا‪ :‬الوفــاء باملعاهــدات واملواثيــق‪ :‬إن اإلســام قــد اهتــم بالوفــاء‬
‫باملعاهــدات‪ ،‬وأوجــب احــرام املواثيــق‪ ،‬وذلــك يــزداد أهميــة إذا كانــت‬
‫بــن الــدول والجامعــات يقــول الدســوقي‪« :‬وإذا نظرنــا إىل املعاهــدات بــن‬
‫الــدول فإننــا نجــد أن اإلســام يدعــو إىل الوفــاء بهــا ورعايــة رشوطهــا‪ ،‬ويحــذر‬
‫أبلــغ الحــذر مــن الغــدر والتدخــل فيهــا‪ ،‬وينهــى عــن األخــذ مببــدأ مصلحــة‬
‫الدولــة يف نكــث العهــود‪ ،‬وذلــك كلــه تحقي ًقــا ملبــادئ العدالــة ونــر الســام‬
‫بــن النــاس»(‪ )5‬وقــد دلــت عــى وجــوب الوفــاء بالعهــود واح ـرام املواثيــق‬
‫نصــوص كثــرة‪ ،‬منهــا قــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وأَوفُــوا ْ ِب َعهـ ِـد ٱللَّـ ِه إِذَا َٰع َهدتُّــم َو َل‬
‫يــا إِ َّن ٱللَّــ َه‬‫ت َنقُضُ ــوا ْ ٱألَميَٰــ َن بَعــ َد ت َوكِ ِيد َهــا َوقَــد َج َعلتُــ ُم ٱللَّــ َه َعلَيكُــم كَ ِف ً‬
‫يَعلَ ـ ُم َمــا تَف َعلُــو َن َو َل تَكُونُــوا ْ كَٱلَّ ِتــي نَقَضَ ــت غَزلَ َهــا ِمــن بَعـ ِـد قُ ـ َّو ٍة أَن َٰكثٗــا‬
‫رب ِمــن أُ َّمـ ٍة إِنَّ َــا يَبلُوكُـ ُم‬‫ـي أَ َ ٰ‬
‫تَتَّ ِخـذُو َن أَميَٰ َن ُكــم َد َخـ َـا بَي َن ُكــم أَن ت َ ُكــو َن أُ َّمـ ٌة ِهـ َ‬
‫ٱللَّ ـ ُه ِب ـ ِه َولَيُبَيِّ َن ـ َّن لَ ُكــم يَــو َم ٱل ِقيَٰ َم ـ ِة َمــا كُنتُــم ِفي ـ ِه تَختَلِ ُفــونَ﴾( )‪ ،‬فهــذه‬
‫‪6‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء؛ اآلية‪.36 :‬‬


‫‪ - 2‬متفق عليه؛ البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6015( :‬كتاب األدب‪ ،‬باب الوصاة بالجار‪ ،‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪،)2624( :‬‬
‫كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب الوصية بالجار واإلحسان إليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6016( :‬كتاب األدب‪ ،‬باب إثم من ال يأمن جاره بوايقه‪.‬‬
‫‪ - 4‬القرطبي؛ التفسري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.184 ،183‬‬
‫‪ - 5‬الدسوقي‪ ،‬محمد‪ -‬أصول العالقات الدولية بني اإلسالم والترشيعات الوضعية‪( ،‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد‬
‫السابع) ص ‪.1721‬‬
‫‪ - 6‬سورة النحل؛ اآلية‪.92 ،91 :‬‬

‫‪93‬‬
‫اآليــة وغريهــا مــن اآليــات توجــب الوفــاء بالعهــود وت ُحتِّــم عــدم نقضهــا‪،‬‬
‫وتحــذر مــن الغــدر والخيانــة والغــش‪.‬‬
‫هــذه األســس آنفــة الذكــر هــي التــي تقيــم القيــم األخالقيــة واألخويــة‬
‫املتينــة بــن املجتمعــات املختلفــة‪ ،‬وهــي كفيلــة بإقامــة ثقافــة التســامح يف‬
‫هــذا النــوع مــن العالقــات‪ ،‬فــإن «أصــول لُحمتهــا وســداها اإلخــاء اإلنســاين‪،‬‬
‫والســام العاملــي‪ ،‬والتعــاون الــدويل وهــي وحدهــا التــي تكفــل للبرشيــة‬
‫الحيــاة اآلمنــة املطمئنــة‪ ،‬الحيــاة التــي تجــدر باإلنســان الــذي كرمــه خالقــه‪،‬‬
‫وجعلــه خليفــة يف األرض‪ ،‬وأســبغ عليــه نعمــه ظاهــرة وباطنــة»(‪.)1‬‬
‫وكــا بينــا يف بدايــة هــذا املطلــب أن أصــل هــذه العالقــات هــو الســلم‬
‫والتعــارف‪ ،‬نختــم هــذا املطلــب أيضــا بأنــه حتــى ولــو كانــت العــداوة قامئــة‬
‫بــن مجتمعــات معينــة‪ ،‬فيبقــى التســامح واملــودة مرجــوة يف أي وقــت‬
‫ــى ٱللَّــ ُه أَن يَج َع َ‬
‫ــل بَي َنكُــم َوبَــ َن‬ ‫وحــن‪ ،‬مصداقــا لقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ع َ‬
‫ٱل َِّذيــ َن َعا َديتُــم ِّمن ُهــم َّمــ َو َّد ٗة َوٱللَّــ ُه ق َِديــ ‪ٞ‬ر َوٱللَّــ ُه َغفُــو ‪ٞ‬ر َّر ِحيــ ‪ٞ‬م﴾( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومبــا قررنــاه يف هــذا الفصــل تــرز أهميــة التســامح باعتبــار حكمــه الرشعــي‪،‬‬
‫ودعــوة الفطــرة اإلنســانية إليــه‪ ،‬وبالنظــر أيضــا إىل تجلياتــه‪ ،‬فهــو ســبيل‬
‫لتحقيــق األخــوة اإلنســانية العامــة والخاصــة كــا تقــدم‪ ،‬ولــه آثــار عــى‬
‫املجتمعــات يف اســتقرارها االجتامعــي‪ ،‬وأمنها‪ ،‬وســامها‪ ،‬وتنميتهــا االقتصادية‪.‬‬
‫وألن التســامح داخــل دائــرة األخــوة اإلنســانية الخاصــة املنبثقــة مــن روابــط‬
‫الديــن‪ ،‬مــن أهــم أنــواع التســامح فاعليـ ًة وتأثـ ًرا‪ ،‬وأجدرهــا تطبيقــا وإعــاال‪،‬‬
‫فــإين ســأخصص لــه الفصــل القــادم‪.‬‬

‫‪ - 1‬الدسوقي‪ ،‬محمد‪ -‬أصول العالقات الدولية بني اإلسالم والترشيعات الوضعية‪( ،‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد‬
‫السابع) ص ‪.1719‬‬
‫‪ - 2‬سورة املمتحنة؛ اآلية‪.7 :‬‬

‫‪94‬‬
‫الفصــل الثالــث‪ :‬أســس التســامح مــع املخالــف مــن‬
‫املســلمني‪ ،‬ويحتــوي عــى مبحثــن‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مرشوعية االختالف وضوابطه‪.‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬قيــم التســامح بــن املســلمني‪ .‬الفصــل‬
‫الثالــث‪ :‬أســس التســامح مــع املخالــف مــن املســلمني‬
‫إن بنــاء مجتمــع متســامح يتوقــف عــى مــدى تناغمــه الداخــي واســتقرار‬
‫الروابــط التواصليــة بــن مكوناتــه‪ ،‬هــذه الحقيقــة هــي االنطالقــة األســاس‬
‫للتســامح‪ ،‬فالعالقــات الداخليــة كلــا كانــت مبنيــة عــى التواصــل والرتابــط‪،‬‬
‫واملــودة واالحـرام‪ ،‬وقبــول اآلخــر‪ ،‬وبعيــدة عــن الجفــاء والتقاطــع واإلقصــاء؛‬
‫كان هــذا املجتمــع قابـ ًـا للتســامح مــع نفســه ومــع اآلخريــن‪ ،‬وأصبــح هــذا‬
‫التســامح صل ًبــا مبنيــا عــى أســس راســخة‪.‬‬
‫وهــذا يعنــي أن األولويــة يف التســامح مــع البعيــد تنطلــق مــن التســامح مــع‬
‫القريــب؛ وهــذا مــا بينــه القــرآن الكريــم ملــا وىص باإلحســان للجــار القريــب‬
‫ـب﴾(‪ .)1‬نقــل‬ ‫قبــل البعيــد؛ يف قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وٱل َجــا ِر ِذي ٱل ُقـ َ ٰ‬
‫ـرب َوٱل َجــا ِر ٱل ُج ُنـ ِ‬
‫ابــن عطيــة قــول بعــض املفرسيــن يف تفســر هــذه اآليــة‪« :‬الجــار ذو القــرىب هو‬
‫ـب هــو الجــار اليهــودي أو الن ـراين‪ ،‬فهــي عنــده‬ ‫الجــار املســلم‪َ ،‬والْجــا ِر الْ ُج ُنـ ِ‬
‫قرابــة اإلســام وأجنبيــة الكفــر»( )‪ .‬وقــال العــز ابــن عبــد الســام يف تفســره‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫ُــرب﴾ املناســب(‪ ،)3‬أو القريــب يف الديــن أراد بــه املســلم‪.‬‬ ‫«﴿ َوٱل َجــا ِر ِذي ٱلق َ ٰ‬
‫ـب﴾ األجنبــي ال نســب بينــك وبينــه‪ ،‬أو البعيــد يف دينــه»( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫﴿ َوٱل َجــا ِر ٱل ُج ُنـ ِ‬
‫إن تعاليــم الديــن اإلســامي قــررت أن االختــاف بوصفــه حقيقــة طبيعيــة‬
‫كونيــة ورشعيــة‪ ،‬فكــا أن التنــوع واقــع بــن املجتمــع اإلنســاين عامــة‪ ،‬فهــو‬
‫أيضً ــا جــا ٍر داخـ َـل املجموعــة الواحــدة‪ ،‬ومل يجعــل اإلســام االختــاف بهــذه‬
‫الــرورة الكونيــة إال ألنــه عنــر إيجــايب تــدور عليــه قيــم أخــرى راقيــة؛‬
‫ترقــى بالعقــول وتنمــي املجتمعــات‪ ،‬وتحقــق التقــدم والتنافــس‪ ،‬ولهــذا كان‬
‫را‬
‫الحــوار والتســامح والتعايــش هــي الضامنــات التــي جعلهــا اإلســام ج ـ ً‬
‫للرحمــة واملــودة‪ ،‬ومــن أجــل تحقيــق ذلــك وبيــان ســبله‪ ،‬عقــدت هــذا‬
‫الفصــل املشــتمل عــى مبحثــن‬
‫‪ - 1‬سورة النساء؛ اآلية‪.36 :‬‬
‫‪ - 2‬ابن عطية؛ املحرر الوجيز‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.50‬‬
‫‪ - 3‬يعني الذي بينك وبينه نسب‪.‬‬
‫‪ - 4‬العز بن عبد السالم‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم بن أيب القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي‪،‬‬
‫امللقب بسلطان العلامء ‪ 660‬ه‪ ،‬تفسري القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوهبي‪( ،‬دار ابن حزم – بريوت‪،‬‬
‫ط‪1416 ،1 .‬ه ‪1996‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ .322‬وهذا املعنى أحد مربرايت لتقديم التسامح مع املخالف من املسلمني عىل التسامح‬
‫مع املخالف من غريهم‪ ،‬مع أن قيم التسامح مع كليهام هي هي تقريبا؛ لكني أحببت أن أبدأ مبا بدأ الله تعاىل به‪ ،‬وهو‬
‫التسامح مع القريب‪ ،‬ليكون أساسا للذي ثنى به سبحانه‪ ،‬وهو التسامح مع البعيد‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مرشوعية االختالف وضوابطه‬
‫إن االختــاف عنــر مهــم يف البنــاء التســامحي الدينــي‪ ،‬وملكانتــه وخطورتــه‪،‬‬
‫وإمــكان اســتخدامه يف أدوار ســلبية‪ - ،‬كــا قــد يــؤدي يف جانبــه اإليجــايب إىل‬
‫االئتــاف والحكمــة والتعــاون ‪-‬؛ كان لزا ًمــا معالجــة هــذا املفهــوم‪ ،‬وضبطــه‬
‫وتحديــده‪ ،‬وهــو مــا خصــص لــه هــذا املبحــث مــن خــال مطالــب ثالثــة‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االختالف املرشوع‬


‫االختــاف يف اللغــة‪ :‬هــو ضــد االتفــاق‪ ،‬يقــول ابــن منظــور‪« :‬وتخالــف األمران‬
‫واختلفــا‪ :‬مل يتفقــا‪ .‬وكل مــا مل يتســاو‪ ،‬فقــد تخالــف واختلــف‪ .‬وقولــه عــز‬
‫وجــل‪َ ﴿ :‬وٱل َّنخـ َـل َوٱلـ َّزر َع ُمختَلِ ًفــا أُكُلُـ ُه﴾(‪ .)1‬أي‪ :‬يف حــال اختــاف أكلــه»(‪.)2‬‬
‫واالختــاف يف االصطــاح نقــل املنــاوي تعريفــه بأنــه‪« :‬افتعــال مــن الخــاف‪،‬‬
‫وهــو تقابــل بــن رأيــن فيــا ينبغــي انفـراد الــرأي فيــه»(‪.)3‬‬
‫وقــد اشــتهر هــذا التعريــف بــن أهــل العلــم‪ ،‬وإن كان ال يفي باملقصــود؛ ألنه‬
‫قــد يُفهــم منــه االختــاف املذمــوم‪ ،‬ولهــذا بـ َّـن الكفــوي خصيصــة االختــاف‬
‫بقولــه‪َ « :‬و ِال ْخ ِتـ َـاف‪ُ :‬هـ َو أَن يكــون الطَّرِيــق ُم ْختَلفــا َوالْ َمق ُْصــود َو ِ‬
‫احـ ًدا»(‪.)4‬‬
‫وهــذا أحــد الفــروق بينــه وبــن الخــاف وقــد ذكرهــا الكفــوي(‪.)5‬‬
‫ومــن خــال هــذا التعريــف يتجــى أن االختــاف ثــراء ورحمــة‪ ،‬وتنــوع‬
‫وتوســعة عــى عبــاد اللــه تعــاىل‪ ،‬وتلــك مقاصــد رشعيــة مطلوبــة‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا لوحــظ يف نشــأة املــدارس الفقهيــة‪ ،‬وتعــدد اآلراء يف الفــروع‪ ،‬مــن أجــل‬
‫تحقيــق هــذه التوســعة والتيســر عــى املكلــف‪ ،‬وكل تلــك االجتهــادات‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام؛ اآلية‪.141 :‬‬


‫‪ - 2‬ابن منظور؛ لسان العرب‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 3‬املناوي؛ التوقيف‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 4‬الكفوي؛ الكليات‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.61‬‬
‫‪ - 5‬قال الكفوي يف بيان الفروق بني االختالف والخالف‪( :‬والخالف‪ :‬هو أن يكون كالهام –أي الطريق واملقصود‪ -‬مختلفا‪.‬‬
‫واالختالف‪ :‬ما يستند إىل دليل‪ ،‬والخالف‪ :‬ما ال يستند إىل دليل‪ .‬واالختالف من آثار الرحمة‪ ،‬والخالف من آثار البدعة‪ ....‬ولو‬
‫حكم القايض بالخالف ورفع لغريه يجوز فسخه‪ ،‬بخالف االختالف)‪ .‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.61‬‬

‫‪97‬‬
‫مقصدهــا واحــد‪ ،‬وهــو تحقيــق عبــادة اللــه تعــاىل‪ ،‬ورحمــة خلقــه والتوســعة‬
‫عليهــم‪ ،‬وهــذا كلــه مــا يســاعد عــى تحقيــق التســامح‪.‬‬
‫إضافــة إىل أن االختــاف ‪-‬كــا ســبق‪ -‬أمـ ٌر كــوين بــن النــاس؛ ألنــه يســتحيل‬
‫اجتامعهــم واتفاقهــم كلِّهــم؛ الختــاف أذواقهــم وطبائعهــم وأعرافهــم‬
‫وعقولهــم‪ ،‬وهــذا مــا بيّنــه القــرآن الكريــم؛ يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ولَــو شَ ـآ َء‬
‫ـاس أُ َّم ـ ٗة َٰو ِح ـ َد ٗة َو َل يَ َزالُــو َن ُمختَلِ ِف ـ َن‪ ،‬إِ َّل َمــن َّر ِح ـ َم َربُّـ َـك‬
‫َربُّـ َـك لَ َج َعـ َـل ٱل َّنـ َ‬
‫َولِ َٰذلِـ َـك َخلَ َق ُهــم﴾( )‪ .‬يقــول ابــن كثــر‪« :‬أي‪ :‬وال ي ـزال الخلــف بــن النــاس‬ ‫‪1‬‬

‫يف أديانهــم‪ ،‬واعتقــادات مللهــم ونحلهــم ومذاهبهــم وآرائهــم»(‪ .)2‬وقــال‬


‫فصـ ُـل بَي َن ُهــم يَــو َم ٱل ِقيَٰ َم ـ ِة ِفيـ َـا كَانُــوا ْ ِفي ـ ِه‬ ‫تعــاىل أيضً ــا‪﴿ :‬إِ َّن َربَّـ َـك ُه ـ َو يَ ِ‬
‫يَختَلِ ُفــونَ﴾(‪ .)3‬يقــول ابــن كثــر‪« :‬أي‪ :‬مــن االعتقــادات واألعــال»( )‪ .‬ويف‬
‫‪4‬‬

‫ـول اللَّ ـ ِه صــى اللــه عليــه‬ ‫ـاص‪ ،‬أَنَّـ ُه َس ـ ِم َع َر ُسـ َ‬‫الحديــث َع ـ ْن َع ْم ـرِو بْــنِ ال َعـ ِ‬
‫ـاب فَلَـ ُه أَ ْجـ َرانِ ‪َ ،‬وإِذَا َح َكـ َم‬‫ـول‪{ :‬إِذَا َح َكـ َم ال َحاكِـ ُم فَا ْجتَ َهـ َد ثُـ َّم أَ َصـ َ‬ ‫وســلم يَ ُقـ ُ‬
‫فَا ْجتَ َهـ َد ث ُـ َّم أَ ْخطَـأَ فَلَـ ُه أَ ْجـ ٌر}( )‪ .‬وبهــذا الحديــث اســتدل اإلمــام الشــافعي‬
‫‪5‬‬

‫عــى ســعة االختــاف حينــا ســأله محــاوره‪« :‬فَأَيْــ َن ُّ‬


‫الســ َّن ُة الَّ ِتــي َدل ْ‬
‫َّــت‬
‫َعـ َـى َس ـ َع ِة ِال ْخ ِتـ َـا ِف؟»(‪ .)6‬يقــول الشــاطبي يف بيــان وجــه االســتدالل بهــذا‬
‫الحديــث عــى أن االختــاف ســائغ‪...« :‬وأن االختــاف حــق‪ ،‬وأنــه غــر منكــر‬
‫وال محظــور يف الرشيعــة»(‪.)7‬‬

‫‪ - 1‬سورة هود؛ اآلية‪.119 ,118 :‬‬


‫‪ - 2‬ابن كثري؛ التفسري‪.361 4 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة السجدة؛ اآلية‪.25 :‬‬
‫‪ - 4‬ابن كثري؛ التفسري‪6 :‬ج ص ‪.372‬‬
‫‪ - 5‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )7352( :‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب أجر الحاكم إذا اجتهد‪ ،‬فأصاب أو أخطأ‪:‬‬
‫ج ‪ 3‬ص ‪ .318‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ )716( :‬كتاب األقضية‪ ،‬باب أجر الحاكم إذا اجتهد‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.342‬‬
‫‪ - 6‬الشافعي؛ أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثامن بن شافع بن عبد املطلب بن عبد مناف املطلبي القريش‬
‫امليك ‪ 204‬ه‪ ،‬األم‪( ،‬دار املعرفة – بريوت‪1410 ،‬ه ‪1990 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.300‬‬
‫‪ - 7‬الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موىس بن محمد اللخمي الغرناطي ‪ 790‬ه‪ ،‬املوافقات‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل‬
‫سلامن‪( ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1417 ،1 .‬ه ‪1997‬م)‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.66‬‬

‫‪98‬‬
‫وكالم العلــاء يف بيــان الحكمــة مــن رشعيــة الخــاف كثــر جــدا‪ ،‬وقــد تتبعــت‬
‫بعــض مقاصدهــم يف ذلــك‪ ،‬واألرسار التــي بينوهــا‪ ،‬وأذكــر منهــا بعــض مــا‬
‫يتعلــق بالتســامح وهــي‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن االختــاف فســحة ورحمــة ورفــق بعبــاد اللــه تعــاىل‪ ،‬وهــذه الصفــات‬ ‫ً‬
‫مــن مقاصــد التســامح يقــول ابــن العــريب‪« :‬فإنــه بعــد مــوت النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم تختلــف العلــاء فيــه‪ ،‬فيحــرم عــامل‪ ،‬ويحــل آخــر‪ ،‬ويوجــب‬
‫مجتهــد‪ ،‬ويســقط آخــر؛ واختــاف العلــاء رحمــة للخلــق‪ ،‬وفســحة يف الحــق‪،‬‬
‫وطريــق مهيــع إىل الرفــق»(‪.)1‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬أن االختــاف بــن العلــاء واملــدارس الفقهيــة‪ ،‬يف املســائل التــي يســوغ‬
‫فيهــا الخــاف‪ ،‬إمنــا هــو تحقيــق ملقصد الســعة عــى الخلــق‪ ،‬والتيســر عليهم‪،‬‬
‫ورفــع الضيــق والحــرج عنهــم‪ ،‬وقــد تقــدم بيــان عالقــة التســامح بالتيســر؛‬
‫َاسـ ِـم‪َ ،‬ع ـ ْن‬ ‫فقــد روى ابــن عبــد الــر القرطبــي‪َ :‬ع ـ ْن َعبْـ ِـد ال َّر ْح َمــنِ بْــنِ الْق ِ‬
‫ض اللَّـ ُه َع ْنـ ُه‬‫ـال‪« :‬لَ َقـ ْد أَ ْع َج َب ِنــي قَـ ْو ُل ُع َمـ َر بْــنِ َع ْبـ ِـد الْ َعزِيـ ِز َر ِ َ‬‫أَبِيـ ِه‪ ،‬أَنَّـ ُه قَـ َ‬
‫ـاب َر ُســو ِل اللَّ ـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم لَ ـ ْم يَ ْختَلِ ُفــوا؛‬ ‫ـب أَ َّن أَ ْص َحـ َ‬‫« َمــا أُ ِحـ ُّ‬
‫ـاس ِف ِضيــقٍ ‪َ ،‬وإِنَّ ُهـ ْم أَ ِئَّـ ٌة يُ ْقتَـ َدى ِب ِهـ ْم َولَـ ْو‬‫احـ ًدا كَا َن ال َّنـ ُ‬ ‫ِلَنَّـ ُه لَـ ْو كَا َن قَـ ْو ًل َو ِ‬
‫أَ َخـ َذ َر ُجـ ٌـل ِب َقـ ْو ِل أَ َح ِد ِهـ ْم كَا َن ِف َسـ َع ٍة»»( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ثال ًثــا‪ :‬أن االختــاف نعمــة وفضيلــة‪ ،‬ولــه أرسار ال يدركهــا إال مــن نــال مرتبــة‬
‫مــن العلــم‪ ،‬وهــي تعــود عــى املجتمعــات باملنفعــة واملصلحــة‪ ،‬وال شــك أن‬
‫مــن هــذه األرسار مــا يــؤدي إليــه االختــاف مــن الحــوار والتآلــف والتعــاون‬
‫يف شــتى املجــاالت‪ ،‬يقــول الســيوطي‪« :‬اعلــم أ َّن اختــاف املذاهــب يف امللــة‬
‫نعمــة كبــرة‪ ،‬وفضيلــة عظيمــة‪ ،‬ولــه رس لطيــف أدركــه العاملــون‪ ،‬وعمــي‬
‫عنــه الجاهلــون»(‪.)3‬‬

‫‪ - 1‬ابن العريب؛ أحكام القرآن‪2 :‬ج ص ‪.214‬‬


‫‪ - 2‬ابن عبد الرب؛ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد الرب بن عاصم النمري القرطبي ‪ 463‬ه‪ ،‬جامع بيان العلم‬
‫وفضله‪ ،‬تحقيق‪ :‬أيب األشبال الزهريي‪( ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ 1414 ،1 .‬ه ‪1994 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.901‬‬
‫‪ - 3‬السيوطي؛ جالل الدين عبد الرحمن‪ 911 ،‬ه‪ ،‬جزيل املواهب يف اختالف املذاهب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القيوم بن محمد شفيع‬
‫البستوي‪( ،‬دار االعتصام)‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪99‬‬
‫راب ًعــا‪ :‬أن هــذا النــوع مــن االختــاف ال رضر فيــه؛ وإمنــا فيــه منافع عــى األمة‬
‫يف دينهــا وعبادتهــا وترابطهــا‪ ،‬يقــول الشــاطبي‪« :‬فــإن اللــه تعــاىل حكــم(‪)1‬‬
‫ـال للظنــون‪ ،‬وقــد‬ ‫بحكمتــه أن تكــون فــروع هــذه امللــة قابلــة لألنظــار‪ ،‬ومجـ ً‬
‫ثبــت عنــد النظــار‪ :‬أن النظريــات ال ميكــن االتفــاق فيهــا عــادة‪ ،‬فالظنيــات‬
‫عريقــة يف إمــكان االختــاف‪ ،‬لكــن يف الفــروع دون األصــول‪ ،‬ويف الجزئيــات‬
‫دون الكليــات‪ ،‬فلذلــك ال يــر هــذا االختــاف»(‪.)2‬‬
‫يتبــن مــا تقــدم أن االختــاف املــروع رضورة‪ ،‬وقــد حــرص العلــاء عــى‬
‫ذكــر مزايــاه وفضائلــه‪ ،‬وهــذا النــوع ال عالقــة لــه مبــا حــذر منــه الــرع مــن‬
‫االف ـراق والتنــازع‪ ،‬يف مثــل قولــه تعــاىل‪﴿ :‬إِ َّن ٱل َِّذي ـ َن فَ َّرقُــوا ْ ِدي َن ُهــم َوكَانُــوا ْ‬
‫ـت ِمن ُهــم ِف َش ٍء﴾(‪ .)3‬وقولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل تَكُونُــوا ْ كَٱل َِّذيـ َن ت َ َف َّرقُــوا ْ‬ ‫ِشـيَ ٗعا لَّسـ َ‬
‫ـت﴾(‪.)4‬‬ ‫َوٱختَلَ ُفــوا ْ ِمــن بَعـ ِـد َمــا َجآ َء ُهـ ُم ٱل َب ِّي َٰنـ ُ‬
‫فاملنهــي عنــه إمنــا هــو الخــاف أو االختــاف يف غــر محلــه؛ كاالختــاف يف‬
‫فاملنهــي عنــه إمنــا هــو‬ ‫ُّ‬ ‫األصــول‪ ،‬يقــول أبــو الســعود‪« :‬وعــى كل تقديــر‬
‫ـاف يف األصــول دون الفــروعِ‪ ،‬إال أن يكــون مخالفــا للنصــوص الب ِّينــة أو‬ ‫االختـ ُ‬
‫اإلجــاعِ»( )‪ .‬وقــال أبــو البقــاء الكفــوي‪« :‬واالختــاف يف األصــول ضــال‪ ،‬ويف‬ ‫‪5‬‬

‫اآلراء والحــروب ح ـرام»(‪.)6‬‬

‫‪ - 1‬يف النسخة التي حققها سليم الهاليل ‪-‬وهي التي اعتمدتها‪ :-‬حكيم بدل حكم‪ .‬وقد ترجح لدي من السياق أنها حكم‬
‫وليس حكيم فوجدت ذلك بفضل الله يف النسخة التي حققها كل من د‪ .‬محمد بن عبد الرحمن الشقري‪ ،‬ود‪ .‬سعد بن عبد‬
‫الله آل حميد‪ ،‬ود‪ .‬هشام بن إسامعيل الصيني‪ .‬فقد رجح الدكتور هشام الصيني الذي كان من نصيبه يف التحقيق الجزء‬
‫الثالث املشتمل عىل النص املذكور أنها حكم وذكر أنه يف بعض النسخ املخطوطة‪ :‬حكيم‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق‪ ،‬إبراهيم بن موىس بن محمد اللخمي الغرناطي ‪ 790‬ه‪ ،‬االعتصام‪ ،‬تحقيق‪ :‬سليم بن عيد الهاليل‪،‬‬
‫(دار ابن عفان‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1412 ،1 .‬ه ‪1992 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.674‬‬
‫‪ - 3‬سورة األنعام؛ اآلية‪.159 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة آل عمران؛ اآلية‪.105 :‬‬
‫‪ - 5‬أبو السعود‪ ،‬تفسري‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.68‬‬
‫‪ - 6‬الكفوي؛ الكليات‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.61‬‬

‫‪100‬‬
‫وكــا تقــدم فإنــه ال ميكــن رفــع االختــاف‪ ،‬فهــو واقــع ال محالــة‪ ،‬مرتكــز‬
‫يف الفطــر‪ ،‬ولكــن الرشيعــة و َّجهتنــا يف مقابــل ذلــك لكيفيــة التعامــل مــع‬
‫هــذه االختالفــات‪ ،‬ل ُنحقــق الحــوار‪ ،‬والتآلــف‪ ،‬والتســامح‪ ،‬واإلنصــاف‪ ،‬والعــدل‬
‫يف األقــوال واألفعــال‪ ،‬مــع القريــب والبعيــد‪ ،‬وليــس ذلــك بدعــا يف هــذا‬
‫الجيــل فقــط‪ ،‬بــل االختــاف قائــم منــذ عــر الصحابــة ومــن بعدهــم‪ ،‬ولكــن‬
‫التآلــف يــؤازره ويوازيــه‪ ،‬يقــول القرطبــي‪ ...« :‬وليــس فيــه دليــل عــى تحريم‬
‫االختــاف يف الفــروع‪ ،‬فــإن ذلــك ليــس اختالفــا؛ إذ االختــاف مــا يتعــذر معــه‬
‫االئتــاف والجمــع‪ ،‬وأمــا حكــم مســائل االجتهــاد فــإن االختــاف فيهــا بســبب‬
‫اســتخراج الفرائــض ودقائــق معــاين الــرع‪ ،‬ومــا زالــت الصحابــة يختلفــون‬
‫يف أحــكام الحــوادث‪ ،‬وهــم مــع ذلــك متآلفــون»(‪.)1‬‬
‫فاالختــاف الــذي ميكــن معــه التآلــف والتســامح ث ـراء يف األحــكام‪ ،‬ونعمــة‬
‫وازدهــار‪ ،‬وقــد حقــق العلــاء الســابقون بقبــول االختــاف والحــوار ورفــض‬
‫التعصــب؛ مــا ندعــوه بالتســامح املذهبــي الــذي كان لــه إســهام كبــر يف‬
‫إثـراء تراثنــا الفقهــي والعلمــي‪ ،‬وقدمــوا يف ذلــك منــاذج كثــرة تُبهــر العقــول‪،‬‬
‫وتدخــل الــرور عــى النفــوس ال ميكــن حرصهــا‪ ،‬وكان هــذا النــوع مــن‬
‫التســامح ينبنــي عــى الحــوار اإليجــايب‪ ،‬واإلنصــاف املعــريف الهــادف‪ ،‬ينقــل‬
‫ابــن عبــد الــر عـ ْن يَ ْحيَــى بْــنِ َسـ ِع ٍيد قَولــه‪َ « :‬مــا بَـر َِح الْ ُم ْسـتَ ْفتُو َن يُ ْسـتَ ْفتَ ْو َن‬
‫فَيُ ِحـ ُّـل َهـذَا َويُ َحـ ِّر ُم َهـذَا‪ ،‬فَـ َـا يَـ َرى الْ ُم َحـ ِّر ُم أَ َّن الْ ُم َحلِّـ َـل َهلَـ َـك لِتَ ْحلِيلِـ ِه‪َ ،‬و َل‬
‫يَ ـ َرى الْ ُم َحلــل أَ َّن الْ ُم َح ـ ِّر َم َهلَـ َـك لِتَ ْح ِرميِ ـ ِه»(‪.)2‬‬
‫وقــد كان االختــاف دامئًــا يف العصــور اإلســامية الســابقة ثــروة علميــة‪،‬‬
‫ووســيلة ناجحــة يســتثمرها العلــاء إلنجــاز املعرفــة‪ ،‬وتحقيــق املحــاورات‬
‫التــي توصــل للحقائــق واإلقنــاع‪ ،‬وهــذا الجانــب هــو الــذي ســنخصص لــه‬
‫املطلــب الثــاين‪.‬‬

‫‪ - 1‬القرطبي؛ الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.159‬‬


‫‪ - 2‬ابن عبد الرب؛ جامع بيان العلم‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.902‬‬

‫‪101‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قبول االختالف والتنوع مظهر حضاري‬
‫إذا كان التنــوع بــن اإلنســانية ســنة كونيــة إلهيــة ملقاصــد عظيمــة‪ ،‬فــإن‬
‫االختــاف داخـ َـل الدائــرة الواحــدة قيمــة حضاريــة‪ ،‬ووســيلة لإلبــداع العلمي‪،‬‬
‫واكتســاب العلــم وصناعــة املعرفــة‪ ،‬فلــم يكــن االختــاف غال ًبــا مــن أجــل‬
‫مقاصــد لَ ْحظيــة أو فئويــة أو عنرصيــة‪ ،‬وهــذا مــا يجعــل االختــاف يف تراثنــا‬
‫اإلســامي‪ ،‬وتاريخنــا الحضــاري يتميــز بعمــق ودالالت‪ ،‬ميكــن أن نســتفيد‬
‫عنــد تدبرهــا أبعــا ًدا ِق َيم َيــة‪ ،‬تتعــدى قضيــة اختــاف اآلراء ووجهــات النظــر‪،‬‬
‫إىل كونهــا مامرســة علميــة دقيقــة‪ ،‬لهــا قواعــد وثوابــت وضوابــط‪ ،‬مــن أجــل‬
‫اإلســهام العلمــي واملعــريف والثقــايف والســلويك والحضــاري‪ .‬فالهــدف مــن‬
‫االختــاف ‪-‬بــادئ األمر‪-‬هــو تحقيــق الخــر‪ ،‬والنفــع‪ ،‬وليــس تــرذم اآلراء‪،‬‬
‫وتشــتيت الجهــود‪ ،‬وتقديــس األســاء‪ ،‬أو اآلراء واملذاهــب‪.‬‬
‫إن بيئــة الرشيعــة اإلســامية يف أساســها تتميــز بأنهــا مجــال خصــب وأرضيــة‬
‫صالحــة للتعــدد والتنــوع؛ فالق ـراءات القرآنيــة املتعلقــة بــكالم اللــه تعــاىل؛‬
‫متنوعــة عــى وفــق القـراءات املعروفــة واملقبولــة برشوطها‪ ،‬كــا أن اللهجات‬
‫العربيــة متعــددة‪ ،‬ولــكل قبيلــة لغتهــا‪ ،‬ولــكل بيئــة لهجتهــا‪ ،‬واملذاهــب‬
‫الفقهيــة أيضً ــا؛ مختلفــة نظ ـ ًرا الختــاف األمصــار واألعصــار‪.‬‬
‫ويــدل عــى هــذا؛ الحديــث الــوارد عــن ابــن مســعود ريض اللــه عنــه‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫رجــا قــرأ آيــة‪ ،‬وســمعت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يقــرأ‬ ‫ســمعت ً‬
‫خالفهــا‪ ،‬فجئــت بــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فأخربتــه‪ ،‬فعرفــت يف‬
‫وجهــه الكراهيــة‪ ،‬وقــال‪{ :‬كِالَكُـ َـا ُم ْح ِسـ ٌن‪َ ،‬والَ تَ ْختَلِ ُفــوا‪ ،‬فَـ ِإ َّن َمـ ْن كَا َن قَ ْبلَ ُكـ ُم‬
‫ا ْختَلَ ُفــوا فَ َهلَ ُكــوا}(‪ .)1‬فحكــم لكليهــا باإلحســان يف الق ـراءة‪ ،‬ونهاهــم عــا‬
‫ميكــن أن يــؤدي إليــه ذلــك التنــوع مــن الشــقاق؛ قــال ابــن بطــال‪« :‬فــدل‬
‫أنــه مل ينهــه عــا جعلــه فيــه محسـ ًنا‪ ،‬وإمنــا نهــاه عــن االختــاف املــؤدي إىل‬
‫الهــاك بالفرقــة يف الديــن»(‪.)2‬‬

‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ ،)3476( :‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب حديث الغار‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.175‬‬
‫‪ - 2‬ابن بطال؛ رشح صحيح البخاري‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪.285‬‬

‫‪102‬‬
‫تلــك مــوارد االختــاف البــارزة واملســلمة لــدى الخــاص والعــام‪ ،‬فــا ينكــر‬
‫أحــد عــى أحــد قراءتــه للقــرآن‪ ،‬أو لهجــة قومــه‪ ،‬أو مذهبــه الفقهــي‪ ،‬فــكل‬
‫لــه اختيــاره وفــق أع ـراف قومــه‪ ،‬وهويتــه وتراثــه‪ ،‬وفــق رشوط وضوابــط‬
‫تضبــط كل ذلــك‪ ،‬يحرســها العلــاء وترعاهــا مؤسســات الــدول‪.‬‬
‫وهــذا االختــاف والتنــوع هــو الــر األكــر يف عظمــة الحضــارة اإلســامية‪،‬‬
‫هــت يف رشق األرض وغربهــا‪ ،‬ميكــن لهــا االنســجام مــع الواقــع‬ ‫فأينــا تو َّج ْ‬
‫والوقائــع املختلفــة‪ ،‬والبيئــات املتعــددة‪ ،‬فهــي ال تلغــي الخصائــص الذاتيــة‪،‬‬
‫والهويــة الثقافيــة للمجتمعــات البرشيــة واإلســامية‪ ،‬ولكــن هــذه الحضــارة‬
‫تتفاعــل معهــا‪ ،‬وتتســامح وتتقبــل الوافــد عليهــا؛ فــكان ذلــك ســببًا يف تنوعهــا‬
‫وتعددهــا واختالفهــا‪ ،‬وســنقف يف هــذا املطلــب عــى بعــض تلــك املعــامل‬
‫التــي يــرز فيهــا جوهــر هــذه الحضــارة القامئــة عــى االختــاف‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن الغايــة العظمــى مــن االختــاف يف الحضــارة اإلســامية هــو االئتــاف‬ ‫ً‬
‫واالتفــاق‪ ،‬فاالختــاف الــذي ليــس مــن الديــن؛ هــو الــذي يــؤدي إىل تكريــس‬
‫الفرقــة والشــقاق‪ ،‬أمــا مــا كان قصــده االتحــاد‪ ،‬وســلك طريقــه فنهايتــه إىل‬
‫االئتــاف؛ إذن فمفهــوم االختــاف الحضــاري هــو البحــث والحــوار بغيــة‬
‫الوصــول للحقائــق العلميــة والرشعيــة‪ ،‬وفــق منظومــة مــن الضوابــط‬
‫والقواعــد التــي تحــرس هــذا االختــاف‪ ،‬حتــى ال يخــرج عــن مســاره فيصــر‬
‫ِشــقاقًا‪ ،‬ومــن أهــم هــذه الضوابــط التــي كانــت معلمــة االختــاف االئتــايف‪،‬‬
‫هــو التســامح املذهبــي الــذي يتجــى يف اإلنصــاف‪ ،‬والبحــث عــن الحقيقــة‪،‬‬
‫واح ـرام اآلخــر‪.‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬أن االعـراف باالختــاف هــو العنــر الحضــاري األســاس الــذي يفــي‬
‫دامئًــا إىل التامســك والتســامح‪ ،‬ويف تاريخنــا كثــرة هــي األمثلــة عــى هــذا‬
‫العنــر‪ ،‬ومــن تلــك الصــور املضيئــة يف حضارتنــا اإلســامية التــي دلــت عــى‬
‫أن الســبيل لتقليــل الخــاف ومواجهتــه هــو االعـراف باالختــاف‪ ،‬والتعامــل‬
‫معــه ال نَ ْبـذُه؛ قصــة اإلمــام مالــك مــع أيب جعفــر املنصــور يف ســبب وضعــه‬
‫املوطــأ‪ :‬ذلــك أن «أبــا جعفــر قــال لــه –أي‪ :‬قــال لإلمــام مالــك‪ -‬إين عزمــت‬
‫أن أكتــب كتبــك هــذه نسـ ًخا ثــم أبعــث إىل كل مــر مــن أمصــار املســلمني‬
‫بنســخة آمرهــم بــأن يعملــوا مبــا فيهــا وال يتعدوهــا إىل غريهــا مــن هــذا‬

‫‪103‬‬
‫العلــم املح ـ َدث؛ فإننــي رأيــت أصــل العلــم روايــة أهــل املدينــة وعملهــم‪.‬‬
‫فقلــت ‪-‬يعنــي قــال اإلمــام مالــك‪ :-‬يــا أمــر املؤمنــن ال تفعــل؛ فــإن النــاس‬
‫قــد ســبقت لهــم أقاويــل‪ ،‬وســمعوا أحاديــث وروايــات‪ ،‬وأخــذ كل قــوم مبــا‬
‫ســبق إليهــم‪ ،‬وعملــوا بــه ودانــوا بــه مــن اختــاف أصحــاب رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم وغريهــم‪ ،‬وإن ردهــم عــا اعتقــدوا شــديد‪ ،‬فــدع النــاس‬
‫ومــا هــم عليــه‪ ،‬ومــا اختــار أهــل كل بلــد ألنفســهم»(‪.)1‬‬
‫إن هــذا يــدل عــى ســعة األفــق الــذي يتســم بــه هــذا اإلمــام‪ ،‬وطريــق‬
‫الوصــول لهــذه املرتبــة هــو االمتــاء مــن العلــم‪ ،‬فكلــا كان حــظ اإلنســان‬
‫مــن العلــم متي ًنــا كان قابـ ًـا لالختــاف‪ ،‬مرنًــا متســامحا مــع املخالــف‪ ،‬وكلــا‬
‫كان مبلغــه مــن العلــم متدنِّيًــا كان رافضً ــا لآلخــر‪.‬‬
‫ثالثًــا‪ :‬مــن أهــم املعــامل للحضــارة اإلســامية شــيوع الحــوار بأنواعــه‪ ،‬وال‬
‫ميكــن أن يكــون الحــوار إال إذا كان هنــاك اختــاف‪ ،‬واملنهجيــة الحواريــة‬
‫يف التاريــخ اإلســامي أخــذت مســاحة مــن الفكــر اإلســامي‪ ،‬فكانــت تقــام‬
‫مجالــس املناظــرات يف كل مــكان‪ ،‬وأُلفــت تصانيــف كثــرة يف هــذا الفــن‬
‫الــذي كانــت وظيفتــه األســاس تعليــم املتعلمــن كيــف يختلفــون‪ ،‬وكان‬
‫للتوجيهــات الربانيــة دور أســاس يف انتشــار هــذه املناظ ـرات واملحــاورات‪،‬‬
‫يقــول القســطالين‪« :‬إذا كان االختــاف يف الفــروع ومناظـرات العلــاء إلظهــار‬
‫الحــق؛ فهــو مأمــور بــه»(‪.)2‬‬
‫فــا شــك أن الحضــارة اإلســامية تَ يــزت بهــذه الخاصيــة‪ ،‬وهــذه املناظ ـرات‬
‫واملحــاورات تختلــف قوتهــا حســب األزمنــة واألمكنــة‪ ،‬فتبلــغ ذروتهــا أحيانًــا‪،‬‬
‫وأحيانًــا أخــرى ترتاجــع وتنكمــش‪ ،‬ولكــن هنــاك ح ـ ٌّد مــن هــذه املامرســة‬
‫الحواريــة اســتمر يف كافــة أطــوار الحضــارة اإلســامية‪ ،‬يقــول الشــيخ محمــد‬
‫الخــري بــك‪« :‬كان مــن املنظــور أمــام التســامح الــذي هبــت نســاته‪،‬‬
‫واســتولت روحــه يف الــدور املــايض؛ أال يكــون الختــاف املذاهــب أثــر يف‬

‫‪ - 1‬القايض عياض؛ أبو الفضل القايض عياض بن موىس اليحصبي ‪ 544‬ه‪ ،‬ترتيب املدارك وتقريب املسالك‪( ،‬مطبعة فضالة ‪-‬‬
‫املحمدية‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،)1 .‬ج ‪ 2‬ص ‪.72‬‬
‫‪ - 2‬القسطالين؛ أحمد بن محمد بن أىب بكر بن عبد امللك القسطالين القتيبي املرصي‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬شهاب الدين ‪ 923‬ه‪،‬‬
‫إرشاد الساري لرشح صحيح البخاري‪( ،‬املطبعة الكربى األمريية‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1323 ،7 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.435‬‬

‫‪104‬‬
‫كراهــة أصحــاب املذاهــب املختلفــة بعضهــم لبعــض‪ ،‬فقــد كان يوجــد يف‬
‫البلــد الواحــد مجتهــدان فأكــر‪ ،‬كل يســوغ لصاحبــه االجتهــاد وال يعيبــه‬
‫عليــه‪ ،‬وأكــر مــا عهــد منهــم أن يقــول أحدهــم بخطــأ اآلخــر يف مســألة‬
‫مــن املســائل‪ ،‬وقــد يكاتبــه فيــا ينتقــده عليــه‪ ،‬أو يشــافهه فيــه مــع احـرام‬
‫كل منهــم لآلخــر‪ ،‬بــل حبــه لــه وثنائــه عليــه‪ ،‬فقــد كتبنــا لكــم مــن قبــل‬
‫رســالة الليــث بــن ســعد إىل مالــك بــن أنــس‪ ،‬ومــع مــا كان يُ ْب ِديــه الشــافعي‬
‫مــن نقــد مســائل أيب حنيفــة كان يقــول‪ :‬النــاس يف الفقــه عيــال عــى أيب‬
‫حنيفــة‪ ،‬وكثـرا مــا كان يثنــي عــى محمــد بــن الحســن وهــو مناظــره الكبــر‪،‬‬
‫وكان يقــول ألحمــد بــن حنبــل وهــو تلميــذه يف الفقــه‪ :‬إذا صــح الحديــث‬
‫عنــدك فأعلمنــي بــه‪ ،‬وكان يقــول‪ :‬إذا ذكــر الحديــث فاملــك النجــم الثاقــب‪،‬‬
‫إىل غــر ذلــك مــا يــدل عــى اســتيالء روح التســامح والحــب بــن أولئــك‬
‫الفقهــاء‪ ،‬واألمئــة األطهــار‪ ،‬وهــم يف ذلــك مقتــدون بأســافهم مــن الصحابــة‬
‫والتابعــن…»(‪.)1‬‬
‫فهــذه القيمــة الحضاريــة التــي تتجــى يف تلــك املعــامل وســواها متــى فُهمــت‬
‫عــى أسســها وضوابطهــا‪ ،‬كانــت ملجــأ للتوســعة عــى الخلــق‪ ،‬وتحقيــق‬
‫التآلــف والتفاهــم بــن املــدارس املختلفــة؛ ألن مقصدهــا وغايتهــا هــو‬
‫االئتــاف‪ ،‬وتحقيــق التالقــي املســتدام‪ ،‬ولهــذا ســنخصص املطلــب الثالــث‬
‫لضوابــط االختــاف املــروع‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬ضوابط االختالف املرشوع‬


‫إذا كان االختــاف مظهــ ًرا حضاريًّــا وقيمــة مــن القيــم املتميــزة يف تراثنــا‬
‫اإلســامي؛ فــإن بــاب االختــاف ليــس مرش ًعــا عــى مرصاعيــه‪ ،‬بــل لــه ضوابــط‬
‫وأســس‪ ،‬وآداب يجــب التقيــد بهــا‪ ،‬وإننــا يف هــذا البحــث ال نتــوق لدراســة‬
‫االختــاف دراســة فقهيــة أو أصوليــة‪ ،‬وإمنــا املبتغــى منــه توظيــف هــذه‬
‫القيمــة العلميــة والفكريــة بصفتهــا قيمــة تســامحية داخــل املجتمعــات‬
‫املســلمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد الخرضي بك؛ تاريخ الترشيع اإلسالمي‪( ،‬دار الكتب العلمية – بريوت – ‪1439‬ه‪-2018‬م‪ ،‬ط‪ ،)5 .‬ص ‪.295‬‬

‫‪105‬‬
‫فاالختــاف قيمــة كــرى‪ ،‬وفضيلــة عظمــى‪ ،‬وثـراء للفقه اإلســامي‪ ،‬مبــا يحققه‬
‫مــن ســعة وفســحة يف تنزيــل األحــكام الرشعيــة‪ ،‬والتعايــش عنــد االختــاف‬
‫ومعــه‪ .‬وإن العلــاء قدميًــا قــد مارســوا هــذا النــوع مــن االختــاف بضوابطــه‪،‬‬
‫وآدابــه‪ ،‬ومراعــاة حــدوده‪- ،‬كــا تقــدم‪ -‬فكانــت املناظــرات واملطارحــات‬
‫واملحــاورات مــن األنشــطة العلميــة التــي امتــازت بهــا عصورهــم‪ ،‬وكان ذلــك‬
‫ميدانًــا خص ًبــا لإلنتــاج العلمــي والفقهــي واملعــريف عامــة‪ ،‬وأدى ذلــك أيضً ــا‬
‫لتعزيــز االنفتــاح والتواصــل‪ ،‬واحــرام األطــراف بعضهــا بعضً ــا‪ ،‬ومل يكــن‬
‫االختــاف يف مامرســتهم لــه مــن أجــل اإلقصــاء‪.‬‬
‫لهــذا فــإن االختــاف كلَّــا مــورس بضوابطــه وآدابــه‪ ،‬يُنجــز مكاســب عديــدة‬
‫ومنافــع مهمــة‪ ،‬وقــد ذَكــر الفقهــاء واألصوليــون ضوابــط متعــددة لالختــاف‪،‬‬
‫وليــس هــذا البحــث محـ ًـا الســتقرائها وتتبعهــا؛ ألن القصــد هنــا إمنــا هــو‬
‫توظيــف هــذه القيمــة لتحقيــق التســامح الداخــي بــن الفئــات املســتقبِلة‬
‫لقبلــة واحــدة‪ ،‬فلهــذا ســنقترص عــى الضوابــط املتعلقــة مبحــل االختــاف‬
‫وآلتــه(‪ )1‬ومنهجــه وســلوكه‪ ،‬فمــن تلــك الضوابــط الضامنــة لتســديد هــذا‬
‫االختــاف‪:‬‬
‫الضابــط األول‪ :‬يتعلــق مبحــل االختــاف وهــو الفــروع والجزئيــات‪ ،‬أمــا‬
‫الخــروج عــن ثوابــت الديــن أو تهديــد اللحمــة الوطنيــة‪ ،‬والتســبب يف‬
‫مفارقــة الوطــن بحجــة التســامح‪ ،‬وأن مســاحة االختــاف تُــرر ذلــك؛ فهــذا‬
‫هــو التفــرق املذمــوم الــذي ورد النهــي عنــه؛ ألنــه ســبب يف خـراب األديــان‬
‫واألوطــان‪ ،‬فاالختــاف ال يجــوز يف أمريــن؛ ذكرهــا أبــو البقــاء الكفــوي‬
‫بقولــه املتقــدم‪« :‬واالختــاف يف األصــول ضــال»(‪.)2‬‬
‫فاألمــر األول‪ :‬الــذي ال يجــوز االختــاف فيــه هــو أصــول الديــن ومقاصــده‬
‫الكــرى؛ ألن ذلــك يــؤدي إىل نقيــض التســامح؛ وهــو العــداوة بــن املنتمــن‬
‫لهــذا الديــن؛ يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل تَكُونُــوا ْ كَٱل َِّذيـ َن تَ َف َّرقُــوا ْ َوٱختَلَ ُفــوا ْ ِمــن‬

‫‪ - 1‬واملقصود هنا هو االختالف الذي يستخدم العلوم الرشعية آلة ووسيلة‪.‬‬


‫‪ - 2‬الكفوي؛ الكليات‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.61‬‬

‫‪106‬‬
‫ـت﴾(‪ .)1‬وقــال تعــاىل‪﴿ :‬أَن أَ ِقي ُمــوا ْ ٱل ِّديـ َن َو َل تَتَ َف َّرقُــوا ْ‬
‫بَعـ ِـد َمــا َجآ َء ُهـ ُم ٱل َب ِّي َٰنـ ُ‬
‫ِفيــ ِه﴾(‪ .)2‬يقــول ابــن عاشــور يف تفســر اآليــة الســابقة‪« :‬فــإن االختــاف‬
‫يف األصــول يفــي إىل تعطيــل بعضهــا‪ ،‬فينخــرم بعــض أســاس الديــن… إذا‬
‫حصــل التفــرق واالختــاف فذلــك مفــض إىل ضيــاع أمــور الديــن يف خــال‬
‫ذلــك االختــاف‪ ،‬ثــم هــو ال يلبــث أن يلقــي باألمــة إىل العــداوة بينهــا؛ وقــد‬
‫يجرهــم إىل أن يرتبــص بعضهــم ببعــض الدوائ ـ َر»(‪.)3‬‬
‫محــا للخــاف هــي اآلراء التــي تنبنــي‬ ‫ً‬ ‫واألمــر الثــاين‪ :‬الــذي ليــس هــو‬
‫عليهــا مصلحــة الوطــن ومســتقبله؛ يقــول اللــه تعــاىل يف النهــي عــن ذلــك‪:‬‬
‫﴿ َوأَ ِطي ُعــوا ْ ٱللَّـ َه َو َر ُســولَ ُه َو َل ت َ َٰن َز ُعــوا ْ فَتَفشَ ـلُوا ْ﴾(‪ .)4‬يقول القشــري‪« :‬املوافقة‬
‫بــن املســلمني أصــل ال ّديــن‪ ،‬وأول الفســاد ورأس ال ّزلــل االختــاف؛ وكــا تجب‬
‫املوافقــة يف الديــن والعقيــدة تجــب املوافقــة يف الــرأي والعزميــة… وكــا‬
‫تجــب يف الديــن طاعــة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم تجــب طاعــة‬
‫أويل األمــر»(‪.)5‬‬
‫الضابــط الثــاين‪ :‬ويتعلــق بآلــة االختــاف وأداتــه وهــي العلــم‪ ،‬فمامرســة‬
‫االختــاف ال تكــون بالجهــل‪ ،‬أو االدعــاء‪ ،‬أو الكــذب والتخمــن‪ ،‬أو القــول عــى‬
‫اللــه بغــر علــم‪ ،‬فاألســاس يف االختــاف هــو طلــب الحــق باالســتنارة بالعلــم‪،‬‬
‫وكلــات العلــاء يف الرتكيــز عــى هــذا الضابــط كثــرة جــدا‪ ،‬وأهميــة العلــم‬
‫وكونــه أداة لالختــاف يتعلــق بجوانــب متعــددة‪:‬‬
‫منهــا‪ :‬أن العلــم باالختــاف يســاعد عــى ســعة الصدر‪ ،‬وقبــول اآلخــر‪ ،‬واحرتام‬
‫رأيــه وإنصافــه؛ يقــول ســعيد بــن أيب عروبــة‪« :‬مــن مل يســمع االختــاف فــا‬
‫ت ُعـ ُّدوه عاملــا»(‪ .)6‬بــل إن العلــاء كانــوا يعــدون تعلــم االختــاف مــن الفقــه‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران؛ اآلية‪.105 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة الشورى؛ اآلية‪.13 :‬‬
‫‪ - 3‬ابن عاشور؛ التحرير والتنوير‪ :‬ج ‪ 25‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 4‬سورة األنفال؛ اآلية‪.46 :‬‬
‫‪ - 5‬القشريي؛ لطائف اإلشارات‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.629‬‬
‫‪ - 6‬ابن عبد الرب؛ جامع بيان العلم‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.815‬‬

‫‪107‬‬
‫والعلــم‪ ،‬يقــول أيــوب الســختياين‪« :‬قلــت لعثــان البتــي‪ ،‬دلنــي عــى بــاب‬
‫مــن أبــواب الفقــه قــال‪ :‬اســمع االختــاف»(‪.)1‬‬
‫ومــن جانــب آخــر فــإن العلــم باالختــاف يســاعد يف تخفيــف حــدة التعصب‬
‫وامل ـراء والجــدال يف الديــن‪ ،‬ذلــك أنــه يتيــح االطــاع عــى اآلراء املختلفــة‬
‫واملذاهــب املتعــددة‪ ،‬وذلــك يورثــه تقديــر العلــاء جمي ًعــا(‪.)2‬‬
‫الضابــط الثالــث‪ :‬وهــو متعلــق باملنهــج املتبــع بــن املختلفــن‪ ،‬وقــد وضــع‬
‫الفقهــاء قاعــدة ذهبيــة يف هــذا البــاب‪ ،‬وهــي‪« :‬ال إنــكار يف مســائل الخالف»‪،‬‬
‫أو «ال إنــكار يف مســائل االجتهــاد» وبغــض النظــر عــن كونهــا عــى إطالقهــا أو‬
‫مقيــدة؛ فإنهــا مــن املعــامل البــارزة يف الفقــه اإلســامي التــي تؤســس للتســامح‬
‫بــن املختلفــن‪ ،‬وهــذه القاعــدة ســابقة وناشــئة منــذ القــرون األوىل لإلســام؛‬
‫يقــول ســفيان الثــوري‪« :‬مــا اختلــف فيــه الفقهــاء‪ ،‬فــا أنهــى أحــدا مــن‬
‫إخــواين أن يأخــذ بــه»(‪ .)3‬ويقــول أيضــا‪« :‬إذا رأيــت الرجــل يعمــل العمــل‬
‫الــذي قــد اختلــف فيــه وأنــت تــرى غــره فــا تنهــه»(‪.)4‬‬
‫وقــد صــاغ العلــاء هــذه القاعــدة بتعابــر مختلفــة يقــول الق ـرايف‪ :‬وقــال‬
‫الشــيخ محيــي الديــن يف منهاجــه‪« :‬أمــا املختلــف فيــه فــا إنــكار فيــه»(‪)5‬‬
‫ـف»(‪)6‬‬ ‫ويقــول الزركــي‪َ « :‬والْ َم َســائِ ُل ِال ْج ِت َها ِديَّـ ُة َل إنْـكَا َر ِفي َهــا َعـ َـى الْ ُم َخالِـ ِ‬
‫ويقــول أيضــا‪« :‬الْ ِنْ ـكَا ُر ِم ـ ْن الْ ُم ْن ِك ـ ِر إنَّ َــا يَ ُكــو ُن ِفيـ َـا ا ُ ْجتُ ِم ـ َع َعلَ ْي ـ ِه فَأَ َّمــا‬
‫الْ ُم ْختَلَـ ُـف ِفي ـ ِه فَـ َـا إنْـكَا َر ِفي ـ ِه»(‪ )7‬ويقــول الســيوطي‪« :‬القاعــدة الخامســة‬

‫‪ - 1‬ابن عبد الرب؛ جامع بيان العلم‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.784‬‬


‫‪ - 2‬فيام يتعلق مبحاسن هذا الضابط‪ ،‬ينظر الدكتور عبد الله شعبان‪ ،‬كتاب ضوابط االختالف يف ميزان السنة‪ :‬ص ‪.139‬‬
‫‪ - 3‬الخطيب البغدادي؛ الفقيه واملتفقه‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.135‬‬
‫‪ - 4‬نفسه‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.136‬‬
‫‪ - 5‬القرايف‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن املاليك الشهري بالقرايف ‪ 684‬ه‪ ،‬أنوار الربوق يف أنواء‬
‫الفروق‪( ،‬عامل الكتب)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.221‬‬
‫‪ - 6‬الزركيش‪ ،‬أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركيش‪ ،‬البحر املحيط يف أصول الفقه (دار الكتبي‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪1414 :1‬هـ ‪1994 -‬م) ج ‪ 6‬ص ‪.)158‬‬
‫‪ - 7‬الزركيش‪ ،‬أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركيش‪ ،‬املنثور يف القواعد الفقهية (وزارة األوقاف‬
‫الكويتية‪ ،‬ط‪1405 :2 .‬هـ ‪1985 -‬م) ج ‪ 2‬ص ‪.140‬‬

‫‪108‬‬
‫والثالثــون‪ :‬ال ينكــر املختلــف فيــه وإمنــا ينكــر املجمــع عليــه»(‪.)1‬‬
‫فهــذا الضابــط أصلــه يف الرشيعــة اإلســامية وأدلتــه كثــرة منهــا‪« :‬اجتهــاد‬
‫الصحابيــن الذيــن أدركتهــا الصــاة يف الســفر وال مــاء معهــا فتيمــا وصليــا‪،‬‬
‫ثــم وجــدا املــاء فأعــاد أحدهــا‪ ،‬ومل يُعــد اآلخــر فصوبهــا صــى اللــه عليــه‬
‫ُــك}‪ ،‬وقــال‬ ‫الســ َّن َة‪َ ،‬وأَ ْج َزأَت َ‬
‫ْــك َص َلت َ‬ ‫وســلم‪ ،‬وقــال للــذي مل يُعــد‪{ :‬أَ َصبْ َ‬
‫ــت ُّ‬
‫لآلخــر‪{ :‬لَـ َـك ْالَ ْج ـ ُر َم َّرتَـ ْـنِ}(‪.)3(»)2‬‬
‫واملقصــود مــن ذكــر هــذا الضابــط بيــان املنهجيــة التــي ينبغــي اتباعهــا يف‬
‫االختــاف‪ ،‬وهــو عــدم اإلنــكار يف األمــور االجتهاديــة التــي يســوغ الخــاف‬
‫فيهــا‪ ،‬فــا دام الخــاف معت ـرا يف املســألة‪ ،‬فــا يســوغ اإلنــكار‪.‬‬
‫الضابــط الرابــع‪ :‬وهــو ضابــط ســلويك؛ ويتحقــق بااللتـزام بــآداب االختــاف‪،‬‬
‫واآلداب عنــوان التســامح‪ ،‬وإذا كان االختــاف يف العلــم ال يكــون إال بــن أهلــه‬
‫فــإن خصيصتــه حينئــذ هــي االلتـزام بــاآلداب‪.‬‬
‫ومــن هــذه اآلداب املهمــة‪ ،‬القــول الحســن الطيــب الــذي أمــر اللــه تعــاىل‬
‫حسـ ُن﴾(‪.)4‬‬‫ـي أَ َ‬ ‫بــه عبــاده يف كتابــه فقــال‪َ ﴿ :‬وقُــل لِّ ِع َبــا ِدي يَقُولُــوا ْ ٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫ومــن تلــك اآلداب أن يكــون مبنــى االختــاف عــى صــدق اإلخــاص‪ ،‬والبحــث‬
‫عــن الحــق والصــواب وإنتــاج املعرفــة‪ ،‬وليــس الهــدف منــه املغالبــة واإلقصاء‪،‬‬
‫فذلــك هــو االختــاف الســليم‪ ،‬يقــول النــووي‪« :‬وقــال الشــافعي‪ :‬مــا ناظــرت‬
‫أحـ ًدا قــط عــى الغلبــة‪ .‬وىف روايــة‪ :‬مــا ناظــرت أحـ ًدا قــط إال عــى النصيحــة‪.‬‬
‫وقــال أبــو عثــان محمــد بــن الشــافعي‪ :‬مــا ســمعت أيب ناظــر أح ـ ًدا قــط‬
‫فرفــع صوتــه»(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أيب بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي ‪ 911‬ه‪ ،‬األشباه والنظائر يف القواعد الفقهية‪( ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1411 ،1 .‬ه ‪1990 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.158‬‬
‫‪ - 2‬أبو داود رقم (‪ )338‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب املتيمم يجد املاء بعدما يصيل‪ .‬والحاكم يف املستدرك‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬رقم‬
‫ش ِط الشَّ ْيخ َْيِ)‪ .‬ووافقه الذهبي‪ .‬املستدرك‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.554‬‬ ‫الحديث ‪ ،644‬وقال ( َهذَا َح ِديثٌ َص ِح ٌ‬
‫يح َع َل َ ْ‬
‫‪ - 3‬عبد الوهاب بن لطف؛ بحث ضوابط الفتوى يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد الحادي عرش‪:‬‬
‫ج ‪ 11‬ص ‪.458‬‬
‫‪ - 4‬سورة اإلرساء؛ اآلية‪.53 :‬‬
‫‪ - 5‬النووي؛ أبو زكريا محيي الدين يحيى بن رشف النووي ‪ 676‬ه‪ ،‬تهذيب األسامء واللغات‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت –‬
‫لبنان)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.66‬‬

‫‪109‬‬
‫وقــد بــن الغـزايل ســلوك العلــاء واملنهــج الــذي كانــوا يســرون عليــه عنــد‬
‫مامرســة االختــاف‪ ،‬يقــول رحمــه اللــه‪« :‬أن يكــون يف طلــب الحــق كناشــد‬
‫ضالــة ال يفــرق بــن أن تظهــر الضالــة عــى يــده أو عــى يــد مــن يعاونــه‪،‬‬
‫ويــرى رفيقــه معينــا ال خصــا‪ ،‬ويشــكره إذا َع َّرفــه الخطــأ وأظهــر لــه الحــق‪،‬‬
‫كــا لــو أخــذ طريقــا يف طلــب ضالتــه فنبهــه صاحبــه عــى ضالتــه يف طريــق‬
‫آخــر‪ ،‬فإنــه كان يشــكره وال يذمــه‪ ،‬ويكرمــه ويفــرح بــه‪ ،‬فهكــذا كانــت‬
‫مشــاورات الصحابــة ريض اللــه عنهــم»(‪.)1‬‬
‫إن مامرســة االختــاف عنــد كثــر مــن العلــاء املتقدمــن مل يكــن للتشــفي‬
‫واإلقصــاء واملغالبــة‪ ،‬وإمنــا كان للعلــم واإلنصــاف واإلعــذار‪ ،‬فــكان االختــاف‬
‫ميدانــا للتســامح والتفاهــم والتصافــح‪ ،‬ومامرســة األخــاق‪ ،‬وأصــدق مثــال‬
‫عــى هــذا مــا روي عــن ســيدنا عــي ريض اللــه عنــه‪ ،‬حــن ســئل عــن أهــل‬
‫الجمــل‪« :‬أمرشكــون هــم؟ قــال‪ :‬مــن الــرك فــروا‪ .‬قيــل‪ :‬أمنافقــون هــم؟‬
‫قــال‪ :‬إن «املنافقــن ال يذكــرون اللــه إال قليــا‪ .‬قيــل‪ :‬فــا هــم؟ قــال‪ :‬إخواننــا‬
‫بغــوا علينــا»»(‪.)2‬‬
‫فــإذا كان االختــاف وفــق الضوابــط والســلوك األخالقــي الــذي كان عليــه‬
‫العلــاء‪ ،‬أضحــى هــذا االختــاف قيمــة ال خصومــة‪ ،‬وتعاونــا عــى إنجــاز‬
‫علمــي محفــوف بالتســامح والتفاهــم والشــكر والفــرح‪ ،‬ال مجــال فيــه‬
‫للتشــفي والتعيــر واالنتقــام‪.‬‬
‫وهــذا هــو الــذي يلزمنــا بتنــاول قيــم التســامح بــن املســلمني وبــن مــن‬
‫يقــع معهــم االختــاف داخــل الدائــرة اإلســامية‪ ،‬وهــو الــذي ســنخصص لــه‬
‫املبحــث اآليت‪.‬‬

‫‪ - 1‬الغزايل؛ إحياء علوم الدين‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.44‬‬


‫‪ - 2‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪ ،‬كتاب قتال أهل البغي‪ :‬باب الدليل عىل أن الفئة الباغية منهام ال تخرج بالبغي عن تسمية‬
‫اإلسالم‪ :‬رقم ‪ .16791‬ج ‪ 17‬ص ‪22‬‬

‫‪110‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬قيم التسامح بني املسلمني‬
‫إن البحــث يف قيــم التســامح بــن املســلمني داخــل الدائــرة اإلســامية مــن‬
‫األهميــة مبــكان؛ ألنــه مــن الســبل املؤديــة ل َخلــق بيئــة التســامح‪ ،‬وإذا كان‬
‫الواقــع املثــايل بــن املســلمني هــو األخــوة واملحبــة واالئتــاف‪ ،‬ال مجــرد‬
‫التســامح؛ فــا أقــل مــن أن تصــل الرابطــة إىل هــذا الحــد‪ ،‬مــع التّ ـ ْوقِ إىل‬
‫الحــد األمثــل‪ ،‬والعمــل عــى بلوغــه‪.‬‬
‫وال بــد مــن تأكيــد أمــر يف هــذه التوطئــة‪ ،‬وهــو أنــه ليســت مثــة فــروق‬
‫بــارزة بــن التســامح بــن أبنــاء اإلســام مــع بعضهــم بعضـاً‪ ،‬وبــن تســامحهم‬
‫مــع غريهــم مــن غــر املســلمني؛ ألن اإلنســانية مهــا كان انتامؤهــا أو دينهــا‬
‫أو عرقهــا أو ثقافتهــا‪ ،‬فينبغــي عنــد التحــاور اتبــاع أســلوب الحكمــة‪ ،‬والقــول‬
‫الحســن‪ ،‬والرفــق واالحـرام‪ ،‬فأســلوب الحــوار وإدارتــه ســواء داخــل الدائــرة‬
‫اإلســامية بــن املســلمني بعضهــم بعض ـاَ أو مــع غريهــم ال يخــرج عــن تلــك‬
‫الضوابــط املتقدمــة‪.‬‬
‫بيــد أن الفــرق يتضــح يف أن الحــوار بــن املســلمني بعضهــم بعضـاَ لــه ثوابــت‬
‫ومســلامت‪ ،‬ومرجعيــة متفــق عليهــا‪ ،‬فوســائل اإلقنــاع معروفــة محــددة‪،‬‬
‫وهــي ‪-‬إضافــة للرباهــن العقليــة املشــركة بــن الجميــع‪ -‬األدلــة والحجــج‬
‫النقليــة‪ ،‬ولكــن مــن الواجــب التقيــد يف تقدميهــا بقيــم التســامح مــع املســلم‬
‫أيضً ــا‪ ،‬وهــذه هــي القيــم التــي ســنبينها يف هــذا الفصــل بحــول اللــه تعــاىل‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الحوار والحكمة‬
‫إذا كانــت الغايــة مــن الحــوار مــع غــر املســلمني هــو التعــارف للوصــول للتعايش‪،‬‬
‫فــإن القصــد مــن التحــاور بني املســلمني هــو االئتــاف واالتحــاد‪ ،‬والتســامح مرحلة‬
‫بهــا يتحقــق ذلــك‪ .‬فالتســامح يف إطــار الحــوار أوســع مــن الصــور النمطية‪.‬‬
‫وقــد عــرف العلــاء الحــوار واملحــاورة بتعريفــات‪ ،‬منهــا مــا ذكــره املفــرون‬
‫يف تفســر بعــض اآليــات الدالــة عــى الحــوار‪ ،‬بأنــه مراجعــة الــكالم‪ ،‬قــال‬
‫َــال لِ َٰص ِحبِــ ِه َو ُهــ َو يُ َحــا ِو ُر ُه﴾(‪ .)1‬واملعنــى أن املســلم كان‬
‫الــرازي‪﴿« :‬فَق َ‬

‫‪ - 1‬سورة الكهف؛ اآلية‪.34 :‬‬

‫‪111‬‬
‫يحــاوره بالوعــظ والدعــاء إىل اإلميــان باللــه وبالبعــث‪ ،‬واملحــاورة مراجعــة‬
‫الــكالم مــن قولهــم‪ :‬حــار إذا رجــع‪ ،‬قــال تعــاىل‪﴿ :‬إِنَّـ ُه ظَـ َّن أَن لَّــن يَ ُحــو َر﴾‬
‫(‪.)2(»)1‬‬
‫فــإذا ُســلم يف املبحــث الســابق أن االختــاف مــروع‪ ،‬فــإن هــذا االختــاف‬
‫تتنــوع مراتبــه ودرجاتــه‪ ،‬واالختــاف الداخــي ال يعالــج إال بحــوار بينــي‪،‬‬
‫بغيــة تربيــر وجهــات النظــر‪ ،‬وإبــداء الحجــج وطلــب اإلقنــاع للوصــول إىل‬
‫االئتــاف‪ ،‬وهــذا منهــج ربــاين قبــل أن يكــون إنســانيا‪ .‬وقــد تــوىل القــرآن‬
‫بيــان أحكامــه وأهميتــه ومنهجــه‪ ،‬وهــو مــا ســنبينه مــن خــال العنــارص‬
‫اآلتيــة‪:‬‬
‫أول‪ :‬الحــوار فريضــة رشعيــة‪ ،‬ومامرســة قرآنيــة‪ ،‬يقول اللــه تعاىل‪﴿ :‬قُــل َهات ُوا ْ‬ ‫ً‬
‫بُر َٰه َن ُكــم إِن كُنتُــم َٰص ِد ِق ـ َن﴾( )‪ .‬وأمــر ســبحانه بــه فقــال‪﴿ :‬ٱد ُع إِ َ ٰل َس ـبِيلِ‬
‫‪3‬‬

‫َربِّـ َـك﴾(‪ .)4‬يقــول عبــد الهــادي بوطالــب‪« :‬لقــد نُظّــم الحــوار بعنايــة فائقــة‬
‫عــن طريــق الوحــي يف آيــات قرآنيــة واضحــة الداللــة لضبــط هدفــه وطرائــق‬
‫اســتعامله‪ ،‬وبذلــك أصبــح الحــوار نه ًجــا ربانيــا‪ ،‬أي جــز ًءا مــن عقيــدة املســلم‬
‫ومــن ثوابتهــا التــي ال تقبــل التغيــر… إن الحــوار مبقتــى ذلــك مؤسســة‬
‫دينيــة مفروضــة مــن اللــه عــى عبــاده أهــل األرض… مــا يعنــي إلزاميــة‬
‫الحــوار وشــموله لــكل تعامــل مــع الغــر»(‪ .)5‬وأول مــا يدخــل يف هــذا الغــر‬
‫هــو املخالــف داخــل الدائــرة الدينيــة‪ ،‬ومــن تجمعهــم املرجعيــة الواحــدة‪.‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬إن القصــد مــن الحــوار الــذي حــض عليــه القــرآن‪ ،‬وأمــر بــه؛ إمنــا هــو‬
‫توســيع دائــرة التفاهــم والتعــاون مــن أجــل تحقيــق التقــارب واالئتــاف‪ ،‬فهو‬
‫تنــازل الطرفــن لاللتقــاء حــول حقائــق ثابتــة‪ ،‬وهــذا مــا علمــه اللــه تعــاىل‬
‫رســولَه صــى اللــه عليــه وســلم حيــث قــال لــه‪﴿ :‬قُــل َمــن يَر ُزقُ ُكــم ِّم ـ َن‬

‫‪ - 1‬سورة االنشقاق؛ اآلية‪.14 :‬‬


‫‪ - 2‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 21‬ص ‪.463‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة؛ اآلية‪.111 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل؛ اآلية‪.125 :‬‬
‫‪ - 5‬عبد الهادي بو طالب‪ :‬عاملية اإلسالم‪ :‬نداؤه للسالم ودعوته للتعايش واالعرتاف باآلخر‪ ،‬مقال منشور مبجلة االجتهاد‬
‫العدد‪( :‬السنة الثالثة عرشة‪ ،‬بريوت ‪-2002‬م)‪ ،‬ج ‪ 52‬ص ‪.53‬‬

‫‪112‬‬
‫ـى ُه ـ ًدى أَو ِف ضَ لَٰــلٖ ُّم ِب ـنٖ﴾‬ ‫رض قُــلِ ٱللَّ ـ ُه َوإِنَّـآ أَو إِيَّاكُــم لَ َعـ َ ٰ‬
‫ٱلس ـ َٰم َٰو ِت َوٱألَ ِ‬
‫َّ‬
‫(‪ .)1‬يقــول ال ـرازي‪« :‬هــذا إرشــاد مــن اللــه لرســوله إىل املناظ ـرات الجاريــة‬
‫يف العلــوم وغريهــا وذلــك ألن أحــد املتناظريــن إذا قــال لآلخــر هــذا الــذي‬
‫تقولــه خطــأ‪ ،‬وأنــت فيــه مخطــئ يغضبــه‪ ،‬وعنــد الغضــب ال يبقــى ســداد‬
‫الفكــر‪ ،‬وعنــد اختاللــه ال مطمــع يف الفهــم فيفــوت الغــرض‪ ،‬وأمــا إذا قــال لــه‬
‫بــأن أحدنــا ال يشــك يف أنــه مخطــئ والتــادي يف الباطــل قبيــح‪ ،‬والرجــوع‬
‫إىل الحــق أحســن األخــاق‪ ،‬فنجتهــد ونبــر أينــا عــى الخطــأ ليحــرز؛ فإنــه‬
‫يجتهــد ذلــك الخصــم يف النظــر ويــرك التعصــب‪ ،‬وذلــك ال يوجــب نقصــا‬
‫يف املنزلــة ألنــه أوهــم بأنــه يف قولــه شــاك ويــدل عليــه قــول اللــه تعــاىل‬
‫لنبيــه‪َ ﴿ :‬وإِنَّــا أَ ْو إيَّاكُ ـ ْم﴾(‪ .)2‬مــع أنــه ال يشــك يف أنــه هــو الهــادي وهــو‬
‫املهتــدي وهــم الضالــون واملضلــون»(‪ .)3‬فهــذا األســلوب الربــاين يف تعليــم‬
‫الحــوار الراقــي البعيــد عــن التعصــب والغضــب‪ ،‬املتســم باإلنصــاف وحســن‬
‫الخلــق‪ ،‬مــن أجــل إنجــاز الغــرض املـراد مــن الحــوار‪ ،‬وهــو اإلقنــاع واالتفــاق‪،‬‬
‫ف ُيضْ حــي الحــوار بهــذا الســلوك القــرآين أداة للتســامح‪.‬‬
‫ثالثًــا‪ :‬إن الحــوار هــو املدخــل الرشعــي الســليم للتســامح يف الرشيعــة‬
‫اإلســامية‪ ،‬ويتضــح هــذا مــن ســرة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫وســط الصحابــة ريض اللــه عنهــم‪ ،‬فقــد كان يغــرس فيهــم هــذه الثقافــة‪،‬‬
‫حتــى مدحــه اللــه تعــاىل بذلــك يف كتابــه‪ ،‬فقــال تعــاىل‪﴿ :‬فَ ِبـ َـا َرح َم ـ ٖة ِّم ـ َن‬
‫ـب َلنفَضُّ ــوا ْ ِمــن َحولِـ َـك﴾(‪.)4‬‬ ‫ـت فَظًّــا َغلِي ـ َظ ٱلقَلـ ِ‬ ‫ـت لَ ُهــم َولَــو كُنـ َ‬‫ٱللَّ ـ ِه لِنـ َ‬
‫لقــد مــارس النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع صحابتــه الحــوار التعليمــي‪،‬‬
‫وكان الحــوار يف مفهومهــم وســيلة إيجابيــة ونصيحــة دينيــة‪ ،‬يقــول ال ـرازي‪:‬‬
‫«قــال أهــل التحقيــق‪ :‬كالم النــاس مــع النــاس إمــا أن يكــون يف األمــور‬
‫الدينيــة أو يف األمــور الدنيويــة‪ ،‬فــإن كان يف األمــور الدينيــة فإمــا أن يكــون‬
‫يف الدعــوة إىل اإلميــان وهــو مــع الكفــار‪ ،‬أو يف الدعــوة إىل الطاعــة وهــو‬

‫‪ - 1‬سورة سبأ؛ اآلية‪.24 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة سبأ؛ اآلية‪.24 :‬‬
‫‪ - 3‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 25‬ص ‪.205‬‬
‫‪ - 4‬سورة آل عمران؛ اآلية‪.159 :‬‬

‫‪113‬‬
‫مــع الفاســق‪ ،‬أمــا الدعــوة إىل اإلميــان فــا بــد وأن تكــون بالقــول الحســن‬
‫َــول لَّ ِّي ٗنــا لَّ َعلَّــ ُه يَتَ َذكَّــ ُر أَو‬ ‫كــا قــال تعــاىل ملــوىس وهــارون‪﴿ :‬فَق َ‬
‫ُــول لَــ ُه ق ٗ‬
‫ـى﴾( )‪ .‬أمرهــا‬ ‫ـاف أَن يَفـ ُر َط َعلَي َنـآ أَو أَن يَط َغـ ٰ‬ ‫ـال َربَّ َنـآ إِنَّ َنــا نَ َخـ ُ‬
‫ـى‪ ٤٤‬قَـ َ‬
‫يَخـ َ ٰ‬
‫‪1‬‬

‫اللــه تعــاىل بالرفــق مــع فرعــون مــع جاللتهــا ونهايــة كفــر فرعــون ومتــرده‬
‫ـت‬ ‫وعتــوه عــى اللــه تعــاىل‪ ،‬وقــال ملحمــد صــى اللــه عليــه وســلم‪َ ﴿ :‬ولَــو كُنـ َ‬
‫ـب َلنفَضُّ ــوا ْ ِمــن َحولِـ َـك﴾(‪ .)2‬اآليــة‪ ،‬وأمــا دعــوة الفســاق‬ ‫فَظًّــا َغلِي ـ َظ ٱلقَلـ ِ‬
‫فالقــول الحســن فيــه معتــر‪ ،‬قــال تعــاىل‪﴿ :‬ٱد ُع إِ َ ٰل َس ـبِيلِ َربِّـ َـك ب ِ‬
‫ِٱلحك َم ـ ِة‬
‫حســ ُن فَــ ِإذَا ٱل ِ‬
‫َّــذي‬ ‫ــي أَ َ‬ ‫َوٱمل َو ِعظَــ ِة ٱل َح َســ َن ِة﴾( )‪ .‬وقــال‪﴿ :‬ٱدفَــع بِٱلَّ ِتــي ِه َ‬
‫‪3‬‬

‫بَي َنـ َـك َوبَي َنـ ُه َعـ َٰد َو ‪ٞ‬ة كَأَنَّـ ُه َو ِ ٌّل َح ِميـ ‪ٞ‬م﴾(‪ .)5(»)4‬فبهــذا األســلوب النبــوي تحــل‬
‫ثقافــة الحــوار محــل ثقافــة العنــف‪.‬‬
‫راب ًعــا‪ :‬إن الحــوار املنضبــط لــه آداب وقيــود؛ فينبغــي أن يكــون عــى أســاس‬
‫الحكمــة‪ ،‬ويســتند إىل مبادئهــا‪ ،‬عمــا بقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬ٱد ُع إِ َ ٰل َسـبِيلِ َربِّ َك‬
‫ــك ُهــ َو‬ ‫حســ ُن إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ــي أَ َ‬ ‫ب ِ‬
‫ِٱلحك َمــ ِة َوٱمل َو ِعظَــ ِة ٱل َح َســ َن ِة َو َٰج ِدل ُهــم بِٱلَّ ِتــي ِه َ‬
‫أَعلَـ ُم بِ َــن ضَ ـ َّـل َعــن َسـبِيلِ ِه َو ُهـ َو أَعلَـ ُم بِٱمل ُهتَ ِديـ َن﴾( )‪ .‬والحكمــة مبفهومهــا‬
‫‪6‬‬

‫الشــامل العــام‪ ،‬الشــامل للخــر والنفــع والنصيحــة‪ ،‬أســاس يف انضبــاط الحــوار‬


‫ونجاعتــه؛ فالحكمــة عنــوان الكــال‪ ،‬والخــر‪ ،‬والحســن‪ ،‬ونقيضهــا الســفه‬
‫والقبــح‪ ،‬يقــول أبــو زهــرة‪« :‬وأصــل الحكمــة مأخــوذ مــن ح َكــم مبعنــى منــع‪،‬‬
‫وهــي يف اإلنســانية صفــة نفســية هــي أســاس املعرفــة الصحيحة التــي تصيب‬
‫الحــق‪ ،‬وتُوجــه اإلنســان نحــو عمــل الخــر‪ ،‬ومتنعــه مــن عمــل الــر‪ ،‬فهــي‬
‫فيــه مانعــة ضابطــة‪ ،‬حاكمــة للنفــس‪ ،‬مســرة لهــا نحــو الكــال»(‪ …)7‬ولقــد‬
‫عــزز أبــو زهــرة كالمــه بتعريــف الحكمــة الــذي أورده الراغــب األصفهــاين‬
‫حيــث قــال‪« :‬والحكمــة إصابــة الحــق بالعلــم والعقــل‪ ،‬والحكمــة مــن اللــه‬
‫تعــاىل معرفــة األشــياء وإيجادهــا عــى غايــة اإلحــكام‪ ،‬ومــن اإلنســان معرفــة‬
‫‪ - 1‬سورة طه؛ اآلية‪.45 :‬‬
‫‪ - 2‬سورة آل عمران؛ اآلية‪.159 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النحل؛ اآلية‪.125 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة فصلت‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫‪ - 5‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.589‬‬
‫‪ - 6‬سورة النحل؛ اآلية‪.125 :‬‬
‫‪ - 7‬أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.2009‬‬

‫‪114‬‬
‫املوجــودات وفعــل الخـرات‪ ،‬وهــذا هــو الــذي وصــف بــه لقــان‪ … ،‬ونبــه‬
‫عــى جملتهــا مبــا وصفــه بهــا»(‪.)1‬‬
‫وقــد ذكــر العلــاء أوصافــا مهمــة يف الحــوار بهــا تتحقــق الحكمــة‪ ،‬ويتنــزه‬
‫عــن األحقــاد والعــداوة‪ ،‬ويبعــد عــن االنح ـراف عــن املنهــج الســوي‪ ،‬وعــى‬
‫رأســها التــزام القــول الحســن‪ ،‬واألخــاق الجميلــة‪ ،‬ويف بيــان أثــر فقــدان‬
‫الحكمــة واألخــاق يف الحــوار‪ ،‬وخطورتــه عــى املجتمــع‪ ،‬واإلنتــاج العلمــي؛‬
‫يقــول الغ ـزايل‪« :‬وأكــر الجهــاالت إمنــا رســخت يف قلــوب العــوام بتعصــب‬
‫جامعــة مــن جهــال أهــل الحــق‪ ،‬أظهــروا الحــق يف معــرض التحــدي واإلدالء‪،‬‬
‫ونظــروا إىل ضعفــاء الخصــوم بعــن التحقــر واالزدراء؛ فثــارت مــن بواطنهــم‬
‫دواعــي املعانــدة واملخالفــة‪ ،‬ورســخت يف قلوبهــم االعتقــادات الباطلــة‪،‬‬
‫وتعــذر عــى العلــاء املتلطفــن محوهــا مــع ظهــور فســادها‪ ،‬حتــى انتهــى‬
‫التعصــب بطائفــة إىل أن اعتقــدوا أن الحــروف التــي نطقــوا بهــا يف الحــال‬
‫بعــد الســكوت عنهــا طــول العمــر قدميــة‪ ،‬ولــوال اســتيالء الشــيطان بواســطة‬
‫العنــاد والتعصــب لألهــواء؛ ملــا وجــد مثــل هــذا االعتقــاد مســتقرا يف قلــب‬
‫مجنــون فضــا عــن قلــب عاقــل؛ فاملجادلــة واملعانــدة داء محــض ال دواء لــه‪،‬‬
‫فليحــرز املتديــن منــه جهــده‪ ،‬وليــرك الحقــد والضغينــة‪ ،‬ولينظــر إىل كافــة‬
‫خلــق اللــه بعــن الرحمــة‪ ،‬وليســتعن بالرفــق واللطــف يف إرشــاد مــن ضــل‬
‫مــن هــذه األمــة‪ ،‬وليتحفــظ مــن النكــد الــذي يحــرك مــن الضــال داعيــة‬
‫الضــال»(‪.)2‬‬
‫فهــذا النــص يوضــح أهميــة الحكمــة والرفــق واللطــف يف الحــوار‪ ،‬وتلــك‬
‫الفضائــل غايــة التســامح‪ ،‬أمــا إذا كان الحــوار يســلك مهيعــا غــر ذلــك فــإن‬
‫رضره أكــر مــن نفعــه‪.‬‬
‫إذن‪ :‬فالتـزام الحــوار الحكيــم املنضبــط قيمــة مــن قيــم التســامح املهمــة مــع‬
‫املخالــف داخــل الدائــرة اإلســامية‪ ،‬ويف املطلــب الثــاين نتطــرق إىل قيمــة‬
‫أخــرى ال تقــل أهميــة عــن الحــوار وهــي قيمــة الحقــوق‪.‬‬

‫‪ - 1‬الراغب؛ املفردات‪ ،‬ص ‪.249‬‬


‫‪ - 2‬الغزايل؛ أبو حامد محمد بن محمد الغزايل الطويس ‪ 505‬ه‪ ،‬االقتصاد يف االعتقاد‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الله محمد الخلييل‪( ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1424 ،1 .‬ه ‪2004 -‬م)‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫‪115‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الحفاظ عىل الحقوق ومراعاة مراتبها‬
‫إن التســامح يف أصلــه يتعلــق مبجموعــة مــن الحقــوق وينبثــق منهــا‪ ،‬فعالقــة‬
‫التســامح بالحقــوق عالقــة ســببية طرديــة‪ ،‬يؤثــر كل منهــا يف اآلخــر‪ ،‬وهــو‬
‫باعتبــار آخــر تنــازل عــن حقــوق ذاتيــة مــن أجــل رعايــة حقــوق اآلخــر ســواء‬
‫كان مســلام أو غــر مســلم‪.‬‬
‫فالحقــوق يف ظــل التســامح ت ُصــان وت ُرعــى‪ ،‬ولهــذا َعــرف بعضهــم التســامح‬
‫بأنــه‪« :‬التســاهل يف كل يشء ســواء يف املعاملــة أو يف الحقــوق»(‪ .)1‬وقــد قعــد‬
‫املــاوردي قاعــدة دالــة عــى أن التســامح يبعــث عــى أداء الحقــوق بقولــه‪:‬‬
‫«الســاحة تبعــث عــى أداء الحقــوق»(‪.)2‬‬
‫والحــق يشء يجــب اســتيفاؤه والوفــاء بــه‪ ،‬وهــو كــا عرفــه العلــاء يف رشح‬
‫ــى الْ ُم ْســلِ ِم‬
‫ــق الْ ُم ْســلِ ِم َع َ‬
‫الحديــث الــذي هــو أصــل يف هــذا البــاب‪َ { :‬ح ُّ‬
‫ـس}(‪ .)3‬قــال املنــاوي‪« :‬والحــق‪ :‬الــيء املســتحق عــى الغــر مــن غــر‬ ‫َخ ْمـ ٌ‬
‫أن يكــون فيــه تــردد‪ ،‬ويف املفهــم‪ :‬الحــق‪ :‬الثابــت‪ ،‬ويف الــرع‪ :‬يقــال للواجــب‬
‫واملنــدوب املؤكــد؛ ألن كال منهــا ثابــت يف الــرع فإنــه مطلــوب مقصــود‬
‫قصــدا مؤكــدا‪ ،‬لكــن إطالقــه عــى الواجــب أوىل‪ ،‬وقــد أطلــق هنــا عــى القــدر‬
‫املشــرك بــن الواجــب وغــره»(‪.)4‬‬
‫وهنــاك نصــوص رشعيــة متعــددة تُنظــم مجــال حقــوق املســلم عــى املســلم‬
‫بــدءا مــن التحذيــر مــن اســتحالل دمــه إىل الحــث عــى عــدم منعــه أن يغــرز‬
‫خشــبه يف جــداره‪.‬‬

‫‪ - 1‬سومية حجاج؛ املشرتك بني األديان الساموية‪ :‬ص ‪.357‬‬


‫‪ - 2‬املاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ :‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )1240( :‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب األمر باتباع الجنائز‪2 .‬ج ص ‪ .71‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫(‪ )2162‬كتاب السالم‪ ،‬باب من حق املسلم للمسلم رد السالم‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.1704‬‬
‫وقد اختلفت األحاديث يف العدد وحرص هذه الحقوق‪ ،‬وجمع أبوطالب امليك بني تلك األحاديث فأوصلها إىل عرشة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(فجمعنا اختالفهم وعدد جمل الخصال فكانت عرشة)‪ .‬أبوطالب امليك‪ ،‬محمد بن عيل بن عطية الحاريث‪ 386 ،‬ه‪ ،‬قوت‬
‫القلوب يف معاملة املحبوب ووصف طريق املريد إىل مقام التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عاصم إبراهيم الكيايل‪( ،‬دار الكتب العلمية‬
‫– بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1426 ،2 .‬ه ‪-2005‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .238‬وجمع الغزايل منها أكرث من ذلك بكثري‪ :.‬إحياء علوم الدين‪ :‬ج ‪2‬‬
‫ص ‪.194‬‬
‫‪ - 4‬املناوي‪ ،‬زين الدين محمد املدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفني بن عيل بن زين العابدين الحدادي ثم املناوي القاهري‬
‫‪ 1031‬ه‪ ،‬فيض القدير رشح الجامع الصغري‪( ،‬املكتبة التجارية الكربى – مرص‪ ،‬ط‪1356 ،1 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.390‬‬

‫‪116‬‬
‫إن أول مــا ينبغــي يف حفــظ حقــوق املســلم وصونهــا هــو معرفــة مراتبهــا‪،‬‬
‫والعلــم بتفاوتهــا‪ ،‬وإعطــاء كل ذي حــق حقــه‪ ،‬فأعــى مراتــب الحقــوق بعــد‬
‫حــق اللــه تعــاىل هــو حقــوق الوالديــن مســلمني كانــا أم كافريــن‪ ،‬وقــد أمــر‬
‫اللــه باإلحســان إليهــا‪ .‬وهكــذا أيضــا يف مراتــب القرابــة والجــوار والصداقــة‪،‬‬
‫يجــب مراعــاة تلــك املراتــب فذلــك مــا يســاعد عــى خلــق بيئــة األلفــة‪.‬‬
‫فســامة العالقــات القريبــة أســاس يف بنــاء التســامح العــام‪ ،‬يقــول الغـزايل يف‬
‫بيــان هــذه املراتــب‪« :‬وكل مخالــط ففــي مخالطتــه أدب‪ ،‬واألدب عــى قــدر‬
‫حقــه‪ ،‬وحقــه عــى قــدر رابطتــه التــي بهــا وقعــت املخالطــة‪ .‬والرابطــة؛ إمــا‬
‫القرابــة وهــي أخصهــا‪ ،‬أو أخــوة اإلســام وهــي أعمهــا‪ ،‬وينطــوي يف معنــى‬
‫األخــوة الصداقــة والصحبــة‪ ،‬وإمــا الجــوار وإمــا صحبــة الســفر واملكتــب‬
‫والــدرس‪ ،‬وإمــا الصداقــة أو األخــوة‪ .‬ولــكل واحــد مــن هــذه الروابــط‬
‫درجــات؛ فالقرابــة لهــا حــق ولكــن حــق الرحــم املحــرم آكــد‪ ،‬وللمحــرم حــق‬
‫ولكــن حــق الوالديــن آكــد‪ .‬وكذلــك حــق الجــار ولكــن يختلــف بحســب‬
‫قربــه مــن الــدار وبعــده… وكذلــك حــق املســلم يتأكــد بتأكــد املعرفــة‪،‬‬
‫وللمعــارف درجــات فليــس حــق الــذي عــرف باملشــاهدة كحــق الــذي عــرف‬
‫بالســاع‪ ،‬واملعرفــة بعــد وقوعهــا تتأكــد باالختــاط‪ ،‬وكذلــك الصحبــة تتفاوت‬
‫درجاتهــا فحــق الصحبــة يف الــدرس واملكتــب آكــد مــن حــق صحبــة الســفر‪،‬‬
‫وكذلــك الصداقــة تتفــاوت فإنهــا إذا قويــت صــارت أخــوة فــإن ازدادت‬
‫صــارت محبــة»(‪ .)1‬ففــي كل مرتبــة مــن هــذه املراتــب يتأكــد حــق مــن‬
‫الحقــوق الواجبــة أو املندوبــة‪.‬‬
‫ومــع تفــاوت هــذه الحقــوق فإنهــا يف أداءهــا ال ينفــك بعضهــا عن بعــض‪ ،‬بل‬
‫هــي متداخلــة؛ فمنزلــة اإلحســان يدخــل فيهــا باألولويــة اإلحســان للوالديــن‪،‬‬
‫كــا يدخــل فيهــا أيضــا اإلحســان للجــادات والحيوانــات‪ ،‬يقــول الــرازي‪:‬‬
‫«رعايــة جميــع الحقــوق الواجبــة للعبــاد‪ ،‬فيدخــل فيــه صلــة الرحــم وصلــة‬
‫القرابــة الثابتــة بســبب أخــوة اإلميــان…‪ ،‬ويدخــل يف هــذه الصلــة إمدادهــم‬
‫بإيصــال الخـرات‪ ،‬ودفــع اآلفــات‪ ،‬بقــدر اإلمــكان‪ ،‬وعيــادة املريــض‪ ،‬وشــهود‬
‫الجنائــز‪ ،‬وإفشــاء الســام عــى النــاس‪ ،‬والتبســم يف وجوههــم‪ ،‬وكــف األذى‬

‫‪ - 1‬الغزايل؛ إحياء علوم الدين‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.193‬‬

‫‪117‬‬
‫عنهــم‪ ،‬ويدخــل فيــه كل حيــوان حتــى الهــرة والدجاجــة‪ .‬وعــن الفضيــل بــن‬
‫عيــاض رحمــه اللــه‪ :‬أن جامعــة دخلــوا عليــه مبكــة فقــال‪ :‬مــن أيــن أنتــم؟‬
‫قالــوا‪ :‬مــن خراســان‪ .‬فقــال‪ :‬اتقــوا اللــه وكونــوا مــن حيــث شــئتم‪ ،‬واعلمــوا‬
‫أن العبــد لــو أحســن كل اإلحســان وكان لــه دجاجــة فأســاء إليهــا مل يكــن‬
‫مــن املحســنني»(‪.)1‬‬
‫إن منطلــق الحقــوق بــن املســلمني هــو األخــوة اإلميانيــة املطلــوب تحقيقهــا‬
‫مــن كل مســلم تجــاه أخيــه املســلم؛ مصداقــا لقولــه تعــاىل‪﴿ :‬إِنَّ َــا ٱمل ُؤ ِم ُنــو َن‬
‫إِخــ َوة‪ .)2(﴾ٞ‬وقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬الْ ُم ْســلِ ُم أَ ُخــو الْ ُم ْســلِ ِم}(‪.)3‬‬
‫فمبــدأ األخــوة اإلميانيــة مبــدأ أصيــل تُبنــى عليــه الحقــوق‪ ،‬قــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يف الحديــث الــذي رواه ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا‪:‬‬
‫{امل ُْســلِ ُم أَ ُخــو امل ُْســلِ ِم الَ يَظْلِ ُمــ ُه َوالَ يُ ْســلِ ُم ُه‪َ ،‬و َمــ ْن كَا َن ِف َحا َجــ ِة أَ ِخيــ ِه‬
‫ـال صــى اللــه عليــه وســلم‪َ { :‬مثَـ ُـل الْ ُم ْؤ ِم ِن ـ َن ِف‬ ‫كَا َن اللَّـ ُه ِف َحا َج ِت ـ ِه}(‪ .)4‬وقَـ َ‬
‫ت َ َوا ِّد ِهـ ْم‪َ ،‬وت َ َرا ُح ِم ِهـ ْم‪َ ،‬وت َ َعاطُ ِف ِهـ ْم َمثَـ ُـل الْ َج َسـ ِـد إِذَا اشْ ـتَ َك ِم ْنـ ُه ُعضْ ـ ٌو تَ َدا َعــى‬
‫ِالسـ َه ِر َوالْ ُح َّمــى}(‪ .)5‬يقــول ابــن عاشــور‪« :‬بهــذه القاعــدة‬ ‫لَـ ُه َســائِ ُر الْ َج َسـ ِـد ب َّ‬
‫تســنى للمســلمني التعــارف والتواصــل واالتحــاد‪ ،‬عــى اختــاف األمــم الداخلة‬
‫يف اإلســام‪ ،‬فلــم يحفــظ التاريــخ لديــن وال دولــة وال لدعــوة اســتطاع واحــد‬
‫منهــا أن يضــم إليــه مختلــف األمــم ويجعلهــم أمــة واحــدة ال يــرى بعضهــم‬
‫فارقــا بينهــم مثــل مــا لإلســام مــن ذلــك»(‪.)6‬‬
‫وأصــول هــذه الحقــوق التــي تعــزز التســامح بــن املســلمني ترجــع إىل مــا‬
‫يــي‪:‬‬

‫‪ - 1‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 19‬ص ‪.34‬‬


‫‪ - 2‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.10 :‬‬
‫‪ - 3‬الحديث أخرجه البخاري‪ ،‬رقم‪ )2442( :‬كتاب املظامل والغصب‪ ،‬باب‪ :‬ال يظلم املسل ُم املسل َم وال يسلمه‪،128 3 .‬‬
‫ومسلم‪ ،‬رقم‪ )2580( :‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب تحريم الظلم‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.1996‬‬
‫‪ - 4‬الحديث متفق عليه؛ البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2442( :‬كتاب املظامل والغصب‪ ،‬باب‪ :‬ال يظلم املسل ُم املسل َم وال‬
‫يسلمه‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ .128‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ .)2580( :‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب تحريم الظلم‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.1996‬‬
‫اب تَ َرا ُحمِ الْ ُم ْؤ ِم ِن َني َوتَ َعاطُ ِف ِه ْم َوتَعَاضُ ِد ِه ْم‪4 :.‬ج‬
‫‪ - 5‬الحديث أخرجه مسلم يف الصحيح رقم‪ .)2586( :‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬بَ ُ‬
‫ص ‪.1999‬‬
‫‪ - 6‬ابن عاشور؛ أصول النظام االجتامعي‪ :‬ص ‪.120‬‬

‫‪118‬‬
‫حــق إفشــاء الســام‪ :‬فإفشــاء الســام بني املســلمني أمر نبــوي؛ ففــي الحديث‪:‬‬
‫ـال‪{ :‬إِذَا‬ ‫ـول اللـ ِه؟‪ ،‬قَـ َ‬ ‫ـت} ِقيـ َـل‪َ :‬مــا ُهـ َّن يَا َر ُسـ َ‬ ‫{ َحـ ُّـق الْ ُم ْسـلِ ِم َعـ َـى الْ ُم ْسـلِ ِم ِسـ ٌّ‬
‫لَ ِقيتَـ ُه ف ََسـلِّ ْم َعلَيْـ ِه…}(‪ .)1‬ويف حديــث آخــر يُوضــح ارتبــاط املحبــة بالســام‬
‫{أول أَ ُدلُّ ُكـ ْم َعـ َـى َ ْ‬
‫ش ٍء إِذَا فَ َعلْتُ ُمــو ُه تَ َحابَ ْبتُـ ْم؟‬ ‫قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪ً :‬‬
‫ــا َم بَ ْي َنكُــ ْم}(‪ .)2‬فإفشــاء الســام بــن املســلمني ســبب لرتســيخ‬ ‫الس َ‬‫أَفْشُ ــوا َّ‬
‫املحبــة واأللفــة‪ ،‬وتوثيــق عــرى التســامح‪ ،‬يقــول وهبــة الزحيــي‪« :‬والتحيــة‬
‫نــوع مــن الشــفاعة الحســنة؛ ألنهــا تقــرب النــاس بعضهــم مــن بعــض‪ ،‬وتنــر‬
‫املحبــة‪ ،‬وتقــوي أوارص املــودة‪ ،‬وتقتلــع األحقــاد وســوء التفاهــم‪ ،‬ومتنــع‬
‫التحيـ ُة رشا كبـرا أو تآمـرا عظيــا‪ ،‬إذا توافــرت النيــات الحســنة»(‪.)3‬‬
‫حــق الرتاحــم بــن املســلمني‪ :‬فهنــاك رحمــة عامــة بــن اإلنســانية جمعــاء‪،‬‬
‫ورحمــة خاصــة يتعامــل بهــا املســلمون بينهــم؛ يرفقــون ببعضهــم‪ ،‬ويشــفقون‬
‫عــى الضعفــاء واملحتاجــن‪ ،‬ويتعاونــون يف تحقيــق هــذه القيــم‪ ،‬قــال اللــه‬
‫ــآ ُء بَي َن ُهــم﴾(‪ .)4‬ويف الحديــث‪َ { :‬مث ُ‬
‫َــل‬ ‫تعــاىل يف وصــف الصحابــة‪ُ ﴿ :‬ر َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْ ُم ْؤ ِم ِنـ َن ِف ت َ َوا ِّد ِهـ ْم‪َ ،‬وتَ َرا ُح ِم ِهـ ْم‪َ ،‬وت َ َعاطُف ِهـ ْم َمثَـ ُـل الْ َج َســد إِذَا اشْ ـتَ َك م ْنـ ُه‬
‫ِ‬
‫ِالســ َه ِر َوالْ ُح َّمــى}(‪ .)5‬وقــد ذكــر بعــض‬ ‫ــد ب َّ‬ ‫ُعضْ ــ ٌو ت َ َدا َعــى لَــ ُه َســائِ ُر الْ َج َس ِ‬
‫العلــاء املتقدمــن معنــى راقيــا يف وصــف الرحمــة القامئــة بــن املســلمني‬
‫بحيــث‪« :‬يدعــو صالحهــم لطالحهــم‪ ،‬إذا نظــر الطالــح إىل الصالــح مــن أمــة‬
‫محمــد صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪ :‬اللهــم بــارك لــه فيــا قســمت لــه مــن‬
‫الخــر‪ ،‬وثبتــه عليــه‪ ،‬وانفعنــا بــه؛ وإذا نظــر الصالــح إىل الطالــح مــن أمــة‬
‫محمــد صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪ :‬اللهــم اهــده‪ ،‬وتــب عليــه‪ ،‬واغفــر‬
‫لــه»(‪.)6‬‬

‫اب ِم ْن َح ِّق الْ ُم ْسلِمِ لِلْ ُم ْسلِمِ َر ُّد َّ‬


‫الس َلمِ ‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.1704‬‬ ‫‪ - 1‬الحديث أخرجه مسلم‪ ،‬رقم‪ )2162( :‬كتاب السالم‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 2‬الحديث أخرجه مسلم‪ ،‬رقم‪ )54( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان أنه ال يدخل الجنة إال املؤمنون‪ ،‬وأن محبة املؤمنني من‬
‫اإلميان‪ ،‬وأن إفشاء السالم سبب لحصولها‪1 .‬ج ص ‪.74‬‬
‫‪ - 3‬الزحييل؛ د وهبة بن مصطفى الزحييل‪ ،‬التفسري الوسيط‪( ،‬دار الفكر‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪1422 ،1 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.355‬‬
‫‪ - 4‬سورة الفتح؛ اآلية‪.29 :‬‬
‫‪ - 5‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2586( :‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب تراحم املؤمنني وتعاطفهم وتعاضدهم‪4 .‬ج ص ‪.1999‬‬
‫‪ - 6‬امليك؛ قوت القلوب‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.238‬‬

‫‪119‬‬
‫ـأي مــن أنــواع األذيــة‪ ،‬أو يقــع‬ ‫حــق حرمــة العــرض‪ :‬فاملســلم ال يــؤذي أخــاه بـ ٍّ‬
‫يف عرضــه أو يرميــه بأحــكام جاهــزة‪ ،‬كالســب والتبديــع والتفســيق والتكفــر‪،‬‬
‫وقــد وردت نصــوص عديــدة يف النهــي عــن ترويــع املؤمنــن وأذيتهــم(‪،)1‬‬
‫وجــاع ذلــك يف قولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬امل ُْسـلِ ُم َمـ ْن َسـلِ َم امل ُْسـلِ ُمو َن‬
‫اب امل ُْســلِ ِم‬
‫{ســ َب ُ‬‫ــد ِه}(‪ .)2‬وقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ِ :‬‬ ‫ِمــ ْن لِ َســانِ ِه َويَ ِ‬
‫ـوق‪َ ،‬و ِقتَالُـ ُه كُ ْفـ ٌر}( )‪ .‬يقــول الغـزايل يف رسده لحقــوق املســلم‪« :‬ومنهــا أن‬
‫‪3‬‬
‫ف ُُسـ ٌ‬
‫ال يــؤذي أحــدا مــن املســلمني بفعــل وال قــول‪ ،‬قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫{امل ُْسـلِ ُم َمـ ْن َسـلِ َم امل ُْسـلِ ُمو َن ِمـ ْن لِ َســانِ ِه َويَـ ِـد ِه}(‪.)5(»)4‬‬
‫حــق محبــة املســلم للمؤمنــن مــا يحــب لنفســه‪ :‬هــذه قاعــدة فاصلــة يف‬
‫الرتبيــة عــى ثقافــة التســامح؛ وقــد اعتربهــا العلــاء معيــا ًرا نبويًّــا‪ ،‬وأصـ ًـا‬
‫إنســان ًّيا يف االعتــدال‪ ،‬ولــزوم الجــادة يف التعامــل مــع اآلخريــن؛ ومعرفــة‬
‫الحســن مــن القبيــح يف الترصفــات؛ يقــول القــايض عيــاض‪ :‬إن هــذا الحديــث‬
‫«مــن جوامــع كلمــه‪ ،‬واختصــار ِحكَمــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وهــذا معيــار‬
‫صحيــح فيــا يعتــره اإلنســان مــن أفعالــه‪ ،‬ومتييــزه قبيحهــا مــن حســنها»(‪.)6‬‬
‫فمــن مل يُســعفه ضمــره‪ ،‬وانطمســت فطرتــه‪ ،‬وضــاع وســط ركام الفضائــل‬
‫والرذائــل‪ ،‬واختلطــت عليــه القيــم‪ ،‬وتجاذبتــه تلك القــوى بصفاتهــا وخواصها؛‬
‫فليلجــأ إىل هــذا املعيــار الــذي يدلــه عــى الطريــق الســوي‪ ،‬ويهديــه للســبيل‬
‫القويــم‪ ،‬يف التعامــل مــع بنــي اإلنســان عامــة‪ ،‬واملســلمني خاصــة؛ تعامــا‬
‫مبنيــا عــى التســامح‪ ،‬ال ظلــم فيــه وال تطفيــف‪.‬‬

‫َاسمِ صىل الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ُول‪ :‬ق ََال أَبُو الْق ِ‬
‫‪ - 1‬من ذلك ما ثبت يف صحيح مسلم عَنِ ابْنِ ِسريِي َن قال‪َ :‬س ِم ْع ُت أَبَا ُه َريْ َرةَ‪ ،‬يَق ُ‬
‫{ َم ْن أَشَ ا َر إِ َل أَ ِخي ِه ِب َح ِدي َد ٍة‪ ،‬فَ ِإ َّن الْ َم َلئِ َك َة تَلْ َع ُنهُ‪َ ،‬حتَّى يَ َد َع ُه َوإِ ْن كَا َن أَخَا ُه ِلَبِي ِه َوأُ ِّم ِه} مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم (‪ )2616‬كتاب‬
‫الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب النهي عن اإلشارة بالسالح إىل مسلم‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.2020‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )10( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.11‬‬
‫ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم (‪ )41‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان تفاضل اإلسالم وأي أموره أفضل ج ‪ 1‬ص ‪.65‬‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )48( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب خوف املؤمن من أن يحبط عمله وهو ال يشعر‪ .19 1 .‬ومسلم‬
‫رقم (‪ )28‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان قول النبي صىل الله عليه وسلم سباب املسلم ج ‪ 1‬ص ‪.81‬‬
‫‪ - 4‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم (‪ )10‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.11‬‬
‫ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ )41( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان تفاضل اإلسالم وأي أموره أفضل ج ‪ 1‬ص ‪.65‬‬
‫‪ - 5‬الغزايل؛ إحياء علوم الدين‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.194‬‬
‫كم ُل امل ُ ْعلِمِ ب َف َوائِ ِد ُم ْسلِم‪،‬‬
‫‪ - 6‬القايض عياض؛ عياض بن موىس بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي‪ ،‬أبو الفضل ‪ 544‬ه‪ ،‬إِ َ‬
‫تحقيق‪ :‬الدكتور ي ْحيَى إِ ْس َم ِعيل‪( ،‬دار الوفاء للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1419 ،1 .‬ه ‪1998 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.132‬‬

‫‪120‬‬
‫هــذا املعيــار املهــم واألصــل املعتمــد هــو مــا حــض عليــه النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم مــن أراد النجــاة؛ ففــي الحديــث أن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـب أَ ْن يُ َز ْحـ َز َح َعــنِ ال َّنــارِ‪َ ،‬ويُ ْد َخـ َـل الْ َج َّنـ َة‪ ،‬فَلْتَأْتِـ ِه‬ ‫وســلم قــال‪ …{ :‬فَ َمـ ْن أَ َحـ َّ‬
‫ـب أَ ْن‬ ‫ـاس الَّـ ِـذي يُ ِحـ ُّ‬ ‫َم ِن َّيتُ ـ ُه َو ُه ـ َو يُ ْؤ ِم ـ ُن بِالل ـ ِه َوالْ َي ـ ْو ِم ْال ِخ ـرِ‪َ ،‬ولْ َي ـأْ ِت إِ َل ال َّنـ ِ‬
‫يُــ ْؤ َت إِلَ ْيــ ِه}(‪ .)1‬وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬الَ يُ ْؤ ِمــ ُن أَ َح ُدكُــ ْم‪َ ،‬حتَّــى‬
‫ـب لِ َنف ِْس ـ ِه}(‪ .)2‬فاملؤمــن يحــب لآلخريــن مــن الخــر‬ ‫ـب ِلَ ِخي ـ ِه َمــا يُ ِحـ ُّ‬ ‫يُ ِحـ َّ‬
‫والنفــع مــا يحبــه لنفســه‪ ،‬ويــرىض لهــم مــا يرضــاه لهــا‪ ،‬ويكــره لهــم مــا يكــره‬
‫كل مــا يرسهــم‪،‬‬ ‫لنفســه‪ ،‬ويُحزنــه مــا يحــزن اآلخريــن‪ ،‬ويُدخـ ُـل الــرو َر عليــه ُّ‬
‫ليقينــه أن إعطــاء اإلنســان غــره مــن خلقــه‪ ،‬وإيثــاره إيــاه عــى نفســه؛ ال‬
‫ينقــص مــن حقــه وقــدره شــيئا‪ ،‬بــل ذلــك مظنــة الزيــادة‪ .‬وهــذه املنزلــة ال‬
‫تتحقــق إال إذا كان الصــدر ســليام مــن الرذائــل واألوصــاف املضادة للتســامح‪،‬‬
‫ك ـرا وغــا وحقــدا وحســدا‪.‬‬
‫ويف ظــل هــذه األخــوة التــي دعــا إليهــا القــرآن الكريــم والســنة النبويــة‬
‫الرشيفــة؛ تنمــو ثقافــة التســامح وترســو‪ ،‬وتصبــح تعبديــة يُنــال بهــا األجــر‬
‫واملثوبــة‪ ،‬وت ُصفَّــى بهــا القلــوب مــن الضغائــن واألحقــاد‪ ،‬وتــراص بهــا‬
‫الصفــوف واملجتمعــات‪ ،‬وتقــام بهــا الحيــاة الســعيدة الطيبــة‪.‬‬
‫وكل هــذه القيــم والحقــوق املذكــورة ال ميكــن تحققهــا إال مبنهــج الرفــق‪ ،‬وال‬
‫ســيام مــع املســلمني‪ ،‬وهــذا مــا ســنخصص لــه املطلــب التــايل‪:‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الرفق‪.‬‬


‫الرفــق زينــة القيــم‪ ،‬ورس مــن أرسار نجاحهــا‪ ،‬فهــو يرتبــط بجميــع القيــم‬
‫الســابقة والالحقــة‪ ،‬ويدخــل يف كل يشء ويزينــه‪ ،‬ويَختــم عــى نتائــج األفعــال‬
‫واألقــوال بطيــب القبــول فقيــم التســامح واالختــاف والحــوار إذا مل تكــن‬
‫برفــق مل تــؤت مثارهــا؛ فقيمــة الرفــق تكتــي أهميــة بالغــة‪.‬‬
‫اب الْ َ ْم ِر بالْ َوفَا ِء ِببَيْ َع ِة الْ ُخلَفَا ِء‪ ،‬الْ َ َّو ِل ف َْالَ َّو ِل ج ‪ 3‬ص ‪.1472‬‬ ‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم (‪ )1843‬كِتَ ُ‬
‫اب الْ ِ َما َر ِة‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )13( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬من اإلميان أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.12‬‬
‫ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم (‪ )45‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب الدليل عىل أن من خصال اإلميان أن يحب ألخيه املسلم ما يحب لنفسه من‬
‫الخري‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.67‬‬

‫‪121‬‬
‫وليســت أهميــة الرفــق فقــط يف هــذه الخاصيــة‪ ،‬بــل إن مفهومــه يرســخ‬
‫معــاين التســامح الكــرى مــن التيســر والســهولة‪ ،‬وتجنــب العنــف؛ لهــذا‬
‫ـر ِف الْ ُ ُمــور والســهول ُة ِف التوصــل إِلَيْ َهــا‪،‬‬ ‫عــرف العلــاء الرفــق بأنــه‪« :‬الْيُـ ْ‬
‫وخالفــه العنــف َو ُهـ َو التَّشْ ـ ِـديد ِف التَّ َو ُّصــل إِ َل الْ َمطْلُــوب‪ ،‬وأصــل ال ِّرفْــق ِف‬
‫اللُّ َغــة ال َّن ْفــع»(‪.)1‬‬
‫إن اتبــاع منهــج الرفــق مــع الجميــع؛ واجــب رشعــي‪ ،‬ومطلــب حضــاري‪ ،‬ألن‬
‫فيــه تحقيقــا لرحمــة اإلســام‪ ،‬والشــفقة عــى عبــاد اللــه‪ ،‬ووفــاء بحقــوق‬
‫املســلم التــي تقدمــت يف املطلــب الســابق‪ ،‬ويف ذلــك اح ـراز مــن العنــف‬
‫والشــدة‪ ،‬والغضــب والغلظــة الناتجــة كلهــا عــن ســوء الخلــق‪.‬‬
‫فالرفــق مثــرة حســن األخــاق؛ ولهــذا يعتــر مــن الطاعــة‪ ،‬ويســوغ أن يشــتغل‬
‫بــه املؤمــن عــن بعــض العبــادة‪.‬‬
‫ويعــد الرفــق ضمــن مكونــات التســامح يف ذروتهــا‪ ،‬فهــو باعتبــار أثــره مــن‬
‫العالجــات املبــارشة للمشــكالت األرسيــة واملجتمعيــة والدينيــة‪ ،‬ويتميــز‬
‫بســات وخصائــص ال توجــد يف غــره مــن القيــم؛ منهــا‪ :‬الشــمولية‪ ،‬واإلعانــة‬
‫الربانيــة‪ ،‬والفاعليــة‪ ،‬والســعادة األرسيــة‪.‬‬
‫أما الشمولية‪ :‬فإن مرجعها أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الرفــق شــامل يســتعمل يف جميــع األمــور؛ ففــي الحديــث عــن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪َ { :‬م ْهـ ًـا يَــا َعائِشَ ـ ُة‪ ،‬إِ َّن اللَّ ـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫ـب‬
‫ال ِّرفْـ َـق ِف األَ ْم ـ ِر كُلِّ ـ ِه}(‪.)2‬‬
‫الثــاين‪ :‬أن الرفــق خــر كلــه‪ ،‬فهــو متمحــض للمنفعــة واملصلحــة‪ ،‬وليــس فيــه‬
‫شــائبة املفســدة واملــرة‪ ،‬وقــد أخــر بذلــك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬

‫‪ - 1‬أبو هالل العسكري؛ أبو هالل الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري نحو ‪ 395‬ه‪،‬‬
‫الفروق اللغوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد إبراهيم سليم‪( ،‬دار العلم والثقافة للنرش والتوزيع‪ ،‬القاهرة – مرص)‪ ،،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6024( :‬كتاب األدب‪ ،‬باب الرفق يف األمر كله‪ .‬ج ‪ 8‬ص ‪ .12‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫(‪ )2165‬كتاب السالم‪ ،‬باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسالم‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.1706‬‬

‫‪122‬‬
‫ـر أَ ْو َمـ ْن يُ ْحـ َر ِم ال ِّرفْـ َـق يُ ْحـ َر ِم الْ َخـ ْ َ‬
‫ـر}‬ ‫حــن قــال‪َ { :‬مـ ْن ُحـ ِر َم ال ِّرفْـ َـق ُحـ ِر َم الْ َخـ ْ َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫وأمــا الربانيــة؛ فاملــراد بهــا أن الرفــق فضيلــة يحبهــا اللــه تعــاىل‪ ،‬ويُعــن‬
‫صاحبــه عليهــا بالتوفيــق والتســديد والتســهيل؛ ورد يف حديــث النبــي صــى‬
‫ـب ال ِّرفْـ َـق‪،‬‬ ‫ـال َر ِفيـ ٌـق يُ ِحـ ُّ‬ ‫اللــه عليــه وســلم أنَّــه قــال‪{ :‬إِ َّن اللَّ ـ َه تَبَــا َر َك َوتَ َعـ َ‬
‫َويَ ـ ْر َض ِب ـ ِه‪َ ،‬ويُ ِع ـ ُن َعلَيْ ـ ِه َمــا َل يُ ِع ـ ُن َعـ َـى الْ ُع ْنــف}( )‪.‬‬
‫ِ ‪2‬‬

‫وأمــا الفاعليــة‪ :‬فــإن الرفــق يتــأىت معــه مــا ال يتــأىت مــع غــره مــن الصفــات‬
‫األخــرى‪ ،‬فمــن اســتعمل الرفــق يف أمــوره‪ ،‬وانتهجــه يف طريقــه‪ ،‬أفلــح يف‬
‫ســعيه ومطلبــه‪ ،‬وقــى حاجتــه‪ ،‬وفُتحــت لــه األبــواب املغلقــة‪ ،‬وحصــد‬
‫الثــار النافعــة؛ يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪َ { :‬مــا كَا َن ال ِّرفْـ ُـق ِف‬
‫ش ٍء إِال شــانه}(‪ .)3‬قــال املنــاوي‪« :‬ألن بــه تســهل‬ ‫ش ٍء إِال زَانَـ ُه َوال نُـ ِز َع ِمـ ْن َ ْ‬ ‫َْ‬
‫األمــور‪ ،‬وبــه يتصــل بعضهــا ببعــض‪ ،‬وبــه يجتمــع مــا تشــتت‪ ،‬ويأتلــف مــا‬
‫تنافــر وت َ َب ـ َّدد‪ ،‬ويرجــع إىل املــأوى مــا شــذ‪ ،‬وهــو مؤلــف للجامعــات جامــع‬
‫للطاعــات‪ .‬ومنــه أخــذ أنــه ينبغــي للعــامل إذا رأى مــن يخــل بواجــب أو‬
‫يفعــل محرمــا؛ أن يرتفــق يف إرشــاده ويتلطــف بــه»(‪ .)4‬فهــو جامــع ملقاصــد‬
‫كثــرة‪ ،‬مــن طاعــة وعبــادة‪ ،‬وتآلــف ووحــدة‪ ،‬وتيســر وســعادة‪.‬‬
‫وأمــا الســعادة األرسيــة‪ :‬فالرفــق مــن أســباب جلبهــا للبيــوت‪ ،‬والرفــق يف‬
‫طبيعتــه الغالبــة ال يكــون إال مــع القريــب املالصــق‪ ،‬لهــذا كان لــه دور أســاس‬
‫يف بنــاء األرس والعالقــات القريبــة‪ ،‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬إِذَا‬
‫ـرا‪ ،‬أَ ْد َخـ َـل َعلَ ْي ِهـ ُم ال ِّرفْـ َـق}(‪.)5‬‬ ‫ـت َخـ ْ ً‬ ‫أَ َرا َد اللـ ُه َعـ َّز َو َجـ َّـل ِبأَ ْهــلِ بَ ْيـ ٍ‬

‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2592( :‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب فضل الرفق‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.2003‬‬
‫‪ - 2‬مالك‪ ،‬املوطأ‪ ،‬رقم‪ )1767( :‬كتاب االستئذان‪ ،‬باب ما يؤمر به من العمل يف السفر ج ‪ 2‬ص ‪.979‬‬
‫‪ - 3‬الضياء‪ ،‬ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد املقديس ‪ 643‬ه‪ ،‬األحاديث املختارة أو املستخرج من األحاديث‬
‫املختارة مام مل يخرجه البخاري ومسلم يف صحيحيهام‪ ،‬وحكم إسناده بالصحة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد امللك دهيش‪( ،‬دار خرض‪،‬‬
‫بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،3 .‬ه ‪2000 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ 154‬رقم ‪.1778‬‬
‫‪ - 4‬املناوي‪ ،‬فيض القدير‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.461‬‬
‫‪ - 5‬أحمد‪ ،‬املسند؛ رقم‪ )24427( :‬ج ‪ 40‬ص ‪.488‬‬

‫‪123‬‬
‫فالرفــق عــاج ودواء يف كل املجــاالت؛ يف العالقــات األرسيــة‪ ،‬ويف الحــوار‬
‫والتواصــل مــع املوافقــن واملخالفــن‪ ،‬ومــن كان الرفــق ســمته تحققــت لــه‬
‫محاســن األخــاق‪ ،‬ومــكارم الشــيم‪ ،‬ونكــب عــن طريــق العنــف والغلظــة‪،‬‬
‫ونــال مــن التســامح القــدح املعــى‪ ،‬يقــول الغـزايل‪« :‬اعلــم أن الرفــق محمــود‬
‫ويضــاده العنــف‪ ،‬والحــدة والعنــف نتيجــة الغضــب والفظاظــة‪ .‬والرفــق‬
‫واللــن نتيجــة حســن الخلــق والســامة‪ …،‬فالرفــق يف األمــور مثــرة ال يثمرهــا‬
‫إال حســن الخلــق‪ ،‬وال يحســن الخلــق إال بضبــط قــوة الغضــب وقــوة الشــهوة‬
‫وحفظهــا عــى حــد االعتــدال‪ ،‬وألجــل هــذا أثنــى رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم عــى الرفــق وبالــغ فيــه»(‪.)1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬منهج االعتدال‬


‫ليــس هنــاك مــن طريــق يــؤدي للســامة مــن الغلــو والتطــرف‪ ،‬واإلف ـراط‬
‫والتفريــط؛ أفضــل مــن منهــج االعتــدال‪ ،‬إن هــذا املنهــج مهــم للغايــة‪،‬‬
‫فاالتـزان واالعتــدال هــو الــذي يجعــل املســلم عــى الطريــق املســتقيم‪ ،‬ومــن‬
‫هنــا نــدرك أهميــة الدعــوة اليوميــة التــي يدعــو بهــا املســلم‪ ،‬ويكررهــا يف‬
‫ـر َط ٱمل ُس ـتَ ِقي َم﴾(‪ .)2‬ألن االهتــداء لهــذا‬ ‫ِ‬
‫﴿ٱهدنَــا ٱلـ ِّ َٰ‬ ‫كل ركعــة مــن صالتــه‪:‬‬
‫النهــج أصــل جميــع خصــال الخــر‪ ،‬ويف اتبــاع نهــج االعتــدال التوجــه للهــدف‬
‫دون بنيــات الطريــق ومســالكه امللتويــة‪ ،‬ولهــذا َعـ َّرف العلــاء االعتــدال بأنــه‬
‫ـب فقــد ا ْعتَ ـ َد َل‪،‬‬
‫َناسـ َ‬ ‫ـن يف كَ ـ ٍّم أو كَ ْيـ ٍ‬
‫ـف‪ ،‬وك ُُّل مــا ت َ‬ ‫«تَ َو ُّس ـ ُط حــا ٍل ب ـ َن حالَـ ْ ِ‬
‫وك ُُّل مــا أقَ ْمتَــ ُه فقــد َع َدلْتَــ ُه و َع َّدلْتَــ ُه»( )‪ .‬وقــال الــرازي يف بيــان مفهــوم‬
‫‪3‬‬

‫االقتصــاد(‪« :)4‬معنــى االقتصــاد يف اللغــة‪ :‬االعتــدال يف العمــل مــن غــر غلــو‬

‫‪ - 1‬الغزايل؛ إحياء علوم الدين‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.184‬‬


‫‪ - 2‬سورة الفاتحة؛ اآلية‪.6 :‬‬
‫‪ - 3‬الفريوز آبادي؛ القاموس املحيط‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.1030‬‬
‫‪ - 4‬االعتدال ليس مفهوما قرآنيا أو نبويا بهذا اللفظ‪ ،‬إال عىل من قال بأنه مشتق من العدل‪ ،‬أما االقتصاد والقصد فهام‬
‫مفهومان رشعيا وردا يف الحديث النبوي وتفاسري القرآن مبعنى االعتدال‪ ،‬يقول الله تعاىل‪ِ { :‬م ْن ُه ْم أُ َّم ٌة ُم ْقتَ ِص َدةٌ} [املائدة‪:‬‬
‫‪ .]66‬قال ابن عطية‪( :‬معناه‪ :‬معتدلة‪ ،‬والقصد واالقتصاد‪ :‬االعتدال والرفق والتوسط الحسن يف األقوال واألفعال)‪ .‬تفسري‬
‫ابن عطية‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ .217‬ومنه حديث‪َ « :‬والق َْص َد الق َْص َد ت َ ْبلُغُوا» أخرجه البخاري رقم‪ )6463( :‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصد‬
‫واملداومة عىل العمل‪ .‬ج ‪ 8‬ص ‪.98‬‬

‫‪124‬‬
‫وال تقصــر‪ ،‬وأصلــه القصــد‪ ،‬وذلــك ألن مــن عــرف مطلوبــه؛ فإنــه يكــون‬
‫قاصــدا لــه عــى الطريــق املســتقيم مــن غــر انح ـراف وال اضط ـراب‪ ،‬أمــا‬
‫مــن مل يعــرف موضــع مقصــوده؛ فإنــه يكــون متح ـرا‪ ،‬تــارة يذهــب ميينــا‪،‬‬
‫وأخــرى يســارا‪ ،‬فلهــذا الســبب جعــل االقتصــاد عبــارة عــن العمــل املــؤدي‬
‫إىل الغــرض»(‪ .)1‬واآليــات القرآنيــة واألحاديــث النبويــة الدالــة عــى األمــر‬
‫بانتهــاج هــذا املنهــج كثــرة(‪ ،)2‬ومنهــا اآليــات اآلمــرة بإقامــة الــوزن وامليـزان؛‬
‫ســط﴾(‪ .)3‬قــال القاســمي‪:‬‬ ‫مثــل قــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وأَ ِقي ُمــوا ْ ٱلــ َوز َن بِٱل ِق ِ‬
‫«أي‪ :‬االســتقامة يف الطريقــة‪ ،‬ومالزمــة حــ ّد الفضيلــة‪ ،‬ونقطــة االعتــدال يف‬
‫ـروا ْ ٱملِي ـ َزانَ﴾(‪ .)4‬قــال القاشــا ّين‪ :‬أي‬ ‫جميــع األمــور‪ ،‬وكل القــوى‪َ ﴿ .‬و َل ت ُخـ ِ ُ‬
‫بالتفريــط عــن حـ ّد الفضيلــة»(‪ .)5‬وال يعنــي االعتــدال مجــرد مالزمــة الوســط‬
‫بــن الطرفــن باملعنــى النــي للكلمــة؛ بــل املـراد الحــرص عــى قيــم التوســط‬
‫النبيلــة التــي تــؤدي للكــال‪ ،‬فاالعتــدال مــن أوصــاف الكــال‪ ،‬والزيــادة عــى‬
‫الكــال غلــو وتفريــط‪ ،‬وليــس الــرص إال شــدة البيــاض‪ ،‬ومــا زاد عــى حــده‬
‫خــرج عــن نطاقــه وانقلــب إىل ضــده‪ ،‬يقــول عبــد اللــه دراز‪« :‬فــإن االعتــدال‬
‫الــذي ميدحــه اإلســام‪ ،‬فيــا يتعلــق بدرجــة الجهــد‪ ،‬ال يتمثــل يف «الوســط‬
‫الحســايب»‪ ،‬وال يف «نقطــة الــذروة» وهــا القــوالن اللــذان يــردد بينهــا‬
‫الفكــر األرســطي‪ ،‬وإمنــا يتمثــل االعتــدال يف نبــل يقــرب بقــدر اإلمــكان مــن‬
‫الكــال‪ ،‬مقرونًــا بالــرور‪ ،‬وباألمــل‪ ،‬وهــو مــا يعــر عنــه رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم يف توجيهاتــه إىل الرفــق‪ ،‬ونحــو مــا هــو عــدل يف ذاتــه‪{ :‬إِ َّن‬
‫ـروا}‬ ‫ـر‪َ ،‬ولَـ ْن يُشَ ــا َّد ال ِّديـ َن أَ َحـ ٌد إِ َّل َغلَ َبـ ُه‪ ،‬ف ََسـ ِّد ُدوا َوقَا ِربُــوا‪َ ،‬وأَبْـ ِ ُ‬
‫ال ِّديـ َن يُـ ْ ٌ‬
‫(‪.)7(»)6‬‬

‫‪ - 1‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 12‬ص ‪.399‬‬


‫‪ - 2‬اآليات الدالة عىل منهج االعتدال؛ دراز‪ ،‬محمد بن عبد الله ‪ 1377‬ه‪ ،‬دستور األخالق يف القرآن‪( ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪1418 ،10‬ه ‪1998 -‬م)‪ ،‬ص ‪.698‬‬
‫‪ - 3‬سورة الرحمن؛ اآلية‪.9 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة الرحمن؛ اآلية‪.9 :‬‬
‫‪ - 5‬القاسمي؛ محمد جامل الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحالق القاسمي ‪ 1332‬ه‪ ،‬محاسن التأويل‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫باسل عيون السود‪( ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.101‬‬
‫‪ - 6‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )39( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب الدين يرس‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.16‬‬
‫‪ - 7‬دراز؛ دستور األخالق يف القرآن‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.674‬‬

‫‪125‬‬
‫ويف ضــوء مــا تقــدم مــن تفســر العلــاء لالعتــدال‪ ،‬ميكــن القــول إن االعتــدال‬
‫منهــج يــؤدي بصاحبــه إىل التوســط واالت ـزان يف جميــع األمــور دي ًنــا ودنيــا‬
‫وســلوكًا‪ .‬ومظاهــر االعتــدال كثــرة‪ ،‬منهــا االســتقامة والتيســر‪ ،‬والحكمــة‬
‫والرفــق‪ ،‬إال أن أهمهــا وألصقهــا بقيمــة االعتــدال؛ هــو منابــذة الغلــو‬
‫والتطــرف والتشــدد‪.‬‬
‫وهــذا يحثنــا عــى التطــرق لعالقــة التســامح باالعتــدال‪ ،‬وأثــر اعتــدال‬
‫األخــاق يف انتشــار ثقافــة التســامح وترســيخها يف النفــوس‪.‬‬
‫وال بــد أن ننطلــق يف بيــان هــذه العالقــة مــن حقيقــة تؤكــد أنــه ال يــكاد‬
‫ينفصــل الحديــث عــن الفضائــل األخالقيــة دون اإلشــارة إىل مؤثرهــا الحقيقي‪،‬‬
‫ومربطهــا األصــي‪ ،‬وهــو القــوى الثــاث‪ ،‬مبــا تحملــه مــن أبعــاد نفســية‪،‬‬
‫وتأثـرات خلقيــة‪ ،‬وأعــاق إنســانية‪ ،‬ألنهــا مــن خصائــص هــذا اإلنســان؛ فقــد‬
‫ركــب اللــه فيــه بعــض القــوى بهــا تُــد َرك ترصفاتــه ومــا يصــدر عنــه مــن‬
‫أخــاق‪.‬‬
‫وقــد اهتــم بهــذه القــوى فالســفة اليونــان قدميــا؛ وأقرهــا العلــاء املســلمون‬
‫واســتدلوا لهــا مــن النصــوص الرشعيــة‪ ،‬يقــول الراغــب‪« :‬إمنــا خــص اإلنســان‬
‫بالقــوى الثــاث ليســعى يف فضيلتهــا‪ ،‬فــإن فضيلــة القــوة الشــهوية تطالبــه‬
‫باملكاســب التــي تنميــه‪ ،‬وفضيلــة القــوة الغضبيــة تطالبــه باملجاهــدات التــي‬
‫تحميــه‪ ،‬وفضيلــة القــوة الفكريــة تطالبــه بالعلــوم التــي تهديــه‪ ،‬فحقــه‬
‫أن يتأمــل قوتــه‪ ،‬ويســر قــدر مــا يطيقــه‪ ،‬فيســعى بحســبه ملــا يفيــده‬
‫الســعادة»(‪ .)1‬والقــوة الغضبيــة التــي هــي أهــم هــذه القــوى املرتبطــة‬
‫بالتســامح قــد أشــار إليهــا القــرآن الكريــم‪ ،‬وســاها الحميــة؛ وقابلهــا‬
‫بالســكينة التــي هــي مــن خصائــص التســامح؛ قــال تعــاىل‪﴿ :‬إِذ َج َعـ َـل ٱل َِّذيـ َن‬
‫كَ َفـ ُروا ْ ِف قُلُو ِب ِهـ ُم ٱل َح ِم َّيـ َة َح ِم َّيـ َة ٱل َٰج ِهلِ َّيـ ِة فَأَنـ َز َل ٱللَّـ ُه َسـ ِكي َنتَ ُه َعـ َ ٰ‬
‫ـى َر ُســولِ ِه‬
‫َو َعـ َـى ٱمل ُؤ ِم ِن ـ َن﴾(‪ .)2‬ويف املفــردات‪« :‬وعــر عــن القــوة الغضبيــة إذا ثــارت‬

‫‪ - 1‬الراغب؛ الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪ ،‬ص ‪.269‬‬


‫‪ - 2‬سورة الفتح؛ اآلية‪.26 :‬‬

‫‪126‬‬
‫وكــرت بالحميــة‪ ،‬فقيــل حميــت عــى فــان أي غضبــت عليــه‪ ،‬قــال تعــاىل‪:‬‬
‫﴿ َح ِميَّــ َة ٱل َٰج ِهلِيَّــ ِة﴾(‪.)2(»)1‬‬
‫فالقــوة الغضبيــة جاهــزة لالنبعــاث والتوقــد‪ ،‬وال تكــون خامــدة معتدلــة إال‬
‫بالتهذيــب والرتبيــة عــى فضائــل التســامح‪ ،‬ولهــذا كانــت التعاليــم النبويــة‬
‫والتزكيــة املحمديــة تركــز عــى جانــب إخــاد هــذه القــوة الناريــة؛ ففــي‬
‫الحديــث عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه‪ ،‬أن رجــا قــال للنبــي صــى اللــه‬
‫ـب}‬ ‫ـب} فَ ـ َر َّد َد ِم ـ َرا ًرا‪ ،‬قَـ َ‬
‫ـال‪{ :‬الَ تَغْضَ ـ ْ‬ ‫عليــه وســلم‪ :‬أَ ْو ِص ِنــي‪ ،‬قَـ َ‬
‫ـال‪{ :‬الَ تَغْضَ ـ ْ‬
‫(‪ .)3‬يقــول ابــن حــزم‪« :‬قــول رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم للــذي‬
‫ـب} وأمــره عليــه الســام أن يحــب املــرء لغــره مــا يحــب‬ ‫اســتوصاه‪{ :‬الَ تَغْضَ ـ ْ‬
‫لنفســه‪ ،‬جامعــان لــكل فضيلــة‪ ،‬ألن يف نهيــه عــن الغضــب رد َع النفــس ذات‬
‫القــوة الغضبيــة عــن هواهــا»(‪.)4‬‬
‫ولخطــورة هــذه القــوة مبــا تلحــق مــن أرضار باآلخريــن؛ كان النبــي صــى الله‬
‫عليــه وســلم يلتجــئ إىل اللــه تعــاىل أن يجنبــه إياهــا‪ ،‬ويطهــره مــن بذرتهــا‪،‬‬
‫ـخي َم َة َص ـ ْدرِي}(‪.)5‬‬‫فــكان مــن دعائــه صــى اللــه عليــه وســلم‪َ { :‬و ْاس ـل ُْل َسـ ِ‬
‫وقــد ذهــب بعــض رشاح الحديــث إىل أن امل ـراد بالســخيمة الضغينــة التــي‬
‫تنشــأ مــن القــوة الغضبيــة‪ ،‬وأضيفــت إىل الصــدر ألنهــا منــه تبــدأ وتنطلق(‪.)6‬‬
‫وإذا كانــت القــوة الغضبيــة بهــذه األهميــة حيــث إن ضبطها وتعيريهــا مبعيار‬
‫االعتــدال يولــد فضيلــة التســامح واألخــاق الحميــدة؛ فــإن إعــال القــوة‬
‫الغضبيــة وإطالقهــا مــن قيودهــا ينشــأ عنــه أيضــا كل األخــاق املذمومــة‪،‬‬
‫وخاصــة املتعديــة لآلخــر‪ ،‬والتــي تــيء إليــه وتؤذيــه‪ ،‬واألخــاق التــي تتولــد‬

‫‪ - 1‬سورة الفتح؛ اآلية‪.26 :‬‬


‫‪ - 2‬الراغب األصفهاين؛ املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6116( :‬كتاب األدب‪ ،‬باب الحذر من الغضب‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 4‬ابن حزم؛ األخالق والسري‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 5‬الرتمذي‪ ،‬محمد بن عيىس بن َس ْورة بن موىس بن الضحاك‪ ،‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيىس ‪ 279‬ه‪ ،‬الجامع الكبري‪ -‬سنن الرتمذي‪،‬‬
‫كتاب الدعوات‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف‪( ،‬دار الغرب اإلسالمي – بريوت‪1998 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ 446‬رقم ‪.3551‬‬
‫‪ - 6‬الطيبي؛ رشف الدين الحسني بن عبد الله الطيبي (‪ 743‬ه‪ ،‬رشح الطيبي عىل مشكاة املصابيح املسمى بـ (الكاشف عن‬
‫حقائق السنن)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد هنداوي‪( ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز ‪ -‬مكة املكرمة – الرياض‪ ،‬ط‪1417 ،1 .‬ه ‪-‬‬
‫‪1997‬م)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.1926‬‬

‫‪127‬‬
‫مــن القــوة الغضبيــة كلهــا تــدور يف فلــك العنــف‪ ،‬وعــدم التســامح‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫بينــه اإلمــام الغـزايل وهــو يوضــح مــدارج معرفــة النفــس فيقــول‪« :‬أمــا القــوة‬
‫الغضبيــة فإنهــا شــعلة نــار اقتبســت مــن نــار اللــه املوقــدة التــي تطلــع‪ ،‬إال‬
‫أنهــا ال تطلــع إال عــى األفئــدة‪ ،‬وأنهــا املســتك َّنة يف ضمــن الفــؤاد اســتكنان‬
‫النــار تحــت الرمــاد‪ ،‬ويســتخرجها الكــر الدفــن مــن قلــب كل جبــار عنيــد‪،‬‬
‫كــا يســتخرج النــار مــن الحديــد‪ ،‬وقــد انكشــف ألويل األبصــار بنــور اليقــن‪،‬‬
‫أن اإلنســان ينــزع منــه عــرق إىل الشــيطان الرجيــم اللعــن‪ ،‬فمــن اســتفزته‬
‫نــار الغضــب فقــد قويــت فيــه قرابــة الشــيطان‪ ،‬حيــث قــال ﴿ َخلَقتَ ِنــي ِمــن‬
‫نَّــا ٖر َو َخلَقتَ ـ ُه ِمــن ِط ـنٖ﴾(‪ ،)1‬فــإن شــأن الطــن الســكون‪ ،‬والرقــاد‪ ،‬وقبــول‬
‫اآلثــار‪ ،‬وشــأن النــار التلظــي واالشــتعال‪ ،‬والحركــة واالضطــراب‪ ،‬والصعــود‬
‫وعــدم قبــول اآلثــار‪ ،‬ومــن نتائــج الغضــب الحقــد‪ ،‬والحســد‪ ،‬وكثــر مــن‬
‫أخــاق الســوء‪ ،‬ومنشــؤها مضغـ ٌة إذا صلحــت صلــح بهــا ســائر الجســد»(‪.)2‬‬
‫فالغضــب الــذي أَخــذ مــن صفــات النــار االشــتعال واإليــذاء؛ يتولــد مــن هــذه‬
‫القــوة‪ ،‬وينتــج بعــد ذلــك كل خلــق يسء منــاف للتســامح مــن الكــر‪ ،‬والحقد‪،‬‬
‫والحســد‪ ،‬ويقــر صاحبــه عــن كل فضيلــة حســنة منشــئة للســاحة مــن‬
‫الصــر‪ ،‬والحلــم‪ ،‬واالعتــدال‪ ،‬والكــرم‪ ،‬والنجــدة‪ ،‬واالحتــال‪ ،‬وشــهامة النفــس‪.‬‬
‫مبــا ســبق يف هــذا الفصــل املخصــص للتســامح مــع املخالــف مــن املســلمني؛‬
‫نكــون قــد وقفنــا عــى القيــم األســاس والحقــوق الواجبــة ملــن تربــط بينهــم‬
‫األخــوة اإلميانيــة إضافــة لألخــوة اإلنســانية‪ ،‬فصــار يف حقــه ميثــاق التســامح‬
‫ميثاقــن‪ ،‬توثقــه رابطتــن‪ ،‬وذلــك منــا إعــال لقاعــدة حفــظ املراتــب والبــدء‬
‫بــاألوىل فــاألوىل‪ ،‬فــا ميكــن البحــث عــن التســامح مــع الغربــاء واألبعديــن‪،‬‬
‫والباحــث عنــه مضيــع الحقــوق التســامحية ألرستــه وجريانــه وأقربائــه‪،‬‬
‫واملشــركني معــه يف مرجعيــة دينيــة موحــدة‪ ،‬فهــو كمــن يجــول بنظــره يف‬
‫آفــاق شاســعة باحثــا عــن ضالتــه وهــي عنــد رجليــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.12 :‬‬


‫‪ - 2‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الغزايل الطويس ‪ 505‬ه‪ ،‬معارج القدس يف مدارج معرفه النفس‪( ،‬دار اآلفاق‬
‫الجديدة – بريوت‪ ،‬ط‪1975 ،2 .‬م)‪ ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪128‬‬
‫إذن؛ فالبنــاء ال يكــون إال عــى أســس صلبــة قويــة‪ ،‬وذاك حــال التســامح‬
‫الداخــي داخــل الدائــرة الدينيــة‪ ،‬فهــو يعــد أرضيــة لتشــييد التســامح‬
‫الخارجــي مــع اآلخــر املخالــف يف الديــن‪ ،‬وهــذا مــا خصصنــا لــه البــاب الثاين‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫البــاب الثــاين‪ :‬أصــول التســامح مــع غــر املســلمني يف‬
‫الرشيعــة اإلســامية؛ وفيــه ثالثــة فصــول‪:‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬أصــول العالقــة مــع غــر املســلمني ووســائل‬
‫تحقيقها ‪.‬‬
‫الفصــل الثــاين‪ :‬شــواهد تاريخيــة عــى تســامح املســلمني‬
‫مــع غريهــم‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ضوابط التسامح ووسائل استدامته‪.‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬أصــول العالقــة مــع غري املســلمني ووســائل‬
‫تحقيقهــا‪ ،‬وفيــه مبحثان‪:‬‬
‫املبحــث األول‪ :‬األصــول الحاكمــة للعالقــة مــع غــر‬
‫املســلمني‪.‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬وســائل تحقيــق التســامح بــن املســلمني‬
‫وغريهــم‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أصول العالقة مع غري املسلمني ووسائل تحقيقها‬
‫ـت العالقــات مــع‬ ‫حتــى ال يفهــم مــا ســلف أن الرشيعــة اإلســامية حــن أَ ْولَـ ْ‬
‫املســلمني أهميــة قصــوى ‪-‬كــا ب ّينــا‪-‬؛ قــد فرطــت يف العالقــات بينهــم وبــن‬
‫غــر املســلمني؛ كان حريــا بنــا أن نعقــد بابــا خاصــا يف بيــان كيــف نَظَّــم‬
‫اإلســام العالقــات بــن املســلمني وغريهــم‪.‬‬
‫إن اإلســام يف نظرتــه إىل العالقــات بــن النــاس مــن مختلِــف الثقافــات‬
‫والديانــات؛ يذهــب إىل أن هــذه العالقــات عامــة ال غنــى عنهــا بــن األفـراد‬
‫واملجتمعــات‪ ،‬وهــذا ســبب دعوتــه للتعــارف بــن البرشيــة قاطبــة‪ ،‬وتأكيــده‬
‫عــى أن أصــل البرشيــة واحــد؛ ألن العالقــة بــن النــاس كافــة يف اإلســام‬
‫وليــدة التعــاون والتناســق والتكامــل‪ ،‬ال التباغــض وإذكاء العــداوات‪.‬‬
‫إن اإلخــاء بــن اإلنســانية وتحقيــق املحبــة بينهــا‪ ،‬يعــد ركيــزة هامــة‪ ،‬ومظهـ ًرا‬
‫أساســا للتســامح يف أي بيئــة برشيــة‪ ،‬فالتســامح يهــدف إىل القضــاء عــى‬ ‫ً‬
‫العــداوة‪ ،‬وإخــاد جمــرة الكراهيــة‪ ،‬وقطــع أنفــاس الفتنــة‪ ،‬ويدعــو إىل‬
‫ترســيخ املــودة واملحبــة‪ ،‬وذلــك ال يتحقــق إال بالنظــر إىل البرشيــة عــى أنهــم‬
‫أخــوة مرتابطــة‪ ،‬وأرسة واحــدة‪ ،‬ولقــد ســيج اإلســام العالقــة بــن اإلنســانية‬
‫وأحاطهــا بأســس وأصــول ثابتــة‪.‬‬
‫ومــن األســس التــي تنطلــق منهــا هــذه العالقــة‪ ،‬وتُبنــى عليهــا‪ ،‬وتقــف‬
‫راســخة يف أرجائهــا؛ العالقــة الســلمية اإليجابيــة بــن جميــع األفــراد‬
‫واملجتمعــات والــدول‪ ،‬فقــد ركــز اإلســام عــى مبــدأ الســلم وأقــره‪ ،‬قــال اللــه‬
‫ـلم فَٱج َنــح لَ َهــا﴾(‪ .)1‬وقــال ســبحانه‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َِّذيـ َن‬ ‫تعــاىل‪َ ﴿ :‬وإِن َج َن ُحــوا ْ لِ َّ‬
‫لسـ ِ‬
‫ـلم كَآفَّـ ٗة﴾( )‪ .‬وقــال عــز وجــل‪﴿ :‬فَـ ِإنِ ٱعتَ َزلُوكُــم فَلَــم‬
‫‪2‬‬
‫َءا َم ُنــوا ْ ٱد ُخلُــوا ْ ِف ِّ‬
‫ٱلسـ ِ‬
‫يُ َٰق ِتلُوكُــم َوأَل َقــوا ْ إِلَي ُك ـ ُم َّ‬
‫ٱلس ـلَ َم فَـ َـا َج َعـ َـل ٱللَّ ـ ُه لَ ُكــم َعلَي ِهــم َس ـب ِٗيل﴾( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنفال؛ اآلية‪.61 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة البقرة؛ اآلية‪.208 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء؛ اآلية‪.90 :‬‬

‫‪132‬‬
‫فالســلم يؤســس للتنميــة املســتدامة‪ ،‬واالســتقرار الواعــي‪ ،‬وليــس فقــط عامـ ًـا‬
‫للتعايــش‪ ،‬يقــول الدكتــور عبــاس الج ـراري‪« :‬ملــاذا يدعــو اإلســام للســلم؟‬
‫ألســباب كثــرة منهــا‪ :‬أنــه يقــوم عــى التعــارف والتعــاون‪ ،‬ســواء بــن األفــراد‬
‫أو الجامعــات‪ .‬وهـــذا ال ميكــن أن يتحقـــق يف جــو التنافــر والحــرب والخـراب‬
‫والدمــار‪ ،‬وإمنــا يتحقــق يف جو الســـلم الذي يتيــح التعايش والـــتفاهم وتبادل‬
‫املصالــح واملنافــع‪ …،‬يدعــو إىل الحــوار الــذي يســعى إىل تبــادل وجهــات‬
‫النظـــر وإبـــداء الــرأي واإلقنــاع بــه يف حــل جميــع املشــكالت‪ …،‬يحــث عــى‬
‫تجنــب الخصومــات والنزاعــات ألنهـــا ال تفـــي إال إىل الخـران…»(‪.)1‬‬
‫إن ســلامً بهــذه األهميــة واملكانــة الحضاريــة والثقافيــة؛ لَحقيــق بــه أن يــؤدي‬
‫بالعالقــات بــن البــر متعــددي االنتــاءات إىل مــآالت حميــدة‪ ،‬وغايــات‬
‫حســنة مفيــدة‪ .‬ويف هــذا الفصــل ســنقف مــع تلــك األصــول املنظمــة للعالقــة‬
‫بــن املســلمني وغريهــم‪ ،‬والكفيلــة بإقامــة عالقــة الســلم والتســامح بينهــم‪.‬‬
‫وذلــك يف مبحثــن‪:‬‬

‫‪ - 1‬الجراري؛ عباس ‪ -‬معادلة السلم والحرب يف اإلسالم‪( ،‬مجلة اإلسالم اليوم‪ ،‬عدد‪1428 ،24‬ه‪-2007‬م‪ ،‬اإليسيسكو)‪ ،‬ص ‪.6‬‬

‫‪133‬‬
‫املبحث األول‪ :‬األصول الحاكمة للعالقة مع غري املسلمني‬
‫املطلب األول‪ :‬أصل االعرتاف بغري املسلمني‬
‫إن االعــراف بغــر املســلمني نابــع مــن أصــل االعــراف باإلخــاء اإلنســاين‬
‫الكفيــل بالنــأي باإلنســانية عــن التعصــب والكراهيــة وإقصــاء اآلخريــن‪،‬‬
‫والــذي مــن شــأنه أن يوثــق عالقــة البــر عــى عــرى محكمــة مــن االحـرام‬
‫واملــودة وأخــاق التســاكن‪ ،‬فثبــوت اإلخــاء اإلنســاين يف مجتمــع مــا؛ يعنــي‬
‫تجــي املحبــة بــن أفــراده‪ ،‬وانطبــاع املــودة فيهــم‪ ،‬فالتجانــس اإلنســاين‬
‫يقتــي التــواد والتآنــس‪ ،‬كــا قيــل‪:‬‬
‫األديب»(‪)1‬‬
‫ِ‬ ‫األديب إىل‬
‫ِ‬ ‫ّذات ّإل مجالس ُة‬ ‫بقيت من الل ِ‬ ‫«وما ْ‬
‫إن بنــاء الصلــة اآلدميــة واألخــوة اإلنســانية مظهــر أصيــل مــن مظاهــر‬
‫التســامح‪ ،‬وقــد أكــد عليــه القــرآن الكريــم‪ ،‬وأقرتــه الســنة النبويــة املطهــرة‪،‬‬
‫وأمــاه العقــل الصحيــح‪ ،‬فالقــرآن الكريــم يســلك بنــا مســلكًا مبد ًعــا يف تقرير‬
‫هاتــه القضيــة‪ ،‬ويبــن يف أكــر مــن موطــن أن النــاس جمي ًعــا يف غايــة أمرهــم‬
‫عــى اختــاف أعراقهــم وأجناســهم وأديانهــم‪ ،‬خالقهــم وربهــم واحــد‪ ،‬وأبوهم‬
‫ـاس ٱت َّ ُقــوا ْ َربَّ ُك ـ ُم ٱلَّـ ِـذي َخلَ َق ُكــم ِّمــن‬‫واحــد؛ يقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫ـس َٰو ِحـ َد ٖة َو َخلَـ َـق ِمن َهــا زَو َج َهــا َوبَــثَّ ِمن ُهـ َـا ِر َجـ ٗ‬
‫ـال كَ ِث ـ ٗرا َونِ َسـآ ٗء َوٱتَّ ُقــوا ْ‬ ‫نَّفـ ٖ‬
‫ٱللَّـ َه ٱلَّـ ِـذي ت ََسـآ َءلُو َن ِبـ ِه َوٱألَر َحــا َم إِ َّن ٱللَّـ َه كَا َن َعلَي ُكــم َر ِقيبٗــا﴾( )‪ .‬فاإلشــارة‬
‫‪2‬‬

‫يف اآليــة إىل اعتبــار وحــدة أصــل اإلنســان يلــزم منــه االع ـراف باآلخــر مــا‬
‫ينتــج عنــه التســامح والتعايــش‪ ،‬يقــول الراغــب‪« :‬إن قيــل‪ :‬مــا فائــدة قولــه‪:‬‬
‫احـ َد ٍة﴾(‪)3‬؟‪ ،‬قيــل‪ :‬تنبي ًهــا عــى وجوب مواصلــة بعضنا‬ ‫ـس َو ِ‬‫﴿ َخلَ َق ُكـ ْم ِمـ ْن نَ ْفـ ٍ‬
‫بعضً ــا‪ ،‬لكوننــا مــن ذات واحــدة‪ ،‬وأنَّــا كبنيــان يشـ ُّد بعضــه بعضً ــا»( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ - 1‬الوشاء‪ ،‬محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى‪ ،‬أبو الطيب‪ 325 ،‬ه‪ ،‬املوىش‪-‬الظرف والظرفاء‪( ،‬تحقيق‪ :‬كامل مصطفى‪،‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬مرص‪ -‬مطبعة االعتامد‪ ،‬ط‪1371 ،2 .‬هـ ‪1953 -‬م)‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪ - 4‬الراغب؛ التفسري‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.1078‬‬

‫‪134‬‬
‫وقد قلت من بحر الكامل‪:‬‬
‫إن التسامــح زيـنــة وخليـقــ ٌة شامء من شيم النفوس املاجدة‬
‫كل م َن آدم و ْهو نفس واحـدة‬ ‫فالله عز وجل قد خلق الــورى ًّ‬
‫ليشيع بينهـــــ ُم التآلف والوفـا وتصيــ َر روح ال ِّرب فيهم سائـدة‬
‫ـاس] حقيقــة عامــة نفســية‪ ،‬تجمــع بنــي‬ ‫«إن هــذا النــداء القــرآين [يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫اإلنســان مهــا اختلفــت أجناســهم وألوانهــم وألســنتهم‪ ،‬فهــو يثبــت أن‬
‫األصــل هــو «نفــس واحــدة» كلهــم يرجعــون إليهــا‪ ،‬ويتصلــون بهــا»(‪.)1‬‬
‫وعليــه‪ :‬فالقــرآن الكريــم يوضــح أن األخــوة اإلنســانية العامــة تدفــع اإلنســان‬
‫إىل عــدم التعــايل عــى أخيــه اإلنســان‪ ،‬مــا يحقــق التســامح والتعايــش‬
‫اإلنســاين القائــم عــى الفضائــل والقيــم؛ يقــول ال ـرازي يف تفســره‪« :‬وكــون‬
‫الخلــق بأرسهــم مخلوقــن مــن نفــس واحــدة لــه أثــر يف هــذا املعنــى‪... ،‬‬
‫فالفائــدة يف ذكــر هــذا املعنــى أن يصــر ذلــك ســببا لزيــادة شــفقة الخلــق‬
‫بعضهــم عــى بعــض‪ ....‬إذا عرفــوا كــون الــكل مــن شــخص واحــد تركــوا‬
‫املفاخــرة والتكــر‪ ،‬وأظهــروا التواضــع وحســن الخلــق»(‪.)2‬‬
‫وهــذه الصلــة اإلنســانية العامــة قــد أكــدت عليهــا أيضــا الســنة النبويــة‬
‫وأعلــت شــأنها؛ كــا ســبق يف خطبــة حديــث حجــة الــوداع‪.‬‬
‫وورد أيضــا يف الدعــاء النبــوي شــهادته صــى اللــه عليــه وســلم بــأن عبــاد‬
‫اللــه كلهــم إخــوة؛ فــكان صــى اللــه عليــه وســلم يقــول يف دبــر صالتــه‪:‬‬
‫شيـ َـك‬ ‫ـت ال ـ َّر ُّب َو ْح ـ َد َك َل َ ِ‬ ‫ش ٍء‪ ،‬أَنَــا شَ ـهِي ٌد أَنَّـ َـك أَنْـ َ‬ ‫{اللَّ ُه ـ َّم َربَّ َنــا َو َر َّب ك ُِّل َ ْ‬
‫ش ٍء أَنَــا شَ ـهِي ٌد أَ َّن ُم َح َّمـ ًدا َعبْـ ُد َك َو َر ُســول َُك‪ ،‬اللَّ ُهـ َّم‬ ‫لَـ َـك‪ ،‬اللَّ ُهـ َّم َربَّ َنــا َو َر َّب ك ُِّل َ ْ‬
‫ش ٍء‪ ،‬أَنَــا شَ ـهِي ٌد أ َّن الْ ِع َبــا َد كُلَّ ُهـ ْم إِ ْخـ َوةٌ}( )‪ .‬فلفــظ العبــاد يف‬
‫‪3‬‬ ‫َ‬ ‫َربَّ َنــا َو َر َّب ك ُِّل َ ْ‬

‫‪ - 1‬أبو زهرة؛ التفسري‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.1574 ،1573‬‬


‫‪ - 2‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪.477‬‬
‫‪ - 3‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ )19293( :‬ج ‪ 32‬ص ‪ .48‬وأبو داود‪ ،‬سليامن بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد بن عمرو‬
‫السج ِْستاين ‪ 275‬ه‪ ،‬سنن أيب داود‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد ‪ -‬املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا – بريوت)‪،‬‬ ‫األزدي ِّ‬
‫ُول ال َّر ُج ُل إِذَا َسلَّ َم ‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪.81‬‬
‫اب َما يَق ُ‬
‫رقم‪ 1508 :‬كتاب الصالة‪ -‬بَ ُ‬

‫‪135‬‬
‫الحديــث يعــم جميــع النــاس مــن ولــد آدم‪ ،‬لكنــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫أكــده بكلهــم(‪ )1‬إمعانــا يف التعميــم‪.‬‬
‫وإن االعـراف بحمولتــه اللغويــة يقتــي االلتـزام لآلخــر مبــا تعرفــه عنــه مــن‬
‫حــق وصــدق‪ ،‬وهــذا مــا يفــره بــه اللغويــون‪ ،‬يقــول أبــو هــال العســكري‪:‬‬
‫«االعــراف مثــل اإلقــرار‪ ،‬إال أنــه يقتــي تعريــف صاحبــه الغــر أنــه قــد‬
‫التزمــت مــا اعــرف بــه‪ ،‬وأصلــه مــن املعرفــة‪ ...‬إمنــا االع ـراف هــو اإلق ـرار‬
‫الــذي صحبتــه املعرفــة مبــا أقــر بــه مــع االلت ـزام لــه»(‪ .)2‬فاالع ـراف إذن‪:‬‬
‫الت ـزام ناشــئ عــن العلــم واملعرفــة‪.‬‬
‫إن هــذا األصــل الــذي هــو االعـراف ينبثــق ـــــــ فيام يخــص التســامح ـــــــ‬
‫مــن وجــوب اإلميــان واإلق ـرار باألديــان الســابقة‪ ،‬وبجميــع الرســل واألنبيــاء‬
‫الذيــن بعثهــم اللــه تعــاىل رســا مبرشيــن ومنذريــن‪ ،‬وقــد أمــر اللــه تعــاىل‬
‫بذلــك فقــال يف كتابــه‪﴿ :‬قُولُ ـ ٓوا ْ َءا َم َّنــا بِٱللَّ ـ ِه َو َم ـآ أُن ـز َِل إِلَي َنــا َو َم ـآ أُن ـز َِل إِ َ ٰلٓ‬
‫ــوس َو ِع َ ٰ‬
‫يــى‬ ‫وت ُم َ ٰ‬ ‫ُــوب َوٱألَســ َب ِاط َو َمــآ أُ ِ َ‬ ‫إِب َٰر ِه‍ــ َم َوإِســ َٰم ِع َيل َوإِســ َٰح َق َويَعق َ‬
‫وت ٱل َّن ِب ُّيــو َن ِمــن َّربِّ ِهــم َل نُ َفـ ِّر ُق بَـ َن أَ َحـ ٖـد ِّمن ُهــم َونَحـ ُن لَـ ُه ُمسـلِ ُمونَ﴾‬ ‫َو َمـآ أُ ِ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫أساســا مــن أســس‬ ‫ـض عليــه القــرآن‪ ،‬واعتــره ً‬ ‫إن منهــج التعــارف الــذي حـ َّ‬
‫التســامح ال يســتقيم وال يقــوم لــه أو ٌد إال بعــد االعـراف‪ ،‬فالتعــارف يســبقه‬
‫االعــراف واملعرفــة‪ ،‬ويف تقريــر ذلــك يقــول الدكتــور رضــوان الســيد‪ :‬إن‬
‫التعــارف‪« :‬صيغــة مفاعلــة أو تفاعــل‪ ،‬يعنــي التعايــش مــن طريــق االعـراف‬
‫املتبــادل بــن األف ـراد والجامعــات‪ ،‬مــن أجــل إقامــة املجتمعــات الصغــرة‬
‫والكبــرة‪ .‬وال شــك أن االنتســاب إىل األب أو الجــد الواحــد عامــل مهــم يف‬
‫إحــداث تضامــن وتــواد»(‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬الزرقاين‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاين املاليك ‪ 1122‬ه‪،‬‬
‫رشح الزرقاين عىل املواهب اللدنية باملنح املحمدية‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1417 ،1 .‬ه‪-1996‬م)‪ ،‬ج ‪ 10‬ص ‪.468‬‬
‫‪ - 2‬العسكري؛ الفروق‪ :‬ص ‪48‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.136 :‬‬
‫‪ - 4‬السيد؛ رضوان‪ -‬مجلة التسامح‪ ،‬السنة السادسة‪ ،‬العدد‪ ،22 :‬ص ‪.34‬‬

‫‪136‬‬
‫فاعـراف األفـراد بعضهــم ببعــض مــع اختــاف أديانهــم وثقافتهــم‪ ،‬وتوافقهــم‬
‫عــى العيــش املشــرك بينهــم‪ ،‬تحقيــق للتعــارف املـراد مــن البرشيــة يف آيــة‬
‫ــاس إِنَّــا َخلَق َٰنكُــم ِّمــن َذكَــ ٖر َوأُنث ٰ‬
‫َــى‬ ‫الحجــرات يف قولــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّن ُ‬
‫َو َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَ َبآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُـ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َم ُكــم ِعن ـ َد ٱللَّـ ِه أَت َق ٰى ُكــم إِ َّن ٱللَّـ َه‬
‫َعلِي ـ ٌم َخ ِب ـ ‪ٞ‬ر﴾(‪.)1‬‬
‫وبالنظــر ألهميــة هــذا األصــل وهــو االعـراف باآلخــر؛ جعلــه بعــض الباحثــن‬
‫محــو ًرا يف مفهــوم التســامح؛ فجعلــوا التســامح مــن «االعـراف باآلخــر‪ ،‬وحقــه‬
‫يف التعبــر عــن رأيــه وعقيدتــه‪ ،‬والتعصــب هــو رفــض اآلخــر وســلبه حــق‬
‫االعتقــاد وحــق التعبــر عــن رأيــه»(‪.)2‬‬
‫ويف حقيقــة األمــر‪ ،‬فــإن اإلميــان بالتعدديــة واالع ـراف باملخالــف يف الديــن‬
‫خطــوة ‪-‬يف أهميتهــا‪ -‬متقدمــة عــى التســامح؛ ألنــه دون تحقيقهــا ال ميكــن‬
‫إقامــة التســامح‪ ،‬فاالع ـراف باآلخــر‪ ،‬نتــاج اجتامعــي إيجــايب وتفاعــي مــع‬
‫قيــا‬
‫اآلخــر‪ ،‬كــا أن االعــراف باآلخــر املبنــي عــى التعدديــة‪ ،‬يســتدعي ً‬
‫رئيســة مثــل‪ :‬الحــوار والتفاهــم والتواصــل والتعــاون والتالقــي‪ ،‬يف حــن أن‬
‫التســامح قــد يكــون يف الغالــب مــن بــاب الــروك(‪.)3‬‬
‫ومــن ســات هــذا األصــل الــذي هــو االع ـراف باآلخــر‪ ،‬أنــه يســتلزم جه ـ ًدا‬
‫ـذول مــن أجــل فهــم اآلخــر‪ ،‬يف حــن أن التســامح أقــل مــن ذلــك‪،‬‬ ‫ونشــاطًا مبـ ً‬
‫لــذا قلنــا إن االعــراف باآلخريــن أصــل متقــدم عــى التســامح‪ ،‬بتحقيقــه‬
‫يتحقــق التســامح يف املجتمــع تلقائ ًّيــا‪.‬‬
‫ومــن هنــا كان االعـراف هــو املدخــل األســاس للتســامح مــع غــر املســلمني‪،‬‬
‫ألن عــدم االعــراف يعنــي اإلنــكار قــال ابــن فــارس‪« :‬واإلنــكار‪ :‬خــاف‬
‫االعــراف»(‪ .)4‬واإلنــكار ينشــأ عنــه عــدم قبــول الحقائــق وجهــل بواقــع‬

‫‪ - 1‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬


‫‪ - 2‬الغرباوي؛ ماجد ‪ -‬التسامح ومنابع الالتسامح – فرص التعايش بني األديان والثقافات‪( ،‬الحضارية للطباعة والنرش –‬
‫العراق‪ -‬بغداد‪ ،‬ط‪1429 ،1 .‬ه‪-2008‬م)‪ ،‬ص ‪.356‬‬
‫‪ - 3‬فإن املتسامح يرتك املؤاخذة والعتاب‪ ،‬واللوم والعقاب‪ ،‬واملطالبة بحقه‪ ...‬بخالف املعرتف فإنه يعرب عن اعرتافه بلسانه‪،‬‬
‫كام يعرب عنه مبواقف فعلية تثبته‪ ،‬كإعطائه حقوقه‪ ...‬الخ‬
‫‪ - 4‬ابن فارس؛ معجم مقاييس اللغة العربية‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.476‬‬

‫‪137‬‬
‫األمــور‪ ،‬ويف ذلــك إلغــاء لآلخــر وحقيقــة واقعــه‪ ،‬والقــرآن الكريم يرســخ منهج‬
‫االع ـراف باآلخــر يف توجيهاتــه للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ومــن ذلــك‬
‫قولــه تعــاىل‪﴿ :‬لَ ُكــم ِدي ُن ُكــم َو ِ َل ِديــنِ ﴾(‪ .)1‬وقولــه ســبحانه أيضــا‪﴿ :‬قُــل ك ّ‪ُٞ‬ل‬
‫ـى شَ ــاكِلَ ِت ِه فَ َربُّ ُكــم أَعلَـ ُم بِ َــن ُهـ َو أَهـ َد ٰى َسـب ِٗيل﴾(‪ .)2‬ويف االعـراف‬ ‫يَع َمـ ُـل َعـ َ ٰ‬
‫باآلخــر وتحمــل كل مســؤوليته يقــول القــرآن الكريــم أيضــا‪﴿ :‬قُــل َّل تُسـ‍َٔلُو َن‬
‫ـح بَي َن َنــا‬‫َعـ َّـآ أَج َرم َنــا َو َل نُسـ‍ َُٔل َعـ َّـا ت َع َملُــو َن قُــل يَج َمـ ُع بَي َن َنــا َربُّ َنــا ث ُـ َّم يَفتَـ ُ‬
‫ـاح ٱل َعلِيـ ُم﴾(‪ .)3‬يقــول القرطبــي يف تفســر هــذه اآلية‪« :‬أي‬ ‫بِٱل َحـ ِّـق َو ُهـ َو ٱل َفتَّـ ُ‬
‫إمنــا أقصــد مبــا أدعوكــم إليــه الخــر لكــم‪ ،‬ال أنــه ينالنــي رضر كفركــم‪ ،‬وهــذا‬
‫كــا قــال‪﴿ :‬لَ ُكــم ِدي ُن ُكــم َو ِ َل ِديــنِ ﴾‪ ،‬واللــه مجــازي الجميــع‪ .‬فهــذه آيــة‬
‫مهادنــة ومتاركــة»(‪ .)4‬ألنهــا دلــت عــى أن كل واحــد مــن بنــي البــر يعمــل‬
‫عــى املذهــب الــذي يعتقــده‪ ،‬واالختيــار الــذي يرضــاه‪ ،‬وجـزاء الجميــع عنــد‬
‫اللــه تعــاىل‪.‬‬
‫ويقــول الــرازي يف تفســر ســورة الكافــرون‪« :‬أول الســورة اشــتمل عــى‬
‫التشــديد‪ ،‬وهــو النــداء بالكفــر والتكريــر‪ ،‬وآخرهــا عــى اللطــف والتســاهل‪،‬‬
‫وهــو قولــه‪﴿ :‬لَ ُكــم ِدي ُن ُكــم َو ِ َل ِديــنِ ﴾ فكيــف وجــه الجمــع بــن األمريــن؟‬
‫الجــواب‪ :‬كأنــه يقــول‪ :‬إين قــد بالغــت يف تحذيركــم عــى هــذا األمــر القبيــح‪،‬‬
‫ومــا قــرت فيــه‪ ،‬فــإن مل تقبلــوا قــويل‪ ،‬فاتركــوين ســواء بســواء»(‪.)5‬‬
‫ويوضــح أبــو زهــرة هــذا االختيــار املكفــول للجميــع يف تفســر اآليــة املتقدمة‬
‫ـى شَ ــاكِلَ ِت ِه﴾‪ ،‬قائــا‪« :‬أي كل يعمــل عــى ناحيتــه التــي‬ ‫﴿قُــل ك ّ‪ُٞ‬ل يَع َمـ ُـل َعـ َ ٰ‬
‫اختارهــا‪ ،‬واملذهــب الــذي اعتنقــه‪ ،‬وهــذا كقولــه تعــاىل‪﴿ :‬قُــل يَٰٓأَيُّ َهــا‬
‫ٱل َٰك ِفـ ُرونَ…﴾(‪ .)6‬لقــد حاولــوا أن يفتنــوا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــن‬

‫‪ - 1‬سورة الكافرون؛ اآلية‪.6 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة اإلرساء؛ اآلية‪.84 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة سبأ؛ اآلية‪.26 :‬‬
‫‪ - 4‬القرطبي؛ الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 14‬ص ‪.299‬‬
‫‪ - 5‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 32‬ص ‪.332‬‬
‫‪ - 6‬سورة الكافرون؛ اآلية‪.1 :‬‬

‫‪138‬‬
‫دينــه‪ ،‬فــكأن هــذه اآليــة رد عليهــم؛ ومعناهــا‪ :‬قــد اخرتتــم مــا اخرتمتــوه‬
‫فاتركــوا النــاس أح ـرا ًرا يف اختيارهــم‪ ،‬وال تفتنوهــم عــن دينهــم‪ .‬والحكــم يف‬
‫هــذه الشــواكل عنــد اللَّــه تعــاىل»(‪.)1‬‬
‫ووجــه الداللــة مــن هــذه النصــوص القرآنيــة أن القــرآن الكريــم مل يلــغ‬
‫األديــان األخــرى‪ ،‬ومل يصــادر حقوقهــا‪ ،‬بــل اعــرف بهــا‪ ،‬وتــرك حريــة االختيــار‬
‫ألصحابهــا‪ .‬واالعــراف مــن خصائصــه الصفــاء والوضــوح؛ ولهــذا يقــال يف‬
‫األمثــال‪« :‬اال ْعـ ِـر ُاف يُزِيـ ُـل االقْـ ِـر َاف»(‪ .)2‬واالعـراف ال يقتــي اإلقـرار بصحــة‬
‫األديــان األخــرى‪ ،‬أو اإلذن لهــا والحكــم عليهــا‪ ،‬فهــذا موضــوع آخــر‪ ،‬وإمنــا‬
‫يقتــي اإلقــرا َر بالوجــود‪ ،‬وهــذه القضيــة مثــار إشــكال بــن املفرسيــن‪،‬‬
‫تعــددت فيهــا آراؤهــم وتنوعــت؛ يقــول الـرازي يف تفســر «ســورة الكافرون»‪:‬‬
‫«قــال ابــن عبــاس‪ :‬لكــم كفركــم باللــه ويل التوحيــد واإلخــاص لــه‪ ،‬فــإن قيــل‪:‬‬
‫فهــل يقــال‪ :‬إنــه أذن لهــم يف الكفــر‪ .‬قلنــا‪ :‬كال‪ ،‬فإنــه عليــه الســام مــا بعــث‬
‫إال للمنــع مــن الكفــر‪ ،‬فكيــف يــأذن فيــه؟ ولكــن املقصــود منــه أحــد أمــور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن املقصود منه التهديد‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬ٱع َملُوا ْ َما ِشئتُم﴾(‪.)3‬‬
‫وثانيهــا‪ :‬كأنــه يقــول‪ :‬إين نبــي مبعــوث إليكــم ألدع َوكــم إىل الحــق والنجــاة‪،‬‬
‫فــإذا مل تقبلــوا منــي ومل تتبعــوين فاتركــوين وال ت ْدعــوين إىل الــرك‪.‬‬
‫وثالثهــا‪ :‬لكــم دينكــم فكونــوا عليــه إن كان الهــاك خـرا لكــم‪ ،‬ويل ديــن ألين‬
‫ال أرفضــه»(‪.)4‬‬
‫ونظ ـ ًرا ألهميــة هــذا األصــل فقــد ع َّرفــت األمــم املتحــدة يف أحــد قراراتهــا‬
‫التســامح باالعــراف باآلخــر‪ ،‬فــورد يف أحــد قراراتهــا التــي اســتهلت بهــا‬
‫التقريــر الصــادر يف الســنة الدوليــة للتســامح أن‪« :‬التســامح االعــراف‬
‫باآلخريــن وتقديرهــم‪ ،‬والقــدرة عــى العيــش مــع اآلخريــن واالســتامع إىل‬
‫اآلخريــن»(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.4445 ،4444‬‬


‫‪ - 2‬الزبيدي؛ تاج العروس‪ :‬ج ‪ 24‬ص ‪.254‬‬
‫‪ - 3‬سورة فصلت‪ :‬اآلية‪.40 :‬‬
‫‪ - 4‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 32‬ص ‪.332‬‬
‫‪ - 5‬قرار الجمعية العامة باعتبار سنة ‪ 1995‬السنة الدولية للتسامح‪ ،‬الذي صدر يف ‪1993/12/20‬م‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫وألن االعـراف باآلخــر ينبنــي عــى أســس راســخة وأصــول ثابتــة‪ ،‬مــن أ َجلهــا‬
‫اإلنصــاف والعــدل بــن الجميــع؛ فقــد خصــص املطلــب اآليت للحديــث عــن‬
‫اإلنصــاف والقســط‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أصل اإلنصاف والقسط‬


‫تقــدم الحديــث عــن االعـراف‪ ،‬وأنــه ال ميكــن أن يتحقــق إال مــع أصــل آخــر‬
‫وهــو اإلنصــاف‪ ،‬واإلنصــاف والعــدل مــن األصــول التــي تشــيد عليهــا قيــم‬
‫التســامح‪ ،‬ولهــذا فقــد دعــا اإلســام إىل اإلنصــاف والعــدل مــع الجميــع‬
‫مســلمني وغــر مســلمني‪ ،‬ورفــض أضدادهــا مــن الظلــم والبغــي والعــدوان‪،‬‬
‫وأكــد عــى ذلــك يف القــرآن والســنة النبويــة‪.‬‬
‫والعــدل أحــد األســس التــي ال تقبــل التغــر‪ ،‬وتتميــز بالثبــوت والــدوام‪ ،‬كــا‬
‫نبــه عــى ذلــك القــرآن الكريــم‪ ،‬ومــن مثــل هــذه األســس تســتفاد إحــدى‬
‫خصائــص القيــم اإلنســانية وهــي أنهــا‪ :‬ال تتغــر وال تتبــدل مــع تغــر األزمــان‬
‫واألحــوال‪ ،‬وال تقبــل النســخ‪ ،‬بــل هــي مســتمرة ثابتــة‪ ،‬فالقيــام بالقســط ال‬
‫ميكــن رشعــا أن يتخلــف مــع إنســان دون آخــر‪ ،‬ومتــى تخــى عنــه اإلنســان‬
‫دخــل يف حظــرة الجــور والظلــم‪ ،‬وهــذه الخصيصــة املتميــزة للقيــم يشــر‬
‫إليهــا ابــن عطيــة يف قولــه‪« :‬ومل يقــل أحــد فيــا علمــت أنهــا آيــة موادعــة‬
‫للكفــار‪ ،‬وكذلــك ينبغــي أن ال يعــارض لهــا يشء مــا أمــر اللــه بــه يف غــر مــا‬
‫آيــة مــن القيــام بالقســط واألمــر باملعــروف»(‪.)1‬‬
‫وعــى هــذا فــإن القســط والعــدل يف أظهــر تجلياتهــا إذا كانــا تجــاه خلــق‬
‫اللــه تعــاىل إمنــا يكونــان باإلنصــاف مــن النفــس لآلخريــن‪ ،‬وتــرك االنتصــاف‪،‬‬
‫وهــو ســمة املتســامحني مــن الخــواص‪ ،‬وبهــذا عرفــه بعــض املفرسيــن؛ يقــول‬
‫ســط﴾(‪« :)2‬القســط‬ ‫القشــري يف تفســر قولــه تعــاىل‪﴿ :‬قُــل أَ َمــ َر َر ِّب بِٱل ِق ِ‬
‫العــدل‪ ،‬ويقــع ذلــك يف حــق اللــه تعــاىل‪ ،‬وىف حــق الخلــق‪ ،‬وىف حق نفســك…‬

‫‪ - 1‬ابن عطية؛ املحرر الوجيز‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.249‬‬


‫‪ - 2‬سورة األعراف؛ اآلية‪.29 :‬‬

‫‪140‬‬
‫وأ ّمــا العــدل مــع الخلــق‪ ،‬فعــى لســان العلــم؛ بــذل اإلنصــاف‪ ،‬وعــى موجــب‬
‫الفتــوة؛ تــرك االنتصــاف»(‪.)1‬‬
‫﴿ل يَن َه ٰى ُكـ ُم ٱللَّـ ُه‬
‫واألصــل يف األمــر بالقســط مــع غــر املســلمني قولــه تعــاىل‪َّ :‬‬
‫َعــنِ ٱل َِّذيـ َن لَــم يُ َٰق ِتلُوكُــم ِف ٱل ِّديــنِ َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم ِّمــن ِديَٰ ِركُــم أَن ت َ َُّبو ُهــم‬
‫ـط َني﴾(‪ .)2‬يقــول الزمخــري يف بيــان‬ ‫ُقسـ ِ‬
‫ـب ٱمل ِ‬ ‫ُقس ـطُ ٓوا ْ إِلَي ِهــم إِ َّن ٱللَّـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫َوت ِ‬
‫داللتهــا‪« :‬وتقضــوا إليهــم بالقســط وال تظلموهــم‪ .‬وناهيــك بتوصيــة اللــه‬
‫املؤمنــن أن يســتعملوا القســط مــع املرشكــن بــه ويتحامــوا ظلمهــم‪ ،‬مرتجمــة‬
‫عــن حــال مســلم يجــرئ عــى ظلــم أخيــه املســلم»(‪.)3‬‬
‫وإذا كان هــذا مفهــوم القســط وأصلــه القــرآين‪ ،‬فــإن اإلنصــاف يف حقيقتــه؛‬
‫وســيلة لتحقيــق القســط والعــدل‪ ،‬ويكــون ســخا ًء مــن اإلنســان تجــاه غــره‪،‬‬
‫أمــا يف الوصــول للعــدل واالعتــدال‪ ،‬وتجنبــا للظلــم والعــدوان‪ ،‬يقــول الـرازي‪:‬‬
‫«ذلــك ألن حقيقــة اإلنصــاف‪ ،‬إعطــاء النصــف‪ ،‬فــإن الواجــب يف العقــول تــرك‬
‫الظلــم عــى النفــس وعــى الغــر‪ ،‬وذلــك ال يحصــل إال بإعطــاء النصــف‪ ،‬فــإذا‬
‫أنصــف وتــرك ظلمــه أعطــاه النصــف فقــد ســوى بــن نفســه وبــن غــره‬
‫وحصــل االعتــدال‪ ،‬وإذا ظلــم وأخــذ أكــر مــا أعطــى زال االعتــدال‪ ،‬فلــا‬
‫كان مــن لــوازم العــدل واإلنصــاف التســوية جعــل لفــظ التســوية عبــارة عــن‬
‫العــدل»(‪.)4‬‬
‫فمعاملــة جميــع النــاس بالعــدل والقســط كــا أمــر القــرآن الكريــم‪ ،‬فيــه‬
‫صــاح املجتمعــات وإقامــة مصالحهــا‪ ،‬واعتــدال اإلنســانية واســتقرارها‬
‫وســامتها‪ ،‬قــال قتــادة‪« :‬اعــدل يــا ابــن آدم كــا تحــب أن يعــدل عليــك‪،‬‬
‫أَ ْو ِف كــا تحــب أن يُــ َو ّف لــك‪ ،‬فــإن بالعــدل صــاح النــاس»(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬القشريي؛ لطائف اإلشارات‪ :‬ج‪ 1‬ص ‪.529‬‬


‫‪ - 2‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫‪ - 3‬الزمخرشي؛ الكشاف ج ‪ 4‬ص ‪.516‬‬
‫‪ - 4‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.252‬‬
‫‪ - 5‬القرطبي؛ الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 17‬ص ‪.155‬‬

‫‪141‬‬
‫فــا بــد لإلنســان مــن العــدل وإنصــاف اآلخريــن وتغليــب قيــم العيــش‬
‫املشــرك‪ ،‬والتنــازل عــن بعــض الحقــوق التــي قــد تكــون محببــة للنفــوس‪،‬‬
‫وهــذا يــرز أهميــة اإلنصــاف واالنتصــاف‪ ،‬ومــدى صعوبتــه وحاجتــه للرتبيــة‬
‫الذاتيــة‪ ،‬والتدريــب النفــي‪ ،‬والتوعيــة ال ُخلقيــة‪.‬‬
‫ــار ريض اللــه عنــه أنــه قــال‪:‬‬ ‫وقــد ورد يف األثــر عــن الصحــايب الجليــل َع َّ‬
‫ــك‪َ ،‬وبَــذ ُْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«�ثَــاَثٌ َمــ ْن َج َم َع ُهــ َّن فَقَــ ْد َج َمــ َع ا ِإلميَــانَ‪ :‬ا ِإلن َْص ُ‬
‫ــاف مــ ْن نَفْس َ‬
‫َــاق ِمــ َن ا ِإلقْتَــارِ»(‪ .)1‬يقــول املنــاوي يف رشحــه‪:‬‬ ‫َــم‪َ ،‬وا ِإلنْف ُ‬ ‫الســا َِم لِلْ َعال ِ‬
‫َّ‬
‫««واإلنصــاف مــن نفســك» أي معاملــة غــرك بالعــدل والقســط‪ ،‬بحيــث‬
‫تحكــم لــه عــى نفســك مبــا يجــب لــه عليــك»(‪.)2‬‬
‫وقــال ابــن هبــرة‪« :‬وملــا كان اإلميــان يقتــي أن تظهــر مثرتــه عنــد القــدرة‬
‫عــى الخصــم‪ ،‬فيقــن اإلميــان يف إنصــاف الخصــم‪ ،‬بحيــث يعــود اإلنســان وال‬
‫منتصــف منــه غــر نفســه‪ ،‬فــإذا أنصــف مــن نفســه‪ ،‬ومل تأخــذه العصبيــة لهــا‬
‫عــى أخيــه‪ ،‬كان ذلــك آيــة مــن آيــات اإلميــان»(‪.)3‬‬
‫وهــذا يعنــي أن اإلنصــاف مبــادرة ذاتيــة ناشــئة عــن شــيم راســخة‪ ،‬وأخــاق‬
‫متينــة‪ ،‬ومــروءة ســليمة‪ ،‬ومــن هنــا عــده بعــض العلــاء ضمــن خصــال‬
‫املــروءة؛ ألن اإلنصــاف مــن النفــس إمنــا يكــون تفضـ ًـا وإحســانًا‪ ،‬ال إيجابًــا‬
‫وإلزا ًمــا‪ ،‬فقــد ســئل ســفيان الثــوري عــن املــروءة فقــال‪« :‬اإلنصــاف مــن‬
‫نفســك‪ ،‬والتفضــل للــه تعــاىل‪﴿ :‬إِ َّن ٱللَّـ َه يَأ ُمـ ُر بِٱل َعــد ِل﴾(‪ ،)4‬وهــو اإلنصــاف‪،‬‬
‫حســنِ ﴾‪ ،‬وهــو التفضــل‪ ،‬وال يتــم األمــر إال بهــا‪ ،‬أال ت ـراه لــو أعطــى‬ ‫﴿ َوٱ ِإل َٰ‬
‫جميــع مــا ميلــك‪ ،‬ومل ينصــف مــن نفســه مل تكــن لــه مــروءة؛ ألنــه ال يريــد أن‬
‫يعطــي شــيئا إال أن يأخــذ مــن صاحبــه مثلــه‪ ،‬وليــس مــع هــذا مــروءة»(‪.)5‬‬

‫السالَمِ ِم َن اإل ِْسالَمِ ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.57‬‬


‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2076( :‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬إِفْشَ ا ُء َّ‬
‫‪ - 2‬املناوي‪ ،‬فيض القدير‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.504‬‬
‫‪ - 3‬ابن هبرية؛ يحيى بن ( ُهبَ ْ َية بن) محمد بن هبرية الذهيل الشيبا ّين‪ ،‬أبو املظفر‪ ،‬عون الدين ‪ 560‬ه‪ ،‬اإلفصاح عن معاين‬
‫الصحاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد عبد املنعم أحمد‪( ،‬دار الوطن‪1417 ،‬ه)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.15‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.90 :‬‬
‫‪ - 5‬الخرائطي؛ أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي السامري ‪ 327‬ه‪ ،‬مكارم األخالق ومعاليها‬
‫ومحمود طرائقها‪ ،‬تحقيق‪ :‬أمين عبد الجابر البحريي‪( ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1419 ،1 .‬ه ‪1999 -‬م)‪ ،‬ص ‪.128‬‬

‫‪142‬‬
‫فهــذا الخلــق يرقــى باإلنســان مــن مســتوى املشــاحنة واملشاكســة واملنازعــة‬
‫إىل مســتوى ال ـرايض واملصافــاة والوئــام وتبــادل التطــوع‪ ،‬وهــذا هــو قمــة‬
‫التســامح وبــه يقــوم‪.‬‬
‫والتـزام اإلنصــاف إمنــا يتحقــق بالقســط والعــدل كــا تقــدم يف األثــر‪ ،‬ومــن‬
‫خصائــص القيــام بالقســط –حســب تعبــر القــرآن الكريــم‪ -‬أنــه يكــون عــى‬
‫الــدوام والثبــوت والتك ـرار‪ ،‬فــا يتحقــق هــذا القيــام يف مــكان وموقــع دون‬
‫آخــر‪ ،‬وال يُقتــر فيــه عــى أشــخاص وأقــوام دون آخريــن‪ ،‬بــل هــو حــق‬
‫يجــب للجميــع‪ ،‬فالواجــب أن يُ ْعطَــى لــكل ذي حــق ح ُّقــه‪ ،‬مســلام كان أو‬
‫غــر مســلم‪ ،‬كــا نبــه القــرآن الكريــم‪ ،‬ورضب لذلــك مثــا؛ ليرتســخ هــذا‬
‫املعنــى‪ ،‬ويتأكــد اســتواء الفقــر والغنــي‪ ،‬والقريــب والبعيــد يف هــذا األصــل؛‬
‫ـط شُ ـ َه َدا ٓ َء لِلَّـ ِه‬‫يقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َِّذيـ َن َءا َم ُنــوا ْ كُونُــوا ْ قَ َّٰو ِمـ َن بِٱل ِقسـ ِ‬
‫ـى أَنف ُِسـكُم أَ ِو ٱل َٰولِ َديــنِ َوٱألَق َر ِبـ َن إِن يَ ُكــن َغ ِن ًّيــا أَو فَ ِقـ ٗرا فَٱللَّـ ُه أَ َ ٰ‬
‫ول‬ ‫َولَــو َعـ َ ٰٓ‬
‫َعدلُــوا ْ َوإِن تَلـ ُ ٓوا ْ أَو تُعرِضُ ــوا ْ فَـ ِإ َّن ٱللَّـ َه كَا َن بِ َــا‬ ‫ِب ِهـ َـا فَـ َـا تَتَّ ِب ُعــوا ْ ٱل َهـ َو ٰٓى أَن ت ِ‬
‫ت َع َملُــو َن َخ ِبـ ٗرا﴾(‪ .)1‬وقــال يف آيــة أخــرى‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َِّذي َن َءا َم ُنــوا ْ كُونُــوا ْ قَ َّٰو ِم َني‬
‫ٱعدلُــوا ْ ُهـ َو‬ ‫َعدلُــوا ْ ِ‬‫ـى أَ َّل ت ِ‬
‫ـوم َعـ َ ٰٓ‬ ‫ـط َو َل يَج ِر َم َّن ُكــم شَ ـ َن‍َٔا ُن قَـ ٍ‬ ‫لِلَّـ ِه شُ ـ َه َدا ٓ َء بِٱل ِقسـ ِ‬
‫أَقـ َر ُب لِلتَّقـ َو ٰى َوٱت َّ ُقــوا ْ ٱللَّـ َه إِ َّن ٱللَّـ َه َخ ِبـ ُر بِ َــا ت َع َملُــونَ﴾( )‪ .‬وصيغــة املبالغــة‬
‫‪2‬‬

‫يف اآليتــن تفيــد التكـرار والثبــوت‪ ،‬يقــول ابــن عطيــة‪« :‬وهــذا بنــاء مبالغــة‪،‬‬
‫أي ليتكــرر منكــم القيــام»(‪.)3‬‬
‫ومــن الخصائــص التــي تجعــل القســط يكتــي أهميــة قصــوى؛ أنــه يختــص‬
‫بكونــه مــن القيــم التــي ال تتجــى إال يف املعامــات‪ ،‬يقــول القرطبي‪« :‬القســط‬
‫هــو العــدل يف املعامــات»(‪ ،)4‬وذلــك أن مــن الصفــات التــي طُبــع عليهــا‬
‫اإلنســان؛ صفــة ال ـراع الســاكنة يف النفــوس‪ ،‬والناتجــة عــن أدواء ُخلُقي ـ ٍة؛‬
‫مــن الغــرة‪ ،‬والحســد‪ ،‬والخــوف‪ ،‬والتحــدي‪ ،‬واألنانيــة؛ حيــث إن ُجــل هــذه‬

‫‪ - 1‬سورة النساء؛ اآلية‪.135 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة املائدة؛ اآلية‪.8 :‬‬
‫‪ - 3‬ابن عطية؛ املحرر الوجيز‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 4‬القرطبي؛ الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 17‬ص ‪.155‬‬

‫‪143‬‬
‫الصفــات تغــذي الــراع مــع اآلخــر يف مختلــف مياديــن الحيــاة‪ ،‬وتــزداد‬
‫خطــورة هــذه الصفــة إذا تولــد عنهــا العنــف والكراهيــة‪.‬‬
‫ولهــذه األهميــة املتقدمــة‪ ،‬وملــا للعــدل والقســط مــن اآلثــار عــى املجتمــع‬
‫يف انتشــار التعايــش والتســامح بــن اإلنســانية‪ ،‬واســتدامة عالقتهــم الراســخة‬
‫املبنيــة عــى املحبــة واأللفــة؛ كان القســط مــن أعظــم املأمــورات الرشعيــة‪،‬‬
‫يقــول أبــو زهــرة‪« :‬ويجــب التنبيــه إىل أن أبلــغ مــا يف املأمــورات العدالــة‪،‬‬
‫فهــي أقواهــا أث ـرا يف بنــاء املجتمــع‪ ،‬وأقبــح املنهيــات البغــي‪ ،‬فكلهــا ميــس‬
‫ناحيــة فيــه»(‪.)1‬‬
‫وهــذا األصــل يــري عــى الجميــع حتــى عــى األعــداء‪ ،‬فقــد نبــه الفقهــاء‬
‫إىل أن القســط والعــدل يجــب مــع العــدو حتــى ولــو كان مقاتــا‪ ،‬يقــول ابــن‬
‫العــريب‪« :‬فــإ ّن العــدل واجــب فيمــن قاتــل وفيمــن مل يقاتــل»(‪.)2‬‬
‫وتحقيــق اإلنصــاف مــن النفــس لآلخريــن ارتقــاء ملنزلــة الــر واإلحســان‪،‬‬
‫ومدخــل مــن مداخلهــا‪ ،‬وهــو مــا نخصــص لــه املطلــب اآليت(‪.)3‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أصل الرب واإلحسان‬


‫إن مــن أهــم ركائــز التســامح مــع غــر املســلمني؛ هــذا األصــل القــرآين‬
‫أساســا ودســتو ًرا يف العالقــات اإلنســانية بــن املســلمني‬ ‫الــذي يع ـ ُّد مرج ًعــا ً‬
‫وغريهــم‪ ،‬وقــد ورد يف هــذا األصــل نــص قــرآين رصيــح‪ ،‬يوضــح هــذه املســألة‬
‫الشــائكة واملتجــددة يف جميــع العصــور‪ ،‬ويقطــع فيهــا كل الظنــون‪ ،‬فوجــه‬
‫القــرآن الكريــم املســلمني إىل الــر بغــر املســلمني‪ ،‬واإلحســان إليهــم‪ ،‬وحســن‬
‫﴿ل يَن َهىٰ ُكـ ُم‬
‫ـص رصيــح غايــة يف الوضــوح‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َّ :‬‬ ‫معاملتهــم‪ ،‬يف نـ ٍّ‬
‫ٱللَّــ ُه َعــنِ ٱل َِّذيــ َن لَــم يُ َٰق ِتلُوكُــم ِف ٱلدِّيــنِ َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم ِّمــن ِديَٰ ِركُــم أنَ‬
‫ـط َني﴾(‪.)4‬‬‫ُقسـ ِ‬
‫ـب ٱمل ِ‬ ‫ُقس ـطُ ٓوا ْ إِلَي ِهــم إِ َّن ٱللَّ ـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫ت َ َُّبو ُهــم َوت ِ‬

‫‪ - 1‬أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.4254‬‬


‫‪ - 2‬ابن العريب؛ أحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.228‬‬
‫‪ - 3‬الجمع بني هذين األصلني مأخوذ من القرآن الكريم الذي أورد هذين األصلني يف سياق واحد يف قوله تعاىل‪{ :‬أَ ْن ت َ َُّبو ُه ْم‬
‫َوتُق ِْسطُوا إِلَيْ ِه ْم} سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬

‫‪144‬‬
‫والـ ُّر يف مفهومــه القــرآين واللغــوي يُقصــد بــه الكرامــة وخصــال الخــر كلهــا‪،‬‬
‫يقــول ابــن جــزي عنــه‪« :‬لــه معنيــان‪ :‬الكرامــة‪ ،‬ومنــه ب ـ ّر الوالديــن و﴿أَ ْن‬
‫ت َ َُّبو ُهـ ْم﴾‪ ،‬والتقــوى‪ ،‬والجمــع لخصــال الخــر ومنــه‪َ ﴿ :‬ولَٰ ِكـ َّن ِ َّ‬
‫ٱلب َمــنِ ٱتَّق َٰى﴾‬
‫(‪ .)2(»)1‬وتفســر الــر بالخــر يــدل عــى شــموليته لجميــع األفعــال الحســنة‪،‬‬
‫واملحاســن النبيلــة‪ ،‬ففــي لســان العــرب‪« :‬قــال بعضهــم‪ :‬الــر‪ :‬الخــر‪ .‬قــال‪ :‬وال‬
‫أعلــم تفسـرا أجمــع منــه؛ ألنــه يحيــط بجميــع مــا قالــوا»(‪.)3‬‬
‫إن اختيــار القــرآن الكريــم لكلمــة الــر يف ســياق تنظيــم العالقــات بــن‬
‫املســلمني وغريهــم‪ ،‬يــدل داللــة قاطعــة‪ ،‬عــى أن اإلســام يريــد لهــذه‬
‫العالقــات أن تكــون يف أبهــى صورهــا‪ ،‬وأفضــل أحوالهــا‪ ،‬وأحســن أشــكالها؛ ألن‬
‫ملفهــوم الــر خصوصيــة يف الثقافــة اإلســامية‪ ،‬فهــو مصطلــح اســتعمل رش ًعــا‬
‫ـتعامل يعطيــه مكانــة مرموقــة‪ ،‬وهــو نطــاق التعامــل مــع‬ ‫يف نطــاق خــاص اسـ ً‬
‫الوالديــن؛ يقــول الشــيخ عبــد اللــه بــن بيــه‪« :‬والــر هــو اإلحســان وهــو يشء‬
‫فــوق العــدل‪ ،‬وقــد عــر بــه الشــارع عــن أقــدس عالقــة بــن الخلــق‪ ،‬وهــي‬
‫عالقــة األوالد بوالديهــم‪ ،‬وهــي الــر»(‪.)4‬‬
‫وهــذا الــر املــأذون بــه فهــم منــه العلــاء أوجــه حســن التعامــل املختلفــة‬
‫مــع غــر املســلمني‪ ،‬واســتدل بــه الفقهــاء عــى كثــر مــن األحــكام الرشعيــة‬
‫الخاصــة بهــم‪ ،‬فهــو دســتور شــامل ينظــم هــذه العالقــات‪ ،‬وأول مــا يقتضيــه‬
‫هــو اإلحســان إليهــم وإكرامهــم وصلتهــم واإلهــداء إليهــم‪ ،‬يقــول اإلمــام‬
‫الق ـرايف‪« :‬وأمــا مــا أمــر بــه مــن برهــم ومــن غــر مــودة باطنيــة؛ فالرفــق‬
‫بضعيفهــم‪ ،‬وســد خلــة فقريهــم‪ ،‬وإطعــام جائعهــم‪ ،‬وإكســاء عاريهــم‪ ،‬ولــن‬
‫القــول لهــم‪ ،‬عــى ســبيل اللطــف لهــم والرحمــة‪ ،‬ال عــى ســبيل الخــوف‬
‫والذلــة‪ ،‬واحتــال إذايتهــم يف الجــوار مــع القــدرة عــى إزالتــه لط ًفــا منــا بهــم‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.189 :‬‬


‫‪ - 2‬ابن جزي؛ أبو القاسم‪ ،‬محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله‪ ،‬ابن جزي الكلبي الغرناطي ‪ 741‬ه‪ ،‬التسهيل لعلوم‬
‫التنزيل‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد الله الخالدي‪( ،‬رشكة دار األرقم بن أيب األرقم – بريوت – ط‪1416 1- .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - 3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.52‬‬
‫‪ - 4‬عبد الله بن الشيخ املحفوظ بن بيه؛ صناعة الفتوى وفقه األقليات‪( ،‬الرابطة املحمدة للعلامء‪ ،‬اململكة املغربية‪ ،‬مركز‬
‫الدراسات واألبحاث وإحياء الرتاث‪ ،‬ط‪1433 ،1 .‬ه)‪ ،‬ص ‪.556‬‬

‫‪145‬‬
‫ال خوفًــا وتعظيـ ًـا‪ ،‬والدعــاء لهــم بالهدايــة‪ ،‬وأن يجعلــوا مــن أهــل الســعادة‪،‬‬
‫ونصيحتهــم يف جميــع أمورهــم يف دينهــم ودنياهــم‪ ،‬وحفــظ غيبتهــم‬
‫إذا تعــرض أحــد ألذيتهــم‪ ،‬وصــون أموالهــم وعيالهــم وأعراضهــم‪ ،‬وجميــع‬
‫حقوقهــم ومصالحهــم‪ ،‬وأن يعانــوا عــى دفــع الظلــم عنهــم‪ ،‬وإيصالهــم‬
‫لجميــع حقوقهــم‪ ،‬وكل خــر يحســن مــن األعــى مــع األســفل أن يفعلــه‪،‬‬
‫ومــن العــدو أن يفعلــه مــع عــدوه‪ ،‬فــإن ذلــك مــن مــكارم األخــاق»(‪.)1‬‬
‫ويف هــذه العــر الــذي أصبحــت الــدول آمنــة يف حدودهــا‪ ،‬واألشــخاص‬
‫محكومــن بالقوانــن‪ ،‬وعقــد املواطنــة واملســاواة يف الحقــوق‪ ،‬ال يبقــى ملفهوم‬
‫اإلذالل واإلعــزاز معنــى‪ ،‬فــكل مــا يصلــح نَظْمــه يف مــكارم األخــاق مــن‬
‫املحامــد واملحاســن يَ ْحســن فعلــه معهــم‪ ،‬ويدخــل يف بــاب الــر‪ ،‬ويثــاب‬
‫املســلم عليــه‪ ،‬يقــول وهبــة الزحيــي يف تفســر اآليــة الســابقة‪« :‬أي‪ :‬ال‬
‫مينعكــم اللــه مــن ال ـ ّر واإلحســان وفعــل الخــر إىل الكفــار الذيــن ســاملوكم‬
‫ومل يقاتلوكــم يف الديــن‪ ...‬كصلــة الرحــم‪ ،‬ونفــع الجــار‪ ،‬والضيافــة‪ ...‬واملقصــود‬
‫باآليــة‪ :‬أن اللــه ســبحانه ال ينهــى عــن ب ـ ّر أهــل العهــد مــن الكفــار الذيــن‬
‫عاهــدوا املؤمنــن عــى تــرك القتــال‪ ،‬وعــى أال يعينــوا عليــه»(‪.)2‬‬
‫وعمــوم الــر واإلحســان املــأذون بهــا مــع غــر املســلمني تــدل عليهــا أدلــة‬
‫أخــرى منهــا قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وت َ َعا َونُــوا ْ َعـ َـى ٱلـ ِ ِّ‬
‫ـر َوٱلتَّقـ َو ٰى﴾(‪ .)3‬وقولــه تعــاىل‪:‬‬
‫حســنِ َوإِيتَـا ِٕٓي ِذي ٱل ُقـ َ ٰ‬
‫ـرب﴾( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫﴿إِ َّن ٱللَّـ َه يَأ ُمـ ُر بِٱل َعــد ِل َوٱ ِإل َٰ‬
‫والــر امل ـراد مــن اآليــة ال يتأثــر بانعــدام املــودة واملــواالة حتــى تجعــل ســبب‬
‫قطعــه‪ ،‬فاآليــة دالــة عــى إباحتــه ولــو مــع انعــدام املــودة‪ ،‬يقــول الواحــدي‪« :‬قال‬
‫أهــل التأويــل‪ :‬وهــذه اآليــة دالــة عــى أن جــواز الــر بــن املســلمني واملرشكــن‪،‬‬
‫وإن كانــت املــودة منقطعــة‪ ،‬فــإن اللــه تعــاىل أبــاح ذلــك يف هــذه اآليــة»(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬القرايف‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن املاليك الشهري بالقرايف ‪ 684‬ه‪ ،‬أنوار الربوق يف أنواء‬
‫الفروق‪(،‬عامل الكتب)‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.15‬‬
‫‪ - 2‬الزحييل؛ التفسري املنري‪ :‬ج ‪ 28‬ص ‪.135‬‬
‫‪ - 3‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.90 :‬‬
‫‪ - 5‬الواحدي؛ أبو الحسن عيل بن أحمد بن محمد بن عيل الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي ‪ 468‬ه‪ ،‬التفسري البسيط‪،‬‬
‫(عامدة البحث العلمي ‪ -‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬ط‪1430 ،1 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 21‬ص ‪.415‬‬

‫‪146‬‬
‫وإمنــا كان أصــل الــر بهــذه املكانــة؛ ألثــره يف القلــوب والنفــوس‪ ،‬وإشــاعته‬
‫التســامح بــن النــاس‪ ،‬بغــض النظــر عــن ألوانهــم وأديانهــم وأعراقهــم‪ ،‬فالــر‬
‫كفيــل بتطهــر النفــوس مــن األحقــاد‪ ،‬وتنقيتهــا مــن الضغائــن والكراهيــة‬
‫املؤثــرة يف العالقــات اإلنســانية‪ ،‬وهــذا مــا أبــان عنــه املــاوردي يف قولــه‪« :‬وأما‬
‫الــر؛ وهــو الخامــس مــن أســباب األلفــة؛ فألنــه يوصــل إىل القلــوب ألطافــا‪،‬‬
‫ويثنيهــا محبــة وانعطافــا‪ .‬ولذلــك نــدب اللــه تعــاىل إىل التعــاون بــه‪ ،‬وقرنــه‬
‫بالتقــوى لــه فقــال‪َ ﴿ :‬وت َ َعا َونُــوا ْ َعـ َـى ٱلـ ِ ِّ‬
‫ـر َوٱلتَّقـ َو ٰى﴾(‪)1‬؛ ألن يف التقــوى رىض‬
‫اللــه تعــاىل‪ ،‬ويف الــر رىض النــاس؛ ومــن جمــع بــن رىض اللــه تعــاىل ورىض‬
‫النــاس فقــد متــت ســعادته‪ ،‬وعمــت نعمتــه‪ ،‬وعــن ابــن مســعود‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪{ :‬جبلــت القلــوب عــى‬
‫حــب مــن أحســن إليهــا‪ ،‬وبغــض مــن أســاء إليهــا}(‪.)2‬‬
‫ويقــال يف هــذا األصــل أيضً ــا مــا قيــل يف األصــل الــذي قبلــه‪ ،‬بأنــه دائــم‬
‫ومســتمر؛ ألنــه مــن القيــم التــي ال تقبــل النســخ وال التغيــر‪ ،‬فهــي تصلــح‬
‫لــكل وقــت وزمــان‪ ،‬ومــع جميــع النــاس‪ ،‬يقــول شــيخ األزهــر ســيد طنطــاوي‪:‬‬
‫«والــذي عليــه املحققــون مــن العلــاء‪ ،‬أن اآليــة محكمــة وليســت منســوخة‪،‬‬
‫ألنهــا تقــرر حكــا يتفــق مــع رشيعــة اإلســام يف كل زمــان ومــكان‪ ،‬وهــو أننــا‬
‫ال نــؤذي إال مــن آذانــا‪ ،‬وال نقاتــل إال مــن أظهــر العــداوة لنــا بأيــة صــورة‬
‫مــن الصــور»(‪.)3‬‬
‫فالــر لــه ألطــاف يف قلــوب الخلــق ســواء منهــم املخالــف واملوافــق‪ ،‬وبــه‬
‫وبالقيــم املنضويــة تحتــه يحــاط حمــى التســامح ويشــتد عــوده‪ .‬وإمنــا تســلم‬
‫أصــول التســامح الســابقة بأصــل آخــر الزم متحتــم‪ ،‬وهــو الوفــاء بالعهــد‬
‫الــذي خصــص لــه املطلــب الرابــع مــن هــذا املبحــث‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬


‫‪ - 2‬أبو الحسن عيل بن محمد املاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ :‬ص ‪ .183 ،182‬والحديث الذي أورده املاوردي حكم عليه‬
‫علامء الحديث بالبطالن‪ ،‬يقول السخاوي‪( :‬باطل مرفوعا‪ ،‬وموقوفا)‪ .‬السخاوي‪ ،‬شمس الدين أبو الخري محمد بن عبد‬
‫الرحمن بن محمد السخاوي ‪ 902‬ه‪ ،‬املقاصد الحسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة عىل األلسنة‪ ،‬محمد عثامن‬
‫الخشت‪( ،‬دار الكتاب العريب – بريوت‪ ،‬ط‪1405 ،1 .‬ه ‪1985 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.280‬‬
‫‪ - 3‬طنطاوي؛ محمد سيد‪ ،‬التفسري الوسيط للقرآن الكريم‪( ،‬دار نهضة مرص للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،)1 .‬ج‬
‫‪ 14‬ص ‪.336‬‬

‫‪147‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أصل الوفاء بالعهود‬
‫إن مــن ضمــن األصــول التــي ننظمهــا يف عقــد هــذا املبحــث‪ ،‬ونعطفهــا عــى‬
‫األصــول الســابقة توثي ًقــا لعراهــا‪ ،‬أصــل الوفــاء بالعهــود‪ ،‬فهــو مــن األصــول‬
‫املهمــة يف العالقــات بــن املســلمني وغريهــم‪ ،‬ومــن املبــادئ الرضوريــة‬
‫والواجبــة يف جميــع أنــوع العالقــات‪ ،‬ســواء بــن املســلمني أنفســهم وبــن‬
‫املســلمني وغريهــم‪.‬‬
‫وقــد ركــز القــرآن الكريــم عــى هــذا األصــل‪ ،‬وعــر عنــه مبصطلحــات‬
‫مختلفــة؛ كالعهــد‪ ،‬والعقــد‪ ،‬واملعاهــدة‪ ،‬وامليثــاق‪ .‬والعهــد يعنــي‪ :‬مــا عوهــد‬
‫عليــه اللــه‪ ،‬ومــا بــن العبــاد مــن املواثيــق‪ ،‬فهــو اتفــاق بــن الطرفــن‪ ،‬يقــول‬
‫ابــن منظــور‪« :‬العهــد كل مــا عوهــد اللــه عليــه‪ ،‬وكل مــا بــن العبــاد مــن‬
‫املواثيــق‪ ،‬فهــو عهــد»(‪.)1‬‬
‫إن اإلســام قــد أرىس قاعــدة صلبــة يف العالقــات بــن املســلمني وغريهــم‪،‬‬
‫متمثلــة يف الوفــاء بالعهــود واحرتامهــا؛ ملــا ينشــأ عــن ذلــك مــن الثقــة‬
‫واالطمئنــان بــن الشــعوب واألمــم‪ ،‬ويف الحفــاظ عــى العهــود واملواثيــق‬
‫تحقيــق للمصالــح ودفــع للمفاســد واالختالفــات التــي ميكــن أن تحــدث‪،‬‬
‫ويعــود ذلــك بالخــر والتعــاون عــى املجتمعــات‪ ،‬فيحــل بينهــا التســامح‬
‫والصفــاء واملحبــة والســام‪ ،‬وتنعــم بالراحــة واالطمئنــان‪ ،‬وينتعــش التواصــل‬
‫املفــي الزدهــار التنميــة‪ ،‬والتبــادل بأنواعــه املختلفــة التجــاري والثقــايف‬
‫والعلمــي وغــره‪.‬‬
‫مــن أجــل هــذه الحكــم الجليلــة جعــل اإلســام للعهــود مكانــة خاصــة‬
‫وأوجــب الوفــاء بهــا وتعظيمهــا‪ ،‬فقــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬وأَوفُــوا ْ ِب َع ِ‬
‫هــد ٱللَّــ ِه إِذَا‬
‫َٰع َهدتُّــم﴾(‪ .)2‬وقــال أيضــا‪﴿ :‬ٱل َِّذيـ َن يُوفُــو َن ِب َعهـ ِـد ٱللَّـ ِه َو َل يَنقُضُ ــو َن ٱملِيثَٰـ َـق﴾‬
‫(‪ .)3‬وأمــر بذلــك يف آيــات أخــرى مثــل قولــه‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َِّذي ـ َن َءا َم ُن ـ ٓوا ْ أَوفُــوا ْ‬

‫‪ - 1‬ابن منظور؛ لسان العرب‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.52‬‬


‫‪ - 2‬سورة النحل؛ اآلية‪.91 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الرعد؛ اآلية‪.20 :‬‬

‫‪148‬‬
‫بِٱل ُعقُــو ِد﴾(‪ .)1‬وقــد بــن املفــرون أن هــذه اآليــة تشــمل العقــود بــن‬
‫املســلمني وغريهــم‪ ،‬يقــول الطــري‪« :‬وأوفــوا بالعقــد الــذي تعاقــدون النــاس‬
‫يف الصلــح بــن أهــل الحــرب واإلســام‪ ،‬وفيــا بينكــم أيضــا»(‪.)2‬‬
‫فهــذه اآليــات تعطــي الصفــة اإللزاميــة للعقــد؛ حيــث أوجــب اإلســام الوفــاء‬
‫بالعهــد‪ ،‬وملكانتــه ســاه اللــه يف اآليــة «عهــد اللــه» ألنــه موثــق باســم اللــه‬
‫كــا ذكــر املفــرون‪.‬‬
‫كل يشء‪ ،‬وذلــك بـ«مالزمــة طريــق املواســاة‪،‬‬ ‫والوفــاء يعنــي بلــوغ التّــام مــن ّ‬
‫ومحافظــة عهــود الخلطــاء»(‪ )3‬كــا حــدد مفهومــه العلــاء‪ .‬وألهميــة الوفــاء‬
‫بالعهــود ومــا يرتتــب عليــه مــن االســتقرار االجتامعــي والتواصــل الحضــاري؛‬
‫أمــر اإلســام بحفــظ املعاهــدات مــن كل مــا يؤثــر فيهــا مــن غــدر أو غــش‬
‫أو خــدا ٍع أو قهـرٍ‪.‬‬
‫والوفــاء باملعاهــدات قبــل أن يكــون واج ًبــا وخل ًقــا رش ًعــا؛ فهــو قيمة إنســان ّية‬
‫عظمــى‪ ،‬ترســخ أوارص األخــوة والتعــاون‪ ،‬وال تتــم اإلنســانية الحقــة إال برعايــة‬
‫هــذا األصــل األصيــل‪ ،‬وإن فقدانــه يــؤدي النتشــار البــؤس والخــوف والبغــي‬
‫يف املجتمــع‪ ،‬وتتنافــر القلــوب‪ ،‬ويرتفــع التســامح‪ ،‬وبانتشــار الخيانــة والخــداع‬
‫تنهــار املجتمعات‪.‬‬
‫والنصــوص الــواردة يف أهميــة العهــد والوفــاء بــه كثــرة جــدا‪ ،‬والــذي يتعلــق‬
‫مبوضوعنــا ويهمنــا هنــا أن نقــرر أن املعيــار الدقيــق واملي ـزان الــذي تــوزن‬
‫بــه أيــة عالقــة مــن العالقــات‪ ،‬ســواء بــن املجتمعــات املوحــدة أو املتعــددة‪،‬‬
‫هــو الوفــاء بالعهــد؛ فــكان األمــر بــه يف القــرآن مــن جهتــن‪ :‬جهــة الوفــاء‬
‫بــه كــا تقــدم‪ ،‬وجهــة إمتامــه كقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬فَأَ ِتُّ ـ ٓوا ْ إِلَي ِهــم َعه َد ُهــم‬
‫ـب ٱملُتَّ ِقـ َن﴾(‪ .)4‬فقــد أمــر اللــه تعــاىل يف هــذه اآليــة‬ ‫إِ َ ٰل ُم َّدتِ ِهــم إِ َّن ٱللَّـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫بإمتــام مــدة العهــد‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة املائدة؛ اآلية‪.1 :‬‬


‫‪ - 2‬الطربي؛ جامع البيان‪ :‬ج ‪ 17‬ص ‪.444‬‬
‫‪ - 3‬الجرجاين؛ التعريفات‪ :‬ص ‪.212‬‬
‫‪ - 4‬سورة التوبة؛ اآلية‪.4 :‬‬

‫‪149‬‬
‫ويأخــذ الوفــاء بالعهــد أهميــة خاصــة وأولويــة متميــزة‪ ،‬إذا كان هــذا العهــد‬
‫بــن املســلمني وأعدائهــم؛ فقــد نَظَّــم القــرآن مثــل هــذه العهــود‪ ،‬وســاها‬
‫ميثاقــا‪ ،‬وشــدد عــى الوفــاء بهــا‪ ،‬فالبغــض والحــب ال يقفــان يف طريــق تنفيــذ‬
‫العهــد‪ ،‬يقــول الشــيخ أبــو زهــرة‪« :‬ومــن العدالــة مــع األعــداء الوفــاء بالعهــد؛‬
‫ولــذا قــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬وأَوفُــوا ْ بِٱل َعهـ ِـد إِ َّن ٱل َعه ـ َد كَا َن َمس ـ‍ُٔولٗ ﴾(‪ … )1‬والحــق‬
‫أن األمــر يف اآليــة عــام يف وجــوب الوفــاء بالعهــد‪ ،‬ســواء أكان عهــدا فرديــا أم‬
‫كان جامعيــا أم كان دوليــا‪.)2(»..‬‬
‫وألجــل هــذا نهــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــن الغــدر ونقــض‬
‫ـن قَـ ْو ٍم َع ْهـ ٌد فَـ َـا‬
‫العهــود‪ ،‬فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪َ } :‬مـ ْن كَا َن بَيْ َنـ ُه َوبَـ ْ َ‬
‫ـي أَ َم ُد َهــا أَ ْو يَ ْن ِبـ َذ إِلَيْ ِهـ ْم َعـ َـى َسـ َواء{( )‪،‬‬
‫ٍ ‪3‬‬
‫يَشُ ـ ُّد ُع ْقـ َد ًة َو َل يَ ُحلُّ َهــا َحتَّــى يَ ْن َقـ ِ َ‬
‫وألن الوفــاء بالعهــد مــن العــدل (‪ )4‬الــذي ينــايف الظلــم؛ نهــى صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم عــن ظلــم املعاهــد‪ ،‬ففــي الحديــث َعـ ْن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـال‪{ :‬أَ َل َمـ ْن ظَلَـ َم ُم َعا َهـ ًدا‪ ،‬أَ ِو انْتَق ََصـ ُه‪ ،‬أَ ْو كَلَّ َفـ ُه فَـ ْو َق طَاقَ ِتـ ِه‪،‬‬ ‫وســلم أنــه قَـ َ‬
‫ـس‪ ،‬فَأَنَــا َحجِي ُجـ ُه يَـ ْو َم الْ ِقيَا َمـة}( )‬
‫ِ ‪5‬‬ ‫ـب نَ ْفـ ٍ‬ ‫ـر ِطيـ ِ‬ ‫أَ ْو أَ َخـ َذ ِم ْنـ ُه شَ ـيْئًا ِب َغـ ْ ِ‬
‫وحــذر صــى اللــه عليــه وســلم أشــد التحذيــر مــن عــدم الوفــاء بالعهــود‪،‬‬
‫فنفــى الديــن عمــن ال عهــد لــه؛ تهديــدا لــه مــن نكــث العهــود‪ ،‬واختيــار‬
‫الغــدر والخيانــة؛ فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪{َ :‬ل إِميَــا َن لِ َمـ ْن َل أَ َمانَـ َة لَـ ُه‪،‬‬
‫َو َل ِدي ـ َن لِ َم ـ ْن َل َع ْه ـ َد لَ ـ ُه}(‪.)6‬‬
‫وكانــت ســرة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم شــاهدة عــى وفائــه‬
‫بالعهــود مــع الجميــع؛ مســلمني وغــر مســلمني‪ ،‬أعــداء وأصدقــاء‪ ،‬ويف قصــة‬
‫أيب رافــع رســو ِل قريــش إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أبلـ ُغ حجــة‬
‫ودليــل وبرهــان عــى هــذه الســرة‪ ،‬يف عــدم خيانــة العهــود بــن املســلمني‬

‫سورة اإلرساء؛ اآلية‪.34 :‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.4255‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اب ِف الْ ِ َمامِ يَكُو ُن بَيْ َن ُه َوبَ ْ َي الْ َع ُد ِّو َع ْه ٌد فَيَ ِس ُري إِلَيْ ِه‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.83‬‬
‫أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )2759( :‬كتاب الجهاد‪ ،‬بَ ٌ‬ ‫‪-3‬‬
‫أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.4255‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ات‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.170‬‬ ‫اب ِف ت َ ْع ِشريِ أَ ْهلِ ال ِّذ َّم ِة إِذَا ا ْختَلَفُوا بِالتِّ َجا َر ِ‬
‫أبو داود‪ ،‬السنن (‪ )3052‬كتاب الخراج‪ ،‬بَ ٌ‬ ‫‪-5‬‬
‫أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ ،)12383( :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،412‬وصححه ابن حبان ‪ -‬باب فرض اإلميان‪ ،‬رقم‪.194 :‬‬ ‫‪-6‬‬

‫‪150‬‬
‫ـش إِ َل َر ُســو ِل اللَّـ ِه صــى اللــه عليــه‬ ‫وغريهــم؛ يقــول أبــو َرا ِفـعٍ‪« :‬بَ َعثَتْ ِنــي قُ َريْـ ٌ‬
‫ــي ِف قَلْبِــي‬ ‫ــول اللَّــ ِه صــى اللــه عليــه وســلم أُلْ ِق َ‬ ‫ــت َر ُس َ‬ ‫َــا َرأَيْ ُ‬
‫وســلم‪ ،‬فَل َّ‬
‫ـول‬ ‫ـال َر ُسـ ُ‬ ‫ـول اللَّـ ِه إِ ِّن َواللَّـ ِه َل أَ ْر ِجـ ُع إِلَيْ ِهـ ْم أَبَـ ًدا‪ ،‬فَ َقـ َ‬ ‫الْ ِ ْسـ َـا ُم‪ ،‬فَ ُقلْـ ُ‬
‫ـت‪ :‬يَــا َر ُسـ َ‬
‫ـر َد‪َ ،‬ولَ ِكــنِ‬ ‫ـس بِالْ َع ْهـ ِـد‪َ ،‬و َل أَ ْح ِبـ ُ‬
‫ـس الْـ ُ ُ‬ ‫اللَّـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬إِ ِّن َل أَ ِخيـ ُ‬
‫ـت‪ ،‬ثُـ َّم‬ ‫ـال‪ :‬فَ َذ َه ْبـ ُ‬‫ا ْر ِجـ ْع فَـ ِإ ْن كَا َن ِف نَف ِْسـ َـك الَّـ ِـذي ِف نَف ِْسـ َـك ْال َن فَا ْر ِجـ ْع}‪ .‬قَـ َ‬
‫ـي صــى اللــه عليــه وســلم فَأَ ْس ـلَ ْم ُت»(‪.)1‬‬ ‫أَت َ ْيـ ُ‬
‫ـت ال َّن ِبـ َّ‬
‫وعــى هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ســار الصحابــة مــن بعــده‪ ،‬فهــا هــو‬
‫ســيدنا عمــر ريض اللــه عنــه كان يــويل الوفــاء بالعهــد مــع غــر املســلمني أهميــة‬
‫كبــرة‪ ،‬فيســأل مــن وفــد عليــه مــن األمصــار عــن أهــل الذمــة‪ ،‬وكيــف يتعامــل‬
‫معهــم املســلمون‪ ،‬فــإذا أجابــوه بأنهــم يوفــون لهــم بعهودهــم ســكن واطــأن؛ ففي‬
‫تاريــخ الطــري‪« :‬قــال عمــر للوفــد‪ :‬لعــل املســلمني يفضــون إىل أهــل الذمــة بــأذى‬
‫وبأمــور لهــا مــا ينتقضــون بكــم! فقالــوا‪ :‬مــا نعلــم إال وفــاء وحســن ملكــة»(‪.)2‬‬
‫وقــد فهــم العلــاء مــا تقــدم حــرص النبي صــى اللــه عليــه وســلم وأصحابه‬
‫عــى الوفــاء بالعهــد مــع غــر املســلمني‪ ،‬والــذي هــو خلــق إلزامــي‪ ،‬واجــب‬
‫عــى كل مســلم ال خيــار لــه فيــه‪ ،‬يقــول اإلمــام الخطــايب تعليقــا عــى حديــث‬
‫{إين ال أخيــس بالعهــد‪« :}...‬وفيــه مــن الفقــه‪ :‬أن العقــد يرعــى مــع الكافــر‬
‫كــا يرعــى مــع املســلم‪ ،‬وأن الكافــر إذا عقــد لــك عقــد أمــان؛ فقــد وجــب‬
‫عليــك أن تؤمنــه وأن ال تغتالــه يف دم وال مــال وال منفعــة»(‪.)3‬‬
‫وبرعايــة هــذه األصــول األربعــة وإقامتهــا والحفــاظ عليهــا‪ ،‬تكــون العالقــات‬
‫بــن املجتمعــات املختلفــة ‪-‬ســواء يف التعامــات التجاريــة أو االجتامعيــة‬
‫أو الثقافيــة‪ -‬صلبــة ومصونــة مــن االنهيــار؛ ألن هــذه األصــول تحفــظ لهــا‬
‫مكونــات الثبــوت واالســتمرار‪ ،‬وتكــون ســياجا للتســامح يف املجتمعــات‪،‬‬
‫وألجــل اســتدامة هــذا االنســجام املجتمعــي؛ يحتــاج وســائل تُنميــه وتصونــه‪،‬‬
‫وهــو مــا ســنتناوله يف املبحــث املــوايل‪.‬‬

‫اب ِف الْ ِ َمامِ يُ ْستَ َج ُّن ِب ِه ِف الْ ُع ُهو ِد‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 1‬أبو داود‪ ،‬السنن (‪ )2758‬كتاب الجهاد‪ ،‬بَ ٌ‬
‫‪ - 2‬الطربي؛ تاريخ األمم وامللوك‪4 :‬ج ص ‪.98‬‬
‫‪ - 3‬الخطايب؛ أبو سليامن حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي ‪ 388‬ه‪ ،‬معامل السنن‪ ،‬وهو رشح سنن أيب داود‪،‬‬
‫(املطبعة العلمية – حلب‪ ،‬ط‪1351 ،1 .‬ه ‪1932 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.37‬‬

‫‪151‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬وسائل تحقيق التسامح بني املسلمني وغريهم‬
‫يســتدعي الحديــث عــن أصــول التســامح كــا تــم يف املبحــث الســابق؛‬
‫الوقـ َ‬
‫ـوف أيضً ــا عــى وســائله‪ ،‬وذلــك ألن التســامح ال يولــد وحــده‪ ،‬وال ينشــأ‬
‫مــن فـراغ‪ ،‬فكــا أن لــه أصــوال تؤســس لــه وترعــاه‪ ،‬فلــه أيضا وســائل تُكســبه‬
‫وت ُبديــه‪ ،‬منهــا وســائل مرتبطــة باملجتمــع‪ ،‬ووســائل مرتبطــة باملؤسســات‪،‬‬
‫ووســائل ناشــئة عــن التعامــل الطبيعــي بــن البــر‪ ،‬وإذا كانــت هــذه‬
‫الوســائل طبيعيــة يف املجتمــع‪ ،‬فالتســامح يف عافيــة وخــر‪ ،‬ومتــى كانــت غــر‬
‫طبيعيــة فــإن التســامح يــردى‪ ،‬ومفعولــه يف ســفول وانخفــاض‪ .‬وقــد فصلنــا‬
‫هــذا املبحــث عــى ثالثــة مطالــب‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬حقوق املواطنة الثابتة لغري املسلمني‬


‫إ َّن تطرقَنــا يف هــذا البحــث للمواطنــة يســتوجب منــا التنبيــه ابتــداء عــى‬
‫أن كل مــا ســنقدمه عبــارة عــن معــامل عامــة حــول املواطنــة‪ ،‬التــي نقصــد‬
‫بهــا يف األســاس‪ :‬االنتــاء للوطــن‪ ،‬والتعدديــة‪ ،‬مبينــن أن الرشيعــة اإلســامية‬
‫جــاءت بالحــث عليهــا؛ ألن مفهــوم املواطنــة يف الدراســات الفكريــة املعارصة‪،‬‬
‫وخاصــة منهــا املتأثــرة باألطروحــات الغربيــة غالبًــا مــا وظفــت يف مجــال‬
‫حقــوق اإلنســان‪ ،‬وهــذا املجــال ال يخــص هــذه الدراســة يف يشء‪.‬‬
‫فاملواطنــة وفــق املفهــوم الرشعــي هــي‪« :‬عضويــة الفــرد التامــة واملســؤولية‬
‫يف الدولــة أو أي مجتمــع مــا‪ ،‬ومــا يرتتــب عــى تلــك العضويــة مــن العالقــات‬
‫املتبادلــة بــن الطرفــن»(‪ .)1‬وهــذه العالقــات تحكمهــا حقــوق وواجبــات‬
‫تجــاه الوطــن واملجتمــع واملواطنــن اآلخريــن‪ ،‬كيفــا كانــوا وإىل أي ديــن‬
‫انتمــوا‪ ،‬فاالنتــاء للوطــن يجمعهــم ويضمــن لهــم حقوقهــم مقابــل أداء مــا‬
‫يجــب عليهــم للوطــن‪.‬‬
‫إن املواطنــة قبــل أن تكــون حقوقــا وواجبــات‪ ،‬فهــي شــعور باالنتــاء للوطــن‬

‫‪ - 1‬هذا هو التعريف املعتمد يف برنامج وطني يف دولة اإلمارات وهو تعريف شامل‪ :‬وثيقة قيم وسلوكيات املواطن‬
‫اإلمارايت‪( ،‬مجلس الوزراء‪2019 ،‬م)‪.‬‬
‫‪http: www.ncc.ae datafolder files pdf ethics_behavior_emirati_citizen.pdf‬‬

‫‪152‬‬
‫واملجتمــع‪ ،‬وهــذا الشــعور كفيــل بتوليــد الطاقــة اإليجابيــة واملشــاركة‬
‫الفعالــة‪ ،‬واالعتــزاز الوطنــي‪ ،‬والتعــاون املثمــر يف حضــن الوطــن الــذي‬
‫يســتوعب الجميــع‪ ،‬فيعــم الحــب والرخــاء‪ ،‬وتســود الســعادة والهنــاء‪،‬‬
‫ويزدهــر التســامح‪ ،‬ويعلــو التعايــش فــوق الكراهيــة واألنانيــة‪.‬‬
‫ويف تأصيلنــا للمواطنــة الجالبــة للتســامح؛ ال ميكــن الحديــث عــن ذلــك األثــر‬
‫إال بتدبــر املعاهــدات النبويــة التــي وقعهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع‬
‫معتنقــي مختلِــف األديــان ومــع مختلِــف القبائــل التــي تســكن املدينــة املنــورة‪،‬‬
‫والتــي كان بينهــا اختــاف دينــي وقبائــي‪ ،‬وكان جميعهــم يتقاســمون الحقــوق‬
‫والواجبــات املتســاوية ذاتهــا‪ ،‬ويــؤدون التزاماتهــم ويحرتمــون اآلخــر وعقيدتــه‬
‫وحريتــه‪ ،‬ومــن أهــم تلــك املعاهــدات والوثائــق‪ :‬وثيقــة املدينــة املنــورة‪.‬‬
‫إن هــذه الوثيقــة التــي ُولــدت يف املدينــة املنــورة العاصمــة األوىل لإلســام‪،‬‬
‫والتــي كانــت فيهــا ديانــات مختلفــة‪ ،‬تتجــاور بانســجام كامــل وتعــاون واضح‬
‫بــن جميــع الفئــات املكونــة لهــذا املجتمــع تحــت مظلــة املواطنــة‪ ،‬هدفهــا‬
‫إقامــة التســامح والتعايــش والحفــاظ عــى هــذا املجتمــع الــذي جعــل مــن‬
‫القيــم اإلنســانية مصــدر قوتــه ووحدتــه‪ ،‬فــكان أمنوذجــا يحتــذى‪.‬‬
‫وكان األســاس الــذي يرعــى هــذه التعدديــة هــو تلــك الوثيقــة النبويــة‬
‫املؤسســة ملفهــوم املواطنــة بــن ســكان هــذه املدينــة‪ ،‬تضمــن للجميــع‬
‫حقوقهــم‪ ،‬ويتحملــون الواجبــات ذاتهــا تجــاه بعضهــم بعضً ــا‪ ،‬ترســيخا ألســس‬
‫املواطنــة التــي تضمنــت هــذه الوثيقــة عــد ًدا مــن مبادئهــا مثــل‪ :‬التكافــل‬
‫والتعــاون‪.‬‬
‫وقــد جعــل عقــد املواطنــة مــن جميــع األط ـراف التــي تشــملها الوثيقــة أمــة‬
‫واحــدة‪ ،‬واعتربهــم كيانــا واحــدا مــن أجــل تحقيــق التكافــل وإقامــة التســامح‬
‫ـي صــى‬ ‫ـاب ِمـ ْن ُم َح َّمـ ٍـد ال َّن ِبـ ِّ‬
‫بينهــم وصونــه‪ ،‬جــاء يف نــص الوثيقــة‪َ { :‬هـذَا كِتَـ ٌ‬
‫ــرِ َب‪َ ،‬و َمــ ْن‬ ‫ــش َويَ ْ‬ ‫ــن الْ ُم ْؤ ِم ِنــ َن َوالْ ُم ْســلِ ِم َني ِمــ ْن قُ َريْ ٍ‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬بَ ْ َ‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تَ ِب َع ُهـ ْم‪ ،‬فَل َِحـ َـق ِب ِهـ ْم‪َ ،‬و َجا َهـ َد َم َع ُهـ ْم‪ ،‬إنَّ ُهـ ْم أ َّمـ ٌة َواحـ َد ٌة مـ ْن ُدونِ ال َّنــاس}( )‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن هشام؛ السرية النبوية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ .501‬ومحمد حميد الله الحيدر آبادي الهندي ‪ 1424‬ه‪ ،‬مجموعة الوثائق‬
‫السياسية للعهد النبوي والخالفة الراشدة‪( ،‬دار النفائس – بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،6 .‬ه)‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪153‬‬
‫وورد يف هــذه الوثيقــة املؤسســة للمواطنــة مــا يــدل عــى التعدديــة الدينيــة‬
‫وحريــة االختيــار‪ ،‬فــكان مــن بنودهــا‪َ { :‬وإِ َّن يَ ُهــو َد بَ ِنــي َعــ ْو ٍف أُ َّمــ ٌة َمــ َع‬
‫الْ ُم ْؤ ِم ِن ـ َن‪ ،‬لِلْيَ ُهــو ِد ِدي ُن ُه ـ ْم‪َ ،‬ولِلْ ُم ْس ـلِ َم ْ ِي ِدي ُن ُه ـ ْم‪َ ،‬م َوالِي ِه ـ ْم َوأَنْف ُُس ـ ُه ْم‪َّ ،‬إل َم ـ ْن‬
‫ظَلَـ َم َوأَثِـ َم‪ ،‬فَ ِإنَّـ ُه َل يُوتِـغُ(‪َّ )1‬إل نَف َْسـ ُه‪َ ،‬وأَ ْهـ َـل بَ ْي ِتـ ِه}(‪ ،)2‬فلجميــع األطـراف‬
‫الحــق يف املامرســة الدينيــة الحــرة‪.‬‬
‫ومــن بنــود الوثيقــة الرصيحــة التــي تؤســس لعــدد مــن مكونــات املواطنــة‬
‫مــن التنــارص والتناصــح والدفــاع عــن الوطــن مــا جــاء يف هــذا النــص‪َ { :‬وأَ َّن‬
‫ـح‬ ‫الص ِحي َف ـ ِة‪َ ،‬وأَ َّن بَ ْي َن ُك ـ ُم ال ُّن ْصـ َ‬‫ـر َعـ َـى َم ـ ْن َحــا َر َب أَ ْهـ َـل َهـ ِـذ ِه َّ‬ ‫بَ ْي َن ُه ـ ُم ال َّنـ ْ َ‬
‫ُــوم‪َ ،‬وأَ َّن الْ َم ِدي َنــ َة َج ْوفُ َهــا َحــ َر ٌم ِلَ ْهــلِ َه ِ‬
‫ــذ ِه‬ ‫ــر لِلْ َمظْل ِ‬ ‫َوال َّن ِصي َحــ َة َوال َّن ْ َ‬
‫الص ِحي َف ـ ِة ِم ـ ْن َح ـ َد ٍث أَ ِو اشْ ـ ِت َجا ٍر‬ ‫ـن أَ ْهــلِ َهـ ِـذ ِه َّ‬ ‫الص ِحي َف ـ ِة‪َ ،‬وأَنَّ ـ ُه َمــا كَا َن بَـ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫ـر‬ ‫َ‬
‫ـي‪َ ،‬وأ َّن بَ ْي َن ُه ـ ُم ال َّنـ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ـاف ف ََســا ُد ُه‪ ،‬فَ ـ ِإ َّن أ ْم ـ َر ُه إِ َل اللَّ ـ ِه َوإِ َل ُم َح َّمـ ٍـد ال َّن ِبـ ِّ‬ ‫يُ َخـ ُ‬
‫ـر َب}( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫َعـ َـى َم ـ ْن َد َه ـ َم يَـ ْ ِ‬
‫إن هــذه املعاهــدة مبــا تحملــه مــن تلــك القيــم اإلنســانية املشــركة؛ تعــد‬
‫مظهـ ًرا مــن مظاهــر عالقــات املســلمني بغريهــم مــن أهــل األديــان األخــرى‪،‬‬
‫وأساســا مــن األســس املرســخة للتســامح‪ ،‬وتضمــن لجميــع الســكان حريــة‬ ‫ً‬
‫املعتقــد واملامرســة الدينيــة‪ ،‬وهــي اليــوم مرجــع مهــم يف العالقــات التــي‬
‫يجمعهــا الدفــاع عــن وطــن واحــد‪ ،‬واالعــراف باآلخــر‪ ،‬والتعــاون معــه‪،‬‬
‫والحفــاظ عــى مصالــح الجميــع‪ ،‬وحاميــة األنفــس واألمــوال‪.‬‬
‫وقــد اســتطاعت هــذه الوثيقــة أن متحــو جميــع العــداوات والحــروب التــي‬
‫كانــت تقــام يف هــذه املنطقــة وبــن قبائلهــا بــن حــن وآخــر‪ ،‬مــا يــدل عــى‬
‫أن اإلســام هدفــه األســمى هــو نــر الســلم والســكينة يف أي مجتمــع يوجــد‬
‫فيــه‪.‬‬
‫ومنــذ إق ـرار هــذه الوثيقــة التــي تكفــل حريــة االعتقــاد والحريــة الدينيــة‬
‫لســكان املدينــة‪ ،‬كان مــن آثارهــا ســمو قيمــة التســامح وعلــو كعــب التعايش‬

‫‪ - 1‬يوتغ مبعنى يهلك‪ ،‬قال الزمخرشي‪( :‬فَ ِإنَّ ُه َل يوتغ‪ :‬أَي َل ي ْهلك إِ َّل نَفسه‪ ).‬الزمخرشي؛ الفائق‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 2‬ابن هشام؛ السرية النبوية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ .503‬ومحمد حميد الله؛ مجموعة الوثائق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫يف شــتى املياديــن‪ ،‬ومــن آثارهــا أيضــا انتشــار دور العبــادات لجميــع الديانات‬
‫يف البلــدان التــي تقــع تحــت حكــم املســلمني‪ ،‬فلــم يهــدم النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم كنيســة أو بيعــة‪ ،‬وكذلــك مــن جــاء بعــده مــن الصحابــة‪.‬‬
‫إن عقــد املواطنــة الــذي يعــزز االنتــاء ويؤكــد املســاواة بــن جميــع‬
‫املواطنــن‪ ،‬بغــض النظــر عــن لونهــم أو جنســهم أو دينهــم‪ ،‬إذا كان هشــا؛‬
‫ال ميكــن الحفــاظ عــى مجتمــع التســامح‪ ،‬وبالتــايل تعجــز املواطنــة عــن أداء‬
‫دورهــا يف تعزيــز التســامح‪.‬‬
‫ـف االنتــاءات وتعــززه يف‬ ‫ومــن أهــم مــا تحققــه املواطنــة للمجتمــع املختَلِـ ِ‬
‫صفوفــه‪ :‬أنهــا تطــرد الطائفيــة واألنانيــة‪ ،‬وتنبــذ الكراهيــة والعنــف‪ ،‬وتجــي‬
‫عــن الوطــن كل مــا ينتمــي للتعصــب‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه تكــرس روح اإلخــاء‬
‫واملحبــة والصفــاء بــن أفــراد املجتمــع‪ ،‬وتوحــد صفوفهــم وتحميهــم مــن‬
‫التشــتت والتفــرق‪.‬‬
‫ويف ســياق مــا يحققــه هــذا املبدأ مــن الوحــدة واالنتــاء والتفاهــم والتعاون‪،‬‬
‫نؤكــد أن كل جــدل يصــب يف أن الديــن ال يعــرف باألوطــان‪ ،‬وال يلقــي لهــا‬
‫بــاالً؛ جــدل مبنــي عــى أســس غــر ســليمة‪ ،‬فاإلســام كــا أكــد عــى األخــوة‬
‫الدينيــة‪ ،‬أكــد أيضــا عــى األخــوة الوطنيــة واإلنســانية‪ ،‬ولــكل منهــا دوره يف‬
‫تــواز وات ـزان‪ ،‬ال تعــارض بينهــا‪ ،‬وال تحــل إحداهــا محــل األخــرى‪ ،‬وعنــد‬
‫فقــد إحداهــا أو تعطيلهــا يتــرب الخلــل للمجتمــع‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التواصل االجتامعي واألرسي‬


‫التواصــل االجتامعــي الالئــق؛ مــن وســائل تفعيــل املواطنــة التــي ســبق‬
‫الحديــث عنهــا يف املطلــب الســابق؛ ذلــك أن أكــر مــا يعرقــل التســامح مــع‬
‫غــر املســلمني يف املجتمعــات املســلمة؛ هــو مــا ترســخ يف األذهــان‪ ،‬وتلقــاه‬
‫كثــر مــن النــاس مــن املفاهيــم املغلوطــة التــي تنســب لإلســام يف حــق غــر‬
‫املسـلَّمة يف العقــول تقــف باملرصــاد ألي‬
‫املســلمني‪ ،‬وتلــك املفاهيــم واملبــادئ َ‬
‫تواصــل أو تعــاون‪ ،‬أو حتــى ســام وابتســامة‪ ،‬بحجــة الــوالء وال ـراء‪.‬‬
‫فكانــت إزالــة هــذه الرتســبات الفكريــة والتاريخيــة ُمهمــة يف العــاج‪ ،‬مــن‬

‫‪155‬‬
‫أجــل تأصيــل مبــدأ العالقــة بــن املســلم وغــره التــي نظمهــا اإلســام‪ ،‬وبناهــا‬
‫عــى أســس مــن التواصــل الحضــاري‪ ،‬والتعامــل اإلنســاين الراقــي‪ ،‬واملســامحة‬
‫الشــائعة‪ ،‬وقــد ق َّعــد الفقهــاء يف هــذا البــاب قاعــدة تُ ثــل املرجــع األســاس؛‬
‫حيــث ذكــروا يف بــاب الغيبــة‪ :‬أن املســلم وغــره ســوا ٌء يف املنــع مــن كل‬
‫أذى ورضر يلحــق بــه؛ يقــول الدمياطــي عنــد ذكــر أحــكام الغيبــة‪« :‬وأمــا‬
‫الذمــي فكاملســلم فيــا يرجــع إىل املنــع مــن اإليــذاء‪ ،‬ألن الــرع عصــم دمــه‬
‫وعرضــه ومالــه»(‪.)1‬‬
‫والتواصــل االجتامعــي بــن املســلم وغــر املســلم مل يرتكــه اإلســام آلراء النــاس‬
‫واجتهاداتهــم‪ ،‬بــل بَينــه ونظَّمــه بتنظيــات وأســس واضحــة تحكمــه‪ ،‬ومــن‬
‫هــذه األســس‪:‬‬
‫الحــوار‪ :‬فقــد أقــر اإلســام مبــدأ الحــوار مــع غــر املســلمني مــن أجــل ترســيخ‬
‫التفاهــم والتعايــش‪ ،‬وحــث عــى أن يكــون هــذا الحــوار بالتــي هــي أحســن؛‬
‫حسـ ُن‬ ‫ـي أَ َ‬‫ـب إِ َّل بِٱلَّ ِتــي ِهـ َ‬ ‫قــال اللــه ســبحانه وتعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل ت ُ َٰج ِدلُـ ٓوا ْ أَهـ َـل ٱل ِكتَٰـ ِ‬
‫إِ َّل ٱل َِّذيـ َن ظَلَ ُمــوا ْ ِمن ُهــم َوقُولُـ ٓوا ْ َءا َم َّنــا بِٱلَّـ ِـذ ٓي أُنـز َِل إِلَي َنــا َوأُنـز َِل إِلَي ُكــم َوإِلَٰ ُه َنا‬
‫َوإِلَٰ ُه ُكــم َٰو ِحـ ‪ٞ‬د َونَحـ ُن لَ ُه ُمسـلِ ُمونَ﴾(‪.)2‬‬
‫والهــدف مــن هــذا الحــوار الــذي دعــا إليــه القــرآن الكريــم بــن املســلمني‬
‫وغريهــم؛ هــو الحفــاظ عــى التواصــل‪ ،‬وإيجــاد مســاحات متفــق عليهــا‬
‫للتفاهــم والتعايــش بــن الجميــع‪.‬‬
‫حقــوق الجــوار‪ :‬وهــي مــن الحقــوق الثابتــة لغــر املســلمني‪ ،‬واملحقِّقــة‬
‫للتواصــل‪ ،‬واملســهمة يف التســامح‪ ،‬فاملســلم بتفقــد جــاره غــر املســلم‪،‬‬
‫وتواصلــه معــه؛ ميــارس التســامح‪ ،‬ومــن املعلــوم أن الجــوار مراتــب‪ ،‬لــكل‬
‫مرتبــة حــق مــن الحقــوق؛ يقــول ابــن حجــر‪« :‬واســم الجــار يشــمل املســلم‬
‫والكافــر‪ ،‬والعابــد والفاســق‪ ،‬والصديــق والعــدو‪ ،‬والغريــب والبلــدي‪ ،‬والنافــع‬

‫‪ - 1‬الدمياطي؛ أبو بكر‪ ،‬عثامن بن محمد شطا الدمياطي الشافعي ‪ 1310‬ه‪ ،‬إعانة الطالبني عىل حل ألفاظ فتح املعني‪( ،‬دار‬
‫الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1418 ،1 .‬ه ‪1997 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.325‬‬
‫‪ - 2‬سورة العنكبوت؛ اآلية‪.46 :‬‬

‫‪156‬‬
‫والضــار‪ ،‬والقريــب واألجنبــي‪ ،‬واألقــرب دارا واألبعــد‪ ،‬ولــه مراتــب بعضهــا‬
‫أعــى مــن بعــض… فيعطــى كل حقــه بحســب حالــه»(‪.)1‬‬
‫ويــدل عــى هــذا الحــق أحاديــث منهــا‪ :‬أن عبــد اللــه بــن عمــرو ريض اللــه‬
‫ـت لَـ ُه شَ ــا ٌة ِف أَ ْهلِـ ِه‪ ،‬فَلَـ َّـا َجــا َء قــال‪ :‬أَ ْه َديْتُـ ْم لِ َجا ِرنَــا ال َي ُهــو ِد ِّي؟‬ ‫عنــه؛ « ُذ ِب َحـ ْ‬
‫ــول اللَّــ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫أَ ْه َديْتُــ ْم لِ َجا ِرنَــا اليَ ُهــو ِد ِّي؟ َســ ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ـت أَنَّ ـ ُه َس ـيُ َو ِّرث ُ ُه}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وصي ِنــي بِال َجــا ِر َحتَّــى ظَ َن ْنـ ُ‬ ‫ـول‪َ { :‬مــا ز ََال ج ِْبِيـ ُـل يُ ِ‬ ‫يَ ُقـ ُ‬
‫حســن الصلــة‪ :‬ومــن أســس التواصــل املطلوبــة مــع غــر املســلمني حســن‬
‫صلتهــم‪ ،‬وتتأكــد هــذه الصلــة وتــزداد أهميــة إذا كانــت بــن املســلم وغــر‬
‫املســلم قرابــة؛ فاإلســام مل يكــن ســببا يف قطــع األرحــام‪ ،‬بــل جــاء لتقويــة‬
‫ض اللَّـ ُه َع ْن ُهـ َـا‪،‬‬ ‫ـت أَ ِب بَ ْكـ ٍر َر ِ َ‬ ‫هــذا التواصــل‪ ،‬ففــي الحديــث‪َ :‬عـ ْن أَ ْسـ َـا َء ِب ْنـ ِ‬
‫شكَ ـ ٌة ِف َع ْهـ ِـد َر ُســو ِل اللَّ ـ ِه صــى اللــه‬ ‫ـي ُم ْ ِ‬‫ـي أُ ِّمــي َو ِهـ َ‬
‫ـت َعـ َ َّ‬ ‫ـت‪« :‬ق َِد َمـ ْ‬ ‫قالـ ْ‬
‫ـي‬ ‫ـت‪َ :‬و ِهـ َ‬ ‫ـول اللَّـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قُلْـ ُ‬ ‫عليــه وســلم‪ ،‬ف َْاسـتَ ْفتَيْ ُت َر ُسـ َ‬
‫َرا ِغ َب ـ ٌة‪ ،‬أَفَأَ ِصـ ُـل أُ ِّمــي؟ قــال‪{ :‬نَ َع ـ ْم ِصـ ِـي أ َّمــك}( )‪ .‬قــال الخطــايب‪« :‬وفيــه‪:‬‬
‫ِ ‪3‬‬ ‫ُ‬
‫أن الرحــم الكافــرة توصــل بــر املــال ونحــوه كالرحــم املســلمة»(‪ .)4‬ومــا ال‬
‫ريــب فيــه أن الصلــة تحقــق املــودة واملحبــة والتســامح‪.‬‬
‫الســام عــى غــر املســلم‪ :‬رشع اإلســام الســام عــى غــر املســلمني‪ ،‬بــل مــن‬
‫أفضــل اإلســام إلقــاء املســلم الســام عــى مــن عــرف ومــن مل يعــرف؛ ففــي‬
‫ـي‬‫ض اللَّـ ُه َع ْن ُهـ َـا‪ ،‬أَ َّن َر ُجـ ًـا َسـأَ َل ال َّن ِبـ َّ‬ ‫الحديــث‪َ :‬عـ ْن َعبْـ ِـد اللَّـ ِه بْــنِ َع ْمـرٍو َر ِ َ‬
‫ــر؟ قــال‪{ :‬تُطْ ِعــ ُم الطَّ َعــا َم‪َ ،‬وتَقْــ َرأُ‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أَ ُّي ا ِإل ْســا َِم َخ ْ ٌ‬
‫ـت َو َم ـ ْن لَ ـ ْم ت َ ْع ـر ِْف}(‪ .)5‬يقــول القرطبــي‪« :‬ويجــوز‬ ‫الس ـاَ َم َعـ َـى َم ـ ْن َع َرفْـ َ‬‫َّ‬
‫تحيــة الكافــر وأن يبــدأ بهــا‪ .‬قيــل البــن عيينــة‪ :‬هــل يجــوز الســام عــى‬
‫﴿ل يَن َهىٰكُــ ُم ٱللَّــ ُه َعــنِ ٱل َِّذيــ َن لَــم‬ ‫الكافــر؟ قــال‪ :‬نعــم؛ قــال اللــه تعــاىل‪َّ :‬‬

‫‪ - 1‬ابن حجر؛ فتح الباري‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪.442 ،441‬‬


‫اب َما َجا َء ِف َح ِّق ال ِج َوارِ‪4 :‬ج ص ‪.333‬‬ ‫‪ - 2‬الرتمذي‪ ،‬السنن‪ )1943( :‬يف أبواب الرب والصلة‪ ،‬بَ ُ‬
‫شكِ َني‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.164‬‬ ‫اب ال َه ِديَّ ِة لِلْ ُم ْ ِ‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2620( :‬كتاب الهبة‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 4‬الخطايب؛ أبو سليامن حمد بن محمد الخطايب (ت ‪ 388‬ه‪ ،‬أعالم الحديث (رشح صحيح البخاري)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن‬
‫سعد بن عبد الرحمن آل سعود‪( ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬ط‪1409 ،1 .‬ه ‪1988 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.325‬‬
‫‪ - 5‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )12( :‬يف كتاب اإلميان‪ ،‬بَاب إِطْ َعام الطَّعَامِ ِم َن اإل ِْسالَمِ ‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،12‬ومسلم رقم‪)39( :‬‬
‫كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان تفاضل اإلسالم وأي أموره أفضل؟‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.13‬‬

‫‪157‬‬
‫يُ َٰق ِتلُوكُــم ِف ٱل ِّديــنِ َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم ِّمــن ِديَٰ ِركُــم أَن ت َ َُّبو ُهــم َوت ِ‬
‫ُقسـطُ ٓوا ْ إِلَي ِهــم‬
‫ـط َني﴾(‪ .)2(»)1‬ونقــل ابــن بطــال عــن ابــن وهــب قولــه‪:‬‬ ‫ُقسـ ِ‬‫ـب ٱمل ِ‬ ‫إِ َّن ٱللَّـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫ـاس ُحسـ ٗنا﴾‬ ‫«سـلِّم عــى اليهــودي والنـراين‪ ،‬وتــا قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وقُولُــوا ْ لِل َّنـ ِ‬
‫(‪)4(»)3‬‬
‫ويُطلــب مــن املســلم أيضــا رد الســام عــى مــن ســلم عليــه؛ قــال ابــن بطــال‪:‬‬
‫«قــال ابــن عبــاس‪ :‬ومــن ســلم عليــك مــن خلــق اللــه فــاردد عليــه‪ ،‬ولــو كان‬
‫مجوســيا… وروى ابــن عبــد الحكــم عــن مالــك أنــه يجــوز تكنيــة اليهــودي‬
‫والنـراين وعيادتــه‪ ،‬وهــذا أكــر مــن رد الســام…»(‪.)5‬‬
‫أمــا مــا ورد يف األحاديــث األخــرى مــن الــرد بـــ‪ :‬وعليكــم‪ ،‬واالكتفاء بــه فحمله‬
‫بعــض أهــل العلــم عــى االحتيــاط يف التعامــل مــع من قصــد اإلســاءة اللفظية‬
‫للمســلمني‪ ،‬قــال الســندي‪« :‬أي ال تقولــوا وعليكــم الســام؛ ألنهــم كث ـرا مــا‬
‫يوهمــون الســام ويقولــون الســام باأللــف‪ ،‬وهــو املــوت فقولــوا وعليكــم مــا‬
‫قلتم»( ‪.)6‬‬
‫أحــكام أخــرى لتعميــق التواصــل‪ :‬ومــا يســاعد عــى تحقيــق التواصــل بــن‬
‫املســلمني وغريهــم؛ أمــور اجتامعيــة نبــه عليهــا الفقهــاء‪ ،‬وبينــوا أنــه ال حــرج‬
‫فيهــا؛ فقــد تقــدم يف حديــث أســاء إهداؤهــا ألمهــا املرشكــة‪ ،‬فــا حــرج يف‬
‫الهديــة لغــر املســلمني وقبــول هداياهــم‪ ،‬فقــد قبــل النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم هديــة قيــر‪ ،‬وهديــة املقوقــس‪ ،‬ففــي الحديــث عــن أيب حميــد‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫{وأهــدى ملــك أيلــة للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم بغلــة بيضــاء‪ ،‬وكســاه‬
‫بــردا…}(‪.)7‬‬

‫‪ - 1‬سورة املمتحنة؛ اآلية‪.8 :‬‬


‫‪ - 2‬القرطبي؛ الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 11‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.83 :‬‬
‫‪ - 4‬ابن بطال؛ رشح صحيح البخاري‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪.39‬‬
‫‪ - 5‬نفسه‪.‬‬
‫‪ - 6‬السندي؛ محمد بن عبد الهادي التتوي‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬نور الدين السندي ‪ 1138‬ه‪ ،‬حاشية السندي عىل سنن النسايئ‪،‬‬
‫(مكتب املطبوعات اإلسالمية – حلب‪ ،‬ط‪1406 ،2 .‬ه – ‪1986‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .397‬والله تعاىل أعلم‪.‬‬
‫‪ - 7‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )3477( :‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب حديث الغار‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.175‬‬

‫‪158‬‬
‫ويجــوز أكل طعامهــم مــا هــو مبــاح للمســلمني‪ ،‬واألكل مــن ذبائحهــم إذا‬
‫كانــوا أهــل كتــاب‪ ،‬وذبحــوا ذبحــا رشع ًّيــا‪ ،‬كــا أن طعــام املســلمني حــال‬
‫ــت َوطَ َعــا ُم ٱل َِّذيــ َن أُوت ُــوا ْ‬ ‫لهــم‪ ،‬لقولــه تعــاىل‪﴿ :‬ٱليَــو َم أُ ِح َّ‬
‫ــل لَكُــ ُم ٱلطَّيِّبَٰ ُ‬
‫ـب ِحـ ّ‪ٞ‬ـل لَّ ُكــم َوطَ َعا ُم ُكــم ِحـ ّ‪ٞ‬ـل لَّ ُهــم﴾(‪.)1‬‬
‫ٱل ِكتَٰـ َ‬
‫ويجوز تهنئتهم‪ ،‬ومجاملتهم يف أعيادهم(‪ ،)2‬وتعزيتهم(‪.)3‬‬
‫إن التواصــل االجتامعــي بــن املســلمني وغريهــم تــدل عليــه يف الــرع‬
‫أحــكام كثــرة‪ ،‬وفــروع فقهيــة متعــددة‪ ،‬وقــف الفقهــاء عندهــا‪ ،‬ورعــوا فيهــا‬
‫أصــول التســامح وأسســه‪ ،‬وســياقاتها السياســية‪ ،‬مثــل قضيــة املــواالة واملــودة؛‬
‫فقــد ذكــر أهــل العلــم أن لهــا حــاالت وأحكامــا ال ينبغــي تعميمهــا عــى‬
‫جميــع الصــور؛ فمــن صــور املــواالة الجائــزة مــع غــر املســلمني التــي ذكرهــا‬
‫املفــرون‪« :‬أن يتّخــذ واحــد مــن املســلمني واحــدا مــن الكافريــن بعينــه َول ّيــا‬
‫لــه‪ ،‬يف حســن املعــارشة أو لقرابــة‪ ،‬لكــال فيــه أو نحــو ذلــك‪ ،‬مــن غــر أن‬
‫يكــون يف ذلــك إرضار باملســلمني‪ ،‬وذلــك غــر ممنــوع»(‪.)4‬‬
‫فالتواصــل االجتامعــي بــن املســلمني وغريهــم يــأيت يف إطــار هــذا الوصــف‪،‬‬
‫وال ســيام يف ظــل الدولــة الحديثــة التــي تتبنــى املواطنــة‪ ،‬وتدعــو إىل الــوالء‬
‫واالنتــاء‪ ،‬والتعــاون بــن املواطنــن وكافــة الســكان‪ ،‬وأن يتوجــه الجميــع ملــا‬
‫فيــه مصلحــة الوطــن مــن التنميــة واالســتقرار‪ ،‬ف َنــر حواجــز دينيــة فئويــة‬
‫أحــد أســباب تأخــر املجتمــع يف التقــدم والتطــور‪ ،‬وهــذا مــا ســنبحثه يف‬
‫املطلــب الثالــث بحديثنــا عــن التعامــل التجــاري‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التعامل التجاري‬


‫كان الحديــث يف املطلــب الســابق عــن املحيــط القريــب‪ ،‬ويف هــذا املطلــب‬
‫نعالــج موضو ًعــا آخــر أوســع‪ ،‬وهــو التعامــل التجــاري بــن املســلمني وغريهم‪،‬‬
‫‪ - 1‬سورة املائدة؛ اآلية‪.5 :‬‬
‫‪ - 2‬ورشط ذلك عند الفقهاء أن ال يكون فيه تعظيم لشعائرهم‪ .‬ينظر‪ :‬القرايف‪،‬؛ أنوار الربوق‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.15‬‬
‫‪ - 3‬ينظر‪ :‬ابن رشد؛ أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ‪ 520‬ه‪ ،‬البيان والتحصيل والرشح والتوجيه والتعليل‬
‫ملسائل املستخرجة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د محمد حجي وآخرون‪( ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪ 1408 ،2 .‬ه ‪1988 -‬م)‪ ،‬ج‬
‫‪ 2‬ص ‪.212‬‬
‫‪ - 4‬ابن عاشور؛ التحرير والتنوير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.217‬‬

‫‪159‬‬
‫والــذي يعــد مــن أهــم مداخــل التســامح بــن املجتمعــات املختلطــة‪ ،‬ومــن‬
‫املرافــق املهمــة يف حيــاة النــاس‪ ،‬ولــه أهميــة خاصــة؛ ألن األســواق ملتقيــات‬
‫ال كتســاب املعرفــة‪ ،‬والتعــارف والتفاهــم والتقــارب‪ ،‬وترســيخ التســامح‪،‬‬
‫وهــذا مــا يشــر إليــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف قولــه‪َ { :‬ر ِح ـ َم اللَّ ـ ُه‬
‫ـى}(‪.)1‬‬ ‫ـرى‪َ ،‬وإِذَا اقْتَـ َ‬ ‫َر ُجـ ًـا َس ـ ْم ًحا إِذَا بَــاعَ‪َ ،‬وإِذَا اشْ ـ َ َ‬
‫إن إظهــار التســامح يف املجــال االقتصــادي‪ ،‬وخاصــة يف البيــع واالبتيــاع‬
‫والجوانــب التــي تتكــرر كل يــوم‪ ،‬وبيــان هــدي النبــي صــى اللــه عليه وســلم‬
‫يف التعامــل التجــاري مــع غــر املســلمني؛ مــن الوســائل املهمــة لنرش التســامح‬
‫يف املجتمــع‪ ،‬وال ســيّام يف ظــل مــا يــروج لــه بــن األفــراد مــن الدعــوات‬
‫للمقاطعــات االقتصاديــة التــي ال تســتند إىل أصــول رشعيــة‪ ،‬وال نجــد لهــا يف‬
‫الواقــع املعيــش مــا يســاندها؛ ألن املجتمعــات اليــوم أصبحــت منفتحــة عــى‬
‫بعضهــا بعضً ــا‪ ،‬واألســواق مفتوحــة‪ ،‬والســلع تتجــاوز الحــدود‪ ،‬وهنــاك قوانــن‬
‫تنظــم التصديــر واالســترياد‪.‬‬
‫إن الرشيعــة راعــت يف التجــارة بــن املســلمني وغريهــم املنافــع‪ ،‬التــي تعــود‬
‫عــى الجميــع‪ ،‬وتســهم يف تنميتــه املجتمعــات وازدهارهــا‪ ،‬ســواء كانــوا‬
‫مســلمني أو غــر مســلمني‪ ،‬مــا يُحقــق مصالــح النــاس جمي ًعــا‪ ،‬ويعــود عليهم‬
‫وعــى أوطانهــم بالخــر والرفــاه‪ ،‬فأجــازت التعامــل معهــم بالبيــع واالبتيــاع‪،‬‬
‫هدي‬
‫والقــرض‪ ،‬والرهــن وغريهــا مــن وجــوه املعامالت الرشعيــة‪ ،‬وهكــذا كان ُ‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ .‬وإن التشــدد يف هــذا البــاب مــا زال منهجــا‬
‫يتجــدد وتتبنــاه فئــة يف كل عــر ومــر‪ ،‬وهــذا مــا أومــأ إليــه القرطبــي فــرد‬
‫عــى هــذه الطائفــة بقولــه ‪« :‬فهــل يجــوز لنــا معاملتهــم والقــوم قــد أفســدوا‬
‫أموالهــم يف دينهــم أم ال؟ فظنــت طائفــة أن معاملتهــم ال تجــوز‪ ،‬وذلــك ملــا‬
‫يف أموالهــم مــن هــذا الفســاد‪ .‬والصحيــح جــواز معاملتهــم مــع رباهــم‬
‫واقتحــام مــا حــرم اللــه ســبحانه عليهــم‪ ،‬فقــد قــام الدليــل القاطــع عــى ذلــك‬
‫ـب ِحـ ّ‪ٞ‬ـل لَّ ُكــم﴾‬ ‫قرآنــا وســنة‪ ،‬قــال اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وطَ َعــا ُم ٱل َِّذي ـ َن أُوتُــوا ْ ٱل ِكتَٰـ َ‬
‫(‪ .)2‬وهــذا نــص‪ ،‬وقــد عامــل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم اليهــود‪ ،‬ومــات‬

‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2076( :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب السهولة والسامحة يف الرشاء والبيع‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.57‬‬
‫‪ - 2‬سورة املائدة؛ اآلية‪.5 :‬‬

‫‪160‬‬
‫ودرعــه مرهونــة عنــد يهــودي يف شــعري أخــذه لعيالــه(‪ .)1‬والحاســم لــداء‬
‫الشــك والخــاف اتفــاق األمــة عــى جــواز التجــارة مــع أهــل الحــرب‪ ،‬وقــد‬
‫ســافر النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إليهــم تاجـ ًرا‪ ،‬وذلــك أمــر قاطــع عــى‬
‫جــواز الســفر إليهــم والتجــارة معهــم‪ .‬فــإن قيــل‪ :‬كان ذلــك قبــل النبــوة؟‬
‫قلنــا‪ :‬إنــه مل يتدنــس قبــل النبــوة بحـرام‪ -‬ثبــت ذلــك تواتـرا‪ -‬وال اعتــذر عنــه‬
‫إذ بعــث‪ ،‬وال منــع منــه إذ نبــئ‪ ،‬وال قطعــه أحــد مــن الصحابــة يف حياتــه‪ ،‬وال‬
‫أحــد مــن املســلمني بعــد وفاتــه‪ ،‬فقــد كانــوا يســافرون يف فــك األرسى‪ ،‬وذلــك‬
‫واجــب‪ ،‬ويف الصلــح كــا أرســل عثــان وغــره‪ ،‬وقــد يجــب وقــد يكــون ندبــا‪،‬‬
‫فأمــا الســفر إليهــم ملجــرد التجــارة فمبــاح»(‪.)2‬‬
‫وقــد بــوب اإلمــام البخــاري يف صحيحــه بابًــا يذهــب هــذا املذهــب فقــال‪:‬‬
‫ُشكِـ َن َوأَ ْهــلِ ال َحـ ْر ِب»‪ .‬أورد فيــه هــذا الحديــث‬ ‫ـرا ِء َوال َب ْيـعِ َمـ َع امل ْ ِ‬
‫ـاب الـ ِّ َ‬‫«بَـ ُ‬
‫ـي صــى اللــه‬ ‫املــروي عــن عبــد الرحمــن بــن أيب بكــر أنــه قــال‪« :‬كُ َّنــا َمـ َع ال َّن ِبـ ِّ‬
‫ـر ٌك ُمشْ ـ َعا ٌّن طَوِيـ ٌـل ِب َغ َنـ ٍـم يَ ُســوقُ َها‪ ،‬فَقــال‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬ث ُـ َّم َجــا َء َر ُجـ ٌـل ُمـ ْ ِ‬
‫ـي صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬بَيْ ًعــا أَ ْم َع ِطيَّـ ًة؟ ‪ -‬أَ ْو قــال‪ - :‬أَ ْم ِهبَـ ًة}‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫ال َّن ِبـ ُّ‬
‫ـرى ِم ْنـ ُه شَ ــاةً»( )‪ .‬قــال الخطــايب‪« :‬وفيــه مــن ال ِف ْقــه َجــواز‬
‫‪3‬‬
‫الَ‪ ،‬بَـ ْـل بَ ْيـ ٌع‪ ،‬فَاشْ ـ َ َ‬
‫مبايعــة املُــرك»(‪)4‬‬
‫وهــذا الحديــث أصــل يف هــذا البــاب‪ ،‬اســتفاد منــه العلــاء املعاملــة التجارية‬
‫مــع غــر املســلمني‪ ،‬وهــو الجــواز بضوابــط‪ ،‬يقــول ابــن بطــال‪« :‬الـراء والبيع‬
‫مــن الكفــار كلهــم جائــز‪ ،‬إال أن أهــل الحــرب ال يبــاع منهــم مــا يســتعينون به‬
‫عــى إهــاك املســلمني مــن العــدة والســاح‪ ،‬وال مــا يقوون بــه عليهــم»(‪.)5‬‬
‫فدخــل يف التجــارة الجائــزة بيعهــم أمــو ًرا تخــص أعيادهــم‪ ،‬فــإن الفقهــاء قــد‬
‫أجازوهــا‪ ،‬مــا مل يكــن فيهــا تعظيــم لشــعائرهم‪ ،‬ومــن ذلــك مــا ذكــره فقهــاء‬

‫اب َما ِق َيل ِف ِد ْر ِع ال َّنب ِِّي صىل الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2916( :‬كتاب الجهاد والسري‪ ،‬بَ ُ‬
‫َوال َق ِميص ِف ال َح ْر ِب‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 2‬القرطبي؛ الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪.13‬‬
‫ُشكِ َني َوأَ ْهلِ ال َح ْر ِب‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.80‬‬
‫الشا ِء َوال َب ْيعِ َم َع امل ْ ِ‬
‫اب ِّ َ‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2216( :‬كتاب البيوع‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 4‬الخطايب؛ أعالم الحديث‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.1091‬‬
‫‪ - 5‬ابن بطال؛ رشح صحيح البخاري‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪.338‬‬

‫‪161‬‬
‫الحنابلــة مــن أنــه ال مانــع مــن بيــع الكيــك أو الحلــوى لغــر املســلمني يف‬
‫الحفــات الدينيــة أو غريهــا‪ ،‬قــال العالمــة البهــويت يف دقائــق أويل النهــي‪:‬‬
‫«وال يحــرم بيعنــا لهــم أي ألهــل الذمــة فيهــا أي أعيادهــم ألنــه ليــس فيــه‬
‫تعظيــم لهــا»(‪.)1‬‬
‫إن فقــه التســامح مــع غــر املســلمني يف املجــال التجــاري فقــه واســع مــرن‬
‫ومنضبــط‪ ،‬قــاد دفــة التعايــش قرونــا عديــدة‪ ،‬وفتــح دروب التواصــل بــن‬
‫األطــراف‪ ،‬وحقــق مصالــح ومنافــع للجميــع‪ ،‬وأســهم يف التنميــة‪ ،‬وهــذا‬
‫الفقــه قــادر يف هــذا العــر عــى التفاعــل مــع الواقــع مــع االلتـزام بضوابــط‬
‫الرشيعــة‪.‬‬
‫أمــا مــا درج عليــه الفقهــاء مــن التفريــق بــن التجــارة بــن املســلمني وغريهــم‬
‫يف دار اإلســام ودار الحــرب؛ ألن هــذا التقســيم لــأرض مرحــي واســتثنايئ‬
‫خــاص بذلــك الوقــت الــذي كانــت فيــه الحــروب قامئــة‪ ،‬أمــا وقــد انتــر‬
‫وســلِمت‬‫الســلم والســام‪ ،‬واالســتقرار يف األوطــان‪ ،‬وصينــت املمتلــكات‪َ ،‬‬
‫حــدود البلــدان‪ ،‬فــا يســتقيم هــذا التقســيم‪ ،‬ال ســيام يف ظــل وجــود قوانــن‬
‫دوليــة خاصــة بالحــروب‪ ،‬ويلجــأ إليهــا يف أوقــات األزمــات‪ ،‬ولــكل دولــة‬
‫أنظمــة تخصهــا وتحفــظ مصالحهــا‪ ،‬وهــي املرجــع يف مثــل هــذه األمــور‬
‫التجاريــة التــي تتعلــق باإليـراد والتصديــر‪ ،‬والعالقــات الدوليــة «فــدار الحرب‬
‫هــي التــي مل تكــن يف حالــة ســلم مــع الدولــة‪ ،‬وهــذا أمــر طــارئ عــارض‬
‫يبقــى بقيــام حالــة الحــرب وينتهــي بانتهائهــا‪ ،‬فليــس معنــى دار الحــرب ودار‬
‫اإلســام أنهــا يف حالــة عــداء وخصــام مســتمر»(‪.)2‬‬
‫مــا ســبق يتقــرر لدينــا أن أخــاق املســلم توجــب عليــه يف التعامــل مــع‬
‫غــر املســلمني أن يكــون غايــة يف الصــدق واألمانــة والوفــاء والســاحة‪،‬‬
‫وهــذه القيــم كفيلــة ببنــاء مجتمــع متســامح‪ ،‬ولهــذا كان النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يــويص برعايــة هــذا الجانــب يف املعاملــة‪ ،‬ووصيتــه عامــة مــع‬

‫‪ - 1‬البهويت؛ منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهويت الحنبيل ‪ 1051‬ه‪ ،‬دقائق أويل النهى لرشح‬
‫املنتهى املعروف برشح منتهى اإلرادات‪( ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪1414 ،1 .‬ه ‪1993 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.664‬‬
‫‪ - 2‬الزحييل‪ ،‬آثار الحرب يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.195‬‬

‫‪162‬‬
‫املســلمني وغريهــم‪ ،‬ففــي الحديــث عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه‬
‫قــال‪{ :‬أَ ِّد ْالَ َمانَ ـ َة إِ َل َمــنِ ائْتَ َم َنـ َـك‪َ ،‬و َل ت َ ُخ ـ ْن َم ـ ْن َخانَـ َـك}(‪.)1‬‬
‫وهــذا أمــر عــام وتوجيــه نبــوي للعمــل بالعفــو‪ ،‬والدفــع بالتــي هــي أحســن‪،‬‬
‫ولهــذا التعامــل املــوىص بــه آثــاره اإليجابيــة يف املجتمــع‪ ،‬وهــو مــا ســنخصص‬
‫لــه الفصــل املــوايل مربهنــن عــى تلــك اآلثــار بشــواهد تاريخيــة تــدل عليهــا‪.‬‬

‫اب ِف ال َّر ُجلِ يَأْ ُخ ُذ َح َّق ُه َم ْن تَ ْح َت يَ ِد ِه‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.290‬‬


‫‪ - 1‬أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )3534( :‬أبواب اإلجارة‪ ،‬بَ ٌ‬

‫‪163‬‬
‫الفصــل الثــاين‪ :‬شــواهد تاريخيــة عــى تســامح املســلمني‬
‫مــع غريهــم؛ وتحتــه مبحثــان‪:‬‬
‫املبحــث األول‪ :‬الشــواهد التاريخيــة واالجتامعيــة عــى‬
‫تســامح اإلســام مــع غــر املســلمني‪.‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬أحــكام حاميــة أماكــن عبادة غري املســلمني‬
‫يف الرشيعة اإلســامية‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬شواهد تاريخية عىل تسامح املسلمني مع غريهم‬
‫هــذا الفصــل معقــود لدراســة مجموعــة مــن الشــواهد التاريخيــة عــى‬
‫تســامح اإلســام‪ ،‬وقــد قســمته إىل مبحثــن‪ ،‬خصصــت األول منهــا لشــواهد‬
‫تاريخيــة واجتامعيــة عــى تســامح اإلســام‪ ،‬والثــاين لحاميــة أماكــن عبــادة‬
‫غــر املســلمني يف الرشيعــة اإلســامية‪.‬‬

‫املبحــث األول‪ :‬الشــواهد التاريخيــة واالجتامعيــة عــى تســامح اإلســام مــع‬


‫غــر املســلمني‬
‫املطلــب األول‪ :‬شــواهد تاريخيــة واجتامعيــة عــى تســامح اإلســام يف عــر‬
‫النبــوة‪.‬‬
‫إن األســس واألصــول التــي تنظــم عالقــات املســلمني مــع غريهــم‪ ،‬والتــي‬
‫تقدمــت يف الفصــل املــايض؛ كان لهــا أثــر بالــغ يف التعامــل االجتامعــي بــن‬
‫املســلمني ومختلــف الديانــات‪ ،‬خاصــة وأن املبــادئ والقيــم اإلســامية تتميــز‬
‫بكونهــا واقعيــة قابلــة للتطبيــق والتنفيــذ‪ ،‬بــل مل توجــد إال ألجــل العمــل بهــا‬
‫وامتثالهــا‪ ،‬فكانــت منهجــا عمليــا متكامــا‪ ،‬ومل تكــن مجــرد تعليــات تلوكهــا‬
‫األلســن‪ ،‬فأمثــرت مثــارا يانعــة يف املجتمــع باســتقراره‪ ،‬وتآلفــه‪ ،‬وتواصلــه‪،‬‬
‫وهــذه إحــدى ســات القيــم ضمــن منظومــة الســات املتقدمــة والرديفــة‪.‬‬
‫إن أعظــم شــواهد التســامح التاريخيــة يف كيفيــة التعامــل النبــوي مــع غــر‬
‫املســلمني؛ نقتبســها مــن مشــكاة النبــوة‪ ،‬ونقرأهــا يف التاريــخ اإلســامي‪ ،‬وإن‬
‫خــر وثيقــة املدينــة الــذي نقــرأه يف الســرة النبويــة لخــر شــاهد تاريخــي‬
‫أبَـ ِـدي دال عــى عظمــة اإلســام وحكمتــه وســاحته‪.‬‬
‫وهــذه الوثيقــة النبويــة أوردهــا املؤلفون يف الســرة النبوية‪ ،‬وتقدم االســتدالل‬
‫بهــا يف عــدة مواطــن مــن هــذا البحــث‪ .‬ويف هــذا املبحــث سنســتعني بعــدة‬
‫معاهــدات أخــرى تعــد شــواهد عــى العمــل مببــدأ التســامح‪.‬‬
‫مسـلَّ َمة عنــد كثــر مــن‬
‫وأحــب قبــل االستشــهاد بهــذه الوثائــق أن أبــن أنهــا َ‬
‫العلــاء وخاصــة املؤرخــن‪ ،‬الذيــن مل يكونــوا يشــككون فيهــا‪ ،‬وال يبحثــون لهــا‬

‫‪165‬‬
‫عــن إســناد‪ ،‬أو يعاملونهــا معاملــة الحديــث النبــوي؛ ألنهــا وثائــق موثقــة‬
‫مكتوبــة‪ ،‬واملوثــق ال يحتــاج توثيقــا‪ ،‬إضافــة إىل أن معانيهــا ال تخالــف‬
‫عموميــات الرشيعــة‪.‬‬
‫واملنهجيــة التــي ينبغــي اعتامدهــا يف التعامــل مــع هــذه املعاهــدات والوثائق‬
‫املنســوبة لعــر النبــوة والصحابــة‪ ،‬هــي اعتبارها مصــدرا تاريخيــا مهام‪ ،‬دون‬
‫الحاجــة إىل أن نطبــق عليهــا معايــر قبــول الســنة النبويــة‪ ،‬ومــا كان منهــا‬
‫لــه شــاهد مــن األحاديــث النبويــة‪ ،‬يرتقــي لدرجــة االحتجــاج يف األحــكام‪.‬‬
‫أمــا القــول بأنهــا غــر صحيحــة وموضوعــة‪ ،‬فهــذا املنهــج مــن املناهــج التــي‬
‫تُفتــك بالتســامح(‪ .)1‬خاصــة وأن لهــا شــواهد كثــرة مــن فعــل النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم وفعــل أصحابــه ريض اللــه عنهــم‪ ،‬وعمومــات الرشيعــة‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫فليســت الوثيقــة النبويــة هــي الشــاهد الواحــد الداعــم للتســامح يف عــر‬
‫النبــوة‪ ،‬بــل يف الســرة النبويــة أيضً ــا شــواهد أخــرى؛ فعندمــا ظُلــم الصحابــة‬
‫يف مكــة وضُ ِّيــق عليهــم‪ ،‬مل يأمرهــم النبــي صــى اللــه عليــه وســلم باالنتقــام‬
‫واملواجهــة‪ ،‬والــرد عــى الســيئة بالســيئة؛ بــل ســطر صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫شــاهدا آخــر للتســامح عايشــه الصحابــة طــوال حياتهــم‪ ،‬يقتبســون منــه‬
‫الــدروس ويســتنريون بــه ويســتهدون‪ ،‬وذلــك حــن وجــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم صحابتــه إىل الذهــاب للحبشــة وقــال لهــم‪{ :‬إِ َّن ِبـأَ ْر ِض الْ َح َبشَ ـ ِة َملِـكًا‬
‫َل يُظْلَـ ُم أَ َحـ ٌد ِع ْنـ َد ُه‪ ،‬فَال َح ُقــوا ِب ِبـ َـا ِد ِه َحتَّــى يَ ْج َعـ َـل اللـ ُه لَ ُكـ ْم فَ َر ًجــا َو َم ْخ َر ًجــا‬
‫ِمـ َّـا أَنْتُـ ْم ِفيـ ِه}(‪ .)2‬ففــي توجيههــم إىل الخــروج؛ تــاف للحــرب واملواجهــة‪،‬‬
‫ويف إرســالهم إىل الحبشــة وملكهــا النــراين آنــذاك؛ تحقيــق للتعايــش‬
‫والتعــاون مــع اآلخــر كيفــا كان دينــه‪ ،‬وفيــه تأســيس للعالقــات بــن الــدول‬
‫عــى أســاس الســلم والعــدل واالســتقرار‪.‬‬
‫ومل يتوقــف هــذا الشــاهد املؤصــل ملبــدأ التســامح عنــد هــذا الحــد‪ ،‬بــل‬
‫كانــت لــه امتــدادات ت ُبــن أن التســامح مــروع الحيــاة املتجــدد‪ ،‬فلقد أســس‬

‫‪ - 1‬محمد حميد الله؛ مجموعة الوثائق‪ :‬ص ‪.59‬‬


‫‪ - 2‬البيهقي‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ .)17734( :‬كتاب السرية؛ باب اإلذن بالهجرة‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.16‬‬

‫‪166‬‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم والصحابــة دولتهــم‪ ،‬واســتعادوا قوتهــم‪ ،‬وبنــوا‬
‫كيانهــم‪ ،‬فجاءهــم وفــد الحبشــة زائ ـرا وهــم عــى دينهــم‪ ،‬فأكرمهــم النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم وخدمهــم بنفســه‪ ،‬توثيقــا لعــرى التســامح‪ ،‬ف َعـ ْن أَ ِب‬
‫ـي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فَ َقــا َم‬ ‫قَتَــا َدةَ‪ ،‬قــال‪ :‬قَـ ِـد َم َوفْـ ُد ال َّن َجـ ِ ِّ‬
‫ـاش َعـ َـى ال َّن ِبـ ِّ‬
‫ـول اللـ ِه‪ ،‬فقــال عليــه الصــاة‬ ‫يَ ْخ ُد ُم ُهـ ْم‪ ،‬فَقــال أَ ْص َحابُـ ُه‪ :‬نَ ْحـ ُن نَ ْك ِفيـ َـك يَــا َر ُسـ َ‬
‫ـب أَ ْن أُكَا ِفئَ ُهـ ْم} ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ـاب ُم ْك ِر ِمـ َن‪ ،‬فَـ ِإ ِّن أُ ِحـ ُّ‬ ‫والســام‪{ :‬إِنَّ ُهـ ْم كَانُــوا ِلَ ْص َحـ ِ‬
‫إن قيــم التســامح إذا تجــذرت يف النفــوس؛ ال متــوت مهــا طــال الزمــن‪،‬‬
‫والتســامح الــذي ِســمته التبــادل بــن الطرفــن أقــوى أنــواع التســامح؛ ألنــه‬
‫ناشــئ عــن التقديــر واالحـرام‪ ،‬واالعـراف باآلخــر وفضلــه وإحســانه‪ ،‬فكانــت‬
‫املكافــأة جـزاء إلحســانهم‪ ،‬يف برهــان واضــح‪ ،‬عــى أن منهــج التســامح يــؤيت‬
‫مثــاره ويبنــي مجتمعــات متواصلــة ولــو تباعــدت جغرافيــا‪ ،‬وينقــي القلــوب‬
‫مــا بهــا مــن األحقــاد واألدواء‪.‬‬
‫ويف الســرة النبويــة نجــد قصــص الوفــود املتعــددة‪ ،‬الــواردة عــى املدينــة‬
‫املنــورة؛ مــن الشــواهد التاريخيــة الثابتــة‪ ،‬التــي تحمــل لنــا دروســا وأرسارا‬
‫يف التســامح‪ ،‬فــكان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يســتقبلهم‪ ،‬ويكرمهــم‪،‬‬
‫ويحاورهــم‪ ،‬وهــذه الوقائــع مــن أهــم املصــادر الرثيــة إلرســاء التســامح‬
‫الدينــي يف اإلســام‪ ،‬ومــن أكــر وقائعهــا أثـرا؛ قــدوم وفــد نجـران‪ ،‬والســاح‬
‫لهــم مبامرســة صالتهــم وعبادتهــم يف مســجد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم؛‬
‫فقــد أورد البيهقــي مــن روايتــه عــن ابــن إســحاق يف الســرة النبويــة هــذه‬
‫ــد ِّي‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫القصــة املشــهورة يقــول‪َ :‬ح َّدث َ ِنــي ُم َح َّمــ ُد بْــ ُن َج ْعفَــ ِر بْــنِ ال َّن ِ‬
‫لَـ َّـا قَـ ِـد َم َوفْ ـ ُد نَ ْج ـ َرا َن َعـ َـى َر ُســو ِل الل ـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم َد َخلُــوا‬
‫ـت َص َلتُ ُهـ ْم‪ ،‬فَقَا ُمــوا يُ َصلُّــو َن ِف َم ْسـج ِِد ِه‪،‬‬ ‫ـر‪ ،‬فَ َحانَـ ْ‬ ‫َعلَ ْيـ ِه َم ْسـ ِج َد ُه بَ ْعـ َد الْ َعـ ْ ِ‬
‫ـول اللـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪َ { :‬د ُعو ُهـ ْم‪،‬‬ ‫ـاس َم ْن َع ُهـ ْم‪ ،‬فَقــال َر ُسـ ُ‬ ‫فَـأَ َرا َد ال َّنـ ُ‬
‫ـر َق ف ََصلُّــوا َص َلتَ ُه ـ ْم}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ف َْاس ـتَ ْقبَلُوا الْ َمـ ْ ِ‬

‫ُس ْوجِردي الخراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي ‪ 458‬ه‪ ،‬شعب اإلميان‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪ - 1‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسني بن عيل بن موىس الخ ْ َ‬
‫الدكتور عبد العيل عبد الحميد حامد‪( ،‬مكتبة الرشد للنرش والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1423 ،1 .‬ه ‪2003 -‬م)‪ ،‬باب رد السالم؛‬
‫ِالص َنائِعِ‪ ،‬ج ‪ 11‬ص ‪ 381‬رقم ‪.8704‬‬ ‫ف َْص ٌل ِف الْ ُمكَافَأَ ِة ب َّ‬
‫باب َوف ِْد نَ ْج َرا َن َوشَ َها َد ِة الْ َ َسا ِق َف ِة لِنبينا محمد صىل الله عليه وسلم‬
‫‪ - 2‬البيهقي‪ ،‬دالئل النبوة‪ ،‬كتاب جامع وفود العرب‪ُ ،‬‬
‫ِبأَنَّ ُه ال َّنب ُِّي ال َِّذي كَانُوا يَ ْنتَ ِظ ُرونَهُ‪ .‬ج ‪ 5‬ص ‪.382‬‬

‫‪167‬‬
‫ويف وقائــع الوفــود أيضً ــا نجــد قصــة وفــد دوس التــي دلــت عــى رفــق النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم بالخلــق‪ ،‬ومــا يحملــه للنــاس كافــة مــن الرحمــة‬
‫والخــر والهدايــة‪ ،‬فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه أنــه قــال‪ :‬قَـ ِـد َم طُ َفيْـ ُـل‬
‫ـي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فَقالــوا‪:‬‬ ‫س َوأَ ْص َحابُـ ُه‪َ ،‬عـ َـى ال َّن ِبـ ِّ‬‫بْـ ُن َع ْمـرٍو الـ َّد ْو ِ ُّ‬
‫ـت‬‫ـت‪ ،‬فَــا ْد ُع اللَّـ َه َعلَ ْي َهــا‪ ،‬فَ ِقيـ َـل‪َ :‬هلَ َكـ ْ‬ ‫ـت َوأَبَـ ْ‬ ‫ـول اللَّـ ِه‪ ،‬إِ َّن َد ْو ًســا َع َصـ ْ‬
‫يَــا َر ُسـ َ‬
‫َد ْو ٌس‪ ،‬قــال‪{ :‬اللَّ ُه ـ َّم ا ْهـ ِـد َد ْو ًســا َوأْ ِت ِب ِه ـ ْم}( )‪ .‬وقــد بــوب البخــاري لهــذا‬
‫‪1‬‬

‫شكِــ َن بِال ُهــ َدى لِيَتَأَلَّ َف ُهــ ْم»(‪ .)2‬فــكان‬ ‫ــاب ال ُّد َعــا ِء لِلْ ُم ْ ِ‬
‫الحديــث بقولــه‪« :‬بَ ُ‬
‫التآلــف والتســامح هــو املقصــد الــذي يرجــوه النبــي ألعدائــه‪ ،‬ال هالكهــم‬
‫وإبعادهــم‪ ،‬يقــول ابــن بطــال‪« :‬كان الرســول يحــب دخــول النــاس يف اإلســام‪،‬‬
‫فــكان ال يعجــل بالدعــاء عليهــم مــا دام يطمــع يف إجابتهــم إىل اإلســام‪ ،‬بــل‬
‫كان يدعــو ملــن كان يرجــو منــه اإلنابــة»(‪.)3‬‬
‫ويف واقعــة أخــرى مــن وقائــع الوفــود الشــاهدة عــى التســامح الدينــي يف‬
‫اإلســام؛ نجــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يحــاور مــن خالفــه‪ ،‬ويصــر‬
‫عليــه مــع شــدة املحــاور وغلظتــه‪ ،‬ويجيبــه صــى اللــه عليــه وســلم بحكمــة‬
‫ـت بَ ُنــو‬‫ورفــق‪ ،‬ففــي حديــث عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬بَ َعثَـ ْ‬
‫َس ـ ْع ِد بْــنِ بَ ْك ـ ٍر ِضـ َـا َم بْ ـ َن ث َ ْعلَ َب ـ َة َوا ِف ـ ًدا إِ َل َر ُســو ِل الل ـ ِه صــى اللــه عليــه‬
‫ـاب الْ َم ْسـج ِِد‪ ،‬ثُـ َّم َع َقلَـ ُه‪ ،‬ثُـ َّم َد َخـ َـل‬‫وســلم‪ ،‬فَ َقـ ِـد َم َعلَيْـ ِه‪َ ،‬وأَنَــا َخ بَ ِعـ َر ُه َعـ َـى بَـ ِ‬
‫ـس ِف أَ ْص َحا ِب ـ ِه‪َ ،‬وكَا َن‬ ‫ـول الل ـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم َجالِـ ٌ‬ ‫الْ َم ْس ـ ِج َد‪َ ،‬و َر ُسـ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِضـ َـا ٌم َر ُجـ ًـا َجلْ ـ ًدا أشْ ـ َع َر ذَا غ َِدي َرتَـ ْـنِ( )‪ ،‬فَأقْ َبـ َـل َحتَّــى َوقَـ َـف َعـ َـى َر ُســو ِل‬
‫‪4‬‬

‫ـب‪،‬‬ ‫اللـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪ِ ،‬ف أَ ْص َحا ِبـ ِه فَقــال‪ :‬أَيُّ ُكـ ُم ابْـ ُن َع ْبـ ِـد الْ ُمطَّلِـ ِ‬
‫ـب}‪ ،‬قــال‬ ‫ـول الل ـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬أَنَــا ابْـ ُن َعبْـ ِـد الْ ُمطَّلِـ ِ‬ ‫فَقــال َر ُسـ ُ‬
‫ـب‪ ،‬إِ ِّن َســائِل َُك َو ُمغل ـ ٌظ ِف‬ ‫ُم َح َّم ـ ٌد؟ قــال‪{ :‬نَ َع ـ ْم}‪ ،‬فَقــال‪ :‬ابْ ـ َن َعبْـ ِـد الْ ُمطَّلِـ ِ‬

‫شكِ َني بِال ُهدَى لِ َيتَأَلَّ َف ُه ْم‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.44‬‬


‫اب ال ُّد َعا ِء لِلْ ُم ْ ِ‬
‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2937( :‬كتاب الجهاد والسري‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬ابن بطال؛ رشح صحيح البخاري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 4‬الغديرتان‪ :‬الذؤابتان اللتان تسقطان عىل الصدر‪ ،‬قال ابن األثري‪( :‬هي الذوائب‪ ،‬واحدتها‪ :‬غديرة‪ .‬ومنه حديث ضامم‬
‫«كان رجال جلدا أشعر ذا غديرتني»‪ ).‬ابن األثري‪ ،‬النهاية‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ .345‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.10‬‬

‫‪168‬‬
‫ـي‪ ،‬ف ََسـ ْـل َعـ َّـا بَ ـ َدا‬ ‫الْ َم ْس ـأَلَ ِة‪ ،‬فَــا ت َ ِج ـ َد َّن ِف نَف ِْسـ َـك‪ ،‬قــال‪{َ :‬ل أَ ِج ـ ُد ِف نَ ْفـ ِ‬
‫ـى ِمـ ْن َذلِـ َـك الْ َيـ ْو ِم َو ِف َحـ ِ ِ‬
‫ـاض ِه َر ُجـ ٌـل‬ ‫لَـ َـك}… ‪ -‬ويف آخــره – فَـ َو اللـ ِه َمــا أَ ْمـ َ‬
‫َــا َســ ِم ْع َنا ِب َوا ِف ِ‬
‫ــد قَــ ْو ٍم‬ ‫ــاس‪« :‬ف َ‬ ‫ُــول ابْــ ُن َعبَّ ٍ‬‫َوال ا ْمــ َرأَ ٌة إِال ُم ْســلِ ًم قــال‪ :‬يَق ُ‬
‫كَا َن أَفْضَ ـ َـل ِم ـ ْن ِضـ َـا ِم بْــنِ ث َ ْعلَ َب ـ َة»(‪ .)1‬لقــد طبــق النبــي التســامح عمليــا‪،‬‬
‫بواســطة حــوار منطقــي واضــح‪ ،‬بأســلوب راق وهــادئ‪ ،‬ســمته اإلنصــات‬
‫واالعــراف باآلخــر‪ ،‬فظهــرت نتيجتــه‪ ،‬وأينعــت مثرتــه‪ ،‬ففتــح اللــه تعــاىل‬
‫قلــوب هــذا الوفــد بأكملــه‪.‬‬
‫كل تلــك الشــواهد مــن الســرة النبويــة ال ترتقــي إىل عظمــة مواقــف النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم مــع أهــل مكــة الذيــن آذوه أشــد اإليــذاء‪ ،‬يف‬
‫نفســه‪ ،‬وأهلــه‪ ،‬وأرستــه‪ ،‬وعشــرته‪ ،‬مــدة تزيــد عــن عقــد كامــل مــن الزمــن‪،‬‬
‫وأخرجــوه مــن أحــب البــاد إليــه‪ ،‬إال أن مبــادرة التســامح تبقــى هــي األصــل‬
‫يف التعامــل النبــوي مــع أعدائــه؛ فعندمــا أصابــت قريشــا ســنة قحطــاء حــن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إىل وطنــه‪ ،‬فلــم يــرك قريشــا لنوائــب الزمــن‬
‫وحوادثــه‪ ،‬بــل أغاثهــم وســاعدهم عــى تجــاوز مــا نــزل بهــم مــن القحــط‪،‬‬
‫ماحيــا بتســامحه مــا يف الذاكــرة مــن املــآيس املغروســة فيهــا‪ ،‬والتــي قــد ال‬
‫تســهم ُمــدد التاريــخ –لــوال التســامح‪ -‬يف محوهــا؛ يقــول محمــد بــن الحســن‬
‫الشــيباين‪« :‬وبعــث رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم خمســمئة دينــار إىل‬
‫مكــة حــن قحطــوا‪ ،‬وأمــر بدفــع ذلــك إىل أيب ســفيان بــن حــرب‪ ،‬وصفــوان‬
‫بــن أميــة‪ ،‬ليفرقــا عــى فقـراء أهــل مكــة»(‪.)2‬‬
‫وتتكــرر شــواهد التســامح مــع أهــل مكــة مــرة بعــد أخــرى؛ مــا يؤكــد‬
‫أن جــال هــذه القيمــة يف تجددهــا‪ ،‬وكاملهــا يف اســتدامتها‪ ،‬فــكان شــاهد‬
‫التســامح هــذه املــرة يف أعظــم موطــن‪ ،‬أمــام بيــت اللــه الحـرام‪ ،‬يقــول النبــي‬

‫‪ - 1‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ ،)2380( :‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،210‬وصححه الحاكم‪ ،‬املستدرك‪ ،‬رقم‪ )4434( :‬كتاب املغازي والرسايا‪ ،‬ج ‪ 5‬ص‬
‫‪.213‬‬
‫‪ - 2‬الرسخيس محمد بن أحمد بن أيب سهل شمس األمئة ‪483‬هـ (الرشكة الرشقية لإلعالنات‪1971 :‬م)‪ ،‬رشح السري الكبري‪،‬‬
‫ص ‪.96‬‬

‫‪169‬‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم لقريــش بعــد أن اســتمكن منهــم يــوم فتــح مكــة‪:‬‬
‫{ا ْذ َه ُبــوا فَأَنْتُ ـ ُم الطُّلَ َقــا ُء}(‪.)1‬‬
‫إن الــدرس الــذي ميكــن اســتفادته مــن هــذه الشــواهد املبكــرة للتســامح يف‬
‫العــر النبــوي؛ أن التســامح كان لــه الــذروة العليــا يف عــر اإلســام األول‪،‬‬
‫وهــذا مــا يظهــر يف املطلــب الثــاين املتعلــق بشــواهد التســامح يف عــر‬
‫الصحابــة‪.‬‬

‫املطلــب الثــاين‪ :‬شــواهد تاريخيــة واجتامعيــة عــى تســامح اإلســام يف عهــد‬


‫الصحابــة رضــوان اللــه عليهــم ومــن بعدهــم‬
‫إضافــة إىل األصــول الدينيــة املؤسســة لقيــم التســامح‪ ،‬وأحــداث الســرة‬
‫النبويــة التــي كانــت ســجال ح ًّيــا لتطبيــق هــذه القيــم عمل ًّيــا؛ يواجهنــا يف‬
‫التاريــخ اإلســامي شــواهد كثــرة عــى اســتمرار العمــل بقيــم التســامح بعــد‬
‫عــر النبــوة‪ ،‬حيــث س ـ ّجل الصحابــة ريض اللــه عنهــم ومــن بعدهــم أروع‬
‫الصــور يف إقامــة قيــم التســامح االجتامعــي‪ ،‬والدينــي‪ ،‬والثقــايف بــن املســلمني‬
‫وغريهــم‪ ،‬فقــد جــرى يف عهــد الصحابــة بعــد تأســيس املدينــة النبويــة‬
‫وتوســعها واختالطهــا بغــر املســلمني؛ وقائــع عديــدة‪ ،‬مقتبســة مــن مشــكاة‬
‫النبــوة‪ ،‬نذكــر هنــا بعضهــا‪.‬‬
‫ففــي عهــد عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه ُولــدت وثيقــة‪ ،‬تعــد توأم ـاً‬
‫لوثيقــة املدينــة املنــورة‪ ،‬لتربهــن عــى املنهــج الفريــد للتعايــش مــع غــر‬
‫املســلمني‪ ،‬وهــي الوثيقــة املشــهورة بالعهــدة العمريــة‪ ،‬والتــي أعطــت‬
‫اليهــود والنصــارى األمــان‪ ،‬واعرتفــت بديانتهــم ومعابدهــم‪ ،‬وكفلــت لهــم‬
‫حريــة تدينهــم‪ ،‬فقــد كان التأكيــد فيهــا عــى حاميــة معابــد غــر املســلمني‪،‬‬
‫وعــدم اإلكــراه أو املضــارة يف الديــن؛ ومــا جــاء يف هــذه الوثيقــة‪« :‬هــذا‬
‫مــا أعطــى عبــد اللــه أمــر املؤمنــن أهــل إيليــاء مــن األمــان؛ أعطاهــم أمانًــا‬

‫‪ - 1‬البيهقي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب فتح مكة حرسها الله تعاىل‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪ 199‬رقم ‪ .18276‬وحكم الحافظ ابن حجر‬
‫عىل إسناده بأنه حسن‪ ،‬فتح الباري‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.18‬‬

‫‪170‬‬
‫ألنفســهم وأموالهــم‪ ،‬ولكنائســهم وصلبانهــم؛ أنــه ال تســكن كنائســهم‪ ،‬وال‬
‫تهــدم‪ ،‬وال ينتقــص منهــا‪ ،‬وال مــن حيزهــا‪ ،‬وال مــن صليبهــم‪ ،‬وال مــن يشء‬
‫مــن أموالهــم‪ ،‬وال يكرهــون عــى دينهــم‪ ،‬وال يضــار أحــد منهــم‪ ،‬وال يســكن‬
‫إيليــاء معهــم أحــد مــن اليهــود… عــى مــا يف هــذا الكتــاب عهــد اللَّــه وذمــة‬
‫رســوله وذمــة الخلفــاء وذمــة املؤمنــن إذا أعطــوا الــذي عليهــم مــن الجزيــة‪.‬‬
‫شــهد عــى ذلــك خالــد بْــن الوليــد‪ ،‬وعمــرو بْــن العــاص‪ ،‬وعبــد الرحمــن بْــن‬
‫عــوف‪ ،‬ومعاويــة بْــن أيب ســفيان وكتــب وحــر ســنة خمــس عــرة»(‪.)1‬‬
‫فهــذا مثــال رائــع‪ ،‬ودليــل واقــع‪ ،‬عــى أن اإلســام مل يكــن يو ًمــا مــن األيــام‬
‫متشــوفًا للقضــاء عــى غــر املســلمني‪ ،‬بــل كان يحميهــم‪ ،‬ويوفــر لهــم جميــع‬
‫مــا يحقــق لهــم الســلم واألمــان‪ ،‬وذلــك النهــج وتلــك املبــادئ هــي التســامح‬
‫الــرف الــذي نربهــن عــى أصالتــه يف هــذ البحــث‪.‬‬
‫وكان عــر عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه مــن العصــور التــي نجــد فيهــا‬
‫منــاذج متواتــرة يف ترســيخ التســامح‪ ،‬ســواء مــن خــال تعاملــه مــع أهــل‬
‫الكتــاب وحفــظ حقوقهــم‪ ،‬أو إب ـرام املعاهــدات معهــم واح ـرام معابدهــم‪،‬‬
‫أو إقامــة العــدل بينهــم وبــن املســلمني‪.‬‬
‫وهنــا نســتحرض رفــض عمــر ريض اللــه عنــه الصــاة يف كنيســة القيامــة؛‬
‫ألجــل أال تؤخــذ مــن أصحابهــا بعـ ُد وتتخــذ مصــى بعلــة أن عمــر قــد صــى‬
‫فيهــا؛ فقــد «دخــل عمــر بــن الخطــاب بيــت املقــدس‪ ،‬وجــاء كنيســة القيامــة‬
‫فجلــس يف صحنهــا‪ ،‬وحــان وقــت الصــاة فقــال للبــرك‪ :‬أريــد الصــاة‪ ،‬فقــال‬
‫لــه‪ :‬صـ ّـل موضعــك‪ ،‬فامتنــع وصـ ّـى عــى الدرجــة التــي عــى بــاب الكنيســة‬
‫منفــر ًدا‪ ،‬فلـ ّـا قــى صالتــه‪ ،‬قــال للبــرك‪ :‬لــو صليــت داخــل الكنيســة أخذهــا‬
‫املســلمون بعــدي وقالــوا‪ :‬هنــا صــى عمــر»(‪ .)2‬وهــذا املوقف االســترشايف من‬
‫ســيدنا عمــر ريض اللــه عنــه فيــه عــدة دالالت عــى العمــل مببــدأ التســامح؛‬

‫‪ - 1‬ابن الجوزي؛ جامل الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عيل بن محمد الجوزي ‪ 597‬ه‪ ،‬املنتظم يف تاريخ األمم وامللوك‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬مصطفى عبد القادر عطا – (دار الكتب العلمية – بريوت – ط‪1412 ،1 .‬ه ‪1992 -‬م)‪ ،‬ج‬
‫‪ 3‬ص ‪ .609‬ومحمد حميد الله؛ مجموعة الوثائق‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫‪ - 2‬ابن خلدون؛ عبد الرحمن بن محمد بن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬الجزء األول من كتاب العرب وديوان املبتدأ‬
‫والخرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬املسترشق الفرنيس كاترمري‪( ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بريوت)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.268‬‬

‫‪171‬‬
‫لعــل أبرزهــا أن مــروع التســامح ليــس مرشو ًعــا لحظ ًّيــا‪ ،‬وإمنــا هــو مــروع‬
‫مســتدام‪ ،‬فعمــر ريض اللــه عنــه مل ميتنــع عــن الصــاة يف الكنيســة ألمــر‬
‫دينــي‪- ،‬وهــذا أيضــا لــه داللتــه‪ -‬وإمنــا كان منــه ذلــك لــرأي رآه‪ ،‬ونظــرة‬
‫مســتقبلية اســترشفها‪ ،‬بقصــد حاميــة دار العبــادة املســيحية‪.‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة هنــا إىل أن جمهــور أهــل العلــم عــى جــواز الصــاة يف‬
‫الكنيســة‪ ،‬يقــول ابــن قدامــة‪« :‬فصــل‪ :‬وال بــأس بالصــاة يف الكنيســة النظيفة‪،‬‬
‫رخــص فيهــا الحســن‪ ،‬وعمــر بــن عبــد العزيــز‪ ،‬والشــعبي‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وســعيد‬
‫بــن عبــد العزيــز‪ ،‬وروي أيضــا عــن عمــر‪ ،‬وأيب مــوىس‪ ،‬وكــره ابن عبــاس ومالك‬
‫الكنائــس؛ مــن أجــل الصــور‪ .‬ولنــا أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم صــى‬
‫يف الكعبــة وفيهــا صــور‪ ،‬ثــم هــي داخلــة يف قولــه عليــه الســام‪{ :‬فأينــا‬
‫أدركتــك الصــاة فصــل‪ ،‬فإنــه مســجد}»(‪.)1‬‬
‫ويف معاهــدة أخــرى مــن تلــك املعاهــدات الكثــرة التــي ســجلها التاريــخ‬
‫اإلســامي نقــف عــى شــاهد آخــر للتســامح‪ ،‬مــع قائــد من قــادات املســلمني‪،‬‬
‫إنــه خالــد بــن الوليــد‪ ،‬وهــذا الشــاهد يحفــظ لغــر املســلمني حقهــم يف أداء‬
‫شــعائرهم الدينيــة‪ ،‬وينظــم ذلــك تنظيـ ًـا دقي ًقــا‪ ،‬مبــا ال يتنــاىف مــع أوقــات‬
‫عبــادات املســلمني‪ ،‬يقــول أبــو يوســف عــن فتوحــات خالــد بــن الوليــد يف‬
‫الشــام‪« :‬وقــد كان مــر ببــاد عانــات‪ ،‬فخــرج إليــه بطريقهــا‪ ،‬فطلــب الصلــح‪،‬‬
‫فصالحــه وأعطــاه مــا أراد‪ ،‬عــى أن ال يهــدم لهــم بِي َعــة وال كنيســة‪ ،‬وعــى‬
‫أن يرضبــوا نواقيســهم يف أي ســاعة شــاءوا مــن ليــل أو نهــار‪ ،‬إال يف أوقــات‬
‫الصلــوات‪ ،‬وعــى أن يخرجــوا الصلبــان يف أيــام عيدهــم»(‪.)2‬‬
‫إن ســمة التســامح يف عــر الصحابــة ارتبطــت ارتباطًــا وثيقًا بأســس التســامح‬
‫التــي تقدمــت‪ ،‬فــكان أحــد مظاهــره هــو املعاهــدات واملواثيــق والصلــح بــن‬
‫املســلمني وغريهــم؛ ويف اإلقــدام عــى ذلــك ترســيخ للتســامح وال شــك أن‬
‫التســامح يف حاجــة ملــا يوثقــه ويحفــظ لــه قداســته‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن قدامة؛ أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة املقديس ثم الدمشقي الحنبيل‪ ،‬الشهري بابن‬
‫قدامة املقديس ‪ 620‬ه‪ ،‬املغني‪( ،‬مكتبة القاهرة‪1388 ،‬ه ‪1968 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.57‬‬
‫‪ - 2‬أبو يوسف؛ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة األنصاري ‪ 182‬ه‪ ،‬الخراج‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد‬
‫الرؤوف سعد‪ ،‬سعد حسن محمد‪( ،‬املكتبة األزهرية للرتاث‪ .‬ومحمد حميد الله؛ مجموعة الوثائق‪ ،‬ص ‪ ،)387‬ص ‪.160‬‬

‫‪172‬‬
‫ويف عــر الصحابــة ازدهــر التســامح ومل يتقهقــر‪ ،‬بــل نضــج واكتمــل‪ ،‬مــا‬
‫يؤكــد مــا تقدمــت اإلشــارة إليــه‪ ،‬مــن أن التســامح يف اإلســام ولــد كامـ ًـا‪ ،‬ثــم‬
‫ظــل يتقلــب بــن نقصــان وزيــادة‪ ،‬وال غــرو أن يكــون مــن عصــوره املزدهــرة‬
‫عــر الصحابــة‪ ،‬فهــو مــن العصــور الفاضلــة والقــرون املفضلــة‪ ،‬التــي شــهد‬
‫لهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بالخرييــة‪.‬‬
‫ويف باقــي العصــور املســلمة األخــرى يف مختلــف مراحــل التاريــخ اإلســامي‬
‫وفرتاتــه املتالحقــة‪ ،‬كانــت وقائــع التســامح موجــودة‪ ،‬وشــواهده حــارضة‪،‬‬
‫بــل ميكــن القــول إنــه تحــول إىل مبــدأ حضــاري إســامي‪ ،‬وبقيــت حضــارة‬
‫التســامح مســتمرة مــع األمــة اإلســامية يتوارثهــا األصاغــر عــن األكابــر‪ ،‬وكلــا‬
‫كان إلفــا وعــادة اضمحــل واندثــر‪ ،‬واحتــاج إىل مــن يبعــث فيــه الحيــاة‪.‬‬
‫ولقــد كان للعلــاء دور يف رعايــة حقــوق غــر املســلمني‪ ،‬والســعي عنــد‬
‫األمـراء والوجهــاء يف ســبيل صونهــا؛ تعزيـزا لقيــم التســامح‪ ،‬وممــن شــهد لــه‬
‫التاريــخ بذلــك اإلمــام أبــو يوســف‪ ،‬الــذي مــا زالــت وصيتــه خالــدة‪ ،‬ومواقفــه‬
‫عــى أثــر العلــاء التاريخــي يف ترســيخ التســامح بــن اإلنســانية شــاهدة‪ ،‬فقد‬
‫عقــد رحمــه اللــه بابــا يف الوصيــة للحاكــم يقــول فيــه‪« :‬الوصــاة بأهــل الذمــة‬
‫وعقــاب مــن أســاء إليهــم‪ :‬قــال أبــو يوســف‪ :‬وقــد ينبغــي يــا أمــر املؤمنــن‬
‫أيــدك اللــه أن تتقــدم يف الرفــق بأهــل ذمــة نبيــك وابــن عمــك محمــد صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬والتفقــد لهــم حتــى ال يظلمــوا‪ ،‬وال يــؤذوا‪ ،‬وال يكلفــوا‬
‫فــوق طاقتهــم‪ ،‬وال يؤخــذ يشء مــن أموالهــم إال بحــق يجــب عليهــم؛ فقــد‬
‫روي عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪{ :‬مــن ظلــم معاهــدا‬
‫أو كلفــه فــوق طاقتــه فأنــا حجيجــه}(‪.)2(»)1‬‬
‫ومــن الشــواهد التاريخيــة عــى مشــاركة العلــاء يف تعزيــز التســامح؛ مــا‬
‫ذكــره املقريــزي وهــو يصــف حــال مــر يف امليــاد‪ ،‬ومــا أدركــه مــن مشــاركة‬
‫النــاس يف االحتفــال بــه فيقــول‪« :‬وأدركنــا امليــاد بالقاهــرة ومــر‪ ،‬وســائر‬
‫جليــا‪ ،‬يبــاع فيــه مــن الشــموع املزهــرة باألصبــاغ‬ ‫ً‬ ‫موســا‬
‫ً‬ ‫إقليــم مــر‬

‫اب ِف تَ ْع ِشريِ أَ ْهلِ ال ِّذ َّم ِة إِذَا ا ْختَلَفُوا بِالتِّ َجا َر ِ‬


‫ات‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.170‬‬ ‫‪ - 1‬أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )3052( :‬كتاب الخراج‪ ،‬بَ ٌ‬
‫‪ - 2‬أبو يوسف؛ الخراج‪ :‬ص ‪.138‬‬

‫‪173‬‬
‫املليحــة‪ ،‬والتامثيــل البديعــة بأمــوال ال تنحــر‪ ،‬فــا يبقــى أحــد مــن النــاس‬
‫أعالهــم وأدناهــم حتــى يشــري مــن ذلــك ألوالده وأهلــه‪ ،‬وكانــوا يســمونها‪:‬‬
‫الفوانيــس‪ ،‬واحدهــا فانــوس‪ ،‬ويعلقــون منهــا يف األســواق بالحوانيــت شــيئا‬
‫يخــرج عــن الحـ ّد يف الكــرة واملالحــة‪ ،‬ويتنافــس النــاس يف املغــاالة يف أمثانهــا‪،‬‬
‫حتــى لقــد أدركــت شــمعة عملــت فبلــغ مرصوفهــا ألــف درهــم وخمســائة‬
‫درهــم فضــة‪ ،‬عنهــا يومئــذ مــا ينيــف عــى ســبعني مثقــاال مــن الذهــب»(‪.)1‬‬
‫ففــي هــذا النــص وأمثالــه وصــف ملــا كانــت عليــه املجتمعــات املســلمة‬
‫يف معظــم ف ـرات التاريــخ بعلامئهــا وســائر أف ـراد مجتمعهــا مــن التعايــش‬
‫والتســامح مــع اآلخــر‪ ،‬واعتبــاره جــز ًءا مــن املجتمــع مبشــاركته يف أفراحــه‬
‫وآالمــه‪ ،‬ومل تكــن آنــذاك تلــك الحواجــز املفتعلــة التــي اســتطاعت أن ترســخ‬
‫البغضــاء والكراهيــة تجــاه اآلخــر‪ ،‬دون ضبــط لتلــك املشــاركة بالتمييــز بــن‬
‫مــا هــو مــن بــاب التعظيــم‪ ،‬أو مــن بــاب العــادات التــي يجــري بهــا العمــل‬
‫يف املجتمعــات املســلمة‪.‬‬
‫إن الشــواهد التاريخيــة عــى التســامح كثــرة جـ ًّدا‪ ،‬وهــي متناثــرة يف مختلف‬
‫األعصــار واألمصــار‪ ،‬تقــل تــارة وتكــر أخــرى‪ ،‬ثــم إنهــا تتنــوع بــن مــا هــو‬
‫دينــي وثقــايف واجتامعــي‪ ،‬وقــد امتــدت ظاللهــا لتشــمل جميــع املياديــن‬
‫واملجــاالت املختلفــة‪ ،‬وتتســع لتشــمل حقــوق غــر املســلمني املعنويــة‬
‫واملاديــة كافــة‪ ،‬بــدءا مــن توظيفهــم يف أعــى الوظائــف؛ مــرو ًرا بالســاح‬
‫لهــم باملامرســة الدينيــة الكاملــة‪ ،‬وانتهــاء بحاميــة دينهــم ودور عبادتهــم‪،‬‬
‫يقــول الســر تومــاس(‪« :)2‬ح ًقــا إن الكنيســة املســيحية قويــت وتقدمــت يف‬
‫رعايــة املســلمني وحكمهــم‪ ،‬فلــم يحــل الحكــم اإلســامي بينهــا وبــن اإلنعاش‬
‫والرقــي‪ ،‬بــل إن النصــارى مل تنفجــر فيهــم الحميــة والحامســة الدينيــة ﺇﻻ‬

‫‪ - 1‬املقريزي؛ أحمد بن عيل بن عبد القادر‪ ،‬أبو العباس الحسيني العبيدي‪ ،‬تقي الدين املقريزي ‪ 845‬ه‪ ،‬املواعظ واالعتبار‬
‫بذكر الخطط واآلثار‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - 2‬السري توماس أرلوند عامل ومؤرخ عاش يف القاهرة ‪ ،‬قادما من أوربا وتعلم العربية والفارسية‪ ،‬وألف كتبا كثرية‬
‫يف التاريخ والثقافة والفن اإلسالمي‪ ،‬إىل أن تويف سنة‪1930 :‬م‪ .‬سري توماس أرلوند‪ ،‬الدعوة إىل اإلسالم (بحث يف تاريخ‬
‫نرش العقيدة اإلسالمية‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬د‪ .‬عبد املجيد عابدين‪ ،‬إسامعيل النحراوي‪( ،‬مكتبة النهضة‬
‫املرصية‪،‬ط‪1971 ،2‬م)‪ ،‬ص ‪.6‬‬

‫‪174‬‬
‫ﺒﻌﺩ ﺃﻥ دخلــوا ﻲﻓ ﺤﻜﻡ ﺍﻤﻟﺴﻠﻤﻴﻥ‪ ،‬مبــا ال عهــد لهــم بــه مــن قبــل‪ ،‬ﻓﻨﺸﺭﻭﺍ‬
‫ﺍﻤﻟﺴﻴﺤﻴﺔ ﺘﺤﺕ رايــة اإلســام‪ ،‬وبلغــوا بدعوتهــم الصــن والهنــد تحــت حاميــة‬
‫الخلفــاء»(‪.)1‬‬
‫وبقيــم التســامح التــي تعــر عــن نفســها باألفعــال‪ ،‬ومتتــاز عــن غريهــا‬
‫بالتعامــل مــع اآلخــر باحــرام وتضمــن لــه حريــة املعتقــد‪ ،‬وال تكرهــه يف‬
‫الديــن؛ انتــر اإلســام‪ ،‬وأقبلــت الشــعوب املختلفــة عليــه يف شــتى مناطــق‬
‫العــامل منــذ القــدم‪ ،‬وهــذا مــا أكــده أيضــا املــؤرخ تومــاس يف دراســته للدعــوة‬
‫اإلســامية يف قولــه‪« :‬ومــن خــال مــا قدمنــاه آنفــا عــن ذلــك التســامح‬
‫الــذي بســطه املســلمون الظافــرون إىل العــرب املســيحيني يف القــرن األول‬
‫مــن الهجــرة واســتمر يف األجيــال املتعاقبــة‪ ،‬نســتطيع أن نســتخلص بحــق‬
‫أن هــذه القبائــل املســيحية التــي اعتنقــت اإلســام؛ إمنــا فعلــت ذلــك عــن‬
‫اختيــار وإرادة حــرة‪ ،‬وأن العــرب املســيحيني الذيــن يعيشــون يف وقتنــا هــذا‬
‫بــن جامعــات مســلمة لشــاهد عــى هــذا التســامح»(‪.)2‬‬
‫إن قيــم التســامح إمنــا متثلــت يف أعــال وأفعــال وســلوك ومظاهــر كانــت‬
‫ت ُ َجــي التســامح بوصفــه حقيقــة ثابتــة‪ ،‬ومامرســة حيــة‪ ،‬يف املجتمعــات‬
‫املســلمة منــذ عــر النبــوة‪ ،‬ومــا تــاه مــن العصــور األخــرى؛ مــا جعــل‬
‫الجميــع يعيــش يف ظلــه بأمــان‪.‬‬
‫ويف التاريــخ اإلســامي شــواهد أخــرى عــى نصاعــة تســامحه وعراقتــه‪،‬‬
‫وســننتقل يف املبحــث اآليت لدراســة شــاهد آخــر عــى التســامح وهــو موقــف‬
‫اإلســام مــن معابــد غــر املســلمني‪.‬‬

‫‪ - 1‬أ‪ .‬عبدالرحمن عزام‪ ،‬الرسالة الخالدة‪( ،‬املجلس األعىل للشؤون اإلسالمية‪ ،‬القاهرية‪ ،‬ط‪1384 ،16 .‬ه‪-1964‬م)‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪ - 2‬توماس؛ الدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪175‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬أحــكام حاميــة أماكــن عبــادة غــر املســلمني يف الرشيعــة‬
‫اإلســامية‬
‫تكملــة ملــا ســبق يف ســياق الشــواهد التاريخيــة عــى تســامح املســلمني مــع‬
‫غــر املســلمني‪ ،‬نــدرس يف هــذا املبحــث املوقــف الرشعــي مــن أماكــن عبــادة‬
‫غــر املســلمني‪.‬‬
‫إن االهتــام بأماكــن عبــادة غــر املســلمني وجعلهــا مــن الشــواهد التاريخيــة‬
‫عــى تســامح اإلســام‪ ،‬مــن األهميــة مبــكان؛ ألن التعصــب والكراهيــة‬
‫والتقاتــل وانهيــار التســامح‪ ،‬إمنــا كان يف الغالــب ناشــئا عــن أســباب دينيــة‪،‬‬
‫فإبـراز حضــارة اإلســام يف حاميــة معابــد غــر املســلمني وصيانتهــا‪ ،‬واحرتامهــا‬
‫وتوقريهــا؛ يصحــح النظــرة الخاطئــة الســائدة لــدى الطرفــن مــن أن اإلســام‬
‫ديــن يرفــض املعتقــدات األخــرى ويعامــل أهلهــا بإقصــاء‪.‬‬
‫إن اإلســام كفــل الحــق لغــر املســلمني يف امتــاك دور العبــادة‪ ،‬وأوجــب‬
‫عــى املســلمني احرتامهــا‪ ،‬بــل يعــد القــرآن الكريــم إقامــة أماكــن العبــادة‬
‫مقص ـ ًدا مــن املقاصــد الوجوديــة يف الحيــاة؛ انطالقــا مــن قــول اللــه تعــاىل‪:‬‬
‫ـض لَّ ُه ِّد َمــت َص َٰو ِم ـ ُع َو ِب َي ـ ‪ٞ‬ع َو َصلَ ـ َٰوت‪ٞ‬‬
‫ـاس بَعضَ ُهــم ِب َبعـ ٖ‬ ‫ـول َدف ـ ُع ٱللَّ ـ ِه ٱل َّنـ َ‬
‫﴿ َولَـ َ‬
‫ـر ُه إِ َّن ٱللَّ ـ َه‬
‫ـر َّن ٱللَّ ـ ُه َمــن يَنـ ُ ُ‬‫َو َم َٰس ـ ِج ُد يُذكَ ـ ُر ِفي َهــا ٱس ـ ُم ٱللَّ ـ ِه كَ ِث ـ ٗرا َولَ َينـ ُ َ‬
‫لَ َق ـو ٌِّي َعزِي ـ ٌز﴾(‪.)1‬‬
‫ذلــك أن مــن الطبيعــي والفطــرة أن يتشــبث كل إنســان بدينــه‪ ،‬وميــارس‬
‫شــعائره‪ ،‬ويعمــر بيوتهــا‪ ،‬وأماكــن إقامتهــا‪ ،‬ويتحمــس لهــا‪ ،‬ويدافــع عنهــا‪،‬‬
‫ويحميهــا‪ ،‬وهــو يف ذلــك يشــبع رغبــة روحيــة‪ ،‬ويقيــم ســنة مــن ســنن اللــه‬
‫الكونيــة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬النصوص الواردة يف حامية أماكن عبادة غري املسلمني‪:‬‬


‫إن املقصــود مــن دور العبــادة عامــة هــو ذكــر اللــه تعــاىل وعبادتــه فيهــا‪،‬‬
‫واألصــل فيهــا وجــوب توقريهــا وحاميتهــا‪ ،‬لنبــل هدفهــا ومقصدهــا‪ ،‬فهــي‬

‫‪ - 1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.40 :‬‬

‫‪176‬‬
‫بيــوت يذكــر فيهــا اســم اللــه تعــاىل وتقــام فيهــا شــعائره‪ ،‬وقــد شــدد اإلســام‬
‫عــى توفــر الحاميــة لهــا يف زمــن الســلم والحــرب‪ ،‬وعــدم االعتــداء عليهــا‬
‫وعــى أصحابهــا‪ ،‬واألدلــة الرشعيــة عــى ذلــك عديــدة منهــا‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن الحريــة الدينيــة قــد كفلهــا اإلســام‪ ،‬ودعــت إليها الرشيعة اإلســامية‪،‬‬ ‫ً‬
‫وشــددت عليهــا وأقــرت مبادئهــا‪ ،‬وجعلتهــا مــن مظاهــر التســامح يف اإلســام‪،‬‬
‫كــا مــر‪ ،‬فأعطــت للنــاس حق االختيــار‪ ،‬ونفــت اإلكـراه يف الديــن؛ ألن اإلميان‬
‫﴿لٓ‬‫إمنــا يكــون بالتصديــق واإلق ـرار‪ ،‬وال يكــون باإلجبــار‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ :‬‬
‫إِكــ َرا َه ِف ٱلدِّينِ ﴾(‪.)1‬‬
‫ومــن مقتضيــات هــذه الحريــة مامرســة الشــعائر الدينيــة‪ ،‬وال يتحقــق‬
‫ذلــك إال بإقامــة أماكــن العبــادة لكافــة النــاس وحاميتهــا‪ ،‬بغــض النظــر‬
‫عــن انتامءاتهــم؛ ألنــه بحاميتهــا وإقامتهــا يــؤدي كل أهــل ديــن شــعائرهم‬
‫ـول‬‫وعبادتهــم‪ ،‬يقــول الشــيخ أبــو زهــرة يف تفســر قــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ولَـ َ‬
‫ـض لَّ ُه ِّد َمــت َص َٰو ِمـ ُع َو ِب َيـ ‪ٞ‬ع َو َصلَـ َٰوت‪َ ٞ‬و َم َٰسـ ِج ُد‬
‫ـاس بَعضَ ُهــم ِب َبعـ ٖ‬ ‫َدفـ ُع ٱللَّـ ِه ٱل َّنـ َ‬
‫نــر ُ ٓه إِ َّن ٱللَّــ َه لَقَــو ٌِّي‬ ‫يُذكَــ ُر ِفي َهــا ٱســ ُم ٱللَّــ ِه كَ ِثــ ٗرا َولَ َي ُ َ‬
‫نــر َّن ٱللَّــ ُه َمــن يَ ُ ُ‬
‫َعزِي ـ ٌز﴾(‪« :)2‬والنــص الكريــم يفيــد أن دفــع الباطــل إذا مل يكــن؛ مل يســتطع‬
‫أهــل ديــن أن يقيمــوا عباداتهــم‪ ،‬فتهــدم صوامــع الرهبــان‪ ،‬و ِبيَــع النصــارى‪،‬‬
‫وصلــوات اليهــود‪ ،‬وكانــت تهــدم هــذه البيــوت‪ ،‬وال تقــام شــعائر أهــل ديــن‬
‫مــن األديــان الســاوية قبــل انتســاخها‪ ،‬وســاد الــرك وتحكــم‪ ،‬وهــذا النــص‬
‫الســامي يفيــد أمريــن‪:‬‬
‫األمــر األول‪ :‬متكــن أهــل كل ديــن مــن عبادتهــم ببقــاء أماكــن العبــادة َل‬
‫تهــدم وال متــس‪.‬‬
‫واألمر الثاين‪ :‬منع هدم معابد أهل الذمة»(‪.)3‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬إن املســاواة املقــررة بــن املســلمني وغريهــم يف حقوقهــم الوطنيــة؛‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.40 :‬‬
‫‪ - 3‬أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪.4993‬‬

‫‪177‬‬
‫تقتــي أداءهــم شــعائرهم الدينيــة بــكل حريــة‪ ،‬وقــد أكــد اإلســام عــى‬
‫هــذا املبــدأ؛ إذ ال فضــل ألحــد عــى أحــد‪ ،‬والتســامح إمنــا ينطلــق مــن‬
‫الســاح لــكل أهــل ديــن بالحفــاظ عــى خصوصياتهــم‪ ،‬وبهــذه املســاواة‬
‫يتحقــق التعــارف الــذي هــو مقصــد رشعــي‪.‬‬
‫ثال ًثــا‪َّ :‬أســس اإلســام قاعــدة عظيمــة توجــب إبعــاد أماكــن العبــادات ســواء‬
‫كانــت للمســلمني أو غــر املســلمني عــن الحــروب والقتــال والتجاذبــات‪،‬‬
‫ـى‬‫واألصــل يف هــذا قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل تُ َٰق ِتلُو ُهــم ِعن ـ َد ٱمل َس ـج ِِد ٱل َح ـ َر ِام َحتَّـ ٰ‬
‫يُ َٰق ِتلُوكُــم ِفيــ ِه﴾(‪ .)1‬فــدور العبــادة لهــا حرمتهــا يقــول البيضــاوي‪« :‬أي ال‬
‫تفاتحوهــم بالقتــال وهتــك حرمــة املســجد الح ـرام»(‪.)2‬‬
‫فهــذه القاعــدة التــي لهــا بعدهــا األخالقــي؛ يتفــق عليهــا العقــاء لتجنيــب‬
‫هــذه األماكــن الرشيفــة الخصومــات والحــروب‪ .‬ولتقريــر هــذا املبــدأ نهــى‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــن قتــل أصحــاب الصوامــع يف الحــروب؛‬
‫ـول الل ـ ِه صــى اللــه عليــه‬ ‫ـاس‪ ،‬قــال‪ :‬كَا َن َر ُسـ ُ‬ ‫ففــي الحديــث‪َ :‬عــنِ ابْــنِ َع َّبـ ٍ‬
‫وســلم إِذَا بَ َعــثَ ُج ُيوشَ ـ ُه قــال‪{ :‬ا ْخ ُر ُجــوا ب ِْسـ ِـم اللـ ِه تُقَاتِلُــو َن ِف َسـبِيلِ اللـ ِه‬
‫َمــ ْن كَفَــ َر بِاللــ ِه‪َ ،‬ل تَغ ِ‬
‫ْــد ُروا‪َ ،‬وال ت َ ُغلُّــوا‪َ ،‬وال تُ َثِّلُــوا‪َ ،‬وال تَ ْقتُلُــوا الْ ِولْــ َدانَ‪َ ،‬وال‬
‫الص َوا ِمـعِ}(‪ .)3‬يقــول الشــوكاين‪« :‬فيــه دليــل عــى أنــه ال يجــوز قتــل‬ ‫ـاب َّ‬ ‫أَ ْص َحـ َ‬
‫مــن كان متخليــا للعبــادة مــن الكفــار كالرهبــان»(‪.)4‬‬
‫راب ًعــا‪ :‬تجــاوز اإلســام يف هــذا البــاب حاميــة دور العبــادة إىل تقنــن‬
‫هــذا املجــال‪ ،‬وتوثيقــه مبعاهــدات مــن أجــل حاميــة ِب َيــع غــر املســلمني‬
‫ومعابدهــم‪ ،‬وقــد ُوثــق هــذا يف امليثــاق الــذي عقــده النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم مــع نصــارى نجـران‪ ،‬فقــد ورد يف كتــاب رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم ألهــل نج ـران‪« :‬لنج ـران وحاشــيتها جــوار اللــه وذمــة محمــد النبــي‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة؛ اآلية‪.191 :‬‬


‫‪ - 2‬البيضاوي؛ نارص الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشريازي البيضاوي ‪ 685‬ه‪ ،‬أنوار التنزيل وأرسار التأويل‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عبد الرحمن املرعشيل‪( ،‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1 .‬ه)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.128‬‬
‫‪ - 3‬أحمد‪ ،‬املسند‪ ،‬رقم‪ .)2728( :‬ج ‪ 4‬ص ‪.461‬‬
‫‪ - 4‬الشوكاين؛ محمد بن عيل بن محمد بن عبد الله الشوكاين اليمني ‪ 1250‬ه‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬تحقيق‪ :‬عصام الدين‬
‫الصبابطي‪( ،‬دار الحديث‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1413 ،1 .‬ه ‪1993 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.292‬‬

‫‪178‬‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬عــى أموالهــم وأنفســهم وأرضهــم‬
‫وملتهــم وغائبهــم وشــاهدهم وعشــرتهم وبيعهــم‪ ،‬وكل مــا تحــت أيديهــم‬
‫مــن قليــل أو كثــر‪ ،‬ال يغــر أســقف مــن أســقفيته وال راهــب مــن رهبانيتــه‬
‫وال كاهــن مــن كهنتــه»(‪.)1‬‬
‫فبهــذه الركائــز والدالئــل يتبــن تأصيــل اإلســام لحاميــة دور العبــادة وأنــه‬
‫اعتربهــا معــامل ســلم وســام‪ ،‬ويف املطلــب القــادم نذكــر بعــض الشــواهد‬
‫الدالــة عــى أن أماكــن العبــادة قــاع للتســامح أمــد التاريــخ اإلســامي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬شواهد تاريخية عىل حامية أماكن عبادة غري املسلمني‬
‫لــو تتبعنــا كل الشــواهد الصغــرة والكبــرة الدالــة عــى تســامح اإلســام‬
‫مــع غــر املســلمني؛ ملَــا اســتطعنا اســتيفاءها‪ ،‬فتعاليــم اإلســام وتطبيقاتهــا‬
‫كلهــا تصــب يف هــذا البــاب‪ ،‬ولكــن أعظــم شــاهد حــي عــى مــدى خمســة‬
‫عــر قرنــا‪ ،‬وسيســتمر شــاهدا عــى تســامح اإلســام ســواء مــع أعدائــه أو‬
‫مــع أصدقائــه‪ ،‬والــذي يثبــت ثبوتــا قطعيــا اح ـرام اإلســام لحريــة الشــعائر‬
‫الدينيــة وحاميــة أماكنهــا؛ هــو مختلــف الكنائــس واملعابــد واألديــرة القامئــة‬
‫واملنتــرة عــى امتــداد الــدول اإلســامية‪ ،‬والتــي تنتــر يف كل البقــاع مــن‬
‫هــذه األرايض منــذ دخــول اإلســام لهــذه املناطــق‪ ،‬فلــم ميســها بســوء‪ ،‬ومل‬
‫يعــث يف أرضهــا فســادا‪ ،‬وال هــدم منهــا حج ـرا‪.‬‬
‫لقــد اســتمر توثيــق املعاهــدات بــن املســلمني وغريهــم بعــد النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم كــا ســلف‪ ،‬فنجــد كثــرا مــن املعاهــدات تنــص عــى‬
‫احـرام دور العبــادة وحاميتهــا‪ .‬ومــن منــاذج ذلــك‪ :‬أمــان عمــرو بــن العــاص‬
‫ألقبــاط مــر‪ ،‬الــذي ضمــن لهــم فيــه أمــان كنائســهم؛ ففــي كتــاب عمــرو‬
‫بــن العــاص ألهــل مــر‪« :‬هــذا مــا أعطــى عمــرو بْــن العــاص أهــل مــر‬
‫مــن األمــان عــى أنفســهم وملتهــم وأموالهــم وكنائســهم وصلبهــم‪ ،‬وبرهــم‬
‫وبحرهــم‪ ،‬ال يدخــل عليهــم يشء مــن ذلــك وال ينتقــص»(‪.)2‬‬

‫‪ - 1‬أبو يوسف؛ الخراج‪ :‬ص ‪.85‬‬


‫‪ - 2‬الطربي؛ تاريخ األمم وامللوك‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.109‬‬

‫‪179‬‬
‫ومبثــل هــذه املعاهــدة عاهــد خالــد بــن الوليــد أهــل دمشــق‪ :‬فعــن ابــن‬
‫رساقــة‪ ،‬أن خالــد بــن الوليــد‪ ،‬كتــب ألهــل دمشــق‪« :‬هــذا كتــاب مــن‬
‫خالــد بــن الوليــد ألهــل دمشــق‪ :‬إين قــد أمنتهــم عــى دمائهــم وأموالهــم‬
‫وكنائســهم»(‪.)1‬‬
‫ومــن الشــواهد التــي يذكرهــا املؤرخــون يف حاميــة دور العبــادة‪ ،‬أن الكنائــس‬
‫قبــل اإلســام يف مــر مثــا أقــل منهــا بعــد اإلســام؛ فالكثــر مــن الكنائــس‬
‫بُنيــت يف عهــد الصحابــة والتابعــن‪ ،‬وهــذا إن دل عــى يشء فإمنــا يــدل عــى‬
‫انفتــاح اإلســام عــى اآلخــر‪ ،‬وكفالتــه لــه حقوقــه الدينيــة‪ ،‬والســاح لــه‬
‫مبامرســته شــعائره‪.‬‬
‫وقــد ذكــر املؤرخــون قصــة يف هــذا املجــال تعــد شــاه ًدا تاريخيــا؛ ليــس عــى‬
‫حاميــة دور العبــادة فقــط‪ ،‬بــل عــى َد ْور العلــاء وإرشافهــم عــى توعيــة‬
‫املجتمــع مبوقــف اإلســام الســليم مــن هــذه املعــامل الدينيــة‪ ،‬ونظرتهــم‬
‫الدقيقــة والعميقــة يف هــذا األمــر‪ ،‬وأن بنــاء الكنائــس إمنــا هــو مــن عــارة‬
‫األرض؛ يــروي لنــا املقريــزي هــذه القصــة التــي وقعــت يف القــرن الثــاين‬
‫ي بــن‬‫الهجــري فيقــول‪« :‬كنيســة مريــم‪ :‬بجــوار كنيســة شــنودة‪ ،‬هدمهــا عـ ّ‬
‫ي بــن عبــد اللــه بــن عبــاس أمــر مــر ملــا ويل مــن قبــل أمري‬
‫ســليامن بــن عـ ّ‬
‫املؤمنــن الهــادي مــوىس‪ ،‬يف ســنة تســع وســتني ومائــة‪ ،‬وهــدم كنائــس محرس‬
‫قســطنطني‪ ،‬وبــذل لــه النصــارى يف تركهــا خمســن ألــف دينــار فامتنــع‪ ،‬فلــا‬
‫عــزل مبــوىس بــن عيــى بــن مــوىس بــن محمــد بــن عــي بــن عبــد اللــه بــن‬
‫عبــاس يف خالفــة هــارون الرشــيد‪ ،‬أذن مــوىس بــن عيــى للنصــارى يف بنيــان‬
‫ي بــن ســليامن‪ ،‬فبنيــت كلهــا مبشــورة الليــث بــن‬ ‫الكنائــس التــي هدمهــا عـ ّ‬
‫ســعد‪ ،‬وعبــد اللــه بــن لهيعــة‪ ،‬وقــاال‪ :‬هــو مــن عــارة البــاد‪ ،‬واحتجــا بــأن‬
‫الكنائــس التــي مبــر مل تــن َّإل يف اإلســام‪ ،‬يف زمــن الصحابــة والتابعــن»(‪.)2‬‬
‫فــإن هــذه القصــة تبــن لنــا أن الليــث بــن ســعد‪ ،‬وعبــد اللــه بــن لهيعــة‪،‬‬

‫‪ - 1‬ابن زنجويه؛ أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخرساين ‪ 251‬ه‪ ،‬األموال البن زنجويه‪ ،‬تحقيق‪ :‬شاكر‬
‫ذيب فياض‪( ،‬مركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪ 1406 ،1 .‬ه ‪1986 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.473‬‬
‫‪ - 2‬املقريزي؛ املواعظ واالعتبار‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.439‬‬

‫‪180‬‬
‫‪-‬وهــا مــن هــا‪ -‬كانــا يدافعــان عــن كنائــس النصــارى‪ ،‬بــل ويرشفــان عــى‬
‫متابعــة قضيتهــا‪.‬‬
‫إن هذيــن اإلمامــن يجســدان النظــر الفســيح للفقيــه العــامل بدينــه‪ ،‬واملحيــط‬
‫بواقعــه والبصــر بهمــوم وطنــه‪ ،‬إذ بذلــك النظر يتحقــق اســتقرار املجتمعات‪،‬‬
‫وبنيــان التســامح‪ ،‬فعــارة األرض مقصــد رشعــي مطلــوب مــن كافــة األفـراد‪،‬‬
‫وهــو مرتبــط بكينونــة هــذا اإلنســان ووجــوده عــى األرض؛ يقــول اللــه‬
‫رض َوٱسـتَع َم َركُم ِفي َهــا﴾(‪ .)1‬فــكان هــذا الفهــم‬ ‫تعــاىل‪ُ ﴿ :‬هـ َو أَنشَ ـأَكُم ِّمـ َن ٱألَ ِ‬
‫را أساســا يف مثــل هــذه الفتــاوى واملواقــف‪.‬‬ ‫الثاقــب عنـ ً‬
‫فالــراءة األصليــة التــي تعلــق بهــا العاملــان‪ :‬الفقيــه الليــث ابــن ســعد‪،‬‬
‫واملحــدث عبــد اللــه بــن لهيعــة‪ ،‬وهــي أن األصــل الــذي اســتمر عليــه‬
‫املســلمون منــذ العهــد النبــوي هــو تــرك املعابــد وحاميتهــا؛ كان غــر‬
‫املســلمني أنفســهم أيضــا يتشــبثون بــه شــاهدا لهــم يف حــق الــرد عــى كل‬
‫مــن يريــد هــدم معابدهــم والعبــث بهــا؛ ففــي ســنة مثــان ومثانــن يف عــر‬
‫الدولــة األمويــة؛ اســتدل النصــارى بهــذه الحجــة‪ ،‬يقــول ابــن الجــوزي‪« :‬كان‬
‫يف الوليــد نــوع ذكاء وفطنــة‪ ،‬وســمع صــوت ناقــوس فأمــر بهــدم البيعــة‪،‬‬
‫فكتــب إليــه ملــك الــروم‪ :‬إن هــذه البيعــة أقرهــا مــن كان قبلــك‪ ،‬فــإن كانــوا‬
‫أصابــوا فقــد أخطــأت‪ ،‬وإن تكــن أصبــت فقــد أخطــأوا‪ ،‬فقــال الوليــد‪ :‬مــن‬
‫يجيبــه؟ فأحجــم النــاس‪ ،‬فأمــر الوليــد أن يكتــب إليــه‪﴿ :‬فَ َف َّهم َٰن َهــا ُس ـلَي َٰم َن‬
‫لــا﴾(‪ .)3(»)2‬ويقــول أبــو يوســف‪« :‬وقــد كان نظــر‬ ‫كــا َو ِع ٗ‬
‫َوك ًُّل َءات َي َنــا ُح ٗ‬
‫يف ذلــك غــر واحــد مــن الخلفــاء املاضــن وهمــوا بهــدم البيــع والكنائــس‬
‫التــي يف املــدن واألمصــار؛ فأخــرج أهــل املــدن الكتــب التــي جــرى الصلــح‬
‫بهــا بــن املســلمني وبينهــم‪ ،‬ورد عليهــم الفقهــاء والتابعــون ذلــك وعابــوه‬
‫عليهــم؛ فكفــوا عــا أرادوا مــن ذلــك؛ فالصلــح نافــذ عــى مــا أنفــذه عمــر‬

‫‪ - 1‬سورة هود؛ اآلية‪.61 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.79 :‬‬
‫‪ - 3‬ابن الجوزي؛ املنتظم‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪ ،269‬واألصبهاين؛ عامد الدين أبو حامد محمد بن محمد األصفهاين ‪ 597‬ه‪ ،‬البستان‬
‫الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر عبد السالم تدمري‪( ،‬املكتبة العرصية للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪1423 ،1‬ه ‪2002 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.173‬‬

‫‪181‬‬
‫بــن الخطــاب ريض اللــه تعــاىل عنــه إىل يــوم القيامــة‪ ،‬ورأيــك بعــد يف ذلــك؛‬
‫وإمنــا تركــت لهــم البيــع والكنائــس عــى مــا أعلمتــك»(‪.)1‬‬
‫فإضافــة ملبــدأ الحــوار مــع املخالــف‪ ،‬الــذي يعتــر مــن أهم وســائل التســامح؛‬
‫فاعتــاد الوليــد يف هــذا القـرار عــى مــا رآه وفهمــه؛ دليــل عــى أن هــذا األمر‬
‫مل يكــن معروفــا شــائعا؛ وإمنــا هــو اجتهــاد شــخيص‪.‬‬
‫وبعــد قيمــة الوفــاء بالعهــد التــي كان لهــا دور كبــر يف حاميــة هــذه األماكن‪،‬‬
‫تــأيت قيمــة العــدل التــي هــي الراعيــة لجميــع مصالــح النــاس‪ ،‬الحافظــة‬
‫ملمتلكاتهــم ومعابدهــم؛ فرجــال الدولــة مل يكونــوا قادريــن عــى انتــزاع‬
‫هــذه املعابــد وضمهــا ملســاجد املســلمني‪ ،‬مــع حاجتهــم لذلــك‪ ،‬ومل يكــن‬
‫غــر املســلمني ‪-‬مــع كونهــم أقليــة وتحــت حكــم املســلمني ‪ -‬يتنازلــون عــن‬
‫مقدســاتهم بســهولة؛ فقــد ذكــر قدامــة بــن جعفــر أنــه‪« :‬ملــا ويل معاويــة بْــن‬
‫أَ ِب ُس ـ ْفيَان أراد أن يزيــد كنيســة يوحنــا يف املســجد بدمشــق فــأىب النصــارى‬
‫ذلــك فأمســك‪ ،‬ثُـ َّم طلبهــا َع ْبــد امللــك بْن مــروان يف أيامــه للزيادة يف املســجد‬
‫وبــذل لهــم مــاال فأبــوا أن يســلموها إليــه‪ ،‬ث ُ ـ َّم إن الوليــد بْــن َع ْبــد امللــك‬
‫جمعهــم يف أيامــه وبــذل لهــم مــاال عظيــا َعـ َـى أن يعطــوه إياهــا فأبــوا‪،‬‬
‫فقــال‪ :‬لــن مل تفعلــوا ألهدمنهــا‪ ،‬فقــال بعضهــم‪ :‬يــا أمــر الْ ُم ْؤ ِم ِنــن إن مــن‬
‫هــدم كنيســة جــن وأصابتــه عاهــة‪ ،‬فأحفظــه قولــه(‪ )2‬ودعــا مبعــول وجعــل‬
‫يهــدم بعــض حيطانهــا بيــده‪ ،‬وعليــه قبــاء خــز أصفــر‪ ،‬ث ُ ـ َّم جمــع الفعلــة‬
‫والنقاضــن فهدموهــا وأدخلهــا يف املســجد‪ .‬فلــا اســتخلف عمــر بــن عبــد‬
‫العزيــز شــكا النصــارى إليــه مــا فعــل الوليــد بهــم يف كنيســتهم‪ ،‬فكتــب إِ َل‬
‫عاملــه يأمــره بــرد مــا زاده يف املســجد عليهــم‪ ،‬فكــره أهــل دمشــق ذلــك‬
‫وقالــوا‪ :‬نهــدم مســجدنا بعــد أن أذنــا فيــه وصلينــا ويــرد بيعــة‪ ،‬وفيهــم يومئذ‬
‫ُس ـلَ ْي َمن بْــن حبيــب املحــاريب وغــره م ـ َن الفقهــاء‪ ،‬وأقبلــوا َعـ َـى النصــارى‬
‫فســألوهم أن يعطــوا جميــع كنائــس الغوطــة الَّ ِتــي أخــذت عنــوة وصــارت‬
‫ــى أن يصفحــوا عــن كنيســة يوحنــا وميســكوا َعــنِ‬ ‫يف أيــدي املســلمني‪َ ،‬ع َ‬

‫‪ - 1‬أبو يوسف؛ الخراج‪ :‬ص ‪.161‬‬


‫‪ - 2‬أي‪ :‬أثاره وأزعجه‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫املطالبــة بهــا‪ ،‬فرضــوا بذلــك وأعجبهــم‪ ،‬فكتــب بــه اىل عمــر فــره وأمــى‬
‫األمــر فيــه»(‪ .)1‬وقــد تكــررت مثــل هــذه القصــة يف عهــد عمــر بــن عبــد‬
‫العزيــز وحكــم بــرد الكنيســة إىل أهلهــا(‪.)2‬‬
‫ويســجل التاريــخ لبعــض فقهــاء فــاس وتلمســان أيضــا دفاعهــم املســتميت‬
‫عــن حقــوق أهــل الذمــة يف حاميــة معابدهــم‪ ،‬ففــي القضيــة املعروفــة‬
‫بكنائــس يهــود تــوات يف صح ـراء املغــرب األوســط‪ ،‬وقــع خــاف كبــر بــن‬
‫الفقهــاء حولهــا يف القــرن الثامــن والتاســع الهجريــن(‪ ،)3‬وشــارك فيهــا كبــار‬
‫املفتــن يف ذلــك العــر بفتاويهــم يف الدفــاع عــن حقــوق غــر املســلمني‪،‬‬
‫ونالحــظ مــن خــال تلــك الفتــاوى تطــو َر كث ـرٍ مــن املفاهيــم التــي كانــت‬
‫مسـلَّمة لــدى الفقهــاء قبلهــم‪ ،‬ومــن تلــك التطــورات الناشــئة عــن االجتهــاد‬ ‫َ‬
‫يف هــذه املســألة يف ذلــك العــر‪.‬‬
‫مس ـلَّام لــدى الفقهــاء مــن عــدم جــواز إحــداث الكنائــس يف‬ ‫ً‬
‫أول‪ :‬مــا كان َ‬
‫األرض التــي اختطهــا املســلمون؛ أجــرى فيــه هــؤالء الفقهــاء الخــاف‪ ،‬بنــاء‬
‫عــى القاعــدة األصوليــة الحاكمــة بــأن املنهــي عنــه واملأمــور بــه ال بــد أن‬
‫يكــون مجمعــا عليهــا باألمــر بالوجــوب والنهــي بالتحريــم مــن أجــل التغيري‪،‬‬
‫وهــذه املســألة موقــع خــاف‪ ،‬فــا ميكــن منعهــم مــن إحــداث كنائســهم‪.‬‬
‫يقــول أبــو محمــد عبــد اللــه العصنــوين فيــا نقلــه عنــه الونرشيــي‪« :‬وقــد‬
‫كنــت وفقكــم اللــه‪ ،‬رأيــت يف الــرزيل مــا نصــه‪ :‬رشط املأمــور بــه أن يكــون‬
‫واجبــا باإلجــاع‪ ،‬ورشط التغــر أن يكــون املنهــي عنــه محرمــا باإلجــاع‪.‬‬
‫فقلــت لهــذا أثــر ذكــري األقــوال الثالثــة‪ ،‬والصــواب عنــدي تقريرهــا اتباعــا‬

‫‪ - 1‬قدامة بن جعفر‪ ،‬قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي‪ ،‬أبو الفرج ‪ 337‬ه‪ ،‬الخراج وصناعة الكتابة‪( ،‬دار‬
‫الرشيد للنرش‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪1981 ،1 .‬م)‪ ،‬ص ‪ .294‬والبالذري؛ أحمد بن يحيى بن جابر بن داود ال َب َلذُري ‪ 279‬ه‪ ،‬فتوح‬
‫البلدان‪( ،‬دار ومكتبة الهالل‪ -‬بريوت‪1988 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.127‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.387‬‬
‫‪ - 3‬أشار أبو العباس أحمد بابا التنبكتي إىل هذه الحادثة يف ترجمة محمد بن عبد الكريم بن محمد املغييل‪ ،‬حيث قال‬
‫أحمد بابا التنبكتي‪( :‬وقع له بسبب ذلك أمور مع فقهاء وقته‪ ،‬حني قام عىل يهود توات وألزمهم الذل‪ ،‬بل قتلهم وهدم‬
‫كنائسهم‪ ،‬ونازعه يف ذلك الفقيه عبد اللَّه العصنوين قايض تواتن وراسلوا يف ذلك علامء فاس وتونس وتلمسان‪ ،‬فكتب‬
‫يف ذلك الحافظ التنيس كتابة مطولة‪ ،‬كام تقدم‪ ،‬بصواب رأي صاحب الرتجمة ووافقه عليها اإلمام السنويس) أحمد بابا‬
‫التنبكتي‪ ،‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ :‬ص ‪.576‬‬

‫‪183‬‬
‫لقــول الغــر لجــري العمــل بــه يف كثــر مــن مــدن املغــرب‪ ،‬وهــي مــا اختطــه‬
‫املســلمون يف صــدر اإلســام وبعــده‪ ،‬وفيــا العلــاء متوافــرون يف كل وقــت‪،‬‬
‫وفيهــم مــن ال يســكت عــى باطــل‪ ،‬وكذلــك قواعــد هــذه الصحـراء قــد حــل‬
‫بهــا علــاء فضــاء‪ ،‬وقــد شــاهدوا الكنائــس فيهــا وهــم ممــن ميتثــل قولهــم‬
‫يف األحيــان‪ ،‬وقــد أنكــروا أشــياء عــى أهــل الذمــة‪ ،‬ومل ينكــروا الكنائــس يف‬
‫جملــة مــا أنكــروه»(‪.)1‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬تطــور مفهــوم العهــد ألهــل الذمــة وإعطــاؤه ح ِّيـ ًزا أشــمل‪ ،‬فــإذا كان‬
‫هنــاك عهــد لهــم يف بلــد مســلم‪ ،‬وانتقلــوا إىل مــكان آخــر‪ ،‬واحتاجــوا إىل‬
‫معابدهــم‪ ،‬فيجــوز لهــم إحداثهــا‪ .‬يقــول ابــن زكــري فيــا نقلــه عنــه صاحــب‬
‫املعيــار‪« :‬مــا دل منهــا بعمومــه وإطالقــه مخصــوص مقيــد بغــر املعاهديــن‪،‬‬
‫والذمــن إذا انتقلــوا يف بلــد اإلســام مــن موضــع إىل موضــع‪ ،‬ومل يخرجــوا عــن‬
‫العهــد والذمــة فســكنوا فيهــا‪ ،‬وأرادوا إحــداث كنيســة إلقامــة دينهــم‪ ،‬فإنهــم‬
‫ُ َيكنــون مــن بنائهــا وال مينعــون منهــا»(‪ .)2‬ويف نــوازل ابــن الحــاج بعــد ســؤاله‬
‫عــن النصــارى الذيــن انتقلــوا مــن األندلــس إىل بــاد اإلســام فأجــاب‪« :‬هــؤالء‬
‫النصــارى ُوصفــوا باملعاهديــن‪ ،‬وذلــك يقتــى ثبوتهــم عــى مــا ســلب لهــم‬
‫مــن العهــد‪ ،‬والعقــد مــن الذمــة‪ ،‬والــوالء لهــم واجــب‪ ،‬فيبــاح لــكل طائفــة‬
‫بنــاء بيعــة واحــدة إلقامــة رشيعتهــم»(‪.)3‬‬
‫ثالثًــا‪ :‬ربــط هــذه القضيــة بالنظــر للمصالــح واملفاســد يف تلــك الفتــاوى‪،‬‬
‫ومــن املقــرر أن درء املفاســد مقــدم عــى جلــب املصالــح يف ديينــا اإلســامي‬
‫الحنيــف‪ ،‬ومل تغــب شــواهد التســامح التاريخيــة عــن هــذا األصــل بــل‬
‫اســتقت منــه واســتوحت مــن خاللــه مــا ثبتهــا ورســخها عــر حقب املســلمني‬
‫املتالحقــة‪.‬‬
‫راب ًعــا‪ :‬مــن الحجــج املتكــررة يف هــذه الفتــاوى أن مســألة إحــداث الكنائــس‬
‫يف أرض املســلمني يعــود تقديرهــا للحاكــم؛ فــإذا أذن لهــم فلهــم الحــق يف‬

‫‪ - 1‬الونرشييس‪ ،‬املعيار املعرب‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.201‬‬


‫‪ - 2‬نفسه ج ‪ 2‬ص ‪.227‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪.201‬‬

‫‪184‬‬
‫ذلــك‪ ،‬ففــي املعيــار‪« :‬نقــل الشــيخ أبــو الحســن عــن الشــيوخ جــواز اإلذن‬
‫لإلمــام يف اإلحــداث إذا كانــت مصلحتــه أعظــم مــن مفســدته»(‪ .)1‬كــا‬
‫جــرى يف القــرن الثالــث الهجــري حــن أذن الحاكــم املســلم املأمــون يف بنــاء‬
‫الكنيســة لعاملــه النصــارى فبنيــت‪ ،‬يقــول عــاد الديــن األصبهــاين‪« :‬وفيهــا‬
‫نــزل املقطَّــم وبنــى فيــه ق ّبــة الهــواء‪ ،‬وكان يف خدمتــه نصــارى ب ُعــدت عنهــم‬
‫الكنائــس بقــر الشــمع‪ ،‬فاســتأذنوه يف بنــاء كنيســة‪ ،‬فــأ ِذن لهــم‪ ،‬فبنــوا‬
‫كنيســة القنطــرة املعروفــة»(‪)2‬‬
‫خامســا‪ :‬االســتناد للـراءة األصليــة؛ وأن هــذه املعابــد قــد كانــت منتــرة يف‬‫ً‬
‫أرض اإلســام‪ ،‬وأقرهــا العلــاء والصالحــون يف ســائر أقطــار أرض اإلســام‪ ،‬مــا‬
‫يــدل عــى أنــه ال نكــر يف هــذه املســألة‪.‬‬
‫إن جــاع مــا نســتنتجه مــن هــذه الشــواهد املتقدمــة؛ أن تلبيــة الحاجــات‬
‫الروحيــة لغــر املســلمني كانــت حــارضة يف جميــع مراحــل الــدول اإلســامية‪،‬‬
‫فلــم يكونــوا مينعــون غــر املســلمني مــن أداء شــعائرهم الدينيــة‪ ،‬وال يَ ُحولــون‬
‫بينهــم وبــن معابدهــم؛ بــل كل الشــواهد دالــة عــى أنهــم يف أغلــب مراحــل‬
‫التاريــخ اإلســامي كانــوا يف أمــن وأمــان‪ ،‬وصــون ألماكــن عبادتهــم‪ ،‬بــل وتوفري‬
‫لتلــك األماكــن عنــد الحاجــة بإحداثهــا‪.‬‬
‫وهكــذا أصبحــت املجتمعــات املســلمة يف معظــم ف ـرات التاريــخ بســبب‬
‫تلــك األســس؛ تعيــش يف تســامح اجتامعــي فريــد‪ ،‬حتــى أضحــوا مجتمعــا‬
‫موحــدا‪ ،‬تنعــدم فيــه الفــوارق‪ ،‬والنظـرات الجزئيــة التــي تتحــرك يف النفــوس‬
‫بــن الفينــة واألخــرى لتوقــظ الفرقــة‪.‬‬
‫وكــا أن علــاء اإلســام يدافعــون عــن حقــوق املســلمني ويحمونهــا الحاميــة‬
‫الفكريــة والدينيــة‪ ،‬فــإن غــر املســلمني يبادلونهــم الشــعور نفســه‪ ،‬حيــث‬
‫يســجل لنــا التاريــخ قصــة شــخص مــن غــر املســلمني ينفــق عــى مســاجد‬
‫املســلمني‪ ،‬فقــد ورد‪« :‬يف فتــاوى شــيخ اإلســام أيب الحســن الســغدي رحمــه‬
‫اللــه‪ :‬حــى أن واحــدا مــن املجــوس‪ ،‬كان كثــر املــال حســن التعهــد لفقـراء‬

‫‪ - 1‬الونرشييس‪ ،‬املعيار املعرب‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.222‬‬


‫‪ - 2‬األصبهاين؛ البستان الجامع‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.173‬‬

‫‪185‬‬
‫املســلمني‪ ،‬يطعــم جائعهــم‪ ،‬ويكــي عاريهــم‪ ،‬وينفــق عــى مســاجدهم‪،‬‬
‫ويعطــي أدهــان رسجهــا‪ ،‬ويقــرض محاويــج املســلمني‪ ،‬فدعــا النــاس مــرة إىل‬
‫دعــوة اتخذهــا لجــز ناصيــة ولــده‪ ،‬فشــهدها كثــر مــن أهــل اإلســام‪ ،‬وأهدى‬
‫إليــه بعضهــم هدايــا‪ ،‬فاشــتد ذلــك عــى مفتيهــم‪ ،‬فكتــب إىل أســتاذه شــيخ‬
‫اإلســام‪ :‬أن أدرك أهــل بلــدك فقــد ارتــدوا بأرسهــم‪ ،‬فذكــر شــيخ اإلســام‪:‬‬
‫أن إجابــة دعــوة أهــل الذمــة؛ مطلقــة يف الرشيعــة‪ ،‬ومجــازات املحســن‬
‫بإحســانه؛ مــن بــاب الكــرم واملــروءة‪ ،‬وحلــق الــرأس ليــس مــن شــعائر أهــل‬
‫الضــال‪ ،‬والحكــم بــردة أهــل اإلســام بهــذا القــدر غــر ممكــن»(‪ .)1‬فهــذه‬
‫الواقعــة كــا تــرز التســامح املتبــادل بــن املســلمني وغريهــم فإنهــا تــرز‬
‫أيضــا أهــم املزالــق الرشعيــة والفكريــة واالجتامعيــة والتاريخيــة التــي تواجــه‬
‫التســامح‪ ،‬وذلــك أنــه ال يوجــد حــد فاصــل يف التعامــل مــع قضيــة التســامح‬
‫بــن مــا هــو رشعــي دينــي وبــن مــا هــو اجتامعــي طبيعــي‪ ،‬فليــس كل مــا‬
‫هــو رشعــي يقــف باملرصــاد ملــا هــو اجتامعــي‪ ،‬وال ميكــن االنفصــال عــن هــذا‬
‫اإلشــكال إال برســم ضوابــط التســامح وهــذا مــا ســنتناوله يف الفصــل القــادم‪.‬‬

‫‪ - 1‬أبو العباس الحموي؛ أحمد بن محمد ميك‪ ،‬شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي ‪ 1098‬ه‪ ،‬غمز عيون البصائر يف‬
‫رشح األشباه والنظائر‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1405 ،1 .‬ه ‪1985 -‬م)‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.402‬‬

‫‪186‬‬
‫الفصــل الثالــث‪ :‬ضوابــط التســامح ووســائل اســتدامته؛‬
‫وفيــه مبحثــان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ضوابط التسامح بني املسلمني وغريهم‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬استدامة التسامح اإلنساين‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ضوابط التسامح ووسائل استدامته‬
‫تَقَــدم أن هنــاك إشــكاالت تواجــه التســامح‪ ،‬وال ميكــن االنفصــال عنهــا‬
‫إال بوضــع ضوابــط تضبــط هــذه القيمــة املهمــة؛ فالتســامح الــذي يجــري‬
‫الحديــث عنــه يف هــذا البحــث هــو تســامح منضبــط مســؤول‪ ،‬محكــوم‬
‫بضوابــط إنســانية‪ ،‬ودينيــة‪ ،‬وقانونيــة‪ ،‬ال ميكــن إرســاؤه إال عليهــا‪ .‬وحــن ال‬
‫تحكــم التســامح ضوابــط أصيلــة‪ ،‬ومقاصــد نبيلــة‪ ،‬وأســس متينــة‪ ،‬وأخــاق‬
‫نبيلــة؛ يتحــول إىل فــوىض‪.‬‬
‫فــكل تســامح ال يحقــق العــدل‪ ،‬وال يحــاط بالقيــم ب ـ ًرا وإحســانًا‪ ،‬ورحمــة‬
‫واحرتا ًمــا‪ ،‬فهــو تســامح ال يعــدو أن يكــون شــعا ًرا ال أثــر لــه‪.‬‬
‫إن معايــر التســامح وقوانينــه دقيقــة ال تحتمــل التالعــب والتحايــل‪ ،‬فهــو‬
‫فضيلــة محضــة تحكمهــا عــادات وأع ـراف‪ ،‬وثقافــات مجتمعيــة‪ ،‬وتضبطهــا‬
‫الرشيعــة اإلســامية‪ ،‬وتحركهــا الفطــرة اإلنســانية الســليمة‪ ،‬وفــق ضوابــط‬
‫وقيــود محــددة‪ ،‬هــي الضامنــة لســامتها واســتدامتها‪ ،‬والحفــاظ عليهــا‪.‬‬
‫وقــد كان املفكــر الربيطــاين الشــهري وفيلســوف التســامح‪« :‬جــون لــوك»‬
‫يف أواخــر القــرن الســادس عــر امليــادي‪ ،‬مــن أوائــل مــن أســس لنظريــة‬
‫نســبية التســامح‪ ،‬واحتــال تحولــه إىل الالتســامح‪ ،‬إذا مل تكــن لــه ضوابــط‬
‫وقيــود تحميــه(‪.)1‬‬
‫وليــس اإلشــكال يف ذات التســامح الــذي هــو فضيلــة وقيمــة مــن القيــم‬
‫الكــرى‪ ،‬ولكــن تنزيــل التســامح هــو الــذي يحتــاج قيــودا وضوابــط ليكــون‬
‫تنزيــا ســليام‪ ،‬وهــذا حــال كل القيــم التــي تتعلــق بالتعامــل مــع اآلخــر‪.‬‬

‫‪ - 1‬سيأيت إيراد كالمه عند الحديث عن الضوابط‪ ،‬وجون لوك ولد يف سمرست بإنجلرتا عام ‪ ١٦٣٢‬ومات يف عام ‪.١٧٠٤‬‬
‫درس يف يستمنسرت ومكث بها ست سنوات يتلقى اللغات القدمية‪ .‬وتخرج من جامعة اكسفورد‪ ،‬درس فيها تخصص‬
‫الدراسات املفضية للكهنوت‪ ،‬كان مهتام بالشقاق والديانات يف أوربا‪ ،‬له أعامل كثرية من بينها مؤلفات يف التسامح‪ ،‬وأشهرها‬
‫رسالته يف التسامح‪ ،‬الذي ترجمت بعد ذلك للعربية‪ ،‬وسننقل منه يف هذا الفصل‪ .‬ترجمته يف وِل ديو َرانت‪ ،‬ويليام جيمس‬
‫ديو َرانت ‪ 1981‬م)‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ترجمة‪ :‬الدكتور زيك نجيب مح ُمود وآخرين‪( ،‬دار الجيل‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬املنظمة العربية‬
‫للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪1408 ،‬ه‪-1988‬م)‪ ،‬ج ‪ 34‬ص ‪ .42‬ومقدمة رسالة التسامح‪ :‬ص ‪.7‬‬

‫‪188‬‬
‫ومــن أجــل بيــان ضوابــط التســامح التــي تعتــر أساســا يف اســتدامته‪ ،‬عقــدت‬
‫هــذا الفصــل‪ ،‬وجعلتــه يف مبحثــن؛ املبحــث األول يف الضوابــط واملبحــث‬
‫الثــاين يف االســتدامة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ضوابط التسامح بني املسلمني وغريهم‬
‫إ َّن للتســامح يف اإلســام ضوابــط تصونــه وتحفظــه وتعينــه عــى أداء دوره‬
‫االجتامعــي‪ ،‬وتحقيــق مقاصــده الكــرى‪ ،‬وهــذه الضوابــط يف جوهرهــا تعــود‬
‫إىل ثالثــة أســس؛ اإلنســانية‪ ،‬والديــن‪ ،‬والســلطة السياســية‪ ،‬فــكل تســامح‬
‫يضــاد هــذا الثــايث أو يعــود عليــه بالخــرم واإلبطــال فهــو تســامح جانــح‬
‫إىل انحــال أو تعصــب أو فــوىض‪ ،‬واعتبــا ًرا لهــذه األســس أرجعنــا ضوابــط‬
‫التســامح إىل ثالثــة‪ ،‬وخصصنــا لــكل ضابــط مطل ًبــا‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الضابط اإلنساين‬
‫ال شــك أن التســامح «قيمــة إنســانية» ويعنــي ذلــك أنــه مــن القيــم املشــركة‬
‫بــن بنــي اإلنســان‪ ،‬وأول أصــل دعــا إليــه اإلســام يف هــذا البــاب هــو تكريــم‬
‫اإلنســان؛ قــال اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َقــد كَ َّرم َنــا بَ ِنـ ٓ‬
‫ـي َءا َد َم َو َح َمل َٰن ُهــم ِف ٱلـ َ ِّ‬
‫ـر َوٱل َبح ِر‬
‫َفضيـ ٗـا﴾( ) وهذا‬
‫‪1‬‬ ‫ـى كَ ِثـرٖ ِّم َّمــن َخلَق َنــا ت ِ‬ ‫َو َرزَق َٰن ُهــم ِّمـ َن ٱلطَّ ِّي َٰبـ ِ‬
‫ـت َوفَضَّ ل َٰن ُهــم َعـ َ ٰ‬
‫املبــدأ الــذي هــو تكريــم اإلنســان هــو أحــد منطلقــات التســامح الدينــي‪.‬‬
‫والضابــط اإلنســاين للتســامح إمنــا هــو تفعيــل ألســاس التكريــم الــذي يقتــي‬
‫مســاواة النــاس جمي ًعــا يف حــق التســامح‪ ،‬وأن ال يــؤدي هــذا التســامح إىل‬
‫إلحــاق أي أذى أو رضر باإلنســانية أو أي فــرد مــن أفرادهــا‪ ،‬فيجــب يف ظــل‬
‫هــذا الضابــط‪ :‬احــرام مبــادئ اإلخــاء اإلنســاين‪ ،‬والتواصــل مــع املخالــف‬
‫باح ـرام‪ ،‬بغــض النظــر عــن دينــه وعرقــه ولونــه‪ ،‬وتعزيــز القيــم اإلنســانية‬
‫املشــركة‪.‬‬
‫إن التســامح اإلنســاين يتمثــل يف مقاصــد اإلنســانية األصيلــة‪ ،‬ولهــذا أحاطتــه‬
‫الرشيعــة بقيــم يرعاهــا ويتفاعــل معهــا‪ ،‬بــدءا مــن حفــظ الحقــوق وعــدم‬
‫ضياعهــا‪ ،‬والوفــاء لآلخريــن‪ ،‬وتحقيــق مقاصــد االجتــاع اإلنســاين‪ ،‬مــن‬
‫التعــارف والتآلــف وتقليــل االختــاف‪ .‬ومتــى تجــاوز التســامح هــذه املقاصــد‬
‫واملصالــح‪ ،‬انحــرف عــن أداء الــدور املنــوط بــه‪ ،‬فــكان ضبطــه بتحقيــق هــذه‬
‫املصالــح اإلنســانية رضوريــا‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة اإلرساء؛ اآلية‪.70 :‬‬

‫‪190‬‬
‫أصلــه اإلســام مــن خــال‬ ‫وقــد بــن جــون لــوك أهميــة هــذا الضابــط الــذي َّ‬
‫تنظيمــه اإلخــاء اإلنســاين وترســيخ مبادئــه‪ ،‬يقــول جــون لــوك‪« :‬ولكــن أقــول‪:‬‬
‫إن الحاكــم ينبغــي عليــه أن ال يتســامح مــع اآلراء املضادة للمجتمع اإلنســاين‪،‬‬
‫أو مــع القواعــد األخالقيــة الرضوريــة للمحافظــة عــى املجتمــع املــدين»(‪.)1‬‬
‫إن الــذي يصــادم التســامح يف بعــده اإلنســاين هــو االســتهتار مبصالــح النــاس‬
‫أو هويتهــم الثقافيــة واألخالقيــة‪ ،‬فــا ميكــن أن تنتهــز فضيلــة التســامح مــن‬
‫أجــل إيجــاد رشوخ يف املجتمــع‪ ،‬وال ميكــن للتســامح أن يــؤدي هــذا الــدور‬
‫قبــول االختــاف والتنــوع‬ ‫َ‬ ‫إال إذا وظــف يف ذلــك قــرا‪ ،‬ألن ِمــ ْن أُ ُس ِســه‬
‫واحـرام أعـراف النــاس وهويتهــم وتراثهــم‪ ،‬ولهــذا كان النمــوذج اإلمــارايت( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫آخــذا بعــن االعتبــار هــذا الجانــب‪ ،‬ف َربَــط التســامح بالهويــة اإلماراتيــة‬
‫وأخال ِقهــا‪ ،‬فقــد جعــل الربنامــج الوطنــي للتســامح يف دولــة اإلمــارات األخـ َ‬
‫ـاق‬
‫اإلماراتيــة(‪ )3‬مــن مرتك ـزات التســامح كــا ســيأيت‪.‬‬
‫وهــذا الضابــط اإلنســاين القــرآين يقتــي أيضــا‪ :‬أن يكــون التعامــل وفــق‬
‫التســامح بإنســانية مــع الجميــع‪ ،‬ســواء مــع املوافــق يف الديــن أو مــع غــره‬
‫مــن أتبــاع األديــان واملذاهــب األخــرى‪ ،‬وهــو بهــذا يحتضــن الجميــع‪ ،‬ال فــرق‬
‫بــن عــريب وعجمــي‪ ،‬وأســود وأبيــض؛ ألن األصــل األصيــل والضابــط املثيــل‬
‫أنــه ال تفرقــة وال متييــز يف قامــوس التســامح‪ ،‬وهــذا مغــزى قــول اللــه تعــاىل‬
‫يف آيــة التعــارف‪﴿ :‬إِ َّن أَك َر َم ُكــم ِعنـ َد ٱللَّـ ِه أَت َق ٰى ُكــم إِ َّن ٱللَّـ َه َعلِيـ ٌم َخ ِبـ ‪ٞ‬ر﴾(‪.)4‬‬
‫ويف هــذا املبــدأ الربــاين قضــاء عــى كل أشــكال التعصــب والكراهيــة وصورها‪،‬‬
‫وإعــاء للقيــم املشــركة بــن اإلنســانية‪ ،‬وقانــون القيــم يجــري عــى الجميــع‪،‬‬
‫ويتســاوى الجميــع أمامــه يف التعامــل اإلنســاين‪ ،‬ويوجــب التشــبث بتلــك‬

‫‪ - 1‬جون لوك؛ رسالة التسامح‪ :‬ص ‪.55‬‬


‫‪ - 2‬مع كون الباب الثالث هو موقع هذه الفقرة لكونه مخصصا للتسامح يف دولة اإلمارات‪ ،‬إال أنه يرتبط بالجانب العلمي‬
‫فكانت اإلشارة إليه هنا من أجل إثراء هذا الضابط‪.‬‬
‫‪ - 3‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‬
‫‪http: beta.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬
‫‪ - 4‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬

‫‪191‬‬
‫الفضائــل والقيــم واألخــاق واملعاملــة الطيبــة يف التعامــل مــع كافــة خلــق‬
‫اللــه تعــاىل‪ ،‬يقــول الشــيخ أبــو زهــرة‪« :‬واألخــاق يف الرشيعــة اإلســامية‬
‫عامــة و شــاملة‪ ،‬ألنهــا تقــوم عــى الفضيلــة ومشــتقة مــن الفطــرة اإلنســانية‪،‬‬
‫فــا تخــص إقليــا دون إقليــم‪ ،‬وال شــعبا دون شــعب‪ ،‬وإن مــا يكــون رشا‬
‫بــن اآلحــاد يف شــعب واحــد؛ يكــون أيضــا رشا بــن الجامعــات والــدول‪،‬‬
‫ومــا يكــون رشا يف وطنــك؛ يكــون رشا أيضــا إن صنعتــه يف غــر وطنــك‪ ،‬ألن‬
‫الفضيلــة مبقتــى قواعــد الســلوك الفاضــل حــق لــكل إنســان‪ ،‬يســتحقها‬
‫مبقتــى إنســانيته التــي هــي وصــف مشــرك بــن كل أبنــاء آدم»(‪.)1‬‬
‫إن جميــع القــوى اإلنســانية ‪-‬مــع اختــاف انتامءاتهــا الدينيــة واالجتامعيــة‪-‬‬
‫تلتقــي حــول م ـراد واحــد‪ ،‬وهــو الحفــاظ عــى مصالــح كل األف ـراد‪ ،‬ودفــع‬
‫الــرر عــن مجتمعاتهــم‪ ،‬وإنــه ال يتحقــق هــذا الهــدف الــذي يتشــوف إليــه‬
‫الجميــع إال بالتــآزر والتعــاون والتشــبث بالقيــم اإلنســانية الجامعــة‪.‬‬
‫نَ ْخلُــص مــا ســبق إىل أن التســامح األمثــل املضبــوط بقيــده اإلنســاين؛ ال بد أن‬
‫يكــون يف صالــح اإلنســانية جمعــاء‪ ،‬ويعامــل النــاس وفــق أعرافهــم وثقافاتهم؛‬
‫لتحقيــق األفضليــة يف كل زمــان ومــكان‪ ،‬فالقيــم اإلنســانية ال ترتبــط مبوطــن‬
‫دون آخــر‪ ،‬وإذا كان هــذا الضابــط يســتجيب لحاجــة اإلنســان؛ فــإن هنــاك‬
‫ضابطــا آخــر يراعــي األديــان‪ ،‬وهــو مــا ســنخصص لــه املطلــب التــايل‪:‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الضابط الديني‬


‫إن مــن أكــر املفاهيــم التــي ُوظفــت يف هــدم قيمــة التســامح وتشــويهه‪،‬‬
‫والتأثــر عليــه مــن أجــل رفضــه لــدى عامــة النــاس؛ مفهــوم الــوالء وال ـراء‪،‬‬
‫ولكــون هــذا املفهــوم لــه امتــدادات متباينــة ومتشــابكة‪ ،‬فــإن هــذا الضابــط‬
‫والــذي بعــده يأتيــان يف ســياق تطبيــق مفهــوم الــوالء والــراء بحقيقتــه‬
‫الســليمة‪ ،‬والتــي تؤكــد عــى أن األديــان واألوطــان ال ينبغــي املداهنــة يف‬
‫أمرهــا‪ ،‬وهــذان الضابطــان ســيحددان مجــال التســامح الــذي ال ينبغــي‬
‫تجــاوزه‪.‬‬
‫‪ - 1‬أبو زهرة؛ العالقات الدولية يف اإلسالم‪ :‬ص ‪.34‬‬

‫‪192‬‬
‫إن ضبــط التســامح دين ًّيــا مــن األهميــة مبــكان‪ ،‬فكــا أن اإلســام أقــر‬
‫باالختــاف‪ ،‬وأعطــى الحــق للجميــع يف مامرســته الدينيــة‪ ،‬وكفــل الحريــة‬
‫الدينيــة للمجتمعــات؛ فإنــه يف مقابــل ذلــك ال ميكــن لإلســام أن يتســامح مــع‬
‫الرتويــج ملعتقــدات دينيــة تخالــف تديــن املجتمــع‪ ،‬وتضــاد توجهــه‪ ،‬وتشــيع‬
‫فيــه اإللحــاد أو االنحــال‪.‬‬
‫إن الضابــط األســاس يف التســامح مــع غــر املســلمني‪ ،‬ومشــاركتهم يف‬
‫مناســباتهم وأعيادهــم وتهنئتهــم‪ ،‬وإهدائهــم مــا هــو جائــز ويعــد مــن بــاب‬
‫الــر واإلحســان املــأذون بــه رشعــا؛ هــو أن شــعائرهم تقــام مبــا ال يخالــف‬
‫النظــام العــام للــدول املســلمة‪ ،‬وقــد فصــل العلــاء قدميــا هــذا الجانــب‪،‬‬
‫فبينــوا مــا هــو جائــز‪ ،‬ومــا هــو ممنــوع يف هــذا البــاب‪ ،‬وإذا مل يحــد ذلــك‬
‫بضابــط مييــز أحدهــا مــن اآلخــر يختلــط عــى املســلم أمــره يف التســامح‬
‫فيظنهــا ســواء‪ ،‬ويســتخدم التســامح يف غــر موطنــه (‪.)1‬‬
‫فبعــض املامرســات الخادشــة للشــعور العــام ال ميكــن قبولهــا تحــت ســتار‬
‫التســامح‪ ،‬ألنهــا تناقــض مقاصــده‪ ،‬وقــد شــهد بذلــك العقــاء من غري املســلمني‬
‫قبــل املســلمني؛ يقــول جــون لــوك يف توضيــح مخاطــر الســاح باســتغالل‬
‫التســامح مــع مــن يــزدري األديــان وقيمهــا أصــا ‪ ،‬حيــث إن مــن ليــس لــه‬
‫ديــن يردعــه يصعــب عليــه التقيــد بالقيــم األخالقيــة أو اإلنســانية‪ ،‬فالتســامح‬
‫معــه إذا مل يكــن منضبطــا باح ـرام األديــان قــد يــؤدي إىل العكــس متا ًمــا(‪.)2‬‬
‫إن املقصــد مــن هــذا الضابــط هــو أن تكــون األديــان مقدســة منزهــة‪،‬‬
‫مرفوعــة عــن سفاســف مــن ال يقدرهــا حــق قدرهــا‪ ،‬وال يعــرف لهــا منزلتهــا‬
‫ومكانتهــا‪ ،‬وهــذا هــو املغــزى يف نهــي اإلســام املســلمني عــن ســب معبــودات‬
‫ـب املخالــف ولــو مل يكــن لــه‬ ‫غــر املســلمني‪ ،‬واالزدراء واالســتهزاء بهــا‪ ،‬وسـ ِّ‬
‫ديــن‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َل ت َُسـ ُّبوا ْ ٱل َِّذيـ َن يَد ُعــو َن ِمــن ُدونِ ٱللَّـ ِه فَ َي ُسـ ُّبوا ْ‬
‫ٱللَّـ َه َعــد َوا ِب َغ ـرِ ِعلـ ٖـم﴾(‪.)3‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬القرايف‪،‬؛ أنوار الربوق‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.16 ،15 ،14‬‬


‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬جون لوك؛ رسالة التسامح‪ :‬ص‪.57‬‬
‫‪ )( - 3‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.108 :‬‬

‫‪193‬‬
‫إن التســامح ال ينمــو إال يف جــو خــال مــن الســباب والشــتائم‪ ،‬واألحقــاد‬
‫والطعــن يف أديــان النــاس ومعتقداتهــم‪ ،‬أو االســتهزاء بهــا واحتقارهــا وتوجيــه‬
‫االنتقــادات الناشــئة عــن جهــل وظلــم لهــا‪ ،‬ولهــذا ركــز القــرآن الكريــم يف‬
‫معاملــة غــر املســلم دامئــا عــى القــول الحســن املهــذب‪ ،‬والتعامــل بالتــي‬
‫هــي أحســن؛ مــن أجــل تحقيــق هــذا املقصــد الــذي يوصــل إليــه هــذا‬
‫الضابــط‪.‬‬
‫فالحــوار بــن املتســامحني إمنــا يكــون عــى مســلك األســاليب الحســنة‬
‫الراقيــة‪ ،‬ومتــى خرجــت عــن هــذا النطــاق إىل املشــامتة والســفاهة والتنابــز‬
‫باألديــان‪ ،‬فذلــك ال يليــق بالعقــاء‪ ،‬فضــا عمــن تجمعهــم القيــم اإلنســانية‪،‬‬
‫ويف تضاعيــف التشــاتم يضيــع املقصــود واملــراد‪.‬‬
‫وقــد أكــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أن املؤمــن الحــق ليــس مــن صفاتــه‬
‫ـس امل ُ ْؤ ِمـ ُن بِالطَّ َّعانِ‬
‫الشــتم والســب واللعــن؛ قــال عليــه الصــاة والســام‪{ :‬لَيْـ َ‬
‫ـش َو َل ال َبـ ِـذي ِء}(‪ .)1‬وإذا كان أمــره كذلــك فإنــه يقلــل‬ ‫َو َل اللَّ َّعــانِ َو َل الف ِ‬
‫َاحـ ِ‬
‫مــن ردود فعــل غــر املســلمني‪ ،‬ويكــون ســببا يف تعاملهــم باملثــل‪ ،‬فيقــل‬
‫الخــاف واملشــاحنة والتنابــز‪ ،‬وينمــو التســامح ويعــم االســتقرار يف املجتمــع‪،‬‬
‫وذلــك مــن مقاصــد التســامح‪.‬‬
‫ويجــاور هــذا الضابــط الــذي يُركــز عــى احـرام األديــان‪ ،‬ضابــط آخــر وهــو‬
‫معرفــة قــدر األوطــان‪ ،‬والدفــاع عنهــا‪ ،‬وعــدم الســاح بالتالعــب بها بواســطة‬
‫التســامح‪ ،‬وهــذا مــا خصصنــا لــه املطلــب القــادم‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الضابط القانوين‬


‫ملــا كان التســامح مقيــدا بعــدم ازدرائــه لألديــان؛ ففــي جــوار ذلــك قداســة‬
‫الوطــن والقانــون‪ ،‬فليــس مــن التســامح احتــال األوطــان ألنــاس ال يقدرونهــا‬
‫وال يهابــون قوانينهــا‪ ،‬بحجــة أن الدولــة تتغــاىض عنهــم وترعــى ظروفهــم يف‬
‫إبــداء التســامح معهــم‪.‬‬

‫اب َما َجا َء ِف اللَّ ْع َن ِة‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.418‬‬


‫الصلَ ِة‪ ،‬بَ ُ‬ ‫‪ - 1‬الرتمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ ،)1977( :‬أَبْ َو ُ‬
‫اب ِ ِّ‬
‫الب َو ِّ‬

‫‪194‬‬
‫إن األشــخاص املتشــبعني بالتســامح يُدركــون أن القوانــن إمنــا ُســنت مــن‬
‫أجــل اســتقرار األوطــان‪ ،‬وتنظيــم أمــور النــاس وحقوقهــم‪ ،‬والحفــاظ عــى‬
‫مصالحهــم‪ ،‬ألن األســاس الســليم أن التســامح إمنــا ينشــأ عنــد ســيادة األوطــان‬
‫وقوتهــا بوحــدة أبنائهــا‪ ،‬واح ـرام اختالفاتهــم وتقديــم مصالــح الوطــن عــى‬
‫املصالــح الفرديــة‪.‬‬
‫إن الضابــط القانــوين للتســامح يســتدعي أن تكــون جميــع األقــوال واألفعــال‬
‫ال تــر باملصالــح الوطنيــة‪ ،‬وال تخالــف القوانــن واألنظمــة والترشيعــات‪ ،‬وال‬
‫تعتــدي عــى حريــة اآلخريــن الذيــن هــم جــزء ال يتجــزأ مــن الوطــن‪.‬‬
‫فالديــن والوطــن ال يفرتقــان يف هــذا الحــق‪ ،‬الــذي ال ميكــن أن يكــون محــا‬
‫للتالعــب أو التنــازل أو الجــدل‪ ،‬فكــا أن الديــن مقــدس؛ فمصلحــة الوطــن‬
‫ومســتقبله فــوق كل اعتبــار أيضــا؛ يقــول اللــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وأَ ِطي ُعــوا ْ ٱللَّــ َه‬
‫َو َر ُســولَ ُه َو َل تَ َٰن َز ُعــوا ْ فَتَفشَ ــلُوا ْ﴾(‪.)1‬‬
‫فالخــروج عــن الثوابــت وتهديــد اللحمــة الوطنيــة‪ ،‬والســعي يف التشــويش‬
‫عــى الوطــن‪ ،‬وإلحــاق الــر واألذى بــه بحجــة التســامح؛ ســبب يف خ ـراب‬
‫ـروج عــن النظــام العــام للمجتمــع؛ قــد يصــل إىل البغــي الــذي‬ ‫األوطــان‪ ،‬والخـ ُ‬
‫رتبــت عليــه الرشيعــة أشــد العقوبــات‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬فَــ ِإن بَغَــت‬
‫ـي َء إِ َ ٰلٓ أَمـ ِر ٱللَّـ ِه فَـ ِإن‬
‫ـى تَ ِفـ ٓ‬ ‫إِح َدىٰ ُهـ َـا َعـ َـى ٱألُخـ َر ٰى فَ َٰق ِتلُــوا ْ ٱلَّ ِتــي ت َب ِغــي َحتَّـ ٰ‬
‫ـط َني﴾( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫ُقسـ ِ‬
‫ـب ٱمل ِ‬ ‫فَ ـآ َءت فَأَصلِ ُحــوا ْ بَي َن ُهـ َـا بِٱل َعــد ِل َوأَ ِ‬
‫قس ـطُ ٓوا ْ إِ َّن ٱللَّ ـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫يقــول اإلمــام الشــافعي‪« :‬والباغيــة التــي تعــدل عــن الحــق ومــا عليــه أمئــة‬
‫املس ـلِمني َو َج َم َعتُ ُه ـ ْم»(‪.)3‬‬ ‫ْ‬
‫والتســامح يســتوجب هنــا الوقــوف يف وجــه الخارجــن عــن القوانــن‪ ،‬الباغــن‬
‫عــى املجتمــع‪ ،‬وإرجاعهــم إىل صفــه‪ ،‬كــا تقتــي اآليــة‪ ،‬واملجتمــع املتســامح‬
‫دأبــه أن يحجــز اآلخريــن عــن الوقــوع يف البغــي والظلــم‪ ،‬وينرصهــم ويعينهم‬
‫عــى اإلنابــة والعــودة إليــه‪ ،‬يقــول ابــن كثــر‪« :‬قولــه‪﴿ :‬فَـ ِإن بَ َغــت إِح َدىٰ ُهـ َـا‬

‫‪ - 1‬سورة األنفال؛ اآلية‪.46 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.9 :‬‬
‫‪ - 3‬الشافعي‪ ،‬التفسري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.1276‬‬

‫‪195‬‬
‫ـي َء إِ َ ٰلٓ أَمـ ِر ٱللَّـ ِه﴾»(‪ .)1‬أي‪ :‬حتــى‬ ‫َعـ َـى ٱألُخـ َر ٰى فَ َٰق ِتلُــوا ْ ٱلَّ ِتــي ت َب ِغــي َحتَّـ ٰ‬
‫ـى ت َ ِفـ ٓ‬
‫ترجــع إىل أمــر اللــه‪ ،‬وتســمع للحــق وتطيعــه‪ ،‬كــا ثبــت يف الصحيــح عــن‬
‫ـر أَ َخـ َ‬
‫ـاك ظَالِـ ًـا‬ ‫أنــس‪ :‬أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪{ :‬انْـ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ـول اللَّ ـ ِه‪ ،‬هــذا نرصتــه َمظْلُو ًمــا‪ ،‬ف َك ْيـ َـف أنْـ ُ ُ‬
‫ـر ُه‬ ‫أَ ْو َمظْلُو ًمــا}‪ .‬قلــت‪ :‬يَــا َر ُسـ َ‬
‫ـرك إيــاه}(‪ .)3(»)2‬وإمنــا يتحقــق‬ ‫ظَالِـ ًـا؟ قــال‪{ :‬تَ ْ َن ُعـ ُه‪ِ ،‬مـ َن الظُّلْـ ِـم فـذ ََك نَـ ْ ُ‬
‫ذلــك بزجــر الخارجــن عــن القانــون‪ ،‬واملغتصبــن لحقــوق اآلخريــن ظلــا‪،‬‬
‫وإرجاعهــم بحكمــة ومراعــاة للقوانــن واألع ـراف إىل حضنهــم االجتامعــي‪،‬‬
‫ليامرســوا حياتهــم تحــت مظلــة القانــون والنظــام‪.‬‬
‫إن أعظــم مثــال الح ـرام الضابــط الوطنــي للتســامح؛ هــو الوثيقــة النبويــة‬
‫العظيمــة التــي ت َقــدم االســتدالل بهــا يف عــدة مواطــن‪ ،‬فاملعاهــدة التــي‬
‫وقعهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع مختلــف القبائــل املتواجــدة يف‬
‫املدينــة املنــورة‪ ،‬مــن أجــل ســيادة الوطــن وإجاللــه‪ ،‬ومامرســة جميــع ســكان‬
‫املدينــة حقوقهــم وأداء واجباتهــم بانســجام كامــل وتعــاون بــن جميــع‬
‫الفئــات املكونــة لهــذا املجتمــع؛ مظهــر مــن مظاهــر ضبــط التســامح مبظلــة‬
‫املواطنــة‪ ،‬مــن أجــل إيجــاد مجتمــع أمنوذجــي تكــون القيــم اإلنســانية مصدر‬
‫قوتــه ووحدتــه‪ ،‬فهــذه الوثيقــة تؤســس لهــذا الضابــط وتُقعــد لــه‪.‬‬
‫وإذا كان اإلســام قــد بــن هــذا الضابــط مبــا ال مجــال للشــك والريــب معــه‪،‬‬
‫فــإن غــر املســلمني نجــد عندهــم أيضــا االهتــام بــه والرتكيــز عليــه‪ ،‬فقــد‬
‫وقــف فيلســوف التســامح جــون لــوك مــع هــذا الضابــط أيضــا‪ ،‬وذكــر صــورا‬
‫متعــددة لــه‪ ،‬ورصح بأنــه ال ميكــن التســامح مــع مــن يخالــف القانــون أو‬
‫ســلطة الحاكــم أو املجتمــع املــدين‪ ،‬ومــن تلــك الصــور التــي ذكرهــا قولــه‪:‬‬
‫«مثــة نوعــان مــن الخــاف بــن النــاس‪ ،‬أحدهــا متعلــق بالقانــون‪ ،‬واآلخــر‬
‫بالقــوة‪ ،‬وهــذا الخــاف يــدور عــى أن نهايــة أحدهــا بدايــة اآلخــر‪ .‬ولكــن‬
‫ليــس مــن اهتاممــي البحــث عــن ســلطة الحاكــم يف دســاتري األمــم‪ ،‬وأن‬

‫‪ - 1‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.9 :‬‬


‫اب ا ِإلكْ َرا ه‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.22‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫(‪)6952‬‬ ‫رقم‪:‬‬ ‫الصحيح‪،‬‬ ‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع‬
‫‪ - 3‬ابن كثري‪ :‬التفسري؛ ج ‪ 7‬ص ‪.374‬‬

‫‪196‬‬
‫مــا أعرفــه هــو مــاذا يحــدث عندمــا تنشــأ خالفــات دون أن يحســمها أحــد‬
‫القضــاة‪ ،‬وعندئــذ ميكنــك القــول‪ :‬بــأن عــى الحاكــم أن يفــرض إرادتــه ألنــه‬
‫األقــوى ثــم ينفــذ مــا يريــد‪ ،‬وهــذا قــول حــق»(‪.)1‬‬
‫ويذهــب جــون لــوك إىل أبعــد مــن ذلــك؛ حيــث إنــه يــرى أنــه ال ينبغــي‬
‫أن يُتســامح حتــى مــع مــن يريــد أن يخــرج عــن القانــون بســبب دعــوات‬
‫دينيــة أو التعصــب الدينــي؛ فيقــول‪« :‬أولئــك الذيــن يزعمــون باســم الديــن‬
‫أنهــم يتحــدون أيــة ســلطة ليــس لهــا عالقــة بتجمعهــم الكنــي‪ ،‬أقــول‪ :‬إن‬
‫هــؤالء ليــس لهــم الحــق أن يتســامح معهــم الحاكــم‪ ،‬وكذلــك أولئــك الذيــن‬
‫ال يعلمــون لــزوم التســامح مــع كل البــر يف املجــال الدينــي‪ ،‬فــا هــي داللــة‬
‫هــذه النظريــات التــي ال تشــر إال إىل أن أصحابهــا مســتعدون لالنقضــاض‬
‫عــى الحكــم يف أيــة مناســبة‪ ،‬واالســتيالء عــى إقطاعيــات زمالئهــم وثرواتهــم‪،‬‬
‫ويطلبــون الصفــح مــن الحاكــم حتــى يصبحــوا مــن القــوة بحيــث يؤثــرون‬
‫يف الحكــم»(‪.)2‬‬
‫إن التســامح الــذي يـراد منــه أن يكــون وســيلة للفــوىض والتالعــب بالقوانــن‪،‬‬
‫واالســتيالء عــى الســلطة‪ ،‬ال ميكــن التعامــل معــه بأخــاق العفــو والصفــح؛‬
‫ألن أرضاره عــى املجتمــع كبــرة‪ ،‬وهــذا مــا أكــد عليــه اإلســام وأقــره يف‬
‫التعامــل مــع البغــاة كــا تقــدم‪.‬‬
‫ويتأكــد مبــا تقــدم أنــه كلــا اســتطاعت املجتمعــات امتثــال هــذه الضوابــط‬
‫يف تســامحها‪ ،‬فمــن املؤكــد أن هــذه القيمــة ســتدوم بينهــا وتحافــظ عــى‬
‫اســتمراريتها‪ ،‬وهــذا األثــر هــو الــذي اســتدعى عقــد املبحث اآليت يف اســتدامة‬
‫التســامح‪.‬‬

‫‪ - 1‬جون لوك؛ رسالة التسامح‪ :‬ص ‪55‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪.56 :‬‬

‫‪197‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬استدامة التسامح اإلنساين‬
‫ملــا كان بنــاء التســامح وصيانتــه وضبطــه أساســا يف هــذه القيمــة األصيلــة؛‬
‫فــإن البحــث يف طــرق اســتدامته واســتمراريته ال يقــل أهميــة عــن ذلــك؛ ألن‬
‫عوامــل اســتقرار التســامح وازدهــاره مهمــة جــدا‪ ،‬فهــو معــرض يف أي وقــت‬
‫للتقهقــر واالنحــدار واالرتــداد‪ ،‬خاصــة وأنــه أخيــذ العواطــف واألنانيــات‪،‬‬
‫ـرس ويراقــب‪ ،‬وتوضــع لــه معايــر قيــاس ارتفاعــه ونكوصــه؛ فقــد‬ ‫فــإذا مل يُحـ ْ‬
‫ينبــض وينحــر يف أي وقــت وزمــان‪.‬‬
‫إن تفــادي انهيــار التســامح يف املجتمعــات مــرده إىل األخــذ بأســباب تَ َ ـ ُّد ِد‬
‫هــذه القيمــة وانبســاطها وشــيوعها يف كل مفصــل مــن مفاصــل املجتمــع‬
‫وميادينــه‪ ،‬وهــذه األســباب كثــرة ومتعــددة‪ ،‬وســنقترص يف هــذا املبحــث‬
‫عــى عاملــن أساســن ذاتيــن يف بنيــة التســامح(‪ ،)1‬نجعلهــا يف املطلبــن‬
‫اآلتيــن‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرتبية األخالقية ودورها يف استدامة التسامح‬
‫الحديــث عــن أهميــة اســتدامة التســامح يســتمد جســامته مــن التوجيهــات‬
‫الرشعيــة التــي تــويل املداومــة عــى األعــال الخــرة والفضائــل والقيــم عنايــة‬
‫كبرية‪.‬‬
‫إن مفهــوم االســتدامة ليــس مصطلحــا مســتعارا أو مســتوردا‪ ،‬بــل هــو‬
‫مصطلــح رشعــي وأســاس يف بنــاء التســامح‪ ،‬فقــد رغــب فيــه النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم يف الحديــث املــروي عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا‪ ،‬قالــت‪:‬‬
‫ـال‬ ‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪{ :‬أَ َحـ ُّ‬
‫ـب الْ َ ْعـ َـا ِل إِ َل الل ـ ِه ت َ َعـ َ‬
‫ـت الْ َع َمـ َـل لَ ِز َمتْـ ُه(‪ .)2‬وروى‬ ‫أَ ْد َو ُم َهــا‪َ ،‬وإِ ْن قَـ َّـل}‪ ،‬قــال‪َ :‬وكَانَـ ْ‬
‫ـت َعائِشَ ـ ُة إِذَا َع ِملَـ ِ‬
‫ــب ال َع َمــلِ إِ َل َر ُســو ِل اللَّــ ِه‬ ‫قالــت‪{ :‬كَا َن أَ َح ُّ‬
‫ْ‬ ‫البخــاري َعــ ْن َعائِشَ ــ َة‪ ،‬أَنَّ َهــا‬

‫‪ - 1‬ال شك أن هناك عوامل أخرى الستدامة التسامح؛ منها التعليم والشارع والوسط االجتامعي‪ ،‬ولكن كل هذه العوامل‬
‫وسيلتها يف إشاعة التسامح ال تتجاوز الوسيلة الخلقية‪ ،‬فالرتكيز يف هذا املبحث عىل الرتبية األخالقية شامل لتلك العوامل؛‬
‫ألنها يف الغالب إمنا تعتصم باألخالق من أجل تحقيق استقرار التسامح يف املجتمع‪.‬‬
‫اب الق َْص ِد َواملُدَا َو َم ِة َع َل ال َع َملِ ‪ :‬ج ‪8‬‬
‫‪ - 2‬الحديث متفق عليه؛ البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6464( :‬كتاب الرقاق‪ ،‬بَ ُ‬
‫ص ‪ .98‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪ .)783( :‬كتاب صالة املسافرين وقرصها‪ ،‬باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغريه‪ :‬ج‬
‫‪ 1‬ص ‪.541‬‬

‫‪198‬‬
‫اح ُبـ ُه}(‪ .)1‬فــإذا كانــت وظيفــة‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم الَّـ ِـذي يَـ ُدو ُم َعلَ ْيـ ِه َص ِ‬
‫االســتدامة مطلوبــة يف العبــادات؛ فإنهــا يف األخــاق والتعايــش مــع النــاس‬
‫أشــد طلبــا؛ ملــا فيهــا مــن التحمــل‪ ،‬فقــد ذكــروا مــن اآلداب التــي يتــأدب بهــا‬
‫مــع اآلخــر‪ :‬مالزمــة األخــوة‪ ،‬واملداومــة عليهــا‪ ،‬وتــرك امللــل‪ ،‬قــال محمــد بــن‬
‫واســع‪« :‬وليــس مللــو ٍل صديـ ٌـق وال لحاسـ ٍـد غنــا ٌء»(‪.)2‬‬
‫ويف الرشيعــة اإلســامية نالحــظ مقارنــة التســامح باالســتدامة واملــوازاة‬
‫بينهــا‪ ،‬مــا يــدل عــى ارتباطهــا وتكاملهــا‪ ،‬وأن أحدهــا متمــم لآلخــر‬
‫وينبنــي عليــه‪ ،‬فقيمــة التســامح ال تبلــغ الكــال والغايــة إال إذا تحقــق فيهــا‬
‫ـول اللَّـ ِه صــى اللــه عليــه وســلم قال‪:‬‬ ‫عنــر االســتدامة؛ ف َعـ ْن َعائِشَ ـ َة‪ :‬أَ َّن َر ُسـ َ‬
‫ـب‬‫{س ـ ِّد ُدوا َوقَا ِربُــوا‪َ ،‬وا ْعلَ ُمــوا أَ ْن لَـ ْن يُ ْد ِخـ َـل أَ َح َدكُ ـ ْم َع َملُـ ُه ال َج َّن ـ َة‪َ ،‬وأَ َّن أَ َحـ َّ‬
‫َ‬
‫األَ ْعـ َـا ِل إِ َل اللَّ ـ ِه أ ْد َو ُم َهــا َوإِ ْن قَـ َّـل}( )‪ .‬فبهــذا نؤســس لقاعــدة تســامحية؛‬
‫‪3‬‬ ‫َ‬
‫وهــي أن التســامح ال غنــى لــه عــن االســتدامة‪ ،‬فالتســامح واالســتدامة يســند‬
‫بعضهــا بعضــا ويعتمــد عليــه‪.‬‬
‫ولقــد تقــدم يف هــذا البحــث أن هــذه القيمــة هــي يف األصــل مــن طبــع‬
‫اإلنســان‪ ،‬فنجــد قابليتهــا لــدى األطفــال الصغــار‪ ،‬حينــا تبــدو يف أبــرز‬
‫صورهــا يف ذلــك الكائــن الصغــر الــريء‪ ،‬الــذي مل تتلــوث فطرتــه بعــد؛ وتلــك‬
‫الحالــة هــي معيــار التســامح‪ ،‬وقــد ُخلــق كل إنســان يف األصــل عــى وفقهــا‬
‫وحالهــا‪ ،‬ويـراد منــه أن يســر عليهــا يف وجــوده كلــه‪ ،‬وقــد بُعثــت الرســل مــن‬
‫أجــل تذكــره بــه؛ ألنــه قــد ينحــرف عنهــا ألســباب مكتســبة تنتمــي النحـراف‬
‫يف الفطــرة‪.‬‬
‫ويــأيت دور الرتبيــة األخالقيــة يف إكســاب التســامح ملــن ليســت لــه هــذه‬
‫القيمــة طبعــا‪ ،‬فــا شــك أن لألخــاق طريقــن هــا الطبــع والتطبــع؛ والصورة‬

‫اب الق َْص ِد َواملُدَا َو َم ِة َع َل ال َع َملِ ‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.98‬‬


‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )6462( :‬كتاب الرقاق‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 2‬أبو الربكات؛ محمد بن محمد بن محمد الغزي العامري الدمشقي‪ ،‬أبو الربكات‪ ،‬بدر الدين ابن ريض الدين ‪ 984‬ه‪،‬‬
‫آداب العرشة وذكر الصحبة واألخوة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عمر موىس باشا‪( ،‬مطبوعات مجمع اللغة العربية – دمشق‪1388 ،‬ه‬
‫‪1968 -‬م)‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 3‬متفق عليه؛ البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ .)6464( :‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪.)7300( :‬‬

‫‪199‬‬
‫املثــى للتواصــل مــع النــاس تتمثــل يف قيمــة التســامح‪ ،‬وتحقيق هــذه الصورة‬
‫املطلوبــة يكــون بإحيــاء الفطــرة الســليمة‪ ،‬وتنشــيط دورهــا املعطــل بأســباب‬
‫عارضــة‪ ،‬ويكــون ذلــك التفعيــل بإزالــة تلــك األســباب واملعوقــات‪.‬‬
‫وعنــد البحــث يف أســباب انح ـراف الفطــرة نلفيهــا متنوعــة؛ بــن األســباب‬
‫الواقعيــة وغــر الواقعيــة‪ ،‬ونقتــر هنــا عــى ســببني؛ ألنهــا أكــر عالقــة‬
‫بالرتبيــة األخالقيــة‪ .‬يقــول ابــن عاشــور يف بيانهــا‪« :‬ألن أســباب االنح ـراف‬
‫عــن الفطــرة الســليمة ال تعــدو أربعــة أســباب‪ … :‬الثــاين‪ :‬اكتســاب َرذائــل‬
‫مــن األخــاق مــن مخرتعــات قــواه الشــهوية والغضبيــة‪ ،‬ومــن تقليــد غــره‬
‫بداعيــة استحســان مــا يف غــره مــن مفاســد يخرتعهــا ويدعــو إليهــا‪ .‬الثالــث‪:‬‬
‫خواطــر خياليّــة تحــدث يف النفــس مخالفــة ملــا عليــه النــاس كالشــهوات‬
‫واإلفــراط يف حــب الــذات أو يف كراهيــة الغــر مــا توســوس بــه النفــس‬
‫فيفكــر صاحبهــا يف تحقيقهــا…»(‪.)1‬‬
‫وطريــق إقامــة هــذا االعوجــاج يف الفطــرة يكــون بالرتبيــة األخالقيــة عــى‬
‫التحــي مبحاســن األخــاق مــع اآلخــر محبــة وألفــة وشــفقة وحســن عــرة‪،‬‬
‫مبــرب؛ أب رحيــم‪ ،‬أو معلــم‬
‫ٍّ‬ ‫والتخــي عــن مســاوئها‪ ،‬وال يتحقــق ذلــك إال‬
‫شــفيق‪ ،‬أو مذَكــر عليــم‪ ،‬ليزيلــوا تلــك الحجــب عــن الفطــرة املنحرفــة‪.‬‬
‫إن اســتدامة التســامح بحاجــة إىل تفعيــل املنظومــة الخلقيــة كاملــة‪ ،‬وعــدم‬
‫تعطيــل أي جــزء أو طــرف منهــا‪ ،‬وال ميكــن أن نقتــر عــى خلــق واحــد دون‬
‫آخــر‪ ،‬وانتظــار بنــاء خلــق التســامح عليــه‪ ،‬ويعــود هــذا إىل دور األخــاق‬
‫يف التســامح وترابطهــا‪ ،‬ورضورة التخلــق مبجمــل قيمهــا‪ ،‬مــن أجــل تحقيــق‬
‫التســامح‪ ،‬فــا تقـ ُّـل قيمــة عــن األخــرى أهميـ ًة‪ ،‬فقيمــة الحــوار مــع األطفــال‬
‫منــذ الصغــر عــى ســبيل املثــال‪ ،‬وترســيخ التســامح األرسي الــذي يعيشــه‬
‫األطفــال يف البيــت يوميــا‪ ،‬ووقايــة األطفــال مــن مظاهــر العنــف ووســائله‬
‫وأدواتــه‪ ،‬كلهــا أســاليب ُم ِعينــة عــى الرتبيــة األخالقيــة املعــززة لقيمــة‬
‫التســامح التــي ترتبــط عنارصهــا‪ ،‬وينبغــي مراعاتهــا واألخــذ بهــا كلهــا مــن‬
‫أجــل أن تــؤيت مثارهــا‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن عاشور؛ التحرير والتنوير‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.304‬‬

‫‪200‬‬
‫وقــد بــن الراغــب األصبهــاين هــذا الرتابــط يف هــذه املنظومــة حيــث قــال‪:‬‬
‫«والعفــة إذا تقــوت ولــدت القناعــة‪ ،‬والقناعــة متنــع عــن الطمــع يف مــال‬
‫الغــر فتولــد األمانــة‪ ،‬والعدالــة إذا تقــوت تولــد الرحمــة‪ ،‬والرحمــة هــي‬
‫اإلشــفاق مــن أن يفــوت ذا حــق حقــه‪ ،‬فهــي تولــد الحلــم‪ ،‬والحلــم يقتــي‬
‫العفــو‪ ،‬واإلنســانية والكــرم يجمعــان هــذه الفضائــل»(‪.)1‬‬
‫وهــذه املنظومــة توصلنــا إىل أن أصــول األخــاق التــي تــؤدي إىل التســامح‬
‫وتنتجــه ترجــع إىل ثالثــة أصــول هــي ركائــز الرتبيــة األخالقيــة‪:‬‬
‫األصــل األول‪ :‬تطهــر النفــس مــن األنانيــة والكــر والحســد‪ ،‬وغمــط الحقــوق‬
‫واالعـراف لــكل ذي حــق بحقــه‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬الحد من طمع النفس وجشعها وأداء حقوق الغري‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬القناعة والرضا التي تولد العفو والحلم‪.‬‬
‫وتعــدد تلــك الفضائــل ودورانهــا كلهــا يف فلــك التســامح يــدل عــى مركزيــة‬
‫قيمــة التســامح يف األخــاق‪.‬‬
‫وهــذه األصــول األخالقيــة التــي ت ُولــد التســامح وتقويــه جمعهــا ابــن املقفــع‬
‫يف قانــون عــام يــرىب بــه املرتبــون‪ ،‬ويتــأدب بــه املتأدبــون فقــال يف بــاب‪« :‬من‬
‫ـاس‪ :‬مــن ذي فضــلٍ عليـ َـك‬ ‫ـت مــن النـ ِ‬‫تصاحــب مــن النــاس‪ :‬انظــر مــن صاحبـ َ‬
‫بســلطانٍ أو منزلـ ٍة‪ ،‬أو مــن دو َن ذلــك من األكفــاء والخلطاء واإلخــوانِ ‪ ،‬فوطن‬
‫نفسـ َـك يف ُصحبتـ ِه عــى أن تقبــل منـ ُه العفـ َو وتســخو نفسـ َـك عــا اعتــاص‬
‫ٍ‬
‫مســتزيد؛ فــإن امل ُعاتبــ َة‬ ‫عاتــب وال مســتبطئ وال‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫عليــك مــا قبلــ ُه‪ ،‬غــر ُم‬
‫مقطع ـ ٌة للــو ّد‪ ،‬وإن االســتزادة مــن الجش ـعِ‪ ،‬وإن الرضــا بالعف ـ ِو وامل ُســامح ِة‬
‫ـرض واملــود ِة‬‫ـوق إليـ ِه نفسـ َـك مــع بقــاء العـ ِ‬
‫ـرب لـ َـك كل مــا تشـ ُ‬
‫يف الخلــقِ مقـ ٌ‬
‫واملــروء ِة»(‪ .)2‬فالرتبيــة األخالقيــة يف املعالجــة التســامحية مرتبطــة باآلثــار‬
‫عــى النفــس‪ ،‬واآلثــار املتعديــة للغــر‪ ،‬وهــذه املعالجــة تَخلــق لــدى اإلنســان‬

‫‪ - 1‬ابن حزم؛ أبو محمد عيل بن أحمد بن سعيد بن حزم األندليس القرطبي الظاهري ‪ 456‬ه‪ ،‬األخالق والسري يف مداواة‬
‫النفوس‪( ،‬دار اآلفاق الجديدة – بريوت – ط‪1399 ،2 .‬ه ‪1979 -‬م)‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ - 2‬ابن املقفع؛ عبد الله بن املقفع ‪142‬ه ‪ -‬األدب الصغري واألدب الكبري‪( ،‬دار صادر – بريوت)‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪201‬‬
‫املراقبــة الذاتيــة التــي ال تســتغني عنهــا ثقافــة التســامح واســتدامتها‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا يســمى بالضمــر األخالقــي‪ ،‬وهــو ضمــر جمعــي‪ ،‬ووازع قــادر عــى‬
‫توجيــه اإلنســان لفضائــل الخــر يف مجتمعــه ومــع النــاس كافــة‪ ،‬بواســطة‬
‫تلــك األصــول األخالقيــة‪ ،‬يقــول الشــيخ عبــد اللــه دراز‪« :‬ثــم هــو يتطلــب منــا‬
‫بعــد ذلــك الضمــر األخالقــي‪ ،‬باملفهــوم األســمى لهــذه الكلمــة‪ :‬رضــا القلــب‪،‬‬
‫وتلقائيــة الفعــل‪ ،‬والــرور‪ ،‬والهمــة التــي يــؤدى بهــا الواجــب»(‪.)1‬‬
‫ومثــرة الضمــر األخالقــي هــي الرقابــة الذاتيــة كــا تقــدم‪ ،‬وهــي أســاس يف‬
‫مجــال الرتبيــة األخالقيــة‪ ،‬وأصــل الضمــر األخالقــي مجمــع عليــه بــن ســائر‬
‫الديانــات والثقافــات ففــي الحديــث‪ :‬أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫َاص َن ـ ْع َمــا ِش ـئْ َت}‬ ‫{إِ َّن ِمـ َّـا أَ ْد َر َك ال َّنـ ُ‬
‫ـاس ِم ـ ْن كَال َِم ال ُّنبُ ـ َّو ِة‪ ،‬إِذَا لَ ـ ْم ت َْس ـتَ ْح ف ْ‬
‫(‪ .)2‬فالضمــر األخالقــي إنســاين وقيمــي‪ ،‬يشــرك فيــه النــاس كلهــم مبختلــف‬
‫أديانهــم وثقافاتهــم‪ ،‬وال يحتــاج لدافــع مــن ديــن أو ســلطة‪ ،‬ومتــى وصــل‬
‫املجتمــع لهــذه املرتبــة باســتيقاظ ضمــره الخلقــي؛ كان يف مأمــن مــن ســفول‬
‫التســامح وهبــوط مســتواه‪ ،‬وكان التســامح صفــة راســخة يف أفـراده‪ ،‬ومظهـرا‬
‫مــن مظاهــر حضارتهــم‪ ،‬وهــو مــا ســنحرره يف املطلــب القــادم‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التواصل الحضاري بني الشعوب وأثره يف استدامة التسامح‬


‫إن مــا تقــدم مــن أســس التســامح والتعامــل مــع غــر املســلمني وحفــظ‬
‫حقوقهــم وإقامــة عالقــات داخليــة وخارجيــة ُمثــى معهــم‪ ،‬يعــد مبثابــة‬
‫وســائل للتواصــل الحضــاري بــن اإلنســانية‪ ،‬فمفهــوم التواصــل الحضــاري بــن‬
‫الشــعوب هــو مثــرة مجتمــع التســامح ووســيلة مــن وســائله‪ ،‬ويعنــي كل‬
‫تواصــل بــن األطــراف أو األفــراد أو املجموعــات املختلفــة عرقيًّــا أو دينيًّــا‬
‫أو إثنيًّــا(‪ ،)3‬يســاعد عــى التعــارف بــن األط ـراف‪ ،‬والتعــاون بينهــا‪ ،‬ويدعــم‬
‫االســتقرار واســتيعاب اآلخــر‪.‬‬
‫‪ - 1‬دراز؛ دستور األخالق يف القرآن‪ :‬ص ‪.130‬‬
‫َاص َن ْع َما ِشئْ َت‪ .‬ج ‪ 8‬ص ‪.29‬‬ ‫ف‬ ‫ي‬‫ح‬‫َ‬
‫ْ ْ ْ ِ ْ‬ ‫ت‬ ‫َس‬ ‫ت‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َا‬
‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫اب‬
‫َ ُ‬ ‫ب‬ ‫األدب‪،‬‬ ‫كتاب‬ ‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪،)6120( :‬‬
‫‪ - 3‬إثنية تعني التصنيف عىل أساس العرق أو اللغة يقول الدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر‪( :‬إثن َّية [مفرد]‪ ...‬عرق َّية‪،‬‬
‫معي‪ ،‬وتع َرف بالتمييز العنرصي)‪ .‬أحمد‬ ‫مذهب يرمي إىل تصنيف الجامعات اإلنسانية عىل أساس انتامئها إىل عرق أو أصل َّ‬
‫مختار‪ ،‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.331‬‬

‫‪202‬‬
‫فمفهوم «التواصل الحضاري‬
‫إن التواصــل الحضــاري بهــذا املفهــوم؛ مــن األســس املتينــة التــي تعــزز‬
‫القيــم اإلنســانية‪ ،‬وترســخ التعايــش بــن الشــعوب املختلفــة‪ ،‬وتــريس مبــادئ‬
‫التســامح‪ ،‬وتعمــل عــى دميومتهــا وصريورتهــا؛ ألن التواصــل الحضــاري بــن‬
‫الشــعوب مبنــي عــى اإلميــان باالختــاف‪ ،‬ويتجــاوز هــذا اإلميــان إىل توظيــف‬
‫االختــاف واســتثامره يف نفــع البرشيــة‪ ،‬واألصــل يف هــذا قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬و ِمــن‬
‫ـت‬‫لسـ َن ِتكُم َوأَل َٰونِ ُكــم إِ َّن ِف َٰذلِـ َـك لَ ٓيَٰـ ٖ‬
‫رض َوٱخ ِتلَٰـ ُـف أَ ِ‬
‫ٱلسـ َٰم َٰو ِت َوٱألَ ِ‬ ‫َءايَٰ ِتـ ِه َخلـ ُـق َّ‬
‫لِّل َٰعلِ ِمـ َن﴾(‪ .)1‬فــا ميكــن تحقيــق التعــارف والتواصــل دون وجــود االختــاف‪،‬‬
‫وقــد جمــع اللــه بــن هاتــن الســنتني الكونيتــن يف آيــة الحج ـرات يف قولــه‬
‫َــى َو َج َعل َٰنكُــم شُ ــ ُعوبٗا‬ ‫ــاس إِنَّــا َخلَق َٰنكُــم ِّمــن َذكَــ ٖر َوأُنث ٰ‬ ‫تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّن ُ‬
‫َوقَ َبآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُ ـ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َم ُكــم ِعن ـ َد ٱللَّ ـ ِه أَت َق ٰى ُكــم إِ َّن ٱللَّ ـ َه َعلِي ـ ٌم َخ ِب ـ ‪ٞ‬ر﴾(‪.)2‬‬
‫فدلــت اآليــة عــى أن مــن مقاصــد كــون النــاس شــعوبًا وقبائــل مختلفــة هــو‬
‫التعــارف‪ ،‬وأ َّن مامرســة التواصــل الحضــاري بــن الشــعوب املعــزز للتســامح‬
‫يتحقــق بوســائل متعــددة؛ مــن أهمهــا الحــوار وتبــادل الثقافــات واالنفتــاح‬
‫عــى اآلخــر‪ .‬وقــد عقــد أبــو زهــرة مقارنــة بــن هــذه اآليــة وبــن قولــه تعــاىل‪:‬‬
‫ـس َٰو ِحـ َد ٖة﴾(‪ .)3‬ليوضــح‬ ‫ـاس ٱت َّ ُقــوا ْ َربَّ ُكـ ُم ٱلَّـ ِـذي َخلَ َق ُكــم ِّمــن نَّفـ ٖ‬‫﴿يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫أن الصلــة بــن بنــي اإلنســان رجــوع للطبيعــة‪ ،‬وتحقيــق لغايــة نبيلــة‪ ،‬يقــول‬
‫أبــو زهــرة‪« :‬بيــد أن النــص الــذي نتحــدث عنــه يثبــت أن الذكــر واألنثــى مــن‬
‫طبيعــة واحــدة‪ ،‬ويثبــت يف مضمونــه الصلــة الرحيمــة التــي تربــط النــاس‬
‫جمي ًعــا‪ ،‬ومــا ينبنــي عليهــا مــن تعاطــف وتــواد وتراحــم‪ ،‬والنــص اآلخــر يبــن‬
‫وجــوب التعــارف الــذي هــو الطريــق للرتاحــم والتــواد‪ ،‬فهنــا بيــان الغايــة‪،‬‬
‫وهنالــك بيــان طريقهــا»(‪.)4‬‬
‫إن مــن مظاهــر التكريــم اإللهــي لإلنســان نعمــة التواصــل بينــه وبــن أخيــه‬
‫اإلنســان‪ ،‬ألنــه بهــذا التواصــل يقــام العمــران‪ ،‬وميتــد االجتــاع البــري‪،‬‬

‫سورة الروم؛ اآلية‪.22 :‬‬ ‫‪-1‬‬


‫سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬ ‫‪-2‬‬
‫سورة النساء؛ اآلية‪.1 :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أبو زهرة؛ زهرة التفاسري‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.1574‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪203‬‬
‫فمقصــد التواصــل اإلنســاين مقصــد مهــم‪ ،‬وتحقيــق التعايــش بــن النــاس‬
‫يرتبــط بحيــاة الجميــع‪ ،‬ومــن ثــم كان وســيلة لبقــاء نــوع البــر‪ ،‬فالتقاتــل‬
‫والتخاصــم والتقاطــع ناشــئ عــن النظــرة العدوانيــة املوجهــة للغــر‪ ،‬وقــد‬
‫يــؤدي ذلــك إلذكاء الحــروب وفنــاء البــر‪ ،‬فالتواصــل عــى هــذا فيــه قــوام‬
‫عيــش النــاس واســتمرارهم‪.‬‬
‫وانطالقــا مــن وحــدة أصــل اإلنســانية و َّجــه القــرآن الكريــم املســلمني ‪-‬مــن‬
‫أجــل تحقيــق االنســجام بــن أفــراد هــذا الكــون‪ -‬إىل النظــر وفــك قيــود‬
‫العقــل‪ ،‬وخاطــب خاصــة أويل األلبــاب والبصــرة والتفكــر بالســر يف األرض؛‬
‫ألن ذلــك يحقــق لهــم منافــع كثــرة‪ ،‬ومــن أهــم هــذه املنافــع هــذا التواصــل‬
‫الحضــاري املعــزز للتســامح‪ ،‬فقــال تعــاىل‪﴿ :‬أَفَلَــم يَ ِس ـ ُروا ْ ِف ٱألَ ِ‬
‫رض فَتَ ُكــو َن‬
‫ـوب يَع ِقلُــو َن ِب َه ـآ أَو َءاذَا ‪ٞ‬ن يَس ـ َم ُعو َن ِب َهــا فَ ِإنَّ َهــا َل تَع َمــى ٱألَبـ َٰ ُ‬
‫ـر‬ ‫لَ ُهــم قُلُـ ‪ٞ‬‬
‫ٱلص ـ ُدورِ﴾( )‪ .‬يقــول ال ـرازي‪« :‬وأمــا قولــه‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ـوب ٱلَّ ِتــي ِف ُّ‬ ‫َولَٰ ِكــن ت َع َمــى ٱل ُقلُـ ُ‬
‫رض ث ُــ َّم ٱنظُــ ُروا ْ﴾( )‪ ،‬فمعنــاه إباحــة الســر يف األرض‬
‫‪2‬‬ ‫﴿قُــل ِســ ُروا ْ ِف ٱألَ ِ‬
‫للتجــارة وغريهــا مــن املنافــع»( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وال شــك أن أحــد معــززات هــذا التواصــل الحضــاري هــو الرحلــة يف طلــب‬
‫العلــم واملعــارف‪ ،‬والســفر واالختــاط بالشــعوب األخــرى‪ ،‬مــن أجــل الحصول‬
‫عــى أجــود مــا عندهــا وأفضلــه‪ ،‬مــا يفيــد املجتمعــات يف املجــاالت املختلفة‬
‫مــن الشــؤون العلميــة والصحيــة والصناعــات‪ ،‬وهــذا فــرض كفــايئ يجــب‬
‫عــى كل مجتمــع أن يحقــق كفايتــه منــه‪.‬‬
‫وأعظــم حكمــة مــن هــذه األســفار أن بهــا تكمــل األنفــس وتتســع املــدارك‪،‬‬
‫ويعــرف اإلنســان مقــداره ويتواضــع لآلخريــن‪ ،‬ويتعــاون معهــم بعــد التعــرف‬
‫عليهــم ويســهم يف تصحيــح النظــرة الســلبية التــي قــد تكــون مســتقرة لــدى‬
‫هــذا اإلنســان‪ ،‬وحينئــذ نكــون قــد وصلنــا لدرجــة يف التســامح قــد ال تنهــار‬
‫بعــد ذلــك؛ ألنهــا مؤسســة عــى أســس متينــة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الحج؛ اآلية‪.46 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.11 :‬‬
‫‪ - 3‬الرازي؛ مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ 12‬ص ‪.488‬‬

‫‪204‬‬
‫إن الجهــل باآلخــر وثقافتــه ومعارفــه ومعتقداتــه ال يســاعد عــى التســامح؛‬
‫فاملعرفــة لهــا دور أســاس يف انتشــار ثقافــة التســامح واســتدامتها‪ ،‬وكل مــا‬
‫يكســب املعرفــة والوعــي الحضــاري مــا يــؤدي هــذا الــدور فهــو مطلــوب‪،‬‬
‫وقــد كانــت الحضــارة اإلســامية يف توجههــا مــع بــزوغ التاريــخ اإلســامي‬
‫لرتجمــة معــارف اآلخريــن واالطــاع عــى ثقافتهــم ت َ ْب ِنــي بتلــك الخطــوة‬
‫مظه ـرا حضاريــا عظيــا مــن مظاهــر التواصــل الحضــاري؛ فحركــة الرتجمــة‬
‫الواســعة يف العــر العبــايس‪ ،‬واالطــاع عــى حضــارة اليونــان واقتبــاس‬
‫املعــارف والتجــارب النافعــة ليســتفيد منهــا املجتمــع املســلم‪ ،‬كانــت قمــة‬
‫يف التســامح وقبــول اآلخــر‪ ،‬والتقــدم الحضــاري لــدى املســلمني يف ذلــك‬
‫العــر‪ ،‬فلــم متنعهــم األنفــة واالعتـزاز بتاريخهــم وثقافتهــم مــن األخــذ مــن‬
‫الحضــارات األخــرى مــا ينفعهــم ويســاعدهم عــى تقــدم مجتمعاتهــم علميًّــا‬
‫وفكريًّــا وحضاريًّــا وصناع ًّيــا‪.‬‬
‫يقــول أحمــد أمــن مشــي ًدا بالثقافــة اإلســامية يف هــذا التوجــه‪ ،‬ومبينــا‬
‫مميــزات هــذه التجربــة وآثارهــا؛ أن الثقافــة اإلســامية إمنــا «اتجهــت إىل‬
‫االســتعانة بالفلســفة اليونانيــة والثقافــة الفارســية والهنديــة‪ ،‬فــأن الديــن‬
‫حملهــا عــى ذلــك‪ ،‬وطلــب منهــا أن تتطلــب العلم حيــث كان‪ ،‬ومــن أي كائن‬
‫تأصلــت فيهــم‪ ،‬فكانــوا إذا‬ ‫كان‪ ،‬وقــد بــذر اإلســام يف نفــوس أصحابــه بــذورا ّ‬
‫اقتبســوا مــن الفلســفة اليونانيــة أو أيــة ثقافــة أخــرى مل يكونــوا مقلديــن‬
‫تقليــدا رصفــا‪ ،‬إمنــا كانــوا دامئــا يعملــون العقــل فيــا نقلــوا‪ ،‬ويعملــون‬
‫العقيــدة الدينيــة فيــا قــرأوا… والحــق أن فضلهــم عــى املدنيــة الحديثــة‬
‫كان مــن الناحيتــن جمي ًعــا‪ :‬مــن ناحيــة حفظهــم لثقافــة غريهــم مــن األمــم‪،‬‬
‫ولوالهــم لضــاع كثــر منهــا‪ ،‬ومــن ناحيــة مــا أنشــأوا وابتكــروا وبثــوا مــن روح‬
‫يف الثقافــات القدميــة‪ .‬وقــد بــدأ علــاء أوربــا يبحثــون نواحــي تأثــر الثقافــة‬
‫اإلســامية يف الثقافــة األوربيــة»(‪.)1‬‬
‫إن التواصــل الحضــاري بــن الشــعوب جــر إلقامــة أيــة حضــارة إنســانية‬
‫متســامحة تنعــم باالســتقرار‪ ،‬وتعــود بالنفــع والخــر عــى األطـراف املتواصلة‪،‬‬

‫‪ - 1‬أحمد أمني؛ فيض الخاطر(مجموع مقاالت أدبية واجتامعية)‪( ،‬مكتبة النهضة املرصية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،3 .‬‬
‫‪1373‬ه‪-1953‬م)‪ ،‬ج ‪ 10‬ص ‪.118‬‬

‫‪205‬‬
‫وذلــك العتامدهــا الحــوار والتعايــش والتالقــي‪ ،‬وإن الحضــارات املزدهــرة عــر‬
‫التاريــخ مل تكــن لتقــام وتحقــق مــا حققتــه لــوال أن التواصــل الحضــاري مــع‬
‫محيطهــا كان دعامــة مــن دعامئهــا‪ ،‬ولهــذا كان اإلســام مركــزا عــى هــذا‬
‫املبــدأ‪ ،‬فوفــر لــه كل ســبل النجــاح‪ ،‬والترشيعــات الربانيــة والتوجيهــات‬
‫النبويــة كلهــا تحــض عــى تحقيقــه‪.‬‬
‫وأهــم عائــق يقــف اليــوم أمــام مبــدأِ التواصــل الحضــاري بــن الشــعوب‬
‫هــو القصــور املالحــظ يف جانــب تحــول هــذا املبــدأ إىل ســلوك لألفــراد‬
‫واملجتمعــات‪ ،‬مــع صفــاء النوايــا والتخلــص مــن ترســبات املــايض الســلبية‪،‬‬
‫وإال فإنَّــه ال ميكــن بنــاء تســامح قــوي ممتــد عــر األزمــان والعصــور دون‬
‫تواصــل حضــاري نشــط‪.‬‬
‫«إن التواصــل أيًّــا كان ومــن حيــث املبــدأ هــو ســلوك حضــاري باملفهــوم‬
‫العميــق للحضــارة‪ ،‬والعــامل اليــوم يف أشــد الحاجــة إىل هــذه األمنــاط مــن‬
‫الســلوك واملامرســات املتحــرة‪ ،‬التــي مــن شــأنها أن تخفــف مــن أجــواء‬
‫التوتــر التــي تســود املجتمعــات اإلنســانية‪ ،‬وتفتــح املجــال أمــام تعزيــز‬
‫التعــاون الــدويل عــن طريــق حــوار الثقافــات وتحالــف الحضــارات تدعيــا‬
‫للســام العاملــي»(‪.)1‬‬
‫ويف دراســتنا للنــاذج املعــارصة للتواصــل الحضــاري بــن الشــعوب والتســامح‬
‫اآلخــذ بكافــة األســباب‪ ،‬واملحقــق لــروط االســتدامة‪ ،‬نجــد دولــة اإلمــارات‬
‫العربيــة املتحــدة أمنوذ ًجــا حضاريــا محققــا لهــذه القيــم الكونيــة‪ ،‬فــكان‬
‫الواجــب الوقــوف عــى هــذه التجربــة ودراســة أســباب تطورهــا‪ ،‬وعنــارص‬
‫قوتهــا‪ ،‬وهــو مــا ســيضطلع بــه البــاب الثالــث مــن هــذا البحــث بتوفيــق مــن‬
‫اللــه وعونــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬التواصل الحضاري؛ املنظمة اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة‪ :‬ص ‪.9‬‬

‫‪206‬‬
‫البــاب الثالــث‪ :‬التســامح وقيمــه يف املجتمــع اإلمــارايت؛‬
‫وفيــه ثالثــة فصــول‪:‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬الشــيخ زايــد رحمــه اللــه ودوره يف ترســيخ‬
‫ثقافــة التســامح يف املجتمــع اإلمارايت‪.‬‬
‫الفصــل الثــاين‪ :‬الثقافــة املحليــة اإلماراتيــة وأثرهــا يف‬
‫إرســاء قيــم التســامح‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربنامج الوطني اإلمارايت للتسامح‪.‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬الشــيخ زايــد رحمــه الله ودوره يف ترســيخ‬
‫ثقافــة التســامح يف املجتمــع اإلمــارايت؛ وتحتــه مبحثان‪:‬‬
‫املبحــث األول‪ :‬رؤيــة الشــيخ زايــد ودورهــا يف تحقيــق‬
‫التســامح‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬حكَم الشيخ زايد املؤسسة للتسامح‪.‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬الشــيخ زايــد رحمــه اللــه ودوره يف ترســيخ ثقافــة التســامح‬
‫يف املجتمــع اإلمــارايت‬
‫ـال راق ًيــا‪ ،‬وأمنوذجــا ناص ًعــا‪ ،‬وتطبي ًقــا عمل ًّيــا كاف ًيــا‪ ،‬ملــا درســناه‬ ‫قــد ال نجــد مثـ ً‬
‫يف البابــن الســابقني مــن قيــم التســامح وأخالقــه؛ مثــل شــخصية الشــيخ زايــد‬
‫–طيــب اللــه ثــراه‪ -‬الــذي يعــ ُّد يف هــذا العــر أمثولــة التســامح‪ ،‬فــإرث‬
‫الشــيخ زايــد يتوفــر عــى نظريــة متميــزة كاملــة وشــاملة يف مجــال التســامح‪،‬‬
‫برســالتها وأهدافهــا‪ ،‬ورؤيتهــا وأسســها‪ ،‬وأركانهــا وقواعدهــا‪.‬‬
‫إن اللــه تعــاىل قــد جمــع للشــيخ زايــد أشــتات الفضائــل‪ ،‬وجميــل الشــيم‬
‫والشــائل‪ ،‬وامــن عليــه ســبحانه بتنشــئة أصيلــة؛ جمعــت لــه مــن قيــم‬
‫الديــن الحنيــف‪ ،‬ومــن عــادات العــرب النبيلــة؛ قيـ ًـا جليلــة وعديــدة‪ ،‬كانــت‬
‫هــي األســاس والجوهــر يف رســالة التســامح التــي كان يحملهــا الشــيخ زايــد‬
‫ويدعــو إليهــا‪ ،‬فشــخصيته تعــد مــن الشــخصيات النــادرة‪ ،‬التــي هي كالبلســم‬
‫لإلنســانية‪ ،‬ومصــدر الخــر للبرشيــة؛ هيأهــا اللــه تعــاىل رأفــة بعبــاده‪ ،‬ليســت‬
‫هــي مــن األنبيــاء ولكــن يصــدق عليهــا األثــر‪{ :‬قــوم حلــاء ُعلَـ َـاء كَا ُدوا أَن‬
‫يبل ُغــوا بفقههــم َحتَّــى يَكُونُــوا أَنْب َيــاء}(‪.)1‬‬
‫لقــد كان الشــيخ زايــد منــة ربانيــة عــى هــذا الوطــن‪ ،‬إذ ال يرتــاب أحــد‬
‫مــن أبنــاء وطنــه أو غريهــم مــن الباحثــن والدارســن لشــخصيته أنــه رجــل‬
‫صنــع التاريــخ؛ ويكفــي يف صناعتــه للتاريــخ أنــه كان ســابقا لعــره بكثــر‪،‬‬
‫ويــرز هــذا الجانــب يف مجــال التســامح الــذي نعكــف اليــوم عــى االســتنارة‬
‫بحكمــه فيــه‪.‬‬
‫ويف هــذا الفصــل نُقــرر كيــف أصبــح الشــيخ زايد «أمثولــة التســامح» يف العرص‬
‫الحــارض‪ ،‬بعــد أن جــاء إىل منطقــة ممزقــة‪ ،‬قبائلهــا متفرقــة‪ ،‬بــل متحاربــة فيام‬
‫بينهــا أحيانًــا‪ ،‬ف َح َّولَهــا إىل رصوح حضاريــة‪ ،‬ووطــن متحــد‪ ،‬وشــعب متســامح‬
‫جــاذب لــكل مــن يريــد التســامح والحب والســام واالســتقرار‪.‬‬
‫ومن أجل تجلية القول يف هذا الفصل جعلته يف مبحثني‪ ،‬وهام‪:‬‬

‫‪ - 1‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أيب بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي ‪ 911‬ه‪ ،‬الدر املنثور يف التفسري باملأثور‪( ،‬دار الفكر –‬
‫بريوت)‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.580‬‬

‫‪209‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رؤية الشيخ زايد التسامحية ودورها يف تحقيق التسامح‬
‫املطلب األول‪ :‬رؤية الشيخ زايد التسامحية وأثرها يف املجتمع اإلمارايت‬
‫رؤيــة الشــيخ زايــد يف التســامح تســتمد أصالتهــا مــن اإلرث العميــق والثقافــة‬
‫العربيــة األصيلــة‪ ،‬لهــذا فقــد حفــل ســجل الشــيخ زايــد مبنج ـزات ِقيَميــة‬
‫حضاريــة باهــرة‪ ،‬دالــة عــى مــا كان يحملــه هــذا الرجــل يف قلبــه لهــذا العــامل‬
‫مــن اإلنســانية والرحمــة والرأفــة واملواقــف النبيلــة‪ ،‬فقــد كانــت رؤية الشــيخ‬
‫زايــد نابعــة بالدرجــة األوىل مــن شــخصيته التســامحية امل ُحبــة للوحــدة‬
‫واالتحــاد‪ ،‬والحريصــة عــى مل الشــمل وتوحيــد الصــف وتوفــر العيــش الرغيد‬
‫ألبنــاء وطنــه‪.‬‬
‫وإذا أردنــا اســتيعاب رؤيــة الشــيخ زايــد التســامحية وأصالتهــا وأبعادهــا؛ ال‬
‫بــد أن ننطلــق مــن شــخصيته املحبــة للخــر والســام‪ ،‬النــارشة للرب واإلحســان‪،‬‬
‫املبــرة بــكل جميــل وحســن‪ ،‬الجامعــة للشــيم النبيلــة‪ ،‬هــذه الشــخصية‬
‫التــي أســهمت يف غــرس كثــر مــن القيــم والفضائــل يف أبنــاء وطنــه والعــامل‬
‫أجمــع‪ ،‬وقــد شــهد لــه بهــذه الصفــة الحميــدة عارفــوه ومحبــوه‪ ،‬يقــول عنــه‬
‫املقيــم الربيطــاين يف الخليــج لــوس‪« :‬رجــل ودود متســامح بطبيعتــه‪ ،‬شــجاع‬
‫رصيــح كريــم‪ ،‬يشــيد بكرمــه كل مــن عرفــه‪ ،‬كــا أنــه يحــب شــعبه كث ـرا‪،‬‬
‫وتــواق ملســاعدته والعمــل عــى رفعتــه وازدهــاره»(‪.)1‬‬
‫وهــذه هــي املعجــزة يف تســامح الشــيخ زايــد‪ ،‬فمــع كونــه زعيـ ًـا تاريخيــا‬
‫وقائـ ًدا سياســيا؛ كان أيضــا حكيــا ومفكـرا‪ ،‬وال نجــد هــذه الصفــات تجتمــع‬
‫ألحــد تص ـ َّدر للتســامح‪.‬‬
‫فالشــيخ زايــد شــخصية متســامحة عظيمــة‪ ،‬فريــدة مــن نوعهــا؛ فعنــارص‬
‫القــوة التــي تتميــز بهــا شــخصيته‪ ،‬ومناصــب القيــادة التــي توالهــا‪ ،‬وزعامتــه‬
‫التاريخيــة والقبليــة لقومــه‪ ،‬كل ذلــك مل يؤثــر فيــه‪ ،‬بــل بقــي وفيًّــا للســام‬
‫م ْؤثــرا الســاحة‪ ،‬مقد ًمــا اللــن والرفــق يف كل املجــاالت؛ ســواء منهــا‬
‫الداخليــة والخارجيــة‪ ،‬فخيــار الســام هــو الخيــار األنســب لشــخصيته‪ ،‬وال‬

‫‪ - 1‬املهريي فاطمة سهيل؛ زايد بن سلطان آل نهيان منظومته الفكرية وتوجهاته السياسية‪( ،‬العني‪ ،‬مركز الخليج لألبحاث‪،‬‬
‫تاريخ النرش‪ .)2005 :‬ص ‪.19‬‬

‫‪210‬‬
‫يلجــأ إىل القــوة والشــدة إال يف املــاذ األخــر(‪ ،)1‬وإلبــراز هــذه الشــخصية‬
‫التســامحية املتســامحة عنــد الشــيخ زايــد نذكــر هــذه الســات التــي تتميــز‬
‫بهــا شــخصيته‪:‬‬
‫شــخصية شــاملة وجامعــة؛ عندمــا يتحــدث علــاء النفــس عــن أنــواع‬
‫الشــخصيات ومســتوياتها عنــد الحاجــة لقيــاس التســامح؛ يذكــرون أن‬
‫التســامح يتعلــق بثالثــة مســتويات‪ ،‬يتعلــق املســتوى األول بالســات‪،‬‬
‫واملســتوى الثــاين باالهتاممــات الشــخصية‪ ،‬واملســتوى الثالــث بوقائــع الحيــاة‪،‬‬
‫وغالــب تســامح النــاس يقــع يف أحــد هــذه الدوائــر الثالثــة(‪ ،)2‬أمــا الشــيخ‬
‫زايــد فتســامحه شــامل لهــذه املســتويات الثــاث؛ فالتســامح ســلوك فــردي‬
‫لــه‪ ،‬وتحقيقــه يف الفــرد واملجتمــع مــن أبــرز اهتامماتــه التــي ع ِمــل عليهــا‬
‫طليــة حياتــه‪ ،‬أمــا تطبيــق الشــيخ زايــد للتســامح يف حياتــه فحــدث عنــه وال‬
‫حــرج‪ ،‬وهــا هــي القصــص الواقعيــة املاثلــة أمامنــا والتــي مــا زلنــا نرويهــا إىل‬
‫اليــوم أكــر شــاهد عــى ذلــك‪.‬‬
‫شــخصية منوذجيــة‪ :‬يُ َعــد الشــيخ زايــد رحمــه اللــه قــدوة ومثَــا أعىل لشــعبه‪،‬‬
‫واألجيــال الالحقــة مــن بعــده‪ ،‬فهــو رجــل جمــع بــن التجربــة والحكمــة‪،‬‬
‫والــرؤى الســديدة وبُعــد النظــر‪ ،‬فكانــت شــخصيته التســامحية لهــا أثرهــا يف‬
‫مجتمعــه اآلين واملســتقبيل‪.‬‬
‫شــخصية خالــدة مســتدامة‪ :‬وتســتمد عوامــل االســتدامة مــن رمزيــة الشــيخ‬
‫زايــد لهــذا املجتمــع والوطــن؛ فإرثــه يف التســامح ممتــد‪ ،‬ورؤيتــه التســامحية‬
‫مــا هــي إال مثــرة شــخصيته؛ فــإذا كان الشــيخ زايــد يحمــل بــن جنبيــه قل ًبــا‬
‫متســام ًحا مح ًبــا للخــر؛ فإنــه رحمــه اللــه تعــاىل عمــل يف حياتــه عــى نــر‬
‫رســالة التســامح‪ ،‬وكانــت اسـراتيجياته ونهجــه ســواء يف التعامــل مــع الداخــل‬
‫أو الخــارج‪ ،‬مــا يربهــن عــى أنــه رحمــه اللــه كان يحمــل هــذه الرســالة‬

‫‪ - 1‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪ ،‬بقوة االتحاد‪ :‬صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان القائد‬
‫والدولة‪( ،‬أبوظبي‪ :‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪ ،‬ط‪ )2017 ،6 .‬ص ‪.86‬‬
‫‪ - 2‬ميشيل إماكلو‪ ،‬كينت آبارجمنت‪ ،‬كارل إثورسني‪ ،‬ترجمة عبري أنور‪ ،‬التسامح النظرية والبحث واملامرسة (القاهرة‪ ،‬املركز‬
‫القومي للرتجمة الطبعة األوىل ‪ )2015‬ص ‪.322‬‬

‫‪211‬‬
‫ويســعى لنرشهــا فهــي عنــده‪ :‬إرث وواقــع ومســتقبل‪ ،‬وتنطلــق هذه الرســالة‬
‫مــن أســس عــدة‪:‬‬
‫أولهــا‪ :‬التســامح واجــب‪ :‬وهــذا ركــن أســاس يف رؤيتــه‪ ،‬انطالقــا مــن األســس‬
‫الدينيــة للتســامح؛ فرؤيــة الشــيخ زايــد رحمــه اللــه تنطلــق مــن أن التســامح‬
‫واجــب وليــس إحســانًا أو فضيل ـ ًة‪ ،‬يقــول رحمــه اللــه‪« :‬التســامح واجــب‪،‬‬
‫ألن اإلنســان إنســان خلقــه اللــه‪ ،‬إن كان مســلام أو غــر مســلم‪ ،‬إنســان…‬
‫بــر»(‪ .)1‬هنــا االنطالقــة لفهــم رســالة التســامح عنــد الشــيخ زايــد‪ ،‬أمــا‬
‫النظريــات املتقدمــة يف التســامح لــدى الغــرب اليــوم؛ فإنهــا مل تتجــاوز بقيمــة‬
‫التســامح كونــه فضيلــة‪.‬‬
‫ثانيهــا‪ :‬التســامح أولويــة رضوريــة؛ فــإذا كان واج ًبــا يف الجانــب الدينــي‬
‫فإنــه يف الجانــب العمــي أولويــة؛ فالشــيخ زايــد يف رؤيتــه دامئــا مــا يركــز‬
‫عــى األولويــات‪ ،‬فلــم يكــن يف رؤيتــه تــرف أو فضــول؛ بــل إن كل القضايــا‬
‫التــي كان يركــز عليهــا لهــا أهميتهــا يف املــايض والحــارض واملســتقبل؛ ومــن‬
‫هــذه القضايــا مســألة التســامح‪ .‬فعندمــا كان الشــيخ زايــد يؤســس لنظريــة‬
‫التســامح إمنــا كان يــرى أمــام عينيــه ‪-‬برؤيتــه الثاقبــة‪ -‬تلــك الثغ ـرات التــي‬
‫ميكــن أن تتــرب منهــا األخطــار ملجتمعــه‪ ،‬فيحــاول إيجــاد العــاج والــدواء‬
‫لهــذه األخطــار‪ ،‬وكان الــدواء الــذي يصفــه دامئــا ليكــون املجتمــع إيجاب ًّيــا ويف‬
‫صحــة وعافيــة‪ ،‬هــو دواء التســامح فكانــت تلــك الرســالة املتألقــة يف اآلفــاق‬
‫إىل يومنــا هــذا‪.‬‬
‫ثالثهــا‪ :‬أن التســامح طبيعــة فطريــة؛ كثــر مــن العلــاء والفالســفة يذهبــون‬
‫إىل أن التســامح فطــرة إنســانية‪ ،‬وهــذا مــا بُنيــت عليــه رؤيــة الشــيخ زايــد‬
‫التســامحية‪ ،‬فمــع أن التســامح ميكــن اكتســابه بالتخلــق بالفضائــل وإل ـزام‬
‫النفــس بالقيــم اإلنســانية؛ فلــم يكــن الشــيخ زايــد ليتكلــف التســامح بــل‬
‫كان لــه طبعــا وفطــرة‪ ،‬وكان مذهبــه أنــه يفضــل الطبــع عــى التطبــع؛ ومــا‬
‫قــال يف ذلــك‪« :‬إن تحويــل البــر مــن عــادات إىل أخــرى ليــس بالتصــور‬

‫‪ - 1‬جريدة الخليج‪ ،‬محمد بن راشد‪ :‬نحن عيال زايد نحمل قيمه وأخالقه وتسامحه وحبه لكل الناس‪ ،‬جريدة الخليج‬
‫اإلماراتية (الشارقة) تاريخ النرش‪.2017 11 16 :‬‬

‫‪212‬‬
‫الســهل»(‪ ،)1‬ألنــه يــرى أن طبــع اإلنســان يســتمر معــه دامئــا وال يفارقــه؛‬
‫أمــا التطبــع والتكلــف فقــد يتغــر بتغــر أســبابه‪ ،‬وهــذه الرؤيــة تفيــد بــأن‬
‫التســامح عنــد الشــيخ زايــد مســتدام يقــول رحمــه اللــه‪« :‬اإلنســان يســتطيع‬
‫أن يكتســب صفــات ولكنهــا ال تكــون ملتصقــة بــه ألنهــا ال تكــون مــن طباعــه‬
‫وقدميــا قالــوا‪ :‬غلــب الطبــع التطبــع‪ ،‬فالطبــع هــو الــيء الوحيــد الــذي‬
‫يــازم اإلنســان طــوال حياتــه وال يفارقــه أبــدا»(‪ ،)2‬فالتســامح عنــد الشــيخ‬
‫زايــد صفــة فطريــة أصيلــة‪ ،‬وليســت مكتســبة أو متكلفــة‪ ،‬وهــذا واضــح مــا‬
‫ســبق مــن وصــف شــخصيته‪.‬‬
‫راب ًعــا‪ :‬رســالة الشــيخ زايــد التســامحية واقعيــة؛ تتميــز نظريــة التســامح عند‬
‫الشــيخ زايــد باملنهــج العلمــي الواقعــي الدقيــق والرؤيــة الواضحــة؛ فهــي‬
‫ليســت خياليــة أو ناشــئة عــن صدفــة‪ ،‬فعندمــا نــدرس التســامح نقــف عنــد‬
‫الفالســفة واملفكريــن واملنظريــن يف هــذا املجــال مثــل فولتــر‪ ،‬وجــون لــوك‪،‬‬
‫وجــون ســتيوارت ِمــل‪ ،‬وننطلــق مــن آرائهــم نجدهــم منظريــن‪ ،‬أمــا الشــيخ‬
‫زايــد فهــو ينطلــق مــن الواقــع‪ ،‬وينــزل رســالته التســامحية عــى أرض الواقــع‪،‬‬
‫وهــذا ناشــئ مــن كــون الشــيخ زايــد عارفًــا مبجتمعــه‪ ،‬مســترشفًا ملســتقبله‪،‬‬
‫قائــدا لــه‪ ،‬محيطًــا بجميــع تفاصيلــه‪ ،‬فهــو يف رؤيتــه ينطلــق مــن تصــورات‬
‫واقعيــة صحيحــة وســليمة‪ ،‬بــل تجــاوز ذلــك ليخطــط لتســامح األجيــال‬
‫القادمــة‪ ،‬فوضــع نظريــة كاملــة للتســامح برســالتها وأهدافهــا وأنواعهــا‬
‫ومجاالتهــا وأسســها‪.‬‬
‫خامســا‪ :‬رؤيــة التســامح عنــد الشــيخ زايــد بوصلــة؛ لتحديــد الوجهــة‪،‬‬ ‫ً‬
‫ومنصــة لالنطــاق الحضــاري والبنــاء‪ ،‬وتحقيــق أهــداف كــرى للوطــن‬
‫واإلنســان‪ ،‬فلذلــك كان الشــيخ زايــد يف تأسيســه لنظريــة التســامح يركــز‬
‫عــى األجيــال القادمــة؛ ألن ذلــك يشــكل أساســا حضاريــا وتاريخيــا الرتبــاط‬
‫هــذه الدولــة بالتســامح واســتدامته‪ ،‬فليــس التســامح عنــده فكــرة متــر مــرور‬
‫الك ـرام‪ ،‬بــل هــي خارطــة طريــق متهــد درب التســامح لألجيــال‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫أثبتتــه األيــام وهــو مــا نعيشــه اليــوم‪ ،‬فقــد أصبحــت دولــة اإلمــارات بهــذه‬

‫‪ - 1‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.223‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.260‬‬

‫‪213‬‬
‫الرؤيــة التســامحية املبكــرة عــى رأس الــدول يف مقيــاس التســامح‪ ،‬وخصصــت‬
‫مؤسســات رســمية وفكريــة وعلميــة لــإرشاف عــى التســامح‪ ،‬وبنــت خطابها‬
‫الدينــي عــى التســامح‪ ،‬وربــت أجيالهــا عــى قيــم التســامح‪ ،‬كل ذلــك نتيجــة‬
‫هــذه الرؤيــة الدقيقــة‪ ،‬والوصايــا الحميــدة امللهمــة‪.‬‬
‫ومــن خــال مــا تقــدم يف وصــف مميـزات شــخصية الشــيخ زايــد التســامحية‬
‫والوقــوف عــى مرتك ـزات رؤيتــه؛ فــإن الجميــع يتفــق أن الشــيخ زايــد هــو‬
‫أبــو التســامح يف املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬وأن هــذا املجتمــع يعيــش اليــوم ذلــك‬
‫املســتقبل الــذي كان يخطــط لــه الشــيخ زايــد‪ ،‬يف ظــل التشــبث بالعــادات‬
‫والتقاليــد‪ ،‬ومعانقــة التقــدم الحضــاري‪ ،‬والتنــوع الثقــايف‪ ،‬املتشــبع بشــخصيته‬
‫التســامحية رحمــه اللــه تعــاىل‪.‬‬
‫ويكفيــه أنــه هــو الــذي كان وراء الوحــدة واالتحــاد واملصالحــة التاريخيــة بني‬
‫مختلــف القبائــل‪ ،‬فــكان ميــارس التســامح بأوســع مظاهــره‪ ،‬وبهــذه الرؤيــة‬
‫التــي اســتظلت بهــا هــذه الدولــة؛ غــدت مقصــدا للعــامل أجمــع؛ ملــا تتميــز‬
‫بــه مــن االســتقرار والســام‪ ،‬واســتقر فيهــا ماليــن القاصديــن واملغرتبــن مــن‬
‫مختلــف الجنســيات‪ ،‬وكان الشــيخ زايــد وهــو يســتقبل هــذه الوفــود يف‬
‫بلــده فرحــا مــرورا ي ُعــد ذلــك مــن نعــم اللــه عــى هــذه البــاد فيقــول‬
‫رحمــه اللــه تعــاىل‪« :‬نحــن أبنــاء الخليــج الذيــن فتحــوا قلوبهــم وصدورهــم‬
‫وبيوتهــم ملئــات اآلالف مــن إخواننــا يف اإلنســانية بفضــل مــا أنعــم اللــه عــز‬
‫وجــل علينــا مــن نعمــه وخرياتــه يف هــذه األرض الطاهــرة»(‪ ،)1‬وهــذه قــوة‬
‫التســامح اإلمــارايت وقدرتــه الفائقــة عــى التعايــش مــع مختلــف الثقافــات‪،‬‬
‫مــع الحفــاظ عــى األجيــال الصاعــدة املتعلقــة مبجدهــا وتاريخهــا وثقافتهــا‪.‬‬
‫فــكان لهــذه الرؤيــة الثاقبــة آثــار عــى املجتمــع اإلمــارايت ومــا زال يحصــد‬
‫مثارهــا إىل اآلن‪ ،‬ومــن هــذه اآلثــار التــي حققهــا وكان للتســامح فيهــا دور‪:‬‬
‫‪ - 1‬إصالحه بني القبائل املتنافرة يف هذه املناطق العربية‪.‬‬
‫‪ - 2‬قيادته اتحاد دولة اإلمارات بالتعاون مع شيوخ اإلمارات اآلخرين‪.‬‬

‫‪ - 1‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.228‬‬

‫‪214‬‬
‫‪ - 3‬جعلــه التســامح منهجــا وثقافــة وطنيــة رســخها يف أبنــاء هــذا الوطــن يف‬
‫التعامــل مــع اآلخريــن‪.‬‬
‫‪ - 4‬تأسيســه أمنوذجــا ملهــا يف التســامح قابــا للتطبيــق‪ ،‬ومــا زال فاعــا إىل‬
‫يومنــا هــذا‪.‬‬
‫‪ - 5‬إقامتــه أمنوذجــا تنمويــا فريــدا‪ ،‬مســتوعبا للتنــوع‪ ،‬قابــا للتعايــش‪،‬‬
‫منفتحــا عــى جميــع الثقافــات‪.‬‬
‫‪ - 6‬وضعــه قوانــن تحمــي التعدديــة الدينيــة والعرقيــة والتعايــش بــن‬
‫الجنســيات املختلفــة(‪.)1‬‬
‫ومل تقتــر هــذه الرؤيــة الفريــدة عــى حــدود دولــة اإلمــارات العربيــة‬
‫املتحــدة؛ فقــد تجاوزتهــا إىل فضــاءات أوســع‪ ،‬ودول مختلفــة‪ ،‬وصلهــا منهــا‬
‫حظهــا ونصيبهــا‪ ،‬وهــذا مــا سنشــر إليــه يف املطلــب الثــاين مــن هــذا املبحث‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬دور الشيخ زايد يف نرش التسامح اإلنساين يف العامل‬


‫مل تكــن رؤيــة الشــيخ زايــد يف التســامح لتكــون مقيــدة بالحــدود الجغرافيــة‪،‬‬
‫فــإذا كان أثرهــا راسـ ًخا يف مجتمعــه ووطنــه؛ فإنهــا امتــدت إىل ربــوع العــامل؛‬
‫فقــد كان الشــيخ زايــد رحمــه اللــه تعــاىل مثــاال لإلنســان الــذي يحمــل‬
‫هــم اإلنســانية يف كل مــكان‪ ،‬ومل تتوقــف مشــاريعه اإلنســانية والفكريــة‬
‫والخرييــة وال ِقيميــة عــى الداخــل فقــط‪ ،‬بــل كانــت نظرتــه بعيــدة‪ ،‬وعملــه‬
‫دؤوبًــا منطل ًقــا ألبعــد مــدى‪ ،‬فــكان شــغله الشــاغل بعــد الوطــن هــو الهــم‬
‫العــريب واإلســامي واإلنســاين‪ ،‬كان يلــح عــى الجميــع‪ ،‬ويدعوهــم إىل الوحــدة‬
‫والتضامــن والســام‪ ،‬آمــا يف أن تســود هــذه القيــم العــامل العــريب واإلســامي‪،‬‬
‫وأن تنتــر بــن اإلنســانية‪.‬‬
‫ويصعــب حــر تلــك املجــاالت التــي شــملها تســامحه؛ فكانــت عالقاتــه مــع‬
‫الــدول ‪-‬ســواء منهــا الجــران أو البعــداء‪ -‬قامئــة عــى التفاهــم والروابــط‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬مسرية زايد بناء اإلنسان وتأسيس البنيان‪( ،‬أبوظبي‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ .)2018‬ص ‪90‬‬

‫‪215‬‬
‫األخويــة؛ يقــول رحمــه اللــه تعــاىل‪« :‬الحقيقــة أننــا نســعى دامئــا أن تكــون‬
‫عالقاتنــا مــع جرياننــا قامئــة عــى أســاس مــن التفاهــم التــام‪ ،‬والروابــط‬
‫األخويــة القويــة املتينــة‪ ،‬وال ميكــن أن نســعى يف يــوم مــن األيــام إىل مــا‬
‫يــيء إىل أصدقائنــا أو جرياننــا»(‪ ،)1‬فكانــت لغــة الــود والســام والتفاهــم‬
‫والتعــاون يف العالقــات بــن الــدول هــي التــي يتقنهــا الشــيخ زايــد؛ ألن‬
‫يف ذلــك تحقي ًقــا للخــر واملصلحــة للجميــع‪ ،‬والبعــد عــن العنــف والقــوة‪،‬‬
‫يقــول الشــيخ زايــد يف هــذا النــص الفريــد الــذي ســبق معنــا توظيفــه ســابقا‪:‬‬
‫«وهنــاك مــن يعتقــد أن حــل أي مشــكلة ال يكــون إال بالقــوة‪ ،‬وهــذا غــر‬
‫صحيــح ولكــن الصحيــح أن تحــل األمــور بالتفاهــم بــن األصدقــاء والتــداول‬
‫بــن النــاس يجــب أن يفكــر كل منــا يف مــا يفيــد ويف مــا يوفــر الخــر ألمتــه‬
‫ونفســه ســواء للصديــق الجــار أو للبعيــد خصوصــا يف هــذا الوقــت‪ ،‬لقــد‬
‫تطــورت املواصــات ومل يعــد يف العــامل موقــع بعيــد وآخــر قريــب‪ ،‬بــل أصبــح‬
‫البعيــد قري ًبــا ونتــج عــن هــذا مــا ن ـراه اآلن‪ ،‬فالــرق يتعامــل مــع الغــرب‬
‫والغــرب يتعامــل مــع الــرق كالهــا بعيــد عــن اآلخــر‪ ،‬ويبقــى أقــى الدنيــا‬
‫وبينــه وبــن اآلخــر مســاحات ومســافات‪ ،‬ولكــن الصداقــة تقــود والتعــاون‬
‫يــزداد وتنمــو بينهــم املصالــح والعالقــات االقتصاديــة»(‪ .)2‬هــذا النــص مــن‬
‫أبلــغ نصــوص الشــيخ زايــد يف التســامح؛ ألن فيــه اســترشافًا للمســتقبل‪،‬‬
‫فحــن قــال هــذا الــكالم مل يكــن حينئــذ هــذا التقــدم يف االتصــاالت واالنفتــاح‬
‫الرسيــع بــن مختلــف الــدول واملجتمعــات‪.‬‬
‫ومــن املجــاالت التــي ســعى الشــيخ زايــد رحمــه اللــه لريســخ فيهــا تســامحه‬
‫العاملــي؛ مجــال العمــل اإلنســاين‪ ،‬الــذي كان قائــده الفــذ‪ ،‬فأعطــى للجميــع‬
‫مــن غــر منــة‪ ،‬وكان مشــغوال بتخفيــف آالم اآلخريــن ومســاعدتهم‪ ،‬ومــد‬
‫يــد العــون لهــم‪ ،‬مــا جعلــه رجــا مقبــوال ومحبوبــا مــن الجميــع‪ ،‬وهــو يف‬
‫مســاعدته لآلخريــن يــرى أنــه إمنــا يــؤدي واجبــه الدينــي‪ ،‬ويــريض ضمــره‬
‫اإلنســاين‪ ،‬يقــول رحمــه اللــه‪« :‬إننــا يف دولــة اإلمــارات ال ندعــي رشفــا أو‬

‫‪ - 1‬صحيفة الخليج‪ ،‬زايد رجل سالم نبذ اإلرهاب وأسس مجتمعه عىل املساواة والعدالة‪ .‬صحيفة الخليج اإلماراتية‪،‬‬
‫(الشارقة) تاريخ النرش‪.2018 09 22 :‬‬
‫‪ - 2‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.279‬‬

‫‪216‬‬
‫ننتظــر مجــدا أو ســمعة عندمــا تحركنــا إىل جانــب عــدد كبــر مــن املنظــات‬
‫واملؤسســات الدوليــة والشــعبية العامليــة‪ ،‬ملــد يــد املســاعدة والعــون لالجئــن‬
‫يف مناطــق كثــرة يف أنحــاء املعمــورة»(‪ ،)1‬وأكــد الشــيخ زايــد للمفــوض‬
‫الســامي لشــؤون الالجئــن باألمــم املتحــدة «أن دولــة اإلمــارات ســتظل عونــا‬
‫دامئــا لنشــاطات املفوضيــة يف رعايــة الالجئــن؛ ألن ذلــك دور هــام ومســؤولية‬
‫إنســانية كــرى»(‪.)2‬‬
‫ومل تكــن االختالفــات ســواء كانــت دينيــة أو عرقيــة لتؤثــر عــى الشــيخ زايــد‪،‬‬
‫فــكان التســامح عملتــه للتعامــل مــع جميــع ســكان هــذه األرض؛ يقــرر أن‬
‫النــاس سواســية ال فــرق بينهــم‪ ،‬وأنــه يجــب التعــاون بــن أبنــاء اإلنســانية‬
‫مــع أن دولهــا وانتامءاتهــا مختلفــة‪ ،‬بــل يصحــح بعــض املفاهيــم الخاطئــة‬
‫التــي تنســبها بعــض األفهــام القــارصة لإلســام‪ ،‬فيقــول رحمــه اللــه تعــاىل‪:‬‬
‫«إننــا جمي ًعــا عــى هــذه األرض قــد خلقنــا اللــه تعــاىل وســاوى بيننــا وكانــت‬
‫مشــيئته أن يخلقنــا أجناســا وديانــات مختلفــة‪ .‬إن تعاليــم ديننــا تنــادي‬
‫بالتعــاون مــع كل إنســان مهــا كانــت ديانتــه»(‪ ،)3‬فبهــذا يقــرر الشــيخ‬
‫زايــد أن الديــن ال ميكــن أن يكــون وســيلة لقطــع التواصــل بــن النــاس‪ ،‬ألن‬
‫التعــاون بــن البرشيــة هــو الــذي يحقــق لهــا مصالحهــا ومعايشــها‪ ،‬ثــم يؤكــد‬
‫هــذا املعنــى مبقارنتــه بــن حاجــة اإلنســان ألخيــه اإلنســان وحاجتــه ألقاربــه‪،‬‬
‫يف تشــبيه بديــع يقــرب درجــة التعايــش التــي ينبغــي أن تكــون بــن العــامل‬
‫مبختلــف دولــه؛ يقــول رحمــه اللــه‪« :‬ال ميكــن ألي إنســان أن يعيــش منعــزال‬
‫عــن اآلخريــن‪ ،‬فكــا أن اإلنســان يحتــاج إىل عائلتــه وأقاربــه؛ فهــو بالقــدر‬
‫ذاتــه يف حاجــة إىل التعــاون والصداقــة مــع مناطــق أخــرى قريبــة أو بعيــدة‪،‬‬
‫لقــد خلــق اللــه النــاس ليعيشــوا مــع بعضهــم‪ ،‬بغــض النظــر عــن مركزهــم‬
‫يف الحيــاة»(‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬الظاهري‪ ،‬نورة جوعان‪ ،‬السياسة السلمية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان‪( ،‬أبوظبي‪ ،‬نادي تراث اإلمارات‪ -‬مركز زايد‬
‫للدراسات والبحوث‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ )2018‬ص ‪.288‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.289‬‬
‫‪ - 3‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪ - 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪217‬‬
‫ومــن أهــم املجــاالت التــي أســهم فيهــا الشــيخ زايــد‪ ،‬والتــي تــدل عــى ســداد‬
‫تســامحه وصوابــه مجــال الحــوار الحضــاري؛ فكانــت هــذه اآليــة أمــام عينيــه‪،‬‬
‫ينطلــق منهــا‪ ،‬ويتمثلهــا يف حياتــه‪ ،‬وهــي قولــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫ـاس إِنَّــا‬
‫َخلَق َٰن ُكــم ِّمــن َذكَ ـ ٖر َوأُنثَـ ٰ‬
‫ـى َو َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَ َبآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُ ـ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َم ُكــم‬
‫ِعنـ َد ٱللَّـ ِه أَت َق ٰى ُكــم إِ َّن ٱللَّـ َه َعلِيـ ٌم َخ ِبـ ‪ٞ‬ر﴾(‪.)1‬‬
‫ومــن هــذا املنطلــق فتــح الشــيخ زايــد –طيــب اللــه ثــراه‪ -‬املجــال أمــام‬
‫مختلــف رجــال الديــن مــن الديانــات الســاوية للقائــه والتشــاور معــه فيــا‬
‫يهمهــم‪ ،‬فــكان يســتقبل رؤســاء الكنائــس يف دولــة اإلمــارات والخليــج العــريب‪،‬‬
‫وتســلم رســائل مــن البابــا بولــس الســادس‪ ،‬يؤكــد فيهــا التآخــي بــن األديــان‪،‬‬
‫واســتقبل رحمــه اللــه ســفري الفاتيــكان‪ ،‬وهــذه كلهــا مبــادرات مبكــرة‬
‫وخطــوات تؤســس للتعايــش والتســامح‪ ،‬وتــرز دولــة اإلمــارات لــدى الخــارج‬
‫رائــدة يف هــذا املجــال(‪.)2‬‬
‫وكان الشــيخ زايــد رحمــه اللــه ســباقا يف املنطقة لتأســيس عالقات مــع األديان‬
‫األخــرى‪ ،‬وليــس هــذا بغريــب عــى دولــة اإلمــارات حيــث تــدل االكتشــافات‬
‫التاريخيــة أن هنــاك أديــرة ومســيحيني كانــوا يجــاورون املســلمني يف هــذه‬
‫املنطقــة كــا يــدل عــى ذلــك هــذا النــص الــذي عــر عــن جهــود الشــيخ‬
‫زايــد واهتاممــه بشــتى األديــان‪( :‬وضمــن صــور التســامح‪ ،‬التــي أوالهــا‬
‫القائــد املؤســس العنايــة منــذ قيــام الدولــة‪ ،‬توجيهاتــه يف ‪ ،1974‬ببنــاء ‪3‬‬
‫كنائــس‪ ،‬لتخــدم الطوائــف املســيحية مبدينــة أبوظبــي‪ ،‬وهــي كنيســة القديس‬
‫جوزيــف الكاثوليكيــة‪ ،‬وكنيســة القديــس أنــدرو اإلنجليكية‪ ،‬وكنيســة القديس‬
‫جــورج للهنــود الرسيــان‪ .‬ويف نفــس العــام‪ ،‬كلــف األنبــا باســيليوس‪ ،‬القمــص‬
‫أثناســيوس املحرقــي راعــي الكنيســة القبطيــة األرثوذكســية بالكويــت‪ ،‬بإقامــة‬
‫صــاة القــداس اإللهــي بأبوظبــي‪ ،‬وتوجــه األب أثناســيوس بعدهــا إىل اإلمــارة‪،‬‬
‫لعمــل أول قــداس لألقبــاط مبدينــة أبوظبــي‪ .‬واســتقبل القائــد املؤســس يف‬
‫الـــ ‪ 30‬مــن أكتوبــر عــام ‪ ،1995‬البابــا شــنودة الثالــث يف أول زيــارة يقــوم‬

‫‪ - 1‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬


‫‪ - 2‬الظاهري نورة جوعان‪ ،‬السياسة السلمية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان‪( ،‬أبوظبي‪ ،‬نادي تراث اإلمارات‪ -‬مركز زايد‬
‫للدراسات والبحوث‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ )2018‬ص ‪.293 ،292‬‬

‫‪218‬‬
‫بهــا لدولــة اإلمــارات ودول الخليــج العــريب‪ ،‬وذلــك بدعــوة منــه‪ ،‬حيــث ضــم‬
‫الوفــد املرافــق للبابــا وقتهــا األنبــا رسابيــون األســقف العــام‪ ،‬واألنبــا أبراهــام‪،‬‬
‫واألب القمــص بطــرس األنبــا بيشــوي‪ ،‬والقــس تومــاس راعــي كنيســة ديب‪.‬‬
‫ويف عــام ‪ ،1999‬وافــق القائــد املؤســس عــى طلــب مــن الكنيســة‪ ،‬بتخصيــص‬
‫قطعــة أرض إلقامــة مبنــى الكاتدرائيــة القبطيــة األرثوذكســية املرصيــة‪ ،‬حيث‬
‫قــدم البابــا شــنودة رســالة شــكر‪ ،‬أكــد خاللهــا تثمينــه البالــغ لــكل عالقــات‬
‫الحــب واملــودة التــي توليهــا دولــة اإلمــارات للمقيمــن عــى أرضهــا‪ ،‬ومنهــم‬
‫األقبــاط املرصيــون‪.‬‬
‫وحــرص املغفــور لــه‪ ،‬الشــيخ زايــد بــن ســلطان آل نهيــان‪ ،‬طيــب اللــه ثـراه‪،‬‬
‫عــى االهتــام باآلثــار املوجــودة للديــر املســيحي يف جزيــرة «صــر بنــي‬
‫يــاس» بأبوظبــي‪ ،‬منــذ اكتشــافه يف عــام ‪ ،1992‬خــال عمل َّيــات التنقيــب‬
‫عــن مواقــع أثريــة جديــدة‪ ،‬ويشــر باحثــون أن الديــر أســس يف نهايــة‬
‫القــرن الســادس امليــادي‪ ،‬وتــم هجــره نحــو عــام ‪ 750‬ميالديــة‪ ،‬حيــث يقــع‬
‫يف الجانــب الرشقــي مــن جزيــرة صــر بنــي يــاس‪ ،‬وتتجــه بوابتــه الرئيســة‬
‫نحــو الــرق بالقــرب مــن خــور صغــر عــى الشــاطئ‪ ،‬الــذي يبعــد بضــع‬
‫مئــات مــن األمتــار‪ ،‬وكان ســكان هــذه الرهبانيــة ينتمــون إىل كنيســة الــرق‪،‬‬
‫حيــث كان لهــم دور فاعــل يف حركــة التجــارة البحريــة املمتــدة مــن أقــى‬
‫شــال الخليــج إىل الهنــد‪ ،‬كــا أســهموا يف تجــارة اللؤلــؤ التاريخيــة يف منطقــة‬
‫الخليــج العــريب‪.‬‬
‫ويعــد االهتــام بهــذا املوقــع دليــا عــى التــزام الدولــة بحفــظ آثارهــا‬
‫وتاريخهــا‪ ،‬خاصــة لتلــك املواقــع التــي متثل قيــم التســامح والتعايش والســام‪،‬‬
‫حيــث يعتــر اكتشــاف الكنيســة والديــر مبثابــة دليــل عــى وجــود مجتمــع‬
‫مســيحي يف صــر بنــي يــاس يف ذلــك الوقــت‪ ،‬جنبــا إىل جنــب مــع الســكان‬
‫املســلمني‪ ،‬وهــو يعكــس روح التســامح الدينــي والتعايــش الســلمي الســائدة‬
‫بــن الطوائــف الدينيــة املتنوعــة)(‪.)1‬‬

‫‪ - 1‬الجابري نارص‪ ،‬زايد آمن بالتسامح وجعل من اإلمارات مركزا لإلشعاع الحضاري يف املنطقة والعامل‪ ،‬صحيفة االتحاد‬
‫اإلماراتية‪( ،‬أبوظبي) تاريخ النرش‪ 14 :‬نوفمرب ‪.2018‬‬

‫‪219‬‬
‫وإن مــن أشــهر مواقــف الشــيخ زايــد رحمــه اللــه يف دعــم الحــوار الحضــاري‬
‫العاملــي املتســامح املعــزز للتعايــش؛ مــا أقــدم عليــه مــن التكفــل برتميــم‬
‫كنيســة املهــد بعــد االعتــداء عليهــا مــن قبــل الغاصبــن‪ ،‬وإصابتهــا بــأرضار‬
‫جســيمة‪ ،‬ويف الوقــت نفســه تكفــل برتميــم مســجد عمــر‪ ،‬الــذي مل يكــن‬
‫بعيــدا كث ـرا عنهــا‪ ،‬يف خطــوة تربهــن عــى هــذا التســامح النموذجــي مــن‬
‫القائــد الــذي يحمــل رؤيــة حكيمــة‪ ،‬تجمــع وال تفــرق‪ ،‬وتنــر الســعادة يف‬
‫كل مــكان(‪.)1‬‬
‫وذروة هــذه الرؤيــة أن الشــيخ زايــد –طيــب اللــه ثـراه‪ -‬مــن أوائــل مــن دعــا‬
‫العــامل إىل التعــاون يف مكافحــة اإلرهــاب واســتعداد دولــة اإلمــارات لبــذل‬
‫الجهــود يف ذلــك وقــال كلمتــه الشــهرية‪« :‬إن اإلرهــاب بغيــض مــن وجهــة‬
‫نظــر اإلســام والديانــات الســاوية األخــرى‪ ،‬وهــو عــدو لــدود لإلنســانية‬
‫جمعــاء»(‪.)2‬‬
‫فهــذه معــامل رؤيــة الشــيخ زايــد وجذورهــا الثقافيــة وفروعهــا الدانيــة‪ ،‬وأثرها‬
‫املجتمعــي والتزامهــا العاملــي‪ ،‬وهــي متناســقة مــع محيطهــا‪ ،‬مســترشفة‬
‫ملســتقبلها‪ ،‬مســتجيبة لجميــع احتياجاتهــا‪ ،‬وقــد أمثــرت مثــا ًرا يانعــة ســنقطف‬
‫بعضهــا يف الفصلــن القادمــن‪.‬‬

‫‪ - 1‬الظاهري‪ ،‬السياسة السلمية‪ ،‬ص ‪.293‬‬


‫‪ - 2‬املجلس الوطني االتحادي؛ زايد واملجلس الوطني‪ :‬ص ‪.296‬‬

‫‪220‬‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬حكَم الشيخ زايد املؤسسة للتسامح‬
‫املطلب األول‪ :‬حكم الشيخ زايد الواردة يف التسامح‬
‫بــن مفهــوم هــذا املصطلــح وحــدد مكوناتــه بدقــة‪،‬‬ ‫إن الشــيخ زايــد قــد َّ‬
‫يقــول رحمــه اللــه‪« :‬أهــم نصيحــة أوجههــا ألبنــايئ هــي البعــد عــن التكــر‪،‬‬
‫وإميــاين بــأن الكبــر والعظيــم ال يصغــره وال يضعفــه أن يتواضــع ويتســامح‬
‫مــع النــاس‪ ،‬ألن التســامح بــن البــر يــؤدي إىل الرتاحــم‪ ،‬فاإلنســان يجــب أن‬
‫يكــون رحيـ ًـا ومســامل ًا مــع أخيــه اإلنســان»(‪.)1‬‬
‫وبــن رحمــه اللــه ُحكــم التســامح معلـ ًـا إيــاه بكــون مصــر النــاس واح ـ ًدا‪،‬‬
‫فقــال‪« :‬نحــن مســلمون‪ ،‬ويجــب أن نتســامح مــع بعضنا البعــض‪ ،‬وأن يتغاىض‬
‫األخ عــن خطــأ أخيــه‪ ،‬ونعطيــه الفرصــة للتســامح والغف ـران‪ ،‬إن التســامح‬
‫والرتاحــم أمــر واجــب مــن أجــل املوقــف الواحــد؛ ألن املصــر واحــد»(‪.)2‬‬
‫فهــذا املصطلــح إذن قــد اســتعمله الشــيخ زايــد وتناولــه يف مجموعــة مــن‬
‫حكمــه(‪ ،)3‬قبــل أن يتحــدث النــاس يف هــذه املنطقــة عــن هــذا املصطلــح‬
‫أو يوظفــوه‪.‬‬
‫وكــا هــو معلــوم لــدى الباحثــن؛ هنــاك جدل بــن مختلــف املــدارس الغربية‬
‫وحتــى الرشقيــة يف تحديــد مفهــوم التســامح‪ ،‬وماهيتــه‪ ،‬والعنــارص األســاس‬
‫فيــه‪ ،‬ويف تحليلنــا لفهــم الشــيخ زايــد ملصطلــح التســامح نجــده ينــص عــى‬
‫العنــر املهــم فيــه وهــو االحـرام‪ ،‬والباحثــون يف التســامح اليــوم يؤكــدون أن‬
‫هــذا العنــر هــو أهــم عنــارص التســامح‪ ،‬كــا تقــدم يف تعريــف هيئــة األمم‬
‫املتحــدة لهــذا املصطلــح‪ ،‬فيقــول الشــيخ زايــد رحمــه اللــه‪« :‬إن اإلســام عــى‬

‫‪ - 1‬عبد املجيد املرزوقي؛ ثنائية السعادة والتسامح يف أسس التعايش وصناعة الحياة‪( ،‬دار هامليل‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪1437‬ه‪-2016‬م)‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 2‬الفرائد من أقوال الشيخ زايد‪( ،‬مركز الوثائق والبحوث‪ ،‬اإلمارات‪2001 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .90‬وكان هذا الكالم مع أعضاء‬
‫املجلس الوطني ورئيسه‪ ،‬كام يف االتحاد اإلماراتية‪ ،‬بتاريخ‪1998 /1/5 :‬م‪ ،‬وهي جريدة يومية مطبوعة وإلكرتونية‪( ،‬رشكة أبو‬
‫ظبي لإلعالم‪ ،‬صدرت ‪ 20‬أكتوبر ‪1969‬م)‪.‬‬
‫‪ - 3‬نجد هذا املصطلح متداوال وشائعا يف أحاديث الشيخ زايد‪ ،‬ويصعب استقصاؤه وتتبع استعامالته‪ ،‬إال أنه ال يخرج‬
‫عن مفهوم التسامح الذي حددناه يف هذا البحث‪ ،‬وسيتكرر هذا املصطلح يف هذا املبحث وشيوعه يف حديث الشيخ زايد‬
‫مالحظ‪ ،‬مع أنه مل يكن يف ذلك الوقت مثار دراسة وبحث‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫ســبيل املثــال هــو الــذي يطلــب مــن كل مســلم أن يحــرم كل شــخص وليــس‬
‫بالتأكيــد أشــخاصا معينــن بــل كل شــخص»(‪ .)1‬فهــذا هــو مفهــوم التســامح‬
‫عنــد الشــيخ زايــد‪.‬‬
‫وألن االختــاف إمنــا يعالــج بالحــوار الــذي يقــود للتســامح والتفاهــم؛ كانــت‬
‫نصــوص الشــيخ زايــد يف التوجيــه للحــوار متعــددة مثــل قولــه‪« :‬إن الشــباب‬
‫يف حاجــة دامئًــا إىل الحــوار البنــاء‪ ،‬ويف حاجــة إىل قناعــة بالــرأي الصائــب‬
‫والتوجــه الســليم‪ ،‬وليــس باإلرهــاب»(‪ ،)2‬وقــال‪« :‬إن الخــاف يف الــرأي يقودنا‬
‫إىل الحــوار والبحــث الــذي يوصلنــا يف النهايــة إىل مــا هــو أفضــل وأفضــل»(‪.)3‬‬
‫وحــذر رحمــه اللــه مــن خطــورة الخالفــات عــى مســتقبل الشــعوب‪« :‬إن‬
‫الخالفــات تحــرم شــعوبها مــن الفــرص الطيبــة لكســب العيــش ومــن التقــدم‬
‫واالزدهــار»(‪.)4‬‬
‫ويقــول رحمــه اللــه يف تربئــة الديــن مــن التمييز العنــري‪« :‬إن اإلســام يدعو‬
‫لجمــع الصفــوف وااللتحــام والوحــدة‪ ،‬التــي تعــد مــن ركائــز الديــن اإلســامي‬
‫الحنيــف‪ ،‬وهــذا ال يعنــي أن التحــام الــدول اإلســامية يوجــب ابتعادهــا عــن‬
‫الــدول والديانــات األخــرى‪ ،‬العكــس هــو الصحيــح؛ إننــا جمي ًعــا عــى هــذه‬
‫األرض قــد خلقنــا اللــه تعــاىل وســاوى بيننــا وكانــت مشــيئته أن يخلقنــا‬
‫أجناســا وديانــات مختلفــة‪ .‬إن تعاليــم ديننــا تنــادي بالتعــاون مــع كل إنســان‬
‫مهــا كانــت ديانتــه»(‪ .)5‬يف إشــارة منــه إىل قــول اللــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫ـاس‬
‫إِنَّــا َخلَق َٰن ُكــم ِّمــن َذكَـ ٖر َوأُنثَـ ٰ‬
‫ـى َو َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَ َبآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُـ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َمكُم‬
‫ِعنـ َد ٱللَّـ ِه أَت َقىٰ ُكــم إِ َّن ٱللَّـ َه َعلِيـ ٌم َخ ِبـ ‪ٞ‬ر﴾( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫نبيل راغب؛ أصول الريادة‪ ،‬دراسة يف فكر الشيخ زايد‪( ،‬املجمع الثقايف‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط‪1995 ،1 .‬م)‪ ،‬ص ‪.147‬‬ ‫‪-1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪358‬‬ ‫‪-2‬‬
‫نبيل راغب؛ أصول الريادة‪ ،‬دراسة يف فكر الشيخ زايد‪ ،‬ص ‪327‬‬ ‫‪-3‬‬
‫نبيل راغب؛ أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.280‬‬ ‫‪-4‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪-5‬‬
‫سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬ ‫‪-6‬‬

‫‪222‬‬
‫ومثــرة التســامح عنــد الشــيخ زايــد إمنــا تــرز وتنمــو بإقامــة عالقــات متميــزة‬
‫مــع الجميــع‪ ،‬وهــذا مــا كان الشــيخ زايــد يدعــو إليــه يف حكمــه‪ ،‬مثــل قولــه‪:‬‬
‫«فعــى اعتبــار أننــا جــزء مــن هــذا العــامل الكبــر؛ فعلينــا واجــب نحــو‬
‫البرشيــة‪ ،‬نتعــاون معهــا‪ ،‬ونتعامــل معهــا كبــر‪ ،‬نحرتمهــم كبــر‪ ،‬ويحرتموننــا‬
‫كبــر‪ ،‬ونكــن لهــم بقــدر مــا يكنــون لنــا مــن صداقــة وود»(‪.)1‬‬
‫وقــال أيضً ــا‪« :‬وهنــاك مــن يعتقــد أن حــل أي مشــكلة ال يكــون إال بالقــوة؛‬
‫وهــذا غــر صحيــح‪ ،‬ولكــن الصحيــح أن تحــل األمــور بالتفاهــم بــن األصدقــاء‬
‫والتــداول بــن النــاس‪ ،‬يجــب أن يفكــر كل منــا يف مــا يفيــد ويف مــا يوفــر الخري‬
‫ألمتــه ونفســه‪ ،‬ســواء للصديــق الجــار أو للبعيــد‪ ،‬خصوصــا يف هــذا الوقــت‪،‬‬
‫لقــد تطــورت املواصــات ومل يعــد يف العــامل موقــع بعيــد وآخــر قريــب‪ ،‬بــل‬
‫أصبــح البعيــد قريبــا ونتــج عــن هــذا مــا ن ـراه اآلن‪ ،‬فالــرق يتعامــل مــع‬
‫الغــرب والغــرب يتعامــل مــع الــرق كالهــا بعيــد عــن اآلخــر‪ ،‬ويبقــى‬
‫أقــى الدنيــا وبينــه وبــن اآلخــر مســاحات ومســافات‪ ،‬ولكــن الصداقــة تقــود‬
‫والتعــاون يــزداد وتنمــو بينهــم املصالــح والعالقــات االقتصاديــة»(‪.)2‬‬
‫فهــذه بعــض النصــوص املهمــة التــي تؤســس لقيمــة التســامح‪ ،‬وســنطرق يف‬
‫املطلــب القــادم لتحليــل بعضهــا وإلقــاء نظ ـرات تحليليــة عــى مجموعــة‬
‫أخــرى مــن كلامتــه الذهبيــة‪.‬‬

‫َــم الشــيخ زايــد التســامحية‬ ‫املطلــب الثــاين‪ :‬نظــرات تحليليــة يف ِحك ِ‬


‫التأسيســية‬
‫لقــد اعتمــد الشــيخ زايــد رحمــه اللــه املرجعيــة التأسيســية للتســامح فــكان‬
‫يقــول‪« :‬ونحــن والحمــد للــه لدينــا الـراث الطيــب‪ ،‬الــذي ورثنــاه عــن اآلبــاء‪،‬‬
‫ونســتطيع أن نســر عــى هــداه‪ ،‬أنتــم أحفــاد األجــداد الذيــن تركــوا لنــا تراثــا‬
‫مجيــدا ومواقــف فاضلــة»(‪ .)3‬وقــال أيضً ــا‪« :‬وإن علينــا أن نورثهــم مــا ورثنــاه‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ - 3‬نبيل راغب؛ أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.231‬‬

‫‪223‬‬
‫مــن اآلبــاء واألجــداد مــن العــادات الطيبــة»(‪ )1‬وال شــك أن التســامح مــن‬
‫العــادات الطيبــة واملواقــف الفاضلــة‪ ،‬وهــو إرث أصيــل يف دولــة اإلمــارات‪.‬‬
‫إن الناظــر املتأمــل يف حكــم الشــيخ زايــد وأقوالــه يف التســامح يجــد أنــه يبني‬
‫فكــره عــى أســس متينــة‪ ،‬تتطابــق متامــا مــع أســس التســامح التــي قررهــا‬
‫العلــاء والباحثــون يف هــذا املجــال‪ ،‬ومــن هــذه األســس‪:‬‬
‫أوال‪ :‬األســاس الدينــي؛ فــأول أُســس التســامح عنــد الشــيخ زايــد أنــه مــن‬
‫املبــادئ الدينيــة التــي ال ينبغــي االســتهانة بهــا‪ ،‬وهــذا مــا يفــر مــا ذهــب‬
‫إليــه ويحــض عليــه يف حكمــه مــن كــون التســامح واجبًــا يف قولــه رحمــه اللــه‬
‫تعــاىل‪« :‬إن التســامح والرتاحــم أمــر واجــب»(‪.)2‬‬
‫ويف تأصيلــه للتســامح الدينــي نجــد الشــيخ زايــد مــن أوائــل مــن بــرأ اإلســام‬
‫واألديــان كلهــا مــن التطــرف واإلرهــاب‪ ،‬فــكان يدافــع دامئًــا عــن األديــان‬
‫مبينــا أنهــا مصــدر الرحمــة والحكمــة والســعادة‪ ،‬وموضحــا للجميــع مســلمني‬
‫وغــر مســلمني أن اإلســام يوجــب احـرام الجميــع‪ ،‬فيقــول رحمــه اللــه‪« :‬إن‬
‫اإلســام عــى ســبيل املثــال هــو الــذي يطلــب مــن كل مســلم أن يحــرم كل‬
‫شــخص وليــس بالتأكيــد أشــخاصا معينــن بــل كل شــخص»(‪ ،)3‬ويقــرر رحمــه‬
‫اللــه أن اإلســام ال يفــرق يف هــذا البــاب بــن النــاس عــى أســاس املعتقــد؛ بــل‬
‫يحــرم اختياراتهــم العقديــة‪ ،‬وال يكرههــم عــى مــا ال يقتنعــون بــه بعنــف‪،‬‬
‫يقــول رحمــه اللــه يف ذلــك‪« :‬واإلســام ليــس ديــن عنــف وقــر ولكنــه ديــن‬
‫العقــل واملنطــق»(‪.)4‬‬
‫إن هــذه الدعــوة الصادقــة مــن حكيــم العــرب واإلنســانية؛ تؤكــد لنــا أنــه‬
‫اســترشف بنظرتــه الصادقــة ورؤيتــه الثاقبــة مــا تــؤول اليــه األمــور‪ ،‬فطالــب‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.238‬‬


‫‪ - 2‬الفرائد من أقوال الشيخ زايد‪( ،‬مركز الوثائق والبحوث‪ ،‬اإلمارات‪2001 ،‬م)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .90‬وكان هذا الكالم مع أعضاء‬
‫املجلس الوطني ورئيسه‪ ،‬كام يف االتحاد اإلماراتية‪ ،‬بتاريخ‪1998 1 5 :‬م‪ ،‬وهي جريدة يومية مطبوعة وإلكرتونية‪( ،‬رشكة أبو‬
‫ظبي لإلعالم‪ ،‬صدرت ‪ 20‬أكتوبر ‪1969‬م)‪.‬‬
‫‪ - 3‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫‪ - 4‬صحيفة البيان اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ 07 :‬أغسطس ‪ ،1998‬مقال بعنوان‪ :‬قراءة يف فكر زايد‪ .‬مفهوم العمل ودوره يف النهضة‪،‬‬
‫بقلم‪ :‬مبارك الخاطر‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫بتصحيــح املفاهيــم وتحريــر الديــن مــن التطــرف واالختطــاف‪ ،‬ووصــف‬
‫األســباب األســاس النتشــار التطــرف وهــو التديــن الفاســد‪ ،‬وأنــه ال عــاج‬
‫لهــذه األدواء املهلكــة إال بالرتكيــز عــى جوهــر ديننــا الحنيــف ومبادئــه‪ ،‬ومنها‬
‫التســامح والســاحة‪ ،‬قــال رحمــه اللــه‪« :‬إن التديّــن الفاســد ســبب خطــر‬
‫لــرف الكثرييــن عــن املبــادئ اإلســامية‪ ،‬وجوهــر كتــاب اللــه عــز وجــل‬
‫وســنة رســوله الكريــم صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬إن الواجــب يحتــم عــى أهــل‬
‫العلــم أن يبينــوا للنــاس جوهــر اإلســام ورســالته العظيمــة بأســلوب يليــق‬
‫بســاحة الديــن الحنيــف»(‪ )1‬وقــد صدقــت تنبؤاتــه رحمــه اللــه تعــاىل‪،‬‬
‫فكأنــه يصــف مــا ســيجري بعــد انتقالــه إىل رحمــة اللــه تعــاىل ‪-‬مبشــيئته‪-‬‬
‫بعــد أكــر مــن عقــد مــن الزمــن‪ ،‬حــن يقــول مربئــا ديــن اإلســام‪« :‬إن الديــن‬
‫اإلســامي ال يعــرف العنــف والبطــش الــذي ميارســه اإلرهابيون الذيــن ي َّدعون‬
‫اإلســام زورا‪ ،‬وباســم هــذا االدعــاء يذبحــون إخوانهــم وأهلهــم للوصــول إىل‬
‫أهدافهــم املغرضــة‪ ،‬تحــت شــعار الديــن يف ســلوك مشــن‪ ،‬واإلســام منهــم‬
‫ب ـراء»(‪ )2‬وهــذا أحــد مظاهــر حكمتــه رحمــه اللــه تعــاىل حيــث كان يــرى‬
‫بنــور بصريتــه‪ ،‬فالشــيخ زايــد يثبــت دور الديــن يف التســامح ويــرئ األديــان‬
‫مــن العنــف والتطــرف‪ ،‬ويف نفــس الوقــت يحــذر مــن التديــن املغشــوش‬
‫الــذي يوظــف الديــن ألهدافــه املغرضــة‪ ،‬والعــاج إمنــا هــو بالعــودة إىل‬
‫جوهــر اإلســام الــذي يتجــى يف ســاحة األديــان‪.‬‬
‫ثانيــا‪ :‬املبــادئ اإلنســانية؛ كان الشــيخ زايــد رحمــه اللــه تعــاىل يجعــل القيــم‬
‫اإلنســانية أساســا يرعــاه يف كل أمــوره‪ ،‬ويحمــل كثـرا مــن الشــفقة والرحمــة‬
‫لإلنســان يف أي مــكان‪ ،‬وعــى أي مذهــب أو ديــن‪ ،‬وبذلــك حافــظ يف دولتــه‬
‫عــى كرامــة اإلنســان التــي هــي أســاس مــن أســس التســامح‪ ،‬انطالقــا مــن‬
‫تعاليــم الديــن الحنيــف‪ ،‬والتقاليــد األصيلــة‪ ،‬ونجــد نصوصــا كثــرة عنــد‬
‫الشــيخ زايــد تؤســس لهــذا املعنــى‪ ،‬يقــول رحمــه اللــه‪« :‬نحــن أبنــاء الخليــج‬
‫الذيــن فتحــوا قلوبهــم وصدورهــم وبيوتهــم ملئــات اآلالف مــن إخواننــا يف‬

‫‪ - 1‬الفرائد من أقوال الشيخ زايد‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.366‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.79‬‬

‫‪225‬‬
‫اإلنســانية بفضــل مــا أنعــم اللــه عــز وجــل علينــا مــن نعمــه وخرياتــه يف‬
‫هــذه األرض الطاهــرة يجــب أن نوجــه عنايــة فائقــة إىل أطفالنــا»(‪.)1‬‬
‫ويضيــف يف هــذا املوضــوع مبي ًنــا دور الشــعور اإلنســاين واملحبــة واألخــوة‬
‫يف التعامــل مــع البرشيــة جميعهــا فيقــول‪« :‬وأن يراعــي اإلنســان اإلنســانية‬
‫يف كل مــا يقــوم بــه مــن عمــل كــا عليــه أن ينظــر إىل البــر كافــة بعــن‬
‫واحــدة عــن املحبــة واألخــوة»(‪.)2‬‬
‫فاإلميــان بإنســانية اإلنســان عنــده هــو أهــم مقومــات التســامح يقــول رحمــه‬
‫اللــه‪« :‬يجــب أن يحظــى كل إنســان فــوق هــذه األرض باالحـرام وبالشــعور‬
‫اإلنســاين الــذي يرفــض الظلــم ألننــا نتأثــر بــكل مــا يقــع للبــر يف كل أنحــاء‬
‫العــامل مــن ألــوان الظلــم ونتــأمل آلالم الشــعوب املغلوبــة عــى أمرهــا»(‪.)3‬‬
‫فهــو يعيــش مــع هــذه اإلنســانية آالمهــا ويشــعر بهــا‪ ،‬وهــذا مــا يفــر مــا‬
‫يقدمــه مــن مســاعدات إنســانية هائلــة لكافــة الشــعوب‪ ،‬وهــو يقــوم بهــذا‬
‫العمــل مــن منطلــق املبــادئ اإلنســانية التــي أمــر بهــا اإلســام يقــول رحمــه‬
‫اللــه تعــاىل‪« :‬فــإن اإلســام يقــي مبعاملــة كل شــخص كنفــس مهــا يكــن‬
‫معتقــده‪ .‬إن هــذه النقطــة بالضبــط تجســدها املبــادئ اإلنســانية يف اإلســام‪،‬‬
‫… هــذه املبــادئ التــي تقــي بــأن نكــون معــا‪ ،‬وبــأن نثــق ببعضنــا كبــر‪،‬‬
‫وأن نتســاوى يف ســلوكنا‪ ،‬أليــس هــذا كل مــا نبتغيــه؟!»(‪)4‬‬
‫إن الجانــب اإلنســاين عامــل مهــم وأســاس يف مواقــف الشــيخ زايــد عامــة‪،‬‬
‫ويف مواقفــه التســامحية خاصــة‪ ،‬وال تــكاد النصــوص الدالــة عــى هــذا املعنــى‬
‫تنتهــي مــن كرثتهــا وتواردهــا‪ ،‬وهــو يف ذلــك يراقــب الشــعور اإلنســاين يف‬
‫نظــرة متقدمــة تفــوق تلــك النظريــة التــي تدعــو أن يكــون غايــة التســامح‬
‫االكتفــاء باالحـرام فقــط‪ ،‬وهــو يركــز يف دعوتــه عــى األخــوة اإلنســانية التــي‬
‫معيارهــا معاملــة النــاس كمعاملــة النفــس؛ كــا أكــد عليهــا النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يف عــدة أحاديــث نبويــة‪.‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.228‬‬ ‫‪-1‬‬


‫نفسه‪ ،‬ص ‪.260‬‬ ‫‪-2‬‬
‫صحيفة االتحاد‪ ،‬تاريخ‪ 21 :‬يوليو ‪2014‬م‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.147‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪226‬‬
‫ثالثــا‪ :‬احـرام التنــوع واالختــاف؛ كان الشــيخ زايــد رحمــه اللــه تعــاىل يؤمــن‬
‫باالختــاف والتنــوع‪ ،‬بــل جعلــه مصــدر قــوة للمجتمــع ودليــل ســامته‬
‫وعافيتــه‪ ،‬ولهــذا كان يف تواصلــه مــع اآلخريــن يســتمع إليهــم‪ ،‬ويطلــب منهــم‬
‫إبــداء آرائهــم املختلفــة‪ ،‬مــع أنــه يتــوىل منصــب القيــادة؛ فقــد كان يؤمــن‬
‫بــأن االختــاف الســليم ثـراء وصحــة‪ ،‬يقــول رحمــه اللــه تعــاىل‪« :‬إن الخالفات‬
‫يف وجهــة النظــر هــي دليــل صحــة وعافيــة‪ ،‬فلــوال اختــاف اآلراء ومــن ثــم‬
‫املناقشــة املوضوعيــة‪ ،‬فإنــه ال ميكــن التوصــل إىل الــرأي الســليم‪ ،‬واالجتهــاد‬
‫الصائــب»(‪ .)1‬وكــا هــو مقــرر فالتســامح إمنــا هــو نتــاج التنــوع واالختالفات‪،‬‬
‫التــي تــؤدي دو ًرا إيجاب ًّيــا إذا كانــت تحــت مظلــة الحــوار واالحـرام‪ ،‬وحينئــذ‬
‫يتحقــق التســامح األمثــل بتوظيــف هــذا الحــوار توظي ًفــا إيجاب ًّيــا لتحقيــق‬
‫األفضــل للوطــن‪ ،‬وتوصــل إىل حلــول تحقــق للجميــع مصالحهــم ومنافعهــم‪،‬‬
‫وهــو مــا كان الشــيخ زايــد يعلمــه للمحيطــن بــه يف قولــه‪« :‬إن الخــاف‬
‫يف الــرأي يقودنــا إىل الحــوار والبحــث الــذي يوصلنــا يف النهايــة إىل مــا هــو‬
‫أفضــل وأفضــل»(‪ .)2‬وذلــك مــا عــر عنه الشــيخ زايــد بالجوهــر يف قولــه‪« :‬كل‬
‫منــا لــه رأي مختلــف ومغايــر لــرأي اآلخــر‪ ،‬نتبــادل هــذه اآلراء ونصهرهــا يف‬
‫بوتقــة واحــدة ونســتخلص منهــا الجوهــر»(‪ )3‬كــا كان الشــيخ زايــد يعلمنــا‬
‫كيفيــة إدارة االختــاف وجعلــه عامــل خــر وفضيلــة‪.‬‬
‫رابعــا‪ :‬القيــم األخالقيــة يف العالقــات مــع اآلخريــن؛ لقــد كان الشــيخ زايــد‬
‫طيــب اللــه ثــراه حريصــا عــى أن تكــون العالقــات مــع اآلخريــن مبنيــة‬
‫عــى الروابــط األخويــة‪ ،‬و مبــادئ حســن الجــوار والتفاهــم‪ ،‬وقــد كان يعتــر‬
‫التســامح أساســا يف العالقــات بــن األصدقــاء واألشــقاء؛ يقــول رحمــه اللــه‬
‫يف تأســيس نظريــة عميقــة للتســامح‪« :‬ولــوال التســامح مــا أصبــح صديــق‬
‫مــع صديــق‪ ،‬وال شــقيق مــع شــقيق‪ ،‬فالتســامح ميــزة»(‪ ،)4‬فالتســامح وعــدم‬
‫التســامح ال يســتويان؛ ألن التســامح ميــزة ميتــاز بهــا مــن اتصــف بهــا يف بنــاء‬

‫‪ - 1‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.322‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪327‬‬
‫‪ - 3‬مجلة الصياد‪ ،‬ملحق خاص‪ ،‬تاريخ ‪.1992-12-2‬‬
‫‪ - 4‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ 14 :‬نوفمرب ‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬زايد آمن بالتسامح وجعل من اإلمارات مركزا لإلشعاع‬
‫الحضاري يف املنطقة والعامل‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫عالقــات ســليمة مــع أشــقائه وأصدقائــه وجريانــه‪ ،‬والتســامح هــو الضامنــة‬
‫الوحيــدة لســامة هــذه العالقــات اليوميــة مــن خــال الحــوار والنقــاش‬
‫والتعامــل اليومــي مــع جميــع األشــخاص‪ ،‬وهــذا مــا تعكســه هــذه الحكمــة‬
‫العميقــة مــن الشــيخ زايــد رحمــه اللــه‪.‬‬
‫وتــزداد مراعــاة هــذه القيــم األخالقيــة رضورة لــدى املســلم‪ ،‬الــذي يوجــب‬
‫عليــه دينــه هــذه األخــاق‪ ،‬وإذا كانــت التقاليــد والعــادات تقتــي االلتـزام‬
‫بتلــك األخــاق؛ فذلــك يرتفــع إىل منزلــة أكــر أهميــة‪ ،‬ولهــذا ففــي نظــر‬
‫الشــيخ زايــد يجــب عــى املســلم االلتـزام بقيــم التســامح مــع اآلخريــن أكــر‬
‫مــن غــره؛ ألنــه يجــب عليــه أن يظهــر أخــاق املســلمني؛ يقــول الشــيخ زايــد‪:‬‬
‫«مــن واجــب املســلم أن يــرى العبــاد مــا لديــه مــن ديــن وخلــق»(‪ )1‬وال شــك‬
‫أن التســامح مــن الديــن‪ ،‬وأنــه يتبــوأ منزلــة ســامية بــن األخــاق والقيــم‪.‬‬
‫ويكتــي هــذا األســاس أهميــة خاصــة‪ ،‬ال ســيام يف حــق النــشء والشــباب؛‬
‫لــذا كان الشــيخ زايــد يركــز عليهــم يف خطابــه‪ ،‬ويركــز يف نفوســهم هــذه‬
‫القيمــة العظيمــة؛ يقــول رحمــه اللــه تعــاىل وهــو يدعــو للرتبيــة األخالقيــة‬
‫التــي أصبحــت اليــوم واقعــا يف مدارســنا ومناهجنــا التعليميــة‪« :‬أعتقــد أن‬
‫أســوأ الصفــات هــي التكــر والتعــايل؛ وهــي صفــات منبــوذة يف القــرآن‪،‬‬
‫التكــر يعنــي احتقــار اآلخريــن»(‪.)2‬‬
‫فهــذه األســس التســامحية هــي ُعمــد ِحكــم الشــيخ زايــد‪ ،‬التــي بنــى عليهــا‬
‫مواقفــه‪ ،‬وانطلــق منهــا يف رؤيتــه الشــاملة واألصيلــة والواقعيــة‪ ،‬حتــى أصبــح‬
‫لــه أثــر ملمــوس عــى مجتمعــه‪ ،‬ويف العــامل بــأرسه‪ ،‬كــا مــر‪.‬‬

‫‪ - 1‬البيان اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ 07 :‬أغسطس ‪ ،1998‬مقال بعنوان‪ :‬قراءة يف فكر زايد‪ .‬مفهوم العمل ودوره يف النهضة‪ ،‬بقلم‪:‬‬
‫مبارك الخاطر‪.‬‬
‫‪ - 2‬هامميل‪ ،‬العدد‪ ،52 :‬ص ‪.40‬‬

‫‪228‬‬
‫الفصــل الثــاين‪ :‬الثقافــة املحليــة اإلماراتيــة وأثرهــا يف إرســاء‬
‫قيــم التســامح؛ وفيــه مبحثــان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مقومات التسامح يف املجتمع اإلمارايت‪.‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬أمنــوذج التديــن يف اإلمــارات وتأسيســه‬
‫لثقافــة التســامح‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬الثقافة املحلية اإلماراتية وأثرها يف إرساء قيم التسامح‬
‫تبــن لنــا يف الفصــل املــايض بعــد أن اســتعرضنا رؤيــة الشــيخ زايــد؛ التفاتــه –‬
‫طيــب اللــه ثراه‪-‬الدائــم إىل العــادات والتقاليــد املتجــذرة يف هــذه األرض ويف‬
‫تـراث األجــداد‪ ،‬وكان ال بــد مــن عقــد هــذا الفصــل ألهميــة الثقافــة املحليــة‬
‫يف بنــاء قيــم التســامح ودورهــا يف ترســيخ هــذه القيمــة‪.‬‬
‫إن قبــول التعدديــة الثقافيــة واالنفتــاح عــى اآلخريــن مــن الوافديــن‬
‫والقاصديــن لهــذه األرض‪ ،‬والتعايــش معهــم يف ســلم واســتقرار وتعــاون؛‬
‫ســمة بــارزة عرفــت عــن إنســان هــذه األرض الطيبــة‪ ،‬توارثهــا آخرهــم‬
‫عــن أ ّولهــم‪ ،‬وتلقوهــا كاب ـ ًرا عــن كابــر‪ ،‬فإك ـرام الضيــف‪ ،‬ونجــدة امللهــوف‪،‬‬
‫والتكافــل والتعــاون؛ مــا يدخــل يف بــاب الســنع اإلمــارايت(‪ )1‬الــذي هــو يف‬
‫حكــم الواجــب العينــي يف عــرف أبنــاء هــذا الوطــن‪ ،‬يلتــزم بــه كل شــخص‬
‫ينتمــي لرتابــه‪ ،‬مــا يــدل ضمنيــاً عــى أن التســامح واالنفتــاح والقبــول‬
‫باآلخــر أيًّــا كان عرقــه وجنســيته؛ ليــس بالــيء الحــادث أو املنبــت عــن‬
‫هــذه األرض‪ ،‬أو هــو مــا أ ْملتــه ظــروف زماننــا املعــارص دون وجــود األرضيــة‬
‫املمهــدة لقبولــه يف املجتمــع‪ ،‬بــل إن التســامح مبــدأ أصيــل ينطلــق مــن‬
‫هــذه األرض ومــن ت ـراث األجــداد وعاداتهــم الطيبــة‪ ،‬ومواقفهــم الفاضلــة؛‬
‫كــا قــال الشــيخ زايــد‪« :‬ونحــن والحمــد للــه لدينــا ال ـراث الطيــب الــذي‬
‫ورثنــاه عــن اآلبــاء‪ ،‬ونســتطيع أن نســر عــى هــداه‪ ،‬أنتــم أحفــاد األجــداد‬
‫الذيــن تركــوا لنــا تراثــا مجيــدا‪ ،‬ومواقــف فاضلــة»(‪ .)2‬وعليــه؛ فإننــي ســأعقد‬
‫يف هــذا الفصــل مبحثــن‪ ،‬للحديــث عــن ثقافــة التســامح يف دولــة اإلمــارات‪،‬‬
‫ومركزيتهــا يف قيــم املواطــن اإلمــارايت عــى النحــو اآليت‪:‬‬

‫‪ - 1‬سيأيت الحديث عن هذ املصطلح ومفهومه‪.‬‬


‫‪ - 2‬نبيل راغب‪ ،‬أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.131‬‬

‫‪230‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مقومات التسامح يف املجتمع اإلمارايت‬
‫املطلب األول‪ :‬نهج التوسط واالعتدال يف التدين يف املجتمع اإلمارايت‬
‫ميتــاز املجتمــع اإلمــارايت بالتديــن املعتــدل‪ ،‬الــذي يعــود تأسيســه للشــيخ‬
‫زايــد –طيــب اللــه ث ـراه‪ ،-‬ولفطــرة شــعب اإلمــارات التــي متيــل إىل الســام‬
‫واالســتقرار والســكينة‪.‬‬
‫يقــول صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن راشــد‪ ،‬حاكــم ديب –رعــاه اللــه‪:-‬‬
‫«إن دولــة اإلمــارات بقيــادة صاحــب الســمو الشــيخ خليفــة بــن زايــد آل‬
‫نهيــان رئيــس الدولــة ‪ -‬حفظــه اللــه ‪ -‬تســر عــى نهــج الوســطية واالعتــدال‪،‬‬
‫والتســامح يف تطبيــق تعاليــم ورشائــع وأحــكام ديننــا االســامي الحنيــف التــي‬
‫جــاءت يف كتــاب اللــه العزيــز وأحاديــث رســوله ســيدنا محمــد عليــه الســام‪،‬‬
‫وهــذا هــو نهــج زايــد ‪-‬طيــب اللــه ث ـراه‪ -‬وإرثــه الخالــد الــذي نعتــز بــه‬
‫ونحافــظ عليــه‪ ،‬وســنظل نحميــه بالقــول والعمــل عــر األزمــان واألجيــال إن‬
‫شــاء اللــه تعــاىل»(‪.)1‬‬
‫إن اختيــار الشــيخ زايــد – طيــب اللــه ث ـراه ‪ -‬لهــذا النهــج ورعايتــه التديــن‬
‫الوســطي ج َّنــب دولــة اإلمــارات مزالــق التشــدد والعنــف‪ ،‬واإلفــراط‬
‫والتفريــط‪ ،‬واســتغالل األهــواء للديــن والتالعــب بــه مــن أجــل أهــداف‬
‫خطــرة‪ ،‬ومصالــح قصــرة؛ فاإلســام الحــق جــاء لرتبيــة املســلمني وتزكيتهــم‬
‫عــى التــزام منهــج االعتــدال والســاحة يف العمــل والســلوك والفكــر‪،‬‬
‫وحــذرت الرشيعــة اإلســامية مــن التطــرف والتفريــط والتشــدد واملبالغــة‬
‫والتعصــب املذمــوم‪ ،‬وحضــت عــى األخــاق الحســنة ومــكارم الشــيم‬
‫واالنفتــاح عــى اآلخريــن‪ ،‬وهــذا املنهــج هــو الــذي اختارتــه دولــة اإلمــارات‬
‫لنفســها وملجتمعهــا وألجيالهــا‪.‬‬
‫ـري الــذي‬
‫إن هــذا االختيــار اإلمــارايت الــذي يدخــل يف نطــاق التَّديُّــن الفطـ ِّ‬
‫يتَّســم بــه املجتمــع اإلمــارايتُّ؛ يقــدم صــورة حقيقيــة للديــن اإلســامي بوجهــه‬

‫‪ - 1‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ 26 :‬مايو ‪2018‬م‪ ،‬خرب بعنوان‪ :‬محمد بن راشد‪ :‬اإلمارات بقيادة خليفة تسري عىل نهج‬
‫الوسطية واالعتدال والتسامح‪.‬‬
‫‪https: www.alittihad.ae article‬‬

‫‪231‬‬
‫الحضــاري‪ ،‬وكان مــن مثــاره أنــه وقــف حاجـ ًزا أمــام أشــكال التدين املســتوردة‬
‫التــي ال توافــق فطــرة املجتمــع وثقافتــه‪.‬‬
‫وهــذا يدعونــا إىل الحديــث عــن الخصوصيــة اإلماراتيــة يف التديــن‪ ،‬ومرتكزاتها‬
‫التــي تنبثــق مــن ثقافــة املجتمــع وهويتــه‪ ،‬وتتبنــى قيــم االعتــدال والتوســط‬
‫يف فهــم الديــن ومامرســته‪ ،‬وتعتمــد يف التعامــل مــع اآلخــر التســامح‬
‫والتعايــش‪ ،‬واالنفتــاح عــى العــر والعلــم الحديــث‪ ،‬وأســاس كل ذلــك هــي‬
‫ثقافــة االعتــدال يف هــذا التديــن الــذي ســبق الحديــث عنهــا يف الفصــل‬
‫الســابق‪ ،‬والتــي تعــد مكونــا مــن مكونــات الهويــة اإلماراتيــة‪.‬‬
‫ومــع مــا يتميــز بــه املجتمــع اإلمارايت مــن االنفتــاح عــى الثقافات والشــعوب‬
‫والتطــور والتقــدم؛ إال أن مظاهــر التديــن منتــرة يف كل مــكان عــى أرض‬
‫دولــة اإلمــارات‪ ،‬فاملســاجد تــكاد تكــون مالصقــة لبعضهــا مــن كرثتهــا‪،‬‬
‫وإقامــة الشــعائر واملناســبات الدينيــة يحــرص عليهــا كل مواطــن إمــارايت‪،‬‬
‫ولكــن بــروح حضاريــة‪ ،‬ومنهــج وســطي‪ ،‬ومتيــز وف ـرادة‪ ،‬مــن غــر غلــو وال‬
‫تطــرف‪ ،‬وهــذه خصوصيــة أصيلــة مــن خصوصيــات التديــن اإلمــارايت‪.‬‬
‫ويضــاف إىل تلــك الخصيصــة؛ أن توفــر االســتقرار الروحــي واألمــان الدينــي‬
‫لجميــع الســكان الذيــن يعيشــون عــى أرض دولــة اإلمــارات مل يجعــل التديــن‬
‫يف مواجهــة الحضــارة املعــارصة والتقــدم العلمــي‪ ،‬ومل توظــف دولــة اإلمــارات‬
‫الديــن ليكــون نــدا للعلــم وضــدا لــه؛ بــل وافقــت بينهــا يف مصالحــة‬
‫أمنوذجيــة جعلــت أحدهــا يف خدمــة اآلخــر‪ ،‬وال بــد مــن التأكيــد عــى‬
‫أن هــذه السالســة واملرونــة يف التديــن اإلمــارايت حصيلــة مســايرته للفطــرة‬
‫املجتمعيــة ومطاوعــة لروحهــا واســتجابة لحاجاتهــا‪.‬‬
‫وقــد أُ ْج ِريَــت دراســات عديــدة عــى املجتمــع اإلمارايت‪ ،‬وأشــكال التديــن التي‬
‫يتقبلهــا وعالقتــه بالقيــم الدينيــة‪ ،‬وتوصلــت هــذه الدراســات التــي تأسســت‬
‫عــى قيــاس القيــم الدينيــة والتديــن يف املجتمــع اإلمــارايت‪ :‬إىل أن القيــم‬
‫أساســا مــن مكونــات التديــن يف حيــاة اإلماراتيــن‪ ،‬وقــد‬
‫الدينيــة ت ُعــد مكونًــا ً‬
‫أكــدت هــذه الدراســة أمريــن أساســن يف التديــن اإلمــارايت وهــا‪ :‬االعتــدال‪،‬‬
‫والتســامح‪ ،‬فقــررت الدراســة‪« :‬أن املجتمــع اإلمــارايت مل يشــهد مثــل هــذا‬

‫‪232‬‬
‫التحــول‪ ،‬فظـ ّـل «التديــن الجامعــي» هــو الســائد يف اإلمــارات‪ ،‬وهــو تديــن‬
‫يتســم بالوســطية واالعتــدال‪ .‬وهــذا مــا أكــده االســتطالع الــذي أجـراه مركــز‬
‫اإلمــارات للسياســات‪ ،‬فقــد عـ ّـر (‪ )% 61.2‬مــن أف ـراد العينــة التــي أجــري‬
‫عليهــا االســتطالع عــن ميــل متوســط إىل التديــن‪ .‬وكشــف االســتطالع أيضــا‬
‫عــن أن االلتــزام الدينــي الفــردي بالعبــادات هــو مــن خصائــص املجتمــع‬
‫اإلمــارايت‪ ،‬إذ بلغــت نســبة امللتزمــن بــأداء الصلــوات الخمــس (‪ ،)% 87.8‬أكرث‬
‫مــن نصفهــم يؤديهــا جامعــ ًة يف املســجد (‪ ،)% 46.6‬وتطرقــت الدراســات‬
‫التــي تناولــت التحــوالت يف الوعــي الدينــي إىل مســألة مــدى قبــول اآلخــر‬
‫املختلــف دين ًّيــا‪ ،‬كمــؤرش عــى هــذه التحــوالت‪ ،‬ووجــدت دراســات عــدة‬
‫أن مــؤرش التســامح وقبــول اآلخــر يقــل عنــد «املؤدلجــن» دين ًّيــا مقارنــة‬
‫باملتدينــن العاديــن‪.‬‬
‫وقــد َد َرج سياســيون ومراقبــون وباحثــون عــى اإلشــادة بقيمــة التســامح‬
‫وقبــول اآلخــر لــدى الشــعب اإلمــارايت‪ ،‬مســتدلّني عــى ذلــك بانفتــاح‬
‫اإلماراتيــن منــذ مــا قبــل تأســيس دولــة االتحــاد عــى الشــعوب واألديــان‬
‫األخــرى‪ ،‬واحرتامهــم لتجــاور ثقافــات اآلخريــن وعاداتهــم يف الدولــة‪ ،‬مــا‬
‫دامــت ال متــس ثقافــة املجتمــع اإلمــارايت وقيمــه‪ ،‬فضــا عــن وجــود معابــد‬
‫األديــان األخــرى عــى أرض الدولــة منــذ ع ـرات الســنني‪ ،‬وهــو أمــر تتميــز‬
‫بــه الدولــة عــى مســتوى منطقــة الخليــج برمتهــا»(‪.)1‬‬
‫إن دولــة اإلمــارات باختيارهــا هــذا النهــج‪ ،‬وتعلقهــا بإرثهــا وهويتهــا الدينيــة‬
‫التــي تحميهــا مــن األفــكار الدخيلــة؛ مل تتعــرض يف تاريخهــا ســواء املــايض أو‬
‫املعــارص ألي اهت ـزازات ذات أســباب دينيــة‪ ،‬وال تعــاين مــن ألــوان التطــرف‬
‫والتشــدد الدينــي؛ نتيجــة نهــج االعتــدال الــذي تشــبثت بــه‪ ،‬ومــا زالــت‬
‫العنرصيــة والعنــف والكراهيــة منبــوذة بــكل أشــكالها وأنواعهــا‪ ،‬ويقــف‬
‫املجتمــع صفــا واحــدا ضدهــا‪ ،‬حاميــا ثقافتــه وإرثــه؛ إلدراكــه بفطرتــه‬
‫املســتقيمة مخاطــر تلــك القيــم املضــادة للتســامح والتعايــش ومشــاكلها‬
‫التــي تؤثــر عــى األوطــان واألديــان عــى حــد ســواء‪.‬‬

‫‪ - 1‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ 30 :‬مايو ‪ ،2016‬مقال بعنوان‪ :‬القيم الدينية والوعي الديني يف املجتمع اإلمارايت‪ .‬الدكتورة‬
‫ابتسام الكتبي رئيسة مركز اإلمارات للسياسات‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫فتجربــة دولــة اإلمــارات املتميــزة يف مجــال التســامح تؤكــد أن التديــن‬
‫الوســطي املعتــدل هــو أســاس التســامح والتعايــش بــن النــاس‪ ،‬وأنــه مــا دام‬
‫خطــاب التطــرف والتشــدد رائجــا يف أي مجتمــع فيســتحيل الحديــث فيــه‬
‫عــن هــذه القيمــة‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬القيم الثقافية للشعب اإلمارايت وأثرها يف التسامح‬


‫القيــم الثقافيــة هــي منظومــة قيميــة حضاريــة كان لهــا الســيادة لــدى‬
‫القبائــل العربيــة عامــة‪ ،‬وتعـ ّد القيــم الثقافيــة مبختلــف عنارصها هــي املكو َن‬
‫األســاس لهويــة الشــعوب وســلوك األفـراد‪ ،‬واملرجعيـ َة املهمــة يف حياتهــم إىل‬
‫يومنــا هــذا‪ ،‬ملــا لوجودهــا مــن دور يف حفــظ أخــاق الشــهامة والتواصــل بــن‬
‫األف ـراد واملجتمعــات‪.‬‬
‫وإن قيــم التســامح والتعايــش يف املجتمــع اإلمــارايت تعــد امتــدادا طبيعيــا‬
‫لــراث هــذه األرض وتاريخهــا‪ ،‬وقــد رســختها دولــة اإلمــارات بقوانينهــا‬
‫وضوابطهــا ومبادراتهــا املختلفــة‪ ،‬يقــول الدكتــور عــي النعيمــي‪« :‬ومجتمــع‬
‫االمــارات مجتمــع متميــز‪ ،‬ومنفتــح عــى اآلخــر‪ ،‬يرســخ قيــم التســامح‬
‫والتعدديــة الثقافيــة‪ ،‬والوســطية والتعايــش مــع اآلخريــن‪ ،‬دون متييــز أو‬
‫كراهيــة‪ ،‬حيــث بذلــت الدولــة جهــو ًدا كبــرة خــال الســنوات املاضيــة مــن‬
‫أجــل تكريــس قيمــة التســامح عــى الصعيــد املجتمعــي‪ ،‬والــذي هــو جــزء‬
‫أصيــل مــن طبيعــة تكويــن الشــعب االمــارايت املتســامح‪ ،‬الــذي يُعــد مــن‬
‫أكــر شــعوب العــامل انفتاحــا عــى اآلخــر وقبــوال لــه‪ ،‬وهــذه حقيقــة يدركهــا‬
‫كل مــن عــاش عــى هــذه األرض الطيبــة أو زارهــا»(‪.)1‬‬
‫وهــذه القيــم الثقافيــة املعطيــة للتســامح جــاءت نتيجــة تضافــر أســباب‬
‫عديــدة‪ ،‬وعوامــل فاعلــة كثــرة‪ ،‬مــن أبرزهــا‪:‬‬
‫أول‪ :‬الصحـراء‪ :‬فطبيعــة البيئــة الصحراويــة؛ تصقــل أهلهــا‪ ،‬ومتيزهــم بالصفاء‪،‬‬ ‫ً‬
‫والتحمــل‪ ،‬واالنفتــاح‪ ،‬والتالقــي‪ ،‬وقــد عــر عــن هــذا األثــر ورصــده الكثــر‬

‫‪ - 1‬نرشة رسالة الجامعة التي تصدرها جامعة اإلمارات‪ ،‬عدد ‪ ،33‬نوفمرب ‪ .2016‬ص ‪.2‬‬

‫‪234‬‬
‫مــن الغربيــن الذيــن عاشــوا يف الخليــج العــريب‪ ،‬يقــول املبعــوث لويــس بيــي‪:‬‬
‫«لقــد غــادرت هــؤالء العــرب وقــد انطبــع يف ذهنــي أن فضائلهــم ونقائصهــم‬
‫وعاداتهــم وأخالقهــم ونظــام حكمهــم قــد تشــكلت جمي ًعــا وإىل حــد بعيــد‬
‫نتيجــة للظــروف الطبيعيــة واألحــداث التــي كانــت تطــرأ مــن حــن آلخــر‪ .‬إن‬
‫املــرء الــذي يجــد نفســه مجـ ًرا عــى العيــش يف الصحـراء؛ ال ميكــن أن يشــبه‬
‫نفســه بآخــر ينحــدر مــن ســالة بدويــة أصيلــة‪ ،‬تفتحــت عينــاه عــى الحيــاة‬
‫ليجــد نفســه يف أحضــان الباديــة بــكل ســخائها وثرائهــا»(‪.)1‬‬
‫أساســا يف تشــكيل القيــم يف هــذه املنطقــة‪ ،‬فقــد أكســبتهم‬ ‫إن للصحـراء دو ًرا ً‬
‫حــب الحريــة والتحمــل والصــر واالعتــدال والتعــاون والتكافــل‪ ،‬مــن أجــل‬
‫التغلــب عــى املصاعــب املتعــددة‪ ،‬وكانــت هــذه التقاليــد املتجــذرة يف هــذه‬
‫عظيــا مــن القيــم النبيلــة والعــادات األصيلــة‪ ،‬وإن الربــط‬ ‫ً‬ ‫املنطقــة إرث ًــا‬
‫بــن الصحـراء وقيــم املجتمــع اإلمــارايت مــن األهميــة مبــكان‪ ،‬ليــس ألن األمــر‬
‫طبيعــي أو تؤيــده دراســات اجتامعيــة‪ ،‬ولكــن ألن الشــيخ زايــد كان يعتــر‬
‫أنــه تأثــر يف بعــض أخالقــه بالصح ـراء التــي تعلــم الصــر والســام والحــب‪،‬‬
‫يقــول رحمــه اللــه تعــاىل‪« :‬هــذه طبيعــة رجــل الصح ـراء‪ ،‬وأنــا رجــل مــن‬
‫الصح ـراء‪ ،‬وأحــب الصح ـراء‪ ،‬والذيــن صــروا جيـ ًـا عــى هــذه الرمــال حتــى‬
‫نبــت فيهــا الخــر والعطــاء؛ هــؤالء يعلموننــا أن نصــر طويـ ًـا‪ ،‬حتــى تقــوم‬
‫عندنــا الدولــة التــي إليهــا نطمــح»(‪.)2‬‬
‫وإذا كانــت هــذه الصحـراء القاحلــة التــي تعــد رمـزا لطبيعــة هــذا املجتمــع؛‬
‫هــي التــي أرضعــت قيمــه‪ ،‬فهــي التــي علمــت أفـراده أيضــا بفضــل طاقتهــا؛‬
‫التعــاون والتالقــي يف بســاطها‪ ،‬ومنهــا يســتمدون راحتهــم‪ ،‬وصفــاء نفوســهم‪،‬‬
‫فيتجــردون مــن األحقــاد والضغائــن‪ ،‬وتــزداد بينهــم املحبــة واملــودة‪ ،‬ويتحقق‬
‫التســامح‪ ،‬وينجــح كل عمــلٍ مـرا ٍد‪.‬‬

‫‪ - 1‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االسرتاتيجية‪ ،‬بقوة االتحاد‪ ،‬صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان القائد‬
‫والدولة‪( ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط‪2004 ،8 .‬م) ص ‪.24‬‬
‫‪ - 2‬املهريي‪ ،‬زايد بن سلطان آل نهيان منظومته الفكرية وتوجهاته السياسية‪ :‬ص ‪.131‬‬

‫‪235‬‬
‫والشــيخ زايــد ‪-‬طيــب اللــه ث ـراه‪ -‬هــو أحســن مــن عــر عــن هــذا الشــعور‬
‫والطاقــة بقولــه‪« :‬إننــا نحــرص باســتمرا ٍر عــى االلتقــاء بإخواننــا أبنــاء القبائل‪،‬‬
‫أول كانــت عــى هــذه‬ ‫ونرغــب بالتحــدث إليهــم‪ ،‬واالختــاط بهــم‪ ،‬وحياتنــا ً‬
‫الصحــراء‪ ،‬وهــي حياتنــا الطبيعيــة‪ ،‬وكلــا زرت الصحــراء ازداد شــعوري‬
‫بالراحــة؛ ألننــي أؤدي واجبــي‪ ،‬وهــذه الزيــارات تغــذي العمــل الــذي نقــوم‬
‫بــه‪ ،‬كــا أنهــا متنحنــا الطاقــة ملواصلــة املســرة»(‪.)1‬‬
‫فعشــقه للصح ـراء –طيــب اللــه ث ـراه‪ -‬ومــا يتميــز بــه أهلهــا مــن الصفــاء‬
‫والنقــاء‪ ،‬والعــادات والتقاليــد األصيلــة؛ هــي منبــع تلــك القيــم الصافيــة‬
‫العابــرة للتاريــخ‪ ،‬التــي تجمــع بــن مــا هــو دينــي وعــريب واجتامعــي؛ يقــول‬
‫الشــيخ زايــد وهــو يصــف هــذا املنبــع القيمــي‪« :‬إننــي أعشــق الصح ـراء‪،‬‬
‫وكلــا أحسســت ببعــض التعــب ذهبــت إليهــا ألســرد نشــاطي وحيويتــي‪،‬‬
‫حيــث ألتقــي بإخــواين البــدو‪ ،‬الذيــن أحبهــم مــن كل قلبــي‪ ،‬ألن أفكارهــم مــا‬
‫زالــت صافيــة ونقيــة‪ ،‬إنهــم مــا زالــوا يتمســكون بعاداتهــم وتقاليدهــم‪ ،‬التــي‬
‫تنبــع مــن األصالــة العربيــة وتعاليــم ديننــا الحنيــف‪ ،‬وأنــا أشــجعهم عــى‬
‫التمســك بهــذه العــادات‪ ،‬لتظــل أفكارهــم صافيــة ونقيــة»(‪.)2‬‬
‫إن هــذه الخصيصــة للصحــراء تنطلــق مــن الســعة‪ ،‬ولطاملــا افتخــر بهــا‬
‫العــرب قدميًــا‪ ،‬وال أدل عــى ذلــك مــن تحيــة العــرب للــوارد عليهــم بالرحــب‬
‫والســعة‪ ،‬يقــول ابــن منظــور‪« :‬وقولهــم يف تحيــة الــوارد «أهـ ًـا ومرح ًبــا» أي‪:‬‬
‫صادفــت أهـ ًـا ومرح ًبــا‪ ،‬وقالــوا‪« :‬مرحبــك اللــه ومســهلك» وقولهــم‪ :‬مرح ًبــا‬
‫أهــا‪ ،‬فاســتأنس وال تســتوحش‪ .‬وقــال‬ ‫وأهــا‪ ،‬أي‪ :‬أتيــت ســعة‪ ،‬وأتيــت ً‬ ‫ً‬
‫الليــث‪ :‬معنــى قــول العــرب‪ :‬مرح ًبــا‪ ،‬أي‪ :‬انــزل يف الرحــب والســعة»( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫‪ - 2‬جهاد‪ ،‬نور الحكمة‪ :‬ص ‪.108‬‬
‫‪ - 3‬ابن منظور؛ لسان العرب‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ .413‬يقول ابن حجر يف بيان معنى هذه التحية وأول من قالها‪ ،‬وورودها عن النبي‬
‫صىل الله عليه وسلم يف عدة أحاديث‪( :‬قوله‪« :‬مرحبا» هو منصوب بفعل مضمر‪ ،‬أي صادفت رحبا بضم الراء أي سعة‪،‬‬
‫والرحب بالفتح اليشء الواسع وقد يزيدون معها أهال‪ ،‬أي وجدت أهال فاستأنس‪ .‬وأفاد العسكري أن أول من قال مرحبا‬
‫سيف بن ذي يزن‪ ،‬وفيه دليل عىل استحباب تأنيس القادم‪ ،‬وقد تكرر ذلك من النبي صىل الله عليه وسلم؛ ففي حديث أم‬
‫هانئ «مرحبا بأم هانئ» ويف قصة عكرمة بن أيب جهل‪« :‬مرحبا بالراكب املهاجر» ويف قصة فاطمة‪« :‬مرحبا بابنتي» وكلها‬
‫صحيحة)‪ .‬ابن حجر؛ فتح الباري‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.131‬‬

‫‪236‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬القبيلــة‪ :‬إن عمــود القيــم عنــد القبيلــة العربيــة هــو الــرف‪ ،‬فقــد‬
‫كانــوا يأنفــون مــن كل مــا ينــايف الــرف مــن األخــاق الذميمــة‪ ،‬والعــادات‬
‫الســيئة‪ ،‬ويتجنبــون ذلــك‪ ،‬فــكان هــذا املبــدأ قيمــة مقدســة يف تواصلهــم‬
‫وحفــظ عهودهــم‪« :‬إن الصــات التــي جمعتهــم وربطتهــم م ًعــا كامنــة غــر‬
‫ملموســة‪ ،‬وليــس يف وســع البــدوي أن يدعــي أنــه يتحكــم يف بــدوي آخــر‪،‬‬
‫وتقــوم روابطهــم عــى عهــود ومواثيــق طوعيــة يحافــظ عليهــا أطرافهــا‪،‬‬
‫أساســا يف كل‬
‫ملتزمــن مببــدأ الــرف وصــدق الكلمــة‪ ،‬الــذي يشــكل مقو ًمــا ً‬
‫جانــب مــن جوانــب ثقافتهــم‪ .‬لقــد تشــكل مجتمعهــم مــن تفاعــل ثالثــة‬
‫عنــارص منفصلــة ولكنهــا متشــابكة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬طبيعة املكان‪ ،‬وهي البيئة الطبيعية التي حددت أبعاد عاملهم‪.‬‬
‫وثانيهــا‪ :‬البنيــة السياســية التــي تنتظــم مــن خاللهــا حياتهــم االجتامعيــة‬
‫واملتمثلــة يف القبيلــة والزعامــة القبليــة‪.‬‬
‫أمــا الثالثــة‪ :‬فهــي البنيــة األخالقيــة التــي ربطــت بينهــم‪ ،‬والتــي تتمثــل إىل‬
‫حــد بعيــد يف مبــدأ الــرف الــذي يلتــزم بجوهــره كل البــدو»(‪.)1‬‬
‫وال شــك أن مفهــوم رشف القبيلــة لــه أثـ ٌر كبــر يف املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬فهــذا‬
‫املبــدأ يحكــم العالقــات املتوطــدة بــن القبائــل واملجموعــات املختلفــة‪،‬‬
‫وقــد نتــج عــن هــذا املبــدأ الرئيــس منظومــة قيــم أخــرى‪ ،‬جعلــت املجتمــع‬
‫اإلمــارايت خاصــة واملجتمعــات العربيــة ذات الخصوصيــة القبليــة والبدويــة‬
‫عامــة؛ تتميــز بتلــك القيــم مثــل الشــهامة‪ ،‬والشــجاعة‪ ،‬وحرمــة الضيــوف‬
‫والوفــود‪ ،‬والعفــة‪ ،‬واح ـرام الجــار‪ ،‬والتكافــل‪ ،‬وحاميــة املجتمــع وحراســته‬
‫مــن كل مــا يلحــق بــه الــرر‪ ،‬وهــذا مــا جعــل كثـرا مــن الباحثــن يف تـراث‬
‫املنطقــة يعتــرون أن كــرم الضيافــة للغربــاء يف املنطقــة مبثابــة ميثــاق حاميــة‬
‫ال يوجــد عنــد أمــة مــن األمــم‪ ،‬إذ أصبحــت هــذه الوفــادة فطــرة قبــل أن‬
‫تكــون واجبًــا دينيًّــا(‪.)2‬‬

‫‪ - 1‬جهاد‪ ،‬نور الحكمة‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪237‬‬
‫ثال ًثــا‪ :‬الســنع‪ :‬وهــو عمــود أخــاق اإلماراتيــن ومنبعــه‪ ،‬ويُقصــد بــه مختلــف‬
‫قواعــد الســنع التــي تنظــم ســلوك األف ـراد إىل أصنــاف متعــددة‪ ،‬يــأيت عــى‬
‫رأســها‪ :‬قواعــد التعامــل مــع الوالديــن واألقــارب والجـران‪ ،‬وقواعــد الضيافــة‬
‫واملجالــس والزيــارة‪ ،‬وآداب الــكالم والحديــث والســام والتحيــة‪ ،‬وقواعــد‬
‫التعامــل مــع الصغــار والكبــار واالجتــاع يف املناســبات والرتابــط األرسي‪،‬‬
‫وهــذه القواعــد واآلداب تعتمــد عــى أســس ســنعية أصيلــة يف هــذا املجتمــع‬
‫وهــي الشــجاعة والشــهامة والنخوة والكــرم واإليثــار ومســاعدة املحتاجني(‪.)1‬‬
‫فالســنع شــامل لــكل أنــواع التعامــل الراقــي مع اآلخــر كيفام كان‪ ،‬مــا يجعل‬
‫العالقــات بــن الجميــع يف مســتوى الرقــي واالح ـرام والتقديــر‪ ،‬وال يتحقــق‬
‫ذلــك إال مبعرفــة القواعــد والقيــم االجتامعيــة واألخــاق العامــة‪ ،‬مــن أجــل‬
‫التــرف مــع اآلخريــن ترصفًــا حسـ ًنا يليــق بهــم‪ ،‬وهــو مــا يســميه الفقهــاء‬
‫وعلــاء األخــاق‪« :‬أدب املواضعــة»؛ قــال املــاوردي‪« :‬فأمــا أدب املواضعــة‬
‫واالصطــاح‪ ،‬فيؤخــذ تقليـ ًدا عــى مــا اســتقر عليــه اصطــاح العقــاء‪ ،‬واتفــق‬
‫عليــه استحســان األدبــاء… كاصطالحهــم عــى مواضعــات الخطــاب‪ ،‬واتفاقهم‬
‫عــى هيئــات اللبــاس‪ ،‬حتــى إن اإلنســان اآلن إذا تجــاوز مــا اتفقــوا عليــه منها‬
‫صــار مجانبــا لــأدب‪ ،‬مســتوجبا للــذم؛ ألن فـراق املألــوف يف العــادة‪ ،‬ومجانبة‬
‫مــا صــار متفقــا عليــه باملواضعــة‪ ،‬مفــض إىل اســتحقاق الــذم بالعقــل‪ ،‬مــا مل‬
‫يكــن ملخالفتــه علــة ظاهــرة ومعنــى حــادث»(‪.)2‬‬
‫وألهميــة هــذا الســنع يف املجتمــع؛ أصبــح عــادة وتقاليــد يتحــى بهــا اإلمارايت‬
‫جيــا بعــد جيــل‪ ،‬يــرىب عليهــا الصغــر‪ ،‬ويحــرص عليهــا الكبري‪.‬‬
‫وتكمــن أهميــة الســنع يف أنــه يحقــق القــدوة واألســوة يف املجتمــع‪ ،‬فالعمــدة‬
‫يف الســنع هــي األرسة وكبــار الســن‪ ،‬فمنهــم يتعلــم األطفــال والشــباب‪،‬‬
‫ويُلَقَّنــون هــذه الــدروس االجتامعيــة‪ ،‬ومــن العيــب والنقــص يف الشــخص أن‬
‫وأساســا ورضورة مجتمعية‬ ‫ً‬ ‫يقــال عنــه «قليل الســنع»‪ ،‬فالســنع أصبــح معيــا ًرا‬
‫يف معامــات النــاس اليوميــة‪ ،‬وهــو شــبيه مبــا يســمى يف مجتمعــات أخــرى‬
‫«قواعــد اإلتيكيــت» وينبغــي االلت ـزام بــه يف أماكــن معينــة وأمــام النــاس‪.‬‬

‫‪ - 1‬بوشليبي‪ ،‬السنع‪ :‬ص ‪.42‬‬


‫‪ - 2‬املاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ :‬ص ‪.287‬‬

‫‪238‬‬
‫كــا أن الســنع اإلمــارايت يعــود إىل العــادات العربيــة‪ ،‬والتعاليــم الدينيــة‪،‬‬
‫وأعــراف املجتمــع‪ ،‬والــرع قــد أقــر عــادات املجتمعــات وأعرافهــا‪ ،‬مــا‬
‫دامــت ال تخالفــه(‪.)1‬‬
‫ومــن أهــم مــا يحققــه الســنع مــن الفوائــد عــى املجتمــع والنــشء خاصــة‪:‬‬
‫املواطنــة الصالحــة‪ ،‬واالرتبــاط بالوطــن‪ ،‬واالنتــاء والــوالء‪ ،‬واالقتــداء بالرمــوز‬
‫الوطنيــة واملؤسســن األوائــل‪ ،‬فيُشــعر الشــاب بأنــه عضــو وعنــر فاعــل يف‬
‫هــذا الوطــن الــذي تَ ْحكُمــه تقاليــده وأعرافــه وقوانينــه‪ ،‬التــي يجــب عليــه‬
‫أن يلتــزم ويتقيــد بهــا‪ ،‬وال ينبغــي لهــذا الشــاب أن ينطلــق مــن كل القيــود‪،‬‬
‫فهنــاك عــادات وأعـراف وتعاليــم دينيــة يجــب احرتامهــا‪.‬‬
‫وهــذه اآلداب الســنعية ميكــن أن نالحــظ فيهــا أنهــا أحيانًــا تتجــاوز مرتبــة‬
‫اآلداب إىل منزلــة أعــى‪ ،‬وهــي ال ُّرقــي والــذوق العــام‪ ،‬وهــذا يــدل عــى‬
‫املرتبــة الحضاريــة والطبــع الســليم‪ ،‬واللباقــة التــي وصــل إليهــا املجتمــع‬
‫اإلمــارايت‪ ،‬ويعــر ذلــك أيضً ــا عــن الســمو العقــي والروحــي والســعادة التــي‬
‫حققهــا أبنــاؤه‪.‬‬
‫إن القيــم املجتمعيــة الســنعية األصيلــة؛ كان لها دور بارز يف ترســيخ التســامح‬
‫يف املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬ألنهــا تقــي األنانيــة والطمــوح الشــخيص‪ ،‬وتنمــي‬
‫النظــام الجامعــي املبنــي عــى الصــات املشــركة والواجبــات االجتامعيــة‪،‬‬
‫فالتســامح ينمــو يف هــذا الجــو‪.‬‬
‫ـب الخــر‪ :‬فالتواصــل وقيــم حــب الخــر؛ مــن األمــور‬ ‫راب ًعــا‪ :‬التواصــل وحـ ُّ‬
‫منعــزل‬
‫ً‬ ‫التــي ســاعدت كثــ ًرا يف تســامح املجتمــع اإلمــارايت؛ إذ مل يكــن‬
‫عــن الشــعوب األخــرى يف املنطقــة‪ ،‬فقــد كانــت إمــارات الدولــة تتعامــل‬
‫منــذ القــدم مــع كافــة الــدول املحيطــة بهــا عــن طريــق التجــارة واملوانــئ‪،‬‬
‫وخاصــة تجــارة اللؤلــؤ‪ ،‬نظـرا ملوقعهــا االسـراتيجي املهــم‪ ،‬الــذي جعــل منهــا‬
‫دولــة تجتــذب كبــار التجــار‪ ،‬مــا أســهم يف االختــاط باملجتمعــات األخــرى‪،‬‬
‫والتفاعــل مــع ثقافــات متعــددة‪ ،‬فــكان املجتمــع اإلمــارايت مــن هــذه الناحيــة‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬ماجد عبد الله بوشليبي‪ ،‬السنع من مكارم األخالق‪( ،‬وزارة الثقافة و الشباب و تنمية املجتمع‪2013 ،‬م)‪ .‬ص ‪.15‬‬

‫‪239‬‬
‫أكــر فاعليــة مــن بقيــة املجتمعــات(‪.)1‬‬
‫وحــب العطــاء مــن األســباب التــي كان لهــا أثــر كبــر عــى املجتمــع اإلمــارايت‬
‫يف حبــه الخــر والتســامح ومســاعدة اآلخريــن‪ ،‬ولعــل مــن الالفــت جــدا أن‬
‫هــذه القيمــة قدميــة وجديــدة يف هــذا املجتمــع‪ ،‬فالبيئــة املجتمعيــة القدميــة‬
‫ـح املــوارد ذلــك داعيًــا إىل اإلمســاك وحبــس‬‫ذات مــوارد شــحيحة‪ ،‬ومل يكــن شـ ُّ‬
‫الخــرات‪ ،‬بــل كان ذلــك داف ًعــا للمجتمــع لإلقبــال عــى العطــاء والعمــل‬
‫اإلنســاين مــع الجميــع بعــد أن أفــاض اللــه عليهــم مــن خرياتــه وبركاتــه‪ ،‬وقــد‬
‫كان الشــيخ زايــد –طيــب اللــه ثـراه‪ -‬يشــر لهــذا الجانــب كثـ ًرا؛ يقــول ســامل‬
‫عبيــد الظاهــري عــن الشــيخ زايــد‪« :‬كان الشــيخ زايــد عــى درجــة مــن الكــرم‬
‫ال تصــدق‪ ،‬وكان عطــاؤه عفويــا ومــدرا ًرا‪ ،‬لقــد عــاش مــع النــاس أيــام فقرهــم‬
‫وحرمانهــم‪ ،‬وشــاركهم هذيــن الوجعــن‪ ،‬واألمل الــذي عانــاه وهــو يشــاهد‬
‫األطفــال الذيــن ينهشــهم الجــوع والنــاس ميوتــون أمــام عينيــه بســبب أمراض‬
‫غــر عصيــة عــى املعالجــة‪ ،‬كل هــذا مل يغــادر ذاكرتــه أبــدا‪ ،‬إن مــا عانــاه‬
‫ســكان اإلمــارات املتصالحــة بقــي مرافقــا لــه طــول حياتــه»(‪ .)2‬فاملعانــاة‬
‫تولــد النجــاح ومتحــو مــا بالنفــوس مــن حــب للــذات وكراهيــة لآلخــر‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬االشتباك القيمي بني املايض والحارض واملستقبل‬ ‫ً‬


‫فمــن القيــم الثقافيــة واملجتمعيــة التــي يســتند إليهــا التســامح يف الثقافــة‬
‫اإلماراتيــة؛ ذلــك االشــتباك القيمــي بــن املــايض والحــارض واملســتقبل‪،‬‬
‫فالحــارض ينبــع مــن ذلــك املــايض‪ ،‬وتبقــى تلــك القيــم هــي املثــل األعــى‬
‫مهــا تغــر الزمــن واختلفــت األجيــال‪ ،‬وقــد كان الشــيخ زايــد ينطلــق أيضً ــا‬
‫مــن هــذا الرتابــط والتداخــل بــن األزمــان املختلفــة فيــا يخــص القيــم؛‬
‫يقــول رحمــه اللــه تعــاىل‪« :‬إن إحيــاء ت ـراث أمتنــا وبلدنــا لواجــب رضوري‪،‬‬
‫بــل وحتمــي‪ ،‬حتــى يعــرف النــاس ماضينــا‪ ،‬وكيــف كنــا نعيــش قبــل أن ينعــم‬
‫اللــه علينــا بالخــر الوفــر‪ ،‬إن عــى الجيــل الجديــد أن يقــدر الــدور الــذي‬

‫‪ - 1‬محمد عمران تريم‪ ،‬الجذور التاريخية لقيام دولة اإلمارات‪( ،‬دار الرشوق للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪2018 ،‬م) ص ‪.77‬‬
‫‪ - 2‬ويلسون؛ زايد رجل بنى أمة‪( ،‬املركز الوطني للوثائق والبحوث‪ ،‬وزارة شؤون الرئاسة‪2013 ،‬م) ص ‪.145‬‬

‫‪240‬‬
‫لعبــه جيــل اآلبــاء‪ ،‬وأن يتخــذ منهــم القــدوة واملثــل األعــى يف الصــر وقــوة‬
‫التحمــل‪ ،‬والعمــل الجــاد والتفــاين يف أداء الواجــب‪ ،‬وأن يبــذل الجيــل الجديــد‬
‫كل مــا يف وســعه مــن جهــد وخاصــة بعــد أن توفــرت اإلمكانيــات وتحســنت‬
‫ظــروف املعيشــة… إن التاريــخ سلســلة متصلــة مــن األحــداث‪ ،‬ومــا الحــارض‬
‫إال امتــداد للــايض‪ ،‬ومــن ال يعــرف ماضيــه ال يســتطيع أن يعيــش حــارضه‬
‫ومســتقبله‪ ،‬فمــن املــايض نتعلــم ونكتســب الخــرة‪ ،‬ونســتفيد مــن الــدروس‬
‫والنتائــج‪ ،‬نأخــذ األفضــل ونتجنــب أخطــاء اآلبــاء واألجــداد»(‪.)1‬‬
‫إن الفضائــل والشــيم واملعــاين الجميــل مرتكــزة يف تضاعيــف التاريــخ‬
‫وأحداثــه‪ ،‬ويف التزامهــا وجعلهــا قــدوة حســنة للمجتمــع؛ تشــبث بــاألرض‬
‫والوطــن‪ ،‬ألنــه أحــد مكوناتــه األســاس‪.‬‬
‫ســاب ًعا‪ :‬االعتــدال‪ :‬فاالعتــدال يف كافــة األمــور قيمــة ثقاف ّيــة عظمــى‪ ،‬لطاملــا‬
‫تحــدث عنهــا علــاء االجتــاع‪ ،‬وعــن انتامئهــا لهــذه املناطــق العربيــة‪ ،‬قــال‬
‫عنهــا ابــن خلــدون يف وصــف العــرب وهــو ينســب إليهــم هــذه القيمــة‪:‬‬
‫املتوســطة أهــل االعتــدال يف خلقهــم وخلقهــم‪،‬‬‫ّ‬ ‫«وأ ّمــا أهــل األقاليــم الثّالثــة‬
‫وســرهم وكافّــة األحــوال الطّبيع ّيــة لالعتــار لديهــم؛ مــن املعــاش واملســاكن‬
‫والصنائــع والعلــوم وال ّرئاســات وامللــك فكانــت فيهــم ال ّنبــوءات وامللــك‬ ‫ّ‬
‫والصنائــع‬
‫والشائــع والعلــوم والبلــدان واألمصــار واملبــاين والفراســة ّ‬ ‫والـ ّدول ّ‬
‫الفائقــة وســائر األحــوال املعتدلــة‪ ،‬وأهــل هــذه األقاليــم الّتــي وقفنــا عــى‬
‫أخبارهــم مثــل العــرب»(‪ .)2‬وهــذه القيمــة املهمــة أســاس يف التديــن املعتــدل‬
‫الوســطي الرائــج يف املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬البعيــد عــن التطــرف والتشــدد‪،‬‬
‫وســيأيت معالجــة هــذا الجانــب يف املبحــث القــادم‪.‬‬
‫ثام ًنــا‪ :‬الرتبيــة األخالقيــة‪ :‬إن الرتبيــة األخالقيــة مــن القيــم املجتمعيــة التــي‬
‫ال ميكــن تحقيــق الســام والتســامح والوئــام دون إرســائها وترســيخها يف‬
‫املجتمعــات؛ عــى نهــج الثوابــت الراســخة املوروثــة مــن االح ـرام املتبــادل‪،‬‬
‫وقبــول التعدديــة‪ ،‬واالنفتــاح والتعــاون مــع اآلخريــن‪ ،‬فدولــة اإلمــارات‬

‫‪ - 1‬نبيل راغب؛ أصول الريادة‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪ - 2‬ابن خلدون؛ املقدمة‪ :‬ج‪ 1‬ص ‪.106‬‬

‫‪241‬‬
‫الحديثــة وإميانًــا منهــا بعظمــة األخــاق؛ أبــت إال الدفــع يف هــذا االتجــاه‪،‬‬
‫وتثبيتــه وتقويتــه؛ فتبنــت يف هــذا املجــال مبــادرات عديــدة كان للرتبيــة‬
‫األخالقيــة فيهــا الفضــل واألولويــة‪ ،‬وينبغــي لنــا التنويــه بهــا واعتامدهــا يف‬
‫مقامنــا هــذا وثيقـ ًة أساســا‪ ،‬ترســخ التســامح يف املجتمــع‪ ،‬وقيمـ ًة جوهريــة يف‬
‫القيــم الثقافيــة املنتجــة للتســامح‪.‬‬
‫لقــد جــاءت مبــادرة ســيدي صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن زايــد –‬
‫حفظــه اللــه‪ ،-‬باعتــاد «الرتبيــة األخالقيــة» يف املناهــج التعليمــة يف شــهر‬
‫يوليــو ‪2016‬م ملــا يتوقــع لهــا مــن نجــاح باهــر يف حفــظ قيــم هــذا املجتمــع‪.‬‬
‫وتــأيت هــذه املبــادرة ضمــن رؤيتــه الثاقبــة ملســتقبل الثقافــة املجتمعيــة؛‬
‫إدراكًا منــه للمخاطــر املحيطــة بالشــباب والنــشء‪ ،‬فقــد ســعت هــذه‬
‫املبــادرة للمحافظــة عــى القيــم األصيلــة يف املجتمــع‪ ،‬كــا أكــد عــى ذلــك‬
‫ســموه يف قولــه‪« :‬القيــم الفاضلــة أســاس راســخ يف بنــاء األمــم ونهضتهــا‪،‬‬
‫ورقــي الشــعوب وتطورهــا‪ ،‬وإنــه مهــا بلغــت الــدول مــن تقــدم علمــي‪،‬‬
‫فــإن دميومــة بقائهــا مرهونــة مبــدى محافظتهــا عــى قيمهــا النبيلــة‪ ،‬وإن‬
‫العلــم يف جوهــره تجســيد وإعــاء للقيــم الحضاريــة واألخــاق اإلنســانية…‬
‫إن دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة تتميــز بهويتهــا الثقافيــة‪ ،‬وقيمهــا‬
‫األخالقيــة األصيلــة‪ ،‬املرتكــزة عــى مــوروث القيــم النابــع مــن تعاليــم الديــن‬
‫الحنيــف‪ ،‬وتقاليــد اآلبــاء واألجــداد‪ ،‬التــي تعــي مــن قيــم التســامح واالحـرام‬
‫والتعــاون‪ ،‬وحــب الخــر‪ ،‬واالنتــاء والبــذل والتضحيــة والعطــاء الالمحــدود‬
‫للوطــن»(‪.)1‬‬
‫ولقــد أصبــح اليــوم لهــذه املــادة دور أســاس يف العمليــة التعليميــة واملقررات‬
‫الدراســية‪ ،‬بــإرشاف وزارة الرتبيــة والتعليــم‪ ،‬ومجلــس أبوظبــي للتعليــم‪،‬‬
‫وديــوان ويل عهــد أبوظبــي‪ ،‬وتشــمل مــادة الرتبيــة األخالقيــة خمســة عنــارص‬
‫رئيســة هــي األخالقيــات‪ ،‬والتطويــر الــذايت واملجتمعــي‪ ،‬والثقافــة وال ـراث‪،‬‬
‫والرتبيــة املدنيــة‪ ،‬والحقــوق واملســؤوليات(‪.)2‬‬

‫‪ - 1‬البيان اإلماراتية‪ ،‬تاريخ النرش‪ 27 :‬يوليو ‪ ،2016‬تقرير بعنوان‪ :‬بتوجيهات محمد بن زايد؛ إطالق مبادرة «الرتبية‬
‫األخالقية» لدعم املناهج الدراسية‪.‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫وكل هــذا يؤكــد أن القيــم هــي أســاس يف املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬وهــي التــي‬
‫تحكــم ســلوك األفـراد واملجتمــع‪ ،‬انطالقــا مــن الثقافــة األصيلــة‪ ،‬التــي عملــت‬
‫دولــة اإلمــارات منــذ تأسيســها عــى ترجمتهــا إىل برامــج تعليميــة‪ ،‬ومبــادرات‬
‫قويــة فاعلــة‪ ،‬يف الحفــاظ عــى هــذا الســلوك الجامعــي‪ ،‬ومــن مظاهــر‬
‫هــذا الســلوك املجتمعــي التعايــش مــع شــعوب العــامل املختلفــة وهــو مــا‬
‫ســنخصص لــه املطلــب القــادم‪.‬‬

‫املطلــب الثالــث‪ :‬التعايــش بــن شــعوب العــامل يف دولــة اإلمــارات ودوره يف‬
‫ترســيخ التســامح‬
‫إن القيــم املتأصلــة يف اإلنســان واملجتمــع‪ ،‬والتــي ســبق وصفهــا يف املطلــب‬
‫الســابق؛ ال بــد أن يكــون لهــا عالمــات بــارزة‪ ،‬ودالئــل ملموســة‪ ،‬ومــن ذلــك‬
‫التعايــش بــن مختلــف األجنــاس البرشيــة املختلفــة العقائــد واألعــراق‬
‫واالنتــاءات والعــادات عــى أرض دولــة اإلمــارات‪ ،‬يف انســجام وتعــاون‬
‫ووئــام‪.‬‬
‫إن النمــوذج الــذي تقدمــه دولــة اإلمــارات يف هــذا الصــدد؛ يعــد أكــر دليــل‬
‫وبرهــان عــى تقبــل مواطنيهــا لآلخريــن واســتقبالهم‪ ،‬وانفتــاح الثقافــة‬
‫املحليــة عــى هوياتهــم وثقافتهــم‪ ،‬ومل يكــن ذلــك ليحــدث لــو مل تكــن ثقافــة‬
‫التســامح مرتســخة يف هــذه األرض‪ ،‬ويف أعــاق شــعور املجتمــع اإلمــارايت‪،‬‬
‫إضافــة إىل مــا توفــره الدولــة مــن الحاميــة القانونيــة للتعايــش والتســامح‪،‬‬
‫واالح ـرام لجميــع النــاس مبختلــف أديانهــم وجنســياتهم‪.‬‬
‫فدولــة اإلمــارات بســبب ثقافتهــا املجتمعيــة الســائدة‪ ،‬املبنيــة عــى قيــم‬
‫التــوازن واالعتــدال واالنفتــاح والســلوك املنضبــط؛ قدمــت أمنوذجــا راقيــا يف‬
‫وكل مــن يعيــش‬ ‫التعايــش بــن الجنســيات املتعــددة والثقافــات املختلفــة‪ُّ ،‬‬
‫عــى أرضهــا مــن الوافديــن والزائريــن؛ يثمنــون هــذه القيمــة‪ ،‬ويشــعرون‬
‫باالمتنــان ملــا يلمســونه مــن محبــة وســعادة ووئــام‪.‬‬
‫والنمــوذج اإلمــارايت يف التعايــش بــن أصحــاب جميــع امللــل واملذاهــب‬
‫واألديــان؛ يــرز يف عــدة مجــاالت‪ ،‬منهــا‪:‬‬

‫‪243‬‬
‫أول‪ :‬تعايــش املئــات مــن الجنســيات املختلفــة عــى أرض دولــة اإلمــارات‪،‬‬ ‫ً‬
‫فانتــاء هــؤالء األفـراد إىل بلــدان عديــدة وديانــات شــتى؛ مــن أوضــح مظاهر‬
‫التعايــش يف دولــة اإلمــارات‪ ،‬ال ســيام وأن الجميــع ميــارس حياتــه‪ ،‬ويــؤدي‬
‫أعاملــه وواجباتــه‪ ،‬وينــال حقوقــه‪« ،‬وينعــم بالحيــاة الكرميــة واالحــرام‬
‫واملســاواة‪ ،‬ويضطلــع بــدوره يف تنميــة هــذه الدولــة التــي تعــد حاضنــة لقيــم‬
‫التســامح واالعتــدال وتقبــل اآلخريــن»(‪.)1‬‬
‫وألن دولــة اإلمــارات تؤســس للتعايــش املتقــدم‪ ،‬فهــؤالء محــل تقديــر‬
‫وترحيــب مــن مواطنــي هــذه الدولــة؛ يعيشــون بينهــم «بســام ووئــام‪،‬‬
‫وراحــة وســعادة‪ ،‬مــن ســنني طويلــة وميارســون أعاملهــم وحرياتهــم‬
‫ومعتقداتهــم بســام‪ ،‬عاشــوا طفولتهــم مــع أبنــاء الدولــة إخــوة وأصدقــاء‪،‬‬
‫حتــى إن بعضهــم يتحدثــون اللهجــة اإلماراتيــة بطالقــة‪ .‬إن مظاهــر التســامح‬
‫يف اإلمــارات منبعهــا النــزوع إىل التديــن الوســطي‪ ،‬وتقاليــد القبيلــة وقيمهــا‪،‬‬
‫وإرث القائــد املؤســس لدولــة اإلمــارات‪ ،‬زايــد الخــر‪ ،‬طيــب اللــه ثــراه‪،‬‬
‫وبعــض القوانــن املطبقــة‪ ،‬ال ســيام التــي تــم اســتحداثها أخـ ًرا مثــل قانــون‬
‫مكافحــة الكراهيــة والتمييــز‪ ،‬إىل جانــب ســات مجتمعــات الوفــرة»(‪.)2‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬الحريــة الدينيــة‪ :‬فمــن مظاهــر التعايــش يف دولــة اإلمــارات؛ أنهــا تعــد‬
‫أمنوذ ًجــا ح ًيــا يف إرســاء معــامل الحريــة الدينيــة يف املجتمعــات؛ فمــع أنهــا‬
‫دولــة مســلمة يديــن جميــع مواطنيهــا باإلســام‪ ،‬فإنهــا توفــر لجميــع الســكان‬
‫أداء شــعائرهم الدينيــة‪ ،‬ومامرســة طقوســهم بــكل حريــة؛ فقــد ســمحت‬
‫لســائر الطوائــف واملذاهــب ببنــاء دور العبــادة‪ ،‬ومامرســة الشــعائر الدينيــة‪،‬‬
‫دون أي مضايقــات أو متييــز‪ ،‬بــل إن دولــة اإلمــارات تؤســس للنمــوذج األمثــل‬
‫يف التســامح والتعايــش‪ ،‬فنجــد املســجد يجــاور الكنيســة واملعبــد الهنــدويس‬
‫يف وئــام وتناغــم‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة اإلمارات‪.‬‬


‫‪https: www.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-overnment government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬
‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬طالب غلوم طالب‪ ،‬قضايا ثقافية واجتامعية‪ -‬مقاالت‪( ،‬السعيد للنرش والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2018 ،1 .‬م) ص‬
‫‪.110‬‬

‫‪244‬‬
‫ولقــد نــوه العــامل مبــا تكفلــه دولــة اإلمــارات للمقيمــن عــى أرضهــا مــن‬
‫الحريــة الدينيــة‪ ،‬ومــن ذلــك مــا جــاء يف تقريــر الحريــات الدينيــة الــذي‬
‫يصــدر عــن الــوزارة الخارجيــة األمريكيــة لســنة ‪2017‬م مــن ثنــاء عــى‪:‬‬
‫«الرؤيــة اإلنســانية لدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة عــى مســتوى تعزيــز‬
‫الحريــات الدينيــة ورعايــة املعتقــدات والعبــادات‪ ،‬وحاميــة حقــوق األقليــات‬
‫يف مامرســة شــعائرها وبنــاء معابدهــا‪ ،‬وســن القوانــن الرياديــة يف إطــار‬
‫مكافحــة التطــرف والكراهيــة والتمييــز»(‪ .)1‬وكذلــك مــا جــاء يف تقريــر‬
‫الحريــة الدينيــة الصــادر عــن وزارة الخارجيــة األمريكيــة لســنة ‪2018‬م‬
‫الــذي نــص عــى مــا يــي‪« :‬وفقــا للمجتمعــات الدينيــة غــر املســلمة كانــت‬
‫هنــاك درجــة عاليــة مــن التســامح داخــل املجتمــع حــول معتقــدات وتقاليــد‬
‫األقليــات الدينيــة‪ ،‬ال ســيام بالنســبة ألولئــك املرتبطــن بــدور العبــادة املعرتف‬
‫بهــا رســميا»(‪.)2‬‬
‫ثالثًــا‪ :‬املشــاركة الوطنيــة لكافــة األطيــاف‪ :‬فمــن املجــاالت املهمــة التــي‬
‫يالحــظ فيهــا تالقــي الشــعوب يف دولــة اإلمــارات؛ املامرســة الواقعيــة‬
‫للتعايــش والتســامح بصيغــه املتطــورة واملتقدمــة‪ ،‬فهــذه اإلثنيــات املختلفــة‬
‫ال نجدهــا تــرب حــدو ًدا دون بعضهــا‪ ،‬كــا أنهــا ال تجــد حواجــز بينهــا‬
‫وبــن مواطنــي دولــة اإلمــارات‪ ،‬بــل هــي مختلطــة بهــم‪ ،‬تشــاركهم يف األحيــاء‬
‫الســكنية‪ ،‬واألســواق التجاريــة‪ ،‬والفصــول الدراســية‪ ،‬وجميــع أنشــطة الحيــاة‪،‬‬
‫والجميــع يســهم ويتعــاون يف مــا يحقــق املصلحــة ويقــدم اإلنجــازات‪ ،‬مــن‬
‫أجــل خدمــة دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬فنجــد مواقــف وفــاء وحــب‬
‫ال تتكــرر إال نــادرا يف حــب الوطــن مــن جميــع تلــك الجنســيات‪ ،‬ملــا تــرى يف‬
‫دولــة اإلمــارات مــن االســتقبال والتكريــم والحلــم والتســامح‪.‬‬
‫ومــع كل هــذا التناغــم بــن ســكان دولــة اإلمــارات املتعــددة انتامءاتهــم؛ إال‬
‫أن حكومــة دولــة اإلمــارات مل تقــف عنــد هــذا الحــد‪ ،‬ومل تكتــف مبــا حققتــه‬

‫‪ - 1‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ النرش‪ 1 :‬يونيو ‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬واشنطن تنوه برؤية اإلمارات اإلنسانية يف مكافحة‬
‫الكراهية والتمييز‪.‬‬
‫‪ )( - 2‬ملخص تقرير الخارجية األمريكية السنوي حول الحرية الدينية الدولية ‪ ،2018‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬ص‬
‫‪.11‬‬

‫‪245‬‬
‫يف هــذا امليــدان‪ ،‬بــل ســارعت إىل حاميــة هــذا اإلرث القيمــي‪ ،‬فرشعــت‬
‫قوانــن تــذود عــن حمــى هــذه املكتســبات الوطنيــة واملجتمعيــة والثقافيــة‪،‬‬
‫فأضحــى التعايــش والتســامح واالحـرام املتبــادل يف دولــة اإلمــارات يف حصــن‬
‫منيــع‪ ،‬وحــرز أمــن‪ ،‬ومــن أهــم هــذه القوانــن التــي تعــد األوىل مــن نوعهــا‬
‫عــى مســتوى العــامل؛ قانــون مكافحــة التمييــز والكراهيــة الــذي يعمــل عــى‬
‫مكافحــة الكراهيــة‪ ،‬وتجريــم التمييــز العنــري‪ ،‬ونبــذ ازدراء األديــان‪ ،‬هــذا‬
‫القانــون الــذي أصــدره رئيــس دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬صاحــب‬
‫الســمو الشــيخ خليفــة بــن زايــد آل نهيــان بتاريــخ ‪ 28‬رمضــان ‪1436‬ه‬
‫املوافــق ‪ 15‬يوليــو ‪2015‬م؛ يعــد مغنـ ًـا عظيـ ًـا‪ ،‬ورب ًحــا كبـ ًرا لدولــة اإلمــارات‬
‫ومجتمعهــا املتعــدد يف مســرته التســامحية‪ ،‬ويجــدر بنــا أن نــورد هنــا بعــض‬
‫النصــوص واملــواد املهمــة الــواردة يف هــذا القانــون‪.‬‬
‫فقد ورد يف املادة األوىل من هذا القانون ما نصه‪:‬‬
‫«ازدراء األديــان‪ :‬كل فعــل مــن شــأنه اإلســاءة إىل الــذات اإللهيــة أو األديــان‬
‫أو األنبيــاء أو الرســل أو الكتــب الســاوية أو دور العبــادة وفقــا ألحــكام هــذا‬
‫املرســوم بقانــون‪.‬‬
‫التمييــز‪ :‬كل تفرقــة أو تقييــد أو اســتثناء أو تفضيــل بــن األفـراد أو الجامعات‬
‫عــى أســاس الديــن أو العقيــدة أو املذهــب أو امللــة أو الطائفــة أو العــرق أو‬
‫اللــون أو األصــل اإلثني‪.‬‬
‫خطــاب الكراهيــة‪ :‬كل قــول أو عمــل مــن شــأنه إثــارة الفتنــة أو النعـرات أو‬
‫التمييــز بــن األفـراد أو الجامعــات»(‪.)1‬‬
‫وورد يف املــادة الثالثــة مــن هــذا النــص الــذي ســبق يف البــاب الثــاين مــا يؤيده‬
‫مــن الدعــوة لضبــط التســامح‪ ،‬وعــدم االحتجــاج بحريــة التعبــر مــن أجــل‬
‫التحريــض‪« :‬املــادة ‪ :3‬ال يجــوز االحتجــاج بحريــة الــرأي والتعبــر؛ إلتيــان أي‬
‫قــول أو عمــل مــن شــأنه التحريــض عــى ازدراء األديــان أو املســاس بهــا‪ ،‬مبــا‬
‫يخالــف أحــكام هــذا املرســوم بقانــون»(‪.)2‬‬

‫‪ - 1‬دائرة القضاء؛ قانون مكافحة التمييز والكراهية‪( ،‬سلسلة الترشيعات االتحادية‪ ،‬ط‪2016 ،1 .‬م) ص ‪.13 ،12‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪246‬‬
‫ويف املــادة الرابعــة مــن القانــون؛ رسد األفعــال التــي تدخــل يف إطــار ازدراء‬
‫األديــان بوضــوح‪« :‬املــادة ‪ :4‬يعـ ُّد مرتك ًبــا لجرميــة ازدراء األديــان كل مــن أىت‬
‫أيًّــا مــن األفعــال اآلتيــة‪:‬‬
‫‪ .1‬التطاول عىل الذات اإللهية أو الطعن فيها أو املساس بها‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلســاءة إىل أي مــن األديــان أو إحدى شــعائرها‪ ،‬أو مقدســاتها‪ ،‬أو تجريحها‪،‬‬
‫أو التطــاول عليهــا‪ ،‬أو الســخرية منهــا‪ ،‬أو املســاس بهــا‪ ،‬أو التشــويش عــى‬
‫إقامــة الشــعائر أو االحتفــاالت الدينيــة املرخصــة‪ ،‬أو تعطيلهــا بالعنــف أو‬
‫التهديــد‪.‬‬
‫‪ .3‬التعــدي عــى أي مــن الكتــب الســاوية بالتحريــف‪ ،‬أو اإلتــاف‪ ،‬أو‬
‫التدنيــس‪ ،‬أو اإلســاءة بــأي شــكل مــن األشــكال‪.‬‬
‫‪ .4‬التطــاول عــى أحــد األنبيــاء أو الرســل‪ ،‬أو زوجاتهــم‪ ،‬أو آلِ ِهـ ْم‪ ،‬أو صحابتهم‪،‬‬
‫أو الســخرية منهــم‪ ،‬أو املســاس بهم‪.‬‬
‫‪ .5‬التخريــب أو اإلتــاف أو التدنيــس لــدور العبــادة‪ ،‬وللمقابــر‪ ،‬أو ملحقاتهــا‬
‫أو أي مــن محتوياتهــا»(‪.)1‬‬
‫وقــد ورد يف القانــون أيضــا العقوبــات املنصــوص عليهــا بالســجن أو الغرامــة‪،‬‬
‫أو هــا م ًعــا يف حــق مخالفــي هــذه األنظمــة‪.‬‬
‫وال شــك أن هــذا القانــون مبــا يؤســس لــه مــن التســامح املســؤول؛ يعتــر‬
‫خطــوة حضاريــة كان لهــا األثــر اإليجــايب عــى مســرة التســامح يف دولــة‬
‫اإلمــارات‪ ،‬وهــذا الواقــع التســامحي مبعــث فخــر واعتــزاز لهــذا الشــعب‬
‫ووطنــه‪ ،‬كــا عــر عــن ذلــك صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن راشــد يف‬
‫قولــه‪« :‬أكــر مــا نفاخــر بــه النــاس والعــامل عندمــا نســافر؛ ليــس ارتفــاع‬
‫مبانينــا‪ ،‬وال اتســاع شــوارعنا‪ ،‬وال ضخامــة أســواقنا‪ ،‬بــل نفاخرهــم بتســامح‬
‫دولــة اإلمــارات‪ ،‬نفاخرهــم بأننــا دولــة يعيــش فيهــا جميــع البــر ‪-‬عــى‬
‫اختالفاتهــم التــي خلقهــم اللــه عليهــا‪ -‬مبحبــة حقيقيــة وتســامح حقيقــي…‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪247‬‬
‫يعيشــون ويعملــون معــا لبنــاء مســتقبل أبنائهــم دون خــوف مــن تعصــب‬
‫أو كراهيــة أو متييــز عنــري أو تفرقــة بنــاء عــى لــون أو ديــن أو طائفــة أو‬
‫عــرق»(‪ .)1‬ويف هــذا الــكالم تعبــر صــادق عــن كل مــا يشــعر بــه مــن يعيــش‬
‫عــى أرض دولــة اإلمــارات‪.‬‬
‫وحقيقــة األمــر التــي ينبغــي تقريرهــا؛ أنــه ال يكفــي القانــون وال رغبــة‬
‫املجتمــع وال الثقافــة ليصبــح التســامح واقعا معاشــا‪ ،‬مــا دام الخطــاب الديني‬
‫حـرا طليقــا‪ ،‬وإن مــن خصوصيــات دولــة اإلمــارات اعتناؤهــا بهــذا الجانــب‪،‬‬
‫وضبطهــا الخطــاب الدينــي‪ ،‬وهــذا يحتــاج ملبحــث آخــر لبيانــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬البيان اإلماراتية‪ ،‬تاريخ النرش‪ 20 :‬نوفمرب ‪ ،2016‬مقال بعنوان‪ :‬ما هي حصتك من إرث زايد وراشد؟‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أمنوذج التدين يف اإلمارات وتأسيسه لثقافة التسامح‬
‫املطلب األول‪ :‬الخطاب الديني اإلمارايت وأثره يف ترسيخ التسامح‬
‫ال ميكــن الحديــث عــن التســامح والتديــن الوســطي دون خطــاب دينــي‬
‫معتــدل‪ ،‬يســتجيب لقضايــا الوطــن ويجنبــه الفــن والــرور‪ ،‬وألهميــة هــذا‬
‫الخطــاب نــرز يف هــذا املطلــب عالقــة الخطــاب الدينــي بالتديــن املعتــدل‬
‫والتســامح‪ ،‬فــإن بــن هــذه الدوائــر عالقــة ســببية يرتبــط مــن خاللهــا أحدهــا‬
‫باآلخــر‪.‬‬
‫إن كثــرا مــن املعضــات االجتامعيــة واالســراتيجية القامئــة اليــوم‪ ،‬قــد‬
‫أســهم فيهــا بشــكل واضــح الخطــاب الدينــي املعــارص‪ ،‬الــذي يعايــش‬
‫مــآزق متعــددة‪ ،‬جعلتــه يــن تحــت وطــأة عــدة علــل؛ مــن قبيــل الضعــف‬
‫واالرتجاليــة واالســتغالل‪ ،‬والفهــم الضيــق املتشــدد‪ ،‬وعــدم إلقــاء االعتبــار‬
‫لألطــراف األخــرى‪ ،‬وتعشــعش االنتــاءات الفكريــة والحزبيــة واملذهبيــة‬
‫وســطه‪ ،‬وانتشــار األفــكار املتشــددة‪ ،‬واملناهــج الفكريــة الخطــرة داخلــه‪ ،‬كل‬
‫هــذه العلــل تســكن كبــد الخطــاب الدينــي وروحــه‪.‬‬
‫ولتفــادي تلــك املخاطــر؛ كانــت دولة اإلمــارات العربيــة املتحدة منذ تأسيســها‬
‫تركــز عــى هــذا الجانــب‪ ،‬فــكان الشــيخ زايــد –طيــب اللــه ث ـراه‪ -‬يحــدد‬
‫للخطــاب الدينــي مســاره‪ ،‬ويضبطــه حتــى ال يخــرج عــن جادتــه‪ ،‬ويضــع‬
‫لــه معــامل يســتهدي بهــا يف مســرته الطويلــة‪ ،‬ليحقــق أهدافــه املتوخــاة‬
‫منــه‪ ،‬ومــن هــذه األهــداف‪ :‬التصــدي للتطــرف والتشــدد‪ ،‬وتوعيــة املواطنــن‬
‫وال ســيام الشــباب بأهميــة التســامح والرتاحــم يف الديــن اإلســامي‪ ،‬إضافــة‬
‫إىل الوقــوف باملرصــاد للتيــارات املتشــددة الدخيلــة عــى دولــة اإلمــارات‬
‫املعروفــة باعتدالهــا‪ ،‬وهــذان نصــان يرســم فيهــا الشــيخ زايــد اس ـراتيجية‬
‫الخطــاب الدينــي لدولــة اإلمــارات حيــث يقــول رحمــه اللــه‪« :‬إننــا حريصــون‬
‫كل الحــرص عــى الحفــاظ عــى العقيــدة اإلســامية‪ ،‬والوقــوف يف وجــه‬
‫كل انح ـراف‪ ،‬ويف داخــل دولتنــا تقــوم وزارة الشــؤون اإلســامية واألوقــاف‬
‫برســالتها يف إرشــاد املســلمني‪ ،‬وتبصريهــم بأمــور دينهــم‪ ،‬وتوضيــح الحقائــق‬
‫لهــم‪ ،‬وصــد كل تيــار منحــرف يحــاول التســلل إىل بالدنــا عــن طريــق ترويــج‬

‫‪249‬‬
‫مذهــب أو نــر مبــدأ خاطــئ»(‪.)1‬‬
‫ويقــول أيضً ــا ‪ -‬وهــو يُ َح ِّمــل العلــاء مســؤولية الخطــاب الدينــي ويحــدد‬
‫لهــم أدوارهــم بدقــة ‪« :-‬أدعــو رجــال الديــن وأهــل العلــم يف العــامل العــريب‬
‫واإلســامي إىل التصــدي لظاهــرة التطــرف الدينــي الــذي يرفضــه اإلســام‪،‬‬
‫وتوعيــة الشــباب مببــادئ الديــن الحــق الــذي يدعــو إىل التســامح والرتاحــم‪،‬‬
‫ويرفــض قتــل املســلم ألخيــه املســلم‪ .‬إن التديّــن الفاســد ســبب خطــر‬
‫لــرف الكثرييــن عــن املبــادئ اإلســامية‪ ،‬وجوهــر كتــاب اللــه عــز وجــل‬
‫وســنة رســوله الكريــم صــى اللــه عليــه وســلم»(‪.)2‬‬
‫إن دولــة اإلمــارات بهــذه الرؤيــة الواقعيــة والرصينــة رســمت منهجــا دقيقــا‬
‫لخطابهــا الدينــي‪ ،‬وحفــظ هويتــه اإلماراتيــة‪ ،‬واســتعادة مــا اندثــر منــه‪،‬‬
‫والتصــدي الصــارم للمتشــددين‪ ،‬وهــي يف ذلــك تحــاول حاميــة ديــن اللــه‬
‫تعــاىل مــن أباطيــل املرجفــن‪ ،‬وتحريفــات املتشــددين‪ ،‬والحفــاظ عــى صــورة‬
‫اإلســام الحضاريــة‪ ،‬وجوهــره األصيــل الداعــي إىل الرحمــة والســاحة‪ ،‬وكانت‬
‫هــذه االسـراتيجية قامئــة ومســتمرة يف جميــع مراحل دولــة اإلمــارات العربية‬
‫املتحــدة‪ ،‬تتلقــى الدعــم مــن قيادتهــا ورجالهــا؛ ملــا يكتســيه الشــأن الدينــي‬
‫مــن أهميــة بالغــة‪ ،‬وكانــت ســمة الخطــاب الدينــي اإلمــارايت وخصيصتــه‬
‫التــي ميتــاز بهــا عــن الخطابــات املعــارصة الرائجــة؛ أنــه مل ينحــرف يومــا عــن‬
‫قيــم العالقــات اإلنســانية‪ ،‬والتعايــش والتســامح؛ بــل جعلهــا قيــا يسرتشــد‬
‫بهــا ويســر تحــت ظلهــا‪.‬‬
‫ولهــذا فإننــا نجــد الخطــاب الدينــي مبــا يشــمله مــن مبــادرات وفعاليــات‬
‫وأنشــطة؛ ســواء عــن طريــق الوســائل التقليديــة؛ كالخطــب ودروس الوعــظ‬
‫والنــدوات واملؤمت ـرات وامللتقيــات‪ ،‬أو الفتــوى واإلجابــة عــن االستفســارات‪،‬‬
‫أو مختلــف اإلصــدارات مــن كتــب ومجــات‪ ،‬أو عــن طريــق وســائل‬
‫التواصــل االجتامعــي الحديثــة والوســائل اإلعالميــة العامــة؛ تتجــى فيــه تلــك‬
‫االس ـراتيجية التــي ترنــو لحاميــة املجتمــع اإلمــارايت مــن األخطــار‪ ،‬وترســيخ‬
‫القيــم اإلنســانية النبيلــة يف ربوعــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬الفرائد من أقوال الشيخ زايد‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.157‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.366‬‬

‫‪250‬‬
‫ومل يكــن هــذا الخطــاب ليحظــى بالنجــاح الباهــر‪ ،‬ويتســم باالزدهــار والنمــو‪،‬‬
‫ويحالفــه التوفيــق‪ ،‬لــو مل يكــن أساســه هــو الضبــط مبختلــف الوســائل‬
‫املتقدمــة؛ فكانــت الخطبــة هادفــة محكمــة‪ ،‬والفتــوى واقعيــة مؤصلــة‪،‬‬
‫ودروس املســاجد مختــارة بعنايــة‪ ،‬واملــوارد البرشيــة الدينيــة منتقــاة بدقــة‪،‬‬
‫فأحــرز الخطــاب الدينــي بســبب تلــك العنايــة التميــز‪ ،‬وارتقــى ليكــون‬
‫خطابــا حضاريــا أمنوذجيــا‪ ،‬تتطلــع إىل مثلــه كافــة الشــعوب والــدول‪.‬‬
‫إن هــذا التوجــه للخطــاب الدينــي الــذي تــم وصفــه ســيبقى نظريــة عادية لو‬
‫مل يكــن لــه وجــود ومامرســة عــى أرض الواقــع‪ ،‬ولكــن مامرســات املؤسســات‬
‫الدينيــة الرســمية يف اإلمــارات‪ ،‬وحزمهــا يف ضبــط الخطــاب الدينــي؛ جعــل‬
‫ملموســا‪ ،‬ونه ًجــا بــارزًا‪ .‬وميكــن حــر مالمــح الخطــاب‬
‫ً‬ ‫هــذه النظريــة واق ًعــا‬
‫الدينــي يف املجــاالت التاليــة‪:‬‬
‫‪ - 1‬مامرسة االعتدال واالتزان والتوسط وجعلها واق ًعا يف الفتوى والوعظ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الرتكيــز عــى تعزيــز ثقافــة التســامح الدينــي والتعايــش واالحــرام‬
‫املتبــادل بــن جميــع أفــراد املجتمــع‪.‬‬
‫‪ - 3‬التشــبث مبذهــب التيســر والتســهيل بــدل التشــدد‪ ،‬مــا جعــل املرجعيــة‬
‫الفقهيــة والدينيــة والفكريــة تكــون متنوعــة مرنة‪.‬‬
‫‪ - 4‬التفاعــل مــع الهويــة الثقافيــة لدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة وإرثهــا‬
‫الحضــاري والدينــي‪.‬‬
‫‪ - 5‬االســتجابة لحاجــات املجتمــع مبراعاتــه للتطــورات املعــارصة واســتخدام‬
‫وســائله الحديثــة يف خدمــة الخطــاب الدينــي(‪.)1‬‬
‫ويبقــى التســامح الصفــة اللصيقــة بالخطــاب الدينــي اإلمــارايت‪ ،‬وأحــد املعــامل‬
‫البــارزة فيــه؛ فــا تشــهده دولــة اإلمــارات مــن تعدديــة ثقافيــة وقبــول لآلخر‬
‫وتعايــش املئــات مــن اإلثنيــات عــى أرضهــا؛ مــع اســتيعاب الخطــاب الدينــي‬
‫لهــا جميعــا مــا هــو إال دليــل عــى اتســام هــذا الخطــاب بــكل مقومــات‬
‫التســامح والتعايــش‪.‬‬
‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬د‪ .‬محمد يونس‪ ،‬تجديد الخطاب الديني يف دولة اإلمارات العربية املتحدة‪( ،‬دار هامليل – أبو ظبي‪2017 ،‬م)‪،‬‬
‫ص ‪ ،75‬وما بعده‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫وقــد أوضحــت الهيئــة العامــة للشــؤون اإلســامية واألوقــاف املرشفــة عــى‬
‫الخطــاب الدينــي‪« :‬أنهــا جعلــت يف خطتهــا االسـراتيجية نــر فكــر االعتــدال‬
‫والوســطية والتســامح‪ ،‬وبــث روح األلفــة والتعــارف بــن النــاس؛ مــن‬
‫متطلعــات الثوابــت اإلســامية الصافيــة‪ ،‬وتوجهــات القيــادة الحكيمــة»(‪.)1‬‬
‫ويف تقريــر أصدرتــه مؤسســة «وطنــي» تحــت عنــوان‪« :‬حصــاد اســتزراع‬
‫التســامح يف دولــة اإلمــارات»‪ ،‬أكــد التقريــر ِحــرص «الهيئــة العامــة للشــؤون‬
‫اإلســامية واألوقــاف عــى تعزيــز قيمــة التســامح الدينــي والتعايــش الســلمي‬
‫فـــي املجتمــع اإلمــارايت‪ ،‬ونبــذ كافــة أشــكال التمييــز والعنــف والكراهيــة؛‬
‫مــن خــال تنفيــذ عــدد مــن املحــارضات الوعظيــة التوعويــة ضمــن خطــة‬
‫وعظيــة ســنوية موحــدة‪ ،‬عــى مســتوى فــروع الهيئــة فـــي الدولــة‪ ،‬تناولــت‬
‫هــذه الخطــط مجموعــة مــن املوضوعــات واملحــاور التــي تــم تفعيلهــا‬
‫فـــي أغلــب املســاجد»(‪ ،)2‬يف عناويــن مختلفــة مختــارة بدقــة تراعــي هــذا‬
‫الجانــب املهــم لــدى مختلــف ســكان دولــة اإلمــارات العربيــة‪ ،‬كــا أن الهيئــة‬
‫العامــة للشــؤون اإلســامية واألوقــاف املرشفــة عــى الخطــاب الدينــي يف‬
‫دولــة اإلمــارات‪« :‬عملــت عــى تفعيــل الكتــاب املوحــد لــدروس املســاجد‬
‫فـــي كافــة مســاجد الدولــة‪ ،‬وتكليــف كافــة األمئــة بق ـراءة الكتــاب املقــرر‬
‫ثالثــة أيــام فـــي األســبوع بعــد صــاة العــر مبــارشة‪ ،‬ملــدة تـراوح مــن (‪)5‬‬
‫إىل (‪ )8‬دقائــق»(‪.)3‬‬
‫ونــص التقريــر عــى أهميــة خطبــة الجمعــة واملحــارضات الدينيــة‪ ،‬ودورهــا‬
‫املركــزي يف تعزيــز فكــر التســامح يف املجتمــع حيــث قــال‪« :‬كــا ســاهمت‬
‫الهيئــة العامــة للشــؤون اإلســامية واألوقــاف عــر خطــب الجمعة فـــي تعزيز‬
‫قيــم التســامح والتعايــش الســلمي‪ ،‬ونبــذ كافــة أشــكال التمييــز والعنــف‬
‫والكراهيــة عــن طريــق تنفيــذ عــدد مــن الخطــب الدينيــة التوعويــة… وتــم‬
‫تنفيــذ محــارضات دينيــة ركــزت عــى محــاور أساســية أبرزهــا‪ :‬التســامح‬

‫‪ - 1‬البيان اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ 22 :‬مارس ‪ ،2010‬تقرير بعنوان‪« :‬الشؤون اإلسالمية واألوقاف» تصدر كتايب التسامح‪ ،‬واملصارف‬
‫الوقفية‪.‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬تاريخ‪ 29 :‬مارس ‪ ،2018‬مقال بعنوان‪ :‬جهود إماراتية حثيثة لتعزيز التعايش السلمي «استزراع التسامح» حصاد‬
‫اعتدال الخطاب الديني‪ ،‬فادية هاين‪.‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫وأثــره يف الفــرد واملجتمــع‪ ،‬واإلمــارات أمنــوذج فـــي التســامح‪ ،‬وجهــود الدولــة‬
‫فـــي تحقيــق العــدل وبــذل الســام‪ ،‬وتحقيــق الســلم املجتمعــي والتعايــش‬
‫اإليجــايب املشــرك‪ ،‬واملحافظــة عــى وحــدة الصــف يعصــم الفــن‪ ،‬والوقــف‬
‫وتحقيــق التكافــل االجتامعــي‪ ،‬والتعايش الســلمي‪ ،‬والتســامح ســمة حضارية‪،‬‬
‫والتشــدد ومظاهــره‪ ،‬ومظاهــر اليــر فـــي اإلســام‪ ،‬والرتابــط والرتاحــم ســمة‬
‫حضاريــة»(‪.)1‬‬
‫وليــس التميــز يف االهتــام بالخطــاب الدينــي فحســب ؛ بــل قــد نــال بنــاء‬
‫مضامــن هــذا الخطــاب أهميــة كــرى يف هــذه االســراتيجية‪ ،‬فاملواضيــع‬
‫املطروقــة تتميــز بواقعيتهــا وانطالقهــا مــن حاجــات املجتمــع‪ ،‬ودعوتهــا‬
‫للقيــم اإلنســانية املشــركة‪ ،‬كــا أنهــا ليــس فيهــا تســييس أو تقويــض‪ ،‬ألنهــا‬
‫ترنــو إىل بنــاء قيــم التســامح عــى املــدى القريــب والبعيــد‪ ،‬فهــي منظومــة‬
‫قيمــة مــن املوضوعــات يتــم تناولهــا يف الــدروس والخطــب‪ ،‬مثــل قيــم الســلم‬
‫والســام‪ ،‬والتعايــش بــن النــاس‪ ،‬وأهميــة التعــارف‪ ،‬وقيمــة الحــوار والحكمة‪،‬‬
‫وإقامــة العــدل والدعــوة لالعتــدال‪ ،‬والتذكــر بالتعــاون والتكافــل والتآلــف‬
‫املجتمعــي‪ ،‬والحــض عــى فعــل الخــر وإســدائه للنــاس جمي ًعــا‪ ،‬والدعــوة‬
‫لألخــاق الحســنة والقيــم الفاضلــة‪ ،‬وإشــاعة املــودة واملحبــة‪ ،‬وحــب جميــع‬
‫النــاس وقضــاء حوائجهــم‪.‬‬
‫كــا أن الخطــاب الدينــي اإلمــارايت يركــز يف محــاوره املهمــة عــى معالجــة‬
‫قيــم املواطنــة وترســيخها‪ ،‬ومســؤولية األفــراد عــى أوطانهــم‪ ،‬وأهميــة‬
‫الوحــدة واالتحــاد وأثرهــا فـــي اســتقرار األوطــان‪ ،‬ورعايــة الحقــوق‪ ،‬ومنهــا‬
‫عــى الخصــوص حقــوق اآلخريــن مثــل العــال‪ ،‬وتعزيــز ثقافــة عــدم إيــذاء‬
‫اآلخريــن يف معتقداتهــم وأبدانهــم وممتلكاتهــم‪.‬‬
‫إن الخطــاب الدينــي يف دولــة اإلمــارات مــروع متكامــل يف متيــزه‬
‫واس ـراتيجيته ومضامينــه ووســائله وعالقاتــه باملخاطبــن‪ ،‬وهــو يف كل ذلــك‬
‫يعكــس قيــم دولــة اإلمــارات وتوجههــا العــام يف التطويــر والبنــاء والتجديــد‬
‫واالنفتــاح عــى العــامل‪.‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫وإن تجربــة دولــة اإلمــارات يف مجــال الخطــاب الديني تجربة ملهمــة ملن أراد‬
‫القضــاء عــى التطــرف‪ ،‬واملشــاريع العلميــة والفكريــة الضخمــة التــي دعمتها‬
‫الدولــة يف هــذا املجــال‪ ،‬واســتقطبت ألجلهــا خــرات وكفــاءات معروفــة‬
‫ومشــهود لهــا؛ كانــت مثــاال بــارزا لنجاحــات هــذه الدولــة‪ ،‬حيــث قطعــت‬
‫مــع الفــوىض التــي يجــري بهــا العمــل يف هــذا الجانــب‪ ،‬مــن اســتغالل الديــن‬
‫وتوظيفــه يف هــدم العقــول واألوطــان‪ ،‬فضبطــت املجــال الدينــي‪ ،‬وأصبــح‬
‫يســهم يف الوعــي الدينــي والوطنــي بعيــدا عــن تجييــش النفــوس‪.‬‬
‫واملؤسســات الدينيــة اليــوم يف دولــة اإلمــارات تعتــر أمنوذجــا حضاريــا يشــار‬
‫إليهــا يف كل مــكان؛ مبــا متثلــه مــن منهــج التوســط واالعتــدال والتســامح‪،‬‬
‫فقــد أصبــح الخطــاب الدينــي اليــوم بفضــل هــذه اليقظــة املبكــرة والرؤيــة‬
‫الواضحــة‪ ،‬عامــل بنــاء وتنميــة وطأمنينــة وحكمــة‪ ،‬حرســت بــه اإلمــارات‬
‫ديــن اللــه تعــاىل مــن الخاطفــن‪ ،‬فصــارت األديــان فيهــا تــؤ ِّدي دورهــا كــا‬
‫أرادهــا اللــه تعــاىل؛ تُشــبع ظــأ النــاس‪ ،‬وت َخــدم أوطانهــم‪ ،‬وت ُحافــظ عــى‬
‫مصالحهــم‪ ،‬وســيحفظ التاريــخ لهــذه الدولــة أنهــا وقفــت يف وجــه خاطفــي‬
‫الديــن وأقامــت ديــن اللــه تعــاىل حنيفــا ســاملا مــن الشــوائب‪ ،‬وهــذا مــن‬
‫أعظــم النتائــج املحققــة‪ ،‬كــا قدمــت للعــامل الصــورة الحضاريــة لإلســام؛ بأنه‬
‫ديــن رحمــة وتعايــش وســام‪ ،‬مــن خــال هــذه التجربــة اإلماراتيــة املرشقــة‪.‬‬
‫ولــي نقــف عــى عينــات واقعيــة مــن إنتــاج الخطــاب الدينــي يف دولــة‬
‫اإلمــارات‪ ،‬واختياراتهــا املــرزة لنضــج هــذا الخطــاب وتطــوره‪ ،‬وتوظيفــه يف‬
‫مصلحــة اإلنســان والوطــن‪ ،‬نســتعري مــن املركــز الرســمي لإلفتــاء يف دولــة‬
‫اإلمــارات منــاذج مــن الفتــاوى التــي أصدرهــا يف العقــد األخــر‪ ،‬وال شــك‬
‫أن الفتــوى عنــر أســاس يف هــذا الخطــاب‪ ،‬وقــد كان لدولــة اإلمــارات‬
‫قصــب الســبق يف ضبطهــا‪ ،‬وبنــاء أمنــوذج رفيــع مــن الفتــاوى البنــاءة التــي‬
‫أمــدت املجتمــع مبــا يحتاجــه مــن ال ُحكــم الرشعــي املوافــق لثقافتــه وهويتــه‬
‫واملحافــظ عــى اســتقراره وتنميتــه واســتدامته‪ ،‬وســأخصص املطلــب الثــاين‬
‫لنــاذج مــن فتــاوى املركــز الرســمي لإلفتــاء‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫املطلــب الثــاين‪ :‬دراســة منــاذج مــن فتــاوى إدارة املركــز الرســمي لإلفتــاء‬
‫بدولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‬
‫يــأيت عــى رأس هــذه النــاذج؛ فتــوى يف التعامــل مــع غــر املســلمني‪ ،‬فقــد‬
‫ورد املركــز ســؤال ينطلــق مــن حاجــة املجتمــع الــذي يعيــش فيــه الفــرد بــن‬
‫مختلــف الجـران عــى اختــاف أديانهــم؛ إىل إقامــة مناســبات العـزاء‪ .‬وهــذا‬
‫نــص الفتــوى‪:‬‬
‫الســؤال‪« :‬هــل يجــوز الذهــاب اىل عـزاء مســيحي؟ مــع العلــم أنــه احتــال‬
‫أن يقومــوا بتشــغيل ترانيمهــم؟‬
‫اإلجابــة‪ :‬بــارك اللــه فيــك‪ ،‬يجــوز تعزيــة غــر املســلمني‪ ،‬دون املشــاركة يف‬
‫طقــوس عبادتهــم يف تشــييع جنائزهــم‪ ،‬فقــد جــاء اإلســام مبحاســن األخــاق‬
‫وكــال الصفــات ومعرفــة حقــوق الجــوار للمســلمني وغــر املســلمني يف كل‬
‫﴿ل يَن َه ٰى ُك ـ ُم ٱللَّ ـ ُه َعــنِ ٱل َِّذي ـ َن لَــم يُ َٰق ِتلُوكُــم ِف ٱل ِّديــنِ‬
‫األمــور‪ ،‬قــال تعــاىل‪َّ :‬‬
‫َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم ِّمــن ِديَٰ ِركُــم أَن ت َ َُّبو ُهــم َوت ِ‬
‫ُقســطُ ٓوا ْ إِلَيهِــم إِ َّن ٱللَّــ َه يُ ِح ُّ‬
‫ــب‬
‫ـط َني﴾(‪ .)1‬وتكــون التعزيــة بالقــول بــكل لفــظ يظهــر حســن املواســاة‬ ‫ُقسـ ِ‬
‫ٱمل ِ‬
‫مــا تعــارف عليــه النــاس‪ ،‬ومل مينــع منــه الــرع‪ ،‬فيدعــو لهــم بــأن يخلفهــم‬
‫اللــه خـرا يف مصيبتهــم ويجــر مصابهــم‪ ،‬ويتكلــم معهــم مبــا يناســب املقــام‬
‫ويُط ِّيــب الخواطــر‪ ،‬قــال العالمــة الحطــاب املالــي رحمــه اللــه يف كتابــه‬
‫«مواهــب الجليــل»‪…« :‬للرجــل أن يعــزي جــاره الكافــر مبــوت أبيــه الكافــر‬
‫لذمــام الجــوار‪ ،‬فيقــول‪ :‬أخلــف اللــه لــك املصيبــة‪ ،‬وج ـزاه أفضــل مــا جــزى‬
‫بــه أحـ ًدا مــن أهــل دينــه)(‪ .)2‬بــل إ َّن ذلــك مــن الــر املطلــوب؛ الــذي يطلــب‬
‫إظهــاره لتتضــح حقائــق اإلســام يف الــر واإلحســان يف التعامــل مــع غــر‬
‫املســلمني‪ ،‬خاصــة يف أوقــات محاولــة التشــويه لإلســام‪ ،‬وهــذا كلــه مــن‬
‫حســن الجــوار‪ ،‬واللــه تعــاىل أعلــم»(‪.)3‬‬

‫‪ - 1‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬


‫‪ - 2‬الحطاب؛ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابليس املغريب‪ ،‬ال ُّرعيني املاليك ‪ 954‬ه‪،‬‬
‫مواهب الجليل يف رشح مخترص خليل‪( ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1412 ،3 .‬ه ‪1992 -‬م) ج ‪ 2‬ص ‪.232‬‬
‫‪ - 3‬أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬عنوان الفتوى‪( :‬تعزية غري املسلم) برقم‪ .95977 :‬تاريخ‬
‫صدورها‪.2018/11/10 :‬‬

‫‪255‬‬
‫وهــذا أمنــوذج آخــر مــن فتــاوى املركــز يجيــب فيــه املفتــون عــن إشــكال‬
‫مخالطــة غــر املســلمني‪:‬‬
‫الســؤال‪« :‬عندمــا أكــون ذاهبــا إىل املســجد أحــب أن أكــون عــى وضــوء‪،‬‬
‫ي‪،‬‬ ‫ولكــن يف أثنــاء ذهــايب يف الطريــق يقابلنــي أحــد العــال ويســلم عــ َّ‬
‫وهــؤالء العــال أكرثهــم غــر مســلمني‪ ،‬لــذا فإننــي أعيــد وضــويئ مــرة أخــرى‪،‬‬
‫فهــل هــذا مــا ينبغــي أن أقــوم بــه أم ال؟‬
‫اإلجابــة‪ :‬فبــادئ ذي بــدء البــد أن تعلــم أخــي الســائل‪ ،‬أن اللــه ســبحانه‬
‫ــي َءا َد َم﴾(‪ .)1‬وهــذا‬ ‫وتعــاىل قــد كــرم اإلنســان فقــال‪َ ﴿ :‬ولَقَــد كَ َّرم َنــا بَ ِن ٓ‬
‫التكريــم شــامل لجميــع البــر مهــا كانــت أجناســهم وأعراقهــم ودينهــم‪،‬‬
‫وأن مصافحــة اإلنســان لإلنســان تحقــق معنــى مــن التعــارف والتواصــل‬
‫ـاس إِنَّــا َخلَق َٰن ُكــم‬ ‫الــذي طلبــه اللــه ســبحانه وتعــاىل منــا بقولــه‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َّنـ ُ‬
‫ـى َو َج َعل َٰن ُكــم شُ ـ ُعوبٗا َوقَبَآئِـ َـل لِتَ َعا َرفُـ ٓوا ْ إِ َّن أَك َر َم ُكــم ِعنـ َد ٱللَّـ ِه‬ ‫ِّمــن َذكَـ ٖر َوأُنثَـ ٰ‬
‫أَت َق ٰى ُكــم إِ َّن ٱللَّـ َه َعلِيـ ٌم َخ ِبـ ‪ٞ‬ر﴾(‪ ،)2‬وإن ترصفــك هــذا مل يــرد فيــه حكــم رشعي‬
‫معتــر‪ .‬ولعلــه قــد أشــكل عليــك قولــه تعــاىل‪﴿ :‬يَٰٓأَيُّ َهــا ٱل َِّذي ـ َن َءا َم ُن ـ ٓوا ْ إِنَّ َــا‬
‫ـس﴾(‪ .)3‬فــإن النجــس املشــار إليــه يف اآليــة الكرميــة نجــس‬ ‫رشكُــو َن نَ َجـ ‪ٞ‬‬ ‫ٱمل ُ ِ‬
‫نجســا حســيا باتفــاق جامهــر أهــل العلــم‪ ،‬يقــول املرغينــاين‪:‬‬ ‫معنــوي‪ ،‬وليــس ً‬
‫ـر ِك ِف ا ْع ِت َقــا ِد ِه َل ِف ظَاه ـ ِره»( )‪ .‬هــذا وفــوق كل ذي علــم‬
‫ِ ِ ‪4‬‬
‫« َونَ َج َاس ـ ُة الْ ُمـ ْ ِ‬
‫عليــم»(‪.)5‬‬
‫ويف مجتمــع يتكــون مــن أديــان مختلفــة يواجــه بعــض املســلمني الحــرج يف‬
‫تبــادل الزيــارات مــع غــر املســلمني‪ ،‬فيتدخــل املركــز إليجــاد الحلــول لهــم‪،‬‬
‫ونقــدم عــى ذلــك املثــال اآليت‪:‬‬
‫«الســؤال‪ :‬وعــدت زميــايت يف العمــل أن أدعوهــن يف منــزيل… وأنــا محرجــة‬

‫‪ - 1‬سورة اإلرساء؛ اآلية‪.70 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة الحجرات؛ اآلية‪.13 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة التوبة؛ اآلية‪.28 :‬‬
‫‪ - 4‬املرغيناين‪ ،‬عيل بن أيب بكر بن عبد الجليل الفرغاين‪ ،‬أبو الحسن برهان الدين ‪ 593‬ه‪ ،‬الهداية يف رشح بداية املبتدي‪،‬‬
‫(تحقيق‪ :‬طالل يوسف‪ ،‬دار احياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت – لبنان)‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.103‬‬
‫‪ - 5‬أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬عنوان الفتوى‪( :‬ملس املتوضئ لغري املسلم) برقم‪.1150 :‬‬
‫تاريخ صدورها‪.2008/06/07 :‬‬

‫‪256‬‬
‫مــن هــذا الوعــد…‪ ،‬فهــل يجــوز يل أن أدخلهــن يف منــزيل‪ ،‬فهــن ملتزمــات‬
‫غــر أنهــن غــر مســلامت؟‬
‫اإلجابــة‪ :‬فنســأل اللــه العــي القديــر أن يجعلــك مــن أهــل الوفــاء واإلحســان‪،‬‬
‫وال مانــع رش ًعــا مــن دعــوة زميالتــك غــر املســلامت إىل منزلــك‪ ،‬ويســتحب‬
‫أن تفــي مبــا وعــدت بــه‪ .‬واإلحســان إىل جميــع النــاس هــو خلــق إســامي‬
‫أصيــل‪ ،‬ويتأكــد ذلــك اإلحســان يف حــق الجــار يف العمــل حتــى ولــو كان غــر‬
‫مســلم‪ .‬ومــا يؤكــد هــذا املعنــى مــا يف ســنن الرتمــذي أن عبــد اللــه بــن‬
‫عمــرو ريض اللــه عنــه ذُبحــت لــه شــاة يف أهلــه‪ ،‬فلــا جــاء قــال‪ :‬أهديتــم‬
‫لجارنــا اليهــودي؟ أهديتــم لجارنــا اليهــودي؟ ســمعت رســول اللــه صــى اللــه‬
‫ــت أَنَّــ ُه‬ ‫ِيــل يُ ِ‬
‫وصي ِنــي بِالْ َجــا ِر َحتَّــى ظَ َن ْن ُ‬ ‫عليــه وســلم يقــول‪َ { :‬مــا ز ََال ج ِْب ُ‬
‫َس ـ ُي َو ِّرث ُه}(‪ .)1‬قــال الحافــظ ابــن حجــر رحمــه اللــه يف كتابــه فتــح البــاري‪:‬‬
‫كل‬ ‫«واســم الجــار يشــمل املســلم والكافــر والعابــد والفاســق… فيعطَــى ٌ‬
‫حقــه بحســب حالــه»(‪ .)2‬واللــه تعــاىل أعلــم»(‪.)3‬‬
‫واملركــز الرســمي لإلفتــاء مؤســس عــى مراعــاة التعايــش والتســامح بــن‬
‫املســلمني وغريهــم؛ ففــي كل فتاويــه يســتحرض هــذا الجانــب املؤصــل يف‬
‫هــذا الفتــوى الصــادرة عــن املركــز‪:‬‬
‫«الســؤال‪ :‬مــا رأي اإلمــام مالــك رحمــه اللــه وموقفــه مــن غــر املســلمني‬
‫ســواء داخــل الدولــة اإلســامية أو خارجهــا‪ ،‬وســواء كانــوا مســاملني أو‬
‫معتديــن‪ ،‬وهــل هنــاك كتــاب يبــن فيــه اإلمــام مالــك رحمــه اللــه ‪-‬أو مــن‬
‫يَنقــل عنــه‪ -‬مســائل التعامــل مــع غــر املســلمني؟‬
‫اإلجابــة‪ :‬أســأل اللــه يل ولــك التوفيــق‪ ،‬ثــم اعلــم رحمنــي اللــه وإيــاك‪ :‬أ َّن‬
‫العالقــة بــن املســلم وغــره يجــب أن تقــوم عــى أســاس املعاملــة اإلنســانية‬
‫واملســامحة التــي تعلمناهــا مــن تعاليــم ديننــا وفعــل رســولنا ســيدنا محمــد‬

‫اب َما َجا َء ِف َح ِّق ال ِج َوارِ‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.333‬‬


‫‪ - 1‬الرتمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم (‪ )1943‬يف أبواب الرب والصلة‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 2‬ابن حجر؛ فتح الباري‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪.441،442‬‬
‫‪ - 3‬أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬عنوان الفتوى‪( :‬اإلحسان إىل زميالت يف العمل) برقم‪:‬‬
‫‪ .24121‬تاريخ صدورها‪.2012/05/21 :‬‬

‫‪257‬‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم؛ فقــد أخــرج أبــو داوود يف ســننه عــن صفــوان بــن‬
‫ســليم‪ ،‬عــن ِعـ َّدة مــن أبنــاء أصحــاب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عن‬
‫آبائهــم عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪{ :‬أَ َل َمـ ْن ظَلَـ َم ُم َعا ِه ًدا‪،‬‬
‫ـس‪،‬‬ ‫ـب نَ ْفـ ٍ‬ ‫ـر ِطيـ ِ‬ ‫أَ ِو انْتَق ََص ـ ُه‪ ،‬أَ ْو كَلَّ َف ـ ُه فَ ـ ْو َق طَاقَ ِت ـ ِه‪ ،‬أَ ْو أَ َخ ـ َذ ِم ْن ـ ُه شَ ـ ْيئًا ِب َغـ ْ ِ‬
‫فَأَنَــا َحجِي ُجـ ُه يَـ ْو َم الْ ِق َيا َمـ ِة}(‪.)1‬‬
‫ومــا يــدل عــى عظيــم تســامحه صــى اللــه عليــه وســلم مــع غــر املســلمني؛‬
‫مــا جــاء يف كتــب الســر يف خــر وفــد نجـران يف «نــور اليقــن»‪« :‬وفــد نصــارى‬
‫ـر ِة وأرديــة‬ ‫نج ـران‪ ،‬وكانــوا ســتني راك ًبــا‪ ،‬دخلــوا املســجد وعليهــم ثيــاب ِ‬
‫الحـ َ َ‬
‫الحريــر‪ ،‬مختَّمــن بالذهــب‪ ،‬ومعهــم بســط فيهــا متاثيــل‪ ،‬ومســوح جــاءوا بهــا‬
‫هديــة للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فلــم يقبــل البســط وقبــل امل ُُســوح‪.‬‬
‫وملــا جــاء وقــت صالتهــم صلــوا يف املســجد مســتقبلني بيــت املقــدس‪ ،‬وملــا‬
‫أمتــوا صالتهــم دعاهــم عليــه الصــاة والســام لإلســام…»(‪.)2‬‬
‫هــذا مــن ســاحة ديننــا الحنيــف ورحمتــه بالعاملــن‪ ،‬كذلــك البـ َّد أن تكــون‬
‫هــذا العالقــة مضبوطــة بالضوابــط التــي حددهــا الــرع‪ ،‬وخاصــة يف هــذا‬
‫ال َّزمــان الــذي التبســت فيــه األمــور‪ ،‬وقــد وضــع اإلســام أسســا عامــة تحكــم‬
‫تعامــل املســلم مــع أصحــاب الديانــات األخــرى‪ ،‬وغريهــم إذا كانــوا غــر‬
‫محاربــن للمســلمني‪ ،‬وهــذه ال يختلــف فيهــا املذهــب املالــي عــن غــره‪،‬‬
‫ومــن هــذه األســس‪:‬‬
‫‪ .1‬جــواز األكل مــن ذبائحهــم بــرط أن يكونــوا أهــل كتــاب‪ ،‬وبــرط‬
‫أال تكــون ميتــة أو منخنقــة أو موقــوذة‪ ،‬وإمنــا ذبحــت ذب ًحــا رشع ًّيــا‪ ،‬كــا‬
‫ـت‬‫أ َّن طعــام املســلم حــال لهــم‪ ،‬لقولــه تعــاىل‪﴿ :‬ٱل َيــو َم أُ ِحـ َّـل لَ ُك ـ ُم ٱلطَّ ِّي َٰبـ ُ‬
‫ـب ِحـ ّ‪ٞ‬ـل لَّ ُكــم َوطَ َعا ُم ُكــم ِحـ ّ‪ٞ‬ـل لَّ ُهــم﴾(‪ .)3‬فللمســلم‬ ‫َوطَ َعــا ُم ٱل َِّذيـ َن أُوتُــوا ْ ٱل ِكتَٰـ َ‬
‫أن يــأكل مــن ذبائحهــم ومــن ســائر طعامهــم‪ ،‬إذا خــا مــن محــرم كالخمــر‪،‬‬
‫أو الخنزيــر‪ ،‬أو النجــس‪ ،‬أو الــيء الضــار‪.‬‬

‫اب ِف ت َ ْع ِشريِ أَ ْهلِ ال ِّذ َّم ِة إِذَا ا ْختَلَفُوا بِالتِّ َجا َر ِ‬


‫ات‪ .‬ج ‪ 3‬ص ‪.170‬‬ ‫‪ - 1‬أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬رقم‪ )3052( :‬كتاب الخراج‪ ،‬بَ ٌ‬
‫‪ - 2‬الخرضي؛ محمد بن عفيفي الباجوري‪ 1345 ،‬ه‪ ،‬نور اليقني يف سرية سيد املرسلني‪( ،‬دار الفيحاء – دمشق‪ ،‬ط‪،2 .‬‬
‫‪1425‬ه) ص ‪.230‬‬
‫‪ - 3‬سورة املائدة؛ اآلية‪.5 :‬‬

‫‪258‬‬
‫‪ - 2‬اإلحســان إليهــم‪ ،‬ومعاملتهــم بالعــدل‪ ،‬مــا دامــوا مســاملني‪ ،‬قــال تعــاىل‪:‬‬
‫﴿ل يَن َه ٰى ُك ـ ُم ٱللَّ ـ ُه َعــنِ ٱل َِّذي ـ َن لَــم يُ َٰق ِتلُوكُــم ِف ٱل ِّديــنِ َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم ِّمــن‬
‫َّ‬
‫ـط َني﴾( )‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫ُقسـ ِ‬
‫ـب ٱمل ِ‬ ‫ِديَٰ ِركُــم أَن ت َ َُّبو ُهــم َوت ِ‬
‫ُقس ـطُ ٓوا ْ إِلَي ِهــم إِ َّن ٱللَّ ـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫‪ - 3‬أورد اإلمــام البخــاري يف صحيحــه‪ ،‬عــن أســاء بنــت أيب بكــر ريض اللــه‬
‫ي أمــي وهــي مرشكــة يف عهــد رســول اللــه صــى‬ ‫عنهــا قالــت‪ :‬قدمــت ع ـ َّ‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فاســتفتيت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قلــت‪:‬‬
‫إن أمــي قدمــت وهــي راغبــة‪ ،‬أفأصــل أمــي؟ قــال‪{ :‬نعــم‪ ،‬صــي أمــك}(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬جــواز التعامــل معهــم بالبيــع وال ـراء‪ ،‬والقــرض‪ ،‬والرهــن وغريهــا مــن‬
‫هــدي النبــي صــى اللــه عليــه‬ ‫ُ‬ ‫وجــوه املعامــات الرشعيــة‪ ،‬وهكــذا كان‬
‫وســلم‪ ،‬ففــي الصحيحــن عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬تــويف رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ودرعــه مرهونــة عنــد يهــودي يف ثالثــن صاعــا‬
‫مــن شــعري»(‪ .)3‬واللــه تعــاىل أعلــم»(‪.)4‬‬
‫ومــن املجــاالت التــي يتجــى فيهــا التعايــش بــن املســلمني وغريهــم‪ ،‬وتتكــرر‬
‫كل ســنة‪ ،‬وللخطــاب الدينــي دور أســاس يف تغذيــة التســامح والحفــاظ عليــه‬
‫فيهــا‪ ،‬واالســتجابة لحاجــة املجتمــع ومصالحــه مــع عــدم إحــداث أي رشخ‬
‫بــن أفـراده؛ تلــك القضايــا املتعلقــة بأعيــاد غــر املســلمني‪ ،‬مــن املشــاركة يف‬
‫االحتفــاالت‪ ،‬وتهنئتهــم‪ ،‬وقبــول هداياهــم بســبب مناســباتهم‪ ،‬وكان للمركــز‬
‫الرســمي لإلفتــاء عنايــة بدراســة هــذا املوضــوع والنظــر فيــه‪ ،‬واعتبــار مصلحة‬
‫املجتمــع اإلمــارايت والتعايــش القائــم بــن األجنــاس املتواجــدة فيــه‪ ،‬فأصــدر‬
‫املركــز مجموعــة مــن الفتــاوى تنظــم اإلفتــاء يف هــذا املجــال بعــد اســتقراء‬
‫األســئلة الــواردة يف هــذه املناســبة‪ ،‬وألــزم املركــز جميــع املفتــن بالتقيــد بهــا‬
‫وعــدم الخــروج عــن مضمــون هــذه الفتــاوى توحيــ ًدا للفتــوى يف املركــز‪.‬‬
‫ويف كل رأس ســنة ميالديــة تــأيت ســيول مــن األســئلة املتعلقــة مبســائل مــن‬
‫‪ - 1‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫شكِ َني‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.164‬‬ ‫اب ال َه ِديَّ ِة لِلْ ُم ْ ِ‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2620( :‬كتاب الهبة‪ ،‬بَ ُ‬
‫اب َما ِق َيل ِف ِد ْر ِع ال َّنب ِِّي صىل الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2916( :‬كتاب الجهاد والسري‪ ،‬بَ ُ‬
‫َوال َق ِميص ِف ال َح ْر ِب‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 4‬أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬عنوان الفتوى‪( :‬هد ُْي الرشيعة اإلسالمية يف التعامل مع‬
‫غري املسلمني) برقم‪ .3306 :‬تاريخ صدورها‪.2009/01/10 :‬‬

‫‪259‬‬
‫قبيــل حكــم التهنئــة وإقامــة االحتفــاالت وقبــول الهدايــا وغريهــا من املســائل‬
‫التــي يكــر اآلن الســؤال حولهــا مــن قبــل املســتفتني‪ ،‬وهــذه هــي األجوبــة‬
‫املعتمــدة يف املركــز‪:‬‬
‫«الســؤال‪ :‬مــا حكــم االحتفــال بالكريسمـــس (ميــاد املســيح)‪ ،‬وإظهــار ذلــك‬
‫يف دولـ ٍة شــعبُها األصــي كلــه مســلم؟‬
‫الجــواب‪ :‬وفقنــا اللــه تعــاىل وإياكــم للخــر وأعاننــا عليــه‪ ،‬واعلــم ‪-‬أخــي‬
‫الكريــم‪ -‬أ َّن املســيح عليــه الســام مــن أُ ِوىل العــزم مــن الرســل‪ ،‬وأ َّن اإلميــان‬
‫بــه وبرســالته يعتــر أحــد أركان اإلميــان يف ديننــا الحنيــف؛ قــال اللــه تعــاىل‪:‬‬
‫ـول بِ َـآ أُنـز َِل إِلَيـ ِه ِمــن َّربِّـ ِه َوٱمل ُؤ ِم ُنــو َن ك ٌُّل َءا َمـ َن بِٱللَّـ ِه َو َملَٰٓ ِئ َك ِت ِه‬
‫﴿ َءا َمـ َن ٱل َّر ُسـ ُ‬
‫َوكُتُ ِبـ ِه َو ُر ُسـلِ ِه َل نُ َفـ ِّر ُق بَـ َن أَ َحـ ٖـد ِّمــن ُّر ُسـلِ ِه َوقَالُــوا ْ َسـ ِمع َنا َوأَطَع َنــا غُف َرانَـ َـك‬
‫َربَّ َنــا َوإِلَيـ َـك ٱمل َِص ـ ُر﴾(‪ .)1‬وكان ميــاده ســاما‪ ،‬وحياتــه مباركــة؛ قــال اللــه‬
‫ــي ٱل ِكتَ َ‬
‫ٰــب‬ ‫َــال إِ ِّن َعبــ ُد ٱللَّــ ِه َءاتَىٰ ِن َ‬
‫تعــاىل حكايــة عنــه عليــه الســام‪ ﴿ :‬ق َ‬
‫ِٱلصلَ ـ ٰو ِة َوٱل َّز كَ ـ ٰو ِة‬‫وص ِنــي ب َّ‬ ‫َ‬
‫ـت َوأ َٰ‬ ‫َو َج َعلَ ِنــي نَ ِب ّيٗــا َو َج َعلَ ِنــي ُم َبــا َركًا أَي ـ َن َمــا كُنـ ُ‬
‫ـت َح ّيٗــا َوبَـ َّرا ِب َٰولِـ َد ِت َولَــم يَج َعل ِنــي َج َّبــا ٗرا شَ ـ ِق ّيٗا﴾(‪ .)2‬وانطالقــا مــن‬ ‫َمــا ُدمـ ُ‬
‫تكريــم ســيدنا عيــى يف القــرآن‪ ،‬وذكــر ميــاده فــا مانــع مــن احتفــال‬
‫املســيحيني الذيــن يعيشــون بيننــا مبيــاد املســيح عليــه الســام؛ وذلك حســب‬
‫ـص دســتور الدولــة عــى‬ ‫مــا تســمح بــه األنظمــة والقوانــن يف الدولــة‪ ،‬وقــد نـ َّ‬
‫احـرام شــعائرهم؛ فقــد جــاء يف املــادة رقــم (‪ )32‬مــن قانــون دولــة اإلمــارات‬
‫العربيــة املتحــدة‪« :‬حريــة القيــام بشــعائر الديــن طبقــا للعــادات املرعيــة‬
‫املصونــة‪ ،‬عــى أال يخـ َّـل ذلــك بالنظــام العــام‪ ،‬أو ينــايف اآلداب العامــة»‪.‬‬
‫وهــذه االحتفــاالت قــد أُقــروا عليهــا يف بــاد املســلمني التــي يعيشــون فيهــا‪،‬‬
‫﴿لٓ إِكـ َرا َه ِف ٱل ِّديــنِ ﴾(‪ ،)3‬كــا كفلــت لهــم الرشيعــة‬ ‫أخــذا مــن قولــه تعــاىل‪َ :‬‬
‫حقوقهــم؛ ومنهــا مواســمهم وأعيادهــم‪ ،‬مــع رضورة االلتــزام باألنظمــة‬
‫ــى ِدي ِنهِــ ْم‪َ ،‬ويَكُونُــو َن‬ ‫والقوانــن‪ ،‬ففــي املوطــأ لإلمــام مالــك‪َ « :‬ويُقَــ ُّرو َن َع َ‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.285 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة مريم‪ ،‬اآلية‪.33 31- :‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬

‫‪260‬‬
‫َعـ َـى َمــا كَانُــوا َعلَ ْيـ ِه»(‪ .)1‬فلــم يــر اإلمــام مالــك التعــرض لهــم باملنــع مطلقــا‬
‫وإنَّ ــا منعهــم يف حالــة اإلرضار‪ ،‬وهــي التــي يقدرهــا ويقررهــا القانــون‪ ،‬واللــه‬
‫تعــاىل أعلــم»(‪.)2‬‬
‫ومــن الفتــاوى املعــدة لإلفتــاء يف املركــز الرســمي لإلفتــاء يف حكــم تهنئــة‬
‫املســلمني بأعيادهــم هــذه الفتــوى‪:‬‬
‫«الســؤال‪ :‬مــا حكــم تهنئــة غــر املســلمني بأعيادهــم كاالحتفــال مبيــاد‬
‫املســيح عليــه الســام؟‬
‫الجــواب‪ :‬وفقنــا اللــه تعــاىل وإياكــم ملرضاتــه‪ ،‬فإنــه ال مانــع مــن تهنئــة غــر‬
‫املســلمني بذكــرى ميــاد املســيح عليــه الصــاة والســام بعبــارات حســنة‬
‫ـاس ُحس ـ ٗنا﴾(‪ .)3‬وال ســيام إذا كان بينهــا‬ ‫عمــا بقولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وقُولُــوا ْ لِل َّنـ ِ‬
‫صلــة رحــم أو عالقــة صداقــة أو جــوار‪ ،‬أو رابطــة عمــل أو تجــارة أو معرفــة‬
‫أو غــر ذلــك مــن أنــواع الروابــط والصــات‪ ،‬هــذا مــا تــدل عليــه األدلــة‬
‫العامــة للرشيعــة اإلســامية واملصالــح املعتــرة‪ ،‬وتدعــو إليــه أســس التعايــش‬
‫والتســامح التــي أكــد عليهــا ديننــا الحنيــف وأصبحــت جــزءا مــن ثقافتنــا‬
‫وأخالقنــا‪ ،‬ومــا يــدل عــى جــواز ذلــك مــا يــأيت‪:‬‬
‫حديــث عبــد اللــه بــن الزبــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬ق َِد َمــت قتيلــة عــى ابنتها‬
‫أســاء بنــت أيب بكــر بهدايــا… فأبــت أســاء أن تقبــل هديتهــا وتدخلهــا‬
‫بيتهــا‪ ،‬فســألت عائشــة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأنــزل اللــه‪ ،‬عــز‬
‫﴿ل يَن َه ٰى ُكـ ُم ٱللَّـ ُه َعــنِ ٱل َِّذيـ َن لَــم يُ َٰق ِتلُوكُــم ِف ٱل ِّديــنِ َولَــم يُخ ِر ُجوكُــم‬
‫وجــل‪َّ :‬‬
‫ــط َني﴾( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫ُقس ِ‬
‫ــب ٱمل ِ‬ ‫ِّمــن ِديَٰ ِركُــم أَن ت َ َُّبو ُهــم َوت ِ‬
‫ُقســطُ ٓوا ْ إِلَيهِــم إِ َّن ٱللَّــ َه يُ ِح ُّ‬
‫ي أمــي وهــي مرشكــة‬ ‫رواه أحمــد وأصلــه يف الصحيحــن ولفظــه‪« :‬قدمــت عـ َّ‬
‫يف عهــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فاســتفتيت رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قلــت‪ :‬إن أمــي قدمــت وهــي راغبــة‪ ،‬أفأصــل أمــي؟ قــال‪:‬‬

‫وس‪ .‬رقم‪ .)45( :‬ج ‪ 1‬ص ‪.279‬‬ ‫اب ِج ْزيَ ِة أَ ْهلِ الْ ِكتَ ِ‬
‫اب َوالْ َم ُج ِ‬ ‫مالك؛ املوطأ‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬بَ ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬من الفتاوى الداخلية التي تعمم عىل املفتني لإلفتاء بها‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.83 :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪261‬‬
‫{نعــم‪ ،‬صــي أمــك}»(‪ .)1‬وهــذا يــدل عــى حســن التعامــل مــع غــر املســلمني‬
‫وحســن صلتهــم‪ ،‬ومــن ذلــك تهنئتهــم بهــذه املناســبة‪.‬‬
‫ومــا يــدل عــى جــواز تهنئتهــم؛ أ َّن الرشيعــة اإلســامية أجــازت الــزواج مــن‬
‫أهــل الكتــاب؛ فيكــون عــى هــذا‪ :‬منهــم الزوجــة واألخــوال واألرحــام‪ ،‬وقــد‬
‫ـص‬ ‫ـص القــرآن الكريــم عــى أ َّن الــزواج مبنــي عــى املــودة والســكن‪ ،‬كــا نـ َّ‬ ‫نـ َّ‬
‫عــى وجــوب صلــة األرحــام وكل ذلــك يقتــي حســن املعاملــة ولــن القــول‬
‫ومــن ذلــك التهنئــة بأعيادهــم ومناســباتهم‪.‬‬
‫إ َّن التعايــش مــع غــر املســلمني يف وطــن واحــد واالختــاط معهــم بأنــواع‬
‫مــن املخالطــة‪ ،‬يقتــي التعامــل بالحســنى وحســن التواصــل وتبــادل املنافــع‬
‫ملصلحــة الوطــن؛ فقــد يكــون منهــم الطبيــب واملــدرس والتاجــر والجــار‬
‫والصديــق‪ ،‬فلِحفــظ مصلحــة الوطــن ووحدتــه وبنائــه عــى أســس متينــة‬
‫يتأكــد تبــادل التهــاين معهــم؛ وهــذا مــا تقتضيــه املصالــح واملنافــع التــي‬
‫تــدور معهــا األحــكام‪ .‬وقــد أمرنــا اللــه تعــاىل بذلــك يف قولــه‪َ ﴿ :‬وتَ َعا َونُــوا ْ‬
‫ـر َوٱلتَّقـ َو ٰى﴾(‪ .)2‬وتــزداد أهميــة ذلــك كلــا أضيفــت مصالــح أخــرى‪.‬‬ ‫َعـ َـى ٱلـ ِ ِّ‬
‫وقــد نُقــل عــن جمــع مــن العلــاء جــواز التهنئــة لغــر املســلمني مــن ذلــك‬
‫روايـ ٌة نقلهــا صاحــب اإلنصــاف عــن اإلمــام أحمــد بــن حنبــل بجــواز التهنئــة‬
‫مطلقــا‪ ،‬وبهــا جــزم العالمــة ابــن عبــدوس مــن أصحابــه… ونقــل روايــة‬
‫أخــرى بالجــواز عنــد ظهــور املصلحــة اختارهــا كثــر مــن أصحابــه ومنهــم‬
‫صاحــب اإلنصــاف نفســه‪.‬‬
‫فتحصــل مــن ذلــك كلــه‪ :‬أ َّن تهنئـ َة الشّ ــخص امل ُســلم ملعارِفــه ال ّنصــا َرى بعيـ ِـد‬
‫الصــاة والســام ‪ -‬هــي مــن قَبيــل امل ُجاملــة لهــم‬ ‫ميــاد امل َســيح ‪ -‬عليــه ّ‬
‫واملحاســنة يف معارشتهــم‪ ،‬وإن اإلســام ال ينهانــا عــن مثــل هــذه املجاملــة‬ ‫َ‬
‫املحاســنة لهــم‪ ،‬وال س ـ ّيام أ ّن الســيد امل َســيح هــو يف عقيدتنــا اإلســام ّية‬ ‫َ‬ ‫أو‬
‫مــن رســل اللــه ال ِعظــام أويل العــزم‪ ،‬فهــو ُمعظَّــم عندنــا أيضً ــا كــا ذكــر ذلــك‬
‫أهــل العلــم‪ .‬وبنــاء عــى مــا ســبق فإنــه ال يوجــد مانــع رشعــي مــن التهنئــة‬

‫اب ال َه ِديَّ ِة لِلْ ُم ْ ِ‬


‫شكِ َني‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.164‬‬ ‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬رقم‪ )2620( :‬كتاب الهبة‪ ،‬بَ ُ‬
‫‪ - 2‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬

‫‪262‬‬
‫بذكــرى ميــاد املســيح عليــه الصــاة والســام بعبــارات حســنة‪ ،‬واللــه تعــاىل‬
‫أعلــم»(‪.)1‬‬
‫ومــن األســئلة الناتجــة عــن التعايــش بــن مختلــف األديــان هــذا الســؤال‬
‫وجوابــه املعتمــد يف الفتــوى‪:‬‬
‫«الســؤال‪ :‬مــا حكــم تأجــر مــكان إلقامــة االحتفــال بيــوم امليــاد أو تأجــر‬
‫موقــع لإلعــان عــن ذلــك؟‬
‫الجــواب‪ :‬ال يحــرم تأجــر مــكان إلقامــة االحتفــال بيــوم ميــاد املســيح‪ ،‬أو‬
‫اإلعــان عــر موقــع يف النــت أو جريــدة ونحــو ذلــك عــن مــكان االحتفــال‬
‫ونحــوه‪ ،‬ألنــه ليــس يف ذلــك إعانــة عــى عــن الحـرام‪ ،‬وقــد نــص جامعــة مــن‬
‫العلــاء عــى أن مــا كان كذلــك ال يحــرم‪ ،‬كتأجــر بيــت ميكــن أن يقيــم فيــه‬
‫مســتأجره احتفــاال مــن االحتفــاالت التــي هــي معتــادة لديهــم؛ وقــد علــل‬
‫العالمــة ابــن عابديــن تجويــز ذلــك بقولــه‪« :‬ألن اإلجــارة عــى منفعــة البيــت‪،‬‬
‫ولهــذا يجــب األجــر مبجــرد التســليم‪ ،‬وال معصيــة فيــه وإمنــا املعصيــة بفعــل‬
‫املســتأجر وهــو مختــار فينقطــع نســبيته عنــه… والدليــل عليــه أنــه لــو‬
‫آجــره للســكنى جــاز وهــو ال بــد لــه مــن عبادتــه فيــه(‪ .)2‬واللــه أعلــم»(‪.)3‬‬
‫ومــن املهــم يف الــدول التــي تراعــي التعايــش بــن املجتمعــات املختلفــة‬
‫اعتبــار املقاصــد والنيــات‪ ،‬وعــدم إطــاق األحــكام الشــاملة لجميــع الصــور‪.‬‬
‫ويف خامتــة هــذا املطلــب نؤكــد أن الخطــاب الدينــي يعمــل عــى جبهــات‬
‫متعــددة‪ ،‬منهــا جبهــة البنــاء املتقدمــة‪ ،‬ومنهــا جبهــات أخــرى تقــوم بــدور‬
‫تحصــن الداخــل مــن الفكــر املتطــرف‪ ،‬وتفكيــك الخطــاب الســائد‪ ،‬وتنقيــة‬
‫املفاهيــم وتصحيحهــا‪ ،‬وذلــك بالرصــد والتحليــل والنقــد والــرد‪ ،‬وأسســت‬
‫الدولــة مؤسســات أخــرى ألداء هــذا الــدور وهــي مؤسســة فاعلــة وطنيــا‬

‫‪ - 1‬أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬عنوان الفتوى‪( :‬حكم تهنئة غري املسلمني بأعيادهم)‬
‫برقم‪ .97402 :‬تاريخ صدورها‪.2018/12/26 :‬‬
‫‪ - 2‬ابن عابدين؛ محمد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي ‪ 1252‬ه‪ ،‬رد املحتار عىل الدر املختار‪( ،‬دار‬
‫الفكر‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1412 ،2 .‬ه ‪1992 -‬م) ج ‪ 6‬ص ‪.392‬‬
‫‪ - 3‬أرشيف املركز الرسمي لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬من الفتاوى الداخلية التي تعمم عىل املفتني لإلفتاء بها‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫ودوليــا‪ ،‬مثــل تأســيس منتدى تعزيــز الســلم يف املجتمعات املســلمة‪ ،‬ومجلس‬
‫حكــاء املســلمني‪ .‬وإطــاق املركــز الــدويل للتميــز ملكافحــة التطــرف العنيــف‬
‫(هدايــة) ومركــز (صــواب) الــذي يبــذل دو ًرا مهـ ًّـا يف التواصــل االجتامعــي‪،‬‬
‫مــن أجــل تصحيــح املفاهيــم واألفــكار الخاطئــة وتصويبهــا‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫الفصــل الثالــث‪ :‬الربنامــج الوطنــي اإلمــارايت للتســامح‪،‬‬
‫وفيــه مبحثــان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬التعريف بالربنامج الوطني للتسامح‪.‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬دور املؤسســات الوطنيــة يف الحفــاظ عــى‬
‫التســامح وتطويــره‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربنامج الوطني اإلمارايت للتسامح‬
‫املبحث األول‪ :‬التعريف بالربنامج الوطني للتسامح‬
‫بعــد هــذا الط َوفــان يف أفنــان التســامح يف دولــة اإلمــارات واالطــاع عــى‬
‫املســرة التــي قطعهــا يف دولــة اإلمــارات مختلفـ ِة املــوارد واملنابــع‪ ،‬مــن تـراث‬
‫وثقافــة وهويــة لشــعب اإلمــارات‪ ،‬وإســهامات الرمــوز يف رؤاه ونظرياتــه‪،‬‬
‫وحاميتــه بوضــع دســاتري وقوانــن تحافــظ عليــه ليكــون قيمــة مجتمعيــة‬
‫ومامرســة يوميــة حقيقيــة؛ نقــول‪ :‬إن كل تلــك العنــارص التــي تقــدم وصفهــا‬
‫بدقــة يف الفصــول الســابقة‪ ،‬هــي مبثابــة غــرس متجــذر‪ ،‬جنــت بعــده دولــة‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة مث ـرات عديــدة‪ ،‬منهــا مثــرة يانعــة متثــل نضــج‬
‫ـتقبل مزدهـ ًرا‬
‫هــذه التجربــة املتميــزة وتعكــس عمــق رؤيتهــا‪ ،‬وأن هنــاك مسـ ً‬
‫للتســامح عــى أرض دولــة اإلمــارات؛ إنــه الربنامــج الوطنــي للتســامح الفريــد‬
‫مــن نوعــه‪.‬‬
‫وقبــل الحديــث عنــه ال بــد مــن اإلشــارة إىل أهميــة مؤسســة رســمية أخــرى‬
‫يف التســامح ودورهــا وهــي «وزارة التســامح» التــي أنشــأتها دولــة اإلمــارات‬
‫خاصــا‪ ،‬يف فربايــر ‪.)1(2016‬‬
‫وعينــت لهــا وزيـ ًرا ً‬
‫إن وزارة التســامح التــي تعــد األوىل مــن نوعهــا يف املنطقــة؛ تعمــل عــى‬
‫االرتقــاء بثقافــة التســامح وإبـراز أهميتها‪ ،‬والتعاون والتنســيق مــع القطاعات‬
‫الوطنيــة األخــرى لنــر هــذه القيمــة‪ ،‬وتأكيــد أهميتهــا يف اسـراتيجية دولــة‬
‫اإلمــارات‪ ،‬وتلتــزم بهــا عــى أعــى املســتويات الرســمية‪« ،‬وتدعــم موقــف‬
‫الدولــة نحــو ترســيخ قيــم التســامح‪ ،‬والتعدديــة‪ ،‬والقبــول باآلخــر‪ ،‬فكريــا‬
‫وثقافيًّــا وطائفيــا ودينيًّــا»(‪.)2‬‬
‫ولقــد كان الربنامــج الوطنــي للتســامح مــن أهــم املشــاريع واآلليــات التــي‬
‫تعمــل عــى تحقيــق أهــداف هــذه الــوزارة‪ .‬ومــن أجــل الوقــوف مــع هــذا‬
‫الربنامــج اإلبداعــي املتفــرد ودراســته جعلــت هــذا املبحــث يف مطلبــن‪:‬‬
‫‪ - 1‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪.‬‬
‫‪https: www.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-overnment government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أسس الربنامج الوطني للتسامح‬
‫إن رعايــة التســامح مطلــب كبــر ورضورة ملحــة للمتشــبثني بهــذا األســاس‬
‫املكــن‪ ،‬وال ميكــن تحقيــق هــذه الرعايــة وإيفاؤهــا حقهــا إال بتخطيــط‬
‫دقيــق ورؤيــة واضحــة‪ ،‬وإن الربنامــج الوطنــي للتســامح الــذي نحــن بصــدد‬
‫تحليلــه هــو الــذي يــؤدي هــذا الغــرض‪ ،‬فكــا أن الشــجرة ال تثمــر‪ ،‬بــل قــد‬
‫متــوت‪ ،‬إذا مل يحســن امل ـزارع رعايتهــا ومدهــا بحاجاتهــا البيئيــة املختلفــة؛‬
‫كذلــك التســامح إن مل تتــم رعايتــه وصيانتــه ومراقبتــه والتخطيــط المتــداده‬
‫ســيتوقف يومــا ال محالــة‪.‬‬
‫ولهــذا الهــدف تــم إنشــاء الربنامــج الوطنــي للتســامح واعتــاده مــن طــرف‬
‫مجلــس الــوزراء‪ ،‬بتاريــخ ‪ 8‬يونيــو ‪ .)1(2016‬وقــد كان هــذا الربنامــج تجربـ ًة‬
‫متميــزةً‪ ،‬مـ َّـا أدى بكثــر مــن الــدول واملؤسســات املهتمــة بحقــوق اإلنســان‬
‫للرتحيــب بــه(‪.)2‬‬
‫وأول ما يسرتعي االنتباه يف هذا املرشوع الثقايف والقيمي املهم أمران‪:‬‬
‫األمــر األول‪ :‬أنــه اختــر لــه بعنايــة اســم «الربنامــج»‪ ،‬وهــذا يــدل عــى ســداد‬
‫الرؤيــة يف تســامح دولــة اإلمــارات ونصوعهــا ووضــوح أهدافهــا املســتقبلية‪،‬‬
‫ألن الربنامــج يف مفهومــه اللغــوي واالصطالحــي؛ يفيــد أن هنــاك خطــة‬
‫مرســومة بعنايــة‪ ،‬ففــي املعجــم الوســيط ورد أن أحــد معــاين الربنامــج‪:‬‬
‫«الخطــة املرســومة لعمــل َمــا كربامــج ال ـ َّد ْرس واإلذاعــة»(‪.)3‬‬
‫فالربنامــج الوطنــي للتســامح؛ يعنــي أن هنــاك مجموعــة مــن األنشــطة‬
‫واملبــادرات والخطــط املنظمــة للدفــع بالتســامح إىل تحقيــق أهدافــه‬
‫املرســومة لــه‪ ،‬وهــذه الخطــط املتنوعــة واملتعــددة والتــي تعمــل ضمــن‬
‫مؤسســات ومبــادرات؛ كلهــا تتكامــل مــع بعضهــا لتحقيــق هــدف واحــد‪،‬‬
‫وهــو ترســيخ تحقيــق التســامح يف املجتمــع‪.‬‬
‫‪ - 1‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪.‬‬
‫‪http: beta.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬
‫‪ - 2‬تقرير فريق العامل املعني باالستعراض الدوري الشامل دولة اإلمارات العربية املتحد املقدم ملجلس حقوق اإلنسان‬
‫الدورة ‪ .38‬ص ‪.13 ،6 ،5‬‬
‫‪ - 3‬الوسيط‪ ،‬معجم‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.52‬‬

‫‪267‬‬
‫األمــر الثــاين‪ :‬نســبة هــذا الربنامــج للوطــن يبــن حــدوده ومصــدر قوتــه‬
‫وتفاعلــه‪ ،‬فهــو يخــدم وطــن دولــة اإلمــارات وشــعبها‪ ،‬ويحافــظ عــى‬
‫ثقافتــه وهويتــه‪ ،‬وال مانــع مــن تبــادل التجــارب مــع الــدول األخــرى تطويـرا‬
‫وتصديـرا‪ ،‬ولكــن الربنامــج ينبثــق يف األصــل مــن ثقافــة دولــة اإلمــارات كــا‬
‫تقــدم وســيأيت بيــان ذلــك يف أسســه‪.‬‬
‫وال شــك أن أهــم أهــداف هــذا الربنامــج هــو الحفــاظ عــى التســامح بوصفــه‬
‫هويــة وطنيــة لدولــة اإلمــارات وشــعبها واســتدامة ثقافتــه‪ ،‬وترســيخ االحـرام‬
‫املتبــادل بــن األف ـراد عــى أرض هــذا الوطــن‪ ،‬وضــان التعدديــة الدينيــة‬
‫والفكريــة والثقافيــة التــي تتميــز بهــا هــذه الدولــة‪ ،‬مــع الرتكيــز عــى‬
‫تنظيــف املجتمــع مــن أســاليب الكراهيــة والعنــف والطائفيــة والتمييــز(‪.)1‬‬
‫ويف قـراءة تحليليــة لربنامــج الوطنــي للتســامح نجــده يعتمــد ركنــن أساســن‬
‫متوازيــن ومتوازنــن‪ ،‬كل منهــا يغطــي بعــدا مــن أبعــاد التســامح‪.‬‬
‫فالركــن األول هــو األســس الســبعة‪ ،‬وتركــز هــذه األســس عــى الجوانــب‬
‫الدينيــة واألخالقيــة واالجتامعيــة والرتاثيــة واإلنســانية والقيــم املشــركة‪ ،‬وقــد‬
‫تقــدم ذكرهــا ودراســة أهمهــا يف هــذا البحــث‪ ،‬وخاصــة الجانــب الدينــي‬
‫وال ـرايث والفطــري والقيــم املشــركة(‪.)2‬‬
‫والركــن الثــاين هــو املحــاور واآلثــار الفاعلــة لهــذا الربنامــج مبجاالتهــا املتنوعــة‬
‫مــن األدوار األرسيــة واملجتمعيــة والحكوميــة والعلميــة والوقائيــة والدوليــة‪،‬‬
‫فهــذا الربنامــج فاعــل وطنيــا ودوليــا‪.‬‬
‫وبالعــودة إىل الركــن األول فــإن ارتبــاط الربنامــج الوطنــي للتســامح بهــذه‬
‫األســس داللــة واضحــة عــى االهتــام بروافــد التســامح يف املجتمــع‪ ،‬ألن‬
‫تفاعــل هــذه الروافــد واســتمرار إمدادهــا للمجتمــع يبقــى معــه التســامح‬
‫فاعــا ومؤث ـرا وســمة لهــذا املجتمــع‪.‬‬
‫‪ - 1‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ ،16 :‬نوفمرب ‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬ممثلو األديان يف «قمة التسامح»‪ :‬اإلمارات رائدة التسامح‬
‫عامليا واألكرث إميانا بالعيش املشرتك‪.‬‬
‫‪ - 2‬تقدم يف هذا البحث يف الباب األول التأصيل الديني للتسامح وبيان عالقاته بالفطرة اإلنسانية وأثر األخالق فيه‪ ،‬ويف‬
‫الباب الثاين تتبعنا القيم اإلنسانية املشرتكة‪ ،‬وأرشنا إىل الجوانب التاريخية ودورها يف التسامح‪ ،‬واستهللنا الباب الثالث‬
‫باالستفاضة يف إرث الشيخ زايد التسامحي والقيم الثقافية واالجتامعية املتسامحة يف دولة اإلمارات‪ ،‬فهذه األسس التي يقوم‬
‫عليها الربنامج الوطني للتسامح متت العناية بها يف هذا البحث‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫ومــن املالحــظ أن هــذه الروافــد هــي يف طبيعتهــا مســتمرة ودامئــة العطــاء‬
‫مثــل الديــن والــراث والتاريــخ واملواثيــق‪ ،‬وليســت الخطــورة يف توقفهــا‬
‫ولكنهــا يف انحرافهــا‪ ،‬وهــذا دور الربنامــج الوطنــي للتســامح يف رعايتهــا‬
‫واســتقامتها عــى الجــادة‪.‬‬
‫وهــذه األســس التــي اســتند إليهــا الربنامــج الوطنــي للتســامح ســبعة؛ فـــ«يف‬
‫‪ ،2016‬اعتمــد مجلــس الــوزراء الربنامــج الوطنــي للتســامح لرتســيخ قيــم‬
‫التســامح والتعدديــة الثقافيــة وقبــول اآلخــر‪ ،‬ونبــذ التمييــز والكراهيــة‬
‫والتعصــب فكــرا وتعليــا وســلوكا‪ .‬ويرتكــز الربنامــج عــى ســبعة أركان‬
‫رئيســة وهــي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلسالم‬
‫‪ - 2‬الدستور اإلمارايت‬
‫‪ - 3‬إرث زايد واألخالق اإلماراتية‬
‫‪ - 4‬املواثيق الدولية‬
‫‪ - 5‬اآلثار والتاريخ‬
‫‪ - 6‬الفطرة اإلنسانية‬
‫‪ - ٧‬القيم املشرتكة»(‪.)1‬‬
‫وقــد كان هــدف هــذه األســس الســبعة «ترســيخ قيــم التســامح والتعدديــة‬
‫الثقافيــة وقبــول اآلخــر‪ ،‬ونبــذ التمييــز والكراهيــة والتعصــب فك ـرا وتعليــا‬
‫وســلوكا»(‪.)2‬‬
‫والناظــر يف هــذا الربنامــج تلــوح لــه عبقريتــه مــن خــال شــموليته إىل حــد‬
‫كونــه كون ًّيــا‪ ،‬فــإذا أمعــن فيــه النظــر ظهــر لــه تطــوره الدقيــق‪ ،‬فهــو يجمــع‬
‫‪ - 1‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪.‬‬
‫‪http: beta.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬
‫‪ - 2‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪.‬‬
‫‪http: beta.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬

‫‪269‬‬
‫بــن مــا هــو دينــي وقانــوين‪ ،‬ويعتمــد أساســا لــه الهوي ـ َة اإلماراتيــة‪ ،‬وت ـراثَ‬
‫الرمــوز الوطنيــة‪ ،‬وذلــك مل مينعــه مــن اعتبــار اإلنســانية أم ـرا أساســا‪ ،‬مبــا‬
‫يتمثــل فيــه مــن فطــر ســليمة وقيــم مشــركة‪ ،‬فالربنامــج بهــذا البنــاء اســتطاع‬
‫أن يجمــع كل نظريــات التســامح‪ ،‬ويســتجيب لطبيعــة تكوينــه يف أي مجتمــع‬
‫مــن املجتمعــات‪ ،‬فأثــر دولــة اإلمــارات وانفتاحهــا وفرادتهــا حــارضة يف هــذا‬
‫الربنامــج‪.‬‬
‫وكل أســاس مــن أســس هــذا الربنامــج لــه دور مســتقل يف صناعــة التســامح‪،‬‬
‫إال أن اجتــاع هــذه األســس يف منظومــة متكاملــة يزيــد التســامح قــوة‬
‫وحيويــة‪ ،‬فاألســاس األول هــو «اإلســام» الــذي «حــث عــى التســامح‬
‫واالحـرام والتعايــش والوئــام‪ ،‬وشــددت تعاليمــه عــى نبــذ العنــف والتطــرف‬
‫والكراهيــة والخصــام‪.‬‬
‫وتضمــن األســاس الثــاين للربنامــج‪« :‬دســتور اإلمــارات»‪ ،‬الــذي ضمــن لجميــع‬
‫األفــراد حقوقهــم‪ ،‬وحــدد مســؤولياتهم وواجباتهــم‪ ،‬وأكــد حريــة القيــام‬
‫بالشــعائر الدينيــة‪ ،‬فــا متييــز بــن األف ـراد‪ ،‬وكلهــم سواســية أمــام القانــون‪.‬‬
‫كــا تضمــن األســاس الثالــث «إرث زايــد واألخــاق اإلماراتيــة»‪ ،‬واإلرث‬
‫اإلمــارايت الخالــد‪ ،‬وســرة املؤســس زايــد ‪ -‬طيــب اللــه ثـراه ‪ -‬ونهــج صاحــب‬
‫الســمو الشــيخ خليفــة بــن زايــد آل نهيــان رئيــس الدولــة ‪ -‬حفظــه اللــه‬
‫‪ -‬يؤكــد حســن التعامــل ودماثــة األخــاق وطيــب العــرة وحــب الخــر‬
‫والعطــاء‪ ،‬دون النظــر إىل اللــون أو الديــن أو الجنــس أو العــرق أو امللــة أو‬
‫الطائفــة‪.‬‬
‫وتض َّمــن‪« :‬املواثيــق الدوليــة»‪ ،‬حيــث إن دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‬
‫ملتزمــة بالعديــد مــن املواثيــق واالتفاقيــات التــي كرســت قيــم التســامح‬
‫وحقــوق اإلنســان‪ ،‬ونصــت عــى حتميــة التعايــش ومتاســك األوطــان‪ ،‬ونبــذ‬
‫العنــف والكراهيــة والتطــرف والعنرصيــة‪.‬‬
‫وكذلــك «اآلثــار والتاريــخ»‪ ،‬حيــث إن التاريــخ اإلمــارايت واآلثــار املوجــودة يف‬
‫الدولــة تحــي تاريــخ املــكان‪ ،‬وذاكــر ُة أبنــاء اإلمــارات زاخــرة بقصــص ُمثْــى‬
‫للتعاضــد والتســامح والتعــاون والتصالــح‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫كــا تضمــن «الفطــرة اإلنســانية»‪ ،‬حيــث جبــل أبنــاء اإلمــارات بفطــرة‬
‫تعصــب وال‬
‫ٍ‬ ‫إنســانية تقــوم عــى التعــارف واحــرام النــاس والتآلــف دون‬
‫كراهيــ ٍة وال متييــز‪.‬‬
‫كــا اســتند إىل «القيــم املشــركة»‪ ،‬حيــث تتشــارك الشــعوب يف الكثــر مــن‬
‫املبــادئ‪ ،‬وتجمعنــا كأرسة دوليــة قيــم مشــركة تكســوها غايــات ومصالــح‬
‫تحقــق الخــر والســعادة للجميــع‪ ،‬وتؤصــل التفاهــم واالنســجام والتناغم»(‪.)1‬‬
‫هــذه األســس هــي مرتكـزات الركــن األول للربنامــج‪ ،‬أمــا الركــن الثــاين فيتعلق‬
‫بأثــر التســامح‪ ،‬وســنخصص له املطلــب اآليت‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أثر الربنامج الوطني يف تعزيز التسامح وطنيا ودوليا‬


‫إن الربنامــج الوطنــي للتســامح يعــد أحــد مظاهــر املســؤولية التــي تتحملهــا‬
‫دولــة اإلمــارات‪ ،‬فهــو قائــم عــى خطــط رصينــة تهــدف لتعزيــز التســامح‬
‫عــى مســتوى الدولــة‪ ،‬ويتميــز بالحيويــة والتطــور‪ ،‬فقــد ُص ِّمــم ليســتجيب‬
‫للتطــورات املعــارصة‪ ،‬واإلكراهــات املتوقعــة‪.‬‬
‫«وســيطبق الربنامــج الوطنــي للتســامح مــن خــال فــرق عمــل يتــم تشــكيلها‬
‫بالتعــاون مــع الجهــات الرئيســة ذات العالقــة‪ ،‬والتــي ســتعمل ضمــن خمســة‬
‫محــاور رئيســة وهــي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعزيز دور الحكومة كحاضنة للتسامح‪.‬‬
‫‪ - 2‬ترسيخ دور األرسة املرتابطة يف بناء املجتمع‪.‬‬
‫‪ - 3‬تعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف‪.‬‬
‫‪ - 4‬إثراء املحتوى العلمي والثقايف‪.‬‬

‫‪ - 1‬مخترص دراسة الباحث‪ :‬يوسف النعيمي العضو املؤسس للربنامج يف صحيفة االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ ،16 :‬نوفمرب‬
‫‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬ممثلو األديان يف «قمة التسامح»‪ :‬اإلمارات رائدة التسامح عامليا واألكرث إميانا بالعيش املشرتك‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫‪ - 5‬املســاهمة يف الجهــود الدوليــة لتعزيــز التســامح‪ ،‬وإب ـراز الــدور الرائــد‬
‫للدولــة يف هــذا املجــال»(‪.)1‬‬
‫وعنــد التأمــل يف بنــاء محــاوره التــي متثــل القســم الثــاين مــن الربنامــج؛‬
‫نجــده ينطلــق مــن مســؤولية الحكومــة يف رعايــة التســامح واحتضانــه‪ ،‬وهــي‬
‫مســؤولية مل تتخــل عنهــا دولــة اإلمــارات يومــا مــن األيــام‪ ،‬منــذ تأسيســها‪،‬‬
‫ولهــذا فالتســامح اإلمــارايت اليــوم يف أوج عطائــه‪ .‬ويف جانــب غــرس التســامح‬
‫يشــدد الربنامــج عــى أمريــن؛ دور األرسة وتربيتهــا عــى التســامح يف بنــاء‬
‫مجتمــع متســامح‪ ،‬وربــط الشــباب بالتســامح الــذي يقلــل مــن العنرصيــة‬
‫والكراهيــة والتطــرف‪.‬‬
‫ويف املحوريــن اآلخريــن نلفــي الربنامــج يهتــم بالجانــب العلمــي وهــو جانــب‬
‫ال يقــل أهميــة عــن الجوانــب األخــرى‪ ،‬فإنجــاز دراســات وبحــوث علميــة‬
‫اجتامعيــة ودينيــة ونفســية؛ مــن أهــم الســبل التــي تــؤدي لتطويــر التســامح‬
‫واســتدامته‪.‬‬
‫وأمــا املحــور الخامــس واألخــر؛ فيضطلــع باإلشــعاع الــدويل العاملــي للربنامــج‪،‬‬
‫باالســتفادة مــن هــذه التجربــة اإلماراتيــة وإبرازهــا للعــامل‪ ،‬وبيــان إســهامها‬
‫يف بنــاء مجتمــع متســامح منوذجــي يجعــل مــن التســامح أحــد وســائل القــوة‬
‫الناعمــة لدولــة اإلمــارات يف عالقاتهــا الخارجيــة؛ وهــذه املعــاين التــي ن َحتْناها‬
‫يف قـراءة هــذا الربنامــج‪« :‬فالربنامــج الوطنــي للتســامح يعمــل ضمــن محــاور‬
‫عــدة‪ ،‬وهــي‪ :‬تعزيــز دور الحكومــة كحاضنــة للتســامح‪ ،‬حيــث تضطلــع‬
‫حكومــة دولــة اإلمــارات بنــر قيــم ومبــادئ التســامح والوســطية وقبــول‬
‫اآلخــر ونبــذ العنرصيــة والعصبيــة‪ ،‬وذلــك مــن خــال ســن الترشيعــات‬
‫والقوانــن ووضــع املــؤرشات الوطنيــة‪ .‬وكذلــك ترســيخ دور األرسة املرتابطــة‬
‫يف بنــاء املجتمــع املتســامح‪ ،‬حيــث إن األرسة هــي النــواة الرئيســة لبنــاء‬
‫مجتمــع متســامح ومتفهــم ويقبــل اآلخــر ويحــرم التعدديــة الثقافيــة‪ ،‬إضافــة‬
‫إىل تعزيــز التســامح لــدى الشــباب ووقايتهــم مــن التعصــب والتطــرف‪ ،‬عــى‬

‫‪ - 1‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪.‬‬


‫‪http: beta.government.ae ar-AE about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-‬‬
‫‪in-the-uae‬‬

‫‪272‬‬
‫اعتبــار أن الشــباب هــم عــاد املجتمــع ومســتقبله املــرق‪ ،‬وتــويل قيــادة‬
‫وحكومــة دولــة اإلمــارات عنايــة فائقــة بهــذه الفئــة وتفعيــل أدوارهــم‬
‫لتعزيــز قيــم التســامح والتعايــش‪ ،‬وترســيخ القيــم الصحيحــة لســاحة‬
‫ووســطية الديــن اإلســامي الحنيــف»(‪.)1‬‬
‫إن هــذه الركائــز التــي يعتمدهــا الربنامــج لَتُؤســس للتســامح املســتدام‪،‬‬
‫والتســامح بطبيعتــه الفعليــة ممتــد امتــداد النظــر غــر املحــدود‪ ،‬ويحتــاج إىل‬
‫تطويــر مســتمر حســب املجتمعــات املختلفــة‪ ،‬والوقائــع النازلــة‪ ،‬وتعــد هــذه‬
‫الحيويــة والتنــوع والشــمول الكائــن يف الربنامــج الوطنــي للتســامح انعكاســا‬
‫لحيويــة مجتمــع اإلمــارايت وتطلعاتــه واهتاممــه بهــذا املجــال‪.‬‬
‫وإذا كان لــكل محــور مــن تلــك املحــاور أهميتــه وآثــاره عــى املجتمــع؛ فــإن‬
‫مــن أبــرز املؤسســات التــي تعمــل عــى تحقيــق أهــداف الربنامــج الوطنــي‬
‫للتســامح وتشــجيعه وترســخيه مؤسســات أخــرى تنــدرج تحتــه‪ ،‬وتعمــل‬
‫معــه لتحقيــق أهدافــه‪ ،‬مثــل املعهــد الــدويل للتســامح‪ ،‬الــذي يعمــل عــى‬
‫التأهيــل والتأصيــل والتطويــر يف ميــدان التســامح‪ ،‬وجائــزة محمــد بــن‬
‫راشــد آل مكتــوم للتســامح التــي يــرف عليهــا املعهــد‪ ،‬والتــي تعمــل عــى‬
‫التشــجيع والتكريــم وتقديــر التســامح‪.‬‬
‫إن أهــداف هاتــن املؤسســتني ذات طبيعــة اجتامعيــة وتعليميــة‪ ،‬وتنطلــق‬
‫مــن واقــع املجتمــع وحاجاتــه‪ ،‬وتتفاعــل معــه‪ ،‬فـ«يهــدف املعهــد الــدويل‬
‫للتســامح الــذي أطلقتــه دولــة اإلمــارات ‪-‬حكومــة ديب ‪ -‬مبوجــب القانــون‬
‫املحــي رقــم ‪ 9‬لســنة ‪ 2017‬إىل بــث روح التســامح يف املجتمــع‪ ،‬وتعزيــز‬
‫مكانــة دولــة اإلمــارات إقليميــا ودوليــا كنمــوذج يف التســامح‪ ،‬وترســيخ ثقافــة‬
‫االنفتــاح والحــوار الحضــاري‪ ،‬ونبــذ التعصــب والتطــرف واالنغــاق الفكــري‪،‬‬
‫وكل مظاهــر التمييــز بــن النــاس بســبب الديــن أو الجنــس أو العــرق أو‬
‫اللــون أو اللغــة‪.‬‬

‫‪ - 1‬مخترص دراسة الباحث‪ :‬يوسف النعيمي العضو املؤسس للربنامج يف صحيفة االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ ،16 :‬نوفمرب‬
‫‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬ممثلو األديان يف «قمة التسامح»‪ :‬اإلمارات رائدة التسامح عامليا واألكرث إميانا بالعيش املشرتك‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫ويتضمــن قانــون إنشــاء املعهــد الــدويل للتســامح إطــاق جائــزة تســمى‬
‫«جائــزة محمــد بــن راشــد آل مكتــوم للتســامح» يتــم مــن خاللهــا تكريــم‬
‫الفئــات والجهــات التــي لهــا إســهامات متميــزة يف ترســيخ قيــم التســامح عــى‬
‫املســتويني الوطنــي والــدويل‪ ،‬وتشــجيع الحــوار بــن األديــان وإب ـراز الصــورة‬
‫الحقيقيــة لإلســام باعتبــاره ديــن تســامح وســام‪.‬‬
‫ويعمــل املعهــد عــى بنــاء وتأهيــل قيــادات وكــوادر عربيــة شــابة تؤمــن‬
‫بقيمــة التســامح واالنفتــاح والحــوار بــن األديــان والثقافــات‪.‬‬
‫ويتــوىل كذلــك اق ـراح السياســات والترشيعــات‪ ،‬وعقــد املؤمت ـرات الدوليــة‪،‬‬
‫وإعــداد البحــوث‪ ،‬والدخــول يف رشاكات مــع املؤسســات الثقافيــة املعنيــة يف‬
‫العــامل لنــر مبــادئ الوئــام وقيــم التســامح بــن األجيــال‪ ،‬وإطــاق املبــادرات‬
‫التــي تهــدف إىل تعزيــز التعايــش املشــرك بــن كافــة أفــراد ومكونــات‬
‫املجتمــع‪ ،‬وتهيئــة بيئــة تحفــز عــى االنســجام الثقــايف والتناغــم املجتمعــي‪،‬‬
‫وتحــد مــن الســلوكيات اإلقصائيــة(‪.)1‬‬
‫فآثــار هــذا الربنامــج الوطنــي اإليجابيــة ومثــاره عــى املجتمــع واضحــة‬
‫وملموســة عــى كافــة رشائــح املجتمــع ومجاالتــه‪ ،‬ســواء يف الرتبيــة والتعليــم‬
‫أو الجوانــب األرسيــة أو التعايــش املجتمعــي‪ ،‬يف ضــوء دراســات علميــة‬
‫وبحــوث اجتامعيــة تنجــز مــن أجــل تطويــر التســامح والرقــي إىل أعــى‬
‫مســتوياته‪.‬‬
‫ومــن أجــل التأكيــد عــى هــذه اآلثــار الواضحــة والتــي تتضاعــف وتــزداد‬
‫يومــا بعــد يــوم بســب هــذا االعتنــاء؛ نجــد مــؤرشات التســامح العامليــة تــزيك‬
‫هــذه التجربــة وتشــهد لهــا باالزدهــار واالنتعــاش‪ ،‬وهــذا مــا تؤكــده التقاريــر‬
‫الصــادرة عــن مؤسســات أمميــة متخصصــة يف هــذا املجــال فقــد «حققــت‬
‫اإلمــارات املرتبــة األوىل عامليــا يف مــؤرش التســامح تجــاه األجانــب‪ ،‬بحســب‬
‫التقاريــر األمميــة عــام ‪ :2017‬وذلــك يف ثالثــة تقاريــر دوليــة‪ ،‬وهــي‪ ،‬الكتــاب‬
‫الســنوي للتنافســية العاملــي‪ ،‬وتقريــر مــؤرش االزدهــار الصــادر عــن ليجاتــم‪،‬‬

‫‪ - 1‬موقع‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‬


‫‪https: government.ae about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-in-the-uae‬‬

‫‪274‬‬
‫وتقريــر مــؤرش تنافســية املواهــب العامليــة الصــادر عــن معهــد إنســياد‪.‬‬
‫كــا أن اإلمــارات احتلــت املرتبــة الثالثــة عامليــا يف مــؤرش الثقافــة الوطنيــة‬
‫املرتبــط بدرجــة التســامح‪ ،‬وصعــدت مــن املرتبــة الثامنــة عــام ‪ 2015‬إىل‬
‫املرتبــة الثالثــة عامليــا عــام ‪ 2016‬يف مــؤرش الثقافــة الوطنيــة املرتبــط بدرجــة‬
‫التســامح ومــدى انفتــاح الثقافــة املحليــة لتقبــل اآلخــر‪ ،‬وذلــك بحســب‬
‫تقريــر الكتــاب الســنوي للتنافســية العامليــة ‪ ،2016‬الصــادر عــن املعهــد‬
‫الــدويل للتنميــة العامليــة يف ســويرسا‪ ،‬والــذي ق َّيـ َم ‪ 61‬اقتصــادا متقدمــا»(‪.)1‬‬
‫وألن مثــل هــذه املؤسســات الوطنية تســهم يف صناعــة مجتمع التســامح؛ كان‬
‫لهــذه الخطــوات ســمعة دوليــة‪ ،‬فقــد أثنــت عليهــا كثــر من الــدول‪ ،‬وأشــادوا‬
‫مبــا تحققــه للمجتمــع مــن تفاهــم‪ ،‬فأكــد تقريــر الحريــات الدينيــة الــذي‬
‫يصــدر عــن الــوزارة الخارجيــة األمريكيــة لســنة ‪ 2017‬عــى دور اإلمــارات‬
‫يف هــذا الجانــب ونــوه بهــذا الربامــج و«الرؤيــة اإلنســانية لدولــة اإلمــارات‬
‫العربيــة املتحــدة عــى مســتوى تعزيــز الحريــات الدينيــة ورعايــة املعتقــدات‬
‫والعبــادات‪ ،‬وحاميــة حقــوق األقليــات يف مامرســة شــعائرها وبنــاء معابدهــا‪،‬‬
‫وســن القوانــن الرياديــة يف إطــار مكافحــة التطــرف والكراهيــة والتمييــز»(‪.)2‬‬
‫وكثــر مــن الــدول العربيــة والغربيــة رحبــت بإطــاق الربنامــج الوطنــي‬
‫للتســامح يف دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬وقــد ورد يف تقريــر دولــة‬
‫اإلمــارات املعــروض عــى مجلــس حقــوق اإلنســان ترحيــب كل مــن االتحــاد‬
‫الــرويس واملغــرب باعتــاد الربنامــج الوطنــي للتســامح وتقديــر اليابــان لهــذا‬
‫الربنامــج مــا يــدل عــى حاميــة قيــم التســامح والتعدديــة الثقافيــة(‪.)3‬‬
‫إن فعاليــة الربنامــج الوطنــي للتســامح وإنجــاز أهدافــه يتوقف عــى مبادرات‬
‫متعاقبــة التتوقــف‪ ،‬وهــذا مــا دأبــت عليــه دولــة اإلمــارات ومتيــزت بــه‪ ،‬وهــو‬
‫مــا خصــص لــه املبحــث القــادم‪.‬‬
‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تاريخ‪ ،16 :‬نوفمرب ‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬ممثلو األديان يف «قمة التسامح»‪ :‬اإلمارات رائدة‬
‫التسامح عامليا واألكرث إميانا بالعيش املشرتك‪.‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬تاريخ النرش‪ 1 :‬يونيو ‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬واشنطن تنوه برؤية اإلمارات اإلنسانية يف مكافحة الكراهية‬
‫والتمييز‪.‬‬
‫‪ - 3‬تقرير فريق العامل املعني باالستعراض الدوري الشامل دولة اإلمارات العربية املتحد املقدم ملجلس حقوق اإلنسان‬
‫الدورة ‪ .38‬ص ‪.13 ،6 ،5‬‬

‫‪275‬‬
‫املبحــث الثــاين‪ :‬دور املؤسســات الوطنيــة يف الحفــاظ عــى التســامح‬
‫وتطويــره‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املبادرات الوطنية وأثرها يف حامية التسامح‬
‫إن التســامح ‪-‬كــا تقــدم يف املطلــب الســابق‪ -‬ال حــدود لــه‪ ،‬وكلــا أخــذ‬
‫حظــه مــن االهتــام والعنايــة منــا وتطــور‪ ،‬وهــذه اسـراتيجية دولــة اإلمــارات‬
‫تجــاه التســامح‪ ،‬فــإن جميــع مؤسســاتها الوطنيــة الرســمية والحكوميــة‬
‫واملدنيــة واألهليــة تعمــل عــى تحقيــق هــدف التســامح‪ ،‬وتســعى لرتســيخ‬
‫ثقافتــه‪ ،‬وتوحــد جهودهــا لهــذه املهمــة‪ ،‬ومــن هنــا يبــدو عنــر التكامــل‬
‫رئيســا يف الجهــود املبذولــة يف مجــال التســامح‪.‬‬ ‫عامـ ًـا ً‬
‫إن املبــادرات واملشــاريع والربامــج التــي تنجزهــا مختلــف املؤسســات؛‬
‫ليســت ترفــا أو ترفيهــا‪ ،‬ولكنهــا رضورة ثقافيــة‪ ،‬ألن التســامح ليــس ثقافــة‬
‫النخبــة أو ِقيــا خاصــة مبجموعــة دون أخــرى‪ ،‬بــل هــو قيــم كونيــة مشــركة‬
‫بــن جميــع األجنــاس‪ ،‬وينبغــي أن ميــا َرس يف كل مجــال وميــدان‪ ،‬فاملدرســة‬
‫والشــارع والســوق واملســجد واملصنــع وأماكــن الوظائــف؛ كلهــا يف حاجــة إىل‬
‫التســامح‪ ،‬وجعـ ُـل هــذا التســامح مامرســة يوميــة يف حيــاة جميــع األشــخاص؛‬
‫يحتــاج إىل مبــادرات فاعلــة‪.‬‬
‫وال شــك أن «مــن تلــك الــدول التــي أخــذت بالســنن الكونيــة والرشعيــة‬
‫يف هــذا البــاب‪ ،‬فأحيــت فريضــة التســامح‪ ،‬وأقامــت لهــا املعــامل‪ ،‬وأرســت‬
‫لهــا األركان‪ ،‬دولــة اإلمــارات التــي أسســت مشــاريع وتبنــت مبــادرات‬
‫متنوع ـ ًة‪ ،‬منهــا مــا هــو فكــري‪ ،‬ومــا هــو دينــي‪ ،‬ومــا هــو ثقــايف وعلمــي‪،‬‬
‫ومــا هــو اجتامعــي وأخالقــي‪ ،‬كل ذلــك إليجــاد أرضيــة خصبــة تثمــر فيهــا‬
‫شــجرة التســامح‪ ،‬وأوجــدت لهــذا الهــدف منظومــة متكاملــة مــن املكونــات‬
‫األســاس إلقامــة هــذه الفريضــة الكونيــة‪ ،‬ويف حظــرة هــذه املنظومــة تقــع‬
‫مبــادرة الســعادة‪ ،‬والرتبيــة األخالقيــة‪ ،‬وقانــون التمييــز‪ ،‬ومكافحــة الكراهيــة‪،‬‬
‫وضبــط الخطــاب الدينــي‪ ،‬وتعزيــز الســلم‪ ،‬وســوى ذلــك مــن املبــادرات‪ ،‬يف‬
‫خريطــة منتظمــة منضبطــة يرتبــط بعضهــا ببعــض‪ ،‬وال يســتغني أحدهــا‬
‫عــن اآلخــر‪ ،‬فــا يســتقيم التســامح ويقــوم أَ َو ُده مــا مل يكــن هنــاك قانــون‬
‫يصونــه ويحميــه‪ .‬وطاملــا اس ـتُ ْخ ِدم الديــن ل َه ـ ْد ِم ثقافــة التســامح وإبطــال‬

‫‪276‬‬
‫فَ ْر ِض َي ِتــه بــل وتجرميهــا‪ .‬والســعادة والتســامح صنــوان وهــا جناحا االســتقرار‬
‫والرفاهيــة والخرييــة‪ ،‬وال تحقــق الســعادة الحقيقيــة مــن دون تســامح‪ ،‬وهــو‬
‫ركــن أصيــل يف صنــع الســعادة»(‪.)1‬‬
‫وهــذه املبــادرات التــي عقدنــا هــذا املبحــث لدراســتها متنوعــة ومتعــددة ال‬
‫تتوقــف ويصعــب حرصهــا وتعدادهــا‪ ،‬وهــي تتنــوع إىل أصنــاف‪:‬‬
‫الصنــف األول‪ :‬مبــادرات قياديــة؛ هدفهــا ترســيخ التســامح يف املجتمــع‪،‬‬
‫وهــذا النــوع مــن املبــادرات أصيلــة ولهــا امتــداد وتأثــر كبــر يف املجتمــع‪،‬‬
‫ومــن هــذا النــوع مبــادرة ســمو الشــيخ محمــد بــن زايــد يف اعتــاد الرتبيــة‬
‫األخالقيــة يف مناهــج التعليــم مــن أجــل غــرس التســامح‪ ،‬ألن التســامح‬
‫ينتمــي إىل القيــم اإلنســانية والحضاريــة املشــركة؛ وهنــا نســتحرض مــا أكــد‬
‫عليــه ويل عهــد أبوظبــي نائــب القائــد األعــى للقــوات املســلحة عنــد إطــاق‬
‫«الرتبيــة األخالقيــة» لتعزيــز التســامح… حــن أشــار إىل أن الــدول مهــا‬
‫بلغــت «مــن تقــدم علمــي ومعــريف وتقنــي‪ ،‬فــإن دميومــة بقائهــا مرهونــة‬
‫مبــدى محافظتهــا عــى قيمهــا النبيلــة ومتســكها مببادئهــا الســامية‪ ،‬لتواصــل‬
‫طريقهــا نحــو بنــاء حارضهــا ومســتقبلها املــرق‪ ،‬ومــا العلــم يف جوهــره إال‬
‫تجســيد وإعــاء للقيــم الحضاريــة واألخــاق اإلنســانية»(‪.)2‬‬
‫ومــن املبــادرات القياديــة يف هــذا املجــال أيضــا زيــارة صاحــب الســمو‬
‫الشــيخ محمــد بــن زايــد آل نهيــان للفاتيــكان؛ ملــا حققتــه هــذه الزيــارة‬
‫مــن التعايــش بــن األديــان‪ ،‬والدعــوة للتســامح والتقــارب والتفاهــم‪ ،‬والقــت‬
‫اهتاممــا واستحســانا كبرييــن مــن قبــل الفاعلــن الدينيــن‪ ،‬واملفكريــن‬
‫واإلعالميــن‪ ،‬ســواء يف أوربــا أو يف الــدول العربيــة‪ ،‬وهــذه الزيــارة أيضــا تــرز‬
‫الــدور الحضــاري لإلســام وســاحته‪ ،‬ودعوتــه للحــوار والتعــارف‪ ،‬وتصحيــح‬
‫املفاهيــم واملغالطــات التــي يتهــم بهــا اإلســام(‪.)3‬‬
‫‪ - 1‬جريدة الخليج اإلماراتية؛ تاريخ النرش‪ 2017 06 13 :‬مقال بعنوان‪ :‬مستقبل التسامح يف دولة اإلمارات‪ ..‬قراءة يف ضوء‬
‫املبادرات الجديدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬مجلس الوزراء‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬موقع إلكرتوين رسمي‪،‬‬
‫‪https: www.uaecabinet.ae ar details news crown-prince-of-abu-dhabi-launches-moral-education-to-‬‬
‫‪promote-tolerance‬‬
‫‪ - 3‬محمد أبو طور؛ كتاب دعوة للمحبة تأمالت يف املجتمع املسيحي‪( ،‬إصدارات إي‪ -‬كتب‪ ،‬لندن‪ ،‬ط‪2017 ،1 .‬م) ص‬
‫‪.120 ،119‬‬

‫‪277‬‬
‫الصنــف الثــاين‪ :‬مبــادرات لالحتفــال بالتســامح؛ وهــذا النــوع مــن املبــادرات‬
‫يتجــدد كل عــام‪ ،‬وذلــك يف اليــوم العاملــي للتســامح الــذي يوافــق اليــوم‬
‫الســادس عــر مــن شــهر نوفمــر مــن كل ســنة‪ ،‬وعــى أرض دولــة اإلمــارات‬
‫تقــام عــرات املبــادرات والنــدوات واملؤمتــرات واملشــاركات واملســرات‪،‬‬
‫واالحتفــاالت إلشــاعة روح التســامح واالحتفــاء بــه وتكريســه يف املجتمــع‪،‬‬
‫وهــذه األنشــطة العديــدة تنظــم تحــت مبادرتــن كبريتــن وهــا‪ :‬القمــة‬
‫العامليــة للتســامح‪ ،‬واملهرجــان الوطنــي للتســامح‪.‬‬
‫الصنــف الثالــث‪ :‬مبــادرات عامــة؛ ويتمثــل هــذا النــوع يف املبــادرة الســنوية‬
‫الكــرى التــي تحتفــي بهــا دولــة اإلمــارات كل ســنة مثــل احتفائهــا بعــام‬
‫الخــر ســنة ‪ ،2017‬واحتفائهــا بعــام زايــد ســنة ‪ ،2018‬وعــام التســامح ســنة‬
‫‪ .2019‬ويف هــذا املناســبة املســتمرة عــى مــدى عــام بأكملــه نجــد للتســامح‬
‫اهتام ًمــا كب ـ ًرا ضمــن تلــك الربامــج‪.‬‬
‫ومــع تقديــم هــذا الوصــف الحــري‪ ،‬فمبــادرات التســامح يف دولــة اإلمــارات‬
‫متجــددة‪ ،‬تتجــاوز التقيــد والحــر يف مؤسســة دون أخــرى‪ ،‬فالــوزارات‬
‫املختلفــة لهــا برامجهــا ورشاكاتهــا املحليــة والدوليــة يف تعزيــز التســامح‪،‬‬
‫ووســائل اإلعــام الوطنيــة تــويل اهتاممــا فائقــا للتوعيــة بالتســامح دينيًّــا‬
‫وثقاف ًّيــا وفنيــا ورياضيــا‪ ،‬ومؤسســات الرتبيــة والتعليــم فاعلــة يف مجــال‬
‫التســامح؛ تــريب األجيــال عــى قيمــه‪ ،‬واملؤسســة الدينيــة يف دولــة اإلمــارات ال‬
‫تخلــف عــن املشــاركة يف جميــع املناســبات ودعــم املبــادرات التســامحية كــا‬
‫تقــدم بيــان دور الخطــاب الدينــي يف هــذا املجــال‪.‬‬
‫إضافــة إىل املؤسســات الشــبابية واملجتمعيــة والترشيعيــة‪ ،‬فكلهــا يف دولــة‬
‫اإلمــارات يــد واحــدة تعمــل عــى نجــاح مــروع التســامح وفاعليتــه‪.‬‬
‫إن دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة ال تتميــز فقــط باملبــادرات التســامحية؛‬
‫بــل نهجــت نهجــا فريــدا مــن أجــل ترســيخ التســامح‪ ،‬وذلــك باســتثامر كل‬
‫مــروع ثقــايف أو دينــي أو اجتامعــي لتعطيــه طاب ًعــا متســام ًحا‪ ،‬ويجــدر بنــا‬
‫الوقــوف عــى املفخــرة الثقافيــة التــي حققتهــا أبوظبــي بإطالقهــا متحــف‬
‫اللوفــر يف ســنة ‪ ،2017‬وكيــف تحــول هــذا املــروع الثقــايف إىل أيقونــة‬
‫عامليــة للتســامح مــع أنــه يف األصــل متحــف ثقــا ّيف‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫فهــذا الــرح الفنــي الضخــم أبــت دولــة اإلمــارات إال أن تجعلــه منــار ًة‬
‫للتســامح‪ ،‬وملتقــى الثقافــات املتنوعــة واألديــان واملذاهــب املختلفــة؛‬
‫فهــو عبــارة عــن جــر للتعايــش بــن مختلــف الشــعوب‪ ،‬كــا عــر عــن‬
‫ذلــك صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن زايــد إبــان افتتــاح هــذا املتحــف‬
‫حيــث أشــار ســموه إىل أن «املتحــف ال يكتســب أهميتــه يف إطــار العالقــات‬
‫اإلماراتيــة ‪ -‬الفرنســية فحســب… وإمنــا متتــد دالالتــه ومعانيــه باعتبــاره‬
‫جــرا ثقافيًّــا بــن الحضــارات والشــعوب»(‪ .)1‬ففــي كلمتــه حفظــه اللــه‬
‫تأكيــد عــى دور مثــل هــذه الجهــود الفنيــة العمالقــة يف إرســال رســائل‬
‫تســامحية حضاريــة إىل مختلــف ســكان املعمــورة؛ لتشــجيع قيــم الحــوار‬
‫والتعايــش‪ ،‬يقــول حفظــه اللــه يف بيــان هــذا الــدور‪« :‬رســالتنا التــي نوجههــا‬
‫اليــوم للعــامل كلــه مــن خــال افتتــاح هــذا الــرح الثقــايف والعاملــي يف دولــة‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬هــي أن الثقافــة كانــت والتـزال جـرا للتواصــل‬
‫والتعــارف والحــوار بــن الشــعوب والحضــارات‪ ،‬وليســت مصــدرا للصــدام أو‬
‫ال ـراع كــا يتوهــم املتطرفــون واملتشــددون»(‪.)2‬‬
‫إن البصــات اإلبداعيــة املتميــزة لدولــة اإلمــارات يف مجــال التســامح تنتهــج‬
‫توظيــف كل مــا مــن شــأنه أن يحقــق التالقــي الحضــاري الراقــي‪ ،‬ومــا يســهم‬
‫يف اســتقرار البرشيــة وازدهارهــا‪ ،‬وال شــك أن الفــن عنــر مهــم يف تحقيــق‬
‫هــذا الهــدف النبيــل‪ ،‬وطاملــا تجــاورت القيــم الفنيــة والجامليــة مــع قيــم‬
‫التعايــش؛ أســهام معــا يف تشــكيل حضــارات متســامحة ال تعــرف الكراهيــة‬
‫والبغــض‪ ،‬ألن الجــال ينفــي خبثهــا‪ ،‬وهــذا امللمــح هــو الــذي أشــار إليــه‬
‫صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن راشــد آل مكتــوم‪ ،‬حــن قــال‪« :‬متحــف‬
‫اللوفــر أبوظبــي؛ تحفــة معامريــة‪ ،‬ومفخــرة ثقافيــة‪ ،‬ومحطــة فنيــة‪ ،‬ســتجمع‬
‫الــرق والغــرب… إنــه ميثــل قدرتنــا عىل بنــاء جســور تواصل بــن الحضارات‬
‫يف عــامل يريــدون لــه أن يكــون رصاعــا بــن الحضــارات‪ ،‬كــا ميثــل قدرتنــا‬

‫‪ - 1‬مجلة درع الوطن‪ ،‬مجلة عسكرية واسرتاتيجية‪ ،‬تصدر عن مديرية التوجيه املعنوي يف القيادة العامة للقوات املسلحة‪،‬‬
‫(اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬تأسست يف اغسطس ‪1971‬م)‪ ،01-01-2018 ،‬تقرير بعنوان‪ :‬حصاد عام الخري ‪…2017‬إنجازات‬
‫تنموية شاملة ودبلوماسية فاعلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫عــى محاربــة الظــام بالنــور ومحاربــة الجهــل بالفنــون‪ ،‬ومحاربــة االنغــاق‬
‫باإلبــداع‪ ،‬ومحاربــة التطــرف الفكــري بالجــال الفنــي‪ ،‬الــذي أبدعتــه العقــول‬
‫البرشيــة منــذ آالف الســنني»(‪.)1‬‬
‫وتفعيـ ًـا لهــذا الــدور الريــادي املرمــوق ملتحــف اللوفــر‪« ،‬خصــص املتحــف‬
‫قاعــه لألديــان العامليــة‪ ،‬ليؤســس وينــر ثقافــه التَّســامح والتَّعايــش الســلمي‬
‫بــن الشــعوب»(‪.)2‬‬
‫إن تاريــخ البرشيــة عــى هــذا الكوكــب الــذي نعيــش عليــه؛ يؤكــد أن الفنــون‬
‫طريــق الســام واالســتقرار‪ ،‬وإحــدى الوســائل الفاعلــة للتقارب بني الشــعوب‪،‬‬
‫وقــد عقــد هوفــان يف كتابــه «قانــون التســامح» فصـ ًـا كامـ ًـا ليؤكــد هــذا‬
‫املبــدأ‪ ،‬ويرثيــه بكثــر مــن األمثلــة والوقائــع التاريخيــة‪ ،‬فيقــول‪« :‬الفصــل‬
‫الثامــن‪ :‬رشائــع الســاحة يف الثقافــة؛ الفــن واملوســيقى واملــرح والقيــم‬
‫الثقافيــة يف ثقافــات وبلــدان مختلفــة‪ ،‬تقــدم منــذ زمــان بعيــد مســاهم ًة‬
‫مه َّمـ ًة ملزيــد مــن الســاحة واالحـرام تجــاه أديــان وأعـراق وأقليــات أخــرى‪،‬‬
‫هــي تســتخدم مجــال حريتهــا وهــي منــذ قــرون عديــدة الســباقة يف ســبيل‬
‫التعايــش»(‪.)3‬‬
‫وهكــذا فــإن الــذي يحمــل عــى عاتقــه مــروع التســامح يســلك كل الســبل‬
‫التــي تــؤدي إليــه‪ ،‬وال يكتفــي مببــادرة أو مبــادرات معــدودة‪ ،‬ومــن هنــا تــأيت‬
‫املبــادرة اإلماراتيــة الكــرى التــي عقــد حولهــا املطلــب القــادم‪.‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.‬‬
‫‪ - 2‬متحف اللوفر‪ ،‬موقع إلكرتوين‪،‬‬
‫‪81%D8%B1-%D8%A7%D8%%88%D9%84%D9%84%D9%https: tazkira.net 2018 05 07 %D8%A7%D9‬‬
‫‪8A-louvre-abu-dhabi%88%D8%B8%D8%A8%D9%A8%D9‬‬
‫‪ - 3‬هوفامن هوبرتس؛ قانون التسامح‪ ،‬دليل للساعني إىل تحسني أوضاع العلم‪ ،‬وللمتشامئني واملؤمنني الثابتني واملفكرين‬
‫األحرار‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬عادل خوري‪( ،‬العريب للنرش والتوزيع‪ ،‬برلني‪ ،‬ط‪2015 ،1 .‬م) ص ‪.327‬‬

‫‪280‬‬
‫املطلــب الثــاين‪ :‬مبــادرة عــام التســامح وأهــم منجزاتــه يف تعزيــز التســامح‬
‫اإلمــارايت(‪)1‬‬
‫مــن الســنن الكونيــة التــي تجــري عــى كافــة البرشيــة؛ أنــه كلــا امتــأ‬
‫يشء واكتمــل إال فــاض وأعطــى وســالت منــه أوديــة بقدرهــا‪ ،‬وقــد تقــدم‬
‫يف األبــواب الســابقة أن مــكارم األخــاق ميــدان للســباق وتحقيــق التــام‬
‫والكــال فيــه‪ ،‬وبذلــك بُعــث ســيد الخلــق صــى اللــه عليــه وســلم‪ .‬ولقــد‬
‫بلغــت دولــة اإلمــارات بقيمهــا وأخالقهــا وهويتهــا وإنســانيتها ورجالهــا‬
‫عظيــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املؤسســن يف مرتبــة التســامح مبلغًــا‬
‫فكانــت النتيجــة الحتميــة والثمــرة الناضجــة ملشــاريعها املتســامحة التــي مل‬
‫تتوقــف يف أرضهــا يومــا مــن األيــام‪ ،‬أن تــأيت مبــادرة تســامحية تفيــض عــى‬
‫العــامل‪ ،‬وترفــع هــذه القيمــة لــرى العــامل هــذا النمــوذج القيمــي املتميــز‪ ،‬يف‬
‫أرض تفخــر بأصالتهــا وتنوعهــا‪ ،‬فــكان عــام التســامح مــن أعظــم مبــادرات‬
‫التســامح الوطنيــة يف دولــة اإلمــارات التــي جــاءت يف وقتهــا‪ ،‬تتويجا للتســامح‬
‫ولــدور دولــة اإلمــارات العربيــة الوطنــي والعاملــي يف تعزيــزه ودعــم مســرته‪.‬‬
‫إن هــذه املبــادرة التــي هــي حفــاوة واحتفــاء‪ ،‬وتكريــم وإجــال لقيمــة‬
‫التســامح ملــدة عــام؛ مبــا تشــمله مــن مشــاريع وأنشــطة ومبــادرات بعــدد‬
‫أيــام الســنة وســاعاتها‪ ،‬لتعــد عــى مســتوى العــامل مبــادرة تســامحية تاريخيــة‬
‫فريــدة‪ ،‬يســجل إبداعهــا وابتكارهــا يف ســجل دولــة اإلمــارات العربيــة‬
‫املتحــدة‪.‬‬
‫وال غــرو يف تخصيــص دولــة اإلمــارات عا ًمــا للتَّســامح‪ ،‬فثقافتهــا وتاريخهــا‬
‫وشــعبها ومؤسســها واتحادهــا وثورتهــا الناعمــة؛ كلهــا تتخــذ مــن التســامح‬
‫والتعايــش مــع اآلخريــن مبــدأ وشــعا ًرا ومصــدر قــوة وحيويــة وإقــدام‪،‬‬
‫فمنظومــة القيــم ايل تأسســت عليهــا الهويــة اإلماراتيــة تحمــل يف خالياهــا‬
‫جينــات التســامح‪ ،‬ويف قلــب مؤسســها الشــيخ زايــد رؤيــة ثاقبــة للتســامح؛‬

‫‪ - 1‬عند إعداد هذا املبحث والوقوف عند هذه النقطة بالتحديد والبحث يف الرمق األخري منه يتم إعالن ‪ 2019‬عاما‬
‫كامل ألقطف مثرته‬
‫للتسامح؛ هذا غاية يف التوفيق واملوافقة لهذا البحث الذي اخرتته يف عام الخري وقضيت معه عام زايد ً‬
‫يف عام التسامح‪ ،‬وأرجو أن يكون فيه إسهام يف ترشيد التسامح وتقوميه وتنميته‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫ويكفــي عــام التســامح فخ ـ ًرا وزه ـ ًّوا واعت ـزازًا أنَّــه يجــاور عــام زايــد‪ ،‬ومنــه‬
‫نســل وولــد‪ ،‬فخالصــة عــام زايــد تنطــق بــأن قيمــة التســامح هــي نهجــه‬
‫ورؤيتــه‪ ،‬وهــو الــدواء للبرشيــة مــا حــل بهــا مــن الكراهيــة والعنــف‬
‫والتــرذم‪.‬‬
‫إن إعــان عــام التســامح قـرار صائــب مــدروس بعنايــة‪ ،‬تتوفــر لــه كل وســائل‬
‫النجــاح‪ ،‬ومــن أجــل فهــم هــذه املبــادرة وأبعادهــا وأهميتهــا ورضورتهــا‬
‫وســياقها‪ ،‬فإننــا نقــف يف هــذا املبحــث مــع الكلــات األســاس التــي تعتــر‬
‫أهــم املحــددات لعــام التســامح‪ ،‬ومــن هــذه الكلــات‪:‬‬
‫كلمــة صاحــب الســمو الشــيخ خليفــة بــن زايــد رئيــس الدولــة‪ ،‬حفظــه اللــه‪،‬‬
‫حيــث قــال يف عــام التســامح‪« :‬ترســيخ التســامح هــو امتــداد لنهــج زايــد…‬
‫وهــو قيمــة أســاس يف بنــاء املجتمعات واســتقرار الدول وســعادة الشــعوب…‬
‫مضي ًفــا ســموه أن أهــم مــا ميكــن أن نغرســه يف شــعبنا هــو قيــم وإرث زايــد‬
‫اإلنســاين… وتعميــق مبــدأ التســامح لــدى أبنائنــا… إن إعــان عــام ‪2019‬‬
‫عامــا للتســامح يعكــس النهــج الــذي تبنتــه دولــة اإلمــارات منــذ تأسيســها يف‬
‫أن تكــون جــر تواصــل وتالقــي بني شــعوب العــامل وثقافاتــه يف بيئــة منفتحة‬
‫وقامئــة عــى االح ـرام ونبــذ التطــرف وتقبــل اآلخــر‪ .‬دولــة اإلمــارات تحمــل‬
‫رســال ًة عامل َّي ـ ًة ومهم ـ ًة حضاريَّ ـ ًة يف ترســيخ هــذه القيمــة إقليم ًّيــا ودول ًّيــا‪،‬‬
‫نتطلــع للمســاهمة يف بنــاء مجتمعــات تؤمــن بقيمــة التســامح واالنفتــاح‬
‫والحــوار بــن الثقافــات… وتؤســس منــاذج حقيقيــة تعمــل عــى تحســن‬
‫واقــع التســامح عربيًّــا وعامليًّــا‪ ،‬دولــة اإلمــارات والتســامح… هــا وجهــان‬
‫ملعنــى واحــد… وتجســيد لغايــة يســعى لهــا البــر عــر تاريخهــم»(‪.)1‬‬
‫وقــال صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن راشــد آل مكتــوم نائــب رئيــس‬
‫الدولــة رئيــس مجلــس الــوزراء حاكــم ديب ‪-‬رعــاه اللــه‪ -‬بهــذه املناســبة‪:‬‬
‫«نســعى لتحويــل قيمــة التســامح إىل عمــل مؤســي مســتدام يعــود بالخــر‬
‫عــى شــعوبنا‪ ،‬نريــد سياســات حكومية ترســخ التســامح‪ ،‬ودراســات مجتمعية‬

‫‪ - 1‬االتحاد اإلماراتية‪ ،‬صحيفة‪ ،‬تاريخ النرش‪ 16 :‬ديسمرب ‪ ،2018‬تقرير بعنوان‪ :‬خليفة‪ :‬اإلمارات والتسامح وجهان ملعنى واحد‪.‬‬
‫‪0https: www.alittihad.ae article 80384 2018‬‬

‫‪282‬‬
‫معمقــة لنــر مبــادئ التســامح لــدى األجيــال الجديــدة‪ ،‬ال بــد أن تقــود دولة‬
‫اإلمــارات حركــة اإلنتاجــات الفكريــة والثقافيــة واإلعالميــة التــي ترســخ قيــم‬
‫التســامح واالنفتــاح عــى اآلخــر يف العــامل العــريب ويف املنطقــة‪ .‬إن أكــر مــا‬
‫نفاخــر بــه أمــام العــامل ليــس ارتفــاع مبانينــا وال اتســاع شــوارعنا وال ضخامــة‬
‫أســواقنا؛ بــل نفاخرهــم بتســامح دولــة اإلمــارات»(‪.)1‬‬
‫وقــال صاحــب الســمو الشــيخ محمــد بــن زايــد آل نهيــان ويل عهــد أبوظبــي‬
‫نائــب القائــد األعــى للقــوات املســلحة مبناســبة إعــان ‪ 2019‬عامــا للتســامح‪:‬‬
‫«إن دولــة اإلمــارات هــي عنــوان التســامح والتعايــش واالنفتــاح عــى اآلخــر‪،‬‬
‫وأهميــة الــدور الــذي تؤديــه دولــة اإلمــارات يف ترســيخ ونــر مفاهيــم وقيــم‬
‫التســامح والتعايــش والســام لــدى مختلــف شــعوب العــامل‪ ،‬وإن النمــوذج‬
‫اإلمــارايت يف التســامح يرتكــز عــى قيــم حــب الخــر للجميــع والتآلــف‬
‫والتعــاون والعطــاء واملســاواة بــن البــر جمي ًعــا»(‪.)2‬‬
‫ويف هــذه الكلــات املؤطــرة لعــام التســامح مــن القيــادة الرشــيدة الشــعور‬
‫بالــدور الريــادي واملســؤولية الكــرى التــي تضطلــع بهــا دولــة اإلمــارات‪،‬‬
‫وتريــد أن تقــود املنطقــة إىل رحمــة التســامح وســعته‪ ،‬وإســداء تجربتهــا‬
‫التســامحية للــدول الشــقيقة والصديقــة‪ ،‬وبذلــك تصلــح أن توصــف بأنهــا‬
‫عاصمــة عامليــة للتســامح‪.‬‬
‫وليســت هــذه القيمــة إال امتــدادا لتاريــخ دولــة اإلمــارات وثقافتهــا ونهــج‬
‫مؤسســها الشــيخ زايــد الــذي جعــل التســامح منهجــه الــذي ال يحيــد عنــه يف‬
‫كل أمــوره السياســية واالقتصاديــة واالجتامعيــة واألرسيــة‪.‬‬
‫كــا تعتــر هــذه املبــادرة رافعــة قويــة الســتدامة التســامح يف املجتمــع‬
‫اإلمــارايت‪ ،‬بتعميــق قيمــه يف األجيــال وربــط املجتمــع بثقافتــه املتمثلــة يف‬
‫الحــوار واالنفتــاح عــى الثقافــات وتقبــل اآلخريــن‪.‬‬
‫ومــن أجــل تحقيــق هــذه األهــداف اعتمــدت هــذه املبــادرة املحاور الرئيســة‬
‫ملبــادرات عــام التســامح‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫‪ - 1‬تعميــق قيــم التســامح واالنفتــاح عــى الثقافــات والشــعوب يف املجتمــع‬
‫مــن خــال الرتكيــز عــى هــذه القيــم لــدى األجيــال الجديــدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ترســيخ مكانــة دولــة اإلمــارات بصفتهــا عاصمــة عامليــة للتســامح مــن‬
‫خــال مجموعــة مــن املبــادرات واملشــاريع الكــرى منهــا املســاهامت‬
‫البحثيــة‪ ،‬والدراســات االجتامعيــة املتخصصــة يف حــوار الحضــارات‪.‬‬
‫‪ - 3‬التســامح الثقــايف مــن خــال مجموعــة مــن املبــادرات املجتمعيــة‬
‫والثقافيــة املختلفــة‪.‬‬
‫‪ - 4‬طــرح ترشيعــات وسياســات تهــدف إىل تعزيــز قيــم التســامح الثقــايف‪،‬‬
‫والدينــي‪ ،‬واالجتامعــي‪.‬‬
‫‪ - 5‬تعزيــز خطــاب التســامح‪ ،‬وتقبــل اآلخــر مــن خــال مبــادرات إعالميــة‬
‫هادفــة»(‪.)1‬‬
‫فعــام التســامح مبــادرة توفــر الفرصــة للجميــع للتعزيــز مــن قيمــة‬
‫التســامح‪ ،‬وتحويلــه إىل منهــج وســلوك‪ ،‬وهــو أيضــا عــام حافــل بأنشــط ٍة‬
‫وفعاليــات ضخمــ ٍة تاريخ َّيــ ٍة نــادر ِة الوقــوع يف املنطقــة‪ ،‬توثــق‬
‫ٍ‬ ‫عامل َّيــ ٍة‬
‫لثقافــة التســامح التــي حطــت رحالهــا يف دولــة اإلمــارات‪ ،‬ومــن أهــم تلــك‬
‫الفعاليــات‪ :‬زيــارة بابــا الكنيســة الكاثوليكيــة البابــا فرانســيس إىل اإلمــارات‬
‫التــي شــهدها العــامل‪ ،‬وكانــت يف الثالــث مــن شــهر فربايــر يف عــام التســامح‬
‫‪ ،2019‬حيــث شــارك البابــا فرنســيس يف «ملتقــى الحــوار العاملــي بــن األديــان‬
‫حــول األخــوة اإلنســانية»‪ ،‬وذلــك تثمي ًنــا ملــا يســود دولــة اإلمــارات مــن قيــم‬
‫التســامح والتعايــش بــن مختلــف الشــعوب والديانــات‪.‬‬
‫ومــن أعظــم مخرجــات عــام التســامح ومثــاره الذهبيــة التــي نزلــت بــر ًدا‬
‫وســا ًما عــى العــامل كلــه «وثيقـــة األخــــوة اإلنســــانية مــن أجــل الســام‬
‫العاملــي والعيــش املشــرك» التــي تعتــر حدثًــا تاريخ ًّيــا متمي ـ ًزا يف املنطقــة‪،‬‬
‫فقــد ُوقِّعــت هــذه الوثيقــة يف رصح الشــيخ زايــد يف العاصمــة اإلماراتيــة‬
‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬البوابة الرسمية لحكومة اإلمارات العربية املتحدة‪:‬‬
‫‪https: www.government.ae ar-ae about-the-uae the-uae-government government-of-future tolerance-in-‬‬
‫‪the-uae‬‬

‫‪284‬‬
‫أبوظبــي مبــا يحملــه املؤســس مــن رمزيــة للتســامح‪ ،‬ومــا يحيــل عليــه وطــن‬
‫اإلمــارات مــن اســتقرار وتعايــش املئــات مــن ســكان العــامل‪ ،‬ووقَّــع هــذه‬
‫الوثيقــة رم ـزان دينيًّــان كب ـران؛ بابــا الكنيســة الكاثوليكيــة البابــا فرنســيس‪،‬‬
‫وشــيخ األزهــر اإلمــام األكــر أحمــد الطيــب‪ ،‬برعايــة ويل عهــد أبوظبــي نائــب‬
‫القائــد األعــى للقــوات املســلحة الشــيخ محمــد بــن زايــد‪.‬‬
‫وتســتمد هــذه الوثيقــة مرشوعيتهــا وقوتهــا مــن أنهــا نتيجــة جهــود‬
‫مؤسســتني دينيتــن رئيســتني يف العــامل‪ ،‬لهــا أتباعهــا‪ ،‬وميثــان رشائــح كبــرة‬
‫مــن املجتمعــات اإلنســانية‪ ،‬وهــا مؤسســة األزهــر والكنيســة الكاثوليكيــة‪،‬‬
‫كــا أن هــذه الوثيقــة متثــل دســتورا ومرجعــا للعــامل يف الحفــاظ عــى األخالق‬
‫وإقامــة العــدل واح ـرام الكرامــة اإلنســانية(‪.)1‬‬
‫وحــن نتفحــص هــذه الوثيقــة التاريخيــة وعالقتهــا بالتَّســامح ومفهــوم‬
‫األخــوة اإلنســانية‪ ،‬نجــد قطــب رحاهــا هــو دور األديــان يف انتشــار الســلم‬
‫والســام‪ ،‬ولهــذا كانــت أكــر الكلــات املــرددة يف الوثيقــة هــي الثــايث‪:‬‬
‫«الديــن‪ ،‬واإلنســان‪ ،‬واألخــوة»‪.‬‬
‫وتكمــن أهميــة هــذه الوثيقــة يف أنهــا وضعــت قضيــة التســامح والتعايــش‬
‫يف ســياق دينــي فلســفي عاملــي واقعــي‪ ،‬فهــي تــروم يف بنودهــا عــاج أزمــات‬
‫العــامل املتشــابكة‪ ،‬وتوســيع رقعــة التســامح والتعايــش بــن أبنائــه‪ ،‬وتجديــد‬
‫موضوعاتــه التــي ميكــن التعــاون حولهــا‪ ،‬وقــد أقــرت هــذه الوثيقــة بنــودا‬
‫ذهبيــة ناصعــة‪ ،‬تعــد قانــون التســامح الدينــي واإلنســاين‪ ،‬وســتؤيت هــذه‬
‫البنــود مثارهــا عاجـ ًـا أو آجـ ًـا؛ لكونهــا بلغــت مــن الدقــة واإلجــادة واإلتقــان‪،‬‬
‫واألصالــة والشــمولية واالحرتافيــة مبل ًغــا فائ ًقــا‪ ،‬يُبهــر الباحــث ويثلــج صــدر‬
‫املتعلــق بأذيــال التســامح‪ ،‬ومــن هــذه البنــود التــي تجمــع شــتات التســامح‬
‫ومتعلقاتــه‪ ،‬مــا ورد يف صلــب الوثيقــة‪« :‬إ َّن هــذه الوثيقـ َة‪ ،‬إذ تَعتَ ِمـ ُد ك َُّل مــا‬
‫ـام‬ ‫ـت إىل أهم َّي ـ ِة َد ْو ِر األديــانِ يف بِنــا ِء َّ‬
‫السـ ِ‬ ‫س ـ َبقَها مــن َوثائِـ َـق عالَ ِم َّي ـ ٍة نَ َّب َهـ ْ‬
‫ـي‪ ،‬فإنَّهــا ت ُؤكِّ ـ ُد اآليت‪:‬‬
‫العاملـ ِّ‬

‫‪ - 1‬البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‬


‫‪https: government.ae ar-AE about-the-uae culture tolerance uae-support-for-human-fraternity‬‬

‫‪285‬‬
‫التمســك‬ ‫‪ -‬القناعــة الراســخة بــأ َّن التعاليــ َم الصحيحــ َة لألديــانِ ت َد ُعــو إىل ُّ‬
‫ـش‬ ‫ب ِق َيـ ِـم الســام وإعــا ِء ِق َيـ ِـم التعــا ُّر ِف امل ُتبــا َد ِل واألُ ُخ ـ َّو ِة اإلنســان َّي ِة وال َع ْيـ ِ‬
‫ـاظ نَ ْز َعـ ِة التديُّــن لدى‬ ‫الح ْك َمـ ِة وال َعـ ْد ِل واإلحســانِ ‪ ،‬وإيقـ ِ‬ ‫املشـ َر ِك‪ ،‬وتكريــس ِ‬
‫ـباب؛ لحامي ـ ِة األجيــا ِل الجديــد ِة مــن َس ـ ْيطَ َر ِة الفك ـ ِر املــا ِّد ِّي‪،‬‬ ‫ـش ِء والشـ ِ‬ ‫ال َّنـ ْ‬
‫ـات الرتبُّــح األعمــى والال ُمبــاال ِة القامئـ ِة عــى قانــونِ ال ُقـ َّو ِة‬ ‫ومــن َخطَـ ِر ِسياسـ ِ‬
‫ال عــى قُ ـ َّو ِة القانــونِ ‪.‬‬
‫ــق لــك ُِّل إنســانٍ ‪ :‬اعتقــا ًدا وفكــ ًرا وتعبــ ًرا و ُمام َرســ ًة‪ ،‬وأ َّن‬ ‫‪ -‬أ َّن الحريَّــ َة َح ٌّ‬
‫ِنــس وال ِعــ ْرقِ واللُّغــ ِة ِحكمــ ٌة‬ ‫واالختــاف يف الدِّيــنِ واللَّــ ْونِ والج ِ‬ ‫َ‬ ‫التَّع ُّد ِديَّــ َة‬
‫ـر عليهــا‪ ،‬وج َعلَهــا أصـ ًـا ثابتًــا تَتَفـ َّر ُع عنــه‬ ‫مل َِشــيئ ٍة إله َّيـ ٍة‪ ،‬قــد َخلَـ َـق اللـ ُه البـ َ َ‬
‫ـاس عــى ِديــنٍ‬ ‫ـاف‪ ،‬وتجريـ ِـم إكـرا ِه النـ ِ‬ ‫ـوق ُحريَّـ ِة االعتقــا ِد‪ ،‬وحريَّـ ِة االختـ ِ‬ ‫ُح ُقـ ُ‬
‫ـاري ال يَق َبلُــه اآل َخــر‪.‬‬ ‫ـلوب حضـ ٍّ‬ ‫ب َع ْي ِنــه أو ثقاف ـ ٍة ُمح ـ َّدد ٍة‪ ،‬أو فَ ـ ْر ِض أسـ ٍ‬
‫ـب اتِّبا ُعــه لل ُوصــو ِل إىل‬ ‫ـبيل الواجـ ُ‬ ‫ـدل القائـ َم عــى الرحمـ ِة هــو السـ ُ‬ ‫‪ -‬أ َّن العـ َ‬
‫حيــا ٍة كرميـ ٍة‪ ،‬يحـ ُّـق لـك ُِّل إنســانٍ أن يَ ْح َيــا يف كَ َن ِفهــا‪.‬‬
‫ـش بــن‬ ‫ر ثقافـ ِة التســا ُم ِح وقَ ُبــو ِل اآل َخـ ِر والتعايُـ ِ‬ ‫‪ -‬أ َّن الحــوا َر والتفا ُهـ َم ونـ َ‬
‫املشــكالت االجتامع َّيــة‬ ‫ِ‬ ‫النــاس؛ مــن شــأنِه أن يُســ ِه َم يف احتــوا ِء كثــرٍ مــن‬ ‫ِ‬
‫ـر‪.‬‬
‫ـاص ُجــز ًءا كب ـ ًرا مــن البَـ َ ِ‬ ‫والسياس ـيَّة واالقتصاديَّــة والبيئيَّــة التــي ت ُحـ ِ ُ‬
‫ـي يف املســاح ِة الهائلـ ِة لل ِق َيـ ِـم ال ُّروح َّيـ ِة‬ ‫‪ -‬أ َّن الحــوا َر بــن امل ُؤ ِمنــن يَع ِنــي التالقـ َ‬
‫َــر األخــاقِ‬ ‫واإلنســان َّي ِة واالجتامع َّيــ ِة امل ُشــ َرك ِة‪ ،‬واســتثام َر ذلــك يف ن ْ ِ‬
‫ــب ال َجــ َد ِل ال َع ِق ِ‬
‫يــم‪.‬‬ ‫والفَضائــلِ ال ُعلْيَــا التــي تدعــو إليهــا األديــانُ‪ ،‬وت َج ُّن َ‬
‫ـب تَك ُفلُــه‬ ‫ـس و َمســا ِج َد‪ ،‬واجـ ٌ‬ ‫‪ -‬أ َّن حامي ـ َة ُدو ِر العبــاد ِة‪ ،‬مــن َمعا ِب ـ َد وكَنائِـ َ‬
‫وكل محاولــ ٍة‬ ‫اف الدوليَّــ ِة‪ُّ ،‬‬ ‫ــم اإلنســانيَّ ِة وامل َ َواثيــقِ واألعــر ِ‬ ‫ك ُُّل األديــانِ وال ِقيَ ِ‬
‫للتعـ ُّر ِض لِـ ُدو ِر العبــاد ِة‪ ،‬واســتهدا ِفها باالعتــدا ِء أو التفجـرِ أو التهديـ ِـم‪ ،‬هــي‬
‫ـح للقوان ـ ِن الدول َّي ـ ِة‪.‬‬ ‫ـاك واضـ ٌ‬ ‫ـح عــن تعاليـ ِـم األديــانِ ‪ ،‬وانتهـ ٌ‬ ‫صيـ ٌ‬‫ـروج َ ِ‬ ‫ُخـ ٌ‬
‫ـرقِ أو ال َغـ ْر ِب‪،‬‬ ‫ـاس‪َ ،‬ســوا ٌء يف الـ َّ ْ‬ ‫ـض الــذي يُهـ ِّد ُد أمـ َن النـ ِ‬ ‫ـاب ال َب ِغيـ َ‬
‫‪ -‬أ َّن اإلرهـ َ‬
‫ـب األَ ْس ـ َوأِ‪ ،‬ليــس‬ ‫ـب وتَ َرقُّـ ِ‬ ‫الحقُهــم بال َف ـ َز ِع وال ُّر ْعـ ِ‬ ‫ـوب‪ ،‬ويُ ِ‬ ‫ويف الشَّ ــا ِل وال َجنـ ِ‬
‫نِتا ًجــا لل ِّديــن ‪-‬حتــى وإ ْن َرفَــ َع اإلرهاب ُّيــون الفتاتِــه ولَب ُِســوا شــاراتِه‪ -‬بــل‬
‫ـات ال ُجــو ِع‬ ‫وسياسـ ِ‬ ‫ـوص األديــانِ ِ‬ ‫ـوم الخاطئـ ِة ل ُن ُصـ ِ‬ ‫هــو نتيجـ ٌة َلتاكُــات ال ُف ُهـ ِ‬

‫‪286‬‬
‫كات‬‫ــم ال َحــ َر ِ‬
‫ْــف َد ْع ِ‬ ‫يجــب َوق ُ‬
‫ُ‬ ‫عــال؛ لــذا‬
‫ْــش والتَّ ِ‬‫ْــم وال َبط ِ‬‫وال َفقْــ ِر والظُّل ِ‬
‫التخطيــط أو التربيــرِ‪ ،‬أو بتوفــرِ ال ِغطــا ِء‬‫ِ‬ ‫اإلرهاب َّيــ ِة باملــا ِل أو بالســا ِح أو‬
‫ـي لهــا‪ ،‬واعتبــا ُر ذلــك مــن ال َجرائِـ ِـم الدوليَّـ ِة التــي تُهـ ِّد ُد األَ ْم َن ِّ‬
‫والسـلْ َم‬ ‫اإلعالمـ ِّ‬
‫وص ـ َورِه»( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫العامل َّيــن‪ ،‬ويجــب إدان ـ ُة ذلــك التَّط ـ ُّر ِف ب ـك ُِّل أشــكالِه ُ‬
‫إن مركزيــة التســامح يف هــذه الوثيقــة أنــه ينظــر إليــه بأنــه الحــل لجميــع‬
‫املشــاكل االجتامعيــة والسياســية وغريهــا‪ ،‬وأن نــر القيم اإلنســانية واألخالق‬
‫الفاضلــة التــي تؤكــد عليهــا األديــان ميكــن معــه إيجــاد مجتمعــات متناغمــة‬
‫مســتقرة ومزدهــرة‪.‬‬
‫ويف دراســة مفاهميــة لهــذه الوثيقــة نجدهــا مــع صغرهــا تســتوعب خريطــة‬
‫مفاهيميــة واســعة تقــرب مــن مائــة مفهــوم‪ ،‬مــا يــدل عــى أن هــذه‬
‫الوثيقــة تتميــز بالشــمولية ملــا هــو دينــي وثقــايف واجتامعــي وأخالقــي‬
‫وســيايس واقتصــادي وبيئــي‪ ،‬وهــي تعتمــد أربعــة أضــاع‪:‬‬
‫‪ - 1‬دور األديــان األســاس يف الســام والتعايــش وتربئتهــا مــن كل مــا ألحــق‬
‫بهــا‪.‬‬
‫‪ - 2‬الدعــوة لقيــم األخــوة اإلنســانية واحــرام كرامــة اإلنســان‪ ،‬وأهميــة‬
‫األخــاق وأن أســباب أزمــة العــامل اليــوم تعــود إىل تغييــب الضمــر اإلنســاين‬
‫وإقصــاء األخــاق الدينيــة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ويف الوثيقــة توصيــف شــامل ألزمــات العــامل‪ ،‬األرسيــة واألخالقيــة‬
‫واالقتصاديــة والبيئيــة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الدفــاع عــن املســتضعفني وتبنــي الوثيقــة قضاياهــم مثــل الفقــراء‬
‫واألطفــال واملهاجريــن والالجئــن‪.‬‬
‫ولهــذا كانــت ميــزة هــذه الوثيقــة عــن كثــر مــن الوثائــق الصــادرة قبلهــا‪،‬‬
‫أنهــا ركــزت عــى الواقــع وأشــارت إىل أزماتــه املختلفــة‪ ،‬وربطــت الحلــول‬

‫‪ - 1‬لقاء األخوة اإلنسانية‪ ،‬موقع إلكرتوين‪( ،‬أبو ظبي‪2019 ،‬م) وثيقـة األخــوة اإلنســانية من أجل السالم العاملي والعيش‬
‫املشرتك‪http: humanfraternitymeeting.com ar declaration :‬‬

‫‪287‬‬
‫باألســباب‪ ،‬وســمت األشــياء مبســمياتها‪ ،‬ففــي هــذه الوثيقــة كثري مــن الوضوح‬
‫والتفصيــل‪ ،‬ومل تكــن خطابهــا موج ًهــا للقــادة الدينيــن فقــط‪ ،‬بــل دعــت يف‬
‫ديباجتهــا كل الفاعلــن مــن القــادة وصنــاع السياســات الدوليــة واالقتصاديــة‬
‫َالســف ِة ورِجــا ِل ال ِّديــنِ والفنانــن واإلعالم ِّيــن وامل ُِبد ِعـ َن يف ك ُِّل‬ ‫واملفكريــن والف ِ‬
‫ـر وال َجــا ِل واألُ ُخ ـ َّو ِة‬
‫ـام وال َع ـ ْد ِل وال َخـ ْ ِ‬
‫السـ ِ‬‫ـاف ِق َيـ ِـم َّ‬
‫مــكانٍ «ل ُي ِعي ـ ُدوا اكتشـ َ‬
‫ُشــر ِك‪ ،‬ول ُيؤكِّــدوا أهم َّيتَهــا كطَــ ْوقِ نَجــا ٍة لل َج ِميــعِ‪،‬‬ ‫اإلنســان َّي ِة وال َع ْي ِ‬
‫ــش امل َ َ‬
‫كل مــكان»( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ـاس يف ِّ‬ ‫ـر هــذه ال ِقيَـ ِـم ب ـ َن النـ ِ‬
‫وليَس ـ َع ْوا يف نَـ ْ ِ‬
‫وإذا كنــا اليــوم نعالــج يف كثــر مــن دراســاتنا وأبحاثنــا التســامح معالجــ ًة‬
‫انتقائيَّـ ًة؛ فــإن هــذه الوثيقــة قدمــت صــور ًة كاملـ ًة‪ ،‬ورســمت نه ًجــا واض ًحــا‪،‬‬
‫واســتقصت تلــك القضايــا التــي لهــا عالقــة بالتســامح مــن قريــب أو بعيــد‪،‬‬
‫ولهــا أثــر عــى املجتمعــات‪ ،‬وتحــول بينهــا وبــن العيــش بســام واســتقرار‪،‬‬
‫ومــن تلــك القضايــا املتطــورة يف الوثيقــة والتــي ميكــن اســتثامرها يف تطويــر‬
‫التســامح وترشــيده والتــي ركــزت عليهــا الوثيقــة‪:‬‬
‫• مســألة تراكــات الفهــوم الخاطئــة لنصــوص األديــان وأهميتهــا يف القضــاء‬
‫عــى التطــرف واإلرهــاب‪.‬‬
‫• ومن تلك القضايا التي اهتمت بها الوثيقة أيضا التطرف اإللحادي‪.‬‬
‫• ومنها ما حذرت منه من االنحدار الثقايف واألخالقي‪.‬‬
‫• بعــث قيــم الســام مســؤولية مشــركة بــن الجميــع مــن رجــال الديــن إىل‬
‫الفنانــن‪.‬‬
‫• أهميــة األخــاق وأن أســباب أزمــة العــامل اليــوم تعــود إىل تغييــب الضمــر‬
‫اإلنســاين وإقصــاء األخــاق الدينية‪.‬‬
‫• أثر النزعة الفردية والفلسفات املادية عىل فقدان السالم‪.‬‬
‫• وضع القيم املادية الدنيوية موضع املبادئ العليا واملتسامية‪.‬‬

‫‪ - 1‬لقاء األخوة اإلنسانية‪ ،‬موقع إلكرتوين‪( ،‬أبو ظبي‪2019 ،‬م) وثيقـة األخــوة اإلنســانية من أجل السالم العاملي والعيش‬
‫املشرتك‪http: humanfraternitymeeting.com ar declaration :‬‬

‫‪288‬‬
‫• التأكيــد عــى الهويــة ورضورة االنتبــاه للفــوارق الدينيــة والثقافيــة‬
‫والتاريخيــة التــي تدخــل عنـرا أساســا يف تكويــن شــخصية اإلنســان الرشقي‪،‬‬
‫وثقافتــه وحضارتــه‪.‬‬
‫• خطورة اإلدمان‪ ،‬وتبنى أشكال من اإلدمان والتدمري الذايت والجامعي‪.‬‬
‫• إيقاظ الحس الديني لدى الجميع يؤدي إىل السالم‪.‬‬
‫• املامرســات املعــارصة التــي تهــدد الحيــاة‪ ،‬كاإلبــادة الجامعيــة‪ ،‬والعمليًّــات‬
‫اإلرهابيــة‪ ،‬والتهجــر القــري‪ ،‬واملتاجــرة باألعضــاء البرشيــة‪ ،‬واإلجهــاض‪ ،‬ومــا‬
‫يطلــق عليــه املــوت «الالرحيــم»‪ ،‬والسياســات التــي تشــجعها‪.‬‬
‫• األديان مل تكن أبدا بريدا للحروب‪.‬‬
‫• التخــي عــن االســتخدام اإلقصــايئ ملصطلــح «األقليــات» الــذي يحمــل يف‬
‫طياتــه اإلحســاس بالعزلــة والدونيــة‪.‬‬
‫• العالقة بني الرشق والغرب هي رضورة قصوى لكليهام(‪.)1‬‬
‫• إن كل قضيــة مــن هــذه القضايــا الســابقة لهــا دور أســاس ومهــم يف‬
‫تحســن التســامح‪ ،‬وال شــك أنهــا مشــاريع مســتقبلية مهمــة ميكــن عــى إثرها‬
‫أن نُقنــن التســامح ونرثيــه‪ ،‬وباعتبارهــا والنظــر إليهــا نطــوره ونحميــه‪ ،‬ولهــذه‬
‫االعتبــارات املهمــة ولكــون هــذه الوثيقــة مرجعيــة دســتورية يف األخــاق‬
‫والقيــم واإلنســانية؛ فقــد أقَـ َّرت دولــة اإلمــارات هــذه الوثيقــة يف مناهجهــا‬
‫الدراســية حيــث «كشــف ســمو الشــيخ عبــد اللــه بــن زايــد آل نهيــان‪ ،‬وزيــر‬
‫الخارجيــة والتعــاون الــدويل‪ ،‬عــن إدخــال «وثيقــة األخــوة اإلنســانية» يف‬
‫املناهــج الدراســية يف مــدارس وجامعــات الدولــة بــدءا مــن العــام املقبــل؛‬
‫مــا يشــر إىل أن مبــادرات اإلمــارات لتعزيــز قيــم التعايــش ليســت مجــرد‬
‫شــعارات‪ ،‬وإمنــا تتحــول إىل واقــع يعــي مــن قيــم الســام واملحبــة التــي‬
‫تنــادي بهــا الدولــة‪ ،‬كراعيــة بــارزة للحــوار اإلنســاين والدينــي والحضــاري‪ ،‬عىل‬
‫املســتويني اإلقليمــي والــدويل‪ ،‬تحــت قيــادة صاحــب الســمو الشــيخ خليفــة‬

‫() لقاء األخوة اإلنسانية‪ ،‬موقع إلكرتوين‪( ،‬أبو ظبي‪2019 ،‬م) وثيقـة األخــوة اإلنســانية من أجل السالم العاملي والعيش‬
‫املشرتك‪http: humanfraternitymeeting.com ar declaration ،‬‬

‫‪289‬‬
‫بــن زايــد آل نهيــان‪ ،‬رئيــس الدولــة‪ ،‬حفظــه اللــه»(‪.)1‬‬
‫وكــا تقــدم فــإن التســامح عمــل مســتدام ال يتوقــف وال يُ َحــد‪ ،‬ومــن هنــا‬
‫فمبادراتــه تكتــي طبيعتــه‪ ،‬وينبغــي أن تكــون مســتمرة تســتجيب للتغـرات‬
‫وتتــواءم مــع التطــورات والطموحــات‪ ،‬وهــذا مــا تخطــط لــه دولــة اإلمــارات‬
‫يف ســعيها الــدؤوب لتثبيــت نهــج التســامح؛ ففــي كل ســنة تــأيت مبــادرة‬
‫تفــوق أخواتهــا الســابقة يف املشــاريع واألنشــطة‪ ،‬مــا يــدل حيويــة شــعب‬
‫دولــة اإلمــارات وتفاعلــه مــع ثقافــة التســامح وتقبلــه مبادراتــه‪.‬‬

‫‪ - 1‬جريدة االتحاد اإلماراتية‪ ،‬تقرير‪« :‬األخوة اإلنسانية» يف املناهج… خطوة عىل درب السالم العاملي‪( ،‬بتاريخ‪ 11 :‬فرباير‬
‫‪- https: www.alittihad.ae wejhatarticle 101347 ،)2019‬‬

‫‪290‬‬
‫الخامتة‬
‫الحمــد اللــه عــى التــام والكــال‪ ،‬فبعــد هــذه املســرة العلميــة والفكريــة‬
‫ـت فيــه أنفــاس الشــيخ‬ ‫مــع هــذا البحــث الــذي جــاد بهــا عــام الخــر‪ ،‬وصاحبـ ُ‬
‫زايــد يف عــام زايــد‪ ،‬ليوافــق إنجــازه واالنتهــاء منــه «عــام التســامح»‪ ،‬وهــذه‬
‫موافقــة بحمــد اللــه دالــة عــى التوفيــق‪ ،‬وقــد وصلنــا إىل نهايــة مــا رســمناه‬
‫مــن املســار يف خطــة البحــث‪ ،‬وتقتــي منهجيــة البحــث تســجيل أهــم‬
‫النتائــج والتوصيــات‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أهم النتائج‪:‬‬
‫‪ .1‬إن ســاحة اإلســام ال اختــاف حولهــا‪ ،‬وأن التشــكيك يف هــذه القيمــة‬
‫اإلســامية يســتعيص عــى منكريــه‪ ،‬وإمنــا يــأيت اســتجالء هــذه القيمــة يف‬
‫ســياق تنميتهــا واســتدامتها‪ ،‬والتفاعــل مــع اإلشــكاالت املعــارصة الناشــئة‬
‫عــن التعدديــة والطائفيــة‪ ،‬والكراهيــة والعوملــة‪ ،‬التــي تســتدعي االســتنفار‬
‫واالســتنجاد‪ ،‬وتوجيــه البوصلــة الســتدرار العــاج مــن قيمــة التســامح‪.‬‬
‫‪ .2‬إن مصطلــح التســامح بهــذا اللفــظ مل يُســتعمل يف علــوم الرشيعــة‪ ،‬كــا‬
‫ال يوجــد جــذر يف القــرآن لهــذه الكلمــة‪ ،‬ولكنــه قــد ورد يف الســنة النبويــة‬
‫يف عــدة أحاديــث بصيــغ مختلفــة‪ ،‬وعولــج يف علــوم مختلفــة كالتفســر‪،‬‬
‫والحديــث‪ ،‬وأصــول الفقــه‪ ،‬واألخــاق‪ ،‬وفــن التعريفــات‪ ،‬ويف تراثنــا اإلســامي‬
‫مصطلحــات كثــرة تــؤدي معنــى التســامح‪ ،‬فهــو مفهــوم قيمــي تتدفــق فيــه‬
‫مــوارد أخالقيــة ورشعيــة عديــدة‪ ،‬واخــرتُ تعريــف التســامح بأنــه‪ :‬قيمــة‬
‫إنســانية اختياريــة‪ ،‬ت ُنتــج االحـرام والســام والعيــش املشــرك بــن اإلنســانية‪،‬‬
‫باختــاف أعراقهــا وأديانهــا وثقافتهــا وانتامءاتهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬إن تبنــي النظريــة بــأن فكــرة التســامح إمنــا نشــأت يف القــرن الســابع‬
‫حافــا مــن‬
‫ً‬ ‫كامــا‬
‫ً‬ ‫عــر امليــادي يف أوربــا ومــا بعــده‪ ،‬ســيطمس تاري ًخــا‬
‫تقنــن التســامح‪ ،‬وتطبيقــه العمــي بــن مختلــف الشــعوب واألديــان‬

‫‪291‬‬
‫والقبائــل‪ ،‬وخاصــة منهــا يف املجتمعــات املســلمة‪ .‬وباســتحضار مــا أحدثــه‬
‫اإلســام ببعثــة نبينــا محمــد صــى اللــه عليــه وســلم نــدرك قيمــة التســامح‬
‫يف اإلســام‪ ،‬حيــث جــاء لصيانــة كرامــة اإلنســان‪ ،‬وحفــظ حقوقــه‪ ،‬وعــارة‬
‫الكــون‪ ،‬وبدراســة تاريــخ التســامح تأكــد أنــه قيمــة إنســانية مشــركة جــاء‬
‫بهــا كل األنبيــاء‪ ،‬وكفلتهــا كافــة الديانــات‬
‫‪ .4‬إن القــول بــأن التســامح مــن خصائــص اإلســام‪ ،‬ومعجزاتــه العظــام‪ ،‬ينتــج‬
‫عنــه أنــه ال ميكــن تصــور هــذه الرشيعــة اإلســامية الغـراء مــن دون تســامح‪،‬‬
‫ولهــذا كان التســامح صفــة الزمــة لإلســام «الحنيفيــة الســمحة»‪ ،‬وقــد قننــت‬
‫هــذه الرشيعــة التســامح بنصــوص دســتورية قاطعــة‪ ،‬وأصــول حاكمــة‪ ،‬ال‬
‫تقبــل التغــر‪ ،‬مثــل آيــة الحجـرات‪ ،‬ووثيقــة املدينــة النبويــة‪ ،‬وخطبــة حجــة‬
‫الــوداع؛ وس ـ َّيجته مبــكارم األخــاق والفضائــل‪ ،‬والكرامــة اإلنســانية‪ ،‬ويف كل‬
‫نــص رشعــي أو قيمــة أخالقيــة أو توجيــه دينــي نقــرأ فيــه أبعــاد التســامح‬
‫وميكــن حملــه عــى محاملــه‪.‬‬
‫‪ .5‬خلــص البحــث إىل أن معاقــد التســامح رشعيــة وإنســانية؛ فالشــك أن‬
‫التســامح فريضــة رشعيــة‪ ،‬فــكل األوامــر ال ِق َي ِم َّيــة الرشعيــة التــي تحــض عــى‬
‫األخــاق الفاضلــة دالــة عــى هــذا الحكــم‪ ،‬وهــو أيضــا رضورة إنســانية‪ ،‬قبــل‬
‫أن يكــون قيمــة إســامية‪ ،‬ألنــه فطــري يف طبيعــة ســائر البــر؛ ملــا فُطــرت‬
‫عليــه قلــوب النــاس مــن القيــم األخالقيــة‪ ،‬والفطــرة الســليمة تســتدعيه‪ ،‬وبــه‬
‫يتحقــق الكــال اإلنســاين‪ ،‬وترتقــي بــه اإلنســانية عــن السفاســف والجهــاالت‪،‬‬
‫وتقــام أوارص اإلخــاء اإلنســاين واملحبــة‪.‬‬
‫‪ .6‬إن للتســامح داخــل الدائــرة الدينيــة الواحــدة أهميــة كــرى‪ ،‬فالعالقــات‬
‫الداخليــة كلــا كانــت متناغمــة مســتقرة كان أثرهــا عــى املجتمــع جليــا يف‬
‫قبولــه لآلخــر املخالــف‪ ،‬ومــن هنــا بينــت يف البحــث أهميــة قيمــة االختــاف‬
‫يف ال ـراث اإلســامي وأنــه ث ـراء يف األحــكام ونعمــة وازدهــار‪ ،‬ومظهــر مــن‬
‫مظاهــر التســامح املذهبــي يف أجــى صــوره‪ ،‬فالحــوار داخــل الدائــرة الواحدة‬
‫هــو املدخــل الرشعــي الســليم للتســامح يف الرشيعــة اإلســامية؛ ألن التســامح‬
‫يف مقاصــده إمنــا هــو رعايــة حقــوق اآلخــر ســواء كان مســلام أو غــر مســلم‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫‪ .7‬إن املقاصــد الكــرى للرشيعــة اإلســامية‪ ،‬ومــا جــاءت بــه مــن القيــم‬
‫اإلنســانية‪ ،‬ومــا حضــت عليــه مــن كرامــة اإلنســان‪ ،‬ومــا تتــوق إليــه مــن‬
‫الســام والســكينة‪ ،‬كل ذلــك يــدل عــى أن األصــل يف العالقــات اإلنســانية بــن‬
‫املســلمني وغريهــم هــو الســلم والســام‪ ،‬وأنــه ال يلجــأ إىل الحــروب والقتــال‬
‫إال عنــد الــرورة‪ ،‬ولغايــات محــدودة‪ ،‬ويف نطــاق ضيــق‪ ،‬بــروط وضوابــط‬
‫دقيقــة‪ ،‬ويف هــذا العــر ينبغــي تبنــي هــذا األصــل واعتــاده‪ ،‬والتخــي عــن‬
‫األقــوال األخــرى مــن أن األصــل يف العالقــة الدوليــة بــن املســلمني وغريهــم‬
‫الحــرب‪ ،‬لضعــف مدركهــا‪ ،‬وألنهــا ال تصلــح لهــذا العــر وتنســف قيمــة‬
‫التســامح‪.‬‬
‫‪ .8‬التســامح إمنــا يقــام أوده برتســيخ أصولــه‪ ،‬وتعزيــز أسســه‪ ،‬فهــي القيمــة‬
‫الضامنــة والكفيلــة بتنظيــم العالقــات بــن املســلمني وغريهــم‪ ،‬ومــن هــذه‬
‫األســس التــي ركــز عليهــا البحــث اإلميــان بالتعدديــة‪ ،‬واالعـراف باملخالــف يف‬
‫الديــن الــذي يــأيت يف أهميتــه متقدمــا عــى التســامح؛ ألنــه ال ميكــن إقامــة‬
‫التســامح دون االع ـراف باآلخــر‪ ،‬وهــو بــدوره ينبنــي عــى أســس راســخة‬
‫منهــا القســط واإلنصــاف والعــدل‪ ،‬والــر‪ ،‬ويحــوط تلــك األســس الوفــاء‬
‫بالعهــود واحرتامهــا‪.‬‬
‫‪ .9‬إن مــن خصائــص القيــم اإلنســانية املشــركة التــي وقــف عندهــا البحــث‬
‫مليــا‪ ،‬أنهــا قيــم ال تتغــر وال تتبــدل‪ ،‬وهــي إنســانية تصلــح أن يتعامــل بهــا‬
‫مــع جميــع النــاس‪ ،‬ال تتخلــف مــع إنســان دون آخــر‪ ،‬والقاعــدة أن القيــم ال‬
‫تنســخ‪ ،‬وعــى ضــوء هــذه القاعــدة وقــف البحــث عنــد مــا ذكــره كثــر مــن‬
‫املفرسيــن مــن القــول بنســخ آيــة الســيف آليــات العفــو والصفــح والغفـران‪،‬‬
‫والقــول الحســن‪ ،‬وبينــت أن هــذا املنهــج ال يعــزز التســامح‪ ،‬ويخالــف مــا‬
‫تدعــو إليــه النصــوص العامــة للرشيعــة اإلســامية ومقاصدهــا‪.‬‬
‫‪ .10‬فيــا يخــص وســائل تحقيــق التســامح بــن املجتمعــات املختلفــة‬
‫أكــد البحــث عــى أهميتهــا‪ ،‬ويــأيت يف ذروتهــا املواطنــة الضامنــة للحقــوق‬
‫والواجبــات لــكل مــن ينتمــي للوطــن‪ ،‬بغــض النظــر عــن دينــه ومذهبــه‬
‫ولغتــه‪ ،‬كــا يعــد التواصــل االجتامعــي‪ ،‬والتعامــل التجــاري‪ ،‬مــن الوســائل‬
‫املهمــة لنــر التســامح يف املجتمــع‪ ،‬وال ســ ّيام يف ظــل مــا يــروج لــه بــن‬

‫‪293‬‬
‫األف ـراد مــن الدعــوات للمقاطعــات االقتصاديــة التــي ال تســتند إىل أصــول‬
‫رشعيــة‪ ،‬وقــد كان مــن هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم التعامــل التجاري‬
‫مــع غــر املســلمني‪ ،‬لتحقيــق املنافــع واملصالــح‪ ،‬والتنميــة التــي تعــود عــى‬
‫الجميــع وعــى أوطانهــم بالخــر والرفــاه‪.‬‬
‫‪ .11‬إن مزالــق التســامح وعراقيلــه متنوعــة وعديــدة‪ ،‬وعــى رأســها املفاهيــم‬
‫املغلوطــة‪ ،‬فــا درج عليــه الفقهــاء مــن ربــط بعــض األحــكام الفقهيــة بــدار‬
‫اإلســام ودار الكفــر‪ ،‬واعتبــار مفهــوم اإلذالل واإلعـزاز‪ ،‬وإلـزام غــر املســلمني‬
‫بــزي مييزهــم عــن غريهــم‪ ،‬منــاذج مــن الفقــه العتيــق الــذي ال حاجــة إليــه يف‬
‫هــذا العــر؛ ألن هــذه املفاهيــم مرحليــة وظرفيــة‪ ،‬ميكــن تجاوزهــا يف ظــل‬
‫أمــان الــدول يف حدودهــا‪ ،‬وعقــد املواطنــة بــن أبنائهــا‪ ،‬واملرجعيــة القانونيــة‬
‫الضامنــة لحقــوق الجميــع‪ ،‬فــكل مــا يصلــح نَظْمــه يف مــكارم األخــاق مــن‬
‫الفضائــل واملحاســن يَ ْحســن فعلــه مــع غــر املســلم‪ ،‬ويدخــل يف بــاب الــر‬
‫املأمــور بــه وفــق الضوابــط الرشعيــة‪.‬‬
‫‪ .12‬توصــل البحــث إىل أن التســامح يف اإلســام مل يكــن مجرد شــعار‪ ،‬واســتدل‬
‫عــى ذلــك بالشــواهد التاريخيــة واالجتامعيــة‪ ،‬ومــا كان لهــا مــن األثــر البالــغ‬
‫يف التعامــل االجتامعــي بــن املســلمني ومختلــف الديانــات‪ .‬وهــذه الشــواهد‬
‫حــارضة يف مختلــف األعصــار منــذ عــر النبــوة‪ ،‬مثــل الوثائــق واملعاهــدات‪،‬‬
‫ووقائــع الوفــود‪ ،‬واملحــاورات‪ ،‬واملصالحــات‪ ،‬وقــد ت َ َح ـ َّول التســامح إىل مبــدأ‬
‫حضــاري إســامي تاريخــي‪ ،‬حيــث أقيمــت يف كثــر مــن بلــدان املســلمني‬
‫أماكــن مامرســة الشــعائر الدينيــة لغــر املســلمني مــن كنائــس وبيــع وتــم‬
‫حاميتهــا‪ ،‬وكان هنــاك وعــي بالتفريــق بــن التســامح والفــوىض؛ فالتســامح‬
‫محكــوم بضوابــط ومقاصــد وأســس رصينــة وإال تحــول إىل فــوىض‪.‬‬
‫‪ .13‬ومــن أجــل اســتدامة التســامح كان للبحــث وقفــة مــع عوامــل اســتقرار‬
‫التســامح وازدهــاره‪ ،‬وقــررتُ أنــه ال بــد مــن األخــذ بأســباب متــدد هــذه‬
‫القيمــة‪ ،‬وشــيوعها يف كل مفصــل مــن مفاصــل املجتمــع وميادينــه‪ ،‬ومنهــا‬
‫العوامــل األساســية الفاعلــة يف بنيــة التســامح وخاصــة‪ :‬الرتبيــة األخالقيــة‪،‬‬
‫وتفعيــل الضمــر األخالقــي اإلنســاين الــذي هــو أســاس يف مجــال الرتبيــة عــى‬
‫التســامح‪ .‬وأحــد أهــم معــززات هــذه االســتدامة هــو التواصــل الحضــاري‬

‫‪294‬‬
‫بشــتى تجلياتــه‪ ،‬ومنهــا عــى الخصــوص االختــاط مــع اآلخــر‪ ،‬والرحــات‬
‫يف طلــب املعــارف‪ ،‬وترجمــة تلــك املعــارف التــي تســاعد عــى التثاقــف‬
‫والتعــارف عــى اآلخــر‪.‬‬
‫‪ .14‬وقــد أفــاض البحــث يف جانبــه التطبيقــي املرتبــط باإلمــارات يف نظريــة‬
‫التســامح عنــد الشــيخ زايــد‪ ،‬فوقــف عنــد معــامل رؤيــة الشــيخ زايــد‪،‬‬
‫وجذورهــا الثقافيــة‪ ،‬وفروعهــا الدانيــة‪ ،‬وأثرهــا املجتمعــي‪ ،‬والتزامهــا العاملــي‪،‬‬
‫والبنــاء التســامحي عنــد الشــيخ زايــد يســتوعب املفاهيــم واألســس واألركان‬
‫والضوابــط‪ ،‬واملامرســة التطبيقيــة‪ ،‬والرؤيــة املســتقبلية‪ ،‬وبهــذا يســتحق‬
‫عملــه التســامحي أن يكــون نظريــة فريــدة ومتميــزة‪.‬‬
‫‪ .15‬إن أســس التســامح عنــد الشــيخ زايــد تُظهــر أنــه ينطلــق مــن أهميــة‬
‫الــدور الدينــي‪ ،‬وكان يركــز يف ذلــك عــى تربئــة اإلســام واألديــان كلهــا مــن‬
‫التطــرف واإلرهــاب‪ ،‬ويؤكــد عــى أنهــا مصــدر الرحمــة والحكمــة والســعادة‪،‬‬
‫وال يغيــب يف رؤيــة الشــيخ زايــد البعــد اإلنســاين واألخالقــي ومركزيتهــا‪.‬‬
‫وكانــت رؤيتــه نابعــة بالدرجــة األوىل مــن شــخصيته التســامحية امل ُحبــة‬
‫للخــر واالتحــاد‪ ،‬وقــد عمــل يف حياتــه عــى نــر رســالة التســامح ســواء يف‬
‫وطنــه أو خارجــه‪ ،‬فامتــدت هــذه الرؤيــة إىل ربــوع العــامل ومــن آثــار هــذه‬
‫الرؤيــة تســاكن مئــات األجنــاس والشــعوب عــى أرض دولــة اإلمــارات‪.‬‬
‫‪ .16‬ويف فحــص العالقــة بــن التســامح وثقافــة شــعب دولــة اإلمــارات العربية‬
‫املتحــدة يف هــذا البحــث‪ ،‬توصــل البحــث إىل أن التســامح إرث أصيــل يف دولة‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬ينبــع مــن ت ـراث األجــداد وعاداتهــم الطيبــة‪،‬‬
‫ومــن النتائــج التــي أكــد عليهــا البحــث‪ :‬أن التديــن الوســطي املعتــدل هــو‬
‫أســاس التســامح‪ ،‬ولهــذا كان الخطــاب الدينــي يف دولــة اإلمــارات يتميــز‬
‫باس ـراتيجيته الدقيقــة‪ ،‬ومضامينــه الســليمة‪ ،‬ووســائله املتطــورة‪ ،‬وانفتاحــه‬
‫عــى اآلخــر‪ ،‬ومل يوظــف الديــن يف مواجهــة التقــدم العلمــي‪ ،‬بــل وافقــت‬
‫بينهــا يف مصالحــة منوذجيــة أمثــرت هــذه الدولــة املتســامحة املســتقرة‬
‫واملتطــورة‪.‬‬
‫‪ .17‬مــن خــال التتبــع يف هــذا البحــث ملســرة التســامح يف دولــة اإلمــارات‬
‫اتضــح أن التســامح قــد وصــل إىل مرحلــة مهمــة‪ ،‬وصــار لــه كيــان واضــح‪،‬‬

‫‪295‬‬
‫ولهــذا وجبــت حاميتــه وحراســته؛ ألجــل هــذا أنشــئت مبــادرات‪ ،‬ووضعــت‬
‫دســاتري وقوانــن ووثائــق‪ ،‬ومــن أهــم هــذه املبــادرات مبــادرة صاحب الســمو‬
‫الشــيخ محمــد بــن زايــد ويل عهــد أبوظبــي نائــب القائــد األعــى للقــوات‬
‫املســلحة‪ ،‬يف اعتــاد «الرتبيــة األخالقيــة» يف املناهــج التعليمــة‪ ،‬ويــأيت ضمــن‬
‫املبــادرات األخــرى املهمــة الربنامــج الوطنــي للتســامح الفريــد مــن نوعــه‪،‬‬
‫و»وزارة التســامح» التــي أنشــأتها دولــة اإلمــارات‪ ،‬وعــى مســتوى الحاميــة‬
‫القانونيــة للتســامح أصــدرت دولــة اإلمــارات قانــون مكافحــة الكراهيــة‬
‫وتجريــم التمييــز العنــري‪ ،‬وهــو خطــوة دســتورية حضاريــة عامليــة‪.‬‬
‫‪ .18‬مل يكــن عــام التســامح الــذي مــا زلنــا نســتظل بــه إال مثــرة مــن مثــار‬
‫التســامح‪ ،‬وهــو مبثابــة إعــان دولــة اإلمــارات عاصــة عامليــة للتســامح‪،‬‬
‫واالعـراف بريادتهــا يف هــذا املجــال‪ ،‬وأنهــا تقــود املنطقــة إىل رحمة التســامح‬
‫وســعته‪ ،‬ومــن أعظــم مبــادرات عــام التســامح ومخرجاتــه «وثيقـــة األخــــوة‬
‫اإلنســــانية مــن أجــل الســام العاملــي والعيــش املشــرك» التــي تعتــر حدثــا‬
‫تاريخيــا متمي ـزا يف املنطقــة‪ ،‬فقــد ُوقعــت هــذه الوثيقــة يف رصح الشــيخ‬
‫زايــد يف العاصمــة اإلماراتيــة أبوظبــي‪ ،‬وحــر توقيعهــا رمــوز دينيــة مرجعيــة‬
‫يف العــامل لــدى املســلمني وغريهــم‪ ،‬فأضحــى التســامح يف عامــه مكرمــا بهــذه‬
‫الوثيقــة التــي متثــل دســتورا ومرجعــا للعــامل‪ ،‬يف الحفــاظ عــى األخــاق‪،‬‬
‫وإقامــة العــدل‪ ،‬واح ـرام الكرامــة اإلنســانية‪.‬‬
‫‪ .19‬ويف ختــام النتائــج أقــول‪ :‬إن الناظــر يف الدراســات الســابقة حــول هــذا‬
‫املوضــوع يجــد أ ّن لــكل منهــا وجهتــه ومنهجــه يف دراســة التســامح‪ ،‬ولئــا‬
‫يظــن املطالــع لهــذه الرســالة أن مــا فيهــا إمنــا هــو تســويد ورق‪ ،‬واجـرار ملــا‬
‫ســبق‪ ،‬فــإين أذكــر بعــض مــا متيــزت بــه عــن غريهــا يف النقــاط اآلتيــة‪:‬‬
‫‪ -‬النظــرة الشــمولية للتســامح اآلخــذة يف االعتبــار الفطــرة والقيــم اإلنســانية‬
‫املشــركة والخصوصيــات الثقافيــة والعــادات والتقاليــد االجتامعيــة‪ ،‬ومباركــة‬
‫األديــان لهــذه العوامــل الرئيســة الفاعلــة يف التســامح‪.‬‬
‫‪ -‬تحريــر مفهــوم للتســامح‪ ،‬واعتبــار أمناطــه وســياقاته املختلفــة‪ ،‬السياســية‬
‫والثقافيــة والدينيــة واالجتامعيــة‪ ،‬واالعتــداد باملرجعيــة الدوليــة يف تحريــر‬
‫املفهــوم وفــق مــا اســتقرت عليــه األمــم املتحــدة‪ ،‬واملؤسســات الرســمية‬

‫‪296‬‬
‫الوطنيــة يف الدولــة‪.‬‬
‫‪ -‬التأصيــل الرشعــي للتســامح مــن منظوريــن مختلفــن داخــل دائــرة اإلســام‬
‫وخارجــه‪ ،‬واالعتبــار بنظريــة التســامح العامــة وروح الترشيــع اإلســامي يف‬
‫توجيــه بعــض األدلــة واالختيــارات الفقهيــة‪.‬‬
‫‪ -‬دراســة تجربــة دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة يف التســامح‪ ،‬ومنابعهــا‬
‫ومقوماتهــا‪ ،‬ورموزهــا‪ ،‬والثقافــة املؤصلــة لهــا‪ ،‬وماضيهــا التليــد‪ ،‬وحارضهــا‬
‫املزدهــر‪ ،‬واســترشاف مســتقبلها املــرق‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أهم التوصيات‪:‬‬
‫أســجل يف ختــام هــذا البحــث بعــض التوصيــات لعلهــا تفتــح املجــال أمــام‬
‫الباحثــن الســتكامل مــا أنجــز يف هــذا البحــث والبنــاء عليــه‪:‬‬
‫‪ .1‬اســتخالص منهجيــة عــاج قضايــا التســامح والتعايــش مــن مناهــج بعــض‬
‫ـول فكريــة عامــة تحكــم‬ ‫العلــاء‪ ،‬وإرســائها منهجيــة مســتقلة‪ ،‬واعتامدهــا أصـ ً‬
‫مثــل هــذه القضايــا‪.‬‬
‫‪ .2‬االلتفــات إىل كنــوز تراثيــة‪ ،‬مل تســتثمر إىل حــد االن‪ ،‬ككتــب الســر‪،‬‬
‫والخــراج‪ ،‬واألمــوال‪ ،‬ودراســتها دراســة منهجيــة‪.‬‬
‫‪ .3‬دراســة كتــب الســنن يف معــرض التأصيــل ملوضــوع التســامح‪ ،‬الشــتاملها‬
‫عــى مــادة خصبــة يف أحــكام التعامــل مــع غــر املســلمني‪.‬‬
‫‪ .4‬إجـراء دراســات يف مجــال التســامح مســتندة إىل بعــض املذاهــب الفقهيــة‬
‫التــي تنــص قواعدهــا وأصولهــا وفروعهــا عــى قبــول اآلخــر‪ ،‬مثــل مذهــب‬
‫الحنفيــة واألوزاعــي‪ ،‬واســتثامرها فقه ًّيــا وفكريًّــا‪.‬‬
‫‪ .5‬اســتبدال بعــض املصلطلحــات الفقهيــة مثــل «دار الكفــر» و «دار‬
‫الحــرب» و «الجزيــة» و«عقــد الذمــة» و«الــزي» و«املرتديــن» و«املحاربــن»‪،‬‬
‫مبصطلحــات قانونيــة تزيــل اإلشــكال وتــؤدي دور َهــا رشع ًّيــا وواقع ًّيــا‪.‬‬
‫‪ .6‬دعــوة مؤسســات األرشــيف والدراســات والبحــوث الســتثامر الوثائــق‬
‫التســامحية املعــارصة التــي تشــتمل عليهــا املجــات والجرائــد اإلماراتيــة‬
‫والعربيــة‪.‬‬
‫‪ .7‬الدعــوة إىل جمــع وأرشــفة وحفــظ «حكــم الشــيخ زايــد»‪ ،‬وتســهيل‬
‫الرجــوع إليهــا‪ ،‬فهــي رصيــد حضــاري وإرث مجيــد‪.‬‬
‫‪ .8‬أدعو الباحثني إىل االنكباب عىل دراسة تجربة دولة اإلمارات الرثية‪.‬‬
‫‪ .9‬إكــال مســرة الــراث اإلســامي واالنفتــاح عــى ثقافــة اآلخريــن مــن‬
‫خــال الرتجمــة وإقامــة رصوح فنيــة تســامحية‪.‬‬
‫‪ .10‬إن الـراث اإلســامي ســاهم يف التســامح بوســائل مختلفــة مثــل الرتجمــة‬

‫‪298‬‬
‫والفــن‪ ،‬ومــن هنــا ندعــو إىل إكــال هــذه املســرة‪ ،‬واالنفتــاح عــى ثقافــة‬
‫اآلخريــن‪ ،‬عــن طريــق الرتجمــة‪ ،‬وإقامــة رصوح فنيــة‪ ،‬تســامحية متنوعــة‪،‬‬
‫فهــذه األنشــطة مــا يرســخ التســامح‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪106‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الفاتحة‬ ‫ا ْه ِدنَا ِّ َ‬
‫الصا َط الْ ُم ْستَ ِقي َم‬
‫‪242 ،140‬‬ ‫‪83‬‬ ‫البقرة‬ ‫َوقُولُوا لِل َّن ِ‬
‫اس ُح ْس ًنا‬

‫‪94‬‬ ‫‪111‬‬ ‫البقرة‬ ‫ق ُْل َهاتُوا بُ ْر َهانَ ُك ْم إِ ْن كُ ْنتُ ْم َصا ِد ِق َني‬


‫‪118 ،47‬‬ ‫‪136‬‬ ‫البقرة‬ ‫قُولُــوا آ َم َّنــا بِاللَّـ ِه َو َمــا أُنْـزِلَ إِلَيْ َنــا َو َمــا أُنْـزِلَ‬
‫إِ َل إِبْ َرا ِهيـ َم َوإِ ْسـ َـا ِعيلَ َوإِ ْسـ َحاقَ َويَ ْعق َ‬
‫ُوب‬
‫يــى َو َمــا‬ ‫ــوس َو ِع َ‬ ‫وت ُم َ‬ ‫َوالْ َ ْســ َب ِاط َو َمــا أُ ِ َ‬
‫ـن أَ َحـ ٍد‬ ‫وت ال َّن ِب ُّيــو َن ِمـ ْن َربِّ ِهـ ْم لَ نُ َفـ ِّرقُ بَـ ْ َ‬ ‫أُ ِ َ‬
‫ِم ْن ُهـ ْم َونَ ْحـ ُن لَـ ُه ُم ْسـلِ ُمو َن‬
‫‪4‬‬ ‫‪143‬‬ ‫البقرة‬ ‫َوكَ َذلِ َك َج َعلْ َناكُ ْم أُ َّم ًة َو َسطًا‬
‫‪،43‬‬ ‫‪178‬‬ ‫البقرة‬ ‫فَ َم ْن ُع ِف َي لَ ُه ِم ْن أَ ِخي ِه َ ْ‬
‫ش ٌء‬
‫‪55‬‬ ‫‪185‬‬ ‫البقرة‬ ‫س َولَ يُرِي ُد ِب ُك ُم الْ ُع ْ َ‬
‫س‬ ‫يُرِي ُد اللَّ ُه ِب ُك ُم الْيُ ْ َ‬
‫‪126‬‬ ‫‪189‬‬ ‫البقرة‬ ‫ولك َّن ال ّرب من اتقى‬
‫‪114‬‬ ‫‪208‬‬ ‫البقرة‬ ‫يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ا ْد ُخلُوا ِف ِّ‬
‫السل ِْم كَافَّ ًة‬
‫‪،64 ،63‬‬ ‫‪256‬‬ ‫البقرة‬ ‫الَ إِكْ َرا َه ِف الدين‬
‫‪241 ،158‬‬
‫‪62‬‬ ‫‪272‬‬ ‫البقرة‬ ‫لَ ْي َس َعلَ ْي َك ُه َدا ُه ْم َولَ ِك َّن اللَّ َه يَ ْه ِدي َم ْن يَشَ ا ُء‬

‫‪300‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪241‬‬ ‫‪285‬‬ ‫البقرة‬ ‫ـول بِ َــا أُنْـز َِل إِلَيْـ ِه ِمـ ْن َربِّـ ِه‬‫آ َمـ َن ال َّر ُسـ ُ‬
‫َوالْ ُم ْؤ ِم ُنــو َن ك ٌُّل آ َمـ َن بِاللَّـ ِه َو َم َلئِ ِك ِتـ ِه‬
‫ــن أَ َح ٍ‬
‫ــد‬ ‫َوكُتُبِــ ِه َو ُر ُســلِ ِه َل نُفَــ ِّر ُق بَ ْ َ‬
‫ِّمــن ُّر ُســلِ ِه َوقَالُــوا َســ ِم ْع َنا َوأَطَ ْع َنــا‬
‫ُغ ْف َرانَـ َـك َربَّ َنــا َوإِلَيْـ َـك الْ َم ِص ـ ُر‬
‫‪62‬‬ ‫‪20‬‬ ‫آل عمران‬ ‫ـي‬ ‫ـوك فَ ُقـ ْـل أَ ْس ـلَ ْم ُت َو ْج ِهـ َ‬ ‫فَ ـ ِإ ْن َحا ُّجـ َ‬
‫لِلَّ ـ ِه َو َمــنِ اتَّبَ َعــنِ َوقُـ ْـل لِل َِّذي ـ َن أُوتُــوا‬
‫ــن أَأَ ْســلَ ْمتُ ْم فَــ ِإ ْن‬ ‫ــاب َوالْ ُ ِّم ِّ َ‬‫الْ ِكتَ َ‬
‫أَ ْسـلَ ُموا فَ َقـ ِـد ا ْهتَـ َد ْوا َوإِ ْن تَ َولَّـ ْوا فَ ِإنَّ َــا‬
‫ــا ُغ َواللَّــ ُه بَ ِصــ ٌر بِالْ ِعبَــا ِد‬ ‫ــك الْبَ َ‬
‫َعلَيْ َ‬
‫‪96 ،95‬‬ ‫‪159‬‬ ‫آل عمران‬ ‫فَ ِبـ َـا َر ْح َمـ ٍة ِمـ َن اللَّـ ِه لِ ْنـ َ‬
‫ـت لَ ُهـ ْم َولَـ ْو‬
‫ْــب َلنْفَضُّ ــوا‬‫ــت فَظًّــا َغلِيــ َظ الْ َقل ِ‬ ‫كُ ْن َ‬
‫ِم ـ ْن َح ْولِـ َـك‬
‫‪185 ،116‬‬ ‫‪1‬‬ ‫النساء‬ ‫َّــذي‬‫ــاس اتَّقُــوا َربَّكُــ ُم ال ِ‬ ‫يَــا أَيُّ َهــا ال َّن ُ‬
‫ْــس َوا ِحــ َد ٍة َو َخل َ‬
‫َــق‬ ‫َخلَ َقكُــ ْم ِمــ ْن نَف ٍ‬
‫ِم ْن َهــا َز ْو َج َهــا َوبَــثَّ ِم ْن ُهـ َـا ِر َجــالً كَ ِثـ ًرا‬
‫َونِ َســا ًء َواتَّ ُقــوا اللَّـ َه الَّـ ِـذي ت ََســا َءلُو َن ِبـ ِه‬
‫َوالْ َ ْر َحــا َم إِ َّن اللَّــ َه كَا َن َعلَيْكُــ ْم َر ِقيبًــا‬
‫‪77 ،73‬‬ ‫‪36‬‬ ‫النساء‬ ‫َوالْ َجا ِر ِذي الْ ُق ْر َب َوالْ َجا ِر الْ ُج ُن ِب‬
‫‪44‬‬ ‫‪63‬‬ ‫النساء‬ ‫فَأَ ْعر ِْض َع ْن ُه ْم َو ِعظْ ُه ْم‬
‫‪114‬‬ ‫‪90‬‬ ‫النساء‬ ‫فَـ ِإنِ ا ْعتَ َزلُوكُـ ْم فَلَـ ْم يُقَاتِلُوكُـ ْم َوأَلْ َقـ ْوا‬
‫إِلَ ْي ُك ـ ُم َّ‬
‫الس ـلَ َم فَـ َـا َج َعـ َـل اللَّ ـ ُه لَ ُك ـ ْم‬
‫َعلَ ْي ِه ـ ْم َس ـب ًِيل‬

‫‪301‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪71‬‬ ‫‪94‬‬ ‫النساء‬ ‫الســاَ َم‬ ‫وَلَ تَقُولُــوا لِ َمــ ْن أَلْقَــى إِلَ ْيكُــ ُم َّ‬
‫ـت ُم ْؤ ِم ًنــا تَ ْبتَ ُغــو َن َعـ َر َض الْ َح َيــا ِة ال ُّدنْ َيا‬
‫ل َْسـ َ‬
‫‪،124‬‬ ‫‪135‬‬ ‫النساء‬ ‫يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذيــ َن آ َم ُنــوا كُونُــوا قَ َّوا ِمــ َن‬
‫بِالْ ِق ْسـ ِـط شُ ـ َه َدا َء لِلَّـ ِه َولَـ ْو َع َل أَنْف ُِسـ ُك ْم‬
‫أَ ِو الْ َوالِ َديْــنِ َوالْ َقْ َربِــ َن إِ ْن يَكُــ ْن َغ ِن ًّيــا‬
‫ِــا فَــاَ تَتَّ ِب ُعــوا‬ ‫أَ ْو فَ ِقــ ًرا قاللَّــ ُه أَ ْو َل ِبه َ‬
‫الْ َهـ َوى أَ ْن تَ ْع ِدلُــوا َوإِ ْن تَلْـ ُووا أَ ْو تُ ْعرِضُ ــوا‬
‫فَ ـ ِإ َّن اللَّ ـ َه كَا َن بِ َــا تَ ْع َملُــو َن َخ ِب ـ ًرا‬
‫‪130‬‬ ‫‪1‬‬ ‫املائدة‬ ‫يَاأَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ أَ ْوفُوا ْ بِالْ ُعقُو ِد‬
‫‪،128 ،68‬‬ ‫‪2‬‬ ‫املائدة‬ ‫ْــر َوالتَّقْــ َوى َو َل‬‫ــى ال ِ ِّ‬
‫َوتَ َعا َونُــوا َع َ‬
‫‪243‬‬ ‫ــى الْ ِث ِ‬
‫ْــم َوالْ ُعــ ْد َوانِ‬ ‫تَ َعا َونُــوا َع َ‬
‫‪61‬‬ ‫‪5‬‬ ‫املائدة‬ ‫َوالْ ُم ْح َص َنــاتُ ِمـ َن الْ ُم ْؤ ِم َنـ ِ‬
‫ـات َوالْ ُم ْح َص َناتُ‬
‫ِمــ َن الَّ ِذيــ َن أُوتُــوا الْ ِكتَ َ‬
‫ــاب ِمــ ْن قَ ْبلِكُــ ْم‬
‫إِذَا آتَ ْيتُ ُمو ُهــ َّن أُ ُجو َر ُهــ َّن ُم ْح ِص ِنــ َن غ ْ َ‬
‫َــر‬
‫ُم َســا ِف ِح َني َولَ ُمتَّ ِخــ ِذي أَ ْخــ َدا َن‬
‫‪،141‬‬ ‫‪5‬‬ ‫املائدة‬ ‫الْ َيــ ْو َم أُ ِح َّ‬
‫ــل لَكُــ ُم الطَّ ِّي َبــاتُ َوطَ َعــا ُم‬
‫‪239 ،143‬‬ ‫ــل لَكُــ ْم‬ ‫ال َِّذيــ َن أُوتُــوا الْ ِكتَ َ‬
‫ــاب ِح ٌّ‬
‫َوطَ َعا ُمكُــ ْم ِح ٌّ‬
‫ــل لَ ُهــ ْم‬
‫‪124‬‬ ‫‪8‬‬ ‫املائدة‬ ‫يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذي ـ َن آ َم ُنــوا كُونُــوا قَ َّوا ِم ـ َن‬
‫لِلَّــ ِه شُ ــ َه َدا َء بِالْ ِق ْس ِ‬
‫ــط َو َل يَ ْج ِر َم َّنكُــ ْم‬
‫شَ ـ َنآ ُن قَ ـ ْو ٍم َعـ َـى أَ َّل ت َ ْع ِدلُــوا ا ْع ِدلُــوا‬
‫ُهــ َو أَقْــ َر ُب لِلتَّقْــ َوى َواتَّقُــوا اللَّــ َه إِ َّن‬
‫اللَّ ـ َه َخ ِب ـ ٌر بِ َــا تَ ْع َملُــو َن‬

‫‪302‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪45‬‬ ‫‪13‬‬ ‫املائدة‬ ‫ـح إِ َّن اللَّـ َه يُ ِحـ ُّ‬
‫ـب‬ ‫اص َفـ ْ‬ ‫فَا ْعـ ُـف َع ْن ُهـ ْم َو ْ‬
‫ا لْ ُم ْح ِس ِن َني‬
‫‪50‬‬ ‫‪30‬‬ ‫املائدة‬ ‫فَطَ َّو َع ْت لَ ُه نَف ُْس ُه قَتْ َل أَ ِخي ِه فَ َقتَلَ ُه‬
‫‪50‬‬ ‫‪31‬‬ ‫املائدة‬ ‫فَأَ ْصبَ َح ِم َن النادمني‬
‫‪48‬‬ ‫‪48‬‬ ‫املائدة‬ ‫ش َع ـ ًة َو ِم ْن َها ًجــا‬
‫لِ ـك ٍُّل َج َعلْ َنــا ِم ْن ُك ـ ْم ِ ْ‬
‫َولَـ ْو شَ ــا َء اللَّـ ُه لَ َج َعلَ ُكـ ْم أُ َّمـ ًة َو ِ‬
‫احـ َد ًة‬
‫َولَ ِكـ ْن لِ َي ْبلُ َوكُـ ْم ِف َمــا آتَاكُ ْم ف َْاسـتَ َبقُوا‬
‫ات إِ َل اللَّــ ِه َم ْر ِج ُعكُــ ْم َج ِمي ًعــا‬ ‫ــر ِ‬
‫الْ َخ ْ َ‬
‫فَ ُي َن ِّبئُ ُك ـ ْم بِ َــا كُ ْنتُـ ْم ِفي ـ ِه تَ ْختَلِ ُفــو َن‬
‫‪186‬‬ ‫‪11‬‬ ‫األنعام‬ ‫ق ُْل ِس ُريوا ِف الْ َ ْر ِض ث ُ َّم انْظُ ُروا‬
‫‪175 ،46‬‬ ‫‪108‬‬ ‫األنعام‬ ‫َو َل ت َُس ُّبوا ال َِّذي َن يَ ْد ُعو َن ِم ْن ُدونِ اللَّ ِه‬
‫َي ِعل ٍْم‬
‫فَ َي ُس ُّبوا اللَّ َه َع ْد ًوا ِبغ ْ ِ‬
‫‪79‬‬ ‫‪141‬‬ ‫األنعام‬ ‫َوال َّن ْخ َل َوال َّز ْر َع ُم ْختَلِفًا أُكُلُه‬
‫‪82‬‬ ‫‪159‬‬ ‫األنعام‬ ‫إِ َّن ال َِّذيـ َن فَ َّرقُــوا ِدي َن ُهـ ْم َوكَانُــوا ِشـ َيعاً‬
‫ش ٍء‬
‫ـت ِم ْن ُهـ ْم ِف َ ْ‬ ‫ل َْسـ َ‬
‫‪12‬‬ ‫األعراف‬ ‫َخلَ ْقتَ ِني ِم ْن نَا ٍر َو َخلَ ْقتَ ُه ِم ْن ِط ٍني‬
‫‪122‬‬ ‫‪29‬‬ ‫األعراف‬ ‫ق ُْل أَ َم َر َر ِّب بِالْ ِق ْس ِط‬
‫‪56‬‬ ‫‪157‬‬ ‫األعراف‬ ‫ص ُه ْم َوالْ َغ َْل َل الَّ ِتي‬ ‫َويَضَ ُع َع ْن ُه ْم إِ ْ َ‬
‫كَان َْت َعلَ ْي ِه ْم‬

‫‪303‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪44 ،42 ،3‬‬ ‫‪199‬‬ ‫األعراف‬ ‫ــذ الْ َعفْــ َو َوأْ ُمــ ْر بِالْ ُعــ ْر ِف َوأَ ْعــر ِْض‬
‫ُخ ِ‬
‫َعــنِ الْ َجا ِهلِــن‬
‫‪177 ،88‬‬ ‫‪46‬‬ ‫األنفال‬ ‫َوأَ ِطي ُعــوا اللَّــ َه َو َر ُســولَ ُه َوال ت َنا َز ُعــوا‬
‫فَتَفْشَ ــلُوا‬
‫‪،72 ،71‬‬ ‫‪61‬‬ ‫األنفال‬ ‫ــح لَ َهــا‬ ‫َوإِ ْن َج َن ُحــوا لِ َّ‬
‫لســل ِْم فَا ْج َن ْ‬
‫‪114‬‬ ‫ــى اللَّــ ِه‬
‫َوتَــ َوك َّْل َع َ‬
‫‪131‬‬ ‫‪4‬‬ ‫التوبة‬ ‫فَأَ ِتُّوا إِلَ ْي ِه ْم َع ْه َد ُه ْم إِ َل ُم َّدتِ ِه ْم‬

‫‪237‬‬ ‫‪28‬‬ ‫التوبة‬ ‫يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا إِنَّ َا الْ ُم ْ ِ‬
‫شكُو َن‬
‫نَ َج ٌس‬
‫‪63‬‬ ‫‪29‬‬ ‫التوبة‬ ‫قَاتِلُوا ال َِّذي َن َل يُ ْؤ ِم ُنو َن بِاللَّ ِه َو َل‬
‫بِالْ َي ْو ِم ْال ِخ ِر‬
‫‪79‬‬ ‫‪99‬‬ ‫يونس‬ ‫َولَ ْو شَ ا َء َربُّ َك َل َم َن َم ْن ِف الْ َ ْر ِض‬
‫اس َحتَّى‬ ‫كُلُّ ُه ْم َج ِمي ًعا أَفَأَن َْت ت ُ ْك ِر ُه ال َّن َ‬
‫يَكُونُوا ُم ْؤ ِم ِن َني‬
‫‪162‬‬ ‫‪61‬‬ ‫هود‬ ‫ُه َو أَنشَ أَكُ ْم ِم َن الْ َ ْر ِض َو ْاستَ ْع َم َركُ ْم‬
‫ِفي َها‬
‫‪80 ،1‬‬ ‫‪,118‬‬ ‫هود‬ ‫اح َد ًة‬‫اس أُ َّم ًة َو ِ‬‫َولَ ْو شَ ا َء َربُّ َك لَ َج َع َل ال َّن َ‬
‫‪.119‬‬ ‫َو َل يَ َزالُو َن ُم ْختَلِ ِف َني إِ َّل َم ْن َر ِح َم َربُّ َك‬
‫َولِ َذلِ َك َخلَ َق ُه ْم‬

‫‪31‬‬ ‫‪92‬‬ ‫يوسف‬ ‫يب َعلَيْ ُك ُم الْيَ ْو َم يَ ْغ ِف ُر اللَّ ُه لَ ُك ْم‬


‫َل ت َْثِ َ‬
‫اح ِم َني‬‫َو ُه َو أَ ْر َح ُم ال َّر ِ‬

‫‪304‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪130‬‬ ‫‪20‬‬ ‫الرعد‬ ‫ال َِّذيــ َن يُوفُــو َن ِب َع ْه ِ‬
‫ــد اللَّــ ِه َوالَ‬
‫يِنقُضُ ــو َن الْ ِميث َ‬
‫َــاق‬
‫‪41‬‬ ‫‪85‬‬ ‫الحجر‬ ‫الصف َْح الْ َج ِم َيل‬
‫َاص َف ِح َّ‬
‫ف ْ‬
‫‪128 ،124‬‬ ‫‪90‬‬ ‫النحل‬ ‫إِ َّن اللَّ َه يَأْ ُم ُر بِالْ َع ْد ِل‬
‫‪74‬‬ ‫‪91‬‬ ‫النحل‬ ‫َوأَ ْوفُوا ْ ِب َع ْه ِد اللَّ ِه إِذَا َعا َهدت ُّ ْم‬

‫‪،62 ،47‬‬ ‫‪125‬‬ ‫النحل‬ ‫ــك بِال ِْح ْك َمــ ِة‬ ‫ا ْد ُع إِ َل َســبِيلِ َربِّ َ‬
‫‪96 ،94‬‬ ‫َوالْ َم ْو ِعظَـ ِة الْ َح َسـ َن ِة‪َ ،‬و َجا ِدلْ ُهـ ْم بِالَّ ِتــي‬
‫ــي أَ ْح َســ ُن‬‫ِه َ‬
‫‪،130 ،74‬‬ ‫‪،91‬‬ ‫النحل‬ ‫ــد اللــ ِه إذا َعا َهدتُّــ ْم َو َال‬ ‫َوأَ ْوفُــوا ْ ِب َع ْه ِ‬
‫‪.92‬‬ ‫تَنقُضُ ــوا ْ األَ ْ َيــا َن بَ ْع ـ َد تَ ْوكِ ِيد َهــا َوقَ ـ ْد‬
‫َج َعلْتُ ـ ُم الل ـ َه َعلَ ْي ُك ـ ْم كَ ِفيـ ًـا إِ َّن الل ـ َه‬
‫يَ ْعلَـ ُم َمــا تَ ْف َعلُــو َن َوالَ تَكُونُــوا ْ كَالَّ ِتــي‬
‫ـت َغ ْزلَ َهــا ِمــن بَ ْعـ ِـد قُـ َّو ٍة أَنكَاثًــا‬ ‫نَقَضَ ـ ْ‬
‫ــا بَيْ َنكُــ ْم أَن‬ ‫تَتَّ ِخــذُو َن أَ ْ َيانَكُــ ْم َد َخ ً‬
‫ـي أَ ْر َب ِم ـ ْن أُ َّم ـ ٍة إِنَّ َــا‬ ‫ت َ ُكــو َن أُ َّم ـ ٌة ِهـ َ‬
‫يَ ْبلُوكُ ـ ُم الل ـ ُه ِب ـ ِه َولَ ُي َب ِّي َن ـ َّن لَ ُك ـ ْم يَ ـ ْو َم‬
‫الْ ِق َيا َم ـ ِة َمــا كُنتُ ـ ْم ِفي ـ ِه تَ ْختَلِ ُفــو َن‬
‫‪131‬‬ ‫‪34‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫َوأَ ْوفُوا ْ بِالْ َع ْه ِد إِ َّن الْ َع ْه َد كَا َن َم ْس ُؤوالً‬
‫‪91 ،47‬‬ ‫‪53‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫َوق ُْل لِ ِع َبا ِدي يَقُولُوا الَّ ِتي ِه َي أَ ْح َس ُن‬
‫‪،58 ،5‬‬ ‫‪70‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫َولَقَــ ْد كَ َّر ْم َنــا بَ ِنــي آ َد َم َو َح َملْ َنا ُهــ ْم ِف‬
‫‪236 ،171‬‬ ‫ْــر َوالْ َب ْحــ ِر َو َر َزقْ َنا ُهــم ِّمــ َن الطَّ ِّي َب ِ‬
‫ــات‬ ‫ال َ ِّ‬
‫َوفَضَّ لْ َنا ُهـ ْم َعـ َـى كَ ِثـرٍ ِّم َّمـ ْن َخلَ ْق َنــا تَف ِْضيال‬

‫‪305‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪119‬‬ ‫‪84‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫قُـ ْـل ك ٌُّل يَ ْع َمـ ُـل َعـ َـى شَ ــاكِلَ ِت ِه فَ َربُّ ُك ـ ْم‬
‫أَ ْعلَـ ُم بِ َ ـ ْن ُه ـ َو أَ ْه ـ َدى َس ـب ًِيل‬
‫‪62‬‬ ‫‪29‬‬ ‫الكهف‬ ‫ــق ِمــ ْن َربِّكُــ ْم فَ َمــ ْن شَ ــا َء‬ ‫َوقُــلِ الْ َح ُّ‬
‫فَلْ ُي ْؤ ِمــ ْن َو َمــ ْن شَ ــا َء فَلْ َي ْكفُــ ْر‬
‫‪93‬‬ ‫‪34‬‬ ‫الكهف‬ ‫فَق ََال لِ َص ِ‬
‫اح ِب ِه َو ُه َو يُ َحا ِو ُر ُه‬
‫‪241‬‬ ‫‪- 31‬‬ ‫مريم‬ ‫ــاب‬ ‫َــال إِ ِّن َعبْــ ُد اللَّــ ِه آت ِ َ‬
‫َــان الْ ِكتَ َ‬ ‫ق َ‬
‫‪33‬‬ ‫َ‬
‫َو َج َعلَ ِنــي نَ ِب ًّيــا َو َج َعلَ ِنــي ُم َبــا َركًا أيْ ـ َن‬
‫ِالصـ َـا ِة َوال ـ َّزكَا ِة‬
‫ـان ب َّ‬ ‫ـت َوأَ ْو َصـ ِ‬‫َمــا كُ ْنـ ُ‬
‫ــت َح ًّيــا َوبَــ ًّرا ِب َوالِــ َد ِت َولَــ ْم‬ ‫َمــا ُد ْم ُ‬
‫ـي‬ ‫يَ ْج َعلْ ِنــي َجبَّــا ًرا شَ ـ ِقيًّا َو َّ‬
‫السـ َـا ُم َعـ َ َّ‬
‫يَــ ْو َم ُولِــدْتُ َويَــ ْو َم أَ ُمــوتُ َويَــ ْو َم‬
‫أُبْ َعــثُ َح ًّيــا‬
‫‪95‬‬ ‫‪45‬‬ ‫طه‬ ‫ُــول لَــ ُه قَــ ْو ًل لَ ِّي ًنــا لَ َعلَّــ ُه يَتَ َذكَّــ ُر‬
‫فَق َ‬
‫ــاف أَ ْن‬‫َــال َربَّ َنــا إِنَّ َنــا نَ َخ ُ‬ ‫ــى ق َ‬ ‫أَ ْو يَ ْخ َ‬
‫يَفْــ ُر َط َعلَ ْي َنــا أَ ْو أَ ْن يَطْغَــى‬
‫‪163‬‬ ‫‪79‬‬ ‫األنبياء‬ ‫فَ َف َّه ْمناها ُسلَ ْيام َن َوكُلًّ آتَ ْينا ُح ْكامً َو ِعلْامً‬
‫‪59‬‬ ‫‪107‬‬ ‫األنبياء‬ ‫َو َما أَ ْر َسلْ َن َاك إِ َّل َر ْح َم ًة لِلْ َعالَ ِم َني‬
‫‪159 ،158‬‬ ‫‪40‬‬ ‫الحج‬ ‫ــاس بَ ْعضَ ُهــ ْم‬ ‫َولَــ ْو َل َدفْــ ُع اللَّــ ِه ال َّن َ‬
‫ــت َص َوا ِمــ ُع َو ِب َيــ ٌع‬ ‫ــض لَّ ُه ِّد َم ْ‬ ‫ِب َب ْع ٍ‬
‫َو َصلَـ َواتٌ َو َم َســا ِج ُد يُ ْذكَـ ُر ِفي َهــا ْاسـ ُم‬
‫اللَّـ ِه كَ ِثـ ًرا َولَ َينـ ُ َ‬
‫ـر َّن اللَّـ ُه َمـ ْن يَنـ ُ ُ‬
‫ـر ُه‬
‫إِ َّن اللَّــ َه لَقَــو ٌِّي َعزِيــ ٌز‬

‫‪306‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪186‬‬ ‫‪46‬‬ ‫الحج‬ ‫أَفَلَ ـ ْم يَ ِس ـ ُروا ِف الْ َ ْر ِض فَتَ ُكــو َن لَ ُه ـ ْم‬
‫ـوب يَ ْع ِقلُــو َن ِب َها أَ ْو آذَا ٌن يَ ْسـ َم ُعو َن‬‫قُلُـ ٌ‬
‫ِب َهــا فَ ِإنَّ َهــا َل تَ ْع َمــى الْ َبْ َصــا ُر َولَ ِكــ ْن‬
‫ـوب الَّ ِتــي ِف ُّ‬
‫الص ـ ُدو ِر‬ ‫تَ ْع َمــى الْ ُقلُـ ُ‬
‫‪55‬‬ ‫‪78‬‬ ‫الحج‬ ‫َو َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم ِف الدِّينِ ِم ْن َح َر ٍج‬
‫‪41‬‬ ‫‪22‬‬ ‫النور‬ ‫َو َل يَأْتَــلِ أُولُــو الْفَضْ ــلِ ِم ْن ُك ْم َو َّ‬
‫السـ َع ِة‬
‫ول الْقُــ ْر َب َوالْ َم َســاكِ َني‬ ‫أَ ْن يُ ْؤتُــوا أُ ِ‬
‫َوالْ ُم َها ِجرِي ـ َن ِف َس ـبِيلِ اللَّ ـ ِه َولْيَ ْع ُفــوا‬
‫َولْيَ ْص َف ُحــوا أَ َل ت ُِحبُّــو َن أَ ْن يَ ْغ ِف ـ َر اللَّ ـ ُه‬
‫لَ ُك ـ ْم َواللَّ ـ ُه َغ ُفــو ٌر َر ِحي ـ ٌم‬
‫‪،64 ،47‬‬ ‫‪46‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫ـاب إِ َّل بِالَّ ِتــي‬ ‫َو َل تُ َجا ِدلُــوا أَ ْهـ َـل الْ ِكتَـ ِ‬
‫‪138‬‬ ‫ـي أَ ْح َسـ ُن إِ َّل ال َِّذيـ َن ظَلَ ُمــوا ِم ْن ُهـ ْم‬ ‫ِهـ َ‬
‫َوقُولُــوا آ َم َّنــا بِالَّـ ِـذي أُنـز َِل إِلَ ْي َنــا َوأُنـز َِل‬
‫اح ـ ٌد َونَ ْح ـ ُن‬ ‫إِلَيْ ُك ـ ْم َوإِلَ ُه َنــا َوإِلَ ُه ُك ـ ْم َو ِ‬
‫لَـ ُه ُم ْسـلِ ُمو َن‬
‫‪185‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الروم‬ ‫ات َوالْ َ ْر ِض‬ ‫َو ِم ـ ْن آيَاتِ ـ ِه َخلْـ ُـق َّ‬
‫الس ـ َم َو ِ‬
‫ــا ُف أَل ِْســ َن ِت ُك ْم َوأَلْ َوانِكُــ ْم إِ َّن ِف‬
‫َوا ْخ ِت َ‬
‫ـات لِلْ َعالِ ِم ـ َن‬
‫َذلِـ َـك َليَـ ٍ‬
‫‪49 ،2‬‬ ‫‪30‬‬ ‫الروم‬ ‫ــك لِلدِّيــنِ َح ِنيفًــا ِفطْــ َر َة‬ ‫فَأَ ِقــ ْم َو ْج َه َ‬
‫اللَّــ ِه الَّ ِتــي فَطَــ َر ال َّن َ‬
‫ــاس َعلَ ْي َهــا الَ‬
‫ــك ال ِّديــ ُن‬ ‫يــل لِ َخلْــقِ اللَّــ ِه َذلِ َ‬ ‫ت َ ْب ِد َ‬
‫ـاس الَ يَ ْعلَ ُمــون‬ ‫الْ َقيِّـ ُم َولَ ِكـ َّن أَكْـ َ َ‬
‫ـر ال َّنـ ِ‬
‫‪30‬‬ ‫الروم‬ ‫الَ تَ ْب ِد َيل لِ َخلْقِ اللَّ ِه َذلِ َك ال ِّدي ُن الْ َق ِّي ُم‬

‫‪307‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪80‬‬ ‫‪25‬‬ ‫السجدة‬ ‫ــك ُهــ َو يَف ِْص ُ‬
‫ــل بَيْ َن ُهــ ْم يَــ ْو َم‬ ‫إِ َّن َربَّ َ‬
‫يــا كَانُــوا ِفيــ ِه يَ ْختَلِفُــو َن‬‫الْ ِق َيا َمــ ِة ِف َ‬
‫‪94‬‬ ‫‪24‬‬ ‫سبأ‬ ‫الســ َم َو ِ‬
‫ات‬ ‫ُــل َمــ ْن يَ ْر ُزقُكُــ ْم ِمــ َن َّ‬ ‫ق ْ‬
‫َوالْ َ ْر ِض قُــلِ اللَّـ ُه َوإِنَّــا أَ ْو إيَّاكُـ ْم لَ َعـ َـى‬
‫ــا ٍل ُمبِــ ٍن‬ ‫ُهــ ًدى أَ ْو ِف ضَ َ‬
‫‪119‬‬ ‫‪26‬‬ ‫سبأ‬ ‫قُـ ْـل لَ ت ُْس ـأَلُو َن َعـ َّـا أَ ْج َر ْم َنــا َولَ ن ُْس ـأَلُ‬
‫َعـ َّـا تَ ْع َملُــو َن قُـ ْـل يَ ْج َمـ ُع بَ ْي َن َنــا َربُّ َنــا ث ُـ َّم‬
‫ـاح الْ َعلِيـ ُم‬ ‫ـح بَيْ َن َنــا بِالْ َحـ ِّـق َو ُهـ َو الْ َفتَّـ ُ‬
‫يَ ْفتَـ ُ‬
‫‪63‬‬ ‫‪41‬‬ ‫الزمر‬ ‫ــاب لِل َّن ِ‬
‫ــاس‬ ‫ــك الْ ِكتَ َ‬ ‫إِنَّــا أَنْ َزلْ َنــا َعلَ ْي َ‬
‫بِالْ َحـ ِّـق فَ َمــنِ ا ْهتَ ـ َدى فَلِ َنف ِْس ـ ِه َو َم ـ ْن‬
‫ــل َعلَ ْي َهــا َو َمــا أَن َ‬
‫ْــت‬ ‫ــل فَ ِإنَّ َــا يَ ِض ُّ‬
‫ضَ َّ‬
‫َعلَ ْيهِــ ْم ِب َوكِيــلٍ‬
‫‪،67 ،41‬‬ ‫‪34‬‬ ‫فصلت‬ ‫ـي أَ ْح َسـ ُن فَـ ِإذَا الَّـ ِـذي‬ ‫ا ْدفَـ ْع بِالَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫‪96‬‬ ‫بَ ْي َنـ َـك َوبَ ْي َنـ ُه َعـ َدا َو ٌة كَأَنَّـ ُه َو ِ ٌّل َح ِميـ ٌم‬

‫‪67‬‬ ‫‪34‬‬ ‫فصلت‬ ‫فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ويل‬
‫حميم‬
‫‪121‬‬ ‫‪40‬‬ ‫فصلت‬ ‫ا ْع َملُوا َما ِشئْتُ ْم‬
‫‪83 ،82‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الشورى‬ ‫ش َع لَكُــ ْم ِمــ َن الدِّيــنِ َمــا َو َّص بِــ ِه‬ ‫ََ‬
‫ــك َو َمــا‬ ‫َّــذي أَ ْو َح ْي َنــا إِلَ ْي َ‬
‫نُو ًحــا َوال ِ‬
‫ـى‬ ‫ـوس َو ِعيـ َ‬ ‫َو َّص ْي َنــا ِب ـ ِه إِبْ َرا ِهي ـ َم َو ُمـ َ‬
‫أَ ْن أَ ِقي ُمــوا ال ِّديــ َن َو َل تَتَ َف َّرقُــوا ِفيــ ِه‬

‫‪308‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪83 ،82‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الشورى‬ ‫أَ ْن أَ ِقي ُموا ال ِّدي َن َو َل تَتَ َف َّرقُوا ِفي ِه‬
‫‪41‬‬ ‫‪89‬‬ ‫الزخرف‬ ‫َاصف َْح َع ْن ُه ْم َوق ُْل َسلَ ٌم ف ََس ْو َف يَ ْعلَ ُمو َن‬
‫ف ْ‬
‫‪43‬‬ ‫‪14‬‬ ‫الجاثية‬ ‫قُـ ْـل لِل َِّذي ـ َن آ َم ُنــوا يَ ْغ ِف ـ ُروا لِل َِّذي ـ َن َل‬
‫يَ ْر ُجــو َن أَيَّــا َم اللَّ ـ ِه‬
‫‪109‬‬ ‫‪26‬‬ ‫الفتح‬ ‫ــل ال َِّذيــ َن كَفَــ ُروا ِف قُلُو ِبهِــ ُم‬ ‫إِ ْذ َج َع َ‬
‫الْ َح ِم َّيـ َة َح ِم َّيـ َة الْ َجا ِهلِ َّيـ ِة فَأَنـ َز َل اللَّـ ُه‬
‫َسـ ِكي َنتَ ُه َعـ َـى َر ُســولِ ِه َو َعـ َـى الْ ُم ْؤ ِم ِن َني‬
‫‪101‬‬ ‫‪29‬‬ ‫الفتح‬ ‫ُر َح َم ُء بَ ْي َن ُه ْم‬
‫‪177‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الحجرات‬ ‫ــى الْ ُ ْخــ َرى‬ ‫َــت إِ ْح َدا ُه َ‬
‫ــا َع َ‬ ‫فَــ ِإ ْن بَغ ْ‬
‫فَقَاتِلُــوا الَّ ِتــي تَ ْب ِغــي َحتَّــى ت َ ِفــي َء‬
‫إِ َل أَ ْمــ ِر اللَّــ ِه فَــ ِإ ْن فَــا َءتْ فَأَ ْصلِ ُحــوا‬
‫ــا بِالْ َعــ ْد ِل َوأَق ِْســطُوا إِ َّن اللَّــ َه‬
‫بَ ْي َن ُه َ‬
‫يُ ِح ُّ‬
‫ــب الْ ُمق ِْس ِ‬
‫ــط َني‬
‫‪100‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الحجرات‬ ‫إِنَّ َــا الْ ُم ْؤ ِم ُنــو َن إِ ْخــ َو ٌة فَأَ ْصلِ ُحــوا بَ ْ َ‬
‫ــن‬
‫أَ َخ َويْ ُكـ ْم َواتَّ ُقــوا اللَّـ َه لَ َعلَّ ُكـ ْم تُ ْر َح ُمو َن‬
‫‪،27 ،25 ،1‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الحجرات‬ ‫ـاس إِنَّــا َخلَ ْق َناكُــم ِّمــن َذكَـ ٍر‬ ‫يَــا أَيّ َهــا ال َّنـ ُ‬
‫‪،71 ،32‬‬ ‫ــل‬‫َوأُنثَــى َو َج َعلْ َناكــ ْم شُ ــ ُعوبًا َوقَبَائِ َ‬
‫‪،118 ،72‬‬ ‫لِتَ َعا َرفُــوا إِ َّن أَكْ َر َم ُكـ ْم ِعنـ َد اللَّـ ِه أَتْقَاكُ ْم‬
‫‪،185 ،172‬‬
‫‪،207 ،193‬‬
‫‪237‬‬

‫‪309‬‬
‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫م‬
‫‪44‬‬ ‫‪28‬‬ ‫النجم‬ ‫فَأَ ْعر ِْض َع ْن َم ْن تَ َو َّل َع ْن ِذكْ ِرنَا‬
‫‪106‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الرحمن‬ ‫َوأَ ِقي ُموا الْ َو ْز َن بِالْ ِق ْس ِط‬
‫‪106‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الرحمن‬ ‫سوا الْ ِمي َزا َن‬
‫َو َل تُ ْخ ِ ُ‬
‫‪74‬‬ ‫‪7‬‬ ‫املمتحنة‬ ‫ــن‬
‫ــل بَ ْي َنكُــ ْم َوبَ ْ َ‬ ‫ــى اللَّــ ُه أَ ْن يَ ْج َع َ‬ ‫َع َ‬
‫ال َِّذيــ َن َعا َديْتُــ ْم ِم ْن ُهــ ْم َمــ َو َّد ًة َواللَّــ ُه‬
‫ق َِديــ ٌر َواللَّــ ُه َغفُــو ٌر َر ِحيــ ٌم‬
‫‪،122 ،67‬‬ ‫‪8‬‬ ‫املمتحنة‬ ‫َل يَ ْن َهاكُــ ُم اللَّــ ُه َعــنِ ال َِّذيــ َن لَــ ْم‬
‫‪،139 ،126‬‬ ‫يُقَاتِلُوكُــ ْم ِف الدِّيــنِ َولَــ ْم يُ ْخ ِر ُجوكُــ ْم‬
‫‪،239 ،236‬‬ ‫ِمــ ْن ِديَا ِركُــ ْم أَ ْن ت َ َُّبو ُهــ ْم َوتُق ِْســطُوا‬
‫‪242‬‬ ‫ــب الْ ُمق ِْس ِ‬
‫ــط َني‬ ‫إِلَ ْيهِــ ْم إِ َّن اللَّــ َه يُ ِح ُّ‬
‫‪43‬‬ ‫‪10‬‬ ‫املزمل‬ ‫ـر َعـ َـى َمــا يَقُولُــو َن َوا ْه ُج ْر ُه ـ ْم‬
‫اصـ ِ ْ‬
‫َو ْ‬
‫َه ْج ـ ًرا َج ِميـ ًـا‬
‫‪62‬‬ ‫‪4‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫السب َِيل إِ َّما شَ اكِ ًرا َوإِ َّما كَفُو ًرا‬
‫إِنَّا َه َديْ َنا ُه َّ‬
‫‪93‬‬ ‫‪14‬‬ ‫االنشقاق‬ ‫إِنَّ ُه ظَ َّن أَ ْن لَ ْن يَ ُحو َر‬
‫‪62‬‬ ‫‪،21‬‬ ‫الغاشية‬ ‫فَ َذكِّ ْر إِنَّ َا أَن َْت ُم َذكِّ ٌر ل َْس َت َعلَيْ ِه ْم بِ ُ َسيْ ِط ٍر‬
‫‪.22‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪5 ،4‬‬ ‫التني‬ ‫لَ َق ْد َخلَ ْق َنا الْ ِن َْسا َن ِف أَ ْح َسنِ ت َ ْقو ٍ‬
‫ِيم‬
‫ث ُ َّم َر َد ْدنَا ُه أَ ْسف ََل َسا ِفلِ َني‬
‫‪120‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الكافرون‬ ‫ق ُْل يَا أَيُّ َها الْكَا ِف ُرو َن‬
‫‪120 ،119‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الكافرون‬ ‫لَ ُك ْم ِدي ُن ُك ْم َو ِ َل ِدينِ‬

‫‪310‬‬
‫فهرس األحاديث النبوية‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪181 ،180‬‬ ‫‪6464‬‬ ‫البخاري‬ ‫أَ َح ُّب الْ َ ْع َم ِل إِ َل الل ِه تَ َع َال أَ ْد َو ُم َها‪،‬‬
‫َوإِ ْن ق ََّل‬
‫‪57 ،13‬‬ ‫‪2107‬‬ ‫أحمد‬ ‫أَ َح ُّب الدِّينِ إِ َل اللَّ ِه ال َح ِني ِف َّي ُة َّ‬
‫الس ْم َح ُة‬
‫‪160‬‬ ‫‪2728‬‬ ‫أحمد‬ ‫ا ْخ ُر ُجــوا ب ِْسـ ِـم اللـ ِه تُقَاتِلُو َن ِف َسـبِيلِ‬
‫اللـ ِه َمـ ْن كَ َفـ َر بِاللـ ِه‪ ،‬لَ تَ ْغـ ِـد ُروا‪َ ،‬وال‬
‫تَ ُغلُّــوا‪َ ،‬وال تُ َثِّلُــوا‪َ ،‬وال تَ ْقتُلُــوا الْ ِولْ َدانَ‪،‬‬
‫الص َوا ِمعِ‬
‫ـاب َّ‬ ‫َوال أَ ْص َحـ َ‬
‫‪145‬‬ ‫‪3534‬‬ ‫أبو داود‬ ‫أَ ِّد الْ َ َمانَ َة إِ َل َمنِ ائْتَ َم َن َك‪َ ،‬و َل ت َ ُخ ْن‬
‫َم ْن َخان ََك‬
‫‪106‬‬ ‫‪24427‬‬ ‫أحمد‬ ‫إِذَا أَ َرا َد الل ُه َع َّز َو َج َّل ِبأَ ْهلِ بَيْ ٍت‬
‫َخ ْ ًيا‪ ،‬أَ ْد َخ َل َعلَ ْي ِه ُم ال ِّرف َْق‬
‫‪80‬‬ ‫‪7352‬‬ ‫البخاري‬ ‫إِذَا َحكَــ َم ال َحاكِــ ُم فَا ْجتَ َهــ َد ث ُــ َّم‬
‫ــاب فَلَــ ُه أَ ْجــ َرانِ ‪َ ،‬وإِذَا َحكَــ َم‬ ‫أَ َص َ‬
‫فَا ْجتَ َهــ َد ث ُــ َّم أَ ْخطَــأَ فَلَــ ُه أَ ْجــ ٌر‬
‫‪151 ،70‬‬ ‫‪18276‬‬ ‫البيهقي‬ ‫ا ْذ َه ُبوا فَأَنْتُ ُم الطُّلَقَا ُء‬
‫‪42 ،13‬‬ ‫‪2233‬‬ ‫أحمد‬ ‫ْاس َم ْح‪ ،‬يُ ْس َم ْح ل ََك‬
‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫أحمد‬ ‫ْأس ِمحوا لِ َع ْب ِدي ْ‬
‫كإس َمحه إىل عبادي‬
‫‪42‬‬ ‫‪237‬‬ ‫عبد الرزاق‬ ‫ْاس َم ُحوا يُ ْس َم ْح لَ ُك ْم‬

‫‪311‬‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪90‬‬ ‫‪338‬‬ ‫أبو داود‬ ‫الس َّنةَ‪َ ،‬وأَ ْج َزأَت َْك َص َلت َُك‬
‫أَ َصبْ َت ُّ‬
‫‪238 ،132‬‬ ‫‪3052‬‬ ‫أبو داود‬ ‫أَ َل َم ْن ظَلَ َم ُم َعا ِه ًدا‪ ،‬أَ ِو انْتَق ََص ُه‪ ،‬أَ ْو‬
‫كَلَّ َف ُه فَ ْو َق طَاقَ ِت ِه‬
‫‪108‬‬ ‫‪39‬‬ ‫البخاري‬ ‫ـر‪َ ،‬ولَـ ْن يُشَ ــا َّد ال ِّديـ َن أَ َح ٌد‬
‫إِ َّن ال ِّديـ َن يُـ ْ ٌ‬
‫شوا‬‫إِلَّ َغلَ َبـ ُه‪ ،‬ف ََسـ ِّد ُدوا َوقَا ِربُــوا‪َ ،‬وأَبْ ِ ُ‬
‫‪105‬‬ ‫‪1767‬‬ ‫مالك‬ ‫إِ َّن اللَّ َه تَ َبا َر َك َوتَ َع َال َر ِف ٌيق يُ ِح ُّب ال ِّرف َْق‬

‫‪148‬‬ ‫‪17734‬‬ ‫البيهقي‬ ‫إِ َّن ِبأَ ْر ِض الْ َحبَشَ ِة َملِكًا لَ يُظْلَ ُم أَ َح ٌد ِع ْن َد ُه‬
‫‪184‬‬ ‫‪6120‬‬ ‫البخاري‬ ‫اس ِم ْن كَال َِم ال ُّن ُب َّو ِة‪،‬‬‫إِ َّن ِم َّم أَ ْد َر َك ال َّن ُ‬
‫َاص َن ْع َما ِشئْ َت‬ ‫إِذَا لَ ْم ت َْستَ ْح ِي ف ْ‬
‫‪150‬‬ ‫‪2380‬‬ ‫أحمد‬ ‫أَنَا ابْ ُن َع ْب ِد الْ ُمطَّلِ ِب‬
‫‪178‬‬ ‫‪6952‬‬ ‫البخاري‬ ‫ْص أَ َخ َاك ظَالِ ًم أَ ْو َمظْلُو ًما‬
‫ان ُ ْ‬
‫‪53‬‬ ‫‪21301‬‬ ‫البيهقي‬ ‫ثت ألُتَ ِّ َم َمكا ِر َم األخالقِ‬
‫إنَّ ا بُ ِع ُ‬
‫‪149‬‬ ‫‪8704‬‬ ‫البيهقي‬ ‫إِنَّ ُه ْم كَانُوا ِلَ ْص َح ِاب ُم ْك ِر ِم َني‪ ،‬فَ ِإ ِّن‬
‫أُ ِح ُّب أَ ْن أُكَا ِفئَ ُه ْم‬
‫‪132‬‬ ‫‪2758‬‬ ‫أبو داود‬ ‫يس بِالْ َع ْه ِد‪َ ،‬و َل أَ ْحب ُِس ال ُ ُْب َد‪،‬‬
‫إِ ِّن َل أَ ِخ ُ‬
‫‪101‬‬ ‫‪54‬‬ ‫مسلم‬ ‫أول أَ ُدلُّ ُك ْم َع َل َ ْ‬
‫ش ٍء إِذَا فَ َعلْتُ ُمو ُه‬ ‫ً‬
‫تَ َحابَبْتُ ْم؟‬
‫‪57‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫مسلم‬ ‫برشا وال تنفرا‪ ،‬ويرسا وال تعرسا‪،‬‬
‫وتطاوعا وال تختلفا‬

‫‪312‬‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪56 ،35‬‬ ‫‪22291‬‬ ‫أحمد‬ ‫الس ْم َح ِة‬
‫بُ ِعث ُْت بِالْ َح ِني ِفيَّ ِة َّ‬
‫‪51‬‬ ‫‪21301‬‬ ‫البيهقي‬ ‫ثت ألُتَ ِّ َم َمكا ِر َم األخالقِ‬
‫بُ ِع ُ‬
‫‪144‬‬ ‫‪2216‬‬ ‫البخاري‬ ‫بَيْ ًعا أَ ْم َع ِطيَّةً؟ ‪ -‬أَ ْو قال‪ - :‬أَ ْم ِهبَ ًة‬
‫‪139‬‬ ‫‪12‬‬ ‫البخاري‬ ‫السالَ َم َع َل َم ْن‬ ‫تُطْ ِع ُم الطَّ َعا َم‪َ ،‬وتَ ْق َرأُ َّ‬
‫َع َرف َْت َو َم ْن لَ ْم ت َ ْعر ِْف‬
‫‪128‬‬ ‫‪182‬‬ ‫املاوردي‬ ‫جبلت القلوب عىل حب من أحسن‬
‫إليها‪ ،‬وبغض من أساء إليها‬
‫‪69‬‬ ‫‪3938‬‬ ‫أحمد‬ ‫ُح ِّر َم َع َل ال َّنا ِر ك ُُّل َه ِّ ٍي ل ِّ ٍَي َس ْهلٍ‬
‫اس‬‫ِيب ِم َن ال َّن ِ‬ ‫قَر ٍ‬
‫‪98‬‬ ‫‪1240‬‬ ‫البخاري‬ ‫َح ُّق الْ ُم ْسلِ ِم َع َل الْ ُم ْسلِ ِم َخ ْم ٌس‬
‫‪101‬‬ ‫‪2162‬‬ ‫مسلم‬ ‫َح ُّق الْ ُم ْسلِ ِم َع َل الْ ُم ْسلِ ِم ِس ٌّت‬
‫‪72‬‬ ‫‪6015‬‬ ‫أبو داود‬ ‫َد ُعوا الْ َح َبشَ َة َما َو َد ُعوكُ ْم‪َ ،‬وات ْ ُركُوا‬
‫الت َك َما ت َ َركُوكُ ْم‬
‫ُّ ْ‬
‫‪149‬‬ ‫‪382/5‬‬ ‫البيهقي‬ ‫َد ُعو ُه ْم‪ ،‬ف َْاستَ ْق َبلُوا الْ َم ْ ِ‬
‫شقَ ف ََصلُّوا َصلَ تَ ُه ْم‬
‫‪،4،13،69‬‬ ‫‪2076‬‬ ‫البخاري‬ ‫َر ِح َم اللَّ ُه َر ُج ًل َس ْم ًحا إِذَا بَاعَ‪َ ،‬وإِذَا‬
‫‪142‬‬ ‫اشْ َ َتى‪َ ،‬وإِذَا اقْتَ َض‬
‫‪102‬‬ ‫‪48‬‬ ‫البخاري‬ ‫وق‪َ ،‬و ِقتَالُ ُه كُ ْف ٌر‬ ‫ِس َب ُ‬
‫اب امل ُْسلِ ِم ف ُُس ٌ‬
‫‪181‬‬ ‫َسـ ِّد ُدوا َوقَا ِربُــوا‪َ ،‬وا ْعلَ ُمــوا أَ ْن لَـ ْن يُ ْد ِخ َل‬
‫أَ َح َدكُــ ْم َع َملُــ ُه ال َج َّنــةَ‪َ ،‬وأَ َّن أَ َح َّ‬
‫ــب‬
‫ــا ِل إِ َل اللَّــ ِه أَ ْد َو ُم َهــا َوإِ ْن ق َّ‬
‫َــل‬ ‫األَ ْع َ‬

‫‪313‬‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪56‬‬ ‫‪245‬‬ ‫األدب‬ ‫سوا‪َ ،‬وإِذَا‬ ‫سوا‪َ ،‬والَ تُ َع ِّ ُ‬ ‫َعلِّ ُموا َويَ ِّ ُ‬
‫املفرد‬ ‫َ‬
‫غ َِض َب أ َح ُدكُ ْم فَلْ َي ْسك ُْت‬
‫‪103‬‬ ‫‪1843‬‬ ‫مسلم‬ ‫فَ َم ْن أَ َح َّب أَ ْن يُ َز ْح َز َح َعنِ ال َّنارِ‪،‬‬
‫َويُ ْد َخ َل الْ َج َّنةَ‪ ،‬فَلْتَأْتِ ِه َم ِن َّيتُ ُه َو ُه َو‬
‫‪191‬‬ ‫‪580/6‬‬ ‫الدر‬ ‫قوم حلامء ُعل ََمء كَا ُدوا أَن يبلغُوا‬
‫املنثور‬ ‫بفقههم َحتَّى يَكُونُوا أَنْب َياء‬
‫‪180‬‬ ‫‪6462‬‬ ‫البخاري‬ ‫كَا َن أَ َح ُّب ال َع َم ِل إِ َل َر ُسو ِل اللَّ ِه صىل‬
‫الله عليه وسلم الَّ ِذي يَ ُدو ُم َعلَ ْي ِه َصا ِح ُب ُه‬
‫‪49‬‬ ‫‪4775‬‬ ‫البخاري‬ ‫ك ُُّل َم ْولُو ٍد يُولَ ُد َع َل الْ ِفطْ َر ِة‬
‫‪84‬‬ ‫‪3476‬‬ ‫البخاري‬ ‫كِالَك َُم ُم ْح ِس ٌن‪َ ،‬والَ تَ ْختَلِفُوا‪ ،‬فَ ِإ َّن َم ْن‬
‫كَا َن قَبْلَ ُك ُم ا ْختَلَفُوا فَ َهلَكُوا‬
‫‪31‬‬ ‫‪18739‬‬ ‫البيهقي‬ ‫ال أقول لكم إال كام قال يوسف‬
‫إلخوته‪ :‬ال ترثيب عليكم اليوم‬
‫‪132‬‬ ‫‪12383‬‬ ‫أحمد‬ ‫َل إِ َميا َن لِ َم ْن َل أَ َمانَ َة لَ ُه‪َ ،‬و َل ِدي َن‬
‫لِ َم ْن َل َع ْه َد لَ ُه‬
‫‪109‬‬ ‫‪6116‬‬ ‫البخاري‬ ‫الَ تَغْضَ ْب‬
‫‪59‬‬ ‫‪7376‬‬ ‫البخاري‬ ‫َل يَ ْر َح ُم اللَّ ُه َم ْن الَ يَ ْر َح ُم ال َّن َ‬
‫اس‬
‫‪103‬‬ ‫‪13‬‬ ‫البخاري‬ ‫الَ يُ ْؤ ِم ُن أَ َح ُدكُ ْم‪َ ،‬حتَّى يُ ِح َّب ِلَ ِخي ِه‬
‫َما يُ ِح ُّب لِ َنف ِْس ِه‬
‫‪90‬‬ ‫‪338‬‬ ‫أبو داود‬ ‫ل ََك الْ َ ْج ُر َم َّرت ْ َِي‬

‫‪314‬‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪4‬‬ ‫‪3477‬‬ ‫البخاري‬ ‫اللهم اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون‬
‫‪150‬‬ ‫‪2937‬‬ ‫البخاري‬ ‫اللَّ ُه َّم ا ْه ِد َد ْو ًسا َوأْ ِت ِب ِه ْم‬
‫‪117‬‬ ‫‪19293‬‬ ‫أحمد‬ ‫ش ٍء‪ ،‬أَنَا شَ هِي ٌد‬
‫اللَّ ُه َّم َربَّ َنا َو َر َّب ك ُِّل َ ْ‬
‫ش َيك ل ََك‬‫أَن ََّك أَن َْت ال َّر ُّب َو ْح َد َك َل َ ِ‬
‫‪70‬‬ ‫‪2544‬‬ ‫مسلم‬ ‫لَ ْو أَ َّن أَ ْه َل ُع َم َن أَتَيْ َت‪َ ،‬ما َسبُّ َوك َو َل‬
‫ضبُ َوك‬ ‫ََ‬
‫‪176‬‬ ‫‪1977‬‬ ‫الرتمذي‬ ‫لَيْ َس امل ُ ْؤ ِم ُن بِالطَّ َّعانِ َو َل اللَّ َّعانِ َو َل‬
‫َاح ِش َو َل ال َب ِذي ِء‬
‫الف ِ‬
‫‪56‬‬ ‫‪6786‬‬ ‫البخاري‬ ‫ـول اللـ ِه صــى اللــه عليه‬ ‫ـر َر ُسـ ُ‬ ‫َمــا ُخـ ِّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ـن أ ْم َريْــنِ ‪ ،‬أ َح ُد ُهـ َـا أيْـ َ ُ‬
‫ـر‬ ‫َ‬ ‫وســلم بَـ ْ َ‬
‫س ُهـ َـا‪َ ،‬مــا‬ ‫ِم ـ َن ْال َخ ـرِ‪ ،‬إِ َّل ا ْختَــا َر أَيْ َ َ‬
‫لَــ ْم يَكُــ ْن إِثْ ًــا‪ ،‬فَــ ِإ ْن كَا َن إِثْ ًــا‪ ،‬كَا َن‬
‫ـاس ِم ْن ـ ُه‬‫أَبْ َع ـ َد ال َّنـ ِ‬
‫‪238‬‬ ‫‪1943‬‬ ‫الرتمذي‬ ‫وصي ِني بِالْ َجا ِر َحتَّى‬ ‫َما ز ََال ج ِْب ُِيل يُ ِ‬
‫ظَ َن ْن ُت أَنَّ ُه َسيُ َو ِّرث ُه‬
‫‪105‬‬ ‫‪1778‬‬ ‫األحاديث‬ ‫ش ٍء إِال زَانَ ُه َوال‬
‫َما كَا َن ال ِّرف ُْق ِف َ ْ‬
‫املختارة‬ ‫ش ٍء إِال شانه‬ ‫نُ ِز َع ِم ْن َ ْ‬
‫‪101 ،100‬‬ ‫‪2586‬‬ ‫مسلم‬ ‫َــل الْ ُم ْؤ ِم ِنــ َن ِف تَ َوا ِّد ِهــ ْم‪،‬‬ ‫َمث ُ‬
‫َوتَ َرا ُح ِم ِهـ ْم‪َ ،‬وتَ َعاطُ ِف ِهـ ْم َمث َُل الْ َج َسـ ِـد‬
‫إِذَا اشْ ــتَ َك ِم ْنــ ُه ُعضْ ــ ٌو ت َ َدا َعــى لَــ ُه‬
‫ِالســ َه ِر َوالْ ُح َّمــى‬
‫ــد ب َّ‬ ‫َســائِ ُر الْ َج َس ِ‬

‫‪315‬‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪100‬‬ ‫‪2442‬‬ ‫البخاري‬ ‫امل ُْســلِ ُم أَ ُخــو امل ُْســلِ ِم الَ يَظْلِ ُمــ ُه َوالَ‬
‫يُ ْس ـلِ ُم ُه‪َ ،‬و َم ـ ْن كَا َن ِف َحا َج ـ ِة أَ ِخي ـ ِه‬
‫كَا َن اللَّــ ُه ِف َحا َج ِتــ ِه‬
‫‪102‬‬ ‫‪10‬‬ ‫البخاري‬ ‫امل ُْســلِ ُم َمــ ْن َســلِ َم امل ُْســلِ ُمو َن ِمــ ْن‬
‫لِ َســانِ ِه َويَ ِ‬
‫ــد ِه‬
‫‪105‬‬ ‫‪2592‬‬ ‫مسلم‬ ‫َم ْن ُح ِر َم ال ِّرف َْق ُح ِر َم الْ َخ ْ َي أَ ْو َم ْن‬
‫يُ ْح َر ِم ال ِّرف َْق يُ ْح َر ِم الْ َخ ْ َي‬
‫‪155‬‬ ‫‪3052‬‬ ‫أبو داود‬ ‫من ظلم معاهدا أو كلفه فوق‬
‫طاقته فأنا حجيجه‬
‫‪131‬‬ ‫‪2759‬‬ ‫أبو داود‬ ‫َم ْن كَا َن بَ ْي َن ُه َوبَ ْ َي قَ ْو ٍم َع ْه ٌد ف ََل يَشُ ُّد‬
‫َض أَ َم ُد َها‬
‫ُع ْق َد ًة َو َل يَ ُحلُّ َها َحتَّى يَ ْنق ِ َ‬
‫‪105‬‬ ‫‪6024‬‬ ‫البخاري‬ ‫َم ْه ًل يَا َعائِشَ ةُ‪ ،‬إِ َّن اللَّ َه يُ ِح ُّب ال ِّرف َْق‬
‫ِف األَ ْم ِر كُلِّ ِه‬
‫‪52‬‬ ‫‪22840‬‬ ‫أحمد‬ ‫الْ ُم ْؤ ِم ُن يَأْل َُف َويُ ْؤل ٌَف َوالَ َخ ْ َي ِفي َم ْن‬
‫الَ يَأْل َُف َوالَ يُ ْؤل َُف‬
‫‪139‬‬ ‫‪2620‬‬ ‫البخاري‬ ‫نَ َع ْم ِص ِل أُ َّمك‬
‫‪136 ،135‬‬ ‫‪501/1‬‬ ‫السرية‬ ‫ـي صــى‬ ‫ـاب ِمـ ْن ُم َح َّمـ ٍـد ال َّن ِبـ ِّ‬
‫َهـذَا كِتَـ ٌ‬
‫النبوية‬ ‫ــن الْ ُم ْؤ ِم ِنــ َن‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬بَ ْ َ‬
‫ـش َويَـ ْ ِ‬
‫ـر َب‬ ‫َوالْ ُم ْس ـلِ ِم َني ِم ـ ْن قُ َريْـ ٍ‬
‫‪109‬‬ ‫‪3551‬‬ ‫الرتمذي‬ ‫َو ْاسل ُْل َس ِخي َم َة َص ْدرِي‬
‫‪73‬‬ ‫‪6016‬‬ ‫البخاري‬ ‫َواللَّ ِه الَ يُ ْؤ ِم ُن‪َ ،‬واللَّ ِه الَ يُ ْؤ ِم ُن‪َ ،‬واللَّ ِه الَ يُ ْؤ ِم ُن‪...‬‬

‫‪316‬‬
‫الصفحة‬ ‫رقمه‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬
‫‪136‬‬ ‫‪501/1‬‬ ‫السرية‬ ‫ـر َعـ َـى َم ـ ْن َحــا َر َب‬‫َوأَ َّن بَيْ َن ُه ـ ُم ال َّنـ ْ َ‬
‫النبوية‬ ‫أَ ْهـ َـل َهـ ِـذ ِه َّ‬
‫الص ِحي َف ـ ِة‬
‫‪136‬‬ ‫‪501/1‬‬ ‫السرية‬ ‫َوإِ َّن يَ ُهــو َد بَ ِنــي َعــ ْو ٍف أُ َّمــ ٌة َمــ َع‬
‫النبوية‬ ‫ا لْ ُم ْؤ ِم ِنــ َن‬
‫‪140‬‬ ‫‪3477‬‬ ‫البخاري‬ ‫وأهــدى ملــك أيلــة للنبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم بغلــة بيضــاء‪ ،‬وكســاه بــردا ً‬
‫‪33‬‬ ‫‪23489‬‬ ‫أحمد‬ ‫يَــا أَيُّ َهــا ال َّنـ ُ‬
‫ـاس إِ َّن َربَّ ُكـ ْم َو ِ‬
‫احـ ٌد َو ِإ َّن‬
‫أَبَاكُـ ْم َو ِ‬
‫احـ ٌد‬
‫‪56‬‬ ‫‪69‬‬ ‫البخاري‬ ‫سوا‬
‫سوا َوالَ تُ َع ِّ ُ‬
‫يَ ِّ ُ‬

‫‪317‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫مقدمة ‪ .............................................................................................................‬أ‬
‫أهمية املوضوع والحاجة إليه ‪ ...........................................................................‬ب‬
‫أسباب اختيار املوضوع ‪ .....................................................................................‬ت‬
‫الدراسات السابقة ‪ ............................................................................................‬ث‬
‫اإلضافة العلمية للرسالة ‪ ....................................................................................‬ر‬
‫إشكالية البحث ‪ ................................................................................................‬ر‬
‫أهداف البحث ‪ .................................................................................................‬ز‬
‫صعوبات البحث ‪ ..............................................................................................‬ز‬
‫منهج البحث ‪ ...................................................................................................‬س‬
‫خطة البحث ‪ ...................................................................................................‬ش‬
‫متهيد‪ :‬يف موارد سامحة اإلسالم ‪1 .........................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬مفهوم التسامح وأهميته وأسسه الرشعية ‪7 ......................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم التسامح ونشأته وتطوره‪9 ...................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم التسامح ‪10 .......................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف اللغوي للتسامح ‪10 ........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف االصطالحي للتسامح ‪12 ...............................................‬‬
‫أول‪ :‬مفهوم التسامح يف كتب السنة النبوية ‪13 .................................................‬‬ ‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬مفهوم التسامح عند علامء األخالق ‪14 .....................................................‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مفهوم التسامح عند علامء علم املصطلحات ‪16 ........................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املفهوم الحديث للتسامح ‪17 ...................................................‬‬
‫مفهوم التسامح يف الثقافة الغربية ‪19 ..............................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالتسامح ‪23 ................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مصطلح التعايش‪23 ...................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مصطلح التعارف ‪25 ..................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مصطلح التقريب بني األديان ‪28 ...............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تاريخ التسامح ‪30 ...................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التسامح قبل اإلسالم ‪30 .............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التسامح ثقافة إسالمية وعربية ‪32 ..............................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التحوالت املعارصة يف مجال التسامح ‪35 ...................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬أهمية التسامح ومظاهره وآثاره ‪39 ..............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية التسامح ويشتمل عىل ثالثة مطالب ‪40 ............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التسامح فريضة رشعية ‪40 .........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التسامح رضورة إنسانية ‪48 ........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مظاهر التسامح وتجلياته ‪54 ......................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التيسري‪54 ..................................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التكافل والرتاحم‪58 ....................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الحرية الدينية‪61 .....................................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬آثار التسامح ومثراته ‪66 ...........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعزيز السلم يف املجتمعات ‪66 ...................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬استقرار العالقات الدولية ‪70 ......................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أسس التسامح مع املخالف من املسلمني ‪77 ..............................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مرشوعية االختالف وضوابطه ‪79 ................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬االختالف املرشوع ‪79 ................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬قبول االختالف والتنوع مظهر حضاري ‪83 ...................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ضوابط االختالف املرشوع ‪87 ...................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬قيم التسامح بني املسلمني ‪93 ....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الحوار والحكمة ‪93 ...................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الحفاظ عىل الحقوق ومراعاة مراتبها ‪98 ....................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرفق باملسلمني ‪104 .................................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬منهج االعتدال ‪106 .....................................................................‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬أصول التسامح مع غري املسلمني يف الرشيعة اإلسالمية ‪112 ...............‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أصول العالقة مع غري املسلمني ووسائل تحقيقها ‪114 .....................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬األصول الحاكمة للعالقة مع غري املسلمني ‪116 ..............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أصل االعرتاف بغري املسلمني ‪116 .................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أصل اإلنصاف والقسط ‪121 .........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أصل الرب واإلحسان ‪126 .............................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أصل الوفاء بالعهود ‪129 .............................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬وسائل تحقيق التسامح بني املسلمني وغريهم ‪134 .........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حقوق املواطنة الثابتة لغري املسلمني ‪134 .....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التواصل االجتامعي واألرسي ‪137 ..................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التعامل التجاري ‪142 ................................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬شواهد تاريخية عىل تسامح املسلمني مع غريهم ‪147.....................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الشواهد التاريخية واالجتامعية عىل تسامح‬
‫اإلسالم مع غري املسلمني ‪147 .............................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬شواهد تاريخية واجتامعية عىل تسامح‬
‫اإلسالم يف عرص النبوة ‪147 ................................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬شواهد تاريخية واجتامعية عىل تسامح اإلسالم‬
‫يف عهد الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم ‪152 .........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أحكام حامية أماكن عبادة غري‬
‫املسلمني يف الرشيعة اإلسالمية ‪158 ....................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬النصوص الواردة يف حامية أماكن‬
‫عبادة غري املسلمني ‪158 ....................................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬شواهد تاريخية عىل حامية أماكن‬
‫عبادة غري املسلمني ‪161 ....................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ضوابط التسامح ووسائل استدامته ‪169 .......................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ضوابط التسامح بني املسلمني وغريهم ‪171 ...................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الضابط اإلنساين ‪171 ...................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الضابط الديني ‪173 .....................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الضابط القانوين ‪176 .................................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬استدامة التسامح اإلنساين ‪180 .....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرتبية األخالقية ودورها يف استدامة التسامح ‪180 .........................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التواصل الحضاري بني الشعوب‬
‫وأثره يف استدامة التسامح ‪184 ..........................................................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬التسامح وقيمه يف املجتمع اإلمارايت ‪189 ........................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الشيخ زايد رحمه الله ودوره يف ترسيخ‬
‫ثقافة التسامح يف املجتمع اإلمارايت ‪191 ..............................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رؤية الشيخ زايد التسامحية‬
‫ودورها يف تحقيق التسامح ‪200 .........................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رؤية الشيخ زايد التسامحية وأثرها يف املجتمع اإلمارايت ‪200 ..........‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬دور الشيخ زايد يف نرش التسامح اإلنساين يف العامل ‪205 ..................‬‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬حكَم الشيخ زايد املؤسسة للتسامح ‪192 .......................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حكم الشيخ زايد الواردة يف التسامح ‪192 .....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬نظرات تحليلية يف حكم الشيخ زايد‬
‫التسامحية التأسيسية ‪194 .................................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬القيم الثقافية للشعب اإلمارايت وأثرها يف التسامح ‪216 .................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التعايش بني شعوب العامل يف‬
‫دولة اإلمارات ودوره يف ترسيخ التسامح ‪224 ......................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أمنوذج التدين يف اإلمارات وتأسيسه لثقافة التسامح ‪230 ...............‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الخطاب الديني اإلمارايت وأثره يف ترسيخ التسامح ‪230 ...................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬دراسة مناذج من فتاوى إدارة املركز الرسمي‬
‫لإلفتاء بدولة اإلمارات العربية املتحدة ‪235 ........................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربنامج الوطني اإلمارايت للتسامح ‪246 ........................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬التعريف بالربنامج الوطني للتسامح ‪247 ......................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أسس الربنامج الوطني للتسامح ‪248 .............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر الربنامج الوطني يف تعزيز التسامح وطنيا ودوليا ‪252 ...............‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬دور املؤسسات الوطنية يف الحفاظ عىل‬
‫التسامح وتطويره ‪258 ......................................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املبادرات الوطنية وأثرها يف حامية التسامح ‪258 ...........................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مبادرة عام التسامح وأهم منجزاته يف‬
‫تعزيز التسامح اإلمارايت ‪263 ..............................................................................‬‬
‫الخامتة ‪273 ......................................................................................................‬‬
‫أول‪ :‬أهم النتائج ‪273 ........................................................................................‬‬ ‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أهم التوصيات ‪278 ...................................................................................‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية ‪280 .................................................................................‬‬
‫فهرس األحاديث النبوية ‪291 .............................................................................‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪297 ......................................................................................‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع ‪304 ..............................................................................‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪.‬‬


‫إبراهيــم مصطفــى‪ ،‬أحمــد الزيــات‪ ،‬حامــد عبــد القــادر‪ ،‬محمــد النجــار‪ -‬املعجــم‬
‫الوســيط‪ ،‬دار الدعــوة‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن األثــر الجــزري؛ املثــل الســائر يف أدب الكاتــب والشــاعر‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد‬
‫محيــي الديــن عبــد الحميــد‪ ،‬املكتبــة العرصيــة‪- ،‬بــروت – صيــدا‪ ،‬ط‪1995 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن األثــر؛ املبــارك بــن محمــد الجــزري ‪ -‬النهايــة يف غريــب الحديــث واألثــر‪،‬‬
‫تحقيــق‪ :‬طاهــر أحمــد الــزاوي ‪ -‬ومحمــود محمــد الطناحــي – املكتبــة العلميــة –‬
‫‪.‬‬
‫بــروت – ‪1399‬ﻫ‪1979/‬م –‪.‬‬
‫ابــن الجــوزي؛ جــال الديــن أبــو الفــرج عبــد الرحمــن بــن عــي بــن محمــد الجــوزي‬ ‫‪.‬‬
‫(املتــوىف‪597 :‬ه)‪ ،‬املنتظــم يف تاريــخ األمــم وامللــوك‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد عبــد القــادر عطــا‪،‬‬
‫مصطفــى عبــد القــادر عطــا ‪ -‬دار الكتــب العلميــة – بــروت – ط‪1412 ،1‬ه ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫ابــن الجــوزي؛ جــال الديــن أبــو الفــرج عبــد الرحمــن بــن عــي بــن محمــد الجــوزي‬
‫(املتــوىف‪597 :‬ه)‪ ،‬كشــف املشــكل مــن حديــث الصحيحــن‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عــي حســن‬
‫‪.‬‬
‫البــواب‪ ،‬دار الوطــن – الريــاض‪.‬‬
‫ابــن الحــاج؛ أبــو عبــد اللــه محمــد بــن محمــد بــن محمــد العبــدري الفــايس املالــي‬
‫الشــهري بابــن الحــاج (املتــوىف‪737 :‬ه) – املدخــل ‪ -‬دار الـراث‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن العــريب؛ القــايض محمــد بــن عبــد اللــه أبــو بكــر بــن العــريب املعافــري االشــبييل‬
‫املالــي (املتــوىف‪543 :‬ه)‪ ،‬أحــكام القــرآن‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد عبــد القــادر عطــا ‪ -‬دار‬
‫‪.‬‬
‫الكتــب العلميــة‪ ،‬بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪ - 3‬الطبعــة‪ :‬الثالثــة‪1424 ،‬ه ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫ابــن املقفــع؛ عبــد اللــه بــن املقفــع (املتــوىف‪142 :‬ه) ‪ -‬األدب الصغــر واألدب الكبــر‬
‫‪ -‬دار صــادر – بــروت‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن بطــال؛ أبــو الحســن عــي بــن خلــف بــن عبــد امللــك (املتــوىف‪449 :‬ه) ‪ -‬رشح‬
‫صحيــح البخــارى ‪ -‬تحقيــق‪ :‬أبــو متيــم يــارس بــن إبراهيــم ‪ -‬مكتبــة الرشــد ‪ -‬الســعودية‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫الريــاض – ط‪1423 ،2‬ه ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫ابــن جــزي؛ أبــو القاســم‪ ،‬محمــد بــن أحمــد بــن محمــد بــن عبــد اللــه‪ ،‬ابــن جــزي‬
‫الكلبــي الغرناطــي (املتــوىف‪741 :‬ه)‪ ،‬التســهيل لعلــوم التنزيــل – تحقيــق‪ :‬الدكتــور عبــد‬
‫‪.‬‬
‫اللــه الخالــدي‪ ،‬رشكــة دار األرقــم بــن أيب األرقــم – بــروت – ط‪1416 1-‬ه‪.‬‬
‫ابــن حجــر‪ ،‬أبــو الفضــل أحمــد بــن عــي بــن محمــد بــن أحمــد بــن حجر العســقالين‬
‫(املتــوىف‪852 :‬ه)‪ ،‬نزهــة األلبــاب يف األلقــاب‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد العزيــز محمــد بــن صالــح‬
‫‪.‬‬
‫الســدير‪ ،‬مكتبــة الرشــد – الريــاض‪ ،‬ط‪1409 ،1‬ه‪-1989‬م‪.‬‬
‫ابــن حجــر‪ ،‬أحمــد بــن عــي بــن حجــر أبــو الفضــل العســقالين الشــافعي‪ ،‬فتــح‬
‫البــاري رشح صحيــح البخــاري‪ ،‬دار املعرفــة ‪ -‬بــروت‪ ،1379 ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد فــؤاد‬
‫‪.‬‬
‫عبــد الباقــي‪.‬‬
‫ابــن حــزم؛ أبــو محمــد عــي بــن أحمــد بــن ســعيد بــن حــزم األندلــي القرطبــي‬
‫الظاهــري (املتــوىف‪456 :‬ه)‪ ،‬األخــاق والســر يف مــداواة النفــوس ‪ -‬دار اآلفــاق الجديــدة‬
‫‪.‬‬
‫– بــروت – ط‪1399 ،2‬ه ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫ابــن حنبــل‪ ،‬أبــو عبــد اللــه أحمــد بــن محمــد بــن حنبــل بــن هــال بــن أســد‬
‫الشــيباين (املتــوىف‪241 :‬ه)‪ ،‬مســند اإلمــام أحمــد بــن حنبــل‪ ،‬تحقيــق‪ :‬أحمــد محمــد‬
‫‪.‬‬
‫شــاكر‪ ،‬النــارش‪ :‬دار الحديــث – القاهــرة‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ه ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫ابــن خلــدون؛ عبــد الرحمــن بــن محمــد بــن خلــدون‪ ،‬مقدمــة ابــن خلــدون‪ ،‬الجــزء‬
‫األول مــن كتــاب العــر وديــوان املبتــدأ والخــر‪ ،‬تحقيــق‪ :‬املسســترشق الفرنــي كاترمــر‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫مكتبــة لبنــان‪ ،‬بــروت‪.‬‬
‫ابــن رشــد؛ أبــو الوليــد محمــد بــن أحمــد بــن رشــد القرطبــي (املتــوىف‪520 :‬ه)‪،‬‬
‫البيــان والتحصيــل والــرح والتوجيــه والتعليــل ملســائل املســتخرجة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د محمــد‬
‫‪.‬‬
‫حجــي وآخــرون‪ ،‬دار الغــرب اإلســامي‪ ،‬بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪ 1408 ،2‬ه ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫ابــن زنجويــه؛ أبــو أحمــد حميــد بــن مخلــد بــن قتيبــة بــن عبــد اللــه الخرســاين‬
‫املعــروف بابــن زنجويــه (املتــوىف‪251 :‬ه)‪ ،‬األمــوال البــن زنجويــه‪ ،‬تحقيــق‪ :‬شــاكر ذيــب‬
‫‪.‬‬
‫فيــاض‪ ،‬مركــز امللــك فيصــل للبحــوث والدراســات اإلســامية‪ ،‬الســعودية‪ ،‬ط‪1406 ،1‬‬
‫ه ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫ابــن ســيده؛ أبــو الحســن عــي بــن إســاعيل بــن ســيده املــريس [ت‪458 :‬ه]‪،‬‬
‫املحكــم واملحيــط األعظــم‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد الحميــد هنــداوي‪ ،‬دار الكتــب العلميــة –‬
‫‪.‬‬
‫بــروت‪ ،‬ط‪ 1421 ،1‬ه ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ابــن عابديــن؛ محمــد أمــن بــن عمــر بــن عبــد العزيــز عابديــن الدمشــقي الحنفــي‬
‫(املتــوىف‪1252 :‬ه)‪ ،‬رد املحتــار عــى الدر املختــار‪ ،‬دار الفكر‪-‬بــروت‪ ،‬ط‪1412 ،2‬ه ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن عاشــور؛ محمــد الطاهــر بــن محمــد بــن محمــد الطاهــر بــن عاشــور التونــي‬
‫(املتــوىف‪1393 :‬ه)‪ ،‬التحريــر والتنويــر «تحريــر املعنــى الســديد وتنويــر العقــل الجديــد‬
‫‪.‬‬
‫مــن تفســر الكتــاب املجيــد»‪ ،‬الــدار التونســية للنــر – تونــس‪1984 ،‬ه‪.‬‬
‫ابــن عاشــور؛ محمــد الطاهــر بــن محمــد بــن محمــد الطاهــر بــن عاشــور التونــي‬
‫(املتــوىف‪1393 :‬ه)‪ ،‬مقاصــد الرشيعــة اإلســامية‪( ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد الطاهــر امليســاوي‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫دار النفائــس للنــر والتوزيــع – األردن ط‪1421 ،2 .‬ه ‪2011 -‬م)‪.‬‬
‫ابــن عاشــور؛ محمــد الطاهــر بــن محمــد بــن محمــد الطاهــر بــن عاشــور التونــي‬
‫(املتــوىف‪1393 :‬ه)‪ ،‬أصــول النظــام االجتامعــي يف اإلســام‪ ،‬الرشكــة التونســية للتوزيــع –‬
‫‪.‬‬
‫تونــس‪ ،‬املؤسســة الوطنيــة للكتــاب – الجزائــر‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن عبــد الــر؛ أبــو عمــر يوســف بــن عبــد اللــه بــن محمــد بــن عبــد الــر بــن عاصم‬
‫النمــري القرطبــي (املتــوىف‪463 :‬ه)‪ ،‬جامــع بيــان العلــم وفضلــه‪ ،‬تحقيــق‪ :‬أيب األشــبال‬
‫الزهــري‪ ،‬دار ابــن الجــوزي‪ ،‬اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬ه ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫ابــن عــريب‪ ،‬ترجــان األشــواق‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد الرحمــن املصطــاوي‪( ،‬دار املعرفــة‪-‬‬
‫لبنــان‪ ،‬ط‪.)2005-1425 ،1‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن عرفــة؛ محمــد بــن محمــد ابــن عرفــة الورغمــي التونــي املالــي‪ ،‬أبــو عبــد اللــه‬
‫(املتــوىف‪803 :‬ه)‪ ،‬تفســر ابــن عرفــة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬جــال األســيوطي‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ابــن عطيــة‪ ،‬أبــو محمــد عبــد الحــق بــن غالــب بــن عبــد الرحمــن بــن متــام بــن عطيــة‬
‫األندلــي املحــاريب (املتــوىف‪542 :‬ه)‪ ،‬املحــرر الوجيــز يف تفســر الكتــاب العزيــز‪ ،‬تحقيــق‪:‬‬
‫عبــد الســام عبــد الشــايف محمــد‪ ،‬دار الكتــب العلميــة – بــروت‪ ،‬ط‪ 1422 1-‬ه‪.‬‬
‫ابــن فــارس؛ أحمــد بــن فــارس بــن زكريــاء القزوينــي الـرازي‪ ،‬أبــو الحســن (املتــوىف‪:‬‬
‫‪395‬ه)‪ ،‬معجــم مقاييــس اللغــة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد الســام محمــد هــارون‪ ،‬دار الفكــر‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1399‬ه ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫ابــن قدامــة؛ أبــو محمــد موفــق الديــن عبــد اللــه بــن أحمــد بــن محمــد بــن قدامــة‬
‫الجامعيــي املقــديس ثــم الدمشــقي الحنبــي‪ ،‬الشــهري بابــن قدامــة املقــديس (املتــوىف‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫‪620‬ه)‪ ،‬املغنــي‪ ،‬مكتبــة القاهــرة‪1388 ،‬ه ‪1968 -‬م‪.‬‬
‫ابــن كثــر‪ ،‬أبــو الفــداء إســاعيل بــن عمــر بــن كثــر القــريش البــري ثــم الدمشــقي‬
‫(املتــوىف‪774 :‬ه)‪ ،‬تفســر القــرآن العظيــم‪ ،‬تحقيــق‪ :‬ســامي بــن محمــد ســامة‪ ،‬دار‬
‫‪.‬‬
‫طيبــة للنــر والتوزيــع‪ ،‬ط‪1420 ،2‬ه ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫ابــن منظــور؛ محمــد بــن مكــرم بــن عــى‪ ،‬أبــو الفضــل‪ ،‬جــال الديــن ابــن منظــور األنصاري‬
‫الرويفعــى اإلفريقــى (املتوىف‪711 :‬ه)‪ ،‬لســان العــرب‪ ،‬دار صادر – بــروت‪ ،‬ط‪1414 ،3‬ه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ــرة بــن) محمــد بــن هبــرة الذهــي الشــيبا ّين‪ ،‬أبــو‬ ‫ابــن هبــرة؛ يحيــى بــن ( ُه َب ْ َ‬
‫املظفــر‪ ،‬عــون الديــن (املتــوىف‪560 :‬ه)‪ ،‬اإلفصــاح عــن معــاين الصحــاح‪ ،‬تحقيــق‪ :‬فــؤاد‬
‫‪.‬‬
‫عبــد املنعــم أحمــد‪ ،‬دار الوطــن‪1417 ،‬ه‪.‬‬
‫ابــن هشــام‪ ،‬عبــد امللــك بــن هشــام بــن أيــوب الحمــري املعافــري‪ ،‬أبــو محمــد‪،‬‬
‫جــال الديــن (املتــوىف‪213 :‬ه)‪ ،‬الســرة النبويــة البــن هشــام‪ ،‬تحقيــق‪ :‬طه عبــد الرءوف‬
‫‪.‬‬
‫ســعد‪ ،‬رشكــة الطباعــة الفنيــة املتحــدة‪.‬‬
‫أبــو الــركات؛ محمــد بــن محمــد بــن محمــد الغــزي العامــري الدمشــقي‪ ،‬أبــو‬
‫الــركات‪ ،‬بــدر الديــن ابــن ريض الديــن (املتــوىف‪984 :‬ه)‪ ،‬آداب العــرة وذكــر الصحبــة‬
‫‪.‬‬
‫واألخــوة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬الدكتــور عمــر مــوىس باشــا‪ ،‬مطبوعــات مجمــع اللغــة العربيــة –‬
‫دمشــق‪1388 ،‬ه ‪1968 -‬م‪.‬‬
‫أبــو الســعود؛ أبــو الســعود العــادي محمــد بــن محمــد بن مصطفــى (املتــوىف‪982 :‬ه)‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫إرشــاد العقــل الســليم إىل مزايــا الكتــاب الكريــم‪ ،‬دار إحيــاء الـراث العــريب – بريوت‪.‬‬
‫أبــو العبــاس أحمــد بــن يحيــى الونرشيــي‪ ،‬املعيــار املعــرب والجامــع املغــرب عــن‬
‫فتــاوي أهــل إفريقيــة واألندلــس واملغــرب‪ ،‬تنســيق محمــد حجــي‪ ،‬منشــورات وزارة‬
‫‪.‬‬
‫األوقــاف والشــؤون اإلســامية‪ ،‬اململكــة املغربيــة‪.‬‬
‫أبــو العبــاس الحمــوي؛ أحمــد بــن محمــد مــي‪ ،‬أبــو العباس‪ ،‬شــهاب الدين الحســيني‬
‫الحمــوي الحنفــي (املتــوىف‪1098 :‬ه)‪ ،‬غمــز عيــون البصائــر يف رشح األشــباه والنظائــر‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫دار الكتــب العلميــة‪ ،‬ط‪1405 ،1‬ه ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫أبــو الفــرج األصفهــاين‪ ،‬عــي بــن الحســن األصفهــاين‪ ،‬املتــوىف ســنة (‪356‬ه‪-976‬م)‬
‫كتــاب األغــاين‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪.‬أحســان عبــاس‪ ،‬د‪.‬إبراهيــم الســعافني‪ ،‬األســتاذ بكــر عبــاس‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫دار صــادر‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪1429 ،3‬ه‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫أبــو داود‪ ،‬ســليامن بــن األشــعث بــن إســحاق بــن بشــر بــن شــداد بــن عمــرو األزدي‬
‫السج ِْســتاين (املتــوىف‪275 :‬ه)‪ ،‬ســنن أيب داود‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد محيــي الديــن عبــد‬
‫‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الحميــد ‪ -‬املكتبــة العرصيــة‪ ،‬صيــدا – بــروت‪.‬‬
‫أبو زهرة‪ ،‬محمد‪ ،‬تنظيم اإلسالم للمجتمع‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪1965،‬م‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫أبــو زهــرة؛ محمــد بــن أحمــد بــن مصطفــى بــن أحمــد املعــروف بــأيب زهــرة‬
‫(املتــوىف‪1394 :‬ه)‪ ،‬زهــرة التفاســر‪ ،‬دار الفكــر العــريب‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫أبو زهرة؛ محمد‪ ،‬العالقات الدولية يف اإلسالم‪ ،‬دار الفكر العريب‪1415 ،‬ه‪-1995‬م‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫أبــو هــال العســكري؛ أبــو هــال الحســن بــن عبــد اللــه بــن ســهل بــن ســعيد بــن‬
‫يحيــى بــن مهـران العســكري (املتــوىف‪ :‬نحــو ‪395‬ه)‪ ،‬الفــروق اللغويــة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد‬
‫‪.‬‬
‫إبراهيــم ســليم‪ ،‬دار العلــم والثقافــة للنــر والتوزيــع‪ ،‬القاهــرة – مــر‪.‬‬
‫أبــو يوســف؛ أبــو يوســف يعقــوب بــن إبراهيــم بــن حبيــب بــن ســعد بــن حبتــة‬
‫األنصــاري (املتــوىف‪182 :‬ه)‪ ،‬الخ ـراج‪ ،‬تحقيــق‪ :‬طــه عبــد الــرءوف ســعد‪ ،‬ســعد حســن‬
‫‪.‬‬
‫محمــد‪ ،‬املكتبــة األزهريــة لل ـراث‪.‬‬
‫أبوطالــب املــي‪ ،‬محمــد بــن عــي بــن عطيــة الحــاريث‪( ،‬املتــوىف‪386 :‬ه)‪ ،‬قــوت‬
‫القلــوب يف معاملــة املحبــوب ووصــف طريــق املريــد إىل مقــام التوحيــد‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫عاصــم إبراهيــم الكيــايل‪ ،‬دار الكتــب العلميــة – بريوت‪-‬لبنــان‪ ،‬ط‪ 1426 ،2‬ه ‪-2005‬م‪.‬‬
‫االتحــاد اإلماراتيــة‪ ،‬جريــدة يوميــة مطبوعــة وإلكرتونيــة‪ ،‬رشكــة أبــو ظبــي لإلعــام‪،‬‬
‫صــدرت ‪/20‬أكتوبــر‪1969 /‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫أحمــد القــايض؛ أحمــد بــن عبــد الرحمــن بــن عثــان القــايض‪ ،‬دعــوة التقريــب بــن‬
‫األديــان‪ ،‬دراســة نقديــة يف ضــوء العقيدة اإلســامية‪ ،‬دار ابــن الجــوزي‪1421 ،‬ه‪-2001‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫أحمــد أمــن؛ فيــض الخاطــر (مجمــوع مقــاالت أدبيــة واجتامعيــة) مكتبــة النهضــة‬
‫املرصيــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪1373 ،3‬ه‪-1953‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫أحمــد مختــار عمــر؛ معجــم اللغــة العربيــة املعــارصة‪ ،‬عــامل الكتــب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1429‬ه ‪-2008‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫األزهــري؛ محمــد بــن أحمــد بــن األزهــري الهــروي‪ ،‬أبــو منصــور (املتــوىف‪370 :‬ه)‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫تهذيــب اللغــة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد عــوض مرعــب‪ ،‬دار إحيــاء ال ـراث العــريب – بــروت‪،‬‬
‫ط‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫األصبهــاين؛ عــاد الديــن أبــو حامــد محمــد بــن محمــد األصفهــاين (املتــوىف ‪ 597‬ه)‪،‬‬
‫البســتان الجامــع لجميــع تواريــخ أهــل الزمــان‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عمــر عبــد الســام تدمــري‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫املكتبــة العرصيــة للطباعــة والنــر‪ ،‬بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪1423 ،1‬ه ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫ألفريــد إيــر‪ ،‬وتومــاس بالدويــن‪ ،‬وســمري الخليــل‪ ،‬وكارل بوبــر – ترجمــة‪ :‬إبراهيــم‬
‫العريــس؛ التســامح بــن رشق وغــرب‪ ،‬دراســات يف التعايــش وقبــول اآلخر – دار الســاقي‬
‫‪.‬‬
‫– لبنــان – ط‪1992 - 2‬م‪.‬‬
‫اإلمــام مالــك‪ ،‬مالــك بــن أنــس بــن مالــك بــن عامــر األصبحــي املــدين (املتــوىف‪:‬‬
‫‪179‬ه)‪ ،‬املوطــأ‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد مصطفــى األعظمــي‪ ،‬مؤسســة زايــد بــن ســلطان آل‬
‫‪.‬‬
‫نهيــان لألعــال الخرييــة واإلنســانية ‪ -‬أبــو ظبــي – اإلمــارات‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫اندريــه الالنــد‪ ،‬موســوعة الالنــد الفلســفية‪ ،‬منشــورات عويــدات‪ ،‬بــروت‪ ،‬باريــس‪،‬‬
‫تعريــب‪ :‬خليــل أحمــد خليــل‪ ،‬ط‪2001 ،2‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫البخــاري‪ ،‬محمــد بــن إســاعيل أبــو عبــد اللــه البخــاري الجعفــي‪ ،‬الجامــع املســند‬
‫الصحيــح املختــر مــن أمــور رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وســننه وأيامــه‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫تحقيــق‪ :‬محمــد زهــر بــن نــارص النــارص‪ ،‬دار طــوق النجــاة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ه‪.‬‬
‫البخــاري‪ ،‬محمــد بــن إســاعيل بــن إبراهيــم بــن املغــرة البخــاري‪ ،‬أبــو عبــد اللــه‬
‫(املتــوىف‪256 :‬ه)‪ ،‬األدب املفــرد‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد فــؤاد عبــد الباقــي‪ ،‬دار البشــائر‬
‫‪.‬‬
‫اإلســامية – بــروت‪ ،‬ط‪1989 – 1409 ،3‬م‪.‬‬
‫الربكتــي؛ محمــد عميــم اإلحســان املجــددي الربكتــي‪ ،‬قواعــد الفقــه‪ ،‬الصــدف ببلــرز‬
‫– كراتــي‪ ،‬ط‪1986 – 1407 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫البــاذري؛ أحمــد بــن يحيــى بــن جابــر بــن داود ال َبـ َـاذُري (املتــوىف‪279 :‬ه)‪ ،‬فتــوح‬
‫البلــدان‪ ،‬دار ومكتبــة الهــال‪ -‬بــروت‪ 1988 ،‬م‪.‬‬
‫البهــويت؛ منصــور بــن يونــس بــن صــاح الديــن ابــن حســن بــن إدريــس البهــوىت‬
‫الحنبــى (املتــوىف‪1051 :‬ه)‪ ،‬دقائــق أويل النهــى لــرح املنتهــى املعــروف بــرح منتهــى‬
‫‪.‬‬
‫اإلرادات‪ ،‬عــامل الكتــب‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫البوابة الرسمية لحكومة دولة اإلمارات‪ ،‬موقع إلكرتوين‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪/#/https://www.government.ae‬‬
‫البيضــاوي؛ نــارص الديــن أبــو ســعيد عبــد اللــه بــن عمــر بــن محمــد الشــرازي‬
‫البيضــاوي (املتــوىف‪685 :‬ه)‪ ،‬أنــوار التنزيــل وأرسار التأويــل‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد عبــد‬
‫‪.‬‬
‫الرحمــن املرعشــي‪ ،‬دار إحيــاء الــراث العــريب – بــروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪.‬‬
‫س ْو ِجــردي الخراســاين‪ ،‬أبــو‬
‫البيهقــي‪ ،‬أحمــد بــن الحســن بــن عــي بــن مــوىس ال ُخ ْ َ‬
‫بكــر البيهقــي ‪ 458‬ه‪ ،‬الســنن الكــرى‪( ،‬تحقيــق‪ :‬الدكتــور عبــد اللــه بــن عبــد املحســن‬
‫‪.‬‬
‫الــريك‪ ،‬مركــز هجــر للبحــوث والدراســات العربيــة واإلســامية الدكتــور‪ /‬عبــد الســند‬
‫حســن ميامــة ط‪1432 ،1 .‬هـــ ‪2011 -‬م)‪.‬‬
‫س ْو ِجــردي الخراســاين‪ ،‬أبــو‬ ‫‪.‬‬
‫البيهقــي‪ ،‬أحمــد بــن الحســن بــن عــي بــن مــوىس ال ُخ ْ َ‬
‫بكــر البيهقــي (املتــوىف‪458 :‬ه)‪ ،‬شــعب اإلميــان‪ ،‬تحقيــق‪ :‬الدكتــور عبــد العــي عبــد‬
‫الحميــد حامــد‪ ،‬مكتبــة الرشــد للنــر والتوزيــع‪ ،‬الريــاض‪ ،‬ط‪1423 ،1‬ه ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫س ْو ِجــردي الخراســاين‪ ،‬أبــو‬‫البيهقــي‪ ،‬أحمــد بــن الحســن بــن عــي بــن مــوىس ال ُخ ْ َ‬
‫بكــر البيهقــي ‪ 458‬ه‪ ،‬دالئــل النبــوة ومعرفــة أحــوال صاحــب الرشيعــة‪( ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد‬
‫‪.‬‬
‫املعطــي قلعجــي‪ ،‬دار الكتــب العلميــة دار الريــان لل ـراث‪ ،‬ط‪1408 ،1 .‬ه ‪1988 -‬م)‪.‬‬
‫الرتمــذي‪ ،‬محمــد بــن عيــى بــن َس ـ ْورة بــن مــوىس بــن الضحــاك‪ ،‬الرتمــذي‪ ،‬أبــو‬
‫عيــى (املتــوىف‪279 :‬ه)‪ ،‬الجامــع الكبــر‪ -‬ســنن الرتمــذي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬بشــار عــواد معروف‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫دار الغــرب اإلســامي – بــروت‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫تقرير الخارجية األمريكية السنوي حول الحرية الدينية الدولية ‪2018‬‬ ‫‪.‬‬
‫التويجــري‪ ،‬د‪ .‬عبــد العزيــز بــن عثــان التويجــري‪ ،‬التواصــل الحضــاري والتفاهــم بــن‬
‫الشــعوب؛ املنظمــة اإلســامية للرتبيــة والعلوم والثقافــة‪ -‬إيسيســكو – ‪1431‬ه‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫التويجــري؛ د‪ .‬عبــد العزيــز بــن عثــان التويجــري‪ ،‬اإلســام والتعايــش بــن األديــان يف‬ ‫‪.‬‬
‫أفــق القــرن الحــادي والعرشيــن‪ ،‬املنظمــة اإلســامية للرتبيــة والعلــوم والثقافــة‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫الثعالبــي؛ عبــد امللــك بــن محمــد بــن إســاعيل أبــو منصــور الثعالبــي (املتــوىف‪:‬‬
‫‪429‬ه)‪ ،‬يتيمــة الدهــر يف محاســن أهــل العــر‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬مفيــد محمــد قمحيــة‪ ،‬دار‬
‫‪.‬‬
‫الكتــب العلميــة – بــروت‪ -‬لبنــان‪ ،‬ط‪1403 ،1‬ه‪1983‬م‪.‬‬
‫الجـراري؛ عبــاس ‪ -‬معادلــة الســلم والحــرب يف اإلســام‪ ،‬مجلــة اإلســام اليــوم‪ ،‬عدد‪،24‬‬
‫‪1428‬ه‪-2007‬م‪ ،‬اإليسيسكو‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الجرجــاين؛ عــي بــن محمــد بــن عــي الزيــن الرشيــف الجرجــاين ‪ 816‬ه‪ ،‬معجــم‬
‫التعريفــات‪( ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد صديــق املنشــاوي‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهــرة‪1403 ،‬ه ‪-1983‬م)‬
‫‪.‬‬
‫جــون لــوك؛ رســالة يف التســامح‪ ،‬ترجمــة‪ :‬منــى أبــو ســنة‪ ،‬مراجعــة‪ :‬م ـراد وهبــة‪،‬‬
‫املجلــس األعــى للثقافــة‪ ،‬املــروع القومــي للرتجمة‪ ،‬دار الكتــب املرصيــة‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الحاكــم‪ ،‬أبــو عبــد اللــه الحاكــم محمــد بــن عبــد اللــه بــن محمــد بــن حمدويــه‬
‫بــن نُعيــم بــن الحكــم الضبــي الطهــاين النيســابوري املعــروف بابــن البيــع ‪405‬‬
‫‪.‬‬
‫ه‪ ،‬املســتدرك عــى الصحيحــن‪( ،‬تحقيــق‪ :‬مكتــب البحــوث وتقنيــة املعلومــات‪ ،‬دار‬
‫التأصيــل‪ ،‬ط‪1435 ،1 .‬ه – ‪2014‬م)‪.‬‬
‫الحجــوي؛ محمــد بــن الحســن بــن العــر ّيب بــن محمــد الثعالبــي الجعفــري الفــايس‬ ‫‪.‬‬
‫‪ 1376‬ه‪ ،‬الفكــر الســامي يف تاريــخ الفقــه اإلســامي‪( ،‬مطبعــة إدارة املعــارف بالربــاط‬
‫‪ 1340 -‬إىل ‪1345‬ه)‪.‬‬
‫حســن عبــد الــرزاق منصــور؛ ثقافــة العنــف ومصادرهــا‪ ،‬أمــواج للنــر والتوزيــع‪،‬‬
‫عــان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2013 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الحطــاب؛ شــمس الديــن أبــو عبــد اللــه محمــد بــن محمــد بــن عبــد الرحمــن‬ ‫‪.‬‬
‫الطرابلــي املغــريب‪ ،‬املعــروف بالحطــاب ال ُّرعينــي املالــي (املتــوىف‪954 :‬ه)‪ ،‬مواهــب‬
‫الجليــل يف رشح مختــر خليــل‪ ،‬دار الفكــر‪ ،‬ط‪1412 ،3‬ه ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫الخرائطــي؛ أبــو بكــر محمــد بــن جعفــر بــن محمــد بــن ســهل بــن شــاكر الخرائطــي‬
‫الســامري (املتــوىف‪327 :‬ه)‪ ،‬مــكارم األخــاق ومعاليهــا ومحمــود طرائقهــا‪ ،‬تحقيــق‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫أميــن عبــد الجابــر البحــري‪ ،‬دار اآلفــاق العربيــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪1419 ،1‬ه ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫الخطــايب؛ أبــو ســليامن حمــد بــن محمــد الخطــايب (ت ‪ 388‬ه)‪ ،‬أعــام الحديــث‬
‫(رشح صحيــح البخــاري)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬محمــد بــن ســعد بــن عبــد الرحمــن آل ســعود‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫جامعــة أم القــرى‪ ،‬ط‪1409 ،1‬ه ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫الخطــايب؛ أبــو ســليامن حمــد بــن محمــد بــن إبراهيــم بــن الخطــاب البســتي‬ ‫‪.‬‬
‫املعــروف بالخطــايب (املتــوىف‪388 :‬ه)‪ ،‬معــامل الســنن‪ ،‬وهــو رشح ســنن أيب داود‪ ،‬املطبعة‬
‫العلميــة – حلــب‪ ،‬ط‪1351 ،1‬ه ‪1932 -‬م‪.‬‬
‫الخطيــب البغــدادي؛ أبــو بكــر أحمــد بــن عــي بــن ثابــت بــن أحمــد بــن مهــدي‬ ‫‪.‬‬
‫الخطيــب البغــدادي (املتــوىف‪463 :‬ه) ـ الفقيــه واملتفقــه‪ ،‬تحقيــق‪ :‬أبــو عبــد الرحمــن‬
‫عــادل بــن يوســف الغ ـرازي‪ ،‬دار ابــن الجــوزي – الســعودية‪ ،‬ط‪1421 ،2‬ه‪.‬‬
‫د‪ .‬جهــاد عــي ســامل بنــي بكــر‪ ،‬موســوعة نــور الحكمــة‪ ،‬رحلــة مــع الحكــاء‬
‫واملفكريــن واملشــاهري‪ ،‬دار الكتــاب الثقــايف‪ ،‬اربــد‪1438 ،‬ه‪-2017‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫د‪ .‬حســن البــاش‪ ،‬منهــج التعــارف اإلنســاين يف اإلســام‪ ،‬نحــو قواســم مشــركة بــن‬
‫الشــعوب‪ ،‬جمعيــة الدعــوة اإلســامية العامليــة‪ ،‬ط‪ ،1‬الجامهــرة العظمــى – طرابلــس‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1373‬ه‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫د‪ .‬عبــد الرحمــن بــدوي؛ موســوعة الفلســفة‪ ،‬املؤسســة العربيــة للدراســات والنــر‪،‬‬
‫ط‪1984 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫د‪ .‬عبــد اللــه شــعبان‪ ،‬ضوابــط االختــاف يف مي ـزان الســنة‪ ،‬دار الحديــث‪ ،‬القاهــرة‪،‬‬
‫ط‪1417 ،1‬ه‪-1997‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫د‪ .‬عيــــى الشــاس‪ ،‬مدخــل إىل علــم اإلنســان (األنرثوبولوجيــا) منشــورات اتحــاد‬
‫الكتــاب العــرب‪ ،‬دمشــق‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫د‪ .‬محمــد يونــس‪ ،‬تجديــد الخطــاب الدينــي يف دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬دار‬ ‫‪.‬‬
‫هامليــل – أبــو ظبــي‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫دائــرة القضــاء؛ قانــون مكافحــة التمييــز والكراهيــة‪ ،‬سلســلة الترشيعــات اإلتحاديــة‪،‬‬
‫ط‪2016 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫دراز‪ ،‬محمــد بــن عبــد اللــه دراز (املتــوىف‪1377 :‬ه)‪ ،‬دســتور األخــاق يف القــرآن‪،‬‬
‫مؤسســة الرســالة‪ ،‬ط‪1418 ،10‬ه ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الدمياطــي؛ أبــو بكــر‪ ،‬عثــان بــن محمــد شــطا الدمياطــي الشــافعي (املتــوىف‪:‬‬
‫‪1310‬ه)‪ ،‬إعانــة الطالبــن عــى حــل ألفــاظ فتــح املعــن‪ ،‬دار الفكــر للطباعــة والنــر‬
‫‪.‬‬
‫والتوزيــع‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫الدمــري؛ كــال الديــن‪ ،‬محمــد بــن مــوىس بــن عيــى بــن عــي ال َّد ِمــري أبــو البقــاء‬
‫الشــافعي (املتــوىف‪808 :‬ه)‪ ،‬النجــم الوهــاج يف رشح املنهــاج‪ ،‬دار املنهــاج (جــدة)‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫تحقيــق‪ :‬لجنــة علميــة‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫الدهلــوي؛ أحمــد بــن عبــد الرحيــم بــن الشــهيد وجيــه الديــن بــن معظــم بــن‬
‫منصــور املعــروف بـــ «الشــاه ويل اللــه الدهلــوي» (املتــوىف‪1176 :‬ه)‪ ،‬حجة اللــه البالغة‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫تحقيــق‪ :‬الســيد ســابق‪ ،‬دار الجيــل‪ ،‬بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪1426 ،1‬ه ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫الـرازي؛ أبــو عبــد اللــه محمــد بــن عمــر بــن الحســن بــن الحســن التيمــي الـرازي‬
‫امللقــب بفخــر الديــن ال ـرازي خطيــب الــري (املتــوىف‪606 :‬ه)‪ ،‬مفاتيــح الغيــب‪ ،‬دار‬
‫‪.‬‬
‫إحيــاء ال ـراث العــريب – بــروت‪ ،‬ط‪1420 ،3‬ه‪.‬‬
‫الـرازي؛ زيــن الديــن أبــو عبــد اللــه محمــد بــن أيب بكــر بــن عبــد القــادر الحنفــي‬ ‫‪.‬‬
‫ال ـرازي (املتــوىف‪666 :‬ه)‪ ،‬مختــار الصحــاح‪ ،‬تحقيــق‪ :‬يوســف الشــيخ محمــد‪ ،‬املكتبــة‬
‫العرصيــة ‪ -‬الــدار النموذجيــة‪ ،‬بــروت – صيــدا‪ ،‬ط‪1420 ،5‬ه ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫الراغــب األصفهــاين‪ ،‬أبــو القاســم الحســن بــن محمــد املعــروف بالراغــب األصفهــاىن‬
‫(املتــوىف‪502 :‬ه)‪ ،‬محــارضات األدبــاء ومحــاورات الشــعراء والبلغــاء‪ ،‬رشكــة دار األرقــم‬
‫‪.‬‬
‫بــن أيب األرقــم – بــروت‪ ،‬ط‪1420 ،1‬ه‪.‬‬
‫الراغــب األصفهــاين؛ أبــو القاســم الحســن بــن محمــد املعــروف بالراغــب األصفهــاىن‬
‫(املتــوىف‪502 :‬ه)‪ ،‬املفــردات يف غريــب القــرآن‪ ،‬تحقيــق‪ :‬تحقيــق‪ :‬محمــد ســيد كيــاين‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫لبنــان‪ ،‬دار املعرفــة‪ ،‬دون ســنة للنــر‪.‬‬
‫الراغــب؛ أبــو القاســم الحســن بــن محمــد املعــروف بالراغــب األصفهــاىن (املتــوىف‪:‬‬
‫‪502‬ه)‪ ،‬الذريعــة إىل مــكارم الرشيعــة‪ ،‬د‪ .‬أبــو اليزيــد أبــو زيــد العجمــي‪ ،‬دار الســام –‬
‫‪.‬‬
‫القاهــرة‪1428 ،‬ه ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫الزحيــي‪ ،‬وهبــة‪ ،‬آثــار الحــرب يف الفقــه اإلســامي‪ -‬دراســة مقارنــة‪ ،‬دار الفكــر‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1419‬ه‪-1998‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ـي‪ ،‬ال ِف ْقـ ُه اإلسـ ُّ‬
‫ـامي وأدلَّتُـ ُه‪ ،‬دار الفكــر ‪-‬‬ ‫الزحيــي؛ أ‪ .‬د‪َ .‬و ْهبَــة بــن مصطفــى ال ُّز َحيْـ ِ ّ‬
‫ســوريَّة – دمشــق‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫‪.‬‬
‫الزحيــي؛ د وهبــة بــن مصطفــى الزحيــي‪ ،‬التفســر املنــر يف العقيــدة والرشيعــة‬
‫واملنهــج‪ ،‬دار الفكــر املعــارص‪ -‬دمشــق‪ ،‬ط‪1418 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الزحيــي؛ د وهبــة بــن مصطفــى الزحيــي‪ ،‬التفســر الوســيط‪ ،‬دار الفكــر‪ -‬دمشــق‪،‬‬
‫ط‪1422 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الزرقــاين‪ ،‬أبــو عبــد اللــه محمــد بــن عبــد الباقــي بــن يوســف بــن أحمــد بــن شــهاب‬
‫الديــن بــن محمــد الزرقــاين املالــي (املتــوىف‪1122 :‬ه)‪ ،‬رشح الزرقــاين عــى املواهــب‬
‫‪.‬‬
‫اللدنيــة باملنــح املحمديــة‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‪-1996‬م‪.‬‬
‫الزركــي‪ ،‬أبــو عبــد اللــه بــدر الديــن محمــد بــن عبــد اللــه بــن بهــادر الزركــي‪،‬‬
‫البحــر املحيــط يف أصــول الفقــه (دار الكتبــي‪ ،‬ط ‪1414 :1‬هـــ ‪1994 -‬م)‬
‫‪.‬‬
‫الزركــي‪ ،‬أبــو عبــد اللــه بــدر الديــن محمــد بــن عبــد اللــه بــن بهــادر الزركــي‪،‬‬
‫املنثــور يف القواعــد الفقهيــة (وزارة األوقــاف الكويتيــة‪ ،‬ط‪1405 :2 .‬هـــ ‪1985 -‬م)‬
‫‪.‬‬
‫الزركــي؛ أبــو عبــد اللــه بــدر الديــن محمــد بــن عبــد اللــه بــن بهــادر الزركــي‬
‫(املتــوىف‪794 :‬ه)‪ ،‬الربهــان يف علــوم القــرآن‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد أبــو الفضــل إبراهيــم‪ ،‬دار‬
‫‪.‬‬
‫إحيــاء الكتــب العربيــة عيــى البــاىب الحلبــي ورشكائــه‪ ،‬ط‪1376 ،1‬ه ‪1957 -‬م‪.‬‬
‫الزعبالوي؛ صالح الدين الزعبالوي‪ ،‬دراسات يف النحو‪ ،‬موقع اتحاد كتاب العرب‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫زيك امليــاد‪ ،‬املســألة الحضاريــة – كيــف نبتكــر مســتقبلنا يف عــامل متغــر‪ ،‬املركــز‬
‫الثقــايف العــريب‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪1999 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫زيك امليــاد‪ ،‬صــاح الديــن الجوهــري‪ ،‬تعــارف الحضــارات‪ -‬رؤيــة جديــدة ملســتقبل‬
‫العالقــات بــن الحضــارات‪ ،‬دار الكتــاب املــري – القاهــرة‪ ،‬دار الكتــاب اللبنــاين –‬
‫‪.‬‬
‫بــروت‪ ،‬ط‪1435 ،1‬ه‪-2014‬م‪.‬‬
‫الزمخــري‪ ،‬أبــو القاســم محمــود بــن عمــرو بــن أحمــد‪ ،‬الزمخــري جــار اللــه‬
‫(املتــوىف‪538 :‬ه)‪ ،‬الفائــق يف غريــب الحديــث واألثــر‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عــي محمــد البجــاوي‬
‫‪.‬‬
‫‪-‬محمــد أبــو الفضــل إبراهيــم‪ ،‬دار املعرفــة – لبنــان‪.‬‬
‫الزمخــري‪ ،‬جــار اللــه الزمخــري تــويف ‪ 583‬ه‪ ،‬ربيــع األب ـرار ونصــوص األخيــار‪،‬‬
‫مؤسســة األعلمــي‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الزمخــري؛ أبــو القاســم محمــود بــن عمــرو بــن أحمــد‪ ،‬الزمخــري جــار اللــه‬
‫(املتــوىف‪538 :‬ه)‪ ،‬الكشــاف عــن حقائــق غوامــض التنزيــل‪ ،‬دار الكتــاب العــريب –‬
‫‪.‬‬
‫بــروت‪ ،‬ط‪ 1407 ،3‬ه‪.‬‬
‫الســخاوي‪ ،‬شــمس الديــن أبــو الخــر محمــد بــن عبــد الرحمــن بــن محمــد الســخاوي‬ ‫‪.‬‬
‫(املتــوىف‪902 :‬ه)‪ ،‬املقاصــد الحســنة يف بيــان كثــر مــن األحاديــث املشــتهرة عىل األلســنة‪،‬‬
‫محمــد عثــان الخشــت‪ ،‬دار الكتاب العــريب – بــروت‪ ،‬ط‪1405 ،1‬ه ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫الرسخــي محمــد بــن أحمــد بــن أيب ســهل شــمس األمئــة (املتــوىف‪483 :‬ه)‪ ،‬رشح‬
‫الســر الكبــر‪ ،‬الرشكــة الرشقيــة لإلعالنــات‪1971 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الســندي؛ محمــد بــن عبــد الهــادي التتــوي‪ ،‬أبــو الحســن‪ ،‬نــور الديــن الســندي‬
‫(املتــوىف‪1138 :‬ه)‪ ،‬حاشــية الســندي عــى ســنن النســايئ‪ ،‬مكتــب املطبوعــات اإلســامية‬
‫‪.‬‬
‫– حلــب‪ ،‬ط‪1406 ،2‬ه – ‪1986‬م‪.‬‬
‫الســهييل؛ أبــو القاســم عبــد الرحمــن بــن عبــد اللــه بــن أحمــد الســهييل (املتــوىف‪:‬‬
‫‪581‬ه)‪ ،‬الــروض األنــف يف رشح الســرة النبويــة البــن هشــام‪ ،‬عمــر عبــد الســام‬
‫‪.‬‬
‫الســامي‪ ،‬دار إحيــاء الــراث العــريب‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ه‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫ســومية حجــاج؛ املشــرك بــن األديــان الســاوية والعامليــة – دراســة مقارنــة‪ ،‬دار‬
‫الكتــب العلميــة‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬ط‪.2016 ،1‬‬
‫‪.‬‬
‫ســر تومــاس أرلونــد‪ ،‬الدعــوة إىل اإلســام (بحــث يف تاريــخ نــر العقيــدة اإلســامية‪،‬‬
‫ترجمــة‪ :‬د‪ .‬حســن إبراهيــم حســن‪ ،‬د‪ .‬عبــد املجيــد عابديــن‪ ،‬إســاعيل النحــراوي‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫مكتبــة النهضــة املرصيــة‪ ،‬ط‪1971 ،2‬م‪.‬‬
‫الســيوطي‪ ،‬عبــد الرحمــن بــن أيب بكــر‪ ،‬جــال الديــن الســيوطي (املتــوىف‪911 :‬ه)‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫الــدر املنثــور يف التفســر باملأثــور‪ ،‬دار الفكــر – بــروت‪.‬‬
‫الســيوطي‪ ،‬عبــد الرحمــن بــن أيب بكــر‪ ،‬جــال الديــن الســيوطي (املتــوىف‪911 :‬ه)‪،‬‬
‫األشــباه والنظائــر يف القواعــد الفقهيــة‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬ط‪1411 ،1‬ه ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الســيوطي؛ جــال الديــن عبــد الرحمــن الســيوطي‪( ،‬املتــوىف ‪911‬ه)‪ ،‬جزيــل املواهب‬
‫يف اختــاف املذاهــب‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد القيــوم بــن محمــد شــفيع البســتوي‪ ،‬دار االعتصام‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الشــاطبي‪ ،‬إبراهيــم بــن مــوىس بــن محمــد اللخمــي الغرناطــي‪( ،‬املتــوىف‪790 :‬ه)‪،‬‬
‫املوافقــات‪ ،‬تحقيــق‪ :‬أبــو عبيــدة مشــهور بــن حســن آل ســلامن‪ ،‬دار ابــن عفــان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1417‬ه‪1997 /‬م‪.‬‬
‫الشــاطبي‪ ،‬أبــو إســحاق‪ ،‬إبراهيــم بــن مــوىس بــن محمــد اللخمــي الغرناطــي (املتوىف‪:‬‬
‫‪790‬ه)‪ ،‬االعتصــام‪ ،‬تحقيــق‪ :‬ســليم بــن عيــد الهــايل‪ ،‬دار ابــن عفــان‪ ،‬الســعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1412‬ه ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫الشــافعي؛ أبــو عبــد اللــه محمــد بــن إدريــس بــن العبــاس بــن عثــان بــن شــافع‬
‫بــن عبــد املطلــب بــن عبــد منــاف املطلبــي القــريش املــي (املتــوىف‪204 :‬ه)‪ ،‬األم‪ ،‬دار‬
‫‪.‬‬
‫املعرفــة – بــروت‪1410 ،‬ه ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫الرشبينــي؛ شــمس الديــن‪ ،‬محمــد بــن أحمــد الخطيــب الرشبينــي الشــافعي (املتوىف‪:‬‬
‫‪977‬ه)‪ ،‬الـراج املنــر يف اإلعانــة عــى معرفــة بعــض معــاين كالم ربنــا الحكيــم الخبــر‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫مطبعــة بــوالق (األمرييــة) – القاهــرة‪1285 ،‬ه‪.‬‬
‫الشــنقيطي‪ ،‬عبــد اللــه بــن إبراهيــم العلــوي الشــنقيطي‪ ،‬نــر البنــود عــى مراقــي‬
‫الســعود‪ ،‬تقديــم‪ :‬الــداي ولــد ســيدي بابــا ‪ -‬أحمــد رمــزي‪ ،‬مطبعــة فضالــة باملغــرب‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الشــوكاين؛ محمــد بــن عــي بــن محمــد بــن عبــد اللــه الشــوكاين اليمنــي (املتــوىف‪:‬‬
‫‪1250‬ه)‪ ،‬نيــل األوطــار‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عصــام الديــن الصبابطــي‪ ،‬دار الحديــث‪ ،‬مــر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1413‬ه ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫الشــيخ الخــر؛ محمــد بــن عفيفــي الباجــوري‪ ،‬املعــروف بالشــيخ الخــري (املتــوىف‪:‬‬
‫‪1345‬ه)‪ ،‬نــور اليقــن يف ســرة ســيد املرســلني‪ ،‬دار الفيحــاء – دمشــق‪ ،‬ط‪1425 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الصاغــاين؛ ريض الديــن الحســن بــن محمــد بــن الحســن بــن حيــدر العــدوي العمــري‬ ‫‪.‬‬
‫القــريش الصغــاين الحنفــي (املتــوىف‪650 :‬ه)‪ ،‬العبــاب الزاخــر واللبــاب الفاخر‪.‬‬
‫صالــح بــن عبــد اللــه بــن حميــد إمــام وخطيــب الحــرم املــي‪ ،‬نــرة النعيــم يف‬
‫مــكارم أخــاق الرســول الكريــم ‪ -‬صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬دار الوســيلة للنــر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫جــدة‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫الصنعــاين‪ ،‬أبــو بكــر عبــد الــرزاق بــن هــام بــن نافــع الحمــري اليــاين الصنعــاين‬
‫(املتــوىف‪211 :‬ه)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬حبيــب الرحمــن األعظمــي‪ ،‬املجلــس العلمــي‪ -‬الهنــد‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1403‬ه‪.‬‬
‫الضيــاء‪ ،‬ضيــاء الديــن أبــو عبــد اللــه محمــد بــن عبــد الواحــد املقــديس (املتــوىف‪:‬‬
‫‪643‬ه)‪ ،‬األحاديــث املختــارة أو املســتخرج مــن األحاديــث املختــارة مــا مل يخرجــه‬
‫‪.‬‬
‫البخــاري ومســلم يف صحيحيهــا‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد امللــك دهيــش‪ ،‬دار خــر‪ ،‬بــروت –‬
‫لبنــان‪ ،‬ط‪1420 ،3‬ه ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫طالــب غلــوم طالــب‪ ،‬قضايــا ثقافيــة واجتامعيــة‪ -‬مقــاالت‪ ،‬الســعيد للنــر والتوزيــع‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪2018 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الطـراين‪ ،‬ســليامن بــن أحمــد بــن أيــوب بــن مطــر اللخمــي الشــامي‪ ،‬أبــو القاســم‬
‫الطــراين (املتــوىف‪360 :‬ه)‪ ،‬املعجــم األوســط‪ ،‬تحقيــق‪ :‬طــارق بــن عــوض اللــه بــن‬
‫‪.‬‬
‫محمــد‪ ،‬عبــد املحســن بــن إبراهيــم الحســيني‪ ،‬دار الحرمــن – القاهــرة‪.‬‬
‫الطــري؛ محمــد بــن جريــر بــن يزيــد بــن كثــر بــن غالــب اآلمــي‪ ،‬أبــو جعفــر‬
‫الطــري (املتــوىف‪310 :‬ه)‪ ،‬تاريــخ الرســل وامللــوك‪ ،‬دار الـراث – بــروت‪ ،‬ط‪1387 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الطــري؛ محمــد بــن جريــر بــن يزيــد بــن كثــر بــن غالــب اآلمــي‪ ،‬أبــو جعفــر‬
‫الطــري (املتــوىف‪310 :‬ه)‪ ،‬جامــع البيــان عــن تأويــل آي القــرآن‪ ،‬تحقيــق‪ :‬الدكتــور عبــد‬
‫‪.‬‬
‫اللــه بــن عبــد املحســن الــريك‪ ،‬دار هجــر للطباعــة والنــر والتوزيــع واإلعــان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1422‬ه ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫طنطــاوي؛ محمــد ســيد‪ ،‬التفســر الوســيط للقــرآن الكريــم‪ ،‬دار نهضــة مــر للطباعة‬ ‫‪.‬‬
‫والنــر والتوزيــع‪ ،‬الفجالــة – القاهرة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫الطيبــي؛ رشف الديــن الحســن بــن عبــد اللــه الطيبــي (‪743‬ه)‪ ،‬رشح الطيبــي عــى‬
‫مشــكاة املصابيــح املســمى بـــ (الكاشــف عــن حقائــق الســنن)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬عبــد الحميد‬
‫‪.‬‬
‫هنــداوي‪ ،‬مكتبــة نــزار مصطفــى البــاز ‪ -‬مكــة املكرمــة – الريــاض‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫الظاهــري نــورة جوعــان‪ ،‬السياســة الســلمية للشــيخ زايــد بــن ســلطان آل نهيــان‪،‬‬
‫أبوظبــي‪ ،‬نــادي ت ـراث اإلمــارات‪ -‬مركــز زايــد للدراســات والبحــوث‪ ،‬ط‪2018 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫عبــد الحليــم أيــت أمجــوض؛ حــوار األديــان نشــأته وأصولــه وتطــوره‪ ،‬دار ابــن حــزم‪،‬‬
‫بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪-2012‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫عبــد الرحمــن عــزام‪ ،‬الرســالة الخالــدة‪ ،‬املجلــس األعــى للشــؤون اإلســامية‪،‬‬
‫القاهريــة‪ ،‬ط‪1384 ،16‬ه‪-1964‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫عبد الغني أبو العزم‪ ،‬معجم الغني الزاهر‪ ،‬مؤسسة الغني للنرش‪2013 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫عبــد اللطيــف بــن إبراهيــم بــن عبــد اللطيــف الحســن؛ تســامح الغرب مع املســلمني‬
‫يف العــر الحــارض‪ ،‬دراســة نقديــة يف ضــوء اإلســام‪ ،‬دار ابــن الجــوزي‪ ،‬الســعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1491‬ه‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫عبــد املجيــد املرزوقــي؛ ثنائيــة الســعادة والتســامح يف أســس التعايــش وصناعــة‬
‫الحيــاة‪ ،‬دار هامليــل‪ ،‬أبــو ظبــي‪ ،‬ط‪1437 ،1‬ه‪-2016‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫العــز بــن عبــد الســام‪ ،‬أبــو محمــد عــز الديــن عبــد العزيــز بــن عبــد الســام بــن أيب‬
‫القاســم بــن الحســن الســلمي الدمشــقي‪ ،‬امللقــب بســلطان العلــاء (املتــوىف‪660 :‬ه)‪،‬‬
‫تفســر القــرآن‪ ،‬تحقيــق‪ :‬الدكتــور عبــد اللــه بــن إبراهيــم الوهبــي‪ ،‬دار ابــن حــزم –‬
‫بــروت‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ه‪1996 /‬م‪.‬‬
‫العالمــة عبــد اللــه بــن الشــيخ املحفــوظ بــن بيــه؛ صناعــة الفتــوى وفقــه األقليــات‪،‬‬
‫الرابطــة املحمــدة للعلــاء‪ ،‬اململكــة املغربيــة‪ ،‬مركــز الدراســات واألبحــاث وإحيــاء‬
‫‪.‬‬
‫الــراث‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪.‬‬
‫الغربــاوي؛ ماجــد ‪ -‬التســامح ومنابــع الالتســامح – فــرص التعايــش بــن األديــان‬
‫والثقافــات‪ ،‬الحضاريــة للطباعــة والنــر – العــراق‪ -‬بغــداد‪ ،‬ط‪1429 ،1‬ه‪-2008‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الغ ـزايل‪ ،‬أبــو حامــد محمــد بــن محمــد الغ ـزايل الطــويس (املتــوىف‪505 :‬ه)‪ ،‬معــارج‬
‫القــدس يف مــدارج معرفــه النفــس‪ ،‬دار اآلفــاق الجديــدة – بــروت‪ ،‬ط‪1975 ،2‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الغ ـزايل؛ أبــو حامــد محمــد بــن محمــد الغ ـزايل الطــويس (املتــوىف‪505 :‬ه)‪ ،‬إحيــاء‬ ‫‪.‬‬
‫علــوم الديــن‪ ،‬دار املعرفــة – بــروت‪.‬‬
‫الغـزايل؛ أبــو حامــد محمــد بــن محمــد الغـزايل الطــويس (املتــوىف‪505 :‬ه)‪ ،‬االقتصــاد‬ ‫‪.‬‬
‫يف االعتقــاد‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد اللــه محمــد الخليــي‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بــروت – لبنــان‪،‬‬
‫ط‪1424 ،1‬ه ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫الفرائد من أقوال الشيخ زايد‪ ،‬مركز الوثائق والبحوث‪ ،‬اإلمارات‪2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫فولتــر؛ رســالة يف التســامح‪ ،‬ترجمــة هرنييــت عبــودي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار بـرا للنــر والتوزيع‪،‬‬
‫ســوريا – دمشق‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الفــروز آبــادي؛ مجــد الديــن أبــو طاهــر محمــد بــن يعقــوب الفريوزآبــادى (املتــوىف‪:‬‬
‫‪817‬ه)‪ ،‬القامــوس املحيــط‪ ،‬تحقيــق‪ :‬مكتــب تحقيــق الـراث يف مؤسســة الرســالة‬
‫‪.‬‬
‫العرقســويس‪ ،‬مؤسســة الرســالة للطباعــة والنــر والتوزيــع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بــإرشاف‪ :‬محمــد نعيــم‬
‫بــروت – لبنــان‪ ،‬ط‪1426 ،8‬ه ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫الفيومــي‪ ،‬أحمــد بــن محمــد بــن عــي الفيومــي ثــم الحمــوي‪ ،‬أبــو العبــاس (املتــوىف‪:‬‬
‫نحــو ‪770‬ه)‪ ،‬املصبــاح املنــر يف غريــب الــرح الكبــر‪ ،‬املكتبــة العلميــة – بــروت‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫القاســمي؛ محمــد جــال الديــن بــن محمــد ســعيد بــن قاســم الحــاق القاســمي‬
‫(املتــوىف‪1332 :‬ه)‪ ،‬محاســن التأويــل‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد باســل عيــون الســود‪ ،‬دار الكتــب‬
‫‪.‬‬
‫العلميــه – بــروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪.‬‬
‫القــايض عيــاض؛ أبــو الفضــل القــايض عيــاض بــن مــوىس اليحصبــي (املتــوىف‪544 :‬ه)‪،‬‬
‫ترتيــب املــدارك وتقريــب املســالك‪ ،‬مطبعــة فضالــة ‪ -‬املحمديــة‪ ،‬املغــرب‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪.‬‬
‫القــايض عيــاض؛ عيــاض بــن مــوىس بــن عيــاض بــن عمــرون اليحصبــي الســبتي‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫أبــو الفضــل (املتــوىف‪544 :‬ه)‪ ،‬إِكـ َـا ُل امل ُ ْعلِـ ِـم ب َف َوائِـ ِـد ُم ْسـلِم‪ ،‬تحقيــق‪ :‬الدكتــور ي ْح َيــى‬
‫ــا ِعيل‪ ،‬دار الوفــاء للطباعــة والنــر والتوزيــع‪ ،‬مــر‪ ،‬ط‪1419 ،1‬ه ‪1998 -‬م‪.‬‬ ‫إِ ْس َ‬
‫قدامــة بــن جعفــر‪ ،‬قدامــة بــن جعفــر بــن قدامــة بــن زيــاد البغــدادي‪ ،‬أبــو الفــرج‬
‫(املتــوىف‪337 :‬ه)‪ ،‬الخـراج وصناعــة الكتابــة‪ ،‬دار الرشــيد للنــر‪ ،‬بغــداد‪ ،‬ط‪1981 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الق ـرايف‪ ،‬أبــو العبــاس شــهاب الديــن أحمــد بــن إدريــس بــن عبــد الرحمــن املالــي‬
‫الشــهري بالق ـرايف (املتــوىف‪684 :‬ه)‪ ،‬أنــوار الــروق يف أنــواء الفــروق‪ ،‬عــامل الكتــب‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫القرطبــي؛ أبــو عبــد اللــه محمــد بــن أحمــد بــن أيب بكــر بــن فــرح األنصــاري‬
‫الخزرجــي شــمس الديــن القرطبــي (املتــوىف‪671 :‬ه)‪ ،‬الجامــع ألحــكام القــرآن‪ ،‬تحقيــق‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫أحمــد الــردوين وإبراهيــم أطفيــش‪ ،‬دار الكتــب املرصيــة – القاهــرة‪ ،‬ط‪1384 ،2‬ه ‪-‬‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫القســطالين؛ أحمــد بــن محمــد بــن أىب بكــر بــن عبــد امللــك القســطالين القتيبــي‬
‫املــري‪ ،‬أبــو العبــاس‪ ،‬شــهاب الديــن (املتــوىف‪923 :‬ه)‪ ،‬إرشــاد الســاري لــرح صحيــح‬
‫‪.‬‬
‫البخــاري‪ ،‬املطبعــة الكــرى األمرييــة‪ ،‬مــر‪ ،‬ط‪1323 ،7‬ه‪.‬‬
‫القشــري؛ عبــد الكريــم بــن هــوازن بــن عبــد امللــك القشــري (املتــوىف‪465 :‬ه)‪ ،‬لطائــف‬
‫اإلشــارات‪ ،‬تحقيــق‪ :‬إبراهيــم البســيوين‪ ،‬الهيئــة املرصيــة العامــة للكتــاب – مرص‪ ،‬ط‪.3‬‬
‫‪.‬‬
‫الكفــوي‪ ،‬أيــوب بــن مــوىس الحســيني القرميــي‪ ،‬أبــو البقــاء الحنفــي (املتــوىف‪:‬‬
‫‪1094‬ه)‪ ،‬الكليــات معجــم يف املصطلحــات والفــروق اللغويــة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عدنــان درويــش‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬محمــد املــري‪ ،‬مؤسســة الرســالة – بــروت‪.‬‬
‫لقــاء األخــوة اإلنســانية‪ ،‬موقــع إلكــروين‪ ،‬وثيقـــة األخــــوة اإلنســــانية مــن أجــل‬
‫الســام العاملــي والعيــش املشــرك‪ ،‬أبــو ظبــي‪2019 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪https://humanfraternitymeeting.com/ar/declaration‬‬
‫ماجــد عبــد اللــه بوشــليبي‪ ،‬الســنع مــن مــكارم األخــاق‪ ،‬وزارة الثقافــة و الشــباب و‬
‫تنميــة املجتمــع‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫املــاوردي‪ ،‬أبــو الحســن عــي بــن محمــد بــن محمــد بــن حبيــب البــري البغــدادي‪،‬‬
‫الشــهري باملــاوردي (املتــوىف‪450 :‬ه)‪ ،‬أدب الدنيــا والديــن‪ ،‬دار مكتبــة الحيــاة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫املــاوردي؛ أبــو الحســن عــي بــن محمــد بــن محمــد بــن حبيــب البــري البغــدادي‪،‬‬
‫الشــهري باملــاوردي (املتــوىف‪450 :‬ه)‪ ،‬النكــت والعيــون‪ ،‬تحقيــق‪ :‬الســيد ابــن عبــد‬
‫‪.‬‬
‫املقصــود بــن عبــد الرحيــم‪ ،‬دار الكتــب العلميــة – بــروت‪ ،‬لبنــان‪.‬‬
‫املــرد؛ محمــد بــن يزيــد املــرد‪ ،‬أبــو العبــاس (املتــوىف‪285 :‬ه)‪ ،‬الكامــل يف اللغــة‬
‫واألدب‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد أبــو الفضــل إبراهيــم‪ ،‬دار الفكــر العــريب – القاهــرة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1417‬ه ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫متحف اللوفر|‪ ،louvre abu dhabi‬موقع إلكرتوين‪https://www.louvreabudhabi.ae/ar .‬‬ ‫‪.‬‬
‫مجلــة االجتهــاد‪ ،‬مجلــة دوليــة علميــة أكادمييــة ُمحكّمــة‪ ،‬معهــد الحقــوق والعلــوم‬
‫السياســية‪ ،‬الجزائــر‪2011 ،‬م‪/https://alijtihed.cu-tamanrasset.dz .‬‬
‫‪.‬‬
‫مجلــة التســامح‪ ،‬فصليــة – فكريــة – إســامية‪ ،‬العــدد ‪ ،13‬مؤسســة عــان للصحافــة‪،‬‬
‫ســلطنة عــان‪1427 ،‬ه‪-2006‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫مجلــة الكلمــة‪ ،‬مجلــة فصليــة ت ُعنــى بشــؤون الفكــر اإلســامي وقضايــا العــر‬
‫والتجــدد الحضــاري‪ -‬منتــدى الكلمــة للدراســات واألبحــاث‪ -‬شــكرة الكلمــة لإلعــام‬
‫‪.‬‬
‫والنــر‪ ،‬نيــو صوفيــا – قــرص‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫مجلــة درع الوطــن‪ ،‬مجلــة عســكرية واسـراتيجية‪ ،‬تصــدر عــن مديريــة التوجيــه املعنــوي‬ ‫‪.‬‬
‫يف القيــادة العامــة للقــوات املســلحة‪ ،‬اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬تأسســت يف اغســطس ‪.1971‬‬
‫مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬منظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬جدة‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫مجلس الوزراء‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬موقع إلكرتوين‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪https://uaecabinet.ae/ar/prime-ministers-office‬‬
‫املحبــي‪ ،‬محمــد أمــن بــن فضــل اللــه بــن محــب الديــن بــن محمــد املحبــي (املتــوىف‪:‬‬
‫‪1111‬ه)‪ ،‬نفحــة الريحانــة ورشــحة طــاء الحانة‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫محمــد أحمــد حســونة بــك و محمــد خليفــة التونــي‪ ،‬التســامح يف اإلســام‪ ،‬دار‬ ‫‪.‬‬
‫الكتــاب العــريب – مــر‪.‬‬
‫محمــد الخــري بــك؛ تاريــخ الترشيــع اإلســامي‪ ،‬دار الكتــب العلميــة – بــروت –‬
‫‪1439‬ه‪-2018‬م‪ ،‬ط‪.5‬‬
‫‪.‬‬
‫محمــد حميــد اللــه؛ محمــد حميــد اللــه الحيــدر آبــادي الهنــدي (املتــوىف‪1424 :‬ه)‪،‬‬
‫مجموعــة الوثائــق السياســية للعهــد النبــوي والخالفــة الراشــدة‪ ،‬دار النفائــس – بــروت‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫ط‪1407 ،6‬ه‪.‬‬
‫محمــد رواس قلعجــي ‪ -‬حامــد صــادق قنيبــي‪ ،‬معجــم لغــة الفقهــاء‪ ،‬دار النفائــس‬
‫للطباعــة والنــر والتوزيــع‪ ،‬ط‪1408 ،2‬ه ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫محمــد عمـران تريــم‪ ،‬الجــذور التاريخيــة لقيــام دولــة اإلمــارات‪ ،‬دار الــروق للنــر‬ ‫‪.‬‬
‫والتوزيــع‪ ،‬عــان‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫محمــد محمــد أبــو طــور؛ كتــاب دعــوة للمحبــة تأمــات يف املجتمــع املســيحي‪،‬‬
‫إصــدارات إي‪ -‬كتــب‪ ،‬لنــدن‪ ،‬ط‪2017 ،1‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫مرتــى الزبيــدي؛ مح ّمــد بــن مح ّمــد بــن عبــد الــرزّاق الحســيني‪ ،‬أبــو الفيــض‪،‬‬
‫املل ّقــب مبرتــى‪ ،‬ال َّزبيــدي (املتــوىف‪1205 :‬ه)‪ ،‬تــاج العــروس مــن جواهــر القامــوس‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫تحقيــق‪ :‬مجموعــة مــن املحققــن‪ ،‬دار الهدايــة‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫املرغينــاين‪ ،‬عــي بــن أيب بكــر بــن عبــد الجليــل الفرغــاين‪ ،‬أبــو الحســن برهــان الديــن‬
‫(املتــوىف‪593 :‬ه)‪ ،‬الهدايــة يف رشح بدايــة املبتــدي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬طــال يوســف‪ ،‬دار احيــاء‬
‫الـراث العــريب ‪ -‬بــروت – لبنــان‪.‬‬
‫مركــز اإلمــارات للدراســات والبحــوث االسـراتيجية‪ ،‬بقــوة االتحــاد‪ ،‬صاحــب الســمو‬
‫الشــيخ زايــد بــن ســلطان آل نهيــان القائــد والدولــة‪ ،‬أبــو ظبــي‪ ،‬ط‪2004 ،8‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫مســكويه؛ أبــو عــي أحمــد بــن محمــد بــن يعقــوب مســكويه (املتــوىف‪421 :‬ه)‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫تهذيــب األخــاق وتطهــر األعـراق‪ ،‬تحقيــق‪ :‬ابــن الخطيــب‪ ،‬مكتبــة الثقافــة الدينيــة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫مســلم‪ ،‬مســلم بــن الحجــاج أبــو الحســن القشــري النيســابوري (املتــوىف‪261 :‬ه)‪،‬‬
‫املســند الصحيــح املختــر بنقــل العــدل عــن العــدل إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫‪.‬‬
‫وســلم‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد فــؤاد عبــد الباقــي‪ ،‬دار إحيــاء ال ـراث العــريب – بــروت‪.‬‬
‫املعجــم الفلســفي؛ مجمــع اللغــة العربيــة‪ ،‬الهيئــة العامــة لشــؤون املطابــع األمرييــة‪،‬‬
‫مــر‪ ،‬القاهــرة‪1403 ،‬ه‪-1983‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫املقريــزي؛ أحمــد بــن عــي بــن عبــد القــادر‪ ،‬أبــو العبــاس الحســيني العبيــدي‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫تقــي الديــن املقريــزي (املتــوىف‪845 :‬ه)‪ ،‬املواعــظ واالعتبــار بذكــر الخطــط واآلثــار‪ ،‬دار‬
‫الكتــب العلميــة‪ ،‬بــروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪.‬‬
‫املنــاوي‪ ،‬زيــن الديــن محمــد املدعــو بعبــد الــرؤوف بــن تــاج العارفــن بــن عــي‬
‫بــن زيــن العابديــن الحــدادي ثــم املنــاوي القاهــري (املتــوىف‪1031 :‬ه)‪ ،‬التوقيــف عــى‬
‫‪.‬‬
‫مهــات التعاريــف‪ ،‬عــامل الكتــب‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪-1990‬م‪.‬‬
‫املنــاوي‪ ،‬زيــن الديــن محمــد املدعــو بعبــد الــرؤوف بــن تــاج العارفــن بــن عــي بــن‬
‫زيــن العابديــن الحــدادي ثــم املنــاوي القاهــري (املتــوىف‪1031 :‬ه)‪ ،‬فيــض القديــر رشح‬
‫‪.‬‬
‫الجامــع الصغــر‪ ،‬املكتبــة التجاريــة الكــرى – مــر‪ ،‬ط‪1356 ،1‬ه‪.‬‬
‫املنــاوي؛ زيــن الديــن محمــد املدعــو بعبــد الــرؤوف بــن تــاج العارفــن بــن عــي‬
‫بــن زيــن العابديــن الحــدادي ثــم املنــاوي القاهــري (املتــوىف‪1031 :‬ه)‪ ،‬التيســر بــرح‬
‫‪.‬‬
‫الجامــع الصغــر‪ ،‬مكتبــة اإلمــام الشــافعي – الريــاض‪ ،‬ط‪1408 ،3‬ه ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫املهــري‪ ،‬فاطمــة ســهيل؛ زايــد بــن ســلطان آل نهيــان منظومتــه الفكريــة وتوجهاتــه‬
‫السياســية‪ ،‬مقــاالت‪ ،‬مركــز الخليــج لألبحــاث‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫املواحــدي‪ ،‬أبــو الحســن عــي بــن أحمــد بــن محمــد بن عــي الواحــدي‪ ،‬النيســابوري‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫الشــافعي (املتــوىف‪468 :‬ه)‪ ،‬رشح ديــوان املتنبي‪.‬‬
‫ميشــيل إماكلــو‪ ،‬كينــت آبارجمنــت‪ ،‬كارل إثورســن‪ ،‬ترجمــة عبــر أنــور‪ ،‬التســامح‬
‫النظريــة والبحــث واملامرســة (القاهــرة‪ ،‬املركــز القومــي للرتجمــة الطبعــة األوىل ‪)2015‬‬
‫‪.‬‬
‫نبيــل راغــب؛ أصــول الريــادة الحضاريــة؛ دراســة يف فكــر الشــيخ زايــد‪ ،‬املجمــع‬ ‫‪.‬‬
‫الثقــايف‪ ،‬أبــو ظبــي‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬
‫النــووي؛ أبــو زكريــا محيــي الديــن يحيــى بــن رشف النــووي (املتــوىف‪676 :‬ه)‪،‬‬
‫تهذيــب األســاء واللغــات‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بــروت – لبنــان‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫هامميــل‪ ،‬صحيفــة وطنيــة مســتقلة‪ ،‬تصــدر عــن مؤسســة هامليــل لإلعــام‪ ،‬دولــة‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬تُعنــى بــاألدب والثقافــة واملــوروث الشــعبي والفنــون‬
‫‪.‬‬
‫واملواهــب ‪ -‬تأسســت ‪2006‬م‪.‬‬
‫هوفــان هوبرتــس؛ قانــون التســامح‪ ،‬دليــل للســاعني إىل تحســن أوضــاع العلــم‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫وللمتشــامئني واملؤمنــن الثابتــن واملفكريــن األحـرار‪ ،‬ترجمــة‪ :‬د‪ .‬عــادل خــورى‪ ،‬العــريب‬
‫للنــر والتوزيــع‪ ،‬برلــن‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫الواحــدي؛ أبــو الحســن عــي بــن أحمــد بــن محمــد بــن عــي الواحــدي‪ ،‬النيســابوري‪،‬‬
‫الشــافعي (املتــوىف‪468 :‬ه)‪ ،‬التفســر البســيط‪ ،‬عــادة البحــث العلمــي ‪ -‬جامعــة اإلمــام‬
‫‪.‬‬
‫محمــد بــن ســعود اإلســامية‪ ،‬ط‪1430 ،1‬ه‪.‬‬
‫وثيقة قيم وسلوكيات املواطن اإلمارايت‪ ،‬مجلس الوزراء‪2019 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪http://www.ncc.ae/datafolder/files/pdf/ethics_behavior_emirati_citizen.pdf‬‬
‫الوشــاء‪ ،‬محمــد بــن أحمــد بــن إســحاق بــن يحيــى‪ ،‬أبــو الطيــب‪ ،‬املعــروف بالوشــاء‬
‫(املتــوىف‪325 :‬هـــ)‪ ،‬املوىش‪-‬الظــرف والظرفــاء‪ ،‬تحقيق‪ :‬كــال مصطفى‪ ،‬مكتبــة الخانجي‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫مــر‪ -‬مطبعة االعتــاد‪ ،‬ط‪1371 ،2‬هـــ ‪1953 -‬م‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ِول ديو َرانــت‪ ،‬ويليــام جيمــس ديو َرانــت (املتــوىف‪ 1981 :‬م)‪ ،‬قصــة الحضــارة‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫الدكتــور زيك نجيــب مح ُمــود وآخريــن‪ ،‬دار الجيــل‪ ،‬بــروت ‪ -‬لبنــان‪ ،‬املنظمــة العربيــة‬
‫للرتبيــة والثقافــة والعلــوم‪ ،‬تونــس‪1408 ،‬ه ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫ويلســون؛ زايــد رجــل بنــى أمــة‪ ،‬املركــز الوطنــي للوثائــق والبحــوث‪ ،‬وزارة شــؤون‬ ‫‪.‬‬
‫الرئاســة‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫اليونسكو‪ ،‬منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة‪ ،‬موقع إلكرتوين‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪/https://ar.unesco.org‬‬

You might also like