‫الجمهوريت الجسائريت الديمقراطيت الشعبيت‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫حامعت الحاج لخضرـ حامعت باجنت ‪1‬‬

‫نيابت العمادة ملا بعد التدرج‬ ‫كليت العلوم إلاصالميت‬

‫والبحث العلمي والعالقاث الخارحيت‬ ‫قضم أصول الدين‬

‫األبعاد الدَّعوية لغزوات النّيب‪‬‬

‫من خالل صحيح البخاري‬
‫أطروحت مقدمت لنيل درجت دكتوراه الطورالثالث في العلوم إلاسالميت‬
‫ّ‬
‫إسالميت‬ ‫تخصص‪ :‬دعوة وثقافت‬

‫إشراف ألاصتاذة الدكتورة‪:‬‬ ‫إعداد الطالب‪:‬‬

‫نورة بن حضن‬ ‫حواش حابري‬

‫أعضاء لجنت املناقشت‬

‫الصفت‬ ‫الجامغت ألاصليت‬ ‫الدرجت العلميت‬ ‫الاسم واللقب‬

‫رئيسا‬ ‫باتنت ‪1‬‬ ‫أستاذ‬ ‫حسين شرفت‬
‫مقررا‬ ‫جامعت باتنت ‪1‬‬ ‫أستاذ‬ ‫هورة بن حسن‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعت باتنت ‪1‬‬ ‫أستاذ‬ ‫صحراوي مقالتي‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعت باتنت‪1‬‬ ‫أستاذ محاضرأ‬ ‫سعيدة عباس‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعت ألامير عبد القادر قسنطينت‬ ‫أستاذ‬ ‫زكيت منزل غرابت‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعت ألامير عبد القادر قسنطينت‬ ‫أستاذ محاضرأ‬ ‫وحيدة بوفدح بديس ي‬

‫الضنت الجامعيت‪ 0201-0202:‬م‪1111 /‬هـ ‪1110-‬هـ‬


 ‫الإهداء‬
‫أهدي هذا العمل المتواضع إلى كل المجاهدين و‬

‫الدعاة إلى سبيل الله على بصيرة من أجل إعلاء‬

‫كلمة الله والتمكين لدينه‪.‬‬

 ‫الشكر والتقدير‬
‫بعد حمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات والأرض وملء ما شاء‬

‫من شيٍء بعد‪،‬على توفيقه وامتنانه‪،‬وفضله وإحسانه‪ ،‬أتقدم بالشكر الجزيل‬

‫ي الكريمين‪،‬كما ربياني صغيرا سائلا الرب الرحيم أن يطيل أعمارهم‬

‫لوالد ّ‬

‫على طاعته‪،‬وأن يرزقني برهما وخفض الجناح لهما‪.‬‬

‫ي بعد الله تعالى الأستاذة الدكتورة‬

‫كما أشكر صاحبة الفضل الكبير عل ّ‬

‫نورة بن حسن الراعية لهذه الأطروحة منذ كانت فكرة إلى أن كتب‬

‫الله لها أن تعرض للمناقشة‪.‬‬

‫ولا أنسى أن أتقدم بالشكر لزوجتي التي لطالما شجعتني على إتمام‬

‫دراستي‪،‬وتحملت عني عبء الاهتمام برعاية الأولاد ومتابعة دراستهم‪.‬‬

‫والشكر موصول لأعضاء لجنة المناقشة الموقرة الذين تفضلوا بقبول مناقشة‬

‫رسالتي‪،‬فأسأل الله أن ينفعني بتوجيهاتهم‪،‬وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم‪.‬‬

‫وأعمم الشكر لكل من أسدى إلى مساعدة أو مساندة‪،‬ولو بكلمة طيبة‪.‬‬

‫محبكم العبد الفقير حواس جابري‬
 ‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬
‫إن اﳊمﺪ ﳓمﺪه ونﺴﺘعﻴنه‪ ،‬ونﺴﺘﻐﻔﺮه‪ ،‬ونﺘﻮب إﻟﻴه‪ ،‬ونﺜﲏ ﻋﻠﻴه اﳋﲑ ﻛﻠه‪ ،‬ونعﻮذ من ﺷﺮور‬
‫أنﻔﺴنﺎ ومن ﺳﻴﺌﺎت أﻋمﺎﻟنﺎ‪ ،‬من ﻳﻬﺪه ﷲ ﻓﻼ مﻀﻞ ﻟه‪ ،‬ومن ﻳﻀﻠﻞ ﻓﻼ ﻫﺎدي ﻟه‪ ،‬وأﺷﻬﺪ أن ﻻ‬
‫إﻟه إﻻ ﷲ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟه‪ ،‬ﻟه اﳌﻠﻚ‪ ،‬وﻟه اﳊمﺪ‪ ،‬وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﻳﺮ‪.‬‬
‫ﳏمﺪاً ﻋﺒﺪه ورﺳﻮﻟه ﺳﻴﺪ اﻷوﻟﲔ واﻵﺧﺮﻳن‪ ،‬أرﺳﻠه رﺑه ﳍﺪى ودﻳن اﳊق؛ ﻟﻴخﺮج‬ ‫وأﺷﻬﺪ أن ّ‬
‫اﻹنﺴﺎنﻴّة من اﻟﻈﻠمﺎت إﱃ اﻟنﻮر‪ ،‬ومن ﻋﺒﺎدة اﻟعﺒﺎد إﱃ ﻋﺒﺎدة اﻟﻮاﺣﺪ اﻷﺣﺪ‪ ،‬ومن ﺿﻴق اﻟﺪﱡنﻴﺎ إﱃ‬
‫ﺳعة وﺳعﺎدة اﻟﺪﱡنﻴﺎ واﻷﺧﺮة‪ ،‬وﻋﻠﻰ آﻟه‪ ،‬وﺻﺤﺒه اﻟﺬﻳن اﺳﺘﺠﺎﺑﻮا ﻟﺪﻋﻮته‪ ،‬و ﻫﺒﻮا ﻟنصﺮته‪ ،‬وﺑﺬﻟﻮا‬
‫ِ‬
‫من أجﻠﻬﺎ ﻛﻞ ﻏﺎل ونﻔﻴﺲ‪ ،‬ﻓنصﺮ ﷲ م اﳌﻠة وﺑﻠّغ م اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓَأَنْعم ﻟﺪﱠاﻋﻴة و ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬

‫أمﺎ ﺑعﺪ‪:‬‬
‫ﻓﺈن ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ ﻗﺪ ﺧﺘم دﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬واﳌﺮﺳﻠﲔ ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم ﺑﺪﻋﻮة اﻟنّﱯ ‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬
‫أﻋﻈم اﻟ ّﺪﻋﻮات ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق؛ ﲟﺎ ﲤﻴﺰت ﺑه من ﳑﻴﺰات‪ ،‬وﲟﺎ اﺧﺘصﺖ ﺑه من ﺧصﺎﺋﺺ ﲤﻜنﻬﺎ من‬
‫اﳋﻠﻮد‪ ،‬واﳍﻴمنة ﻋﻠﻰ اﻟﺰمﺎن واﳌﻜﺎن‪.‬‬
‫ﻓﻬﻲ تﺴﺘﺪﻋﻲ ﺬه اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺘأمﻞ‪ ،‬واﻟ ِّﺪراﺳة ﺑعمق ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف أﺑعﺎدﻫﺎ‪ ،‬ومعﺮﻓة اﻟعﻮامﻞ‬
‫اﳊﻘﻴﻘﻴّة اﻟﱵ تﻘﻒ وراء ﳒﺎﺣﻬﺎ‪.‬‬
‫واﻟﺬي ﻳﺘﺘﺒع رﻳخ ﺣﺮﻛة ﻫﺬه اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻛﻞ مﺮاﺣﻠﻬﺎ؛ ﳝﺮ ﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة ﻟﻐة اﻷﳘﻴّة ﰲ‬
‫ﳎﺎل اﻟعمﻞ اﻟ ﱠﺪﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬اﻟﱵ ﱂ ﲣﺘﻒ من اﳊﻴﺎة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة من مﺒﺪﺋﻬﺎ إﱃ منﺘﻬﺎﻫﺎ‪.‬‬
‫ومن تﻠﻚ ا ﺎﻻت اﳊﻴﻮﻳّة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة ﳎﺎل اﻟﻐﺰوات‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺴﺘمﺪ أﳘﻴﺘه من امﺘﺪاه اﻟﺰمﺎﱐ واﳌﻜﺎﱐ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺷﻐﻠﺖ ﻓﱰة اﻟﻐﺰوات ﻛﻞ اﳌﺮﺣﻠة اﳌﺪنﻴّة تﻘﺮﻳﺒﺎ‪ ،‬وﲤﻜنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼﳍﺎ أن تﺘﺤﺮك ﺧﺎرج‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻋﻠﻰ‬
‫ّ‬ ‫اﳌﺪﻳنة؛ ﺑﻞ ﺧﺎرج اﳉﺰﻳﺮة‪ ،‬وﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺳع اﺳﺘﻬﺪاف ﻓﺌﺎت جﺪﻳﺪة من‬
‫اﺧﺘﻼف ﻃﺒﺎﺋعﻬم‪.‬‬
‫وﻗﺪ جﺎءت ﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ﻟﺘﺘﻮﱃ اﻟﻜﺸﻒ ﻋن أﻫم اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳍﺬا ا ﺎل من ﺧﻼل مﺮو ت‬
‫اﻟﻐﺰوات اﻟﻮاردة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﺑﺮؤﻳّة مﻮﺿﻮﻋﻴّة ﺷﺎمﻠة؛ ﳏﺎوﻟة اﻹجﺎﺑة ﻋن اﻹﺷﻜﺎﻟﻴّة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫‪1‬‬
 ‫إﺷﻜﺎﻟﻴّﺔ اﻟﺒﺤﺚ‪:‬‬
‫ﺷﻬﺪت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻋﻘﺐ اﳍﺠﺮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﲢﻮﻻت ﻛﱪى ﴰﻠﺖ ﲨﻴع أﺑعﺎدﻫﺎ؛ ﲟﺎ ﻳﺘنﺎﺳﺐ مع‬
‫ﻃﺒﻴعة اﳌﺮﺣﻠة اﳉﺪﻳﺪة اﻟﱵ تﺴﺘﺪﻋﻲ اﺳﺘعﺪادات‪ ،‬وإمﻜﺎ ت مﻜﺎﻓﺌة ﻟﻠﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ أﻓﺮز ﺎ‬
‫اﻟﺒﻴﺌة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺪنﻴّة‪.‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وتنﻮع ﰲ اﻟﺘّﺤﺪ ت‬ ‫ّ‬ ‫ﻓﺪﺧﻠﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋﻬﺪا جﺪﻳﺪا ﺻﺎﺣﺒه تﻐﲑ ﰲ ﺧﺎرﻃة‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة؛ ﳑﺎ اﺳﺘﺪﻋﻰ تﻄﻮرا ﰲ اﳌنﻈﻮمة اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻮﺿﻮح ﰲ اﻟﻘﺮآن‬
‫اﳌﺪﱐ؛ ﺣﻴﺚ ﱂ ﻳعﺪ ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬واﻷﺧﻼﻗﻴّة ﻓﺤﺴﺐ ‪-‬ﺷأن اﻟﻘﺮآن اﳌﻜﻲ‪ ،-‬ﺑﻞ‬
‫ﲡﺎوز ذﻟﻚ إﱃ ﳎﺎﻻت أﺧﺮى ﻃﺎﻟﺖ ﲨﻴع اﻷﺑعﺎد اﳊﻴﻮﻳّة اﻟﱵ تﺘﻄﻠﺒﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة‪.‬‬
‫وﻟعﻞ من أﺑﺮز مﺎ أﻓﺮزه اﻟﺘﻄﻮر ﰲ رﻳخ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻹذن ﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬اﻟﺬي ﻳعﺪ نﻘﻄة انعﻄﺎف‬
‫ﺣﺎﲰة ﰲ اﻟﺒعﺪ اﳊﺮﻛﻲ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﺣﻴﺚ انﺘﻘﻠﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲟﻮجﺒه من ﲢﺎﺷﻲ اﻻﺻﻄﺪام‬
‫وا ﺎ ة إﱃ مﻮاجﻬة أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة وﺻﺪ ﻋﺪوا ﻬم‪ ،‬ﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﳛﻘق اﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫ومن ﰒﱠ تﺘﺒﲔ اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻐﺰوات اﻟنّﱯ‪ ،‬ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من َﺳﺮا وﺑعﻮث‪ ،‬ﻓﻘﺪ أدرك ذﻟﻚ‬
‫اﻟﱠﺮﻋِﻴﻞ اﻷول من ﻫﺬه اﻷمة؛ ﻓأوﻟﻮﻫﺎ جﺎنﺒﺎً ﻋﻈﻴمﺎً من ﻋنﺎﻳﺘﻬم‪ ،‬وتﺒعﻬم من جﺎء ﺑعﺪﻫم‪ ،‬ﻓصنّﻔﻮا‬
‫وتنﻮﻋﺖ؛ ﻟﻴﺤﻔﻈﻮا ﺑﺬﻟﻚ جﺰءا مﻬمﺎ من اﻟ ﱡﺴنﱠة‬ ‫ﰲ ﲨع اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وتعﺪدت منﺎﻫﺠﻬم ﰲ ذﻟﻚ ّ‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة اﻟﱵ تُعﺪ ﺑﻼ ﺷﻚ من اﳌصﺎدر اﻷﺻﻴﻠة اﻟﱵ تَـْﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫وﻛﺎن من ﻫﺆﻻء اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﺬي اﻫﺘم ﲟﺮو ﺎ وأﻓﺮد ﳍﺎ ﻛﺘﺒﺎ وأﺑﻮا ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬وﻟﻴﺲ ﻫﺬا‬
‫ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ اﺳﺘنﺒط منﻬﺎ أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة ﺿمنﻬﺎ تﺮاﲨه ﻋﻠﻰ مﺮو ﺎ وﻓق منﻬﺠه‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ وﻓق منﻬج اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪،‬‬ ‫ومن أجﻞ معﺮﻓة ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫واﻻﺳﺘﻔﺎدة منﻬﺎ ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﳌﺴﺎﳘة ﰲ تﺮﺷﻴﺪ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﰲ اﻟعصﺮ اﻟﱠﺮاﻫن‪،‬‬
‫ﰐ ﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ﻟﺘﺠﻴﺐ ﻋن اﻹﺷﻜﺎﻟﻴّة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘﻔﺮع ﻋنﻬﺎ من تﺴﺎؤﻻت‪:‬‬
‫ﻣﺎ ﻫﻲ اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻐﺰوات اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري اﻟﱵ ﺗﻀﻤﻨﺘﻬﺎ ﻣﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي وﺗﺮاﲨﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ؟‬
‫وتﺘﻔﺮع ﻋن ﻫﺬه اﻹﺷﻜﺎﻟﻴّة اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﻔﺮﻋﻴّة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫مﺎ اﳌﺮاد ﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة؟‬
‫مﺎ اﳌﺮاد ﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻬﻞ تﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﳌعﺮﻛة‪ ،‬أم أ ﺎ ﲤﺘﺪ إﱃ مﺎ ﳛﻴط ﺎ من مﻘﺪمﺎت ونﺘﺎﺋج؟‬
‫‪2‬‬
 ‫مﺎ ﻋﻼﻗة ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وتﺒﻮﻳﺒه ﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ اﻟﻐﺰوات؟‬
‫مﺎ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة؟‬
‫مﺎ ﻫﻲ اﻷﺑعﺎد اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺪﱠاﻋﻴة واﳌﺪﻋﻮ ﰲ اﻟﻐﺰوات؟‬
‫مﺎﻫﻲ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة وﻇﻔﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ اﻟﻐﺰوات؟‬
‫مﺎﻫﻲ اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ اﻟﻐﺰوات؟‬
‫دواﻓﻊ وأﺳﺒﺎب اﺧﺘﻴﺎر اﳌﻮﺿﻮع‪:‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺣﻔﺰتﲏ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﺿﻮع دواﻓع وأﺳﺒﺎب ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﳝﻜن أ ْن أﻗﺴمﻬﺎ إﱃ دواﻓع ذاتﻴّة‪،‬‬
‫وأﺳﺒﺎب مﻮﺿﻮﻋﻴّة‪.‬‬
‫أمﺎ اﻷﺳﺒﺎب اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة اﻟﱵ دﻓعﺘﲏ ﻟﺒﺤﺚ ﻫﺬا اﳌﻮﺿﻮع أوجﺰﻫﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻗﻠة اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻷﻛﺎدﳝﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﺑصﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.‬‬
‫‪.2‬ﻋﺪم اﺳﺘﻔﺎدة اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘة من اﳌنﻬج اﻟﻔﻘﻬﻲ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻺمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻠﻰ ﰲ‬
‫تﺮاﲨه ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫‪.3‬ﻏﻴﺎب اﻟﻄﺮح اﻟﺪﱠﻋﻮي اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ؛ وﻫﺬا من ﺷﺎنه أن ﻳﺆثﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﳝﻜن أن تﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ‪.‬‬
‫‪.4‬ﻗﻠة اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻷﻛﺎدﳝﻴّة اﻟﺸﺎمﻠة ﻟﻜﻞ اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫‪.5‬نﺪرة اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ تﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻰ مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻷﺻﻠﻴّة‪.‬‬
‫أ ﱠمﺎ اﻟ ﱠﺪواﻓع اﻟﺬاتﻴّة ﻓأﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻵﰐ‪:‬‬
‫ﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬منﺬ انﺘﺴﺎﰊ ﻟﻜﻠﻴّة اﻟعﻠﻮم‬ ‫‪.1‬تعﻠﻘﻲ اﻟﺸﱠﺪﻳﺪ ﻟ ّﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ذات ّ‬
‫اﻟصﻠة ّ‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫‪.2‬ﺣﺮﺻﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﱠأﺻﻴﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟ ﱠﺬاﰐ‪ ،‬وﻫﺬا ﰲ تﻘﺪﻳﺮ من أوﻟﻮ ت اﻟﺒﺎﺣﺚ اﳌﻬﺘم ﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ﺣﻴﺚ تُعﺘﱪ اﻻﺳﺘعﺪادت اﻟعﻠمﻴّة واﳌعﺮﻓﻴّة ﺑﺪاﻳّة َج ْﻮَدة اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﺪى اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺬي ﻳعﺪ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﻗﻞ مﺸﺮوﻋﺎ ﻟﺪاﻋﻴّة اﻟﻐﺪ‪.‬‬
‫‪.3‬رﻏﺒﱵ ﰲ اﳌﺸﺎرﻛة ﰲ ﲢﻘﻴق اﻟﺘّﻜﺎمﻞ اﳌعﺮﰲ ﺑﲔ ﻋﻠم اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة وﻏﲑﻫﺎ من اﻟعﻠﻮم‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫‪.4‬نﻴﻞ ﺷﺮف اﳌﺴﺎﳘة ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وتﺮﺷﻴﺪﻫﺎ انﻄﻼﻗﺎ من أ ﱠمﻬﺎت ﻛﺘﺐ ﱡ‬
‫اﻟﱰاث‬
‫ﻛصﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪.‬‬
‫‪3‬‬
 ‫أﻫﺪاف اﻟ ِّﺪراﺳﺔ‪:‬‬
‫تﺮمﻲ اﻟ ِّﺪراﺳة ﻟﺘﺤﻘﻴق ﲨﻠة من اﻷﻫﺪاف أﳋصﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﻜﺸﻒ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﺮﺳﺎﻟﻴة ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫‪.2‬إﺑﺮاز اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﺴﻠﻮﻛﻴة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺪاﻋﻴة واﳌﺪﻋﻮ من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫‪.3‬اﻟﺘعﺮف ﻋﻠﻰ اﳌنﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮﻳة وتﻄﺒﻴﻘﺎ ﺎ ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫‪.4‬اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ أﻫم اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟعﺎمة واﳋﺎﺻة‪.‬‬
‫‪.5‬إﻇﻬﺎر اﻟﻘﻴمة اﻟﺪﻋﻮﻳة ﻟﱰاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ روا ت اﳌﻐﺎزي ‪.‬‬
‫أﳘﻴّﺔ اﳌﻮﺿﻮع‪:‬‬
‫تﺘﺠﻠﻰ أﳘﻴّة مﻮﺿﻮع اﻟ ِّﺪراﺳة ﰲ جﻮانﺐ ﻋﺪة‪ ،‬ﳝﻜن أن أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟنﻘﺎط اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﻷﳘﻴّﺔ اﳌﺮﺟﻌﻴّﺔ‪ :‬من اﳉﻮانﺐ اﻟﱵ تَ ْﺴﺘَ ِم ُﺪ منﻬﺎ اﻟ ِّﺪراﺳة ﻗﻴمﺘﻬﺎ‪ ،‬وأﳘﻴﺘﻬﺎ اﳌﺮجعﻴّة تعﻠﻘﻬﺎ‬
‫ﺑصﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻬﻮ أﺻﺢ ﻛﺘﺎب ﺑعﺪ ﻛﺘﺎب ﷲ من ﺣﻴﺚ اﳌﺮو ت‪ ،‬وأﻏﺰر ﻛﺘﺐ اﳊﺪﻳﺚ ﻓﻘﻬﺎ‬
‫من ﺣﻴﺚ دﻗة تﺮاﲨه اﻟﱵ ﳚعﻠﻬﺎ ﻋنﺎوﻳن ﻟﻸﺑﻮاب‪ ،‬ﻓﺎﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي مﺲ اﳊﺎجة إﱃ اﻟﺮواﻓﺪ‬
‫اﳌﺮجعﻴّة اﻷﺻﻠﻴّة‪ ،‬ومﺎ ﻳنﺒﺜق ﻋنﻬﺎ من تﺮاﻛمﺎت معﺮﻓﻴّة‪ ،‬واجﺘﻬﺎدات دﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻷﳘﻴّﺔ اﳊﺮﻛﻴّﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ‪ :‬وذﻟﻚ ﺑﻜﻮن اﻟ ِّﺪراﺳة تﺘنﺎول اﳉﺎنﺐ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﰲ ﳎﺎل ﺣﻴﻮي‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬وﻫﻮ ﳎﺎل اﳌﻐﺎزي اﻟﺬي م ﱠﻜن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة أن تﺘﺤﺮك ﰲ اﲡﺎﻫﺎت ﳐﺘﻠﻔة‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫وتصﻞ إﱃ ﻓﺌﺎت دﻋﻮﻳّة مﺘنﻮﻋة‪ ،‬وﻫﻲ جﻮانﺐ ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة ﰲ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬

‫‪ .3‬اﻷﳘﻴّﺔ اﻟﺘّﻜﺎﻣﻠﻴّﺔ‪ :‬ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ أﳘﻴّة اﻟ ِّﺪراﺳة ﻛﻮ ﺎ دراﺳة ذات ﺑعﺪ تﻜﺎمﻠﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ تﺴعﻰ ﻟﺘﻔعﻴﻞ‬
‫اﻟﺴﲑة واﳊﺪﻳﺚ اﻟنﱠﺒﻮي؛ ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟعﻬﺪ اﻟنﱠﺒﻮي ﻫﻮ‬
‫آﻟﻴّة اﻟﺘﻜﺎمﻞ اﳌعﺮﰲ ﺑﲔ ﻋﻠم اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻋﻠمﻲ ّ‬
‫اﻹﺻﻼﺣﻴة واﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اﻟﻔﱰة ااﻟنﱠمﻮذجﻴة اﳌﺮجعﻴّة ﰲ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬تﺘﺤﺎﻛم إﻟﻴﻬﺎ اﳊﺮﻛﺎت‬
‫وتﺴﺘﻠﻬم منﻬﺎ مﻘﻮمﺎت اﻟنﺠﺎح‪ ،‬وتﺴﺘنﲑ ﺎ ﰲ ﳎﺎ ة اﻟﺘّﺤﺪ ت‪.‬‬
‫‪ .4‬اﻷﳘﻴّﺔ اﳌﻌﺮﻓﻴّﺔ‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻛعﻠم مﺴﺘﻘﻞ ﻋن ﻏﲑه من اﻟعﻠﻮم اﻹﺳﻼمﻴّة ﱂ تنﻀج ﻛﺜﲑ‬
‫من ﻗﻀﺎ ه‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎن من اﻟعﻠﻮم اﻹنﺴﺎنﻴّة ﻓﻬﻮ ﰲ ﺣﺎﻟة ﲡﺪد مﺴﺘمﺮ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﲝﺎجة إﱃ مﻮاﻛﺒة‬
‫ﺻﻴﻠﻴّة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻘﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻷﺻﻠﻴّة‪ ،‬وﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة تﺴعﻰ ﻟﺴﺪ اﳌمﻜن من‬
‫صﺤﻴﺢ وتﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓﺎﲢة آﻓﺎق‬ ‫ﻫﺬا اﳉﺎنﺐ اﳌﻬم من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﱰﺷﻴﺪ اﳌعﺮﰲ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة من ﺧﻼل تﺮاث اﻷمة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﺮﻏم من ﻛﻮن اﻟ ّﺪراﺳﺎت اﻷﻛﺎدﳝﻴّة تﺴﺘﻬﺪف ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ اﻟنّخﺒة من‬ ‫‪.5‬اﻷﳘﻴّﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴّﺔ‪ :‬ﻋﻠﻰ ّ‬
‫اﻟﻘﺮاء‪ ،‬ﻓأن ﻫﺬا ﻻ ﻳعﲏ أن ﻋﺎمة اﳌﺜ ّﻘﻔﲔ ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون منﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ﳚﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﳌﺜ ّﻘﻒ مﺎ‬ ‫ّ‬
‫ﻳﻐﻄّﻲ ﺑعﺾ اﻟﻘﻴّم اﻟﺜّﻘﺎﻓﻴّة ﻟﺪﻳه‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﲤ ّﻜِنه من اﻟﺘّعﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وﲡعﻠه‬
‫صﺤﻴﺢ؛‬ ‫ﻳﺪرك ﺑﺴﻬﻮﻟة اﻟﻘﻴمة اﻟعﻠمﻴّة ﻟصﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ومنﻬﺠه ﰲ اﻟﺘّعﺎمﻞ مع اﳊﺪﻳﺚ اﻟنﱠﺒﻮي اﻟ ﱠ‬
‫ذﻟﻚ أن ﻃﺮﻳﻘﺘه ﰲ ﻋﺮض اﻷﺣﺎدﻳﺚ وتﺮتﻴﺒﻬﺎ واﺳﺘنﺒﺎط اﻟﻔﻘه منﻬﺎ تﻜﺎد ﲣﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﲑ من‬
‫ت ﰲ اﻟﻈﱠﺎﻫﺮ أ ﺎ‬ ‫اﻟعﺎمة‪ ،‬وإﺑﺮاز ﻫﺬه اﻷﳘﻴّة من ﺻمﻴم اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬وإ ْن ﺑَ َﺪ ْ‬
‫اﳌﺜ ّﻘﻔﲔ ﻓﻀﻼ ﻋن ّ‬
‫ﺑعﻴﺪة ﻋنه‪.‬‬
‫‪.6‬اﻷﳘﻴّﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ واﳊﻀﺎرﻳّﺔ‪ :‬إن ﻟﻠ ِّﺪراﺳة أﳘﻴّة ﺣﻀﺎرﻳّة؛ﻟﻜﻮ ﺎ تﺴعﻰ ﻹﺑﺮاز اﻟﻘﻴّم‪ ،‬واﻷﺑعﺎد‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟﻴّة اﻟعﺎﳌﻴّة اﻟﱵ تﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬‫اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬واﳊﻘﻮﻗﻴّة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﳌنﺒﺜﻘة من ﺧصﺎﺋصﻬﺎ ِّ‬
‫صﺤﻴﺢ اﻟﱵ ﻳـٌ َع ﱠﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ‬
‫ﻟﺘنﺰح ﳓﻮ اﻟﺸﱡﻬﻮد اﳊﻀﺎري‪ ،‬من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫من ﺷﺎنه أ ْن ﻳﺴﻬم ﰲ ﻀة اﻷ ﱠمة‪.‬‬
‫اﻟﺘﱠأﺳﻴﺲ ﻟﻔﻘه ﺣﻀﺎري ْ‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ﻻ تٌ ْﺴﺘَـ َﻘ ﱡﻞ أﳘﻴّﺘﻬﺎ ﰲ اﳌﺴﺎﳘة ﰲ اﻹﻗﻼع اﳊﻀﺎري‪ ،‬واﻟنﱠﻬﻀﻮي واﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻸمة؛‬
‫أﺻﺢ اﻟﻜﺘﺐ ﺑعﺪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬‫ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻓﺬة ﻋﻠﻰ اﻟﻔعﻞ اﳊﻀﺎري ااﻟنﱠمﻮذجﻲ من ﺧﻼل ِّ‬

‫اﻟ ِّﺪراﺳﺎت اﻟ ﱠ‬
‫ﺴﺎﺑﻘﺔ‪:‬‬
‫ﻗﺪ اﻃﻠعﺖ ﻋﻠﻰ ﲨﻠة من اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻷﻛﺎدﳝﻴّة ذات اﻟصﻠة ﲟﻮﺿﻮع ﲝﺜﻲ‪ ،‬وﻫﻲ ﻋﻠﻰ ثﻼثة أﻗﺴﺎم‪:‬‬
‫اﻟﻘﺴﻢ اﻷول‪:‬‬
‫ﻓمن ذﻟﻚ‬ ‫ِ‬
‫صﺤﻴﺢ تنﺎوﻟﺖ ﻗﺴمﺎ من أﺣﺎدﻳﺜه ﻟ ّﺪراﺳة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﺘﱠﺤﻠﻴﻠﻴّة‪ْ ،‬‬ ‫دراﺳﺎت دﻋﻮﻳّة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫دراﺳة ﺳعﻴﺪ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬وﻫﻲ رﺳﺎﻟة تﻘ ّﺪم ﺎ ﻟنﻴﻞ ﺷﻬﺎدة اﻟ ﱡﺪﻛﺘﻮراه ﲜﺎمعة ِّأم اﻟﻘﺮى ّﲟ ﱠﻜة‬
‫اﳌﻜﱠﺮمة‪ ،‬ﺳنة ‪1419‬ه اﳌﻮﺳﻮمة ﺑـ "ﻓﻘﻪ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري"‪ ،‬و ﻗﺪ ﻗﺴمﻬﺎ إﱃ ﻗﺴم‬
‫نﻈﺮي تنﺎول ﻓﻴه مصﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬وﻋﺮف ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺒخﺎري وﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬وﻫﻮ جﺰء ﻟه ﻋﻼﻗة وﻃﻴﺪة‬
‫اﻟﺮوا ت ﻋﻠﻰ منﻬج‬ ‫ﺑﺪراﺳﱵ ﺧﺎﺻة اﻟﻔصﻞ اﻟﺘّمﻬﻴﺪي‪ ،‬أمﺎ اﻟﻘﺴم اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻲ ﻓﻬﻮ ﻗﺴم ﺣﻠﻞ ﻓﻴه ِّ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺘﱠﺤﻠﻴﻠﻲ‪ ،‬ﰒ ﻳﺴﺘنﺒط منﻬﺎ اﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﰒ ﳋﱠصﻬﺎ ﰲ ﺎﻳّة اﳉﺰء اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻲ ﰲ أرﺑعة‬
‫ﳎﺎﻻت‪ :‬اﻷول ﻳﺘعﻠق ﳌﻮﺿﻮع‪ ،‬واﻟﺜﺎﱐ ﻳﺘعﻠق ﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬واﻟﺜﺎﻟﺚ ﺧصه ﻟﻠمﺪﻋﻮ‪ ،‬واﻟﺮاﺑع تنﺎول ﻓﻴه‬
‫اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وﻫﺬا اﳉﺰء مﺎ ﻳﺘعﻠق منه ﺑﺪراﺳﱵ ﻫﻮ مﺮو ت ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟ ﱠﺴﲑ؛ ﻓأﻏﻠﺒه مﺒﲏ ﻋﻠﻰ مﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻏﲑ أن ﻋﻼﻗﺘه ﺎ تﺒﻘﻰ جﺰﺋﻴّة؛ ﻷن اﻟ ِّﺪراﺳة ﱂ تﺘنﺎول ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي اﻟﺬي ﺣﻮى جﻞ‬
‫مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺎ من مﻼﺑﺴﺎت ومﻘ ّﺪمﺎت‪ ،‬ﻟﻜﻮ ﺎ دراﺳة مﻮﺿعﻴّة‪.‬‬
‫اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﱐ‪:‬‬
‫اﻟﺴﲑة‪ ،‬ﺪف ﰲ اﻷﺳﺎس إﱃ ﲢﻘﻴق مﺮو ﺎ‪،‬‬ ‫ﻋﺒﺎرة ﻋن دراﺳﺎت ﺣﺪﻳﺜﻴّة ﻟﻐﺰوات ووﻗﺎﺋع من ّ‬
‫وﻫﻲ ﻻ ﲣﻠﻮ من إﺷﺎرات‪ ،‬وﻓﻮاﺋﺪ دﻋﻮﻳّة ﰐ ﻋﺮﺿﺎ ﻻ أﺻﺎﻟة‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﻘﺴم اﳌﺘعﻠق ﺑﺪراﺳة مﺮو ت‬
‫اﳌنﻮرة ‪:‬‬
‫اﳌﻐﺎزي أذﻛﺮ منه دراﺳﺘﲔ؛ نﻮﻗﺸﺘﺎ ﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة ﳌﺪﻳنة ّ‬
‫اﻷوﱃ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ ﺣﺎﻓﻆ اﳊﻜمﻲ )‪1403-1402‬ه(‪ ،‬اﳌﻮﺳﻮمة ﺑـ" ﻣﺮو ت غﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّﺔ"‪،‬‬
‫واﻟﺜﺎنﻴّة ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ‪ :‬إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن إﺑﺮاﻫﻴم ﻗﺮﻳﱯ)‪1425‬ه(‪ ،‬وﻗﺪ ﻋنﻮ ﺎ ﺑـ"ﻣﺮو ت غﺰوة ﺑﲏ اﳌﺼﻄﻠﻖ‬
‫وﻫﻲ غﺰوة اﳌﺮﻳﺴﻴﻊ"‪.‬‬
‫وﳘﺎ دراﺳﺘﺎن ﻗﻴّمﺘﺎن ﰲ مﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اجﺘﻬﺪ أﺻﺤﺎ ﺎ ﰲ اﻻﺳﺘﻘصﺎء اﳌﻮﺳع ﻟﻠﺮوا ت‪ ،‬وﲢﻘﻴﻘﻬﺎ‬
‫ﻳﻮﺳع من داﺋﺮة اﻻﺳﺘﻔﺎدة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة من ﺣﻮادث اﳌﻐﺎزي‪،‬‬‫ِ‬
‫من اﻟنﺎﺣﻴّة اﳊﺪﻳﺜﻴّة‪ ،‬وﻫﺬا من ﺷﺎنه أن ّ‬
‫وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ اﻟﻜﺜﲑ من اﻻﺳﺘنﺒﺎﻃﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪ ،‬واﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺘﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲨعﺖ اﻟﺪراﺳﺘﺎن‬
‫ﺑﲔ ﲢﻘﻴق اﻟنﱠﺺ‪ ،‬وﻓﻘه اﳌﱳ‪.‬‬
‫وتَ ْﻜ ُم ُن اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳌﺜﻞ ﳍﺬا اﻟنﱠﻮع من اﻟ ّﺪراﺳﺎت ﰲ تﻘصﻲ اﳉﺰﺋﻴﺎت‪ ،‬واﳌﻼﺑﺴﺎت اﶈﻴﻄة‬
‫ﻟﻐﺰوة اﻟﱵ تﺘﻀمن ﰲ اﻟﻜﺜﲑ من اﻷﺣﻴﺎن إﺷﺎرات دﻋﻮﻳّة ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة؛ ﳝﻜن أن ﻳُﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ‬
‫ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة مﺸﺎ ة‪.‬‬
‫إﺿﺎﻓة إﱃ ذﻟﻚ ﻓﺘﺤﻘﻴق اﻟنّﺺ‪ ،‬وﺑﻴﺎن درجﺘه من ﺣﻴﺚ اﻻﺣﺘﺠﺎج أمﺮ ﻟغ اﻷﳘﻴّة‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﰲ‬
‫اﳌﺴﺘﺪام‪ ،‬واﻟﻔعﱠﺎل ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻰ أﺻﻮل‬ ‫ﳎﺎل ِّ‬
‫اﻟﺮوا ت اﳊُ ْﻜ َمﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺮﺷﻴﺪ‪ ،‬و ُ‬
‫ﺻﺤﻴﺤة ومﺘﻴنة‪.‬‬
‫اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪:‬‬
‫ﻫﺬا اﻟﻘﺴم من اﻟ ّﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠمﻐﺎزي ﻳﺘنﺎول اﻟﺪ ْﱠرس اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻐﺰوات ﺑعﻴنﻬﺎ‪ ،‬وأذﻛﺮ منﻬﺎ مﺎ‬
‫ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫"غﺰوة ﺑﺪر دراﺳﺔ دﻋﻮﻳّﺔ"‪ ،‬وﻫﻲ رﺳﺎﻟة مﺎجﻴﺴﺘﲑ ﻟﺴﺎرة اﳌﻮﺳﻰ اﻟﻄﺎﻟﺒة ﺑﻜﻠﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹﻋﻼم‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﺳعﻮد ﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة اﻟﺴعﻮدﻳّة )‪1426-1425‬ه(‪.‬‬
‫ﲜﺎمعة اﻹمﺎم ّ‬

‫‪6‬‬
‫وﻫﻲ دراﺳة دﻋﻮﻳّة جﺎ ﱠدة ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺒﺎﺣﺜة ﻓﻴﻬﺎ اﻹﺣﺎﻃة ﺑﻜﻞ مﺎ ﻳﺘعﻠق ﻟﻐﺰوة من اﻟنﱠﺎﺣﻴّة اﻟﺘﱠﺎرﳜﻴّة‬
‫أﻫم أﺣﺪاثﻬﺎ‪ ،‬ونﺘﺎﺋﺠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﰲ اﻟﺘّمﻬﻴﺪ ﰲ زﻫﺎء ﺳﺒعﲔ ﺻﻔﺤة‪ ،‬ﻓﺘعﺮﺿﺖ ﻓﻴه ﻷﺳﺒﺎ ﺎ‪ ،‬و ّ‬
‫ﰒﱠ ﺷﺮﻋﺖ ﰲ ﲢﻠﻴﻠﻬﺎ من ﺧﻼل أرﺑعة ﻓصﻮل‪ ،‬تنﺎوﻟﺖ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻷول اﻟ ّﺪروس اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺪﱠاﻋﻴة‪،‬‬
‫مﻘﺴمة إﻳﱠﻬﺎ إﱃ ﺻﻔﺎت اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬وواجﺒﺎته‪ ،‬اﻟﱵ اﺳﺘﻔﺪت من ﺑعﻀﻬﺎ ﰲ دراﺳﱵ‪ ،‬أمﺎ اﻟﻔصﻞ اﻟﺜﺎﱐ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ومﻮانع ودواﻓع‬ ‫ّ‬ ‫ﺧصصﺘه ﻟﻠﺪﱡروس اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺪﻋﻮ مﻘﺘصﺮة ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ أﺻنﺎف‬ ‫ﻓﻘﺪ ّ‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬ودراﺳﱵ تﺘﻘﺎﻃع معﻬﺎ ﰲ ﺑعﺾ اﳉﻮانﺐ وتﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻟﻜﻮ ﺎ ﱂ تﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ ﻏﺰوة‬
‫ﻓﺘﻄﺮﻗﺖ ﻓﻴه ﻟﻠﺪﱡروس‬‫ْ‬ ‫ﺧصصﺘه ﻟﻠﺪﱡروس اﳌﺘعﻠﻘة ﲟﻮﺿﻮع اﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬ ‫ﺑعﻴنﻬﺎ‪ ،‬أمﺎ اﻟﻔصﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻘﺪ ّ‬
‫اﳌﺘعﻠﻘة ﻟعﻘﻴﺪة واﻟ ﱠﺸﺮﻳعة واﻟ ﱡﺴﻠﻮك ﺑﺸﻲء من اﻟﺘﻔﺮﻳع مع إﳘﺎﳍﺎ ﻷﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‪ ،‬وﻟعﻞ ذﻟﻚ‬
‫مﺮجعه ﻟﻄﺒﻴعة اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ومﻮﻗعﻬﺎ من رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫ﻓخصصﺘه اﻟﺒﺎﺣﺜة ﻟﻠ ّﺪروس اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬ﻓﺬﻛﺮت‬ ‫ّ‬ ‫أمﺎ اﻟﻔصﻞ اﻟﺮاﺑع‬
‫اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة واﳌعنﻮﻳّة‪ ،‬أمﺎ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻓﻘﺪ ذﻛﺮت اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻔﻄﺮﻳّة اﻟﺜﻼثة اﻟعﺎﻃﻔﻴّة‪ ،‬اﻟعﻘﻠﻴّة‬
‫واﳊﺴﻴّة‪ ،‬ودراﺳﱵ تﺘﻘﺎﻃع معﻬﺎ ﰲ دراﺳة اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﰲ اﻟعمﻮم وﻟﻜنﱠﻬﺎ ﲣﺘﻠﻒ معﻬﺎ ﰲ اﳌنﻬﺠﻴّة‬
‫واﳌﻀمﻮن‪.‬‬
‫ﺘمﺖ ﻓصﻮل اﻟ ِّﺪراﺳة ﺑﻔصﻞ ﺧﺎمﺲ تنﺎوﻟﺖ ﻓﻴه أوجه اﻻﺳﺘﻔﺎدة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ ﻏﺰوة ﺑﺪر ﰲ‬ ‫وﺧ ْ‬‫ُ‬
‫اﻟعصﺮ اﳊﺎﺿﺮ‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﻔصﻞ رﻏم أﳘﻴﺘه إذ ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻟﺒعﺪ اﻟﺘّنﺰﻳﻠﻲ اﻟﻮاﻗعﻲ إﻻ أنه مﺎ ﻫﻮ إﻻ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﻓﻜﺎن من اﳌمﻜن أ ْن ﻳﻜﻮن مصﺎﺣﺒﺎ ﻟﻜﻞ درس دﻋﻮي ﰲ‬ ‫تﻠخﻴﺺ ﳌﺎ ﺳﺒﻘه من اﻟﻔصﻮل ّ‬
‫مﻮﺿعه من اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬ﻫﺬا من جﻬة‪ ،‬ومن جﻬة أﺧﺮى ﻓﺈن مﺎ اﺳﺘﻔﻴﺪ من اﻟﻐﺰوة من دروس دﻋﻮﻳّة‬
‫ﻳﺒﻘﻰ ﻏﲑ ﻛﺎف ﻟﺴ ّﺪ‪ ،‬وتﻠﺒﻴّة ﺣﺎجﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ أﺑعﺎدﻫﺎ اﳌخﺘﻠﻔة؛ ﻟﻜﻮ ﺎ ﳏﺪودة ﲟﺠﺎل رﳜﻲ‬
‫ﳏﺪد من رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﰐ أﳘﻴّة دراﺳﱵ ﺣﻴﺚ ﲤﺴﺢ ﻛﻞ اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل مﺮو ت ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري وﻓق‬
‫صﺤﻴﺢ؛ إذ ﻻ ﳝﻜن دراﺳة ﻛﻞ اﻟﻐﺰوات ﺑنﻔﺲ اﳌنﻬج اﻟﺬي درﺳﺖ ﺑه ﻏﺰوة‬ ‫منﻬﺠه اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﺑﺪر ﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﻓﻐﺰوة ﺑﺪر ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﺷﻐﻠﺖ أﻛﺜﺮ من ﲬﺴمﺌة ﺻﻔﺤة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ﳏمﺪ مﺪﺣج ﻟنﻴﻞ‬ ‫واﻟ ّﺪراﺳة اﻟﺜﺎنﻴّة مﻮﺳﻮمة ب ـ"غﺰوة أﺣﺪ دراﺳﺔ دﻋﻮﻳّﺔ" تﻘﺪم ﺎ اﻟﻄﺎﻟﺐ ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﺳعﻮد ﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة اﻟﺴعﻮدﻳّة‬ ‫ﺷﻬﺎدة اﳌﺎجﻴﺴﺘﲑ ﺑﻜﻠﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹﻋﻼم جﺎمعة اﻹمﺎم ّ‬
‫)‪1416‬ه(‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ﺣﺎول ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ أن ﻳﺘنﺎول ﻟ ِّﺪراﺳة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻛﻞ مﺮاﺣﻞ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬ﻓﺒعﺪ‬
‫اﳌﻘﺪمة َم ﱠﻬﺪ ﻟﺪراﺳﺘه ﺑﺘمﻬﻴﺪ تﻄﺮق ﻓﻴه ﻟﺒﻴﺎن مﻔﻬﻮم اﳉﻬﺎد وأﳘﻴﺘه اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وتﻠﺘه ﺑعﺪ ذﻟﻚ أرﺑعة‬
‫ﻓصﻮل‪ ،‬ﺣﻴﺚ تنﺎول ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻷول دراﺳة رﳜﻴّة ﻟﻠﻐﺰوة؛ مﱪزا أﺳﺒﺎ ﺎ‪ ،‬وأﺣﺪاثﻬﺎ‪ ،‬ونﺘﺎﺋﺠﻬﺎ‪ ،‬أمﺎ‬
‫ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻟﺜﺎﱐ ﻓﻘﺪ ﲝﺚ اﻟ ّﺪروس اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺴﺘﻔﺎدة من اﻻﺳﺘعﺪاد ﻟﻠﻐﺰوة‪ ،‬ﻓﺬﻛﺮ منﻬﺎ اﻟﺘﱠخﻄﻴط‪،‬‬
‫ﻓخصصه ﻟﻠ ّﺪروس اﳌﺴﺘﻔﺎدة من أﺣﺪاث‬ ‫ّ‬ ‫واﻟﺸﱡﻮرى‪ ،‬واﳌﻮازنة ﺑﲔ اﳌصﺎﱀ‪ ،‬أمﺎ اﻟﻔصﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪،‬‬
‫اﻟﻐﺰوة‪ ،‬وذﻛﺮ منﻬﺎ اﳊﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﺪﱡنﻴﺎ‪ ،‬واﻻرتﺒﺎط ﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬وأﳘﻴّة اﻟﻄﱠﺎﻋة‪ ،‬أمﺎ اﻟﻔصﻞ اﻟﺮاﺑع ﻓﻘﺪ‬
‫ﺿمنه اﻟﺪﱡروس اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺴﺘﻔﺎدة من أﺣﺪاث مﺎ ﺑعﺪ اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻓﺬﻛﺮ ﻓﻴه معﺎﳉة اﻷﺧﻄﺎء‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ومﻘﻮمﺎت‪ ،‬ودور اﳌﺮأة ﰲ اﳌعﺮﻛة‪.‬‬
‫ذﻛﺮت ﰲ نﻘﺪ‬‫ﻛﻞ اﻷﺑعﺎد ﻛمﺎ ُ‬ ‫ﳝﻜن أن تﻐﻄﻲ ﱠ‬ ‫وﻳُﻼﺣﻆ أن مﺎ ذﻛﺮه اﻟﺒﺎﺣﺚ من ﻗﻀﺎ دﻋﻮﻳّة ﻻ ُ‬
‫اﻟ ِّﺪراﺳة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﻛمﺎ أن اﳌنﻬج اﻟﺬي اﻟﺘﺰمه ﰲ تﻘﺴﻴم ﲝﺜه تﺒعﺎ ﻷﺣﺪاث اﻟﻐﺰوة اﻟﻜﺮونﻮﻟﻮجﻲ َوﻟﱠﺪ‬
‫ﻟﺪﻳه ﺧﻠﻼ ﰲ اﻟ ِﻮ ْﺣﺪة اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة ﰲ ﻋنﺎﺻﺮ اﻟﻔصﻮل‪.‬‬
‫أمﺎ اﻟﻔصﻞ اﳋﺎمﺲ ﻓﻘﺪ أﻓﺮده ﻷوجه اﻻﺳﺘﻔﺎدة من اﻟﻐﺰوة ﰲ اﻟعصﺮ اﳊﺎﺿﺮ‪ ،‬ﻓﺎﻗﺘصﺮ منﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫مﺎ ﻳﻔﻴﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬وﻗﺪ ﺳﺒق اﻟﺘعﻠﻴق ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻹﺳﻘﺎط ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة اﻵنﻔة‪ ،‬مع تﺴﺠﻴﻞ‬
‫ﺑعﺾ اﻟﻘصﻮر ﰲ أوجه اﻻﺳﺘﻔﺎدة‪ ،‬إ ْذ أﻏﻔﻞ اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬واﻷﻫﺪاف‪،‬‬
‫واﻟﺘّﺤﺪ ت‪...‬‬
‫أمﺎ اﻟ ِّﺪراﺳة اﻟﺜﺎﻟﺜة؛ ﻓﻬﻲ رﺳﺎﻟة مﺎجﺴﺘﲑ ﺑعنﻮان "غﺰوة ﺗﺒﻮك دراﺳﺔ دﻋﻮﻳّﺔ"‪ ،‬من إﻋﺪاد اﻟﻄﺎﻟﺒة‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﺳعﻮد ﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة‬ ‫ﻓﺎﻃمة اﳊﻮاﱄ تﻘﺪمﺖ ﺎ ﻟﻜﻠﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹﻋﻼم جﺎمعة اﻹمﺎم ّ‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳّة )‪1425‬ه(‪.‬‬
‫وﻫﻲ دراﺳة تﺸﺒه إﱃ ﺣ ٍّﺪ ﻛﺒﲑ اﻟ ِّﺪراﺳة اﻷوﱃ‪ ،‬ﻓُﺘ ﱠﻮجه إﻟﻴﻬﺎ نﻔﺲ اﳌﻼﺣﻈﺎت‪ ،‬إﻻ ﺑعﺾ اﻟﻔﺮوق‪،‬‬
‫صصﺖ ﻓصﻼ من رﺳﺎﻟﺘﻬﺎ ﻹﻋﺪاد اﻟﺪﱡﻋﺎة وﻫﻲ إﺿﺎﻓة جﺪﻳﺪة ﻟﻐة ﰲ‬ ‫من ذﻟﻚ أن اﻟﺒﺎﺣﺜة ﺧ ﱠ‬
‫اﻷﳘﻴّة ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺪﱠاﻋﻴة أﻫم ﻃﺮف ﰲ إﳒﺎح اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوة اﻟﻮاﺣﺪة ﻻ تﻜﻔﻲ‬
‫ﻟﺘﻠﺒﻴّة ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻓﻘﺪ تﻮﺳعﺖ ﻓﻴه ﰲ دراﺳﱵ‪ ،‬ﺣﻴﺚ اﺧﺘﻠﻔﺖ معﻬﺎ ﰲ تﻘﺴﻴم‬
‫اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ذﻛﺮ ﺎ دون راﺑط مﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﳝﻜن اﻻﺳﺘﻔﺎدة منﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻔﺪت من‬
‫أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة وتﻮﺳعﺖ ﻓﻴه ﰲ رﺳﺎﻟﱵ‪ ،‬وﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ أﺳﻬﺒﺖ ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻘﻮﻟﻴّة‬
‫واﳊﺴﻴّة‪ ،‬إﻻ أ ﺎ ﳝﻜن أن تﺪرج ﺿمن ﻋنصﺮ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﲡنﺒﺎ ﻟﻺﻃنﺎب واﻟﺘّﻜﺮار‪ ،‬وﻫﺬه اﻟﻔﺮوق‬
‫ﻟعﻞ مﺮجعﻬﺎ ﻻﺧﺘﻼف ﻃﺒﻴعة اﻟﻐﺰوة‪ ،‬وإﻃﺎرﻫﺎ اﻟﺰمﺎﱐ‪ ،‬واﳊﺮﻛﻲ‪...‬‬
‫‪8‬‬
‫" ﻓﺘﺢ ﻣ ﱠﻜﺔ دراﺳﺔ‬ ‫وأﺧﺘم ﻫﺬا اﻟنﱠﻮع من اﻟ ّﺪراﺳﺎت ﺑﺪراﺳة اﻟﻄﱠﺎﻟﺒة ﻫنﺪ ﺷﺮﻳﻔﻲ اﳌﻮﺳﻮمة ب‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﺳعﻮد‬ ‫دﻋﻮﻳّﺔ"‪ ،‬وﻫﻲ رﺳﺎﻟة مﺎجﺴﺘﲑ نﻮﻗﺸﺖ ﺑﻜﻠﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹﻋﻼم ﲜﺎمعة اﻹمﺎم ّ‬
‫ﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة اﻟﺴعﻮدﻳّة )‪1420‬ه(‪.‬‬
‫وﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة تﻜﺎد تﻜﻮن مﻘﺎرﺑة ﻟﺪراﺳة ﻏﺰوﰐ ﺑﺪر‪ ،‬وتﺒﻮك ﰲ إﻃﺎرﻫﺎ اﻟعﺎم إﻻ أ ﺎ انﻔﺮدت من‬
‫ﺣﻴﺚ اﻟﺘﻔصﻴﻞ مﻮر‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ أن اﻟﺒﺎﺣﺜة ﺣﺎوﻟﺖ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻟﺘّمﻬﻴﺪي اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻴه ﻟﻐﺰوة‬
‫أن تﱪز ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﲟﺎ ﻗﺒﻠﻬﺎ من أﺣﺪاث‪ ،‬ومﺎ ﺑعﺪﻫﺎ من نﺘﺎﺋج وآ ر دﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻬﺬا اﻻرتﺒﺎط من ﺷﺎنه‬
‫أن ﻳنﺘج رؤﻳّة دﻋﻮﻳّة أﻛﺜﺮ ﴰﻮﻟﻴّة‪ ،‬وأﺳﺠﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺜة مع ﻛﻮ ﺎ تﺘﻔق مع مﺎ ﺳﺒق ﰲ تﻘﺴﻴم‬
‫اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬وﻋنﺎوﻳن اﻟﻔصﻮل إﻻ أ ﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﲡﺪد ﰲ اﻟعنﺎوﻳن اﻟﻔﺮﻋﻴّة؛ ﳏﺎوﻟة أن ﲡمع ﺑﻴنﻬﺎ‬
‫ﰲ ﻗﻮاﻟﺐ مﻮﺿﻮﻋﻴّة ُمﻮ ﱠﺣﺪة‪ ،‬وﳛمﺪ ﳍﺎ أ ﺎ ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺘّﻘعﻴﺪ ﻟﺒعﺾ اﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ ﺷﻜﻞ‬
‫ﻗﻮاﻋﺪ‪ ،‬ﻛﺘﻘعﻴﺪﻫﺎ ﻟﻘﻮاﻋﺪ إﻋﺪاد اﻟﺪﱡﻋﺎة‪ ،‬وﻫﺬه اﻷﺧﲑة ﺳﻮف أﺣﺎول إﺑﺮاز ﺷﻲء منﻬﺎ من ﺧﻼل‬
‫تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ دراﺳﱵ‪.‬‬
‫صصﺖ ﰲ دراﺳة مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ‬ ‫أمﺎ اﻟ ّﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة اﻟﺸﱠﺎمﻠة اﻟﱵ ﲣ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﰲ إﻃﺎر اﳌنﻬج اﳋﺎص ﻟﻺمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻠم أﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء منﻬﺎ‪ ،‬إﻻ مﺎ ﻛﺎن من‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ دراﺳة دﻋﻮﻳّة ﺣﻴﺚ تنﺎول ﻛﻞ ﻃﺎﻟﺐ‬ ‫دراﺳﺎت ﻃﻠﺒة جﺎمعة أم اﻟﻘﺮى اﻟﺬﻳن ﻗﺎمﻮا ﺑﺪراﺳة اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬إﻻ أ ﺎ دراﺳﺎت ﲢﻠﻴﻠﻴّة مﻮﺿعﻴّة ﱂ تﺴﺘﻮف أي دراﺳة‬ ‫ﻃﺎﻟﺐ مﺌة ﺣﺪﻳﺚ وﻓق تﺮتﻴﺐ اﻟ ﱠ‬
‫منﻬﺎ ﻛﻞ اﳌﺮو ت‪ ،‬أمﺎ من ﺣﻴﺚ منﻬﺠﻴﺘﻬﺎ؛ﻓﻘﺪ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ منﻬج اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺘﱠﺤﻠﻴﻠﻲ اﻟﺬي‬
‫اﻟﺴنﺪﻳّة‪ ،‬وتﺮﲨة اﻟﺮواة‪ ،‬وﺷﺮح اﻟﻐﺮﻳﺐ‪ ،‬واﻟﺘعﺮض ﻟﻠمعﲎ اﻹﲨﺎﱄ واﳌﻘﺎرنة ﺑﲔ‬ ‫ِ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﺮد ﰲ اﻟ ّﺪراﺳة ّ‬
‫اﻟﺮوا ت‪ ،‬وﻫﺬا ﻛﻠﱡه ﳛﻮل دون اﺳﺘﻔﺎدة اﻟﻘﺎرئ من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻓﻀﻼ ﻋن ﻛﻮن ﻗﺴم من‬ ‫ﺑﲔ ِّ‬
‫من تﻠﻚ اﻟﱠﺮﺳﺎﺋﻞ ﻗﺪ اﺳﺘﻐﺮق ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة اﻟنﻈﺮﻳّة‪.‬‬

‫‪9‬‬
 ‫ﺣﺪود اﻟ ِّﺪراﺳﺔ‪:‬‬
‫إن اﻟ ِّﺪراﺳة ﺳﻮف تﻘﺘصﺮ أﺻﺎﻟة ﻋﻠﻰ مﺮو ت اﻟﻐﺰوات اﻟﻮاردة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ اﻟﱵ تﻀمن جﻠﱠﻬﺎ‬
‫ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي منه‪ ،‬مع اﳊﺮص ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻔﺎدة من تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﰲ اﺳﺘنﺒﺎط اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‬
‫ُ‬
‫اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬وﻫﺬا ﻻ ﳝنع من اﻻﺳﺘعﺎنة ﻟﺮوا ت اﻟﻮاردة ﰲ ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ واﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻹثﺮاء‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﺒع‪.‬‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ روا ت اﻟ ﱠ‬
‫وﰲ ﺳﻴﺎق ﺣﺪود اﻟ ِّﺪراﺳة ﳚﺪر اﻟﺘأﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أن مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻻ تُعﺎﰿ معﺰوﻟة ﻋن اﳉﺎمع‬
‫ﺣﱴ ﻳُﺴﺘﻔﺎد من ﺻﺤة اﻟﺮواﻳّة وﻓﻘﻬﻬﺎ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﺑﻞ تُﺪرس ﰲ إﻃﺎر اﳌنﻬج اﳋﺎص ﻟﻺمﺎم اﻟﺒخﺎري؛ ّ‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﱰاجم اﻟﱵ ﻳعﻘﺪﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛعنﺎوﻳن ﻟﻸﺑﻮاب‬
‫صﺤﻴﺢ إﻻ ﺑﺘﺘﺒع أﻃﺮاﻓﻬﺎ و ّ‬
‫اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪرك من ﺧﻼل اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﱵ تنﺪرج ﲢﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻣﻨﻬﺞ اﻟ ِّﺪراﺳﺔ‪:‬‬
‫إن ﻃﺒﻴعة اﻟ ِّﺪراﺳة تﻔﺮض تنﻮﻋﺎ ﰲ اﺳﺘعمﺎل اﳌنﺎﻫج‪ ،‬ﻏﲑ أن اﳌنﻬج اﻟﺬي ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻮ اﳌنﻬج‬
‫اﻟﺴﲑة‪ ،‬واﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬وتﻮثﻴﻘﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻮﺻﻔﻲ؛ ﻟﻜﻮنه اﻷنﺴﺐ ﻟﺴﺮد اﻟﻮﻗﺎﺋع اﻟﺘﱠﺎرﳜﻴّة من ّ‬
‫واﺳﺘعنﺖ ﻋﻠﻰ تﻄﺒﻴق ﻫﺬا اﳌنﻬج ﻟﻴّة اﻻﺳﺘﻘﺮاء؛ﻟﺘﺘﺒع مﺮو ت اﳌﻐﺎزي من ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﻏﲑه‬
‫من اﻟﻜﺘﺐ ﻋنﺪ اﳊﺎجة إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬و ّأمﺎ آﻟﻴّة اﻟﺘّﺤﻠﻴﻞ ﻓﻘﺪ وﻇﻔﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺘّﺤﻠﻴﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻠمﺮو ت ﺑعﺪ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻘة‪.‬‬
‫اﳊصﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋن ﻃﺮﻳق اﻵﻟﻴّة ّ‬
‫وﻗﺪ اﺳﺘعنﺖ أﻳﻀﺎ ﻟﻴّة اﻻﺳﺘنﺒﺎط؛ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﱂ أﳘﻞ‬
‫ﰲ اﻟﺮﺳﺎﻟة تﻮﻇﻴﻒ آﻟﻴّة اﳌﻘﺎرنة ﻋنﺪ اﳊﺎجة إﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻣﻨﻬﺠﻴّﺔ اﻟ ِّﺪراﺳﺔ‪:‬‬
‫ﱂ أﺧﺮج ﰲ منﻬﺠﻴّة اﻟ ِّﺪراﺳة ﻋن اﳌنﻬﺠﻴّة اﳌعﻬﻮدة ﰲ اﻟﺒﺤﻮث اﻷﻛﺎدﳝﻴّة ﰲ ﳎﺎل اﻟعﻠﻮم‬
‫اﳋصﻮﺻﻴﺎت اﳌنﻬﺠﻴّة ﳍﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة اﻟﱵ تﻔﺮﺿﻬﺎ‬
‫ّ‬ ‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﻻ س أ ْن أﺷﲑ إﱃ ﺑعﺾ‬
‫ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ اﻟﺘّﻜﺎمﻠﻴّة‪ ،‬ﻓﻬﻲ دراﺳة جﺎمعة ﺑﲔ ﻋ ّﺪة ﻋﻠﻮم إﺳﻼمﻴّة‪ ،‬مع ﻛﻮ ﺎ تﺘمﻴﺰ ﺑﺘعﻠﱡﻘﻬﺎ ﲟصﺪرﻫﺎ‬
‫اﻷﺳﺎﺳﻲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري اﻟﺬي ﻳعﺘﱪ أﺻﺢ ﻛﺘﺐ اﻟ ﱡﺴنﱠة‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬مﻜﺘﻔﻴﺎ ﰲ ﲣﺮﳚﻬﺎ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻹﺷﺎرة‬ ‫ﻓﻘﺪ اﻋﺘمﺪت ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة ﺑﺸﻜﻞ رﺋﻴﺴﻲ روا ت اﻟ ﱠ‬
‫ﻹﺷﺎرة إﱃ مﻮﺿع وجﻮدﻫﺎ ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري دون تﻮ ﱡﺳع ﰲ ذﻛﺮ أﻃﺮاف اﻟﺮواﻳّة‪ ،‬ﻏﲑ أنﲏ‬
‫‪10‬‬
‫أتعمﺪ أﺣﻴﺎ ذﻛﺮ تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي؛ ﻗصﺪ إﺑﺮاز اﻟﻔﻘه اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻺمﺎم‬
‫اﻟﺒخﺎري‪ ،‬واﻟﻘﻴمة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﱰاﲨه‪ ،‬واﻟﺜﺮاء اﻟﺪﱠﻋﻮي ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫ّأمﺎ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻮاردة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم‪ ،‬ﻓﺈﱐ أﻛﺘﻔﻲ ﻹﺣﺎﻟة إﻟﻴه؛ إذ اﻟﻘصﺪ من اﻟﺘﱠخﺮﻳج معﺮﻓة‬
‫درجة اﳊﺪﻳﺚ‪.‬‬
‫صﺤﻴﺤﲔ ﻓﺈﱐ أﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎن درجﺘﻬﺎ ﻗﺪر اﻹمﻜﺎن‬
‫وﳜﺘﻠﻒ اﻷمﺮ ﻟنﺴﺒة ﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻏﲑ اﻟ ﱠ‬
‫إذا تعﻠق ﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳊُﻜمﻴّة‪ ،‬أ ﱠمﺎ روا ت اﳌﻐﺎزي اﻟﱵ آﰐ ﺎ ﻟﻼﺳﺘﺌنﺎس‪ ،‬وتﻜﻮن ﺑعة ﻷﺻﻞ‬
‫ﺻﺤﻴﺢ ﻓﻼ أذﻛﺮ درجﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ اﻷﻋم‪.‬‬
‫اﻟﺼﻌﻮ ت‪:‬‬
‫ﻗﺪ واجﻬﺘﲏ أثنﺎء إﻋﺪاد ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﺻعﻮ ت ﻋ ّﺪة أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟنّﻘﺎط اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬تعﺪد اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة وتنﻮﻋﻬﺎ؛ ﺣﻴﺚ تﺴﺘﻮﻋﺐ ﲨﻴع ﻗﻀﺎ اﻹﺳﻼم اﻷﺻﻮﻟﻴّة واﻟﻔﺮوﻋﻴّة‪،‬‬
‫واﻹﳌﺎم ﺎ وإﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﺣ ّﻘﻬﺎ من اﻟ ِّﺪراﺳة ﻳﺘﻄﻠّﺐ جﻬﺪا ﻛﺒﲑا وﻳﺴﺘﻐﺮق وﻗﺘﺎ ﻃﻮﻳﻼ‪.‬‬
‫‪.2‬رﻏم ﻛﻮن مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﳏصﻮرة وﳏ ّﺪدة إﻻ أن اﺳﺘنﺒﺎط اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة منﻬﺎ ﻳﺘﻄﻠّﺐ ﻓﻬمﺎ‬
‫دﻗﻴﻘﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﳌﺮو ت اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪرك إﻻ ﻟﺮجﻮع إﱃ ﺷﻮاﻫﺪﻫﺎ ومﺘﺎﺑعﺎ ﺎ‪ ،‬وﺷﺮوﺣﻬﺎ اﳌخﺘﻠﻔة اﻟﱵ‬
‫ﻳعﺴﺮ اﳊصﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘه اﻟ ﱠﺪﻋﻮي من ﺑعﻀﻬﺎ؛ ﳌﺎ ﻓﻴﻬﺎ من تﺸ ﱡعﺐ واﺳﺘﻄﺮاد‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻫﺬا ﳛﺘﺎج إﱃ جﻬﺪ ﰲ تﺘﺒعﻬﺎ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة من‬ ‫‪.3‬تﺸعﺐ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي وتﻔﱡﺮﻗِﻬﺎ ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻓﻘه تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫اﳋﻄﺔ‪:‬‬
‫مﺎد ﺎ اﻟعﻠمﻴّة ﻋﻠﻰ مﻘﺪمة ﲤﻬﻴﺪ‪ ،‬وأرﺑعة ﻓصﻮل‪ ،‬وﺧﺘمﺘﻬﺎ‬ ‫إن ﻃﺒﻴعة ِّ‬
‫أوزع ّ‬
‫اﻟﺪراﺳة اﻗﺘﻀﺖ أن ّ‬
‫ﻛﻐﲑﻫﺎ من اﻟﺒﺤﻮث ﲞﺎﲤة‪.‬‬
‫ﻓأمﺎ اﳌﻘﺪمة ﻓﻘﺪ تﻀمنﺖ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴة واﻷﳘﻴة واﻷﺳﺒﺎب واﻟﺪرﺳﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘة واﳌنﻬج واﳌنﻬﺠﻴة‬
‫ﺧصصﺘه ﻟﻀﺒط اﳌصﻄﻠﺤﺎت‪ ،‬واﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻹمﺎم‬
‫واﻟصعﻮ ت وﺧﻄة اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬واﻟﺘّمﻬﻴﺪ ﻓﻘﺪ ّ‬
‫ﺧصصﺘه ﻟﻀﺒط مصﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﺤﺚ‪،‬‬‫اﻟﺒخﺎري وﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻓﺠﺎء ﰲ مﻄﻠﺒﲔ‪ :‬اﳌﻄﻠﺐ اﻷول ّ‬
‫وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﲟصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ومصﻄﻠﺢ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬واﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ أﻓﺮدته ﻟﻠﺘّعﺮﻳﻒ ﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‬
‫صﺤﻴﺢ ﲟﺎ ﳜﺪم اﻟ ِّﺪراﺳة‪.‬‬
‫وﻛﺘﺎﺑه اﻟ ﱠ‬
‫‪11‬‬
 ‫وﺑعﺪ اﻟﺘّﻮﻃﺌة ﺬا اﻟﺘّمﻬﻴﺪ جﺎءت ﻓصﻮل اﻟ ِّﺪراﺳة ﻟﺘعﺎﰿ إﺷﻜﺎﻟﻴﺘﻬﺎ وﻓق اﻟﱰتﻴﺐ اﻟﺘﱠﺎﱄ‪:‬‬
‫اﻟﻔصﻞ اﻷول‪ :‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﺮﺳﺎﻟﻴّة‪ ،‬وﻓﻴه مﺒﺤﺜﺎن‪ :‬اﳌﺒﺤﺚ اﻷول تنﺎوﻟﺖ ﻓﻴه اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة‪،‬‬
‫ﺧصصﺘه ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة‪،‬‬
‫اﻟﺴمعﻴﺎت‪ ،‬و ّأمﺎ اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ّ‬ ‫وتﻄﺮﻗﺖ ﻓﻴه ﶈﻮر اﻹﳍﻴﺎت‪ ،‬و ّ‬
‫وتعﺮﺿﺖ ﻓﻴه ﻷﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻷﺻﻠﻴّة واﻟﺘﱠﺒعﻴّة‪ ،‬وﺧﺘمﺘه ﺑنمﺎذج من اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ ﰲ اﳌﻐﺎزي‪.‬‬

‫ﻓخصصﺘه ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟ ﱡﺴﻠﻮﻛﻴّة‪ ،‬وﻗﺴمﺘه إﱃ مﺒﺤﺜﲔ‪ ،‬تنﺎوﻟﺖ ﰲ اﻷول‬‫وأمﺎ اﻟﻔصﻞ اﻟﺜﺎﱐ‪ّ ،‬‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟ ﱡﺴﻠﻮﻛﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬وﰲ اﻟﺜﺎﱐ اﻷﺑعﺎد اﻟ ﱡﺴﻠﻮﻛﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫ﰲ ﺣﲔ تنﺎول اﻟﻔصﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌنﻬﺠﻴّة‪ ،‬وﻗﺪ تﻔﺮﻋﺖ ﻋنه ثﻼث مﺒﺎﺣﺚ‪ ،‬أﻓﺮدت‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول ﻟﻠمنﻬج اﻟعﺎﻃﻔﻲ‪ ،‬واﻟﺜﺎﱐ تنﺎوﻟﺖ ﻓﻴه اﳌنﻬج اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬واﻷﺧﲑ تﻄﺮﻗﺖ ﻓﻴه إﱃ اﳌنﻬج‬
‫اﳊﺴﻲ‪.‬‬
‫وﺧصصﺘه ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة اﻟﱵ ﻋﺎﳉﺘﻬﺎ‬
‫وﻛﺎن اﻟﻔصﻞ اﻟﺮاﺑع ﺧﺘﺎم وﲦﺮة تﻠﻚ اﻟﻔصﻮل‪ّ ،‬‬
‫ﺧﻼل مﺒﺤﺜﲔ‪ ،‬ﺣﻴﺚ تنﺎوﻟﺖ ﰲ اﳌﺒﺤﺚ اﻷول اﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة اﻟعﺎمة‪ ،‬واﻟﺜﺎﱐ تنﺎوﻟﺖ ﻓﻴه‬
‫اﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة اﳋﺎﺻة‪.‬‬
‫وﰲ ﺎﻳّة اﳌﻄﺎف ﺧﺘمﺖ اﻟﺒﺤﺚ ﲞﺎﲤة تﻀمنﺖ أﻫم نﺘﺎﺋﺠه‪ ،‬وتﻮﺻﻴﺎته‪ ،‬وآﻓﺎﻗه‪.‬‬
‫ﺴﻼم ﻋﻠى ﺧﲑ اﻷ م‪ ،‬وﻋﻠى آﻟﻪ وﺻﺤﺒﻪ اﻟﻜﺮام‪ ،‬وﻣﻦ‬
‫ﺼﻼة واﻟ ﱠ‬
‫ﻋﻠى اﻟﺘّﻮﻓﻴﻖ‪ ،‬واﻟﺘﱠﻤﺎم‪ ،‬واﻟ ﱠ‬ ‫واﳊﻤﺪ‬
‫ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺣﺴﺎن‪ ،‬واﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ ﻋﻠى ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﺪر ﻣﲏ ﻣﻦ ﺧﻄﺄ وزﻟﻞ‪ ،‬وﺳﻬﻮ وﻧﺴﻴﺎن‪.‬‬

‫‪12‬‬
 ‫ﲤﻬﻴﺪ‬
‫ﺿﺒﻂ اﳌﺼﻄﻠﺤﺎت وﺗﻌﺮﻳف‬
‫ﻟﺒﺨﺎري وﺻﺤﻴﺤﻪ‪.‬‬

‫وﻓﻴﻪ ﻣﻄﻠﺒﺎن‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬ﺿﺒﻂ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﺤﺚ‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف ﻹﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري وﻛﺘﺎﺑﻪ اﳉﺎﻣﻊ اﻟ ﱠ‬

‫‪13‬‬
 ‫ﲤﻬﻴﺪ‬
‫ﺿﺒﻂ اﳌﺼﻄﻠﺤﺎت وﺗﻌﺮﻳف ﻟﺒﺨﺎري وﺻﺤﻴﺤﻪ‪.‬‬
‫جﺮت اﻟعﺎدة ﻟﺘﻮﻃﺌة ﻟﻠﺒﺤﻮث اﻟعﻠمﻴّة ﺑﺘمﻬﻴﺪ تﻀﺒط ﻓﻴه اﳌصﻄﻠﺤﺎت اﶈﺪدة ﻟعنﺎوﻳنﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻲ‬
‫ﻳﺘأﺳﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫من اﻷﳘﻴّة ﲟﻜﺎن؛ ﻋﺘﺒﺎر أن اﳌصﻄﻠﺤﺎت اﶈﺪدة ﻟﻠعنﻮان ﻫﻲ اﻟﻠّﺒنﺎت اﻷوﱃ اﻟﱵ ّ‬
‫اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬وﻳﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻲ اﳌﻔﺎتﻴﺢ اﳌﻔﺎﻫﻴمﻴّة اﻟﱵ ﲤ ِّﻜن اﻟﻘﺎرئ من ﻓﻬم مﺮاد اﻟﺒﺎﺣﺚ من‬
‫اﻟﻘﻀﺎ اﻟﱵ ﻳﻄﺮﺣﻬﺎ ﰲ ﲝﺜه؛ ﺧﺎﺻة إذا ﻛﺎنﺖ ﳑﺎ ﲣﺘﻠﻒ ﻓﻴه اﻷنﻈﺎر‪.‬‬
‫ﻓﺎﳌصﻄﻠﺤﺎت ﰲ ﻛﺜﲑ من اﻷﺣﻴﺎن ﻳﻜﺘنﻔﻬﺎ اﻟﻐمﻮض واﻻﺳﺘﺸﻜﺎل‪ ،‬ﻷﺳﺒﺎب ﻛﺜﲑة‪ :‬ﻛﻘﻠﱠة‬
‫اﻟﺘﱠﺪاول‪ ،‬واﳉﺪﱠة‪ ،‬وﺳعة اﻟﺪﻻﻟة‪ ،‬وتن ﱡﻮع ﳎﺎﻻت اﻻﺳﺘعمﺎل‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺳﺒﺎب‪.‬‬
‫اﻟﻘﺮاء‪ ،‬واﻟﺒﺎﺣﺜﲔ‪،‬‬
‫وﳌﺎ تﻀمن ﻋنﻮان اﻟﺒﺤﺚ مصﻄﻠﺤﺎت وأﻟﻔﺎظ‪ ،‬ﻗﺪ ﲣﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ وجﻬﺎت نﻈﺮ ّ‬
‫رأﻳﺖ من اﻟﻀﺮوري ﺿﺒﻄﻬﺎ‪ ،‬وﲢﺪﻳﺪ اﳌﺮاد منﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﺑﺜﻼثة مصﻄﻠﺤﺎت‪:‬‬
‫)اﻷﺑعﺎد‪ ،‬اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻏﺰوات اﻟنّﱯ‪(‬؛ وذﻟﻚ أ ﺎ تنﺘمﻲ إﱃ ﺣﻘﻮل معﺮﻓﻴّة ﳐﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫وإﺿﺎﻓة إﱃ ﲢﺪﻳﺪ وﺿﺒط اﳌصﻄﻠﺤﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴّة ﰲ اﻟعنﻮان‪ ،‬ﻓﺈﱐ ﻻ أﻏﻔﻞ اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻹمﺎم‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻟﻜﻮنه اﳌﻴﺪان اﻟﺬي ﲡﺮى ﻓﻴه اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬واﶈﺪد ﺎﳍﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﻛﺘﺎﺑه اﻟ ﱠ‬
‫وﺳأﻋﺮف ﺑﻜﻞ مصﻄﻠﺢ ﳚﺎز ﻏﲑ ﳐﻞ ﻳﺘﺤﻘق منه اﳌﺮاد ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘّمﻬﻴﺪ‪ ،‬ﰲ مﻄﻠﺒﲔ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬ﺿﺒﻂ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﺤﺚ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف ﻟﺒﺨﺎري وﺻﺤﻴﺤﻪ‬

‫‪14‬‬
 ‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬ﺿﺒﻂ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﺤﺚ‬
‫إن مصﻄﻠﺤﺎت اﻟعنﻮان ﻫﻲ أول مﺎ ﻳﻠﻔﺖ نﻈﺮ اﻟﻘﺎرئ ﻟﻠﺒﺤﺚ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﱵ تنﺒﺜق منه إﺷﻜﺎﻟﻴﺘه‪،‬‬
‫و نﺪس من ﺧﻼﳍﺎ ﺧﻄﺘه؛ ﻟﺬا ﻛﺎن من اﻟﻀﺮوري اﻟﺒﺪء ﺑﻀﺒﻄﻬﺎ وﺑنﺎﺋﻬﺎ ﺑنﺎء ﳏﻜمﺎ أﺻﻴﻼ‪ ،‬وﲢﺪﻳﺪ‬
‫اﳌﺮاد منﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﺑﺪﻗة‪ ،‬وﻓق ﺧﻄﻮات منﻬﺠﻴّة مﺘﺴﻠﺴﻠة ومﱰاﺑﻄة‪ ،‬ﺑﺪءا ﻟﻀﺒط اﻟعﻀﻮي؛‬
‫ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ ﻟﻠﻮﺣﺪة اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة اﻟﱵ تﺸﻜﻠﻬﺎ اﳌصﻄﻠﺤﺎت ﳎﺘمعة‪ ،‬ومﺘﻜﺎمﻠة‪.‬‬
‫وﺳأﺧصﺺ ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﻟﻀﺒط اﳌصﻄﻠﺤﺎت اﻟﺜﻼثة اﻷﺳﺎﺳﻴّة ﰲ ﻋنﻮان اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻓأﺿﺒط‬ ‫ّ‬
‫مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد‪ ،‬ومصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ومصﻄﻠﺢ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬مﺒﺘﺪ ﻟﻀﺒط اﻟعﻀﻮي‪ ،‬ﻛمﺮﺣﻠة أوﻟﻴّة‬
‫ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻟﺘﻜﺎمﻞ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﳍﺬه اﳌصﻄﻠﺤﺎت ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬وﻗﺪ جﺎء اﳌﻄﻠﺐ ﰲ ثﻼثة ﻓﺮوع‪:‬‬

‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻷﺑﻌﺎد‬

‫ﻟﻀﺒط مصﻄﻠﺢ »اﻷﺑﻌﺎد«‪ ،‬وﲢﺪﻳﺪ اﳌﺮاد منه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻳنﺒﻐﻲ اﻟﺘعﺮض ﻟﺘعﺮﻳﻔه اﻟﻠﻐﻮي من‬
‫ﺧﻼل اﳌعﺎجم‪ ،‬وتعﺮﻳﻔه اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ من ﺧﻼل ﻛﺘﺐ اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬واﻃﻼﻗﺎته ﻋنﺪ اﳌﻔ ّﻜﺮﻳن‬
‫اﳌعﺎﺻﺮﻳن ﻟﻜﻮنه مصﻄﻠﺢ ﺷﺎع اﺳﺘعمﺎﻟه ﻋنﺪﻫم‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺣﺎول ﺿﺒط ﻫﺬا اﳌصﻄﻠﺢ وﻓق اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻷﺑﻌﺎد ﻟﻐﺔ‬
‫ﻋنﺪ اﻟنّﻈﺮ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﻠﻐة ﳒﺪ أن مﺎدة ﺑعﺪ تﻄﻠق ﻃﻼﻗﲔ‪ :‬ﻓﺘأﰐ ﺧﻼف اﻟﻘﺮب‪ ،‬وﻫﻮ معنﺎﻫﺎ‬
‫اﻷﺻﻠﻲ‪ ،‬وﻫﻮ اﳌﺮاد ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬وﻗﺪ تﺮد ﲟعﲎ اﳍﻼك وﻫﻮ معﲎ ﳎﺎزي‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻓﺎرس‪ " :‬اﻟﺒﺎء واﻟعﲔ واﻟﺪال أﺻﻼن‪ :‬ﺧﻼف اﻟﻘﺮب‪ ،‬ومﻘﺎﺑﻞ ﻗﺒﻞ‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬اﻟﺒعﺪ ﺧﻼف‬
‫ٗ ّ‬ ‫َ َ‬
‫اﻟﻘﺮب‪ ،‬واﻟﺒعﺪ اﳍﻼك‪ ،‬وﻗﺎﻟﻮا ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱأﻻ بُ ْعدا ل َِم ْد َ َن چ ]ﻫﻮد‪ ،[95 :‬أي‪ :‬ﻫﻠﻜﺖ"‪.1‬‬
‫وﻳﻘﻮل اﺑن منﻈﻮر‪ " :‬ﺑعﺪ‪ :‬اﻟﺒعﺪ‪ :‬ﺧﻼف اﻟﻘﺮب‪ ،‬ﺑعﺪ اﻟﺮجﻞ‪ ،‬ﻟﻀم‪ ،‬وﺑعﺪ‪ ،‬ﻟﻜﺴﺮ‪ ،‬ﺑعﺪا‬
‫وﺑعﺪا‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺑعﻴﺪ وﺑعﺎد"‪.2‬‬
‫ﻳﻼﺣﻆ أن اﻟﺘّعﺮﻳﻔﲔ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺎ اﻟﺒعﺪ ﺑنﻘﻴﻀه وﻫﻮ اﻟﻘﺮب‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﳛﻘق اﳌﺮاد ﲨﺎل‪ ،‬مع أنه‬
‫ﺜﺖ ﻋن مﺮادﻓﺎت اﻟﺒعﺪ اﻟﱵ جﺎءت ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﻠﻐة‪،‬‬ ‫ﻳﺸعﺮ ﳊﺎجة إﱃ مﺰﻳﺪ ﺑﻴﺎن‪ ،‬وﻟﺘﺤﻘﻴق ذﻟﻚ ﲝ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﻫﺎرون‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪1399 ،‬ﻫـ‪1979 ،‬م‪/1) ،‬‬
‫‪ -‬أﲪﺪ ﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴﲔ‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟ ﱠﺴﻼم ّ‬
‫‪(268‬‬
‫‪-2‬ﷴ ﺑن مﻜﺮم‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬اﺑن منﻈﻮر‪ ،‬ﻟﺴﺎن اﻟعﺮب‪ ،‬دار ﺻﺎدر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1414 ،3‬ه‪.(89/3) ،‬‬
‫‪15‬‬
 ‫اﻟﻠﻐة‪ ،‬ﻓمنﻬﺎ‪ :‬مﺎ ورد ﻋنﺪ اﺑن مﺎﻟﻚ اﻟﻄﺎﺋﻲ اﳉﻴﺎﱐ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه‪ ":‬ﺑَعﺪت وﺷﻄﺖ وﺷﻄنﺖ ونﺰﺣﺖ‬
‫واﻗصﺖ وﻗﺬﻓﺖ وﺳﺤﻘﺖ وﺷﺤﻄﺖ وﻏﺮﺑﺖ وﺷﺴعﺖ و ءت وتﺮاﺧﺖ وﺷﻄﺮت ونﺰﺣﺖ"‪.1‬‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ معﲎ اﻟﺒعﺪ ﻋﺘﺒﺎرات ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬وأﳘﻬﺎ‪ :‬اﻻمﺘﺪاد‪ ،‬واﻟﺸﺴﺎﻋة‪ ،‬وﻳﻠﺤﻆ‬ ‫ﻓﻜﻞ ﻫﺬه اﳌعﺎﱐ ّ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ نﻮع من اﳊﺮﻛة واﳊﻴﻮﻳّة‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﳌصﻄﻠﺢ ﺷﺤنة دﻻﻟﻴّة إﺿﺎﻓﻴّة‪.‬‬
‫وﳑﺎ جﺎء ﰲ مﺮادﻓﺎت اﻟﺒعﺪ‪ :‬اﻟﺸﻠة اﻟﱵ ﻳﻘصﺪ ﺎ اﻷمﺮ اﻟﺒعﻴﺪ ﻳﻄﻠﺒه اﳌﺮء‪ ،‬واﻟﺒصﺒﺎص‪ ،‬وﻫﻮ اﻷمﺮ‬
‫اﻷمﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻳنﺎل إﻻ ﻟ ﱠﺴ ْﲑ اﻟﺸﱠﺪﻳﺪ‪.2‬‬
‫وﻫﺬه إﺿﺎﻓﺎت دﻻﻟﻴّة أﺧﺮى ﻟﻠﻔﻈة اﻟﺒعﺪ تنﺒه ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة اﻷمﺮ اﻟﺬي أﺿﻴﻔﺖ إﻟﻴه‪ ،‬ﻓﻬﻲ تﺸﲑ إﱃ‬
‫أن إدراك مﺎ أﺿﻴﻔﺖ إﻟﻴه ﻻ ﻳﺪرك ﺑﺴﻬﻮﻟة؛ ﻟعمﻘه وﺧﻔﺎﺋه‪.‬‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺧﻼف‬ ‫وﰲ ﺎﻳّة اﳌﻄﺎف ﻳﺘﻀﺢ أن مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد مصﻄﻠﺢ واﺳع اﻟﺪﻻﻟة‪ ،‬ﻓﻬﻮ ّ‬
‫اﻟﻘﺮب إﲨﺎﻻ‪ ،‬وﻳﻔﻴﺪ ﺑﺪﻻﻟﺘه اﻟﻮاﺳعة معﺎﱐ ﻛﺜﲑة أﳘﻬﺎ‪ :‬اﻻمﺘﺪاد واﻟﺸﺴﺎﻋة‪ ،‬وأثﺮ اﻟﺒعﺪ‪ ،‬واﻷمﺮ‬
‫اﻟصعﺐ ﻟﺒعﺪه‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻷﺑﻌﺎد اﺻﻄﻼﺣﺎ‬
‫ﺑعﺪ ﺿﺒط تعﺮﻳﻒ اﻷﺑعﺎد من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬ﺳﻮف أنﺘﻘﻞ إﱃ ﺿﺒﻄه‪ ،‬وﲢﺪﻳﺪ اﳌﺮاد ﺑه ﰲ ﻋنﻮان‬
‫اﻟﺒﺤﺚ من ﺧﻼل ﻛﺘﺐ اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬وﻛﺘﺎ ت اﳌﻔﻜﺮﻳن اﳌعﺎﺻﺮﻳن؛ ﻟﻜﻮنه مصﻄﻠﺢ ﺣﺎدث ﰲ ﳎﺎل‬
‫اﻟعﻠﻮم اﻹنﺴﺎنﻴّة‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻋﺮف اﳉﺮجﺎﱐ اﻟﺒعﺪ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻟﺒعﺪ‪ :‬ﻋﺒﺎرة ﻋن امﺘﺪاد ﻗﺎﺋم ﰲ اﳉﺴم‪ ،‬أو نﻔﺴه "‪.3‬‬
‫ﻓﻴﻼﺣﻆ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ أنه ﻳعﺮف اﻟﺒعﺪ ﰲ ا ﺎل اﶈﺴﻮس ﲨﺎل‪ ،‬ﰲ ﺣﲔ ﳒﺪ اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‬
‫ﻳعﺮﻓه ﰲ نﻔﺲ ا ﺎل ﻛﺜﺮ تﻔصﻴﻞ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻷﺑعﺎد‪ :‬ﻫﻲ اﻟﻄﻮل‪ ،‬واﻟعﺮض‪ ،‬واﻟعمق أو اﻟﺴمﻚ"‪.4‬‬
‫تﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ دﻻﻟة اﳌصﻄﻠﺢ اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أورد تعﺮﻳﻒ اﳉﺮجﺎﱐ‬
‫ﻟﻴأﰐ اﳌنﺎوي ﻓﻴﻀﻴﻒ إﺿﺎﻓة جﺪﻳﺪة ّ‬
‫اﳉﺮجﺎﱐ وزاد ﻋﻠﻴه ﻋﺒﺎرة‪ ":‬ﻳﻘﺎل ذﻟﻚ ﰲ اﶈﺴﻮس وﻫﻮ اﻷﻛﺜﺮ‪ ،‬وﰲ اﳌعﻘﻮل "‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺣﺴن ﻋﻮاد‪ ،‬دار اﳉﻴﻞ‪ ،‬ﺑﲑوت ط‪1411 ،1‬ه‪ ،‬ص‪.130‬‬ ‫ﳏمﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﳉﻴﺎﱐ‪ ،‬اﻷﻟﻔﺎظ اﳌخﺘﻠﻔة ﰲ اﳌعﺎﱐ اﳌﺆتﻠﻔة‪ ،‬ت‪ّ :‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ﳏم ـ ــﺪ اﻟعم ـ ــﺮي‪ ،‬جﺎمع ـ ــة أم اﻟﻘ ـ ــﺮى‪ ،‬م ﱠﻜ ـ ــة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪-‬ﻋﻠ ـ ــﻲ ﺑ ـ ــن اﳊﺴ ـ ــن اﳍن ـ ــﺎﺋﻲ اﻷزدي‪ ،‬اﳌنﺘخ ـ ــﺐ م ـ ــن ﻏﺮﻳ ـ ــﺐ ﻛ ـ ــﻼم اﻟع ـ ــﺮب‪ ،‬ت ‪ّ :‬‬
‫‪2‬‬

‫ه‪1409‬ـ‪1989 ،‬م‪.(241/1) ،‬‬

‫‪ -3‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط ‪ 1403 ،1‬ﻫـ‪1983 ،‬م‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪4‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋﺒﺎدة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻵداب‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪.(145/1) ،‬‬
‫‪ -‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟعﻠﻮم ﰲ اﳊﺪود واﻟﺮﺳﻮم‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫‪ -5‬ﷴ ﻋﺒﺪ اﻟﺮؤوف اﳌنﺎوي‪ ،‬اﻟﺘﻮﻗﻴﻒ ﻋﻠﻰ مﻬمﺎت اﻟﺘعﺎرﻳﻒ‪ ،‬ﻋﺎﱂ اﻟﻜﺘﺐ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ﻫـ‪1990 ،‬م‪ ،‬ص‪.80‬‬

‫‪16‬‬
‫ﻓﺎﳌنﺎوي ﻳنﺒه ﻋﻠﻰ أن اﻟﺒعﺪ ﻗﺪ ﻳﻮﻇﻒ تﻮﻇﻴﻔﺎ ﳎﺎز ﰲ ﳎﺎل اﳌعﻘﻮﻻت‪ ،‬وﻋﺎﱂ اﻷﻓﻜﺎر واﳌعﺎرف؛‬
‫ﻟﻴﺪل ﻋﻠﻰ ﺷﺴﺎﻋة‪ ،‬وامﺘﺪاد اﻟﻔﻜﺮة واﳌعﺮﻓة ﻓﻴه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن ﻫنﺎ انﻄﻠق اﳌﻔ ّﻜﺮون ﰲ اﻟعﻠﻮم اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬واﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ تﻮﻇﻴﻔﻬم ﳌصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ﲡﺎﻫﺎته‬
‫اﳌخﺘﻠﻔة ﰲ ﻛﺘﺎ م ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ اﻷﻓﻜﺎر واﻟﺮؤى‪.‬‬
‫وﻋنﺪ تﺘﺒع ﺑعﺾ أﻋﻼم اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼمﻲ اﳊﺪﻳﺚ ﳒﺪ أن مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ﻳﺮد ﻋنﺪﻫم ﺑﺪﻻﻻت‬
‫ﳐﺘﻠﻔة ﺣﺴﺐ اﻟﺴﻴﺎق مع اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻻﻟة اﻟﻠﻐﻮﻳّة اﻟعﺎمة‪ ،‬وأﳘﻬﺎ‪:‬‬
‫‪.1‬اﳉﻮاﻧﺐ واﳌﻨﺎﺣﻲ‪ :‬ﻳﻄﻠق اﻟﺒعﺪ ﰲ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼمﻲ ﻋﻠﻰ جﺎنﺐ أو جﻮانﺐ اﳌصﻄﻠﺢ اﻟﺬي‬
‫أﺿﻴﻒ إﻟﻴه‪ ،‬ومن ذﻟﻚ ﻗﻮل مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ‪ ":‬واﻟنم ﱡﻮ اﻟﺬي ﻳﺘ ﱡم ﺿمن اﻟﺒعﺪ اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﺳﻮى‬
‫ي ﳍﺬه‬ ‫ﺳﻮى ﻓﱰة زمنﻴّة من ِّ‬
‫اﻟنمﻮ اﻟعﺎم ﳊﻀﺎرة أورو داﺧﻞ اﳌﻜﺎن واﻟﺰمﺎن؛ أنه اﳌﻈﻬﺮ اﳌﺎد ﱡ‬
‫اﳊﻀﺎرة"‪ ،1‬ﻓﺎﻻﻗﺘصﺎد مﺎ ﻫﻮ إﻻ جﺎنﺐ من جﻮانﺐ اﳊﻀﺎرة وجﺰء من أجﺰاﺋﻬﺎ‪.‬‬
‫أمﺎ ﻋمﺎد اﻟ ّﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ ﻓﻘﺪ وﻇﻔه ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﲟعﲎ اﳉﻮانﺐ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل‪ ":‬أمﺎ اﻟﺒعﺪ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﰲ‬
‫ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﱠﺮﺳﻮل اﳌﺪﻳﺪة ﻫﺬه ﻓﻴﺘمﺜﻞ واﺿﺤﺎ نﻘﻴﺎ ﰲ انﺴﻼﺧه اﳊﺎﺳم ﻋن ﻛﻞ ﳑﺎرﺳﺎت اﳉﺎﻫﻠﻴﲔ‬
‫اﳉﺎﻫﻠﻴﲔ اﻟﻼأﺧﻼﻗﻴّة"‪ ،2‬ﻓﺎﻷﺧﻼق مﺎ ﻫﻲ إﻻ جﺎنﺐ من جﻮانﺐ ﺣﻴﺎة اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬مﺘعﺪدة‬
‫اﳉﻮانﺐ‪.‬‬
‫تﺪل ﺑﻮﺿﻮح أن اﻷﺑعﺎد ﻳﺮاد ﺎ جﻮانﺐ ومنﺎﺣﻲ اﻷمﺮ‬ ‫وﻫﺬه اﻟنﻘﻮل ﻋن ﻫﺆﻻء اﻷﻋﻼم‪ ،‬وﻏﲑﻫم‪ّ ،‬‬
‫اﻟﺬي أﺿﻴﻔﺖ إﻟﻴه‪ ،‬ﻓﺎﻻﻗﺘصﺎد جﺎنﺐ من اﳊﻀﺎرة‪ ،‬واﻷﺧﻼق جﺎنﺐ من مﻬم من ﺣﻴﺎة‬
‫اﻟﱠﺮﺳﻮل‪ ،‬واﳊﻀﺎرة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺷﺎمﻠة ﻟﻜﻞ منﺎﺣﻲ وجﻮانﺐ اﳊﻴﺎة اﻹنﺴﺎنﻴّة‪.‬‬
‫ﻓمصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹنﺴﺎنﻴّة ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬واﻹﺳﻼمﻴّة إذا أﺿﻴﻒ إﱃ أمﺮ مﺎ ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ‬
‫اﻷﻋم ﻳﺮاد ﺑه اﻹﺣﺎﻃة ﲜﻮانﺐ ومنﺎﺣﻲ اﳌﻀﺎف إﻟﻴه ﰲ ﳎﺎل اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﻋنﺎوﻳن‬
‫اﻟﺒﺤﻮث واﳌﻘﺎﻻت‪.‬‬

‫‪ -1‬مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ‪ ،‬اﻟﻘﻀﺎ اﻟﻜﱪى‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1420 :‬ﻫـ‪2000 ،‬م ص‪ ،42‬وﻗﺪ ﻛﺜﺮ تعﺒﲑه ﻋن جﻮانﺐ وأجﺰاء‬
‫ﺪل ﻫﺬه اﻟعﺒﺎرات‪" :‬وﻫﺬه اﳊﻘﺎﺋق داﻟة ﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟﺮوﺣﻲ‬
‫ﳎﺎﻻت اﻟﺪراﺳة ﻷﺑعﺎد ﰲ نﺘﺎجه اﻟﻔﻜﺮي‪ ،‬ﻛمﺎ ت ّ‬
‫واﻻجﺘمﺎﻋﻲ"‪ ،‬ﻓﻜﺮة اﻹﻓﺮﻳﻘﻴة اﻵﺳﻴﻮﻳة‪ ،‬ص‪" ،102‬ﻓﺈذا ﺣﻠﻠنﺎ ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﳋﻠﻘﻴة ﳍﺬه اﻟﻘصة"‪ ،‬اﳌﺴﻠم ﰲ ﻋﺎﱂ اﻻﻗﺘصﺎد‪،‬‬
‫ص‪.87‬‬
‫‪ -2‬ﻋمﺎد اﻟﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‪ ،‬دراﺳة ﰲ اﻟﺴﲑة‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1425 ،2‬ه‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪17‬‬
‫‪.2‬اﻵ ر واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‪ :‬إﺿﺎﻓة إﱃ إﻓﺎدة مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد معﲎ اﻹﺣﺎﻃة ﲟنﺎﺣﻲ وجﻮانﺐ اﻟﺸﻲء‪ ،‬ﻓأ ﺎ‬
‫ﻳﺮاد ﺎ ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹنﺴﺎنﻴّة أﺣﻴﺎ اﻵ ر واﻟنﺘﺎﺋج‪ ،‬ﳓﻮ ﻗﻮل مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ وﻫﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﻋن‬
‫ﳒﺎح اﻟﻴﻬﻮد ﰲ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻗﺘصﺎد مﺪﻳنة تﺒﺴة‪ ":‬وﻗﺪ وﺿع ﻫﺬا اﻟنﺠﺎح ﰲ ذﻫﲏ ﰲ تﻠﻚ اﻟﻔﱰة‬
‫اﻟﻔﱰة أول مﺸﻜﻠة ﺳﻴﺎﺳﻴّة ذات أﺑعﺎد ﻋﺎﳌﻴّة‪ ...‬وأ اﻟﻴﻮم أرى اﳌﺮأة‪ ،‬واﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬واﻟﺪوﻻر ﻳﺸﻜﻠﻮن‬
‫ﻳﺸﻜﻠﻮن اﻷﻗﺎنﻴم اﻟﺜﻼثة ﻟﻠﻘﺮن اﻟعﺸﺮﻳن"‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺸﺮف مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ آ ر ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻴﻬﻮد اﻟعﺎﳌﻴّة من ﺧﻼل مﺸﺎﻫﺪته ﻟﺴﻴﻄﺮ م ﻋﻠﻰ‬
‫ﺑﺪل اﻵ ر‪ ،‬واﻟنﺘﺎﺋج؛ ﻟﻘﻮ ﺎ وﻓعﺎﻟﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬وﺳعة دﻻﻟﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻗﺘصﺎد مﺪﻳنة تﺒﺴة‪ ،‬مﻮﻇﻔﺎ مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ّ‬

‫وﻳُﻠمﺢ ﻫﺬا اﳌعﲎ نﻔﺴه ﻋنﺪ ﻋمﺎد اﻟ ّﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ وﻇﻒ مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ﻟﻠﺘعﺒﲑ ﻋن اﻵ ر‬
‫واﻟنﺘﺎﺋج‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه مﺘﺤﺪ ﻋن اﻵ ر اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة ﳊﺮﻛة اﻟنﻔﺎق‪ ... " :‬اﻟﺒعﺪ اﻻجﺘمﺎﻋﻲ ﻟﻈﺎﻫﺮة‬
‫اﻟنﻔﺎق"‪.2‬‬
‫و ﺬه اﻟﺪﻻﻟة نﻔﺴﻬﺎ وﻇﻒ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ﰲ ﻗﻮﻟه‪ ":‬وﳚﺐ أن نﻔﻬم »اﻟ ّﺪﻳن«‬
‫ﲟﺪﻟﻮﻟه اﻟﻮاﺳع اﻟﺬي ﺑﻴنﺎه‪ ،‬ﻟنﺪرك أﺑعﺎد ﻫﺬا اﻟﻮﻋﺪ اﻹﳍﻲ ومﺪاه‪ ...‬وﻟﻘﺪ ﲢﻘق ﻫﺬا مﺮة ﻋﻠﻰ ﻳﺪ‬
‫‪3‬‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﺧﻠﻔﺎﺋه‪".‬‬
‫ﻓﻼ رﻳﺐ ﺑعﺪ ذﻟﻚ أن ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻴﻬﻮد ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘصﺎد تﺮتﺒﺖ ﻋﻠﻴه آ ر ونﺘﺎﺋج ﻇﻬﺮت ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳة‬
‫أدل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ من ﺣﺎدثة‬ ‫اﻟﺴﻴﺎﺳة اﻟعﺎﳌﻴّة‪ ،‬وﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق ﻛﺎنﺖ ﳍﺎ آ ر ﻛﺜﲑة ﻋﻠﻰ ا ﺘمع‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫اﻹﻓﻚ‪.4‬‬
‫اﻟنﺒﻮة واﳋﻼﻓة اﻟﺮاﺷﺪة من أﻋﻈم نﺘﺎﺋج وآ ر اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫وﻻ ﳜﻔﻰ أن اﻟﺘمﻜﲔ ﻟﺪﻳن ﷲ زمن ّ‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ‪ ،‬مﺬﻛﺮات ﺷﺎﻫﺪ ﻟﻠﻘﺮن‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1420 :‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫‪ -2‬ﻋمﺎد اﻟﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‪ ،‬دراﺳة ﰲ اﻟﺴﲑة‪ ،‬ص‪.301‬‬
‫‪ -3‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪ ،‬دار اﻟﺸﺮوق‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،17‬ه‪.(1644/3) ،‬‬
‫‪ -4‬وﻗعﺖ ﺣﺎدثة اﻹﻓﻚ اﻟﱵ ا مﺖ ﻓﻴﻬﺎ أم اﳌﺆمنﲔ ﻋﺎﺋﺸة اﻟصﺪﻳﻘة ﰲ اﻟﺴنة اﳋﺎمﺴة ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬وﻗﻴﻞ ﰲ اﻟﺴنة اﻟﺴﺎدﺳة‬
‫ﻋﻘﺐ اﻟﺮجﻮع من ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬ﻓﻠمﺎ انﺘصﺮ اﳌﺴﻠمﻮن ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة ﺳعﻰ اﳌنﺎﻓﻘﻮن إﱃ إ رة اﻟعصﺒﻴة ﺑﲔ اﳌﻬﺎجﺮﻳن‬
‫واﻷنصﺎر‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻓﺸﻠﻮا ﺳعﻮا إﱃ إﻳﺬاء اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬ﻟﻄعن ﰲ ﻋﺮض أﻫﻠه‪ ،‬ﻓﺸنﻮا ﺣﺮ ً نﻔﺴﻴة مﺮﻳﺮة من ﺧﻼل ﺣﺎدثة اﻻﻓﻚ اﻟﱵ‬
‫اﺧﺘﻠﻘﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪،‬‬
‫مﻜﺘﺒة اﻟعﻠﻮم واﳊﻜم‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ط‪ 1415 ،6‬ﻫـ‪ 1994 ،‬م‪.(408/2) ،‬‬
‫‪18‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻳﺘﻀﺢ جﻠﻴﺎ أن اﻷﺑعﺎد ﰲ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼمﻲ ﻳﺮاد ﺎ ﻛﺬﻟﻚ معﲎ اﻵ ر واﻟنﺘﺎﺋج‪ ،‬وﻟﻜنﱠﻬﺎ‬
‫أﻗﻞ اﺳﺘعمﺎﻻ من اﻟﺪﻻﻟة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪.‬‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد ﰲ ﻛﺘﺎ ت اﳌﻔﻜﺮﻳن اﻹﺳﻼمﲔ‬ ‫‪.3‬اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ :‬من اﻟﺪﻻﻻت اﻟﱵ ّ‬
‫ﺧصﻮﺻﺎ مﻘﺎﺻﺪ وﻏﺎ ت وأﻫﺪاف اﻷمﺮ اﻟﺬي اتصﻠﺖ ﺑه‪ ،‬وﳑن أﻛﺜﺮ من اﺳﺘعمﺎﻟه ﺬه اﻟﺪﻻﻟة‬
‫ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﰲ تﻔﺴﲑه‪ ،‬ﻓممﺎ جﺎء ﻓﻴه ﲞصﻮﺻﻬﺎ‪ ":‬إن ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳن ﻳﺘﺤﺮﻛﻮن ﺬا اﻟ ّﺪﻳن ﰲ‬
‫مﻮاجﻬة اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬وﻳﻮاجﻬﻮن ﺑه مﺎ ﻛﺎنﺖ تﻮاجﻬه اﳉمﺎﻋة اﳌﺴﻠمة اﻷوﱃ‪ ..‬ﻫم وﺣﺪﻫم اﻟﺬﻳن ﻳﺮون‬
‫ﻳﺮون تﻠﻚ اﻟﺮؤﻳّة‪ ..‬وﻫم وﺣﺪﻫم اﻟﺬﻳن ﻳﻔﻘﻬﻮن ﻫﺬا اﻟﻘﺮآن‪ ،‬وﻳﺪرﻛﻮن اﻷﺑعﺎد اﳊﻘﻴﻘﻴّة ﳌﺪﻟﻮﻻت‬
‫نصﻮﺻه"‪.1‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﻳﻔﺮق ﺑﲔ ﻓﻘه اﻟنﱠﺺ وإدراك مﻘﺎﺻﺪ مﺪﻟﻮﻻته اﻟﱵ ﻋﱪ ﻋنﻬﺎ ﻷﺑعﺎد‪ ،‬ﻓﺎﳌﻘصﺪ ﻻ ﻳﺪرك‬
‫ﺑﻘصﻮر اﻟنﻈﺮ ﺑﻞ ﻳﺪرك ﺑﺒعﺪ‪ ،‬وﻋمق اﻟنﻈﺮ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ تعﺪدت مﺴﺎﻟﻚ اﻟﻜﺸﻒ ﻋن اﳌﻘﺎﺻﺪ واﻟعﻠﻞ‬
‫ﻋنﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﲔ‪.2‬‬
‫وﻗﺪ ﻳعﱪ أﺣﻴﺎ ﻋن مﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬وأﻫﺪاف اﻟﺴﻮرة اﻟﻘﺮآن ﻳّة ﻷﺑعﺎد‪ ،‬ﻛﺤﺪﻳﺜه ﻋن مﻘصﺪ ﺳﻮرة‬
‫اﻷنعﺎم ﰲ ﻗﻮﻟه‪ ":‬وﻟﻜننﺎ نﺘﻠﻔﺖ اﻵن‪-‬وﻗﺪ انﺘﻬﻰ ﺳﻴﺎق اﻟﺴﻮرة‪-‬ﻋﻠﻰ اﳌﺪى اﳌﺘﻄﺎول‪ ،‬واﳌﺴﺎﺣة‬
‫اﻟﺸﺎﺳعة‪ ،‬واﻷﻏﻮار اﻟﺒعﻴﺪة‪ ..‬تﻠﻚ اﻟﱵ تﱰاءى ﻓﻴﻬﺎ أﺑعﺎد اﻟﺴﻮرة"‪.3‬‬
‫وﻟﻴﺲ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ وﺣﺪه من اﺳﺘعمﻞ اﻷﺑعﺎد ﲟعﲎ اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬ﻓﺈنﲏ وجﺪت ﻋمﺎد اﻟ ّﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬وﻫﻮ‬ ‫ﺣﱴ ﻋﻠﻰ اﻟ ﱠ‬
‫ﺣﺬا ﺣﺬوه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲢﺪث ﻋن مﻘصﺪ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة اﻷﲰﻰ اﻟﺬي ﺧﻔﻲ ّ‬
‫اﻟﺘّمﻬﻴﺪ ﻟﻔﺘﺢ م ﱠﻜة؛ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وﰲ ﻃﺮﻳق اﻟعﻮدة نﺰﻟﺖ آ ت اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻟﺘﺆﻛﺪ اﻟﺒعﺪ اﳊﻘﻴﻘﻲ‬
‫ﻟﻠصﻠﺢ مع زﻋﻴمة اﻟﻮثنﻴّة"‪.4‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘعﺒﲑ ﻋن اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬واﻷﻫﺪاف‪ ،‬واﻟﻐﺎ ت ﻷﺑعﺎد ﺷﺎﺋع ﰲ ﻛﺘﺎ ت اﳌﻔ ّﻜِﺮﻳن‪ ،‬وﻻ ﻳﺴع اﳌﻘﺎم ﰲ‬
‫ﻫﺬا اﻟﺘّمﻬﻴﺪ ﻻﺳﺘﻘصﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻳﻜﻔﻲ اﻟﺘمﺜﻴﻞ ﻟﻠﺘﺪﻟﻴﻞ‪.‬‬
‫ﻓمصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد إﺿﺎﻓة إﱃ إﻓﺎدته اﻻمﺘﺪاد واﻟﺸﺴﺎﻋة‪ ،‬ﻓأنه ﻳﻔﻴﺪ دﻻﻻت أﺧﺮى؛ أﳘﺎ‪ :‬اﳉﻮانﺐ‬
‫واﳌنﺎﺣﻲ‪ ،‬واﻷ ر واﻟنﺘﺎﺋج‪ ،‬واﳌﻘﺎﺻﺪ واﻟﻐﺎ ت واﻷﻫﺪاف‪.‬‬

‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪(2122/4) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ اﳉﻴﺰاﱐ‪ ،‬معﺎﱂ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه ﻋنﺪ أﻫﻞ اﻟﺴنة واﳉمﺎﻋة‪ ،‬دار اﺑن اﳉﻮز‪ ،‬ط‪1427 ، 5‬ه‪.(202/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(1242/3) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻋمﺎد اﻟﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‪ ،‬دراﺳة ﰲ اﻟﺴﲑة‪ ،‬ص‪.192‬‬

‫‪19‬‬
‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬه اﳉﻮﻟة ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﻠﻐة‪ ،‬واﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬وﺑعﺾ ﻛﺘﺎ ت اﳌﻔﻜﺮﻳن نﺪرك اﳉﻮدة‬
‫اﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة ﳌصﻄﻠﺢ اﻟﺒعﺪ‪ ،‬اﻟﱵ تﺘﺠﻠﻰ ﰲ أﺻﺎﻟة‪ ،‬وﺳعة دﻻﻻته؛ ﳑﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺒﺎ ﻻﺧﺘﻴﺎره من‬
‫اﳌصﻄﻠﺤﺎت اﶈﺪدة ﳍﺬا اﻟﺒﺤﺚ دون ﻏﲑﻫﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﺑعﺪ ﺿﺒط مصﻄﻠﺢ اﻷﺑعﺎد‪ ،‬وﲢﺪﻳﺪ اﳌﺮاد ﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬أنﺘﻘﻞ إﱃ ﺿﺒط اﳌصﻄﻠﺢ اﻟﺜﺎﱐ ﰲ‬
‫اﻟعنﻮان من اﻟنّﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪ ،‬ﰒ ﲢﺪﻳﺪ اﳌﺮاد ﺑه ﰲ اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻐﺔ‬
‫ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮوع ﰲ ﲢﺪﻳﺪ مصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة ﻻﺑ ﱠﺪ من اﻟﺘعﺮف ﻋﻠﻰ معنﺎﻫﺎ‬
‫ﻋنﺪ ﻋﻠمﺎء اﻟﻠﻐة‪ ،‬من ﺧﻼل مﺎ جﺎء ﰲ اﳌعﺎجم‪ ،‬وﺳﻮف أورد ﻃﺮﻓﺎ من ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻓﺎرس‪ ":‬اﻟﺪال واﻟعﲔ واﳊﺮف اﳌعﺘﻞ أﺻﻞ واﺣﺪ‪ ،‬وﻫﻮ أن ﲤﻴﻞ اﻟﺸﻲء إﻟﻴﻚ ﺑصﻮت‬
‫وﻛﻼم ﻳﻜﻮن منﻚ‪ ،‬تﻘﻮل‪ :‬دﻋﻮت أدﻋﻮ دﻋﺎء‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﻄعﺎم ﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟنﺴﺐ‬
‫ﻟﻜﺴﺮ‪ .‬ﻗﺎل أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة‪ :‬ﻳﻘﺎل ﰲ اﻟنﺴﺐ دﻋﻮة‪ ،‬وﰲ اﻟﻄعﺎم دﻋﻮة‪ .‬ﻫﺬا أﻛﺜﺮ ﻛﻼم اﻟعﺮب"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼل مﺎ ذﻛﺮه اﺑن ﻓﺎرس ﻫﻲ نﺪاء ﺷخﺺ مﺎ ﺑصﻮت من اﳌنﺎدي‪ ،‬واﻟنّﺪاء ﻫﻮ‬
‫ﻃﻠﺐ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬وﻫﻮ ﻗصﺪ اﻟﺪﱠاﻋﻲ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث ﻋﻠﻰ ﻗصﺪه چ ٱﻗﺎل َر ِب‬ ‫وﻗﺎل ال ّـﺮاﻏﺐ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ ﰲ مﻔﺮداته ‪ ":‬واﻟﺪﱡﻋﺎء إﱃ اﻟﺸﻲء‪ :‬اﱀ ﱡ‬
‫۪ار لس مِ چ ]ﻳﻮنﺲ‪:‬‬‫د‬ ‫ٰ‬
‫َ ُ َ ْ ُ ْٓ َ‬
‫إ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ع‬‫د‬ ‫ي‬ ‫اﷲ‬‫و‬ ‫ٱ‬ ‫چ‬‫ٱ‬ ‫وﻗﺎل‪:‬‬ ‫ٱ‬ ‫چ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ج ُن أَ َ‬
‫حب إ ِ َ مِمﺎ ي َ ْد ُعون َ ٓ إ ِ َ ْ‬ ‫َ ّ ّ ْ‬
‫لس‬
‫ر ِب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫[‬‫‪34‬‬ ‫‪:‬‬‫]ﻳﻮﺳﻒ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ ُٓ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َج ٰوةِ َوتَ ْد ُعونَ ِ ٓ إِ ّ۪ ِﺎر ٱچ ]ﻏﺎﻓﺮ‪.2"[41 :‬‬ ‫]ﻳﻮنﺲ‪ ،[25 :‬وﻗﺎل‪:‬ٱچٱ َو َ ٰق ْو ِم مﺎ ِ َ أدعوكمۥ إ ِ‬
‫اﺳﺘﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻻﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﺮآن ي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اﳊﺚ‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫ﻓﺎﻟﺮاﻏﺐ زاد معﲎ آﺧﺮ ﻟﻠﻔﻈة‪ ،‬وﻫﻮ ﱡ‬
‫ومنﺎﺳﺒة ذﻟﻚ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة أن اﻟﺪﱠاﻋﻲ ﳛﺚ اﻟنﱠﺎس ﻋﻠﻰ اتﺒﺎﻋه ﻓﻴمﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴه‪.‬‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ اﺑن منﻈﻮر معﲎ جﺪﻳﺪا ﳌصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ودﻋﺎه إﱃ اﻷمﲑ‪ :‬ﺳﺎﻗه‪ ،‬وﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱ‬
‫ٗ‬ ‫ٗ‬ ‫ََ ً َ‬
‫ﷲ بِإِذْنِهِۦ َو ِ َ اجﺎ منِ اۖ ٱچ ]اﻷﺣﺰاب‪.3" [46:‬‬
‫ِ‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱودا ِيﺎ‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(279/2) ،‬‬

‫‪-2‬اﳊﺴﲔ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺮاﻏﺐ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻔﺮدات ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ :‬ﺻﻔﻮان ﻋﺪ ن اﻟﺪاودي‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬اﻟﺪار‬
‫اﻟﺸﺎمﻴة‪ ،‬دمﺸق ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،1‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.315‬‬
‫‪ -3‬اﺑن منﻈﻮر‪ ،‬ﻟﺴﺎن اﻟعﺮب‪.(259/14) ،‬‬
‫‪20‬‬
‫ﻓﻴﻜﻮن من معﺎنﻴﻬﺎ أﻳﻀﺎ اﻟ ﱠﺴ ْﻮق‪ ،‬وﻫﻮ منﺎﺳﺐ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻳﺴﻮق اﻟنﱠﺎس إﱃ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‬
‫ﻟﺪﻋﻮته‪.‬‬
‫ﻓمن ﺧﻼل ﲢﻠﻴﻞ اﻟﺘعﺎرﻳﻒ اﻟﻠﻐﻮﻳّة اﻟﺴﺎﺑﻘة ﻳﺘﺒﲔ أن مصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻳﺮد ﰲ اﻟﻠﻐة ﺑعﺪة معﺎﱐ‬
‫اﳊﺚ‪ ،‬وﻫﻲ مصﻄﻠﺤﺎت دﻻﻟﻴّة‬ ‫اﻟﺴﻮق‪ ،‬و ّ‬
‫مﺘنﺎﺳﺒة؛ أﳘﻬﺎ‪ :‬اﻟنّﺪاء واﻹمﺎﻟة ﺑصﻮت‪ ،‬واﻟﻄّﻠﺐ‪ ،‬و ّ‬
‫مﻬمة ﰲ اﳊﻘﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ّﺪﻋﻮة اﺻﻄﻼﺣﺎ‬
‫ﺑعﺪ ﺿﺒط مصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬أنﺘﻘﻞ إﱃ ﺿﺒﻄه من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة من‬
‫ﺧﻼل مﺎ ورد ﻓﻴﻬﺎ من تعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬وﻟﻜﺜﺮ ﺎ وتنﻮﻋﻬﺎ ﺳﻮف أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘعﺎرﻳﻒ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬ﻋﺮف اﺑن تﻴمﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ ﻫﻲ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﳝﺎن ﺑه‪ ،‬وﲟﺎ جﺎءت ﺑه رﺳﻠه‬
‫رﺳﻠه ﺑﺘصﺪﻳﻘﻬم ﻓﻴمﺎ أﺧﱪوا ﺑه‪ ،‬وﻃﺎﻋﺘﻬم ﻓﻴمﺎ أمﺮوا‪ ،‬وذﻟﻚ ﻳﺘﻀمن اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺸﻬﺎدتﲔ وإﻗﺎم‬
‫صﻼة وإﻳﺘﺎء اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬وﺻﻮم رمﻀﺎن‪ ،‬وﺣج اﻟﺒﻴﺖ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﳝﺎن ‪ ،‬ومﻼﺋﻜﺘه‪ ،‬وﻛﺘﺒه‬ ‫وإﻗﺎم اﻟ ﱠ‬
‫وﻛﺘﺒه ورﺳﻠه‪ ،‬واﻟﺒعﺚ ﺑعﺪ اﳌﻮت‪ ،‬واﻹﳝﺎن ﻟﻘﺪر ﺧﲑه وﺷﺮه‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ أن ﻳعﺒﺪ اﻟعﺒﺪ رﺑه ﻛأنه‬
‫ﻳﺮاه"‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ رﻛﺰ اﺑن تﻴمﻴّة ﰲ تعﺮﻳﻔه ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ واﺣﺪ وﻫﻮ اﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬اﳌﺘﻀمن ﻟﻸﺻﻮل‬
‫اﻟعﻘﺪﻳّة؛ اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ أرﻛﺎن اﻹﳝﺎن‪ ،‬واﻷﺻﻮل اﻟﺘعﺒﺪﻳّة اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ اﻟﺸعﺎﺋﺮ اﻟﻜﱪى‪ ،‬واﻷﺻﻮل‬
‫اﻟ ﱡﺴﻠﻮﻛﻴّة اﻟﱵ أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﲟنﺰﻟة اﳌﺮاﻗﺒة؛ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ إﻃﻼق اﳉﺰء ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ‪.‬‬
‫‪.2‬وﻋﺮﻓﻬﺎ رؤوف ﺷﻠﱯ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋمﻠﻴّة إﺣﻴﺎء ﻟنﻈﺎم مﺎ ﻟﺘنﺘﻘﻞ اﻷمة ﺎ من ﳏﻴط إﱃ ﳏﻴط‪،‬‬
‫ﳏﻴط‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺣﺮﻛة إﺣﻴﺎء ﻟﻠنﻈﺎم اﻹﳍﻲ اﻟﺬي أنﺰﻟه ﷲ ﻋﺰ وجﻞ ﻋﻠﻰ نﺒﻴه‬
‫اﳋﺎﰎ"‪.2‬‬
‫ﻳﻼﺣﻆ أن ﺷﻠﱯ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ رﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ رﺋﻴﺴﻲ ﰲ اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة؛ وﻫﻮ ﺑعﺪ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﻫﺬا مأﺧﺬ‬‫واﻹﺣﻴﺎء ﳌﺎ انﺪرس من اﻟنﻈﺎم اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﰲ تعﺮﻳﻔه ﻫﺬا أﺧﺮج ﻓﱰة ّ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺘّعﺮﻳﻒ؛ ﻟﻜﻮ ﺎ اﻷرﺿﻴّة اﻟصﻠﺒة اﻟﱵ تﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺑنﺎءً‪ ،‬وﲡﺪﻳﺪا وﲪﺎﻳّة‪...‬‬

‫‪.3‬وأمﺎ ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼ‪" :‬ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﺳﻼم ﻫﻲ اﻟﻄﻠﺐ ﺑﺸﺪة‪ ،‬وﺣﺚ ﻋﻠﻰ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﺧﻮل ﰲ دﻳن اﻹﺳﻼم اﻋﺘﻘﺎدا‪ ،‬وﻗﻮﻻ وﻋمﻼ‪ ،‬وﻇﺎﻫﺮا‪ ،‬و ﻃنﺎ"‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻗﺎﺳم‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة اﳌصﺤﻒ اﻟﺸﺮﻳﻒ‪ ،‬اﳌﺪﻳنة‬
‫‪ -‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬ﳎمﻮع اﻟﻔﺘﺎوى‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ّ‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪1416 ،‬ﻫـ‪1995/‬م‪.(157/15) ،‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴة ﰲ ﻋﻬﺪﻫﺎ اﳌﻜﻲ‪ :‬منﺎﻫﺠﻬﺎ وﻏﺎ ﺎ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬ط‪) ،3‬د‪.‬ت(‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ -‬رؤوف ﺷﻠﱯ‪ّ ،‬‬
‫‪21‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن من ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ ﻓﻘط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻫﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻳﻘصﺮ اﻟﺒعﺪ اﻻﺳﺘﻬﺪاﰲ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻋﻠﻰ‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻳصﺮح ﺑه ﰲ مﻮﻃن آﺧﺮ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وﻗﺪ تﻜﻮن ﻟﺒعﺾ اﳌﺴﻠمﲔ ﺣﻴنمﺎ ﻳﻜﻮن ﺣﺎﳍم مﺜﻞ ﺣﺎل‬
‫‪2‬‬
‫ﺣﺎل ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ"‪.‬‬
‫‪.4‬وﻋﺮﻓﻬﺎ أﺑﻮ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺒﻴﺎنﻮﱐ ﺎ‪" :‬تﺒﻠﻴغ اﻹﺳﻼم ﻟﻠنّﺎس‪ ،‬وتعﻠﻴمﻬم إ ه‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘه ﰲ واﻗع‬
‫اﳊﻴﺎة"‪.3‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ ﻗصﺮ ﻋﺒﺎرته‪ ،‬ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن جﺎمعﺎ ﳉمﻴع مﺴﺘﻮ ت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﱵ مﺎرﺳﻬﺎ‬
‫اﻟنّﱯ‪:‬‬
‫ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أ‪.‬مﺴﺘﻮى تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة وإﻳصﺎﳍﺎ‬
‫ب‪.‬تعﻠﻴم وتﺮﺑﻴّة اﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‪.‬‬
‫اﳌﺴﺘمﺮة من ﻗِﺒَﻞ اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ج‪.‬تﻄﺒﻴق مﻀﺎمﲔ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ اﻟﻮاﻗع‪ ،‬ومﺘﺎﺑعﺘﻬﺎ‬
‫وﻗﺪ اﺳﺘمﺪ ﻫﺬه اﳌﺴﺘﻮ ت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﺑﲎ ﻋﻠﻴﻬﺎ تعﺮﻳﻔه‪ ،‬من اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ؛ ﺣﻴﺚ نﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ْ َ ُ ٗ ّ ُْ ْ َ ْ ُ ْ َ َْ ُ ٓ َ َٰ َ‬
‫ِك َو ُ َعلّ ُِم ُه ُم لْكِ َ ٰ َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ﰲ مﻮاﻃن ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َر نَﺎ َواب ْ َعث ِ ي ِهم رسوﻻ مِنهم ت وا علي ِهمۥ ءا ت‬
‫ُ‬
‫يم چ ]اﻟﺒﻘﺮة‪.[128 :‬‬ ‫ك َم َة َو ُ َز ّ ِ ُ ٓ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫َ ْ ْ‬
‫كي ِهمۖۥ أنك أنت لع ِز ز لحكِ ۖ‬ ‫والحِ‬
‫ُْ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ٗ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ََ ْ‬ ‫ََ‬
‫ل ُمو ِمن ِ َ إِذ بَ َعث ِ ي ِه ْم َرسوﻻ م َِن نفسِ ِه ْم َت وا َعليْ ِه ُم ٓۥ َءا َ ٰتِهِۦ‬ ‫وﻗﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬چٱلق ْد َمن ﷲ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ َ ّ ْ َُ َ ُّ ُ ُ ْ َٰ َ ْ ْ َ‬
‫كﺎنُوا مِن َبْل ل ِ َض ٖل مبِ ٍ چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[164 :‬وﻗﺎل‬ ‫ب َوالحِ ك َمة ن‬ ‫كي ِهم و علِمهم لكِ‬‫وز ِ‬
‫كيه ْم َو ُ َعلّ ُِم ُه ُم لْكِ َ ٰ َ‬ ‫ََُ ّ‬ ‫ُّ ّ َ َ ُ ٗ ُّْ ْ َُْ ْ َ َْ ُ ٓ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ب‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱهو ِے بعث ِ ﻻمِي ِـۧ ن رسوﻻ مِنهم ت وا علي ِهمۥ ءا ٰتِهِۦ و ز ِ ِ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫َوالحِ ك َمة ن كﺎنوا مِن بْل ل ِ ض ٖل مب ِ ٖ چ ]اﳉمعة‪.[02 :‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﻵ ت تﺒﲔ ﺣﻘﻴﻘة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة اﻟﱵ نﻘﻠﺖ اﻟﺒﺸﺮﻳّة من ﻇﻠمﺎت اﻟﻀﻼل إﱃ نﻮر اﳍﺪاﻳّة‬
‫واﻹﳝﺎن‪ ،‬وﻓق مﺮاﺣﻞ مﱰاﺑﻄة ومﺘﺴﻠﺴﻠة ومﺘﻜﺎمﻠة‪ ،‬اﺑﺘﺪأت ﻟﺘﱠﺒﻠﻴغ مﺮورا ﻟﺘعﻠﻴم واﻟﺘﻔﻘﻴه‪ ،‬وانﺘﻬﺎء‬
‫ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اﳌﺴﺘمﺮة‬
‫ّ‬ ‫ﻟﺘنﺰﻳﻞ‪ ،‬واﻟﺘّﻄﺒﻴق‪ ،‬مع اﳌﺘﺎﺑعة‬
‫وﻫﺬا مﺎ أﻛﺪه ﻏﲑ واﺣﺪ من اﻟعﻠمﺎء‪ ،‬ﻗﺎل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ":‬ﻫﺬه اﳊﻘﻴﻘة اﻟﻜﺒﲑة‪ ،‬ﺣﻘﻴﻘة اﻟﱠﺮﺳﻮل‪‬‬
‫اﻟﱠﺮﺳﻮل‪ ‬وﻗﻴمﺘﻬﺎ اﻟﺬاتﻴّة‪ ،‬وﻋﻈم اﳌنة اﻹﳍﻴّة ﺎ‪ ،‬ودورﻫﺎ ﰲ إنﺸﺎء ﻫﺬه اﻷمة‪ ،‬وتعﻠﻴمﻬﺎ‪،‬‬
‫وتﺮﺑﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻗﻴﺎد ﺎ‪ ،‬ونﻘﻠﻬﺎ من اﻟﻀﻼل اﳌﺒﲔ إﱃ اﻟعﻠم‪ ،‬واﳊﻜمة واﻟﻄﻬﺎرة"‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم دمﺸق‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪ .‬ت(‪.(16/1) ،‬‬
‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﻓﻘه ّ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ ‪.(16/1) ،‬‬‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﻓﻘه ّ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1415 3‬ه‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫ﳏمﺪ أﺑﻮ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺒﻴﺎنﻮﱐ‪ ،‬اﳌﺪﺧﻞ إﱃ ﻋﻠم ّ‬
‫‪،‬‬

‫‪ّ -‬‬
‫‪ -4‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.( 506 /1) ،‬‬
‫‪22‬‬
‫ﳏمﺪ اﻟﺒﺸﲑ اﻹﺑﺮاﻫﻴمﻲ ﻗﺎﺋﻼ‪" :‬ﻻ تﻮجﺪ ﰲ اﻹﺳﻼم "وﻇﻴﻔة" أﺷﺮف‬ ‫وﰲ ذات اﻟﺴﻴﺎق ﻳُﺮدف ّ‬
‫ﻗﺪرا‪ ،‬وأﲰﻰ منﺰﻟة‪ ،‬وأرﺣﺐ أﻓﻘﺎ‪ ،‬وأثﻘﻞ تﺒعة‪ ،‬وأوثق ﻋﻬﺪا‪ ،‬وأﻋﻈم أجﺮا ﻋنﺪ ﷲ‪ ،‬من وﻇﻴﻔة اﻟعﺎﱂ‬
‫ﻫم تﻜﺎﻟﻴﻔﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬وتﻮجﻴه ﺧﻠﻘه‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وآﺧﺬ ّ‬
‫اﻟعﺎﱂ اﻟ ّﺪﻳﲏ! ذﻟﻚ ﻻنه وارث ﳌﻘﺎم ّ‬
‫ﺣﱴ ﻳﻔﻬمﻮه وﻳﻘﺒﻠﻮه‪ ،‬ﰒّ ﻳعمﻠﻮا ﺑه‪ ،‬وﻳعمﻠﻮا‬
‫ﺧﻠﻘه إﻟﻴه‪ ،‬وتﺰﻛﻴّﺘﻬم وتعﻠﻴمﻬم‪ ،‬وتﺮوﻳﻀﻬم ﻋﻠﻰ اﳊق ّ‬
‫وﻳعمﻠﻮا ﻟه"‪.1‬‬
‫‪.5‬وﳑن ﻋﺮﻓﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺴﺎم اﻟعمﻮش‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﻋنه أ ﺎ‪" :‬ونعﲏ ﺎ ﰲ اﳌصﻄﻠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪،‬‬
‫أي‪ :‬إﱃ دﻳنه‪ ،‬وﻫﻮ اﻹﺳﻼم اﻟﺬي ﻫﻮ اﻻﺳﺘﺴﻼم‪ ،‬واﳋﻀﻮع‪ ،‬واﻻنﻘﻴﺎد رب اﻟعﺎﳌﲔ من ﺧﻼل‬
‫ﺧﻼل اﻻﻋﺘﻘﺎد رﻛﺎن اﻹﳝﺎن اﻟﺴﺘة‪ ،‬وتﻄﺒﻴق أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة تعﺎﱃ ﻻ تعﲏ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫رب اﻟعﺎﳌﲔ"‪.2‬‬‫اﻟﻔﺌﻮﻳّة أو اﳌﺬﻫﺒﻴّة؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟ ّﺪﻋﻮات ﺿﻴﻘة ﻻ تﺘنﺎﺳﺐ مع ﺳعة اﻹﺳﻼم‪ ،‬وجﻼل ّ‬
‫ﻓﺘعﺮﻳﻔه ﻗﺮﻳﺐ من تعﺮﻳﻒ اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬إﻻ أنه زاد ﻋﻠﻴه ﻗﻴﺪا دﻗﻴﻘﺎ‪ ،‬وﻫﻮ اﳊﺬر من اﲣﺎذ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﺷﻚ أن ﻫﺬا من اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﺪﱠاﺧﻠﻴّة اﻟﱵ‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة مﻄﻴّة ﻟنصﺮة ﺣﺰب‪ ،‬أو ﻓﺌة أو مﺬﻫﺐ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﻇﻠﱠ ْ‬
‫ﺖ تعﺎﱐ منﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮات ﻋﱪ اﻟعصﻮر‪.‬‬
‫ﺎ‪ ":‬ذﻟﻚ اﳉﻬﺪ اﳌنﻬﺠﻲ اﳌنﻈم‪ ،‬اﳍﺎدف إﱃ تعﺮﻳﻒ اﻟنﱠﺎس ﲝﻘﻴﻘة‬ ‫‪.6‬وﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﻄّﻴّﺐ ﺑﺮﻏﻮث‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬إﺣﺪاث تﻐﻴﲑ جﺬري مﺘﻮازن ﰲ ﺣﻴﺎ م ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳق اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻮاجﺒﺎت اﻻﺳﺘخﻼف‪ ،‬اﺑﺘﻐﺎء‬
‫اﺑﺘﻐﺎء مﺮﺿﺎة ﷲ‪ ،‬واﻟﻔﻮز ﲟﺎ ادﺧﺮه ﻟعﺒﺎده اﻟصﺎﳊﲔ ﰲ ﻋﺎﱂ اﻵﺧﺮة"‪.3‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﻳﺘﻀمن ﻗﻀﺎ ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﱃ ﻛﻮن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻔعﱠﺎﻟة اﻟﻔﺎﻋﻠة‬
‫ﺣﱴ ﲢﻘق مﻘﺎﺻﺪﻫﺎ‪ ،‬وﻏﺎ ﺎ ﻋﻠﻰ ﲨﻴع‬ ‫ِ‬
‫ﰲ ﻋمﻠﻴّة اﻟﺘﻐﻴﲑ ﻻ ﺑﺪ أ ْن تﺘّﺴم ﺑﻄﺎﺑع اﻟعﻠمﻴّة‪ّ ،‬‬
‫اﳌﺴﺘﻮ ت‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﺸﲑ إﱃ ﻋﺎمﻞ ﺳﻠﻮﻛﻲ ﺿﺮوري ﻟنﺠﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻫﻮ اﻹﺧﻼص‪ ،‬واﻟﺘﺠﺮد‪.‬‬
‫‪ .7‬وﻋﺮﻓﻬﺎ أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻫﻲ ﳏصﻠة اﻟنﺸﺎط اﻻتصﺎﱄ اﻟﺸﱡمﻮﱄ اﻟﺬي ﳝﺎرﺳه اﻟﺪﱡﻋﺎة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴﻮن ﰲ مﺮﺣﻠﱵ اﻟﺘﻐﻴﲑ واﻟﺒنﺎء ﻋﻠﻰ اﻟصعﻴﺪﻳن اﶈﻠﻲ‪ ،‬واﻟعﺎﳌﻲ ﺑﺮﺳﺎﻟة اﻹﺳﻼم اﻟﱵ أنﺰﳍﺎ ﷲ‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ اﻟﺒﺸﲑ اﻹﺑﺮاﻫﻴمﻲ‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﻃﺎﻟﺐ اﻹﺑﺮاﻫﻴمﻲ‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ﳏمﺪ اﻟﺒﺸﲑ اﻻﺑﺮاﻫﻴمﻲ‪ ،‬آ ر اﻹمﺎم ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪1997‬م‪.(109/4) ،‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ‪ ،‬ﻋمﺎن‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ﻫـ‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫‪ -‬ﺑﺴﺎم اﻟعمﻮش‪ ،‬ﻓﻘه ّ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ منﺠﺰا ﺎ ﺧﻼل اﻟﻔﱰة اﳌﻜﻴة‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪،‬‬
‫‪ -‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬منﻬج اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﲪﺎﻳة ّ‬
‫اﳌعﻬﺪ اﻟعﺎﳌﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪23‬‬
‫ﳏمﺪ ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻋﱪ ﳐﺘﻠﻒ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‪ ،‬واﻟﺘﻘنﻴﺎت اﳊﻀﺎرﻳّة اﳌمﻜنة ﺳﻴﺎ مع اﻷﻃﺮ‬ ‫ﷲ ﻋﻠﻰ نﺒﻴه ّ‬
‫اﳌﺮجعﻴّة اﳌﻘﺪﺳة منﻄﻠﻘﺎ‪ ،‬وﳑﺎرﺳة‪ ،‬ومنﻬﺠﺎ‪ ،‬وأﺳﻠﻮ ‪ ،‬وﻫﺪﻓﺎ"‪.1‬‬
‫تعﺮﻳﻒ أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي ﺷﺎمﻞ ﻟﻜﻞ أرﻛﺎن اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ من داﻋﻴّة‪ ،‬ومﺪﻋﻮ‪ ،‬ورﺳﺎﻟة دﻋﻮﻳّة‪ ،‬ووﺳﺎﺋﻞ‬
‫وأﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬ﺣﻴﺚ أﺷﺎر إﱃ ﺑعﺾ ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة وأﺻﻮﳍﺎ‪ ،‬ﻏﲑ أنه‪-‬ﰲ نﻈﺮي‪-‬ﻳنﻄﺒق‬
‫أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﳌعﺎﺻﺮة‪ ،‬مع اﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ أن ﻫﺬا ﻻ ﳝﻜن أ ْن ﻳﻔﻬم منه انﻔصﺎم اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻋن دﻋﻮة اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓمﺎ ﻫﻲ إﻻ امﺘﺪاد ﳍﺎ‪ ،‬وﻟﻜن ﲣﺘﻠﻒ ﻋنﻬﺎ من ﺣﻴﺚ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﳕﻮذج دﻋﻮي معصﻮم من اﳋﻄأ واﻟﱠﺰﻟَﻞ‪ ،‬وأ ﱠمﺎ اﻟﺜّﺎنﻴّة ﻓﻬﻲ ﲡﺎرب دﻋﻮﻳّة ﺑﺸﺮﻳّة ﻳعﱰﻳﻬﺎ مﺎ‬
‫صﻮاب‪.‬‬ ‫ﻳعﱰي اﻻجﺘﻬﺎد اﻟﺒﺸﺮي من اﳋﻄأ‪ ،‬واﻟ ﱠ‬
‫من ﺧﻼل ﲢﻠﻴﻞ اﻟﺘﱠعﺎرﻳﻒ اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة اﻵنﻔة ﻳﺘﺒﲔ ﱄ أن تعﺮﻳﻒ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹجﺮاﺋﻲ‬
‫اﳌنﺎﺳﺐ ﳍﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻫﻮ تعﺮﻳﻒ اﻟﺒﻴﺎنﻮﱐ‪-‬وﻫﺬا ﻻ ﻳنﻘﺺ من ﻗﻴمة اﻟﺘعﺎرﻳﻒ اﻷﺧﺮى ‪ ،-‬وذﻟﻚ‬
‫ﻟﻼﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬تﻮﻓﺮه ﻋﻠﻰ أرﻛﺎن اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة إﲨﺎﻻ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﱠﺒﻠﻴغ واﻟﺘﱠعﻠﻴم‪ ،‬ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬ﻛﻞ اﻟنﱠﺎس تعﺒﲑ ﻋن‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﻹﺳﻼم ﻫﻮ مﻮﺿﻮع اﻟ ّﺪﻋﻮة ومﻀمﻮن اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬واﳌنﺎﻫج واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‪،‬‬
‫ّ‬
‫تﻔﻬم من مﺴﺘﻮ ت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﺜﻼث‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﱃ اﳌنﻬج اﻻتصﺎﱄ‪ ،‬واﳌنﻬج اﻟﱰﺑﻮي‪ ،‬واﳌنﻬج‬
‫اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻲ‪ ،‬وﻟﻜﻞ منﻬج وﺳﺎﺋﻞ وأﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬واﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟ ﱡﺴﻠﻮﻛﻲ اﳌﺘعﻠق ﻻتصﺎل ﺑﲔ اﻟﺪﱡﻋﺎة‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫و ّ‬
‫ب‪ .‬إﺷﺎرة اﻟﺘّعﺮﻳﻒ إﱃ اﺳﺘﻬﺪاف اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌﺴﻠمﲔ وﻏﲑﻫم‪ ،‬وﻫﻮ مﺎ ﻳُﻠﺤﻆ ﰲ ّ‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬وﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ جﺰءا منﻬﺎ‪.‬‬
‫ج‪ .‬ﻋﺪم ﻗصﺮه ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﱠﺒﻠﻴغ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﱠﺒﻠﻴغ ﻫﻮ أول مﺮاﺣﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺣصﻠﺖ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‬
‫تﻠﺘﻬﺎ اﳌﺮاﺣﻞ اﻷﺧﺮى من اﻟﺘّعﻠﻴم واﻟﺘﺰﻛﻴّة واﻟﱰﺑﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳﺘعﺎﻫﺪ اﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة إﱃ‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ -‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت وأﲝﺎث ﰲ رﻳخ ّ‬

‫‪24‬‬
‫أدل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ من ﻗﻮﻟه ﰲ مﺮض مﻮته ﻓﻴمﺎ روته ﻋﺎﺋﺸة رﺿﻲ ﷲ‬ ‫إﱃ آﺧﺮ ﳊﻈة من ﺣﻴﺎته‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﺼ ِّﻞ ِ ﻟﻨﱠﺎس« ‪.1‬‬
‫ﻋنﻬﺎ مﺮﻓﻮﻋﺎ‪ُ » :‬ﻣ ُﺮوا أَ َ ﺑَ ْﻜ ٍﺮ ﻓَـﻠْﻴُ َ‬
‫د‪ .‬اﻹﺷـ ـ ـ ـ ـ ــﺎرة إﱃ مﻘﺎﺻـ ـ ـ ـ ـ ــﺪ اﻟ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳـ ـ ـ ـ ـ ــﻼمﻴّة واﻟـ ـ ـ ـ ـ ــﱵ أﳘﻬـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ اﻟﺘّمﻜـ ـ ـ ـ ـ ــﲔ ﻟﻠ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّﺪﻳن تﺒﻠﻴﻐـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ‪،‬‬
‫وتعﻠﻴم ـ ـ ـ ـ ــﺎ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘـ ـ ـ ـ ـ ـﺎ ﰲ واﻗ ـ ـ ـ ـ ــع اﳊﻴ ـ ـ ـ ـ ــﺎة ﻛنﻈ ـ ـ ـ ـ ــﺎم ﻛﺎم ـ ـ ـ ـ ــﻞ مﺘﻜﺎم ـ ـ ـ ـ ــﻞ ﺷ ـ ـ ـ ـ ــﺎمﻞ ﳉمﻴ ـ ـ ـ ـ ــع اﳌن ـ ـ ـ ـ ــﺎﺣﻲ‬
‫اﻟ ّﺪﻳنﻴّة‪ ،‬واﻻجﺘمﺎﻋﻴّة‪ ،‬واﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة‪ ،‬واﻻﻗﺘصﺎدﻳّة‪ ،‬واﳊﻀﺎرﻳّة‪...‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة ﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ اﳉﺎمع ﻫﻲ اﻟﱵ مﺎرﺳﻬﺎ اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وامﺘﺪادا ﺎ اﻟﻘﺒﻠﻴّة‬
‫واﻟﺒعﺪﻳّة؛ تﺒﻠﻴﻐﺎ‪ ،‬وتعﻠﻴمﺎ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﺎ؛ ﻟﻜﻮن اﳌﻐﺎزي جﺰءا من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬من جﻬة؛ و ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ‬
‫صعﻴﺪﻳن‬ ‫من وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌﻬمة‪ ،‬اﻟﱵ ُوﻇﻔﺖ ﻟنﺸﺮ اﻹﺳﻼم‪ ،‬واﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﺑه‪ ،‬واﻟﺘّمﻜﲔ ﻟه ﻋﻠﻰ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﳋﺎرجﻲ‪.‬‬
‫وﺳﻮف ﻳﺘﱠﻀﺢ ذﻟﻚ ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ إن ﺷﺎء ﷲ ﰲ ثنﺎ اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻟﺘﻜﻮن اﻟﺒﺪاﻳّة ﺑﺒﻴﺎن مﺪﻟﻮل مصﻄﻠﺢ‬
‫اﻟﻐﺰوات ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻐﺰوات‬
‫ﺑعﺪ اﻟﻔﺮاغ من ﲢﺪﻳﺪ مصﻄﻠﺤﻲ اﻷﺑعﺎد‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟنﺎﺣﻴﺘﲔ اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬واﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﰐ دور‬
‫ﲢﺪﻳﺪ مصﻄﻠﺢ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وذﻟﻚ ﻟﺘعﺮض ﻟﺘعﺮﻳﻔﻬﺎ من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة‪ ،‬واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪ ،‬ﰒ ﲢﺪﻳﺪ‬
‫اﳌﺮاد منﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻐﺰوات ﻟﻐﺔ‬
‫ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ مصﻄﻠﺢ اﻟﻐﺰوات ﺑﺪﻗة‪ ،‬ﻻﺑُ ﱠﺪ من ﲢﺪﻳﺪ معﺎنﻴه اﻟﻠﻐﻮﻳّة ﻻﺳﺘعﺎنة ﻗﻮال أﺋمة‬
‫اﻟﻠﻐة اﻟﻮاردة ﲞصﻮص اﳌصﻄﻠﺢ ﰲ اﳌعﺎجم‪ ،‬ﻛﺎﻟﺘﱠﺎﱄ‪:‬‬
‫ﻗﺎل اﳉﻮﻫﺮي‪ ":‬ﻏﺰوت اﻟعﺪو ﻏﺰوا‪ ،‬واﻻﺳم اﻟﻐﺰاة‪ .‬واﻟنﺴﺒة إﱃ اﻟﻐﺰو ﻏﺰوي‪ ،‬ورجﻞ ﻏﺎز‪ ،‬واﳉمع‬
‫ﺣﺎج وﺣﺠﻴج‪ ،‬وﻗﺎﻃن‬‫واﳉمع ﻏﺰاة مﺜﻞ ﻗﺎض وﻗﻀﺎة‪ ،‬وﻏﺰى مﺜﻞ ﺳﺎﺑق وﺳﺒق‪ ،‬وﻏﺰى مﺜﻞ ّ‬
‫وﻗﻄﲔ‪ ،‬وﻏﺰاء مﺜﻞ ﻓﺎﺳق وﻓﺴﺎق‪ ،‬ﻗﺎل ﺑط ﺷﺮا‪:2‬‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ‬
‫‪ -‬ﷴ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳉﺎمع اﳌﺴنﺪ اﻟصﺤﻴﺢ اﳌخﺘصﺮ من أمﻮر رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﺳننه وأ مه‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫زﻫﲑ ﺑن ﺻﺮ اﻟنﺎﺻﺮ‪ ،‬دار ﻃﻮق اﻟنﺠﺎة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷذان‪ ،‬ب ﺣﺪ اﳌﺮﻳﺾ أن ﻳﺸﻬﺪ اﳉمﺎﻋة‪،(133/1) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪. 664:‬‬
‫‪ -2‬ﻫﻮ ﺑﺖ ﺑن جﺎﺑﺮ ﺑن ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬من ﻓﺤﻮل ﺷعﺮاء اﳉﺎﻫﻠﻴة‪ ،‬تﻮﰲ ﺣﻮاﱄ ‪ 80‬ﻗﺒﻞ اﳍﺠﺮة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺰرﻛﻠﻲ‪ ،‬اﻷﻋﻼم‪(97/2) ،‬‬
‫‪25‬‬
 ‫‪1‬‬
‫ﻓﻴﻮﻣﺎ ب ـﻐﺰاء وﻳﻮﻣﺎ ﺑﺴﺮﻳّﺔ *** وﻳﻮﻣﺎ ﲞﺸﺨﺎش ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻫﻴﻀﻞ‬
‫وأﻏﺰﻳﺖ ﻓﻼ ‪ ،‬أي جﻬﺰته ﻟﻠﻐﺰو‪ ،‬واﳌﻐﺰﻳّة‪ :‬اﳌﺮأة اﻟﱵ ﻏﺰا زوجﻬﺎ‪ ،‬وأﻏﺰت اﻟنﺎﻗة‪ ،‬إذا ﻋﺴﺮ ﻟﻘﺎﺣﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻟﻘﺎﺣﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎل اﻷمﻮي‪ :‬اﳌﻐﺰﻳّة من اﻟنﻮق‪ :‬اﻟﱵ جﺎزت اﻟ ﱡﺴنﱠة وﱂ تﻠﺪ‪ ،‬مﺜﻞ اﳌﺪراج‪ ،‬وأ ن مﻐﺰﻳّة‪:‬‬
‫مﺘأﺧﺮة اﻟنﺘﺎج ﰒﱠ تنﺘج‪ ،‬وأﻏﺰﻳﺖ اﻟﺮجﻞ‪ :‬أمﻬﻠﺘه وأﺧﺮت مﺎﱄ ﻋﻠﻴه من اﻟ ّﺪﻳن‪ ،‬ومﻐﺰى اﻟﻜﻼم‪:‬‬
‫مﻘصﺪه‪ ،‬وﻋﺮﻓﺖ مﺎ ﻳﻐﺰى من ﻫﺬا اﻟﻜﻼم‪ ،‬أي مﺎ ﻳﺮاد"‪.2‬‬
‫ﻳﺘﺒﲔ أن مصﻄﻠﺢ اﻟﻐﺰو ﻳﺮاد ﺑه اﳋﺮوج ﻟﻄﻠﺐ اﻟعﺪو‪ ،‬وﻋﺴﺮ اﻟﻠِّﻘﺎح‪،‬‬ ‫من ﺧﻼل ﻛﻼم اﳉﻮﻫﺮي ّ‬
‫واﳌﻐﺰى من اﻟﻜﻼم ُمَﺮاد اﳌﺘﻜﻠّم‪ ،‬ومﻘصﺪه‪.‬‬
‫وأمﺎ اﺑن ﻓﺎرس ﻓﻘﺪ أﲨﻞ معﺎﱐ اﻟﻠّﻔﻆ ﰲ أﺻﻠﲔ ﺑﻘﻮﻟه‪) " :‬ﻏﺰو( اﻟﻐﲔ واﻟﺰاء واﳊﺮف اﳌعﺘﻞ‬
‫أﺻﻼن ﺻﺤﻴﺤﺎن‪ ،‬أﺣﺪﳘﺎ ﻃﻠﺐ ﺷﻲء‪ ،‬واﻵﺧﺮ ﰲ ب اﻟﻠِّﻘﺎح"‪.3‬‬
‫اﻟﺰﳐﺸﺮي‪،‬‬ ‫ﻛﺎﻟﺮاﻏﺐ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬و ّ‬
‫وﻗﺪ ﺳﺎر أﺋمة اﻟﻠﻐة ﺑعﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳن اﻷﺻﻠﲔ ﰲ ﻛﺘﺒﻬم‪ّ ،‬‬
‫اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬واﻟﻔﲑوز آ دي‪ ،‬وﻏﲑﻫم‪.4‬‬ ‫وّ‬
‫دل ﻋﻠﻴه اﻟﻘﺮآن‬‫واﳌعﲎ اﳌﻘصﻮد اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻫﻮ اﳋﺮوج إﱃ ﳏﺎرﺑة اﻟعﺪو وﻃﻠﺒه‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺬي ّ‬
‫اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬واﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫ادة ال ﻏﺰوة‪ ،‬ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬مﺎ جﺎء ﰲ ﻗﻮﻟه‬ ‫ف ـمن اﳌﻮاﺿع ال ﰐ وردت ﻓﻴﻬﺎ م‬
‫َْ َ ْ ُ‬
‫كﺎنُوا ﻏ ّزيچ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[156 :‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي‪ ":‬ﻓأنه ﻳعﲏ‪ :‬أو ﻛﺎنﻮا ﻏﺰاة ﰲ‬ ‫ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱأو‬
‫ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬واﻟﻐﺰى‪ :‬ﲨع ﻏﺎز"‪. 5‬‬

‫‪ -1‬اﳋﺸﺨﺎش‪:‬اﻟﺸﻲء اﻟﻴﺎﺑﺲ اﻟﺬي ﳛﻚ ﺑعﻀه ﺑعﺾ‪ ،‬اﳍﻴﻀﻞ‪ :‬اﳍﻴﻀﻠة اﳉمﺎﻋة ﻳﻐﺰى م ﻟﻴﺴﻮا ﻟﻜﺜﲑ‪ ،‬واﳍﻴﻀﻞ اﻟﺮجﺎﻟة‬
‫وﻗﻴﻞ اﳉﻴﺶ وﻗﻴﻞ اﳉمﺎﻋة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن منﻈﻮر‪ ،‬ﻟﺴﺎن اﻟعﺮب‪.(697/11) ،(295/6) ،‬‬
‫‪ -2‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﲪﺎد‪ ،‬أﺑﻮ نصﺮ‪ ،‬اﳉﻮﻫﺮي‪ ،‬اﻟصﺤﺎح ج اﻟﻠﻐة وﺻﺤﺎح اﻟعﺮﺑﻴة ت‪ :‬أﲪﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻔﻮر ﻋﻄﺎر‪ ،‬دار اﻟعﻠم‬
‫ﻟﻠمﻼﻳﲔ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1407 ،4‬ﻫـ‪ 1987 ،‬م‪.(2446 /6) ،‬‬
‫‪ - 3‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(423/4) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم اﻟﺮاﻏﺐ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻔﺮدات ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ص‪ ،601‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم ﳏمﻮد ﺑن ﻋمﺮو ﺑن أﲪﺪ‪،‬‬
‫ﳏمﺪ ﺳﻞ ﻋﻴﻮن اﻟﺴﻮد‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1419 ،1‬ﻫـ‪ 1998 ،‬م‪،‬‬ ‫اﻟﺰﳐﺸﺮي جﺎر ﷲ‪ ،‬أﺳﺎس اﻟﺒﻼﻏة‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫ﳏمﺪ اﳊﺴﻴﲏ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻴﺾ‪ ،‬اﻟﱠﺰﺑﻴﺪي‪ ،‬ج اﻟعﺮوس من جﻮاﻫﺮ اﻟﻘﺎمﻮس‪ ،‬ت‪ :‬ﳎمﻮﻋة من‬ ‫ﳏمﺪ ﺑن ّ‬ ‫)‪ّ ،(701/1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻳعﻘﻮب اﻟﻔﲑوزآ دي‪ ،‬اﻟﻘﺎمﻮس اﶈﻴط‪،‬‬
‫اﶈﻘﻘﲔ‪ ،‬دار اﳍﺪاﻳة)د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،(158/39) ،‬ﳎﺪ اﻟﺪﻳن أﺑﻮ ﻃﺎﻫﺮ ّ‬
‫ت‪ :‬مﻜﺘﺐ ﲢﻘﻴق اﻟﱰاث ﰲ مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1426 ،8‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 2005‬م‪(1317/1) ،‬‬
‫‪ -5‬ﷴ ﺑن جﺮﻳﺮ‪ ،‬أﺑﻮ جعﻔﺮ‪ ،‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن ﻋن وﻳﻞ آي اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪:‬أﲪﺪ ﺷﺎﻛﺮ‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪ 1420 ،‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 2000‬م‪.(177/6) ،‬‬
‫‪26‬‬
‫أمﺎ اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻓﻘﺪ دﻟﺖ ﻋﻠﻰ أن معﲎ اﻟﻐﺰو اﳋﺮوج ﻟﻘﺘﺎل اﻟعﺪو وﻃﻠﺒه‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ‬
‫ﻀ َﻊ ْاﻣ َﺮأَةٍ‪،‬‬
‫ﻚ ﺑُ ْ‬ ‫ﱯ ِﻣ َﻦ اﻷَﻧْﺒِﻴَ ِﺎء‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل ﻟِ َﻘ ْﻮِﻣ ِﻪ‪ :‬ﻻَ ﻳَـ ْﺘـﺒَـ ْﻌ ِﲏ َر ُﺟ ٌﻞ َﻣﻠَ َ‬ ‫‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪ » :‬غَ َﺰا ﻧَِ ﱞ‬
‫َﺣ ٌﺪ ا ْﺷﺘَـ َﺮى‬ ‫ﻀﻊ ْاﻣﺮأَةٍ‪ ،‬و ُﻫﻮ ﻳ ِﺮﻳ ُﺪ أَ ْن ﻳـ ْﺒ ِﲏ ِ ﺎ؟ وﻟَ ﱠﻤﺎ ﻳـ ْ ِ ِ‬
‫َﺣ ٌﺪ ﺑَـ َﲎ ﺑُـﻴُﻮً َوَﱂْ ﻳَـ ْﺮﻓَ ْﻊ ُﺳ ُﻘﻮﻓَـ َﻬﺎ‪َ ،‬وﻻَ أ َ‬
‫ﱭ َﺎ‪َ ،‬وﻻَ أ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ﺑُ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫ﺎت َو ُﻫ َﻮ ﻳَـ ْﻨـﺘَ ِﻈ ُﺮ ِوﻻَ َد َﻫﺎ «‪.1‬‬
‫غََﻨﻤﺎ أَو َﺧ ِﻠ َﻔ ٍ‬
‫ً ْ‬
‫ﻓﻬﺬه إﳌﺎمة ﳌﺪﻟﻮل اﻟﻠﻐﻮي ﻟﻠﻔﻈة اﻟﻐﺰوة؛ من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة اﻟﱵ ﺷﻬﺪ ﳍﺎ ﻛﻼم اﻟعﺮب‪ ،‬ومن‬
‫اﻟنﺎﺣﻴّة اﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة اﻟﱵ ﺷﻬﺪت ﳍﺎ اﻟنصﻮص اﻟﻘﺮآن ﻳّة واﳊﺪﻳﺜﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﻐﺰوات اﺻﻄﻼﺣﺎ‬
‫ﺑعﺪ ﲢﺪﻳﺪ اﳌعﺎﱐ اﻟﻠﻐﻮﻳّة ﳌصﻄﻠﺢ اﻟﻐﺰوات ﰐ ﻋﻠﻰ ﺿﺒﻄه من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة من ﺧﻼل‬
‫إﻳﺮاد ﺑعﺾ اﻟﺘعﺎرﻳﻒ وﲢﻠﻴﻠﻬﺎ ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ مﺪﻟﻮﻟه ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬وﻓق ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﺴﲑ‪ ،‬وﻛﺘﺐ اﳊﺪﻳﺚ اﻟنﱠﺒﻮي اﻟﱵ رتﺒﺖ وﻓق اﻟﻜﺘﺐ واﻷﺑﻮاب‪،‬‬ ‫ﻋنﺪ اﻟﺘﱠأمﻞ ﰲ ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬و ّ‬
‫ﻓمﺮة‬ ‫ِ‬
‫اﻟﺴﺘة‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ ﳒﺪﻫم ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ اﳋﺮوج ﻟﻄﻠﺐ اﻟعﺪو مصﻄﻠﺤﺎت ﳐﺘﻠﻔة‪ّ ،‬‬ ‫ﻛﺎﻟﻜﺘﺐ ّ‬
‫ومﺮة ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒَعﺚ‪.‬‬‫ومﺮة ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ﱠﺴﺮﻳّة‪ّ ،‬‬
‫ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻐﺰوة‪ّ ،‬‬
‫"اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة"‪،‬‬
‫ﻓممن ﻓﺮق ﺑﻮﺿﻮح ﺑﲔ اﻟﻐﺰوة واﻟﺴﺮﻳّة‪ ،‬واﻟﺒعﻮث ﻋﺒﺪ اﳌﻠﻚ ﺑن ﻫﺸﺎم؛ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه ّ‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة"‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻋنﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﳎمﻞ اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ ﻏﺰاﻫﺎ اﻟنّﱯ‪ ":‬ﺣﺪثنﺎ ز د ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﺳﺤﺎق اﳌﻄﻠﱯ‪ :‬وﻛﺎن ﲨﻴع مﺎ ﻏﺰا رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺑنﻔﺴه ﺳﺒعﺎ وﻋﺸﺮﻳن‬ ‫اﻟﺒﻜﺎﺋﻲ ﻋن ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﻏﺰوة"‬
‫ﻀﺎﺑط اﻟﺬي جعﻠه اﺑن ﻫﺸﺎم ﻟﻠﺘﻔﺮﻳق ﺑﲔ اﻟﻐﺰوة‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ ﻫﻮ‬ ‫ﻓﻴُﻼﺣﻆ من ﺧﻼل مﺎ ﺳﺒق أن اﻟ ﱠ‬
‫ُو ُجﻮد اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻮل اﻟنّﱯ‪» :‬أ ُِﺣﻠﱠ ْﺖ ﻟَ ُﻜ ُﻢ اﻟﻐَﻨَﺎﺋِ ُﻢ«‪ ،(86/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3124 :‬ﻗﺎل‬
‫اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬ﲨع ﺧﻠﻔه وﻫﻲ اﻟﱵ ﳝﻀﻲ ﳍﺎ نصﻒ اﳊمﻞ"‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1379 ،‬ه‪،‬‬
‫)‪.(113/1‬‬
‫‪2‬‬
‫ﳏمﺪ‪ ،‬ﲨﺎل اﻟﺪﻳن‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،‬ت‪ :‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺴﻘﺎ وإﺑﺮاﻫﻴم‬ ‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﳌﻠﻚ ﺑن ﻫﺸﺎم ﺑن أﻳﻮب اﳊمﲑي اﳌعﺎﻓﺮي‪ ،‬أﺑﻮ ّ‬
‫اﻷﺑﻴﺎري وﻋﺒﺪ اﳊﻔﻴﻆ اﻟﺸﻠﱯ‪ ،‬ﺷﺮﻛة مﻜﺘﺒة ومﻄﺒعة مصﻄﻔﻰ اﻟﺒﺎﰊ اﳊﻠﱯ وأوﻻده ﲟصﺮ‪ ،‬ط‪1375 ،2‬ﻫـ‪ 1955 ،‬م‪،‬‬
‫‪.(609/2‬‬
‫‪27‬‬
 ‫‪1‬‬
‫ﺟﺪول اﻟﻐﺰوات اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ‬
‫‪ - 19‬ﻏﺰوة ﺑﲏ ﳊﻴﺎن ‪ - 25‬ﻏﺰوة ﺣنﲔ‬ ‫‪ - 13‬ﻏﺰوة ﺑﲏ‬ ‫‪ - 7‬ﻏﺰوة ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع‬ ‫‪ - 1‬ﻏﺰوة اﻷﺑﻮاء‬
‫ﺷﻮال ‪8‬ه‬ ‫اﻟنﻀﲑ رﺑﻴع اﻷول ‪4‬ه ﲨﺎدي اﻷوﱃ ‪6‬ه‬ ‫ﺷﻮال ‪2‬ه‬ ‫ﺻﻔﺮ ‪2‬ه‬

‫‪ - 26‬ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‬ ‫‪ - 20‬ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴة‬ ‫‪ - 14‬ﻏﺰوة ﺑﺪر‬ ‫‪ - 8‬ﻏﺰوة اﻟﺴﻮﻳق‬ ‫‪ - 2‬ﻏﺰوة ﺑﻮاط رﺑﻴع‬
‫ﺷﻮال ‪8‬ه‬ ‫ذي اﻟﻘعﺪة ‪6‬ه‬ ‫اﻵﺧﺮة )اﳌﻮﻋﺪ(‬ ‫ذي اﳊﺠة ‪2‬ه‬ ‫اﻷول ‪2‬ه‬
‫ﺷعﺒﺎن ‪4‬ه‬
‫‪ - 27‬ﻏﺰوة تﺒﻮك‬ ‫‪ - 21‬ﻏﺰوة ذي ﻗﺮد‬ ‫‪ - 15‬ﻏﺰوة دومة‬ ‫‪ - 3‬ﻏﺰوة ﺳﻔﻮان رﺑﻴع ‪ - 9‬ﻏﺰوة ذي أمﺮ‬
‫رجﺐ ‪9‬ه‬ ‫اﶈﺮم ﻟﻠﻬﺠﺮة‪7.‬ه‬ ‫اﳉنﺪل رﺑﻴع اﻷول‬ ‫اﶈﺮم ‪3‬ه‬ ‫اﻷول ‪2‬ه‬
‫‪5‬ه‬
‫‪ - 22‬ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‬ ‫‪ - 10‬ﻏﺰوة اﻟﻔﺮع من ‪ - 16‬ﻏﺰوة ﺑﲏ‬ ‫‪ - 4‬ﻏﺰوة اﻟعﺸﲑة‬
‫اﶈﺮم ‪7‬ه‬ ‫ﲝﺮان ﰲ رﺑﻴع اﻵﺧﺮ اﳌصﻄﻠق ﺷعﺒﺎن‪5‬ه‬ ‫ﲨﺎدي اﻷوﱃ ‪2‬ه‬
‫‪3‬ه‬
‫‪ - 17‬ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب ‪ - 23‬ﻏﺰوة ذات‬ ‫‪ - 11‬ﻏﺰوة أﺣﺪ‬ ‫‪ - 5‬ﻏﺰوة ﺑﺪر‬
‫اﻟﺮﻗﺎع ‪7‬ه‬ ‫ﺷﻮال ‪5‬ه‬ ‫ﺷﻮال ‪3‬ه‬ ‫رمﻀﺎن ‪2‬ه‬
‫‪ - 18‬ﻏﺰوة ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة ‪ - 24‬ﻏﺰوة ﻓﺘﺢ مﻜة‬ ‫‪ - 12‬ﻏﺰوة ﲪﺮاء‬ ‫‪ - 6‬ﻏﺰوة اﻟﻜﺪر من‬
‫رمﻀﺎن ‪8‬ه‬ ‫ذي اﻟﻘعﺪة ‪5‬ه‬ ‫اﻷﺳﺪ ﺷﻮال ‪3‬ه‬ ‫ﺑﲏ ﺳﻠﻴم ﺷﻮال ‪2‬ه‬

‫وأمﺎ اﻟ ﱠﺴﺮا واﻟﺒعﻮث ﻓﺘﺘعﻠق ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻮﻗﺎﺋع اﻟﱵ ﱂ ﳜﺮج ﻓﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻫﺸﺎم ﰲ ﻋﺪه ﳍﺎ‬
‫‪3‬‬
‫ﻀﺎﺑط‪ ":‬وﻛﺎنﺖ ﺑعﻮثه ‪ ‬وﺳﺮا ه ﲦﺎنﻴﺎ وثﻼثﲔ‪ ،‬من ﺑﲔ ﺑعﺚ‪2‬وﺳﺮﻳّة"‬
‫ﳍﺎ مﺆﻛﺪا ﻫﺬا اﻟ ﱠ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬وﺣﻴﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﱄ‪ ،‬اﳋﻼﺻة اﻟﺒﻬﻴة ﰲ تﺮتﻴﺐ أﺣﺪاث اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة‪ ،‬دار اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬ط‪ ،2‬مصﺮ‪ 1428 ،‬ﻫـ ‪،‬‬
‫‪ 2003‬م‪ ،(90/1) ،‬وﻗﺪ جعﻞ اﺑن ﻫﺸﺎم ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء من ﲨﻠة اﻟﻐﺰوات‪ ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة‪.(602/2) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒﻌﺚ‪ :‬إرﺳﺎل اﳉنﺪ إﱃ مﻮﺿع مﺎ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﲟﻬمة معﻴنة‪ ،‬ﻗﺪ تﻜﻮن ﻋﺴﻜﺮﻳة أو اﺳﺘﻄﻼﻋﻴة أو ﻋﻠمﻴة دﻋﻮﻳة‪ ،‬أو ﻏﲑﻫﺎ من‬
‫اﳌﻬﺎم اﻟﱵ ﻳﻜﻠﻒ ﺎ اﳌﺒعﻮث‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(88/1) ،‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض‬
‫اﻷنﻒ ﰲ ﺷﺮح اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة ﻻﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬ت‪ :‬ﻋمﺮ اﻟ ﱠﺴﻼمﻲ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪1421 ،1‬ه‪2000 ،‬م‪،‬‬
‫)‪.(52/4‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،(609/2) ،‬وﻋﺪ منﻬﺎ ﲨﻠة من اﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث‪ :‬ﻛﻐﺰوة ﻋﺒﻴﺪة ﺑن اﳊﺎرث وﻏﺰوة ﲪﺰة اﺑن ﻋﺒﺪ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن مﺴﻠمة‪ ،‬وﻏﺰوة‬
‫اﳌﻄﻠﺐ وﻏﺰوة ﺳعﺪ ﺑن أﰊ وﻗﺎص اﳋﺮار‪ ،‬وﻏﺰوة ﻋﺒﺪ ﷲ اﺑن جﺤﺶ ‪ ،‬وﻏﺰوة زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة ‪ ،‬وﻏﺰوة ّ‬
‫مﺮثﺪ اﻟﻐنﻮي‪ ،‬وﻏﺰوة اﳌنﺬر ﺑن ﻋمﺮو ‪ ،‬وﻏﺰوة أﰊ ﻋﺒﻴﺪة ‪ ،‬وﻏﺰوة ﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب‪ ،‬وﻏﺰوة ﻋﻠﻲ اﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ ‪ ،‬وﻏﺰوة ﻏﺎﻟﺐ‬
‫ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﻜﻠﱯ‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وﻗﺎل اﻟﺘّﻬﺎنﻮي ﰲ تعﺮﻳﻒ اﻟﻐﺰو ﻋنﺪ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ مﺆﻛﺪا تﻔصﻴﻞ اﺑن ﻫﺸﺎم اﻵنﻒ‪ " :‬وﰲ اﺻﻄﻼح‬
‫اﻟﺴﲑ ﻫﻮ اﳉﻴﺶ اﻟﻘﺎﺻﺪ ﻟﻘﺘﺎل اﻟﻜﻔﺎر اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓﻴه‪ ،‬و ّأمﺎ اﳉﻴﺶ اﻟﺬي ﱂ‬ ‫اﺻﻄﻼح أﻫﻞ ّ‬
‫ﻓﻴﺴمﻰ ﺳﺮﻳّة وﺑعﺜﺎ"‪.1‬‬
‫ﱂ ﻳﻜن ﻓﻴه اﻟنّﱯ‪ّ ‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺘﻔﺮﻳق ﻫﻮ تﻔﺮﻳق أﻏﻠﱯ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ أﻫﻞ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬واﻟ ﱠﺴﲑ‪ ،‬واﶈﺪثﲔ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺴﻴم‪،‬‬
‫ﻏﲑ أ م ﻗﺪ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ اﻟﻮﻗﺎﺋع اﻟﱵ ﱂ ﳜﺮج ﻓﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬اﺳم اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻛﺘﺴمﻴّة اﻟﻮاﻗﺪي‬
‫واﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻏﺰوة مﺆتة ﻟﻐﺰوة رﻏم ﻋﺪم ﺧﺮوج اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ أﻃﻠق اﺑن ﻫﺸﺎم ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ‬
‫اﻟ ﱠﺴﺮا واﻟﺒعﻮث اﺳم اﻟﻐﺰوة‪.2‬‬
‫ﻫﺬا من ﺣﻴﺚ آﺣﺎد اﻟﻮﻗﺎﺋع‪ ،‬أمﺎ ﲨﻠة اﻟﻮﻗﺎﺋع اﻟﱵ ﺣصﻠﺖ زمن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓﻬﻲ تنﺪرج ﻛﻠﱡﻬﺎ ﲢﺖ‬
‫اﻟﺴﲑ‪ ،‬وﻫﻮ ﻋﺎدة اﻟﻜﺜﲑ من اﳌصنّﻔﲔ من اﶈﺪثﲔ‪،‬‬ ‫ﲢﺖ مﺴمﻰ واﺣﺪ‪ ،‬وﻫﻮ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬أو اﳉﻬﺎد و ّ‬
‫اﻟﺴﲑ‪.3‬‬
‫وأﻫﻞ اﳌﻐﺎزي و ّ‬
‫ﻓﺎﻟﻐﺰوات ﺬا اﻻﻋﺘﺒﺎر أﻋم من اﻟﺘّﺤﺪﻳﺪ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﳍﺎ ﺑﻘصﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﱵ ﺧﺮج ﻓﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﺑﻴنه اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬وتﺒعه ﰲ‬ ‫ﺑنﻔﺴه‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي من اﻟ ﱠ‬
‫ذﻟﻚ اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ ﰲ ﺷﺮﺣﻴﻬمﺎ‪.4‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪" :‬واﳌﺮاد ﳌﻐﺎزي ﻫنﺎ مﺎ وﻗع من ﻗصﺪ اﻟنّﱯ‪‬اﻟﻜﻔﺎر ﺑنﻔﺴه‪ ،‬أو ﲜﻴﺶ من ﻗﺒﻠه‬
‫‪5‬‬
‫ﺣﱴ دﺧﻞ مﺜﻞ أﺣﺪ وﳋنﺪق"‬ ‫وﻗصﺪﻫم أﻋم من أن ﻳﻜﻮن إﱃ ﺑﻼدﻫم‪ ،‬أوإﱃ اﻷمﺎﻛن اﻟﱵ ﺣﻠﻮﻫﺎ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﺘﻬﺎنﻮي‪ ،‬مﻮﺳﻮﻋة ﻛﺸﺎف اﺻﻄﻼﺣﺎت اﻟﻔنﻮن واﻟعﻠﻮم‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ دﺣﺮوج‪ ،‬مﻜﺘﺒة ﻟﺒنﺎن ﺷﺮون‪ ،‬ﺑﲑوت‬
‫‪ّ -‬‬
‫ط‪1996 ،1‬م‪.(1253/2) ،‬‬
‫‪2‬‬
‫ﳏم ــﺪ ﺑ ــن ﻋم ــﺮ‪ ،‬أﺑﻮﻋﺒ ــﺪ ﷲ اﻟﻮاﻗ ــﺪي‪ ،‬اﳌﻐ ــﺎزي‪ ،‬ت‪ :‬مﺎرﺳ ــﺪن ج ــﻮنﺲ‪ ،‬دار اﻷﻋﻠم ــﻲ‪ ،‬ﺑ ــﲑوت‪ ،‬ط‪ 1409 ،3‬ه‪،‬‬ ‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫ﳏمـﺪ‪ ،‬اﻟﻈـﺎﻫﺮي‪ ،‬جﻮامـع اﻟﺴـﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّـة‪،‬‬‫‪1989‬م‪ ،(1117/3) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،(609/2) ،‬ﻋﻠـﻲ ﺑـن ﺣـﺰم‪ ،‬أﺑـﻮ ّ‬
‫دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬اﳌصنﻒ‪ ،‬ت‪ :‬ﺣﺒﻴﺐ اﻷﻋﻈمﻲ‪ ،‬ا ﻠﺲ اﻟعﻠمﻲ‪ ،‬اﳍنﺪ ط‪1403 ،2‬ه‪،(313/5) ،‬‬
‫ﻋﺒــﺪ ﷲ ﺑــن ﷴ‪ ،‬أﺑــﻮ ﺑﻜــﺮ‪ ،‬اﺑــن أﰊ ﺷــﻴﺒة‪ ،‬اﳌصــنﻒ ﰲ اﻷﺣﺎدﻳــﺚ واﻵ ر‪ ،‬ت‪ :‬ﻛمــﺎل اﳊــﻮت‪ ،‬مﻜﺘﺒــة اﻟﺮﺷــﺪ‪ ،‬اﻟــﺮ ض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ﳏمـﺪ ﺑـن إﺳـﺤﺎق ﺑـن ﻳﺴـﺎر اﳌﻄﻠـﱯ‪ ،‬ﺳـﲑة اﺑـن إﺳــﺤﺎق‪،‬‬ ‫‪ 1409‬ه‪ ،( 326 /7) ،‬اﻟﺒخـﺎري‪ ،‬اﳉـﺎمع اﻟصـﺤﻴﺢ ‪ّ ،(71/5) ،‬‬
‫ت‪ :‬ﺳـ ــﻬﻴﻞ زﻛـ ــﺎر‪ ،‬دار اﻟﻔﻜـ ــﺮ‪ ،‬ﺑـ ــﲑوت ط‪1398 ،1‬ﻫـ ـ ـ‪1978 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،21‬مﺴـ ــﻠم ﺑـ ــن اﳊﺠـ ــﺎج‪ ،‬أﺑـ ــﻮ اﳊﺴـ ــن‪ ،‬اﻟﻘﺸـ ــﲑي‬
‫ﳏمــﺪ ﻓ ـﺆاد ﻋﺒــﺪ اﻟﺒــﺎﻗﻲ‪ ،‬دار إﺣﻴــﺎء‬
‫ﺪل إﱃ رﺳــﻮل ﷲ ‪ ،‬ت‪ّ :‬‬ ‫ﺪل ﻋــن اﻟع ـ ّ‬
‫اﻟنﻴﺴــﺎﺑﻮري‪ ،‬اﳌﺴــنﺪ اﻟصــﺤﻴﺢ اﳌخﺘصــﺮ ﺑنﻘــﻞ اﻟع ـ ّ‬
‫اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(1356 /3) ،‬‬
‫‪ -4‬أﲪﺪ ﺑن ﷴ ﺑن أﰉ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳌﻄﺒعة اﻟﻜﱪى اﻷمﲑﻳة‪،‬‬
‫مصﺮ‪ ،‬ط‪ 1323 ،7‬ﻫـ‪.(240/6) ،‬‬
‫‪ -5‬اﺑن ﺣﺠﺮ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(279/7) ،‬‬
‫‪29‬‬
‫ﻳﻮﺳع من اﳌﺪﻟﻮل اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﻟﻠمﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﺘﺸمﻞ اﻟ ﱠﺴﺮا ‪ ،‬واﻟﺒعﻮث أﻳﻀﺎ؛ وذﻟﻚ‬ ‫ِ‬
‫ﻓﺎﻟﻜﻼم ﻫﺎﻫنﺎ ّ‬
‫اﻟنﺒﻮة أﺧﺬت ﺣﻜم اﻟﻐﺰوة اﻟﱵ ﺧﺮج ﻓﻴﻬﺎ‬ ‫أن اﻟ ﱠﺴﺮا ‪ ،‬واﻟﺒعﻮث ﳌﺎ ﻛﺎنﺖ مﺮ اﻟنّﱯ‪ ،‬وﰲ زمن ّ‬
‫ﺑنﻔﺴه؛ ﻻ ﺎ امﺘﺪاد ﻟﻐﺰوة أو مﻘﺪمة ﳍﺎ ﰲ ﻛﺜﲑ من اﳊﺎﻻت‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﳚﺪه ﻻ ﻳﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬واﻟ ﱠﺴﺮا ‪ ،‬واﻟﺒعﻮث‬ ‫ﻏﲑ أن اﳌﺘﺘﺒع ﻟﻜﺘﺎب اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﳊج‪،‬‬
‫ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺿم إﺿﺎﻓة إﱃ ذﻟﻚ أمﻮرا أﺧﺮى؛ ﻛﺎﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻮﻓﻮد‪ ،‬ومﻜﺎتﺒة اﳌﻠﻮك‪ ،‬و ّ‬
‫واﻟعمﺮة‪ ،‬ووﻓﺎة اﻟنّﱯ‪.1... ‬‬
‫ﻓﺎﻟﺒخﺎري إذًا ﻟه منﻬج ﺧﺎص ﰲ اﻟﺘّعﺎمﻞ مع اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓمع ﻛﻮن اﻟﻐﺰوات ﻋنﺪه ﺷﺎمﻠة ﻟﻠ ﱠﺴﺮا‬
‫واﻟﺒعﻮث اﻟﱵ ﺑعﺜﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻠﺤق ﺎ أﺑعﺎدﻫﺎ وآ رﻫﺎ ومﻘﺎﺻﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻓمﺎ اﻟﻮﻓﻮد ومﻜﺎتﺒة اﳌﻠﻮك‬
‫واﻟﺮؤﺳﺎء‪ ،‬واﳊ ّج‪ ،‬واﻟعمﺮة ﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬إﻻ نﺘﺎﺋج أو مﻘﺪمﺎت أو آ ر ﻟﻠﺠﻬﺎد اﻟنﱠﺒﻮي اﻟعﺎم‪.‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻮف أﻋﺘمﺪه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻓﻼ تﻘﺘصﺮ اﻟ ِّﺪراﺳة ﻋﻠﻰ روا ت اﻟﻐﺰوات اﻟﻮاردة ﰲ‬
‫ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﲟعنﺎﻫﺎ اﻟﻀﻴق‪ ،‬ﺑﻞ ﺳﺘﺸمﻞ ﻛﺬﻟﻚ روا ت اﻟﺒعﻮث واﻟ ﱠﺴﺮا ‪ ،‬ومﺎ ﻟه ارتﺒﺎط ﺎ ﰲ‬
‫امﺘﺪادا ﺎ‪ ،‬وأﺑعﺎدﻫﺎ اﳌخﺘﻠﻔة اﻟﱵ ﲢﻴط ﺎ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻴه ﻓﺈن اﻟ ِّﺪراﺳة ﺳﺘﺘنﺎول ﻛﻞ اﻟﻮﻗﺎﺋع ذات اﻟصﻠة اﳌﺒﺎﺷﺮة‪ ،‬وﻏﲑ اﳌﺒﺎﺷﺮة ﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﳌمﺘﺪة زمﺎ‬
‫صﺤﻴﺢ إﱃ ﻏﺎﻳّة وﻓﺎة اﻟنّﱯ‪.‬‬ ‫من أول ﻏﺰوة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫وﳝﻜن أ ْن أُﺑَـّﺮر ﻫﺬا اﻟﺘّﺤﺪﻳﺪ اﻟ ِّﺪراﺳة ﲟﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬تﺮاﺑط اﻟﻮﻗﺎﺋع‪ ،‬وتﻜﺎمﻠﻬﺎ‪ ،‬ﳑﺎ ﳚعﻞ ﻓصﻠﻬﺎ ﻗﺪ ﳜﻞ ﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟ ِّﺪراﺳة‪.‬‬
‫‪.2‬ﻛﻮن ﺑعﺾ اﻟﻮﻗﺎﺋع مﻘﺪمة ﻟﻐﺰوة أو ﺳﺮﻳّة‪ ،‬وﻻ ﳝﻜن ﻓصﻞ اﳌﻘﺪمة ﻋن اﳊﺪث‪.‬‬
‫‪.4‬ﻛﻮن ﺑعﺾ اﳊﻮادث نﺘﻴﺠة ﻟﻐﺰوة أو ﺳﺮﻳّة‪.‬‬
‫‪.5‬ارتﺒﺎط اﻹﳒﺎزات اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة ﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫‪.6‬ﻛﻮن ﳎﺎل اﻟ ِّﺪراﺳة اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري اﻟﺬي اﻋﺘمﺪ اﳌﻔﻬﻮم اﻟﻮاﺳع ﻟﺪﻻﻟة اﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫‪.7‬تنﺎﺳﺐ ﻫﺬا اﻟﺸﱡمﻮل واﻟ ﱠﺴعة اﻟ ّﺪﻻﻟﻴّة ﳜﺪم أﺑعﺎد اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫و ـ ـ ــﺬا ﻳﻜـ ـ ــﻮن ﻗـ ـ ــﺪ ﰎّ ﲝمـ ـ ــﺪ ﷲ ﺿـ ـ ــﺒط اﳌصـ ـ ــﻄﻠﺤﺎت اﻷﺳﺎﺳـ ـ ــﻴّة اﻟ ِّﺪراﺳـ ـ ــة )اﻷﺑعـ ـ ــﺎد‪ ،‬اﻟ ـ ـ ـ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫اﳌﻐـ ـ ــﺎزي(‪ ،‬ﻟﺘصـ ـ ــﺒﺢ واﺿـ ـ ــﺤة اﳌعـ ـ ــﺎﱂ واﳊـ ـ ــﺪود‪ ،‬ﻓﻬـ ـ ــﻲ دراﺳـ ـ ــة دﻋﻮﻳّـ ـ ــة تﺒﺤـ ـ ــﺚ ﰲ ﻗﻀـ ـ ــﺎ اﻟ ـ ـ ـ ّﺪﻋﻮة‬

‫‪ -1‬ﺑنﻈﺮ‪ :‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪،(8/6) ،(175/5) (172/5) ،(171/5) ،(168/5) ،(167/5) ،(141/5) ،‬‬
‫)‪.(172/5) ،(171/5) ،(15/6) ،(9/6‬‬
‫‪30‬‬
‫اﻟﱰﺑﻴّ ـ ـ ــة واﻟﺘّﻄﺒﻴ ـ ـ ــق اﻟـ ـ ـ ـﻮاﻗعﻲ ﰲ اﻟﻐ ـ ـ ــﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳ ـ ـ ــة‬
‫ومﻘﺎﺻ ـ ـ ــﺪﻫﺎ وآ رﻫ ـ ـ ــﺎ ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ مﺴ ـ ـ ــﺘﻮى اﻟﺘﱠﺒﻠﻴ ـ ـ ــغ‪ ،‬و ّ‬
‫اﻟﻮاردة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ومﺎ ﳛﻴط‪ ،‬وﻳﺘصﻞ ﺎ من وﻗﺎﺋع واﳒﺎزات‪.‬‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘّﻌﺮﻳف ﻟﺒﺨﺎري وﻛﺘﺎﺑﻪ اﳉﺎﻣﻊ اﻟ ﱠ‬
‫ﺑعﺪ ﲢﺪﻳﺪ وﺿﺒط مصﻄﻠﺤﺎت اﻟعنﻮان اﻷﺳﺎﺳﻴّة‪ ،‬وتﺒﻴﺎن اﳌﺮاد منﻬﺎ ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬أنﺘﻘﻞ إﱃ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻟﻜﻮنه مﻴﺪان اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬وﻗﻴﺪا مﻬمﺎ من ﻗﻴﻮد‬ ‫اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﻛﺘﺎﺑه اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫اﻟعنﻮان اﻟﱵ ﲢﺪد ﺣﺪوده وتﻀﺒط معﺎﳌه‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻜﺘمﻞ تصﻮر اﻟعنﻮان تصﻮرا ﻛﺎمﻼ إﻻ ﺑﺘﻮﺿﻴﺢ‬
‫وتعﺮﻳﻒ ﲨﻴع مﺘعﻠﻘﺎته‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ مﺴﻠﻚ اﻹﳚﺎز ﻏﲑ اﳌخﻞ‪ ،‬ﻓﻬﻮ‬ ‫إﻻ أنﲏ ﺳأﺳﻠﻚ ﰲ اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﻛﺘﺎﺑه اﻟ ﱠ‬
‫وﺣﱴ ﻻ ﲣﺮج اﻟ ِّﺪراﺳة ﻋن‬
‫اﻷنﺴﺐ ﰲ تﻘﺪﻳﺮي ﳍﺬا اﳌﻘﺎم‪ ،‬ﻟﺸﻬﺮة اﻟﺒخﺎري وﻛﺘﺎﺑه من جﻬة‪ّ ،‬‬
‫ﺣﺪودﻫﺎ وﳎﺎﳍﺎ من جﻬة أﺧﺮى‪.‬‬
‫وﺳﻴﺘم اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻟﺒخﺎري وﺻﺤﻴﺤه ﻋﱪ ﻓﺮﻋﲔ‪:‬‬‫ّ‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف ﻹﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري‬
‫ﻟﻠﺘعﺮﻳﻒ ﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻻﺑ ﱠﺪ من اﻟﺘﻄﺮق إﱃ جﻮانﺐ من ﺣﻴﺎته؛ ﺑﺸﻲء من اﻹﳚﺎز واﻻﺧﺘصﺎر‪،‬‬
‫ﲟﺎ ﳛ ِّﻘق اﳌﺮاد‪ ،‬وﳜﺪم أﻫﺪاف اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬تﺒعﺎ ﳌﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻً‪ :‬ﻧﺸﺄﺗﻪ‬
‫من اﻟﻀﺮوري ﰲ تﺮﲨة اﻷﻋﻼم اﻟﺒﺪء ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن نﺸأ م اﻷوﱃ‪ ،‬وذﻛﺮ ﺑعﺾ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺣﻮﳍﺎ‬
‫اﳌﱰجم ﻟه اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬وﺳﻮف أﲨﻞ ذﻟﻚ ﰲ اﻟنﻘﺎط اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫ﻟصﻠﺘﻬﺎ ﲟﺴﲑة َ‬
‫‪.1‬اﲰﻪ وﻧﺴﺒﻪ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن اﳌﻐﲑة ﺑن ﺑَـْﺮِد ْزﺑَه اﳉعﻔﻲ‬ ‫اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻫﻮ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ ّ‬
‫اﻟﺒخﺎري‪ ،‬أﺳﻠم أﺑﻮ جﺪه ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻴمﺎن اﳉعﻔﻲ‪ ،‬ﻓنﺴﺐ إﻟﻴه نﺴﺎﻟﺒﺪء ﺑة وﻻء‪.‬‬
‫ﻓنﺴﺒه ﻳﺮجع إﱃ اﻟﻔﺮس؛ ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﺎﳌﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﺳﺘمﺮارﻫﺎ من ﺧﻼل ﺣﺮﻛﺎت اﻟﻔﺘﻮح‬
‫اﻟﻔﺘﻮح اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة نﻮا ﺎ اﻷوﱃ‪ ،‬ﻓمﺎ اﻟﺒخﺎري وأمﺜﺎﻟه ﻛﺜﲑ إﻻ ﲦﺮة من ﲦﺮات ﳒﺎح‬
‫ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬واﺳﺘمﺮارﻫﺎ‪.1‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ ‪ :‬ﷴ ﺑن أﲪﺪ‪ ،‬ﴰﺲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪ ،‬دار اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪1427 ،‬ﻫـ‪2006 ،‬م‬
‫)‪.(391/12‬‬
‫‪31‬‬
 ‫‪ .2‬ﻣﻮﻟﺪﻩ وأﺳﺮﺗﻪ‬
‫وﻟﺪ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﺳنة أرﺑع وتﺴعﲔ ومﺎﺋة )‪194‬ه(‪ ،‬ﲟﺪﻳنة " ﲞﺎري" ﲜمﻬﻮرﻳّة أوزﺑﻜﺴﺘﺎن‬
‫ﺣﺎﻟﻴﺎ‪ ،‬ﻟﻴنﺸأ وﻳﱰﻋﺮع ﰲ أﺳﺮة مﺴﻠمة‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎن واﻟﺪه إﲰﺎﻋﻴﻞ من اﳌﺸﺘﻐﻠﲔ ﻟعﻠم‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى‬
‫ﻋن ﲪﺎد ﺑن زﻳﺪ‪ ،‬ومﺎﻟﻚ‪ ،‬وﺻﺎﻓﺢ اﺑن اﳌﺒﺎرك‪.‬‬
‫وﳏمﺪ‬
‫اﳌﺘﺤﺮﻳن ﻟﻠﻜﺴﺐ اﳊﻼل‪ ،‬ومﺎت ّ‬ ‫ومع اﻻﺷﺘﻐﺎل ﻟعﻠم؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من اﻟصﺎﳊﲔ اﻟﻮرﻋﲔ‪ِّ ،‬‬
‫وﳏمﺪ ﺻﻐﲑ؛ ﻓنﺸأ ﰲ ِﺣ ْﺠﺮ ّأمه‪ ،‬مع أخ ﻟه ﻳُﺴمﻰ أﲪﺪ‪.1‬‬ ‫ّ‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟﺒﻴﺌة اﻷﺳﺮﻳّة اﻟﻄﱠﻴﺒة اﻟﱵ نﺸأ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒخﺎري ﻛﺎن ﳍﺎ ﻋﻈﻴم اﻷثﺮ ﰲ نﺒﻮﻏه ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻟﻴصﲑ‬
‫وجﻞ‪.‬‬
‫أﺻﺢ ﻛﺘﺎب ﺑعﺪ ﻛﺘﺎب ﷲ ﻋﱠﺰ ﱠ‬
‫إمﺎم اﻟﺪﱡنﻴﺎ ﰲ ﻋﻠم اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬وﳜﺮج ﻟﻸمة ّ‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ ﻋﺎش اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﺣﻴﺎة ﻋﻠمﻴّة ﺣﺎﻓﻠة ﻹﳒﺎزات ﲡﻠﱠﺖ ﰲ ﻋﺪة مﻈﺎﻫﺮ‪ ،‬ﳝﻜن أ ْن أﲨﻠﻬﺎ ﰲ‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﳊﺮص ﻋﻠى اﻟﻄﻠﺐ‬
‫ﺳن مﺒ ّﻜﺮة‪ ،‬ﻗﺎل أﺑﻮ جعﻔﺮ اﻟﻮﱠراق اﻟنّﺤﻮي‪ :‬ﻗﻠﺖ ﻷﰊ‬‫ﻗﺪ ﺑﺪأ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟعﻠم ﰲ ِّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟﺒخﺎري‪ :‬ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﺑﺪء أمﺮك ﰲ ﻃﻠﺐ اﳊﺪﻳﺚ؟ ﻗﺎل‪ :‬أُﳍمﺖ ﺣﻔﻆ‬ ‫ﻋﺒﺪ ﷲ ّ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ وأ ﰲ اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب ﻗﺎل‪ :‬وﻛم أتﻰ ﻋﻠﻴﻚ إذ ذاك؟ ﻓﻘﺎل‪ :‬ﻋﺸﺮ ﺳنﲔ أو أﻗﻞ‪ ،‬ﰒ ﺧﺮجﺖ من‬
‫اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب ﺑعﺪ اﻟعﺸﺮ‪ ،‬ﻓﺠعﻠﺖ اﺧﺘﻠﻒ إﱃ اﻟ ﱠﺪاﺧﻠﻲ وﻏﲑه‪ ،‬وﻗﺎل ﻳﻮمﺎ ﻓﻴمﺎ ﻛﺎن ﻳﻘﺮأ ﻟﻠنّﺎس‪" :‬‬
‫ﺳﻔﻴﺎن ﻋن أﰊ اﻟﺰﺑﲑ‪ ،‬ﻋن إﺑﺮاﻫﻴم "‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ ﻟه‪ :‬أ ﻓﻼن إن أ اﻟﱡﺰﺑﲑ ﱂ ﻳﺮوه ﻋن إﺑﺮاﻫﻴم‪،‬‬
‫ﻓﺎنﺘﻬﺮﱐ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ ﻟه‪ :‬ارجع إﱃ اﻷﺻﻞ إ ْن ﻛﺎن ﻋنﺪك‪ ،‬ﻓﺪﺧﻞ ونﻈﺮ ﻓﻴه ﰒﱠ ﺧﺮج ﻓﻘﺎل ﱄ‪ :‬ﻛﻴﻒ ﻫﻮ‬
‫ﺻﺪﻗﺖ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ﻏﻼم؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻫﻮ اﻟﱡﺰﺑﲑ ﺑن ﻋ ّﺪي ﺑن إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬ﻓأﺧﺬ اﻟﻘﻠم ِم ّﲏ‪ ،‬وأﺣﻜم ﻛﺘﺎﺑه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬
‫ﻓﻘﺎل ﻟه ﺑعﺾ أﺻﺤﺎﺑه‪ :‬اﺑن ﻛم ﻛنﺖ إ ْذ رددت ﻋﻠﻴه؟ ﻓﻘﺎل‪ :‬اﺑن إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻓﻠ ﱠمﺎ ﻃعنﺖ ﰲ‬
‫ﺳﺖ ﻋﺸﺮة ﺳنة‪ ،‬ﺣﻔﻈﺖ ﻛﺘﺐ اﺑن اﳌﺒﺎرك‪ ،‬ووﻛﻴع‪ ،‬وﻋﺮﻓﺖ ﻛﻼم ﻫﺆﻻء‪.‬‬
‫وﲣﻠﻔﺖ ﰲ ﻃﻠﺐ‬‫ُ‬ ‫ﰒﱠ ﺧﺮجﺖ مع أمﻲ‪ ،‬وأﺧﻲ أﲪﺪ إﱃ م ﱠﻜة‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﺣﺠﺠﺖ رجع أﺧﻲ ﺎ‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬واﻟﺘﱠﺎﺑعﲔ وأﻗﺎوﻳﻠﻬم؛وذﻟﻚ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﻃعنﺖ ﰲ ﲦﺎن ﻋﺸﺮة جعﻠﺖ أﺻنﻒ ﻗﻀﺎ اﻟ ﱠ‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ ﺑن ﺧﻠﻜﺎن‪ ،‬وﻓﻴﺎت اﻷﻋﻴﺎن وأنﺒﺎء أﺑنﺎء اﻟﺰمﺎن‪ ،‬ت‪ :‬إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺎس‪،‬‬
‫‪ -‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس ﴰﺲ اﻟﺪﻳن أﲪﺪ ﺑن ّ‬
‫)د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬دار ﺻﺎدر‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(189/4) ،‬‬
‫‪32‬‬
‫أ م ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑن مﻮﺳﻰ‪ ،‬وﺻنﻔﺖ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﺎرﻳخ إذ ذاك ﻋنﺪ ﻗﱪ اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬ﰲ اﻟﻠﻴﺎﱄ اﳌﻘمﺮة‪،‬‬
‫ﻗﻞ اﺳم ﰲ اﻟﺘﱠﺎرﻳخ إﻻ وﻟه ﻋنﺪي ﻗصة‪ ،‬إﻻ أﱐ ﻛﺮﻫﺖ تﻄﻮﻳﻞ اﻟﻜﺘﺎب"‪.1‬‬ ‫وﻗﺎل‪ :‬ﱠ‬
‫ﻳﻈﻬﺮ من ﻫﺬا اﻟنﱠﺺ ﻋﻠﻮ ﳘة اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ونﺒﻮﻏه وﺣﺮﺻه ﰲ اﻟﻄّﻠﺐ منﺬ نعﻮمة أﻇﺎﻓﺮه‪ ،‬اﻟﺬي‬
‫ﻛﺎن ﻟه ﻋﻈﻴم اﻷثﺮ ﰲ نﺘﺎجه اﻟعﻠمﻲ اﻟﻔﺬ ﰲ ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ رواﻳّة ودراﻳّة‪.‬‬
‫‪.2‬ﻛﺜﺮة ﺷﻴﻮﺧﻪ وﺗﻼﻣﻴﺬﻩ‬
‫ﻗﺪ جﺎب اﻟﺒخﺎري ﺑﻠﺪا ﻛﺜﲑة ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟعﻠم‪ ،‬وأﻗﺎم ﰲ ﻛﻞ مﺪﻳنة منﻬﺎ ﻋﻠﻰ مﺸﺎﳜﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ رﺣﻞ‬
‫ﳊﺠﺎز‪ ،‬واﻟﺸﺎم‪،‬‬
‫رﺣﻞ إﱃ ﳏﺪثﻲ اﻷمصﺎر‪ ،‬وﻛﺘﺐ ﲞﺮاﺳﺎن‪ ،‬واﳉﺒﺎل‪ ،‬ومﺪن اﻟعﺮاق ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬و ّ‬
‫ومصﺮ‪ ،‬وورد ﺑﻐﺪاد‪.2‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟﺒخﺎري ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻛﺘﺒﺖ ﻋن أﻟﻒ ﺷﻴخ‬ ‫ﳏمﺪ اﻟﻘﻄﺎن‪ " :‬ﲰعﺖ ّ‬ ‫ﻗﺎل جعﻔﺮ ﺑن ّ‬
‫وأﻛﺜﺮ‪ ،‬مﺎ ﻋنﺪي ﺣﺪﻳﺚ إﻻ أذﻛﺮ إﺳنﺎده"‪.3‬‬
‫وأمﺎ اﻵﺧﺬون ﻋن اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓخﻠق ﻛﺜﲑ ﻻ ﳝﻜن ﺣصﺮﻫم ﰲ مﺜﻞ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫اﻟ ّﺬﻫﱯ‪ ":‬روى ﻋنه ﺧﻠق ﻛﺜﲑ منﻬم‪ :‬أﺑﻮ ﻋﻴﺴﻰ ِّ‬
‫اﻟﱰمﺬي‪ ،‬وأﺑﻮ ﺣﺎﰎ وإﺑﺮاﻫﻴم ﺑن إﺳﺤﺎق اﳊﺮﰊ‬
‫وﳏمﺪ ﺑن‬
‫ﳏمﺪ جﺰرة ّ‬ ‫وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑن أﰊ اﻟﺪﱡنﻴﺎ‪ ،‬وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ أﲪﺪ ﺑن ﻋمﺮو ﺑن أﰊ ﻋﺎﺻم وﺻﺎﱀ ﺑن ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن‬
‫ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﳊﻀﺮمﻲ مﻄﲔ‪ ،‬وإﺑﺮاﻫﻴم ﺑن معﻘﻞ اﻟنﺴﻔﻲ‪ ،‬وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن جﻴّة وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﺻﺎﻋﺪ‬‫ﳏمﺪ ﺑن ﲨعة‪ ،‬وﳛﲕ ﺑن ّ‬ ‫ﳏمﺪ ﺑن ﲜﲑ وأﺑﻮ ﻗﺮﻳﺶ ّ‬ ‫إﺳﺤﺎق ﺑن ﺧﺰﳝة‪ ،‬وﻋمﺮ ﺑن ّ‬
‫ﳏمﺪ مﺰﺑﺰدة‪ ،‬وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑن أﰊ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ومنصﻮر ﺑن ّ‬ ‫وﳏمﺪ ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻔﺮﺑﺮي راوي اﻟ ﱠ‬‫ﺻﺎﻋﺪ ّ‬
‫وﳏمﺪ ﺑن ﺳﻠﻴمﺎن ﺑن ﻓﺎرس‪،‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن اﻷﺷﻘﺮ‪ّ ،‬‬
‫داود‪ ،‬واﳊﺴﲔ واﻟﻘﺎﺳم اﺑنﺎ اﶈﺎمﻠﻲ‪ ،‬وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ّ‬
‫ﻓﺎرس‪ ،‬وﳏمﻮد ﺑن ﻋنﱪ اﻟنﺴﻔﻲ‪ ،‬وأمم ﻻ ﳛصﻮن"‪.4‬‬

‫‪ -1‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﳋﻄﻴﺐ‪ ،‬أﺑﻮﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺒﻐﺪادي‪ ،‬رﻳخ ﺑﻐﺪاد‪ ،‬ت‪ :‬اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﺸﺎر ﻋﻮاد معﺮوف‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.(322/2) ،‬‬
‫‪ -2‬ﳛﲕ ﺑن ﺷﺮف‪ ،‬أﺑﻮ زﻛﺮ ‪ ،‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻷﲰﺎء واﻟﻠﻐﺎت‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪،‬‬
‫)‪.(73/1‬‬
‫‪ -3‬ﻳﻮﺳﻒ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺠﺎج‪ ،‬اﳌﺰي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻟﻜمﺎل ﰲ أﲰﺎء اﻟﺮجﺎل‪ ،‬ت‪ :‬ﺑﺸﺎر ﻋﻮاد معﺮوف‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1400 ،1‬ه‪1980 ،‬م‪.(445/24) ،‬‬
‫‪-4‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(82/10) ،‬‬
‫‪33‬‬
‫إن ﻛﺜﺮة اﻟﺸﻴﻮخ‪ ،‬واﻟﺘﱠﻼمﻴﺬ ﺬا اﻟﺘﱠنﻮع اﳌﺘمﻴﺰ‪ ،‬إذ أﺧﺬ ﻋن اﻟعﻠمﺎء اﻷﻛﺎﺑﺮ‪ ،‬وأﺧﺬ ﻋنه نﺒﻼء‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺘﱠﻼمﻴﺬ اﻟﺬﻳن أﺿﺤﻮا أﺋمة ﺑعﺪ ذﻟﻚ ﻛمﺴﻠم‪ ،‬وأﺻﺤﺎب اﻟﺴنن‪ ،‬واﳌﺴﺎنﻴﺪ من أﻗﺮانه؛ ﻟﺘَ ّ‬
‫مﻜﺎنة اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬وإمﺎمﺘه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﱠأن ﺑﻼ منﺎزع‪.‬‬
‫‪ .3‬ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ‬
‫نﺴﺘﺪل ﻋﻠﻰ مﻜﺎنﺘه اﻟعﻠمﻴّة ﲟﺎ جﺎء من تﺰﻛﻴّة ﻛﺒﺎر اﻷﺋمة ﻟه‪ ،‬ﻓمع اﻹمﺎمة‪ ،‬واﻟﻔﻀﻞ‬
‫ّ‬ ‫ﻳﻜﻔﻲ أن‬
‫اﻟﺬي ﺣﺎزه اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻘﺪ أثﲎ ﻋﻠﻴه اﻟعﻠمﺎء واﻋﱰﻓﻮا ﻟه ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬وﻫﺬه نﻘﻮل ﻋنﻬم‪:‬‬
‫أ‪ .‬ذﻛﺮ اﺑن اﻟعمﺎد ﻋن أﲪﺪ ﺑن ﲪﺪون اﻷﻋمﺸﻲ ﻗﺎل‪" :‬رأﻳﺖ ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ ﰲ جنﺎزة أﰊ‬
‫ﳏمﺪ‬
‫وﳏمﺪ ﺑن ﳛﲕ ﻳﺴأﻟه ﻋن اﻷﺳﺎمﻲ واﻟﻜﲎ وﻋﻠﻞ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬وﳝﺮ ﻓﻴه ّ‬
‫ﻋﺜمﺎن ﺳعﻴﺪ ﺑن مﺮوان ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ مﺜﻞ اﻟﺴﻬم‪ ،‬ﻛأنه ﻳﻘﺮأ‪ :‬ﻗﻞ ﻫﻮ ﷲ چٱﻗ ْل ُه َو ُ‬
‫ﷲ أ َح ٌ ۖد چ ]اﻹﺧﻼص‪.1" [1 :‬‬ ‫ُ ْ َُ‬
‫ﺎل ﱄ أﺑﻮ مصعﺐ أﲪﺪ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‬‫ﳏمﺪ ﺑن أﰊ ﺣﺎﰎ وﲰعﺖ ﺣﺎﺷﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ ﻳﻘﻮل ﻗَ َ‬ ‫ب‪ .‬ﻗﺎل ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ أﻓﻘه ﻋنﺪ وأﺑصﺮ من اﺑن ﺣنﺒﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟه رجﻞ من جﻠﺴﺎﺋه‪:‬‬ ‫ﺑﻜﺮ اﳌﺪﻳﲏ‪ّ " :‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ‬
‫جﺎوزت اﳊﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل أﺑﻮ مصعﺐ‪ :‬ﻟﻮ أدرﻛﺖ مﺎﻟﻜﺎ ونﻈﺮت إﱃ وجﻬه ووجه ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻘﻠﺖ‪ :‬ﻛﻼﳘﺎ واﺣﺪ ﰲ اﻟﻔﻘه واﳊﺪﻳﺚ"‪.‬‬
‫ج‪ .‬ﻗﺎل أﺑﻮ داود ﲰعﺖ ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺠﺮ ﻗﺎل‪" :‬مﺎ أﺧﺮجﺖ ﺧﺮاﺳﺎن مﺜﻞ أﰊ زرﻋة اﻟﺮازي ﻟﺮي‪،‬‬
‫وﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟﺒخﺎري ﺑﺒخﺎرى‪ ،‬وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﻟﺴمﺮﻗنﺪي ﺑﺴمﺮﻗنﺪ‪،‬‬ ‫ﻟﺮي‪ّ ،‬‬
‫وﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ ِﻋْنﺪي أﺑصﺮﻫم‪ ،‬وأﻋﻠمﻬم وأﻓﻘﻬﻬم"‪.3‬‬
‫ّ‬
‫ﳏمﺪ اﻟﻮراق‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﲰعﺖ أ ﺣﺎمﺪ أﲪﺪ ﺑن ﲪﺪون اﻟﻘصﺎر‪،‬‬‫د‪ .‬وﰲ رﻳخ ﺑﻐﺪاد ﻋن أﲪﺪ ﺑن ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟﺒخﺎري ﻓﻘﺒﻞ ﺑﲔ ﻋﻴنﻴه‪ ،‬وﻗﺎل‪:‬‬
‫اﳊﺠﺎج‪ ،‬وجﺎء إﱃ ّ‬
‫ﻳﻘﻮل‪ :‬ﲰعﺖ مﺴﻠم ﺑن ّ‬
‫‪4‬‬
‫ﺣﱴ أﻗﺒﻞ رجﻠﻴﻚ أﺳﺘﺎذ اﻷﺳﺘﺎذﻳن‪ ،‬وﺳﻴﺪ اﶈﺪثﲔ‪ ،‬وﻃﺒﻴﺐ اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻋﻠﻠه"‪.‬‬
‫"دﻋﲏ ّ‬

‫‪ -1‬ﻋﺒ ـ ــﺪ اﳊـ ــﻲ ﺑ ـ ــن أﲪـ ــﺪ‪ ،‬اﺑ ـ ــن اﻟعم ـ ــﺎد‪ ،‬ﺷ ـ ــﺬرات اﻟ ـ ــﺬﻫﺐ ﰲ أﺧﺒ ـ ــﺎر م ـ ــن ذﻫ ـ ــﺐ‪ ،‬ت‪ :‬ﳏم ـ ــﻮد اﻷر ؤوط‪ ،‬دار اﺑ ـ ــن ﻛﺜ ـ ــﲑ‪،‬‬
‫دمﺸق‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1406 ،1‬ﻫـ‪ 1986 ،‬م‪.(253/3) ،‬‬
‫‪-2‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم ﻋﻠﻲ ﺑن اﳊﺴن اﺑن ﻋﺴﺎﻛﺮ‪ ،‬رﻳخ دمﺸق‪ ،‬ت‪:‬ﻋمﺮو اﻟعمﺮوي‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1415 ،‬ﻫـ‪ 1995 ،‬م‪،‬‬
‫)‪.(86/52‬‬
‫‪3‬‬
‫دل ﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﺧﻠﻔﻮن‪ ،‬اﳌعﻠم ﺑﺸﻴﻮخ اﻟﺒخﺎري ومﺴﻠم‪ ،‬ت‪ :‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﻋﺎ ّ‬
‫‪ -‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ّ‬
‫اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.15‬‬
‫‪ -4‬اﳋﻄﻴﺐ اﻟﺒﻐﺪادي‪ ،‬رﻳخ ﺑﻐﺪاد‪.(121/15) ،‬‬
‫‪34‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﳍمﺬاﱐ‪" :‬ﻛنﺎ ﻋنﺪ ﻗﺘﻴﺒة ﺑن ﺳعﻴﺪ ﻓﺠﺎء رجﻞ ﺷعﺮاﱐ‬ ‫ه‪ .‬وذﻛﺮ اﻟﺬﻫﱯ ﻋن ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ ﻓنﻜﺲ رأﺳه ﰒﱠ رﻓعه إﱃ اﻟﺴمﺎء ﻓﻘﺎل‪ :‬ﻫﺆﻻء‬ ‫ﻳﻘﺎل ﻟه‪ :‬أﺑﻮ ﻳعﻘﻮب ﻓﺴأﻟه ﻋن ّ‬
‫اﻟﺮأي وجﺎﻟﺴﺖ اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﱡﺰﱠﻫﺎد‪ ،‬واﻟعُﺒﱠﺎد مﺎ رأﻳﺖ منﺬ ﻋﻘﻠﺖ‬
‫ﻫﺆﻻء نﻈﺮت ﰲ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ونﻈﺮت ﰲ ّ‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ"‪.1‬‬
‫ﻋﻘﻠﺖ مﺜﻞ ّ‬
‫اﻟﺮجﺎل ﻋﻠﻰ اﻟنِّﺴﺎء‪.‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟعﻠمﺎء ﻛﻔﻀﻞ ِّ‬ ‫ﻀ ُﻞ ّ‬‫و‪ .‬ﻗﺎل ﻓﻴه رجﺎء ﺑن اﳌﺮجﻰ‪" :‬ﻓَ ْ‬
‫ﻛﻞ ذﻟﻚ ﲟﺮة؟ ﻓﻘﺎل‪ :‬ﻫﻮ آﻳّة من آ ت ﷲ ﳝﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻷرض"‪.2‬‬ ‫ﳏمﺪ‪ ،‬ﱡ‬ ‫ﻓﻘﺎل ﻟه رجﻞ‪ :‬أ ّ‬
‫ي‪ .‬وﻗﺪ ذﻛﺮ اﺑن ﺣﺠﺮ أﻗﻮاﻻ ﻛﺜﲑة ﻋمن تﻘﺪمه‪ ،‬ﰒﱡ ﺧﺘمﻬﺎ ﲞﺎﲤة راﺋعة ﻟﻠﺤﺎﻛم‪ ،‬جﺎء ﻓﻴﻬﺎ‪ ":‬ﻛﺎن‬
‫ﻛﺎن أﺣﺪ اﻷﺋمة ﰲ معﺮﻓة اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬وﲨعه‪ ،‬وﻟﻮ ﻗﻠﺖ أﱐ ﱂ أر تصنﻴﻒ أﺣﺪ ﻳﺸﺒه تصنﻴﻔه ﰲ‬
‫اﳊﺴن واﳌﺒﺎﻟﻐة ﻟﻔعﻠﺖ‪ ،‬وﻟﻮ ﻓﺘﺤﺖ ب ثنﺎء اﻷﺋمة ﻋﻠﻴه ﳑن ﺧﺮ ﻋن ﻋصﺮه؛ﻟﻔﲎ اﻟﻘﺮﻃﺎس‪،‬‬
‫ونﻔﺪت اﻷنﻔﺎس ﻓﺬاك ﲝﺮ ﻻ ﺳﺎﺣﻞ ﻟه‪ ،‬وإﳕﺎ ذﻛﺮت ﻛﻼم ﺑن ﻋﻘﺪة‪ ،‬وأﰊ أﲪﺪ ﻋنﻮا ﻟﺬﻟﻚ وﺑعﺪ‬
‫وﺑعﺪ مﺎ تﻘﺪم من ثنﺎء ﻛﺒﺎر مﺸﺎﳜه ﻋﻠﻴه ﻻ ﳛﺘﺎج إﱃ ﺣﻜﺎﻳّة من ﺧﺮ؛ﻷن أوﻟﺌﻚ إﳕﺎ أثنﻮا ﲟﺎ‬
‫ﺷﺎﻫﺪوا‪ ،‬ووﺻﻔﻮا مﺎ ﻋﻠمﻮا ﲞﻼف من ﺑعﺪﻫم‪ ،‬ﻓأن ثنﺎءﻫم‪ ،‬ووﺻﻔﻬم مﺒﲏ ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘمﺎد ﻋﻠﻰ مﺎ‬
‫‪3‬‬
‫مﺎ نﻘﻞ إﻟﻴﻬم‪ ،‬وﺑﲔ اﳌﻘﺎمﲔ ﻓﺮق ﻇﺎﻫﺮ‪ ،‬وﻟﻴﺲ اﻟعﻴﺎن ﻛﺎﳋﱪ"‬
‫واﻟنﻘﻮل ﰲ تﺰﻛﻴّة اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﺑﻴﺎن مﻜﺎنﺘه‪ ،‬ومﻘﺎمه اﻟﺮﻓﻴع ﻻ ﰐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳊصﺮ‪ ،‬وﺣﺴﺒنﺎ ﰲ‬
‫ﻫﺬا اﳌﻘﺎم اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻻﺧﺘصﺎر إﻳﺮاد ﺑعﻀﻬﺎ ﻟﻠﺘّﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﳌﻘصﺪ واﳌﺮاد‪.‬‬
‫‪.4‬ﻛﺜﺮة وﺗﻨﻮع ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ ﻏﺰارة ﻋﻠمه وﺳعة اﻃﻼﻋه‪ ،‬ﻓممﺎ ذﻛﺮه اﺑن ﺣﺠﺮ‬ ‫تﺮك اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري مصنّﻔﺎت ﻛﺜﲑة ّ‬
‫من تﺮاثه اﻟعﻠمﻲ‪:‬‬
‫صـ ـ ــﻼة‪ ،‬واﻟﻘ ـ ـ ـﺮاءة ﺧﻠـ ـ ــﻒ اﻹمـ ـ ــﺎم‪ ،‬وﺑـ ـ ــﺮ اﻟﻮاﻟ ـ ـ ـ ّﺪﻳن‪ ،‬واﻟﺘﱠـ ـ ــﺎرﻳخ‬
‫اﻷدب اﳌﻔـ ـ ــﺮد‪ ،‬ورﻓـ ـ ــع اﻟﻴـ ـ ــﺪﻳن ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﻜﺒـ ــﲑ‪ ،‬واﻟﺘﱠـ ــﺎرﻳخ اﻷوﺳـ ــط‪ ،‬واﻟﺘﱠـ ــﺎرﻳخ اﻟصـ ــﻐﲑ‪ ،‬وﺧﻠـ ــق أﻓعـ ــﺎل اﻟعﺒـ ــﺎد‪ ،‬اﻟﻀـ ــعﻔﺎء‪ ،‬اﳉـ ــﺎمع اﻟﻜﺒـ ــﲑ‪،‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(99/10) ،‬‬

‫‪ -2‬اﳋﻄﻴﺐ اﻟﺒﻐﺪادي‪ ،‬رﻳخ ﺑﻐﺪاد‪.(340/2) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺠﺮ اﻟعﺴﻘﻼﱐ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪(485/1) ،‬‬
‫‪35‬‬
‫صـ ـ ـ ــﺤﺎﺑة‪،‬‬
‫واﳌﺴ ـ ـ ــنﺪ اﻟﻜﺒ ـ ـ ــﲑ‪ ،‬واﻟﺘﱠﻔﺴ ـ ـ ـ ـﲑ اﻟﻜﺒ ـ ـ ــﲑ‪ ،‬وﻛﺘ ـ ـ ــﺎب اﻷﺷ ـ ـ ـ ـﺮﺑة‪ ،‬وﻛﺘ ـ ـ ــﺎب اﳍﺒ ـ ـ ــة‪ ،‬وأﺳـ ـ ـ ــﺎمﻲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﻮﺣﺪان‪ ،1‬وﻛﺘﺎب اﳌﺒﺴﻮط‪ ،‬وﻛﺘﺎب اﻟعﻠﻞ‪ ،‬وﻛﺘﺎب اﻟﻜﲎ‪ ،‬وﻛﺘﺎب اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪.2‬‬
‫إن اﳌﺘأمﻞ ﰲ ﻋنﺎوﻳن ﻫﺬه اﻟﺘﱠصﺎنﻴﻒ ﻳُﻼﺣﻆ أ ﺎ ﱂ تﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ جﺎنﺐ اﳊﺪﻳﺚ رواﻳّة ودراﻳّة‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻴم ﻓﻘﻬه اﻟﺬي‬ ‫تعﺪت إﱃ أ ﱠمﻬﺎت أﺑﻮاب اﻟ ّﺪﻳن من اﻟعﻘﻴﺪة‪ ،‬واﻟ ﱠﺸﺮﻳعة‪ ،‬واﻟ ﱡﺴﻠﻮك‪ ،‬ﳑﺎ ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬من ﺧﻼل تﺮتﻴﺒه وتﺒﻮﻳﺒه واﺳﺘنﺒﺎﻃﺎته اﻟﺪﻗﻴﻘة اﻟﻈﺎﻫﺮة ﰲ تﺮاﲨه‪.‬‬ ‫ﻇﻬﺮ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬

‫ﻟﺜﺎ‪ :‬وﻓﺎﺗﻪ‬
‫ﺑعــﺪ ﺣﻴــﺎة ﻃﻮﻳﻠــة ﻋــﺎمﺮة ﻗﻀــﺎﻫﺎ اﻹمــﺎم اﻟﺒخــﺎري مــع اﳊــﺪﻳﺚ اﻟنﱠﺒــﻮي‪ ،‬ﳏــﺪ ‪ ،‬وﻃﺎﻟﺒــﺎ‪ ،‬ومــﺮﲢﻼ‪،‬‬
‫ومصنﻔﺎ‪ ،‬رجع إﱃ ﺑﻠﺪه ﰲ آﺧﺮ ﻋمﺮه‪ ،‬ﻟﻴﻜمﻞ مﺎ تﺒﻘﻰ من ﺣﻴﺎته ﰲ مﺴﻘط رأﺳه‪ ،‬ﻏـﲑ أنـه ﺣصـﻞ‬
‫ﺣصــﻞ ﻟــه ﺧــﻼف مــع واﱄ ﲞــﺎرى‪ ،‬وﰲ نﻔــﺲ اﻟﻮﻗــﺖ اﺑﺘﻠــﻲ ﺑﻔﺘنــة ﺧﻠــق اﻟﻘــﺮآن‪ ،‬ﻓــأمﺮ اﻷمــﲑ‪ ،‬ﻓنــﺰح‬
‫اﻟﺒخــﺎري مــن ﺑﻠــﺪه إﱃ ﺑﻠــﺪة ﻳﻘــﺎل ﳍــﺎ ﺧﺮتنــﻚ ﻋﻠــﻰ ﻓﺮﺳــخﲔ‪ 3‬مــن ﲰﺮﻗنــﺪ‪ ،‬ﻓنــﺰل ﻋنــﺪ أﻗــﺎرب ﻟــه ــﺎ‬
‫وجعﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﷲ أن ﻳﻘﺒﻀه إﻟﻴه ﺣﲔ رأى اﻟﻔﱳ ﰲ اﻟ ّﺪﻳن‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻠﺒﺚ أن تﻮﻓﺎه ﷲ تعﺎﱃ‪.4‬‬
‫وﻛﺎنﺖ وﻓﺎته ﻟﻴﻠة ﻋﻴﺪ اﻟﻔﻄﺮ‪ ،‬ﺳنة ﺳﺖ وﲬﺴﲔ ومﺎﺋﺘﲔ‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﻠغ اثنﺘﲔ وﺳﺘﲔ ﺳنة‪ ،‬وﻛﺎن ﰲ‬
‫ﻓﻮجﺪ ﳌﺎ أﺻﺒﺢ‪ ،‬وﻫﻮ مﻴِّﺖ‪ ،‬ودﻓن ﻳﻮم اﻟﻔﻄﺮ ﺑعﺪ ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ‪.5‬‬ ‫ﰲ ﺑﻴﺖ وﺣﺪه ُ‬
‫دل ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻓﻬﺬا تعﺮﻳﻒ مﻮجﺰ ﻟﻺمﺎم اﻟﺒخﺎري تﻀ ﱠمن أﻫم مﺮاﺣﻞ ﺣﻴﺎته من اﳌﻴﻼد إﱃ اﻟﻮﻓﺎة‪ ،‬وﻗﺪ ّ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗﻴمة ﻫﺬه اﻟﺸخصﻴّة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﻔﺬة مﺎ تﺮﻛه من آ ر؛ ﻛﺎن ﳍﺎ اﻷثﺮ اﻟﺒﺎﻟغ ﰲ ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ‬
‫صﺤﻴﺢ جﺪﻳﺮة ﻟ ِّﺪراﺳة‬ ‫ﺧصﻮﺻﺎ وﻋﻠﻮم اﻟ ﱠﺸﺮﻳعة ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬ﳑﺎ جعﻞ مصنﻔﺎته ﻻ ﺳﻴمﺎ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫واﻻﻫﺘمﺎم‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻟﻮﺣﺪان‪ :‬من ﱂ ﻳﺮو ﻋنه إﻻ واﺣﺪ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬تﺪرﻳﺐ اﻟﺮاوي ﰲ ﺷﺮح تﻘﺮﻳﺐ اﻟنﻮاوي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫أﺑﻮ ﻗﺘﻴﺒة اﻟﻔﺎر ﰊ‪ ،‬دار ﻃﻴﺒة‪) ،‬د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.(739/2) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(492/1) ،‬‬

‫‪ -‬اﻟ َﻔ ْﺮ َﺳﺦ ‪:‬اﳉمع ‪:‬ﻓَـَﺮ ِاﺳخ‪ ،‬من مﻘﺎﻳﻴﺲ اﳌﺴﺎﻓة ﻗﺪﳝًﺎ‪ ،‬وأﺻﻞ اﻟﻜﻠمة ﻓﺎرﺳﻴة معﺮﺑة‪ ،‬وﻫﻲ ّ‬
‫‪3‬‬
‫تعﺎدل مﺎ ﺑﲔ أرﺑعة وﺳﺘة‬
‫ﻛﻴﻠﻮمﱰات ﰲ اﻟنﻈﺎم اﻟﺪوﱄ‪ ،https://ar.wikipedia.org/wiki ،‬رﻳخ اﻟﺪﺧﻮل‪.2021/08/10:‬‬
‫‪-4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺪاء‪ ،‬ﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﺒﺪاﻳة واﻟنﻬﺎﻳة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﶈﺴن اﻟﱰﻛﻲ‪ ،‬دار ﻫﺠﺮ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة‬
‫واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع واﻹﻋﻼن‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬ﻫـ‪ 1997 ،‬م‪.(33/11) ،‬‬
‫‪ -5‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(119/10) ،‬‬
‫‪36‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬اﻟﺬي ﰐ اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﺑه‬
‫وﻫﺬا مﺎ أﻏﺮاﱐ أن أﻗﻴﺪ ﳎﺎل دراﺳﱵ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﻐﺰوات ﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘّﻌﺮﻳف ﳉﺎﻣﻊ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻻ ﳝﻜن اﺳﺘﻘصﺎؤه واﻹﺣﺎﻃة ﺑه ﰲ مﺜﻞ ﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ذات‬ ‫إن اﻟﻜﻼم ﺣﻮل اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﻠمﺢ اﻟﺪﱠﻋﻮي ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺳﻮف أﻛﺘﻔﻲ ﰲ اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﺑه ﺑﺬﻛﺮ أﻫم مﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﰲ اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت اﳌﻮجﺰة‬
‫ﺑﻜﺘﺐ اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬مﺮﻛﺰا ﻋﻠﻰ مﺎ ﻟه ﺻﻠة من ﻗﺮﻳﺐ أو من ﺑعﻴﺪ ﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬ﲟﺎ ﳛﻘق أﻫﺪاﻓﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ جﺎء‬
‫اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﺑصﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري مﺘﻀمنﺎ اﻟﻘﻀﺎ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﺴﻤﻴّﺔ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫اﺷﺘﻬﺮ ﻛﺘﺎب اﻟﺒخﺎري ﺑـ "ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري"‪ ،‬أمﺎ اﲰه ﻛمﺎ وﺿعه مﺆﻟﻔه‪ ،‬ﻓﻘﺪ وﻗع ﻓﻴه ﺑعﺾ‬
‫ﺼﺤﻴﺢ اﳌﺨﺘﺼﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر‬
‫اﻻﺧﺘﻼف ﻟﺘﻘﺪﱘ واﻟﺘأﺧﲑ‪ ،‬ﻓمنﻬم من ﺿﺒﻄه ﺑـ" اﳉﺎﻣﻊ اﳌﺴﻨﺪ اﻟ ﱠ‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﺳﻨﻨﻪ وأ ﱠ ﻣﻪ"‪ ،1‬وﻫﻲ اﻟﺘّﺴمﻴّة اﻟﱵ ر ﱠجﺤﻬﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﺒﺎﺣﺜﲔ واﶈﻘﻘﲔ‪ ،2‬ﻗﺎل اﳊﺎﻓﻆ‬
‫صﺤﻴﺢ اﳌﺴنﺪ من ﺣﺪﻳﺚ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﺳننه وأ ﱠ مه"‪.3‬‬ ‫اﺑن ﺣﺠﺮ‪" :‬ﲰﱠﺎه‪ :‬اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫وأمــﺎ دﻻﻟــة اﻟﺘّﺴــمﻴّة ﻋﻠــﻰ مﻀــمﻮن اﻟﻜﺘــﺎب ﻓــﻼ ﲣﻔــﻰ‪ ،‬ﻓــﺈﻃﻼق اﻟﺒخــﺎري ﻋﻠــﻰ ﻛﺘﺎﺑــه اﺳــم اﳉــﺎمع؛‬
‫ﻟﻜﺜــﺮة مــﺎ ﻓﻴــه مــن اﻟﻜﺘــﺐ‪ ،‬واﻷﺑ ـﻮاب اﻟــﱵ تﻄﺮﻗــﺖ ﳉمﻴــع أﺑ ـﻮاب اﻟ ـ ّﺪﻳن اﻟــﱵ ﺑﻴّنﻬــﺎ اﻟنّــﱯ‪ ‬ﻷمﺘــه‪،‬‬
‫ﻓﺎﳉــﺎمع" ﰲ اﺻــﻄﻼح اﶈــﺪثﲔ ﻫــﻮ اﻟﻜﺘــﺎب اﳉــﺎمع ﻟﻜــﻞ أﺑ ـﻮاب اﻟ ـ ّﺪﻳن مــن اﻹﳝــﺎن وأﺑ ـﻮاب اﻟﻔﻘــه‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﺴﲑ‪ ،‬واﳌﻐﺎزي‪ ،‬واﻟﺘﱠﻔﺴﲑ‪ ،‬واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬واﻟ ﱠﺸمﺎﺋﻞ‪ ،‬وأمﻮر اﻵﺧﺮة‪"...‬‬ ‫ِ‬
‫واﻟﺘﱠﺎرﻳخ‪ ،‬و ّ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ مﻮﺿﻮﻋه‬ ‫وﻋﻠﻰ ﻛﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻻﺧﺘﻼف ﻻ ﻳﺆثﺮ ﰲ اﳌﻘصﻮد من ﻋنﻮان اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬اﻟﺬي ّ‬
‫اﺧﺘﻠﻒ ﰲ اﻟعنﻮان ﻟﺘﻘﺪﱘ‬ ‫ِ‬
‫وﺷﺮﻃه‪ ،‬ﻓﻜﻼ اﻟعنﻮانﲔ ﻳﺪﻻن ﻋﻠﻰ منﻬج اﻟﻜﺘﺎب ومﺮاد اﳌصنّﻒ‪ ،‬وإ ْن ُ‬
‫واﻟﺘﱠأﺧﲑ‪.‬‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬إﺑﺮاﻫﻴم اﻷﺑنﺎﺳﻲ‪ ،‬اﻟﺸﺬا اﻟﻔﻴﺎح‪ ،‬ت‪ :‬ﺻﻼح ﻫﻠﻞ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ﻫـ ‪1998‬م‪.(94/1) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﲨعة ﻋﺒﺪ اﳊﻠﻴم‪ ،‬روا ت اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬دار اﻟﻔﻼح‪ ،‬اﻟﻔﻴﻮم‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪ 1424 ،1‬ﻫـ‪ 2013 ،‬م‪.(16/1) ،‬‬
‫‪ - 3‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(08/1) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳﻮﺳﻒ اﳌﺮﻋﺸﻠﻲ‪ ،‬ﻋﻠم ﻓﻬﺮﺳة اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬نﺸأته‪ ،‬تﻄﻮره‪ ،‬أﺷﻬﺮ مﺎ ُدون ﻓﻴه‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪ .‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ط(‪،‬‬
‫ص‪.15‬‬
‫‪37‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬أﺳﺒﺎب اﻟﺘﱠﺎﻟﻴف‬
‫ﻛﺜﲑ من اﳌصنﻔﺎت أﻟﱠَﻔ َﻬﺎ أﺻﺤﺎ ﺎ ﻷﺳﺒﺎب وﺑﻮاﻋﺚ‪ ،‬وإ ْن ﱂ ِّ‬
‫ﻳصﺮﺣﻮا ﺎ ﰲ اﳌﻘﺪﱠمﺎت‪ ،‬ﺷأن‬
‫ﻳصﺮح مﺆﻟﻔه ﺳﺒﺎب ﻟﻴﻔه‪ ،‬ﺑﻞ ﱂ ﳚعﻞ ﻟه مﻘﺪمة‬ ‫صﺤﻴﺢ وإ ْن ﱂ ِّ‬ ‫اﻟﺒﺤﻮث اﻷﻛﺎدﳝﻴّة اﳌعﺎﺻﺮة‪ ،‬ﻓﺎﻟ ﱠ‬
‫صﻮا ﻋﻠﻰ أﺳﺒﺎب‪ ،‬وﺑﻮاﻋﺚ دﻓعﺖ اﻟﺒخﺎري ﻟﻮﺿعه اﺳﺘخﻠصﻮﻫﺎ من ِّ‬
‫اﻟﺮوا ت‪،‬‬ ‫أﺻﻼ‪ ،‬ﻓأن اﻟعﻠمﺎء ن ﱡ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﳌصﺎﺣﺒة ﻟﻠﺘأﻟﻴﻒ‪ ،‬أُﲨﻠُﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﱠﺎﱄ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واﳌﻼﺑﺴﺎت‪ ،‬و ّ‬
‫‪.1‬اﻟﺴﺒﺐ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ‬
‫أن اﻟ ﱠﺴﺒﺐ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﺬي اﺳﺘنﺒﻄه اﳊﺎﻓﻆ اﺑن ﺣﺠﺮ اﻟعﺴﻘﻼﱐ من اﳌﻼﺑﺴﺎت اﻟﺘﱠﺎرﳜﻴّة‪ ،‬ومن‬
‫ﺻنِّﻔﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻫﻮ ﻛﻮ ﺎ تﻀ ﱡم ﰲ ﻃﻴﱠﺎ ﺎ اﳌﻘﺒﻮل‪ ،‬واﳌﺮدود‪ ،‬واﺧﺘﻠط‬ ‫معﺮﻓﺘه ﻟﻠمصنﻔﺎت اﻟﱵ ُ‬
‫صﺤﻴﺢ اﳌﺴنﺪ‪.‬‬ ‫ﻓﻴﻬﺎ اﳌﺮﻓﻮع ﻵ ر؛ ﳑﺎ دﻓع اﻟﺒخﺎري ﻟﻴﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎ ﻳﻘﺘصﺮ ﻓﻴه ﻋﻠﻰ اﻟ ﱠ‬
‫ورواﻫﺎ‪ ،‬وانْـﺘَ َﺸق َرﱠ ﻫﺎ‪ ،‬واﺳﺘﺠﻠﻰ ُﳏﻴﺎﻫﺎ‬
‫وﰲ ﻫﺬا ﻳﻘﻮل‪ ":‬ﻓﻠ ﱠمﺎ رأي اﻟﺒخﺎري ﻫﺬه اﻟﺘﱠصﺎنﻴﻒ‪ ،‬ﱠ‬
‫واﺳﺘﺠﻠﻰ ُﳏﻴﺎﻫﺎ وجﺪﻫﺎ ﲝﺴـﺐ اﻟﻮﺿـع جﺎمعـة ﺑـﲔ مـﺎ ﻳـﺪﺧﻞ ﲢـﺖ اﻟﺘّصـﺤﻴﺢ واﻟﺘّﺤﺴـﲔ‪ ،‬واﻟﻜﺜـﲑ‬
‫صـﺤﻴﺢ اﻟـﺬي ﻻ‬ ‫واﻟﻜﺜـﲑ منﻬـﺎ ﻳﺸـمﻠه اﻟﺘﱠﻀـعﻴﻒ ﻓـﻼ ﻳُﻘـﺎل ﻟﻐﺜِّـه ﲰـﲔ‪ ،‬ﻓﺤـﱠﺮك ﳘﱠﺘـه ﳉمـع اﳊـﺪﻳﺚ اﻟ ﱠ‬
‫ﻳﺮ ب ﻓﻴه أمﲔ"‪.1‬‬
‫‪ .2‬اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﺬاﺗﻴّﺔ‬
‫وﻫﻲ أﺳﺒﺎب مﺴﺎﻋﺪة ﻗ ﱠﻮت ﻋﺰم اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻷول‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﱵ ﻳﺸﲑ إﻟﻴﻬﺎ اﻹمﺎم اﻟنﱠﻮوي ﰲ‬
‫ﰲ ﻗﻮﻟه‪ ":‬وأ ﱠمﺎ ﺳﺒﺐ تصنﻴﻔه‪ ،‬وﻛﻴﻔﻴّة ﻟﻴﻔه‪ ،‬ﻓﺮوﻳنﺎ ﻋن إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن معﻘﻞ اﻟنﺴﻔﻰ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل‬
‫اﻟﺒخﺎرى‪ ،‬رﲪه ﷲ‪ :‬ﻛنﺖ ﻋنﺪ إﺳﺤﺎق ﺑن راﻫﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟنﺎ ﺑعﺾ أﺻﺤﺎﺑنﺎ‪ :‬ﻟﻮ ﲨعﺘم ﻛﺘﺎ ﳐﺘصﺮا‬
‫صﺤﻴﺢ ﻟﺴنن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻮﻗع ذﻟﻚ ﰲ ﻗﻠﱯ‪ ،‬وأﺧﺬت ﰲ ﲨع ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب‪...‬‬ ‫ﳐﺘصﺮا ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫أذب ﻋنه‪ ،‬ﻓﺴأﻟﺖ‬‫وروﻳنﺎ ﻋنه ﻗﺎل‪ :‬رأﻳﺖ اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ اﳌنﺎم‪ ،‬وﻛأﱐ واﻗﻒ ﺑﲔ ﻳﺪﻳه‪ ،‬وﺑﻴﺪي مﺮوﺣة ﱡ‬
‫صﺤﻴﺢ"‪.2‬‬
‫تﺬب ﻋنه اﻟﻜﺬب‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﲪﻠﲏ ﻋﻠﻰ إﺧﺮاج اﻟ ﱠ‬ ‫اﳌعﱪﻳن‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أنﺖ ﱡ‬ ‫ﻓﺴأﻟﺖ ﺑعﺾ ّ‬
‫ﻓﻘﺪ ﺣ ﱠﻔﺰ َ‬
‫اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري رﻏﺒةُ ﺷﻴخه‪ ،‬وﻫﻲ رﻏﺒة ﻋﻠمﻴّة من إمﺎم ﳍﺎ ﻗﻴمﺘﻬﺎ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬واﻟﺒﺸﺮى‬
‫ي ﺑﺸﺮى وﻫﻲ رؤﻳّة اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟﱵ ﻋﻠم تعﺒﲑﻫﺎ وﲢ ﱠﻘق وﻳﻠﻬﺎ‪ ،‬ﺧﺮاج ِّ‬
‫أﺻﺢ‬ ‫اﻟﱵ رأﻫﺎ ﰲ اﳌنﺎم‪ ،‬وأ ﱡ‬
‫ﻛﺘﺐ اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق‪.‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(06/1) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻷﲰﺎء واﻟﻠﻐﺎت‪.(74/1) ،‬‬
‫‪38‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﻣﻨﻬﺞ اﻟﺒﺨﺎري ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ‬
‫صﺤﻴﺢ ﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن منﻬج اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪،‬‬ ‫ﺑعﺪ ﺑﻴﺎن أﺳﺒﺎب ﻟﻴﻒ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫أﻫم ﻗﻀﺎ اﳌنﻬج اﻟﱵ تنﺎﺳﺐ مﻘصﺪ اﻻﺧﺘصﺎر اﳌﺘﻮ ﱠﺧﻰ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘّمﻬﻴﺪ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وﺳﻴﺘ ﱡم اﻻﻗﺘصﺎر ﻋﻠﻰ ّ‬
‫ﻟﺬا ﺳأرّﻛِﺰ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺎﺋﻞ اﳌنﻬﺠﻴّة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬
‫‪.1‬ﺷﺮط اﻟﺒﺨﺎري ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻟﻘﺪ ﲢ ﱠﺪث اﻟعﻠمﺎء ﻋن ﺷﺮط اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه من ﺣﻴﺘﲔ‪ :‬من ﺣﻴّة رجﺎل اﻟ ﱠﺴنﺪ‪ ،‬ومن‬
‫ﺣﻴّة اﻻتصﺎل؛ ﻟﻜﻮنه اﺷﱰط ﺷﺮﻃﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه أﲨﻠﻬمﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫صﺤﻴﺢ إﱃ أن ﺷﺮط‬ ‫ﺻﻞ ﻋﻠمﺎء اﳊﺪﻳﺚ ﺳﺘﻘﺮاء رواة اﻟ ﱠ‬ ‫أ‪.‬ﺷﺮط اﻟﺒﺨﺎري ﰲ اﻟﺮواة‪ :‬ﻗﺪ تﻮ ﱠ‬
‫اﻟﺒخﺎري أن ﳜﱠﺮج ﻟﻠﺜﻘﺎت اﳌﺘﻘنﲔ اﳌﻼزمﲔ ﳌن أﺧﺬوا ﻋنﻬم‪ ،‬مﻼزمة ﻃﻮﻳﻠة‪ ،‬وأنه ﻗﺪ ﳜﺮج أﺣﻴﺎ‬
‫أﺣﻴﺎ ﻋن أﻋﻴﺎن اﻟﻄﺒﻘة اﻟﱵ تﻠﻲ ﻫﺬه ﰲ اﻹتﻘﺎن واﳌﻼزمة‪ ،‬ﳌن رووا ﻋنﻬم‪.1‬‬
‫ب‪ .‬ﺷﺮط اﻟﺒﺨﺎري ﰲ اﻻﺗﺼﺎل‪ :‬ﻟﻺمﺎم اﻟﺒخﺎري ﺷﺮط ﺧﺎص ﰲ ﻗﺒﻮل اﳊﺪﻳﺚ اﳌعنعن‪ ،‬ﻓﺰ دة‬
‫ﻋﻠﻰ اﺷﱰاط ﻋﺪم تﺪﻟﻴﺲ اﳌعنعن؛ ﻳﺸﱰط ثﺒﻮت ﲰﺎع اﻟﺮاوي ﻋمن ﻋنعن ﻋنه وﻟﻮ مﺮة واﺣﺪة‪ ،‬وﻻ‬
‫وﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﲟﺠﺮد اﳌعﺎﺻﺮة وإمﻜﺎنﻴّة اﻟﻠﻘﺎء‪ ،‬ﺷأن اﻹمﺎم مﺴﻠم‪ ،‬ﻟﺬا ﻛﺎن ﺷﺮﻃه أﻗﻮى من ﺷﺮط‬
‫مﺴﻠم‪.2‬‬
‫مع اﻹﺷﺎرة إﱃ أن ﻫﺬا اﻟﺸﺮط اﳌﺘعﻠق ِّﻟﺮجﺎل‪ ،‬واﻻتصﺎل ﺧﺎص ﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺴنﺪة اﻟﻮاردة ﰲ‬
‫أﺻﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪.‬‬
‫أمﺎ مﺎ ﻳﻮرده من ِّ‬
‫اﻟﺮوا ت ﺿمن ﻋنﺎوﻳن اﻷﺑﻮاب ﻓﻼ ﻳﻠﺘﺰم ﻓﻴه ذﻟﻚ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﻮردﻫﺎ معﻠﻘة ﰲ أﻛﺜﺮ‬
‫أﻛﺜﺮ اﻷﺣﻴﺎن ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻼﺧﺘصﺎر‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺳﺒﺎب؛ اﻟﱵ ﻻ ﳝﻜن ﺑﺴﻄﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم‪ ،‬مع ﻫﺬا‬
‫صﺤﻴﺢ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺿعﻴﻔة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟصﻼح‪ ":‬ﰒﱠ إن مﺎ ﻳﺘﻘﺎﻋﺪ‬ ‫ﻓأ ﺎ وإن ﱂ تﻜن ﻋﻠﻰ ﺷﺮط اﻟ ﱠ‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒ ـ ـ ـ ــﺪ اﻟ ـ ـ ـ ــﺮﺣﻴم ﺑ ـ ـ ـ ــن اﳊﺴـ ـ ـ ــﲔ‪ ،‬أﺑ ـ ـ ـ ــﻮ اﻟﻔﻀـ ـ ـ ـ ــﻞ‪ ،‬اﻟعﺮاﻗ ـ ـ ـ ــﻲ‪ ،‬ﺷ ـ ـ ـ ــﺮح اﻟﺘﺒص ـ ـ ـ ــﺮة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒ ـ ـ ـ ــﺪ اﻟﻠﻄﻴ ـ ـ ـ ــﻒ اﳍمـ ـ ـ ـ ــﻴم‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.(127/1) ،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳏم ـ ـ ـ ـ ــﺪ ﺑـ ـ ـ ـ ـ ــن إﲰﺎﻋﻴـ ـ ـ ـ ــﻞ اﻟص ـ ـ ـ ـ ــنعﺎﱐ‪ ،‬تﻮﺿ ـ ـ ـ ـ ــﻴﺢ اﻷﻓﻜـ ـ ـ ـ ـ ــﺎر‪ ،‬ت‪ :‬ﺻ ـ ـ ـ ـ ــﻼح ﻋﻮﻳﻀـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘـ ـ ـ ـ ـ ــﺐ اﻟعﻠمﻴـ ـ ـ ـ ــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ﺑـ ـ ـ ـ ـ ــﲑوت‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ ـ ـ ـ ـ ـ‪1997 ،‬م‪ ،(105/1) ،‬أﺑـ ـ ـ ـ ـ ــﻮ ﺑﻜـ ـ ـ ـ ــﺮ ﻛ ـ ـ ـ ـ ــﺎﰲ‪ ،‬مـ ـ ـ ـ ـ ــنﻬج اﻹم ـ ـ ـ ـ ــﺎم اﻟﺒخـ ـ ـ ـ ـ ــﺎري ﰲ تص ـ ـ ـ ـ ــﺤﻴﺢ‬
‫اﻷﺣﺎدﻳﺚ وتعﻠﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬دار اﺑن ﺣﺰم ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1422 ،1‬ﻫـ ‪ 2000 /‬م‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫‪39‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﻗﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻳﻮجﺪ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺒخﺎري ﰲ مﻮاﺿع من تﺮاجم اﻷﺑﻮاب دون‬ ‫من ذﻟﻚ ﻋن ﺷﺮط اﻟ ﱠ‬
‫مﻘﺎﺻﺪ اﻟﻜﺘﺎب ومﻮﺿﻮﻋه اﻟﺬي ﻳﺸعﺮ ﺑه اﲰه اﻟﺬي ﲰﺎه"‪.1‬‬
‫‪ .2‬ﺑﻴﺎن ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ‬
‫صــﺤﻴﺢ أنـه ﻻ ﻳــﻮرد ﻓﻴـه إﻻ ﺣـﺪﻳﺜﺎ ﺻــﺤﻴﺤﺎ‪ ،‬وﻫـﺬا مﺴــﺘﻔﺎد مـن تﺴــمﻴﺘه إ ه‬ ‫اﻷﺻـﻞ ﰲ مﻮﺿـﻮع اﻟ ﱠ‬
‫ص ــﺤﻴﺢ اﳌﺴ ــنﺪ اﳌخﺘص ــﺮ م ــن ﺣ ــﺪﻳﺚ رﺳ ــﻮل ﷲ ‪ ‬وﺳ ــننه وأ م ــه"‪ ،‬وﻫ ــﺬه اﻟﺘﺴ ــمﻴّة‬ ‫"اﳉ ــﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫ـﺪل ﻋﻠــﻰ اﻟﺒعــﺪ اﳌﻮﺿــﻮﻋﺎﰐ ﻟﻠﻜﺘــﺎب‪ ،‬ﻓمصــﻄﻠﺢ‬ ‫ﳉــﺎمع تﻔصــﺢ ﻋــن أمــﺮ مــن اﻷﳘﻴّــة ﲟﻜــﺎن‪ ،‬ﻓﻬــﻮ ﻳـ ّ‬
‫"اﳉــﺎمع ﰲ اﺻــﻄﻼح اﶈــﺪثﲔ ﻫــﻮ اﻟﻜﺘــﺎب اﳉــﺎمع ﻟﻜــﻞ أﺑ ـﻮاب اﻟ ـ ّﺪﻳن مــن اﻹﳝــﺎن وأﺑ ـﻮاب اﻟﻔﻘــه‪،‬‬
‫واﻟﺘﱠﺎرﻳخ‪ ،‬واﻟﺴﲑ‪ ،‬واﳌﻐﺎزي‪ ،‬واﻟﺘﱠﻔﺴﲑ‪ ،‬واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬واﻟﺸمﺎﺋﻞ‪ ،‬وأمﻮر اﻵﺧﺮة"‪.2‬‬
‫صﺤﻴﺢ من اﳉﻮامع اﻟﱵ ﺣﻮت ﻛﻞ أﺑﻮاب اﻟ ّﺪﻳن اﻟﱵ ﳛﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ اﳌﺒﺘﺪئ‪ ،‬وﻻ ﻳﺴﺘﻐﲏ‬ ‫واﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫ﻋنﻬﺎ اﳌنﺘﻬﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺬي ﻳﻐﲏ ﻋن ﲪﻞ اﻷﺳﻔﺎر‪ ،‬وﻫﻮ معﲔ اﻟﺒﺎﺣﺜﲔ ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة ﲟخﺘﻠﻒ ﻓﺮوﻋﻬﺎ وﺷعﺒﻬﺎ وﲣصصﺎ ﺎ‪ ،‬وﻫﺬا أمﺮ واﺿﺢ من ﻋنﺎوﻳن ﻛﺘﺒه وﻛﺜﺮ ﺎ‪.‬‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻘﻬه وﻏﺰارة ﻋﻠمه‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‬ ‫واﻟﻜﺘﺎب ﻻ ﳜﻠﻮ من أﺷﻴﺎء ﺿمنﻬﺎ أﺑﻮاب اﻟﻜﺘﺐ ّ‬
‫مﺒﻴنﺎ ذﻟﻚ‪ " :‬ومع ﻫﺬا ﻓﻘﺪ ﺿمنه أمﻮرا أﺧﺮى ﰒﱠ رأى أﻻ ﳜﻠﻴه من اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻔﻘﻬﻴّة واﻟنﻜﺖ‬
‫اﳊﻜمﻴّة ﻓﺎﺳﺘخﺮج ﺑﻔﻬمه من اﳌﺘﻮن معﺎﱐ ﻛﺜﲑة ﻓﺮﻗﻬﺎ ﰲ أﺑﻮاب اﻟﻜﺘﺎب ﲝﺴﺐ تنﺎﺳﺒﻬﺎ واﻋﺘﲎ ﻓﻴه‬
‫ﻓﻴه ت اﻷﺣﻜﺎم ﻓﺎنﺘﺰع منﻬﺎ اﻟﺪﻻﻻت اﻟﺒﺪﻳعة وﺳﻠﻚ ﰲ اﻹﺷﺎرة إﱃ تﻔﺴﲑﻫﺎ اﻟﺴﺒﻞ‬
‫اﻟﻮﺳﻴعة"‪.3‬‬
‫اﻟﱰﲨة‪ ،‬وﻳعﻀﺪ مﺎ‬ ‫صﺤﻴﺢ اﳌﺴنﺪ ﻓﻘه اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ّ‬ ‫ﻓﻘﺪ ﺿمن اﻟﺒخﺎري ﻛﺘﺎﺑه إﱃ جنﺐ اﳊﺪﻳﺚ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﺎﺑة واﻟﺘﱠﺎﺑعﲔ‪.4‬‬‫مﺎ ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻴه ﻵ ت واﻵ ر اﻟ ﱠ‬
‫ومن ﻫنﺎ تﺘﺠﻠﻰ ﻗﻴمة ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري اﻟعﻠمﻴّة؛ ﻋﺘﺒﺎره من أﻋﻈم ﻛﺘﺐ اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ذات اﳌنﻬج‬
‫اﻟﻔﺮﻳﺪ اﳉﺎمع ﺑﲔ إﺣﻜﺎم اﻟصنعة اﳊﺪﻳﺜﻴّة؛ اﻟﱵ ﲡﻠﺖ ﰲ ﺷﺮط اﻟصﺤة ﰲ أﻋﻠﻰ مﺮاتﺒه‪،‬‬
‫واﻻﺳﺘنﺒﺎﻃﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴّة اﻟﺪﻗﻴﻘة‪ ،‬اﳌﺆﻳﺪة ﻵ ت واﻵ ر‪ ،‬ﳑﺎ ﳚعﻠه من مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﱵ‬

‫‪-1‬ﻋﺜمــﺎن ﺑــن ﻋﺒــﺪ اﻟــﺮﲪن‪ ،‬أﺑــﻮ ﻋمــﺮو‪ ،‬اﺑــن اﻟصــﻼح‪ ،‬معﺮﻓــة أن ـﻮاع ﻋﻠــﻮم اﳊــﺪﻳﺚ‪ ،‬ت‪ :‬نــﻮر اﻟــﺪﻳن ﻋــﱰ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜــﺮ‪ ،‬ﺳــﻮر ‪،‬‬
‫)د‪.‬ط(‪1406 ،‬ﻫـ‪1986 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ -2‬ﻳﻮﺳﻒ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﳌﺮﻋﺸﻠﻲ‪ ،‬ﻋﻠم ﻓﻬﺮﺳة اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬نﺸأته‪ ،‬تﻄﻮره‪ ،‬أﺷﻬﺮ مﺎ دون ﻓﻴه‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬ت(‪،‬‬
‫)د‪.‬ط(‪ ،‬ص‪.05‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(8/1) ،‬‬
‫‪-4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻛﺎﰲ‪ ،‬منﻬج اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ تصﺤﻴﺢ اﻷﺣﺎدﻳﺚ وتعﻠﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪40‬‬
‫اﻟﱵ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋنه اﳌﺸﺘﻐﻠﻮن ﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﰲ اﺳﺘمﺪاد أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة منه اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ اﻟﻘﺮآن‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬واﻟﺘﱠﺎﺑعﲔ ومن ﺑعﺪﻫم‪.‬‬ ‫واﻟ ﱡﺴنﱠة واجﺘﻬﺎدات اﻟ ﱠ‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬‫‪ .3‬ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﺮﺿﻪ ﻟﻸﺣﺎدﻳﺚ ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻟﻠصﺤﻴﺢ ﻃﺮﻳﻘة ﺧﺎﺻة ﰲ ﻋﺮض اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻻ ﳝﻜن اﺳﺘﻴعﺎب ﲨﻴع مﻼﳏﻬﺎ وﳑﻴﺰا ﺎ ﰲ ﻫﺬه‬
‫اﻟ ِّﺪراﺳة‪ ،‬ﻏﲑ أنﲏ ﺳﻮف أﺷﲑ إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ ﲟﺎ ﻳﻔﻲ ﻟﻐﺮض ﰲ مﺜﻞ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم‪ ،‬من ﺧﻼل مﺎﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﺮوا ت اﳌﻌﻠﻘﺔ‪ :‬وﻫﺬا مﺎ ﻳصﻄﻠﺢ ﻋﻠﻴه ﲟعﻠﻘﺎت اﻟﺒخﺎري‪ ،‬واﳌﺮاد ﺎ مﺎ ﺣﺬف من ﺑﺪاﻳّة‬ ‫أ‪.‬ﻋﺮض ِّ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﱰاجم وﻫﻲ ﻋنﺎوﻳن اﻷﺑﻮاب‪.‬‬ ‫ﺑﺪاﻳّة إﺳنﺎده راو أو أﻛﺜﺮ وﻟﻮ إﱃ ﺎﻳّة اﻟﺴنﺪ‪ ،‬وﻳﻮردﻫﺎ اﻹمﺎم ﰲ ّ‬
‫و ﻟﺮﻏم من ﻓﻘﺪﻫﺎ ﻟﺸﺮط من ﺷﺮوط اﻟصﺤة وﻫﻮ اتصﺎل اﻟﺴنﺪ إﻻ أ ﺎ ﻻ تﻀﺮ ﺑﺸﺮط اﻟﺒخﺎري؛‬
‫اﻟﺒخﺎري؛ ﻟﻜﻮ ﺎ ﱂ تﺴق مﺴﺎق اﻷﺻﻞ‪ ،‬أو أ ﺎ مﻮﺻﻮﻟة ﻓﻴه ﰲ مﻮﻃن آﺧﺮ‪ ،‬أو مﻮﺻﻮﻟة ﺧﺎرجه‪،‬‬
‫ﺧﺎرجه‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪" :‬وأﻛﺜﺮ مﺎ ﰲ اﻟﺒخﺎري من ذﻟﻚ مﻮﺻﻮل ﰲ مﻮﺿع آﺧﺮ من ﻛﺘﺎﺑه‪ ،‬وإﳕﺎ‬
‫وإﳕﺎ أورده معﻠﻘﺎ اﺧﺘصﺎرا وﳎﺎنﺒة ﻟﻠﺘﻜﺮار واﻟﺬي ﱂ ﻳﻮﺻﻠه ﰲ مﻮﺿع آﺧﺮ مﺎﺋة وﺳﺘﻮن ﺣﺪﻳﺜﺎ‪،‬‬
‫وﺻﻠﻬﺎ ﺷﻴخ اﻹﺳﻼم"‪.2‬‬
‫اﻟﱰاجم‪،‬‬‫صﺤﺎﺑة واﻟﺘﱠﺎﺑعﲔ‪ ،‬ﰐ ﺎ اﻟﺒخﺎري ﻟﺒنﺎء ّ‬ ‫وأمﺎ ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ ﻓأ ﺎ تﺘنﻮع ﺑﲔ اﳌﺮﻓﻮع‪ ،‬وأﻗﻮال اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﱰاجم‪ ،‬تﺘنﻮع من ب ﻵﺧﺮ‪ ،‬وﻟﻴﺲ ﻫﺬا‬ ‫وﻻ ﻳﺴﻮﻗﻬﺎ مﺴﺎق اﻷﺻﻞ‪ ،‬مع اﻹﺷﺎرة إﱃ أن ﺻﻴﺎﻏة ّ‬
‫اﻟﱰاجم‪.‬‬
‫ﳎﺎل ﻟﺒﺴط منﻬﺠه ﰲ ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓأن اﻹمﺎم‬ ‫اﻟﺮوا ت اﳌﺴﻨﺪة‪ :‬أمﺎ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺴنﺪة اﻟﱵ ﻫﻲ مﻮﺿﻮع اﻟ ﱠ‬ ‫ب‪.‬ﻋﺮض ِّ‬
‫اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻟه ﻃﺮﻳﻘة ﺧﺎﺻة ﰲ ﻋﺮﺿﻬﺎ‪ ،‬أوجﺰﻫﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫صﺤﻴﺢ تﻜﺮار اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬وتﻔﺮﻳﻘه ﻋﻠﻰ‬ ‫‪ ‬ﺗﻜﺮار اﳊﺪﻳﺚ‪ :‬إن من اﳌمﻴﺰات اﻟﱵ امﺘﺎز ﺎ اﻟ ﱠ‬
‫اﻷﺑﻮاب ﲝﺴﺐ مﺎ تﻀمنه من ﻓﻘه‪ ،‬وﻫنﺎ تﻈﻬﺮ مﻠﻜﺘه وﻋﺒﻘﺮﻳﺘه اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ‬
‫ﻳﻜﻮن تﻜﺮار اﳊﺪﻳﺚ مصﺤﻮ ﺑﻔﻮاﺋﺪ مﺘنﻴّة‪ ،‬وإﺳنﺎدﻳّة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ ‬اﺧﺘﺼﺎر اﳊﺪﻳﺚ وﺗﻘﻄﻴﻌﻪ‪ :‬ﳑﺎ ﻳﺘﻔﺮع ﻋن تﻜﺮار اﳊﺪﻳﺚ اﺧﺘصﺎر اﳌﱳ وتﻘﻄﻴعه‪ ،‬ﻓﺎﻟﺒخﺎري‬
‫ﻻ ﻳﺴﻮﻗه ﺑنﻔﺲ اﻟﻠﻔﻆ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻛﻞ مﺮة ﻳﻮرده ﺑصﻴﻐة‪ ،‬ﻓأﺣﻴﺎ ﳜﺘصﺮه‪ ،‬وأﺣﻴﺎ ﻳﻮرد منه ﻓﻘط‬
‫مﻮﺿع اﻟﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬وﻛﻞ من اﻟﺘﻘﻄﻴع واﻻﺧﺘصﺎر ﻳﺘﻔﺮع ﻋن مﺴأﻟة اﻟﺮواﻳّة ﳌعﲎ‪ ،‬ﻗﺎل‬

‫‪ -1‬اﺑن اﻟصﻼح‪ ،‬معﺮﻓة أنﻮاع ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬تﺪرﻳﺐ اﻟﺮاوي ﰲ ﺷﺮح تﻘﺮﻳﺐ اﻟنﻮاوي‪.(124/1) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻷثﻴﻮﰊ‪ ،‬إﺳعﺎف ذوي اﻟﻮﻃﺮ ﺑﺸﺮح نﻈم اﻟﺪرر ﰲ ﻋﻠم اﻷثﺮ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﻐﺮ ء‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة‬
‫‪ّ -‬‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬ﻫـ‪ 1993 ،‬م‪.(45/1) ،‬‬
‫‪41‬‬
‫اﻟصنعﺎﱐ‪ ":‬اﻟﺒخﺎري ﻛﺎن ﻳﺮى جﻮاز اﻟﺮواﻳّة ﳌعﲎ وجﻮاز تﻘﻄﻴع اﳊﺪﻳﺚ من ﻏﲑ تنصﻴﺺ‬
‫ﻋﻠﻰ اﺧﺘصﺎره"‪.1‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﲣﺪم ﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬إذ ﲤﻜن من اﻻﺳﺘعﺎنة ﺑﱰاجم اﻟﺒخﺎري‬ ‫وﻫﺬه اﳌﻴﺰة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﺴﺘﻔﺎدة من أﻃﺮاف اﳊﺪﻳﺚ اﳌﻔﺮﻗة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب ﰲ اﺳﺘخﺮاج اﻷﺑعﺎد واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫‪.4‬ﻋﺪد أﺣﺎدﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري‬
‫ﺑعﺪ ﺑﻴﺎن منﻬج اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻋﺮض اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ ﻋﺪد مﺎ تﻀمنه من اﳌﺮو ت‬
‫اﳌﺴنﺪة واﳌعﻠﻘة‪ ،‬مع ﺑﻴﺎن اﳌﻜﺮر منﻬﺎ‪ ،‬معﺘمﺪﻳن اﻹﺣصﺎء اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑه اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ مﻘﺪمة‬
‫اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬وﻫﺬا تﻠخﻴﺺ مﺎ تﻮﺻﻞ إﻟﻴه‪:2‬‬
‫‪ ‬ﻋﺪد اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺮﻓﻮﻋة اﳌﻮﺻﻮﻟة ﲟﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﳌﻜﺮرة ‪ 7397‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬
‫‪ ‬ﻋﺪد اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺮﻓﻮﻋة اﳌعﻠﻘة ﲟﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﳌﻜﺮرة ‪ 1341‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺮوا ت ‪ 344‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬ ‫‪ ‬ﻋﺪد مﺎ ﻓﻴه من اﳌﺘﺎﺑعﺎت واﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ِّ‬
‫‪ ‬ﻋﺪد مﺎ ﻓﻴه من اﳌﻮﺻﻮل واﳌعﻠق واﳌﺘﺎﺑعﺎت اﳌﺮﻓﻮﻋة ﳌﻜﺮرة ‪ 9082‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬
‫‪ ‬ﻋﺪد اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺮﻓﻮﻋة اﳌﻮﺻﻮﻟة ﺑﺪون تﻜﺮار ‪ 2602‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬
‫‪ ‬ﻋﺪد اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌعﻠﻘة ﺑﺪون تﻜﺮار ‪ 159‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬
‫‪ ‬ﻋﺪد اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺮﻓﻮﻋة مﻮﺻﻮﻟة أو معﻠﻘة ﺑﺪون تﻜﺮار ‪ 2761‬ﺣﺪﻳﺜﺎ‪.‬‬
‫ﺼﺤﻴﺢ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﲟﻮﺿﻮع اﻟ ِّﺪراﺳﺔ‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻛﺘﺐ وأﺑﻮاب اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ِوﻓْق منﻬج اﻟﱰتﻴﺐ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﺘﺠمﻴعﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺴمه إﱃ‬ ‫أﻟﱠﻒ اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫ﻛﺘﺐ وجعﻞ ﻟﻜﻞ ﻛﺘﺎب ﻋنﻮان‪ ،‬ﰒ ﻗﺴم اﻟﻜﺘﺎب إﱃ أﺑﻮاب وجعﻞ ﳍﺎ ﻋنﺎوﻳن ﻓﺮﻋﻴّة تﺘعﻠق ﺑعنﻮان‬
‫اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬وﻫﻲ مﺎ ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ ّﻟﱰاجم‪ ،‬ﰒ أورد ﲢﺖ ﻛﻞ ب مﺎ ﻳنﺎﺳﺒه من اﻷﺣﺎدﻳﺚ‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﲟﻮﺿﻮع اﻟ ِّﺪراﺳة‪:‬‬ ‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن ﺑعﺾ مﻼمﺢ اﳌنﻬج اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﰲ تﺮتﻴﺐ اﻟ ﱠ‬

‫‪ -1‬اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬تﻮﺿﻴﺢ اﻷﻓﻜﺎر‪.(50/1) ،‬‬

‫‪- 2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(466/1) ،‬ﻋﺒﺪ اﶈﺴن اﻟعﺒﺎد اﻟﺒﺪر‪ ،‬اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري وﻛﺘﺎﺑه اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬اﳉﺎمعة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴة ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟﺜﺎنﻴة‪ ،‬اﻟعﺪد اﻟﺮاﺑع رﺑﻴع اﻟﺜﺎﱐ ‪1390‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪42‬‬
 ‫أوﻻ‪ :‬اﳌﻨﻬﺞ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﳉﺎﻣﻊ‬
‫أن اﳌنﻬج اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﳉﺎمع ﻳﺪرك اﺑﺘﺪاء من تﺴمﻴّة اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻓﺎﺳم اﳉﺎمع ﻋنﺪ اﶈﺪثﲔ ﻳﻄﻠق‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺐ اﳊﺪﻳﺜﻴّة اﻟﱵ ﺻنﻔﺖ وﻓق اﻟﱰتﻴﺐ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ تﻀم أﺣﺎدﻳﺚ اﻟعﻘﺎﺋﺪ‪،‬‬
‫وأﺣﺎدﻳﺚ اﻷﺣﻜﺎم وأﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺮﻗﺎﺋق‪ ،‬وأﺣﺎدﻳﺚ اﻵداب‪ ،‬واﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺘﱠﻔﺴﲑ‪،‬‬
‫واﻷﺣﺎدﻳﺚ اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺘﱠﺎرﻳخ واﻟﺴﲑ‪ ،‬وأﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻔﱳ واﳌﻼﺣم‪ ،‬وأﺣﺎدﻳﺚ اﳌنﺎﻗﺐ واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪.1‬‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ؛ ﻓﻘﺪ تﻀمن من ﻛﻞ أﺣﺎدﻳﺚ اﳉﻮامع اﳌنﻀﻮﻳّة ﲢﺖ ﻛﺘﺒه وأﺑﻮاﺑه اﻟﱵ‬ ‫وﳏﺘﻮاه ّ‬
‫تنﺎﺳﺒﻬﺎ ﰲ اﳌﻮﺿﻮع‪.‬‬
‫وأمﺎ ﻋن ﻋﺪد ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ واﻷﺑﻮاب؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺪﻫﺎ ﻃﺎﻫﺮ اﳉﺰاﺋﺮي ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وﻋﺪد ﻛﺘﺐ اﻟﺒخﺎري مﺌة‬
‫مﺌة وﺷﻲء وﻋﺪد أﺑﻮاﺑه ثﻼثة آﻻف وأرﺑع مﺌة وﲬﺴﻮن مع اﺧﺘﻼف ﻗﻠﻴﻞ ﰲ نﺴخ اﻷﺻﻮل"‪.2‬‬
‫ﻟﻴﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮع اﳉﺎمع اﻟﻮاﺳع ﰲ‬ ‫إن ﻫﺬا اﻟعﺪد اﻟﻜﺒﲑ من اﻷﺑﻮاب)‪ّ ،(3450‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﺧﺎﺻة إذا ﻋﻠمنﺎ أن ﻛﻞ ب ﻋﺒﺎرة ﻋن اﺳﺘنﺒﺎﻃﺎت دﻗﻴﻘة اﺳﺘﻔﺎدﻫﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري من‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺤة؛ ﻟﺬا ﻗﻴﻞ ﻓﻘه اﻟﺒخﺎري ﰲ تﺮاﲨه‪ ،3‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﺪﻓعنﺎ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋن ﻫﺬه‬ ‫من اﻟنصﻮص اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﳚﺎز‪.‬‬ ‫اﻟﱰاجم ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ّ‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬ ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺗﺮاﺟﻢ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻋنﺎوﻳن اﻷﺑﻮاب‪ ،‬ﻓﻘﺪ أودﻋﻬﺎ ﻛﺜﲑا ﳑﺎ اﻫﺘﺪى إﻟﻴه جﺘﻬﺎده‪ ،‬واﺳﺘنﺒﻄه‬ ‫اﳌﻘصﻮد ﺑﱰاجم اﻟ ﱠ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺑﺮاﻋﺘه ﰲ اﻟﻔﻘه واﺳﺘنﺒﺎط اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من أﺋمة اﻟﻔﻘه‬
‫واﺳﺘنﺒﻄه ﺑعﻘﻠه ﳑﺎ ّ‬
‫اﻟﻔﻘه ا ﺘﻬﺪﻳن ﻟﺬﻟﻚ جﺎء ﻛﺘﺎﺑه جﺎمعﺎ ﻟﻜﺜﲑ من اﳌﺴﺎﺋﻞ اﻟﻔﻘﻴه‪.4‬‬
‫اﻟﱰﲨة ﻟﻸﺑﻮاب ﻓﻘﺪ ﺑﻴنﻬﺎ اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه‪" :‬وﻟنﺬﻛﺮ ﺿﺎﺑﻄﺎ ﻳﺸﺘمﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎن‬ ‫وأمﺎ ﻃﺮﻳﻘﺘه ﰲ ّ‬
‫اﻟﱰاجم ﻓﻴه وﻫﻲ ﻇﺎﻫﺮة وﺧﻔﻴّة أمﺎ اﻟﻈﺎﻫﺮة ﻓﻠﻴﺲ ذﻛﺮﻫﺎ من ﻏﺮﺿنﺎ ﻫنﺎ وﻫﻲ أن تﻜﻮن‬ ‫ﺑﻴﺎن أنﻮاع ّ‬
‫اﻟﱰﲨة داﻟة ﳌﻄﺎﺑﻘة ﳌﺎ ﻳﻮرد ﰲ مﻀمنﻬﺎ وإﳕﺎ ﻓﺎﺋﺪ ﺎ اﻹﻋﻼم ﲟﺎ ورد ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺒﺎب من ﻏﲑ‬ ‫تﻜﻮن ّ‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ اﻟﺰﻫﺮاﱐ‪ ،‬تﺪوﻳن اﻟﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة نﺸأته وتﻄﻮره من اﻟﻘﺮن اﻷول إﱃ ﺎﻳة اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳع اﳍﺠﺮي‪ ،‬دار اﳍﺠﺮة ﻟﻠنﺸﺮ‬
‫‪ّ -‬‬
‫واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪.250‬‬
‫‪ -2‬ﻃﺎﻫﺮ اﳉﺰاﺋﺮي‪ ،‬تﻮجﻴه اﻟنﻈﺮ إﱃ أﺻﻮل اﻷثﺮ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح أﺑﻮ ﻏﺪة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﳌﻄﺒﻮﻋﺎت اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ﺣﻠﺐ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1416‬ﻫـ‪1995 ،‬م‪.(243/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬نﻮر اﻟﺪﻳن ﻋﱰ‪ ،‬منﻬج اﻟنﻘﺪ ﰲ ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ دمﺸق‪ ،‬ط‪1418 ،3‬ﻫـ‪1997 ،‬م‪.(198/1) ،‬‬
‫‪4‬‬
‫ﳏمﺪ أﺑﻮ زﻫﺮة‪ ،‬اﳊﺪﻳﺚ واﶈﺪثﻮن‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ اﻟعﺮﰊ‪) ،‬د‪.‬ط(‪1378 ،‬ه‪ ،‬ص‪.380‬‬‫‪ّ -‬‬
‫‪43‬‬
‫اﻋﺘﺒﺎر ﳌﻘﺪار تﻠﻚ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻛأنه ﻳﻘﻮل ﻫﺬا اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ﻓﻴه ﻛﻴﺖ وﻛﻴﺖ أو ب ذﻛﺮ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﱰﲨة ﺑﻠﻔﻆ اﳌﱰجم ﻟه أو ﺑعﻀه أو ﲟعنﺎه وﻫﺬا ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻗﺪ ﰐ‬ ‫اﳊﻜم اﻟﻔﻼﱐ مﺜﻼ وﻗﺪ تﻜﻮن ّ‬
‫اﻟﱰﲨة اﺣﺘمﺎل ﻷﻛﺜﺮ من معﲎ واﺣﺪ ﻓﻴعﲔ أﺣﺪ اﻻﺣﺘمﺎﻟﲔ ﲟﺎ ﻳﺬﻛﺮ‬ ‫من ذﻟﻚ مﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ ﻟﻔﻆ ّ‬
‫ﲢﺘﻬﺎ من اﳊﺪﻳﺚ وﻗﺪ ﻳﻮجﺪ ﻓﻴه مﺎ ﻫﻮ ﻟعﻜﺲ من ذﻟﻚ ن ﻳﻜﻮن اﻻﺣﺘمﺎل ﰲ اﳊﺪﻳﺚ‬
‫اﻟﱰﲨة ﻫنﺎ ﺑﻴﺎن ﻟﺘأوﻳﻞ ذﻟﻚ اﳊﺪﻳﺚ ﺋﺒة منﺎب ﻗﻮل اﻟﻔﻘﻴه مﺜﻼ اﳌﺮاد ﺬا‬ ‫اﻟﱰﲨة و ّ‬
‫واﻟﺘعﻴﲔ ﰲ ّ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ اﻟعﺎم اﳋصﻮص أو ﺬا اﳊﺪﻳﺚ اﳋﺎص اﻟعمﻮم إﺷعﺎرا ﻟﻘﻴّﺎس ﻟﻮجﻮد اﻟعﻠة اﳉﺎمعة أو أن‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻴه ﻇﺎﻫﺮه ﺑﻄﺮﻳق اﻷﻋﻠﻰ أو اﻷدﱏ و ﰐ ﰲ اﳌﻄﻠق‬ ‫ذﻟﻚ اﳋﺎص اﳌﺮاد ﺑه مﺎ ﻫﻮ أﻋم ﳑﺎ ّ‬
‫واﳌﻘﻴﺪ نﻈﲑ مﺎ ذﻛﺮ ﰲ اﳋﺎص واﻟعﺎم وﻛﺬا ﰲ ﺷﺮح اﳌﺸﻜﻞ وتﻔﺴﲑ اﻟﻐﺎمﺾ و وﻳﻞ اﻟﻈﺎﻫﺮ‬
‫وتﻔصﻴﻞ ا مﻞ وﻫﺬا اﳌﻮﺿع ﻫﻮ معﻈم مﺎ ﻳﺸﻜﻞ من تﺮاجم ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب وﳍﺬا اﺷﺘﻬﺮ من ﻗﻮل‬
‫ﲨع من اﻟﻔﻀﻼء ﻓﻘه اﻟﺒخﺎري ﰲ تﺮاﲨه وأﻛﺜﺮ مﺎ ﻳﻔعﻞ اﻟﺒخﺎري ذﻟﻚ إذا ﱂ ﳚﺪ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫‪1‬‬
‫ﺷﺮﻃه ﰲ اﻟﺒﺎب ﻇﺎﻫﺮ اﳌعﲎ ﰲ اﳌﻘصﺪ اﻟﺬي تﺮجم ﺑه وﻳﺴﺘنﺒط اﻟﻔﻘه منه"‪.‬‬
‫اﻟﱰﲨة ﺑﺪﻗة‪،‬‬‫وﻗﺪ أوردت ﻛﻼم اﳊﺎﻓﻆ اﺑن ﺣﺠﺮ ﺑﻄﻮﻟه ﻟﺪﻻﻟﺘه ﻋﻠﻰ منﻬج اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪،‬‬ ‫اﻟﱰاجم ﲤﺜﻞ جﺎنﺐ اﻟصنﺎﻋة اﻟﻔﻘﻬﻴّة ﰲ اﻟ ﱠ‬ ‫ﻓﻘﺪ ﻗﺴمﻬﺎ إﱃ تﺮاجم ﻇﺎﻫﺮة وﺧﻔﻴّة‪ ،‬وﺑﲔ أن ّ‬
‫اﻟﱰﲨة ومﺎ انﻄﻮى ﲢﺘﻬﺎ من اﳌﺮو ت‪.‬‬ ‫ﺑﻄﺮﻳﻘة ﻟﻄﻴﻔة ﻻ تﺪرك إﻻ ﺑﺘأمﻞ اﳌنﺎﺳﺒة ﺑﲔ ّ‬
‫ﺼﺤﻴﺢ‬ ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻐﺰوات وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﻜﺘﺐ اﳉﺎﻣﻊ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ من اﻟﻜﺘﺐ اﳉﺎمعة ﻷنﻮاع ﺷﱴ من اﻟعﻠﻮم واﳌعﺎرف‪ ،‬وﻳﻠﺤﻆ‬ ‫ﻗﺪ تﺒﲔ ﳑﺎ ﺳﺒق أن اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫ذﻟﻚ من ﻛﺜﺮة ﻛﺘﺒه‪ ،‬وأﺑﻮاﺑه وتنﻮع مﻀﺎمﻴنﻬﺎ‪ ،‬وﻟﻘﺪ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋﺘﺒﺎر أن مﻮﺿﻮﻋﻬﺎ اﻹﺳﻼم‬
‫ﺣﺎﺿﺮة ﰲ ﻛﻞ ﻛﺘﺎب من ﻛﺘﺒه ﺑﻞ ﰲ ﻛﻞ ب من أﺑﻮاﺑه‪ ،‬أمﺎ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻐﺰوات‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻳﺘﺒﲔ ذﻟﻚ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬ ‫ﲢﺪﻳﺪا ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن ﳍﺎ نصﻴﺐ واﻓﺮ ﰲ اﻟ ﱠ‬

‫‪ .1‬إﻓﺮاد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﳌﻐﺎزي ﺑﻜﺘﺎب ﺧﺎص أورد ﻓﻴه اﳌﻐﺎزي من أول ﻏﺰوة إﱃ آﺧﺮ ﺑعﺚ ﺑعﺜه‬
‫اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻗﺪ ﺿمنه اﻟﻐﺰوات واﻟ ﱠﺴﺮا واﻟﺒعﻮث واﻟﻮﻓﻮد ومﻜﺎتﺒة اﳌﻠﻮك‪ ،‬وﻏﲑ ذﻟﻚ ﳑﺎ ﻫﻮ ُم َﺴﺒﱠﺐ‬
‫ﻋن اﻟﻐﺰوات‪ ،‬أو ﺳﺒﺐ ﳍﺎ‪.2‬‬

‫‪-1‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(13/1) ،‬‬

‫‪-2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪(16-6) ،(71/5) ،‬‬
‫‪44‬‬
 ‫‪ .2‬وجﻮد ﻛﺘﺐ ﰲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﳍﺎ ﻋﻼﻗة مﺒﺎﺷﺮة ﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻫﻲ ثﻼث ﻛﺘﺐ رﺋﻴﺴة‪:‬‬
‫‪" ‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ"‪.1‬‬
‫‪" ‬ﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳّﺔ"‪.2‬‬
‫‪" ‬ﻛﺘﺎب ﻓﺮض اﳋﻤﺲ"‪. 3‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟﻜﺘﺐ ﻗﺪ اﲣﺬت مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻛمﺎدة أﺳﺎﺳﻴّة ﳍﺎ‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من تﺮاجم أﺑﻮا ﺎ‬
‫واﳌﺮو ت اﳌﺴنﺪة ﲢﺘﻬﺎ ‪.4‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﻛﺘﺒﺎ ﳍﺎ ﺻﻠة ﻏﲑ مﺒﺎﺷﺮة ﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومن ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ‪:‬‬‫‪.3‬تﻀمن اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫‪5‬‬
‫"ﻛﺘﺎب اﳌﻨﺎﻗﺐ" ؛ اﻟﺬي تنﺎول ﻗﻀﺎ من ّ‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﺧصﻮﺻﺎ مﺎ تعﻠق ﲟﺎ ﻗﺒﻞ اﳌﺒعﺚ‪ ،‬وﺑعﺾ‬
‫اﳋصﺎﺋﺺ اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬و" ﻛﺘﺎب أﺻﺤﺎب اﻟﻨّﱯ‪ ،"‬و "ﻛﺘﺎب ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻷﻧﺼﺎر"؛ اﻟﺬي ﺧصصه‬
‫ﳌنﺎﻗﺐ اﻷنصﺎر‪.6‬‬
‫صـﺤﺎﺑة ﻟﻠﻐـﺰوات؛ ﻓﻬـم جنﻮدﻫـﺎ‪ ،‬وﻗﺎد ـﺎ‪ ،‬ومـﺪﻋﻮﻳﻬﺎ‪ ،‬ودﻋﺎ ـﺎ‪ ،‬ومـﺎ‬ ‫وﻻ ﲣﻔﻰ منﺎﺳﺒة منﺎﻗﺐ اﻟ ﱠ‬
‫وﺻﻠﺘنﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي إﻻ ﻋن ﻃﺮﻳﻘﻬم ‪ ،‬ﻗـﺎل زﻳـن اﻟعﺎﺑـﺪﻳن ﻋﻠـﻲ ﺑـن اﳊﺴـﲔ ﺑـن ﻋﻠـﻲ‪" :‬ﻛنـﺎ نُعﻠـم‬
‫مﻐﺎزي رﺳﻮل ﷲ ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬ﻛمﺎ نعﻠم اﻟﺴﻮرة من اﻟﻘﺮآن"‪.7‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺴﲑ‪" :‬ﲨع ﺳﲑة وأﻃﻠق ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﳉﻬﺎد ﻷ ﺎ مﺘﻠﻘﺎة من أﺣﻮال اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺘﻬﺎ اﳌﺒﺎﺷﺮة ﳌﻐﺎزي وأﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫اﻟﺒﺎري‪ ،(4/6) ،‬ومن ﰒﱠ ﻓﺈن تﺴمﻴة اﻟﻜﺘﺎب ت ّ‬
‫‪ -2‬اﳉﺰﻳﺔ‪ :‬ﻗﺎل اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪" :‬ﻫﻲ مﺎل مأﺧﻮذ من أﻫﻞ اﻟﺬمة ﻹﺳﻜﺎننﺎ إ ﻫم ﰲ دار أو ﳊﻘن دمﺎﺋﻬم وذرارﻳﻬم وأمﻮاﳍم أو‬
‫ﻟﻜﻔنﺎ ﻋن ﻗﺘﺎﳍم "‪ ،‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري‪ ،(229/5) ،‬اﺳم اﻟﻜﺘﺎب منﺎﺳﺐ ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﻐﺰوات‪ ،‬ﻓأﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫اﶈﺎرﺑﲔ ﻳﻘﺎتﻠﻮن‪ ،‬وﻗﺒﻞ ﻗﺘﺎﳍم ﻳﺪﻋﻮن إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬أو دﻓع اﳉﺰﻳة مع ﺑﻘﺎﺋﻬم ﻋﻠﻰ د نﺘﻬم‪ ،‬وإﳕﺎ أﺧﺬت ﻫﺬه اﻷﺣﻜﺎم من ﻓعﻞ‬
‫ﺪل ﻋﻠﻴه مﻀمﻮن اﻟﻜﺘﺎب‪.‬‬
‫اﻟنّﱯ‪ ‬من ﺧﻼل مﻐﺎزﻳه وﺳﲑه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳ ّ‬
‫‪ -3‬اﳋﻤﺲ‪ :‬اﳌﺮاد ﳋمﺲ ﲬﺲ اﻟﻐنﻴمة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬مﺎ ﻳﺆﺧﺬ من اﻟﻐنﻴمة واﳌﺮاد ﺑﻘﻮﻟه ﻓﺮض اﳋمﺲ أي وﻗﺖ ﻓﺮﺿه أو‬
‫ﻛﻴﻔﻴة ﻓﺮﺿه أو ثﺒﻮت ﻓﺮﺿه"‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(198/6) ،‬ومنﺎﺳﺒة ذﻟﻚ ﻟﻠمﻐﺎزي ﺑﻴنة ﻓمﺎ اﻟﻐنﺎﺋم إﻻ نﺘﻴﺠة من‬
‫نﺘﺎﺋﺠﻬﺎ‪.‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(96/4) ،(78/4) ،(14/4) ،‬‬
‫‪ -5‬اﳌﻨﺎﻗﺐ‪:‬ﲨع منﻘﺒة‪ ،‬وﻫﻲ اﳌﻔﺎﺧﺮ‪ ،‬و اﳌﻜﺎرم‪ ،‬و اﳌخﺎﺑﺮ‪ ،‬واﳌﺂثﺮ‪ ،‬واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح‬
‫ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(2/6) ،‬‬
‫‪ -6‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(30/5) ،(2/5) ،(177/4) ،‬‬
‫‪ -7‬ﺳعﺪ اﳌﺮﺻﻔﻲ‪ ،‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ ﻟﻠﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ ‪ 2009 ،‬م‪.(51/1) ،‬‬
‫‪45‬‬
‫ﺎب ﺗَـ ْﻔ ِﺴ ِﲑ اﻟﻘﺮآن "‪ 1‬من‬ ‫ِ‬
‫‪ .4‬اﺣﺘﻮاء ﺑعﺾ اﻟﻜﺘﺐ ﻟﱰاجم‪ ،‬ومﺮو ت تﺘعﻠق ﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻳعﺪ " ﻛﺘَ ُ‬
‫أﻛﺜﺮ اﻟﻜﺘﺐ ﻋﻼﻗة ﳌﻐﺎزي‪ ،‬وذﻟﻚ من ﺧﻼل تﻔﺴﲑ اﻵ ت اﻟﻮاردة ﰲ مﻮﺿﻮﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓأنه ﻳﻮرد‬
‫اﻵ ت اﻟﻮاردة ﰲ اﻟﻐﺰوة وﳚعﻠﻬﺎ تﺮاجم ﻟﻸﺑﻮاب‪ ،‬وأﺣﻴﺎ ﻳﺸﺮح ﺑعﺾ اﻟﻐﺮﻳﺐ‪ ،‬أو ﰐ ﺑﺒعﺾ مﺎ‬
‫اﻟﺮوا ت اﳌﺘعﻠﻘة اﻵﻳّة‪ ،‬من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي مﺴنﺪة ﻋﻠﻰ‬ ‫مﺎ جﺎء ﻓﻴﻬﺎ من تﻔﺴﲑ معﻠﻘﺎ‪ ،‬ﰒ ﻳﻮرد ِّ‬
‫ﺷﺮﻃه‪.‬‬
‫اﻟﱰاجم‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ أورد اﻵ ت اﻟﱵ نﺰﻟﺖ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وجعﻠﻬﺎ تﺮاجم ﻟﻜﺘﺎب اﻟﺘﱠﻔﺴﲑ وﻓق منﻬﺠه ﰲ ّ‬
‫صﺤﻴﺤة اﳌﺴنﺪة‪.‬‬‫ﰒ ﻳﺴﺮد مﺎ ﻳنﺎﺳﺐ اﻵﻳّة أو اﻵ ت من اﳌﺮو ت اﻟ ﱠ‬
‫َْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ﻓﻘﺪ تﺮجم ﻟﻜﺘﺎب اﻟﺘﱠﻔﺴﲑ ت ﻛﺜﲑة من آ ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪ :‬ب ٱچ ٱل َس ك م َِن ﻻم ِر‬
‫ْ َُ َ َ‬
‫ون چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[128 :‬ب ﻗﻮﻟه‪ :‬چ ٱ َسـ ٔ ونك‬ ‫وب َعلَيْه ُم ٓۥ أَ ْو يُ َع ِّذ َ ُه ْم فﺄن ْ َ ُ َ‬ ‫ﻻ َ ْمر َ ْ ٌء ْو َ ُت َ‬
‫هم ٰلِم ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ﷲ َوا رسول فَﺎ قوا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﷲ َو َرسو ُ ٓۥ إِن كنتم‬ ‫ﷲ َوأ ْصلِحوا ذات ب َ نِك ْ ۖم َوأطِيعوا‬ ‫ﺎل ﻗ ِل ﻻنفﺎل ِ ِ‬ ‫ع ِن ﻻنف ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِين خلِفو َح ِإذا ضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ﻻ ض ب ِ َمﺎ َرحبَت‬ ‫ث ِة‬ ‫مو ِمن ِ َ ۖ ٱچ]اﻷنﻔﺎل‪ ،[01 :‬ب چ ٱو‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ٓ َ‬ ‫َْ ََ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ﷲ ه َو واب‬ ‫ﺎب َعليْ ِه ْم ِ َتو ٓو أن‬ ‫ﷲ إِﻻ إ ِ ْ ِه ثم ت‬ ‫جﺄ م َِن ِ‬ ‫َوضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ٓۥ أنفس ُه ْم َوظن ٓوا أن ﻻ مل‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ ََ ُْ‬ ‫َََْ ُ َْ َ ْ َ ْ ُ‬
‫جبَتك ْم ك َ تك ْم ف ْم تغ ِن َعنك ْم‬ ‫ِيم چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[118 :‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱو وم حن ٍ ذ ع‬ ‫ُ‬
‫رح ۖ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ ْ َ ٗ َ َ َ ْ َ َْ ُ ُ َ ُ َ َ ُ َ ْ‬
‫ن چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[26 :‬ب ﻗﻮﻟه‪ :‬ٱچٱ َمﺎ‬ ‫ْ‬
‫عنكم ش ﺎ وضﺎﻗت عليكم ﻻ ض بِمﺎ رحبت ثم و ْتم مدب ِ ِر َ ۖ‬
‫َ َ َٓ ُ ُ ْ ُ َٰ ُ ُ َٰ َٰ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ّ َ ‪2‬‬ ‫ََ ُْ ّ‬
‫وه ۖنچ ]اﳌمﺘﺤنة‪،[10 :‬‬ ‫ت فﺎمتحِ ن‬ ‫ج ٖ‬‫طعتم مِن ِ ن ٍة چ ]اﳊﺸﺮ‪ ،[05 :‬بٱچ ٱإِذا جﺎءكم لمو ِم ت م ِ‬
‫ﷲ َح ٰ يَ َنفضو چ ]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،[7 :‬ب‬ ‫َ َُ‬ ‫ون ﻻ َ تُنف ُقوا ْ َ َ َ ْ‬ ‫ِين َ ُقو ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب ﻗﻮﻟه‪ :‬ٱچ ٱه ُم‬
‫ول ِ‬ ‫ٰ من عِند رس ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ٓ‬ ‫ٗ‬ ‫ٗ‬ ‫ََ َْ َ َ‬
‫ك َ تْحﺎ مبِ نﺎ چ]اﻟﻔﺘﺢ‪ [1 :‬ب ﻗﻮﻟه‪:‬ٱچٱإِذَا َجﺎ َء نَ ْ ُ ﷲِ َوال َفتْ ُح چ ]اﻟنﱠصﺮ‪.3 [01 :‬‬ ‫چٱأنﺎ تحنﺎ‬
‫اﻟﱰاجم اﻟﻘﺮآن ﻳّة تﺸﲑ إﱃ اﳌﻐﺎزي وﺣﻮادثﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎرت ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﱄ إﱃ ﻏﺰوات‪:‬‬
‫ﻓﻜﻞ ﻫﺬه ّ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(16/6) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻟﻴنة‪ :‬ﻫﻲ ﺻنﻒ من اﻟنخﻞ‪ ،‬وذُﻛﺮ أن ﲣصﻴصﻬﺎ ﻟﺬﻛﺮ إﳝﺎء إﱃ أن اﻟﺬي ﳚﻮز ﻗﻄعه من ﺷﺠﺮ اﻟعﺪو مﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن معﺪا‬
‫ﻟﻼﻗﺘﻴﺎت ﻷ م ﻛﺎنﻮا ﻳﻘﺘﺎتﻮن اﻟعﺠﻮة‪ ،‬واﻟﱪﱐ دون اﻟﻠﻴنة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪،(33/7) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪،(149 /6) ،(147 /6) ،(135 /6) ،(70 /6) ،(61 /6) ،(38 /6) ،(153 /5) ،‬‬
‫)‪.(179 /6) ،(154 /6‬‬
‫‪46‬‬
 ‫أﺣﺪ‪ ،‬ﺑﺪر‪ ،‬تﺒﻮك‪ ،‬ﺣنﲔ‪ ،‬ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،1‬اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬ﺧﻴﱪ‪ ،‬اﻟﻔﺘﺢ‪.2‬‬
‫اﻟﱰاجم‬
‫صﺤﻴﺢ ﰲ اﳌﺮتﺒة اﻟﺜﺎنﻴّة من ﺣﻴﺚ تﻀمنﻬﺎ ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﺑعﺾ ّ‬‫و ﰐ ﻗﻲ ﻛﺘﺐ اﻟ ﱠ‬
‫ذات اﻟصﻠة ﺎ‪ ،‬مع تﻔﺎوت ﻓﻴمﺎ ﺑﻴنﻬﺎ‪ ،‬ﰲ ﻋﺪد اﳌﺮو ت‪.‬‬
‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ ورد ﰲ‪" :‬ﻛﺘﺎب اﻹﳝﺎن" ب‪ :‬أداء اﳋمﺲ من اﻹﳝﺎن‪" ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف"‬
‫صﻼة ﻋنﺪ منﺎﻫﻀة اﳊصﻮن وﻟﻘﺎء اﻟعﺪو‪" ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﺰارﻋﺔ" ب‪ :‬اﳌﺰارﻋة ﻟﺸﻄﺮ وﳓﻮه‪،‬‬
‫ب‪ :‬اﻟ ﱠ‬
‫وﳓﻮه‪" ، ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ واﻟﻐﺼﺐ" ب‪ :‬ﻫﻞ تﻜﺴﺮ اﻟﺪ ن اﻟﱵ ﻓﻴﻬﺎ اﳋمﺮ‪ ،‬أو ﲣﺮق اﻟﺰﻗﺎق‪ ،‬ﻓﺈ ْن‬
‫ﻓﺈ ْن ﻛﺴﺮ ﺻنمﺎ‪ ،‬أو ﺻﻠﻴﺒﺎ‪ ،‬أو ﻃنﺒﻮرا‪ ،‬أو مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﲞﺸﺒه‪ ،‬و"ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺮﻛﺔ" ب مﺸﺎرﻛة‬
‫اﻟﺬمﻲ واﳌﺸﺮﻛﲔ ﰲ اﳌﺰارﻋة‪ ،‬و"ﻛﺘﺎب اﻟﺼﻠﺢ" ب اﻟصﻠﺢ مع اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬و "ﻛﺘﺎب اﻟﻨﻜﺎح"‪،‬‬
‫ب تﺰوﻳج اﻟﺜﻴﺒﺎت‪" ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺪر" ب اﻷﻋمﺎل ﳋﻮاتﻴم‪" ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺪ ت"‪ ،‬ب إذا ﻋﺾ‬
‫رجﻼ ﻓﻮﻗعﺖ ثنﺎ ه‪ ،‬و"ﻛﺘﺎب اﻷﺣﻜﺎم" ب‪ :‬ﻫﻞ ﻟﻺمﺎم أن ﳝنع ا ﺮمﲔ وأﻫﻞ اﳌعصﻴّة من‬
‫ُ َ ُ ْ َٰ ُ َْ ُ ْ‬
‫ﺎر ٔے ل ُم َص ّ ِو ُر ۖ چ‬
‫ِ‬ ‫اﻟﻜﻼم معه واﻟﺰ رة و ﳓﻮه‪" ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ"‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ‪ :‬چٱهو ﷲ ۬ل لِق‬
‫]اﳊﺸﺮ‪ ،[24 :‬وﻏﲑﻫﺎ من اﳌﻮاﺿع‪.3‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﺧﺸﻴّة اﻟﺘﻄﻮﻳﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘّمﻬﻴﺪ‪ ،‬وأﺣﺴﺐ أن‬ ‫ﻓﻘﺪ اﻛﺘﻔﻴﺖ ﻟﺘمﺜﻴﻞ ﺬه اﳌﻮاﺿع من اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﰲ ﻛﺘﺐ ﳐﺘﻠﻔة ذات مﻀﺎمﲔ‬ ‫ﻫﺬا اﻟﻘﺪر ﻛﺎف ﻟﺒﻴﺎن امﺘﺪاد مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﺳﻴأﰐ ﺑﺴﻄه‬ ‫مﺘعﺪدة‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ إﺷﺎرة إﱃ تعﺪد اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﰲ ثنﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬اﻟﱵ تﺘمﺮﻛﺰ أﺳﺎﺳﺎ‬ ‫ومن ﻫنﺎ أﺧﻠﺺ إﱃ أن مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﺣﺎﺿﺮة ﺑﻜﺜﺎﻓة ﰲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﻟﺬي ﺑﺪأه ول ﻏﺰوة ﻏﺰاﻫﺎ اﻟنّﱯ‪ ،‬وﺧﺘمه ﺑﱰﲨة ﻛخﺎﲤة ﻟﻠﻜﺘﺎب ﻋﺪد ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻋﺪد اﻟﻐﺰوات‪.‬‬

‫‪ -1‬ﺑﻨﻮ اﻟﻨﻀﲑ‪ :‬اﺳم ﻗﺒﻴﻠة ﻳﻬﻮدﻳّة ﻛﺎنﺖ تﺴﻜن ﳌﺪﻳنة ﳑن وﻓﺪوا إﱃ اﳌﺪﻳنة ﰲ اﻟعصﺮ اﳉﺎﻫﻠﻲ‪ ،‬وﱂ ﻳﻜن ﳍم ﺣق ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻷ م‬
‫ﱂ ﻳﻜﻮنﻮا من اﻟعﺮب‪ ،‬ﻛأ ّن ﺑنﻮ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬وﺑنﻮ ﻗﺮﻳﻈة ﻳﺴﻜنﻮن اﻟعﻮاﱄ‪ .‬ومن مﻮاﻃنﻬم‪» :‬وادي ﺑﻄﺤﺎن« و »اﻟﺒﻮﻳﺮة«‪ ،‬ﻓﻐﺰاﻫم‬
‫رﺳﻮل ﷲ ﺳنة أرﺑع ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬وﻓﺘﺢ ﺣصﻮ م‪ .‬ﷴ ﺷﺮاب‪ ،‬اﳌعﺎﱂ اﻷثﲑة ﰲ اﻟﺴنة واﻟﺴﲑة‪.(288/1) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺪ ورد ﻋن ﳎﺎﻫﺪ أن اﳌﺮاد ﻟﻔﺘﺢ ﻓﺘﺢ ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺒﻐﻮي‪ ،‬معﺎﱂ اﻟﺘنﺰﻳﻞ ﰲ‬
‫تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﳌﻬﺪي‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت ط ‪1420 ،1‬ه‪.(222/4) ،‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﱰاجم ومﺎ انﻄﻮى ﲢﺘﻬﺎ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﳌﻮاﺿع اﻟﺘﺎﻟﻴة من اﻟصﺤﻴﺢ‪،(15/2) ،(20/1):‬‬ ‫‪-‬ﻳنﻈﺮ مﻈﺎن ﻫﺬه ّ‬
‫)‪.(121/9) ،(82/9) ،(8/9) ،(124/8) ،(124/8) ،(5/7) ،(185/3) ،(140/3) ،(136/3) ،(104/3‬‬
‫‪47‬‬
‫ﰒﱠ تﺘﻔﺮع وﻓق منﻬﺠه ﰲ تﻜﺮار اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻛﺘﺐ مﺘعﺪدة منﻬﺎ مﺎﻟه ﺻﻠة مﺒﺎﺷﺮة ﳌﻐﺎزي‪ ،‬وأﺧﺺ‬
‫منﻬﺎ ثﻼثة ﻛﺘﺐ‪ :‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬اﻟﺬي ﺿمنه تﺮاجم اﺳﺘمﺪﻫﺎ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ‬
‫ﲟﺜﺎﺑة ﻗﻮاﻋﺪ وأﺻﻮل اﳉﻬﺎد‪ ،‬وﻛﺘﺎب ﻓﺮض اﳋمﺲ وﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳّة‪ ،‬وﳘﺎ ﻛﺘﺎ ن ﺻﻴﻠﻴﺎن ﻟﻘﻀﻴّة‬
‫اﳌﻐﺎزي واﳉﺰﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻀمنﺎ ﻗﻮاﻋﺪ اﺳﺘمﺪت من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟﺘّﻄﺒﻴق ااﻟنﱠمﻮذجﻲ‬
‫ﻟﻠﺘعﺎمﻞ مع اﻟﻘﻀﺎ اﳌﺎﻟﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻐﺰوات‪ ،‬واﻟﺘّعﺎمﻞ مع أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﲟصﺎﳊﺘﻬم وأﺧﺬ اﳉﺰﻳّة‬
‫منﻬم‪...‬‬
‫صﺤﻴﺢ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﳌﺎ تﻀمنﺘه من ﻓﻘه ﻳﺴﺘنﺒﻄه‬ ‫وﱂ ﲣﻞ ﻗﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﳌﺘنﻮﻋة ﻟﻠﺠﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري وﻳﻀمنه تﺮاجم ﻛﺘﺎﺑه‪ ،‬وﻗﺪ تﻮﺻﻠﺖ إﱃ أن أﻛﺜﺮ اﻟﻜﺘﺐ ﺑعﺪ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺴﺎﻟﻔة تﻀمنﺎ‬
‫ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻔﺴﲑ من اﳉﺎمع‪ ،‬ﻓﻘﺪ جعﻞ اﻟﻜﺜﲑ من اﻵ ت اﻟﻮاردة ﰲ اﳌﻐﺎزي تﺮاجم‬
‫ﻟﻠﻜﺘﺎب ﰒﱠ أردﻓﻬﺎ ﲟﺮو ت اﳌﻐﺎزي من ﻗﺒﻴﻞ تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن ﻟ ﱡﺴنﱠة‪.‬‬
‫و ﺬا اﻟﺘّمﻬﻴﺪ اﳌﻮجﺰ أﻛﻮن ﻗﺪ ﺿﺒﻄﺖ مصﻄﻠﺤﺎت اﻟعنﻮان اﻷﺳﺎﺳﻴّة مﺒﻴنﺎ اﳌﺮاد منﻬﺎ ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة‪،‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬مﱪزا اﻟعﻼﻗة اﻟﻮﻃﻴﺪة ﺑﻴنه‪ ،‬وﺑﲔ‬ ‫وﻋﺮﻓﺖ ﺑﺸخصﻴّة اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﻛﺘﺎﺑه اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫اﻹﺷﻜﺎﻟﻴّة اﻟﱵ ﺳﺘﺘﻮﱃ اﻟ ِّﺪراﺳة اﻹجﺎﺑة ﻋنﻬﺎ من ﺧﻼل اﻟﻔصﻮل اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪.‬‬

‫‪48‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‬
‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﻴﺔ‬

‫وﻓﻴﻪ ﻣﺒﺤﺜﺎن‪:‬‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﻘﺪي ة‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺔ‬

‫‪49‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‬
‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﻴّﺔ‬
‫إن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟ ّﺪﻳنﻴّة ﻋمﻮمﺎ واﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻋﻠﻰ وجه اﳋصﻮص ﻻ تﺘﻮﻗﻒ ﻋنﺪ اﻟﺒعﺪ اﻻتصﺎﱄ‬
‫ﻓﺤﱴ تﺘﻜﺎمﻞ اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻳنﺒﻐﻲ أن تﻘﻮم‬
‫اﻟﺘﱠﺒﻠﻴﻐﻲ ﻓﺤﺴﺐ ‪-‬رﻏم أﳘﻴﺘه ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪ّ ،-‬‬
‫ﻋﻠﻰ أﺳﺲ وأﺻﻮل‪ ،‬تﺴﺘمﺪ منﻬﺎ ﻗﻮ ﺎ وﺣﺠﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻟﺘﺤ ِّﻘق ﺑﻘﺎءﻫﺎ واﺳﺘمﺮارﻫﺎ‪ ،‬وﻟعﻞ اﻟﺬي ﻳﻀمن‬
‫ﳍﺎ ذﻟﻚ ارتﻜﺎزﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺣﻲ اﳋﺎﻟﺪ اﳌﻬﻴمن ﻋﻠﻰ اﻟﺰمﺎن واﳌﻜﺎن‪ ،‬واﳌﺴﺘﻮﻋﺐ ﻟﻠنﻮازل واﻟﻄﻮارئ‪،‬‬
‫واﳊﻮادث اﻟﻼمﺘنﺎﻫﻴّة‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﻫﻲ اﻟنمﻮذج اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺬي تﻜﺎمﻠﺖ ﻓﻴه ﻛﻞ ﻋنﺎﺻﺮ اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪،‬‬
‫وﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﻜﱪى‪ ،‬اﻟﱵ ﺷﻐﻠﺖ ﺣﻴﺰا زمﺎنﻴﺎ وجﻐﺮاﻓﻴﺎ من ﺣﺮﻛة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ‬
‫اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬ﻓﻼ ﺷﻚ أن اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎن مﺒنﻴﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﻋﻘﺪﻳّة؛ ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟعﻘﻴﺪة‬
‫ﻫﻲ اﳌنﻄﻠق اﻷول اﻟﺬي تنﻄﻠق منه ﻛﻞ اﻟﺪاﻋﻮت ﰲ ﺑعﺪﻫﺎ اﻟﺘصﻮري اﻟﻔﻜﺮي‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﱰجم ﺑعﺪ‬
‫ﺣﱴ ﻻ ﲢﻴﺪ وﻻ تنﺤﺮف ﻋن‬ ‫ذﻟﻚ إﱃ تصﺪﻳﻘﺎت ﻋمﻠﻴّة‪ ،‬ﲢﺘﺎج إﱃ أن تﻀﺒط ﺻﻮل تﺸﺮﻳعﻴّة؛ ّ‬
‫مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﺎمة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وﻗصﺪ ﺑﻴﺎن ﻫﺬه اﻷﺳﺲ واﻷﺻﻮل اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة ‪ ،‬ومﺪى ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﰲ اﳌﻐﺎزي من ﺧﻼل‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬جﺎء ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ ﻟﻴﺘﻮﱃ دراﺳﺘﻬﺎ ﰲ مﺒﺤﺜﲔ‪:‬‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﻘﺪﻳّﺔ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ‬

‫ﱂ أدرج اﳌﻀمﻮن اﳌﺘعﻠق ﻷﺧﻼق ﰲ اﻟﺒعﺪ اﻟﺮﺳﺎﱄ‪ ،‬ﻷ ﺎ مﺮتﺒﻄة ﺑﺸﻜﻞ مﺒﺎﺷﺮ ﺑﺴﻠﻮك اﻟﺪﱠاﻋﻴة واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﻟﺬا‬ ‫‪-1‬‬
‫اﺳﺘﺤﺴنﺖ اﻟﺘعﺮض ﳍﺎ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻟﺬي ﺧصصﺘه ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴة ﲡنﺒﺎ ﻟﻠﺤﺸﻮ واﻟﺘﻜﺮار‪.‬‬
‫‪50‬‬
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪:‬‬
‫ـﺪﻳّﺔ‬ ‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﻖ‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻠمﻀمﻮن اﻟعﻘﺪي ﺣﻀﻮرا مﻜﺜﻔﺎ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮات اﻟ ّﺪﻳنﻴّة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪،‬‬
‫وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ جﻠﻴﺎ ﰲ اﳊﻴﺰ اﻟﺬي تﺸﻐﻠه اﳌﻮاﺿﻴع اﻟعﻘﺪﻳّة من نصﻮص اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪.‬‬
‫ونﻈﺮا ﻟﺘﻠﻚ اﳌﻜﺎن‬
‫ة اﻟﱵ تﺒﻮأ ﺎ اﻟعﻘﻴﺪة من اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻬﻲ منﻬﺎ ﲟﺜﺎﺑة اﻟﱠﺮأس ﻟﻠﺠﺴﺪ‪ ،‬واﻷﺳﺎس ﻟنﺴﺒة ﻟﻠﺒنﺎء‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫رأﻳﺖ أن أﻓﺘﺘﺢ اﻟﻔصﻞ اﻷول من ﻫﺬه اﻟ ِّﺪراﺳة ﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﻛمﺤﻮر من ﳏﺎور اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟنﱠﺒﻮﻳة؛ ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋن مﺪى ﻋنﺎﻳّة اﻟنّﱯ‪ ‬ﺎ ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وأثﺮ تﻠﻚ اﻟعنﺎﻳّة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻔ ﱠعﺎﻟﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ ﻫﺬا اﳌﻴﺪان اﳊﺴﺎس‪.‬‬
‫مع اﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ أنﲏ ﻻ أرﻳﺪ اﺳﺘﻘصﺎء اﳌﺴﺎﺋﻞ واﻟﻘﻀﺎ اﻟعﻘﺪﻳّة اﳉﺰﺋﻴّة‪ ،‬وإﳕﺎ اﳌﺮاد ﻫﻮ تﺘﺒع اﳌنﻬج‬
‫صﺤﻴﺤة‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ اﻟنﻔﻮس‪ ،‬وﺑﻴﺎن مﺎ‬ ‫اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي اﻟﺬي ﺳﻠﻜه اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ اﻟعﻘﻴﺪة اﻟ ﱠ‬
‫ﻳﻀﺎدﻫﺎ من اﻟﺸﺮك ﲟخﺘﻠﻒ أﺷﻜﺎﻟه ومﻈﺎﻫﺮه‪ ،‬من ﺧﻼل مﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴه من مﻮاﻗﻒ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫صﺤﻴﺢ‪.‬‬‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬اﻟﻮاردة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫وﺳﻴﺘم اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ أﺻﻮل اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة اﻟﻜﱪى؛ اﻟﱵ تﺸﻜﻞ اﳌنﻄﻠﻘﺎت‪ ،‬واﻷﺳﺲ اﻟﱵ ﻳﺮتﻜﺰ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻻت اﻟ ّﺪﻳنﻴّة‪ ،‬ﻋﱪ مﺮاﺣﻠﻬﺎ‪ ،‬ومﺴﺘﻮ ﺎ اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﰲ مﻄﻠﺒﲔ‪:‬‬ ‫ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒنﺎء اﻟﺪﱠﻋﻮي ﰲ ﻛﻞ ِّ‬

‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﻘﺪﻳّﺔ اﱂ ﺗﻌﻠﻘﺔ ﻹﳍﻴﺎت‪.‬‬

‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﻘﺪﻳّﺔ اﱂ ﺗﻌﻠﻘﺔ ﻟﺴﻤﻌﻴﺎت‬

‫‪51‬‬
 ‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪:‬‬
‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻹﳍﻴﺎت‪.‬‬
‫ﳛﺘﻞ ﳏﻮر اﻹﳍﻴﺎت ﺻﺪارة اﳌﺒﺎﺣﺚ اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﻓﻬﻮ من ﳏﺎورﻫﺎ اﻟﻜﱪى‪ ،‬ﺑﻞ ﳏﻮرﻫﺎ اﻷﺻﻠﻲ اﻟﺬي‬
‫تﺘﻔﺮع ﻋنه اﻷﺻﻮل اﻟعﻘﺪﻳّة اﻷﺧﺮى‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﺎد ﳜﻠﻮ مﻀمﻮن دﻋﻮي من اﻟﺘعﺮض ﻟه‬
‫تﺪل ﻋﻞ ذﻟﻚ دﻋﻮات ﻟﻸنﺒﻴﺎء واﳌﺮﺳﻠﲔ ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم اﻟﱵ تﻀمنﻬﺎ اﻟﻘصﺺ‬ ‫واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه‪ ،‬ﻛمﺎ ّ‬
‫اﻟﻘﺮآن ي اﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺧﺎﲤة تﻠﻚ اﻟﺘﺠﺎرب‪ ،‬وﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة مﻴﺪا من مﻴﺎدﻳنﻬﺎ‪،‬‬
‫جﺎء ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﰲ ﻃﻠﻴعة ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ ﻟﻴﺘﻮﱃ ﻟ ِّﺪراﺳة مﺒﺤﺚ اﻹﳍﻴﺎت ﰲ ﻫﺬا اﳌﻴﺪان اﳊﻴﻮي من‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة انﻄﻼﻗﺎ من ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﳏﺎوﻻ اﻹجﺎﺑة ﻋن اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺘﱠﺎﱄ‪:‬‬
‫ّ‬
‫صﺤﻴﺢ؟‬ ‫مﺎ أﻫم اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﶈﻮر اﻹﳍﻴﺎت اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫وﺳﻮف تﺘم اﻹجﺎﺑة ﻋن ﻫﺬا اﻟﺘﺴﺎؤل ﻋﱪ ﻓﺮﻋﲔ‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﳌﻌﺮﻓﺔ واﻹﺛﺒﺎت‬
‫ﻳعﺪ تﻮﺣﻴﺪ اﳌعﺮﻓة واﻹثﺒﺎت من ﻗﻀﺎ اﻹﳍﻴﺎت اﳉﻮﻫﺮﻳّة‪ ،‬ومن ﳏﺎورﻫﺎ اﻟﻜﱪى اﻟﱵ ﻻ ﳜﻠﻮ منﻬﺎ‬
‫ِ‬
‫اﻟصﻔﺎت‪.‬‬
‫مﻀمﻮن ﻋﻘﺪي ﰲ أي دﻋﻮة من اﻟ ّﺪﻋﻮات‪ ،‬ذﻟﻚ أنه ﻳﺘنﺎول تﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴّة‪ ،‬واﻷﲰﺎء و ّ‬

‫وﻟﺒﻴﺎن أﳘﻴﺘه ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة وﺣﻀﻮره ﰲ اﳌﻐﺎزي؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ جﺰء من اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬جﺎء ﻫﺬا‬
‫اﻟعنصﺮ من اﻟﺮﺳﺎﻟة ﻟﻴﺠﻴﺐ ﻋن اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺘﱠﺎﱄ‪:‬‬
‫صﺤﻴﺢ؟‬ ‫مﺎاﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﳌعﺮﻓة واﻹثﺒﺎت اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫وﺳﻮف أﺣﺎول اﻹجﺎﺑة ﻋن ﻫﺬا اﻟﺴﺆال من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪52‬‬
 ‫)*(‪1‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ ﺑﺮزت ﻋﺪة مﻈﺎﻫﺮ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬أﺑﲔ ﺑعﻀﺎ منﻬﺎ مع اﻹﺷﺎرة إﱃ أﺑعﺎدﻫﺎ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﺘﱠﻔﺮد ﻟﺘّﺪﺑﲑ‬
‫ﻳﺪرك اﳌﺘﺘﺒع ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة من ﺧﻼل َﺳ ْﲑ اﳌﻐﺎزي ﻛﻴﻒ ﲡﻠﱠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻜمﺖ اﻟﺘﱠﺪﺑﲑ اﻹﳍﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﻓﻘﺪ نصﺮ ﷲ تعﺎﱃ نﺒﻴه وأﻇﻬﺮ دﻳنه‪ ،‬ومﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻟﻴﺤصﻞ ﻟﻮﻻ ﻫﺬه اﻟعنﺎﻳّة اﻟﱠﺮ نﻴّة‪ ،‬وﻗﺪ ﺻﱠﺮح‬
‫ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ اﻟعﺪﻳﺪ من آ ت اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ جعﻠﻬﺎ اﻟﺒخﺎري تﺮاجم ﻟﻜﺜﲑ من أﺑﻮاب‬
‫صﺤﻴﺢ‪.2‬‬‫اﻟ ﱠ‬
‫َ‬
‫ﷲ‬ ‫ِۖ‬
‫ﷲ أن‬ ‫إ ِﻻ م ِْن عِن ِد‬ ‫ٱچ ٱ َو َمﺎ ا‬ ‫ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ ﺳﻴﺎق ﻏﺰوة ﺑﺪر ﻗﻮﻟه ﷻ‪:‬‬
‫إِﻻ ِم ْن عِن ِد ِ‬ ‫چ َو َمﺎ ا‬ ‫ٌ‬
‫يم چ ]اﻷنﻔﺎل‪ ،[ 10 :‬وجﺎء ﰲ ﺳﻴﺎق ﻏﺰوة أﺣﺪ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬ ‫َ ٌ َ‬
‫ﷲ‬ ‫ع ِز ز حكِ ۖ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل َع ِز ِز ل َحكِ يمِ ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[126 :‬ﻓﺎﻵﻳﺘﺎن تﺪﻻن ﻋن ﻃﺮﻳق أﺳﻠﻮب اﻟﻘصﺮ أن اﻟنﱠصﺮ اﳊﻘﻴﻘﻲ‬
‫ﲟﺸﻴﺌة ﷲ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳنصﺮ من ﻳﺸﺎء من ﻋﺒﺎده‪ ،‬ﻓﺎﻷمﺮ ﻛﻠﱡه ﺑﻴﺪﻳه‪ ،‬ومﺮجع اﻷمﻮر إﻟﻴه‪ ،‬وﻫﺬا مﻘﺘﻀﻰ‬
‫رﺑﻮﺑﻴﺘه‪.3‬‬

‫)*(‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ إﺻﻼح اﻟﺸﻲء واﻟﻘﻴﺎم ﻋﻠﻴه‪ ،‬واﻟﺮب ﻳﻄﻠق ﰲ اﻟﻠﻐة ﻋﻠﻰ اﳌﺎﻟﻚ‪ ،‬واﻟﺴﻴﺪ‪،‬‬
‫‪ -‬اﻟﺮﺑﻮﺑﻴة ﰲ اﻟﻠﻐة من مﺎدة‪" :‬رب" اﻟﱵ ت ّ‬
‫واﳌﺪﺑﺮ‪ ،‬واﳌﺮﰊ‪ ،‬واﻟﻘﻴم‪ ،‬واﳌنعم‪ ،‬أمﺎ ﰲ اﻻﺻﻄﻼح‪ :‬ﻓﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴة ﻫﻮ إﻓﺮاد ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه ﰲ اﳋﻠق واﳌﻠﻚ واﻟﺘﺪﺑﲑ‪ ،‬واﻹﻗﺮار نه‬
‫ﻫﻮ اﳋﺎﻟق اﻟﺮازق اﶈﻲ اﳌمﻴﺖ اﳌﺪﺑﺮ ﳉمﻴع اﻷمﻮر اﳌﺘصﺮف ﰲ ﻛﻞ ﳐﻠﻮﻗﺎته ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟه ﰲ مﻠﻜه ﻓﻀﺪ ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻋﺘﻘﺎد اﻟعﺒﺪ‬
‫وجﻮد مﺘصﺮف مع ﷲ ﻏﲑه ﻓﻴمﺎ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴه إﻻ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،(381/3) ،‬اﺑن‬
‫اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳة ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪1399 ،‬ﻫـ‪1979 ،‬م )‪ ،(179/2‬ﺣﺎﻓﻆ ﺣﻜمﻲ‪ ،‬معﺎرج اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺸﺮح ﺳﻠم اﻟﻮﺻﻮل إﱃ‬
‫ﻋﻠم اﻷﺻﻮل‪ ،(459/2) ،‬اﻟعﻘﺎﺋﺪ اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﺑن دﻳﺲ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺸﺮﻛة اﳉﺰاﺋﺮﻳة مﺮازﻗه ﺑﻮ داود وﺷﺮﻛﺎؤﳘﺎ‪،‬‬
‫اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪ ،82‬ﷴ ﺑن ﺻﺎﱀ ﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪ ،‬دار اﺑن اﳉﻮزي ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪ 1421 ،6‬ﻫـ )‪.(21/1‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪،(135 /6) ،(70 /6) ،(61 /6) ،(38 /6) ،(153 /5) ،(71/5) ،‬‬
‫)‪.(179 /6) ،(154 /6) ،(149 /6) ،(147 /6‬‬
‫‪ -3‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺻﺮ اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن ﰲ تﻔﺴﲑ ﻛﻼم اﳌنﺎن‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﻟﻠﻮﳛق‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪،‬‬
‫ط‪ 1420 ،1‬ﻫـ‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪53‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ورﺑﻄﻬم تعﺎﱃ‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس‬ ‫وأﻛﺪ اﻟنّﱯ‪ ‬ذﻟﻚ؛ تعمﻴﻘﺎ ﳍﺬا اﻹﳝﺎن ﰲ ﻗﻠﻮب ّ‬
‫ﺼﺒَﺎ‪َ ،‬وأ ُْﻫ ِﻠ َﻜ ْ‬
‫ﺖ َﻋﺎ ٌد ِ ﻟ ﱠﺪﺑُﻮِر« ‪.1‬‬ ‫ت ِﻟ ﱠ‬ ‫ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻋن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗﺎل‪» :‬ﻧُ ِ‬
‫ﺼ ْﺮ ُ‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري إﱃ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة تﻀمنﺘﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳّة من ﺧﻼل تﺮاﲨه ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.2‬‬
‫ْ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ َُ ْ‬ ‫َ‬
‫ذكروا‬ ‫وﻫﻮ إﺷﺎرة إﱃ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﱵ أرﺳﻠﻬﺎ ﷲ تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ اﻷﺣﺰاب‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱٰٓ َهﺎ ِين ءامنوا‬
‫ٗ َ ُُ ٗ ْ ََ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ ُ ٓ ْ َ ٓ ْ ُ ُُ ‪ْ ََ ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ﷲ ب ِ َمﺎ‬ ‫ك َ‬
‫ﺎن‬ ‫جﺎ َءتك ْم جنود فﺄ ْر َسلنَﺎ َعليْ ِه ْم ِر حﺎ وجنودا لم تروهﺎ و‬ ‫ذك ُروا ن ِْع َمة ِ‬
‫ﷲ عليكمۥ إِذ‬
‫ﻗﺪرته‬ ‫ون بَ ِص اۖ چ ]اﻷﺣﺰاب‪ ،[09 :‬ﻓﻬﺬه معﺠﺰة نصﺮ ﷲ ﺎ نﺒﻴه وأﻳﺪه ﺎ داﻟة ﻋﻠﻰ‬
‫ً‬ ‫تَ ْع َم ُ َ‬

‫ورﺑﻮﺑﻴﺘه‪.3‬‬
‫ﻓﺈﳝﺎن اﻟﺪﱠاﻋﻴة ن ﷲ تعﺎﱃ ﻫﻮ اﳌﺘﻔﺮد ﻟﺘﺪﺑﲑ من ﺷأنه أن ﻳﺸﺤﺬ من ﻓﺎﻋﻠﻴﺘه اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ ﻛﻞ‬
‫اﳌﻴﺎدﻳن‪ ،‬وﻳﻘﻮي ﻋﺰﳝﺘه ﻋﻠﻰ ﳎﺎ ة ﻛﻞ اﻟﺘّﺤﺪ ت مﻬمﺎ ﻛﺎن ﺣﺠمﻬﺎ‪ ،‬ﲣﺎذ مﺎ ﰲ وﺳعه من‬
‫صﺤﻴﺢ اﻟﺬي ﻳنﺒﻐﻲ أن‬ ‫اﻷﺳﺒﺎب اﳌﻼﺋمة‪ ،‬واﳌﻜﺎﻓﺌة ﻟﻜﻞ مﻮﻗﻒ وﲢﺪ‪ ،‬وﻫﺬا ﻓﺮع ﻋن اﻟﺘﻮﻛﻞ اﻟ ﱠ‬
‫ﻳﺘﺴم ﺑه اﻟﺪﱠاﻋﻴة اﳌﺆمن‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﺘّﻔﺮد ّﻟﺮزق‬
‫ﻓﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪ ﺻﺤﺎﺑة رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬رأي اﻟعﲔ ﰲ ﳐﺘﻠﻒ اﻟﻐﺰوات ﻛﻴﻒ ﻳنعم ﷲ تعﺎﱃ ﻋﻠﻴﻬم ﻟنّعم‬
‫اﳌﺘنﻮﻋة واﳌﺘع ّﺪدة‪ ،‬ﺳﺒﺎب‪ ،‬وﺑﻐﲑ أﺳﺒﺎب‪ ،‬ومن تﻠﻚ اﻟنّعم اﻟﱵ ُرزق ﺎ اﳌﺴﻠمﻮن ﰲ‬ ‫ﻟنّعم ّ‬
‫اﻟﻐﺰوات مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪ - 1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬ب ﻏﺰوة اﳋنﺪق وﻫﻲ اﻷﺣﺰاب‪ ،(109/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4105 :‬واﳌﺮاد‬
‫ﻟصﺒﺎ واﻟﺪﺑﻮر جﻬﺎت اﻟﺮﻳﺢ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﺑﻮر ﰐ من دﺑﺮ اﻟﻜعﺒة وتﻘﺎﺑﻠﻬﺎ اﻟصﺒﺎ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳة ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪،‬‬
‫)‪.(98/2‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺪ ﻛﺮر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﳊﺪﻳﺚ ﰲ مﻮاﻃن مﺘعﺪدة من اﻟﻜﺘﺎب مﱪزا مﺎ ﻓﻴﻬﺎ من ﻓﻘه دﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه ﰲ أﺑﻮاب‬
‫ُ‬
‫ﻗﻮﻟه‪:‬ٱچ ٱ َوه َو ِے‬ ‫اﻻﺳﺘﺴﻘﺎء‪ ،‬ب ﻗﻮل اﻟنّﱯ‪ ‬نصﺮت ﻟصﺒﺎ‪ ،33/2 ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1035:‬و ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﳋﻠق‪ ،‬ب مﺎ جﺎء ﰲ‬
‫ُ ْ ُ ّ َٰ َ ُ ُ‬
‫يَ َد ْے َر ْح َمتِ ۖهِۦکٱچ ]اﻟﻔﺮﻗﺎن‪ ،109/4 ،[38:‬ﺑﺮﻗم‪ ،3205:‬ﻛﺘﺎب أﺣﺎدﻳﺚ اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ ﻋﺰ وجﻞ‪:‬‬ ‫ََْ‬ ‫يرسِ ل ِر ح‬

‫چٱېٱېٱېٱېٱىٱىٱچ ]اﳊﺎﻗة‪ ،137/4 ،[6 :‬ﺑﺮﻗم‪ ،3343:‬ﻓﻘﺪ دﻟﺖ ﻋنﺎوﻳن اﻟﻜﺘﺐ و ّ‬

‫اﻟﱰاجم ﺑﻮﺿﻮح إﱃ‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﺮد ﻹﺣﻴﺎء واﻹمﺎتة‪ ،‬وإرﺳﺎل اﻟﺮﻳﺢ ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺘﺪﺑﲑ‪،‬‬
‫اﻟﺮﺑﻮﺑﻴة‪ ،‬ﻓﺒﺪء اﳋﻠق ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺘﻔﺮد ﳋﻠق‪ ،‬وﻫﻼك ﻗﻮم ﻋﺎد ﻳ ّ‬
‫واﻻﺳﺘﺴﻘﺎء ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺘﻔﺮد ﻟﺮزق‪ ،‬و ﻛﻞ مﺎ ﺳﺒق ﻳﺘﻀمن اﻟﺘﻔﺮد ﳌﻠﻚ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮﻳﺢ مﺜﻼ من مﻠﻜه ﻳﺘصﺮف ﻓﻴه ﲟﺎ ﺷﺎء وﻛﻴﻔمﺎ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟﺘﺤﺪ ت‬‫اﻟﱰاجم إﱃ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳة أﺧﺮى‪ ،‬ﻛﺎﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺘﺸﺮﻳعﻴة اﻷﺻﻮﻟﻴة و اﻟﻔﺮوﻋﻴة‪ ،‬و رﻳخ ّ‬‫ﺷﺎء‪ ،‬ﻛمﺎ تﺸﲑ ّ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫‪ -3‬ﺳعﻴﺪ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻋﻘﻴﺪة اﳌﺴﻠم ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪54‬‬
 ‫أ‪.‬ﻧﻌﻤﺔ اﻟﻨﱠﺼﺮ‬
‫ﻒ‪ ،‬واﳋﻮف من أﻋﻈم اﻟنّعم اﻟﱵ ﻳنعم ﷲ تعﺎﱃ ﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده‬ ‫ﻀ ْع ِ‬
‫ﻳعﺪ اﻟنﱠصﺮ‪ ،‬واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﺑَـ ْع َﺪ اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ذﻛﺮ ﺎ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ مﺆﻛﺪا أن اﻟنﱠصﺮ من ﻋنﺪ ﷲ وﺣﺪه ﰲ ﻋﺪة مﻮاﻃن‪،‬‬
‫َ ََ ْ َ َ َ ُ ُ ُ َ ْ ََ ُ ُ ٓ َ ‪ُ َ َ ْ ُ َ ٞ‬‬
‫ﷲ ل َعلك ْم‬ ‫ﻗﺎل ﺳﺒﺤﺎنه ﰲ ﺷأن نصﺮ اﳌﺆمنﲔ ﰲ ﺑﺪر‪:‬ٱچ ٱولقد ن كم ﷲ بِبدرٖ وأنتمۥ أذِلة ۖ فﺎ قوا‬
‫َْ ُ َ‬
‫ون ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪. [ 123:‬‬ ‫شك ُر ۖ‬
‫واﳌﻼﺣﻆ أن اﻵﻳّة ﺑﻴنﺖ أثﺮا من آ ر ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد‪ ،‬وﻫﻮ ﺷﻜﺮ ﷲ تعﺎﱃ؛ ﺑﺘﺤﻘﻴق اﻟﺘﻘﻮى اﻟﱵ ﻻ‬
‫تﺘم إﻻ ﻟﺘﺰام ﺷﺮع ﷲ تعﺎﱃ ﰲ ﲨﻴع منﺎﺣﻲ اﳊﻴﺎة‪.‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺮﺑط ﺑﲔ اﻟعﻘﻴﺪة‪ ،‬واﻟ ﱡﺴﻠﻮك ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﻮﻇﻔه اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬وﻟعﻞ من ﺑﲔ‬
‫أﺳﺒﺎب ﺿعﻒ اﳋﻄﺎب اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻏﻴﺎب اﻟﺘﻜﺎمﻞ ﺑﲔ اﻟعﻘﻴﺪة‪ ،‬واﻟ ﱠﺸﺮﻳعة واﻟ ﱡﺴﻠﻮك‪.‬‬
‫ﻟﺬا ﻛﺎن ﺳﻴﺪ اﳌﻮﺣﺪﻳن ‪ ‬ﻳﻜﺜﺮ من اﻟﺪﱡﻋﺎء ﻟنﱠصﺮ‪ ،‬وﻫﺰﳝة اﻷﻋﺪاء ﰲ مﻮاﻗﻒ من ﻏﺰواته‪ ،‬ﻛمﺎ‬
‫ﻛمﺎ ﰲ ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻫﻮ ﰲ ﻗﺒة‪» :‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ أﱐ‬
‫ﻚ َ‬‫ﺎل‪َ :‬ﺣ ْﺴﺒُ َ‬‫َﺧ َﺬ أَﺑُﻮ ﺑَ ْﻜ ٍﺮ ﺑِﻴَ ِﺪهِ ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬
‫أَﻧْ ُﺸ ُﺪ َك َﻋ ْﻬ َﺪ َك َوَو ْﻋ َﺪ َك‪ ،‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ إِ ْن ﺗَ َﺸﺄْ ﻻَ ﺗـُ ْﻌﺒَ ْﺪ ﺑَـ ْﻌ َﺪ اﻟﻴَـ ْﻮم« ﻓَأ َ‬
‫ََُُْ ْ َ ُْ ََُ َ ُ‬
‫ون ب َر ۖ چ‬ ‫ﻮل‪ :‬چ ٱسيهزم لجمع و ول‬ ‫ﺐ ِﰲ اﻟ ِّﺪ ْرِع‪ ،‬ﻓَ َخَﺮ َج َوُﻫ َﻮ ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫ِ‬
‫ﻚ‪َ ،‬وُﻫ َﻮ ﻳَﺜ ُ‬ ‫ﺖ َﻋﻠَﻰ َرﺑِّ َ‬ ‫َﳊَ ْﺤ َ‬ ‫ا ﱠِ‪ ،‬أ ْ‬
‫‪1‬‬
‫]اﻟﻘمﺮ‪. [46 :‬‬
‫ب‪.‬ﻧﻌﻤﺔ اﻟﻐُْﻨﻢ‬
‫ﻗﺪ ﻓﺘﺢ ﷲ تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ اﳌﺆمنﲔ ﻟﻐنﺎﺋم اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻻ ﺷﻚ أ ﺎ رزق ﺳﺎﻗه ﷲ تعﺎﱃ إﻟﻴﻬم‪،‬‬
‫وﺣﱴ ﻻ ﻳﻔﺘﱳ اﻟنﱠﺎس ﻟﺪﱡنﻴﺎ رﺑﻄﺖ ﻫﺬه اﻟنّعم ﻟعﻘﻴﺪة؛ ﻋﺘﺒﺎر أن ﷲ تعﺎﱃ وﺣﺪه اﳌنعم ﺎ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﻫﺬه اﳊﻘﻴﻘة اﻟعﻘﺪﻳّة ﻋنﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﰲء ﻏﺰوة ﺑﲏ اﻟنّﻀﲑ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫َ ُ ّ‬ ‫َ َ ٓ َََٓ ُ ََ ٰ َُ ِ ُْ ْ َ َ ٓ َْ َ ُْ ْ َ َْ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫ﷲ َسل ُِط‬ ‫ﺎب َو كِ ن‬
‫ٖ‬ ‫ك‬ ‫رسو ِ ۦ مِنهم مﺎ أوجفتم علي ِه مِن خي ٖل وﻻ ِر‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱومﺎ أفﺎء ﷲ‬
‫ُ ُ َُ ََ ٰ َ ْ َ ُٓ َ ُ ََ ٰ ُ‬
‫ك ّل َ ْ ءٖ ﻗَد ‪ٞ‬‬
‫ِير ۖٱچ]اﳊﺸﺮ‪ ،[06 :‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي ﻋﻘﺐ اﻵﻳّة‪":‬ﻳﺬﻛﺮ ر م‬ ‫ِ‬ ‫من شﺎء ۖ واﷲ‬ ‫رسلهۥ‬
‫‪2‬‬
‫أنه نصﺮﻫم‪ ،‬وﻛﻔﺎﻫم ﺑﻐﲑ ﻛﺮاع‪ ،‬وﻻ ﻋُ ّﺪة‪".‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺎ ﻗﻴﻞ ﰲ درع اﻟنّﱯ‪ ،‬واﻟﻘمﻴﺺ ﰲ اﳊﺮب‪،(41/4) ،‬‬
‫رﻗم‪.2915:‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(514/22) ،‬‬
‫‪55‬‬
‫وﻛﺎن من آ ر ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﺪي أن اﳌﺴﻠمﲔ ﱂ ﻳعﻮدوا ﻳﻘﺎتﻠﻮن من أجﻞ اﻟﻐنﺎﺋم‪ -‬ﺑﺰﻋم أﻋﺪاء‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ - 1‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ جﻠﻴﺎ ﰲ مﻮاﻗﻒ ﻛﺜﲑة منﻬﺎ‪ :‬تنﺎزﳍم ﻋن ﺣﻘﻬم ﰲ اﳌﻐنم من أجﻞ‬
‫ﺣصﻠﻮا‬
‫تﱪع اﻟﻜﺜﲑ منﻬم ﲟﺎ ّ‬‫اﺳﺘعﻄﺎف اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م ﻳﻮم ﺣنﲔ وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ّ‬
‫ﺣﺮ مﺎﳍم ﺧﺪمة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‪.2‬‬
‫ﺣصﻠﻮا ﻋﻠﻴه من اﳌﻐنم‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬
‫ﳛصن اﻟﺪﱠاﻋﻴة من داء اﻟﻐﺮور اﻟﺬي‬
‫وز دة ﻋﻠﻰ تﻠﻚ اﻵ ر‪ ،‬ﻓأن اﻹﳝﺎن ﺑﺘﻔﱡﺮد ﷲ تعﺎﱃ ﻹنعﺎم ّ‬
‫ﻳُع ﱡﺪ من اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟنﱠﻔﺴﻴّة اﻟﱵ أﻓﺸﻠﺖ‪ ،‬وﺷﻠﱠﺖ اﻟﻜﺜﲑ من اﳊﺮﻛﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى‬
‫اﻟﻘﻴﱠﺎدة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .3‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﺘﻔﺮد ﳋﻠﻖ‬
‫من مﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﺮﺑﻮﺑﻴّة تﻔﱠﺮد ﷲ تعﺎﱃ ﳋﻠق‪ ،‬ﻓﺎﳌﺆمن ﻳﻮﻗن أنه ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ مﺎ ﺷﺎء ﷲ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ك يَ ْخل ُق َمﺎ َ َشﺎ ُء َو َ ْختَ ُﺎر ۖ چٱ]اﻟﻘصﺺ‪ ،[68 :‬وﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻻ ﺷﻚ ﻟه أثﺮه ﻋﻠﻰ نﻔﺴﻴّة‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱور‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة‬ ‫ﺣﱴ أثنﺎء اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﳑﺎ ّ‬ ‫وﺳﻠﻮك اﳌﺆمن‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ﺣﺮص اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﺜﺒﻴﺘه ّ‬
‫واﻟﱰﺑﻴّة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﲜمﻴع أنﻮاﻋه ﻋمﻠﻴّة مﺴﺘمﺮة ﻻ تنﻘﻄع أﺑﺪا‪ ،‬وﻟعﻞ ﻫﺬا من أﺳﺮار ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫ومن أمﺜﻠة اﻟعنﺎﻳّة ﺬه اﳌﺴأﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة أثنﺎء اﻟﻐﺰو‪ ،‬مﺎ ﻗﺎﻟه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪،‬‬
‫ﻟﻠصﺤﺎﺑة ﳌﺎ ﺳأﻟﻮه ﻋن اﻟعﺰل‪َ » :‬ﻣﺎ َﻋ َﻠ ْﻴ ُﻜ ْﻢ أَ ْن ﻻَ ﺗَـ ْﻔ َﻌﻠُﻮا َﻣﺎ ِﻣ ْﻦ ﻧَ َﺴ َﻤ ٍﺔ َﻛﺎﺋِﻨَ ٍﺔ إِ َﱃ ﻳَـ ْﻮِم اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ إِﱠﻻ َو ِﻫ َﻲ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳﻴﺪ اﻟعﻔﺎﱐ‪ ،‬أﻋﻼم وأﻗﺰام ﰲ مﻴﺰان اﻹﺳﻼم‪ ،‬دار مﺎجﺪ ﻋﺴﲑي‪ ،‬جﺪة‪ ،‬ط‪ 1424 ،1‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪،(249/1) ،‬‬
‫ﺳﺎﱂ ﻋﻠﻲ اﻟﺒﻬنﺴﺎوي‪ ،‬ﺎﻓﺖ اﻟعﻠمﺎنﻴة ﰲ اﻟصﺤﺎﻓة اﻟعﺮﺑﻴة‪ ،‬دار اﻟﻮﻓﺎء ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﳌنصﻮرة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪1410 ،1‬‬
‫ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ ‪ ،‬ب اﻟﻮﻗﻒ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﺘﺐ؟ )‪ ،(12/4‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪،‬‬
‫)‪.(159/5‬‬
‫‪ -3‬ﻷﳘﻴة ﻗﻀﻴة اﳋﻠق اﻟﺪﻋﻮﻳة؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮ ورودﻫﺎ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﺸنﻘﻴﻄﻲ‪ ":‬ومن مﻞ ﺑﺮاﻫﲔ اﻟﻘﺮآن ﻋﻠﻰ وﺣﺪانﻴة ﷲ‬
‫تعﺎﱃ وﻋﻠﻰ ﻗﺪرته ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺚ‪ ،‬وﳘﺎ أﻫم اﻟﻘﻀﺎ اﻟعﻘﺎﺋﺪﻳة ﳚﺪ أﳘﻬﺎ وأوﺿﺤﻬﺎ‪ ،‬وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺪﻟﻴﻞ أﻋﲏ دﻟﻴﻞ اﳋﻠق"‪،‬‬
‫ﷴ اﻷمﲔ اﻟﺸنﻘﻴﻄﻲ‪ ،‬أﺿﻮاء اﻟﺒﻴﺎن ﰲ إﻳﻀﺎح اﻟﻘﺮآن ﻟﻘﺮآن ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬ط(‪ 1415 ،‬ﻫـ‪ 1995 ،‬مـ‪،‬‬
‫)‪.(70/8‬‬
‫‪56‬‬
‫َﻛﺎﺋِﻨَﺔٌ«‪ ،1‬ﻗﺎل اﺑن ﺑﻄﺎل ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬ﻓﺎﻟعﺰل واﻹﻓﻀﺎء ﺳﻮاء ﰲ أﻻ ﻳﻜﻮن منه وﻟﺪ إﻻ ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ‬
‫ﷲ"‪.2‬‬
‫ﺣﱴ‬ ‫ِ‬
‫ﻓﻘﺪ رﺑﱠﺖ اﻟعﻘﻴﺪةُ اﳌﺴﻠ َم ﻋﻠﻰ أن ﷲ ﻫﻮ اﳌﺘﻔﺮد ﲞﻠق اﳊﻴﺎة واﳌﻮت‪ ،‬وأن نﻔﺴﺎ ﻟن ﲤﻮت ّ‬
‫صﺤﺎﺑة ‪ ،‬ﲡﻠّﻰ ﰲ‬ ‫تﺴﺘﻜمﻞ أجﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﳍﺬا اﻟﺒُعﺪ اﻟعﻘﺪي أثﺮه اﻟﺒﺎﻟغ ﰲ نﻔﻮس اﻷتﺒﺎﻋمن اﻟ ﱠ‬
‫اﻟصﺪع ﳊق‪ ،‬وﻋﺪم اﳌﺒﺎﻻة ﺑﻘﻮة اﻟعﺪو اﳌﺎدﻳّة‪.‬‬
‫ﺷﺠﺎﻋﺘﻬم أثنﺎء ﺧﻮض اﳌعﺎرك‪ ،‬و ّ‬

‫ﻓﻘﺪ ﺧﺎﺿﻮا معﺎرك ﻏﲑ مﺘﻜﺎﻓﺌة مع اﻟعﺪو من ﺣﻴﺚ اﻟع ّﺪة واﻟعﺪد‪ ،‬ﻛﻐﺰوة ﺑﺪر‪ ،‬واﻷﺣﺰاب‪،‬‬
‫وﻏﲑﻫﺎ‪.3‬‬
‫اﻟصﻔﺎت اﻹﳚﺎﺑﻴّة ﻟﺪى اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪،‬‬‫ِ‬
‫ﻳنمﻲ اﻟﻜﺜﲑ من ّ‬ ‫ﺑﺘﻔﺮد ﷲ تعﺎﱃ ﳋﻠق‪ّ ،‬‬ ‫ومن ﰒﱠ ﻓﺈن اﻹﳝﺎن ّ‬
‫واﳌﺪﻋﻮ ﻋﻠﻰ ﺣ ٍّﺪ ﺳﻮاء‪ّ ،‬‬
‫ﻛﺎﻟﺸﺠﺎﻋة ﰲ ﻗﻮل اﳊق واﻟّﺜﺒﺎت ﻋﻠﻴه‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه‪ ،‬ﻓم ِن ﻏﲑ اﳌمﻜن أ ْن‬
‫تنﺠﺢ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳉﺒنﺎء‪ِ ،‬‬
‫وﺿ َعﺎف اﻹﳝﺎن‪.‬‬
‫ﻓم ﱠمﺎ ﺳﺒق تُﺪرك اﻟعنﺎﻳّة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﺬا اﻟنّﻮع من اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ؛ تعﻠﻴمﺎ‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﺎ‪ ،‬ومﺘﺎﺑعة‪ ،‬وتﻔعﻴﻼ؛ ﳑﺎ‬
‫جعﻞ آ ره تﻈﻬﺮ ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬واﻟﻔ ﱠعﺎﻟﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ اﳊﻔﺎوة ﺑه‬
‫ﺬا اﳌنﻬج من أﻫم ﻋﻮامﻞ انﺘصﺎر اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ تﻠﻚ اﳌعﺎرك ﻏﲑ اﳌﺘﻜﺎﻓﺌة ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﺪﱠة‬
‫وﻋﺘﺎدا‪.‬‬
‫وﰲ ﺎﻳّة اﳌﻄﺎف ﻓﺈن اﻻﻫﺘمﺎم ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴّة ﻳﺸ ّﻜﻞ جﺰءا من اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﻟﺬي ﻇﻞ مﻼزمﺎ ﳍﺎ‪ ،‬وﺑﻘﻲ مﺴﺘمﺮا معﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﱵ ﲢﺮﻛﺖ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وإ ْن تﻔﺎوت‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬من ﺧﺰاﻋة‪ ،(115/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4138:‬ﻗﺪ تﻜﺮر‬
‫اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻛﺘﺐ مﺘنﻮﻋة اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺒﻴﻮع‪ ،‬ب ﺑﻴع اﻟﺮﻗﻴق‪ ،83/3 ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2229:‬ﻛﺘﺎب اﻟعﺘق‪،‬‬
‫ب من مﻠﻚ من اﻟعﺮب رﻗﻴﻘﺎ‪ ،‬ﻓﻮﻫﺐ و ع وجﺎمع وﻓﺪى وﺳﱮ اﻟﺬرﻳة‪ ،148/3 ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2542:‬وﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ب‬
‫اﻟعﺰل‪ ،33/7 ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،5210:‬وﻫﺬه ﻛﺘﺐ تنﺪرج ﲢﺖ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺘﺸﺮﻳعﻲ‪.‬‬
‫َ َ َ َْ‬
‫ﷲ ﻗَ َدراٗ م ْق ُدوراًۖ چ ]اﻷﺣﺰاب‪ ،123/8 ،[38 :‬ﺑﺮﻗم‪ ،6603:‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل‬
‫ﺎن أم ُر ِ‬ ‫وﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺪر‪ ،‬ب چٱوك‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ ْ‬
‫ﷲ ۬ل َ ٰل ُِق َﺎ ِر ُ ٔے ل ُم َص ِّو ُر ۖ چ ]اﳊﺸﺮ‪ ،121/9 ،[24 :‬ﺑﺮﻗم‪ ،7409:‬وﻫﻲ تنﺪرج ﲢﺖ اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﺪي‪ ،‬ﻛمﺎ تﺸﲑ‬ ‫ﷲ‪ :‬چٱهو‬

‫ﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪﺑﲑ‪ ،‬واﻟﺜﺎنﻴة ﻋﻠﻰ اﳋﻠق‪.‬‬

‫ﺎﻟﱰﲨة اﻷوﱃ ت ّ‬ ‫تﺮاﲨﻬﺎ ﺑﻮﺿﻮح إﱃ تﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴة‪ ،‬ﻓ ّ‬
‫‪ -2‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﺧﻠﻒ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳌﻠﻚ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴﲔ‪ ،‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ت أﺑﻮ ﲤﻴم ﺳﺮ ﺑن‬
‫إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪2 ،1423‬ﻫـ‪2003 ،‬م‪.(329/7) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻋﺪة من ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ (73/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪3958 :‬‬
‫‪57‬‬
‫من اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬أو‬
‫تﻔﺎوت ﻫﺬا اﻻﻫﺘمﺎم تﺒعﺎ ﳌﺮاﺣﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ ﻓﺈن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن ذرﻳعة ﻹﻗصﺎﺋه ْ‬
‫أو إﻏﻔﺎﻟه‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ‬
‫صﺤﻴﺢ ﺳﻮاء ﰲ اﻵ ت اﻟﻘﺮآن ﻳّة‬ ‫ﻗﺪ وردت ﲨﻠة من اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫دل ﻋﻠﻰ ﺷﻲء‬ ‫اﻟﱵ ﻳﱰجم ﺎ اﻟﺒخﺎري أﺑﻮاب ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬أو ﺳﻴﺎق مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻫﺬا إ ْن ّ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴﺘﻬﺎ ﰲ تعﺮﻳﻒ اﳌﺪﻋﻮ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺳﻴﺪ ﺳﺎﺑق ﻋن اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ‪ ":‬ﻫﻲ‬ ‫ﺷﻲء إﳕﺎ ّ‬
‫ﻄﻞ ﺎ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﷲ مﺒﺎﺷﺮة‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﱵ تعﻄﻴنﺎ ﺻﻮرة ﺻﺤﻴﺤة ﻋن اﻟﻜمﺎل اﻹﳍﻲ‬ ‫اﻟنّﻮاﻓﺬ اﻟﱵ ﻳُ ﱡ‬
‫اﳌﻄﻠق"‪.1‬‬
‫وﻟﻜﺜﺮ ﺎ ﺳﻮف أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ ﳕﺎذج منﻬﺎ؛ ﻟﻼﺳﺘﺪﻻل‪ ،‬واﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮر ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻗﺪ وردت اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﻓﺮاد‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﻗﱰان‬
‫وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻸﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﳌﻔﺮدة‬
‫ﺑﺪاﻳّة أﲢﺪﱠث ﻋن اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﳌﻔﺮدة اﻟﱵ ﱂ تﻘﱰن ﺑﻐﲑﻫﺎ اﻟﻮاردة ﰲ مﻮاﺿع ﳐﺘﻠﻔة من نصﻮص‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺳﺘﱪزه اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪:‬‬
‫اﳌﻐﺎزي اﻟﻘﺮآن ﻳّة واﳊﺪﻳﺜﻴّة ﰲ اﻟ ﱠ‬

‫أ‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻔﻆ اﳉﻼﻟﺔ چٱﷲٱچ‬

‫ِ‬ ‫‪‬‬
‫اﻟصﻔﺎت‪ ،‬ﻓﻬـﻮ إﻓـﺮاد ﷲ تعـﺎﱃ ﺣﺴـن اﻷﲰـﺎء وأﻛمـﻞ‬ ‫‪ -‬ﻗﺒﻞ تعﺮﻳﻒ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ ﻻ ﺑﺪ أن أﻋﺮف ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﻷﲰﺎء و ّ‬
‫اﻟصﻔﺎت اﻟﱵ ﻻ تنﺒﻐﻲ ﻷﺣﺪ ﻏﲑه‪ ،‬ﻛمـﺎ أثﺒﺘﻬـﺎ ﻟنﻔﺴـه ﰲ ﻛﺘﺎﺑـه‪ ،‬وأثﺒﺘﻬـﺎ ﻟـه رﺳـﻮﻟه ‪ ،‬ونﻔـﻲ مـﺎ نﻔـﺎه ﻋـن نﻔﺴـه‪ ،‬أو نﻔـﺎه ﻋنـه‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫رﺳﻮﻟه ‪ ‬من اﻟنﻘﺎﺋﺺ واﻟعﻴﻮب‪ ،‬وﻋن ﻛﻞ مﺎ ﻳنﺎﰲ ﻛمﺎﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‪ ،‬ﻫﺬا إﲨﺎﻻ؛ وأمﺎ اﻷﲰـﺎء اﳊﺴـﲎ اﻟـﱵ ﻳـﺪﻋﻰ ﷲ ـﺎ وﻫـﻲ‬
‫اﻟﱵ جﺎءت ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة وﻫﻲ اﻟﱵ تﻘﺘﻀﻲ اﳌﺪح واﻟﺜنﺎء ﺑنﻔﺴﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺻﻴﻐة تﻔﻀﻴﻞ‪ ،‬ﻟﻐة ﰲ اﳊﺴن ﻏﺎﻳﺘه‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱ‬
‫چٱڄٱڄٱڄٱچ ]اﻷﻋ ـﺮاف‪ ،[180 :‬وذﻟ ــﻚ ﻷ ــﺎ مﺘﻀ ــمنة ﻟص ــﻔﺎت ﻛﺎمﻠ ــة ﻻ نﻘ ــﺺ ﻓﻴﻬ ــﺎ ﺑﻮج ــه م ــن اﻟﻮج ــﻮه‪ ،‬ﻳنﻈ ــﺮ‪:‬اﺑن تﻴمﻴ ــة‪،‬‬
‫اﻟﺘﺪمﺮﻳة‪ ،‬ص‪ ،08‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬اجﺘمﺎع اﳉﻴﻮش اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻮاد ﻋﺒﺪ ﷲ اﳌعﺘق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1408‬ﻫـ‪1988 ،‬م‪ ،(179 /2) ،‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﺑن دﻳﺲ‪ ،‬اﻟعﻘﺎﺋﺪ اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ص‪ ،73‬اﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪،‬‬
‫)‪ ،(29/1‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻋﻔﻴﻔﻲ‪ ،‬مﺬﻛﺮة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺆون اﻹﺳﻼمﻴة واﻷوﻗﺎف واﻟ ّـﺪﻋﻮة واﻹرﺷـﺎد‪ ،‬اﳌمﻠﻜـة اﻟعﺮﺑﻴـة اﻟﺴـعﻮدﻳة‬
‫ط‪1420 ،1‬ﻫـ‪ ،‬ص‪ ،30‬ﻛﺎمﻠة اﻟﻜﻮاري‪ ،‬ا ﻠـﻰ ﰲ ﺷـﺮح اﻟﻘﻮاﻋـﺪ اﳌﺜﻠـﻰ ﰲ ﺻـﻔﺎت ﷲ وأﲰﺎﺋـه اﳊﺴـﲎ‪ ،‬دار اﺑـن ﺣـﺰم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1422‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﻋنﺎﺻﺮ اﻟﻘﻮة ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬دار اﻟﺒعﺚ‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪) ،‬د‪.‬ط(‪1408 ،‬ه‪1987 ،‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪58‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ذﻟﻚ أنه اﺳـم جـﺎمع ﳉمﻴـع‬ ‫ﻗﺪ ﻛﺜﺮ ورود اﺳم ﷲ اﳊﺴن »ﷲ« ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟصﻔﺎت اﻟعُﻠﻰ‪ ،‬ومعنﺎه اﳌعﺒﻮد‪ ،‬ذو اﻷﻟﻮﻫﻴّة‪ ،‬واﻟعﺒﻮدﻳّة ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘه أﲨعﲔ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ﳉمﻴع اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ‪ ،‬و ّ‬
‫أﲨعﲔ‪ ،‬ﳌﺎ اتصﻒ ﺑه من ﺻـﻔﺎت اﻟﻜمـﺎل‪ ،‬اﻟـﱵ تﻮجـﺐ أن ﻳﻜـﻮن اﳌعﺒـﻮد وﺣـﺪه‪ ،‬دون ﺳـﻮاه نـﻮاع‬
‫نﻮاع اﻟعﺒﻮدﻳّة اﻟﻈﱠﺎﻫﺮة واﻟﺒﺎﻃنة‪.1‬‬
‫ومن اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ورد ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا ذﻛﺮ ﻫﺬا اﻻﺳم اﻟعﻈﻴم‪ ،‬مﻮﻗﻒ اﻟﻘﺴم‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ‬
‫ﻓﻄعنُﻮا ﰲ إمﺎرته‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬إِ ْن ﺗَﻄ َْﻌﻨُﻮا ِﰲ إِ َﻣ َﺎرﺗِ ِﻪ‬ ‫ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أَﱠمَﺮ ُ‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺳﺎمة ﻋﻠﻰ ﻗﻮم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ﺐ اﻟﻨﱠﺎس إِ َﱠ‬
‫ﱄ‪،‬‬ ‫إِ َﻣ َﺎرﺗﻪ ﻓَـ َﻘ ْﺪ ﻃَ َﻌ ْﻨـﺘُ ْﻢ ِﰲ إِ َﻣ َﺎرة أَﺑِﻴﻪ ﻣ ْﻦ ﻗَـْﺒﻠﻪ‪َ ،‬وأ ْﱘُ ا ﱠ ﻟََﻘ ْﺪ َﻛﺎ َن َﺧﻠﻴ ًﻘﺎ ﻟ ِْﻺ َﻣ َﺎرة‪َ ،‬وإِ ْن َﻛﺎ َن ﻣ ْﻦ أ َ‬
‫َﺣ ِّ‬
‫‪2‬‬
‫ﺐ اﻟﻨﱠﺎس إِ َﱠﱄ ﺑَـ ْﻌ َﺪﻩُ«‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َﺣ ِّ‬
‫َوأن َﻫ َﺬا ﻟَﻤ ْﻦ أ َ‬
‫تعﺎﱃ‪ ،‬وﰲ‬ ‫وﻫﻮ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻋﻘﺪي ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة؛ ﻳﺬ ّﻛﺮ اﳌﺪﻋﻮ ن اﻟﻘﺴم ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ‬
‫اﻟﺸﺮﻋﻲ‪ ،‬وﻓﻴه تﻄﺒﻴق ﻋمﻠﻲ‬‫اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﻳﺒﲔ أن من أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘأﻛﻴﺪ تﻮﻇﻴﻒ اﻟﻘﺴم اﻟﺘّﻮﻇﻴﻒ ّ‬
‫ﻟﻠﺘﻔعﻴﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﳍﺬا اﻻﺳم ﰲ اﳌﻘﺎم اﳌنﺎﺳﺐ ﻟه‪.3‬‬
‫عن ﺳﻬﻞ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬جﺎء رﺳﻮل ﷲ‬ ‫مﺮة أُﺧﺮى ﰲ ﺳﻴّﺎق اﻟﺪﱡﻋﺎء‪ ،‬واﻻﺳﺘﻐﺎثة‪ ،‬ﻓ ْ‬ ‫وﻗﺪ جﺎء اﻻﺳم ّ‬
‫جﺎء رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﳓن ﳓﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،‬وننﻘﻞ اﻟﱰاب ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓنﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ‬
‫ﺼﺎ ِر« ‪.4‬‬ ‫ِ‬
‫اﻵﺧﺮْﻩ‪ ،‬ﻓَﺎ ْغ ِﻔﺮ ﻟِﻠ ِ‬
‫ْﻤ َﻬﺎﺟ ِﺮ َ‬
‫ﻳﻦ َواﻷَﻧْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ﺶ َ‬ ‫ﺶ إِﱠﻻ َﻋ ْﻴ ُ‬
‫»اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ ﻻَ َﻋ ْﻴ َ‬
‫ومن اﳌﻮاﻃن اﻟﱵ ورد ﻓﻴﻬﺎ اﺳم ﷲ اﳊﺴن چ ٱﷲ ٱچ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬مﺎ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻋن جﺎﺑﺮ ﺑن‬
‫ﻀﺎﻩِ ﻓَـﺘَـ َﻔ ﱠﺮ َق اﻟﻨﱠﺎس ِﰲ‬ ‫ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬أﻧﻪ غَ َﺰا َﻣ َﻊ اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻓَﺄَ ْد َرَﻛْﺘـ ُﻬ ْﻢ اﻟْ َﻘﺎﺋِﻠَﺔُ ِﰲ َو ٍاد َﻛﺜِ ِﲑ اﻟْﻌِ َ‬
‫ﻆ َو ِﻋْﻨ َﺪﻩُ َر ُﺟ ٌﻞ َو ُﻫ َﻮ َﻻ‬ ‫ٍ‬
‫ﺖ َﺷ َﺠ َﺮة ﻓَـ َﻌﻠﱠ َﻖ ِ َﺎ َﺳ ْﻴـ َﻔﻪُ ﰒﱠ َ َم ﻓَ ْ‬
‫ﺎﺳﺘَـ ْﻴـ َﻘ َ‬ ‫ﻀﺎﻩِ ﻳَ ْﺴﺘَ ِﻈﻠﱡﻮ َن ِ ﻟ ﱠ‬
‫ﺸ َﺠ ِﺮ ﻓَـﻨَـ َﺰ َل اﻟﻨّﱯ‪َ ‬ﲢْ َ‬ ‫اﻟ ِْﻌ َ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳعﻴﺪ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﺷﺮح أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪،‬‬
‫ص‪.164‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺑعﺚ اﻟنّﱯ‪ ‬أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﰲ مﺮﺿه اﻟﺬي تﻮﰲ ﻓﻴه‪،‬‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴمة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﺮواﻳة‪،‬‬
‫)‪ ،(16/6‬ﺑﺮﻗم‪ ،4468:‬وﻗﺪ ﻛﺮر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري إﺧﺮاج اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻋﺪة أﺑﻮاب‪ ،‬ﳑﺎ ﻳ ّ‬
‫ﻛﻜﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب منﺎﻗﺐ زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة مﻮﱃ اﻟنّﱯ‪ ،(23/5) ،‬و ﻛﺘﺎب اﻷﳝﺎن واﻟنﺬور‪ ،‬ب ﻗﻮل اﻟنّﱯ‪» :‬واﱘ‬
‫ﺎﻟﱰاجم تﺸﲑ إﱃ‬ ‫ﷲ«‪ ،(128/8) ،‬و ﻛﺘﺎب اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬ب من ﱂ ﻳﻜﱰث ﺑﻄعن من ﻻ ﻳعﻠم ﰲ اﻷمﺮاء ﺣﺪﻳﺜﺎ‪ ،(73/9) ،‬ﻓ ّ‬
‫أﺑعﺎد تﺘعﻠق ﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬و ﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴة‪ ،‬و ﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وتﺆﻛﺪ تﺮﲨة ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي إﱃ اﺳﺘمﺮارﻳة ﺣﺮﻛة اﳉﻬﺎد‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫وّ‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬مﺒﺎرك اﳌﻴﻠﻲ اﳉﺰاﺋﺮي‪ ،‬رﺳﺎﻟة اﻟﺸﺮك ومﻈﺎﻫﺮه‪ ،‬رﺳﺎﻟة اﻟﺸﺮك ومﻈﺎﻫﺮه‪ ،‬ت‪ :‬أﰊ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﳏمﻮد‪ ،‬دار اﻟﺮاﻳة ﻟﻠنﺸﺮ‬
‫واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2001 ،‬م ص‪.414‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳋنﺪق وﻫﻲ اﻷﺣﺰاب‪ ،(107/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4098 :‬‬
‫‪59‬‬
‫ف ﻓَـ َﻬﺎ ُﻫ َﻮ ذَا‬
‫ﺴْﻴ َ‬
‫ﺎم اﻟ ﱠ‬
‫ﺸَ‬ ‫ْﺖ ا ﱠُ ﻓَ َ‬
‫ﻚ ﻗُـﻠ ُ‬ ‫ط َﺳ ْﻴ ِﻔﻲ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل َﻣ ْﻦ ﳝَْﻨَـ ُﻌ َ‬ ‫ﺎل اﻟﻨّﱯ‪ : ‬أن َﻫ َﺬا ا ْﺧﺘَـ َﺮ َ‬ ‫ﻳَ ْﺸﻌُ ُﺮ ﺑِ ِﻪ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫ﺲ ﰒﱠ َﱂْ ﻳُـ َﻌﺎﻗ ْﺒﻪُ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َﺟﺎﻟ ٌ‬
‫ﻟﻠصﺤﺎﺑة ﻋمﻠﻴﺎ اﻻﺳﺘصﺤﺎب اﻟعﻘﺪي ﰲ‬ ‫وﰲ ﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻋﻘﺪي تﺮﺑﻮي‪ ،‬ﻳﺒﲔ ﻓﻴه اﻟنّﱯ‪ّ ‬‬
‫ﰲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال‪ ،‬ﻛﺤﺎل اﻟﺪﱡﻋﺎء واﻻﺳﺘﻐﺎثة‪ ،‬واﻻﺳﺘعﺎنة وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬ﻟﻴﻜﻮن من اﻟ ّﺬاﻛﺮﻳن ﷲ ﰲ ﻛﻞ‬
‫ﺣﲔ‪ ،‬وﻻ ﳜﻔﻰ اﻷثﺮ اﻟﻄﻴﺐ ﻟﺬﻛﺮ ﻫﺬا اﻻﺳم اﳊﺴن اﻟعﻈﻴم ﺑعﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﱠاﻋﻴة واﳌﺪﻋﻮ‪،‬‬
‫واﻟ ّﺪﻋﻮة‪.2...‬‬

‫داﻋﻴة ﻳﺪﻋﻮ إﱃ‬

‫ﷲ‬

‫اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲟنﻬج‬

‫ﷲ‬ ‫ﷲ‬ ‫مﺪﻋﻮ ﻳُﺪﻋﻰ إﱃ‬
‫ﷲ‬

‫اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ دﻳن‬

‫ﷲ‬

‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،(113/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4125:‬وﻗﺪ أﺧﺮج اﻟﺒخﺎري اﳊﺪﻳﺚ‬
‫ﰲ مﻮاﻃن مﺘعﺪدة تﺸﲑ تﺮاﲨﻬﺎ إﱃ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻛمﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﻋﻠق ﺳﻴﻔه ﻟﺸﺠﺮ ﰲ اﻟﺴﻔﺮ ﻋنﺪ‬
‫ﺎﻟﱰﲨة تﺘﻀمن مﻘصﺪ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﺧﺬ ﻗﺴط من اﻟﺮاﺣة‪ ،‬وﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘعمﺎل واﺳﺘﻐﻼل اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻟﻠﻮﺳﺎﺋﻞ‬
‫اﻟﻘﺎﺋﻠة‪ ،(39/4) ،‬ﻓ ّ‬
‫اﳌﺒﺎﺣة واﳌﺘﺎﺣة‪ ،‬وﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب تﻔﺮق اﻟنﱠﺎس ﻋن اﻹمﺎم ﻋنﺪ اﻟﻘﺎﺋﻠة‪ ،‬و اﻻﺳﺘﻈﻼل ﻟﺸﺠﺮ‪،(40/4) ،‬‬
‫اﻟﱰﲨة اﻹﺷﺎرة إﱃ اﻟﺒعﺪ اﻟﺘﻮاﺻﻠﻲ ﺑﲔ اﻟﺪﱠاﻋﻴة واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ومﺮاﻋﺎة اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﳊﺎجﺎت اﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫وﰲ ّ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬مﻄﺒعة اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬مﻴﺖ ﻏمﺮ‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪ 2005 ،1‬م‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫ﳏمﺪ إمﺎم‪ ،‬من رواﺋع أﰉ اﳊﺴن اﻟنﺪوي ﰲ ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪60‬‬
 ‫ب‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻻﺳﻢ ﷲ چٱاﳌﻠﻚٱچ‬
‫من اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﳊﺎﺿﺮة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﺳم ﷲ اﳊﺴن چ ٱاﳌﻠﻚ ٱچ‪ ،‬اﻟﺬي معنﺎه أن ﷲ‬
‫ﻳن ِّﻔﺬ مﺸﻴﺌﺘه ﰲ ﳑﻠﻜﺘه ﻛﻴﻒ ﺷﺎء‪ ،‬وﻛﻴﻔمﺎ ﺷﺎء إﳚﺎدا‪ ،‬وإﻋﺪامﺎ‪ ،‬وإﺑﻘﺎء وإﻓنﺎء ﻟﻘﺪرة اﻟﺘﱠﺎمة‪،1‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﻋن أﰊ ﺳعﻴﺪ ‪ ،‬أن أُ َ ًﺳﺎ نَـَﺰﻟُﻮا َﻋﻠَﻰ ُﺣ ْﻜ ِم َﺳ ْع ِﺪ ﺑْ ِن ُم َع ٍﺎذ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ إِﻟَْﻴ ِه ﻓَ َﺠﺎءَ َﻋﻠَﻰ‬ ‫ﻓﻔﻲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻮﻣﻮا إِ َﱃ َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ‪ ،‬أ َْو َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ«‪،‬‬ ‫ﺎل اﻟنّﱯ‪» :‬ﻗُ ُ‬ ‫إِﻟَْﻴ ِه ﻓَ َﺠﺎءَ َﻋﻠَﻰ ِﲪَﺎ ٍر‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﺑَـﻠَ َغ ﻗَ ِﺮﻳﺒًﺎ ِم َن اﳌ ْﺴ ِﺠ ِﺪ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫َ‬
‫َﺣ ُﻜ ُم ﻓِﻴ ِﻬ ْم أَ ْن تُـ ْﻘﺘَ َﻞ ُم َﻘﺎتِﻠَﺘُـ ُﻬ ْم َوتُ ْﺴ َﱮ‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫أﱐ‬ ‫ﻓ‬ ‫‪:‬‬ ‫ﺎل‪َ َ » :‬ﺳ ْﻌ ُﺪ أن َﻫ ُﺆﻻَِء ﻧَـ َﺰﻟُﻮا َﻋﻠَى ُﺣ ْﻜ ِﻤ َﻚ َ َ‬
‫ﺎل‬ ‫ﻗ‬ ‫‪،‬‬ ‫«‬ ‫ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺖ ِﲝُ ْﻜ ِﻢ ا ﱠِ‪ ،‬أ َْو‪ِ :‬ﲝُ ْﻜ ِﻢ اﳌَﻠِ ِﻚ «‪.2‬‬ ‫َذ َرا ِرﻳﱡـ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﺣ َﻜ ْﻤ َ‬
‫ﻓﻘﺪ جﺎء ﻫﺬا اﻻﺳم منﺎﺳﺒﺎ ﻟﻠمﻘﺎم‪ ،‬وذﻟﻚ أنه تﺮجع إﻟﻴه أﲰﺎء ﺣﺴﲎ ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﻛﺎﳌعﺰ‪ ،‬اﳌﺬل‪،‬‬
‫اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬اﳉﺒﺎر‪ ،‬اﳌﺘﻜﱪ‪ ،‬اﳊﻜم‪ ،‬اﻟعﺪل‪ ،‬اﳋﺎﻓﺾ‪ ،‬اﻟﺮاﻓع‪ ،‬اﳌعﺰ‪ ،‬اﳌﺬل‪ ،‬اﻟعﻈﻴم‪ ،‬اﳉﻠﻴﻞ‪ ،‬اﻟﻜﺒﲑ‪،‬‬
‫اﳊﺴﻴﺐ‪ ،‬ا ﻴﺪ‪ ،‬اﻟﻮﱄ‪ ،‬اﳌﺘعﺎﱄ‪ ،‬مﺎﻟﻚ اﳌﻠﻚ‪ ،‬اﳌﻘﺴط‪ ،‬اﳉﺎمع‪ ،‬وإﱃ ﻏﲑ ذﻟﻚ من اﻷﲰﺎء اﻟعﺎﺋﺪة‬
‫إﱃ اﳌﻠﻚ‪.3‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﻔﻘه‬ ‫أذل ﻓﻴه ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ْ ،‬‬ ‫وﻫﺬا اﳌﻘﺎم أﻋﱠﺰ ﻓﻴه اﳌﻠﻚ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬و ﱠ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي ﻟﻸﲰﺎء اﳊﺴﲎ‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟﻮاﻗعة ﺑعﺪ تنﺰﻳﻠﻲ ﻟﻔﻘه دﻻﻟة ﻫﺬا اﻻﺳم اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ومﺎ تعﻠﱠق ﺑه من أﲰﺎء ُﺣﺴﲎ‪،‬‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة ﳍﺬه اﻷﲰﺎء ﻳﻜﻮن أﻛﺜﺮ ﺻمﻮدا أمﺎم اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﱵ‬ ‫اﳌﺘﺰود ﲟﻀمﻮن ّ‬ ‫ﻓﺎﻟﺪﱠاﻋﻴة ِّ‬
‫تﻔﺮﺿﻬﺎ َﺳنَـنَـﻴّة اﻟﺘﱠﺪاﻓع‪ ،‬ومﺎ انﺘصﺮ اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬واﳌصﻠﺤﻮن ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﻻ ﺬه اﻟعﺪﱠة‪.‬‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ ﺣﺎمﺪ‪ ،‬اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬اﳌﻘصﺪ اﻷﺳﲎ ﰲ ﺷﺮح معﺎﱐ أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ‪ ،‬ت‪ :‬ﺑﺴﺎم ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﳉﺎﰊ‪ ،‬ﻗﱪص‬
‫ط‪1407 ،1‬ه‪1987 ،‬م‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنّﱯ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(112/5‬ﺑﺮﻗم‪ ،4121:‬وﻗﺪ اﺳﺘنﺒط اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻓﺎﺋﺪة دﻋﻮﻳة وﻫﻲ إنﺰال اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻟﻠنّﺎس منﺎزﳍم‪ ،‬وﻫﺬا ﰲ ﻛﺘﺎب‬
‫اﻻﺳﺘﺌﺬان‪ ،‬ب ﻗﻮل اﻟنّﱯ‪» :‬ﻗﻮﻣﻮا إﱃ ﺳﻴﺪﻛﻢ«‪.59/8 ،‬‬
‫‪ -3‬ﺳعﻴﺪ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺜمﺮ ا ﺘﲎ ﳐﺘصﺮ ﺷﺮح أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪61‬‬
 ‫اﳌﻠﻚ‬

‫ﻳعﺰ‬ ‫ﻳﺬل‬

‫اﳌﺆﻣﻨﲔ ) اﻟﻨّﺒﻴﻮﺻﺤﺒﻪ(‬ ‫اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ )ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈﺔ(‬

‫ج‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻻﺳﻢ ﷲ چٱاﻟﻘﺪﻳﺮٱچ‬

‫ﻗﺪ ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳﻜﺜﺮ من تﺮدﻳﺪ ﻫﺬا اﻻﺳم اﻟعﻈﻴم ﰲ ﺳﻔﺮه‪ ،‬وﻏﺰواته‪ ،‬ومعﲎ ﻫﺬا اﻻﺳم‬
‫اﳊﺴن‪ ،‬أن ﷲ تعﺎﱃ ﻟه مﻄﻠق اﻟﻘﺪرة‪ ،‬وﻛمﺎﳍﺎ وﲤﺎمﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳعﺠﺰه ﺷﻲء ﰲ اﻷرض‪ ،‬وﻻ ﰲ‬
‫اﻟﺴمﺎء‪ ،‬وإذا أراد ﺷﻴﺌﺎ أن ﻳﻘﻮل ﻟه ﻛن ﻓﻴﻜﻮن‪ ،‬اﻟﻔعﱠﺎل ﳌﺎ ﻳﺸﺎء إذا ﺷﺎء ﻛﻴﻒ ﺷﺎء‪ ،‬ﰲ أي وﻗﺖ‬
‫ﺷﺎء‪.1‬‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ اﳊﻀﻮر اﳌﻜﺜﻒ ﳍﺬا اﻻﺳم اﳊﺴن‪ ،‬مﺎ رواه ﻋﺒﺪ ﷲ ‪ ،‬أن رﺳﻮل‬ ‫اﻟﺮوا ت اﻟﱵ ّ‬ ‫ومن ِّ‬
‫اﳊج أو اﻟعمﺮة ﻳﺒﺪأ ﻓﻴﻜﱪ ثﻼث مﺮار‪ ،‬ﰒ ﻳﻘﻮل‪:‬‬ ‫ﻋنه‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻛﺎن إذا ﻗﻔﻞ من اﻟﻐﺰو أو ّ‬
‫ْﻚ‪َ ،‬وﻟَﻪُ اﳊَ ْﻤ ُﺪ‪َ ،‬و ُﻫ َﻮ َﻋﻠَى ُﻛ ِّﻞ َﺷ ْﻲ ٍء ﻗَ ِﺪ ٌﻳﺮ آﻳِﺒُﻮ َن َ ﺋِﺒُﻮ َن‪،‬‬ ‫ﻳﻘﻮل‪» :‬ﻻَ إِﻟَ َﻪ إِﱠﻻ ا ﱠُ‪َ ،‬و ْﺣ َﺪﻩُ ﻻَ َﺷ ِﺮ َ‬
‫ﻳﻚ ﻟَﻪُ‪ ،‬ﻟَﻪُ اﳌُﻠ ُ‬
‫اب َو ْﺣ َﺪﻩُ« ‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َﺣ َﺰ َ‬
‫ﺼ َﺮ َﻋ ْﺒ َﺪﻩُ‪َ ،‬و َﻫ َﺰَم اﻷ ْ‬ ‫َﻋﺎﺑِ ُﺪو َن َﺳﺎﺟ ُﺪو َن‪ ،‬ﻟ َﺮﺑِّﻨَﺎ َﺣﺎﻣ ُﺪو َن َ‬
‫ﺻ َﺪ َق ا ﱠُ َو ْﻋ َﺪﻩُ‪َ ،‬وﻧَ َ‬

‫‪ -1‬ﺣﺎﻓﻆ اﳊﻜمﻲ‪ ،‬معﺎرج اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺸﺮح ﺳﻠم اﻟﻮﺻﻮل‪ ،‬ت‪ :‬ﻋمﺮ ﺑن ﳏمﻮد‪ ،‬دار اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬اﻟﺪمﺎم‪ ،‬ط‪ 1410 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 1990‬م‪.(138/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳋنﺪق وﻫﻲ اﻷﺣﺰاب‪ ،(111/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4116 :‬ومن اﻷﺑعﺎد‬
‫اﻟﱵ ﳝﻜن أن تﺴﺘﻔﺎد من تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬مﺎ جﺎء ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺘﻜﺒﲑ إذا ﻋﻼ ﺷﺮﻓﺎ‪،‬‬
‫)‪ ،(57/4‬وﻫﻲ تﺸﲑ إﱃ اﻷﺳﻠﻮب اﳊﺴﻲ ﺳﺘﻐﻼل اﳌﻜﺎن اﳌﺮتﻔع ﻟﻠﺘﻜﺒﲑ‪ ،‬وﻳﺸﲑ إﱃ تﻀمن اﻟﺮواﻳة ﳌﻀمﻮن دﻋﻮي ﻳﺘعﻠق‬
‫اﻟﺪﻋﻮات‪ ،‬ب‬ ‫ﺑﺒﺎب اﻟﺪﱡﻋﺎء ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺎ ﻳﻘﻮل إذا رجع من اﻟﻐﺰو؟‪ ،(76/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3084:‬وﰲ ﻛﺘﺎب ّ‬
‫اﻟﺪﱡﻋﺎء إذا أراد ﺳﻔﺮا أو رجع‪.(82/8) ،‬‬
‫‪62‬‬
‫ـﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وﻳ ـ ــﺆثِّﺮ‬
‫ﺮﺳ ـ ـخ معﺎنﻴ ـ ــه ﰲ نﻔ ـ ــﻮس اﳌ ـ ـ ّ‬
‫ِ‬
‫ﻓ ـ ــﻼ رﻳ ـ ــﺐ أن تﻜ ـ ـﺮار ﻫ ـ ــﺬا اﻻﺳ ـ ــم ﰲ ﻛ ـ ــﻞ اﻟﻐ ـ ــﺰوات ﻳُ ّ‬
‫وﻳ ــﺆثِّﺮ ﻋﻠـ ــﻰ ﺳـ ــﻠﻮﻛﻬم‪ ،‬ﻻ ﺳـ ــﻴمﺎ وﻫ ــﺬا اﻻﺳـ ــم اﻟعﻈـ ــﻴم ﻟـ ــه ﻋﻼﻗ ــة ﲰ ــﺎء ﺣﺴـ ــﲎ ﻛﺜ ــﲑة‪ ،‬ﻛـ ــﺎﻟعﺰﻳﺰ‪،‬‬
‫ﻛـ ـ ــﺎﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬اﻟﻘ ـ ـ ــﺪﻳﺮ‪ ،‬اﻟﻘـ ـ ــﺎدر‪ ،‬اﳌﻘﺘ ـ ـ ــﺪر‪ ،‬اﻟﻘـ ـ ــﻮي‪ ،‬واﳌﺘ ـ ـ ــﲔ‪ ،‬ﻟﻜـ ـ ــﻮن معﺎنﻴﻬـ ـ ــﺎ مﺘﻘﺎرﺑـ ـ ــة‪ ،‬ﻓﻬـ ـ ــﻮ تع ـ ـ ــﺎﱃ‬
‫ﻛﺎمﻞ اﻟﻘﻮة‪ ،‬ﻋﻈﻴم اﻟﻘﺪرة‪ ،‬ﺷﺎمﻞ اﻟعﺰة‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻻ ﺑﺪ أن تعﱰﺿه ﰲ ﻃﺮﻳق دﻋﻮته ﲢﺪ ّ ت‪ ،‬وتﻘﻒ ﰲ وجﻬه ﻋﻘﺒﺎت ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى‬
‫مﺲ اﳊﺎجة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪﻳﺮ ﺳﺒﺤﺎنه ﻟﺘﺠﺎوزﻫﺎ‪ ،‬واﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟ ّﺪاﺧﻠﻲ؛ ﳑﺎ ﳚعﻠه‬

‫• ﺣﺸﺪ أﺳﺒﺎب اﳌﻮاجﻬة‬

‫ﺗﺬﻛﺮ اﻟﻘﺪﻳﺮ‬
‫• ﺧﻮض اﳌﻮاجﻬة‬
‫• ﲢﺪ ت‬
‫• اﻟﺘﺪاﻓع مع اﻟﺘﺤﺪ ت‬ ‫• ز دة إﳝﺎن‬
‫داﺧﻠﻴة‬
‫• ﻃﺎﻗة إﳝﺎنﻴة مﺘﺠﺪدة‬
‫ﺗﻔﻌﻴﻞ اﻻﺳﻢ‬ ‫• ﲢﺪ ت‬
‫ﺷﻌﻮر ﻟﻀﻌف‬
‫ﺧﺎرجﻴة‬

‫د‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻻﺳﻢ ﷲٱچٱاﳋﺒﲑٱچ‬

‫ﻗﺪ جﺎء اﺳم ﷲ اﳋﺒﲑ ﰲ اﻵﻳّة اﻟﱵ تﺮجم ﺎ اﻟﺒخﺎري أﺣﺪ أﺑﻮاب ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي ﰲ اﳉﺎمع‬
‫ُ َََ ُ‬ ‫ْ ُ ْ ُ َ َ َ َُْ َ ََ َ‬
‫أ َح ٖد َوا رسول يَ ْد ُعوك ْم ِ ٓ ْخ ۪ر ٰك ْم فﺄ ٰبَك ْم‬
‫ُ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻫﻲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ِإذ تصعِدون وﻻ ت وۥن‬
‫اﻟ ﱠ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َٓ‬
‫ُ ْ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ ۢ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ون چ ]آل ﻋمﺮان‪.2" [153 :‬‬‫مﺎ بِغ ّٖم لِكيﻼ تَ ْح َزنوا ٰ مﺎ فﺎتك ْم َوﻻ مﺎ أ ٰبك ْ ۖم َواﷲ خب ِ ۢ ب ِ َمﺎ تع َم ۖ‬
‫ﻓﻠﻬــﺬا اﻻﺳــم تعﻠــق ﲰــﺎء أﺧــﺮى‪ ،‬ﻛــﺎﻟعﻠﻴم اﻟــﺬي ﻳﺘعﻠــق ﻟعﻠــم ﺑﻈ ـﻮاﻫﺮ اﻷمــﻮر‪ ،‬واﳋﺒــﲑ ﺑﺒﻮاﻃنﻬــﺎ‪،‬‬
‫ﻓﻴﺆﻛﺪان ﳎﺘمعﲔ ﻋﻠﻰ ﻋﻠم ﷲ اﶈﻴط ﻟﻈﺎﻫﺮ واﻟﺒﺎﻃن ﻓﻼ ﻳعﺰب ﻋنه ﺷﻲء ﺳﺒﺤﺎنه‪.‬‬
‫وﳍﺬﻳن اﻻﲰﲔ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻛﺒﲑ‪ ،‬ﻓﺎﻹﳝﺎن مﺎ ﻳﻮرث اﻟﻄمأنﻴنة اﻟﺘﺎمة ﳌﺎ ﺣﻜم ﺑه ﷲ تعﺎﱃ؛ من‬
‫أﺣﻜﺎم ﻛﻮنﻴّة وﺷﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﻟصﺪور ذﻟﻚ ﻋن ﻋﻠﻴم ﺧﺒﲑ‪.3‬‬

‫‪-1‬ﺳعﻴﺪ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﺷﺮح أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫ْ‬
‫‪-2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱذ تُ ْصع ُِد َ‬
‫ون ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪.(99/5) ،[ 153 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪.(190/1) ،‬‬
‫‪63‬‬
‫وأمﺎ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﳍﺬا اﻻﺳم ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺑه من اﻷﲰﺎء ﻳﺘﺠﻠﻰ ﰲ اﻟﻔعﱠﺎﻟﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى‬
‫اﳌﺴﺘمﺮة‪ ،‬وﻟعﻠﻲ أوﺿﺢ ذﻟﻚ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬واﳌﺪﻋﻮ؛ ﺣﻴﺚ ﳚعﻠﻬمﺎ ﻳﺴﺘﺸعﺮان اﳌﺮاﻗﺒة اﻹﳍﻴّة‬

‫اﺳﺘﺤﻀﺎر اﺳﻢ ﷲ اﻟﻌﻠﻴﻢ‬

‫إ رة ﻣﻘﺎم اﳌﺮاﻗﺒﺔ ﻟﺪى‬ ‫إ رة ﻣﻘﺎم اﳌﺮاﻗﺒﺔ ﻟﺪى‬

‫اﻟ ﱠﺪاﻋﻴﺔ‬ ‫اﳌﺪﻋﻮ‬

‫ﺟﻮدة اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ‬ ‫ﺳﺮﻋﺔ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ‬

‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻸﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﳌﻘﱰﻧﺔ‬

‫ﺑعﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﳌﻔﺮدة؛ ﻓﻴمﺎ ﺳﻠﻒ ﰐ اﻟﻜﻼم ﻋن اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﳌﻘﱰنة من‬
‫ﺧﻼل اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة اﻟﻮاردة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪:‬‬
‫أ‪.‬ٱاﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟـ چٱاﻟﺴﻤﻴﻊٱچٱوٱچٱاﻟﻘﺮﻳﺐٱچ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬اﲰﻲ ﷲ‬ ‫من اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ اﻟﱵ ورد ذﻛﺮﻫﺎ مﻘﱰنة ﰲ ﺑعﺾ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻮﺳﻰ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ُ :‬ﻛنﱠﺎ َم َع اﻟنّﱯ‪ِ ‬ﰲ‬ ‫ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ » اﻟﺴﻤﻴﻊ« و »اﻟﻘﺮﻳﺐ«‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء َﻋ ْن أَِﰊ ُم َ‬
‫َﺻ ﱠﻢ َوﻻَ غَﺎﺋِﺒًﺎ‪ ،‬ﺗَ ْﺪﻋُﻮ َن‬ ‫ِ‬ ‫َﺳ َﻔ ٍﺮ‪ ،‬ﻓَ ُﻜنﱠﺎ إِذَا َﻋﻠَ ْﻮ َ َﻛﺒﱠـْﺮَ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪ْ » :‬ارﺑَـ ُﻌﻮا َﻋﻠَى أَﻧْـ ُﻔﺴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓإﻧﻜﻢ ﻻَ ﺗَ ْﺪﻋُﻮ َن أ َ‬
‫َِﲰ ًﻴﻌﺎ ﺑَ ِﺼ ًﲑا ﻗَ ِﺮﻳﺒًﺎ«‪.1‬‬
‫اﻟﺴﺮ واﻟنّﺠﻮى‪ ،‬ﻳﺴمع ﲪﺪ‬ ‫ﻓﺎ ﺳﺒﺤﺎنه ﲰﻴع ﻻ ﻳَـ ْع ُﺰب ﻋن إدراﻛه مﺴمﻮع‪ ،‬وإ ْن ﺧﻔﻲ‪ ،‬ﻓﻴﺴمع ّ‬
‫ﲪﺪ اﳊﺎمﺪﻳن ﻓﻴﺠﺎزﻳﻬم‪ ،‬ودﻋﺎء اﻟﺪﱠاﻋﲔ ﻓﻴﺴﺘﺠﻴﺐ ﳍم‪ ،‬وﻗﺮﻳﺐ ﻗﺮب ﻋﺎم‪ ،‬وﻫﻮ إﺣﺎﻃة ﻋﻠمه‬

‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ﷲ َسمِيعﺎ ۢ بَ ِص اۖچ ]اﻟنﺴﺎء‪[134 :‬ﺑﺮﻗم‪،7386 :‬‬
‫ﺎن ُ‬
‫ك َ‬ ‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱو‬
‫‪1‬‬

‫اﻟﱰﲨة ﻟﻠﺒعﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﳌﺘعﻠق ﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ ﺑﲔ؛ إذ ﺿمنﻬﺎ جﺰء من اﻵﻳة اﳌﺬﻳﻞ ﲰﲔ من اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ‪ ،‬ﻛمﺎ أن‬ ‫ومنﺎﺳﺒة ّ‬
‫ﻋنﻮان اﻟﺒﺎب منﺎﺳﺐ أﻳﻀﺎ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫ﲜمﻴع اﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬وﻗﺮب ﺧﺎص ﻟﺪﱠاﻋﲔ‪ ،‬واﻟعﺎﺑﺪﻳن اﶈﺒﲔ‪ ،‬وﻫﻮ ﻗﺮب ﻳﻘﺘﻀﻲ اﶈﺒة‪ ،‬واﻟنﱠصﺮة‪،‬‬
‫واﻹجﺎﺑة ﻟﻠﺪاﻋﲔ‪.1‬‬
‫ومن ﻫنﺎ تﻈﻬﺮ اﳌنﺎﺳﺒة ﺑﲔ اﻻﲰﲔ اﻟعﻈﻴمﲔ‪ ،‬وﻳُ ْﺪ َرك اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي من إﻳﺮادﳘﺎ ﰲ ﻫﺬا‬
‫اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪.‬‬
‫ﻓمن مﺴﺘﻠﺰمﺎت ﻓﻘه ﻫﺬﻳن اﻻﲰﲔ اﺳﺘﺸعﺎر مﻘﺎم اﻟعنﺎﻳّة‪ ،‬واﳌعﻴّة اﻟﺮ نﻴّة‪ ،‬وﻫﻮ مﻘﺎم ﻻ ﻳنﺒﻐﻲ‬
‫ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻐﻔﻠه‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﰲ تﺪاﻓع مﺴﺘمﺮ مع ﺧصﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة وأﻋﺪاﺋﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﲔ واﳋﺎرجﻴﲔ‪ ،‬وﻻ‬
‫ﳝﻜن أن ﻳﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬم إﻻ ﺑعﻮن ﷲ تعﺎﱃ اﻟﻘﺮﻳﺐ‪.‬‬
‫ب‪.‬ٱاﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ل چٱاﻟﺴﻤﻴﻊٱچ وٱچٱاﻟﺒﺼﲑٱچ‬
‫صﺤﻴﺢ ﰲ اﻵﻳّة اﻟﱵ تﺮجم ﺎ اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ اﻟﺮواﻳّة اﻟﺴﺎﺑﻘة‬ ‫ورد ذﻛﺮ ﻫﺬﻳن اﻻﲰﲔ مﻘﱰنﲔ ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ﷲ َسمِيعﺎ ۢ بَ ِص اۖ چ ]اﻟنﺴﺎء‪ ،[134 :‬واﻗﱰان‬
‫ﺎن ُ‬
‫ك َ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘة ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱو‬
‫واﻗﱰان اﺳم ﷲ »اﻟﺴﻤﻴﻊ« ﲰه »اﻟﺒﺼﲑ« ﻳﻀﻴﻒ أﺑعﺎدا جﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ اﻗﱰانه ﻟﻘﺮﻳﺐ؛ ﻟعﻞ أﺑﺮزﻫﺎ‬
‫اﺳﺘﺸعﺎر اﳌﺮاﻗﺒة‪ ،‬ﻓﺘﺪرﻳﺐ اﳌﺪﻋﻮ ﺳﺘﺸعﺎر أن ﷲ تعﺎﱃ ﲰﻴع ﳌﺎ ﻳصﺪر منه من أﻗﻮال‪ ،‬وﺑصﲑ ﳌﺎ‬
‫ﻳصﺪر منه من أﻓعﺎل ﻳﻜﻮن ﻟه أثﺮ ﰲ اﻟﺘﺰامه ﳊﺪود ﷲ‪ ،‬وﻫﺬا منﻬج دﻋﻮي ﺳﻠﻮﻛﻲ ﻳنﺒﻐﻲ تﻔعﻴﻠه‬
‫ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﱰﺑﻴّة ﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ‪.2‬‬
‫ج‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟـ چٱاﻟﻐﻔﻮرٱچ وٱچٱاﳊﻠﻴﻢٱچ‬
‫ﻟﻘﺪ ورد ذﻛﺮ اﻻﺳم اﳊﺴن »اﻟﻐﻔﻮر« واﻻﺳم اﳊﺴن »اﳊﻠﻴﻢ« مﻘﱰنﲔ ﰲ ﻗﻮل ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه‬
‫َ ُ ََ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ْ َْ َ ََْ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ج ْم ٰ ِن أن َمﺎ س َ ل ُه ُم لشيْ َ ٰ ُن بِبَ ْع ِض َمﺎ ك َسبو َولق ْد فﺎ‬ ‫ِين ت َول ْوا مِنكم يوم‬
‫ل‬ ‫وتعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱأن‬

‫واﻵﻳّة تﺮجم ﺎ اﻟﺒخﺎري ﻟعﺪم انﺘصﺎر‬ ‫ِيم‪ ٞ‬چ ]آل ﻋمﺮان‪،[ 155 :‬‬ ‫َ َُ ٌ َ‬ ‫ُ َ ُْ ُ ٓ‬
‫ﷲ نهمۖۥ أن ﷲ فور حل ۖ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ ﻳﻮم "أﺣﺪ" ﺑﺴﺒﺐ ﳐﺎﻟﻔﺘﻬم‪ ،‬ومعصﻴﺘﻬم‪.3‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬أﺑﻮ ﺣﺎمﺪ اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬اﳌﻘصﺪ اﻷﺳﲎ‪ ،‬ص‪ ،90‬ﺳعﻴﺪ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﺷﺮح أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(373/13) ،‬اﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪.(324/1) ،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِنك ْم يَ ْو َم چ ]آل ﻋمﺮان‪.(98/5) ،[ 155 :‬‬
‫ِين ت َول ْوا م‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱإِن‬ ‫‪-3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه‬
‫‪65‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﺸﺮﻫم ﺳﺒﺤﺎنه أنه ﻏﻔﺮ ﳍم ﺑعﺪمﺎ ﻓعﻠﻮا مﺎ ﻳﻮجﺐ اﳌﺆاﺧﺬة‪ ،‬وإﻻ ﻓﻠﻮ واﺧﺬﻫم ﻻﺳﺘأﺻﻠﻬم‪،‬‬
‫ﻻﺳﺘأﺻﻠﻬم‪ ،‬ﻓﺎ ﻏﻔﻮر ﻟﻠمﺬنﺒﲔ اﳋﻄﺎﺋﲔ؛ ﲟﺎ ﻳﻮﻓﻘﻬم ﻟه من اﻟﺘﻮﺑة واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر‪ ،‬وﺣﻠﻴم ﻻ ﻳعﺎجﻞ‬
‫ﻳعﺎجﻞ من ﻋصﺎه‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺴﺘأﱐ ﺑه‪ ،‬وﻳﺪﻋﻮه إﱃ اﻹ ﺑة إﻟﻴه‪ ،‬واﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻴه‪.1‬‬
‫ومن ﻫنﺎ تﻈﻬﺮ منﺎﺳﺒة اﻗﱰان اﻻﲰﲔ ﰲ ﻫﺬه اﻵﻳّة ﳍﺬا اﳊﺪث من مﻮاﻗﻒ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومنه ﺧﺬ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫اﻟﺪﱠاﻋﻴة أﳘﻴّة تﻮﻇﻴﻒ ﺧﻠق اﻟصﻔﺢ واﳊﻠم ﰲ اﻟﺘّعﺎمﻞ مع تصﺮﻓﺎت ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬أﺳﺘخﻠﺺ أ ﺎ تﺮد‬ ‫وﺑعﺪ ﻫﺬه اﳉﻮﻟة اﻟﺴﺮﻳعة مع اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ ﰲ نصﻮص اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺮوا ت‪ ،‬و ﰐ مﺮة مﻔﺮدة ومﺮة‬‫ﻛﻔﻮاﺻﻞ ﻵ ت تﺮاجم مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وتﺮد أﺣﻴﺎ ﺿمن مﺘﻮن ِّ‬
‫مﻘﱰنة‪ ،‬ﲟﺎ ﳜﺪم اﳍﺪف اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺬي ﺳﻴﻘﺖ من أجﻠه‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ِّ‬
‫اﻟﺼﻔﺎت‬
‫ﺑعﺪ تنﺎول ﺣﻀﻮر اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺎ تﻀمنﺘه من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻋﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﰐ اﳊﺪﻳﺚ‬
‫ِ‬
‫اﻟصﻔﺎت‪ ،‬وذﻟﻚ من‬
‫ﻋن ﺻﻔﺎت ﷲ تعﺎﱃ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟﺸﻄﺮ اﻟﺜﺎﱐ اﻟﺬي ﻳﻜﺘمﻞ ﺎ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﲰﺎء و ّ‬
‫ﺧﻼل اﻷمﺜﻠة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺼﻔﺔ اﶈﺒﺔ‪ :‬وﻫﻲ من ﺻﻔﺎت ﷲ ﻋﺰ وجﻞ اﻟعﻈﻴمة اﻟﺜﺎﺑﺘة ﻟه ﻟﻜﺘﺎب‬
‫واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬وأﻫﻞ اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻳﺜﺒﺘﻮن ﻫﺬه اﻟصﻔة ﻋﻠﻰ اﻟﻮجه اﻟﻼﺋق ﲜﻼﻟه‪ ،‬وﻳﺜﺒﺘﻮن آ رﻫﺎ وﻟﻮازمﻬﺎ‪ ،‬ﻓمن‬
‫ﻓمن ﻟﻮازم ﳏﺒة ﷲ ﻋﺰ وجﻞ ﻟعﺒﺪه‪ ،‬أن ﻳﺜﻴﺒه‪ ،‬وأن ﻳﻮﻓﻘه وﻳﺴﺪده وﻳعﻴنه‪ ،‬وأن ﻳنعم ﻋﻠﻴه‪ ،‬وﷲ ﻋﺰ‬
‫ﺐ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻗﺎل ﺳﺒﺤﺎنه ﰲ اﻟﻘﺮآن ‪ :‬چٱيُحِ ب ُه ْم َو ُحِ بونَ ُه ٓۥ چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪.2[56:‬‬ ‫وﳛَ ﱡ‬‫ﺐ ُ‬ ‫ﻋﺰ وجﻞ ُِﳛ ﱡ‬
‫ﺣﱴ وﻫﻮ ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓعن ﺳﻠمة‬ ‫وﻷﳘﻴّة ﻫﺬه اﻟصﻔة ﺣﺮص اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ ﻗﻠﻮب أتﺒﺎﻋه ّ‬
‫ﺳﻠمة ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎن ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ ‪ ،‬ﲣﻠﻒ ﻋن اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﺧﻴﱪ‪ ،‬وﻛﺎن رمﺪا‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬
‫ﲔ‬‫وﻛﺎن رمﺪا‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أ أﲣﻠﻒ ﻋن اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓﻠﺤق ﺑه‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﺑﺘنﺎ اﻟﻠﻴﻠة اﻟﱵ ﻓﺘﺤﺖ ﻗﺎل‪َ » :‬ﻷُ ْﻋ ِﻄ َ ﱠ‬
‫ﻴﻞ‪َ :‬ﻫ َﺬا َﻋﻠِ ﱞﻲ‬ ‫ِ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَﻘ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْﺧ َﺬ ﱠن اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ غَ ًﺪا َر ُﺟ ٌﻞ ُﳛﺒﱡﻪُ ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُﻪُ‪ ،‬ﻳُـ ْﻔﺘَ ُﺢ َﻋﻠَْﻴﻪ«‪ ،‬ﻓَـنَ ْﺤ ُن نَـْﺮ ُج َ‬
‫اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ غَ ًﺪا أ َْو ﻟَﻴَﺄ ُ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫ﻓَأ َْﻋﻄَﺎهُ‪ ،‬ﻓَـ ُﻔﺘِ َﺢ َﻋﻠَْﻴه‪.‬‬

‫‪-1‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.153‬‬

‫‪ -2‬ﻋﺒﺪ اﻟﻐﲏ اﳌﻘﺪﺳﻲ‪ ،‬اﻻﻗﺘصﺎد ﰲ اﻻﻋﺘﻘﺎد‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻄﻴة ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﻐﺎمﺪي‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟعﻠﻮم واﳊﻜم‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪،‬‬
‫ط‪1414 ،1‬ﻫـ‪1993 ،‬م‪.(119/1) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(134/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4209 :‬‬
‫‪66‬‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻋﻘﺪي‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺸﲑ إﱃ أن اﻻﻟﺘﺰام ﲟﺎ ﻳﻘﺮب إﱃ ﷲ‪ ،‬من مﻮجﺒﺎت اﶈﺒة‬
‫اﶈﺒة ﺳﺒﺐ ﻟﻠنّصﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺪاء‪ ،‬وﺳﺒﻴﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴق اﻟنّﺠﺎح واﻟﻔﻼح ﻟﻠﻔﺮد وا ﺘمع‪ ،‬وﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‪.1‬‬
‫تﻮﺳعﺖ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ومﺎ ﳒﺢ اﻟﺪﱡﻋﺎة واﳌصﻠﺤﻮن ﰲ تﺒﻠﻴغ‪ ،‬ونﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬إﻻ‬ ‫ﻓمﺎ ّ‬
‫ﻟﺘﺰامﻬم ﺑﺴنن اﻟنﱠصﺮ اﻟﱵ من أﻋﻈم مﻘﻮمﺎ ﺎ اﻹﳝﺎن واﻟعﻠم اﻟنﺎﻓع واﻟعمﻞ اﻟصﺎﱀ‪ ،‬ومن ﰒﱠ؛ ﻓﺈن مﺎ‬
‫تعﻴﺸه اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌعﺎﺻﺮة من أمﺮاض وﻋﻠﻞ مﺮدﻫﺎ إﱃ إﻏﻔﺎل مﺜﻞ ﻫﺬه اﻟ ﱡﺴنن‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺼﻔﺔ اﳌﻌﻴّﺔ‪ :‬معﻴّة ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه ﻗﺴمﺎن‪ :‬ﻋﺎمة‪ ،‬وﺧﺎﺻة‪ ،‬ﻓﺎﻟعﺎمة ﻫﻲ اﻟﱵ‬
‫َ ُ َ َ َ ُ ُ ٓ َْ َ َ ُ‬
‫ك ُنت ْ ۖم چٱ]اﳊﺪﻳﺪ‪،[04 :‬‬ ‫تﺸمﻞ ﻛﻞ أﺣﺪ من مﺆمن وﻛﺎﻓﺮ‪ ،‬ودﻟﻴﻠﻬﺎ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱوهو معكمۥ أ ن مﺎ‬
‫َ َ ْ‬
‫ِين قوا چ ]اﻟنﺤﻞ‪:‬‬ ‫ﷲ َم َع‬‫‪ ،[04‬وأمﺎ اﳋﺎﺻة‪ ،‬ﻓﻬﻲ معﻴﺘه ﺳﺒﺤﺎنه ﻟﻠمﺆمنﲔ‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱأن َ‬
‫‪2‬‬
‫‪. [128‬‬
‫ونﻈﺮا ﻟﻸﳘﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻺﳝﺎن ﺬه اﻟصﻔة؛ﻓﻘﺪ ﺣﺮص اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﻘﺮﻳﺮﻫﺎ‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ ﻗﻠﻮب‬
‫أﺻﺤﺎﺑه وﻫم ﳚﺎﻫﺪون ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪.‬‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬ﻓَ ُﻜنﱠﺎ إِ َذا أَ ْﺷَﺮﻓْـنَﺎ َﻋﻠَﻰ‬ ‫ﻓعن َﻋن أَِﰊ مﻮﺳﻰ اﻷَ ْﺷع ِﺮ ِي ر ِﺿﻲ ا ﱠ َﻋْنه‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ُ :‬ﻛنﱠﺎ مع رﺳ ِ‬
‫ََ َُ‬ ‫َ َّ َ ُ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫ﺎل اﻟنّﱯ‪ َ » :‬أَﻳـﱡ َﻬﺎ اﻟﻨﱠﺎس ْارﺑَـﻌُﻮا َﻋﻠَى أَﻧْـ ُﻔ ِﺴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓﺄﻧ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ٍ‬
‫َﺻ َﻮاتُـنَﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺖأْ‬ ‫َﻋﻠَﻰ َواد‪َ ،‬ﻫﻠﱠْﻠنَﺎ َوَﻛﺒﱠـْﺮَ ْارتَـ َﻔ َع ْ‬
‫ﻳﺐ‪ ،‬ﺗَـﺒَ َﺎر َك ْاﲰُﻪُ َوﺗَـ َﻌ َﺎﱃ َﺟ ﱡﺪﻩُ « ‪.3‬‬
‫ﻴﻊ ﻗَ ِﺮ ٌ‬ ‫َﺻ ﱠﻢ َوﻻَ غَﺎﺋِﺒًﺎ‪ ،‬أﻧﻪ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ أﻧﻪ َِﲰ ٌ‬ ‫ﻻَ ﺗَ ْﺪﻋُﻮ َن أ َ‬
‫صﻼة واﻟ ﱠﺴﻼم‪ » :‬وﻫﻮ ﻣﻌﻜﻢ«‪ ،‬ﻓﺎﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي‬ ‫واﻟﺸﺎﻫﺪ من اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﺻﻔة اﳌعﻴّة ﻗﻮﻟه ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻔﺎد‪ ،‬ﻫﻮ تﻘﺮﻳﺮ اﻟصﻔة‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ نﻔﻮس اﳌﺪﻋﻮ؛ ﳑﺎ ﻳﻮجﺐ ﻟه ﻛمﺎل‬
‫‪4‬‬
‫اﳌﺮاﻗﺒة ﻟﻘﻴﺎم ﺑﻄﺎﻋة ﷲ‪ ،‬وتﺮك معصﻴﺘه‪ ،‬وﻫﺬا أثﺮ ﻋﻈﻴم ﳌن آمن ﺬه اﳌعﻴّة‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺼﻔﺔ اﻟﻐﻀﺐ‪ :‬ﺻﻔة اﻟﻐﻀﺐ ﺻﻔة ﺑﺘة تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ اﻟﻮجه اﻟﻼﺋق ﺑه‪،‬‬
‫وﻫﻲ ﺻﻔة من ﺻﻔﺎته اﻟﻔعﻠﻴّة‪ ،‬و ﻗﺪ دﻟّﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ آ ت ﻗﺮآنﻴّة ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َو َم ْن‬
‫ِب‬‫ﷲ َعلَيْ ِه چ ]اﻟنﺴﺎء‪ ،[92 :‬وﻗﻮﻟه‪ :‬چ ٱ َو ُ َع ّذ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫آؤ ُهۥ َج َهن ُم َ ٰ ِ ا ٗ َ‬
‫يهﺎ َو َﻏ ِض َ‬ ‫ُْْ ُ ٗ ََّ ٗ َ ََ ُ‬
‫قتل مومِنﺎ م تعمِدا فجز‬
‫ِ‬
‫ﺎﷲ َظن لس ْو ِء َعلَيْه ْم َدآ َر ُة لس ْو ِء َو َﻏ ِض َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ُ‬
‫ﷲ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت لظ آنِ َ ب ِ ِ‬ ‫ل ُم َ ٰ ِف ِق َ َوال ُم َ ٰ ِف ٰ ِ‬
‫ت َوال ُم ِ كِ َ َوال ُم ِ ٰ ِ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﻠﻲ اﻟﻄنﻄﺎوي‪ ،‬ﻗصﺘنﺎ مع اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬دار اﳌنﺎرة ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬جﺪة‪ ،‬ط‪ 1411 ،1‬ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ -2‬ﻋﻠﻮي اﻟﺴﻘﺎف‪ ،‬ﺻﻔﺎت ﷲ ﻋﺰ وجﻞ اﻟﻮاردة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬اﻟﺪرر اﻟﺴنﻴة‪ ،‬دار اﳍﺠﺮة‪ ،‬ط‪ 1426 ،3‬ﻫـ‪ 2006 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪ ،318‬اﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪.(401/1) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺎ ﻳﻜﺮه من رﻓع اﻟصﻮت ﰲ اﻟﺘﻜﺒﲑ‪ ،14/4 ،‬ﺑﺮﻗم‪.2992:‬‬
‫‪ -4‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳌﻄﺒعة اﻟﻜﱪى اﻷمﲑﻳة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪ 1323 ،7‬ﻫـ‪ ،(364/6) ،‬اﺑن‬
‫ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪.(418/1) ،‬‬
‫‪67‬‬
 ‫ٗ‬ ‫ٓ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َعليْ ِه ْم َول َعنَ ُه ْم َوأ َعد ل ُه ْم َج َهن َ ۖم َو َسﺎ َءت َم ِص ا ۖ چ]اﻟﻔﺘﺢ‪.[06:‬‬
‫وﳑﺎ ورد ﲞصﻮص اﻟصﻔة ﰲ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬مﺎ رواه أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ﺐ ا ﱠ َﻋﻠَى َر ُﺟ ٍﻞ ﻳَـ ْﻘﺘُـﻠُﻪُ‬ ‫ﲑ إِ َﱃ َرَ ِﻋﻴَﺘِ ِﻪ‪ ،‬ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ غَ َ‬
‫ﻀ ُ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ ا ﱠ َﻋﻠَى ﻗَـ ْﻮم ﻓَـ َﻌﻠُﻮا ﺑﻨَﺒﻴّﻪ‪ ،‬ﻳُﺸ ُ‬ ‫‪» :‬ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ غَ َ‬
‫ﻀ ُ‬
‫ا ﱠِ ِﰲ َﺳﺒِ ِﻴﻞ ا ﱠِ« ‪.1‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﻫﺬه اﻟصﻔة‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴﻬﺎ آ را دﻋﻮﻳّة ﲢمﻞ اﳌﺪﻋﻮ ﻋﻠﻰ اﳋﻮف‪ ،‬واﻻﺑﺘعﺎد‬
‫ﻋ ﱠمﺎ ﻳﻐﻀﺐ ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻟﺪﱠاﻋﻴة أن ﻳﻮرد من ﺻﻔﺎت ﷲ مﺎ ﻳنﺎﺳﺐ اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪.‬‬

‫اﻟصﻔﺎت اﻹﳍﻴّة من ﺷأنه أن‬ ‫ِ‬

‫اﻟﱰﻫﻴﺐ ﻋن ﻃﺮﻳق ﻋﺮض ّ‬ ‫اﻟﱰﻏﻴﺐ‪ ،‬و ّ‬ ‫ومﺰاوجة اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﺑﲔ أﺳﻠﻮب ّ‬
‫أن ﳛﻘق اﻟﺘﻮازن ﰲ ﺧﻄﺎﺑه اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬وﻫﺬه من اﳊﻜمة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﱵ تﻐﻴﺐ ﻋن ﺑعﺾ اﻟﺪﱡﻋﺎة‪،‬‬
‫واﻟﻮﻋﺎظ‪.2‬‬
‫اﻟﺮﲪة من ﺻﻔﺎت ﷲ اﻟﺬاتﻴّة‪ ،‬ﻓأنه ﱂ ﻳﺰل وﻻ ﻳﺰال‬ ‫اﻟﺮﲪﺔ‪ :‬ﺻﻔة ّ‬ ‫‪ .4‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﺼﻔﺔ ّ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ مﺘصﻔﺎ ّﻟﺮﲪة‪ ،‬وﻫﻮ مﻮﺻﻮف ّﻟﺮﲪة اﻟﻔعﻠﻴّة اﻟﱵ تﺘعﻠق ﺎ مﺸﻴﺌﺘه‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎنه‬
‫اﻟﺮﲪة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪:‬‬ ‫ﻳﺮﺣم من ﻳﺸﺎء‪ ،‬ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎء‪ ،‬وﻗﺪ دﻟﺖ آ ت ﻗﺮآنﻴّة ﻋﻠﻰ ﺻﻔة ّ‬
‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ٗ ْ ٗ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫ت كل ْ ءٖ رح َمة َوعِلمﺎ چ ]ﻏﺎﻓﺮ‪ ،[06:‬وﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچ َو َرح َم ِ َوسِ َعت كل‬ ‫ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱر نﺎ وسِع‬
‫َ‬
‫ْ ءٖ چ]اﻷﻋﺮاف‪.3 [156:‬‬
‫اﻟﺮﲪة ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬ ‫اﻟﺮﲪة ﺣﺎﺿﺮة ﰲ اﳌﻐﺎزي؛ﻟﻜﻮ ﺎ مﻴﺪا ﻟنﺸﺮ رﺳﺎﻟة ّ‬ ‫وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ ﺻﻔة ّ‬
‫ِ ِ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻋن زﻳﺪ ﺑن ﺧﺎﻟﺪ ‪ ،‬أنه ﻗﺎل‪َ :‬ﺧَﺮ ْجنَﺎ َم َع َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪َ ‬ﻋ َﺎم اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة‪ ،‬ﻓَأ َ‬
‫َﺻﺎﺑَـنَﺎ‬ ‫ﻓﻔﻲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬اﻟ ﱡ‬
‫صْﺒ َﺢ‪ ،‬ﰒُﱠ أَﻗْـﺒَ َﻞ َﻋﻠَْﻴـنَﺎ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أَﺗَ ْﺪ ُرو َن‬ ‫صﻠﱠﻰ ﻟَنَﺎ َر ُﺳ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ات ﻟَْﻴـﻠَة‪ ،‬ﻓَ َ‬ ‫اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة‪ ،‬ﻓَأ َ‬
‫َﺻﺎﺑَـنَﺎ َمﻄٌَﺮ َذ َ‬
‫ﺎدي ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِﰊ َوَﻛﺎﻓِ ٌﺮ‬
‫َﺻﺒﺢ ِﻣﻦ ِﻋﺒ ِ‬
‫ﺎل ا ﱠُ‪ :‬أ ْ َ َ ْ َ‬ ‫ﺎل‪ » :‬ﻗَ َ‬ ‫»أَﺗَ ْﺪ ُرو َن َﻣﺎذَا ﻗَ َ‬
‫ﺎل َرﺑﱡ ُﻜ ْﻢ؟«‪ ،‬ﻗُـْﻠنَﺎ‪ :‬ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُهُ أ َْﻋﻠَ ُم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪:‬‬ ‫ﻀ ِﻞ ا ﱠِ‪ ،‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِﰊ‪َ ،‬ﻛﺎﻓِ ٌﺮ ِ ﻟ َﻜ ْﻮَﻛ ِ‬
‫ﺐ‪َ ،‬وأَ ﱠﻣﺎ َﻣ ْﻦ ﻗَ َ‬ ‫ﺎل‪ُ :‬ﻣ ِﻄ ْﺮَ ﺑَِﺮ ْﲪَ ِﺔ ا ﱠِ َوﺑِ ِﺮ ْز ِق ا ﱠِ َوﺑَِﻔ ْ‬
‫ِﰊ‪ ،‬ﻓَﺄَ ﱠﻣﺎ َﻣ ْﻦ ﻗَ َ‬
‫ﻗَ َﺎل‪ُ :‬ﻣ ِﻄ ْﺮَ ﺑِﻨَ ْﺠ ِﻢ َﻛ َﺬا‪ ،‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِ ﻟ َﻜ ْﻮَﻛ ِﺐ َﻛﺎﻓِ ٌﺮ ِﰊ «‪.4‬‬

‫‪ - 1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺎ أﺻﺎب اﻟنّﱯ‪ ‬من اﳉﺮاح ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،(101/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3845 :‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ واﻗعنﺎ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬دار اﻵﻓﺎق‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ‪ ،‬ﻫنﺪاوي‪ ،‬منﻬج ّ‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺻﺮ اﻟﱪاك‪ ،‬تﻮﺿﻴﺢ مﻘﺎﺻﺪ اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪ ،‬دار اﻟﺘﺪمﺮﻳة‪ ،‬ط‪ 1432 ،3‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫ج َع ُ َ ْ َ ُ ٓ َ ُ ُ َ ّ ُ‬
‫ََ ْ‬
‫ون ِرزﻗك ُمۥ نك ْم تكذِب َ ۖ‬
‫‪4‬‬
‫ون چ ]اﻟﻮاﻗعة‪،[85 :‬‬ ‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب اﻻﺳﺘﺴﻘﺎء‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱوت‬

‫اﻟﺮﲪة‪.‬‬
‫اﻟﺮﲪة‪ ،‬ﻓﺎﻟﻐﻴﺚ من مﻈﺎﻫﺮ ّ‬ ‫)‪ ،(33/2‬ﺑﺮﻗم‪ ،1038:‬ومﻮﺿع اﳊﺪﻳﺚ ﰲ أﺑﻮاب اﻻﺳﺘﺴﻘﺎء‪ ،‬منﺎﺳﺐ ﻟصﻔة ّ‬
‫‪68‬‬
‫ﻳﻼﺣﻆ أن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻻ ﻳﱰك ﳎﺎﻻ إﻻ ودﻋﺎ ﻓﻴه إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻬﺎ ﻫﻮ ﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻳﺜﺒِّﺖ ﺻﻔة‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن؛ ﳌﺎ ﳍﺎ من آ ر نﻔﺴﻴّة وﺳﻠﻮﻛﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻹنﺴﺎن مﺎ دام ﻳﺆمن‬ ‫وﻳﺮﺳخﻬﺎ ﰲ أذﻫﺎن ّ‬ ‫اﻟﺮﲪة‪ّ ،‬‬ ‫ﺻﻔة ّ‬
‫ﻳﺆمن أن ﷲ تعﺎﱃ رﺣﻴم‪ ،‬ﻓﺴﻮف ﻳﺘعﻠق ﺑﺮﲪة ﷲ‪ ،‬وﻳﻜﻮن منﺘﻈﺮا ﳍﺎ‪ ،‬ﻓﻴﺤمﻠه ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻋﻠﻰ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺮﲪة‪ ،‬ﻛﺎﻹﺣﺴﺎن‪ ،‬اﻟﺘﻘﻮى‪ ،‬واﻹﳝﺎن‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻓعﻞ ﻛﻞ ﺳﺒﺐ ﻳﻮﺻﻞ إﱃ ّ‬
‫وﳑ ــﺎ ﺳ ــﺒق ﻳﺘﺒ ــﲔ ﺣﻀ ــﻮر اﻟـ ـ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴ ــﺪ اﳌعﺮﻓ ــة واﻹثﺒ ــﺎت ﺑنﻮﻋﻴ ــه تﺒﻠﻴﻐ ــﺎ‪ ،‬وتعﻠﻴم ــﺎ وتﻄﺒﻴﻘ ــﺎ‪،‬‬
‫ومﺘﺎﺑعــة‪ ،‬وتﻔعﻴﻠ ــه ﲝﻜم ــة ﰲ اﳌﻮاﻗ ــﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳ ــة اﳌخﺘﻠﻔــة ﻛمﻀ ــمﻮن رﺳ ــﺎﱄ رة‪ ،‬وﻛﻮﺳ ــﻴﻠة وأﺳ ــﻠﻮب‬
‫ـﺪﻋﻮﻳن اﳊﻘﻴﻘﻴــﲔ‪،‬‬ ‫دﻋــﻮي رة أﺧــﺮى‪ ،‬ﳑــﺎ جعــﻞ آ ره تﻈﻬــﺮ ﰲ اﻟﻔعﱠﺎﻟﻴّــة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳــة‪ ،‬وﻋﻠــﻰ ﺳــﻠﻮك اﳌـ ّ‬
‫واﳌﺮتﻘﺒﲔ‪.‬‬
‫) ‪(‬‬
‫‪2‬‬ ‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘﺼﺪ واﻟﻄﻠﺐ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ﺑصﻮر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ﻋنﺪ تﺘﺒع اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﳒﺪﻫﺎ تﻘﺮر ﻫﺬا اﻟنﻮع من اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬وتﺜﺒّﺘه ﰲ نﻔﻮس‬
‫ومﻈﺎﻫﺮ مﺘعﺪدة‪ ،‬تﺘنﺎﺳﺐ مع اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌخﺘﻠﻔة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬وﳝﻜن‬
‫أ ْن أﻗﺴم اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة إﱃ ﻗﺴمﲔ‪ :‬اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟﻮجﻮد‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ‬
‫تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟعﺪم؛ ﲟﺤﺎرﺑة مﺎ ﻳﻀﺎدﻫﺎ‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺸﺮك ﲟخﺘﻠﻒ مﻈﺎﻫﺮه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺧﲑ اﻷ م‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ‬
‫صﻼة ﻋﻠﻰ ّ‬
‫‪ -‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬جﻼء اﻷﻓﻬﺎم ﰲ ﻓﻀﻞ اﻟ ﱠ‬
‫اﻷر ؤوط‪ ،‬دار اﻟعﺮوﺑة‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪1407 ،2‬ه‪1987 ،‬م‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫)‪(‬‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﻠﲔ واﻟﺬل‪ ،‬أمﺎ‬
‫‪-‬ﻳﺮاد ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘصﺪ واﻟﻄﻠﺐ‪ ،‬تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴة‪ ،‬واﻷﻟﻮﻫﻴة ﰲ اﻟﻠﻐة من "أﻟه"‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺘعﺒﺪ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳ ّ‬
‫وجﻞ ﲟﺎ أمﺮ أن ﻳﻔﺮد ﺑه؛ ﰲ ﻋﺒﺎدته ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤق اﻟعﺒﺎدة إﻻَ ﻫﻮ‪ ،‬ﱠن ﻳعﺘﻘﺪ‬
‫ﻋﺰ َ‬ ‫ﰲ اﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬ﻓﺘﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴة ﻳﺮاد ﺑه إﻓﺮاد ﷲ َ‬
‫اﳌﻮﺣﺪ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﳉﺎزم ﱠن ﷲ تعﺎﱃ ذو اﻷﻟﻮﻫﻴة واﻟعﺒﻮدﻳة ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘه أﲨعﲔ‪ ،‬وإﻓﺮاده وﺣﺪه ﻟعﺒﺎدة ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬وإﺧﻼص اﻟﺪﻳن‬
‫ٓ ََ‬ ‫َٓ‬
‫چٱﻻ إِ َه إِﻻ أنﺎ‬ ‫ﻛﻠه ﻟه‪ ،‬من ﻏﲑ أن ﻳﺸﺮك ﺑه‪ ،‬وﻗﺪ دﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﳏﺪدات ﻫﺬا اﻻﺻﻄﻼح نصﻮص ﻛﺜﲑة من اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫َ ُُْ‬
‫ونچ ]اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،[25:‬وﻗﻮﻟه‪ :‬ٱچ ٱۀ ٱہ ٱہ ٱہ ٱہ ٱھٱھ ٱھھ ٱے ٱے ٱۓ ٱۓ ٱچ ]اﻷنعﺎم‪ ،[79:‬وﻗﻮﻟه‬
‫فﺎ بد ِ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬چٱڭٱڭٱڭٱڭٱۇٱۇٱۆٱۆٱۈٱۈٱٷٱۋٱۋۅٱۅٱۉٱۉٱېٱې ٱچ ]اﻷنعﺎم‪ ،[163 – 162 :‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن‬
‫ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،(127/1) ،‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﻟﺘﺪمﺮﻳة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟعﺒﻴﻜﺎن‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪1421 ،6‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،16‬اﺑن‬
‫ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪.(24/1) ،‬‬
‫‪69‬‬
 ‫) ‪( ‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳّﺔ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘﺼﺪ و اﻟﻄﻠﺐ‬
‫ﻟﻘﺪ ﲡﻠّﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟﻮجﻮد ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ ﻋ ّﺪة مﻈﺎﻫﺮ‪ ،‬وﰲ‬
‫ﻛﻞ مﻮﻗﻒ ﻳﻮﻇﻒ اﻷﺳﻠﻮب اﳌنﺎﺳﺐ ﻟه‪ ،‬وﻓق مﺎ تﻮﺿﺤه اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺰاز‪ :‬ﻗﺪ تﻀمن اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ آ ت ﻗﺮآنﻴّة‪ ،‬وأﺣﺎدﻳﺚ نﺒﻮﻳّة تﱪز ﺑُعﺪ اﻻﻋﺘﺰاز‬
‫ﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ﰲ ﺳﻴﺎق اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻟﻐﺰوات‪ ،‬تﺮﰊ اﳌﻮﺣﺪﻳن ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺰاز ﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ﻓممﺎ جﺎء‬
‫ُ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ُ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ َوﻻ ت ِهن وا َوﻻ تح َزنوا َوأنت ُم ﻻع ْو َن إِن كنتم مو ِمن ِ َ ۖ چ‬ ‫ﲞصﻮص ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﺪي ﻗﻮﻟه‬
‫اﻷﻋﻠﻮن ﺷأ ؛ﻻن ﻗﺘﺎﳍم ‪ ،‬وﻹﻋﻼء ﻛﻠمﺘه‪ ،‬وﻻن‬ ‫]آل ﻋمﺮان‪ ،[139 :‬ﻓﺎﻵﻳّة تﻘﺮر أن اﳌﺆمنﲔ ﻫم ْ‬
‫‪1‬‬
‫وﻻن ﻗﺘﻼﻫم ﰲ اﳉنّة‪ ،‬ﻋﻜﺲ ﻏﲑﻫم‪ ،‬ﻓﻬم أﻋﺰة ﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﰲ اﻟﺪارﻳن‪.‬‬
‫اﻟﺮد ﻋﻠﻰ أﰊ‬ ‫صﺤﺎﺑة‬ ‫وﻫﺬا اﻟﺒعﺪ أﻛﺪه اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬ﰲ ﺎﻳّة ﻏﺰوة أﺣﺪ ﺣﲔ ﻃﻠﺐ من اﻟ ﱠ‬
‫ﺎل اﻟﻨّﱯ‪» :‬أ ِ‬
‫ﻋﻠﻰ أﰊ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬ﳌﺎ ﻗﺎل ‪ :‬ا ْﻋ ُﻞ ُﻫﺒَ ُﻞ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪ " :‬ﻗُﻮﻟُﻮا‪ :‬ا ﱠُ‬
‫ﻮل؟ ﻗَ َ‬
‫َﺟﻴﺒُﻮﻩُ« ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻣﺎ ﻧَـ ُﻘ ُ‬
‫ﺎل‪:‬‬
‫ﻮل؟ ﻗَ َ‬ ‫ﺎل اﻟﻨّﱯ ‪» : ‬أ ِ‬
‫َﺟﻴﺒُﻮﻩُ« ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻣﺎ ﻧَـ ُﻘ ُ‬ ‫اﻟﻌ ﱠﺰى َوﻻَ ﻋُ ﱠﺰى ﻟَ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل أَﺑُﻮ ُﺳ ْﻔﻴﺎن‪ :‬ﻟَﻨَﺎ ُ‬ ‫َﺟ ﱡﻞ " ﻗَ َ‬ ‫َوأ َ‬
‫ا ﱠُ َﻣ ْﻮﻻَ َ ‪َ ،‬وﻻَ َﻣ ْﻮ َﱃ ﻟَ ُﻜ ْﻢ« ‪.2‬‬
‫واﻟﺸﱠﺎﻫﺪ من اﳊﺪﻳﺚ ﻗﻮﻟه ‪» :‬ﻗﻮﻟﻮا ﷲ ﻣﻮﻻ ‪ ،‬وﻻ ﻣﻮﱃ ﻟﻜﻢ«‪ ،‬ﻓﺎﳌﻮﱃ ﻫنﺎ ﲟعﲎ اﻟنﱠﺎﺻﺮ اﳌعﲔ‬
‫‪3‬‬
‫ﻟﻠمﻮﺣﺪﻳن‪.‬‬
‫ّ‬
‫اﳌﻮﺣﺪﻳن‪ ،‬ﻓﺮﻏم مﺎ أﺻﺎ م‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن من ّ‬
‫ّ‬ ‫ﻓﺎﻻﻋﺘﺰاز ﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻋﻘﺪي ﻟه أثﺮه اﻟﻜﺒﲑ ﰲ‬
‫أﺻﺎ م ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة‪ ،‬إﻻ أن اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﻛﺎن أﻋﻈم معﲔ ﳍم ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺒﺎت ورﻓع اﳌعنﻮ ت‪ ،‬واﶈﺎﻓﻈة‬

‫)‪ - (‬مصﻄﻠﺢ اﻟﻮجﻮد ﻛﺜﲑا مﺎ ﻳﺴﺘعمﻞ ﰲ اﳌنﻄق‪ ،‬وﰲ ﻋﻠم اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬ﻓﺤﻔﻆ اﳌﻘصﺪ من جﻬة اﻟﻮجﻮد ﻳﻜﻮن ﺑﻔعﻞ مﺎ ﺑه‬
‫ﻗﻴﺎمﻬﺎ وثﺒﺎ ﺎ‪ ،‬واﺳﺘمﺮاه‪ ،‬وﳕﻮه‪ ،‬وتﻄﻮره‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺸﺎﻃﱯ‪) ،‬اﳌﻮاﻓﻘﺎت‪.(18/2 ،‬‬
‫‪ -1‬اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬اﻟﻜﺸﺎف‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1407 ،3‬ﻫـ‪.(418/1) ،‬‬
‫‪ - 2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ من ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،(78/5) ،‬ﺑﺮﻗم ‪ ،3986 :‬وﻗﺪ ﺣﻔﻠﺖ اﻟﺮواﻳة‬
‫ﺑعﺎد دﻋﻮﻳة ﻏﲑ مﺎ تﻘﺪم أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ من ﺧﻼل مﺎ ﺿمنه ﰲ تﺮاﲨه ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ إﺷﺎرته إﱃ ﻗﻴمة‬
‫اﻻجﺘمﺎع ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋة اﻹمﺎم وﻫﻲ ﻗﻴمة ﺿﺮورﻳة ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺎ اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من اﻟﻔﺮﻗة اﻟﱵ ﻫﻲ من اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‬
‫اﻟﺪﻋﻮات ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳخ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب مﺎ ﻳﻜﺮه من اﻟﺘنﺎزع واﻻﺧﺘﻼف ﰲ اﳊﺮب‪ ،‬وﻋﻘﻮﺑة من ﻋصﻰ إمﺎمه"‪،‬‬ ‫اﻟﺪاﺧﻠﻴة ﻋﺎنﺖ منﻬﺎ ّ‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(65/4) ،‬‬
‫‪-3‬أﲪﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟﻜﻮراﱐ‪ ،‬اﻟﻜﻮثﺮ اﳉﺎري إﱃ ر ض أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ت ‪ :‬أﲪﺪ ﻋﺰو ﻋنﺎﻳة‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن ط‪ 1429 ،1‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‪.(47/6) ،‬‬
‫‪70‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﳌﻜﺘﺴﺒﺎت اﻹﳝﺎنﻴّة اﻟﱵ تعﻴنﻬم ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘمﺮارﻳّة واﻟﻔعﱠﺎﻟﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وﺧﲑ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷثﺮ‬
‫اﺳﺘﺠﺎﺑة اﳌﺴﻠمﲔ ﳌﻄﺎردة اﳌﺸﺮﻛﲔ ﻋﻘﺐ اﳌعﺮﻛة مﺒﺎﺷﺮة وﻫم مﺜخنﻮن ﲜﺮاﺣﻬم ﲝمﺮاء اﻷﺳﺪ‪.1‬‬
‫ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬أﺳﻠﻮب اﻹﻋﻼن‪ :‬وأﻗصﺪ ﺑﺬﻟﻚ إﻋﻼن ﻛﻠمة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﳉﻬﺮ ﺎ؛ ﻟﺘﺬﻛﲑ‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻴﲔ‪ ،‬وإﻋﻼم اﳋﺎرجﻴﲔ‪ ،‬ﻓﻜﺜﲑا مﺎ ﻳﺮدد اﻟنّﱯ‪ ‬ﻛﻠمة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ اﻟﱵ ﻫﻲ ﺷعﺎره‪ ،‬وﻫﻲ اﻟعﻘﺪ‬
‫واﳌﻴﺜﺎق اﻟﱵ من أجﻠﻬﺎ ﳚﺎﻫﺪون وإﻟﻴﻬﺎ ﻳﺪﻋﻮن‪.‬‬
‫ﻓمن اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ أﻋﻠن ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻜﻠمة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬مﺎ جﺎء ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻛﺎن ﻳﻘﻮل‬
‫اب َو ْﺣ َﺪﻩُ‪ ،‬ﻓَﻼَ َﺷ ْﻲ َء‬
‫َﺣ َﺰ َ‬
‫ﺐ اﻷ ْ‬
‫ﺼ َﺮ َﻋ ْﺒ َﺪﻩُ‪َ ،‬وغَﻠَ َ‬ ‫ﻳﻘﻮل ﻳﻮم اﻷﺣﺰاب‪» :‬ﻻَ إِﻟَ َﻪ إِﱠﻻ ا ﱠُ َو ْﺣ َﺪﻩُ‪ ،‬أ َ‬
‫َﻋ ﱠﺰ ُﺟ ْﻨ َﺪﻩُ‪َ ،‬وﻧَ َ‬
‫ﺑَـ ْﻌ َﺪﻩُ«‪.2‬‬
‫صﺤﺎﺑة ﻳﻜﺜﺮون من إﻇﻬﺎر ﻛﻠمة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪،‬‬ ‫‪‬وﱂ ﻳﻘﺘصﺮ اﻹﻋﻼن ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟ ﱠ‬
‫ي َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪،‬‬ ‫ﻮﺳﻰ اﻷَ ْﺷ َع ِﺮ ِّ‬ ‫وﻏﲑﻫﺎ من اﻷذﻛﺎر‪ ،‬ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬم إﱃ اﻟﻐﺰو‪ ،‬وأثنﺎء اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬ﻓعن أَِﰊ ُم َ‬
‫ف اﻟنﱠﺎس َﻋﻠَﻰ َو ٍاد‪ ،‬ﻓَـ َﺮﻓَـ ُعﻮا‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬أَ ْﺷ َﺮ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﺧْﻴـﺒَـ َﺮ‪ ،‬أ َْو ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ تَـ َﻮ ﱠجهَ َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ َﻏ َﺰا َر ُﺳ ُ‬
‫َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ْ » :‬ارﺑَـﻌُﻮا َﻋﻠَى أَﻧْـ ُﻔ ِﺴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬أﻧ ُﻜ ْﻢ ﻻَ‬ ‫َﺻ َﻮاتَـ ُﻬ ْم ِ ﻟﺘﱠ ْﻜﺒِ ِﲑ‪ :‬ا ﱠُ أَ ْﻛﺒَـ ُﺮ ا ﱠُ أَ ْﻛﺒَـ ُﺮ‪ ،‬ﻻَ إِﻟَ َه إِﱠﻻ ا ﱠُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫‪3‬‬
‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫أْ‬
‫َﺻ ﱠﻢ َوﻻَ غَﺎﺋِﺒًﺎ‪ ،‬أﻧ ُﻜ ْﻢ ﺗَ ْﺪ ُﻋﻮ َن َِﲰ ًﻴﻌﺎ ﻗَ ِﺮﻳﺒًﺎ َو ُﻫ َﻮ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ«‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ﺗَ ْﺪﻋُﻮ َن أ َ‬
‫اﻟﱰاجم اﻟﱵ وﺿعﻬﺎ‬
‫تﺪل ﻋﻠﻴه ّ‬
‫واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ اﺳﺘنﺒط منه اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻘﻬﺎ دﻋﻮ ﻋﻈﻴمﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﻋﻠﻴه ﰲ أﺑﻮاب مﺘﻔﺮﻗة من اﻟﻜﺘﺎب‪.5‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(374/7) ،‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(397/2) ،‬‬
‫‪ - 2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب وﻫﻲ اﳋنﺪق‪ ،(111/5) ،‬ﺑﺮﻗم ‪.4114 :‬‬
‫‪ -3‬ارﺑﻌﻮا ‪ :‬ﻗﺎل اﻟنﻮوي‪ ":‬معنﺎه ارﻓﻘﻮا نﻔﺴﻜم واﺧﻔﻀﻮا أﺻﻮاتﻜم ﻓﺎن رﻓع اﻟصﻮت اﳕﺎ ﻳﻔعﻠه اﻻنﺴﺎن ﻟﺒعﺪ من ﳜﺎﻃﺒه‬
‫ﻟﻴﺴمعه وأنﺘم تﺪﻋﻮن ﷲ تعﺎﱃ وﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺻم وﻻﻏﺎﺋﺐ ﺑﻞ ﻫﻮ ﲰﻴع ﻗﺮﻳﺐ وﻫﻮ معﻜم ﻟعﻠم واﻹﺣﺎﻃة ﻓﻔﻴه اﻟنﺪب إﱃ‬
‫ﺧﻔﺾ اﻟصﻮت ﻟﺬﻛﺮ اذا ﱂ تﺪع ﺣﺎجة إﱃ رﻓعه ﻓﺎنه إذا ﺧﻔﻀه ﻛﺎن أﺑﻠغ ﰱ تﻮﻗﲑه وتعﻈﻴمه ﻓﺎن دﻋﺖ ﺣﺎجة إﱃ اﻟﺮﻓع رﻓع"‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺷﺮح مﺴﻠم‪ ،(26/17) ،‬ﻓﻔﻴه ﺑعﺪ تعﻠﻴمﻲ‪ ،‬وﺑعﺪ ﻋنﺎﻳة اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﳌﺪﻋﻮ من ﺧﻼل اﻟﺸﻔﻘة ﻋﻠﻴه‪ ،‬إﺿﺎﻓة ﻟﻠﺒعﺪ‬
‫اﻟعﻘﺪي‪.‬‬
‫‪-4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(133/5) ،‬ﺑﺮﻗم ‪.4205 :‬‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮات‪ ،‬ب ﻗﻮل‪ :‬ﻻ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮة إﻻ ‪،(87/8) ،‬‬ ‫اﻟﱰاجم ذات اﻟصﻠة ﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﺪي‪ ،‬مﺎ جﺎء ﰲ ﻛﺘﺎب ّ‬ ‫‪ -‬من ّ‬
‫‪ ،‬وﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ‪ Ó‬ٱ‪ Ô‬ٱ‪Õ‬ٱ‪Ö‬ٱ× ٱچ ]اﻟنﺴﺎء‪،[134 :‬‬ ‫ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺪر‪ ،‬ب ﻻ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮة إﻻ‬
‫ومن اﻟﺒعﺪ اﻟﺘﺸﺮﻳعﻲ مﺎ جﺎء ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺎ ﻳﻜﺮه من رﻓع اﻟصﻮت ﰲ اﻟﺘﻜﺒﲑ‪ ،(57/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪،2992:‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﻟﻠمﺪﻋﻮ اﻟﱵ ﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﻋنه ﻋن ﻃﺮﻳق‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺎﻟصﻮت من وﺳﺎﺋﻞ إﻳصﺎل ّ‬
‫ورﻓع اﻟصﻮت ﻗﺪ ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺒعﺪ اﳊﺴﻲ ﰲ ّ‬
‫ﺣﺎﺳة اﻟﺴمع‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫‪ .3‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﻌﻈﻴﻢ واﻟﺘﻔﺨﻴﻢ‪ :‬ﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ اﻋﺘﺰاز اﳌﺴﻠم ﺑﻜﻠمة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ واﻟﺬﻛﺮ ﺎ‬
‫ﺣﱴ وإن ﻇن‬
‫وإﻇﻬﺎرﻫﺎ؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من أﻋﻈم ﺷعﺎﺋﺮ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﺪى إﱃ تعﻈﻴم من تﻠﻔﻆ ﺎ‪ّ ،‬‬
‫اﻟﻈﺎن أنه ﻟﻴﺲ من أﻫﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬إِ َﱃ‬ ‫وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬إذ ﻳﻘﻮل‪ :‬ﺑَـ َعﺜَـنَﺎ َر ُﺳ ُ‬
‫صﺎ ِر َر ُج ًﻼ ِمْنـ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ َﻏ ِﺸﻴنَﺎهُ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ﺖ أَ َ َوَر ُج ٌﻞ م َن اﻷَنْ َ‬
‫ِ‬
‫ﺎﻫ ْم‪َ ،‬و َﳊ ْﻘ ُ‬
‫صﺒﱠ ْﺤنَﺎ اﻟ َﻘ ْﻮَم ﻓَـ َﻬَﺰْمنَ ُ‬
‫ِ‪1‬‬
‫اﳊَُﺮﻗَة ‪ ،‬ﻓَ َ‬
‫ﺎل‪َ » :‬‬‫ﺣﱴ ﻗَـﺘَـ ْﻠﺘُهُ‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﻗَ ِﺪ ْمنَﺎ ﺑَـﻠَ َغ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬
‫ي ﻓَﻄَ َعْنـﺘُهُ ﺑُِﺮْﳏﻲ ّ‬ ‫صﺎ ِر ﱡ‬‫ﻒ اﻷَنْ َ‬ ‫ﻻَ إِﻟَهَ إِﱠﻻ ا ﱠُ ﻓَ َﻜ ﱠ‬
‫ﺖ أﱐ َﱂْ‬ ‫ﺖ‪َ :‬ﻛﺎ َن ُمﺘَـ َع ِّﻮ ًذا‪ ،‬ﻓَ َمﺎ َز َال ﻳُ َﻜِّﺮُرَﻫﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﺣﱴ َﲤَنـْﱠﻴ ُ‬ ‫ُﺳ َﺎﻣﺔُ‪ ،‬أَﻗَـﺘَـﻠْﺘَﻪُ ﺑَـ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ ﻗَ َﺎل ﻻَ إِﻟَﻪَ إِﱠﻻ ا ﱠُ« ﻗُـْﻠ ُ‬
‫أَ‬
‫ﻚ اﻟﻴَـ ْﻮِم ‪.2‬‬ ‫ِ‬
‫ﺖ ﻗَـْﺒ َﻞ ذَﻟ َ‬ ‫أَ ُﻛ ْن أ ْ‬
‫َﺳﻠَ ْم ُ‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ أن من ﻋﻈمة ﻛﻠمة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ أ ﺎ تعصم دم اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻋنﺪ اﻟﺘﻠﻔﻆ ﺎ‪ ،‬وﻳعﺎمﻞ‬ ‫ﻓﺎﻟﻘصة ّ‬
‫ﻋﻠﻰ مﻘﺘﻀﻰ ﻇﺎﻫﺮه‪.3‬‬
‫وتﺪل اﻟﻘصة ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة تﺪرﻳﺐ اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺮزانة وﺿﺒط اﻟنﻔﺲ‪ ،‬وﻋﺪم اﻟﺘﺴﺮع إﱃ‬
‫ّ‬
‫إﺻﺪار اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬ﺧﺎﺻة إذا تعﻠق اﻷمﺮ ﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ اﳉﺪد‪ ،‬ﻓﻬم أﺷﺪ اﻟنﱠﺎس ﺣﺎجة ﻟﻠﺮﻓق واﻟﻠﲔ‪،‬‬
‫و ﻟﻴﻒ اﻟﻘﻠﻮب‪.‬‬
‫‪ .4‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﱠﺒﻠﻴﻎ‪ :‬ﻓﺈذا ذﻛﺮت اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﻓأنه ﻳنصﺮف إﱃ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة‬
‫ﻓمن أﻗﱠﺮ ﺬا اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﻟﺘﱠﻠﻔﻆ ﻟﺸﻬﺎدتﲔ دﺧﻞ‬ ‫اﻟﱵ ﻫﻲ أول مﺎ ﻳﺪﻋﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻋنﺪ ﻋﺮض اﻹﺳﻼم‪ْ ،‬‬
‫اﻹﺳﻼم‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ من أوﱃ اﻷوﻟﻮ ت ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪‬ﻻ ﻳُﻐﲑ‬
‫ﺣﱴ ﻳَعﺮض ﻋﻠﻴﻬم اﻹﺳﻼم‪ ،‬وأوﺻﻰ ﺑﺬﻟﻚ أﺻﺤﺎﺑه‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ّ‬

‫‪ -1‬وﻫﻲ ﺳﺮﻳة ﻏﺎﻟﺐ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﻠﻴﺜﻲ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ ﰲ رمﻀﺎن ﺳنة ﺳﺒع‪ ،‬ﺑنﺎﺣﻴة ﳒﺪ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺳﻴﺪ اﻟنﱠﺎس‪ ،‬ﻋﻴﻮن اﻷثﺮ ﰲ‬
‫ﻓنﻮن اﳌﻐﺎزي واﻟﺸمﺎﺋﻞ واﻟﺴﲑ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه‪.(190/2) ،1993 ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺑعﺚ اﻟنّﱯ‪ ‬أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ إﱃ اﳊﺮﻗﺎت من جﻬﻴنة‪ ،(144/5) ،‬وﻫﺬه‬
‫اﻟﱰﲨة ﻓﻴﻬﺎ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻳﺘعﻠق ﺑﺘﺪرﻳﺐ اﻟﻘﺎدة وﺑعﺜﻬم ﻷداء مﻬمﺎت دﻋﻮﻳة‪ ،‬وﰲ اﳊﺪﻳﺚ أﺑعﺎد أﺧﺮى أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒخﺎري‪،‬‬
‫ّ‬
‫َ َ َ ْ َ‬
‫ﻛﱰﲨﺘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺪ ت‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬چٱومن ح ۪يﺎهﺎ چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،(4/9) ،[34 :‬وﻫﻮ ﺑعﺪ تﺸﺮﻳعﻲ‪،‬‬
‫ومﻘﺎﺻﺪي ﻟﺘعﻠﻘه ﻟﺪﻳة وﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ اﻟﺪمﺎمﻴﲏ‪ ،‬مصﺎﺑﻴﺢ اﳉﺎمع‪ ،‬دار اﻟنﻮادر‪ ،‬ﺳﻮر ‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪.(83/8) ،‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪72‬‬
‫أن ﻳﺪﻋﻮ‬ ‫ومن اﻷمﺜﻠة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ مﺎ ورد ﰲ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬من أمﺮ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ‬
‫أن ﻳﺪﻋﻮ ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ إﱃ اﻹﺳﻼم ﻗﺒﻞ ﻗﺘﺎﳍم‪ ،‬ﻓعن ﺳﻬﻞ ﺑن ﺳعﺪ ‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل ﻳﻮم‬
‫ﺎﺣﺘِ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ ا ْد ُﻋ ُﻬ ْﻢ إِ َﱃ ا ِﻹ ْﺳﻼَِم‪َ ،‬وأَ ْﺧِ ْﱪُﻫ ْﻢ‬
‫ﺣﱴ ﺗَـْﻨ ِﺰ َل ﺑِ َﺴ َ‬
‫ﻚ ّ‬‫‪ ‬ﻗﺎل ﻳﻮم ﺧﻴﱪ ﻟعﻠﻲ ‪» :‬اﻧْـ ُﻔ ْﺬ َﻋﻠَى ِر ْﺳ ِﻠ َ‬
‫ﻚ ِﻣ ْﻦ‬ ‫ﻚ رﺟ ًﻼ و ِ‬
‫اﺣ ًﺪا‪َ ،‬ﺧْﻴـ ٌﺮ ﻟَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﻣ ْﻦ َﺣ ِّﻖ ا ﱠ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠ َﻷَ ْن ﻳَـ ْﻬﺪ َ‬
‫ي ا ﱠُ ﺑ َ َ ُ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ِﻹ ْﺳﻼَِم‪َ ،‬وأَ ْﺧِ ْﱪُﻫ ْﻢ ﲟَﺎ َﳚ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ﻚ ُﲪْ ُﺮ اﻟﻨّﻌﻢ«‪.‬‬ ‫أَ ْن ﻳَ ُﻜﻮ َن ﻟَ َ‬
‫ﻓﺎﳌﻘصﺪ اﻷﺻﻠﻲ من اﻟﻐﺰوات ﻫﻮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳُعﺪ أﺳﺎس اﻟ ّﺪﻳن‪ ،‬ورﻛن اﻹﺳﻼم‬
‫اﻷﻋﻈم‪ ،‬وﻫﺬا ﻻ ﻳعﲏ اﻹﻛﺮاه ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﺎﳊﺮﻳّة اﻟ ّﺪﻳنﻴّة مﻜﻔﻮﻟة‪ ،‬ﻟﻐﲑ اﳌﺴﻠمﲔ ﺷﺮﻳﻄة اﺣﱰام‬
‫اﺣﱰام اﻟعﻬﺪ اﻟﺬي ﻳنعﻘﺪ ﺑﻴنﻬم وﺑﲔ ﺳﻠﻄة اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪.2‬‬
‫وتنﻮﻋﺖ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ تﺒعﺎ‬
‫ﻓﻬﻜﺬا إذن تعﺪدت مﻈﺎﻫﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ّ ،‬‬
‫ﻟﻠمﻮاﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﺪﻣﻴّﺔ ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘﺼﺪ واﻟﻄﻠﺐ)‪:(‬‬
‫ﺑعﺪ أن ﺑﻴنﺖ ﺑعﺾ مﻈﺎﻫﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟﻮجﻮد ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬أنﺘﻘﻞ إﱃ‬
‫إﺑﺮاز ﺑعﺾ مﻈﺎﻫﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه من جﻬة اﻟعﺪم‪ ،‬واﻟﱵ ﺣصﺮ ﺎ ﰲ ﳏﺎرﺑة مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮك واﻟﻮثنﻴّة‪،‬‬
‫وﺳﻮف أﺣﺎول اﻟﺘمﺜﻴﻞ ﳍﺎ‪ ،‬وﺑﻴﺎن أﺳﺎﻟﻴﺐ ﳏﺎرﺑﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻓق اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺼﺪي ﳌﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮك اﻟﻠﻔﻈﻴّﺔ‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ ﺣﻔﻆ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟعﺪم‬
‫اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من ﺑعﺾ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﱵ ﻗﺪ تﻜﻮن ذرﻳعة ﻟﻠﺸﺮك‪ ،‬ومن‪‬أمﺜﻠة اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من تﻠﻚ اﻷﻟﻔﺎظ‪،‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻋﻠﻰ تﻄﻬﲑ أﻟﺴنﺘﻬم منﻬﺎ‪ ،‬مﺎ رواه َزﻳْ ِﺪ ﺑْ ِن َﺧﺎﻟِ ٍﺪ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪َ :‬ﺧَﺮ ْجنَﺎ َم َع‬ ‫وتﺮﺑﻴّة ّ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬اﻟ ﱡ‬
‫صْﺒ َﺢ‪ ،‬ﰒُﱠ أَْﻗـﺒَ َﻞ‬ ‫صﻠﱠﻰ ﻟَنَﺎ َر ُﺳ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ات ﻟَْﻴـﻠَة‪ ،‬ﻓَ َ‬
‫َﺻﺎﺑَـنَﺎ َمﻄٌَﺮ َذ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َم َع َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪َ ‬ﻋ َﺎم اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة‪ ،‬ﻓَأ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(134/5) ،‬واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ تﻀمن أﺑعﺎدا أﺧﺮى ﻛمﺎ ﻳﻈﻬﺮ من‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وأﻻ ﻳﺘخﺬ ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ‬
‫تﺮاجم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟنﱠﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم و ّ‬
‫أر من دون ﷲ‪ ،(47/4) ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب منﺎﻗﺐ ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ اﻟﻘﺮﺷﻲ اﳍﺎﴰﻲ أﰊ اﳊﺴن رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪،‬‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬واﻟﺜﺎنﻴة ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎن ﻓﻀﻞ جﻬﻮد اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ‬
‫ﺎﻟﱰﲨة اﻷوﱃ تﺸﲑ إﱃ ﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ تﺘﻔﺮع ﻛﻠﻬﺎ ﻋن ّ‬‫)‪ ،(18/5‬ﻓ ّ‬
‫اﻟنﺒﻮة‪.‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴة ﺑعﺪ مﺮﺣﻠة ّ‬ ‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬وﺑﻴﺎن ﺑعﺾ أﻋﻼمﻬم اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وﻓﱰة اﻟصﺤﺎﺑة من أﻫم مﺮاﺣﻞ رﻳخ ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬ﻫـ‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص‪.174‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟعﻈﻴم اﳌﻄعﲏ‪ ،‬ﲰﺎﺣة اﻹﺳﻼم ﰲ ّ‬
‫)‪ - (‬ﻳﻜﻮن ﺣﻔﻆ اﻟﺸﻲء من جﻬة اﻟعﺪم ﺑﺪﻓع مﺎ ﻳﻄﺮأ ﻋﻠﻴه من اﻻﺧﺘﻼل اﻟﻮاﻗع أو اﳌﺘﻮﻗع ﻓﻴه‪ ،‬وﺑﱰك‪ ،‬ودﻓع مﺎ ﻳنعﺪم ﺑه‪،‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻛﺎنﺖ ﳏﺎرﺑة اﻟﺸﺮك نﻮاﻋه وﺳﻴﻠة ﳊﻔﻆ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴة ﻷنه ﳛﺪث ﻓﻴه ﺧﻠﻞ‪ ،‬وﻗﺪ ﻳعﺪمه ﲟﺮور اﻟﺰمن ﻛمﺎ ﺣصﻞ ﰲ‬
‫اﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺸﺎﻃﱯ‪ ،‬اﳌﻮاﻓﻘﺎت)‪ ،(18/2‬مﺒﺎرك اﳌﻴﻠﻲ اﳉﺰاﺋﺮي‪ ،‬رﺳﺎﻟة اﻟﺸﺮك ومﻈﺎﻫﺮه‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪73‬‬
 ‫َﺻﺒﺢ ِﻣﻦ ِﻋﺒ ِ‬ ‫ﺎل‪ » :‬ﻗَ َ‬ ‫َﻋﻠَْﻴـنَﺎ ﻓَـ َﻘ َﺎل‪» :‬أَﺗَ ْﺪ ُرو َن َﻣﺎذَا ﻗَ َﺎل َرﺑﱡ ُﻜ ْﻢ؟«‪ ،‬ﻗُـﻠْنَﺎ‪ :‬ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُهُ أ َْﻋﻠَ ُم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎدي‬ ‫ﺎل ا ﱠُ‪ :‬أ ْ َ َ ْ َ‬
‫ﻀ ِﻞ ا ﱠِ‪ ،‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِﰊ‪َ ،‬ﻛﺎﻓِ ٌﺮ ِ ﻟ َﻜ ْﻮَﻛ ِ‬
‫ﺐ‪،‬‬ ‫ﺎل‪ُ :‬ﻣ ِﻄ ْﺮَ ﺑَِﺮ ْﲪَ ِﺔ ا ﱠِ َوﺑِ ِﺮْز ِق ا ﱠِ َوﺑَِﻔ ْ‬ ‫ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِﰊ َوَﻛﺎﻓِ ٌﺮ ِﰊ‪ ،‬ﻓَﺄَ ﱠﻣﺎ َﻣ ْﻦ ﻗَ َ‬
‫ﺐ َﻛﺎﻓِ ٌﺮ ِﰊ «‪.1‬‬ ‫ﺎل‪ُ :‬ﻣ ِﻄ ْﺮَ ﺑَِﻨ ْﺠ ِﻢ َﻛ َﺬا‪ ،‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِ ﻟ َﻜ ْﻮَﻛ ِ‬
‫َوأَ ﱠﻣﺎ َﻣ ْﻦ ﻗَ َ‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ذم ﳌن ﻳﻀﻴﻒ إنعﺎم ﷲ تعﺎﱃ إﱃ ﻏﲑه وﻳﺸﺮﻛه ﺑه‪ ،‬ﻷن ذﻟﻚ ذرﻳعة إﱃ تعﻈﻴم‬
‫تعﻈﻴم ﻏﲑ ﷲ اﻟﺬي ﻳﻔﻀﻲ إﱃ ﺷﺮك ﰲ اﻟﻘصﺪ‪.2‬‬
‫اﳌﻮﺣﺪ ﻳﻀﻴﻒ مﺎ ﺣ ﱠﻘﻘه من إﳒﺎزات دﻋﻮﻳّة إﱃ ﷲ تعﺎﱃ‬
‫واﻟعﱪة ﺑعﺪ ذﻟﻚ ﺑعمﻮم اﻟﻠﻔﻆ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﱠاﻋﻴة ّ‬
‫وﺣﺪه‪ ،‬واﳌﺪﻋﻮ ﻳنﺴﺐ مﺎ ﺣصﻞ ﻟه من ْنعمة اﳍﺪاﻳّة‪ ،‬واﻻﺳﺘﺠﺎﺑة إﱃ ﷲ وﺣﺪه‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﳌﻮﻓق‬ ‫ْ‬
‫ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﻟﻠﺪﻋﺎة‪ ،‬واﳍﺎدي‬
‫ﺸﺮك اﳌﺎدﻳّﺔ‪ :‬تُع ﱡﺪ اﻷﺻنﺎم‪ ،‬واﻷو ن اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ تُعﺒﺪ ْ‬
‫من دون ﷲ‬ ‫‪ .2‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘّﺼﺪي ﳌﻈﺎﻫﺮ اﻟ ّ‬
‫اﻟنّﱯ‪‬‬ ‫من أﻋﻈم مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮك اﳌﺎدﻳّة؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎنﺖ إزاﻟﺘﻬﺎ من اﻷوﻟﻮ ت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﻗﺎم ﺎ‬
‫ث‬‫ﺖ ِﺳﺘﱡﻮ َن َوثَﻼَ ُ‬‫ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬دﺧﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬م ﱠﻜة ﻳـﻮم اﻟ َﻔْﺘ ِﺢ‪ ،‬وﺣﻮَل اﻟﺒـﻴ ِ‬
‫َ َ ْ َْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َََ‬
‫ﺎء اﳊَ ﱡﻖ َوَﻣﺎ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮد ِﰲ ﻳَ ِﺪهِ‪َ ،‬وﻳـَ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل‪َ » :‬ﺟ َ‬
‫ﺎء اﳊَ ﱡﻖ َوَزَﻫ َﻖ اﻟﺒَﺎﻃ ُﻞ‪َ ،‬ﺟ َ‬
‫ﺐ ﻓَﺠعﻞ ﻳﻄْعنُـﻬﺎ ﺑِع ٍ‬
‫ص ٍ ََ َ َ ُ َ ُ‬
‫وثَﻼَ ُ ِ ِ‬
‫ث مﺎﺋَة نُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ‪3‬‬ ‫ﻳـﺒ ِﺪئ اﻟﺒ ِ‬
‫ﺎﻃ ُﻞ َوَﻣﺎ ﻳُﻌﻴ ُﺪ« ‪.‬‬‫ُْ ُ َ‬
‫وﻫﺬا اﻟﻔعﻞ اﻟنﱠﺒﻮي ﻳﺴﺘﻬﺪف أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺒﲔ ذﻟة اﻷﺻنﺎم وﻋﺎﺑﺪﻳﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻴﻈﻬﺮ ‪ -‬ﲟﺎ‬
‫‪4‬‬
‫ﲟﺎ ﻻ ﳚعﻞ ﳎﺎﻻ ﻟﻠﺸﻚ ‪-‬أ ﺎ ﻻ تنﻔع وﻻ تﻀﺮ وﻻ تﺪﻓع ﻋن نﻔﺴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬
‫وﺑعﺪ ذﻟﻚ انﺘﻘﻞ إﱃ تﻄﻬﲑ اﻟﺒﻴﺖ من اﻟﺪاﺧﻞ من اﻟﺘمﺎثﻴﻞ‪ ،‬واﻟصﻮر اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﺑﺪاﺧﻠه‪ ،‬ﻓعن اﺑن‬
‫اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳌﺎ ﻗﺪم م ﱠﻜة‪ ،‬أﰉ أن ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ وﻓﻴه اﻵﳍة‪ ،‬ﻓأمﺮ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴة‪ ،(121/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4147 :‬وإﺑﺮازا ﻟﺒعﺪ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﰲ‬
‫ج َع ُ َ ْ َ ُ ٓ َ ُ ُ َ ّ ُ‬
‫ََ ْ‬
‫ون ِرزﻗك ُمۥ نك ْم تكذِب َ ۖ‬
‫ون چ ]اﻟﻮاﻗعة‪:‬‬ ‫اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺧﺮجه اﻟﺒخﺎري أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱوت‬

‫‪.(33/2) ،[85‬‬
‫‪-2‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬ﳎمﻮع اﻟﻔﺘﺎوى‪.(33/8) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬أﻳن رﻛﺰ اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟﺮاﻳة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟‪ ،(148/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4287 :‬وﻗﺪ‬
‫تﻜﺮر اﳊﺪﻳﺚ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﰲ ﻋﺪة ﻛﺘﺐ‪ ،‬و ﻗﺪ تﻀمن أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳة أﺧﺮى‪ ،‬ﻛﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ‪ ،‬ب‪ :‬ﻫﻞ‬
‫تﻜﺴﺮ اﻟﺪ ن اﻟﱵ ﻓﻴﻬﺎ اﳋمﺮ‪ ،‬أو ﲣﺮق اﻟﺰﻗﺎق‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺴﺮ ﺻنمﺎ‪ ،‬أو ﺻﻠﻴﺒﺎ‪ ،‬أو ﻃنﺒﻮرا‪ ،‬أو مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﲞﺸﺒه‪،(136/3) ،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب چٱ َجﺎ ٓ َء ل َحق َو َز َه َق ل َ ٰط ُِلۖ چ ]اﻹﺳﺮاء‪.86/6 ،[81 :‬‬‫وﺑعﺪ أﺻﻮل ّ‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(17/8) ،‬‬
‫‪74‬‬
 ‫ﻓأمﺮ ﺎ ﻓأﺧﺮجﺖ‪ ،‬ﻓأﺧﺮج ﺻﻮرة إﺑﺮاﻫﻴم وإﲰﺎﻋﻴﻞ ﰲ أﻳﺪﻳﻬمﺎ من اﻷزﻻم‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنّﱯ‪ » :‬ﻗَﺎﺗَـﻠَ ُﻬ ُﻢ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﺳﺘَـ ْﻘﺴ َﻤﺎ ِ َﺎ ﻗَ ﱡ‬ ‫ِ‬
‫ج َوَﱂْ‬ ‫ﺖ‪ ،‬ﻓَ َﻜﺒﱠـ َﺮ ِﰲ ﻧَـ َﻮاﺣﻲ اﻟﺒَـ ْﻴﺖ‪َ ،‬و َﺧ َﺮ َ‬
‫ﻂ "‪ ،‬ﰒُﱠ َد َﺧ َﻞ اﻟﺒَـْﻴ َ‬ ‫ﻗَﺎﺗَـﻠَ ُﻬ ُﻢ ا ﱠُ‪ ،‬ﻟََﻘ ْﺪ َﻋﻠ ُﻤﻮا‪َ :‬ﻣﺎ ْ َ‬
‫ﺼ ِّﻞ«‪.1‬‬ ‫ﻳُ َ‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ دﻻﻟة واﺿﺤة ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة ﻃمﺲ معﺎﱂ اﻟﺸﺮك ﺧﺎﺻة ﰲ أمﺎﻛن اﻟعﺒﺎدة؛ ﻟﻜﻮ ﺎ من‬
‫ﺣﱴ ﻋﺒﺪ ﺎ‪ ،‬واﳓﺮاف ﻗﻮم نﻮح ﻋن اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‬
‫ذراﺋعه ومﻘﺪمﺎته‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻓُﺘنﺖ اﻟﻜﺜﲑ من اﻷمم ﻟصﻮر ّ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ من أوﺿﺢ اﻷدﻟة اﻟﺘﱠﺎرﳜﻴّة اﻟﺸﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻮر ﺎ‪.‬‬
‫ﺸﺮك اﻟﺘﺠﻤﻌﻴّﺔ‪ :‬ﻛﺎن من اﻟﺘّﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة اﻟﱵ واجﻬﺘﻬﺎ‬ ‫‪ .3‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺼﺪي ﳌﻈﺎﻫﺮ اﻟ ّ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﺑعﺪ ﻓﺘﺢ م ﱠﻜة وجﻮد ﲡمعﺎت وثنﻴّة ﳏمﻴّة ﺧﺎرج م ﱠﻜة‪ ،‬ﺎ معﺎﱂ ﻳﻀﺎﻫﻮن ﺎ اﻟﻜعﺒة‪،‬‬
‫وﻻ ﳜﻔﻰ دورﻫﺎ ﰲ اﻟصﺪ ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﳌنﻄﻘة‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻜن ﺑﺪ من اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ مﺎد وﺑﺸﺮ ‪ ،‬ﺑعﺪ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ مﺒﺎﺷﺮة من ﺧﻼل ﺑعﺚ اﻟﺒعﻮث‪.‬‬
‫ص ِة‪َ ،‬واﻟ َﻜ ْعﺒَةُ اﻟﻴَمﺎنِﻴّة‪َ ،‬واﻟ َﻜ ْعﺒَةُ اﻟ ﱠﺸأِْمﻴّة‪،‬‬
‫ﺎل ﻟَهُ ذُو اﳋَﻠَ َ‬ ‫ﺎﻫﻠِﻴّة ﻳـُ َﻘ ُ‬
‫ﻓعن جﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬ﻛﺎ َن ﺑـﻴﺖ ِﰲ اﳉ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ٌ‬
‫ت ِﰲ ِﻣﺎﺋَ ٍﺔ و َﲬْ ِﺴ ِ‬ ‫ﺼ ِﺔ«‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﻔ ْﺮ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺴ ْﺮَ ﻩُ‪َ ،‬وﻗَـﺘَـﻠْﻨَﺎ َﻣ ْﻦ‬
‫ﲔ َراﻛﺒًﺎ ﻓَ َﻜ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﺎل ِﱄ اﻟنّﱯ‪» :‬أَﻻَ ﺗُ ِﺮﳛُِﲏ ﻣ ْﻦ ذي اﳋَﻠَ َ‬ ‫ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺲ ‪.3‬‬ ‫َﲪَ َ‬ ‫َو َﺟ ْﺪ َ ِﻋ ْﻨ َﺪﻩُ‪ ،‬ﻓَﺄَﺗَـ ْﻴ ُ‬
‫ﺖ اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻓَﺄَ ْﺧﺒَـ ْﺮﺗُﻪُ ﻓَ َﺪ َﻋﺎ ﻟَﻨَﺎ َوِﻷ ْ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻋﻘﺪي تﻄﻬﲑي‪ ،‬وﻫﻮ ﻏﲑة اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬وﻛﺮاﻫﻴﺘه‬ ‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ّ‬
‫ﻟﻠﺸﺮك‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻜن ﺷﻴﺌﺎ أتعﺐ ﻟﻘﻠﺐ اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻟﺪﻋﺎة اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ من ﻗﺒﻠه‪ ،‬ومن ﺑعﺪه من ﺑﻘﺎء مﺎ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬أﻳن رﻛﺰ اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟﺮاﻳة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟‪ ،(148/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4288 :‬وﻗﺪ ﻛﺮر‬
‫صﻼة؛ مﺸﲑا إﱃ ﺑعﺪ دﻋﻮي تﺸﺮﻳعﻲ‪ ،‬وﰲ‬ ‫اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﺮواﻳة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ؛ ﻟﻴﱪز أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳة ﳍﺎ‪ ،‬ﻓأﺧﺮجﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪(139/4) ،(88/1 ):‬‬ ‫ﻛﺘﺎب اﻷنﺒﻴﺎء؛ منﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ ﻳﺘعﻠق ﺑﺘﺎرﻳخ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﻄﺎ‪،‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬ﲨﺎل اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺮج‪ ،‬اﳉﻮزي‪ ،‬اﳌنﺘﻈم ﰲ رﻳخ اﻷمم واﳌﻠﻮك‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ﻫـ‪ 1992 ،‬م‪.(251/1) ،‬‬

‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬ب ﻏﺰوة ذي اﳋﻠصة‪ ،(164/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4355:‬وﻗﺪ تﺮجم ﻋﻠﻴه‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳة ﳐﺘﻠﻔة ومﺘنﻮﻋة‪ ،‬من ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه‪ :‬ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺣﺮق اﻟﺪور‬ ‫اﻟﺒخﺎري تﺮاجم ﻛﺜﲑة ت ّ‬
‫واﻟنخﻴﻞ‪ ،(62/4) ،‬وﻫﻲ تﺮﲨة مﻘﺎﺻﺪﻳة تﺸﲑ إﱃ ﻗﺎﻋﺪة ارتﻜﺎب أﺧﻒ اﻟﻀﺮرﻳن‪ ،‬وأﺷﺎر إﱃ اﺳﺘعمﺎل اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﺎﻃﻔﻲ‪،‬‬
‫وﺿﺮورة ﲢﻠﻲ اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﲟﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺒﺸﺎرة ﰲ اﻟﻔﺘﻮح‪ ،(75/4) ،‬وﰲ ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب‬
‫اﻟﺘﺒﺴم واﻟﻀﺤﻚ‪.(24/8) ،‬‬
‫‪75‬‬
‫ﻳﺸﺮك ﺑه من دون ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬ﻟﺬا ﺷن اﻟعﻠمﺎء واﳌصﻠﺤﻮن ﺣﺮ ﺷعﻮاء ﻋﻠﻰ مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮك‪ ،‬ﻋﱪ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺘﱠﺎرﻳخ‪ ،‬وﺧﲑ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﳉﻬﻮد اﻹﺻﻼﺣﻴّة اﻟﱵ ﺑﺬﻟﺘﻬﺎ ﲨعﻴّة اﻟعﻠمﺎء اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ اﳉﺰاﺋﺮ‪.‬‬
‫وﺻﻮره‪ ،‬وأ ْن‬
‫ﻓعﻠﻰ اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﳏﺎرﺑة اﻟﺸﺮك ﺑﻜﻞ مﻈﺎﻫﺮه ّ‬
‫اﳌﻮﺣﺪﻳن ﻋﱪ اﻟعصﻮر‪ ،‬ﻗﺎل‬ ‫ﳛمﻠﻮا ﻫ ﱠم إزاﻟﺘه‪ ،‬وتﻄﻬﲑ اﻟﺒﻼد ونﻔﻮس اﻟعﺒﺎد منه‪ ،‬ﻓأن ذﻟﻚ رﺳﺎﻟة ّ‬
‫ﺴﻼم‪:‬ٱچٱىٱ¼ٱ½ ٱ¾ٱ¿ٱ‪À‬ٱ‪Á‬ٱچ ]اﻟﺒﻘﺮة‪125‬‬ ‫تعﺎﱃ ﳐﺎﻃﺒﺎ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬و إﲰﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬمﺎ اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﺎدي واﳌعنﻮي‪ ،‬ﻓﻴﺪﺧﻞ ﻓﻴه تﻄﻬﲑه من‬ ‫اﻟﺸﻘﲔ ّ‬ ‫]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،[ 125‬وﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺘّﻄﻬﲑ ﻋﺎم ﻳَﻄَﺎل ّ‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﺻنﺎم‪ ،‬وﻋﺒﺎدة اﻷو ن ﻓﻴه‪ ،‬ومن اﻟﺸﺮك ‪.‬‬
‫اﻟﺸﺮك‪ ،‬واﻟﺘّصﺪي ﻟه‬ ‫ﺸﺮك‪ :‬أن من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ ﳏﺎرﺑة ّ‬ ‫‪ .4‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘّﺼﺪي ﻟﺰﻋﻤﺎء اﻟ ّ‬
‫اﻟﺴﺎدة اﻟﺬﻳن رﲟﺎ ﻳﺮﺿﻮن ﲣﺎذﻫم أر‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﺰﻋمﺎء‪ ،‬و‬‫ّ‬ ‫اﻟﺴعﻲ ﰲ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﲪﺎته‪ ،‬واﻟﺪﱠاﻋﲔ إﻟﻴه من‬
‫ّ‬
‫َ ُ ْٓ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ْ ََُٰ ُ ٓ َ َْ ٗ ّ ُ‬
‫ﷲچ‬ ‫ون ِ‬ ‫من دون ﷲ‪ ،‬ﻗﺎل ﷲ تعﺎﱃ ﻋن ﺑعﺾ اﻷتﺒﺎع‪ :‬چٱ ت خذوا أحبﺎرهم وره نهمۥ أر ﺎبﺎ مِن د ِ‬
‫]اﻟﺘﻮﺑة‪.[31:‬‬

‫ﻓﺠﺎءت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟﺘخﻠﺺ اﻟعﺒﺎد من ﻋﺒﺎدة اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬و اﻟﺘّﱪؤ من اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬وﻋﺪم مﻮاد م‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َْ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ٓ‬ ‫مﻮاد م وﳏﺒﺘﻬم‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱﻻ تَج ُد ﻗَ ْومﺎ ٗ يُوم ُِن َ‬
‫ﷲ َو َرسو ُ ۥ‬ ‫حﺎد‬ ‫ﺎﷲ وا و ِم ﻻخ ِِر يوآدون من‬
‫ون ب ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ْ ٓ‬
‫كﺎنُ ٓوا َءابَﺎ َء ُه ُم ٓۥ أ َو ْنَﺎ َء ُه ُم ٓۥ أ ِو ْخ َ ٰ َ ُه ُم ٓۥ أ ْو َعشِ َ َ ُه ُمۖ ٓۥٱچ ]ا ﺎدﻟة‪ ،[21 :‬وﻳﺒﺪو ذﻟﻚ جﻠﻴﺎ من ﻗﺘﺎل‬ ‫وو‬
‫رﺳﻮل ﷲ‪ ‬و أﺻﺤﺎﺑه ﻟﻘﻮمﻬم‪ ،‬وﻗﺮاﺑﺘﻬم ﰲ اﻟﻐﺰوات اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻛﺒﺪر وأﺣﺪ‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﳌﺸﺎﻫﺪ‬
‫اﳌﺸﺎﻫﺪ اﻟﱵ ﻳﱪز ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮﻻء ﻟﻠعﻘﻴﺪة ﻻ ﻏﲑ‪.3‬‬
‫وﻗﺪ تﱪأ اﻷنصﺎر من أﻗﺎر م‪ ،‬وأﺣﻼﻓﻬم اﳌخﺎﻟﻔﲔ ﳍم ﰲ اﻟ ّﺪﻳن اﶈﺎرﺑﲔ ورﺳﻮﻟه‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ‬
‫ذﻟﻚ ﰲ مﻮﻗﻒ ﻋﺒﺎدة ﺑن اﻟصﺎمﺖ ؛ إذ تﱪأ من ﺣﻠﻒ ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع ﳌﺎ نﻘﻀﻮا اﻟعﻬﺪ‪ ،‬ومﻮﻗﻒ‬
‫ومﻮﻗﻒ ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ من ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﻛﺎنﻮا ﺣﻠﻔﺎؤه‪ ،‬ومﻮاﻗﻒ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺳﻠﻮل من‬
‫من أﺑﻴه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن مﺴﺘعﺪا ﻟﻘﺘﻠه إذا أ ُِذن ﻟه ﰲ ذﻟﻚ‪.4‬‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(72/8) ،‬مﺒﺎرك اﳌﻴﻠﻲ اﳉﺰاﺋﺮي‪ ،‬ص‪.90‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬اﺑن جﺮﻳﺮ اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(38/2) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﳏمـﺪ ﺑـن ﺻـﺎمﻞ اﻟﺴـﻠمﻲ‪ ،‬ﺻـﺤﻴﺢ اﻷثـﺮ وﲨﻴـﻞ اﻟعـﱪ مـن ﺳـﲑة ﺧـﲑ اﻟﺒﺸـﺮ ‪ ،‬مﻜﺘﺒـة رواﺋـع اﳌمﻠﻜـة‪ ،‬جـﺪة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫‪1431‬ﻫـ‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنّﱯ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(112/5‬ﺑﺮﻗم‪ ،4121:‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪.(49 ،293/2) ،‬‬
‫‪76‬‬
‫وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ ﻫﺬا اﳊ ّﺪ ﺑﻞ اﺳﺘمﺮت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ دﻋﻮة اﻟﺒﺸﺮﻳّة إﱃ اﻟﺘّخﻠﺺ من‬
‫اﻟﺸﺮك اﻟﺒﺸﺮي ﺑﻜﻞ اﻹمﻜﺎ ت‪ ،‬واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﳌﺘﺎﺣة‪ ،‬ﻛمﺮاﺳﻠة اﳌﻠﻮك‪ ،‬واﻟﺮؤﺳﺎء‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎن أﻫم‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ ْ كِ َ ٰ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ب ت َعﺎ ِوا ٰ كل َِمةٖ َس َوآء بَ نَنَﺎ َو َ نَك ُم ٓۥ ﻻ ن ْع ُب َد‬
‫ِ‬ ‫مﻀمﻮن تﻠﻚ اﳌﺮاﺳﻼت‪ ،‬ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱﻗل ﺄهل ل‬
‫ٗ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ٗ َ‬ ‫َ َ َ ُْ َ‬
‫ك بِهِۦ ش ﺎ َوﻻ َ تخِذ بَ ْعضنَﺎ بَ ْعضﺎ ْر َﺎبﺎ چ ]آل ﻋمﺮان‪. [63:‬‬
‫‪1‬‬
‫إِﻻ ﷲ وﻻ ِ‬
‫من ﺧﻼل مﺎ ﺳﺒق ﻳﺘأﻛﺪ مﺪى ﺣﻀﻮر تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة ﰲ اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة‬
‫ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬و ﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬وﲤﻈﻬﺮات تنﺎﺳﺐ ﻛﻞ مﻮﻗﻒ‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ أنه أﺻﻞ ﻋﻈﻴم من اﻷﺻﻮل اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‬
‫اﻟعﻘﺪﻳّة اﻟﱵ ﻻ ﳝﻜن ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻐﻔﻠﻬﺎ أو ﻳﻬمﻠﻬﺎ ﲝﺎل من اﻷﺣﻮال‪.‬‬
‫واﻟﱵ أﲨﻠﺘﻬﺎ ﰲ ﻗﺴمﲔ ﻛﺒﲑﻳن‪ :‬اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟﻮجﻮد‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻮﺣﻴﺪ‬
‫اﻷﻟﻮﻫﻴّة من جﻬة اﻟعﺪم‪.‬‬
‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﻳﺘﻀﺢ ﲜﻼء ﺣﻀﻮر اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﺑنﻮﻋﻴه‪ :‬تﻮﺣﻴﺪ اﳌعﺮﻓة واﻹثﺒﺎت‪،‬‬
‫وتﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة ﰲ اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳊﻴﻮﻳّة ﻋﻠﻰ اﻟصعﻴﺪﻳن اﻟﺪاﺧﻠﻲ‬
‫واﳋﺎرجﻲ‪ ،‬تﻘﺮﻳﺮا وتﺜﺒﻴﺘﺎ وتﺮﺑﻴّة؛ تﻈﻬﺮ من ﺧﻼﳍﺎ اﳊﻜمة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﱵ أﻟﻘﺖ ﺑﻈﻼﳍﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻓعﺎﻟﻴّة وﺳﺮﻋة اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱄ ﷲ‪ ،‬مﻄﺒعة اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬مﻴﺖ ﻏمﺮ‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪ 2005 ،1‬م‪،‬‬ ‫ﳏمﺪ إمﺎم‪ ،‬ﻛﻠمﺎت مﻀﻴﺌة ﰲ ّ‬ ‫ﳏمﺪ ﻋﻠﻲ ّ‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫اﻟﱰﲨة واﳌﻐﺎزي‪،‬‬
‫)‪ ،(214/1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻛﺘﺎب اﻟنّﱯ‪ ‬إﱃ ﻛﺴﺮى وﻗﻴصﺮ‪ ،(8/6) ،‬ووجه اﻟﺘنﺎﺳﺐ ﺑﲔ ّ‬
‫من ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺘنﺎﺳﺐ ﺑﲔ اﳌﻘﺪمﺎت واﻟنﺘﺎﺋج‪ ،‬واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬ﻓمﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﺪﻋﻮة أن تنﺘﺸﺮ وتﺘﺴع رﻗعﺘﻬﺎ ﺧﺎرج اﳉﺰﻳﺮة إﻻ ﺑعﺪ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات وﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﺘصﺪي ﻟﻠﺘﺤﺪ ت واﻟعﻮاﺋق‬ ‫اﻻنﺘصﺎر ﻋﻠﻰ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وأﺣﻼﻓﻬﺎ من اﻷﺣﺰاب اﳌﺘﺂمﺮة ﻋﻠﻰ ّ‬
‫اﻟﱰﲨة ﻟﻠﻜﺘﺎب‪ " :‬ﳌﺎ ﺻﺎﱀ‬‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وﻛﺎن اﻻنﺘصﺎر ﻓﻴﻬﺎ مﻘﺪمة ﻟﺒﺪء ﻃﻮر جﺪﻳﺪ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﳋﺎرجﻴة ﻳﻘﻮل اﻟﻜﻮراﱐ مﺸﲑا ﳌنﺎﺳﺒة ّ‬
‫ﻳﺸﺎ وأﺳﻠم من اﻷﻋﺮاب من أﺳﻠم‪ ،‬ﻛﺎتﺐ اﳌﻠﻮك ﻳﺪﻋﻮﻫم إﱃ ﷲ؛ ﻷنه مﺒعﻮث إﱃ اﻟنﱠﺎس ﻛﺎﻓة "‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻜﻮثﺮ اﳉﺎري إﱃ‬ ‫ﻗﺮ ً‬
‫ر ض أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺒخﺎري‪.(381/7) ،‬‬
‫‪77‬‬
 ‫)‪(‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ّ‬
‫ﻟﺴﻤﻌﻴﺎت‬
‫ﺑعﺪ أن تﻄﺮﻗﺖ ﰲ اﳌﻄﻠﺐ اﻷول إﱃ ﳏﻮر اﻹﳍﻴﺎت‪ ،‬ﻓﺒﻴنﺖ أﺑعﺎده اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌخﺘﻠﻔة اﳌﺘعﻠﻘة‬
‫ﺑﻘﺴمﻴه‪ :‬تﻮﺣﻴﺪ اﳌعﺮﻓة واﻹثﺒﺎت‪ ،‬وتﻮﺣﻴﺪ اﻷﻟﻮﻫﻴّة من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي أنﺘﻘﻞ إﱃ إﺑﺮاز‬
‫ﻟﺴمعﻴﺎت اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم‬ ‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟعﻘﺪﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ّ‬
‫اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﳏﺎوﻻ اﻟﻜﺸﻒ ﻋن اﳌنﻬج اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي اﻟنﱠﺒﻮي وأﺳﺎﻟﻴﺒه اﻟﱵ وﻇّﻔﻬﺎ ﰲ تﺒﻠﻴغ تﻠﻚ‬
‫اﳌﻀﺎمﲔ‪ ،‬واﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺘعﻠﻘة ﺎ‪ ،‬وتﻔعﻴﻠﻬﺎ ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﻻﺳﺘﻬﺪاف ﻛﻞ ﻓﺌﺎت‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳﲔ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﳋﺎرجﻲ‪.‬‬
‫وﻟﻴﺲ اﳌﺮاد من ﲝﺚ تﻠﻚ اﻟﻘﻀﺎ اﳋﻮض ﰲ تﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟ ّﺪرس اﻟعﻘﺪي‪ ،‬وإﳕﺎ اﻟﻘصﺪ ﺑﻴﺎن أﺑعﺎدﻫﺎ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة من ﺣﻴﺚ ﻛﻮ ﺎ جﺰء من مﻀمﻮن اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓمﺎ ﻫﻲ‬
‫اﻟنﺒﻮة واﻟﻐﻴﺒﻴﺎت؟‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳍﺬا اﳌﻀمﻮن اﻟعﻘﺪي اﳌﺘعﻠق ﲟﺤﻮري ّ‬
‫وﺳﻮف أجﻴﺐ ﻋن ﻫﺬا اﻹﺷﻜﺎل من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ّ‬

‫ﻟﻨﺒﻮة‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‬
‫ّ‬ ‫اﻟنﺒﻮة من ﻗﻀﺎ اﻟﺮﺳﺎﻻت اﻟ ّﺪﻳنﻴّة اﻟﱵ ﺳعﻰ ﲨﻴع اﻷنﺒﻴﺎء واﻟﺮﺳﻞ ﻹثﺒﺎ ﺎ‪ ،‬وإﻗنﺎع‬‫تعﺪ ّ‬
‫أدل‬
‫ﺎ‪ ،‬وﻻ ﳜﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﳌﺘﺘﺒع ﻟﻠﺤﺮﻛة اﻟنﱠﺒﻮﻳة مﺎ ﺑﺬﻟه اﻟنّﱯ‪‬ﻹثﺒﺎت نﺒﻮته وإﻗنﺎع اﻟنﱠﺎس ﺎ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ من ردود اﻷﻓعﺎل اﻟعنﻴﻔة اﻟﱵ تﻠﻘﺎﻫﺎ من ﺧصﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺒﻞ‪ ،‬وﺑعﺪ اﳍﺠﺮة‪ ،‬ورﻏم ﻫﺬه‬
‫اﻟﺘّﺤﺪ ت إﻻ أنه اﺳﺘمﺮ ﰲ تﻘﺮﻳﺮ واﻟﺪﻓﺎع ﻋن ﻫﺬا اﻷﺻﻞ اﻟعﻘﺪي اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة‬
‫ﺣﱴ اﻟﺘَ َﺤق ّﻟﺮﻓﻴق اﻷﻋﻠﻰ‪.‬‬
‫ﳐﺘﻠﻔة‪ّ ،‬‬

‫)‪ (‬ﻳﺘنﺎول مﺒﺤﺚ اﻟﺴمعﻴﺎت‪ ،‬مﺴﺎﺋﻞ اﻟنﺒﻮات‪ ،‬واﻟﻐﻴﺒﻴﺎت اﻟﱵ ﻳﺴمﻴﻬﺎ ﺑعﻀﻬم اﳌعﺎد‪ ،‬ﻛمﺎ ﳒﺪ من أدرج اﻟنﺒﻮات مع اﻹﳍﻴﺎت‪،‬‬
‫ﻛمﺎ جعﻠﻬﺎ اﻟﺒعﺾ اﻵﺧﺮ ﻗﺴمﺎ مﺴﺘﻘﻼ‪ ،‬وﻳﺮجع اﻻﺧﺘﻼف ﰲ اﻟﺘﻘﺴﻴم إﱃ اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﱵ ﻳﻠﺘﺰمﻬﺎ ﻛﻞ مصنﻒ‪ ،‬واﳌﺮاد‬
‫ﻟﺴمعﻴﺎت ﻋنﺪﻫم؛ اﻷمﻮر اﻟﱵ ﳚﺰم اﻟعﻘﻞ مﻜﺎ ﺎ ثﺒﻮ ً ونﻔﻴﺎً‪ ،‬وﻻ ﻃﺮﻳق ﻟﻠعﻘﻞ إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ اﺧﱰت ادراج اﻟنﺒﻮات ﺿمن‬
‫اﻟﺴمعﻴﺎت مﺮاﻋﺎة ﻟﻠﺘنﺎﺳق اﳌنﻬﺠﻲ ﻟﻠﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬وإﻻ ﻓﻼ مﺸﺎﺣة ﰲ اﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬ﻳنﻈﺮ ‪ :‬ﺳعﺪ اﻟﺪﻳن مﺴعﻮد ﺑن ﻋمﺮ اﻟﺘﻔﺘﺎزاﱐ‪،‬‬
‫ﺷﺮح اﳌﻘﺎﺻﺪ ﰲ ﻋﻠم اﻟﻜﻼم‪ ،‬اﻟنﺎﺷﺮ دار اﳌعﺎرف اﻟنّعمﺎنﻴة‪) ،‬د‪.‬ط(‪1401 ،‬ﻫـ‪1981 ،‬م‪ ،(12/1) ،‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬درء تعﺎرض‬
‫ﳏمﺪ رﺷﺎد ﺳﺎﱂ‪ ،‬دار اﻟﻜنﻮز اﻷدﺑﻴة ‪ -‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪.‬ط(‪1391 ،‬ه‪ ،(363/3) ،‬اﻟنﺪوة اﻟعﺎﳌﻴة ﻟﻠﺸﺒﺎب‬ ‫اﻟعﻘﻞ واﻟنﻘﻞ‪ ،‬ت ‪ّ :‬‬
‫اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬اﳌﻮﺳﻮﻋة اﳌﻴﺴﺮة ﰲ اﻷد ن واﳌﺬاﻫﺐ واﻷﺣﺰاب اﳌعﺎﺻﺮة‪.(6/29) ،‬‬

‫‪78‬‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪‬ﰲ اﳌﻐﺎزي؟ ومﺎ‬‫واﻟ ﱡﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﺘﺒﺎدر ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم‪ ،‬مﺎ مﺪى ُﺣﻀﻮر اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن؟‬
‫اﳌنﻬج ﰲ ﻋﺮﺿﻬﺎ‪ ،‬وإثﺒﺎ ﺎ‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ نﻔﻮس ّ‬
‫ﳏمﺪ‪‬من جﻬة إثﺒﺎ ﺎ‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ نﻔﻮس أتﺒﺎﻋه‪،‬‬‫نﺒﻮة نﺒﻴنﺎ ّ‬
‫اﻟﱰﻛﻴﺰ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﻋﻠﻰ ّ‬
‫وﺳﻴﺘم ﱠ‬
‫ودرء ﺑعﺾ اﻟﺸﺒﻬﺎت ﺣﻮﳍﺎ‪ ،‬وذﻟﻚ ﳌﺎ ﳍﺎ من ﺻﻠة ﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي وإﳒﺎﺣه‪ ،‬من ﺧﻼل مﺎ‬
‫ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺛﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪‬وﺻﺪﻗﻬﺎ؛ ﻟﺬا ﻛﺎن إثﺒﺎته‬ ‫تﺪل ﻋﻠﻰ ّ‬ ‫ﻳعﺘﱪ اﻟﻮﺣﻲ من أﻫم اﻷﺻﻮل اﻟعﻘﺪﻳّة اﻟﱵ ّ‬
‫واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه من مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﱵ ﻇﻠﺖ ﺣﺎﺿﺮة ﰲ اﳊﺮﻛة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي امﺘﺪادا ﻟﺘﻠﻚ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻓﻼ ﺑﺪ أن تﻜﻮن مﺮو ﺎ ﺧﺎدمة ﳍﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﺪدت ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻃﺮق إثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ اﻟﱵ ﳝﻜن أن أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪ .1‬إﺛﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺸﺎﻫﺪة آ رﻩ‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪ ‬مﺸﺎﻫﺪ م ﻟﻠﻮﺣﻲ وﻫﻮ ﻳﺘنﺰل ﻋﻠﻰ رﺳﻮل‬ ‫أن ﳑﺎ ﻳﺰﻳﺪ اﳌﺆمنﲔ إﳝﺎ ‪ ،‬وﻳﻘﻴنﺎ ﺑصﺪق ّ‬
‫ﻇﻞ‬
‫ﷲ ‪ ‬ﲟﺸﺎﻫﺪة آ ره ﻋﻠﻴه‪ ،‬وﱂ ﻳﻘﺘصﺮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﳊﻀﺮ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ أن نﺰول اﻟﻮﺣﻲ ﱠ‬
‫ﺣﱴ ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬وﻫﺬا ﻓﺮع ﻋن ﺧﺎﺻﻴّة اﺳﺘمﺮارﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﱵ ﻻ تنﻘﻄع ﰲ ﺣﺎل من‬ ‫مﺴﺘمﺮا ّ‬
‫اﻷﺣﻮال‪.‬‬
‫صﺤﺎﺑة نﺰول اﻟﻮﺣﻲ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬من ﺧﻼل معﺮﻓة آ ره وﻋﻼمﺎته ﻋﻠﻰ رﺳﻮل ﷲ‬ ‫ﻓﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪ اﻟ ﱠ‬
‫‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‪1‬‬
‫ﲔ ﻳـُْﻨـ َﺰ ُل َﻋﻠَْﻴ ِﻪ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﻓعن ﻳعﻠﻰ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻟﻴـﺘ ِﲏ أَرى رﺳ َ ِ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻓَـﺒَـ ْﻴـﻨَﺎ اﻟﻨّﱯ‪ْ ‬ﳉ ْﻌ َﺮاﻧَﺔ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﺣ َ‬ ‫َْ َ َ ُ‬
‫ﻀ ِّﻤ ٌﺦ ﺑِ ِﻄ ٍ‬ ‫اﰊ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ ُﺟﺒﱠﺔٌ ُﻣﺘَ َ‬ ‫ُﻇ ﱠﻞ ﺑِ ِﻪ‪ ،‬ﻣﻌﻪُ ﻓِ ِﻴﻪ َ س ِﻣﻦ أ ْ ِ ِ‬ ‫و َﻋﻠَﻴ ِﻪ ﺛَـﻮب ﻗَ ْﺪ أ ِ‬
‫ﻴﺐ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎ َل‪َ :‬‬ ‫َﺻ َﺤﺎﺑﻪ‪ ،‬إِ ْذ َﺟ َ‬
‫ﺎءﻩُ أَ ْﻋ َﺮ ِ ﱞ‬ ‫ٌ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ ْ ٌ‬
‫ﻴﺐ؟ ﻓَﺄَ َﺷ َﺎر ُﻋ َﻤ ُﺮ إِ َﱃ ﻳَـ ْﻌﻠَى ﺑِﻴَ ِﺪﻩِ‪ :‬أَ ْن‬‫ﻀ ﱠﻤ َﺦ ِ ﻟ ِﻄّ ِ‬ ‫َﺣ َﺮَم ﺑِ ُﻌ ْﻤ َﺮةٍ ِﰲ ُﺟﺒﱠ ٍﺔ ﺑَـ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ ﺗَ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪َ ،‬ﻛ ْﻴ َ‬
‫ف ﺗَـ َﺮى ِﰲ َر ُﺟ ٍﻞ أ ْ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫ﻂ َﻛ َﺬﻟِ َ‬ ‫اﻟﻮ ْﺟ ِﻪ‪ ،‬ﻳَﻐِ ﱡ‬
‫ﺎء ﻳَـ ْﻌﻠَى ﻓَﺄَ ْد َﺧ َﻞ َرأْ َﺳﻪُ‪ ،‬ﻓَِإذَا اﻟﻨّﱯ‪ُ ‬ﳏْ َﻤ ﱡﺮ َ‬
‫‪3‬‬
‫ي‪ 2‬ﻋَﻨْﻪُ‪.‬‬ ‫ﺎﻋﺔً‪ ،‬ﰒُﱠ ُﺳ ِّﺮ َ‬ ‫ﻚ َﺳ َ‬ ‫ﺎل‪ ،‬ﻓَ َﺠ َ‬
‫ﺗَـ َﻌ َ‬

‫‪ -1‬اﳉﻌﺮاﻧﺔ ‪ :‬مﺎء ﺑﲔ اﻟﻄﺎﺋﻒ ومﻜة‪ ،‬وﻫﻲ إﱃ مﻜة أﻗﺮب‪ ،‬نﺰﳍﺎ اﻟنﱯ ‪ ،‬ﳌﺎ ﻗﺴم ﻏنﺎﺋم ﻫﻮازن مﺮجعه من ﻏﺰاة ﺣنﲔ‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻗﻮت اﳊمﻮي‪ ،‬اﻟﺒﻠﺪان‪ ،(142/2) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(98/1) ،‬‬
‫‪ُ -2‬ﺳ ِّﺮى ‪ :‬ﻗﺎل اﻟنﻮوي‪ " :‬أزﻳﻞ مﺎ ﺑه‪ ،‬وﻛﺸﻒ ﻋنه"‪ ،‬ﺷﺮح مﺴﻠم‪.(77/8) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(157/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4329 :‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﺑعﺪ‬
‫إثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ ﰲ اﻟﺮواﻳة ﺑﻘﻮﻟه ﰲ ﻛﺘﺎب ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﻘﺮآن ‪ " :‬ب نﺰل اﻟﻘﺮآن ﺑﻠﺴﺎن ﻗﺮﻳﺶ واﻟعﺮب"‪.17 182 /6 ،‬‬
‫‪79‬‬
‫صﺤﺎﰊ ﻋﻠﻰ رؤﻳّة اﻟنّﱯ‪‬ﺣﲔ ﻳنﺰل ﻋﻠﻴه اﻟﻮﺣﻲ‪،‬‬ ‫ﺣﺮص اﻟ ﱠ‬
‫ُ‬ ‫ووجه دﻻﻟة اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ‪،‬‬
‫وﺣﺮص ﻋمﺮ ﻋﻠﻰ إﻋﺎنﺘه ﻋﻠﻰ إدراك مﺒﺘﻐﺎه؛ﳌﺎ ﻟﺬﻟﻚ من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ ذﻟﻚ ﻋنﺎﻳّة‬
‫اﻟﺮوا ت اﻟﱵ تصﻒ آ ر نﺰول اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ اﳌصﻄﻔﻰ ‪ ،‬ﻻﺳﻴمﺎ ﻋﻠمﺎء ﻋﻠﻮم‬ ‫اﻟعﻠمﺎء ﲜمع ِّ‬
‫اﻟﻘﺮآن ‪.1‬‬
‫ﻓﺘأثﲑ نﺰول اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ جﺴﺪ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أنه تﻠ ّﻘﺎه من مصﺪر ﺧﺎرجﻲ ﻏﲑ معﺘﺎد ﻟﻠﺒﺸﺮ‪،‬‬
‫ﻋﱪ اﻟﺘﱠﺎرﻳخ اﻹنﺴﺎﱐ‪.‬‬
‫وﰲ ذﻟﻚ ز دة ﻳﻘﲔ ﻟﻠمﺸﺎﻫﺪﻳن‪ ،‬ودﻟﻴﻞ دامغ ﻟﻠمﺸﻜﻜﲔ ْ‬
‫‪ .2‬إﺛﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ رؤﻳّﺔ اﳌﻠﻚ‬
‫من ﻃﺮق اﻟﻮﺣﻲ إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أ ْن تﻴه جﱪﻳﻞ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم ﰲ ﺻﻮرة مﺮﺋﻴّة‪ ،‬أو ﻏﲑ مﺮﺋﻴّة ﻓﲑاه‬
‫اﻟنﺒﻮة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ﻳعمق اﻹﳝﺎن‪ ،‬وﻳﺆﻛﺪ ّ‬ ‫أﺻﺤﺎﺑه أو ﳜﱪﻫم ﺑه‪ ،‬وﻫﺬا ﳑﺎ ّ‬
‫وﲢﻘﻴﻘﺎ ﳍﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن جﱪﻳﻞ أمﲔ اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬وﻏﲑه من‬
‫ﺎس َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬أن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‬ ‫اﳌﻼﺋﻜة اﻟﻜﺮام ﻳﺸﻬﺪون اﻟﻐﺰوات مع اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓعن اﺑْ ِن َﻋﺒﱠ ٍ‬
‫ﺎل ﻳـﻮم ﺑ ْﺪ ٍر‪» :‬ﻫ َﺬا ِﺟ ِﱪﻳﻞ‪ِ ،‬‬
‫آﺧ ٌﺬ ﺑَِﺮأْ ِس ﻓَـ َﺮ ِﺳ ِﻪ‪َ ،‬ﻋﻠَْﻴ ِﻪ أ ََداةُ اﳊَْﺮ ِب« ‪.2‬‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ﻗَ َ َ ْ َ َ‬
‫ﻓﺈﺧﺒﺎر اﻟنّﱯ‪ ‬ﺑنﺰول جﱪﻳﻞ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬ووجﻮده ﰲ اﳌعﺮﻛة ﻟه ﻋﺪة أﺑعﺎد منﻬﺎ‪ :‬اﻟﺘّﺬﻛﲑ ﻟﻮﺣﻲ‬
‫اﻟنﺒﻮة؛ ﻟﻜﻮنه اﳌﻠﻚ اﳌﻮﻛﻞ ﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﻗﺪ ُﻋ ِﺮف ذﻟﻚ ﻋنﺪﻫم منﺬ ﺑﺪء اﻟﺒعﺜة‪.‬‬ ‫و ّ‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬اﳍﻴﺌة اﳌصﺮﻳة اﻟعﺎمة ﻟﻠﻜﺘﺎب‪ ،‬ط ‪1394‬ﻫـ‪،‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬اﻻتﻘﺎن ﰲ ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺈثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ إثﺒﺎت‬
‫‪ 1974‬م‪ ،(212/1) ،‬وﻛﻮن ﻫﺬه اﳌﺴأﻟة من ﺻمﻴم ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن ﻻ تعﲏ أ ﺎ أجنﺒﻴة ﻋن ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻃﺮﻳﻘة إثﺒﺎته ﻋن ﻃﺮﻳق اﻷمﺎرات اﳉﺴﺪﻳة من ﺻمﻴم اﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﳊﺴﻲ اﻟﺘﺠﺮﻳﱯ اﻟﺬي ﻳعﺪ من‬ ‫ﻷﻋﻈم أﺻﻮل ّ‬
‫اﳌنﺎﻫج اﻟﻔﻄﺮﻳة اﻟﻔعﱠﺎﻟة ﻻﺳﺘﻬﺪاﻓه اﳊﻮاس اﻟﱵ ﳝﺘﻠﻜﻬﺎ ﻛﻞ اﻟنﱠﺎس وإن تﻔﺎوتﺖ ﻗﺪرا م اﻟعﻠمﻴة واﻟعﻘﻠﻴة‪ ،‬واﺧﺘﻠﻔﺖ مﺸﺎﻋﺮﻫم‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.214‬‬‫اﻟﻮجﺪانﻴة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺒﻴﺎنﻮﱐ‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ ﻋﻠم ّ‬
‫‪- 2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺷﻬﻮد اﳌﻼﺋﻜة ﺑﺪرا‪ ،(81/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3995 :‬وأﺧﺮجه أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(94/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪4041 :‬؛ ﻛﻴﺪا ﻟﺪور اﻟﻐﺰوات ﰲ إثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ من ﺧﻼل نﺰول اﳌﻼﺋﻜة ﰲ‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳏمﺪ ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﻟصﺎﳊﻲ اﻟﺸﺎمﻲ‪ ،‬ﺳﺒﻞ‬
‫ّ‬ ‫اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺸﺎﻫﺪة اﻟصﺤﺎﺑة ﻵ رﻫم‪ ،‬ورﲟﺎ ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﻏﲑﻫم من اﳌﺸﺮﻛﲔ‪،‬‬
‫دل أﲪﺪ ﻋﺒﺪ اﳌﻮجﻮد‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه‪ 1993 ،‬م‪،‬‬ ‫اﳍﺪى واﻟﺮﺷﺎد ﰲ ﺳﲑة ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺎ ّ‬
‫)‪.(40/4‬‬
‫‪80‬‬
 ‫ﺴﻨﱠﺔ‬
‫‪ .3‬إﺛﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟ ﱡ‬
‫ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳﺬﻛﺮ أﺻﺤﺎﺑه ﺑنﺒﻮته ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﻘﻮﻟﻴّة‪ ،‬واﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﻔعﻠﻴّة اﻟﱵ ﺧﺬ أﺣﻴﺎ‬
‫تﻜﺮر ﻫﺬا اﻷمﺮ من ﺣﲔ ﻵﺧﺮ تﺜﺒﻴﺘﺎ‪ ،‬و ﻛﻴﺪا ﳍﺬا اﻷﺻﻞ‬ ‫ﺷﻜﻞ اﳌعﺠﺰة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻗﺪ ّ‬
‫اﻟعﻘﺪي ﰲ ﲨﻴع اﻷوﻗﺎت‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ أن اﻟﱪاء ﺑن‬ ‫اﻟنﺒﻮة ﻟﻘﻮل‪ ،‬و اﻟﻔعﻞ مﺎ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬ ‫ﻓمن اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ دﻟّﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻋﻠﻰ ّ‬
‫ﺎل‪ :‬أَﱠمﺎ أَ َ ﻓَأَ ْﺷ َﻬ ُﺪ َﻋﻠَﻰ‬
‫ﻋﺎزب رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ ﺳﺌﻞ‪ :‬أﻓﺮرﰎ ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻮم ﺣنﲔ؟ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫آﺧ ٌﺬ‬‫ث ِ‬ ‫اﻟنّﱯ‪ ‬أنه َﱂ ﻳـﻮِّل‪ ،‬وﻟَﻜِن ﻋ ِﺠﻞ ﺳﺮﻋﺎ ُن اﻟ َﻘﻮِم‪ ،‬ﻓَـﺮ َﺷ َﻘْﺘـﻬم ﻫﻮا ِز ُن‪ ،‬وأَﺑﻮ ﺳ ْﻔﻴﺎن ﺑن اﳊﺎ ِر ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫ْ َ ُْ ََ َ ُ ُ‬ ‫ْ َُ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ﻀ ِﺎء‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل‪» :‬أَ َ اﻟﻨّﱯ ﻻَ َﻛ ِﺬ ْب‪ ،‬أَ َ اﺑْ ُﻦ َﻋْﺒ ِﺪ اﳌُﻄﱠﻠِ ْﺐ«‪.1‬‬ ‫ِِ‬
‫ﺑَِﺮأْ ِس ﺑَـ ْﻐﻠَﺘه اﻟﺒَـْﻴ َ‬
‫ﻋﻠﻲ اﻻ ﺰام‪ ،‬وإﳕﺎ‬ ‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬أي‪ :‬أ ﻟﻴﺲ ﺑﻜﺎذب ﻓﻴمﺎ أﻗﻮل‪ ،‬ﻓﻴﺠﻮز ّ‬ ‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ":‬وﻓﻴه‪ :‬إثﺒﺎت ّ‬
‫وإﳕﺎ ﻳنﻬﺰم من ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﲔ من اﻟنﱠصﺮة وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺧﻮف من اﳌﻮت‪ ،‬واﻟﺸﺎرع ﻋﻠﻰ ﻳﻘﲔ من‬
‫اﻟنﱠصﺮة ﳑﺎ أوﺣﻰ ﷲ إﻟﻴه ﰲ ﻛﺘﺎﺑه وأﻋﻠمه أنه ﻻﺑ ﱠﺪ ﻟه من ﻛمﺎل ﻫﺬا اﻷمﺮ‪ ،‬ﻓمن زﻋم ﺑعﺪ ﻫﺬا أنه‬
‫أنه ا ﺰم ﻓﻘﺪ رمﺎه نه ﻛﺬب وﺣﻲ ﷲ أن ﷲ ﻳعصمه"‪.2‬‬
‫مﻘﺎم إنﻜﺎر‪ ،‬وذﻟﻚ أثنﺎء ﻛﺘﺎﺑة‬ ‫اﻟنﺒﻮة ﺑﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟﻘﺴم؛ ﻻن اﳌﻘﺎم ُ‬ ‫وﻗﺪ ﻟغ اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﻛﻴﺪ ّ‬
‫ﳏﻤﺪ ﺑْ ُﻦ َﻋْﺒ ِﺪ‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬
‫ﺷﺮط ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه ﰲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﱪاء رﺿﻲ ﷲ ﻋنه ﻋنﺪ اﻟﺒخﺎري‪» :‬أَ َ َوا ﱠ ّ‬
‫ﻮل ا ﱠِ«‪.4‬‬
‫ا ﱠِ‪َ ،‬وأَ َ َوا ﱠِ َر ُﺳ ُ‬

‫َُ ُ‬ ‫َ ََْ ُ َْ َ ْ َ َْ ُ ْ َ ْ‬
‫ك ْم چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪،[27-26 :‬‬ ‫ت‬ ‫چٱو وم حن ٍ ذ عجبتكم ك‬ ‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪:‬‬
‫اﻟنﺒﻮة ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﺘأﻳﻴﺪ‬
‫)‪ ،(153/5‬ﺑﺮﻗم‪ ،4315 :‬وتﺮﲨة اﻟﺒخﺎري ﺬه اﻵﻳة اﻟﱵ إﺷﺎرة إﱃ ﻃﺮﻳق من ﻃﺮق إثﺒﺎت ّ‬
‫ﳌعﺠﺰات‪ ،‬ﻓﻘﺪ دﻟﺖ تﺘمﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ نﺰول اﳌﻼﺋﻜة ﻟنصﺮة اﳌﺆمنﲔ‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻋمﺮ ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬أﺑﻮ ﺣﻔﺺ‪ ،‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ ت‪ :‬دار اﻟﻔﻼح ﻟﻠﺒﺤﺚ اﻟعﻠمﻲ وﲢﻘﻴق اﻟﱰاث‪،‬‬
‫دار اﻟنﻮادر‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1429 ،1‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‪.(544/17) ،‬‬
‫‪ -3‬أدﺧﻞ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء ﰲ اﳌﻐﺎزي ﻟﻜﻮ ﺎ ﻛﺎنﺖ مﺴﺒﺒة ﻋن ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴة‪ ،‬واﺧﺘﻠﻒ ﰲ ﺳﺒﺐ تﺴمﻴﺘﻬﺎ ﻋمﺮة‬
‫اﻟﻘﻀﺎء‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء ﻷنه ﻗﺎﺿﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺮﻳﺸﺎ‪ ،‬وﻗﻴﻞ ﻷ ﺎ ﻗﻀﺎء ﻋن اﻟعمﺮة‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ ﰲ ذي اﻟﻘعﺪة من اﻟﺴنة اﻟﺴﺎﺑعة‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻷنﻒ‪ ،(156/7) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(500/7) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻄﻮﻟه‪ :‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء‪ ،(71/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3184 :‬وﻗﺪ ﻛﺮره‬
‫ﰲ ﻏﲑ ﻫﺬا اﳌﻮﺿع‪ ،‬وتﺮجم ﻋﻠﻴه تﺮاجم ذات ﺻﻠة ّﻟﺪﻋﻮة واﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه ﻓﻔﻲ ﻛﺘﺎب جﺰاء اﻟصﻴﺪ‪ ،‬وﻛﺘﺎب اﻟصﻠﺢ‪،‬‬
‫وﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(103/4) ،(11 ،182/3) ،‬‬
‫‪81‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ" ﻟﻺﺷﺎرة أ مﺎ مﺘﻼزمﺎن ﻻ ﻳنﻔﻜﺎن ﺳﻮاء ذﻛﺮا‬
‫ﻓﻘﻮﻟه ‪" :‬أ رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟﻠنﺒﻮة واﻟﺮﺳﺎﻟة‪.‬‬
‫ﲨﻴعﺎ‪ ،‬أو اﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ أﺣﺪﳘﺎ‪ ،‬وﰲ ﻫﺬا ﻛﻴﺪ ّ‬
‫تنﻮﻋﺖ أﺳﺎﻟﻴﺐ‪،‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ ﲨﻠة من أدﻟة إثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ اﻟﻮاردة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻗﺪ ّ‬
‫ووﺳﺎﺋﻞ ﻋﺮﺿﻬﺎ؛ تﺒعﺎ ﻟﻠمﻮاﻗﻒ‪ ،‬واﳌنﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وﻫﺬا من ﺷﺎنه أن ﻳﺜﺮي أﺳﺎﻟﻴﺐ ووﺳﺎﺋﻞ‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف من ﻗﺒﻞ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ﺳﺘمﺮار‪.‬‬ ‫اﻟﺪﻓﺎع ﻋن ّ‬
‫اﻟﻨّﱯ‪‬‬ ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺒﺸﺮﻳّﺔ‬
‫من مﻘﺎﺻﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة إثﺒﺎت ﺑﺸﺮﻳّة اﻟنّﱯ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻟﻴﺘﺴﲎ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑه‪ ،‬ﻓﻠﻮ اﻋﺘﻘﺪ اﻟنﱠﺎس ﺑعﺪم‬
‫ﺑﺸﺮﻳّة اﻟﱠﺮﺳﻮل ﻻﲣﺬوا ذﻟﻚ ذرﻳعة إﱃ ﻋﺪم اﻟﺘّصﺪﻳق‪ ،‬وتعﺬر اﻻمﺘﺜﺎل‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ورد ﻛﻴﺪﻫﺎ‬
‫َ َ َ َ َُْٰ ْ َ ٗ‬
‫ج َسدا ﻻ‬ ‫‪:‬چ ٱومﺎ جعل هم‬ ‫ﻛﻴﺪﻫﺎ ﰲ ﺣق اﻷنﺒﻴﺎء ﻋمﻮمﺎ ﰲ آي ﻛﺜﲑة من ذﻟﻚ‪ ،‬ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‬
‫َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِينچ]اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،[08 :‬ذﻛﺮ اﺑن ﻛﺜﲑ أن اﻷنﺒﻴﺎء ﻛﻐﲑﻫم من اﻟﺒﺸﺮ‪،‬‬ ‫يﺎك ون لطعﺎم ۖ ومﺎ كﺎنوا ٰ ِ َ ۖ‬
‫ﻛﻠﻮن وﻳﺸﺮﺑﻮن مﺜﻞ اﻟنﱠﺎس‪ ،‬وﻳﺪﺧﻠﻮن اﻷﺳﻮاق ﻟﻠﺘﻜﺴﺐ واﻟﺘﺠﺎرة‪ ،‬وﻟﻴﺲ ذﻟﻚ ﺑﻀﺎر ﳍم‪ ،‬وﻻ‬
‫وﻻ ﻗﺺ منﻬم ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻋﻜﺲ مﺎ تﻮﳘه اﳌﺸﺮﻛﻮن‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎنﻮا ﻳعﻴﺸﻮن ﰒﱠ ﳝﻮتﻮن‪.2‬‬
‫وﻗﺪ ﺑﺮزت ﻫﺬه اﳋﺎﺻﻴّة ﰲ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته ﰲ ﻋﺪة منﺎﺳﺒﺎت ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ اﳌﺪﻋﻮون من‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬وﻏﲑﻫم؛ أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﳌﻈﺎﻫﺮ اﻟﺒﺸﺮﻳّة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫‪ .1‬ﻣﻈﻬﺮ اﻟﺘّﻌﺮض ﻟﻸذى‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﻀعﻒ اﻟﺒﺸﺮي اﻟﱵ ﻇﻬﺮت ﰲ ﺷخﺺ اﻟنّﱯ‪ ‬تعﺮﺿه ﻟﻸذى اﻟﺬي ﻫﻮ من‬
‫مﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟنﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬ﻛﺎﳌﺮض واﳉﺮوح وﻏﲑﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ أﺻﻴﺐ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته‪ ،‬وأوذي ﻛمﺎ ﻳﺆذى اﻟﺒﺸﺮ دﻻﻟة ﻋﻠﻰ ﺑﺸﺮﻳﺘه ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮةرﺿﻲ‬
‫ﲑ إِ َﱃ َرَ ِﻋﻴَﺘِ ِﻪ‪ ،3‬ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ ا ﱠ َﻋﻠَى ﻗَـ ْﻮم ﻓَـ َﻌﻠُﻮا ﺑﻨَﺒﻴّﻪ‪ ،‬ﻳُﺸ ُ‬ ‫ﻫﺮﻳﺮة ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ غَ َ‬
‫ﻀ ُ‬
‫ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ‬ ‫َرَ ِﻋﻴَﺘِ ِﻪ‪،3‬‬

‫‪ -1‬ﻋﻠـ ـ ــﻲ ﺑ ـ ــن ﷴ‪ ،‬أﺑ ـ ــﻮ اﳊﺴـ ـ ــن‪ ،‬اﳌ ـ ــﻼ اﻟﻘـ ـ ــﺎري‪ ،‬مﺮﻗـ ـ ــﺎة اﳌﻔـ ـ ــﺎتﻴﺢ ﺷ ـ ــﺮح مﺸـ ـ ــﻜﺎة اﳌصـ ـ ــﺎﺑﻴﺢ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜ ـ ــﺮ‪ ،‬ﺑ ـ ــﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنـ ـ ــﺎن‪،‬‬
‫ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2002 ،‬م‪.(2627/6) ،‬‬
‫‪ -2‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺪاء‪ ،‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺣﺴﲔ ﴰﺲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ط‪1419 ،1‬ه‪.(100/6) ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬
‫ﺎت"‪ ،‬اﻟﺮازي‪ ،‬ﳐﺘﺎر اﻟصﺤﺎح‪.(267/1) ،‬‬ ‫‪ -‬ﻗﺎل اﻟﱠﺮازي ‪ ":‬اﻟﱠﺮَ ﻋﻴَةُ ﺑﻮزن اﻟﺜمﺎنﻴة اﻟﺴن اﻟﱵ ﺑﲔ اﻟﺜنﻴة واﻟنﺎب واﳉمع َرَ ﻋﻴَ ٌ‬
‫‪82‬‬
 ‫ﻴﻞ ا ﱠِ«‬
‫ﻮل ا ﱠِ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬
‫ﺐ ا ﱠِ َﻋﻠَى َر ُﺟ ٍﻞ ﻳَـ ْﻘﺘُـﻠُﻪُ َر ُﺳ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ﻀ ُ‬
‫غَ َ‬
‫وﰲ إﺻﺎﺑة اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،‬ﺑﻴﺎن ﻟﻠﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬ﻓﺎﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم ﲨﻴعﺎ ﺑﺸﺮ ﻳعﱰﻳﻬم ﰲ تﺒﻠﻴغ‬
‫وﺣﱴ ﳏﺎوﻟة اﻟﻘﻀﺎء‬
‫دﻋﻮ م مﺎ ﻳعﱰي اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ ﻋصﺮ‪ ،‬من اﻷذى اﳉﺴﺪي‪ ،‬واﻻﺿﻄﻬﺎد‪ّ ،‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎ م‪.2‬‬
‫ﺣﱴ‬
‫وﰲ تعﺮض اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم ﻟﺸﱴ أنﻮاع اﻷذى اﳉﺴﺪي رﺳﺎﻟة ﻷتﺒﺎﻋﻬم من اﻟﺪﱡﻋﺎة‪ّ ،‬‬
‫ﻳصﱪوا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼء‪ ،‬واﳌصﺎﺋﺐ اﻟﱵ تصﻴﺒﻬم‪ ،‬وﻳﺴﺘمﺮوا‪ ،‬وﻳﺜﺒﺘﻮا ﻋﻠﻰ تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وأن ﻋﺪم إدراك‬
‫ﻫﺬه اﳊﻘﻴﻘة جعﻞ اﻟﻜﺜﲑﻳن ﻳﺘﺴﺎﻗﻄﻮن‪ ،‬وﻳنﺘﻜﺴﻮن ﻋنﺪ أول امﺘﺤﺎن‪.‬‬
‫‪ .2‬ﻣﻈﻬﺮ اﳊﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﻄﻌﺎم‬
‫صﺤﺎﺑة أن اﻟنّﱯ‪ ‬ﳚﻮع ﺷﺎنه ﺷأن ﻗﻲ اﻟنﱠﺎس‪ ،‬وﳛﺘﺎج إﱃ اﻟﻄﱠعﺎم‪ ،‬ﻓﻴأﻛﻞ‬ ‫ﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ اﻟ ﱠ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ﺖ‪َ :‬‬ ‫اﻟﻄﱠعﺎم‪ ،‬ﻓﻴأﻛﻞ ﻛمﺎ ﻛﻠﻮن‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه َجﺎﺑَِﺮ ﺑْ َن َﻋْﺒﺪ ا ﱠ ‪َ ،‬رﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗُـ ْﻠ ُ‬
‫ﻮل ا ﱠِ َذ َﲝنَﺎ ﺑـﻬﻴمةً ﻟَنَﺎ‪ ،‬وﻃَﺤْنﺖ ﺻ ِ ِ‬
‫ﺎل‪:‬‬‫ﺎح اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ﺎﻋﺎ م ْن َﺷع ٍﲑ‪ ،‬ﻓَـﺘَـ َع َﺎل أَنْ َ‬
‫ﺖ َونَـ َﻔٌﺮ‪ ،‬ﻓَ َ‬ ‫َ َ ُ َ ً‬ ‫ْ َُْ َ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ﺖ ﺑَِﺮ ُﺳﻮل ا ﱠ ‪َ ‬ﲬَ ً‬
‫ِ‬
‫صﺎ‬ ‫ﺻﻨَ َﻊ ُﺳ ْﺆًرا‪ ،‬ﻓَ َﺤ ﱠﻲ َﻫ ًﻼ ﺑِ ُﻜ ْﻢ«‪ ،‬وﰲ رواﻳّة‪َ " :‬رأَﻳْ ُ‬
‫» َ أَ ْﻫ َﻞ اﳋَْﻨ َﺪق أن َﺟﺎﺑًِﺮا ﻗَ ْﺪ َ‬
‫ﻳﺪا"‪.3‬‬‫َﺷ ِﺪ ً‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخ ـ ــﺎري ﰲ ﺻ ـ ــﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘ ـ ــﺎب اﳌﻐ ـ ــﺎزي‪ ،‬ب م ـ ــﺎ أﺻ ـ ــﺎب اﻟنّ ـ ــﱯ‪ ‬م ـ ــن اﳉـ ـ ـﺮاح ﻳ ـ ــﻮم أﺣ ـ ــﺪ‪ ،(101/5) ،‬ﺑ ـ ــﺮﻗم‪:‬‬
‫‪ ،3845‬وﻗـ ــﺪ ﻳﻜـ ــﻮن اﻟﺘع ـ ــﺮض ﻟـ ــﻸذى ﺳـ ــﺒﺒﺎ ﻟﻠﻮﻓ ـ ــﺎة اﻟـ ــﱵ تعـ ــﺪ م ـ ــن أﻇﻬـ ــﺮ دﻻﺋـ ــﻞ اﻟﺒﺸ ـ ـﺮﻳة اﻟنﱠﺒﻮﻳـّ ــة ﻟـ ــﺬا أﻛ ـ ــﺪ ﻋﻠﻴﻬـ ــﺎ اﻟﻘـ ــﺮآن‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫اﻟﻜـ ـ ـ ــﺮﱘ ﰲ ﺳ ـ ـ ــﻴﺎق اﳊـ ـ ـ ــﺪﻳﺚ ﻋ ـ ـ ــن ﻋـ ـ ـ ــﺰوة أﺣ ـ ـ ــﺪ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟ ـ ـ ـ ــه تعـ ـ ـ ــﺎﱃ‪ )) :‬أفــــــــــإِيْن مــــــــــﺎت أ ْو ﻗتِــــــــــل‬
‫ــــت ْم((]آل عم ران‪ ،[144:‬وﻗ ــﺪ أﺷـ ــﺎر اﻟﺒخـ ــﺎري إﱃ ﻫ ــﺬا اﻟﺒع ــﺪ ﰲ ﻛﺘ ــﺎب اﳌﻐـ ــﺎزي ﺣ ــﲔ جع ــﻞ وﻓ ــﺎة اﻟنّﺒﻴصـ ــﻠﻰ ﷲ‬ ‫ُ‬ ‫نقلَبْ‬‫َ‬

‫ﻋﻠﻴه وﺳﻠم ﺿمن أﺑﻮاﺑه‪ ،‬وتﺮجم ﳍﺎ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب وﻓﺎة اﻟنّﱯ‪ ،"‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(15/6) ،‬‬
‫‪ -2‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬مﻘﻮمﺎت اﻟﺪﱠاﻋﻴة اﻟنﺎجﺢ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬مﺆﺳﺴة‬
‫اﳉﺮﻳﺴﻲ ﻟﻠﺘﻮزﻳع واﻹﻋﻼن‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬من تﻜﻠم ﻟﻔﺎرﺳﻴة واﻟﺮﻃﺎنة‪ ،(74/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪. 3070 :‬‬
‫‪83‬‬
‫ﺻﻠﱠى‬
‫ومن ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ مﺎ ﺣﺪث ﺑه ﺳﻮﻳﺪ ﺑن اﻟنّعمﺎن أنه ﺧﺮج مع اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﺎم ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬‬
‫ﺎم إِ َﱃ اﳌَﻐْ ِﺮ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫‪1‬‬
‫ت إِﱠﻻ ِ ﻟ ﱠ‬ ‫ﺼ َﺮ‪ ،‬ﰒُﱠ َد َﻋﺎ ِ ﻷَ ْزَو ِاد ﻓَـﻠَ ْﻢ ﻳـُ ْﺆ َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ﺴ ِﻮ ِﻳﻖ ‪ ،‬ﻓَﺄ ََﻣ َﺮ ﺑﻪ ﻓَـﺜُـ ِّﺮ َ‬
‫ي‪ ،‬ﻓَﺄَ َﻛ َﻞ َوأَ َﻛﻠْﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫اﻟﻌ ْ‬
‫َ‬
‫ﺿﺄْ« ‪.2‬‬‫ﺻﻠﱠى َوَﱂْ ﻳَـﺘَـ َﻮ ﱠ‬ ‫ﻀﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ َ‬ ‫ﻀ َﻤ ْ‬
‫ﺾ َوَﻣ ْ‬‫ﻀ َﻤ َ‬
‫ﻓَ َﻤ ْ‬
‫اﳊﺲ أ م‬
‫ﻳﺮﺳخ ﰲ أذﻫﺎ َ م ﻋن ﻃﺮﻳق ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن من أتﺒﺎع اﻟﺮﺳﻞ ﳍم وﻫم ﻛﻠﻮن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ﻓمﺸﺎﻫﺪة‬
‫َ َ ٓ َْ َْ ََْ َ‬
‫ك م َِن ل ْ ُم ْر َسلِ َ‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱومﺎ أرسلنﺎ ب‬ ‫ﺑﺸﺮ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫ﺎم َو َ ْم ُش َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬
‫ون ِ ﻻ ْس َو ِاق چ ]اﻟﻔﺮﻗﺎن‪.[20:‬‬ ‫ون لط َع َ‬
‫ﺎك َ‬ ‫إِﻻ أنهم‬
‫و ﻛﻴﺪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﳍﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺒﺸﺮي ﻟﻸنﺒﻴﺎء ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة‪ ،‬ﻓـ"ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺮﺳﻞ من اﻟﺒﺸﺮ‬
‫ﻟﻴعﻴﺸﻮا ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺸﺮ ﻓﺘﻜﻮن ﺣﻴﺎ م اﻟﻮاﻗعﻴّة مصﺪاق ﺷﺮﻳعﺘﻬم‪ ،‬وﺳﻠﻮﻛﻬم اﻟعمﻠﻲ ﳕﻮذجﺎ ﺣﻴﺎ ﳌﺎ‬
‫ﻳﺪﻋﻮن إﻟﻴه اﻟنﱠﺎس"‪.3‬‬
‫‪ .3‬ﻣﻈﻬﺮ اﳊﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﻨّﻜﺎح‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ ﺑﺸﺮﻳﺘه ‪ ‬زواجه ومعﺎﺷﺮته أﻫﻠه ﻛﻐﲑه من اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ذﻟﻚ‬
‫َ َ َ َ ْ َ َْ ُ ُ ٗ ّ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َُ ُ ٓ َ ْ َٰ ٗ‬
‫ﺴﻼم‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱولقد رسلنﺎ رسﻼ مِن ب ِك وجعلنﺎ لهمۥ أز جﺎ‬ ‫ﰲ ﺣق ﲨﻴع اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠ‬
‫َ ‪ٞ‬‬
‫ﺎب ۀ ٱچ]اﻟﺮﻋﺪ‪[39 :‬‬ ‫ﺎن َِر ُسول ْن يﺎ ِ َ بـَ ٔﺎيّة ﻻ بإذْن ِ ُ ّ َ َ‬
‫ك َ‬‫َُّّ َ َ َ‬
‫ﷲ لِك ِل أج ٖل كِ ت ۖ‬
‫ِِ ِ ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وذ ِر ة ومﺎ‬
‫ﻋﻴﺎ ﰲ اﳊﻀﺮ واﻟﺴﻔﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﺰوج اﻟنّﱯ‪‬‬ ‫صﺤﺎﺑة‬ ‫وﻫﺬا اﻟ ﱡﺴﻠﻮك اﻟﺒﺸﺮي ﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪه اﻟ ﱠ‬
‫اﻟنّﱯ‪ ‬جﻮﻳﺮﻳّة اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ من ﺳﱯ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﻮن‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺘﺒﺖ إﱃ ﻓع‪،‬‬
‫ﺼﻄَﻠِ ِﻖ َو ُﻫ ْﻢ غَﺎ ﱡرو َن‪َ ،4‬وأَﻧْـ َﻌ ُﺎﻣ ُﻬ ْﻢ ﺗُ ْﺴ َﻘى َﻋﻠَى اﳌَ ِﺎء‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺘَ َﻞ‬
‫ﻓﻜﺘﺐ إﱄ‪» :‬أن اﻟﻨّﱯ‪ ‬أَغَ َﺎر َﻋﻠَى ﺑَِﲏ اﳌُ ْ‬
‫‪5‬‬
‫ﺎب ﻳَـ ْﻮَﻣﺌِ ٍﺬ ُﺟ َﻮﻳْ ِﺮﻳّﺔ«‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُﻣ َﻘﺎﺗﻠَﺘَـ ُﻬ ْﻢ‪َ ،‬و َﺳ َﱮ َذ َرا ِرﻳﱠـ ُﻬ ْﻢ‪َ ،‬وأ َ‬
‫َﺻ َ‬

‫‪ -1‬اﻟﺴﻮﻳﻖ‪ :‬دﻗﻴق اﻟﻘمﺢ أ واﻟﺸعﲑ أو اﻟﺬرة أو ﻏﲑﻫﺎ من اﳊﺒﻮب‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪،‬‬
‫)‪.(112/18‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(130/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4195 :‬وأﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺿﻮء‬
‫إﺷﺎرة إﱃ ﺑعﺪ تﺸﺮﻳعﻲ ﻳﺘعﻠق ﻟﻮﺿﻮء ﰲ اﻟﺮواﻳة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب من مﻀمﺾ من اﻟﺴﻮﻳق وﱂ ﻳﺘﻮﺿأ"‪ ،(52/1) ،‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ‪":‬‬
‫أي ﻫﺬا ب ﰲ ﺑﻴﺎن ﺣﻜم من مﻀمﺾ من أﻛﻞ اﻟﺴﻮﻳق وﱂ ﻳﺘﻮﺿأ"‪ ،‬ﳏمﻮد ﺑن أﲪﺪ‪ ،‬أﺑﻮ ﷴ‪ ،‬ﺑﺪر اﻟﺪﻳن اﻟعﻴﲏ‪ ، ،‬ﻋمﺪة‬
‫اﻟﻘﺎري‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(323/5) ،‬‬
‫‪ -3‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(2368/4) ،‬‬
‫‪ -4‬غﺎرون‪ :‬أﺧﺬﻫم ﻋﻠﻰ ﻏﺮة‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(171/5) ،‬‬
‫‪ -5‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟعﺘق‪ ،‬ب من مﻠﻚ من اﻟعﺮب رﻗﻴﻘﺎ‪ ،‬ﻓﻮﻫﺐ و ع وجﺎمع وﻓﺪى وﺳﱮ اﻟﺬرﻳة‪،‬‬
‫)‪.(148/3‬‬
‫‪84‬‬
 ‫‪ ،‬أن اﻟنّﱯ‪: ‬‬ ‫ﰲ ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،‬وﺑﲎ ﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳق‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ﺑن مﺎﻟﻚ‬ ‫وتﺰوج ﺻﻔﻴّة‬
‫ﺣﱴ أَ ْﻋﺮس ِ ﺎ‪ ،‬وَﻛﺎﻧَ ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﻋنه‪ ،‬أن اﻟنّﱯ‪» : ‬أَﻗَﺎم َﻋﻠَى ِ ِ ِ‬
‫ﻴﻤ ْﻦ‬
‫ﺖﻓَ‬ ‫ﺻﻔﻴّﺔ ﺑْﻨﺖ ُﺣﻴَ ٍّﻲ ﺑﻄَ ِﺮ ِﻳﻖ َﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ ﺛَﻼَﺛَ َﺔ أَ ﱠ م‪َ َ َ َ ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ﺎب« ‪.1‬‬ ‫اﳊﺠ ُ‬ ‫ﺿ ِﺮ َ‬
‫ب َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ ّ‬ ‫ُ‬
‫وإﻇﻬﺎر اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟنّﻜﺎح ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﻟه أﻛﺜﺮ من دﻻﻟة دﻋﻮﻳّة‪ ،‬من أﺑﺮزﻫﺎ اﻟﺘأﻛﻴﺪ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮازن واﻟﻮﺳﻄﻴّة‪ ،‬واﻟﻮاﻗعﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻻﺷﺘﻐﺎل ﻟ ّﺪﻋﻮة ﻻ ﻳعﲏ إﳘﺎل ﺣﺎجﺎت اﳉﺴﺪ اﳌﺒﺎﺣة‪ ،‬وﻻ‬
‫اﻟﺰﻫﺪ ﰲ اﻟﺪﱡنﻴﺎ تﺮك اﻟﺘّمﺘع ﻟﻄّﻴّﺒﺎت‪.‬‬
‫ﻳعﲏ ّ‬
‫ﻓﻬﺬه اﳌﻈﺎﻫﺮ اﳊﺴﻴّة اﻟﱵ ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ ﺷخﺺ اﻟنّﱯ‪ ‬أﻛﺪت ﳌﺸﺎﻫﺪﻳﻬﺎ اﳉﺎنﺐ اﻟﺒﺸﺮي ﰲ‬
‫ﺣﱴ ﻳﺪرك اﻷتﺒﺎﻋﺈمﻜﺎنﻴّة اﻻﻗﺘﺪاء ﺑه‪،‬‬ ‫تعمﺪ اﻟنّﱯ‪ ‬إﺑﺮازﻫﺎ ﻋمﻠﻴﺎ ﰲ اﻟﻐﺰوات؛ ّ‬‫اﻟﺸخصﻴّة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬و ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن اﳌﺮتﻘﺒﲔ ﲝﻘﻴﻘة اﻟﺸخصﻴّة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.‬‬
‫عﺮف ّ‬ ‫وﻫﻲ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه رﺳﺎﻟة دﻋﻮﻳّة تُ ّ‬

‫ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻪ‬ ‫ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺜﻠﻪ‬

‫ﻗﻮي ﻋﺰﻳﺰ‬ ‫غﲏ ﻋﻦ اﳋﻠﻖ‬ ‫ﻛﺎﻣﻞ‬ ‫اﻹﻟﻪ‬
‫ﺻﺎﺣﺒﺔ وﻻوﻟﺪ‬ ‫ﺷﻲء‬

‫ﻳﺘﺰوج‬
‫ﺿﻌﻴف‬ ‫ﳛﺘﺎج إﱃ غﲑﻩ‬ ‫ﻳﺸﺒﻪ غﲑﻩ‬ ‫ﻗﺺ‬ ‫اﻟﺒﺸﺮ‬
‫وﻳﺘﻨﺎﺳﻞ‬

‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺪﻻﺋﻞ ّ‬

‫اﻟﻨﺒﻮة‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ اﻟصﺎدق‪،‬‬
‫ﻟنﺒﻮة اﻟنّﱯ‪‬ﻓﻘﺪ أﻳﺪه ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺪﻻﺋﻞ‪ ،‬وﻫﻲ اﻷدﻟة اﻟﱵ تُعﺮف ﺎ ّ‬ ‫ﻛﻴﺪا ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﺣﱴ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻟﻠنﺒﻮة من اﳌﺘنﺒّﺌﲔ ؛ وﻇﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﺪﻻﺋﻞ تﺮاﻓﻘه ّ‬ ‫وﻛﺬب اﳌﺪﻋﻲ ّ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴﺘﻬﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫ﺑصﻮر ﳐﺘﻠﻔة؛ ﳑﺎ ّ‬
‫ّ‬
‫وﻟﺘﺸ ﱡعﺐ ﻫﺬه اﻷدﻟة ﺳﻮف أﳋصﻬﺎ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4212 :‬واﻟﺮواﻳة ذات أﺑعﺎد دﻋﻮﻳة ﻛﺜﲑة‬
‫ﻃﺎﻟﺖ ﳎﺎﻻت ﻛﺜﲑة من اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻛﺎﳌعﺎمﻼت واﻷنﻜﺤة‪ ،‬واﻷﻃعمة‪ ،‬واﻷدب‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﺒﺪو من ﺧﻼل تﻜﺮره ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ اﳌﻮاﺿع اﻟﺘﺎﻟﻴة منه‪.(70/7) ،(24/7) ،(21/7) ،(84/3 ):‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋمﺮ ﺑن ﺳﻠﻴمﺎن اﻷﺷﻘﺮ‪ ،‬اﻟﺮﺳﻞ واﻟﺮﺳﺎﻻت‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪ 1410 ،4‬ﻫـ‪ 1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪85‬‬
 ‫‪ .1‬دﻟﻴﻞ اﻹﻋﻼم ﻟﻐﻴﺒﻴّﺎت‬
‫ﻗﺪ أﺧﱪ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋن اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﻐﻴﺒﻴّﺎت اﻟﱵ ﲢ ّﻘﻘﺖ ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬وﺷﺎﻫﺪﻫﺎ اﻟنﱠﺎس وﻓق مﺎ أﺧﱪ‬
‫ﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﻏﻴﺐ ﻋﺘﺒﺎر أ ﺎ ﱂ ﲢﺪث ﺑعﺪ‪ ،‬أو ﻋﺘﺒﺎر ﻛﻮ ﺎ ﺣﺎﺿﺮة وﻟﻜنﱠﻬﺎ ﺧﻔﻴّة ﻋن اﻟنﱠﺎس‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج من تﻠﻚ اﻟﻐﻴﺒﻴّﺎت‪.‬‬
‫أ‪ .‬دﻟﻴﻞ اﻹﻋﻼم ﺑﻐﻴﺒﻴّﺎت اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‬
‫ﻗﺪ أﺧﱪ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋن أمﻮر ﲢﻘﻘﺖ ﰲ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬وﻗﺪ تﻀمنﺖ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻃﺮﻓﺎ منﻬﺎ‪ ،‬ﻓمن‬
‫صﺤﻴﺢ أن ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ ﻗﺎل ﻷمﻴّة ﺑن ﺧﻠﻒ‪ ":‬ﻓﻮﷲ ﻟﻘﺪ ﲰعﺖ رﺳﻮل‬ ‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﷲ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪» :‬أ ْﻢ ﻗَﺎﺗِﻠُ َ‬
‫‪1‬‬
‫ﻮك«‪.‬‬
‫اﻟﻘصة أن أمﻴّة ﻗﺘﻞ ﺑﺒﺪر‪ ،‬ﻟﻄّﺮﻳﻘة اﻟﱵ أﺧﱪ اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻫﺬا من معﺠﺰاته ‪ ‬اﻟﱵ‬ ‫اﻟﺸﺎﻫﺪ من ّ‬ ‫و ّ‬
‫نﺒﻮته‪.2‬‬
‫تﺪل ﺑﻼ ﺷﻚ ﻋﻠﻰ ﺻﺪق ّ‬ ‫ﻛﻞ من ﺣﻀﺮ ﺑﺪرا‪ ،‬واﻟﱵ ّ‬ ‫ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﱡ‬
‫ﻟنﺒﻮته‪ ،‬تﺒﺸﲑه ﻷﺻﺤﺎﺑه ﺑﻔﺘﺢ ﺧﻴﱪ ﻋنﺪ‬ ‫ومن اﻟﻐﻴﺐ اﻟﺬي اﺳﺘﺸﺮﻓه اﻟنّﱯ‪ ‬وﲢ ّﻘق تصﺪﻳﻘﺎ ّ‬
‫اﻻﻗﱰاب من ﺣصﻮ م‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺻﺒﱠﺤﻨﺎ َﺧﻴـﺒـﺮ ﺑ ْﻜﺮةً‪ ،‬ﻓَ َﺨﺮج أَ ْﻫﻠُﻬﺎ ِ ﻟْﻤﺴ ِ‬
‫ﺎﺣﻲ‪ ،‬ﻓﻠ ﱠﻤﺎ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َ َْ ََْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل اﻟﻨّﱯ‪» : ‬ا ﱠُ أَ ْﻛﺒَـ ُﺮ‪َ ،‬ﺧ ِﺮﺑَ ْ‬
‫ﺖ َﺧ ْﻴـﺒَـ ُﺮ‪ ،‬أ‬ ‫ﻴﺲ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﳏﻤﺪ َواﳋَﻤ ُ‬ ‫ﺼ ُﺮوا ِ ﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪ّ :‬‬
‫ﳏﻤﺪ َوا ﱠ ‪ّ ،‬‬ ‫ﻓﻠ ﱠﻤﺎ ﺑَ ُ‬
‫َ َ َٓ َ َ ُ ُْ َ‬
‫نذ ِر َ ۖن چ ]اﻟصﺎﻓﺎت‪.3«[177 :‬‬ ‫ﺎﺣ ِﺔ ﻗَـ ْﻮٍم چٱفسﺎء صبﺎح لم‬
‫ﻧَـ َﺰﻟْﻨَﺎ ﺑِ َﺴ َ‬
‫ﺖ َﺧْﻴـﺒَـ ُﺮ «‪ ،‬ﻗﺪ ﳛمﻞ ﻋﻠﻰ اﳋﱪﻳّة‪ ،‬ﻓﻴﻜﻮن ذﻟﻚ‬ ‫ووجه اﻻﺳﺘﺪﻻل من اﳊﺪﻳﺚ أن ﻗﻮﻟه‪َ » :‬ﺧ ِﺮﺑَ ْ‬
‫من ب اﻹﺧﺒﺎر ﻟﻐﻴﺐ‪ ،‬وإﻟﻴه ذﻫﺐ ﺑعﺾ اﻟﺸﺮاح‪ ،‬وﻗﺪ ﳛمﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﲑ ﻫﺬا اﳌعﲎ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺪﱡﻋﺎء‬
‫واﻟﺘﻔﺎؤل‪.4‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ اﻟﻘصة‪ :‬ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ذﻛﺮ اﻟنّﱯ‪ ‬من ﻳﻘﺘﻞ ﺑﺒﺪر‪ ،(71/5 ) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.3950‬‬
‫‪-2‬ﺑﺪر اﻟﺪﻳن اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(75/17) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(132/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4200:‬و "اﳌﺴﺎﺣﻲ ﲨع مﺴﺤﺎة‪ ،‬وﻫﻲ اﻵﻟة اﻟﱵ‬
‫ﻳﻘﻠع ﺎ اﻟﻄﲔ وﳓﻮه"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(188/1) ،‬وﻗﺪ ﻳﺴﺘﻔﺎد من ﻫﺬه اﳉﺰﺋﻴة أن اﻟﻐﺰوات ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ ﰲ اﻻﻃﻼع‬
‫مﺎ ﻋنﺪ اﻟﻐﲑ من وﺳﺎﺋﻞ واﳒﺎزات ﳝﻜن نﻘﻠﻬﺎ وتﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﳋﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة إن ﱂ تﻜن ﳐﺎﻟﻔة ﻷﺻﻮﳍﺎ‪.‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳛﲕ ﺑن ﺷﺮف‪ ،‬أﺑﻮ زﻛﺮ ‪ ،‬اﻟنﻮوي‪ ،‬اﳌنﻬﺎج ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم ﺑن اﳊﺠﺎج‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1392‬ه‪ ،(219/9) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪1392 ،.(468/7) ،‬ه‪ ،(219/9) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(468/7) ،‬‬
‫‪86‬‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻜﺮر ﰲ ﻛﺘﺐ ﳐﺘﻠﻔة اﻷﻏﺮاض‬ ‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة دﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ تﺮاجم اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﱰاجم ﻋﻠﻰ روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ ا ﺎل‬
‫ﻳﺪل مﺮة أﺧﺮى ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﲟﺎ ّ‬ ‫اﻷﻏﺮاض من اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮي‪.1‬‬
‫ب‪ .‬دﻟﻴﻞ اﻹﻋﻼم ﺑﻐﻴﺒﻴﺎت اﳊﺎﺿﺮ‬
‫ﻗﺪ أﺧﱪ اﻟنّﱯ‪ ‬مﻮر ﺣﺎﺿﺮة ﲣﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟنﱠﺎس‪ ،‬وﻻ تﺪرك إﻻ ﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﻗﺪ تﻀمنﺖ مﺮو ت‬
‫صﺤﻴﺢ ﻃﺮﻓﺎ من ذﻟﻚ‪.‬‬ ‫اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫وﻟعﻞ أوﺿﺢ مﺜﺎل دال ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ إﺧﺒﺎره ‪‬ﺑﻜﺘﺎب ﺣﺎﻃﺐ ﺑن أﰊ ﺑﻠﺘعة اﻟﺬي ﺑعﺜه إﱃ‬
‫أﻫﻞ م ﱠﻜة ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻔﺘﺢ‪.‬‬
‫ﻮل ﷲِ ‪َ ،‬وأَ َ َمْﺮثَ ٍﺪ اﻟْﻐَنَ ِﻮ ﱠ‬
‫ي‪َ ،‬واﻟﱡﺰﺑَـْﻴـَﺮ ﺑْ َن اﻟْ َع ﱠﻮ ِام‪،‬‬ ‫ﻓعن ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑَـ َعﺜَِﲏ َر ُﺳ ُ‬
‫ﲔ َﻣ َﻌ َﻬﺎ ﻛِﺘَ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎخ ‪ ،‬ﻓﺄن ِ َﺎ ْاﻣ َﺮأَ ًة ﻣ َﻦ اﻟ ُْﻤ ْﺸ ِﺮﻛ َ‬ ‫ﺑْ َن اﻟْ َع ﱠﻮام‪َ ،‬وُﻛﻠﱡنَﺎ ﻓَﺎ ِر ٌ‬
‫‪2‬‬
‫ﺎب‬ ‫ﺎل‪» :‬اﻧْﻄَﻠ ُﻘﻮا ّ‬
‫ﺣﱴ َْﺗُﻮا َرْو َ‬
‫ﺿﺔَ َﺧ ٍ‬ ‫س ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ِ‬ ‫ِﻣﻦ ﺣ ِ‬
‫ﺐ إِ َﱃ اﻟ ُْﻤ ْﺸ ِﺮﻛ َ‬
‫ﺎﻃ ٍ‬
‫‪3‬‬
‫ﲔ«‪.‬‬ ‫ْ َ‬

‫‪1‬‬
‫صﻼة‪ ،‬ب مﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﰲ اﻟﻔخﺬ‪ ،(83/1) ،‬ﻛﺘﺎب اﻷذان‪ ،‬ب مﺎ ﳛﻘن‬ ‫‪ -‬ﻗﺪ تﻜﺮر اﳊﺪﻳﺚ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﰲ اﳌﻮاﻃن اﻟﺘﺎﻟﻴة‪ :‬ﻛﺘﺎب اﻟ ﱠ‬
‫ارة واﱀ ـﺮب‪،‬‬ ‫صﻼة ﻋنﺪ اﻹغ‬ ‫ﻷذان من اﻟﺪمﺎء‪ ،(125/1) ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،‬ب اﻟﺘﻜﺒﲑ واﻟغ ـﻠﺲ ﻟصﺒﺢ‪ ،‬واﻟ ﱠ‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وأن ﻻ ﻳﺘخﺬ ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ أر من دون ﷲ‪،‬‬ ‫)‪ ،(15/2‬ﻛﺘﺎب اﳉه اد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟنﱠﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم و ّ‬
‫اﻟﱰﲨة اﻷﺧﲑة ﻓﻴﻬﺎ إﺷﺎرة‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺘﻬﺎ اﻟعﻈﻴمة ﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬و ّ‬
‫صﻼة‪ ،‬ﲟﺎ ﻳ ّ‬
‫اﻟﱰاجم مﻀﺎمﲔ دﻋﻮﻳة تﺸﺮﻳعﻴة تﺘعﻠق ﻟ ﱠ‬‫‪ ،48/4‬وﻗﺪ تﻀمنﺖ ّ‬
‫ﻗﻮﻳة إﱃ مﻘصﺪ اﳉﻬﺎد اﻷﻋﻈم وﻫﻮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬وإﺧﺮاج اﻟنﱠﺎس من ﻇﻠمﺎت اﻟﺸﺮك‪ ،‬وﲢﺮﻳﺮﻫم من اﻟعﺒﻮد ت اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬وﺳﻴأﰐ‬
‫تﻔصﻴﻞ ذﻟﻚ ﰲ ﺣﻴنه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ﺧﺎخ‪ :‬مﻮﺿع ﺑﲔ اﳊﺮمﲔ ﺑﻘﺮب من ﲪﺮاء اﻷﺳﺪ اﻟﱵ تﺒعﺪ ﻋن اﳌﺪﻳنة ﲝﻮاﱄ ﲦﺎنﻴة أمﻴﺎل من اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ‬
‫اﳌنعم اﳊِمﲑي‪ ،‬اﻟﺮوض اﳌعﻄﺎر ﰲ ﺧﱪ اﻷﻗﻄﺎر‪ ،‬ت ‪ :‬إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺎس‪ ،‬مﺆﺳﺴة ﺻﺮ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت ط ‪ 1980 ،2‬م‪،‬‬
‫)‪ ،(200/1‬ﻗﻮت ﺑن ﻋﺒﺪﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﳊمﻮي‪ ،‬معﺠم اﻟﺒﻠﺪان‪ ،‬دار ﺻﺎدر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1995 ،2‬م‪.(235/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻔﺘﺢ‪ ،(145/5) ،‬رﻗم‪ ،4274:‬ومﺴﻠم ﰲ ﻛﺘﺎب ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ب‬
‫من ﻓﻀﺎﺋﻞ أﻫﻞ ﺑﺪر وﻗصة ﺣﺎﻃﺐ ﺑن أﰊ ﺑﻠﺘعة‪ ،(1942/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2494 :‬واﻟﻠﻔﻆ ﻟه‪ ،‬واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ تﻀمن أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳة ﻛﺜﲑة‬
‫ﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ تﻜﺮره ﰲ اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ ﰲ ﻋﺪم مﻮاﻃن‪ ،‬ﻓﻘﺪ أورده ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب‬ ‫ﻳ ّ‬
‫اﳉﺎﺳﻮس‪ ،(59/4) ،‬وﰲ ب إذا اﺿﻄﺮ اﻟﺮجﻞ إﱃ اﻟنﻈﺮ ﰲ ﺷعﻮر أﻫﻞ اﻟﺬمة‪ ،‬واﳌﺆمنﺎت إذا ﻋصﲔ ﷲ‪ ،‬وﲡﺮﻳﺪﻫن‪ ،‬ﻛﺘﺎب‬
‫َ َ ُ ْ َُ ّ َ َُ ُ َ ٓ‬
‫ك ُم ٓۥ أ ْو ِ َﺎ َء ۖٱچ ]اﳌمﺘﺤنة‪،[1 :‬‬ ‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ من ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،(77/5) ،‬ﻛﺘﺎب تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ب ٱ ٱچٱﻻ تخِذوا عد ِوے وعدو‬

‫)‪ ،(149/6‬رﻗم‪ ،4890:‬ﻛﺘﺎب اﻻﺳﺘﺌﺬان‪ ،‬ب من نﻈﺮ ﰲ ﻛﺘﺎب من ﳛﺬر ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ ﻟﻴﺴﺘﺒﲔ أمﺮه‪ ،(57/8) ،‬ﻛﺘﺎب‬
‫اﺳﺘﺘﺎﺑة اﳌﺮتﺪﻳن واﳌعﺎنﺪﻳن وﻗﺘﺎﳍم‪ ،‬ب مﺎ جﺎء ﰲ اﳌﺘأوﻟﲔ‪ ،(18/9) ،‬ﻓﻬﻲ تﺮاجم‪ ،‬ذات ﺻﻠة ﲟﻮﺿﻮﻋﺎت دﻋﻮﻳة ﳐﺘﻠﻔة‪،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻫﺬه ﻗﻀﺎ‬ ‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬و رﻳخ ّ‬ ‫ﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ومﺮاﻋﺎة اﻷوﻟﻮ ت‪ ،‬وإنﺰال اﻟنﱠﺎس منﺎزﳍم‪ ،‬وأﺻﻮل ّ‬
‫ﻛﺎﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴة‪ ،‬وأنﻮاع اﳌ ّ‬
‫ﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﺑعﻀﻬﺎ ﰲ مﻈﺎ ﺎ من ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫ﻓﺘﺤﻘق مﺎ أﺧﱪ ﺑه اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟه آ ره ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﳌﺪﻋﻮ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻓﻴﺰداد إﳝﺎنه وﻳﻘﻴنه‪ ،‬ﻓﺘﺰداد‬
‫اﻟنﺒﻮة‪،‬‬
‫ﺑﺬﻟﻚ ﻓعﺎﻟﻴﺘه اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬أمﺎ اﳌﺪﻋﻮ اﳋﺎرجﻲ ﻓﻠعﻞ مﺸﺎﻫﺪته ﳍﺬه اﻟﺪﻻﺋﻞ تﺪﻟه ﻋﻠﻰ ﺻﺪق ّ‬
‫وأن اﻹﺳﻼم ﻫﻮ اﳊق‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ تﺜﲑ ﰲ نﻔﺴه اﻟﺘﺴﺎؤل‪ ،‬واﻟﺸﻚ اﻟﺬي ﻳﺪﻓع ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋن‬
‫اﳊق‪.‬‬
‫‪ .2‬دﻟﻴﻞ إﺟﺎﺑﺔ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪ ‬اﺳﺘﺠﺎﺑة ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺪﻋﺎﺋه‪ ،‬ﻓﻘﺪ دﻋﺎ ‪ ‬ﰲ مﻮاﻃن من اﻟﻐﺰوات‪،‬‬ ‫من دﻻﺋﻞ ّ‬
‫واﺳﺘﺠﺎب ﷲ ﻟه ﻓنصﺮه وﻫﺰم ﻋﺪوه‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ مﻮاﻗﻒ أجﻴﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ دﻋﻮات اﻟنّﱯ‪:‬‬
‫أ‪.‬اﻟ ﱡﺪﻋﺎء ﻋﻠى ﺻﻨﺎدﻳﺪ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ﺷﺎﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﳌﺪﻋﻮون اﺳﺘﺠﺎﺑة ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺪﻋﻮة نﺒﻴّه اﻟصﺎدق ‪ ،‬مﻮﻗﻒ إﻫﻼك‬
‫إﻫﻼك ﺻنﺎدﻳﺪ ﻗﺮﻳﺶ ﰲ ﺑﺪر‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن مﺴعﻮد ‪ ،‬ﻗﺎل‪ْ :‬‬
‫اﺳﺘَـ ْﻘﺒَ َﻞ اﻟﻨّﱯ‪ ‬اﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔَ‪ " ،‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ‬
‫ﺶ‪َ :‬ﻋﻠَى َﺷﻴـﺒﺔَ ﺑ ِﻦ رﺑِﻴﻌ َﺔ‪ ،‬وﻋُْﺘـﺒﺔَ ﺑ ِﻦ رﺑِﻴﻌ َﺔ‪ ،‬واﻟﻮﻟِ ِ‬
‫ﻴﺪ ﺑْ ِﻦ ُﻋْﺘـﺒَﺔَ‪َ ،‬وأَِﰊ َﺟ ْﻬ ِﻞ‬ ‫اﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔَ‪ " ،‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ َﻋﻠَى ﻧَـ َﻔ ٍﺮ ِﻣ ْﻦ ﻗُـ َﺮﻳْ ٍ‬
‫َْ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ﺲ‪َ ،‬وَﻛﺎ َن ﻳَـ ْﻮًﻣﺎ َﺣﺎرا "‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِﻫ َ‬
‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫ﺸ ٍﺎم‪ ،‬ﻓَﺄَ ْﺷ َﻬ ُﺪ ِ ﱠ ‪ ،‬ﻟََﻘ ْﺪ َرأَﻳْـﺘُـ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﺻ ْﺮ َﻋى‪ ،‬ﻗَ ْﺪ غَﻴﱠـ َﺮﺗْـ ُﻬ ُﻢ اﻟ ﱠ‬
‫ﻓصﺮع من دﻋﺎ‬ ‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وذﻟﻚ ﺳﺘﺠﺎﺑة ﷲ تعﺎﱃ ﻟنﺒﻴّه ‪ُ ‬‬ ‫ﰲ اﳊﺪﻳﺚ َﻋﻠَ ٌم ﻋﻈﻴم من أﻋﻼم ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﳊﺲ ﲢ ّﻘق اﻟﺪﱡﻋﺎء اﻟنﱠﺒﻮي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صﺤﺎﰊ اﻟﺬي ﺷﺎﻫﺪ‬ ‫ﻋﻠﻴﻬم‪ ،‬ﻛمﺎ ﻇﻬﺮ أثﺮ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻋﻠﻰ اﻟ ﱠ‬
‫وﻻ ﻳُﺴﺘﺒعﺪ أن تﻜﻮن ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺮ نﻴّة ﺳﺒﺒﺎ ﻹﺳﻼم اﻟﻜﺜﲑ من أﻫﻞ مﻜة‪ ،‬من اﳌﻬﺎجﺮﻳن‪،‬‬
‫وﳑن ﻛﺎن ﳜﻔﻲ إﺳﻼمه ‪.‬‬
‫ﻫﺬا؛ وإن مﺜﻞ ﻫﺬه اﳌﻮاﻗﻒ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﺧﺎﻟﺪة ﰲ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة إﱃ ﻗﻴّﺎم اﻟﺴﺎﻋة‪ ،‬ﺷﺎﻫﺪة‬
‫ﻋﻠﻰ أن اﻟعﺎﻗﺒة ﻟﻠمﺘﻘﲔ‪ ،‬وإن ﻃﺎﻟﺖ ﺻﻮﻟة اﻟﺒﺎﻃﻞ وأﻫﻠه‪.‬‬
‫ب‪.‬اﻟ ﱡﺪﻋﺎء ﻋﻠى اﻷﺣﺰاب‬
‫وﻗﺪ دﻋﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﻷﺣﺰاب ﺣﲔ ﻟّﺒﻮا ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺌصﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة؛ ﻗﺎدة وأتﺒﺎﻋﺎ ﰲ‬
‫ﻏﺰوة اﳋنﺪق‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺣﺸﺪوا ﻟﺬﻟﻚ ﻋ ّﺪة‪ ،‬وﻋﺪدا ﱂ ﻳعﻬﺪ من ذي ﻗﺒﻞ؛ ﻓﺎﺳﺘﺠﺎب ﷲ تعﺎﱃ ﻟه‪،‬‬
‫ﻓﻬﺰمﻬم‪ ،‬وردﻫم ﺧﺎﺋﺒﲔ‪ ،‬ﱂ ﳛﻘﻘﻮا ﻫﺪﻓﻬم اﻟﺬي جﺎؤوا من أجﻠه‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺎر ﻗﺮﻳﺶ ﺷﻴﺒة‪ ،‬وﻋﺘﺒة‪ ،‬واﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬وأﰊ جﻬﻞ ﺑن‬
‫اﻟنﺒﻮة ﻼك من دﻋﺎ ﻋﻠﻴﻬم اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻛمﺎ‬
‫اﻟﱰﲨة داﻟة ﺑﺪﻗة ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ ﻛﻴﺪ ّ‬
‫ﻫﺸﺎم‪ ،‬وﻫﻼﻛﻬم‪ ،(74/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3960 :‬و ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﺑﻜﻞ اﻹمﻜﺎ ت اﳌﺘﺎﺣة‪.‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة وﻫﻮ اﻟﺘصﺪي ﻷﻋﺪاء ّ‬
‫تﺸﲑ إﱃ مﻘصﺪ من مﻘﺎﺻﺪ ّ‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(352/1) ،‬‬
‫‪88‬‬
 ‫َﺣﺰ ِ‬ ‫ﻮل‪ :‬دﻋﺎ رﺳ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َﻋﻠَﻰ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮَم اﻷ ْ َ‬ ‫ﻓعن َﻋْﺒ َﺪ ا ﱠ ﺑْ َن أَِﰊ أ َْو َﰱ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ﻳﻊ اﳊِﺴ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اﳌُ ْﺸ ِﺮﻛ َ‬
‫‪1‬‬
‫اب‪ ،‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ ْاﻫ ِﺰْﻣ ُﻬ ْﻢ َوَزﻟْ ِﺰْﳍُ ْﻢ«‪.‬‬ ‫ﺎب‪ ،‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ ْاﻫ ِﺰم اﻷ ْ‬
‫َﺣ َﺰ َ‬ ‫ﱠ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟﻠ ُﻬ ﱠﻢ ُﻣ ْﻨ ِﺰ َل اﻟﻜﺘَﺎب‪َ ،‬ﺳ ِﺮ َ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫وﻗﺪ اﺳﺘﺠﺎب ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺪﻋﺎء نﺒﻴه‪ ،‬ﻓنصﺮ اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ورﱠد اﻟﻜﺎﻓﺮﻳن ﻋن ﺣصﺎر اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻫم‬
‫ﻳعﺎنﻮن آﻻم ﻏﻴﻈﻬم‪ ،‬إذ ﱂ ﻳنﺎﻟﻮا ﺧﲑاً من ﲪﻠﺘﻬم اﻟﻈﺎﳌة اﻵﲦة‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﲔ ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ ذﻟﻚ ﰲ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫َ َ َُ ْ َْ ْ َْ ََ ُ ْ َْ ٗ َ َ َ‬ ‫ﰲ ﻛﺘﺎﺑه اﻟﻜﺮﱘ ﺑﻘﻮﻟه‪ :‬ٱچ ٱ َو َرد ُ‬
‫ﷲ لمو ِمن ِ َ لقِتﺎل ۖ‬ ‫ِين كفروا بِغيظِ ِهم م نﺎ وا خ ا ۖ وك‬ ‫ﷲ‬
‫ٗ‬ ‫ً‬
‫ﷲ ﻗَ ِو ّﺎ َع ِز زاۖ ٱچ ]اﻷﺣﺰاب‪.2[25 :‬‬
‫ﺎن ُ‬
‫ك َ‬‫َ َ‬
‫و‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺪﻋﺎء نﺒﻴه تﺰﻳﺪ من إﳝﺎ م ﺑصﺪق اﻟﺮﺳﺎﻟة‬ ‫ّ‬ ‫وﻻ رﻳﺐ أن مﺸﺎﻫﺪة‬
‫واﻟﱠﺮﺳﻮل‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﲪﻠﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺒﺎت ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬واﻟﺪﻓﺎع ﻋنﻬﺎ‪ ،‬واﳌﻮت ﰲ ﺳﺒﻴﻞ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة وتﺒﻠﻴﻐﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ .3‬دﻟﻴﻞ اﳌﻌﺠﺰات اﻟﻨﱠﺒﻮﻳﺔ‬

‫صﻼة واﻟ ﱠﺴﻼم مﺎ أجﺮى ﷲ تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳه من اﳌعﺠﺰات واﳋﻮارق‪ ،‬اﻟﱵ‬ ‫نﺒﻮته ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠ‬
‫من دﻻﺋﻞ ّ‬
‫اﻟﱵ ﻻ تﻜﻮن إﻻ ﻟنﱯ؛ اﻟﻐﺮض منﻬﺎ اﻟﺘأﻳﻴﺪ اﻹﳍﻲ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‪.3‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن اﳊﻘﻴﻘﲔ واﳌﺮتﻘﺒﲔ‪ ،‬ونﻈﺮا‬
‫ّ‬ ‫وﻗﺪ ﺣﻔﻠﺖ اﳌﻐﺎزي ﺑﻜﺜﲑ منﻬﺎ‪ ،‬ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ من ﺣﻀﺮﻫﺎ من‬
‫ﻟﻀﻴق اﳌﻘﺎم‪ ،‬ﻓﺴﻮف أﻛﺘﻔﻲ ﻳﺮاد اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﻣﻌﺠﺰة ﺗﻜﺜﲑ اﻟﻄّﻌﺎم‬
‫من أمﺜﻠة تﻠﻚ اﳋﻮارق مﺎ ﺣصﻞ ﻳﻮم اﳋنﺪق من تﻜﺜﲑ اﻟﻄّعﺎم‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻛﻞ أﻫﻞ اﳋنﺪق ﲨﻴعﺎ‬
‫ﺣﱴ ﺷﺒعﻮا من وﻟﻴمة جﺎﺑﺮ اﻟﱵ ﻻ تﻜﻔﻲ إﻻ ﺑﻀعة نﻔﺮ‪ ،‬وﺑﻘﻲ اﻟﻄعﺎم‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﺰوجة‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ﺎﻋﺔٌ« ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﺰوجة جﺎﺑﺮ‪ُ » :‬ﻛﻠﻲ َﻫ َﺬا َوأ َْﻫﺪي‪ ،‬ﻓﺄن اﻟﻨﱠﺎس أ َ‬
‫َﺻﺎﺑَـ ْﺘـ ُﻬ ْﻢ َﳎَ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳋنﺪق‪ ،(111/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4115 :‬واﳊﺪﻳﺚ ﻓﻴه أﺑعﺎد دﻋﻮﻳة‬
‫أﺧﺮى أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ ﰲ‪ :‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺪﱡﻋﺎء ﻋﻠﻰ اﳌﺸﺮﻛﲔ ﳍﺰﳝة واﻟﺰﻟﺰﻟة‪ ،(44/4) ،‬ﻛﺘﺎب‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ ََ‬
‫نز ُ ۥ بِعِل ِمهِۦ‬ ‫اﻟﺪﻋﻮات‪ ،‬ب اﻟﺪﱡﻋﺎء ﻋﻠﻰ اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،(83/8) ،‬و ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱأنزل إِ ۖ‬
‫ك أ‬ ‫ّ‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ﺎﻟﱰﲨة اﻷوﱃ ﻓﻴﻬﺎ إﺷﺎرة إﱃ اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴة‪،‬‬ ‫ﺎﷲ ش ِهيداۖ ٱچ ]اﻟنﺴﺎء‪ ،(142/9) ،[165 :‬ﻓ ّ‬ ‫َوالم ِكة ش َهد َ ۖ‬
‫ون َوك ۪ ٰ بِ ِ‬
‫واﻟﺜﺎنﻴة اﻟﺪﱡﻋﺎء وﻫﻮ مﻀمﻮن دﻋﻮي ﻳعﱪ ﻋن ﺻﻠة اﻟﺪﱠاﻋﻴة ‪ ،‬واﻟﺜﺎﻟﺜة ﻓﻴﻬﺎ اﻹﺷﺎرة إﱃ ﺑعﺾ اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳة ﻛﺎﻹﳝﺎن‬
‫اﻟصﻔﺎت‪.‬‬‫ِ‬
‫ﳌﻼﺋﻜة وإثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وذﻛﺮ اﻷﲰﺎء و ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﺣﱴ اﻟعﻈم‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1412 ،5‬ﻫـ‪ 1992 ،‬م‪،‬‬ ‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﺻﺮاع مع اﳌﻼﺣﺪة ّ‬
‫ص‪.447‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪2012 ،‬م‪ ،‬ص‪.189‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت ﰲ رﻳخ ّ‬
‫‪89‬‬
‫ﻟنﺒﻮته‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺘﺎ ﻟﻘﻠﻮب أﺻﺤﺎﺑه ﺧﺎﺻة ﰲ‬ ‫وﻫﺬه من اﳌعﺠﺰات اﻟﺒﺎﻫﺮة اﻟﱵ أﻳّﺪه ﷲ ﺎ تصﺪﻳﻘﺎ ّ‬
‫ْ ََ‬ ‫ْ ٓ ُ ّ َ ُ‬
‫مﺜﻞ ﻇﺮوف ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب اﻟﱵ وﺻﻔﻬﺎ ﷲ تعﺎﱃ ﺑﻘﻮﻟه‪ :‬چ ٱ ذ َجﺎ ُءوكم مِن ف ْوﻗِك ْم َوم َِن سفل‬
‫حنَﺎج َر َو َ ُظن َ‬ ‫ُْ ُ ُ‬
‫وب ل ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫لظ ُنونَﺎچ ]اﻷﺣﺰاب‪.2[10:‬‬ ‫ون ب ِ ِ‬
‫ﺎﷲ‬ ‫ِ‬ ‫ت ﻻب ْ ٰ ُر َو َلغ ِ‬
‫ت لق‬ ‫مِنك ْ ۖم ذ َزاﻏ ِ‬
‫ب‪.‬ﻣﻌﺠﺰة ﻧَـ ْﺒﻊ اﳌﺎء‬
‫‪ ،‬ﻗﺎل‪ُ :‬ﻛﻨﱠﺎ َﻣ َﻊ اﻟﻨّﱯ‪‬‬ ‫من اﳋﻮارق اﻟﱵ ﺣصﻠﺖ ﰲ ﺑعﺾ اﻟﻐﺰوات تﻜﺜﲑ اﳌﺎء‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء‬
‫ﺎﻫﺎ ﻓَـﻠَ ْﻢ ﻧَـ ْﺘـ ُﺮ ْك ﻓِ َﻴﻬﺎ ﻗَﻄ َْﺮةً‪ ،‬ﻓَـﺒَـﻠَ َﻎ ذَﻟِ َ‬ ‫ِ‬
‫ﻚ اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻓَﺄَ َ َﻫﺎ‪،‬‬ ‫اﻟﻨّﱯ‪ ‬أ َْرﺑَ َﻊ ﻋَ ْﺸ َﺮَة ﻣﺎﺋَﺔً‪َ ،‬واﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّﺔ ﺑِْﺌـ ٌﺮ‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﺰ ْﺣﻨَ َ‬
‫ﻴﺪ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ﺎ‬ ‫ﺎﻫﺎ غَﻴـﺮ ﺑ ِﻌ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﺻﺒﱠﻪُ ﻓ َﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓَـﺘَـ َﺮْﻛﻨَ َ ْ َ َ‬ ‫ﺾ َو َد َﻋﺎ ﰒﱠ َ‬ ‫ﻀ َﻤ َ‬ ‫ﺿﺄَ‪ ،‬ﰒُﱠ َﻣ ْ‬ ‫َﻋﻠَى َﺷ ِﻔ ِﲑَﻫﺎ ﰒﱠ » َد َﻋﺎ ِِ َ ٍء ِﻣ ْﻦ َﻣ ٍﺎء ﻓَـﺘَـ َﻮ ﱠ‬
‫َﺻ َﺪ َرﺗْـﻨَﺎ َﻣﺎ ِﺷ ْﺌـﻨَﺎ َْﳓ ُﻦ َوِرَﻛﺎﺑَـﻨَﺎ«‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أْ‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﻫﻮ تﻜﺜﲑ اﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬تﻮﺿﺆ ِّ‬
‫اﻟﺮجﺎل‬ ‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن ﻋﻘﺐ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ‪" :‬ﻓﻴه ﻋﻠم من أﻋﻼم ّ‬
‫اﻟﺮجﺎل من ﻓﻀﻞ ﺑعﻀﻬم من ﺑعﺾ‪ ،‬ونﺒع اﳌﺎء من ﺑﲔ أﺻﺎﺑعه‪ ،‬وتﻜﺜﺮه‪ ،‬وتﻜﺜﲑ اﻟﻄعﺎم معﺠﺰات‬ ‫ِّ‬
‫‪4‬‬
‫وجﺪت ﰲ مﻮاﻃن ﳐﺘﻠﻔة وأﺣﻮال مﺘﻘﺎرﺑة ﺑﻠغ ﳎمﻮﻋﻬﺎ اﻟﺘﻮاتﺮ "‪.‬‬
‫ج‪ .‬ﻣﻌﺠﺰة إﺑﺮاء اﳌﺮﺿى‬
‫ومن اﳋﻮارق أﻳﻀﺎ ﻋﻼج ﺑعﺾ اﻷمﺮاض ﺑﻄﺮﻳﻘة ﻏﲑ معﺘﺎدة ﰲ اﻟﺘّﻄﺒﻴﺐ ﻳعﺠﺰ ﻋنﻬﺎ اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬ﻓمن‬
‫ْﺖ‬ ‫ﺿﺮﺑ ٍﺔ ِﰲ ﺳ ِ‬
‫ﺎق َﺳﻠَ َﻤﺔَ‪ ،‬ﻓَـ ُﻘﻠ ُ‬ ‫َ‬ ‫ﺖ أَﺛَـ َﺮ َ ْ َ‬ ‫ﻳﺪ ﺑْ ُن أَِﰊ ُﻋﺒَـْﻴ ٍﺪ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪َ :‬رأَﻳْ ُ‬ ‫صﺤﻴﺢ ﻋن ﻳَ ِﺰ ُ‬
‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﺖ‬
‫ﻴﺐ َﺳﻠَ َﻤﺔُ‪ ،‬ﻓَﺄَﺗَـ ْﻴ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َﺻﺎﺑَـ ْﺘ ِﲏ ﻳَـ ْﻮ َم َﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل اﻟﻨﱠﺎس‪ :‬أُﺻ َ‬ ‫ﺎل‪َ :‬ﻫ ِﺬﻩِ َ‬
‫ﺿ ْﺮﺑَﺔٌ أ َ‬ ‫َ أَ َ ُﻣ ْﺴﻠِ ٍﻢ‪َ ،‬ﻣﺎ َﻫ ِﺬﻩِ اﻟﻀ ْﱠﺮﺑَﺔُ؟ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎﻋ ِﺔ«‪.5‬‬ ‫ﺴَ‬ ‫ﺣﱴ اﻟ ﱠ‬ ‫ث ﻧَـ َﻔﺜَ ٍ‬
‫ﺎت‪ ،‬ﻓَ َﻤﺎ ا ْﺷﺘَ َﻜ ْﻴـﺘُـ َﻬﺎ ّ‬ ‫ﺚ ﻓِ ِﻴﻪ ﺛَﻼَ َ‬‫اﻟﻨّﱯ‪» ‬ﻓَـﻨَـ َﻔ َ‬
‫تﻜﺮرت اﳌعﺠﺰة مﺮة أﺧﺮى مع ﻋﻠﻲ ﰲ ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻜﻰ ﻋﻴنﻴه ﻓﺒصق ﻓﻴﻬمﺎ رﺳﻮل‬ ‫وﻗﺪ ّ‬
‫‪6‬‬
‫ﺣﱴ ﻛأ ْن ﱂ ﻳﻜن ﺑه وجع‪.‬‬
‫ﻓﻴﻬمﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ودﻋﺎ ﻟه‪ ،‬ﻓﱪأ ّ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ ﻗصة وﻟﻴمة جﺎﺑﺮ ﺑﻄﻮﳍﺎ‪ :‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(108/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.4102‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(179/17) ،‬‬
‫‪ - 3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴة‪ ،(122/5) ،‬رﻗم‪.4150 :‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(333/4) ،‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(133/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪. 4206:‬‬
‫‪6‬‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وأﻻ ﻳﺘخﺬ ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ أر من‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟنﱠﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم و ّ‬
‫اﻟﱰﲨة ﻋﻞ وجﺎز ﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻀمﺖ أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳة ﻛﺜﲑة‪ :‬ﻛمﻘصﺪ اﳉﻬﺎد اﻟعﺎم ومﻀﺎمﲔ‬ ‫دون ﷲ‪ ،(47/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2942 :‬و ّ‬
‫اﻟنﺒﻮة من ﻗﺒﻴﻞ ﻋﻄﻒ اﳋﺎص ﻋﻠﻰ اﻟعﺎم‪ ،‬وﲢﺮﻳﺮ اﻹنﺴﺎنﻴة من أﺷﻜﺎل اﻟعﺒﻮد ت اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬وإثﺒﺎت ّ‬
‫‪90‬‬
‫ﻓﺸﻔﺎء اﻟنّﱯ‪ ‬ذن ﷲ ﳌﺎ أﺻﺎب أﺻﺤﺎﺑه ﺑﻄﺮﻳﻘة ﻏﲑ معﺘﺎدة ﻟﻠﺒﺸﺮ من اﳌعﺠﺰات اﳊﺴﻴّة اﻟﱵ‬
‫أﻳﺪه ﷲ تعﺎﱃ ﺎ اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ ﺻﺪق نﺒﻮته‪.1‬‬
‫ﻋمﺎ ﻗﺪ‬
‫اﻟنﺒﻮة ﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻳﺮﻓع اﳌعنﻮ ت‪ ،‬وﻳﺸﺤﺬ ﳘم اﻷتﺒﺎع‪ ،‬وﻳﺴﻠﻴﻬم ّ‬ ‫واﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑصﺪق ّ‬
‫ﻳصﻴﺒﻬم من اﻷذى‪ ،‬وﻓﻘﺪ اﻷﺣﺒﺎب ﰲ اﳌعﺮﻛة‪ ،‬وﳝﻜن ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺪﱠﻋﻮي أن تﻜﻮن ﻟه أﺑعﺎد‬
‫دﻋﻮﻳّة ﺧﺎرجﻴّة ﳌن ﻳﺮاﻫﺎ من ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ‪.‬‬
‫‪ .4‬ﻣﻌﺠﺰة اﻟﻈﻬﻮر واﻻﻧﺘﺼﺎر‬
‫نﺒﻮة اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم نصﺮ ﷲ تعﺎﱃ ﳍم‪ ،‬وﺣﻔﻈﻬم وأتﺒﺎﻋﻬم من ﻛﻴﺪ‬
‫إن من ﻋﻼمﺎت ﺻﺪق ّ‬
‫اﻷﻋﺪاء مع ﻗﻠة ﻋﺪدﻫم‪ ،‬وﻋﺪ م وﻋﺘﺎدﻫم‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ذﻟﻚ ﰲ مﻮاﻃن ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ٱژ ]ﻏﺎﻓﺮ‪،[51 :‬‬ ‫ُ ُ َْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ني۪ﺎ َو َ ْو َم َ قوم ﻻش َ ٰد‬ ‫ام ُنوا ْ ل ْ َ‬
‫حيَ ٰو ِة‬ ‫ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ‪ :‬ٱژ ٱأنﺎ َ َن ُ ُ ُر ُسلَنَﺎ َوا َ‬
‫ِين َء َ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ََْ‬
‫ﷲ ﻗ ِوي َع ِز ۖ‪ٞ‬ز ژ ]ا ﺎدﻟة‪.[20:‬‬ ‫ﷲ ﻷﻏلِ َ أنﺎ َو ُرس ِ َ ۖ أن‬ ‫وﻗﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪:‬ٱژٱكتب‬
‫وأﻛﺪ ذﻟﻚ اﺑن تﻴمﻴّة ﺑعﺪ أن أورد ﲨﻠة من اﻟنصﻮص اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ ﻳﻴﺪ ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺮﺳﻠه‪ ،‬وأن‬
‫ذﻟﻚ دﻟﻴﻞ ﺻﺪق نﺒﻮا م وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ﻓﺈن ﺳنة ﷲ أن ﻳنصﺮ رﺳﻠه‪ ،‬واﻟﺬﻳن‬
‫ﻓمن ﻛﺎن ﻻ ﻳعﻠم مﺎ ﻳﻔعﻠه ﷲ‬
‫واﻟﺬﻳن آمنﻮا ﰲ اﳊﻴﺎة اﻟﺪﱡنﻴﺎ‪ ،‬وﻳﻮم ﻳﻘﻮم اﻷﺷﻬﺎد‪ ،‬وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻮاﻗع‪ْ ،‬‬
‫ومن ﻛﺎن ﻳعﻠم ذﻟﻚ ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺣﻜمﺘه‬‫ﷲ إﻻ ﻟعﺎدة ﻓﻬﺬه ﻋﺎدة ﷲ‪ ،‬وﺳنّﺘه ﻳعﺮف ﺎ مﺎ ﻳصنع‪ْ ،‬‬
‫اﻟنﺒﻮة وﻛﺬب ﻋﻠﻴه"‪.2‬‬
‫ﻓأنه ﻳعﻠم أنه ﻻ ﻳﺆﻳﺪ من ادﻋﻰ ّ‬
‫اﻟنﺒﻮة ؛ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱ‬
‫وﻗﺪ أثﺒﺖ اﻟﻮاﻗع ﻳﻴﺪ ﷲ تعﺎﱃ ﻟﺮﺳﻮﻟه ‪ ،‬وﻛﺎن ذﻟﻚ من آ ت‪ ،‬ودﻻﺋﻞ ّ‬
‫ِ َ ْ ٰ َ َ ‪ْ َ ْ َ َْ ْ َْ ْ ّ ُ َ ْ َ َ ٞ‬‬ ‫َ‪ُ َُ ٞ‬‬ ‫ََْ ْ َ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫َْ َ َ َ ُ‬
‫يل ﷲ و خ ۪ري كﺎ ِفرة ترو هم مِثلي ِهم رأي َ۬لع ِ‬ ‫ِ سِ ِ‬
‫َ‬ ‫ﺎن لك ُمۥٓ َءايّة ِ ِ ي ٔ ِ َقتَﺎ ِ ي ٔة ت ٰت ِل‬ ‫ژ ٱ ﻗد ك‬
‫َ‬ ‫َ َ َْٗ ْ‬ ‫َ ْ َ ُٓ‬ ‫َ ُ َُُّ َ ْ‬
‫ﻻب ْ ۪ ٰ ِ ڎژ ]آل ﻋمﺮان‪.[13 :‬‬ ‫واﷲ ي ۬و ِد بِن ِه ِۦ من شﺎء ۖ أن ِ ٰ ِك َ ِع ة و ِ‬
‫ﻗﺎل اﻟﺮازي ﰲ تعﻘﻴﺒه ﻋﻠﻰ اﻵﻳّة‪ ":‬واﻗعة ﺑﺪر ﻛﺎنﺖ ﻛﺎﻟﺪﻻﻟة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ؛ ﻷن اﻟﻜﺜﺮة‪ ،‬واﻟعﺪة‬
‫اﻟﺴﻼح من جﺎنﺐ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﰒﱠ إن ﷲ تعﺎﱃ ﻗﻬﺮ‬ ‫ﻛﺎنﺖ من جﺎنﺐ اﻟﻜﻔﺎر‪ ،‬واﻟﻘﻠّة‪ ،‬وﻋﺪم ّ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن تﻠﻚ اﻟﻐﻠﺒة ﻛﺎنﺖ ﺑﺘأﻳﻴﺪ ﷲ‪،‬‬
‫اﻟﻜﻔﺎر‪ ،‬وجعﻞ اﳌﺴﻠمﲔ مﻈﻔﺮﻳن منصﻮرﻳن‪ ،‬وذﻟﻚ ّ‬
‫ونصﺮه"‪.3‬‬

‫‪ -1‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(364/21) ،‬‬

‫‪2‬‬
‫ﺪل دﻳن اﳌﺴﻴﺢ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺴن‪ ،‬دار اﻟعﺎﺻمة‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪2 ،1419‬ﻫـ‪،‬‬ ‫‪ -‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﳉﻮاب اﻟصﺤﻴﺢ ﳌن ﺑ ّ‬
‫‪1999‬م‪.(410/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﷴ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﻓخﺮ اﻟﺪﻳن اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث‪ ،‬ط‪1420 ،3‬ه )‪.(156/7‬‬
‫‪91‬‬
‫وﻗﺪ أثﺒﺘﺖ مﻮاﻗﻒ‪ ،‬ووﻗﺎﺋع من اﳌﻐﺎزي ﻳﻴﺪ ﷲ تعﺎﱃ ﻟنﺒﻴه ‪ ،‬وﺻﺤﺒه اﻟﻜﺮام ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان‬
‫وانﺘصﺎرﻫم وﻇﻬﻮرﻫم ﻋﻠﻰ أﻋﺪاﺋﻬم؛ أذﻛﺮ منﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪.‬ﻇﻬﻮر اﻟ ّﺪﻳﻦ ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪ ‬ﺑعﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻷﻋﻈم‪ ،‬وأﻳﻘنﻮا أن وراء‬ ‫ﱠ‬
‫ﻗﺪ ﺑﺪا جﻠﻴﺎ ﻟﻜﺜﲑ من اﻟعﺮب ﺣﻮاﱄ مﻜة ﺻﺪق ّ‬
‫ﺖ‬‫صﺤﻴﺢ من ﺣﺪﻳﺚ ﻋمﺮو ﺑن ﺳﻠمة ﻗﻮﻟه‪َ :‬ﻛﺎﻧَ ِ‬ ‫وراء ﻫﺬا اﻻنﺘصﺎر ﻳﻴﺪ إﳍﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﱯﺻِ‬ ‫ِ‬
‫ب ﺗَـﻠَ ﱠﻮ ُم ِِ ْﺳﻼَﻣ ِﻬ ُﻢ اﻟ َﻔْﺘ َﺢ‪ ،‬ﻓَـﻴَـ ُﻘﻮﻟُﻮ َن‪ :‬اﺗْـ ُﺮُﻛﻮﻩُ َوﻗَـ ْﻮَﻣﻪُ‪ ،‬ﻓﺄﻧﻪ إِ ْن ﻇَ َﻬ َﺮ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﻓَـ ُﻬ َﻮ ﻧَِ ﱞ َ‬
‫‪1‬‬
‫ﺖ‬‫ﺎد ٌق‪ ،‬ﻓﻠ ﱠﻤﺎ َﻛﺎﻧَ ْ‬ ‫اﻟﻌ َﺮ ُ‬
‫َ‬
‫ْﻌﺔُ أَ ْﻫ ِﻞ اﻟ َﻔْﺘ ِﺢ‪َ َ ،‬د َر ُﻛ ﱡﻞ ﻗَـ ْﻮٍم ِِ ْﺳﻼَِﻣ ِﻬ ْﻢ‪َ ،‬وﺑَ َﺪ َر أَِﰊ ﻗَـ ْﻮِﻣﻲ ِِ ْﺳﻼَِﻣ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﻓﻠ ﱠﻤﺎ ﻗَ ِﺪ َم ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪ِ :‬ﺟ ْﺌـﺘُ ُﻜ ْﻢ َوا ﱠِ ِﻣ ْﻦ‬ ‫َوﻗـ َ‬
‫ِﻋ ْﻨ ِﺪ اﻟﻨّﱯ‪َ ‬ﺣﻘﺎ‪.2‬‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪ ‬نﺘصﺎره ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓأﺳﻠمﻮا‬
‫واﻟﺸﺎﻫﺪ من اﳊﺪﻳﺚ أن اﻟﻘﻮم اﺳﺘﺪﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺻﺪق ّ‬
‫واﺳﺘﺠﺎﺑﻮا ﻟﺪﻋﻮته‪ ،‬وﺧﻀعﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﻟﻺﺳﻼم ﻃﻮﻋﺎ أو ﻛﺮﻫﺎ‪ ،‬وأﻗﺒﻞ اﻟعﺮب ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم إﻗﺒﺎﻻ ﱂ‬
‫ﱂ ﻳعﺮف ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬وﺻﺎروا ﻳﺪﺧﻠﻮن ﰲ دﻳن ﷲ أﻓﻮاجﺎ‪.3‬‬
‫ب‪.‬ﻇﻬﻮر اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻳﻮم ﺣﻨﲔ‬
‫ِ ِ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻋن اﻟﺒَـَﺮاء َرﺿ َﻲ ا ﱠُ‬‫ومن ﻳﻴﺪ ﷲ تعﺎﱃ ﻟنﺒﻴه‪‬مﺎ ﺣصﻞ ﻟه ﻳﻮم ﺣنﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﲔ؟ ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻻَ‪َ ،‬وا ﱠِ َمﺎ َوﱠﱃ اﻟنّﱯ‪َ ،‬وﻟَﻜِ ْن َوﱠﱃ‬ ‫ﺎل ﻟَهُ ر ُجﻞ‪ َ :‬أَ َ ُﻋمﺎرَة وﻟﱠْﻴـﺘُم ﻳَـ ْﻮَم ُﺣنَـ ْ ٍ‬
‫ََ َ ْ‬ ‫ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َ َ ٌ‬
‫ث‬‫وﱠﱃ ﺳﺮﻋﺎ ُن اﻟنﱠﺎس‪ ،‬ﻓَـﻠَ ِﻘﻴـﻬم ﻫﻮا ِز ُن ِ ﻟنـﱠﺒ ِﻞ‪ ،‬واﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠَﻰ ﺑـ ْﻐﻠَﺘِ ِه اﻟﺒـﻴﻀ ِﺎء‪ ،‬وأَﺑﻮ ﺳ ْﻔﻴﺎن ﺑن اﳊﺎ ِر ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫َْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُْ ََ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ﺐ«‪.4‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‪ ،‬أَ َ اﺑْ ُﻦ َﻋ ْﺒﺪ اﳌُﻄﱠﻠ ْ‬ ‫ﻮل‪» :‬أَ َ اﻟﻨّﱯ ﻻَ َﻛ ِﺬ ْ‬ ‫آﺧ ٌﺬ ﺑِﻠِ َﺠ ِﺎم َﻬﺎ‪َ ،‬واﻟنّﱯ‪ ‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ِ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﻴﱯ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ مﱪزا ﻳﻴﺪ ﷲ تعﺎﱃ ﻟنﺒﻴه ﰲ ﻫﺬه اﻟﻮاﻗعة‪ ":‬ﻓﻴه معﺠﺰ ن‬
‫ﻇﺎﻫﺮ ن ﻟﺮﺳﻮل ﷲ‪ ‬إﺣﺪاﳘﺎ ﻓعﻠﻴّة واﻷﺧﺮى ﺧﱪﻳّة‪ ،‬وﻫﻮ أنه‪ :‬أﺧﱪ ﺰﳝﺘﻬم‪ ،‬ورمﺎﻫم ﳊصﻴﺎت‬
‫‪1‬‬
‫ﳊصﻴﺎت ﻓﻮﻟﻮا مﺪﺑﺮﻳن‪".‬‬

‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫‪ -‬ﺗَـﻠَ ﱠﻮ ُم‪ :‬ﻗﺎل اﺑن اﻷثﲑ‪ ":‬أي تَـْنـﺘَﻈﺮ‪ ،‬أراد تَـﺘَـﻠَ ﱠﻮم‪ ،‬ﻓﺤﺬف ْ‬
‫إﺣﺪى اﻟﺘﱠﺎءﻳْن ﲣﻔﻴﻔﺎً "‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳة‪.(569/4) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﻘﺎم اﻟنّﱯ‪ ‬ﲟ ﱠﻜة زمن اﻟﻔﺘﺢ‪ ،(150/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4302 :‬‬
‫‪ -3‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﻟنﺪوي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،‬دار اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1425 ،12‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.462‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﱰﲨة‬
‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺑﻐﻠة اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟﺒﻴﻀﺎء‪ ،(32/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2874:‬ومن ﻓﻘه ّ‬
‫ﺑﻴﺎن اﻟﻈﻬﻮر واﻻنﺘصﺎر من ﺧﻼل اﻟﺮﻛﻮب ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻐﻠة اﻟﺒﻴﻀﺎء‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﳌﻮﻗﻒ ﻋنصﺮﻳن من ﻋنﺎﺻﺮ اﻹﻋﻼم‪ :‬اﻟعﻠﻮ واﻟﻠﻮن‪.‬‬
‫‪ -1‬اﳊﺴﲔ ﺑن ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﻄﻴﱯ‪ ،‬ﺷﺮح اﳌﺸﻜﺎة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﻫنﺪاوي مﻜﺘﺒة نﺰار مصﻄﻔﻰ اﻟﺒﺎز‪ ،‬م ﱠﻜة اﳌﻜﺮمة‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪،‬‬

‫‪ 1417 ،‬ﻫـ‪ 1997 ،‬م‪ ،(3769/12) ،‬ﻗﺪ وردت ز دة ﻋنﺪ مﺴﻠم ﻓﻴﻬﺎ رمﻲ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﻠمﺸﺮﻛﲔ ﳊصﻴﺎت‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ‬
‫مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺣنﲔ‪.(1398/3) ،‬‬
‫‪92‬‬
‫اﻟنﺒﻮة‪،‬‬
‫اﻟنﺒﻮة ﰲ اﻟﻐﺰوات تﺴﺘﻬﺪف ﻋﺪة أﺑعﺎد‪ ،‬أﳘﻬﺎ اﻟﺘأﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺻﺪق ّ‬
‫ومن ﰒﱠ ﻳﺘﻀﺢ أن دﻻﺋﻞ ّ‬
‫وﺑﻴﺎن ﻳﻴﺪ ﷲ تعﺎﱃ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة ﻟﻜﻮ ﺎ دﻋﻮة ﺣق؛ ﳑﺎ ﻳﺸﺤﺬ ﻓعﺎﻟﻴّة اﻷتﺒﺎع ﰲ اﻻجﺘﻬﺎد ﰲ ﺑﺬل‬
‫أﺳﺒﺎب اﻟنﱠصﺮ واﻟﺘمﻜﲔ ﳍﺎ من ﺧﻼل اﳉﻬﺎد‪ ،‬وﻏﲑه من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‪.‬‬
‫نﺒﻮة اﻟنّﱯ‪ ،‬وتنﻮع أﺳﺎﻟﻴﺐ‪،‬‬
‫وﰲ ﺎﻳّة ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﻳﺘﺒﲔ ﺑﻮﺿﻮح تعﺪد اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻹثﺒﺎت ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن؛ ذﻟﻚ أ ﺎ من ﺻمﻴم اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي اﳌﺘعﻠق ﳌﻀمﻮن‬
‫ّ‬ ‫ووﺳﺎﺋﻞ تﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ نﻔﻮس‬
‫اﻟﺮﺳﺎﱄ اﻟعﻘﺪي اﻟﺬي ﲢﺮك معه‪ ،‬وﺻﺎﺣﺒه ﰲ ﲨﻴع اﳌﻴﺎدﻳن ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ .‬‬

‫وﻗﺪ اﺳﺘﻄعﺖ أن أﲨﻞ ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد ﰲ ثﻼثة ﳏﺎور مﺘﻜﺎمﻠة‪ :‬ﳏﻮر إثﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﳏﻮر‪‬إﺑﺮاز‬
‫اﻟنﺒﻮة‪.‬‬
‫اﻟﺒعﺪ اﻟﺒﺸﺮي ﻟﻠنﱯ ‪ ،‬وﳏﻮر‪‬دﻻﺋﻞ ّ‬

‫ﺛﺒﻮت ﺻﺪق‬ ‫ﺑﺸﺮ ﺳﻮي‪ +‬دﻻﺋﻞ‬

‫وﻣﻌﺠﺰات‬
‫اﻟﻨﺒﻮة‬

‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻐﻴﺒﻴﺎت‬

‫ﻳعﺪ اﻹﳝﺎن ﻟﻐﻴﺒﻴﺎت من أﺻﻮل اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﱵ ّﻗﺮرﻫﺎ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ومن مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن منﺬ ﺑﺪء اﻟﻮﺣﻲ إﱃ‬
‫ّ‬ ‫اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﱵ دﻋﺎ إﻟﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ،‬وﺣﺮص ﻋﻠﻰ تﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ﰲ نﻔﻮس‬
‫اﻛﺘمﺎﻟه ﻟﺘﺤﺎﻗه ﻟﺮﻓﻴق اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة من أﻫم ﳎﺎﻻت اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬جﺎء ﻫﺬا‬
‫اﳌﻄﻠﺐ ﻟﻴﺒﺤﺚ مﺪى ﺣﻀﻮر ﻫﺬا اﻷﺻﻞ اﻟعﻘﺪي ﻓﻴﻬﺎ؛ مﱪزا أﻫم أﺑعﺎده اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫واﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻄﺮح نﻔﺴه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق‪ ،‬مﺎ مﺪى ﺣﻀﻮر اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﳝﺎن ﻟﻐﻴﺒﻴﺎت ﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي؟ ومﺎ أﻫم ﺻﻮر ﻫﺬه اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت؟ ومﺎ اﳌﺴﻠﻚ اﳌنﺘﻬج ﰲ ﻃﺮﺣﻬﺎ‪ ،‬واﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﻠﻴﻬﺎ؟‬

‫‪93‬‬
‫ﺻﻮر من اﻟﻐﻴﺒﻴّﺎت اﻟﻮاردة ﰲ مﺮو ت مﻐﺎزي‬
‫اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ّ‬
‫وﻟﻺجﺎﺑة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻹﺷﻜﺎل ﺳﻮف ﻳﺘ ﱡم ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟ ﱠ‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻨﺒﻮات واﻷﻣﻢ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‬
‫من اﻟﻐﻴﺒﻴّﺎت اﻟﱵ ﳚﺐ ﻋﻠﻰ اﳌﺆمن اﻟﺘّصﺪﻳق ﺎ اﻟنﱡﺒﻮات اﻟ ﱠﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺎ من اﳉﺰﺋﻴّﺎت اﻟﱵ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﱵ ﻇﻞ اﻟنّﱯ ‪ ‬ﻳﺪﻋﻮ‬‫أﺧﱪ ﺎ اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ إذن من مﻀﺎمﲔ ّ‬
‫إﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳة؛ ﻓﻘﺪ‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﺷﻐﻠﺖ ﺣﻴﺰا ﻟﻴﺲ ﻟﻘﻠﻴﻞ من ّ‬
‫تﻀمنﺖ مﺮو ﺎ ﲨﻠة من اﻟﻘﻀﺎ اﳌﺘعﻠﻘة ﺬا اﳌﻀمﻮن اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﱵ ﺳﻮف أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ‬
‫اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫ﺴﻼم‬ ‫‪ .1‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟ ﱠ‬
‫ﻗﺪ أﻓﺎض اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬واﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ورد ذﻛﺮﻫم تﻔصﻴﻼ‬
‫ﻳﺪل‬
‫وإﲨﺎﻻ‪ ،‬ﻓﻼ تﻜﺎد ﲣﻠﻮ ﺳﻮرة من ﺳﻮره من ذﻛﺮﻫم‪ ،‬وﻗﺪ جﺎء ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﳑﺎ ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي اﻟﺒنَﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﻳﻘﺮر اﻹﳝﺎن ﻟﺮﺳﻞ ﰲ نﻔﻮس ّ‬

‫وﱂ ﲣﻞ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي من اﻟﺘّعﺮض ﳍﺬا اﳌﺒﺤﺚ اﻟعﻘﺪي‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺑﺮز ذﻟﻚ ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة منﻬﺎ‪،‬‬
‫صﺎ ِر‪َ :‬مﺎ أ ََر َاد ِ َﺎ َو ْجهَ ا ﱠِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ﻓعن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ ﻗَﺴم اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗِﺴمةَ ُﺣنَـ ْ ٍ‬
‫ﲔ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪َ :‬ر ُج ٌﻞ م َن اﻷَنْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬
‫ي َِ ْﻛﺜَـ َﺮ ِﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا‬ ‫ِ‬
‫ﻮﺳى‪ ،‬ﻟََﻘ ْﺪ أُوذ َ‬
‫ِ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ر ْﲪَﺔُ ا ﱠ َﻋﻠَى ُﻣ َ‬ ‫َﺧﺒَـْﺮتُهُ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﻐَﻴﱠـَﺮ َو ْج ُﻬهُ ﰒﱠ ﻗَ َ‬ ‫ﻓَأَتَـْﻴ ُ‬
‫ﺖ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓَأ ْ‬
‫ﺼﺒَـ َﺮ«‪.1‬‬
‫ﻓَ َ‬
‫ﻓﻔﻲ ذﻛﺮ ﻗصة مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﺑُعﺪ دﻋﻮي ﻋﻈﻴم‪ ،‬ﻳﺘعﻠق ﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﱵ‬
‫ﺣﱴ ﻳصﱪ‬
‫ﻟﻴعﻠَم اﻟﺪﱠاﻋﻴة أن ﻃﺮﻳق اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳏﻔﻮف ﻟﺒﻼء ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮات‪ّ ،‬‬
‫تﻮاجه ﻗﺎدة اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ﻳصﱪ ﻛمﺎ ﺻﱪوا ﻋﻠﻰ مﺎ ﻳنﺎﻟه من اﻷذى‪ ،‬ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘمﻜﲔ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(159/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4336:‬وﻗﺪ ﺧﺮجه اﻟﺒخﺎري ﰲ مﻮاﻃن‬
‫ﻛﺜﲑة ﻟعﻞ أﻗﺮ ﺎ إﱃ ﺑعﺪ اﻹﳝﺎن‪ ،‬ﻛﺘﺎب أﺣﺎدﻳﺚ اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ اﳋﻀﺮ مع مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻬمﺎ اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،(157/4) ،‬وﻛﺘﺎب‬
‫اﻷدب‪ ،‬ب اﻟصﱪ ﻋﻠﻰ اﻷذى‪ ،(25/8) ،‬وﻛأن اﳌﻮﺿع اﻷول تﻘﺮﻳﺮ ﻟﻸﺻﻞ اﻟعﻘﺪي واﻟﺜﺎﱐ ﺑﻴﺎن ﻟﺒعﺾ آ ره اﻟﺴﻠﻮﻛﻴة اﻟﱵ‬
‫ﳛﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ اﳌﺆمن داﻋﻴة ومﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.784‬‬
‫‪94‬‬
‫وﰲ ذﻛﺮ ﻗصة مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم ﻟ ْﻔﺖ ﻟنﻈﺮ اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن؛ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة من رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻟﻀﺎرب ﰲ رﻳخ اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ وﺣﺪة أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮات اﻟ ّﺪﻳنﻴّة‪ ،‬واﻟ ﱡﺴنَن اﻟﱵ‬
‫ﲢﻜمﻬﺎ‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺗﺒﺎع اﻟﺮﺳﻞ‬
‫وﻛمﺎ جﺎء اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷنﺒﻴﺎء واﳌﺮﺳﻠﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ورد ذ ْﻛﺮ أتﺒﺎﻋﻬم من اﳌﺆمنﲔ واﻟﻘﺮآن ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ‬
‫ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﻟﻴﻬم ﰲ مﻮاﻃن ﻛﺜﲑة منه‪.‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق وردت مﻮاﻗﻒ ﰲ اﻟﻐﺰوات تﱪز تﻠﻚ اﻟعﻼﻗة اﻟﺮاﺋعة ﺑﲔ اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم‬
‫وأتﺒﺎﻋﻬم‪.‬‬
‫ﳏمﺪ ‪ِ ‬ﳑ ْﱠن‬ ‫ﺎب ّ‬ ‫َﺻ َﺤ ُ‬ ‫ﻮل‪َ :‬ﺣ ﱠﺪثَِﲏ أ ْ‬ ‫صﺤﻴﺢ ﻋن اﻟﺒَـَﺮاءَ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ث ِﻣﺎﺋَ ٍﺔ«‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺸ َﺮ َوﺛَﻼَ َ‬ ‫ﱠﻬ َﺮ‪ ،‬ﺑِ ْ‬
‫ﻀ َﻌ َﺔ َﻋ َ‬ ‫ﺎزوا َﻣ َﻌﻪُ اﻟﻨـ َ‬
‫ﻳﻦ َﺟ ُ‬ ‫ﺎب ﻃَﺎﻟُ َ ﱠ ِ‬
‫ﻮت‪ ،‬اﻟﺬ َ‬ ‫َﺻ َﺤ ِ‬‫ﱠن َﺷ ِﻬ َﺪ ﺑَ ْﺪ ًرا‪» :‬أ ْﻢ َﻛﺎﻧُﻮا ﻋ ﱠﺪ َة أ ْ‬ ‫ﳑْ‬
‫ﻗَ َﺎل اﻟﺒَـ َﺮاءُ‪» :‬ﻻَ َوا ﱠِ َﻣﺎ َﺟ َﺎوَز َﻣ َﻌﻪُ اﻟﻨـ َﱠﻬ َﺮ إِﱠﻻ ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ«‪.1‬‬
‫وﻓﻘﺪ دﻟّﺖ اﻟﺮواﻳّة ﻋﻞ اﻟﻔﻘه اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻠصﺤﺎﺑة من ﺧﻼل مﻘﺎرنﺘﻬم ﻷﻫﻞ ﺑﺪر مع أﺻﺤﺎب‬
‫ﻃﺎﻟﻮت‪ ،‬و ﻛﻴﺪ اﻟﱪاء ﻋﻠﻰ أﻫم أوجه اﻟﺸﺒه‪ ،‬وﻫﻮ اﻹﳝﺎن؛ ﻋﺘﺒﺎره من أﻋﻈم ﻋﻮامﻞ اﻟنﱠصﺮ‪،‬‬
‫واﻟﺜﺒﺎت ﰲ اﻟﺸﺪاﺋﺪ‪ ،‬واﻷزمﺎت‪.‬‬
‫وﻻ ﻳﺴﺘﻐﺮب ﻫﺬا اﻟﻔﻘه اﻟعمﻴق ﻟﻠﻐﺰوات من مﺜﻞ اﻟﱪاء‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲨع ﺑﲔ اﻟﻔﻘه‪ ،‬وﻛﺜﺮة اﻟﺮواﻳة‪ ،‬وﺷﻬﻮد‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﺬﻫﱯ ﻋنه‪ ":‬اﻟﻔﻘﻴه اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋمﺎرة اﻷنصﺎري‪ ،‬اﳊﺎرثﻲ‪ ،‬اﳌﺪﱐ نﺰﻳﻞ اﻟﻜﻮﻓة‪ ،‬من‬
‫أﻋﻴﺎن اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬روى ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻛﺜﲑا‪ ،‬وﺷﻬﺪ ﻏﺰوات ﻛﺜﲑة"‪.1‬‬
‫صﺤﺎﺑة رﺿﻲ ﷲ ﻋن ﻫم؛ ﳑﺎ جعﻠﻬم ﻳﺴﺘمﺮون ﻋﻠﻰ‬ ‫ومن ﰒﱠ ﻳﺘﺒﲔ اﻟﻮﻋﻲ اﻟ ﱠﺴنﲏ اﳌﺒ ّﻜﺮ ﻋنﺪ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﻔعﱠﺎﻟﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﺑعﺪ وﻓﺎة اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻳنﻘﻠﻮ ﺎ ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﺘﻮرﻳﺚ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﻔعﻠﻲ واﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻲ إﱃ من‬
‫ﰐ من ﺑعﺪﻫم من اﻟﺪﱡﻋﺎة‪.‬‬
‫ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎنﺖ دﻋﻮ م أﻗﺮب اﻟ ّﺪﻋﻮات إﱃ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ااﻟنﱠمﻮذجﻴة‪ ،‬ﻟﻘﺮب ﻋﻬﺪﻫﺎ ﺎ؛ ﳑﺎ جعﻠﻬﺎ‬
‫تصﻄﺒغ ﺑصﺒﻐﺘﻬﺎ‪ ،‬وتنﻬﻞ من ﺧصﺎﺋصﻬﺎ‪ ،‬وﳑﻴﺰا ﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻋﺪة أﺻﺤﺎب ﺑﺪر‪ ،73/5 ،‬ﺑﺮﻗم‪.3955:‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(195/3) ،‬‬

‫‪95‬‬
 ‫‪.3‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻜﺬﺑﲔ ﻟﺮﺳﻞ‬
‫ﻗﺪ أٌﺷﲑ إﱃ اﳌﻜﺬﺑﲔ من اﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة ﰲ مﻮاﻗﻒ ﳐﺘﻠﻔة من اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ مﺮو ﺎ‬
‫صﺤﻴﺤة‪.‬‬‫اﻟ ﱠ‬
‫ت ِﻟ ﱠ‬
‫ﺼﺒَﺎ‪،‬‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻧُ ِ‬
‫ﺼ ْﺮ ُ‬ ‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ ﺧﺮجه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﻋن اﺑْ ِن َﻋﺒﱠ ٍ‬
‫ﺎس‪ :‬أن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗَ َ‬
‫َوأُ ْﻫﻠِ َﻜ ْ‬
‫ﺖ َﻋﺎ ٌد ِ ﻟ ﱠﺪﺑُﻮِر«‪.1‬‬
‫وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،‬إذ نصﺮ ﷲ تعﺎﱃ اﳌﺆمنﲔ ﻟﺮﻳﺢ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎرت إﱃ ذﻟﻚ ﺳﻮرة‬
‫ٗ ُُ ٗ َ َ‬ ‫ْ َ ٓ ْ ُ ُ ُ ‪َ َ َْ َ ََ ٞ‬‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬چٱ إِذ جﺎ َءتك ْم جنود فﺄ ْرسلنﺎ عليْ ِه ْم ِر حﺎ َوجنودا ل ْم ت َر ْوهﺎ چ ]اﻷﺣﺰاب‪.[09:‬‬ ‫اﻷﺣﺰاب‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫اﳊﺠﺮ‪ ،1‬ﻓعن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِن‬ ‫ومن اﻷمم اﳌﻜﺬﺑة اﻟﱵ ورد ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳق إﱃ ﻏﺰوة تﺒﻮك أﺻﺤﺎب ّ‬
‫ﲔ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻻَ ﺗَ ْﺪ ُﺧﻠُﻮا َﻋﻠَى َﻫ ُﺆﻻَء اﳌَُﻌ ﱠﺬﺑِ َ‬
‫ﲔ إِﱠﻻ أَ ْن ﺗَ ُﻜﻮﻧُﻮا َ ﻛ َ‬ ‫ﻋُ َمَﺮ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ :‬أن َر ُﺳ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﲔ ﻓَﻼَ ﺗَ ْﺪ ُﺧﻠُﻮا َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﻻَ ﻳُﺼﻴﺒُ ُﻜ ْﻢ َﻣﺎ أ َ‬
‫َﺻﺎﺑَـ ُﻬ ْﻢ«‪.2‬‬ ‫ﻓﺄن َﱂْ ﺗَ ُﻜﻮﻧُﻮا َ ﻛ َ‬
‫ر اﻟﻈﺎﳌﲔ‪ ،‬وﲟﺎ أﺻﺎ م‪ ،‬ﻳﺒعﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘّﻔﻜﲑ‪،‬‬ ‫وﻫﺬا مﻴﺪان من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺎﳌﺮور‬
‫واﻻﻋﺘﺒﺎر وإﻇﻬﺎر اﻻﻓﺘﻘﺎر إﱃ ﷲ تعﺎﱃ‪.3‬‬
‫ﻓعﻠﻰ اﻟﺪﱠاﻋﻴة أن ﻳﺴﺘﻐﻞ مﺜﻞ ﻫﺬه اﳌﻮاﻃن ﻟﻠﻮﻋﻆ‪ ،‬واﻟﺘﺬﻛﲑ‪ ،‬مﻮﻇﻔﺎ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ واﳌنﺎﻫج اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‬
‫اﳌنﺎﺳﺒة ﻟﻜﻞ مﻘﺎم‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﻗﺪ تﻀمنﺖ اﻹﺷﺎرة إﱃ مﻀمﻮن ﻋﻘﺪي ﻏﻴﱯ‬ ‫وﳎمﻞ اﻟﻘﻮل؛أن مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻳﺘعﻠق ﻟنﺒﻮات اﻟﺴﺎﺑﻘة من ﺧﻼل ذﻛﺮ اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬واﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬واﳌﻜﺬﺑﲔ ﺎ‬
‫ﻟﺘأﻛﻴﺪ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة أﳘﻬﺎ تﺸﺎﺑه اﻟ ّﺪﻋﻮات ﰲ أﺻﻮﳍﺎ‪ ،‬وأﺑعﺎدﻫﺎ اﻟ ﱠﺴننﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب وﻫﻲ اﳋنﺪق‪ ،109/5 ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1035 :‬اﻟﺼﺒﺎ‪ :‬اﻟﺮﻳﺢ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‬
‫ّ‬ ‫اﻟﺸﺮﻗﻴة‪ ،‬اﻟﺪﺑﻮر‪ :‬اﻟﺮﻳﺢ اﻟﻐﺮﺑﻴة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،(232/21) ،‬وﻓﻴه ﻟﻔﺖ أنﻈﺎر‬
‫ﻟﻠﺘأمﻞ اﻟﻜﻮﱐ‪ ،‬اﻟﺬي من ﺷأنه أن ﻳﺬﻛﺮ ﺑعﻈمة ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬وﻳﺪر م ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﺮ ﰲ ﳐﻠﻮﻗﺎته‪ ،‬وﻫﺬا ﺑعﺪ ﻗﻞ اﻻﻫﺘمﺎم ﺑه رﻏم‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺜﺮة اﻵ ت اﻟﻜﻮنﻴة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﻬﻲ تﻔﻮق آ ت اﻷﺣﻜﺎم واﻷﺧﻼق ﺑﻜﺜﲑ‪ ،‬ﻓﻀﻼ ﻋمﺎ ورد ﰲ‬ ‫أﳘﻴﺘه اﻟﱵ ّ‬
‫اﻟﺴنة من ذﻟﻚ‪ ،‬وتﺘأﻛﺪ أﳘﻴﺘﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰمﺎن اﻟﺬي تﻄﻮرت ﻓﻴه اﻟعﻠﻮم اﻟﻜﻮنﻴة اﻷﻓﻘﻴة واﻟنﻔﺴﻴة؛ ﻹﺑﺮاز أﺑعﺎد اﻹﻋﺠﺎز اﻟعﻠمﻲ‬
‫اﳌخﺘﻠﻔة‬
‫‪ -1‬اﳊﺠﺮ‪ :‬اﺳم د ر ﲦﻮد ﺑﻮادي اﻟﻘﺮى ﺑﲔ اﳌﺪﻳنة واﻟﺸﺎم‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻗﻮت اﳊمﻮي‪ ،‬معﺠم اﻟﺒﻠﺪان‪.(221/2) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب نﺰول اﻟنّﱯ‪ ‬اﳊﺠﺮ‪ ،(7/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4158 :‬‬
‫‪ -3‬ﺳعﺪ اﳌﺮﺻﻔﻲ‪ ،‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ ﻟﻠﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪.(359/2) ،‬‬
‫‪96‬‬
‫وﰲ ذﻟﻚ إﺷﺎرة إﱃ أﳘﻴّة اﻻﻋﺘنﺎء ﺑﺘﺎرﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة منه ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻹﺳﻼمﻲ ﻟﻜﺜﺮة‬
‫اﻟﻘﻮاﺳم اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺸﱰﻛة ﺑﲔ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ومﺎ ﺳﺒﻘﻬﺎ من اﻟ ّﺪﻋﻮات اﻟ ّﺪﻳنﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ‬
‫ﻳعﺪ اﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ من اﻷﺻﻮل اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟعﻘﺪﻳّة اﻟﱵ ﺷﻬﺪت ﺣﻀﻮرا مﻜﺜﻔﺎ ﰲ اﳋﻄﺎب اﻟ ﱠﺪﻋﻮي‬
‫اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ ﲨﻴع اﳌﻴﺎدﻳن‪ ،‬ومن ذﻟﻚ ﳎﺎل اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻷﳘﻴّة ﻫﺬا اﻷﺻﻞ ﰲ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬واﻟﻔعﱠﺎﻟﻴّة‬
‫تنﻮﻋﺖ أﺷﻜﺎل‪ ،‬وﻃﺮق ﻋﺮﺿه أثنﺎء اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓﻘﺪ ذﻛﺮت أﺣﺎدﻳﺚ اﳌﻐﺎزي ﺑعﺾ‬ ‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ّ‬
‫اﻷﺻﻮل اﻟعﻘﺪﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎ ﺎ مع اﻹﺷﺎرة إﱃ أﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳊﻴﺎة اﻟﱪزﺧﻴّﺔ‬
‫تعﺪ اﳊﻴﺎة اﻟﱪزﺧﻴّة ﺑﺪاﻳة اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺣﻴﺎة اﻟعﺒﺪ ﰲ ﻗﱪه من اﳌﻮت إﱃ اﻟﺒعﺚ؛ ﻳﺘعﺮض ﻓﻴﻬﺎ إﱃ‬
‫ٌ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوم ِْن و َرآ ِ ِهم ب َ ْر َزخ‬ ‫دل اﻟﻘﺮآن واﻟ ﱡﺴنﱠة ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﳊﻴﺎة‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫إﱃ ﻋﺬاب اﻟﻘﱪ ونعﻴمه‪ ،‬وﻗﺪ ّ‬
‫‪1‬‬ ‫َْ َُُْ َ‬ ‫َ‬
‫ون چٱ]اﳌﺆمنﻮن‪ ،[101:‬ذﻛﺮ اﳌﻔﺴﺮون‪ :‬أن اﻟﱪزخ مﺎ ﺑﲔ اﻟﺪﱡنﻴﺎ واﻵﺧﺮة‪.‬‬ ‫ٰ يو ِم بعث ۖ‬
‫وﻟﻸﳘﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳍﺬا اﻷﺻﻞ اﻟعﻘﺪي‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﺣﺎﺿﺮا ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ‬
‫صﺤﻴﺤة‪.‬‬ ‫اﳌﻐﺎزي من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ ﻓﻘﺪ ورد ذﻛﺮه ﰲ ﺑعﺾ مﺮو ﺎ اﻟ ﱠ‬
‫ﻀ ٍع‬‫ﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ َﻛﺎ َن ﻳَـ ْﻮُم ﺑَ ْﺪ ٍر أ ََمَﺮ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﺑِﺒِ ْ‬ ‫ﻓمن تﻠﻚ اﳌﻮاﻗﻒ مﺎ جﺎءت ﺑه رواﻳّة أَِﰊ ﻃَْﻠ َﺤةَ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫اﺣﻠَﺘِ ِه ﻓَ ُﺸ ﱠﺪ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ َر ْﺣﻠُ َﻬﺎ ﰒﱠ‬ ‫ﺚ أَمﺮ ﺑِﺮ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻳن ﻓَﻄُﺮ ُﺣﻮا ﰲ ﻃًُﻮى م ْن أَﻃْ َﻮاء ﺑَ ْﺪر‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ َﻛﺎ َن ﻳـَ ْﻮُم اﻟﺜﱠﺎﻟ َ َ َ‬ ‫َوﻋ ْﺸ ِﺮ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ﻓُ َﻼ ُن اﺑْ ُن‬ ‫َي ﻓُ َﻼ ُن اﺑْ ُن ﻓُ َﻼن‪ ،‬أ ْ‬ ‫ﻒ َﻋﻠَﻰ َﺷﻔ ِﲑ اﻟْﺒِْﺌ ِﺮ‪ ،‬ﻓَ َﺠ َع َﻞ ﻳُ َﺴ ّمﻴ ِﻬ ْم ِ َْﲰَﺎﺋ ِﻬ ْم‪ :‬أ ْ‬ ‫ﺣﱴ َوﻗَ َ‬ ‫ﰒﱠ َم َﺸﻰ ّ‬
‫ٍ‬
‫ﻓُ َﻼن‪» :‬أَﻳَ ُ‬
‫ﺴ ﱡﺮُﻛ ْﻢ أﻧ ُﻜ ْﻢ أَﻃَ ْﻌﺘُ ُﻢ ا ﱠَ َوَر ُﺳﻮﻟَﻪُ‪ ،‬ﻓﺄ َو َﺟ ْﺪ َ َﻣﺎ َو َﻋ َﺪ َ َرﺑـﱡﻨَﺎ َﺣﻘﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻬ ْﻞ َو َﺟ ْﺪ ُْﰎ َﻣﺎ َو َﻋ َﺪ َرﺑﱡ ُﻜ ْﻢ‬
‫ﻮل ِﻣ ْﻨـ ُﻬ ْﻢ« ‪.‬‬
‫َﲰَ َﻊ ﻟِ َﻤﺎ أَﻗُ ُ‬ ‫اح ﻓِ َﻴﻬﺎ؟ ﻗَ َ‬ ‫ﺣﻘﺎ؟« ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬رﺳ َ ِ ِ‬
‫‪1‬‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ أَﻧْـﺘُ ْﻢ ِ ْ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﺗُ َﻜﻠّ ُﻢ أَﺑْﺪا َﻻ أ َْرَو َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪ ،(71/19) ،‬ﺣﺪﻳﺚ اﻟﱪاء ﺑن ﻋﺎزب اﻟﻄﻮﻳﻞ ﰲ ذﻛﺮ ﻋﺬاب اﻟﻘﱪ ونعﻴمه‪ ،‬رواه أﲪﺪ ﺑن ّ‬
‫ﺑن ﺣنﺒﻞ‪ ،‬اﳌﺴنﺪ‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪1 ، ،‬ط‪ 1421 ،‬ﻫـ‪ 2001 ،‬م‪ ،(499/30) ،‬ورواه ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ‬
‫ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﳊﺎﻛم اﻟنﻴﺴﺎﺑﻮري‪ ،‬اﳌﺴﺘﺪرك ﻋﻠﻰ اﻟصﺤﻴﺤﲔ‪ ،‬ت‪ :‬مصﻄﻔﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﻄﺎ‪ ،‬اﻟنﺎﺷﺮ‪ :‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬ه‪ ،(93/1) ،1990 ،‬وﺻﺤﺤه وواﻓﻘه اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﻋمﺮ ﺑن ﺳﻠﻴمﺎن ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻷﺷﻘﺮ‪ ،‬اﻟﻘﻴّﺎمة‬
‫اﻟصﻐﺮى‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪ 1411 ،4‬ﻫـ‪ 1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ أﰊ جﻬﻞ‪ ،(76/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3976 :‬ورواه أﺑﻮ ﺳعﻴﺪ اﳍﻴﺜم ﺑن ﻛﻠﻴﺐ‬
‫اﻟﺒِْن َﻜﺜﻲ‪ ،‬اﳌﺴنﺪ‪ ،‬ت‪ :‬ﳏﻔﻮظ زﻳن ﷲ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟعﻠﻮم و اﳊﻜم‪ ،‬اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪ ،(18/13) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1065 :‬واﻟﻠﻔﻆ‬
‫ﻟه‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن منﺎداة اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬ﻟﻘﺘﻠﻰ ﻗﺮﻳﺶ تﺴﺘﻬﺪف تﺜﺒﻴﺖ ﺣﻘﻴﻘة ﻋﻘﺪﻳّة ﻏﻴﺒﻴّة ﰲ ﻗﻠﻮب‬
‫تﺮﻫﺒﻬم من مﻮجﺒﺎت‬ ‫وﻫﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﱪزخ اﻟﱵ ﻳﺘعﺮض ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺆﻻء اﳌﺸﺮﻛﲔ ﻟﻠعﺬاب‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ّ‬
‫مﻮجﺒﺎت ﻋﺬاب اﻟﻘﱪ‪.1‬‬
‫واﳌﻠﺤ ـ ــﻆ اﻟ ـ ــﺬي ﳝﻜ ـ ــن أن نﻠمﺤ ـ ــه ﰲ اﳊ ـ ــﺪﻳﺚ ﻫ ـ ــﻮ تن ـ ـ ّـﻮع أﺳ ـ ــﺎﻟﻴﺐ ﻋ ـ ــﺮض اﻟﻘﻀ ـ ــﺎ اﻟعﻘﺪﻳّـ ــة‪،‬‬
‫اﳊﺴـ ـ ــﻲ‪ ،‬واﻟعﻘﻠـ ـ ــﻲ‪ ،‬واﻟعـ ـ ــﺎﻃﻔﻲ؛ ﻟﺘﻘﺮﻳـ ـ ــﺮ‬
‫وتﺜﺒﻴﺘﻬـ ـ ــﺎ ﰲ اﻟنﻔـ ـ ــﻮس‪ ،‬ﻓﻘـ ـ ــﺪ اﺳـ ـ ــﺘعمﻞ اﻟنّـ ـ ــﱯ‪ ‬اﳌـ ـ ــنﻬج ّ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﱪزﺧﻴّة ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ‪.‬‬

‫‪.2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻴﻮم اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ‬

‫ﻗﺪ ورد ذﻛﺮ اﻟﻘﻴّﺎمة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة ﻛﺜﲑا‪ ،‬ﻓﻠم ﲣﻞ أﺣﺎدﻳﺚ اﳌﻐﺎزي من اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﻫﺬا‬
‫اﻟﻴﻮم اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ﳌﺎ ﻳﺘﻀمنه من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة أﺻﻠﻴّة وتﺒعﻴّة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪:‬‬
‫اﺣ ٍﺪ‪ ،‬ﰒُﱠ‬
‫ب وِ‬ ‫ٍ‬
‫ُﺣﺪ ِﰲ ثـَ ْﻮ َ‬
‫ﲔ ِمن ﻗَـْﺘـﻠَﻰ أ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ﲔ اﻟﱠﺮ ُجﻠَ ْ ِ ْ‬ ‫مﺎ رواه جﺎﺑﺮ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪َْ ‬ﳚ َم ُع ﺑَـ ْ َ‬
‫ﱠمهُ ِﰲ اﻟﻠﱠ ْﺤ ِﺪ‪َ ،‬وﻗَ َ‬ ‫آن«‪ ،‬ﻓِﺈذا أ ُِﺷﲑ ﻟَه إِ َﱃ أ ِ ِ‬ ‫ﻮل‪» :‬أَﻳـﱡﻬﻢ أَ ْﻛﺜَـﺮ أَ ْﺧ ًﺬا ﻟِ ْﻠ ُﻘﺮ ِ‬ ‫اﺣ ٍﺪ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫وِ‬
‫ﺎل‪» :‬أَ َ‬ ‫َﺣﺪﳘَﺎ ﻗَﺪ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َﺷ ِﻬﻴ ٌﺪ َﻋﻠَى َﻫ ُﺆﻻَء ﻳَـ ْﻮ َم اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ«‪َ ،‬وأ ََمَﺮ ﺑِ َﺪﻓْن ِﻬ ْم ِﰲ د َمﺎﺋ ِﻬ ْم‪َ ،‬وَﱂْ ﻳـُﻐَ ﱠﺴﻠُﻮا‪َ ،‬وَﱂْ ﻳُ َ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫ص ﱠﻞ َﻋﻠَْﻴﻬ ْم ‪.‬‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟصﻼﰊ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة ﻋﺮض وﻗﺎﺋع وﲢﻠﻴﻞ أﺣﺪاث‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1429 ،7‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.415‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب من ﻗﺘﻞ من اﳌﺴﻠمﲔ ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،(102/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4079:‬واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ‬
‫تﻀمن مﻀﺎمﲔ ﻓﻘﻬﻴة ﻛﺜﲑة ﺧﺎﺻة مﺎ تعﻠق منﻬﺎ ﺑﺒﺎب اﳉنﺎﺋﺰ من أجﻞ ذﻟﻚ ﻛﺮره اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉنﺎﺋﺰ ﰲ ﻋﺪة مﻮاﻃن‬
‫ﺑﱰاجم ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(93/2) ،(91/2) ،‬‬
‫‪98‬‬
‫ﻓﺎﳌﻘﱪة مﻴﺪان منﺎﺳﺐ ﻟﻠﺘّﺬﻛﲑ ﺑﻴﻮم اﻟﻘﻴﺎم‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻟﺪﱡﻋﺎة ﺣﻀﻮر اﳉنﺎﺋﺰ وتﺬﻛﲑ اﻟنﱠﺎس ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬
‫تﺴﻬﻞ تﻐﻴﲑ اﻟ ﱡﺴﻠﻮك‬ ‫ﳎﺎل دﻋﻮي ﺧصﺐ ﻹ رة اﻟعﻮاﻃﻒ واﳌﺸﺎﻋﺮ واﻻنﻔعﺎﻻت‪ ،‬اﻟﱵ من ﺷأ ﺎ أن ّ‬
‫اﺳﺘعﺪادا ﳍﺬا اﻟﻴﻮم اﻟعﻈﻴم‪ ،‬اﻟﺬي ﻫﻮ أول منﺎزل اﻷﺧﺮة‪.‬‬
‫ﻮل ا ﱠِ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺎس‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ومن اﳌﺮو ت اﻟﱵ جﺎء ﻓﻴﻬﺎ ذﻛﺮ ﻳﻮم اﻟﻘﻴّﺎمة مﺎ رواه اﻟﺒخﺎري َﻋ ْن اﺑْ ِن َﻋﺒﱠ ٍ‬
‫ام ِﲝُ ْﺮَﻣ ِﺔ ا ﱠِ إِ َﱃ ﻳَـ ْﻮِم‬
‫ض‪ ،‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ َﺣ َﺮ ٌ‬ ‫ا ﱠِ ‪ ‬ﻳـﻮم اﻟْ َﻔْﺘ ِﺢ‪» :‬أن َﻫ َﺬا اﻟﺒـﻠَ َﺪ ﺣ ﱠﺮﻣﻪُ ا ﱠ ﻳـﻮم َﺧﻠَ َﻖ اﻟ ﱠ ِ‬
‫ﺴ َﻤ َﻮات َواﻷ َْر َ‬ ‫َ َ َ ُ َْ َ‬ ‫َْ َ‬
‫اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ «‪.1‬‬
‫ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﺎ‪ ،‬وتﺮﺳﻴخﺎ‬
‫ّ‬ ‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘعمﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﺒﺎرة "ﻳﻮم اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ"؛ ﻹﻓﺎدة اﻟﺘّأﺑﻴﺪ؛ تﺬﻛﲑا‬
‫تﻘﺮر‪.2‬‬
‫تﻜﺮر ّ‬‫ﳊﻀﻮرﻫﺎ ﰲ اﻷذﻫﺎن‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﻲء إذا ّ‬
‫وﻗﺪ ورد ذﻛﺮ اﻟﻘﻴّﺎمة ﰲ مﻮﻃن آﺧﺮ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعﻴﺪ اﳋﺪري‪ ،‬ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ‬
‫ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق أ م أﺻﺎﺑﻮا ﺳﺒﺎ ‪ ،‬ﻓأرادوا أن ﻳﺴﺘمﺘعﻮا ن‪ ،‬وﻻ ﳛمﻠن‪ ،‬ﻓﺴأﻟﻮا اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋن اﻟعﺰل‪،‬‬
‫اﻟعﺰل‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ أَ ْن ﻻَ ﺗَـ ْﻔ َﻌﻠُﻮا َﻣﺎ ِﻣ ْﻦ ﻧَ َﺴ َﻤ ٍﺔ َﻛﺎﺋِﻨَ ٍﺔ إِ َﱃ ﻳَـ ْﻮِم اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ إِﱠﻻ َو ِﻫ َﻲ َﻛﺎﺋِﻨَﺔٌ«‪.3‬‬
‫صﺤﺎﺑة ﺑﻴﻮم اﻟﻘﻴّﺎمة ﰲ منﺎﺳﺒﺎت‪ ،‬ومﻴﺎدﻳن ﳐﺘﻠﻔة‬ ‫ﳒﺪ ﰲ ﻫﺬه اﻷﺣﺎدﻳﺚ أن اﻟنّﱯ‪‬ﻳﺬ ّﻛﺮ اﻟ ﱠ‬
‫تﺜﺒﻴﺘﺎ ﻟﻺﳝﺎن ﺬا اﻟﻴﻮم ﰲ ﻗﻠﻮ م‪ ،‬ﻓﺠﺪﻳﺮ ﻟعﺎمﻠﲔ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻛﻞ ﻋصﺮ أن ﻳﺮﺑﻄﻮا‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ﺑﻴﻮم اﻟﻘﻴّﺎمة ﺑﺘﺬﻛﲑﻫم ﺑه من ﺣﲔ ﻵﺧﺮ؛ ﲟﺎ ﻳنﺎﺳﺐ اﳌﻘﺎم مع اﺳﺘﺜمﺎر أﲰﺎء اﻟﻘﻴّﺎمة اﻟﱵ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫تعﺪدت ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪.‬‬
‫وﻻﲣﻔﻰ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻻﺳﺘﺤﻀـﺎر ﻫـﺬا اﻟﻴـﻮم ﰲ ﺣﻴـﺎة اﻟﺪﱠاﻋﻴـة واﳌـﺪﻋﻮ‪ ،‬ﻓﻘﻬـﺎ‪ ،‬وتـﺬﻛﲑا‪ ،‬وتنـﺰﻳﻼ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟعم ــﻞ ﻟﻠـ ـﺪﱠﻋﻮة؛ ﻋﻠم ــﺎ‪ ،‬واﻟﺘﺰام ــﺎ‪ ،‬ودﻋ ــﻮة‪ ،‬واﺣﺘﺴ ــﺎ م ــن أﻋﻈ ــم اﳌنﺠﻴ ــﺎت م ــن أﻫـ ـﻮال ذﻟ ــﻚ اﻟﻴ ــﻮم‬
‫اﻟعﻈﻴم‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳة‪ ،‬ب إﰒ اﻟﻐﺎدر ﻟﻠﱪ واﻟﻔﺎجﺮ‪ ،(104/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3189 :‬‬
‫‪ -2‬ﻋﺎﻃﻒ رﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺻﻮر اﻹﻋﻼم اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬جﺎمعة اﳌﺪﻳنة اﻟعﺎﳌﻴة‪ ،‬مﺎﻟﻴﺰ ‪) ،‬د‪.‬ط(‪ 1432 ،‬ﻫـ‪ 2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ ْ‬
‫ﷲ ۬ل َ ٰل ُِق َﺎ ِر ُ ٔے ل ُم َص ِّو ُرۖ چ ]اﳊﺸﺮ‪،121/9 ،[24 :‬‬ ‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ‪ :‬چ ٱهو‬
‫‪3‬‬

‫اﻟﱰﲨة‪ ،‬وﻋنﻮان اﻟﻜﺘﺎب ﻟﻠﺒعﺪ اﻟﺪﻋﻮي ﺑﻴنة؛ ﻓﺎﻹﳝﺎن ﺑﻴﻮم اﻟﻘﻴّﺎمة من مﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬واﻟﺒعﺚ ﻳﻮم‬ ‫ﺑﺮﻗم‪ ،7409:‬ومنﺎﺳﺒة ّ‬
‫اﻟﻘﻴّﺎمة من آ ر ﺻﻔة اﳋﻠق‪ ،‬ومن ﻟﻮازم اﻷﲰﺎء اﳊﺴﲎ )اﳋﺎﻟق‪ ،‬اﻟﺒﺎرئ‪ ،‬اﳌصﻮر(‪.‬‬
‫‪ -1‬اﻷﺷﻘﺮ‪ ،‬اﻟﻘﻴّﺎمة اﻟﻜﱪى‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪99‬‬
 ‫‪ .3‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳉﻨّﺔ واﻟﻨّﺎر‪.‬‬
‫إن من أﲰﻰ اﳌﻄﺎﻟﺐ اﻟﱵ ﻳﺴعﻰ اﳌﺆمن ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ‪ ،‬وﺑﻠﻮﻏﻬﺎ مﻄﻠﺐ اﻟﻔﻮز ﺑنعﻴم اﳉنّة‪ ،‬واﻟنﺠﺎة من‬
‫ﻋﺬاب اﻟنّﺎر‪ ،‬ﻟﺬا ﻛﺜﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﻋنه ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه‪ ،‬وإﱃ اﻷﻋمﺎل اﻟﱵ تﻮﺻﻞ إﻟﻴه‪،‬‬
‫ومن ذﻟﻚ اﳉﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ دﻳنه‪.‬‬
‫ومن ﰒﱠ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات من أنﺴﺐ اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳍﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﺣﻴﺚ تﻀمنﺖ روا ﺎ‬
‫صﺤﻴﺤة اﻹﺷﺎرة إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬وﺳﻮف أﺑﻴنه ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫أ‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳉﻨّﺔ‬
‫ﻗﺪ ﺣﻔﻠﺖ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﳌﻀمﻮن اﻟعﻘﺪي اﳌﺘعﻠﻘة ﳉنّة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎجﺎء ﻋن أنﺲ ﺑن‬
‫مﺎﻟﻚ‪ :‬أن أُﱠم ﺣﺎ ِرثَةَ أَتَﺖ رﺳ َ ِ‬
‫ﺖ‪:‬‬‫ب َﺳ ْﻬ ٍم‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬ ‫ﻚ َﺣﺎ ِرثَةُ ﻳَـ ْﻮَم ﺑَ ْﺪ ٍر‪ ،‬أ َ‬
‫َﺻﺎﺑَهُ َﻏْﺮ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪َ ،‬وﻗَ ْﺪ َﻫﻠَ َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ‬
‫ﻚ َﻋﻠَْﻴ ِه‪َ ،‬وإِﱠﻻ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ ْﺪ َﻋﻠِمﺖ مﻮﻗِع ﺣﺎ ِرثَةَ ِمن ﻗَـْﻠِﱯ‪ ،‬ﻓﺈن َﻛﺎ َن ِﰲ اﳉنّة َﱂ أَﺑ ِ‬ ‫ﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َْ َ َ‬
‫اﺣ َﺪةٌ ِﻫﻲ؟ أ ﺎ ِﺟﻨَﺎ ٌن َﻛﺜِﲑةٌ‪ ،‬وأﻧﻪ ِﰲ ِ‬ ‫ْﺖ‪ ،‬أَﺟﻨﱠﺔٌ و ِ‬‫ﺎل َﳍﺎ‪َ » :‬ﻫﺒِﻠ ِ‬
‫س اﻷَ ْﻋﻠَى«‬ ‫اﻟﻔ ْﺮ َد ْو ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َﺻنَ ُع؟ ﻓَـ َﻘ َ َ‬
‫ف تَـَﺮى َمﺎ أ ْ‬‫َﺳ ْﻮ َ‬
‫‪.1‬‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﻮﺿﺢ مﺪى ارتﺒﺎط اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﺑﻄﻠﺐ اﳉنّة ونﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬وأن ذﻟﻚ ﻛﺎن من أﻋﻈم‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬وﻗﺪ دﻟﺖ اﻟﺮواﻳّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ من وجﻮه‪ ،‬أذﻛﺮ منﻬﺎ‬ ‫اﳌﻄﺎﻟﺐ اﳌﺘﻔق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺪى جﻴﻞ اﻟ ﱠ‬
‫مﺎﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﳉﻬﺎد واﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ آثﺮ اﳉنّة ﻋﻠﻰ‬ ‫‪ ‬اﻟﻮﺟﻪ اﻷول‪ :‬ﺣﺮص ﺣﺎرثة‬
‫آثﺮ اﳉنّة ﻋﻠﻰ اﻟﺘمﺘع ﺑﺸﺒﺎﺑه ودنﻴﺎه‪.2‬‬
‫ص اﻷم‪ 3‬ﻋﻠﻰ معﺮﻓة منﺰﻟة وﻟﺪﻫﺎ ﰲ اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﰲ ﺣﲔ مع اﻷﺳﻒ ﲢﺮص‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﺣ ْﺮ ُ‬
‫اﻟﻜﺜﲑ من اﻷ ﱠمﻬﺎت ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻘﺒﻞ اﻷﺑنﺎء اﻟﺪﱡنﻴﻮي‪ ،‬وﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﺿﻴﺎع اﻟ ّﺪﻳن‪ ،‬وﻫﺬا‬
‫مﻠﺤﻆ دﻋﻮي ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪﻋﺎة اﻻﻫﺘمﺎم ﺑه‪ ،‬مﺮاجعﺘه‪ ،‬وتصﺤﻴﺤه‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب ﺻﻔة اﳉنّة واﻟنّﺎر‪ ،(114/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6567 :‬‬
‫‪ -2‬ﻫﻮ ﺣﺎرثة ﺑن ﺳﺮاﻗة ﺑن اﳊﺎرث‪ ،‬من ﺑﲏ ﻋﺪي ﺑن اﻟنﺠﺎر‪ ،‬أﺻﻴﺐ ﺑﺒﺪر‪ ،‬أمه اﻟﺮﺑﻴع ﺑنﺖ اﻟنﻀﺮ‪ ،‬وﻫﻮ اﺑن ﻋمة أنﺲ ﺑن‬
‫دل ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﻟعﺰازي‪،‬‬
‫اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻷمه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ نعﻴم أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬معﺮﻓة اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺎ ّ‬ ‫ﺑﱪه ّ‬‫مﺎﻟﻚ‪ ،‬ﻋﺮف ّ‬
‫دار اﻟﻮﻃن ﻟﻠنﺸﺮ – اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪ 1419 ،1‬ﻫـ‪ 1998 ،‬م‪.(740/2) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ اﺳﺘمﺮارﻳة اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬مﺸﺎرﻛة اﻟﺮﺑﻴع ﺑنﺖ اﻟنﻀﺮ ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﱵ ﻋﺮﻓﺖ أﺧﺎﻫﺎ أنﺲ ﺑن اﻟنﻀﺮ‬
‫‪ -‬مﺎ ﻳ ّ‬
‫ﺑﺒنﺎنه من ﺑﲔ اﻟﻘﺘﻠﻰ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ ‪:‬أﺑﻮنعﻴم اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬معﺮﻓة اﻟصﺤﺎﺑة‪.(230/1) ،‬‬
‫‪100‬‬
‫‪ ‬اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻛﻴﺪ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ من ﺧﻼل اﳉﻬﺎد ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ‬
‫اﻟﱰﻏﻴﺐ‪ ،‬وأ ﺎ من أﻋﻈم ﻃﺮق نﻴﻞ أرﻓع اﻟﺪرجﺎت ﰲ اﳉنﺎن‪.‬‬

‫اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ‬ ‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﳌﺒﺎﺷﺮة‬

‫• اﻟﺮﺿﺎ ﻟﺸﻬﺎدة)اﻷم(‬ ‫• مﻮﻗﻒ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد)اﻻﺑن(‬

‫ﺗﺜﺒﻴﺖ وﺗﺮﺳﻴﺦ ﻗﻴﻤﺔ اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ‬

‫• تﻮﺿﻴﺢ اﻷثﺮ اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻠﻘﻴمة )اﻟنّﱯ‬
‫ﷺ(‬

‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻷثﺮ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻠﺘّعﻠق ﲟﻄﻠﺐ اﳉنّة‪ ،‬ﻓعن َجﺎﺑَِﺮ‬ ‫وﻫﺬا ﺣﺪث آﺧﺮ من ﺣﻮادث اﻟﻐﺰوات ّ‬
‫ِ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳـﻮم أ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﺑْ َن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺖ إِ ْن ﻗُﺘﻠْ ُ‬
‫ﺖ ﻓَأَﻳْ َن أَ َ ؟ ﻗَ َﺎل‪:‬‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل َر ُج ٌﻞ ﻟﻠنِ ِّ َ ْ َ ُ‬
‫ُﺣﺪ أ ََرأَﻳْ َ‬
‫ِ‬
‫ات ِﰲ ﻳَ ِﺪﻩ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَﺎﺗَ َﻞ ّ‬
‫ﺣﱴ ﻗُﺘِ َﻞ« ‪.1‬‬ ‫ﺎل‪ِ» :‬ﰲ اﳉﻨّﺔ ﻓَﺄَﻟْ َﻘى ﲤََﺮ ٍ‬
‫َ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ دﻻﻟة واﺿﺤة ﻋﻠﻰ أثﺮ اﺳﺘﺤﻀﺎر نعﻴم اﳉنّة ﻋﻠﻰ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬واﻟﺪﻓﺎع ﻋن‬
‫صﺤﺎﰊ أﻟﻘﻰ اﻟﺘمﺮات مﺒﺎدرة إﱃ اﻟﺸﻬﺎدة‪ ،‬ودﺧﻮل اﳉنّة‪.2‬‬ ‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﲪﻠﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟ ﱠ‬
‫صﺤﺎﺑة ﻋﻠﻴه من ﺣﺐ نصﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟﺮﻏﺒة ﰲ اﻟﺸﻬﺎدة اﺑﺘﻐﺎء مﺮﺿﺎة ﷲ‬ ‫وﻓﻴه أﻳﻀﺎ ﺑﻴﺎن مﺎ ﻛﺎن اﻟ ﱠ‬
‫وثﻮاﺑه‪.3‬‬
‫وﻗﺪ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻷثﺮ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﻄّﻴﺐ مصﺎﺣﺒﺎ ﻟﻠﺪﻋﺎة‪ ،‬واﻟﻔﺎﲢﲔ ﻋﱪ اﻟعصﻮر اﻟﺰاﻫﺮة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة‬
‫اﺳﺘُـْﺒﺪل ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ اﻷﻋﻠﻰ ﲟﺎ ﻫﻮ أدﱏ‪.‬‬ ‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وتﺮاجعﺖ واﳓﺴﺮت ﺣﲔ ْ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(77/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4046 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺎري‪ ،‬مﺮﻗﺎة اﳌﻔﺎتﻴﺢ ﺷﺮح مﺸﻜﺎة اﳌصﺎﺑﻴﺢ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2002 ،‬م‪.(2534/6) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻓﻴصﻞ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬تﻄﺮﻳﺰ ر ض اﻟصﺎﳊﲔ‪ ،‬دار اﻟعﺎﺻمة‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.(84/1) ،‬‬
‫‪101‬‬
 ‫ب‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻨّﺎر‬
‫اﻟﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﳉنّة؛ ﻟﺬا وردت ﰲ ﺷأ ﺎ آ ت‬ ‫ﻻ تﻘﻞ ﻗﻀﻴّة اﻟﺘّﺤﺬﻳﺮ من اﻟنّﺎر أﳘﻴّة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋن ّ‬
‫وأﺣﺎدﻳﺚ ﻛﺜﲑة ﻻ ﻳﺴع اﳌﻘﺎم ﻟﺒﺴﻄﻬﺎ‪ ،‬وﱂ ﳝنع اﻟنّﱯ‪ ‬اﳉﻬﺎد‪ ،‬وﻗﺘﺎل اﻷﻋﺪاء من اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟنّﺎر‬
‫واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ منﻬﺎ ومن أﺳﺒﺎ ﺎ‪ ،‬وﻗﺪ جﺎءت مﺮو ت ﰲ اﳌﻐﺎزي تﺴﺘﻬﺪف ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ أذﻛﺮ منﻬﺎ مﺎ‬
‫ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ِ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻋن ﺳﻬﻞ ﺑن ﺳعﺪ اﻟﺴﺎﻋﺪي‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻧَﻈََﺮ اﻟﻨّﱯ‪ ‬إِ َﱃ َر ُﺟ ٍﻞ ﻳـُ َﻘﺎﺗِ ُﻞ اﳌُ ْﺸ ِﺮﻛ َ‬
‫ﲔ‪َ ،‬وَﻛﺎ َن‬ ‫جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﺐ أَ ْن ﻳَـﻨْﻈَُﺮ إِ َﱃ َر ُﺟ ٍﻞ ِﻣ ْﻦ أَ ْﻫ ِﻞ اﻟﻨّﺎر‪ ،‬ﻓَـ ْﻠﻴَـْﻨﻈُْﺮ إِ َﱃ‬ ‫َﺣ ﱠ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ أ َ‬
‫ﺎء َﻋ ْﻨـ ُﻬ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﲔ غَﻨَ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَﻛﺎ َن ﻣ ْﻦ أَ ْﻋﻈَ ِﻢ اﳌُ ْﺴﻠ ِﻤ َ‬
‫ﲔ ﺛَ ْﺪﻳَـ ْﻴ ِﻪ‪،‬‬ ‫ﺎل ﺑِ ُﺬ َ ﺑَِﺔ َﺳ ْﻴ ِﻔ ِﻪ ﻓَـ َﻮ َ‬
‫ﺿ َﻌﻪُ ﺑَـ ْ َ‬ ‫ت‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬‫ﺎﺳﺘَـ ْﻌ َﺠ َﻞ اﳌَْﻮ َ‬ ‫ِح‪ ،‬ﻓَ ْ‬
‫ﺣﱴ ُﺟﺮ َ‬ ‫ﻚ ّ‬ ‫ﻓَـﺘَﺒِ َﻌﻪُ َر ُﺟ ٌﻞ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ْﻢ ﻳَـ َﺰ ْل َﻋﻠَى ذَﻟِ َ‬
‫ﻴﻤﺎ ﻳَـ َﺮى اﻟﻨﱠﺎس‪َ ،‬ﻋ َﻤ َﻞ أَ ْﻫ ِﻞ اﳉﻨّﺔ َوأﻧﻪ‬ ‫ِ‬
‫اﻟﻌ ْﺒ َﺪ ﻟَﻴَـ ْﻌ َﻤ ُﻞ‪ ،‬ﻓ َ‬
‫ﺎل اﻟﻨّﱯ‪» :‬أن َ‬ ‫ج ِﻣ ْﻦ ﺑَـ ْ ِ‬
‫ﲔ َﻛﺘِ َﻔْﻴ ِﻪ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫َﻋﻠَْﻴ ِﻪ ّ‬
‫ﺣﱴ َﺧ َﺮ َ‬
‫ﺎل ِﲞَﻮاﺗِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻴﻤ َﻬﺎ«‬ ‫ﻴﻤﺎ ﻳَـ َﺮى اﻟﻨﱠﺎس‪َ ،‬ﻋ َﻤ َﻞ أَ ْﻫ ِﻞ اﻟﻨّﺎر َو ُﻫ َﻮ ﻣ ْﻦ أَ ْﻫ ِﻞ اﳉﻨّﺔ‪َ ،‬وأﳕَﺎ اﻷَ ْﻋ َﻤ ُ َ‬ ‫ﻟَﻤ ْﻦ أَ ْﻫ ِﻞ اﻟﻨّﺎر‪َ ،‬وﻳَـ ْﻌ َﻤ ُﻞ ﻓ َ‬
‫‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻞ اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ ﺳﺒﺐ ﻛﻮنه من أﻫﻞ اﻟنّﺎر ﻓﻘﺎل‪ ":‬ﻟنﻔﺎﻗه ﻃنﺎ"‪ ،2‬ﻓﻘﺪ تﻀمن اﳊﺪﻳﺚ‬
‫اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من اﻟنّﺎر واﻷﺳﺒﺎب اﳌﻮجﺒة ﻟﻮرودﻫﺎ‪ ،‬من ﻗﺒﻴﻞ رﺑط اﻷﺳﺒﺎب ﳌﺴﺒﺒﺎت ز دة ﰲ اﻹﻗنﺎع‪.‬‬
‫اﻹﻗنﺎع‪.‬‬
‫ﻓمن أﻋﻈم مﺎ تنﺎل ﺑه اﳉنّة اﻹﳝﺎن واﻟعمﻞ اﻟصﺎﱀ‪ ،‬وأﻛﺜﺮ مﺎ ﻳُﺪﺧﻞ اﻟنّﺎر اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘﻔﺮع ﻋنه‬
‫ي ﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن تﻮﻇﻴﻒ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﺪي اﻟﻐﻴﱯ اﻟﺬي ﳚمع‬ ‫ﻓﺤﺮ ﱞ‬
‫من مﻮﺑﻘﺎت‪ ،‬واﳓﺮاﻓﺎت‪َ ،‬‬
‫اﳌﺎد ت‪،‬‬
‫اﻟﱰﻫﻴﺐ‪ ،‬ﻟﱰﺳﻴخ اﻟعﻘﺎﺋﺪ وتعﺪﻳﻞ وتﻐﻴﲑ اﻟ ﱡﺴﻠﻮك؛ ﺧﺎﺻة ﰲ ﻋصﺮ ّ‬ ‫اﻟﱰﻏﻴﺐ و ّ‬‫ﳚمع ﺑﲔ ّ‬
‫وﻛﺜﺮة اﻟﻔﱳ واﻟﺸﱡﺒﻬﺎت‪ ،‬واﻟﺸﱠﻬﻮات‪.3‬‬
‫نﺖ أن مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻗﺪ تﻀمنﺖ ﻃﺮﻓﺎ من اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻴﻮم‬ ‫و ﺬا أﻛﻮن ﻗﺪ ﺑﻴﱠ ُ‬
‫اﻵﺧﺮ‪ ،‬وﻛﻴﻒ وﻇﻔﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﲢﻘﻴق أﻋﻈم اﻹﳒﺎزات اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﲤ ﱠﻜ َن من ﺧﻼﳍﺎ من‬
‫ﺐ اﻟﺪﱡنﻴﺎ وﻛﺮاﻫﻴّة اﳌﻮت؛ ﻟﻴﻘﻀﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﲤﺎمﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻫن اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪.‬‬
‫تﻄﻬﲑ نﻔﻮس اﻷتﺒﺎﻋمن ُﺣ ّ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(132/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4202 :‬واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ تﻀمن ﺑعﺪﻳن‬
‫ﻋﻈﻴمﲔ‪ :‬اﻷول ﺳﻠﻮﻛﻲ‪ ،‬واﻟﺜﺎﱐ ﻋﻘﺪي؛ أﺷﺎر إﻟﻴﻬمﺎ اﻟﺒخﺎري من ﺧﻼل‪ :‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب اﻷﻋمﺎل ﳋﻮاتﻴم‪ ،‬ومﺎ ﳜﺎف‬
‫منﻬﺎ‪ ،(103/8) ،‬وﻛﺘﺎب اﻟﻘﺪر‪ ،‬ب اﻟعمﻞ ﳋﻮاتﻴم‪.(124/8) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(362/6) ،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ واﻗعنﺎ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ‪ ،‬ﻫنﺪاوي‪ ،‬منﻬج ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪102‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻼﺋﻜﺔ‬
‫أن اﻹﳝﺎن ﳌﻼﺋﻜة من ﻗﻀﺎ اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻐﻴﺒﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻮاتﺮت اﻟنصﻮص ﰲ وجﻮب اﻹﳝﺎن ﺎ‪،‬‬
‫واﻟﺘّصﺪﻳق ﺑﻮجﺪﻫﺎ‪ ،‬وﰲ ﺳﻴﺎق اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﻐﻴﺒﻴﺎت ﰐ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ ﻟﺒﻴﺎن أﻫم‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻓق اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﻼﺋﻜة من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫‪ .1‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻨﺰول اﳌﻼﺋﻜﺔ ﰲ ﺑﺪر‬
‫ْ َْ َ ُ َ َ ُ ْ َ َْ َ َ َ ُ‬
‫ﺎب لك ُم ٓۥ أ‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬چٱإِذ ستغِيثون ر كم فﺎستج‬ ‫ﻗﺪ ﲢﺪث اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻋن ﻏﺰوة ﺑﺪر ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫ك ِة ُم ْر َد ِ َ ۖ چ ]اﻷنﻔﺎل‪.[09 :‬‬
‫ّ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ممِدكم بِﺄل ٖف مِن لم ِ‬
‫صﺤﻴﺤة‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﻋن رﻓﺎﻋة‬ ‫وأﻛﺪت ﻫﺬا اﻟﺘّـنَـﱡﺰل اﳌﻼﺋﻜﻲ اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟ ﱠ‬
‫ﺎل ِﻣ ْﻦ أَﻓْ َ‬
‫ﻀ ِﻞ‬ ‫رﻓﺎﻋة ﺑن راﻓع ﻗﺎل‪ :‬جﺎء جﱪﻳﻞ إﱃ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ ﺗَـ ُﻌ ﱡﺪو َن أَ ْﻫ َﻞ ﺑَ ْﺪ ٍر ﻓِﻴ ُﻜ ْﻢ ﻗَ َ‬
‫اﻟ ُْﻤ ْﺴﻠِ ِﻤ َﲔ أ َْو َﻛﻠِ َﻤﺔً َْﳓ َﻮ َﻫﺎ ﻗَ َﺎل َوَﻛ َﺬﻟِ َﻚ َﻣ ْﻦ َﺷ ِﻬ َﺪ ﺑَ ْﺪ ًرا ِﻣ ْﻦ اﻟ َْﻤ َﻼﺋِ َﻜ ِﺔ «‪.1‬‬
‫ﻔﺎﺿﻞ ﺑﻴنﻬﺎ ﻛﺘﻔﺎﺿﻞ‬
‫ﻓﺎﻟﺮواﻳّة ﻓﻴﻬﺎ ﺑعﺪ إثﺒﺎت وجﻮد اﳌﻼﺋﻜة‪ ،‬وﺑعﺾ وﻇﺎﺋﻔﻬم‪ ،‬وتﺸﲑ إﱃ اﻟﺘّ ُ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﻷتﺒﺎع‪.2‬‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ ﺑعﺪ دﻋﻮي اجﺘمﺎﻋﻲ ﻳﺘعﻠق ﺑﺘصنﻴﻒ ّ‬
‫وﰲ اﻟﺮواﻳّة إﺷﺎرة إﱃ تﻘﺮﻳﺮ مﻜﺎنة اﳌﻼﺋﻜة وتﻔﺎﺿﻠﻬم‪ ،‬وﻛﺬا مﻜﺎنة اﻟﺒﺪرﻳﲔ‪ ،‬وﻓﻀﻞ ﻏﺰوة ﺑﺪر ﻋن‬
‫ﻃﺮﻳق اﳌنﻬج اﳌﻘﺎرن‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻨﺰول اﳌﻼﺋﻜﺔ ﰲ أﺣﺪ‬
‫ﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﳌﻼﺋﻜة ﻟﺘأﻳﻴﺪ اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬وﻗﺪ ورد ذﻟﻚ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫تنﺰ ْ‬
‫تعﺪ ﻏﺰوة أﺣﺪ من اﳌﻮاﻃن اﻟﱵ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َُ ُ ْ‬
‫چٱإِذ قول ِل ُمو ِمن ِ َ أل ْن يك ِفيَك ُم ٓۥ أ ْن يمِدك ْم‬ ‫واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ ﰲ ﺳﻴﺎق اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻟﻐﺰوة‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬
‫ك ِة ُم َ لِ َ ۖ ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪.[124 :‬‬ ‫ّ َ َ َ‬
‫ر كم بِث ث ِة ءا ٖف مِن لم ِ‬
‫ُﺣ ٍﺪ‬ ‫ﺖ رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪‬ﻳَـ ْﻮ َم أ ُ‬ ‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعن ﺳعﺪ ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬رأَﻳْ ُ َ ُ‬ ‫و ّﻛ َﺪ ﻫﺬا اﻹمﺪاد ﰲ مﺮو ت اﻟ ﱠ‬
‫ﻴﺾ َﻛﺄَ َﺷ ِّﺪ اﻟ ِْﻘﺘَ ِ‬
‫ﺎل َﻣﺎ َرأَﻳْـﺘُـ ُﻬ َﻤﺎ ﻗَـْﺒ ُﻞ َوَﻻ ﺑَـ ْﻌ ُﺪ« ‪.3‬‬ ‫ُﺣ ٍﺪ َوَﻣ َﻌﻪُ َر ُﺟ َﻼ ِن ﻳـُ َﻘﺎﺗَِﻼ ِن َﻋ ْﻨﻪُ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ َﻤﺎ ﺛِﻴَ ٌ‬
‫ﺎب ﺑِ ٌ‬ ‫‪‬ﻳَـ ْﻮ َم أ ُ‬

‫‪ - 1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺷﻬﻮد اﳌﻼﺋﻜة ﺑﺪرا‪ (80/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3992 :‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪ ،9‬ط‪1421‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.379‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ْ‬
‫ِنك ُم ٓۥ أن َ ْف َشﻼ چ ]آل ﻋمﺮان‪(96/5) ،[122 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬بچٱ ذ همت طﺎ ِف َ ٰ ِن م‬
‫‪3‬‬

‫اﻟﱰﲨة ﻟﺜﻴﺎب اﻟﺒﻴﺾ‬

‫ﺑﺮﻗم‪ ،4054 :‬وﻗﺪ ﺧﺮ جه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻠﺒﺎس‪ ،‬ب اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺒﻴﺾ‪ ،(149/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،5826 :‬وﻟعﻞ ّ‬
‫تﺸﲑ إﱃ ﻛﻴﺪ ﺑعﺪ إثﺒﺎت اﳌﻼﺋﻜة‪ ،‬وﺑﻴﺎن ﺑعﺾ ﺧصﺎﺋصﻬم ﻛﺎﻟﺘﺸﻜﻞ ﻋن ﻃﺮﻳق اﳌنﻬج اﳊﺴﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ ﻫﻮ أﺷﺪ‬
‫اﻷﻟﻮان جﻠﺒﺎ ﻟﻼنﺘﺒﺎه‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫ﺳخﺮ ﷲ تعﺎﱃ اﳌﻼﺋﻜة ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋن رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬وﲪﺎﻳﺘه؛ تنﺒﻴﻬﺎ ﻟﻠﺪﻋﺎة‪ ،‬واﳌصﻠﺤﲔ أن‬ ‫ﻓﻘﺪ ّ‬
‫ﳒﺎﺣﻬم منﻮط ﲟﺪى اتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬واﺳﺘﻘﺎمﺘﻬم ﻋﻠﻰ ج رﺳﻮل ﷲ‪‬اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬وﻫﺬا ﻻ ﻳعﲏ ﲝﺎل من‬
‫اﻷﺣﻮال تعﻄﻴﻞ‪ ،‬وإﳘﺎل أﺳﺒﺎب اﻟنﱠصﺮ‪ ،‬واﻟﺘّمﻜﲔ‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻨﺰول اﳌﻼﺋﻜﺔ ﰲ غﺰوﰐ اﻷﺣﺰاب وﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈﺔ‬
‫ْ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ َُ ْ‬ ‫َ‬
‫ذكروا‬ ‫ﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن إﱃ نﺰول اﳌﻼﺋﻜة ﰲ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱ﴿ ٰٓ َهﺎ ِين ءامنوا‬
‫تَ ْع َم ُ َ‬ ‫ٗ َ ُ ُ ٗ ْ ََ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٓ ْ ُ ُُ ‪ْ ََ ٞ‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ون‬ ‫ﺎن ُ‬
‫ﷲ ب ِ َمﺎ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ِْع َمة ﷲ ِ َعليْك ُم ٓۥ إِذ َجﺎ َءتك ْم جنود فﺄ ْر َسلنَﺎ َعليْ ِه ْم ِر حﺎ وجنودا لم تروهﺎ و‬
‫ً‬
‫مع‬ ‫بَ ِص اۖ﴾ ]اﻷﺣﺰاب‪ ،[09 :‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي ﰲ تﻔﺴﲑ اﻵﻳة‪ " :‬وﻛﺎنﺖ اﳉنﻮد اﻟﱵ أرﺳﻞ ﷲ ﻋﻠﻴﻬم‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺮﻳﺢ‪ :‬اﳌﻼﺋﻜة‪".‬‬
‫وﻗﺪ ثﺒﺖ ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﺷﻬﻮد اﳌﻼﺋﻜة اﻷﺣﺰاب وﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة معﺎ ﻟﺘﻮاﻟﻴﻬمﺎ‪ ،‬ﻓعن َﻋﺎﺋِ َﺸ َة َر ِﺿ َﻲ‬
‫ﻳﻞ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺿﻲ ا ﱠ ﻋْنـﻬﺎ‪ ،‬ﻗَﺎﻟَﺖ‪ :‬ﻟَ ﱠﻤﺎ رﺟﻊ اﻟﻨّﱯ‪ِ‬ﻣﻦ اﳋَْﻨ َﺪ ِق‪ ،‬وو َ ِ‬
‫اﻟﺴﻼَ َح َوا ْغﺘَ َﺴ َﻞ‪ ،‬أَ َ ﻩُ ﺟ ِْﱪ ُ‬
‫ﺿ َﻊ ّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫َر َ ُ َ َ‬
‫ﺎل‪َ :‬ﻫﺎ ُﻫﻨَﺎ‪َ ،‬وأَ َﺷ َﺎر إِ َﱃ ﺑَِﲏ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻓَِإ َﱃ أَﻳْ َﻦ؟ ﻗَ َ‬ ‫اﻟﺴﻼَ َح؟ َوا ﱠِ َﻣﺎ َو َ‬
‫ﺿ ْﻌﻨَﺎﻩُ‪ ،‬ﻓَﺎ ْﺧ ُﺮ ْج إِﻟَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﻗَ َ‬ ‫ﺿ ْﻌ َ ِ‬
‫ﺖ ّ‬ ‫ﺎل‪ " :‬ﻗَ ْﺪ َو َ‬ ‫ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔَ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ َج اﻟﻨّﱯ‪ ‬إِﻟَْﻴ ِﻬ ْﻢ " ‪.2‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﳊﺪﻳﺚ دﻻﻟة ﻋﻠﻰ أن اﳌﻼﺋﻜة تصﺤﺐ ا ﺎﻫﺪﻳن ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬وأ ﺎ ﰲ ﻋﻮ م مﺎ اﺳﺘﻘﺎمﻮا‬
‫اﺳﺘﻘﺎمﻮا ﻓﺈن ﺧﺎنﻮا‪ ،‬وﻏﻠﻮا ﻓﺎرﻗﺘﻬم‪ ،‬وتﻘﺎس ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﲨﻴع مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ ذﻛﺮى‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻋﱪ ﺧط اﻟﺰمن؛ تﺮﻏﻴﺒﺎ ﳍم ﰲ اﳋﲑ وزجﺮا ﳍم ﻋن اﳌعﺎﺻﻲ‪ ،‬واﳌخﺎﻟﻔﺎت اﻟﱵ تعﺪ‬ ‫ﻟﻠﺪﻋﺎة‪ ،‬و ّ‬
‫‪3‬‬
‫تعﺪ من ﻋﻮاﺋق‪ ،‬وﲢﺪ ت اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬وﻓعﺎﻟﻴﺘه‪.‬‬
‫ﻓنﺰول اﳌﻼﺋﻜة‪ ،‬و ﻳﻴﺪﻫﺎ ﻟﻠمﺆمنﲔ ﰲ اﻟﻐﺰوات أمﺮ ﻻ مﺮﻳّة ﻓﻴه‪ ،‬أثﺒﺘْﺘهُ اﻟنﱡصﻮص‪ ،‬واﻟﻮﻗﺎﺋع ﺑﻞ‬
‫ﺣﱴ اﻟﻜﺘﺐ اﳌﻘﺪﺳة‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ ﺑعﻀﻬﺎ‪ ":‬إن ﷲ مﻈﻬﺮﻫم ﻋﻠﻴﻜم‪ ،‬و ﻋﺚ ﻓﻴﻬم نﺒﻴﺎ‪،‬‬ ‫دﻟﺖ ﻋﻠﻴه ّ‬
‫وﻳنﺰل ﻋﻠﻴه ﻛﺘﺎ ‪ ،‬وﳝﻠﻜﻬم رﻗﺎﺑﻜم ﻓﻴﻘﻬﺮونﻜم وﻳﺬﻟﻮنﻜم ﳊق‪ ،‬وﳜﺮج رجﺎل ﺑﲏ ﻗﻴﺪار‪ 1‬ﰲ‬

‫‪ -1‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(217/20) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنّﱯ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(111/5‬ﺑﺮﻗم‪.4117 :‬‬
‫‪ - 3‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(401/17) ،‬‬
‫‪ -1‬ﻗﻴﺪار‪ :‬من أﺑنﺎء إﲰﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﻘﻠﻘﺸنﺪي‪ ،‬ﺎﻳة اﻷرب ﰲ معﺮﻓة أنﺴﺎب اﻟعﺮب‪ ،‬ت‪ :‬إﺑﺮاﻫﻴم‬
‫اﻹﺑﻴﺎري‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻠﺒنﺎنﲔ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1400 ،2‬ﻫـ‪ 1980 ،‬م‪.(119/1) ،‬‬
‫‪104‬‬
‫ﲨﺎﻋﺎت اﻟﺸعﻮب‪ ،‬معﻬم مﻼﺋﻜة ﻋﻠﻰ ﺧﻴﻞ ﺑﻴﺾ مﺘﺴﻠﺤﲔ ﻳﻮﻗعﻮن ﺑﻜم‪ ،‬وتﻜﻮن ﻋﺎﻗﺒﺘﻜم إﱃ‬
‫اﻟنّﺎر"‪.1‬‬
‫ﻟﻠﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﻛﺎنﺖ ﺣﺎﺿﺮة ﰲ‬
‫وﰲ ﺎﻳّة ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ أﺧﻠﺺ إﱃ أن اﶈﺎور اﻟﻜﱪى ّ‬
‫ﺖ إﲨﺎﻻ ﳏﻮر اﻹﳍﻴﺎت‪ ،‬واﻟنﺒﻮات‪ ،‬واﻟﻐﻴﺒﻴﺎت‪ ،‬وﻫﺬا‬ ‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻏﻄﱠ ْ‬ ‫مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻟﻠمﻀمﻮن اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟعﻘﺪي‪.‬‬ ‫مﺎ ﻳﺆّﻛِﺪ وﻓﺎء مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ ﰲ ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ أن أﺑﺮز اﻵ ر اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻜﻞ جﺰﺋﻴّة من جﺰﺋﻴﺎت اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﻘﺪﻳّة من‬
‫ﺧﻼل اﻟﻮاﻗع اﻟﺪﱠﻋﻮي ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ورﺑﻄﻬﺎ ﺑﻘﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻮاﻗع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺮاﻫن‪.‬‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟعﻘﺪﻳّة ﻟﻴﺴﺖ ﳎﺮد معﺎرف نﻈﺮﻳّة تﺘﻮﻗّﻒ ﻋنﺪ اﳌﺴﺘﻮى‬ ‫ومن ﰒﱠ ﻳﺘﻀﺢ أن ّ‬
‫ﻔعﻞ ﰲ اﳊﻴﺎة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﺑﺘﻮﻇﻴﻔﻬﺎ اﻟﺘّﻮﻇﻴﻒ اﻷمﺜﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴق َج ْﻮَدة اﻹﳒﺎزات‬ ‫اﻟﺘﱠﺒﻠﻴﻐﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳنﺒﻐﻲ أن تُ ّ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﳌنﻬج اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬وﻫﺬا ﻳنﻄﺒق ﻋﻠﻰ ﲨﻴع اﳌﺴﺎﺋﻞ واﳉﺰﺋﻴﺎت اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﻓﻀﻼ ﻋن‬
‫اﻟﻜﻠﻴﺎت‪.‬‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬ﻫﺪاﻳة اﳊﻴﺎرى ﰲ أجﻮﺑة اﻟﻴﻬﻮد واﻟنصﺎرى‪ ،‬ت‪ :‬ﳏ ّمﺪ اﳊﺎج‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪،‬‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط ‪1416 ،1‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪.(374/2) ،‬‬

‫‪105‬‬
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ‬
‫ﺑعﺪ اﻟﺘعﺮض ﻟﺪراﺳة اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﰲ اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺴﺎﺑق‪ ،‬ﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺑعﺎد‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة من ﺧﻼل إﺑﺮاز أﺻﻮﳍﺎ ومﺎ تنﻄﻮي ﻋﻠﻴه من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﲡﺪر اﻹﺷﺎرة ﰲ ﻫﺬا‬
‫اﳌﻘﺎم إﱃ أنه ﻟﻴﺲ اﳌﺮاد ﻫﻮ تﺘﺒع تﻔﺎﺻﻴﻞ اﳉﺰﺋﻴﺎت؛ إذ ﳏﻠﻬﺎ ﻛﺘﺐ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ‪.‬‬
‫وإﳕﺎ اﳍﺪف ﻫﻮ اﻹجﺎﺑة ﻋن اﻹﺷﻜﺎل اﻟﺘﱠﺎﱄ‪ :‬مﺎ مﺪى ﺣﻀﻮر أﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﻜﱪى‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ‬
‫من أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬ومﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﳏﻞ اﻟ ِّﺪراﺳة ﺧصﻮﺻﺎ من‬
‫صﺤﻴﺢ؟ ومﺎ مﺪى انﻄﻮاء اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﳌﺴﺘمﺪ من تﻠﻚ‬ ‫ﺧﻼل اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫اﻷﺻﻮل؟‬
‫أﻫم مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‬ ‫ِ‬
‫وﺳﻮف تﻘﺘصﺮ اﻟ ّﺪراﺳة ﰲ ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ ﻋﻠﻰ اﻷﺻﻮل اﳌﺘّﻔق ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻟﻜﻮ ﺎ ّ‬
‫ﺖ ﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻓق اﳌنﻬﺠﻴّة‬ ‫اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬واﻟﺘّمﺜﻴﻞ ﺑﺒعﺾ اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴّة اﻟعمﻠﻴّة اﻟﱵ َﺣ َﻔﻠَ ْ‬
‫اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻷﺻﻮل اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ‬
‫ﻇﻞ اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺻﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ ﺣﺮﻛة اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻓق‬ ‫ﻗﺪ ﱠ‬
‫مﺎ ﻳنﺰل من اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬أو وﻓق مﺎ ﻳﻠﻘﻰ ﰲ روع اﻟنّﱯ‪ ‬من اﻟﻮﺣﻲ ﻏﲑ اﳌﺘﻠﻮ‪ ،‬وﻇﻞ اﻟﻮﺣﻲ‬
‫ﺑﺸﻘﻴه مصﺎﺣﺒﺎ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة إﱃ أن اﻛﺘمﻠﺖ‪ ،‬وﻟﺒﻴﺎن ﻋﻼﻗة ﺣﻀﻮر اﳌصﺎدر اﻷﺻﻠﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻟعمﻞ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬جﺎء ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﻟﻴﺠﻴﺐ ﻋن اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺘﱠﺎﱄ‪ :‬مﺎ مﺪى اﳊﻀﻮر اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻠمصﺎدر‬
‫صﺤﻴﺢ؟ ومﺎ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳍﺬا اﳊﻀﻮر؟ ومﺎ مﻈﺎﻫﺮه؟‬ ‫اﻷﺻﻠﻴّة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي من ﺧﻼل اﻟ ﱠ‬

‫وﺳﻮف أﻋﺎﰿ ﻫﺬه اﳉﺰﺋﻴّة من اﻟﺒﺤﺚ؛ من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‬
‫ﻻ َرﻳْﺐ أن اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ أول أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة وأﳘﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻮ ﻋمﺪة اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬وأﺻﻞ‬
‫أدﻟﺘه‪ ،‬وإن مصﺎدر اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲨﻴعﻬﺎ تﺮجع إﻟﻴه‪ ،‬ﰲ اﺳﺘمﺪاد مﺸﺮوﻋﻴﺘﻬﺎ وﺣﺠﻴﺘﻬﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﻗﺪ ﺷﻐﻠﺖ ﺣﻴﺰا ﻟﻴﺲ ﻟﻘﻠﻴﻞ من اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي؛ﻓﻘﺪ تﻀمنﺖ مﺮو ﺎ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﳌنﺰﻟة اﻟعﻈﻴمة ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ أﺑعﺎد ﳐﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ مﺎ ّ‬ ‫مﺮو ﺎ اﻟﻮاردة ﰲ اﻟ ﱠ‬

‫‪106‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳊﻀﻮر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻛمصﺪر ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي ﰲ مﻴﺪان‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة ﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه‪ ،‬ﻓمﺎ ﻫﻲ اﳌنﻬﺠﻴّة اﻟﱵ‬
‫مﻜﻮ ت ّ‬ ‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬و ُ‬
‫ﻛم َﻜ ّﻮن من ّ‬
‫ﻋﺮض ﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ أﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة؟‬
‫وﺳأﺣﺎول اﻹجﺎﺑة ﻋن ﻫﺬه اﻟﺘﺴﺎؤﻻت من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻔﺎﻫﻴﻤﻲ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‬
‫ﰲ مﻄﻠع ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻻ س أن أذ ّﻛﺮ ﳚﺎز ﻟﺒعﺪ اﳌﻔﺎﻫﻴمﻲ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻟﺘّعﺮض‬
‫ﻟﻠﺮﺳﺎﻻت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫ﻟﺘعﺮﻳﻔه اﳉﺎمع ﶈﺪدات اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻛﻜﺘﺎب ﲰﺎوي ﺧﺎﰎ ّ‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮت وتنﻮﻋﺖ تعﺮﻳﻔﺎته ﰲ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ﻏﲑ أ ﺎ ﻻ ﲣﺮج ﰲ ﳎمﻮﻋﻬﺎ ﻋن ﻛﻮن اﻟﻘﺮآن‬
‫ﳏمﺪ ‪ ،‬ﺑﻮاﺳﻄة جﱪﻳﻞ اﳌنﻘﻮل ﻟﺘﻮاتﺮ اﳌﺘعﺒﺪ‬ ‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻛﻼم ﷲ تعﺎﱃ اﳌعﺠﺰ اﳌنﺰل ﻋﻠﻰ ّ‬
‫اﳌﺘعﺒﺪ ﺑﺘﻼوته‪ ،‬اﳌﻜﺘﻮب ﰲ اﳌصﺎﺣﻒ‪.1‬‬
‫ب َم ْن‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه‪ُ َ :‬‬ ‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري إﱃ ﺿﺎﺑط مﻔﺎﻫﻴمﻲ مﻬم ﰲ إﺣﺪى تﺮاجم اﻟ ﱠ‬
‫ِ‬
‫ﲔ « ‪.2‬‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﱂْ ﻳَـ ْﺘـ ُﺮك اﻟﻨّﱯ‪‬إِﱠﻻ َﻣﺎ ﺑَـ ْ َ‬
‫ﲔ اﻟ ﱠﺪﻓﱠـﺘَـ ْ ِ‬ ‫َم ْن ﻗَ َ‬
‫وﻫﻲ تﺮﲨة تﺆﻛﺪ ﻛﻮن اﻟﻘﺮآن مﻜﺘﻮب ﰲ اﳌصﺎﺣﻒ‪ ،‬وأنه ﻻ ﻗﺮآن إﻻ مﺎ ﻫﻮ مﺪون ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻛأنه‬
‫ﻟﺸﺒﻬﺎت اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف اﻟﺘّﺸﻜﻴﻚ ﰲ أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬ ‫ﻳﺴﺘﺸﺮف مﺎ ﺳﺘﺴﻔﺮ ﻋنه اﻷ م اﳊُﺒﻠﻰ ّ‬
‫وأﻃﺮﻫﺎ اﳌﻘﺪﺳة‪ ،‬ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﺼﺪري ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‬
‫وﻳﺘﻮﱃ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ إثﺒﺎت أن اﻟﻘﺮآن مصﺪره ﲰﺎوي ر ﱐ أنﺰل ﻋﻠﻰ اﻟنّﱯ‪ ‬ﺑﻄﺮق اﻟﻮﺣﻲ‬
‫اﳌعﺮوﻓة؛ ﲤﻴﻴﺰا ﻟه ﻋن ﻏﲑه من اﻟﻜﻼم‪ ،‬ونﻔﻲ أن ﻳﻜﻮن مصﺪره ﺑﺸﺮي‪ ،‬وﻗﺪ تعﺪدت ﻃﺮق إثﺒﺎت‬
‫اﳌصﺪرﻳّة اﻟﺮ نﻴّة ﻟﻠﻮﺣﻲ‪.‬‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟ ّﺪﻻﻻت اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫وﻫﺎ ﻫﻲ مﻮاﻗﻒ من اﻟﻐﺰوات ّ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟعﻈﻴم اﻟﺰرﻗﺎﱐ‪ ،‬منﺎﻫﻞ اﻟعﺮﻓﺎن‪ ،‬مﻄﺒعة ﻋﻴﺴﻰ اﻟﺒﺎﰊ اﳊﻠﱯ وﺷﺮﻛﺎه ط‪ ،(20/1) ،2‬منﺎع اﻟﻘﻄﺎن‪ ،‬مﺒﺎﺣﺚ ﰲ‬
‫ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(190/6) ،‬‬
‫‪107‬‬
 ‫)‪(1‬‬
‫‪.1‬دﻻﻟﺔ ﻋﺘﺎب اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻋﻠى ﻣﺼﺪرﻳّﺔ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‬
‫ﻗﺪ جﺎءت آ ت ﰲ ﺳﻴﺎق اﳌﻐﺎزي ﻳعﺎتﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ نﺒﻴه ‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ إﺷﺎرة إﱃ‬
‫ر نﻴّة اﳌصﺪر؛ ﻓﻼ ﻳعﻘﻞ أ ْن ﻳعﺎتﺐ اﻟنّﱯ‪ ‬نﻔﺴه؛ أذﻛﺮ منﻬﺎ اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪.‬ﻋﺘﺎب اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﰲ ﺑﺪر‪ :‬ﻗﺪ أنﺰﻟﺖ آ ت ﰲ ﺳﻴﺎق ﻏﺰوة ﺑﺪر تعﺎتﺐ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ إﺑﻘﺎﺋه ﻋﻠﻰ‬
‫َ‬ ‫ي َح ٰ ُ ثْخ َِن ﻻ َ ِض تُر ُد َ‬ ‫َ ٓ ْ ُ َ َُ ٓ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ون َع َرض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫ِ ِ ٍء ن يكون ۥ أ ۪‬ ‫ﺎن‬‫ك َ‬ ‫اﻷﺳﺮى‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱمﺎ‬

‫يم‪ ٞ‬ې ٱچ ]اﻷنﻔﺎل‪ ،[ 67:‬ﻗﺎل اﻟﺒخﺎري ‪ ":‬ﻳعﲏ‪ :‬ﻳﻐﻠﺐ ﰲ‬ ‫َ‬ ‫اﷲ يُر ُد ﻻَخ َِرةَ َو ُ‬
‫اﷲ َع ِز ٌز‬ ‫نْيﺎ َو ُ‬
‫حكِ ۖ‬ ‫ۖ‬ ‫ِ‬ ‫۪‬
‫‪2‬‬
‫اﻷرض"‬
‫صﺤﺎﺑة ﰲ أﺳﺎرى ﺑﺪر‪ ،‬ﻓأﺷﺎر ﻋﻠﻴه اﻟصﺪﻳق أ ْن‬
‫ﻓﻘﺪ نﺰﻟﺖ اﻵﻳّة تعﺎتﺐ اﻟنّﱯ‪‬؛ ﳌﺎ اﺳﺘﺸﺎر اﻟ ﱠ‬
‫ﺧﺬ منﻬم ﻓﺪﻳّة تﻜﻮن ﳍم ﻗﻮة ﻋﻠﻰ ﻋﺪوﻫم‪ ،‬وﻳﻄﻠﻘﻬم ﻟعﻞ ﷲ أن ﻳﻬﺪﻳﻬم إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﰲ ﺣﲔ‬
‫ﺣﲔ أﺷﺎر ﻋﻠﻴه ﻋمﺮ ن تﻀﺮب أﻋنﺎﻗﻬم‪ ،‬ﻓﺮجﺢ رأي أﰊ ﺑﻜﺮ‪.3‬‬
‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ‬ ‫ب‪.‬ﻋﺘﺎب اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﰲ أﺣﺪ‪ :‬من آ ت اﻟعﺘﺎب اﻟﻮاردة ﰲ ﺳﻴﺎق اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﻗﻮل ﷲ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وب َعليْه ُم ٓۥ أ ْو يُ َع ِّذ َ ُه ْم فﺄن ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك م َِن ﻻ ْمر ْ ٌء ْو َ ُت َ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[128 :‬ﻓﻔﻲ‬ ‫هم ٰلِم ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫چ ٱل َس‬
‫ﺻ ْﻔ َﻮا َن ﺑْ ِن أ َُمﻴّة‪َ ،‬و ُﺳ َﻬْﻴ ِﻞ ﺑْ ِن‬ ‫صﺤﻴﺢ ﻋن ﺳﺎﱂ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ َﻛﺎ َن رﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ "‬ﻳَ ْﺪ ُﻋﻮ َﻋﻠَﻰ َ‬ ‫َُ‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫ك م َِن ﻻ َ ْمرٱچ إﱃ ﻗﻮﻟه ‪ -‬چٱفﺄن ْ َ ُ َ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون چ‪.4‬‬ ‫هم ٰلِم ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ﺖ چ ٱل س‬ ‫َﻋ ْم ٍﺮو‪َ ،‬واﳊَﺎ ِرث ﺑْ ِن ﻫ َﺸ ٍﺎم ﻓَـنَـَﺰﻟَ ْ‬
‫وأمﺎ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻔﺎد من اﻵﻳّة؛ ﻓﻬﻮ اﻟﺘّﺬﻛﲑ ﺻﻠﲔ ﻋﻈﻴمﲔ‪ :‬أﺻﻞ اﻟﺘﱠﻮﺣﻴﺪ ﺑﻜﻮن‬
‫اﻟنﺒﻮة اﻟﱵ ﻳﺮجع إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻳصﺪر من ﺧﻼﳍﺎ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬من‬ ‫أمﺮ اﳍﺪى‪ ،‬واﻟﻀﻼل ﺑﻴﺪ ﷲ‪ ،‬و ﺻﻞ ّ‬
‫من ﺧﻼل مصﺎﺣﺒة اﻟﺘنﺰﻳﻞ ﻟﻠﺘصﺮﻓﺎت اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪.5‬‬

‫‪ -1‬اﻟﻌﺘﺎب‪ :‬من )ﻋﺘﺐ( ومعنﺎه ﻟﻮم وﳐﺎﻃﺒة اﳌﻠﻮم ﻹدﻻل ﻃﺎﻟﺒﺎ ﺣﺴن مﺮاجعﺘه ومﺬﻛﺮا إ ه ﲟﺎ ﻛﺮﻫه منه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳎمع اﻟﻠﻐة‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪.(581/2) ،‬‬ ‫اﻟعﺮﺑﻴة‪ ،‬اﳌعﺠم اﻟﻮﺳﻴط‪ ،‬دار ّ‬
‫َ‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬بٱچٱفَإِمﺎ َمنّﺎ ۢبَ ْع ُد مﺎ ِف َد ًآء چ ]ﳏ ّمﺪ‪.(62/4) ،[04 :‬‬
‫‪- 3‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد ﰲ ﻫﺪي ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1415 ،27‬ﻫـ‪1994 ،‬م‪.(100/3) ،‬‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫]آل ﻋمﺮان‪ ،(99/5) ،[128 :‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬ ‫چ ٱل َس ك م َِن ﻻم ِر ْ ٌء چ‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‬
‫‪.4070‬‬
‫‪5‬‬
‫ﺪل دﻳن اﳌﺴﻴﺢ‪ ،307/5 ،‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬اﳊﻴﺎرى ﰲ أجﻮﺑة اﻟﻴﻬﻮد واﻟنصﺎرى‪،‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﳉﻮاب اﻟصﺤﻴﺢ ﳌن ﺑ ّ‬
‫ص‪.341‬‬
‫‪108‬‬
‫ـة اﻟﻘﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ر نﻴّة اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬وأنه ﱂ ﻳﻜن م ـن ﻟﻴﻒ اﻟنّﱯ‪،‬‬ ‫ﻓﺎﻟعﺘﺎب من اﻷدل‬
‫اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻷﳘﻴﺘه ﰲ تﻘﺮﻳﺮ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﻋن مصﺪر اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻷول؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮت آ ت‬
‫‪1‬‬
‫آ ت اﻟعﺘﺎب ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﻟﻴه ﰲ مﻘﺎم اﻟعﺘﺎب أنه ﻻ ﻳنﻘﺺ من ﻗﺪر اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻻ ﻳﺴﻠﺐ ﻋصمﺘه ﰲ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة؛ ﺑﻞ ﻳﺆﻛﺪ ﻛﻮنه ﺑﺸﺮا رﺳﻮﻻ مﺆﻳﺪا ومﻮ ﱠجﻬﺎ من ﻗﺒﻞ ﷲ تعﺎﱃ‪.‬‬
‫تﺒﻠﻴغ ّ‬
‫‪ .2‬دﻻﻟﺔ ﺗﻜﻠﻴف اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻋﻠى ﻣﺼﺪرﻳّﺔ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‬
‫أن نﺰول اﻵ ت اﻟﱵ تﺘﻀمن اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺘﻜﻠﻴﻔﻴّة اﳌﻮجﻬة ﻟﻠنﱯ ‪‬؛ ﻟﻔعﻞ أو اﻟﱰك ﻟﺪﻻﻟة ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ ر نﻴّة اﳌصﺪر‪ ،‬وأن اﻟنّﱯ‪ ‬ﺑﺸﺮ مﺒﻠغ ﻋن ﷲ‪ ،‬وداﻋﻲ إﱃ دﻳنه‪ ،‬وﻗﺪ دﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه‬
‫ٗ‬ ‫ٗ‬ ‫ْ‬
‫َ َ ْ َ َٰ َ‬‫ٓ َ‬
‫ك إِﻻ ُم َ ِّ ا َونَذِيراۖ چ ]اﻟﻔﺮﻗﺎن‪ ،[ 56:‬ﻓﻼ‬ ‫اﻟﻮﻇﻴﻔة اﻟنﱠﺒﻮﻳة آ ت ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱومﺎ أرسل‬
‫ﻳُﺘصﻮر أن مﺮ اﻟـمﺮء نﻔﺴه أو ﻳنه ﻫﺎ‪ ،‬وﻫﺬا ﻓﻴه رد ﻗﻮي ﻋﻠﻰ منﻜﺮي اﻟﻮﺣﻲ اﳌﺪﻋﲔ أنه من‬
‫من ﻟﻴﻒ اﻟنّﱯ‪ ‬أو أنه وﺣﻲ نﻔﺴﻲ‪ ،‬أو إﳍﺎم‪.2‬‬
‫صﺤﻴﺢ؛ ذات اﻟﺪﻻﻟة‬ ‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ذﻛﺮ ﳉمﻠة من اﻵ ت جﺎءت ﰲ ﺳﻴﺎق اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺘﻜﻠﻴﻔﻴّة ﻟﻠنﱯ ‪.‬‬
‫ت من ﺳﻮرة‬ ‫أ‪ .‬اﻟﺘّﻜﻠﻴف ﺑﺼﻼة اﳋﻮف ﰲ اﻟﻐﺰو‪ :‬ﻓﻘﺪ ﺑ ﱠﻮب ﳍﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ‬
‫اﻟنﺴﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺤه؛ إﺷﺎرة إﱃ ﺑُعﺪ ر نﻴّة اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ من ﺧﻼل اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬وﻫﻲ ﻗﻮﻟه‬
‫ﺎخ ُذ ٓوا ْ أَ ْسل َ‬
‫ِحتَ ُه ْ ۖم‬
‫َ َ َ َْ ُ‬ ‫ٓ َ ‪ّْ ٞ‬‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫ْ َََ ْ َ َ‬
‫ت ل ُه ُم لص ٰوة فلتَق ْم َطﺎ ِفة مِن ُهم معك و‬ ‫ك َ‬
‫نت ِ ي ِهم فﺄ م‬
‫َ ُ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ ذا‬
‫َ ٓ َ ٌ ْ ٰ َْ ُ َ ْ َُْ َ ْ َ َ َ َ َْ ُ ُ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ َْ ُ ُ ْ‬
‫ﺎخذوا حِذ َر ُه ْمچٱ‬ ‫ﺎت طﺎ ِفة خ ۪ري م يصلوا فليصلوا معك و‬‫جدوا فليَكونوا م ِْن و َرآ ِك ْ ۖم َو َ ِ‬ ‫فإِذا س‬
‫]اﻟنﺴﺎء‪.3 [101:‬‬

‫‪ - 1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﻮﻳﺪ اﳌﻄﺮﰲ‪ ،‬آ ت ﻋﺘﺎب اﳌصﻄﻔﻰ ‪ ‬ﰲ ﺿﻮء اﻟعصمة واﻻجﺘﻬﺎد‪ ،‬ﻛﻠﻴة اﻟﺸﺮﻳعة واﻟﺪراﺳﺎت اﻹﺳﻼمﻴة ﲜﺎمعة‬
‫اﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬م ﱠﻜة اﳌﻜﺮمة‪ ،‬ط‪ 1426 ،3‬ﻫـ‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،246‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﺮاء ﻓﻴه اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻛﻞ آ ت اﻟعﺘﺎب اﻟﻮاردة‬
‫ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﰒ تنﺎوﳍﺎ ﻟﺘﺤﻠﻴﻞ واﻟﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺒﻬﺎت واﻟﺘأوﻳﻼت اﻟﱵ ﳝﻜن أن تﺜﺎر ﺣﻮﳍﺎ‪ ،‬وتﻮﺻﻞ ﰲ اﻟنﻬﺎﻳة إﱃ أن‬
‫اﻟعﺘﺎب مﺎ ﻫﻮ إﻻ تصﺤﻴﺢ وتﻮجﻴه ﻻجﺘﻬﺎد اﻟنّﱯ‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺪ ذﻛﺮ اﻟﺰرﻗﺎﱐ ﺷﺒﻬﺎت منﻜﺮي اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﻓنﺪﻫﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه اﻟﻘﻴم ﻟﻠﺘﻮﺳع ﰲ اﳌﺴأﻟة ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺰرﻗﺎﱐ‪ ،‬منﺎﻫﻞ اﻟعﺮﻓﺎن‪.(76/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(14/1) ،‬‬
‫‪109‬‬
‫ﰒﱠ ذﻛﺮ روا ت تﺘعﻠق ﺑصﻼة اﳋﻮف ﻟصﻔة اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻴّة اﻟﱵ أﻗﺎمﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ،‬ومﺸﺎﻫﺪة‬
‫صﺤﺎﺑة ﻻمﺘﺜﺎﻟه ‪ ‬ﻟﻠخﻄﺎب اﻟﺘﻜﻠﻴﻔﻲ اﻟﻘﺮآن ي‪ ،‬وﻫﺬا من ﺷﺎنه أن ﻳﺮﺳخ‪ ،‬وﻳﺜﺒﺖ ﰲ‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫ﻗﻠﻮ م ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟعﻈﻴم‪.‬‬
‫ب‪ .‬اﻟﺘّﻜﻠﻴف ﲟﺼﺮف اﳋٌﻤﺲ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ‪ :‬ﻗﺪ جعﻞ اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ آﻳّة اﻷنﻔﺎل تﺮﲨة من‬
‫ﷲ ُخ ُم َس ُهۥچ] اﻷنﻔﺎل‪.1[41:‬‬
‫تﺮاجم ﻛﺘﺎب اﳋمﺲ‪ ،‬وﻫﻲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چٱ ِ ِ‬
‫وﻇﻠﺖ ﻫﺬه اﻵﻳّة ﻫﻲ اﻷﺻﻞ ﻟﺘخمﻴﺲ اﳋمﺲ‪ ،‬وﻫﻲ ﳕﻮذج تﻄﺒﻴﻘﻲ ﻟﺘنﻔﻴﺬ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻷﺣﻜﺎم‬
‫اﻟﻘﺮآن ﻋﺘﺒﺎره مﻜﻠﻔﺎ‪.‬‬
‫‪ .3‬دﻻﻟﺔ ﺗﻮﻗف اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﰲ اﻟﻨّﻮازل ﻋﻠى ﻣﺼﺪرﻳّﺔ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ :‬من اﻟﻘﻀﺎ اﻟﱵ ّ‬
‫تﺪل ﺑﻮﺿﻮح‬
‫ﻋﻠﻰ ر نﻴّة اﻟﺮﺳﺎﻟة ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬واﻟﻘﺮآن ﺧصﻮﺻﺎ تﻮﻗﻒ اﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﺑعﺾ اﻟنﻮازل ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‬
‫انﺘﻈﺎرا ﻟﻠﻮﺣﻲ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻗﺮآ أو ﺳنة‪ ،‬ومن ذﻟﻚ مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫َ َ ُ‬ ‫َْ َُ َ َ َ‬
‫أ‪.‬اﻟﺘّﻮﻗف ﰲ ﺗﻘﺴﻴﻢ غﻨﺎﺋﻢ غﺰوة ﺑﺪر‪ :‬وﻳﺸﲑ إﱃ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ سـٔ ونك ع ِن ﻻنف ِ‬
‫ﺎل ﻗ ِل‬
‫ُ ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ ََ ْ ُ ْ َ َ َْ ُ ْ ََ ُ ْ َ َ َُ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ﷲ َوا رسول فﺎ قوا ﷲ وأصلِحوا ذات ب نِك ۖم وأطِيعوا ﷲ ورسو ۥ إِن كنتم مو ِمنِ ۖچ‬
‫َ‬ ‫ﻻنفﺎل ِ ِ‬
‫]اﻷنﻔﺎل‪ ،[01:‬ﻗﺎل اﺑن جﺮﻳﺮ ﰲ تﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪" :‬إن ﷲ تعﺎﱃ أﺧﱪ ﰲ ﻫﺬه اﻵﻳّة ﻋن ﻗﻮم ﺳأﻟﻮا رﺳﻮل‬
‫‪2‬‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﻷنﻔﺎل أن ﻳعﻄﻴﻬمﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓأﺧﱪﻫم ﷲ أ ﺎ وأنه جعﻠﻬﺎ ﻟﺮﺳﻮﻟه"‪.‬‬
‫اﳌﺘخﻠﻔﲔ ﻋن‬ ‫ب‪.‬اﻟﺘّﻮﻗف ﰲ أﻣﺮ اﳌﺘّﺨﻠﻔﲔ ﻋﻦ غﺰوة ﺗﺒﻮك‪ :‬ﻓﻘﺪ ﻫﺠﺮ اﻟنّﱯ‪‬واﻟ ﱠ‬
‫صﺤﺎﺑة‬
‫اﳌﺘخﻠﻔﲔ ﻋن تﺒﻮك‪ ،‬وﱂ ﻳﻘعﻄﻮا اﳍﺠﺮ إﻻ ﺑعﺪ نﺰول تﻮﺑﺘﻬم؛ﺣﻴنﻬﺎ انﻘﺎد اﳌﺴﻠمﻮن ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‬
‫ِين ُخلّ ُِفو َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫ث ِة‬ ‫اﳌﺒﺸﺮﻳن ﳍم‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱو‬ ‫ّ‬ ‫مﻘﺘﺪﻳن ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬اﻟﺬي ﻛﺎن أول‬
‫ٓ َ‬ ‫َْ ََ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫جﺄ م َِن ِ‬
‫ﷲ إِﻻ إ ِ ْ ِه ثم‬ ‫َح إِذا ضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ﻻ ض ب ِ َمﺎ َرحبَت َوضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ٓۥ أنفس ُه ْم َوظن ٓوا أن ﻻ مل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َْ ْ ُ ُ ٓ‬
‫تﺎب علي ِهم ِ َتو و أن ﷲ هو واب رح ۖ‬
‫‪3‬‬
‫ِيم چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪. [119 :‬‬
‫ذﻛﺮت من اﻟ ّﺪﻻﻻت ﻛﺎن ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻹثﺒﺎت اﳌصﺪرﻳّة اﻟﺮ نﻴّة ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬وأنه من ﻋنﺪ ﷲ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ﻟعﻞ مﺎ‬
‫ﻓﻠﻮ ﻛﺎن من ﻋنﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪- ‬ﻛمﺎ ﻳﺰﻋم ﺑعﺾ منﻜﺮي اﻟﻮﺣﻲ‪-‬؛ﳌﺎ ﻋﺎتﺐ نﻔﺴه‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﻠّﻒ‬
‫اﻟﺸﺎﻗة‪ ،‬وﳌﺎ تﻮﻗّﻒ ﰲ اﻟنّﻮازل اﻟﱵ تﻄﺮأ ﻋﻠﻴه انﺘﻈﺎرا ﻟﻠﻮﺣﻲ‪.‬‬
‫نﻔﺴه ﻟﺘّﻜﺎﻟﻴﻒ ّ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(14/4) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(21/11) ،‬‬
‫َ ُ ُّ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫وجﻞ‪ :‬ٱچٱو‬
‫َ‬
‫ِين خلِفوا ٱچ‬ ‫ث ِة‬ ‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،‬وﻗﻮل ﷲ ﻋﺰ‬
‫]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،(3/6) ،[118 :‬ﺑﺮﻗم‪.4418 :‬‬
‫‪110‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟ ﱠﺪﻋﻮي اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪:‬‬
‫واﳌﺮاد ﺬا اﻟعنصﺮ ﻛﻮن اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ تنﺎول اﻟﻜﺜﲑ من مﻮﺿﻮﻋﺎت اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲢﺪث‬
‫ﻋن ﻏﺰوة ﺑﺪر ﰲ ﺳﻮرة اﻷنﻔﺎل‪ ،‬وأﺣﺪ ﰲ آل ﻋمﺮان‪ ،‬وتﺒﻮك‪ ،‬وﺣنﲔ ﰲ اﻟﺘﻮﺑة‪ ،‬وﻏﺰوة ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‬
‫ﰲ اﳊﺸﺮ‪ ،‬واﳊﺪﻳﺒﻴّة ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬وﺑﲏ اﳌصﻄﻠق ﰲ ﺳﻮرة اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،‬وﻓﺘﺢ م ﱠﻜة ﰲ اﻟنﱠصﺮ‪ ،‬وﻗﺪ ﻋﲏ‬
‫اﻟﺴﲑ واﳌﻐﺎزي واﶈ ّﺪثﻮن ﺬا اﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺿمنﻮا ﻛﺘﺒﻬم آ ت اﳌﻐﺎزي واﺳﺘﻔﺎدوا‬ ‫ُﻛﺘﱠﺎب ّ‬
‫منﻬﺎ ﰲ دراﺳة وﲢﻠﻴﻞ اﻟﻮﻗﺎﺋع‪ ،‬واﺳﺘنﺒﻄﻮا منﻬﺎ أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة‪.‬‬
‫ﺿمن ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي آ ت تﺘنﺎول جﻮانﺐ مﺘعﺪدة من اﻟﻐﺰوات‪،‬‬ ‫ومن ﻫﺆﻻء اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻘﺪ ّ‬
‫مﺮة؛ تﺒعﺎ ﳌنﻬﺠه ﰲ تﺮاجم أﺑﻮاﺑه‪ ،‬وانﺘﻘﺎء أﺣﺎدﻳﺜه‪ ،‬وﻳﻠﺤﻆ ﰲ‬ ‫مﺮاﻋﻴﺎ اﳌنﺎﺳﺒة اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة ﰲ ﻛﻞ ّ‬
‫إﻳﺮاده ﻟﻶ ت أنه مﺮة ﰐ ﺎ ﰲ ﺳﻴﺎق مﱳ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ومﺮة ﻳﻮﻇﻔﻬﺎ ﻛﱰاجم ﻟﻸﺑﻮاب‪.‬‬

‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج من ﻛﻞ ﻗﺴم‪:‬‬

‫‪.1‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻵ ت اﳌﺘﻮن‪ :‬واﳌﺮاد ﺑﺬﻟﻚ آ ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ ِّ‬
‫اﻟﺮوا ت اﳌﺴنﺪة اﻟﱵ‬
‫أوردﻫﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه منﺪرجة ﲢﺖ أﺑﻮاب اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷ ﱠﻜﻞ ﻛﺜﲑ منﻬﺎ مﻮﺿﻮع مﺘﻮن أﺣﺎدﻳﺚ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻟﻜﺜﺮ ﺎ ﻓأﻛﺘﻔﻲ ﻟﺘّﺪﻟﻴﻞ ﳍﺬا اﻟنﻮع ﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻐﺰوات ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺮوا ت اﻟﱵ تﻀمنﺖ آ ت نﺰﻟﺖ ﰲ ﺳﻴﺎق‬ ‫أ‪.‬ﳕﻮذج ﻣﻦ آ ت ﻣﺘﻮن غﺰوة ﺑﺪر‪ :‬من ﳕﺎذج مﺘﻮن ِّ‬
‫َ َ َ‬
‫چ ٱ ٰ ٰ ِن خ ْص َ ٰ ِن‬ ‫ﺳﻴﺎق ﻏﺰوة ﺑﺪر مﺎ جﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﻋن أﰊ ذر ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬نﺰﻟﺖ‪:‬‬
‫ﺶ‪ :‬ﻋﻠِ ٍﻲ‪ ،‬وﲪَْﺰَة‪ ،‬وﻋﺒـﻴ َﺪ َة ﺑ ِن اﳊﺎ ِر ِ‬
‫ث‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ﻳ‬‫ﺮ‬ ‫ـ‬
‫ُ‬‫ﻗ‬ ‫ن‬‫م‬‫َخ ْص َ ٰ ِن ْختَ َص ُموا ْ ِ َر ّ ِ ِه ْۖمچ ]اﳊج‪ِ ،[ 19 :‬ﰲ ِﺳﺘ ٍﱠة ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬ ‫وﺷﻴـﺒ َة ﺑ ِن رﺑِﻴعةَ‪ ،‬وﻋْﺘـﺒ َة ﺑ ِن رﺑِﻴعةَ‪ ،‬واﻟﻮﻟِ ِ‬
‫ﻴﺪ ﺑْ ِن ﻋُْﺘـﺒَةَ "‬ ‫َ ََْ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﱪي ﻋﻘﺐ اﻵﻳّة‪ ":‬اﺧﺘﻠﻒ أﻫﻞ اﻟﺘأوﻳﻞ ﰲ اﳌعﲏ ﺬﻳن اﳋصمﲔ اﻟﻠﺬﻳن ذﻛﺮﳘﺎ ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﻓﻘﺎل ﺑعﻀﻬم‪ :‬أﺣﺪ اﻟﻔﺮﻳﻘﲔ‪ :‬أﻫﻞ اﻹﳝﺎن‪ ،‬واﻟﻔﺮﻳق اﻵﺧﺮ‪ :‬ﻋﺒﺪة اﻷو ن من مﺸﺮﻛﻲ ﻗﺮﻳﺶ اﻟﺬﻳن‬
‫اﻟﺬﻳن تﺒﺎرزوا ﻳﻮم ﺑﺪر" ‪.2‬‬
‫وﻟعﻞ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻔﺎد من ﳎمﻮع اﻟﺮواﻳّة وتﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪ ،‬أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة تﻮاجه‬
‫ﲢﺪ ت ﺧﺎرجﻴّة من ﻗِﺒﻞ أﻫﻞ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﲟخﺘﻠﻒ مﻠﻠﻬم وﳓﻠﻬم ﰲ ﻛﻞ زمﺎن‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ أﰊ جﻬﻞ‪ ،(75/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3748 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(587/18) ،‬‬
‫‪111‬‬
‫ب‪ .‬ﳕﻮذج ﻣﻦ آ ت ﻣﺘﻮن غﺰوة أﺣﺪ‪ :‬من أمﺜﻠة اﻵ ت اﻟﻮاردة ﰲ مﺘﻮن ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬مﺎ رواه‬
‫ُ َ َْ َ َ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ْ‬
‫]آل ﻋمﺮان‪ ،[122 :‬ﺑﲏ‬ ‫ﻓﻴنﺎ‪ :‬ٱچٱ ذ َهمت طﺎ ِف َ ٰ ِن ِمنك ُم ٓۥ أن فشﻼ چ‬ ‫جﺎﺑﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬نﺰﻟﺖ ﻫﺬه اﻵﻳّة‬
‫ﺳﻠمة‪ ،‬وﺑﲏ ﺣﺎرثة‪ ،‬ومﺎ أﺣﺐ أ ﺎ ﱂ تنﺰل‪ ،‬وﷲ ﻳﻘﻮل‪:‬ٱچٱ َو ُ‬
‫اﷲ َو ِ ُه َمﺎ پٱچ ]آل ﻋمﺮان‪.1[122 :‬‬
‫نك ُم ٓۥ أَن َ ْف َشﻼَ َو ُ‬
‫اﷲ َو ِ ُه َمﺎ چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[122 :‬تﺸﲑ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ْ‬
‫واﻵﻳّة اﻟﻜﺮﳝة ﺑﺘمﺎمﻬﺎ‪ :‬چٱ ذ َهمت طﺎ ِف َ ٰ ِن ِم‬

‫ﺧﺎﺻة ﰲ مﻮاﻃن اﻟﺸﺪة‪،‬‬ ‫إﱃ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة واﻟﻔعﱠﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﻳﺘعﻠق ﺑﺘﻘﻮﻳّة اﻟصﻠة‬
‫وتﻜﺎﻟﺐ اﻷﻋﺪاء ﺑﺘﺤﻘﻴق اﻟﺘﻮﻛﻞ اﻟﺬي ﻫﻮ من مﻘﺎمﺎت اﻹﳝﺎن‪ ،‬وأن اﻟنﱠصﺮة تﻜﻮن ﲝﺴﺐ ﻗﻮة تﻠﻚ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصﻠة‪.‬‬
‫ج‪ .‬ﳕﻮذج ﻣﻦ آ ت ﻣﺘﻮن غﺰوة ﺑﲏ اﻟﻨﻀﲑ‪ :‬ﳑﺎ ورد من اﻵ ت اﻟﻜﺮﳝة ﺑﺸأن ﻏﺰوة ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﳔْ َﻞ ﺑَِﲏ‬ ‫مﺎ تﻀمنﺘه ﻫﺬه اﻟﺮواﻳّة اﻟﱵ رواﻫﺎ اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬ﺣ ﱠﺮ َق َر ُﺳ ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ََ ُْ ّ ّ َ ْ ََ ُُْ َ َٓ َ ً ََ‬
‫ُصول َِهﺎ فبِإِذ ِن ِ‬
‫ﷲ‬ ‫ﺖ‪ :‬ٱچ ٱمﺎ طعتم مِن ِ ن ٍة و تركتموهﺎ ﻗﺎ ِمة‬
‫ﱠﻀ ِﲑ َوﻗَﻄَ َﻊ‪َ ،‬و ِﻫ َﻲ اﻟﺒُـ َﻮﻳْـ َﺮةُ« ﻓَـنَـَﺰﻟَ ْ‬
‫اﻟﻨ ِ‬
‫ْ‬
‫َو ِ ُ ْخ ِز َي ل َ ٰسِ ِق َ ۖ چ ]اﳊﺸﺮ‪.3[05 :‬‬
‫صﻼة واﻟ ﱠﺴﻼم ﺣﲔ أمﺮ أن ﻳﻘﻄع ﳔﻠﻬم‪ ،‬وﳛﺮق‪ ،‬ﻗﺎﻟﻮا‪:‬‬ ‫ﺐ اﻵﻳّة‪" :‬روي أنه ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ﻗﺎل اﻟﺮازي َﻋﻘ َ‬
‫ﳏمﺪ ﻗﺪ ﻛنﺖ تنﻬﻰ ﻋن اﻟﻔﺴﺎد ﰲ اﻷرض ﻓمﺎ ل ﻗﻄع اﻟنخﻞ وﲢﺮﻳﻘﻬﺎ؟ وﻛﺎن ﰲ أنﻔﺲ‬ ‫ﻗﺎﻟﻮا‪ّ :‬‬
‫ﺣﱴ ﻳﺰداد ﻏﻴﻆ‬‫أنﻔﺲ اﳌﺆمنﲔ من ذﻟﻚ ﺷﻲء‪ ،‬ﻓنﺰﻟﺖ ﻫﺬه اﻵﻳّة‪ ،‬واﳌعﲎ أن ﷲ إﳕﺎ أذن ﰲ ذﻟﻚ ّ‬
‫‪4‬‬
‫أﻋﺰ أمﻮاﳍم‪".‬‬
‫ﻏﻴﻆ اﻟﻜﻔﺎر‪ ،‬وتﺘﻀﺎﻋﻒ ﺣﺴﺮ م ﺑﺴﺒﺐ نﻔﺎذ ﺣﻜم أﻋﺪاﺋﻬم ﰲ ّ‬
‫اﻟﺮازي أن اﻵﻳّة جﺎءت ﻟﱰﱠد ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻬة ﺣﺮق اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﻠنّخﻴﻞ اﻟﱵ تﺒﺪو ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ‬ ‫ﻳُﻔﻬم من ﻛﻼم ّ‬
‫ﻓﺴﺎد‪ ،‬ورد مﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺸﺒﻬﺎت اﻟﱵ تﺜﺎر ﺣﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗﺎد ﺎ‪ ،‬وﲪﻠﺘﻬﺎ من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‬
‫اﻟﻀﺮورﻳّة ﰲ ﲪﺎﻳّة اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬ومﻮاجﻬة اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪﻓه من اﻟﺪاﺧﻞ واﳋﺎرج‪.‬‬

‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟ ﱠﺪﻋﻮي اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻵ ت ّ‬

‫اﻟﱰاﺟﻢ‪ :‬واﳌﺮاد ّﻟﱰاجم ﻋنﺎوﻳن اﻷﺑﻮاب اﻟﱵ ﻳعنﻮن ﳍﺎ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺒخﺎري ﺑصﻴغ ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ومن ﻫﺬه اﻟصﻴغ جعﻞ اﻵﻳّة أو ﳎمﻮﻋة من اﻵ ت ﻋنﺎوﻳن ﻟﻠﺒﺎب‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫ك ُم ٓۥ چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،(96/5) ،[122 :‬ﺑﺮﻗم‪.3825 :‬‬ ‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب چٱ ذ همت طﺎ ِف َ ٰ ِن مِن‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.145‬‬

‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،(88/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4033 :‬‬
‫‪ -4‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(505/29) ،‬‬
‫‪ -1‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(14/1) ،‬‬
‫‪112‬‬
 ‫ﻓﻘﺪ جعﻞ ﻛﺜﲑا من آ ت اﳌﻐﺎزي ﻋنﺎوﻳن ﻟﱰاجم اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬وﻟﻀﻴق اﳌﻘﺎم أﻛﺘﻔﻲ ﻳﺮاد اﻟنّمﺎذج‬
‫اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪.‬ﳕﻮذج ﻣﻦ ﺗﺮاﺟﻢ غﺰوة أﺣﺪ‪ :‬من اﻵ ت اﻟﻜﺮﳝة اﻟﱵ جعﻠﻬﺎ تﺮﲨة ﻷﺣﺪ أﺑﻮاب ﻏﺰوة أﺣﺪ ﻗﻮﻟه‬
‫ك َس ُبو َولَ َق ْد َ َفﺎ ُ‬ ‫ْ َ َ‬‫ُ ْ َْ َ ََْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱأن ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ﷲ‬ ‫ج ْم ٰ ِن أن َمﺎ س َ ل ُه ُم لشيْ َ ٰ ُن بِبَ ْع ِض مﺎ‬ ‫ل‬ ‫ين ت َول ْوا ِمنكم يوم‬

‫ِيم‪ ٞ‬چ ]آل ﻋمﺮان‪. [ 155 :‬‬

‫‪1‬‬ ‫َ َُ ٌ َ‬ ‫َ ُْ ُ ٓ‬
‫نهم ۖۥ أن ﷲ فور حل ۖ‬
‫ﻓﺎﻵﻳّة منﺎﺳﺒة ﻟﻠمﻘﺎم؛ إذ تﺸﲑ إﱃ أن اﳌعصﻴّة وتعﺪي ﺣﺪود ﷲ ﺳﺒﺐ من أﺳﺒﺎب اﳍﺰﳝة ﻳﻮم‬
‫‪2‬‬
‫ﺣﱴ ﳛﺬرﻫﺎ اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن‪ ،‬وﻛﻞ مﻴﺪان من تعﺪي ﺣﺪود ﷲ‪ ،‬واﻟﻮﻗﻮع ﰲ اﳌخﺎﻟﻔﺎت‪.‬‬
‫أﺣﺪ ّ‬
‫ت من ﺳﻮرة اﻟﺘﻮﺑة‪،‬‬ ‫ب‪.‬ﳕﻮذج ﻣﻦ ﺗﺮاﺟﻢ غﺰوة ﺣﻨﲔ‪ :‬ﻓﻘﺪ تﺮجم اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻟﻐﺰوة ﺣنﲔ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ ُ‬
‫ٖ َو َ ْو َم حنَ ٍ ذ‬ ‫كث ِ َ‬ ‫ِ مواطِن‬ ‫ك ُم ُ‬
‫ﷲ‬ ‫اﻟﺘﻮﺑة‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﲪه ﷲ‪ ":‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱلقد ن‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ ٗ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ ََ ُْ‬ ‫ْ َ ْ ُ‬
‫نچ‬ ‫ْ‬
‫ْتم مدب ِ ِر َ ۖ‬ ‫ب ِ َمﺎ َرحبَت ثم َو‬ ‫جبَتك ْم ك َ تك ْم ف ْم تغ ِن َعنك ْم ش ﺎ َوضﺎﻗت َعليْك ُم ﻻ ض‬ ‫ع‬
‫ِيم‪ ٞ‬ٱچ"‪. 3‬‬ ‫َُ ‪ٞ‬‬
‫]اﻟﺘﻮﺑة‪ - [25 :‬إﱃ ﻗﻮﻟه ‪ -‬چ ڀٱ فور رح ۖ‬
‫ﻳﻮﺿﺤه اﺑن اﻟﻘﻴم ﺑﻘﻮﻟه‪:‬‬
‫اﻟﱰﲨة ﻓﻬﻮ ذو ﺻﻠة ّﻟﱰﲨة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﻛمﺎ ّ‬
‫وأمﺎ اﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮع ﳍﺬه ّ‬
‫صﺤﺎﺑة رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬم ﻳﻮم أﺣﺪ ﺑﺬنﻮب أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳن ﻋصﻮا رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وأﺧﻠﻮا‬
‫"وﻗﺪ ﻛﺴﺮ اﻟ ﱠ‬
‫ﺖ ﻋﻘﻮﺑة ذﻟﻚ‬ ‫ﻓعم ْ‬
‫وأﺧﻠﻮا مﺮﻛﺰﻫم‪ ،‬وا ﺰمﻮا ﻳﻮم ﺣنﲔ ﳌﺎ ﺣصﻞ ﻟﺒعﻀﻬم من اﻹﻋﺠﺎب ﺑﻜﺜﺮ م‪ّ ،‬‬
‫اﻟعﺪل واﳊﻜمة‪ ،‬ﳌﺎ ﰲ ذﻟﻚ من اﳌصﺎﱀ اﻟﱵ ﻻ ﻳعﻠمﻬﺎ إﻻ ﷲ‬ ‫ﲔ ّ‬ ‫ذﻟﻚ اﻹﻋﺠﺎب‪ ،‬وﻫﺬا َﻋ ْ ُ‬
‫تعﺎﱃ"‪.4‬‬
‫وﻋﻠﻴه ﻓﻠﻴﺤﺬر اﻟﺪﱠاﻋﻴة مﻬمﺎ آوﰐ من إمﻜﺎ ت‪ ،‬وﻗﺪرات من اﻻﻏﱰار ﺑنﻔﺴه‪ ،‬ﻓﻼ ﻳنﻘﻄع ﻋن‬
‫اﻻﻋﺘمﺎد ﻋﻠﻰ ﷲ‪ ،‬واﻟﺜﻘة ﺑه واﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻴه‪ ،‬وﻟﻴﻮﻗن أن اﻟنﱠصﺮ واﻟنﺠﺎح من ﻋنﺪه ﺳﺒﺤﺎنه‪ ،‬ومﺎ ِ‬
‫اﻟﻘ َﻮى‬
‫ِ‬
‫اﻟﻘ َﻮى اﳌﺎدﻳّة إﻻ أﺳﺒﺎب‪.1‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(98/5) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫‪ -3‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(153/5) ،‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬ﳐﺘصﺮ اﻟصﻮاﻋق اﳌﺮﺳﻠة ﻋﻠﻰ اﳉﻬمﻴة واﳌعﻄﻠة‪ ،‬ت‪ :‬ﺳﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬دار اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1422‬ه‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪1‬‬
‫ﺣﱴ اﻟعﻈم‪ ،‬ص‪.447‬‬
‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﺻﺮاع مع اﳌﻼﺣﺪة ّ‬
‫‪113‬‬
 ‫ج‪.‬ﳕﻮذج ﻣﻦ ﺗﺮاﺟﻢ غﺰوة ﺗﺒﻮك‪ :‬ﻓمن ّ‬
‫اﻟﱰاجم اﻟﻘﺮآن ﻳّة اﻟﱵ تﺮجم ﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻟﻐﺰوة تﺒﻮك‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ث ِة‬ ‫وجﻞ‪:‬ٱچٱو‬ ‫صﺤﻴﺢ ﻗﻮﻟه رﲪه ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،‬وﻗﻮل ﷲ ﻋﺰ‬
‫ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ّ‬
‫ِين ُخل ُِفو چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.[118:‬‬
‫‪1‬‬ ‫َ‬

‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‬
‫ّ‬ ‫ﺣﺚ‬
‫اﻟﱰﲨة ﺬه اﻵﻳّة اﻟﻜﺮﳝة أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة منﻬﺎ‪ :‬ﺿﺮورة ﺣﺮص اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻋﻠﻰ ّ‬ ‫وﰲ ّ‬
‫اﳌﻜﺮوﺑﲔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘّﻘﻮى‪ ،‬واﻟصﱪ‪ ،‬واﻟﺜﺒﺎت‪ ،‬واﻟصﺪق‪ ،‬وﻳﺒﲔ ﳍم أن اﻻﻋﺘصﺎم ﺬه اﻟﻘﻴّم اﻹﳝﺎنﻴّة‪،‬‬
‫واﳌﻘﺎمﺎت اﻟ ﱡﺴﻠﻮﻛﻴّة ﻫﻮ اﳌخﺮج من اﶈن‪.‬‬
‫صﺤﺎﺑة اﻟﺜﻼثة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻓصﱪوا ﻷمﺮ ﷲ‬ ‫ﻗﺎل اﺑن ﻛﺜﲑ رﲪه ﷲ تعﺎﱃ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ مﻮﻗﻒ اﻟ ﱠ‬
‫ﺣﱴ ّﻓﺮج ﷲ ﻋنﻬم ﺑﺴﺒﺐ ﺻﺪﻗﻬم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﲣﻠﻔﻬم‪ ،‬وأنه ﻛﺎن‬ ‫واﺳﺘﻜﺎنﻮا ﻷمﺮ ﷲ‪ ،‬وثﺒﺘﻮا ّ‬
‫ﻛﺎن ﻋن ﻏﲑ ﻋﺬر ﻓعﻮﻗﺒﻮا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻫﺬه اﳌﺪة‪ ،‬ﰒﱠ ب ﷲ ﻋﻠﻴﻬم‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﻋﺎﻗﺒة ﺻﺪﻗﻬم ﺧﲑا ﳍم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كونُوا َم َع ل ٰ ِد ِ َ ۖ ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪،[120 :‬‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِين َء َامنوا قوا ﷲ و‬
‫َ‬ ‫ﳍم وتﻮﺑة ﻋﻠﻴﻬم‪ ،‬وﳍﺬا ﻗﺎل‪ :‬چ ٱ َ َهﺎ‬
‫أي‪ :‬اﺻﺪﻗﻮا واﻟﺰمﻮا اﻟصﺪق تﻜﻮنﻮا من أﻫﻠه وتنﺠﻮا من اﳌﻬﺎﻟﻚ‪ ،‬وﳚعﻞ ﻟﻜم ﻓﺮجﺎ من أمﻮرﻛم‬
‫أمﻮرﻛم وﳐﺮجﺎ"‪.2‬‬
‫وﻳﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺿﺮورة اﳌﺮاﻓﻘة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠمﺬنﺒﲔ‪ ،‬وﲝﺜﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺑة مﻬمﺎ ﻋﻈم اﻟﺬنﺐ‪،‬‬
‫ﻟﺘﻮﺑة وﻏﲑﻫﺎ من‬ ‫اﻟصﻔﺎت اﳌنﺎﺳﺒة ﳌﻘﺎمﻬﺎ؛ تﻘﻮﻳّة ﻟصﻠﺘﻬم‬ ‫ِ‬
‫وتﺮﻏﻴﺒﻬم ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺘﺬﻛﲑﻫم ﻷﲰﺎء و ّ‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﻋمﺎل اﻟصﺎﳊة‪.‬‬
‫نﺖ منﻬج اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ ﰲ اﺳﺘﺜمﺎر آ ت اﳌﻐﺎزي ﰲ إﺑﺮاز‬ ‫وأﺣﺴﺐ أﱐ ﺬا أﻛﻮ ُن ﻗﺪ ﺑﻴّ ُ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬اﻟﱵ ﲡﻠﱠﺖ ﰲ ﺑعﺪﻳن ﻛﺒﲑﻳن‪ :‬اﻟﺒعﺪ اﳌصﺪري اﻟﺬي دﻟﺖ ﻋﻠﻴه دﻻﺋﻞ‬
‫اﻟﱰاجم‪ ،‬ﺣﻴﺚ تﺒﲔ من ﺧﻼل‬ ‫ﻛﺜﲑة‪ ،‬واﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﺬي ﲡﻠﻰ ﰲ آ ت اﳌﺘﻮن‪ ،‬وآ ت ّ‬
‫اﻟﱰاجم اﻟﻘﺮآنﻴّة ﻋﻠﻴﻬﺎ أن اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ مصﺪره ر ﱐ ﲰﺎوي‪ ،‬وأن‬ ‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬و ّ‬ ‫مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫آ ت اﳌﻐﺎزي ﲢمﻞ مﻀﺎمﲔ دﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة اﻷﺑعﺎد‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻨﱠﺒﻮﻳﺔ‬

‫‪ -1‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(03/6) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﺘﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪.(203/4) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.354‬‬
‫‪114‬‬
‫ﺑعﺪ ﺑﻴﺎن اﳊﻀﻮر اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري؛ ﻋﺘﺒﺎره اﻷﺻﻞ‬
‫اﻷول ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق؛ ﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﳊﻀﻮر اﻟﺪﱠﻋﻮي ﻟﻠﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﻟﻜﻮ ﺎ‬
‫اﳌصﺪر اﻟﺜﺎﱐ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة ﺑعﺪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه تﺸ ّﻜﻞ جﺰءا من مﻀمﻮن اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة من جﻬة أﺧﺮى‪ ،‬وﺳﻮف أﺣﺎول إﺑﺮاز أﻫم اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﳍﺬا اﻷﺻﻞ من ﺧﻼل مﺮو ت‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬واﻟﱵ ﳝﻜن أ ْن أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫‪1‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻔﺎﻫﻴﻤﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻨﱠﺒﻮﻳﺔ‬
‫ﻟﺒﻴﺎن اﻟﺒعﺪ اﳌﻔﺎﻫﻴمﻲ ﻟﻠﺴنة ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من أﻫم أﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬ﻻ ﺑ ّﺪ من اﻟﺘعﺮض‬
‫ﻟﺘعﺮﻳﻔﻬﺎ من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪ ،‬وﺑﻴﺎن أدﻟة ﺣﺠﻴﺘﻬﺎ من اﻟﻘﺮآن واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬واﻹﲨﺎع‪.‬‬
‫وﻗﺪ جﺎء ﻫﺬا اﻟعنصﺮ وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ﱡ‬
‫أوﱡد ﰲ اﻟﺒﺪاﻳّة إﺑﺮاز اﻟﺒعﺪ اﳌﻔﺎﻫﻴمﻲ ﻟﻠﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ن أﺿﺒط تعﺮﻳﻔﻬﺎ من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة‬
‫واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة؛ ﳚﺎز ﻳﺘﺤﻘق منه اﳌﺮاد‪.‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ‪ :‬اﻟ ﱡﺴنﱠة من مﺎدة ﺳن اﻟﱵ تعﲏ جﺮ ن اﻟﺸﻲء واﻃﺮاده‪ ،‬ومنه ﻗﻴﻞ ﻟﻠﺴنة‬
‫أ‪.‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ﱡ‬
‫اﻟﻄﺮﻳﻘة‪.2‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ ﰲ اﻻﺻﻄﻼح‪ :‬ﻋﺮﻓﺖ اﻟ ﱡﺴنﱠة اﺻﻄﻼﺣﺎ ﺑعﺪة تعﺮﻳﻔﺎت منﻬﺎ‪ :‬أ ﺎ ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘة‬ ‫ب‪ .‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ﱡ‬
‫اﳌﺴﻠﻮﻛة ﰲ اﻟ ّﺪﻳن من ﻏﲑ اﻓﱰاض وﻻ وجﻮب‪ ،‬وأﻳﻀﺎ مﺎ ﺻﺪر ﻋن اﻟنّﱯ‪ ‬من ﻗﻮل أو ﻓعﻞ أو‬
‫تﻘﺮﻳﺮ ﻋﻠﻰ وجه اﻟﺘأﺳﻲ‪ ،‬وزادت ﺑعﺾ اﻟﺘعﺎرﻳﻒ أو ﺻﻔة ﺧﻠﻘﻴّة أو ﺧﻠﻘﻴّة وﻫﻲ تُنﺴﺐ‬
‫ﻟﻠمﺤﺪثﲔ‪.1‬‬
‫واﻟﺘّعﺮﻳﻒ اﻟﺜﺎﱐ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﻮف أﻋﺘمﺪه ﰲ اﻟ ِّﺪراﺳة ﻻنه اﻷنﺴﺐ واﻷﺷﻬﺮ‪ ،‬ﻓمﻮﺿﻮع اﳌﱳ ﻻ‬
‫ﳜﺮج ﻋن ﻛﻮنه‪ :‬ﻗﻮﻻ‪ ،‬أو ﻓعﻼ‪ ،‬أو تﻘﺮﻳﺮا‪.‬‬

‫‪ -1‬تعمﺪت اﻟﺘﻔصﻴﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ اﳌﺘعﻠق ﻟﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة؛ ﳌﺎ ﻟه من أﳘﻴة ﻻ ﺳﻴمﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰمن اﻟﺬي ﻛﺜﺮت ﻓﻴه اﻟﺸﺒﻬﺎت‬
‫اﳌﺜﺎرة ﺣﻮل اﻟﺴنة وﺣﺠﻴﺘﻬﺎ‪ ،...‬وﻻ ﺷﻚ أن ذﻟﻚ من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﻬمة اﻟﺮامﻴة إﱃ مﻮاجﻬة اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴة واﳋﺎرجﻴة‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴة ﰲ اﺳﺘﻬﺪاف مصﺎدرﻫﺎ‪.‬‬
‫اﻟﱵ تﻮاجﻬﻬﺎ ّ‬
‫‪ -2‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،(60/3) ،‬ﷴ ﺑن أﲪﺪ اﻷزﻫﺮي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻟﻠﻐة‪ ،‬ت‪ ،‬ﷴ مﺮﻋﺐ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت ط‬
‫‪2001 ،1‬م‪.(210/12) ،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋمﻴم اﻹﺣﺴﺎن ا ﺪدي اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ط‬ ‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت‪ّ ،(12/1) ،‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋﱰ‪ ،‬منﻬج اﻟنﻘﺪ ﰲ ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ‪.(27/1) ،‬‬ ‫‪1424 ،1‬ﻫـ‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،116‬نﻮر اﻟﺪﻳن ّ‬
‫‪115‬‬
 ‫ﺴﻨﱠﺔ‬
‫‪ .2‬ﺣﺠﻴّﺔ اﻟ ﱡ‬
‫أﲨع اﳌﺴﻠمﻮن ﻋﻠﻰ وجﻮب ﻃﺎﻋة اﻟنّﱯ‪ ،‬واﻟعمﻞ ﺑﺴنﺘه‪ ،‬ﻗﺎل اﻹمﺎم اﻟﺸﺎﻓعﻲ‪" :‬وﻛﻞ مﺎ ﺳن‬
‫ﻓﻘﺪ أﻟﺰمنﺎ ﷲ اتﺒﺎﻋه‪ ،‬وجعﻞ ﰲ اتﺒﺎﻋه ﻃﺎﻋﺘه‪ ،‬وﰲ اﻟعنﻮد ﻋن اتﺒﺎﻋﻬﺎ معصﻴﺘه اﻟﱵ ﱂ ﻳعﺬر ﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﺧﻠﻘﺎ‪ ،‬وﱂ ﳚعﻞ ﻟه من أتﺒﺎﻋﺴنن رﺳﻮل ﷲ ﳐﺮجﺎ‪".‬‬
‫وﻗﺎل اﺑن تﻴمﻴّة‪" :‬وﻫﺬه اﻟ ﱡﺴنﱠة إذا ثﺒﺘﺖ ﻓﺈن اﳌﺴﻠمﲔ ﻛﻠﻬم مﺘﻔﻘﻮن ﻋﻠﻰ وجﻮب اتﺒﺎﻋﻬﺎ"‪،2‬‬
‫واﻷدﻟة ﻋﻠﻰ وجﻮب أتﺒﺎﻋﺎﻟ ﱡﺴنﱠة ﻛﺜﲑة‪ ،‬أذﻛﺮ منﻬﺎ مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ‬‫أ‪ .‬دﻻﻟﺔ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻋﻠى ﺣﺠﻴّﺔ اﻟ ﱡ‬
‫ﻗﺪ دﻟﺖ آ ت ﻛﺜﲑة ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ومنﺰﻟﺘﻬﺎ‪ ،‬ومﻜﺎنﺘﻬﺎ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة من ﻋ ّﺪة وجﻮه أﳋصﻬﺎ‬
‫ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِيعوا ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َُ‬
‫ﷲ َوا رسول فإن ت َول ْوا فإن ﷲ ﻻ‬ ‫اﻟﻮﺟﻪ اﻷول‪ :‬اﻷﻣﺮ ﺑﻄﺎﻋﺔ اﻟ ﱠﺮﺳﻮل ‪ : ‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫چ ٱﻗل ط‬
‫ْ‬
‫ُيحِ ب لك۪ ٰ ِف ِر َ ۖن چ ]آل ﻋمﺮان‪. [32 :‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ":‬ﻫﺬه اﻵﻳّة اﻟﻜﺮﳝة ﺣﺎﻛمة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ من ادﻋﻰ ﳏﺒة ﷲ‪ ،‬وﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻘة‬
‫اﶈمﺪي واﻟ ّﺪﻳن اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ ﲨﻴع‬
‫ﺣﱴ ﻳﺘﺒع اﻟﺸﺮع ّ‬
‫اﶈمﺪﻳّة‪ ،‬ﻓأنه ﻛﺎذب ﰲ دﻋﻮاه ﰲ نﻔﺲ اﻷمﺮ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫أﻗﻮاﻟه وأﺣﻮاﻟه" ‪.‬‬
‫ﺎﻟﺸﺮع‪ ،‬واﻗﺘﻔﺎء أﺣﻮال اﳌصﻄﻔﻰ ‪ ‬اﻟﱵ تنﺎل ﺎ ﻃﺎﻋة ﷲ وﳏﺒﻴﺘه إﻻ ﻻﻋﱰاف‬ ‫وﻻ ﳝﻜن أتﺒﺎﻋ ّ‬
‫واﻹﻗﺮار ﲝﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻛمﻔﺘﺎح ومﺪﺧﻞ منﻬﺠﻲ ﺿﺮوري ﻟﻠعمﻞ ﺎ ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ون َن م ِره ِٓۦ‬ ‫ِين يخﺎلِف‬ ‫چ ٱفليَحذ ِر‬
‫اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﳐﺎﻟﻔﺔ اﻟﻨّﱯ ‪ : ‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫َ ُ َُ ْ ٌَْ ْ ُ َُ ْ َ َ ٌ‬
‫ـﺬا ﻳع‬ ‫اب ِ ٌ ۖم چ ]اﻟنﻮر‪ ،[61 :‬ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم ﻋﻘﺐ اﻵﻳّة‪ ":‬وه‬‫أن ت ِصيبهم ِفتنة و ي ِصيبهم عذ‬
‫م ﻛﻞ م ﺧﺎﻟﻒ ﺑﻠﻐه أمﺮه ‪ ‬إﱃ ﻳﻮم اﻟﻘﻴّﺎمة‪ ،‬وﻟﻮ ﻛﺎن مﺎ ﺑﻠﻐه ﱂ ﻳﻔﺪه ﻋﻠمﺎ ﳌﺎ ﻛﺎن‬ ‫ﻳع‬
‫اﳊﺠة‬
‫مﺘعﺮﺿﺎ ﲟخﺎﻟﻔة مﺎ ﻻ ﻳﻔﻴﺪ ﻋﻠمﺎ ﻟﻠﻔﺘنة واﻟعﺬاب اﻷﻟﻴم‪ ،‬ﻓأن ﻫﺬا إﳕﺎ ﻳﻜﻮن ﺑعﺪ ﻗﻴﺎم ّ‬
‫اﻟﻘﺎﻃعة اﻟﱵ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ معﻬﺎ ﳌخﺎﻟﻒ أمﺮه ﻋﺬر"‪.4‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺸﺎﻓعﻲ‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﺷﺎﻛﺮ‪ ،‬مﻜﺘﺒه اﳊﻠﱯ‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪1358 ،1‬ﻫـ‪1940 ،‬م‪.(88/1) ،‬‬
‫‪ -2‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬ﳎمﻮع اﻟﻔﺘﺎوى‪.(85/19) ،‬‬
‫‪ - 3‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪.(32/2) ،‬‬
‫‪ - 4‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬ﳐﺘصﺮ اﻟصﻮاﻋق اﳌﺮﺳﻠة‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪116‬‬
‫ﻓﺈﺿﺎﻓة ﻟﺒﻴﺎن اﺑن اﻟﻘﻴم رﲪه ﷲ ﳋﻄﻮرة ﳐﺎﻟﻔة اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة اﻟﱵ ﻳﻠﺰم منﻬﺎ ﳐﺎﻟﻔة اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﱃ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﺿﺮوري‪ ،‬وﺧﻄﲑ‪ ،‬وﻫﻮ أﳘﻴّة اﻟﺘأﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﺳﺘمﺮارﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟ ﱡﺴنﱠة‪،‬‬
‫واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من ﳐﺎﻟﻔﺘﻬﺎ إﱃ ﻗﻴﺎم اﻟﺴﺎﻋة ﻋن ﻃﺮﻳق أﺳﻠﻮب اﻟﱰﻫﻴﺐ‪.‬‬
‫َُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُْ ْ‬
‫ِ‬
‫ﷲ‬ ‫ْ ءٖ فردوه إ ِ‬ ‫اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬وﺟﻮب اﻟﺘﺤﺎﻛﻢ إﱃ اﻟ ﱠﺮﺳﻮل ‪ :‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱت ٰز تم ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َ َٰ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫نت ْم تُوم ُِن َ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﱪي ﰲ‬ ‫ِك َخ ْ ‪َ ٞ‬وأ ْح َس ُن تَ ِﺎو ﻼچ ]اﻟنﺴﺎء‪،[58 :‬‬ ‫ون ب ِ ِ‬
‫ﺎﷲ وا وم ﻻخ ِِر‬ ‫َوا رسول إِن ك‬
‫أﻳﻀﺎ من ﻋنﺪ‬
‫تﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪ ":‬ﻓﺈن ﱂ ﲡﺪوا إﱃ ﻋﻠم ذﻟﻚ ﰲ ﻛﺘﺎب ﷲ ﺳﺒﻴﻼ‪ ،‬ﻓﺎر دوا معﺮﻓة ذﻟﻚ ً‬
‫ﻋنﺪ اﻟﱠﺮﺳﻮل إن ْ◌ﻛﺎن ﺣﻴًﺎ‪ ،‬وإن ﻛﺎن مﻴﺘًﺎ ﻓمن ﺳنﺘه"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﻄﱪي ﻳﺒﲔ من ﺧﻼل تﻔﺴﲑه ﻟﻶﻳّة وجﻮب اﻟﺘﺤﺎﻛم إﱃ اﻟ ﱡﺴنﱠة ﺑصﺮﻳﺢ اﻟعﺒﺎرة‪ ،‬و ﻛﻴﺪه ﻋﻠﻰ‬
‫أ ﺎ ﰐ ﰲ اﳌنﺰﻟة اﻟﺜﺎنﻴّة ﻟﻴّة ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬
‫ﻓعﻠﻰ اﻟ ﱠﺪاﻋﻴة أ ْن ﻳﺴﻠﻚ ﻫﺬا اﳌﺴﻠﻚ اﻟﻮجﺪاﱐ ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺖ اتﺒﺎع اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬واﻻنﻘﻴﺎد ﳍﺎ ﰲ نﻔﻮس‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟﺘﺬﻛﲑ ن اتﺒﺎﻋﻬﺎ آﻳّة من آ ت اﻹﳝﺎن‪ ،‬وأنه أوﱃ من أتﺒﺎﻋﺎﳍﻮى‪ ،‬واﻟنﻔﺲ‬ ‫ّ‬
‫اﻷمﺎرة ﻟﺴﻮء‪.‬‬
‫من ﺧﻼل اﻵ ت اﻟﺴﺎﻟﻔة ﻳﺘﻀﺢ ﲜﻼء مﺪى دﻻﻟة اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ومﻜﺎنﺘﻬﺎ‬
‫وأﳘﻴﺘﻬﺎ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬واﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﺳﺎﻟﻴﺐ ﳐﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ‬
‫ب‪.‬دﻻﻟﺔ اﳊﺪﻳﺚ اﻟﻨﱠﺒﻮي ﻋﻠى ﺣﺠﻴّﺔ اﻟ ﱡ‬
‫أن اﳌﺘأمﻞ ﰲ اﻟﻜﺘﺐ اﳊﺪﻳﺜﻴّة ﳚﺪﻫﺎ زاﺧﺮة ﳌﺮو ت اﻟ ّﺪال ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ومﻜﺎنﺘﻬﺎ ﰲ‬
‫اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‪ ،‬ﻛمﺎ ﳒﺪ أن اﶈﺪثﲔ ﻗﺪ ﺧصصﻮا ﳍﺎ أﺑﻮا ﰲ ﻛﺘﺒﻬم‪ ،‬وأﻓﺮدوا ﳍﺎ أجﺰاء ﺣﺪﻳﺜﻴّة‪ ،‬ونﻈﺮا‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻳﻜﻔﻲ اﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴﺘﻬﺎ ﲟﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬ ‫ﻟﻀﻴق اﳌﻘﺎم ﻟﺴﺮد ﻛﻞ مﺎ ّ‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎم‬ ‫اﳊﺪﻳﺚ اﻷول‪ :‬من اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة ﺣﺪﻳﺚ اﻟعﺮ ض ﺑن ﺳﺎرﻳّة‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎم ﻓﻴنﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ذات ﻳﻮم‪ ،‬ﻓﻮﻋﻈنﺎ مﻮﻋﻈة ﺑﻠﻴﻐة وجﻠﺖ منﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬وذرﻓﺖ منﻬﺎ‬
‫ُوﺻﻴ ُﻜﻢ ﺑِﺘـ ْﻘﻮى ا ﱠِ‬
‫اﻟعﻴﻮن‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ‪ :‬رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬وﻋﻈﺘنﺎ مﻮﻋﻈة مﻮدع ﻓﺎﻋﻬﺪ إﻟﻴنﺎ ﺑعﻬﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬أ ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫ﺴﻨ ِﱠﱵ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺴﻤ ِﻊ واﻟﻄﱠﺎﻋ ِﺔ‪ ،‬وإِ ْن ﻋﺒ ًﺪا ﺣﺒ ِﺸﻴﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻧﻪ ﻣﻦ ﻳ ِﻌ ِ‬
‫ﺴﻴَـ َﺮى ا ْﺧﺘ َﻼﻓًﺎ َﻛﺜ ًﲑا‪ ،‬ﻓَـ َﻌﻠَ ْﻴ ُﻜ ْﻢ ﺑ ُ‬
‫ﺶ ﻣْﻨ ُﻜ ْﻢ ﺑَـ ْﻌﺪي ﻓَ َ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫َواﻟ ﱠ ْ َ َ َ َ ْ َ َ‬

‫‪- 1‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن ﰲ وﻳﻞ اﻟﻘﺮآن‪.(50/8) ،‬‬

‫‪117‬‬
‫ت ْاﻷ ُُﻣﻮِر‪ ،‬ﻓﺄن ُﻛ ﱠﻞ ُْﳏ َﺪﺛٍَﺔ‬
‫اﺟ ِﺬ‪ ،‬وإِ ﱠ ُﻛﻢ و ُﳏْ َﺪ َ ِ‬
‫ﺴ ُﻜﻮا ِ ﺎ و َﻋﻀﱡﻮا َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ ِ ﻟﻨـﱠﻮ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ﻳﻦ‪ ،‬ﲤََ ﱠ‬
‫ﲔ اﻟ ﱠﺮاﺷﺪ َ‬ ‫اﳋُﻠَ َﻔﺎء اﻟ َْﻤ ْﻬﺪﻳِّ َ‬
‫ُﳏْ َﺪﺛٍَﺔ ﺑِ ْﺪ َﻋﺔٌ‪َ ،‬وُﻛ ﱠﻞ ﺑِ ْﺪ َﻋ ٍﺔ َ‬
‫ﺿ َﻼﻟَﺔٌ« ‪.1‬‬
‫اﻟﺴنﺪي رﲪه ﷲ ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬أراد ﺑه اﳉﺪ ﰲ ﻟﺰوم اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ﻛﻔعﻞ من أمﺴﻚ اﻟﺸﻲء ﺑﲔ‬ ‫ﻗﺎل ّ‬
‫وﻋﺾ ﻋﻠﻴه منعﺎ من أ ْن ﻳنﺘﺰع"‪.2‬‬
‫ﺑﲔ أﺿﺮاﺳه‪ّ ،‬‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺆّﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻟﺘمﺴﻚ ﺎ‪ ،‬وﻋﺪم مﻔﺎرﻗة‬ ‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻻ ّ‬
‫اﻟعمﻞ ﺎ‪ ،‬مع اﻹﺷﺎرة إﱃ أ ﺎ ﺻمﺎم أمﺎن ﻟﻸمة من اﻻﻓﱰاق واﳍﻼك‪.‬‬
‫اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬جﺎء ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬ﻋن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗﺎل‪َ » :‬دﻋُ ِﻮﱐ َﻣﺎ ﺗَـ َﺮْﻛﺘُ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬أﳕَﺎ َﻫﻠَ َ‬
‫ﻚ َﻣ ْﻦ َﻛﺎ َن ﻗَـ ْﺒـﻠَ ُﻜ ْﻢ‬
‫ﺎﺟﺘَﻨِﺒُﻮﻩُ‪َ ،‬وإِ َذا أ ََﻣ ْﺮﺗُ ُﻜ ْﻢ َِ ْﻣ ٍﺮ ﻓَﺄْﺗُﻮا ِﻣ ْﻨﻪُ َﻣﺎ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﺑِ ِِ‬
‫ﺴ َﺆاﳍ ْﻢ َوا ْﺧﺘِﻼَﻓ ِﻬ ْﻢ َﻋﻠَى أَﻧْﺒِﻴَﺎﺋِ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﻓَِإذَا ﻧَـ َﻬ ْﻴـﺘُ ُﻜ ْﻢ َﻋ ْﻦ َﺷ ْﻲء ﻓَ ْ‬
‫ُ‬
‫اﺳﺘَﻄَ ْﻌﺘُ ْﻢ«‪ .3‬‬
‫ْ‬
‫ﻓﻜﻞ مﺎ ﻰ ﻋنه اﻟنّﱯ‪ ‬من اﻷﻗﻮال واﻷﻓعﺎل‪ ،‬اﻟﻈﺎﻫﺮة واﻟﺒﺎﻃنة‪ ،‬وجﺐ تﺮﻛه‪ ،‬واﻟﻜﻒ ﻋنه‪،‬‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة ومﻜﺎنﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪.4‬‬
‫امﺘﺜﺎﻻ وﻃﺎﻋة ورﺳﻮﻟه؛ ﳑﺎ ّ‬
‫ﺴﻨﱠﺔ‪:‬‬
‫ج‪ .‬دﻻﻟﺔ اﻹﲨﺎع ﻋﻠى ﺣﺠﻴّﺔ اﻟ ﱡ‬
‫ومع ﻫﺬه اﻟنصﻮص اﻟﺪاﻟة ﺑصﺮاﺣة ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻳّﺪ ذﻟﻚ إﲨﺎع اﻷمة‪ ،‬وﻫﺬا ﺑﲔ ﰲ‬
‫ﰲ أﻗﻮال أﻫﻞ اﻟعﻠم‪ ،‬ﻓمن أﳘﻬﺎ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻓعﻲ‪ ":‬ﱂ اﲰع أﺣﺪا نﺴﺒه اﻟنﱠﺎس‪ ،‬أو نﺴﺐ نﻔﺲ إﱃ ﻋﻠم‬
‫ﻋﻠم ﳜﺎﻟﻒ ﰲ أن ﻓﺮض ﷲ ﻋﺰ وجﻞ أتﺒﺎﻋﺂمﺮ رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬واﻟﺘّﺴﻠﻴم ﳊﻜمه ن ﷲ ﻋﺰ وجﻞ ﱂ‬
‫ﳚعﻞ ﻷﺣﺪ ﺑعﺪه إﻻ اتﺒﺎﻋه‪ ،‬وأنه ﻻ ﻳﻠﺰم ﻗﻮل ﺑﻜﻞ ﺣﺎل إﻻ ﺑﻜﺘﺎب ﷲ أو ﺳنة رﺳﻮﻟه‪ ،‬وأن مﺎ‬
‫ﺳﻮاﳘﺎ تﺒع ﳍمﺎ‪ ،‬وأن ﻓﺮض ﷲ ﻋﻠﻴنﺎ‪ ،‬وﻋﻠﻰ من ﺑعﺪ ‪ ،‬وﻗﺒﻠنﺎ ﰲ ﻗﺒﻮل اﳋﱪ ﻋن رﺳﻮل ﷲ واﺣﺪ ﻻ‬
‫ﳜﺘﻠﻒ ﰲ أن اﻟﻔﺮض واﻟﻮاجﺐ ﻗﺒﻮل اﳋﱪ ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪.1" ‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﷴ ﺑن ﻳﺰﻳﺪ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﺑن مﺎجه اﻟﻘﺰوﻳﲏ‪ ،‬اﻟﺴنن‪ ،‬أﺑﻮاب اﻟﺴنة‪ ،‬ب أتﺒﺎﻋﺴنة اﳋﻠﻔﺎء‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ‬
‫اﻷر ؤوط‪ ،‬دار اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﺎﳌﻴة‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪ ،(28/1) ،‬وﻗﺎل اﶈﻘق‪" :‬ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ ﺑﻄﺮﻗه وﺷﻮاﻫﺪه"‪.‬‬
‫‪ -2‬ﷴ ﺑ ـ ـ ـ ــن ﻋﺒـ ـ ـ ــﺪ اﳍ ـ ـ ـ ــﺎدي‪ ،‬أﺑ ـ ـ ـ ــﻮ اﳊﺴ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬اﻟﺴ ـ ـ ـ ــنﺪي‪ ،‬ﺣﺎﺷ ـ ـ ـ ــﻴة اﻟﺴ ـ ـ ـ ــنﺪي ﻋﻠ ـ ـ ـ ــﻰ ﺳ ـ ـ ـ ــنن اﺑ ـ ـ ـ ــن مﺎجـ ـ ـ ــه‪ ،‬دار اﳉﻴ ـ ـ ـ ــﻞ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪) ،‬د‪.‬ت(‪) ،‬د‪.‬ط(‪.(20/1) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻻﻋﺘصﺎم ﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ب اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺴنن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،(94/9) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.6858‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺻﺮ اﻟﺴعﺪي‪ ،‬ﺠة ﻗﻠﻮب اﻷﺑﺮار وﻗﺮة ﻋﻴﻮن اﻷﺧﻴﺎر ﰲ ﺷﺮح جﻮامع اﻷﺧﺒﺎر‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺌﻮن‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1423 ،4‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.163‬‬ ‫اﻹﺳﻼمﻴة واﻷوﻗﺎف و ّ‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن إدرﻳﺲ اﻟﺸﺎﻓعﻲ‪ ،‬ﲨﺎع اﻟعﻠم‪ ،‬دار اﻷ ر‪ ،‬ط‪1423 ،1‬ﻫـ‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.03‬‬ ‫‪ -‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ ّ‬
‫‪118‬‬
‫ﻹمﺎمﺘه؛ﻓﺪل ﻗﻮﻟه ﻋﻠﻰ أن اﻟ ﱡﺴنﱠة ﺣﺠة ﲨﺎع من‬
‫ّ‬ ‫ﻓﺎﻟﺸﺎﻓعﻲ رﲪه ﷲ من أﻫﻞ اﻻﺳﺘﻘﺮاء اﻟﺘّﺎم‬
‫ﻳعﺘﺪ ﲨﺎﻋﻬم ﻋﱪ اﻟعصﻮر‪ ،‬وﻻ تنﻘﻀه اﻵراء اﳌخﺎﻟﻔة ﻟعﺪم اﻻﻋﺘﺪاد ﺻﺤﺎ ﺎ‪.‬‬
‫دل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟ ﱡﺴنﱠة إذا أﺻﻞ من أﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‪ ،‬ونﻮع من أنﻮاع اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﻗﺪ ّ‬
‫واﻹﲨﺎع‪ ،‬ﻓﻼﺑ ﱠﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﱠاﻋﻴة أ ْن ﻳعﺘﲏ ﺎ إثﺒﺎ وﻋمﻼ ودﻓﺎﻋﺎ‪.‬‬
‫ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻐﺰو؛ تﺮﺳﻴخﺎ ﳍﺬا اﻷﺻﻞ‬ ‫ﻟﺬا ﺣﺮص اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﰲ دﻋﻮته ﰲ ّ‬
‫ﰲ ﻗﻠﻮب أتﺒﺎﻋه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﺘّﻀﺢ من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﺼﺪري ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻨﱠﺒﻮﻳﺔ‬
‫ﻗﺪ دﻟّﺖ مﻮاﻗﻒ ﻛﺜﲑة ﺣﺪثﺖ ﰲ اﻟﻐﺰوات أن اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة وﺣﻲ‪ ،‬وأ ﺎ من مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﱵ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬ ‫ﻗﺪ تﺴﺘﻘﻞ ﺑﺘﺸﺮﻳع اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬وﺳﻮف أذﻛﺮ مﺎ ّ‬
‫‪.1‬دﻻﻟﺔ اﻹﻋﺠﺎز ﻋﻠى اﻟﺒﻌﺪ اﳌﺼﺪري ﻟﻠﺴﻨﺔ‪ :1‬ﻗﺪ أﻳّﺪ ﷲ تعﺎﱃ نﺒﻴه ‪ ‬ﲜمﻠة من اﳌعﺠﺰات‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻛمﺎ ّ‬ ‫ﺖ ذﻟﻚ ﻋنﺪ ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻋن دﻻﺋﻞ ّ‬ ‫اﳌﺎدﻳّة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﻴْن ُ‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة؛ ﻟﻜﻮن اﳌعﺠﺰة ﻗﺪ تعﺮض ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﻘﻮل أو اﻟﻔعﻞ‪ ،‬ﻓمن‬ ‫اﻟنﺒﻮة ّ‬ ‫ﺻﺪق ّ‬
‫اﻹﻋﺠﺎز اﻟﻘﻮﱄ إﺧﺒﺎره ﻟﻐﻴﺒﻴﺎت‪.‬‬
‫ﺲ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬أن اﻟنّﱯ‪‬‬ ‫وﻻ س أن أذ ّﻛِﺮ ﺎ ﺬا اﻟنمﻮذج من مﺮو ت ﻏﺰوة مﺆتة‪ ،‬ﻓعن أَنَ ٍ‬
‫اﺣةَ ﻟﻠنّﺎس ﻗَـْﺒ َﻞ أَ ْن َْتِﻴَـ ُﻬ ْم َﺧﺒَـُﺮُﻫ ْم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أَ َﺧ َﺬ اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ َزﻳْ ٌﺪ‬ ‫اﻟنّﱯ‪ ‬نَـ َعﻰ َزﻳْ ًﺪا‪َ ،‬و َج ْع َﻔًﺮا‪َ ،‬واﺑْ َن َرَو َ‬
‫ف ِﻣ ْﻦ‬ ‫ﻴﺐ« َو َﻋ ْﻴـﻨَﺎﻩُ ﺗَ ْﺬ ِرﻓﺎن‪ّ » :‬‬
‫ﺣﱴ أَ َﺧ َﺬ اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ َﺳْﻴ ٌ‬ ‫ِ‬
‫ﻴﺐ‪ ،‬ﰒُﱠ أَ َﺧ َﺬ اﺑْ ُﻦ َرَو َ‬
‫اﺣ َﺔ ﻓَﺄُﺻ َ‬
‫ِ‬
‫ﻴﺐ‪ ،‬ﰒُﱠ أَ َﺧ َﺬ َﺟ ْﻌ َﻔ ٌﺮ ﻓَﺄُﺻ َ‬
‫ِ‬
‫ﻓَﺄُﺻ َ‬
‫ﺣﱴ ﻓَـﺘَ َﺢ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ «‪.2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ُﺳﻴُﻮف ا ﱠ ‪ّ ،‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﲔ اﻟﺒخﺎري دﻻﻟة اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﳌﺘعﻠق ثﺒﺎت مصﺪرﻳّة اﻟ ﱡﺴنﱠة ﺑﱰﲨﺘه ﻋﻠﻴه‬
‫اﻟنﺒﻮة ﰲ اﻹﺳﻼم"‪.‬‬
‫ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻋﻼمﺎت ّ‬
‫اﻟﱰﲨة‪ ":‬اﻟعﻼمﺎت ﲨع ﻋﻼمة‪ ،‬وﻋﱪ ﺎ اﳌصنﻒ ﻟﻜﻮن مﺎ ﻳﻮرده‬ ‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ ّ‬
‫أﺧﺺ؛ﻻنه ﻳﺸﱰط ﻓﻴﻬﺎ أ ْن ﻳﺘﺤﺪى‬‫من ذﻟﻚ أﻋم من اﳌعﺠﺰة واﻟﻜﺮامة‪ ،‬واﻟﻔﺮق ﺑﻴنﻬمﺎ أن اﳌعﺠﺰة ّ‬

‫‪ -1‬وﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ أن اﻹﻋﺠﺎز ﰲ اﻟﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة ﻻ ﻳﻘﺘصﺮ ﳎﺎﻟه ﻋﻠﻰ اﻹﺧﺒﺎر ﻟﻐﻴﺒﺒﺎت‪ ،‬ﻓمﺠﺎﻟه أوﺳع ﻳﺘعﺪى إﱃ اﻹﻋﺠﺎز‬
‫اﻟعﻠمﻲ وﻏﲑه‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن وجﻮد ﻫﺬا اﻹﻋﺠﺎز ﰲ اﳌﻐﺎزي ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﳘﻴة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻺﻋﺠﺎز ﲟخﺘﻠﻒ أنﻮاﻋه‪ ،‬ﺧﺎﺻة‬
‫اﻹﻋﺠﺎز اﻟعﻠمﻲ اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻠﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫن‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة مﺆتة من أرض اﻟﺸﺎم‪ ،(143/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4262 :‬وﻗﺪ أﺷﺎر‬
‫اﻟنﺒﻮة ﰲ اﻹﺳﻼم‪.(205/4) ،‬‬
‫اﻟﺒخﺎري ﰲ تﺮﲨﺘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ :‬ب ﻋﻼمﺎت ّ‬
‫‪119‬‬
‫اﻟنّﱯ من ﻳﻜﺬﺑه‪ ،‬ن ﻳﻘﻮل إ ْن ﻓعﻠﺖ ﻛﺬﻟﻚ أتصﺪق ﱐ ﺻﺎدق أو ﻳﻘﻮل من ﻳﺘﺤﺪاه ﻻ أﺻﺪﻗﻚ‬
‫اﳌﺴﺘمﺮة‪ ،‬وﻗﺪ وﻗع‬
‫ّ‬ ‫ﺣﱴ تﻔعﻞ ﻛﺬا‪ ،‬وﻳﺸﱰط أ ْن ﻳﻜﻮن اﳌﺘﺤﺪى ﺑه ﳑﺎ ﻳعﺠﺰ ﻋنه اﻟﺒﺸﺮ ﰲ اﻟعﺎدة‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟنﻮﻋﺎن ﻟﻠنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻋﺪة مﻮاﻃن‪ ،‬وﲰﻴﺖ اﳌعﺠﺰة" ‪.‬‬
‫‪‬وﺑﻐﺾ اﻟنّﻈﺮ ﻋن اﻟﻔﺮق ﺑﲔ اﻟعﻼمة واﳌعﺠﺰة‪ ،‬ﻓأن اﳊﺎدثة داﻟة ﻋﻠﻰ ﻛﻮن اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ذات‬
‫مصﺪر ر ﱐ‪ ،‬ﻓﻬﻲ نﻮع من اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ‪ ‬ﻻ ﻳنﻄق ﻋن اﳍﻮى‪.‬‬
‫ﺬﻳن اﳋﱪﻳن‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺧﺒﺎر اﳌﺸﺎ ة ﳍﺎ ﰲ مﻮاﻗﻒ ﳐﺘﻠﻔة‪،‬‬ ‫صﺤﺎﺑة‬ ‫‪ ‬ﻓﺈﺧﺒﺎر اﻟنّﱯ‪ ‬اﻟ ﱠ‬
‫وﲢ ﱡﻘﻘﻬﺎ ﰲ اﻟﻮاﻗع وﻓق مﺎ أﺧﱪ ﻳﺰﻳﺪ تعمﻴق اﻹﳝﺎن ﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬وإدارك ﻗﻴمﺘﻬﺎ وأﳘﻴﺘﻬﺎ؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ‬
‫اﻷﺻﻞ اﻟﺮ ﱐ اﻟﺜﺎﱐ ﻟﻠﺮﺳﺎﻟة اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳة اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة‪.‬‬
‫‪ .2‬دﻻﻟﺔ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻊ ﻋﻠى اﻟﺒﻌﺪ اﳌﺼﺪري ﻟﻠﺴﻨﺔ‬
‫من اﻟﺪﻻﻻت اﻟﻘﻮﻳّة ﻋﻠﻰ اﳌصﺪرﻳّة اﻟﺮ نﻴّة ﻟﻠﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ورود اﻟﻜﺜﲑ من أﺣﻜﺎم اﻟ ﱠﺸﺮﻳعة ﻋن‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬وامﺘﺜﻠﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر؛ ﻹدراﻛﻬم أ ﺎ من ﻋنﺪ‬ ‫ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ مﺴﺘﻘﻠة ﻋن اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬وﺳﻠّم ﳍﺎ اﻟ ﱠ‬
‫ﷲ ﲟﺠﺮد ﺻﺪورﻫﺎ ﻋن رﺳﻮﻟه ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣصﻞ ﺷﻲء من ﻫﺬا ﰲ اﻟﻐﺰوات؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﲢﺮﱘ اﳌﺘعة‬
‫صﺤﺎﺑة ﲟﺠﺮد ﺑﻠﻮغ اﳊﻜم‪،‬‬ ‫اﳌﺘعة وﳊﻮم اﳊمﺮ ﻟ ﱡﺴنﱠة اﳌﺴﺘﻘﻠة ﰲ ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ؛ ﻓﺎمﺘنع ﻋنﻬﺎ اﻟ ﱠ‬
‫ﺴ ِﺎء ﻳَـ ْﻮ َم‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺑﻠﻮغ اﳊﻜم‪ ،‬ﻓعن ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬ﻧَـ َﻬى َﻋ ْﻦ ُﻣ ْﺘـ َﻌﺔ اﻟﻨّ َ‬
‫ﻳـﻮم ﺧﻴـﺒـﺮ‪ ،‬وﻋﻦ أَ ْﻛ ِﻞ ُﳊ ِ‬
‫ﻮم اﳊُ ُﻤ ِﺮ ا ِﻹﻧْ ِﺴﻴّﺔ« ‪.2‬‬‫ُ‬ ‫َْ َ ََْ َ َ َ ْ‬
‫صﺤﺎﺑة ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان‪،‬‬ ‫وﻫﺬا اﻟنـ ْﱠﻮع من اﻷﺣﻜﺎم اﻟﱵ اﺧﺘصﺖ ﺎ اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬واﻟﺘﺰمﻬﺎ اﻟ ﱠ‬
‫وانﻘﺎدوا ﳍﺎ دون تﺮﱡدد ﻛﺜﲑة‪ ،‬وﺳﻮف أﺷﲑ إﱃ ﳕﺎذج أﺧﺮى ﻋنﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ ﰲ‬
‫ﺎﻳّة ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ‪.‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ ﲨﻠة من اﻟﺪﻻﻻت اﻟﻘﻮﻳّة اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ اﳌصﺪرﻳّة اﻟﺮ نﻴّة ﻟﻠﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﻓﺎتﻀﺢ من‬
‫ﺧﻼﳍﺎ أ ﺎ ﻗﺴم من أﻗﺴﺎم اﻟﻮﺣﻲ‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟ ﱠﺪﻋﻮي اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ‬
‫أن اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ‪-‬ﻛمﺎ ﺳﻠﻒ‪-‬تنﻘﺴم ﻋﺘﺒﺎر مﺘنﻬﺎ إﱃ‪ :‬ﻗﻮﻟﻴّة‪ ،‬وﻓعﻠﻴّة‪ ،‬وتﻘﺮﻳﺮﻳّة‪ ،‬ﻓمﻮﺿﻮﻋﺎ ﺎ ﻻ‬
‫ﲣﺮج ﻫﺬه ا ﺎﻻت اﻟﺜﻼثة‪.‬‬

‫‪ - 1‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(586/6) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4216 :‬‬
‫‪120‬‬
‫وتﻘﺴﻴم اﻟ ﱡﺴنﱠة ﺬا اﻻﻋﺘﺒﺎر َوﻓﱠـَﺮ تنﻮﻋﺎ ﰲ اﻟعﺮض اﻟﺪﱠﻋﻮي ﳌﻀﺎمﻴنﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﻓمﺮة تعﺮض‬
‫ﺳﻠﻮب اﻟﻘﻮل‪ ،‬ومﺮة ﻟﻔعﻞ‪ ،‬وأﺣﻴﺎ ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ‬
‫اﻟ ﱡﺴنﱠة ﺣﺎﺿﺮة ﻓﻴﻬﺎ نﻮاﻋﻬﺎ اﻟﺜﻼثة؛ وﻫﺬا مﺎ ﺳأﺑﻴنه من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻘﻮﻟﻴّﺔ‪ :1‬ﱂ تﻜن اﻟﻐﺰوات معﺎرك ﺣﺮﺑﻴّة ﻻ تﺴمع ﻓﻴﻬﺎ إﻻ ﺻﻮت‬
‫اﻟﺴﻼح‪ ،‬وﺣﺪﻳﺚ اﳊﺮب‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺘخﻠﻠﻬﺎ ﻋمﻞ دﻋﻮي من ﺣﲔ ﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ مﻘﺘﻀﻰ‬
‫اﳊﺎل‪ ،‬ومن وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻘﻮل اﻟصﺎدر ﻋن اﳌصﻄﻔﻰ ‪ ،‬وﻗﺪ تعﺪدت ﻃﺮق ﻋﺮض مﻮﺿﻮﻋﺎت‬
‫مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﻘﻮﻟﻴّة‪ ،‬واﻟﱵ ﳝﻜن أن تﻘﺴم تﺒعﺎ ﻷﺳﻠﻮب ﻋﺮﺿﻬﺎ إﱃ ثﻼثة أﻗﺴﺎم‪:‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ اﻟﻘﻮﻟﻴّﺔ اﳋﱪﻳّﺔ‪ :‬من ﳕﺎذج ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب إﺧﺒﺎره ‪ ‬ﲟﺸﺎرﻛة اﳌﻼﺋﻜة ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬ﻓعن‬
‫أ‪ .‬اﻟ ﱡ‬
‫س ﻓَـ َﺮ ِﺳ ِﻪ‪َ ،‬ﻋﻠَْﻴ ِﻪ‬ ‫ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل اﻟنﱯ‪ ‬ﻳﻮم أﺣﺪ‪» :‬ﻫ َﺬا ِﺟ ِﱪﻳﻞ‪ِ ،‬‬
‫آﺧ ٌﺬ ﺑَِﺮأْ ِ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫أ ََداةُ اﳊَْﺮ ِب« ‪ ،2‬ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬ﻓﻴه اﺳﺘعمﺎل اﻷداة ﰲ اﳊﺮب"‪.3‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل اﻟنﱠﺒﻮي أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة منﻬﺎ اﻹﺷﺎرة إﱃ اﲣﺎذ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﱵ ﻫﻲ أﺻﻞ‬
‫اﺳﺘعمﺎل‪ ،‬وتﻮﻇﻴﻒ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﺘﺎﺣة ﻹﳒﺎﺣﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺑعﺎد ﻛﺘﻘﺮﻳﺮ اﻹﳝﺎن ﳌﻼﺋﻜة ﻋﺘﺒﺎره من مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﺳﺘعمﺎل أﺳﻠﻮب‬
‫اﻟﺒﺸﺎرة اﻟﺬي ﻳعﺪ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة‪ ،‬وﻫﻮ أﺳﻠﻮب منﺎﺳﺐ جﺪا ﳌﻘﺎم اﻷزمﺎت وﺣﺎﻻت‬
‫اﻟعﺴﺮ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻴه ﻓﺎﻟﺪﱠاﻋﻴة اﻟنﺎجﺢ ﻫﻮ من ﳛﺴن اﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮل اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻠمﻘﺎم‪ ،‬من ﺣﻴﺚ اﳌﻀمﻮن‬
‫وأﺳﻠﻮب اﻟعﺮض‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن أﻋﻈم مﺎ ﻳعﻴنه ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ تﺪﺑﺮ‪ ،‬و مﻞ اﻷﻗﻮال اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﺳﺘمﺮار‪،‬‬
‫واﳊﺮص ﻋﻠﻰ ﻓﻘﻬﻬﺎ‪ ،‬وتنﺰﻳﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗع اﻟﺪﱠﻋﻮي ‪.‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ اﻟﻘﻮﻟﻴّﺔ اﻹﻧﺸﺎﺋﻴّﺔ‪ :‬من أﻏﺮاض اﻷﺳﻠﻮب اﻹنﺸﺎﺋﻲ اﻟﻮاردة ﺑﻜﺜﺮة ﰲ اﻟ ﱡﺴنﱠة ﻏﺮض‬ ‫ب‪ .‬اﻟ ﱡ‬
‫اﻟﺪﱡﻋﺎء‪ ،‬ومن أمﺜﻠﺘه ﰲ اﻟﻐﺰوات دﻋﺎءه ‪ ‬ﻷﺻﺤﺎﺑه ‪ ،‬ﻳﻮم ﻏﺰوة اﳋنﺪق‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ص ُﺎر َْﳛ ِﻔُﺮو َن ِﰲ َﻏ َﺪاةٍ َ ِرَدةٍ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺧﺮج رﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪‬إِ َﱃ اﳋَنْ َﺪق‪ ،‬ﻓَﺈِذَا اﳌَُﻬﺎج ُﺮو َن‪َ ،‬واﻷَنْ َ‬ ‫ََ َ َ ُ‬

‫‪ -1‬اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻘﻮﻟﻴﺔ‪ :‬ﻫﻲ إﺧﺒﺎر اﻟنﱯ‪ ‬مﺮ من اﻷمﻮر ﰲ ﳐﺘﻠﻒ اﻷﻏﺮاض ِّ‬
‫اﻟﺪﻳنﻴﱠة واﻟﺪنﻴﻮﻳة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳊﺴﲔ آﻳﺖ ﺳعﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺴنة‬ ‫ّ‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳّة وﺣﻲ‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة اﳌصﺤﻒ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(94/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4041 :‬‬
‫‪ - 3‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﺷﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(150/21) ،‬‬
‫‪121‬‬
 ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺶ‬ ‫ﺎل‪» :‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ أن َ‬
‫اﻟﻌ ْﻴ َ‬ ‫ﻮع‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﱠص ِ‬
‫ﺐ َواﳉُ ِ‬ ‫ﻚ َﳍُْم‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ َرأَى َمﺎ ْم م َن اﻟن َ‬ ‫ﻓَـﻠَ ْم ﻳَ ُﻜ ْن َﳍُْم َﻋﺒِﻴ ٌﺪ ﻳَـ ْع َمﻠُﻮ َن ذَﻟ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺼﺎ ِر َواﳌَُﻬ ِﺎﺟ َﺮْﻩ« ﻓَـ َﻘﺎﻟُﻮا ُﳎﻴﺒِ َ‬
‫ﲔ ﻟَهُ‪:‬‬ ‫ﺶ اﻵﺧ َﺮْﻩ‪ ،‬ﻓَﺎ ْغﻔ ْﺮ ﻟ ْﻸَﻧْ َ‬ ‫َﻋ ْﻴ ُ‬
‫ﺎد َمﺎ ﺑَِﻘﻴنَﺎ أَﺑَ َﺪا‪.1‬‬
‫َْﳓن اﻟﱠ ِﺬﻳن ﻳـعﻮا ﳏمﺪا ‪ ...‬ﻋﻠَﻰ اﳉِﻬ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ َُ ّ‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل اﻟنﱠﺒﻮي اﻟﺬي جﺎء ﰲ ﺳﻴﺎق اﻟﺪﱡﻋﺎء أﺑعﺎد‪ ،‬ودﻻﻻت دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة منﻬﺎ‪ :‬اﻟﺜنﺎء ﻋﻠﻰ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬اﻟﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﻷﺧﺮة‪ ،‬وﻓﻴه مﺸﺎرﻛة وتﻔﺎﻋﻞ وجﺪاﱐ؛ ﻳﻈﻬﺮ من ﺧﻼل اﻻنﺴﺠﺎم اﻟعﻔﻮي‬ ‫ّ‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻛﻴﺪا ﻋﻠﻰ مﺸﺮوﻋﻴّة تﻮﻇﻴﻒ اﻟﺸعﺮ ﻟﻠﱰوﻳﺢ واﻟﺘنﻔﻴﺲ‬ ‫ﻟﻠﻘﻮل اﻟنﱠﺒﻮي مع مﺎ ﻛﺎن ﻳﺮﲡﺰه اﻟ ﱠ‬
‫ﻻ ﺳﻴمﺎ ﰲ أوﻗﺎت اﻷزمﺎت‪.‬‬
‫ﻳﺆﻛﺪ اﻟصﻼﰊ ﻫﺬا اﻟﺘﻮازن ﺑﲔ اﳉﺪ واﻟﱰوﻳﺢ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﳉﻴﻞ اﻷول ﳍﺬه اﻷمة ﻳﻔﻬم اﳊﻴﺎة‬
‫صﻼة واﻟنﺴﻚ‪ ،‬وتﺸمﻞ اﻟعمﻞ ﻛﻠه‪ ،‬وتﺸمﻞ ﳊﻈة اﻟﱰوﻳﺢ‬ ‫اﳊﻴﺎة ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ أ ﺎ ﻋﺒﺎدة تﺸمﻞ اﻟ ﱠ‬
‫ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻼ ﺷﻲء ﰲ ﺣﻴﺎة اﻹنﺴﺎن ﻛﻠﻬﺎ ﺧﺎرج من داﺋﺮة اﻟعﺒﺎدة‪ ،‬وإﳕﺎ ﻫﻲ ﺳﺎﻋة ﺑعﺪ ﺳﺎﻋة ﰲ‬
‫أنﻮاع ﳐﺘﻠﻔة من اﻟعﺒﺎدة‪ ،‬ﻛﻠﻬﺎ ﻋﺒﺎدة وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ أنﻮاﻋﻬﺎ وﳎﺎﻻ ﺎ"‪.2‬‬
‫ﺴﻨﱠﺔ اﻟﻘﻮﻟﻴّﺔ اﳉﺎﻣﻌﺔ ﻟﻸﺳﻠﻮﺑﲔ‪ :‬وأﻋﲏ ﺑﺬﻟﻚ أن اﻟﻘﻮل اﻟنﱠﺒﻮي ﻟﻴﺲ ﻟﻀﺮورة أن ﻳﻜﻮن إمﺎ‬
‫ج‪ .‬اﻟ ﱡ‬
‫ﺧﱪ أو إنﺸﺎﺋﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻘﺘﻀﻲ اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮي أن ﻳﻮﻇﻒ أﻛﺜﺮ من أﺳﻠﻮب‪ ،‬وأﻛﺜﺮ من ﻏﺮض ﰲ‬
‫آن واﺣﺪ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ من ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،‬ﻓعن ﺳعﺪ ﺑن أﰊ وﻗﺎص ‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ‬
‫أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺧﺮج إﱃ تﺒﻮك‪ ،‬واﺳﺘخﻠﻒ ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﲣﻠﻔﲏ ﰲ اﻟصﺒﻴﺎن واﻟنﺴﺎء؟ ﻗﺎل‪» :‬أَﻻَ‬
‫ﱯ ﺑَـ ْﻌ ِﺪي« ‪.3‬‬
‫ﺲ ﻧَِ ﱞ‬ ‫ﺎرو َن‪ِ ،‬ﻣ ْﻦ ُﻣ َ ِﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺿى أَ ْن ﺗَ ُﻜﻮ َن ﻣ ِّﲏ ِﲟَْﻨ ِﺰﻟَﺔ َﻫ ُ‬
‫»أَﻻَ ﺗَـ ْﺮ َ‬
‫ﻮﺳى إﻻ أﻧﻪ ﻟَْﻴ َ‬
‫ﺳﻠﻮب مﻘنع‬ ‫ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﻟه أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة مﺘعﺪدة منﻬﺎ‪ :‬ﺑﻴﺎن منﺰﻟة ﻋﻠﻲ‬
‫ﻳﺘأﺻﻞ من ﺧﻼل مﻘﺎرنة منﺰﻟﺘه من اﻟنّﱯ‪ ‬ﲟنﺰﻟة ﻫﺎرون من مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻬمﺎ اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬مع اﻟﺘأﻛﻴﺪ‬
‫اﻟنﺒﻮة ﺑﻮﻓﺎة اﻟنّﱯ‪‬؛ ﻗﻄعﺎ ﻟﻠﻄﺮﻳق أمﺎم اﻻﳓﺮاف واﻟﻐﻠﻮ ﰲ ﻋﻠﻲ ‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻰ انﻘﻄﺎع ّ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(107/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4099 :‬‬
‫‪ -2‬ﻋﻠﻲ اﻟصﻼﰊ‪ ،‬تﺒصﲑ اﳌﺆمنﲔ ﺑﻔﻘه اﻟنصﺮ واﻟﺘمﻜﲔ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬اﻟﺸﺎرﻗة‪ ،‬اﻹمﺎرات‪ ،‬ط ‪1422 ،1‬‬
‫ﻫـ‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،(03/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4416 :‬‬
‫‪122‬‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬ﻛﻈﻬﻮر‬
‫وﰲ اﻟﺮواﻳّة ﺑعﺪ دﻋﻮي اﺳﺘﺸﺮاﰲ ﺧﻔﻲ ﻳﺸﲑ إﱃ مﺎ ﺳﻴﺤصﻞ من ﻓﱳ ﺑعﺪ ﻓﱰة ّ‬
‫اﻟنﺒﻮة؛ وﻫﺬا من ﺷﺎنه أ ْن ﻳﺆﺳﺲ ﻟصنﺎﻋة ﻋﻠم اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‬‫اﳌﺘنﺒﺌﲔ‪ ،‬واﻟﻔﺮق اﳌنﺤﺮﻓة ﻋن منﻬﺎج ّ‬
‫مﺒﻜﺮا‪.1‬‬
‫ﻓﺎﳌﻼﺣﻆ من ﻫﺬه اﻟنّمﺎذج ﺣﻀﻮر اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﻘﻮﻟﻴّة ﺳﺎﻟﻴﺐ مﺘنﻮﻋة‪ ،‬ﻓﺎﻷول أﺳﻠﻮب ﺧﱪي‪،‬‬
‫واﻟﺜﺎﱐ أﺳﻠﻮب إنﺸﺎﺋﻲ ﻃﻠﱯ ﻏﺮﺿه اﻟﺪﱡﻋﺎء‪ ،‬واﻟﺜﺎﻟﺚ أﺳﻠﻮب جﺎمع‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻀمن أﺳﻠﻮب اﺳﺘﻔﻬﺎم‬
‫اﺳﺘﻔﻬﺎم ﻏﺮﺿه اﻟﺘﺤﻀﻴﺾ‪ ،‬وأﺳﻠﻮب ﺧﱪي ﻏﺮﺿه اﻟنﻔﻲ‪.2‬‬
‫ﲣﲑ اﻷﺳﻠﻮب اﻟﻘﻮﱄ اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻜﻞ مﻘﺎم‪،‬‬ ‫وﻓﻴمﺎ ﺳﺒق أﺳﻮة ﻟﻠﺪﻋﺎة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﱠاﻋﻴة اﻟنّﺎجﺢ ﳛﺮص ﻋﻠﻰ ﱡ‬
‫ومن ﻫنﺎ ﰐ أﳘﻴّة اﻟعنﺎﻳّة ﻟﻠﻐة‪ ،‬واﻷدب واﻟﺘﺤﻜم ﰲ ﺻﻴّة اﻟﺒﻴﺎن ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬وﻫﺬا ﻻ‬
‫ﳝﻜن أ ْن ﻳﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺎن اﻟعﺮﰊ ﻓﻘط‪ ،‬ﺑﻞ ﳚﺐ أ ْن ﻳﻄﺎل ﲨﻴع اﻟﻠﱡﻐﺎت‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ‪ :3‬من وﺳﺎﺋﻞ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌمﺎرﺳة اﻟﻔعﻠﻴّة اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻴّة‪ ،‬ﻓأﺣﻴﺎ‬
‫ﻻ ﳝﻜن تﺒﻠﻴغ اﻟﻔﻜﺮة أو اﳌعﻠﻮمة إﻻ ﻋن ﻃﺮﻳق اﶈﺎﻛﺎة‪ ،‬واﻟﺪﱠاﻋﻴة اﳊﻜﻴم ﻫﻮ من ﳛﺴن تﻮﻇﻴﻒ‬
‫اﻟﻮﺳﻴﻠة واﻷﺳﻠﻮب اﳌنﺎﺳﺒﺎن ﻟﻠمﻘﺎم‪ ،‬وﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﳕﺎذج تﻄﺒﻴﻘﻴّة ﻓعﻠﻴّة من اﻟﻔعﻞ اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻛﺎن ﳍﺎ اﻷثﺮ اﻟﻔعﱠﺎل ﰲ ﲢﻘﻴق أﺑعﺎد اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ونﻈﺮا ﻟﺘعﺪد اﻷﺑعﺎد اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة ﻟﻠﻔعﻞ اﻟنﱠﺒﻮي؛ ﻓﺴﻮف أﻛﺘﻔﻲ ﻳﺮاد اﻷﺑعﺎد اﻟعﺎمة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪ ،‬مع‬
‫اﻟﺘمﺜﻴﻞ ﻟﻜﻞ ﺑعﺪ ﲟﺜﺎل من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪:‬‬
‫أ‪ .‬اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ‪ :‬أن مﻜﺎنة اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻋﻠﻮ ﻗﺪره ﱂ ﳝنعﺎنه من اﳌﺸﺎرﻛة‬
‫تﺪل ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ‬ ‫ﺣﱴ ﻳﻜﻮن أﺳﻮة ﻟﻠﺪﻋﺎة من ﺑعﺪه‪ ،‬ومن اﻟنّمﺎذج اﻟﱵ ّ‬ ‫اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة‪ّ ،‬‬
‫ﳕﻮذج مﺸﺎرﻛﺘه ‪ ‬ﰲ ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق ﺑنﻘﻞ اﻟﱰاب‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﻓعﺎل اﻟﺒﺪنﻴّة‪.‬‬
‫اب‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳـﻮم اﻷ ْ ِ‬
‫اب‪َ ،‬وﻗَ ْﺪ َو َارى اﻟﺘـَﱡﺮ ُ‬ ‫َﺣَﺰاب ﻳَـْنـ ُﻘ ُﻞ اﻟﺘـَﱡﺮ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ﺖ َر ُﺳ َ‬
‫ﻓعن اﻟﱪاء ﺑن ﻋﺎزب ﻗﺎل‪َ :‬رأَﻳْ ُ‬
‫ﺖ‬‫ﺖ ﻣﺎ ْاﻫﺘَ َﺪﻳْـﻨَﺎ‪ ،‬وﻻَ ﺗَﺼ ﱠﺪﻗـْﻨَﺎ وﻻَ ﺻﻠﱠْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻧ ِﺰﻟَﻦ ﺳﻜِﻴﻨَﺔً َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬وﺛـَﺒِّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ﺎض ﺑَﻄْنِ ِه‪َ ،‬وُﻫ َﻮ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل‪» :‬ﻟَ ْﻮﻻَ أَﻧْ َ َ‬ ‫ﺑَـﻴَ َ‬
‫‪1‬‬
‫ادوا ﻓِ ْﺘـﻨَﺔً أَﺑَـْﻴـﻨَﺎ«‪.‬‬
‫اﻷَﻗْ َﺪ َام إِ ْن ﻻَﻗَـْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬أن اﻷ َُﱃ ﻗَ ْﺪ ﺑَـﻐَ ْﻮا َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ إِذَا أ ََر ُ‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪ -2‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬اﻟﺒﻼﻏة اﻟعﺮﺑﻴة دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬اﻟﺪار اﻟﺸﺎمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1416 ،1‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪.(296/1) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ‪ :‬ﻫﻲ أن ﻳﻔعﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬أمﺮا من اﻷمﻮر‪ ،‬ﻓﻴنﻘﻞ إﻟﻴنﺎ أﺻﺤﺎﺑه ﻛﻴﻔﻴة ذﻟﻚ اﻟﻔعﻞ‪ ،‬ﻛﻮﺿﻮﺋه‪ ،‬وﺻﻼته م‪،‬‬
‫وﺣﺠه‪ ،‬ومﺎ إﱃ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳊﺴﲔ آﻳﺖ ﺳعﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة وﺣﻲ‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،(26/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2837 :‬‬
‫‪123‬‬
‫ﻓﻬﺬا اﻟﻔعﻞ اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة اﻟعﻈﻴمة ﻟه أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة مﺘعﺪدة‪ ،‬ﻛﺎﳌﺴﺎﳘة ﰲ تﻘﻮﻳّة وﲤﺎﺳﻚ‬
‫صﺤﺎﺑة‬
‫ﻓعﺎل‪ ،‬ﻓعمﻞ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬مع اﻟ ﱠ‬ ‫اﳉﺒﻬة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة‪ ،‬وﻫﻮ ﺑعﺪ دﻋﻮي نﻔﺴﻲ‪ ،‬واجﺘمﺎﻋﻲ ّ‬
‫ﺣﱴ ﺑﺬﻟﻮا مﺎ ﰲ ُوﺳعﻬم ﻹﳒﺎز ﺣﻔﺮ‬
‫مة ﻋﺎﻟﻴّة ﻻ تعﺮف اﻟﻜﻠﻞ‪ ،‬أﻋﻄﻰ اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة ﻷﺻﺤﺎﺑه ّ‬
‫ﺣﻔﺮ ذﻟﻚ اﳋنﺪق‪.1‬‬
‫ب‪.‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘّﻌﻠﻴﻤﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﻔعﻞ اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات إﻗﺎمة اﻟﺸعﺎﺋﺮ‪ ،‬وتنﻔﻴﺬ‬
‫صﻼة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪ ‬ﳛﺮص ﻋﻠﻰ إﻗﺎمﺘﻬﺎ ﺳﻔﺮا وﺣﻀﺮا‪ ،‬مع‬ ‫اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬ومن أﳘﻬﺎ اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﺎﺑة مﺎ ﻳﺴﺘﺠﺪ من جﺰﺋﻴﺎ ﺎ‪ ،‬ونﻮازﳍﺎ ﺑﺴﺐ اﻟﻄﻮارئ ﻛأﺣﻜﺎم ﺻﻼة اﻟﺴﻔﺮ‪ ،‬وأﺻﺤﺎب‬ ‫تعﻠﻴم اﻟ ﱠ‬
‫ﺼﻼة«‪.2‬‬ ‫وأﺻﺤﺎب اﻷﻋﺬار‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أَﻗَ ْﻤﻨَﺎ َﻣ َﻊ اﻟﻨّﱯ‪َ ‬ﻋ ْﺸ ًﺮا ﻧَـ ْﻘ ُ‬
‫ﺼ ُﺮ اﻟ ﱠ‬
‫ﺼﻼة«‪.2‬‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﺎﺑة ﺧﺎﺻة اﳌﺴﻠمﲔ اﳉﺪد‬ ‫وﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي آﺧﺮ ﻳﺴﺘﻔﺎد من اﻟﻔعﻞ اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﻠم اﻟ ﱠ‬
‫أﺣﻜﺎم ﺻﻼة اﻟﺴﻔﺮ ﳌنﻬج اﳊﺴﻲ اﻟعمﻠﻲ‪ ،‬وﻫﻮ منﻬج ﻓﻄﺮي ﻳﺴﺘﻮﻋﺒه ﻛﻞ اﻟنﱠﺎس‪.‬‬
‫ج‪.‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘﻮاﺻﻠﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ‪ :‬أن اﻟﺪﱠاﻋﻴة اﻟنﺎجﺢ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺴعﻰ ﻟﻠﺘعﺮف ﻋﻠﻰ نﻔﺴﻴﺎت‬
‫ﺑﱰدد اﳌﺪﻋﻮ ﰲ‬ ‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وﻳﺘﻮاﺻﻞ معﻬم ﻟنّمط اﻟﺘّﻮاﺻﻠﻲ اﳌنﺎﺳﺐ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺣﺎﻟة إﺣﺴﺎس اﻟﺪﱠاﻋﻴة ّ‬ ‫ّ‬
‫تنﻔﻴﺬ اﻷمﺮ ﻟﺴﺒﺐ من اﻷﺳﺒﺎب‪ ،‬ﻋﻠﻴه ﰲ ﻫﺬه اﳊﺎﻟة أ ْن ﻳﺒﺎدر ﻫﻮ ﻟﺘنﻔﻴﺬه‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘه ﻋمﻠﻴﺎ أمﺎمه‪،‬‬
‫وﻫﻮ ﻳﺸﺎﻫﺪه‪.‬‬
‫صﺤﺎﺑة ﰲ اﻟﻐﺰو ﻓِﻄُْﺮه ‪‬ﰲ اﻟﻄﺮﻳق إﱃ ﻏﺰوة ﺣنﲔ؛ﻟﻴُﻘﺘﺪى ﺑه‬ ‫ومن اﻷﻓعﺎل اﻟنﱠﺒﻮﻳة اﻟﱵ ﺷﺎﻫﺪه اﻟ ﱠ‬
‫ﻀﺎ َن إِ َﱃ‬
‫ج اﻟﻨّﱯ‪ِ‬ﰲ َرَﻣ َ‬
‫ﺑه ﰲ اﻷﺧﺬ ﺑﺮﺧصة اﻟﻔﻄﺮ‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ " :‬ﺧ َﺮ َ‬
‫ﱭ أ َْو َﻣ ٍﺎء‪ ،‬ﻓَـ َﻮ َ‬
‫ﺿ َﻌﻪُ َﻋﻠَى‬ ‫اﺣﻠَﺘِ ِﻪ‪َ ،‬د َﻋﺎ ِِ َ ٍء ِﻣ ْﻦ ﻟَ َ ٍ‬
‫ﲔ‪ ،‬واﻟﻨﱠﺎس ُﳐْﺘ ِﻠ ُﻔﻮ َن‪ ،‬ﻓَﺼﺎﺋِﻢ وﻣ ْﻔ ِﻄﺮ‪ ،‬ﻓﻠ ﱠﻤﺎ اﺳﺘـﻮى ﻋﻠَى ر ِ‬
‫ََْ َ َ‬ ‫َ ٌ َُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُﺣﻨَـ ْ ٍ َ‬
‫ﺼ ﱠﻮ ِام‪ :‬أَﻓْ ِﻄ ُﺮوا "‪.3‬‬
‫ﺎل اﳌُْﻔ ِﻄ ُﺮو َن ﻟِﻠ ﱡ‬ ‫راﺣﺘِ ِﻪ‪ ،‬أَو ﻋﻠَى ر ِ‬
‫اﺣﻠَﺘِ ِﻪ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻧَﻈََﺮ إِ َﱃ اﻟﻨﱠﺎس ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ََ ْ َ َ‬
‫ﻓﻔعﻠه ‪ ‬ﺬه اﻟﻜﻴﻔﻴّة ﻛﺎن ﰲ ﻏﺎﻳّة اﳌنﺎﺳﺒة ﻹزاﻟة اﻻرتﻴﺎب ﰲ مﺸﺮوﻋﻴّة اﻷﺧﺬ ّﻟﺮﺧصة‪ ،‬ﳑﺎ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﻜمﺘه اﻟﺒﺎﻟﻐة ﰲ إدارة اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻗﺎل زﻛﺮ اﻷنصﺎري‪ ":‬وﳛﺘمﻞ أ م ﳐﺘﻠﻔﻮن ﰲ‬
‫ّ‬
‫أنه ‪ ‬ﺻﺎﺋم أو مﻔﻄﺮ"‪.1‬‬

‫‪-1‬اﻟصﻼﰊ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة ﻋﺮض وﻗﺎﺋع وﲢﻠﻴﻞ أﺣﺪاث‪.596 ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﻘﺎم اﻟنّﱯ‪ ‬ﲟ ﱠﻜة زمن اﻟﻔﺘﺢ‪ ،(150/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4313 :‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻔﺘﺢ ﰲ رمﻀﺎن‪ ،146/5 ،‬ﺑﺮﻗم‪.4277 :‬‬
‫‪ -1‬زﻛﺮ اﻷنصﺎري‪ ،‬منﺤة اﻟﺒﺎري ﺑﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(394/7) ،‬‬
‫‪124‬‬
 ‫ﺗﺮدد‬ ‫اﻧﻘﻴﺎد‬

‫ﺣﱴ‬
‫اﻟﺮﺧصة إﻇﻬﺎرا ﺑﻴنﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﺣﻠة؛ ﻟﲑاه ﻛﻞ اﻟنﱠﺎس ّ‬‫ﻓﺎﻗﺘﻀﻰ اﻷمﺮ أ ْن ﻳُﻈﻬﺮ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓعﻞ ّ‬
‫ﻳﻘﺘﺪوا ﺑه‪ ،‬وﻳﺰول اﳋﻼف ﰲ أوﺳﺎﻃﻬم‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻟﺪﱠاﻋﻴة أ ْن ﰐ ﻟﻔعﻞ ﻟﻜﻴﻔﻴّة اﳌنﺎﺳﺒة‪ ،‬و ﻟﻄﺮﻳﻘة‬
‫اﻟﱵ ﲢ ّﻘق اﳍﺪف اﻟﺪﱠﻋﻮي ﺑﻔعﻠﻴّة وجﻮدة ﻋﺎﻟﻴّة‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳّﺔ‪ :1‬تعﺪ اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳّة من أنﻮاع اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﱵ ﻳﺜﺒﺖ ﺎ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‬
‫ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬واﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي ﺧصﻮﺻﺎ‪ ،‬واﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳّة مﺎ دامﺖ ﺬه اﳌﻜﺎنة‪ ،‬ﻇﻠﺖ ﺣﺎﺿﺮة ﰲ‬
‫مﺘنﻮﻋة ﲝﺴﺐ مﻘﺘﻀﻰ اﳊﺎل‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من ﺧﻼل اﻟنّمﺎذج اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻐﺰوات ﺳﺎﻟﻴﺐ ّ‬

‫‪ -1‬اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﺔ‪ :‬ﻫﻲ أن ﻳﻘﺮ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗﻮﻻ أو ﻓعﻼ وﻗع أمﺎمه‪ ،‬أو ﺑﻠﻐه وﱂ ﻳنﻜﺮه‪ ،‬ﺑﻞ ﺳﻜﺖ ﻋنه‪ ،‬أو أﻇﻬﺮ اﺳﺘﺤﺴﺎنه‪،‬‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ أن ذﻟﻚ اﻟﻔعﻞ ﺳنة‪ ،‬ﳑﺪوح ﻓﺎﻋﻠه‪ ،‬ﻷنه ﻟﻮ ﻛﺎن منﻜﺮا ﻷنﻜﺮه‪ ،‬إذ ﻻ ﻳﻘﺮ أﺣﺪا ﻋﻠﻰ ﻃﻞ‪ ،‬وتﺴﺘمﺪ اﻟﺴنة‬
‫ﻓﻜﻞ ذﻟﻚ ﻳ ّ‬
‫اﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳة ﺣﺠﻴﺘﻬﺎ من أمﻮر‪:‬‬
‫أوﻻً‪ :‬ﻻ ﳚﻮز ﰲ ﺣﻘه ‪ ‬ﺧﲑ اﻟﺒﻴﺎن ﻋن وﻗﺖ اﳊﺎجة إذ ﺳﻜﻮته ﻳ ّ‬
‫ﺪل ﻋﻠﻰ جﻮاز ذﻟﻚ ﲞﻼف ﺳﻜﻮت ﻏﲑه‪.‬‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ َو ُ‬
‫اﷲ‬ ‫ﻧﻴﺎً‪ :‬أن من ﺧصﺎﺋﺺ اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬وجﻮب إنﻜﺎر اﳌنﻜﺮ‪ ،‬ﻻ ﻳﺴﻘط ﻋنه ﳋﻮف ﻋﻠﻰ نﻔﺴه ﻟﻘﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه و‬
‫َ‬
‫ﺎسچٱ]اﳌﺎﺋﺪة‪.[69:‬‬ ‫يَ ْع ِص ُمك ِم َن ا‬

‫ﻟﺜﺎً‪ :‬إﲨﺎع اﳌﺴﻠمﲔ ﻋﻠﻰ أن مﺎ ﺻﺪر من اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬من ﻗﻮل‪ ،‬أوﻓعﻞ‪ ،‬أو تﻘﺮﻳﺮ وﻛﺎن مﻘصﻮداً ﺑه اﻟﺘﺸﺮﻳع واﻻﻗﺘﺪاء‪ ،‬ونﻘﻞ‬
‫ومصﺪرا تﺸﺮﻳعﻴﺎً ﻳﺴﺘنﺒط منه ا ﺘﻬﺪون‬
‫ً‬ ‫إﻟﻴنﺎ ﺑﺴنﺪ ﺻﺤﻴﺢ ﻳﻔﻴﺪ اﻟﻘﻄع أو اﻟﻈن اﻟﺮاجﺢ ﺑصﺪﻗه ﻳﻜﻮن ﺣﺠة ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ‪،‬‬
‫اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴة ﻷﻓعﺎل اﳌﻜﻠﻔﲔ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳊﺴﲔ آﻳﺖ ﺳعﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة وﺣﻲ‪ ،‬ص‪ ،4‬رﻗﻴة ﺑنﺖ نصﺮ ﷲ نﻴﺎز‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‬
‫اﳌصﺪر اﻟﺜﺎﱐ ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ ومﻜﺎنﺘﻬﺎ من ﺣﻴﺚ اﻻﺣﺘﺠﺎج واﳌﺮتﺒة واﻟﺒﻴﺎن واﻟعمﻞ‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة اﳌصﺤﻒ‬
‫اﻟﺸﺮﻳﻒ ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪125‬‬
‫أ‪.‬ﳕﻮذج اﻹﻗﺮار ﳌﺼﻠﺤﺔ‪ :‬ﻗﺪ تﻘﺘﻀﻲ اﳊﻜمة‪ ،‬ومصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة أ ْن ﻳـُ ْع ِﺮض اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋن اﻟﻘﻮل‬
‫ﺎﻫ ٍﺪ‪ ،‬أن‬ ‫صﺤﻴﺢ ﻋن ُﳎ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫واﻟﻔعﻞ‪ ،‬وﻳﻜﺘﻔﻲ ﻹﻗﺮار‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ إﻗﺮاره ﻟﻠعﺒﺎس اﺳﺘﺜنﺎء اﻹذﺧﺮ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟ ﱠ‬
‫ض‪ ،‬ﻓَ ِﻬ َﻲ َﺣ َﺮ ٌام‬
‫ﺴ َﻤ َﻮات َواﻷ َْر َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬ﻗَ َﺎم ﻳَـ ْﻮَم اﻟ َﻔْﺘ ِﺢ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أن ا ﱠ ﺣ ﱠﺮم ﻣ ﱠﻜﺔ ﻳـﻮم َﺧﻠَ َﻖ اﻟ ﱠ ِ‬ ‫أن َر ُﺳ َ‬
‫ﺎﻋﺔً ِﻣ َﻦ اﻟ ﱠﺪ ْﻫ ِﺮ‪،‬‬
‫ﻂ إِﱠﻻ َﺳ َ‬‫َﺣ ٍﺪ ﺑَـ ْﻌ ِﺪي‪َ ،‬وَﱂْ َﲢِْﻠﻞ ِﱄ ﻗَ ﱡ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِﲝﺮ ِام ا ﱠِ إِ َﱃ ﻳـﻮِم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪َ ،‬ﱂ َِﲢﻞﱠ ِﻷ ٍ ِ‬
‫ْ‬ ‫َﺣﺪ ﻗَـْﺒﻠﻲ َوﻻَ َﲢ ﱡﻞ ﻷ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ّ‬ ‫ََ‬
‫ﻀ ُﺪ َﺷ ْﻮُﻛ َﻬﺎ‪َ ،‬وﻻَ ُﳜْﺘَـﻠَى َﺧﻼَ َﻫﺎ‪َ ،‬وﻻَ َِﲢ ﱡﻞ ﻟَُﻘﻄَﺘُـ َﻬﺎ إِﱠﻻ ﻟِ ُﻤْﻨ ِﺸ ٍﺪ«‪ .‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‬ ‫اﻟ ﱠﺪ ْﻫ ِﺮ‪ ،‬ﻻَ ﻳـُﻨَـ ﱠﻔ ُﺮ َ‬
‫ﺻ ْﻴ ُﺪ َﻫﺎ‪َ ،‬وﻻَ ﻳُـ ْﻌ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‪2‬‬ ‫ﺑْن َﻋْﺒ ِﺪ اﳌﻄﱠﻠِ ِ‬
‫ﺐ‪ :‬إِﱠﻻ ا ِﻹ ْذ ِﺧﺮ‪ 1‬رﺳ َ ِ‬
‫ﺎل‪:‬‬
‫ﺖ ﰒﱠ ﻗَ َ‬
‫ﲔ ‪َ ،‬واﻟﺒُـﻴُﻮت‪ ،‬ﻓَ َﺴ َﻜ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﻓأنه ﻻَ ﺑُ ﱠﺪ مْنهُ ﻟﻠْ َﻘ ْ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ُِ‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫»إِﱠﻻ ا ِﻹ ْذﺧ َﺮ ﻓﺄﻧﻪ َﺣﻼَ ٌل« ‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن مﺒﻴنﺎ وجه اﻹﻗﺮار ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺜنﺎء اﻹذﺧﺮ‪ ":‬وﳚﻮز أن ﷲ تعﺎﱃ أﻋﻠم رﺳﻮﻟه ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ‬
‫‪4‬‬
‫ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ اﶈﺮمﺎت ﻋنﺪ اﻻﺿﻄﺮار‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﺳأل اﻟعﺒﺎس ذﻟﻚ أجﺎب ﺑه"‪.‬‬
‫ﺣﱴ ﻻ ﻳﻮﻗعﻬم‬ ‫وﻳﺆﺧﺬ من ذﻟﻚ ﺿﺮورة ﻓﻘه اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻟﻘﻀﺎ اﻟﻀﺮورات وتنﺰﻳﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ واﻗع اﻟنﱠﺎس‪ّ ،‬‬
‫اﳊق‪ ،‬مع اﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ‬‫ﰲ اﻟعﺴﺮ واﳊﺮج‪ ،‬اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻜﻮن من مﻮانع اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬واﻹﻋﺮاض ﻋن اتﺒﺎع ّ‬
‫ﺿﺮورة تﻘﻴﻴﺪ اﳌصﻠﺤة ﻟﻀﻮاﺑط اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﻴنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﳛﺬر اﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ﰲ اﻹﻗﺮار ﻏﲑ اﳌنﻀﺒط‬
‫ﺣﱴ ﻻ تﺘمﻴع اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﺪﻋﻮى اﳌصﻠﺤة‪ ،‬واﻟﺘّـْﻴﺴﲑ‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻟ ّﺪﻋﺎوى‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ب‪ .‬ﳕﻮذج ﻋﺪم اﻹﻗﺮار ﻋﻠى اﳌﺨﺎﻟﻔﺔ‪ :‬إذا ﻛﺎن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳُﻘﱡﺮ ﻋﻠﻰ اﳌعﺮوف‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﻻ‬
‫ﻳﻘﱡﺮ ﻋﻠﻰ ﳐﺎﻟﻔة اﻟﺸﺮع مﻬمﺎ ﻛﺎن ﻓﺎﻋﻠه‪ ،‬وﻫﺬا ﺿﺎﺑط ﺿﺮوري ﻳﻘﻮي ﺣﺠﻴّة اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟﺘّﻘﺮﻳﺮﻳّة‪ ،‬و من‬
‫صﺎ ِر َوأ ََمَﺮُﻫ ْم‬ ‫ِ‬
‫ﺎﺳﺘَـ ْع َم َﻞ َر ُج ًﻼ م َن اﻷَنْ َ‬
‫ﺚ اﻟنّﱯ‪ ‬ﺳﺮﻳّة ﻓَ ْ‬ ‫من أمﺜﻠة ذﻟﻚ‪ :‬مﺎ رواه ﻋﻠﻲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑَـ َع َ‬
‫ﺲ أ ََمَﺮُﻛ ُم اﻟنّﱯ‪ ‬أَ ْن تُ ِﻄﻴعُ ِﻮﱐ؟ ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﺑَـﻠَﻰ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪:‬‬ ‫ﺎل‪ :‬أَﻟَْﻴ َ‬‫ﺐ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﻷَنْ َ ِ‬
‫صﺎر َوأ ََمَﺮُﻫ ْم أَ ْن ﻳُﻄ ُﻴعﻮهُ‪ ،‬ﻓَـﻐَﻀ َ‬
‫ِ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻬ ﱡمﻮا َو َج َع َﻞ‬‫وﻫﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ْ :‬اد ُﺧﻠُ َ‬‫ﺎﲨَعُﻮا ِﱄ َﺣﻄَﺒًﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺠ َمعُﻮا‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬أ َْوﻗ ُﺪوا َ ًرا‪ ،‬ﻓَأ َْوﻗَ ُﺪ َ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻓَ ْ‬
‫ﻗَ َ‬
‫ت اﻟنّﺎر‪ ،‬ﻓَ َﺴ َﻜ َن‬ ‫ﻚ ﺑـعﻀﺎ‪ ،‬وﻳـ ُﻘﻮﻟُﻮ َن‪ :‬ﻓَـﺮرَ إِ َﱃ اﻟنّﱯ‪ِ ‬من اﻟنّﺎر‪ ،‬ﻓَمﺎ زاﻟُﻮا ﺣﱴ َﲬَ َﺪ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ﻀ ُﻬ ْم ﳝُْﺴ ُ َ ْ ً َ َ‬ ‫ﺑَـ ْع ُ‬
‫وف« ‪.1‬‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻟَﻮ َد َﺧﻠُﻮﻫﺎ ﻣﺎ َﺧﺮﺟﻮا ِﻣْﻨـﻬﺎ إِ َﱃ ﻳـﻮِم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪ ،‬اﻟﻄﱠﺎ َﻋﺔُ ِﰲ اﳌَﻌﺮ ِ‬
‫ُْ‬ ‫َْ ّ‬ ‫َ َ َُ َ‬ ‫ﻀﺒُهُ‪ ،‬ﻓَـﺒَـﻠَ َغ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ ْ‬ ‫َﻏ َ‬

‫‪ -1‬اﻹذﺧﺮ‪ :‬ﺣﺸﻴﺸة معﺮوﻓة ﻃﻴﺒة اﻟﺮﻳﺢ تﻮجﺪ ﳊﺠﺎز‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(76/1) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻘﲔ‪ :‬ﻫﻮ اﳊﺪاد‪ ،‬واﻟصﺎﺋغ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳة‪.(228/4) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﻘﺎم اﻟنّﱯ‪ ‬ﲟ ﱠﻜة زمن اﻟﻔﺘﺢ‪ ،150/5 ،‬ﺑﺮﻗم‪.4313 :‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(574/3) ،‬‬
‫‪126‬‬
‫أمﲑ اﻟﺴﺮﻳّة ﻋﻠﻰ ﻓعﻠه‪ ،‬ﻛمﺎ ﱂ ﻳﻘﺮ أﺻﺤﺎﺑه ﻟﻮ أﻃﺎﻋﻮه ﻓﻴمﺎ أمﺮﻫم ﺑه‪ ،‬ﺑﻞ أﻗﺮﻫم‬ ‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﱂ ﻳُﻘﺮ َ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﺪم مﻮاﻓﻘﺘﻬم ﻷمﲑﻫم‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﻫﻮ ﺧﺎرج داﺋﺮة اﳌعﺮوف؛ إرﺳﺎء ﻟﻘﻮاﻋﺪ‪ ،‬وأﺳﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳة‬
‫اﻟﺸﺮﻋﻴّة اﻟﱵ تنﻈم ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺮاﻋﻲ ﻟﺮﻋﻴّة اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺬي ﻳﻀﺒط‬
‫ﻫﺬه اﻟعﻼﻗة‪ ،‬ﰲ تﺮﲨﺘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب اﻟﺴمع واﻟﻄﺎﻋة ﻟﻺمﺎم مﺎ ﱂ تﻜن معصﻴّة"‪.‬‬
‫اﻟﻀﺎﺑط‪ ،‬ﻓعﻠﻰ‬‫وﻳﺆﺧﺬ من اﳊﺪﻳﺚ ﻛﺬﻟﻚ أن اﻟعﻼﻗة ﺑﲔ اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬واﳌﺪﻋﻮ ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن تنﻀﺒط ﺬا ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮ أ ْن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى من اﻟﻮﻋﻲ‪ ،‬ﻳعصمه من اﻷتﺒﺎﻋﺎﻷﻋمﻰ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة مﻬمﺎ ﻛﺎن ﻗﺪره‪ ،‬إذا‬
‫ﻛﺎن مﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴه ﳐﺎﻟﻔﺎ ﻷﺻﻮل اﻟ ّﺪﻳن‪ ،‬وﻗﻮاﻋﺪه اﻟﻜﻠﻴّة‪.‬‬
‫َ ُ ْٓ‬
‫ﻓﻘﺎل‪ :‬ٱچٱ تخذوا‬ ‫من أجﻞ ذﻟﻚ ذم ﷲ تعﺎﱃ اﻟنصﺎرى جﺮاء اتﺒﺎع أﺣﺒﺎرﻫم ﰲ ﻛﻔﺮﻫم وﺿﻼﳍم‪،‬‬
‫ٗ‬
‫َ ٓ َْ َُ ْ َ ُ َْ َُ ُ ٓ َْ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫ﷲ ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[31:‬ﻗﺎل اﺑن جﺮﻳج ﰲ تﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪" :‬وﻻ‬ ‫ت خذوا أحبﺎرهم وره ٰنهمۥ أر ﺎبﺎ مِن د ِ‬
‫ون ِ‬
‫ﻳﺘخﺬ ﺑعﻀنﺎ ﺑعﻀﺎ أر من دون ﷲ"‪ ،‬ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻻ ﻳﻄع ﺑعﻀنﺎ ﺑعﻀﺎ ﰲ معصﻴّة ﷲ‪ .‬وﻳﻘﺎل إن تﻠﻚ‬
‫تﻠﻚ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴّة‪ :‬أن ﻳﻄﻴع اﻟنﱠﺎس ﺳﺎد م وﻗﺎد م ﰲ ﻏﲑ ﻋﺒﺎدة‪ ،‬وإن ﱂ ﻳصﻠﻮا ﳍم"‪.2‬‬
‫ﻛﻴﺪ اﻹﻗﺮار ﻓﻼ‬ ‫د‪ .‬ﳕﻮذج اﻹﻗﺮار ﺳﺘﺤﺴﺎن اﻟﻔﻌﻞ‪ :‬ﻓﻘﺪ ﻳﻘﺘﻀﻲ اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮي أﺣﻴﺎ‬
‫ﻳﻜﺘﻔﻰ ﻓﻴه ﲟﺠﺮد اﻟﺴﻜﻮت‪ ،‬ﻓﻴعﺰز مﻮر‪ ،‬ﻛﺎﻟﺪﱡﻋﺎء ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺤﺴن ﺣﺪاء ﻋﺎمﺮ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻓﻴه‪:‬‬
‫اﻟﻠﻬﻢ ﻟﻮﻻ أﻧﺖ ﻣﺎ اﻫﺘﺪﻳﻨﺎ ‪ ...‬وﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﺎ وﻻ ﺻﻠﻴﻨﺎ‬
‫ﻓﺎغﻔﺮ ﻓﺪاء ﻟﻚ ﻣﺎ أﺑﻘﲔ ا ‪ ...‬وﺛﺒﺖ اﻷﻗﺪام إن ﻻﻗﻴﻨﺎ‬
‫ـﺎ ‪ ...‬إ إذا ﺻﻴﺢ ﺑﻦ ـﺎ أﺑﲔ ـﺎ‬ ‫وأﻟﻘﲔ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻋﻠﲔ‬
‫ﺴﺎﺋِ ُﻖ« ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻋ ِﺎﻣ ُﺮ ﺑْ ُﻦ اﻷَ ْﻛ َﻮ ِع‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫‪3‬‬
‫ﺎل‪» :‬ﻳَـ ْﺮ َﲪُﻪُ ا ﱠُ«‪.‬‬ ‫ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا اﻟ ﱠ‬
‫‪ ،‬واﻗﺮاره ﻋﻠﻰ ﻓعﻠه‪":‬‬ ‫ﻗﺎل اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ ﲟﺎ ﻳﺒﲔ اﺳﺘﺤﺴﺎن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﺸعﺮ ﻋﺎمﺮ‬
‫‪1‬‬
‫ﻻنه ‪ ‬مﺎ ﻛﺎن ﻳﺪﻋﻮ ﻷﺣﺪ ّﻟﺮﲪة ﳜصه ﺎ إﻻ اﺳﺘﺸﻬﺪ‪".‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺳﺮﻳة ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة‪ ،(161/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4340 :‬وﻗﺪ أﺧﺮجه اﻟﺒخﺎري أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب‬
‫اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬وتﺮجم ﻋﻠﻴه ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب اﻟﺴمع واﻟﻄﺎﻋة ﻟﻺمﺎم مﺎ ﱂ تﻜن معصﻴة"‪ ،(63/9) ،‬ﻓﻬﻲ ﲢﺪد أﻫم ﺿﺎﺑط من ﺿﻮاﺑط‬
‫ﻃﺎﻋة ومﺘﺎﺑعة أوﱄ اﻷمﺮ من اﻷمﺮاء واﻟعﻠمﺎء‪ ،‬ﻓﺎﳌﺪﻋﻮ ﻻ ﺑﺪ أن تﻜﻮن اﺳﺘﺠﺎﺑﺘه واﻋﻴة‪ ،‬وﻟﻠﺪاﻋﻴة مﺴﺆوﻟﻴة ﰲ تﻮﻋﻴﺘه ﺬا‬
‫اﻷﺻﻞ اﻟعﻈﻴم‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(488/6) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(130/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3960 :‬‬
‫‪ -1‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(91/9) ،‬‬
‫‪127‬‬
‫د‪.‬ﳕﻮذج اﻹﻗﺮار ﻟﺴﻜﻮت ﻋﻠى اﻟﻔﻌﻞ‪ :‬ﳑﺎ ورد ﰲ ﻫﺬا اﻟنﻮع ﺣﺪﻳﺚ اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪،‬‬
‫صَﺮ ِﰲ‬ ‫اﻟع ْ‬ ‫ﺼ َﺮ إِﱠﻻ ِﰲ ﺑَِﲏ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔَ« ﻓَأ َْد َرَك ﺑَـ ْع ُ‬
‫ﻀ ُﻬ ُم َ‬ ‫اﻟﻌ ْ‬
‫َﺣ ٌﺪ َ‬ ‫ﲔأَ‬‫ﺼﻠِّ َ ﱠ‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳﻮم اﻷﺣﺰاب‪» :‬ﻻَ ﻳُ َ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻓَ ُﺬﻛَِﺮ‬ ‫ِ‬ ‫ﺎل ﺑـعﻀﻬم‪ :‬ﺑﻞ نُ ِ‬ ‫اﻟﻄﱠ ِﺮ ِﻳق‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل ﺑـعﻀﻬم‪ :‬ﻻَ نُ ِ‬
‫صﻠّﻲ‪َ ،‬ﱂْ ﻳُِﺮْد ِمنﱠﺎ َذﻟ َ‬ ‫ﺣﱴ َْتﻴَـ َﻬﺎ‪َ ،‬وﻗَ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫صﻠّﻲ ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُُ ْ‬
‫ﻓﺪل ﺳﻜﻮته ﻋﻠﻰ إﻗﺮار اﻟﻔﺮﻳﻘﲔ ﻋﻠﻰ اجﺘﻬﺎدﻫم ﰲ ﻓﻬم‬ ‫اﺣ ًﺪا ِمْنـ ُﻬ ْم ‪ّ ،1‬‬
‫ﻒوِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪‬ﻓَـﻠَ ْم ﻳـُ َعنّ ْ َ‬‫َذﻟِ َ ِ ِ‬
‫ﻚ ﻟﻠن ِّ‬
‫اﳋﻄﺎب اﻟنﱠﺒﻮي‪.2‬‬
‫ومن ﰒﱠ ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة‪ ،‬واﳌﺮﰊ أ ْن ﳛﺴن اﺳﺘعمﺎل أﺳﻠﻮب اﻹﻗﺮار ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﱰﺑﻴّة ﻟﻘﺪر‬
‫ﻟﻠﺴنة اﻟﺘّﻘﺮﻳﺮﻳّة‪،‬‬
‫اﳌنﺎﺳﺐ‪ ،‬و ﻟﻜﻴﻔﻴّة اﳌﻼﺋمة ﻟﻠمﻮﻗﻒ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬ومن ﻫنﺎ نﺪرك اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ّ‬
‫‪3‬‬
‫وﺿﺮورة اﻻﻫﺘمﺎم ﺎ تﺘﺒعﺎ‪ ،‬وﻓﻘﻬﺎ‪ ،‬وتنﺰﻳﻼ‪. ...‬‬

‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﻟعنصﺮ اﳌﺘعﻠق ﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳋﺎﺻة ﻟ ﱡﺴنﱠة أتﻮﺻﻞ إﱃ أ ﺎ تﺘمﺤﻮر ﺣﻮل ﺑعﺪﻳن‬
‫دﻋﻮﻳﲔ رﺋﻴﺴﲔ‪ :‬اﻟﺒعﺪ اﳌصﺪري اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف إثﺒﺎت ﻛﻮن اﻟ ﱡﺴنﱠة جﺰء من اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬واﻟﺒعﺪ‬
‫اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﺬي ﺑﻴنﺖ من ﺧﻼﻟه أن اﻟ ﱡﺴنﱠة اﻟنﱠﺒﻮﻳة تﺴﺎﻫم ﺑﻔعﺎﻟﻴّة ﰲ إثﺮاء مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وأﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ومنﺎﻫﺠﻬﺎ‪ ،‬أمﺎ اﻟﺒعﺪ اﻟﺜﺎنﻮي؛ ﻓﻴﺘعﻠق ﻟﺒعﺪ اﳌﻔﺎﻫﻴمﻲ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺖ من ﺧﻼﻟه‬
‫ﺣﻘﻴﻘة اﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ومنﺰﻟﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫من ﺧﻼل مﺎ ﺳﺒق؛ ﻳﺘﺒﲔ جﻠﻴﺎ أن أﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻷﺻﻠﻴّة اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‬
‫نﻮاﻋﻬﺎ ﺣﺎﺿﺮة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌﻬمة؛ اﻟﱵ ﺷﻐﻠﺖ ﺣﻴﺰا ﻛﺒﲑا من‬
‫اﳊﺮﻛة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻻ ﳝﻜنه أ ْن ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋنﻬﺎ ﰲ ﲨﻴع اﳌنﺎﺣﻲ‪،‬‬
‫ﺿﻬﺎ ﻷﺳﻠﻮب اﳊﻜﻴم اﻟﺬي ﻳنﺎﺳﺐ اﳌﻮاﻗﻒ‬ ‫وا ﺎﻻت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﻋﻠﻴه أ ْن ﻳﻮﻇﻔﻬﺎ‪ ،‬وﻳَـ ْع ِﺮ َ‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن ﳑﺎ ﻳعﻴنه ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ تﺘﺒﱡع اﳌنﻬج اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬واﻻﺳﱰﺷﺎد ﺑه‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﳌﺼﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻊ اﻟﺘﺒﻌﻴّﺔ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،(14/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.942:‬‬

‫‪ -2‬نعمﺎن جﻐﻴم‪ ،‬ﻃﺮق اﻟﻜﺸﻒ ﻋن مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺎرع‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪ 1 ،1435‬ﻫـ‪ 2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬منﻬﺠﻴة اﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﻋمﻠﻴة اﻻتصﺎل اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪2012 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.38‬‬

‫‪128‬‬
‫ﺑعﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﳌصﺎدر اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻷﺻﻠﻴّة اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬وﻋن مﺪى ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﰐ اﻟﻜﻼم ﻋن مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻷﺧﺮى اﻟﱵ تﺴﺘمﺪ ﺣﺠﻴﺘﻬﺎ من اﳌصﺎدر‬
‫اﻷﺻﻠﻴّة‪ ،‬واﻟﱵ ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌصﺎدر اﻟﺘﺒعﻴّة‪.‬‬
‫وﻟﻜﺜﺮ ﺎ ﺳﻮف ﻳﺘ ﱡم اﻻﻗﺘصﺎر ﻋﻠﻰ مصﺪرﻳن مﻬمﲔ؛ أﻻ وﳘﺎ اﻹﲨﺎع واﻟﻘﻴّﺎس؛ ﻟﻜﻮن اﻟﻘصﺪ من‬
‫ذﻟﻚ ﺑﻴﺎن أن مصﺎدر اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻏﲑ ﻗﺎﺻﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺣﻴﲔ‪ ،‬ﳑﺎ ﳚعﻞ اﻻجﺘﻬﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮي مﺴﺘمﺮا ﻋﱪ‬
‫اﻟﺰمن‪ ،‬وﻓق آﻟﻴﺎت ﻳﻀمنﻬﺎ اﻟﺘّنﻮع واﻟﺜﺮاء اﳌصﺪري‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟنّصﻮص منﺘﻬﻴّة‪ ،‬واﻟﻮﻗﺎﺋع‪ ،‬واﻟنّﻮازل‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة مﺘﺠﺪدة‪.‬‬
‫أﻫم‬
‫من ّ‬ ‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ْ‬
‫وﻷﳘﻴّة ﻫﺬه اﻟﻘﻀﻴّة ﻓﻘﺪ ﺑﺪأت ﺑﺬورﻫﺎ‪ ،‬واﻟﺘأﺳﻴﺲ ﳍﺎ منﺬ زمن ّ‬
‫مﻴﺎدﻳن اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪت ﺣﻀﻮرا ﳍﺬه اﳌصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬وﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﳝﺎء إﻟﻴﻬﺎ‪،‬‬
‫وﺑﻴﺎن ذﻟﻚ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻺﲨﺎع‬
‫ﻳعﺘﱪ اﻹﲨﺎع من مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﳌﻬة‪ ،‬اﻟﱵ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﲎ ﻋنﻬﺎ ﰲ معﺎﳉة اﻟﻘﻀﺎ اﻟ ّﺪﻳنﻴّة اﳊﺎﺻﻠة‬
‫ﻳﺆﺳﺲ ﻟه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن‬ ‫نﺺ ﻓﻴه‪ ،‬وﻷﳘﻴﺘه ﻓﻘﺪ ورد ﰲ اﳌﻐﺎزي مﺎ ّ‬
‫ﰲ اﻷمة ﺑعﺪ وﻓﺎة اﻟنّﱯ‪‬؛ ﻓﻴمﺎ ﻻ ّ‬
‫اﻟنّﱯ‪ ‬ﳚمع أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬وﻳﺘﺸﺎور معﻬم ﻓﻴمﺎ ﻻ نﺺ ﻓﻴه ﻟﻴﺘﻔق معﻬم ﰲ اﻟنّﻬﺎﻳّة ﻋﻠﻰ أمﺮ مﺎ؛‬
‫إﻋﺪادا‪ ،‬وتﺪرﻳﺒﺎ ﳍم ﻋﻠﻰ ﳑﺎرﺳة اﻻجﺘﻬﺎد اﳉمﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﻳُع ّﺪ اﻹﲨﺎع أﻋﻠﻰ مﺮاتﺒه‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن‬
‫ذﻟﻚ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻹﲨﺎع‬
‫ﳛﺴن ﺑﻴﺎن مﺎﻫﻴﺘه اﻟﻠﻐﻮﻳّة واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪ ،‬وﻓق‬
‫ﻗﺒﻞ اﻟﺘّعﺮض ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻺﲨﺎع ﰲ اﻟﻐﺰوات ُ‬
‫مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫ْ َ‬
‫َ ْ ُ ٓ َْ ُ‬‫َ‬
‫ك ْم چ ]ﻳﻮنﺲ‪ ،[71 :‬وﻳُﺮاد ﺑه‬ ‫‪ .1‬اﻹﲨﺎع ﻟﻐﺔ‪ :‬ﻳُﻄﻠق ﻋﻠﻰ اﻟعﺰم‪ ،‬ومنه ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چٱفﺄجمِعوا أمر‬
‫‪. 1‬‬
‫ﻛﺬﻟﻚ اﻻتﻔﺎق‪ ،‬ومنه ﻗﻮﳍم‪ :‬أﲨع اﻟﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻛﺬا؛ أي‪ :‬اتﻔﻘﻮا ﻋﻠﻴه ‪.‬‬
‫‪.2‬اﻹﲨﺎع اﺻﻄﻼﺣﺎ‪ :‬واﻹﲨﺎع ﰲ اﺻﻄﻼح اﻷﺻﻮﻟﻴﲔ ﻫﻮ‪" :‬اتﻔﺎق ﳎﺘﻬﺪي ﻋصﺮ من اﻟعصﻮر‬
‫ﳏمﺪ ‪ ‬ﺑعﺪ وﻓﺎته ﻋﻠﻰ أمﺮ دﻳﲏ"‪.1‬‬
‫من أمة ّ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺰﺑﻴﺪي‪ ،‬ج اﻟعﺮوس‪ ،(463/20) ،‬اﺑن ﻓﺎرس مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(24/3) ،‬‬

‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ اﳉﻴﺰاﱐ‪ ،‬معﺎﱂ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه ﻋنﺪ أﻫﻞ اﻟﺴنة واﳉمﺎﻋة‪.(156/1) ،‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪129‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﳕﺎذج ﻣﻦ اﻹﲨﺎع ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫ﻟﻘﻴﺪ "اﻟﻮﻓﺎة"‪ ،‬ﻏﲑ أن‬ ‫اﻟنﺒﻮة ﻻ ﻳنعﻘﺪ ﻟﻔﻘﺪه ْ‬
‫ﻋنﺪ اﻟـﺘّأمﻞ ﰲ اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ﻳُﻠﺤﻆ أن اﻹﲨﺎع ﰲ ﻋﻬﺪ ّ‬
‫أن ﻫﺬا ﱂ ﳝنع من وجﻮد اتﻔﺎق ﺑﲔ اﻟنّﱯ‪ ،‬وأﺻﺤﺎﺑه ﻋﻠﻰ مﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴه نﺺ‪ ،‬اﻟﺬي أﺧﺬ ﻃﺎﺑع‬
‫نﺺ ﻓﻴه‪ ،‬من اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة تﺪرﻳﺒﺎ‬
‫اﻟ ﱡﺸﻮرى‪ ،‬ﻓﻜﺜﲑٌ مﺎ ﻛﺎن اﻟﱠﺮﺳﻮل ‪ ‬ﻳﺴﺘﺸﲑ أﺻﺤﺎﺑه ﻓﻴمﺎ ﻻ ّ‬
‫تﺪرﻳﺒﺎ ﳍم ﻋﻠﻰ اﻟﺘّﻔﻜﲑ‪ ،‬وتﺮﺑﻴﺘﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺸﱡعﻮر ﳌﺴﺆوﻟﻴّة‪ ،‬وتعﻮﻳﺪ اﻷمة ﻋﻠﻰ ﳑﺎرﺳﺘﻬﺎ‪.1‬‬
‫ﲡﺴﺪ اﻹﲨﺎع ﺬه اﻟصﻮرة اﳌﺒﺪﺋﻴّة اﻟﺘأﺳﻴﺴﻴّة ﺑﻮاﻗعﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﺳﻮف أﻛﺘﻔﻲ ﲟﻮﻗﻔﲔ‬ ‫وﻗﺪ ّ‬
‫صﺤﻴﺢ‪:‬‬ ‫رزﻳن ﰲ مﺮو ت اﻟ ﱠ‬
‫‪ .1‬اﻟﺸﻮرى ﰲ غﺰوة أﺣﺪ‪ :‬من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ﺷﺎور ﻓﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬أﺻﺤﺎﺑه اﳋﺮوج إﱃ أﺣﺪ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ﺲ َﻷْ َمﺘَهُ‬ ‫وج‪ ،‬ﻓَـﺮأ َْوا ﻟَهُ اﳋُﺮوج‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﻟَﺒِ‬ ‫ﺮ‬ ‫اﳋ‬
‫و‬ ‫َﺻﺤﺎﺑهُ ﻳـﻮم أُﺣ ٍﺪ ِﰲ اﳌ َﻘ ِ‬
‫ﺎم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اﻟﺒخﺎري‪َ ":‬و َﺷ َﺎوَر اﻟنّﱯ‪‬أ ْ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫ﺣﱴ‬
‫ﻀﻌُ َﻬﺎ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﺲ َﻷْ َﻣﺘَﻪُ ﻓَـﻴَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻻَ ﻳَـ ْﻨـﺒَﻐﻲ ﻟﻨَِ ٍّ‬
‫ﱯ ﻳَـﻠْﺒَ ُ‬ ‫اﻟع ْﺰِم‪َ ،‬وﻗَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َﻷْ َمﺘَهُ َو َﻋَﺰَم ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬أَﻗ ْم‪ ،‬ﻓَـﻠَ ْم َﳝ ْﻞ إِﻟَْﻴ ِﻬ ْم ﺑَـ ْع َﺪ َ‬
‫‪3‬‬
‫َْﳛ ُﻜ َﻢ ا ﱠُ« ‪.‬‬
‫ﲢﺚ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ‬
‫ت‪ّ ،‬‬ ‫وﻗﺪ ﻋﺰز اﻟﺒخﺎري ﻗﻴمة اﻟﺸﱡﻮرى اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ اﻟﺮواﻳّة ّﻟﱰﲨة ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اﳌﺸﺎورة ﰲ ﺳﻴﺎق ﻗصة اﻟﻐﺰوة ﰲ آل ﻋمﺮآن‪ ،‬وﻫﻲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َوشﺎ ِو ْره ْم ِ ﻻ ْم ِر چ ]آل ﻋمﺮان‪:‬‬
‫‪.[159‬‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ اﳌﻔﺴﺮون أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة تﺴﺘﻔﺎدة من ﻫﺬه اﳌﺸﻮرة ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﳌخﻄط‬
‫اﻟﺘﱠﺎﱄ‪:4‬‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(360/2) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬ﻷمﺘه ﺑﺴﻜﻮن اﳍمﺰة ﻫﻲ اﻟﺪرع وﻗﻴﻞ اﻷداة ﺑﻔﺘﺢ اﳍمﺰة وﲣﻔﻴﻒ اﻟﺪال وﻫﻲ اﻵﻟة من درع وﺑﻴﻀة وﻏﲑﳘﺎ‬
‫من اﻟﺴﻼح "اﻟﻔﺘﺢ‪.(341/13) ،‬‬
‫َ‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻻﻋﺘصﺎم ﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوأ ْم ُر ُه ْم ُشور ٰ‬
‫ي بَ ْنَ ُه ْم چ ]اﻟﺸﻮرى‪ ،[38 :‬چ َو َش ْ ُ ْ‬
‫ﺎورهم ِ‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫۪‬
‫َ‬
‫ﻻ ْم ِر چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،(112/9) ،[159 :‬معﻠﻘﺎ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬وﺻﻠه أﲪﺪ واﳊﺎﻛم واﻟﻄﱪاﱐ ﺑﺘمﺎمه واﻟنﺴﺎﺋﻲ وﺑن مﺎجة ﳐﺘصﺮا من‬
‫ﺣﺪﻳﺚ ﺑن ﻋﺒﺎس ووﺻﻠه أﲪﺪ أﻳﻀﺎ واﻟﺪارمﻲ واﻟنﺴﺎﺋﻲ من ﻃﺮﻳق جﺎﺑﺮ"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(70/1) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬تﻐﻠﻴق‬
‫اﻟﺘعﻠﻴق ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ت‪ :‬ﺳعﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن مﻮﺳﻰ اﻟﻘﺰﻗﻲ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬دار ﻋمﺎر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪،1405 ،1‬‬
‫)‪.(330/5‬‬
‫‪ - 4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(408/9) ،‬‬
‫‪130‬‬
 ‫• ﺗﻌﺰﻳ ــﺰ ﻗﻴﻤ ــﺔ اﶈﺒ ــﺔ‬ ‫• اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻄﺎﻗﺎت‬
‫ﺑﲔ اﻟﻘﺎدة واﻷﺗﺒﺎع‬ ‫واﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ‬

‫اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺮوﺣﻲ‬ ‫اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬

‫اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻲ‬ ‫اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬

‫• اﻟﺘ ـ ـ ـ ـ ــﺪرﻳﺐ ﻋ ـ ـ ـ ـ ــﻞ‬ ‫• ﺗﺮﺳـ ـ ـ ـ ـ ــﻴﺦ ﻗﻴﻤـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ‬

‫اﻻﺟﺘﻬﺎد اﳉﻤﺎﻋﻲ‬ ‫اﻟﺸــﻮرى ﰲ اﻟﻔﻌــﻞ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬

‫‪.2‬اﺳﺘﺸﺎرﺗﻪ ‪ ‬ﰲ ﻓﺘﺢ ﻣ ﱠﻜﺔ‪ :‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺸﺎر اﻟنّﱯ‪‬اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ ﻗﺘﻞ ذراري اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬ﻳﻮم‬
‫ﻴﻞ إِ َﱃ ِﻋﻴَﺎﳍِِ ْﻢ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ مﺮوان ﺑن اﳊﻜم‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أَﺷ ُ‬
‫ﲑوا أَﻳـﱡ َﻬﺎ اﻟﻨﱠﺎس َﻋﻠَ ﱠﻲ‪ ،‬أَﺗَـ َﺮْو َن أَ ْن أَﻣ َ‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻓإن َْﺗُﻮَ َﻛﺎ َن ا ﱠُ َﻋ ﱠﺰ َو َﺟ ﱠﻞ ﻗَ ْﺪ ﻗَﻄَ َﻊ َﻋ ْﻴـﻨًﺎ ِﻣ َﻦ‬ ‫و َذرا ِر ِي َﻫ ُﺆﻻَ ِء اﻟﱠ ِﺬﻳﻦ ﻳ ِﺮﻳ ُﺪو َن أَ ْن ﻳﺼ ﱡﺪوَ َﻋ ِﻦ اﻟﺒـْﻴ ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ّ‬
‫ِ‬
‫ﺖ َﻋﺎﻣ ًﺪا ِﳍَ َﺬا اﻟﺒـْﻴ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻻَ ﺗُ ِﺮﻳ ُﺪ ﻗَـْﺘ َﻞ‬ ‫َ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪َ ،‬ﺧ َﺮ ْﺟ َ‬ ‫ﺎل أَﺑُﻮ ﺑَ ْﻜ ٍﺮ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ﲔ«‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺎﻫ ْﻢ َْﳏ ُﺮوﺑِ َ‬ ‫ﲔ‪َ ،‬وإِﱠﻻ ﺗَـ َﺮْﻛﻨَ ُ‬
‫اﳌُ ْﺸ ِﺮﻛ َ‬
‫اﺳ ِﻢ ا ﱠِ« ‪.1‬‬ ‫ﻀﻮا َﻋﻠَى ْ‬ ‫ﺎل‪ْ » :‬اﻣ ُ‬ ‫ﺻ ﱠﺪ َ َﻋﻨْﻪُ ﻗَﺎﺗَـﻠْﻨَﺎﻩُ‪ .‬ﻗَ َ‬ ‫أَﺣ ٍﺪ‪ ،‬وﻻَ ﺣﺮب أ ٍ‬
‫َﺣﺪ‪ ،‬ﻓَـﺘَـ َﻮ ﱠﺟ ْﻪ ﻟَﻪُ‪ ،‬ﻓَ َﻤ ْﻦ َ‬‫َ َ َْ َ َ‬
‫ﻓﻔﻴه دﻻﻟة واﺿﺤة ﻋﻠﻰ ﳑﺎرﺳة اﻟﺸﱡﻮرى اﻟﱵ ﻳعﻘﺒﻬﺎ اتﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻷمﺮ اﻟﺬي ﻳنﻘﺎد ﻟه اﳉمﻴع‪،‬‬
‫ﺪل‪ ،‬وإنصﺎف؛ ﻓﻘﺪ‬ ‫وﻳن ّﻔﺬوه ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬و ﻋﻠﻰ ﺣﺴن أدﺑه ‪ ‬ﰲ إدارة اﻟﻘﻀﺎ مع أﺻﺤﺎﺑه ْﺑع ّ‬

‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴة‪ ،(126/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4178 :‬وﻗﺪ أﺧﺮج اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻛﺘﺎب‬
‫اﻟﺸﻮرى ومﺒﺤﺚ اﻹﲨﺎع‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب اﻟﺸﺮوط ﰲ اﳉﻬﺎد واﳌصﺎﳊة مع أﻫﻞ اﳊﺮب‬ ‫اﻟﺸﺮوط‪ ،‬وتﺮجم ﻟه ﺑﱰﲨة منﺎﺳﺒة ﻟﻘﻴمة ّ‬
‫وﻛﺘﺎﺑة اﻟﺸﺮوط")‪ ،(193/3‬ووجه اﳌنﺎﺳﺒة أن اﳊﺎﻛم اﻟﺮاﺷﺪ ﻻ ﻳﱪم أمﺮا ﻳﺘعﻠق ﻟﺴﻴﺎﺳة اﳋﺎرجﻴة ذا ل إﻻ ﺑعﺪ اﻟﺮجﻮع إﱃ‬
‫َ َ ْ‬
‫چ ٱﻗﺎلت‬ ‫اﻟﺸﻮرى‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺮاﺷﺪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺧﻠﺪ ذﻛﺮ مﻠﻜة ﺳﺒأ‪ ،‬ﻓﻜﺎن من ﻋﺎﻗﺒة أمﺮﻫﺎ مﺎ ﻛﺎن‪ ،‬ﳌﺎ ﻗﺎﻟﺖ‪:‬‬
‫ّ‬
‫َْ َ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ ًَ ْ ً َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ ََُْْ ُْ‬
‫]اﻟنمﻞ‪ ،[32:‬أمﺎ ﻓﺮﻋﻮن ﳌﺎ ﺣﺎد ﻋنه‪ ،‬وﺳﻠﻚ مﺴﻠﻚ‬ ‫چ‬ ‫هﺎ لم ؤا تو ِ ِ ٓ أم ِرے مﺎ كنت ﻗﺎطِعة مرا ح ٰ شهد ِ‬
‫ون‬
‫ََٓ ٰ َ ََْٓ ُ‬ ‫ٓ‬
‫ِيك ُم ٓۥ إِﻻ َس ِ َيل ر َشﺎ ِد چ ]ﻏﺎﻓﺮ‪.[29:‬‬ ‫ُ‬
‫اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻓصﺎر إﱃ مصﲑه اﳌعﺮوف‪ ،‬وذﻟﻚ ﺣﲔ ﻗﺎل‪ :‬چٱ َمﺎ ِر ك ُم ٓۥ إِﻻ مﺎ أ ۪ري ومﺎ أهد‬

‫‪131‬‬
‫أﺻﻐﻰ ﻟﻠﺠمﻴع دون اﺳﺘﺜنﺎء‪ ،‬ودون تعﻴﲔ‪ ،‬وﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي إداري ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴه اﻟﺪﱡﻋﺎة وﻻ‬
‫ﻳﻬمﻠﻮه‪.1‬‬
‫وﻟعﻞ تﺮﲨة اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺮوط‪-‬ﻛمﺎ ﻫﻮ مﺒﲔ ﰲ اﻟﺘخﺮﻳج‪-‬ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب‬
‫ب اﻟﺸﺮوط ﰲ اﳉﻬﺎد واﳌصﺎﳊة مع أﻫﻞ اﳊﺮب وﻛﺘﺎﺑة اﻟﺸﺮوط"‪ ،‬تﺸﲑ إﱃ اﻹﲨﺎع‪ ،‬ﻓعﻘﺪ‬
‫اﳌصﺎﳊة ﺑﲔ ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ ﰐ ﺑعﺪ اتﻔﺎق اﳌﺴﻠمﲔ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺪه وﻻ ﻳﺴﺘﺒﺪ اﳊﺎﻛم ﺑعﻘﺪه دون‬
‫اﻟﺮجﻮع إﱃ أﻫﻞ اﳊﻞ واﻟعﻘﺪ‪.2‬‬
‫من ﺧﻼل ﻫﺬﻳن اﳌﺜﺎﻟﲔ من اﳌﺸﺎورة اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي اﻟﱵ انﺘﻬﺖ ﻻتﻔﺎق‪ ،‬واﻹﲨﺎع‬
‫ﻳﺘﺒﲔ أن اﻟﺘأﺳﻴﺲ ﻟﻺﲨﺎع اﻟﺬي ﻳنﻄﻠق من اﳊﻮار واﻟﺘﺸﺎور‪ ،‬ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺑﻮادره ﰲ اﻟعﻬﺪ اﻟنﱠﺒﻮي‪ ،‬ﳑﺎ‬
‫ﻳﺆﻛﺪ أﳘﻴﺘه ﻛمصﺪر ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع ﻟﻠنﻮازل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋﱪ اﻟعصﻮر‪.‬‬

‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻘﻴﺎس‬

‫ﻳﻘﻞ اﻟﻘﻴّﺎس أﳘﻴّة ﻋن اﳌصﺪر اﻟﺴﺎﺑق‪-‬اﻹﲨﺎع‪-‬ﰲ معﺎﳉة اﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬واﻟﺘﱠﻔﺎﻋﻞ مع‬ ‫ﻻ ﱡ‬
‫مﺴﺘﺠﺪا ﺎ؛ إذ ﻳعﺪ من أﻫم آﻟﻴﺎت اﻻجﺘﻬﺎد اﻟﱵ تﻜﻔﻞ مع مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻷﺧﺮى اﺳﺘﻴعﺎب‬
‫اﻟنﻮازل واﳊﻮادث اﻟﻼمﺘنﺎﻫﻴّة؛ ﳑﺎ جعﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻳﻮﻇﻔه من ﺣﲔ ﻵﺧﺮ ﰲ مﻴﺎدﻳن ﳐﺘﻠﻔة؛ ﲟﺎ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ اﻟﻐﺰو؛ إﻋﺪادا ﻷمﺘه من ﺑعﺪه ﻋﻠﻰ اﻻجﺘﻬﺎد ﻋمﺎل اﻟعﻘﻞ‪ ،‬واﻟﻘﻴّﺎس ﻓﻴمﺎ ﻻ نﺺ ﻓﻴه‪ ،‬وﻓﻴمﺎ‬
‫ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن ذﻟﻚ ﰲ ﻫﺬه اﻟعنﺎﺻﺮ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻘﻴّﺎس‪ :‬ﺑﺪاﻳّة ﺳﻮف أتنﺎول تعﺮﻳﻒ اﻟﻘﻴّﺎس ﰲ اﻟﻠﻐة واﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﺑﻴﺎن أﺑعﺎده‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة من ﺧﻼل ﳕﺎذج من اﳌﻐﺎزي ﻋﻠﻰ اﻟنﺤﻮ اﻟﺘﱠﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻘﻴّﺎس ﻟﻐﺔ‪ :‬اﻟﻘﻴّﺎس ﰲ اﻟﻠﻐة من ﻗﺎس‪ ،‬نﻘﻮل ﻗﺎس اﻟﺸﻲء أي ﻗﺪره واﳌﻘﻴﺎس اﳌﻘﺪار‪.3‬‬
‫‪.2‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻘﻴّﺎس اﺻﻄﻼﺣﺎ‪ :‬اﻟﻘﻴّﺎس ﰲ اﻻﺻﻄﻼح ﻫﻮ اﳉمع ﺑﲔ مﺸﺘﺒﻬﲔ ﻻﺷﱰاﻛﻬمﺎ ﰲ‬
‫ﺣﻜم مﺎ اﻟﺬي ﻳﺸﻬﺪ ﺑه ﻛﻞ واﺣﺪ منﻬمﺎ‪ ،‬وﻻ ﳜﻠﻮ ﻛﻞ واﺣﺪ منﻬمﺎ من أن ﻳﺸﻬﺪ ﲟﺜﻞ مﺎ ﺷﻬﺪ‬
‫ﺑه اﻵﺧﺮ أو نﻈﲑه‪.1‬‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ اﻟصﻮ ﱐ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة ﻛمﺎ جﺎءت ﰲ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟصﺤﻴﺤة مﻜﺘﺒة اﻟعﺒﻴﻜﺎن‪ ،‬ط‪ 1424 ،5‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪،‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫)‪.(164/3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أﻫﻞ اﳊﻞ واﻟﻌﻘﺪ‪ :‬ﻫم أﻫﻞ اﻟﺮأي واﻟﺘﺪﺑﲑ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋمﻴم اﻹﺣﺴﺎن ا ﺪدي اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴة‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ -3‬اﻷزﻫﺮي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻟﻠﻐة‪.(179/9) ،‬‬
‫‪132‬‬
‫ﻳﺘﺒﲔ أن اﻟﻘﻴّﺎس ﻳﻔﺘﺢ ب اﻟﺘّﻔﻜﺮ‪ ،‬واﻟﺘأمﻞ‪ ،‬واﻻجﺘﻬﺎد ﻻ ﰲ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‬
‫من ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺘّعﺮﻳﻒ ّ‬
‫ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻮ منﻬج ﻋﻘﻠﻲ ﻳصﻠﺢ ﳉمﻴع منﺎﺣﻲ اﳊﻴﺎة من ﺧﻼل اﳌﻘﺎرنة ﺑﲔ اﳊﻮادث واﳌﻮاﻗﻒ‬
‫ﺣﱴ ﻳﺘﻮﺻﻞ اﻟﺪﱠاﻋﻴة إﱃ اﻛﺘﺸﺎف مﺎ ﻓﻴﻬﺎ من ُﺳنﱠن‬ ‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬واﳌﺴﺘﺠﺪات اﻟﱠﺮاﻫنة‪ّ ،‬‬
‫وﻳﻔعﻠﻬﺎ ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي‪.‬‬
‫ونﻮامﻴﺲ دﻋﻮﻳة؛ ﻟﻴﺴﺘﻔﻴﺪ منﻬﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﳕﺎذج ﻣﻦ اﻟﻘﻴّﺎس ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫ﻗﺪ ﺣﻔﻠﺖ ﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات ﲟﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة ﳍﺎ نﻈﺎﺋﺮ ﰲ رﻳخ دﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟ ﱠﺴﻼم؛‬
‫ﻟﻜﻮن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة مﺎ ﻫﻲ إﻻ ﺣﻠﻘة من ﺣﻠﻘﺎت تﻠﻚ اﻟ ّﺪﻋﻮات اﻟﱵ تﺘّ ِﺤ ُﺪ ﰲ مصﺪرﻫﺎ‪،‬‬
‫وأﻫﺪاﻓﻬﺎ‪ ،‬ومﻘﺎﺻﺪﻫﺎ اﻟﻜﻠﻴّة اﻟعﺎمة‪ ،‬وﺳﻮف أﻗﺘصﺮ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ اﻟنّمﺎذج مﱪزا دﻻﻟﺘﻬﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴّﺎس اﻟﺬي ﻳعﺪ أﺻﻼ من اﻷﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة واﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳة اﻟﻀﺎمنة ﻻﺳﺘمﺮارﻳّة اﳌﻮاﻛﺒة‬
‫ﻟﻠمﺴﺘﺠﺪات‪ ،‬واﻟنّﻮازل اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫‪.1‬ﳕﻮذج ﻗﻴﺎس اﳌﺸﺮﻛﲔ ﻋﻠى آل ﻓﺮﻋﻮن‪ :‬ﻗﺎل تعﺎﱃ مﺒﻴنﺎ تﺴﺎوﻳﻬم ﰲ اﻟعﺎﻗﺒة ﻻﲢﺎد اﻟعﻠّة ﺑﲔ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫ال ف ْر َع ْو َ ۖن َوا َ‬
‫ِين مِن بْلِ ِه ْم كف ُروا بِـ ٔﺎ َ ٰ ِ‬ ‫اﻟنّﻈﲑﻳن‪ ،‬وﻫﻲ اﳌﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺮ‪ :‬ٱچ ٱكدأ ِ‬
‫ت ِ‬
‫ﷲ‬ ‫ء‬‫َ‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬
‫اﻟﺮازي دﻻﻟة اﻵﻳّة ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺑﲔ‬ ‫وﻗﺪ‬ ‫‪،‬‬ ‫چ‬ ‫ﺎب‬
‫َ َ ّ‪َ ْ ُ َ ٞ‬‬
‫ِق‬‫ع‬ ‫ل‬ ‫ِيد‬
‫د‬ ‫ش‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ﻗ‬ ‫ﷲ‬ ‫أن‬ ‫ۥ‬ ‫فَﺄَ َخ َذ ُه ُم ُ‬
‫ﷲ ب ُذنُو ه ُم ٓ‬
‫ّ‬ ‫[‬ ‫‪53‬‬ ‫]اﻷنﻔﺎل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ۖ‬
‫ي ﻫﺆﻻء ﻟﻘﺘﻞ‪،‬‬ ‫ﻓﺠﻮز ﱠ‬
‫اﻟﻘﻴّﺎس ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬واﳌعﲎ‪ :‬ﻋﺎدة ﻫﺆﻻء ﰲ ﻛﻔﺮﻫم ﻛعﺎدة آل ﻓﺮﻋﻮن ﰲ ﻛﻔﺮﻫم‪ُ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫واﻟ ﱠﺴﱯ ﻛمﺎ جﻮزي أوﻟﺌﻚ ﻹ ْﻏﺮاق‪".‬‬
‫ﻓﻜمﺎ أﻫﻠﻚ ﷲ تعﺎﱃ آل ﻓﺮﻋﻮن‪ ،‬وﻏﲑﻫم من اﻟﻄﱡﻐﺎة ﻋﱪ رﻳخ اﻟﺮﺳﺎﻻت‪ ،‬أﻫﻠﻚ ﺻنﺎدﻳﺪ ﻗﺮﻳﺶ‬
‫ﰲ ﺑﺪر ﲜﺎمع ﻋﻠة اﻟﻜﻔﺮ وﳏﺎرﺑة اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬وأذﻳّة أتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن مﺴعﻮد رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪،‬‬
‫اﺳﺘَـ ْﻘﺒَ َﻞ اﻟﻨّﱯ‪ ‬اﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔَ‪ " ،‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ َﻋﻠَى ﻧَـ َﻔ ٍﺮ ِﻣ ْﻦ ﻗُـ َﺮﻳْ ٍ‬
‫ﺶ‪َ :‬ﻋﻠَى َﺷْﻴـﺒَﺔَ ﺑْ ِﻦ َرﺑِ َﻴﻌﺔَ‪َ ،‬وﻋُْﺘـﺒَﺔَ ﺑْ ِﻦ َرﺑِ َﻴﻌﺔَ‪،‬‬ ‫ﻗﺎل‪ْ " :‬‬
‫ِ‬ ‫واﻟﻮﻟِ ِ‬
‫ﻴﺪ ﺑْ ِﻦ ﻋُْﺘـﺒَﺔَ‪َ ،‬وأَِﰊ َﺟ ْﻬ ِﻞ ﺑْ ِﻦ ِﻫ َ‬
‫ﺲ‪َ ،‬وَﻛﺎ َن ﻳَـ ْﻮًﻣﺎ‬
‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫ﺸ ٍﺎم‪ ،‬ﻓَﺄَ ْﺷ َﻬ ُﺪ ِ ﱠ ‪ ،‬ﻟََﻘ ْﺪ َرأَﻳْـﺘُـ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﺻ ْﺮ َﻋى‪ ،‬ﻗَ ْﺪ غَﻴﱠـ َﺮﺗْـ ُﻬ ُﻢ اﻟ ﱠ‬ ‫َ َ‬
‫َﺣﺎرا"‪.1‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻋﻘﻴﻞ‪ ،‬اﻟﻮاﺿﺢ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1420 ،1‬ﻫـ‪1999 ،‬م‪.(433/1) ،‬‬
‫‪ - 2‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(495/15) ،‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺎر ﻗﺮﻳﺶ ﺷﻴﺒة‪ ،‬وﻋﺘﺒة‪ ،‬واﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬وأﰊ جﻬﻞ ﺑن‬
‫ﻫﺸﺎم‪ ،‬وﻫﻼﻛﻬم من اﳉﺮاح ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،(74/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3960 :‬‬
‫‪133‬‬
 ‫انﺘﻘﺎمﺎ أﻫﻠﻜﻬم ﻓﻴه ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻫم‬
‫ﻓﻘﺪ ﺣﻠم ﷲ تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ آذى ﻫﺆﻻء ﻟنﺒﻴه وأتﺒﺎﻋه‪ ،‬ﰒ انﺘﻘم منﻬم ً‬
‫ﻛمﺎ ﻓعﻞ ﲟن ﺳﺒﻘﻬم من أمﺜﺎﳍم‪.1‬‬
‫ﺣﱴ ﻳﺘعﻆ‬
‫وﻋﻠﻴه ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻮﻇﻒ ﻗصﺺ اﳌﻜﺬﺑﲔ‪ ،‬ومﺎ ﺣﻞ م من اﻟنﻘم وﺳﻮء اﳌﺂل ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وﳛﺬروا من ﺳﻮء اﻟعﺎﻗﺒة‪.‬‬
‫ﲨﻬﻮر ّ‬
‫وﻟعﻞ ﻫﺬا اﻟﺘخﻄﻴط ﻳﻮﺿﺢ اﳌﺜﺎل ﺑﺸﻜﻞ أﻓﻀﻞ‪:‬‬

‫اﳊﺎﻟﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ‬
‫ﳏمﺪ‬
‫ﻓﺮاﻋنة ﻗﺮﻳﺶ ﻳنﻜﺮون رﺳﺎﻟة ّ‬ ‫ﻓﺮﻋﻮن ﻳنﻜﺮ رﺳﺎﻟة مﻮﺳﻰ‬

‫اﳊﺎﻟﺔ اﳌﺘﻮﺳﻄﻴﺔ‬
‫اﳌﺴﻠمﻮن ﻳﺘعﺮﺿﻮن ﻟﻸذى واﻟﺘﺸﺮﻳﺪ‬ ‫أتﺒﺎﻋﺎﻟ ّﺪﻋﻮة وﻗﺎد ﺎ ﻳﺘعﺮﺿﻮن ﻟﻸذى واﻟﺘﺸﺮﻳﺪ زمن مﻮﺳﻰ‬

‫اﳊﺎﻟﺔ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ‬
‫إﻟﺘﻘﺎء اﳉمعﺎن ﻳﻮم ﺑﺪر وﻫﻼك ﻓﺮاﻋنة ﻗﺮﻳﺶ واﻟﻜﺜﲑ من‬
‫إﻟﺘﻘﺎء اﳉمعﺎن وﻏﺮق ﻓﺮﻋﻮن وأتﺒﺎﻋه‬
‫أتﺒﺎﻋﻬم‪.‬‬
‫‪.2‬ﳕﻮذج ﻗﻴﺎس أﰊ ﺟﻬﻞ ﻋﻠى ﻓﺮﻋﻮن‪ :‬ﳌﺎ مﺎت أﺑﻮ جﻬﻞ اﺳﺘﺒﺸﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وأﺻﺤﺎﺑه‬
‫اﺳﺘﺒﺸﺎر مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟ ﱠﺴﻼم‪ ،‬وﻗﻮمه ﺑﻐﺮق ﻓﺮﻋﻮن‪ ،‬اﻟﺬي ﺑﻘﻲ ﻇﺎﻫﺮا ﻳﺮاه ﻛﻞ اﻟنﱠﺎس ﲜﺴﺪه‬
‫َ ٗ ّ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ َْ ْ َ ُ َ ّ َ َ َ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫ون ل َِم ْن خلفك َءايّة َوأن كث ِ ا م َِن ا ﺎس َن‬
‫ك َ‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱفﺎ وم ن ِجيك بِبدن ِك ِ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﳌﺎء ﻗﺎل‬
‫َ ََ ُ َ‬
‫َ ٰت ِنﺎ ل ٰ ِف ۖ‬
‫ون ٱچ ]ﻳﻮنﺲ‪.[ 92 :‬‬
‫ﻳﺘﻜﺮر مع أﰊ جﻬﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﺮص اﻟنّﱯ‪ ‬أن ﻳﺮى ﻛﻞ اﻟنﱠﺎس وﻳﺘﻴﻘنﻮا من‬ ‫ونﻔﺲ اﳌﺸﻬﺪ ﻳﻜﺎد ّ‬
‫ﻫﻼﻛه‪ ،‬ومن أجﻞ ذﻟﻚ ﻋﻘﺪ اﻟﺒخﺎري ﻋنﻮن ﻟه ﺑـ‪ ":‬ب ﻗﺘﻞ أﰊ ﺟﻬﻞ"‪ ،1‬ﰒ أورد أﺣﺎدﻳﺚ‬
‫مﻘﺘﻠه منﻬﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻋن أنﺲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪» ،‬ﻣﻦ ﻳـ ْﻨﻈُﺮ ﻣﺎ ﺻﻨَﻊ أَﺑﻮ ﺟ ْﻬ ٍﻞ« ﻓﺎنﻄَﻠَق اﺑن مﺴع ٍ‬
‫ﻮد‪،‬‬ ‫َ ُْ َ ُْ‬ ‫َْ َ ُ َ َ َ ُ َ‬

‫‪ -1‬ﳛــﲕ ﺑــن ﷴ‪ ،‬أﺑــﻮ اﳌﻈﻔــﺮ‪ ،‬اﺑــن ُﻫﺒــﲑة‪ ،‬اﻹﻓصــﺎح ﻋــن معــﺎﱐ اﻟصــﺤﺎح‪ ،‬ت‪ :‬ﻓـﺆاد ﻋﺒــﺪ اﳌــنعم أﲪــﺪ‪ ،‬دار اﻟــﻮﻃن‪1417 ،‬ﻫ ـ‪،‬‬
‫)‪.(33/2‬‬
‫‪ -1‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(74/5) ،‬‬
‫‪134‬‬
‫ﺎل‪َ :‬وَﻫ ْﻞ ﻓَـ ْﻮ َق َر ُج ٍﻞ ﻗَـﺘَـْﻠﺘُ ُمﻮهُ ‪،2‬‬
‫ﺖ أَ َ َج ْﻬ ٍﻞ؟ ﻗَ َ‬ ‫ﺣﱴ ﺑَـَﺮَد‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪ :‬آنْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ﺿَﺮﺑَهُ اﺑْـنَﺎ َﻋ ْﻔَﺮاءَ ّ‬
‫ﻓَـ َﻮ َج َﺪهُ ﻗَ ْﺪ َ‬
‫وﻗﺪ ورد اﻟﺘصﺮﻳﺢ ﺑﺘﺸﺒﻴﻬه ﺑﻔﺮﻋﻮن ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑ‪.3‬‬
‫وﻗﺪ ﺑﲔ اﺑن ﻋﺎﺷﻮر وجه اﳌمﺎثﻠة ﺑﲔ ﻓﺮﻋﻮن مﻮﺳﻰ وأﰊ جﻬﻞ ﻓﺮﻋﻮن ﻫﺬه اﻷمة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﰲ ﻗصة‬
‫ﻗصة مﻮﺳﻰ‪ ،‬وﻓﺮﻋﻮن آﻳّة ﻟﻠﺬﻳن ﳜﺎﻓﻮن اﻟعﺬاب اﻷﻟﻴم‪ ،‬ﻓﻴﺠﺘنﺒﻮن مﺜﻞ أﺳﺒﺎب مﺎ ﺣﻞ ﺑﻔﺮﻋﻮن‪،‬‬
‫وﻗﻮمه من اﻟعﺬاب‪ ،‬وﻫﻲ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﱵ ﻇﻬﺮت ﰲ مﻜﺎﺑﺮة ﻓﺮﻋﻮن ﻋن تصﺪﻳق اﻟﱠﺮﺳﻮل اﻟﺬي أرﺳﻞ‬
‫أرﺳﻞ إﻟﻴه‪ ،‬وأن اﻟﺬﻳن ﻻ ﳜﺎﻓﻮن اﻟعﺬاب ﻻ ﻳﺆمنﻮن ﻟﺒعﺚ‪ ،‬واﳉﺰاء ﻻ ﻳﺘعﻈﻮن ﺑﺬﻟﻚ؛ﻻ م ﻻ‬
‫ﻳصﺪﻗﻮن ﻟنﻮامﻴﺲ اﻹﳍﻴّة وﻻ ﻳﺘﺪﺑﺮون ﰲ دﻋﻮة أﻫﻞ اﳊق ﻓﻬم ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن معﺮﺿﲔ ﺳﺎﺧﺮﻳن من‬
‫ﻋﻮدة رﺳﻮﳍم مﺘﻜﱪﻳن ﻋﻠﻴه‪ ،‬مﻜﺎﺑﺮﻳن ﰲ دﻻﺋﻞ ﺻﺪﻗه‪ ،‬ﻓﻴﻮﺷﻚ أ ْن ﳛﻞ م من مﺜﻞ مﺎ ﺣﻞ‬
‫جﺎز ﻋﻠﻰ اﳌﺜﻞ ﳚﻮز ﻋﻠﻰ اﳌمﺎثﻞ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن اﳌﺴﻠمﻮن ﻳﻘﻮﻟﻮن‪ :‬أن أ‬ ‫ﺑﻔﺮﻋﻮن‪ ،‬وﻗﻮمه‪ ،‬ﻻن مﺎ َ‬
‫‪4‬‬
‫جﻬﻞ ﻓﺮﻋﻮن ﻫﺬه اﻷمة‪".‬‬
‫وﻟعﻠﻲ أمﺜﻞ ﺑﻮجه من وجﻮه اﻟﺘﺸﺎﺑه ﺑﲔ ﻓﺮﻋﻮن مﻮﺳﻰ وأﰊ جﻬﻞ ﻓﺮﻋﻮن ﻫﺬه اﻷمة‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﻜﱪ‬
‫اﻟﺬي اﺳﺘمﺮ معﻬم إﱃ آﺧﺮ رمق‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪ -1‬وﳘﺎ معﻮذ‪ ،‬وﻋﻮف ﺑنﺎ اﳊﺎرث ﺑن رﻓﺎﻋة اﻷنصﺎري‪ ،‬وأمﻬم ﻋﻔﺮاء ﺑنﺖ ﻋﺒﻴﺪ ﺑن ثعﻠﺒة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪،‬‬
‫)‪.(359/2‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ أﰊ جﻬﻞ‪ ،(74/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3744 :‬‬
‫‪-3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(91/1) ،‬‬
‫‪ -4‬ﷴ اﻟﻄﺎﻫﺮ‪ ،‬ﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪ ،‬اﻟﺪار اﻟﺘﻮنﺴﻴة ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬تﻮنﺲ‪ 1984 ،‬ﻫـ‪.(11/27) ،‬‬

‫‪135‬‬
‫ﺿﺖ ﻟه اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‬‫‪.3‬ﳕﻮذج ﻗﻴﺎس اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﺮاﻫﻨﺔ ﻋﻠى اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‪ :‬أن مﺎ ّ‬
‫تعﺮ ْ‬
‫من ﲢﺪ ت ﻟه نﻈﺎﺋﺮ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮات اﻟ ّﺪﻳنﻴّة اﻟﺴﺎﺑﻘة ﻋﱪ رﳜﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺳﺐ أ ْن ﻳﺬﻛﺮ‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬ٱچٱﻗ ْد خلت مِن بْلِك ْم س ‪ ۖ ٞ‬فسِ ُ وا ِ ﻻ ِض فإن ظروا‬ ‫اﳌﺆمنﻮن ﻋﻘﺐ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‬
‫ُ ْ‬
‫ك ِّذ ِ َ ۖ چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[ 137:‬ﻓﻬﻮ مﻮﻗﻒ ﳛﺘﺎج إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘّﺬﻛﲑ ﻋن ﻃﺮﻳق‬ ‫َ َ َٰ َ ُ َ‬
‫كيْف كﺎن قِبة لم‬
‫َ َ‬

‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬وأوذي ﻓﻴﻬﺎ اﻟﱠﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﱘ ‪ ‬أذى ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬ ‫اﻟﻘﻴّﺎس‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺸﻬﺪ ﰲ اﻟﻐﺰوة ﺧﻴﺎر اﻟ ﱠ‬
‫ﺐ ا ﱠِ َﻋﻠَى ﻗَـ ْﻮٍم‬‫ﻀ ُ‬‫صﺤﻴﺢ ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ غَ َ‬ ‫ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ِﰲ َﺳﺒِ ِﻴﻞ ا ﱠِ«‪.1‬‬ ‫ﺐ ا ﱠِ َﻋﻠَى َر ُﺟ ٍﻞ ﻳَـ ْﻘﺘُـﻠُﻪُ َر ُﺳ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ﲑ إِ َﱃ َرَ ِﻋﻴَﺘِ ِﻪ‪ ،‬ا ْﺷَﺘ ﱠﺪ غَ َ‬
‫ﻀ ُ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬
‫َﻋﻠَى ﻗَـ ْﻮم ﻓَـ َﻌﻠُﻮا ﺑﻨَﺒﻴّﻪ‪ ،‬ﻳُﺸ ُ‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴّم ﰲ ﺑﻴﺎن دﻻﻟة اﻵﻳّة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴّﺎس‪ ":‬ﻗﺪ ﻛﺎن من ﻗﺒﻠﻜم أمم أمﺜﺎﻟﻜم ﻓﺎنﻈﺮوا إﱃ‬
‫ﻋﻮاﻗﺒﻬم اﻟﺴﻴﺌة‪ ،‬واﻋﻠمﻮا أن ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ مﺎ ﻛﺎن من تﻜﺬﻳﺒﻬم ت ﷲ ورﺳﻠه‪ ،‬وﻫم اﻷﺻﻞ وأنﺘم‬
‫‪2‬‬
‫وأنﺘم اﻟﻔﺮع‪ ،‬واﻟعﻠة اﳉﺎمعة اﻟﺘّﻜﺬﻳﺐ‪ ،‬واﳊﻜم اﳍﻼك‪".‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ن ﻋﻠة ﻫﻼك اﻷمم اﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ت ﷲ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻓﻴﺆﺧﺬ ﳑﺎ ﺳﺒق أن ﻋﻠﻰ اﻟﺪﱠاﻋﻴة‪ ،‬تﺬﻛﲑ‬
‫ﺣﱴ ﻳعﺘﱪوا‪ ،‬وﻳﺴﺘﺠﻴﺒﻮا ﻟﺪﻋﻮة اﳊق‪ ،‬وﻗﺪ ﻳﻮﻇﻔه ﰲ اﺳﺘﺸﺮاف وتﻮﻗع اﳊﻮادث‬ ‫واﻹﻋﺮاض ﻋنﻬﺎ ّ‬
‫اﳊﻮادث اﳌﺴﺘﻘﺒﻠﻴّة‪ ،‬ﻻ ﺳﻴمﺎ ﰲ ﳎﺎل اﻟﺘّﺤﺪ ت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬وتﻮﻗع اﳌﺂﻻت‪.3‬‬
‫أﺷﺮت إﻟﻴﻬﺎ أﳘﻴّة إﻋمﺎل اﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻟﻠ ّﻘﻴﺎس‪ ،‬وتﻮﻇﻴﻔه ﰲ ﳎﺎﻻت‬ ‫ُ‬ ‫ﻳﺘّﻀﺢ من ﻫﺬه اﻟنّمﺎذج اﻟﱵ‬
‫مﺘعﺪدة‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺎ أﺻﺎب اﻟنّﱯ‪ ‬من اﳉﺮاح ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،(101/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3845 :‬‬
‫‪2‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋﺒﺪ اﻟ ﱠﺴﻼم إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫‪ -‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬أﻋﻼم اﳌﻮﻗعﲔ ﻋن رب اﻟعﺎﳌﲔ‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬ﻫـ‪1991 ،‬م‪.(104/1) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.52‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪136‬‬
‫ﻓأﻫم مﺎ ﳝﻜن أ ْن أﺳﺘخﻠصه ﺑعﺪ تنﺎول اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠمصﺎدر اﻟﺘﱠﺒعﻴّة‪ ،‬أ ﺎ ﻛﺎنﺖ ﺣﺎﺿﺮة ﰲ‬
‫أﻫم أﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺘﱠأﺳﻴﺲ ﻻجﺘﻬﺎد‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻗﺪ نﺒﻬﺖ ﻋﻠﻰ أن ّ‬ ‫اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي من ﺧﻼل اﻟ ﱠ‬
‫مﺴﺘﺪام ﻳﻀمن ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻟﺘﺠﺪﱡد‪ ،‬واﻻﺳﺘمﺮار‪ ،‬وﻗﺪ اﻛﺘﻔﻴﺖ ﻹﲨﺎع واﻟﻘﻴّﺎس‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﳘﺎ أﻫم أﺻﻮل‬
‫اﻻجﺘﻬﺎد‪ ،‬ﻓﺎ ﺘﻬﺪ ﰲ اﻟنﻮازل اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻻ ﳝﻜن أ ْن ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋنﻬمﺎ ﺑعﺪ اﳌصﺎدر اﻷﺻﻠﻴّة؛ ﻟﺘﺠﺪﱡد‪،‬‬
‫وتﻄﻮر ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة تﺒعﺎ ﳌﺘﻐﲑات اﻟﺰمﺎن‪ ،‬واﳌﻜﺎن‪.‬‬

‫‪137‬‬
 ‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫ﺑعﺪ اﻟﺘّﻄﺮق إﱃ ﺣﻀﻮر أﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻷﺻﻠﻴّة اﳌمﺜﻠة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬ومصﺎدره اﻟﺘﺒعﻴّة اﳌﺘﻔق‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ؛اﻹﲨﺎع واﻟﻘﻴّﺎس ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق‪ ،‬ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ اﻟﺘﱠنﺰﻳﻞ اﻟﻔﻘﻬﻲ اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻲ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺎ‬
‫صﺤﻴﺢ من ﺧﻼل اﺳﺘﺜمﺎره ﳌﺮو ت‬ ‫انﻄﻮى ﻋﻠﻴه من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‪ ،‬اﻟﱵ أﺑﺮزﻫﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﻐﺎزي ﻻﺳﺘنﺒﺎط اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻔﻘﻬﻴّة ﰲ أﺑﻮاب اﻟﻔﻘه اﳌخﺘﻠﻔة ﲟعنﺎﻫﺎ ﻋنﺪ اﻟﻔﻘﻬﺎء‪ ،‬وﻗﺪ ﺣصﻠﺖ‬
‫صﺤﻴﺢ؛ﻟﺬا ﺳأﻛﺘﻔﻲ ﻳﺮاد ﳕﺎذج‬ ‫ﻋﻠﻰ أمﺜﻠة ﻛﺜﲑة من اﻟﻔﺮوع اﻟﻔﻘﻬﻴّة مﻔﺮﻗة ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺐ وأﺑﻮاب اﻟ ﱠ‬
‫ﻗﺴمﺘُﻬﺎ إﱃ ثﻼثة ﻓﺮوع‪ ،‬ﻛﻞ ﻓﺮع تﻀمن‬ ‫منﻬﺎ ﲟﺎ ﳛ ّﻘق اﳌﺮاد‪ ،‬وﻳﻔﻲ ﻟﻐﺮض ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ‪ ،‬وﻗﺪ ّ‬
‫ﳏﻮرا من اﶈﺎور اﻟﻔﻘﻬﻴّة تﺒعﺎ ﳌﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ اﻟﺘّﻌﺒﺪي‬
‫صﻼة واﻟﺰﻛﺎة‬ ‫ُﻃﻠﻘﺖ اﻟعﺒﺎدات ﰲ ﳎﺎل اﻟﻔﻘه ﻓأ ﺎ ﻳﺮاد ﺎ أرﻛﺎ ُن اﻹﺳﻼم ﻏﲑ اﻟﺸﻬﺎدتﲔ‪:‬اﻟ ﱠ‬ ‫إذا أ ْ‬
‫ﻛﻞ‬
‫اﳊج‪ ،‬وﻛﻞ ﺷعﲑة من ﻫﺬه اﻟﺸﺮاﺋع اﻟﻜﱪى ﻗﺪ أﻓﺮد ﳍﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻛﺘﺎ أو أﻛﺜﺮ‪ ،‬و ّ‬ ‫واﻟصﻮم و ّ‬
‫ﻛﺘﺎب ﻗﺪ ﺿمنه أﺑﻮا ﲢمﻞ ﻓﻘﻬه‪ ،‬واﺳﺘنﺒﺎﻃﺎته من اﳌﺮو ت اﻟﱵ ﻳﻮردﻫﺎ‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ تﺘﻀمن مﺴﺎﺋﻞ من اﻟعﺒﺎدات ﰲ أﺑﻮاب‬ ‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ إﻳﺮاد ﻷمﺜﻠة من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي من اﻟ ﱠ‬
‫ﳐﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫ﺼﻼة‪:‬‬‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻄﻬﺎرة واﻟ ﱠ‬
‫صﻼة ﺣﺎﺿﺮة ﺑﻜﺜﺎﻓة ﰲ ﻏﺰوات اﻟنّﱯ‪ ،‬وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ اﳊﺚ ﻋﻠﻰ إﻗﺎمﺘﻬﺎ ﺑﻞ‬ ‫ﻇﻠﺖ اﻟ ﱠ‬
‫صﺪ‬‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺮض تَـ َﻘ ﱡ‬ ‫تعﺪى إﱃ تعﻠﻴم مﺴﺎﺋﻠﻬﺎ ونﻮازﳍﺎ‪ ،‬واﳊﺮص ﻋﻠﻰ تﻄﺒﻴﻘﻬﺎ اﻟﺘّﻄﺒﻴق اﻟ ﱠ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻻ اﺳﺘﻘصﺎء اﳌﺴﺎﺋﻞ اﻟﻔﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﻳﻜﻔﻲ اﻟﺘمﺜﻴﻞ ﻟنّمﺎذج ﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬ﳕﻮذج ﻧﻮاﻗﺾ اﻟﻮﺿﻮء‪:‬‬
‫ﻗﺎل اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪" :‬من ﱂ ﻳﺮ اﻟﻮﺿﻮء إﻻ من اﳌخﺮجﲔ‪ :‬من اﻟﻘﺒﻞ واﻟﺪﺑﺮ‪ ...‬وﻳﺬﻛﺮ ﻋن جﺎﺑﺮ‪:‬‬
‫ﺻﻼَﺗِِﻪ«‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫»أن اﻟﻨّﱯ‪َ ‬ﻛﺎ َن ِﰲ غَ ْﺰوةِ َذ ِ‬
‫ﻀى ِﰲ َ‬
‫ﺴ ْﻬ ٍﻢ‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﺰﻓَﻪُ اﻟ ﱠﺪ ُم‪ ،‬ﻓَـ َﺮَﻛ َﻊ‪َ ،‬و َﺳ َﺠ َﺪ َوَﻣ َ‬ ‫ات ِّ‬
‫اﻟﺮﻗَ ِﺎع ﻓَـ ُﺮﻣ َﻲ َر ُﺟ ٌﻞ ﺑ َ‬ ‫َ‬
‫‪.1‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳉﺎمع ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺿﻮء‪ ،‬ب من ﱂ ﻳﺮ اﻟﻮﺿﻮء إﻻ من اﳌخﺮجﲔ‪ :‬من اﻟﻘﺒﻞ واﻟﺪﺑﺮ‪ ،(46 /1) ،‬ﻗﺪ رواه‬
‫معﻠﻘﺎ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﺿع وﻫﻮ مﻮﺻﻮل ﻋنﺪ ﻏﲑه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳنن أﰊ داود‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻄﻬﺎرة‪ ،‬ب اﻟﻮﺿﻮء من اﻟﺪم‪،(141/1) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪ ،198:‬وﺣﺴنه اﻷر ؤوط‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺷﺮط اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ أورده معﻠﻘﺎ‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺒخﺎري أ ْن ﻳﺴﺘنﺒط من ﻫﺬا اﳊﺪث ﺣﻜم ﻓﻘﻬﻲ دﻗﻴق ﺧﻔﻲ‪ ،‬وﻫﻮ أن اﻟﻮﺿﻮء ﻻ‬
‫وﺑﻐﺾ اﻟنﱠﻈﺮ ﻋن اﻻﺧﺘﻼف ﰲ اﳊﻜم‪ ،‬ﻓأن اﻷﻫم ﻫﻮ‬
‫ّ‬ ‫ﻳنﻘﻀه إﻻ مﺎ ﺧﺮج من اﻟﻘﺒﻞ أو اﻟﺪﺑﺮ‪،‬‬
‫اﻫﺘمﺎم اﳌﺴﻠمﲔ ﻟﺘّﻔﻘه ﰲ اﻟ ّﺪﻳن‪ ،‬وﻟﻮ تعﻠّق اﻷمﺮ ﺑنﻮاﻗﺾ اﻟﻮﺿﻮء‪ ،‬اﻟﱵ ﻗﺪ ﻳﺘﺴﺎﻫﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺜﲑُ‬
‫ﻋن ﺣﺎﻻت اﳊﺮب واﻟﺒأْ َﺳﺎء‪ ،‬ومن ﻫنﺎ ﻓﺈن‬
‫اﻟﺴﺮاء ﻓﻀﻼ ْ‬
‫اﻟﺴﻠم‪ ،‬و ّ‬
‫من اﻟنﱠﺎس أو ﳚﻬﻠﻬﺎ ﰲ ﺣﺎﻻت ّ‬
‫إ رة مﺜﻞ ﻫﺬه اﳉﺰﺋﻴﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴّة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات من ﺷأنه أ ْن ﻳﺸﺤﺬ اﻟعﺰاﺋم‪ ،‬وﻳُعﻠﻲ اﳍمم‪،‬‬
‫وﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴعة اﳉﻬﺎد اﻟﺬي ﻳنﻄﻠق من مﺒﺪأ إﻋﻼء ﻛﻠمة ﷲ ﻇﺎﻫﺮا و ﻃنﺎ‪.‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج ﺻﻼة اﳋﻮف‪:‬‬
‫تﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ إﻗﺎمﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻛﻴﻔﻴّة ﺻﻼة اﳋﻮف ﻓﻘﺪ ﻋﻠمﻬﺎ‬ ‫صﻼة اﻟﱵ ّ‬ ‫ومن مﺴﺎﺋﻞ اﻟ ﱠ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮ َم‬
‫ﻋﻠمﻬﺎ ﻷﺻﺤﺎﺑه تﻄﺒﻴﻘﻴﺎ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﺑﺴنﺪه َﻋ ﱠم ْن َﺷ ِﻬ َﺪ " َر ُﺳ َ‬
‫ﺼﻠﱠى ِ ﻟﱠِﱵ َﻣ َﻌﻪُ َرْﻛ َﻌﺔً‪ ،‬ﰒُﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذَ ِ‬
‫اﻟﻌ ُﺪ ِّو‪ ،‬ﻓَ َ‬
‫ﺖ َﻣ َﻌﻪُ‪َ ،‬وﻃَﺎﺋ َﻔﺔٌ ِو َﺟ َﺎﻩ َ‬‫ﺻ ﱠﻔ ْ‬ ‫ﺻﻼَ َة اﳋَْﻮف‪ :‬أن ﻃَﺎﺋ َﻔ ًﺔ َ‬ ‫ﺻﻠﱠى َ‬ ‫ات ِّ‬
‫اﻟﺮﻗَ ِﺎع َ‬
‫ﺼﻠﱠى ِِ ُﻢ اﻟ ﱠﺮْﻛ َﻌ َﺔ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ﺛَـﺒ َ ِ‬
‫اﻟﻌ ُﺪ ِّو‪َ ،‬و َﺟﺎ َءت اﻟﻄﱠﺎﺋ َﻔﺔُ اﻷُ ْﺧ َﺮى ﻓَ َ‬
‫ﺼ ﱡﻔﻮا ِو َﺟ َﺎﻩ َ‬ ‫ﺖ ﻗَﺎﺋ ًﻤﺎ‪َ ،‬وأََﲤﱡﻮا ﻷَﻧْـ ُﻔﺴ ِﻬ ْﻢ ﰒﱠ اﻧْ َ‬
‫ﺼ َﺮﻓُﻮا‪ ،‬ﻓَ َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ﺴﺎ‪َ ،‬وأََﲤﱡﻮا ِﻷَﻧْـ ُﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ َﺳﻠﱠ َﻢ ِِ ْﻢ "‬ ‫ﺖ ِﻣﻦ ﺻﻼَﺗِِﻪ ﰒﱠ ﺛَـﺒ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ َﺟﺎﻟ ً‬ ‫َ‬ ‫اﻟﱠِﱵ ﺑَﻘﻴَ ْ ْ َ‬
‫اﻟصﻔة‪ ،‬وﰲ ﻫﺬه اﻟﻈﱡﺮوف تﻜﺸﻒ ﻋن مﺪى اﻷﳘﻴّة اﻟﺒﺎﻟﻐة ﻟﻠصﻼة‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬ ‫وﺻﻼة اﳋﻮف ﺬه ّ‬
‫اﻟﺸﺪة‪ ،‬ﻓﻼ تُﱰك ﰲ ﺳﺎﻋة اﳋﻮف اﻟﺒﺎﻟغ‪ ،‬ومن ﰒﱠ ﻳﺆدﻳﻬﺎ اﶈﺎرب ﰲ اﳌﻴﺪان‪،‬‬ ‫ﻋ ﱠﺪة ﰲ اﳋﻮف و ّ‬
‫اﻟﺴﻴﻒ ﻋﻠﻰ رأﺳه‪.2‬‬
‫اﻟﺴﻴﻒ ﰲ ﻳﺪه‪ ،‬و ّ‬
‫و ّ‬
‫وﰲ ﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي تﻄﺒﻴﻘﻲ تﺪرﻳﱯ ﻋﻈﻴم‪ ،‬ﻓﺈذا تﺪرب اﳌﺪﻋﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﺎم ﻟﻄﺎﻋة ﰲ أﺻعﺐ‬
‫اﻟﻈﺮوف ﻓأنه ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴه ﺑعﺪ ذﻟﻚ اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ اﻟﻈﺮوف اﻟعﺎدﻳّة‪.‬‬
‫‪ .3‬ﳕﻮذج ﺻﻼة اﻟﻄّﺎﻟﺐ واﳌﻄﻠﻮب‪:‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﺒخﺎري‪ ":‬ب ﺻﻼة اﻟﻄّﺎﻟﺐ واﳌﻄﻠﻮب راﻛﺒﺎ وإﳝﺎء"‪ ،1‬ﻓصﻼة اﻟﻄّﺎﻟﺐ واﳌﻄﻠﻮب ﺻﻔﺘﻬﺎ أ ْن‬
‫من ﺧﺎف‬ ‫ﻳصﻠﻲ ﻃﺎﻟﺐ اﻟعﺪو اﻟﺬي ﳜﺸﻰ ﻓﻮاته ﻹﳝﺎء‪ ،‬وﻟﻮ مﺎﺷﻴﺎ إﱃ ﻏﲑ اﻟﻘﺒﻠة‪ ،‬وﻳُﻠﺤق ﺑه ْ‬
‫ﻛﻞ ﻫﺮب مﺒﺎح من ﺳﻴﻞ أو‬ ‫ﻋﻠﻰ نﻔﺴه أو أﻫﻠه أو مﺎﻟه من ﻋﺪو أو ﻟﺺ أو ﺣﻴﻮان مﻔﱰس‪ ،‬و ّ‬
‫ﺣﺮﻳق‪.2‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،(113/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4129 :‬‬
‫‪ -2‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(258/1) ،‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(15/2) ،‬‬
‫‪ -2‬ﺳﻴﺪ ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴنة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1397 ،3‬ﻫـ‪ 1977 ،‬م‪.(282/1) ،‬‬
‫‪139‬‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﺣﺪﻳﺚ اﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟَنَﺎ ﻟَ ﱠمﺎ‬ ‫اﻟﱰﲨة ّ‬ ‫وﳑﺎ أورده اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﲢﺖ ّ‬
‫صُﺮ ِﰲ اﻟﻄﱠ ِﺮ ِﻳق‪،‬‬ ‫ﺼﻠِّ َ ﱠ‬ ‫َﺣﺰ ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟع ْ‬ ‫ﺼ َﺮ إِﱠﻻ ِﰲ ﺑَِﲏ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔَ« ﻓَأ َْد َرَك ﺑَـ ْع َ‬
‫ﻀ ُﻬ ُم َ‬ ‫اﻟﻌ ْ‬‫َﺣ ٌﺪ َ‬‫ﲔ أَ‬ ‫اب‪» :‬ﻻَ ﻳُ َ‬ ‫َر َج َع م َن اﻷ ْ َ‬
‫ﱠﱯ ‪،‬‬ ‫صﻠِّﻲ‪َ ،‬ﱂْ ﻳـَُﺮْد ِمنﱠﺎ َذﻟِ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺣﱴ َْتﻴَـ َﻬﺎ‪َ ،‬وﻗَ َﺎل ﺑَـ ْع ُ‬
‫ﻓَـ َﻘ َﺎل ﺑـعﻀﻬم‪ :‬ﻻَ نُ ِ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻓَ ُﺬﻛَﺮ ﻟﻠن ِّ‬ ‫ﻀ ُﻬ ْم‪ :‬ﺑَ ْﻞ نُ َ‬ ‫صﻠّﻲ ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُُ ْ‬
‫اﺣ ًﺪا ِمْنـ ُﻬ ْم‪.1‬‬
‫ﻒوِ‬ ‫ِ‬
‫ﻓَـﻠَ ْم ﻳـُ َعنّ ْ َ‬
‫ووجه اﻻﺳﺘﺪﻻل من اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﺻﻼة اﻟﻄﺎﻟﺐ؛ ﻫﻮ ﻗﻴﺎس ﺻﻼة اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﺧﲑ وﻗﺖ‬
‫ﺳﻮغ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ أن ﻳُصﻠِّﻲ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ راﻛﺒﺎ ﻹﳝﺎء‪ ،‬وﻳﻜﻮن تﺮﻛه‬ ‫صﻼة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ":‬ﻓﻜﺬﻟﻚ ّ‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺴﺠﻮد اﳌﻔﱰض ﻛﱰك اﻟﺬﻳن ﺻﻠﻮا ﺑﺒﲎ ﻗﺮﻳﻈة اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻓﺮض"‪.2‬‬ ‫تﺮﻛه ﻟﻠﺮﻛﻮع و ّ‬
‫ﻓﺎﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ ﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎد اﳊﻜم اﻟﻮارد ﰲ تﺮﲨﺘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﻘﻴّﺎس‪ ،‬ﻛمﺎ ﺑﲔ‬
‫اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻓﻘه دﻗﻴق‪ ،‬ومن ﰒﱠ ﻳﺘأﻛﺪ ﰲ ﻛﻞ مﺮة ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﻘﻴمة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠصﺤﻴﺢ‪ ،‬ومﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ روا ت تﺮوى‪ ،‬وﻻ مﻼﺣم تُﻘﺺ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﺰﻛﺎة واﻟﺼﻮم‪:‬‬
‫صﺤﻴﺢ ﺧﺎﺻة اﻟﺰﻛﺎة‪،‬‬ ‫اﻷمﺜﻠة اﻟﻔﻘﻬﻴّة اﻟﺘّﻄﺒﻴﻘﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬واﻟصﻴﺎم ﻗﻠﻴﻠة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟ ﱠ‬
‫صﻼة تﺘﻜﺮر ﲬﺲ مﺮات ﰲ اﻟﻴﻮم‪،‬‬ ‫صﻼة‪ ،‬وذﻟﻚ ﳋصﻮﺻﻴّة ﻛﻞ ﻋﺒﺎدة‪ ،‬ﻓﺎﻟ ﱠ‬ ‫مﻘﺎرنة ﻟﻄﻬﺎرة واﻟ ﱠ‬
‫صﺤﻴﺢ من مﺴﺎﺋﻞ تﺘعﻠق ﻟﺒﺎﺑﲔ‪ ،‬من‬ ‫واﻟﺰﻛﺎة واﻟصﻮم ﻋﺒﺎدات ﺣﻮﻟﻴّة‪ ،‬ورﻏم ﻫﺬا ﱂ ﲣﻞ أﺑﻮاب اﻟ ﱠ‬
‫ذﻟﻚ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﳕﻮذج ﺧﺮص اﻟﺜﻤﺮ‪:‬‬
‫ﱂ ﻳﻔﻮت اﻟﺒخﺎري ﻓﺎﺋﺪة ﻓﻘﻬﻴّة من ﻓﻘه اﻟﺰﻛﺎة تﻀمنﻬﺎ ﺣﺪﻳﺚ من أﺣﺎدﻳﺚ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب‬
‫ﺧﺮص اﻟﺜﻤﺮ"‪ ،1‬و مﺴأﻟة ﺧﺮص اﻟﺜمﺎر‪ ،‬أي تﻘﺪﻳﺮ مﻘﺪارﻫﺎ ﻟﻈن ‪.2‬‬
‫ﻮك‪ ،‬ﻓﻠ ﱠﻤﺎ ﺟ ِ‬ ‫ٍ ِِ‬
‫ي‬
‫ﺎء َواد َ‬
‫ََ‬ ‫ﺎل‪ :‬غَ َﺰْوَ َﻣ َﻊ اﻟﻨّﱯ‪ ‬غَ ْﺰَوةَ ﺗَـﺒُ َ‬ ‫وﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎدﻫﺎ من ﺣﺪﻳﺚ أَِﰊ ُﲪَْﻴﺪ اﻟ ﱠﺴﺎﻋﺪ ِّ‬
‫ي‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﻋ َ‬
‫ﺸ َﺮَة‬ ‫ص َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺎل اﻟﻨّﱯ‪ِ ‬ﻷ ْ ِ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑِﻪ‪» :‬ا ْﺧ ُﺮ ُ‬
‫ﺻﻮا«‪َ ،‬و َﺧ َﺮ َ‬ ‫اﻟ ُﻘ َﺮى إِذَا ْاﻣ َﺮأَةٌ ِﰲ َﺣ ِﺪﻳ َﻘ ٍﺔ َﳍَﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫َﺣ ِﺼﻲ َﻣﺎ َﳜْ ُﺮ ُج ِﻣ ْﻨـ َﻬﺎ« ‪.3‬‬
‫ﺎل َﳍَﺎ‪» :‬أ ْ‬ ‫أ َْو ُﺳ ٍﻖ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،(14/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.942:‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(543/2) ،‬‬
‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(125/2) ،‬‬
‫‪2‬‬
‫ﳏمﺪ ﻋمﻴم اﻹﺣﺴﺎن ا ﺪدي اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴة‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ب ﺧﺮص اﻟﺜمﺮ‪ ،(125/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1481:‬‬
‫‪140‬‬
‫ﻓﻠم ﳝنع اﻟنّﱯ‪ ‬اﻻﻫﺘمﺎم ﺑﻐﺰوة تﺒﻮك‪ ،‬وﻫﻲ من اﻟﻐﺰوات اﻟعﻈﻴمة اﻟعﺴﲑة أن ﻳﻄﺒق مﺴأﻟة من‬
‫صﺤﺎﺑة ﻋﻠﻰ تﻘﺪﻳﺮ مﺎل اﻟﺰﻛﺎة ﻟﺘخمﲔ‪ ،‬وﱂ ﲢﺮم‬ ‫مﺴﺎﺋﻞ اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬وﻫﻲ إﺣصﺎء ﲦﺮ اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬وتﺪرﻳﺐ اﻟ ﱠ‬
‫اﳌﺮأة ﺻﺎﺣﺒة اﳊﺪﻳﻘة من ﻫﺬا اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ اﳊﺴﺎب واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ؛ ﻷﳘﻴﺘه ﰲ إدارة أمﻮال اﻟﺰﻛﺎة‪.‬‬

‫وﻫﻜﺬا ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﺴﺘﺜمﺮ ﻛﻞ اﻟﻔﺮص اﳌمﻜنة ﻟﻠﺘﺒﻠﻴغ واﻟﺘﺪرﻳﺐ واﻟﺘعﻠﻴم‪ ،‬واﳌﺘﺎﺑعة‪،‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.1‬‬
‫مﺴﺘﻬﺪﻓﺎ أوﺳع نﻄﺎق من ﻓﺌﺎت ّ‬
‫ﻓﻘﺪ ﲡﻠﺖ ﻛﻞ ﻫﺬه اﳌﺴﺘﻮ ت اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﳌﻮجﺰ؛ تعﻠﻴمﺎ‪ ،‬وتﺪرﻳﺒﺎ‪ ،‬ومﺘﺎﺑعة‪ ،‬وتﻘﻮﳝﺎ‪.‬‬

‫اﻟﺘﱠﺒﻠﻴغ‬
‫• اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟﺰﻛﺎة‬

‫• ﻛﻴﻔﻴة ﺣﺴﺎب مﻘﺎدﻳﺮ اﻟﺰﻛﺎة‬ ‫اﻟﺘعﻠﻴم‬

‫اﻟﺘﺪرﻳﺐ‬
‫• تﻜﻠﻴﻒ اﻟصﺤﺎﺑة ﳋﺮص‬

‫• مﻘﺎرنة اﳊﺴﺎب اﻟنﺒﻮي ﲝﺴﺎب اﻟصﺤﺎﺑة‬ ‫اﻟﺘﻘﻮﱘ واﳌﺘﺎﺑعة‬

‫• أمﺮ اﳌﺮأة ﲝﺴﺎب مﻘﺪار زﻛﺎ ﺎ وإﺧﺮاجه‬ ‫تﻄﺒﻴق اﳊﻜم‬

‫‪ .2‬ﳕﻮذج وﻗﺖ إﻓﻄﺎر اﻟﺼﺎﺋﻢ‪:‬‬

‫إن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻻ ﻳﱰك مﻮﻗﻔﺎ دﻋﻮ إﻻ واﺳﺘﻐﻠه تﺒﻠﻴﻐﺎ أو تﺮﺑﻴّة أو تﻄﺒﻴﻘﺎ‪ ،‬ﲟﺎ ﻳنﺎﺳﺐ اﳌﻘﺎم وتﻘﺘﻀﻴه‬
‫ﺣﺎجة اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﻞ مﻮﻗﻒ وﻗﺖ اﻟﻐﺮوب ﰲ ﻏﺰوة من اﻟﻐﺰوات ﻟﻴﻄﺒق ﻋمﻠﻴﺎ ﺑﺪء وﻗﺖ‬
‫اﻟﱰﲨة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ب اﻟصﻮم ﰲ اﻟﺴﻔﺮ واﻹﻓﻄﺎر"‪.1‬‬ ‫إﻓﻄﺎر اﻟصﺎﺋم‪ ،‬ومنه اﺳﺘنﺒط اﻟﺒخﺎري ّ‬
‫‪1‬‬
‫ﻓعن اﺑن أﰊ أوﰱ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛنﺎ مع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﺳﻔﺮ ﻓﻘﺎل ﻟﺮجﻞ‪» :‬اﻧْ ِﺰ ْل ﻓَ ْ‬
‫ﺎﺟ َﺪ ْح ِﱄ «‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪:‬‬
‫ﺎل‪» :‬اﻧْ ِﺰ ْل ﻓَ ْ‬
‫ﺎﺟ َﺪ ْح ِﱄ«‪،‬‬ ‫ﺲ؟ ﻗَ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ اﻟ ﱠ‬
‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫ﺎل‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ﺎل‪» :‬اﻧْ ِﺰ ْل ﻓَ ْ‬
‫ﺎﺟ َﺪ ْح ِﱄ«‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺲ؟ ﻗَ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬اﻟ ﱠ‬
‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫َ َر ُﺳ َ‬

‫‪ -1‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻔ ﱠعﺎﻟﻴة اﳊﻀﺎرﻳة‪ ،‬واﻟﺜﻘﺎﻓﻴة اﻟﺴننﻴة‪ ،‬ص‪.202‬‬

‫‪ -1‬ﺻﺤﻴﺢ رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(33/3) ،‬‬
‫‪141‬‬
‫ﺎل‪» :‬إِ َذا َرأَﻳْـﺘُ ُﻢ اﻟﻠﱠْﻴ َﻞ أَﻗـْﺒَ َﻞ ِﻣ ْﻦ َﻫﺎ ُﻫﻨَﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ ْﺪ أَﻓْﻄََﺮ‬
‫ب‪ ،‬ﰒُﱠ َرَﻣى ﺑِﻴَ ِﺪﻩِ َﻫﺎ ُﻫﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫ﺸ ِﺮ َ‬
‫ح ﻟَﻪُ ﻓَ َ‬
‫ﻓَـﻨَـ َﺰ َل ﻓَ َﺠ َﺪ َ‬
‫‪2‬‬
‫ﺼﺎﺋِ ُﻢ«‪.‬‬
‫اﻟ ﱠ‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﺑعﺪ دﻋﻮي تﻘﻮﳝﻲ تﺮﺑﻮي‪ ،‬وﻫﻮ تصﺤﻴﺢ ﺑعﺾ اﻟﺘصﻮرات واﻷﺧﻄﺎء ﻟﺪى‬
‫اﻟﺮمﻲ ﳎﺎز ﻋن اﻹﺷﺎرة؛‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﻜﻮراﱐ ﰲ ﺷﺮح ﻋﺒﺎرة "ﰒ رمﻰ ﻳﺪه ﻫﻬنﺎ"‪ ":‬ﻗﻴﻞ‪ :‬اﻟﺸﺮق‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اﻟﺮجﻞ‪ ،‬ﻓأنه ﻇن أن معﺮﻓة دﺧﻮل اﻟﻠﻴﻞ ﻳﻜﻮن من‬‫اﻹﺷﺎرة؛ وإﳕﺎ أﺷﺎر إﱃ ﳓﻮ اﻟﺸﺮق ﺑﻴﺎ ﳋﻄأ ّ‬
‫ﻃﺮف اﳌﻐﺮب"‪.3‬‬
‫ومﺎ ﻟﻔﺖ انﺘﺒﺎﻫﻲ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ُﺣﺴن تﻮﻇﻴﻒ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻹﻗنﺎع‪ ،‬وتﻘﺮﻳﺮ اﳊﻘﺎﺋق‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫صﺤﺎﰊ‪ ،‬ﻟﺘﻜﺮار‪ ،‬ﰒ ﲟﺒﺎﺷﺮته ﻟﻠﻔعﻞ أمﺎمه‪ ،‬ﰒ أﻋﻄﺎه ﻗﺎﻋﺪة ﻋﺎمة ﲤﻜنه‬ ‫ﺻﺤﺢ اﳌﺴأﻟة ﰲ ذﻫن اﻟ ﱠ‬
‫من تﻄﺒﻴق اﳊﻜم ﺑنﻔﺴه‪ ،‬و ﺬا ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺑﻠغ اﳌﺴأﻟة وﻋﻠمﻬﺎ وﻃﺒﻘﻬﺎ ﰲ واﻗع اﳊﻴﺎة‪ ،‬وﻓق مﺎ‬
‫ﻳﻮﺿﺤه ﻫﺬا اﳌخﻄط‪:‬‬
‫ﺗﺼﻴﺢ اﻟﺘﺼﻮر‬
‫اﻟﺘﻄﺒﻴق اﻟنمﻮذجﻲ)اﻟﺘﻄﺒﻴق اﻟنﺒﻮي ﻟﻠﺤﻜم(‬ ‫اﻟﺘﻜﺮار اﻟنﻈﺮي )تﺒﻠﻴغ اﳊﻜم(‬

‫اﻟﺘﻘﻌﻴﺪ‬
‫تﻄﺒﻴق اﻟﻘﺎﻋﺪة) تﻄﺒﻴق اﳌﺪﻋﻮ‪ +‬اﳌﺘﺎﺑعة واﻟﺘﻘﻮﱘ اﻟنﺒﻮي(‬ ‫تﺜﺒﻴﺚ اﻟﻘﺎﻋﺪة ) تﺒﻠﻴغ‪+‬مﺸﺎﻫﺪة اﻟﺘﻄﺒﻴق(‬

‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ّ‬

‫ﳊﺠﻮاﻟﻌﻤﺮة‬
‫ﳊج واﻟعمﺮة؛‬
‫ﻗﺪ وﻇﻒ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﺑعﺾ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻻﺳﺘنﺒﺎط ﺑعﺾ اﻷﺣﻜﺎم اﳌﺘعﻠﻘة ّ‬
‫ﻟﻴﺪل ذﻟﻚ من جﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺮاء اﻟﻔﻘﻬﻲ ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي وتنﻮع اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬إﱃ‬ ‫واﻟعمﺮة؛ ّ‬
‫اﳊﺠﻮﺷعﲑة اﻟعمﺮة من أﺑعﺎد إﻋﻼمﻴّة ودﻋﺎﺋﻴّة‪.1‬‬
‫إﱃ جﺎنﺐ مﺎ ﰲ ﻓﺮﻳﻀة ّ‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﺬﻛﺮ ﺑعﻀﺎ منﻬﺎ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﳕﻮذج اﻹﺣﺼﺎر ﰲ اﻟﻌﻤﺮة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬اﳉﺪح‪ :‬أن ﳜﺎض اﻟﺴﻮﻳق ﳌﺎء وﳛﺮك ّ‬
‫ﺣﱴ ﻳﺴﺘﻮي‪ ،‬وا ﺪح‪ :‬اﻟعﻮد اﻟﺬي ﲣﺎض ﺑه اﻷﺷﺮﺑة ﻟﱰق وتﺴﺘﻮي‪ ،‬وﻫﻮ ﻳﺸﺒه‬
‫اﳌﻠعﻘة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳة ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ واﻷثﺮ‪.(243/1) ،‬‬
‫‪ -2‬ﺻﺤﻴﺢ رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟصﻮم‪ ،‬ب اﻟصﻮم ﰲ اﻟﺴﻔﺮ واﻹﻓﻄﺎر‪ ،(33/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1941:‬‬
‫‪ -3‬أﲪﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟﻜﻮراﱐ‪ ،‬اﻟﻜﻮثﺮ اﳉﺎري إﱃ ر ض أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺒخﺎري‪.(289/4) ،‬‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪142‬‬
‫اﳊﺠأو اﻟعمﺮة ﲤﺎمﻬمﺎ‪ ،‬ﲟﺮض أو ﺑعﺪو‪ ،‬أو ﻏﲑﻫﺎ من‬ ‫واﻹﺣصﺎر ﻫﻮ أن ﳝنع من ﺷﺮع ﰲ ّ‬
‫اﳌﻮانع‪ ،1‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬا اﳊﻜم‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب إذا أﺣﺼﺮ اﳌﻌﺘﻤﺮ"‪.2‬‬
‫اﻟﱰﲨة‪ ،3‬ﻗﻮل اﺑن ﻋمﺮ ‪َ » :‬ﺧ َﺮ ْﺟﻨَﺎ َﻣ َﻊ اﻟﻨّﱯ‪‬‬ ‫وﳑﺎ أورده من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﲢﺖ ﻫﺬه ّ‬
‫‪4‬‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﺑُ ْﺪﻧَﻪُ َو َﺣﻠَ َﻖ َرأْ َﺳﻪُ«‪.‬‬ ‫ﺶ ُدو َن اﻟﺒـْﻴ ِ‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻓَـﻨَ َﺤ َﺮ َر ُﺳ ُ‬ ‫َ‬ ‫ﺎل ُﻛ ﱠﻔ ُ‬
‫ﺎر ﻗُـ َﺮﻳْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُﻣ ْﻌﺘَﻤ ِﺮ َ‬
‫ﻳﻦ‪ ،‬ﻓَ َﺤ َ‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟﺮواﻳّة ﻳﺘﱭ أثﺮ اﳌنﻬج اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ تعﻠﻴم أﺣﻜﺎم اﻟ ﱠﺸﺮﻳعة‪ ،‬ﻓﺘﺤﻠﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬من ﻋمﺮته‪،‬‬
‫صﺤﺎﺑة ﺑعﺪمﺎ ﱂ ﻳﺘمﻜن من إﲤﺎمﻬﺎ ﻟصﺪ ﻗﺮﻳﺶ ﻟه ﻳﻮم اﳊﺪﻳﺒﻴّة أﲦﺮ ﻓﻘﻬﺎ رﺻﻴنﺎ‬ ‫ﻋﻠﻰ مﺸﻬﺪ من اﻟ ﱠ‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،‬ﺑﻞ ﺻنع منﻬم ﻓﻘﻬﺎء‪ ،‬وأﺋمة ﻫﺪي ﻳﺴﱰﺷﺪ م ﰲ اﻟنﻮازل‪.‬‬ ‫ﻟﺪى اﻟ ﱠ‬
‫و ﺬا ﻳﻜﻮن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗﺪ مﺎرس ﺑعﺪا دﻋﻮ ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺒعﺪ اﻟﺘﻮرﻳﺜﻲ‪ ،5‬ﻓﻘﺪ ورث ﻋنه‬
‫اﳊﺠﻮاﻟعمﺮة وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﳑﺎ مﻜنﻬم من تﻮرﻳﺜﻬﺎ ﳌن جﺎء من‬ ‫صﺤﺎﺑة أﺣﻜﺎم ّ‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫ﺑعﺪﻫم‪.‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج اﻟﱰﺗﻴﺐ ﺑﲔ اﻟﻨﺤﺮ واﳊﻠﻖ ﰲ اﻟﺘﺤﻠﻞ‬
‫ﺤصﺮ ﻟنﺤﺮ واﳊﻠق‪ ،‬وﻟﻜن ﻫﻞ ﻫﺬا اﻟﱰتﻴﺐ معﺘﱪ أم أن اﶈصﺮ ﳐﲑ؟ وﻟﻺجﺎﺑة ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻳﺘﺤﻠﻞ اﳌُ َ‬
‫اﻟﱰﲨة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ب اﻟنﺤﺮ ﻗﺒﻞ اﳊﻠق ﰲ اﳊصﺮ"‪،1‬‬
‫ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺸﻜﺎل اﻟﻔﻘﻬﻲ ﻋﻘﺪ اﻟﺒخﺎري ّ‬
‫ﻓﺎﻟﱰﲨة تﺸﲑ إﱃ أن ﻫﺬا اﻟﱰتﻴﺐ ﳜﺘﺺ ﲝﺎل من أﺣصﺮ‪ ،‬وأنه ﻻ ﳚﺐ ﰲ ﺣﺎل اﻻﺧﺘﻴﺎر‪.2‬‬ ‫ّ‬
‫اﺳﺘﺪل ﳌﺮاﻋﺎة اﻟﱰتﻴﺐ ﲝﺪﻳﺚ اﳌﺴﻮر ‪ " ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳓﺮ ﻗﺒﻞ أن ﳛﻠق‪ ،‬وأمﺮ أﺻﺤﺎﺑه‬ ‫و ّ‬
‫وأمﺮ أﺻﺤﺎﺑه ﺑﺬﻟﻚ"‪.3‬‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺑن أﲪﺪ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬اﺑن رﺷﺪ اﻷنﺪﻟﺴﻲ‪ ،‬ﺑﺪاﻳة ا ﺘﻬﺪ و ﺎﻳة اﳌﻘﺘصﺪ‪ ،‬دار اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪) ،‬د‪.‬ط(‪1425 ،‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 2004‬م‪.(119/2) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(8/3) ،‬‬
‫اﳌنع ﻋن اﳌﻀﻲ ﰲ أﻓعﺎل اﳊج واﻟعمﺮة ﺑعﺪ اﻹﺣﺮام‪ ،‬ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺑعﺪ ٍّو أو ﳊﺒﺲ أو ﳌﺮض‪ ،‬أو ﻫﻮ َﻋ ُ‬
‫‪3‬‬
‫ﺠﺰ‬ ‫‪ -‬اﻹﺣﺼﺎر‪" :‬ﻫﻮ ُ‬
‫اﶈﺮم ﻋن اﻟﻄﻮاف واﻟﻮﻗﻮف"‪ ،‬اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴة‪.(19/1) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب اﶈصﺮ‪ ،‬اﻟنﺤﺮ ﻗﺒﻞ اﳊﻠق ﰲ اﳊصﺮ‪ ،(9/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1812 :‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬اﻟﺘﻮرﻳﺚ‪ :‬مصﻄﻠﺢ دﻋﻮي ﻳﻘصﺪ ﺑه‪ " :‬ﻫﻮ مﺎ ﻳﱰﻛه اﻟﺴﺎﺑق ﻟﻼّﺣق من ﺧﱪة أو ﲡﺮﺑة أو ﻟﻮاﺋﺢ أو ﻃﺮاﺋق ﰲ ﳎﺎل ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‬
‫ﳏمﺪ ﺑن مﻮﺳﻰ اﻟﺸﺮﻳﻒ‪ ،‬اﻟﺘﻮرﻳﺚ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬دار اﻷنﺪﻟﺲ اﳋﻀﺮاء‪ ،‬جﺪة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬‬
‫ﺧﺎﺻة"‪ّ ،‬‬
‫ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(9/3) ،‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(10/4) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب اﶈصﺮ‪ ،‬ب اﻟنﺤﺮ ﻗﺒﻞ اﳊﻠق ﰲ اﳊصﺮ‪ ،(9/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1811:‬‬
‫‪143‬‬
‫صﺤﺎﺑة من ﻗﻮل رﺳﻮل ﷲ ‪‬‬ ‫وﻫﺬا اﻟﱰتﻴﺐ اﻟﺬي اﺳﺘنﺒﻄه اﻟﺒخﺎري من اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬إﳕﺎ أﺧﺬه اﻟ ﱠ‬
‫وﻓعﻠه‪ ،‬ونﻘﻠﻮه إﱃ من ﺑعﺪﻫم‪ ،‬ومن ﰒﱠ ﻳﻈﻬﺮ أثﺮ تعﺰﻳﺰ وﺳﻴﻠة اﻟﻘﻮل ﻟﻔعﻞ ﰲ تﻮﺻﻴﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪.‬‬

‫ومن مﻈﺎﻫﺮ جﻮدة ﻫﺬا اﻻتصﺎل أنه ﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋنﺪ ﲨﻬﻮر اﳌﺘﻠﻘﲔ اﳌﺒﺎﺷﺮﻳن‪ ،‬ﺑﻞ تعﺪﻳه إﱃ اﳉﻴﻞ‬
‫صﺤﺎﺑة‪ ،1‬ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن‬‫اﳉﻴﻞ اﻟﺬي جﺎء من ﺑعﺪﻫم‪ ،‬ﻛمﺎ ﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻓﺎﳌﺴﻮر من ﺻﻐﺎر اﻟ ﱠ‬
‫أﺧﺬ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﻛﺒﺎرﻫم‪ ،1‬واﳌﻠﻔﺖ أنه رواه وﻛأنه ﳑن ﺣﻀﺮ اﻟﻮاﻗعة‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ وﺑعﺾ تﺮاﲨه ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﰲ‬ ‫ﻓﻬﺬه ﳕﺎذج من مﺴﺎﺋﻞ تﺸﺮﻳعﻴّة تﻀمنﺘﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫أﺑﻮاب اﻟعﺒﺎدات اﳌخﺘﻠﻔة؛ ﳑﺎ ﻳﺜﺒﺖ ﺣﻀﻮر اﳌنﻬج اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟنﱠﺒﻮي اﻟﺘعﺒﺪي ﰲ اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ اﳌﻌﺎﻣﻼﰐ‬
‫ﺑعﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ من تﻘﺪﱘ ﳕﺎذج من اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟﺘعﺒﺪي أﺷﺮع ﰲ تنﺎول ﳕﺎذج أﺧﺮى من‬
‫اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟنﱠﺒﻮي اﳌعﺎمﻼﰐ ﰲ ﺷﻘﻴه اﳌﺎﱄ‪ ،‬واﻷﺳﺮي من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ‬
‫صﺤﻴﺢ؛ معﺮجﺎ ﻋﻠﻰ مﺎ تﻀمنﺘه من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻜﺜﲑ من اﻷﺣﻴﺎن ﰲ ﻓﻘه‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﺒخﺎري اﻟﺬي ﺣﻔﻠﺖ ﺑه تﺮاﲨه‪.‬‬

‫‪ -1‬اﳌﺴﻮر ﺑن ﳐﺮمة من ﺻﻐﺎر اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬وﻛﺎن مﻮﻟﺪه ﺑعﺪ اﳍﺠﺮة ﺑﺴنﺘﲔ‪ ،‬وﻗﺪم اﳌﺪﻳنة ﺑعﺪ اﻟﻔﺘﺢ ﺳنة ﲦﺎن‪ ،‬روى ﻋن اﳋﻠﻔﺎء‬
‫اﻟﻘﺮﺷﻲ‪ ،‬واﳌﻐﲑة وﻏﲑﻫم‪ ،‬روى ﻋنه ﺳعﻴﺪ ﺑن اﳌﺴﻴّﺐ‪ ،‬وﻋﻠﻲ ﺑن اﳊﺴﲔ‪ ،‬وﻋﻮف ﺑن اﻟﻄﻔﻴﻞ‪ ،‬وﻋﺮوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اﻷرﺑعة‪ ،‬وﻋمﺮو ﺑن ﻋﻮف‬
‫وآﺧﺮون‪ ،‬تﻮﰲ ﺳنة أرﺑع وﺳﺘﲔ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺠﺮ اﻟعﺴﻘﻼﱐ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة ﰲ ﲤﻴﻴﺰ اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت ط‪ 1415 ،1‬ﻫـ‪.(95/6) ،‬‬
‫‪ -1‬ﻣﺮﺳﻞ اﻟﺼﺤﺎﰊ‪ :‬ﻫﻮ إﺳﻘﺎط اﻟصﺎﺣﱯ ﻟصﺤﺎﰊ آﺧﺮ وﳛﺪث مﺒﺎﺷﺮة ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﻫﻮ مﻘﺒﻮل ﻋنﺪ أﻛﺜﺮ اﶈﺪثﲔ‪،‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﻜﻰ ﺑعﻀﻬم ﰲ ذﻟﻚ اﻹﲨﺎع‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬تﻮﺿﻴﺢ اﻷﻓﻜﺎر‪.(287/1) ،‬‬
‫‪144‬‬
 ‫وﺳﻮف أﲨﻞ اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟنﱠﺒﻮي اﳌﺘعﻠق ﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة واﻷﺳﺮﻳّة ﰲ ﻋنصﺮﻳن‪ ،‬وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻌﺎﻣﻼت اﳌﺎﻟﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي أﺣﻜﺎمﺎ ﻓﻘﻬﻴّة تﺘعﻠق ﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﺿمنﻬﺎ‬
‫تﺮاﲨه ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﳌﺮو ت‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﺣﻀﻮر اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﳌﺘعﻠق ﺬا ا ﺎل ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻓﻴمﺎ‬
‫ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج ﻋن ﻫﺬا اﻟنﻮع من اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﳕﻮذج اﻟﻘﺒﺾ ﰲ اﻟﺒﻴﻊ‪ :‬ﻗﺎل اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ‪ ":‬ب ﺷﺮاء اﻟﺪواب واﳊمﺮ‪ ،‬وإذا اﺷﱰى داﺑة‬
‫داﺑة أو ﲨﻼ وﻫﻮ ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻫﻞ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻗﺒﻀﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳنﺰل وﻗﺎل اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬ﻗﺎل‬
‫‪1‬‬
‫اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟعمﺮ‪» :‬ﺑﻌﻨﻴﻪ« ﻳعﲏ ﲨﻼ ﺻعﺒﺎ"‬
‫وﻫﻲ تﺮﲨة دﻗﻴﻘة تﺸﲑ من ﻃﺮف ﺧﻔﻲ إﱃ اﳋﻼف ﰲ ﻛﻮن اﻟﻘﺒﺾ ﺷﺮط ﻟصﺤة اﻟﺒﻴع‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫اﺷﱰﻃه مﺎﻟﻚ وأﲪﺪ‪ ،‬وجعﻠه أﺑﻮ ﺣنﻴﻔة واﻟﺸﺎﻓعﻲ من ﲤﺎم اﻟعﻘﺪ اﻟﻘﺒﺾ‪.2‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ت َم َع‬ ‫وﻗﺪ اﺳﺘنﺒط ﻓﻘه ﻫﺬه اﳌﺴأﻟة من ﺣﺪﻳﺚ جﺎﺑﺮ ﺑْ ِن َﻋْﺒﺪ ا ﱠ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪َ :‬ﻏَﺰْو ُ‬
‫ت إِﻟَْﻴ ِه‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺖ‪ :‬نَـ َع ْم‪ ،‬ﻓَﺒِ ْعﺘُهُ إِ ﱠ هُ‪ ،‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ﻗَﺪ َم اﳌَﺪﻳنَةَ‪َ ،‬ﻏ َﺪ ْو ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ف ﺗَـ َﺮى ﺑَﻌ َﲑ َك أَﺗَﺒِﻴﻌُﻨﻴﻪ؟« ﻗُـ ْﻠ ُ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻛ ْﻴ َ‬ ‫اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗَ َ‬
‫ِ‬
‫ِ ﻟْﺒَع ِﲑ‪ ،‬ﻓَأ َْﻋﻄَ ِﺎﱐ َﲦَنَهُ‬
‫‪1‬‬

‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ مﺴﺎﺋﻞ تﺸﺮﻳعﻴّة ﻛﺜﲑة ﻏﲑ مﺴأﻟة اﻟﻘﺒﺾ ﰲ اﻟﺒﻴع‪ ،‬ﻓﻔﻴه‪ :‬اﻟنﻜﺎح‪ ،‬وآداﺑه‪ ،‬ﻛمﻼﻋﺒة‬
‫صﻼة ﺣﲔ اﻟﻘﺪوم من اﻟﺴﻔﺮ‪ ،2‬واﳍﺒة‪ ،‬وإﻳﻔﺎء اﻟﻜﻴﻞ‪ ،‬وﻛﻞ ﻫﺬا ﻛﻴﺪ ﻟﻠﺤﻀﻮر‬ ‫ومﺪاﻋﺒة اﻷﻫﻞ‪ ،‬واﻟ ﱠ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪(63/3) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(227/6) ،‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻻﺳﺘﻘﺮاض‪ ،‬ب من اﺷﱰى ﻟﺪﻳن وﻟﻴﺲ ﻋنﺪه ﲦنه‪ ،‬أو ﻟﻴﺲ ﲝﻀﺮته‪،(115/3) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪ ،2385 :‬ﻳنﻈﺮ اﻟﻘصة ﻛﺎمﻠة ‪ :‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺒﻴﻮع‪ ،‬ب ﺷﺮاء اﻟﺪواب واﳊمﺮ‪ ،‬وإذا اﺷﱰى داﺑة أو ﲨﻼ وﻫﻮ‬
‫ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻫﻞ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻗﺒﻀﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳنﺰل وﻗﺎل اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬ﻗﺎل اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟعمﺮ‪" :‬ﺑعنﻴه" ﻳعﲏ ﲨﻼ ﺻعﺒﺎ‪،‬‬
‫)‪ ،(62/3‬ﺑﺮﻗم‪.2097 :‬‬
‫‪ -2‬وﻫﻲ ﺳنة اﻟﻘﺪوم من اﻟﺴﻔﺮ ﻛﺎن ﻳﻮاﻇﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ،‬وﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ﻛمﺎ ﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬وﻋنﺪ مﺴﻠم وﻏﲑه‬
‫ﺼﻠﱠى ﻓِ ِﻴﻪ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱡﺤى‪ ،‬ﻓَِإذَا ﻗَﺪ َم ﺑَ َﺪأَ ِ ﻟ َْﻤ ْﺴﺠﺪ‪ ،‬ﻓَ َ‬
‫من ﺣﺪﻳﺚ ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪َ » ‬ﻛﺎ َن َﻻ ﻳَـ ْﻘ َﺪ ُم ﻣ ْﻦ َﺳ َﻔ ٍﺮ إِﱠﻻ ﻧَـ َﻬ ًﺎرا ِﰲ اﻟﻀ َ‬
‫ﺲ ﻓِ ِﻴﻪ«‪ ،‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﺻﻼة اﳌﺴﺎﻓﺮﻳن وﻗصﺮﻫﺎ‪ ،‬ب اﺳﺘﺤﺒﺎب اﻟﺮﻛعﺘﲔ ﰲ اﳌﺴﺠﺪ ﳌن ﻗﺪم‬ ‫ِ‬
‫َرْﻛ َﻌﺘَـ ْﲔ‪ ،‬ﰒُﱠ َﺟﻠَ َ‬
‫من ﺳﻔﺮ أول ﻗﺪومه‪ ،(496/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.716:‬‬
‫وﰲ ﻫﺬه اﻟﺒﺪاﻳة ﳌﺴﺠﺪ دﻻﻻت ﻛﺒﲑة منﻬﺎ أﳘﻴة تعﻠق اﳌﺴﻠم واﻟﺪﱠاﻋﻴة ﻋﻠﻰ وجه اﳋصﻮص ﺑﺒﻴﻮت ﷲ‪ ،‬وﳑﺎ ﻳﺆﺳﻒ ﻟه‬
‫تﻔﺮﻳط وتﻘصﲑ اﻟﻜﺜﲑ من اﳌﺸﺘﻐﻠﲔ ّﻟﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد واﻟﺘعﻠﻴم‪ ...‬ﰲ جنﺐ ﻋمﺎرة ﺑﻴﻮت ﷲ‪ ،‬وﻫﺬا ﰲ تﻘﺪﻳﺮي من أﻋﻈم‬
‫مﺆﺷﺮات اﻟﻮﻫن واﻟﺘﺪاﻋﻲ اﻟﺪﻋﻮي اﳌعﺎﺻﺮ‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫اﳌﻜﺜﻒ ﻟﻠﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﳌﺘﻜﺎمﻞ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﺑﺘﻮازن ﻋﺠﻴﺐ ﻻ ﻳﻄﻐﻰ ﻓﻴه جﺎنﺐ ﻋن جﺎنﺐ‪،‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺬي ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳنﺘﺒه إﻟﻴه اﻟﺪﱡﻋﺎة‪ ،‬وتﺘﺒنﺎه اﳊﺮﻛﺎت اﻹﺻﻼﺣﻴّة‪ ،‬واﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج اﲣﺎذ اﻷﺟﲑ‬
‫اﺳﺘﺪل اﻟﺒخﺎري ﳌﺴأﻟة اﲣﺎذ اﻷجﲑ ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬وﻫﻲ من مﺴﺎﺋﻞ ب اﻹجﺎرة‪ ،‬وﰲ اﻟﻐﺰو ﺧﺎﺻة‬ ‫ّ‬ ‫ﻗﺪ‬
‫اﺳﺘﺪل ﻟﻠﱰﲨة‪ ،‬ﲝﺪﻳﺚ‬ ‫ﺧﺎﺻة ﲝﺪﻳﺚ من أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب اﻷجﲑ ﰲ اﻟﻐﺰو"‪ ،1‬و ّ‬
‫ﻳعﻠﻰ ﺑن أمﻴّة ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻏﺰوت مع اﻟنّﱯ‪ ‬جﻴﺶ اﻟعﺴﺮة‪ ،‬ﻓﻜﺎن من أوثق أﻋمﺎﱄ ﰲ نﻔﺴﻲ‪،‬‬
‫ﺎﺣﺒِ ِه‪،‬‬
‫ﺾ أَﺣ ُﺪ ُﳘﺎ إِﺻﺒع ﺻ ِ‬
‫نﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﱄ أجﲑ‪ ،‬ﻓﻘﺎتﻞ إنﺴﺎ ‪ ،‬ﻓعﺾ أﺣﺪﳘﺎ إﺻﺒع ﺻﺎﺣﺒه‪ ،‬ﻓَـ َع ﱠ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻓَﺎنْﻄَﻠَ َق إﱃ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻓأﻫﺪر ثنﻴﺘه‪ ،‬وﻗﺎل‪ » :‬أَﻓَـﻴَ َﺪ ُ‬
‫ع‬ ‫ع إِ ْ‬
‫ﺻﺒَـ َعهُ‪ ،‬ﻓَأَنْ َﺪ َر ثَنﻴﱠـﺘَهُ‪ ،‬ﻓَ َﺴ َﻘﻄَ ْ‬ ‫ﺻﺎﺣﺒِه‪ ،‬ﻓَﺎنْـﺘَـَﺰ َ‬‫َ‬
‫ﻀ ُﻢ اﻟ َﻔ ْﺤ ُﻞ «‪.2‬‬
‫ﺎل ‪َ -‬ﻛ َﻤﺎ ﻳَـ ْﻘ َ‬‫َﺣ ِﺴﺒُﻪُ ﻗَ َ‬‫ﺎل‪ :‬أ ْ‬ ‫ﻀ ُﻤ َﻬﺎ ‪ -‬ﻗَ َ‬ ‫ﻴﻚ ﺗَـ ْﻘ َ‬‫ﺻﺒَـ َﻌﻪُ ِﰲ ﻓِ َ‬
‫إِ ْ‬
‫ووجه اﳉﻮاز ﻇﺎﻫﺮ من إﻗﺮار اﻟنّﱯ‪ ‬ﻟﻴعﻠﻰ ﺑن أمﻴّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻔعﻞ‪ ،‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ‪ ":‬ﻓﺎﳉﻬﺎد‪ ،‬وإن‬
‫ﻛﺎن اﻟﻘصﺪ ﺑه ﲢصﻴﻞ اﻷجﺮ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳنﺎﰲ ذﻟﻚ اﻻﺳﺘعﺎنة ﳋﺎدم‪ ،‬ﺧصﻮﺻﺎ ﳌن ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ‬
‫معﺎﻃﺎة اﻷمﻮر ﺑنﻔﺴه"‪.3‬‬
‫‪ .3‬ﳕﻮذج اﳌﺎل غﲑ اﳌﺘﻘﻮم‬
‫من اﻷﺳﺲ اﻟﱵ تﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة أن ﻳﻜﻮن اﳌﺎل اﳌﺘﺪاول ﺑﲔ اﳌﺘعﺎمﻠﲔ مﺘﻘﻮم ﺷﺮﻋﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺠمﻬﻮر اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻳﺸﱰﻃﻮن ﰲ اﳌﺎل أن ﻳﻜﻮن اﻻنﺘﻔﺎع ﺑه مﺒﺎﺣﺎ ﻟﻴصﺢ اﻟﺘّعﺎمﻞ ﺑه‪ ،‬ﻓأن اﳌعﺘﱪ ﰲ‬
‫اﻟﺘﻘﻮﱘ إﳕﺎ ﻫﻮ مﺮاﻋﺎة اﳌﺸﺮوﻋﻴّة‪ ،‬واﳌنﻔعة اﻟﱵ أذن اﻟﺸﺎرع ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ومﺎ ﻻ ﻳﺆذن ﻓﻴه ﻓﻼ ﻋﱪة ﺑه‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫ﻓﻼ تعﺘﱪ ﻗﻴمﺘه؛ ﻷن اﳌعﺪوم ﺷﺮﻋﺎ ﻛﺎﳌعﺪوم ﺣﺴﺎ‪.1‬‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ إﱃ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة من ﺧﻼل اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ ﻏﺰوة‬
‫ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب‪ :‬ﻫﻞ تﻜﺴﺮ اﻟﺪ ن اﻟﱵ ﻓﻴﻬﺎ اﳋمﺮ‪ ،‬أو ﲣﺮق اﻟﺰﻗﺎق‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺴﺮ ﺻنمﺎ‪ ،‬أو‬
‫ﺻﻠﻴﺒﺎ‪ ،‬أو ﻃنﺒﻮرا‪ ،‬أو مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﲞﺸﺒه"‪.2‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(89 /3) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻹجﺎرة‪ ،‬ب اﻷجﲑ ﰲ اﻟﻐﺰو )‪ ،(89 /3‬ﺑﺮﻗم‪.2265:‬‬
‫‪ -3‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(82/12) ،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ اﻟﺪﺑﻴﺎن‪ ،‬اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴة اﳌعﺎﺻﺮة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ اﻟﻮﻃنﻴة‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪،‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ ﻋمﺮ ﺑن ّ‬
‫ط‪ 1432 ،2‬ﻫـ‪.(279/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪(136/3) ،‬‬
‫‪146‬‬
 ‫ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﱃ ﻋﺪم ﻗﻴمﻴّة مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﺎ ﺷﺮﻋﺎ‪ ،‬ﺑﺬﻛﺮ أمﺜﻠة‪ ،‬ﻗﺎﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﻗﻴمﻴّة ﳊﻮم اﳊمﺮ‬
‫اﻹنﺴﻴّة ﺑعﺪ نﺰول ﲢﺮﳝﻬﺎ‪ ،‬ﲜﺎمع ﻋﻠة ﻋﺪم ﺣﻠﻴّة اﻻنﺘﻔﺎع‪.1‬‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻋﻠَى ﻣﺎ ﺗُﻮﻗَ ُﺪ ﻫ ِﺬﻩِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﻓعن ﺳﻠمة ﺑن اﻷﻛﻮع ‪ :‬أن اﻟنّﱯ‪َ ‬رأَى نِ َﲑا ً تُﻮﻗَ ُﺪ ﻳَـ ْﻮَم َﺧْﻴـﺒَـَﺮ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﻮﻫﺎ«‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬أَﻻَ نـُ َﻬ ِﺮﻳ ُﻘ َﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﺎل‪» :‬ا ْﻛ ِﺴ ُﺮ َ‬
‫وﻫﺎ‪َ ،‬وأَ ْﻫ ِﺮﻗُ َ‬ ‫ﺗُﻮﻗَ ُﺪ َﻫ ِﺬﻩِ اﻟﻨِّ َﲑا ُن؟«‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا َﻋﻠَﻰ اﳊُ ُم ِﺮ ا ِﻹنْ ِﺴﻴّة‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ا ْغ ِﺴﻠُﻮا« ‪.2‬‬ ‫َونـَ ْﻐ ِﺴﻠُ َﻬﺎ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ من اﻷﺑعﺎد اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة ﻏﲑ مﺎ تﻘﺪم‪ ،‬ﻛأﺣﻜﺎم اﻷﻃعمة‪ ،‬واﻟﻄﻬﺎرة‪ ،‬واﻷﺷﺮﺑة‪ ،‬إﺿﺎﻓة‬
‫إﱃ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة تﺒعﻴّة ﻗﺪ تﺴﺘﻔﺎد منه‪ ،‬ﻛﺘﻮﻇﻴﻒ أﺳﻠﻮب اﳊﻮار‪ ،‬وأﺳﻠﻮب اﻻﺳﺘﻔﻬﺎم‪ ،‬واﻻﺳﺘمﺎع‬
‫ﻟﻠمﺪﻋﻮ‪ ،‬واﻷﺧﺬ ﲟﺸﻮرته‪ ،‬واﻟﺮﻓق ﺑه‪ ،‬ومﺮاﻋﺎة أﺣﻮاﻟه‪.‬‬
‫وﻓﻴه أﻳﻀﺎ ﺑعﺪ دﻋﻮي أﺻﻮﱄ وﻫﻮ تﻄﺒﻴق ﻗﻀﻴّة اﻟنﺴخ ﻋمﻠﻴﺎ؛ ﻟﱰﺳﻴخﻬﺎ وتﻘﺮﻳﺮﻫﺎ ﰲ اﻷذﻫﺎن وﻓق‬
‫وﻓق منﻬج ﺣﺴﻲ تﻄﺒﻴﻘﻲ؛ ﻟﻜﻮ ﺎ من اﻷﺑﻮاب اﳌﻬمة ﰲ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‪ ،‬ﻟﺬا ﻛﺎنﺖ ﳏﻞ اﻫﺘمﺎم‬
‫اﻷﺻﻮﻟﻴﲔ‪ ،‬واﻟﻔﻘﻬﺎء‪ ،‬واﳌﻔﺴﺮﻳن‪ ،‬واﶈﺪثﲔ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ ﳍﺎ آ ر ﰲ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﲔ اﻟعﻠمﺎء ﰲ مﺴﺎﺋﻞ‬
‫ﻛﺜﲑة‪.1‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق أﺷﲑ إﱃ أن من أﺧﻄﺎء اﻟعمﻞ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﳌعﺎﺻﺮ إﻏﻔﺎل اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﺪﱡﻋﺎة‬
‫ﻷﺻﻮل‪ ،‬وﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﰲ اﳋﻄﺎب اﳌﺴﺠﺪي اﳉمﺎﻫﲑي ﲝﺠة مﺮاﻋﺎة مﺴﺘﻮى اﻟعﺎمة‪،‬‬
‫وﻫﺬا تﱪﻳﺮ ﻏﲑ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﺎﳌﺸﻜﻠة ﰲ نﻈﺮي تﻜمن ﰲ ﻃﺮﻳﻘة وأﺳﻠﻮب ﻋﺮض وتﺒﺴﻴط اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻷﺻﻮﻟﻴّة‪.‬‬
‫وﳝﻜن أن أوﺿﺢ ﻋﻼﻗة اﻷﺻﻮل واﻟﻘﻮاﻋﺪ ﲜﻮدة اﳋﻄﺎب ﻛمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪ -1‬ﻛﺎنﺖ ﳊﻮم اﳊمﺮ اﻹنﺴﻴة جﺎﺋﺰة ﰲ ﺑﺪاﻳة اﻷمﺮ‪ ،‬ﰒ نﺴخ ﻫﺬا اﳊﻜم زمن ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ ُﻋﺒﻴﺪ اﻟﻘﺎﺳم ﺑن ﺳﻼّم ﺑن ﻋﺒﺪ‬
‫ﳏمﺪ اﳌﺪﻳﻔﺮ‪ ،‬مﻜﺘﺒه اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪1418 ،2‬‬ ‫ﷲ‪ ،‬اﻟنﱠﺎﺳخ واﳌنﺴﻮخ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟعﺰﻳﺰ ومﺎ ﻓﻴه من اﻟﻔﺮاﺋﺾ واﻟﺴنن‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫ه‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ واﻟﻐصﺐ ب‪ :‬ﻫﻞ تﻜﺴﺮ اﻟﺪ ن اﻟﱵ ﻓﻴﻬﺎ اﳋمﺮ‪ ،‬أو ﲣﺮق اﻟﺰﻗﺎق‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺴﺮ‬
‫ﺻنمﺎ‪ ،‬أو ﺻﻠﻴﺒﺎ‪ ،‬أو ﻃنﺒﻮرا‪ ،‬أو مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﲞﺸﺒه‪ ،(136/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2477:‬‬
‫‪1‬‬
‫ﳏمﺪ مصﻄﻔﻰ اﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﻮجﻴﺰ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬دار اﳋﲑ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1427 ،2‬‬ ‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪ّ :‬‬
‫ﻫـ‪ 2006 ،‬م‪.(92/1) ،‬‬
‫‪147‬‬
 ‫ﺧﻄﺎب ‪ -‬أﺻﻮل‬ ‫ﺧﻄﺎب ‪ +‬أﺻﻮل‬

‫ﻋﺪم ﺗﻌﺪي اﳋﻄﺎب‬ ‫ﺿﻌف اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ‬ ‫ﺗﻮرﻳﺚ اﳋﻄﺎب‬ ‫ﺗﺜﺒﻴﺖ اﳋﻄﺎب‬

‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻌﻘﻮد اﻟﺘﱪﻋﺎت‬

‫من اﻷﺑﻮاب اﻟﻔﻘﻬﻴّة اﻟﱵ ﺷﻐﻠﺖ ﺣﻴﺰا ﰲ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻋﻘﻮد اﻟﺘﱪﻋﺎت‪ ،‬وﻫﻲ من اﻟعﻘﻮد اﻟﱵ‬
‫ﻻ ﻳﺮﻳﺪ منﻬﺎ منﺸﺆﻫﺎ ﻋﻮﺿﺎ ورﲝﺎ مﺎد ﺑﻞ ﻳﻜﻮن ﻗصﺪه اﺑﺘﻐﺎء اﻷجﺮ‪ ،‬وتﻘﺪﱘ اﳌﺴﺎﻋﺪة‪ ،‬واﳋﺪمة‬
‫صﺤﻴﺢ ﻛﺘﺒﺎ وأﺑﻮا تﺘنﺎول ﻫﺬا اﳌﻮﺿﻮع‪ ،‬وﻗﺪ اﺳﺘﺜمﺮت‬
‫ﻟﻠﻐﲑ دون مﻘﺎﺑﻞ‪ ،‬وﻫﻲ ﻛﺜﲑة‪ ،‬وﰲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻹثﺮاء ﺑعﺾ مﺴﺎﺋﻠه‪ ،‬ﻟﻴﺸﻬﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮر ﻫﺬا اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ ﰲ مﻴﺪان‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑعﺾ ﳕﺎذج ﻫﺬه اﻟعﻘﻮد اﻟﱵ أﻃﺮ ﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪:‬‬
‫‪ .1‬ﳕﻮذج ﻋﻘﺪ اﳍﺒﺔ‪ :‬وﻫﻲ من ﻋﻘﻮد اﻟﺘﱪﻋﺎت اﻟﱵ ﻳﺘم ﲟﻮجﺒﻬﺎ ﲤﻠﻴﻚ اﳌﺎﻟﻚ ﳌﺎل ﺑﻼ ﻋﻮض ﳌن‬
‫وﻫﺒه ﻟه‪ ،‬وﻳﻘﺎل ﻟﻔﺎﻋﻠه واﻫﺐ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ اﳌﺎل مﻮﻫﻮب‪ ،‬وﳌن ﻗﺒﻠه اﳌﻮﻫﻮب ﻟه‪.1‬‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬا اﻟعﻘﺪ ﻓﻴمﺎ مﺎ ورد ﰲ ﻗﻮﻟه‪ ":‬ب من مﻠﻚ من اﻟعﺮب رﻗﻴﻘﺎ‪ ،‬ﻓﻮﻫﺐ‬
‫و ع وجﺎمع وﻓﺪى وﺳﱮ اﻟﺬرﻳّة "‪ ،1‬وﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري من اﳊﺪﻳﺚ أن اﻟﺮﻗﻴق ﻳﻮﻫﺐ‬
‫إﳊﺎﻗﺎ ﻟﻠﻬﺒة ﺑﻐﲑﻫﺎ من اﻟﺘصﺮﻓﺎت اﳌﺸﺮوﻋة ﻛﺎﳉمﺎع‪ ،‬واﻟﺒﻴع‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎر أنه مﻠﻚ ﻟصﺎﺣﺒه‪ ،‬آﺧﺬا ذﻟﻚ‬
‫من ﺣﺪﻳﺚ أﰊ ﺳعﻴﺪ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻓﻴه‪ ":‬ﺧﺮجنﺎ مع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬ﻓأﺻﺒنﺎ‬
‫ﺳﺒﻴﺎ من ﺳﱯ اﻟعﺮب‪ ،‬ﻓﺎﺷﺘﻬﻴنﺎ اﻟنﺴﺎء‪ ،‬ﻓﺎﺷﺘﺪت ﻋﻠﻴنﺎ اﻟعﺰﺑة‪ ،‬وأﺣﺒﺒنﺎ اﻟعﺰل‪ ،2‬ﻓﺴأﻟنﺎ رﺳﻮل ﷲ‬
‫‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ أَ ْن ﻻَ ﺗَـ ْﻔ َﻌﻠُﻮا َﻣﺎ ِﻣ ْﻦ ﻧَ َﺴ َﻤ ٍﺔ‪َ 3‬ﻛﺎﺋِﻨَ ٍﺔ إِ َﱃ ﻳَـ ْﻮِم اﻟﻘﻴّﺎﻣﺔ إِﱠﻻ َو ِﻫ َﻲ َﻛﺎﺋِﻨَﺔٌ«‬
‫‪1‬‬

‫ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳏمﺪ ﻋمﻴم اﻹﺣﺴﺎن ا ﺪدي اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘّعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴة‪ ،‬ص‪.241‬‬

‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(148/3) ،‬‬
‫‪ -2‬اﳌﺮاد ﻟعﺰل ﺻﺮف اﳌﺎء ﻋن اﻟنﺴﺎء ﺣﺬر اﳊمﻞ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﻷثﲑ اﻟنﻬﺎﻳة ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪.(230/3) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﺴﻤﺔ‪:‬ﻗﺎل اﺑن اﻻثﲑ‪ ":‬و ﱡ‬
‫ﻛﻞ داﺑّة ﻓﻴﻬﺎ ُروح ﻓﻬﻲ نَ َﺴمة وإﳕﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟنﱠﺎس "‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳة‪.(119/5) ،‬‬ ‫‪ -‬ﻧَ َ‬
‫‪148‬‬
‫وﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﻗﺪ تﻀمن أﺑعﺎدا تﺸﺮﻳعﻴّة ﻛﺜﲑة ﻏﲑ مﺎ تﻘﺪم‪ ،‬ﻓﺎﻟعﺰل من ﻗﻀﺎ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻗﻮة اﻻتصﺎل ﺑﲔ‬ ‫اﳌﺘعﻠﻘة ﻟنﻜﺎح‪ ،‬وﻓﻴه اﻹﺷﺎرة إﱃ اﻟﻔعﻞ اﻹﻓﺘﺎﺋﻲ ﰲ اﻟﻐﺰوة‪ ،‬اﻟﺬي ّ‬
‫اﻟﺪﱠاﻋﻴة وأتﺒﺎﻋه‪ ،‬وﻫﻲ مﺆﺷﺮ ﺻﺤﻲ ﻋﻠﻰ اﳉﻮدة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‪ ،‬ﳝﻜن أن أوﺿﺤه ﻛمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟعﺘق ب من مﻠﻚ من اﻟعﺮب رﻗﻴﻘﺎ‪ ،‬ﻓﻮﻫﺐ و ع وجﺎمع وﻓﺪى وﺳﱮ اﻟﺬرﻳة‬
‫)‪ ،(148/3‬ﺑﺮﻗم‪.2542 :‬‬
‫‪149‬‬
‫ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أن اﳌﻐﺎزي مﻴﺪان من مﻴﺎدﻳن اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟﺬي تﻜﺎمﻠﺖ ﻓﻴه أﺻﻮﻟه‬
‫وﻓﺮوﻋه‪.‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج ﻋﻘﺪ اﻟﻮﻗف‬
‫من أﻋﻈم ﻋﻘﻮد اﻟﺘﱪﻋﺎت اﻟﱵ ﲤﻴﺰت ﺎ اﻷمة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻋﻘﺪ اﻟﻮﻗﻒ وﻫﻮ من اﻟعﻘﻮد اﳋﲑﻳّة اﻟﱵ‬
‫اﻟﱵ ﳜﺮج ﻓﻴﻬﺎ اﳌﺎل من مﻠﻚ أﺻﺤﺎﺑه ﻟﺘﺤﺒﺲ ﲦﺮاته ومنﺎﻓعه ﻋﻠﻰ جﻬﺎت اﳋﲑ اﺑﺘﻐﺎء مﺮﺿﺎة ﷲ‪،‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن أوﱃ مﺎ ﻳﻮﻗﻒ وﻳنﻔق ﻓﻴه اﳌﺎل اﳉﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﺳﺒﻴﻠه‪.1‬‬
‫اﺳﺘﺪل ﻟه ﺑﺮواﻳّة من اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ب إذا وﻗﻒ ‪ 2‬أرﺿﺎ‬ ‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬا اﻟعﻘﺪ و ّ‬
‫ف‬‫ﻮﺻَﺮ أَ ْﺷَﺮ َ‬‫أو ﺑﺌﺮا‪ ،‬واﺷﱰط ﻟنﻔﺴه مﺜﻞ دﻻء اﳌﺴﻠمﲔ"‪ ،3‬ﰒ أورد أن ﻋﺜْمﺎ َن ر ِﺿﻲ ا ﱠ ﻋْنه ِﺣﲔ ﺣ ِ‬
‫َُ َ َ ُ َُ َ ُ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫ﺎب اﻟنّﱯ‪ ،‬أَﻟَ ْﺴﺘُ ْم تَـ ْعﻠَ ُمﻮ َن أن َر ُﺳ َ‬ ‫َﺻ َﺤ َ‬ ‫ﺎل‪ :‬أَنْ ُﺸ ُﺪ ُﻛ ُم ا ﱠَ‪َ ،‬وﻻَ أَنْ ُﺸ ُﺪ إِﱠﻻ أ ْ‬ ‫َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْم‪َ ،‬وﻗَ َ‬
‫ِ‬ ‫وﻣﺔَ ﻓَـﻠَﻪُ اﳉﻨّﺔ«؟ ﻓَ َﺤ َﻔْﺮتُـ َﻬﺎ‪ ،‬أَﻟَ ْﺴﺘُ ْم تَـ ْعﻠَ ُمﻮ َن أنه ﻗَ َ‬
‫اﻟﻌ ْﺴ َﺮة ﻓَـﻠَﻪُ‬
‫ﺶ ُ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺟﻬ َ‬
‫ﱠﺰ َﺟْﻴ َ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺣ َﻔ َﺮ ُر َ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫اﳉﻨّﺔ«؟ ﻓَ َﺠ ﱠﻬ ْﺰتُـ ُﻬ ْم‪.4‬‬
‫ﻓﺎﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﻠﻰ مﺸﺮوﻋﻴّة اﻟﻮﻗﻒ ﺑﺘﺠﻬﻴﺰ ﻋﺜمﺎن ﳉﻴﺶ اﻟعﺴﺮة‪ ،‬تنﺒﻴه ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ دﻋﻮي اﺳﱰاتﻴﺠﻲ‬
‫ﻳﺘعﻠق ﺑﺘمﻮﻳﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻜمﺎ ﲢﺘﺎج اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ تﻘﻮﻳّة وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﲢﺘﺎج إﱃ تﻐﻄﻴّة نﻔﻘﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻟﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﺘﻮﻗﻒ اﳉﻬﺎد وتعﻄﻠه‪ ،‬ﻓﺎ ﺎل ﻳﺒﻘﻰ مﻔﺘﻮﺣﺎ واﻟ ّﺪﻋﻮة ﻻ‬
‫تﺰال ﲝﺎجة ﻟﻠﺘمﻮﻳﻞ‪ ،‬ﺳﻮاء تعﻠق ﺑنﻔﻘﺎت اﻟﺪﱡﻋﺎة‪ ،‬أو ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﳌﻴﺎدﻳن‪ ،‬أو ﻏﲑﻫﺎ من اﳉﻮانﺐ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬دور اﻟﻘﻴم واﻷﺧﻼق ﰲ اﻻﻗﺘصﺎد اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪1415 ،1‬ه‪1995 ،‬م‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪،‬‬
‫ص‪.396‬‬
‫‪ -2‬وﻫﻲ ﺑﺌﺮ وﻗﻴﻞ ﻋﲔ اﺷﱰاﻫﺎ ﺑعﺸﺮﻳن أﻟﻔﺎ أو ﲞمﺴة وﻋﺸﺮﻳن أﻟﻔﺎ‪ ،‬من رجﻞ من ﺑﲏ ﻏﻔﺎر ﻋﲔ‪ ،‬وﻳﻘﺎل إ ﺎ ﻛﺎنﺖ ﻋﲔ ﲡﺮي‬
‫إﱃ ﺑﺌﺮ ﻓﻮﺳعﻬﺎ ﻋﺜمﺎن أو ﻃﻮاﻫﺎ ﻓنﺴﺐ ﺣﻔﺮﻫﺎ إﻟﻴه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري‪.(28/5) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(13/4) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ ب إذا وﻗﻒ أرﺿﺎ أو ﺑﺌﺮا‪ ،‬واﺷﱰط ﻟنﻔﺴه مﺜﻞ دﻻء اﳌﺴﻠمﲔ‪،(13/4) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪.2778:‬‬
‫‪150‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻨّﻜﺎح‬
‫ﻻ ﻳﻘﻞ ب اﻟنﻜﺎح أﳘﻴّة ﻋن ب اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺮتﺒط ﺑه وﻳﺘﻜﺎمﻞ معه ﰲ ﺑنﺎء اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع‬
‫واﻟﻔعﻞ اﻟﻔﻘﻬﻲ‪ ،‬وﻳﺘﻜﺎمﻼن أﻳﻀﺎ ﰲ إمﺪاد اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻹﻋﺪادات واﻻﺳﺘعﺪادات واﻟﻄﺎﻗﺎت اﳌﺎدﻳّة‬
‫واﻟﺒﺸﺮﻳّة؛ ﻟﺘﻐﻄﻴّة ﺣﺎجﻴﺎ ﺎ واﺣﺘﻴﺎجﺎ ﺎ اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫من أجﻞ ذﻟﻚ؛ ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ اﳊﻔﺎوة ﻟنﻜﺎح‪ ،‬واﻻﻫﺘمﺎم ﲟﺴﺎﺋﻠه وﻗﻀﺎ ه مﻼزمة ﻟﻠﺤﺮﻛة اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﰲ اﳊﻀﺮ واﻟﺴﻔﺮ‪ ،‬وﰲ اﻟﺴﻠم واﳊﺮب‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ اﳌﻐﺎزي اﻟعﺪﻳﺪ من اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﻔﻘﻬﻲ‬
‫صﺤﻴﺢ ﻋﻠﻰ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ وﻓق مﺎ تﺒﻴنه‬
‫اﳌﺘعﻠق ﻟنﻜﺎح‪ ،‬وﻗﺪ جﺎءت تﺮاجم اﻟ ﱠ‬
‫ﻫﺬه اﻟنّمﺎذج‪:‬‬
‫‪ .1‬ﳕﻮذج ﻧﻜﺎح اﻟﺜﻴﺐ‬
‫ﰲ اﻟعﺎدة أن اﻟﺸﺎب اﻟﺒﻜﺮ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ اﻟﺰواج ﳑن ﱂ ﻳﺴﺒق ﳍﺎ زواج‪ ،‬وﻫﻮ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي جﺮت ﻋﻠﻴه‬
‫ﻋﻠﻴه اﻟعﺎدة‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﻗﺪ تﻘﺘﻀﻲ اﳌصﻠﺤة اﳊﻴﺪة ﻋن ﻫﺬا اﻷﺻﻞ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ذﻟﻚ ﰲ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﱰﲨة ﺑﻴﺎن ﺣﻜم‬ ‫ّ‬ ‫ﻫﺬه‬ ‫من‬ ‫وﻗصﺪ‬ ‫‪،‬‬ ‫إﺣﺪى تﺮاﲨه من ﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ب ﺗﺰوﻳﺞ اﻟﺜﻴﺒﺎت"‬
‫نﻜﺎح اﻟﺜﻴﺒﺎت وﻫﻲ اﳌﺮأة اﻟﱵ ﺳﺒق ﳍﺎ زواج‪.2‬‬
‫اﺳﺘﺪل ﳍﺬا اﳊﻜم ﲟﺎ جﺎء ﻋن جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬أنه ﻗﺎل‪ :‬ﻋن جﺎﺑﺮ ﺑن‬ ‫ّ‬ ‫وﻗﺪ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ‬‫ﺖ َﻋﻠَﻰ ﺑَع ٍﲑ ِﱄ ﻗَﻄُﻮف‪ ،‬ﻓَـﻠَﺤ َﻘ ِﲏ َراﻛ ٌ‬ ‫ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗَـ َﻔْﻠنَﺎ َم َع اﻟنّﱯ‪‬م ْن َﻏْﺰَوة‪ ،‬ﻓَـﺘَـ َع ﱠﺠْﻠ ُ‬
‫ﺖ َر ٍاء ِم َن ا ِﻹﺑِ ِﻞ‪ ،‬ﻓَِﺈ َذا‬ ‫ِمن ﺧْﻠ ِﻔﻲ‪ ،‬ﻓَـنَخﺲ ﺑعِ ِﲑي ﺑِعنَـﺰةٍ َﻛﺎنَﺖ معه‪ ،‬ﻓﺎنﻄَﻠَق ﺑعِ ِﲑي َﻛأ ِ‬
‫َج َﻮد َمﺎ أَنْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ََُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﻳﺚ َﻋ ْﻬﺪ ﺑِعُُﺮ ٍس‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪» :‬أَﺑِ ْﻜ ًﺮا أ َْم ﺛَـﻴِّﺒًﺎ؟«‪ ،‬ﻗُـﻠْ ُ‬
‫ﺖ‪:‬‬ ‫ﺖ َﺣﺪ َ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ‪ُ :‬ﻛْن ُ‬‫اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ ﻳـُ ْﻌﺠﻠُ َﻚ« ﻗُـْﻠ ُ‬
‫ﺣﱴ ﺗَ ْﺪ ُﺧﻠُﻮا ﻟَْﻴ ًﻼ ‪-‬‬‫ﺎل‪» :‬أ َْﻣ ِﻬﻠُﻮا ّ‬ ‫ﻗَ َﺎل‪» :‬ﻓَـ َﻬ ﱠﻼ َﺟﺎ ِرﻳّﺔ ﺗُﻼَ ِﻋﺒُـ َﻬﺎ َوﺗُﻼَ ِﻋﺒُ َﻚ«‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓﻠ ﱠمﺎ ذَ َﻫْﺒـنَﺎ ﻟِنَ ْﺪ ُﺧ َﻞ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺸ ِﻌﺜَﺔُ َوﺗَ ْﺴﺘَ ِﺤ ﱠﺪ اﳌُِﻐ َﻴﺒﺔُ«‬ ‫ﺎء ‪ -‬ﻟِ َﻜ ْﻲ ﲤَْﺘَ ِﺸ َ‬ ‫ِﻋ َ‬
‫‪3‬‬
‫ﻂ اﻟ ﱠ‬ ‫ﺸً‬
‫اﻟﱰﲨة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﱃ ﺑعﺾ‬
‫واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ تﻀمن مﺴﺎﺋﻞ تﺘعﻠق ﻟنﻜﺎح ﻏﲑ اﻟﱵ ذﻛﺮت ﰲ ّ‬
‫اﻵداب واﳊﻘﻮق اﻟﺰوجﻴّة‪ ،‬ﻛمﺪاﻋﺒة اﻟﺰوجة‪ ،‬وﻋﺪم مﺒﺎﻏﺘة اﻷﻫﻞ ﻟﻴﻼ‪ ،‬وﻓﻴه ﺣﺚ ﻟﻠﺰوجة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺘﺠمﻞ ﻟﺰوجﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(5/7) ،‬‬

‫‪ -2‬زﻛﺮ اﻷنصﺎري‪ ،‬منﺤة اﻟﺒﺎري ﺑﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(334/8) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ب تﺰوﻳج اﻟﺜﻴﺒﺎت‪ ،(5/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪.5079:‬‬
‫‪151‬‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻫﺘمﺎم اﻹﺳﻼم ﺑﺸأن اﻷﺳﺮة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻫﻲ اﳌﺪرﺳة اﻷوﱃ ﻟﺘﻜﻮﻳن اﻟﺪﱡﻋﺎة‪،‬‬ ‫وﻛﻞ ذﻟﻚ ّ‬
‫واﳌصﻠﺤﲔ‪ ،‬ﻓﺈذا أدرﻛنﺎ مﻮﻗعﻬﺎ ودورﻫﺎ اﻟﻔ ﱠعﺎل ﰲ ﺧﺪمة اﻹﺳﻼم ونﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﺪﻓﺎع ﻋنﻬﺎ ﱂ‬
‫نﺴﺘﻐﺮب أن ﻳﻬﺘم اﻟنّﱯ‪ ‬ﺬه اﳉﺰﺋﻴﺎت ﰲ ﺧﻀم ﺧﻮض اﳌعﺎرك واﳊﺮوب‪.‬‬
‫صﺤﻴﺢ اﻟﻮﺳﻄﻲ اﳌﺘﻮازن ﺑعﻴﺪا ﻋن اﻟﺘﻄﺮف واﻟﻐﻠﻮ‪،‬‬
‫وﻫﻜﺬا ﻳﺮﰊ اﻟنّﱯ‪ ‬أﺻﺤﺎﺑه ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم اﻟ ﱠ‬
‫واﻟﻐﻠﻮ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺰو أﺷﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺎر‪ ،‬وﰲ ﺑﻴﻮ م رﲪﺎء ﻫﻠﻬم معﺎﺷﺮﻳن ﳍم ﳌعﺮوف‪.1‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج ﲢﺮﱘ اﳋﻠﻮة‬
‫ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺮة وﺳﺪا ﻟﺬراﺋع اﻟﻔﺴﺎد ﻓﻘﺪ ﺣﺮم اﻟﺸﺮع اﳋﻠﻮة ﳌﺮأة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ‬
‫اﺳﺘﺪل ﳍﺬه‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب ﻻ ﳜﻠﻮن رجﻞ مﺮأة إﻻ ذو ﳏﺮم‪ ،‬واﻟﺪﺧﻮل ﻋﻠﻰ اﳌﻐﻴﺒة"‪ ،2‬ﰒ‬
‫اﻟﱰﲨة ﲝﻴﺚ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس‪ ،‬ﻋن اﻟنّﱯ‪ ‬ﻗﺎل‪» :‬ﻻَ َﳜْﻠُ َﻮ ﱠن َر ُﺟ ٌﻞ ِ ْﻣ َﺮأَةٍ إِﱠﻻ َﻣ َﻊ‬ ‫ّ‬
‫ﺖ ِﰲ َﻏْﺰَوةِ َﻛ َﺬا َوَﻛ َﺬا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِذي َْﳏﺮٍم« ﻓَـ َﻘﺎم رجﻞ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ْ ،‬امَﺮأَِﰐ َﺧَﺮ َج ْ‬
‫ﺖ َﺣﺎ ﱠجةً‪َ ،‬وا ْﻛﺘُﺘْﺒ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ٌَُ‬ ‫َ‬
‫ﻗَ َﺎل‪ْ » :‬ارِﺟ ْﻊ ﻓَ ُﺤ ﱠﺞ َﻣ َﻊ ْاﻣ َﺮأَﺗِ َﻚ« ‪.3‬‬
‫ﻳﺪل ﺑﻘﻮة ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﳌﺮأة واﻷﺳﺮة‪ ،‬إذ من أجﻞ ﺻﻴﺎنﺘﻬﺎ‬‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ّ‬
‫اﳊﺠعﻠﻰ اﳋﺮوج ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬إﻋمﺎﻻ ﻟﻘﺎﻋﺪة‪":‬درء اﳌﻔﺎﺳﺪ أوﱃ ﻣﻦ ﺟﻠﺐ‬‫رجﺢ اﳋﺮوج معﻬﺎ إﱃ ّ‬
‫اﳌﺼﺎﱀ"‪ ،‬ومﺮاﻋﺎة ﻟﻔﻘه اﻷوﻟﻮ ت‪ ،‬ﻓﺎﻟﻮاجﺐ اﻟعﻴﲏ مﻘﺪم ﻋﻠﻰ اﻟﻮاجﺐ اﻟﻜﻔﺎﺋﻲ‪.4‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ اﳉﻨﺎﺋﻲ‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻻ ﻳﻬمﲏ‬ ‫ﻗﺪ ﺳﺠﻞ اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﳉنﺎﺋﻲ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ﺣﻀﻮرا ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟ ﱠ‬
‫ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم ﻛﺜﺮة وﻗﻠة اﻟنّمﺎذج واﻷمﺜﻠة؛ ﻻنه ﻟﻴﺲ اﻟﻐﺮض من ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ اﺳﺘﻘصﺎء اﳌﺴﺎﺋﻞ‬
‫اﻟﻔﻘﻬﻴّة ﻟﻜﻞ ب‪ ،‬وإﳕﺎ اﳍﺪف ﻫﻮ إﺑﺮاز اﻟﺒعﺪ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟﺪﱠﻋﻮي اﳌمﺘﺪ ﰲ أﺑﻮاب اﻟﻔﻘه اﳌخﺘﻠﻔة‪،‬‬
‫وﳑﺎ ﺣصﻠﺖ ﻋﻠﻴه من مﺴﺎﺋﻞ اﳉنﺎ ت اﳌﺴﺘمﺪة من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬جﻴﻞ اﻟنصﺮ اﳌنﺸﻮد‪ ،‬ط‪1412 ،3‬ه‪1992 ،‬م‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪(37/7) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ب ﻻ ﳜﻠﻮن رجﻞ مﺮأة إﻻ ذو ﳏﺮم‪ ،‬واﻟﺪﺧﻮل ﻋﻠﻰ اﳌﻐﻴﺒة‪ ،(37/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.5233‬‬
‫‪ - 4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬ﻓﻘه اﻷوﻟﻮ ت‪1416 ،‬ه‪1996 ،‬م‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.139 ،29‬‬
‫‪152‬‬
 ‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﺤﺪود‬
‫من ﳕﺎذج اﳊﺪود اﻟﱵ أﻗﺎمﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬ﺣﺪ اﻟﺴﺮﻗة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻗﺎمه اﻟنّﱯ‪ ‬ﻋﻠﻰ امﺮأة ﰲ ﻏﺰوة اﻟﻔﺘﺢ‪،‬‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ََﻣ َﺮ ِ َﺎ‪،‬‬
‫ﺖ ِﰲ غَ ْﺰَوةِ اﻟ َﻔْﺘ ِﺢ‪ ،‬ﻓَﺄُِﰐَ ِ َﺎ َر ُﺳ ُ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓعن ﻋﺮوة ﺑن اﻟﺰﺑﲑ‪» ،‬أن ْاﻣ َﺮأَ ًة َﺳ َﺮﻗَ ْ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻓَأَرﻓَع ﺣﺎجﺘَـﻬﺎ إِ َﱃ رﺳ ِ‬
‫ﻮل‬ ‫َُ‬
‫ِ‬
‫ﺖ َِْﰐ ﺑَـ ْع َﺪ َذﻟ َ ْ ُ َ َ َ‬
‫ﺖ‪َ ،‬وَﻛﺎنَ ْ‬
‫ﺖ تَـ ْﻮﺑـَﺘُـ َﻬﺎ‪َ ،‬وتَـَﺰﱠو َج ْ‬
‫ِ‬ ‫ﻓَـ ُﻘ ِﻄ َﻌ ْ‬
‫ﺖ ﻳَ ُﺪ َﻫﺎ«‪ ،‬ﻗَﺎﻟَ ْ‬
‫ﺖ َﻋﺎﺋ َﺸةُ‪ :‬ﻓَ َﺤ ُﺴنَ ْ‬
‫ا ﱠِ ‪.1 ‬‬
‫ﺣﱴ ﻳﺘﺪرﺑﻮا‬
‫صﺤﺎﺑة أﺣﻜﺎم إﻗﺎمة ﺣﺪ اﻟﺴﺮﻗة‪ّ ،‬‬ ‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﻞ اﻟنّﱯ‪ ‬ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ ﻟﻴعﻠم اﻟ ﱠ‬
‫ﻋﻠﻰ إﻗﺎمة اﳊﺪود ﺑﻄﺮﻳﻘة ﺻﺤﻴﺤة من ﺑعﺪه‪ ،‬وﻳﺴﺘﻔﻴﺪوا من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ تﺘﺠﻠﻰ ﰲ تﻄﺒﻴق‬
‫ﻫﺬا اﳊﺪ اﻟﱵ ﳝﻜن أن أﲨﻠﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ :‬وتﻈﻬﺮ مﺮاﻋﺎة اﻟﺒعﺪ اﻻجﺘمﺎﻋﻲ ﰲ اﳊﺪود من ﺧﻼل اتﺴﺎمﻬﺎ ﲞﺎﺻﻴّة‬
‫اﳌﺴﺎواة؛ ﺣﻴﺚ تﺘﺠﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﻴمة ﰲ اﳊﺪود ﺑﻮﺿﻮح‪ ،‬ﻓﺎﳊﺪ ﻳﺘﺴﺎوى ﻓﻴه اﳉمﻴع اﻟﺸﺮﻳﻒ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫واﻟﻮﺿﻴع‪ ،‬واﻟﺬﻛﺮ واﻷنﺜﻰ‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچ َوالس ِﺎر ُق َوالس ِﺎرﻗَة فَﺎ ْ َط ُع ٓوا أيْ ِد َ ُه َمﺎ چ ] اﳌﺎﺋﺪة‪ ،[38 :‬وﻗﻮﻟه‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫كل َ ٰ ِح ٖد ّمِنْ ُه َمﺎ مِﺎي َ ٔ َة َج َ ة ٖ چ ]اﻟنﻮر‪.[ 02:‬‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه ﰲ ﺣﺪ اﻟﺰﱏ‪ :‬چٱ زا ِيّة َوا زا ِ فﺎج ِ ُ وا‬
‫اﻟعﺪل اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﳚعﻞ‬ ‫ﻓأﺣﻜﺎم اﳊﺪود اﳌﺴﺘمﺪة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة ﻗﺎﺋمة ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺻﻴّة ّ‬
‫اﻟنﱠﺎس ﺳﻮاﺳﻴّة أمﺎم اﻟﻘﺎنﻮن‪ ،‬ﻓـ" ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟ ّﺪﻳن اﻟﺬي ﻗﺎمﺖ ﻋﻠﻴه ﺣﻀﺎرتنﺎ‪ ،‬ﻟﻴﺲ ﻓﻴه امﺘﻴﺎز ﻟﺮﺋﻴﺲ‪،‬‬
‫ﻟﺮﺋﻴﺲ‪ ،‬وﻻ ﻟﺮجﻞ دﻳن‪ ،‬وﻻ ﻟﺸﺮﻳﻒ وﻻ ﻟﻐﲏ"‪.2‬‬
‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻹﺻﻼﺣﻲ‪ :‬ﻻ أرﻳﺪ ﺑﻴﺎن أن ب اﻟﺘﻮﺑة مﻔﺘﻮح أمﺎم اﻟعصﺎة مﻬمﺎ ﻋﻈم اﻟﺬنﺐ‪ ،‬وﻫﺬا ﻗﺪ‬
‫دﻟﺖ ﻋﻠﻴه اﻟنصﻮص اﻟﻜﺜﲑة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟ ﱡﺴنﱠة‪ ،‬وﻟﻜﲏ أردت أن أﺷﲑ من ﺧﻼل اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺴﺎﺑق‬
‫إﱃ دور اﻟﺪﱡﻋﺎة ﰲ إﻋﺎنة اﳌﺬنﺐ ﻋﻠﻰ إﺻﻼح نﻔﺴه ﻟﺘﻮﺑة واﻻﺳﺘﻘﺎمة‪ ،‬ومن ﰒﱠ ﺻﻼح ا ﺘمع‪ ،‬ﻓﻠم‬
‫ﲤنع اﻟﺴﺮﻗة اﳌﺮأة من اﻟﺰواج‪ ،‬وﱂ ﲤنعﻬﺎ من اﻟﺘّعﺎمﻞ مع اﻟصﺪﻳﻘة‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎنﺖ تﻜﺮمﻬﺎ وتﺮﻓع ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ‬
‫إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﱂ ﲤنع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬من ﻗﻀﺎء ﺣﺎجﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺣﱴ ﲢﻘق اﻟعﻘﻮ ت أﺑعﺎدﻫﺎ‬‫ﺬا اﻟﻮﻋﻲ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺘعﺎمﻞ اﻟ ﱡﺪﻋﺎة مع أﻫﻞ اﻟﺬنﻮب واﳌعﺎﺻﻲ‪ّ ،‬‬
‫اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة واﻹﺻﻼﺣﻴّة ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﻟﻔﺮدي واﳉمﺎﻋﻲ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟعﺘق‪ ،‬ب ﺷﻬﺎدة اﻟﻘﺎذف واﻟﺴﺎرق واﻟﺰاﱐ‪ ،(171/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2648 :‬‬
‫‪ -2‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ‪ ،‬من رواﺋع ﺣﻀﺎرتنﺎ‪ ،‬دار اﻟﻮراق ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪ 1420 ،1‬ﻫـ‪ 1999 ،‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪153‬‬
‫وإﺑﺮاز ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﻟﻠﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﳌﺘعﻠق ﳊﺪود من اﻷﳘﻴّة ﲟﻜﺎن‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﰲ ﻋصﺮ‬
‫ﻛﺜﺮت اﻻ ﺎمﺎت واﻟﺸﺒﻬﺎت اﳌﻮجﻬة من ﻗﺒﻞ أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟﺪاﺧﻞ واﳋﺎرج إﱃ اﻟعﻘﻮ ت‬
‫واﳊﺪود اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻘﺼﺎص‬
‫وﻫﺬا مﻮﻗﻒ جﺪﻳﺪ من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳉنﺎ ت‪ ،‬تﻄﻠعنﺎ ﻋﻠﻴه رواﻳّة من روا ت اﳌﻐﺎزي‬
‫ع ﺛَﻨِﻴﱠـﺘَﻪُ‪،‬‬ ‫ﺖ ِﰲ غَ ْﺰَوةٍ‪ ،‬ﻓَـ َﻌ ﱠ‬
‫ﺾ َر ُﺟ ٌﻞ ﻓﺎﻧﺘَـ َﺰ َ‬ ‫ﻗﺎل‪َ » :‬ﺧ َﺮ ْﺟ ُ‬ ‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعن ﻳعﻠﻰ‬‫اﳌﻐﺎزي ﰲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫‪1‬‬
‫ﺛَﻨِﻴﱠـَﺘﻪُ‪ ،‬ﻓَﺄَﺑْﻄَﻠَ َﻬﺎ اﻟﻨّﱯ‪.« ‬‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ إﺷﺎرة إﱃ ب اﳉنﺎ ت ﻓﻴمﺎ دون اﻟنﻔﺲ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﺴن‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎن اﻟﺮجﻞ ﱂ ﻳﺘعمﺪ‬
‫إﺳﻘﺎط ﺳنه ﱂ ﻳﺜﺒﺖ ﺣق اﻟﻘصﺎص ﻟصﺎﺣﺒﻬﺎ‪ ،‬وﻋنﺪ اﻟﺘأمﻞ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ أجﺪه ﻳﺘﻀمن أمﺮﻳن ﻏﺎﻳّة‬
‫اﻟعﺪل ﰲ اﻟﻘصﺎص‪:‬‬
‫ﰲ اﻷﳘﻴّة ﻳﺴﺘﻬﺪﻓﺎن مﺮاﻋﺎة إﻗﺎمة ﻗﻴمة ّ‬
‫‪.1‬اﻟﺒﻌﺪ اﻹﻧﺴﺎﱐ‪ :‬ﻗﺪ راﻋﻰ اﻟنّﱯ‪ ‬ﺣق اﳉﺎﱐ ﻋﺘﺒﺎره إنﺴﺎ ‪ ،‬وأن اﳉنﺎﻳّة ﻻ تنﺰع منه اﻟﻜﺮامة‬
‫اﻟﻜﺮامة من ﺧﻼل ﺣﻜمه ﺑﻄﺎل ﺿمﺎن ﺳن اﻟﺮجﻞ اﻟﱵ انﺘﺰﻋﺖ منه؛ ﻟﻜﻮن اﳊﺎدثة وﻗعﺖ ﰲ‬
‫معﺮض اﻟﺪﻓﺎع ﻋن اﻟنﻔﺲ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻴه ﻋنﺪ اﻟﻔﻘﻬﺎء دﻓع اﻟصﺎﺋﻞ‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﻘﺮاﰲ‪ ":‬ﻓﻜﻞ‬
‫ﺣﱴ اﻟصﱯ وا نﻮن‬
‫ﺻﺎﺋﻞ إنﺴﺎ ﻛﺎن أو ﻏﲑه ﻓمن ﺧﺸﻲ من ذﻟﻚ ﻓﺪﻓعه ﻋن نﻔﺴه ﻓﻬﻮ ﻫﺪر ّ‬
‫إذا ﺻﺎﻻ أو اﻟﺒﻬﻴمة ﻻنه ب ﻋن ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﰲ دﻓعه واﳌﺪﻓﻮع ﻋنه ﻛﻞ معصﻮم من نﻔﺲ أو ﺑﻀع‬
‫أم ومﺎل "‪.2‬‬
‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻨّﻔﺴﻲ‪ :‬ﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﻟنّﱯ‪ ‬ﳊﻜم اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ز دة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺣﺎول‬
‫إرﺿﺎء ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴن من ﺧﻼل ﻗﺒﻮل اﻋﱰاﺿه واﻻﺳﺘمﺎع ﻟه‪ ،‬ﰒ أﻗنعه ﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟعﻘﻠﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﻠم‬
‫ﻳﺴﻠم ﻟه ﻛﻞ ﻋﺎﻗﻞ‪ ،‬ﻓﻔﻲ رواﻳّة أﰊ داود من ﺣﺪﻳﺚ أﰊ ﻳعﻠﻰ ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎتﻞ أجﲑ ﱄ رجﻼ ﻓعﺾ ﻳﺪه‪،‬‬
‫ﻀ ُﻤ َﻬﺎ‬ ‫ﻀ َﻊ ﻳَ َﺪﻩُ ِﰲ ﻓِ َ‬
‫ﻴﻚ ﺗَـ ْﻘ ِ‬ ‫ﻳﺪه‪ ،‬ﻓﺎنﺘﺰﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓنﺪرت ثنﻴﺘه‪ ،‬ﻓأتﻰ اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻓأﻫﺪرﻫﺎ‪ ،‬وﻗﺎل‪ » :‬أَﺗُ ِﺮﻳ ُﺪ أَ ْن ﻳَ َ‬
‫َﻛﺎﻟْ َﻔ ْﺤ ِﻞ ؟ «‪.3‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺪ ت‪ ،‬ب إذا ﻋﺾ رجﻼ ﻓﻮﻗعﺖ ثنﺎ ه‪ ،(8/9) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6893:‬‬
‫‪2‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑﻮ ﺧﺒﺰة‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼمﻲ‪،‬‬
‫ﳏمﺪ ﺣﺠﻲ‪ ،‬ﺳعﻴﺪ أﻋﺮاب‪ّ ،‬‬
‫‪ -‬أﲪﺪ ﺑن إدرﻳﺲ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﻟﻘﺮاﰲ‪ ،‬اﻟﺬﺧﲑة‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1994 ،1‬م‪.(262/12) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه أﺑﻮداود ﰲ ﺳننه ﻛﺘﺎب اﻟﺪ ت‪ ،‬ب ﰲ اﻟﺮجﻞ ﻳﻘﺎتﻞ اﻟﺮجﻞ ﻓﻴﺪﻓعه ﻋن نﻔﺴه‪ ،(642/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4584:‬‬
‫‪154‬‬
‫وﻫﻜﺬا ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺪﱠاﻋﻴة اﻟنﺎجﺢ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺸﻐﻠه ﳎﺎل ﻋن ﳎﺎل‪ ،‬ﻓﺎﻟنّﱯ‪ ‬ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﱂ‬
‫ﻳﺸﻐﻠه مﻴﺪان اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻋن اﳊﻜم ﺑﲔ اﳌﺘخﺎﺻمﲔ ﻟعﺪل‪ ،‬ومﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴه ذﻟﻚ من اﻻﺳﺘمﺎع‪،‬‬
‫واﻻنصﺎت ﳍمﺎ‪.‬‬
‫وﺑعﺪ ﻋﺮض ﻫﺬه اﻟنّمﺎذج من اﻟﻔعﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻲ اﻟنﱠﺒﻮي ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل مﺮو ت‬
‫صﺤﻴﺢ‪ ،‬واﻟﱵ ﴰﻠﺖ أﻫم ﳏﺎور اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ؛ ﳏﻮر اﻟعﺒﺎدات‪،‬‬ ‫اﳌﻐﺎزي ﰲ اﳉﺎمع اﻟ ﱠ‬
‫واﳌعﺎمﻼت‪ ،‬واﻟعﻘﻮ ت‪ ،‬تﺒﲔ ﱄ أن اﻟﻐﺰوات ﱂ تﻜن معﺎرك ﺣﺮﺑﻴّة ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ جﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ‬
‫من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ومﺎ اﻟﻐﺰوة إﻻ ﺣﺮﻛة ﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﻜﻞ أرﻛﺎ ﺎ‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة تﻈﻞ‬
‫مﺴﺘمﺮة ومصﺎﺣﺒة ﻟﻠﺪاﻋﻴّة واﳌﺪﻋﻮ ﰲ ﲨﻴع اﻟﻈﺮوف واﻷوﻗﺎت‪.‬‬
‫ومﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻓﻠﻴﺴﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺎﺻﺮة ﻋﻠﻰ دور اﻟعﺒﺎدة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وﻫﺬا اﻟﺬي ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳَعﻴﱠه اﳌﺴﻠمﻮن دﻋﺎة‬
‫وﺣﻠق اﻟﺘﺪرﻳﺲ‪ ،‬واﻟﻮﻋﻆ ﰒﱠ إذا ﻏﺎدرﻫﺎ مﺮ دوﻫﺎ‪ ،‬وتﻔﺮﻗﻮا ﰲ ﺷعﺐ اﳊﻴﺎة ﺳعﻮا ﰲ اﻷرض ﻏﲑ‬
‫مﺒﺎﻟﲔ ﺑﺘﻄﺒﻴق اﻟ ﱠﺸﺮﻳعة‪ ،‬وﲢﻜﻴمﻬﺎ ﰲ تصﺮﻓﺎ م‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ تنﺒأ ﺑه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﻛﺜﲑ من‬
‫اﻷﺣﺎدﻳﺚ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة ‪ ،‬ﻋن اﻟنّﱯ‪ ،‬ﻗﺎل‪ِْ َ » :‬ﰐ َﻋﻠَى اﻟﻨﱠﺎس َزَﻣﺎ ٌن‪ ،‬ﻻَ ﻳـُﺒَ ِﺎﱄ اﳌَْﺮءُ َﻣﺎ أَ َﺧ َﺬ‬
‫َﻣﺎ أَ َﺧ َﺬ ِﻣْﻨﻪُ‪ ،‬أ َِﻣ َﻦ اﳊَﻼَ ِل أ َْم ِﻣ َﻦ اﳊََﺮ ِام« ‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﻐﺰوات من أﻋﻈم اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة اﻟﱵ أﺑﺮز ﻓﻴﻬﺎ اﻟنّﱯ‪ ‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬من ﺧﻼل تعﺮﻳﻔﻬم‬
‫تﻄﺒﻴﻘﻴﺎ ﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﻜﱪى اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺬي ﻫﻮ أﺻﻞ أﺻﻮﳍﺎ واﻟ ﱡﺴنﱠة‬
‫اﻟنﱠﺒﻮﻳة ﲜمﻴع أنﻮاﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﻐﺰوات إﺷﺎرات إﱃ أﺻﻠﲔ ﻋﻈﻴمﲔ من أﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع وﳘﺎ‬
‫اﻹﲨﺎع واﻟﻘﻴّﺎس‪ ،‬وﻻ ﲣﻔﻰ أﳘﻴﺘﻬمﺎ اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة ﺻﻴﻼ وتﻔعﻴﻼ‪.‬‬
‫وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ اﳌﻐﺎزي مﻴﺪان تﺸﺮﻳعﻴﺎ ثﺮ مﺘنﻮﻋﺎ‪ ،‬ﰲ تﻜﺎمﻞ وتنﺎﻏم ﻋﺠﻴﺐ ﻻ‬
‫ﻳﺪل إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟنﺠﺎح اﻟﺒﺎﻫﺮ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬واﻟﻄﺮاز اﻟعﺎﱄ ﻟﻠمﺴﺘﺠﻴﺒﲔ ﳍﺎ من اﻟصﺤﺐ اﻟﻜﺮام‬ ‫ّ‬
‫ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان‪.‬‬
‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ أﺧﻠﺺ إﱃ أن اﻟﻐﺰوات اﻟنﱠﺒﻮﻳة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ مﻴﺪا من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﱠﻋﻮﻳة؛ ﻗﺪ‬
‫ﺷﻬﺪت ﺣﻀﻮرا ﻟﻠﺒعﺪ اﻷﺻﻮﱄ ﰲ ﺷﻘﻴه اﻟعﻘﺪي من ﺧﻼل ﺣﻀﻮر أﺻﻮل اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﻜﱪى اﻟﱵ‬
‫تﺸﻜﻞ اﳋﻠﻔﻴّة اﻟعﻘﺪﻳّة ﻟﻠﺪﱠﻋﻮة اﻟ ّﺪﻳنﻴّة ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺧصﻮﺻﺎ؛ تﺒﻠﻴﻐﺎ وتﺜﺒﻴﺘﺎ‪ ،‬وتﺮﺑﻴّة‪.‬‬

‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺒﻴﻮع‪ ،‬ب من ﱂ ﻳﺒﺎل من ﺣﻴﺚ ﻛﺴﺐ اﳌﺎل‪ ،(55/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2059 :‬‬
‫‪155‬‬
‫وﺷﻬﺪت ﺣﻀﻮرا ﻷﺻﻮل اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﱵ تﺸﻜﻞ مصﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳع اﻟﺪﱠﻋﻮي اﻟﱵ تﺴﺘمﺪ منﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة مﺎد ﺎ ومﻮﺿﻮﻋﺎ ﺎ؛ ﲟﺎ ﻳﻀمن اﺳﺘمﺮارﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬وتﻄﻮرﻫﺎ‪ ،‬ومﻮاﻛﺒﺘﻬﺎ ﻟﻜﻞ مﺴﺘﺠﺪات‪،‬‬
‫ومﺘﻐﲑات اﻟ ّﺪﻋﻮة ومﻮاجﻬة ﲢﺪ ﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪.‬‬
‫ﻟﻴﺪل ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ‬ ‫وﻗﺪ ﲣﻠﻞ اﻟﻐﺰوات ﻓعﻼ تﺸﺮﻳعﻴﺎ ﻃﺎل ﲨﻴع اﶈﺎور اﻟﻜﱪى ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ‪ّ ،‬‬
‫ﲤﻴﺰ ﻗﻞ نﻈﲑه ﰲ اﳌعﺎرك اﻟﱵ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻄﺎﺑع اﻟعﺴﻜﺮي اﻟﺒﺤﺖ‪ ،‬واﳍﺪف اﳌﺎدي اﻟصﺮف‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ إﻗﺎمة ﺷعﺎﺋﺮ ﷲ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ؛ جنﻮﺣﺎ إﱃ اﻷﺧﺬ ﻟﺮﺧﺺ‪ ،‬واﻟﱰاﺧﻴﺺ ﰲ أﺣﺴن‬
‫اﻷﺣﻮال‪.‬‬
‫ومن ﰒﱠ نعﻠن ﻟﻠعﺎﱂ من ﺧﻼل أﺻﺢ ﻛﺘﺎب ﺑعﺪ ﻛﺘﺎب ﷲ‪-‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪-‬أن مﻐﺎزي رﺳﻮل ﷲ‬
‫‪ ‬ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻐﲑﻫﺎ من اﳊﺮوب‪ ،‬واﳌعﺎرك اﻟﱵ ﻻ ﻫم ﻷﺻﺤﺎ ﺎ إﻻ اﻟﺪﱡنﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ دﻋﻮة مﺘﺤﺮﻛة‬
‫منﻀﺒﻄة ﺻﻮل ﻫﺬا اﻟ ّﺪﻳن اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬واﻟﺘﱠﺸﺮﻳعﻴّة ﻻ ﲢﻴﺪ ﻋنﻬﺎ ﻗﻴﺪ أﳕﻠة‪ ،‬ﻏﺮﺿﻬﺎ ومﻘصﺪﻫﺎ اﻷﲰﻰ‬
‫ﲪﺎﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة ومنﺠﺰا ﺎ‪ ،‬واﻟﺴعﻲ ﻟﻠﺘمﻜﲔ ﻟﺪﻳن ﷲ ﰲ اﻷرض؛ وﲢﻘﻴق اﻟﺸﻬﻮد اﳊﻀﺎري ﻟﻸمة‪.‬‬

‫‪156‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﱐ‬
‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ‬

‫وﻓﻴﻪ ﻣﺒﺤﺜﺎن‪:‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﺪع و‬

‫‪157‬‬
‫ﺑعﺪ أن ﺑﻴنﺖ ﻓﻴمﺎ مﻀﻰ أن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻗﺪ ﻛﺎنﺖ مﻴﺪا دﻋﻮ ﳑﺘﺎزا ﳌمﺎرﺳة اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‬
‫اﻟنﺒﻮي ﰲ أﺑعﺎده اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎنﺖ آ ره رزة ﻻ ﲣﻔﻰ ﻋﻠﻰ من تﺘﺒعﻬﺎ ﰲ مﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي اﻟصﺤﻴﺤة‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻛﻞ ﻏﺰواته ﻳﺮﺳخ‪ ،‬وﻳﺜﺒﺖ أﺻﻮل اﻟعﻘﻴﺪة‪ ،‬واﻟﺸﺮﻳعة اﻟﻜﱪى ﰲ نﻔﻮس‬
‫أﺻﺤﺎﺑه تﺒﻠﻴﻐﺎ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﺎ‪ ،‬وتعﻠﻴمﺎ ﰲ مﻴﺪان اﳌعﺎرك؛ ﳑﺎ ﻛﺎن ﻟه أﻋﻈم اﻷثﺮ ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻋﻮﻳن‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬ﻇﻬﺮت ﲦﺮاته اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ مﻮاﻗﻒ ﻛﺜﲑة من اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ‪.‬‬ ‫اﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ من ّ‬

‫ﻫﺎ أ أﺻﻞ إﱃ تنﺎول جﺎنﺒﺎ من جﻮانﺐ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻳﺘعﻠق ﺑﺮﻛنﲔ من أرﻛﺎن‬
‫اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻋﻠﻴﻬمﺎ مﺪار اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﰲ ﻛﻞ اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺪﻳنﻴّة‪ ،‬ﻓﻴﺘعﻠق اﻷمﺮ ﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﻓﻬمﺎ ﻃﺮﻓﺎ اﳌعﺎدﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎر ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ اﻟﺘﻮاﺻﻠﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ تنﻄﻠق من اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬وتﺴﺘﻘﺮ‬
‫ﻋنﺪ اﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫ﻏﲑ أن ﻫﺬه اﻟعمﻠﻴّة ﻻ ﳝﻜن ﳍﺎ أن تنﺠﺢ إﻻ ﺑﺘﻮﻓﺮ مﺘﻄﻠﺒﺎ ﺎ‪ ،‬ومﺴﺘﻠﺰمﺎ ﺎ ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﻹرﺳﺎل‬
‫واﻻﺳﺘﻘﺒﺎل‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﲢﻘﻘﺖ إﳒﺎزات دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﻹرﺳﺎل‪ ،‬واﻻنﻄﻼق؛ ﺑﻔﻀﻞ مﺎ ﳝﺘﻠﻜه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫اﻷﻋﻈم ‪ ،‬وأتﺒﺎﻋه من اﻟﺪﻋﺎة اﻟﺬﻳن تﻠﻘﻮا اﻟﺘﺪرﻳﺐ‪ ،‬واﻟﺘأﻫﻴﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳه نﻈﺮ ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﻴﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ مﺮ اﻟﺴنﲔ‪ ،‬اﻟﱵ ﻗﺪ ﲤﺘﺪ إﱃ اﳌﺮﺣﻠة اﳌﻜﻴّة‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻫﺬا اﳌﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي اﳊﺴﺎس أﺳﻮة اﻟﺪﻋﺎة ومﺜﺎﳍم اﻷﻋﻠﻰ؛ ﻟﺘمﺜﻠه ﳌعﺎﻳﲑ‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ اﻟﻔعﺎل‪ ،‬اﻟعﻠمﻴّة واﻷﺧﻼﻗﻴّة واﻟﻘﻴﺎدﻳّة‪.‬‬
‫وﻻ رﻳﺐ أن اﻟنﺠﺎح اﻟﺪﻋﻮي ﻟن ﳛصﻞ‪ ،‬وﻟن ﻳﻜﺘمﻞ مﺎﱂ ﻳﺮاع اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟﻄﺮف اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ؛ وﻫﻮ‬
‫اﳌﺪﻋﻮ ﲟﺮاﻋﺎة ﻛﻞ مﺎ ﻳﺘعﻠق ﺑه من ﻗﻀﺎ من ﺷأنه أن تﺆثﺮ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺠﺎﺑﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﺳﻠﺒﺎ وإﳚﺎ ‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ذات ﻃﺎﺑع تﻮاﺻﻠﻲ ﻳﻬﺪف إﱃ تﻐﻴﲑ ﺳﻠﻮك اﻷﻓﺮاد واﻷمم من ﺧﻼل مﻀﺎمﲔ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬جﺎء ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ من ﻫﺬه اﻟﺪراﺳة اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﺑﻜﻞ من اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﰲ مﺒﺤﺜﲔ‪:‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﺪﻋﻮ‬

‫‪158‬‬
 ‫)‪(‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫ﻳعﺪ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻫﻮ اﶈﺮك اﻟﻔﺎﻋﻞ ﰲ اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﲟﺮاﺣﻠﻬﺎ ومﺴﺘﻮ ﺎ اﳌخﺘﻠﻔة ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﻟﺘﺒﻠﻴغ‬
‫واﻟﺘّعﻠﻴم واﻟﱰﺑﻴّة واﻟﺘﻄﺒﻴق‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺴﺘﻮجﺐ تﺰوده ﲜمﻠة من اﻟﻘﻴم اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّة واﻻﺳﺘعﺪادات واﳌﻬﺎرات‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﻜﺎﻓﺌة‪ ،‬واﻟﻼزمة ﻟﺘﺤﻘﻴق اﻹﳒﺎز اﻟﺪﻋﻮي اﳌﻄﻠﻮب‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻫﻮ أﺳﻮة اﻟﺪﻋﺎة ﰲ ﺳﻠمه وﺣﺮﺑه‪ ،‬وﻛﺎنﺖ ﻏﺰواته ﻫﻲ مﺪار اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪﻋﻮي ﰲ‬
‫ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﰐ ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ منﻬﺎ ﻟﻴﺴﺘﻠﻬم منﻬﺎ أﻫم اﻷﺑعﺎد اﳌﺘعﻠﻘة ﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬مﻘﺴمﺎ إ ﻫﺎ إﱃ‬
‫مﻄﻠﺒﲔ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻠمﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻷﺧﻼﻗﻴّة واﻟﻘﻴﺎدﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪.‬‬

‫)‪ -(‬ﻳﺮاد ﻟﺴﻠﻮك ﰲ اﳉمﻠة ﺳﲑة اﻹنﺴأ ّن ومﺬﻫﺒه واﲡﺎﻫه‪ ،‬ﻓﻴﻄﻠق ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻮك اﳊﺴن واﻟﺴﻲء‪ ،‬وﻳﻄﻠق ﻋﻠﻰ‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﱵ ﻳﺒﺪﻳﻬﺎ اﻟﻔﺮد إزاء مﻮﻗﻒ ﻳﻮاجﻬه‪ ،‬ومن اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﺪﻳنﻴّة ﻳﻘﺴم إﱃ ﻗﺴمﲔ‪ :‬ﺳﻠﻮك مع ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬وﻳﺴمﻰ ﻟﺘﺰﻛﻴّة‪،‬‬
‫واﻟﺘصﻮف‪ ،‬وأمﺎ اﻟﻘﺴم اﻵﺧﺮ‪ ،‬وﻫﻮ ﺳﻠﻮك مع اﻟنﺎس وﻳﺴمﻰ اﳌعﺎمﻼت‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌعﺠم اﻟﻮﺳﻴط‪ ،(445/1) ،‬ا ﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ‬
‫ﻟﻠﺸﺌﻮن اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬مﻮﺳﻮﻋة اﳌﻔﺎﻫﻴم اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟعﺎمة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ص‪ ،352‬اﻟنﺪوة اﻟعﺎﳌﻴّة ﻟﻠﺸﺒﺎب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬اﳌﻮﺳﻮﻋة اﳌﻴﺴﺮة‬
‫ﰲ اﻷد ّن واﳌﺬاﻫﺐ واﻷﺣﺰاب اﳌعﺎﺻﺮة‪.(148/2) ،‬‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة واﳌﺪﻋﻮ‪،‬‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة‪ ،‬ونﻔﺴه‪ ،‬و ّ‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة ورﺑه‪ ،‬و ّ‬
‫ومن ﲦة ﻓﺈﱐ ﺳﻮف أﻋﺘمﺪ اﳌصﻄﻠﺢ ﺑﺪﻻﻟﺘه اﻟﻮاﺳعة اﻟﱵ تﺸمﻞ اﻟعﻼﻗة ﺑﲔ ّ‬
‫ومﺎ ﻳﱰتﺐ ﻋﻠﻰ تﻠﻚ اﻟعﻼﻗﺎت من آ ر دﻋﻮﻳّة إﳚﺎﺑﻴّة‪ ،‬وﺳﻠﺒﻴّة تﺒعﺎ ﻟنﻮع اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ودواﻓعﻬﺎ‪.‬‬

‫‪159‬‬
 ‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫ﳛﺘﺎج اﻟﺪاﻋﻲ إﱃ ﷲ ﻟﻠنﺠﺎح ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي إﱃ ﻋﺪة ﻋﻠمﻴّة دﻋﻮﻳّة؛ و ﰐ أﳘﻴّة ﻫﺬه اﻟعﺪة من ﻃﺒﻴعة‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﱵ أﻋﻠنﺖ ﻋنﻬﺎ ﻃﻼﺋع اﻟﻮﺣﻲ ﰲ ﻏﺎر ﺣﺮاء‪.‬‬
‫ومن ﰒﱠ ﻛﺎنﺖ اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة ﻟﻠﺪاﻋﻴّة من اﻻﺳﺘعﺪادات‪ ،‬اﻟﱵ تﺸﻜﻞ ﻟه اﻷرﺿﻴّة اﻟصﻠﺒة اﳌﺘﻴنة اﻟﱵ ﻳنﻄﻠق‬
‫منﻬﺎ‪ ،‬وﻳﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﱴ ﻳﺘﺴﲎ ﻟه ﺻنﺎﻋة جﻮدة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟﺘصﺪي ﻟﻜﻞ اﻹﻛﺮاﻫﺎت واﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة‪،‬‬
‫واﳋﺎرجﻴّة اﻟﱵ ﲢﻮل دون ﺑﻠﻮغ اﻷﻫﺪاف‪.‬‬
‫ونﻈﺮا ﻷﳘﻴّة وﺣﺴﺎﺳﻴّة ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ جﺎء ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﰲ اﻟﻄﻠﻴعة ﻟﻴﺒﲔ أثﺮ ﲢصﻴﻞ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻟﻠعﺪة اﻟعﻠمﻴّة‬
‫اﻟﻼزمة ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل تﺘﺒع اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻓق اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻓﻀﻞ اﻟﻌﻠﻢ وﺣﺎﺟﺔ اﻟﺪاﻋﻴّﺔ إﻟﻴﻪ‬
‫ﻟﻘﺪ دﻟﺖ روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ اﻟعﻠم‪ ،‬وﺣﺎجة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة إﱃ اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﻼزمة‪ ،‬واﻟﻜﺎﻓﻴّة‬
‫اﻟﱵ ﻳﺘﻄﻠﺒﻬﺎ اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬دﻻﻟﺔ روا ت اﳌﻐﺎزي ﻋﻠى ﻓﻀﻞ اﻟﻌﻠﻢ‬
‫ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳعﺘمﺪ معﺎﻳﲑ ﻋﻠمﻴّة ﰲ اﺧﺘﻴﺎر ﻗﺎدة اﻟﺒعﻮث واﻟﺴﺮا ‪ ،‬واﳌﺮاد ﻟعﻠم ﻫﺎﻫنﺎ اﻟعﻠم اﻟﺘخصصﻲ‬
‫اﻟﺬي ﳝﻜن اﻟﻘﺎﺋﺪ من إدارة اﳌﻬمة اﻟﱵ ﻛﻠﻒ ﺎ ﲟﻬﺎرة‪ ،‬وﻓعﺎﻟﻴّة وﳒﺎح‪ ،‬وﲢﻘﻴق اﻷﻫﺪاف اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺒﺘﻐﺎة منﻬﺎ‪،‬‬
‫وﰲ ذﻟﻚ إﺷﺎرة إﱃ أﳘﻴّة اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﺘخصصﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﻴﺎدة اﳊﺮﺑﻴّة ﲣﺘﻠﻒ ﻋن اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﱰﺑﻮﻳّة‪ ،‬وﲣﺘﻠﻒ ﻋنﻬمﺎ‬
‫اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة‪.‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺮاﻋﻰ ﰲ إﻋﺪاد وتﻮجﻴه اﻟﻘﺎدة‪ ،‬واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬وأن إﻏﻔﺎل ﻫﺬا اﳌعﻴﺎر ﺬا اﳌنﻬج اﻟنﺒﻮي اﳊﻜﻴم‬
‫ﻳُﺪﺧﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟﺘخﺒط واﻟعﺸﻮاﺋﻴّة؛ ﳑﺎ ﻳﻔﻮت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻜﺜﲑ من اﻹﳒﺎزات‪ ،‬وﻳﻮﻗعﻬﺎ ﰲ اﻟﻔﺸﻞ واﻹﺧﻔﺎﻗﺎت‪.‬‬
‫وﻋنﺪ تﺘﺒع ﺳﲑ ﻗﺎدة اﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث اﻟﺬﻳن ﻛﺎن ﻳنﺘﺪ م اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻠﻘﻴﺎم ﲟﻬﺎم ﺣﺮﺑﻴّة ودﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬نﺪرك‬
‫ﲤﺎم اﻹدراك أنه ﻛﺎن ﳜﺘﺎرﻫم ﺑﺪﻗة‪ ،‬وﻋنﺎﻳّة مﺮاﻋﻴﺎ تﻮﻓﺮ اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة ﰲ اﻟﺸخﺺ اﳌﻜﺎﻓﺌة ﻟﻠمﻬمة اﻟﱵ ﻛﻠﻒ‬
‫ﺎ‪.‬‬
‫ﻓعنﺪ تﺘﺒع ﻫﺆﻻء اﳌنﺘﺪﺑﲔ ﰲ روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﳒﺪ منﻬم‪ :‬ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة‪ ،‬ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺑن ﺣﺬاﻓة اﻟﺴﻬمﻲ‪ ،‬وﻋﻠﻘمة ﺑن ﳎﺰز اﳌﺪﳉﻲ‪ ،‬أﺑﻮ مﻮﺳﻰ اﻷﺷعﺮي‪ ،‬معﺎذ ﺑن جﺒﻞ‪ ،‬ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ‪،‬‬
‫ﻋمﺮو ﺑن اﻟعﺎص‪ ،‬جعﻔﺮ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬اﺑن رواﺣة‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة ﺑن اﳉﺮاح‪ ،‬وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟصﺪﻳق‬
‫ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان‪.1‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(165-141 /5) ،‬‬

‫‪160‬‬
 ‫وﻫﺆﻻء ﲨﻴعﺎ ﻗﺪ ﺣﻘﻘﻮا اﻟﺸﺮط اﻻنﺘﻘﺎﺋﻲ اﳌﺘعﻠق ﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﳌﻜﺎﻓﺌة ﻛمﺎ ﻳﺒﻴنه ﻫﺬا اﳉﺪول‪،‬‬
‫اﻟﺬي ﺣﺎوﻟﺖ إﳒﺎزه انﻄﻼﻗﺎ من تﺮاجم وﺳﲑ اﻟﻘﺎدة من أﺻﺤﺎب رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬مﱪزا‬
‫اﻻﺳﺘعﺪادات واﻟﻘﺪرات اﻟﻘﻴﺎدﻳّة ﻟﺪى ﻛﻞ ﻗﺎﺋﺪ من أوﻟﺌﻚ اﻟﻘﺎدة‪ ،‬تﺒعﺎ ﳌﺎ ﻳﻠﻲ‪:1‬‬
‫ﻧﻮع اﻻﺳﺘﻌﺪاد‬ ‫ﺗﻌﺮﻳف ﻣﻮﺟﺰ ﻟﺸﺨﺼﻴّﺔ‬ ‫اﻟﻘﺎﺋﺪ‬
‫ﻓﺎرس اﻟعﺮب ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬و ﺳﻴﻒ ﷲ وﻓﺎرس اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻟﻴﺚ اﳌﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬اﻟﺴﻴﺪ اﻹمﺎم‪ ،‬اﻷمﲑ اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬ﺣﺮﰊ‬ ‫ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ‬
‫اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ﺷﻬﺪ اﳌﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬واﻟﻔﺘﻮح زمن اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﰲ ﺧﻼﻓة أﰊ ﺑﻜﺮ وﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ ﻗﺎﺋﺪا وجنﺪ ‪.‬‬

‫اﻷمﲑ‪ ،‬اﻟﺸﻬﻴﺪ‪ ،‬اﻟنﺒﻮي‪ ،‬اﳌﺴمﻰ ﰲ ﺳﻮرة اﻷﺣﺰاب‪ ،‬أﺑﻮ أﺳﺎمة اﻟﻜﻠﱯ‪ ،‬ﰒ اﶈمﺪي‪ ،‬ﺳﻴﺪ اﳌﻮاﱄ‪ ،‬ﺣﺮﰊ‬ ‫زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ‬
‫وأﺳﺒﻘﻬم إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﺣﺐ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وأﺑﻮ ﺣﺒّه وﱂ ﻳﺴم ﷲ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه ﺻﺤﺎﺑﻴﺎ ﲰه إﻻ زﻳﺪ‬

‫دﺑﻠﻮمﺎﺳﻲ‬ ‫ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺣﺬاﻓﺔ أﺣﺪ اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ‪ ،‬ﻫﺎجﺮ إﱃ اﳊﺒﺸة‪ ،‬ونﻔﺬه اﻟنﱯ ‪ ‬رﺳﻮﻻ إﱃ ﻛﺴﺮى‬
‫من ﻋﺰم اﻟصﺪﻳق ﻋﻠﻰ تﻮﻟﻴﺘه اﳋﻼﻓة‪ ،‬وأﺷﺎر ﺑه ﻳﻮم اﻟﺴﻘﻴﻔة؛ ﻟﻜمﺎل أﻫﻠﻴﺘه ﺳﻴﺎﺳﻲ‬
‫أﺣﺪ اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ اﻷوﻟﲔ‪ ،‬و ْ‬ ‫أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة‬
‫ﻋنﺪ أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﺷﻬﺪ ﻟه اﻟنﱯ ‪ ‬ﳉنة‪ ،‬وﲰﺎه‪ :‬أمﲔ اﻷمة‪ ،‬وﻏﺰا ﻏﺰوات مﺸﻬﻮدة‪.‬‬
‫ﺣﺮﰊ‪،‬‬ ‫أﺣﺪ اﻟنﻘﺒﺎء ﻟﻴﻠة اﻟعﻘﺒة‪ ،‬ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،‬واﳌﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬وﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮ اﻟنﱯ ‪.‬‬ ‫اﺑﻦ رواﺣﺔ‬
‫دﺑﻠﻮمﺎﺳﻲ‬
‫ﻋﻠﻘﻤﺔ ﺑﻦ ﳎﺰز اﺳﺘعمﻠه اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ جﻴﻮﺷه‪ ،‬ووﻻه اﻟصﺪﻳق ﺣﺮب ﻓﻠﺴﻄﲔ‪ ،‬وﺣﻀﺮ اﳉﺎﺑﻴّة مع ﻋمﺮ‪ ،‬ﰒ ﺣﺮﰊ‬
‫ﺳﲑه ﻋمﺮ ﰲ جﻴﺶ إﱃ اﳊﺒﺸة ﰲ ثﻼثة مﺎﺋة‪ ،‬ﻓﻐﺮﻗﻮا ﻛﻠﻬم‪ ،‬وﻗﻴﻞ‪ :‬ﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ أ م ﻋﺜمﺎن ﺑن‬ ‫اﳌﺪﳉﻲ‬
‫ﻋﻔﺎن‪.‬‬
‫ﻣﻮﺳى اﻹمﺎم اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬اﻟﻔﻘﻴه اﳌﻘﺮئ أﻗﺮأ أﻫﻞ اﻟﺒصﺮة وﻓﻘﻬﻬم ﰲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬اﺳﺘعمﻠه اﻟنﱯ ‪ ‬ومعﺎذا ﻋﻠﻰ زﺑﻴﺪ دﻋﻮي‬ ‫أﺑﻮ‬
‫وﻋﺪن‪ ،‬وﱄ إمﺮة اﻟﻜﻮﻓة ﻟعمﺮ‪ ،‬وإمﺮة اﻟﺒصﺮة‪ ،‬وﻏﺰا وجﺎﻫﺪ مع اﻟنﱯ ‪ ،‬وﲪﻞ ﻋنه ﻋﻠمﺎ ﻛﺜﲑا‪.‬‬ ‫اﻷﺷﻌﺮي‬

‫دﻋﻮي‬ ‫اﳌﻘﺪم ﰲ ﻋﻠم اﳊﻼل واﳊﺮام‪ ،‬وﺷﻬﺪ اﳌﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺎن من أﲨﻞ اﻟﺮجﺎل‪.‬‬
‫اﻹمﺎم ّ‬ ‫ﻣﻌﺎذ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ‬
‫ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﰊ أول اﻟنﺎس إﺳﻼمﺎ ﰲ ﻗﻮل ﻛﺜﲑ من أﻫﻞ اﻟعﻠم‪ .‬وﻟﺪ ﻗﺒﻞ اﻟﺒعﺜة ﺑعﺸﺮ ﺳنﲔ ﻋﻠﻰ اﻟصﺤﻴﺢ‪ّ ،‬‬
‫ﻓﺮﰊ ﰲ دﻋﻮي‪-‬ﺣﺮﰊ‪.‬‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬وﱂ ﻳﻔﺎرﻗه‪ ،‬وﺷﻬﺪ معه اﳌﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬وﻛﺎن اﻟﻠﻮاء ﺑﻴﺪه ﰲ أﻛﺜﺮ اﳌﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬ومنﺎﻗﺒه ﻛﺜﲑة‪.‬‬
‫ﺣﺠﺮ ّ‬ ‫ﻃﺎﻟﺐ‬

‫جﺮﰊ‪-‬ﺳﻴﺎﺳﻲ‬ ‫داﻫﻴّة ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ورجﻞ اﻟعﺎﱂ‪ ،‬ومن ﻳﻀﺮب ﺑه اﳌﺜﻞ ﰲ اﻟﻔﻄنة‪ ،‬واﻟﺪﻫﺎء‪ ،‬واﳊﺰم‪.‬‬ ‫اﺑﻦ اﻟﻌﺎص‬
‫ﺣﺮﰊ‪،‬‬ ‫ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ أﰊ ﻃﺎﻟﺐ اﻟﺴﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺸﻬﻴﺪ‪ ،‬اﻟﻜﺒﲑ اﻟﺸأن‪ ،‬ﻋﻠم ا ﺎﻫﺪﻳن‪ ،‬ﻫﺎجﺮ اﳍﺠﺮتﲔ‪ ،‬وﻫﺎجﺮ من اﳊﺒﺸة إﱃ اﳌﺪﻳنة‬
‫‪،‬‬

‫دﺑﻠﻮمﺎﺳﻲ‬

‫‪1‬‬
‫ت اﳉﺪول من ﺧﻼل‪ :‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء ﻟﻠﺬﻫﱯ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة ﻻﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬وﺣﺮﺻﺖ أ ّن أﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ أﺳﻠﻮ م ﺑﺘصﺮف‪.‬‬
‫‪ -‬أﳒﺰ ُ‬
‫‪161‬‬
‫تﺒﲔ ﻫﺬه اﻟنﱠمﺎذج اﻟﻘﻴﺎدﻳّة أن ﻛﻞ ﻗﺎﺋﺪ ﻗﺪ اﺧﺘﺎره اﻟنﱯ ‪‬؛ ﺑنﺎء ﻋﻠﻰ مﺎ ﻋنﺪه من اﻟعﺪة‬
‫اﻟعﻠمﻴّة اﻟﺘخصصﻴّة اﳌنﺎﺳﺒة ﻟﻠمﻬمة ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﳌنﺎﺳﺒة‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻀع ﺻﺎﺣﺐ اﻟعﺪة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻗﺎﺋﺪا‬
‫ﺣﺮﺑﻴﺎ‪ ،‬وﻻ ﻳﺴﺘعمﻞ ﰲ اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة اﳋﺎرجﻴّة إﻻ من ﻳصﻠﺢ ﳍﺎ ﲟﺎ ﻋﻠم ﻋنﺪه من اﳌﺆﻫﻼت‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﳋﱪة مﻈنة ﲢصﻴﻞ اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﳜﺘﺎر أﻫﻞ اﻟﺴﺒق ﰲ اﻹﺳﻼم ﰲ مﻮاﻗﻒ‬
‫مﻼﺋمة ﳌﻜﺎنﺘﻬم اﻟعﻠمﻴّة اﻟﱵ ﻟﻮﻫﺎ من ﻃﻮل اﻟصﺤﺒة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬
‫ﻷن اﳌﻮاﻗﻒ ﲣﺘﻠﻒ ﻓﻘﺪ ﻻ تﻜﻔﻲ اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة وﺣﺪﻫﺎ أﺣﻴﺎ ؛ ﺑﻞ ﻗﺪ تﻘﺘﻀﻲ اﳊﻜمة تﻘﺪﱘ‬
‫اﻷدﱏ ﰲ ﺑعﻀﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا ﻳﺮجع إﱃ ﺣﻜمة مﺪﻳﺮ اﻟﻘﺎدة‪ ،‬وﺑعﺪ نﻈﺮه‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻟﺘّﻌﻠﻴﻢ وﻧﺸﺮ اﻟﻌﻠﻢ أﺛﻨﺎء اﻟﻐﺰو‬
‫ﱂ تﻜن اﻟﻐﺰوات مﻴﺪا ﻟﻠﻘﺘﺎل ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻫﻲ مﻴﺪان من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﳝﺎرس ﻓﻴﻬﺎ اﻟعمﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي ﺑﻜﻞ أﺑعﺎده‪ ،‬ومن ذﻟﻚ اﻟﺒعﺪ اﻟﺘّعﻠﻴمﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬ﻻ ﻳﺸﻐﻠه اﻟﻐﺰو ﻋن تعﻠﻴم‪ ،‬وتﻔﻘﻴه‬
‫أﺻﺤﺎﺑه ﰲ دﻳنﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﳜﱪﻫم ﳌﺴﺘﺠﺪات وﳚﻴﺒﻬم ﻋن تﺴﺎؤﻻ م‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج ﺷﺎﻫﺪة‬
‫من واﻗع اﻟﻐﺰوات‪:‬‬
‫‪.1‬ﳕﻮذج ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺻﻼة اﳋﻮف‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻟﻴﺘعﻠمﻮا ﺻﻔة ﺻﻼة اﳋﻮف إﻻ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﺑﺴنﺪه َﻋ ﱠم ْن‬ ‫ﱂ ﻳﻜن ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳـﻮم ذَ ِ‬
‫اﻟﺒخﺎري ﺑﺴنﺪه َﻋ ﱠم ْن َﺷ ِﻬ َﺪ " َر ُﺳ َ‬
‫ﺖ‬‫ﺻ ﱠﻔ ْ‬ ‫ﺻﻠﱠى َ‬
‫ﺻﻼَةَ اﳋَْﻮف‪ :‬أن ﻃَﺎﺋ َﻔﺔً َ‬ ‫ات ِّ‬
‫اﻟﺮﻗَ ِﺎع َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ﻣﻌﻪُ‪ ،‬وﻃَﺎﺋَِﻔﺔٌ ِوﺟ َﺎﻩ اﻟﻌ ُﺪ ِو‪ ،‬ﻓَﺼﻠﱠى ِ ﻟﱠِﱵ ﻣﻌﻪُ رْﻛﻌﺔً‪ ،‬ﰒُﱠ ﺛَـﺒ َ ِ‬
‫ﺼ ﱡﻔﻮا ِو َﺟ َﺎﻩ‬ ‫ﺖ ﻗَﺎﺋ ًﻤﺎ‪ ،‬وأَ َﲤﱡﻮا ﻷَﻧْـ ُﻔﺴ ِﻬ ْﻢ ﰒُﱠ اﻧْ َ‬
‫ﺼ َﺮﻓُﻮا‪ ،‬ﻓَ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ ّ َ‬ ‫ََ‬
‫ﺖ ِﻣﻦ ﺻﻼَﺗِِﻪ ﰒُﱠ ﺛَـﺒ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِوﺟ َﺎﻩ اﻟﻌ ُﺪ ِو‪ ،‬وﺟ ِ‬
‫ﺴﺎ‪ ،‬وأَ َﲤﱡﻮا‬ ‫ﺖ َﺟﺎﻟ ً‬ ‫َ‬ ‫ﺼﻠﱠى ُﻢ اﻟ ﱠﺮْﻛ َﻌ َﺔ اﻟﱠِﱵ ﺑَﻘﻴَ ْ ْ َ‬ ‫ﺎءت اﻟﻄﱠﺎﺋ َﻔﺔُ اﻷُ ْﺧ َﺮى ﻓَ َ‬
‫َ َ ّ َ َ‬
‫ِﻷَﻧْـ ُﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ َﺳﻠﱠ َﻢ ِِ ْﻢ " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻓﻘه ﻫﺬه اﻟصﻼة من ﺧﻼل اﻟﺘﻄﺒﻴق اﻟنﺒﻮي‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه أراد رﺳﻮل‬
‫ﻓﻘﺪ تعﻠم ّ‬
‫نﻔﺴه أراد رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أن ﻳﺮﺳخ ﰲ اﻷذﻫﺎن "ﺧﻄﻮرة ﻫﺬه اﻟعﺒﺎدة ﰲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬ومﻘﺎمﻬﺎ ﻋنﺪ رب‬
‫رب اﻟعﺎﳌﲔ"‪.2‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﳌﺘﻌﺔ واﳊﻤﺮ اﻷﻫﻠﻴّﺔ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،(113/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4129 :‬‬
‫‪ -2‬ﻓﺮﻳﺪ اﻷنصﺎري‪ ،‬ﺑﻼغ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﻘﺮآن ﻳّة؛ من أجﻞ إﺑصﺎر ﻵ ت اﻟﻄﺮﻳق‪ ،‬دار اﻟﺴﻼم ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع واﻟﱰﲨة‪،‬‬
‫اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪162‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻋن مﺴﺘﺠﺪات اﻟﺘﺸﺮﻳع ﰲ ﺣﻴنﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﰎ تﺒﻠﻴﻐﻬم‬ ‫ومن أمﺜﻠة اﻟﺘّعﻠﻴم اﻟنﺒﻮي ﰲ إﺧﺒﺎر ّ‬
‫اﻟنﻬﻲ ﻋن نﻜﺎح اﳌﺘعة‪ ،‬واﻟنّﻬﻲ ﻋن ﳊﻮم اﳊمﺮ اﻹنﺴﻴّة زمن ﺧﻴﱪ ‪.‬‬
‫ﺴ ِﺎء‬ ‫ِ ِ‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬ﻧَـ َﻬى َﻋ ْﻦ ُﻣ ْﺘـ َﻌﺔ اﻟﻨّ َ‬
‫ﻳـﻮم ﺧﻴـﺒـﺮ‪ ،‬وﻋﻦ أَ ْﻛ ِﻞ ُﳊ ِ‬
‫ﻮم اﳊُ ُﻤ ِﺮ ا ِﻹﻧْ ِﺴﻴّﺔ«‪.1‬‬‫ُ‬ ‫َْ َ ََْ َ َ ْ‬
‫ومن اﳌﻮاﻓﻘﺎت ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﺒﻠﻴغ اﳌﺘعﻠق ﻟنﻬﻲ ﻋن زواج اﳌﺘعة أن ﻳﺮوﻳه ﻋن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ‬
‫ﻃﺎﻟﺐ ؛ ﻟﻴﻜﻮن أدمغ ﺣﺠة ﻟﻠﺸﻴعة اﻟﺬﻳن ﻳﺮون مﺸﺮوﻋﻴّة ﻫﺬا اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ﺑﻞ ﻳعﺪونه من أﺧﺺ‬
‫من أﺧﺺ ﺧصﻮﺻﻴﺎ م‪ ،‬ومن أﻋﻈم اﻟﻘﺮ ت اﻟﱵ ﻳﺘﻘﺮب ﺎ إﱃ ﺑﺰﻋمﻬم‪.2‬‬
‫‪ .3‬ﳕﻮذج ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﳊﺞ‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳعﻠم اﻟنﺎس اﳌنﺎﺳﻚ‪ ،‬وﳚﻴﺐ ﻋن أﺳﺌﻠة اﳊﺠﺎج‪ ،‬ﻓعن اﺑ ِن ﻋﺒﱠ ٍ ِ‬
‫ﺎس َرﺿ َﻲ ا ﱠُ‬ ‫ْ َ‬
‫ﺖ‬ ‫ﱠﺤ ِﺮ ﲟِِ ًﲎ‪ ،‬ﻓَـﻴَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل‪» :‬ﻻَ َﺣ َﺮ َج« ﻓَ َﺴأَﻟَهُ َر ُج ٌﻞ ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ :‬ﺣﻠَ ْﻘ ُ‬ ‫َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻛﺎن اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳُ ْﺴأ َُل ﻳَـ ْﻮَم اﻟن ْ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻻَ َﺣ َﺮ َج« ‪.3‬‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺖ ﺑَـ ْع َﺪ َمﺎ أ َْم َﺴْﻴ ُ‬
‫ﺎل‪َ :‬رَمْﻴ ُ‬ ‫ﺖ ﻗَـْﺒ َﻞ أن أَ ْذﺑَ َﺢ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ا ْذﺑَ ْﺢ َوﻻَ َﺣ َﺮ َج« َوﻗَ َ‬ ‫َﺣﻠَ ْﻘ ُ‬
‫وأورد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﺣﺠة اﻟنﱯ ‪ ‬ﺿمن ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻟعﻞ منﺎﺳﺒة ذﻟﻚ ﳌﻮﺿﻮع اﳌﻐﺎزي أن‬
‫ﻫﺬه اﳊﺠة من آ ر اﻟنﺠﺎح ﰲ اﻟﻐﺰوات؛ ﺧﺎﺻة ﺑعﺪ ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،‬وﻗﺪ تﻀمنﺖ ﻫﺬه اﳊﺠة أﺑعﺎدا‬
‫دﻋﻮﻳّة تعﻠﻴمﻴّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﻠم اﳌﺴﻠمﻮن من ﺧﻼﳍﺎ منﺴﻚ اﻟنﱯ ‪ ،‬ونﻘﻠﻮا رﻛن اﻹﺳﻼم‬
‫اﳋﺎمﺲ ﻟﻸمة‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﻟعﻄﺎر مﱪزا ﺑعﺾ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﳌﺘعﻠق ﻟﺒعﺪ اﻟﺘّعﻠﻴمﻲ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬ومنﻬﺎ‪ :‬اﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺘأﺳﻲ ﺑه ‪ ‬ﰲ ﲨﻴع اﳊﺎﻻت ﰲ اﳌنﺎﺳﻚ وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬ونﻘﻞ ذﻟﻚ وتﺒﻠﻴﻐه‪ ،‬ومنﻬﺎ‪ :‬اﻟﺘعﻠم ﻟﺮؤﻳّة‬
‫ﻟﻠﻔعﻞ من ﻏﲑ ﻗﻮل‪ ،‬واﻷﺧﺬ ﺑه من ﻏﲑ ﻗﻮل‪ ،‬وتﺒﻠﻴﻐه"‪.4‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ من أﺣﺎدﻳﺚ اﳊج ﰲ تﻠﻚ اﳊﺠة ﺑﻴﺎن ﳌنﻬج اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﺘّعﻠﻴم‪ ،‬وﺣﺮﺻه‬
‫ﻋﻠﻰ تعﻠﻴم اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وتﻔﻘﻴﻬﻬم ﰲ دﻳنﻬم ﻳﺴﺮ‪ ،‬وأﻓﻀﻞ ﻫﺪي‪ ،‬مﺘﺤﻴنﺎ ﻛﻞ اﻟﻔﺮص‪ ،‬واﳌﻴﺎدﻳن‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4216 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ اﳌعﺎﱄ ﳏمﻮد ﺷﻜﺮي اﻷﻟﻮﺳﻲ‪ ،‬اﻟﺴﻴﻮف اﳌﺸﺮﻗة وﳐﺘصﺮ اﻟصﻮاﻋق اﶈﺮﻗة‪ ،‬ت‪ :‬ﳎﻴﺪ اﳋﻠﻴﻔة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻹمﺎم‬
‫اﻟﺒخﺎري ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ 1429 ،1‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.683‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳊج‪ ،‬ب إذا رمﻰ ﺑعﺪ مﺎ أمﺴﻰ‪ ،‬أو ﺣﻠق ﻗﺒﻞ أ ّن ﻳﺬﺑﺢ‪ ،‬ﺳﻴﺎ أو جﺎﻫﻼ‪،‬‬
‫)‪ ،(175/2‬ﺑﺮﻗم‪.1735 :‬‬
‫‪ -4‬ﻋﻼء اﻟﺪﻳن اﺑن اﻟعﻄﺎر‪ ،‬اﻟعﺪة ﰲ ﺷﺮح اﻟعمﺪة ﰲ أﺣﺎدﻳﺚ اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬دار اﻟﺒﺸﺎﺋﺮ اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1427 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 2006‬م‪.(1062/2) ،‬‬
‫‪163‬‬
 ‫‪ .4‬ﳕﻮذج ﺗﺸﺮﻳﻊ اﻟﺘﻴﻤﻢ ﰲ اﻟﻐﺰو‬
‫من اﻟعﻠم‪ ،‬واﻟﻔﻘه ﻋﻠمﻬم إ ه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬تﺒﻠﻴﻐﺎ وتﻄﺒﻴﻘﺎ اﻟﺮﺧصة‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة‬‫وﳑﺎ تعﻠمه ّ‬
‫اﻟﺮﺧصة اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﻛﺮﺧصة اﻟﺘﻴمم ﻋنﺪ ﻓﻘﺪ اﳌﺎء اﻟﱵ نﺰﻟﺖ ﰲ إﺣﺪى اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ً َ ‬ﺳﺎ ِﻣ ْﻦ‬ ‫ﺖ " ﻓَﺄ َْر َﺳ َﻞ َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺎء ِﻗﻼَ َدةً ﻓَـ َﻬﻠَ َﻜ ْ‬ ‫ت ِﻣ ْﻦ أ ْ‬
‫َﲰَ َ‬ ‫اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋﺎﺋﺸة ‪ ،‬أ َﺎ ْ‬
‫اﺳﺘَـ َﻌ َﺎر ْ‬
‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﺷ َﻜ ْﻮا ذَﻟِ َ‬
‫ﻚ إِﻟَْﻴ ِﻪ‪،‬‬ ‫ﺼﻼَةُ‪ ،‬ﻓَﺼﻠﱠﻮا ﺑِﻐَ ِﲑ و ُ ٍ‬ ‫َﺻ َﺤﺎﺑِ ِﻪ ِﰲ ﻃَﻠَﺒِ َﻬﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَ ْد َرَﻛ ْﺘـ ُﻬ ُﻢ اﻟ ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ﺿﻮء‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ أَﺗَـ ُﻮا اﻟﻨِ ﱠ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫َ ًﺳﺎ ﻣ ْﻦ أ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ﺖ آﻳّﺔ اﻟﺘـﱠﻴَ ﱡﻤ ِﻢ‪.‬‬‫ﻓَـﻨَـ َﺰﻟَ ْ‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘّعﻠﻴمﻴّة‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ ﳑﺎ مﺮ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻷول ﻋنﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة‪،‬‬
‫واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات تﺪل ﻋﻠﻰ مﺪى ﻋنﺎﻳّة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟعﻠم‪ ،‬واﻟﺘّعﻠﻴم ﰲ ﲨﻴع ﳎﺎﻻت اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫مﱴ دﻋﺖ اﳊﺎجة أو اتﻴﺤﺖ ﻟه ﻓﺮﺻة‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ منه أن‬
‫ﻳﻜﻮن مﺘﺰودا داﺋمﺎ ﻟﺰاد اﻟﻜﺎﰲ‪ ،‬واﳌﻜﺎﰲء ﳌﻴﺪانه اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺮك ﻓﻴه‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻷﻗﻞ أن ﳛصﻞ‬
‫اﳊﺪ اﻷدﱏ من ثﻘﺎﻓة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬ﰲ ﳎﺎل ﲣصصه اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﺪا واﺿﺤﺎ ﳑﺎ ﺳﺒق أن اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة ﻫﻲ اﳌعﻴﺎر اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳعﻮل ﻋﻠﻴه ﰲ اﺧﺘﻴﺎر ﻗﺎدة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗﻴﺎس اﳉﻮدة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﺘﻐﻴﻴﺒﻬﺎ ﰲ ا ﺎﻟﲔ ﻳﺆدي ﻟﻀﺮورة إﱃ مﺸﻜﻼت دﻋﻮﻳّة ﻳصعﺐ‬
‫ﻋﻼجﻬﺎ‪ ،‬ورﲟﺎ أدت إﱃ اﳌﺮض‪ ،‬واﻟﻮﻫن اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن اﻟعﻠم منﻄﻠق ﻛﻞ اﻟﺪﻋﻮات‬
‫واﳊﺮﻛﺎت اﻹﺻﻼﺣﻴّة‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻓﻘﻪ اﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ﳌﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻣﺘﻄﻠﺒﺎ ﺎ‬
‫إﺿﺎﻓة إﱃ تعﻠﻴم اﻟنﱯ ‪ ‬أﺻﺤﺎﺑه ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻋن ﻛﺜﺐ من ﺧﻼل أﻗﻮاﻟه‪ ،‬وتصﺮﻓﺎته اﻟﺪﻋﻮﻳّة أن‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﳚﺐ أن ﻳﻈﻞ مﺘمﺘعﺎ ﻟﺰاد واﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﻜﺎﻓﻴّة‪ ،‬ﲤﻜنه من ﳑﺎرﺳة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى‬
‫اﻟﻘﻴﺎدي‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﻓﻘﺪ رﻓع من وﻋﻴﻬم اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل نﻘﻠﻬم إﱃ مﺴﺘﻮى آﺧﺮ‬
‫من مﺴﺘﻮ ت اﻟﻔﻘه اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ ﻋﺎﺋﺸة‪ ،(29/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3773 :‬وﻗصة ﻓﻘﺪ اﻟعﻘﺪ ﻛﺎن ﺑعﺪ ﻗصة‬
‫اﻹﻓﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺳﺒﺒه ﻓﻘﺪ اﻟعﻘﺪ أﻳﻀﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺣﻘﻘه ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة ﰲ زاد اﳌعﺎد ﰲ‬
‫ﻫﺪي ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1415 ،27‬ﻫـ‪1994 ،‬م )‪ ،(231/3‬مﺴﺘﺪﻻ ﲟﺎ رواه اﻟﻄﱪاﱐ ﻋن ﻋﺎﺋﺸة‬
‫‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪" :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ ﻋﻘﺪي ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺎل أﻫﻞ اﻹﻓﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻊ اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﰲ غﺰوة أﺧﺮى ﻓﺴﻘﻂ أﻳﻀﺎ ﻋﻘﺪي‪،"...‬‬
‫اﻟﻄﱪاﱐ‪ ،‬اﳌﻌﺠﻢ اﻟﻜﺒﲑ‪ ،(121/23) ،‬ﺑﺮﻗﻢ‪. 19113 :‬‬

‫‪164‬‬
‫وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﺑﻀﺮورة اﻟعﻠم ﲟﺎ ﳛﻴط ﻟ ّﺪﻋﻮة من مﺘعﻠﻘﺎت ومﻘﺘﻀﻴﺎت؛ ﲟﺎ ﳛﻘق اﺳﺘمﺮارﻳﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫وﻗﺪر ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﳌﺸﻜﻼت‪ ،‬واﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪.‬‬
‫ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻗﺪ مﺎرﺳه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬إﻋﺪادا وتعﻠﻴمﺎ وتﺪرﻳﺒﺎ ﻟﻠصﺤﺎﺑة رﺿﻲ‬
‫ﷲ ﻋنﻬم؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫم ورثة اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺑعﺪه‪ ،‬ﻛمﺎ تﱪزه ﻫﺬه اﻟعنﺎﺻﺮ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻓﻘﻪ ﻣﺎ ﳛﻴﻂ ﻟ ّﺪﻋﻮة ﻣﻦ ﲢﺪ ت‬
‫أن مﺆﺷﺮات ﻳﻘﻈة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻜﻮن مﺪرﻛﺎ ﳌﺎ ﳛﻴط ﻟ ّﺪﻋﻮة من ﲢﺪ ت؛ ﺣﱴ ﻳﺘمﻜن من‬
‫اﻟﺘصﺪي ﳍﺎ ﲟﻮاﻗﻒ وﻗﺮارات منﺎﺳﺒة‪ ،‬وﻟعﻞ من مﻴﺎدﻳن اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ ﺑﺮز ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي ﺑﻮﺿﻮح مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومن أﻫم ﲡﻠﻴﺎته مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬إدراك ﳐﻄﻄﺎت اﻟﻌﺪو‬
‫ﻗﺪ جﺎءت روا ت‪ ،‬وﺣﻮادث من واﻗع اﻟﻔعﻞ اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات؛ تﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة معﺮﻓة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫ﳌخﻄﻄﺎت اﻟعﺪو‪ ،‬وﻛﻴﺪ اﳋصﻮم‪ ،‬ﻓﻬﻲ من اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ ﻛﺎن ﳛﺴﺐ‬
‫ﳍﺎ ﺣﺴﺎ ﺎ‪ ،‬وتعﺪ ﳍﺎ ﻋﺪ ﺎ اﳌﻜﺎﻓﺌة ﻟصﺪﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬مﺴﺘﺸﺮﻓﺎ ﻟﻠخﻄﺮ اﳌﺘﻮﻗع من ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﺑنﺎء ﻋﻠﻰ اﳌعﻄﻴﺎت اﳌﺘﻮﻓﺮة ﻟﺪﻳه‬
‫ﺣﻮل اﻟﺸخصﻴّة اﻟﻴﻬﻮدﻳّة اﳌعﺎدﻳّة ﳉمﻴع اﻟنﺒﻮات ﻓﻀﻼ ﻋن رﺳﺎﻟة اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﻻ منﺎص من‬
‫ﻏﺰوﻫم‪ ،‬ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬم ﺎﺋﻴﺎ ﰲ اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة ﻟﻠﺘخﻠﺺ من أﻗﻮى أﻋﺪاء اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ اﳌنﻄﻘة‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺸمﺎﻟﻴّة منﻬﺎ‪ ،‬ﺑعﺪ تﻄﻬﲑ ﻫﺎ من إﺧﻮا م من ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع وﺑﲏ اﻟنﻀﲑ وﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪.‬‬
‫ومن اﻟعﻠم ﲟخﻄﻄﺎت اﻷﻋﺪاء‪ ،‬اﻟعﻠم ﺑﻘﻮة اﻷﺣﺰاب اﻟﱵ أﺣﺎﻃﺖ ﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﺘصﺪى ﳍﺎ ﲝﻔﺮ‬
‫اﳋنﺪق اﻟﺬي أﺷﺎر ﺑه ﻋﻠﻴه ﺳﻠمﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ ‪ ،‬وﻋﻠمه ﺑﻜﻴﺪ اﻟﺮوم اﻟﺬي جﺎ ه ﲜﻴﺶ اﻟعﺴﺮة‬
‫ﲜﻴﺶ اﻟعﺴﺮة اﻟﺬي أﻋﺪ ﻟﻐﺰوة تﺒﻮك‪.2‬‬
‫وﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ اﻻﻫﺘمﺎم ﺑﻜﻴﺪ اﻷﻋﺪاء‪ ،‬ذﻟﻚ اﻟﺘخﻮف من اﻟﻐﺰو اﻟﺮمﺎﱐ اﻟﺬي ﻇﻞ ﻳﺮاود اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن ﻋمﺮ ‪ ":‬وﳓن نﺘخﻮف مﻠﻜﺎ من مﻠﻮك ﻏﺴﺎن‪ ،‬ذﻛﺮ ﻟنﺎ أنه ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﲑ‬
‫‪1‬‬
‫أن ﻳﺴﲑ إﻟﻴنﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ امﺘﻸت ﺻﺪور منه‪".‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1422 ،7‬ه‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،(25/4) ،‬وﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة تﺒﻮك وﻫﻲ‬
‫ﻏﺰوة اﻟعﺴﺮة‪.(2/6) ،‬‬
‫َ‬
‫َ َ َ َْ َ‬ ‫ََْ‬
‫كچٱ]اﻟﺘﺤﺮﱘ‪ ،(156/6) ،[01 :‬ﺑﺮﻗم‪.4913 :‬‬
‫م ْرضﺎت أز ٰ ِج ۖ‬ ‫چٱت ت ِ‬ ‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب‪،‬‬
‫‪165‬‬
‫ﻓﻘﻮل ﻋمﺮ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ مﺪى اﻫﺘمﺎم اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻋنﺎﻳﺘﻬم ﲟخﻄﻄﺎت اﻟعﺪو واﳊﺮص ﻋﻠﻰ تﺘﺒعﻬﺎ‬
‫من أجﻞ ﳎﺎ ﺘﻬﺎ‪ ،‬واﻟﺘصﺪي ﳍﺎ ﲟﺎ ﻳﻜﺎﻓﺌﻬﺎ من اﻻﺳﺘعﺪادات اﳌﺎدﻳّة واﳌعنﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺿﻮء مﺎ تﻮﻓﺮ‬
‫من معﻄﻴﺎت ﻛﺎﻓﻴّة ﺣﻮل اﻟعﺪو ﻛﺎن اﻻﺳﺘعﺪاد ﻟﻐﺰوﻫم ﺑﺘﺠﻬﻴﺰ جﻴﺶ اﻟعﺴﺮة اﻟعﻈﻴم‪.‬‬

‫ﻗﺎل اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ‪ ":‬ونﺪب رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﻷﻏنﻴﺎء ﻟﺘﺠﻬﻴﺰ جﻴﺶ اﻟعﺴﺮة‪ ،‬ﻓﺠﺎؤوا مﻮال ﻛﺜﲑة؛ جﺎء‬
‫جﺎء أﺑﻮﺑﻜﺮ ﲟﺎﻟه ﻛﻠه‪ ،‬وجﺎء ﻋمﺮ ﺑنصﻒ مﺎﻟه‪ ،‬وتصﺪق ﻋﺜمﺎن ﻳﻮمﺌﺬ ﲟﺎل ﻛﺜﲑ‪ ،‬وجﻬﺰ ثﻠﺚ‬
‫اﳉﻴﺶ‪ ،‬ﺣﱴ دﻋﺎ ﻟه"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن ﻳﻜﻮن ﺣﺬرا من ﳐﻄﻄﺎت اﻟعﺪو اﻟﱵ ﲢﺎك ﰲ اﻟﻈﻼم ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺎدة‬
‫وأتﺒﺎﻋﺎ‪ ،‬مﺴخﺮﻳن ﻛﻞ اﻹمﻜﺎ ت واﻻﺳﺘعﺪادات‪ ،‬وﻫﺬه ﺳنة ﷲ ﰲ ﺧصﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﱵ ﻟن تﺘﺒﺪل‬
‫َ َ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱۇ ٱوﻻ‬ ‫وﻟن تﺘﻐﲑ‪ ،‬وإ ْن َﻏ َﻔﻞ أو تﻐﺎﻓﻞ ﻋنﻬﺎ اﳌﺴﻠمﻮن ﰲ زمن اﻟﻔﺘﻮر و اﻟﻮﻫن اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫َ ٗ ّْ‬ ‫َ ُ َ ُ ََ َ ٓ ّْ‬
‫ت َزال طلِع ٰ خﺎ ِنَةٖ مِن ُه ُم ٓۥ إِﻻ ﻗلِيﻼ مِن ُه ْ ۖم چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪. .[14:‬‬
‫ﻗﺎل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﰲ إﺑﺮاز اﺳﺘمﺮار ﻛﻴﺪ اﻷﻋﺪاء ﻻ ﺳﻴمﺎ اﻟﻴﻬﻮد ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ اﻵﻳّة‪ " :‬اﻟﻔعﻠة‬
‫اﳋﺎﺋنة‪ ،‬واﻟنﻴّة اﳋﺎﺋنة‪ ،‬واﻟﻜﻠمة اﳋﺎﺋنة‪ ،‬واﻟنﻈﺮة اﳋﺎﺋنة‪ ..‬ﳚمﻠﻬﺎ اﻟنﺺ ﲝﺬف اﳌﻮﺻﻮف وإثﺒﺎت‬
‫اﻟصﻔة »ﺧﺎﺋنة«؛ ﻟﺘﺒﻘﻰ اﳋﻴﺎنة وﺣﺪﻫﺎ ﳎﺮدة‪ ،‬ﲤﻸ اﳉﻮ‪ ،‬وتﻠﻘﻲ ﻇﻼﳍﺎ وﺣﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮم‪ ،‬ﻓﻬﺬا‬
‫ﻫﻮ جﻮﻫﺮ جﺒﻠﺘﻬم‪ ،‬وﻫﺬا ﻫﻮ جﻮﻫﺮ مﻮﻗﻔﻬم‪ ،‬مع اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ومع اﳉمﺎﻋة اﳌﺴﻠمة"‪.2‬‬
‫أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﺎن ﻳﻬﺘم ﲟﺎ ﻟﻠعﺪو من ﻋﺪة‪ ،‬وﻗﻮة ﺣﱴ ﻳﺘصﺪى ﻟه ﻟﻘﻮة واﳋﻄة اﳌنﺎﺳﺒة‪ ،‬ﰲ‬
‫اﻟﻮﻗﺖ اﳌنﺎﺳﺒة‪ ،‬وﻫﺬا من ﻋﻠﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻻﺳﺘﺸﺮاﻓﻴّة اﻟﻀﺮورﻳّة اﻟﱵ ﻳﻠﺰم اﻷمة أن ﺘم ﺎ وتﻄﻮرﻫﺎ‪،‬‬
‫وﲢﻴنﻬﺎ وﻓق اﳌعﻄﻴﺎت اﳊﻀﺎرﻳّة اﳌﺘﺴﺎرﻋة ﺧﺎﺻة ﰲ ﻇﻞ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﺘﻜنﻮﻟﻮجﻴّة اﻟﺮاﻫن‪.‬‬

‫‪ .2‬إدراك إﻣﻜﺎ ت ﺧﺼﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة‬

‫أن ﻋﻠم اﻟ ّﺪاﻋﻴّة مﻜﺎ ت اﳋصم ﳝﻜنه من إﻋﺪاد اﳋﻄة اﳌنﺎﺳﺒة ﻟﻠﺘصﺪي ﻟه‪ ،‬ﻓﺈﻏﻔﺎل ﻫﺬا‬
‫اﳉﺎنﺐ ﻟعﻠه من أﺳﺒﺎب ﻓﺸﻞ اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﺪﻋﺎة ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋن ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬

‫‪ -1‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة دروس وﻋﱪ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ 1405 ،3‬ﻫـ‪ 1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ -2‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(859/2) ،‬‬
‫‪166‬‬
‫واﳌﺘﺘﺒع ﻟﻐﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺪرك مﺪى اﻫﺘمﺎمه ﲟعﺮﻓة إمﻜﺎ ت اﻟعﺪو‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ اﻟﻄﻼﺋع‬
‫اﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻓﻴّة ﳍﺬا اﻟﻐﺮض‪ ،‬ومن ﻓﻘه اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻋﻘﺪ إﺣﺪى تﺮاجم ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‬
‫واﻟﺴﲑ ﳍﺬا اﳌﻘصﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ب‪ :‬ﻫﻞ ﻳﺒعﺚ اﻟﻄﻠﻴعة وﺣﺪه؟"‪ ،1‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪":‬‬
‫ﰲ اﳊﺪﻳﺚ جﻮاز اﺳﺘعمﺎل اﻟﺘﺠﺴﺲ ﰲ اﳉﻬﺎد"‪.2‬‬
‫واﳊﺪﻳﺚ اﻟﺬي اﺳﺘنﺒﻄﺖ منه اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﱰﲨة ﻫﻮ ﺣﺪﻳﺚ جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ‬
‫ِ‬
‫ﱠﺎس‬
‫ب اﻟن َ‬ ‫ب اﻟﱡﺰﺑَـْﻴـُﺮ ﰒُﱠ نَ َﺪ َ‬ ‫ﺻ َﺪﻗَةُ أَﻇُنﱡهُ ﻳَـ ْﻮَم ا ْﳋَْن َﺪق ﻓَﺎنْـﺘَ َﺪ َ‬
‫ﺎل َ‬
‫ﱠﺎس ﻗَ َ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬اﻟن َ‬ ‫ب اﻟنِ ﱡ‬ ‫ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬نَ َﺪ َ‬
‫ﱯ َﺣ َﻮا ِر َوأن َﺣ َﻮا ِر ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ي‬ ‫ب اﻟﱡﺰﺑَـْﻴـ ُﺮ ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪ » :‬أن ﻟ ُﻜ ِّﻞ ﻧَِ ٍّ‬ ‫ﱠﺎس ﻓَﺎنْـﺘَ َﺪ َ‬
‫ب اﻟن َ‬‫ب اﻟﱡﺰﺑَـْﻴـُﺮ ﰒُﱠ نَ َﺪ َ‬‫ﻓَﺎنْـﺘَ َﺪ َ‬
‫اﻟ ﱡﺰﺑَـْﻴـ ُﺮ ﺑْ ُﻦ اﻟ َْﻌ ﱠﻮ ِام«‪..3‬‬
‫وﲢﺪ ت أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻻ ﳝﻜن ﺣصﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﰲ تﻄﻮر مﺴﺘمﺮ ومﺘﺠﺪد؛ ﻟﺬا ﻛﺎن ﻟﺰامﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺪﻋﺎة مﺘﺎﺑعة ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ واﻟﺘصﺪي ﳍﺎ؛ ﲪﺎﻳّة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬﺎ وإﳒﺎزا ﺎ‪ ،‬وﻗﺪ تﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻀﺮورة‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺘخصﺺ اﻟﺪﻗﻴق ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺮع من ﻓﺮوع اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺪﻋﻮي‬
‫من اﻷمﻮر اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ مﺮاﻋﺎ ﺎ ﻹﳒﺎح اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬اﺳﺘﻴعﺎب اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻟﺮﺳﺎﻟﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﻋﻠمه‬
‫ﳌﺘﻄﻠﺒﺎت واﻹمﻜﺎ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘﻮﻓﺮة ﻟﺪﻳه‪ ،‬ومﺪى ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﺎ ﻹﳒﺎز اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﳌﺮاد ﲢﻘﻴﻘه‪،‬‬
‫ﰲ اﳌﻮاﻗﻒ واﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻼﺳﺘﻴعﺎب اﻟﺪﻋﻮي آ ر ونﺘﺎﺋج ﰲ ﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات‬
‫اﻟﱵ ﳝﻜن ﺑعﺪ ذﻟﻚ أن تﺴﻘط ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗع اﻟﺪﻋﻮي ﰲ ﻛﻞ اﻟعصﻮر‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن ﺑعﺾ آ ر ومﻈﺎﻫﺮ اﻻﺳﺘﻴعﺎب اﻟﺪﻋﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺘﺪرج ﰲ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻺﻣﻜﺎ ت‬
‫أن من ﺳﻴمﺎت اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ مﺮاﻋﺎة ﺳنة اﻟﺘﺪرج ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وإﳒﺎز اﳌﺸﺎرﻳع اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫ومن مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺪرج اﻟﺒﺪء ﳒﺎز اﳌﺸﺎرﻳع اﻟصﻐﲑة اﳌﻜﺎﻓﺌة ﻟﻺمﻜﺎ ت اﳌﺘﻮﻓﺮة ﻟﺪى اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻟﺘﺪرج‪،‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻳﻠﺤﻆ ﰲ اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي؛ ﻓﺎﻟﻐﺰوات اﻷوﱃ ﻛﺎنﺖ ﺣﻮل اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﳌﺎ تﻮﻓﺮت اﻹمﻜﺎ ت‬
‫أﺧﺬت ﰲ اﻟﺘﻮﺳع تﺪرﳚﻴﺎ تﺒعﺎ ﻟﻺمﻜﺎ ت ﺧﺎرج اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺳع ﺑعﺪ‬
‫ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(27/4) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(53/6) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب‪ :‬ﻫﻞ ﻳﺒعﺚ اﻟﻄﻠﻴعة وﺣﺪه؟‪ ،(27/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2847 :‬‬
‫‪167‬‬
 ‫وﻫ ْﻢ‪ ،‬وﻻَ ﻳَـﻐْ ُﺰوﻧَـﻨَﺎ «‪.1‬‬ ‫َﺣﺰ ِ‬
‫اب‪» :‬ﻧَـﻐْ ُﺰ ُ‬ ‫ﺻَﺮٍد‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮَم ْاﻷ ْ َ‬ ‫ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ َﻋ ْن اﺑ ِن ُ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ تﻐﲑ ﺧﻄة ﺣﺮﻛة اﳌﻐﺎزي من اﻟﺪﻓﺎع إﱃ اﳍﺠﻮم‪ ،‬ودﺧﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻃﻮرا‬
‫‪2‬‬
‫جﺪﻳﺪا‪.‬‬
‫وﻻ ﳝﻜن ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أ ْن ﳝﺎرس اﳊﺮﻛة اﻟﺘﺪرﳚﻴّة ﻟ ّﺪﻋﻮة ﲟﺎ ﳛﻘق ﳒﺎﺣﻬﺎ‪ ،‬وﳝنعﻬﺎ من اﻟﺘصﺎدمﺎت مع‬
‫اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة إﻻ إذا ﻛﺎن مﺴﺘﻮﻋﺒﺎ ﻟﻮاﻗع اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟﺪاﺧﻞ واﳋﺎرج‪.‬‬
‫‪.2‬اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻜﺎ ت اﻷﺗﺒﺎﻋﻮاﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ‬
‫‪ ‬أن اﳌﺘﺘﺒع ﻟﻐﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬ﳚﺪه ﻳﺴﺘﺜمﺮ ﻗﺪرات‪ ،‬وإمﻜﺎ ت أتﺒﺎﻋه‪ ،‬ﻓﻴﺴﺘعمﻞ اﻟﺮجﻞ اﳌنﺎﺳﺐ‬
‫اﳌنﺎﺳﺐ ﰲ اﳌﻜﺎن اﳌنﺎﺳﺐ‪ ،‬وﻫﺬا من ﺷأنه أن ﻳنمﻲ اﻟﻘﺪرات اﻹﺑﺪاﻋﻴّة ﻟﺪى اﻷتﺒﺎع‪.3‬‬
‫ﻓﻠمﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﺮاﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات ﲢﺘﺎج ﰲ ﲪﻠﻬﺎ إﱃ ﻗﻮة ﺷخصﻴّة وﺷﺠﺎﻋة‪ ،‬ﻓﻜﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻜﻠﻒ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم ﺧﻴﱪ ﻋﻠﻲ ﻓﻔﺘﺢ ﷲ ﻋﻠﻴه‪.‬‬ ‫ﻳﻜﻠﻒ ﺎ اﻟﺸﺠعﺎن من ّ‬
‫ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﺮاﻋﻲ اﳌﻠﻜة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ اﻟﺒعﻮث اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬واﳌﻬﺎرات اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة ﻋنﺪ إرﺳﺎل اﻟﺴﻔﺮاء‬
‫اﻟﺴﻔﺮاء واﻟﻜﺘﺐ ﻟﻸمﺮاء واﳌﻠﻮك‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺎر ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة اﻟﺴﻬمﻲ ﳊمﻞ ﻛﺘﺎﺑه إﱃ ﻛﺴﺮى‪،‬‬
‫ﻛﺴﺮى‪ ،‬ﻛمﺎ ذﻛﺮ اﻟﺒخﺎري ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى ﻋن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ " ،‬أن‬
‫ﺚ ﺑِ ِﻜﺘَﺎﺑِ ِﻪ إِ َﱃ ﻛِ ْﺴ َﺮى‪َ ،‬ﻣ َﻊ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِﻦ ُﺣ َﺬاﻓَﺔَ اﻟ ﱠ‬
‫ﺴ ْﻬ ِﻤ ِّﻲ " ﻓَﺄ ََﻣ َﺮﻩُ أن ﻳ ْﺪﻓَـ َﻌﻪُ إِ َﱃ َﻋ ِﻈ ِﻴﻢ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ :‬ﺑَـ َﻌ َ‬
‫أن َر ُﺳ َ‬
‫ﻴﻢ اﻟﺒَ ْﺤ َﺮﻳْ ِﻦ إِ َﱃ ﻛِ ْﺴ َﺮى‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ ﻗَـ َﺮأَﻩُ َﻣ ﱠﺰﻗَﻪُ‪ ،‬ﻓَ َﺤ ِﺴ ْﺒ ُ‬
‫ﺖ أن اﺑْ َﻦ اﳌُ َﺴﻴِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ‬
‫ﺐ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫اﻟﺒَ ْﺤ َﺮﻳْ ِﻦ‪ ،‬ﻓَ َﺪﻓَـ َﻌﻪُ َﻋﻈ ُ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬أن ﳝَﱠﺰﻗُﻮا ُﻛ ﱠﻞ ﳑَُﱠﺰ ٍق« ‪.5‬‬ ‫َﻋ َﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ َر ُﺳ ُ‬
‫وﻫﺬه ﺑعﺾ منﺎﻗﺒه اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻴﺘه ﳌﻬمة اﻟﺴﻔﺎرة‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﺬﻫﱯ ﰲ تﺮﲨﺘه‪ ":‬أﺑﻮ ﺣﺬاﻓة‬
‫اﻟﺴﻬمﻲ أﺣﺪ اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ‪ ،‬ﻫﺎجﺮ إﱃ اﳊﺒﺸة ونﻔﺬه اﻟنﱯ ‪ ‬رﺳﻮﻻ إﱃ ﻛﺴﺮى‪ ،‬وﻟه رواﻳّة ﻳﺴﲑة‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(110/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4110:‬‬
‫‪ -2‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ‪.(238/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬ﺣﺮﻛة ﲡﺪﻳﺪ اﻷمة ﻋﻠﻰ ﺧط اﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة‪ ،‬دار ﻗﺮﻃﺒة‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪2004 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.140‬‬
‫‪ -4‬انﻈﺮ‪ :‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬وﻗﺪ ﻋﻘﺪ اﳌﻘﺮﻳﺰي ﻓصﻼ ﳊمﻠة اﻟﺮا ت من‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﺸﺠعﺎن ذﻛﺮ منﻬم‪ :‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟصﺪﻳق‪ ،‬ﺳعﺪ ﺑن ﻋﺒﺎدة‪ ،‬ﻋمﺎر ﺑن ﺳﺮ‪ ،‬أﺳﻴﺪ ﺑن ﺣﻀﲑ‪ ،‬مصعﺐ ﺑن ﻋمﲑ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اﳊﺒﺎب ﺑن اﳌنﺬر‪ ،‬ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ‪ ،‬اﻟﺰﺑﲑ‪ ،‬ﺳعﺪ ﺑن أﰉ وﻗﺎص‪ ،‬أﺑﻮ ﺋﻠة‪ ،‬أﺑﻮ ﻟﺒﺎﺑة ﺑن اﳌنﺬر‪ ،‬ﻫﻼل ﺑن أمﻴّة‪ ،‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬إمﺘﺎع‬
‫اﻷﲰﺎع‪.(168-165/ 7) ،‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻛﺘﺎب اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ ﻛﺴﺮى وﻗﻴصﺮ‪ ،(8/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4424 :‬‬
‫‪168‬‬
‫ﻳﺴﲑة‪ ،‬ﺧﺮج إﱃ اﻟﺸﺎم ﳎﺎﻫﺪا ﻓأﺳﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺴﺎرﻳّة وﲪﻠﻮه إﱃ ﻃﺎﻏﻴﺘﻬم ﻓﺮاوده‪ ،‬ﻋن دﻳنه ﻓﻠم ﻳﻔﺘﱳ‬
‫"‪.1‬‬
‫‪ ‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﰲ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻷﺳﻮة اﳊﺴنة ﻟﻘﺎدة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻛﺘﺸﺎف مﻮاﻫﺐ‪ ،‬واﺳﺘعﺪادات‬
‫اﻷتﺒﺎﻋﺜم تﻮﻇﻴﻔﻬﺎ اﻷمﺜﻞ ﰲ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌنﺎﺳﺒة ﺑعﺪ تنمﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬وتﺮﻗﻴﺘﻬﺎ من ﺧﻼل اﳌﺘﺎﺑعة‪،‬‬
‫واﻟﺘﺪرﻳﺐ وإ ﺣة ﻓﺮص اﳌﺸﺎرﻛة واﻟﺘﺠﺮﻳﺐ‪.2‬‬
‫وأن إﻏﻔﺎل ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ ﺑﻘصﺪ أو ﺑﻐﲑ ﻗصﺪ ﻳعﻮد ﺑﻼ ﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬واﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫ﻟﺴﻠﺐ‪ ،‬ورﲟﺎ ﻳعﺮﺿﻬﺎ ﻟﻠﺘﻼﺷﻲ واﻟﺰوال‪ ،‬ﻓﻜم من ﲡﺎرب دﻋﻮﻳّة وإﺻﻼﺣﻴّة مﺎتﺖ ﲟﻮت ﻗﺎد ﺎ‪.‬‬

‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﻓﻘﻪ اﳌﻀﺎﻣﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ‬

‫أن أﻋﻈم مﺎ ﻳﺘﺰود ﺑه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة إﱃ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻋﻠم مﺴﺘمﺪ من ﻛﺘﺎب ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬و‬
‫اﻟﺴنة اﻟصﺤﻴﺤة‪ ،‬واﻟﺘﺠﺎرب اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬ﻓﻠﻄﺎﳌﺎ ﺣﺬر اﻟﺸﺎرع من اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﻐﲑ ﲤﻜن ﻋﻠمﻲ؛ ﻷ ﺎ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ ُ ْ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ٰ ب َ ِص َ ٍ نﺎ‬ ‫ﺧﻼف دﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء وأتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱﻗل ٰ ِذه ِۦ َس ِي ِ َ أدع ٓوا إ ِ ا َ ِ‬
‫۬ﷲ ۖ‬
‫ْ ْ‬ ‫ٓ ََ‬ ‫ََ َُ ْ َ‬
‫ﷲ َو َمﺎ أنﺎ م َِن ل ُم ِ كِ َ ۖ چ]ﻳﻮﺳﻒ‪.[108:‬‬ ‫َ َ‬
‫وم ِن بع ِ ۖ وسب ٰ َن ِۖ‬

‫‪ -1‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪ ،(346/3) ،‬وﻗﺪر روى اﺑن ﻋﺴﻜﺮ ﻗصة ثﺒﺎته أمﺎم ﻓﺘنة مﻠﻚ اﻟﺮوم‪ ،‬وﻫﺎ أ أوردﻫﺎ ﻫنﺎ‬
‫ﻟﺪﻻﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻴﺘه اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة اﻟنﺎﺑعة من مﺘﺎنة تﻜﻮﻳنه وتﺮﺑﻴﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬وﻋن أﰊ راﻓع ﻗﺎل‪ :‬وجه ﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب‬
‫جﻴﺸﺎً إﱃ اﻟﺮوم وﻓﻴﻬم رجﻞ ﻳﻘﺎل ﻟه ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة‪ ،‬من أﺻﺤﺎب اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓأﺳﺮه اﻟﺮوم‪ ،‬ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺑه إﱃ مﻠﻜﻬم ﻓﻘﺎﻟﻮا‪ :‬أ ّن‬
‫ﻫﺬا من أﺻﺤﺎب ﷴ ﻓﻘﺎل ﻟه اﻟﻄﺎﻏﻴّة‪ :‬ﻫﻞ ﻟﻚ أن تنصﺮ وأﺷﺮﻛﻚ ﰲ مﻠﻜﻲ وﺳﻠﻄﺎﱐ؟ ﻗﺎل ﻟه ﻋﺒﺪ ﷲ‪ :‬ﻟﻮ أﻋﻄﻴﺘﲏ ﲨﻴع مﺎ‬
‫ﲤﻠﻚ وﲨﻴع ﳑﻠﻜة اﻟعﺮب ﻋﻠﻰ أ ّن أرجع ﻋن دﻳن ﷴ ‪ ‬ﻃﺮﻓة ﻋﲔ مﺎ ﻓعﻠﺖ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬إذا أﻗﺘﻠﻚ ﻗﺎل‪ :‬أنﺖ وذاك‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓأمﺮ‬
‫ﻓصﻠﺐ‪ ،‬وﻗﺎل ﻟﻠﺮمﺎة‪ :‬ارمﻮه ﻗﺮﻳﺒﺎ من ﻳﺪﻳه‪ ،‬ﻗﺮﻳﺒﺎ من رجﻠﻴه‪ ،‬وﻫﻮ ﻳعﺮض ﻋﻠﻴه وﻫﻮ ﰉ‪ ،‬ﰒ أمﺮ ﺑه ﻓأنﺰل‪ ،‬ﰒ دﻋﺎ ﺑﻘﺪر‪ ،‬ﻓصﺐ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ مﺎء ﺣﱴ اﺣﱰﻗﺖ ﰒ دﻋﺎ ﺳﲑﻳن من اﳌﺴﻠمﲔ ﻓأمﺮ ﺣﺪﳘﺎ ﻓأﻟﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻮ ﻳعﺮض ﻋﻠﻴه اﻟنصﺮانﻴّة وﻫﻮ ﰉ‪ ،‬ﰒ أمﺮ ﺑه‬
‫أ ّن ﻳﻠﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ذﻫﺐ ﺑه ﺑﻜﻰ‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟه‪ :‬إنه ﻗﺪ ﺑﻜﻰ‪ ،‬ﻓﻈن أنه جﺰع ﻓﻘﺎل‪ :‬ردوه‪ ،‬ﻳعﺮض ﻋﻠﻴه اﻟنصﺮانﻴّة ﻓأﰉ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬مﺎ‬
‫أﺑﻜﺎك إذا؟ ﻗﺎل‪ :‬أﺑﻜﺎﱐ أﱐ ﻗﺘﻠﺖ ﻓﻬﻲ نﻔﺲ واﺣﺪة تﻠﻘﻰ اﻟﺴﺎﻋة ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺪر ﻓﺘﺬﻫﺐ‪ ،‬ﻓﻜنﺖ أﺷﺘﻬﻲ أ ّن ﻳﻜﻮن ﺑعﺪد ﻛﻞ‬
‫ﺷعﺮة ﰲ جﺴﺪي نﻔﺲ تﻠﻘﻰ ﻫﺬا ﰲ ﷲ‪ ،‬ﻗﺎل ﻟه اﻟﻄﺎﻏﻴّة‪ :‬ﻫﻞ ﻟﻚ أن تﻘﺒﻞ رأﺳﻲ وأﺧﻠﻲ ﻋنﻚ؟ ﻗﺎل ﻟه ﻋﺒﺪ ﷲ‪ :‬وﻋن ﲨﻴع‬
‫أﺳﺎرى اﳌﺴﻠمﲔ؛ ﻗﺎل‪ :‬وﻋن ﲨﻴع أﺳﺎرى اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻗﺎل ﻋﺒﺪ ﷲ‪ :‬ﻓﻘﻠﺖ ﰲ نﻔﺴﻲ‪ :‬ﻋﺪو من أﻋﺪاء ﷲ ﻓأﻗﺒﻞ رأﺳه ﳜﻠﻲ ﻋﲏ‬
‫وﻋن أﺳﺎرى اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻻ أ ﱄ‪ ،‬ﻓﺪ منه ﻓﻘﺒﻞ رأﺳه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﺪﻓع إﻟﻴه اﻷﺳﺎرى‪ ،‬ﻓﻘﺪم م ﻋﻠﻰ ﻋمﺮ‪ ،‬ﻓأﺧﱪ ﻋمﺮ ﲞﱪه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬
‫ﺣق ﻋﻠﻰ ﻛﻞ مﺴﻠم أ ّن ﻳﻘﺒﻞ رأس ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة‪ ،‬وأ أﺑﺪأ ﻓﻘﺎم ﻋمﺮ ﻓﻘﺒﻞ رأﺳه"‪ ،‬اﺑن منﻈﻮر‪ ،‬ﳐﺘصﺮ رﻳخ دمﺸق ﻻﺑن‬
‫ﻋﺴﺎﻛﺮ‪ ،‬ت‪ :‬روﺣﻴّة اﻟنﺤﺎس‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟﺘﻮزﻳع واﻟنﺸﺮ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1402 ،1‬ﻫـ‪1984 ،‬م‪.(106/12) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﳊﻀﺎرﻳّة‪ ،‬واﻟﺜﻘﺎﻓﻴّة اﻟﺴننﻴّة‪ ،‬دار ﻗﺮﻃﺒة‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.202‬‬
‫‪169‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻳﺪﻋﻮ إﱃ ﷲ تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ ﺑصﲑة من دﻳنﻴه‪ ،‬أي‪ :‬ﻋﻠﻰ ﻋﻠم وﻳﻘﲔ من ﻏﲑ ﺷﻚ ﻓﻴمﺎ ﻳﺪﻋﻮ‬
‫‪1‬‬
‫إﻟﻴه‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌﻀمﻮن اﳉﻬﺎدي اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﺎﳌﺘأمﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﳚﺪﻫﺎ مﻴﺪا ﻟﺘعﻠﻴم‬
‫أﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد‪ ،‬ﻋن ﻃﺮﻳق رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬من ﺧﻼل أﻓعﺎﻟه وأﻗﻮاﻟه أو ﻓﻴمﺎ ﻳنﺰل ﻋﻠﻴه من اﻟﻘﺮآن من‬
‫آ ت تﺘﻀمن أﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻟعﻠم ﳌﻀمﻮن اﻟﺪﻋﻮي اﳉﻬﺎدي تﺬﻛﲑ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻘﺎدة اﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث‬
‫ﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳉﻬﺎد ﻓﻘﻬﺎ وتنﺰﻳﻼ‪ ،‬ومن ﺧﻼل ﻛﻞ ﻫﺬا اﺳﺘﻄﺎع اﻟعﻠمﺎء اﺳﺘنﺒﺎط‬
‫أﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑعﺾ اﻟنﱠمﺎذج ﻟﺘﻠﻚ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﱵ دﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪:‬‬
‫‪.1‬ﳕﻮذج ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻘﺎﺋﺪ‬
‫من اﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﻃﺎﻋة اﻟﻘﺎدة ﰲ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ » :‬اﻟ ﱠﺴ ْﻤ ُﻊ َواﻟﻄﱠ َ‬
‫ﺎﻋﺔُ َﺣ ﱞﻖ َﻣﺎ َﱂْ‬
‫‪2‬‬
‫ﺎﻋﺔَ «‪.‬‬ ‫ﺼﻴّﺔ ﻓَِإذَا أ ُِﻣﺮ ِﲟَ ْﻌ ِ‬
‫ﺼﻴّﺔ ﻓَ َﻼ ﲰَْ َﻊ َوَﻻ ﻃَ َ‬ ‫َﱂ ﻳـ ْﺆﻣﺮ ِ ﻟْﻤ ْﻌ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َْ َ‬
‫وﻫﺬا أﺻﻞ من اﻷﺻﻮل اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬ﻟه آ ر‪ ،‬ومﻘﺎﺻﺪ دﻋﻮﻳة ﻻ ﲣﻔﻰ‪ ،‬ﻗﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ‬
‫زﻳﺪان‪ ":‬واﳌﻘصﻮد من اﲣﺎذ اﻷمﲑ أو اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻠﺠمع اﻟﻘﻠﻴﻞ أو اﻟﻜﺜﲑ‪ ،‬جﺮ ن أمﻮر ا ﺘمعﲔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ نﺴق واﺣﺪ‪ ،‬وﻻ ﻳﺘﺤﻘق ﻫﺬا اﳌﻘصﻮد إﻻ ﺑﻄﺎﻋة اﳉمﺎﻋة ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﻋنﺪ اﺧﺘﻼف اﻵراء‪ ،‬وإﻻ ﱂ‬
‫ﱂ ﻳﻜن ﻟﻺمﺮة معﲎ وﻻ ﻓﺎﺋﺪة"‪.3‬‬
‫ﻏﲑ أن ﻛﻞ اﻷتﺒﺎع ﺳﻮاء ﻛﺎنﻮا مﺪﻋﻮﻳن أو جنﻮد ﰲ معﺮﻛة‪ ،‬أو ﳏﻜﻮمﲔ ﰲ وﻻﻳّة ﺳﻴﺎﺳﻴّة ﻳنﺒﻐﻲ‬
‫أن تﻜﻮن ﻃﺎﻋﺘﻬم ﻋﻠﻰ ﺑصﲑة‪ ،‬ﻓﻼ تﻜﻮن اﻟﻄﺎﻋة ذرﻳعة ﳌخﺎﻟﻔة ﺷﺮع ﷲ اﻟصﺮﻳﺢ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻄﺎﻋة اﻟﻮاﻋﻴّة ﳏصﻮرة ﺑﲔ ﻃﺮﻓﲔ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .2‬ﳕﻮذج إذن اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﰲ اﳉﻬﺎد‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.406‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺴمع واﻟﻄﺎﻋة ﻟﻺمﺎم‪ ،(49/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2955 :‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.465‬‬‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪170‬‬
‫من اﳌﺴﺎﺋﻞ اﻟﱵ تﻄﺮق ﰲ ب اﳉﻬﺎد؛ واﻟﱵ اﺳﺘمﺪت من اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة مﺴأﻟة اﺳﺘﺌﺬان اﻟﻮاﻟﺪﻳن‬
‫ﻮل‪:‬‬‫اﻟﻮاﻟﺪﻳن ﰲ اﳋﺮوج إﱃ اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ من رواﻳّة َﻋْﺒ َﺪ ا ﱠِ ﺑْ َن َﻋ ْم ٍﺮو َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَ ِﻔﻴ ِﻬ َﻤﺎ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻧَـ َﻌ ْﻢ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫اك؟«‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫َﺣ ﱞﻲ َواﻟِ َﺪ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أ َ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَﺎﺳﺘَﺄْ َذﻧَﻪُ ِﰲ اﳉِﻬ ِ‬
‫ﺎد‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮل‪َ :‬ﺟ َ‬
‫ﺎء َر ُﺟ ٌﻞ إ َﱃ اﻟﻨِ ِّ‬ ‫ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻓَ َﺠ ِﺎﻫ ْﺪ« ‪.1‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺑﻄﺎل ﰲ اﻟﺘعﻠﻴق ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﻫﺬا إﳕﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ وﻗﺖ ﻗﻮة اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻏﻠﺒة أﻫﻠه‬
‫ﻟﻠعﺪو‪ ،‬وإذا ﻛﺎن اﳉﻬﺎد من ﻓﺮوض اﻟﻜﻔﺎﻳّة‪ ،‬ﻓأمﺎ إذا ﻗﻮى أﻫﻞ اﻟﺸﺮك وﺿعﻒ اﳌﺴﻠمﻮن‪ ،‬ﻓﺎﳉﻬﺎد‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﺎﳉﻬﺎد مﺘعﲔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ نﻔﺲ‪ ،‬وﻻ ﳚﻮز اﻟﺘخﻠﻒ ﻋنه وإ ْن منع منه اﻷﺑﻮان"‬
‫وﰲ ﻫﺬه اﳉﺰﺋﻴّة ﺑﻴﺎن ﻷﳘﻴّة ﻓﻘه اﻷوﻟﻴﺎت ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وﺿﺮورة معﺮﻓة مﺮاتﺐ اﻷﻋمﺎل‪،‬‬
‫وإدار ﺎ ﻋنﺪ تﺰاﲪﻬﺎ ﲝﻜمة‪ ،‬وﺑﺒعﺪ نﻈﺮ؛ ﲟﺎ ﳛﻘق اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸمﻮﻟﻴّة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ﺟﻬﺎد ﻛﻔﺎﺋﻲ‬
‫تعﺎرض ﻛﻔﺎﺋﻲ مع ﻋﻴﲏ‬ ‫تﻘﺪﱘ ﺑﺮ اﻟﻮاﻟﺪﻳن‬

‫ﺟﻬﺎد ﻋﻴﲏ‬
‫تﺮجﻴﺢ اﻟعﻴﲏ اﻟعﺎم ﻋﻠﻰ اﻟعﻴﲏ اﳋﺎص‬ ‫تﻘﺪﱘ جﻬﺎد اﻷﻋﺪاء‬
‫‪ .3‬ﳕﻮذج اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺼﺒﻴﺎن ﰲ اﳊﺮب‪.‬‬
‫من أﺣﻜﺎم اﳊﺮب ﰲ اﻹﺳﻼم اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ اﻷﺧﻼﻗﻴّة‪ ،‬ﲢﺮﱘ ﻗﺘﻞ ﻏﲑ اﶈﺎرﺑﲔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وجﺪت امﺮأة مﻘﺘﻮﻟة ﰲ ﺑعﺾ مﻐﺎزي رﺳﻮل ﷲ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻋﻦ ﻗَـْﺘ ِﻞ اﻟﻨِّ ِ‬
‫ﺴﺎء َو ِّ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺼْﺒﻴﺎن«‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫‪» ،‬ﻓَـﻨَـ َﻬى َر ُﺳ ُ‬
‫وﻫﺬا مﻀمﻮن دﻋﻮي اتصﺎﱄ دﻗﻴق‪ ،‬ﻓمن اﻷوﻟﻮ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﲢﺪﻳﺪ اﻟﻔﺌة اﳌﺴﺘﻬﺪﻓة ﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ومعﺮﻓة ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ واﻟﻄﺮﻳﻘة واﻷﺳﻠﻮب اﳌنﺎﺳﺐ ﳍﺎ‪ ،‬ﻓﺤﱴ ﻟﻮ ﻛﺎن اﳌﻘﺎم مﻘﺎم معﺮﻛة إﻻ أنه ﻳنﺴﺤﺐ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن واﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫ﻓﻠمﺎ وجه اﻟنﱯ ‪ ‬معﺎذ ﺑن جﺒﻞ إﱃ اﻟﻴمن ﻋﻠمه ﻃﺮاﺋق اﻟ ّﺪﻋﻮة ومنﻬﺠﻬﺎ إذ ﻋﺮﻓه أوﻻ‬
‫ﻋﺮﻓه أوﻻ ﳌﺪﻋﻮﻳن اﻟﺬﻳن ﺳﻴﺪﻋﻮﻫم‪ ،‬وﺑﲔ ﻟه ﺑعﺪ ذﻟﻚ مﺮاتﺐ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وأوﻟﻮ ﺎ‪.1‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳉﻬﺎد ذن اﻷﺑﻮﻳن‪ ،(59/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3004 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(191/9) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ اﻟنﺴﺎء ﰲ اﳊﺮب‪ ،(61/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3015 :‬‬
‫‪171‬‬
 ‫‪ .4‬ﳕﻮذج اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﻟﻨﺎر‬
‫وﳑﺎ ﻳﺘعﻠق ﳉﻬﺎد من أﺣﻜﺎم‪ ،‬ﲢﺮﱘ تعﺬﻳﺐ اﻟعﺪو ﻟنﺎر‪ ،‬وﻫﻮ ﺣﻜم ﻳعﱪ ﻋن ﺧﺎﺻﻴّة اﻟﺮﲪة ﰲ‬
‫ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬أنه ﻗﺎل‪ :‬ﺑَـ َعﺜَـنَﺎ‬
‫ﻮﳘَﺎ ِ ﻟﻨﱠﺎ ِر«‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َﺎل َر ُﺳ ُ‬
‫ﻮل‬ ‫ﺎل‪» :‬أن َو َﺟ ْﺪ ُْﰎ ﻓُﻼَ ً َوﻓُﻼَ ً ﻓَﺄ ْ‬
‫َﺣ ِﺮﻗُ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ِ‬ﰲ ﺑـع ٍ‬
‫ﺚ ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺑَـ َعﺜَـنَﺎ َر ُﺳ ُ‬
‫َْ‬
‫ﲔ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ﱠ ‪‬ﺣ َ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮب ﺑن نﻮاب اﻟﺪﻳن ﺑن ﻏﺮﻳﺐ اﻟﺪﻳن آل نﻮاب‪ ،‬تﺪرﻳﺐ اﻟﺪﻋﺎة ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺒﻴﺎنﻴّة‪ ،‬ﳎﻠة اﳉﺎمعة اﻻﺳﻼمﻴّة‬
‫ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﻟعﺪد ‪1425 ،128‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.345‬‬
‫‪172‬‬
 ‫ب ِ َﺎ إِﱠﻻ ا ﱠُ‪ ،‬ﻓَإن َو َﺟ ْﺪﲤُُ ُ‬ ‫ِ‬
‫ﻮﳘَﺎ‬ ‫ﱠﺎر ﻻَ ﻳـُ َﻌ ّﺬ ُ‬ ‫أ ََرْد َ اﳋُُﺮ َ‬
‫وج‪» :‬أﱐ أ ََﻣ ْﺮﺗُ ُﻜ ْﻢ أن ﲢْ ِﺮﻗُﻮا ﻓُﻼَ ً َوﻓُﻼَ ً ‪ ،‬وأن اﻟﻨ َ‬
‫‪1‬‬
‫ﻮﳘَﺎ«‪.‬‬
‫ﻓَﺎﻗْـﺘُـﻠُ ُ‬
‫ذﻛﺮ اﺑن ﺣﺠﺮ أن اﻟﺘﺤﺮﻳق ﻟنﺎر منﺴﻮخ‪ ،‬ﻓأﻋﻠم اﻟنﱯ ‪ ‬أﺻﺤﺎﺑه ﳊﻜم اﶈﻜم ﻗﺒﻞ تنﻔﻴﺬ‬
‫اﳊﺮق‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬وأمﺎ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺒﺎب ﻓﻈﺎﻫﺮ اﻟنﻬﻲ ﻓﻴه اﻟﺘﺤﺮﱘ وﻫﻮ نﺴخ ﻷمﺮه اﳌﺘﻘﺪم ﺳﻮاء ﻛﺎن‬
‫ﺑﻮﺣﻲ إﻟﻴه أو جﺘﻬﺎد منه"‪.2‬‬
‫وﻳﺆﺧﺬ من ذﻟﻚ أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﰲ أي مﻴﺪان من مﻴﺎدﻳن اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي مﻄﺎﻟﺐ ﻟﺘﺜﺒﺖ واﻟﺘﺤﺮي‬
‫وﺑﺬل اﻟﻮﺳع ﰲ إدراك اﳊﻜم ﻗﺒﻞ تنﺰﻳﻠه‪.‬‬
‫ﻫﺬه ﺑعﺾ اﻷﺣﻜﺎم اﳌﺘعﻠﻘة ﳉﻬﺎد‪ ،‬اﻟﱵ ﻋﻠمﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟصﺤﺎﺑﺘه وﻃﺒﻘﻬﺎ ﰲ ﻏﺰواته‪ ،‬ﻟنﺴﺘﻔﻴﺪ‬
‫منﻬﺎ أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻻ ﻳﻘﺘﺤم ﳎﺎﻻ من ﳎﺎﻻت اﻟ ّﺪﻋﻮة إﻻ ﺑعﺪ اﻹﺣﺎﻃة‪ ،‬واﻟﺘمﻜن من اﻷﺣﻜﺎم‬
‫اﻟﺸﺮﻋﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﺑه‪.‬‬
‫راﺑﻌﺎ‪ :‬ﻓﻘﻪ اﻟﻮاﻗﻊ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ‬
‫أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻻ ﻳنﺠﺢ ﰲ دﻋﻮته إﻻ إذا ﻋﻠم اﻟﻮاﻗع واﶈﻴط اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺮك ﻓﻴه‪ ،‬ﺣﱴ ﻳﺘمﻜن من‬
‫مﺴﺎﻳﺮة مﺎ ﻳﻄﺮأ ﻋﻠﻰ ﳏﻴط اﻟ ّﺪﻋﻮة من مﺴﺘﺠﺪات‪ ،‬واﻟﺘصﺪي ﳌﺎ ﻳعﱰﺿﻬﺎ من ﲢﺪ ت‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﻮاﻗع‬
‫ﻟه ﳎﺎﻻت مﺘعﺪدة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن واﻗع جﻐﺮاﰲ‪ ،‬واﻗع ﺳﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬واﻗع ﻋﺴﻜﺮي‪ ،‬واﻗع ﺣﻀﺎري‪...‬‬

‫وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻟنﱯ ‪ ‬أ ْن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ من اﻟﻮاﻗع ﺧﺪمة ﻟﻠﺪﻋﻮة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات ﻛمﺎ تﱪزه مﺮو ﺎ‬
‫ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫ﻓمن تﻠﻚ اﻻﺳﺘﻔﺎدات اﻟﻮاﻗعﻴّة مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬
‫من ﺻﻮر اﻻﺳﺘﻔﺎدة من اﻟﻮاﻗع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﺳﺘﺜمﺎر ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬ﻓـ" ﺑعﺪمﺎ أﰎ اﳌﺴﻠمﻮن ﺻﻠﺢ‬
‫اﳊﺪﻳﺒﻴّة أﺧﺬت اﳊﺮﻛة ﻟ ّﺪﻋﻮة ﺻﻮرا ﻛﺜﲑة‪ ،‬ونﺸﻄﺖ ﰲ أمﺎﻛن مﺘعﺪدة‪ ،‬واﺳﺘﻔﺎدت ﺑﻜﻞ اﻟﻮﻗﺎﺋع‬
‫اﻟﻮﻗﺎﺋع اﳌﺘﺎﺣة"‪.3‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻻ ﻳعﺬب ﺑعﺬاب ﷲ‪ ،(61/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2853 :‬ﻗﺪ ذﻛﺮت ﺑعﺾ‬
‫أﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد من ﺧﻼل ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ ﻟﻠﺘمﺜﻴﻞ‪ ،‬ﻟﻼﺳﺘﺰادة انﻈﺮ‪ :‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ من اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪-14/ 4) ،‬‬
‫‪ ،(77‬وﻗﺪ تﻀمن مﺎ ﻳﻘﺎرب مﺌﱵ ب‪ ،‬وﻛﻞ ب تﻀمن ﺣﻜمﺎ من أﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد‪.‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(150/6) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.567‬‬ ‫‪ -‬أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪173‬‬
‫ﻓمن اﻹﳒﺎزات اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﲢﻘﻘﺖ ﺳﺘﻐﻼل ﻫﺬا اﻟﻮاﻗع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻻﺳﱰاتﻴﺠﻲ‪ ،‬نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋن‬
‫ﻋن ﻃﺮﻳق مﻜﺎتﺒة اﳌﻠﻮك‪ ،‬وأمﺎ اﳉﺎنﺐ اﻟعﺴﻜﺮي ﻓﻜﺎ ﻫم مﺎ ﻗﺎم ﺑه ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ ﻟﺘﻄﻬﲑ اﳌﺪﻳنة من‬
‫‪1‬‬
‫من ﺧﻄﺮ اﻟﻴﻬﻮد‪.‬‬
‫ومن اﻹﳒﺎزات اﻟﱵ ﲢﻘﻘﺖ ﻛمﺎ تﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬أداء اﻟعمﺮة ﰲ اﻟعﺎم‬
‫اﻟعﺎم اﳌﻮاﱄ وﻫﻲ ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء‪.2‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﲤﻬﻴﺪ وإرﻫﺎص ﻟﻠﺤج اﻷﻛﱪ ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪ ،‬ورﺳﺎﻟة إﻋﻼمﻴّة دﻋﻮﻳّة ﻗﻮﻳّة ﻷﻫﻞ مﻜة ﲢمﻞ‬
‫دﻻﻻت ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن تﺘﺤﺮك ﻷتﺒﺎﻋﺎﳌعﺘمﺮﻳن من اﳌﺪﻳنة إﱃ مﻜة رﻏم‬
‫اﻟﺘﺤﺪ ت واﳌخﺎﻃﺮ‪.‬‬
‫‪.2‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﳊﻀﺎري اﳌﺎدي‬
‫أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ من منﺘﺠﺎت اﳊﻀﺎرة وﳛﺴن اﺳﺘﻐﻼﳍﺎ ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي واﳌﺘﺘﺒع‬
‫ﻟﻠﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ومﺎ ﳛﻴط ﺎ ﳚﺪ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺴﺘﺜمﺮ وﻳﻮﻇﻒ منﺘﺠﺎت اﳊﻀﺎرة اﻹنﺴﺎنﻴّة اﻟﱵ ﻻ‬
‫تﺘعﺎرض مع اﻟﺸﺮع ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ومن أمﺜﻠة ذﻟﻚ‪:‬‬
‫أ‪ .‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺣﻔﺮ اﳋﻨﺪق‬
‫اﺳﺘعمﺎل اﳋنﺎدق ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋن اﳌﺪن من ﺧﻄة ﻓﺎرﺳﻴّة‪ ،‬أﺷﺎر ﺎ ﺳﻠمﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ ﰲ اﳌنﻄﻘة‬
‫اﻟﺸمﺎﻟﻴّة من اﳌﺪﻳنة ﻟﲑﺑط ﺑﲔ ﻃﺮﰲ ﺣﺮة واﻗم وﺣﺮة اﻟﻮﺑﺮة‪ ،3‬وﱂ ﻳعﱰض أﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺧﻄة اﻟﺪﻓﺎع ﻋن‬
‫اﳌﺪﻳنة‪.‬‬
‫واﳋنﺪق ﻳﺸﻜﻞ ﺣﺎجﺰا ﳝنع اﻻﻟﺘﺤﺎم اﳌﺒﺎﺷﺮ ﺑﲔ اﻟﻐﺰاة واﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﳝنع اﻗﺘﺤﺎم اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻳﻮﻓﺮ‬
‫ﻟﻠمﺴﻠمﲔ مﻮﻗعﺎ دﻓﺎﻋﻴﺎ جﻴﺪا‪ ،‬ﻓﻴﻜﺒﺪون اﻟﻐﺰاة اﳋﺴﺎﺋﺮ ﺑﺮﺷﻘﻬم ﻟﺴﻬﺎم من ﺧﻠﻔﻬم‪.‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا أﻛﱪ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن اﳊﻜمة ﻫﻲ ﺿﺎﻟة اﳌﺆمن‪ ،‬وأن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻻ ﲤنع اﻻﺳﺘﻔﺎدة‬
‫من اﳊﻀﺎرات اﻹنﺴﺎنﻴّة إذا ﱂ ﻳﻜن ﻫنﺎك مﺎنع ﺷﺮﻋﻲ‪.4‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص‪ ،197‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬دار اﳍﻼل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1‬ص‪.319‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء‪(71/5) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(43/24) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(420/2) ،‬‬
‫‪174‬‬
 ‫ب‪ .‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﳋﺘﻢ ﰲ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ‬
‫ومن اﻻﺳﺘﻔﺎدات اﳊﻀﺎرﻳّة اﻻﺳﺘﻔﺎدة من اﻟﺮوم ﰲ ﺧﺘم اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ أراد‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ أراد اﻟنﱯ ‪ ‬أن ﻳﻜﺘﺐ إﱃ اﻟﺮوم‪ ،‬ﻗﻴﻞ ﻟه‪ :‬إ م ﻻ ﻳﻘﺮءون ﻛﺘﺎ إﻻ أن ﻳﻜﻮن ﳐﺘﻮمﺎ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻓﺎﲣﺬ ﺧﺎﲤﺎ من ﻓﻀة‪ ،‬ﻓﻜأﱐ أنﻈﺮ إﱃ ﺑﻴﺎﺿه ﰲ ﻳﺪه‪ ،‬ونﻘﺶ ﻓﻴه ﷴ رﺳﻮل ﷲ‪.‬‬
‫وﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻳﺆﺻﻞ ﻟﻠمﺮونة ﰲ اﻹﻓﺎدة من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻟﺮﺳﻮم اﳌعﺎﺻﺮة مﺎ دامﺖ ﻻ تﺘعﺎرض مع‬
‫مع أﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻳعة وروﺣﻬﺎ اﻟعﺎمة‪ ،‬ﻻ ﺳﻴمﺎ إن ﻛﺎنﺖ ﲢﻘق أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة‪.2‬‬
‫وﺧﺘمه ‪ ‬ﰲ ﺣﺪ ذاته رﺳﺎﻟة دﻋﻮﻳّة تﺘﻀمن مﻀمﻮن دﻋﻮي ﻋﻈﻴم‪ ،‬ﳌﺎ ﻓﻴه من اﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ‬
‫إثﺒﺎت نﺒﻮة اﻟنﱯ ‪ ،‬وﺑﺸﺮﻳﺘه‪ ،‬ﻋن ﻃﺮﻳق وﺳﻴﻠة دﻋﻮﻳّة مﻜﺘﻮﺑة ومﺮﺳﻠة ﻋﱪ اﻟﱪﻳﺪ اﶈمﻮل‪.‬‬
‫‪.3‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎدي‬
‫أن من أﻫم ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﻀﻴّة اﻟﺘمﻮﻳﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻜﺜﲑ من اﳌﺸﺎرﻳع اﻟﺪﻋﻮﻳّة تﻔﺸﻞ ﺑﺴﺒﺐ‬
‫نﻘﺺ اﻟﺘمﻮﻳﻞ‪ ،‬وﻋﺪم ﻛﻔﺎﻳﺘه‪ ،‬وتﺬﺑﺬب اﺳﺘمﺮارﻳﺘه؛ ﻟﺬا ﻛﺎن اﻻﻫﺘمﺎم ﻻﻗﺘصﺎد من أﻫم ﻗﻀﺎ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗﺪ أﻓﺮزت اﳌﻐﺎزي واﻗعﺎ اﻗﺘصﺎد اﺳﺘﻔﺎد منه اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫‪ ‬ﻓمن مﻈﺎﻫﺮ اﻻﺳﺘﻔﺎدة من اﻟﻮاﻗع اﻻﻗﺘصﺎدي اﳌﺮتﺒط ﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة من اﻟﻴﺪ اﻟعﺎمﻠة‬
‫اﳌخﺘصة ﻗصﺪ ﲢﻘﻴق مﺮدود أﻓﻀﻞ‪ ،‬وإنﺘﺎج أوﻓﺮ؛ وﻷجﻞ ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ أﺑﻘﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺧﺪمة اﻷرض ﻋن ﻃﺮﻳق اﳌﺰارﻋة واﳌﺴﺎﻗﺎة‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣصﻠﺖ آ ر ﻇﺎﻫﺮة ﳍﺬا اﻻﺳﺘﺜمﺎر ﰲ اﻟﻴﺪ اﻟعﺎمﻠة اﻟﻴﻬﻮدﻳّة اﻟﱵ ﻳﺸﻬﺪ ﳍﺎ اﻟﻮاﻗع اﻟﺘﺎرﻳخ‬
‫ﻟﺘﻔﻮق اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬ﻓﻘﺪ درت ﺧﻴﱪ ﺑﻔﻀﻞ اﻻﺳﺘﻔﺎدة من ﻫﺬا اﻟﻮاﻗع اﻻﻗﺘصﺎدي ﺧﲑات ﻛﺜﲑ‬
‫ﻋﻠﻰ أتﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ َﺷﺒِ ْﻌﻨَﺎ َﺣ ﱠﱴ ﻓَـﺘَ ْﺤﻨَﺎ َﺧْﻴـﺒَـ َﺮ «‪.3‬‬
‫ﻮﱃ اﻟعنﺎﻳّة اﻟﻜﺎﻓﻴّة‪ ،‬ﺣﱴ تﻀمن‬
‫واﻻﺳﺘﻔﺎدة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺜﻠﻰ من اﻟﻮاﻗع اﻻﻗﺘصﺎدي ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن تُ َ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة مﻮارد مﺎﻟﻴّة ﺑﺘة‪ ،‬ومﺴﺘﺪامة ﻳعﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ إدارة ﺷﺆو ﺎ اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬وﻫﺬا ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺑﻼ ﺷﻚ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﻮة اﻟﻴﻬﻮد واﻟنصﺎرى‪ ،‬وﻋﻠﻰ مﺎ ﻳﻘﺎتﻠﻮن ﻋﻠﻴه‪ ،(45/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2938‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء‪ ،‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪،‬‬
‫)‪.(459/2‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(140/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4243 :‬‬
‫‪175‬‬
‫ﺷﻚ ﲣصصﺎ ﻋﻠمﻴﺎ‪ ،‬أﺷﺒه مﺎ ﻳﻜﻮن ﺑعﻠم اﻗﺘصﺎد اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻼ ﳝﻜن ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻟﻄﺎﳏة ﻟﻠﺸﻬﻮد أ ْن‬
‫تﺒﻘﻰ ﻋﺎﻟة ﻋﻠﻰ نﻔﻘﺎت اﶈﺴنﲔ‪ - ،‬وإن ﻛﺎنﺖ ﳎﺪﻳّة‪-‬؛ ﻷ ﺎ ﻻ تصنع اﳌﻮارد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺴﺘﺪامة‪.‬‬
‫ومن اﻵﻟﻴﺎت اﻟﺘمﻮﻳﻠﻴّة اﳌﺴﺘﺪامة اﳌﺒﻜﺮة ذات اﻟصﻠة ﳌﻐﺎزي آﻟﻴّة اﻟﻮﻗﻒ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺑﺪأت مﺒﻜﺮا ﻋنﺪ‬
‫ﺻﺤﺎﺑة رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬و ﻗﺮاره‪ ،‬رﻏﺒة منﻬم ﰲ اﻷجﺮ وﻋمﻮم اﻟنﻔع‪ ،‬واﺳﺘمﺮت ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪.‬‬
‫ﺲ‬ ‫ﻔ‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ْ‬‫ن‬‫َ‬
‫أ‬ ‫ﺐ َم ًﺎﻻ ﻗَ ﱡ‬
‫ط‬ ‫ﺿﺎ َﱂ أ ِ‬
‫ُﺻ‬ ‫َر‬‫أ‬ ‫ﺖ‬ ‫ﺒ‬ ‫َﺻ‬‫أ‬ ‫ﱠﱯ ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ﻠ‬‫ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري أن ﻋمﺮ ﻗﺎل ﻟِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َُ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫ْﺖ َﺎ« ‪.‬‬ ‫ﺼ ﱠﺪﻗ َ‬
‫َﺻﻠَ َﻬﺎ َوﺗَ َ‬
‫ﺖأ ْ‬
‫ﺖ َﺣﺒﱠ ْﺴ َ‬ ‫ﺲ ِمْنهُ؟ ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أن ِﺷْﺌ َ‬ ‫ﱡ‬
‫َم ًﺎﻻ ﻗَط أَنْـ َﻔ َ‬
‫اﻟﻐﺮاء‪ ،‬اﻟﱵ اﺧﺘصﺖ ﺑه دون ﺳﺎﺋﺮ اﻷنﻈمة اﻟﻮﺿعﻴّة ﺣﻴﺚ‬ ‫ﻓﺎﻟﻮﻗﻒ من ﳏﺎﺳن اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة ّ‬
‫ﺣﻴﺚ أثﺒﺖ اﻟﻮاﻗع اﻟﺘﺎرﳜﻲ أنه أﳒﺢ وﺳﻴﻠة ﻻﺳﺘمﺮار اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ أداء وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ‬
‫ورﺳﺎﻟﺘﻬﺎ‪.2‬‬
‫ومع تﻄﻮر وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫن‪ ،‬وز دة مﺘﻄﻠﺒﺎ ﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ مﺲ اﳊﺎجة إﱃ مﺆﺳﺴﺎت‬
‫وﻗﻔﻴّة تﻀمن ﳍﺎ اﻟﺘمﻮﻳﻞ اﳌﺴﺘمﺮ واﳌﺴﺘﺪام‪.‬‬
‫‪.4‬اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺜﻘﺎﰲ‬
‫ﱂ ﻳﻬمﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻮاﻗع اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻟﺘﻠﻚ اﳊﻘﺒة اﻟﺰمنﻴة‪ ،‬وﻟعﻞ من أﺑﺮز مﻈﺎﻫﺮ ﻋنﺎﻳﺘه ﺬا ا ﺎل‬
‫اﺳﺘﻔﺎدته من اﻟﺸعﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﺸعﺮ ﺣﻀﻮر ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻛﻮﺳﻴﻠة ﻓنﻴّة تﺮوﳛﻴّة‪ ،‬أو ﻛﻮﺳﻴﻠة إﻋﻼمﻴّة‬
‫دﻓﺎﻋﻴّة‪ ،‬أو ﻏﲑ ذﻟﻚ من اﻷﺑعﺎد‪.‬‬
‫ﻓممﺎ ﻗﻴﻞ ﰲ اﻟﻐﺰو من اﳊﺪاء ﻗﻮل ﻋﺎمﺮ ﺑن اﻷﻛﻮع ﰲ اﻟﻄﺮﻳق إﱃ ﺧﻴﱪ‪:‬‬
‫اﻟﻠﻬﻢ ﻟﻮﻻ أﻧﺖ ﻣﺎ اﻫﺘﺪﻳﻨﺎ ‪ ...‬وﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﺎ وﻻ ﺻﻠﲔ ا‬
‫ﻓﺎغﻔﺮ ﻓﺪاء ﻟﻚ ﻣﺎ اﻗﺘﻔﻴﻨﺎ ‪ ...‬وﺛﺒﺖ اﻷﻗﺪام أن ﻻﻗﻴﻨـﺎ‬
‫‪3‬‬
‫ا‬ ‫ا ‪ ...‬إ إذا ﺻﻴﺢ ﺑﻨﺎ أﺗﲔ‬ ‫وأﻟﻘﲔ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻋﻠﲔ‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ":‬وﻛﺬﻟﻚ ارﲡﺰ ﻫﺬا اﻟﺮجﺰ؛ ﻟﻴﺬﻛﺮﻫم مﺎ ﻳعمﻠﻮن وﳌن ﻳعمﻠﻮن ذﻟﻚ‪ ،‬وﻳعﺮﻓﻬم أن‬
‫أن اﻷمﺮ أﻋﻈم ﺧﻄﺮا من اﺑﺘﺬاﳍم وتعﺒﻬم"‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،(143/8) ،‬معﻠﻘﺎ‪ ،‬ووﺻﻠه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺮوط‪ ،‬ب اﻟﺸﺮوط ﰲ اﻟﻮﻗﻒ‪ ،(198/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2737‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺷﺤﺎتة ﷴ ﺻﻘﺮ‪ ،‬ﺷﺮﻳعة ﷲ ﻻ ﺷﺮﻳعة اﻟﺒﺸﺮ‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬دار اﳋﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳن‪ ،‬اﻹﺳﻜنﺪرﻳّة‪ ،‬ص‪.186‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب مﺎ ﳚﻮز من اﻟﺸعﺮ واﻟﺮجﺰ واﳊﺪاء ومﺎ ﻳﻜﺮه منه‪ ،(34/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.6148‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪(237/18) ،‬‬
‫‪176‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﲨعﺖ ﺑﲔ اﻟﺒعﺪ اﻟﱰوﳛﻲ واﻟﺒعﺪ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ‪ ،‬وﻫﻜﺬا ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ‬
‫ﺣﱴ من اﻟﱰوﻳﺢ واﻟﻔن ﳋﺪمة رﺳﺎﻟﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﳌﺒﺪع من ﻳصنع من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺒﺴﻴﻄة‬
‫اﻹﳒﺎزات اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬ﲤﺎمﺎ ﻛﺎﻟنﺤﻠة اﻟﱵ تصنع من اﻟﺮﺣﻴق اﻟﺒﺴﻴط اﻟعﺴﻞ اﳌصﻔﻰ اﻟﺬي ﻓﻴه ﺷﻔﺎء‬
‫ﻟﻠنﺎس‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺸعﺮ اﻟﱰوﳛﻲ من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن تﺴﺘﺜمﺮ ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﳚﺎد ﺷعﺮاء دﻋﺎة‬
‫ﳜﺘصﻮن ﰲ ﻫﺬا اﻟنﻮع من أدب اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ ﲝﻴﺚ ﳚمعﻮن ﺑﲔ اﻟﺘخصﺺ اﻟﺪﻋﻮي واﻷدﰊ‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﲝﺎجة إﱃ اﻟﺘﻜﺎمﻞ اﳌعﺮﰲ مع ﲨﻴع اﻟعﻠﻮم اﻟﱵ تﺘﻘﺎﻃع معﻬﺎ‪.‬‬
‫وﱂ ﻳﻜن اﻟﺸعﺮ اﻟﱰوﳛﻲ ﻫﻮ اﻟﻐﺮض اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ ﳎﺎل اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﺈﱃ جنﺒه وجﺪت أﻏﺮاض أﺧﺮى‬
‫ذات ﺑعﺪ دﻓﺎﻋﻲ ﻛﻐﺮض اﳍﺠﺎء اﻟﺬي ﻳﻮﻇﻒ ﻛﻮﺳﻴﻠة إﻋﻼمﻴّة ﳍﺠﺎء اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬ﻓﻜﺎن اﳍﺠﺎء من‬
‫أﻏﺮاض اﻟﺸعﺮ اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ تﺴﺘخﺪم ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫ﻓﻜﺎن ﻟﺮﺳﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﺷعﺮاء ﻳﺪاﻓعﻮن ﻋنه ﺑﺸعﺮﻫم وﻳﻬﺠﻮن ﻛﻔﺎر ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وأﺷﻬﺮﻫم ﺣﺴﺎن ﺑن‬
‫ﺑن ﺑﺖ‪ ،‬وﻋﺒﺪ ا ﱠ ﺑن رواﺣة‪ ،‬وﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ‪ ،‬أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺎل ﳊﺴﺎن ﺑن‬
‫ﻳﻞ َﻣ َﻌ َﻚ« ‪.1‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫ﳊﺴﺎن ﺑن ﺑﺚ‪» :‬ا ْﻫ ُﺠ ُﻬ ْﻢ ‪ -‬أ َْو َﻫﺎﺟﻬ ْﻢ َوﺟ ِْﱪ ُ‬
‫وﻗﺪ ﻛﻠﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺣﺴﺎن ﺬا اﻟﻐﺮض اﻟﺸعﺮي ﻟﱪوزه ﻓﻴه‪ ،‬وﲤﻜنه منه؛ جﺮ ﻋﻠﻰ اﳌنﻬج‬
‫اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻻﺳﺘﻔﺎدة اﳌﺜﻠﻰ من إمﻜﺎ ت اﻷتﺒﺎع‪.2‬‬
‫ﰒ‬ ‫ﻗﺎل أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة‪ ":‬ﻛﺎن اﳌخﺒّﻞ اﻟﻘﺮﻳعﻲ أﻫﺠﻰ اﻟعﺮب‪ ...‬ﰒ ﻛﺎن ﺑعﺪه ﺣﺴﺎن ﺑن ﺑﺖ‬
‫ﻋنه ﰒ اﳊﻄﻴﺌة‪ ،‬واﻟﻔﺮزدق‪ ،‬وجﺮﻳﺮ‪ ،‬واﻷﺧﻄﻞ‪ ،‬ﻫﺆﻻء اﻟﺴﺘة‪ ،‬اﻟﻐﺎﻳّة ﰲ اﳍﺠﺎء‪ ،‬وﰲ ﻏﲑه‪ .‬ﱂ ﻳﻜن ﰲ‬
‫ﻳﻜن ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬وﻻ ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﳍم نﻈﲑ"‪.3‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟﺸعﺮ ﻏﺮاﺿه اﳌخﺘﻠﻔة مصﺎﺣﺒﺎ ﻟﻐﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓمن ﺷعﺮ ﺣﺴﺎن ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ‬
‫اﻟنﻀﲑ مﺎ جﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪» :‬أﻧﻪُ َﺣ ﱠﺮ َق َﳔْ َﻞ ﺑَِﲏ‬
‫ﱠﻀ ِﲑ‪ ،‬وﻗَﻄَ َﻊ«‪ ،‬و ِﻫﻲ اﻟﺒُـ َﻮﻳْـَﺮةُ‪ ،‬وَﳍَﺎ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل َﺣ ﱠﺴﺎ ُن‪:‬‬ ‫َ‬
‫اﻟﻨ ِ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب ﻫﺠﺎء اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،(36/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،6153 :‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬إمﺘﺎع اﻷﲰﺎع‪،‬‬
‫)‪.(42/10‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت ﰲ رﻳخ ّ‬
‫‪ -3‬أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة معمﺮ ﺑن اﳌﺜﲎ‪ ،‬ﺷﺮح نﻘﺎﺋﺾ جﺮﻳﺮ واﻟﻔﺮزدق‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ إﺑﺮاﻫﻴم ﺣﻮر‪ ،‬وﻟﻴﺪ ﳏمﻮد ﺧﺎﻟﺺ‪ ،‬ا مع اﻟﺜﻘﺎﰲ‪ ،‬أﺑﻮ‬
‫ﻇﱯ‪ ،‬اﻹمﺎرات‪ ،‬ط‪1998 ،2‬م‪.(1121/3) ،‬‬
‫‪177‬‬
 ‫ﲑ‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ‪َ ...‬ﺣ ِﺮﻳ ٌﻖ ﻟْﺒُـ َﻮﻳْـ َﺮة ُﻣ ْﺴﺘَﻄ ُ‬
‫َوﻫﺎن َﻋﻠَى َﺳ َﺮاة ﺑَِﲏ ﻟَُﺆ ٍّ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ ﻗﻮل ﺣﺴﺎن ‪ ":‬وﻗﻮﻟه ﺳﺮاة ﺑﻔﺘﺢ اﳌﻬمﻠة وﲣﻔﻴﻒ اﻟﺮاء ﲨع ﺳﺮي‬
‫اﻟﺮاء ﲨع ﺳﺮي وﻫﻮ اﻟﺮﺋﻴﺲ‪ ،‬وﻗﻮﻟه ﺣﺮﻳق ﻟﺒﻮﻳﺮة مﺴﺘﻄﲑ أي مﺸﺘعﻞ وإﳕﺎ ﻗﺎل ﺣﺴﺎن ذﻟﻚ تعﻴﲑا‬
‫تعﻴﲑا ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻷ م ﻛﺎنﻮا أﻏﺮوﻫم ﺑنﻘﺾ اﻟعﻬﺪ‪ ،‬وأمﺮوﻫم ﺑه‪ ،‬ووﻋﺪوﻫم أن ﻳنصﺮوﻫم أن ﻗصﺪﻫم‬
‫‪2‬‬
‫ﻗصﺪﻫم اﻟنﱯ ‪"‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﳊﺪﻳﺚ ﻫﺠﺎء واﺿﺢ ﻟﻘﺮﻳﺶ وﰲ نﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺸﻒ وﻓﻀﺢ ﻟﻠﺘﺂمﺮ اﻟﻘﺮﺷﻲ اﻟﻴﻬﻮدي ﺿﺪ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴة‪.‬‬
‫ﳑﺎ ﺳﺒق ﻳﺘﺒﲔ ﺑﻮﺿﻮح أﳘﻴّة اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﻜﺎﻓﻴّة‪ ،‬واﳌﻼﺋمة ﻟﻠمﺠﺎل واﳌﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻜن‬
‫ﻟﻠمﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي اﳉﻬﺎدي أن ﳛﻘق مﺎ ﺣﻘق من اﻹﳒﺎزات اﻟﺒﺎﻫﺮة ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﳌﻐﺎزي أﻓﻘﻴﺎ‬
‫وﻋمﻮد ﻟﻮﻻ اﻟﺮوح اﻟعﻠمﻴّة اﻟﱵ ﺳﺎدت اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ مﺮاﺣﻠﻬﺎ وجﺰﺋﻴﺎ ﺎ وتﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺮﺳخ من ﺧﻼل أﻗﻮاﻟه‪ ،‬وتصﺮﻓﺎته أثنﺎء اﻟﻐﺰو أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻻ ﳝﻜن ﻟه أن‬
‫ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋن اﻟعﻠم ﻃﺮﻓة ﻋﲔ‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﻳﺪر م ﻋﻠﻰ اﻟﺘنﺰﻳﻞ اﻟصﺤﻴﺢ ﻟﻠﻔﻘه اﻟﺪﻋﻮي ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻮاﻗع اﻟﺪﻋﻮي؛ ﺣﱴ ﻳصﻄﺒغ ﺳﻠﻮك اﻟﺪﻋﺎة من أتﺒﺎﻋه وﻗﺎدته ﻟﻄﺎﺑع اﻟعﻠمﻲ اﳌﺴﺘمﺪ من أﺻﻮل‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻷﺻﻴﻠة‪.‬‬
‫ورﻏم أﳘﻴّة اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘخصصة ﰲ جﻮدة اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺪﻋﻮي إﻻ أ ﺎ تﺒﻘﻰ ﳏﺘﺎجة إﱃ‬
‫ﻋﺪة أﺧﺮى وﻫﻲ اﻟعﺪة اﻷﺧﻼﻗﻴّة واﻟﻘﻴﺎدة اﻟﱵ ﺳأﲢﺪث ﻋنﻬﺎ ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ واﻟﻘﻴﺎدﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻛمﺎ ﳛﺘﺎج إﱃ ﻋﺪة ﻋﻠمﻴّة دﻋﻮﻳّة مﺘﻴنة ﳛﺘﺎج أﻳﻀﺎ إﱃ مﻮاﺻﻔﺎت أﺧﻼﻗﻴّة‪ ،‬ومﻬﺎرات‬
‫ﻗﻴﺎدﻳّة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮ دة واﳉﻮدة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻟن تﺘﺤﻘق إﻻ ﺑﺘمﺘع اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﺑﺸخصﻴّة دﻋﻮﻳّة ﻗﻮﻳّة تﺮتﻜﺰ ﻋﻠﻰ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻄع اﻟﺸﺠﺮ واﻟنخﻞ‪ ،(104/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2326 :‬ﺳﺮاة ﺑﲏ ﻟﺆي‪:‬‬
‫أﺷﺮاف ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎنﻮاوﻋﺪوا ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ اﳌﺴﺎﻋﺪة واﻟنصﺮة ﻓﻠمﺎ وﻗع ﺑﺒﲏ اﻟنﻀﲑ مﺎ وﻗع ﺧﺬﻟﺘﻬم ﻗﺮﻳﺶ ﻓﻘﺎل ﺣﺴأ ّن ﻫﺬه‬
‫اﻷﺑﻴﺎت تﻮﺑﻴخﺎ ﳍم‪ ،‬اﻟﺒﻮﻳﺮة‪ :‬مﻜﺎن ﲟنﻄﻘة ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬ﻣﺴﺘﻄﲑ‪ :‬منﺘﺸﺮ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،:‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري‪،(176/4) ،‬‬
‫مﻮﺳﻰ ﺷﺎﻫﲔ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﳌنعم ﺑﺸﺮح مﺴﻠم‪.(108/7) ،‬‬
‫‪ - 2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(333/7) ،‬‬
‫‪178‬‬
‫مﻮاﺻﻔﺎت‪ ،‬ﲤﻜنه من ﳑﺎرﺳة اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬اﻟﺬي ﳝﻜنه من نﻘﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﺑﻔﺎﻋﻠﻴّة إﱃ‬
‫اﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ مﺎرس ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﺑﻼ ﺷﻚ‪،‬‬
‫وَﲤَﺜﱠﻞ ﺧﻼﳍﺎ أﺧﻼق‪ ،‬وﺻﻔﺎت اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنمﻮذجﻲ؛ تﺒﻠﻴﻐﺎ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﺎ‪ ،‬وتﺮﺑﻴّة‪ ،‬وتﺪرﻳﺒﺎ‪ ،‬وإﻋﺪادا ﻟﺪﻋﺎة‬
‫اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ؛ ﻓﺈﱐ أﺣﺎول ﰲ ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ إﺑﺮاز أﻫم تﻠﻚ اﻟصﻔﺎت اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ تعﺪ اﻟعﺪة اﻷﺧﻼﻗﻴّة‬
‫واﻟﻘﻴﺎدﻳّة ﻟﻠﺪﻋﺎة من ﺑعﺪه‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ اﻟﺬاﺗﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫وﺳأﺑﺪأ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻷﺧﻼﻗﻴّة ﻟﻠﺪاﻋﻴّة ﻟصﻔﺎت اﻟﺬاتﻴّة؛ ﺣﻴﺚ تعﺘﱪ أﺳﺲ‬
‫اﻟصﻔﺎت اﻟﱵ تصﻮغ اﻟﺸخصﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﺎمﻠة؛ اﳌﺆثﺮة ﰲ اﺳﺘﺠﺎﺑة اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫وﺳﻮف أرﻛﺰ أﻫم ﺻﻔﺎت اﻟﻜمﺎل اﻟﺬاﰐ ﰲ اﻟﺸخصﻴّة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ ﺑﺮزت ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات؛ وﻓق‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳋﻠﻖ اﻟﺼﺪق‬
‫ﻓﻬﺬه أول اﻟصﻔﺎت اﻟﺬاتﻴّة اﻟﱵ ﺳﻴﺘم اﻟﺘعﺮﻳﻒ ﺎ وﺑﻴﺎن ﻓﻀﻠﻬﺎ وﺣﻀﻮرﻫﺎ ﰲ ﺷخصﻴّة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫اﻷول ‪ ‬ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺼﺪق وﻓﻀﻠﻪ‬
‫ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻄﺮق ﻟصﻔة اﻟصﺪق ﻛصﻔة ذاتﻴّة ﰲ ﺷخصﻴّة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬أمﻬﺪ ﻟﺘعﺮﻳﻒ ﳍﺎ من ﺧﻼل اﻟﻠﻐة‬
‫واﻻﺻﻄﻼح وﺑﻴﺎن ﻓﻀﻠﻬﺎ ومﻜﺎنﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪.‬‬
‫أ‪ .‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﺼﺪق‬
‫اﻟصﺪق ﰲ اﻟﻠﻐة أﺻﻞ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻗﻮة ﰲ اﻟﺸﻲء ﻗﻮﻻ وﻏﲑه‪ ،‬وﻫﻮ ﺧﻼف اﻟﻜﺬب‪ ،‬واﻟصﺪﻳق‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫اﳌﻼزم ﻟﻠصﺪق ومنه ﺻﺪاق اﳌﺮأة‪ ،‬ﲰﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻘﻮته وأنه ﺣق ﻳﻠﺰم‪.‬‬
‫ِ‬
‫اﻟص ْﺪ ُق ‪ :‬ﲢﺮي‬
‫وﰲ اﻻﺻﻄﻼح‪ :‬ﻓﻘﺪ ﻋﺮف ﺑعﺪة تعﺮﻳﻔﺎت مﺘﻘﺎرﺑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓه اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ﺑﻘﻮﻟه‪ّ ":‬‬
‫ﲢﺮي اﻟصﻮاب ﰲ اﻟﻘﻮل واﻟعمﻞ "‪ ،2‬وﻳﺴﺘﻔﺎد من اﻟﺘعﺮﻳﻒ أن اﻟﺪاﻋﻴة ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن ﻳﺘﺤﺮى اﻟصﺪق ﰲ‬
‫ﻗﻮﻟه‪ ،‬وﻓعﻠه‪ ،‬أي ﰲ ﲨﻴع ﺳﻠﻮﻛه اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺣﻴﺚ ﻻ ﳜﺮج ﻋن ﳎﺎل اﻟﻘﻮل واﻟﻔعﻞ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳉﻮﻫﺮي‪ ،‬اﻟصﺤﺎح‪ ،(1505/4) ،‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪(339/3) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟعﻠﻮم ﰲ اﳊﺪود واﻟﺮﺳﻮم‪.(26/1) ،‬‬
‫‪179‬‬
‫ﻟصﺪق‪ :‬نﻘﻴﺾ اﻟﻜﺬب‪ :‬وﻫﻮ مﻄﺎﺑﻘةُ اﳊﻜم ﻟﻠﻮاﻗع‪ ،‬واﻟﻔﺮق ﺑﲔ اﻟصﻮاب‬ ‫ِ‬
‫وﻋﺮﻓه اﻟﱪﻛﱵ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ا ّ‬
‫اﻟﺜﺎﺑﺖ ﰲ نﻔﺲ اﻷمﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻮغ إنﻜﺎره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اﻟصﻮاب واﻟصﺪق واﳊق‪ :‬أن اﻟصﻮاب‪ :‬ﻫﻮ اﻷمﺮ‬
‫واﻟصﺪق‪ :‬ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﰲ اﻟﺬﻫن مﻄﺎﺑﻘﺎً ﳌﺎ ﰲ اﳋﺎرج‪ ،‬واﳊق‪ :‬ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن مﺎ ﰲ اﳋﺎرج‬
‫تصﺤﻴﺢ اﻟنﻴة وﲣﻠﻴصﻬﺎ ﻋن اﻟﺮ ء‬
‫ُ‬ ‫اﳋﺎرج مﻄﺎﺑﻘﺎً ﳌﺎ ﰲ اﻟﺬﻫن‪ ،‬واﻟصﺪق ﰲ اﻹﺧﻼص‪ :‬ﻫﻮ‬
‫‪1‬‬
‫واﻟﺴمعة "‪.‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺘعﺮﻳﻒ ﻓﻴه ﺷﻲء من اﻟﺘﻔصﻴﻞ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ذﻛﺮ أﻟﻔﺎظ ذات ﺻﻠة ﻟصﺪق‪ ،‬ﻛمﺎ أﺿﺎف ﳎﺎﻻ‬
‫ﻟﺜﺎ ﻟﻠصﺪق‪ ،‬وﻫﻮ ﺻﺪق اﻟﻘﻠﺐ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓه اﺑن اﻟﻘﻴم ﰲ مﺪارج اﻟﺴﺎﻟﻜﲔ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻟصﺪق‪ :‬اﺳم ﳊﻘﻴﻘة اﻟﺸﻲء ﺑعﻴنه ﺣصﻮﻻ‬
‫ووجﻮدا‪ ،‬اﻟصﺪق‪ :‬ﻫﻮ ﺣصﻮل اﻟﺸﻲء وﲤﺎمه‪ ،‬وﻛمﺎل ﻗﻮته‪ ،‬واجﺘمﺎع أجﺰاﺋه "‪.2‬‬
‫وﻋﺮﻓه ﺻﺮ اﻟﺴعﺪي ﻗﺎﺋﻼ‪ ":‬اﻟصﺪق‪ ،‬ﻫﻮ‪ :‬اﺳﺘﻮاء اﻟﻈﺎﻫﺮ واﻟﺒﺎﻃن ﰲ اﻻﺳﺘﻘﺎمة ﻋﻠﻰ اﻟصﺮاط‬
‫اﳌﺴﺘﻘﻴم‪ ،‬واﻟﻜﺬب ﲞﻼف ذﻟﻚ"‪.3‬‬
‫واﻟﺘعﺮﻳﻒ اﻷﺧﲑ ﻫﻮ اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻠصﻔﺎت اﻟﺬاتﻴّة ﻟﻠﺪاﻋﻴّة اﻷﳕﻮذج؛ إذ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟصﺎدق ﻫﻮ اﻟﺬي‬
‫اﻗﺘنع ﺑﺮﺳﺎﻟﺘه‪ ،‬ﻓﻔﻘﻬﻬﺎ‪ ،‬وامﺘﺜﻠﻬﺎ‪ ،‬ودﻋﺎ إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻼ انﻔصﺎم ﻋنﺪه ﺑﲔ مﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴه ومﺎ ﻳﻄﺒﻘه‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫ﻳﻜﻮن ﻓعﻠه ﻳﺴﺒق ﻗﻮﻟه‪ ،‬وﻫﻮ ﺷﺎن أﺻﺪق اﻟﺪﻋﺎة ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺳﻠﻴمأ ّن اﻟﺒﺎجﻲ‪ ،‬اﳊﺪود ﰲ اﻷﺻﻮل‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺣﺴن إﲰﺎﻋﻴﻞ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنأ ّن ط‪،1‬‬
‫‪ 1424‬ﻫـ‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،116‬اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪ -2‬اﺑــن اﻟﻘــﻴم‪ ،‬مــﺪارج اﻟﺴــﺎﻟﻜﲔ ﺑــﲔ منــﺎزل إ ك نعﺒــﺪ وإ ك نﺴــﺘعﲔ ت‪ :‬ﷴ اﳌعﺘصــم اﻟﺒﻐــﺪادي‪ ،‬دار اﻟﻜﺘــﺎب اﻟعــﺮﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت ط‪ 1416 ،3‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪.(267/2) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.943‬‬
‫‪180‬‬
 ‫ب‪ .‬ﻓﻀﻞ اﻟﺼﺪق‬
‫ﻟﻔﻀﻞ اﻟصﺪق وأﳘﻴﺘه وردت ﰲ اﳊﺚ ﻋﻠﻴه‪ ،‬ومﺪح أﻫﻠه نصﻮص ﻛﺜﲑة‪ ،‬من ذﻟﻚ مﺪح ﷲ تعﺎﱃ‬
‫ْ‬ ‫ت َوال ْ ُمو ِمن ِ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ت‬ ‫َوال ُمو ِم َ ٰ ِ‬ ‫ﻟﻠصﺎدﻗﲔ واﻟصﺎدﻗﺎت‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱأن ل ُمسلِ ِم َ َوال ُمسلِ َ ٰ ِ‬
‫َوال ْ ُمتَ َص ّ ِد ِ َ‬ ‫ت‬
‫ْ َ َ‬
‫ت َوال ٰشِ ِع َ َوال ٰشِ ٰ ِ‬
‫ْ َ‬
‫ت َوال ٰ ِ ِ َن َوال ٰب ِ َ ٰ ِ‬
‫َ‬
‫ت َوال ٰ ِد ِ َ َوال ٰ ِد ٰ ِ‬
‫َْ‬
‫َوال ٰن ِ ِ َ َوال ٰنِ َ ٰ ِ‬
‫َْ‬
‫ٗ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ت َوال ْ َ ٰفظِ َ ُف ُر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬‫ا َوال ٰكِ َ ٰ ِ‬ ‫ﷲ كث ِ‬ ‫كِر ن‬
‫ِ‬
‫ت َوال ٰ‬ ‫وج ُه ْم َوال َ ٰ ِف ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َوال ِ ِم َ َوال ِ َ ٰ ِ‬ ‫َوال ُمتَ َص ّ ِد ٰ ِ‬
‫ٗ‬ ‫ْ ٗ َ ْ ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ﷲ ل ُهم مغ ِف َرة َوأجرا َعظِ يمﺎ ۖ چ ]اﻷﺣﺰاب‪[ 35 :‬‬ ‫أ َعد‬
‫ﻗﺎل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﰲ ﺑﻴﺎن دﻻﻟة اﻵﻳّة ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻴﻠة اﻟصﺪق‪ ،‬وأثﺮه ﰲ ﺑنﺎء اﻟﺸخصﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﻫﺬه‬
‫اﻟصﻔﺎت اﻟﻜﺜﲑة اﻟﱵ ﲨعﺖ ﰲ ﻫﺬه اﻵﻳّة تﺘعﺎون ﰲ تﻜﻮﻳن اﻟنﻔﺲ اﳌﺴﻠمة"‪.1‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كونُوا َم َع ل ٰ ِد ِ َ ۖ ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[120 :‬ﻗﺎل اﺑن‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َُ‬
‫امنوا قوا ﷲ و‬‫وﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َ َهﺎ ِين ء‬
‫ﻋﺎﺷﻮر‪ ":‬واﻷمﺮ ب "ﻛﻮنﻮا مع اﻟصﺎدﻗﲔ"‪ ،‬أﺑﻠغ ﰲ اﻟﺘخﻠق ﻟصﺪق من ﳓﻮ‪ :‬اﺻﺪﻗﻮا‪ ،‬ونﻈﲑه‬
‫وارﻛعﻮا مع اﻟﺮاﻛعﲔ"‪.2‬‬
‫واﻵ ت ﰲ ﻓﻀﻞ اﻟصﺪق‪ ،‬واﻷمﺮ ﺑه ﻛﺜﲑة ﻻ ﳝﻜن اﻹﺣﺎﻃة ﺎ‪ ،‬وﰲ ﻫﺎتﲔ اﻵﻳﺘﲔ ﻛﻔﺎﻳّة ﻟﻠﺪﻻﻟة‬
‫ﻋﻠﻰ اﳌﺮاد‪.‬‬

‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(2862 /5) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪.(54/11) ،‬‬
‫‪181‬‬
‫وأمﺎ اﻟﺴنة ﻓﻘﺪ جﺎءت ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺎدﻳﺚ ﻛﺜﲑة ﲢﺚ ﻋﻠﻰ اﻟصﺪق وتنﻔﺮ من نﻘﻴﻀه اﻟﻜﺬب‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫دﻟﺖ اﻟﺴنة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﺬب ﻟﻴﺲ من ﺻﻔﺎت اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬وﻫﻮ من ﻋﻼمﺎت اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ب‪ ،‬وإِذَا َو َﻋ َﺪ أَ ْﺧﻠَ َ‬
‫ث َﻛ َﺬ َ‬‫ث‪ :‬إِذَا َﺣ ﱠﺪ َ‬ ‫ﺑن ﻋمﺮو رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺎل‪ » :‬آﻳّﺔ اﳌُﻨَﺎﻓِ ِﻖ ﺛَﻼَ ٌ‬
‫وإِذَا ْاؤُﲤِ َﻦ ﺧﺎن «‪ ،1‬ﻓﺈﺧﺒﺎر اﻟنﱯ ‪ ‬أن اﻟﻜﺬب من ﺻﻔﺎت اﳌنﺎﻓﻘﲔ من ﺷأنه أن ﻳنﻔﺮ منه‬
‫اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ﻓﺎﻟنﻔﺲ اﳌﺆمنة تنﻔﺮ من اﻟنﻔﺎق وأﻫﻠه وﺻﻔﺎ م‪.2‬‬
‫ومع اﻟﺘنﻔﲑ من اﻟﻜﺬب‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت أﺣﺎدﻳﺚ تﺮﻏﺐ ﰲ اﻟصﺪق‪ ،‬ﻓعن ﻋن ﻋﺒﺪ ﷲ ‪ ،‬ﻋن‬
‫اﻟﱪ ﻳَـ ْﻬ ِﺪي إِ َﱃ اﳉَﻨ ِﱠﺔ‪ ،‬وأن اﻟ ﱠﺮ ُﺟ َﻞ ﻟَﻴَ ْ‬
‫ﺼ ُﺪ ُق‬ ‫اﻟﱪ‪ ،‬وأن ِ ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ﻋنه‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪ ‬أنه ﻗﺎل‪» :‬أن ِّ‬
‫اﻟﺼ ْﺪ َق ﻳَـ ْﻬﺪي إِ َﱃ ِ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﻮر ﻳَـ ْﻬﺪي إِ َﱃ اﻟﻨﱠﺎ ِر‪ ،‬وأن اﻟ ﱠﺮ ُﺟ َﻞ ﻟَﻴَ ْﻜﺬ ُ‬
‫ب‬ ‫ب ﻳَـ ْﻬﺪي إِ َﱃ اﻟ ُﻔ ُﺠﻮِر‪ ،‬وأن اﻟ ُﻔ ُﺠ َ‬
‫َﺣ ﱠﱴ ﻳَ ُﻜﻮ َن ﺻ ّﺪﻳ ًﻘﺎ‪َ .‬وأن اﻟ َﻜﺬ َ‬
‫ﺐ ِﻋ ْﻨ َﺪ ا ﱠِ َﻛ ﱠﺬا ً « ‪.3‬‬
‫َﺣ ﱠﱴ ﻳُ ْﻜﺘَ َ‬
‫وأوﱃ اﻟنﺎس ﺑﺘﺤﺮي اﻟصﺪق‪ ،‬واﻻﻟﺘﺰام ﺑه واﻟﺒعﺪ ﻋن اﻟﻜﺬب اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺷعﺎر اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم‬
‫اﻟﺴﻼم‪ ،‬وورثﺘﻬم من اﻟعﻠمﺎء واﻟصﺎﳊﲔ‪.‬‬
‫‪ .2‬ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﺼﺪق‬
‫وﺑعﺪ ﻫﺬه اﻟﺘﻮﻃﺌة أنﺘﻘﻞ إﱃ ﳎﺎﻻت اﻟصﺪق ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة وﺳﻠﻮﻛه من ﺧﻼل اﻟنمﻮذج اﻟنﺒﻮي‬
‫ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫أ‪ .‬ا ﺎل اﻟﻘﻠﱯ ﻟﻠﺼﺪق‬
‫وﻳﻈﻬﺮ ﻫﺬا ا ﺎل من ﳎﺎﻻت اﻟصﺪق جﻠﻴﺎ ﰲ اﳌﻐﺎزي واﳉﻬﺎد‪ ،‬وﻛﺎن أﻋﻈم اﻟنﺎس ﲢﻘﻴﻘﺎ ﳍﺬا‬
‫اﳌﻘﺎم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬وﻗﺪ وردت مﺮو ت ﰲ اﳌﻐﺎزي تﺆﻛﺪ ﺣﻀﻮر ﻫﺬا ا ﺎل ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓعن‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟﱠﺮ ُج ُﻞ‪ :‬ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِْﻠ َم ْﻐنَِم‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ‬‫ِ ِ‬
‫ﻓعن أﰊ مﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪َ :‬جﺎءَ َر ُج ٌﻞ إ َﱃ اﻟن ِّ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ ﻗَﺎﺗَ َﻞ ﻟِﺘَ ُﻜﻮ َن َﻛﻠِ َﻤﺔُ‬ ‫واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِﻠ ِّﺬ ْﻛ ِﺮ‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِﻴُـَﺮى َم َﻜﺎنُهُ‪ ،‬ﻓَ َم ْن ِﰲ َﺳﺒِ ِﻴﻞ ا ﱠِ؟ ﻗَ َ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ«‪.1‬‬
‫َﻛﻠِ َﻤﺔُ ا ﱠِ ِﻫ َﻲ اﻟﻌُﻠْﻴَﺎ‪ 4‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻹﳝﺎن‪ ،‬ب ﻋﻼمﺎت اﳌنﺎﻓق‪ ،(16/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.33:‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(583/6) ،‬‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫َ َ َُ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ﷲ َوكونوا َم َع‬
‫َ‬ ‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َ َهﺎ ِين ءامنوا قوا‬
‫‪3‬‬

‫ل ٰ ِد ِ َ ۖ ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ [120 :‬ومﺎ ﻳنﻬﻰ ﻋن اﻟﻜﺬب‪ ،(25/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6094 :‬‬

‫‪ -4‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬ﻗﺎل اﺑن أﰊ ﲨﺮة ذﻫﺐ اﶈﻘﻘﻮن إﱃ أنه إذا ﻛﺎن اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻷول ﻗصﺪ إﻋﻼء ﻛﻠمة ﷲ ﱂ ﻳﻀﺮه مﺎ انﻀﺎف‬
‫إﻟﻴه‪ ،‬وﻳﺪل ﻋﻠﻰ أ ّن دﺧﻮل ﻏﲑ اﻹﻋﻼء ﺿمنﺎ ﻻ ﻳﻘﺪح ﰲ اﻹﻋﻼء إذا ﻛﺎن اﻹﻋﻼء ﻫﻮ اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻷﺻﻠﻲ"‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ‬
‫اﻟﺒﺎري‪.(29/6) ،‬‬
‫‪182‬‬
‫ﻓﺎ ﺎﻫﺪ اﻟصﺎدق" إﳕﺎ ﻳﻘﺎتﻞ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻹﻋﻼء ﻛﻠمة ﷲ ﰲ اﻷرض‪ ،‬وﻟﺘمﻜﲔ منﻬﺠه من‬
‫تصﺮﻳﻒ اﳊﻴﺎة‪ ،‬وﻟﺘمﺘﻴع اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﲞﲑات ﻫﺬا اﳌنﻬج‪ ،‬وﻋﺪﻟه اﳌﻄﻠق ﺑﲔ اﻟنﺎس مع تﺮك ﻛﻞ ﻓﺮد ﺣﺮا‬
‫ﺣﺮا ﰲ اﺧﺘﻴﺎر اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﱵ ﻳﻘﺘنع ﺎ ﰲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﳌنﻬج اﻟﺮ ﱐ اﻹنﺴﺎﱐ اﻹﺳﻼمﻲ اﻟعﺎم"‪.2‬‬
‫ب‪ .‬ا ﺎل اﻟﻘﻮﱄ ﻟﻠﺼﺪق‬
‫إذا ﻛﺎن اﻟصﺪق من أﻋﻈم اﻟصﻔﺎت اﻟﱵ تﺮﻓع ﻗﺪر اﻹنﺴﺎن اﻟعﺎدي وأن اﻟﻜﺬب ﳛﻄه‪ ،‬ﻓأن‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أوﱃ اﻟنﺎس ﻟﺘﺰام اﻟصﺪق واﻟﺒعﺪ ﻋن اﻟﻜﺬب‪ ،‬ﻓمن أجﻞ ذﻟﻚ ﺣﺮص ﻋﻠﻴه اﻟنﱯ ‪ ‬ﺣﱴ‬
‫ﺣﱴ أﺻﺒﺢ ﻫﻴﺌة راﺳخة ﻓﻴه ﺷﻬﺪ ﺎ اﻷﻋﺪاء‪ ،‬وﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺷﻬﺎدة أﰊ ﺳﻔﻴﺎن ﻗﺒﻞ إﺳﻼمه‬
‫ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗه ﺣﲔ ﺳأﻟه ﻫﺮﻗﻞ‪" :‬ﻫﻞ ﻛنﺘم تﺘﻬمﻮنه ﻟﻜﺬب ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل مﺎ ﻗﺎل؟ ﻓﺰﻋمﺖ أن ﻻ‪،‬‬
‫ﻓعﺮﻓﺖ أنه ﱂ ﻳﻜن ﻟﻴﺪع اﻟﻜﺬب ﻋﻠﻰ اﻟنﺎس وﻳﻜﺬب ﻋﻠﻰ ﷲ"‪.3‬‬
‫ﻗﺎل اﻟصﺎﳊﻲ ﻋﻘﺐ اﻟﻘصة‪ " :‬ﻓﻬﺬه ﺷﻬﺎدة ﺧصﻮم‪ :‬ﺑعﻀﻬم أﺳﻠم ﺑعﺪ ﺧصﻮمة ﺷﺪﻳﺪة وﺑعﻀﻬم‬
‫وﺑعﻀﻬم مﺎت ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮه وﻟﻜن اﳉمﻴع ﺣﱴ ﰲ أﺷـﺪ ﺣﺎﻻت اﳋصﻮمة ﻛﺎنﻮا مﺆمنﲔ أن ﷴا ‪‬‬
‫ﺻﺎدق"‪.4‬‬
‫ومن ﺻﻮر اﻟصﺪق اﻟﺮاﺋعة ﺻﺪق ﻛعﺐ اﺑن مﺎﻟﻚ ومصﺎرﺣﺘه ﻟﻠنﱯ ‪ ‬ﺑﺴﺒﺐ ﲣﻠﻔه وﻋصمه ﷲ‬
‫ِ‬
‫ﷲ من اﻟﻜﺬب اﻟﺬي وﻗع ﻓﻴه اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ أنه ﻗﺎل‪ " :‬ﻓَـ َﻮا ﱠ َﻣﺎ أَ ْﻋﻠَ ُﻢ أ َ‬
‫َﺣ ًﺪا أَﺑْﻼَ ُﻩ ا ﱠُ ِﰲ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬إِ َﱃ ﻳَـ ْﻮِﻣﻲ َﻫ َﺬا َﻛ ِﺬ ً" ‪.5‬‬ ‫ﻚ ﻟِﺮ ُﺳ ِ‬‫ت ﻣ ْﻨ ُﺬ ذَ َﻛﺮ ُ ِ‬
‫ت َذﻟ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫َﺣ َﺴ َﻦ ﳑﱠﺎ أَﺑْﻼَِﱐ‪َ ،‬ﻣﺎ ﺗَـ َﻌ ﱠﻤ ْﺪ ُ ُ‬
‫ﺻ ْﺪ ِق اﳊ ِﺪ ِ‬
‫ﻳﺚ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ﻓصﺪق ﻛعﺐ مﺎ ﻫﻮ إﻻ أثﺮ من آ ر ﺻﺪق اﻟصﺎدق اﳌصﺪوق اﻟﺬي اﺻﻄﺒغ منﻬﺠه اﻟﺪﻋﻮي‬
‫ﺑصﺒﻐة اﻟصﺪق‪ ،‬وﻫﻲ ﺻﺒﻐة رﺳﺎﻻت ﷲ ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ اﻟﱵ ﻟن ﲡﺪ ﳍﺎ تﺒﺪﻳﻼ‪.‬‬

‫ج‪ .‬ا ﺎل اﻟﻌﻤﻠﻲ ﻟﻠﺼﺪق‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﻗﺎتﻞ ﻟﺘﻜﻮن ﻛﻠمة ﷲ ﻫﻲ اﻟعﻠﻴﺎ‪ ،(20/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2810 :‬‬
‫‪ -2‬منﲑ اﻟﻐﻀﺒﺎن‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬جﺎمعة أم اﻟﻘﺮى‪ ،‬مﻜة‪ ،‬ط‪1413 ،3‬ه‪ 1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪.395‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻄﻮﻟه‪ :‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟنﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،(45/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2941‬‬
‫‪ -4‬اﻟصﺎﳊﻲ‪ ،‬ﺳﺒﻞ اﳍﺪى واﻟﺮﺷﺎد ﰲ ﺳﲑة ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪.(12/1) ،‬‬
‫ﲔ{ ]اﻟﺘﻮﺑة‪،[119 :‬‬ ‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب } أَﻳـﱡﻬﺎ اﻟﱠ ِﺬﻳن آمنﻮا‪ ،‬اتـ ُﱠﻘﻮا ا ﱠ وُﻛﻮنُﻮا مع اﻟ ﱠ ِ ِ‬
‫صﺎدﻗ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫)‪ ،(71/6‬ﺑﺮﻗم‪.4678 :‬‬
‫‪183‬‬
 ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ ٰيَح ۪ ٰ خ ِذ‬ ‫وﺻﺪق اﻟعمﻞ ﻫﻮ ﺑﺬل اﳉﻬﺪ ﻓﻴه‪ ،‬ﺑﺘﻠﻘﻲ أوامﺮ ﷲ ﻟعﺰم و اﳉﺪ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ْ‬
‫لكِ َ ٰ َب ب ِ ُقو ٖچ ]مﺮﱘ‪.1[12 :‬‬
‫وﻫﺬا ا ﺎل من اﻟصﺪق ﻇﺎﻫﺮ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻠم ﲤنع اﻟنﱯ ‪ ‬ﺣﺎﻟة اﳊﺮب واﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬من اﻟصﺪق‬
‫ﰲ اﻟعمﻞ واﻻجﺘﻬﺎد ﻓﻴه ﻛﺈﻗﺎمة اﻟﺸعﺎﺋﺮ‪ ،‬واﻻجﺘﻬﺎد ﰲ ﻗﺘﺎل اﻟعﺪو نصﺮة ﻟﺪﻳن ﷲ‪ ،‬ﻓمن أمﺜﻠة ذﻟﻚ‬
‫ﺻﺪق أنﺲ ﺑن اﻟنﻀﺮ ﰲ اﻟﻘﺘﺎل ﻳﻮم أﺣﺪ‪.‬‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻟَﺌِ ْن‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎب َﻋ ْن ﺑَ ْﺪ ٍر‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬ﻏْﺒ ُ‬
‫ﻓعن أَنَ ٍ ِ‬
‫ﺖ َﻋ ْن أ ﱠَول ﻗﺘَﺎل اﻟن ِّ‬ ‫ﺲ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ أن َﻋ ﱠمهُ َﻏ َ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ أﱐ أَ ْﻋﺘَ ِﺬ ُر‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻟَﻴَـﺮﻳَ ﱠن ا ﱠُ َمﺎ أ ُِج ﱡﺪ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ِﻘﻲ ﻳَـ ْﻮَم أ ُ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬‫ُﺣﺪ‪ ،‬ﻓَـ ُﻬﺰَم اﻟن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْﺷ َﻬ َﺪﱐ ا ﱠُ َم َع اﻟن ِّ‬
‫ﱠم ﺑِ َﺴْﻴ ِﻔ ِه ﻓَـﻠَ ِﻘ َﻲ َﺳ ْع َﺪ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﺻﻨَ َﻊ َﻫ ُﺆﻻَء‪ ،‬ﻳَـ ْﻌ ِﲏ اﳌُ ْﺴﻠﻤ َﲔ َوأَﺑْـ َﺮأُ إِﻟَْﻴ َﻚ ﳑﱠﺎ َﺟ َﺎء ﺑِﻪ اﳌُ ْﺸ ِﺮُﻛﻮ َن« ﻓَـﺘَـ َﻘﺪ َ‬ ‫ﻚ ﳑﱠﺎ َ‬
‫أَ ْﻋﺘ ِﺬر إِﻟَﻴ َ ِ‬
‫َ ُ ْ‬
‫ﻀﻰ ﻓَـ ُﻘﺘِ َﻞ‪ ،‬ﻓَ َمﺎ ﻋُ ِﺮ َ‬ ‫ﺎل‪ :‬أَﻳن ﺳع ُﺪ‪ ،‬أﱐ أ َِج ُﺪ ِرﻳﺢ اﳉن ِﱠة دو َن أ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ف َﺣ ﱠﱴ َﻋَﺮﻓَـْﺘهُ‬ ‫ُﺣﺪ‪ ،‬ﻓَ َم َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ﺑْ َن ُم َعﺎذ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫ﺿ ْﺮﺑٍَة َوَرْمﻴّة ﺑِ َﺴ ْﻬ ٍم ‪.2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﻀ ٌع َوَﲦَﺎنُﻮ َن م ْن ﻃَ ْعنَة َو َ‬ ‫ُﺧﺘُهُ ﺑِ َﺸ َﺎم ٍة أ َْو ﺑِﺒَـنَﺎنِِه‪ ،‬وﺑِِه ﺑِ ْ‬
‫َﻋَﺮﻓَـْﺘهُ أ ْ‬
‫ﻳﻘﻮل أﺑﻮ اﳊﺴن اﻟنﺪوي ﰲ اﻟﺘعﻠﻴق ﻋﻠﻰ اﻟﻘصة مﺒﻴنﺎ أثﺮ اﻟصﺪق ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ":‬وﻟﻘﺪ ﺑعﺚ‬
‫اﻹﳝﺎن ﻵﺧﺮة ﰲ ﻗﻠﻮب اﳌﺴﻠمﲔ ﺷﺠﺎﻋة ﺧﺎرﻗة ﻟﻠعﺎدة وﺣنﻴنﺎ ﻏﺮﻳﺒﺎ إﱃ اﳉنة واﺳﺘﻬﺎنة درة‬
‫ﳊﻴﺎة‪ ،‬ﲤﺜﻠﻮا اﻵﺧﺮة وﲡﻠﺖ ﳍم اﳉنة ﺑنعمﺎﺋﻬﺎ ﻛﺎن ﻫم ﻳﺮو ﺎ رأي ﻋﲔ‪ ،‬ﻓﻄﺎروا إﻟﻴﻬﺎ ﻃﲑان ﲪﺎم‬
‫‪3‬‬
‫ﲪﺎم اﻟﺰاجﻞ ﻻ ﻳﻠﻮي ﻋﻠﻰ ﺷﻲء‪".‬‬
‫ﻓﻠﻮﻻ رﺳﻮخ مﻘﺎم اﻟصﺪق ﰲ ﻗﻠﻮ م ﳌﺎ أﻗﺪمﻮا ﻋﻠﻰ اﳌﻮت ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ومﺴﺎرﻋة ﻟﻠﻘﺎﺋه‪،‬‬
‫ﻓﻜﺎﳒﻬﺎدﻫم واﺳﺘﺸﻬﺎدﻫم ﰲ اﻟﻐﺰوات آﻳّة ﻋﻠﻰ اﻟصﺪق اﻟعمﻠﻲ اﻟﺬي ﺷﻬﺪ ﻟه ﷲ تعﺎﱃ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه‬
‫ّ َ ُْ ِ َ َ ‪ْ َ َ َ ْ ُ ََٰ َ ْ ُ َ َ ٞ‬‬
‫ﷲ َعليْ ِه فمِن ُهم‬ ‫اﻟﻜﺮﱘ وأنعم ﺎ من ﺷﻬﺎدة‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬چ ٱمِن لمومن ِ ِرجﺎل صدﻗوا مﺎ هدوا‬
‫ٗ‬ ‫ُ ْ‬
‫من ﻗَ ۪ ٰ نَ ْحبَ ُهۥ َومِنْ ُهم م ْن ي تَظِ ُر ۖ َو َمﺎ بَد وا َبْدِيﻼ ٱچ ]اﻷﺣﺰاب‪.[23 :‬‬
‫وﻫﻲ اﻵﻳّة اﻟﱵ تﺮجم ﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻳﺚ اﺳﺘﺸﻬﺎد ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪،‬‬
‫إﺷﺎرة إﱃ أثﺮ ﻗﻴمة اﻟصﺪق وﻓعﺎﻟﻴﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺴﺘمﺮة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲨع ﺑﲔ ﻏﺰوﰐ أﺣﺪ واﻷﺣﺰاب من‬
‫ﺧﻼل اﳊﺪﻳﺚ واﻟﱰﲨة ﻛﻴﺪا ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘمﺮارﻳّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳋﻠﻖ اﻷﻣﺎﻧﺔ‬

‫‪ -1‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬مﺪارج اﻟﺴﺎﻟﻜﲔ ﺑﲔ منﺎزل إ ك نعﺒﺪ وإ ك نﺴﺘعﲔ‪.(468/1) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ٱﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(95/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4048 :‬‬
‫‪ -3‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﻟنﺪوي‪ ،‬مﺎذا ﺧﺴﺮ اﻟعﺎﱂ ﳓﻄﺎط اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻹﳝﺎن‪ ،‬اﳌنصﻮرة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪184‬‬
‫ﻻ تﻘﻞ ﺻﻔة اﻷمﺎنة أﳘﻴّة ﻋن ﺻﻔة اﻟصﺪق ﰲ ﺑنﺎء اﻟﺸخصﻴّة اﻟﺬاتﻴّة ﻟﻠﺪاﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﻐﺎﻟﺒﺎ مﺎ تﺬﻛﺮ‬
‫ﺑعﺪﻫﺎ ﻋنﺪ تعﺪاد اﳌنﺎﻗﺐ؛ ﻟﺬا رأﻳﺖ من اﳌنﺎﺳﺒة أن أﲢﺪث ﻋنﻬﺎ ﺬا اﻟﱰتﻴﺐ‪ ،‬مﺘنﺎوﻻ مﻔﻬﻮمﻬﺎ‬
‫وﳎﺎﻻ ﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ اﳌﻐﺎزي من ﺧﻼل ﺷخصﻴّة اﻷمﲔ ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻣﺎﻧﺔ‬
‫ﺳأرﻛﺰ ﳚﺎز ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎن تعﺮﻳﻒ اﻷمﺎنة ﰲ اﻟﻠﻐة‪ ،‬واﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬واﻟﺘعﺮض ﺷﻲء من ﻓﻀﻠﻬﺎ من‬
‫ﺧﻼل اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪.‬‬

‫‪185‬‬
 ‫أ‪.‬ﺗﻌﺮﻳف اﻷﻣﺎﻧﺔ‪.‬‬
‫اﻷمﺎنة ﰲ اﻟﻠﻐة من )أمن( اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ أﺻﻠﲔ‪ :‬أﺣﺪﳘﺎ اﻷمﺎنة اﻟﱵ ﻫﻲ ﺿﺪ اﳋﻴﺎنة‪ ،‬ومعنﺎﻫﺎ‬
‫ﺳﻜﻮن اﻟﻘﻠﺐ‪ ،‬واﻵﺧﺮ اﻟﺘصﺪﻳق‪ ،‬واﻟﺮجﻞ اﻷمﲔ من ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪه وﺻﺎن مﺎ اؤﲤن ﻋﻠﻴه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻋﻜﺴه اﳋﺎﺋن ونﻘﻮل اﺳﺘﻮدﻋﺘه مﺎﻻ ﻓأمن ﻋﻠﻴه رجﻞ أمﲔ اﻟﺴﺮ ﲟعﲎ ﻳﻮثق ﺑه‪.‬‬
‫وأمﺎ اﻷمﺎنة ﰲ اﻻﺻﻄﻼح؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺑعﺪة تعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬تﺪل ﰲ ﳎمﻠﻬﺎ أن اﻷمﺎنة ﺧﻠق ﺑﺖ ﰲ‬
‫ﰲ اﻟنﻔﺲ ﳝنع اﻹنﺴﺎن ﻋن أﺧﺬ مﺎ ﻟﻴﺲ ﻟه ﺑه ﺣق‪ ،‬وأن تﻮﻓﺮت ﻟه ﻇﺮوف اﳋﻴﺎنة دون أن ﻳﻜﻮن‬
‫ﻳﻜﻮن ﻋﺮﺿة ﻟﻺدانة ﻋنﺪ اﻟنﺎس‪ ،‬وﻳﺆدي ﺑه مﺎ ﻋﻠﻴه أو ﻟﺪﻳه من ﺣق ﻟﻐﲑه‪ ،‬وإن اﺳﺘﻄﺎع أن‬
‫ﻳﻬﻀمه دون أن ﻳﻜﻮن ﻋﺮﺿة ﻟﻺدانة ﻋنﺪ اﻟنﺎس‪.2‬‬
‫ﻓﺎﻷمﺎنة إذا ﻋﺎمة ﻻ ﲣﺘﺺ ﻷمﻮر اﳌﺎﻟﻴّة ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ تﺘعﺪى إﱃ ﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬وﻗﺪ تﺸمﻞ اﻟﱪ‬
‫َ۬ ْ َ َ ٰ َ ٰ َ َ ْ‬ ‫َ َ ُُ ُ‬
‫ك ُم ٓۥ أن تودوا ﻻ ِت إِ أهلِهﺎٱچٱ]اﻟنﺴﺎء‪. [57:‬‬
‫َ‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱأن ﷲ يﺎمر‬
‫واﻟﻔﺎجﺮ؛ ﻟﻘﻮﻟه‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ":‬وﻫﺬا ﻳعم ﲨﻴع اﻷمﺎ ت اﻟﻮاجﺒة ﻋﻠﻰ اﻹنﺴﺎن‪ ،‬من ﺣﻘﻮق ﷲ‪ ،‬ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده‪ ،‬من اﻟصﻠﻮات واﻟﺰﻛﻮات‪ ،‬واﻟﻜﻔﺎرات واﻟنﺬور واﻟصﻴﺎم‪ ،‬وﻏﲑ ذﻟﻚ‪ ،‬ﳑﺎ ﻫﻮ مﺆﲤن ﻋﻠﻴه‬
‫ﻋﻠﻴه ﻻ ﻳﻄﻠع ﻋﻠﻴه اﻟعﺒﺎد‪ ،‬ومن ﺣﻘﻮق اﻟعﺒﺎد ﺑعﻀﻬم ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ ﻛﺎﻟﻮداﺋع وﻏﲑ ذﻟﻚ ﳑﺎ ﲤنﻮن ﺑه‬
‫‪3‬‬
‫ﺑه ﺑعﻀﻬم ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ من ﻏﲑ اﻃﻼع ﺑﻴنة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓأمﺮ ﷲ‪ ،‬ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬داﺋﻬﺎ‪".‬‬
‫ب‪ .‬ﻓﻀﻞ اﻷﻣﺎﻧﺔ وأﳘﻴﺘﻬﺎ‬
‫ﻗﺪ جﺎءت ﰲ ﻓﻀﻞ اﻷمﺎنة واﻟﺘأﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أﳘﻴﺘﻬﺎ نصﻮص ﻛﺜﲑة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ﻓممﺎ ورد ﰲ‬
‫ْ ْ‬ ‫ََٰٰ َ َ ِ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫ََ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ﺎل فﺄ َ َ أن يحمِلنَ َهﺎ‬ ‫ت واﻻ ض وال ِ‬
‫جب ِ‬ ‫لس ِ‬ ‫ﻻمﺎنة‬ ‫ﰲ اﻟﻘﺮآن ﺑﺸأ ﺎ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱأنﺎ َع َرضنَﺎ‬
‫ُ ٗ َ ٗ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َْ َ َْ َ َ َ‬
‫چ ] اﻷﺣﺰاب‪ ،[72 :‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﻄﱪي ﻋن‬ ‫ج ُهوﻻ‬ ‫ومﺎ‬ ‫ح َمل َهﺎ ِﻻ َ ٰ ُن أنهۥ كﺎن ظ‬‫وأشفقن مِنهﺎ و‬
‫‪4‬‬
‫ﺳعﻴﺪ ﺑن جﺒﲑ‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬اﻷمﺎنة‪ :‬اﻟﻔﺮاﺋﺾ اﻟﱵ اﻓﱰﺿﻬﺎ ﷲ ﻋﻠﻰ اﻟعﺒﺎد "‬
‫ﺬا اﳌعﲎ اﻟﺬي ذﻛﺮه اﻟﻄﱪي ﲢﺪد مصﲑ اﻟعﺒﺪ‪ ،‬ﻓمن أﻗﺎم مﺎ اﻓﱰﺿه ﷲ ﻋﻠﻴه ﳒﺎ وأﻓﻠﺢ‪ ،‬ومن‬
‫ﻗصﺮ وﻓﺮط ﺧﺎب وﺧﺴﺮ‪ ،‬وﻻ رﻳﺐ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ واﻟﺴعﻲ ﻹﻋﻼء ﻛﻠمﺘه ﳉﻬﺎد واﻟﻠﺴﺎن من‬
‫اﻟﻔﺮاﺋﺾ واﻷمﺎ ت‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،(133/1) ،‬معﺠم اﻟﻠﻐة اﻟعﺮﺑﻴّة اﳌعﺎﺻﺮة‪.(122/1) ،‬‬
‫‪-2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(40/13) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪.(338/2) ،‬‬
‫‪ -4‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(197/19) ،‬‬
‫‪186‬‬
‫َ َ َُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِين ءامنوا‬ ‫ٱچ ٓٱٰ َهﺎ‬ ‫ﻟﺬا جﺎء اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من تﻀﻴعﻬﺎ ﺻﺮﳛﺎ ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫َ‬
‫ُ َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ُ‬‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ﻻ ت َ ُخونُوا َ‬ ‫َ‬
‫ون چ ]اﻷنﻔﺎل‪ ،[27 :‬وﻗﺪ اﺳﺘﻮﻋﺐ اﻟﺪﻋﺎة‬ ‫ﷲ َوا رسول َوتخون ٓوا أ ٰ ٰت ِك ْم َوأنت ْم تعلم ۖ‬
‫واﳌصﻠﺤﻮن ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة أﳘﻴّة اﻷمﺎنة وﺧﻄﻮرة تﻀﻴﻴعﻬﺎ من ﺧﻼل ﻫﺬه اﻵ ت ومﺎ ﰲ معنﺎﻫﺎ‬
‫من اﻷﺣﺎدﻳﺚ‪.‬‬
‫ﺖ اﻷَ َﻣﺎﻧَﺔُ ﻓَﺎﻧْـﺘَ ِﻈ ِﺮ‬
‫ﺿﻴِّ َﻌ ِ‬
‫ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬إِ َذا ُ‬
‫ُﺳﻨِ َﺪ اﻷَ ْﻣ ُﺮ إِ َﱃ غَ ِْﲑ‬
‫ﺎل‪» :‬إِ َذا أ ْ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ؟ ﻗَ َ‬
‫ﺎﻋﺘُـ َﻬﺎ َ َر ُﺳ َ‬
‫ﺿَ‬ ‫ف إِ َ‬
‫ﺎل‪َ :‬ﻛ ْﻴ َ‬
‫ﺎﻋﺔَ« ﻗَ َ‬
‫ﺴَ‬ ‫اﻷََﻣﺎﻧَﺔُ ﻓَﺎﻧْـﺘَ ِﻈ ِﺮ اﻟ ﱠ‬
‫ﺎﻋﺔَ« ‪.1‬‬‫ﺴَ‬ ‫أَ ْﻫﻠِ ِﻪ ﻓَﺎﻧْـﺘَ ِﻈ ِﺮ اﻟ ﱠ‬
‫ﻓﻘﺪ أﺷﺎر اﳊﺪﻳﺚ إﱃ أﳘﻴّة اﻷمﺎنة ﰲ ﺣﻔﻆ ﻛﻴﺎن اﻷمة من اﻻ ﻴﺎر‪ ،‬ﻓﺈذا ﺿﻴعﺖ ﺑﺘمﻜﲔ من‬
‫ﻟﻴﺲ أﻫﻼ ﻟﻠمﺴﺆوﻟﻴّة من اﳋﻮنة وﻗﻠﻴﻠﻲ اﳋﱪة ﺿﺎﻋﺖ مصﺎﱀ اﻟنﺎس‪ ،‬وانﺘﺸﺮت اﻟﻔﻮﺿﻰ‪ ،‬وﻋم‬
‫اﻟﻈﻠم‪ ،‬وتﻔﺸﺖ اﻟعﺪاوة واﻟﺒﻐﻀﺎء‪ ،‬ﻓﻴﺆدي ذﻟﻚ إﱃ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻷمة‪.2‬‬
‫‪.2‬ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ‬
‫ﻋنﺪ تﺘﺒع اﻟﻐﺰوات ﳒﺪه ‪ ‬ﳛﺮص ﻋﻠﻰ آداء اﻷمﺎ ت ﰲ ﲨﻴع ا ﺎﻻت؛ وﻫﺬا مﻈﻬﺮ ومﺆﺷﺮ‬
‫ﻗﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮة اﻟﻘﻴﺎدﻳّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.3‬‬
‫وﺳﻮف أتﻄﺮق إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنﺤﻮ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫أ‪.‬ا ﺎل اﻟﺘﻌﺒﺪي ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ‬
‫أن اﻟنﱯ ‪ ‬وﻫﻮ ﰲ ﻏﺰواته ﻻ ﻳﻔﺮط ﰲ آداء اﻟﻔﺮاﺋﺾ‪ ،‬وﻟعﻞ من أﺑﺮز مﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺣﺮﺻه‬
‫ﺣﺮﺻه ﻋﻠﻰ أداء اﻟصﻼة ﰲ وﻗﺘﻬﺎ ﲨﺎﻋة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺳﻒ ﺣﲔ ﺷﻐﻠه اﻷﺣﺰاب ﻋن أداء ﺻﻼة اﻟعصﺮ‪،‬‬
‫ﺎل ﻳَـ ْﻮَم اﳋَْن َﺪ ِق‪َ » :‬ﻣ َﻸَ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﺑُـﻴُﻮﺗَـ ُﻬ ْﻢ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬أنهُ ﻗَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اﻟعصﺮ‪َ ،‬ﻋ ْن َﻋﻠ ٍّﻲ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪َ ،‬ﻋن اﻟن ِّ‬
‫ﺲ« ‪.4‬‬ ‫وﻗُـﺒﻮرُﻫﻢ َ را‪َ ،‬ﻛﻤﺎ َﺷﻐَﻠُﻮَ َﻋﻦ ﺻﻼَ ِة اﻟﻮ ْﺳﻄَى ﺣ ﱠﱴ غَﺎﺑ ِ‬
‫ﺖ اﻟ ﱠ‬
‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َُ ْ ً َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب رﻓع اﻷمﺎنة‪ ،(88/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6496 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﲪﺰة ﷴ ﻗﺎﺳم‪ ،‬منﺎر اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬مﻜﺘﺒة دار اﻟﺒﻴﺎن‪ ،‬دمﺸق‪ 1410 ،‬ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪،‬‬
‫)‪.(156/1‬‬
‫‪ - 3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬ﻗﻮاﻋﺪ اﳌنﻬج ﰲ اﳊﺮﻛة اﳊﻀﺎرﻳّة ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬دار ﻗﺎنة‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪،‬‬
‫ص‪.132‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳋنﺪق‪ ،(110/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4111 :‬‬
‫‪187‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا درس دﻋﻮي ﻓعﻠﻰ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أن ﳛﺮص ﻋﻠﻰ أداء اﻟﻔﺮاﺋﺾ وﻳﺪﻋﻮ ﻏﲑه إﱃ ذﻟﻚ مﻬمﺎ‬
‫ﻛﺎنﺖ اﻟﻈﺮوف ﻓﺎﻟصﻼة ﻻ تﺴﻘط ي ﺣﺎل‪ ،‬وﳑﺎ ﻳﺆﺳﻒ ﻟه تﻔﺮﻳط وتﻘصﲑ ﺑعﺾ اﻟﺪﻋﺎة ﰲ‬
‫اﻟصﻼة‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻟﺸعﺎﺋﺮ‪ ،‬واﻷدﻫﻰ رﲟﺎ ﻳﻔعﻞ ذﻟﻚ ﲝﺠة أنه منﺸﻐﻞ ﻟ ّﺪﻋﻮة!‬
‫ب‪ .‬ا ﺎل اﳊﻘﻮﻗﻲ ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ‬
‫وأمﺎ أمﺎنة آداء ﺣﻘﻮق اﻟعﺒﺎد؛ ﻓﻘﺪ اﲣﺬت ﺻﻮرا ﻛﺜﲑة ومﺘنﻮﻋة‪ ،‬ﻓمنﻬﺎ اﻟعﺎمة واﳋﺎﺻة واﳌﺎدﻳّة‬
‫واﳌعنﻮﻳّة‪ ،‬ﻟﺬا ﺳأﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ ﳕﺎذج منﻬﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ من ﺧﻼل تﺘﺒع ﻏﺰواته ‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪:‬‬
‫‪ ‬اﳊﺮص ﻋﻠى ﺷﺆون اﻟﺮﻋﻴّﺔ‪:‬‬
‫أن مﻈﺎﻫﺮ ﺣﺮﺻه ﻋﻠﻰ ﺷﺆون اﻟﺮﻋﻴّة ﻛﺜﲑة‪ ،‬ومﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻟنﻈﺮ ﺣﺮﺻه ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﺷﺆون اﳌخﻠﻔﲔ من‬
‫من اﻟنﺴﺎء‪ ،‬واﻷﻃﻔﺎل‪ ،‬وأﻫﻞ اﻷﻋﺬار‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺴﺘخﻠﻒ ﺋﺒﺎ ﻋنه ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺷﺆون ﻫﺆﻻء‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺧﺮج إﱃ تﺒﻮك‪ ،‬واﺳﺘخﻠﻒ‬ ‫ﻓﻔﻲ ﻛﻞ مﺮة ﳜﻠﻔه أﺣﺪ من ّ‬
‫)‪(1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺿى أن ﺗ ُﻜﻮ َن ﻣ ِّﲏ ِﲟَْﻨ ِﺰﻟَﺔ َﻫ ُ‬
‫ﺎرو َن ‪،‬‬ ‫واﺳﺘخﻠﻒ ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﲣﻠﻔﲏ ﰲ اﻟصﺒﻴﺎن واﻟنﺴﺎء؟ ﻗﺎل‪» :‬أَﻻَ ﺗَـ ْﺮ َ‬
‫ﱯ ﺑَـ ْﻌ ِﺪي«‪.2‬‬
‫ﺲ ﻧَِ ﱞ‬ ‫ِﻣ ْﻦ ُﻣ َ ِﱠ‬
‫ﻮﺳى إﻻ أﻧﻪُ ﻟَْﻴ َ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻜﺮمﺎﱐ‪ ":‬ﺿﺮب اﳌﺜﻞ ﺳﺘخﻼف مﻮﺳﻰ وﻫﺎرون ﻋﻠﻰ ﺑﲏ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺣﲔ ﺧﺮج إﱃ اﻟﻄﻮر‪،‬‬
‫اﻟﻄﻮر‪ ،‬وﱂ ﻳﺮد ﺑه اﳋﻼﻓة ﺑعﺪ اﳌﻮت؛ ﻻن ﻫﺎرون مﺎت ﻗﺒﻞ مﻮﺳﻰ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻛﺎن ﺧﻠﻴﻔﺘه ﰲ ﺣﻴﺎته ﰲ‬
‫ﰲ وﻗﺖ ﺧﺎص"‪.3‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﺳﺘخﻠﻔﻬم اﻟنﱯ ‪ ،‬منﻬم ﺳعﺪ ﺑن ﻋﺒﺎدة‪،‬‬‫وﻗﺪ ذﻛﺮت ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ ﲨع من ّ‬
‫وزﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة وﺳﺒﺎع ﺑن ﻋﺮﻓﻄة اﻟﻐﻔﺎري‪ ،‬اﺑن أم مﻜﺘﻮم‪ ،‬وﺑﺸﲑ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳌنﺬر‪ ،‬وأ ذر اﻟﻐﻔﺎري‬
‫وﻋﺜمﺎن اﺑن ﻋﻔﺎن‪ ،‬ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ‪ ،‬وﻏﲑﻫم‪.‬‬
‫وﻻ ﲣﻔﻰ ﺣﻜمة وجﻮد اﻷمﲑ ﰲ ﺳﻴﺎﺳة دنﻴﺎ اﻟنﺎس‪ ،‬وإﻗﺎمة ﺷعﺎﺋﺮ ﷲ وأﻋﻈمﻬﺎ إﻗﺎمة اﻟصﻼة‪،‬‬
‫ورﻓع ﺷعﲑة اﻷذان‪.‬‬

‫‪ -‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘخﻠﻒ مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻫﺎرون ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﳌﺎ ذﻫﺐ ﳌﻴﻘﺎت رﺑه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ ،‬ﻛمﺎ ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱڳٱ‬
‫‪1‬‬

‫ڳ ٱڳ ٱڳ ٱڱ ٱڱ ٱڱ ٱڱ ٱں ٱں ٱڻڻ ٱڻ ٱڻ ٱۀ ٱۀ ٱہ ٱہ ٱہ ٱہ ٱھ ٱھ ٱھٱ‬
‫ھٱچ ]اﻷﻋﺮاف‪.[142 :‬‬
‫‪ - 2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،(3/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4416 :‬‬
‫‪ -3‬اﻟﻜﺮمﺎﱐ‪ ،‬ﺷﺮح مصﺎﺑﻴﺢ اﻟﺴنة ﻟﻺمﺎم اﻟﺒﻐﻮي‪ ،‬ت‪ :‬ﳉنة ﳐﺘصة من اﶈﻘﻘﲔ ﺷﺮاف‪ :‬نﻮر اﻟﺪﻳن ﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬إدارة اﻟﺜﻘﺎﻓة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ط‪ 1433 ،1‬ﻫـ‪ 2012 ،‬م‪.(436/6) ،‬‬
‫‪188‬‬
 ‫‪ ‬أداء اﻷﻣﺎ ت اﳌﺎدﻳّﺔ‬
‫من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ اتصﺎف اﻟنﱯ ‪ ‬ﻷمﺎنة‪ ،‬وتﺮﺑﻴّة أتﺒﺎﻋه ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬رده ﳌﻔﺘﺎح اﻟﻜعﺒة‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬أَﻗـْﺒَ َﻞ ﻳَـ ْﻮ َم اﻟ َﻔ ْﺘ ِﺢ ِﻣ ْﻦ‬
‫ﻟعﺜمﺎن ﺑن ﻃﻠﺤة‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪» :‬أن َر ُﺳ َ‬
‫ْﺤ َﺔ ِﻣ َﻦ اﳊَ َﺠﺒَ ِﺔ‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ أَ َ َخ ِﰲ‬ ‫ٍ‬
‫ُﺳ َﺎﻣ َﺔ ﺑْ َﻦ َزﻳْﺪ‪ ،‬وَﻣ َﻌﻪُ ﺑِﻼَ ٌل‪ ،‬وَﻣ َﻌﻪُ ﻋُﺜْﻤﺎن ﺑْ ُﻦ ﻃَﻠ َ‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫أَ ْﻋﻠَى َﻣ ﱠﻜ َﺔ َﻋﻠَى َراﺣ َﻠﺘﻪ ُﻣ ْﺮدﻓًﺎ أ َ‬
‫ُﺳ َﺎﻣﺔُ‪ ،‬وﺑِﻼَ ٌل‪ ،‬و ُﻋﺜْ َﻤﺎ ُن‪ ،‬ﻓَ َﻤ َﻜ َ‬ ‫ﺖ ﻓَـ َﻔﺘﺢ‪ ،‬ود َﺧﻞ رﺳ ُ ِ‬ ‫ﺎح اﻟﺒـْﻴ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﺚ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪َ ‬وَﻣ َﻌﻪُ أ َ‬ ‫َ َ َ َ َُ‬ ‫اﳌَ ْﺴﺠﺪ‪ ،‬ﻓَﺄ ََﻣ َﺮُﻩ أن ِْﰐَ ِﲟ ْﻔﺘَ ِ َ‬
‫ﻓِ َﻴﻬﺎ ﻧَـ َﻬ ًﺎرا ﻃَ ِﻮ ًﻳﻼ‪ ،‬ﰒُﱠ َﺧ َﺮ َج« ‪.1‬‬
‫وﱂ ﻳﺮد ﰲ اﻟﺮواﻳّة رد اﳌﻔﺘﺎح ﻏﲑ أنه ورد ﰲ ورا ت أﺧﺮى‪ ،‬ﻓﻔﻲ‪‬رواﻳّة ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺑﺴنﺪه ﻗﺎل‪َ :‬د َﻋﺎ‬
‫ﺎح اﻟْ َﻜ ْعﺒَ ِة‪ ،‬ﻓَأَْﻗـﺒَ َﻞ ﺑِِه َم ْﻜ ُﺸﻮﻓًﺎ َﺣ ﱠﱴ َدﻓَـ َعهُ إِ َﱃ‬ ‫ﱠﱯ ‪‬ﻋُﺜْمﺎن ﺑْ َن ﻃَْﻠ َﺤةَ ﻳَـ ْﻮَم اﻟْ َﻔْﺘ ِﺢ ﲟِِْﻔﺘَ ِ‬ ‫ﻗﺎل‪َ :‬د َﻋﺎ اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪‬‬ ‫اﻟﺴ َﻘﺎﻳّة‪ ،‬ونَـَﺰَل اﻟْ َﻮ ْﺣ ُﻲ َﻋﻠَﻰ اﻟنِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫اﲨع ِﱄ ِْ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اْﻟعﺒﱠﺎس‪ :‬نَِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اﳊ َﺠﺎﺑَةَ َم َع ّ‬ ‫ﱯ ا ﱠ ‪ْ َْ ،‬‬ ‫َ ُ َ ﱠ‬ ‫اﻟن ِّ‬
‫ﱠﱯ ‪‬إِﻟَْﻴ ِه‪ ،‬و َﺳﺘَـَﺮ َﻋﻠَْﻴ ِه ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَـَﺮ ُﺳ ُ‬
‫ﻮل‬ ‫ِ‬
‫ْﺤﺔَ«‪ ،‬ﻓَ ُﺪﻋ َﻲ ﻟَهُ‪ ،‬ﻓَ َﺪﻓَـ َعهُ اﻟنِ ﱡ‬ ‫ﺎل‪» :‬ا ْد ُﻋﻮا ِﱄ ُﻋﺜْﻤﺎن ﺑْ َﻦ ﻃَﻠ َ‬ ‫‪ ‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ْﺤ َﺔ َﻻ ﻳَـ ْﻨـﺘَ ِﺰﻋُﻪُ ِﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ إِﱠﻻ ﻇَ ِﺎﱂٌ« ‪.2‬‬
‫ﺎل‪ُ » :‬ﺧ ُﺬوﻩُ َ ﺑَِﲏ ﻃَﻠ َ‬ ‫ا ﱠِ ‪‬أ ﱠَوُل َم ْن َﺳﺘَـَﺮ َﻋﻠَْﻴ ِه‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫وﰲ اﻟﻘصة إﺷﺎرة إﱃ أﳘﻴّة مﺮاﻋﺎة اﻟﺘخصﺺ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﺜمﺎن ﺑن ﻃﻠﺤة ﳐﺘصﺎ ﰲ اﳊﺠﺎﺑة ﺣﱴ‬
‫ﺣﱴ أﺻﺒﺤﺖ وﺻﻔﺎ مﻼزمﺎ ﻟه‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﺬﻫﱯ رﲪه ﷲ ﰲ تﺮﲨﺘه‪ ":‬اﳊﺠﱯ‪ ،‬ﺣﺎجﺐ اﻟﺒﻴﺖ اﳊﺮام‪،‬‬
‫اﳊﺮام‪ ،‬وأﺣﺪ اﳌﻬﺎجﺮﻳن"‪.3‬‬
‫ﻓمن اﻷمﺎ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة أن ﻳﺮاﻋﻲ ﻗﺎدة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋنصﺮ اﻟﺘخصﺺ‪ ،‬واﻟﻜﻔﺎءة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ‬
‫اﻷتﺒﺎﻋﻮاﺳﺘﺜمﺎرﻫﺎ ﻟصﺎﱀ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻻ ﳛمﻠنﱠﻬم ﻏﲑ ذﻟﻚ ﰲ وﺿع اﻟﺮجﻞ ﰲ مﺎﻻ ﻳصﻠﺢ ﻟه‪ ،‬أو ﰲ‬
‫مﻜﺎن من ﻫﻮ أول منه‪ ،‬وﻟﻮ ﻛﺎنﻮاأوﱄ ﻗﺮﰉ وﻓﻀﻞ‪ ،‬ﻓمصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة أﲰﻰ من ﻛﻞ اﻻﻋﺘﺒﺎرات‬
‫اﻟﺸخصﻴّة اﻟﻀﻴﻘة‪.‬‬
‫‪ ‬اﻷﻣﺎﻧﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻷﺳﺮة‬
‫تعﺪ اﻟﺰوجة أمﺎنة ﻋنﺪ زوجﻬﺎ ﻳنﺒﻐﻲ إﻛﺮامﻬﺎ ورﻋﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ومن مﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺮﱘ اﻟعﺪل ﺑﲔ‬
‫اﻟﺰوجﺎت‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳعﺪل ﺑﲔ زوجﺎته ﺣﱴ ﰲ ﺣﺎﻟة اﻟﺴﻔﺮ واﻟﻐﺰو ن‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‬
‫ج ِ َﺎ‬ ‫ع ﺑـ ْﲔ ﻧِ ِِ‬ ‫ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻛﺎن اﻟﻨﱯ ‪‬إِذَا أ ََر َ‬ ‫ﻋن ﻋﺎﺋﺸة‬
‫ج َﺳ ْﻬ ُﻤ َﻬﺎ َﺧ َﺮ َ‬ ‫ج أَﻗـ َْﺮ َ َ َ َ‬
‫ﺴﺎﺋﻪ‪ ،‬ﻓَﺄَﻳـﱠﺘُـ ُﻬ ﱠﻦ َﳜْ ُﺮ ُ‬ ‫اد أن ﳜْ ُﺮ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب دﺧﻮل اﻟنﱯ ‪ ‬من أﻋﻠﻰ مﻜة‪ ،(148/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4289 :‬‬
‫‪ -2‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬اﳌصنﻒ‪ ،(85/5) ،‬وﺣﺴنه اﳊﺎﻓﻆ اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(18/8) ،‬وﻟعﻞ‬
‫اﻛﺘﻔﺎء اﻟﺒخﺎري ﻟﺮواﻳّة اﻟﺴﺎﺑﻘة؛ ﻟﻘصﻮر رتﺒﺘﻬﺎ ﻋن ﺷﺮط اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻻ ﳜﺮج اﳊﺪﻳﺚ اﳊﺴن ﻓﻴه‪.‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(10/3) ،‬‬
‫‪189‬‬
 ‫ج ﻓِ َﻴﻬﺎ َﺳ ْﻬ ِﻤﻲ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ ْﺟ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ﱠﱯ ‪‬ﺑَـ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ أُﻧْ ِﺰ َل‬
‫ﺖ َﻣ َﻊ اﻟﻨِ ِّ‬ ‫ع ﺑَـ ْﻴـﻨَـﻨَﺎ ِﰲ غَ ْﺰَوة غَ َﺰ َاﻫﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ َ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَﺄَﻗـ َْﺮ َ‬‫اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﺎب«‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫اﳊ َﺠ ُ‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ":‬اﻟعﺪل ﺑﲔ اﻟنﺴﺎء ﻓﺮﻳﻀة إذا ﻗﻠنﺎ أن اﻟﻘﺴم ﳚﺐ ﰲ ﺣﻘه‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﺧﺮج ﺑﻮاﺣﺪة من‬
‫من أزواجه دون ﻗﺮﻋة ﱂ ﻳﻜن ذﻟﻚ ﻋﺪﻻ ﺑﻴنﻬن وﻛﺎﳕﻴﻼ‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ اﻟﻘﺮﻋة ﻓصﻼ ﰲ ذﻟﻚ وﺣﻜمﺎ‬
‫ﻳﺮجع إﻟﻴه‪ ،‬ﻛمﺎ ﳛﻜم ﺎ ﰲ ﻛﺜﲑ ﳑﺎ ﻳﺸﻜﻞ أمﺮه من أمﻮر اﻟﺸﺮﻳعة‪.2".‬‬
‫إﳘﺎﳍن ﺑﺪﻋﻮى‬ ‫ّ‬ ‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق أﻟﻔﺖ نﻈﺮ اﻟﺪﻋﺎة إﱃ ﺿﺮورة اﻻﻫﺘمﺎم ﺑﺰوجﺎ م‪ ،‬وأﺣﺬرﻫم من‬
‫ﺑﺪﻋﻮى اﻻنﺸﻐﺎل ﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪوة ﰲ ﲨﻴع ا ﺎﻻت‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن‬
‫ﺖ‪:‬‬‫ﻮم اﻟﻨـ َﱠﻬ َﺎر؟« ﻗُـ ْﻠ ُ‬
‫ﺼ ُ‬‫ﻮم اﻟﻠﱠْﻴ َﻞ َوﺗَ ُ‬
‫ﻚ ﺗَـ ُﻘ ُ‬‫ﻋمﺮو رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل ﻗﺎل ﱄ اﻟنﱯ ‪» : ‬أَ َﱂْ أُ ْﺧﺒَـ ْﺮ أﻧ َ‬
‫ﻚ‪ ،‬وأن ﻟِﻨَـ ْﻔ ِﺴ َ‬
‫‪3‬‬
‫ﻚ‪ ،‬وﻧَِﻔ َﻬ ْ‬ ‫ْﺖ َذﻟِ َ‬
‫ﻚ إِ َذا ﻓَـ َﻌﻠ َ‬
‫ِ‬
‫ﻚ َﺣﻘﺎ‪،‬‬ ‫ﺴَ‬ ‫ﺖ ُ‬‫ﻔ‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫َ‬‫ﻧ‬ ‫ﺖ َﻋ ْﻴـﻨُ َ‬ ‫ﻚ َﻫ َﺠ َﻤ ْ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻓَﺄﻧ َ‬ ‫أﱐ أَْﻓـ َع ُﻞ ذَﻟ َ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺼ ْﻢ َوأَﻓْ ِﻄ ْﺮ‪ ،‬وﻗُ ْﻢ َو َْﱎ« ‪.4‬‬ ‫وِﻷَ ْﻫﻠِ َ‬
‫ﻚ َﺣﻘﺎ‪ ،‬ﻓَ ُ‬
‫ف " ﺣﺎﺻﻞ اﻟﻜﻼم‪ :‬أن اﻟﻜمﺎل ﻟﻴﺲ ﰲ اﻻجﺘﻬﺎد ﻓﻘط‪ ،‬ﺑﻞ ﰲ رﻋﺎﻳّة اﳊﻘﻮق ومﺮاﻋﺎة‬
‫اﳉﻮانﺐ‪ ،‬ﻓعﻠمه أن ﻳعمﻞ ﲟﺎ ﻫﻮ اﻷﻋﻠﻰ واﻷوﱃ‪ ،‬ومن اﻟﻄﺒﺎﺋع اﻟنﺎزﻟة من ﻳعﺪ اﻟﻜمﺎل ﰲ ﺳﻬﺮ‬
‫اﻟﻠﻴﺎﱄ وﺻﻴﺎم اﻟﺪﻫﺮ ﻓﻘط وإن ﻓﺎتﺖ ﻋنه اﳊﻘﻮق"‪.5‬‬
‫من ﺧﻼل مﺎ ﺳﺒق ﻳﺘﻀﺢ ﻟنﺎ مﺪى ﺣﻀﻮر ﺻﻔة اﻷمﺎنة ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﳐﺘﻠﻒ‬
‫اﳌﺴﺘﻮ ت‪ ،‬ﺣﱴ ﰲ ﳎﺎل اﻟﻐﺰو؛من أجﻞ أ ْن ﳛﺮص اﻟﺪﻋﺎة ﻋﻠﻰ امﺘﺜﺎﳍﺎ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳋﻠﻖ اﻹﺧﻼص‬
‫ومن اﻟصﻔﺎت اﻟﺬاتﻴّة اﻟعﻈﻴمة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن ﻳﺘصﻒ ﺎ ﻛﻞ مﺴﻠم ﻓﻀﻼ ﻋن اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ﺻﻔة‬
‫اﻹﺧﻼص‪ ،‬وﻹﺑﺮاز أﳘﻴﺘﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وأثﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮك اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪.‬‬
‫ﺳﻮف أﻗﻮم ﺑﺘعﺮﻳﻔﻬﺎ‪ ،‬وﺑﻴﺎن ﺑعﺾ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ‪ ،‬وﲡﻠﻴﺎ ﺎ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات؛ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟنﺤﻮ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲪﻞ اﻟﺮجﻞ امﺮأته ﰲ اﻟﻐﺰو دون ﺑعﺾ نﺴﺎﺋه‪ ،(33/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2879‬‬
‫‪ -2‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(566/17) ،‬‬
‫ﺖ وَﻛﻠﱠﺖ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ﱡ‬ ‫‪3‬‬
‫أﻋﻴَ ْ‬
‫ﱠﻔﺲ‪ْ :‬‬ ‫ﻧﻔﻬﺖ‪ :‬ﻗﺎل اﺑن ﻓﺎرس‪) ":‬نﻔه( اﻟنﻮن واﻟﻔﺎء واﳍﺎء ٌ‬
‫أﺻﻞ واﺣﺪ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ إﻋﻴﺎء وﺿعﻒ‪ .‬منه نَﻔﻬﺖ اﻟن ُ‬ ‫‪ْ -‬‬
‫وﻫﻮ ﻓِهٌ ونـُﻔﱠهٌ "‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(456/5) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻬﺠﺪ‪ ،‬ب مﺎ ﻳﻜﺮه من تﺮك ﻗﻴﺎم اﻟﻠﻴﻞ ﳌن ﻛﺎن ﻳﻘﻮمه‪ ،(54/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1102 :‬‬
‫‪ -5‬اﻟﻜﺸمﲑي‪ ،‬ﻓﻴﺾ اﻟﺒﺎري ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(573/2) ،‬‬
‫‪190‬‬
 ‫‪ .1‬ﻣﻔﻬﻮم اﻹﺧﻼص‬
‫ﻟﺘعﺮﻳﻒ ﺻﻔة اﻹﺧﻼص ﻻﺑﺪ من اﻟﺘعﺮض ﳌﺪﻟﻮﳍﺎ اﻟﻠﻐﻮي واﻻﺻﻄﻼﺣﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻹﺧﻼص ﰲ اﻟﻠﻐة من‬
‫من ﺧﻠﺺ ومنه ﺧﻠﺺ اﻟﺸﻲء إذا ﻛﺎن ﻗﺪ نﺸﺐ‪ ،‬ﰒ ﳒﺎ وﺳﻠم‪ ،‬وﺧﻠﺺ ﻓﻼن إﱃ ﻓﻼن وﺻﻞ إﻟﻴه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫إﻟﻴه‪ ،‬واﻟﺘخﻠﻴﺺ‪ :‬اﻟﺘنﺤﻴّة من ﻛﻞ منﺸﺐ‪.‬‬
‫وأمﺎ اﻹﺧﻼص اﺻﻄﻼﺣﺎ ﻓﻘﺪ ﻋﺮف ﺑعﺪة تعﺮﻳﻔﺎت‪ :‬ﻗﺎل اﳉﺮجﺎﱐ‪ ":‬اﻹﺧﻼص‪ :‬أﻻ تﻄﻠﺐ‬
‫ﺷﺎﻫﺪا ﻏﲑ ﷲ‪ .‬وﻗﻴﻞ‪ :‬اﻹﺧﻼص تصﻔﻴّة اﻷﻋمﺎل من اﻟﻜﺪورات‪ .‬وﻗﻴﻞ‪ :‬اﻹﺧﻼص‪ :‬ﺳﱰ‬ ‫ﻟعمﻠﻚ ً‬
‫ﻫﻮى ﻓﻴمﻴﻠه‪ ،2".‬وﻗﺎل‬
‫ﺑﲔ اﻟعﺒﺪ وﺑﲔ ﷲ تعﺎﱃ ﻻ ﻳعﻠمه مﻠﻚ ﻓﻴﻜﺘﺒه‪ ،‬وﻻ ﺷﻴﻄﺎن ﻓﻴﻔﺴﺪه‪ ،‬وﻻ ً‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ":‬اﻹﺧﻼص‪ :‬أن ﻳﻘصﺪ ﲟﺎ ﻳﻔعﻠه وجه ﷲ مﺘعﺮ ﻋن اﻻﻟﺘﻔﺎت إﱃ ﻏﲑه‪".‬‬
‫وﻋﻠﻴه ﻓﺎﻹﺧﻼص ﻫﻮ إرادة وجه ﷲ تعﺎﱃ ﻟعمﻞ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟه‪ ،‬ﻓﻬﻮ من اﻟصﻔﺎت اﻟﱵ‬
‫ﳛﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﰲ ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن ﺑﻼ ﺷﻚ‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪" :‬ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة اﳌﺴﻠم أن تﻜﻮن ﻟه نﻴّة ﺧﺎﻟصة ﰲ ﻛﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﺣﱴ ﰲ أﻛﻠه‬
‫وﺷﺮﺑة ومﺮﻛﻮﺑه وﺳﺎﺋﺮ ﺣﺮﻛﺎته وﺳﻜنﺎته"‪.4‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﺳنﻠﺤﻈه‪ ،‬ونعﻴﺶ آ ره من ﺧﻼل ﲡﺴﺪه ﰲ ﺷﱴ ا ﺎﻻت ﻋﻠﻰ اﻟعﻬﺪ اﻟنﺒﻮي ﰲ مﻴﺪان‬
‫اﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫‪ .2‬ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻺﺧﻼص‬
‫ﻻ ﻳﺮ ب أﺣﺪ ﰲ إﺧﻼص اﻟنﱯ ‪ ‬وإﺧﻼص‪ ،‬وأﺻﺤﺎﺑه ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان ﰲ جﻬﺎدﻫم ودﻋﻮ م‪،‬‬
‫وﻳﻠﺤﻆ ذﻟﻚ من ﺧﻼل ﲡﻠﻴﺎت وأﺣﻮال ﺳﻠﻮﻛﻴّة ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ من تﺘﺒع مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومن تﻠﻚ‬
‫اﳌﻈﺎﻫﺮ‪ ،‬مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﻣﻈﻬﺮ اﻟﺰﻫﺪ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫ﻻ ﳝﻜن ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋن اﻹﺧﻼص ﰲ ﻋمﻠه اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻴﻜﻮن ﻋمﻠه ﻛﻠه ‪ ،‬ﻻ ﻳﺪاﺧﻠه‬
‫ﻏﺮض آﺧﺮ من أﻋﺮاض اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬وأن ﻳﺒﺤﺚ ﰲ ﻛﻞ أﻗﻮاﻟه وأﻋمﺎﻟه وأﺣﻮاﻟه ﻋن مﺮاد ﷲ‪ ،‬وتﻮجﻴﻬه‬
‫وتﻮجﻴﻬه ﻓﻴمﺎ ﺳﻴﻘﻮم ﺑه‪ ،‬وﻗﺪوته ﰲ ذﻟﻚ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬اﻟﺬي ﻋﺎش ﻋمﺮه ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وﱂ ﻳنﻈﺮ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻷزﻫﺮي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻟﻠﻐة‪.(64/7) ،‬‬

‫‪ -2‬اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟعﻠﻮم ﰲ اﳊﺪود واﻟﺮﺳﻮم‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫‪ -4‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻘﺪوة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬دار اﻟﺸﻬﺎب‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪191‬‬
‫ﻟﺸﻲء آﺧﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻋﺮض ﻋﻠﻴه ﻛﻔﺎر مﻜة اﳌﺎل‪ ،‬واﳌﻠﻚ‪ ،‬واﻟﺴﻠﻄﺎن‪ ،‬واﳌﺮأة ﻟﻴﱰك اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺮده‬
‫واﺿﺤﺎ نه ﻟن ﻳﱰﻛﻬﺎ وﻟﻮ مﻠﻜﻮه ﻗﻮى اﻟﻜﻮن وأﻋﻄﻮﻫﺎ ﻟه ﰲ ﻳﺪه‪ ،‬وﲢﺖ تصﺮﻓه‪.1‬‬
‫وﻇﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻜﺎنﻔﻲ ﻏﺰواته ﳛﺮص ﻋﻠﻰ اﳍﺪاﻳّة‪ ،‬وﱂ ﻳﻜن ﻫﺪﻓه اﳌﻐنم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﻟعﻠﻲ ﻋنﺪ‬
‫ﻓﺘﺢ ﺧﻴﱪ‪ » :‬ﻓَـ َﻮا ﱠِ ﻻن ﻳ ْﻬ ِﺪ َي ا ﱠُ ﺑِ َﻚ َر ُﺟ ًﻼ َو ِاﺣ ًﺪا‪َ ،‬ﺧْﻴـ ٌﺮ ﻟَ َﻚ ِﻣ ْﻦ أن ﻳ ُﻜﻮ َن ﻟَ َﻚ ُﲪْ ُﺮ اﻟﻨـ َﱠﻌ ِﻢ«‪ ،2‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫اﳌخﻠﺺ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ مﺘﺎع اﻟﺪنﻴﺎ اﻟﻔﺎﱐ ﺑﻞ ﻳﺮﻳﺪ أن ﳛمﻞ رﺳﺎﻟة اﳋﲑ ﻟﻺنﺴﺎنﻴّة ﻟﻴنﺎل أجﻮر من ﻛﺎن‬
‫ﺳﺒﺒﺎ ﰲ ﻫﺪاﻳﺘﻬم‪.3‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ منﻬج اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬واﳌﺮﺳﻠﲔ‪ ،‬واﳌصﻠﺤﲔ ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﷲ تعﺎﱃ‬
‫َْ ُ ّ‬ ‫ُ َ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻻت‪:‬ٱچٱفإنٱت َو ْت ْم َمﺎ َسﺄ ُكم م َِن‬ ‫ﰲ معﺮض اﳊﺪﻳﺚ ﻋن رﺳﺎﻟة نﻮح ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم وﻫﻲ ﻓﺎﲢة‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ﷲ َو م ِْرت أن كو َن م َِن ل ُمس ِل ِم َ ۖ ٱچ ]ﻳﻮنﺲ‪.[72 :‬‬
‫ِۖ‬ ‫ج ٍر أن ج ِر َي إِﻻ‬

‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻛﺎن ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م تﺜﺒﻴﺘﺎ ﻟﻺﺳﻼم ﰲ أﻓﺌﺪ م‪ ،‬ﻓعن أنﺲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪،‬‬
‫ﻳﺚ َﻋ ْﻬ ٍﺪ ِﲜَ ِﺎﻫﻠِﻴّﺔ« ‪.4‬‬ ‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل اﻟنﱯ ‪» :‬أﱐ أُ ْﻋ ِﻄﻲ ﻗُـ َﺮﻳْ ً‬
‫ﺸﺎ أَ ََﻟﱠُﻔ ُﻬ ْﻢ‪ ،‬ﻻ ُ ْﻢ َﺣ ِﺪ ُ‬
‫واﻟﺘعﻠﻴﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﰲ اﳊﺪﻳﺚ واﺿﺢ؛ ﻟﻜﻮن ذﻟﻚ من أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﱰﻏﻴﺐ ﻹﺣﺴﺎن اﻟﱵ تﺆثﺮ ﰲ‬
‫تﺜﺒﻴﺖ اﻹﳝﺎن ﰲ ﻗﻠﻮب اﳌﺴﻠمﲔ اﳉﺪد‪ ،‬وتﺮﻏﺐ نﻈﺮاءﻫم اﻟﺬﻳن ﱂ ﻳﺴﻠمﻮا ﺑعﺪ‪ ،‬ﻓﻬﻲ رﺳﺎﻟة دﻋﻮﻳّة‬
‫دﻋﻮﻳّة وجﺪانﻴّة ﻟﻠمﺪﻋﻮ اﳌﺴﺘﺠﻴﺐ واﳌﺮتﻘﺐ‪.5‬‬
‫ب‪.‬ﻣﻈﻬﺮ اﳊﺮص ﻋﻠى اﻟﺸﻬﺎدة‬
‫ﻟﻺﺧﻼص أثﺮ ﻟغ ﻋﻠﻰ ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﰲ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻳعﺪ اﻟﺮﻛﻮن إﱃ اﻟﺪنﻴﺎ واﻻﻓﺘﺘﺎن ﺑﺰﺧﺮﻓﻬﺎ من‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻟﻠﺸﻬﺎدة‪ ،‬واﳉﻬﺎد من مﻈﺎﻫﺮ اﻹﺧﻼص اﻟﱵ أﲦﺮت‬ ‫معﻮﻗﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻼ ﺷﻚ أن ﺣﺐ ّ‬
‫إﻗﺒﺎﻻ منﻘﻄع اﻟنﻈﲑ ﻋﻠﻰ اﳌﻮت ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪.‬‬
‫ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﲰعﺖ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪َ » :‬واﻟﱠ ِﺬي ﻧَـ ْﻔ ِﺴﻲ ﺑِﻴَ ِﺪﻩِ ﻟَ ْﻮﻻَ أن ِر َﺟ ًﺎﻻ ِﻣ َﻦ‬
‫َﲪﻠُ ُﻬ ْﻢ َﻋ َﻠْﻴ ِﻪ َﻣﺎ َﲣَﻠﱠ ْﻔ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ َﻋ ْﻦ َﺳ ِﺮﻳّﺔ ﺗَـﻐْ ُﺰو ِﰲ‬ ‫َﺟ ُﺪ ﻣﺎ أ ِْ‬
‫ﺴ ُﻬ ْﻢ أن ﻳﺘَ َﺨﻠﱠ ُﻔﻮا َﻋ ِّﲏ‪ ،‬وﻻَ أ َ‬
‫ﻴﺐ أَﻧْـ ُﻔ ُ‬ ‫ﻣ َﻦ اﳌُْﺆﻣﻨِ َ‬
‫ﲔ ﻻَ ﺗَﻄ ُ‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﻜﻲ‪ ،‬ص ‪586‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(134/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4210 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬اﳊﻀﺎرة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺎ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م‪ ،(93/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3146 :‬‬
‫‪ -5‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﲪﺰة ﷴ ﻗﺎﺳم‪ ،‬منﺎر اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(133/4) ،‬‬
‫‪192‬‬
 ‫ت أﱐ أُﻗـْﺘﻞ ِﰲ ﺳﺒِ ِ ِ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ‪ ،‬واﻟﱠ ِﺬي ﻧَـ ْﻔ ِﺴﻲ ﺑَِﻴ ِﺪﻩِ ﻟَ َﻮ ِد ْد ُ‬ ‫َﺳﺒِ ِ‬
‫ُﺣﻴَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ أُﻗـْﺘَ ُﻞ‪ ،‬ﰒُﱠ‬ ‫ﻴﻞ ا ﱠ ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ْ‬
‫ُﺣﻴَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ أُﻗـْﺘَ ُﻞ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ْ‬ ‫َُ َ‬
‫أ ُْﺣﻴَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ أُﻗـْﺘَ ُﻞ«‪.1‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺑﻄﺎل ﰲ ﺑﻴﺎن دﻻﻟة اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ اﻹﺧﻼص‪ ":‬ﻓﻴه من اﻟﻔﻘه‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ﻛﺎن ﻳﺘمﲎ‬
‫ﺣﺮﺻﺎ منه ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ أﻋﻠﻰ درجﺎت اﻟﺸﺎﻛﺮﻳن‪،‬‬ ‫من أﻋمﺎل اﳋﲑ مﺎ ﻳعﻠم أنه ﻻ ﻳعﻄﺎه ً‬
‫اﻟﺸﺎﻛﺮﻳن‪ ،‬وﺑﺬﻻ ﻟنﻔﺴه ﰲ مﺮﺿﺎت رﺑه وإﻋﻼء ﻛﻠمة دﻳنه‪ ،‬ورﻏﺒة ﰲ اﻻزد د من ثﻮاب رﺑه‪،‬‬
‫وﻟﺘﺘأﺳﻰ ﺑه أمﺘه ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬وﻗﺪ ﻳﺜﺎب اﳌﺮء ﻋﻠﻰ نﻴﺘه"‪.2‬‬
‫وﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺐ اﻟﺸﻬﺎدة ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ من ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬ﻓعن َجﺎﺑَِﺮ ﺑْ َن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪،‬‬
‫ﺎل‪ِ» :‬ﰲ اﳉﻨ ِﱠﺔ ﻓَﺄَﻟْ َﻘى ﲤََﺮ ٍ‬ ‫ﺖ ﻓَأَﻳْ َن أَ َ ؟ ﻗَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳـﻮم أ ٍ‬ ‫ِِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﺖ أن ﻗُﺘْﻠ ُ‬‫ُﺣﺪ أ ََرأَﻳْ َ‬
‫َْ َ ُ‬ ‫َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗَﺎ َل َر ُج ٌﻞ ﻟﻠن ِّ‬
‫ات ِﰲ ﻳَ ِﺪﻩِ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَﺎﺗَ َﻞ َﺣ ﱠﱴ ﻗُﺘِ َﻞ« ‪.3‬‬
‫ﲤََﺮ ٍ‬
‫َ‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ أن اﻟﻘصة ﺣﺪثﺖ ﰲ ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،‬وﻻ ﻳُﺴﺘﺒعﺪ تﻜﺮر اﻟﻮاﻗعة؛ ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ اﺳﺘمﺮار‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪.4‬‬ ‫اﺳﺘمﺮار ﻫﺬا اﳌﺴﺘﻮى من اﻹﺧﻼص ﻋنﺪ جﻴﻞ ّ‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻳﺘﻀﺢ جﻠﻴﺎ أن اﻹﺧﻼص من مﻘﻮمﺎت ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﲪﻞ نﻔﺴه ﻋﻠﻴه‬
‫واﳊﺬر من اﻟﺮﻛﻮن إﱃ اﻟﺪنﻴﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺘﺬﻛﺮ اﻟﺪار اﻵﺧﺮة‪ ،‬واﻟﺘعﻠق ﺎ‪ ،‬واﻟﺮﻏﺒة ﻓﻴمﺎ أﻋﺪه ﷲ ﻟﻠﺪﻋﺎة اﳌخﻠصﲔ‪ ،‬من أﻋﻈم مﺎ ﻳﺸﺤﺬ‬
‫اﳍمم وﻳﺮﻓع من ﻓعﺎﻟﻴّة اﻟعﻄﺎء اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫ج‪.‬ﻣﻈﻬﺮ ﲢﻤﻞ اﳌﺸﺎق‬
‫ﲢمﻞ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وأﺻﺤﺎﺑه مﺸﺎﻗﺎً ﻛﺒﲑة أثنﺎء اﻟﻐﺰوات وﻫم ﳚﺎﻫﺪون ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬‫ﻟﻘﺪ ّ‬
‫مﻈﺎﻫﺮ تﺪل دﻻﻟة واﺿﺤة ﻋﻠﻰ إﺧﻼﺻﻬم‪ ،‬وﻫﺬا دﻳﺪن اﻟﺪﻋﺎة اﻟصﺎدﻗﲔ ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫واﻟﺪﻋﺎة‪.1‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲤﲏ اﻟﺸﻬﺎدة‪ ،(17/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2797 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(16/5) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(77/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4046 :‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻷنﻒ‪.(88/5) ،‬‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت ﰲ رﻳخ ّ‬
‫‪193‬‬
‫وﻗﺪ مﺮت معنﺎ مﻮاﻗﻒ ﻛﺜﲑة تﺪل ﻋﻠﻰ ﲢمﻠﻬم ﻟﻠمﺸﻘة ﻛﺘﺤمﻞ ﺷﺪة اﳉﻮع‪ ،‬واﳋﻮف ﰲ ﻏﺰوة‬
‫اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﲢمﻞ مﺸﻘة اﻟﺴﻔﺮ ﰲ ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،‬وﲢمﻞ مﺸﻘة اﳌﺸﻲ ﺣﻔﺎة ﰲ ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وﲢمﻞ مﺸﻘة اﻟصﺪ ﻋن اﻟﺒﻴﺖ ﻳﻮم اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪.‬‬
‫ﻓﺎﻹﺧﻼص أﻛﱪ معﲔ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘمﺮار ﰲ اﻟﺪﻋﺎة رﻏم مﺎ ﻳعﱰﺿﻬم من مﺸﺎق وﲢﺪ ت‪ ،‬مﺎ دامﻮا‬
‫ﳏﺘﺴﺒﲔ ذﻟﻚ رب اﻟعﺎﳌﲔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﻟﺬي مﻜن اﻟنﱯ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه من مﻮاجﻬة اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﻜﱪى‬
‫واﳌخﺎﻃﺮ اﻟعﻈﻴمة اﻟﱵ ﻗﻞ نﻈﲑﻫﺎ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳخ‪.‬‬
‫وﻗﺪ أدرك من جﺎء من ﺑعﺪﻫم من اﻟﺪﻋﺎة واﻟﻔﺎﲢﲔ أثﺮ اﻹﺧﻼص ﰲ ﲢﻘﻴق اﻹﳒﺎزات اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬ﻓﻠم تﻜن اﻟ ّﺪﻋﻮة أن تصﻞ إﱃ مﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻴه ﻟﻮﻻ إﺧﻼص ﲪﻠﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ أﻫم اﻟصﻔﺎت اﻟﺬاتﻴّة اﻟﱵ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﻔعﻴﻠﻬﺎ ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻟﺘﻜﻮن‬
‫درﺳﺎ تﻄﺒﻴﻘﻴﺎ ﻟﻠﺪﻋﺎة‪ ،‬وﻗﺪ اﻗﺘصﺮت ﻋﻠﻰ ثﻼث ﺻﻔﺎت ﻻ ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋنﻬﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬وﻫﻲ اﻟصﺪق‪،‬‬
‫واﻷمﺎنة‪ ،‬واﻹﺧﻼص‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫ﺑعﺪ ﺑﻴﺎن أﳘﻴّة اﻟصﻔﺎت اﻟﺬاتﻴّة ﰲ ﳒﺎح اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات‪ ،‬أنﺘﻘﻞ إﱃ اﳊﺪﻳﺚ‬
‫ﻋن نﻮع آﺧﺮ من اﻟصﻔﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺘصﻒ ﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﻟصﻔﺎت‬
‫اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة اﳌﺘعﺪﻳّة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أرﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟصﻔﺎت اﻟﺘﺂﻟﻔﻴّة؛ ﻟﻜﻮ ﺎ ﺻﻔﺎت ﲤﻜن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة من اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻔعﺎل واﻹﳚﺎﰊ‬
‫مع اﳌﺪﻋﻮ وتﺆثﺮ ﰲ اﺳﺘﺠﺎﺑﺘه ﺑﺴﺮﻋة وﺑﻔعﺎﻟﻴّة‪.‬‬
‫وﺳﻴﺘم دراﺳة ﻫﺬه اﻟصﻔﺎت اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات اﻟﻮاردة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ من ﺧﻼل‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳋﻠﻖ اﳊﻠﻢ‬
‫ﻹﺑﺮاز أﳘﻴّة ﺻﻔة اﳊﻠم ﻛصﻔة دﻋﻮﻳّة اجﺘمﺎﻋﻴّة ﻟﻔﻴّة ﻻﺑﺪ من اﻟﺒﺪء ﺑﺘعﺮﻳﻔﻬﺎ وﺑﻴﺎن ﻓﻀﻠﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻛمﺪﺧﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻟﺪراﺳة أثﺮﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل اﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﺳﻮف تﺘم معﺎﳉﺘه ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴة‪:‬‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ تﻔصﻴﻞ ﻫﺬه اﳌﺸﻘﺎت‪ :‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪.(3/6) ،(107 ،113 ،121/4) ،‬‬
‫‪194‬‬
 ‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم اﳊﻠﻢ وﻓﻀﻠﻪ‬
‫ﰲ اﻟﺒﺪاﻳّة أﺑﲔ مﻔﻬﻮم اﳊﻠم ﻛصﻔة دﻋﻮﻳّة من ﺧﻼل تعﺮﻳﻔﻬﺎ من اﻟنﺎﺣﻴﺘﲔ‪ :‬اﻟﻠﻐﻮﻳّة‬
‫واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪.‬‬
‫ﻓﺎﳊﻠم ﰲ اﻟﻠﻐة ﺧﺘصﺎر من ﺣﻠم‪ ،‬وﻫﻮ تﺮك اﻟعﺠﻠة‪ ،‬واﳊﻠم ﺧﻼف اﻟﻄﻴﺶ‪ ،‬ﻳﻘﺎل ﺣﻠمﺖ ﻋنه‬
‫أﺣﻠم‪ ،‬ﻓأ ﺣﻠﻴم‪.1‬‬
‫وأمﺎ ﰲ اﻻﺻﻄﻼح؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓه اﳉﺮجﺎﱐ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﳊﻠم‪ :‬ﻫﻮ اﻟﻄمأنﻴنة ﻋنﺪ َﺳ ْﻮرة اﻟﻐﻀﺐ‪ ،‬وﻗﻴﻞ‪:‬‬
‫وﻗﻴﻞ‪ :‬ﺧﲑ مﻜﺎﻓأة اﻟﻈﺎﱂ‪.2‬‬
‫ﻓمن ﺧﻼل اﻟﺘعﺮﻳﻒ اﻟﻠﻐﻮي واﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﻳﺘﱭ أن اﳊﻠم ﺻﻔة مﺘعﺪﻳّة‪ ،‬ﻓﻔﻲ مﻴﺪان اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻫﻲ‬
‫ﺻﻔة دﻋﻮﻳّة مﺘعﺪﻳّة تنﻄﻠق من اﻟ ّﺪاﻋﻴّة وتﺴﺘﻘﺮ ﻋنﺪ اﳌﺪﻋﻮ ﻟصﱪ ﻋﻠﻴه وﲢمﻞ آذاه‪ ،‬واﻟﺘعﺎمﻞ مع‬
‫ردود أﻓعﺎﻟة ﺑﺮزانة وﻋﺪم تﺴﺮع‪ ،‬ﲟﺎ ﻳﺆثﺮ ﰲ رد ﻓعﻞ اﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫وﻗﺪ وردت آ ت ﻗﺮآنﻴّة وأﺣﺎدﻳﺚ نﺒﻮﻳّة ﻛﺜﲑة تﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﺘﺰام ﻫﺬه اﻟصﻔة؛ ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻠﻬﺎ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُّ ْ َ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ح َسنَة َوﻻ لس ِي ٔة ۖ د ْع بِﺎل ِ ِ َ أح َس ُن فإِذا ِے ب َ نَك َو َ نَهۥ‬ ‫وأﳘﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬چ ٱ َوﻻ ستَ ِوے ل‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ ْ‬ ‫ََ َ‪ٞ‬‬
‫ِيم ‪ ٞ‬چ ]ﻓصﻠﺖ‪ ،[ 33:‬وﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬ٱچ ٱخ ِذ ل َعف َوۖ َوام ْر بِﺎلع ْر ِف َوأع ِرض َع ِن‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ع ٰوة كﺎن هۥ و ِ حم ۖ‬
‫ْ ْ‬ ‫اص َف ِح أن َ‬ ‫ل ْ َ ٰهلِ َ چ ]اﻷﻋﺮاف‪ ،[199 :‬وﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱفَﺎ ْ ُف َ نْ ُه ْم َو ْ‬
‫ﷲ يُحِ ب ل ُمحسِ ِ َ ۖ چ‬ ‫ِ ۖ‬
‫]اﳌﺎﺋﺪة‪.[14:‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة أﺣﻮج اﻟنﺎس ﳋﻠق اﳊﻠم ﺣﱴ ﻳﻜﺴﺐ اﳌعﺮﻛة اﻟنﻔﺴﻴّة مع اﳌﺪﻋﻮ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳنﻔﺮ من‬
‫اﳋﻄﺎب اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻠﻮﻫﻠة اﻷوﱃ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺘﺤﻮل اﻟنﻔﻮر إﱃ ﻋﺪوان‪ ،‬ومنﺎﺻﺒة ﻋﺪاء‪.3‬‬
‫وأمﺎ ﰲ اﻟﺴنة ﻓﻘﺪ جﺎءت أﺣﺎدﻳﺚ ﻛﺜﲑة ﲢﺚ ﻋﻠﻰ اﳊﻠم‪ ،‬وتﺪﻋﻮ إﻟﻴه منﻬﺎ ﻗﻮﻟه ‪» :‬ﻟَْﻴ َ‬
‫ﺲ‬
‫ﻚ ﻧَـ ْﻔ َﺴﻪُ ِﻋ ْﻨ َﺪ اﻟﻐَ َ‬
‫ﻀ ِﺐ« ‪ ،1‬واﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻫﻮ أوﱃ اﻟنﺎس ﳊﻠم‬ ‫ﺸ ِﺪﻳ ُﺪ اﻟﱠ ِﺬي ﳝَْﻠِ ُ‬
‫ﺼ َﺮ َﻋ ِﺔ‪ ،‬أﳕَﺎ اﻟ ﱠ‬
‫ﺸ ِﺪﻳ ُﺪ ِ ﻟ ﱡ‬
‫اﻟ ﱠ‬
‫واﻟﺘﺤﻜم ﰲ نﻔﺴه ﻋنﺪ اﻟﻐﻀﺐ؛ ﻓﺎﻟﻐﻀﺐ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﰲ ﺑعﺾ اﳌﻮاﻗﻒ مﺎنعﺎ من اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(93/2) ،‬‬

‫‪ -2‬اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3121/5) ،‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب اﳊﺬر من اﻟﻐﻀﺐ‪ ،(28/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6114 :‬‬
‫‪195‬‬
‫وﺳأﻛﺘﻔﻲ ﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻟﺪﻻﻟة اﻟﻔعﻞ اﻟنﺒﻮي وﻫﻮ من اﻟﺴنة اﻟﻔعﻠﻴّة اﻟعمﻠﻴّة ﻛمﺎ ﺳأﺑﻴنه ﰲ اﻟعنصﺮ‬
‫اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫‪.2‬ﳕﺎذج ﻣﻦ اﳊﻠﻢ اﻟﻨﺒﻮي‬
‫ﻋنﺪ تﺘﺒع اﻟﻐﺰوات ﳒﺪ أن ﺧﻠق اﳊﻠم ﺣﺎﺿﺮا ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴﺘه ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓمن مﻮاﻗﻒ اﳊﻠم‬
‫ﰲ اﻟﻐﺰوات‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﳕﻮذج اﳊﻠﻢ ﻋﻠى اﻷﻋﺮاﰊ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَﺄَ ْدرَﻛْﺘـﻬﻢ اﻟْ َﻘﺎﺋِﻠَﺔُ ِﰲ و ٍاد َﻛﺜِ ِﲑ اﻟ ِْﻌ َ ِ‬
‫ﱠﺎس‬
‫ﻀﺎﻩ ﻓَـﺘَـ َﻔ ﱠﺮ َق اﻟﻨ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ﻓعن جﺎﺑﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬أﻧﻪُ غَ َﺰا َﻣ َﻊ اﻟﻨِ ِّ‬
‫ﻆ َو ِﻋْﻨ َﺪﻩُ َر ُﺟ ٌﻞ‬ ‫ٍ‬
‫ﺖ َﺷ َﺠ َﺮة ﻓَـ َﻌﻠﱠ َﻖ ِ َﺎ َﺳ ْﻴـ َﻔﻪُ ﰒُﱠ َ َم ﻓَ ْ‬
‫ﺎﺳﺘَـ ْﻴـ َﻘ َ‬ ‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﲢْ َ‬ ‫ﻀﺎﻩِ ﻳَ ْﺴﺘَ ِﻈﻠﱡﻮ َن ِ ﻟ ﱠ‬
‫ﺸ َﺠ ِﺮ ﻓَـﻨَـ َﺰ َل اﻟﻨِ ﱡ‬ ‫ِﰲ اﻟ ِْﻌ َ‬
‫ف ﻓَـ َﻬﺎ ُﻫ َﻮ ذَا‬ ‫ﺴْﻴ َ‬
‫ﺎم اﻟ ﱠ‬ ‫ْﺖ ا ﱠُ ﻓَ َﺸ َ‬
‫ﻚ ﻗُـﻠ ُ‬ ‫ﱠﱯ ‪ : ‬أن َﻫ َﺬا ا ْﺧﺘَـ َﺮ َط َﺳ ْﻴ ِﻔﻲ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل َﻣ ْﻦ ﳝَْﻨَـ ُﻌ َ‬ ‫َﻻ ﻳَ ْﺸ ُﻌ ُﺮ ﺑِ ِﻪ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﰒُﱠ َﱂْ ﻳُـ َﻌﺎﻗِ ْﺒﻪُ ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ﻓﻘﺪ ﺣﻠم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ من أراد ﻗﺘﻠه مع ﺳﺒق اﻹﺻﺮار واﻟﱰﺻﺪ؛ رجﺎء أن ﻳﺆثﺮ ﻓﻴه ﻫﺬا اﳋﻠق‬
‫ﻓﻴﺴﻠم‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة أﻛﺜﺮ اﻟنﺎس ﻫﻀمﺎ ﳊﻈﻮظ نﻔﺴه‪ ،‬وأﺑعﺪ اﻟنﺎس ﻋن اﻻنﺘصﺎر ﳍﺎ‪ ،‬ومﺒﻠغ اﻫﺘمﺎمه‬
‫ﻫﺪاﻳّة اﳋﻠق‪ ،‬ونصﺮة دﻳن اﳊق‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا منﻬج اﻷنﺒﻴﺎء واﳌﺮﺳﻠﲔ واﻟﺪﻋﺎة واﳌصﻠﺤﲔ ﻋﱪ‬
‫رﻳخ اﻟﺪﻋﻮات‪.‬‬
‫ب‪ .‬ﳕﻮذج اﳊﻠﻢ ﻋﻠى ذي اﳋﻮﻳﺼﺮة)‪. (2‬‬
‫ﻋن جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑﻴنمﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻘﺴم ﻏنﻴمة ِ ْﳉِ ْعَﺮانَِة‪ ،‬إذ ﻗﺎل‬
‫ﻴﺖ أن َﱂْ أَ ْﻋ ِﺪ ْل« ‪.3‬‬
‫ﻗﺎل ﻟه رجﻞ‪ :‬اﻋﺪل‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟه‪» :‬ﻟََﻘ ْﺪ َﺷ ِﻘ ُ‬
‫ﻓﻘﺪ آذى ﻫﺬا اﻟﺮجﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬أذى ﺷﺪﻳﺪا؛ إذ ا مه ﺑعﺪم اﻟعﺪل ومع ﻫﺬا ﻓﻘﺪ ﺣﻠم ﻋﻠﻴه‬
‫ﳌصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب تﻔﺮق اﻟنﺎس ﻋن اﻹمﺎم ﻋنﺪ اﻟﻘﺎﺋﻠة واﻻﺳﺘﻈﻼل ﻟﺸﺠﺮ‪،‬‬
‫)‪ ،(52/10‬ﺑﺮﻗم‪.2697 :‬‬
‫‪ -2‬ذو اﳋﻮﻳﺼﺮة‪ :‬ﻫﻮ ﺣﺮﻗﻮص ﺑن زﻫﲑ‪ ،‬ﺻﺤﺎﰊ‪ ،‬من ﺑﲏ ﲤﻴم‪ ،‬ﺷﻬﺪ ﺻﻔﲔ مع ﻋﻠﻲ‪ ،‬وﺑعﺪ اﳊﻜمﲔ ﺻﺎر من أﺷﺪ اﳋﻮارج‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻲ‪ ،‬ﻛأ ّن من رجﺎﻻت وﻗعة اﳋﻮارج ﲝﺮوراء‪ ،‬وﻛأ ّن ﻓﻘﺘﻞ ﻓﻴمن ﻗﺘﻞ ﻟنﻬﺮوان ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة‪،(343/2) ،‬‬
‫اﻟﺰرﻛﻠﻲ‪ ،‬اﻷﻋﻼم‪.(137/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ومن اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أ ّن اﳋمﺲ ﻟنﻮاﺋﺐ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،(91/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.3138‬‬
‫‪196‬‬
 ‫ج‪ .‬ﳕﻮذج اﳊﻠﻢ ﻋﻠى ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﰊ ﺑﻦ ﺳﻠﻮل‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﺣﻠم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﺣﻠمﺎ ﲨﻴﻼ‪ ،‬ﺧﺎﺻة مع زﻋﻴم اﻟنﻔﺎق ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ اﻟﺬي ﻻ‬
‫ﻳﱰك ﻓﺮﺻة منﺎﺳﺒة ﻟﻸذى إﻻ واﺳﺘﻐﻠﻬﺎ ﶈﺎرﺑة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وأذﻳّة ﻗﺎد ﺎ‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻲ إﺣﺪى اﻟﻐﺰوات‬
‫اﻟﻐﺰوات ﺳعﻰ ﰲ إ رة اﻟﻔﺘنة ﺑﲔ اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر‪ ،‬وأﺳﺎء اﻷدب مع رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬ﻓﺘﻠﻔﻆ ﺑﻜﻼم‬
‫ﺑﻜﻼم جﺎرح‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪ " :‬ﻟَﺌِن رجعنَﺎ إِ َﱃ اﳌ ِﺪﻳنَ ِة ﻟَﻴخ ِﺮج ﱠن اﻷ ِ‬
‫َﻋﱡﺰ مْنـ َﻬﺎ اﻷَذَ ﱠل‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل ﻋُ َم ُﺮ‪ :‬أَﻻَ نَـ ْﻘﺘُ ُﻞ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫ْ ََْ‬
‫ﱠﱯ ‪» :‬ﻻَ ﻳَـﺘَ َﺤ ﱠﺪ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ﻫ َﺬا اﳋﺒِ ِ ِ ِ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑَﻪُ«‬ ‫ﱠﺎس أﻧﻪُ ﻛﺎن ﻳ ْﻘﺘُ ُﻞ أ ْ‬ ‫ث اﻟﻨ ُ‬ ‫ﻴﺚ؟ ﻟ َعْﺒﺪ ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫َ َ َ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺣﻠم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ رأس اﳌنﺎﻓﻘﲔ رﻏم ﳏﺎوﻟﺘه ﻹ رة ﻓﺘنة ﻋﻈﻴمة ﺑﲔ اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر‬
‫اﻟﱵ ﲢمﻞ ﰲ ﻃﻴﺎ ﺎ اﻷذﻳّة اﳌﺒﻄنة ﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة ‪ ،‬ﻓﻠﻮ تعﺠﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬وﻗﺘﻠه ﰲ ﺑﺪاﻳّة اﻷمﺮ‬
‫ﳊﺪثﺖ ردود أﻓعﺎل ﻏﲑ مﺮﻏﻮﺑة‪ ،‬ﻻ ﲣﺪم مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي اﺳﺘﺸﺮاﰲ مﺒﲏ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗﺎﻋﺪة دﻋﻮﻳّة مﻘﺎﺻﺪﻳّة ﻋﻈﻴمة‪" :‬درء اﳌﻔﺎﺳﺪ أوﱃ ﻣﻦ ﺟﻠﺐ اﳌﺼﺎﱀ"‪.2‬‬
‫ﻓﻬﺬه ﳕﺎذج من اﻟﻐﺰوات ﻗﺪ مﺎرس ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺧﻠق اﳊﻠم مع ﻓﺌﺎت ﳐﺘﻠﻔة من اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﺣﱴ‬
‫ﻳﻜﻮن أﺳﻮة ﻟﻠﺪﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ اﻷزمﺎن واﳌﻴﺎدﻳن‪ ،‬ﻓﺎﳊﻠم من أﻫم اﻟصﻔﺎت اﳋﻠﻘﻴّة اﻟﱵ تﺸﻜﻞ اﻟعﺪة‬
‫اﻟﺘأثﲑﻳّة ﻟﺪى اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳋﻠﻖ اﻟﺘﻮاﺿﻊ‬
‫من اﻟصﻔﺎت اﻟﺘﺂﻟﻔﻴّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﳛﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺪﻋﺎة ﺻﻔة اﻟﺘﻮاﺿع‪ ،‬وﻟﺒﻴﺎن أﳘﻴﺘﻬﺎ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّة‪،‬‬
‫وأثﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﺴﻮف أتعﺮض ﳌﻔﻬﻮمﻬﺎ وﲡﻠﻴﺎ ﺎ ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ‬
‫ﻛﺎﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺘﻮاﺿﻊ وﻓﻀﻠﻪ‬
‫ﻗﺒﻞ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن مﻮاﻗﻒ اﻟﺘﻮاﺿع اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات أﻋﺮج ﺧﺘصﺎر ﻋﻠﻰ مﻔﻬﻮمه وﻓﻀﻠه من‬
‫ﺧﻼل نصﻮص من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺎ ﻳنﻬﻰ من دﻋﻮة اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،(183/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3530 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺰرﻗﺎ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1409 ،2‬ﻫـ‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪197‬‬
 ‫أ‪ .‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﺘﻮاﺿﻊ‬
‫اﻟﺘﻮاﺿع ﰲ اﻟﻠﻐة من اﻟﻔعﻞ اﻟﺜﻼثﻲ )وﺿع( اﻟﺬي ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﳋﻔﺾ ﻟﻠﺸﻲء وﺣﻄه‪ ،1‬وﻛﺎ ﳌﺘﻮاﺿع‬
‫ﳛط من نﻔﺴه وﳜﻔﻀﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا منﺎﺳﺐ ﳌﻘﺎم اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﳜﻔﺾ وﳛط من نﻔﺴه ﰲ ﺳﺒﻴﻞ‬
‫إﳒﺎح دﻋﻮتة‪.‬‬
‫واﻟﺘﻮاﺿع ﰲ اﻻﺻﻄﻼح ﻋﺮف ﺑعﺪة تعﺮﻳﻔﺎت منﻬﺎ‪:‬‬
‫ﻗﻮل اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ" اﻟﺘﻮاﺿع‪ :‬اﺳﺘعﻈﺎم ذوي اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ من دونه ﰲ اﳌﺎل واﳉﺎه‪ ...‬و اﻟﺮﺿﺎ ﲟنﺰﻟة دون‬
‫دون مﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘه ﻓﻀﻠه ومنﺰﻟﺘه"‪ ،2‬وﻋﺮﻓه ا ﺪدي ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻟﺘﻮاﺿع‪ :‬ﺿﺪ اﻟﺘﻜﱪ ﻓﻬﻮ أتﺒﺎﻋﺎﻟﻀعة‬
‫وإﻇﻬﺎر اﳌﺴﻜنة‪ ،‬ن ﻳﺮى نﻔﺴه دون ﻏﲑه ﰲ ﺻﻔة اﻟﻜمﺎل‪ ،‬ﻓمن ﺧﺮ ﻋن أمﺜﺎﻟه ﻓﻬﻮ مﺘﻮاﺿع‪،‬‬
‫ومن تﻜﱪ ﻋن أمﺜﺎﻟه ﻓﻬﻮ مﺘﻜﱪ "‪.3‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﻈﻬﺮ ﻫﺬه اﻟصﻔة اﻟﱵ مﻘﺘﻀﺎﻫﺎ أﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠمﺪﻋﻮ أنه أرﻓع منه وأﻛمﻞ‪ ،‬وإن‬
‫ﻛﺎن ﰲ ﺣﻘﻴﻘة اﻷمﺮ أرﻓع منه منﺰﻟة‪ ،‬أو أﻛﺜﺮ منه ﻋﻠمﺎ‪.‬‬
‫ب‪ .‬ﻓﻀﻞ اﻟﺘﻮاﺿﻊ‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ اﻟﺘﻮاﺿع مﺎ ورد ﻓﻴه من اﻵ ت‪ ،‬واﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﱵ تﺪﻋﻮ إﻟﻴه‪ ،‬وتﺸﻴﺪ ﳌﺘصﻔﲔ ﺑه‪،‬‬
‫َ َُ ْ َ َْ ُ َ َ ّ ً َ َ‬
‫ﺑه‪ ،‬ﻓمن اﻵ ت اﻟﻮاردة ﰲ اﻟﺘﻮاﺿع‪ ،‬ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱفبِ َمﺎ َرح َمةٖ ّ ِم َن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫نت ظﺎ ﻏلِيظ‬ ‫ﷲ ِ ت له ۖم و و ك‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ ُْ َْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َْ ْ‬
‫ب ﻻنفضوا م ِْن َح ْو ِكۖ فﺎ ف ن ُه ْم َواستَغ ِف ْر ل ُه ْم َوشﺎ ِو ْره ْم ِ ﻻم ِر چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[ 159 :‬وﻗﻮﻟه‪:‬ٱچٱأ ِذل ٍة‬
‫َ ُ‬
‫لقل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أذِل ٍة َ ل ُمو ِمنِ َ أعِز ٍ َ لك۪ ٰ ِف ِر َن ٱچ ]اﳌﺎﺋﺪة‪" ،[54 :‬أي‪ :‬ﻫﺆﻻء اﻷﻗﻮام ﻳﻜﻮنﻮن مﺘﻮاﺿعﲔ‬
‫ﻟﻠمﺆمنﲔ"‪.1‬‬
‫وأمﺎ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ اﻟﺘﻮاﺿع ﻓﻬﻲ ﻛﺜﲑة منﻬﺎ‪ ،‬مﺎ رواه ﻋﻴﺎض ﺑن ﲪﺎر‪ ،‬أنه ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل‬
‫َﺣ ٌﺪ‬ ‫اﺿﻌﻮا ﺣ ﱠﱴ َﻻ ﻳـﺒ ِﻐﻲ أَﺣ ٌﺪ َﻋﻠَى أ ٍ‬ ‫ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ‪» :‬أن ا ﱠَ أ َْو َﺣى إِ َﱠ‬
‫َﺣﺪ‪ ،‬وَﻻ ﻳَـ ْﻔ َﺨ َﺮ أ َ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ﱄ أن ﺗ َﻮ َ ُ َ‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(117/6) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟعﻠﻮم ﰲ اﳊﺪود واﻟﺮﺳﻮم‪ ،‬ص‪.203‬‬
‫‪ -3‬ﷴ ﻋمﻴم اﻹﺣﺴأ ّن ا ﺪدي اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ -1‬ﳎمع اﻟﺒﺤﻮث اﻹﺳﻼمﻴّة ﻷزﻫﺮ‪ ،‬اﻟﺘﻔﺴﲑ اﻟﻮﺳﻴط ﻟﻠﻘﺮأ ّن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬اﳍﻴﺌة اﻟعﺎمة ﻟﺸﺌﻮن اﳌﻄﺎﺑع اﻷمﲑﻳّة‪ ،‬ط‪1393 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 1973‬م‪.(1096/2) ،‬‬
‫‪198‬‬
‫اد ﷲُ‬ ‫ﺻ َﺪﻗَﺔٌ ِﻣ ْﻦ َﻣ ٍ‬
‫ﺎل‪ ،‬وَﻣﺎ َز َ‬ ‫ﺖ َ‬
‫ﺼ ْ‬
‫َﺣﺪ« ‪ ،‬وﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ ﻧَـ َﻘ َ‬
‫ٍ ‪1‬‬
‫َﻋﻠَى أ َ‬
‫َﺣ ٌﺪ ِﱠِ إِﱠﻻ َرﻓَـ َﻌﻪُ ﷲُ« ‪.2‬‬ ‫َﻋ ْﺒ ًﺪا ﺑِ َﻌ ْﻔ ٍﻮ‪ ،‬إِﱠﻻ ِﻋﺰا‪ ،‬وَﻣﺎ ﺗَـ َﻮا َ‬
‫ﺿ َﻊ أ َ‬
‫وﻟعﻞ من مﻈﺎﻫﺮ رﻓعة ﷲ تعﺎﱃ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة اﳌﺘﻮاﺿع أن ﻳﺒﺎرك ﷲ تعﺎﱃ ﻟه ﰲ ﻋمﻠه اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻴﻜﺜﺮ‬
‫أتﺒﺎﻋه وﳏﺒﻮه‪ ،‬وتنﺘﺸﺮ أ ره وجﻬﻮده ﰲ ﺣﻴﺎته وﺑعﺪ ﳑﺎته‪ ،‬ﻓﻬﺎ ﻫم اﻷنﺒﻴﺎء ﺳﺎدة اﳌﺘﻮاﺿعﲔ رﻓع ﷲ‬
‫ﻗﺪرﻫم وﺧﻠﺪ ذﻛﺮﻫم ومﺂثﺮﻫم ﰲ ﻛﺘﺎﺑه إﱃ ﻳﻮم اﻟﺪﻳن‪.‬‬
‫‪ .2‬ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻮاﺿﻊ اﻟﻨﺒﻮي‬
‫ﻇﻞ ﺧﻠق اﻟﺘﻮاﺿع ﻛﻐﲑه من اﻷﺧﻼق مصﺎﺣﺒﺎ ﻟﻠنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن‪ ،‬ﻓﻜﻞ اﻟﻐﺰوات ﲡﻠﺖ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ مﻈﺎﻫﺮ تﻮاﺿع اﻟنﱯ ‪.‬‬
‫وﻫﺬه ﳕﺎذج داﻟة ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮر ﻫﺬا اﳋﻠق اﻟعﻈﻴم‪ ،‬واﻟصﻔة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺘﺂﻟﻔﻴّة ﰲ ﺷخصﻴّة اﻟنﱯ ‪‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﺻﻔة اﻟﺘﻮاﺿع‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت ﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬أﲨﻠﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﺧﺮوج اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﻐﺰوات وﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠى ذﻟﻚ‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻟﻐﺰو‪ ،‬وﻟﻜن ﻟﺘﻮاﺿعه وﺣﺮﺻه ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن مﻜﺎنه ‪ ‬اﻟﺒﻘﺎء ﰲ اﳌﺪﻳنة وتﻜﻠﻴﻒ ّ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻛﺎن ﳜﺮج ﺑنﻔﺴه ﺣﱴ ﻟﻮ‪‬ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوة ﺷﺎﻗة وﺑعﻴﺪة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ‬
‫ﻓأورد ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺪد اﻟﻐﺰوات ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن أﰊ إﺳﺤﺎق‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺳأﻟﺖ زﻳﺪ ﺑن أرﻗم ‪:‬‬
‫‪ :‬ﻛم ﻏﺰوت مع رﺳﻮل ﷲ ‪‬؟ ﻗﺎل‪ :‬ﺳﺒع ﻋﺸﺮة‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ " :‬ﻛم ﻏﺰا اﻟنﱯ ‪‬؟ ﻗﺎل‪ :‬تﺴع‬
‫‪3‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬تﺴع ﻋﺸﺮة "‬
‫وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﲤﲎ اﻟنﱯ ‪ ‬أن ﻻ ﻳﺘخﻠﻒ وراء ﺳﺮﻳّة‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻴﺐ أَﻧْـ ُﻔ ُ‬
‫ﺴ ُﻬ ْﻢ أن‬ ‫ﻗﺎل‪ :‬ﲰعﺖ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪َ » :‬واﻟﱠﺬي ﻧَـ ْﻔﺴﻲ ﺑِﻴَﺪﻩ ﻟَ ْﻮﻻَ أن ِر َﺟ ًﺎﻻ ﻣ َﻦ اﳌُْﺆﻣﻨِ َ‬
‫ﲔ ﻻَ ﺗَﻄ ُ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ‪ ،‬واﻟﱠ ِﺬي ﻧَـ ْﻔ ِﺴﻲ ﺑِﻴ ِﺪﻩِ‬ ‫ﺖ َﻋ ْﻦ َﺳ ِﺮﻳّﺔ ﺗَـﻐْ ُﺰو ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬ ‫َﲪﻠُ ُﻬ ْﻢ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ َﻣﺎ َﲣَﻠﱠ ْﻔ ُ‬
‫َﺟ ُﺪ ﻣﺎ أ ِْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ﻳﺘَ َﺨﻠﱠ ُﻔﻮا َﻋ ِّﲏ‪ ،‬وﻻَ أ َ‬
‫ت أﱐ أُﻗـْﺘَ ُﻞ ِﰲ َﺳﺒِ ِﻴﻞ ا ﱠِ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ُْﺣﻴَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ أُﻗـَْﺘ ُﻞ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ُْﺣﻴَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ أُﻗـْﺘَ ُﻞ‪ ،‬ﰒُﱠ أ ُْﺣﻴَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ أُﻗـَْﺘ ُﻞ« ‪.1‬‬
‫ﻟََﻮ ِد ْد ُ‬

‫‪ -1‬رواه أﺑﻮداود ﰲ ﺳننه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب ﰲ اﻟﺘﻮاﺿع‪ ،(2265/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4895 :‬ﻗﺎل اﻟعﺮاﻗﻲ ﰲ ﲣﺮﻳج اﻹﺣﻴﺎء رجﺎﻟه‬
‫رجﺎل اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬إﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳن‪.(195/2) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب ﰲ اﺳﺘﺤﺒﺎب اﻟعﻔﻮ واﻟﺘﻮاﺿع‪ ،(2001/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2588 :‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻛم ﻏﺰا اﻟنﱯ ‪‬؟ )‪ ،(16/6‬ﺑﺮﻗم‪.4471 :‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲤﲏ اﻟﺸﻬﺎدة‪ ،(17/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2797 :‬‬
‫‪199‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﳊﺪﻳﺚ دﻻﻟة واﺿﺤة ﻋﻠﻰ مﺪى إﺧﻼص اﻟنﱯ ﷺ ﰲ وأﺻﺤﺎﺑه ﰲ ﻃﻠﺐ اﳌعﺎﱄ ﻟنﻴﻞ أرﻓع‬
‫مم‬‫ِ‬
‫اﻟنﻔﻮس اﻷﺑﻴّة‪ ،‬واﳍ َ‬
‫َ‬ ‫اﻟﺪرجﺎت‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ":‬ﻟﻘﺪ ﺣﱠﺮك اﻟﺪاﻋﻰ إﱃ ﷲ‪ ،‬وإﱃ دار اﻟﺴﻼم‬
‫‪1‬‬
‫اﻟعﺎﻟﻴّة "‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل‬
‫ب‪ .‬ﻣﺸﺎرﻛﺔ ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ ﺑعﺾ اﻷﻋمﺎل؛ إﺿﺎﻓة إﱃ‬ ‫ﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﳋﺮوج ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺸﺎرك ّ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫اﻟﻘﻴﺎدة ﻛمﺸﺎرﻛﺘه ‪ ‬ﰲ ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق وﲪﻠه اﻟﱰاب‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬رأَﻳْ ُ‬
‫ﺖ َر ُﺳ َ‬
‫ﺖ َﻣﺎ‬ ‫ﻮل‪» :‬ﻟَ ْﻮﻻَ أَﻧْ َ‬ ‫ﺎض ﺑَﻄْﻨِ ِﻪ‪ ،‬و ُﻫ َﻮ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫اب ﺑَـﻴَ َ‬
‫ﱡﺮ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮ َم اﻷ ْ ِ‬
‫اب‪ ،‬وﻗَ ْﺪ َو َارى اﻟﺘـ َ‬ ‫ﱡﺮ َ‬
‫َﺣ َﺰاب ﻳَـ ْﻨـ ُﻘ ُﻞ اﻟﺘـ َ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫ﺖ اﻷَﻗْ َﺪ َام أن ﻻَﻗَـْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬أن اﻷ َُﱃ ﻗَ ْﺪ ﺑَـﻐَ ْﻮا َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ‬ ‫ا ْﻫﺘَ َﺪﻳْـﻨَﺎ‪ ،‬وﻻَ ﺗَﺼ ﱠﺪﻗـْﻨَﺎ وﻻَ ﺻﻠﱠْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَﻧْ ِﺰﻟَﻦ ﺳ ِﻜﻴﻨَﺔً َﻋﻠَ ْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬وﺛَـﺒِّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ادوا ﻓِ ْﺘـﻨَﺔً أَﺑَـ ْﻴـﻨَﺎ«‪.‬‬
‫أ ََر ُ‬
‫ﻓﻠم ﳝنع مﻘﺎم اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﻻ مﻘﺎم اﻟﻘﻴﺎدة اﻟنﱯ ‪ ‬أن ﻳنﺰل نﻔﺴه منﺰﻟة ﺑﻘﻴّة أﺻﺤﺎﺑه ﻓﻴﺤمﻞ معﻬم‬
‫اﻟﱰاب‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﳌﺸﺎرﻛة اﻟنّﺒﻮﻳّة أثﺮ ﻟغ ﻇﻬﺮ ﰲ تﻔﺎنﻴﻬم ﰲ اﻟعمﻞ واﺳﺘمﺮارﻫم ﻓﻴه ﺣﱴ ﰎ‬
‫ﰎ اﻹﳒﺎز‪.3‬‬
‫وتﺆﰐ ﻫﺬه اﳌﺸﺎرﻛة آﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬وتعﻄﻲ ﲦﺎرﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻴﺎنعة؛ ﳌﺎ تﺰرع ﰲ تﺮﺑة اﻟصﺪق‪ ،‬وتﺴﻘﻰ ﲟﺎء‬
‫اﻹﺧﻼص‪ ،‬وﲡﺘﺚ من ﻓﻮق اﻷرض إذا أﺻﺎﺑﺘﻬﺎ جﺎﺋﺤة اﻟﺮ ء‪ ،‬واﳌﺒﺎﻫﺎة‪ ،‬ومﺎ أﺳﺮع انﺘﺸﺎر ﻫﺬه‬
‫اﳉﻮاﺋﺢ ﰲ زمن وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم‪ ،‬ومﻮاﻗع اﻟﺘﻮاﺻﻞ‪.‬‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‬
‫ج‪ .‬ﳐﺎﻟﻄﺔ وﻣﺪاﻋﺒﺔ ّ‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ تﻮاﺿعه ‪ ‬ﳐﺎﻟﻄﺘه ﻟﻠصﺤﺎﺑة‪ ،‬ومﺪاﻋﺒﺘﻬم‪ ،‬واﻟﱰوﻳﺢ ﻋنﻬم‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ ﳏﺎدثﺘه ﳉﺎﺑﺮ‬
‫ﱠﱯ ‪ِ ‬م ْن َﻏْﺰَوةٍ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻗَـ َﻔﻠْنَﺎ َم َع اﻟن ِّ‬ ‫أثنﺎء اﻟﺮجﻮع من اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋنه‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﳉﺎﺑﺮ‬
‫ﺲ ﺑَعِ ِﲑي ﺑِ َعنَـَﺰةٍ ﻛﺎنﺖ َم َعهُ‪،‬‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ـ‬
‫َ‬ ‫ﻓ‬ ‫‪،‬‬ ‫ﻲ‬ ‫ﻮف‪ ،‬ﻓَـﻠَ ِﺤ َﻘ ِﲏ راﻛِﺐ ِمن ﺧْﻠ ِ‬
‫ﻔ‬ ‫َﻏﺰوةٍ‪ ،‬ﻓَـﺘـع ﱠﺠْﻠﺖ ﻋﻠَﻰ ﺑعِ ٍﲑ ِﱄ ﻗَﻄُ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ ُ َ َ‬
‫ﻓَﺎنْﻄَﻠَق ﺑعِ ِﲑي َﻛأَجﻮِد مﺎ أَنْ ٍ ِ‬
‫ﺖ‬‫ﺖ‪ُ :‬ﻛْن ُ‬
‫ِ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣﺎ ﻳـُ ْﻌﺠﻠُ َﻚ« ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺖ َراء م َن ا ِﻹﺑِ ِﻞ‪ ،‬ﻓَﺈِ َذا اﻟنِ ﱡ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَـ َﻬ ﱠﻼ َﺟﺎ ِرﻳّﺔ ﺗُﻼَ ِﻋﺒُـ َﻬﺎ َوﺗُﻼَ ِﻋﺒُ َﻚ«‪،‬‬ ‫ﺖ‪ :‬ثـَﻴِّﺒًﺎ‪ ،‬ﻗَ َ‬‫ﻳﺚ َﻋ ْﻬﺪ ﺑِ ُعُﺮ ٍس‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪» :‬أَﺑِ ْﻜ ًﺮا أ َْم ﺛَـﻴِّﺒًﺎ؟«‪ ،‬ﻗُـ ْﻠ ُ‬
‫َﺣﺪ َ‬

‫‪ -1‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪.(76/3) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،(26/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2837 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻘﺪوة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪200‬‬
‫ﺸﻌِﺜَﺔُ َوﺗَ ْﺴﺘَ ِﺤ ﱠﺪ‬ ‫ﺎء ‪ -‬ﻟِ َﻜ ْﻲ ﲤَْﺘَ ِﺸ َ‬
‫ﻂ اﻟ ﱠ‬ ‫ﺸً‬ ‫َي ِﻋ َ‬ ‫ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ ذَ َﻫْﺒـنَﺎ ﻟِنَ ْﺪ ُﺧ َﻞ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أ َْﻣ ِﻬﻠُﻮا َﺣ ﱠﱴ ﺗَ ْﺪ ُﺧﻠُﻮا ﻟَْﻴ ًﻼ ‪ -‬أ ْ‬
‫اﳌُِﻐ َﻴﺒﺔُ« ‪.1‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻳﺘأﻛﺪ أن اﻟﺘﻮاﺿع أﺣﺪ اﻟصﻔﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴّة اﻟﱵ تﺴﺎﻋﺪ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻋﻠﻰ ﻛﺴﺐ اﻟﻘﻠﻮب‪،‬‬
‫ﻷنه ﳝﻜنه من اﳌعﺎﺷﺮة اﳊﺴنة‪ ،‬ﻓﺎﳌﺘﻮاﺿع ﻻ ﻳعﻴﺶ ﻟنﻔﺴه ﻓﻘط ﺷﺎن مﺎ ﻳﻔعﻠه اﳌﺘﻜﱪ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳعﻴﺶ‬
‫ﻟنﻔﺴه وﻟﻠنﺎس‪ ،‬واﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻗﺪ ﻳعﻴﺶ أﺣﻴﺎ ﻟﻠنﺎس أﻛﺜﺮ من نﻔﺴه‪ ،‬ووﻟﺪه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻫﻮ ﺷﺎن اﻟنﱯ ‪‬‬
‫ﺳﻴﺪ اﻟﺪﻋﺎة اﳌﺘﻮاﺿعﲔ‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳋﻠﻖ اﳉﻮد‬
‫ﺑعﺪ أن تﻜﻠمﺖ ﻋن ﺻﻔﱵ اﳊﻠم‪ ،‬واﻟﺘﻮاﺿع ﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﺻﻔة من اﻟصﻔﺎت اﻟﺘﺂﻟﻔﻴّة‬
‫اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة‪ ،‬وﻫﻲ ﺻﻔة اﳉﻮد‪ ،‬ﻓأتعﺮض ﳌﻔﻬﻮمﻬﺎ‪ ،‬وﻓﻀﻠﻬﺎ وأﺑﲔ أﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة من ﺧﻼل ﳕﺎذج‬
‫من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟنﺤﻮ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم اﳉﻮد وﻓﻀﻠﻪ‬
‫ﺳﻮف أﺳﻠﻚ مع ﻫﺬه اﻟصﻔة نﻔﺲ اﳌﺴﻠﻚ اﻟﺬي اتﺒعﺘه مع اﻟصﻔﺎت اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﻓأﺑﲔ مﻔﻬﻮمﻬﺎ‬
‫وأ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّة من ﺧﻼل ﳕﺎذج دﻋﻮﻳّة من واﻗع مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫أ‪ .‬ﺗﻌﺮﻳف اﳉﻮد‬
‫ﻓﺒﺪاﻳّة أﻋﺮف اﳉﻮد من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﳉﻮد ﰲ اﻟﻠﻐة من )جﻮد( وﻫﻮ أﺻﻞ ﻳﺪل‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮة اﻟعﻄﺎء‪ ،‬واﳉﻮد‪ :‬اﳌﻄﺮ اﻟﻐﺰﻳﺮ‪ ،‬واﳉﻮاد‪ :‬اﻟﻔﺮس اﻟﺴﺮﻳع‪ ،‬واﳉمع جﻴﺎد‪.2‬‬
‫وﰲ اﻻﺻﻄﻼح ﻋﺮف اﳉﺮﺣﺎﱐ اﳉﻮد نه‪ ":‬ﺻﻔة‪ ،‬ﻫﻲ مﺒﺪأ إﻓﺎدة مﺎ ﻳنﺒﻐﻲ ﻻ ﺑعﻮض"‪ ،3‬وﻋﺮﻓه‬
‫اﻟﻜﻔﻮي ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﳉﻮد‪ :‬ﻫﻮ ﺻﻔة ذاتﻴّة ﻟﻠﺠﻮاد وﻻ ﻳﺴﺘﺤق ﻻﺳﺘﺤﻘﺎق وﻻ ﻟﺴﺆال"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﳉﻮاد وﻫﻮ من رﺳخﺖ ﻓﻴه ﺻﻔة اﳉﻮد ﻓأﺻﺒﺢ ﻛﺜﲑ اﻟعﻄﺎء‪ ،‬واﻟﺒﺬل من ﻏﲑ أن ﻳﻜﻮن‬
‫ذﻟﻚ واجﺒﺎ ﻋﻠﻴه‪ ،‬ومن ﻏﲑ أن ﻳﺴأل‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ب تﺰوﻳج اﻟﺜﻴﺒﺎت‪ ،(5/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،5079 :‬وﻗﺪ أورد اﻟﻘصة ﺑﻄﻮﳍﺎ ﰲ ﻋﺪة‬
‫مﻮاﻃن‪ ،‬من ذﻟﻚ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﺿﺮب داﺑة ﻏﲑه ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،(30/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2185 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(493/1) ،‬‬
‫‪ -3‬اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪ -1‬أﻳﻮب ﺑن مﻮﺳﻰ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﺒﻘﺎء اﻟﻜﻔﻮمﻲ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻜﻠﻴﺎت‪ ، ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1419 ،‬ﻫـ‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.353‬‬

‫‪201‬‬
 ‫ب‪ .‬ﻓﻀﻞ اﳉﻮد وأﳘﻴﺘﻪ‬
‫جﺎءت آ ت ﻗﺮآنﻴّة ﻛﺜﲑة ﲢﺚ ﻋﻠﻰ اﳉﻮد وﲤﺪح أﻫﻠه‪ ،‬من ذﻟﻚ ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ ﻋن إﺑﺮاﻫﻴم ﻋﻠﻴه‬
‫َ َ َٓ ْ‬
‫ِجل َ‬ ‫ََ َ َ َ ْ‬
‫چ ]اﻟﺬار ت‪ ،[26 :‬ومن اﻷﺣﺎدﻳﺚ مﺎ رواه اﺑن‬ ‫ٖ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ع‬
‫ِ ٖ‬ ‫ب‬ ‫ء‬ ‫ﺎ‬‫ج‬‫ف‬ ‫ِۦ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫اﻟﺴﻼم‪ :‬ٱچٱفراغ إ ِ أ‬
‫ﻋﻠﻴه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻋﺒﺎس‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻛﺎﻧﺮﺳ ُ ِ‬
‫ﻳﻞ‪،‬‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬وﻛﺎ َ ْﺟ َﻮ ُد َﻣﺎ ﻳَ ُﻜﻮ ُن ِﰲ رﻣﻀﺎن ﺣ َ‬
‫ﲔ ﻳَـ ْﻠ َﻘﺎﻩُ ﺟ ِْﱪ ُ‬ ‫َﺟ َﻮ َد اﻟﻨ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬أ ْ‬ ‫َُ‬
‫ﻳﺢ اﳌُْﺮ َﺳﻠَ ِﺔ« ‪.1‬‬ ‫َﺟ َﻮ ُد ِ ﳋَ ِْﲑ ِﻣ َﻦ ِّ‬
‫اﻟﺮ ِ‬ ‫وﻛﺎﻧﻴ ْﻠ َﻘﺎﻩ ِﰲ ُﻛ ِﻞ ﻟَﻴـﻠَ ٍﺔ ِﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﻓَـﻴ َﺪا ِرﺳﻪ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ﻓَـﻠَﺮﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬أ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ُُ‬ ‫ّ ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ﻓﺎﻵﻳّة واﳊﺪﻳﺚ ﻳﺒﻴنﺎن مﻈﻬﺮﻳن من أﻋﻠﻰ مﻈﺎﻫﺮ اﳉﻮد ﰲ ﺷخصﻴّة إمﺎمﲔ من أﺋمة اﳌﺮﺳﻠﲔ‪ ،‬وﳘﺎ‬
‫إﺑﺮاﻫﻴم ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬وﺧﺎﰎ اﻟنﺒﻴﲔ ‪.‬‬
‫و ﻛﻴﺪا ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة اﳉﻮد وﻓﻀﻠه‪ ،‬ﻓﻘﺪ مﺪح أﻫﻠه وذم اﻟﺒخﻼء ﺑﺸع اﻟصﻮر‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‬
‫ﻳﺪ ِﻣ ْﻦ‬ ‫ﲔ َﻋﻠَﻴ ِﻬﻤﺎ ﺟﺒﱠﺘﺎن ِﻣﻦ ﺣ ِﺪ ٍ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫ﻴﻞ َواﳌُْﻨﻔ ِﻖ َﻛ َﻤﺜَ ِﻞ َر ُﺟﻠَ ْ ِ ْ َ ُ‬ ‫‪ ،‬أنه ﲰع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪َ » :‬ﻣﺜَ ُﻞ اﻟﺒَ ِﺨ ِ‬
‫ت َﻋﻠَى ِﺟﻠ ِ ِ‬
‫ْﺪﻩ‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ ُﲣْ ِﻔ َﻲ ﺑَـﻨَﺎﻧَﻪُ‬ ‫ﻳﺪ ِﻣ ْﻦ ﺛُ ِﺪﻳِّ ِﻬ َﻤﺎ إِ َﱃ ﺗَـ َﺮاﻗِﻴ ِﻬ َﻤﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَ ﱠﻣﺎ اﳌُْﻨ ِﻔ ُﻖ ﻓَﻼَ ﻳـُْﻨ ِﻔ ُﻖ إِﱠﻻ َﺳﺒَـﻐَ ْ‬
‫ﺣ ِﺪ ٍ‬
‫‪2‬‬
‫ﺖ أ َْو َوﻓَـ َﺮ ْ‬ ‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ﱠﺴ ُﻊ« ‪.‬‬ ‫ﺖ ُﻛ ﱡﻞ ﺣ ْﻠ َﻘ ٍﺔ ﻣ َﻜﺎﻧَـﻬﺎ‪ ،‬ﻓَـﻬﻮ ﻳـﻮ ِﺳﻌﻬﺎ وﻻَ ﺗَـﺘ ِ‬ ‫ﻴﻞ ﻓَﻼَ ﻳُ ِﺮﻳ ُﺪ أن ﻳ ْﻨ ِﻔ َﻖ َﺷ ْﻴـﺌًﺎ إِﱠﻻ ﻟَ ِﺰﻗَ ْ‬ ‫وﺗَـ ْﻌ ُﻔﻮ أَﺛَـﺮﻩُ‪ ،‬وأَ ﱠﻣﺎ ِ‬
‫َ َ َ ُ َ َُ ّ ُ َ َ‬ ‫اﻟﺒﺨ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫‪.2‬ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﺠﻮد‬
‫وﻗﺪ تعﺪدت مﻈﺎﻫﺮ اﳉﻮد ﰲ ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛمﺎ تﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪،‬‬
‫وﻳﻜﻔﻲ ﻟﺒﻴﺎن ﺣﻀﻮرﻫﺎ‪ ،‬وأثﺮﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ أن أمﺜﻞ ﳍﺎ ﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﳕﻮذج اﳉﻮد ﻟﻨﻔﺲ واﳌﺎل‬
‫ﻮل‬‫ﻗﺪ ﺣﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﳉﻮد ﻟنﻔﺲ‪ ،‬واﳌﺎل ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعﻴﺪ اﳋﺪري ‪َ َ ،‬ر ُﺳ َ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ ﺑِﻨَـ ْﻔ ِﺴ ِﻪ‬‫ﺎﻫ ُﺪ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬‫ﻮل ا ﱠِ ‪» :‬ﻣ ْﺆِﻣﻦ ُﳚ ِ‬ ‫ي اﻟن ِ‬‫ﻮل ا ﱠِ أَ ﱡ‬
‫ُ ٌ َ‬ ‫ﱠﺎس أَﻓْ َ‬
‫ﻀ ُﻞ؟ ﻓَـ َﻘ َﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫ﻋنه‪َ َ ،‬ر ُﺳ َ‬
‫ﱠﺎس ِﻣ ْﻦ َﺷ ِّﺮِﻩ «‪.5‬‬
‫ع اﻟﻨ َ‬‫ﺎب ﻳَـﺘ ِﱠﻘﻲ ا ﱠَ‪ ،‬وﻳَ َﺪ ُ‬ ‫ﺐ ِﻣ َﻦ اﻟ ِّ‬
‫ﺸ َﻌ ِ‬ ‫)‪(4‬‬
‫ﺎل‪ُ » :‬ﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ِﰲ ِﺷ ْﻌ ٍ‬
‫َوَﻣﺎﻟِ ِﻪ«‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﰒُﱠ َم ْن؟ ﻗَ َ‬
‫ﻓﺎﳉﻮد ﻟنﻔﺲ أﻋﻠﻰ أنﻮاع اﳉﻮد؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﳌن ﳚﻮد ﺑنﻔﺴه ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﺣﻆ اﻟﺸﻬﺎدة‪،‬‬
‫وﻛﺎنﻠﻠمﻘﺎتﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ من اﻟﻀمﺎن اﻟﺮ ﱐ أن ﻳﺪﺧﻠه ﷲ اﳉنة‪ ،‬وأن ﻳنﺎل مﺎ ﻻ ﻳﻮﺻﻒ من‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬ب ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﺑﺪء اﻟﻮﺣﻲ إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪‬؟ )‪ ،(08/1‬ﺑﺮﻗم‪.6:‬‬
‫‪ -2‬ﺳﺒﻐﺖ‪ :‬من ﺳﺒغ اﻟﺬي ﻳﺪل ﰲ اﻟﻠﻐة ﻋﻠﻰ ﲤﺎم اﻟﺸﻲء وﻛمﺎﻟه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(129/3) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ب مﺜﻞ اﳌﺘصﺪق واﻟﺒخﻴﻞ‪ ،(115/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1443 :‬‬
‫‪ -4‬اﻋﺘﺰال اﻟنﺎس ﻟﻴﺲ مﺮﻏﺐ ﻓﻴه ﻋﻠﻰ اﻻﻃﻼق‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻮ مﻘﻴﺪ ﺣﻮال ﳐصﻮﺻة ﻛﺰمن اﻟﻔﱳ‪ ،‬واﳋﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳن‪ ،‬ﻓﻴﻔﺮ اﻟعﺒﺪ‬
‫ﺣﻔﻈﺎ ﻟﺪﻳنه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(70/1) ،‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب أﻓﻀﻞ اﻟنﺎس مﺆمن ﳎﺎﻫﺪ ﺑنﻔﺴه ومﺎﻟه ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪،(15/4) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪.2786 :‬‬
‫‪202‬‬
‫أجﺮ ﻋﻈﻴم ﻋنﺪه‪ ،‬أو ﻳعﻮد إﱃ أﻫﻠه ًﺋﻼ مﺎ ل من ﻏنﻴمة وأجﺮ‪ ،‬وﻫﺬا ﺑﻼ ﺷﻚ أﻛﱪ ﳏﻔﺰ‬
‫ﻟﻠﺠﻬﺎد وأﻋﻈم مﻘﻮم من مﻘﻮمﺎت ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.1‬‬
‫ب‪ .‬ﳕﻮذج اﳉﻮد ﻋﻠى اﳌﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮ ﻢ‬
‫ﳌﺎ ﻛﺎن اﳉﻮد من وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺳﺘعﻄﺎف ﻓﻘﺪ وﻇﻔه اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﺘأﻟﻴﻒ اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ‬
‫ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﺣنﲔ آثﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺳﺎ‪ ،‬أﻋﻄﻰ اﻷﻗﺮع مﺎﺋة من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﻋﻴﻴنة‬
‫مﺜﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﺳﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رجﻞ‪ :‬مﺎ أري ـﺪ ﺬه اﻟﻘﺴمة وج ه ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻷﺧﱪن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َِ ْﻛﺜَـ َﺮ ﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا ﻓَ َ‬
‫ﺼﺒَـ َﺮ «‪.2‬‬ ‫ﻷﺧﱪن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬رﺣ َﻢ ا ﱠُ ُﻣ َ‬
‫ﻮﺳى ﻗَ ْﺪ أُوذ َ‬
‫واﳉﻮد ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّة‪ ،‬ﻳﻘﻮل اﺑن تﻴمﻴّة رﲪه ﷲ‪ ":‬وإﳕﺎ ﻛﺎن ﻳعﻄﻲ‬
‫ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م ﳌﺎ ﰲ ﻗﻠﻮ م من اﳍﻠع واﳉﺰع ﻟﻴﻜﻮن مﺎ ﻳعﻄﻴﻬم ﺳﺒﺒﺎ ﳉﻠﺐ ﻗﻠﻮ م اﱃ أن ﳛﺒﻮا‬
‫ﳛﺒﻮا اﻹﺳﻼم ﻓﻴﺤﺒﻮا ﷲ ﻓﻜﺎﳕﻘصﻮده ﺑﺬﻟﻚ دﻋﻮة اﻟﻘﻠﻮب اﱃ ﺣﺐ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ وﺻﺮﻓﻬﺎ ﻋن ﺿﺪ‬
‫ﺿﺪ ذﻟﻚ وﳍﺬا ﻛﺎن ﻳعﻄﻲ أﻗﻮامﺎ ﺧﺸﻴّة أن ﻳﻜﺒﻬم ﷲ ﻋﻠﻰ وجﻮﻫﻬم ﰲ اﻟنﺎر"‪.3‬‬
‫ج‪ .‬ﳕﻮذج اﳉﻮد ﻋﻠى اﻷﺳﺮى‬
‫من ﻋﻈمة ﻫﺬه اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺣﺴﺎن إﱃ اﻷﺳﲑ‪ ،‬واﳉﻮد ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓعن جﺎﺑﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ‬
‫ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﺑﺪر أﰐ ﺳﺎرى‪ ،‬وأﰐ ﻟعﺒﺎس وﱂ ﻳﻜن ﻋﻠﻴه ثﻮب‪ ،‬ﻓنﻈﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟه ﻗمﻴصﺎ‪ ،‬ﻓﻮجﺪوا‬
‫ﻓﻮجﺪوا ﻗمﻴﺺ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓﻜﺴﺎه اﻟنﱯ ‪ ‬إ ه‪ ،‬ﻓﻠﺬﻟﻚ نﺰع اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗمﻴصه‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﺬي أﻟﺒﺴه‪.‬‬
‫ﻓﻼ رﻳﺐ أن اﳉﻮد من ﺻﻔﺎت اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ؛ ذﻟﻚ أن اﻟنﻔﺲ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﳎﺒﻮﻟة ﻋﻠﻰ ﺣﺐ من‬
‫أﺣﺴن إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻜﻮن جﻮادا ﻛﺮﳝﺎ ﳏﺴنﺎ‪ ،‬و ﺬا أن ﺷﺎء ﷲ ﳚﺬب ﻗﻠﻮب اﳌﺪﻋﻮﻳن‪،‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻓﻴﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ دﻋﻮته‪.5‬‬
‫و ﺬا أﻛﻮن ﻗﺪ أتﻴﺖ ﻋﻠﻰ أﻫم اﻟصﻔﺎت اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة اﻟﺘﺂﻟﻔﻴّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺘصﻒ ﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة؛‬
‫ﻗﻮﻻ وﻓعﻼ وﺣﺎﻻ‪ ،‬وﻫﻲ اﳊﻠم واﻟﺘﻮاﺿع واﳉﻮد‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬اﳊﻀﺎرة اﻹﺳﻼمﻴّة أﺳﺴﻬﺎ ووﺳﺎﺋﻠﻬﺎ‪ ،‬ص‪.418‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(159/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4336 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﻟﺰﻫﺪ واﻟﻮرع واﻟعﺒﺎدة‪ ،‬ت‪ :‬ﲪﺎد ﺳﻼمة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﳌنﺎر‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪1407 ،1‬ه‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﻜﺴﻮة ﻟﻸﺳﺎرى‪ ،(60/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3008 :‬‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟﺮ ﺳة اﻟعﺎمة ﻹدارات اﻟﺒﺤﻮث اﻟعﻠمﻴّة‬
‫‪ -‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﺐ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻓﻘه ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ﻫـ‪.(144/1) ،‬‬ ‫واﻹﻓﺘﺎء و ّ‬
‫‪203‬‬
 ‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﺼﻔﺎت اﻟﻘﻴﺎدﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‬
‫أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺘﺤﻘﻴق اﻟعﺪة اﻷﺧﻼﻗﻴّة اﻟﺬاتﻴّة واﻻجﺘمﺎﻋﻴّة‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﻄمﺢ ﻟﺘﻜمﻴﻞ‬
‫اﻟعﺪة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻷﺧﻼﻗﻴّة ﻛﺘﺴﺎب ﺻﻔﺎت ﻗﻴﺎدﻳّة؛ وذﻟﻚ ﻷﳘﻴﺘﻬﺎ اﻟﺘأثﲑﻳّة ﰲ اﳌﺪﻋﻮﻳن؛ ﻓﺤﱴ‬
‫ﻳنﺠﺢ ﰲ ﻗﻴﺎد م وتﻮجﻴﻬﻬم ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘصﻒ ﺎ اﻟﺘﺰامﺎ وتنﺰﻳﻼ‪.‬‬
‫وﻟن ﳚﺪ اﻟﺪﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن ﳕﻮذجﺎ دﻋﻮ ﻳﺴﺘﻠﻬمﻮن منه ﻫﺬه اﻟصﻔﺎت؛ ﻟﻴﺤﺬوا ﺣﺬوه مﺜﻞ‬
‫ﳕﻮذج اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻟعﻞ أﺑﺮز مﻴﺪان ﲡﻠﺖ ﻓﻴه ﺻﻔﺎته اﻟﻘﻴﺎدﻳّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻫﻮ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫مع ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ اﳌﻮاﻗﻒ من ﺳﲑته اﻟعﻄﺮة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز أﻫم اﻟصﻔﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻘﻴﺎدﻳّة من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﺼﻔﺔ اﳌﺨﺎﻟﻄﺔ‬
‫ﰲ مﻄﻠع ﻫﺬه اﻟصﻔﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻘﻴﺎدﻳّة أﲢﺪث ﻋن ﺻﻔة اﳌخﺎﻟﻄة من ﺣﻴﺚ مﻔﻬﻮمﻬﺎ‪،‬‬
‫وتﻄﺒﻴﻘﺎ ﺎ ﰲ اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﻠﻰ اﻟنﺤﻮ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم اﳌﺨﺎﻟﻄﺔ‬
‫ﰲ مﻘﺪمة اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﻫﺬه اﻟصﻔة اﻟﻘﻴﺎدﻳّة ﻻﺑﺪ من تعﺮﻳﻔﻬﺎ ﳚﺎز من ﺣﻴﺚ اﻟﻠﻐة واﻻﺻﻄﻼح‪،‬‬
‫ﻓﺎﳌخﺎﻟﻄة ﰲ اﻟﻠﻐة مصﺪر من )ﺧﻠط(‪ :‬وتﺪل ﰲ اﻟﻠﻐة ﻋﻠﻰ اﳌمﺎزجة واﳌﺸﺎرﻛة‪ ،‬وﻫﻲ ﺿﺪ‬
‫اﳌﻔﺎرﻗة‪.1‬‬
‫وأمﺎ تعﺮﻳﻔﻬﺎ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﻟﻴه اﻟﻐﺰاﱄ وﻏﲑه مﻘﱰنة ﻟعﺰﻟة‪ ،‬وﱂ ﻳﺬﻛﺮوا ﳍﺎ تعﺮﻳﻔﺎ ﻏﲑ أنه‬
‫ﻏﲑ أنه ﳝﻜن اﺳﺘﻔﺎدته ﺿمنﺎ ﺎ معﺎﺷﺮة اﻟنﺎس‪ ،‬وﻋﺪم اﻻنعﺰال ﻋنﻬم ﻗصﺪ اﻹﻓﺎدة واﻻﺳﺘﻔﺎدة‪.2‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﺻﻔة ﻫﺎمة ﻟﻠﺪاﻋﻴّة‪ ،‬ﲡعﻠه ﻳعﻴﺶ ﺣﻴﺎة اﻟنﺎس؛ ﻟﻴﺸعﺮ ﺑﺸعﻮرﻫم‪ ،‬وﻳنﻔعﻞ مع آراﺋﻬم وﺣﻴﺎ م‪،‬‬
‫وﺣﻴﺎ م‪ ،‬وﻳﺘﺪاﺧﻞ ﰲ ﻛﺎﻓة ﺷﺌﻮ م ﺑصﺪق وﻓﻬم وﲢﻠﻴﻞ‪ ،‬وﳚﺐ أن ﺧﺬ ﻫﺬه اﻟصﻔة ﻋنﺪه ﺷﻜﻼ‬
‫ﺷﻜﻼ ﻋﺎمﺎ ﲟعﲎ تﻮاجﺪﻫﺎ تﻠﻘﺎﺋﻴﺎ مع اﳉمﻴع ﺑﻼ تﻔﺮﻗة ﺑﲔ ﻏﲏ وﻓﻘﲑ‪ ،‬أو رﺋﻴﺲ ومﺮؤوس‪ ،‬ورﻓﻴع أو‬
‫ورﻓﻴع أو وﺿﻴع؛ ﻟﻜﻲ ﻳصﻞ ﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﳉمﻴع‪.3‬‬
‫من أجﻞ ﻫﺬه اﻷﳘﻴّة جﺎءت نصﻮص من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة ﲢﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أمﺮ ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه‬
‫َ ْ َْ َ‬
‫اص ِ ْ ف َسك َم َع‬‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱو‬ ‫وتعﺎﱃ اﻟنﱯ ‪ ‬ﲟﺠﺎﻟﺴة أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬و ﺎه ﻋن اﻹﻋﺮاض ﻋنﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ اﳌﻜﺎرم اﳌﻄﺮزي‪ ،‬اﳌﻐﺮب‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ص‪ ،151‬نﺸﻮان ﺑن ﺳعﻴﺪ اﻟﻴمﲏ‪ ،‬ﴰﺲ اﻟعﻠﻮم‪ ،‬ت‪ :‬ﺣﺴﲔ ﺑن‬
‫ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟعمﺮي‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ اﳌعﺎﺻﺮ ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬ﻫـ‪ 1999 ،‬م‪.(1906/3) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ ﺣﺎمﺪ اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬إﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳن‪ ،(221/2) ،‬اﺑن ﻗﺪامة اﳌﻘﺪﺳﻲ‪ ،‬ﳐﺘصﺮ منﻬﺎج اﻟﻘﺎﺻﺪﻳن‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﻜﻲ‪ ،‬ص‪.596‬‬‫‪ -‬أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪204‬‬
 ‫ون َر ُهم بﺎل َغ َد ٰوةِ َوال َع ِ ّ يُر ُد َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون َو ْج َه ُهۖۥ چ ٱ]اﻟﻜﻬﻒ‪ ،[28:‬وﻗﺪ جﺎءت أﺣﺎدﻳﺚ ﰲ ﻫﺬا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ي َ ْد ُع َ‬
‫ِ َ‬

‫ﱪ‬
‫ﺼُ‬ ‫َ‬ ‫اﻟﺴﻴﺎق من أﺷﻬﺮﻫﺎ‪ ،‬مﺎ رواه اﺑن ﻋمﺮ ﻋن اﻟنﱯ ‪ ‬أنه ﻗﺎل‪ » :‬اﻟ ُْﻤ ْﺆِﻣ ُﻦ اﻟﱠ ِﺬي ُﳜَﺎﻟِ ُ‬
‫ﻂ اﻟﻨﱠﺎس َوﻳَ ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ﻋﻠَى أَذَاﻫﻢ أَ ْﻋﻈَﻢ أ ِ‬
‫َﺟ ًﺮا ﻣ ْﻦ اﻟﱠ ِﺬي َﻻ ُﳜَﺎﻟﻄُ ُﻬ ْﻢ َوَﻻ ﻳَ ْ‬
‫ﺼِﱪُ َﻋﻠَى أَذَ ُاﻫ ْﻢ «‪.1‬‬ ‫ُْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺣﱴ ﰲ ﻏﺰواته‪ ،‬وﰲ ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ذﻟﻚ جﺰء‬
‫جﺰء من منﻬﺠه ﰲ إﻳصﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.2‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﺳأﺑﻴنه ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ من ﺧﻼل ﳕﺎذج مأﺧﻮذة من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫‪.2‬ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﺼﻔﺔ اﳌﺨﺎﻟﻄﺔ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺣﺎﺿﺮا معﻬم ﻳﺸﺎرﻛﻬم ﰲ ﻛﻞ‬ ‫أن اﳌﺘﺘﺒع ﻟﻐﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬ﳚﺪه ﻻ ﻳنعﺰل ﻋن ّ‬
‫ﺷﺆو م‪ ،‬وﻟﻜﺜﺮة مﻈﺎﻫﺮ اﳌخﺎﻟﻄة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وتعﺪد ﳎﺎﻻ ﺎ أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﳕﻮذج اﳌﺨﺎﻟﻄﺔ ﰲ اﻟﱰوﻳﺢ‬
‫ﻟصﺤﺎﺑة ﻳصﺪر منﻬم ذﻟﻚ‬ ‫ﻗﺪ ﳛﺘﺎج اﳉﺪ ﺷﻲء من اﻟﱰوﻳﺢ ﻋن اﻟنﻔﺲ ﳊﺪاء وﻏﲑه ﻓﻜﺎ ّ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫ﻓﻴﺸﺎرﻛﻬم اﻟنﱯ ‪ ،‬أو ﻗﺪ ﻳصﺪر منه مﺎ ﻳﺮوح ﺑه ﻋنﻬم‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬رأَﻳْ ُ‬
‫ﺖ َر ُﺳ َ‬
‫ﺖ َﻣﺎ‬ ‫ﻮل‪» :‬ﻟَ ْﻮﻻَ أَﻧْ َ‬ ‫ﺎض ﺑَﻄْﻨِ ِﻪ‪ ،‬و ُﻫ َﻮ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫اب ﺑَـﻴَ َ‬
‫ﱡﺮ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮ َم اﻷ ْ ِ‬
‫اب‪ ،‬وﻗَ ْﺪ َو َارى اﻟﺘـ َ‬ ‫ﱡﺮ َ‬
‫َﺣ َﺰاب ﻳَـ ْﻨـ ُﻘ ُﻞ اﻟﺘـ َ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫ﺖ اﻷَﻗْ َﺪ َام أن ﻻَﻗَـْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬أن اﻷ َُﱃ ﻗَ ْﺪ ﺑَـﻐَ ْﻮا َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ‬ ‫ا ْﻫﺘَ َﺪﻳْـﻨَﺎ‪ ،‬وﻻَ ﺗَﺼ ﱠﺪﻗـْﻨَﺎ وﻻَ ﺻﻠﱠْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَﻧْ ِﺰﻟَﻦ ﺳ ِﻜﻴﻨَﺔً َﻋﻠَ ْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬وﺛَـﺒِّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ادوا ﻓِ ْﺘـﻨَ ًﺔ أَﺑَـ ْﻴـﻨَﺎ«‪.‬‬
‫أ ََر ُ‬
‫وﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي ﺳﻠﻮﻛﻲ ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة‪ ،‬ﻳنﺒﻐﻲ أن ﳛﻈﻰ ﻟعنﺎﻳّة واﻟﺮﻋﺎﻳّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌنﻀﺒﻄة؛ ﺣﱴ‬
‫ﺣﱴ ﻳﻔﻬم اﻟﺪﻋﺎة أن اﳊﻴﺎة ﻛﻠﻬﺎ ﻋﺒﺎدة‪ ،‬وتﺸمﻞ ﳊﻈة اﻟﱰوﻳﺢ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻼ ﺷﻲء ﰲ اﳊﻴﺎة ﳜﺮج‬
‫ﻋن داﺋﺮة اﻟعﺒﺎدة‪ ،‬وإﳕﺎ ﻫﻲ ﺳﺎﻋة ﺑعﺪ ﺳﺎﻋة ﰲ أنﻮاع ﳐﺘﻠﻔة من اﻟعﺒﺎدة‪ ،‬وأن اﺧﺘﻠﻔﺖ أنﻮاﻋﻬﺎ‬
‫وﳎﺎﻻ ﺎ‪.4‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻳﺴﺘﻄﻴع أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ من وﺳﺎﺋﻞ اﻟﱰوﻳﺢ واﻟﱰﻓﻴه‪ ،‬ﺑﺘﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﰲ ﺻنﺎﻋﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫وﻟﻜن مع مﺮاﻋﺎة اﻟﻀﻮاﺑط اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬واﳉﻮدة اﻟﺘﻘنﻴّة‪ ،‬واﳉمﺎﻟﻴّة اﻟﻔنﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه أﲪﺪ ﰲ مﺴنﺪه‪ ،(486/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،5022 :‬وﻗﺎل أﲪﺪ ﺷﺎﻛﺮ‪ :‬إﺳنﺎده ﺻﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،(26/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2837 :‬‬
‫‪ -4‬ﻋﻠﻲ ﷴ اﻟصﻼﰊ‪ ،‬تﺒصﲑ اﳌﺆمنﲔ ﺑﻔﻘه اﻟنصﺮ واﻟﺘﱠمﻜﲔ‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪205‬‬
‫ومن ﰒ ﰐ أﳘﻴّة اﻻﺳﺘعﺎنة ﻫﻞ اﻟﺘخصﺺ ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل اﳊﻴﻮي واﳊﺴﺎس ﰲ نﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ؛ ﳑﺎ‬
‫ﻳﺆﻛﺪ ﺿﺮورة اﻟﺘﻜﺎمﻞ ﺑﲔ أﻫﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌخﺘصﲔ‪ ،‬وﻋمﻮم اﻟﺪﻋﺎة من أﺻﺤﺎب اﻟﺘخصصﺎت‬
‫اﻷﺧﺮى ﻓﻔﻲ إﳒﺎح‪ ،‬وتﺮﻗﻴّة وتﻄﻮﻳﺮ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻋﺘﺒﺎره وﻇﻴﻔة اﻷمة اﳋﲑﻳّة ﺑﻜﻞ مﻜﻮ ﺎ‪.‬‬
‫ب‪ .‬ﳕﻮذج اﳌﺨﺎﻟﻄﺔ ﰲ اﳌﺮﻛﻮب‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬أو ﺑﺒﲔ‬‫من ﺻﻮر اﳌخﺎﻟﻄة اﻟﺮاﺋعة مﺎ ﻛﺎن ﳛصﻞ من اﻻرتﺪاف ﰲ اﻟﻐﺰو ﺑﲔ اﻟنﱯ ‪ ‬و ّ‬
‫ِ‬ ‫ﺑﺒﲔ اﻟصﺤﺎﺑة ﻓﻴم ا ﺑﻴنﻬم ‪ ،‬ﻓعن أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬أن رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪َ » ‬رﻛ َ‬
‫ﺐ َﻋﻠَى‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ُﺳ َﺎﻣ َﺔ َوَر َاءﻩُ«‪.‬‬ ‫‪» ‬رﻛِﺐ َﻋﻠَى ِﲪﺎ ٍر َﻋﻠَى إِ َﻛ ٍ‬
‫ﺎف َﻋﻠَْﻴ ِﻪ ﻗَ ِﻄﻴ َﻔﺔٌ‪ ،‬وأ َْر َد َ‬
‫فأَ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وﰲ ﻫﺬه اﳌخﺎﻟﻄة ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻻ ﳜﻔﻰ ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬مع ﻋﻠﻮ مﺮتﺒﺘه‪ ،‬وجﻼﻟة منﺰﻟﺘه ﱂ ﻳﻜن ﻳﺮﻓع‬
‫نﻔﺴه ﻋن أن ﳛمﻞ ردﻓﺎ معه ﻋﻠﻰ داﺑﺘه‪ ،‬وﻟﻜنه ﻛﺎن ﻳﺮدف ﻟﺘﺘأﺳﻰ ﺑه ﰲ ذﻟﻚ أمﺘه‪ ،‬ﻓﻼ نﻔﻮا ﳑﺎ‬
‫ﳑﺎ ﱂ نﻒ منه وﻻ ﻳﺴﺘنﻜﻔﻮا ﳑﺎ ﱂ ﻳﺴﺘنﻜﻒ منه‪.2‬‬
‫وﻟعﻞ من اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌعﺎﺻﺮة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺪﻋﺎة؛ تﺮﻓع ﺑعﺾ اﶈﺴﻮﺑﲔ ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋن‬
‫اﳌﺪﻋﻮ ﺑﺸﻜﻞ من اﻷﺷﻜﺎل‪.‬‬
‫وإﺿﺎﻓة إﱃ اﻟﺪﻻﻟة اﻟﻮاﺿﺤة ﳍﺬه اﳌخﺎﻟﻄة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﺿع‪ ،‬ﻓﻬﻲ رﺳﺎﻟة إﱃ اﻟﺪﻋﺎة ن ﻳﺴﺘﻐﻠﻮا‬
‫وﺳﺎﺋﻞ اﻟنﻘﻞ‪ ،‬وﲢﻮﻳﻠﻬﺎ إﱃ مﻴﺎدﻳن دﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﰲ ﻫﺬا اﻟعصﺮ اﻟﺬي تﻮﻓﺮت ﻓﻴه تﻘنﻴﺎت اﻟعﺮض‬
‫اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﺑﻔﻀﻞ تﻄﻮر تﻘنﻴﺎت اﻹﻋﻼم واﻻتصﺎل‪.‬‬
‫ج‪ .‬ﳕﻮذج اﳌﺨﺎﻟﻄﺔ ﰲ اﻟﻄﻌﺎم‬
‫ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺸﺎرك ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻃعﺎمﻬم‪ ،‬ﻓﻴأﻛﻞ معﻬم‪ ،‬و ﻛﻞ مﺎ ﻛﻠﻮن‪ ،‬ﻓعن ﺳﻮﻳﺪ ﺑن‬
‫ت إِﱠﻻ‬‫ﺼ َﺮ‪ ،‬ﰒُﱠ َد َﻋﺎ ِ ﻷَ ْزَو ِاد ﻓَـﻠَ ْﻢ ﻳـُ ْﺆ َ‬ ‫ﺻﻠﱠى َ‬
‫اﻟﻌ ْ‬ ‫اﻟنعمﺎن أنه ﺧﺮج مع اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺎم ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬‬
‫‪1‬‬
‫ﺻﻠﱠى َوَﱂْ ﻳَـﺘَـ َﻮ ﱠ‬ ‫ﺎم إِ َﱃ اﳌَﻐْ ِﺮ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِﻟ ﱠ‬
‫ﺿﺄْ«‬ ‫ﻀﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ َ‬ ‫ﻀ َﻤ ْ‬
‫ﺾ َوَﻣ ْ‬‫ﻀ َﻤ َ‬
‫ب‪ ،‬ﻓَ َﻤ ْ‬ ‫ﺴ ِﻮ ِﻳﻖ‪ ،‬ﻓَﺄ ََﻣ َﺮ ﺑﻪ ﻓَـﺜُـ ِّﺮ َ‬
‫ي‪ ،‬ﻓَﺄَ َﻛ َﻞ َوأَ َﻛﻠْﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺮدف ﻋﻠﻰ اﳊمﺎر‪ ،(55/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2825 :‬اﻻرﺗﺪاف‪ :‬وﻫﻮ أ ّن‬
‫ﻳﺮﻛﺐ اﻟﺮاﻛﺐ ﺷخصﺎً ﺧﻠﻔه‪ ،‬اﻹﻛﺎف‪ :‬ﻫﻮ اﻟﱪذﻋة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳍﺎدي اﻟﺴنﺪي اﳌﺪﱐ‪ ،‬ﺣﺎﺷﻴّة اﻟﺴنﺪى ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﺢ‬
‫اﻟﺒخﺎرى‪.(25/4) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(148/5) ،‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(130/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4195 :‬وأﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺿﻮء‬
‫إﺷﺎرة إﱃ ﺑعﺪ تﺸﺮﻳعﻲ ﻳﺘعﻠق ﻟﻮﺿﻮء ﰲ اﻟﺮواﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب من مﻀمﺾ من اﻟﺴﻮﻳق وﱂ ﻳﺘﻮﺿأ"‪ ،(52/1) ،‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ‪":‬‬
‫أي ﻫﺬا ب ﰲ ﺑﻴأ ّن ﺣﻜم من مﻀمﺾ من أﻛﻞ اﻟﺴﻮﻳق وﱂ ﻳﺘﻮﺿأ"‪ ،‬ﺑﺪر اﻟﺪﻳن اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ‬
‫اﻟﺒخﺎري‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(323/5) ،‬‬

‫‪206‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺑﻄﺎل ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬اﳌﻀمﻀة ﺑعﺪ اﻟﻄعﺎم ﺳنة مﺆﻛﺪة‪ ،‬وﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻮاﻇﺐ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻓعﻞ ذﻟﻚ وﳛﺾ أمﺘه ﻋﻠﻰ تنﻈﻴﻒ أﻓﻮاﻫﻬم وتﻄﻴﺒﻬﺎ ﻷ ﺎ ﻃﺮق اﻟﻘﺮآن "‪.1‬‬
‫وﻫﺬا من ﻓﻮاﺋﺪ ﳐﺎﻟﻄة اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻳﺴﺘﻐﻞ ﺣﱴ ﳎﻠﺲ اﻟﻄعﺎم‪ ،‬وﳚعﻠه مﻴﺪا ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻛمﺎ‬
‫ﳝﻜن ﻷﺻﺤﺎب اﳌﻄﺎﻋم‪ ،‬واﶈﻼت اﻟﱵ تﺸﻬﺪ ﲡمﻬﺮ اﻟنﺎس أن ﻳﺴﺎﳘﻮا ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﺒﺚ مﻀﺎمﲔ‬
‫دﻋﻮﻳّة ﻋن ﻃﺮﻳق وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳّة‪ ،‬واﻟﻮﺳﺎﺋط اﳊﺪﻳﺜة‪.‬‬
‫وذﻟﻚ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة مﺴﺆوﻟﻴّة اﳉمﻴع‪ ،‬وﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﺻﺮة ﻋﻠﻰ ﻓﺌة دون أﺧﺮى‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﻓﺮد من أﻓﺮاد اﻷمة‬
‫ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺆدي دوره اﻟﺪﻋﻮي من مﻮﻗعه‪ ،‬وﲝﺴﺐ ﻗﺪراته اﳌﺘﺎﺣة‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺜﻼثة اﻟﱵ ذﻛﺮ ﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘمﺜﻴﻞ ﻻ اﳊصﺮ؛ تنﺒﻴه ﻟﻠﺪﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ ﻋصﺮ أن‬
‫ﻳﺴﺘﻐﻠﻮا ﻛﻞ اﳌنﺎﺳﺒﺎت اﻟﺰمﺎنﻴّة واﳌﻜﺎنﻴّة ﳌخﺎﻟﻄة اﻟﻔعﺎﻟة ﻟﺘﺤﻘﻴق اﻷﻫﺪاف اﳌﻼﺋمة ﻟﻜﻞ مﻮﻗﻒ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﺼﻔﺔ ﺗﻨﺰﻳﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﺎزﳍﻢ‬
‫ﺑعﺪ اﻟﺘﻄﺮق ﻟصﻔة اﳌخﺎﻟﻄة وﺑﻴﺎن أﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻘﻴﺎدﻳّة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات أنﺘﻘﻞ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋن‬
‫ﺻﻔة ﻗﻴﺎدﻳّة ﻓعﺎﻟة‪ ،‬وﻫﻲ ﺻﻔة اﻟﺘنﺰﻳﻞ‪ ،‬ﺑﺒﻴﺎن مﻔﻬﻮمﻬﺎ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﺎ ﺎ ﰲ اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة وﻓق اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬

‫‪.1‬ﻣﻔﻬﻮم ﺻﻔﺔ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ وﻓﻀﻠﻬﺎ‬

‫ﻗﺒﻞ دراﺳة ﺻﻔة اﻟﺘنﺰﻳﻞ من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات ﳛﺴن اﻟﺒﺪء ﺑﺘعﺮﻳﻔﻬﺎ وﺑﻴﺎن‬
‫ﻓﻀﻠﻬﺎ‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ تﻔصﻴﻞ ذﻟﻚ‪:‬‬

‫أ‪ .‬ﻣﻔﻬﻮم ﺻﻔﺔ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ‬

‫ﻟﻠﺘعﺮف ﻋﻠﻰ مﻔﻬﻮم ﺻﻔة اﻟﺘنﺰﻳﻞ ﻻﺑﺪ من اﻟﺘعﺮض ﻟﺪﻻﻟﺘﻬﺎ اﻟﻠﻐﻮﻳّة اﺑﺘﺪاء‪ ،‬ﻓﺎﳌنﺰﻟة ﰲ اﻟﻠﻐة اﳌﺮتﺒة‬
‫اﳌﺮتﺒة واﳌﻜﺎنة‪ ،‬واﻟﺘنﺰﻳﻞ تﺮتﻴﺐ اﻟﺸﻲء ووﺿعه ﰲ مﻜﺎنه اﻟﻼﺋق ﺑه‪.1‬‬
‫أمﺎ اﳌعﲎ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﻟصﻔة اﻟﺘنﺰﻳﻞ ﻓﻬﻮ ﻻ ﳜﺮج ﻋن اﳌعﲎ اﻟﻠﻐﻮي‪ ،‬ﻓﺘنﺰﻳﻞ اﻟنﺎس منﺎزﳍم معﺎمﻠة‬
‫اﻟﺸخﺺ وﻓق مﻘﺘﻀﻰ مﻜﺎنﺘه ومنﺰﻟﺘه‪ ،‬اﻟﱵ ﻫﻮ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ تﻜﻮن اﳌنﺰﻟة دﻳنﻴّة أو اجﺘمﺎﻋﻴّة‪ ،‬أو‬
‫ﺳﻴﺎﺳﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(504/9) ،‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﴰﺲ اﻟعﻠﻮم‪ ،‬نﺸﻮان اﳊمﲑي اﻟﻴمﲏ‪ ،(6557/10) ،‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،(417/5) ،‬أﲪﺪ ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ‬
‫ﻋمﺮ‪ ،‬معﺠم اﻟﻠﻐة اﻟعﺮﺑﻴّة اﳌعﺎﺻﺮة‪.(2197/3) ،‬‬
‫‪207‬‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟنﻮوي إﱃ ﻫﺬا ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬تﻮﻗﲑ اﻟعﻠمﺎء واﻟﻜﺒﺎر وأﻫﻞ اﻟﻔﻀﻞ وتﻘﺪﳝﻬم ﻋﻠﻰ ﻏﲑﻫم‪ ،‬ورﻓع‬
‫ﳎﺎﻟﺴﻬم‪ ،‬وإﻇﻬﺎر مﺮتﺒﺘﻬم"‪.1‬‬
‫ب‪ .‬أﳘﻴّﺔ إﻧﺰال اﻟﻨﺎس ﻣﻨﺎزﳍﻢ‬
‫ﻟﻸﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﳍﺬه اﻟصﻔة جﺎءت أﺣﺎدﻳﺚ وآ ر تﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن‬
‫ﺻ ِﻐ َﲑَ «‪.2‬‬ ‫ﺲ ِﻣﻨﱠﺎ َﻣ ْﻦ َﱂْ ﻳَـ ْﻌ ِﺮ ْ‬
‫ف َﺣ ﱠﻖ َﻛﺒِ ِﲑَ َوﻳَـ ْﺮ َﺣ ْﻢ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻟَْﻴ َ‬ ‫ﻋمﺮو رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ أن َر ُﺳ َ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ مﺮاﻋﺎة مﺮاتﺐ‪ ،‬ومنﺎزل اﻟنﺎس‪ ،‬ﻓﻴعﺎمﻞ اﻟﻜﺒﲑ ﲟﺎ ﻳﺘنﺎﺳﺐ مع ﺳنه واﻟصﻐﲑ ﲟﺎ‬
‫ﻳنﺎﺳﺐ ﺻﻐﺮه‪ ،‬وتﻠﺤق ﺑﺬﻟﻚ اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻷﺧﺮى ﻛﺎﳉنﺲ‪ ،‬واﳌﻜﺎنة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة واﻻجﺘمﺎﻋﻴّة وﻏﲑﻫﺎ‬
‫من اﻻﻋﺘﺒﺎرات‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﲔ مﺮاﻋﺎة اﻟنﱯ ‪ ‬ﳌﺮاتﺐ اﻟنﺎس وإنﺰاﳍﺎ وﻓﻘﻬﺎ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫‪.2‬ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﺘﻨﺰﻳﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﺎزﳍﻢ‬
‫ﻗﺪ تﺘعﺪد ﳎﺎﻻت اﻟﺘنﺰﻳﻞ اﻟنﺒﻮي ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺎﰲ ﳛﻴط ﺎ من ﺣﻮادث ومﻼﺑﺴﺎت‪،‬‬
‫وذﻟﻚ ﻟﺘنﻮع ﻃﺒﻴعة اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﻷتﺒﺎﻋﻔﻲ ﻫﺬا اﳌﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫ونﻈﺮا ﻫﺬا اﻟﺘنﻮع ﰲ ﻃﺒﻴعة اﳌﺪﻋﻮﻳن اﳌﺴﺘﻬﺪﻓﲔ ﻟﺘنﺰﻳﻞ ﺳﻮف أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷنﻮاع من‬
‫اﻟﺘنﺰﻳﻞ اﻟنﺒﻮي‪.‬‬
‫أ‪ .‬ﻣﺮاﻋﺎة اﳌﻜﺎﻧﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ‬
‫أن من مﻈﺎﻫﺮ تنﺰﻳﻞ اﻟنﺎس منﺎزﳍم مﺮاﻋﺎة اﳌﻜﺎنة اﻟﺪﻳنﻴّة ﻟﻠﺸخﺺ وﺳﺎﺑﻘﺘه ﰲ اﻻﺳﺘﻘﺎمة‬
‫واﻟﺘﻘﻮى‪ ،‬ومﺮاﻋﺎة مﺎﻟه من ﻓﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬ومنﺎﻗﺐ وﺳﺎﺑﻘة ﰲ ﻓعﻞ اﻟﻄﺎﻋﺎت واﻷﻋمﺎل اﻟصﺎﳊة‪.‬‬
‫ﺣﲔ أرﺳﻞ رﺳﺎﻟة ﳜﱪ ﻓﻴﻬﺎ‬ ‫وﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ مﺮاﻋﺎ ﺎ مﺎ ورد ﰲ ﻗصة ﺣﺎﻃﺐ ﺑن أﰊ ﺑﻠﺘعة‬
‫ﳜﱪ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﻋن مﻘﺪم اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻋﻔﻰ ﻋنه اﻟنﱯ ‪ ‬وﻋﻠﻞ ﻫﺬا اﻟعﻔﻮ ﲟﺎ ﻛﺎن ﻟه من‬
‫اﳌنﺰﻟة اﻟﺪﻳنﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من اﻟﺒﺪرﻳﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻋنه ‪" :‬إنه ﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،‬ومﺎ ﻳﺪرﻳﻚ ﻟعﻞ ﷲ أن‬
‫أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ اﻃﻠع ﻋﻠﻰ أﻫﻞ ﺑﺪر ﻓﻘﺎل‪ :‬اﻋمﻠﻮا مﺎ ﺷﺌﺘم ﻓﻘﺪ ﻏﻔﺮت ﻟﻜم"‪.1‬‬

‫‪ -1‬ﳛ ـ ـ ـ ــﲕ ﺑ ـ ـ ـ ـ ــن ﺷ ـ ـ ـ ــﺮف‪ ،‬أﺑ ـ ـ ـ ـ ــﻮ زﻛـ ـ ـ ـ ــﺮ ‪ ،‬اﻟن ـ ـ ـ ـ ــﻮوي‪ ، ،‬ر ض اﻟص ـ ـ ـ ـ ــﺎﳊﲔ‪ ،‬ت‪ :‬ﺷ ـ ـ ـ ـ ــعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬مﺆﺳﺴ ـ ـ ـ ــة اﻟﺮﺳ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻟة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1419 ،3‬ﻫـ‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪ -2‬رواه أﲪﺪ ﰲ مﺴنﺪه‪ ،(403/6) ،‬واﳊﺪﻳﺚ ﺻﺤﺤه ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط ﰲ ﲢﻘﻴﻘه ﻟﺴنن أﰊ داود‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳنن‪ ،‬أﰊ داود‪،‬‬
‫)‪.(299/7‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ من ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،(77/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3762 :‬‬
‫‪208‬‬
‫ومعﲎ ذﻟﻚ أن" ﻫﺬا ﻛنﺎﻳّة ﻋن ﻛمﺎل اﻟﺮﺿﻰ‪ ،‬وﺻﻼح اﳊﺎل‪ ،‬وتﻮﻓﻴﻘﻬم ﻟﻠخﲑ ﻻ اﻟﱰﺧﺺ ﳍم ﰲ‬
‫ﻛﻞ ﻓعﻞ"‪.1‬‬
‫وﻟعﻞ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻟنﺒﻮي اﳌﺘﺰن رﺳﺎﻟة ﳌن ﻳﺴﻘط اﻟعﻠمﺎء واﻟﺪﻋﺎة ﲟﺠﺮد اﳋﻄأ ﰲ اﻻجﺘﻬﺎد أو‬
‫ﰲ مﻮﻗﻒ مﺎ‪ ،‬وﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱃ ﺳﺎﺑﻘﺘه وﺑﻼﺋه اﳊﺴن ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ب‪ .‬ﻣﺮاﻋﺎة اﳌﻨﺰﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻬﺘم ﺑﻜﻞ ﻃﺒﻘﺎت وﻓﺌﺎت ا ﺘمع‪ ،‬إمﺎ ﺑﺪﻋﻮ م أو ﻻﺳﺘعﺎنة م ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﳌﺎ‬
‫ﻛﺎن اﻟعﺮب ﻳﻔﺘخﺮون ﻷنﺴﺎب وﳚعﻠﻮ ﺎ معﻴﺎرا ﻟﻠﺘﻔﺎﺿﻞ‪ ،‬جﺎءت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟﺘصﺤﻴﺢ‬
‫اﳌﻔﻬﻮم‪ ،‬نﻈﺮ وتﻄﺒﻴﻘﻴﺎ من ﺧﻼل إﺳنﺎد مﻬﺎم دﻋﻮﻳّة جﻠﻴﻠة ﻟﻠمﻮاﱄ مﺎ دامﻮا أﻫﻼ ﳍﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ أمﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة واﺑنه أﺳﺎمة من ﺑعﺪه رﻏم ﺻﻐﺮ ﺳنه‪ ،‬وﱂ ﻳﻘﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ ﻫﺬا‬
‫اﳊﺪ ﺑﻞ أنﻜﺮ ﺑﺸﺪة ﻓﻴمن ﻳﻄعن ﰲ إمﺎرتﻴﻬمﺎ ﻋﺘﺒﺎر من اﻻﻋﺘﺒﺎرات‪.‬‬
‫ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أمﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺳﺎمة ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻓﻄعنﻮا ﰲ إمﺎرته‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬أن ﺗﻄ َْﻌﻨُﻮا‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ﺐ اﻟﻨ ِ‬
‫ﱠﺎس‬ ‫ِﰲ إِ َﻣ َﺎرﺗﻪ ﻓَـ َﻘ ْﺪ ﻃَ َﻌ ْﻨـﺘُ ْﻢ ِﰲ إِ َﻣ َﺎرة أَﺑِﻴﻪ ﻣ ْﻦ ﻗَـْﺒﻠﻪ‪ ،‬و ْاﱘُ ا ﱠ ﻟََﻘ ْﺪ ﻛﺎن َﺧﻠﻴ ًﻘﺎ ﻟ ْ ِﻺ َﻣ َﺎرة‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻣ ْﻦ أ َ‬
‫َﺣ ِّ‬
‫‪2‬‬
‫ﱠﺎس إِ َﱠ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َﱠ‬
‫ﱄ ﺑَـ ْﻌ َﺪﻩُ«‬ ‫ﺐ اﻟﻨ ِ‬ ‫َﺣ ِّ‬
‫ﱄ‪ ،‬وأن َﻫ َﺬا ﻟَﻤ ْﻦ أ َ‬
‫وﻫﺬا ﻻ ﻳعﲏ إﳘﺎل مﺮاﻋﺎة اﳌنﺰﻟة واﳌﻜﺎنة اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﻬﻲ معﺘﱪة‪ ،‬وﻟﻜن ﻟﻴﺲ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب‬
‫اﻟﻘﻴم واﳌﺒﺎدئ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺮواﻳّة اﻟﺴﺎﺑﻘة تﺸﲑ إﱃ مﺮاﻋﺎ ﺎ‪ ،‬ﻓﺰﻳﺪ وأﺳﺎمة رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ ﻻ ﲣﻔﻰ مﻜﺎنﺘﻬمﺎ ﰲ ا ﺘمع‬
‫ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺮ مﺎ من رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﺷﺪة ﳏﺒﺘه ﳍمﺎ‪ ،‬ومع ﻫﺬا ﻛﺎن ا ﺣﻘﻴﻘﲔ ﻹمﺎرة‪.1‬‬
‫ج‪ .‬ﻣﺮاﻋﺎة اﳌﻨﺰﻟﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ اﳌﺮاﻋﺎة ﻟﻠمﻜﺎنة واﳌنﺰﻟة مﺮاﻋﺎة منﺰﻟة من ﻟه مﻜﺎنة ﺳﻴﺎﺳﻴّة ودﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن‬
‫ﻳﺮاﻋﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪‬؛ ﻟعﻈم أثﺮﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮي؛ ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺑة ﺻﺎﺣﺐ اﳌﻜﺎنة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة ﻛﺰﻋﻴم اﻟﻘﺒﻴﻠة‪ ،‬أو‬
‫رﺳﻮل مﻠﻚ أو رﺋﻴﺲ؛ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻼﺳﺘﺠﺎﺑة اﳉمﺎﻋﻴّة‪.‬‬
‫ومن مﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬه اﳌﺮاﻋﺎة اﻻﺣﺘﻔﺎء ﻟﻮﻓﻮد‪ ،‬واﻟﺘﺠمﻞ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﳍم واﳊﺮص ﻋﻠﻰ إﻛﺮامﻬم‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ‬
‫ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وجﺪ ﻋمﺮ ﺣﻠة إﺳﺘﱪق تﺒﺎع ﰲ اﻟﺴﻮق‪ ،‬ﻓأتﻰ ﺎ رﺳﻮل‬

‫‪ -1‬اﻟعﻈﻴم آ دي‪ ،‬ﻋﻮن اﳌعﺒﻮد ﺷﺮح ﺳنن أﰊ داود‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،2‬ﻫـ‪.(64/12) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة‪ ،(141/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4004 :‬‬
‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(114/1) ،‬‬
‫‪209‬‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻘﺎل‪ :‬رﺳﻮل ﷲ اﺑﺘع ﻫﺬه اﳊﻠة‪ ،‬ﻓﺘﺠمﻞ ﺎ ﻟﻠعﻴﺪ وﻟﻠﻮﻓﻮد‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ‬
‫‪» :‬إﳕﺎ ﻫﺬه ﻟﺒﺎس من ﻻ ﺧﻼق ﻟه‪ ،‬أو إﳕﺎ ﻳﻠﺒﺲ ﻫﺬه من ﻻ ﺧﻼق ﻟه« ﻓﻠﺒﺚ مﺎ ﺷﺎء ﷲ‪،‬‬
‫أرﺳﻞ إﻟﻴه اﻟنﱯ ‪ ‬ﲜﺒة دﻳﺒﺎج ﻓأﻗﺒﻞ ﺎ ﻋمﺮ ﺣﱴ أتﻰ ﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬رﺳﻮل ﷲ‪،‬‬
‫ﻗﻠﺖ إﳕﺎ ﻫﺬه ﻟﺒﺎس من ﻻ ﺧﻼق ﻟه أو إﳕﺎ ﻳﻠﺒﺲ ﻫﺬه من ﻻ ﺧﻼق ﻟه‪ ،‬ﰒ أرﺳﻠﺖ إﱄ ﺬه‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎل‪» :‬ﺗﺒﻴﻌﻬﺎ أو ﺗﺼﻴﺐ ﺎ ﺑﻌﺾ ﺣﺎﺟﺘﻚ«‪ ،1‬ﻗﺎل اﺑن ﺑﻄﺎل‪ " :‬ﻓﻴه أن من اﻟﺴنة اﳌعﺮوﻓة اﻟﺘﺠمﻞ‬
‫ﻟﻠﻮﻓﺪ واﻟعﻴﺪ ﲝﺴن اﻟﺜﻴﺎب؛ ﻻن ﰱ ذﻟﻚ ﲨﺎﻻ ﻟﻺﺳﻼم وأﻫﻠه‪ ،‬وإرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟعﺪو‪ ،‬وتعﻈﻴمﺎ‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‪ .‬وﻗﻮل ﻋمﺮ‪) :‬ﲡمﻞ ﺎ ﻟﻠﻮﻓﺪ( ﻳﺪل أن ذﻟﻚ من ﻋﺎد م وﻓعﻠﻬم‪".‬‬
‫ومن دﻻﺋﻞ مﺮاﻋﺎة اﻟنﱯ ‪ ‬ﳌنﺰﻟة اﻟﺰﻋﻴم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬مﺎ رواه جﺒﲑ ﺑن مﻄعم ‪ :‬أن اﻟنﱯ ‪‬‬
‫ي َﺣﻴﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ َﻛﻠﱠ َﻤ ِﲏ ِﰲ َﻫ ُﺆﻻَ ِء اﻟﻨﱠـ ْﺘـ َﲎ ﻟَﺘَـ َﺮْﻛﺘُـ ُﻬ ْﻢ ﻟَﻪُ«‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺎل ﰲ أﺳﺎرى ﺑﺪر‪» :‬ﻟَ ْﻮ ﻛﺎن اﳌُﻄْﻌ ُﻢ ﺑْ ُﻦ َﻋﺪ ٍّ‬
‫‪.3‬‬
‫ﻓﺎﳌﻄعم ﺑن ﻋﺪي من ﺳﺎدات ﻗﺮﻳﺶ اﺑن ﻋم جﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓأﺣﺐ أنه ﻛﺎن ﺣﻴﺎً ﻓﻜﺎﻓأه‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ؛ تﻄﻴﻴﺒﺎ ﻟﻘﻠﺐ اﺑنه جﺒﲑ و ﻟﻴﻔه ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من أﻛﺎﺑﺮ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وﻋﻠمﺎء‬
‫اﻟنّﺴﺐ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن من آ ر تﻠﻚ اﳌﻜﺎنة ﺳعﻴه ﰲ نﻘﺾ اﻟصﺤﻴﻔة اﳉﺎﺋﺮة اﻟﱵ ﰎ ﲟﻮجﺒﻬﺎ ﳏﺎﺻﺮة‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬وآﻟه ﰲ اﻟﺸعﺐ‪.4‬‬
‫د‪ .‬ﻣﺮاﻋﺎة ﻣﻜﺎﻧﺔ اﳌﺮأة‬
‫ﻻ ﳝﻜن ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻐﻔﻞ دور اﳌﺮأة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ تعﺎﱃ ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬ﻓمن ﺣﻜمة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ومن‬
‫ﺻﻔﺎته اﻟﻘﻴﺎدﻳّة أن ﻳﺴﺘﺜمﺮ ﰲ اﻟﻄﺎﻗة اﻟنﺴﻮﻳّة‪ ،‬من ﺣﻴﺚ اﻟﻜمﻮن واﳊﺮﻛة‪ ،‬وذﻟﻚ ﺑﺪﻋﻮ ﺎ‬
‫و ﻋﺪادﻫﺎ ﻟنﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة واﳊﺮﻛة ﺎ‪ ،‬وﻫﺬا ﱂ ﻳﻐﻔﻠه اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته‪ ،‬ﻓأنﺰل اﳌﺮأة‬
‫منﺰﻟﺘﻬﺎ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ زوجة ﳍﺎ ﺣق اﳋﺮوج ﰲ اﻟﺴﻔﺮ ﻟعﺪل مع ﺿﺮاﺋﺮﻫﺎ؛ ﻟﻜﻮن اﻟعﺪل ﻗﻀﻴّة ﳏﻮرﻳّة ﰲ‬
‫ﳏﻮرﻳّة ﰲ اﳊﻴﺎة اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة واﻟﻔﺮدﻳّة‪.1‬‬

‫‪ - 1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺘﺠمﻞ ﻟﻠﻮﻓﻮد‪ ،(70/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2889 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(215/5) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،(86/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3799 :‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺎدل معﻮض‪.(570/1) ،‬‬ ‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة ﰲ ﲤﻴﻴﺰ ّ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪210‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا ﻛﺎف ﻟﺘصﺤﻴﺢ ﺑعﺾ اﻟﺘصﻮرات اﳋﺎﻃﺌة اﳌصﻮﺑة ﲡﺎه اﳌﺮأة اﻟﱵ ﲢصﺮ ﳎﺎﳍﺎ‬
‫داﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ‪ ،‬وﲢﺮمﻬﺎ من اﳌﺸﺎرﻛة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.1‬‬
‫ع ﺑـ ْﲔ ﻧِ ِِ‬ ‫ﻓعن ﻋﺎﺋﺸة‪ ، ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻛﺎن اﻟﻨﱯ ‪‬إِ َذا أ ََر َ‬
‫ج َﺳ ْﻬ ُﻤ َﻬﺎ‬
‫ﺴﺎﺋﻪ‪ ،‬ﻓَﺄَﻳﱠـﺘُـ ُﻬ ﱠﻦ َﳜْ ُﺮ ُ‬ ‫اد أن ﳜْ ُﺮ َج أَﻗـ َْﺮ َ َ َ َ‬
‫ج ﻓِ َﻴﻬﺎ َﺳ ْﻬ ِﻤﻲ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ ْﺟ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ج ِ َﺎ اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪‬ﺑَـ ْﻌ َﺪ‬‫ﺖ َﻣ َﻊ اﻟﻨِ ِّ‬ ‫ع ﺑَـ ْﻴـﻨَـﻨَﺎ ِﰲ غَ ْﺰَوة غَ َﺰ َاﻫﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ َ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَﺄَﻗـ َْﺮ َ‬ ‫َﺳ ْﻬ ُﻤ َﻬﺎ َﺧ َﺮ َ‬
‫ﺎب« ‪.2‬‬ ‫ِ‬
‫َﻣﺎ أُﻧْ ِﺰ َل اﳊ َﺠ ُ‬
‫وﻗﺪ أنﺰﳍﺎ ﻛﺬﻟﻚ منﺰﻟﺘﻬﺎ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ مﻜﻠﻔة ﳌﺸﺎرﻛة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲟﺎ ﻳﻠﻴق ﲟﻜﺎنﺘﻬﺎ وﻛﺮامﺘﻬﺎ‪ ،‬ﲟﺎ تﻘﺪر‬
‫تﻘﺪر ﻋﻠﻴه من أﻋمﺎل ﻛﺴﻘﻲ اﻟعﻄﺸﻰ ومﺪاواة اﳉﺮﺣﻰ وﲤﺮﻳﻀﻬم ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪" :‬‬
‫ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،‬ا ﺰم اﻟنﺎس ﻋن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ﻋﺎﺋﺸة ﺑنﺖ أﰊ ﺑﻜﺮ‪،‬‬
‫ﺑﻜﺮ‪ ،‬وأم ﺳﻠﻴم وإ مﺎ ﳌﺸمﺮ ن‪ ،‬أرى ﺧﺪم‪ 3‬ﺳﻮﻗﻬمﺎ تنﻘﺰان اﻟﻘﺮب‪ ،‬وﻗﺎل ﻏﲑه‪ :‬تنﻘﻼن اﻟﻘﺮب‬
‫ﻋﻠﻰ مﺘﻮ مﺎ‪ ،‬ﰒ تﻔﺮﻏﺎنه ﰲ أﻓﻮاه اﻟﻘﻮم‪ ،‬ﰒ تﺮجعﺎن ﻓﺘمﻶ ﺎ‪ ،‬ﰒ ﲡﻴﺌﺎن ﻓﺘﻔﺮﻏﺎ ﺎ ﰲ أﻓﻮاه اﻟﻘﻮم "‪.4‬‬
‫ﻓﺮﻏم أن اﳉﻬﺎد ﻟﻴﺲ واجﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﺮأة‪ ،‬وﻟﻜن من أجﻞ اﺣﱰام اﳌﺮأة وإنﺰاﳍﺎ منﺰﻟﺘﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﱂ‬
‫ﳝنعﻬن اﻟﺸﺮع من اﳌﺸﺎرﻛة ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻄﻮع‪ ،5‬ﲟﺎ ﻳﻘﺪرن ﻋﻠﻴه من اﳋﺪمة‪ ،‬ﻓعن اﻟﺮﺑﻴع ﺑنﺖ معﻮذ‪،‬‬
‫ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻛﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﻧﺴﻘﻲ وﻧﺪاوي اﳉﺮﺣى‪ ،‬وﻧﺮد اﻟﻘﺘﻠى إﱃ اﳌﺪﻳﻨﺔ«‪.6‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﳋﻄﺎب اﻹﺳﻼمﻲ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬دار اﻻمﺘﻴﺎز‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲪﻞ اﻟﺮجﻞ امﺮأته ﰲ اﻟﻐﺰو دون ﺑعﺾ نﺴﺎﺋه‪ ،(33/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2879‬‬
‫‪ -3‬اﳋﺪم‪ :‬اﳋﻼﺧﻴﻞ‪ :‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(567/17) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻏﺰو اﻟنﺴﺎء وﻗﺘﺎﳍن مع اﻟﺮجﺎل‪ ،(33/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2724 :‬‬
‫‪ -5‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬دﻳّة ﺷﺮﻳﻒ اﻟعمﺮي‪ ،‬أﺿﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪1422 ،9‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫‪ -6‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺪاواة اﻟنﺴﺎء اﳉﺮﺣﻰ ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،(34/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2882 :‬‬
‫‪211‬‬
‫وأنﺰﻟﺖ اﳌﺮأة أﻳﻀﺎ منﺰﻟة ﲨﻬﻮر اﳌﺪﻋﻮﻳن ﰲ اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل اﻟﺮﲪة ﺎ واﻟنﻬﻲ ﻋن ﻗﺘﺎﳍﺎ؛‬
‫ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺮﲪة من أﻋﻈم أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وجﺪت امﺮأة‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻋﻦ ﻗَـْﺘ ِﻞ اﻟﻨِّ ِ‬
‫اﻟﺼْﺒﻴﺎن«‪ ،2‬ف‬ ‫ﺴﺎء َو ِّ‬
‫)‪(1‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ﺳ‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ى‬ ‫ﻬ‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ﻨ‬
‫َ‬ ‫ـ‬
‫َ‬‫ﻓ‬ ‫»‬ ‫‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ﷲ‬ ‫رﺳﻮل‬ ‫مﻘﺘﻮﻟة ﰲ ﺑعﺾ مﻐﺎزي‬
‫ـ"اﻟﺪاﻋﻲ اﶈﺮوم من اﻟﺮﲪة اﻟﻐﻠﻴﻆ اﻟﻘﻠﺐ ﻻ ﻳنﺠﺢ ﰲ ﻋمﻠه‪ ،‬وﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟنﺎس ﻋﻠﻴه وإن ﻛﺎن مﺎ ﻳﻘﻮﻟه‬
‫ﺣﻘﺎ وﺻﺪﻗﺎ"‪.3‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﳌﻮاﻗﻒ اﻟنّﺒﻮﻳّة اﳌخﺘﻠﻔة تﺪل ﺑﺘنﻮﻋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﻟعنﺎﻳّة ﺑصﻔة اﻟﺘنﺰﻳﻞ؛ ﳑﺎ‬
‫ﻳﺆﻛﺪ جﺪواﻫﺎ وﻓعﺎﻟﻴﺘﻬﺎ ﰲ ﳎﺎل اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﳌﺎ ﳍﺎ من ثﲑ ﻋﻠﻰ اﺳﺘمﺎﻟة اﳌﺪﻋﻮﻳن وتﻐﻴﲑ‬
‫ﺳﻠﻮﻛﻴﺎ م ومﻮاﻗﻔﻬم ﲡﺎه اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻗﺎد ﺎ‪.‬‬
‫و ﺬا أﻛﻮن ﻗﺪ أتﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎن اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬واﻷﺧﻼﻗﻴّة‪ ،‬واﻟﻘﻴﺎدﻳّة اﻟﱵ ﳛﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻛﺰاد‬
‫دﻋﻮي ﺿﺮوري ﰲ ﺑنﺎء اﻟﺸخصﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻔعﺎﻟة اﻟﱵ تﻘﺪر ﻋﻠﻰ تﻐﻴﲑ ﺳﻠﻮك اﻷﻓﺮاد‪ ،‬واﳉمﺎﻋﺎت‬
‫ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي؛ ﺣﻴﺚ ﻇﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﻐﺰو وﻏﲑه من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻳﺆﺳﺲ‬
‫وﻳﺜﺒﺖ تﻠﻚ اﻷﺑعﺎد ﰲ نﻔﻮس أتﺒﺎﻋه ﻋﺘﺒﺎرﻫم دﻋﺎة اﻟﻐﺪ ﻗﻮﻻ وﻓعﻼ وتﻄﺒﻴﻘﺎ‪...‬‬
‫وﻗﺪ أﻋﻄﺖ تﻠﻚ اﻟعﺪة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ اﺻﻄﺒﻐﺖ ﺎ اﻟﺸخصﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠنﱯ ‪ ‬نﺘﺎﺋج دﻋﻮﻳّة آنﻴّة‬
‫ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﳌﺪﻋﻮﻳن أﻓﺮادا وﲨﺎﻋﺎت‪،‬‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة‬ ‫وﺑعﺪﻳّة ﻇﻬﺮت ﰲ ﲢﻮﻻت ﻛﺒﲑة ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ّ‬
‫وﻟعﻞ ذﻟﻚ ﻳﺘﻀﺢ أﻛﺜﺮ من ﺧﻼل اﳌﺒﺤﺚ اﳌﻮاﱄ اﻟﺬي ﻳﺘﻮﱃ دراﺳة اﻷﺑعﺎد اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬

‫‪ -1‬ذﻛﺮ اﺑن ﺣﺠﺮ أ ّن ذﻟﻚ ﻛﺎن زمن ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ :‬وﻫﺬا ﻳﺆﻛﺪ إﺣﻜﺎم اﻟنﻬﻲ وﺑٌعﺪ تﻄﺮق اﻟنﺴخ إﻟﻴه؛ ﻟﺘأﺧﺮ رﻳخ اﻟﻐﺰوة‪،‬‬
‫ومﺜﻞ ﻫﺬه اﳉﺰﺋﻴﺎت اﳌﺘعﻠﻘة ﺑﺘﺎرﻳخ اﻟﺘﺸﺮﻳع‪ ،‬وﺑعﺾ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴّة ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة اﳊﺮص ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺎﻃة ﺎ؛ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة منﻬﺎ‬
‫ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(291/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ اﻟنﺴﺎء ﰲ اﳊﺮب‪.(61/4) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.358‬‬ ‫‪ -‬زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪212‬‬
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﺪﻋﻮ‬
‫ﺑعﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻻ ﺑﺪ من اﳊﺪﻳﺚ ﺑعﺪﻫﺎ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺪﻋﻮ ﻋﺘﺒﺎره ﻃﺮف اﳌعﺎدﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﺎ تﻜﺘمﻞ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺘصﻮر ﻋمﻞ دﻋﻮي ﺑﺪون‬
‫ﺣﻀﻮر اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﺑﻞ اﳌﺪﻋﻮ ﻫﻮ ﳏﻮر اﻟعمﻠﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻛمﺎ ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪،‬‬
‫ﻓﻜﺜﲑا مﺎ تﻄﺎﻟعنﺎ آ ت اﻟﻘصﺺ اﻟﻘﺮآن ي ﻋنﺪ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﻋن أتﺒﺎﻋﺎﻷنﺒﻴﺎء وﺧصﻮمﻬم مﺸﻜﻠة‬
‫ﲨﺎل أﺻنﺎف اﳌﺪﻋﻮﻳن اﻟعﺎمة اﻟﱵ تﺘﺠﺪ ﻋﱪ ﺧط اﻟﺰمن اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺬي اﺳﺘمﺮ إﱃ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﳋﺎﲤة‪،‬‬
‫ﻛمﺤﻄة مﺘمﻴﺰة ﻟﻴﻮاﺻﻞ اﳌﺴﲑ مﺎ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﺪﻋﻮات‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة جﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻼ رﻳﺐ أن اﻟﻐﺰوات ﺳﻮف تﺸﻬﺪ‬
‫ﺣﻀﻮرا واﻫﺘمﺎمﺎ ﺬا اﻟﺮﻛن اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬وﺣﱴ ﻻ تﺘﺸعﺐ ﻫﺬه اﻻﻫﺘمﺎمﺎت رأﻳﺖ أ ْن أﺣصﺮﻫﺎ‬
‫ﰲ مﻄﻠﺒﲔ؛ﻛمﺎﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻘﻮق اﳌﺪﻋﻮﻳﻦ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺻﻨﺎف اﳌﺪﻋﻮﻳﻦ‬

‫‪213‬‬
 ‫)‪(‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻘﻮق اﳌﺪﻋﻮ‬
‫من اﻻﻫﺘمﺎمﺎت اﻷوﻟﻮﻳّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﳛﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟعنﺎﻳّة ﲝﻘﻮق اﳌﺪﻋﻮﻳن اﻟﱵ تعﺪ من‬
‫اﻟﻮاجﺒﺎت واﻟﻔﺮوض اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺆدﻳﻬﺎ‪ ،‬مﺆتﺴﻴﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺻﺤﺎب اﻟﺪﻋﻮات من اﻷنﺒﻴﺎء‬
‫واﳌﺮﺳﻠﲔ‪ ،‬وﺑﺴﲑة ﺧﺎﲤﻬم ‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑعﺾ ﻫﺬه اﳊﻘﻮق اﻟﱵ دﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻖ ﺗﺒﻠﻴﻎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫أن من اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻷﺳﺎﺳﻴّة ﻟﻠنﱯ ‪ ‬تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ﺳﻠﻚ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﻞ اﻟﻄﺮق‬
‫واﻟﺴﺒﻞ ﰲ تﺒﻠﻴﻐﻬﺎ وإﻳصﺎﳍﺎ ﻟﻜﺎﻓة اﻟنﺎس‪ ،‬ومن اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من ﻋﻬﻮد‬
‫وﺑعﻮث ووﻓﻮد‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﺒﲔ دور اﳌﻐﺎزي ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ ﰲ تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬دور اﻟﻐﺰوات ﰲ ﺗﺒﻠﻴﻎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﱂ ﻳﻘﺘصﺮ دور اﻟﻐﺰوات ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟعﺴﻜﺮي ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﳍﺎ دور ﻛﺒﲑ ﰲ تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫وإﻳصﺎﳍﺎ ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وﻳﺘﺠﻠﻰ ذﻟﻚ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻨﺎس ﻹﺳﻼم‬
‫ﻇﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺣﺮﻳصﺎً ﻋﻠﻰ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺘعﺎﻟﻴم وأﺧﻼق اﻹﺳﻼم ﰲ ﻛﻞ اﳌﻮاﻃن‪ ،‬واﳌﻮاﻗﻒ؛ﻟﻴﱪزﻫﺎ‬‫ﻟﻘﺪ ّ‬
‫ﻟﻠنﺎس ﻛﺎﻓة‪ ،‬اﳌﺴﻠم‪ ،‬وﻏﲑ اﳌﺴﻠم ﻋن ﻃﺮﻳق اﳌنﻬج اﳊﺴﻲ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ‪.‬‬
‫وتﻈﻬﺮ ﲦﺮة ﻫﺬا اﻟﻔعﻞ اﻟنﺒﻮي ﲜﻼء ﰲ اﻟﺘأثﲑ ﰲ زﻋمﺎء ﻗﺮﻳﺶ اﻟﺬﻳن ﻛﺪوا‪ ،‬وتﻴﻘنﻮا ن اﻟﺪﻳن‬
‫ﺣق‪ ،‬وأن ﷴا نﱯ مﺮﺳﻞ من ﻋنﺪ ﷲ‪ ،‬ﻓأﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن رﻏم ﻋﺪاﺋه اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻳﺴﻠم ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،1‬وﻟﻴﺲ‬
‫ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﳛﺴن إﺳﻼمه وﳚﺎﻫﺪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ ﻳﻘﻮل اﻟﺬﻫﱯ‪ ":‬وﺷﻬﺪ ﻗﺘﺎل اﻟﻄﺎﺋﻒ‬
‫ﻓﻘﻠعﺖ ﻋﻴنه ﺣﻴنﺌﺬ ﰒ ﻗﻠعﺖ اﻷﺧﺮى ﻳﻮم اﻟﲑمﻮك‪ ،‬وﻛﺎن ﻳﻮمﺌﺬ ﻗﺪ ﺣﺴن إن ﺷﺎء ﷲ إﳝﺎنه ﻓﺈنه‬
‫ﻛﺎن ﻳﻮمﺌﺬ ﳛﺮض ﻋﻠﻰ اﳉﻬﺎد"‪.2‬‬

‫)‪ (‬ﻳﺮاد ﳌﺪﻋﻮﻳن ﲨﻬﻮر اﳌﺴﺘﻬﺪﻓﲔ واﳌﺴﺘﻘﻴﻠﲔ ﺑﻜﻞ مﻜﻮ م ومﺴﺘﻮ م اﻟﺬﻳن ﻳﺘﻮجه إﻟﻴﻬم اﻟﺪﻋﺎة ﲟﻀﺎمﲔ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫ﺳﺎﻟﻜﲔ اﳌنﺎﻫج اﳌﻼﺋمة‪ ،‬ومﻮﻇﻔﲔ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﺎﺳﺒة‪ ،‬و مﺴنعمﻠﲔ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﳌﺘﺎﺣة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج‬
‫اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ط‪2018 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫة‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب أﻳن رﻛﺰ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟‪(146/5) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(406/3) ،‬‬
‫‪214‬‬
‫وﻫنﺪ ﺑنﺖ ﻋﺘﺒة تﺴﻠم وﻗﺪ ﻛﺎن منﻬﺎ مﺎ ﻛﺎن ﰲ ﻋﺪاء رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓعن ﻋﺎﺋﺸة ‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪" :‬‬
‫ﻮل ا ﱠِ‪َ ،‬مﺎ ﻛﺎن َﻋﻠَﻰ ﻇَ ْﻬ ِﺮ اﻷ َْر ِ‬
‫ض ِم ْن أ َْﻫ ِﻞ‬ ‫ﻋنﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪ " :‬جﺎء ِ‬
‫ﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ﺖ ﻋُْﺘـﺒَةَ‪ ،‬ﻗَﺎﻟَ ْ‬‫ت ﻫْن ٌﺪ ﺑِْن ُ‬ ‫ََْ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ﺐ إِ َﱠ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ﺐ‬‫َﺣ ﱠ‬ ‫ض أ َْﻫ ُﻞ ﺧﺒَﺎء‪ ،‬أ َ‬ ‫َﺻﺒَ َﺢ اﻟﻴَـ ْﻮَم َﻋﻠَﻰ ﻇَ ْﻬ ِﺮ اﻷ َْر ِ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﰒُﱠ َمﺎ أ ْ‬ ‫ﱄ أن ﻳﺬﻟﱡﻮا ِم ْن أ َْﻫ ِﻞ ِﺧﺒَﺎﺋِ َ‬ ‫َﺣ ﱡ‬
‫ﺧﺒَﺎء أ َ‬
‫ﻀﺎ واﻟﱠ ِﺬي ﻧَـ ْﻔ ِﺴﻲ ﺑِﻴ ِﺪﻩِ« ﻗَﺎﻟَﺖ‪ :‬رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬أن أََ‬ ‫ْ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬وأَﻳْ ً َ‬ ‫ﻚ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﱄ أن ﻳعِﱡﺰوا ِم ْن أ َْﻫ ِﻞ ِﺧﺒَﺎﺋِ َ‬‫ﺐ إِ َ ﱠ‬
‫َﺣ ﱠ‬‫أَ‬
‫وف«‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻻَ أُراﻩُ إِﱠﻻ ِ ﻟْﻤﻌﺮ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ﻴﻚ‪ ،‬ﻓَـ َﻬ ْﻞ َﻋﻠَ ﱠﻲ َﺣَﺮ ٌج أن أُﻃْعِ َم ِم َن اﻟﱠ ِﺬي ﻟَهُ ﻋِﻴَﺎﻟَنَﺎ؟ ﻗَ َ‬ ‫أَ َ ﺳﻔﻴﺎن َر ُج ٌﻞ ِم ِّﺴ ٌ‬
‫‪.1‬‬
‫‪ .2‬إزاﻟﺔ اﳊﻮاﺟﺰ أﻣﺎم اﻟﻀﻌﻔﺎء‬
‫اﻟﺴﺎﺳة ﰲ وجه اﻟﻀعﻔﺎء ﻓﻴمنعﻮ م من اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻟﺪﻳنﻴّة ﺑﺪاﻓع‬ ‫ﻛﺜﲑ مﺎ ﻳﻘﻒ اﻟﺰﻋمﺎء‪ ،‬و ّ‬
‫اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﳌصﺎﱀ‪ ،‬وﻫﺬا أمﺮ ﻳﻜﺎد ﻳﻄﱠﺮد ﰲ اﻟﺘﺎرﻳخ اﻟﺒﺸﺮي‪ ،‬واﻷمﺜﻠة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻛﺜﲑ‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫َ َ َ ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َعل أهل َهﺎ‬ ‫ﺳﺠﻞ اﻟﻘﺮآن ﺑعﻀﺎ منﻬﺎ‪ ،‬ﻛﺤﺪﻳﺜه ﻋن ﻓﺮﻋﻮن ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱأن ِف ْر َع ْو َن َعﻼ ِ ﻻ ِض و‬
‫ٓ‬ ‫َ ٓ‬ ‫ٓ‬ ‫ٗ‬
‫شِ يَعﺎ َ ْستَ ْضع ُِف َطﺎ ِ َف ٗة ِّمنْ ُه ْم يُ َذ ِبّ ُح أ ْنَﺎ َء ُه ْم َو َ ْستَ ْ ِ ۦ َِسﺎ َء ُه ُمۖ ٓۥ چ ]اﻟﻘصﺺ‪ ،[03 :‬وﺣﺪﻳﺜه ﻋن‬
‫أﺻﺤﺎب اﻷﺧﺪود‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬ٱچ ٱڦ ٱڦ ٱڦ ٱڄ ٱڄ ٱڄ ٱڄ ٱڃ ٱڃ ٱچ ]اﻟﱪوج‪،[08 :‬‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫وﻋﻼ‪:‬ٱچ ٱأن ُه ُم ٓۥ أن يظ َه ُروا َعليْك ْم ي َ ْرج ُموك ُم ٓۥ أ ْو يُعِيدوك ْم ِ مِلتِ ِه ْم‬ ‫وأﺻﺤﺎب اﻟﻜﻬﻒ‪ ،‬ﻓﻘﺎل جﻼ‬
‫َ َ ُ ْ ُ ْٓ ً َ ٗ‬
‫چ ]اﻟﻜﻬﻒ‪[20 :‬ٱ‬ ‫ولن فلِحوا ِإذا بدا ۖ‬
‫ﻓﻜﺎن من اﻟﻮاجﺒﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة إزاﻟة ﻫﺬه اﳊﻮاجﺰ‪ ،‬واﳌﻮانع اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﻴّة ﳉﻬﺎد ﺣﱴ ﻳصﻞ اﳊق إﱃ‬
‫َ َٰ ُ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ‬
‫ون ِفتْنَة‪ٞ‬چ ]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،[193:‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي‪" :‬أي‪ :‬ﻻ‬ ‫ك َ‬ ‫إﱃ اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چو ت ِ وهم ح ﻻ ت‬
‫ﻳﻔﱳ مﺆمن ﻋن دﻳنه"‪.2‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﰲ مﻜة مﺜﻼ ﻛﺜﲑ من اﳌﺆمنﲔ ﱂ ﻳﺴﺘﻄﻴعﻮا إﺷﻬﺎر دﻳنﻬم ﺧﻮﻓﺎ من ﺑﻄﺶ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وﻓﺘنﺘﻬم‬
‫ون َو َِسﺎٓء ‪ٞ‬‬ ‫َ َْ َ َ ‪ٞ‬‬
‫ﺎل مو ِم ُن َ‬ ‫ﰲ دﻳنﻬم‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎرت إﱃ ذﻟﻚ ﺳﻮرة اﻟﻔﺘﺢ ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱڄ ٱو وﻻ ِرج‬
‫َ ٓ َ‬ ‫ْ‬ ‫كم ّمِنْ ُهم م َعر ُةۢ ب َغ ْ ِع ْ ِّ ُ ْدخ َِل ُ‬
‫ﷲ ِ َرح َمتِهِۦ َم ْن شﺎ ُء ۖ ْو‬
‫َ ُ ُ ْ َُ َ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫‪ٞ‬‬
‫مو ِم َ ٰت ل ْم ت ْعل ُموه ُم ٓۥ أن تطـ ٔوهم ت ِصيب‬
‫ٖ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫َ َ َ ْ ْ‬ ‫َ ُ ْ َ‬
‫ِين كف ُروا مِن ُه ْم َعذابﺎ ِ مﺎ ۖ چ ]اﻟﻔﺘﺢ‪. [25 :‬‬ ‫ت َز وا ل َعذ ْنَﺎ‬
‫ﻓمن أﻇﻬﺮ إﳝﺎنه ﻛﺎن مصﲑه اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻛمﺎ ﺣصﻞ ﻷﰊ جنﺪل‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ ﻗصة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪،‬‬
‫ﻮدﻩِ‪ ،‬ﻓَـ َﺮد ُﱠﻩ إِﻟَْﻴ ِﻬ ْﻢ " ‪.1‬‬
‫"ﻓَﺠﺎء أَﺑﻮ ﺟْﻨ َﺪ ٍل َْﳛﺠﻞ ِﰲ ﻗُـﻴ ِ‬
‫ُُ ُ‬ ‫ََ ُ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب منﺎﻗﺐ اﻷنصﺎر‪ ،‬ب ذﻛﺮ ﻫنﺪ ﺑنﺖ ﻋﺘﺒة‬
‫‪ ،(40/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3613 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(593/13) ،‬‬
‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ اﻟﻘصة ﺑﺘمﺎمﻬﺎ‪ :‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟصﻠﺢ‪ ،‬ب اﻟصﻠﺢ مع اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،(185/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪،2553 :‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﺬﻫﱯ‪ ":‬ﺣﺒﺴه أﺑﻮه وﻗﻴﺪه"‪ ،‬اﻟﺴﲑ‪.(192/1) ،‬‬
‫‪215‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬دور اﻟﺒﻌﻮث ﰲ اﻟﺘﺒﻠﻴﻎ‬
‫من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﱵ وﻇﻔﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﺘﺒﻠﻴغ واﻟﱰﺑﻴّة‪ ،‬واﻟﺘّعﻠﻴم إرﺳﺎل اﻟﺒعﻮث‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ‬
‫ﺑﺮﺳﻮل أو ﻛﺘﺎب ﳌن ﱂ ﻳﺴﻠم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺑعﺚ إﱃ مﻠﻮك ﻋصﺮه ﻳﺪﻋﻮﻫم إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻷﳘﻴّة ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ‬
‫ﻓﻘﺪ ﻋﻘﺪ ﻟه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬مﺎ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷمﺮاء واﻟﺮﺳﻞ واﺣﺪا‬
‫واﺣﺪا ﺑعﺪ واﺣﺪ"‪ ،1‬ﰒ أورد ﲨﻠة من اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﱵ ذﻛﺮت ﺑعﻀﻬﺎ ﰲ اﻟنﺸﺎط اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻲ‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫ﺣﻔﻈﺖ ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ اﻟﺒعﻮث اﻟﱵ ﺑعﺜﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج من اﻟﺒعﻮث اﻟﺘﺒﻠﻴﻐﻴّة وﺑعﺾ آ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪:‬‬
‫‪.1‬ﳕﺎذج ﻣﻦ ﺳﻔﺮاء اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫وﻗﺪ ﻋﻘﺪ اﳌﻘﺮﻳﺰي ﻓصﻼ ذﻛﺮ ﻓﻴه اﻟﺮﺳﻞ اﻟﺬﻳن ﺑعﺜﻬم اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ مﻠﻮك ﻋصﺮه‪ ،‬ﻓممﺎ ذﻛﺮ‪:‬‬

‫‪ ‬ﺣﺎﻃﺐ ﺑن أﰊ ﺑﻠﺘعة إﱃ اﳌﻘﻮﻗﺲ ﲟصﺮ‪.‬‬

‫‪ ‬ﺷﺠﺎع ﺑن وﻫﺐ إﱃ اﳊﺎرث اﺑن أﰊ ﴰﺮ اﻟﻐﺴﺎﱐ‪.‬‬
‫‪ ‬دﺣﻴّة اﻟﻜﻠﱯ‪ ،‬إﱃ ﻗﻴصﺮ مﻠﻚ اﻟﺮوم‪.‬‬
‫‪ ‬ﺳﻠﻴط ﺑن ﻋمﺮ إﱃ ﻫﻮذة ﺑن ﻋﻠﻲ اﳊنﻔﻲ‪ ،‬وإﱃ ﲦﺎمة ﺑن أ ل وﳘﺎ رﺋﻴﺴﺎ اﻟﻴمﺎمة‪.‬‬
‫‪ ‬ﻋﺒﺪ ا ﱠ ﺑن ﺣﺬاﻓة إﱃ ﻛﺴﺮى مﻠﻚ ﻓﺎرس‪.‬‬
‫‪ ‬ﻋمﺮو ﺑن أمﻴّة ﺑن ﺧﻮﻳﻠﺪ إﱃ اﻟنﺠﺎﺷﻲ مﻠﻚ اﳊﺒﺸة‪.‬‬
‫اﳊﻀﺮمﻲ إﱃ اﳌنﺬر ﺑن ﺳﺎوي مﻠﻚ اﻟﺒﺤﺮﻳن‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬اﻟعﻼء ﺑن‬
‫ﻋنﺪ مﻞ ﻫﺬه اﻟنﱠمﺎذج‬
‫وﳑﺎ أﻋﺠﺒﲏ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب أنه ذﻛﺮ ردود اﳌﻠﻮك ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﻮث ﺑعﺪ ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ‪ ،‬وﻫﻮ ﺑعﺪ دﻋﻮي‬
‫اﺳﺘﺠﺎﰊ ﻳﺒﲔ جﺪوى اﻟﻮﺳﻴﻠة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﺑﻴﺎن ذﻟﻚ ﰲ اﳉﺪول اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(89/9) ،‬‬

‫‪ -2‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬امﺘﺎع اﻷﲰﺎع‪.(304/1) ،‬‬
‫‪216‬‬
 ‫اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﺪﻋﻮي‬ ‫رد اﻟﻔﻌﻞ‬ ‫اﳌﺪﻋﻮ‬
‫ﻟﺪوﻟة‪ ،‬واﻻﺳﺘعﺪاد‬ ‫ﻗﺒﻞ ﻛﺘﺎب رﺳﻮل ا ﱠ ‪ ،‬وأﻫﺪى إﻟﻴه ‪-‬رد ﻓﻌﻞ إﳚﺎﰊ‪ :‬اﻻﻋﱰاف‬ ‫اﳌﻘﻮﻗﺲ‬
‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ‪.‬‬ ‫أرﺑع جﻮاري‪ ،‬منﻬن مﺎرﻳّة اﻟﻘﺒﻄﻴّة‪.‬‬
‫ﻗﺒﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬واﻋﱰف ﻟنّ ّﺒﻮة ﺑﺘﺤﻔﻆ ﺧﻮﻓﺎ ‪-‬رد ﻓﻌﻞ إﳚﺎﰊ‪ :‬اﻻﻋﱰاف ﻟﺪوﻟة‪ ،‬اﻻﻋﱰاف ﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬ ‫ﻗﻴﺼﺮ‬
‫‪-‬رد ﻓﻌﻞ ﺳﻠﱯ‪ :‬ﻋﺪم اﻋﱰاف ﻗﺎﻋﺪة ا ﺘمع ﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬ ‫من ﻗﻮمه‬
‫‪-‬رد ﻓﻌﻞ ﺳﻠﱯ‪ :‬ﻋﺪم اﻻﻋﱰاف‪ ،‬اﻻﻏﱰار ﻟﻘﻮة‪.‬‬ ‫اﻟﺘصﺮﻳﺢ ﻋﻼن اﳊﺮب ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ‬ ‫اﳊﺎرث‬
‫اﻟﻐﺴﺎﱐ‬
‫ّ‬
‫‪-‬رد ﻓﻌﻞ ﺳﻠﱯ‪ :‬ﻋﺪم اﻻﻋﱰاف واﻟﻐﺮور‪.‬‬ ‫مﺰق اﻟﻜﺘﺎب‬ ‫ﻛﺴﺮى‬

‫ﻫﻮذة ﺑﻦ تعﻠﻴق اﻹﺳﻼم ﺑﺸﺮط أن ﻳصﲑ اﻷمﺮ إﻟﻴه ‪-‬رد ﻓﻌﻞ ﺳﻠﱯ‪ :‬ﻋﺪم اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘعﻠق ﻟﺪنﻴﺎ‪.‬‬
‫ﺑعﺪ اﻟنﺒﻮة‬ ‫ﻋﻠﻲ‬
‫ّ‬
‫‪-‬رد ﻓﻌﻞ إﳚﺎﰊ‪ :‬اﻹﺳﻼم اﳉمﺎﻋﻲ‬ ‫اﳌﻨﺬر ﺑﻦ أﺳﻠم‪ ،‬وأﺳﻠم أﻫﻞ اﻟﺒﺤﺮﻳن‪.‬‬
‫ﺳﺎوي‬

‫ومن ﻫنﺎ تﻈﻬﺮ اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠﻐﺰوات ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺎ من أنﺸﻄة دﻋﻮﻳّة ﰲ إﻳصﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ‬
‫ﲨﻬﻮر اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬زاﻟة اﳌﻮانع واﳊﻮاجﺰ أمﺎمﻬم؛ ﲤﻬﻴﺪا ﻟﺘعﺮﻳﻔﻬم ﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑعمق من ﺧﻼل إﻳﻔﺎد‬
‫ﺑعﺜﺎت دﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﺘﻜﻮن اﳌﻐﺎزي ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﺣﻘﻘﺖ أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة أﻓﻘﻴّة‪ ،‬وﻋمﻮدﻳّة‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻖ اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﺑﻜﻞ اﻟﻔﺌﺎت‬
‫أن اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ ﻋﺎمة ﳉمﻴع اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬وﻟﻴﺴﺖ ﺧﺎﺻة ﲜنﺲ دون جنﺲ‪ ،‬أو ﻃﺒﻘة دون ﻃﺒﻘة‪ ،‬أو‬
‫أو ﻓﺌة دون ﻓﺌة ﻓعﻠﻰ اﻟﺪاﻋﻲ أن ﻳﻔﻘه ﻋمﻮم دﻋﻮته إﱃ ﷲ‪ ،‬وﳛﺮص ﻋﻠﻰ إﻳصﺎﳍﺎ ﻟﻜﻞ إنﺴﺎن‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴع اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴه‪ ،1‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﻠﺤﻆ ﰲ دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة وجﺰءا ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ منﻬﺎ ﻳﻠمﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﳌﻠمﺢ‪ ،‬وﻳﺘﻀﺢ ذﻟﻚ‬
‫من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.373‬‬
‫‪ -‬زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪217‬‬
 ‫أوﻻ‪ :‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﺑﻔﺌﺔ اﳌﺸﺮﻛﲔ‬
‫أن اﳌﺘﺘﺒع ﻟﻠﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻳﻠمﺢ ﺑﻮﺿﻮح اﻟعنﺎﻳّة ﺑﻔﺌة اﳌﺸﺮﻛﲔ من ﺧﻼل ﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات‪ ،‬واﻟﺴﺮا‬
‫واﻟﺴﺮا واﻟعﻬﻮد واﳌﻮاثﻴق‪ ،‬ﻓمن اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ اﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﺌة ﻏﺰوة اﻟعﺸﲑة‪ ،‬وﻏﺰوة ﺑﺪر‪،‬‬
‫وأﺣﺪ‪ ،‬وﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،‬وﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬وﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬وﻏﺰوة اﻟﻔﺘﺢ‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﻐﺰوات من وﺳﺎﺋﻞ تﺒﻠﻴغ اﻹﺳﻼم ﻟﻠمﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬وﻏﲑﻫم من اﻟﻔﺌﺎت؛ ﳌﺎ تﺘﻀمنه من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‬
‫دﻋﻮﻳّة داﺧﻠﻴّة‪ ،‬وﺧﺎرجﻴّة‪.2‬‬
‫وﻻ أدل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ من اﻟنﺘﺎﺋج اﻟﱵ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑعﺪ اﻟﻐﺰوات تﻔصﻴﻼ؛ ﻓﻜﻞ ﻏﺰوة ﳍﺎ نﺘﺎﺋﺠﻬﺎ‬
‫نﺘﺎﺋﺠﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وإﲨﺎﻻ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﺬي من مﻈﺎﻫﺮه تﻮاﻓﺪ اﻟﻮﻓﻮد‪ ،3‬واﳊﺮﻛة‬
‫ﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﳐﺘﻠﻒ اﻻﲡﺎﻫﺎت ﺧﺎﺻة ﺑعﺪ ﻓﺘﺢ مﻜة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﺑﻔﺌﺔ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫ت ﻛﺜﲑة‪ ،‬من ذﻟﻚ‬ ‫من اﻟﻔﺌﺎت اﳌﺴﺘﻬﺪﻓة ﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻓﺌة أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﻮﻃﺒﻮا‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ ُﻗ ْل َ ﺄ ْه َل لْكِ َ ِٰ‬
‫ب ت َعﺎ ِوا ٰ كل َِمةٖ َس َوآء ب َ نَنَﺎ َو َ نَك ُم ٓۥ ﻻ ن ْعب َد إِﻻ ﷲ وﻻ‬
‫ُ‬ ‫َ ٗ َ َ َ َ َْ ُ َ َْ ً َْ ٗ ّ‬ ‫ُْ َ‬
‫ﷲ چ ]آل ﻋمﺮان‪.[ 63 :‬‬ ‫ِۖ‬ ‫ِك بِهِۦ ش ﺎ وﻻ تخِذ بعضنﺎ بعضﺎ ر ﺎبﺎ مِن د ِ‬
‫ون‬
‫ٓ َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْكِ َ ٰ َ ْ َ ٓ َ ُ ْ َ ُ ُ َ ُ َ ّ ُ َ ُ ْ َ َ َ ْ ّ‬
‫ٰ َ ٖ م َِن رس ِل أن تقو وا َمﺎ َجﺎ َءنﺎ‬ ‫ب ﻗد جﺎءكم رسو ﺎ ي ِ لكم‬ ‫ِ‬ ‫وﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ ﺄهل ل‬
‫ََ ْ َ َٓ ُ َ ‪َ ُ ٰ ََ ُ َ ٞ ََ ٞ‬‬ ‫َ َ‬
‫ك ّ ِل ْ ءٖ ﻗَدِير‪ ۖ ٞ‬چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪.[19 :‬‬ ‫م ِۢن َشِ ٖ َوﻻ نذِيرٖ قد جﺎءكم شِ ونذِير ۖ واﷲ‬
‫واﻻﺳﺘﻬﺪاف اﻟﺪﻋﻮي ﻷﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﱪز ﺑﻘﻮة ﺣﱴ تﻔنﺪ اﻟﺸﺒﻬﺎت اﻟﱵ تﺜﺎر ﺣﻮل ﻋﺎﳌﻴّة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻟﺬا ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳍﺬه اﻟﻔﺌة من ﺧﻼل ﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‬
‫من ﺑعﻮث وﺳﺮا ‪ ،‬وﻋﻬﻮد‪... ،‬‬
‫ﻓﻘﺪ وجﻬﺖ ﻏﺰوات ﻟﻠﻴﻬﻮد واﻟنصﺎرى‪ ،‬وﻃﺒعﺎ ﻛﺎن اﳍﺪف‪ ،‬واﳌﻘصﺪ اﻷﺻﻠﻲ نﺸﺮ دﻋﻮة اﻹﺳﻼم‪،‬‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه ‪ ‬وﻫﻮ ﳛﺪد اﳍﺪف من اﳉﻬﺎد ﻟصﺤﺎﰊ ﺳأﻟه ﻋن ﻃﺒﻴعة اﻟﻘﺘﺎل ﰲ اﻹﺳﻼم‪،‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(145-72/5) ،‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬واﻷﺑعﺎد‬
‫‪ -‬اﳌﺮاد ﻷﺑعﺎد اﻟﺪاﺧﻠﻴّة مﺎ ﻳﻜﻮن داﺧﻞ اﻟﻐﺰوة أثنﺎء اﻟﻘﺘﺎل ﺑﲔ اﻟنﱯ ‪ ،‬واﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة من ّ‬
‫اﳋﺎرجﻴّة ﻳﺮاد ﺎ أثﺮ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوة ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻋﻮﻳن اﳌﺮتﻘﺒﲔ من اﳌﻘﺎتﻠﲔ وﻏﲑﻫم ﳑن ﻳصﻠﻬم اﻟصﺪى اﻹﻋﻼمﻲ‬
‫ﻟﻠﻐﺰوات‪.‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،(174-168/5) ،‬ﷴ ﺑن ﺳعﺪ ﺑن منﻴع‪ ،‬أﺑﻮﻋﺒﺪﷲ‪ ،‬اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﱪى‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر‬
‫ﻋﻄﺎ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪ 1410 ،1‬ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪.(222/1) ،‬‬
‫‪218‬‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟﱠﺮ ُج ُﻞ‪ :‬ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ‬‫ِ ِ‬
‫ﻓعن أﰊ مﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻓعن أﰊ مﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪َ :‬جﺎءَ َر ُج ٌﻞ إ َﱃ اﻟن ِّ‬
‫ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟﱠﺮ ُج ُﻞ‪ :‬ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِْﻠ َم ْﻐنَِم‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِﻠ ِّﺬ ْﻛ ِﺮ‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِﻴُـَﺮى َم َﻜﺎنُهُ‪ ،‬ﻓَ َم ْن ِﰲ َﺳﺒِ ِﻴﻞ ا ﱠِ؟‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ«‪.2‬‬ ‫اﻟﻌﻠْﻴَﺎ )‪ (1‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ ﻗَﺎﺗَ َﻞ ﻟﺘَ ُﻜﻮ َن َﻛﻠ َﻤﺔُ ا ﱠ ﻫ َﻲ ُ‬ ‫ا ﱠِ؟ ﻗَ َ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﺪل ﺑﺪﻻﻟة ﻗﺎﻃعة ﻋﻠﻰ أن اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي ﱂ ﻳﺸﺮع إﻻ ﻟنﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻻ ﻛمﺎ ﻳﻈنه ﺑعﺾ‬
‫ﺑعﺾ اﳌﻐﺮﺿﲔ‪ ،‬اﻟﺬﻳن ﻳﻔﺴﺮون اﻟﻐﺰوات تﻔﺴﲑا مﺎد ‪.3‬‬
‫ﻓﻜﺎنﺖ ﻏﺰوة ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع‪ ،‬وﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬وﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬وﺧﻴﱪ تﺴﺘﻬﺪف اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬وﻏﺰوة مﺆتة‪ ،‬وتﺒﻮك‬
‫تﺴﺘﻬﺪﻓﺎن اﻟنصﺎرى‪ ،‬وﻛمﺎ مﺮ آنﻔﺎ أن ﻫﺬه اﻟﻐﺰوات ﻻ ﲣﻠﻮ من أﺑعﺎد‪ ،‬ونﺘﺎﺋج دﻋﻮﻳّة تﻈﻬﺮ ﰲ‬
‫اﻟعﺎجﻞ واﻵجﻞ‪.‬‬
‫ﻓمﺎ تﻮﺳع اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت‪ ،‬وانﺘﺸﺎر اﻹﺳﻼم ﰲ اﳌعمﻮرة ﺑعﺪ اﻟنﺒﻮة إﻻ ﲦﺮة من ﲦﺮات ﻫﺬه اﻟعنﺎﻳّة ﺬه‬
‫اﻟﻔﺌة وﻏﲑﻫﺎ من ﻓﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﺑﻔﺌﺔ ذوي اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﳋﺎﺻﺔ‬
‫أن معﻴﺎر اﻟﺘﻔﺎﺿﻞ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻫﻮ اﻟﺘﻘﻮى‪ ،‬ﺑعﻴﺪا ﻋن اﳌعﺎﻳﲑ اﳌﺎدﻳّة واﳉﺎﻫﻠﻴّة؛ ﻟﻘﻮﻟه‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َْ َٰ ُ ّ َ َ َ ٰ َ َ َ َْٰ ُ ْ ُ ُ ٗ َ ََٓ َ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ﺎر ٓو أن أك َر َمك ْم‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ َهﺎ ﺎس أنﺎ خلق كم ِمن ذكرٖ و ن ۪ وجعل كم شعو ﺎ و بﺎ ِل ِ ع‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ﷲ َعل ٌِيم َخبِ ‪ ۖٞ‬چ ]اﳊﺠﺮات‪.[13 :‬‬
‫ك ُم ٓۥ أن َ‬
‫ﷲ أت ۪قي ٰ ۖ‬
‫ع َ‬
‫ِند ِ‬
‫وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻛﺎنﺖ ﻟﺬوي اﻻﺣﺘﻴﺎجﺎت اﳋﺎﺻة مﻜﺎنﺘﻬم‪ ،‬وﺣﻈﻬم من اﳋﻄﺎب اﻟﺪﻋﻮي‪،‬‬
‫ﻓﺮﻏم أن ﻫﺆﻻء ﻻ ﳝﻜنﻬم اﳌﺸﺎرﻛة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات إﻻ أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺪ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬم‪،‬‬

‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻛﺎن ِﰲ َﻏَﺰاةٍ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬

‫)‪(1‬‬
‫ﺎل‪» :‬أن‬ ‫ورﻓع معنﻮ م ﺳﻠﻮب ﻋﺎﻃﻔﻲ راﺋع‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ‪ :‬أن اﻟنِ ﱠ‬
‫اﻟﻌ ْﺬ ُر« ‪.2‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أَﻗـ َْﻮ ًاﻣﺎ ِ ﻟ َْﻤﺪﻳﻨَﺔ َﺧ ْﻠ َﻔﻨَﺎ‪َ ،‬ﻣﺎ َﺳﻠَ ْﻜﻨَﺎ ﺷ ْﻌﺒًﺎ َوﻻَ َواد ً إِﱠﻻ َو ُﻫ ْﻢ َﻣ َﻌﻨَﺎ ﻓﻴﻪ‪َ ،‬ﺣﺒَ َﺴ ُﻬ ُﻢ ُ‬

‫‪ -1‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬ﻗﺎل اﺑن أﰊ ﲨﺮة ذﻫﺐ اﶈﻘﻘﻮن إﱃ أنه إذا ﻛﺎن اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻷول ﻗصﺪ إﻋﻼء ﻛﻠمة ﷲ ﱂ ﻳﻀﺮه مﺎ انﻀﺎف‬
‫إﻟﻴه‪ ،‬وﻳﺪل ﻋﻠﻰ أ ّن دﺧﻮل ﻏﲑ اﻹﻋﻼء ﺿمنﺎ ﻻ ﻳﻘﺪح ﰲ اﻹﻋﻼء إذا ﻛﺎن اﻹﻋﻼء ﻫﻮ اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻷﺻﻠﻲ"‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ‬
‫اﻟﺒﺎري‪.(29/6) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﻗﺎتﻞ ﻟﺘﻜﻮن ﻛﻠمة ﷲ ﻫﻲ اﻟعﻠﻴﺎ‪ ،(20/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2810 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺣﺴﲔ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟعﻔﺎﱐ‪ ،‬أﻋﻼم وأﻗﺰام ﰲ مﻴﺰان اﻹﺳﻼم‪.(249/1) ،‬‬

‫‪219‬‬
‫ﻓﺎﻻﻟﺘﻔﺎت إﱃ ذوي اﻻﺣﺘﻴﺎجﺎت اﳋﺎﺻة من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻮجﺪانﻴّة اﳌﺆثﺮة‪ ،‬ﻟﺬا ﳒﺪ ﻏﲑ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ ﻳﺴﺘعمﻠﻮ ﺎ ﻟﻠ ِّﺪاﻋﻴّة ﻟﺪ م‪ ،‬ومﺬاﻫﺒﻬم‪ ،‬ﺷﺎن اﻟنصﺎرى‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧصصﻮا منﺘﺪ ت‬
‫تﺴﺘﻬﺪف ذوي اﻻﺣﺘﻴﺎجﺎت اﳋﺎﺻة ﻷجﻞ تعﻠﻴمﻬم اﻟعﻘﺎﺋﺪ واﻟﻄﻘﻮس واﻟﺮوﺣﺎنﻴﺎت‪.3‬‬
‫راﺑﻌﺎ‪ :‬اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻔﺌﺔ اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل‬
‫ﻗﺪ اﻫﺘم اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﻔﺌة اﻟنﺴﺎء و اﻷﻃﻔﺎل ‪-‬ﺣﱴ وأن ﻛﺎنﻮا نﺴﺎء أو أﺑنﺎء اﳌﺸﺮﻛﲔ‪-‬؛ ﻷ م دﻋﺎة‬
‫دﻋﺎة اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺸﺮف أن ﻳﻜﻮنﻮا من أمﺘه‪ ،‬وﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻳﻜﺎد ﻳﻄﺮد ﰲ ﻫﺪﻳه اﻻتصﺎﱄ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي‪.4‬‬
‫وﻫﺬا اﻻﺳﺘﺸﺮاف واﺿﺢ ﰲ جﻮاﺑه ﳌﻠﻚ اﳉﺒﺎل ﺣﲔ آذاه ﻗﻮمه من أﻫﻞ اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،‬ﺣﲔ ﻋﺮض‬
‫ﻋﻠﻴه أن ﻳﻄﺒق ﻋﻠﻴﻬم اﻷﺧﺴﺒﲔ‪ ،‬وذﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟه ‪ » :‬ﺑﻞ أَرجﻮ أن ﳜْﺮِج ا ﱠ ِمن أ ِِ‬
‫َﺻﻼَ ْم َم ْن ﻳَـ ْعﺒُ ُﺪ ا ﱠَ‬‫َ ُ ْ ْ‬ ‫َْ ُْ‬
‫َو ْﺣ َﺪهُ‪ ،‬ﻻَ ﻳُ ْﺸ ِﺮُك ﺑِِه َﺷْﻴـﺌًﺎ «‪.5‬‬
‫"ومﺎ ﻫﻲ إﻻ ﺳنﻮات ﻗﻼﺋﻞ‪ ،‬وتﻔﺘﺢ مﻜة ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟنﱯ ‪ ،‬ﰲ اﻟﺴنة اﻟﺜﺎمنة من اﳍﺠﺮة وتﺘﺤﻘق‬
‫وتﺘﺤﻘق دﻋﻮته ‪ ،‬وﻳُ ْﺴﻠم ﺑﻘﻴّة أﻫﻞ مﻜة ﺑعﺪ أن ﻋﻔﺎ ﻋن ﻛﻞ من ﺻﺒه اﻟعﺪاء‪ ،‬ﰒ ﰐ ثﻘﻴﻒ‬
‫ﻓﺘﺪﺧﻞ ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻳعم اﳋﲑ اﻟعﻈﻴم ﻫﺎتﲔ اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﲔ"‪.6‬‬
‫من أجﻞ ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻈﻴم ﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋن ﻗﺘﻞ اﻟنﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل ﰲ اﳊﺮب‪ ،‬ﻓعن‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫ﻋﺒﺪ ﷲ ‪ ،‬أﺧﱪه‪ :‬أن امﺮأة وجﺪت ﰲ ﺑعﺾ مﻐﺎزي اﻟنﱯ ‪ ‬مﻘﺘﻮﻟة‪» ،‬ﻓَﺄَﻧْ َﻜ َﺮ َر ُﺳ ُ‬
‫ِ‬ ‫رﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﻗَـ ْﺘ َﻞ اﻟﻨِّ َﺴﺎء َو ِّ‬
‫اﻟﺼْﺒﻴﺎن «‪.7‬‬ ‫َُ‬

‫‪ -1‬ﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﻓﻴه من ﺣﺒﺴه اﻟعﺬر من أﻋمﺎل اﻟﱪ مع نﻴّة ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﻟه‬
‫أجﺮ اﻟعﺎمﻞ ﺎ ﻛمﺎ ﻗﺎل ﻓﻴمن ﻏﻠﺒه اﻟنﻮم ﻋن ﺻﻼة اﻟﻠﻴﻞ إنه ﻳﻜﺘﺐ ﻟه أجﺮ ﺻﻼته وﻛأ ّن نﻮمه ﺻﺪﻗة ﻋﻠﻴه "‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪،‬‬
‫)‪.(283/21‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﺣﺒﺴه اﻟعﺬر ﻋن اﻟﻐﺰو‪ ،(26/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2684 :‬‬
‫‪3‬‬
‫ةاﻟﱰﺑﻴة‪ ،‬جﺎمعة اﳌﻠﻚ ﺳعﻮد‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة‬
‫‪ -‬ﷴ ا ممﻲ‪ ،‬اﻟﺘنصﲑ ﻋﱪ اﳋﺪمﺎت اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴّة ﻟﺸﺒﻜة اﳌعﻠﻮمﺎت اﻟعﺎﳌﻴّة‪ ،‬ﻛﻠﻴّ ّ‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳّة‪1433 ،‬ه‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫‪ -‬ينظر‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﳋﻠق‪ ،‬ب إذا ﻗﺎل أﺣﺪﻛم‪ :‬آمﲔ واﳌﻼﺋﻜة ﰲ اﻟﺴمﺎء‪ ،(113/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.3059‬‬
‫‪ -6‬ﷴ اﻟعﻮاجﻲ‪ ،‬أﳘﻴّة دراﺳة اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة واﻟعنﺎﻳّة ﺎ ﰲ ﺣﻴﺎة اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة اﳌصﺤﻒ اﻟﺸﺮﻳﻒ‪،‬‬
‫ص‪.21‬‬
‫‪ -7‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ اﻟصﺒﻴأ ّن ﰲ اﳊﺮب‪ ،(61/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2851 :‬‬
‫‪220‬‬
‫ف ـﻠﻘﺪ اتﺴمﺖ ﺣﻴﺎته ‪ ‬ﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬اﻟﻔﺎﺋﻘة ﺣﱴ مع اﻟﻜﻔﺎر واﻷﻋﺪاء‪ ،‬ﳑﺎ ﻳعﻜﺲ ﲰة اﻟﺮﲪة‬
‫اﻟﺮﲪة ﺑﻮﺿﻮح ﰲ دﻋﻮته‪ ،‬واﳌﻮاﻗﻒ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻻ ﳝﻜن ﺣصﺮﻫﺎ ‪.1‬‬
‫أمﺎ اﻫﺘمﺎم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻃﻔﺎل اﳌﺴﻠمﲔ ﻓﻈﺎﻫﺮ ﻟﻠعﻴﺎن؛ ﻹدراﻛه أ م ﲪﻠة مﺸعﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺑعﺪه‪،‬‬
‫وﻻ ﻓﺮق ﰲ ذﻟﻚ ﺑﲔ اﻟﺬﻛﺮ واﻷنﺜﻰ‪.‬‬
‫ومن أمﺜﻠة ﻫﺬه اﻟعنﺎﻳّة ﻋنﺎﻳﺘه ﺑﻴﺘﺎمﻰ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ ﺣصﻞ مع اﺑنة ﲪﺰة ﻳﻮم ﻋمﺮة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟﻘﻀﺎء‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن اﻟﱪاء ﻗﺎل‪ :‬ﻓَـﺘَﺒِ َعْﺘهُ اﺑْـنَةُ ﲪََْﺰَة‪ ،‬تـُنَﺎدي َ َﻋ ِّم َ َﻋ ِّم‪ ،‬ﻓَـﺘَـنَ َﺎوَﳍَﺎ َﻋﻠ ﱞﻲ ﻓَأ َ‬
‫َﺧ َﺬ‬
‫ﻚ َﲪﻠَْﺘـﻬﺎ‪ ،2‬ﻓَﺎﺧﺘصم ﻓِﻴﻬﺎ ﻋﻠِﻲ وزﻳ ٌﺪ وجع َﻔﺮ‪ ،‬ﻗَ َ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺑِﻴ ِﺪﻫﺎ‪ ،‬وﻗَ َ ِ ِ‬
‫ﺎل َﻋﻠ ﱞﻲ‪ :‬أَ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ﱞ َ َْ َ َ ْ ٌ‬ ‫ﺎل ﻟ َﻔﺎﻃ َمةَ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ اﻟ ﱠﺴﻼَ ُم‪ُ :‬دونَﻚ اﺑْـنَةَ َﻋ ّم َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻀﻰ َﺎ اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ‬ ‫ﺎل َج ْع َﻔٌﺮ‪ :‬اﺑْـنَةُ َﻋ ّمﻲ َو َﺧﺎﻟَﺘُـ َﻬﺎ َْﲢ ِﱵ‪ ،‬وﻗَ َ‬
‫ﺎل َزﻳْ ٌﺪ‪ :‬اﺑْـنَةُ أَﺧﻲ‪ .‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺖ َﻋ ّمﻲ‪ ،‬وﻗَ َ‬ ‫َﺧ ْﺬتـُ َﻬﺎ‪ ،‬وﻫ َﻲ ﺑِْن ُ‬‫أَ‬
‫‪ِ ‬ﳋَﺎﻟَﺘِ َﻬﺎ‪ ،‬وﻗَ َﺎل‪» :‬اﳋَﺎﻟَﺔُ ِﲟَْﻨ ِﺰﻟَ ِﺔ اﻷُِّم «‪.3‬‬
‫ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ‪ ":‬وﻓﻴﻬﺎ دﻻﻟة أن ﻟﻠخﺎﻟة ﺣﻘﺎ ﰲ اﳊﻀﺎنة ﻓﻘﺎل اﳋﺎﻟة ﲟنﺰﻟة اﻷم"‪.4‬‬
‫وﻛﻞ ذﻟﻚ مﺮاﻋﺎة ﳌصﻠﺤة اﻟﻴﺘﻴم‪ ،‬ﺧﺎﺻة إذا ﻛﺎنﺖ أنﺜﻰ‪ ،‬وﳑﺎ ﻳنﺒﻐﻲ تﺴﺠﻴﻠه ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ‬
‫تﻐﻴﲑ اﻹﺳﻼم اﳉﺬري ﻟﻠنﻈﺮة ﲡﺎه اﻷنﺜﻰ‪ ،‬ﻓﺒعﺪمﺎ ﻛﺎنﺖ ﻮن ﻋﻠﻰ واﻟﺪﻫﺎ ﻓﻴﺌﺪﻫﺎ وﻫﻲ ﺣﻴّة أﺻﺒﺢ‬
‫اﻟﺮجﺎل ﻳﺘنﺎﻓﺴﻮن ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺎﻟﺘﻬﺎ ﲟﺎ ﻳﻀمن ﳍﺎ اﳊﻴﺎة اﻟﻜﺮﳝة‪.‬‬
‫ومن اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ اﻟعنﺎﻳّة ﻟﻄﻔﻮﻟة ﻋﺪم ﲡنﻴﺪ اﻷﻃﻔﺎل‪ ،‬واﺳﺘﻐﻼﳍم‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ‬
‫رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬أن اﻟنﱯ ‪ :‬ﻋﺮﺿه ﻳﻮم أﺣﺪ وﻫﻮ اﺑن أرﺑع ﻋﺸﺮة ﺳنة‪ ،‬ﻓﻠم ﳚﺰه‪ ،‬وﻋﺮﺿه ﻳﻮم‬
‫ﻳﻮم اﳋنﺪق‪ ،‬وﻫﻮ اﺑن ﲬﺲ ﻋﺸﺮة ﺳنة‪ ،‬ﻓأجﺎزه‪.5‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة نﺒﻮﻳّة تﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ إﻳصﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﲨﻴع اﻟﻔﺌﺎت‬
‫دون اﺳﺘﺜنﺎء و ﻷﺳﻠﻮب واﻟﻄﺮﻳﻘة اﻟﱵ تنﺎﺳﺐ ﻃﺒﻴعة ﻛﻞ ﻓﺌة؛ ﺣﱴ ﻳﻜﻮن أﺳﻮة ﳌن ﰐ من ﺑعﺪه‬
‫من اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬واﻟﻔﺎﲢﲔ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳊﻖ اﳌﺘﺎﺑﻌﺔ اﳌﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﻤﺪﻋﻮﻳﻦ‬

‫‪ -1‬ﷴ أﺑﻮ ﺷﻬﺒة‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻘﺮآن واﻟﺴنة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1427 ،8‬ﻫـ‪.(629/2) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬وﻛأن اﻟﻔﺎء ﺳﻘﻄﺖ ﻗﻠﺖ‪ ،‬وﻗﺪ ثﺒﺘﺖ ﰲ رواﻳة اﻟنﺴﺎﺋﻲ من اﻟﻮجه اﻟﺬي أﺧﺮجه منه اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وﻛﺬا ﻷﰊ‬
‫داود من ﻃﺮﻳق إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن جعﻔﺮ ﻋن إﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ،‬وﻛﺬا ﻷﲪﺪ "‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(505/7) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء‪ ،(141/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4005 :‬‬
‫‪ -4‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(146/26) ،‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(93/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3871 :‬‬
‫‪221‬‬
‫ﺎﻟﱰﺑﻴة‪ ،‬واﻟﺘﻜﻮﻳن‪ ،‬ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬ﻇﻞ ﻳﺘﺎﺑع‬
‫أن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻻ تﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺒﻠﻴغ ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ تﺘعﺪى إﻟﯩ ّ‬
‫أتﺒﺎﻋه مﺘﺎﺑعة مﺴﺘمﺮة إﱃ أن اﻟﺘﺤق ﻟﺮﻓﻴق اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﻫﺬه اﳌﺘﺎﺑعة‬
‫ْ َ ُ ٗ ّ ُْ ْ َ ْ ُ ْ َ َْ ُ ٓ َ َٰ َ‬
‫ِك َو ُ َعلّ ُِم ُه ُم لْكِ َ ٰ َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َر نَﺎ َواب ْ َعث ِ ي ِهم رسوﻻ مِنهم ت وا علي ِهمۥ ءا ت‬
‫يم چ ]اﻟﺒﻘﺮة‪.[128 :‬‬ ‫حكِ ُ‬ ‫ك أَ َ‬
‫نت ل ْ َعز ُز ل ْ َ‬ ‫َ ْ ْ ََ ََُ ّ ُٓ َ‬
‫كي ِهمۖۥ أن‬
‫والحِ كمة و ز ِ‬
‫ۖ‬ ‫ِ‬
‫ﻓﻘﺪ تﺒﲔ من ﺧﻼل اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻫﺘمﺎمه ‪ ‬ﲟن اﺳﺘﺠﺎب ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟعمﻞ ﻋﻠﻰ تﺰﻛﻴﺘﻬم‪،‬‬
‫وتﺮﺑﻴﺘﻬم ﻋﻠﻰ ﻫﺪى اﻹﺳﻼم‪ ،‬وذﻟﻚ ﻋن ﻃﺮﻳق تعﻠﻴمﻬم دﻳنﻬم وتﻄﺒﻴق اﻹﺳﻼم ﰲ ﺣﻴﺎ م‪ ،‬وتعمﻴق‬
‫وتعمﻴق معﺎﱐ اﻹﺧﻮة ﻓﻴمﺎ ﺑﻴنﻬم وﺣﺜﻬم ﻋﻠﻰ ﲢمﻞ اﻷذى‪ ،‬واﻟصﱪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.1‬‬
‫ﺎﻟﱰﺑﻴة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﺒﲑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﺪدت ﳎﺎﻻت اﳌﺘﺎﺑعة‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من مﻴﺎدﻳن ّ‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﳝﻜن إﲨﺎل مﻈﺎﻫﺮ اﳌﺘﺎﺑعة اﳌﺴﺘمﺮة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﺧﻼﳍﺎ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺘﻘﻮﱘ اﻟﺪﻋﻮي اﳌﺴﺘﻤﺮ‬

‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻋﻠﻰ جﻼﻟة ﻗﺪرﻫم‪ ،‬وﻋﻈﻴم ﻓﻀﻠﻬم أ م ﺑﺸﺮ ﻏﲑ معصﻮمﲔ‪ ،‬ﻓﺘصﺪر‬ ‫ﻻ ﻳﺸﻚ أﺣﺪ أن ّ‬
‫ﻋنﻬم أﺧﻄﺎء ﲟﻘﺘﻀﻰ ﻫﺬه اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺻﺪرت ﻋنﻬم أﺧﻄأ ﰲ اﻟﻐﺰوات ﺑﺸﻜﻞ ﻓﺮدي أو ﺷﻜﻞ‬
‫ﲨﺎﻋﻲ‪ ،‬إﻻ أ م ﻻ ﻳﺴﺘمﺮون ﻋﻠﻰ اﳋﻄأ ﺑعﺪ ﺑﻴﺎن اﳊق ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺴﺎرﻋﻮن إﱃ‬
‫اﻻﻋﱰاف ﳋﻄأ‪ ،‬واﳊﺮص ﻋﻠﻰ جﱪه ﲟﺎ ﳝﻜن أن ﻳنﺠﱪ ﺑه‪.‬‬
‫وﻗﺪ تعﺪدت اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﳌﺘﺎﺑعة اﳌﺴﺘمﺮة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟنﻘﺎط‬
‫اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺑﻴﺎن اﻟﺼﻮاب‬
‫اﻟﱰﺑﻴة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻟﺘﻘﻮﱘ اﳌﺴﺘمﺮ اﻟﺘصﺤﻴﺢ ﻋن ﻃﺮﻳق ﺑﻴﺎن اﻟصﻮاب‪ ،‬ﻓﺈذا وﻗع‬ ‫من أﺳﺎﻟﻴﺐ ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﰊ ﰲ اﳋﻄأ ﰲ مﻮﻗﻒ من اﳌﻮاﻗﻒ ﺑﻴنه اﻟنﱯ ‪ ‬ودﻟه ﻋﻠﻰ اﻟصﻮاب‪.‬‬
‫صﺎ ِر َوأ ََمَﺮُﻫ ْم أن‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﺳ ِﺮﻳّة ﻓَ ْ‬
‫ﺎﺳﺘَـ ْع َم َﻞ َر ُج ًﻼ م َن اﻷَنْ َ‬ ‫ﺚ اﻟنِ ﱡ‬‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه ﻋﻠﻲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑَـ َع َ‬
‫ﺎﲨَعُﻮا‬‫ﱠﱯ ‪ ‬أن ت ِﻄﻴعُ ِﻮﱐ؟ ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﺑَـﻠَﻰ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَ ْ‬ ‫ﺲ أ ََمَﺮُﻛ ُم اﻟنِ ﱡ‬
‫ﺐ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬أَﻟَْﻴ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأ ََمَﺮُﻫ ْم أن ﻳﻄ ُﻴعﻮهُ‪ ،‬ﻓَـﻐَﻀ َ‬
‫ِ‬
‫ﻀ ُﻬ ْم‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻬ ﱡمﻮا َو َج َع َﻞ ﺑَـ ْع ُ‬
‫وﻫﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ْ :‬اد ُﺧﻠُ َ‬‫ﺎﲨَعُﻮا ِﱄ َﺣﻄَﺒًﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺠ َمعُﻮا‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬أ َْوﻗ ُﺪوا َ ًرا‪ ،‬ﻓَأ َْوﻗَ ُﺪ َ‬
‫ﻓَ ْ‬

‫‪ -1‬إﺑﺮاﻫﻴم اﳌﻄﻠق‪ ،‬اﻟﺘﺪرج ﰲ دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺌﻮن اﻹﺳﻼمﻴّة واﻷوﻗﺎف‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳّة‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪222‬‬
 ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬م َن اﻟنﱠﺎ ِر‪ ،‬ﻓَ َمﺎ َزاﻟُﻮا َﺣ ﱠﱴ َﲬَ َﺪت اﻟن ُ‬
‫ﱠﺎر‪ ،‬ﻓَ َﺴ َﻜ َن‬ ‫ِ ِ‬
‫ﻀﺎ‪ ،‬وﻳَـ ُﻘﻮﻟُﻮ َن‪ :‬ﻓَـَﺮْرَ إ َﱃ اﻟن ِّ‬
‫ﻚ ﺑَـ ْع ً‬ ‫ﻀ ُﻬ ْم ﳝُْ ِﺴ ُ‬
‫ﺑَـ ْع ُ‬
‫ﻮﻫﺎ ﻣﺎ َﺧﺮﺟﻮا ِﻣ ْﻨـﻬﺎ إِ َﱃ ﻳـﻮِم ِ‬
‫اﻟﻘﻴَ َﺎﻣ ِﺔ‪ ،‬اﻟﻄﱠ َ‬
‫ﺎﻋﺔُ ِﰲ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻟَ ْﻮ َد َﺧﻠُ َ َ َ ُ‬‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻀﺒُهُ‪ ،‬ﻓَـﺒَـﻠَ َغ اﻟنِ ﱠ‬
‫ﻓَ َﺴ َﻜ َن َﻏ َ‬
‫وف« ‪.1‬‬ ‫اﳌَﻌﺮ ِ‬
‫ُْ‬
‫ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬ﺻﺤﺢ اﻋﺘﻘﺎد اﻷمﲑ ن اﻟﻄﺎﻋة مﻄﻠﻘة ﻓﻘﻴﺪﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﻘﻴﺪ اﳌعﺮوف‪ ،‬ﻗﺎل زﻛﺮ‬
‫اﻷنصﺎري ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬أﺷﺎر ﺑه إﱃ أن اﻷمﺮ اﳌﻄﻠق ﻻ ﻳعم ﲨﻴع اﻷﺣﻮال؛ ﻷنه ‪ ‬وأن‬
‫أمﺮﻫم أن ﻳﻄﻴعﻮا اﻷمﲑ ﻓﺎﻷمﺮ ﻓﻴه ﳏمﻮل ﻋﻠﻰ مﺎ ﻻ معصﻴّة ﻓﻴه"‪.2‬‬
‫‪ .2‬اﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﻧﻜﺎر‬
‫ومن أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘﻘﻮﱘ اﻟنﺒﻮي ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘصﺤﻴﺢ ﻋن ﻃﺮﻳق إنﻜﺎر اﳋﻄأ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﳜﻄﺊ اﻟصﺤﺎﰊ ﰲ‬
‫ﺑعﺾ اﳌﻮاﻗﻒ ﻓﻴﺒﲔ ﻟه اﻟنﱯ ‪ ‬أنه أﺧﻄأ ﻋن ﻃﺮﻳق اﻹنﻜﺎر‪.‬‬
‫ومﺜﺎل ذﻟﻚ مﺎ ﺣصﻞ ﰲ مﻮﻗﻒ ﻷﺳﺎمة رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬إذ ﻳﻘﻮل‪ :‬ﺑعﺜنﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﱃ‬
‫اﳊﺮﻗة‪ ،‬ﻓصﺒﺤنﺎ اﻟﻘﻮم ﻓﻬﺰمنﺎﻫم‪ ،‬وﳊﻘﺖ أ ورجﻞ من اﻷنصﺎر رجﻼ منﻬم‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻏﺸﻴنﺎه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻻ‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻻ إﻟه إﻻ ﷲ ﻓﻜﻒ اﻷنصﺎري ﻓﻄعنﺘه ﺑﺮﳏﻲ ﺣﱴ ﻗﺘﻠﺘه‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻗﺪمنﺎ ﺑﻠغ اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬‬
‫» أﺳﺎﻣﺔ‪ ،‬أﻗﺘﻠﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻗﺎل ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ«‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻛﺎن مﺘعﻮذا‪ ،‬ﻓمﺎ زال ﻳﻜﺮرﻫﺎ‪ ،‬ﺣﱴ ﲤنﻴﺖ أﱐ ﱂ‬
‫أﻛن أﺳﻠمﺖ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم‪.3‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﻟﺘﲔ‪ ":‬ﰲ ﻫﺬا اﻟﻠﻮم تعﻠﻴم وإﺑﻼغ ﰲ اﳌﻮﻋﻈة ﺣﱴ ﻻ ﻳﻘﺪم أﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ من تﻠﻔﻆ‬
‫ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ"‪.4‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﳌﻜﺎﻓﺄة ﻋﻠى اﻹﳒﺎز اﻟﺪﻋﻮي‬
‫من اﻟﺘﻮازن اﻟﱰﺑﻮي أن ﳚمع اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪ ،‬واﳌﺮﰊ ﺑﲔ اﻟﺘصﺤﻴﺢ واﻟﺘﻘﻮﱘ‪ ،‬واﳌﻜﺎﻓأة ورﻓع اﳌعنﻮ ت‪،‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻛﺎن ﻳﻔعﻠه اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻋﺪة مﻈﺎﻫﺮ أذﻛﺮ‬
‫منﻬﺎ‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺳﺮﻳّة ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة اﻟﺴﻬمﻲ‪ ،‬وﻋﻠﻘمة ﺑن ﳎﺰز اﳌﺪﳉﻲ وﻳﻘﺎل‪ :‬إ ﺎ‬
‫ﺳﺮﻳّة اﻷنصﺎر‪ ،(161/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4085 :‬‬
‫‪ -2‬زﻛﺮ اﻷنصﺎري‪ ،‬ﲢﻔة اﻟﺒﺎري‪.(429/7) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺑعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ إﱃ اﳊﺮﻗﺎت من جﻬﻴنة‪ ،(144/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.4021‬‬
‫‪ -4‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(196/12) ،‬‬
‫‪223‬‬
 ‫‪.1‬اﻹﺷﺎدة ﻹﳒﺎز‬
‫من وﺳﺎﺋﻞ اﳌﻜﺎﻓﺌة اﳌعنﻮﻳّة اﻹﺷﺎدة ﻹﳒﺎز‪ ،‬ﻓعﻠﻰ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺷﺆون اﻟ ّﺪﻋﻮة أن ﻳﺸﻴﺪ ﳌﻮاﻗﻒ‬
‫اﻹﳚﺎﺑﻴّة اﻟﱵ تصﺪر من اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﻟﺪﻋﺎة؛ ﻟﺸﺤﺬ اﳍمم واﻻﻗﺘﺪاء واﻟﺘﺴﻠﻴّة وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﻏﺮاض‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮ ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﰲ اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﳌﺎ ﻟه من ثﲑ ﻋﻠﻰ اﻟنﻔﺴﻴﺎت‪ ،‬ﻓمن أمﺜﻠة ذﻟﻚ إﺷﺎدة‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﺒﻄﻮﻻت ﻗﺎدة ﻏﺰوة مﺆتة‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن أَنَ ٍ ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬نَـ َعﻰ‬ ‫ﺲ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬أن اﻟنِ ﱠ‬
‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬أَ َﺧ َﺬ اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ َزﻳْ ٌﺪ ﻓَﺄُﺻ َ‬
‫ﻴﺐ‪ ،‬ﰒُﱠ أَ َﺧ َﺬ‬ ‫اﺣ َة ﻟِﻠن ِ‬
‫ﱠﺎس ﻗَـْﺒ َﻞ أن ْتِﻴَـ ُﻬ ْم َﺧﺒَـُﺮُﻫ ْم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫َزﻳْ ًﺪا‪ ،‬و َج ْع َﻔًﺮا‪ ،‬واﺑْ َن َرَو َ‬
‫ﻮف ا ﱠِ‪،‬‬ ‫ف ِﻣﻦ ﺳﻴ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻴﺐ« َو َﻋْﻴـنَﺎهُ تَ ْﺬ ِرﻓَﺎن‪َ » :‬ﺣ ﱠﱴ أَ َﺧ َﺬ اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ َﺳْﻴ ٌ ْ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﺣﺔَ ﻓَﺄُﺻ َ‬‫ﻴﺐ‪ ،‬ﰒُﱠ أَ َﺧ َﺬ اﺑْ ُﻦ َرَو َ‬‫َﺟ ْﻌ َﻔ ٌﺮ ﻓَﺄُﺻ َ‬
‫َﺣ ﱠﱴ ﻓَـﺘَ َﺢ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ«‪.1‬‬
‫ﻓﻬﺬه مﻮاﻗﻒ ﺑﻄﻮﻟﻴّة تﺴﺘﺤق اﻹﺷﺎدة واﻟﺘنﻮﻳه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻘﺎدة اﻟﺜﻼثة ﰲ ﻗمة اﻟﺒﻄﻮﻟة واﻟﻔﺪاء‪،‬‬
‫وأثﺒﺘﻮا ﺷﺠﺎﻋة درة ﺣﻴﺚ ﻗﺎومﻮا ﺑﺜﻼثة آﻻف مﻘﺎتﻞ مﺴﻠم مﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ مﺎﺋﱵ أﻟﻒ من جنﻮد‬
‫اﻷﻋﺪاء‪ ،‬ﻓأﻋﻄﻮا ﺑﺬﻟﻚ مﺜﻼ ﻟﻠﺜﺒﺎت‪ ،‬واﻟصمﻮد واﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﳌﻮﻗﻒ اﻟعصﻴﺐ‪.2‬‬
‫‪ .2‬اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠى ﺻﺎﺣﺐ اﻹﳒﺎز‬
‫أن ﳑﺎ ﻳعﺪ من وﺳﺎﺋﻞ اﳌﻜﺎﻓأة اﳌعنﻮﻳّة ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺜنﺎء ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻹﳒﺎز‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺜﲏ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﳌﻮﻗﻒ اﻟصﺤﻴﺢ نﻮاع ﳐﺘﻠﻔة من اﻟﺜنﺎء ﲟﺎ ﳛﻘق اﳍﺪف اﳌﺒﺘﻐﻰ من اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬

‫ﻓمن ذﻟﻚ ثنﺎءه ﻋﻠﻰ ﻋﺎمﺮ ﺑن اﻷﻛﻮع ﻟعﺬوﺑة ﺻﻮته ﳊﺪاء‪ ،‬ﻓعن ﺳﻠمة ﺑن اﻷﻛﻮع ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﺧﺮجنﺎ مع اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﺴﺮ ﻟﻴﻼ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رجﻞ من اﻟﻘﻮم ﻟعﺎمﺮ‪ :‬ﻋﺎمﺮ أﻻ تﺴمعنﺎ من‬
‫ﻫنﻴﻬﺎتﻚ؟ وﻛﺎنعﺎمﺮ رجﻼ ﺷﺎﻋﺮا‪ ،‬ﻓنﺰل ﳛﺪو ﻟﻘﻮم ﻳﻘﻮل‪:‬‬
‫اﻟﻠﻬﻢ ﻟﻮﻻ أﻧﺖ ﻣﺎ اﻫﺘﺪﻳﻨـﺎ ‪ ...‬وﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﺎ وﻻ ﺻﻠﲔ ـﺎ‬
‫ﻓﺎغﻔﺮ ﻓﺪاء ﻟﻚ ﻣﺎ أﺑﻘﲔ ـﺘﺎ ‪ ...‬وﺛﺒﺖ اﻷﻗﺪام أن ﻻﻗﻴﻨﺎ‬
‫ـﺎ ‪ ...‬إن ا إذا ﺻﻴﺢ ﺑﻨﺎ أﺑﲔ ا‬ ‫وأﻟﻘﲔ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻋﻠﲔ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲤﲏ اﻟﺸﻬﺎدة‪ ،(17/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2645 :‬‬
‫‪ -2‬دﻳّة اﻟعمﺮي‪ ،‬أﺿﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص‪.316‬‬
‫‪224‬‬
‫و ﻟصﻴﺎح ﻋﻮﻟﻮا ﻋﻠﻴنﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا اﻟ ﱠﺴﺎﺋِ ُﻖ« ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻋ ِﺎمُﺮ ﺑْ ُن اﻷَ ْﻛ َﻮِع‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪:‬‬
‫»ﻳَـ ْﺮ َﲪُﻪُ ا ﱠُ« ‪ ،1‬ﻓﻬﺬا ثنﺎء ﺿمﲏ ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﺪﻋﺎء‪.‬‬
‫ومن وجﻮه اﻟﺜنﺎء ذﻛﺮ ثﻮاب وأثﺮ اﻹﳒﺎز اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣصﻞ ذﻟﻚ ﻟعﺜمﺎن ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‬
‫ﺎل‪ :‬أَنْ ُﺸ ُﺪ ُﻛ ُم ا ﱠَ‪ ،‬وﻻَ‬ ‫ف َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْم‪ ،‬وﻗَ َ‬ ‫ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ أن أن ﻋﺜْمﺎن ر ِﺿﻲ ا ﱠ ﻋْنه ِﺣﲔ ﺣ ِ‬
‫ﻮﺻَﺮ أَ ْﺷَﺮ َ‬ ‫َ َ ُ َُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وﻣﺔَ ﻓَـﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔُ«؟‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺣ َﻔ َﺮ ُر َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻗَ َ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬أَﻟَ ْﺴﺘُ ْم تَـ ْعﻠَ ُمﻮ َن أن َر ُﺳ َ‬ ‫َﺻ َﺤ َ ِ‬
‫ﺎب اﻟن ِّ‬ ‫أَنْ ُﺸ ُﺪ إِﱠﻻ أ ْ‬
‫اﻟﻌ ْﺴ َﺮةِ ﻓَـﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔُ«؟ ﻓَ َﺠ ﱠﻬ ْﺰتـُ ُﻬ ْم‪ ،2‬وﰲ ﻃﺮق أﺧﺮى‬ ‫ﺶ ُ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺟﻬ َ‬
‫ﱠﺰ َﺟ ْﻴ َ‬ ‫ﻓَ َﺤ َﻔ ْﺮتـُ َﻬﺎ‪ ،‬أَﻟَ ْﺴﺘُ ْم تَـ ْعﻠَ ُمﻮ َن أنهُ ﻗَ َ‬
‫ﺧﺎرج اﻟصﺤﻴﺢ ﻛﻴﺪ ﳍﺬا اﻟﺜنﺎء‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﻋنﺪ اﻟﻄﱪاﱐ ﺑصﻴﻐة‪» :‬ﻻ ﻳﻀﺮ ﻋﺜﻤﺎن ﻣﺎ ﻋﻤﻞ ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﻴﻮم«‪.3‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ أمﺜﻠة من واﻗع اﳌﻐﺎزي ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ اﳌﺘﺎﺑعة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﳌﺴﺘمﺮة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن اﻟﱵ تﻘﻮم ﻋﻠﻰ‬
‫ثنﺎﺋﻴّة اﻟﺘﻘﻮﱘ اﳌﺴﺘمﺮ واﳌﻜﺎﻓﺌة ﻋﻠﻰ اﻹﳒﺎز؛ ﻛﻴﺪا ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ ﰲ تﺮﺷﻴﺪ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪،‬‬
‫وﺷﺤﺬ ﻓعﺎﻟﻴﺘه‪ ،‬وﺿمﺎن اﺳﺘﺪامﺘه واﺳﺘمﺮارﻳﺘه‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳊﻖ اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺪﻋﻮي‬
‫أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻻ ﻳﻘنع ﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻘﺎﺻﺮة ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﻠﺤﻆ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة أن اﻟ ّﺪﻋﻮة مﺴﺆوﻟﻴّة اﳉمﻴع‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﻞ مﻄﺎﻟﺐ ﺎ ﺑﻘﺪر مﺎ ﻟﺪﻳه من‬‫اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﻠم ّ‬
‫اﺳﺘعﺪادات‪ ،‬وإمﻜﺎ ت دﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﻟعﻞ ﻋﺪم اﻹدراك واﻟﻮﻋﻲ ﳍﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﳌﻬم‪ -‬ﻋﺘﺒﺎره من‬
‫ﺿمﺎ ت اﻻﺳﺘمﺮار اﻟﺪﻋﻮي‪ ،-‬جعﻞ اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺪﻋﻮﻳّة تﻔﺸﻞ‪ ،‬وﲤﻮت ﲟﻮت أﺻﺤﺎ ﺎ‪.‬‬

‫وتﻈﻬﺮ اﻟعنﺎﻳّة ﻟﺘﺪرﻳﺐ واﻟﺘأﻫﻴﻞ اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل اﳌﻐﺎزي ﰲ ﺻﻮر مﺘعﺪدة؛ ﳝﻜن أن أﳋصﻬﺎ‬
‫ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠى ﲢﻤﻞ اﳌﺴﺆوﻟﻴّﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(130/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3960 :‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ ب إذا وﻗﻒ أرﺿﺎ أو ﺑﺌﺮا‪ ،‬واﺷﱰط ﻟنﻔﺴه مﺜﻞ دﻻء اﳌﺴﻠمﲔ‪،(13/4) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪.2778:‬‬
‫‪ -3‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم اﻟﻄﱪاﱐ‪ ،‬اﳌعﺠم اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬ت‪ :‬ﲪﺪي ﺑن ﻋﺒﺪ ا ﻴﺪ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ ،(231/18) ،2‬ﻗﺎل اﺑن‬
‫ﺣﺠﺮ‪ ":‬إﺳنﺎده ﺣﺴن مع ﻛﻮنه مﺮﺳﻼ"‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(111/8) ،‬ﻓﺎﻟﺮواﻳّة ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﺮط اﻟﺒخﺎري ﻟﺬﻟﻚ اﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ مﺎ‬
‫ذﻛﺮ ‪.‬‬
‫‪225‬‬
‫أن اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﲢمﻞ اﳌﺴﺆوﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة من اﻷمﻮر اﻟﻀﺮورﻳّة ﰲ تﻘﺪﻳﺮي ﻟنﺠﺎح اﻟﺘﺪرﻳﺐ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﱰﺑﻴّة اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺸعﺎر اﳌﺴﺆوﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﺒﺪأ ﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﺑﺒﻠﻮغ‬
‫وﺑﺒﻠﻮغ ﺳن اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ من اﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻻ ﻳنﺒﻐﻲ أن تﻐﻔﻞ‪.1‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ":‬أن ﻛﻞ ﻫﺬا اﻻنﺪﻓﺎع ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬وﻫﺬا اﳊمﺎس ﻟنﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪،‬‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﻟﺘﻔﺎﱐ ﰲ ﺧﺪمة اﻹﺳﻼم واﻟﺪﻓﺎع ﻋنه أوجﺪه اﻹﺣﺴﺎس اﻟﻘﻮي ﳌﺴﺆوﻟﻴّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺪﻳن"‪.2‬‬
‫َ َْ ُ ّ ُ ُ ٓ ‪َ َ ُ ْ َ ٞ‬‬
‫چ ٱو كن مِنكمۥ مة يدعون إ ِ‬ ‫وﻗﺪ نﺒه اﻟﺬﻛﺮ اﳊﻜﻴم ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﳌﺴﺆوﻟﻴّة ﺑﻘﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬‫ْ‬ ‫َْ ََ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك ِر چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[104 :‬ﻗﺎل أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪":‬‬ ‫وف َو َن َه ْو َن َع ِن لم‬
‫ون بِﺎل َم ْع ُر ِ‬
‫ﺎم ُر َ‬ ‫إ ِ لخ ِ و‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺸعﻮر ﺑعﻈم اﳌﺴﺆوﻟﻴّة اﳌﻠﻘﺎة ﻋﻠﻰ ﻋﺎتق اﻟﺪﻋﺎة ﲤﺜﻞ اﻟﺮﻛن اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟنﺠﺎح مﺸﺮوﻋه اﻟﺪﻋﻮي"‬
‫ﻓﺎﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻻﺳﺘﺌنﺎف اﳊﻴﺎة اﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ أمﺘنﺎ واجﺐ ﺷﺮﻋﻲ‪ ،‬وﻫﺬا ﻻ ﳝﻜن إﻻ ﺑﻮجﻮد‬
‫‪4‬‬
‫اﻷمة اﻟﱵ تﺪرب ﻋﻠﻰ ﲢمﻞ اﳌﺴﺆوﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻫﻲ منﻄﻠق وأﺳﺎس اﻻﺳﺘمﺮارﻳّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ إﺷعﺎر أتﺒﺎﻋه ﳌﺴﺆوﻟﻴّة ودر م ﻋﻠﻴﻬﺎ من ﺧﻼل اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺑﺒعﺾ اﳌﻬﺎم‬
‫ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻛﻘﻴﺎدة اﻟﺴﺮا وﲪﻞ اﻟﺮا ت واﳊﺮاﺳة ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓﻜﻠﻬﺎ تﺪرﻳﺐ ﳍﺆﻻء ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺸعﺎر‬
‫اﳌﺴﺆوﻟﻴّة‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ تعمﻴﻘﻬﺎ اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﺴﺎ ﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ واﺑﺘﻐﺎء ﺎ اﻷجﺮ‪ ،‬وﻫﺬا ﺑﲔ ﰲ ﻛﺜﲑ من‬
‫اﻷﺣﺎدﻳﺚ‪.‬‬
‫ط ﻳَـ ْﻮٍم ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ َﺧ ْﻴـ ٌﺮ ِﻣ ْﻦ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ‬ ‫ﻓعن ﺳعﺪ اﻟﺴﺎﻋﺪي ‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ِ » :‬رَ ُ‬
‫وﺣ َﻬﺎ اﻟ َْﻌ ْﺒ ُﺪ ِﰲ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺿﻊ ﺳﻮ ِط أ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َﺣﺪ ُﻛ ْﻢ ﻣ ْﻦ ا ْﳉَﻨﱠﺔ َﺧ ْﻴـ ٌﺮ ﻣ ْﻦ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ َواﻟ ﱠﺮْو َﺣﺔُ ﻳَـ ُﺮ ُ‬
‫اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ َوَﻣ ْﻮ ُ َ ْ َ‬
‫ا ﱠِ أ َْو اﻟْﻐَ ْﺪ َوةُ َﺧ ْﻴـ ٌﺮ ِﻣ ْﻦ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ « ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ص‪ ،50‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﳊﻀﺎرﻳّة‪ ،‬واﻟﺜﻘﺎﻓﻴّة‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت وأﲝﺎث ﰲ رﻳخ ّ‬
‫اﻟﺴننﻴّة‪ ،‬ص‪.202‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﳋﻄﺎب اﻹﺳﻼمﻲ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪ -3‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ -4‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أﲪﺪ اﻟﺴﻴﺪ‪ ،‬رﺳﺎﻟة إﱃ اﳌﺪرﺳﲔ واﳌﺪرﺳﺎت اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ ر ط ﻳﻮم ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،(35/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2735 :‬‬
‫‪226‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬا اﻟﱰﻏﻴﺐ أثﺮه ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬اﻟﺮ ط ﺑﻜﺴﺮ اﻟﺮاء و ﳌﻮﺣﺪة اﳋﻔﻴﻔة‬
‫مﻼزمة اﳌﻜﺎن اﻟﺬي ﺑﲔ اﳌﺴﻠمﲔ واﻟﻜﻔﺎر ﳊﺮاﺳة اﳌﺴﻠمﲔ منﻬم‪ ...‬ومن ﰒ أﺧﺘﺎر ﻛﺜﲑ من‬
‫اﻟﺴﻠﻒ ﺳﻜﲎ اﻟﺜﻐﻮر"‪.1‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠى ﳑﺎرﺳﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪﻋﻮي‬
‫ﻋنﺪ مﺘﺎﺑعة اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺎ من ﺑعﻮث‪ ،‬ووﻓﻮد ﻻ ﳒﺪ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳنﻔﺮد دار ﺎ ﻟﻮﺣﺪه‪ ،‬إذ‬
‫أﺳنﺪ مﻬﺎم ﻛﺜﲑة ومﺴﺆوﻟﻴﺎت ﻛﺒﲑة ﻷﺻﺤﺎﺑه تﺪرﻳﺒﺎ ﳍم ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘمﺮار اﻟﺪﻋﻮي من ﺑعﺪه‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة وﱂ ﻳﻜن ﻓﻴﻬم اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻛﻐﺰوة زﻳﺪ ﺑن‬ ‫وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ اﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث اﻟﱵ ﻗﺎدﻫﺎ ّ‬
‫ﺣﺎرثة‪ ،‬وﻏﺰوة مﺆتة‪ ،2‬وﺳﺮﻳّة ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة‪ ،3‬وﻏﲑﻫﺎ‪.‬‬
‫ومن مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟنﺒﻮي تﺪرﻳﺐ اﻷتﺒﺎع ﻋﻠﻰ اﻻجﺘﻬﺎد ﰲ اﻟنﻮازل اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻻ نﺺ ﻓﻴﻬﺎ‪،‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن اﻻجﺘﻬﺎد أمﺮ ﺿﺮوري ﰲ اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻳﻀمن اﺳﺘﻴعﺎب ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﱵ‬
‫ﺳﺘﺘﺠﺪد ﺑعﺪ وﻓﺎته ‪.‬‬
‫ﻓممﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ تﻜﻠﻴﻒ رﺳﻮل ﷲ ‪‬ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ أ ْن ﳛﻜم ﰲ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعِ ٍ‬
‫ﻴﺪ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫ﺳعِ ٍ‬
‫ﻮل‪ :‬نَـَﺰَل أ َْﻫ ُﻞ ﻗُـَﺮﻳْﻈَةَ َﻋﻠَﻰ ُﺣ ْﻜ ِم َﺳ ْعﺪ ﺑْ ِن ُم َعﺎذ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ‬ ‫ﻴﺪ اﳋُ ْﺪ ِر ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﻮﻣﻮا إِ َﱃ َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ‪ ،‬أ َْو َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ«‪،‬‬ ‫‪‬إِ َﱃ ﺳع ٍﺪ ﻓَأَتَﻰ ﻋﻠَﻰ ِﲪﺎ ٍر‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ د َ ِمن اﳌﺴ ِﺠ ِﺪ ﻗَ َ ِ‬
‫صﺎ ِر‪» :‬ﻗُ ُ‬ ‫ﺎل ﻟ ْﻸَنْ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ﺖ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻗَ َ‬
‫ﻀ ْﻴ َ‬ ‫ﺎل‪ :‬تَـ ْﻘﺘُ ُﻞ ُم َﻘﺎتِﻠَﺘَـ ُﻬ ْم‪ ،‬وتَ ْﺴِﱯ َذ َرا ِرﻳـﱠ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ » :‬ﻫ ُﺆﻻَِء ﻧَـ َﺰﻟُﻮا َﻋﻠَى ُﺣ ْﻜ ِﻤ َﻚ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﻚ« ‪.4‬‬ ‫ﺎل‪ِ» :‬ﲝُ ْﻜ ِﻢ اﳌَﻠِ ِ‬‫ﺖ ِﲝُ ْﻜ ِﻢ ا ﱠِ«‪ ،‬و ُرﱠﲟَﺎ ﻗَ َ‬‫ﻀ ْﻴ َ‬
‫»ﻗَ َ‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺑعﺪ دﻋﻮي‪ ،‬ﻳﻮﺿﺤه أﻛﺮم اﻟعمﺮي ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وﺑﺬﻟﻚ تﱪأ ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ من ﺣﻠﻒ‬
‫ﺣﻠﻒ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﱂ ﻳﻘع ﰲ نﻔﻮس اﻷوس ﺷﻲء رﻏم ﲢﺎﻟﻔﻬم مع ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﻗﺮب ﻋﻬﺪﻫم‬
‫ﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓﺴﻴﺪﻫم ﺳعﺪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺣﻜم ﻓﻴﻬم"‪.5‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(85/6) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻗﺪ تعﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺎدة ﻏﺰوة مﺆتة‪ ،‬ﻛﻞ من زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة وجعﻔﺮ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن رواﺣة‪ ،‬ﻓﻠمﺎ اﺳﺘﺸﻬﺪوا تﻮﱃ‬
‫اﻟﻘﻴﺎدة ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻷنﻒ‪ ،(164/7) ،‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.357‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(141 ،143 ،161/5) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(112/5‬ﺑﺮﻗم‪. 3895:‬‬
‫‪ -5‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮي‪.(315/1) ،‬‬
‫‪227‬‬
‫ومن اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟنﺒﻮي إﻗﺮاره ‪‬ﻟﺒعﺾ اجﺘﻬﺎدات أﺻﺤﺎﺑه ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪،‬‬
‫ﺼ َﺮ إِﱠﻻ ِﰲ ﺑَِﲏ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَ َﺔ«‬ ‫ﺼﻠِّ َ ﱠ‬ ‫َﺣﺰ ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟﻌ ْ‬
‫َﺣ ٌﺪ َ‬‫ﲔ أَ‬ ‫اب‪» :‬ﻻَ ﻳُ َ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻟَنَﺎ ﻟَ ﱠمﺎ َر َج َع م َن اﻷ ْ َ‬ ‫ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫صﻠِّﻲ‪،‬‬‫ﻀ ُﻬ ْم‪ :‬ﺑَ ْﻞ نُ َ‬
‫ِ‬
‫صﻠّﻲ َﺣ ﱠﱴ َْتﻴَـ َﻬﺎ‪ ،‬وﻗَ َﺎل ﺑَـ ْع ُ‬
‫ﻓَأَدرَك ﺑـعﻀﻬم اﻟعصﺮ ِﰲ اﻟﻄﱠ ِﺮ ِﻳق‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل ﺑـعﻀﻬم‪ :‬ﻻَ نُ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُُ ْ‬ ‫َْ َْ َ ُ ُ َ ُْ‬
‫اﺣ ًﺪا ِمْنـ ُﻬ ْم‪.1‬‬
‫ﻒوِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ْم ﻳـُ َعنّ ْ َ‬‫صﻠِّﻲ‪َ ،‬ﱂْ ﻳـَُﺮْد ِمنﱠﺎ ذَﻟِ َ ِ ِ ِ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻓَ ُﺬﻛَﺮ ﻟﻠن ِّ‬ ‫نُ َ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ‪" :‬ﻓمﺎ ﻋنّﻒ أﺣﺪا منﻬم من أجﻞ اﻻجﺘﻬﺎد‬
‫اﳌﺴﻮغ واﳌﻘصﺪ اﻟصﺎﱀ"‪.2‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠى اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻄﺎﻗﺎت‬
‫أن اﺳﺘﺒﺪاد ﺑعﺾ اﻟﺰﻋمﺎء‪ ،‬واﻟﻘﺎدة؛ ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ منﺎﺻﺒﻬم‪ ،‬ﳛﻮل دون إ ﺣة اﻟﻔﺮص ﻟﻈﻬﻮر‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻘﺪرات واﳌﺆﻫﻼت‪ ،‬ﰲ ﺣﲔ ﳒﺪ أن أﺻﺤﺎب اﻟﺮﺳﺎﻻت اﻹﺻﻼﺣﻴّة‪ ،‬وأﺻﺤﺎب اﻟنﻔﻮس‬
‫اﻟﻜﺒﲑة ﻻ ﻳﻬمﻬم إﻻ ﻇﻬﻮر اﳊق وﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻟﺬا ﻳﱰﻛﻮن ا ﺎل ﻟﻜﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﺪرة أو ﻓﻜﺮة ﲣﺪم‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ نﻠمﺤه ﻋنﺪ تﺘﺒع وﻗﺎﺋع اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻜﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺴﺘﺜمﺮ اﳌﺆﻫﻼت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻋنﺪ‬
‫اﻷتﺒﺎع‪ ،‬وﻳنمﻴﻬﺎ وﻳﺸﺠع ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻳﺸﻬﺪ‪‬ﻟﺬﻟﻚ أمﺜﻠة ﻛﺜﲑة من اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬ﳕﻮذج اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠى اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﻘﻴﺎدﻳّﺔ‪ :‬من أﺑﺮز اﻷمﺜﻠة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟنمﻮذج ﰲ مﻴﺪان‬
‫اﻟﻐﺰوات ﳕﻮذج ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻓﺮﻏم ﺧﺮ إﺳﻼمه)‪ ، (3‬إﻻ أن ذﻟﻚ ﱂ ﳝنع اﻟنﱯ ‪ ‬من‬
‫اﺳﺘﺜمﺎر ﻗﺪراته اﻟﻘﻴﺎدﻳّة واﻟﻘﺘﺎﻟﻴّة ﻟﻴﺪرﺑه مﺒﻜﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﺎدة اﳉﻬﺎدﻳّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﺠعﻠه من ﻗﺎدة ﻏﺰوة‬
‫مﺆتة‪ ،‬وﻛﺎن من اﻟﻘﺎدة ﻳﻮم ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ":‬وأمﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻮمﺌﺬ ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ‬
‫أن ﻳﺪﺧﻞ من أﻋﻠﻰ مﻜة من ﻛﺪاء‪ ،‬ودﺧﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬من ﻛﺪاء‪ ،‬ﻓﻘﺘﻞ من ﺧﻴﻞ ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ‬
‫رﺿﻲ ﷲ ﻋنه ﻳﻮمﺌﺬ رجﻼن"‪.4‬‬
‫‪.2‬ﳕﻮذج اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠى اﺳﺘﺜﻤﺎر اﳌﻮارد اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ‪ :‬من اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺮاﺋعة ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺜمﺎر اﳌﻮارد‬
‫اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬وتﻮﻇﻴﻒ ﻃﺎﻗﺎ ﺎ اﻹنﺘﺎجﻴّة ﻟصﺎﱀ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﺳﺘﺜمﺎر اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻘﺪرات اﻟﺰراﻋﻴّة ﻟﻴﻬﻮد ﺧﻴﱪ‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،(14/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.942:‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(209/1) ،‬‬
‫‪ -3‬أﺳﻠم ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ ﰲ اﻟﺴنة اﻟﺜﺎمنة ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(366/1) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب أﻳن رﻛﺰ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟ )‪ ،(146/5‬ﺑﺮﻗم‪.4030 :‬‬
‫‪228‬‬
‫ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﻜﻮ م ﻏﲑ مﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻫﺬا ﱂ ﳝنع من اﻻﺳﺘﻔﺎدة من ﻗﺪرا م اﻟﺰراﻋﻴّة‪ ،‬ﻓمﻜنﻬم من مﺰارﻋة‬
‫أرض ﺧﻴﱪ‪ ،‬اﻟﱵ اﺳﺘﻔﺎدت اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑعﺪﻫﺎ من ﻏﻼ ﺎ‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪" :‬مﺎ‬
‫ﺷﺒعنﺎ)‪ (1‬ﺣﱴ ﻓﺘﺤنﺎ ﺧﻴﱪ"‪.2‬‬
‫وﰲ ذﻟﻚ تﺪرﻳﺐ مﺒﻜﺮ ﻟﻸمة ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺜمﺎر اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬وﻟﻮ من ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ ﺧﺪمة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺣﱴ تﻮاﻛﺐ اﳌﺴﺎرات اﳊﻀﺎرﻳّة ﻟﻸمم‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻗﺪ امﺘﺎزت ﺧﻴﱪ ﺑﺘنﻮع اﳌنﺘﻮج ووﻓﺮته‪ ،‬ﻓﺈﺿﺎﻓة إﱃ اﻟﺘمﺮ ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ تنﺘج اﻟﻘمﺢ واﻟﺸعﲑ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻷنﻒ‪،‬‬
‫)‪.(133/7‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(140/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4000 :‬‬
‫‪229‬‬
‫‪.3‬ﳕﻮذج اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠى اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺒﻴﺎﻧﻴّﺔ‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎنﺖ ﻃﺎﻗة اﻟﺸعﺮ‪ ،‬واﻟﺒﻴﺎن ﻛﺎمنة ﰲ‬
‫ﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﻗﺘﻀﺖ اﳊﻜمة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﺳﺘﺜمﺎرﻫﺎ ﺑﺘﺪرﻳﺐ أﺻﺤﺎ ﺎ‬ ‫اﻟﻜﺜﲑ من اﻷتﺒﺎع من ا ّ‬
‫ﺑﺘﻔﺠﲑ ﻃﺎﻗﺎ م اﻟﺒﻴﺎنﻴّة ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺜمﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺒﻴﺎنﻴّة واﻷدﺑﻴّة ﻟﻠﺸعﺮاء ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺣﺴﺎن ﺑن ﺑﺖ‪ ،‬و ﻋﺒﺪﷲ ﺑن‬
‫رواﺣة‪ ،‬وﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،‬وﻏﲑﻫم مﺘﻴﺤﺎ ﳍم ﳎﺎل اﳌﺴﺎﳘة ﺑﺘﺠﺎر م اﻟﺸعﺮﻳّة ﰲ ﳎﺎل ﺷعﺮ اﻟﻔﺘﻮح؛‬
‫ﻟﻴﺘﺪرﺑﻮا ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟنﻮع من اﻟﺸعﺮ اﻟﺪﻋﻮي اﻹﺳﻼمﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟﺸعﺮ ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺜمﺎر اﻟنﺒﻮي ﻟﻄﺎﻗﺎته مصﺎﺣﺒﺎ ﻟﻠﻐﺰوات ﻏﺮاﺿه اﳌخﺘﻠﻔة ﻛﻮﺳﻴﻠة‬
‫ﻛﻮﺳﻴﻠة دﻋﻮﻳّة تﺴﺘﺜمﺮ ﻟﻠﺪﻓﺎع واﻟﱰوﻳﺢ وﺷﺤﺬ اﳍمم‪.1‬‬
‫و ﺬا ﻳﻜﻮن اﻟنﱯ‪‬ﻗﺪ مﺎرس اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺪﻋﻮي ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮ ت اﳌخﺘﻠﻔة؛ ﲢﺴﻴﺴﺎ‪ ،‬وتﻔعﻴﻼ‪،‬‬
‫واﺳﺘﺜمﺎرا‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﺳﺒق ﻳﺘﻀﺢ أن اﳌﺪﻋﻮ ﻗﺪ أﺧﺬ ﻗﺴﻄه اﳊﻘﻮﻗﻲ ﲜﻮدة ﻋﺎﻟﻴّة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ‬
‫تﺒﻠﻴﻐﺎ‪ ،‬ومﺘﺎﺑعة‪ ،‬وتﺪرﻳﺒﺎ‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺻﻨﺎف اﳌﺪﻋﻮﻳﻦ‬
‫أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺑﻄﺒﻴعﺘﻬﺎ اﻟﺸمﻮﻟﻴّة تﺘنﺎول ﲨﻴع أﺻنﺎف اﳌﺪﻋﻮﻳن دون اﺳﺘﺜنﺎء؛ وﻗصﺪ‬
‫ﺣصﺮ ﻫﺬه اﻷﺻنﺎف ﳝﻜن أن أﻗﺴمﻬم ﻋﺘﺒﺎر اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة إﱃ مﺪﻋﻮﻳن مﺴﺘﺠﻴﺒﲔ‪ ،‬وﻏﲑ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬واﻟﻔﺌة اﻟﺜﺎنﻴّة ﳝﻜن أن تﻘﺴم إﱃ ﻓﺌﺘﲔ‪ :‬ﻓﺌة أﻋﻠنﺖ‬‫مﺴﺘﺠﻴﺒﲔ‪ ،‬ﻓﻴمﺜﻞ اﻟﻔﺌة اﻷوﱃ ّ‬
‫ﻋﺪم اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻬﺎ ﻟﻠﺪﻋﻮة و ﺻﺒﺘﻬﺎ اﻟعﺪاء ﻋﻼنﻴّة‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﻋنﺪ اﳌﺸﺮﻛﲔ واﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬وﻓﺌة أﻇﻬﺮت‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻇﺎﻫﺮا‪ ،‬وأﺑﻄنﺖ اﻟعﺪاء وﻫم ﻓﺌة اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪.‬‬
‫وﺳأﻛﺘﻔﻲ ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ ﺑﺘنﺎول ﻓﺌة اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻏﲑ اﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ‪ ،‬مﱪزا أﻫم أﺳﺒﺎب ﻋﺪم‬
‫اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻬم وﻛﻴﻔﻴّة تعﺎمﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬مع ﻛﻞ ﻓﺌة ﰲ ﺳﻴﺎق اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﳌﻐﺎزي ومﺎ ﰲ‬
‫ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ص‪ ،50‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪ ،‬ب ﻫﺠﺎء اﳌﺸﺮﻛﲔ‪،‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬أﲝﺎث ﰲ رﻳخ ّ‬
‫)‪ ،(36/8‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬إمﺘﺎع اﻷﲰﺎع‪.(42/10) ،‬‬

‫‪230‬‬
 ‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺼﻨف اﳌﻸ‬
‫أن ﻋمﻮم أﻓﺮاد اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬واﻟﻴﻬﻮد تﺒع ﻟﺰﻋمﺎﺋﻬم وأﺷﺮاﻓﻬم‪ ،‬وﻓق مﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴه ﳕط اﳊﻜم اﻟﻘﺒﻠﻲ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻷتﺒﺎع ﻻ ﻳُﺒﺪون أي معﺎرﺿة ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﳌﺎ ﻳﻘﺮره ﻫﺆﻻء اﻟﺰﻋمﺎء اﻟﺬﻳن ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻴﻬم اﳌﻼء؛ ﻟﺬﻟﻚ‬
‫ﺳﺘﺘمﺤﻮر اﻟﺪراﺳة ﺣﻮﳍم من ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟعنﺎﺻﺮ‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم ﻣﺼﻄﻠﺢ اﳌﻸ‬
‫ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ ﻟﻠمﺪﻟﻮل اﻟﺪﻋﻮي ﳌصﻄﻠﺢ اﳌﻸ ﻻﺑﺪ من تعﺮﻳﻔه من اﻟنﺎﺣﻴﺘﲔ اﻟﻠﻐﻮﻳّة واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة‪ ،‬تﺒعﺎ‬
‫ﳌﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﻌﺮﻳف اﳌﻸ‬
‫اﳌﻸ ﰲ اﻟﻠﻐة اﳉمﺎﻋة‪ ،‬وﻫﻮ اﳋﻠق أﻳﻀﺎ وﲤﺎﻟﺆوا ﻋﻠﻰ اﻷمﺮ اجﺘمعﻮا ﻋﻠﻴه‪ ،‬واﳌﻸ ﲨﺎﻋة ﳚﺘمعﻮن‬
‫ﻋﻠﻰ رأي‪ ،‬ﻓﻴمﻠﺌﻮن اﻟعﻴﻮن رواء ومنﻈﺮا‪ ،‬واﻟنﻔﻮس ﺎء وجﻼﻻ‪ ،‬ﻳﻘﺎل‪ :‬ﻓﻼن مﻞء اﻟعﻴﻮن‪ ،‬أي‪:‬‬
‫معﻈم ﻋنﺪ من رآه‪ ،‬ﻛأنه مﻸ ﻋﻴنه من رؤﻳﺘه‪ ،‬ومﺎﻷته‪ :‬ﻋﺎونﺘه وﺻﺮت من مﻠﺌه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ وردت ﻛﻠمة "اﳌﻸ" ﰲ ﻋﺪة مﻮاﺿع‪ ،‬ﳓﻮ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱﻗﺎل ل َم مِن ﻗ ْو ِمه ِٓۦ أنﺎ‬
‫ُ َ ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ل ۪ ٰك ِ ض ٖل مب ِ ٖ ٱچ ]اﻷﻋﺮاف‪ ،[60 :‬وﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬چ ٱ َوﻗﺎل ِف ْر َع ْو ُن َ َهﺎ ل َم َمﺎ َعل ِْمت لكم م ِِن‬
‫َٰ ‪َ ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َُْ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب ك ِر ٌم چ ]‬ ‫ٍه ْ ِے ٱچ ]اﻟﻘصﺺ‪ ،[38:‬وﻗﻮﻟه جﻞ وﻋﻼ‪ :‬چ ٱ ﻗﺎلت َ َهﺎ ل َم ؤا أ َ ل ِ َ إ ِ كِ‬
‫اﻟنمﻞ‪.[29:‬‬
‫واﳌﺮاد ﺎ ﰲ اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻘﺮآن ي ﻻ ﳜﺮج ﻋن اﳌعﲎ اﻟﻠﻐﻮي‪ ،‬ﻓﺘﻄﻠق ﻋﻠﻰ وجﻮه اﻟﻘﻮم‪ ،‬واﻷﺷﺮاف‬
‫واﻷﺷﺮاف واﻟﺮؤﺳﺎء‪ ،‬واﻟﺴﺎدة‪ ،‬وذوي اﻟﺮأي‪.1‬‬
‫‪.2‬اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳌﺼﻄﻠﺢ اﳌﻸ‪ :‬واﳌﻸ ﻛمصﻄﻠﺢ دﻋﻮي ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎب اﻟنﻔﻮذ ﰲ‬
‫ا ﺘمع‪ ،‬اﻟﺬﻳن ﻳعﺘﱪﻫم اﻟنﺎس أﺷﺮاﻓﺎ‪ ،‬وﺳﺎدة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎر اﳌعﺎﻳﲑ اﻟﺴﺎﺋﺪة‪ ،‬ﲤﻜنﻬم من اﻟﻘﻴﺎدة‪،‬‬
‫واﻟﺮ ﺳة‪ ،‬و اﻟﺰﻋﺎمة‪ ،‬واﻟﺘأثﲑ ﰲ اﳉمﻬﻮر‪.2‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪ ،(291/5) ،‬اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬اﻟﻜﺸﺎف‪ ،(113/2) ،‬أﺑﻮﺣﻴﺎن‪ ،‬اﻟﺒﺤﺮ اﶈﻴط ﰲ اﻟﺘﻔﺴﲑ‪،‬‬
‫)‪(559/2‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.380‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪231‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻼء‬
‫ﻳُعﺪ ﻋﺪاءُ اﳌﻸ من اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﱵ واجﻬﺘﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮات ﻋﱪ رﻳخ اﻹنﺴﺎنﻴة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪ ،‬تﻜﺎد تﻜﻮن‬
‫َ َ ُ َُْ َٓ‬
‫ِير ﻻ ﻗﺎل م وهﺎ‬‫ذ‬ ‫ن‬ ‫ِن‬
‫م‬
‫َّْ ّ‬
‫ة‬ ‫ر‬‫ﻗ‬
‫َْ َ‬
‫ِك‬ ‫ب‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ﺎ‬‫ِك َمﺎ ٓ أَ ْر َسلْنَ‬
‫َٰ َ‬ ‫َ‬
‫ﺳنة مﻄﺮدة؛ ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َوك‬
‫ٍ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫َُْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ ْ َٓ َ َََٓ ََ‬
‫ون چ ]اﻟﺰﺧﺮف‪. [22:‬‬ ‫۪ ٰ ِرهِم مقتد ۖ‬ ‫َءا‬ ‫مةٖ وأنﺎ‬ ‫أنﺎ وجدنﺎ ءابﺎءنﺎ‬
‫وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﻗﺪ ﻳعﺪون من مﻜﺎﺳﺐ اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ ﻟﻘﻮة ثﲑﻫم ﰲ أتﺒﺎﻋﻬم ﰲ ﺣﺎﻟة اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻬم‬
‫ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺣﻠﻘة من ﺣﻠﻘﺎت تﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮات ﻻ ﺑﺪ أن تﻮاجه ﲢﺪ ت‬
‫أوﻟﺌﻚ اﳌﻸ ﰲ ﻛﻞ مﺮاﺣﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﺳﻴﻘﻒ ﻋﻠﻴه اﻟﻘﺎرئ من ﺧﻼل ثﲑ أﺻنﺎف من اﳌﻸ ﰲ ﺳﻴﺎق روا ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ ﰲ‬
‫ﳏﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻸ اﻟﻘﺮﺷﻲ‬
‫ﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﳌﻸ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﻋنﺪ ﲢﺪي اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺑعﺪ اﳍﺠﺮة‪ ،‬ﺑﻞ اﺳﺘمﺮت ﻋﺪاو م ﳍﺎ‪ ،‬وﻫﺬا‬
‫مﺎ ﻳﺘﻀﺢ من ﻗﺘﺎﳍم ﻟﻠﺴﻠمﲔ‪ ،‬و ﻟﻴﺐ ﻛﻞ اﻟﻘﻮى ﺿﺪﻫم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ ﳍم مﻮاﻗﻒ‪ ،‬وﻛﺎنﻠﻬم ثﲑ‬
‫ﻋﻠﻰ أتﺒﺎﻋﻬم ﻳﻈﻬﺮ من ﺧﻼل اﻷمﺜﻠة اﻟﺘﺎﻟﻴّة من اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﺛﲑ اﳌﻸ ﰲ ﻟﻴﺐ اﻷﺗﺒﺎﻋﻀﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫أن اﳌﻸ اﻟﻘﺮﻳﺸﻲ‪ ،‬وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم أﺑﻮ جﻬﻞ ﻫم اﻟﺬﻳن ﺣﺮﺿﻮا ﻋﻮامﻬم ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎل اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ ﺑﺪر‪،‬‬
‫ﺑﺪر‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ":‬ﻓﻠمﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﺑﺪر اﺳﺘنﻔﺮ أﺑﻮ جﻬﻞ اﻟنﺎس‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أدرﻛﻮا ﻋﲑﻛم؟ ﻓﻜﺮه أمﻴّة‬
‫أمﻴّة أن ﳜﺮج‪ ،‬ﻓأ ه أﺑﻮ جﻬﻞ ﻓﻘﺎل‪ :‬أ ﺻﻔﻮان‪ ،‬إنﻚ مﱴ مﺎ ﻳﺮاك اﻟنﺎس ﻗﺪ ﲣﻠﻔﺖ‪ ،‬وأنﺖ ﺳﻴﺪ‬
‫ﺳﻴﺪ أﻫﻞ اﻟﻮادي‪ ،‬ﲣﻠﻔﻮا معﻚ‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﺰل ﺑه أﺑﻮ جﻬﻞ ﺣﱴ ﻗﺎل‪ :‬أمﺎ إذ ﻏﻠﺒﺘﲏ‪ ،‬ﻓﻮﷲ ﻷﺷﱰﻳن‬
‫أجﻮد ﺑعﲑ ﲟﻜة‪ ،‬ﰒ ﻗﺎل أمﻴّة‪ :‬أم ﺻﻔﻮان جﻬﺰﻳﲏ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟه‪ :‬أ ﺻﻔﻮان‪ ،‬وﻗﺪ نﺴﻴﺖ مﺎ ﻗﺎل‬
‫ﻗﺎل ﻟﻚ أﺧﻮك اﻟﻴﺜﺮﰊ؟ ﻗﺎل‪ :‬ﻻ مﺎ أرﻳﺪ أن أجﻮز معﻬم إﻻ ﻗﺮﻳﺒﺎ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﺧﺮج أمﻴّة أﺧﺬ ﻻ ﻳنﺰل منﺰﻻ‬
‫منﺰﻻ إﻻ ﻋﻘﻞ ﺑعﲑه‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﺰل ﺑﺬﻟﻚ ﺣﱴ ﻗﺘﻠه ﷲ ﻋﺰ وجﻞ ﺑﺒﺪر "‪.1‬‬
‫وﻳﺘﻀﺢ ثﲑه أﻛﺜﺮ ﰲ رواﻳّة اﺑن إﺳﺤﺎق‪" :‬وﳌﺎ رأى أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن أنه ﻗﺪ أﺣﺮز ﻋﲑه‪ ،‬أرﺳﻞ إﱃ‬
‫ﻗﺮﻳﺶ‪ :‬إنﻜم إﳕﺎ ﺧﺮجﺘم ﻟﺘمنعﻮا ﻋﲑﻛم ورجﺎﻟﻜم وأمﻮاﻟﻜم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﳒﺎﻫﺎ ﷲ‪ ،‬ﻓﺎرجعﻮا‪ ،‬ﻓﻘﺎل أﺑﻮ جﻬﻞ‬
‫أﺑﻮ جﻬﻞ ﺑن ﻫﺸﺎم‪ :‬وﷲ ﻻ نﺮجع ﺣﱴ نﺮد ﺑﺪرا‪-‬وﻛﺎنﺒﺪر مﻮﲰﺎ من مﻮاﺳم اﻟعﺮب‪ ،‬ﳚﺘمع ﳍم ﺑه‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ب ذﻛﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬من ﻳﻘﺘﻞ ﺑﺒﺪر‪ ،(71/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3734 :‬‬
‫‪232‬‬
‫ﺑه ﺳﻮق ﻛﻞ ﻋﺎم‪-‬ﻓنﻘﻴم ﻋﻠﻴه ثﻼ ‪ ،‬ﻓننﺤﺮ اﳉﺰر‪ ،‬ونﻄعم اﻟﻄعﺎم‪ ،‬ونﺴﻘﻲ اﳋمﺮ‪ ،‬وتعﺰف ﻋﻠﻴنﺎ‬
‫اﻟﻘﻴﺎن‪ ،‬وتﺴمع ﺑنﺎ اﻟعﺮب وﲟﺴﲑ وﲨعنﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﻬﺎﺑﻮننﺎ أﺑﺪا ﺑعﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻓﺎمﻀﻮا"‪.1‬‬
‫وﻗﺪ اﺳﺘمﺮ اﳌﻸ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﰲ ثﲑه ﻋﻠﻰ اﻷتﺒﺎع‪ ،‬واﳌﺴﺘﻀعﻔﲔ إﱃ ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﻳﺴﻮق‬
‫اﻷتﺒﺎع‪ ،‬وﳚنﺪﻫم ﶈﺎرﺑة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟﻐﺰوات اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫ب‪ .‬ﺣﺮص اﳌﻸ ﻋﻠى ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺻﻮرة اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﳌﻸ من ﻗﺮﻳﺶ ﻟﺘأثﲑ ﰲ أتﺒﺎﻋﻬم ﲡﺎه اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﺳعﻮا إﱃ تﺸﻮﻳه ﺻﻮر ﺎ ﰲ‬
‫ﰲ اﳋﺎرج‪ ،‬ﻓمن أمﺜﻠة ذﻟﻚ ﳏﺎوﻟة أﰊ ﺳﻔﻴﺎن تﺸﻮﻳه ﺻﻮرة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋنﺪ ﻫﺮﻗﻞ‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن‬
‫ﺑن ﻋﺒﺎس‪ ،‬أن أ ﺳﻔﻴﺎن ﺑن ﺣﺮب أﺧﱪه‪ :‬أن ﻫﺮﻗﻞ أرﺳﻞ إﻟﻴه ﰲ رﻛﺐ من ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وﻛﺎنﻮا ﲡﺎرا‬
‫مﺎد ﻓﻴﻬﺎ أ ﺳﻔﻴﺎن وﻛﻔﺎر ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻓأتﻮه وﻫم ﻳﻠﻴﺎء‪،‬‬
‫ﲡﺎرا ﻟﺸﺎم ﰲ اﳌﺪة اﻟﱵ ﻛﺎن رﺳﻮل ﷲ ‪ّ ‬‬
‫ﻳﻠﻴﺎء‪ ،‬ﻓﺪﻋﺎﻫم ﰲ ﳎﻠﺴه‪ ،‬وﺣﻮﻟه ﻋﻈمﺎء اﻟﺮوم‪ ،‬ﰒ دﻋﺎﻫم ودﻋﺎ ﺑﱰﲨﺎنه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﻳﻜم أﻗﺮب نﺴﺒﺎ‬
‫نﺴﺒﺎ ﺬا اﻟﺮجﻞ اﻟﺬي ﻳﺰﻋم أنه نﱯ؟ ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن‪ :‬ﻓﻘﻠﺖ أ أﻗﺮ م نﺴﺒﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أدنﻮه مﲏ‪،‬‬
‫وﻗﺮﺑﻮا أﺻﺤﺎﺑه ﻓﺎجعﻠﻮﻫم ﻋنﺪ ﻇﻬﺮه‪ ،‬ﰒ ﻗﺎل ﻟﱰﲨﺎنه‪ :‬ﻗﻞ ﳍم إﱐ ﺳﺎﺋﻞ ﻫﺬا ﻋن ﻫﺬا اﻟﺮجﻞ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ﻓﺈن ﻛﺬﺑﲏ ﻓﻜﺬﺑﻮه‪ ،‬ﻓﻮﷲ ﻟﻮﻻ اﳊﻴﺎء من أن ثﺮوا ﻋﻠﻲ ﻛﺬ ﻟﻜﺬﺑﺖ ﻋنه‪ ،‬ﰒ ﻛﺎن أول مﺎ ﺳأﻟﲏ‬
‫ﺳأﻟﲏ ﻋنه أن ﻗﺎل‪ :‬ﻛﻴﻒ نﺴﺒه ﻓﻴﻜم؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻫﻮ ﻓﻴنﺎ ذو نﺴﺐ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻬﻞ ﻗﺎل ﻫﺬا اﻟﻘﻮل منﻜم‬
‫أﺣﺪ ﻗط ﻗﺒﻠه؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻬﻞ ﻛﺎن من آ ﺋه من مﻠﻚ؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻻ ﻗﺎل‪ :‬ﻓأﺷﺮاف اﻟنﺎس‬
‫ﻳﺘﺒعﻮنه أم ﺿعﻔﺎؤﻫم؟ ﻓﻘﻠﺖ ﺑﻞ ﺿعﻔﺎؤﻫم‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أﻳﺰﻳﺪون أم ﻳنﻘصﻮن؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﺑﻞ ﻳﺰﻳﺪون‪ .‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻓﻬﻞ ﻳﺮتﺪ أﺣﺪ منﻬم ﺳخﻄة ﻟﺪﻳنه ﺑعﺪ أن ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴه؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻻ‪ .‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻬﻞ ﻛنﺘم تﺘﻬمﻮنه ﻟﻜﺬب‬
‫ﻟﻜﺬب ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل مﺎ ﻗﺎل؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻻ‪ .‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻬﻞ ﻳﻐﺪر؟ ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻻ‪ ،‬وﳓن منه ﰲ مﺪة ﻻ نﺪري‬
‫مﺎ ﻫﻮ ﻓﺎﻋﻞ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وﱂ ﲤﻜﲏ ﻛﻠمة أدﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻏﲑ ﻫﺬه اﻟﻜﻠمة"‪.2‬‬
‫ﻓﻠم ﻳﻔﻮت أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن ﻫﺬه اﻟﻔﺮﺻة ﻟﺘﺸﻮﻳه اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲟﺤﺎوﻟة اﻟنﻴﻞ من ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ وأتﺒﺎﻋه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﺎول‬
‫ا ﺎمه وﻟﻮ ﻟﺸﻲء اﶈﺘمﻞ؛ وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﺑصﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬ﻟﻜﻮنه أمﺮا مﻐﻴﺒﺎ أمن أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن أن‬
‫ﻳنﺴﺐ ﰲ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﻜﺬب وﳍﺬا أورده ﻟﱰدد‪.3‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(618/1) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬ب ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﺑﺪء اﻟﻮﺣﻲ إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪‬؟ )‪ ،(08/1‬ﺑﺮﻗم‪.07 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(36/1) ،‬‬
‫‪233‬‬
‫واﳊق أن تﺸﻮﻳه ﺻﻮرة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺪ ﺑﺪأ مع اﳉﻬﺮ ﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﻜﻲ‪ ،‬ﻟﻴﺴﺘمﺮ ﻛﺘﺤﺪي ﻳﻈﻬﺮه‬
‫اﳌﻸ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﻛﻠمﺎ ﺳنﺤﺖ ﳍم ﻓﺮﺻة ‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻳﺘﻀﺢ جﻠﻴﺎ ﺧﻄﺮ اﳌﻸ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﰲ ﺻﺪ اﻟنﺎس ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﲟخﺘﻠﻒ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‬
‫واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟصعﻴﺪﻳن اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﳋﺎرجﻲ‪ ،‬ﻛﺎن أﳘﺎ اﻟﺘأﻟﻴﺐ ﺿﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﳏﺎوﻟة تﺸﻮﻳﻬﻬﺎ‪،‬‬
‫وﳘﺎ ﺻﻮر ن تﺘﻜﺮران ﰲ ﺧﻀم ﺳنة اﻟﺘﺪاﻓع ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟعﺎم‪ ،‬واﳋﺎص‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻸ اﻟﻴﻬﻮدي‬
‫ﻛﺎن ﻟﻠمﻸ اﻟﻴﻬﻮدي أثﺮ رز ﻋﻠﻰ أتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺳخﺮوا ﻛﻞ إمﻜﺎ م‪،‬‬
‫وﻗﺪرا م اﳌﺎدﻳّة‪ ،‬واﳌعنﻮﻳّة ﻟﺘنﻔﻴﺬ ﳐﻄﻄﺎ م اﻟعﺪاﺋﻴّة‪ ،‬وﺳﻮف أﺑﺮز أﻫم تﻠﻚ اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﱵ ﳝﺎرﺳﻬﺎ‬
‫اﳌﻸ منﻬم من ﺧﻼل اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬اﻟﺘﺄﺛﲑ ﰲ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﺪى اﻷﺗﺒﺎع‬
‫ﻳﻈﻬﺮ أثﺮ اﳌﻸ اﻟﻴﻬﻮدي ﰲ أتﺒﺎﻋﻬم جﻠﻴﺎ ﺣﻴﺚ ﱂ ﻳﺴﻠم منﻬم إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ تﺆﻛﺪه ﻫﺬه‬
‫اﻟﺮواﻳّة من روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫َﺟﻠَى ﺑ ِﲏ اﻟﻨ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﱠﻀ ِﲑ‪ ،‬وأَﻗَـ ﱠﺮ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔَ َوَﻣ ﱠﻦ‬ ‫ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬ﺣ َﺎرﺑَﺖ اﻟﻨﱠﻀﲑُ‪ ،‬وﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَﺄ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ﺖ ﻗُـﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺘَﻞ ِرﺟﺎ َﳍُﻢ‪ ،‬وﻗَ ِ‬
‫ﲔ‪ ،‬إِﱠﻻ ﺑَـ ْﻌ َ‬
‫ﻀ ُﻬ ْﻢ‬ ‫ﲔ اﳌُ ْﺴﻠ ِﻤ َ‬ ‫ﺎء ُﻫ ْﻢ َوأ َْوﻻَ َد ُﻫ ْﻢ َوأ َْﻣ َﻮا َﳍُ ْﻢ ﺑَـ ْ َ‬
‫ﺴَ‬ ‫ﺴ َﻢ ﻧ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ َﺣ َﺎرﺑَ ْ َ‬
‫ﻂ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِﻦ َﺳ َﻼٍم‪،‬‬ ‫ﻮد اﳌَ ِﺪ َﻳﻨ ِﺔ ُﻛﻠﱠ ُﻬ ْﻢ‪ :‬ﺑَِﲏ ﻗَـ ْﻴـﻨُـ َﻘ ٍﺎع‪ ،‬و ُﻫ ْﻢ َرْﻫ ُ‬ ‫َﺟﻠَى ﻳَـ ُﻬ َ‬
‫َﺳﻠَ ُﻤﻮا‪ ،‬وأ ْ‬‫ﺂﻣﻨَـ ُﻬ ْﻢ َوأ ْ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َﳊ ُﻘﻮا ﻟﻨِ ِّ‬
‫ﻮد اﳌَ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ «‪.1‬‬
‫ﻮد ﺑ ِﲏ ﺣﺎ ِرﺛَﺔَ‪ ،‬وُﻛ ﱠﻞ ﻳـﻬ ِ‬
‫َُ‬ ‫وﻳَـ ُﻬ َ َ َ‬
‫وﻗﺪ ﻓصﻠﺖ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑ مﺎ أﲨﻠﺘه رواﻳّة اﻟﺒخﺎري من ثﲑ اﳌﻸ ﻋﻠﻰ اﻷتﺒﺎع‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ ثﲑ ﺣﻴﻲ‬
‫ﺣﻴﻲ ﺑن أﺧﻄﺐ زﻋﻴم ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﻟﺬي دﺑﺮ مﻜﻴﺪة ﻗﺘﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﺳﺒﺒﺎ‬
‫ﻹجﻼﺋﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺪر روى اﻟﻮاﻗﺪي ﻗﻮﻟه‪ " :‬معﺸﺮ اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬ﻗﺪ جﺎءﻛم ﷴ ﰲ نﻔﲑ من أﺻﺤﺎﺑه ﻻ‬
‫ﻳﺒﻠﻐﻮن ﻋﺸﺮة‪-‬ومعه أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬وﻋمﺮ‪ ،‬وﻋﻠﻲ‪ ،‬واﻟﺰﺑﲑ‪ ،‬وﻃﻠﺤة‪ ،‬وﺳعﺪ ﺑن معﺎذ‪ ،‬وأﺳﻴﺪ ﺑن ﺣﻀﲑ‪،‬‬
‫ﺣﻀﲑ‪ ،‬وﺳعﺪ ﺑن ﻋﺒﺎدة‪-‬ﻓﺎﻃﺮﺣﻮا ﻋﻠﻴه ﺣﺠﺎرة من ﻓﻮق ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﻫﻮ ﲢﺘه ﻓﺎﻗﺘﻠﻮه‪ ،‬ﻓﻠن‬
‫ﲡﺪوه أﺧﻠﻰ منه اﻟﺴﺎﻋة! ﻓﺈنه أن ﻗﺘﻞ تﻔﺮق أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ﻓﻠﺤق من ﻛﺎن معه من ﻗﺮﻳﺶ ﲝﺮمﻬم‪ ،‬وﺑﻘﻲ‬
‫وﺑﻘﻲ من ﻫﺎﻫنﺎ من اﻷوس واﳋﺰرج ﺣﻠﻔﺎؤﻛم‪ ،‬ﻓمﺎ ﻛنﺘم تﺮﻳﺪون أن تصنعﻮا ﻳﻮمﺎ من اﻟﺪﻫﺮ ﻓمن‬
‫ﻓمن اﻵن"‪.2‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،(88/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3804 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(364/1) ،‬‬
‫‪234‬‬
‫وﻗﺪ انﺘﻬﻰ ﻫﺬا اﻟﺘأثﲑ ﻋﻠﻰ اﻷتﺒﺎع أن ﺣﺮم اﻟﻴﻬﻮد من اﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓأجﻠﻰ منﻬم من‬
‫أجﻠﻲ‪ ،‬وأﺑﻴﺪ منﻬم من أﺑﻴﺪ وﻫم ﻳﻬﻮد ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬وﱂ ﻳﺰل ﻫﺬا اﻟﺘأثﲑ ﻗﺎﺋمﺎ‪ ،‬واﻟﺘﺂمﺮ ﺿﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫مﺴﺘمﺮا إﱃ أن ﺳﻘﻄﺖ ﺧﻴﱪ اﻟﱵ آوى إﻟﻴﻬﺎ اﳌﻸ من اﻟﻴﻬﻮد ﺑعﺪ إجﻼﺋﻬم من اﳌﺪﻳنة‪.‬‬
‫ب‪ .‬إ رة اﻟﻔﱳ‬
‫ﻛﺎن من ﻛﻴﺪ اﳌﻸ اﻟﻴﻬﻮدي إﺿﺎﻓة إﱃ اﻟﺘأثﲑ ﰲ اﺳﺘﺠﺎﺑة أتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬وتﺴﺒﺒﻬم ﰲ إجﻼﺋﻬم اﻻﺳﺘمﺮار‬
‫ﰲ إ رة اﻟﻔﱳ‪ ،‬واﻟﺘﺤﺎﻟﻒ مع اﻷﻋﺪاء ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﺑعﺾ‬
‫اﳌﻮاﻗﻒ واﳊﻮادث اﻟﱵ ﺳﺠﻠﺘﻬﺎ ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﲢﺎﻟﻒ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة مع اﻷﺣﺰاب ونﻘﻀﻮا اﻟعﻬﺪ‪ ،‬ﻓخﺮج إﻟﻴﻬم‪ ،‬اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑعﺪ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪،‬‬
‫ِ‬
‫ح‬ ‫ﱠﱯ ‪ِ ‬ﻣﻦ اﳋَْﻨ َﺪ ِق‪ ،‬وو َ ِ‬
‫اﻟﺴﻼَ َ‬
‫ﺿ َﻊ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اﻷﺣﺰاب‪ ،‬ﻓعن َﻋﺎﺋ َﺸ َة َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ َﻬﺎ‪ ،‬ﻗَﺎﻟَ ْ‬
‫ﺖ‪ :‬ﻟَ ﱠﻤﺎ َر َﺟ َﻊ اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﺎل‪:‬‬ ‫اﻟﺴﻼَ َح؟ َوا ﱠِ َﻣﺎ َو َ‬
‫ﺿ ْﻌﻨَﺎﻩُ‪ ،‬ﻓَﺎ ْﺧ ُﺮ ْج إِﻟَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﻗَ َ‬ ‫ﺿ ْﻌ َ ِ‬
‫ﺖ ّ‬ ‫ﺎل‪ " :‬ﻗَ ْﺪ َو َ‬ ‫ﺴﻼَ ُم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬‫ﻳﻞ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ اﻟ ﱠ‬ ‫ِ‬
‫َواغْﺘَ َﺴ َﻞ‪ ،‬أَ َ ﻩُ ﺟ ِْﱪ ُ‬
‫ﺻﻠﱠى ﷲُ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ َو َﺳﻠﱠ َﻢ إِﻟَْﻴ ِﻬ ْﻢ "‬
‫‪1‬‬
‫ج اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ َ‬ ‫ﺎل‪َ :‬ﻫﺎ ُﻫﻨَﺎ‪ ،‬وأَ َﺷ َﺎر إِ َﱃ ﺑَِﲏ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔَ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ َ‬ ‫أَﻳْ َﻦ؟ ﻗَ َ‬
‫و ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟنﻘﺾ ﺑﺘأثﲑ اﳌﻸ اﻟﻴﻬﻮدي ﻋﻠﻰ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﺰل ﺣﻴﻲ ﺑن أﺧﻄﺐ اﻟنّﻀﺮي‪ ،‬وﻫﻮ‬
‫وﻫﻮ من أﺷﺮاﻓﻬم ﺑﻜعﺐ ﺑن أﺳﺪ اﻟﻘﺮﻇﻲ ﺣﱴ أﻗنعه ﺑﻀﺮورة نﻘﺾ اﻟعﻬﺪ‪ ،‬واﻟﺘﺤﺎﻟﻒ مع اﻷﺣﺰاب‬
‫اﻷﺣﺰاب ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ‪.2‬‬
‫ومن اﻟﻔﱳ مﺎ ﻛﺎن ﻳﺜﲑه ﻛعﺐ ﺑن اﻷﺷﺮف اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻴﻬﻮدي‪ ،‬وﻫﻮ من وجﻬﺎء ﻳﻬﻮد ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‬
‫اﻟﺬي وﻇﻒ ﺷعﺮه ﳊﺮب اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وإ رة اﻟﻔﱳ واﳌﺸﺎﻛﻞ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻗﺪم ﻋﻠﻰ أﻫﻞ مﻜة ﺑعﺪ ﺑﺪر‪،‬‬
‫وجعﻞ ﳛﺮﺿﻬم ﻋﻠﻰ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﻳنﺸﺪ اﻷﺷعﺎر‪ ،‬وﻳﺒﻜﻲ أﺻﺤﺎب اﻟﻘﻠﻴﺐ من ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬اﻟﺬﻳن‬
‫أﺻﻴﺒﻮا ﺑﺒﺪر‪ ،‬ﻓممﺎ ﻗﺎل‪:‬‬
‫ـﻪ *** وﳌﺜﻞ ﺑﺪر ﺗﺴﺘﻬﻞ وت ـﺪﻣﻊ‬ ‫ﻃﺤﻨﺖ رﺣى ﺑﺪر ﳌﻬﻠﻚ أﻫﻞ‬
‫ﻗﺘﻠﺖ ﺳﺮاة اﻟﻨﺎس ﺣﻮل ﺣﻴﺎﺿﻬﻢ *** ﻻ ﺗﺒﻌﺪوا أن اﳌﻠﻮك ﺗﺼﺮع‪.3‬‬
‫ومن آذاه أنه ﻛﺎن ﻳﺘعﺮض ﻟنﺴﺎء اﳌﺆمنﲔ ﰲ ﺷعﺮه‪ ،‬ﳑﺎ جعﻞ اﻟﺘخﻠﺺ منه‪ ،‬وتﻄﻬﲑ اﳌﺪﻳنة من‬
‫ﱠﱯ‬‫ٍِ ِ ِ‬
‫ﻓﺘنه من مﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺒُعﺚ ﷴ ﺑن مﺴﻠمة وأ ﺋﻠة ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓ َع ْن َجﺎﺑﺮ َﻋن اﻟن ِّ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(111/5‬ﺑﺮﻗم‪.4117 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(427/2) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(121/1) ،‬‬
‫‪235‬‬
‫ﺎل‪:‬‬‫ﺐ أن أَﻗْـﺘُـﻠَهُ؟ ﻗَﺎ َل‪» :‬نَـ َع ْم«‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪» :‬ﻣﻦ ﻟِ َﻜ ْﻌ ِﺐ ﺑْ ِﻦ اﻷَ ْﺷﺮ ِف«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل ُﳏ ﱠم ُﺪ ﺑن مﺴﻠَم َة أ ُِ‬
‫َﲢ ﱡ‬ ‫َ ُْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَأْ َذ ْن ِﱄ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫‪1‬‬
‫ْﺖ« ‪.‬‬‫ﺎل‪» :‬ﻗَ ْﺪ ﻓَـ َﻌﻠ ُ‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﺑُعﺚ رﻫط ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ أﰊ اﳊﻘﻴق اﻟﻴﻬﻮدي ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳصﺪر منه من جﻬﺮ ﻟعﺪاء‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬رْﻫﻄًﺎ‬ ‫ﺚ َر ُﺳ ُ‬‫ﻟعﺪاء ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ﺑن ﻋﺎزب‪ ،‬رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﺑَـ َﻌ َ‬
‫رْﻫﻄًﺎ ِﻣﻦ اﻷَﻧْﺼﺎ ِر إِ َﱃ أَِﰊ ر ِاﻓ ٍﻊ ﻓَ َﺪ َﺧﻞ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ َﻋ ْﺒ ُﺪ ا ﱠِ ﺑْﻦ َﻋﺘِ ٍ‬
‫ﻴﻚ ﺑَـ ْﻴـﺘَﻪُ ﻟَْﻴ ًﻼ ﻓَـ َﻘﺘَـﻠَﻪُ َو ُﻫ َﻮ َ ﺋِ ٌﻢ« ‪.2‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﻗﺎل اﺑن إﺳﺤﺎق‪" :‬وﻛﺎن ﺳﻼم ﺑن أﰊ اﳊﻘﻴق‪ ،‬وﻫﻮ أﺑﻮ راﻓع ﻓﻴمن ﺣﺰب اﻷﺣﺰاب ﻋﻠﻰ رﺳﻮل‬
‫‪3‬‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪"‬‬
‫ومن ﺧﻼل مﺎ ﺳﺒق ﻳﻈﻬﺮ دور اﳌﻸ من اﳌﺸﺮﻛﲔ واﻟﻴﻬﻮد ﰲ تﺸﻜﻴﻞ ﲢﺪي دﻋﻮي ﲤﺜﻞ ﰲ ﺻﺪ‬
‫اﻷتﺒﺎﻋمن اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ ﳍم مﻮاﻗﻒ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق تﺴﺘﻬﺪف تﻮﺳﻴع‬
‫داﺋﺮة اﻟصﺪ ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬من ﺧﻼل أﺳﺎﻟﻴﺐ مﺘنﻮﻋة ومﺘﺠﺪدة‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲟﻮاﻧﻊ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺪى اﳌﻸ‬
‫أن اﳌﻸ اﳌعﺎدﻳن ﻟﻠﺪﻋﻮة ﲢﻜمﻬم نﻔﺲ اﻟﺴنن اﻟﱵ ﻗﺮرﻫﺎ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﺎﻷﺳﺒﺎب اﻟﱵ ﺻﺪ م ﻋن‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة تﻜﺮرت ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳخ‪ ،‬وﻟعﻞ من أﳘﻬﺎ‪:‬‬
‫أ‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻮاﻧﻊ اﻟﻨﻔﺴﻴّﺔ‬
‫تﺸﻜﻞ اﳌﻮانع اﻟنﻔﺴﻴّة ﲢﺪ ت ﲢﻮل دون اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﻛﺎن من أﻫم وأﺧﻄﺮ ﻫﺬه اﳌﻮانع‬
‫مﺎنعﲔ تﻜﺮر ذﻛﺮﳘﺎ ﰲ رﻳخ اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺪﻳنﻴّة‪ ،‬وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﻟﻜﱪ واﳊﺴﺪ‪.‬‬
‫ﻓأول ﻫﺬه اﳌﻮانع اﻟنﻔﺴﻴّة اﻟﻜﱪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳعﺪ من اﻷﺧﻼق اﳌﺬمﻮمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ذمه ﷲ تعﺎﱃ ﰲ مﻮاﺿع‬
‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱڃ ٱڃٱڃ ٱڃٱچ ٱچ ٱچ ٱچٱڇ ٱڇٱ‬ ‫من ﻛﺘﺎﺑه‪ ،‬وذم ﻛﻞ جﺒﺎر مﺘﻜﱪ ﻓﻘﺎل‬
‫ڇ ٱڇ ٱڍ ٱڍ ٱڌ ٱڌ ٱڎ ٱڎ ٱڈ ٱڈ ٱژ ٱژ ٱڑ ٱڑ ٱک ٱک ٱک ٱک ٱگگٱگٱ‬
‫گ ٱڳ ٱڳ ٱڳ ٱڳ ٱڱ ٱچ ]اﻷﻋﺮاف‪ ،[146 :‬ﻓﺎﻵﻳّة داﻟة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﱪ من اﳌﻮانع اﻟصﺎدة‬
‫ﻋن اﳍﺪاﻳّة‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﻔﺘﻚ ﻫﻞ اﳊﺮب‪ ،(64/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3032 :‬وﻗﺪ جﺎءت اﻟﻘصة‬
‫مﻄﻮﻟة ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ ﻛعﺐ ﺑن اﻷﺷﺮف‪ ،(90/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3811 :‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ أﰊ راﻓع ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ اﳊﻘﻴق‪ ،(91/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3812 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(273/2) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬إﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳن‪.(336/3) ،‬‬
‫‪236‬‬
‫وﻗﺪ دﻟﺖ مﻮاﻗﻒ من اﳌﻐﺎزي ﻋﻠﻰ آثﺮ اﻟﻜﱪ ﰲ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ ﻛﱪ أﰊ جﻬﻞ اﻟﺬي اﺳﺘمﺮ‬
‫اﺳﺘمﺮ معه إﱃ آﺧﺮ رمق من ﺣﻴﺎته‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ‪ " :‬أنه أتﻰ أ جﻬﻞ وﺑه رمق ﻳﻮم ﺑﺪر‪،‬‬
‫ﻳﻮم ﺑﺪر‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﺑﻮ جﻬﻞ‪ :‬ﻫﻞ أﻋمﺪ من رجﻞ ﻗﺘﻠﺘمﻮه "‪.1‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬معﲎ أﻋمﺪ أﻋﺠﺐ وﻗﻴﻞ ﲟعﲎ أﻏﻀﺐ وﻗﻴﻞ معنﺎه ﻫﻞ زاد ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪ ﻗﺘﻠه‬
‫ﻗﻮمه"‪.2‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻻزم اﻟﻜﱪ أ جﻬﻞ إﱃ آﺧﺮ رمق من ﺣﻴﺎته‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﳏﺘﻘﺮا ﻟﻐﲑه من أتﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ومعﺘﺪا‬
‫ﺑنﻔﺴه إﱃ اﻟنﻬﺎﻳّة‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﻜﱪ من أﻋﻈم اﳌﻮانع اﻟﱵ ﲢﺮم اﻟعﺒﺪ من اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﺪﻋﻮة اﳊق‪.‬‬

‫ﻮل ا ﱠِ ‪ :‬ﺑَـ َﻌ َ‬
‫ﺚ ﺑِﻜِﺘَﺎﺑِ ِﻪ‬ ‫ومن أمﺜﻠة اﻟﻜﱪ اﻟصﺎدة ﻋن اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬مﺎ رواه اﺑن ﻋﺒﺎس ‪ " ،‬أن َر ُﺳ َ‬
‫ِ‬ ‫ﺚ ﺑِ ِﻜﺘَﺎﺑِ ِﻪ إِ َﱃ ﻛِ ْﺴ َﺮى‪َ ،‬ﻣ َﻊ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِﻦ ُﺣ َﺬاﻓَﺔَ اﻟ ﱠ‬
‫ﺴ ْﻬ ِﻤ ِّﻲ " ﻓَﺄ ََﻣ َﺮﻩُ أن ﻳ ْﺪﻓَـ َﻌﻪُ إِ َﱃ َﻋﻈ ِﻴﻢ اﻟﺒَ ْﺤ َﺮﻳْ ِﻦ‪ ،‬ﻓَ َﺪﻓَـ َﻌﻪُ‬ ‫ﺑَـ َﻌ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺐ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺖ أن اﺑْ َﻦ اﳌُ َﺴﻴِّ ِ‬ ‫ﻴﻢ اﻟﺒَ ْﺤ َﺮﻳْ ِﻦ إِ َﱃ ﻛِ ْﺴ َﺮى‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ ﻗَـ َﺮأَﻩُ َﻣ ﱠﺰﻗَﻪُ‪ ،‬ﻓَ َﺤ ِﺴ ْﺒ ُ‬ ‫ِ‬
‫َﻋﻈ ُ‬
‫ٍ ‪3‬‬
‫‪ ‬أن ﳝَﱠﺰﻗُﻮا ُﻛ ﱠﻞ ﳑَُﱠﺰق«‬
‫وأمﺎ اﳌﺎنع اﻟﺜﺎﱐ‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﳊﺴﺪ ﻓﻘﺪ دﻟﺖ اﻟنصﻮص اﻟﻜﺜﲑة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة ﻋﻠﻰ ﻛﻮنه مﺎنعﺎ‬
‫ﻟﻘﺒﻮل اﳊق واﻻنﻘﻴﺎد ﻟه‪ ،‬وأﻛﺜﺮ من ﻋﺮف ﺑه ﺻنﻒ اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬ﻗﺪ ثﺒﺖ ﰲ ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي و اﻟﺴﲑ أن‬
‫اﻟﻴﻬﻮد ﱂ ﻳﺴﻠم منﻬم إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬رﻏم ﻋﻠمﻬم ن نﺒﻮة اﻟنﱯ ‪ ‬ﺣق‪ ،‬ﻓأن ﺣﺴﺪﻫم ﲪﻠﻬم ﻋﺪم‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪.‬‬
‫َ َ ‪َ َٰ ْ ْ َ ّ ٞ‬‬
‫ب ْو‬‫چ ٱود كث ِ مِن ه ِل لكِ ِ‬ ‫وﻫﺬا من أﺧﻼﻗﻬم اﻟﱵ دل ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫َُ َ ُ ّ ۢ َ ْ ِ َٰ ُ ْ ُ ً َ ٗ ّ‬
‫ح َسدا م ِْن عِن ِد أنفسِ ِهمٱچ ]اﻟﺒﻘﺮة‪.[108 :‬‬ ‫يردونكم مِن بعد إِي ن ِكم كفﺎرا ۖ‬
‫ﻓﺤمﻠﻬم اﳊﺴﺪ ﻋﻠﻰ تﺸﻮﻳه ﺣﻘﺎﺋق اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﻟﺘﺤﺎﻟﻒ مع أﻋﺪاءﻫﺎ‪ ،‬وﳏﺎوﻟة ﻗﺘﻞ اﻟنﱯ‬
‫اﻟنﱯ ‪ ،‬وﺳعﻰ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﱴ اﻟنﺴﺎء‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻟَ ﱠﻤﺎ ﻓُﺘِ َﺤ ْ‬
‫ﺖ َﺧ ْﻴـﺒَـ ُﺮ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﺷﺎةٌ ﻓِ َﻴﻬﺎ ُﺳ ﱞﻢ« ‪.4‬‬
‫ﺖ ﻟِﺮ ُﺳ ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ُْﻫﺪﻳَ ْ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ أﰊ جﻬﻞ‪ ،(74/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3744 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(294/7) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟعﻠم‪ ،‬ب مﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﰲ اﳌنﺎوﻟة‪ ،‬وﻛﺘﺎب أﻫﻞ اﻟعﻠم ﻟعﻠم إﱃ اﻟﺒﻠﺪان‪ ،(23/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.64‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب اﻟﺸﺎة اﻟﱵ ﲰﺖ ﻟﻠنﱯ ‪ ‬ﲞﻴﱪ‪ ،(141/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4003:‬‬
‫‪237‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﰐ أﳘﻴّة اﻟعنﺎﻳّة‪ ،‬واﳌﺮاﻓﻘة اﻟنﻔﺴﻴّة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻓﺎﻷمﺮاض اﻟنﻔﺴﻴّة تﺸﻜﻞ ﰲ ﻛﺜﲑ من‬
‫اﻷﺣﻴﺎن ﺣﻮاجﺰ‪ ،‬ومﻮانع ﲢﻮل دون ﲢﻘﻴق اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫ب‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻮاﻧﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ تﺸﻜﻞ اﳌﻮرو ت اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻋﻮاﺋق اﺳﺘﺠﺎﺑﻴّة ﻟﺪى اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻓﺎﻟعﻮاﺋﺪ اﻟﱵ‬
‫اﻋﺘﺎدﻫﺎ اﻟنﺎس إذا تصﺎدمﺖ مع ﺣﻘﺎﺋق اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻛﺎنﺖ من أﻫم أﺳﺒﺎب ﺻﺪﻫم ﻋن اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‬
‫ﻟﻠﺤق‪ ،‬ﻻ ﺳﻴمﺎ إذا ﻛﺎنﺖ ﻋﻮاﺋﺪ اﻋﺘﻘﺎدﻳّة‪.‬‬
‫وﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﺷﺎرة واﺿﺤة إﱃ اﻷثﺮ اﻟﺴﻠﱯ ﻟﻠﺘمﺴﻚ ﻟعﻮاﺋﺪ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ٓ ٓ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ٓ َ َ‬ ‫َ‬
‫ﷲ ﻗَﺎ وا بَ ْل نَ ِب ُع َمﺎ َو َج ْدنَﺎ َعليْ ِه َءابَﺎ َءنَﺎ ۖ چ ]ﻟﻘمﺎن‪ ،[20 :‬ﻗﺎل‬
‫نزل ُ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬
‫ِيل ل ُه ُم تب ُعوا َمﺎ أ َ‬ ‫ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱ ذا‬
‫اﻟﺴعﺪي‪ ":‬ﻓﺎﻛﺘﻔﻮا ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ اﻵ ء‪ ،‬وزﻫﺪوا ﰲ اﻹﳝﺎن ﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬ومع ﻫﺬا ﻓﺂ ؤﻫم أجﻬﻞ اﻟنﺎس‪،‬‬
‫وأﺷﺪﻫم ﺿﻼﻻ وﻫﺬه ﺷﺒﻬة ﻟﺮد اﳊق"‪.1‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟﺸﺒﻬة ﻇﻠﺖ ﻗﺮﻳﺶ مﺘمﺴﻜة ﺎ تﻘﺎتﻞ من أجﻠﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﱵ منعﺘﻬﺎ من أتﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻋﻠن ذﻟﻚ ﺻﺮاﺣة أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه ﰲ ﺎﻳّة اﳌعﺮﻛة‪» :‬ا ْﻋ ُﻞ ُﻫﺒَ ُﻞ‪،‬‬
‫ﱠﱯ ‪» : ‬أ ِ‬
‫ﺎل اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﺎل أَﺑُﻮ ُﺳ ْﻔﻴﺎن‪ :‬ﻟَﻨَﺎ اﻟﻌُ ﱠﺰى‬ ‫ﺎل‪ " :‬ﻗُﻮﻟُﻮا‪ :‬ا ﱠُ أَ ْﻋﻠَى َوأ َ‬
‫َﺟ ﱡﻞ " ﻗَ َ‬ ‫ﻮل؟ ﻗَ َ‬
‫َﺟﻴﺒُﻮﻩُ« ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻣﺎ ﻧَـ ُﻘ ُ‬ ‫ﻓَـ َﻘ َ‬
‫َوﻻَ ﻋُ ﱠﺰى ﻟَ ُﻜ ْﻢ ‪.2‬‬
‫ﻓﻬﺬا ﳕﻮذج من ثﲑ اﻟعﻮاﺋﺪ‪ ،‬واﳌﻮرو ت اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺠﺎﺑة اﳌﻸ‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬم ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻻ‬
‫ﺳﻴمﺎ اﻟعﻮاﺋﺪ اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﻔﻜﺮﻳّة؛ﳑﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﳌﺴﺎرﻋة ﻟﺘﻄﻬﲑ ا ﺘمعﺎت منﻬﺎ‪.3‬‬
‫ﻓمﻮانع اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﺸﺒﻬﺎت أﻛﺜﺮ ثﲑا ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻋﻮ من مﻮانع اﻟﺸﻬﻮات؛ ﳑﺎ ﻳﻠﻔﺖ نﻈﺮ‬
‫اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬واﳌصﻠﺤﲔ إﱃ ﺿﺮورة اﻹﺣﺎﻃة ﻟﻮاﻗع اﻻجﺘمﺎﻋﻲ ﻟﻠمﺪﻋﻮ ﺑعﺎده و مﺴﺘﻮ ته اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫ومن ﰒﱠ تﺘﺠﻠﻰ أﳘﻴّة اﻻﻋﺘنﺎء ﺑﺪراﺳة ﻫﺬا اﻟصنﻒ من اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﲟعﺮﻓة ﻃﺒﻴعﺘﻬم واﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ أﻫم‬
‫اﳌﻮانع اﻟنﻔﺴﻴّة‪ ،‬واﻻجﺘمﺎﻋﻴّة اﻟﱵ ﺣﺎﻟﺖ دون اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻬم ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ومن اﻟﻀﺮوري أﻳﻀﺎ اﻹﺣﺎﻃة‬
‫ﲟﻮاﻗﻔﻬم وﺧﻄﻄﻬم اﳌعﺎدﻳّة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻬﻲ من اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﻜﱪى اﻟﱵ تﻮاجﻬﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ‬
‫ﻛﻞ زمﺎن ومﻜﺎن‪ ،‬ﰲ ﺳﻴﺎق ﺳنة اﻟﺘﺪاﻓع ﺑﲔ اﳊق‪ ،‬واﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬وﻟن ﲡﺪ ﻟﺴنة ﷲ ﲢﻮﻳﻼ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﳌنﺎن‪ ،‬ص‪.81‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰو أﺣﺪ‪ ،(94/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3817 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬ﻗﻮاﻋﺪ اﳌنﻬج ﰲ اﳊﺮﻛة اﳊﻀﺎرﻳّة ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪238‬‬
 ‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺼﻨف اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ‬
‫إذا ﻛﺎن اﳌﻸ من اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬واﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬ومن تﺒعﻬم من اﻷتﺒﺎﻋﻴﺸﻜﻠﻮن اﻟﺘﺤﺪي اﳋﺎرجﻲ ﻟﻠﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ﻓأن ﺻنﻒ اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻳﺸﻜﻠﻮن ﲢﺪ أﺧﻄﺮ؛ ﻟﻜﻮ م ﻳعﻴﺸﻮن داﺧﻞ ا ﺘمع اﳌﺴﻠم وﻳعمﻠﻮن ﻟصﺎﱀ‬
‫أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﳋﻔﺎء‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﻐﺰوات أثﺮ ﰲ ﻛﺸﻒ وﻓﻀﺢ ﳐﻄﻄﺎ م‪ ،‬من أجﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن‬
‫ﻫﺬا اﻟصنﻒ من اﳌﺪﻋﻮﻳن جﺪﻳﺮ ﻟﺪراﺳة؛ ﻟﺘﺠﺪد ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق واﺳﺘمﺮارﻫﺎ‪ ،‬ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز أﻫم معﺎﱂ ﻫﺬا اﻟصنﻒ من اﳌﺪﻋﻮﻳن وﺑعﺾ ﺻﻔﺎ م‪ ،‬ومﻮاﻗﻔﻬم من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﻨﻔﺎق‬
‫ﳛﺴن ﰲ ﺑﺪاﻳّة ﻫﺬا اﻟعنصﺮ اﻟﺘعﺮض ﻟﺘعﺮﻳﻒ اﻟنﻔﺎق من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة واﻻﺻﻄﻼﺣﻴّة؛ وﻟﻜﻮنه ﻻ‬
‫ﳜﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﲑ من اﻟنﺎس ﻓﻀﻼ ﻋن اﻟﺒﺎﺣﺚ واﳌﺜﻘﻒ؛ ﻓﺴﻮف أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻨﻔﺎق ﰲ اﻟﻠﻐﺔ‬
‫اﻟنﻔﺎق ﰲ اﻟﻠﻐة من )نﻔق(‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻓﺎرس‪ ":‬اﻟنﻮن واﻟﻔﺎء واﻟﻘﺎف أﺻﻼن ﺻﺤﻴﺤﺎن‪ ،‬ﻳﺪل‬
‫أﺣﺪﳘﺎ ﻋﻠﻰ انﻘﻄﺎع ﺷﻲء وذﻫﺎﺑه‪ ،‬واﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ إﺧﻔﺎء ﺷﻲء وإﻏمﺎﺿه"‪ ،1‬واﳌعﲎ اﻟﺜﺎﱐ ﻫﻮ اﳌﺮاد‬
‫ﻹﺧﻔﺎء اﳌنﺎﻓق ﻟﻠﺸﺮ واﻟﻜﻔﺮ‪.‬‬
‫‪.2‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻨﻔﺎق اﺻﻄﻼﺣﺎ‬
‫ﻋﺮف اﻟنﻔﺎق ﺑعﺪة تعﺮﻳﻔﺎت مﺘﻘﺎرﺑة مﻔﺎدﻫﺎ أنه‪ ":‬إﻇﻬﺎر اﻹﺳﻼم واﳋﲑ‪ ،‬وإﺑﻄﺎل اﻟﻜﻔﺮ واﻟﺸﺮ‪،‬‬
‫وﻫﻮ ﳐﺎﻟﻔة اﻟﺒﺎﻃن ﻟﻠﻈﺎﻫﺮ‪ ،‬وإﻇﻬﺎر اﻟﻘﻮل ﻟﻠﺴﺎن‪ ،‬أو اﻟﻔعﻞ؛ ﲞﻼف مﺎ ﰲ اﻟﻘﻠﺐ من اﻻﻋﺘﻘﺎد‪،‬‬
‫أي‪ :‬ﻫﻮ إﻇﻬﺎر مﺘﺎﺑعة مﺎ جﺎء ﺑه اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬مع إ ﺋه وجﺤﺪه ﻟﻘﻠﺐ‪ ،‬ﻓﻬﻮ مﻈﻬﺮ ﻟﻺﳝﺎن‬
‫ومﺒﻄن ﻟﻠﻜﻔﺮ"‪.2‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(454/5) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ‪ ،‬اﻹﳝﺎن‪ :‬ﺣﻘﻴﻘﺘه‪ ،‬ﺧﻮارمه‪ ،‬نﻮاﻗﻀه ﻋنﺪ أﻫﻞ اﻟﺴنة واﳉمﺎﻋة‪ ،‬مﺪار اﻟﻮﻃن ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1424‬ﻫـ‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.253‬‬
‫‪239‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬أﺑﻌﺎد اﻟﻨﻔﺎق ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻨﺒﻮي‬
‫ﻳنﻘﺴم اﻟنﻔﺎق إﱃ ﻗﺴمﲔ رﺋﻴﺴﲔ‪ ،‬وﳘﺎ اﻟنﻔﺎق اﻷﻛﱪ‪ ،‬واﻟنﻔﺎق اﻷﺻﻐﺮ‪ ،‬ونﻜﺘﻔﻲ ﰲ ﻫﺬه‬
‫اﻟﺪراﺳة ﺑﺘنﺎول اﻟنﻔﺎق اﻷﻛﱪ ﻋﺘﺒﺎره اﻟنﻔﺎق اﻟﺬي ﻇﻞ ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺘﺤﺪي اﻟﺪﻋﻮي زمن اﻟنﺒﻮة‪ ،‬ﰲ‬
‫ﺣﲔ أن اﻟنﻔﺎق اﻷﺻﻐﺮ ﻛﺎن درا وﱂ ﻳﻜن ﺧﻄﲑا ﳐﺮجﺎ من اﳌﻠة‪.‬‬
‫وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻘصﺪه اﺑن تﻴمﻴّة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻓمن اﻟنﻔﺎق مﺎ ﻫﻮ أﻛﱪ وﻳﻜﻮن ﺻﺎﺣﺒه ﰲ اﻟﺪرك اﻷﺳﻔﻞ‬
‫من اﻟنﺎر؛ ﻛنﻔﺎق ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ وﻏﲑه؛ ن ﻳﻈﻬﺮ تﻜﺬﻳﺐ اﻟﺮﺳﻮل أو جﺤﻮد ﺑعﺾ مﺎ جﺎء ﺑه أو‬
‫أو ﺑﻐﻀه أو ﻋﺪم اﻋﺘﻘﺎد وجﻮب اتﺒﺎﻋه أو اﳌﺴﺮة ﳔﻔﺎض دﻳنه أو اﳌﺴﺎءة ﺑﻈﻬﻮر دﻳنه‪ ،‬وﳓﻮ‬
‫ذﻟﻚ‪ :‬ﳑﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺻﺎﺣﺒه إﻻ ﻋﺪوا ورﺳﻮﻟه‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﻘﺪر ﻛﺎن مﻮجﻮدا ﰲ زمن رﺳﻮل ﷲ ‪‬‬
‫ومﺎ زال ﺑعﺪه"‪.1‬‬
‫ﻓﺤﻘﻴﻘة اﻟنﻔﺎق ﻫﻲ إﺑﻄﺎن اﻟﻜﻔﺮ وإﻇﻬﺎر اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻟﺬا ﻳﺴمﻴه اﻟعﻠمﺎء اﻟنﻔﺎق اﻻﻋﺘﻘﺎدي‪ ،‬ﻓﻼ ﻓﺮق‬
‫ﺑﻴنه وﺑﲔ اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬إﻻ اﻟﻈﻬﻮر واﳋﻔﺎء‪ ،‬وﻫﻮ اﳌﺮاد ﰲ اﻟﺪراﺳة‪.‬‬
‫وﻋنﺪ اﻟﺘأمﻞ ﰲ تعﺮﻳﻒ اﺑن تﻴمﻴّة اﻟﺴﺎﺑق ﳝﻜن أن أﺣصﺮ مﻈﺎﻫﺮ اﻟنﻔﺎق اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ‬
‫اﻟنﺒﻮة‪-‬ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات ﳏﻞ اﻟﺪراﺳة‪-‬ﰲ ﺑعﺪﻳن‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻌﻘﺪي ﻟﻠﻨﻔﺎق ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻨﺒﻮي‬
‫ﳌﺎ ﻛﺎن اﳌنﺎﻓق ﻳﺒﻄن اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ اﻹﺳﻼم ﻓمن اﻟﻄﺒﻴعﻲ أن تﻈﻬﺮ آ ر ﻫﺬه اﻟعﻘﻴﺪة ﰲ ﺳﻠﻮﻛه‬
‫وتصﺮﻓﺎته‪.‬‬
‫وﻟعﻠﻲ أﲨﻞ أﻫم اﳌﻈﺎﻫﺮ اﻟنﻔﺎﻗﻴّة اﻟﱵ ﺻﺪرت من منﺎﻓﻘﻲ ﻋﻬﺪ اﻟنﺒﻮة ﰲ اﻟنﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪.‬ﺗﻜﺬﻳﺐ اﻟﺮﺳﻮل ‪‬‬
‫ﻗﺪ اﲣﺬ تﻜﺬﻳﺐ اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻟﻠﺮﺳﻮل ‪ ‬أﺷﻜﺎﻻ ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬منﻬﺎ اﻻﻋﱰاض ﻋﻠﻰ ﺷﺮع ﷲ اﻟﻜﻮﱐ‬
‫واﻟﺸﺮﻋﻲ ﻛمﺎ ﺣصﻞ منﻬم ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ جﺎء ﻫﺬا اﳌﻈﻬﺮ اﻟنﻔﺎﻗﻲ ﰲ أﺣﺪ آ ت ﻏﺰوة أﺣﺪ اﻟﱵ جعﻠﻬﺎ اﻟﺒخﺎري تﺮﲨة ﻷﺣﺪ أﺑﻮاب‬
‫ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪.2‬‬

‫‪ -1‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬ﳎمﻮع اﻟﻔﺘﺎوى‪.(434/28) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(99/5) ،‬‬
‫‪240‬‬
 ‫ﺎﷲ َ ْ َ‬ ‫نف ُس ُه ْم َ ُظن َ‬ ‫ََ ٓ َ ‪ُ َ ٓ ُ ُْ َ ََ ٞ‬‬
‫ون ب ِ ِ‬ ‫ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه ﻛﺎﺷﻔﺎ ﻫﺬا اﳌﻈﻬﺮ اﻟنﻔﺎﻗﻲ اﳋﺒﻴﺚ ‪ :‬چ ٱوطﺎ ِفة ﻗد همتهمۥ أ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خ ُف َ‬
‫ُ ْ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ ّ َُ ُ َ َ‬ ‫ْ َ ّ َ‬
‫ون ِ ٓ أنفسِ ِهم مﺎ ﻻ‬ ‫لح ِق ظن ل ٰ ِهلِية قو ون هل َﺎ م َِن ﻻم ِر مِن ْ ءٖ ﻗ ِل أن ﻻم َر كلهۥ ِ ِۖ‬
‫ﷲي‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُْ َ َ َ َُ ُ َ َ‬
‫ِين كت َِب‬ ‫ون ْو كﺎن َﺎ م َِن ﻻم ِر ْ ء ‪ ٞ‬مﺎ ﻗت ِلنَﺎ ٰ ُهنَﺎ ﻗل ل ْو كنت ْم ِ ُيوت ِك ْم ل َ َ َز‬ ‫بدون كۖ قو‬
‫ات‬
‫ُُ ُ ْ َ ُ َ ُ َ‬
‫ِيمۢ بِذ ِ‬ ‫ّ‬
‫ورك ْم َو ِ ُ َم ِح َص َمﺎ ِ ﻗ و ِك ۖم واﷲ عل‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫د‬ ‫ص‬ ‫ﺎ‬ ‫ﷲ َ‬
‫م‬ ‫َعلَيْه ُم ل ْ َقتْ ُل إ َ ٰ َم َضﺎج ِعه ْم َو ِ َ ْتَ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ور چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[154 :‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي ﰲ تﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪ ":‬ﰒ أﻇﻬﺮ نﺒﻴه ‪ ‬ﻋﻠﻰ مﺎ ﻛﺎنﻮا‬ ‫لصد ِ‬
‫ﳜﻔﻮنه ﺑﻴنﻬم من نﻔﺎﻗﻬم‪ ،‬واﳊﺴﺮة اﻟﱵ أﺻﺎﺑﺘﻬم ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮرﻫم مع اﳌﺴﻠمﲔ مﺸﻬﺪﻫم ﺣﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﻓﻘﺎل ﳐﱪا ﻋن ﻗﻴﻠﻬم اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬وإﻋﻼ م اﻟنﻔﺎق ﺑﻴنﻬم‪ ،‬ﻳﻘﻮﻟﻮن‪ :‬ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟنﺎ من اﻷمﺮ ﺷﻲء مﺎ ﻗﺘﻠنﺎ‬
‫ﻫﺎﻫنﺎ"‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫ومن آ ر مﻈﻬﺮ اﻟﺘﻜﺬﻳﺐ اﺳﺘﻬﺰاؤﻫم ﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴّة اﻟﱵ جﺎء ﺎ اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓعن أﰊ مﺴعﻮد‬
‫ﺻ ٍﺎع‪ ،‬و َجﺎءَ إِنْﺴﺎن َِ ْﻛﺜَـَﺮ‬ ‫ص َﺪﻗَ ِة ُﻛنﱠﺎ نـَﺘَﺤﺎمﻞ‪ ،‬ﻓَﺠﺎء أَﺑﻮ َﻋ ِﻘ ٍﻴﻞ ﺑِنِ ْ ِ‬
‫ﻗﺎل‪ " :‬ﻟَ ﱠمﺎ أ ُِمْﺮَ ِ ﻟ ﱠ‬
‫صﻒ َ‬ ‫ََُ َ َ ُ‬
‫ﺎل اﳌنﺎﻓِﻘﻮن‪ :‬أن ا ﻟﻐ ِﲏ ﻋن ﺻﺪﻗ ِة ﻫﺬا‪ ،‬ومﺎ ﻓـعﻞ ﻫﺬا اﻵﺧﺮ إِﱠﻻ ِر ء‪ ،‬ﻓـنـﺰﻟﺖ‪ :‬چ َ‬ ‫ِ‬
‫ِين‬ ‫َ ً َ َ ََ ْ‬ ‫م ْْنهُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َْ َُ ُ َ ْ ﱠَ َ َ ﱞ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ُ ْ َ ُ ْ ََ ْ َ ُ َ ُْ ْ َ َ ُ‬
‫جدون إِﻻ جهدهم ف سخرون مِنهم سخِر ﷲ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ِ لصد ِ‬ ‫َ َٰ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ ّ َ َ ُ‬‫مِن لمو ِمن ِ‬ ‫يلمِزون لمط ِو ِ‬
‫ت وا ِين ﻻ ي ِ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.3" [80 :‬‬ ‫مِن ُه ْ ۖم َول ُه ْم َعذاب ِ ٌ ۖم‬
‫ﻳﻘﻮل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﻋﻘﺐ اﻵﻳّة‪ ":‬واﻟﻘصة اﳌﺮوﻳّة ﻋن ﺳﺒﺐ نﺰول ﻫﺬه اﻵﻳّة‪ ،‬تصﻮر نﻈﺮة اﳌنﺎﻓﻘﲔ‬
‫اﳌنﺤﺮﻓة ﻟﻄﺒﻴعة اﻹنﻔﺎق ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ وﺑﻮاﻋﺜه ﰲ اﻟنﻔﻮس"‪.4‬‬
‫ﻓﻬﻮ اﻋﱰاض ﻋﻠﻰ اﳍﺪي اﻟنﺒﻮي اﻟﺬي ﳛﺚ ﻋﻠﻰ اﻻنﻔﺎق وﻟﻮ ﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ َﻋ ِﺪ ﱠ‬
‫ي ﺑْ َن‬
‫ﱠﺎر َوﻟَ ْﻮ ﺑِ ِﺸ ِّﻖ ﲤََْﺮةٍ« ‪.5‬‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ﺣ ٍِ ِ‬
‫ﻮل‪» :‬اﺗﱠـ ُﻘﻮا اﻟﻨ َ‬ ‫ﺖ َر ُﺳ َ‬
‫ﺎﰎ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪َ :‬ﲰ ْع ُ‬ ‫َ‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳنﺒه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﳌﺪﻋﻮﻳن من اﻟﻮﻗﻮع ﰲ ﺑعﺾ ﺻﻔﺎت اﳌنﺎﻓﻘﲔ وﻟﻮ من‬
‫دون ﻗصﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳﻄﻠق اﻟﺒعﺾ ﻟﺴﺎنه ﰲ اﻻﺳﺘﻬﺰاء ﺑﺒعﺾ اﻷمﻮر اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬واﻟﺴنن اﻟﺜﺎﺑﺘة ﰲ اﳍﺪي‬

‫‪ -1‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(167/6) ،‬‬

‫‪ -2‬أﺑﻮ مﺴعﻮد اﻟﺒﺪري اﻷنصﺎري ﺻﺤﺎﰊ اﲰه ﻋﻘﺒة ﺑن ﻋمﺮو مﺸﻬﻮر ﺑﻜنﻴﺘه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة‪.(524/4) ،‬‬
‫لص َد َ ٰ ِتٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،(67/6) ،[80 :‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬ ‫ون لْ ُمط ّو ِ َ م َِن ل ْ ُمو ِمنِ َ‬
‫ِين يَلْم ُِز َ‬
‫چٱ َ‬
‫‪ -3‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.4391‬‬
‫‪ -4‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(1681/6) ،‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ب اتﻘﻮا اﻟنﺎر وﻟﻮ ﺑﺸق ﲤﺮة واﻟﻘﻠﻴﻞ من اﻟصﺪﻗة‪ ،(109/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1351 :‬‬
‫‪241‬‬
 ‫َ َ‬
‫چٱ ٰ ِكۖ‬ ‫اﳍﺪي اﻟنﺒﻮي‪ ،‬ﻓﻬﻲ وﻟﻮ ﺑﺪت ﺑﺴﻴﻄة ﻓﻬﻲ من ﺷعﺎﺋﺮ ﷲ اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن تعﻈم ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫َ ْ َ ُْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِك َو َم ْن ي َع ّظ ِْم َش َ َر ِ َ َ‬
‫وب چ ]اﳊج‪.[30:‬‬
‫ﷲ فﺄنهﺎ مِن قوي لق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ ۖ‬
‫ﻓﺒﺈمﻜﺎن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﺳﺘﺜمﺎر مﺜﻞ ﻫﺬه اﻟصﻔﺎت وﲢﻮﻳﻠﻬﺎ إﱃ آﻟﻴﺎت ﻟﺘعﻈﻴم ﺣﺪود ﷲ وﺷعﺎﺋﺮ‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﱰﻫﻴﺐ من ﺳﻠﻮك ﺳﺒﻴﻞ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وﻫﺬا ﺷﺎن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ اﻟﺬي ﻻ ﻳﱰك‬
‫اﻟﻔﺮص ﲤﺮ ﻋﻠﻴه دون أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ منﻬﺎ‪.‬‬
‫من أجﻞ ذﻟﻚ تﻮاتﺮت اﻟنصﻮص ﰲ ذﻛﺮ ﺻﻔﺎت اﻟﻜﻔﺎر واﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬مﺸﻜﻠة مﺎدة دﻋﻮﻳّة؛ ﻟﻴﺴﺘعﲔ‬
‫ﺎ اﻟﺪﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن ﳌﻮاجﻬة اﳌﻮاﻗﻒ واﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘﺠﺪدة ﰲ أﺻﻮﳍﺎ‪ ،‬وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ‬
‫ﺻﻮرﻫﺎ‪.‬‬
‫ب‪ .‬اﻋﺘﻘﺎد ﻋﺪم وﺟﻮب ﻃﺎﻋﺔ اﻟﺮﺳﻮل ‪‬‬
‫ﻗﺪ دﻟﺖ وﻗﺎﺋع ﻛﺜﲑة ﻋﻠﻰ ﻋﺪم انﻘﻴﺎدﻫم ﻷمﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ومن ﻫﺬه اﻟﻮﻗﺎﺋع اﻻنﺸﻘﺎق ﻋن‬
‫ﲨﺎﻋة اﳌﺴﻠمﲔ ﺑﻘﻴﺎدة رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻮم أﺣﺪ اﻟﺬي ﻛﺎد أن ﻳﻘﺴم اﳉﻴﺶ اﻹﺳﻼمﻲ وﻳﻀعﻔه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ْ َ‬
‫چٱ ذ همت طﺎ ِف َ ٰ ِن مِنك ُم ٓۥ أن‬ ‫وﻗﺪ ﺳﺠﻞ ذﻟﻚ اﻟﺴﻠﻮك اﻟعصﻴﺎﱐ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ ُ َ َ ََ‬
‫ونچ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[122 :‬ﻓعن جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ‬
‫لمومِن ۖ‬ ‫ﷲ فليَتَ َوك ِل‬
‫ِ‬ ‫تفشﻼ واﷲ و ِ همﺎ و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬‫ٓ‬
‫ِنك ُم ٓۥ أن ت ْف َشﻼ چ ﺑﲏ ﺳﻠمة‪ ،‬وﺑﲏ‬ ‫َ‬
‫ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬نﺰﻟﺖ ﻫﺬه اﻵﻳّة ﻓﻴنﺎ‪ :‬چٱ ذ همت طﺎ ِف َ ٰ ِن م‬

‫ٱ‬ ‫اﷲ َو ِ ُه َمﺎ چٱ‪.1‬ٱ‬

‫ﺣﺎرثة‪ ،‬ومﺎ أﺣﺐ أ ﺎ ﱂ تنﺰل‪ ،‬وﷲ ﻳﻘﻮل‪ :‬چٱ َو ُ‬

‫ﻓﻘﺪ تﻮﻻﻫم ﷲ تعﺎﱃ ﻓﺪﻓع ﻋنﻬم اﻟﻮﻫن‪ ،‬ﻓﺜﺒﺘﻮا مع اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬وأﺑﻄﻞ أثﺮ اﳌنﺎﻓﻘﲔ من نﻔﻮﺳﻬم ﺑعﺪمﺎ‬
‫ﺑعﺪمﺎ ﻓﻔﻜﺮوا ﻟعﻮدة إﱃ اﳌﺪﻳنة‪.2‬‬
‫وﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة جعﻞ اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻳﻈﻬﺮون ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬم اﻟﻜﻔﺮﻳّة‪ ،‬ﺣﻴﺚ أﻇﻬﺮوا وجﺎﻫﺮوا‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫مﻮﻗﻔﻬم‪ :‬ٱچڦ ٱه ْم ِلكف ِر‬ ‫ﲟخﺎﻟﻔة اﻟنﱯ ‪ ،‬واﻻﻋﺮاض ﻋن ﻃﺎﻋﺘه‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ تعﻠﻴﻘﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ُُ‬ ‫َْ‬ ‫َٰ َ ُ ُ َ َْ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫ون بِﺄف َ ٰ ِه ِهم مﺎ ل َس ِ ﻗ و ِ ِه ْ ۖم چ ]آل ﻋمﺮان‪.[167 :‬‬ ‫يَ ْو َم ِ ٍذ ﻗ َرب مِن ُه ْم ِِﻼي ِن قو‬
‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﻨﻔﺎق ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻨﺒﻮي‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬چٱٱٱٻٱٻٱٻٱٻٱپٱچ‪ ،(96/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3825 :‬‬

‫‪ -2‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ‪.(382/21) ،‬‬
‫‪242‬‬
‫أن اﻟﻄﺒﻴعة اﻟعﻘﺪﻳّة ﻟﻠمنﺎﻓﻘﲔ اﻵنﻔة اﻟﺬﻛﺮ تﱰتﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ تﻠﻘﺎﺋﻲ آ ر نﻔﺴﻴّة ﺣﺎﻗﺪة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﲪﻠﺘﻬﺎ وﻗﺎد ﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﺳﺠﻠﺖ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﺣﻀﻮرا ﻟﺒعﺾ تﻠﻚ اﻵ ر أﲨﻠﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫أ‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﻨﻔﺴﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺼﺎﺣﺐ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬

‫من اﻻنعﻜﺎﺳﺎت اﻟنﻔﺴﻴّة ﻟﻠنﻔﺎق اﳌﺘعﻠﻘة ﺑصﺎﺣﺐ اﻟ ّﺪﻋﻮة مﺎ أﻇﻬﺮه اﳌنﺎﻓﻘﻮن من ﺑُﻐﺾ اﻟنﱯ ‪،‬‬
‫‪ ،‬ومن أﺑﲔ ﺻﻮر ﻫﺬا اﻟﺒﻐﺾ اﻟﺪﻓﲔ إﳊﺎق اﻷذى ﺑه ‪ ،‬ﻓﻘﺪ آذى اﳌنﺎﻓﻘﻮن اﻟﺮﺳﻮل ‪‬‬
‫أﺷﺪ اﻷذى ﳌﺎ ﻃعنﻮا ﰲ ﻋﺮض اﻟصﺪﻳﻘة ﻋﺎﺋﺸة ‪ ،‬وﻛﺎ ﻟﺬي تﻮﱃ ﻛﱪ اﻹﻓﻚ)‪ (1‬ﻛﺒﲑﻫم ﻋﺒﺪﷲ‬
‫ّ‬
‫‪:‬ٱچٱ َوا ِے تَ َو ۪ ٰ كِ ْ َ ُهۥ چ ]اﻟنﻮر‪ ،[11:‬ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﰊ‬
‫اﺑن أﰊ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻋن ﻋﺎﺋﺸة‬
‫اﺑﻦ ﺳﻠﻮل«‪.2‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘعﺮض ﻷمﻬﺎت اﳌﺆمنﲔ ﻟﺘنﻘﺺ‪ ،‬مﻈﻬﺮ من مﻈﺎﻫﺮ ﻋﺪم اﺣﱰام رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﻋﺎﺋﺸة‬
‫اﻟﱵ ﺑﺮأﻫﺎ ﷲ من ﻓﻮق ﺳﺒع ﲰﻮات‪ ،‬ﻓﺎﻟﻄﺎﻋن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺮ ﻋﻈﻴم‪ ،‬وﻗﺪ ﺣﻜﻰ اﻟعﻠمﺎء ﻛﻔﺮ‬
‫ﻗﺎذﻓﻬﺎ‪ ،‬وﻷﳘﻴّة اﳌﺴأﻟة نﻮرد ﺑعﺾ مﺎ ورد ﻓﻴﻬﺎ من أﻗﻮال‪:‬‬
‫ﻗﺎل اﻹمﺎم مﺎﻟﻚ‪" :‬من ﺳﺐ أ ﺑﻜﺮ جﻠﺪ‪ ،‬ومن ﺳﺐ ﻋﺎﺋﺸة ﻗﺘﻞ‪ ،‬ﻗﻴﻞ ﻟه‪ :‬ﱂ؟ ﻗﺎل‪ :‬من رمﺎﻫﺎ‬
‫ُ ُ ْ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ك ُم ُ‬
‫ﷲ أن تعودوا لِمِثلِه ِٓۦ چ ]اﻟنﻮر‪. [17 :‬‬ ‫ﻗﺎل‪:‬ٱچٱيعِظ‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻟﻒ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ﻻن ﷲ تعﺎﱃ‬
‫وﻗﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ أﺑﻮ ﻳعﻠﻰ‪" :‬من ﻗﺬف ﻋﺎﺋﺸة ﲟﺎ ﺑﺮأﻫﺎ ﷲ منه ﻛﻔﺮ ﺑﻼ ﺧﻼف وﻗﺪ ﺣﻜﻰ اﻹﲨﺎع‬
‫‪4‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﻏﲑ واﺣﺪ‪ ،‬وﺻﺮح ﻏﲑ واﺣﺪ من اﻷﺋمة ﺬا اﳊﻜم"‪.‬‬
‫وﻗﺎل اﻹمﺎم اﻟنﻮوي‪» :‬ﺑﺮاءة ﻋﺎﺋﺸة من اﻹﻓﻚ‪ ،‬وﻫﻲ ﺑﺮاءة ﻗﻄعﻴّة ﺑنﺺ اﻟﻘﺮآن اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬ﻓﻠﻮ‬
‫‪1‬‬
‫تﺸﻜﻚ ﻓﻴﻬﺎ إنﺴﺎن واﻟعﻴﺎذ ﺻﺎر ﻛﺎﻓﺮا مﺮتﺪا ﲨﺎع اﳌﺴﻠمﲔ‬

‫‪ -1‬وﻗعﺖ ﺣﺎدثة اﻹﻓﻚ ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق ﺳنة )‪06‬ﻫـ(‪ ،‬وﻛﺎن ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺳﻘﻮط ﻋﻘﺪ ﻟعﺎﺋﺸة وﲣﻠﻔﻬﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋنه‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻻنﻒ‪ ،(30/7) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(432/1) ،‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة‬
‫ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(408/2) ،‬‬
‫‪ٞ‬‬
‫ُ ْ َ ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٓ‬ ‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب ٱچ ٱ ّ‬
‫ِنك ْمچ ]اﻟنﻮر‪ ،(01/6)[11:‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫ك عصبة م‬‫ِين َجﺎ ُءو ب ِ ِﺎﻻف ِ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫‪.4749‬‬
‫‪-3‬ﷴ اﳌﻐﺮاوي‪ ،‬مﻮﺳﻮﻋة مﻮاﻗﻒ اﻟﺴﻠﻒ ﰲ اﻟعﻘﻴﺪة واﳌنﻬج واﻟﱰﺑﻴّة‪ ،‬اﳌﻜﺘﺒة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫)‪.(25/3‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﻜﺮام ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة‬
‫‪ -‬ﺻﺮ ﺑن ﻋﻠﻲ ﻋﺎﺋﺾ ﺣﺴن‪ ،‬ﻋﻘﻴﺪة أﻫﻞ اﻟﺴنة واﳉمﺎﻋة ﰲ ّ‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳّة‪ ،‬ط‪1421 ،3‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪.(873/2) ،‬‬
‫‪243‬‬
 ‫وﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ":‬واتﻔﻘﺖ اﻷمة ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮ ﻗﺎذﻓﻬﺎ"‪.2‬‬

‫‪ -1‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺷﺮح مﺴﻠم‪.(117/17) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪.(103/1) ،‬‬
‫‪244‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ تصﺪر منﻬم أﻗﻮال ﲢمﻞ اﻟﻜﺮاﻫﻴّة‪ ،‬واﻟﺒﻐﻀﺎء واﳊﻘﺪ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ﻓعن‬
‫ﻮل‪ :‬ﻻَ ﺗُـْﻨ ِﻔ ُﻘﻮا َﻋﻠَى َﻣ ْﻦ ِﻋ ْﻨ َﺪ ر ُﺳ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺴ ِﻤ ْﻌ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ﻮل‬ ‫َ‬ ‫ﺖ َﻋ ْﺒ َﺪ ا ﱠ ﺑْ َﻦ أ ٍَّ‬
‫ُﰊ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫ﺖ ِﰲ غَ َﺰاة ﻓَ َ‬
‫ﻓعن ﻋن زﻳﺪ ﺑن أرﻗم‪ ،‬ﻗﺎل‪ُ :‬ﻛ ْﻨ ُ‬
‫ﻚ ﻟِ َﻌ ِّﻤﻲ أ َْو‬
‫ت ذَﻟِ َ‬ ‫َﻋ ﱡﺰ ِﻣ ْﻨـ َﻬﺎ اﻷَذَ ﱠل‪ ،‬ﻓَ َﺬ َﻛ ْﺮ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ﱠ َﺣ ﱠﱴ ﻳَـ ْﻨـ َﻔﻀﱡﻮا ﻣ ْﻦ َﺣ ْﻮﻟ ِﻪ‪ ،‬وﻟَﺌِ ْﻦ َر َﺟ ْﻌﻨَﺎ ﻣ ْﻦ ﻋ ْﻨ ِﺪﻩِ ﻟَﻴُ ْﺨ ِﺮ َﺟ ﱠﻦ اﻷ َ‬
‫ِ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑِ ِﻪ‪ ،‬ﻓَ َﺤﻠَ ُﻔﻮا َﻣﺎ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَ َﺪ َﻋ ِﺎﱐ ﻓَ َﺤ ﱠﺪﺛْـﺘُﻪُ‪ ،‬ﻓَﺄ َْر َﺳﻞ َر ُﺳ ُ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُﰊ َوأ ْ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪‬إ َﱃ َﻋْﺒﺪ ا ﱠ ﺑْ ِﻦ أ ٍَّ‬ ‫َ‬ ‫ﻟﻌُ َﻤ َﺮ‪ ،‬ﻓَ َﺬ َﻛ َﺮﻩُ ﻟﻠﻨِ ِّ‬
‫ﺎل ِﱄ‬ ‫ﺖ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺖ ِﰲ اﻟﺒـ ْﻴ ِ‬
‫َ‬ ‫ﻂ‪ ،‬ﻓَ َﺠﻠَ ْﺴ ُ‬ ‫ﺼ ْﺒ ِﲏ ِﻣﺜْـﻠُﻪُ ﻗَ ﱡ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬وﺻ ﱠﺪﻗَﻪُ‪ ،‬ﻓَﺄَﺻﺎﺑ ِﲏ َﻫ ﱞﻢ َﱂ ﻳ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ﻗَﺎﻟُﻮا‪ ،‬ﻓَ َﻜ ﱠﺬﺑَِﲏ َر ُﺳ ُ‬
‫ك ل ْ ُم َ ٰف ُق َ‬ ‫َ َ َٓ َ‬
‫ون چ‬ ‫ِ‬ ‫ﺎﱃ‪ :‬چ ٱإِذا جﺎء‬ ‫ﻚ؟ ﻓَﺄَﻧْـ َﺰ َل ا ﱠُ ﺗَـ َﻌ َ‬‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬وَﻣ َﻘﺘَ َ‬ ‫ﻚ َر ُﺳ ُ‬ ‫ت إِ َﱃ أن َﻛ ﱠﺬﺑَ َ‬ ‫َﻋ ِّﻤﻲ‪َ :‬ﻣﺎ أ ََر ْد َ‬
‫ﺻ ﱠﺪﻗَ َﻚ َ َزﻳْ ُﺪ «‪.1‬‬ ‫]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،[01 :‬ﻓﺒعﺚ إﱄ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓﻘﺮأ ﻓﻘﺎل‪» :‬أن ا ﱠَ ﻗَ ْﺪ َ‬
‫وجﺎء ﰲ رواﻳّة ﻋنﺪ اﻹمﺎم اﻟﻄﱪي تﺒﲔ ﺷﺪة اﻟﺒﻐﻀﺎء‪ ،‬واﻟعﺪاوة اﻟﱵ ﻳﻜنﻬﺎ اﳌنﺎﻓﻘﻮن ﻟﺮﺳﻮل ﷲ‬
‫‪ ،‬واﻟﱵ ﻇﻬﺮت ﰲ ﺳﻮء اﻷدب معه‪ ،‬ﻋن ﻗﺘﺎدة‪ ،‬ﻗﺎل‪" :‬اﻗﺘﺘﻞ رجﻼن‪ ،‬أﺣﺪﳘﺎ من جﻬﻴنة‪،‬‬
‫واﻵﺧﺮ من ﻏﻔﺎر‪ ،‬وﻛﺎنﺖ جﻬﻴنة ﺣﻠﻴﻒ اﻷنصﺎر‪ ،‬ﻓﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴه اﻟﻐﻔﺎري‪ ،‬ﻓﻘﺎل رجﻞ منﻬم ﻋﻈﻴم‬
‫اﻟنﻔﺎق‪ :‬ﻋﻠﻴﻜم ﺻﺎﺣﺒﻜم‪ ،‬ﻋﻠﻴﻜم ﺻﺎﺣﺒﻜم‪ ،‬ﻓﻮﷲ مﺎ مﺜﻠنﺎ ومﺜﻞ ﷴ إﻻ ﻛمﺎ ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺋﻞ‪" :‬ﲰن‬
‫"ﲰن ﻛﻠﺒﻚ ﻛﻠﻚ"‪ ،‬أمﺎ وﷲ ﻟﺌن رجعنﺎ إﱃ اﳌﺪﻳنة ﻟﻴخﺮجن اﻷﻋﺰ منﻬﺎ اﻷذل وﻫم ﰲ ﺳﻔﺮ"‪.2‬‬
‫ﻓﻘﺪ َﺳ ُﻬﻞ ﻋﻠﻴﻬم أ ْن ﻳصﻔﻮا ﺳﻴّﺪ اﳋﻠق ‪ ،‬وﺻﺎﺣﺐ اﳋﻠق اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ﺬه اﻷوﺻﺎف اﻟﺸنﻴعة‪،‬‬
‫وأ ْن ﻳﻀﺮﺑﻮا ﻟه أﻗﺒﺢ‪ ،‬وأﺑﺸع اﻷمﺜﺎل!‬
‫ومﺎ ﻫﺬه اﻟﺘصﺮﻓﺎت اﻟصﺎدرة من اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﰲ زمن اﻟنﺒﻮة إﻻ ﺣﻠﻘة من ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟنﻔﺎﻗﻴّة‪،‬‬
‫اﻟﱵ ﺳﺘﺴﺘمﺮ مع ﻗﺎدة اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﻗﻴﺎم اﻟﺴﺎﻋة‪.‬‬
‫ب‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﻨﻔﺴﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺗﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮة‬
‫ﳌﺎ ﻛﺎن أتﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮة ﻳﺴﺎرﻋﻮن إﱃ اﳉﻬﺎد‪ ،‬واﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ من أجﻞ إﻋﻼء ﻛﻠمة ﷲ‪،‬‬
‫ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﺑﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ إﳝﺎ م وﺻﺪﻗﻬم‪ ،‬ﻛﺎنﻔﻲ اﳌﻘﺎﺑﻞ اﻟﺘﺜﺎﻗﻞ ﻋن اﳉﻬﺎد‪ ،‬وﺣﺐ اﳊﻴﺎة وﻛﺮاﻫﻴّة‬
‫اﳌﻮت من ﺳﻴمﺎت اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وﻛﺎن ذﻟﻚ دﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻞ ﰲ إﳝﺎ م‪.‬‬
‫َ َ َُ ْ‬ ‫َ‬
‫امنوا َمﺎ‬ ‫ﻟﺬﻟﻚ ﺣﺬر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ من اﻟﺘﺜﺎﻗﻞ ﻋن اﳉﻬﺎد‪ ،‬وذمه‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ َهﺎ ِين ء‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫يتم بﺎل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ ُ ٓ َ‬ ‫َ ُ ُٓ َ َ َ ُ ُ ُ ْ‬
‫ني۪ﺎ م َِن ﻻخ َِرة ِ َمﺎ َم َ ٰع‬ ‫حيَوة ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ﻻ ِض أر ِض‬ ‫يل ِ‬
‫ﷲ ث ﺎﻗلتمۥ إ ِ‬
‫َ‬
‫لكمۥ إِذا ِيل لكم ن ِفروا ِ س ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل َحيَ ٰوةِ ن ْ ۪يﺎ ِ ﻻخ َِرةِ إِﻻ ﻗَل ٌِيلۖ چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.[38 :‬‬

‫]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،(152/6) ،[1 :‬ﺑﺮﻗم‪4617 :‬‬ ‫ك ل ْ ُم َ ٰف ُق َ‬

‫ون چ‬
‫َ َ َٓ َ‬
‫چٱإِذا جﺎء‬ ‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(405/23) ،‬‬
‫‪245‬‬
‫وﻗﺪ ﺻﺮح اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﺑﻜﺮاﻫﻴّة اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻟﻠﻘﺘﺎل مﺒﺎﻟﻐة ﰲ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من اﻟﺘﻘﺎﻋﺲ ﻋن اﳉﻬﺎد‪،‬‬
‫َ ْ ُ َ‪ُ ْ َ َ َُ ٞ َ َ ْ ٞ‬‬ ‫َ َ َُ ْ َْ َ ُّ َ ْ ُ َ ‪َ َ ٞ‬‬ ‫ََُ ُ‬
‫يهﺎ لقِتَﺎل‬ ‫ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬ٱچ ٱو قول ِين ءامنوا وﻻ ن ِزلت سورة ۖ فإِذآ ِ‬
‫نزلت سورة محكمة وذكِ ر ِ‬
‫چ ]ﷴ‪.[21 :‬‬
‫َ‬ ‫َ َْ َ َْ ْ ََ‬
‫ت فﺄ ْو ۪ ٰ ل ُه ْ ۖم‬
‫َ ‪ْ ْ ََ َ َ َ ُ ُ َ ٞ‬‬
‫ون إ ِ ْك ظ َر ل َمغ ِ ِّ علي ِه مِن لمو ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬
‫ِين ِ ﻗ و ِ ِهم مرض ينظر‬ ‫َرأَيْ َ‬
‫ت‬

‫وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ ﻛﺮاﻫﻴّة اﳌﻮت وﻋﺪم اﻟﺮﻏﺒة ﰲ اﳉﻬﺎد‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺘعﺪى إﱃ تﺮﻗﺐ وﺣﺐ ا ﺰام‬
‫ﲔ َﻋﻠَى َﻋ ْﻬ ِﺪ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ واﳔﻔﺎض دﻳن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعﻴﺪ اﳋﺪري ‪ » :‬أن ِر َﺟ ًﺎﻻ ﻣ ْﻦ اﻟ ُْﻤﻨَﺎﻓﻘ َ‬
‫ف ر ُﺳ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬ﻛﺎ ِذَا َﺧﺮج رﺳ ُ ِ‬
‫َﻋﻠَى َﻋ ْﻬ ِﺪ ر ُﺳ ِ‬
‫ﻮل‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪‬إِ َﱃ اﻟْﻐَ ْﺰ ِو َﲣَﻠﱠ ُﻔﻮا َﻋ ْﻨﻪُ َوﻓَ ِﺮ ُﺣﻮا ِﲟَْﻘ َﻌﺪﻫ ْﻢ ﺧ َﻼ َ َ‬ ‫ََ َُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ا ﱠِ ‪.«‬‬
‫ﻓﻠﻮ ﻛﺎنﻮا ﳛﺒﻮن انﺘصﺎر اﻟﺪﻳن‪ ،‬وﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳌﺎ ﲣﻠﻔﻮا ﻋن اﻟﻐﺰو مع رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وإذا ﺧﺮجﻮا‬
‫ﻛﺎن ﺧﺮوجﻬم و ﻻ ﻋﻠﻰ اﳉﻴﺶ اﳌﺴﻠم ورﲟﺎ أ روا ﻓﻴه اﻟﻔﱳ واﳌﺸﺎﻛﻞ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻮك اﻟنﻔﺎﻗﻲ ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ ‪ :‬ٱچ ٱ ْو خ َرجوا ِ يكم‬
‫َ ُ ْ َُْ َ ُ ْ‬ ‫َ ٗ ََ َ ُ ْ‬
‫ك ُم ل ِفتْنَ َة چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[47 :‬ﻗﺎل اﻟﻘنﻮجﻲ ﰲ ﺷﺮح‬‫خ لكم بغون‬
‫ُ ُ‬
‫مﺎ َزادوك ُم ٓۥ إِﻻ خبَﺎﻻ َوﻷ ْوضعوا ِ‬
‫اﳋﺒﺎل‪ ":‬اﻟﺸﺮ واﻟﻔﺴﺎد‪ ،‬واﻟنمﻴمة‪ ،‬وإﻳﻘﺎع اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬واﻷراجﻴﻒ"‪.2‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﻟﺘﺤﺪ ت اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ‬
‫ﻗﺪ مﺮت مﻮاﻗﻒ ﻟﻠمنﺎﻓﻘﲔ ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة تﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺎ م اﻟنﻔﺎﻗﻴّة اﳋﺒﻴﺜة اﳌﺎﻛﺮة‬
‫اﳌعﺎدﻳّة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗﺎد ﺎ‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺣﻴﺚ ﻇﻬﺮ أ م أﺻﺤﺎب نﻔﺴﻴّة مﺮﻳﻀة معﻘﺪة‪ ،‬ﻓﻬم ﳝﺘﺎزون زدواجﻴّة اﻟﺸخصﻴّة ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬و ﻃنﻬﺎ اﻟﻜﻔﺮ ﻛﻞ ﻫﺬا جعﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺘعﺎمﻞ معﻬم تعمﻼ ﺧﺎﺻﺎ تﺮاﻋﻰ ﻓﻴه مصﻠﺤة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺳﻠﻚ معﻬم منﻬﺠﺎ ﺣﻜﻴم ﲡﻠﻰ ﰲ مﻮاﻗﻒ من اﻟﻐﺰوات أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﻟﺘﺤﺪ ت اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ﰲ أﺣﺪ‬
‫ﺳﺒق أن ذﻛﺮت أن اﺑن أﰊ انﺴﺤﺐ من اﳌعﺮﻛة مع ﲨﺎﻋة من اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وﻛﺎد ﻫﺬا اﻻنﺴﺤﺎب أن‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة من اﳌنﺎﻓﻘﲔ اﻟﺬﻳن ﺧﺎنﻮﻫم‬ ‫أن ﻳﺆثﺮ ﰲ اﳉﻴﺶ ﻟﻮﻻ تﺜﺒﻴﺖ ﷲ ﳍم‪ ،‬وﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ مﻮاﻗﻒ ّ‬
‫ﰲ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف اﳊﺮجة‪.‬‬

‫ون ب َمﺎ ٓ أَتَوا ْ و ُحِ ب َ‬

‫َ َْ ُ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫حسِ َ‬
‫ونٱچ ]آل ﻋمﺮان‪،[188:‬‬ ‫ِين ف َرح ِ‬ ‫‪ - 1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب‬
‫چٱﻻ ي‬
‫)‪ ،(40/6‬ﺑﺮﻗم‪.4291 :‬‬
‫ﻓﺘﺢ اﻟﺒﻴﺎن ﰲ مﻘﺎﺻﺪ اﻟﻘﺮآن ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺒة اﻟعصﺮﻳﱠة ﻟﻠﻄﺒَﺎﻋة واﻟنّ ْﺸﺮ‪ ،‬ﺑَﲑوت)د‪.‬ط(‪،‬‬ ‫‪-2‬ﷴ ﺻﺪﻳق ﺧﺎن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ‪ِ ،‬‬
‫اﻟﻘنﱠﻮجﻲ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫)د‪.‬ت(‪.(314/5) ،‬‬
‫‪246‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن زﻳﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻳﻘﻮل‪ :‬ﳌﺎ ﺧﺮج اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ أﺣﺪ رجع س من أﺻﺤﺎﺑه‬
‫ََْ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫أﺻﺤﺎﺑه ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﺮﻗة‪ :‬نﻘﺘﻠﻬم‪ ،‬وﻗﺎﻟﺖ ﻓﺮﻗة‪ :‬ﻻ نﻘﺘﻠﻬم‪ ،‬ﻓنﺰﻟﺖ چ ٱ مﺎ لك ْم ِ لم ٰ ِف ِق َ ِ ي ٔ ِ چ‬

‫ٱ‬ ‫ﺚ اﳊَ ِﺪ ِﻳﺪ« ‪1‬ٱ‪.‬ٱ‬‫ﱠﺎر َﺧﺒَ َ‬ ‫ِ‬

‫ﺎل َﻛ َﻤﺎ ﺗَـ ْﻨﻔﻲ اﻟﻨ ُ‬ ‫]اﻟنﺴﺎء‪ ،[88 :‬وﻗﺎل اﻟنﱯ ‪» :‬أ َﺎ ﺗَـ ْﻨ ِﻔﻲ ِّ‬
‫اﻟﺮ َﺟ َ‬
‫ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬اﻛﺘﻔﻰ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﻟﺘعﺮﻳﻒ م وﺑﻴﺎن ﺧﺒﺜﻬم‪ ،‬وﺧﻄﻮر م ﻋﻠﻰ ﳎﺘمع اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ‬
‫اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻛمﺎ ﺑﻴنﺖ اﻵﻳّة ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ معﺎدا م ﻟﻠﺪﻋﻮة وأتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ":‬ﻓﻀﺢ ﷲ ﻫﺬا‬
‫اﻟﻔﺮﻳق ﻓأﻋﻠم اﳌﺴﻠمﲔ م مﻀمﺮون اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬وأ م ﳛﺎوﻟﻮن رد من ﻳﺴﺘﻄﻴعﻮن رده من اﳌﺴﻠمﲔ إﱃ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ إﱃ اﻟﻜﻔﺮ"‪.2‬‬
‫ومن ﻫنﺎ تﻈﻬﺮ ﺣﻜمة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﰲ اﻟﺘعﺎﻃﻲ اﳌﺮن مع اﳌﻮاﻗﻒ‪ ،‬ﻓأول مﻮاجﻬة مع اﻟعﺪو اﻟﺪاﺧﻠﻲ‬
‫اﻗﺘﻀﺖ أن ﻳﻜﺘﻔﻰ ﻟﺘعﺮﻳﻒ ﺑه واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ منه‪ ،‬وﻟﻴﺲ من مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة اﳊﺮجة‬
‫اﻟﺘصﺪي اﳌﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠمنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وﻫﺬا من ﻓﻘه اﻷوﻟﻮ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬
‫‪ .2‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﻟﺘﺤﺪ ت اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ﰲ غﺰوة ﺑﲏ اﳌﺼﻄﻠﻖ‬
‫ﻗﺪ مﺮت معنﺎ اﳌﻘﺎﻟة اﻟﺸنﻴعة اﻟﱵ تﻠﻔﻆ ﺎ رأس اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ ﺑن ﺳﻠﻮل‪ ،‬اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ‬
‫اﳊﻘﺪ اﻟﺪﻓﲔ اﻟﺬي ﻳﻀمﺮه ﻟﻠﺪﻋﻮة وأتﺒﺎﻋﻬﺎ وﻗﻴﺎد ﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﺳﺠﻠﻬﺎ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻟﺘﺒﻘﻰ تﺬﻛﺮة ﻟﻠﺪﻋﺎة‬
‫ﻋﱪ اﻟﺰمن أن ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق مﺴﺘمﺮة مﺎ اﺳﺘمﺮت اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﺳﺘﻈﻞ ﲢﺪ ﻳﻮاجﻬﻮنه ﰲ ﻛﻞ زمﺎن‬
‫ومﻜﺎنﻮمﻴﺪان‪.‬‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َُ ْ‬ ‫َ َْٓ َ‬ ‫َُ ُ َ َ‬
‫جن ﻻ َعز مِن َهﺎ ﻻذل ۖ چ ]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪:‬‬
‫خر َ‬
‫ِ‬ ‫لمدِين ِة‬ ‫‪ :‬ٱچ ٱ قو‬
‫ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه و تعﺎﱃ‬
‫ون ل ِن رجعنﺎ إ ِ‬
‫‪ ،[08‬و ﻛﺎن مﻮﻗﻒ ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ منه ﺣﺎﲰﺎ إزاء ﻫﺬه اﳌﻘﺎﻟة اﻟﺸنﻴعة اﳊﺎﻗﺪة ؛ إذ اﺳﺘأذن اﻟنﱯ‬
‫ﱠﺎس أﻧﻪُ‬ ‫‪ ‬ﰲ ﻗﺘﻠه إﻻ أن اﻟنﱯ ‪ ‬رﻓﺾ ذﻟﻚ ﳌصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪» :‬ﻻَ ﻳَـﺘَ َﺤ ﱠﺪ ُ‬
‫ث اﻟﻨ ُ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑَﻪُ«‪.3‬‬
‫ﻛﺎن ﻳ ْﻘﺘُ ُﻞ أ ْ‬
‫وﰲ اﳌﻮﻗﻒ اﻟنﺒﻮي أﺑعﺎد دﻋﻮي ﻛﺜﲑة‪ ،‬منﻬﺎ‪" :‬ﺳﻴﺎﺳة أمﺮ اﻟﺪﻳن‪ ،‬واﻟنﻈﺮ ﰲ اﻟعﻮاﻗﺐ‪ ،‬وذﻟﻚ أن‬
‫أن اﻟنﺎس إﳕﺎ ﻳﺪﺧﻠﻮن ﰲ اﻟﺪﻳن ﻇﺎﻫﺮا‪ ،‬وﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ معﺮﻓة مﺎ ﰲ نﻔﻮﺳﻬم‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻋﻮﻗﺐ اﳌنﺎﻓق ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻃن ﻛﻔﺮه‪ ،‬ﻟﻮجﺪ أﻋﺪاء اﻟﺪﻳن ﺳﺒﻴﻼ إﱃ تنﻔﲑ اﻟنﺎس ﻋن اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻴه‪ْ ،‬ن ﻳﻘﻮﻟﻮا‪ :‬مﺎ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب ﻓﻀﺎﺋﻞ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ب اﳌﺪﻳنة تنﻔﻲ اﳋﺒﺚ‪ ،(666/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1785 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪.(151/5) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب مﺎ ﻳنﻬﻰ من دﻋﻮة اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،(183/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3330 :‬‬
‫‪247‬‬
‫ﻳﺆمنُﻜم إذا دﺧﻠﺘم ﰲ دﻳنه أ ْن ﻳﺪﻋﻲ ﻋﻠﻴﻜم ﻛﻔﺮ اﻟﺒﺎﻃن‪ ،‬ﻓﻴﺴﺘﺒﻴﺢ ﺑﺬﻟﻚ دمﺎءﻛم وأمﻮاﻟﻜم‪ ،‬وﻻ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫تﺴﻠمﻮا أنﻔﺴﻜم ﻟﻠﻬﻼك" ‪.‬‬
‫‪ .3‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﻟﺘﺤﺪ ت اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ﰲ غﺰوة ﺗﺒﻮك‬
‫ﻗﺪ ﺣﺎول اﳌنﺎﻓﻘﻮن اﺳﺘﻐﻼل ﻇﺮوف اﻟﺘﺤﻀﲑ ﻟﻐﺰوة تﺒﻮك اﻟعﺴﲑة ﻟﺘﺜﺒﻴط ﻋﺰاﺋم اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ﻓمن‬
‫ذﻟﻚ ﺳعﻴﻬم ﰲ ﳌﺰ اﳌْن ِﻔ ِﻘﲔ من اﻟﻔﻘﺮاء‪ ،‬وﻗﺪ مﺮ معنﺎ ذﻟﻚ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ رواه اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻓعن أﰊ‬
‫ﺻ ٍﺎع‪ ،‬و َجﺎءَ إِنْﺴﺎن َِ ْﻛﺜَـَﺮ‬ ‫ص َﺪﻗَ ِة ُﻛنﱠﺎ نَـﺘَﺤﺎمﻞ‪ ،‬ﻓَﺠﺎء أَﺑﻮ َﻋ ِﻘ ٍﻴﻞ ﺑِنِ ْ ِ‬
‫مﺴعﻮد‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ أ ُِمْﺮَ ِ ﻟ ﱠ‬
‫صﻒ َ‬ ‫ََُ َ َ ُ‬
‫ﺎل اﳌنﺎﻓِﻘﻮن‪ :‬أن ا ﻟﻐ ِﲏ ﻋن ﺻﺪﻗ ِة ﻫﺬا‪ ،‬ومﺎ ﻓـعﻞ ﻫﺬا اﻵﺧﺮ إِﱠﻻ ِر ء‪ ،‬ﻓـنـﺰﻟﺖ‪ :‬ٱچٱ َ‬
‫ِين‬ ‫َ ً َ َ ََ ْ‬ ‫ﱠَ َ َ ﱞ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ِمْنهُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ َ ُ َ‬
‫ْ‬ ‫َْ ُ َ ْ ُ‬
‫ون ل ُمط ّ ِو ِ َ م َِن ل ُمو ِمنِ َ ِ لص َد َ ٰ ِت چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.2" [80 :‬‬ ‫يلمِز‬
‫وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ ﻫﺬا اﳊﺪ ﺑﻞ تﻮﺳعﺖ اﳊﺮب اﻟﺪﻋﺎﺋﻴّة ﻟﺘﺜﺒﻴط اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن‬
‫ٗ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ‬
‫ح ّر ُﻗ ْل نَ ُ‬ ‫ََ ُ ْ َ َ ُ ْ‬
‫ﺎر َج َهن َم أشد َح ّرا ل ْو‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱوﻗﺎ وا ﻻ تن ِفروا ِ ل ِ ۖ‬ ‫اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﺑعﺾ ﺻﻮر ﻫﺬه اﻟﺪﻋﺎﻳّة‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫‪3‬‬
‫ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪. [82:‬‬ ‫ََُْ َ‬
‫ون‬
‫كﺎنوا فقه ۖ‬
‫ومن مﻮاﻗﻔﻬم اﳌخﺰﻳّة ﲣﻠﻔﻬم ﻋن اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻛعﺐ ‪ :‬ﻓﻜنﺖ إذا ﺧﺮجﺖ ﰲ اﻟنﺎس‬
‫ﺧﺮجﺖ ﰲ اﻟنﺎس ﺑعﺪ ﺧﺮوج رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻄﻔﺖ ﻓﻴﻬم‪ ،‬أﺣﺰنﲏ أﱐ ﻻ أرى إﻻ رجﻼ مﻐمﻮﺻﺎ‬
‫مﻐمﻮﺻﺎ ﻋﻠﻴه اﻟنﻔﺎق‪ ،‬أو رجﻼ ﳑن ﻋﺬر ﷲ من اﻟﻀعﻔﺎء‪ ،‬وﱂ ﻳﺬﻛﺮﱐ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺣﱴ ﺑﻠغ‬
‫تﺒﻮك‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬وﻫﻮ جﺎﻟﺲ ﰲ اﻟﻘﻮم ﺑﺘﺒﻮك‪» :‬ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﻛﻌﺐ«‪.4‬‬
‫وﰲ ﻫﺬه اﳌﺮة ﻳُﻠﺤﻆ أن مﻮﻗﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﲡﺎﻫﻠﻬم ﻓﻠم ﻳﺬﻛﺮ أﺣﺪا منﻬم ﻛمﺎ ذﻛﺮ ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ؛‬
‫مﺎﻟﻚ؛ ﻻن اﳌصﻠﺤة ﻻ تﻘﺘﻀﻲ ذﻛﺮﻫم‪ ،‬ﰲ ﺣﲔ ذﻛﺮ ﻛعﺐ ﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﻓﺎﺋﺪته ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ‪ ،‬ﻓق ﻫﺠﺮ‬
‫َ ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِين خلِفو‬ ‫ث ِة‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱو‬ ‫ﻫﺠﺮ ﰒ ب ﷲ ﻋﻠﻴه‪ ،‬وأنﺰل ﷲ ﻓﻴه ﻗﺮآ ﻳﺘﻠﻰ‪ ،‬وذﻟﻚ ﰲ ﻗﻮﻟه‬

‫‪ -1‬ﴰﺲ اﻟﺪﻳن اﻟﱪمﺎوي‪ ،‬اﻟعﺴﻘﻼﱐ‪ ،‬اﻟﻼمع اﻟصﺒﻴﺢ ﺑﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ت‪ :‬نﻮر اﻟﺪﻳن ﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬دار اﻟنﻮادر‪ ،‬ﺳﻮر ‪،‬‬
‫ط‪ 1433 ،1‬ﻫـ‪ 2012 ،‬م‪.(103/10) ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ ُ َ ْ‬
‫ون ل ُمط ِّو ِ َ م َِن ل ُمو ِمنِ َ ِ لص َد ٰ ِ‬
‫‪2‬‬
‫تٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪،[80 :‬‬ ‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب چٱ ِين يلمِز‬
‫)‪ ،(67/6‬ﺑﺮﻗم‪.4391 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑﺖ‪ ،‬اﳉﻮانﺐ اﻹﻋﻼمﻴّة ﰲ ﺧﻄﺐ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺌﻮن اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة اﻟﺴعﻮدﻳّة‪،‬‬
‫ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﻛعﺐ‪ ،(03/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4156 :‬‬
‫‪248‬‬
 ‫ٓ َ ُ‬ ‫َْ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫جﺄ م َِن ِ‬
‫ﷲ إِﻻ إِ ْ ِه م‬ ‫َح إِذا ضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ﻻ ض بِ َمﺎ َرحبَت َوضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ٓۥ أنفس ُه ْم َوظن ٓوا أن ﻻ مل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َْ ْ ُ ُٓ‬
‫ِيم چ ] اﻟﺘﻮﺑة‪.[119:‬‬ ‫تﺎب علي ِهم ِ َتو و أن ﷲ هو واب رح ۖ‬
‫ﻓﻬﻮ مﻮﻗﻒ ﳛمﻞ ﺿمنﻴﺎ ﻗﻴمة اﳌﺆمن‪ ،‬وﻛﺮامﺘه ﻋنﺪ ﷲ إذا ب وأﻗﺒﻞ ﻋﻠﻴه‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه‬
‫ﻳِ‬
‫ﻮمﻲء إﱃ ﺣﻘﺎرة اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬ودنﻮ منﺰﻟﺘﻬم‪.‬‬‫ُ‬
‫ﻓﺮﻏم ﻫﺬا إﻻ أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺒﻞ ﻇﺎﻫﺮﻫم‪ ،‬وﱂ ﻳﻜﺬ م ﳌﺎ اﻋﺘﺬروا إﻟﻴه؛ اﺳﺘصﺤﺎ ﻟﻠمﻮاﻗﻒ اﻟعﺎمة‬
‫اﻟعﺎمة معﻬم اﻟﺮامﻴّة إﱃ ﲪﺎﻳّة اﻟصﻒ‪ ،‬وﺳﺪ ذرﻳعة تﺸﻮﻳه اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﻗﺒﻞ اﳌﱰﺑصﲔ ﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ":‬وﳌﺎ دﺧﻞ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﳌﺪﻳنة ﺑﺪأ ﳌﺴﺠﺪ‪ ،‬ﻓصﻠﻰ ﻓﻴه رﻛعﺘﲔ‪ ،‬ﰒ جﻠﺲ ﻟﻠنﺎس‪،‬‬
‫ﻟﻠنﺎس‪ ،‬ﻓأمﺎ اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،‬وﻫم ﺑﻀعة وﲦﺎنﻮن رجﻼ ﻓﺠﺎؤوا ﻳعﺘﺬرون نﻮاع ﺷﱴ من اﻷﻋﺬار‪ ،‬وﻃﻔﻘﻮا‬
‫وﻃﻔﻘﻮا ﳛﻠﻔﻮن ﻟه‪ ،‬ﻓﻘﺒﻞ منﻬم ﻋﻼنﻴﺘﻬم‪ ،‬و ﻳعﻬم‪ ،‬واﺳﺘﻐﻔﺮ ﳍم‪ ،‬ووﻛﻞ ﺳﺮاﺋﺮﻫم إﱃ ﷲ"‪.1‬‬
‫وﻫﻜﺬا تﻜﻮن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻗﺪ ﻛﺸﻔﺖ أمﻮرا مﻬمة ﻋن ﺻنﻒ اﳌنﺎﻓﻘﲔ من ﺧﻼل ﺑﻴﺎن‬
‫ﻃﺒﻴعﺘﻬم‪ ،‬وﺻﻔﺎ م‪ ،‬ومﻮاﻗﻔﻬم من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﻗﺎد ﺎ‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﲡﻠﻰ من ﺧﻼﳍﺎ ﻛﺬﻟﻚ‬
‫اﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻟﺘعﺎمﻞ مع اﳌنﺎﻓﻘﲔ؛ ﻟﻴﻘﺘﺪي ﺑه اﻟﺪﻋﺎة ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪.‬‬

‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ أﻛﻮن ﻗﺪ ﻋﺎﳉﺖ رﻛنﲔ ﻋﻈﻴمﲔ من أرﻛﺎن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة؛ من ﺧﻼل‬
‫روا ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﻟ ّﺪاﻋﻴّة واﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ تﻄﺮﻗﺖ إﱃ أﻫم مﺎ ﳚﺐ أن ﻳﺘﺰود ﺑه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة من اﻟعﺪة اﻟعﻠمﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬واﻟعﺪة اﻷﺧﻼﻗﻴّة‬
‫واﻟﻘﻴﺎدﻳّة‪ ،‬مﱪزا أﳘﻴّة ذﻟﻚ ﰲ ﺑنﺎء اﻟﺸخصﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻔعﺎﻟة‪.‬‬
‫ﻛمﺎ ﺑﻴنﺖ أﻫم اﻟﻘﻀﺎ اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬وﻗﺪ رﻛﺰت ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق اﳌﺪﻋﻮ وأﺻنﺎف اﳌﺪﻋﻮﻳن‪،‬‬
‫ودرﺳﺖ أﻫم اﻟﻔﺌﺎت اﳌعﺎدﻳّة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬مع إﺑﺮاز أﺳﺒﺎب اﳌﻮانع اﻟﱵ ﺣﺎﻟﺖ دون‬
‫اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻬم‪.‬‬
‫وﺑعﺪ معﺮﻓة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﳌﻀمﻮن رﺳﺎﻟﺘه‪ ،‬وتﺰوده ﻟعﺪة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﺎﻓﻴّة‪ ،‬ومعﺮﻓﺘه ﳉمﻬﻮر اﳌﺪﻋﻮﻳن‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ومﺎ ﻳﺘعﻠق م‪ ،‬ﻳﻠﺰمه اﻟﺒﺤﺚ ﻋن اﻵﻟﻴﺎت اﳌنﻬﺠﻴّة ﻟنﻘﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟة إﻟﻴﻬم وﲪﻠﻬم ﻋﻠﻰ‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﻄﻮاﻋﻴّة ﳍﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳعﺎﳉه اﻟﻔصﻞ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.401‬‬

‫‪249‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬
‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﻨﻬﺠﻴّﺔ‬

‫وﻓﻴﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺒﺎﺣﺚ‪:‬‬

‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬أﺑﻌﺎد اﳌﻨﻬﺞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻮﺟﺪاﱐ‬
‫ﱄ‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺑﻌﺎد اﳌﻨﻬﺞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻌﻖ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬أﺑﻌﺎد اﳌﻨﻬﺞ اﻟﺪﻋﻮي اﱀ ﺳﻲ‬

‫‪250‬‬
‫أن من مﻘﻮمﺎت ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲟخﺘﻠﻒ مﺴﺘﻮ ﺎ‪ :‬اﻟﺘﺒﻠﻴﻐﻴّة‪ ،‬واﻟﱰﺑﻮﻳّة‪ ،‬واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴّة امﺘﻼك اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫مﻬﺎرات اﻟعﺮض اﻟﺪﻋﻮي ﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﺣﺴن اﻟﺘعﺎمﻞ مع اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ ﲟﺎ‬
‫ﻳنﺎﺳﺒﻬﺎ‪ ،‬وﻳﻼﺋمﻬﺎ من اﻟﻄﺮق واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪.‬‬
‫وﻗﺪ تعﺪدت أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬وتنﻮﻋﺖ تﺒعﺎ ﻟﻠمﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌخﺘﻠﻔة اﻟﱵ تﻔﺮﺿﻬﺎ ﻃﺒﻴعة‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن من جﻬة‪ ،‬وتﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﻃﺒﻴعة اﻟنﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﲟﻜﻮ ﺎ من جﻬة أﺧﺮى‪.‬‬
‫وﻳﻠﺤﻆ ﻫﺬا اﻟﺜﺮاء اﻷﺳﻠﻮﰊ ﺑﻮﺿﻮح ﰲ دﻋﻮات ﻛﻞ اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم ﻛمﺎ ﻳعﺮﺿﻬﺎ اﻟﻘﺮآن‬
‫اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬وﻗﺪ تنﻮﻋﺖ تنﻮﻋﺎ ﻛﺒﲑا؛ ﳑﺎ أﻛﺴﺒﻬﺎ جﻮدة أﺳﻠﻮﺑﻴّة مﺘعﺪدة اﻷﺑعﺎد‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻃﺎﻟﺖ اﻷﺑعﺎد‬
‫اﻟعﺎﻃﻔﻴّة واﻟعﻘﻠﻴّة واﳊﺴﻴّة‪ ،‬وﻫﺬه اﻷﺧﲑة ﻫﻲ اﳌنﺎﻓﺬ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴّة ﻟﻠﻔﻄﺮة اﻹنﺴﺎنﻴّة اﻟﱵ تﺸﱰك ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ‬
‫ﻓﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫وﰲ اﻟﺴﻴﺎق نﻔﺴه ﰐ اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻟﺘﻀﻔﻲ مﺰﻳﺪا من اﻟﺴعة واﻟﺘنﻮع ﰲ تﻠﻚ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ‬
‫تﻀمنﺖ أﻛمﻞ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ وأﺣﻜمﻬﺎ؛ ﻋﺘﺒﺎر اﻟنﱯ اﳋﺎﰎ‪ ،‬واﻟﺪﻳن اﻟﻜﺎمﻞ‪.‬‬
‫ومن ﻫﺬا اﳌنﻄﻠق تﻈﻞ اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة من أﻋﻈم مصﺎدر اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋنﻬﺎ‬
‫اﻟﺪﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن ومﻜﺎن؛ ﻟﻜﻮ ﺎ جﺰءا من اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺬي ﻳﻀمن اﻟﺘﺠﺪد‪ ،‬واﻻﺳﺘمﺮار‪ ،‬وﻳﻮﻓﺮ‬
‫إمﻜﺎنﻴّة اﺳﺘﻴعﺎب اﳌﻮاﻗﻒ‪ ،‬واﳊﻮادث اﻟﺪﻋﻮﻳّة إﱃ ﻗﻴﺎم اﻟﺴﺎﻋة‪.‬‬
‫وﲡﻠﻴّة ﳍﺬه اﻷﳘﻴّة اﳌصﺪرﻳّة ﻟﻠﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﲞصﻮص اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ جﺎء ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ ﻟﺘﺘﺒع‬
‫اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ مﻴﺪان من مﻴﺎدﻳن اﻟﺴﲑة‪ ،‬أﻻ وﻫﻮ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات ﻛمﺎ جﺎءت ﰲ‬
‫اﳌﺮور ت اﻟصﺤﻴﺤة ﻋنﺪ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وتﺴﻬﻴﻼ ﻟﺪراﺳة اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ رأﻳﺖ تﻘﺴﻴم اﻟﻔصﻞ إﱃ ثﻼثة‬
‫مﺒﺎﺣﺚ‪ ،‬تﺒعﺎ ﳌﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠمنﻬج اﻟﻮجﺪاﱐ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠمنﻬج اﻟعﻘﻠﻲ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠمنﻬج اﳊﺴﻲ‬

‫‪251‬‬
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﻮﺟﺪاﱐ)*(‪.‬‬
‫ﻳعﺘمﺪ اﳌنﻬج اﻟﻮجﺪاﱐ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﱵ تﺴﺘﺜﲑ اﳌﺸﺎﻋﺮ‪ ،‬وﲢﺮك اﻟﻮجﺪان‪،‬‬
‫واﻟعﻮاﻃﻒ اﻟﻜﺎمنة ﰲ اﻟﻔﻄﺮة اﻹنﺴﺎنﻴّة؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻮﻇﻒ ﻫﺬه اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﻔﻄﺮﻳّة‬
‫ﰲ دﻋﻮته‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺳنﺘعﺮف ﻋﻠﻴه ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من مﻼﺑﺴﺎت‪ ،‬ووﻗﺎﺋع‬
‫من ﺧﻼل مﺮو ﺎ اﻟﻮاردة ﰲ اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫وﳝﻜن أن أﲨﻞ ﻫﺬه أﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﻬج اﻟﻮجﺪاﱐ ﰲ مﻄﻠﺒﲔ وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻮﻋﻈﺔ اﳊﺴﻨﺔ‬
‫تعﺪ اﳌﻮﻋﻈة من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﳌﻬمة اﻟﱵ وﻇﻔﻬﺎ اﻟﺪﻋﺎة ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳخ ﰲ دﻋﻮا م‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ‬
‫ذﻟﻚ واﺿﺤﺎ ﻋنﺪ تﺘﺒع ﻗصﺺ اﻷنﺒﻴﺎء ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ووﻇﻔﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ دﻋﻮته ﰲ مﻮاﻗﻒ‬
‫ﻛﺜﲑة من ﺳﲑته‪.1‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﳌﻐﺎزي ﻗﺪ ﺷﻐﻠﺖ ﺣﻴﺰا ﻟﻴﺲ ﻟﻘﻠﻴﻞ من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﳌﺒﺎرﻛة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲣﻠﻠﻬﺎ اﻟﻮﻋﻆ من‬
‫ﺣﲔ ﻵﺧﺮ‪ ،‬ﰲ أﺷﻜﺎل وﺑﻮﺳﺎﺋﻞ مﺘنﻮﻋة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أتنﺎول أﻫم أﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌﻮﻋﻈة اﳊﺴنة من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫)*(‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬وأﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ‪ ،‬ووﺳﺎﺋﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﳌنﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻫﻲ اﻟنﻈم واﳋﻄط اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻫﻲ‬
‫ﻫنﺎك تﺮاﺑط ﺑﲔ منﺎﻫج ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة من‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة إﱃ تﻄﺒﻴق منﺎﻫج ّ‬
‫ﻛﻴﻔﻴﺎت وﻃﺮق تﻄﺒﻴق تﻠﻚ اﻟنﻈم‪ ،‬واﳋﻄط‪ ،‬وأمﺎ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻓﻬﻲ مﺎ ﻳﺘﻮﺻﻞ ﺑه ّ‬
‫أمﻮر معنﻮﻳّة‪ ،‬أو مﺎ دﻳّة‪ ،‬وأﻏﻠﺐ من ﺻنﻔﻮا ﰲ اﳌنﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻋﺘمﺪوا اﻟﺘصنﻴﻒ اﻟﻔﻄﺮي اﻟﺬي ﻳنﻄﻠق من مﻜﻮ ت اﻹنﺴأ ّن‬
‫اﻟﺮﺋﻴﺴﻴّة‪:‬اﻟﻮجﺪان‪ ،‬واﻟعﻘﻞ‪ ،‬واﳊﺲ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ اﳌﺰﻳﺪ من اﻟﺘﻔصﻞ ﳍﺬه اﳌصﻄﻠﺤﺎت‪ :‬اﻟﺒﻴﺎنﻮﱐ‪ ،‬اﳌﺪﺧﻞ إﱃ ﻋﻠم ا ّﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪،281 ،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.07‬‬ ‫‪ ،194 ،241‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫واﳌنﻬج اﻟﻮجﺪان اﳌﺮادﺑه اﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺬي ﻳﻮﻇﻒ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﺜﲑ اﻟعﻮاﻃﻒ واﻻنﻔعﺎﻻت واﳌﺸﺎﻋﺮ‪،‬‬
‫واﻷﺣﺎﺳﻴﺲ‪ ،‬أمﺎ اﳌنﻬج اﻟعﻘﻠﻲ ﻳﻮﻇﻒ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﱵ ﲣﺎﻃﺐ اﻟعﻘﻞ وتﺜﲑ اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﰲ ﺣﲔ ﻳعﲎ اﳌنﻬج اﳊﺴﻲ ﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﱵ‬
‫تﺜﲑ اﳊﻮاس‪ ،‬جﺎء ﰲ اﳌعﺠم اﻟﻮﺳﻴط‪ ) ":‬اﻟﻮجﺪان ( ) ﰲ اﻟﻔﻠﺴﻔة ( ﻳﻄﻠق أوﻻ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ إﺣﺴﺎس أوﱄ ﻟﻠﺬة أو اﻷﱂ و نﻴﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺿﺮب من اﳊﺎﻻت اﻟنﻔﺴﻴّة من ﺣﻴﺚ ثﺮﻫﺎ ﻟﻠﺬة أو اﻷﱂ ﰲ مﻘﺎﺑﻞ ﺣﺎﻻت أﺧﺮى ﲤﺘﺎز ﻹدراك واﳌعﺮﻓة "ﳎمع اﻟﻠﻐة‬
‫اﻟعﺮﺑﻴّة‪ ،‬اﳌعﺠم اﻟﻮﺳﻴط‪.(1013/2) ،‬‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ واﻗعنﺎ اﳌعﺎﺻﺮ‪،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ص‪ ،38‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﻫنﺪاوي‪ ،‬منﻬج ّ‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت ﰲ رﻳخ ّ‬
‫ص‪.88‬‬
‫‪252‬‬
 ‫‪1‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻮﻋﻆ ﳋﻄﺎﺑﺔ‬
‫تعﺘﱪ اﳋﻄﺎﺑة من أﻫم اﻟﻔنﻮن اﻹﻋﻼمﻴة اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻘﻮﻟﻴّة اﻟﱵ ﻳﺘﻮﺻﻞ من ﺧﻼﳍﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة إﱃ‬
‫إﱃ تﺒﻠﻴغ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﻟﺘأثﲑ ﻓﻴﻬم‪ ،‬وإﻗنﺎﻋﻬم ﻋﺎﻃﻔﻴﺎ وﻋﻘﻠﻴﺎ ﲟﻀﺎمﻴنﻬﺎ‪.2‬‬
‫ﻟﺬا وﻇﻔﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ دﻋﻮته ﰲ اﻟﺴﻔﺮ واﳊﻀﺮ‪ ،‬واﻟﺴﻠم‪ ،‬واﳊﺮب‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ أورد ﺑعﺾ اﳋﻄﺐ‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ جﺎءت ﰲ ﺳﻴﺎق اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من ﺧﻼل اﻟصﺤﻴﺢ؛ مﱪزا مﺎ تﻀمنﺘه من‬
‫أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﺧﺎﺻة اﻟعﺎﻃﻔﻴّة منﻬﺎ‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺧﻄﺒﺔ ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‬
‫من اﳋﻄﺐ اﻟﱵ أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات ﺧﻄﺒة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺧﻄﺒة منﺎﺳﺒة ﻟﻠمﻘﺎم‬
‫من ﺣﻴﺚ اﳌعﺎﱐ واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪.‬‬
‫وﺳﻮف ﻳﺘﺒﲔ ذﻟﻚ من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻧﺺ اﳋﻄﺒﺔ‪:‬‬
‫ﻮث إِ َﱃ َم ﱠﻜةَ‪ :‬اﺋْ َﺬ ْن ِﱄ أَﻳـﱡ َﻬﺎ اﻷ َِم ُﲑ‬ ‫ٍ‬ ‫ﻋن أَِﰊ ﺷﺮﻳ ٍﺢ اﻟع َﺪ ِو ِي‪ ،‬أنه ﻗَ َ ِ‬
‫ﺚ اﻟﺒُـ ُع َ‬‫ﺎل ﻟ َع ْم ِﺮو ﺑْ ِن َﺳعِﻴﺪ َوُﻫ َﻮ ﻳَـْﺒـ َع ُ‬ ‫ُ َْ َ ّ ُ‬ ‫َْ‬
‫ي‪ ،‬وَو َﻋﺎهُ ﻗَـْﻠِﱯ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اﻷ َِمﲑ أُﺣ ِّﺪثْﻚ ﻗَـﻮًﻻ ﻗَﺎم ﺑِِه رﺳ ُ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪‬ﻟْﻠﻐَﺪ م ْن ﻳَـ ْﻮم اﻟ َﻔْﺘ ِﺢ‪ ،‬ﻓَ َﺴم َعْﺘهُ أُذُ َ َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َُ‬
‫ﺎل‪ " :‬أن َﻣ ﱠﻜﺔَ َﺣ ﱠﺮَﻣ َﻬﺎ ا ﱠُ َوَﱂْ ُﳛَ ِّﺮْﻣ َﻬﺎ‬‫ﲪ َﺪ ا ﱠَ َوأَثْـ َﲎ َﻋﻠَْﻴ ِه‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫وأَﺑصﺮتْه ﻋﻴـنَﺎي ِﺣﲔ تَ َﻜﻠﱠم ﺑِِه‪ ،‬أنه َِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ َ ُ َْ َ َ َ‬
‫ﻚ ِ ﺎ َدﻣﺎ‪ ،‬وﻻَ ﻳـ ْﻌ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َﺣ ٌﺪ‬
‫ﻀ َﺪ َﺎ َﺷ َﺠ َﺮًة‪ ،‬ﻓَإن أ َ‬ ‫َ‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَﻼَ َﳛ ﱡﻞ ﻻ ْﻣ ِﺮ ٍئ ﻳـُ ْﺆﻣ ُﻦ ِ ﱠ َواﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ أن ﻳ ْﺴﻔ َ َ ً‬ ‫ُﳛَ ِّﺮْﻣ َﻬﺎ اﻟﻨ ُ‬
‫ِ‬ ‫ﺎل رﺳ ِ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَـ ُﻘﻮﻟُﻮا ﻟَﻪُ‪ :‬أن ا ﱠَ أ َِذ َن ﻟَِﺮ ُﺳﻮﻟ ِﻪ ‪ ،‬وَﱂْ َْذَ ْن ﻟَ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬وأﳕَﺎ أ َِذ َن ِﱄ َﺳ َ‬
‫ﺎﻋﺔً‬ ‫أَﺣ ٌﺪ ﺗَـﺮﺧ ِ ِ‬
‫ﱠﺺ ﻟﻘﺘَ ِ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ﺐ " ﻓَ ِﻘﻴﻞ ِﻷَِﰊ ُﺷﺮﻳْ ٍﺢ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ﺸﺎﻫ ُﺪ اﻟﻐَﺎﺋ َ‬
‫ﺲ‪ ،‬وﻟْﻴـﺒـﻠِّ ِﻎ اﻟ ﱠ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُﺣ ْﺮَﻣﺘُـ َﻬﺎ اﻟﻴَـ ْﻮ َم َﻛ ُﺤ ْﺮَﻣﺘ َﻬﺎ ِ ﻷ َْﻣ ِ ُ َ‬
‫ﺳ ِ‬
‫ﺎﻋﺔً ﻣ ْﻦ ﻧَـ َﻬﺎ ٍر‪ ،‬وﻗَ ْﺪ َﻋ َ‬
‫ﺎد ْ‬ ‫َ َ‬
‫ﻚ أَ ُﺷﺮﻳ ٍﺢ‪ ،‬أن اﳊﺮم ﻻَ ﻳعِﻴ ُﺬ ﻋ ِ‬
‫ﺎﺻﻴًﺎ‪ ،‬وﻻَ ﻓَﺎرا ﺑِ َﺪٍم‪،‬‬ ‫ﻚ ﻋمﺮو؟ ﻗَ َﺎل‪ :‬أَ َ أ َْﻋﻠَم ﺑِ َﺬﻟِ َ ِ‬
‫ََ َ ُ َ‬ ‫ﻚ مْن َ َ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َمﺎ ﻗَ َﺎل ﻟَ َ َ ْ ٌ‬
‫ﺑِ َﺪٍم‪ ،‬وﻻَ ﻓَﺎرا ِﲞُْﺮﺑٍَة‪ُ ،‬ﺧ ْﺮﺑَةٌ‪ :‬ﺑَﻠِﻴّة ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬اﳌﻮﻋﻈﺔ‪ :‬ﻫﻲ تﺬﻛﲑ ّ‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ونصﺤﻬم ﲟﺎ ﻳﻠﲔ وﻳﺮﻗق ﻗﻠﻮ م من ثﻮاب وﻋﻘﺎب‪ ،‬وزجﺮ وﲣﻮﻳﻒ‪ ،‬ﻗصﺪ اﻟﱰﻏﻴﺐ‬
‫ﰲ اﳋﲑ واﻟﺘنﻔﲑ من اﻟﺸﺮ‪ ،‬ﻟﻠﺘأثﲑ ﰲ اﻟﻮجﺪان واﻟعﻮاﻃﻒ‪ ،‬وﻛﺒﺢ ﲨﺎح اﻟنﻔﻮس اﳌﺘمﺮدة‪ ،‬وز دة اﻟنﻔﻮس اﳌﻬﺬﺑة إﳝﺎ ً وﻫﺪاﻳّة‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪ ،(96/6) ،‬اﺑن منﻈﻮر‪ ،‬ﻟﺴأ ّن اﻟعﺮب‪ ،(466/7) ،‬اﻟﺮاﻏﺐ‪ ،‬مﻔﺮدات ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮآن‪،‬‬
‫)‪ ،(527/1‬اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻛﻴﻔﻴّة دﻋﻮة ﻋصﺎة اﳌﺴﻠمﲔ إﱃ ا ﱠ تعﺎﱃ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪،‬‬
‫اﻟﺮ ض)‪.(5/1‬‬
‫‪ -2‬ﻋﺎﻃﻒ رﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺻﻮر اﻹﻋﻼم اﻹﺳﻼمﻲ‪.47 ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب منﺰل اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،(149/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4044 :‬‬
‫‪253‬‬
 ‫‪ .2‬اﳌﻀﺎﻣﲔ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴّﺔ ﰲ اﳋﻄﺒﺔ‬
‫ﻋنﺪ اﻟﺘأمﻞ ﰲ اﳋﻄﺒة ﳒﺪﻫﺎ تﺘﻀمن ﲨﻠة من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﺎﻃﻔﻴّة ﳝﻜن أن أﳋصﻬﺎ ﰲ‬
‫اﻟنﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﺑﺮاﻋﺔ اﻻﺳﺘﻬﻼل‬
‫ﻗﺪ اﺳﺘﻬﻠﺖ اﳋﻄﺒة ﳊمﺪ واﻟﺜنﺎء‪ ،‬ﻻ ﺷﻚ أن ذﻟﻚ ﻳﺜﲑ ﻋﺎﻃﻔة اﳌﺆمن؛ ﳌﺎ ﻓﻴﻬﺎ من تعﻈﻴم ﷲ‪،‬‬
‫وﻫﺬا ﻫﺪﻳه ‪ ‬ﰲ ﻛﻞ ﺧﻄﺒه‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ":‬وﻛﺎن ﻻ ﳜﻄﺐ ﺧﻄﺒة إﻻ اﻓﺘﺘﺤﻬﺎ ﲝمﺪ ﷲ"‪.1‬‬
‫ب‪ .‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻣﻜﺔ‪ ،‬وﺣﺮﻣﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﷲ‬
‫وﻳﺆﺧﺬ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮي من ﻗﻮﻟه ‪» :‬أن ﻣﻜﺔ ﺣﺮﻣﻬﺎ ﷲ‪ ،‬وﱂ ﳛﺮﻣﻬﺎ اﻟﻨﺎس«‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن‪:‬‬
‫اﳌﻠﻘن‪ :‬ومعنﺎه‪ ":‬تﻔﻬﻴم اﳌخﺎﻃﺒﲔ تعﻈﻴم ﻗﺪر مﻜة ﺑﺘﺤﺮﱘ ﷲ تعﺎﱃ إ ﻫﺎ‪ ،‬ونﻔﻲ مﺎ ﻳعﺘﻘﺪه‬
‫اﳉﺎﻫﻠﻮن وﻏﲑﻫم من أ م ﳛﺮمﻮا وﳛﻠﻠﻮا‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﺮمﻮا أﺷﻴﺎء من ﻗﺒﻞ أنﻔﺴﻬم‪ ،‬وأﻛﺪ ذﻟﻚ اﳌعﲎ‬
‫ﺑﻘﻮﻟه‪" :‬وﱂ ﳛﺮمﻬﺎ اﻟنﺎس"‪.2‬‬
‫ج‪ .‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻷﺧﺮة‬
‫من اﳌﻀﺎمﲔ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ جﺎءت ﰲ اﳋﻄﺒة اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻵﺧﺮة؛ ﳌﺎ ﳍﺎ من أثﺮ ﰲ ﺳﻠﻮك اﳌﺪﻋﻮﻳن‪،‬‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن‪" :‬من آمن ﻟﺰمه ﻃﺎﻋﺘه‪ ،‬ومن آمن ﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ ﻟﺰمه اﻟﻘﻴﺎم ﲟﺎ وجﺐ‬
‫وجﺐ ﻋﻠﻴه‪ ،‬واجﺘنﺎب مﺎ ﻲ ﻋنه ﳐﻠصﺎ ﺧﻮف اﳊﺴﺎب ﻋﻠﻴه"‪.3‬‬
‫د‪ .‬ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ اﳋﻄﺒﺔ ﻟﻠﻤﻘﺎم‪ :‬أن مﺮاﻋﺎة اﳌنﺎﺳﺒة اﻟﺰمﺎنﻴّة‪ ،‬واﳌﻜﺎنﻴّة ﻟه أثﺮه اﻟعﺎﻃﻔﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﻞ اﻟنﱯ‬
‫‪ ‬ﻫﺬه اﳌنﺎﺳﺒة ﻟﻴخﺎﻃﺐ ﻗﺮﻳﺶ مﺬﻛﺮا إ ﻫم ﲝﺮمة اﻟﺒﻠﺪ اﳊﺮام‪ ،‬وﺣﺮمة اﻷﺷﻬﺮ اﳊﺮم‪ ،‬وﻫﺬا من‬
‫ﺷأنه أن ﳛﺮك مﺸﺎﻋﺮﻫم‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﳋﻄﺒة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻛﺎنﺖ ﺧﻄﺒة منﺎﺳﺒة ﻟﻠﺒعﺪ اﻟعﺎﻃﻔﻲ من ﻋﺪة أوجه‪ ،‬من ﺣﻴﺚ اﻟﺸﻜﻞ‬
‫واﳌﻀمﻮن واﻷﺳﻠﻮب‪.‬‬

‫‪ -1‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪.(179/1) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(519/3) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺮجع نﻔﺴه‪.(519/3) ،‬‬
‫‪254‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺧﻄﺒﺔ ﲟﻨﺎﺳﺒﺔ وﻓﺪ ﻫﻮازن‬
‫من اﳋﻄﺐ اﻟﻮاردة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﺧﻄﺒة اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﱵ أﻟﻘﺎه ﻋﻠﻰ اﳌﻬﺎجﺮﻳن‪ ،‬واﻷنصﺎر ﻳﺮﻏﺒﻬم‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺮد ﻏنﺎﺋم ﻫﻮازن‪ ،‬ﺑعﺪمﺎ وﻓﺪوا إﻟﻴه ﻳﻠﺘمﺴﻮن منه رد ﺳﺒﻴﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى منﺎﺳﺒة‬
‫ﻟﻠمﻘﺎم من ﺣﻴﺚ اﳌﺒﲎ‪ ،‬واﻷﺳﻠﻮب‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﺘﻀﺢ من ﺧﻼل اﻵﰐ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻧﺺ اﳋﻄﺒﺔ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫ﻗﺪ أورد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻫﺬه اﳋﻄﺒة ﰲ ﺳﻴﺎق اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن اﳌﺴﻮر ﺑن ﳐﺮمة‪ ،‬أن َر ُﺳ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬ﻓَ َﺴأَﻟُﻮهُ أن ﻳ ُﺮﱠد إِﻟَْﻴ ِﻬ ْم أ َْم َﻮا َﳍُْم َو َﺳْﺒـﻴَـ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮل‬
‫ﺎل َﳍُْم َر ُﺳ ُ‬ ‫ﲔ َجﺎءَهُ َوْﻓ ُﺪ َﻫ َﻮا ِز َن ُم ْﺴﻠم َ‬ ‫‪ ‬ﻗَ َﺎم ﺣ َ‬
‫ﲔ‪ :‬إِ ﱠﻣﺎ اﻟ ﱠ‬‫ﺎروا إِ ْﺣ َﺪى اﻟﻄﱠﺎﺋَِﻔﺘَـ ْ ِ‬ ‫ﺐ اﳊ ِﺪ ِ‬
‫ﻳﺚ إِ َﱠﱄ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫رﺳ ُ ِ‬
‫ﱯ‪،‬‬ ‫ﺴ َْ‬ ‫َﺻ َﺪﻗُﻪُ‪ ،‬ﻓَﺎ ْﺧﺘَ ُ‬ ‫َﺣ ﱡ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪َ » :‬ﻣﻌﻲ َﻣ ْﻦ ﺗَـ َﺮْو َن‪ ،‬وأ َ‬ ‫َُ‬
‫ﲔ ﻗَـ َﻔ َﻞ ِم َن‬ ‫ِ‬
‫ﻀ َع َﻋ ْﺸَﺮَة ﻟَْﻴـﻠَ ًة ﺣ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﺑِ ْ‬ ‫ﺖ ﺑِ ُﻜ ْﻢ «‪ ،‬وﻛﺎ َنْﻈََﺮُﻫ ْم َر ُﺳ ُ‬ ‫اﺳﺘَﺄْﻧَـ ْﻴ ُ‬
‫ﺖ ْ‬ ‫ﺎل‪ ،‬وﻗَ ْﺪ ُﻛ ْﻨ ُ‬ ‫وإِ ﱠﻣﺎ اﳌَ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﻓَأ َﳔْﺘَ ُﺎر‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﻏْﻴـﺮ ر ٍّاد إِﻟَْﻴ ِﻬم إِﱠﻻ إِ ْﺣ َﺪى اﻟﻄﱠﺎﺋَِﻔﺘَـ ْ ِ‬ ‫ﲔ َﳍُْم أن َر ُﺳ َ‬ ‫ﻒ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ تَـﺒَـ ﱠ َ‬ ‫اﻟﻄﱠﺎﺋِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬ﻓَأَثْـ َﲎ َﻋﻠَﻰ ا ﱠِ ِﲟَﺎ ُﻫ َﻮ أ َْﻫﻠُهُ ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ﺳﺒـﻴـنَﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎم رﺳ ُ ِ‬
‫ﺎل‪» :‬أَ ﱠﻣﺎ ﺑَـ ْﻌ ُﺪ‪ ،‬ﻓَﺄن‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ِ ‬ﰲ اﳌُ ْﺴﻠم َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﻚ‬‫ﺐ ذَﻟ َ‬ ‫ﺐ ﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ أن ﻳﻄَﻴّ َ‬ ‫َﺣ ﱠ‬ ‫ﺖ أن أ َُر ﱠد إﻟَْﻴ ِﻬ ْﻢ َﺳ ْﺒـﻴَـ ُﻬ ْﻢ‪ ،‬ﻓَ َﻤ ْﻦ أ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬وأﱐ ﻗَ ْﺪ َرأَﻳْ ُ‬ ‫إ ْﺧ َﻮاﻧَ ُﻜ ْﻢ ﻗَ ْﺪ َﺟﺎءُوَ َ ﺋﺒ َ‬
‫ﱠﺎس‪:‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وﻣﻦ أَﺣ ﱠ ِ‬
‫ﻲء ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ ﻓَـ ْﻠﻴَـ ْﻔ َﻌ ْﻞ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟن ُ‬
‫ﺐ ﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ أن ﻳ ُﻜﻮ َن َﻋﻠَى َﺣﻈّﻪ َﺣ ﱠﱴ ﻧـُ ْﻌﻄﻴَﻪُ إ ﱠ ﻩُ ﻣ ْﻦ أَ ﱠول َﻣﺎ ﻳُﻔ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ﻚ ِﳑﱠ ْﻦ َﱂْ َْذَ ْن‪،‬‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪» :‬أ ﻻَ ﻧَ ْﺪ ِري َﻣ ْﻦ أ َِذ َن ِﻣﻨْ ُﻜ ْﻢ ِﰲ ذَﻟِ َ‬
‫ﺎل رﺳ ُ ِ‬ ‫ﻗَ ْﺪ ﻃَﻴﱠـﺒـنَﺎ ذَﻟِﻚ رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ َ ُ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ْ‬
‫َْ َذ ْن‪ ،‬ﻓَ ْﺎرِﺟ ُﻌﻮا َﺣ ﱠﱴ ﻳَـ ْﺮﻓَ َﻊ إِﻟَْﻴـﻨَﺎ ﻋُﺮﻓَﺎ ُؤُﻛ ْﻢ أ َْﻣﺮُﻛ ْﻢ« ﻓَـﺮجع اﻟنﱠﺎس‪ ،‬ﻓَ َﻜﻠﱠمﻬم ﻋُﺮﻓَ ُﺎؤُﻫم‪ ،‬ﰒُﱠ رجعﻮا إِ َﱃ رﺳ ِ‬
‫ﻮل‬ ‫َُ‬ ‫َُْ َ ْ ََُ‬ ‫َََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َﺧﺒَـُﺮوهُ أ ُْم ﻗَ ْﺪ ﻃَﻴﱠـﺒُﻮا َوأ َِذنُﻮا َﻫ َﺬا اﻟﱠ ِﺬي ﺑَـﻠَﻐَِﲏ َﻋ ْن َﺳ ِْﱯ َﻫ َﻮا ِز َن ‪.1‬‬ ‫رﺳ ِ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﻓَأ ْ‬ ‫َُ‬
‫‪ .2‬اﳌﻀﻤﻮن اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ‬
‫ﺑﺮد ﺳﱯ إﺧﻮا م‪ ،‬اﻟﺬﻳن أﺳﻠمﻮا‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة ّ‬ ‫ﻗﺪ تﻀمنﺖ اﳋﻄﺒة اﻟﱵ أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ ّ‬
‫من ﻫﻮازن أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﺎﻃﻔﻴّة ﻛﺜﲑة‪ ،‬أﲨﻞ ﺑعﻀﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﻘﺪﱘ ﻣﺎ ﺣﻘﻪ اﻟﺘﻘﺪﱘ‬
‫وﻫﻮ أﺳﻠﻮب ﺑﻴﺎﱐ ﻟه ﻟغ اﻷثﺮ ﰲ اﻻﺳﺘمﺎﻟة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺪم ‪ ‬رد اﻟﺴﱯ ﻋﻠﻰ إمﺴﺎﻛه‪ ،‬وﻫﻮ‬
‫َ ُ ُ َ َْ َ‬
‫ون أم َ ٰل ُهم‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ ِين ين ِفق‬ ‫أﺳﻠﻮب ﻗﺮآﱐ ﰲ ﺑﻴﺎن اﻟﻔﺎﺿﻞ من اﳌﻔﻀﻮل‪ ،‬وتﺮتﻴﺐ اﻷوﻟﻮ ت‪ ،‬ﻗﺎل‬

‫َُ ُ‬ ‫َ ََْ ُ َْ َ ْ َ َْ ُ ْ َ ْ‬
‫ك ْم ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،(153/5) ،[26 :‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬ ‫ت‬ ‫چ ٱو وم حن ٍ ذ عجبتكم ك‬ ‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‬
‫‪.4064‬‬
‫‪255‬‬
‫چ‬ ‫َ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫َ َ ٌْ َ َْ‬ ‫َ ّ‬ ‫ٗ َ ّ ََُ ُ ٓ َ ْ ُ‬
‫ﺎر ِ ّ ا َوع نِية فلهمۥ أج ُره ْم عِند َر ِ ِه ْم َوﻻ خوف علي ِه ْم َوﻻ ه ْم يح َزن ۖ‬
‫ون‬ ‫ه‬ ‫ا‬‫و‬‫أَ ْم َ ٰلَ ُهم بﺎ ْل َ‬
‫۪ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫]اﻟﺒﻘﺮة‪.[273:‬‬
‫‪.2‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻷﺧﻮة‬
‫ﻻ رﻳﺐ أن اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻷﺧﻮة اﻹﳝﺎنﻴّة ﻟه ثﲑ ﻋﺎﻃﻔﻲ‪ ،‬ووجﺪاﱐ ﻋﻈﻴم اﻷثﺮ ﰲ نﻔﻮس اﳌخﺎﻃﺒﲔ؛‬
‫َ ُْ ُ َ ْ َ‪ٞ‬‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱأنمﺎ لمومِنون إِخوة‬ ‫من أجﻞ ذﻟﻚ اﺳﺘعمﻠه اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ اﻹﺻﻼح ﺑﲔ اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫َ َ ُ ُ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ ُ ْ ََْ َ َ َْ ُ ْ َ ُ ْ‬
‫ﷲ لعلك ْم ت ْرحم ۖ‬
‫ون چ ]اﳊﺠﺮات‪.[10 :‬‬ ‫فﺄصلِحوا أخو ك ۖم وا قوا‬

‫‪ :‬ٱچ يُحِ ب‬ ‫وﻗﺪ وﻇﻔه ﰲ مﻮﺿع ﰲ نﻔﺲ اﻟﺴﻮرة ﻟﻠﱰﻫﻴﺐ من ﻏﻴﺒة اﻷخ اﳌﺆمن‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‬
‫َ َ ‪ٞ‬‬ ‫كر ْه ُت ُم ُ َ ُ ْ َ‬‫َّ ٗ َ َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫ِيم ‪ ٞ‬چ ] اﳊﺠﺮات‪.[12 :‬‬
‫ﷲ أن ﷲ تواب رح ۖ‬
‫وه وا قوا ۖ‬
‫ۖ‬ ‫ف‬ ‫تﺎ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِي‬
‫خ‬ ‫أ‬ ‫ك ُم ٓۥ أن يﺎكل لح َ‬
‫م‬ ‫أحد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻓﺘﺬﻛﲑ اﳌﺪﻋﻮ ﻷﺧﻮة اﻹﳝﺎنﻴّة من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ تﺆثﺮ ﰲ وجﺪان اﳌﺆمن؛ ﳑﺎ ﳚعﻠه ﻳﻐﲑ‬
‫ﻳﻐﲑ من تصﺮﻓﺎته وﺳﻠﻮﻛﻴﺎته ﲡﺎه إﺧﻮانه اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﺆﻛﺪه ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وﳑﺎ ﻳﱰتﺐ‬
‫ﻳﱰتﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷﺧﻮة أن ﻳﻜﻮن اﳊﺐ واﻟﺴﻼم واﻟﺘعﺎون واﻟﻮﺣﺪة ﻫﻲ اﻷﺻﻞ ﰲ اﳉمﺎﻋة‬
‫اﳌﺴﻠمة"‪.1‬‬
‫‪.3‬اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ واﻻﺣﱰام‬
‫أن ﳑﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ اﻟﺪاﻓعﻴّة اﻟعﺎﻃﻔﻴّة تﻘﺪﻳﺮ اﳌﺪﻋﻮ واﺣﱰام ﺣﺮﻳﺘه وﻋﺪم إﻟﺰامه وﳑﺎرﺳة اﻟﺴﻠﻄة ﻋﻠﻴه‪،‬‬
‫ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓﻬﺬه اﻷﺧﻼق اﻟعﻈﻴمة ﻫﻲ اﻟﱵ ﻛﺴﺐ ﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ َُ ْ َ َْ ُ َ َ ّ ً َ َ َْ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ب ﻻنفضوا م ِْن‬
‫ﷲ ِ ت له ۖم و و كنت ظﺎ ﻏلِيظ لقل ِ‬‫ح َمةٖ ّم َِن ِ‬ ‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱفبِمﺎ ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِكۖ فَﺎ ْ ُف َ نْ ُه ْم َو ْاستَ ْغ ِف ْر ل ُه ْم َو َش ِﺎو ْر ُه ْم ِ ﻻ ْم ِر چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[159 :‬ﻓﺘﻠﻚ اﻷﺧﻼق اﻟعﺎﻟﻴّة ﻫﻲ‬
‫َ ْ َ‬
‫حو‬
‫اﻟﻠﻐة اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﱵ تعﺰو اﻟﻘﻠﻮب و ﺰﻫﺎ من أﻋمﺎﻗﻬﺎ وﲡﺬب اﻟنﻔﻮس‪ ،‬ﳓﻮ اﳋﲑ ﻃﻮاﻋﻴّة‪.2‬‬
‫‪ .4‬ﻟﻴف اﻟﻘﻠﻮب‬
‫من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﻟﻴﻒ اﻟﻘﻠﻮب وﻳﺆﺧﺬ من ﻗﻮﻟه ‪ ":‬جﺎؤو ﺋﺒﲔ"‪ ،‬ﻓﺬﻛﺮ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﳌﺴﺆوﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﲡﺎه اﳌﺴﻠمﲔ اﳉﺪد‪ ،‬اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺘﺤمﻠﻬﺎ اﳉمﻴع؛ﻟﻜﻮن اﳌﺆﻟﻔة‬ ‫ّ‬
‫ﻗﻠﻮ م إﳝﺎ م ﻟﻴﺲ ﺑﺜﺎﺑﺖ‪ ،‬ﻳﺪارون ﳌﺎل‪ ،‬ﻟﻴﺜﺒﺘﻮا ﻋﻠﻴه‪.3‬‬

‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3343/6) ،‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ واﻟعﻼﻗﺎت اﻹنﺴﺎنﻴّة منﻬﺎجﺎ ‪ ...‬وﺳﲑة‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪،‬‬
‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟعﻈﻴم إﺑﺮاﻫﻴم ﷴ اﳌﻄعﲏ‪ ،‬ﲰﺎﺣة اﻹﺳﻼم ﰲ ّ‬
‫ط‪ 1414 ،1‬ﻫـ‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ -3‬أﲪﺪ ﺑن ﷴ اﻟﻜﻮراﱐ‪ ،‬اﻟﻜﻮثﺮ اﳉﺎري إﱃ ر ض أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺒخﺎري‪.(322/7) ،‬‬
‫‪256‬‬
‫ﻗﺪ جﺎءت ﰲ ﻫﺬه اﳋﻄﺒة مﻀﺎمﲔ ﻋﺎﻃﻔﻴّة ﻋﺮﺿﺖ ﺳﻠﻮب وجﺪاﱐ مﺆثﺮ؛ ﳑﺎ جعﻠﻬﺎ ﲢﻘق‬
‫اﳍﺪف من إﻟﻘﺎﺋﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﺧﻄﺒﺔ ﺣﻨﲔ ﰲ اﻷﻧﺼﺎر‬

‫من اﳋﻄﺐ اﻟنّﺒﻮﻳّة ذات اﻟﺒعﺪ اﻟعﺎﻃﻔﻲ اﳋﻄﺒة اﻟﱵ ﺧﻄﺒﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻷنصﺎر ﻳﻮم ﺣنﲔ ﺣﲔ‬
‫وجﺪوا ﰲ أنﻔﺴﻬم إذ ﱂ ﻳعﻄﻮا من اﻟﻐنﻴمة‪ ،‬وأثﺮ ﻏﲑﻫم من اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﺺ اﳋﻄﺒة ومﺎ اﺷﺘمﻠﺖ ﻋﻠﻴه من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ واﳌﻀﺎمﲔ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة‪.‬‬
‫‪ .1‬ﻧﺺ اﳋﻄﺒﺔ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ أَﻓَﺎءَ ا ﱠُ َﻋﻠَﻰ َر ُﺳﻮﻟِِه‬ ‫ﺎﺻ ٍم‪ ،‬ﻗَ َ‬‫ﻗﺪ جﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋن ﻋﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑ ِن َزﻳ ِﺪ ﺑ ِن ﻋ ِ‬
‫ْ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺻﻠﱠﻰ ﷲ َﻋﻠَْﻴ ِه و َﺳﻠﱠم ﻳَـ ْﻮَم ُﺣنَـ ْ ٍ‬
‫ص َﺎر َﺷْﻴـﺌًﺎ‪ ،‬ﻓَﻜأ ُْم‬ ‫ﱠﺎس ِﰲ اﳌَُﺆﻟﱠَﻔة ﻗُـﻠُﻮﺑـُ ُﻬ ْم‪ ،‬وَﱂْ ﻳـُ ْعط اﻷَنْ َ‬ ‫ﲔ‪ ،‬ﻗَ َﺴ َم ِﰲ اﻟن ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ﻓَﻜأ ُْم َو َج ُﺪوا إِ ْذ َﱂْ ﻳُصْﺒـ ُﻬ ْم َمﺎ أ َ‬
‫ﺿ ﱠﻼ ًﻻ‬ ‫ﺸﺮ اﻷَﻧْﺼﺎ ِر‪ ،‬أَ َﱂ أ ِ‬
‫َﺟ ْﺪ ُﻛ ْﻢ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ﺎل‪َ َ » :‬ﻣ ْﻌ َ َ‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَ َخﻄَﺒَـ ُﻬ ْم ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺎب اﻟن َ‬‫َﺻ َ‬
‫ِ ﱠ‬
‫ﺿ ﱠﻼًﻻ ﻓَـ َﻬ َﺪا ُﻛ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ‪ ،‬وُﻛْﻨـﺘُ ْﻢ ُﻣﺘَـ َﻔ ِّﺮﻗ َﲔ ﻓَﺄَﻟ َﻔ ُﻜ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ‪ ،‬و َﻋﺎﻟَﺔً ﻓَﺄَ ْغﻨَﺎ ُﻛ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ« ُﻛﻠﱠ َمﺎ ﻗَ َﺎل َﺷْﻴـﺌًﺎ ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ا ﱠُ‬
‫ُ‬
‫ﺎل‪ُ :‬ﻛﻠﱠ َمﺎ ﻗَ َﺎل َﺷْﻴـﺌًﺎ‪،‬‬ ‫ﺻﻠﱠى ﷲُ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ َو َﺳﻠﱠ َﻢ«‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻣﺎ ﳝَْﻨـﻌ ُﻜﻢ أن ِﲡﻴﺒﻮا رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُهُ أ ََم ﱡن‪ ،‬ﻗَ َ َ َ ُ ْ‬
‫ﱠﺎس‬
‫ﺐ اﻟﻨ ُ‬ ‫ﺿ ْﻮ َن أن ﻳ ْﺬ َﻫ َ‬ ‫ﺎل‪ » :‬ﻟَ ْﻮ ِﺷْﺌـﺘُ ْﻢ ﻗُـﻠْﺘُ ْﻢ‪ِ :‬ﺟ ْﺌـﺘَـﻨَﺎ َﻛ َﺬا َوَﻛ َﺬا‪ ،‬أَﺗَـ ْﺮ َ‬
‫َﺷْﻴـﺌًﺎ‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُهُ أ ََم ﱡن‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺼﺎ ِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ﺻﻠﱠى ﷲُ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ َو َﺳﻠﱠ َﻢ إِ َﱃ ِر َﺣﺎﻟِ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻟَ ْﻮﻻَ اﳍِ ْﺠ َﺮةُ ﻟَ ُﻜْﻨ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِﻟ ﱠ ِ ِ‬
‫ﺖ ْاﻣ َﺮأً ﻣ َﻦ اﻷَﻧْ َ‬ ‫ﺸﺎة َواﻟﺒَﻌ ِﲑ‪ ،‬وﺗَ ْﺬ َﻫﺒُﻮ َن ﻟﻨِ ِّ‬
‫ﱠﱯ َ‬
‫ﱠﺎس ِد َ ٌر‪ ،‬أﻧ ُﻜ ْﻢ َﺳﺘَـ ْﻠ َﻘ ْﻮ َن‬
‫ﺎر َواﻟﻨ ُ‬
‫ﺖ و ِادي اﻷَﻧْﺼﺎ ِر و ِﺷﻌﺒـﻬﺎ‪ ،‬اﻷَﻧْﺼ ِ‬
‫ﺎر ﺷ َﻌ ٌ‬
‫َُ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ﺴﻠَ ْﻜ ُ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ﱠﺎس َواد ً َوﺷ ْﻌﺒًﺎ ﻟَ َ‬ ‫ﻚ اﻟﻨ ُ‬ ‫َﺳﻠَ َ‬
‫ض « ‪.1‬‬‫ﺎﺻِﱪُوا َﺣ ﱠﱴ ﺗَـ ْﻠ َﻘ ْﻮِﱐ َﻋﻠَى اﳊَْﻮ ِ‬
‫أُﺛْـ َﺮًة‪ ،‬ﻓَ ْ‬
‫‪ .2‬اﳌﻀﺎﻣﲔ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴّﺔ ﰲ اﳋﻄﺒﺔ‬
‫ﻗﺪ ﲣﻠﻞ ﻫﺬه اﳋﻄﺒة مﻀﺎمﲔ ﻋﺎﻃﻔﻴّة مﺆثﺮة‪ ،‬ﻋﺮﺿﺖ ﺳﻠﻮب نﺒﻮي ﺑﻠﻴغ‪ ،‬أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟنﻘﺎط‬
‫اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪.‬ﻧﺪاء اﳌﺨﺎﻃﺐ ﺣﺐ أﻟﻘﺎﺑﻪ‬
‫ﻓﻘﺪ دى اﻟنﱯ ‪ ‬اﻷنصﺎر ﺣﺐ أﻟﻘﺎ م اﻟﱵ ﳛﺒﻮ ﺎ‪ ،‬اﻟﱵ ﲰﺎﻫم ﷲ تعﺎﱃ ﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑه اﻟﻜﺮﱘ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ ُْ َ‬
‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱوال ٰبِقون ﻻو ون مِن لم ٰ ِ‬
‫ج ِر َن َواﻻ ۪‬
‫ﺎر چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.[101 :‬‬ ‫َ‬ ‫ﻓﻘﺎل‬
‫نص ِ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(157/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4075 :‬‬
‫‪257‬‬
 ‫ﻗﺎل اﳋﻄﺎﰊ‪ :‬رﲪه ﷲ‪" :‬أراد ﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﱡ َ‬
‫ﻒ اﻷنصﺎر‪ ،‬واﺳﺘﻄﺎﺑة نﻔﻮﺳﻬم‪ ،‬واﻟﺜنﺎء ﻋﻠﻴﻬم ﰲ‬
‫دﻳنﻬم"‪.1‬‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن آدم ﺑن مﻮﺳﻰ‪ ،‬مﺸﺎرق اﻷنﻮار اﻟﻮﻫﺎجة ومﻄﺎﻟع اﻷﺳﺮار اﻟﺒﻬﺎجة ﰲ ﺷﺮح ﺳنن اﻹمﺎم اﺑن مﺎجه‪ ،‬دار‬
‫اﳌﻐﲏ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪ 1427 ،1‬ﻫـ‪ 2006 ،‬م‪.(450/3) ،‬‬
‫‪258‬‬
 ‫ب‪.‬ﲢﻘﲑ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫م ن اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ اﺳﺘعمﻠﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬تﺰﻫﻴﺪﻫم ﰲ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي وجﺪوا ﻋﻠﻴه من‬
‫أجـﻠه‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﻐنﺎﺋم‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪" :‬أتﺮﺿﻮن أن ﻳﺬﻫﺐ اﻟنﺎس ﻟﺸﺎة واﻟﺒعﲑ‪ ،‬وتﺬﻫﺒﻮن ﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ‬
‫رﺣﺎﻟﻜم"‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﺒﲔ ﻟﻸنصﺎر ﻋن ﻃﺮﻳق اﳌﻘﺎﺑﻠة اﻟﻔﺮق اﻟﺸﺎﺳع ﺑﲔ اﳌﻐنم اﻟﺪنﻴﻮي‪ ،‬واﳌﻐنم‬
‫اﻷﺧﺮوي‪ ،‬وﻫﻮ رجﻮع رﺳﻮل ﷲ معﻬم ‪ ،‬وﻫﻮ أمﺮ ﻻ ﻳعﺪﻟه ﺷﻲء ﻋنﺪﻫم‪.‬‬
‫َ َ ْ َ ُ ْ ٓ‬
‫حيَ ٰوة ني۪ﺎ إِﻻ‬ ‫وﻫﺬا من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ تﻜﺮرت ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﳓﻮ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱومﺎ ل‬
‫ون ھ ٱٱچ ]اﻷنعﺎم‪ ،[33 :‬ﻓﺎﳊﻴﺎة اﻟﺪنﻴﺎ ﺣﲔ‬ ‫ون أَفَﻼ َ تَ ْع ِق ُ َ‬
‫ِب َولَ ْه ‪ٞ‬و َو َ ُار ﻻَخ َِر ُة َخ ْ ‪َ ُ َ َ ِّ ٞ‬‬
‫إﻻ لَع ‪ٞ‬‬
‫ۖ‬ ‫ِين ت ق ۖ‬ ‫ۖ‬ ‫ِ‬
‫تﻘﺎس ﲟﻘﺎﻳﻴﺴﻬﺎ تﺒﺪو ﰲ اﻟعﲔ وﰲ اﳊﺲ أمﺮا ﻋﻈﻴمﺎ ﻫﺎﺋﻼ‪ ،‬وﻟﻜنﻬﺎ ﺣﲔ تﻘﺎس ﲟﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻮجﻮد‬
‫وتﻮزن ﲟﻴﺰان اﻵﺧﺮة تﺒﺪو ﺷﻴﺌﺎ زﻫﻴﺪا ﻓﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﻫنﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘصﻮﻳﺮ تﺒﺪو ﻟعﺒة أﻃﻔﺎل ﻟﻘﻴﺎس إﱃ‬
‫إﱃ مﺎ ﰲ اﻵﺧﺮة من نعﻴم اﻟﺬي ﱂ ﳜﻄﺮ ﺑﻘﻠﺐ ﺑﺸﺮ‪.1‬‬
‫ج‪.‬ذﻛﺮ ﺧﺼﺎل اﳌﺪﻋﻮ‬
‫ﻓمن اﻟعﺒﺎرات اﻟﱵ ت ّﺪل ﻋﻠﻰ مﺪح اﻷنصﺎر ﻗﻮﻟه‪» :‬اﻷﻧﺼﺎر ﺷﻌﺎر واﻟﻨﺎس د ر«‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ‬
‫ﻋﻴﺎض‪ ":‬اﻟﺸعﺎر‪ :‬اﻟﺜﻮب اﻟﺬي ﻳﻠﻲ اﳉﺴﺪ‪ ،‬واﻟﺪ ر‪ :‬اﻟﺜﻮب اﻟﺬي ﻳﻠﻲ اﻟﺸعﺎر‪ ،‬ﻓمعنﺎه‪ :‬اﻷنصﺎر‬
‫ﻫم اﳋﺎﺻة واﻟﺒﻄﺎنة"‪.2‬‬
‫ﻓمﺪﺣﻬم ﺑﺘﺬﻛﲑﻫم ﺑﻘﺮ م ﺑﺮﺳﻮل ﷲ من ﺷأنه أن ﻳﺰﻳﻞ مﺎ وجﺪوه ﰲ أنﻔﺴﻬم جﺮاء ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ‬
‫اﻟنﺒﻮي‪ ،‬وﰲ ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب تﺘﺠﻠﻰ ﺣﻜمة اﻟنﱯ ‪ ‬ﲟعﺎﳉة اﳌﻮﻗﻒ ﲟﺎ ﻳﺘنﺎﺳﺐ مع ﻃﺒﻴعﺘه‬
‫اﻟﻮجﺪانﻴّة‪.‬‬
‫راﺑﻌﺎ‪ :‬ﺧﻄﺒﺔ ﺣﺠﺔ اﻟﻮداع‬
‫تعﺪ ﺧﻄﺒة اﻟﻮداع من اﳋﻄﺐ اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬وﻗﺪ ذﻛﺮﻫﺎ اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي؛ ﻋﺘﺒﺎر أن ﺣﺠة‬
‫ﺣﺠة اﻟﻮداع من أﻋﻈم نﺘﺎﺋج اﻟنﺠﺎح اﻟﺪﻋﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻗﺪ ﺣﻮت أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﺎﻃﻔﻴّة ﻛﺜﲑة ﲢﺮك‬
‫ﲢﺮك مﺸﺎﻋﺮ‪ ،‬ووجﺪان اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وﻗﺪ تﻀمنﺖ ﻗﻀﺎ دﻋﻮﻳّة أﺧﺮى تنﺎﺳﺐ اﳌﻘﺎم اﻟﺬي أﻟﻘﻴﺖ‬
‫ﻓﻴه‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺳﻮف أﺑﻴنه ﰲ اﻟنﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3491/6) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض‪ ،‬إﻛمﺎل اﳌعﻠم ﺑﻔﻮاﺋﺪ مﺴﻠم‪.(601/3) ،‬‬
‫‪259‬‬
 ‫أ‪ .‬ﻧﺺ اﳋﻄﺒﺔ‬
‫أورد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري نﺺ اﳋﻄﻴّة ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺑﻜﺮة‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ ":‬اﻟﺰمﺎن‬
‫اﻟﺰمﺎن ﻗﺪ اﺳﺘﺪار ﻛﻬﻴﺌة ﻳﻮم ﺧﻠق اﻟﺴمﺎوات واﻷرض‪ ،‬اﻟﺴنة اثنﺎ ﻋﺸﺮ ﺷﻬﺮا منﻬﺎ أرﺑعة ﺣﺮم‪ :‬ثﻼثة‬
‫ثﻼثة مﺘﻮاﻟﻴﺎت‪ :‬ذو اﻟﻘعﺪة‪ ،‬وذو اﳊﺠة‪ ،‬واﶈﺮم‪ ،‬ورجﺐ مﻀﺮ‪ ،‬اﻟﺬي ﺑﲔ ﲨﺎدى وﺷعﺒﺎن‪ ،‬أي‬
‫ﺷﻬﺮ ﻫﺬا "‪ ،‬ﻗﻠنﺎ‪ :‬ﷲ ورﺳﻮﻟه أﻋﻠم‪ ،‬ﻓﺴﻜﺖ ﺣﱴ ﻇننﺎ أنه ﺳﻴﺴمﻴه ﺑﻐﲑ اﲰه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أﻟﻴﺲ ذو‬
‫اﳊﺠﺔ«‪ ،‬ﻗﻠنﺎ‪ :‬ﺑﻠﻰ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻓﺄي ﺑﻠﺪ ﻫﺬا«‪ ،‬ﻗﻠنﺎ‪ :‬ﷲ ورﺳﻮﻟه أﻋﻠم‪ ،‬ﻓﺴﻜﺖ ﺣﱴ ﻇننﺎ أنه ﺳﻴﺴمﻴه‬
‫ﺑﻐﲑ اﲰه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أﻟﻴﺲ اﻟﺒﻠﺪة«‪ ،‬ﻗﻠنﺎ‪ :‬ﺑﻠﻰ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻓﺄي ﻳﻮم ﻫﺬا«‪ ،‬ﻗﻠنﺎ‪ :‬ﷲ ورﺳﻮﻟه أﻋﻠم‪ ،‬ﻓﺴﻜﺖ‬
‫ﺣﱴ ﻇننﺎ أنه ﺳﻴﺴمﻴه ﺑﻐﲑ اﲰه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أﻟﻴﺲ ﻳﻮم اﻟﻨﺤﺮ«‪ ،‬ﻗﻠنﺎ‪ :‬ﺑﻠﻰ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻓﺄن دﻣﺎءﻛﻢ وأﻣﻮاﻟﻜﻢ‪،‬‬
‫‪ -‬ﻗﺎل ﷴ‪ :‬وأﺣﺴﺒﻪ ﻗﺎل ‪ -‬وأﻋﺮاﺿﻜﻢ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺣﺮام‪ ،‬ﻛﺤﺮﻣﺔ ﻳﻮﻣﻜﻢ ﻫﺬا ﰲ ﺑﻠﺪﻛﻢ ﻫﺬا‪ ،‬ﰲ ﺷﻬﺮﻛﻢ ﻫﺬا‪،‬‬
‫ﻫﺬا‪ ،‬وﺳﺘﻠﻘﻮن رﺑﻜﻢ‪ ،‬ﻓﺴﻴﺴﺄﻟﻜﻢ ﻋﻦ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ‪ ،‬أﻻ ﻓﻼ ﺗﺮﺟﻌﻮا ﺑﻌﺪي ﺿﻼﻻ‪ ،‬ﻳﻀﺮب ﺑﻌﻀﻜﻢ رﻗﺎب‬
‫ﺑﻌﺾ‪ ،‬أﻻ ﻟﻴﺒﻠﻎ اﻟﺸﺎﻫﺪ اﻟﻐﺎﺋﺐ‪ ،‬ﻓﻠﻌﻞ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻳﺒﻠﻐﻪ أن ﻳﻜﻮن أوﻋى ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﲰﻌﻪ «‪،‬‬
‫إذا ذﻛﺮه ﻳﻘﻮل‪ :‬ﺻﺪق ﷴ ‪ ،‬ﰒ ﻗﺎل‪» :‬أﻻ ﻫﻞ ﺑﻠﻐﺖ« مﺮتﲔ‪.1‬‬
‫ب‪ .‬اﳌﻀﺎﻣﲔ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴّﺔ ﰲ اﳋﻄﺒﺔ‬
‫ﻗﺪ تﻀمنﺖ ﻫﺬه اﳋﻄﺒة اﻟعﻈﻴمة ﰲ ﻫﺬا اﻟنمﻮذج أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﺎﻃﻔﻴّة مﺘعﺪدة‪ ،‬ﺳﺒﻘﺖ اﻹﺷﺎرة إﻟﻴﻬﺎ‬
‫ﰲ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﻛﺎﻟﺘﺬﻛﲑ ﲝﺮمة اﻟﺰمﺎن واﳌﻜﺎن)اﻟﺒﻠﺪ اﳊﺮام‪ ،‬ذو اﳊﺠة‪ ،‬ﻳﻮم اﻟنﺤﺮ(‪ ،‬واﻟﺘﺬﻛﲑ‬
‫ﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه ‪» :‬وﺳﺘﻠﻘﻮن رﺑﻜﻢ«‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑﺪنﻮ أجﻠه ‪ ‬اﻟﺬي أﺷﺎرت إﻟﻴه روا ت ﰲ‬ ‫ومن اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﳌﺆثﺮة ﰲ ّ‬
‫ﰲ ﻏﲑ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳّة ﺑﻘﻮﻟه ‪» :‬إﱐ ﻟﻌﻠﻲ ﻻ أﻟﻘﺎﻛﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣﻲ ﻫﺬا«‪.2‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ ﳕﺎذج من اﳋﻄﺐ اﻟنّﺒﻮﻳّة أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ منﺎﺳﺒﺎت ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬وﻗﺪ تﺒﲔ من ﺧﻼل‬
‫ﲢﻠﻴﻠﻬﺎ أ ﺎ من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﲣﺪم اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﺎﻃﻔﻲ اﻟﻮﻋﻈﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻟﺘأثﲑ ﰲ‬
‫اﻟﻮجﺪان‪ ،‬وﻫﺬا من ﺷأنه أن ﻳﺆثﺮ ﰲ ﺳﻠﻮك اﳌﺪﻋﻮ ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،(177/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4141 :‬‬
‫‪-2‬ﻳنﻈﺮ ‪ :‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(1111/3) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،(603/2) ،‬اﻟﻄﱪاﱐ‪ ،‬اﳌعﺠم اﻷوﺳط‪ ،‬ت ‪ :‬ﻃﺎرق ﺑن‬
‫ﻋﻮض ﷲ ﺑن ﷴ‪ ،‬دار اﳊﺮمﲔ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.(47/3) ،‬‬
‫‪260‬‬
 ‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻮﻋﻆ ﻟﱰغﻴﺐ واﻟﱰﻫﻴﺐ‬
‫من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ تﺆثﺮ ﰲ اﻟنﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّة أﺳﻠﻮب اﻟﱰﻏﻴﺐ واﻟﱰﻫﻴﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﻋﺘمﺪه‬
‫اﻟﺪﻋﺎة ﻋﱪ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻳﺒﺪو ﻫﺬا واﺿﺤﺎ ﻟﻜﻞ من مﻞ دﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم ﰲ‬
‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪.1‬‬
‫وﻷﳘﻴّة ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻓﻘﺪ وﻇﻔه اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﺜﲑا ﰲ ﺳﲑته‪ ،‬وﻋنﺪ تﺘﺒع مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬وﻫﻲ جﺰء من اﻟﺴﲑة وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﳕﺎذج ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب‪ ،‬أذﻛﺮ منﻬﺎ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟﻨﻌﻢ‬
‫أن اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑنعم ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﻘﺮآن ﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تعﺪدت اﺳﺘعمﺎﻻ ﺎ‬
‫َ ُ ْ ُ َٓ‬ ‫ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َوأن ت ُعدوا ْ ن ِْع َم َ‬
‫وهﺎ ۖ چ ]اﻟنﺤﻞ‪ ،[18 :‬ومنه‬ ‫ت ِ‬
‫ﷲ ﻻ تحص‬
‫ََ َ ْ ُُ ُ‬ ‫ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ك ُروا ْ ن ِْع َم َ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ت ﷲ ِ َعليْك ُم ٓۥ إِذ كنت ُم ٓۥ أع َد ٗآء ف لف َ َ ﻗ و ِك ْم چ ]آل ﻋمﺮان‪.[103 :‬‬ ‫ﻗﻮﻟه‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱواذ‬
‫وﻗﺪ اﺳﺘعمﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﰲ ﻏﺰواته؛ ﳌعﺎﳉة ﺑعﺾ ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻟﺘأثﲑ ﰲ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻋن ﻃﺮﻳق اﺳﺘﺜﺎرة اﻟعﺎﻃﻔة‪ ،‬واﻟﻮجﺪان‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ أمﺜﻠة ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﻹﺳﻼم‬
‫من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ذﻛﺮ ﺎ اﻟﲏ ‪ ‬ﺑنعم اﻹﺳﻼم ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬م جﺎء ﰲ اﻟصﺤﻴﺤﲔ ﻋن‬
‫ِ‬ ‫ﺎل‪َ :‬ﻛﺴع‪ 2‬رجﻞ ِمن اﻟْمﻬ ِ‬
‫ﺎج ِﺮﻳن رج ًﻼ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَ َﺴأَﻟَ ُه‬ ‫ﱠ‬ ‫ِ‬‫ن‬‫اﻟ‬ ‫ﻰ‬‫َت‬
‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬‫ﻓ‬ ‫‪،‬‬‫ر‬ ‫ﺎ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫اﻷ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َجﺎﺑ ِﺮ ﺑْ ِن َﻋْﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﻗَ َ َ َ َ ُ ٌ َ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫ن‬‫م‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَﺄ َﺎ ُﻣ ْﻨﺘِﻨَﺔٌ« ‪.3‬‬ ‫اﻟْ َﻘ َﻮَد ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪َ » :‬دﻋُ َ‬
‫ووجه اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟنعمة ﰲ اﻟﻘصة ﻫﻮ اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑنعمة اﻹﺳﻼم اﻟﱵ أذاﺑﺖ وأزاﻟﺖ ﻛﻞ اﻟعصﺒﻴﺎت‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَﺄ َﺎ‬ ‫اﳉﺎﻫﻠﻴّة وأمﺮاﺿﻬﺎ‪ ،‬اﻟﱵ ﻋﱪ ﻋنﻬﺎ ﺑﺸع تعﺒﲑ تﺸمﺌﺰ منه اﻟنﻔﻮس اﻟﺴﻮﻳّة ﺑﻘﻮﻟه‪َ » :‬دﻋُ َ‬
‫ُﻣ ْﻨﺘِﻨَﺔٌ«‪.‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن نعمة اﻹﺳﻼم أﻋﻈم نعمة أنعم ﷲ ﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ ﻻ تﺪانﻴﻬﺎ نعمة‪ ،‬إﱃ ذﻟﻚ‬
‫َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫وتعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ ْو َم أك َملت لك ْم دِينَك ْم َوأ َم ْمت‬ ‫ﻳﺸﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ واﻗعنﺎ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ‪ ،‬ﻫنﺪاوي‪ ،‬منﻬج ّ‬
‫‪ -2‬اﻟﻜﺴﻊ‪ :‬وﻫﻮ ﺿﺮب اﻟﺪﺑﺮ‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳّة ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪.(173/4) ،‬‬
‫َ‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ ُ ْخ ِر َجن ﻻَ َعز مِنْ َهﺎ ﻻَ َذل ۖ چ ]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪،(154/6) ،[ 08 :‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪ ،4622 :‬و رواه مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﱪ واﻟصﻠة واﻵداب‪ ،‬ب نصﺮ اﻷخ ﻇﺎﳌﺎ أو مﻈﻠﻮمﺎ‪ ،(199/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪،2584 :‬‬
‫واﻟﻠﻔﻆ ﻟه‪.‬‬
‫‪261‬‬
 ‫ٗ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِﻻ ْس َم دِينﺎ ۖ چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،[04:‬ﻗﺎل ﷴ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ‪ ":‬ﻷنه ﻻ نعمة أﰎ من‬ ‫َعليْك ْم ن ِْع َم ِ َو َر ِضيت لك ُم‬
‫‪1‬‬
‫من نعمة اﻹﺳﻼم"‬
‫وﰲ اﻟﻘصة تﺮﻫﻴﺐ أﻳﻀﺎ؛ ﺣﻴﺚ ذﻛﺮﻫم اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﻔﱰة اﳉﺎﻫﻠﻴّة ومﺎ ﻓﻴﻬﺎ من اﻷمﺮاض اﻟنﻔﺴﻴّة‪،‬‬
‫واﻻجﺘمﺎﻋﻴّة؛ ﲢﺬﻳﺮا ﳍم منﻬﺎ‪ ،‬وتنﻔﲑا ﳍم ﻋنﻬﺎ‪.‬‬
‫‪.2‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﳍﺪاﻳّﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎع‬
‫ﻗﺪ وﻇﻒ اﻟنﱯ ‪‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑنعم ﷲ تعﺎﱃ ﰲ معﺎﳉة مﻮﻗﻒ اﻷنصﺎر من ﻗﻀﻴّة ﻗﺴمة‬
‫ِ‬
‫ﺼﺎ ِر‪ ،‬أَ َﱂْ‬ ‫ﺎل‪َ َ » :‬ﻣ ْﻌ َ‬
‫ﺸ َﺮ اﻷَﻧْ َ‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَ َخﻄَﺒَـ ُﻬ ْم ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎب اﻟن َ‬ ‫ﻏنﺎﺋم ﺣنﲔ‪ ،‬ﻓَﻜأ ُْم َو َج ُﺪوا إِ ْذ َﱂْ ﻳُصْﺒـ ُﻬ ْم َمﺎ أ َ‬
‫َﺻ َ‬
‫ﺿ ﱠﻼًﻻ ﻓَـ َﻬ َﺪا ُﻛ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ‪ ،‬وُﻛ ْﻨـﺘُ ْﻢ ُﻣﺘَـ َﻔ ِّﺮﻗِ َﲔ ﻓَﺄَﻟﱠَﻔ ُﻜ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ‪ ،‬و َﻋﺎﻟَ ًﺔ ﻓَﺄَغْﻨَﺎ ُﻛ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ«‪.2‬‬ ‫أَ َﱂ أ ِ‬
‫َﺟ ْﺪ ُﻛ ْﻢ ُ‬ ‫ْ‬

‫ﻓﻘﺪ ذﻛﺮﻫم ﺑنعمة اﳍﺪاﻳّة‪ ،‬وﻗﺪ ﺳﺒق اﳊﺪﻳﺚ ﻋنﻬﺎ‪ ،‬ﰒ امﱳ ﻋﻠﻴﻬم ﺑنعمة اﻻجﺘمﺎع‪ ،‬إذ ﻛﺎنﻮا‬
‫مﺘﻔﺮﻗﲔ مﺘنﺎﺣﺮﻳن‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﻮاﻗﺒﻴﻠﺘﲔ ﻗﺒﻴﻠة اﻷوس وﻗﺒﻴﻠة اﳋﺰرج‪ ،‬ﺳﺠﻠﺖ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳخ ﺣﺮو ﺑﻴنﻬم‬
‫ﺑﻴنﻬم أﺷﻬﺮﻫﺎ ﺣﺮب ﺑعﺎث‪ ،‬اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﻗﺒﻞ اﳍﺠﺮة ﺑﻘﻠﻴﻞ انﺘصﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻷوس ﺑعﺪ ﻗﺘﻞ اﻟﻜﺜﲑ من‬
‫اﻟﻄﺮﻓﲔ وﻓﻴﻬم من أﻛﺎﺑﺮﻫم‪.3‬‬
‫‪.3‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﻟﻐﲎ‬
‫ﻓﻘﺪ ذ ﱠﻛﺮ ﷲ تعﺎﱃ ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﺑنعمة اﻟﻐﲎ ﺑعﺪ اﻟﻔﻘﺮ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻓﻴمﺎ مﻀﯩﻰ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أنعم ﷲ ﻋﻠﻴﻬم‬
‫ﻟﻔﺘﻮح اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬واﻟﻐنﺎﺋم اﻟﻜﺜﲑة‪ ،‬ﺑعﺪ اﳊﺎجة واﻟﺸﺪة اﻟﱵ ﻛﺎنﻮاﻳﻜﺎﺑﺪو ﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﳋنﺪق‬
‫ﻛﺎنﻮاﻳﺮﺑﻄﻮن اﳊﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻮ م من اﳉﻮع‪ ،‬وﺑعﺪﻫﺎ تﻔﺘﺢ ﺧﻴﱪ وﻳﺸﺒعﻮن اﻟﺘمﺮ‪ ،‬و تﻴﻬم اﻟﺬﻫﺐ‬
‫اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀة من اﻟﺒﺤﺮﻳن‪.4‬‬
‫‪.4‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﻳﺴﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‬
‫ومن نعم ﷲ تعﺎﱃ اﻟﱵ ذﻛﺮ ﺎ أﺻﺤﺎﺑه نعمة اﻟﺘﺸﺮﻳع اﳌﺘﺴم ﺑﺘﻠﻚ اﳋصﺎﺋﺺ اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬وﻟعﻞ‬
‫أﻇﻬﺮﻫﺎ ﺧصﻴصة اﻟﻴﺴﺮ اﻟﱵ تﺘﺠﻠﻰ ﰲ ﻛﻞ ﻓﺮوع اﻟﺸﺮﻳعة‪ ،‬وأﺣﻜﺎمﻬﺎ‪.5‬‬

‫‪-1‬ﷴ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﳌنﺎر‪.(130/6) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(157/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4075 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(441/2) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(84 ،108 ،140/5) ،‬‬
‫‪ -5‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ط‪2018 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪262‬‬
 ‫ومن أمﺜﻠﺘﻬﺎ ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬إ ﺣة مﻴﺘة اﻟﺒﺤﺮ ﻟﺘعﺴﺮ‬
‫ذﻛﺎ ﺎ‪.‬‬
‫ﻮﻋﺎ َﺷ ِﺪ ً‬
‫ﻳﺪا‪،‬‬ ‫ِ‪ِ 1‬‬
‫ﺶ اﳋَﺒَط ‪ ،‬وأ ُّمَﺮ أَﺑُﻮ ﻋُﺒَـْﻴ َﺪةَ ﻓَ ُﺠ ْعنَﺎ ُج ً‬ ‫ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن جﺎﺑﺮ ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬ﻏَﺰْو َ َجْﻴ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ﻓَأَﻟْ َﻘﻰ اﻟﺒَ ْﺤُﺮ ُﺣﻮ ً َمﻴِّﺘًﺎ َﱂْ نَـَﺮ ِمﺜْـﻠَهُ‪ ،‬ﻳـُ َﻘ ُ‬
‫ﻒ َﺷ ْﻬ ٍﺮ‪ ،‬ﻓَأ َ‬
‫َﺧ َﺬ أَﺑُﻮ ُﻋﺒَـْﻴ َﺪةَ‬ ‫ص َ‬‫اﻟعْنـﺒَـُﺮ‪ ،‬ﻓَأَ َﻛْﻠنَﺎ مْنهُ ن ْ‬
‫ﺎل ﻟَهُ َ‬
‫ﺎل أَﺑُﻮ ُﻋﺒَـْﻴ َﺪةَ‪:‬‬
‫ﻮل‪ :‬ﻗَ َ‬‫َﺧﺒَـَﺮِﱐ أَﺑُﻮ اﻟﱡﺰﺑـَ ِْﲑ‪ ،‬أنهُ َِﲰ َع َجﺎﺑًِﺮا‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﺐ َْﲢﺘَهُ ﻓَأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َﻋﻈْ ًمﺎ م ْن ﻋﻈَﺎمه‪ ،‬ﻓَ َمﱠﺮ اﻟﱠﺮاﻛ ُ‬
‫ﺎل‪ُ » :‬ﻛﻠُﻮا‪ِ ،‬رْزﻗًﺎ أَ ْﺧ َﺮ َﺟﻪُ ا ﱠُ‪ ،‬أَﻃ ِْﻌ ُﻤﻮَ أن ﻛﺎن َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ«‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ُﻛﻠُﻮا ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ ﻗَ ِﺪ ْمنَﺎ اﳌ ِﺪﻳنَةَ ذَ َﻛْﺮَ َذﻟِ َ ِ ِ‬
‫ﻚ ﻟﻠن ِّ‬ ‫َ‬
‫ﻀ ُﻬ ْم ﻓَأَ َﻛﻠَهُ ‪.2‬‬
‫ﻓَأَ َ ُه ﺑَـ ْع ُ‬
‫أن تعﺪد مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟنعم ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﻳنﱯءُ ﻋن أﳘﻴّة ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة اﻟﻘﻮﻟﻴّة ﰲ‬
‫ﲢﻘﻴق اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻸﺳﻠﻮب اﻟعﺎﻃﻔﻲ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ .‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺬﻛﲑ ﳉﺰاء‬
‫من وﺳﺎﺋﻞ اﻟﱰﻏﻴﺐ واﻟﱰﻫﻴﺐ اﻟﱵ وﻇﻔﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ذﻛﺮ اﻟﺜﻮاب‪ ،‬واﻟعﻘﺎب اﳌﱰتﺐ ﻋﻠﻰ اﻷﻋمﺎل‪،‬‬
‫وﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﳕﺎذج من ذﻟﻚ ﰲ اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬أذﻛﺮ منﻬﺎ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﳉﻨﺔ واﻟﱰغﻴﺐ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ذﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﳉنة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬مﺎ رواه اﻟﺒخﺎري ﻋن أنﺲ‪ :‬أن أُﱠم‬
‫أُﱠم ﺣﺎ ِرثَةَ أَتَﺖ رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل‬‫ﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬‫ب َﺳ ْﻬ ٍم‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬ ‫ﻚ َﺣﺎ ِرثَةُ ﻳَـ ْﻮَم ﺑَ ْﺪ ٍر‪ ،‬أ َ‬
‫َﺻﺎﺑَهُ َﻏْﺮ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬وﻗَ ْﺪ َﻫﻠَ َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ‬
‫ﻚ َﻋﻠَْﻴ ِه‪ ،‬وإِﱠﻻ َﺳ ْﻮ َ‬
‫ف تَـَﺮى َمﺎ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ ْﺪ َﻋﻠِمﺖ مﻮﻗِع ﺣﺎ ِرثَةَ ِمن ﻗَـْﻠِﱯ‪ ،‬ﻓَﺈن ﻛﺎن ِﰲ اﳉن ِﱠة َﱂ أَﺑ ِ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َْ َ َ‬
‫اﺣ َﺪةٌ ِﻫﻲ؟ أ َﺎ ِﺟﻨﺎن َﻛﺜِﲑةٌ‪ ،‬وأﻧﻪُ ِﰲ ِ‬
‫اﻟﻔ ْﺮ َد ْو ِس اﻷَ ْﻋﻠَى« ‪.3‬‬ ‫ْﺖ‪ ،‬أَﺟﻨﱠﺔٌ و ِ‬
‫ﺎل َﳍﺎ‪َ » :‬ﻫﺒِﻠ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َﺻنَ ُع؟ ﻓَـ َﻘ َ َ‬
‫َمﺎ أ ْ‬
‫ﻓأثﺮ اﻟﺘﺬﻛﲑ ﳉنة ﺑﲔ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﺎﳌﺮأة رﻏم ﺿعﻔﻬﺎ‪ ،‬وﻗﻠة ﺻﱪﻫﺎ‪ ،‬ﳌﺎ ﻋﻠمﺖ أن اﺑنﻬﺎ ﰲ اﳉنة‪،‬‬
‫اﳉنة‪ ،‬رﺿﻴﺖ واﺣﺘﺴﺒﺖ‪ ،‬وﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﻳﺸﺒﻬه مﻮﻗﻒ اﳋنﺴﺎء اﻟﱵ ﻏﲑﻫﺎ اﻹﺳﻼم تﻐﻴﲑا ﻋﺠﻴﺒﺎ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ تﺒﻜﻲ أﺧﺎﻫﺎ ﺻخﺮا ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬وﺑعﺪ إﺳﻼمﻬﺎ ﻗﺪمﺖ أﺑنﺎءﻫﺎ ﺷﻬﺪاء ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﳋﺒﻂ‪ :‬ﻫﻮ ورق اﻟﺴﻠم‪ ،‬ﻛأ ّن ﻛﻠه اﳉﻴﺶ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة من ﺷﺪة اﳉﻮع‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(79/8) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺳﻴﻒ اﻟﺒﺤﺮ‪ ،(167/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4104 :‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب ﺻﻔة اﳉنة واﻟنﺎر‪ ،(114/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6567 :‬‬
‫‪ -4‬ﻷﳘﻴّة اﻟﻘصة اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ أثﺮ اﻟﺒعﺪ اﻟعﺎﻃﻔﻲ ﰲ تﻐﲑ ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ نﻮردﻫﺎ ﻛمﺎ جﺎءت ﻋنﺪ اﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﱪ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﱪ‪":‬‬
‫ﺣﻀﺮت اﳋنﺴﺎء ﺑنﺖ ﻋمﺮو ﺑن اﻟﺸﺮﻳﺪ اﻟﺴﻠمﻴّة ﺣﺮب اﻟﻘﺎدﺳﻴّة ومعﻬﺎ ﺑنﻮﻫﺎ أرﺑعة رجﺎل‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﺖ ﳍم من أول اﻟﻠﻴﻞ‪ :‬ﺑﲏ‪،‬‬
‫إنﻜم أﺳﻠمﺘم ﻃﺎﺋعﲔ‪ ،‬وﻫﺎجﺮﰎ ﳐﺘﺎرﻳن‪ ،‬و و ﷲ اﻟﺬي ﻻ إﻟه إﻻ ﻫﻮ إنﻜم ﻟﺒنﻮ رجﻞ واﺣﺪ‪ ،‬ﻛمﺎ أنﻜم ﺑنﻮ امﺮأة واﺣﺪة مﺎ‬
‫ﺧنﺖ أ ﻛم‪ ،‬وﻻ ﻓﻀﺤﺖ ﺧﺎﻟﻜم‪ ،‬وﻻ ﻫﺠنﺖ ﺣﺴﺒﻜم‪ ،‬وﻻ ﻏﱪت نﺴﺒﻜم‪ ،‬وﻗﺪ تعﻠمﻮن مﺎ أﻋﺪ ﷲ ﻟﻠمﺴﻠمﲔ من اﻟﺜﻮاب‬
‫‪263‬‬
‫ومن أمﺜﻠة اﻷثﺮ اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻠﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﳉنة‪ ،‬مﺎ رواه َجﺎﺑَِﺮ ﺑْ َن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل‬
‫ات ِﰲ ﻳَ ِﺪﻩِ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَﺎﺗَ َﻞ‬‫ﺎل‪ِ» :‬ﰲ اﳉﻨ ِﱠﺔ ﻓَﺄَﻟْ َﻘى ﲤََﺮ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳـﻮم أ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﺖ ﻓَأَﻳْ َن أَ َ ؟ ﻗَ َ‬
‫ﺖ أن ﻗُﺘ ْﻠ ُ‬ ‫ﻗَ َﺎل َر ُج ٌﻞ ﻟﻠنِ ِّ َ ْ َ ُ‬
‫ُﺣﺪ أ ََرأَﻳْ َ‬
‫َﺣ ﱠﱴ ﻗُﺘِ َﻞ« ‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﺮﻏﺒة ﰲ اﳉنّة‪ ،‬واﻟﺸﻮق إﻟﻴﻬﺎ جعﻠﺖ اﻟصﺤﺎﰊ ﻳنﺸط ﰲ اﻟﻘﺘﺎل إﱃ درجة أنه أﻟﻘﻰ ﲤﺮاته ﻷ ﺎ‬
‫تﺒﻄﺌه ﻋن ﺑﻠﻮغ اﳌﺮﻏﻮب‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋن اﻟﻘﺘﺎل ﺣﱴ ﻗﺘﻞ‪ ،‬ﻓﻬﺬه من اﻟﺜمﺮات اﻟعﻈﻴمة ﻟﻠﱰﺑﻴّة‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟعﻘﻴﺪة ﲝﻴﺚ ﻳﺒﺬل اﳌﺮء نﻔﺴه ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ وﻳﺒﻴعﻬﺎ تعﺎﱃ‪.2‬‬
‫ﻓأﺳﻠﻮب اﻟﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﳉنة من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﳌﺆثﺮة ﰲ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة واﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫ﻳنﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎة اﻻﻫﺘمﺎم ﺎ وتﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﰲ اﳋﻄﺎب اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻻﺳﻴمﺎ ﰲ اﻟﺰمن اﻟﺮاﻫن اﻟﺬي‬
‫ﻃﻐﺖ ﻓﻴه اﳌﺎد ت واﳌﻠﻬﻴﺎت‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟﻨﺎر واﻟﱰﻫﻴﺐ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﳉنة واﻟﺬﻛﲑ ﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﲨع إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من اﻟنﺎر واﻟﱰﻫﻴﺐ‬
‫منﻬﺎ؛ ﺣﱴ ﳛﻘق اﻟﺘﻮازن اﻟﺪﻋﻮي ﰲ ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة‪ ،‬وﳚعﻠﻬﺎ تﺘﺴم ﳌﺮونة مع ﻛﺎﻓة اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫وﻫﺬا مﻠمﺢ ﻳﻠﺤﻆ ﰲ اﻟﺘصﺮف اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ اﳌﻐﺎزي وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬وﻗﺪ وردت ﻃﺎﺋﻔة من روا ت‬
‫اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ تﺘﻀمن ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة اﻟﱰﻫﻴﺒﻴّة‪.‬‬
‫ﻓمن مﻮاﻗﻒ اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ اﺳﺘعمﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬أﺳﻠﻮب اﻟﱰﻫﻴﺐ من اﻟنﺎر‪ ،‬مﺎ رواه َﺳ ْﻬ ِﻞ ﺑْ ِﻦ َﺳ ْﻌ ٍﺪ ﻗَ َ‬
‫ﺎل‬
‫ﻮل‬
‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺐ اﻟ ُْﻤ ْﺴ ِﻠ ُﻤﻮ َن ِﻣ ْﻦ ﺑََﻼﺋِِﻪ ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ر ُﺟ ٌﻞ ِﰲ ﺑَـ ْﻌ ِ‬
‫ﺾ َﻣﻐَﺎ ِزﻳﻪ ﻓَﺄَﺑْـﻠَى ﺑََﻼ ًء َﺣ َﺴﻨًﺎ ﻓَـ َﻌﺠ َ‬
‫ﻛﺎن َﻣ َﻊ ر ُﺳ ِ‬
‫َ‬
‫ﺎل ﻓَ َﺨ َﺮ َج اﻟ ﱠﺮ ُﺟ ُﻞ ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ‬‫ﻮل ا ﱠِ ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُﻪُ أَ ْﻋﻠَ ُﻢ ﻗَ َ‬‫ﻴﻞ ا ﱠِ َﻣ َﻊ ر ُﺳ ِ‬
‫َ‬ ‫ا ﱠِ ‪ ‬أ ََﻣﺎ أﻧﻪُ ِﻣ ْﻦ أ َْﻫ ِﻞ اﻟﻨﱠﺎ ِر ﻗُـﻠْﻨَﺎ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬
‫ﻴﻞ ﻟَﻪُ اﻟ ﱠﺮ ُﺟ ُﻞ اﻟﱠ ِﺬي‬ ‫ِ‬ ‫ﺿﻊ ذُ ب ﺳﻴ ِﻔ ِﻪ ﺑـﲔ ﺛَ ْﺪﻳـﻴ ِﻪ ﰒُﱠ اﺗﱠ َﻜﺄَ ﻋﻠَﻴ ِﻪ ﻓَﺄُِﰐ رﺳ ُ ِ‬ ‫ا ْﺷﺘَ ﱠﺪ ْ ِ ِ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﻓَﻘ َ‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫اح َو َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ت ﺑﻪ ا ْﳉ َﺮ ُ‬

‫َ َ َُ ْ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِين ءامنوا ص ِ وا‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ َهﺎ‬
‫اﳉﺰﻳﻞ ﰲ ﺣﺮب اﻟﻜﺎﻓﺮﻳن‪ ،‬واﻋﻠمﻮا أ ّن اﻟﺪار اﻟﺒﺎﻗﻴّة ﺧﲑ من اﻟﺪار اﻟﻔﺎنﻴّة‪ ،‬ﻳﻘﻮل ﷲ‬
‫َو َصﺎب ُروا ْ َو َراب ُطوا ْ َوا ُقواْ َ َ َ ُ ُ ْ ُ َ‬
‫ونٱچ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[200 :‬ﻓﺈذا أﺻﺒﺤﺘم ﻏﺪا أ ّن ﺷﺎء ﷲ ﺳﺎﳌﲔ ﻓﺎﻏﺪوا إﱃ ﻗﺘﺎل ﻋﺪوﻛم‬ ‫ﷲ لعلك ْم فلِح ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مﺴﺘﺒصﺮﻳن‪ ،‬و ﻋﻠﻰ أﻋﺪاﺋه مﺴﺘنصﺮﻳن‪ ،‬ﻓﺈذا رأﻳﺘم اﳊﺮب ﻗﺪ ﴰﺮت ﻋن ﺳﺎﻗﻬﺎ‪ ،‬واﺿﻄﺮمﺖ ﻟﻈﻰ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ‪ ،‬وجﻠﻠﺖ را‬
‫ﻋﻠﻰ أوراﻗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺘﻴممﻮا وﻃﻴﺴﻬﺎ‪ ،‬وجﺎﻟﺪوا رﺋﻴﺴﻬﺎ ﻋنﺪ اﺣﺘﺪام ﲬﻴﺴﻬﺎ تﻈﻔﺮوا ﻟﻐنم واﻟﻜﺮامة ﰲ دار اﳋﻠﺪ واﳌﻘﺎمة"‪ ،‬اﺑن ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﱪ‪ ،‬اﻻﺳﺘﻴعﺎب ﰲ معﺮﻓة اﻷﺻﺤﺎب‪.(1828/4) ،‬‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(77/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4046 :‬‬
‫‪ -2‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﻟﺰﻳﺪ‪ ،‬وﻗﻔﺎت مع أﺣﺎدﻳﺚ تﺮﺑﻴّة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟصﺤﺎﺑﺘه‪ ،‬ﳎﻠة اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟﺴﺎدﺳة‬
‫واﻟﺜﻼثﻮن‪ ،‬اﻟعﺪد‪1424 ،112 ،‬ه‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪264‬‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬أن اﻟ ﱠﺮ ُﺟ َﻞ ﻟَﻴَـ ْﻌ َﻤ ُﻞ ﺑِ َﻌ َﻤ ِﻞ أ َْﻫ ِﻞ‬ ‫ﺿ َﻌﺎﻓِ ِﻪ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل اﻟﻨِ ﱡ‬ ‫ﲔ أَ ْ‬ ‫ف ﺑَـ ْ َ‬
‫ﺴ ْﻴ ُ‬ ‫ب َواﻟ ﱠ‬ ‫ﻀ ﱠﺮ ُ‬‫ْﺖ ﻗَ ْﺪ َرأَﻳْـﺘُﻪُ ﻳَـﺘَ َ‬
‫ْﺖ ﻟَﻪُ َﻣﺎ ﻗُـﻠ َ‬ ‫ﻗُـﻠ َ‬
‫ﱠﺎس َوأﻧﻪُ ﻟَ ِﻤ ْﻦ أ َْﻫ ِﻞ ا ْﳉَﻨ ِﱠﺔ‪.1‬‬ ‫ﻴﻤﺎ ﻳَـ ْﺒ ُﺪو ﻟِﻠﻨ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﺎس َوأﻧﻪُ ﻟَﻤ ْﻦ أ َْﻫ ِﻞ اﻟﻨﱠﺎ ِر َوأﻧﻪُ ﻟَﻴَـ ْﻌ َﻤ ُﻞ َﻋ َﻤ َﻞ أ َْﻫ ِﻞ اﻟﻨﱠﺎ ِر ﻓ َ‬‫َﺣ ﱠﱴ ﻳَـ ْﺒ ُﺪ َو ﻟِﻠﻨ ِ‬
‫واﻟﺸﺎﻫﺪ من اﳊﺪﻳﺚ أن اﻟنﱯ ‪ ‬رﱠﻫﺐ من ﺳﻮء اﳋﺎﲤة اﻟﱵ تﻜﻮن ﺑﺴﺒﺐ ﻋمﻞ أﻫﻞ اﻟنﺎر اﻟﺬي‬
‫اﻟﺬي ﻗﺪ ﳜﻔﻴه ﺻﺎﺣﺒه ﻋن اﻟنﺎس‪ ،‬ﻗﺎل اﻟصنعﺎﱐ‪ ":‬وﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ ﻓﻴمن ﻋمﻞ ﺧﲑاً ﻇﺎﻫﺮاً مع‬
‫ﻓﺴﺎد نﻴّة وﺧﺒﺚ ﻃﻮﻳّة وإﻻ ﻓﺎﻷﻋمﺎل اﻟصﺎﳊة ﺳﺒﺐ ﻟﺰ دة اﳍﺪى واﻟﺘﻮﻓﻴق وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺬي ﺧﺘم ﻟه‬
‫ﻟه ﺑعمﻞ أﻫﻞ اﳉنة وﻛﺎنﻴﻈﻬﺮ منه ﻋمﻞ أﻫﻞ اﻟنﺎر إﳕﺎ ﻳﻮﻓق ﳋصﺎل ﺧﲑ ﻛﺎنﺖ ﻓﻴه وإﻻ ﻓﺎﻟﺴﻴﺌﺎت‬
‫ﻓﺎﻟﺴﻴﺌﺎت تﺪﻋﻮا ﺑعﻀﻬﺎ ﺑعﻀﺎ"‪.2‬‬
‫‪.3‬اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫من وﺳﺎﺋﻞ اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﺎﻃﻔﻲ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من ﻓﺘنة اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ وﺳﻴﻠة ﱂ ﻳﻐﻔﻠﻬﺎ اﳌنﻬج اﻟنﺒﻮي ﰲ‬
‫اﻟﱰﻏﻴﺐ واﻟﱰﻫﻴﺐ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺣﺬر اﻟنﱯ ‪‬أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬وأمﺘه من ﺑعﺪﻫم من ﻓﺘنة اﻟﺪنﻴﺎ وﺧﻄﻮرة اﻟﺘنﺎﻓﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻫﺬه‬
‫ﺖ‬‫اﻟﺮواﻳة من روا ت اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعنﺪ ﻗﺪوم أﰊ ﻋﺒـﻴ َﺪ َة ﲜﺰﻳة اﻟﺒﺤﺮﻳ ِن‪َِ ،‬ﲰع ِ‬
‫َ‬ ‫ّ َ ْ َْ‬ ‫َُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﻮل‬
‫ﺿﻮا ﻟَهُ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﺒَ ﱠﺴ َم َر ُﺳ ُ‬ ‫ف تَـ َعﱠﺮ ُ‬
‫صَﺮ َ‬ ‫صْﺒ ِﺢ َم َع َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ انْ َ‬ ‫ﺻﻼََة اﻟ ﱡ‬ ‫ص ُﺎر ﺑُِﻘ ُﺪومه‪ ،‬ﻓَـ َﻮاﻓَـْﺘهُ َ‬
‫اﻷَنْ َ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫رﺳ ُ ِ ِ‬
‫َج ْﻞ َ‬‫آﻫ ْم‪ ،‬وﻗَ َﺎل‪» :‬أَﻇُﻨﱡ ُﻜ ْﻢ َﲰ ْﻌﺘُ ْﻢ ﺑ ُﻘ ُﺪوم أَِﰊ ﻋُﺒَـْﻴ َﺪةَ‪ ،‬وأﻧﻪُ َﺟ َﺎء ﺑ َﺸ ْﻲء« ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬أ َ‬ ‫ﲔ َر ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪‬ﺣ َ‬ ‫َُ‬
‫ﺸى َﻋﻠَ ْﻴ ُﻜ ْﻢ أن‬ ‫ﺸى َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬وﻟَ ِﻜ ْﻦ أَ ْﺧ َ‬ ‫ﺴ ﱡﺮُﻛ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠِ َﻣﺎ اﻟ َﻔ ْﻘ َﺮ أَ ْﺧ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَﺄَﺑْﺸ ُﺮوا َوأ َّﻣﻠُﻮا َﻣﺎ ﻳَ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬وﺗُـﻠْ ِﻬﻴَ ُﻜ ْﻢ َﻛ َﻤﺎ‬
‫ﺴ َ‬‫ﻮﻫﺎ َﻛ َﻤﺎ ﺗَـﻨَﺎﻓَ ُ‬
‫ﺴ َ‬ ‫ﻂ َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ُﻢ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ‪َ ،‬ﻛ َﻤﺎ ﺑُ ِﺴﻄَ ْ‬
‫ﺖ َﻋﻠَى َﻣ ْﻦ ﻛﺎن ﻗَـْﺒـﻠَ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﻨَﺎﻓَ ُ‬ ‫ﺴَ‬ ‫ﺗ ْﺒ َ‬
‫أَ ْﳍَْﺘـ ُﻬ ْﻢ«‪.3‬‬
‫واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من اﻟﺪنﻴﺎ منﻬج ﻗﺮآﱐ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻄﺎﳌﺎ ﺣﺬر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ من اﻻﻓﺘﺘﺎن ﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬ﰲ آ ت‬
‫ْ َ ُ ْٓ َ ْ َ َُٰ ْ َ ‪ٞ ُ َ َ َ ْ ُ َْ َ ُ ُ َ َ َ ٞ َ َ ٞ ْ َ َ ٞ‬‬
‫ﻛﺜﲑة أذﻛﺮ منﻬﺎ‪ ،‬ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ علموا أنمﺎ لحيوة ن ۪يﺎ لعِب ولهو و ِز نة و فﺎخرۢ ب نكم وتكﺎثر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ َ َ ُٰ ُ ْ َ ّ ٗ ُ َ ُ ُ ُ ٗ‬ ‫َ ََ َْ‬ ‫َْ َ َ َْ‬
‫ون ح َ ٰمﺎ ۖ َو ِ ﻻخ َِرة ِ‬ ‫ث عجب لكفﺎر بﺎتهۥ م ي ِهيج ۪ ه مصفرا م يك‬ ‫ﻻم ٰ ِل واﻻو ِد كمث ِل ي ٍ‬
‫َ ْ َ ‪ُ ُْ ُ َ َ ٓ ْ َُٰ َ ْ َ َ ٞ‬‬ ‫َ َ ‪َ ّ َٞ ْ َ َ ٞ َ ٞ‬‬
‫ور چ ]اﳊﺪﻳﺪ‪.[19 :‬‬ ‫عذاب شدِيد ومغ ِفرة مِن ﷲِ و ِرض ٰ ۖن ومﺎ لحيوة ن ۪يﺎ إِﻻ م ٰع لغر ِ‬

‫‪-1‬رواه أﲪﺪ ﰲ اﳌﺴنﺪ‪ ،(470/37) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،22813 :‬واﳊﺪﻳﺚ مﺮوي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪،‬‬
‫)‪ ،(132/5‬ﺑﺮﻗم‪ ،3966 :‬وﻗﺪ اﻋﺘمﺪت ﻟﻔﻆ أﲪﺪ ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻼﺧﺘصﺎر‪.‬‬
‫‪ - 2‬ﷴ اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘنﻮﻳﺮ ﺷﺮح اﳉﺎمع اﻟصﻐﲑ‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ إﺳﺤﺎق إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬مﻜﺘﺒة دار اﻟﺴﻼم‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪ 1432 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪ 2011‬م‪.(443/3) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب مﺎ ﳛﺬر من زﻫﺮة اﻟﺪنﻴﺎ واﻟﺘنﺎﻓﺲ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،(90/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6425 :‬‬
‫‪265‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﺴعﺪي رﲪه ﷲ ﻋﻘﺐ اﻵﻳّة‪ ":‬ﻫﺬا تﺰﻫﻴﺪ منه ﻟعﺒﺎده ﰲ اﳊﻴﺎة اﻟﺪنﻴﺎ ﺧﺒﺎرﻫم ﻋن ﺣﻘﻴﻘة‬
‫أمﺮﻫﺎ‪ ،‬ﺎ ﻟعﺐ وﳍﻮ‪ ،‬ﻟعﺐ ﰲ اﻷﺑﺪان وﳍﻮ ﰲ اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺰال اﻟعﺒﺪ ﻻﻫﻴﺎ ﰲ مﺎﻟه‪ ،‬وأوﻻده‪،‬‬
‫وزﻳنﺘه‪ ،‬وﻟﺬاته من اﻟنﺴﺎء‪ ،‬واﳌﺂﻛﻞ واﳌﺸﺎرب‪ ،‬واﳌﺴﺎﻛن وا ﺎﻟﺲ‪ ،‬واﳌنﺎﻇﺮ و اﻟﺮ ﺳﺎت‪ ،‬ﻻﻋﺒﺎ ﰲ‬
‫ﰲ ﻛﻞ ﻋمﻞ ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻓﻴه‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻮ داﺋﺮ ﺑﲔ اﻟﺒﻄﺎﻟة واﻟﻐﻔﻠة واﳌعﺎﺻﻲ‪ ،‬ﺣﱴ تﺴﺘﻜمﻞ دنﻴﺎه‪ ،‬وﳛﻀﺮه‬
‫وﳛﻀﺮه أجﻠه‪ ،‬ﻓﺈذا ﻫﺬه اﻷمﻮر ﻗﺪ وﻟﺖ وﻓﺎرﻗﺖ‪ ،‬وﱂ ﳛصﻞ اﻟعﺒﺪ منﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﺋﻞ‪ ،‬ﺑﻞ ﻗﺪ تﺒﲔ ﻟه‬
‫ﻟه ﺧﺴﺮانه وﺣﺮمﺎنه‪ ،‬وﺣﻀﺮ ﻋﺬاﺑه‪ ،‬ﻓﻬﺬا مﻮجﺐ ﻟﻠعﺎﻗﻞ اﻟﺰﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻋﺪم اﻟﺮﻏﺒة ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬واﻻﻫﺘمﺎم‬
‫واﻻﻫﺘمﺎم ﺑﺸأ ﺎ"‪.1‬‬
‫‪.4‬اﻟﻮﻋﺪ ﻟﻨﺼﺮ واﻟﺘﱠﻤﻜﲔ‬
‫من وﺳﺎﺋﻞ اﻟﱰﻏﻴﺐ اﻟﱵ وﻇﻔﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻮﻋﺪ ﻟنصﺮ واﻟﺘﺒﺸﲑ ﺑه‪ ،‬وﻫﻮ من اﻟﺘﻔﺎؤل اﻟﺬي ﻳنﺒﻐﻲ‬
‫أن ﻳﺴﺘصﺤﺒه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﰲ دﻋﻮته‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة من ﺻﻔﺎته أن ﻳﻜﻮن مﺒﺸﺮا ﻻ منﻔﺮا‪ ،‬مﻴﺴﺮا ﻻ معﺴﺮا‪،‬‬
‫وﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﻫﺪي اﻟنﱯ ‪ ‬وﻫﺪي اﻷنﺒﻴﺎء من ﻗﺒﻠه‪ ،‬وﻳﺴﺘﺪل ﻟﺬﻟﻚ ﻷمﺜﻠة اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫س ﻓَـ َﺮ ِﺳ ِﻪ‪َ ،‬ﻋﻠَ ْﻴ ِﻪ‬ ‫ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺎل ﻳﻮم ﺑﺪر‪» :‬ﻫ َﺬا ِﺟ ِﱪﻳﻞ‪ِ ،‬‬
‫آﺧ ٌﺬ ﺑَِﺮأْ ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫أ ََداةُ اﳊَْﺮ ِب«‪.2‬‬
‫ﻓنﺰول اﳌﻼﺋﻜة من ﻋﻼمﺎت وﺑﺸﺎرات اﻟنصﺮ‪ ،‬ﻗﺎل اﻟصﻼﰊ‪ ":‬أن إمﺪاد ﷲ تعﺎﱃ ﻟﻠمﺆمنﲔ‬
‫ﳌﻼﺋﻜة أمﺮ ﻗﻄعﻲ ﺑﺖ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴه‪ ،‬وأن اﳊﻜمة من ﻫﺬا اﻹمﺪاد ﲢصﻴﻞ مﺎ ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ‬
‫ﻻنﺘصﺎر اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺣصﻞ ﺑنﺰول اﳌﻼﺋﻜة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺎمﻮا ﺑﻜﻞ مﺎ ﳝﻜن أن ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒﺎ ﻟنصﺮ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ‪ :‬من ﺑﺸﺎر م ﻟنصﺮ‪ ،‬ومن تﺜﺒﻴﺘﻬم ﲟﺎ أﻟﻘﻮه ﰲ ﻗﻠﻮ م من ﺑﻮاﻋﺚ اﻷمﻞ ﰲ نصﺮﻫم‪،‬‬
‫واﻟنﺸﺎط ﰲ ﻗﺘﺎﳍم‪ ،‬وﲟﺎ أﻇﻬﺮوه ﳍم من أ م معﺎنﻮن من ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬وأﻳﻀﺎ ﲟﺎ ﻗﺎم ﺑه ﺑعﻀﻬم من‬
‫اﻻﺷﱰاك اﻟﻔعﻠﻲ ﰲ اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا اﻻﺷﱰاك اﻟﻔعﻠﻲ ﰲ اﻟﻘﺘﺎل ﻗﻮى ﻗﻠﻮ م وثﺒﺘﻬم ﰲ‬
‫اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ دﻟﺖ ﻋﻠﻴه اﻵ ت وﺻﺮﺣﺖ ﺑه اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟنّﺒﻮﻳّة"‪.3‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﳌنﺎن‪ ،‬ص‪.790‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺷﻬﻮد اﳌﻼﺋﻜة ﺑﺪرا‪ ،(81/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3773 :‬‬
‫‪ -3‬اﻟصﻼﰊ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﺮض وﻗﺎﺋع وﲢﻠﻴﻞ أﺣﺪاث‪.(412/1) ،‬‬
‫‪266‬‬
‫ومن مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺒﺸﲑ ﻟنصﺮ تﺒﺸﲑه ‪ ‬ﻷﺻﺤﺎﺑه ﺑﻔﺘﺢ ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه ﻋنﺪ اﻟﺪنﻮ منﻬم‪» :‬ا ﱠُ‬
‫َ َ َٓ َ َ ُ ُْ َ‬
‫نذ ِر َ ۖن چ ]اﻟصﺎﻓﺎت‪.1«[177 :‬‬‫ﺎﺣ ِﺔ ﻗَـ ْﻮٍم چٱفسﺎء صبﺎح لم‬
‫ﺖ َﺧ ْﻴـﺒَـ ُﺮ‪ ،‬أ إِذَا ﻧَـ َﺰﻟْﻨَﺎ ﺑِ َﺴ َ‬
‫أَ ْﻛﺒَـ ُﺮ‪َ ،‬ﺧ ِﺮﺑَ ْ‬
‫و ﺬا أﻛﻮن ﻗﺪ ﺑﻴنﺖ منﻬج اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ تﻮﻇﻴﻒ اﳌﻮﻋﻈة اﳊﺴنة من ﺧﻼل اﳋﻄﺎﺑة وأﺳﻠﻮب‬
‫اﻟﱰﻏﻴﺐ واﻟﱰﻫﻴﺐ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺘﺴم ﻟﺘنﻮع واﳌﺮونة واﻻنﺘﻘﺎء واﳌﻼﺋمة ﻟﻠمﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي؛ ﳑﺎ أﲦﺮ نﺘﺎﺋج‬
‫دﻋﻮﻳّة آجﻠة وﻋﺎجﻠة‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ تﻈﻬﺮ اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠمﻮﻋﻈة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة‪ ،‬ﻏﲑ أ ﺎ ﻟن ﲢﻘق‬
‫أﻫﺪاﻓﻬﺎ إﻻ إذا أُﺣﺴن تﻮﻇﻴﻔﻬﺎ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻜﻞ مﻘﺎم ﲟﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴه‪ ،‬وﻟعﻞ مﺎ ﻳعﲔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‬
‫دراﺳة اﳌﻮاﻋﻆ اﻟنّﺒﻮﻳّة واﻟﺘﺪرب ﻋﻠﻰ تﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﰲ اﳌﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ اﳊﺴﻨﺔ‬
‫أن اﳌعﺎمﻠة اﳊﺴنة من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬اﻟﱵ اﺳﺘخﺪمﻬﺎ اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬واﳌصﻠﺤﻮن ﻋﱪ رﻳخ‬
‫اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺪﻳنﻴّة‪ ،‬ﳌﺎ ﳍﺎ من ثﲑ ﻋﺎﻃﻔﻲ ﰲ نﻔﻮس اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وﻳﺘﺠﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﻮﺿﻮح ﳌﺘﺘﺒع اﻟﻘصﺺ‬
‫اﻟﻘﺮآن ي‪ ،‬اﻟﺬي ﻳعﺮض منﺎﻫج دﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء واﳌﺮﺳﻠﲔ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﻠﺤﻆ ذﻟﻚ ﰲ اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬

‫وﻋنﺪ تﺘﺒعﻲ ﻟﻠمﻐﺎزي‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ مﻴﺪا من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي‬
‫اﻟعﺎﻃﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﺘخﺬ اﳌعﺎمﻠة اﳊﺴنة أﺳﻠﻮ ﻟه ﻳﻈﻬﺮ ﰲ وﺳﺎﺋﻞ وأﳕﺎط ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬أﺑﺮزﻫﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻘﻮل اﳊﺴﻦ‬

‫ﻳعﺪ اﻟﺘعﺎمﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻘﻮﱄ من أﻫم اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻻ ﳝﻜن ﻷي منﻬج دﻋﻮي أن ﳜﻠﻮ‬
‫منﻬﺎ‪ ،‬وﻻ ﳝﻜن ﻷي داﻋﻴّة أ ْن ﻳﺘخﻠﻰ ﻋنﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻮنه أﻫم ﻋنصﺮ من ﻋنﺎﺻﺮ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﲔ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬واﳌﺘﺘﺒع ﻟﺪﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم‪ ،‬واﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬واﳊﺪﻳﺚ اﻟنﺒﻮي ﳚﺪ أن اﻟﺘعﺎمﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻘﻮﱄ ﻫﻮ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﻛﺎﻟﻜﺘﺎﺑة واﻟﻔعﻞ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(132/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4200:‬و "اﳌﺴﺎﺣﻲ ﲨع مﺴﺤﺎة‪ ،‬وﻫﻲ اﻵﻟة اﻟﱵ‬
‫ﻳﻘﻠع ﺎ اﻟﻄﲔ وﳓﻮه"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(188/1) ،‬وﻗﺪ ﻳﺴﺘﻔﺎد من ﻫﺬه اﳉﺰﺋﻴّة أ ّن اﻟﻐﺰوات ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ ﰲ اﻻﻃﻼع‬
‫مﺎ ﻋنﺪ اﻟﻐﲑ من وﺳﺎﺋﻞ واﳒﺎزات ﳝﻜن نﻘﻠﻬﺎ وتﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﳋﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة أ ّن ﱂ تﻜن ﳐﺎﻟﻔة ﻷﺻﻮﳍﺎ‪.‬‬
‫‪267‬‬
‫ﻏﲑ أن ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة ﻻ ﺑﺪ أن تﻀﺒط ﺑﻀﻮاﺑط دﻋﻮﻳّة ﺣﱴ ﲢﻘق أﻫﺪاﻓﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن إﱃ‬
‫]اﻟنﺤﻞ‪ ،[125:‬وﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‬ ‫َ ْ ْ‬
‫يل َر ِّك بِﺎلحِ ك َم ِة چ‬ ‫ﻫﺬه اﻟﻀﻮاﺑط ﳎمﻠة‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ ْد ُع إ َ ٰ َ‬
‫س‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٗ‬ ‫ٗ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ ٗ‬ ‫َُ ُ ْ‬
‫ﻋﺰوجﻞ‪:‬ٱچٱ َ ُقوﻻ ُ ۥ ﻗَ ْوﻻ ِّنﺎ چ ]ﻃه‪.[43 :‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻟه‬‫ﻮ‬ ‫ﻗ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬‫‪82‬‬ ‫]اﻟﺒﻘﺮة‪:‬‬ ‫چ‬‫ۖ‬ ‫نﺎ‬ ‫س‬‫ح‬ ‫ِ‬
‫ﺎس‬ ‫ِلن‬ ‫وتعﺎﱃ‪ :‬چٱوﻗو وا‬
‫واﻵ ت ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻛﺜﲑة تﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة مﺮاﻋﺎة اﻷﺧﻼق اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﻟصﻔﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ‬
‫اﻟﺘعﺎمﻞ اﻟﻘﻮﱄ مع اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻛﺎﳊﻜمة‪ ،‬واﻟﻄﻴﺒة‪ ،‬واﻟﻠﲔ وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ أورد أﺑﺮز اﻟﺘعﺎمﻼت‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﻘﻮﻟﻴّة ذات اﻟﺒعﺪ اﻟعﺎﻃﻔﻲ من ﺧﻼل تﺘﺒع اﳌﻐﺎزي‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ‬
‫ﻛﺎن من ﻫﺪي اﻟنﱯ ‪ ‬اﳊﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠمة اﻟﻄﻴﺒة‪ ،‬واﳊﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﺣﱴ ﺻﺎرت منﻬﺠﺎ مﻄﺮدا‬
‫ﰲ ﺣﻴﺎته ﺣﻀﺮا‪ ،‬وﺳﻔﺮا‪ ،‬ﺳﻠمﺎ‪ ،‬وﺣﺮ مع اﻟعﺪو واﻟصﺪﻳق‪ ،‬وﻗﺪ اﲣﺬت ﺻﻮرا ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ومﺘنﻮﻋة‬
‫ﺣﺴﺐ اﳌﻮاﻗﻒ واﳌنﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ وﻟﺘعﺬر ﺣصﺮ اﻟﻜﻠم اﻟنﺒﻮي اﻟﻄﻴﺐ‪ ،‬ﻓﺴﻮف أﺣصﺮه ﰲ‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻠﻤﺪﻋﻮ‬
‫من اﻟﻜﻠم اﻟﻄﻴﺐ اﻟﺬي ﻳﺆثﺮ ﰲ وجﺪان اﳌﺪﻋﻮ اﻟﺪﻋﺎء ﻟه‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﳒﺪ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻮﻇﻔه ﰲ اﺳﺘمﺎﻟة‬
‫اﺳﺘمﺎﻟة اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬واﻷمﺜﻠة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻛﺜﲑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن َﺳ ْﻬ ِﻞ ﺑْ ِن َﺳ ْع ٍﺪ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪،‬‬
‫اب َﻋﻠَى أَ ْﻛﺘَﺎﻓِﻨَﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺎل‬ ‫ﱡﺮ َ‬‫ﺎل‪ُ :‬ﻛﻨﱠﺎ َﻣ َﻊ َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪ِ ‬ﰲ اﳋَْﻨ َﺪق‪ ،‬و ُﻫ ْﻢ َْﳛﻔ ُﺮو َن َوَْﳓ ُﻦ ﻧَـ ْﻨـ ُﻘ ُﻞ اﻟﺘـ َ‬ ‫َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫‪1‬‬ ‫اﻵﺧﺮْﻩ‪ ،‬ﻓَﺎ ْغ ِﻔﺮ ﻟِﻠ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رﺳ ُ ِ‬
‫ﺼﺎ ِر« ‪.‬‬ ‫ﻳﻦ َواﻷَﻧْ َ‬ ‫ْﻤ َﻬﺎﺟ ِﺮ َ‬‫ْ ُ‬ ‫ﺶ َ‬ ‫ﺶ إِﱠﻻ َﻋ ْﻴ ُ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪» :‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ ﻻَ َﻋ ْﻴ َ‬ ‫َُ‬
‫ﻓﻼ ﺷﻚ أن ﻫﺬا اﻟﻜﻠم اﻟنﺒﻮي اﻟﻄﻴﺐ ﻳﺰﻳﺪ اﳌﺴﻠمﲔ جﺪا‪ ،‬ونﺸﺎﻃﺎ‪ ،‬وﻫم ﳛﻔﺮون اﳋنﺪق ﰲ‬
‫تﻠﻚ اﻟﻈﺮوف اﻟصعﺒة‪.2‬‬
‫ِ‬
‫ﻮﺳﻰ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ‬ ‫ومن أمﺜﻠة اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻠمﺪﻋﻮ اﻟﺪﻋﺎء ﻷﰊ ﻋﺎمﺮ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن أَِﰊ ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ر ِﺿﻲ ا ﱠ ﻋْنه‪ ،‬ﻗَ َ ِ‬
‫ﺖ إِﻟَْﻴه‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬انْ ِﺰ ْع َﻫ َﺬا اﻟ ﱠﺴ ْﻬ َم‪ ،‬ﻓَـنَـَﺰ ْﻋﺘُهُ ﻓَـنَـَﺰا مْنهُ‬ ‫ﺎل‪ُ :‬رم َﻲ أَﺑُﻮ َﻋﺎم ٍﺮ ِﰲ ُرْﻛﺒَﺘه‪ ،‬ﻓَﺎنْـﺘَـ َﻬْﻴ ُ‬ ‫َ َ َُُ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ ا ْغ ِﻔ ْﺮ ﻟِﻌُﺒَـْﻴ ٍﺪ أَِﰊ َﻋ ِﺎﻣ ٍﺮ« ‪.3‬‬ ‫َﺧﺒَـ ْﺮتُهُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَأ ْ‬ ‫ﺖ َﻋﻠَﻰ اﻟن ِّ‬ ‫مْنهُ اﳌَﺎءُ‪ ،‬ﻓَ َﺪ َﺧﻠْ ُ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب نﺰع اﻟﺴﻬم من اﻟﺒﺪن‪ ،(34/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2884 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.277‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أوﻃﺎس‪ ،(155/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4068 :‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬وادي أوﻃﺎس‬
‫ﻏﲑ وادي ﺣنﲔ وﻳﻮﺿﺢ ذﻟﻚ مﺎ ذﻛﺮ ﺑن إﺳﺤﺎق أ ّن اﻟﻮﻗعة ﻛﺎنﺖ ﰲ وادي ﺣنﲔ وأ ّن ﻫﻮازن ﳌﺎ ا ﺰمﻮا ﺻﺎرت ﻃﺎﺋﻔة منﻬم إﱃ‬
‫‪268‬‬
‫ﻓمع ﻛﻮن اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻠمﺪﻋﻮ من اﻹﺣﺴﺎن إﻟﻴه‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﻃﻠﺐ اﻟﺪﻋﺎء واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر من اﻟنﱯ ‪ ‬من‬
‫َ َ َُ ْ َ َ َْْ‬
‫ﻓﻴﻬم‪ :‬ٱچ ٱ ذا ِيل لهم تعﺎ وا‬ ‫ﻋﻼمﺎت اﻹﳝﺎن‪ ،‬واﻟﺰﻫﺪ ﰲ ذﻟﻚ من ﻋﻼمﺎت اﻟنﻔﺎق‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‬
‫ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫َْ َْ ْ ُ‬
‫ك ْم َر ُسول ِ ْ ُ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ون چ ] اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،[05:‬ﻗﺎل ﺳﻴﺪ‬ ‫ﷲ َووا رءوسه ْم َو َرأ ته ْم يصدون َوهم مستك ِ ۖ‬ ‫ستغ ِفر ل‬
‫ﻗﻄﺐ رﲪه ﷲ‪ ":‬ﻟﻮوا رؤوﺳﻬم تﺮﻓعﺎ واﺳﺘﻜﺒﺎرا! وﻫﺬه وتﻠﻚ ﲰﺘﺎن مﺘﻼزمﺘﺎن ﰲ اﻟنﻔﺲ اﳌنﺎﻓﻘة"‪.1‬‬
‫ت إِﻟَْﻴ ِﻪ أﱐ َﻻ أَﺛْـﺒُ ُ‬
‫ﺖ َﻋﻠَى‬ ‫ومن أمﺜﻠة ذﻟﻚ دﻋﻮته ‪‬ﳉﺮﻳﺮ ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺤﲔ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪َ ":‬وﻟََﻘ ْﺪ َﺷ َﻜ ْﻮ ُ‬
‫ﺎد ً َﻣ ْﻬ ِﺪ «‪.2‬‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟﻠﻬ ﱠﻢ ﺛَـﺒِْﺘﻪُ واﺟﻌﻠْﻪُ َﻫ ِ‬ ‫ﻀﺮ ِ ِ‬
‫ُ ّ َ َْ‬ ‫ب ﺑِﻴَﺪﻩ ِﰲ َ‬
‫ﺻ ْﺪ ِري َوﻗَ َ‬ ‫اﳋَْﻴ ِﻞ‪ ،‬ﻓَ َ َ َ‬
‫ْ‬
‫واﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻗﺪ تﻮاتﺮت ﰲ دﻋﺎء اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﺳﺘﻐﻔﺎره ﳍم‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‬
‫ﻋﺎﻃﻔﻴّة تﺰﻳﺪ من ﻓﺎﻋﻠﻴّة‪ ،‬ونﺸﺎط اﳌﺪﻋﻮ ﻛمﺎ اتﻀﺢ ذﻟﻚ ﰲ اﻷمﺜﻠة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﲡﺪر إﻟﻴه اﻹﺷﺎرة أن اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻠمﺪﻋﻮ؛ ﻋﺘﺒﺎره وﺳﻴﻠة دﻋﻮﻳّة ﻋﺎﻃﻔﻴّة ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺘخﲑ ﳍﺎ‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أنﺴﺐ اﻷﻟﻔﺎظ وأرﻗﻬﺎ؛ ﺣﻴﺚ تﺘنﺎﺳﺐ اﻟﻮﺳﻴﻠة مع اﻟﺸخﺺ‪ ،‬واﳌﻮﻗﻒ‪ ،‬واﳍﺪف‪.‬‬
‫‪.2‬ﳐﺎﻃﺒﺔ اﳌﺪﻋﻮ ﻟﻄف اﻷﲰﺎء واﻷﻟﻘﺎب‬
‫ﻻ ﺷﻚ أن من ﳏﺎﺳن اﻵداب واﻷﺧﻼق منﺎداة اﻟنﺎس ﻓﻀﻞ وأﺣﺐ أﲰﺎﺋﻬم وأﻟﻘﺎ م وﻛنﺎﻫم‬
‫وﺻﻔﺎ م‪ ،‬و ﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﺪي اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺬي أﺧﺬه ﻋنه أﺻﺤﺎﺑه ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِين َء َام ُنوا چ‪ ،‬وﻗﺪ تﻜﺮر ﰲ‬
‫َ‬ ‫اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﻘﺪ دى اﳌﺆمنﲔ ﻓﻀﻞ ﺻﻔﺎ م‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ َهﺎ‬
‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻫﺬا اﻟنﺪاء ﻛﺜﲑا ؛ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴﺘه ﰲ اﺳﺘمﺎﻟة اﳌنﺎدى ﻟﻼﺳﺘﺠﺎﺑة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ر ُسول ٱچ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،[41:‬وﻗﺎل‬ ‫چ ٱ َ َهﺎ‬ ‫وﻗﺪ ﺧﺎﻃﺐ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑصﻔﱵ اﻟنﺒﻮة واﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫َ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه‪:‬ٱچٱ َ َهﺎ ِ ٓ ُءٱچ ]اﻟﺘﺤﺮﱘ‪ ،[01 :‬وﳘﺎ من أﻋﻈم ﺻﻔﺎت اﻟنﱯ ‪ ،‬إﺿﺎﻓة إﱃ مﺎ ﻓﻴﻬمﺎ من‬
‫دﻻﻻت دﻋﻮﻳّة أﺧﺮى‪.‬‬
‫وﰲ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻰ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ منﺎداة اﻟنﺎس ﲟﺎ ﻳﻜﺮﻫﻮن من اﻷﲰﺎء واﻷﻟﻘﺎب‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‬
‫ِﻻي َ ٰ ِنٱچ ]اﳊﺠﺮات‪.[11 :‬‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ َوﻻ َ َنَﺎبَ ُزوا ْ بﺎﻻَل ْ َ ٰب ب َس ِﻻ ْس ُم ل ْ ُف ُس ُ‬
‫وق بَ ْع َد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫اﻟﻄﺎﺋﻒ وﻃﺎﺋﻔة إﱃ ﲜﻴﻠة وﻃﺎﺋﻔة إﱃ أوﻃﺎس ﻓأرﺳﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺴﻜﺮا مﻘﺪمﻬم أﺑﻮ ﻋﺎمﺮ اﻷﺷعﺮي إﱃ من مﻀﻰ إﱃ أوﻃﺎس‬
‫ﻛمﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻴه ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺒﺎب "‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(42/8) ،‬‬
‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3579/6) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ذي اﳋﻠصة‪ ،(165/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4098 :‬ورواه مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ب من ﻓﻀﺎﺋﻞ جﺮﻳﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ تعﺎﱃ ﻋنه‪ ،(1925/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2475 :‬‬ ‫ﻓﻀﺎﺋﻞ ّ‬
‫‪269‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﱪي‪ ":‬واﺧﺘﻠﻒ أﻫﻞ اﻟﺘأوﻳﻞ ﰲ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﱵ ﻰ ﷲ ﻋن اﻟﺘنﺎﺑﺰ ﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻵﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﺑعﻀﻬم‪ :‬ﻋﲎ ﺎ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﱵ ﻳﻜﺮه اﻟنﺒﺰ ﺎ اﳌﻠﻘﺐ‪ ،‬وﻗﺎﻟﻮا‪ :‬إﳕﺎ نﺰﻟﺖ ﻫﺬه اﻵﻳّة ﰲ ﻗﻮم ﻛﺎنﺖ ﳍم‬
‫ﳍم أﲰﺎء ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬ﻓﻠمﺎ أﺳﻠمﻮا ﻮا أن ﻳﺪﻋﻮ ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ ﲟﺎ ﻳﻜﺮه من أﲰﺎﺋه اﻟﱵ ﻛﺎن ﻳﺪﻋﻰ‬
‫ﻳﺪﻋﻰ ﺎ ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة"‪.1‬‬
‫واﳌﺘﺘﺒع ﻟﻠﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﳚﺪ ﻫﺬا اﳍﺪي اﻟﻘﺮآن ي ﺣﺎﺿﺮا ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﳌﺎ ﻟه من أثﺮ ﻋﺎﻃﻔﻲ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ‬
‫اﻟﻔﺎﻋﻠﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﺳﻮف أمﺜﻞ ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺮﻗﻴق ﻷمﺜﻠة اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻋﺒﺎرة " اﺑﻦ أﺧﻲ"‬
‫من ﺻﻴغ اﳌنﺎداة اﻟﻠﻄﻴﻔة اﻟﱵ ﻳﺴﺘعمﻠﻬﺎ اﻟعﺮب ﻟﻼﺳﺘعﻄﺎف ﻋﺒﺎرة " اﺑﻦ أﺧﻲ"‪ ،‬وﺑﻘﻴﺖ من‬
‫اﻟﻜﻠم اﻟﻄﻴﺐ اﻟﺬي أﻗﺮه اﻹﺳﻼم ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ‪ ،‬وﳑﺎ وﻗﻔنﺎ ﻋﻠﻴه من اﻟنﱠمﺎذج ﰲ ذﻟﻚ مﺎ رواه اﻟعﻼء ﺑن‬
‫ﺑن اﳌﺴﻴﺐ‪ ،‬ﻋن أﺑﻴه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻟﻘﻴﺖ اﻟﱪاء ﺑن ﻋﺎزب رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ " :‬ﻃﻮﰉ ﻟﻚ‪ ،‬ﺻﺤﺒﺖ‬
‫‪2‬‬
‫ﺻﺤﺒﺖ اﻟنﱯ ‪ ‬و ﻳعﺘه ﲢﺖ اﻟﺸﺠﺮة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬اﺑن أﺧﻲ‪ ،‬إنﻚ ﻻ تﺪري مﺎ أﺣﺪثنﺎ ﺑعﺪه "‬
‫ومن ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ ﻗﻮل ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻮف‪ " :‬إﱐ ﻟﻔﻲ اﻟصﻒ ﻳﻮم ﺑﺪر إذ اﻟﺘﻔﺖ ﻓﺈذا ﻋن ﳝﻴﲏ‬
‫وﻋن ﻳﺴﺎري ﻓﺘﻴﺎن )‪(3‬ﺣﺪﻳﺜﺎ اﻟﺴن‪ ،‬ﻓﻜأﱐ ﱂ آمن ﲟﻜﺎ مﺎ‪ ،‬إذ ﻗﺎل ﱄ أﺣﺪﳘﺎ ﺳﺮا من ﺻﺎﺣﺒه‪:‬‬
‫ﻋم أرﱐ أ جﻬﻞ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬اﺑن أﺧﻲ‪ ،‬ومﺎ تصنع ﺑه؟ ﻗﺎل‪ :‬ﻋﺎﻫﺪت ﷲ أن رأﻳﺘه أن أﻗﺘﻠه أو‬
‫أمﻮت دونه‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﱄ اﻵﺧﺮ ﺳﺮا من ﺻﺎﺣﺒه مﺜﻠه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓمﺎ ﺳﺮﱐ أﱐ ﺑﲔ رجﻠﲔ مﻜﺎ مﺎ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ﻓأﺷﺮت ﳍمﺎ إﻟﻴه‪ ،‬ﻓﺸﺪا ﻋﻠﻴه مﺜﻞ اﻟصﻘﺮﻳن ﺣﱴ ﺿﺮ ه‪ ،‬وﳘﺎ اﺑنﺎ ﻋﻔﺮاء "‬
‫ﻓﻘﺪ دى اﻟصﺤﺎﺑﻴﲔ اﳉﻠﻴﻠﲔ اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻟﻄﻒ اﻷﲰﺎء اﻟﱵ تﺸعﺮ ﺑﻘﺮب اﻟ ّﺪاﻋﻴّة من اﳌﺪﻋﻮ‬
‫نﺰاﻟه منﺰﻟة اﺑن اﻷخ‪ ،‬وﻫﺬه ﻋﺒﺎرة ﻟﻄﻴﻔة جﺪﻳﺮة ﻻﺳﺘعمﺎل واﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(367/21) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،(125/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3937 :‬‬
‫‪ -3‬وﳘﺎ ﻋﻮف ﺑن اﳊﺎرث ومعﻮذ ﺑن اﳊﺎرث اﺑنﺎ ﻋﻔﺮاء‪ ،‬وﻋﻔﺮاء أمﻬم‪ ،‬ﺷﻬﺪا اﻟعﻘﺒة‪ ،‬واﺳﺘﺸﻬﺪا ﺑﺒﺪر‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺬﻫﱯ ﺳﲑ أﻋﻼم‬
‫اﻟنﺒﻼء‪ ،(25/4) ،‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(146/1( ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،(78/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3766 :‬‬
‫‪270‬‬
‫وﻫﻲ تﺸﺒه اﻟعﺒﺎرة اﻟﱵ اﺳﺘعمﻠﻬﺎ ﻫﺎرون ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻻﺳﺘعﻄﺎف أﺧﻴه ﰲ مﻮﻗﻒ اﻓﺘﺘﺎن ﻗﻮم‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ ََُْ َ َ ُ ْ ْ‬
‫َ چ ] ﻃه‪ ،[92 :‬ﻓﻘﺪ" ﺧﺺ اﻷم‬ ‫ِحيَ ِ َوﻻ ب ِ َرأ ِ‬ ‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱﻗﺎل ي نؤم ﻻ تﺎخذ بِل‬ ‫مﻮﺳﻰ ﻟعﺠﻞ ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫اﻷم ﻹﺿﺎﻓة اﺳﺘعﻈﺎمﺎ ﳊﻘﻬﺎ وتﺮﻗﻴﻘﺎ ﻟﻘﻠﺒه"‪.1‬‬
‫ب‪ .‬اﺳﺘﻌﻤﺎل اﳌﻨﺎداة ﻟﻜﻨﻴّﺔ‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻜﲎ من أﻓﻀﻞ مﺎ ﳛﺐ أ ْن ﻳنﺎدى ﺎ اﳌﺮء‪ ،‬ﳌﺎ تﺘﻀمنه من ﻋﺎﻃﻔة اﻷﺑﻮة واﻟﺮﲪة ﻛﺎن‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳنﺎدي ﺎ أﺻﺤﺎﺑه‪.‬‬
‫ﺎﺣﺒَﺎ‬‫ﺴﻴِ ُﺪ‪ ،‬ﺻ ِ‬ ‫ﻓمن ﳕﺎذج اﺳﺘعمﺎل اﻟﻜنﻴة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬مﺎ رواه ﺣﺬﻳﻔة‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺟﺎء ِ‬
‫ﺐ َواﻟ ﱠ ّ َ‬ ‫اﻟﻌﺎﻗ ُ‬
‫ََ َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺼﺎﺣﺒِﻪ‪ :‬ﻻَ ﺗَـ ْﻔ َﻌ ْﻞ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠ ﻟَﺌِ ْﻦ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ ‪‬ﻳُ ِﺮﻳﺪان أن ﻳﻼَﻋﻨَﺎﻩُ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺻِ‬
‫ﺎﺣﺒَﺎ َْﳒﺮا َن‪ ،‬إِ َﱃ ر ُﺳ ِ‬
‫َﺣ ُﺪ ُﳘَﺎ ﻟ َ‬
‫ﺎل أ َ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﺚ َﻣ َﻌﻨَﺎ َر ُﺟ ًﻼ أ َِﻣﻴﻨًﺎ‪،‬‬
‫ﻴﻚ َﻣﺎ َﺳﺄَﻟْﺘَـﻨَﺎ‪ ،‬واﺑْـ َﻌ ْ‬‫ﻛﺎن ﻧَﺒِﻴﺎ ﻓَﻼَ َﻋﻨﱠﺎ ﻻَ ﻧـُ ْﻔﻠِ ُﺢ َْﳓ ُﻦ‪ ،‬وﻻَ َﻋ ِﻘﺒُـﻨَﺎ ِﻣ ْﻦ ﺑَـ ْﻌ ِﺪ َ ‪ ،‬ﻗَﺎﻻَ‪ :‬أ ﻧُـ ْﻌ ِﻄ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫ﺎب ر ُﺳ ِ‬
‫َﺻ َﺤ ُ َ‬ ‫ف ﻟَﻪُ أ ْ‬ ‫ﺎﺳﺘَ ْﺸ َﺮ َ‬
‫ﲔ«‪ ،‬ﻓَ ْ‬ ‫ﺎل » َﻷَﺑْـ َﻌﺜَ ﱠﻦ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ َر ُﺟ ًﻼ أ َِﻣﻴﻨًﺎ َﺣ ﱠﻖ أ َِﻣ ٍ‬
‫ﺚ َﻣ َﻌﻨَﺎ إِﱠﻻ أ َِﻣﻴﻨًﺎ‪ .‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺗَـ ْﺒـ َﻌ ْ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ » :‬ﻫ َﺬا أَِﻣ ُﲔ َﻫ ِﺬ ِﻩ اﻷُﱠﻣ ِﺔ« ‪.2‬‬ ‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺎم‪ ،‬ﻗَ َ‬‫اح« ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ ﻗَ َ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻗُ ْﻢ َ أَ َ ﻋُﺒَـْﻴ َﺪةَ ﺑْ َﻦ اﳉَﱠﺮ ِ‬ ‫ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ﺖ أُﱡم َﻫﺎن ٍﺊ‪ :‬جْﺌ ُ‬
‫ﺖ‬ ‫ﻛمﺎ ﻳﻜﲎ اﻟﺮجﻞ تﻜﲎ اﳌﺮأة أﻳﻀﺎ وتنﺎدى ﺑﻜنﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ معﻠﻘﺎ‪ ،‬وﻗَﺎﻟَ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﺮ َﺣﺒًﺎ ِ ُِّم َﻫﺎﻧِ ٍئ«‪.‬‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺖ إِ َﱃ اﻟنِ ِّ‬ ‫ِ‬
‫جْﺌ ُ‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﺪح واﻟﺬم‬
‫ومن اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﳌﺆثﺮة مﺪح اﳌﺪﻋﻮ أو ذمه‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪" :‬اﳌﺪح اﳍﺎدف ﻳﺜﲑ‬
‫اﻟنﺎس وﻳﺪﻓع م إﱃ رﺣﺎب اﻟ ّﺪﻋﻮة"‪.4‬‬
‫ﻷجﻞ ذﻟﻚ ﳒﺪ أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺪ مﺪح‪ ،‬وذم ﰲ مﻮاﻃن مﺘﻔﺮﻗة من ﻏﺰواته‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج‬
‫ﻟﺬﻟﻚ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﺪح اﳌﻄﻌﻢ ﺑﻦ ﻋﺪي‬
‫)‪(1‬‬
‫وﻗﺪ جﺎء مﺪح اﳌﻄعم ﺑن ﻋﺪي ﰲ رواﻳّة اﺑنه جﺒﲑ أن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﰲ أﺳﺎرى ﺑﺪر‪» :‬ﻟَ ْﻮ ﻛﺎن‬
‫اﳌُﻄ ِْﻌ ُﻢ ﺑْ ُﻦ َﻋ ِﺪ ٍّي َﺣﻴﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ َﻛﻠﱠ َﻤ ِﲏ ِﰲ َﻫ ُﺆﻻَ ِء اﻟﻨﱠـ ْﺘـ َﲎ ﻟَﺘَـ َﺮْﻛﺘُـ ُﻬ ْﻢ ﻟَﻪُ« ‪.2‬‬

‫‪ -1‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺣﻘﻲ اﳋﻠﻮﰐ‪ ،‬روح اﻟﺒﻴﺎن‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(419/5) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗصة أﻫﻞ ﳒﺮان‪ ،(171/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4119 :‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،(4/8) ،‬معﻠﻘﺎ‪ ،‬واﻟﺮواﻳّة مﻮﺻﻮﻟة ومﻔصﻠة ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟصﻼة‪ ،‬ب اﻟصﻼة ﰲ اﻟﺜﻮب اﻟﻮاح‬
‫وﺳ َعة‪ ،‬وﻗﻴﻞ ‪ :‬معنﺎه ر ﱠﺣﺐ ا ّ ﺑﻚ َم ْﺮ َﺣﺒﺎ ﻓﺠعﻞ اﳌْﺮ َﺣﺐ‬
‫َ‬ ‫مﻠﺘﺤﻔﺎ ﺑه‪ ،(80/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،350 :‬ومعﲎ ﻣﺮﺣﺒﺎ‪ ":‬أي ﻟَ ِﻘﻴﺖ ُر ْﺣﺒﺎ‬
‫َ‬ ‫مﻮﺿع ِ‬
‫اﻟﱰﺣﻴﺐ "‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳّة‪.(499/2) ،‬‬
‫‪ -4‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻘﺪوة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪271‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﳉﻮزي ﰲ ﺷﺮح اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وإﳕﺎ ﺧﺺ اﳌﻄعم ﺬا ﻷنه ﳌﺎ مﺎت ﻋمه أﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ومﺎتﺖ‬
‫ومﺎتﺖ ﺧﺪﳚة ﺧﺮج إﱃ اﻟﻄﺎﺋﻒ ومعه زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة‪ ،‬ﻓأﻗﺎم ﺎ ﺷﻬﺮا ﰒ رجع إﱃ مﻜة ﰲ جﻮار‬
‫اﳌﻄعم ﺑن ﻋﺪي‪ ،‬ﻓأﺣﺐ مﻜﺎﻓأته ﻟﻮ أمﻜن"‪.3‬‬

‫‪ -1‬ﻛﺎن اﳌﻄعم ﺑن ﻋﺪي ﳑن ﺳعﻰ ﰲ نﻘﺾ ﺻﺤﻴﻔة مﻘﺎﻃعة ﺑﲏ ﻫﺎﺷم‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(192/7) ،‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪،‬‬
‫اﻟﺮوض اﻷنﻒ‪.(126/3) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺷﻬﻮد اﳌﻼﺋﻜة ﺑﺪرا‪ ،(86/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.7993 :‬‬
‫‪ -3‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬ﲨﺎل اﻟﺪﻳن أﺑﻮ اﻟﻔﺮج‪ ،‬اﳉﻮزي‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﳌﺸﻜﻞ من ﺣﺪﻳﺚ اﻟصﺤﻴﺤﲔ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﺣﺴﲔ اﻟﺒﻮاب‪،‬‬
‫دار اﻟﻮﻃن‪ ،‬اﻟﺮ ض‪.(46/4) ،‬‬
‫‪272‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟﻘصة مﺪح ﺿمﲏ ﻟﻠمﻄعم رﻏم مﻮته‪ ،‬وﻛﻮنه ﻛﺎﻓﺮ‪ ،‬وﻫﺬا ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ مﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴه من‬
‫ﺧصﺎل‪ ،‬وتﺪل اﻟﻘصة من ﻃﺮف ﺧﻔﻲ ﻋﻠﻰ وﻓﺎء اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻫﺬا من ﺷأنه أن ﻳﺆثﺮ ﰲ نﻔﻮس‬
‫اﳌﺆمنﲔ اﻷﺣﻴﺎء وﻳﺰﻳﺪ من ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻬم اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫وﰲ اﻟﻘصة ذم ﻟﺰﻋمﺎء ﻗﺮﻳﺶ اﻟﺬﻳن ﻇﻠﻮا معﺎدﻳن ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻗﺎدة وأتﺒﺎﻋﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﺳعﻮا ﺑﻜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‬
‫واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻻﺳﺘﺌصﺎﳍﺎ‪ ،‬ومﺎ مﺴﲑﻫم إﱃ ﺑﺪر ﺻﺮار وﲢﺮﻳﺾ ﻫﺆﻻء اﻟﺰﻋمﺎء إﻻ ﻛﻴﺪ ﳍﺬا اﻟعﺪاء‬
‫اﻟﺬي اﺳﺘﺤﻘﻮا ﺑه ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺸنﻴع‪ ،‬وﻫﻮ ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻟﺬم‪.‬‬
‫‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل‬ ‫‪ .2‬ﻣﺪح اﻟﺰﺑﲑ ﺑﻦ اﻟﻌﻮام‪ :‬ومن ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ مﺪﺣه ﻟﻠﺰﺑﲑ ﺑن اﻟعﻮام‪ ،‬ﻓعن جﺎﺑﺮ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َْﺗِﻴﻨَﺎ‬ ‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻮم اﻷﺣﺰاب‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َْﺗِﻴﻨَﺎ ِﲞَ َِﱪ اﻟ َﻘ ْﻮِم« ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل اﻟ ﱡﺰﺑَـ ْﻴـ ُﺮ‪ :‬أَ َ ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬أن ﻟ ُﻜ ِّﻞ ﻧَِ ٍّ‬
‫ﱯ‬ ‫ﺎل اﻟ ﱡﺰﺑَـ ْﻴـ ُﺮ‪ :‬أَ َ ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َْﺗِﻴﻨَﺎ ِﲞَ َِﱪ اﻟ َﻘ ْﻮِم« ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِﲞَ َِﱪ اﻟ َﻘ ْﻮِم«‪ .‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل اﻟ ﱡﺰﺑَـ ْﻴـ ُﺮ‪ :‬أَ َ ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫َﺣ َﻮا ِر ﱠي‪ ،‬وأن َﺣ َﻮا ِر ﱠي اﻟ ﱡﺰﺑَـ ْﻴـ ُﺮ« ‪.1‬‬
‫وﰲ ﺿﻮء ﻫﺬا اﳌﺪح اﻟنﺒﻮي اﻟصﺎدق مﺪﺣه ﺣﺴﺎن مﺒﻴنﺎ ﻓﻀﺎﺋﻠه ومنﺎﻗﺒه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﰲ‬
‫ﻗصﻴﺪة؛مﻄﻠعﻬﺎ‪:‬‬
‫ﺣﻮارﻳه واﻟﻘﻮل ﻟﻔعﻞ ﻳعﺪل‬ ‫أﻗﺎم ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ اﻟنﱯ وﻫﺪﻳه‬
‫ﻳﻮاﱄ وﱄ اﳊق واﳊق أﻋﺪل‬ ‫أﻗﺎم ﻋﻠﻰ منﻬﺎجه وﻃﺮﻳﻘه‬
‫‪2‬‬
‫ﻳصﻮل إذا مﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﳏﺠﻞ‬ ‫ﻫﻮ اﻟﻔﺎرس اﳌﺸﻬﻮر واﻟﺒﻄﻞ اﻟﺬي‬
‫‪.3‬ﻣﺪح ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎذ‬
‫ومن اﻟنﱠمﺎذج اﻟﱵ تﺴﺘﺤق اﳌﺪح اﻟصﺤﺎﰊ اﳉﻠﻴﻞ ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ‪ ،‬ﻓﻘﺪ مﺪﺣه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳌﺎ‬
‫ي َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل‪ :‬نَـَﺰَل أ َْﻫ ُﻞ ﻗُـَﺮﻳْﻈَةَ َﻋﻠَﻰ‬ ‫اﺳﺘﺪﻋﺎه ﻟﻠﺤﻜم ﰲ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعِ ٍ‬
‫ﻴﺪ اﳋُ ْﺪ ِر ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﺎل‬‫ﱠﱯ ‪‬إِ َﱃ َﺳ ْع ٍﺪ ﻓَأَتَﻰ َﻋﻠَﻰ ِﲪَﺎ ٍر‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َد َ ِم َن اﳌ ْﺴ ِﺠ ِﺪ ﻗَ َ‬ ‫ﱡ‬ ‫َﻋﻠَﻰ ُﺣ ْﻜ ِم َﺳ ْع ِﺪ ﺑْ ِن ُم َع ٍﺎذ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ اﻟنِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ﻮﻣﻮا إِ َﱃ َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ‪ ،‬أ َْو َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ » :‬ﻫ ُﺆﻻَِء ﻧَـ َﺰﻟُﻮا َﻋﻠَى ُﺣ ْﻜ ِﻤ َﻚ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬تَـ ْﻘﺘُ ُﻞ‬ ‫صﺎ ِر‪» :‬ﻗُ ُ‬ ‫ﻟ ْﻸَنْ َ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(111/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3887 :‬‬
‫‪ -2‬جﺎر ﷲ اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬رﺑﻴع اﻷﺑﺮار ونصﻮص اﻷﺧﻴﺎر‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻷﻋﻠمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت ط‪ 1412 ،1‬ﻫـ‪.(227/5) ،‬‬
‫‪273‬‬
‫ﺖ ِﲝُ ْﻜ ِﻢ ا ﱠِ«‪ ،‬و ُرﱠﲟَﺎ ﻗَ َﺎل‪ِ» :‬ﲝُ ْﻜ ِﻢ اﳌَﻠِ ِﻚ«‪ ،1‬ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻗَ َ‬
‫ﻀ ْﻴ َ‬ ‫ُم َﻘﺎتِﻠَﺘَـ ُﻬ ْم‪ ،‬وتَ ْﺴِﱯ َذ َرا ِرﻳـﱠ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﻓﻴه‪ :‬تﺸﺮﻳﻒ اﻟﺮجﻞ اﻟصﺎﱀ واﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ معﺮﻓة ﻓﻀﻴﻠﺘه"‪.2‬‬
‫وﻛمﺎ ﻳﻜﻮن اﳌﺪح ﻓﺮدي‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﲨﺎﻋﻲ ﲨﺎﻫﲑي‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬ﻳَـ ْﻮَم اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة‪» :‬أَﻧْـﺘُ ْﻢ َﺧ ْﻴـ ُﺮ أَ ْﻫ ِﻞ اﻷَ ْر ِ‬
‫ض« َوُﻛنﱠﺎ أَﻟْ ًﻔﺎ َوأ َْرﺑَ َع‬ ‫رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل ﻟَنَﺎ َر ُﺳ ُ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫ﱠﺠَﺮة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ﺖ أُﺑْصُﺮ اﻟﻴَـ ْﻮَم َﻷ ََرﻳْـﺘُ ُﻜ ْم َمﻜﺎ ﻟﺸ َ‬ ‫َوأ َْرﺑَ َع مﺎﺋَة‪ ،‬وﻟَْﻮ ُﻛْن ُ‬
‫ﷲ‬‫ُ‬ ‫وأﺻﺤﺎب اﻟﺸﺠﺮة ﻗﺪ مﺪﺣﻬم ﷲ تعﺎﱃ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱل َق ْد َر ِ َ‬
‫َ ْ َُ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ك تَ ْح َت لش َج َرةِ چ ]اﻟﻔﺘﺢ‪.[18 :‬‬ ‫َع ِن ل ُمو ِمن ِ ِإذ بﺎيِعون‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ ﺑعﺾ مﻈﺎﻫﺮ اﻻﺳﺘعمﺎل اﻟنﺒﻮي ﻟﻠﻘﻮل اﳊﺴن‪ ،‬ﻛأﺳﻠﻮب من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ ﲤﻈﻬﺮت ﰲ مﻈﻬﺮﻳن رﺋﻴﺴﲔ‪ :‬اﻟﻜﻠم اﻟﻄﻴﺐ‪ ،‬وأﺳﻠﻮب اﳌﺪح واﻟﺬم‪ ،‬وﳘﺎ ﻛﻐﲑﳘﺎ من‬
‫اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻳﺘﻮﻗﻒ أثﺮﳘﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴن تﻮﻇﻴﻔﻬمﺎ‪ ،‬وتنﺰﻳﻠﻬمﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗع اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﳊﺴﻦ‬
‫ﻻ ﻳﻘﻞ اﻟﺘعﺎمﻞ ﻟﻔعﻞ اﳊﺴن أﳘﻴّة ﻋن اﻟﺘعﺎمﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻘﻮﱄ‪ ،‬ﻓﻬﻮ أﻳﻀﺎ من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫اﻟﱵ ﻻ ﳝﻜن ﻷي منﻬج دﻋﻮي أن ﻳﻐﻔﻠﻬﺎ‪ ،‬وﻻ ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﻳﻬمﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى‬
‫من وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﲔ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة واﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫ودﻋﻮات اﻟﺮﺳﻞ ﲨﻴعﺎ ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻛمﺎ أن اﻟﺴنة وﻫﻲ اﳌصﺪر اﻟﺜﺎﱐ ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع جﺰء ﻛﺒﲑ‬
‫منﻬﺎ من ﻗﺒﻴﻞ اﻷﻓعﺎل‪ ،‬واﳌﺘﺘﺒع ﻟﻠمﻐﺎزي‪-‬ﳎﺎل اﻟﺪراﺳة‪-‬ﳚﺪﻫﺎ ﺣﺎﻓﻠة ﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ومنه اﻟﻔعﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي اﳌﺴﺘﻬﺪف ﻟﻠﺒعﺪ اﻟعﺎﻃﻔﻲ ﰲ اﳌﺪﻋﻮ اﻟﺬي ﺳأتﻄﺮق ﻟه ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ‪ ،‬من ﺧﻼل ﺿﺮب‬
‫أمﺜﻠة‪ ،‬وﳕﺎذج من مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺒﺪﻧﻴّﺔ‬
‫أن مﺸﺎرﻛة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة وﺻﺎﺣﺐ اﳌﻜﺎنة واﻟﻘﺎﺋﺪ ﻟﻸتﺒﺎع ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣﻴﺎن‪ ،‬ﺣﱴ وإن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻟﻴﺲ‬
‫ﻟﻴﺲ من اﺧﺘصﺎﺻه؛ ﻟﻜﻮنه منﺸﻐﻼ ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ أﺧﺮى ﻻ ﳝﻜن أن ﻳﻘﻮم ﺎ ﻏﲑه‪ ،‬من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‬
‫اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟﱵ تﺰﻳﺪ ﲪﺎس اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ونﺸﺎﻃﻬم‪ ،‬ﻛمﺎ ﲤﻜن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة من معﺮﻓة أﺣﻮاﳍم وانﺸﻐﺎﻻ م‪،‬‬
‫وانﺸﻐﺎﻻ م‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(112/5‬ﺑﺮﻗم‪.3895 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(245/21) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،(123/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3923 :‬‬
‫‪274‬‬
‫واﺣﺘﻴﺎجﺎ م‪ ،‬وﻫﺬه اﻷﺑعﺎد تﻈﻬﺮ جﻠﻴّة ﻋنﺪ تﺘﺒع اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ ﺣﻀﺮﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻋﺎش مع‬
‫اﳉﻴﺶ‪ ،‬وﲢمﻞ ﻛﻞ مﺎ ﲢمﻠه من مﺘﺎﻋﺐ وﺻعﺎب‪ ،‬ومن أمﺜﻠة اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﺒﺪنﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﳌﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺒﺪﻧﻴّﺔ اﻟﻨّﺒﻮﻳّﺔ‬
‫ﻓمن اﳌﺸﺎرﻛﺎت اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﺒﺪنﻴّة اﳌﺸﺎرﻛة ﰲ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب ﺑﺒﺪنه اﻟﺸﺮﻳﻒ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﳛﻔﺮ معﻬم‬
‫معﻬم اﳋنﺪق وﳛمﻞ اﻟﱰاب ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔه‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ﺑن ﻋﺎزب ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳنﻘﻞ‬
‫‪ ‬ﻳنﻘﻞ اﻟﱰاب ﻳﻮم اﳋنﺪق‪ ،‬ﺣﱴ أﻏمﺮ ﺑﻄنه‪ ،‬أو اﻏﱪ ﺑﻄنه‪ ،‬ﻳﻘﻮل‪َ » :‬وا ﱠِ ﻟَ ْﻮﻻَ ا ﱠُ َﻣﺎ ا ْﻫﺘَ َﺪﻳْـﻨَﺎ‪ ،‬وﻻَ‬
‫وﻻَ ﺗَﺼ ﱠﺪﻗـْﻨَﺎ وﻻَ ﺻﻠﱠْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَﻧْ ِﺰﻟَﻦ ﺳ ِﻜﻴﻨَﺔً َﻋﻠَ ْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬وﺛـَﺒِّ ِ‬
‫ﺖ اﻷَﻗْ َﺪ َام أن ﻻَﻗَـ ْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬أن اﻷ َُﱃ ﻗَ ْﺪ ﺑَـﻐَ ْﻮا َﻋﻠَ ْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬إِذَا أ ََر ُ‬
‫ادوا‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ﺻ ْﻮتَهُ‪» :‬أَﺑَـْﻴـﻨَﺎ أَﺑَـْﻴـﻨَﺎ« ‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫أَﺑَـْﻴـﻨَﺎ« َوَرﻓَ َع َﺎ َ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻳﻘﻮل اﻟﻮاﻗﺪي‪ ":‬وجعﻞ اﳌﺴﻠمﻮن‬
‫وﻗﺪ أثﺮت ﻫﺬه اﳌﺸﺎرﻛة اﻟنّﺒﻮﻳّة ثﲑا ﻟﻐﺎ ﰲ نﺸﺎط ّ‬
‫اﳌﺴﻠمﻮن ﻳﻮمﺌﺬ إذا رأوا من اﻟﺮجﻞ ﻓﺘﻮرا ﺿﺤﻜﻮا منه‪ ،‬وتنﺎﻓﺲ اﻟنﺎس ﻳﻮمﺌﺬ ﰲ ﺳﻠمﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ‪،‬‬
‫اﻟﻔﺎرﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﳌﻬﺎجﺮون‪ :‬ﺳﻠمﺎن منﺎ‪ ،‬وﻛﺎن ﻗﻮ ﻋﺎرﻓﺎ ﲝﻔﺮ اﳋنﺎدق‪ ،‬وﻗﺎﻟﺖ اﻷنصﺎر‪ :‬ﻫﻮ منﺎ‬
‫منﺎ وﳓن أﺣق ﺑه! ﻓﺒﻠغ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﻮﳍم ﻓﻘﺎل‪ :‬ﺳﻠمﺎن رجﻞ منﺎ أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ"‪.2‬‬
‫‪.2‬اﳌﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺒﺪﻧﻴّﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳّﺔ‬
‫اﳌﺮأة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻫﻲ اﻷﺧﺮى إذا اﻗﺘﻀﺖ مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة أن تﺸﺎرك ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺒﺪ ﺎ إذا تعﲔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻟﻚ‬
‫ﲟﺎ ﻳﻠﻴق ﺑﻄﺒﻴعﺘﻬﺎ وﻓق اﻟﻀﻮاﺑط اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬و ﺻﻴﻞ ذﻟﻚ مﺸﺎرﻛﺎت اﳌﺮأة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ اﻟنﺒﻮة‪،‬‬
‫ومن ذﻟﻚ ﺧﺮوجﻬﺎ ﻏﺎزﻳّة ﻟﻠخﺪمة‪ ،‬واﳌﺪاواة‪ ،‬واﻟﺘمﺮﻳﺾ‪.‬‬
‫ﺖ َﻋﺎﺋِ َ‬
‫ﺸﺔَ ﺑِﻨْ َ‬ ‫ﺎل‪ " :‬ﻟَ ﱠﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم أ ٍ‬
‫ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺖ أَِﰊ‬ ‫ﺎل‪َ :‬وﻟََﻘ ْﺪ َرأَﻳْ ُ‬ ‫ﱠﺎس َﻋ ِﻦ اﻟﻨِ ِّ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ُﺣﺪ‪ ،‬اﻧْـ َﻬ َﺰَم اﻟﻨ ُ‬
‫ُْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺖ أَِﰊ ﺑ ْﻜ ٍﺮ‪ ،‬وأُ ﱠم ﺳﻠَْﻴ ٍﻢ وأ ُﻤﺎ ﻟَﻤ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل غَْﻴـ ُﺮﻩُ‪ :‬ﺗَـ ْﻨـ ُﻘﻼن‬
‫ب‪ ،‬وﻗَ َ‬‫ﺸ ّﻤ َﺮَ ن‪ ،‬أ ََرى َﺧ َﺪ َم ُﺳﻮﻗ ِﻬ َﻤﺎ ﺗَـ ْﻨـ ُﻘﺰان اﻟﻘ َﺮ َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َﻋﺎﺋ َﺸﺔَ ﺑِْﻨ َ َ‬
‫اﻟﻘﺮب َﻋﻠَى ﻣﺘﻮِِﻤﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﺗُـ ْﻔ ِﺮغَﺎﻧِِﻪ ِﰲ أَﻓْـﻮاﻩِ اﻟ َﻘﻮِم‪ ،‬ﰒُﱠ ﺗَـﺮِﺟﻌﺎن ﻓَـﺘﻤ َﻶََِﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ َِﲡﻴﺌﺎن ﻓَـﺘـ ْﻔ ِﺮغَﺎ َِﺎ ِﰲ أَﻓْـﻮاﻩِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫اﻟ َﻘ ْﻮم"‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﻷﺣﺰاب‪ ،(109/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3878 :‬وﻫﺬا ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘمﺜﻴﻞ ﻻ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ ﻛﻞ اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ ﺧﺮج ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﺎرﻛﻬم ﰲ ﻗﺘﺎل اﻷﻋﺪاء ﰲ ﻋﺪة ﻏﺰوات‬ ‫اﳊصﺮ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺸﺎرك ّ‬
‫ﻛﺒﺪر‪ ،‬وأﺣﺪ‪ ،‬واﻷﺣﺰاب‪ ،‬واﳌصﻄﻠق‪ ،‬وﺧﻴﱪ‪ ،‬واﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬وﺣنﲔ‪ ،‬واﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(281/7) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(446/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻏﺰو اﻟنﺴﺎء وﻗﺘﺎﳍن مع اﻟﺮجﺎل‪ ،(33/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2880 :‬ﻗﺎل اﺑن‬
‫اﳌنﲑ‪ ":‬ﻗﺎل ﺑن اﳌنﲑ ﺑﻮب ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎﳍن وﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻓﺈمﺎ أ ّن ﻳﺮﻳﺪ أ ّن إﻋﺎنﺘﻬن ﻟﻠﻐﺰاة ﻏﺰو "‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪،‬‬
‫)‪ ،(78/6‬ومن ﲦة ﻓﺎﳌﺮأة اﳌﺴﻠمة مﻜﺎ ﺎ اﳌﺸﺎرﻛة ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وﻟﻮ ﻋن ﻃﺮﻳق إﻋﺎنة اﻟﺪﻋﺎة ﻟﻮجه اﻟﺬي تﻘﺪر ﻋﻠﻴه‪،‬‬
‫‪275‬‬
‫وإن ﻛﺎن اﳉﻬﺎد ﻏﲑ واجﺐ ﻋﻠﻰ اﳌﺮأة؛ ﻟﻜﻮنه من ﺧصﻮﺻﻴﺎت اﻟﺮجﺎل‪ ،‬ﻓأن اﻟﺸﺮع أذن ﳍﺎ أن‬
‫أن تﺘﻄﻮع ﻟﺘمﺎرس أﻋمﺎﻻ تﻠﻴق ﺑﻄﺒﻴعﺘﻬﺎ ﻛﺈﺳعﺎف اﳌﺮﺿﻰ ومﺪاواة اﳉﺮﺣﻰ‪ ،‬وإﻋﺪاد اﻟﻄعﺎم‪ ،‬وﺳﻘﻲ‬
‫وﺳﻘﻲ اﳉنﺪ‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﳌﻬﺎم‪.1‬‬
‫ﻓﻬﻲ مﻬﺎم ﲤﻜن اﳌﺮأة من اﻹﺣﺴﺎن إﱃ ا ﺎﻫﺪﻳن ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻋن ﻃﺮﻳق اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﺒﺪنﻴّة‪ ،‬وﻫﺬا‬
‫ﺑﻼ ﺷﻚ أﺳﻠﻮب ﻋﺎﻃﻔﻲ ﻓعﺎل‪ ،‬ﻓﺎ ﺎﻫﺪ ﳌﺎ ﻳﺮى أﺧﺘه اﳌﺆمنة ﲜنﺒه ﰲ اﳌعﺮﻛة تﺰﻳﺪ ﻓعﺎﻟﻴﺘه وجﺎﻫﺰﻳﺘه‬
‫اﻟﻘﺘﺎﻟﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺼﺤﺎﺑﻴّﺔ اﳌﺎﻟﻴّﺔ‬
‫ﻳعﺪ اﻹﺣﺴﺎن اﳌﺎﱄ ﻟﻸﻓﺮاد‪ ،‬واﳉمﺎﻋﺎت من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻔعﺎﻟة ﰲ اﺳﺘعﻄﺎف‪ ،‬واﺳﺘمﺎﻟة‬
‫ﻗﻠﻮب اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬وتﺜﺒﻴﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻗﻠﻮ م؛ ﻟﺬا ﳒﺪ ﻟه ﺣﻀﻮرا مﻜﺜﻔﺎ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﰲ ﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﺬﻛﺮ ﳕﺎذج ﻋن ذﻟﻚ من اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻟﻴف ﻫﻮازن‪ :‬من اﳌﻮاﺳﺎة اﳌﺎﻟﻴّة اﻟﱵ ﻗﺎم ﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه ‪ ،‬رد ﺳﱯ ﻫﻮازن ﺑعﺪمﺎ‬
‫ﲔ َجﺎءَهُ َوﻓْ ُﺪ َﻫ َﻮا ِز َن‪ ،‬ﻗَ َﺎم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪‬ﺣ َ‬ ‫ﻫﻮازن ﺑعﺪمﺎ أﺳﻠمﻮا‪ ،‬ﻓعن اﳌ ْﺴ َﻮَر ﺑْ َن َْﳐَﺮَمةَ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬أن اﻟنِ ﱠ‬
‫ﲔ‪،‬‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَأَثْـ َﲎ َﻋﻠَﻰ ا ﱠِ ِﲟَﺎ ُﻫ َﻮ أ َْﻫﻠُهُ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أَ ﱠﻣﺎ ﺑَـ ْﻌ ُﺪ‪ ،‬ﻓَﺄن إِ ْﺧ َﻮاﻧَ ُﻜ ْﻢ َﺟﺎءُوَ َ ﺋِﺒِ َ‬ ‫َﻫ َﻮا ِز َن‪ ،‬ﻗَ َﺎم ِﰲ اﻟن ِ‬
‫ﺐ أن ﻳ ُﻜﻮ َن َﻋﻠَى‬
‫َﺣ ﱠ‬ ‫ﺐ ذَﻟِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﺖ أن أَر ﱠد إِﻟَﻴ ِﻬﻢ ﺳﺒـﻴـﻬﻢ‪ ،‬ﻓَﻤﻦ أَﺣ ﱠ ِ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻓَـ ْﻠﻴَـ ْﻔ َﻌ ْﻞ َوَﻣ ْﻦ أ َ‬ ‫ﺐ ﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ أن ﻳﻄَﻴّ َ‬ ‫ُ ْ ْ ََْ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫وأﱐ َرأَﻳْ ُ‬
‫ﻚ‪.2‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ﱠﺎس‪ :‬ﻃَﻴﱠـْﺒـنَﺎ ﻟَ َ‬‫َﺣ ﱠﱴ ﻧـُ ْﻌﻄﻴَﻪُ إ ﱠ ﻩُ ﻣ ْﻦ أ ﱠَول َﻣﺎ ﻳُﻔﻲءُ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟن ُ‬
‫‪ .2‬ﻟﻴف زﻋﻤﺎء اﻟﻌﺮب‬
‫أن اﺳﺘمﺎﻟة ﻛﱪاء اﻟﻘﻮم وزﻋمﺎءﻫم مﻠﺤﻆ دﻋﻮي اﺳﱰاتﻴﺠﻲ؛ﻟﻜﻮن اﻷتﺒﺎﻋﺘﺒع ﳍم‪ ،‬وﻗﺪ دل ﻋﻠﻰ‬
‫َ َ ُ ْ َ َٓ ٓ ََ ْ َ َ َ ََ َ ُ ََ ََ ََ َ َ‬
‫آءنﺎ فﺄضلونﺎ‬ ‫ﻋنﻬم‪ :‬ٱچ ٱوﻗﺎ وا ر نﺎ أنﺎ أطعنﺎ سﺎد نﺎ وك‬ ‫ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‬
‫َ‬
‫چ ]اﻷﺣﺰاب‪.[67 :‬‬ ‫لس ِيﻼ‬

‫ﻓﻘﺪ أﺳﻬمﺖ اﻟﻜﺜﲑ من زوجﺎت وأمﻬﺎت اﻟﺪﻋﺎة ﰲ تﻮﻓﲑ اﳉﻮ اﳌﻼﺋم ﻟﻠﺪﻋﻮة وﻃﻠﺐ اﻟعﻠم‪ ،‬ومن ﳕﺎذج تﻠﻚ اﻷمﻬﺎت أم اﻹمﺎم‬
‫اﻟﺸﺎﻓعﻲ اﻟﱵ اﻋﺘنﺖ ﺑه ﺣﱴ ﺳﺎد أﻫﻞ زمﺎنه‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(06/10) ،‬‬
‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(76/6) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳍﺒة وﻓﻀﻠﻬﺎ واﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ب من رأى اﳍﺒة اﻟﻐﺎﺋﺒة جﺎﺋﺰة‪ ،(157/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2583‬‬
‫‪276‬‬
‫واﻟﺴنة ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻗﺪ راﻋﺖ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﺣنﲔ آثﺮ‬
‫ﻳﻮم ﺣنﲔ آثﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺳﺎ‪ ،‬أﻋﻄﻰ اﻷﻗﺮع مﺎﺋة من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﻋﻴﻴنة)‪ (1‬مﺜﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ‬
‫ِ‬
‫ﺳﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رجﻞ‪ :‬مﺎ أرﻳﺪ ﺬه اﻟﻘﺴمة وجه ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬ﻷﺧﱪن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬رﺣ َﻢ ا ﱠُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َِ ْﻛﺜَـ َﺮ ﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا ﻓَ َ‬
‫ﺼﺒَـ َﺮ «‪.2‬‬ ‫ﻮﺳى ﻗَ ْﺪ أُوذ َ‬
‫ُﻣ َ‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ ﲨع من اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م أﻋﻄﺎﻫم اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ":‬وأﻋﻄﻰ ﻗﻴﺲ ﺑن‬
‫ﻋﺪي مﺎﺋة من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﻋﺜمﺎن ﺑن وﻫﺐ ﲬﺴﲔ ﺑعﲑا‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو مﺎﺋة من‬ ‫ﺑن ّ‬
‫من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﺣﻮﻳﻄﺐ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟعﺰى مﺎﺋة من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﻫﺸﺎم ﺑن ﻋمﺮو ﲬﺴﲔ ﺑعﲑا‪،‬‬
‫اﻟﺘمﻴمﻲ مﺎﺋة من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ ﻋﻴﻴنة ﺑن ﺣصن اﻟﻔﺰاري مﺎﺋة من‬
‫ّ‬ ‫ﺑعﲑا‪ ،‬وأﻋﻄﻰ اﻷﻗﺮع ﺑن ﺣﺎﺑﺲ‬
‫من اﻹﺑﻞ‪ ،‬وأﻋﻄﻰ أ ﻋﺎمﺮ اﻟعﺒّﺎس ﺑن مﺮداس ﺑن أﰊ ﻋﺎمﺮ ﺑن ﺣﺎرثة ﺑن ﻋﺒﺪ ﺑن ﻋﺒﺲ ﺑن رﻓﺎﻋة‬
‫ﻠمﻲ دون اﳌﺎﺋة‪ ،‬ﻓعﺎتﺐ اﻟنﱯ ﰲ‬
‫اﻟﺴ ّ‬
‫ﺑن اﳊﺎرث ﺑن ﳛﲕ ﺑن اﳊﺎرث ﺑن ﺜة ﺑن ﺳﻠﻴم ﺑن منصﻮر ّ‬
‫ﺷعﺮ ﻗﺎﻟه‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ا ﱠ ‪ ‬اﻗﻄعﻮا ﻋﲏ ﻟﺴﺎنه! ﻓأﻋﻄﻮه مﺎﺋة "‪.3‬‬
‫وﻗﺪ ورد ﰲ رواﻳّة اﳌﻘﺮﻳﺰي تعﻠﻴﻞ اﻟعﻄﺎء ﰲ ﻗﻮﻟه ‪» :‬اﻗﻄﻌﻮا ﻋﲏ ﻟﺴﺎﻧﻪ«‪ ،‬وﻫﻮ ﺑعﺪ دﻋﻮي مﻬم‪،‬‬
‫ذﻟﻚ أنه من وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻓع ﻟﱵ ﻫﻲ أﺣﺴن‪ ،‬وﻫﻲ وﺳﻴﻠة تﻔعﻞ ﻓعﻠﻬﺎ ﰲ اﺳﺘمﺎﻟة اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬وتﺆﰐ‬
‫ﲦﺎرﻫﺎ وﻟﻮ ﺑعﺪ ﺣﲔ‪.‬‬
‫ومن ﰒّ ﻓﻠﻴﺲ من اﳊﻜمة اﳉمﻮد ﻋﻠﻰ ﳕﻄﻴة اﻟﺮدود اﻟﻜﻼمﻴة ﻋﻠﻰ اﳌخﺎﻟﻔﲔ‪ ،‬واﳌعﺎدﻳن ﻟﻠﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ﻓﻬﺬا تﻀﻴﻴق ﻟنﻄﺎق اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬ﻓﻜﻠمﺎ ﻛﺜﺮت اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻛﻠمﺎ تﻮﺳع نﻄﺎق اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳة‪،‬‬
‫وﺳﻬﻞ اﻟﺘصﺪي ﻟﻠﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴة واﳋﺎرجﻴة‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻷﻗﺮع ﺑن ﺣﺎﺑﺲ‪ ،‬و ﻋﻴﻴنة ﺑن ﺣصن ﻛﺎن ا من اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م‪ ،‬ﳑن ﺷﻬﺪ ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،‬وﺣنﻴنﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن اﻷﻗﺮع ﺣﻜمﺎ ﰲ‬
‫ﰒ ﻋﺎد إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪،‬‬ ‫اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬أﺳﻠم و ﺣﺴن إﺳﻼمه‪ ،‬أمﺎ ﻋﻴﻴنة ﺑن ﺣصن ارتﺪ ﰲ ﻋﻬﺪ أﰊ ﺑﻜﺮ‬
‫اﻹﺻﺎﺑة‪.(768/4) ،(101/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(84/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4080 :‬‬
‫‪ -3‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬اﻹمﺘﺎع‪.(29/2) ،‬‬
‫‪277‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴّﺔ‬
‫أن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻫﻮ من ﻳعﻴﺶ ﺣﻴﺎة اﻟنﺎس؛ ﻟﻴﺸعﺮ ﺑﺸعﻮرﻫم‪ ،‬وﻳنﻔعﻞ مع آراﺋﻬم وﺣﻴﺎ م‪،‬‬
‫وﻳﺘﺪﺧﻞ ﰲ ﻛﺎﻓة ﺷﺌﻮ م ﺑصﺪق‪ ،‬وﻓﻬم‪ ،‬وﲢﻠﻴﻞ‪ ،‬وﳚﺐ أن ﺧﺬ ﻫﺬه اﻟصﻔة ﻋنﺪه اﻟﺸﻜﻞ اﻟعﻔﻮي‬
‫اﻟعﺎم‪.‬‬
‫ﲟعﲎ تﻮاجﺪﻫﺎ تﻠﻘﺎﺋﻴﺎ مع اﳉمﻴع‪ ،‬وﰲ ﲨﻴع اﳌﻮاﻗﻒ؛ ﻟﻜﻲ ﻳصﻞ ﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﳉمﻴع‪ ،‬ﻓأن اﳌﺸﺎرﻛة‬
‫تﻀﻔﻲ إﺣﺴﺎﺳﺎ ﻋمﻠﻴﺎ ﻟه ﻗﻮته ﰲ اﻟﻮﺻﻞ واﻟﺘأثﲑ‪ ،‬ﻓﺎﳌﺸﺎرﻛة اﻟﻮجﺪانﻴّة من أﻫم اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة‬
‫اﻟﱵ تﺮﺑط وتﺆﻟﻒ ﺑﲔ اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬ﻓﺘﺜمﺮ اﻟﺘصﺮﻓﺎت اﳊﺴنة واﻟﺴﻠﻮك اﻻجﺘمﺎﻋﻲ اﻟﻘﻮﱘ‪.‬‬

‫وﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ أمﺜﻠة من اﳌﺸﺎرﻛﺎت اﻟﻮجﺪانﻴّة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻟﺴﲑة ﻋمﻮمﺎ وﰲ اﳌﻐﺎزي ﻋﻠﻰ وجه‬
‫اﳋصﻮص أذﻛﺮ منﻬﺎ اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‬ ‫‪.1‬اﻻﻧﺒﺴﺎط ﻣﻊ ّ‬
‫رﻏم ﻛﺜﺮة أﻋﺒﺎء اﻟ ّﺪﻋﻮة ومﺴﺆوﻟﻴﺎ ﺎ ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟنﱯ ‪ ‬إﻻ أ ﺎ ﻛﺎنﺖ تﺘخﻠﻠﻬﺎ ﻓﱰات ﻟﻠﱰوﻳﺢ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻓمن أمﺜﻠة ذﻟﻚ مﺎ جﺎء ﰲ ﻗصة َم ْﻘ َﺪم أﰊ ﻋُﺒَـْﻴ َﺪ َة ﲜﺰﻳّة اﻟﺒَ ْﺤَﺮﻳْ ِن‪ ،‬ﻓﻠمﺎ‬ ‫واﻻنﺒﺴﺎط مع ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺿﻮا ﻟَهُ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﺒَ ﱠﺴ َم‬
‫ف تَـ َعﱠﺮ ُ‬‫صَﺮ َ‬
‫صْﺒ ِﺢ َم َع َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ انْ َ‬ ‫ﺻﻼََة اﻟ ﱡ‬ ‫ص ُﺎر ﺑُِﻘ ُﺪومه‪ ،‬ﻓَـ َﻮاﻓَـْﺘهُ َ‬
‫َﲰ َعﺖ اﻷَنْ َ‬
‫آﻫ ْم‪ ،‬وﻗَ َﺎل‪» :‬أَﻇُﻨﱡ ُﻜ ْﻢ َِﲰ ْﻌﺘُ ْﻢ ﺑُِﻘ ُﺪ ِوم أَِﰊ ﻋُﺒَـْﻴ َﺪةَ‪ ،‬وأﻧﻪُ َﺟ َﺎء ﺑِ َﺸ ْﻲ ٍء« ﻗَﺎﻟُﻮا‪:‬‬ ‫ﻓَـﺘَـﺒ ﱠﺴم رﺳ ُ ِ ِ‬
‫ﲔ َر ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪‬ﺣ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ﺸى‬ ‫ﺴ ﱡﺮُﻛ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠِ َﻣﺎ اﻟ َﻔ ْﻘ َﺮ أَ ْﺧ َﺸى َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬وﻟَ ِﻜ ْﻦ أَ ْﺧ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَﺄَﺑْﺸ ُﺮوا َوأ َّﻣﻠُﻮا َﻣﺎ ﻳَ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫َج ْﻞ َ َر ُﺳ َ‬
‫أَ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬وﺗُـﻠْ ِﻬﻴَ ُﻜ ْﻢ‬
‫ﺴ َ‬‫ﻮﻫﺎ َﻛ َﻤﺎ ﺗَـﻨَﺎﻓَ ُ‬
‫ﺴ َ‬ ‫ﻂ َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ُﻢ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ‪َ ،‬ﻛ َﻤﺎ ﺑُ ِﺴﻄَ ْ‬
‫ﺖ َﻋﻠَى َﻣ ْﻦ ﻛﺎن ﻗَـ ْﺒـﻠَ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﻨَﺎﻓَ ُ‬ ‫ﺴَ‬‫َﻋﻠَ ْﻴ ُﻜ ْﻢ أن ﺗ ْﺒ َ‬
‫َﻛ َﻤﺎ أَ ْﳍَﺘْـ ُﻬ ْﻢ«‪.1‬‬
‫وتﻈﻬﺮ اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﻮجﺪانﻴّة ﰲ اﳊﺪﻳﺚ من وجﻮه‪ ،‬أﳘﻬﺎ ﳎﺎﻟﺴة اﳌﺪﻋﻮﻳن واﳌﻜﻮث معﻬم‪،‬‬
‫واﻟﺘﺤﺪث إﻟﻴﻬم‪ ،‬واﻻﺳﺘمﺎع ﳍم‪ ،‬ﻓﺮﻏم أن اﳊﺪﻳﺚ ﱂ ﻳصﺮح ﺑﺬﻟﻚ إﻻ أن اﻷمﺮ ﺑﺖ ﰲ أﺣﺎدﻳﺚ‬
‫ﻛﺜﲑة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب مﺎ ﳛﺬر من زﻫﺮة اﻟﺪنﻴﺎ واﻟﺘنﺎﻓﺲ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،(90/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6425 :‬‬
‫‪278‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪" :‬ﳓﻦ ﺟﻠﻮس ﻋﻨﺪ رﺳﻮل ﷲ"‪ 1‬ﰲ مﻮاﺿع مﺘﻜﺮرة من اﻟﺴنة اﻟنﺒﻮﻳة‪،‬‬ ‫ﻓﻘﺪ تﻜﺮرت ﻋﺒﺎرة ّ‬
‫ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑﻴنﺎ ﳓن جﻠﻮس ﻋنﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل‪ » :‬ﺑَـ ْﻴـﻨَﺎ أَ َ َ ﺋِ ٌﻢ‪َ ،‬رأَﻳْـﺘُِﲏ ِﰲ‬

‫‪ -1‬ﻗﺪ تﻜﺮرت اﻟعﺒﺎرة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري وﺣﺪه ﰲ أﻛﺜﺮ من ﻋﺸﺮﻳن مﻮﺿعﺎ؛ ﻛمﺎ ﰲ اﳌﻮاﺿع اﻟﺘﺎﻟﻴّة منه‪،57 ،166/1) :‬‬
‫‪،(23 ،36 ،83 ،145/7) ،(118/6) ،(/58 ،60/5) ،(142/4) ،(32 ،35/3) ،(17 ،68/2) ،(23‬‬
‫)‪.(21 ،28 ،53 ،58/8‬‬
‫‪279‬‬
‫ت‬ ‫ﺼﺮ؟ ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﻟِﻌُ َﻤﺮ ﺑْ ِﻦ اﳋَﻄﱠ ِ‬
‫ﺎب‪ ،‬ﻓَ َﺬ َﻛ ْﺮ ُ‬ ‫ﺐ ﻗَﺼ ٍﺮ‪ ،‬ﻗُـﻠ ُ ِ‬ ‫اﳉَﻨ ِﱠﺔ‪ ،‬ﻓَِإذَا ْاﻣ َﺮأَةٌ ﺗَـﺘَـ َﻮ ﱠ‬
‫ﺿﺄُ إِ َﱃ َﺟﺎﻧِ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْﺖ‪ :‬ﻟ َﻤ ْﻦ َﻫ َﺬا اﻟ َﻘ ْ ُ‬
‫ﺖ ُﻣ ْﺪﺑًِﺮا «‪ ،‬ﻗﺎل أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة‪ :‬ﻓﺒﻜﻰ ﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب ﰒ ﻗﺎل‪ :‬أﻋﻠﻴﻚ ﰊ أنﺖ وأمﻲ رﺳﻮل‬ ‫ﻓَـ َﻮﻟﱠْﻴ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ﷲ‪ ،‬أﻏﺎر؟‬
‫َْ‬ ‫ين ي َ ْد ُع َ‬ ‫َ ْ ْ َْ َ َ‬
‫ون َر ُهم بِﺎلغ َد ٰوة ِ‬ ‫ك َم َع ِ َ‬ ‫وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱواص ِ فس‬
‫ون َو ْج َه ُهۖۥ چ ٱ]اﻟﻜﻬﻒ‪ ،[28:‬وﰲ اﻵﻳّة ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻋﺎﻃﻔﻲ ﻳﺒﻴنه اﻟﺴعﺪي ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻓﻔﻴﻬﺎ‬ ‫َوال ْ َع ِ ّ يُر ُد َ‬
‫ِ ِ‬
‫اﻷمﺮ ﺑصﺤﺒة اﻷﺧﻴﺎر‪ ،‬وﳎﺎﻫﺪة اﻟنﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺒﺘﻬم‪ ،‬وﳐﺎﻟﻄﺘﻬم وإن ﻛﺎنﻮا ﻓﻘﺮاء ﻓﺈن ﰲ ﺻﺤﺒﺘﻬم‬
‫ﺻﺤﺒﺘﻬم من اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬مﺎ ﻻ ﳛصﻰ"‪.2‬‬
‫ﻓﺎﳌخﺎﻟﻄة مﻴﺪان دﻋﻮي ﳝﺎرس ﻓﻴه اﻟﺪاﻋﻴة اﻟنﺎجﺢ اﻟﺪﻋﻮة ﲜمﻴع مﺴﺘﻮ ﺎ‪ ،‬ﻳﺒﻠغ‪ ،‬وﻳعﻠم‪ ،‬وﻳﺘﺎﺑع‪،‬‬
‫وﻳصﺤﺢ اﻟﺘصﻮرات‪ ،‬واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت‪ ،‬وﻳﺪرب‪ ،‬وﻳنمﻲ ﻗﺪرات اﻷتﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮﻳة‪.‬‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﰲ آﻻﻣﻬﻢ وأﺣﺰا ﻢ‬
‫‪.2‬ﻣﺸﺎرﻛﺔ ّ‬
‫أن ﳑﺎ ﻳﺴﺘمﻴﻞ اﳌﺪﻋﻮ أ ْن ﻳﺸﺎرﻛه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة آﻻمه وأﺣﺰانه‪ ،‬وﻫﺬا مﻠمﺢ وجﺪاﱐ ﻳﻠﺤﻆ ﺳﺘمﺮار ﰲ‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮي واﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﰲ مﻮاﻗﻒ مﺘعﺪدة ﻟعﻠﻲ أمﺜﻞ ﻟﺒعﻀﻬﺎ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‬
‫ﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻨﻤﻮذج اﻷول‪ :‬من ﳕﺎذج اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﻮجﺪانﻴّة ﰲ اﳌصﺎﺋﺐ‪ ،‬مﺸﺎرﻛة جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ‬
‫ﷲ ﻋنﻬمﺎ مصﺎﺑه ﰲ أﺑﻴه‪ ،‬واﻟﺴعﻲ ﻟﺘﺴﻠﻴﺘه ﺑﺬﻛﺮ منﺰﻟﺘه‪ ،‬وﺣﺴن مﺂﻟه ﻋنﺪ ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬ﻓعن جﺎﺑﺮ‪،‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻗﺘﻞ أﰊ جعﻠﺖ أﺑﻜﻲ‪ ،‬وأﻛﺸﻒ اﻟﺜﻮب ﻋن وجﻬه‪ ،‬ﻓﺠعﻞ أﺻﺤﺎب اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳنﻬﻮﱐ‬
‫َﺟﻨِ َﺤﺘِ َﻬﺎ‬ ‫ِ‬ ‫واﻟنﱯ ‪ ‬ﱂ ﻳنه‪ ،‬وﻗﺎل اﻟنﱯ ‪ » :‬ﻻَ ﺗَـ ْﺒ ِﻜ ِﻴﻪ ‪ -‬أَو‪ :‬ﻣﺎ ﺗَـْﺒ ِﻜ ِﻴﻪ ‪ -‬ﻣﺎ َزاﻟَ ِ‬
‫ﺖ اﳌَﻼَﺋِ َﻜﺔُ ﺗُﻈﻠﱡﻪُ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ُرﻓِ َﻊ «‪.3‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ‪ " :‬ﳎﺘمعﲔ ﻋﻠﻴه‪ -‬أي اﳌﻼﺋﻜة‪ ،-‬مﺘﺰاﲪﲔ ﻋﻠﻰ اﳌﺒﺎدرة‬
‫ﻟصعﻮدﻫم ﺑﺮوﺣه‪ ،‬وتﺒﺸﲑه ﲟﺎ أﻋﺪ ﷲ ﻟه من اﻟﻜﺮامة"‪.4‬‬
‫وﻫﺬه اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﻮجﺪانﻴة ﻓﻴﻬﺎ إﺷﺎرة ﻟﻄﻴﻔة إﱃ أﳘﻴة ﲣﲑ اﻟﻮﺳﻴﻠة‪ ،‬واﻟعﺒﺎرة‪ ،‬واﳌﻀمﻮن اﻟﻮجﺪاﱐ‬
‫اﻟﻮجﺪاﱐ اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻠمﻘﺎم؛ﻓﺘﺒﺸﲑ أﻫﻞ اﳌﻴﺖ ﲝﺴن مﺂﻟه من أﺑﻠغ ﻋﺒﺎرات اﻟعﺰاء‪ ،‬وﰲ اﳊﺎﻟة اﻟعﺎمة‬
‫ﻓﺈن‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘعﺒﲑ‪ ،‬ب اﻟﻘصﺮ ﰲ اﳌنﺎم‪ ،(39/9) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6620 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﳌنﺎن‪ ،‬ص‪.475‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب من ﻗﺘﻞ من مﺴﻠمﲔ ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،(102/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3852 :‬‬
‫‪ -4‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(377/2) ،‬‬
‫‪280‬‬
‫تعﺰﻳﺘﻬم ﻟﺪﻋﺎء اﳌأثﻮر‪ 1‬ﳛﻘق اﳌﻘصﺪ؛ﳌﺎ تﻀمنه من اﻟﺘﺬﻛﲑ ﻟﻘﻀﺎء‪ ،‬واﳊﺚ ﻋﻠﻰ اﻟصﱪ‪،‬‬
‫واﻻﺣﺘﺴﺎب‪.‬‬
‫اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬من ﳕﺎذج اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﻮجﺪانﻴّة مﺸﺎرﻛة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻵل جعﻔﺮ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ‬
‫ﷲ ﻋنه ﺣﲔ اﺳﺘﺸﻬﺪ ﰲ ﻏﺰوة مﺆتة‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ﻓعن ﻋﺎﺋﺸة ‪ ،‬ﻟَ ﱠمﺎ جﺎء نَـعﻲ جع َﻔ ِﺮ ﺑ ِن أَِﰊ ﻃَﺎﻟِ ٍ ِ‬
‫ﺲ‬
‫اﺣةَ َجﻠَ َ‬‫ﺐ َوَزﻳْﺪ ﺑْ ِن َﺣﺎ ِرثَةَ َو َﻋْﺒﺪ ا ﱠ ﺑْ ِن َرَو َ‬ ‫َ َ ْ ُ َْ ْ‬
‫ﺎب‪،‬‬‫ﺖ َﻋﺎﺋِ َﺸةُ‪ :‬وأَ َ أَﻃﱠﻠِع ِمن َﺷ ِّق اﻟْﺒ ِ‬ ‫اﳊُْﺰ ُن‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬وﻳـُ ْعَﺮ ُ‬
‫ف ِﰲ َو ْج ِﻬ ِه ْ‬ ‫ﺲ َر ُﺳ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫اﺣةَ َجﻠَ َ‬ ‫َرَو َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬أن‬ ‫ِ‬ ‫ﺎل‪ » :‬رﺳ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎء َﺟ ْﻌ َﻔ ٍﺮ ﻓَ َﺬ َﻛ َﺮ ﺑُ َﻜ َ‬
‫ﺎء ُﻫ ﱠﻦ‪ ،‬ﻓَﺄ ََﻣ َﺮﻩُ َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺴَ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬أن ﻧ َ‬ ‫ج ٌﻞ ﻓَـ َﻘ َ َ َ ُ‬ ‫اﻟْﺒَﺎب‪ ،‬ﻓَأَ َ هُ َر ُ‬
‫‪2‬‬
‫ﻳْﻨـ َﻬ ُﺎﻫ ﱠﻦ«‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟنﺒﻮي ﻟﻠﻔعﻞ اﳊﺴن ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳊﻴﻮﻳّة‪ ،‬وﻗﺪ اﲣﺬ ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﺎﻃﻔﻲ اﻟﻔعﻠﻲ أﺷﻜﺎﻻ مﺘعﺪدة‪،‬‬
‫ﻓﻜﺎﳕنﻬﺎ اﳌﺸﺎرﻛة اﻟﺒﺪنﻴّة‪ ،‬واﳌﺸﺎرﻛة اﳌﺎﻟﻴّة‪ ،‬واﳌﺸﺎرﻛة اﻻجﺘمﺎﻋﻴّة اﻟﻮجﺪانﻴّة‪.‬‬
‫وﰲ ﺎﻳّة ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ أﺧﻠﺺ إﱃ أن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻛﺎنﺖ مﻴﺪا من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ‬
‫وﻇﻔﺖ ﻓﻴه اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ اﺳﺘعمﻠﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻹ رة وجﺪان اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫واﻟﱵ اﲣﺬت أﳕﺎﻃﺎً‪ ،‬وأﺷﻜﺎﻻ مﺘنﻮﻋة‪ ،‬ﳝﻜن ﺣصﺮﻫﺎ ﰲ ﳎﺎﻟﲔ‪ :‬ﳎﺎل اﳌﻮﻋﻈة اﳊﺴنة‪ ،‬وﳎﺎل‬
‫اﳌعﺎمﻠة اﳊﺴنة؛ ﻟﻜﻮن أن أﻏﻠﺐ وﺳﺎﺋﻞ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة تﺘﻔﺮع ﻋن ﻫﺬﻳن ا ﺎﻟﲔ اﻟﻜﺒﲑﻳن‪.‬‬
‫ﰒ؛وأن ﳍﺬه اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟنّﺒﻮﻳّة آ ر دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من نﺘﺎﺋﺠﻬﺎ اﺳﺘﺠﺎﺑة اﳉمﻮع‬
‫اﻟﻐﻔﲑة ﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼم ﰲ ﻓﱰة ﻗصﲑة‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻛﺎنﺖ دراﺳة‪ ،‬واﺳﺘﻘصﺎء اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﺎﻃﻔﻴّة اﻟنّﺒﻮﻳّة من مصﺎدر اﻟﺴﲑة اﻷﺻﻠﻴّة ذات‬
‫أﳘﻴّة دﻋﻮﻳّة ﻛﺒﲑة؛ ﳌﺎ ﳍﺎ من اﻵ ر واﻟنﺘﺎﺋج اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﱂ ﲢصﻞ ﻟﺪﻋﻮة من اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺪﻳنﻴّة‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻘة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ﺻﻠﱠﻰ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴه َو َﺳﻠﱠ َم ﻓَأ َْر َﺳﻠَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ﺖ‬ ‫ﱠﱯ َ‬ ‫ُﺳ َﺎمةَ ﺑْن َزﻳْﺪ ﻗَﺎﻟَ ُﻜنﱠﺎ ﻋْن َﺪ اﻟن ِّ‬
‫‪ -‬ﻓﻠﻠﺘعﺰﻳة ﺻﻴغ ﻛﺜﲑة منﻬﺎ مﺎ جﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم ﻋن َﻋ ْن أ َ‬
‫ﺳﻮﻟِﻚ‪ْ )):‬ارِﺟ ْﻊ إِﻟَْﻴـ َﻬﺎ ﻓَﺄَ ْﺧِ ْﱪَﻫﺎ أَ ﱠن ِﱠِ َﻣﺎ أَ َﺧ َﺬ َوﻟَﻪُ َﻣﺎ أَ ْﻋﻄَى‬ ‫ت ﻓَـ َﻘ َ ِ‬
‫ﺎل ﻟﻠﱠﺮ ُ‬
‫إِﻟَﻴهِ إِﺣ َﺪى ﺑـنَﺎتِِه تَ ْﺪﻋﻮه وُﲣِْﱪه أَ ﱠن ﺻﺒِﻴﺎ َﳍﺎ أَو اﺑـنًﺎ َﳍﺎ ِﰲ اﻟْمﻮ ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ ُ َ ُُ َ َ ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫َوُﻛ ﱡﻞ َﺷ ْﻲ ٍء ِﻋ ْﻨ َﺪﻩُ ِ ََﺟ ٍﻞ ُﻣ َﺴﻤى ﻓَ ُﻤ ْﺮَﻫﺎ ﻓَـﻠْﺘَ ْﺼِ ْﱪ َوﻟْﺘَ ْﺤﺘَﺴ ْﺐ((‪ ،‬ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم‪ ،(485/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1531:‬‬
‫ِ‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة مﺆتة‪ ،(143/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4015 :‬ورواه اﺑن أﰊ ﺷﻴﺒة‪ ،‬اﳌصنﻒ‪،‬‬
‫)‪ ،(413/7‬ﺑﺮﻗم‪ ،36967 :‬ﺬا اﻟﻠﻔﻆ‪.‬‬
‫‪281‬‬
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﻌﻘﻠﻲ‬
‫ﺑعﺪ أ ْن تنﺎوﻟﺖ ﰲ اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺴﺎﺑق تﻮﻇﻴﻒ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﻬج اﻟعﺎﻃﻔﻲ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﰐ ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ‬
‫ﻟﻴﺘﻄﺮق إﱃ اﺳﺘعمﺎﻻت اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﻘﻠﻴّة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من‬
‫اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻔﻄﺮﻳّة اﻟﱵ ﲣﺎﻃﺐ اﻟعﻘﻞ‪ ،‬وﻫﻮ أﻫم وﺳﺎﺋﻞ اﻹدراك‪ ،‬وﻋﻠﻴه مﺪار اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ‪ ،‬وﻓﻬم‬
‫اﳋﻄﺎب اﻟﺪﻋﻮي اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬اﻟﺬي ﻃﺎﳌﺎ أ ر ﻋﻘﻮل اﳌخﺎﻃﺒﲔ ﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﻘﻠﻴّة تﺪﻋﻮ إﱃ إﻋمﺎل‬
‫اﻟﺘﺪﺑﺮ واﻟﺘﻔﻜﺮ ﰲ اﻵ ت اﳌﺴﻄﻮرة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬واﳌنﻈﻮرة ﰲ اﻷنﻔﺲ واﻵﻓﺎق‪.‬‬
‫ومن أجﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟﺪﻋﻮي اﻷمﺜﻞ ﻟﻠمنﻬج اﻟعﻘﻠﻲ ﰲ ا ﺎل اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬واﻟﻜﺸﻒ‬
‫ﻋن أﻫم أﺑعﺎده وآ ره اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ جﺎء ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ ﻟﻴﺘﻄﺮق إﱃ ﺑعﺾ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻘﻠﻴّة‪،‬‬
‫اﳌﺴﺘخﺪمة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬اﻟﱵ ﺳﻮف أتنﺎوﳍﺎ من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‬
‫ﰲ اﳌﻄﺎﻟﺐ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻘﻴﺎس اﻟﻌﻘﻠﻲ‬
‫ﻟﻴﺲ اﳌﺮاد من ﻫﺬا اﻟعنصﺮ تنﺎول اﻟﻘﻴﺎس من اﳌنﻈﻮر اﻷﺻﻮﱄ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻻﺳﺘﻐﺮاق ﰲ‬
‫تﻔﺎﺻﻴﻠه وجﺰﺋﻴﺎته‪ ،‬وإﳕﺎ اﻟﻘصﺪ اﻻﺳﺘﻔﺎدة منه ﻋﺘﺒﺎره من أﻫم اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﻘﻠﻴّة اﻟﱵ ﲤﻜن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة من اﳌﻘﺎرنة ﺑﲔ اﻷﺷﻴﺎء‪ ،‬واﳊﻮادث اﳌﺘﺸﺎ ة اﻟﱵ تﺸﱰك ﰲ ﻋﻠﻞ‪ ،‬وأﺳﺒﺎب ﺣﺪوثﻬﺎ‬
‫وﺻﺪورﻫﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻛﺎن ﳝﺎرﺳه اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬من ﻏﲑ أن ﻳﺴمﻴه ﻟﻘﻴﺎس‪ ،‬أو ﻏﲑه من‬
‫اﻻﺻﻄﻼﺣﺎت اﳊﺎدثة‪.1‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن ﺑعﺾ ﺻﻮر اﻟﻘﻴﺎس اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬وﻗﻀﺎ ه‪ ،‬وﻋﻼﻗة ذﻟﻚ ﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻛمﺎ جﺎءت‬
‫ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‬
‫ﺳﻮف أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ دراﺳة ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة دون اﳋﻮض ﰲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ‬
‫اﻷﺻﻮﻟﻴّة‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪282‬‬
 ‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‬
‫وﻫﻮ اﻟﻘﻴﺎس اﻟﺬي تﻜﻮن ﻓﻴه اﻟعﻠة ﰲ اﻟﻔﺮع أﻗﻮى من اﻷﺻﻞ‪ ،‬ﻓﻴﻜﻮن ﺑﺬﻟﻚ اﻻﻫﺘمﺎم ﻟﻔﺮع أوﱃ‬
‫ﱠﻞ اﻷﺻﻮﻟﻴﻮن ﳍﺬه اﻟصﻮرة من اﻟﻘﻴﺎس ﺑﻘﻴﺎس ﲢﺮﱘ ﺿﺮب اﻟﻮاﻟﺪﻳن‬
‫أوﱃ من اﻻﻫﺘمﺎم ﻟﻔﺮع‪ ،‬ومﺜ َ‬
‫ٓ ّ‬ ‫َ َ َُ‬
‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱفﻼ قل ل ُه َمﺎ ٖف چ ]اﻹﺳﺮاء‪.1[23 :‬‬ ‫اﻟﻮاﻟﺪﻳن ﺑﺘﺤﺮﱘ اﻟﺘأﻓﻒ اﻟﻮارد ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه و‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﳘﻴّﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻘﻴﺎس اﻷوﱃ‬
‫ﻳعﺪ ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ من أﻫم اﻷﻗﻴﺴة اﻟعﻘﻠﻴّة اﻟﱵ تﻮﻇﻒ ﰲ اﻹﻗنﺎع‪ ،‬ومن ﻫنﺎ ﻳﺴﺘمﺪ أﳘﻴﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫ﻟﺬا ﳒﺪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻗﺪ اﺳﺘخﺪمه ﰲ مﻮاﻃن مﺘعﺪدة‪ ،‬ﻓﺤﱴ ﻳﺪرك اﻟﻘﺎرئ اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻘﻴﺎس‬
‫اﻷوﱃ ﰲ ﻋﺮض ﻗﻀﺎ ‪ ،‬وﺣﻘﺎﺋق اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻹﻗنﺎع ﺎ؛ رأﻳﺖ أ ْن أﺳﺘعﺮض ﺑعﺾ اﻷمﺜﻠة اﻟﻮاردة ﰲ‬
‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟنﺤﻮ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻗﻴﺎس ﺧﻠﻖ ﻋﻴﺴى ﻋﻠى ﺧﻠﻖ آدم ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼم‬
‫ُ َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ََ َ ََ َ ََُ‬ ‫َ‬ ‫َََ‬
‫تعﺎﱃ‪:‬ٱچ ٱأن مثل ِع ۪ ٰ عِند ﷲِ كمث ِل ءادم ۖ خلقهۥ مِن تر ٖ‬
‫اب م ﻗﺎل‬ ‫وﻗﺪ ورد ﻫﺬا اﻟﻘﻴﺎس ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫ُ ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ون ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[58 :‬ﻓﻔﻲ اﻵﻳّة اﺳﺘعمﺎل ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻷن ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴه‬
‫ۥ كن يك ۖ‬
‫اﻟﺴﻼم إ ْن ﻛﺎن ﺧﻠق ﺑﻼ أب ﻓﺂدم ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻻ أب ﻟه وﻻ أم‪.2‬‬
‫‪.2‬ﻗﻴﺎس اﻟﺒﻌﺚ ﻋﻠى ﺑﺪء اﳋﻠﻖ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َ ْ َ ُُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ َولقد علِمتم ل شﺄة ﻻو ۪ ٰ ف وﻻ تذك ُر ۖ‬
‫ون چ ]اﻟﻮاﻗعة‪ ،[65 :‬أن ﺧﻠق آدم‬
‫آدم ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم من اﻟﱰاب ﻻ ﻳنﻜﺮه أﺣﺪ‪ ،‬ﻓمن ﻗﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻰ اﻟنﺸأة اﻷﺧﺮى أﻗﺪر وأﻗﺪر؛‬
‫وأﻗﺪر؛ ﻓﺈ ﺎ أﻗﻞ ﺻنعﺎ ﳊصﻮل اﳌﻮاد‪ ،‬وﲣصﻴﺺ اﻷجﺰاء‪ ،‬ﻓعﺠﺒﺎ ﻟﻠمﻜﺬب ﻟنﺸأة اﻵﺧﺮى‪ ،‬وﻫﻮ‬
‫وﻫﻮ ﻳﺮى اﻟنﺸأة اﻷوﱃ‪.3‬‬
‫‪ .3‬ﻗﻴﺎس ﺻﻔﺎت ﷲ ﻋﻠى ﺻﻔﺎت اﳌﺨﻠﻮق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫و ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َو ُه َو ِے َبْ َد ُؤا ل َخل َق م يُع ُِيد ُهۥ َو ُه َو أ ْه َو ُن َعليْ ِه چ ]اﻟﺮوم‪،[26 :‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﺴعﺪي‪ ":‬وﳍﺬا ﻛﺎن أﻫﻞ اﻟعﻠم ﻳﺴﺘعمﻠﻮن ﰲ ﺣق اﻟﺒﺎري ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮﻟﻮن‪ :‬ﻛﻞ ﺻﻔة‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟعنﺰي‪ ،‬تﻴﺴﲑ ﻋﻠم أﺻﻮل اﻟﻔﻘه‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮ ن‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬ﻫـ‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪ -2‬جﻼل اﻟﺪﻳن اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬اﻹﻛﻠﻴﻞ ﰲ اﺳﺘنﺒﺎط اﻟﺘنﺰﻳﻞ‪ ،‬ت‪ :‬ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳن ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر اﻟﻜﺎتﺐ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ص‪.69‬‬
‫‪ -3‬اﻷﻟﻮﺳﻲ‪ ،‬روح اﳌعﺎﱐ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﻋﻄﻴّة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1‬ﻫـ‪.(174/14) ،‬‬
‫‪283‬‬
‫ﺻﻔة ﻛمﺎل ﰲ اﳌخﻠﻮﻗﺎت ﻓخﺎﻟﻘﻬﺎ أﺣق ﻻتصﺎف ﺎ ﻋﻠﻰ وجه ﻻ ﻳﺸﺎرﻛه ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ‪ ،‬وﻛﻞ نﻘﺺ‬
‫نﻘﺺ ﰲ اﳌخﻠﻮق ﻳنﺰه ﻋنه ﻓﺘنﺰﻳه اﳋﺎﻟق ﻋنه من ب أوﱃ وأﺣﺮى"‪.1‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ .‬اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫ﻋنﺪ تﺘﺒعﻲ ﻟﻠمﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ وجﺪت أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺪ وﻇﻒ ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة‬
‫ﳐﺘﻠﻔة أورد منﻬﺎ مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﺮك ﻗﺘﻞ اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ﺑﺪﻻﻟﺔ ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‬
‫ﻓعنﺪ تعﺎرض اﳌصﺎﱀ ﻳﻘﺪم اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﳌصﻠﺤة اﻟعﺎمة ﻋﻠﻰ اﳌصﻠﺤة اﳋﺎﺻة‪ ،‬وﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﺎد ﳜﻔﻰ‪،‬‬
‫ﻏﲑ أن تﺮتﻴﺐ اﳌصﺎﱀ اﻟعﺎمة ﻗﺪ ﳜﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺾ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺣصﻞ ﰲ مﻮﻗﻒ ﻗﺘﻞ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪.‬‬
‫ﻓمن تﻠﻚ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋن ﻗﺘﻞ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬رﻏم تﻮﻓﺮ اﳌﻮجﺐ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻗﺎل ﻋﺒﺪ‬
‫ﷲ ﺑن أﰊ‪ ،‬مﻘﺎﻟﺘه اﳋﺒﻴﺜة‪ ":‬أمﺎ وﷲ ﻟﺌن رجعنﺎ إﱃ اﳌﺪﻳنة ﻟﻴخﺮجن اﻷﻋﺰ منﻬﺎ اﻷذل"‪ ،‬ﻗﺎم ﻋمﺮ‬
‫ﱠﺎس أن‬ ‫ﻓﻘﺎل‪ :‬رﺳﻮل ﷲ‪ :‬دﻋﲏ أﺿﺮب ﻋنق ﻫﺬا اﳌنﺎﻓق‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪َ » :‬د ْﻋﻪُ َﻻ ﻳَـﺘَ َﺤ ﱠﺪ ُ‬
‫ث اﻟﻨ ُ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑَﻪُ«‪.2‬‬
‫ُﳏَ ﱠﻤ ًﺪا ﻳَـ ْﻘﺘُ ُﻞ أ ْ‬
‫ﻓﻘﺘﻞ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻜﻮن منﻔﺮا ﻟﻠنﺎس ﻋن اﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم؛ ﻷ م ﻳﺮون أن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ‬
‫مﺴﻠم‪ ،‬ومن ﰒ ﺳﻴﻘﻮل اﻟنﺎس‪ :‬أن ﷴا ﻳﻘﺘﻞ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓعنﺪ ذﻟﻚ تﻈﻬﺮ اﳌﻔﺎﺳﺪ‪ ،‬وتﺘعﻄﻞ اﳌصﺎﱀ‪.‬‬

‫ﻓﻈﻬﺮ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﺳﺘعمﺎل ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﺑﻮﺿﻮح‪ ،‬ﻓﺪﻓع مﻔﺴﺪة‬
‫اﻟصﺪ ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة وتﺸﻮﻳه ﺻﻮر ﺎ‪ ،‬أوﱃ من إﺑﻄﺎل أذى اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﺑﻘﺘﻠﻬم‪ ،‬وتصﻔﻴﺘﻬم‪.3‬‬
‫ﻓﻬﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ أﻗنع ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ اﻟﺬي ﻛﺎن مﺘﺤمﺴﺎ ﻟﻘﺘﻞ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺑعﺪ‬
‫ذﻟﻚ‪ ":‬ﻗﺪ وﷲ ﻋﻠمﺖ ﻷمﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﻋﻈم ﺑﺮﻛة من أمﺮي"‪.4‬‬
‫‪ .2‬إﺛﺒﺎت ﻫﺠﺮة ﻣﻬﺎﺟﺮي اﳊﺒﺸﺔ ﺑﺪﻻﻟﺔ ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‬

‫‪ -1‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﳌنﺎن‪ ،‬ص‪.640‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱکٱکٱکٱگ چ ]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪،(154/6) ،[ 08 :‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪.4624 :‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة ‪-‬مﻔﻬﻮم‪ ،‬ونﻈﺮ‪ ،‬وتﻄﺒﻴق‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫‪ -‬اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬مﻘﻮمﺎت ّ‬
‫‪ -4‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(293/2) ،‬‬
‫‪284‬‬
 ‫ﻗﺪ ثﺐ ﳌﻬﺎجﺮي اﳊﺒﺸة وﺻﻒ اﳍﺠﺮة ﺑﺪﻻﻟة اﻷوﱃ مﻘﺎرنة مع إﺧﻮا م اﳌﻬﺎجﺮﻳن إﱃ اﳌﺪﻳنة‪،‬‬
‫ﺾ ﻃُُﺮِق اﻟْ َم ِﺪﻳنَ ِة‬ ‫ﺎب َر ِﺿﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ ِﰲ ﺑَـ ْع ِ‬
‫َ‬
‫اﳋَﻄﱠ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ﺑ‬
‫ْ‬ ‫ﺮ‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ﻋ‬
‫ُ‬ ‫ﺎ‬ ‫ﻬ‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ﻴ‬
‫َ‬
‫َﲰﺎء ﻟَ ﱠمﺎ ﻗَ ِﺪمﺖ ﻟَِ‬
‫ﻘ‬ ‫َ ْ‬ ‫ﻮﺳﻰ‪ ،‬أن أ َْ َ‬ ‫ﻓعن أَِﰊ ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﻟْم ِﺪﻳن ِة ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ِ ِ ْ :‬‬
‫ﺖ‬ ‫ﺖ‪ :‬نَـ َع ْم‪ .‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬ن ْع َم اﻟْ َﻘ ْﻮُم أَنْـﺘُ ْم‪ .‬ﻟَ ْﻮَﻻ أن ُﻜ ْم َﺳﺒَـ ْﻘﺘُ ْم ِ ْﳍ ْﺠَﺮةِ‪ .‬ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬‫آﳊَﺒَﺸﻴّة ﻫ َﻲ؟ ﻗَﺎﻟَ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ﺎﻫﻠَ ُﻜ ْم‪ ،‬وﻓَـَﺮْرَ ﺑِ ِﺪﻳنِنَﺎ‪ .‬أ ََمﺎ أﱐ َﻻ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﳛ ِمﻞ ر ِاجﻠَ ُﻜم‪ ،‬وﻳـعﻠِّم ج ِ‬
‫ْ ُ َ ْ َُ ُ َ‬
‫ﺖ ِﻫﻲ ﻟِعمﺮ‪ُ :‬ﻛْنـﺘُم مع رﺳ ِ‬
‫ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫ﱠﱯ‪» : ‬ﺑَ ْﻞ ﻟَ ُﻜ ُﻢ ا ْﳍِ ْﺠ َﺮةُ‬ ‫ﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﺖ ﻟَهُ‪ .‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ إِﻟَْﻴه ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬ ‫ﱠﱯ ‪‬ﻓَـَﺮ َج َع ْ‬ ‫ﻚ ﻟِﻠنِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أﱐ َﻻ أ َْرج ُع َﺣ ﱠﱴ أَذْ ُﻛَﺮ ذَﻟ َ‬
‫ا ْﳍِ ْﺠ َﺮةُ َﻣ ﱠﺮﺗَـ ْ ِﲔ‪ِ :‬ﻫ ْﺠ َﺮﺗُ ُﻜ ْﻢ إِ َﱃ اﻟ َْﻤ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ‪ ،‬و ِﻫ ْﺠ َﺮﺗُ ُﻜ ْﻢ إِ َﱃ ا ْﳊَﺒَ َﺸ ِﺔ « ‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺪﻟﺖ أﲰﺎءُ ﺑﻘﻴﺎس اﻷوﱃ ﰲ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻬﺎ وأﻫﻞ اﻟﺴﻔﻴنة ﻟﻠﻔﻀﻞ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أن‬
‫ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أن اﳌﺸﻘة واﳌعﺎ ة اﻟﱵ ﻋﺎنﻮﻫﺎ ﰲ اﳊﺒﺸة أﺷﺪ من اﻟﱵ ﻋﺎ ﻫﺎ أﻫﻞ اﳌﺪﻳنة من اﳌﻬﺎجﺮﻳن‪،‬‬
‫اﳌﻬﺎجﺮﻳن‪ ،‬ﻓﺎﻟعﻠة وﻫﻲ اﳌﺸﻘة ومﻜﺎﺑﺪة اﳌعﺎ ة آﻛﺪ ﰲ ﻓﺮع أﻫﻞ اﻟﺴﻔﻴنة‪ ،‬وﻗﺪ أﻗﺮﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺣﺴن اﺳﺘﺪﻻﳍﺎ‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻘﻬﻬﺎ‪ ،‬وﻛمﺎل ﻋﻘﻠﻬﺎ اﻟﺬي ﻋُﺮﻓﺖ ﺑه‪.2‬‬
‫‪ .3‬اﻟﻄﻌﻦ ﰲ إﻣﺎرة أﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ زﻳﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺑﺪﻻﻟﺔ اﻷوﱃ‬
‫‪ ‬ﱂ ﻳﺴﺘﻐﺮب اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻄعن ﰲ إمﺎرة أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ‪ ،‬ﻋن ﻃﺮﻳق ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‪ ،‬ﻓمﺎ دامﻮا ﻃعنﻮا ﰲ إمﺎرة‬
‫أﺑﻴه‪ ،‬ﻓﺎﻟﻄعن ﰲ اﻻﺑن ﺑﺪﻻﻟة اﻷوﱃ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ تﻮﺿﺤه ﻫﺬه اﻟﺮواﻳّة‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أمﺮ‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺳﺎمة ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻓﻄعنﻮا ﰲ إمﺎرته‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬أن ﺗﻄ َْﻌﻨُﻮا ِﰲ إِ َﻣ َﺎرﺗِِﻪ ﻓَـ َﻘ ْﺪ ﻃَ َﻌ ْﻨـﺘُ ْﻢ ِﰲ إِ َﻣ َﺎرةِ أَﺑِ ِﻴﻪ ِﻣ ْﻦ‬
‫ﱠﺎس إِ َﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠﺎس إِ َﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﱄ‬ ‫ﺐ اﻟﻨ ِ‬ ‫َﺣ ِّ‬‫ﱄ‪ ،‬وأن َﻫ َﺬا ﻟَﻤ ْﻦ أ َ‬ ‫ﺐ اﻟﻨ ِ‬ ‫َﺣ ِّ‬
‫ﻗَـْﺒﻠﻪ‪ ،‬و ْاﱘُ ا ﱠ ﻟَ َﻘ ْﺪ ﻛﺎن َﺧﻠﻴ ًﻘﺎ ﻟ ْ ِﻺ َﻣ َﺎرة‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻣ ْﻦ أ َ‬
‫ﺑَـ ْﻌ َﺪﻩُ« ‪.3‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﱪمﺎوي ﰲ ﺷﺮح اﳊﺪﻳﺚ‪) ":‬ﺧﻠﻴﻘﺎ(؛ أي‪ :‬جﺪﻳﺮا‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻜن ﻃعنﻜم ﻓﻴه ﺣﻘﺎ ﻛمﺎ ﻇﻬﺮ ﻟﻜم‬
‫ﻟﻜم ﰲ آﺧﺮ اﻷمﺮ‪ ،‬ﻓﻜﺬﻟﻚ ﰲ وﻟﺪه"‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(137/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3990 :‬ورواه أﲪﺪ ﰲ اﳌﺴنﺪ‪،‬‬
‫)‪ ،(290/32‬ﺑﺮﻗم‪ ،19524 :‬واﻟﻠﻔﻆ ﻟه‪.‬‬
‫‪ -2‬ﳍﺎ مﻮاﻗﻒ تﺪل ﻋﻠﻰ ﻛمﺎل ﻋﻘﻠﻬﺎ منﻬﺎ‪ ،‬مﺎ رواه زاﺋﺪة ﻗﺎل‪ :‬ﲰعﺖ ﻋﺎمﺮا ﻳﻘﻮل تﺰوج ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ أﲰﺎء ﺑنﺖ ﻋمﻴﺲ‬
‫ﻓﺘﻔﺎﺧﺮ اﺑنﻬﺎ ﷴ ﺑن جعﻔﺮ وﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ ﻓﻘﺎل ﻛﻞ واﺣﺪ منﻬمﺎ‪ :‬أ أﻛﺮم منﻚ وأﰊ ﺧﲑ من أﺑﻴﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﳍﺎ ﻋﻠﻲ‪ :‬اﻗﻀﻲ‬
‫ﺑﻴنﻬمﺎ أﲰﺎء‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪ :‬مﺎ رأﻳﺖ ﺷﺎ من اﻟعﺮب ﺧﲑا من جعﻔﺮ وﻻ رأﻳﺖ ﻛﻬﻼ ﺧﲑا من أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻋﻠﻲ‪ :‬مﺎ تﺮﻛﺖ ﻟنﺎ‬
‫ﺷﻴﺌﺎ وﻟﻮ ﻗﻠﺖ ﻏﲑ اﻟﺬي ﻗﻠﺖ ﳌﻘﺘﻚ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﱪى‪.(219/8) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة‪ ،(141/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4004 :‬‬
‫‪ -4‬ﴰﺲ اﻟﺪﻳن اﻟﱪمﺎوي‪ ،‬اﻟﻼمع اﻟصﺒﻴﺢ ﺑﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(293/11) ،‬‬
‫‪285‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬا اﻻﺳﺘﺪﻻل أثﺮ ﻇﻬﺮ ﰲ ﺣﺮص أﰊ ﺑﻜﺮ اﻟصﺪﻳق ﻋﻠﻰ إنﻔﺎذ جﻴﺶ أﺳﺎمة ﺑعﺪ وﻓﺎة‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬رﻏم ﺣﻮادث اﻟﺮدة‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ":‬أﺷﺎر ﻛﺜﲑ من اﻟنﺎس ﻋﻠﻰ اﻟصﺪﻳق أ ْن ﻻ ﻳنﻔﺬ جﻴﺶ أﺳﺎمة ﻻﺣﺘﻴﺎجه إﻟﻴه ﻓﻴمﺎ‬
‫ﻫﻮ أﻫم‪ ،‬ﻷن مﺎ جﻬﺰ ﺑﺴﺒﺒه ﰲ ﺣﺎل اﻟﺴﻼمة‪ ،‬وﻛﺎن من ﲨﻠة من أﺷﺎر ﺑﺬﻟﻚ ﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب‪،‬‬
‫اﳋﻄﺎب‪ ،‬ﻓﺎمﺘنع اﻟصﺪﻳق من ذﻟﻚ‪ ،‬وأﰉ أﺷﺪ اﻹ ء‪ ،‬إﻻ أ ْن ﻳنﻔﺬ جﻴﺶ أﺳﺎمة "‪.1‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ أمﺜﻠة من واﻗع اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﻇﻒ ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ‪ ،‬ﻛﻮﺳﻴﻠة من‬
‫وﺳﺎﺋﻞ اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬اﻟﱵ ﲡﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﳊﻜمة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﺧﺘﻴﺎر اﻷﺳﻠﻮب اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻄﺮﻳﻘة‬
‫اﳌنﺎﺳﺒة؛ ﳑﺎ ﻛﺎن ﻟه ﻟغ اﻷثﺮ ﰲ اﻗنﺎع اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ‬
‫من اﻟﻘﻀﺎ اﳌﺘعﻠﻘة ﺳﻠﻮب اﻟﻘﻴﺎس اﻟعﻘﻠﻲ مﺴأﻟة اﻟﺘعﻠﻴﻞ؛ إذ تعﺪ اﻟعﻠة ﰲ اﻟﻘﻴﺎس من أﻫم أرﻛﺎنه‬
‫اﻟﱵ ﻻ ﻳﻘﻮم إﻻ ﺎ‪.‬‬
‫وﻹﺑﺮاز ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ وأﳘﻴﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة وتﻮﻇﻴﻔه ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬أتﻄﺮق إﱃ اﻟعنﺎﺻﺮ‬
‫اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ‪:‬‬
‫ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺪء ﰲ ذﻛﺮ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻟﻠﺘعﻠﻴﻞ ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ تعﺮﻳﻔه‪ ،‬وﻟﺴﺖ‬
‫مﻀﻄﺮا إﱃ ﺳﺮد اﻟﺘعﺎرﻳﻒ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم‪ ،‬ﻓأﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ تعﺮﻳﻔه ﳎمﻼ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘعﻠﻴﻞ إﲨﺎﻻ؛ ﻫﻮ ذﻛﺮ ﻋﻠة اﳊﻜم‪ ،‬واﻟعﻠة ﻋنﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﲔ ﻫﻲ اﻟﻮﺻﻒ اﻟﻈﺎﻫﺮ اﳌنﻀﺒط اﻟﻘﺎﺋم‬
‫ﳌﻮﺻﻮف اﳌع ِﺮف ﻟﻠﺤﻜم‪ ،‬واﳌﺮاد ﻟﻈﺎﻫﺮ‪ :‬مﺎ ﻛﺎن من أﻓعﺎل اﳉﻮارح ﻛﺸﺮب اﳋمﺮ ﻋﻠة ﻟﻠﺠﻠﺪ‪،‬‬
‫ﻟﻠﺠﻠﺪ‪ ،‬واﻟﺴﺮﻗة ﻋﻠة ﻟﻠﻘﻄع‪ ،‬واﻟﻘﺘﻞ اﻟعمﺪ اﻟعﺪوان ﻋﻠة ﻟﻠﻘصﺎص‪ ،‬وﻫﻜﺬا‪.2‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬أﳘﻴّﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ‬
‫ﻷﳘﻴّة اﻟﺘعﻠﻴﻞ ﰲ اﻹﻗنﺎع واﻻﺳﺘﺪﻻل‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﺑصﻴغ ﻛﺜﲑة مﺘنﻮﻋة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن‬
‫اﻟﻘﻴم‪ ":‬جﺎء اﻟﻘﺮآن ﺑﺘعﻠﻴﻞ اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬وﻗﺪ جﺎء اﻟﺘعﻠﻴﻞ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺰﻳﺰ ﻟﺒﺎء رة‪ ،‬و ﻟﻼم رة‪،‬‬
‫رة‪ ،‬و ن رة‪ ،‬وﲟﺠمﻮﻋﻬمﺎ رة‪ ،‬وﺑﻜﻲ رة‪ ،‬ومن أجﻞ رة‪ ،‬وتﺮتﻴﺐ اﳉﺰاء ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮط رة‪،‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﺒﺪاﻳّة واﻟنﻬﺎﻳّة‪.(335/6) ،‬‬

‫ر ض‪،‬‬ ‫د‪ ،‬ال‬ ‫ﱂ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه اﳌﻘﺎرن‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮش‬ ‫رﱘ اﻟنمﻠة‪ ،‬اﳌه ذب ﰲ ع‬ ‫‪ -2‬ﻋﺐ د اﻟﻚ‬
‫ط‪ 1420 ،1‬ه‪ 1999 ،‬م‪.(2016/5) ،‬‬
‫‪286‬‬
‫رة‪ ،‬و ﻟﻔﺎء اﳌﺆذنة ﻟﺴﺒﺒﻴّة رة‪ ،‬وتﺮتﻴﺐ اﳊﻜم ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻒ اﳌﻘﺘﻀﻲ ﻟه رة‪ ،‬وﺑﻠمﺎ رة‪ ،‬و ن‬
‫رة‪،‬‬ ‫اﳌﺸﺪدة‬ ‫ون‬

‫‪287‬‬
 ‫َ ََُْ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ ْٓ‬
‫وﺑﻠعﻞ رة‪ ،‬و ﳌﻔعﻮل ﻟه رة؛ ﻓﺎﻷول ﻛمﺎ تﻘﺪم؛ واﻟﻼم ﻛﻘﻮﻟه‪ :‬چ ٱ ٰ ِك ِ علموا أن ﷲ يع م مﺎ ِ‬
‫ُ ُْٓ َ ٓ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ُ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لس َ ٰ َ ٰ ِ َ َ‬
‫ِيم ٱچ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،[99 :‬وﻛﻘﻮﻟه‪ :‬ٱچ ٱأن تقو وا أنمﺎ ِ‬
‫نزل‬ ‫ت ومﺎ ِ ﻻ ِض وأن ﷲ بِك ِل ْ ٍء عل ۖ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٓ َ ْ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ْ‬
‫كنﺎ َعن د َِر َ‬
‫استِ ِه ْم ل ٰ ِفلِ َ ٱچ ]اﻷنعﺎم‪.[157 :‬‬ ‫لكِ َ ٰب ٰ َطﺎ ِفتَ ِ مِن بْلِنَﺎ َوأن‬
‫ك َ‬‫َ۬ َ ُ‬
‫ﺎس‬ ‫ون ِلن ِ‬ ‫ﰒ ﻗﻴﻞ‪ :‬اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻟﺌﻼ تﻘﻮﻟﻮا‪ ،‬وﻗﻴﻞ‪ :‬ﻛﺮاﻫة أن تﻘﻮﻟﻮا‪ ،‬وأن واﻟﻼم ﻛﻘﻮﻟه‪ :‬چ ٱ ِ ﻼ ي‬
‫ََ‬
‫ﷲ ُحج بَ ْع َد ر ُس ِل چ ]اﻟنﺴﺎء‪ ،[164 :‬وﻏﺎﻟﺐ مﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟنﻮع ﰲ اﻟنﻔﻲ ﻓﺘأمﻠه‪ ،‬وﻛﻲ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ ٓ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ ُ َ ْ‬
‫ون دول َ َ ﻻﻏنِيَﺎ ِء مِنك ْ ۖمچٱ]اﳊﺸﺮ‪.1" [07 :‬‬ ‫ﻛﻘﻮﻟه‪ :‬چٱكﮯ ﻻ يك‬
‫أن ﻫﺬا اﻟﺘنﻮع ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘعﻠﻴﻞ‪ ،‬وتعﺪد ﻃﺮﻗه ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ اﻟﱵ ذﻛﺮﻫﺎ اﺑن اﻟﻘﻴم ﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫أﳘﻴّة اﻟﺘعﻠﻴﻞ ﰲ إﻗنﺎع اﳌخﺎﻃﺐ ﳊﻜم‪ ،‬وتﺮﺳﻴخه وتﺜﺒﻴﺘه ﰲ ﻓﺆاده‪ ،‬وﻫﺬا أثﺮ ﻻ ﲣﻔﻰ أﳘﻴﺘه‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫من أجﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳊﺎﺿﺮة ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي‪ ،‬وﺳﻮف‬
‫أمﺜﻞ ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب مﺜﻠة من مﺮو ت اﻟﻐﺰوات ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻷﺳﻠﻮب اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫ﻗﺪ وﻇﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘعﻠﻴﻞ‪ ،‬وذﻛﺮ ﺑعﺾ ﻋﻠﻞ اﻷﺣﻜﺎم ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة ﻟﻺﻗنﺎع‬
‫وتعﻠﻴم اﳌﺪﻋﻮﻳن اﺳﺘنﺒﺎط اﻷﺣﻜﺎم ﰲ اﻟﻮﻗﺎﺋع اﳌﺸﺎ ة‪ ،‬وﳑﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴه من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‬
‫ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻋﻠﺔ ﻃﺎﻋﺔ وﱄ اﻷﻣﺮ‬
‫من اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﰲ ﻃﺎﻋة وﱄ اﻷمﺮ أن تﻜﻮن ﻓﺮﻋﺎ ﻋن ﻃﺎﻋة ﷲ ورﺳﻮﻟه‪ ،‬ﻓﺈذا أمﺮت اﻟﺮﻋﻴّة ﲟعصﻴّة ﱂ‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ ُ ْٓ َ ُ ْ َ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ﷲ َوأطِيعوا رسول َو ْو ِ ﻻم ِر‬ ‫ﲟعصﻴّة ﱂ تﻠﺰمﻬم اﻟﻄﺎﻋة‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چٱ َ َهﺎ ِين ءامنوا أطِيعوا‬
‫َٰ َ‬
‫ِك َخ ْ ‪ٞ‬‬ ‫ُ ُ‬
‫نت ْم تُوم ُِن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ء فَ ُرد ُ‬
‫َ َ ُْْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ﺎﷲ َوا وم اﻵخر‬
‫ون ب ِ ِ‬ ‫ول أن ك‬ ‫ِ‬
‫ﷲ وا رس ِ‬ ‫وه إ ِ‬ ‫ٖ‬‫مِنك ۖم فإن ت ٰز تم ِ‬
‫ََ ْ َ ُ َ ً‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ":‬وأﺷﺎر ﺬا اﻟﺘعﻘﻴﺐ إﱃ أن اﻟﻄﺎﻋة اﳌأمﻮر ﺎ‬ ‫ﺎو ۖﻼ چ ]اﻟنﺴﺎء‪،[59 :‬‬‫وأحسن ت ِ‬
‫ﻫﻲ اﻟﻄﺎﻋة ﰲ اﳌعﺮوف"‪.2‬‬
‫وﻗﺪ أﻛﺪت اﻟﺴنة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ﰲ مﻮاﻗﻒ مﺘعﺪدة‪ ،‬من أمﺜﻠة ذﻟﻚ مﺎ رواه ﻋﻠﻲ ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺎﺳﺘَـ ْع َمﻞ َر ُج ًﻼ ِمن اﻷَنْ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ‪،‬‬
‫صﺎر َوأ ََمَﺮُﻫ ْم أن ﻳﻄ ُﻴعﻮهُ‪ ،‬ﻓَـﻐَﻀ َ‬ ‫َ‬ ‫ﺚ اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﺳﺮﻳّة ﻓَ ْ َ‬ ‫ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑَـ َع َ‬
‫أَﻟَْﻴ َ‬
‫ﺲ‬ ‫ﻓَـ َﻘ َﺎل‪:‬‬

‫‪ -1‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬أﻋﻼم اﳌﻮﻗعﲔ‪.(151/1) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪.(96/5) ،‬‬
‫‪288‬‬
‫ﺎﲨَعُﻮا ِﱄ َﺣﻄَﺒًﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺠ َمعُﻮا‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬أ َْوﻗِ ُﺪوا َ ًرا‪،‬‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬أن ت ِﻄﻴعُ ِﻮﱐ؟ ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﺑَـﻠَﻰ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَ ْ‬ ‫أ ََمَﺮُﻛ ُم اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ ‪‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ﻀﺎ‪ ،‬وﻳَـ ُﻘﻮﻟُﻮ َن‪ :‬ﻓَـَﺮْرَ إ َﱃ اﻟن ِّ‬ ‫ﻚ ﺑَـ ْع ً‬ ‫ﻀ ُﻬ ْم ﳝُْ ِﺴ ُ‬‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻬ ﱡمﻮا َو َج َع َﻞ ﺑَـ ْع ُ‬
‫وﻫﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ْ :‬اد ُﺧﻠُ َ‬ ‫َ ًرا‪ ،‬ﻓَأ َْوﻗَ ُﺪ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮﻫﺎ َﻣﺎ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻟَ ْﻮ َد َﺧﻠُ َ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻀﺒُهُ‪ ،‬ﻓَـﺒَـﻠَ َغ اﻟنِ ﱠ‬ ‫ﱠﺎر‪ ،‬ﻓَ َﺴ َﻜ َن َﻏ َ‬ ‫‪ ‬م َن اﻟنﱠﺎ ِر‪ ،‬ﻓَ َمﺎ َزاﻟُﻮا َﺣ ﱠﱴ َﲬَ َﺪت اﻟن ُ‬
‫وف« ‪.1‬‬ ‫ﺎﻋﺔُ ِﰲ اﳌَﻌﺮ ِ‬ ‫ﻣﺎ َﺧﺮﺟﻮا ِﻣْﻨـﻬﺎ إِ َﱃ ﻳـﻮِم ِ‬
‫اﻟﻘﻴَ َﺎﻣ ِﺔ‪ ،‬اﻟﻄﱠ َ‬
‫ُْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َُ َ‬
‫ﻓﻘﺪ نﻴط اﳊﻜم ﺑﻄﺎﻋة اﻷمﲑ ﺑعﻠﺘه‪ ،‬وﻫﻲ ﻛﻮن اﳌأمﻮر ﺑه مأذون ﻓﻴه ﺷﺮﻋﺎ‪ ،‬ﻟﺘﻘﺎس ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑعﺪ ذﻟﻚ‬
‫ذﻟﻚ ﻛﻞ تصﺮﻓﺎت أوﻟﻴﺎء اﻷمﻮر‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟعﺮﰊ‪ ":‬اﻟﻄّﺎﻋة ﰲ اﳌعﺮوف ﻫﻲ اﻟﻄّﺎﻋة ﻻ ﻏﲑ‪ ،‬ومﺎ‬
‫ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻏﲑ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻠﺰم"‪.2‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﻀﺎﺑط ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ ﳎﺎل اﻷتﺒﺎﻋﻮاﳌﺘﺒﻮﻋﲔ‪ ،‬ﻓعﺪم وﻋﻲ اﳌﺪﻋﻮﻳن ﻷﺳﺲ‬
‫اﳌنﻬﺠﻴّة ﻟﻼتّـﺒَﺎع ﻳﻮﻗعﻬم ﰲ مﺰاﻟق اﻟﻄﺎﻋة اﻟعمﻴﺎء‪ ،‬اﻟﱵ تﺘﻮﻟﺪ ﻋنﻬﺎ مﺸﺎﻛﻞ ﻓﻜﺮﻳّة ﻏﲑ منﺘﻬﻴّة‪.‬‬
‫‪.2‬ﻋﻠﺔ ﲢﺮﱘ اﳋﻤﺮ‬
‫ﻟﻜﻮن اﻷﺷﺮﺑة ﻻ تعﺪ‪ ،‬وﻻ ﲢصﻰ‪ ،‬ﻻ ﳝﻜن ﻟﻠﺪاﻋﻴّة أن ﳛﻴط ﺎ‪ ،‬وﻳﺘعﺮف ﻋﻠﻰ مﺪى ﺣﻠﻴﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻛﺎن من اﻟﻀﺮوري ﺑﻴﺎن اﻟعﻠة اﻟﱵ إ ْن وجﺪت ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮمﺘﻬﺎ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﲬﺮا‪ ،‬وﻫﻲ اﻹﺳﻜﺎر‪ ،‬ﻓعن أَِﰊ‬
‫ﺻﻠﱠﻰ ﷲُ َﻋﻠَْﻴ ِه َو َﺳﻠﱠ َم ﺑَـ َعﺜَهُ إِ َﱃ اﻟﻴَ َم ِن‪ ،‬ﻓَ َﺴأَﻟَهُ َﻋ ْن أَ ْﺷ ِﺮﺑٍَة‬ ‫ﱠﱯ َ‬ ‫ي َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬أن اﻟنِ ﱠ‬
‫أَِﰊ مﻮﺳﻰ اﻷَ ْﺷع ِﺮ ِ ِ‬
‫َ ّ‬ ‫ُ َ‬
‫ﺖ ﻷَِﰊ ﺑـُْﺮَدةَ‪َ :‬مﺎ اﻟﺒِْﺘ ُع؟ ﻗَ َﺎل‪ :‬نَﺒِﻴ ُﺬ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ﺎل‪َ » :‬وَﻣﺎ ﻫ َﻲ؟« ﻗَ َﺎل‪ :‬اﻟﺒِْﺘ ُع َواﳌْﺰُر‪ ،‬ﻓَـ ُﻘﻠْ ُ‬ ‫صنَ ُع َﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫أَ ْﺷ ِﺮﺑَة تُ ْ‬
‫ﺎل‪ُ » :‬ﻛ ﱡﻞ ُﻣ ْﺴﻜِ ٍﺮ َﺣ َﺮ ٌام« ‪.3‬‬ ‫اﻟع َﺴ ِﻞ‪ ،‬واﳌِْﺰُر نَﺒِﻴ ُﺬ اﻟﺸﱠعِ ِﲑ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬‫َ‬
‫ﻓﻬﺬا اﳊﺪﻳﺚ من اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﱵ تعﺪ ﻗﺎﻋﺪة ﰲ اﻷﺷﺮﺑة ﻻ ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋنﻬﺎ اﳌﻜﻠﻒ‪ ،‬ﻟﺬا زاده اﺑن‬
‫رجﺐ ﻋﻠﻰ اﻷرﺑعﲔ اﻟنﻮوﻳّة ﰲ جﺎمع اﻟعﻠﻮم واﳊﻜم‪.4‬‬
‫ﻓﻬﺬان مﺜﺎﻻن من واﻗع اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻓﻴﻬمﺎ ذﻛﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻞ اﻷﺣﻜﺎم؛ ﻹﻗنﺎع اﳌخﺎﻃﺐ‬
‫ﳊﻜم ﻋن ﻃﺮﻳق اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ من جﻬة‪ ،‬وﻟﺘعﻠﻴم اﳌﺪﻋﻮﻳن رﺑط اﻷﺣﻜﺎم ﺑعﻠﻠﻬﺎ ﻟﻘﻴﺎس‬
‫ﺣﻮادث وجﺰﺋﻴﺎت مﺸﺎ ة ﻟﻠﻮاﻗعة اﻷﺻﻞ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺳﺮﻳّة ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺣﺬاﻓة اﻟﺴﻬمﻲ‪ ،‬وﻋﻠﻘمة ﺑن ﳎﺰز اﳌﺪﳉﻲ وﻳﻘﺎل‪ :‬إ ﺎ‬
‫ﺳﺮﻳّة اﻷنصﺎر‪ ،(161/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4085 :‬‬
‫‪ -2‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﺑن اﻟعﺮﰊ‪ ،‬اﳌﺴﺎﻟﻚ ﰲ ﺷﺮح مﻮﻃأ مﺎﻟﻚ‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ 1428 ،1‬ﻫـ‪2007 ،‬‬
‫م‪.(567/7) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺑعﺚ أﰊ مﻮﺳﻰ‪ ،‬ومعﺎذ إﱃ اﻟﻴمن ﻗﺒﻞ ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،(161/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.4087‬‬
‫‪ -4‬اﺑن رجﺐ‪ ،‬جﺎمع اﻟعﻠﻮم واﳊﻜم‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫‪289‬‬
‫وﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺪﻋﺎة ﻋﻠﻰ آﻟﻴّة اﻻجﺘﻬﺎد ﰲ اﻟنﻮازل اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻋن ﻃﺮﻳق تعﺪي ﻋﻠﻞ اﻷﺣﻜﺎم إﱃ ﻓﺮوع‬
‫اﻟنﻮازل اﳌﺴﺘﺠﺪة من جﻬة أﺧﺮى‪.‬‬
‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ ﻳﺘﺒﲔ ﲟﺎ ﻻ ﻳﺪع ﳎﺎﻻ ﻟﻠﺸﻚ أن أﺳﻠﻮب اﻟﻘﻴﺎس اﻟعﻘﻠﻲ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‬
‫اﻟعﻘﻠﻴّة اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴّة ﻟﻠمﻬنج اﻟعﻘﻠﻲ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي من ﺧﻼل مﻮاﻗﻒ من ﻏﺰواته‪.‬‬
‫وﻫﺬا من ﺷأنه أ ْن ﻳﺴﻬﻞ اﻻﺳﺘﻔﺎدة منﻬﺎ ﰲ ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻻجﺘﻬﺎدﻳّة‪ ،‬واﻟﱰﺑﻮﻳّة‪ ،‬واﻻتصﺎﻟﻴّة‪،‬‬
‫واﻟﻔﻜﺮﻳّة‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳉﺪل اﻟﻌﻘﻠﻲ‬
‫ﺑعﺪ أن تعﺮﺿﺖ ﻷﺳﻠﻮب اﻟﻘﻴﺎس اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺑه من ﻗﻀﺎ ‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﺎت دﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﰐ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ ﻋن أﺳﻠﻮب ﻋﻘﻠﻲ آﺧﺮ ﻻ ﻳﻘﻞ أﳘﻴّة ﻋن اﻷول‪ ،‬أﻻ وﻫﻮ أﺳﻠﻮب اﳉﺪل اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺬي‬
‫ﻳعﺪ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻘﻠﻴّة اﳊﻴﻮﻳّة؛ ﻟﻜﻮنه من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴّة اﳌﺒﺎﺷﺮة ﺑﲔ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫واﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫ﻓﺎﳌﺪﻋﻮ اﳌﺮتﻘﺐ‪ ،‬واﳌﺴﺘﺠﻴﺐ ﻻ ﳛﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠه ﰲ اﳋﻄﺎب اﻟﺪﻋﻮي اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻓﻼ ﳝنع من‬
‫إﺑﺪاء ﻗنﺎﻋﺎته ﺑﻐﺾ اﻟنﻈﺮ ﻋن معﻴﺎر اﻟصﻮاب واﳋﻄأ‪.‬‬
‫واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة نﺘﻄﻠق من أﺻﻞ تﻜﺮﱘ اﻹنﺴﺎن‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺘﻔﺮع ﻋنه اﺣﱰام‬
‫ﻋﻘﻠة وتﻔﻜﲑه‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز ﻃﺒﻴعﺘه‪ ،‬وأﳘﻴﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وتﻄﺒﻴﻘﺎته اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﳉﺪل وﺑﻴﺎن ﺿﻮاﺑﻄﻪ‬
‫ﻗﺒﻞ اﳋﻮض ﰲ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳉﺪل؛ ﻋﺘﺒﺎره من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﻘﻠﻴّة ذات اﻟﻔعﺎﻟﻴّة‬
‫اﻹﻗنﺎﻋﻴّة ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ ﺣﺪه‪ ،‬وأﻫم ﺿﻮاﺑﻄﻬن وﻓق اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﳉﺪل‬
‫ﺣﱴ تُﺪرك أﺑعﺎد أﺳﻠﻮب اﳉﺪل اﻟعﻘﻠﻲ؛ ﻻﺑﺪ من اﻟﺘعﺮض ﻟﺘعﺮﻳﻒ مﻮجﺰ ﻟه من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻠﻐﻮﻳّة‬
‫واﻻﺻﻄﻼﺣﻲ‪ ،‬وﻓق ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪290‬‬
 ‫‪.1‬ﺗﻌﺮﻳف اﳉﺪل ﰲ اﻟﻠﻐﺔ‬
‫اﳉﺪل ﰲ اﻟﻠﻐة من جﺪل‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻓﺎرس‪ ":‬وﻫﻮ من ب اﺳﺘﺤﻜﺎم اﻟﺸﻲء ﰲ اﺳﱰﺳﺎل ﻳﻜﻮن‬
‫ﻓﻴه‪ ،‬وامﺘﺪاد اﳋصﻮمة ومﺮاجعة اﻟﻜﻼم"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘعﺮﻳﻒ اﻟﻠﻐﻮي ﻳﺸﲑ إﱃ أن اﳉﺪل ﻟه معنﻴﺎن‪ ،‬واﻟﺬي ﻳﻬم ﰲ اﻟﺪراﺳة ﻫﻮ اﳌعﲎ اﻟﺜﺎﱐ‪ ،‬وﻫﻮ‬
‫مﺮاجعة اﻟﻜﻼم ﺑﲔ اﳌﺘخﺎﺻمﲔ‪ ،‬وﳏﺎوﻟة ﻛﻞ ﻃﺮف اﻟﺘﻐﻠﺐ ﳊﺠة ﻋﻠﻰ ﺧصمه‪.‬‬
‫‪.2‬ﺗﻌﺮﻳف اﳉﺪل ﰲ اﻻﺻﻄﻼح‬
‫أمﺎ اﳉﺪل ﰲ اﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓه اﳉﺮجﺎﱐ ﺑﻘﻮﻟه "دﻓع اﳌﺮء ﺧصمه ﻋن إﻓﺴﺎد ﻗﻮﻟه‪ :‬ﲝﺠة‪ ،‬أو‬
‫أو ﺷﺒﻬة‪ ،‬أو ﻳﻘصﺪ ﺑه تصﺤﻴﺢ ﻛﻼمه‪ ،‬وﻫﻮ اﳋصﻮمة ﰲ اﳊﻘﻴﻘة"‪.2‬‬
‫تعﺮﻳﻒ اﳉﺮجﺎﱐ ﻫﺬا ﻳعﺪ من اﻟﺘعﺎرﻳﻒ اﳉﺎمعة ﻟﻠﺠﺪل‪ ،‬ﺣﻴﺚ أﺷﺎر إﱃ ﻃﺒﻴعة اﳉﺪل اﳌﺘعﺪدة‬
‫اﻷﻃﺮاف‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ أنﻮاع اﳉﺪل‪ ،‬ﻓمنه اﶈمﻮد اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ إثﺒﺎت اﳊﻘة ﲝﺠة‪ ،‬واﳌﺬمﻮم اﻟﺬي‬
‫ﻳﺴعﻰ اﳋصم ﻹثﺒﺎته ﺑﺸﺒﻬة‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ ﻛﺎن اﳉﺪل اﶈمﻮد من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﻘﻠﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ ﳌﺎ ﳝﻜن أ ْن ﻳﺘﻮﺻﻞ ﺑه إﱃ إثﺒﺎت‬
‫ﺣﻘﺎﺋق اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ودﺣﺾ اﻟﺸﺒﻬﺎت اﻟﱵ ﻗﺪ تعﻠق ذﻫﺎن اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻟﻔﺮق ﺑﲔ اﳉﺪل واﳊﻮار‬
‫اﳊﻮار ﻫﻮ" نﻮع من اﳊﺪﻳﺚ ﺑﲔ ﺷخصﲔ أو ﻓﺮﻳﻘﲔ‪ ،‬ﻳﺘم ﻓﻴه تﺪاول اﻟﻜﻼم ﺑﻴنﻬمﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘة‬
‫‪3‬‬
‫مﺘﻜﺎﻓﺌة؛ ﻓﻼ ﻳﺴﺘأثﺮ أﺣﺪﳘﺎ دون اﻵﺧﺮ ﺑه‪ ،‬وﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴه اﳍﺪوء‪ ،‬واﻟﺒعﺪ ﻋن اﳋصﻮمة واﻟﺘعصﺐ"‬
‫ﻓﺎﳊﻮار واﳉﺪال ﻳﻠﺘﻘﻴﺎن ﰲ ﻛﻮ مﺎ مﺮاجعة ﻟﻠﻜﻼم ﺑﲔ ﻃﺮﻓﲔ‪ ،‬وﻳﻔﱰﻗﺎن ﰲ أ ْن اﳉﺪال ﻓﻴه ﻟﺪد‬
‫وﺧصﻮمة وﺷﺪة ﰲ اﻟﻜﻼم‪ ،‬مع اﻟﺘمﺴﻚ ﻟﺮأي واﻟﺘعصﺐ ﻟه‪ ،‬وأمﺎ اﳊﻮار ﻓﻬﻮ ﳎﺮد مﺮاجعة ﻟﻠﻜﻼم‬
‫ﻟﻠﻜﻼم ﺑﲔ اﻟﻄﺮﻓﲔ‪ ،‬دون وجﻮد ﺧصﻮمة ﻟﻀﺮورة‪ ،‬ﺑﻞ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻴه اﳍﺪوء واﻟﺒعﺪ ﻋن اﻟﺘعصﺐ‬
‫وﳓﻮه‪ ،‬ﻓﺎﳊﻮار أﻋم من اﳉﺪل من ﻫﺬا اﻟنﺤﻮ‪.1‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬معﺠم مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(433/1) ،‬‬

‫‪ -2‬اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ -3‬ﻋﺪ ّن اﳉﺎﺑﺮي‪ ،‬أﺳﻠﻮب اﳊﻮار من ﺧﻼل ﺳﲑة مصعﺐ ﺑن ﻋمﲑ‪ ،‬اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪1434 /1433 ،‬ﻫـ‪،‬‬
‫ص‪.40‬‬
‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺎﻃﻒ رﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺻﻮر اﻹﻋﻼم اﻹﺳﻼمﻲ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬جﺎمعة اﳌﺪﻳنة اﻟعﺎﳌﻴّة )مﺎﻟﻴﺰ ( ‪ 1432‬ﻫـ‪ 2011 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.90‬‬
‫‪291‬‬
‫وأمﺎ ﰲ اﻟﺪراﺳة ﻓﺴﻮف أدرج ﻛﻞ من اﳉﺪل‪ ،‬واﳊﻮار ﲢﺖ اﳉﺪل؛ وذﻟﻚ ﻟصعﻮﺑة اﻟﺘﻔﺮﻳق ﺑﻴنﻬمﺎ‬
‫ﻟﺪﻗﺘه‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﺑﲔ اﳊﻮار‪ ،‬وأﺳﻠﻮب "اﳉﺪل ﻟﱵ ﻫﻲ أﺣﺴن" اﻟﺬي اتﺴم ﺑه اﳌنﻬج اﻟنﺒﻮي‪ ،‬وﻟﻜﻮن‬
‫اﳉﺪل أﻋم من اﳊﻮار من جﻬة أﺧﺮى‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺿﻮاﺑﻂ اﳉﺪل‬
‫ﳌﺎ أﺷﺮت ﰲ اﻟﺘعﻠﻴق ﻋﻠﻰ تعﺮﻳﻒ اﳉﺮجﺎﱐ ﻟﻠﺠﺪل أنه ﻳنﻘﺴم إﱃ مﺬمﻮم وﳏمﻮد‪ ،‬وأن اﶈمﻮد ﻫﻮ‬
‫اﻟﺬي ﳝﻜن اﻻﺳﺘﻔﺎدة منه ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻛﺎنﻼﺑﺪ من ﺑﻴﺎن ﺿﻮاﺑط ﻫﺬا اﻷﺧﲑ‪ ،‬اﻟﱵ ﳝﻜن ﺣصﺮﻫﺎ ﰲ‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﻀﺎﺑﻂ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺠﺪل‬
‫وﻫﻮ أ ْن ﻳﻜﻮن ﳎﺎل اﳉﺪل من ا ﺎﻻت اﻟﱵ ﻳﺴﻮغ ﻓﻴﻬﺎ اﳉﺪل من إﺣﻘﺎق ﺣق أو اﻟﺪﻓﺎع ﻋنه أو‬
‫َ َ َ ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ين كف ُروا بِﺎل َ ٰط ِِل‬ ‫ِ‬ ‫چ ٱ َو ُ َ ٰدِل‬ ‫دﺣﺾ ﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺸﺮع اﳉﺪال ﰲ اﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ ُ ْدح ُِضوا ب ِ ِه ل َحق ۖ چ ]اﻟﻜﻬﻒ‪.[55:‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﺴعﺪي‪ ":‬واﳌﺮاد ﺎدﻟة ﻫنﺎ‪ ،‬ا ﺎدﻟة ﻟﺮد آ ت ﷲ ومﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬ﻓﻬﺬا من ﺻنﻴع‬
‫اﻟﻜﻔﺎر‪ ،‬وأمﺎ اﳌﺆمنﻮن ﻓﻴخﻀعﻮن تعﺎﱃ اﻟﺬي ﻳﻠﻘﻲ اﳊق ﻟﻴﺪﺣﺾ ﺑه اﻟﺒﺎﻃﻞ"‪.1‬‬
‫ومن ﺿﻮاﺑط اﳉﺪل اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة أ ْن ﻻ ﳚﺎدل اﻹنﺴﺎن ﻓﻴمﺎ ﻻ ﻋﻠم ﻟه ﺑه‪ ،‬وﻻ ﻃﺎﻗة ﻟه ﺑه‪ ،‬ﻛأن‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َُْ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوﻻ قف َمﺎ ل َس ك بِهِۦ ِع ٌ ۖم أن‬ ‫ﳚﺎدل ﰲ اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت‪ ،‬إﱃ ذﻟﻚ اﻹﺷﺎرة ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫َ ُْ ْ ُ ٗ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ٱچ ]اﻹﺳﺮاء‪.[36 :‬‬ ‫لس ْم َع َوا َ َ َ َوالفؤاد كل ْو ِك كﺎن نه َمسـ ٔ ۖ‬
‫وﻻ‬
‫‪ .2‬اﻟﻀﺎﺑﻂ اﳌﻨﻬﺠﻲ‬
‫اﻋﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﻴم‪ ،‬و اﳌﺒﺎدئ‬
‫ومﻘﺘﻀﻰ ﻫﺬا اﻟﻀﺎﺑط أن تﻜﻮن ﻃﺮﻳﻘة‪ ،‬وأﺳﻠﻮب ا ﺎدﻟة ﻃﺮﻳﻘة تُﺮ َ‬
‫َ‬
‫اﻟﺸﺮﻋﻴّة ﺣﱴ مع ﻏﲑ اﳌﺴﻠم‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ َو َ ٰدِلْ ُهم بِﺎل ِ ِ َ أ ْح َس ُ ۖن چ ]اﻟنﺤﻞ‪ ،[125 :‬وﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬ٱ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫چ َوﻻ تُ َ ٰ ِد ٓوا أ ْه َل لكِ َ ٰ ِب إِﻻ بِﺎل ِ ِ َ أ ْح َس ُ ۖن چ ]اﻟعنﻜﺒﻮت‪.[46 :‬‬
‫ﻗﺎل ﳎﺎﻫﺪ‪ " :‬ﻫﻲ ﳏﻜمة ﻓﻴﺠﻮز ﳎﺎدﻟة أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻟﱵ ﻫﻲ أﺣﺴن ﻋﻠﻰ معﲎ اﻟﺪﻋﺎء ﳍم إﱃ‬
‫ﷲ ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬واﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺠه وآ ته‪ ،‬رجﺎء إجﺎﺑﺘﻬم إﱃ اﻹﳝﺎن‪ ،‬ﻻ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳق اﻹﻏﻼظ‬
‫واﳌخﺎﺷنة"‪.1‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﳌنﺎن‪ ،‬ص‪.731‬‬

‫‪ -1‬اﻟﻘﺮﻃﱯ‪ ،‬اﳉﺎمع ﻷﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن‪.(350/13) ،‬‬
‫‪292‬‬
 ‫‪ .3‬اﻟﻀﺎﺑﻂ اﳌﻘﺎﺻﺪي‬
‫اﳉﺪل وﺳﻴﻠة‪ ،‬وﻟﻴﺲ مﻘصﺪ ﰲ ﺣﺪ ذاته‪ ،‬ﻓﺈذا ﺧﻼ من اﳌﻘصﺪ أو ﻛﺎن ﻟﻘصﺪ ﻏﲑ مﺸﺮوع ﻳﺬم‬
‫ﺻﺎﺣﺒه‪ ،‬وﻳﻜﻮن اﳉﺪل مﺬمﻮمﺎ‪ ،‬وأمﺎ اﳉﺪل اﶈمﻮد مﺎ ﻛﺎن إﺿﺎﻓة إﱃ اﻟﻀﺎﺑط اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ‬
‫واﳌنﻬﺠﻲ ﻳﺮاد ﺑه إﺣﻘﺎق اﳊق اﺑﺘﻐﺎء مﺮﺿﺎة ﷲ‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫يل َر ِّك بِﺎلحِ ك َم ِة َوال َم ْوعِظ ِة‬ ‫وﻳﺸﲑ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻀﺎﺑط اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ ْد ُع إ َ ٰ َ‬
‫س‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ َ َ ْ َُ ُْ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َُ َ َُْ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ُْ‬
‫ِينچ‬‫ن أن ر ك هو أع م بِمن ضل عن س ِيلِ ِهۦ وهو أع م بِﺎلمهتد َ ۖ‬ ‫لحسن ِة و ٰدِلهم بِﺎل ِ ِ َ أحس ۖ‬
‫]اﻟنﺤﻞ‪.[125 :‬‬
‫ﻓﺎﻵﻳة تﺒﲔ اﳌﻘصﺪ من وﺳﻴﻠة اﳉﺪل وﻏﲑه من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﻓﻬﻮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﺷﺮﻳعﺘة اﻟﱵ‬
‫ﺷﺮﻋﻬﺎ ﳋﻠﻘه‪ ،‬وﻫﻲ اﻹﺳﻼم‪.1‬‬
‫واﳊق أن اﳉﺪل ﺬه اﻟﻀﻮاﺑط اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّة‪ ،‬واﳌنﻬﺠﻴّة‪ ،‬واﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة ﻟﻴُعﺪ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﻘﻠﻴّة‪،‬‬
‫اﻟﱵ ﳝﻜن أن ﻳﺴﺘعﺎن ﺎ ﻋﻠﻰ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟﺪﻓﺎع ﻋنﻬﺎ‪ ،‬واﳌﺮاﻓعة ﻋن ﻗﻀﺎ ﻫﺎ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬ اﻷﺳﻠﻮب تﻄﺒﻴﻘﺎت ﰲ واﻗع اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺳﻴﺘﻮﱃ اﻟﻔﺮع اﳌﻮاﱄ ﺑﻴﺎنه‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﳕﺎذج ﻣﻦ اﻷﺳﻠﻮب اﳉﺪﱄ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫ﺑعﺪمﺎ ﺑﻴنﺖ مﻔﻬﻮم اﳉﺪل وﺑﻴنﺖ أﳘﻴﺘه‪ ،‬وﺿﻮاﺑﻄه؛ آﰐ ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ ﳕﺎذج تﻄﺒﻴﻘﻴّة ﻟه من واﻗع‬
‫اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﻓق مﺎ جﺎءت ﰲ مﺮو ت ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري؛ ﺣﻴﺚ أورد نﺺ ا ﺎدﻟة ﻛﺎمﻼ ﰒ‬
‫أتنﺎول أﻫم مﺎ تﻀمنه من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﺧﺎﺻة مﺎ تعﻠق ﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬وﺑﻴﺎن ذﻟﻚ ﰲ‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﳕﻮذج ﳎﺎدﻟﺔ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّﺔ‬
‫تعﺪ ﳎﺎدﻟة ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة من أﻃﻮل وأمﺘع وأروع ا ﺎدﻻت اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬اﻟﱵ تعﺪدت أﺑعﺎدﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫اﻵنﻴّة واﻟﺒعﺪﻳّة‪ ،‬ﻛﺎن من أجﻠﻬﺎ أن ﻛﺎنﺖ وﻗعة اﳊﺪﻳﺒة ﲤﻬﻴﺪا ﻷﺣﺪاث ﻋﻈﻴمة‪ ،‬من أﺑﺮزﻫﺎ ﻓﺘﺢ‬
‫ﺧﻴﱪ‪ ،‬وأﻋﻈم منﻬﺎ ﻓﺘﺢ مﻜة‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(321/17) ،‬‬

‫‪293‬‬
 ‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﺺ ا ﺎدﻟة ومﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻧﺺ ﳎﺎدﻟﺔ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ جﺎءت ﳎﺎدﻟة ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة ﺑﻄﻮﳍﺎ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓ َع ْن ِﻋ ْﻜ ِﺮَمةَ أنهُ ﻟَ ﱠمﺎ َجﺎءَ ُﺳ َﻬْﻴ ُﻞ ﺑْ ُن َﻋ ْم ٍﺮو‬
‫ي ِﰲ َﺣ ِﺪﻳﺜِ ِه ﻓَ َﺠﺎءَ ُﺳ َﻬْﻴ ُﻞ ﺑْ ُن َﻋ ْم ٍﺮو‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻟََﻘ ْﺪ َﺳ ُﻬ َﻞ ﻟَ ُﻜ ْم ِم ْن أ َْم ِﺮُﻛ ْم ﻗَ َﺎل َم ْع َمٌﺮ ﻗَ َﺎل اﻟﱡﺰْﻫ ِﺮ ﱡ‬ ‫ﻗَ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﺎت ا ْﻛﺘﺐ ﺑـﻴـنَـنَﺎ وﺑـﻴـنَ ُﻜم ﻛِﺘﺎ ﻓَ َﺪﻋﺎ اﻟنﱠِﱯ ‪ ‬اﻟْ َﻜﺎتِﺐ ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟنِﱠﱯ ‪ ‬ﺑِﺴ ِم ا ﱠِ‬ ‫ﻋم ٍﺮو ﻓَـ َﻘ َﺎل ﻫ ِ‬
‫ْ‬ ‫ﱡ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َْ َ َْ ْ َ ً َ ﱡ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ﺖ‬ ‫ﻚ اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠم َﻛ َمﺎ ُﻛْن َ‬ ‫ﺐ ِ ِْﲰ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟﱠﺮ ْﲪَ ِن اﻟﱠﺮﺣﻴ ِم ﻗَ َﺎل ُﺳ َﻬْﻴ ٌﻞ أَﱠمﺎ اﻟﱠﺮ ْﲪَ ُن ﻓَـ َﻮا ﱠ َمﺎ أ َْد ِري َمﺎ ُﻫ َﻮ َوﻟَﻜ ْن ا ْﻛﺘُ ْ‬
‫ﺐ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ا ْﻛﺘُ ْ‬ ‫ﺎل اﻟنِ ﱡ‬ ‫ﺐ ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟْ ُم ْﺴﻠِ ُمﻮ َن َوا ﱠِ َﻻ نَ ْﻜﺘُـﺒُـ َﻬﺎ إِﱠﻻ ﺑِ ْﺴ ِم ا ﱠِ اﻟﱠﺮ ْﲪَ ِن اﻟﱠﺮِﺣﻴ ِم ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺖ تَ ْﻜﺘُ ُ‬ ‫ُﻛْن َ‬
‫ِ‬ ‫ﺎل ﻫ َﺬا مﺎ ﻗَﺎﺿﻰ ﻋﻠَﻴ ِه ُﳏ ﱠم ٌﺪ رﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل‬‫ﻚ َر ُﺳ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ﻓَـ َﻘ َﺎل ُﺳ َﻬْﻴ ٌﻞ َوا ﱠ ﻟَْﻮ ُﻛنﱠﺎ نَـ ْعﻠَ ُم أن َ‬ ‫ﻚ اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠم ﰒُﱠ ﻗَ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ِ ِْﲰ َ‬
‫ﺎل اﻟنِﱠﱯ ‪ ‬وا ﱠِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ﺖ وَﻻ ﻗَﺎتَـ ْﻠنَ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رﺳ ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ﺐ ُﳏَ ﱠم ُﺪ ﺑْ ُن َﻋْﺒﺪ ا ﱠ ﻓَـ َﻘ َ ﱡ‬ ‫ﺎك َوﻟَﻜ ْن ا ْﻛﺘُ ْ‬ ‫ﺻ َﺪ ْد َ َك َﻋ ْن اﻟْﺒَـْﻴ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠ َمﺎ َ‬ ‫َُ‬
‫ﻚ ﻟَِﻘ ْﻮﻟِِه َﻻ ﻳَ ْﺴأَﻟُ ِﻮﱐ‬ ‫ﺎل اﻟﱡﺰﻫ ِﺮ ﱡ ِ‬
‫ي َو َذﻟ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ﺐ ُﳏَ ﱠم ُﺪ ﺑْ ُن َﻋْﺒﺪ ا ﱠ ﻗَ َ ْ‬
‫وا ﱠِ أﱐ ﻟَﺮﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ َوإن َﻛ ﱠﺬﺑْـﺘُ ُم ِﻮﱐ ا ْﻛﺘُ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﻋﻠَﻰ أن ﲣَﻠﱡﻮا ﺑَـْﻴـنَـنَﺎ‬ ‫ﺎت ا ﱠِ إِﱠﻻ أ َْﻋﻄَْﻴـﺘُـ ُﻬ ْم إِ ﱠ َﻫﺎ ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻳﺴأَﻟُ ِﻮﱐ ﺧﻄﱠةً ﻳـع ِﻈّمﻮ َن ﻓِﻴﻬﺎ ﺣﺮم ِ‬
‫ﺎل ﻟَهُ اﻟنِ ﱡ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫ُ َُ ُ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ﻚ ِم ْن‬ ‫ﺿ ْﻐﻄَ ًة َوﻟَ ِﻜ ْن ذَﻟ َ‬ ‫ب أ أُﺧ ْﺬ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ﺎل ُﺳ َﻬْﻴ ٌﻞ َوا ﱠِ َﻻ تَـﺘَ َﺤﺪ ُ‬
‫ﱠث اﻟْ َعَﺮ ُ‬ ‫ﻮف ﺑِِه ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺖ ﻓَـنَﻄُ َ‬ ‫وﺑـﲔ اﻟْﺒـﻴ ِ‬
‫َ َْ َ َْ‬
‫ِ‬
‫ﻚ إِﱠﻻ َرَد ْدتَهُ إِﻟَْﻴـنَﺎ‬ ‫ﻴﻚ ِمنﱠﺎ َر ُج ٌﻞ َوإن ﻛﺎن َﻋﻠَﻰ دﻳنِ َ‬ ‫ﺐ ﻓَـ َﻘ َﺎل ُﺳ َﻬْﻴ ٌﻞ َو َﻋﻠَﻰ أنهُ َﻻ َْتِ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اﻟْ َعﺎم اﻟْ ُم ْﻘﺒ ِﻞ ﻓَ َﻜﺘَ َ‬
‫ﻚ إِ ْذ َد َﺧ َﻞ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﲔ َوﻗَ ْﺪ َجﺎءَ ُم ْﺴﻠ ًمﺎ ﻓَـﺒَـْﻴـنَ َمﺎ ُﻫ ْم َﻛ َﺬﻟ َ‬ ‫ﻒ ﻳـَُﺮﱡد إِ َﱃ اﻟْ ُم ْﺸ ِﺮﻛ َ‬ ‫ﻗَ َﺎل اﻟْ ُم ْﺴﻠ ُمﻮ َن ُﺳْﺒﺤﺎن ا ﱠ َﻛْﻴ َ‬
‫َﺳ َﻔ ِﻞ َم ﱠﻜةَ َﺣ ﱠﱴ َرَمﻰ ﺑِنَـ ْﻔ ِﺴ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﻒ ِﰲ ﻗُـﻴُﻮده َوﻗَ ْﺪ َﺧَﺮ َج م ْن أ ْ‬ ‫َد َﺧ َﻞ أَﺑُﻮ َجْن َﺪ ِل ﺑْ ُن ُﺳ َﻬْﻴ ِﻞ ﺑْ ِن َﻋ ْم ٍﺮو ﻳَـ ْﺮ ُﺳ ُ‬
‫ﻴﻚ َﻋﻠَْﻴ ِه أن تُﺮﱠدهُ إِ َ ﱠ‬ ‫ﺑِنَـ ْﻔ ِﺴ ِه ﺑـﲔ أَﻇْﻬ ِﺮ اﻟْمﺴﻠِ ِمﲔ ﻓَـ َﻘ َﺎل ﺳﻬﻴﻞ ﻫ َﺬا ُﳏ ﱠم ُﺪ أ ﱠَو ُل مﺎ أُﻗَ ِ‬
‫ﱄ ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ‬ ‫ﺎﺿ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ ٌ َ َ َ‬ ‫َْ َ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَأَجْﺰهُ‬ ‫ﺎل اﻟنِ ﱡ‬ ‫ﻚ َﻋﻠَﻰ َﺷ ْﻲ ٍء أَﺑَ ًﺪا ﻗَ َ‬ ‫ﺎل ﻓَـﻮا ﱠِ إِ ًذا َﱂ أ ِ‬
‫ُﺻﺎﳊْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ﺎب ﺑَـ ْع ُﺪ ﻗَ َ َ‬
‫اﻟنِﱠﱯ ‪ ‬أ َﱂ نَـ ْﻘ ِ ِ‬
‫ﺾ اﻟْﻜﺘَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ﱡ‬
‫ﺎﻋ ٍﻞ ﻗَ َ ِ‬ ‫ﺎل ﺑـﻠَﻰ ﻓَﺎ ْﻓـعﻞ ﻗَ َﺎل مﺎ أَ َ ﺑَِﻔ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻓَأ َِج ْﺰهُ ِﱄ ﻗَ َ‬
‫ﻚ ﻗَ َﺎل‬ ‫َج ْﺰَ هُ ﻟَ َ‬ ‫ﺎل م ْﻜَﺮٌز ﺑَ ْﻞ ﻗَ ْﺪ أ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ﻚ ﻗَ َ َ‬ ‫ﺎل َمﺎ أَ َ ِﲟُﺠﻴ ِﺰهِ ﻟَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫ﻴﺖ‬‫ﺖ ُم ْﺴﻠ ًمﺎ أََﻻ تَـَﺮْو َن َمﺎ ﻗَ ْﺪ ﻟَﻘ ُ‬ ‫ﲔ َوﻗَ ْﺪ جْﺌ ُ‬ ‫ﲔ أ َُرﱡد إِ َﱃ اﻟْ ُم ْﺸ ِﺮﻛ َ‬ ‫َي َم ْع َﺸَﺮ اﻟْ ُم ْﺴﻠم َ‬ ‫ﻗَ َﺎل أَﺑُﻮ َجْن َﺪل أ ْ‬
‫ﺖ‬ ‫ﺖ أَﻟَ ْﺴ َ‬ ‫ﱯ ا ﱠ ‪ ‬ﻓَـ ُﻘ ْﻠ ُ‬
‫ﺎب ﻓَأَتَـﻴﺖ نَِ ِ‬
‫اﳋَﻄﱠ ِ ْ ُ ﱠ‬ ‫ﺎل ُﻋ َمُﺮ ﺑْ ُن ْ‬ ‫ﺎل ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻳﺪا ِﰲ ا ﱠِ ﻗَ َ‬ ‫ب َﻋ َﺬا ً َﺷ ِﺪ ً‬ ‫ِ‬
‫َوﻛﺎن َﻘ ْﺪ ُﻋ ّﺬ َ‬
‫ﺖ ﻓَﻠِ َم نـُ ْع ِﻄﻲ‬ ‫ﺎل ﺑَـﻠَﻰ ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫ﺎﻃ ِﻞ ﻗَ َ‬ ‫أَﻟَﺴﺖ نَِﱯ ا ﱠِ ﺣﻘﺎ ﻗَ َﺎل ﺑـﻠَﻰ ﻗُـ ْﻠﺖ أَﻟَﺴنَﺎ ﻋﻠَﻰ ا ْﳊ ِق وﻋ ُﺪ ﱡو َ ﻋﻠَﻰ اﻟْﺒ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ﱠ َ‬
‫ﺖ ُﲢَ ِّﺪثـُنَﺎ أ‬ ‫ﺲ ُﻛْن َ‬ ‫ﺖ أ ََوﻟَْﻴ َ‬
‫ِ‬
‫ﺖ أ َْﻋصﻴه َوُﻫ َﻮ َ ﺻ ِﺮي ﻗُـﻠْ ُ‬
‫ِِ‬ ‫اﻟﺪﱠنِﻴة ِﰲ ِدﻳنِنَﺎ إِ ًذا ﻗَ َﺎل أﱐ رﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ َوﻟَ ْﺴ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬
‫ف ﺑِِه‬ ‫ﻚ آتِ ِﻴه َوُمﻄﱠِّﻮ ٌ‬ ‫ﺎل ﻓَأن َ‬ ‫ﺖ َﻻ ﻗَ َ‬ ‫ِِ‬
‫ﻚ أ َْتﻴه اﻟْ َع َﺎم ﻗَ َﺎل ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫َﺧﺒَـْﺮتُ َ‬ ‫ﺳنَأِْﰐ اﻟْﺒـﻴﺖ ﻓَـنَﻄُ ُ ِ‬
‫ﻮف ﺑِه ﻗَ َﺎل ﺑَـﻠَﻰ ﻓَأ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫اﳊَ ِّق‬
‫ﺖ أَﻟَ ْﺴنَﺎ َﻋﻠَﻰ ْ‬ ‫ﺎل ﻓَأَتَـﻴﺖ أَ ﺑ ْﻜ ٍﺮ ﻓَـ ُﻘ ْﻠﺖ أَ ﺑ ْﻜ ٍﺮ أَﻟَﻴﺲ ﻫ َﺬا نَِ ِ‬
‫ﱯ ا ﱠ َﺣﻘﺎ ﻗَ َﺎل ﺑَـﻠَﻰ ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ْ َ َ ﱠ‬ ‫ﻗَ َ ْ ُ َ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ‬ ‫ﺖ ﻓَﻠِ َم نـُ ْع ِﻄﻲ اﻟﺪﱠنِﻴّة ِﰲ ِدﻳنِنَﺎ إِ ًذا ﻗَ َﺎل أَﻳـﱡ َﻬﺎ اﻟﱠﺮ ُج ُﻞ أنهُ ﻟََﺮ ُﺳ ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َﻋ ُﺪ ﱡو َ َﻋﻠَﻰ اﻟْﺒَﺎﻃ ِﻞ ﻗَ َﺎل ﺑَـﻠَﻰ ﻗُـﻠْ ُ‬
‫ﺲ ﻛﺎن ﳛَ ِّﺪثـُنَﺎ أ‬ ‫ﺖ أَﻟَْﻴ َ‬ ‫ﻚ ﺑِﻐَْﺮِزهِ ﻓَـ َﻮا ﱠِ أنهُ َﻋﻠَﻰ ْ‬
‫اﳊَِّق ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫ﺎﺳﺘَ ْم ِﺴ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺲ ﻳَـ ْعصﻲ َرﺑﱠهُ َوُﻫ َﻮ َ ﺻ ُﺮهُ ﻓَ ْ‬ ‫‪َ ‬وﻟَْﻴ َ‬
‫‪294‬‬
 ‫ف ﺑِِه‬ ‫ﻚ آتِ ِﻴه َوُمﻄﱠِّﻮ ٌ‬ ‫ﺎل ﻓَأن َ‬ ‫ﺖ َﻻ ﻗَ َ‬ ‫ﻮف ﺑِِه ﻗَ َﺎل ﺑـﻠَﻰ أَﻓَأَﺧﺒـﺮَك أن َ ِ ِ‬
‫ﻚ َْتﻴه اﻟْ َع َﺎم ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ﺖ َونَﻄُ ُ‬ ‫أ َﺳنَأِْﰐ اﻟْﺒَـْﻴ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬ ‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬‫ﺎب ﻗَ َ‬ ‫ﻀﻴة اﻟْﻜِﺘَ ِ‬ ‫ﻚ أ َْﻋم ًﺎﻻ ﻗَ َﺎل ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ ﻓَـﺮ َ ِ ِ‬ ‫ي ﻗَ َﺎل ﻋمﺮ ﻓَـع ِمْﻠ ِ ِ‬ ‫ﻗَ َﺎل اﻟﱡﺰْﻫ ِﺮ ﱡ‬
‫غ م ْن ﻗَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ﺖ ﻟ َﺬﻟ َ َ‬ ‫َُُ َ ُ‬
‫ﻚ ثََﻼ َ ٍ‬ ‫ِﻷَﺻﺤﺎﺑِِه ﻗُﻮمﻮا ﻓَ ْﺎﳓﺮوا ﰒُﱠ اﺣﻠِ ُﻘﻮا ﻗَ َﺎل ﻓَـﻮا ﱠِ مﺎ ﻗَﺎم ِمْنـﻬم رجﻞ ﺣ ﱠﱴ ﻗَ َ ِ‬
‫ث َمﱠﺮات ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َﱂْ‬ ‫ﺎل َذﻟ َ‬ ‫َ َ َ ُْ َُ ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َْ‬
‫ﱠﺎس ﻓَـ َﻘﺎﻟَﺖ أُﱡم ﺳﻠَمةَ نَِﱯ ا ﱠِ‬
‫ْ ََ َ ﱠ‬ ‫َﺣ ٌﺪ َد َﺧﻞ َﻋﻠَﻰ أُِّم َﺳﻠَ َمةَ ﻓَ َﺬ َﻛَﺮ َﳍَﺎ َمﺎ ﻟَِﻘﻲ ِم ْن اﻟن ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َﱂْ ﻳَـ ُﻘ ْم مْنـ ُﻬ ْم أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َﲢ ﱡ ِ‬ ‫ا ﱠِ أ ُِ‬
‫ﻚ‬ ‫ﻚ ﻓَـﻴَ ْﺤﻠ َﻘ َ‬ ‫ﻚ َوتَ ْﺪﻋُ َﻮ َﺣﺎﻟ َﻘ َ‬ ‫َﺣ ًﺪا ِمْنـ ُﻬ ْم َﻛﻠ َمةً َﺣ ﱠﱴ تَـْن َﺤَﺮ ﺑُ ْﺪنَ َ‬ ‫اﺧ ُﺮ ْج ﰒُﱠ َﻻ تُ َﻜﻠّ ْم أ َ‬ ‫ﻚ ْ‬ ‫ﺐ ذَﻟ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻚ ﻗَ ُﺎمﻮا‬ ‫ﻚ َﳓََﺮ ﺑُ ْﺪنَهُ َوَد َﻋﺎ َﺣﺎﻟ َﻘهُ ﻓَ َﺤﻠَ َﻘهُ ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َرأ َْوا َذﻟ َ‬ ‫َﺣ ًﺪا ِمْنـ ُﻬ ْم َﺣ ﱠﱴ ﻓَـ َع َﻞ َذﻟ َ‬‫ﻓَ َخَﺮ َج ﻓَـﻠَ ْم ﻳُ َﻜﻠّ ْم أ َ‬
‫ﺎت ﻓَأَنْـَﺰَل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻀﺎ َﻏمﺎ ﰒُﱠ َجﺎءَهُ ن ْﺴ َﻮةٌ ُم ْﺆمنَ ٌ‬ ‫ﻀ ُﻬ ْم ﻳَـ ْﻘﺘُ ُﻞ ﺑَـ ْع ً‬
‫ﻀﺎ َﺣ ﱠﱴ َﻛ َﺎد ﺑَـ ْع ُ‬ ‫ﻀ ُﻬ ْم َْﳛﻠ ُق ﺑَـ ْع ً‬
‫ﻓَـنَ َﺤُﺮوا َو َج َع َﻞ ﺑَـ ْع ُ‬
‫چ ٱبع َ‬ ‫ْ َ ٓ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِصمِ‬ ‫ِ‬ ‫]اﳌمﺘﺤنة‪ ،[10 :‬ﺣﱴ ﺑﻠغ‬ ‫ين َء َام ُن ٓوا إِذا َجﺎ َءك ُم ل ُمو ِم َ ٰ ُت چ‬
‫ِ َ‬ ‫چ ٱ َ َهﺎ‬
‫ﻓَأَنْـَﺰَل ا ﱠُ تَـ َع َﺎﱃ‪:‬‬
‫ْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ك َوا ِف ِرٱچ ﻓﻄﻠق ﻋمﺮ ﻳﻮمﺌﺬ امﺮأتﲔ‪ ،‬ﻛﺎنﺘﺎ ﻟه ﰲ اﻟﺸﺮك‪.‬‬ ‫ل‬
‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ ﺎدﻟﺔ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّﺔ‬
‫ﻳﺴﺘﻔﺎد من ﲢﻠﻴﻞ ﻫﺬه ا ﺎدﻟة اﻟﱵ وﻗعﺖ ﰲ ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة ﲨﻠة من اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬أﲨﻠﻬﺎ ﰲ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أ‪.‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّﺔ ﺎدﻟﺔ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّﺔ‬
‫ﻛﺎن مﻘصﺪ ﻗﺮﻳﺶ مﻘصﺪا جﺎﻫﻠﻴﺎ ﻳﻬﺪف إﱃ ﻋﺪم اﻻﻋﱰاف ﳍﺰﳝة أمﺎم ﻗﻮة اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﺣﱴ ﻻ‬
‫ﻻ ﻳﺘﺤﺪث اﻟنﺎس ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من ﻗﻮل ﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو‪ ":‬وﷲ ﻻ تﺘﺤﺪث اﻟعﺮب أ‬
‫أﺧﺬ ﺿﻐﻄة‪ ،‬وﻟﻜن ذﻟﻚ من اﻟعﺎم اﳌﻘﺒﻞ"‪ ،‬أمﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻜﺎنﻴﻬﺪف من وراء اﻟصﻠﺢ إﱃ‬
‫ﲢﻘﻴق مصﺎﱀ ﻟﻠﺪﻋﻮة ﺑعﻴﺪا ﻋن اﻟﺴمعة واﻷﻏﺮاض اﻟﺸخصﻴّة‪ ،‬وﻳﺒﺪو ذﻟﻚ من ﻋﺒﺎرات ﻛﺜﲑة ﰲ‬
‫ا ﺎدﻟة منﻬﺎ‪ :‬ﻗﻮﻟه‪ ":‬ﻟﻘﺪ ﺳﻬﻞ ﻟﻜم من أمﺮﻛم"‪ ،‬وﻗﻮﻟه‪ ":‬ﻻ ﻳﺴأﻟﻮﱐ ﺧﻄة ﻳعﻈمﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮمﺎت‬
‫ﷲ إﻻ أﻋﻄﻴﺘﻬم إ ﻫﺎ"‪ ،‬ومن ذﻟﻚ ﻗﺒﻮل ﺷﺮوط اﳌصﺎﳊة اﻟﱵ ﺷﺮﻃﺘﻬﺎ ﻗﺮﻳﺶ اﻟﱵ تﺒﺪو ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟصﺎﳊﻬم‪.‬‬
‫ﻓﺎﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻛﺎنﺖ ﻫﻲ اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺴﺎمﻴّة اﳌﺒﺘﻐﺎة من ﳎﺎدﻟة ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬وإن ﺑﺪت ﺧﻔﻴّة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﲑ من ّ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺮوط‪ ،‬ب اﻟﺸﺮوط ﰲ اﳉﻬﺎد واﳌصﺎﳊة مع أﻫﻞ اﳊﺮب وﻛﺘﺎﺑة اﻟﺸﺮوط‪،‬‬
‫)‪ ،(193/3‬ﺑﺮﻗم‪.2581 :‬‬
‫‪ -1‬ﺣﺎﻓﻆ اﳊﻜمﻲ‪ ،‬مﺮو ت ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬مﻄﺎﺑع اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة اﻟﺴعﻮدﻳّة‪ ،‬ط‪1406 :‬ﻫـ‪،‬‬
‫ص‪.162‬‬
‫‪295‬‬
 ‫ب‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﻨﻬﺠﻴّﺔ ﺎدﻟﺔ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ ﲡﻠﺖ ﰲ ﻫﺬه ا ﺎدﻟة اﻟعﻈﻴمة أﺳﺲ‪ ،‬وأﺧﻼﻗﻴﺎت ا ﺎدﻟة اﳊﺴنة ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬وﺻﻮر ﻛﺜﲑة‪،‬‬
‫أﲪﻠﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ ‬ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺷﺨﺼﻴّﺔ ا ﺎدل‬
‫من أﻫم أﺳﺲ ﳒﺎح ا ﺎدﻟة معﺮﻓة ﺷخصﻴّة اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ‪ ،‬وﻗﺪراته اﳌعﺮﻓﻴّة‪ ،‬واﻟعﻘﻠﻴّة‪ ،‬ﻓﺴﻬﻴﻞ ﺑن‬
‫ﺑن ﻋمﺮو من اﻟﺸخصﻴﺎت اﳌعﺮوﻓة ﻟﺪى اﻟنﱯ ‪ ،‬ودﻟﻴﻞ ذﻟﻚ أنه ﳌﺎ ﻗﺪم ﻋﻠﻴه ﻹﺑﺮام اﻟصﻠﺢ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ﻗﺎل ‪» :‬ﻟﻘﺪ ﺳﻬﻞ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﻛﻢ«‪ ،‬ﻓﻬﻮ من ﻋﻘﻼء اﻟعﺮب وأﺷﺮاﻓﻬم‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﻈﻬﺮ من تﺮﲨﺘه‬
‫تﺮﲨﺘه اﻟﱵ ﻋﻘﺪﻫﺎ ﻟه اﻟﺬﻫﱯ ﰲ اﻟﺴﲑ‪ ،‬ﻓﺬﻛﺮ أنه ﻛﺎن ﺧﻄﻴﺐ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وﻓصﻴﺤﻬم‪ ،‬ومن أﺷﺮاﻓﻬم‪،‬‬
‫أﺷﺮاﻓﻬم‪ ،‬وﻛﺎنﺴمﺤﺎ‪ ،‬جﻮادا‪ ،‬مﻔﻮﻫﺎ‪ ،‬وذﻛﺮ مﻮﻗﻔه ﻋنﺪ وﻓﺎة اﻟنﱯ ‪ ،‬أنه ﻗﺎم ﲟﻜة ﺧﻄﻴﺒﺎ ﺑنﺤﻮ‬
‫ﺑنﺤﻮ من ﺧﻄﺒة اﻟصﺪﻳق ﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﺴﻜنﻬم‪ ،‬وﻋﻈم اﻹﺳﻼم‪.1‬‬
‫‪ ‬اﺳﺘﺪراج ا ﺎدل‬
‫ﻫنﺎك آﻟﻴﺎت ﰲ إدارة ا ﺎدﻟة ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﺮاﻋﻴﻬﺎ ا ﺎدل ﺣﱴ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﳎﺎدﻟه‪ ،‬من ذﻟﻚ مﺪاراته‬
‫ومﺴﺎﻳﺮته ﰲ ﺑعﺾ اﻷمﻮر‪ ،‬اﺳﺘﺪراجﺎ ﻟه‪.2‬‬
‫ﺑﻞ ﻗﺪ تﻘﺘﻀﻲ اﳌصﻠﺤة اﻟﺘنﺎزل ﻋن ﺑعﺾ اﻷمﻮر اﻟﱵ ﻻ ﲣﺎﻟﻒ اﻟﺸﺮع‪ ،‬ﻛﺘنﺎزﻟه ‪ ‬ﻋن ﺻﻴﻐة‬
‫اﻟﺒﺴمﻠة‪.‬‬
‫وﻫﺬه اﳌنﻬﺠﻴّة معﻬﻮدة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪت ﺑعﺾ اﻷﺣﻜﺎم تﺪرجﺎ ﰲ اﻟﺘﺸﺮﻳع‬
‫مﺮاﻋﺎة ﳊﺎل اﳌخﺎﻃﺒﲔ ومعﻬﻮدﻫم‪ ،‬وﻫﻲ من اﻟﻘﻀﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴّة اﻟﱵ ﻳنﻴﻐﻲ أن ﻳﺮاﻋﻴﻬﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‪.1‬‬
‫ﰲ ﺑﻴﺎن اﻟﺒعﺪ‬ ‫ومن اﻷمﺜﻠة اﻟﻮاﺿﺤة ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق اﻟﺘﺪرج ﰲ ﲢﺮﱘ اﳋمﺮ‪ ،‬تﻘﻮل ﻋﺎﺋﺸة‬
‫اﻟﱰﺑﻮي ﳍﺬا اﻟﺘﺪرج ﰲ اﻟﺘﺸﺮﻳع‪ " :‬إﳕﺎ نﺰل أول مﺎ نﺰل منه ﺳﻮرة من اﳌﻔصﻞ‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ ذﻛﺮ اﳉنة‬
‫واﻟنﺎر‪ ،‬ﺣﱴ إذا ب اﻟنﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم نﺰل اﳊﻼل واﳊﺮام‪ ،‬وﻟﻮ نﺰل أول ﺷﻲء‪ :‬ﻻ تﺸﺮﺑﻮا اﳋمﺮ‪،‬‬
‫ﻟﻘﺎﻟﻮا‪ :‬ﻻ نﺪع اﳋمﺮ أﺑﺪا‪ ،‬وﻟﻮ نﺰل‪ :‬ﻻ تﺰنﻮا‪ ،‬ﻟﻘﺎﻟﻮا‪ :‬ﻻ نﺪع اﻟﺰ أﺑﺪا"‪.2‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(95/1) ،‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ‪ ،‬ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻘﺪوة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ب ﻟﻴﻒ اﻟﻘﺮآن‪ ،(185/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4707 :‬‬
‫‪296‬‬
 ‫‪ ‬ﻣﺮاﻋﺎة اﳋﻠﻔﻴّﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﻟﻠﻤﺠﺎدل‬
‫وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ تﺒﺎﻳن اﻷﺳﻠﻮب ﺑﲔ ﳎﺎدﻟة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﺴﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو اﻟﱵ اتﺴمﺖ ﲜمﻠة من‬
‫اﻟﺘﺴﻬﻴﻼت واﻟﺘنﺎزﻻت‪ ،‬اﻟﱵ تﺒﺪو ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﳎﺤﻔة‪ ،‬وﺑﲔ أﺳﻠﻮب ﳎﺎدﻟﺘه ﻟﻠمﺴﻠمﲔ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ‬
‫ﰲ ﳎﺎدﻟة ﻋمﺮ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺎن أﺳﻠﻮ ﺎ ﻳﺘﺴم ﺑنﻮع من اﻟصﺮامة واﳊﺴم‪ ،‬وﻳُﻠﺤﻆ ﰲ ﻗﻮل اﻟنﱯ‬
‫ﺼ ِﻴﻪ‪ ،‬و ُﻫﻮ َ ِ‬
‫ﺻ ِﺮي«‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬وﻟَ ْﺴ ُ‬
‫ﺖ أَ ْﻋ ِ‬ ‫‪» :‬أﱐ َر ُﺳ ُ‬
‫وﻟﻠﻘﺎري ﻛﻼم نﻔﻴﺲ ﰲ ﺷﺮح اﻟعﺒﺎرة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﺿمنه أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة مﻬمة أورده ﺑﻄﻮﻟه ﻷﳘﻴﺘه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬
‫ﻓﻘﺎل‪" :‬وﰲ ﻛﻼمه ‪" :‬إﱐ رﺳﻮل ﷲ وﻟﺴﺖ أﻋصﻴه"‪ ،‬دﻟﻴﻞ واﺿﺢ أن اﻟصﻠﺢ مﺎ وﻗع ﻟﻀعﻒ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻷمﺮ من ﷲ ﺣﻘﻴﻘة ﺑﻮﺣﻲ‪ ،‬أو ﺷﺎرة‪ ،‬ﻛمﺎ ﺳﺒق من ﻗﻮﻟه ‪" :‬ﺣﺒﺴﻬﺎ ﺣﺎﺑﺲ‬
‫اﻟﻔﻴﻞ"‪ ،‬أو ﳍﺎم اﺳﺘنﺒﺎط ﳌﺎ رأى اﳌصﻠﺤة اﳌﱰتﺒة ﻋﻠﻰ إﲤﺎم ﻫﺬا اﻟصﻠﺢ‪ ،‬ومﺎ ﻇﻬﺮ من ﲦﺮاته‬
‫اﻟﺒﺎﻫﺮة‪ ،‬وﻓﻮاﺋﺪه اﳌﺘﻈﺎﻫﺮة اﻟﱵ ﻛﺎن أوﳍﺎ ﻓﺘﺢ ﺧﻴﱪ وتﻘﻮي اﳌﺴﻠمﲔ ﻟﻜﺮاع واﻟﺴﻼح‪ ،‬ﻋﺎﻗﺒﺘﻬﺎ ﻓﺘﺢ‬
‫ﻓﺘﺢ مﻜة وإﺳﻼم أﻫﻠﻬﺎ ﻛﻠﻬم‪ ،‬ودﺧﻮل اﻟنﺎس ﰲ دﻳن ﷲ أﻓﻮاجﺎ "‪.1‬‬
‫‪ ‬اﻟﺘﺪرج ﻣﻦ اﻷﻋﻠى إﱃ اﻷدﱏ‬
‫من ﺣﻜمة اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ا ﺎدﻟة أنه ﻛﺎن ﻳﻄﺎﻟﺐ ﻷﻋﻠﻰ ﻓﻼ ﻳنﺰل إﱃ مﺎ ﻫﻮ دونه إﻻ ﻋنﺪ‬
‫اﻟﺘعﺬر‪ ،‬وﻫﺬا منﻬج مﻄﺮد ﰲ اﻟﺸﺮﻳعة‪ ،‬ﻓﻼ ﻳصﺎر مﺜﻼ إﱃ اﻟﺮﺧﺺ إﻻ ﻋنﺪ اﻟﻀﺮورة واﻟﺘعﺬر‪ ،‬ﰒ‬
‫َْ ََ ٰ َ َ ْ َ َٓ َ ‪ّ ُ ّ ٞ‬‬ ‫ُ ُ‬
‫احد مِنكم م َِن‬ ‫سف ٍر و جﺎء‬ ‫أو‬ ‫نتم م ْر ۪‬‫اﻟﻀﺮورة تﻘﺪر ﺑﻘﺪرﻫﺎ‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوأن ك‬
‫ْ‬ ‫ْ ٓ‬ ‫ٓ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٓ‬
‫ﻓﻼ ﻳصﲑ اﳌﻜﻠﻒ إﱃ اﻟﺘﻴمم إﻻ‬ ‫ل َغﺎ ِ ِط أ ْو َم ْس ُت ُم ل ّ َِسﺎ َء فَ ْم تَ ِج ُدوا َمﺎ ٗء َتَيَم ُموا ٱچ ] اﳌﺎﺋﺪة‪،[07:‬‬
‫ﻟﺘعﺬر اﺳﺘعمﺎل اﳌﺎء ﻟﻔﻘﺪه أو ﳌﺮﺿه‪.2‬‬
‫وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻫﺬا ﰲ ﲨﻠة من اﻷمﻮر منﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑة اﻟﺒﺴمﻠة‪ ،‬ﻗﺎل أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ":‬ﻗﺪ وﻗع اﺧﺘﻼف‬
‫ﰲ مﻘﺪمة اﻟعﻘﺪ ﺣﻴﺚ أراد اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬إﻋﻄﺎءه ﺻﺒﻐة إﺳﻼمﻴّة ﻓﺎﻋﱰض ﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو"‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ أﳉأت ﺿﺮورة ﻋﻘﺪ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ اﻟﺘنﺎزل ﻋن ﻛﺘﺎﺑة اﻟﺒﺴمﻠة ﻟصﻴﻐة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺎري‪ ،‬مﺮﻗﺎة اﳌﻔﺎتﻴﺢ ﺷﺮح مﺸﻜﺎة اﳌصﺎﺑﻴﺢ‪.(2621/6) ، ،‬‬

‫‪ -2‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﳋﺮﺷﻲ‪ ،‬ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺧﻠﻴﻞ ﻟﻠخﺮﺷﻲ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة – ﺑﲑوت‪.(193/1) ،‬‬
‫‪ -1‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(441/2) ،‬‬
‫‪297‬‬
 ‫‪ ‬ﻃﻮل اﻟﻨﻔﺲ‬
‫من ﺻﻔﺎت ا ﺎدل اﻟنّﺎجﺢ اﻻتﺴﺎم ﻟصﱪ‪ ،‬وﻃﻮل اﻟنﻔﺲ اﻟﺬي ﳚعﻠه ﻻ ﻳﻴأس من اﻓﺘﻜﺎك مﻐﺎﻟﺒة‬
‫اﳋصم‪ ،‬ﻓﺘﺠﺪه ﻳﻜﺮر اﻟﻔﻜﺮة‪ ،‬واﳊﺠة‪ ،‬وﻳعﻴﺪﻫﺎ‪ ،‬وﻳﻠﺢ ﻋﻠﻰ اﳋصم‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻓعﻠه اﻟنﱯ ‪ ‬مع‬
‫ﺳﻬﻴﻞ ﰲ اﳌﻄﺎﻟﺒة ﺑﺮد أﰊ جنﺪل‪ ،‬وﻫﻮ مﺎ ﻓعﻠه ﻋمﺮ إذ ﻛﺮر نﻔﺲ اﳌﻘﻮﻟة اﻟﱵ ﻗﺎﳍﺎ ﻟﻠنﱯ ‪‬‬
‫ﻷﰊ ﺑﻜﺮ‪.‬‬
‫وجﺪﻟه ﻋﻠﻰ ﲢﺮﻳه ﳌعﺮﻓة اﳊق‪ ،‬وﺣﺎﺷﺎه أن ﻳﻔعﻠه مﻜﺎﺑﺮة‬ ‫وﻗﺪ ﲪﻞ اﻟعﻠمﺎء اﻋﱰاض ﻋمﺮ‬
‫مﻜﺎﺑﺮة ﻟﻠﺤق ومعﺎرﺿة ﻟﻠنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﻜﺮمﺎﱐ‪ ":‬وﱂ ﻳﻜن ﻫﺬا من ﻋمﺮ ﺷﻜﺎ ﺑﻞ ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻜﺸﻒ مﺎ‬
‫مﺎ ﺧﻔﻲ ﻋﻠﻴه وﺣﺜﺎ ﻋﻠﻰ إذﻻل اﻟﻜﻔﺎر ﻛمﺎ ﻋﺮف من ﻗﻮته ﰲ نصﺮة اﻟﺪﻳن"‪.1‬‬
‫ج‪ .‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﻮﺿﻮﻋﻴّﺔ‬
‫ﻗﺪ ﺳﺒق أن ﺑﻴنﺖ أن مﻮﺿﻮع ا ﺎدﻟة ﻻ ﺑﺪ أن ﲢﻜمه ﺿﻮاﺑط مﻮﺿﻮﻋﻴّة‪ ،‬من أﳘﻬﺎ ﻛﻮن اﻟﻘﻀﻴّة‬
‫ﳏﻞ اﳉﺪل ﻏﲑ ﳐﺎﻟﻔة ﻟﻠﺸﺮع‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من ﺑنﻮد اﻟصﻠﺢ رد من أﺳﻠم من اﳌﺸﺮﻛﲔ إﻟﻴﻬم ﺷﺎن أﰊ‬
‫جنﺪل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ْٓ َ َ ٓ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫جﺎ َءك ُم ل ُمو ِم َ ٰت‬ ‫ﻏﲑ أن ﻫﺬا اﻟﺒنﺪ ﻗﺪ أُﺧﺮجﺖ منه اﻟنﺴﺎء ﺑﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ َهﺎ ِين ءامنوا ِإذا‬
‫ّ‪ٞ‬‬ ‫َ ُ‬
‫ﺎر ﻻ هن حِل‬
‫ْ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ُ ُ ُ َٰ َ َ َ ُ ُ‬
‫ت فﻼ ت ْر ِجعوهن ِإ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫وه‬‫م‬ ‫ت‬‫ِم‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫فإن‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ن‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ﷲ أَ ْع َ ُم بإي َ‬
‫وهن ُ‬ ‫ُ َٰ َٰ َ ْ َ ُ ُ‬
‫لك ۪ف ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِِ ِ ۖ‬ ‫ت فﺎمتحِ ن ۖ‬ ‫ج ٖ‬‫م ِ‬
‫ن چ ]اﳌمﺘﺤنة‪. [10:‬‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ ْ َ َ ُ ْ َ‬
‫لهم وﻻ هم يحِ لون له ۖ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ":‬وﻗﺪ اﺧﺘﻠﻒ‪ :‬ﻫﻞ ﻛﺎن اﻟنﻬﻲ ﰲ ﺷﺎن اﳌﺆمنﺎت اﳌﻬﺎجﺮات أن ﻳﺮجعﻮﻫن إﱃ‬
‫اﻟﻜﻔﺎر نﺴخﺎ ﳌﺎ تﻀمنﺘه ﺷﺮط اﻟصﻠﺢ اﻟﺬي ﺑﲔ اﻟنﱯ ‪ ‬وﺑﲔ اﳌﺸﺮﻛﲔ أو ﻛﺎن اﻟصﻠﺢ ﻏﲑ‬
‫مصﺮح ﻓﻴه رجﺎع اﻟنﺴﺎء ﻻن اﻟصﻴﻐة ﺻﻴﻐة ﲨع اﳌﺬﻛﺮ ﻓﺎﻋﺘﱪ ﳎمﻼ وﻛﺎ ﻟنﻬﻲ اﻟﺬي ﰲ ﻫﺬه اﻵﻳّة‬
‫اﻵﻳّة ﺑﻴﺎ ﻟﺬﻟﻚ ا مﻞ "‪.2‬‬
‫وﰲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال إرجﺎع اﻟنﺴﺎء اﳌﺴﻠمﺎت إﱃ اﻟﻜﻔﺎر ﳐﺎﻟﻒ ﻟﻠﺸﺮع‪ ،‬ﻓﻴﱰتﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺧﺮوجه‬
‫ﺧﺮوجه ﻋن مﻮﺿﻮع اﳉﺪل‪.‬‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻜﺮمﺎﱐ‪ ،‬اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﺪراري ﰲ ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1356‬ﻫـ‪1937 ،‬م‪.(48/12) ،‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪.(154/28) ،‬‬
‫‪298‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪.‬ﳕﻮذج ﳎﺎدﻟﺔ ﺣﺎﻃﺐ ﺑﻦ أﰊ ﺑﻠﺘﻌﺔ‬
‫ﻗﺪ ﻛﺎنﺖ ا ﺎدﻟة اﻟﺴﺎﺑﻘة ﺑﲔ اﻟنﱯ ‪ ‬وﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو‪ ،‬وﻫﺬه اﳌﺮة ﺑﲔ اﻟنﱯ ‪ ‬وﺣﺎﻃﺐ ﺑن‬
‫أﰊ ﺑﻠﺘعة ‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أنه ﺳﻴﻜﻮن ﺑﻴنﻬمﺎ تﺒﺎﻳن من ﺣﻴﺚ اﳌنﻬج واﳌﻮﺿﻮع‪ ،‬و ﺳﻮف ﻳﺘﻀﺢ ﰲ‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻧﺺ ﳎﺎدﻟﺔ ﺣﺎﻃﺐ ﺑﻦ أﰊ ﺑﻠﺘﻌﺔ‬
‫ونﺺ ﻫﺬه ا ﺎدﻟة ﻗﺪ ورد ﻛﺬﻟﻚ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعن ﻋﻠﻲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺑعﺜﲏ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وأ‬
‫‪ ‬وأ مﺮثﺪ اﻟﻐنﻮي‪ ،‬واﻟﺰﺑﲑ ﺑن اﻟعﻮام‪ ،‬وﻛﻠنﺎ ﻓﺎرس‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬اﻧﻄﻠﻘﻮا ﺣﱴ ﺗﻮا روﺿﺔ ﺧﺎخ‪ ،‬ﻓﺄن ﺎ‬
‫ﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺘﺎب ﻣﻦ ﺣﺎﻃﺐ ﺑﻦ أﰊ ﺑﻠﺘﻌﺔ إﱃ اﳌﺸﺮﻛﲔ«‪ ،‬ﻓأدرﻛنﺎﻫﺎ تﺴﲑ ﻋﻠﻰ ﺑعﲑ‬
‫ﳍﺎ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻘﻠنﺎ‪ :‬اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﺖ‪ :‬مﺎ معنﺎ ﻛﺘﺎب‪ ،‬ﻓأﳔنﺎﻫﺎ ﻓﺎﻟﺘمﺴنﺎ ﻓﻠم نﺮ‬
‫ﻛﺘﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﻠنﺎ‪ :‬مﺎ ﻛﺬب رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻟﺘخﺮجن اﻟﻜﺘﺎب أو ﻟنﺠﺮدنﻚ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ رأت اﳉﺪ أﻫﻮت اﱃ‬
‫اﱃ ﺣﺠﺰ ﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﳏﺘﺠﺰة ﺑﻜﺴﺎء‪ ،‬ﻓأﺧﺮجﺘه‪ ،‬ﻓﺎنﻄﻠﻘنﺎ ﺎ إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻋمﺮ‪ :‬رﺳﻮل‬
‫رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬ﻗﺪ ﺧﺎن ﷲ ورﺳﻮﻟه واﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ﻓﺪﻋﲏ ﻓﻸﺿﺮب ﻋنﻘه‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪» :‬ﻣﺎ ﲪﻠﻚ ﻋﻠى‬
‫ﻋﻠى ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖ«‪ ،‬ﻗﺎل ﺣﺎﻃﺐ‪ :‬وﷲ مﺎ ﰊ أن ﻻ أﻛﻮن مﺆمنﺎ ورﺳﻮﻟه ‪ ‬أردت أن ﻳﻜﻮن ﱄ‬
‫ﱄ ﻋنﺪ اﻟﻘﻮم ﻳﺪ ﻳﺪﻓع ﷲ ﺎ ﻋن أﻫﻠﻲ ومﺎﱄ‪ ،‬وﻟﻴﺲ أﺣﺪ من أﺻﺤﺎﺑﻚ إﻻ ﻟه ﻫنﺎك من ﻋﺸﲑته‬
‫ﻋﺸﲑته من ﻳﺪﻓع ﷲ ﺑه ﻋن أﻫﻠه ومﺎﻟه‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪» :‬ﺻﺪق وﻻ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻟﻪ إﻻ ﺧﲑا«‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﻋمﺮ‪ :‬إنه ﻗﺪ ﺧﺎن ﷲ ورﺳﻮﻟه واﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ﻓﺪﻋﲏ ﻓﻸﺿﺮب ﻋنﻘه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬أﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺑﺪر؟«‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎل‪ » :‬ﻟﻌﻞ ﷲ اﻃﻠﻊ إﱃ أﻫﻞ ﺑﺪر؟ ﻓﻘﺎل‪ :‬اﻋﻤﻠﻮا ﻣﺎ ﺷﺌﺘﻢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ وﺟﺒﺖ ﻟﻜﻢ اﳉﻨﺔ‪ ،‬أو‪ :‬ﻓﻘﺪ غﻔﺮت‬
‫ﻟﻜﻢ«‪ ،‬ﻓﺪمعﺖ ﻋﻴنﺎ ﻋمﺮ‪ ،‬وﻗﺎل‪ :‬ﷲ ورﺳﻮﻟه أﻋﻠم‪.1‬‬
‫‪ .2‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﺎدﻟﺔ ﺣﺎﻃﺐ ﺑﻦ أﰊ ﺑﻠﺘﻌﺔ‬
‫ﳝﻜن أن ﳔﻠﺺ إﱃ‬ ‫ﻋنﺪ اﻟﺘأمﻞ واﻟﺘمعن ﰲ ا ﺎدﻟة اﻟﱵ ﺣصﻠﺖ ﺑﲔ اﻟنﱯ ‪ ،‬وﺣﺎﻃﺐ‬
‫أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬منﻬﺎ مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ من ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،(77/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3762 :‬‬
‫‪299‬‬
 ‫أ‪ .‬أﳘﻴّﺔ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﲔ اﳌﺘﺠﺎدﻟﲔ اﻹﺳﻼﻣﻴﲔ‬
‫ﺣﱴ تنﺠﺢ ا ﺎدﻟة ﺑﲔ اﻷﻃﺮاف اﻹﺳﻼمﻴّة؛ ﻻ ﺑﺪ أن تﺘأﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴن اﻟﻈن ﺑﲔ اﳌﺘﺠﺎدﻟﲔ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬ﱂ ﻳﺴﺊ اﻟﻈن ﲝﺎﻃﺐ ‪ ،‬وﻳﻔﻬم ذﻟﻚ من ﺳﺆاﻟه ﻋن ﺳﺒﺐ إﻗﺪامه ﻋﻠﻰ مﺎ ﻓعﻞ؛ ﻟﻴعﻠم‬
‫اﻟعﺬر ﻻ ﻏﲑ‪.‬‬
‫واﳊق أن ﻫﺬا اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻀﻴه ﺧﻠق اﻟنﺒﻮة‪ ،‬ﻓمﺎ أﺳﺒه ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﲟﻮﻗﻒ ﺳﻠﻴمﺎن ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم مع‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َٓ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َو فق َد لط ْ َ قﺎل َمﺎ ِ ﻻ أ َري ل ُه ْده َد أ ْم كﺎن‬ ‫اﳍﺪﻫﺪ‪ ،‬ﳌﺎ ﻏﺎب ﻓﻠم ﻳﻈن ﺑه ﺳﻮءا‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ْ ٓ‬
‫م َِن ل َغﺎ ِبِ َ ۖ ٱچ ]اﻟنمﻞ‪ ،[20:‬ﻗﺎل اﺑن دﻳﺲ‪ ":‬ﺳأل ﺳﻠﻴمﺎن ﻋن ﺣﺎل نﻔﺴه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬مﺎ ﱄ ﻻ‬
‫أرى اﳍﺪﻫﺪ؟ وﱂ ﻳﺴأل ﻋن ﺣﺎل اﳍﺪﻫﺪ ﻓﻴﻘﻞ‪ :‬مﺎ ﻟﻠﻬﺪﻫﺪ ﻻ أراه؛ ﻓأنﻜﺮ ﺣﺎل نﻔﺴه ﻗﺒﻞ أن ﻳنﻜﺮ‬
‫ﻳنﻜﺮ ﺣﺎل ﻏﲑه"‪.1‬‬
‫ب‪ .‬اﺳﺘﻌﻤﺎل أﺳﻠﻮب اﳌﻘﺎرﻧﺔ ﰲ اﳉﺪل‬
‫أن أﺳﻠﻮب اﳌﻘﺎرنة من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟعﻘﻠﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ تﻘﻮم ﻟﺮﺑط ﺑﲔ أمﺮﻳن ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ ﻟﻠﻮﻓﺎق أو‬
‫اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ اﺳﺘعمﻠه ﺣﺎﻃﺐ ﻋنﺪ مﻘﺎرنﺘه ﺣﺎﻟﺘه ﲝﺎﻟة ﻏﲑه من اﳌﻬﺎجﺮﻳن ﳑن ﻟه من‬
‫ﳑن ﻟه من ﳛمﻴﻬم ﰲ مﻜة‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎن ﺻﺎدﻗﺎ أﻗﺮه اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓﻘﺎل‪ » :‬ﺻﺪق وﻻ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻟﻪ إﻻ ﺧﲑا«‪،‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬وﳛﺘمﻞ أن ﻳﻜﻮن ‪ ‬ﻋﺮف ﺻﺪﻗه ﳑﺎ ذﻛﺮ وﳛﺘمﻞ أن ﻳﻜﻮن ﺑﻮﺣﻲ"‪.2‬‬
‫وﻫﺬا ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗه وذﻛﺎﺋه‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﺑعﺪ إﺳﻼمه رﺳﻮل اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ اﳌﻘﻮﻗﺲ‪ ،‬ﺻﺎﺣﺐ‬
‫ﺻﺎﺣﺐ مصﺮ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻛﺎن ﺻﺎﺣﺐ ﻓﻀﺎﺋﻞ وجﻬﺎد‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪ اﳌﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬وﻛﺎن من اﻟﺮمﺎة‬
‫اﳌﺸﺎﻫﲑ‪.3‬‬
‫ج‪ .‬ﺗﻮﻇﻴف اﻻﺳﺘﻔﻬﺎم اﻹﻧﻜﺎري ﰲ اﳉﺪل‬
‫وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ إنﻜﺎر مﻘﺎﻟة ﻋمﺮ ‪ 1‬ﺑﻀﺮب ﻋنق ﺣﺎﻃﺐ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪ ‬منﻜﺮا ﻋﻠﻴه ﻗﻮﻟه‬
‫‪ ":‬أﻟﻴﺲ من أﻫﻞ ﺑﺪر؟"‪ ،‬إﺷﺎرة إﱃ مﺎ تﻘﺪم ﻟه من اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﱵ تﺸﻔع ﻟه ﰲ مﺜﻞ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ‪،‬‬
‫اﻟﺬي ﺣصﻞ ﻟه ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺰﻟة‪ ،‬وﳍﻔﻮة مع اﻟﺘأول‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﺑن دﻳﺲ‪ ،‬ﳎﺎﻟﺲ اﻟﺘﺬﻛﲑ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ﻫـ‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.267‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(308 /12) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(43/2) ،‬‬
‫‪300‬‬
‫‪ -1‬ﻗﺎل اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪" :‬ﻫﺬا ﻋﻠﻰ ﻋﺎدة ﻋمﺮ ﰲ اﻟﻘﻮة ﰲ اﻟﺪﻳن وﺑﻐﻀه ﻟﻠمنﺎﻓﻘﲔ ﻓﻈن أ ّن ﻓعﻠه ﻫﺬا مﻮجﺐ ﻟﻘﺘﻠه‪ ،‬ﻟﻜن ﱂ ﳚﺰم‬
‫ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬وﻟﺬا اﺳﺘأذن ﰲ ﻗﺘﻠه‪ ،‬وأﻃﻠق ﻋﻠﻴه اﻟنﻔﺎق ﻟﻜﻮنه أﺑﻄن ﺧﻼف مﺎ أﻇﻬﺮ واﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺬره ﻷنه ﻛﺎن مﺘأوﻻ إذ ﻻ ﺿﺮر ﰲ‬
‫ﻓعﻠه"‪ ،‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(257/6) ،‬‬
‫‪301‬‬
 ‫ﻗﺎل اﻟﻄﱪي‪ ":‬ﰲ ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺎﻃﺐ ﺑن أﰉ ﺑﻠﺘعة من اﻟﻔﻘه أن اﻹمﺎم إذا ﻇﻬﺮ من رجﻞ من أﻫﻞ‬
‫اﻟﺴﱰ ﻋﻠﻰ أنه ﻗﺪ ﻛﺎتﺐ ﻋﺪوا من اﳌﺸﺮﻛﲔ ﻳنﺬرﻫم ﺑﺒعﺾ مﺎ أﺳﺮه اﳌﺴﻠمﻮن ﻓﻴﻬم من ﻋﺰم‪ ،‬وﱂ‬
‫وﱂ ﻳﻜن اﻟﻜﺎتﺐ معﺮوﻓﺎ ﻟﺴﻔه واﻟﻐﺶ ﻟﻺﺳﻼم وأﻫﻠه‪ ،‬وﻛﺎن ذﻟﻚ من ﻓعﻠه ﻫﻔﻮة وزﻟة من ﻏﲑ أن‬
‫ﻏﲑ أن ﻳﻜﻮن ﳍﺎ أﺧﻮات؛ ﻓﺠﺎﺋﺰ اﻟعﻔﻮ ﻋنه ﻛمﺎ ﻓعﻠه اﻟﺮﺳﻮل ﲝﺎﻃﺐ من ﻋﻔﻮه ﻋن جﺮمه ﺑعﺪمﺎ‬
‫اﻃﻠع ﻋﻠﻴه من ﻓعﻠه"‪.1‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻛﺤﺴﺎن ومﺴﻄﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬ ‫وﻳﺸﺒه ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻟعﻔﻮ ﻋن اﻟﺬﻳن ﺧﺎﺿﻮا ﰲ اﻹﻓﻚ من ّ‬
‫ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﻋنﺪ نﺰول ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوﻻ يَﺎت ِل و وا‬ ‫ﻋﻔﻰ أﺑﻮﺑﻜﺮ ﻋن مﺴﻄﺢ‬
‫ْ ُ ْ ْ َ ُ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫ل ْ ُق ْر ٰ َ ْ َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ْ‬
‫ﷲ َو َ ْعفوا َو َ ْصفح ٓو‬
‫يل ِۖ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي والم ٰكِ والم ٰ ِ‬
‫ج ِر ن ِ س ِ ِ‬ ‫۪‬ ‫ِ‬ ‫لفض ِل مِنك ْم َوالس َع ِة أن يوت ٓوا ْو‬
‫ِيم چ ]اﻟنﻮر‪.[22 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ُ‬
‫ك ْم َو ُ‬ ‫أَﻻ َ تُحِ ب َ‬
‫فور رح ۖ‬ ‫اﷲ‬ ‫ۖ‬ ‫ل‬ ‫ﷲ‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫ون‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﱪي‪ ":‬ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ :‬إﱐ ﻷﺣﺐ أن ﻳﻐﻔﺮ ﷲ ﱄ‪ ،‬ﻓﺮجع إﱃ مﺴﻄﺢ اﻟنﻔﻘة اﻟﱵ ﻛﺎن ﻳنﻔق‬
‫ﻳنﻔق ﻋﻠﻴه‪ ،‬وﻗﺎل‪ :‬ﻻ أنﺰﻋﻬﺎ منه أﺑﺪا"‪.2‬‬
‫د‪ .‬ﺗﻮﻇﻴف اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﻨﻘﻠﻲ‬
‫إذا ﻛﺎن ا ﺎدل مﺴﻠمﺎ ﻳصﻠﺢ معه اﻻﺳﺘﺪﻻل ﻷدﻟة اﻟنﻘﻠﻴّة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬وإﱃ ﻫﺬا‬
‫اﻹﺷﺎرة ﺑﻘﻮﻟه ‪» :‬ﻟﻌﻞ ﷲ اﻃﻠﻊ إﱃ أﻫﻞ ﺑﺪر؟ ﻓﻘﺎل‪ :‬اﻋﻤﻠﻮا ﻣﺎ ﺷﺌﺘﻢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ وﺟﺒﺖ ﻟﻜﻢ اﳉﻨﺔ‪ ،‬أو‪:‬‬
‫ﻓﻘﺪ غﻔﺮت ﻟﻜﻢ «‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﺤﻘﺎق اﳉنة ﻻ ﻳعﻠم إﻻ ﻟﻮﺣﻲ؛ ﻟﺬا ﺳﻠم ﻋمﺮ ﳍﺬا اﻻﺳﺘﺪﻻل واﻗنع‬
‫ﺑه‪ ،‬ﻏﲑ أن ﻫﺬا ﻻ ﻳعﲏ إ ﺣة وﻗﻮﻋﻬم ﰲ اﳌعﺎﺻﻲ‪ ،‬ﺷﺎن مﺎ تعﺘﻘﺪه ﺑعﺾ ﻓﺮق اﻟﻀﻼل‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن تﻴمﻴّة‪" :‬ﻓأن ﻛﺜﲑا من أﻫﻞ اﻟﻀﻼل ﻳعﺘﻘﺪون ﺳﻘﻮط اﻟﻮاجﺒﺎت ﻋن اﻷوﻟﻴﺎء اﻟﻮاﺻﻠﲔ إﱃ‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫ك َ ِق ُ ۖ چ ]اﳊﺠﺮ‪ ،[99 :‬ﻗﺎﻟﻮا ﻓﺈذا ﺣصﻞ‬ ‫إﱃ اﳊﻘﻴﻘة وﻳﺘأوﻟﻮن ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ َوا ب ْد َر ك َح ٰ يﺎ ِي‬
‫ﺣصﻞ اﻟﻴﻘﲔ ﺳﻘﻄﺖ اﻟعﺒﺎدة وﻫﺬا من جنﺲ ﻗﻮل اﻟﻘﺮامﻄة اﻟﺒﺎﻃنﻴّة من اﳌﺘﻔﻠﺴﻔة وﻏﲑﻫم اﻟﺬﻳن‬
‫ﻳﺮون اﻟعﺒﺎدات ر ﺿة اﻟنﻔﺲ ﺣﱴ تصﻞ إﱃ اﳌعﺮﻓة اﻟﱵ ﻳﺪﻋﻮ ﺎ ﻓﺈذا وﺻﻞ إﱃ اﳌعﺮﻓة ﺳﻘﻄﺖ ﻋنه‪،‬‬
‫ﻋنه‪ ،‬ومن اﳌعﻠﻮم أن ﻫﺬا ﺧﻼف دﻳن اﻹﺳﻼم "‪.3‬‬
‫من ﺧﻼل اﻟنمﻮذجﲔ اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ‪ ،‬ﳕﻮذج ﳎﺎدﻟة اﳊﺪﻳﺒﻴّة اﻟﱵ ﲤﺜﻞ ا ﺎدﻟة ﺑﲔ اﻟﻄﺮف اﻹﺳﻼمﻲ‪،‬‬
‫وﻏﲑ اﻹﺳﻼمﻲ اﻟﱵ ﻗﺪ نﻄﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ ا ﺎدﻟة اﳋﺎرجﻴّة‪ ،‬وﳕﻮذج ﳎﺎدﻟة ﺣﺎﻃﺐ اﻟﱵ ﲤﺜﻞ ا ﺎدﻟة‬
‫ا ﺎدﻟة‬ ‫ﲤﺜﻞ‬

‫‪ -1‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(162/5) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(123/19) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﻟﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎذﱄ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ اﻟعمﺮان‪ ،‬دار ﻋﺎﱂ اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬مﻜة‪ ،‬ط‪1429 ،1‬ﻫـ‪ ،‬ص‪50‬‬
‫‪302‬‬
‫ﺑﲔ ﻃﺮﻓﲔ إﺳﻼمﻴﲔ اﻟﱵ نﻄﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ ا ﺎدﻟة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة‪ ،‬نﺪرك أﳘﻴّة أﺳﻠﻮب ا ﺎدﻟة اﻟعﻘﻠﻲ ﰲ‬
‫اﻟﺪﻓﺎع ﻋن ﻗﻀﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ﻫﺬا من جﻬة‪ ،‬ومن جﻬة أﺧﺮى نﺘعﺮف ﻋﻠﻰ اﳌنﻬج اﻟنﺒﻮي ﰲ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻷمﺜﻞ ﻷﺳﻠﻮب ا ﺎدﻟة‬
‫ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﳋﺎرجﻲ؛ ﻟﺘمﻜﲔ اﻟﺪﻋﺎة من اﻻﻫﺘﺪاء واﻻﻗﺘﺪاء ﺑه ﰲ ﳎﺎدﻟة اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫ومن ﰒ تﻈﻬﺮ اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻼﻋﺘنﺎء ﳊﻮار واﳉﺪل اﻟنﺒﻮي من ﺧﻼل تﺘﺒعﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‬
‫واﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ‪ ،‬من أجﻞ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ أﺻﻮل وﻗﻮاﻋﺪ اﳊﻮار اﻟﱵ تﺴﻬم ﺑﻔعﺎﻟﻴّة ﰲ تﺮﻗﻴّة اﳊﻮار‬
‫اﻟﺪﻋﻮي ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﳌﺴﺘﻮ ت‪ :‬اﻟﻔﺮدﻳّة واﳉمﺎﻫﲑﻳّة‪ ،‬اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﺼﺺ‬
‫ﻗﺪ ﺷﻐﻠﺖ اﻟﻘصﺺ‪ ،‬واﻷمﺜﺎل ﺣﻴﺰا ﻛﺒﲑا من اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ واﻟﺴنة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﳌﺎ ﺣﻔﻠﺖ ﺑه من أﺑعﺎد‬
‫دﻋﻮﻳّة ﻋﺮﺿﺖ ﲜﻮدة أﺳﻠﻮﺑﻴّة ﻋﺎﻟﻴّة‪ ،‬واﻟﻜﺜﲑ منﻬﺎ ﻻ ﳜﻠﻮ من اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﻠﻲ؛ ﻷ ﺎ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ تﺴﺎق‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ﻟﻼﻋﺘﺒﺎر ﲟﻘﺎرنة اﳊﻮادث اﳌﺎﺿﻴّة ﳊﻮادث اﳊﺎﺿﺮة‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ :‬چٱلق ْد كﺎن ِ ﻗ َص ِص ِه ْم‬
‫ك ّل َ ْ ء َو ُه ٗ‬
‫دي‬
‫ََْ ََْ ََْ َ ُ‬
‫يدي ِه و ف ِصيل‬ ‫ِے‬ ‫ي َو كِ ن ت َ ْصد َ‬
‫ِيق‬ ‫ِع ْ َة ‪ْ ٞ‬و ﻻَل ْ َ ٰب َمﺎ كﺎن َ‬
‫حدِيثﺎ ٗ ُ ْف َ ٰ‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫۪‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ٗ َّْ ُ ُ َ‬
‫ون چ ]ﻳﻮﺳﻒ‪.[111 :‬‬ ‫َو َرح َمة لِقو يومِن ۖ‬
‫وﻋنﺪ اﻟﺘأمﻞ ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘعﻠق ﺎ من ﺣﻮادث ومﻼﺑﺴﺎت ﻗﺒﻠﻴّة وﺑعﺪﻳّة ﳒﺪ أن اﻟنﱯ‬
‫‪ ‬وﻇﻒ اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﻘصﺺ واﻷمﺜﺎل ﻳﺴﺘﻬﺪف ﺎ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة ﲟﺎ ﻳﺘنﺎﺳﺐ مع ااﳌﻮﻗﻒ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﲨﻞ أﻫم مﺎ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻴه من اﻟﻘصﺺ اﻟنﺒﻮي ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ ،‬مﱪزا دوره ﰲ ﺧﺪمة‬
‫ااﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﺼﺺ اﻟﻌﺎم‬
‫ﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﺮض اﻟﻘصﺺ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬واﻟﺴنة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻓمﺮة تﺮد ﻋﺎمة دون أن‬
‫ﲣﺘﺺ ﺑﻘﻮم من اﻷﻗﻮام‪ ،‬ومﺮة تﺮد ﺧﺎﺻة ﻗﻮام معﻴنﲔ أو ﲣﺘﺺ ﺑﺬﻛﺮ نﱯ من اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬وذﻟﻚ‬
‫مﺮاﻋﺎة ﻟﻠمنﺎﺳﺒة اﻟﱵ ﻳﺴﺎق اﻟﻘصﺺ من أجﻠﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻘصﺺ ذﻛﺮا ﻷﺣﺪاث مﺎﺿﻴّة أو‬
‫أﺣﺪاث مﺴﺘﻘﺒﻠة‪.‬‬

‫‪303‬‬
 ‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ أورد ﺑعﺾ اﻟنﱠمﺎذج من اﻟﻘصﺺ اﻟعﺎم اﻟﻮارد ﰲ اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺑﻘﺼﺺ اﻷﻣﻢ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‬
‫ﻗﺪ ﻛﺜﺮت اﻹﺷﺎرة اﻹﲨﺎﻟﻴّة اﻟعﺎمة ﻟﻘصﺺ اﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ مﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي جﺰء من اﻟﺴنة؛ ﻓﻘﺪ تﻀمنﺖ ﻗصصﺎ من ﻫﺬا اﻟنﻮع‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة مﺘنﻮﻋة‪.‬‬

‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﻮذج من تﻠﻚ اﻟﻘصﺺ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف ﻓﻴمﺎ ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬وﺳﻮف‬
‫أﺣﻠﻞ ﻫﺬا اﻟنمﻮذج وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻧﺺ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻘﺼﺼﻲ اﻟﻨﺒﻮي‬
‫من اﻟﻘصﺺ اﻟعﺎم اﻟﻮاردة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﳌﺘعﻠﻘة ﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬مﺎ رواه اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋمﺮو‬
‫ﻋمﺮو ﺑن ﻋﻮف أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺑعﺚ أ ﻋﺒﻴﺪة ﺑن اﳉﺮاح إﱃ اﻟﺒﺤﺮﻳن ﰐ ﲜﺰﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻛﺎنﺮﺳﻮل‬
‫وﻛﺎنﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻫﻮ ﺻﺎﱀ أﻫﻞ اﻟﺒﺤﺮﻳن وأمﺮ ﻋﻠﻴﻬم اﻟعﻼء ﺑن اﳊﻀﺮمﻲ‪ ،‬ﻓﻘﺪم أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة ﲟﺎل‬
‫ﲟﺎل من اﻟﺒﺤﺮﻳن‪ ،‬ﻓﺴمعﺖ اﻷنصﺎر ﺑﻘﺪوم أﰊ ﻋﺒﻴﺪة‪ ،‬ﻓﻮاﻓﻮا ﺻﻼة اﻟﻔﺠﺮ مع اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ‬
‫ِ‬
‫انصﺮف تعﺮﺿﻮا ﻟه‪ ،‬ﻓﺘﺒﺴم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺣﲔ رآﻫم‪ ،‬ﰒ ﻗﺎل‪» :‬أَﻇُﻨﱡ ُﻜ ْﻢ َِﲰ ْﻌﺘُ ْﻢ ﺑُِﻘ ُﺪوم أَِﰊ ُﻋﺒَـ ْﻴ َﺪ َة‪ ،‬وأﻧﻪُ‬
‫ﺸى‬‫ﺴ ﱡﺮُﻛ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠِ َﻣﺎ اﻟ َﻔ ْﻘ َﺮ أَ ْﺧ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَﺄَﺑْﺸ ُﺮوا َوأ َّﻣﻠُﻮا َﻣﺎ ﻳَ ُ‬ ‫َج ْﻞ َ َر ُﺳ َ‬ ‫ِ ٍ‬
‫وأﻧﻪُ َﺟ َﺎء ﺑ َﺸ ْﻲء« ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬أ َ‬
‫ﻮﻫﺎ َﻛ َﻤﺎ‬
‫ﺴ َ‬ ‫ﻂ َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ُﻢ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ‪َ ،‬ﻛ َﻤﺎ ﺑُ ِﺴﻄَ ْ‬
‫ﺖ َﻋﻠَى َﻣ ْﻦ ﻛﺎن ﻗَـ ْﺒـﻠَ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﻨَﺎﻓَ ُ‬ ‫ﺴَ‬ ‫َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬وﻟَ ِﻜ ْﻦ أَ ْﺧ َ‬
‫ﺸى َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ أن ﺗ ْﺒ َ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬وﺗُـﻠْ ِﻬﻴَ ُﻜ ْﻢ َﻛ َﻤﺎ أَ ْﳍَْﺘـ ُﻬ ْﻢ«‪.1‬‬
‫ﺴ َ‬‫ﺗَـﻨَﺎﻓَ ُ‬
‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﰲ اﻟﻘﺼﺔ‬
‫ﳏﻞ اﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﻠﻲ ﰲ اﻟﻘصة ﻗﻮﻟه ‪ ":‬أﺧﺸﻰ أن تﺒﺴط ﻋﻠﻴﻜم اﻟﺪنﻴﺎ ﻛمﺎ ﺑﺴﻄﺖ‬
‫ﻋﻠﻰ من ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻜم‪ ،‬ﻓﺘنﺎﻓﺴﻮﻫﺎ ﻛمﺎ تنﺎﻓﺴﻮﻫﺎ‪ ،‬و ﻠﻜﻜم ﻛمﺎ أﻫﻠﻜﺘﻬم "‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ ﺑﻴﺎن اﻟعﻼﻗة ﺑﲔ اﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة واﻷمة ﲜﺎمع اﻟﺘنﺎﻓﺲ ﰲ اﻟﺪنﻴﺎ اﻟﱵ تﺆول إﱃ‬
‫اﳍﻼك‪ ":‬ﻻن اﳌﺎل مﺮﻏﻮب ﻓﻴه ﻓﱰ ح اﻟنﻔﺲ ﻟﻄﻠﺒه ﻓﺘمنع منه ﻓﺘﻘع اﻟعﺪاوة اﳌﻘﺘﻀﻴّة ﻟﻠمﻘﺎتﻠة‬
‫اﳌﻔﻀﻴّة إﱃ اﳍﻼك‪ ،‬ﻗﺎل ﺑن ﺑﻄﺎل ﻓﻴه أن زﻫﺮة اﻟﺪنﻴﺎ ﻳنﺒﻐﻲ ﳌن ﻓﺘﺤﺖ ﻋﻠﻴه أن ﳛﺬر من ﺳﻮء‬
‫ﻋﺎﻗﺒﺘﻬﺎ وﺷﺮ ﻓﺘنﺘﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﻄمﺌن إﱃ زﺧﺮﻓﻬﺎ وﻻ ﻳنﺎﻓﺲ ﻏﲑه ﻓﻴﻬﺎ"‪.2‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺷﺸﻬﻮد اﳌﻼﺋﻜة ﺑﺪرا‪ ،(84/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3791 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(245/11) ،‬‬
‫‪304‬‬
 ‫ﻓﻔﻲ اﻟﻘصة ﺻﻮرة من ﺻﻮر اﻟﻘﻴﺎس اﻟعﻘﻠﻲ نﻮﺿﺤﻬﺎ ﰲ اﳉﺪول اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫اﳊﻜﻢ )ﻧﺘﻴﺠﺔ(‬ ‫اﻟﻌﻠﺔ‬ ‫اﻟﻔﺮع‬ ‫اﻷﺻﻞ‬
‫اﳍﻼك‬ ‫اﻟﺘنﺎﻓﺲ‬ ‫أمة اﻟنﱯ ‪‬‬ ‫اﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة‬

‫ﻧﻴﺎ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺑﻘﺼﺺ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‬

‫من أنﻮاع اﻟﻘصﺺ اﻟﻮاردة ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة أﻳﻀﺎ ﻗصﺺ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت ﻫﻲ اﻷﺧﺮى‬
‫تﺴﺘﻬﺪف أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة منﻬﺎ ﺧﺪمة اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻘﻠﻲ‪.‬‬
‫وﺑﲔ أﻳﺪﻳنﺎ ﳕﻮذج من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﱵ جﺎءت ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﻠﻲ ﺑﻮﺿﻮح‪،‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﺺ اﻟﻘصة ومﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎد منﻬﺎ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻧﺺ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻘﺼﺼﻲ اﻟﻨﺒﻮي‬
‫من اﻟﻘصﺺ اﻟعﺎم اﻟﻮاردة ﰲ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺴﺘﻘﺒﻞ؛ مﺎ جﺎء ﻋن أﰊ ﺳعﻴﺪ اﳋﺪري‪،‬‬
‫ص ْﻞ ِم ْن تُـَﺮا ِ َﺎ‪،‬‬ ‫وظ‪َ ،‬ﱂْ ُﲢَ ﱠ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ِ ‬من اﻟﻴم ِن ﺑِ ُﺬﻫﻴـﺒ ٍة ِﰲ أ َِد ٍﱘ م ْﻘﺮ ٍ‬ ‫ﺚ إِ َﱃ رﺳ ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ َ ََْ‬ ‫اﳋﺪري‪ ،‬أن َﻋﻠﻴﺎ ﺑَـ َع َ َ ُ‬
‫ﺲ‪ ،‬وَزﻳْ ِﺪ اﳋَْﻴ ِﻞ‪ ،‬واﻟﱠﺮاﺑِ ُع‪:‬‬ ‫ع ﺑْ ِن ﺣﺎﺑِ ٍ‬ ‫ﲔ ﻋُﻴَـْﻴـنَةَ ﺑْ ِن ﺑَ ْﺪ ٍر‪ ،‬وأَْﻗـَﺮ َ‬
‫ِ‬
‫ﲔ أ َْرﺑَـ َعة نَـ َﻔ ٍﺮ‪ ،‬ﺑَـ ْ َ‬
‫ِ‬
‫تُـَﺮا َﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَـ َﻘ َﺴ َم َﻬﺎ ﺑَـ ْ َ‬
‫ﺎل‪:‬‬ ‫َﺣ ﱠق ِ َ َﺬا ِم ْن َﻫ ُﺆﻻَِء‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫إِ ﱠمﺎ ﻋﻠْ َﻘمةُ وإِ ﱠمﺎ ﻋ ِﺎمﺮ ﺑن اﻟﻄﱡَﻔﻴ ِﻞ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل رجﻞ ِمن أ ِِ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑه‪ُ :‬ﻛنﱠﺎ َْﳓ ُن أ َ‬ ‫َُ ٌ ْ ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُْ ْ‬
‫ﺴﻤ ِﺎء‪ْ ،‬ﺗِ ِﻴﲏ َﺧﺒـﺮ اﻟ ﱠ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎﺣﺎ َوَﻣ َﺴ ًﺎء«‪،‬‬ ‫ﺻﺒَ ً‬
‫ﺴ َﻤﺎء َ‬ ‫َُ‬ ‫ﲔ َﻣ ْﻦ ِﰲ اﻟ ﱠ َ َ‬ ‫ﺎل‪» :‬أَﻻَ َ َْﻣﻨُ ِﻮﱐ َوأَ َ أَﻣ ُ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻚ اﻟنِ ﱠ‬
‫ﻓَـﺒَـﻠَ َغ َذﻟ َ‬
‫ﻮق اﻟﱠﺮأْ ِس‪ُ ،‬م َﺸ ﱠم ُﺮ‬ ‫ﺚ اﻟﻠِّ ْﺤﻴّة‪َْ ،‬ﳏﻠُ ُ‬ ‫ﲔ‪ِ َ ،‬ﺷ ُﺰ اﳉَْﺒـ َﻬ ِة‪َ ،‬ﻛ ﱡ‬ ‫ف اﻟﻮ ْجنَـﺘَـ ْ ِ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻓَـ َﻘ َﺎم َر ُجﻞ َﻏﺎﺋِﺮ َ ِ ِ‬
‫اﻟعْﻴـنَـ ْﲔ‪ُ ،‬م ْﺸﺮ ُ َ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫ض أن ﻳﺘ ِﱠﻘ َﻲ ا ﱠَ«‬ ‫َﺣ ﱠﻖ أ َْﻫ ِﻞ اﻷ َْر ِ‬
‫ﺖ أَ‬ ‫ﻚ‪ ،‬أ ََوﻟَ ْﺴ ُ‬‫ﺎل‪َ » :‬وﻳْـﻠَ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ات ِﱠق ا ﱠَ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ُم َﺸ ﱠم ُﺮ ا ِﻹ َزا ِر‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل َ َر ُﺳ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬أَﻻَ أ ْ‬ ‫ﻗَ َﺎل‪ :‬ﰒُﱠ وﱠﱃ اﻟﱠﺮجﻞ‪ ،‬ﻗَ َﺎل ﺧﺎﻟِ ُﺪ ﺑن اﻟﻮﻟِ ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻻَ‪ ،‬ﻟَ َﻌﻠﱠﻪُ أن ﻳ ُﻜﻮ َن‬ ‫ب ﻋُنُـ َﻘهُ؟ ﻗَ َ‬ ‫َﺿ ِﺮ ُ‬ ‫ﻴﺪ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪» :‬أﱐ‬ ‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺲ ِﰲ ﻗَـﻠْﺒِ ِه‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺎل ﺧﺎﻟِ ٌﺪ‪ :‬وَﻛم ِمن مص ٍﻞ ﻳـ ُﻘ ُ ِِ ِِ‬ ‫ﻳ ُﻜﻮ َن ﻳ ِ‬
‫ﻮل ﺑﻠ َﺴﺎنه َمﺎ ﻟَْﻴ َ‬ ‫ﺼﻠّﻲ« ﻓَـ َﻘ َ َ َ ْ ْ ُ َ ّ َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬أﻧﻪُ‬ ‫ﻒ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﱠﺎس َوﻻَ أَ ُﺷ ﱠﻖ ﺑُﻄُﻮﻧَـ ُﻬ ْﻢ« ﻗَ َﺎل‪ :‬ﰒُﱠ نَﻈََﺮ إِﻟَْﻴه َوُﻫ َﻮ ُم َﻘ ٍّ‬ ‫ﻮب اﻟﻨ ِ‬ ‫ﺐ َﻋ ْﻦ ﻗُـﻠُ ِ‬ ‫ُوﻣ ْﺮ أن أَﻧْـ ُﻘ َ‬
‫»أﱐ َﱂْ أ َ‬
‫ﺎﺟ َﺮُﻫ ْﻢ‪ ،‬ﳝَُْﺮﻗُﻮ َن ِﻣ َﻦ اﻟ ِّﺪﻳ ِﻦ َﻛ َﻤﺎ ﳝَُْﺮ ُق اﻟ ﱠ‬
‫ﺴ ْﻬ ُﻢ‬ ‫ﻀ ِئ َﻫ َﺬا ﻗَـﻮٌم ﻳـ ْﺘـﻠُﻮ َن ﻛِﺘَﺎب ا ﱠِ رﻃْﺒﺎ‪ ،‬ﻻَ ُﳚَﺎ ِوُز ﺣﻨَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ﺿ ْﺌ ِ‬‫َﳜْﺮج ِﻣﻦ ِ‬
‫ُُ ْ‬
‫ﻮد«‪.1‬‬ ‫ﱠﻬ ْﻢ ﻗَـْﺘ َﻞ َﲦُ َ‬ ‫اﻟ ﱠﺴ ْﻬ ُﻢ ِﻣ َﻦ اﻟ ﱠﺮِﻣﻴّﺔ«‪ ،‬وأَﻇُنﱡهُ ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻟَﺌِ ْﻦ أَ ْد َرْﻛﺘُـ ُﻬ ْﻢ َﻷَﻗْـﺘُـﻠَﻨـ ُ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺑعﺚ ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬وﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬إﱃ اﻟﻴمن‪،‬‬
‫)‪ ،(163/5‬ﺑﺮﻗم‪.4094 :‬‬
‫‪305‬‬
 ‫‪ .2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﰲ اﻟﻘﺼﺔ‬
‫ﻫﺬه اﻟﻘصة من نﻮع اﳊﻮادث اﻟﱵ تﻘع ﰲ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬وﻫﻲ من دﻻﺋﻞ اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮرة من ﺻﻮر‬
‫اﻟﻘﻴﺎس تﺪرك ﲟﻘﺎرنة ﺳﻠﻮك وﺻﻔﺎت اﻟﺮجﻞ اﳌعﱰض ﻋﻠﻰ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬واﻷﻗﻮام اﻟﻀﺎﻟﲔ اﻟﺬﻳن تنﺒأ‬
‫اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﺑﻈﻬﻮرﻫم ﰲ اﻷمة‪ ،‬ﻓﻴﺸﱰﻛﻮن معه ﰲ اﻟﺘﺸﺪد واﻟﺘﻘعﺮ ﰲ اﻟعﺒﺎدة‪ ،‬ﺑﻞ ﻋﻠم وﻻ ﻓﻘه‪ ،‬وﰲ ﻫﺬا‬
‫ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض‪ ":‬وﻗﻮﻟه‪ " :‬ﻳﻘﺮؤون اﻟﻘﺮآن ﻻ ﳚﺎوز ﺣنﺎجﺮﻫم "‪ :‬ﻓﻴه وﻳﻼن‪ ،‬أي ﱂ تﻔﻘﻬه ﻗﻠﻮ م‬
‫وﻻ انﺘﻔعﻮا ﲟﺎ تﻠﻮا منه‪ ،‬وﻻ ﳍم ﻓﻴه ﺣﻆ ﺳﻮى تﻼوة اﻟﻔم واﳊنﺠﺮة واﳊﻠق‪ ،‬إذ مﺎ تﻘﻄﻴع اﳊﺮوف‪.‬‬
‫واﻟﺘأوﻳﻞ اﻵﺧﺮ‪ :‬أنه ﻻ ﻳصعﺪ ﳍم ﻋمﻞ وﻻ تﻼوة وﻻ تﺘﻘﺒﻞ"‪.1‬‬
‫وﻫﺬه اﻟعﺒﺎدة ﺑﻼ ﻓﻘه ﺻﺤﻴﺢ ﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﻏﻠﻮﻫم واﳓﺮاﻓﻬم‪ ،‬اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﺆدي إﱃ اﳋﺮوج ﻋن اﻟﺪﻳن‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬أن اﳌﺮاد أ م ﳜﺮجﻮن من ﻃﺎﻋة اﻹمﺎم ﻛمﺎ ﳜﺮج اﻟﺴﻬم من اﻟﺮمﻴّة وﻫﺬه ﺻﻔة اﳋﻮارج اﻟﺬﻳن‬
‫ﻛﺎنﻮاﻻ ﻳﻄﻴعﻮن اﳋﻠﻔﺎء واﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ أن اﳌﺮاد ﻟﺪﻳن اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ مﺎ ﻓﺴﺮته اﻟﺮواﻳّة اﻷﺧﺮى وﺧﺮج‬
‫اﻟﻜﻼم ﳐﺮج اﻟﺰجﺮ وأ م ﺑﻔعﻠﻬم ذﻟﻚ ﳜﺮجﻮن من اﻹﺳﻼم اﻟﻜﺎمﻞ"‪.2‬‬
‫وﻗﺪ ﺑﲔ اﻟﺸﻬﺮﺳﺘﺎﱐ رﲪه ﷲ ﺑﻮﺿﻮح اﻟصﻠة ﺑﲔ مﻮﻗﻒ اﻟﺮجﻞ واﻟﻔﺮﻗة اﻟﱵ ﺳﺘﻈﻬﺮ ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ ﺑﻘﻮﻟه‪":‬‬
‫ذﻟﻚ ﺧﺮوج ﺻﺮﻳﺢ ﻋﻠﻰ اﻟنﱯ ﻋﻠﻴه اﻟصﻼة واﻟﺴﻼم‪ ،‬وﻟﻮ ﺻﺎر من اﻋﱰض ﻋﻠﻰ اﻹمﺎم اﳊق ﺧﺎرجﻴﺎ‪،‬‬
‫ﻓمن اﻋﱰض ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل أﺣق ن ﻳﻜﻮن ﺧﺎرجﻴﺎ‪ ،‬أو ﻟﻴﺲ ذﻟﻚ ﻗﻮﻻ ﺑﺘﺤﺴﲔ اﻟعﻘﻞ وتﻘﺒﻴﺤه؟ وﺣﻜمﺎ‬
‫ﳍﻮى ﰲ مﻘﺎﺑﻠة اﻟنﺺ‪ ،‬واﺳﺘﻜﺒﺎرا ﻋﻠﻰ اﻷمﺮ ﺑﻘﻴﺎس اﻟعﻘﻞ؟ ﺣﱴ ﻗﺎل ﻋﻠﻴه اﻟصﻼة واﻟﺴﻼم‪" :‬ﺳﻴخﺮج‬
‫من ﺿﺌﻀﺊ ﻫﺬا اﻟﺮجﻞ ﻗﻮم ﳝﺮﻗﻮن من اﻟﺪﻳن ﻛمﺎ ﳝﺮق اﻟﺴﻬم من اﻟﺮمﻴّة"‪.3‬‬
‫وﳝﻜن ﳑﺎ ﺳﺒق أن نﻮﺿﺢ اﻟعﻼﻗة اﻟﻘﻴﺎﺳﻴّة ﺑﲔ ذي اﳋﻮﻳصﺮة واﳋﻮارج ﺧﻼل اﳉﺪول اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬

‫اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ‬ ‫أوﺟﻪ اﻟﺸﺒﻪ‬ ‫اﻟﻔﺮع‬ ‫اﻷﺻﻞ‬

‫اﻻﳓﺮاف واﻟﻀﻼل‬ ‫معﺎرﺿة اﻟﻮﺣﻲ ﻟعﻘﻞ واﳍﻮى‬ ‫ذو اﳋﻮﻳصﺮة اﳋﻮارج‬

‫‪ -1‬اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض‪ ،‬إﻛمﺎل اﳌعﻠم ﺑﻔﻮاﺋﺪ مﺴﻠم‪.(609/3) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري)‪.(68/8‬‬
‫‪ -3‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬اﻟﺸﻬﺮﺳﺘﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻠﻞ واﻟنﺤﻞ‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﳊﻠﱯ‪.(19/1) ،‬‬
‫‪306‬‬
 ‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﺼﺺ اﳋﺎص‬
‫وأﻗصﺪ ﺑﺬﻟﻚ أن تﻜﻮن اﻟﻘصة ﺧﺎﺻة ﺑﺸخﺺ‪ ،‬أو واﻗعة ﺧﺎﺻة‪ ،‬ﻛﺬﻛﺮ ﻗصة نﱯ من اﻷنﺒﻴﺎء‬
‫ﻟﻼﻋﺘﺒﺎر ﺎ أو اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﺎ ﰲ مﻮﻗﻒ دﻋﻮي‪ ،‬وﻗﺪ وﻇﻔﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟنﺴق‬
‫اﻟﺴﺎﺑق ﰲ اﻟﻘصﺺ اﻟعﺎم‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ذﻛﺮ ﳕﺎذج ﻟﺬﻟﻚ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﳕﻮذج ﻗﺼﺔ ﻣﻮﺳى ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم‬
‫من اﻟﻘصﺺ اﻟﻮارد ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ اﳌﻐﺎزي ﻗصة مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﻓعن أﰊ واﺋﻞ‪ ،‬ﻋن ﻋﺒﺪ ﷲ‪،‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻗﺴم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺴمة ﺣنﲔ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬رجﻞ من اﻷنصﺎر‪ :‬مﺎ أراد ﺎ وجه ﷲ‪ ،‬ﻓأتﻴﺖ اﻟنﱯ‬
‫ﺼﺒَـ َﺮ «‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َِ ْﻛﺜَـ َﺮ ﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا ﻓَ َ‬ ‫‪ ‬ﻓأﺧﱪته‪ ،‬ﻓﺘﻐﲑ وجﻬه ﰒ ﻗﺎل‪َ » :‬ر ْﲪَﺔُ ا ﱠ َﻋﻠَى ُﻣ َ‬
‫ﻮﺳى ﻟََﻘ ْﺪ أُوذ َ‬
‫ُ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ﻓﺠمﻴع اﻷنﺒﻴﺎء تعﺮﺿﻮا ﻟﻸذى وﺻﱪوا ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱفَ ْ‬
‫ﺎص ِ ْ ك َمﺎ َص َ َ ْو وا ل َع ْز ِم م َِن‬
‫َ‬
‫ر ُس ِل َوﻻ َ ْستَ ْع ِجل ل ُه ْم چ ]اﻷﺣﻘﺎف‪.[34:‬‬
‫ﻓﺎﻵﻳّة واﳊﺪﻳﺚ ﻳﺪﻻن ﻋﻠﻰ تﺸﺎﺑه دﻋﻮات اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﺪﻳنﻴّة ﻋﱪ رﻳخ اﻟﺮﺳﺎﻻت ﻃﺮﻳق‬
‫ﺷﺎق‪ ،‬ومﺮﻳﺮ ﳛﺘﺎج إﱃ اﻟصﱪ‪ ،‬وﻋﺪم اﻻﺳﺘعﺠﺎل ﻋﻠﻰ ﺧصﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌﺘعنﺘﲔ‪.2‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻛمﺎ ﳛﺘﺎج أ ْن ﻳﻘنع ﻏﲑه‪ ،‬ﳛﺘﺎج أﺣﻴﺎ أ ْن ﻳﻘنع نﻔﺴه‪ ،‬ﻓﺎﻟنﻔﺲ تعﺘﱪ من اﻟﺘﺤﺪ ت‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻴّة اﻟﱵ تﻮاجه اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ﻛمﺎ ﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻘﺪ واﺳﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬نﻔﺴه ﲟﻘﺎرنﺘﻬﺎ مع مﻮﺳﻰ‬
‫مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬وﻫﺬا أﺳﻠﻮب ﻋﻘﻠﻲ إﻗنﺎﻋﻲ داﺧﻠﻲ أﺷﺎر إﻟﻴه ‪ ‬ﰲ منﺎﺳﺒﺎت مﺘعﺪدة‪،‬‬
‫ﻛﻘﻮﻟه‪ »:‬ﻻ ﺗﻨﻈﺮوا إﱃ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻓﻮﻗﻜﻢ‪ ،‬واﻧﻈﺮوا إﱃ ﻣﻦ ﻫﻮ أﺳﻔﻞ ﻣﻨﻜﻢ‪ ،‬ﻓإﻧﻪ أﺟﺪر أ ْن ﻻ ﺗﺰدوا ﻧﻌﻤﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﷲ«‬
‫ﻓﺎﻟﻔﻜﺮة من أﻛﱪ اﻟﺪواﻓع اﻟﺪاﺧﻠﻴّة ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹنﺴﺎﱐ ﰲ اﲡﺎه اﳋﲑ أو اﻟﺸﺮ‪ ،‬ﻳﻘﻮل اﺑن اﻟﻘﻴم مﺒﻴنﺎ‬
‫مﺒﻴنﺎ أثﺮ اﻟﻔﻜﺮة ﰲ اﻟﺴﻠﻮك‪ ":‬داﻓع اﳋﻄﺮة ﻓﺈن ﱂ تﻔعﻞ ﺻﺎرت ﻓﻜﺮة ﻓﺪاﻓع اﻟﻔﻜﺮة ﻓﺈن ﱂ تﻔعﻞ‬
‫ﺻﺎرت ﺷﻬﻮة ﻓﺤﺎر ﺎ ﻓﺈن ﱂ تﻔعﻞ ﺻﺎرت ﻋﺰﳝة وﳘة ﻓﺈن ﱂ تﺪاﻓعﻬﺎ ﺻﺎرت ﻓعﻼ ﻓﺈن ﱂ تﺘﺪارﻛه‬
‫تﺘﺪارﻛه ﺑﻀﺪه ﺻﺎر ﻋﺎدة"‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(159/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4080 :‬‬
‫‪ -2‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3276/6) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺒﺎن‪ ،(490/2) ،‬وﻗﺎل ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪" :‬إﺳنﺎده ﺻﺤﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﺮط اﻟﺒخﺎري‪ ،‬رجﺎﻟه رجﺎل اﻟﺸﻴخﲔ ﻏﲑ مﺴﺪد‪،‬‬
‫ﻓمن رجﺎل اﻟﺒخﺎري"‪.‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪307‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﳕﻮذج ﻗﺼﺔ ﻫﺎرون ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم‬
‫ﻗصة ﻫﺎرون ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﰐ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﺳﻴﺎق ﻗصة مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ‬
‫إﺷﺎرة إﱃ منﺰﻟة ﻫﺎرون من مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻬمﺎ اﻟﺴﻼم‪ ،‬إذ ﻛﺎن وزﻳﺮه ومعﻴنه ونصﲑه‪ ،‬وﺷﺮﻳﻜه ﰲ‬
‫َ ٰ ُر َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ٗ‬ ‫ّ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱواجعل ِ و ِز را مِن ه ِ‬
‫ون أ ِ ۖ چ ] ﻃه‪ ،[ 29 - 28 :‬ﻗﺎل اﺑن‬ ‫َ‬

‫ﻛﺜﲑ‪ ":‬أي ﻳﺆنﺴﲏ ﻓﻴمﺎ أمﺮتﲏ ﺑه من ﻫﺬا اﳌﻘﺎم اﻟعﻈﻴم‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﻘﻴﺎم ﻋﺒﺎء اﻟنﺒﻮة واﻟﺮﺳﺎﻟة إﱃ ﻫﺬا‬
‫ﻫﺬا اﳌﻠﻚ اﳌﺘﻜﱪ اﳉﺒﺎر"‪.1‬‬
‫ورﻏم ﻫﺬه اﳌنﺰﻟة إﻻ أنه ﻋنﺪ ذﻫﺎب مﻮﺳﻰ ﳌﻴﻘﺎت رﺑه ﱂ ﻳصﻄﺤﺐ معه ﻫﺎرون‪ ،‬ﳌﺎ تﻘﺘﻀﻴه‬
‫مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬اﻟﱵ تﻈﻬﺮ ﰲ تصﺪي ﻫﺎرون ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻟﻔﺘنة اﻟﺴﺎمﺮي‪ ،2‬وذﻟﻚ مﺎ ﻳﺒﻴنه ﻗﻮﻟه‬
‫َْ ُ َ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َُْ َ َ ْ‬ ‫َ ََ ْ َ َ َُ ْ َ ُ ُ‬
‫چ ٱولقد ﻗﺎل لهم ٰرون مِن بل ٰقو ِم أنمﺎ فت ِ تم ب ِ ۖهِۦ وأن ر كم ر ٰ فﺎتبِعو ِ‬ ‫ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪:‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِيع ٓوا أ ْم ِر ۖے چ ]ﻃه‪.[89 :‬‬
‫َ ُ‬
‫وأط‬
‫ﻓﻬﺬا اﳌﻮﻗﻒ وﻫﺬا اﻟﻈﺮف من دﻋﻮة مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻳﺸﺒه مﻮﻗﻒ اﺳﺘخﻼف اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟعﻠﻲ‬
‫ﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻗﺪ اﺳﺘﺪل اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑه ﻹﻗنﺎع ﻋﻠﻲ ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أن ذﻟﻚ ﻻ ﻳنﻘﺺ من منﺰﻟﺘه‬ ‫ﻟعﻠﻲ‬
‫ﻻ ﻳنﻘﺺ من منﺰﻟﺘه منه‪ ،‬ﻓعن ﺳعﺪ‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺧﺮج إﱃ تﺒﻮك‪ ،‬واﺳﺘخﻠﻒ ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬
‫ﺲ ﻧَِ ﱞ‬
‫ﱯ‬ ‫ﺎرو َن‪ِ ،‬ﻣ ْﻦ ُﻣ َ ِﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺿى أن ﺗ ُﻜﻮ َن ﻣ ِّﲏ ِﲟَْﻨ ِﺰﻟَﺔ َﻫ ُ‬
‫أﲣﻠﻔﲏ ﰲ اﻟصﺒﻴﺎن واﻟنﺴﺎء؟ ﻗﺎل‪» :‬أَﻻَ ﺗَـ ْﺮ َ‬
‫ﻮﺳى إﻻ أﻧﻪُ ﻟَْﻴ َ‬
‫ﺑَـ ْﻌ ِﺪي«‪.3‬‬
‫وﻫﺬه اﳌﻘﺎرنة اﻟﱵ أﺷﺮت إﻟﻴﻬﺎ ﺑﲔ ﻗصة اﺳﺘخﻼف ﻫﺎرون ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﰲ ﻗﻮم مﻮﺳﻰ واﺳﺘخﻼف‬
‫ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻗﺪ تﻜﻠم ﻓﻴﻬﺎ اﺑن تﻴمﻴّة وأجﺎد رﲪه ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬اﺳﺘخﻼف ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻋﻠﻲ‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪.(212/6) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻗﺪ ذﻛﺮ اﳌﻔﺴﺮون روا ت ﻛﺜﲑة ﻟﻘصة اﻟﺴﺎمﺮي‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه اﻟﻄﱪي ﺑﺴنﺪه ﻋن اﺑن زﻳﺪ‪ :‬ﳌﺎ أﳒﻰ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ ﺑﲏ‬
‫إﺳﺮاﺋﻴﻞ من ﻓﺮﻋﻮن‪ ،‬وأﻏﺮق ﻓﺮﻋﻮن ومن معه‪ ،‬ﻗﺎل مﻮﺳﻰ ﻷﺧﻴه ﻫﺎرون‪ :‬اﺧﻠﻔﲏ ﰲ ﻗﻮمﻲ وأﺻﻠﺢ وﻻ تﺘﺒع ﺳﺒﻴﻞ اﳌﻔﺴﺪﻳن‪.‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﺧﺮج مﻮﺳﻰ وأمﺮ ﻫﺎرون ﲟﺎ أمﺮه وﺧﺮج مﻮﺳﻰ مﺘعﺠﻼ مﺴﺮورا إﱃ ﷲ‪ ،‬ﻗﺪ ﻋﺮف مﻮﺳﻰ أن اﳌﺮء إذا أﳒﺢ ﰲ ﺣﺎجة‬
‫ﺳﻴﺪه‪ ،‬ﻛﺎن ﻳﺴﺮه أن ﻳﺘعﺠﻞ إﻟﻴه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وﻛﺎن ﺣﲔ ﺧﺮجﻮا اﺳﺘعﺎروا ﺣﻠﻴﺎ وثﻴﺎ من آل ﻓﺮﻋﻮن‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﳍم ﻫﺎرون‪ :‬إن ﻫﺬه‬
‫اﻟﺜﻴﺎب واﳊﻠﻲ ﻻ ﲢﻞ ﻟﻜم‪ ،‬ﻓﺎﲨعﻮا را‪ ،‬ﻓأﻟﻘﻮه ﻓﻴﻬﺎ ﻓأﺣﺮﻗﻮه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﺠمعﻮا را‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وﻛﺎن اﻟﺴﺎمﺮي ﻗﺪ نﻈﺮ إﱃ أثﺮ داﺑة‬
‫جﱪﻳﻞ‪ ،‬وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻓﺮس أنﺜﻰ ‪ -‬وﻛﺎن اﻟﺴﺎمﺮي ﰲ ﻗﻮم مﻮﺳﻰ ‪ -‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓنﻈﺮ إﱃ أثﺮه ﻓﻘﺒﺾ منه ﻗﺒﻀة‪ ،‬ﻓﻴﺒﺴﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺪه‪،‬‬
‫ﻓﻠمﺎ أﻟﻘﻰ ﻗﻮم مﻮﺳﻰ اﳊﻠﻲ ﰲ اﻟنﺎر‪ ،‬وأﻟﻘﻰ اﻟﺴﺎمﺮي معﻬم اﻟﻘﺒﻀة‪ ،‬ﺻﻮر ﷲ جﻞ وﻋﺰ ذﻟﻚ ﳍم ﻋﺠﻼ ذﻫﺒﺎ‪ ،‬ﻓﺪﺧﻠﺘه اﻟﺮﻳﺢ‪،‬‬
‫ﻮﺳﻰ ﻓَـنَ ِﺴ َﻲ("‪ ،‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(68/2) ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ﻓﻜﺎن ﻟه ﺧﻮار‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا‪ :‬مﺎ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎل‪ :‬اﻟﺴﺎمﺮي اﳋﺒﻴﺚ‪ِ َ :‬‬
‫)ﻫ َﺬا إ َﳍُ ُﻜ ْم َوإﻟَهُ ُم َ‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة تﺒﻮك وﻫﻲ ﻏﺰوة اﻟعﺴﺮة‪ ،(03/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4154 :‬‬
‫‪308‬‬
‫اﳌﺪﻳنة ﻻ ﻳﻘﺘﻀﻲ نﻘﺺ اﳌﺮتﺒة‪ ،‬ﻓأن مﻮﺳﻰ ﻗﺪ اﺳﺘخﻠﻒ ﻫﺎرون‪ ،‬وﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬داﺋمﺎ ﻳﺴﺘخﻠﻒ‬
‫رجﺎﻻ‪ ،‬ﻟﻜن ﻛﺎن ﻳﻜﻮن ﺎ رجﺎل‪ ،‬وﻋﺎم تﺒﻮك ﺧﺮج اﻟنﱯ ‪ ‬ﲜمﻴع اﳌﺴﻠمﲔ وﱂ ذن ﻷﺣﺪ ﰲ‬
‫اﻟﺘخﻠﻒ ﻋن اﻟﻐﺰاة ﻻن اﻟعﺪو ﻛﺎن ﺷﺪﻳﺪا‪ ،‬واﻟﺴﻔﺮ ﺑعﻴﺪا"‪.1‬‬
‫وز دة ﻋﻠﻰ أﺳﺒﺎب اﻻﺳﺘخﻼف اﻟﱵ ذﻛﺮﻫﺎ اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬ﻓﻬنﺎك ﺳﺒﺐ آﺧﺮ‪ ،‬وﻫﻮ ﺧﻄﺮ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‬
‫اﳌﺘخﻠﻔﲔ ﻋن ﻏﺰوة تﺒﻮك اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋن ﺧﻄﺮ اﻟﺴﺎمﺮي ﰲ ﻗﻮم مﻮﺳﻰ‪ ،‬ﻓﻬم اﻟﺬﻳن ﺣﺎوﻟﻮا ﻓﺘنة‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ ﻓﺘنة تﺸﺒه ﻓﺘنة اﻟعﺠﻞ ﻗﺒﻴﻞ تﺒﻮك‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﻟعمﺮي‪ ":‬وﻗﺪ اﺑﺘﲎ اﳌنﺎﻓﻘﻮن مﺴﺠﺪا ﻗﺒﻴﻞ ﻏﺰوة تﺒﻮك ﻟﻴﺠﺘمعﻮا ﻓﻴه مﻜﺎﻳﺪة ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‬
‫ومﻀﺮة م‪ ،‬وزﻋمﻮا أ م ﺑنﻮه ﻟﻠمنﻔعة واﻟﺘﻮﺳعة ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻗﺪ أرادوا أن ﻳﻔﺮﻗﻮا اجﺘمﺎع اﳌﺆمنﲔ‬
‫اﳌﺆمنﲔ ﰲ مﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﳌﺪﻳنة ﺑصﺮف ﺑعﻀﻬم ﻟﻠصﻼة ﻓﻴه‪ ،‬وﻗﺪ ﻃﻠﺐ اﳌنﺎﻓﻘﻮن من‬
‫اﻟﺮﺳﻮل أن ﻳصﻠﻲ ﻓﻴه ﲤﻮﻳﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنﺎس ﻓنﻬﺎه اﻟﻘﺮآن ﻋن ذﻟﻚ وﲰﺎه مﺴﺠﺪا ﺿﺮارا"‪.2‬‬
‫َ ُ ْ َ ْ ٗ َ ٗ َ ُ ْ ٗ‬
‫وﻗﺪ ﻓﻀﺤﻬم اﻟﻘﺮآن‪ ،‬وأﺑﻄﻞ ﷲ ﻛﻴﺪﻫم‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬ٱچ ٱ ِين تخذوا مس ِ‬
‫جدا ِ ارا وكفرا‬ ‫َ‬
‫حل ُِفن أن َر ْدنَﺎ ٓ إﻻ لْ ُح ْس ٰ َو ُ‬ ‫َ ُْ َ ََ ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َو َ ْفر قﺎ َ ۢ َ ْ َ َ۬ل ْ ُمو ِمن ِ َ ْر َصﺎدا ٗ لّ َِم ْن َ‬
‫اﷲ‬ ‫۪‬ ‫ِ‬ ‫ﷲ َو َرسو ُ ۥ مِن بلۖ و‬ ‫ﺎر َب‬
‫ح َ‬
‫ِ‬
‫َْ َُ ُ َ َ ُ َ‬
‫ون ٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.[108 :‬‬ ‫شهد أنه ْم ل ٰذِب ۖ‬
‫‪:‬‬ ‫ﺗﻮﺿﻴﺢ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﺑﲔ اﺳﺘﺨﻼف ﻫﺎرون ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم‪ ،‬واﺳﺘﺨﻼف ﻋﻠﻲ‬

‫‪ -1‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﻟﻔﺘﺎوى اﻟﻜﱪى‪.(434/2) ،‬‬

‫‪ -2‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(527/2) ،‬‬
‫‪309‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﳕﻮذج ﻗﺼﺔ ﻃﺎﻟﻮت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم‬
‫ومن اﻟﻘصﺺ اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي؛ﻗصة ﻃﺎﻟﻮت ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم اﻟﱵ جﺎءت ﻟﺘعﻘﺪ مﻘﺎرنة‬
‫مﻘﺎرنة ﻋﻘﻠﻴّة ﺑﲔ أﻫﻞ ﺑﺪر‪ ،‬وأﺻﺤﺎب ﻃﺎﻟﻮت‪ ،‬مﺮﻛﺰة ﻋﻠﻰ اتصﺎف اﻟﻔﺮﻳﻘﲔ ﺑﻮﺻﻒ اﻹﳝﺎن اﻟﺬي‬
‫اﻟﺬي آل م إﱃ نﻔﺲ اﳌﺂل‪ ،‬ن ﻇﻔﺮوا ﻟنصﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠة ﻋﺪدﻫم‪ ،‬ﻓعن ﻋن اﻟﱪاء‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛنﺎ‬
‫ﺎب ﻃَﺎﻟُ َ ﱠ ِ‬
‫َﺻ َﺤ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َﺻ َﺤ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻳﻦ َﺟ َﺎوُزوا َﻣ َﻌﻪُ‬
‫ﻮت اﻟﺬ َ‬ ‫ﺎب ﺑَ ْﺪ ٍر َﻋﻠَى ﻋ ﱠﺪة أ ْ‬ ‫أﺻﺤﺎب ﷴ ‪ ،‬نﺘﺤﺪث‪» :‬أن ﻋ ﱠﺪ َة أ ْ‬
‫ث ِﻣﺎﺋٍَﺔ« ‪.1‬‬
‫ﺸ َﺮ َوﺛَﻼَ َ‬ ‫ﱠﻬ َﺮ‪ ،‬وَﱂْ ُﳚَﺎ ِوْز َﻣ َﻌﻪُ إِﱠﻻ ُﻣ ْﺆِﻣ ٌﻦ ﺑِ ْ‬
‫ﻀ َﻌ َﺔ َﻋ َ‬ ‫اﻟﻨـ َ‬
‫ﻓﻔﻲ اﳊﺪﻳﺚ اﻟنﺺ ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ جﺎمع اﻹﳝﺎن ﺑﲔ أﻫﻞ ﺑﺪر وأﺻﺤﺎب ﻃﺎﻟﻮت‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻘق ﺑه‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِين‬ ‫ﻃﺎﻟﻮت‪ :‬ٱچ ٱ ٱچ ﻗﺎل‬ ‫اﻟنصﺮ وأن ﻗﻞ اﻟعﺪد‪ ،‬وﻫﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺘﺴق مع ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ ﻋنﺪ تعﻠﻴﻞ انﺘصﺎر‬
‫َٔ َ َ َ َ َ ْ َٔ ٗ َ‬
‫كث ِ َةَ ۢ بإذْن ِ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ُظن َ‬
‫ٱچ ]‬ ‫ﷲ واﷲ مع ل ٰ ِ ِ َ ۖ‬
‫ن‬ ‫ۖ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ﷲ كم ّمِن ِ يةٖ ﻗلِيل ٍة ﻏلبت ِ ية‬
‫ون أن ُهم م قوا ِ‬
‫اﻟﺒﻘﺮة‪.[247:‬‬
‫ﻳﺘﺒﲔ ﳑﺎ ﺳﺒق ﺑﻮﺿﻮح اﻟﺒعﺪ اﻟعﻘﻠﻲ ﰲ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻠﻘصﺺ ﺑنﻮﻋﻴه اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ‪ ،‬من ﺧﻼل‬
‫اﻗنﺎع اﳌﺪﻋﻮ رة ﻋﻘﻠه ﻟﻠمﻘﺎرنة ﺑﲔ اﳊﻮادث اﳊﺎﺿﺮة واﻟﻐﺎﺋﺒة مﺎﺿﻴﺎ ومﺴﺘﻘﺒﻼ؛ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺴنة‬
‫واﻟعﻠة اﳌﺸﱰﻛة اﻟﱵ أدت إﱃ وﻗﻮع اﳌعﻠﻮل ﳑﺎ ﳚعﻠه ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ من اﻟﺘﺠﺎرب وﻻ ﻳﻘع ﰲ نﻔﺲ‬
‫اﻷﺧﻄﺎء واﻻﳓﺮاﻓﺎت اﻟﱵ وﻗعﺖ ﻟﻐﲑه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ من اﻟعﱪ واﻟعﻈﺎت اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ اﻷﺣﺪاث‪.‬‬

‫ﻓﺎﻹﻋمﺎل اﻟعﻘﻠﻲ ﻟﻠﻘصﺺ ﺑعﺪ دﻋﻮي ﳛﺘﺎج إﻟﻴه اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن ﻷن اﻟﺴنن اﻟﺘﺎرﳜﻴّة تﺘﻜﺮر‬
‫ﺑﺘﻜﺮر ﻋﻠﻠﻬﺎ وأﺳﺒﺎ ﺎ‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﻻﺑﺪ أن ﻳﻮﻇﻒ ﲝﻜمة وﺑﻘﺪر ﺣﱴ ﻳﺘمﻜن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة من ﲢﻘﻴق‬
‫اﻟﺘﻮازن اﳌنﻬﺠﻲ واﻷﺳﻠﻮﰊ ﰲ ﻃﺮﺣه اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻋﺪة من ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ (73/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3958 :‬وتﺮﲨة اﻟﺒخﺎري ﺬه‬
‫اﻟﱰﲨة ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ مع اﺧﺘصﺎرﻫﺎ‪ ،‬وإﲨﺎﳍﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ دﻗﻴﻘة داﻟة ﻋﻠﻰ وجﻮه اﻟﺘﺸﺎﺑه ﺑﲔ أﻫﻞ ﺑﺪر وأﺻﺤﺎب ﻃﺎﻟﻮت‪ ،‬اﻟﱵ ﺑﻴنﻬﺎ‬
‫ﻳﺮاد ﺣﺪﻳﺖ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ﻇﻬﺮت منﺎﺳﺒﺘه ﳍﺎ ﻛمﺎ ﺑﻴنﺘه ﰲ اﳌﱳ‪ ،‬وﻋنﺪ اﻟﺘمعن ﰲ ﻗصة ﻃﺎﻟﻮت وﻗصة ﺑﺪر تﻈﻬﺮ ﻗﻮاﺳم مﺸﱰﻛة‬
‫ﻛﺜﲑة‪ ،‬من ذﻟﻚ‪ :‬ﻃﺎﻋة اﻷتﺒﺎﻋﻠﻠﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻗﺎدة اﻟﻜﻔﺮ وﺻنﺎدﻳﺪﻫم‪ ،‬اﻟﻈﻔﺮ ﻟنصﺮ واﳌﻐنم‪ ،‬وﻫﻲ وجﻮه تﺪرك ﻟعﻘﻞ‬
‫ﻛمﺎ تﺮى‪.‬‬
‫‪310‬‬
311
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﳊﺴﻲ‬
‫ﺑعﺪ أ ْن انﺘﻬﻴﺖ ﰲ اﳌﺒﺤﺜﲔ اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ من اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺳﻠﻮب اﻟعﺎﻃﻔﻲ واﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬أﺧﻠﺺ إﱃ‬
‫مﺒﺤﺚ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌﺘعﻠﻘة ﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﳊﺴﻲ واﺳﺘعمﺎﻻته ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻔﻄﺮﻳّة اﻟﱵ ﲣﺎﻃﺐ اﳊﻮاس‪ ،‬وﻫﻮ من أﻫم اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ وأوﺳعﻬﺎ؛ ﻟﻜﻮنه‬
‫ﲣﺎﻃﺐ اﳊﻮاس‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﲤﻜن من اﻟﺘﻮاﺻﻞ مع ﻛﻞ ﻓﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن من جﻬة‪ ،‬وﻛﻮنه من جﻬة أﺧﺮى‬
‫مﺪﺧﻼ‪ ،‬وأﺳﺎﺳﺎ ﻟﻸﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻔﻄﺮﻳّة اﻷﺧﺮى اﻟعﺎﻃﻔﻴّة واﻟعﻘﻠﻴّة‪.‬‬
‫ﻓﺎﳊﻮاس ﻫﻲ منﺎﻓﺬ اﳌعﺮﻓة اﻟعﻘﻠﻴّة واﻟﻮجﺪانﻴّة‪ ،‬وﻟﻜﺜﺮة أﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﳊﺴﻲ ﺳﻮف‬
‫أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ أﺳﻠﻮﺑﲔ مﻬمﲔ منﻬﺎ‪ ،‬من ﺧﻼل اﳌﻄﻠﺒﲔ اﻟﺘﺎﻟﻴﲔ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ‬
‫أن من اﳌﻘﺮرات اﻟعﻘﺪﻳّة أن اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم ﻳﺸﻜﻠﻮن اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﻓﻴمﺎ‬
‫ﻳﺪﻋﻮ م إﻟﻴه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﻮا أول اﻟنﺎس اﻟﺘﺰامﺎ ﲟﻀﺎمﲔ اﻟﺮﺳﺎﻻت اﻟﺴمﺎوﻳّة‪ ،‬وﱂ ﻳﻜن ﳍم ﲝﺎل من‬
‫اﻷﺣﻮال أن ﳜﺎﻟﻔﻮا مﺎ ﻳﺪﻋﻮن اﻟنﺎس إﻟﻴه‪ ،‬وورث ﻋنﻬم ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬واﻟعﻠمﺎء ﻋﱪ رﻳخ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪ ،‬وﺳﺘﻈﻞ ﻃﺎﺋﻔة منﻬم ﺑﺘة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﳌﺒﺪأ إﱃ ﻗﻴﺎم اﻟﺴﺎﻋة‪.‬‬
‫وﻗﺪ جﺎء ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ من اﻟﺪراﺳة ﻟﻴﻜﺸﻒ ﻋن جﻮانﺐ من اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ‬
‫اﻟﻐﺰوات ومﺪى ثﲑﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ أﺑعﺎدﻫﺎ اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ‬
‫ﰲ اﻟﺒﺪاﻳّة أمﻬﺪ ﺑﺒﻴﺎن مﻔﻬﻮم اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة ﰲ اﻟﻠﻐة واﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬و أﺑﲔ ﺑعﺾ اﻷﻟﻔﺎظ اﳌﺮتﺒﻄة‬
‫ﺎ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻘﺪوة‬
‫ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ تعﺮﻳﻒ اﻟﻘﺪوة ﺑﺪﻗة ﻻﺑﺪ من اﻟﺘﻄﺮق ﻟﻠمﺪﻟﻮل اﻟﻠﻐﻮي‪ ،‬واﻻﺻﻄﻼﺣﻲ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺳﻴﺘم ﺑﻴﺎنه‬
‫ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬

‫‪312‬‬
 ‫‪.1‬اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﻠﻐﺔ‬
‫اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﻠﻐة من "ﻗﺪو" وﻫﻮ أﺻﻞ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺒﺎس واﻻﻫﺘﺪاء‪ ،‬ومنه اﻟﻘﺪو‪ :‬وﻫﻮ اﻷﺻﻞ‬
‫اﻟﺬي ﻳﺘﺸعﺐ منه اﻟﻔﺮوع‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنمﻮذج ﻫﻮ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي ﺧﺬ ﻋنه اﳌﺪﻋﻮﻳن واﻷتﺒﺎﻋﺎﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻋن ﻃﺮﻳق‬
‫اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﺧﺎﺻة أﺳﻠﻮب اﶈﺎﻛﺎة واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ‪.‬‬
‫ِين َه َدي ُ‬ ‫َ‬
‫ﷲ‬ ‫َ‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ ْو ِك‬ ‫وﻗﺪ اﺳﺘعمﻠﺖ اﻟﻠﻔﻈة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﺑنﻔﺲ اﳌﺪﻟﻮل ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫فَبِ ُهد۪ ي ٰ ُه ُم ْتَد ِۖهْ چ ] اﻷنعﺎم‪ ،[91 :‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي‪ ":‬ومعﲎ‪" :‬اﻻﻗﺘﺪاء" ﰲ ﻛﻼم اﻟعﺮب‪ ،‬ﻟﺮجﻞ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫أتﺒﺎﻋأثﺮه‪ ،‬واﻷﺧﺬ ﺪﻳه‪ ،‬ﻳﻘﺎل‪" :‬ﻓﻼن ﻳﻘﺪو ﻓﻼ "‪ ،‬إذا ﳓﺎ ﳓﻮه‪ ،‬واتﺒع أثﺮه"‬
‫ﻓﺎﻻﻗﺘﺪاء إذا ﻫﻮ إتﺒﺎع اﳌﻘﺘﺪي اﳌﻘﺘﺪى ﺑه من ﺧﻼل ﳏﺎﻛﺎته ﰲ ﺳﻠﻮك مﺎ‪ ،‬ﺑﻐﺾ اﻟنﻈﺮ ﻋن‬
‫ﺣﺴنه أو ﻗﺒﺤه‪ ،‬ﻏﲑ أنه ﻳﺒﺪو من ﺧﻼل مﺎ ﺳﺒق أن مصﻄﻠﺢ اﻻﻗﺘﺪاء أدق من اﻻتﺒﺎع‪ ،‬من ﺣﻴﺚ‬
‫اﶈﺎﻛﺎة واﳌﺸﺎ ة‪ ،‬ﻓﺎﳌﻘﺘﺪي ﳛﺮص أن ﻳﻜﻮن نﺴخة وﻓﺮﻋﺎ ﻋن اﳌﻘﺘﺪى ﺑه‪.‬‬
‫أمﺎ اﳌﺮاد ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم ﻻﻗﺘﺪاء‪ ،‬ﻫﻮ اﻻﻗﺘﺪاء اﶈمﻮد ﲟﺤﺎﻛﺎة اﳌﻘﺘﺪى ﺑه ﰲ ﻫﺪﻳه‪ ،‬وﺳﻠﻮﻛه اﻟﻘﻮﱘ‬
‫وﻃﺮﻳﻘﺘه اﳌﺴﺘﻘﻴمة‪.‬‬
‫‪.2‬اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ اﺻﻄﻼﺣﺎ‬
‫وردت ﻋﺪة تعﺮﻳﻔﺎت ﻟﻠﻘﺪوة ﻛﺎﺻﻄﻼح دﻋﻮي منﻬﺎ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﺗﻌﺮﻳف اﳋﺰار‪" :‬اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة أﺳﻮة ﻷتﺒﺎﻋه ﻳﻘﻮدﻫم ﻟﻔعﻞ واﻟﻘﻮل‪ ،‬وﻳﺘأثﺮون ﺑعمﻠه اﳉمﻴﻞ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وﻟﻔﻈه اﳊﺴن‪ ،‬ﻓﻴﺤﺬون ﺣﺬوه"‪.‬‬
‫ب‪ .‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪" :‬واﳌﻘصﻮد من اﻷﺳﻮة أو اﻟﻘﺪوة أن ﻳﻜﻮن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﳌﺴﻠم ﻗﺪوة ﺻﺎﳊة ﻓﻴمﺎ‬
‫ﻓﻴمﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴه ﻓﻼ ﻳنﺎﻗﺾ ﻗﻮﻟه ﻓعﻠه‪ ،‬وﻻ ﻓعﻠه ﻗﻮﻟه"‪.4‬‬
‫وﻋﻠﻴه ﻓﺎﻟﻘﺪوة ﻫﻮ اﺳﺘﻘﺎمة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻋﻠﻰ مﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴه ﻛمﺎ أمﺮه ﷲ‪ ،‬ﰲ ﲨﻴع أﺣﻮاﻟه‪ ،‬ﳑﺎ أﻫﻠه أن‬
‫ﻳﻜﻮن مﺜﺎﻻ واﻗعﻴﺎ ﳝﻜن اﳌﺪﻋﻮ من مﺸﺎﻫﺪته وﳏﺎوﻟة ﲤﺜﻠه ﶈﺎﻛﺎة‪.‬‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻓﺎرس‪ ،‬مﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐة‪.(55/5) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(520/11) ،‬‬
‫‪ -3‬مﻮﺳﻮﻋة اﻷﺧﻼق‪ ،‬ﺧﺎﻟﺪ اﳋﺮاز‪ ،‬مﻜﺘﺒة أﻫﻞ اﻷثﺮ ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.425‬‬
‫‪ -4‬ﺳعﻴﺪ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬اﳋﻠق اﳊﺴن ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪313‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ذات ﺻﻠﺔ ﻟﻘﺪوة‬
‫ﻗﺪ دل اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻋﻠﻰ مصﻄﻠﺤﺎت تﺆدي نﻔﺲ مﺪﻟﻮل اﻟﻘﺪوة‪ ،‬منﻬﺎ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻷﺳﻮة‬
‫َُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ول‬‫ﻓﻘﺪ وردت ﻟﻔﻈة أﺳﻮة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ثﻼثة مﻮاﺿع‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چٱلقد كﺎن لكم ِ رس ِ‬
‫َ ُ ُ ٓ ْ ٌَ َ َ َ ‪ُ َ َ َ َْٰ ٓ ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫ْ ٌَ َ ‪ٞ‬‬
‫ِين َم َعه ٓۥ‬ ‫ح َسنَة ٱچ] اﻷﺣﺰاب‪[21 :‬ٱ‪،‬ٱوﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱﻗ ْد كﺎنت لكمۥ إ ِسوة حسنة ِ ِإب هِيم وا‬ ‫ِ‬
‫ﷲ إ ِسوة‬
‫ُ ٓ ْ ٌَ َ ‪ٞ‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ‬
‫ح َسنَة چ‬ ‫إِذ ﻗﺎ وا لِق ْو ِم ِه ُم ٓۥ أنﺎ ب َر ؤا مِنك ْم ٱچ ] اﳌمﺘﺤنة‪ ،[ 04 :‬وﻗﺎل‪ :‬چٱلق ْد كﺎن لك ْم ِ ي ِهمۥ إ ِسوة‬
‫]اﳌمﺘﺤنة‪.[06 :‬‬
‫ﻓعنﺪ تﺘﺒع اﻟﻠﻔﻈة ﰲ ﻛﺘﺐ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮآن ﳒﺪﻫﺎ ﳍﺎ نﻔﺲ مﺪﻟﻮل اﻟﻘﺪوة‪ ،‬ﻗﺎل اﻟﺮاﻏﺐ‪ ":‬اﻷﺳﻮة‬
‫واﻹﺳﻮة ﻛﺎﻟﻘﺪوة واﻟﻘﺪوة‪ ،‬وﻫﻲ اﳊﺎﻟة اﻟﱵ ﻳﻜﻮن اﻹنﺴﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ اتﺒﺎع ﻏﲑه إن ﺣﺴنﺎ وإن‬
‫ﻗﺒﻴﺤﺎ‪ ،‬وإن ﺳﺎرا‪ ،‬وإن ﺿﺎرا"‪.1‬‬
‫‪.2‬اﻹﻣﺎﻣﺔ‬
‫جﺎءت ﻟﻔﻈة اﻹمﺎمة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻋﺪة مﻮاﻃن ﺷﺘﻘﺎﻗﺎت ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻗﺎل ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪:‬ٱ‬
‫ٗ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ََ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ج َعل َ ٰ ُه ُم ٓۥ مة‬‫چٱف ٰت ِ ٓوا أي۪مة لكف ِر چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[12 :‬وﻗﺎل ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ ﰲ مﻮﻃن آﺧﺮ‪ :‬ٱچٱ و‬
‫َ‬ ‫َ ُْ ْ ُ ْ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُْ َ َْ َ‬
‫ِين ستضعِفوا ِ ﻻ ِض‬ ‫ون بِﺄم ِرنﺎ چ]اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،[72:‬وﻗﺎل جﻼ وﻋﻼ‪ :‬ٱچ ٱ َون ِر د أن من‬ ‫هد‬
‫َ َ ََْ ُ ُ ٓ ٗ َْ ُ َ َ‬ ‫ٗ َ ْ َ َُ َْ‬ ‫َ ْ َ َُ‬
‫َونجعله ُم ٓۥ مة َونجعله ُم ل ٰ ِر ِ َ چ ]اﻟﻘصﺺ‪ ،[04:‬وﻗﻮﻟه تﺒﺎرك وتعﺎﱃ‪:‬چٱوجعل ٰهمۥ مة يدعون إ ِ‬
‫ﺎر چ ]اﻟﻘصﺺ‪.[41:‬‬ ‫ّ‬
‫۪ ِ‬
‫ﻓﺎﻹمﺎمة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ تﻄﻠق ﻋﻠﻰ مﻄﻠق اﻟﻘﺪوة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ":‬أﻫﻞ اﻹﳝﺎن اﺋﺘمﻮا ﻷنﺒﻴﺎء‬
‫‪2‬‬
‫ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم‪ ،‬وأﻫﻞ اﻟﻜﻔﺮ اﺋﺘمﻮا ﺋمﺘﻬم "‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻷﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬
‫من ﺧﻼل اﺳﺘعﺮاض اﻵ ت اﻟﱵ وردت ﻓﻴﻬﺎ مﻔﺮدة اﻟﻘﺪوة‪ ،‬ومﺎ ﻳﺮادﻓﻬﺎ من مصﻄﻠﺤﺎت‬
‫ﻛﺎﻷﺳﻮة‪ ،‬واﻹمﺎمة ﻳﺘﺒﲔ أ ﺎ ﺣﺎﺿﺮة ﺑﻘﻮة ﰲ منﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮات من جﻬة‪ ،‬ومن جﻬة أﺣﺮى نﻠﺤﻆ‬
‫أن اﻟﻘﺪوة ﻻ تﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓﻘط‪ ،‬ﺑﻞ تﺘعﺪى إﱃ أتﺒﺎﻋه‪ ،‬وأنصﺎر دﻋﻮته‪ ،‬ﰲ ﺣﻴﺎته‪ ،‬وﺑعﺪ‬
‫ﳑﺎته‪.‬‬

‫‪ - 1‬اﻟﺮاﻏﺐ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻔﺮدات ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪.(90/5) ،‬‬
‫‪314‬‬
‫ﻓﺎﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟنّﺎجﺢ ﻻ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﻟﻘﻴﺎدة‪ ،‬ﺑﻞ ﳛﺮص ﻋﻠﻰ إﻋﺪاد اﻟﻘﺎدة‪ ،‬وتنمﻴّة مﻬﺎرا م ﺣﱴ ﻳﻀمن‬
‫ﻟﺪﻋﻮته اﻻﺳﺘمﺮار‪ ،‬ومن أجﻞ إﺑﺮاز ﻫﺬه اﻟﻘﻀﻴّة اﳍﺎمة أورد ﳕﺎذج من اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻘﺪوة من ﺧﻼل‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﱵ ﺻنعﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﲔ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬من ﺧﻼل‬ ‫اﻟﻘﺪوة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﻗﺪوات ّ‬
‫مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﻘﺪوة اﻟﻨّﺒﻮﻳّﺔ‬
‫ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻷﺳﻠﻮب اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻘﺪوة ﺣﻀﻮرا ﻗﻮ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﺘﺒﺎره من منﺎﻫج اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳊﺴﻴّة‬
‫اﳊﺴﻴّة اﻟﱵ ﲤﻜن اﳌﺪﻋﻮ من مﺸﺎﻫﺪة اﻟ ّﺪاﻋﻴّة وﻫﻮ مﺘمﺜﻞ ﳌﻀﺎمﲔ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ تصﺮﻓﺎته‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ‬
‫ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻃﺎﳍﺎ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب‪.1‬‬
‫وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من ﺧﻼل اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﻘﺪوة ﰲ ﺣﺴﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ‬
‫من ﳎﺎﻻت اﻟﻘﺪوة ﲤﺜﻞ مﻜﺎرم اﻷﺧﻼق مع ﻛﻞ اﻟنﺎس؛ ﺣﱴ مع اﳋﺪم واﻟصﺒﻴﺎن‪ ،‬ﻓﺎﻹﺣﺴﺎن إﱃ‬
‫اﳋﺪم‪ ،‬ﻓﺮع ﻋن اﻹﺣﺴﺎن إﱃ اﳋﻠق اﻟﺬي ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن ﻳﻜﻮن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة مﻠﺘﺰمﺎ ﻟه ﰲ ﲨﻴع أﺣﻮاﻟه‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫أﻋﻄﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻷﺳﻮة واﻟﻘﺪوة اﳌﺜﻠﻰ ﻓﻴه‪.‬‬
‫ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻗﺪم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﳌﺪﻳنة ﻟﻴﺲ ﻟه ﺧﺎدم‪ ،‬ﻓأﺧﺬ أﺑﻮ ﻃﻠﺤة ﺑﻴﺪي ﻓﺎنﻄﻠق‬
‫ﺑﻴﺪي ﻓﺎنﻄﻠق ﰊ إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻘﺎل‪ :‬رﺳﻮل ﷲ أن أنﺴﺎ ﻏﻼم ﻛﻴﺲ ﻓﻠﻴخﺪمﻚ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻓخﺪمﺘه ﰲ اﻟﺴﻔﺮ‪ 2‬واﳊﻀﺮ‪ ،‬مﺎ ﻗﺎل ﱄ ﻟﺸﻲء ﺻنعﺘه ﱂ ﺻنعﺖ ﻫﺬا ﻫﻜﺬا؟ وﻻ ﻟﺸﻲء ﱂ أﺻنعه ِﱂ‬
‫‪3‬‬
‫ﱂْ تصنع ﻫﺬا ﻫﻜﺬا؟«‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.131‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪ -2‬ﻗﺪ ﻏﺰا أنﺲ ﺑن مﺎﻟﻚ مع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﲦﺎﱐ ﻏﺰوات‪ ،‬وﱂ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺪرا ﻟصﻐﺮه‪ ،‬واﺳﺘمﺮ ﰲ ﺷﻬﻮد اﻟﻔﺘﻮح ﺑعﺪ وﻓﺎة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﻮاأﺋمة ﰲ اﻟﺜﺒﺎت واﻻﺳﺘمﺮار‪‬ﻋﻠﻰ أﻋمﺎل اﳋﲑ واﻟﱪ‬ ‫اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻫﺬا مﻈﻬﺮ من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﻘﺪوة ﰲ ﺷخصﻴّة ّ‬
‫اﻟﱵ ﻓﺎرﻗﻬم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬إﱃ أ ّن ﳊﻘﻮا ﺑه ﺑﻔﺮاق اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬وﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي ﻳنﺒﻐﻲ أ ّن ﻳﺮاﻋﻴه اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ﰲ تﺮﺑﻴّة اﻷتﺒﺎﻋعﻠﻴه؛‬
‫ﲢصﻴنﺎ ﳍم من ﻓﺘنة اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬واﻟﺮﻛﻮن إﻟﻴﻬﺎ‪ .‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪ ،(419/4) ،‬واﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة‪،‬‬
‫)‪.(127/1‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﺳﺘخﺪام اﻟﻴﺘﻴم ﰲ اﻟﺴﻔﺮ واﳊﻀﺮ‪ ،‬إذا ﻛﺎن ﺻﻼﺣﺎ ﻟه‪ ،‬ونﻈﺮ اﻷم‬
‫اﻟﱰﺑﻴة ﻟﻘﺪوة‪ ،‬ﻓﺎﺻﻄﺤﺎب اﻟﻴﺘﻴم ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬واﻟﺴﻔﺮ‬ ‫وزوجﻬﺎ ﻟﻠﻴﺘﻴم‪ ،(11/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2616 :‬وﰲ ﻫﺬه اﻟﱰﲨة دﻻﻟة ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ ّ‬
‫واﺳﺘخﺪامه ﰲ اﳊﻀﺮ منﻮط ﲟصﻠﺤة اﻟﻴﺘﻴم اﻟﱰﺑﻮﻳّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن تﺮاﻋﻴﻬﺎ اﳉﻬﺎت اﳌﺘﻜﻔﻠة ﺑه‪ ،‬مع اﺷعﺎره م ﳛﺒﻮن ﻟه اﳋﲑ‬
‫من ﺧﻼل مﺎ ﻳصﺪر منﻬم من ﻗﻴم اﻟﺮﲪة واﻟﺮأﻓة واﻟﺮﻓق ﲡﺎﻫه‪.‬‬
‫‪315‬‬
‫ﻓﻬﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻋﻈم ﺧﻠق اﻟنﱯ ‪ ،‬ﺣﱴ مع اﳋﺪم واﻟصﺒﻴﺎن ﻓﻀﻼ ﻋن ﻏﲑﻫم‪ ،‬ﳑﺎ‬
‫ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ وﻓﻀﺎﺋﻠه‬ ‫ﻛﺎن ﻟه أﺑﻠغ اﻷثﺮ اﻟﺪﻋﻮي ﰲ اﳌﺪﻋﻮ؛ ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﺷخصﻴّة أنﺲ‬
‫وﻓﻀﺎﺋﻠه ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻗﺎل ﻋنه اﻟﺬﻫﱯ‪ ":‬اﻹمﺎم‪ ،‬اﳌﻔﱵ‪ ،‬اﳌﻘﺮئ‪ ،‬اﶈﺪث‪ ،‬راوﻳّة اﻹﺳﻼم‪ ،‬أﺑﻮ‬
‫أﺑﻮ ﲪﺰة اﻷنصﺎري‪ ،‬اﳋﺰرجﻲ‪ ،‬اﻟنﺠﺎري‪ ،‬اﳌﺪﱐ‪ ،‬ﺧﺎدم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﻗﺮاﺑﺘه من اﻟنﺴﺎء‪ ،‬وتﻠمﻴﺬه‪،‬‬
‫وتﻠمﻴﺬه‪ ،‬وتﺒعه‪ ،‬وآﺧﺮ أﺻﺤﺎﺑه مﻮ "‪.1‬‬
‫ﻓﻼ ﺷﻚ أن ﻃﻮل اﳌﻼزمة ﳍﺬه اﻟﻘﺪوة اﻟعﻈﻴمة ﻳﺜمﺮ ﻫﺬه اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﱵ ﻇﻬﺮت ﰲ ﺷخصﻴّة‪،‬‬
‫وتﻜﻮﻳن أنﺲ ‪.‬‬
‫‪.2‬اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﺘﺤﻤﻞ‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة وﻫﻮ ﻳﺒﻠغ دﻋﻮته ﻻ ﺑﺪ أن تﻮاجﻬه ﲢﺪ ت‪ ،‬وﺻعﻮ ت ﺣﱴ من اﻷتﺒﺎع؛ﻟﺘﻔﺎوت‬
‫مﺴﺘﻮ م‪ ،‬وتنﻮع ﻃﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬وأﺧﻼﻗﻬم‪ ،‬ﻓعﻠﻴه أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪوة ﳍم ﰲ ﲢمﻞ ﻳصﺪر منﻬم من أذى‪،‬‬
‫أذى‪ ،‬ﻓﻴﻘﺎﺑﻞ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟعﻔﻮ واﻟصﻔﺢ واﳊﻠم‪.2‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻛﺎن ﻳﻔعﻠه اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أُذي ﰲ مﻮاﻗﻒ مﺘعﺪدة وﱂ ﻳصﺪر منه إﻻ اﳊﻠم واﻟصﻔﺢ‪ ،‬ﻓمن‬
‫ﻓمن ذﻟﻚ مﺎ رواه جﺒﲑ ﺑن مﻄعم أنه ﺑﻴنمﺎ ﻫﻮ ﻳﺴﲑ مع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ومعه اﻟنﺎس ُم ْﻘ ِﻔﻠَه من‬
‫ﻓعﻠَ َﻘه اﻟنﺎس ﻳﺴأﻟﻮنه ﺣﱴ اﺿﻄﺮوه إﱃ ﲰﺮة ﻓخﻄﻔﺖ رداءه‪ ،‬ﻓﻮﻗﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬ ‫ﺣنﲔ‪َ ،‬‬
‫»أﻋﻄﻮﱐ رداﺋﻲ‪ ،‬ﻟﻮ ﻛﺎن ﱄ ﻋﺪد ﻫﺬﻩ اﻟﻌﻀﺎﻩ ﻧﻌﻤﺎ ﻟﻘﺴﻤﺘﻪ ﺑﻴﻨﻜﻢ‪ ،‬ﰒ ﻻ ﲡﺪوﱐ ﲞﻴﻼ‪ ،‬وﻻ ﻛﺬو ‪ ،‬وﻻ‬
‫ﺟﺒﺎ «‪.3‬‬
‫ﻓمن مﻈﺎﻫﺮ اﻟﻘﺪوة ﰲ اﳊﺪﻳﺚ أنه ﲣﻠق ‪ ‬ﺻﻮل اﻷﺧﻼق واﳊﻜمة‪ ،‬ﻓﺤﻠم ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺮاب‪،‬‬
‫وﱂ ﻳعﺎﻗﺒﻬم ﻋﻠﻰ إﺳﺎءة اﻷدب معه‪ ،‬ومع ﻫﺬا وﻋﺪﻫم ﺧﲑا‪ ،‬وﻫﺬا ﻛﻠه ﻳﺪل ﻋﻠﻰ رﻏﺒﺘه ‪ ‬ﰲ أ ْن‬
‫أ ْن ﻳﻘﺘﺪي ﺑه اﻟنﺎس ﰲ ﻫﺬه اﻷﺧﻼق اﻟﻜﺮﳝة‪ ،‬ﰲ ﺣﻴﺎته وﺑعﺪ ﳑﺎته ﻓﻘﺪ ﺣﻔﻠﺖ ﻛﺘﺐ اﻟﺴنة ﻟﻜﺜﲑ‬
‫ﻟﻜﺜﲑ من اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ أﺳﻮة ﺣﺴنة ﰲ اﻟﺘﺤمﻞ واﳊﻠم‪.4‬‬
‫‪.3‬اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﺘﻮاﺿﻊ‬
‫من اﻷﺧﻼق اﻟﱵ ﲡﺬب اﳌﺪﻋﻮﻳن تﻮاﺿع اﻟ ّﺪاﻋﻴّة وﻋﺪم تﺮﻓعه ﻋن مﺪﻋﻮﻳه وأتﺒﺎﻋه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ‬
‫‪ ‬ﰲ ﻫﺬا اﳋﻠق أﺳﻮة ﺣﺴنة ﻷﺻﺤﺎﺑه وأتﺒﺎﻋه‪ ،‬وﱂ ﻳﻜن ذﻟﻚ ﻟﻘﻮل ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺮى‬

‫‪ -1‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(396/3) ،‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت ﰲ رﻳخ ّ‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺸﺠﺎﻋة ﰲ اﳊﺮب واﳉﱭ )‪ ،(31/4‬ﺑﺮﻗم‪.2666 :‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪.(250/1) ،‬‬‫‪ -‬اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻓﻘه ّ‬
‫‪316‬‬
 ‫ﺖ‬‫اﻟﺘﻮاﺿع ﰲ ﺳﻠﻮﻛه وتعﺎمﻠه ﳑﺎ ﻳﻜﻮن ﻟه أﺑﻠغ اﻷثﺮ ﻓﻴمن ﻳﺸﺎﻫﺪه‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬رأَﻳْ ُ‬
‫ﻮل‪» :‬ﻟَ ْﻮﻻَ‬ ‫ﺎض ﺑَﻄْﻨِ ِﻪ‪ ،‬و ُﻫ َﻮ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫اب ﺑَـﻴَ َ‬
‫ﱡﺮ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮ َم اﻷ ْ ِ‬ ‫ﻗﺎل‪َ :‬رأَﻳْ ُ‬
‫اب‪ ،‬وﻗَ ْﺪ َو َارى اﻟﺘـ َ‬ ‫ﱡﺮ َ‬ ‫َﺣ َﺰاب ﻳَـ ْﻨـ ُﻘ ُﻞ اﻟﺘـ َ‬ ‫ﺖ َر ُﺳ َ‬
‫ﺖ اﻷَﻗْ َﺪ َام أن ﻻَﻗَـ ْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬أن اﻷ َُﱃ ﻗَ ْﺪ ﺑَـﻐَ ْﻮا‬ ‫ﺖ ﻣﺎ ا ْﻫﺘَ َﺪﻳْـﻨَﺎ‪ ،‬وﻻَ ﺗَﺼ ﱠﺪﻗـْﻨَﺎ وﻻَ ﺻﻠﱠْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَﻧْ ِﺰﻟَﻦ ﺳ ِﻜﻴﻨَﺔً َﻋﻠَْﻴـﻨَﺎ‪ ،‬وﺛَـﺒِّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫أَﻧْ َ َ‬
‫‪1‬‬
‫ادوا ﻓِْﺘـﻨَﺔً أَﺑَـْﻴـﻨَﺎ«‪.‬‬ ‫إِذَا أ ََر ُ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ‬
‫ﻓمن ﲦﺎر ﻫﺬا اﳋﻠق أن ﻳُﻘﺘﺪى ﺑه من جﻬة‪ ،‬ومن جﻬة أﺧﺮى؛ﻓأن اﻟﺘﻮاﺿع ﲟﺸﺎرﻛة ّ‬
‫ﰲ نﻘﻞ اﻟﱰاب ﻳﺸﺤﺬ اﳍمم‪ ،‬وﻳﺰﻳﺪ من اﻟﺪاﻓعﻴّة واﻟعﻄﺎء‪.2‬‬
‫‪.4‬اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺜﺒﺎت‬
‫من اﻟصﻔﺎت اﻟﱵ ﳛﺘﺎجﻬﺎ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﰲ تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟصﺪع ﳊق‪ ،‬وﳛﺮص ﻋﻠﻰ تﺮﺳﻴخﻬﺎ ﰲ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن واﻷتﺒﺎع ﺻﻔة اﻟﺸﺠﺎﻋة‪ ،‬واﻟﺜﺒﺎت ﻋﻠﻰ اﳌﺒﺪأ‪ ،‬وﻟعﻞ من وﺳﺎﺋﻞ تﺮﺳﻴخﻬﺎ إﺿﺎﻓة إﱃ وﺳﻴﻠة‬
‫وﺳﻴﻠة اﻟﻘﻮل ﲤﺜﻞ اﻟﺸﺠﺎﻋة واﻟﺜﺒﺎت ﰲ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة ﲤﻜن اﳌﺪﻋﻮ من مﺸﺎﻫﺪ ﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻛﺎن‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻔعﻠه ﺧﺎﺻة ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ تعﺪ من مﻴﺎدﻳن اﻟﺸﺠﺎﻋة‪ ،‬ﻓعن أﰊ إﺳﺤﺎق‪» :‬ﻗﺎل رجﻞ‬
‫ﻟﻠﱪاء ﺑن ﻋﺎزب رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬أﻓﺮرﰎ ﻋن رﺳﻮل ﷲ ﻳﻮم ﺣنﲔ؟ ﻗﺎل‪ :‬ﻟﻜن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﱂ‬
‫ﱂ ﻳﻔﺮ‪ ،‬أن ﻫﻮازن ﻛﺎنﻮاﻗﻮمﺎ رمﺎة‪ ،‬وإ ﳌﺎ ﻟﻘﻴنﺎﻫم ﲪﻠنﺎ ﻋﻠﻴﻬم ﻓﺎ ﺰمﻮا‪ ،‬ﻓأﻗﺒﻞ اﳌﺴﻠمﻮن ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻐنﺎﺋم‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻮ ﻟﺴﻬﺎم‪ ،‬ﻓأمﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻠم ﻳﻔﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻘﺪ رأﻳﺘه وإنه ﻟعﻠﻰ ﺑﻐﻠﺘه اﻟﺒﻴﻀﺎء‪ ،‬وأن‬
‫ﱠﱯ ﻻَ َﻛ ِﺬ ْب‪ ،‬أَ َ اﺑْ ُﻦ َﻋْﺒ ِﺪ اﳌُﻄﱠﻠِ ْﺐ«‪.4‬‬ ‫‪3‬‬
‫أ ﺳﻔﻴﺎن آﺧﺬ ﺑﻠﺠﺎمﻬﺎ واﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪» :‬أَ َ اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ ﻋﻘﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬ﻗﺎل اﻟعﻠمﺎء ﰲ رﻛﻮﺑه ‪ ‬اﻟﺒﻐﻠة ﻳﻮمﺌﺬ دﻻﻟة ﻋﻠﻰ اﻟنﻬﺎﻳّة ﰲ‬
‫اﻟﺸﺠﺎﻋة واﻟﺜﺒﺎت"‪.5‬‬
‫وﻻ ﳜﻔﻰ أن اﻟﺮﻛﻮب ﳚعﻠه رزا ﻇﺎﻫﺮا ﻷﺻﺤﺎﺑه ﻳﺸﺎﻫﺪون ثﺒﺎته‪ ،‬وﻋﺪم ﻓﺮاره‪ ،‬واﻟﺸﺎﻫﺪ من‬
‫اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻗﻮل اﻟﺮاوي‪ ":‬ﻓأمﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻠم ﻳﻔﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻘﺪ رأﻳﺘه وإنه ﻟعﻠﻰ ﺑﻐﻠﺘه اﻟﺒﻴﻀﺎء"‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،(26/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2837 :‬‬
‫‪ -2‬ﲪﺰة ﷴ ﻗﺎﺳم‪ ،‬منﺎر اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(94/4) ،‬‬
‫‪ -3‬أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ ﺑن اﳊﺎرث ﺑن ﻋﺒﺪ اﳌﻄﻠﺐ ﺑن ﻋم اﻟنﱯ ‪ ‬وﻟﻴﺲ ﻫﻮ أﺑﻮ ﺳﻔﻴأ ّن ﺑن ﺣﺮب واﻟﺪ معﺎوﻳّة رﺿﻲ ﷲ‬
‫ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(290/1) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﺑﻐﻠة اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺒﻴﻀﺎء‪ ،(32/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2874:‬‬
‫‪ -5‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(30/8) ،‬‬
‫‪317‬‬
‫اﻟﺜﻼثة اﳌﺆثﺮة وﻫﻲ‪ :‬اﻟصﻮت‬ ‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﳍﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻹﻋﻼمﻲ ﻫﺬا اﻟصﺪى ﳉمعه ﺑﲔ اﻟعنﺎﺻﺮ‬
‫واﻟصﻮرة واﳊﺮﻛة‪.1‬‬
‫ﻓﻜﻮن اﳌﻘﺘﺪى ﺑه ﻋﻠﻰ مﻜﺎن مﺮتﻔع رز ﳝ ِّﻜن من مﺸﺎﻫﺪته ﻟﻼﻗﺘﺪاء ﺑه؛ من أجﻞ ذﻟﻚ ُجعﻞ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة من مﺸﺎﻫﺪة ﺻﻔة ﺻﻼته‪ ،‬وﻗﺪ أدى‬ ‫ّ‬ ‫ﻟﺘمﻜﲔ‬ ‫اﳌنﱪ ﰲ اﳋﻄﺒة‪ ،‬وﻗﺪ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻴه ‪ ‬ﻳﻮمﺎ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة من أﺧﺬ اﳌنﺎﺳﻚ ﻋنه‪ ،‬ﻓعﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋمﺮو ﺑن اﻟعﺎص أن‬ ‫منﺎﺳﻚ اﳊج ﻋﻠﻰ ﲨﻞ ﻟﺘمﻜﲔ ّ‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﻗﻒ ﰲ ﺣﺠة اﻟﻮداع ﲟﲎ ﻟﻠنﺎس ﻳﺴأﻟﻮنه‪ ،‬ﻓﺠﺎءه رجﻞ ﻓﻘﺎل‪ :‬ﱂ أﺷعﺮ ﻓﺤﻠﻘﺖ ﻗﺒﻞ‬
‫أن أذﺑﺢ ؟ ﻓﻘﺎل‪» :‬اذﺑﺢ وﻻ ﺣﺮج «‪ ،‬ﻓﺠﺎء آﺧﺮ ﻓﻘﺎل‪ :‬ﱂ أﺷعﺮ ﻓنﺤﺮت ﻗﺒﻞ أن أرمﻲ ؟ ﻗﺎل‪ »:‬ارم‬
‫‪3‬‬
‫وﻻ ﺣﺮج «‪ ،‬ﻓمﺎ ﺳﺌﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋن ﺷﻲء ﻗﺪم وﻻ أﺧﺮ إﻻ ﻗﺎل‪ »:‬اﻓﻌﻞ وﻻ ﺣﺮج «‪.‬‬
‫ﻛﺎنﺖ تﻠﻚ ﺑعﺾ ا ﺎﻻت اﻟﱵ ﲡﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺪوة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻗﺪ ﺷ ِﻬﺪﻫﺎ‪ ،‬وﺷﺎﻫﺪﻫﺎ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﻏﲑ مﺎ مﺮة؛ ﳑﺎ ﺳﻬﻞ ﳍم اﻻﻗﺘﺪاء واﻻﻫﺘﺪاء ﳍﺪي اﻟنﺒﻮي‪ ،‬ونﻘﻠه‬ ‫ّ‬
‫ﻷتﺒﺎع اﻟﺪﻋﻮة ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳخ‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﺑﺮزت ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟنﱯ ‪ ‬وﰲ‬ ‫وأﻛﺜﺮ من ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺻنع ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻗﺪوات من ّ‬
‫مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﲢﺪﻳﺪا‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﻗﺪوات ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﺑه ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ تعﺪى اﻷمﺮ إﱃ‬ ‫ﳒﺎح أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﱂ ﻳﻜن مﻈﻬﺮه اﻗﺘﺪء ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة مﺮتﺒة اﻻﻗﺘﺪاء إﱃ مﺮتﺒة اﻟﻘﺪوة واﻹمﺎمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫تعﺪى اﻷمﺮ إﱃ أﻋﻠﻰ من ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﲡﺎوز ّ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ‪ ،‬اﻟعﻼﻗة اﳌﺜﻠﻰ ﺑﲔ اﻟﺪﻋﺎة ووﺳﺎﺋﻞ اﻹتصﺎل اﳊﺪﻳﺜة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1432‬ه‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎل اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ‪" :‬ﱂ ﻳﺮو ﻋن اﻟنﱯ ‪ ‬أنه ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻰ اﳌنﱪ إﻻ مﺮة واﺣﺪة"‪ ،‬أﲪﺪ ﺑن اﳊﺴﲔ ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ‪،‬‬
‫معﺮﻓة اﻟﺴنن واﻵ ر‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﳌعﻄﻲ أمﲔ ﻗﻠعﺠﻲ‪ ،‬دار ﻗﺘﻴﺒة‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ﻫـ‪1991 ،‬م‪ ،(188/4) ،‬واﳊﺪﻳﺚ‬
‫ﰲ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟصﻼة‪ ،‬ب اﻟصﻼة ﰲ اﻟﺴﻄﻮح واﳌنﱪ واﳋﺸﺐ‪ ،(58/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.370 :‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟعﻠم‪ ،‬ب اﻟﻔﺘﻴﺎ وﻫﻮ واﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺪاﺑة وﻏﲑﻫﺎ‪ ،(43/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،83 :‬وﻗﺪ وردت ﰲ‬
‫اﻟﺴﻴﺎق نﻔﺴه رواﻳّة ﻋنﺪ مﺴﻠم تصﺮح ﲟﻘصﺪ أداء اﳌنﺎﺳﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﺣﻠة‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ اﻟﻘصﺪ اﻟنﺒﻮي ﺑصﺮاﺣة ﰲ رواﻳّة مﺴﻠم‪ ،‬ﻓعن‬
‫جﺎﺑﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬رأﻳﺖ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺮمﻲ ﻋﻠﻰ راﺣﻠﺘه ﻳﻮم اﻟنﺤﺮ‪ ،‬وﻳﻘﻮل‪" :‬ﻟﺘأﺧﺬوا منﺎﺳﻜﻜم‪ ،‬ﻓﺈﱐ ﻻ أدري ﻟعﻠﻲ ﻻ أﺣج ﺑعﺪ‬
‫ﺣﺠﱵ ﻫﺬه"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳊج‪ ،‬ب اﺳﺘﺤﺒﺎب رمﻲ ﲨﺮة اﻟعﻘﺒة ﻳﻮم اﻟنﺤﺮ راﻛﺒﺎ‪ ،‬وﺑﻴأ ّن ﻗﻮﻟه ‪‬‬
‫»ﻟﺘأﺧﺬوا منﺎﺳﻜﻜم«‪،(943/2) ،‬‬
‫‪318‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬وﳌن ﰐ من ﺑعﺪﻫم ﺣﱴ ﻻ ﻳﻈن اﻟﻈﺎن أن‬ ‫ﻛﺎنﻮاﰲ مﻮاﻗﻒ ﻛﺜﲑة ﻗﺪوة ﻟﻐﲑﻫم من ّ‬
‫اﻟﻘﺪوة تﻮﻗﻔﺖ ﲟﻮت اﻟنﱯ ‪.‬‬
‫وﻫﺬه اﻻﺳﺘمﺮارﻳّة ﺷﻬﺪت ﳍﺎ نصﻮص ﻛﺜﲑة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ﻓعن ثﻮ ن‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ‬
‫ﻳﻦ‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ َْﺗِﻴَـ ُﻬ ْﻢ أ َْﻣ ُﺮ ا ﱠِ َو ُﻫ ْﻢ ﻇَ ِﺎﻫ ُﺮو َن« ‪. 1‬‬ ‫ِ‬ ‫رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬ﻻَ ﻳـﺰ ُ ِ ِ‬
‫ال ﻃَﺎﺋ َﻔﺔٌ ﻣ ْﻦ أُ ﱠﻣ ِﱵ ﻇَﺎﻫ ِﺮ َ‬‫ََ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬ ‫ومن مﻈﺎﻫﺮ أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة ﻋنﺪ ّ‬
‫‪.1‬اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻻﻧﻔﺎق ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‬
‫ﻳعﺪ اﻹنﻔﺎق ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ من أﻋﻈم وجﻮه اﻟﱪ‪ ،‬ومن أﻫم وﺳﺎﺋﻞ ﲤﻮﻳﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ونصﺮة اﻟﺪﻳن‪،‬‬
‫وﻗﺪ أدرك ﻫﺬا ﺻﺤﺎﺑة رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻋن ﻃﺮﻳق اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺴﻴﺪ اﳌنﻔﻘﲔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ أجﻮد‪ ،‬وأﻛﺮم‬
‫اﳋﻠق ﻋﻠﻴه اﻟصﻼة واﻟﺴﻼم؛ إذ ﻛﺎن ﳍم ﻓﻴه اﻷﺳﻮة واﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟﻘﺪوة ﺻنعﺖ ﻗﺪوات ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل منﻬم ﻋﺜمﺎن اﻟﺬي ﺳخﺮ مﺎﻟه ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ِ‬
‫ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺣﱴ ﺻﺎر ﻗﺪوة ﻟﻐﲑه ‪ ،‬ﻓعن ﻋن أﰊ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‪" :‬أن أن ﻋُﺜْمﺎن َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‬
‫ر ِﺿﻲ ا ﱠ ﻋنْه ِﺣﲔ ﺣ ِ‬
‫ﱠﱯ ‪،‬‬ ‫َﺻ َﺤ َ ِ‬
‫ﺎب اﻟن ِّ‬ ‫ف َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْم‪ ،‬وﻗَ َﺎل‪ :‬أَنْ ُﺸ ُﺪ ُﻛ ُم ا ﱠَ‪ ،‬وﻻَ أَنْ ُﺸ ُﺪ إِﱠﻻ أ ْ‬ ‫ﻮﺻَﺮ أَ ْﺷَﺮ َ‬ ‫َ َ ُ َُ َ ُ‬
‫وﻣ َﺔ ﻓَـﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔُ«؟ ﻓَ َﺤ َﻔ ْﺮتُـ َﻬﺎ‪ ،‬أَﻟَ ْﺴﺘُ ْم تَـ ْعﻠَ ُمﻮ َن‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺣ َﻔ َﺮ ُر َ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻗَ َ‬ ‫‪ ،‬أَﻟَ ْﺴﺘُ ْم تَـ ْعﻠَ ُمﻮ َن أن َر ُﺳ َ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻌ ْﺴ َﺮِة ﻓَـﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔُ«؟ ﻓَ َﺠ ﱠﻬْﺰتُـ ُﻬ ْم‬
‫ﺶ ُ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺟﻬ َ‬
‫ﱠﺰ َﺟْﻴ َ‬ ‫أنهُ ﻗَ َ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﱪز اﻟﻘﺪوة ﰲ ﺳﲑة ﻋﺜمﺎن ‪ ،‬وذﻟﻚ أنه اﺷﱰى ﺑﺌﺮ رومة وﺣﻔﺮﻫﺎ ﲟﺎﻟه‪ ،‬وأنﻔق اﻟنﻔﻘة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺮﺿﻲ ﷲ ﻋنه ﻗﺪوة ﺣﺴنة ﻟﻐﲑه من‬ ‫وأنﻔق اﻟنﻔﻘة اﻟعﻈﻴمة ﰲ ﻏﺰوة تﺒﻮك ﲝﻀﺮة ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة؛ وﳍﺬا أثﲎ ﻋﻠﻴه اﻟنﱯ ‪‬مﺮارا ﺑﻘﻮﻟه‪» :‬ﻣﺎ ﺿﺮ ﻋﺜﻤﺎن ﻣﺎ ﻋﻤﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﻴﻮم«‪،‬‬ ‫ﺣﺴنة ﻟﻐﲑه من ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ تﺸﺠﻴع ﳍم ﻋﻠﻰ اﻟنﻔﻘة‪.1‬‬ ‫وﻛﺎن ذﻟﻚ ﲝﻀﺮة ّ‬

‫‪ -1‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻹمﺎرة ب ﻗﻮﻟه ‪ ‬ﻻ تﺰال ﻃﺎﺋﻔة‪ ،(1523/3) ،‬ﻗﺎل اﻟنﻮوي ﰲ ﺑﻴأ ّن اﺳﺘمﺮار اﻟﻘﺪوات‬
‫ﰲ ﲨﻴع ا ﺎﻻت‪ ":‬ﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﻔة مﻔﺮﻗة ﺑﲔ أنﻮاع اﳌﺆمنﲔ منﻬم ﺷﺠعﺎن مﻘﺎتﻠﻮن ومنﻬم ﻓﻘﻬﺎء ومنﻬم ﳏﺪثﻮن ومنﻬم زﻫﺎد‬
‫وآمﺮون ﳌعﺮوف و ﻫﻮن ﻋن اﳌنﻜﺮ ومنﻬم أﻫﻞ أنﻮاع أﺧﺮى من اﳋﲑ وﻻ ﻳﻠﺰم أ ّن ﻳﻜﻮنﻮا ﳎﺘمعﲔ ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮنﻮن مﺘﻔﺮﻗﲔ ﰲ‬
‫أﻗﻄﺎر اﻷرض وﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ معﺠﺰة ﻇﺎﻫﺮة ﻓﺈ ّن ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ مﺎ زال ﲝمﺪ ﷲ تعﺎﱃ من زمن اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ اﻷ ّن وﻻ ﻳﺰال‬
‫ﺣﱴ ﰐ أمﺮ ﷲ اﳌﺬﻛﻮر ﰲ اﳊﺪﻳﺚ"‪ ،‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺷﺮح مﺴﻠم‪.(65/13) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ ب إذا وﻗﻒ أرﺿﺎ أو ﺑﺌﺮا‪ ،‬واﺷﱰط ﻟنﻔﺴه مﺜﻞ دﻻء اﳌﺴﻠمﲔ‪،(13/4) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪.2778:‬‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(150/1) ،‬‬
‫‪ -‬اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻓﻘه ّ‬
‫‪319‬‬
‫وﻟعﻞ من آ ر ﻫﺬه اﻟﻘﺪوة مﺴﺎﳘة ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻮف ﲟﺎل ﻛﺜﲑ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻓعنﺪ اﻟﻄﱪي‬
‫ﺑﺴنﺪه‪ ،‬ﻗﺎل‪ ":‬أﻗﺒﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻮف ﺑنصﻒ مﺎﻟه‪ ،‬ﻓﺘﻘﺮب ﺑه إﱃ ﷲ"‪.1‬‬
‫‪.2‬اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻌﻠﻢ‬
‫أن ﳑﺎ ﻳﻘﻮي أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة ﻋمﻞ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﺑعِْﻠ ِمة‪ ،‬وﺣﺮﺻه ﻋﻠﻰ إﻇﻬﺎره وإﺑﺮازه ﺣﱴ ﻳﻘﺘﺪى ﺑه‪،‬‬
‫ﺑه‪ ،‬وﻟعﻞ مﺎ ﻳﺸﲑ إﱃ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ ﰲ إﻇﻬﺎر اﻟنﻔﻘة ﺣﱴ ﻳﻘﺘﺪي اﻟنﺎس ﺎ‪ :‬چ ٱأن‬
‫ْ‬
‫تبْ ُدوا لص َد َ ٰ ِت فَنِعِمﺎ ِ َ ۖ چ ]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،[270 :‬ﻗﺎل اﻟﺴعﺪي ﰲ إﺑﺮاز اﻟﺒعﺪ اﻻﻗﺘﺪاﺋﻲ من اﻵﻳّة‪ ":‬ﻓﺈن‬
‫‪2‬‬
‫ﻛﺎن ﰲ إﻇﻬﺎرﻫﺎ إﻇﻬﺎر ﺷعﺎﺋﺮ اﻟﺪﻳن وﺣصﻮل اﻻﻗﺘﺪاء وﳓﻮه‪ ،‬ﻓﻬﻮ أﻓﻀﻞ من اﻹﺳﺮار"‬
‫ومن أمﺜﻠة إﻇﻬﺎر اﻟعمﻞ ﻟعﻠم؛ﻟﻼﻗﺘﺪاء ﻋمﻞ ﻋﺮوة ﺑن اﳉعﺪ ﳊﺪﻳﺚ اﻟﺬي رواه ﻋن اﻟنﱯ ‪،‬‬
‫‪ ،‬وﻫﻮ ﻗﻮﻟه‪» :‬اﳋﻴﻞ ﻣﻌﻘﻮد ﰲ ﻧﻮاﺻﻴﻬﺎ اﳋﲑ إﱃ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ«‪.3‬‬
‫ﻓﻘﺪ ذﻛﺮ ﰲ ﺳﲑته اﻫﺘمﺎمه ﳋﻴﻞ‪ ،‬واﻗﺘنﺎﺋه ﳍﺎ ﻏﻠﻰ اﻷﲦﺎن‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻷثﲑ‪ ":‬وﻛﺎن ﳑن ﺳﲑه‬
‫ﻋﺜمﺎن رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬إﱃ اﻟﺸﺎم من أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓة‪ ،‬وﻛﺎن مﺮاﺑﻄﺎ ﺑﱪاز اﻟﺮوز‪ ،4‬ومعه ﻋﺪة أﻓﺮاس منﻬﺎ‬
‫ﻓﺮس أﺧﺬه ﺑعﺸﺮة آﻻف درﻫم‪ ،‬وﻗﺎل ﺷﺒﻴﺐ ﺑن ﻏﺮﻗﺪة‪ :‬رأﻳﺖ ﰲ دار ﻋﺮوة ﺑن اﳉعﺪ ﺳﺒعﲔ ﻓﺮﺳﺎ‬
‫مﺮﺑﻮﻃة ﻟﻠﺠﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻋﺰ جﻞ"‪.5‬‬
‫ﻓﺎﻟعمﻞ ﻟعﻠم‪ ،‬وإﻇﻬﺎره ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن من أﻫم وﺳﺎﺋﻞ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬واﻟﺘأثﲑ ﰲ اﻟنﺎس؛ من أجﻞ ذﻟﻚ‬
‫ﺷﺮﻋﺖ اﳉمﺎﻋﺎت ومنﺎﺳﺒﺎت إﻇﻬﺎر اﻟﺸعﺎﺋﺮ‪ ،‬ﻛﺎﻷﻋﻴﺎد واﳊج‪ ،‬ومن ذﻟﻚ إﻇﻬﺎر اﳍﺪي واﻟﺴمﺖ‪،‬‬
‫ﻓﻠم ﻳﻜﺘﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻵداب واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﺣﺮﻳصﺎ ﻋﻠﻰ إﻇﻬﺎر ﻫﺪﻳه ﰲ ﻟﺒﺎﺳه‬
‫وﻃعﺎمه وﺷﺮاﺑه ونﻮمه وانﺘﺒﺎﻫه وﺷﺆونه ﻛﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة من اﻻﻗﺘﺪاء ﺑه واﻗﺘﺪاء من ﺑعﺪﻫم م‪ ،‬وﳑﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴه من‬ ‫ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﳊﺴﻲ مﻜن ّ‬
‫تﺴﻠﺴﻞ اﻻﻗﺘﺪاء‪ ،‬مﺎ ورد ﻋن ﻗﺒﻴصة ﻗﺎل‪" :‬ﻛﺎ ﺑن مﺴعﻮد أﺷﺒه اﻟنﺎس ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ‪-‬ﻳعﲏ‪ :‬ﰲ‬

‫‪ -1‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(384/14) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳋﻴﻞ معﻘﻮد ﰲ نﻮاﺻﻴﻬﺎ اﳋﲑ إﱃ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎمة‪ ،(28/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2694‬‬
‫‪ -4‬ﺑﺮاز اﻟﺮوز ‪ :‬مﻜﺎن ﺑﺒﻐﺪاد‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻗﻮت اﳊمﻮي‪ ،‬معﺠم اﻟﺒﻠﺪان‪.(364/1) ،‬‬
‫‪ -5‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬أﺳﺪ اﻟﻐﺎﺑة‪.(25/4) ،‬‬
‫‪320‬‬
‫ﻫﺪﻳه وﲰﺘه –وﻛﺎن ﻋﻠﻘمة ﻳﺸﺒه ﺑن مﺴعﻮد ﰲ ذﻟﻚ‪ ،‬وﻳﺸﺒه ﺑعﻠﻘمة إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬و ﺑﺮاﻫﻴم منصﻮر‪،‬‬
‫وﲟنصﻮر ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬وﺑﺴﻔﻴﺎن وﻛﻴع"‪.1‬‬
‫ﻓﻬﺬا اﻷثﺮ ﻳﺪل ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻘﺪوة ﰲ اﻻنﺘﻘﺎل واﻟﺘﻮرﻳﺚ اﻟﺪﻋﻮي ﻋﱪ اﻷجﻴﺎل‪ ،‬و‬
‫ﻳﺪل من جﻬة أﺧﺮى ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة اﳌنﻬج اﳊﺴﻲ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑصﻔة ﻋﺎمة‪.‬‬
‫‪.3‬اﻟﻘﺪوات ﰲ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺸﺒﺎب‬
‫ومن اﻟﻘﺪوات اﳌﻬمة ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺪوات اﻟﺸﺒﺎب‪ ،‬ﻓﱰك اﻟﺸﺎب ﳌﻐﺮ ت اﻟﺪنﻴﺎ وﳎﺎ ﺘﻬم ﻟﺘﺤﺪ ﺎ‪،‬‬
‫وﻓﺘنﻬﺎ‪ ،‬وﺷﻬﻮا ﺎ‪ ،‬وﲤﺴﻜه ﺑﺪﻳنه‪ ،‬واﺳﺘﻘﺎمﺘه ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﺣﱴ ﻳﱰﻗﻰ إﱃ مﺴﺘﻮى اﻟﻘﺪوة واﻹمﺎمة من‬
‫ﺷأنه أ ْن ﻳﻜﻮن ثﲑه أﻗﻮى وأﺑﻠغ من ثﲑ اﻟﻜﻬﻞ واﻟﺸﻴخ‪ ،‬ﻟﺬا ﻛﺎن اﻟﺸﺎب اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟﻄﺎﻋة من‬
‫اﻟﺴﺒعة اﻟﺬﻳن ﻳﻈﻠﻬم ﷲ‪ ،‬ﻛمﺎ ورد ﰲ اﳊﺪﻳﺚ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﻔﻞ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي ﺑﻘﺪوات ﺷﺒﺎب ﻛﺎنﺖ ﻓﻴﻬم أﺳﻮة ﺣﺴنة ﻟﻐﲑﻫم ﰲ اﻟﺰﻫﺪ ﰲ اﻟﺪنﻴﺎ‬
‫واﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮة‪ ،‬وﻃﻠﺐ اﻟﺸﻬﺎدة ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬واﻟﺘﻀﺤﻴّة ﻏﻠﻰ وأنﻔﺲ اﻷمﻮال ﰲ ﺳﺒﻴﻞ‬
‫نصﺮة دﻳن ﷲ‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎن ﺣصﺮ وإﺣصﺎء أوﻟﺌﻚ اﻷﺑﻄﺎل ﻻ ﰐ ﻋﻠﻴه اﻟعﺪ واﳊصﺮ‪ ،‬نﻜﺘﻔﻲ ﻳﺮاد‬
‫ﺑعﺾ اﻟنﱠمﺎذج؛ﻟﺘﻜﻮن ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ اﳌﺮاد‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﳕﻮذج ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ ﻋﻤﲑ‬
‫من ﳕﺎذج اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺬﻳن آثﺮوا اﻵﺧﺮة ﻋﻠﻰ مﺘﺎع اﻟﺪنﻴﺎ مصعﺐ ﺑن ﻋمﲑ اﻟﺸﺎب اﳌﺪﻟﻞ اﻟﺬي‬
‫اﳌﺪﻟﻞ اﻟﺬي تﺮك مﺘع اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬وآ ر مﺎ ﻋنﺪ ﷲ ﻟﻴﺴﺘﺸﻬﺪ ﺷﺎ ﻓﻘﲑا ﰲ أﺣﺪ إﱃ درجة أ م ﱂ ﳚﺪوا‬
‫ﳚﺪوا مﺎ ﻳﻜﻔنﻮه ﻓﻴه‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻮف‪ ،‬ﻗﺎل‪":‬أﰐ ﺑﻄعﺎم‪ ،‬وﻛﺎن ﺻﺎﺋمﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬ﻗﺘﻞ‬
‫مصعﺐ ﺑن ﻋمﲑ‪ ،‬وﻫﻮ ﺧﲑ مﲏ‪ ،‬ﻛﻔن ﰲ ﺑﺮدة‪ :‬أن ﻏﻄﻲ رأﺳه ﺑﺪت رجﻼه‪ ،‬وإن ﻏﻄﻲ رجﻼه ﺑﺪا‬
‫ﺑﺪا رأﺳه‪ ،‬وأراه ﻗﺎل‪ :‬وﻗﺘﻞ ﲪﺰة وﻫﻮ ﺧﲑ مﲏ‪ ،‬ﰒ ﺑﺴط ﻟنﺎ من اﻟﺪنﻴﺎ مﺎ ﺑﺴط‪ ،‬أو ﻗﺎل‪ :‬أﻋﻄﻴنﺎ‬
‫من اﻟﺪنﻴﺎ مﺎ أﻋﻄﻴنﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﺧﺸﻴنﺎ أن تﻜﻮن ﺣﺴنﺎتنﺎ ﻋﺠﻠﺖ ﻟنﺎ‪ ،‬ﰒ جعﻞ ﻳﺒﻜﻲ ﺣﱴ تﺮك اﻟﻄعﺎم‬
‫"‪.2‬‬
‫ب‪ .‬ﳕﻮذج ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ‬

‫‪ -1‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪.(196/12) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ب تﺰوﻳج اﻟﺜﻴﺒﺎت‪ ،(5/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪.5079:‬‬
‫‪321‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬إنه جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺬي ﺿﺮب مﺜﺎﻻ‬ ‫وﻫﺬا ﳕﻮذج آﺧﺮ من ﳕﺎذج ﻗﺪوات ﺷﺒﺎب ّ‬
‫ﻟﻠﺸﺎب اﻟﺒﺎر ﺑﻮاﻟﺪه‪ ،‬اﶈﺴن ﻷﺧﻮاته‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﺮم نﻔﺴه من تﺰوج اﻟﺒﻜﺮ؛ مﺮاﻋﺎة ﳌصﻠﺤة أﺧﻮاته‪ ،‬ﻓعن‬
‫ﻓعن‬

‫‪322‬‬
‫جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻏﺰوت مع رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﺘﻼﺣق ﰊ اﻟنﱯ ‪،‬‬
‫وأ ﻋﻠﻰ ﺿﺢ ﻟنﺎ‪ ،‬ﻗﺪ أﻋﻴﺎ ﻓﻼ ﻳﻜﺎد ﻳﺴﲑ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﱄ‪» :‬ﻣﺎ ﻟﺒﻌﲑك؟«‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻋﻴﻲ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻓﺘخﻠﻒ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﺰجﺮه‪ ،‬ودﻋﺎ ﻟه‪ ،‬ﻓمﺎ زال ﺑﲔ ﻳﺪي اﻹﺑﻞ ﻗﺪامﻬﺎ ﻳﺴﲑ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﱄ‪» :‬ﻛﻴف‬
‫»ﻛﻴف ﺗﺮى ﺑﻌﲑك؟«‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﲞﲑ‪ ،‬ﻗﺪ أﺻﺎﺑﺘه ﺑﺮﻛﺘﻚ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أﻓﺘﺒﻴﻌﻨﻴﻪ؟«‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﺎﺳﺘﺤﻴﻴﺖ‬
‫ﻓﺎﺳﺘﺤﻴﻴﺖ وﱂ ﻳﻜن ﻟنﺎ ﺿﺢ ﻏﲑه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬نعم‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﺒعنﻴه‪ ،‬ﻓﺒعﺘه إ ه ﻋﻠﻰ أن ﱄ ﻓﻘﺎر‬
‫ﻇﻬﺮه‪ ،‬ﺣﱴ أﺑﻠغ اﳌﺪﻳنة ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬رﺳﻮل ﷲ إﱐ ﻋﺮوس‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘأذنﺘه‪ ،‬ﻓأذن ﱄ‪ ،‬ﻓﺘﻘﺪمﺖ اﻟنﺎس‬
‫اﻟنﺎس إﱃ اﳌﺪﻳنة ﺣﱴ أتﻴﺖ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﻠﻘﻴﲏ ﺧﺎﱄ‪ ،‬ﻓﺴأﻟﲏ ﻋن اﻟﺒعﲑ‪ ،‬ﻓأﺧﱪته ﲟﺎ ﺻنعﺖ ﻓﻴه‪،‬‬
‫ﺖ‪:‬‬‫ﺖ ﺑِ ْﻜ ًﺮا أ َْم ﺛـَﻴِّﺒًﺎ؟«‪ ،‬ﻓَـ ُﻘْﻠ ُ‬
‫ﻓﻼمﲏ ﻗﺎل‪ :‬وﻗﺪ ﻛﺎن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل ﱄ ﺣﲔ اﺳﺘأذنﺘه‪َ » :‬ﻫ ْﻞ ﺗَـ َﺰﱠو ْﺟ َ‬
‫ﺖ ﺑِ ْﻜ ًﺮا ﺗُﻼَ ِﻋﺒُـ َﻬﺎ َوﺗُﻼَ ِﻋﺒُ َﻚ«‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ :‬رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬تﻮﰲ‬ ‫ﺖ ثَـﻴِّﺒًﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻫ ﱠﻼ ﺗَـ َﺰﱠو ْﺟ َ‬ ‫ﺖ‪ :‬تَـَﺰﱠو ْج ُ‬
‫ﻓَـ ُﻘْﻠ ُ‬
‫واﻟﺪي أو اﺳﺘﺸﻬﺪ وﱄ أﺧﻮات ﺻﻐﺎر ﻓﻜﺮﻫﺖ أن أتﺰوج مﺜﻠﻬن‪ ،‬ﻓﻼ تﺆد ن‪ ،‬وﻻ تﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬن‪،‬‬
‫ﻓﺘﺰوجﺖ ثﻴﺒﺎ ﻟﺘﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬن وتﺆد ن‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻠمﺎ ﻗﺪم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﳌﺪﻳنة ﻏﺪوت ﻋﻠﻴه ﻟﺒعﲑ‪،‬‬
‫ﻓأﻋﻄﺎﱐ ﲦنه ورده ﻋﻠﻲ‪.1‬‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ تﺘﺠﻠﻰ ﻋﺪة مﻈﺎﻫﺮ اﻟﻘﺪوة ﰲ اﻟصﺤﺎﰊ اﻟﺸﺎب أﳋصﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﳌﻈﻬﺮ اﻷول‪ :‬اﻻﺳﺘﻌﻼء ﻋﻠى اﻟﺸﻬﻮات‬
‫ﺧﺮوج اﻟصﺤﺎﰊ اﻟﺸﺎب إﱃ اﻟﻘﺘﺎل اﻟﺬي ﻫم مﻈنة اﳌﻮت مع ﻛﻮنه ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻬﺪ ﺑعﺮس‪ ،‬وﻫﺬا‬
‫اﳌﻮﻗﻒ ﻳﺸﺒه ﻗصة ﺣنﻈﻠة اﻟﱵ رواه أﻫﻞ اﻟﺴﲑ مﻔصﻠة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻫﺸﺎم‪" :‬واﻟﺘﻘﻰ ﺣنﻈﻠة ﺑن أﰊ‬
‫ﻋﺎمﺮ اﻟﻐﺴﻴﻞ وأﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬ﻓﻠمﺎ اﺳﺘعﻼه ﺣنﻈﻠة ﺑن أﰊ ﻋﺎمﺮ رآه ﺷﺪاد ﺑن اﻷﺳﻮد‪ ،‬وﻫﻮ اﺑن‬
‫ﺷعﻮب‪ ،‬ﻗﺪ ﻋﻼ أ ﺳﻔﻴﺎن‪ .‬ﻓﻀﺮﺑه ﺷﺪاد ﻓﻘﺘﻠه‪ .‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪ :‬أن ﺻﺎﺣﺒﻜم‪ ،‬ﻳعﲏ ﺣنﻈﻠة‬
‫ﺣنﻈﻠة ﻟﺘﻐﺴﻠه اﳌﻼﺋﻜة‪ .‬ﻓﺴأﻟﻮا أﻫﻠه مﺎ ﺷأنه؟ ﻓﺴﺌﻠﺖ ﺻﺎﺣﺒﺘه ﻋنه‪ .‬ﻓﻘﺎﻟﺖ‪ :‬ﺧﺮج وﻫﻮ جنﺐ‬
‫ﺣﲔ ﲰع اﳍﺎتﻔة ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫اﳌﻈﻬﺮ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻣﺮاﻋﺎة اﻷوﻟﻮ ت وﻫﻀﻢ ﺣﻖ اﻟﻨﻔﺲ‬

‫ﻛﺎن ﻋﺒﺪ ﷲ ﰲ زواجه ﻗﺪوة ﻟﻠﺸﺒﺎب ﰲ مﺮاﻋﺎة اﻷوﻟﻮ ت‪ ،‬ﻓﻘﺪ تنﺎزل ﻋن اﻟﺘﺰوج ﻟﺒﻜﺮ مﺮاﻋﺎة‬
‫مﺮاﻋﺎة ﳌصﻠﺤة أﺧﻮاته اﻟﻴﺘﻴمﺎت‪ ،‬وﻫﻮ مﻘﺘﻀﻰ ﻗﻮى ﻟﻠﱰجﻴﺢ ﻗﺎل اﻟﺸﻮﻛﺎﱐ‪ ":‬وﻓﻴه دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫اﺳﺘﺤﺒﺎب نﻜﺎح اﻷﺑﻜﺎر إﻻ ﳌﻘﺘﺾ ﻟنﻜﺎح اﻟﺜﻴﺐ"‪.3‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﺳﺘﺌﺬأ ّن اﻟﺮجﻞ اﻹمﺎم‪ ،(51/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2805 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(75/2) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺸﻮﻛﺎﱐ‪ ،‬نﻴﻞ اﻷوﻃﺎر‪.(125/6) ،‬‬
‫‪323‬‬
 ‫اﳌﻈﻬﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻟﱪ واﻟﺼﻠﺔ وﺣﻔﻆ اﻟﻌﻬﺪ‬
‫و تﺘﺠﻠﻰ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ اﻟﻘﺪوة ﰲ ﺻﻠة اﻟﺮﺣم واﻟﱪ‪ ،‬ﻓمن ﺑﺮ اﻟﻮاﻟﺪ ﺑﺮ أﻫﻞ وده‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن‬
‫ﺼ َﻞ اﻟ ﱠﺮ ُﺟ ُﻞ ُو ﱠد أَﺑِ ِﻴﻪ« ‪.1‬‬
‫ْﱪ أن ﻳ ِ‬
‫ﻋمﺮ‪ ،‬أن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أَﺑَـ ﱡﺮ اﻟِ ِّ‬
‫و ﺬا تﺘﻀﺢ ﻟنﺎ اﻷﳘﻴّة اﻟﻜﺒﲑة واﻟﻔعﺎﻟة أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة ومﻜﺎنﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﺣﻴﺚ وﻇﻔﻬﺎ‬
‫ﰲ مﻮاﻗﻒ وﳎﺎﻻت دﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﺣﻔﻠﺖ ﺎ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة‬
‫اﻟنﱯ ‪ ،‬و ّ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ؛ ﻟﺘﺒﻘﻰ رﺻﻴﺪا دﻋﻮ ﳝﻜن اﻟﺪﻋﺎة من اﻟﺮجﻮع إﻟﻴه‪ ،‬واﻻﺳﺘمﺪاد منه ﻟﱰﺷﻴﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻛﻞ‬
‫زمﺎن ومﻜﺎن‪.‬‬
‫ﺬا أﻛﻮن ﻗﺪ ﻋﺎﳉﺖ أﺳﻠﻮ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳌنﻬج اﳊﺴﻲ من ﺧﻼل اﻟﻔعﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻫﻮ أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة‪ ،‬اﻟﺬي ﲡﻠﻰ ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮﻳﲔ‪ :‬ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى‬
‫اﻟﺬﻳن‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة‬
‫اﻟﻔعﻞ اﻟنﺒﻮي؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻗﺪوة ﻟﻠمﺪﻋﻮﻳن ﰲ ﻛﻞ ا ﺎﻻت‪ ،‬وﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى ّ‬
‫ﻟعﺒﻮا دورا مﺰدوجﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎنﻮا مﺪﻋﻮﻳن ودﻋﺎة ﰲ ﺑعﺾ اﻷﺣﻴﺎن‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﻷﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة أثﺮ ﻛﺒﲑ ﰲ ﳒﺎح اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي‪ ،‬وﻟعﻞ أﻫم مﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﻜﺜﲑ من أﺣﻜﺎم‪ ،‬واﻵداب واﻷﺧﻼق ﻋن ﻃﺮﻳق اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ‪.‬‬ ‫تعﻠم ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﻜﺜﲑ من أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة وأﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ﻋن ﻃﺮﻳق أﺳﻠﻮب‬ ‫وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ أﺧﺬ دﻋﺎة ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮي ﻳﺆﰐ أﻛﻠﻬﺎ مﺒﻜﺮا إذ ﺑﺪأت ﲦﺎره تﻴنع‬ ‫اﻻﻗﺘﺪاء مﺎم اﻟﺪﻋﺎة ‪‬؛ ﳑﺎ جعﻞ ﻋﻄﺎء ّ‬
‫زمن اﻟنﺒﻮة‪.‬‬

‫‪ -1‬مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﱪ واﻟصﻠة‪ ،‬ب ﺻﻠة أﺻﺪﻗﺎء اﻷب واﻷم‪ ،‬وﳓﻮﳘﺎ‪ ،(1979/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2552 :‬‬
‫‪324‬‬
 ‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ‬
‫ﻳعﺪ إنﻜﺎر اﳌنﻜﺮ من أﻫم مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﺪﻳنﻴّة ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺧصﻮﺻﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺪﻳن ﻛﻠه ﻳنﺘﻈم ﰲ اﻷمﺮ ﳌعﺮوف واﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ‪ ،‬ﻓﺠمﻴع اﻷنﺒﻴﺎء واﻟﺮﺳﻞ مﺎرﺳﻮا ﻫﺬه‬
‫اﻟﻮﻇﻴﻔة اﻟعﻈﻴمة مع أﻗﻮامﻬم‪ ،‬وﻳﺘﻔﺮع ﻋنﻬﺎ إزاﻟة وتﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺬي تعﺪدت أﺷﻜﺎﻟه وأﺳﺎﻟﻴﺒه‪،‬‬
‫ﻓمن أﺷﻬﺮﻫﺎ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻘﻮل واﻟﻔعﻞ‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺜﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻘﻮﻟﻴّة ﰲ مﻮاﻃن من ﻫﺬه اﻷﻃﺮوﺣة أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺘنﺎول تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ‬
‫ﻋﺘﺒﺎره أﺳﻠﻮ من أﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﻬج اﳊﺴﻲ ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم اﻻﻧﻜﺎر ﻟﻴﺪ وأﳘﻴﺘﻪ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ‬
‫ﰲ مﻄﻠع ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ‪ ،‬وﻗﺒﻞ اﳋﻮض ﰲ ﳑﺎرﺳة تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ومﺎ ﰲ‬
‫ﳏﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﺑﺪ من اﻟﺘﻄﺮق إﱃ مﻔﻬﻮمه‪ ،‬وﺑعﺾ ﺿﻮاﺑﻄه اﳌﺴﺘنﺒﻄة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪.‬‬
‫وﺳﻮف ﻳﺘم ذﻟﻚ من ﺧﻼل اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ‬
‫‪.1‬ﺻﻠﺔ ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﻟ ّﺪﻋﻮة‪ :‬ﻗﺪ اﻗﱰن إنﻜﺎر اﳌنﻜﺮ ﻷمﺮ ﳌعﺮوف ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ‬
‫مﻮاﻃن ﻛﺜﲑة منه‪ ،‬ﻓﺘﺎرة تﺮد اﻟﺜنﺎﺋﻴّة اﻟﻘﺮآنﻴّة ﰲ معﺮض مﺪح ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪:‬ٱ‬
‫چٱڄٱڄٱڃٱڃٱڃٱڃٱچٱچٱچٱچٱڇٱڇٱڇٱ‬
‫ڇ ٱڍ ٱڍ ٱڌ ٱڌ ٱڎ ٱڎ ٱڈ ٱڈ ٱژ ٱژ ٱڑٱ‬
‫ڑ ٱک ٱک ٱک ٱٱ ٱکگ ٱگ ٱگ ٱگ ٱڳ ٱڳ ٱڳ ٱڳ ٱڱ ٱڱٱ‬
‫ڱڱٱںٱںٱڻٱچ ] اﻷﻋﺮاف‪.[157:‬‬
‫كِع َ‬‫ٰ ُ‬ ‫ُح َ‬ ‫ُ َ َْ ُ َ ْ َ ُ َ‬
‫ون‬ ‫ل‬ ‫ون‬ ‫ومﺮة ﰲ مﺪح أتﺒﺎع اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ ل ِبون ل ٰبِدون ل ٰمِدون ل ِ‬
‫ْ‬ ‫ََّ‬ ‫َ ُ َ َ ُْ َ َ ْ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫ٰ ُ َ َ ُ َ ْ‬
‫ل ُمو ِمن ِ َ ۖ چ‬ ‫ﷲو ِ ِ‬ ‫ون بِﺎل َم ْع ُر ِ‬
‫وف وا ﺎهون ع ِن لمنك ِر وال ٰ ِفظون لِحدو ِد ِۖ‬ ‫جدون ﻻمِر‬‫ل ِ‬
‫] اﻟﺘﻮﺑة‪.[ 113:‬‬
‫ﻓﺎﻵ ت تﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻷمﺮ ﳌعﺮوف‪ ،‬واﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ مﺮتﺒط ﻟ ّﺪﻋﻮة ارتﺒﺎﻃﺎ وثﻴﻘﺎ ﻻ ﻳنﻔﻚ‬
‫ﻳنﻔﻚ ﻋنﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻻ ﲣﺮج ﻋن اﻷمﺮ ﳋﲑ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه‪ ،‬وتﺮﻏﻴﺐ اﻟنﺎس ﰲ اتﺒﺎﻋه‪ ،‬واﻟنﻬﻲ ﻋن‬
‫اﳌنﻜﺮ‪ ،‬واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ منه‪ ،‬واﻟﺘنﻔﲑ ﻋنه‪ ،‬واﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻻ ﲣﺮج ﻋن امﺘﺜﺎل اﳌعﺮوف وتﺮك اﳌنﻜﺮ‪.‬‬
‫اﳌنﻜﺮ‪.‬‬
‫‪325‬‬
‫من أجﻞ ذﻟﻚ ﻋﺮف ﺑعﻀﻬم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﻘﻮﻟه أ ﺎ‪ ":‬اﳊﺚ ﻋﻠﻰ ﻓعﻞ اﳋﲑ واجﺘنﺎب اﻟﺸﺮ‪ ،‬واﻷمﺮ‬
‫ﳌعﺮوف واﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ‪ ،‬واﻟﺘﺤﺒﻴﺐ ﻟﻔﻀﻴﻠة‪ ،‬واﻟﺘنﻔﲑ ﻋن اﻟﺮذﻳﻠة‪ ،‬وأتﺒﺎﻋﺎ ﻟﻠﺤق ونﺒﺬ‬
‫اﻟﺒﺎﻃﻞ"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘعﺮﻳﻒ ﻳنصﺐ ﻋﻠﻰ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻘﻮل‪ ،‬وﱂ ﻳﺘنﺎول تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻔعﻞ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻴه تﻐﻴﲑ‬
‫تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ‪ ،‬وﻫﻲ ﻛنﺎﻳّة ﻋﻠﻰ اﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮة‪.2‬‬
‫ﻏﲑ أنه ﻳنﺪرج ﺿمن اﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ ﺑﺪﻻﻟة اﻟﺘﻀمن‪ ،‬واﻻﻟﺘﺰام‪ ،‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﳌنﻜﺮ ﻻ ﻳﺰول إﻻ‬
‫ﻟﻘﻮة تعﲔ تﻐﻴﲑه ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻮﺳﻴﻠة‪ ،‬ومعﻠﻮم أت اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﳍﺎ ﺣﻜم اﳌﻘﺎﺻﺪ‪.‬‬
‫وﻳعﺪ ﻫﺬا اﻟنﻮع من أنﻮاع تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ أﻗﻮى مﺮاتﺐ اﻹنﻜﺎر وأﻋﻼﻫﺎ‪ ،‬وذﻟﻚ ﳌن ﻛﺎنﺖ ﻟه وﻻﻳّة‬
‫وﻻﻳّة ﻋﻠﻰ مﺮتﻜﺐ اﳌنﻜﺮ ﻛﺎﻟﺴﻠﻄﺎن‪ ،‬أو من ﻳنﻴﺒه ﻋنه ﻛﻮاﱄ اﳊﺴﺒة‪ ،‬ومﻮﻇﻔﻴه ﻛﻞ ﲝﺴﺐ‬
‫اﺧﺘصﺎﺻه وﻛﺬا اﳌﺴﻠم مع أﻫﻠه ووﻟﺪه‪ ،‬ﻳﻠﺰمﻬم مﺮ ﷲ‪ ،‬وﳝنعﻬم ﳑﺎ ﺣﺮم ﷲ‪ ،‬ﻟﻴﺪ إذا ﱂ ﻳنﻔع ﻓﻴﻬم‬
‫ﻓﻴﻬم اﻟﻜﻼم ﻳﻘﻮم ﺬا ﺣﺴﺐ اﻟﻮﺳع واﻟﻄﺎﻗة‪.3‬‬
‫‪.2‬اﳌﻔﻬﻮم اﻹﺟﺮاﺋﻲ ﻟﺘﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ‪ :‬ﻓﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ إذن ﻫﻮ اﺳﺘعمﺎل من ﻟه اﻟﺴﻠﻄة‬
‫واﻟﻮﻻﻳّة ﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮة ﰲ إزاﻟة اﳌنﻜﺮ واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴه‪ ،‬أو اﻹﻟﺰام ﻟﻘﻴﺎم مﺮ ﷲ ﻟﻘﻮة أﻳﻀﺎ‪.‬‬
‫وﻗﺪ وﻇﻒ اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم وﺳﻴﻠة تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﺬا اﳌﻔﻬﻮم ﰲ مﻮاﻃن ﳐﺘﻠﻔة من‬
‫دﻋﻮا م‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ مﺸﺮوﻋﻴﺘه من جﻬة‪ ،‬وﻋﻠﻰ أنه من أنﻔع اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳊﺴﻴّة من جﻬة‬
‫أﺧﺮى‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن ﻷﳘﻴّة ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل ﳕﺎذج من ﻓعﻞ اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم‬
‫اﻟﺴﻼم‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻷﳘﻴّﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﺘﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ‬
‫ﳑﺎ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻸﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻸنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم‪ ،‬و تﺪل ﻋﻠﻰ‬
‫ذﻟﻚ ﻫﺬه اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة من رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج منﻬﺎ‪:‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬إﺑﺮاﻫﻴم اﳌﻄﻠق‪ ،‬اﻟﺘﺪرج ﰲ دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﲪﻮد اﻟﺮﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬ﻗﻮاﻋﺪ مﻬمة ﰲ اﻷمﺮ ﳌعﺮوف واﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬وزارة اﻷوﻗﺎف‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳّة‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪326‬‬
 ‫‪ .1‬ﲢﻄﻴﻢ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻟﻸﺻﻨﺎم‬
‫من ﳕﺎذج تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﲢﻄﻴم إﺑﺮاﻫﻴم ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻟﻸﺻنﺎم؛اﻟﱵ ﻛﺎن ﻳعﺒﺪﻫﺎ ﻗﻮمه من دون‬
‫ﷲ‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ مﻮاﻃن مﺘعﺪدة إﺷﺎدة ﻟﻔعﻞ‪ ،‬وتﺜمﻴنﺎ ﻟه‪ ،‬ومﺪﺣﺎ ﻟﻔﺎﻋﻠه‪،‬‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ََٰ ُ‬
‫كم ب َ ْع َد أن ت َولوا ْ ُم ْدبر َۖ‬
‫ج َعل ُه ْم ج ٰذا ﻻ كب ِ ا‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ِِ‬ ‫ﻟﻔﺎﻋﻠه‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َوت َ ِ‬
‫ﺎﷲ ﻷكِيدن أص م‬
‫ُ ََ ُ ُٓ َ َ ُ َ‬
‫ون ٱچ ]اﻷنﺒﻴﺎء‪ ،[58 – 57 :‬وﻗﺪ ذﻛﺮ اﻟﻘصﺺ اﻟﻘﺮآﱐ اﺳﺘعمﺎل إﺑﺮاﻫﻴم ﻋﻠﻴه‬ ‫له ْم لعلهمۥ إ ِ ْ ِه ي ْر ِجع ۖ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم اﻟﻘﻮة ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه ‪ :‬ٱچٱفَ َراغ َعليْ ِه ْم َ ْ ﺎ ۢ بِﺎ َ ِم ِ چ ]اﻟصﺎﻓﺎت‪ ،[93 :‬ﻗﺎل اﻟﻄﱪي"‬
‫ﻓأﺧﺬ ﻓأس ﺣﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻓنﻘﺮ ﻛﻞ ﺻنم ﰲ ﺣﺎﻓﺘﻴه‪ ،‬ﰒ ﻋﻠق اﻟﻔأس ﰲ ﻋنق اﻟصنم اﻷﻛﱪ‪ ،‬ﰒ ﺧﺮج"‪.1‬‬
‫‪ .2‬ﲢﻄﻴﻢ ﻣﻮﺳى ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻟﻠﻌﺠﻞ‬
‫ومن أمﺜﻠة تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﲢﻄﻴم مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻟﻠعﺠﻞ اﻟﺬي ﻓﱳ ﺑه اﻟﺴﺎمﺮي ﻗﻮمه‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ت َعليْ ِه‬‫ِے ظل‬ ‫إ ِ ِهك‬ ‫‪ :‬ٱچ ٱوانظ ِر‬ ‫ورد ذﻟﻚ ﰲ ﻗصﺘه ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ٗ‬
‫َ كِ فﺎ ُ َح ّ ِر َ ن ُهۥ م َ سِ َفن ُهۥ ِ َ ِ ّم َ ْسفﺎ ۖ ٱچ ]ﻃه‪.[97 :‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻋﺎﺷﻮر ﰲ تﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪ ":‬واﻟﺘﺤﺮﻳق‪ :‬اﻹﺣﺮاق اﻟﺸﺪﻳﺪ‪ ،‬أي ﻟنﺤﺮﻗنه إﺣﺮاﻗﺎ ﻻ ﻳﺪع ﻟه‬
‫ﺷﻜﻼ‪ ،‬وأراد ﺑه أن ﻳﺬﻳﺒه ﻟنﺎر ﺣﱴ ﻳﻔﺴﺪ ﺷﻜﻠه وﻳصﲑ ﻗﻄعﺎ"‪.2‬‬
‫‪ .3‬ﻛﺴﺮ ﻋﻴﺴى ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻟﻠﺼﻠﻴﺐ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن‬
‫أن من أﻋﻈم اﳌنﻜﺮات اﻟﱵ اﺑﺘﺪﻋﻬﺎ اﻟنصﺎرى تعﻈﻴم وﻋﺒﺎدة اﻟصﻠﻴﺐ‪ ،‬اﻟﱵ ﻻ ﻳﻘﺮﻫﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴه‬
‫اﻟﺴﻼم وﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﺎ ﳌخﺎﻟﻔﺘﻬﺎ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي جﺎءت ﺑه ﻛﻞ اﻟﺮﺳﺎﻻت‪ ،‬ﻓعنﺪ نﺰوﻟه ﰲ آﺧﺮ اﻟﺰمﺎن‬
‫اﻟﺰمﺎن ﻳنﻜﺮ ﻫﺬا اﳌنﻜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟنصﺎرى وﻳﻐﲑه ﻋﻠﻰ درجﺎت اﻹنﻜﺎر ﻓﻴﻜﺴﺮ اﻟصﻠﻴﺐ‪ ،3‬ﻛمﺎ جﺎء‬
‫ذﻟﻚ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل‪» :‬ﻻَ ﺗَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮم‬
‫ِ‬ ‫ﺎﻋﺔُ ﺣ ﱠﱴ ﻳـْﻨ ِﺰ َل ﻓِﻴ ُﻜﻢ اﺑﻦ ﻣﺮَﱘ ﺣ َﻜﻤﺎ ﻣ ْﻘ ِﺴﻄًﺎ‪ ،‬ﻓَـﻴ ْﻜ ِﺴﺮ اﻟ ﱠ ِ‬
‫ﻀ َﻊ اﳉِ ْﺰﻳّﺔ‪ ،‬وﻳَﻔ َ‬
‫ﻴﺾ‬ ‫ﻴﺐ‪ ،‬وﻳَـ ْﻘﺘُ َﻞ اﳋِْﻨ ِﺰ َﻳﺮ‪ ،‬وﻳَ َ‬
‫ﺼﻠ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ ُ َْ َ َ ً ُ‬ ‫ﺴَ َ َ‬ ‫اﻟ ﱠ‬
‫َﺣ ٌﺪ« ‪.4‬‬
‫ﺎل‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ ﻻَ ﻳَـ ْﻘﺒَـﻠَﻪُ أ َ‬
‫اﳌَ ُ‬

‫‪ -1‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪.(295/16) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪.(300/16) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ آل معمﺮ‪ ،‬منﺤة اﻟﻘﺮﻳﺐ ا ﻴﺐ ﰲ اﻟﺮد ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎد اﻟصﻠﻴﺐ‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫‪ -4‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ واﻟﻐصﺐ‪ ،‬ب ﻛﺴﺮ اﻟصﻠﻴﺐ وﻗﺘﻞ اﳋنﺰﻳﺮ‪ ،(136/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2344 :‬‬
‫‪327‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن ﰲ ﺷﺮح اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﻓﻴه من اﻟﻔﻘه‪ :‬ﻛﺴﺮ نصﺐ اﳌﺸﺮﻛﲔ وﲨﻴع اﻷو ن‪ ،‬وإﳕﺎ‬
‫ﻗصﺪ إﱃ ذﻛﺮ اﻟصﻠﻴﺐ وﻗﺘﻞ اﳋنﺰﻳﺮ من أجﻞ أ مﺎ ﰲ دﻳن اﻟنصﺎرى اﳌعﺘﺪﻳن ﰲ ﺷﺮﻳعﺘﻬم إﻟﻴه "‪.1‬‬
‫ﻓﻜﻼم اﺑن اﳌﻠﻘن ﻳﺸﲑ إﱃ منﺎﺳﺒة تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﺘﻜﺴﲑ اﻟصﻠﻴﺐ ﻋﻠﻰ‬
‫مﺮأى ومﺴمع اﳌﺸﺎﻫﺪﻳن أﺑﻠغ من اﻟنﻬﻲ ﻋن تعﻈﻴمه وﻋﺒﺎدته‪ ،‬ﳑﺎ ﻻ ﻳﺪع ﳎﺎﻻ ﻟﻠﱰدد واﻟﺸﻚ ﻟﺪى‬
‫اﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫ﻓﻬﺬه ﳕﺎذج من اﺳﺘعمﺎل ثﻼثة من أوﱄ اﻟعﺰم من اﻟﺮﺳﻞ ﻟﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ‪ ،‬جﺎءت ﰲ اﻟﻘﺮآن‬
‫ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﻗﺮار ﳍم ﻋﻠﻰ اﺳﺘعمﺎل ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﺿﻮاﺑﻂ ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ‬
‫ﻟﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻋمﻮمﺎ ﻗﻮاﻋﺪ‪ ،‬وﺿﻮاﺑط ﻻ ﺑﺪ من مﺮاﻋﺎ ﺎ ﺣﱴ ﻳﺘﺤﻘق اﳌﻘصﺪ من اﻟﻮﺳﻴﻠة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﳍﺎ ﺣﻜم اﳌﻘﺎﺻﺪ ﻛمﺎ ﻗﺮر ذﻟﻚ اﻷﺻﻮﻟﻴﻮن‪.2‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎن تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ أﻗﻮى أنﻮاع تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ تﻄﻠﺐ مﺮاﻋﺎة ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻐﻴﲑ أﻛﺜﺮ من ﻏﲑه من‬
‫اﻷنﻮاع اﻷﺧﺮى )اﻟﺘﻐﻴﲑ ﻟﻘﻮل واﻹنﻜﺎر ﻟﻘﻠﺐ(‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑﻴﺎن أﻫم ﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻋﺪ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ﻳﻜﻮن اﳌﻨﻜﺮ ﻇﺎﻫﺮا ﻣﻦ غﲑ ﲡﺴﺲ‬
‫َ‬
‫وﳍﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة أﺻﻞ من اﻟﻜﺘﺎب و اﻟﺴنة‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ َوﻻ تَ َجس ُسو چ ]اﳊﺠﺮات‪ ،[12 :‬ﻓﻘﺪ تﺮك‬
‫تﺮك ﻋمﺮ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﰲ زمﺎنه اﻋﺘمﺎدا ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻘﺮآن ﻳّة‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻗﻼﺑة‪ ،‬أن ﻋمﺮ‪،‬‬
‫ﻗﻼﺑة‪ ،‬أن ﻋمﺮ‪ ،‬ﺣﺪث أن أ ﳏﺠن اﻟﺜﻘﻔﻲ ﻳﺸﺮب اﳋمﺮ ﰲ ﺑﻴﺘه‪ ،‬ﻫﻮ وأﺻﺤﺎب ﻟه‪ ،‬ﻓﺎنﻄﻠق ﻋمﺮ‬
‫ﻋمﺮ ﺣﱴ دﺧﻞ ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓﺈذا ﻟﻴﺲ ﻋنﺪه إﻻ رجﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﳏﺠن‪ » :‬أمﲑ اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬أن ﻫﺬا ﻻ‬
‫ﳛﻞ ﻟﻚ‪ ،‬ﻗﺪ ﻰ ﷲ ﻋن اﻟﺘﺠﺴﺲ«‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻋمﺮ‪ :‬مﺎ ﻳﻘﻮل ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎل ﻟه زﻳﺪ ﺑن ﺑﺖ‪ ،‬وﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﺮﲪن ﺑن اﻷرﻗم‪» :‬ﺻﺪق أمﲑ اﳌﺆمنﲔ‪ ،‬ﻫﺬا من اﻟﺘﺠﺴﺲ«‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻓخﺮج ﻋمﺮ وتﺮﻛه«‪.3‬‬
‫ﻛمﺎ دﻟﺖ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻋﻠﻰ اﻟنﻬﻲ ﻋن اﻟﺘﺠﺴﺲ ﻛﻘﻮﻟه ‪ » :‬إِ ﱠ ُﻛ ْﻢ َواﻟﻈﱠ ﱠﻦ‪ ،‬ﻓَﺄن اﻟﻈﱠ ﱠﻦ أَ ْﻛ َﺬ ُ‬
‫ب‬
‫ﻀﻮا‪ ،‬وُﻛﻮﻧُﻮا إِ ْﺧ َﻮا ً «‪.1‬‬
‫ﺴﻮا‪ ،‬وﻻَ ﺗَـﺒَﺎغَ ُ‬ ‫اﳊ ِﺪ ِ‬
‫ﺴُ‬‫ﺴﻮا‪ ،‬وﻻَ َﲢَ ﱠ‬
‫ﺴُ‬‫ﻳﺚ‪ ،‬وﻻَ َﲡَ ﱠ‬ ‫َ‬

‫‪ -1‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﺷﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(25/16) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم اﻟﺴﻠمﻲ‪ ،‬اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﰲ اﺧﺘصﺎر اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪1416 ،‬ه‪،‬‬
‫)‪.(44/1‬‬
‫‪ -3‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق‪ ،‬اﳌصنﻒ‪ ،‬ب اﻟﺘﺠﺴﺲ‪ ،(232/10) ،‬ﺳنﺎد مﺘصﻞ رجﺎﻟه ثﻘﺎة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(156/8) ،‬‬
‫‪ -1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟنﻜﺎح‪ ،‬ب ﻻ ﳜﻄﺐ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺒة أﺧﻴه‪ ،(19/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4849 :‬‬
‫‪328‬‬
 ‫‪ .2‬اﻟﺘﺪرج ﰲ اﻟﺘﻐﻴﲑ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻐﺰاﱄ ﰲ ﺑﻴﺎن ﻫﺬه اﻟﺪرجﺎت‪ ":‬أوﳍﺎ اﻟﺘعﺮف ﰒ اﻟﺘعﺮﻳﻒ ﰒ اﻟنﻬﻲ ﰒ اﻟﻮﻋﻆ واﻟنصﺢ ﰒ‬
‫اﻟﺴﺐ واﻟﺘعنﻴﻒ ﰒ اﻟﺘﻐﻴﲑ ﻟﻴﺪ ﰒ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﻟﻀﺮب ﰒ إﻳﻘﺎع اﻟﻀﺮب وﲢﻘﻴﻘه ﰒ ﺷﻬﺮ اﻟﺴﻼح ﰒ‬
‫‪1‬‬
‫ﰒ اﻻﺳﺘﻈﻬﺎر ﻓﻴه ﻷﻋﻮان وﲨع اﳉنﻮد"‬
‫ﻓﻜﻼم اﻟﻐﺰاﱄ ﻳنﺺ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻟﺘﺪرج ﰲ اﻟﺘﻐﻴﲑ وﻻ ﻳصﺎر إﱃ اﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮة ﻷول وﻫﻠة‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫ٓ َ‬
‫اﺳﺘﻔﺎد ﻫﺬا من اﺳﺘﻘﺮاء اﻟنصﻮص اﻟﺸﺮﻋﻴّة من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ﳓﻮ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َوأن َطﺎ ِف َ ٰ ِن م َِن‬
‫َ ٰ َ ٓ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ٰ ََ ُ ْ‬ ‫ْ ُٰ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ْ‬ ‫ْ ُ ْ ََ‬ ‫ْ‬
‫أم ِر‬ ‫ي ف ٰتِ وا ل ِ بْ ِ ح ت ِ ء‬ ‫ﻻخ ۪ر‬ ‫ل ُمو ِمن ِ َ تَتَ وا فﺄ ْصلِحوا ب َ نَ ُه َمﺎ ف ِإ ۢن بَغ ِ‬
‫ت حد۪ يهمﺎ‬
‫ﷲ چ]اﳊﺠﺮات‪.[09:‬‬ ‫ِۖ‬
‫ﻗﺎل اﻟﺮازي ﰲ ﺑﻴﺎن دﻻﻟة اﻵﻳّة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪرج ﰲ اﻟﺘﻐﻴﲑ‪ " ،‬ﻗﺪم اﻹﺻﻼح ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬وﻫﺬا ﻳﻘﺘﻀﻲ‬
‫ﻳﻘﺘﻀﻲ أن ﻳﺒﺪأ ﰲ اﻷمﺮ ﳌعﺮوف واﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ ﻷرﻓق مﱰﻗﻴﺎ إﱃ اﻷﻏﻠﻆ ﻓﺎﻷﻏﻠﻆ"‪.2‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫أمﺎ مﺎ جﺎء ﰲ ﺣﺪﻳﺚ أﰊ ﺳعﻴﺪ أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َرأَى ﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ ُﻣ ْﻨ َﻜ ًﺮا ﻓَـﻠْﻴُـﻐَِّْﲑُﻩ ﺑِﻴَﺪﻩ‪ ،‬ﻓَإ ْن َﱂْ‬
‫اﻹﳝَ ِﺎن« ‪ ،3‬ﻓﻈﺎﻫﺮه تﻘﺪﱘ اﻟﺘﻐﻴﲑ ﻟﻴﺪ‪ ،‬وﻟﻜن‬ ‫ف ِْ‬ ‫ﻚ أَ ْ‬
‫ﺿ َﻌ ُ‬ ‫ﺴﺎﻧِِﻪ‪ ،‬ﻓَإ ْن َﱂْ ﻳَ ْﺴﺘَ ِﻄ ْﻊ ﻓَﺒِ َﻘ ْﻠﺒِ ِﻪ‪ ،‬وذَﻟِ َ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َﱂْ ﻳَ ْﺴﺘَﻄ ْﻊ ﻓَﺒﻠ َ‬
‫اﳌﺮاد ﻏﲑ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟعﺮﰊ‪ ":‬وﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ من ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻔﻘه أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﺪأ ﰲ اﻟﺒﻴﺎن‬
‫ﻷﺧﲑ ﰲ اﻟﻔعﻞ‪ ،‬وﻫﻮ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻳﺒﺪأ ﻟﻠﺴﺎن واﻟﺒﻴﺎن"‪.4‬‬
‫وﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب مأﻟﻮف ﻋنﺪ اﻟعﺮب ﻳﻄﻠق ﻋﻠﻴه ﻋﻠمﺎء اﻟﺒﻼﻏة تﻘﺪﱘ مﺎ ﺣﻘه اﻟﺘأﺧﲑ‪ ،‬ﳌﻘﺘﻀﻰ‬
‫ﺑﻼﻏﻲ‪.5‬‬
‫‪ .3‬أن ﻳﺪﻓﻊ اﳌﻨﻜﺮ ﻳﺴﺮ ﻣﺎ ﻳﻨﺪﻓﻊ ﺑﻪ‬
‫ﻗﺪ ﻗﺮر ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة اﺑن تﻴمﻴّة ﰲ ﻗﻮﻟه‪" :‬إذا ارتﻔع اﻟﻐﺮض ﻷمﺮ اﻟﺴﻬﻞ ﱂ ﳚﺰ اﻟعﺪول ﻋنه إﱃ‬
‫اﻷمﺮ اﻟصعﺐ‪ ،‬وﻫﺬا ﳑﺎ ﻳعﻠم ﻋﻘﻼ وﺷﺮﻋﺎ"‪.6‬‬

‫‪ -1‬أﺑﻮ ﺣﺎمﺪ ﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬إﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳن‪.(239/2) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(316/8) ،‬‬
‫‪ -3‬مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻹﳝﺎن‪ ،‬ب ﺑﻴأ ّن ﻛﻮن اﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ من اﻹﳝﺎن‪.(69/1) ،‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﻟعﺮﰊ‪ ،‬أﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن‪.(383/1) ،‬‬
‫‪ -5‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬اﻟﺒﻼﻏة اﻟعﺮﺑﻴّة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1416 ،1‬ﻫـ‪ 1996 ،‬م‪.(350/1) ،‬‬
‫‪ -6‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﳊﺴﺒة ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻳﻒ اﻟﺸﺤﻮد‪ ،‬ط‪ 1425 ،2‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫‪329‬‬
‫ِ َ‬ ‫ﺎل‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫وﻟعﻞ مﺎ ﻳﺸﲑ إﱃ ﻫﺬا اﻷﺻﻞ اﻟعﺎم ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوﻻ َ َ ْستَوے ل ْ َ‬
‫ح َسنَ ُة َوﻻ َ لس ّي َ ٔ ُة ْد َ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََْ َ َ َ َُْ َ َ َ ‪ٞ‬‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ‬
‫ِيم‪ ٞ‬چ ]ﻓصﻠﺖ‪ ،[ 33:‬ﻗﺎل اﻟﺮازي‪ ":‬ﻓمن اﳌعﻠﻮم‬ ‫أحسن فإِذا ِے ب نك و نهۥ ع ٰوة كﺎن هۥ و ِ حم ۖ‬
‫ﻟﻀﺮورة أنه إذا أمﻜن اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ اﻟﻐﺮض ﻟﺘﻠﻄﻒ من اﻟﻘﻮل ﱂ ﳛﺴن ﺳﻮاه"‪.1‬‬
‫ﻓﻴمﻜن أن ﻳﻘﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮل اﻟﻔعﻞ‪ ،‬ﻓﺈذا أمﻜن اﻟﺘﻮﺻﻞ ﻟﻠﻐﺮض وﻫﻮ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﻷﻟﻄﻒ‬
‫ﻻ ﻳنﺒﻐﻲ ﲡﺎوزه‪.‬‬
‫أ ﺎ ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻣﺎ ﺧﲑ رﺳﻮل ﷲ ‪‬‬ ‫وﳑﺎ ﻳﺸﲑ إﱃ ﻫﺬا اﻷﺻﻞ من اﻟﺴنة مﺎ روي ﻋن ﻋﺎﺋﺸة‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺑﲔ أﻣﺮﻳﻦ إﻻ أﺧﺬ أﻳﺴﺮﳘﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﱂ ﻳﻜﻦ إﲦﺎ‪ ،‬ﻓإن ﻛﺎن إﲦﺎ ﻛﺎن أﺑﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ‪ ،‬وﻣﺎ اﻧﺘﻘﻢ‬
‫ﺎ«‪.2‬‬ ‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻟﻨﻔﺴﻪ إﻻ أن ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﺮﻣﺔ ﷲ‪ ،‬ﻓﻴﻨﺘﻘﻢ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ ﺷﺮح اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﰲ اﳊﺪﻳﺚ اﳊﺚ ﻋﻠﻰ تﺮك اﻷﺧﺬ ﻟﺸﻲء اﻟعﺴﺮ واﻻﻗﺘنﺎع‬
‫ﻟﻴﺴﺮ"‪.3‬‬
‫ﻓﻘﺪ تﺒﲔ ﳑﺎ ﺳﺒق أن تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ أﺳﻠﻮب دﻋﻮي مﺸﺮوع ﻗﺪ مﺎرﺳه اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم‪،‬‬
‫ﻏﲑ أنه أﺳﻠﻮب ﺧﺎص منﻀﺒط ﺑﻀﻮاﺑط ﺣﱴ ﻻ ﳜﺮج ﻋن مﻘﺎﺻﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻜﱪى وأﻫﺪاﻓﻬﺎ‪.‬‬

‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻷﺳﻠﻮب ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ اﻟﻐﺰوات‬

‫ﻗﺪ تعﺪدت ﺻﻮر اﺳﺘعمﺎل تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي اﳉﻬﺎدي‪ ،‬ﻓﺎﻟﻐﺰوات‬
‫واﻟﺴﺮا ؛ وإن اتﺴمﺖ ﺑﻄﺎﺑع اﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮة‪ ،‬ﻏﲑ أن ﻫﺬا اﻷﺧﲑ ﻳﺘنﻮع ﺑﺘنﻮع اﳌﻮاﻗﻒ‪ ،‬وﻫﺬا من‬
‫ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ امﺘﺎزت ﳊﻜمة واﳌﺮونة‪ ،‬وﻫﻲ ﺧصﺎﺋﺺ مﻜنﺘﻬﺎ من اﻟﺘأﻗﻠم مع‬
‫مﺘﻐﲑات اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ومﺴﺘﺠﺪا ﺎ‪ ،‬واﻟﺘصﺪي ﻟﻠﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة ﺑنﺠﺎح ﻫﺮ ﻗﻞ نﻈﲑه ﰲ‬
‫رﻳخ اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺴﺎﺑﻘة واﻟﻼﺣﻘة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز أﻫم ﻃﺮق تﻮﻇﻴﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻷﺳﻠﻮب تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ إﲨﺎﻻ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻘﺘﺎل واﻹﺟﻼء‬
‫أن ﻗﺘﺎل اﶈﺎرﺑﲔ من اﻟﻜﻔﺎر من أنﻮاع تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮة‪ ،‬وتﺸﲑ إﱃ ذﻟﻚ نصﻮص‬
‫ُ‬
‫ون بِهِۦ َعدو‬
‫ْ َ‬
‫خيْل تُ ْره ُِب َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫ﺎط‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َوأَعِدوا ْ لَ ُهم مﺎ ْستَ َط ْع ُتم ّمِن ُﻗو َو ِمن ّر َ‬ ‫نصﻮص ﻛﺜﲑة منﻬﺎ ﻗﻮﻟه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬

‫‪ -1‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(589/3) ،‬‬

‫‪ - 2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب ﺻﻔة اﻟنﱯ ‪ ،(189/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3367 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(575/6) ،‬‬
‫‪330‬‬
 ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ َ ََُْ َُ ُ ُ ََُُْ ْ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ ُ ْ ََ َ َ‬
‫ﷲ يُ َوف‬
‫يل ِ‬ ‫َ‬
‫ﷲ وعدوكم وءاخ ِر ن مِن دون ِ ِهم ﻻ تعلمو ه ۖم ﷲ يعلمه ۖم ومﺎ تن ِفقوا مِن ءٖ ِ س ِ ِ‬
‫َ ُ َ ُ َ ُْ َُ َ‬
‫ون ٱچ]اﻷﻧﻔﺎل‪.[60 :‬‬ ‫إ ِ ْك ْم َوأنت ْم ﻻ ظلم ۖ‬
‫ﻗﺎل اﻟﺮازي‪ ":‬وﻫﺬه اﻵﻳّة تﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻻﺳﺘعﺪاد ﻟﻠﺠﻬﺎد ﻟنﺒﻞ واﻟﺴﻼح وتعﻠﻴم اﻟﻔﺮوﺳﻴّة‪ ،‬واﻟﺮمﻲ‬
‫واﻟﺮمﻲ ﻓﺮﻳﻀة"‪.1‬‬
‫وﻗﺪ وردت آ ت آﺧﺮى ﰲ مﺸﺮوﻋﻴّة اﳉﻬﺎد ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻗﺎدة‪ ،‬وﺻنﺎدﻳﺪ اﻟﻜﻔﺮ اﻟﺬﻳن ﻳعﺪون‬
‫چٱ َوأن‬ ‫ﺣﻮاجﺰ‪ ،‬ومﻮانع ﲢﻮل دون وﺻﻮل اﳍﺪى ﻷتﺒﺎﻋﻬم‪ ،‬ومﺴﺘﻀعﻔﻴﻬم‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ك ْفر أن ُه ْم ٓﻻ َ أَي ْ َ ٰ َن ل َ ُه ْم ل َ َعل ُه ْم ي َ تَ ُه َ‬
‫ُ ْ ََٰ ُ ْٓ َ َ ْ ُ‬ ‫َ ُ ْٓ َْ ََُٰ ّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ ُ ْ‬
‫ون ٱچ‬
‫ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫م‬‫۪‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ِك‬ ‫ن‬ ‫ِي‬
‫د‬ ‫نكثوا أي نهم م ِۢن بع ِد ه ِدهِم وطعنوا ِ‬
‫ﷲ َوال ُمستَض َع ِف َ چ ]اﻟنﺴﺎء‪.[74 :‬‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ َُٰ ُ َ‬
‫ٱ‬ ‫يل ِ‬ ‫]اﻟﺘﻮﺑة‪ ،[12 :‬وﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱومﺎ لكم ﻻ ت ت ِ ون ِ س ِ ِ‬

‫ﻓمن أجﻞ ﻫﺬه اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ ﺷﺮع اﳉﻬﺎد ﳉنﺪ واﻟﺴﻼح‪ ،‬واﻟعﺪة اﳌﺎدﻳّة اﻟﺬي ﲡﻠﻰ ﰲ‬
‫ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬وﺳﺮ ه‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ أﺑﲔ ﺑعﺾ ﲡﻠﻴﺎت إزاﻟة اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻴﺪان‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻗﺘﺎل اﶈﺎرﺑﲔ‬
‫ﻋنﺪ تﺒع ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﻠﺤﻆ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﻮة؛ ﻋنﺪمﺎ تﺘعﲔ اﻟﻮﺳﻴﻠة اﳌنﺎﺳﺒة ﻟﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ تﺒﲔ ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق أن اﻟﻘﺘﺎل داﺋمﺎ ﻳﺴﺒﻘه اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﺳﻼم ﻛمﺎ مﺮ ﰲ مﻮاﻃن مﺘعﺪدة من‬
‫اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻓﺈن تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻘﻮل ﻗﺪ ﺳﺒق تﻐﻴﲑه ﻟﻘﺘﺎل ﻃﻮال اﻟعﻬﺪ اﳌﻜﻲ ﻛﻠه‪.‬‬
‫وﻟﻜﺜﺮة اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﱵ اﺳﺘعمﻞ ﻓﻴﻬﺎ أﺳﻠﻮب تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ من ﺧﻼل اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ‬
‫مﻮﻗﻔﲔ ﻟﺪﻻﻟﺘﻬمﺎ اﳊﺴﻴّة‪ ،‬وﳘﺎ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﻗﺘﻞ ﺻﻨﺎدﻳﺪ ﻗﺮﻳﺶ ﰲ ﺑﺪر‬
‫ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻞ أﺋمة اﻟﻜﻔﺮ‪ ،‬من ﺻنﺎدﻳﺪ‪ ،‬ومﻸ ﻗﺮﻳﺶ ﰲ ﺑﺪر‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن مﺴعﻮد‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬اﻟ َﻜ ْﻌﺒَ َﺔ‪ ،‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ َﻋﻠَى ﻧَـ َﻔ ٍﺮ ِﻣ ْﻦ ﻗُـ َﺮﻳْ ٍ‬
‫ﺶ‪َ :‬ﻋﻠَى َﺷ ْﻴـﺒَ َﺔ ﺑْ ِﻦ َرﺑِ َﻴﻌﺔَ‪ ،‬و ُﻋ ْﺘـﺒَ َﺔ‬ ‫مﺴعﻮد ‪ ،‬ﻗﺎل‪ْ » :‬‬
‫اﺳﺘَـ ْﻘﺒَ َﻞ اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ِ‬ ‫و ُﻋْﺘـﺒ َﺔ ﺑ ِﻦ رﺑِﻴﻌﺔَ‪ ،‬واﻟﻮﻟِ ِ‬
‫ﻴﺪ ﺑْ ِﻦ ُﻋْﺘـﺒَﺔَ‪ ،‬وأَِﰊ َﺟ ْﻬ ِﻞ ﺑْ ِﻦ ِﻫ َ‬
‫ﺸ ٍﺎم‪ ،‬ﻓَﺄَ ْﺷ َﻬ ُﺪ ِ ﱠ ‪ ،‬ﻟََﻘ ْﺪ َرأَﻳْـﺘُـ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﺻ ْﺮ َﻋى‪ ،‬ﻗَ ْﺪ غَﻴﱠـ َﺮﺗْـ ُﻬ ُﻢ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫‪2‬‬
‫ﺲ‪ ،‬وﻛﺎن ﻳ ْﻮًﻣﺎ َﺣﺎرا « ‪.‬‬ ‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫اﻟ ﱠ‬

‫‪ -1‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(499/15) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب دﻋﺎء اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺎر ﻗﺮﻳﺶ ﺷﻴﺒة‪ ،‬وﻋﺘﺒة‪ ،‬واﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬وأﰊ جﻬﻞ ﺑن‬
‫ﻫﺸﺎم‪ ،‬وﻫﻼﻛﻬم‪ ،(47/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3743 :‬‬
‫‪331‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن ﻗﺘﻞ ﻫﺆﻻء من ﻗﺒﻴﻞ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ اﻟﺬي ﻳنﺪرج ﲢﺖ اﳌنﻬج اﳊﺴﻲ‪ ،‬ﻓﺮؤﻳّة‬
‫اﳌﺆمنﲔ ﳍم ﺻﺮﻋﻰ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﻳﻘﻴنﻬم أن اﻟﺪﻳن ﺣق‪ ،‬وأن ﷲ ﺻﺮﻫم‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ ﻋﱪة ﻟﻐﲑﻫم من‬
‫اﳌﺸﺮﻛﲔ ﻟعﻠﻬم ﻳعﺘﱪون‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َْ ْ َ ُ َ ّ َ‬
‫جيك بِبَ َدن ِك‬‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱفﺎ وم ن ِ‬
‫وﻫﺬه اﻟصﻮرة اﳊﺴﻴّة تﺸﺒه ﺻﻮرة إﻫﻼك ﻓﺮﻋﻮن اﻟﻮاردة ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫َ ُ َ َ ْ َ َْ َ‬
‫ك َءايّة چ ]ﻳﻮنﺲ‪ ،[ 92 :‬ﻗﺎل اﻟﺮازي‪ ":‬ﻛﺎن ﲣصﻴصه ﺬه اﳊﺎﻟة اﻟعﺠﻴﺒة داﻻ ﻋﻠﻰ‬ ‫ِ كون لِمن خلف‬
‫ﻋﻠﻰ ﻛمﺎل ﻗﺪرة ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﺻﺪق مﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﰲ دﻋﻮى اﻟنﺒﻮة"‪.1‬‬
‫ب‪.‬ﻗﺘﻞ ﳏﺎرﰊ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈﺔ‬
‫ﱂ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪم دﺧﻮﳍم اﻹﺳﻼم‪ ،‬وإﳕﺎ ﻗﺘﻠﻮا ﺑﺴﺒﺐ جنﺎﻳﺘﻬم اﻟعﻈﻴمة ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﺑنﻘﺾ اﻟعﻬﺪ واﻟﺘﺤﺎﻟﻒ مع اﻷﺣﺰاب اﻟﱵ ﻳﻘﻮدﻫﺎ أﺋمة اﻟﻜﻔﺮ من اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬اﻟﺬﻳن ﻗصﺪوا اﳌﺪﻳنة‬
‫وﻫﺎﲨﻮﻫﺎ من أجﻞ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم وﻗﻴﺎدة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﺤﻘﻮا ﺑعﺪ ذﻟﻚ أن ﻳﻘﺘﻠﻮا‪ ،‬وﻫﻮ ﺣﻜم‬
‫ﷲ ﻓﻴﻬم‪.‬‬
‫ﻮل‪ :‬نَـَﺰَل أ َْﻫ ُﻞ ﻗُـَﺮﻳْﻈَةَ َﻋﻠَﻰ ُﺣ ْﻜ ِم َﺳ ْع ِﺪ ﺑْ ِن ُم َع ٍﺎذ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ‬ ‫ي َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫ﻓعن أﰊ ﺳعِ ٍ‬
‫ﻴﺪ اﳋُ ْﺪ ِر ﱠ‬ ‫َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ﻮﻣﻮا إِ َﱃ َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ‪،‬‬
‫صﺎ ِر‪» :‬ﻗُ ُ‬ ‫ﱠﱯ ‪‬إِ َﱃ َﺳ ْعﺪ ﻓَأَتَﻰ َﻋﻠَﻰ ﲪَﺎ ٍر‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َد َ م َن اﳌَ ْﺴﺠﺪ ﻗَ َﺎل ﻟ ْﻸَنْ َ‬ ‫ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ اﻟنِ ﱡ‬
‫َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ‪ ،‬أ َْو َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ » :‬ﻫ ُﺆﻻَِء ﻧَـ َﺰﻟُﻮا َﻋﻠَى ُﺣ ْﻜ ِﻤ َﻚ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎ َل‪ :‬تَـ ْﻘﺘُ ُﻞ ُم َﻘﺎتِﻠَﺘَـ ُﻬ ْم‪ ،‬وتَ ْﺴِﱯ ذَ َرا ِرﻳـﱠ ُﻬ ْم‪،‬‬
‫ﺎل‪ِ» :‬ﲝُ ْﻜ ِﻢ اﳌَِﻠ ِﻚ«‪.2‬‬ ‫ﺖ ِﲝُ ْﻜ ِﻢ ا ﱠِ«‪ ،‬و ُرﱠﲟَﺎ ﻗَ َ‬ ‫ﻀْﻴ َ‬‫ﺎل‪» :‬ﻗَ َ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫وﻳﻈﻬﺮ اﻟﺒعﺪ اﳊﺴﻲ ﰲ ﻗﺘﻞ ﻳﻬﻮد ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة ﰲ اﻟﺮواﻳّة اﻟﱵ رواﻫﺎ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن إﺳﺤﺎق‪" :‬‬
‫" ﰒ اﺳﺘنﺰﻟﻮا‪ ،‬ﻓﺤﺒﺴﻬم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳌﺪﻳنة ﰲ دار ﺑنﺖ اﳊﺎرث‪ ،‬امﺮأة من ﺑﲏ اﻟنﺠﺎر‪ ،‬ﰒ ﺧﺮج‬
‫ﺧﺮج رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﱃ ﺳﻮق اﳌﺪﻳنة‪ ،‬اﻟﱵ ﻫﻲ ﺳﻮﻗﻬﺎ اﻟﻴﻮم‪ ،‬ﻓخنﺪق ﺎ ﺧنﺎدق‪ ،‬ﰒ ﺑعﺚ إﻟﻴﻬم‪،‬‬
‫إﻟﻴﻬم‪ ،‬ﻓﻀﺮب أﻋنﺎﻗﻬم ﰲ تﻠﻚ اﳋنﺎدق‪ ،‬ﳜﺮج م إﻟﻴه أرﺳﺎﻻ‪ ،‬وﻓﻴﻬم ﻋﺪو ﷲ ﺣﻴﻲ ﺑن أﺧﻄﺐ‪،‬‬
‫أﺧﻄﺐ‪ ،‬وﻛعﺐ ﺑن أﺳﺪ‪ ،‬رأس اﻟﻘﻮم‪ ،‬وﻫم ﺳﺖ مﺎﺋة أو ﺳﺒع مﺎﺋة‪ ،‬واﳌﻜﺜﺮ ﳍم ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻛﺎنﻮاﺑﲔ‬
‫ﻛﺎنﻮاﺑﲔ اﻟﺜمﺎن مﺎﺋة واﻟﺘﺴع مﺎﺋة‪ .‬وﻗﺪ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻜعﺐ ﺑن أﺳﺪ‪ ،‬وﻫم ﻳﺬﻫﺐ م إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪‬‬
‫تﺮاه‬ ‫مﺎ‬ ‫ﻛعﺐ‪،‬‬ ‫أرﺳﺎﻻ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(278/17) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(111/5‬ﺑﺮﻗم‪.3895 :‬‬
‫‪332‬‬
‫ﻳصنع ﺑنﺎ؟ ﻗﺎل‪ :‬أﰲ ﻛﻞ مﻮﻃن ﻻ تعﻘﻠﻮن؟ أﻻ تﺮون اﻟﺪاﻋﻲ ﻻ ﻳنﺰع‪ ،‬وأنه من ذﻫﺐ ﺑه منﻜم ﻻ‬
‫ﻻ ﻳﺮجع؟ ﻫﻮ وﷲ اﻟﻘﺘﻞ! ﻓﻠم ﻳﺰل ذﻟﻚ اﻟﺪأب ﺣﱴ ﻓﺮغ منﻬم رﺳﻮل ﷲ ‪.1"‬‬
‫ﻓﺘنﻔﻴﺬ ﺣﻜم ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ ﰲ اﻟﻴﻬﻮد ﺬه اﻟﻜﻴﻔﻴّة؛ من ﺷأنه أن ﻳﺮدع ا ﺮمﲔ ﳑن تﺴﻮل ﳍم‬
‫أنﻔﺴﻬم اﻟﺘعﺮض ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗﺎد ﺎ ﳋﻴﺎنة‪ ،‬واﻟﻐﺪر‪.‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﳌﻘﺎﺻﺪي ﻳﻠﺤﻆ ﰲ ﲨﻴع اﳊﺪود واﻟعﻘﻮ ت اﻟﺸﺮﻋﻴّة ﻟﺮدع اﳉنﺎة‪ ،‬ﻳﻘﻮل اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‬
‫ﻋﺎﺷﻮر ﰲ ﺑﻴﺎن مﻘﺎﺻﺪ اﻟعﻘﻮ ت‪ ":‬وأمﺎ اﻷمﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ وﻫﻮ‪ :‬زجﺮ اﳌﻘﺘﺪي‪ ،‬ﻓﻬﻮ مأﺧﻮذ من ﻗﻮﻟه‬
‫ْ‬ ‫ٓ‬ ‫ْ‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ َول َ ْش َه ْد َع َذا َ ُه َمﺎ َطﺎ ِ َفة‪ّ ٞ‬م َِن ل ُمو ِمنِ َ ۖ چ ]اﻟنﻮر‪.2[02:‬‬
‫‪ .2‬إﺟﻼء اﻟﻴﻬﻮد ﻣﻦ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻟﻘﻮة‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ إجﻼء اﻟﻴﻬﻮد من اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﺑﺒﲏ ﻗﻴنﻘﺎع وﺑﲏ اﻟنﻈﲑ‪ ،‬ﻓعن‬
‫َﺟﻠَى ﺑ ِﲏ اﻟﻨ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﱠﻀ ِﲑ‪ ،‬وأَﻗَـ ﱠﺮ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَ َﺔ َوَﻣ ﱠﻦ‬ ‫ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬ﺣ َﺎرﺑَﺖ اﻟﻨﱠﻀﲑُ‪ ،‬وﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَﺄ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ﺖ ﻗُـﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺘَﻞ ِرﺟﺎ َﳍُﻢ‪ ،‬وﻗَ ِ‬
‫ﻀ ُﻬ ْﻢ‬ ‫ﲔ اﳌُ ْﺴﻠ ِﻤ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬إِﱠﻻ ﺑَـ ْﻌ َ‬ ‫ﺎء ُﻫ ْﻢ َوأ َْوﻻَ َد ُﻫ ْﻢ َوأ َْﻣ َﻮا َﳍُ ْﻢ ﺑَـ ْ َ‬
‫ﺴ َﻢ ﻧ َﺴ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ َﺣ َﺎرﺑَ ْ َ‬
‫ﻂ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِﻦ َﺳ َﻼٍم‪،‬‬ ‫ﻮد اﳌَ ِﺪ َﻳﻨ ِﺔ ُﻛﻠﱠ ُﻬ ْﻢ‪ :‬ﺑَِﲏ ﻗَـ ْﻴـﻨُـ َﻘ ٍﺎع‪ ،‬و ُﻫ ْﻢ َرْﻫ ُ‬ ‫َﺟﻠَى ﻳَـ ُﻬ َ‬
‫َﺳﻠَ ُﻤﻮا‪ ،‬وأ ْ‬‫ﺂﻣﻨَـ ُﻬ ْﻢ َوأ ْ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َﳊ ُﻘﻮا ﻟﻨِ ِّ‬
‫ﻮد اﳌَ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ «‪.3‬‬
‫ﻮد ﺑ ِﲏ ﺣﺎ ِرﺛَﺔَ‪ ،‬وُﻛ ﱠﻞ ﻳـﻬ ِ‬
‫َُ‬ ‫وﻳَـ ُﻬ َ َ َ‬
‫ﻓﺒعﺪمﺎ ﱂ تنﻔع مع اﻟﻴﻬﻮد اﻟﻄﺮق اﻟﺴﻠمﻴّة‪ ،‬وﱂ ﳛﱰمﻮا ﺑنﻮد اﳌعﺎﻫﺪة‪ ،‬وأﺻﺒﺤﻮا ﻳﺜﲑون اﻟﻔﱳ‪ ،‬ﱂ‬
‫ﻳﻜن ﺑﺪ من إﺧﺮاجﻬم من اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﰲ ﻫﺬه اﳌﺮة اﻛﺘﻔﻲ ﻹﺧﺮاج وﱂ ﻳﻘﺘﻠﻮا ﻛمﺎ ﻗﺘﻠﺖ ﻗﺮﻳﻈة؛‬
‫ﻟﻜﻔﺎﻳّة ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة ﺑﺘﺤﻘﻴق اﳌﻄﻠﻮب واﳌﺮاد‪ ،‬وﻫﺬا من ﻗﻮاﻋﺪ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ‪ ،‬ﻛمﺎ مﺮ ﰲ ﻗﻮاﻋﺪ‬
‫اﻟﺘﻐﻴﲑ‪.‬‬
‫ونﻔﻲ ا ﺮمﲔ‪ ،‬واﶈﺎرﺑﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻟﻘﻮة اﻟﺴﻠﻄﺎنﻴّة أﺻﻞ من أﺻﻮل إزاﻟة اﳌنﻜﺮات‪ ،‬وﻗﺪ ﲢﺪث‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َ ََ ُْ‬
‫ﷲ َو َرسو ُ ۥ َو َس َع ْو َن ِ ﻻ ِض ف َسﺎدا أن‬ ‫ﺎر ون‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻋنه ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱأنمﺎ ج ؤا‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َُ ْ ْ ‪ٞ‬‬ ‫ْ ُ َ ْْ َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ َ َُ َ‬ ‫َ ُ ْ َ‬
‫ن ۪يﺎ َول ُه ْم‬ ‫يقت ٓوا أ ْو يُ َصل ُب ٓوا أ ْو قط َع أيْدِي ِه ْم َوأ ْرجل ُهم ِّم ْن ِ‬
‫خ ٍف و ينفوا مِن ﻻ ِض ٰ ِك لهم خِزي ِ‬

‫َ َِ َ َ ٌ‬
‫اب َع ٌ‬
‫ظِيم چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪.[33 :‬‬ ‫ِ ﻻخِرة عذ‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(241/2) ،‬‬

‫‪ -2‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ اﳊﺒﻴﺐ اﺑن اﳋﻮجة‪ ،‬وزارة اﻷوﻗﺎف واﻟﺸﺆون اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻗﻄﺮ‪1425 ،‬‬
‫ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪.(549/3) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،(88/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3804 :‬‬
‫‪333‬‬
‫ﻓﺎﻟنﻔﻲ وإﺧﺮاج اﳉنﺎة من اﻟعﻘﻮ ت اﻟﱵ تﱰتﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ مﻘﺎﺻﺪﻫﺎ اﻹﺻﻼﺣﻴّة‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن اﻟﻴﻬﻮد‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻴﻬﻮد ﱂ ﳜﺮجﻮا من اﳌﺪﻳنة إﻻ ﺑعﺪمﺎ ثﺒﺘﺖ إدانﺘﻬم ﻟﺴعﻲ ﰲ اﻹﻓﺴﺎد وﳏﺎرﺑة ﷲ ورﺳﻮﻟه‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﲢﻄﻴﻢ اﻷﺻﻨﺎم وأﻣﺎﻛﻦ اﻟﺸﺮك واﻟﻔﺘﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻗﺪ ﲢﺪثﺖ ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق ﻋن إزاﻟة مﺸﺎﻫﺪ اﻟﺸﺮك ﻋنﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة؛ ﲟﺎ ﻳنﺎﺳﺐ اﻟﺒعﺪ‬
‫اﻟعﻘﺪي‪ ،‬وﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ أتنﺎوﻟه مﺮة أﺧﺮى من منﻈﻮر اﻟﺒعﺪ اﻷﺳﻠﻮﰊ؛ ﻋﺘﺒﺎر أن إزاﻟة مﺸﺎﻫﺪ‬
‫اﻟﺸﺮك ﻟﻴﺪ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳊﺴﻴّة‪ ،‬ذات اﻟﺘأثﲑ اﻟﻔعﺎل ﰲ اﳌﺪﻋﻮ‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﲔ أﺑﺮز اﻷﳘﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب من ﺧﻼل اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬ﺗﻄﻬﲑ اﳊﺮم ﻣﻦ اﻷﺻﻨﺎم ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‬
‫ﻻ رﻳﺐ أن من أﻋﻈم اﻷﻋمﺎل اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳊﺴﻴّة اﻟﱵ ﻗﺎم ﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬تﻄﻬﲑ اﳌﺴﺠﺪ اﳊﺮام من‬
‫مﻈﺎﻫﺮ اﳊﺮام من اﻷﺻنﺎم اﳌنصﻮﺑة ﺣﻮل اﻟﺒﻴﺖ وإﺧﺮاج اﻟنصﺐ اﻟﱵ ﺑﺪاﺧﻠه ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ ‪،‬‬
‫ﺐ ﻓَ َﺠ َع َﻞ‬‫صٍ‬ ‫ﺖ ِﺳﺘﱡﻮ َن وثَﻼَ ُ ِ ِ‬ ‫ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬دﺧﻞ اﻟنﱠِﱯ ‪ ‬م ﱠﻜةَ ﻳـﻮم اﻟ َﻔْﺘ ِﺢ‪ ،‬وﺣﻮَل اﻟﺒـﻴ ِ‬
‫ث مﺎﺋَة نُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َََ ﱡ‬
‫ﺎﻃﻞ‪ ،‬ﺟﺎء اﳊ ﱡﻖ وﻣﺎ ﻳـﺒ ِﺪئ اﻟﺒ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮد ِﰲ ﻳَ ِﺪهِ‪ ،‬وﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻳﻄْعنُـﻬﺎ ﺑِع ٍ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫ﺎﻃ ُﻞ َوَﻣﺎ ﻳُﻌﻴ ُﺪ« ‪.‬‬‫ﺎء اﳊَ ﱡﻖ َوَزَﻫ َﻖ اﻟﺒَ ُ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫ﻮل‪َ » :‬ﺟ َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ معﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﻓعﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ذﻟﻚ ﻹذﻻل اﻷﺻنﺎم وﻋﺎﺑﺪﻳﻬﺎ وﻹﻇﻬﺎر أ ﺎ‬
‫‪3‬‬
‫أ ﺎ ﻻ تنﻔع وﻻ تﻀﺮ وﻻ تﺪﻓع ﻋن نﻔﺴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ‪".‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟعمﻞ اﳊﺴﻲ مﻜن ﻗﺮﻳﺶ من رؤﻳّة اﻷﺻنﺎم اﻟﱵ ﻃﺎﳌﺎ ﻋﺒﺪوﻫﺎ‪ ،‬وﻋﻈمﻮﻫﺎ تﻜﺐ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺿﺮا‪ ،‬وتﺮى رأي اﻟعﲔ اﻟﺒﻴﺖ اﳊﺮام ﻳﻄﻬﺮ ﺑﺬﻟﻚ منﻬﺎ‪،‬‬ ‫وجﻮﻫﻬﺎ وﻇﻬﻮرﻫﺎ‪ ،‬ﻻ ﲤﻠﻚ ﻟنﻔﺴﻬﺎ نﻔعﺎ وﻻ ّ‬
‫منﻬﺎ‪ ،‬وتﺸﺎﻫﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻷﻋﻈم اﻟﺬي ﻳﺘم ﻓﻴه مﺎ دﻋﺎ إﻟﻴه منﺬ ﻋﺸﺮﻳن ﺳنة‪ ،‬ومﺎ ﺣﺎرﺑﺘه مﻜة أﺷ ّﺪ‬
‫اﳊﺮب ﻓﻴه‪ ،‬ﲤﻬﻴﺪا ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻮثنﻴّة ﻟﻜﻠﻴّة‪.4‬‬

‫‪ -1‬ﻓمن مﻈﺎﻫﺮ اﻋﺘﺪاء اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬وﳏﺎرﺑﺘﻬم ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ نﺴﺎء اﳌﺴﻠمﲔ ﻛمﺎ ﻓعﻞ ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع‪ ،‬وﳏﺎوﻟة اﻏﺘﻴﺎل‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬من ﻗﺒﻞ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬وتﻮاﻃﺆ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة مع اﻟﻜﻔﺎر واﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﳌﺴﻠمﲔ ﰲ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(17 ،364/1) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة‪.(214/2) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬أﻳن رﻛﺰ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟‪ ،(148/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4287 :‬وﻗﺪ‬
‫تﻜﺮر اﳊﺪﻳﺚ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﰲ ﻋﺪة ﻛﺘﺐ‪ ،‬و ﻗﺪ تﻀمن أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة أﺧﺮى‪ ،‬ﻛﺘﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ‪ ،‬ب‪ :‬ﻫﻞ‬
‫تﻜﺴﺮ اﻟﺪ ّن اﻟﱵ ﻓﻴﻬﺎ اﳋمﺮ‪ ،‬أو ﲣﺮق اﻟﺰﻗﺎق‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺴﺮ ﺻنمﺎ‪ ،‬أو ﺻﻠﻴﺒﺎ‪ ،‬أو ﻃنﺒﻮرا‪ ،‬أو مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﲞﺸﺒه‪،(136/3) ،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب چٱ َجﺎ ٓ َء ل َحق َو َز َه َق ل َ ٰط ُِلۖ چ ]اﻹﺳﺮاء‪.86/6 ،[81 :‬‬
‫وﺑعﺪ أﺻﻮل ّ‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،‬ﺑﲑوت‪ 1379 ،‬ه‪.(17/8) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ ﺣﺴﲔ ﻫﻴﻜﻞ‪ ،‬ﺣﻴﺎة ﷴ‪ ،‬ص‪.266‬‬
‫‪334‬‬
‫وﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﺘﻄﻬﲑ ﳏﻴط اﻟﺒﻴﺖ من اﻷﺻنﺎم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻃﺎل اﻟﺘﻄﻬﲑ ﺣﱴ اﻟﺒﻴﺖ من اﻟﺪاﺧﻞ‬
‫ﳑﺎ ﻓﻴه من ﲤﺎثﻴﻞ وﺻﻮر‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳌﺎ ﻗﺪم مﻜة‪ ،‬أﰉ أن ﻳﺪﺧﻞ‬
‫اﻟﺒﻴﺖ وﻓﻴه اﻵﳍة‪ ،‬ﻓأمﺮ ﺎ ﻓأﺧﺮجﺖ‪ ،‬ﻓأﺧﺮج ﺻﻮرة إﺑﺮاﻫﻴم وإﲰﺎﻋﻴﻞ ﰲ أﻳﺪﻳﻬمﺎ من اﻷزﻻم‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻓَ َﻜﺒﱠـﺮ ِﰲ ﻧَـﻮ ِ‬ ‫اﺳﺘَـ ْﻘﺴ َﻤﺎ ِ َﺎ ﻗَ ﱡ‬ ‫ِ‬
‫اﺣﻲ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ﻂ "‪ ،‬ﰒُﱠ َد َﺧ َﻞ اﻟﺒَـْﻴ َ‬ ‫ﻓﻘﺎل اﻟنﱯ ‪ » :‬ﻗَﺎﺗَـﻠَ ُﻬ ُﻢ ا ﱠُ‪ ،‬ﻟََﻘ ْﺪ َﻋﻠ ُﻤﻮا‪َ :‬ﻣﺎ ْ َ‬
‫ﺼ ِّﻞ«‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫ج َوَﱂْ ﻳُ َ‬
‫اﻟﺒَـْﻴﺖ‪ ،‬و َﺧ َﺮ َ‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﳊﺴﻲ أثﺮه اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻴﻘن ﻛﺜﲑ أﻫﻞ مﻜة ﺑﺒﻄﻼن اﻷﺻنﺎم‪ ،‬ﻓﺴﺎرﻋﻮا‬
‫ﻓﺴﺎرﻋﻮا إﱃ ﻛﺴﺮ أﺻنﺎمﻬم اﳋﺎﺻة‪-‬ﻛمﺎ تﺮوي ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑ‪-‬؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻜﺮمة ﺑن أﰊ جﻬﻞ ﺣﲔ‬
‫ﺣﲔ أﺳﻠم ﻻ ﻳﺴمع ﺑصنم ﰲ ﺑﻴﺖ من ﺑﻴﻮت ﻗﺮﻳﺶ إﻻ مﺸﻰ إﻟﻴه ﺣﱴ ﻳﻜﺴﺮه‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺴﺮت ﻫنﺪ‬
‫‪2‬‬
‫ﻫنﺪ ﺻنم ﳍﺎ ﺑﻘﺎدوم‪.‬‬
‫‪ .2‬إزاﻟﺔ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﺸﺮك واﻟﻔﺘﻨﺔ ﻟﻘﻮة‬
‫ﱂ ﻳﻘﻒ اﻟﺘﻄﻬﲑ ﻋنﺪ اﻟﺒﻴﺖ اﻟعﺘﻴق واﳌﺴﺠﺪ اﳊﺮام‪ ،‬ﺑﻞ اﺳﺘمﺮ من ﺧﻼل ﺑعﺚ اﻟنﱯ ‪‬‬
‫ﻷﺻﺤﺎﺑه ﳍﺪم مﺸﺎﻫﺪ اﻟﺸﺮك واﻟﻔﺘنة ﰲ أمﺎﻛن مﺘﻔﺮﻗة‪ ،‬ﻓممﺎ ورد من ذﻟﻚ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ مﺎ رواه‬
‫ﺸﺄ ِْﻣﻴّﺔ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل ِﱄ‬ ‫ﺼ ِﺔ‪ ،‬واﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔُ اﻟﻴَﻤﺎﻧِﻴّﺔ‪ ،‬واﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔُ اﻟ ﱠ‬ ‫ﺎﻫﻠِﻴّﺔ ﻳـُ َﻘ ُ‬
‫ﺎل ﻟَﻪُ ذُو اﳋَﻠَ َ‬
‫ﺖ ِﰲ اﳉ ِ‬
‫َ‬ ‫جﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎن ﺑَـ ْﻴ ٌ‬
‫ﲔ َراﻛِﺒًﺎ ﻓَ َﻜ َﺴ ْﺮَ ﻩُ‪ ،‬وﻗَـﺘَـﻠْﻨَﺎ َﻣ ْﻦ َو َﺟ ْﺪ َ ِﻋ ْﻨ َﺪﻩُ‪،‬‬ ‫‪» :‬أَﻻَ ﺗُ ِﺮﳛ ِﲏ ِﻣﻦ ِذي اﳋَﻠَﺼ ِﺔ«‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﻔﺮ ُ ِ ٍ ِ‬
‫ت ِﰲ ﻣﺎﺋَﺔ َوﲬَْﺴ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ﺲ ‪.3‬‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَﺄَ ْﺧﺒَـ ْﺮﺗُﻪُ ﻓَ َﺪ َﻋﺎ ﻟَﻨَﺎ َوِﻷ ْ‬
‫َﲪَ َ‬ ‫ﺖ اﻟﻨِ ﱠ‬
‫ﻓَﺄَﺗَـ ْﻴ ُ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬أﻳن رﻛﺰ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟‪ ،(148/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4288 :‬وﻗﺪ‬
‫ﻛﺮر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﺮواﻳّة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ؛ ﻟﻴﱪز أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﳍﺎ‪ ،‬ﻓأﺧﺮجﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟصﻼة؛ مﺸﲑا إﱃ ﺑعﺪ دﻋﻮي تﺸﺮﻳعﻲ‪،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪(139/4) ،(88/1 ):‬‬ ‫وﰲ ﻛﺘﺎب اﻷنﺒﻴﺎء؛ منﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑعﺪ ﻳﺘعﻠق ﺑﺘﺎرﻳخ ّ‬
‫‪ -2‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(871/2) ،‬ومن ﻋﻼمﺎت ﺣﺴن إﺳﻼم ﻫنﺪ وﺻﺪق اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻬﺎ أﻳﻀﺎ إﻛﺮامﻬﺎ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺪﻳّة‬
‫ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻗﺎل اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ":‬وأﻫﺪت ﻫنﺪ ﺑنﺖ ﻋﺘﺒة ﺑعﺪ إﺳﻼمﻬﺎ ﻫﺪﻳّة ﻟﺮﺳﻮل ا ﱠ ‪ - ‬وﻫﻮ ﻷﺑﻄﺢ‪ -‬مع مﻮﻻة ﳍﺎ‪ ،‬جﺪﻳﲔ‬
‫وﻗﺪا‪ ] ،‬اﳌﺮﺿﻮف‪ :‬اﳌﺸﻮي‪ ،‬واﻟﻘﺪ‪ :‬ﺳﻘﺎء ﺻﻐﲑ مﺘخﺬ من جﻠﺪ ّ‬
‫اﻟﺴخﻠة ﻳﻜﻮن ﻓﻴه ﻟﱭ[‪ ،‬ﻓﺎنﺘﻬﺖ اﳉﺎرﻳّة إﱄ‬ ‫مﺮﺿﻮﻓﲔ ّ‬
‫ﺧﻴمﺘه‪ ،‬ﻓﺴﻠمﺖ واﺳﺘأذنﺖ ﻓأذن ﳍﺎ ﻓﺪﺧﻠﺖ ورﺳﻮل ا ﱠ ‪ ‬ﺑﲔ أم ﺳﻠمة ومﻴمﻮنة ونﺴﺎء ﺑﲏ ﻋﺒﺪ اﳌﻄﻠﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﺖ‪ :‬أ ّن‬
‫مﻮﻻﰐ أرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻚ ﺬه اﳍﺪﻳّة‪ ،‬وﻫﻲ معﺘﺬرة إﻟﻴﻚ‪ ،‬وتﻘﻮل‪ :‬أ ّن ﻏنمنﺎ اﻟﻴﻮم ﻗﻠﻴﻠة اﻟﻮاﻟﺪة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬رك ا ﱠ ﻟﻜم ﰲ ﻏنمﻜم‪،‬‬
‫ﻓﺴﺮت ﻫنﺪ ﳌﺎ أﺧﱪ ﺎ مﻮﻻ ﺎ ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬ورأوا من ﻛﺜﺮة ﻏنمﻬم وواﻟﺪ ﺎ مﺎ ﱂ ﻳﻜن من ﻗﺒﻞ وﻻ ﻗﺮﻳﺒﺎ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ ﻫنﺪ‬ ‫وأﻛﺜﺮ واﻟﺪ ﺎ ّ‬
‫تﻘﻮل‪ :‬ﻫﺬا ﺑﺪﻋﺎء رﺳﻮل ا ﱠ وﺑﺮﻛﺘه"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬اﻻمﺘﺎع‪.(05/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬ب ﻏﺰوة ذي اﳋﻠصة‪ ،(164/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4097 :‬‬
‫‪335‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﻔﻠﺖ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑ ﺑﺬﻛﺮ اﻟﺴﺮا اﻟﱵ أرﺳﻠﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳍﺬا اﳌﻘصﺪ اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ﻓﺒعﺚ ﺧﺎﻟﺪ‬
‫ﺧﺎﻟﺪ ﺑن اﻟﻮﻟﻴﺪ إﱃ اﻟعﺰى‪ ،‬وﺑعﺚ إﱃ ذي اﻟﻜﻔﲔ اﻟﻄﻔﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو اﻟﺪوﺳﻲ وﺑعﺚ ﺳعﺪ ﺑن زﻳﺪ‬
‫زﻳﺪ إﱃ منﺎة ﻓﻬﺪمﻬﺎ‪ ،‬وﺑعﺚ ﻋمﺮو ﺑن اﻟعﺎص إﱃ ﺻنم ﻫﺬﻳﻞ ﻓﻬﺪمه‪.1‬‬
‫و ﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠة اﳊﺴﻴّة اﻟﱵ تعﺪ من مﻈﺎﻫﺮ تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﲤﻜنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺑﻘﻴﺎدة‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬من إزاﻟة اﻟﺸﺮك‪ ،‬ومﻈﺎﻫﺮه‪ ،‬من مﻜة ومﺎ ﺣﻮﳍﺎ؛ تﻄﻬﲑا ﻟﻠنﻔﻮس وﺳﺪ ﻟﺬرﻳعة‬
‫اﻻﻓﺘﺘﺎن ﺎ من جﺪﻳﺪ؛ ﻟﻜﻮن اﻟﻘﻮم ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻋﻬﺪ ﺑﺸﺮك‪.2‬‬
‫وﳝﻜن ﳑﺎ ﺳﺒق أن أﺧﻠﺺ إﱃ أن أﺳﻠﻮب تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﻓﺮع ﻋن اﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ ﺳﺘعمﺎل‬
‫اﻟﻘﻮة‪ ،‬وﻫﻮ أﺳﻠﻮب دﻋﻮي ﺣﺴﻲ ﻓعﺎل ذو ﻃﺒﻴعة ﺳﻠﻄﺎنﻴّة مﺎرﺳه اﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم‪ ،‬ومﺎرﺳه‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة من ﺧﻼل تﻜﻠﻴﻔﻬم زاﻟة ﺑعﺾ اﳌنﻜﺮات ﻟﻴﺪ‪ ،‬وﻗﺪ‬ ‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﻐﺰوات ودرب ّ‬
‫ﺑﻴنﺖ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﳒﺎﺣه ﻟﻜﻮنه وﻗع وﻓق اﻟﻀﻮاﺑط واﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻋﻴّة واﻷوﻟﻮ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬

‫وﻫﻜﺬا أﻛﻮن ﻗﺪ أ ﻴﺖ اﻟﻜﻼم ﻋن اﻷﺳﻠﻮب اﳊﺴﻲ اﻟﺬي مﺎرﺳه اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ مﻴﺪان من أﻛﱪ‬
‫اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﻟﺬي أﲨﻠﺘه ﰲ أﺳﻠﻮﺑﲔ من اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﺒﲑة‪ ،‬أﺳﻠﻮب‬
‫اﻟﻘﺪوة اﳊﺴنة اﻟﺬي ﳝﻜن أن ﻳنﺪرج ﲢﺖ أﺻﻞ اﻷمﺮ ﳌعﺮوف ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻔعﻠﻴّة‪،‬‬
‫وأﺳﻠﻮب تﻐﻴﲑ اﳌنﻜﺮ ﻟﻴﺪ اﻟﺬي ﳝﻜن أن ﻳنﺪرج ﺿمن اﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ ﻋن ﻃﺮﻳق إزاﻟﺘه ﻟﻔعﻞ‬
‫واﻟﻘﻮة‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﻀﻔﻲ مﺰﻳﺪا من اﻷﳘﻴّة واﳌﺸﺮوﻋﻴّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳن اﻷﺳﻠﻮﺑﲔ‪.‬‬
‫و ﺬا اﳌﺒﺤﺚ تﻜﺘمﻞ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺜﻼثة اﻟﱵ ﲡﻠﺖ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ‬
‫مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي اﻟﱵ ﺣصﺮ ﺎ اﻟﺪراﺳة ﰲ ااﳌنﻬج اﻟعﺎﻃﻔﻲ‪ ،‬واﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬واﳊﺴﻲ؛ ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺘأثﲑ ﰲ‬
‫اﳌﺪﻋﻮ ﻻ ﳜﺮج ﻋن ﻫﺬه اﻟﻘنﻮات اﻟﻔﻄﺮﻳّة‪ ،‬وﻗﺪ ﲡﻠﺖ اﳊﻜمة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻻﺳﺘخﺪام اﻷمﺜﻞ‪،‬‬
‫واﻷﺣﻜم ﳍﺬه اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ تﺘﺠﻠﻰ جﻮدة اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻟنﺒﻮي ﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﳌنﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻔﻄﺮي اﻟﱵ اﺳﺘﻄﺎع اﻟنﱯ ‪‬‬
‫من ﲢﻘﻴق اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻈﻴمة اﻟﱵ ﺳﻮف أﺑﺮزﻫﺎ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(870/1) ،‬اﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﱪى‪.(111/2) ،‬‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺴﲑة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬ص‪.595‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬منﲑ اﻟﻐﻀﺒﺎن‪ّ ،‬‬
‫‪336‬‬
 ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‬
‫اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﻘﺎﺻﺪﻳﺔ‬

‫وﻓﻴﻪ ﻣﺒﺤﺜﺎن‪:‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳋﺎﺻﺔ‬

‫‪337‬‬
‫إن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة وإ ْن ﻛﺎنﺖ امﺘﺪادا ﻟﻠ ّﺪﻋﻮة؛ ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻓعﻼ نﺒﻮ ﻻ ﳜﺮج ﻋن أﺻﻮﳍﺎ اﻟعﻘﺪﻳّة‬
‫واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬ﻛمﺎ تﺒﲔ جﻠﻴﺎ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻟﺴﺎﺑق‪ ،‬وﻳﺘﻘﺎﺳم معﻬﺎ ﰲ ﻏﺎ ﺎ وأﻫﺪاﻓﻬﺎ ومﻘﺎﺻﺪﻫﺎ‬
‫اﻟﻜﱪى‪ ،‬إﻻ أن ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ اﳉﻬﺎدﻳّة اﻟعﺴﻜﺮﻳّة جعﻠﺘﻬﺎ تصﻄﺒغ ﺑﻄﺎﺑع ﺧﺎص؛ ﻟﺘﻜﻮن نﻈﺎمﺎ مﺴﺘﻘﻼ‬
‫ﻋن ﻏﲑه من اﻟنﻈم اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬و تﺸﺮﻳعﻴﺎ مﺴﺘﻘﻼ ﻋن ﻏﲑه من اﻷﺑﻮاب اﻟﻔﻘﻬﻴّة اﻷﺧﺮى‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ أﻓﺮدت ﻟه أﺑﻮاب ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬وﻛﺘﺐ اﳊﺪﻳﺚ اﳌﺮتﺒة وﻓق اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت ﻛﺎﻟﻜﺘﺐ‬
‫اﻟﺴﺘة‪ ،‬واﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬واﺣﺪ منﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻓﺮد ﳍﺎ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻛﺘﺎ ‪ ،‬وﻫﻮ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪.‬‬

‫واﻟنﺎﻇﺮ ﰲ ﻛﺘﺐ اﳉﻬﺎد اﻟﻔﻘﻬﻴّة ﰲ ﳐﺘﻠﻒ اﳌﺬاﻫﺐ واﳊﺪﻳﺜﻴّة ﳚﺪﻫﺎ تﺴﺘمﺪ مﺎد ﺎ اﻷوﱃ من‬
‫آ ت ومﺮو ت ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ،‬وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻟعﻠمﺎء ﻋنﺪ اﺳﺘنﺒﺎط أﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد من ﻫﺬه‬
‫اﻟنصﻮص‪ ،‬ﻓﺈﺿﺎﻓة إﱃ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ اﻋﺘنﻮا ﺑﺮاز مﻘﺎﺻﺪ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻷﺑﻮاب اﻷﺧﺮى؛‬
‫ﻟﻴﺆﻛﺪوا أن ﲨﻴع اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴة منﻮﻃة ﲟﻘﺎﺻﺪ ﻋﻈﻴمة‪ ،‬وﺣﻜم جﻠﻴﻠة‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺒﺎب اﻟﺘﺸﺮﻳعﻲ اﻟﺬي تنﺪرج ﲢﺘه اﻟﻐﺰوات ب اﳉﻬﺎد؛ ﻟﺬا ﻓﺈن اﻟﺪراﺳة ﺳﺘﺴﺘعﲔ ﰲ ﺑﻴﺎ ﺎ‬
‫ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﻐﺰوات ﲟﺎ ﻗﺮره ﻋﻠمﺎء اﳌﻘﺎﺻﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸأن‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ تصﺮﻓﺎت اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته ﻫﻲ أﺻﻞ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب؛ جﺎء ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ من ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫ﻟﻴﻜﺸﻒ وﻳﺒﺤﺚ ﻋن مﻘﺎﺻﺪ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته ﰲ مﺮاﺣﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﳌخﺘﻠﻔة من ﺑﺪء اﻟﻘﺘﺎل‬
‫إﱃ آﺧﺮ ﺣﻴﺎته ‪.‬‬
‫ونﻈﺮا ﻟﻄﺒﻴعة اﻟﺪراﺳة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻓﺈﱐ أﺣﺮص ﰲ ﻛﻞ مﺮة ﻋﻠﻰ إﺑﺮز اﻷ ر اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻜﻞ مﻘصﺪ من‬
‫اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﱵ أﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫وﻟﺘﺤﻘﻴق اﳍﺪف اﳌﺒﺘﻐﻰ من ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ من اﻟﺪراﺳة‪ ،‬ﻓﺈﱐ ﻗﺴمﺘه إﱃ مﺒﺤﺜﲔ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳋﺎﺻﺔ‬

‫‪338‬‬
 ‫)‪(1‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫إن اﻟﻐﺰوات ﻓﺮع ﻋن اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي من ﺣﻴﺚ اﳌنﻬج واﳌﻀمﻮن‪ ،‬ﻓﺎﻗﺘﻀﻰ ذﻟﻚ ﻟﻀﺮورة‬
‫أن تﺘﺴق مع اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﻜﱪى ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﺳﺘمﺪادا‪ ،‬وتﻔعﻴﻼ‪ ،‬واﺳﺘﻬﺪاﻓﺎ‪.‬‬
‫أمﺎ من ﺣﻴّة اﻟﺘﻜﻴﻴﻒ اﻟﻔﻘﻬﻲ اﻟعمﻠﻲ ﻓﺈ ﺎ تنﺪرج ﺿمن ب اﳉﻬﺎد اﻟﺬي ﻳعﺘﱪ من أﺑﻮاب‬
‫اﻟﺸﺮﻳعة اﻟعﻈﻴمة اﻟﺬي تﻠﺤﻆ ﻓﻴه مﻘﺎﺻﺪﻫﺎ اﻟعﺎمة ﻛﺒﺎﻗﻲ أﺑﻮاب اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎن اﻟﻘصﺪ إﺑﺮاز اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﳍﺬه اﳌﻘﺎﺻﺪ ﻓﺈنﲏ ﺳﻮف أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ أﻫم اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟعﺎمة‬
‫اﻟﱵ ﲣﺪم اﳍﺪف من اﻟﺪراﺳة‪ ،‬من ﺧﻼل مﻄﻠﺒﲔ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻔﻆ اﻟﻜﻠﻴﺎت اﻟﻜﱪى ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺒﻴﺎن ﳏﺎﺳﻦ وﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺪ ﰲ ﺑﻴأ ّن اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟعﺎمة ﻟﻠﻐﺰوات وآ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة أجﺪﱐ مﻀﻄﺮا إﱃ ﲢﺪﻳﺪ مصﻄﻠﺢ اﳌﻘﺎﺻﺪ من ﺣﻴﺚ اﻟﻠﻐة‬
‫واﻻﺻﻄﻼح‪ ،‬ﻛمﺪﺧﻞ منﻬﺠﻲ ﺿﺮوري ﳍﺬا اﻟﻔصﻞ‪.‬‬
‫‪.1‬اﳌﻘﺎﺻﺪ ﻟﻐﺔ‪ :‬تﺪل مﺎدة ﻗصﺪ ﰲ اﻟﻠﻐة ﻋﻠﻰ ﻋﺪة معﺎن منﻬﺎ‪ :‬إتﻴأ ّن اﻟﺸﻲء واﻟﻘﺎﺻﺪ اﻟﻘﺮﻳﺐ واﻟﻘصﺪ ﺑﲔ اﻹﺳﺮاف واﻟﺘﻘﺘﲑ‬
‫واﻟﻘصﺪ اﻟعﺪل‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺮازي‪ ،‬ﳐﺘﺎر اﻟصﺤﺎح‪ ،‬اﳌﻜﺘﺒة اﻟعصﺮﻳّة‪ ،‬اﻟﺪار اﻟنمﻮذجﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﺻﻴﺪا‪ ،‬ط‪1420 ،5‬ﻫـ‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.254‬‬
‫‪.2‬اﳌﻘﺎﺻﺪ اﺻﻄﻼﺣﺎ‪:‬‬
‫ﻋﺮف ﻋﻠم اﳌﻘﺎﺻﺪ ﺑعﺪة ﺑﺘعﺮﻳﻔﺎت ﻟعﻞ أﲨعﻬﺎ مﺎ ذﻛﺮه اﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻋﺮف مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ومﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة ﰲ‬
‫اﺻﻄﻼح اﻟعﻠمﺎء ﻫﻲ اﻟﻐﺎ ت واﻷﻫﺪاف واﻟنﺘﺎﺋج واﳌعﺎﱐ اﻟﱵ أتﺖ ﺎ اﻟﺸﺮﻳعة‪ ،‬وأثﺒﺘﺘﻬﺎ ﰲ اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬وﺳعﺖ إﱃ ﲢﻘﻴﻘﻬﺎ‬
‫وإﳚﺎدﻫﺎ واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ زمأ ّن ومﻜﺎن‪ ،".‬اﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﻮجﻴﺰ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ )‪(101/1‬‬
‫وأمﺎ اﳌﺮاد ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟعﺎمة ﻋنﺪ ﻋﻠمﺎء اﳌﻘﺎﺻﺪ اﳌعﺎﱐ واﳊﻜم اﳌﻠﺤﻮﻇة ﻟﻠﺸﺎرع ﰲ ﲨﻴع أﺣﻮال اﻟﺘﺸﺮﻳع أو معﻈمﻬﺎ‪ ،‬ﲝﻴﺚ ﻻ‬
‫ﲣﺘﺺ مﻼﺣﻈﺘﻬﺎ ﰲ نﻮع ﺧﺎص من أﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻳعة‪ ،‬ﻓﻴﺪﺧﻞ ﰲ ﻫﺬا أوﺻﺎف اﻟﺸﺮﻳعة وﻏﺎﻳﺘﻬﺎ اﻟعﺎمة واﳌعﺎﱐ اﻟﱵ ﻻ ﳜﻠﻮ‬
‫اﻟﺘﺸﺮﻳع ﻋن مﻼﺣﻈﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻫﺬا أﻳﻀﺎ معﺎن من اﳊﻜم ﻟﻴﺴﺖ مﻠﺤﻮﻇة ﰲ ﺳﺎﺋﺮ أنﻮاع اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬وﻟﻜنﻬﺎ مﻠﺤﻮﻇة ﰲ‬
‫أنﻮاع ﻛﺜﲑة منﻬﺎ ﻳنﻈﺮ‪ ،:‬اﻟﺮازي‪ ،‬ﳐﺘﺎر اﻟصﺤﺎح‪ ،‬اﳌﻜﺘﺒة اﻟعصﺮﻳّة‪ ،‬اﻟﺪار اﻟنمﻮذجﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﺻﻴﺪا‪ ،‬ط‪1420 ،5‬ﻫـ‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪ ،254‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،(165/3) ،‬اﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﻮجﻴﺰ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ )‪ ،(101/1‬نﻮر‬
‫اﻟﺪﻳن ﺑن ﳐﺘﺎر اﳋﺎدمﻲ‪ ،‬ﻋﻠم اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟعﺒﻴﻜﺎن‪ ،‬ط‪1 ،142‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪339‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻔﻆ اﻟﻜﻠﻴﺎت اﻟﻜﱪى ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ‬
‫إن اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة جﺎءت من أجﻞ ﺣﻔﻆ اﻟﻜﻠﻴﺎت اﳋمﺲ من ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن واﻟنﻔﺲ واﻟعﻘﻞ‬
‫واﻟنﺴﻞ واﳌﺎل‪ ،‬وﻗﺪ اﺳﺘنﺒط ﻋﻠمﺎء اﳌﻘﺎﺻﺪ ذﻟﻚ من اﺳﺘﻘﺮاﺋﻬم ﻟﻸﺣﻜﺎم اﳉﺰﺋﻴّة ﻟﻜﻞ ب من‬
‫اﻷﺑﻮاب اﻟﻔﻘﻬﻴّة‪.‬‬
‫وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة مﻴﺪان ﻟﻠﺘﻄﺒﻴق اﻟﻔﻘﻬﻲ ﻷﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد اﻟﺬي ﻫﻮ ب من أﺑﻮاب‬
‫اﻟﺸﺮﻳعة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ تصﺮﻓﺎت اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓﻴﻬﺎ جﺎرﻳّة وﻓق ﻫﺬه اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﻜﱪى وﺳﺎﻋﻴّة ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ‪،‬‬
‫وتﻔعﻴﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ ﻫﺬا اﳌﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي اﳊﻴﻮي‪.‬‬
‫واﳌﺘﺘﺒع ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﳚﺪ اﻟﺒعﺪ اﳌﻘﺎﺻﺪي اﳌﺘعﻠق ﻟﻜﻠﻴﺎت ﺣﺎﺿﺮا ﻓﻴﻬﺎ من ﺧﻼل‬
‫تصﺮﻓﺎت ومﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات وآ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻠﻴّﺔ ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳﻦ‬
‫ﺳﻮف أﻗﺘصﺮ ﻋﻠﻰ أمﺮ ﳏﻮري رﺋﻴﺴﻲ ﻓﻴمﺎ ﻳﺘعﻠق ﲝﻔﻆ اﻟﺪﻳن ﰲ اﻟﻐﺰوات وﻫﻮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﲢﺪﻳﺪا ﻋﺘﺒﺎره اﳌﺪﺧﻞ اﳌﺸﱰك ﺑﲔ ﻛﻞ اﻟﺪﻋﻮات‪ ،‬وﻟﻜﻮن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ‬
‫اﻟﻐﺰوات تﺴﺘﻬﺪف اﺑﺘﺪاء دﻋﻮة ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻫﻲ مﻔﺘﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻜﻮ ﺎ‬
‫ﲣﺎﻃﺐ ﻓﻄﺮة اﻹنﺴﺎن اﻟﱵ ﺧﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن اﻻﻫﺘمﺎم ﺬه اﻟﻜﻠﻴّة رزا ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟنﺒﻮي اﻟﺪﻋﻮي ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻛمﺎ ﺑﻴنﺘه ﰲ مﺒﺤﺚ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺪﻋﻮ اﻟنﺎس إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬وﳏﺎرﺑة مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮك وﺳﺪ ذراﺋعه‪،‬‬
‫و ﻛﺎن ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ من اﻷوﻟﻮ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ اﳌنﻬج اﻟنﺒﻮي‪.‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ذﻛﺮ ﺑعﺾ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﻘﺮر ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻈﻴم‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻘﺪﱘ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﺳﻼم ﻋﻠى اﻟﻘﺘﺎل‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ‪ ‬ﻗﺒﻞ اﻹﻏﺎرة ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻳﺪﻋﻮﻫم إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬و مﺮ أﺻﺤﺎﺑه ﺑﺬﻟﻚ؛ تﺮﺳﻴخﺎ ﳍﺬا‬
‫اﳌﻘصﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻈﻴم ﰲ أذﻫﺎن أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ﻟﻴﺘخﺬوه مﺒﺪأ ﰲ ﻓﺘﻮﺣﺎ م من ﺑعﺪه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﻟعﻠﻲ‬
‫ﺎﺣﺘِ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ ا ْدﻋُ ُﻬ ْﻢ إِ َﱃ ا ِﻹ ْﺳﻼَِم‪،‬‬
‫ﺴ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﻳﻮم ﺧﻴﱪ ﺑعﺪمﺎ أﻋﻄﺎه اﻟﺮاﻳّة‪» :‬اﻧْـ ُﻔ ْﺬ َﻋﻠَى ِر ْﺳ ِﻠ َ‬
‫ﻚ َﺣ ﱠﱴ ﺗَـ ْﻨ ِﺰ َل ﺑ َ‬

‫‪340‬‬
‫ﻚ ِﻣ ْﻦ أن ﻳ ُﻜﻮ َن‬ ‫ﻚ رﺟ ًﻼ و ِ‬
‫اﺣ ًﺪا‪َ ،‬ﺧْﻴـ ٌﺮ ﻟَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﻣ ْﻦ َﺣ ِّﻖ ا ﱠ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠ ﻻن ﻳ ْﻬﺪ َ‬
‫ي ا ﱠُ ﺑ َ َ ُ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫وأَ ْﺧِ ْﱪُﻫ ْﻢ ﲟَﺎ َﳚ ُ‬
‫ﻟَ َﻚ ُﲪْ ُﺮ اﻟﻨـ َﱠﻌ ِﻢ«‪.1‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﻈﻴم إﻋﺪاد‪ ،‬وتﺮﺑﻴّة ﻟﻠصﺤﺎﺑة‪ ،‬وﻟﻠﺪﻋﺎة من ﺑعﺪﻫم؛ ﻟﻴﺤﺮﺻﻮا ﻋﻠﻰ ﲪﻞ‬
‫ﲪﻞ رﺳﺎﻟة اﳋﲑ إﱃ اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ تﺘﻄﻠﺐ ﺑﺬل اﳉﺪ واﻻجﺘﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬وﻳﺴﺘﻮي ﰲ ذﻟﻚ‬
‫ذﻟﻚ اﻟعﺪو واﻟصﺪﻳق‪ ،‬ﻓﺎﳌﺴﻠم ﻳنﻈﺮ إﱃ أﻋﺪاء اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة نﻈﺮة اﳌنﻘﺬ ﳍم من ﻇﻠمﺎت‬
‫اﻟﻈﻼل إﱃ أنﻮار اﳍﺪاﻳّة‪.2‬‬
‫ﻓﻠﻮ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ﲢﻜمﻬﺎ اﳌصﺎﱀ اﻟﺪنﻴﻮﻳّة واﻷﻏﺮاض اﻟﺸخصﻴّة وﻏﲑﻫﺎ من اﻟﺪواﻓع‪ ،‬ﳌﺎ ﻛﺎن‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﲝﺎجة إﱃ إﺳﻼم ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن منﻬم مﺎ ﻛﺎن من اﻟعﺪاوة واﻟﻜﻴﺪ ﻟﻠﺪﻋﻮة و ﻟﻴﺐ‬
‫اﻷﺣﺰاب ﻻﺳﺘﺌصﺎﳍﺎ‪.‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻐﻴﺐ ﻋن ﻛﺜﲑ من اﻟعﺎمﻠﲔ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﺘﺠﺪ أﺣﺪﻫم ﲢمﻠه اﳊﻈﻮظ‬
‫اﻟﺸخصﻴّة من اﻻنﺘصﺎر ﻟﻠﺬات أو اﻻنﺘﻘﺎم من اﳌخﺎﻟﻒ واﳋصم‪ ،‬ﻋﻠﻰ تﻔﻮﻳﺖ ﻓﺮص ﻛﺜﲑة ﻟﻠﺪﻋﻮة‬
‫إﱃ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬واﻷدﻫﻰ واﻷمﺮ ﻓﻘﺪ ﻳﺪﻓعه ذﻟﻚ إﱃ اﻋﺘﺰال اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻜﻠﻴّة‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘﻤﻬﻞ ﰲ ﺑﺪء اﻟﻘﺘﺎل وﻋﺪم اﳌﺒﺎغﺘﺔ‬
‫وﰲ ﺳﻴﺎق اﳌﻘصﺪ اﻟﺴﺎﺑق‪ ،‬ﻓﺈنه ﻛﺎن من ﻫﺪي اﻟنﱯ ‪ ‬أنه ﻻ ﻳﻐﲑ ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﺣﱴ ﻳصﺒﺢ ﻓﺈذا‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬إِ َذا غَ َﺰا ﻗَـ ْﻮًﻣﺎ َﱂْ ﻳُِﻐ ْﺮ َﺣ ﱠﱴ‬
‫ﲰع اﻷذان أمﺴﻚ‪ ،‬ﻓعن أنﺲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻛﺎن َر ُﺳ ُ‬
‫ﺼﺒِ ُﺢ‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﺰﻟْﻨَﺎ َﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ ﻟَْﻴ ًﻼ«‬ ‫ﺼﺒِ َﺢ‪ ،‬ﻓإ ْن َِﲰ َﻊ أَ َذا ً أ َْﻣ َﺴ َ‬
‫‪3‬‬
‫ﻚ‪ ،‬وإن َﱂْ ﻳَ ْﺴ َﻤ ْﻊ أَ َذا ً أَغَ َﺎر ﺑَـ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ ﻳُ ْ‬ ‫ﻳُ ْ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﱪ‪ ":‬ﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ إ ﺣة اﳌﺸﻲ ﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪواب إذا ﱂ ﻳﻜن ذﻟﻚ ﺳﺮمﺪا‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺣﺘﻴج ﰲ ذﻟﻚ إﻟﻴﻬﺎ وﰲ ذﻟﻚ أن اﻟﻐﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟعﺪو تﺴﺘﺤﺴن أن تﻜﻮن ﺻﺒﺎﺣﺎ ﳌﺎ ﰲ‬
‫ذﻟﻚ من اﻟﺘﺒﻴﲔ واﻟنﺠﺎح ﻟﺌﻼ ﻳصﺎب ﻃﻔﻞ وﻻ امﺮأة وﻻ ذرﻳّة"‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(134/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4209 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‪ ،‬ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬اﳊﻀﺎرة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟنﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،(47/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2943 :‬‬
‫‪ -4‬ﻳﻮﺳﻒ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋمﺮ‪ ،‬اﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﱪ‪ ،‬اﻻﺳﺘﺬﻛﺎر‪ ،‬ت‪ :‬ﺳﺎﱂ ﷴ ﻋﻄﺎ‪ ،‬ﷴ ﻋﻠﻲ معﻮض‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ه‪2000 ،‬م‪.(143/5) ،‬‬

‫‪341‬‬
‫ﻓﺎﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﱪ ﻳﺸﲑ إﱃ ﺑعﺪ آﺧﺮ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﺰ دة ﻋﻠﻰ تﻘﺪﱘ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬ﻓأن ﻋﺪم‬
‫اﳌﺒﺎﻏﺘة ﻟﻴﻼ تعصم دمﺎء ﻏﲑ اﳌﻘﺎتﻠﲔ من اﻟنﺴﺎء واﻟﺬرﻳّة‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺆﻻء ﰲ ﺣﺎﻟة ﻋﺪم اﺳﺘﺠﺎﺑة‬
‫اﻟﻘﻮم ﻳصﲑون إﱃ ﺣﻀﲑة ا ﺘمع اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻋنﺪ اﻻنﺘصﺎر ﻋﻠﻴﻬم‪.‬‬
‫وأمﺎ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻄﺮح نﻔﺴه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق‪ ،‬مﺎ اﻟﺒعﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺬي تﺴﺘﻔﻴﺪه اﻟ ّﺪﻋﻮة من نﺴﺎء‬
‫وأﺑنﺎء اﻟﻜﻔﺎر؟ ومﺎذا ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون وﻗﺪ أُﺧﺮجﻮا من اﳊﺮﻳّة إﱃ ﻋﺒﻮدﻳّة اﻟﺮق؟‬
‫ﺳﺆال وجﻴه ﳛﺘﺎج إﱃ إجﺎﺑة دﻗﻴﻘة واﻗعﻴّة ﺣﱴ ﻳﺴﺘأﺻﻞ اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﺸﺒﻬﺎت اﻟﱵ ﲢﻮم ﺣﻮل‬
‫مﻮﺿﻮع اﻟﺮق ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ن اﳌﺴﻠمﲔ مﺎ ﻛﺎن ﳍم من ﻫﺪف من اﻟﻐﺰوات واﻟﻔﺘﻮﺣﺎت إﻻ‬
‫اﳌﺎد ت من اﻟﻐنﺎﺋم‪ ،‬ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﳊصﻮل ﻋﻠﻰ اﻟعﺒﻴﺪ واﻹمﺎء‪.‬‬
‫ﻫﺬا جﺰء من اﳊﻘﻴﻘة ﻻ ﳝﻜن إنﻜﺎره‪ ،‬وﻟﻜن ﻫﺆﻻء اﻟعﺒﻴﺪ واﻹمﺎء ﺳﺮﻋﺎن مﺎ ﻳﺘﻐﲑ ﺣﺎﳍم ﲟعﺮﻓﺘﻬم‬
‫ﳊﻘﻴﻘة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﱵ ﻛﺎن اﻟﻄﻐﺎة من ﺣﻜﺎمﻬم ﳛﻮﻟﻮن ﺑﻴنﻬم وﺑﻴنﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺤﻴنﻬﺎ ﳒﺪ أن‬
‫أﻛﺜﺮﻫم أﺳﻠﻮا وﺣﺴن إﺳﻼمﻬم‪ ،‬ﻛمﺎ أن أﻛﺜﺮﻫم ﺻﺎروا أﺣﺮارا رجﺎﻻ ونﺴﺎء‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺮر ﻛﺜﺮة آﻟﻴﺎته ﰲ اﻟﺘﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻛﺎن ﳍﺎ ﻋﻈﻴم اﻷثﺮ ﺑعﺪ ذﻟﻚ ﰲ‬
‫ﻋﺘق اﻟﺮﻗﺎب‪ ،‬ومن ﻫﺬه اﻵﻟﻴﺎت مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬آﻟﻴّﺔ اﻟﻜﻔﺎرات‪:‬‬
‫و ﺬه اﻵﻟﻴّة ﻳﻜﻮن ا ِﻹﺳﻼم ﻗﺪ ﻓﺘﺢ ﻓﺬة ﻟﻠخﺮوج من اﻟﺮق‪ ،‬من ﺧﻼل اﻟﻜﻔﺎرات اﻟﻜﺜﲑة اﻟﱵ تﻠﺰم‬
‫تﻠﺰم ﻓﻴﻬﺎ ﲢﺮﻳﺮ اﻟﺮﻗﺒة‪ ،‬ﻓﺘﺤﺮر ﺑﺬﻟﻚ ﺧﻠق ﻛﺜﲑ‪ ،‬ﳑﺎ جعﻞ ﻓﱰة اﻟﺮق ﻓﱰة ﻃﺎرﺋة‪.1‬‬
‫واﻟﻜﻔﺎرات اﻟﱵ تعﺘق ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﻗﺒة ﻛﺜﲑة‪ ،‬دﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟنصﻮص من اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬واﻟﺴنة‪ ،‬ﻛﻔﺎرة اﻟﻘﺘﻞ‬
‫اﳋﻄأ‪ ،‬ﻛﻔﺎرة اﳊنﺚ ﰲ اﻟﻴمﲔ‪ ،‬ﻛﻔﺎرة اﻟﻈﻬﺎر‪ ،‬ﻛﻔﺎرة اﳉمﺎع ﺎر رمﻀﺎن‪.‬‬
‫‪.2‬آﻟﻴّﺔ اﻟﻌﺘﻖ اﻻﺣﺘﺴﺎﰊ‪:‬‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱفَﻼ َ ْ تَ َ‬
‫ح َم‬ ‫وﻗﺪ رﻏﺐ اﻹﺳﻼم ﰲ ﻋﺘق اﻟﺮﻗﺎب وجعﻞ ذﻟﻚ من أﻋﻈم اﻟﻘﺮ ت‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َٓ َْ ٰ َ َ َََُْ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫چ ] اﻟﺒﻠﺪ‪ ،[13-11:‬ومن اﻹﺣﺴﺎن ﻋﺘق اﻷمة وجعﻞ‬ ‫فك َر بَ ٍة‬ ‫ل َعقبَة ۖ‬
‫ومﺎ أد ۪ر ك مﺎ لعقبة ۖ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪:‬‬
‫ﻮﺳﻰ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗَ َﺎل َر ُﺳ ُ‬
‫وجعﻞ ﻋﺘﻘﻬﺎ ﺻﺪاﻗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ َﻋ ْن أَِﰊ ُم َ‬
‫»ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟَﻪُ ﺟﺎ ِرﻳﺔ ﻓَـﻌﺎ َﳍَﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَﺣﺴﻦ إِﻟَْﻴـﻬﺎ ﰒُﱠ أَ ْﻋﺘَـ َﻘﻬﺎ وﺗَـﺰﱠوﺟﻬﺎ ﻛﺎن ﻟَﻪُ أَﺟﺮ ِ‬
‫ان«‪.2‬‬‫َْ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫َْ‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺣﺎزم ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴم‪ ،‬وﻗﻔﺎت مع ﻗﻀﺎ معﺎﺻﺮة ﺷﺒﻬﺎت ردود‪ ،‬ﺑﺪاﻳّة ﻟﻺنﺘﺎج اﻹﻋﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ 2010 ،1‬م‪ 1431 ،‬ﻫـ‪،‬‬
‫ص‪.23‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟعﺘق‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ من أدب جﺎرﻳﺘه وﻋﻠمﻬﺎ‪ ،(149/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2544 :‬‬
‫‪342‬‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻗﺒﻞ دﻻﻟﺘه ﻋﻠﻰ اﻟﱰﻏﻴﺐ اﻟعﺘق‪ ،‬ﻓﺈنه أﺷﺎر من ﻃﺮف ﺧﻔﻲ إﱃ ﺣﻘﻮق اﻹمﺎء واﻟعﺒﻴﺪ ﲟﺎ‬
‫ﻳﻀمن ﳍم اﻟﻜﺮامة اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬ومﺎ تﺘﻄﻠﺒه من تﻠﺒﻴّة ﺣﺎجﻴﺎت اﻟﺮوح واﳉﺴﺪ‪.‬‬
‫واﻟنصﻮص اﳌﺮﻏﺒة ﰲ ﻋﺘق اﻟﺮﻗﺎب ﻛﺜﲑة ﻻ ﳝﻜن اﻹﺣﺎﻃة ﺎ ﰲ مﺜﻞ ﻫﺬا اﳌﻮﺿع‪ ،‬وﻓﻴمﺎ مﻀﻰ‬
‫منﻬﺎ ﻛﻔﺎﻳّة ﻋﻠﻰ تﻘﺮﻳﺮ أن ﲢﺮﻳﺮ اﻟﺮﻗﺎب من اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻋﻴّة اﻟعﻈﻴمة اﻟﱵ جﺎءت اﻟﺸﺮﻳعة‬
‫ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ‪.‬‬
‫‪.3‬آﻟﻴّﺔ اﳌﻜﺎﺗﺒﺔ‬
‫إﺿﺎﻓة إﱃ مﺎ ﺳﺒق من اﻵﻟﻴﺎت ﻓﺈن اﻟﺸﺮع ﻗﺪ مﻜن اﻟعﺒﻴﺪ من اﻟﺘﺤﺮر ﲟﻘﺎﺑﻞ ﻳﺪﻓع ﳌﺎﻟﻜﻴﻬم‪ ،‬وﻫﻮ‬
‫مﺎ ﻳﺴمﻰ ﳌﻜﺎتﺒة‪ ،‬ﻓﻘﺪ وردت نصﻮص من اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة ﲢﺚ اﻷﺳﻴﺎد ﻋﻠﻰ ﲤﻜﲔ ﳑﻠﻮﻛﻴﻬم من‬
‫ُ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ك َ‬
‫ت ي ْ َ ٰنك ْم فكﺎت ِبوه ُم ٓۥ أن‬ ‫ون لْكِ َ ٰ َ‬
‫ب مِمﺎ مل‬ ‫ين ي َ ْتَ ُغ َ‬
‫چ ٱ َوا ِ َ‬ ‫اﻟﺘﺤﺮر ﺬه اﻟصﻴﻐة‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ٗ‬ ‫ُ‬
‫ِ ي ِه ْم َخ ْ ۖا چ ] اﻟنﻮر‪. [33 :‬‬ ‫َعل ِْمت ْم‬
‫‪.4‬آﻟﻴﺔ ﺗﻔﻌﻴﻞ اﻟﺰﻛﺎة‪ :‬وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻷمﺮ ﻋنﺪ ﻫﺬا اﳊﺪ ﺑﻞ أوجﺪ اﻟﺸﺮع آﻟﻴﺎت ﻹﻋﺎنة اﳌﻜﺎتﺒﲔ‬
‫ﻋﻠﻰ آداء مﺎ ﻋﻠﻴﻬم من أﻋﺒﺎء ﲡﺎه مﺎﻟﻜﻴﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺪ جعﻠﻮا من مصﺎرف اﻟﺰﻛﺎة ومن مﺴﺘﺤﻘﻴﻬﺎ إﱃ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُْ َ‬
‫جنﺐ اﻟﻔﻘﺮاء واﳌﺴﺎﻛﲔ‪ ،‬ﻗﺎل جﻼ وﻋﻼ‪ :‬چ ٱأن َمﺎ لص َد ٰت ِلفق َرآ ِء َوال َم َ ٰكِ ِ َوال ٰ ِملِ َ َعليْ َهﺎ‬
‫يم ‪ ٞ‬چ‬ ‫ﷲ َوابْن لس يل فَر َض ٗة ّم َِن ِ َ ُ َ ٌ َ‬ ‫ّرﻗَ َ ْ َ ٰ َ َ َ‬ ‫َ ُْ َ َ ُُ ُُ ْ َ‬
‫ﷲۖ واﷲ علِيم حكِ ۖ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يل ِ ِ‬ ‫والم ۬ولف ِة ﻗ و هم و ِ ِ ِ‬
‫ﺎب وال ِر ِم و ِ س ِ ِ‬
‫]اﻟﺘﻮﺑة‪.[60 :‬‬
‫وﻗﺪ أﺑﺮز أثﺮ مصﺮف » ﰲ اﻟﺮﻗﺎب« ﰲ ﻋﺘق اﻟعﺒﻴﺪ ﷴ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ ﺑﻘﻮﻟه‪ٌ ":‬جعﻞ ﺳﻬم من‬
‫مصﺎرف اﻟﺰﻛﺎة اﻟﺸﺮﻋﻴّة اﳌﻔﺮوﺿة )ﰲ اﻟﺮﻗﺎب( ﺑنﺺ اﻟﻘﺮآن وﻫﻮ ﻳﺸمﻞ اﻟعﺘق واﻹﻋﺎنة ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء‬
‫ﺷﺮاء اﳌمﻠﻮك نﻔﺴه )اﻟﻜﺘﺎﺑة( ومن اﳌعﻠﻮم أن زﻛﺎة اﻷمة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻗﺪ تﺒﻠغ مﺌﺎت اﻷﻟﻮف وأﻟﻮف‬
‫وأﻟﻮف اﻷﻟﻮف من اﻟﺪراﻫم واﻟﺪ نﲑ‪ ،‬ﻓﻠﻮ نﻔﺬت أﺣﻜﺎم اﻹﺳﻼم ﻓﻴﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ ﻷمﻜن ﲢﺮﻳﺮ ﲨﻴع‬
‫ﲨﻴع اﻟﺮﻗﻴق ﰲ دار اﻹﺳﻼم "‪.1‬‬

‫‪ -1‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﳊﻜﻴم )تﻔﺴﲑ اﳌنﺎر(‪ ،‬ﷴ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ‪ ،‬اﳍﻴﺌة اﳌصﺮﻳّة اﻟعﺎمة ﻟﻠﻜﺘﺎب‪) ،‬د‪ .‬ط(‪ 1990 ،‬م‪.(238/11) ،‬‬
‫‪343‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﺗﻘﺪﱘ إﻗﺎﻣﺔ اﳊﺠﺔ ﻋﻠى اﻟﻘﺘﺎل‬
‫ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻻ ﻳﻐﺰو ﻗﻮمﺎ إﻻ ﺑعﺪ إﻗﺎمة اﳊﺠة ﻋﻠﻴﻬم‪ ،‬وﻛﺎن من ﻫﺬه اﻟﻄﺮق إرﺳﺎل اﻟﺮﺳﻞ‬
‫ﱠﱯ ‪ِ ‬د ْﺣﻴّﺔ اﻟ َﻜﻠِ ﱠ‬
‫ْﱯ‬ ‫واﻟﻜﺘﺐ‪ ،‬ﻛمﻜﺎتﺒﺘه ﻟﻘﻴصﺮ ﻳﺪﻋﻮه إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻗﺎل اﺑْ ُن َﻋﺒﱠ ٍ‬
‫ﺎس ‪ » :‬ﺑَـ َﻌ َ‬
‫ﺚ اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ِ‬
‫ْﱯ ﺑِﻜِﺘَﺎﺑِ ِﻪ إِ َﱃ َﻋﻈ ِﻴﻢ ﺑُ ْ‬
‫ِد ْﺣﻴّﺔ اﻟ َﻜﻠِ ﱠ‬
‫‪.1‬‬
‫ﺼ َﺮى‪ ،‬أن ﻳ ْﺪﻓَـ َﻌﻪُ إِ َﱃ ﻗَـ ْﻴ َ‬
‫ﺼ َﺮ«‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﻘصﺪ من مﻜﺎتﺒة ﻗﻴصﺮ وﻏﲑه من مﻠﻮك اﻟعصﺮ ﻫﻮ دﻋﻮ م إﱃ اﻹﺳﻼم ونﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺧﺎرج اﳉﺰﻳﺮة اﻟعﺮﺑﻴّة؛ ﻛﻴﺪا ﻟعﺎﳌﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬وأ ﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﺻﺮة ﻋﻠﻰ اﻟعﺮب‪ ،‬وﻛﻞ ذﻟﻚ‬
‫ﻳصﺐ ﰲ ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن انﻄﻼﻗﺎ ﲝﻔﻈه من ﺣﻴﺚ اﻟﻮجﻮد ﻟﺴعﻲ ﻟنﺸﺮه ﺑﻜﻞ اﻟﻄﺮق‬ ‫ﱡ‬ ‫ذﻟﻚ‬
‫واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ اﻟﻮﺳﻴﻠة ﻫﺬه اﳌﺮة ﳌﺮاﺳﻼت واﳌﻜﺎتﺒﺎت‪.2‬‬
‫ومن ﰒّ ﻓﺈن أﺳﻠﻮب اﳌﺮاﺳﻼت اﳌنﺘﻬج ﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﱰة من مﺮاﺣﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻐﺰوات‬
‫تﺴﺘﻬﺪف نﺸﺮ اﻹﺳﻼم‪ ،‬واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟه ﻟﻴﺴﻮد اﻟعﺎﱂ؛ ﺧﺪمة ﻟﻺنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬وﲢﺮﻳﺮا ﻟﻠﻀعﻔﺎء من ﻇﻠم‬
‫اﻟﻄﻐﺎة واﳉﺒﺎﺑﺮة‪ ،‬ﻓﺈذا ﲢﻘق اﳍﺪف اﻛﺘﻔﻲ ﺑه‪ ،‬وﱂ ﳛﺘج ﺑعﺪ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﻘﺘﺎل‪.‬‬
‫يل ِ‬
‫ﷲ‬ ‫َ‬ ‫ﻻ َ تُ َ ٰت ِ ُ َ‬
‫ون‬
‫َ ُ‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﻳﺸﲑ إﻟﻴه اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َو َمﺎ لك ْم‬
‫ِ سِ ِ‬
‫َُْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ٓ َ ْ ْ‬ ‫ِين َ ُقو ُ َ‬ ‫ّ ٓ ْ ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ ْ َ َ‬
‫لظﺎ ِمِ أهل َهﺎ‬ ‫ٰ ِذه ِ لق ْر ّة‬ ‫ون َر نَﺎ أخ ِرجنَﺎ م ِْن‬ ‫َ‬ ‫ﺎل َوال َِسﺎ ِء َوا ِول َ ٰ ِن‬ ‫َ‬
‫والمستضع ِف م َِن ّ ِرج ِ‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫ٗ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫نك نَ ِص اۖ چ ] اﻟنﺴﺎء‪.[75:‬‬ ‫ْ‬
‫َواج َعل َﺎ مِن نك َو ِ ّﺎ َواج َعل َﺎ مِن‬
‫ﻓﺎﻵﻳّة ﺻﺮﳛة ﰲ اﻟنﺺ ﻋﻠﻰ ﻋﻠة اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬اﻟﱵ ﻳﱪزﻫﺎ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬اﻟﺬﻳن آمنﻮا ﻳﻘﺎتﻠﻮن ﰲ‬
‫ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻟﺘﺤﻘﻴق منﻬﺠه‪ ،‬وإﻗﺮار ﺷﺮﻳعﺘه‪ ،‬وإﻗﺎمة اﻟعﺪل »ﺑﲔ اﻟنﺎس« ﺳم ﷲ‪ ،‬ﻻ ﲢﺖ أي ﻋنﻮان‬
‫ﻋنﻮان آﺧﺮ‪ ،‬اﻋﱰاﻓﺎً ن ﷲ وﺣﺪه ﻫﻮ اﻹﻟه"‪.3‬‬
‫وﰲ تﻘﺮﻳﺮ ﻫﺬه اﳊﻘﻴﻘة ﺑُعﺪ دﻋﻮي مﻬم؛ ذﻟﻚ أن أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻳﺴﺘﻐﻠﻮن مﺜﻞ ﻫﺬه اﳌﻮاﻃن ﻹ رة‬
‫ﻹ رة اﻟﺸﺒﻬﺎت وإﻟصﺎق اﻟﺘﻬم اﻟﺒﺎﻃﻠة ﻟﻐﺰوات‪ ،‬ومن ﱠﰒ ﻟ ّﺪﻋﻮة وﲪﻠﺘﻬﺎ وﻗﺎد ﺎ‪ ،‬ﻟﺘﺸﻮﻳه ﺻﻮر ﺎ‬
‫ﺻﻮر ﺎ اﻟصﺎﻓﻴّة اﻟنﺎﺻعة واﻟﺘﺸﻮﻳﺶ ﻋﻠﻰ أﺑنﺎء اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬مﺴﺘﻐﻠﲔ ﰲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‬
‫واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ (89/9) ،‬معﻠﻘﺎ‪ ،‬وجﺎء مﻮﺻﻮﻻ ﰲ ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟنﺎس إﱃ‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،(45/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2940:‬‬
‫‪ - 2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴﲑة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬تخ‪ :‬ﷴ ﺻﺮ اﻟﺪﻳن اﻷﻟﺒﺎﱐ‪ ،‬ط‪ 1427 ،1‬ﻫـ‪ ،‬ص‪،356‬‬
‫اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬دار اﳍﻼل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.319‬‬
‫‪ - 3‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(708/2) ،‬‬
‫‪344‬‬
‫ﺧﺎﺻة ﰲ ﻫﺬا اﻟعصﺮ اﻟﺬي تﺴﺎرﻋﺖ ﻓﻴه وتﲑة تﻜنﻮﻟﻮجﻴﺎت اﻹﻋﻼم واﻻتصﺎل‪ ،‬اﻟﱵ اﺳﺘﻐﻠﻬﺎ‬
‫أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟصﺎﳊﻬم‪ ،‬وﻛﺎن اﻷوﱃ أن ﳝﺘﻠﻚ ﺻﻴﺘﻬﺎ اﳌﺴﻠمﻮن ﻟنﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﺪﻓﺎع ﻋنﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫جﻼﻟه‪:‬ٱچٱ َوأعِدوا ل ُهم‬ ‫من اﻹﻋﺪاد اﻟﻀﺮوري ﰲ ﻫﺬا اﻟعصﺮ اﻟﺬي ﻳنﺒه إﻟﻴه اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻗﻮﻟه جﻼ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مﺎ ْستَ َط ْعتم ّمِن ﻗو ٖ َو ِمن ّ ِر َ ِ‬
‫ﺎط لخيْ ِل چ ]اﻷنﻔﺎل‪.[60:‬‬
‫وﻗﺪ ﲢ ﱠﺴﺮ أﺑﻮ اﳊﺴن اﻟنﺪوي ﻋﻠﻰ تﻘصﲑ اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ ﻫﺬا اﻹﻋﺪاد ﺑﻘﻮﻟه رﲪه ﷲ‪ ":‬وﻗﺪ ﳌﺖ‬
‫ﻟعﺎﱂ اﻻﺳﻼمﻲ ومن تﺰﻋمه من اﻟﺸعﻮب واﻟﺪول ﻟﻮمﺎ ﺷﺪﻳﺪا ﰲ ﻛﺘﺎﰊ "مﺎذا ﺧﺴﺮ اﻟعﺎﱂ ﳓﻄﺎط‬
‫ﳓﻄﺎط اﳌﺴﻠمﲔ" ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘصﲑ ﰲ اﻻﺳﺘعﺪاد اﳊﺮﰊ واﻟصنﺎﻋﻲ‪ ،‬واﻟﺘخﻠﻒ ﻋن أور ﰲ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫واﻋﺘﱪت ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ من أﺳﺒﺎب ﺷﻘﺎء اﻹﺳﺎنﻴّة واﲡﺎه اﻟعﺎﱂ من اﻟﺮﺷﺎد اﱃ اﻟﻀﻼل‪ ،‬ومن اﻟﺒنﺎء‬
‫واﻻزدﻫﺎر إﱃ اﳍﺪم واﻟﺪمﺎر"‪.1‬‬
‫راﺑﻌﺎ‪ :‬ﻋﺼﻤﺔ اﻟﺪﻣﺎء واﻷﻣﻮال ﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم‬
‫ﳑﺎ ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة تﺴﺘﻬﺪف ﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن ﺑنﺸﺮه‪ ،‬واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟه ﰲ اﻷرض أﺻﺎﻟة‬
‫تصﺮﻳﺢ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ن من دﺧﻞ ﰲ اﻹﺳﻼم ﻟﺘﻠﻔﻆ ﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻘﺪ ﻋصم دمه ومﺎﻟه‪ ،‬وﻇﻞ‬
‫ﻳﻄﺒق ﻫﺬا اﳌﺒﺪأ ﰲ ﻏﺰواته و مﺮ أﺻﺤﺎﺑه ﻟﺘﺰامه ﰲ ﺑعﻮثه وﺳﺮ ه‪.‬‬
‫ﱠﺎس َﺣ ﱠﱴ ﻳَ ْﺸ َﻬ ُﺪوا أن ﻻَ إِﻟَﻪَ إِﱠﻻ‬ ‫ِ‬ ‫ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬أ ُِﻣ ْﺮ ُ‬
‫ت أن أُﻗَﺎﺗ َﻞ اﻟﻨ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ﺼﻼَةَ‪ ،‬وﻳـُ ْﺆﺗُﻮا اﻟ ﱠﺰَﻛﺎةَ‪ ،‬ﻓَِإذَا ﻓَـ َﻌﻠُﻮا ذَﻟِ َ‬ ‫ﻻَ إِﻟَ َﻪ إِﱠﻻ ا ﱠ ‪ ،‬وأن ُﳏَ ﱠﻤ ًﺪا رﺳ ُ ِ ِ‬
‫ﺼ ُﻤﻮا ﻣ ِّﲏ د َﻣ َ‬
‫ﺎء ُﻫ ْﻢ‬ ‫ﻚ َﻋ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬وﻳُﻘ ُ‬
‫ﻴﻤﻮا اﻟ ﱠ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫ﺎء ُﻫ ْﻢ َوأ َْﻣ َﻮا َﳍُ ْﻢ إِﱠﻻ ِﲝَ ِّﻖ ا ِﻹ ْﺳﻼَِم‪ ،‬و ِﺣ َﺴﺎﺑـُ ُﻬ ْﻢ َﻋﻠَى ا ﱠ « ‪.‬‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬
‫د َﻣ َ‬
‫ﻓﻠﻮ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ،‬وأﺻﺤﺎﺑه ﰲ ﻋﻬﺪه‪ ،‬وأتﺒﺎﻋه من ﺑعﺪه ﻃﻼب دنﻴﺎ ﳌﺎ ﻛﻔﻮا ﻋن دمﺎء‪ ،‬وأمﻮال‪،‬‬
‫وأمﻮال‪ ،‬وأﻋﺮاض من أﺳﻠم‪ ،‬ﻛمﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل اﻟﺪول اﻻﺳﺘعمﺎرﻳّة‪ ،‬ﻳﻘﻮل أﺑﻮﺷﻬﺒة‪ " :‬وﻫﺎ ﻫﻲ دول‬
‫اﳊﻀﺎرة اﻟﻴﻮم ﰲ ﺳﺒﻴﻞ مﲔ ﺳﻼمﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻞ وﰲ ﺳﺒﻴﻞ إرﺿﺎء نﺰوا ﺎ وأﻫﻮاﺋﻬﺎ تﺰﻫق اﻵﻻف من‬
‫اﻷرواح‪ ،‬وﻳﻐمﺾ اﻟنﺎﻇﺮون أﻋﻴنﻬم ﻋن ﻫﺬا وﻻ ﻳعﱰض اﳌعﱰﺿﻮن‪ ،‬ﻓﻬﻞ ﻫﺬا ﺣﻼل ﳍم ﺣﺮام ﻋﻠﻰ‬
‫‪3‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻏﲑﻫم؟"‬
‫ﳑﺎ ﺳﺒق ﻳﺘﺒﲔ ﺑﻮﺿﻮح أن اﳌﻘصﺪ اﻷﻋﻈم من اﻟﻐﺰوات ﻫﻮ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ دﻳن ﷲ‪ ،‬ﺑنﺸﺮه وتﻜﺜﲑ‬
‫أتﺒﺎﻋه ومعﺘنﻘﻴه‪ ،‬وﱂ تﻜن اﳌﻄﺎمع اﻟﺪنﻴﻮﻳّة ﰲ ﻳﻮم من اﻷ م داﻓعﺎ ﳛﺮك اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳصﻮره أﻋﺪاء‬

‫‪ -1‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬إﱃ اﻹﺳﻼم من جﺪﻳﺪ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق ط‪ 1399 ،4‬ﻫـ‪ 1979 ،‬م‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟنﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،(48/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2946 :‬‬
‫‪ -3‬ﷴ أﺑﻮ ُﺷﻬﺒة‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻘﺮآن واﻟﺴنة‪.(98/2) ،‬‬
‫‪345‬‬
‫أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻳصﺪﻗه ﺑعﺾ أتﺒﺎﻋه ومعﺘنﻘﻴه‪ ،‬ﳉﻬﻠﻬم ﳊﻘﺎﺋق من جﻬة‪ ،‬وتﻠﻘﻴﻬم ﳍﺎ ﻋن ﻏﲑ‬
‫مصﺎدرﻫﺎ اﻟصﺎﻓﻴّة اﻟنﻘﻴّة اﳌعﺘمﺪة من جﻬة أﺧﺮى‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻠﻴّﺔ ﺣﻔﻆ اﻟﻨﻔﺲ‬
‫ﻟﻘﺪ أوﻟﺖ اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﻋنﺎﻳّة ﻛﺒﲑة ﰲ ﲨﻴع ﳎﺎﻻت اﻟﺘﺸﺮﻳع‪ ،‬ﻓﺘأﰐ من‬
‫ﺣﻴﺚ اﻷﳘﻴّة ﺑعﺪ ﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن‪ ،‬ﻟﻜﻮ ﺎ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي تﺘﻔﺮع ﻋنه اﻟﻜﻠﻴﺎت اﳌﺘﺒﻘﻴّة؛ ﻟﺬا ﺳأﻗﺘصﺮ‬
‫ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ ﻋﻠﻰ إﺑﺮاز ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ من أﻫم مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫واﻟﺘﺸﺮﻳع‪.‬‬
‫وﻋنﺪ تﺘﺒع اﻟﻐﺰوات ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ومﺎ ورد ﻓﻴه من روا ت وأﺣﺪاث‪ ،‬نﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻋﺪة مﻮاﻗﻒ‬
‫تﺘﺠﻠﻰ من ﺧﻼﳍﺎ اﻟعنﺎﻳّة ﲟﻘصﺪ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﻮرد ﺑعﺾ مﻈﺎﻫﺮ اﻟعنﺎﻳّة ﺬا اﳌﻘصﺪ‬
‫مع اﻹﺷﺎرة إﱃ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﳌﺄﻛﻞ واﳌﺸﺮب‬
‫ﳌﺎ ﻛﺎن اﳌأﻛﻞ واﳌﺸﺮب من مﻘﻮمﺎت ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﻓﻘﺪ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﻠﺒﻴّة ﻫﺬه اﳊﺎجة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬وﺣﱴ ﻟﻸﺳﺮى‪ ،‬ﻓﻘﺪ وردت أﺣﺎدﻳﺚ تﺆﻛﺪ ذﻟﻚ منﻬﺎ‪:‬‬ ‫اﻟﻔﻄﺮﻳّة ﻟﻠمﺠﺎﻫﺪﻳن من ّ‬

‫‪.1‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﳌﺄﻛﻞ‪ :‬ﳑﺎ ورد ﰲ ﻋنﺎﻳﺘه ‪ ‬ﺑﺘﻮﻓﲑ اﻹﻋﺎﺷة ﻟﻠمﺠﺎﻫﺪﻳن مﺎ ورد ﰲ ﺣﺪﻳﺚ وﻟﻴمة‬
‫ﺎﻋﺎ ِﻣ ْﻦ‬
‫ﺻً‬ ‫ﻮل ا ﱠِ َذ َْﲝﻨَﺎ ﺑـُ َﻬ ْﻴ َﻤﺔً ﻟَﻨَﺎ‪ ،‬وﻃَ َﺤ ْﻨ ُ‬
‫ﺖ َ‬ ‫ْﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻗُـﻠ ُ‬ ‫جﺎﺑﺮ ﰲ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،‬ﻓعنه‬

‫‪ -1‬ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﻛﻠﻲ ﻳنﺪرج ﲢﺘه ﺣﻔﻆ اﻟعﻘﻞ نﻔﺴه‪ ،‬من ﻗﺒﻴﻞ ﻋﻼﻗة اﳉﺰء ﻟﻜﻞ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺸﺎﻃﱯ‪ ،‬اﳌﻮاﻓﻘﺎت‪،(401/6) ،‬‬
‫ﻛمﺎ ﳝﻜن أن تنﺪرج ﲢﺘﻬﺎ ﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﻟنﺴﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻟنﻔﺲ ﻻ ﳝﻜن إﳚﺎدﻫﺎ إﻻ ﲝﻔﻆ اﻟنﺴﻞ من ﺧﻼل تﺸﺮﻳع اﻟنﻜﺎح واﻟنﻬﻲ ﻋن‬
‫ﻗﺘﻞ اﻷﻃﻔﺎل واﻟنﺴﺎء‪ ،‬وﻗﺪ ورد ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنﻬﻲ ﻋن ﻗﺘﻞ اﻷﻃﻔﺎل واﻟنﺴﺎء‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وجﺪت‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﻋﻦ ﻗَـ ْﺘ ِﻞ اﻟﻨِّ ِ ِ‬
‫اﻟﺼﺒـﻴ ِ‬
‫ﺎن«‪ ،‬رواه اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب‬ ‫ﺴﺎء َو ّ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫امﺮأة مﻘﺘﻮﻟة ﰲ ﺑعﺾ مﻐﺎزي رﺳﻮل ﷲ ‪» ،‬ﻓَـﻨَـ َﻬى َر ُﺳ ُ‬
‫اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ اﻟنﺴﺎء ﰲ اﳊﺮب‪ ،(61/4) ،‬وتنﺪرج ﲢﺘﻬﺎ ﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﳌﺎل؛ ﻓﺒه تﻮﻓﺮ مﺘﻄﻠﺒﺎت ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ واﻟنﺴﻞ‬
‫ﻟنﻔﻘة وﻏﲑﻫﺎ ‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫ﺎل‪ َ » :‬أ َْﻫ َﻞ اﳋَْﻨ َﺪ ِق أن َﺟﺎﺑًِﺮا ﻗَ ْﺪ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎح اﻟﻨِ ﱡ‬
‫ﺼ َ‬‫ﺖ َوﻧَـ َﻔ ٌﺮ‪ ،‬ﻓَ َ‬ ‫ﺎﻋﺎ ِﻣ ْﻦ َﺷ ِﻌ ٍﲑ‪ ،‬ﻓَـﺘَـ َﻌ َ‬
‫ﺎل أَﻧْ َ‬ ‫ﺻ ً‬ ‫ﺖ َ‬ ‫وﻃَ َﺤْﻨ ُ‬
‫ُﺳ ْﺆًرا‪ ،‬ﻓَ َﺤ ﱠﻲ َﻫ ًﻼ ﺑِ ُﻜ ْﻢ«‪.1‬‬
‫ﻓﻸﳘﻴّة اﻹﻋﺎﺷة ﻟﻠﺠﻴﺶ‪ ،‬وﻟعﻠﻮ أﺧﻼق اﻟنﱯ ‪ ‬ﱂ ﻳﺆثﺮ نﻔﺴه ﺑﻄعﺎم اﻟﻮﻟﻴمة‪ ،‬دون ﺑﻘﻴّة‬
‫اﻟعﺴﻜﺮ‪ ،‬ﺑﻞ أﺷﺮف ﻋﻠﻴه ﺑنﻔﺴه‪ ،‬ﺣﱴ أﻛﻞ ﻛﻞ اﳉﻴﺶ‪ ،‬وﻫﺬه ﻫﻲ اﻷﺧﻼق اﻟﱵ ﳚﺐ أن ﻳﺘﺤﻠﻰ‬
‫ﺎ ﻛﻞ ﻗﺎﺋﺪ‪ ،‬وﻛﻞ داﻋﻴّة ﻳﺮﻳﺪ اﻟنﺠﺎح ﻟﺪﻋﻮته‪.2‬‬
‫ﺻﻠﱠى‬‫ومن ذﻟﻚ أﻳﻀﺎ مﺎ ورد ﻋن ﺳﻮﻳﺪ ﺑن اﻟنعمﺎن أنه ﺧﺮج مع اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺎم ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬‬
‫ﺎم إِ َﱃ اﳌَﻐْ ِﺮ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ﺼ َﺮ‪ ،‬ﰒُﱠ َد َﻋﺎ ِ ﻷَ ْزَو ِاد ﻓَـ َﻠ ْﻢ ﻳـُ ْﺆ َ‬
‫ت إِﱠﻻ ِ ﻟ ﱠ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ﺴ ِﻮ ِﻳﻖ‪ ،‬ﻓَﺄ ََﻣ َﺮ ﺑﻪ ﻓَـﺜُـ ِّﺮ َ‬
‫ي‪ ،‬ﻓَﺄَ َﻛ َﻞ َوأَ َﻛﻠْﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫اﻟﻌ ْ‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ﺿﺄْ« ‪.‬‬ ‫ﺻﻠﱠى َوَﱂْ ﻳَـﺘَـ َﻮ ﱠ‬‫ﻀﻨَﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ َ‬‫ﻀ َﻤ ْ‬
‫َوَﻣ ْ‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ تعﻠﻴم تﻄﺒﻴﻘﻲ ﻻﲣﺎذ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﱵ ﲢﻔﻆ ﺎ اﻷنﻔﺲ‪ ،‬وأن ﻫﺬا ﻻ ﻳنﺎﰲ اﻟﺘﻮﻛﻞ‬
‫ﲝﺎل من اﻷﺣﻮال‪ ،‬وﻫﺬا مﺘﻮاتﺮ ﰲ ﻏﺰواته ‪ ،‬ﻓﻴﻘﻮل اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ":‬أن من ﲤﺎم اﻟﺘﻮﻛﻞ اﺳﺘعمﺎل‬
‫اﻷﺳﺒﺎب اﻟﱵ نصﺒﻬﺎ ﷲ ﳌﺴﺒﺒﺎ ﺎ ﻗﺪرا وﺷﺮﻋﺎ‪ ،‬ﻓأن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه أﻛمﻞ اﳋﻠق تﻮﻛﻼ‪،‬‬
‫تﻮﻛﻼ‪ ،‬وإﳕﺎ ﻛﺎنﻮاﻳﻠﻘﻮن ﻋﺪوﻫم وﻫم مﺘﺤصنﻮن نﻮاع اﻟﺴﻼح‪ ،‬ودﺧﻞ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬مﻜة‪،‬‬
‫واﻟﺒﻴﻀة ﻋﻠﻰ رأﺳه"‪.4‬‬
‫ومن ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻫﺬه اﻟﻘصة اﳉمع ﺑﲔ تﻐﺬﻳّة اﳉﺴﺪ ﻟﻄعﺎم وتﻐﺬﻳّة اﻟﺮوح ﻟصﻼة‪ ،‬وﻫﻮ تﻜﺎمﻞ‬
‫ﻬﺪت ﻛﺜﲑا من اﳌنﺎﺳﺒﺎت‬
‫ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻷﳘﻴّة ﻳﻐﻔﻞ ﻋنه ﻛﺜﲑ من اﻟنﺎس ﺑﻞ ﻛﺜﲑ من اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬وﻗﺪ َﺷ ٌ‬
‫اﻟعﻠمﻴّة واﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻳُﻬﺘﱠم ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء مﻬم وﻏﲑ مﻬم إﻻ اﻟصﻼة‪ ،‬ﻓﺈ وإ إﻟﻴه راجعﻮن‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬من تﻜﻠم ﻟﻔﺎرﺳﻴّة واﻟﺮﻃﺎنة‪ ،(74/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3070 :‬وأﺧﺮجه مﻄﻮﻻ‬
‫ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(108/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4102:‬ﻗﺎل اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ تﺮﲨة ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد‪ ":‬ﻓﻴه‬
‫ﺻﻠﱠﻰ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِه َو َﺳﻠﱠ َم‪ -‬ﻛﺎن ﻋﺎرﻓًﺎ ﲜمﻴع اﻷﻟﺴنة ﻟﺸمﻮل رﺳﺎﻟﺘه اﻟﺜﻘﻠﲔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻟﺴنﺘﻬم ﻟﻴﻔﻬم‬
‫ﳏمﺪا ‪َ -‬‬
‫إﺷﺎرة إﱃ أ ّن نﺒﻴنﺎ ً‬
‫ﻋنﻬم وﻳﻔﻬمﻮا ﻋنه "‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري‪ ،(179/5) ،‬وﻫﺬه اﻹﺷﺎرة ﺑﻐﺾ اﻟنﻈﺮ ﻋن ﻗﻄعﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈ ﺎ تﺆﻛﺪ مع اﻟﱰﲨة وأدﻟة أﺧﺮى‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة ﲢﻘﻴق مﻘصﺪ ﻋﺎﳌﻴّة ّ‬‫أﳘﻴّة تعﻠم اﻟﻠﻐﺎت اﳌخﺘﻠﻔة ﺣﱴ ﻳﺴﺘﻄﻴع ّ‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح زواوى‪ ،‬ﴰﺎﺋﻞ اﻟﺮﺳﻮل ‪) ،‬د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪ .‬ت(‪ ،‬دار اﻟﻘمة‪ ،‬اﻹﺳﻜنﺪرﻳّة‪.(350/1) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(130/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4195 :‬وأﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺿﻮء‬
‫إﺷﺎرة إﱃ ﺑعﺪ تﺸﺮﻳعﻲ ﻳﺘعﻠق ﻟﻮﺿﻮء ﰲ اﻟﺮواﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬ب من مﻀمﺾ من اﻟﺴﻮﻳق وﱂ ﻳﺘﻮﺿأ"‪ ،(52/1) ،‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ‪":‬‬
‫أي ﻫﺬا ب ﰲ ﺑﻴﺎن ﺣﻜم من مﻀمﺾ من أﻛﻞ اﻟﺴﻮﻳق وﱂ ﻳﺘﻮﺿأ"‪ ،‬ﺑﺪر اﻟﺪﻳن اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ‬
‫اﻟﺒخﺎري‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(323/5) ،‬‬

‫‪ -4‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد ﰲ ﻫﺪي ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪.(420/3) ،‬‬

‫‪347‬‬
‫وﻗﺪ أﺑﺪع اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ اﻟﺘنﺒﻴه إﱃ ذﻟﻚ ﻓﱰجم ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب ﲪﻞ اﻟﺰاد ﰲ‬
‫ﰲ اﻟﻐﺰو وﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬چ ٱ َوتَ َزو ُدو فإن َخ ْ َ زا ِد ْق ۪و ٰي چ ٱ]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،1"[196 :‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ ﰲ تﻔﺴﲑ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﱰﲨة‪ ":‬وﳌﺎ أمﺮﻫم ﻟﺰاد ﻟﻠﺴﻔﺮ ﰲ اﻟﺪنﻴﺎ أرﺷﺪﻫم إﱃ زاد اﻵﺧﺮة واﺳﺘصﺤﺎب اﻟﺘﻘﻮى إﻟﻴﻬﺎ‪".‬‬

‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(54/4) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(236/14) ،‬‬
‫‪348‬‬
‫ومن ﰒّ ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ أﳘﻴّة تﻔعﻴﻞ اﻟﺘﻜﺎمﻞ ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وأن إﻏﻔﺎﻟه‪ ،‬أو ﻋﺪم ﺣﺴن‬
‫تنﺰﻳﻠه اﻟﺘنﺰﻳﻞ اﻟصﺤﻴﺢ ﰲ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌخﺘﻠﻔة ﻳنعﻜﺲ ﺳﻠﺒﺎ ﻋﻠﻰ جﻮدة اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪.‬‬
‫‪.2‬ﺗﻮﻓﲑ اﳌﺎء ﻟﻠﺠﻨﺪ‪:‬‬
‫ﻳعﺪ تﻮﻓﲑ اﳌﺎء من اﻟﻀﺮور ت اﻟﱵ ﲢﻔﻆ ﺎ اﻟنﻔﺲ‪ ،‬ﻟﺬا ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ تﻮﻓﲑﻫﺎ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮَم اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة أَﻟْ ًﻔﺎ‬ ‫ﻟﻠمﺠﺎﻫﺪﻳن‪ ،‬وﳑﺎ ورد ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﱪاء ‪ ، ،‬أ ُم ﻛﺎنﻮامع رﺳ ِ‬
‫ََ َُ‬ ‫ْ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬ﻓَأَتَﻰ اﻟﺒِْﺌـَﺮ َوﻗَـ َع َﺪ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة أَﻟْ ًﻔﺎ َوأ َْرﺑَ َع مﺎﺋَة أ َْو أَ ْﻛﺜَـَﺮ‪ ،‬ﻓَـنَـَﺰﻟُﻮا َﻋﻠَﻰ ﺑِْﺌ ٍﺮ ﻓَـنَـَﺰ ُﺣ َ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬ﻓَأَتَـ ْﻮا َر ُﺳ َ‬
‫ﻮﻫﺎ‬
‫ﺎل‪َ » :‬دﻋُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺎل‪» :‬اﺋْـﺘُ ِﻮﱐ ﺑِ َﺪﻟْ ٍﻮ م ْن َمﺎﺋ َﻬﺎ«‪ ،‬ﻓَأُِﰐَ ﺑِه‪ ،‬ﻓَـﺒَ َ‬
‫ص َق ﻓَ َﺪ َﻋﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫َوﻗَـ َع َﺪ َﻋﻠَﻰ َﺷ ِﻔ ِﲑَﻫﺎ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬
‫ﺎﻋةً«‪ .‬ﻓَأ َْرَوْوا أَنْـ ُﻔ َﺴ ُﻬ ْم َوِرَﻛﺎﺑَـ ُﻬ ْم َﺣ ﱠﱴ ْارَﲢَﻠُﻮا ‪.1‬‬ ‫َﺳ َ‬
‫ومﺎ ﻗﻴﻞ ﰲ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ من ﺧﻼل تﻮﻓﲑ اﻟﻄعﺎم ﻳُعﺎد ﰲ تﻮﻓﲑ اﳌﺎء‪ ،‬وإﳕﺎ أوردت ﻫﺬه اﻟﻮاﻗعة‬
‫ز دة ﰲ اﻟﺒﻴﺎن واﻟﺘأﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أن اﻟعنﺎﻳّة ﲝﻔﻆ اﻟنﻔﺲ من ﺧﻼل اﻟﺘﺰود ﳌﺎء واﻟﻄعﺎم مﻄﺮدة ﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬
‫ومن ﻟﻄﺎﺋﻒ اﻟﻘصة اﻟﺪﻗﻴﻘة‪ ،‬أن اﻷمﺮ ﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋنﺪ اﳊﺮص ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﺑﺘﻮﻓﲑ اﻟﻄعﺎم‬
‫واﻟﺸﺮاب‪ ،‬ﺑﻞ تعﺪى إﱃ ﺣﻔﻆ مﺮﻛﻮ م من اﻹﺑﻞ وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬ﻛمﺎ تﺪل ﻟﻔﻈة‪" :‬ورﻛﺎ م"‪.2‬‬
‫ﻓﺴﻘﻲ اﳌﺮاﻛﺐ مﻘصﺪ ﺷﺮﻋﻲ دﻋﻮي من جﻬﺘﲔ‪ :‬من جﻬة رﻋﺎﻳّة اﳊﻴﻮان ﺑﺘﻮﻓﲑ ﺣﻘﻮﻗه‪ ،‬من‬
‫ﻃعﺎم وﺷﺮاب‪ ،‬وراﺣة‪ ،‬وﻫﺬا ﺑعﺪ دﻋﻮي ﺣﻀﺎري ﱂ ﻳﺴﺒق اﻹﺳﻼم إﻟﻴه‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت نصﻮص ﻛﺜﲑة‬
‫ﻛﺜﲑة تﺪﻋﻮ إﱃ ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ منﻬﺎ‪ ،‬ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل‪» :‬أن َر ُﺟ ًﻼ َرأَى َﻛﻠْﺒًﺎ َْ ُﻛ ُﻞ‬
‫ف ﻟَﻪُ ﺑِ ِﻪ َﺣ ﱠﱴ أ َْرَواﻩُ‪ ،‬ﻓَ َﺸ َﻜ َﺮ ا ﱠُ ﻟَﻪُ‪ ،‬ﻓَﺄَ ْد َﺧﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔَ«‬
‫َﺧ َﺬ اﻟ ﱠﺮ ُﺟ ُﻞ ُﺧ ﱠﻔﻪُ‪ ،‬ﻓَ َﺠ َﻌ َﻞ ﻳَـﻐْ ِﺮ ُ‬ ‫اﻟﻌﻄَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺶ‪ ،‬ﻓَﺄ َ‬ ‫َْ ُﻛ ُﻞ اﻟﺜـ َﱠﺮى ﻣ َﻦ َ‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬
‫وأمﺎ اﳉﻬة اﻟﺜﺎنﻴّة ﻓﻬﻲ جﻬة اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة وﺻﻴﺎنﺘﻬﺎ ورﻋﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة ﻛمﺎ ﲢﻔﻆ‬
‫ﲢﻔﻆ ﲝﻔﻆ ﲪﻠﺘﻬﺎ وﻗﺎد ﺎ ﲢﻔﻆ أﻳﻀﺎ من جﻬة اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋﻠﻬﺎ‪ ،‬وﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم أﻟﻔﺖ نﻈﺮ‬
‫اﻟﻘﺎﺋمﲔ ﻋﻠﻰ اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة أن ﻳﺮﻋﻮا وﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﺣق اﻟﺮﻋﺎﻳّة‪ ،‬وأن ﳛﺬروا من اﺳﺘﻐﻼﳍﺎ ﻷﻏﺮاض‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،(122/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4151:‬‬
‫‪-2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري‪.(346/6) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺿﻮء‪ ،‬ب اﳌﺎء اﻟﺬي ﻳﻐﺴﻞ ﺑه ﺷعﺮ اﻹنﺴﺎن‪ ،(45/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪.173:‬‬

‫‪349‬‬
‫ﻷﻏﺮاض ﺷخصﻴّة‪ ،‬ﻛمﺎ أدﻋﻮ ﲨﻴع اﳌﺴﻠمﲔ إﱃ اﳌﺴﺎﳘة ﰲ ﲪﺎﻳّة وتﺮﻗﻴّة وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ﻛﺎﳌﺴﺎجﺪ واﳌﺮاﻛﺰ واﳉمعﻴﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة واﻟﻘنﻮات اﻟﻔﻀﺎﺋﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة وﻏﲑﻫﺎ من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‪.‬‬
‫‪.3‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﻷﺳﺮى‪ :‬ﻗﺪ اﻋﺘﲎ اﻹﺳﻼم ﻷﺳﲑ ﲟﺎ ﳛﻔﻆ ﻋﻠﻴه نﻔﺴه من ﻃعﺎم وﻛﺴﻮة‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ‬
‫أن ﻫﺬه اﻟعنﺎﻳّة من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ من ﺷأ ﺎ أن تﺴﺘعﻄﻒ نﻔﻮس اﻷﺳﺮى‪ ،‬ﻟﺬا ﺣﺚ اﻟﻘﺮآن‬
‫اﻟﻜﺮﱘ ﻋﻠﻰ إﻛﺮامﻬم ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱٺ ٱٿ ٱٿٱٿ ٱٿ ٱٹ ٱٹ ٱچ ]اﻹنﺴﺎن‪ ،[ 8:‬ﻛم ا‬
‫أك رمﻬم اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓمن مﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬا اﻹﻛﺮام اﻟعنﺎﻳّة ﺑﻜﺴﻮ م‪ ،‬ﻓعن جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ‬
‫ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﺑﺪر أﰐ ﺳﺎرى‪ ،‬وأﰐ ﻟعﺒﺎس وﱂ ﻳﻜن ﻋﻠﻴه ثﻮب‪» ،‬ﻓنﻈﺮ اﻟنﱯ ‪‬‬
‫‪ ‬ﻟه ﻗمﻴصﺎ‪ ،‬ﻓﻮجﺪوا ﻗمﻴﺺ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻓﻜﺴﺎه اﻟنﱯ ‪ ‬إ ه‪ ،‬ﻓﻠﺬﻟﻚ نﺰع اﻟنﱯ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗمﻴصه اﻟﺬي أﻟﺒﺴه"‪.‬‬
‫ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻴخ اﻟﻐﺰاﱄ رﲪه ﷲ مﱪزا منﻬج اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟﺘعﺎمﻞ مع اﻷﺳﺮى‪ ":‬وﻫنﺎك نصﻮص تﻮﺻﻲ‬
‫تﻮﺻﻲ ﺑﺮﻋﺎﻳّة اﻷﺳﺮى وإﻃعﺎمﻬم‪ ،‬وتﺸﺮع اﻟﻘﻮانﲔ اﻟﺮﺣﻴمة ﰲ معﺎمﻠﺘﻬم‪ ،‬وﻫﺬا ﻳنﻄﺒق ﻋﻠﻰ ﲨﺎﻫﲑ‬
‫ﲨﺎﻫﲑ اﻷﺳﺮى من اﻷتﺒﺎﻋﻮاﻟعﺎمة"‪.2‬‬
‫وإﻛﺮام اﻷﺳﲑ من اﳌﻈﺎﻫﺮ اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻟﺸﺮع ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬وإن ﻛﺎنﺖ ﻏﲑ‬
‫مﺴﻠمة‪ ،‬وﻫﺬا من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺮﲪة اﻟﱵ اتﺴمﺖ ﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ ﻇﻠﺖ مصﺎﺣﺒة ﻟﻠمﻐﺎزي‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪‬؛ وﻗﺪ أﲦﺮ ذﻟﻚ نﺘﺎﺋج دﻋﻮﻳّة ﻫﺮة ﻇﻬﺮت‪ ،‬ﲝصﻮل إﺳﻼم أﻛﺜﺮ أوﻟﺌﻚ‬
‫اﻷﺳﺮى‪ ،‬وﺧﺮج من أﺻﻼ م من اﳌﺴﻠمﲔ اﻟعﺪد اﻟﻜﺒﲑ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﺪة ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ‪.‬‬

‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﻟﺮﻋﺎﻳّﺔ اﻟﺼﺤﻴّﺔ‬

‫ﻻ ﻳﺰال اﳊﺪﻳﺚ مﻮﺻﻮﻻ ﲝﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪ ،‬ﻓﺈﺿﺎﻓة إﱃ اﻻﻫﺘمﺎم ﻹﻋﺎﺷة ﺑﺘﻮﻓﲑ اﻟﻄعﺎم واﻟﺸﺮاب‬
‫ﻟﻠﺠنﻮد واﻷﺳﺮى وﺣﱴ اﻟﺪواب من اﻹﺑﻞ وﻏﲑﻫﺎ‪ ،‬ﻛمﺎ ﺳﻠﻒ ﰲ اﻟعنصﺮ اﻟﺴﺎﺑق‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ‬
‫اﻟﺮﻋﺎﻳّة اﻟصﺤﻴّة مصﺎﺣﺒة ﳉﻴﺶ اﳌﺴﻠمﲔ وﻫﻮ ﳜﻮض ﻏمﺎر اﳌعﺎرك؛ ﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺘﺪاوي من أﻋﻈم‬
‫أﺳﺒﺎب ﺣﻔﻆ اﻟصﺤة ﺧﺎﺻة ﰲ اﳊﺮوب‪ ،‬ﻟﻜﻮ ﺎ ﺣﺎﻟة اﺳﺘﺜنﺎﺋﻴّة تﺘﻄﻠﺐ مﺰﻳﺪا من اﻟﺮﻋﺎﻳّة؛ ﳌﺎ‬
‫ﳛصﻞ ﻓﻴﻬﺎ من مﺸﻘة وﻃﻮارئ ﺻﺤﻴّة ﻛﺎﳉﺮاﺣﺎت واﻟﺮﺿﻮض واﻹﺻﺎ ت‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﻜﺴﻮة ﻟﻸﺳﺎرى‪ ،(60/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3008 :‬‬
‫‪ -2‬ﷴ اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴﲑة‪ ،‬ص‪.243‬‬
‫‪350‬‬
‫وﺳﻮف أرﻛﺰ اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ ﻋﻠﻰ آﻟﻴﺘﲔ من اﻵﻟﻴﺎت اﻟصﺤﻴّة اﳌﻬمة ﻛﺎنﺘﺎ رزتﲔ ﰲ‬
‫اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﳘﺎ آﻟﻴّة اﻟﻮﻗﺎﻳّة وآﻟﻴّة اﻟعﻼج‪:‬‬
‫‪.1‬آﻟﻴّﺔ اﻟﻮﻗﺎﻳّﺔ اﻟﺼﺤﻴّﺔ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﻮﻗﺎﻳّة اﻟصﺤﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات ﺣﺮص اﻟﺮﺳﻮل ‪‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻴﺴﲑ ورﻓع اﳊﺮج ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎﺑه وتﻮﻓﲑ اﻟﺮاﺣة ﳍم ﺣﻔﻈﺎ ﻟصﺤﺘﻬم‪ ،‬وﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ أمﻮر‬
‫منﻬﺎ‪:‬‬
‫أ‪ .‬اﻟﺮﺧﺺ اﻟﺸﺮﻋﻴّﺔ‪ :‬اﻟﺮﺧﺺ اﻟﺸﺮﻋﻴّة من مﻈﺎﻫﺮ ﻳﺴﺮ وﲰﺎﺣة اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﱵ من‬
‫مﻘﺎﺻﺪﻫﺎ ﺣﻔﻆ اﻟصﺤة و ﻟﺘﺎﱄ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪ ،‬وﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ﻏﺎﻟﺒﺎ مﺎ تصﺎﺣﺒﻬﺎ مﺸﻘة؛ جﺮاء‬
‫ﻃﻮل ﺳﻔﺮ‪ ،‬واﳋﻮف من اﻟعﺪو ﳒﺪ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﳛﺮص ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺬ ﻟﺮﺧﺺ وﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫ومن اﻟﺮﺧﺺ رﺧصة ﻗصﺮ اﻟصﻼة‪ ،‬ورﺧصة ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻗﺎل‪» :‬ﻗﺎم اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻗﺎم اﻟنﺎس معه‪ ،‬ﻓﻜﱪ وﻛﱪوا معه ورﻛع و رﻛع س منﻬم معه‪ ،‬ﰒ ﺳﺠﺪ‬
‫وﺳﺠﺪوا معه‪ ،‬ﰒ ﻗﺎم ﻟﻠﺜﺎنﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺎم اﻟﺬﻳن ﺳﺠﺪوا وﺣﺮﺳﻮا إﺧﻮا م وأتﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔة اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﻓﺮﻛعﻮا‬
‫‪1‬‬
‫ﻓﺮﻛعﻮا وﺳﺠﺪوا معه‪ ،‬واﻟنﺎس ﻛﻠﻬم ﰲ ﺻﻼة‪ ،‬وﻟﻜن ﳛﺮس ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ«‪.‬‬
‫وﰲ ﻫﺬه اﻟصﻼة تﺘﺠﻠﻰ ﺣﻜمة اﻟﺘﺸﺮﻳع اﻟﺒﺎﻫﺮة‪ ،‬اﻟﱵ تﺪﻋﻮ إﱃ اﻹﻋﺠﺎب‪ ،‬إذ أ ﺎ ﺬه اﻟﻜﻴﻔﻴّة‬
‫ﲤنع اﻟعﺪو اﳌﱰﺑﺺ من انﺘﻬﺎز اﻟﻔﺮﺻة اﻟﺴﺎﳓة ﰲ ﺻﻼة اﳌﺴﻠمﲔ ﳌﺒﺎﻏﺘﺘﻬم ﳍﺠﻮم‪ ،‬ﻷن ﻗﺴمﺎً‬
‫منﻬم ﻳصﻠﻮن‪ ،‬ﺑﻴنمﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺴم اﻵﺧﺮ ﳛﺮص اﳉﻴﺶ‪. 2‬‬
‫ﻓﻘﺪ مﻜنﺖ ﻫﺬه اﻟﺮﺧصة اﳌﺴﻠمﲔ من اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ مﻘصﺪ ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن‪ ،‬ومﻘصﺪ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪:‬‬
‫ج إِ َﱃ‬
‫ومن اﻟﺮﺧﺺ أﻳﻀﺎ رﺧصة اﻟﻔﻄﺮ ﰲ رمﻀﺎن‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ »:‬ﺧ َﺮ َ‬
‫ﱠﺎس «‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫َﻣ ﱠﻜﺔَ ِﰲ َرَﻣ َ‬
‫ﺎم َﺣ ﱠﱴ ﺑَـﻠَ َﻎ اﻟ َﻜﺪﻳ َﺪ‪ ،‬أَﻓْﻄََﺮ‪ ،‬ﻓَﺄَﻓْﻄََﺮ اﻟﻨ ُ‬
‫ﺼَ‬ ‫ﻀﺎ َن‪ ،‬ﻓَ َ‬
‫وﻫﺬه اﻟﺮﺧصة اﻟﱵ نﻔﺬﻫﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑنﻔﺴه‪ ،‬ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻔﺮة ﺣﱴ ﻳُﻘﺘﺪى ﺑه ﰲ ذﻟﻚ من ﺻمﻴم‬
‫مﺒﺪأ اﻟﺘخﻔﻴﻒ واﻟﺘﻴﺴﲑ ﰲ اﻟعﺒﺎدة؛ من أجﻞ اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻟصﺤة ﺧﺎﺻة ﰲ ﺣﺎﻻت اﳌﺮض‬
‫واﻟﺴﻔﺮ واﳉﻬﺎد‪.1‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،‬ب ﳛﺮس ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ ﰲ ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،(14/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.944 :‬‬
‫‪ -2‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬ﺑﲔ اﻟعﻘﻴﺪة واﻟﻘﻴﺎدة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1419 ،1‬ﻫـ‪ 1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳋﺮوج ﰲ رمﻀﺎن‪ ،(49/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2794 :‬‬
‫‪351‬‬
‫وﻗﺪ ُرﺧﺺ ﻟﻜعﺐ ﺑن ﻋﺠﺮة ﳊﻠق ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺤﻠﻞ من اﻟعمﺮة ﳌﺎ أﺻﺎﺑه من ﺣﺮج ﺑﺴﺒﺐ مﺎ أﺻﺎﺑه‬
‫ﺖ ﺑـُْﺮَم ٍة‪ ،‬واﻟ َﻘ ْم ُﻞ ﻳَـﺘَـنَﺎثَـ ُﺮ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪َ ‬زَم َن اﳊُ َﺪﻳْﺒِﻴّة‪ ،‬وأَ َ أُوﻗ ُﺪ َْﲢ َ‬ ‫ﻗَ َﺎل‪ :‬أَتَﻰ َﻋﻠَ ﱠﻲ اﻟنِ ﱡ‬ ‫من ﻗمﻞ‪ ،‬ﻓعنه‬
‫ﺻ ْﻢ ﺛَﻼَﺛَﺔَ أَ ﱠ ٍم‪ ،‬أ َْو‬ ‫ﺎﺣﻠ ْﻖ‪ ،‬و ُ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ﺖ‪ :‬نَـ َع ْم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﻳﻚ َﻫ َﻮا ﱡﻣ َﻚ؟« ﻗُـْﻠ ُ‬ ‫واﻟ َﻘ ْم ُﻞ ﻳَـﺘَـنَﺎثَـ ُﺮ َﻋ ْن َرأْ ِﺳﻲ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أَﻳـُ ْﺆ ِذ َ‬
‫ﻮب‪ :‬ﻻَ أ َْد ِري َِﻳﱠﺘِ ِﻬ ﱠن ﺑَ َﺪأَ ‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أَﻃْﻌ ْﻢ ﺳﺘﱠﺔً‪ ،‬أ َْو اﻧْ ُﺴ ْﻚ ﻧَﺴﻴ َﻜﺔً« ﻗَ َﺎل أَﻳﱡ ُ‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟﺮﺧﺺ ﰲ أﺑﻮاب ﻓﻘﻬﻴّة ﳐﺘﻠﻔة تﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﺎن مﻬﺘمﺎ ﺑصﺤة اﳉﻴﺶ‪،‬‬
‫وﺑﻈﺮوﻓﻬم اﻟصﺤﻴّة‪ ،‬وﻫﻜﺬا ﻳنﺒﻐﻲ أ ْن ﻳﻜﻮن اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﰲ مﺮاﻋﺎته ﻟﻈﺮوف أتﺒﺎﻋه ومﺪﻋﻮﻳه‪.‬‬

‫ب‪.‬إ ﺣﺔ اﶈﺮم ﻟﻠﻀﺮورة اﻟﺼﺤﻴّﺔ‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ ﻳﺴﺮ اﻟﺸﺮﻳعة إ ﺣة ﺑعﺾ اﶈﻈﻮرات ﻟﻠﻀﺮورة‬
‫اﻟﻄﺒﻴّة‪ ،‬وﻫﺬا ﻳنﺪرج ﲢﺖ ﻛﻘﺎﻋﺪة "اﻟﻀﺮورات ﺗﺒﻴﺢ اﶈﻈﻮرات"‪ ،3‬واﻟﻀﺮورة ﻫﻲ ﺑﻠﻮغ اﳊﺪ اﻟﺬي إذا‬
‫ﱂ ﻳﺘنﺎول معه اﳌمنﻮع ﺣصﻞ اﳍﻼك ﻟﻠمﻀﻄﺮ أو ﻗﺮﻳﺐ منه‪ ،‬ﻛﻔﻘﺪ ﻋﻀﻮ أو ﺣﺎﺳة من اﳊﻮاس‬
‫واﻷﺻﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة مﺎ ورد ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ من اﺳﺘﺜنﺎء ﺣﺎﻻت اﻻﺿﻄﺮار اﻟﻄﺎرﺋة ﰲ ﻇﺮوف‬
‫جﺎن ِف ِﻹّث ْ فإن َ‬
‫ﷲ َ ُفور‪ٞ‬‬ ‫خ َم َصة َ ْ َ ُمتَ َ‬
‫ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ َم ُن ض ُطر ِ م‬ ‫اﺳﺘﺜنﺎﺋﻴّة‪ ،‬ﻛﻘﻮل ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه و‬
‫ٖ ِ ٖ‬
‫ِيم‪ ٞ‬چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪.4 [04:‬‬
‫رح ۖ‬

‫‪1‬‬
‫صﻼﱠﰊ‪ ،‬اﻟﻮﺳﻄﻴّة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬مﻜﺘﺒة ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬اﻟﺸﺎرﻗة‪ ،‬اﻹمﺎرات‪ ،‬ط‪ 1422 ،1‬ﻫـ‪ 2001 ،‬م‪،‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻋﻠﻲ ﷴ اﻟ ﱠ‬
‫ص‪.436‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻄﺐ‪ ،‬ب اﳊﻠق من اﻷذى‪ ،(125/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،5703 :‬و ﻗﺪ تﻜﺮرت اﻟﺮواﻳّة ﰲ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ ﰲ ﻋﺪة مﻮاﻃن منه ﲟﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ثﺮاﺋﻬﺎ ﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت ﰲ‪ :‬أﺑﻮاب اﶈصﺮ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ْو‬
‫َص َدﻗَ ٍة چ ]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،[195 :‬وﻫﻲ إﻃعﺎم ﺳﺘة مﺴﺎﻛﲔ‪ ،(10/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1815:‬أﺑﻮاب اﶈصﺮ‪ ،‬ب‪ :‬اﻹﻃعﺎم ﰲ اﻟﻔﺪﻳّة نصﻒ‬
‫ﺻﺎع‪ ،(10/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ، ،1816 :‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،(123/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4159 :‬ﻛﺘﺎب تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن‪،‬‬
‫َ ْ َ َ َ ْ ُ‬‫ُ‬ ‫َ ‪ّ ٞ‬‬ ‫ْ ٓ ٗ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ك چٱ]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،(27/6) ،[195 :‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬ ‫صيﺎمٍ و صدﻗ ٍة و س ٖ‬‫ذي مِن رأسِ هِۦ ف ِف ْديّة مِن ِ‬ ‫ب ﻗﻮﻟه چ ٱ َمن كﺎن مِنكم م ِر ضﺎ و بِهِۦ أ‬
‫‪ ،4517‬ﻛﺘﺎب اﳌﺮﺿﻰ‪ ،‬ب ﻗﻮل اﳌﺮﻳﺾ‪ " :‬إﱐ وجع‪ ،‬أو وا رأﺳﺎه‪ ،‬أو اﺷﺘﺪ ﰊ اﻟﻮجع‪ ،(119/7) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،5665 :‬ﻓﻘﺪ‬
‫اﺳﺘﻄﺎع اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري أ ّن ﻳﺴﺘنﺒط من ﻫﺬه اﻟﺮواﻳّة مﺴﺎﺋﻞ تﺘعﻠق ﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة‪ ،‬منﻬﺎ اﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬ﻛﺎﻟﱰﲨة ﻟﻘﺮآن ﻟﺒﻴأ ّن‬
‫مصﺪرﻳﺘه اﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬ﺑﺒﻴأ ّن ﺑعﺾ أﺣﻜﺎم اﳊج‪ ،‬وﲣﺮﳚه ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﺮﺿﻰ وﻫم ﺻنﻒ من اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬واﻟﱰﲨة ﺑﻘﻮل اﳌﺮﻳﺾ‪" :‬إﱐ‬
‫وجع‪ ،"..‬ﻓﻴه إﺷﺎرة إﱃ أﺳﻠﻮب اﻟﻘﻮل اﳊﺴن‪ ،‬وﲣﺮﳚه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻄﺐ ﲢﺖ تﺮﲨة اﳊﻠق من اﻷذى ﻫﻮ اﻟﺒعﺪ اﻟﻄﱯ اﳌنﺎﺳﺐ‬
‫ﳌﻘصﺪ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﻟﺮﻋﺎﻳّة اﻟصﺤﻴّة اﻟﺬي ﳓن ﺑصﺪده‪.‬‬

‫‪ -4‬اﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻔﻘﻬﻴّة وتﻄﺒﻴﻘﺎ ﺎ ﰲ اﳌﺬاﻫﺐ اﻷرﺑعة‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1427 ،1‬ﻫـ‪ 2006 ،‬م‪.(276/1) ،‬‬
‫‪352‬‬
‫ف‪،‬‬‫ومن تﻄﺒﻴﻘﺎت ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة‪ ،‬مﺎ رواه أنﺲ ‪» :‬أن َﻋﺒ َﺪ اﻟ ﱠﺮ ْﲪ ِﻦ ﺑﻦ َﻋﻮ ٍ‬
‫َ َْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ّ‬
‫ﺺ َﳍَُﻤﺎ ِﰲ اﳊَ ِﺮﻳ ِﺮ‪ ،‬ﻓَـ َﺮأَﻳْـﺘُﻪُ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ َﻤﺎ ِﰲ غَ َﺰاةٍ«‬
‫ﱠﱯ ‪ -‬ﻳَـ ْﻌ ِﲏ اﻟ َﻘ ْﻤ َﻞ ‪ -‬ﻓَﺄ َْر َﺧ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ﺑْ َﻦ َﻋ ْﻮف‪ ،‬واﻟ ﱡﺰﺑَـ ْﻴـ َﺮ َﺷ َﻜ َﻮا إ َﱃ اﻟﻨِ ِّ‬
‫‪1‬‬

‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﺑعﺪان‪ :‬أﺣﺪﳘﺎ‪ :‬ﻓﻘﻬﻲ‪ ،‬واﻵﺧﺮ ﻃﱯ‪ ،‬ﻓأمﺎ اﻟﻔﻘﻬﻲ‪ :‬ﻓﺎﳊﺮﻳﺮ ﳏﺮم ﻋﻠﻰ اﻟﺮجﺎل‬
‫اﻟﺮجﺎل إﻻ ﳊﺎجة ومصﻠﺤة راجﺤة‪ ،‬ﻛﺎﳊﻜة وﻛﺜﺮة اﻟﻘمﻞ‪ ،‬وأمﺎ اﻟﺒعﺪ اﻟﻄﱯ‪ :‬ﻓﻬﻮ أن اﳊﺮﻳﺮ مصﺪره‬
‫مصﺪره ﺣﻴﻮاﱐ ﻃﺒﻴعﻲ ﻛﺜﲑ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻄﺒﻴّة واﻟنﻔﺴﻴّة ﻛﺘﻘﻮﻳّة اﻟﻘﻠﺐ وتﻔﺮﳛه واﻟنﻔع من ﻛﺜﲑ من‬
‫أمﺮاﺿه‪ ،‬ومن ﻏﻠﺒة اﳌﺮة اﻟﺴﻮداء واﻷدواء اﳊﺎدثة ﻋنﻬﺎ‪.2‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬وﻋمﻠﻮا ﺎ ﰲ ﺳﺮا ﻫم‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن جﺎﺑﺮ ‪،‬‬ ‫وﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻗﺪ اﺳﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ّ‬
‫ﻳﺪا‪ ،‬ﻓَأَﻟْ َﻘﻰ اﻟﺒَ ْﺤُﺮ ُﺣﻮ ً َمﻴِّﺘًﺎ َﱂْ‬ ‫ﻮﻋﺎ َﺷ ِﺪ ً‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺶ اﳋَﺒَط‪ ،‬وأ ُّمَﺮ أَﺑُﻮ ُﻋﺒَـْﻴ َﺪ َة ﻓَ ُﺠ ْعنَﺎ ُج ً‬ ‫ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪َ :‬ﻏَﺰْو َ َجْﻴ َ‬
‫َﺧ َﺬ أَﺑُﻮ ُﻋﺒَـْﻴ َﺪةَ َﻋﻈْ ًمﺎ ِم ْن ِﻋﻈَ ِﺎم ِه‪ ،‬ﻓَ َمﱠﺮ‬ ‫ﻒ َﺷ ْﻬ ٍﺮ‪ ،‬ﻓَأ َ‬ ‫ص َ‬
‫ِ ِ‬
‫اﻟعْنـﺒَـُﺮ‪ ،‬ﻓَأَ َﻛﻠْنَﺎ مْنهُ ن ْ‬ ‫َﱂْ نَـَﺮ ِمﺜْـﻠَهُ‪ ،‬ﻳـُ َﻘ ُ‬
‫ﺎل ﻟَهُ َ‬
‫ﻮل‪ :‬ﻗَ َﺎل أَﺑُﻮ ﻋُﺒَـْﻴ َﺪةَ‪ُ :‬ﻛﻠُﻮا ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ ﻗَ ِﺪ ْمنَﺎ اﳌ ِﺪﻳنَةَ‬
‫َﺧﺒَـَﺮِﱐ أَﺑُﻮ اﻟﱡﺰﺑَـ ِْﲑ‪ ،‬أنهُ َِﲰ َع َجﺎﺑًِﺮا‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬‫ﺐ َﲢْﺘَهُ ﻓَأ ْ‬ ‫ُ‬
‫اﻟﱠﺮاﻛِ‬
‫َ ‪3‬‬
‫ﺎل‪ُ » :‬ﻛﻠُﻮا‪ِ ،‬رْزﻗًﺎ أَ ْﺧ َﺮ َﺟﻪُ ا ﱠُ‪ ،‬أَﻃْﻌِ ُﻤﻮَ أن ﻛﺎن َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ« ﻓَأَ َ هُ ﺑَـ ْع ُ‬
‫ﻀ ُﻬ ْم ﻓَأَ َﻛﻠَهُ ‪.‬‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻚ ﻟِﻠنِ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ذَ َﻛْﺮَ ذَﻟ َ‬
‫ﻓﻘﺪ أﻛﻠﻮا ﻫﺬا اﳊﻮت ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﺿﻄﺮار ﻟﺸﺪة ا ﺎﻋة وﺧﻮﻓﺎ من اﳍﻠﻜة‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﻋﻠمﻬم ﲝﻞ‬
‫مﻴﺘة اﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬وﻗﺪ دﻟﺖ ﺑعﺾ ﻃﺮق اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻫﻲ رواﻳّة مﺴﻠم‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﻓﻴﻬﺎ‪ :‬ﻗﺎل‬
‫ﻗﺎل أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة‪" :‬مﻴﺘة‪ ،‬ﰒ ﻗﺎل‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﺑﻞ ﳓن رﺳﻞ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬وﻗﺪ اﺿﻄﺮرﰎ‬
‫ﻓﻜﻠﻮا"‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳊﺮﻳﺮ ﰲ اﳊﺮب‪ ،(42/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2920 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد ﰲ ﻫﺪي ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪.(70/4) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺳﻴﻒ اﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬وﻫم ﻳﺘﻠﻘﻮن ﻋﲑا ﻟﻘﺮﻳﺶ‪ ،(166/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪،4360 :‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺮر اﻟﺒخﺎري اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﻛﺘﺐ مﺘعﺪدة ووﺿع ﻋﻠﻴه تﺮاجم منﺎ ﺳﺒة ﳌﻘصﺪ ﺣﻔﻆ اﻟصﺤة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺮﻛة‪،‬‬
‫ب اﻟﺸﺮﻛة ﰲ اﻟﻄعﺎم واﻟنﻬﺪ واﻟعﺮوض‪ ،(173/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2483 :‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲪﻞ اﻟﺰاد ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺎب‪،‬‬
‫ْ‬
‫)‪ ،(55/4‬ﺑﺮﻗم‪ ،2983 :‬ﻛﺘﺎب اﻟﺬ ﺋﺢ واﻟصﻴﺪ‪ ،‬ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ ِحل لَ ُك ْم َصيْ ُد َ ْح ِر چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،(90/7) ،[98 :‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪ ،5493‬ﻓﻬﻲ تﺮاجم تﺘﻀمن آﻟﻴﺎت تﻮﻓﲑ اﻟﻄعﺎم اﻟﺬي ﺑه ﻗﻮام ﺣﻔﻆ اﻟصﺤة‪.‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟصﻴﺪ واﻟﺬ ﺋﺢ ومﺎ ﻳﺆﻛﻞ من اﳊﻴﻮان‪ ،‬ب إ ﺣة مﻴﺘﺎت اﻟﺒﺤﺮ‪ ،(1535 /3) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.1935‬‬
‫‪353‬‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻘه أﰊ ﻋﺒﻴﺪة ﻓﻘﺪ ﺧصﺺ ﻋمﻮم ﲢﺮﱘ اﳌﻴﺘة ﻻﺿﻄﺮار‪ ،‬ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫نﻔﻮس أﻓﺮاد اﻟﺴﺮﻳّة‪ ،‬وﻗﺪ أﻗﺮه اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻻجﺘﻬﺎد‪.1‬‬

‫‪.2‬آﻟﻴّﺔ اﻟﺘﺪاوي ﰲ اﻟﻐﺰوات‬

‫ﺑعﺪ أن تﺒﲔ من ﺧﻼل اﻷمﺜﻠة واﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺴﺎﺑﻘة ﻋنﺎﻳّة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻮﻗﺎﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻛﺂﻟﻴّة‬
‫ﳊﻔﻆ اﻟصﺤة‪ ،‬ومن ﰒﱠ ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪ ،‬أﺷﺮع ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻵﻟﻴّة اﻟصﺤﻴّة اﻟﺜﺎنﻴّة وﻫﻲ آﻟﻴّة‬
‫اﻟﺘﺪاوي ﰲ اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل ﻋﺮض ﺑعﺾ اﻟﺮوا ت اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ دﻟﺖ روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮر اﻟﺘﻄﺒﻴﺐ واﻟﺘﺪاوي ﻛﺂﻟﻴّة ﳊﻔﻆ ﺻﺤة اﳉنﺪ‪،‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎد ﳎﺎل اﻟﺘﺪاوي أن ﻳﻜﻮن ﳏصﻮرا ﰲ إﺳعﺎف اﳉﺮﺣﻰ ومﺪاوا م‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ مﺎ روته اﻟﺮﺑﻴع ﺑنﺖ معﻮذ‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻛنﺎ مع اﻟنﱯ ‪ ‬نﺴﻘﻲ ونﺪاوي‬
‫اﳉﺮﺣﻰ‪ ،‬ونﺮد اﻟﻘﺘﻠﻰ إﱃ اﳌﺪﻳنة«‪.2‬‬
‫ﻓخﺮوج اﳌﺮأة اﻟصﺤﺎﺑﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات من أجﻞ اﻟﻘﻴﺎم ﺬا اﻟﺪور اﻟﻄﱯ ﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻋنﺎﻳّة اﻟنﱯ ‪‬‬
‫ﻟﺘﺪاوي‪ ،‬وﻫﻮ من أﻋﻈم أﺳﺒﺎب ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ‪ ،‬وﲤﻜﲔ ﳍﺎ من ﺣﻴّة أﺧﺮى أن تﺴﺎﻫم ﰲ اﳉﻬﺎد‬
‫من أجﻞ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟنﺺ وﻏﲑه من اﻟنصﻮص تﱪز ﺑﻮﺿﻮح ﻛﺎمﻞ ﻗﻴمة اﳌﺮأة ﰲ ا ﺘمع اﳌﺴﻠم‪ ،‬ﻓﺈ ﺎ ﻓﻴه‬
‫ﻋﻀﻮ ﻓعﺎل‪ ،‬ﰲ ﲢمﻞ مﺴﺆوﻟﻴّة اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ جنﺐ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﺮجﻞ منﺬ ﺑﺪاﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ أن ﻳﺮث ﷲ‬
‫اﻷرض ومن ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.3‬‬
‫و ﻛﻴﺪا ﻷﳘﻴّة آﻟﻴّة اﻟﺘﺪاوي ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻓﻘﺪ مﺎرﺳه اﻟنﱯ ‪ ‬ﳌﺎ أﺻﻴﺐ ﲜﺮاح ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪،‬‬
‫ﻓعن ﺳﻬﻞ ﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬وﻫﻮ ﻳﺴأل ﻋن جﺮح رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬أمﺎ وﷲ إﱐ ﻷﻋﺮف من ﻛﺎن ﻳﻐﺴﻞ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﳉصﺎص‪ ،‬اﻟﻔصﻮل ﰲ اﻷﺻﻮل‪ ،‬وزارة اﻷوﻗﺎف اﻟﻜﻮﻳﺘﻴّة‪ ،‬ط‪1414 ،2‬ﻫـ‪1994 ،‬م‪،‬‬
‫)‪ ،(41/4‬ﷴ ﺑن اﳊﺴن اﻟﻔﺎﺳﻲ‪ ،‬اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﺎمﻲ ﰲ رﻳخ اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.(165/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﺪاواة اﻟنﺴﺎء اﳉﺮﺣﻰ ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،(34/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2882 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬إﺑﺮاﻫﻴم ﻗﺮﻳﱯ‪ ،‬مﺮو ت ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬ﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة‪ ، ،‬ص‪.321‬‬
‫‪354‬‬
‫ﻳﻐﺴﻞ جﺮح رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ومن ﻛﺎن ﻳﺴﻜﺐ اﳌﺎء‪ ،‬وﲟﺎ دووي‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎنﺖ ﻓﺎﻃمة ﺑنﺖ‬
‫ﻋنﻬﺎ ﺑنﺖ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬تﻐﺴﻠه‪ ،‬وﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ ﻳﺴﻜﺐ اﳌﺎء ن‪ ،1‬ﻓﻠمﺎ رأت ﻓﺎﻃمة أن‬
‫اﳌﺎء ﻻ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺪم إﻻ ﻛﺜﺮة‪ ،‬أﺧﺬت ﻗﻄعة من ﺣصﲑ‪ ،‬ﻓأﺣﺮﻗﺘﻬﺎ وأﻟصﻘﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘمﺴﻚ اﻟﺪم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وﻛﺴﺮت ر ﻋﻴﺘه ﻳﻮمﺌﺬ‪ ،‬وجﺮح وجﻬه‪ ،‬وﻛﺴﺮت اﻟﺒﻴﻀة ﻋﻠﻰ رأﺳه‪".‬‬
‫ﻫﺬه اﻟﺮوا ت تﺪل ﻋﻠﻰ اﻟعنﺎﻳّة ﻟﺮﻋﺎﻳّة اﻟصﺤﻴّة ﻋن ﻃﺮﻳق اﻟﺮﻋﺎﻳّة‪ ،‬ﻛمﺎ تﱪز مﺸﺎرﻛة اﳌﺮأة ﰲ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ جنﺐ اﻟﺮجﻞ ﲟﺎ ﻳﺘمﺎﺷﻰ مع ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ وﻓق اﻟﻀﻮاﺑط اﻟﺸﺮﻋﻴّة‪ " ،‬وﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﻓﻠﻠمﺮأة مﻬمة‬
‫مﻬمة ﺳﺎمﻴّة ﰲ اﳉﻬﺎد‪ ،‬وﻟﻜن ﻫﺬه اﳌﻬمة منﺤصﺮة ﰲ نﻄﺎق ﺿﻴق جﺪا‪ ،‬وإ ﺎ ﳌﻬمة مﻼﺋمة‬
‫‪3‬‬
‫ﻟﻄﺒﻴعة اﳌﺮأة اﳉﺴمﻴّة واﻟنﻔﺴﻴّة‪".‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠى اﻷرواح‬
‫إن ﻓﻀﻴﻠة اﻟﺸﻬﺎدة ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻻ تعﲏ اﳌخﺎﻃﺮة ﻷنﻔﺲ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﳛﺮص ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬ﻷ م ﲪﻠة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻛمﺎ ﳛﺮص ﻋﻠﻰ إﺳﻼم أو اﺳﺘﺴﻼم اﶈﺎرﺑﲔ ﻷ م ﻫم ﲨﻬﻮر‬ ‫ّ‬
‫اﳌﺪﻋﻮﻳن اﳌﺮتﻘﺒﲔ‪.4‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﳛﺮص أﻛﺜﺮ من ﻏﲑه ﻋﻠﻰ اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻷرواح ﻷ م ﻫم رأس مﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻫنﺎك‬
‫مﻈﺎﻫﺮ وﺷﻮاﻫﺪ من اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة تﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ منﻬﺎ‪:‬‬
‫‪.1‬ﲢﺎﺷﻲ اﻻﺻﻄﺪام ﻣﻊ اﻟﻌﺪو ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن‪ :‬أن ﲤﲏ ﻋﺪم ﻟﻘﺎء اﻟعﺪو وﲡنﺐ اﻻﺻﻄﺪام معه‬
‫أﻫم وﺳﺎﺋﻞ ﺣﻔﻆ اﻷرواح من اﻟﻄﺮﻓﲔ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻛﺎن ﳛﺮص ﻋﻠﻴه اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﲨﻴع ﻏﺰواته‬
‫وﺳﺮا ه‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻻ ﲤﻨﻮا ﻟﻘﺎء اﻟﻌﺪو‪ ،‬ﻓإذا ﻟﻘﻴﺘﻤﻮﻫﻢ‬
‫ﻓﺎﺻﱪوا«‪ ،5‬ﻗﺎل اﻟنﻮوي تعﻘﻴﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬وﻗﺪ ﻛﺜﺮت اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﰲ اﻷمﺮ ﺑﺴﺆال اﻟعﺎﻓﻴّة وﻫﻲ‬
‫من اﻷﻟﻔﺎظ اﻟعﺎمة اﳌﺘنﺎوﻟة ﻟﺪﻓع ﲨﻴع اﳌﻜﺮوﻫﺎت ﰲ اﻟﺒﺪن واﻟﺒﺎﻃن ﰲ اﻟﺪﻳن واﻟﺪنﻴﺎ واﻵﺧﺮة"‪.6‬‬

‫‪ -1‬ا ﻦ‪ :‬ﻫﻮ اﻟﱰس‪ ،‬ﻷنه ﻳﻮاري ﺣﺎمﻠه‪ :‬أي ﻳﺴﱰه‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳّة ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ واﻷثﺮ‪.(308/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺎ أﺻﺎب اﻟنﱯ ‪ ‬من اﳉﺮاح ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،(101/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3845 :‬‬
‫‪ -3‬دﻳّة ﺷﺮﻳﻒ اﻟعمﺮي‪ ،‬أﺿﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ص‪.294‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إل منﺎﻫج ّ‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻻ ﲤنﻮا ﻟﻘﺎء اﻟعﺪو‪ ،(63/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3026 :‬‬
‫‪ -6‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺷﺮح مﺴﻠم‪.(46/12) ،‬‬
‫‪355‬‬
‫وﻳﺘأﻛﺪ ﲢﺎﺷﻲ اﻻﺻﻄﺪام إذا ﻛﺎن ﻻ ﻳنﺴﺠم مع اﳍﺪف من اﻟﻐﺰوة‪ ،‬وأوﺿﺢ مﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‬
‫ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ "ﻗﺮر اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬منﺬ مﻐﺎدرته اﳌﺪﻳنة أﻻ ﳛﺎرب ﻗﺮﻳﺸﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺒﺬل ﻛﻞ جﻬﺪه‬
‫جﻬﺪه ﻟﻠﺘﻔﺎﻫم معﻬﺎ‪ ،‬إﻻ إذا ﱂ ﳚﺪ منﺎﺻﺎ من اﻟﻘﺘﺎل ووﺿع ﻫﺬا اﳍﺪف نصﺐ ﻋﻴنﻴه داﺋمﺎ"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﳍﺪف ﻛﺎن أداء اﻟعمﺮة واﳊﺎﻟة ﺣﺎﻟة إﺣﺮام ﻓمن اﳌصﻠﺤة ﲡنﺐ ﻟﻘﺎء اﻟعﺪو‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻗﺘﺎدة‪،‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬انﻄﻠﻘنﺎ مع اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺎم اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬ﻓأﺣﺮم أﺻﺤﺎﺑه وﱂ أﺣﺮم "‪.2‬‬

‫ومن ذﻟﻚ ﲢﺎﺷﻴه ﻟﻠصﺪام ﰲ ﻏﺰوة ذي ﻗﺮد‪ ،3‬ﻓعن ﺳﻠمة ﺑن اﻷﻛﻮع‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﺧﺮجﺖ ﻗﺒﻞ أن‬
‫ﻳﺆذن ﻷوﱃ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ ﻟﻘﺎح رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬تﺮﻋﻰ ﺑﺬي ﻗﺮد‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻠﻘﻴﲏ ﻏﻼم ﻟعﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن‬
‫ﻋﻮف‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﺧﺬت ﻟﻘﺎح رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ :‬من أﺧﺬﻫﺎ؟ ﻗﺎل‪ :‬ﻏﻄﻔﺎن‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻓصﺮﺧﺖ‬
‫ثﻼث ﺻﺮﺧﺎت ﺻﺒﺎﺣﺎه‪ ،‬ﻗﺎل ﻓأﲰعﺖ مﺎ ﺑﲔ ﻻﺑﱵ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﰒ انﺪﻓعﺖ ﻋﻠﻰ وجﻬﻲ ﺣﱴ‬
‫أدرﻛﺘﻬم‪ ،‬وﻗﺪ أﺧﺬوا ﻳﺴﺘﻘﻮن من اﳌﺎء‪ ،‬ﻓﺠعﻠﺖ أرمﻴﻬم ﺑنﺒﻠﻲ‪ ،‬وﻛنﺖ رامﻴﺎ‪ ،‬وأﻗﻮل‬
‫أ اﺑﻦ اﻷﻛﻮع ‪ ...‬واﻟﻴﻮم ﻳﻮم اﻟﺮﺿﻊ‬
‫وأرﲡﺰ‪ ،‬ﺣﱴ اﺳﺘنﻘﺬت اﻟﻠﻘﺎح منﻬم‪ ،‬واﺳﺘﻠﺒﺖ منﻬم ثﻼثﲔ ﺑﺮدة‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وجﺎء اﻟنﱯ ‪ ‬واﻟنﺎس‪،‬‬
‫واﻟنﺎس‪ ،‬ﻓﻘﻠﺖ‪ :‬نﱯ ﷲ‪ ،‬ﻗﺪ ﲪﻴﺖ اﻟﻘﻮم اﳌﺎء وﻫم ﻋﻄﺎش‪ ،‬ﻓﺎﺑعﺚ إﻟﻴﻬم اﻟﺴﺎﻋة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ » :‬اﺑﻦ‬
‫اﺑﻦ اﻷﻛﻮع‪ ،‬ﻣﻠﻜﺖ ﻓﺄﺳﺠﺢ«‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﰒ رجعنﺎ وﻳﺮدﻓﲏ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻗﺘه ﺣﱴ دﺧﻠنﺎ‬
‫اﳌﺪﻳنة‪.4‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن اﳌﻠﻘن ﰲ ﺷﺮح ﻋﺒﺎرة " مﻠﻜﺖ ﻓأﺳﺠﺢ"‪ " :‬ﻻ تﺒﺎﻟغ ﰲ اﳌﻄﺎﻟﺒة‪ ،‬ﻓﺮﲟﺎ ﻋﺎدت ﻋﻠﻴﻚ‬
‫ﻛﺒﲑة من ﺣﻴﺚ ﻻ تﻈن‪ ،‬ﻓﺒعﺪ أ ْن ﻇﻔﺮت ﻳﻈﻔﺮ ﺑﻚ‪ ،‬ﻗﺎل ذﻟﻚ ‪ ‬ﳍم ﺣﻀﺎ ﳍم ورجﺎء تﻮﺑة منﻬم‬
‫‪5‬‬
‫منﻬم وإ ﺑة ودﺧﻮﳍم ﰲ اﻹﺳﻼم‪".‬‬

‫‪ -1‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص‪.280‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪.(122/5) ،‬‬
‫‪ - 3‬ﻛﺎنﺖ ﻏﺰوة ذي ﻗﺮد ﰲ رﺑﻴع اﻷول ﺳنة ﺳﺖ ﻗﺒﻞ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة وﻗﻴﻞ ﰲ ﲨﺎدى اﻷوﱃ‪ ،‬وﻫﻲ أول ﻏﺰوة ﻏﺰاﻫﺎ رﺳﻮل ﷲ‬
‫‪ ‬ﺑعﺪ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬وﻗﺒﻞ ﺧﻴﱪ‪ ،‬وﻫﻲ ﺣﺮﻛة مﻄﺎردة ﺿﺪ ﻓصﻴﻠة من ﺑﲏ ﻓﺰارة ﻗﺎمﺖ ﺑعمﻞ اﻟﻘﺮﺻنة ﰲ ﻟﻘﺎء رﺳﻮل ﷲ ‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،(460/7) ،‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ذي ﻗﺮد‪ ،(130/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4194 :‬‬
‫‪ -5‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(252/18) ،‬‬
‫‪356‬‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ اﺳﺘﺤﺒﺎب ﻋﺪم ﻟﻘﺎء اﻟعﺪو ﳌﺎ ﻓﻴه من مﻘﺎﺻﺪ دﻋﻮﻳّة‪ ،‬من ﺣﻔﻆ نﻔﻮس‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ورجﺎء اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة من ﻗﺒﻞ ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬منﻬم أو ﳑﺎ ﳜﺮج من أﺻﻼ م‪.‬‬
‫واﳊﻘﻴﻘة أن اﳌﺘأمﻞ ﺑﺪﻗة ﰲ اﺳﱰاتﻴﺠﻴّة "ﲢﺎﺷﻲ اﻻﺻﻄﺪام"‪ ،‬ﻳﺪرك أ ﺎ ﻗﺎﻋﺪة دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة ذات‬
‫ﺑعﺪ اﺳﺘﺸﺮاﰲ ﻋمﻴق؛ ﳌﺎ ﻓﻴﻬﺎ من اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺳﻮاء من‬
‫اﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ أو من اﻟﺪﻋﺎة اﳌﺮتﻘﺒﲔ‪.‬‬
‫وﱂ تﻜن وﻟﻴﺪة اﻟعﻬﺪ اﻟنﺒﻮي‪ ،‬ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ تﻜﻮنﺖ نﻮا ﺎ ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﻜﻲ‪ ،‬ﻓﺒﺎﻟﺮﻏم من اﻷذﻳّة اﻟﱵ‬
‫اﻟﱵ تعﺮض ﳍﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬إﻻ أنه ﱂ ﻳﻜن ﻳﻮمﺎ مﺎ ﻳﺘمﲎ ﳍم اﻹ دة‪ ،‬ﻓﻠمﺎ آذه أﻫﻞ اﻟﻄﺎﺋﻒ وﻫﻮ ﰲ‬
‫ﺖ‬ ‫ِ‬ ‫ﻚ ﻓِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ‪ ،‬إ ْن ﺷْﺌ َ‬
‫ﻴمﺎ ﺷْﺌ َ‬
‫اﻟﻄﺮﻳق إﱃ مﻜة داه مﻠﻚ اﳉﺒﺎل وﺳﻠم ﻋﻠﻴه ﰒ ﻗﺎل‪ :‬ﷴ‪ ، ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ ،‬ذَﻟ َ َ‬
‫ﺖ‬ ‫ِ‬
‫ﺷْﺌ َ‬

‫‪357‬‬
 ‫ﺎل اﻟنِﱠﱯ ‪ » :‬ﺑﻞ أَرﺟﻮ أن ﳜْﺮِج ا ﱠ ِﻣﻦ أ ْ ِِ‬ ‫َﺧ َﺸﺒَـ ْ ِ‬
‫َﺻﻼَ ْﻢ َﻣ ْﻦ ﻳَـ ْﻌﺒُ ُﺪ ا ﱠَ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َْ ُْ‬ ‫ﲔ؟ ﻓَـ َﻘ َ ﱡ‬ ‫إ ْن أُﻃْﺒِ َق َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ُم اﻷ ْ‬
‫َو ْﺣ َﺪﻩُ‪ ،‬ﻻَ ﻳُ ْﺸ ِﺮ ُك ﺑِِﻪ َﺷ ْﻴـﺌًﺎ «‪.1‬‬
‫وﻗﺪ آتﺖ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة أُﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺤﺖ مﻜة‪ ،‬وأﺻﺒﺤﺖ دار إﺳﻼم‪ ،‬وأﺳﻠم أﻫﻠﻬﺎ‪ ،‬وانﻀمﻮا‬
‫إﱃ اﻟ ّﺪﻋﻮة وأﺻﺒﺤﻮا من أﻫﻠﻬﺎ اﳌﺪاﻓعﲔ ﻋنﻬﺎ ا ﺎﻫﺪﻳن ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﲪﻠﺖ ذرﻳﺘﻬم من ﺑعﺪﻫم‬
‫ﻟﻮاء اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫وﱂ ﻳﻜن ذﻟﻚ ﻟﻴﺤصﻞ ﻟﻮﻻ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻻﺳﱰاتﻴﺠﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻔﻜﺮ وﳜﻄط‬
‫ﳌﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫‪.2‬اﻹﻋﺪاد اﳉﻴﺪ ﻟﻠﻐﺰوات‪ :‬وﻗصﺪ اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻷرواح ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳعﺪ ﻟﻠﻐﺰوة إﻋﺪاد مﺘﻜﺎمﻼ‬
‫تﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴه ﻋﺒﻘﺮﻳﺘه اﻟعﺴﻜﺮﻳّة‪ ،‬من ﲨﻴع اﳉﻮانﺐ اﳌﺎدﻳّة واﳌعنﻮﻳّة واﻟﺮوﺣﻴّة‪ ،‬ذﻟﻚ أن اﻟﺘﻘصﲑ ﰲ‬
‫اﻹﻋﺪاد ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒﺎ ﰲ ﺧﺴﺎرة أرواح ﻛﺜﲑة ﰲ ﺻﻔﻮف اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻗﺪ اﲣﺬ اﻹﻋﺪاد ﺻﻮر‬
‫ومﻈﺎﻫﺮ ﳐﺘﻠﻔة ﳒمﻠﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﺗﻘﻮﻳّﺔ اﳌﻌﻨﻮ ت‪:‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﻇﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳعمﻞ ﻋﻠﻰ تﻘﻮﻳّة معنﻮ ت اﳌﻘﺎتﻠﲔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻃﻮال ﻓﱰة ﻏﺰواته‪ ،‬ﻓﻴعﺪﻫم‬
‫ﲟﻀﺎﻋﻔة اﻷجﺮ ونﻴﻞ أﻋﻈم اﻟﺜﻮاب‪ ،‬وﻳﺬﻛﺮﻫم ﲟﺎ أﻋﺪ ﷲ من اﻟنعﻴم ﻟﻠﺸﻬﺪاء ﰲ اﳉنة‪ ،‬وﻫﺬا من‬
‫ﺷأنه أن ﻳﺰﻫﺪ اﳌﺆمن ﰲ اﻟﺪنﻴﺎ ونعﻴمﻬﺎ اﻟﻔﺎﱐ‪ ،‬وﻳﺮﻏﺒه ﰲ ثﻮاب اﻵﺧﺮة ونعﻴم اﳉنة اﻟﺒﺎﻗﻲ‪ ،‬وﻟﻜﺜﺮة‬
‫اﻟنصﻮص اﻟﻮاردة ﰲ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﻬﺎدة ومنﺰﻟة اﻟﺸﻬﺪاء‪ ،‬ﻓﺈﱐ ﺳأﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ ﺷﻮاﻫﺪ منﻬﺎ من مﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي اﻟﻮاردة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﺸﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑعﺾ من اﺳﺘﺸﻬﺪ من أﺻﺤﺎﺑه ﻟﻔﺮدوس وﻫﻮ أﻋﻠﻰ اﳉنة‪ ،‬ﻋن أنﺲ‪ :‬أن أُﱠم‬
‫أُﱠم ﺣﺎ ِرثَةَ أَتَﺖ رﺳ َ ِ‬
‫ﻮل‬‫ﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬‫ب َﺳ ْﻬ ٍم‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟَ ْ‬ ‫ﻚ َﺣﺎ ِرثَةُ ﻳَـ ْﻮَم ﺑَ ْﺪ ٍر‪ ،‬أ َ‬
‫َﺻﺎﺑَهُ َﻏْﺮ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬وﻗَ ْﺪ َﻫﻠَ َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ‬
‫ﻚ َﻋﻠَْﻴ ِه‪ ،‬وإِﱠﻻ َﺳ ْﻮ َ‬
‫ف تَـَﺮى َمﺎ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ ْﺪ َﻋﻠِمﺖ مﻮﻗِع ﺣﺎ ِرثَةَ ِمن ﻗَـْﻠِﱯ‪ ،‬ﻓَﺈن ﻛﺎن ِﰲ اﳉن ِﱠة َﱂ أَﺑ ِ‬ ‫َر ُﺳ َ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َْ َ َ‬
‫اﺣ َﺪةٌ ِﻫﻲ؟ أ َﺎ ِﺟﻨﺎن َﻛﺜِﲑةٌ‪ ،‬وأﻧﻪُ ِﰲ ِ‬
‫اﻟﻔ ْﺮ َد ْو ِس اﻷَ ْﻋﻠَى« ‪.2‬‬ ‫ْﺖ‪ ،‬أَﺟﻨﱠﺔٌ و ِ‬
‫ﺎل َﳍﺎ‪َ » :‬ﻫﺒِﻠ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َﺻنَ ُع؟ ﻓَـ َﻘ َ َ‬
‫َمﺎ أ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬وﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻓﻀﻴﻠة ﻇﺎﻫﺮة ﻟﻠمﺠﺎﻫﺪﻳن‪ ،‬وﻓﻴه ﻋﻈم اﳉنة وﻋﻈم اﻟﻔﺮدوس"‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﳋﻠق‪ ،‬ب إذا ﻗﺎل أﺣﺪﻛم‪ :‬آمﲔ واﳌﻼﺋﻜة ﰲ اﻟﺴمﺎء‪ ،‬آمﲔ ﻓﻮاﻓﻘﺖ إﺣﺪاﳘﺎ‬
‫اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﻏﻔﺮ ﻟه مﺎ تﻘﺪم من ذنﺒه‪ ،(115/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3231 :‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب ﺻﻔة اﳉنة واﻟنﺎر‪ ،(114/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6567 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘج اﻟﺒﺎري‪.(13/6) ،‬‬
‫‪358‬‬
‫وﻫﺬا اﻟﻔﻀﻞ اﻟﺬي ﺑُﺸﺮ ﺑه اﻟﺸﻬﺪاء ﻛﺎن ﻟه اﻷثﺮ اﻟعﻈﻴم ﰲ اﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﻟﻘﺘﺎﻟﻴّة ﰲ اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن‬
‫ِ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳـﻮم أ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َجﺎﺑَِﺮ ﺑْ َن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻗَ َ‬
‫ﺖ ﻓَأَﻳْ َن أَ َ ؟‬ ‫ﺖ أن ﻗُﺘْﻠ ُ‬ ‫ﺎل َر ُج ٌﻞ ﻟﻠنِ ِّ َ ْ َ ُ‬
‫ُﺣﺪ أ ََرأَﻳْ َ‬
‫ات ِﰲ ﻳَ ِﺪﻩِ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَﺎﺗَ َﻞ َﺣ ﱠﱴ ﻗُﺘِ َﻞ« ‪.1‬‬ ‫ﺎل‪ِ» :‬ﰲ اﳉﻨ ِﱠﺔ ﻓَﺄَﻟْ َﻘى ﲤََﺮ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ َ ؟ ﻗَ َ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة وﺻﺪق إﳝﺎ م‬ ‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻛمﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أثﺮ اﻟﱰﻏﻴﺐ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺪل أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪق ّ‬
‫وﺻﺪق إﳝﺎ م ﻓﻴﺪﻋﻮن مﺎ ﻳﺪﻳﻬم من اﻟﻄعﺎم وﻳﱰﻛﻮنه وﻳﺘﻘﺪمﻮن إﱃ اﳉﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﰒ ﻳﻘﺘﻠﻮن‬
‫ﻳﻘﺘﻠﻮن ﻓﻴﻠﻘﻮن ﷲ ﻋﺰ وجﻞ راﺿﲔ ﻋنه وﻫﺬا ﻻ ﺷﻚ من ﻓﻀﺎﺋﻠﻬم ﻻ ﻳﻠﺤﻘﻬم ﺑعﺪﻫم أﺣﺪ ﻓﻴﻬﺎ‪.2‬‬
‫ﻓﺎﻟﺮﻏﺒة ﻓﻴمﺎ ﻋنﺪ ﷲ ﻗﺪ ﻋمﻠﺖ ﻋمﻠﻬﺎ وﻓعﻠﺖ ﻓعﻠﺘﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟصﺤﺎﰊ اﳉﻠﻴﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﻮق إﱃ اﳉنة‬
‫منعه من إﻛمﺎل أﻛﻞ ﲤﺮاته‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ إﺷﺎرة ﻗﻮﻳّة إﱃ اﻟﺰﻫﺪ ﰲ اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬إ م ﻗﻮم ﻃﻠﺒﻮا اﳌﻮت ﻓﻮﻫﺒﺖ‬
‫ﳍم اﳊﻴﺎة‪ ،‬وأي ﺣﻴﺎة؟‬
‫ﺲ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ أن‬ ‫ومﺎ ﻳﺪل أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ اﻷثﺮ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﻔعﺎل ﻟﻠﺮﻏﺒة ﰲ اﳉنة‪ ،‬مﺎ ﺣﺪث ﺑه أَنَ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎب َﻋ ْن ﺑَ ْﺪ ٍر‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬ﻏْﺒ ُ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻟَﻴَـَﺮﻳَ ﱠن‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻟَﺌ ْن أَ ْﺷ َﻬ َﺪﱐ ا ﱠُ َم َع اﻟن ِّ‬ ‫ﺖ َﻋ ْن أ ﱠَول ﻗﺘَﺎل اﻟن ِّ‬ ‫َﻋ ﱠمهُ َﻏ َ‬
‫ﺻﻨَ َﻊ َﻫ ُﺆﻻَ ِء‪ ،‬ﻳَـ ْﻌ ِﲏ‬
‫ﻚ ﳑﱠﺎ َ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟﻠﱠﻬ ﱠﻢ أﱐ أَ ْﻋﺘ ِﺬر إِﻟَﻴ َ ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ن‬ ‫اﻟ‬ ‫م‬
‫َ‬‫ُﺣ ٍﺪ‪ ،‬ﻓَـ ُﻬ ِ‬
‫ﺰ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ﻮ‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫َ‬ ‫ﻳ‬ ‫ﻲ‬ ‫ا ﱠ مﺎ أ ُِج ﱡﺪ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ِ‬
‫ﻘ‬ ‫َُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ﱠم ﺑِ َﺴْﻴ ِﻔ ِه ﻓَـﻠَ ِﻘ َﻲ َﺳ ْع َﺪ ﺑْ َن ُم َع ٍﺎذ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬أَﻳْ َن َ َﺳ ْع ُﺪ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اﳌُ ْﺴﻠﻤ َﲔ َوأَﺑْـ َﺮأُ إِﻟَْﻴ َﻚ ﳑﱠﺎ َﺟ َﺎء ﺑِﻪ اﳌُ ْﺸ ِﺮُﻛﻮ َن« ﻓَـﺘَـ َﻘﺪ َ‬
‫ُﺧﺘُهُ ﺑِ َﺸ َﺎم ٍة أ َْو ﺑِﺒَـنَﺎنِِه‪ ،‬وﺑِِه‬ ‫ﻀﻰ ﻓَـ ُﻘﺘِ َﻞ‪ ،‬ﻓَ َمﺎ ﻋُ ِﺮ َ‬ ‫أﱐ أ َِج ُﺪ ِرﻳﺢ اﳉن ِﱠة دو َن أ ٍ‬
‫ف َﺣ ﱠﱴ َﻋَﺮﻓَـﺘْهُ أ ْ‬ ‫ُﺣﺪ‪ ،‬ﻓَ َم َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫ﺿ ْﺮﺑٍَة َوَرْمﻴّة ﺑ َﺴ ْﻬم ‪.‬‬
‫ِ ٍ ‪3‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﻀ ٌع َوَﲦَﺎنُﻮ َن م ْن ﻃَ ْعنَة َو َ‬ ‫ﺑِ ْ‬
‫وﻗﺪ ﺑﻠغ أثﺮ اﻟﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﳉنة مﺒﻠﻐﺎ ﻋﻈﻴمﺎ ﰲ تﻘﻮﻳّة اﳌعنﻮ ت‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻘﻒ ﻋنﺪ اﻟﺘأثﲑ اﻟﺬاﰐ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﺑﺪورﻫم دﻋﺎة إﱃ اﻟﺸﻬﺎدة رﻏﺒة ﰲ اﳉنة‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺑعﺾ ﻃﺮق اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺴﺎﺑق أن‬ ‫أﺻﺒﺢ ّ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺴﺎﺑق أن أنﺲ ﺑن اﻟنﻀﺮ‪ ،‬انﺘﻬﻰ إﱃ ﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب‪ ،‬وﻃﻠﺤة ﺑن ﻋﺒﻴﺪ ﷲ‪ ،‬ﰲ رجﺎل‬
‫من اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر‪ ،‬وﻗﺪ أﻟﻘﻮا ﻳﺪﻳﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬مﺎ ﳚﻠﺴﻜم؟ ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻗﺘﻞ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻓمﺎذا تصنعﻮن ﳊﻴﺎة ﺑعﺪه؟ ﻗﻮمﻮا ﻓمﻮتﻮا ﻋﻠﻰ مﺎ مﺎت ﻋﻠﻴه رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﰒ اﺳﺘﻘﺒﻞ‬
‫اﻟﻘﻮم‪ ،‬ﻓﻘﺎتﻞ ﺣﱴ ﻗﺘﻞ‪.4‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(77/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4046 :‬‬
‫‪ -2‬ﷴ ﺑن ﺻﺎﱀ اﻟعﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح ر ض اﻟصﺎﳊﲔ‪ ،‬دار اﻟﻮﻃن ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪ .‬ط(‪ 1426 ،‬ﻫـ‪.(36/5) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ٱﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،(95/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4048 :‬‬
‫‪ -4‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(83/2) ،‬‬
‫‪359‬‬
‫ﻓﻬﺬه ﳕﺎذج من اﻟﺒﻄﻮﻻت اﻟﱵ ﺷﻬﺪ ﺎ اﻟﻐﺰوات ﰲ مﻮاﻃن ﳐﺘﻠﻔة ﻛﺎن ﺳﺒﺒﻬﺎ‪ ،‬وداﻓعﻬﺎ اﻟﺮﻏﺒة ﻓﻴمﺎ‬
‫ﻋنﺪ ﷲ‪ ،‬ومن ﻫنﺎ تﻈﻬﺮ أﳘﻴّة تﻘﻮﻳّة اﳌعنﻮ ت ﻟﱰﻏﻴﺐ ﰲ اﻵﺧﺮة واﻟﺘﺰﻫﻴﺪ ﰲ اﻟﺪنﻴﺎ ﰲ ﺷﺤﺬ‬
‫اﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫ب‪ .‬إﻋﺪاد اﻟﻘﻮة اﳌﺎدﻳّﺔ‬
‫ﻟﺘﻮازي مع تﻘﻮﻳّة معنﻮ ت اﳉﻴﺶ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﻫﺘم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻹﻋﺪاد اﳌﺎدي‪ ،‬من ﺣﺸﺪ اﻟﺮجﺎل‬
‫وإﻋﺪاد آﻻت اﳊﺮب ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬وﲢصﲔ اﳊﺪود واﻟﺜﻐﻮر واﻷمﺎﻛن اﻟﻮاﻫنة ﲡﺎه اﻟعﺪو‪ ،‬و ﻴﺌة‬
‫اﻟﻘﻮة اﻟﻜﺎمﻠة ﻓﻴﻬﺎ ﳊمﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﺷﺎﻫﺪة ﳍﺬا اﻹﻋﺪاد اﻟﺬي‬
‫تعﺪدت وتنﻮﻋﺖ أﺷﻜﺎﻟه‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج منﻬﺎ‪:‬‬
‫ﻓمن مﻈﺎﻫﺮ اﻹﻋﺪاد اﳌﺎدي تنﻈﻴم اﳊﺮاﺳة ﻟصﺪ ﻏﺎرات اﻟعﺪو‪ ،‬وﻗﺪ اﻫﺘم ﺑﺬﻟﻚ اﻟنﱯ ‪ ‬منﺬ‬
‫ﻮل‪ :‬ﻛﺎن اﻟنﱯ‬ ‫مﻘﺪمه اﳌﺪﻳنة؛ ﺣﺮﺻﺎ منه ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ أرواح رجﺎﻟه‪ ،‬ﻓعن َﻋﺎﺋِ َﺸ َة َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ َﻬﺎ‪ ،‬تَـ ُﻘ ُ‬
‫ﺎﳊًﺎ َْﳛ ُﺮ ُﺳ ِﲏ اﻟﻠﱠْﻴـﻠَﺔَ«‪ ،‬إِ ْذ َِﲰ ْعنَﺎ‬
‫َﺻﺤ ِﺎﰊ ﺻ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ﺖ َر ُﺟ ًﻼ ﻣ ْﻦ أ ْ َ‬ ‫اﻟنﱯ ‪َ ‬ﺳ ِﻬَﺮ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ ﻗَ ِﺪ َم اﳌ ِﺪﻳنَةَ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻟَْﻴ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ﱠﱯ ‪‬‬ ‫ِ‬
‫ﻚ‪ ،‬و َ َم اﻟن ﱡ‬ ‫َﺣ ُﺮ َﺳ َ‬
‫ﺖﻷْ‬ ‫ٍ‬ ‫ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪ :‬أَ َ َﺳ ْع ُﺪ ﺑْ ُن أَﰊ َوﻗﺎص جْﺌ ُ‬‫ت ِﺳﻼَ ٍح‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا؟«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺻ ْﻮ َ‬
‫َ‬
‫‪.1‬‬
‫وﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ وإن ﻛﺎن ﰲ ﺣﺮاﺳة اﻟنﱯ ‪ ‬ﺧﺎﺻة‪ ،‬إﻻ أنه ﻳعم ﲨﻴع أنﻮاع اﳊﺮاﺳة ﰲ اﻟﻐﺰو‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وﻫﻮ مﺎ ﻳﺸﲑ إﻟﻴه اﻟﺒخﺎري ﰲ تﺮﲨﺘه ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب اﳊﺮاﺳة ﰲ اﻟﻐﺰو ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ "‬
‫وﻷﳘﻴﺘﻬﺎ ﻓﻘﺪ رﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ أﺣﺎدﻳﺚ ﻛﺜﲑة منﻬﺎ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬

‫ﻂ ﺳ ِﺨ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫»ﺗَﻌِﺲ َﻋﺒ ُﺪ اﻟ ِّﺪﻳﻨَﺎ ِر‪ ،‬و َﻋﺒ ُﺪ اﻟ ِّﺪرَﻫ ِﻢ‪ ،‬و َﻋﺒ ُﺪ اﳋَ ِﻤ ِ‬
‫ﺲ‪،‬‬
‫ﺲ َواﻧْـﺘَ َﻜ َ‬
‫ﻂ‪ ،‬ﺗَﻌ َ‬ ‫ﻴﺼﺔ‪ ،‬أن أُ ْﻋﻄ َﻲ َرﺿ َﻲ‪ ،‬وإن َﱂْ ﻳُـ ْﻌ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ‪ ،‬أَ ْﺷ َﻌ َ‬
‫ﺚ َرْأ ُﺳﻪُ‪ُ ،‬ﻣﻐْﺒَـ ﱠﺮةٍ ﻗَ َﺪ َﻣﺎﻩُ‪ ،‬أن ﻛﺎن‬ ‫ﻴﻚ ﻓَﻼَ اﻧﺘﻘﺶ ‪ ،‬ﻃُﻮﰉ ﻟِﻌﺒ ٍﺪ ِ‬
‫آﺧ ٍﺬ ﺑِ ِﻌﻨﺎن ﻓَـ َﺮ ِﺳ ِﻪ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬ ‫وإِذَا ِﺷ َ‬
‫‪1‬‬
‫َ َْ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳊﺮاﺳة ﰲ اﻟﻐﺰو ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،(34/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2885 :‬ﻛﺘﺎب‬
‫اﻟﺘمﲏ‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه ‪» :‬ﻟﻴﺖ ﻛﺬا وﻛﺬا«‪ ،(83/9) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،7231 :‬ﻓﺈﺿﺎﻓة إﱃ دﻻﻟة اﳊﺪﻳﺚ اﻷﺻﻠﻴّة ﻋﻠﻰ اﳊﺮاﺳة ﰲ اﻟعﺪو‬
‫ﻓﺈ ّن اﻟﺒخﺎري اﺳﺘنﺒط من اﳊﺪﻳﺚ ﻓﺎﺋﺪة دﻋﻮﻳّة تﺘعﻠق ﲝﺴن اﺧﺘﻴﺎر اﻻﻟﻔﺎظ اﻟﺮﻗﻴﻘة ﰲ ﳐﺎﻃﺒة اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﺳﺘعمﺎل اﻟﺘمﲏ ﰲ‬
‫ﺳﻴﺎق اﻷمﺮ‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(34/4) ،‬‬
‫‪ -1‬معﲎ ﻫﺬه اﻟعﺒﺎرة‪ :‬أنه "إذا دﺧﻠﺖ ﻓﻴه ﺷﻮﻛة ﱂ ﳚﺪ من ﳜﺮجﻬﺎ ﳌنﻘﺎش وﻫﻮ معﲎ ﻗﻮﻟه ﻓﻼ انﺘﻘﺶ وﳛﺘمﻞ أ ّن ﻳﺮﻳﺪ ﱂ ﻳﻘﺪر‬
‫اﻟﻄﺒﻴﺐ أ ّن ﳜﺮجﻬﺎ وﻓﻴه إﺷﺎرة إﱃ اﻟﺪﻋﺎء ﻋﻠﻴه ﲟﺎ ﻳﺜﺒﻄه ﻋن اﻟﺴعﻲ واﳊﺮﻛة وﺳﻮغ اﻟﺪﻋﺎء ﻋﻠﻴه ﻛﻮنه ﻗصﺮ ﻋمﻠه ﻋﻠﻰ ﲨع‬
‫اﻟﺪنﻴﺎ واﺷﺘﻐﻞ ﺎ ﻋن اﻟﺬي أمﺮ ﺑه من اﻟﺘﺸﺎﻏﻞ ﻟﻮاجﺒﺎت واﳌنﺪو ت"‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(255/11) ،‬‬
‫‪360‬‬
 ‫‪1‬‬ ‫ِﰲ اﳊِﺮاﺳ ِﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧ ِﻔﻲ اﳊِﺮاﺳ ِﺔ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ِﰲ اﻟ ﱠ ِ‬
‫اﺳﺘَﺄْذَ َن َﱂْ ﻳـُ ْﺆذَ ْن ﻟَﻪُ‪ ،‬وإن َﺷ َﻔ َﻊ َﱂْ‬ ‫ﺴﺎﻗَﺔ ﻛﺎن ِﰲ اﻟﺴﺎﻗﺔ ‪ ،‬إن ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ﺸ ﱠﻔ ْﻊ«‪.2‬‬
‫ﻳُ َ‬
‫ط‪ 3‬ﻳَـ ْﻮٍم ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ َﺧ ْﻴـ ٌﺮ ِﻣ َﻦ‬ ‫وﻋن ﺳﻬﻞ ﺑن ﺳعﺪ اﻟﺴﺎﻋﺪي ‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ِ » :‬رَ ُ‬
‫اﻟﻌ ْﺒ ُﺪ ِﰲ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺿﻊ ﺳﻮ ِط أ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وﺣ َﻬﺎ َ‬ ‫َﺣﺪ ُﻛ ْﻢ ﻣ َﻦ اﳉَﻨﱠﺔ َﺧْﻴـ ٌﺮ ﻣ َﻦ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ‪ ،‬واﻟ ﱠﺮْو َﺣﺔُ ﻳَـ ُﺮ ُ‬ ‫اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ َﻋﻠَ ْﻴـ َﻬﺎ‪ ،‬وَﻣ ْﻮ ُ َ ْ َ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ‪ ،‬أَ ِو اﻟﻐَ ْﺪ َوةُ َﺧ ْﻴـ ٌﺮ ِﻣ َﻦ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ َوَﻣﺎ َﻋﻠَْﻴـ َﻬﺎ«‬
‫َﺳﺒِ ِ‬
‫‪4‬‬

‫وأﺻﺒﺢ ﺑعﺪ ذﻟﻚ أمﺮ تنﻈﻴم اﳊﺮاﺳة مﻄﺮدا ﰲ ﲨﻴع ﻏﺰواته‪ ،‬ﺑﺸﻜﻞ منﻈم ﳏﻜم ﻛمﺎ ﻫﻮ اﳊﺎل ﰲ‬
‫اﳊﺎل ﰲ اﳊﺮاﺳة أثنﺎء أداء ﺻﻼة اﳋﻮف‪ 5‬ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻋن اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫»ﻗﺎم اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻗﺎم اﻟنﺎس معه‪ ،‬ﻓﻜﱪ وﻛﱪوا معه ورﻛع ورﻛع س منﻬم معه‪ ،‬ﰒ ﺳﺠﺪ وﺳﺠﺪوا‬
‫وﺳﺠﺪوا معه‪ ،‬ﰒ ﻗﺎم ﻟﻠﺜﺎنﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺎم اﻟﺬﻳن ﺳﺠﺪوا وﺣﺮﺳﻮا إﺧﻮا م وأتﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔة اﻷﺧﺮى‪ ،‬ﻓﺮﻛعﻮا‬
‫‪6‬‬
‫ﻓﺮﻛعﻮا وﺳﺠﺪوا معه‪ ،‬واﻟنﺎس ﻛﻠﻬم ﰲ ﺻﻼة‪ ،‬وﻟﻜن ﳛﺮس ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ«‬
‫وأمﺎ اﲣﺎذ أﺳﺒﺎب اﻟﻘﻮة اﳌﺎدﻳّة اﳌﺘعﻠق ﳉﻴﺶ واﻟعﺘﺎد‪ ،‬وآﻻت اﳊﺮب واﻟﺘﺪاﺑﲑ اﳊﺮﺑﻴّة‪ ،‬ﻓأمﺮ ﻇﺎﻫﺮ‬
‫ﰲ مﺮو ت اﻟﻐﺰوات؛ وﻟﻀﻴق اﳌﻘﺎم ﺳأﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ ﳕﺎذج منﻬﺎ من ﺧﻼل اﻟصﺤﻴﺢ‪.‬‬
‫وأوﱃ مﺎ ﻳُﺬﻛﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﺣﻔﺮ اﳋنﺪق‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من أﺳﺒﺎب ﺻﺪ إ دة ﲨﺎﻋﻴّة ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻗﺎدة‬
‫وأتﺒﺎﻋﺎ‪ ،‬وﻫﻲ مﺸﻮرة ﺳﻠمﺎنﻴّة اﺳﺘﻔﺎدﻫﺎ من اﳋﻄط اﻟعﺴﻜﺮﻳّة اﻟﻔﺎرﺳﻴّة‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫"جعﻞ اﳌﻬﺎجﺮون واﻷنصﺎر ﳛﻔﺮون اﳋنﺪق ﺣﻮل اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻳنﻘﻠﻮن اﻟﱰاب ﻋﻠﻰ مﺘﻮ م‪ ،‬وﻳﻘﻮﻟﻮن‪:‬‬

‫ﳓن اﻟﺬﻳن ﻳعﻮا ﷴا ‪ ...‬ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم مﺎ ﺑﻘﻴنﺎ أﺑﺪا‬

‫‪ -1‬اﻟﺴﺎﻗﺔ‪" :‬ﲨع ﺳﺎﺋق‪ ،‬وﻫم اﻟﺬﻳن ﻳﺴﻮﻗﻮن جﻴﺶ اﻟﻐﺰاة‪ ،‬وﻳﻜﻮنﻮن من وراﺋه ﳛﻔﻈﻮنه"‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳّة‪.(224/2) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳊﺮاﺳة ﰲ اﻟﻐﺰو ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،(34/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2886 :‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺮ ط‪ :‬اﳌﺮاﺑﻄة ِﻫﻲ ﻟُُﺰوم اﻟﺜﻐﺮ‪ ،‬اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﺘﺴﻠﻞ منه اﻟعﺪو‪ ،‬وﻫﻮ من اﳊﺮاﺳة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم ﳏمﻮد ﺑن ﻋمﺮو اﻟﺰﳐﺸﺮي‪،‬‬
‫اﻟﻔﺎﺋق ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ واﻷثﺮ‪ ،‬ت‪ ،‬ﻋﻠﻲ ﷴ اﻟﺒﺠﺎوي‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪ ،‬ﻟﺒنأ ّن ط‪) ،2‬د‪.‬ت(‪.(255/3) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ ر ط ﻳﻮم ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،(35/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2892 :‬‬
‫‪-5‬وﰲ ﺻﻼة اﳋﻮف ﰲ اﻟﻐﺰوات مﻘﺎﺻﺪ دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ":‬اﳌﻘصﻮد اﻻجﺘمﺎع ﰲ ﺻﻼة اﳋﻮف ﻓﻘصﺪ اجﺘمﺎع‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ وإﻇﻬﺎر ﻃﺎﻋﺘﻬم وتعﻈﻴم ﺷعﺎر دﻳنﻬم وﻻ ﺳﻴمﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﺎنﻮامع اﻟنﱯ ‪ ‬ﻓﻜأ ّن اﳌﻘصﻮد أ ّن ﻳﻈﻬﺮوا ﻟﻠعﺪو ﻃﺎﻋة‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ ﻟه وتعﻈﻴمﻬم ﻟﺸأنه ﺣﱴ أ م ﰲ ﺣﺎل اﳋﻮف اﻟﺬي ﻻ ﻳﺒﻘﻰ أﺣﺪ مع أﺣﺪ ﻳﺘﺒعﻮنه وﻻ ﻳﺘﻔﺮﻗﻮن ﻋنه وﻻ ﻳﻔﺎرﻗﻮنه‬
‫ﲝﺎل‪ ...‬ومعﻠﻮم أ ّن ﻋﺬر اﳊﺮب ومﻮاﻗﻔة اﻟﻜﻔﺎر أﻋﻈم من ﻫﺬا ﻛﻠه ومع ﻫﺬا ﻓأﻗﻴم ﺷعﺎرﻫﺎ ﰲ تﻠﻚ اﳊﺎل ﻓﺪل ﻋﻠﻰ أ ّن اﳌﻘصﻮد‬
‫مﺎ ذﻛﺮ "‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬ﺑﺪاﺋع اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪ .‬ط(‪،‬‬
‫)د‪.‬ت(‪.(160/3) ،‬‬
‫‪ -6‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬أﺑﻮاب ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،‬ب ﳛﺮس ﺑعﻀﻬم ﺑعﻀﺎ ﰲ ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،(14/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.944 :‬‬
‫‪361‬‬
 ‫واﻟنﱯ ‪ ‬ﳚﻴﺒﻬم وﻳﻘﻮل‪:‬‬
‫ﺼﺎ ِر َواﳌَُﻬ ِﺎﺟ َﺮْﻩ«‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫»اﻟﻠﱠ ُﻬ ﱠﻢ أﻧﻪُ ﻻَ َﺧ ْﻴـ َﺮ إِﱠﻻ َﺧ ْﻴـ ُﺮ اﻵﺧ َﺮْﻩ ‪ ...‬ﻓَـﺒَﺎ ِر ْك ِﰲ اﻷَﻧْ َ‬
‫ﻛمﺎ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﳛﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪرب ﻋﻠﻰ اﻟﺮمﻲ إﻋﺪادا ﻟﻠﺮمﺎة‪ ،‬ورﻓعﺎ ﻟﻠﺠﺎﻫﺰﻳّة اﻟﻘﺘﺎﻟﻴّة‪ ،‬ورﲟﺎ‬
‫ﺎل‪َ :‬مﱠﺮ‬ ‫ورﲟﺎ ﻛﺎن ﻳﺸﺎرﻛﻬم ﰲ ذﻟﻚ ز دة ﰲ ﻓعﺎﻟﻴّة اﻟﺘﺪرﻳﺐ‪ ،‬ﻓعن َﺳﻠَ َمةَ ﺑْ َن اﻷَ ْﻛ َﻮ ِع َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﻴﻞ‪ ،‬ﻓَﺄن أَ َ ُﻛ ْﻢ ﻛﺎن َر ِاﻣﻴًﺎ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪ْ » :‬ارُﻣﻮا ﺑَِﲏ إ ْﲰَﺎﻋ َ‬ ‫َﺳﻠَ َم ﻳَـْنـﺘَﻀﻠُﻮ َن‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬ ‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﻋﻠَﻰ نَـ َﻔ ٍﺮ م ْن أ ْ‬ ‫اﻟنِ ﱡ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ » :‬ﻣﺎ ﻟَ ُﻜ ْﻢ ﻻَ‬ ‫ﲔ َِﻳْ ِﺪﻳ ِﻬ ْم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫َﺣ ُﺪ اﻟ َﻔ ِﺮﻳ َﻘ ْ ِ‬
‫ﻚأَ‬ ‫ْارُﻣﻮا‪ ،‬وأَ َ َﻣ َﻊ ﺑَِﲏ ﻓُﻼَ ٍن« ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَأ َْم َﺴ َ‬
‫ﱠﱯ ‪ْ » :‬ارُﻣﻮا ﻓَﺄَ َ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ ُﻛﻠِّ ُﻜ ْﻢ«‪.2‬‬ ‫ﺗَـﺮﻣﻮ َن؟«‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻛﻴ ِ‬
‫ﺎل اﻟنِ ﱡ‬ ‫ﻒ نَـْﺮمﻲ َوأَنْ َ‬
‫ﺖ َم َع ُﻬ ْم؟ ﻗَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ دﻻﻟة واﺿﺤة ﻋﻠﻰ اﻫﺘمﺎم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺪاد‪ ،‬وتﺪرﻳﺐ اﳌﻘﺎتﻠﲔ‪ ،‬وﻫﻮ ﻓﺮع من إﻋﺪاد‬
‫اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬وتﺮﻏﻴﺒﻬم ﰲ ذﻟﻚ ﺳﺘعمﺎل أﺳﻠﻮب اﻟﻘصة ﺑﺬﻛﺮ ﻗصة إﲰﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﻛمﺎ تﻀمن‬
‫ومﻼﻃﻔة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻷﺻﺤﺎﺑه‪،‬‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة‬‫تﻀمن أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة أﺧﺮى‪ ،‬ﻛﺎﻹﺷﺎرة إﱃ أدب ّ‬
‫ﻷﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬وﺣﺮﺻه ﻋﻠﻰ تﻄﻴﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮﻫم ﲨﻴعﺎ‪.3‬‬
‫وإﺿﺎﻓة إﱃ اﻟعنﺎﻳّة ﻟﺮمﺎﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﻫﺘم اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻔﺮوﺳﻴّة‪ ،‬ﻋﺪاد اﻟﺪواب ﺧﺎﺻة اﳋﻴﻞ‪ ،‬واﻹﺑﻞ‬
‫ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﻫم وﺳﺎﺋﻞ اﳉﻬﺎد واﻟﻐﺰو‪ ،‬وﺣﺚ ﻋﻠﻰ اﻟنﻔﻘة ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‬
‫ﺼ ِﺪﻳ ًﻘﺎ ﺑَِﻮ ْﻋ ِﺪﻩِ‪ ،‬ﻓَﺄن‬ ‫ِ‬ ‫ﻫﺮﻳﺮة ‪ ،‬ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻗﺎل اﻟنﱯ ‪» :‬ﻣ ِﻦ اﺣﺘـﺒﺲ ﻓَـﺮﺳﺎ ِﰲ ﺳﺒِ ِ ِ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠ إِﳝَﺎ ً ِ ﱠ َوﺗَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ َ َ ً‬
‫ﺑَِﻮ ْﻋ ِﺪﻩِ‪ ،‬ﻓَﺄن ِﺷﺒَـ َﻌﻪُ َوِرﻳﱠﻪُ َوَرْوﺛَﻪُ َوﺑَـ ْﻮﻟَﻪُ ِﰲ ِﻣ َﻴﺰاﻧِِﻪ ﻳَـ ْﻮَم اﻟﻘﻴَ َﺎﻣﺔ« ‪.‬‬
‫ِ ِ ‪4‬‬

‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ اﻟنﺒﻮي ﻳﺮﻏﺐ ﰲ اﻟﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي اﳋﲑي‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎر أن اﳋﻴﻞ من أﻋﻈم وﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة زمن‬
‫زمن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓـ"من أوﻗﻒ ﻓﺮﺳﺎً ﻟﻠﺠﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ واﺑﺘﻐﺎء مﺮﺿﺎته ﻟﻜﻲ ﳛﺎرب ﻋﻠﻴه‬
‫اﻟﻐﺰاة‪ ،‬اﺑﺘﻐﺎء ﻟﻮجه ﷲ تعﺎﱃ‪ ،‬وتصﺪﻳﻘﺎً ﺑﻮﻋﺪه اﻟﺬي وﻋﺪ ﺑه‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻗﺎل ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪:‬ٱچٱ َو َمﺎ‬
‫ْ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك ْم چ ]اﻟﺒﻘﺮة‪ ،[271 :‬ﻓأن ﷲ ﻳﺜﻴﺒه ﻋن ﻛﻞ مﺎ ﻛﻠه أو ﻳﺸﺮﺑه أو ﳜﺮجه‬ ‫َومﺎ تن ِفقوا م ِْن خ ٖ ي َوف إ ِ‬
‫ﳜﺮجه من ﺑﻮل أو روث ﺣﱴ ﻳﻀعه ﻟه ﰲ ﻛﻔة ﺣﺴنﺎته ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎمة"‪.5‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻟﺒﺲ اﻟﺒﻴﻀة‪ ،(25/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2835 :‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﺮمﻲ‪ ،(38/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2899 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح زواوي‪ ،‬ﴰﺎﺋﻞ اﻟﺮﺳﻮل ‪.(295/2) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من اﺣﺘﺒﺲ ﻓﺮﺳﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،(28/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2853 :‬‬
‫‪ -5‬ﲪﺰة ﷴ ﻗﺎﺳم‪ ،‬منﺎر اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(99/4) ،‬‬
‫‪362‬‬
‫وﻻ ﺷﻚ أن وﻗﻒ اﳋﻴﻞ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻳٌﻠﺤق ﺑه ﲨﻴع اﻷوﻗﺎف اﳌﺘعﻠﻘة ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌﺘﺠﺪدة‬
‫ﻋﱪ اﻟعصﻮر‪ ،‬وأن ذﻟﻚ من أﻋﻈم أﺑﻮاب اﳋﲑ واﻟنﻔع ﻟصﺎﺣﺒﻬﺎ وﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪.‬‬
‫وﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﳊﺮاﺳة واﻟﺮمﻲ واﻟﻔﺮوﺳﻴّة‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﻮﱄ اﳋﻄط اﳊﺮﺑﻴّة اﳌﺎدﻳّة ﻋنﺎﻳّة ﻛﺒﲑة‪،‬‬
‫ﻛﺒﲑة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﻮﻇﻒ اﺳﱰاتﻴﺠﻴﺎت اﳊﺮب اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻛﺎﻻﺳﺘعﻼم ﻋﻠﻰ اﻟعﺪو ﻟﻠﺤصﻮل ﻋﻠﻰ‬
‫معﻠﻮمﺎت تﺘعﻠق ﺑه‪ ،‬إذ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ من تﻴه ﲞﱪﻫم‪ ،‬وﳜﺘﺎر اﻟﺮجﻞ اﳌنﺎﺳﺐ ﳍﺬه اﳌﻬمة اﻟﺪﻗﻴﻘة‬
‫ِ‬
‫اﳊﺴﺎﺳة‪ ،‬ﻓعن جﺎﺑﺮ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل اﻟنﱯ ‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َْﺗِ ِﻴﲏ ِﲞَ َِﱪ اﻟ َﻘ ْﻮم ﻳَـ ْﻮ َم اﻷ ْ‬
‫َﺣ َﺰ ِ‬
‫اب؟« ﻗَ َﺎل اﻟﱡﺰﺑَـْﻴـُﺮ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪» :‬أن ﻟ ُﻜ ِّﻞ ﻧَِ ٍّ‬
‫ﱯ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َْﺗِ ِﻴﲏ ِﲞَ َِﱪ اﻟ َﻘ ْﻮم؟«‪ ،‬ﻗَ َﺎل اﻟﱡﺰﺑَـْﻴـُﺮ‪ :‬أَ َ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﺎل اﻟﱡﺰﺑَـْﻴـُﺮ‪ :‬أَ َ ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫َﺣ َﻮا ِر َو َﺣ َﻮا ِر ﱠي اﻟ ﱡﺰﺑَـ ْﻴـ ُﺮ«‪.1‬‬
‫ﻓﻬﺬه روا ت من اﳌﻐﺎزي اﻟنّﺒﻮﻳّة تﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻹﻋﺪادات اﳌعنﻮﻳّة واﳌﺎدﻳّة‬
‫واﳌﺎدﻳّة ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎﳍﺎ اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف مﲔ اﻟﺴﻠم واﻻﺳﺘﻘﺮار‪ ،‬ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ أرواح أتﺒﺎﻋه‪ ،‬وإرﻫﺎب‬
‫وإرﻫﺎب اﻟعﺪو‪ ،‬وﻟﺘﻜﻮن ﻟﺪى اﳌﺴﻠمﲔ ﻗﻮة ﺿﺎرﺑة‪ ،‬تصﺪ من تﺴﻮل ﻟه نﻔﺴه اﳌﺴﺎس رواح‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ‪.2‬‬
‫‪.3‬ﺗﻐﻠﻴﺐ اﻟﺴﻠﻢ واﻟﺼﻠﺢ‪ :‬مع اﳊﺮص ﻋﻠﻰ ﲡنﺐ اﻻﺻﻄﺪام مع اﻟعﺪو‪ ،‬وإﻋﺪاد اﻟعﺪة اﻟﻼزمة‬
‫ﲢﺴﺒﺎ ﻟﻠﻘﺎﺋه‪ ،‬ﻓﺈذا ﺣصﻞ ﻟﻘﺎء اﻟعﺪو‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﻠﺠأ اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ اﻟﺴﻠم واﻟصﻠﺢ‪ ،‬ﲝﺴﺐ مﺎ تﻘﺘﻀﻴه‬
‫مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ مﺮﺣﻠة اﻟﻐﺰوة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﻫﺬا اﳌﺒﺪأ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‪ :‬ٱچ ٱ َوأن‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ﺎجنَ ْح ل َهﺎٱچ ]اﻷنﻔﺎل‪.[62 :‬‬ ‫َجنَحوا ِلس مِ ف‬
‫واﳉنﻮح إﱃ اﻟﺴﻠم ﻫﻮ اﳌﻴﻞ إﱃ تﺮك اﳊﺮب‪ ،‬إمﺎ ﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وإمﺎ ﻋﻄﺎء اﳉﺰﻳّة‪ ،‬وإمﺎ‬
‫ﲟﻮادﻋة‪ ،‬وﳓﻮ ذﻟﻚ من أﺳﺒﺎب اﻟﺴﻠم واﻟصﻠﺢ‪.3‬‬
‫وﻗﺪ نﻔﺬ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻫﺬا اﳌﺒﺪأ اﻹنﺴﺎﱐ اﻟعﻈﻴم ﺣﻔﻈﺎ ﻷرواح اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬مﱪزا ﻟﻠﺒعﺪ اﻟﺴﻠمﻲ‬
‫اﻟﺴﻠمﻲ ﻟﻠﻐﺰوات ﰲ مﻮاﻃن منﻬﺎ‪ ،‬ﻳﻘﻮل اﳋﺒﲑ اﻟعﺴﻜﺮي ﷴ ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ " ،‬وﻟﺴﺖ أﻋﻠم مﺒﺪأ‬
‫مﺒﺪأ ﺳﺎمﻴﺎ ﻏﲑ اﻹﺳﻼم ﳚﻴﺰ اﳌﻮاﻓﻘة ﻋﻠﻰ إﻗﺮار اﻟﺴﻼم ﻓﻮرا دون ﻗﻴﺪ أو ﺷﺮط ﲟﺠﺮد إﻗﺪام اﻟعﺪو‬
‫اﻟعﺪو ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺐ إﻗﺮاره مﻬمﺎ تﻜن اﻟﻈﺮوف واﻷﺣﻮال"‪.4‬‬

‫‪ - 1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ اﻟﻄﻠﻴعة‪ ،(27/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2846 :‬‬
‫‪ - 2‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴأ ّن ﰲ وﻳﻞ اﻟﻘﺮآن‪.(40/14) ،‬‬
‫‪ -4‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪363‬‬
‫ﻓﻜﺎن من ﻫﺪي اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰواته اﺧﺘﻴﺎر أنﺴﺐ اﻟﺴﺒﻞ اﻟﱵ ﲤﻜن من ﺣﻘن اﻟﺪمﺎء ووﻗﻒ‬
‫اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬إﻻ إذا اﻗﺘﻀﺖ اﳌصﻠﺤة ﻏﲑ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻛﺎﺧﺘﻼف اﳌﻮﻗﻒ مع اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺒﻴنه ﺣﺪﻳﺚ اﺑن‬
‫َﺟﻠَى ﺑ ِﲏ اﻟﻨ ِ‬
‫ﱠﻀ ِﲑ‪ ،‬وأَﻗَـ ﱠﺮ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَ َﺔ َوَﻣ ﱠﻦ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﺑﻘﻮﻟه‪َ :‬ﺣ َﺎرﺑَﺖ اﻟﻨﱠﻀﲑُ‪ ،‬وﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَﺄ ْ َ‬

‫‪364‬‬
‫ﻀ ُﻬ ْﻢ َﳊُِﻘﻮا‬ ‫ِ‬ ‫ﺖ ﻗُـﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺘَﻞ ِرﺟﺎ َﳍُﻢ‪ ،‬وﻗَ ِ‬
‫ﲔ اﳌُ ْﺴﻠ ِﻤ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬إِﱠﻻ ﺑَـ ْﻌ َ‬ ‫ﺎء ُﻫ ْﻢ َوأ َْوﻻَ َد ُﻫ ْﻢ َوأ َْﻣ َﻮا َﳍُ ْﻢ ﺑَـ ْ َ‬
‫ﺴَ‬ ‫ﺴ َﻢ ﻧ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َﺣ ﱠﱴ َﺣ َﺎرﺑَ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ﻂ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠ ﺑْ ِﻦ َﺳ َﻼٍم‪ ،‬وﻳَـ ُﻬ َ‬
‫ﻮد‬ ‫ﻮد اﳌَ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ ُﻛﻠﱠ ُﻬ ْﻢ‪ :‬ﺑَِﲏ ﻗَـ ْﻴـﻨُـ َﻘ ٍﺎع‪ ،‬و ُﻫ ْﻢ َر ْﻫ ُ‬‫َﺟﻠَى ﻳَـ ُﻬ َ‬
‫َﺳﻠَ ُﻤﻮا‪ ،‬وأ ْ‬
‫ﺂﻣﻨَـ ُﻬ ْﻢ َوأ ْ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻓَ َ‬ ‫ﻟﻨِ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ِ ‪1‬‬
‫ﺑَِﲏ َﺣﺎ ِرﺛَﺔَ‪ ،‬وُﻛ ﱠﻞ ﻳَـ ُﻬﻮد اﳌَﺪﻳﻨَﺔ «‬
‫وﻳعﻠﻞ اﺑن اﻟﻘﻴم ﻫﺬا اﻟﺘﺒﺎﻳن ﰲ اﳌﻮﻗﻒ ﲡﺎه اﻟﻴﻬﻮد ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وأمﺎ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ أﺷﺪ اﻟﻴﻬﻮد‬
‫‪2‬‬
‫ﻋﺪاوة ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وأﻏﻠﻈﻬم ﻛﻔﺮا‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ جﺮى ﻋﻠﻴﻬم مﺎ ﱂ ﳚﺮ ﻋﻠﻰ إﺧﻮا م‪".‬‬
‫وﻗﺪ جنﺢ إﱃ اﻟصﻠﺢ وﻋﺪم اﳌﻮاجﻬة ﻳﻮم اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬وﻗﺒﻞ ﺑنﻮد ﻋﻘﺪ اﻟصﻠﺢ اﻟﱵ تﺒﺪو ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ‬
‫ﳎﺤﻔة ﰲ ﺣق اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،3‬ﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ اﻷمن واﻟﺴﻠم اﻟﺬي ﳛﻘق ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﻮس‪ ،‬وﳜﺪم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ‬
‫ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة‪ ،‬ﻟﺬا ﲰﺎه اﻟﻘﺮآن ﻓﺘﺤﺎ‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ﺑن مﺎﻟﻚ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬چ ٱٱ ٱٱ ٻ ٱٻ ٱٻ ٱٻ ٱچ‬
‫]اﻟﻔﺘﺢ‪ ،[01:‬ﻗﺎل‪ :‬اﳊﺪﻳﺒﻴة‪ ،‬ﻗﺎل‪ ،‬ﻗﺎل أﺻﺤﺎﺑه‪ :‬ﻫنﻴﺌﺎ مﺮﻳﺌﺎ‪ ،‬ﻓمﺎ ﻟنﺎ؟ ﻓأنﺰل ﷲ‪ :‬چ ٱ ِّ ُ ْدخ َِل ل ْ ُمو ِمن ِ َ‬
‫ّ‬
‫َْ ً‬ ‫َٰ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َْ‬ ‫حت َِهﺎ ﻻَن ْ َ ٰ ُر َ ٰ ِ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُْ ِ َٰ َ ٰ َ ْ‬
‫ﷲ فوزا‬ ‫ِك ع َ‬
‫ِند ِ‬ ‫يهﺎ َو ُك ِف َر ن ُه ْم َسيِّـ ٔﺎت ِ ِه ْم َوكﺎن‬
‫ِين َ‬
‫ِ‬ ‫ت تج ِرے مِن ت‬‫تج ٖ‬ ‫والموم ِ‬
‫ٗ‬
‫َعظِ يمﺎ چ ]اﻟﻔﺘﺢ‪.4[05 :‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬا اﳌﻮﻗﻒ أثﺮ دﻋﻮي ﻋﻈﻴم‪ ،‬ﻳﻘﻮل ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ":‬تﻮﻓﺮ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﳉﻮ‬
‫اﳉﻮ اﳍﺎدئ ﺑعﺪ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬دﺧﻞ ﰲ اﻹﺳﻼم مﺜﻞ من ﻛﺎن ﰲ اﻹﺳﻼم ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟصﻠﺢ أو‬
‫‪5‬‬
‫أﻛﺜﺮ‪".‬‬
‫وﻏﲑ ﺑعﻴﺪ ﻋن ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة؛ ﻓﻘﺪ ﻛﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋن ﻗﺘﻞ ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ ﺑعﺪ اﺳﺘﺴﻼمﻬم‪ ،‬وأﻛﺜﺮ‬
‫من ذﻟﻚ أﺑﻘﺎﻫم ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑعﻘﺪ اﳌﺰارﻋة واﳌﺴﺎﻗﺎة‪ ،‬ﻓعن ﻋﺒﺪ ﷲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أَ ْﻋﻄَى‬
‫ﻮﻫﺎ َوَﳍُ ْﻢ َﺷﻄ ُْﺮ َﻣﺎ َﳜْ ُﺮ ُج ِﻣ ْﻨـ َﻬﺎ«‪.6‬‬
‫ﻮﻫﺎ َوﻳَـ ْﺰَرﻋُ َ‬ ‫ﺻﻠﱠى ﷲُ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ َو َﺳﻠﱠ َﻢ َﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ اﻟﻴَـ ُﻬ َ‬
‫ﻮد‪ ،‬أن ﻳ ْﻌ َﻤﻠُ َ‬
‫رﺳ ُ ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ َ‬ ‫َُ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬وﳐﺮج رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﻟﻴﻬم ﰲ دﻳّة اﻟﺮجﻠﲔ‪ ،‬ومﺎ أرادوا‬
‫من اﻟﻐﺪر ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ‪.(88/5) ،‬‬
‫‪ - 2‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد ﰲ ﻫﺪي ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪.(117/3) ،‬‬
‫‪ - 3‬ﻛﺎن أﻫم ﺑنﻮد ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒة‪ :‬ﻋﺪم دﺧﻮل مﻜة واﻟﺮجﻮع إﻳﻬﺎ ﰲ اﻟعﺎم اﳌﻘﺒﻞ‪ ،‬وتعﻬﺪ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﺪم اﻟﺘعﺮض ﳍم‪ ،‬وﺿع اﳉﺮب‬
‫ﺑﲔ اﻟﻄﺮﻓﲔ ﻋﺸﺮ ﺳنﲔ‪ ،‬من أﺣﺐ أ ّن ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻋﻘﺪ ﷴ وﻋﻬﺪه دﺧﻞ ﻓﻴه‪ ،‬ومن أﺣﺐ أ ّن ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻋﻘﺪ ﻗﺮﻳﺶ وﻋﻬﺪﻫم‬
‫دﺧﻞ ﻓﻴه‪ ،‬رد ﻛﻞ من ﻫﺮب إﱃ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻋﺪم رد من ﻫﺮب من اﳌﺴﻠمﲔ إﱃ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪،‬‬
‫)‪.(318/2‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪.(125/5) ،‬‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.460‬‬
‫‪ -‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪ -6‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب معﺎمﻠة اﻟنﱯ ‪ ‬أﻫﻞ ﺧﻴﱪ‪ ،(140/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4248 :‬‬
‫‪365‬‬
‫وﰲ ﻫﺬا اﻟصﻠﺢ مصﻠﺤة ﻟﻠﺪﻋﻮة ﺑﺘﻮﻓﲑ مﻮرد اﻗﺘصﺎدي من ﻋﺎﺋﺪات ﻋﻘﺪ اﳌﺰارﻋة واﳌﺴﺎﻗﺎة اﻟﺬي‬
‫اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻔﺎد منه ﰲ اﻟﺘمﻮﻳﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وﻓﻴه ﺣﻔﻆ نﻔﻮس اﳌعﺎﻫﺪﻳن ‪. 1‬‬
‫أمﺎ ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﳌﻴﺪان اﻷﻛﱪ ﻟﻠﺴﻠم واﻟعﻔﻮ وﺣﻘن اﻟﺪمﺎء وتعﻈﻴم اﳊﺮمﺎت‪ ،‬وﻗﺪ أﻛﺪ‬
‫ذﻟﻚ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺻﺮاﺣة ﰲ معﺮض رده ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ مﻘﻮﻻت أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ﻓعنﺪ اﻟﺒخﺎري أن ﺳعﺪ‬
‫ﺳعﺪ ﺑن ﻋﺒﺎدة ﻟﻘﻲ أ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟه اﻟﻴﻮم ﻳﻮم اﳌﻠﺤمة‪ ،‬اﻟﻴﻮم تﺴﺘﺤﻞ اﻟﻜعﺒة‪ ،‬ﻓﻠمﺎ‬
‫مﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰊ ﺳﻔﻴﺎن ﻗﺎل‪ :‬أﱂ تعﻠم مﺎ ﻗﺎل ﺳعﺪ ﺑن ﻋﺒﺎدة؟ ﻗﺎل‪» :‬ﻣﺎ ﻗﺎل؟« ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺬا‬
‫ب َﺳ ْﻌ ٌﺪ‪ ،‬وﻟَﻜِ ْﻦ َﻫ َﺬا ﻳَـ ْﻮٌم ﻳُـ َﻌ ِﻈّ ُﻢ ا ﱠُ ﻓِ ِﻴﻪ اﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔَ‪ ،‬وﻳَـ ْﻮٌم ﺗُ ْﻜ َﺴى ِﻓ ِﻴﻪ اﻟ َﻜ ْﻌﺒَﺔُ« ‪.2‬‬
‫وﻛﺬا‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪َ » :‬ﻛ َﺬ َ‬
‫ﻓﻘﺪ ﺧﻄﱠأ ‪ ‬ﺳعﺪ؛ ﳌﺎ تصﻮر أن ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ ﻳﻮم مﻠﺤمة‪ ،‬واﳌﻠﺤمة ﻫﻲ اﻟﻘﺘﺎل اﻟﺸﺪﻳﺪ واﻟﻮﻗعة‬
‫اﻟعﻈﻴمة ﻟعﺪو‪ ،‬وﺑﲔ اﳌﻘصﺪ اﻟﺴﻠمﻲ ﻟﻠﻔﺘﺢ وﻫﻮ تعﻈﻴم اﻟﻜعﺒة‪ ،‬ﻇﻬﺎر اﻹﺳﻼم و ﻷذان ﻋﻠﻰ‬
‫ﻇﻬﺮﻫﺎ وإزاﻟة مﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ وﺣﻮﳍﺎ من اﻷﺻنﺎم‪ ،‬وﻛﺴﻮ ﺎ؛ إذ ﻛﺎنﺖ تﻜﺴﻰ ﰲ مﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم‪.3‬‬
‫وﻗﺪ ﻃمأن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﻞ من جنﺢ إﱃ اﻟﺴﻠم وتﺮك ﻗﺘﺎل اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓعنﺪ أﰊ داود ﻋن اﺑن‬
‫ﻋﺒﺎس‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻋﺎم اﻟﻔﺘﺢ جﺎءه اﻟعﺒﺎس ﺑن ﻋﺒﺪ اﳌﻄﻠﺐ ﰊ ﺳﻔﻴﺎن ﺑن ﺣﺮب‪ ،‬ﻓأﺳﻠم‬
‫ﲟﺮ اﻟﻈﻬﺮان‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟه اﻟعﺒﺎس‪ :‬رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬أن أ ﺳﻔﻴﺎن رجﻞ ﳛﺐ ﻫﺬا اﻟﻔخﺮ‪ ،‬ﻓﻠﻮ جعﻠﺖ ﻟه‬
‫‪4‬‬
‫ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪" :‬نعم‪ ،‬من دﺧﻞ دار أﰊ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬ﻓﻬﻮ آمن‪ ،‬ومن أﻏﻠق ﺑه ﻓﻬﻮ آمن"‬
‫اﻟﺴﻠم ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل مع ﻗﺪرته ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﳌﺎ ﻓﻴه من‬ ‫ِ‬ ‫ﱠ‬
‫ﻓﻬﺬه مﻮاﻗﻒ من ﻏﺰوات ﺷﱴ ﻏﻠﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ّ ‬‬
‫ﺣﻘن اﻟﺪمﺎء واﺳﺘﺘﺒﺎب اﻷمن؛ وﻫﺬا من ﺷأنه أن ﻳﻮﻓﺮ منﺎﺧﺎ مﻼﺋمﺎ ﻟنﺸﺮ وتﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة وإﻳصﺎﳍﺎ‬
‫ﻟﻺنﺴﺎنﻴّة‪.‬‬
‫نﺖ مﺪى ﻋنﺎﻳّة اﻟنﱯ ‪ ‬ﲝﻔﻆ ﻛﻠﻴﺎت اﻟﺸﺮﻳعة اﻟﻀﺮورﻳّة اﻟﱵ‬ ‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ أﻛﻮ ٌن ﻗﺪ ﺑﻴﱠ ٌ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ مﺪار ﺻﻼح اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﰲ ﻋﺎجﻠﻬﺎ وآجﻠﻬﺎ ﰲ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮي‪،‬‬
‫)‪.(328/1‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬أﻳن رﻛﺰ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ؟ )‪ ،(146/5‬ﺑﺮﻗم‪.4287 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺮازي‪ ،‬ﳐﺘﺎر اﻟصﺤﺎح‪ ،‬ص‪ ،280‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(391/6) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه أﺑﻮداود ﰲ ﺳننه‪ ،‬أول ﻛﺘﺎب اﳋﺮاج واﻟﻔﻲء واﻹمﺎرة‪ ،‬ب مﺎ جﺎء ﰲ ﺧﱪ مﻜة‪ ،(632/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪،3021 :‬‬
‫واﳊﺪﻳﺚ أﺧﺮجه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،(1405/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1780 :‬وآثﺮت رواﻳّة أﰊ‬
‫داود ﻟﻠﻘصﺮ‪.‬‬
‫‪366‬‬
‫ت اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﻛﻠﻴﺘﲔ أﺳﺎﺳﻴﺘﲔ‪ :‬ﳘﺎ ﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن وﻛﻠﻴّة ﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ؛‬ ‫صﺮ ُ‬
‫ﻏﲑ أﱐ ﻗَ ْ‬
‫ﻟﻜﻮ مﺎ اﻷﻛﺜﺮ ﺣﻀﻮرا ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻷن اﻟﻜﻠﻴﺎت اﻟﺜﻼثة اﳌﺘﺒﻘﻴّة ﻓﺮع ﻋن ﻛﻠﻴّة اﻟنﻔﺲ‪ ،‬ﻛمﺎ‬
‫ﻛمﺎ ﺑﻴنﺘه أثنﺎء اﻟﺒﺤﺚ‪.‬‬
‫ورﻋﺎﻳﺘﻬمﺎ واﻟعنﺎﻳّة مﺎ من ﺻمﻴم اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﺤﻔﻆ اﻟﺪﻳن ﻫﻮ ﺣﻔﻆ ﻟﺮﻛن مﻮﺿﻮع اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻟﺬي ﻫﻮ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﺣﻔﻆ اﻟنﻔﺲ ﻫﻮ ﺣﻔﻆ ﻷرﻛﺎ ﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﺒﺸﺮﻳّة اﳌﺒﺎﺷﺮة؛ اﳌﺘمﺜﻠة ﰲ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة‬
‫واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬وأمﺎ اﳌنﺎﻫج واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻬﻲ تﺘﻔﺮع ﻋن اﻷرﻛﺎن اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﻋﺘﺒﺎر‬
‫اﻟصﺪور‪ ،‬وتﺴﺘمﺪ مﺸﺮوﻋﻴﺘﻬﺎ من اﻹﺳﻼم من ﺧﻼل مصﺎدره‪.‬‬
‫أي إﺧﻼل أو ﻗصﻮر ﰲ‬ ‫و ﻟﺘﺎﱄ ﻓﺈن ﺣﻔﻆ اﻟﻀﺮور ت ﺣﻔﻆ ﻷرﻛﺎن اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وأن ّ‬
‫تﻔعﻴﻠﻬﺎ واﺳﺘﺤﻀﺎرﻫﺎ ُﳜ ﱡﻞ ﳉﻮدة واﻟﻔعﺎﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ومن ﻫنﺎ نﺪرك ﺳﺮ ﺣﻀﻮر اﻟﻜﻠﻴﺎت ﰲ‬
‫اﻟﻐﺰوات ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ جﺰء من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺒﻴﺎن ﳏﺎﺳﻦ وﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ‬
‫ﻟﻘﺪ تﺒﲔ ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق أن اﻟﻘﺘﺎل ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻻ ﻳُﺸﺮع ﻓﻴه إﻻ ﺑعﺪ ﻋﺮض اﻹﺳﻼم وتﺒﻠﻴﻐه‪ ،‬وإذا أﰉ‬
‫اﻟعﺪو اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﱂ ﳚنﺢ إﱃ اﻟﺴﻠم‪ ،‬ﺣﻴنﻬﺎ ﻳﺘعﲔ ﻗﺘﺎﻟه‪ ،‬ﻏﲑ أن مﻴﺪان‬
‫اﳌعﺮﻛة ﰲ ﺣﺪ ذاته مﻴﺪا دﻋﻮ ﲤﺎرس ﻓﻴه اﻟ ّﺪﻋﻮة ﲜمﻴع مﺴﺘﻮ ﺎ اﻟﺘﺒﻠﻴﻐﻴّة واﻟﺘّعﻠﻴمﻴّة واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴّة‪،‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟصعﻴﺪﻳن اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﳋﺎرجﻲ‪.‬‬
‫ﻓمﺎ اﻟﻐﺰوة ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﻻ ﻗﺎﻓﻠة دﻋﻮﻳّة مﺘﺤﺮﻛة ﲢﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ نﻔﺲ ﳑﻴﺰات وﺧصﺎﺋﺺ‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳊﻀﺮﻳّة‪ ،‬ﻓﻜمﺎ ﺣﺮﺻﺖ ﻋﻠﻰ اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻷﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﲢﺮص ﻋﻠﻰ‬
‫إﺑﺮاز ﳏﺎﺳن وﺧصﺎﺋﺺ ﻫﺬا اﻟﺪﻳن‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ جﻮانﺐ ﲢﺴﻴنﻴّة ذات جﺎذﺑﻴّة دﻋﻮﻳّة ﻗﻮﻳّة ﻟﻐﲑ‬
‫اﳌﺴﻠمﲔ‪.‬‬
‫ﻓمﺎ أﻫم ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة وﳑﻴﺰا ﺎ اﻟعﺎمة اﻟﱵ ﺳعﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻹﺑﺮازﻫﺎ ﰲ اﻟﻐﺰوات ومﺎ‬
‫آ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة؟‬
‫وﺳأجﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﺴﺎؤل اﳌﻠﺢ من ﺧﻼل اﻟﻔﺮوع اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲞﺎﺻﻴّﺔ اﻟﻌﻤﻮم‬
‫ﻟﻘﺪ تﻘﺮر ﰲ نصﻮص اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬واﻟﺴنة اﻟﺸﺮﻳﻔة أن من ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟعﺎمة‬
‫ﺧﺎﺻﻴّة اﻟعمﻮم اﳌﻄﻠق اﻟﺬي ﻻ ﳛﺪه جنﺲ‪ ،‬وﻻ ﻟﻮن وﻻ ﻋﺮق‪ ،‬وﻻ ﳛﺠمه اﳌﻜﺎن‪ ،‬وﻻاﻟﺰمﺎن‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ‬
‫و ﻗﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‪:‬ٱ‬ ‫ْ‬
‫جﻼ ﰲ ﻋﻼه‪ :‬چ ٱﻗل هﺎ ﺎس أ رسول ﷲ إ ِ كم جمِيعﺎ چ ]اﻷﻋﺮاف‪،[159 :‬‬
‫ِ‬
‫َ ٗ ََ ٗ‬ ‫َ ٗ ّ‬ ‫َ َ ٓ َ ْ َ َْٰ َ‬
‫چومﺎ أرسل ك إِﻻ كآفة ِلنﺎس شِ ا ونذِيراۖ چ ]ﺳﺒأ‪. [28 :‬‬
‫ِ‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﻋﺎﺷﻮر ﰲ ﺑﻴﺎن ﻋمﻮم اﻟﺮﺳﺎﻟة اﳌﻄﻠق‪ ":‬وأﻓﺎد تﺮﻛﻴﺐ ومﺎ أرﺳﻠنﺎك إﻻ ﻛﺎﻓة ﻟﻠنﺎس ﻗصﺮ‬
‫ﻗصﺮ ﺣﺎﻟة ﻋمﻮم اﻟﺮﺳﺎﻟة ﻋﻠﻰ ﻛﺎف اﳋﻄﺎب ﰲ ﻗﻮﻟه‪ :‬أرﺳﻠنﺎك وﻫﻮ ﻗصﺮ إﺿﺎﰲ‪ ،‬أي دون‬
‫ﲣصﻴﺺ إرﺳﺎﻟﻚ ﻫﻞ مﻜة أو ﻟعﺮب أو ﲟن ﳚﻴﺌﻚ ﻳﻄﻠﺐ اﻹﳝﺎن واﻹرﺷﺎد "‪.1‬‬
‫وﻫﺬا اﻟعمﻮم انﻔﺮدت ﺑه اﻟ ّﺪﻋﻮة من دون اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺪﻳنﻴّة‪ ،‬وﻳﺸﻬﺪ ﻟﺬﻟﻚ مﺎ رواه جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺐ َﻣ ِﺴ َﲑَة‬
‫ت ِ ﻟ ﱡﺮ ْﻋ ِ‬ ‫ﻴﺖ ﲬَْﺴﺎ َﱂ ﻳـ ْﻌﻄَ ُﻬ ﱠﻦ أَﺣ ٌﺪ ﻗَـْﺒﻠِﻲ‪ :‬ﻧُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺼ ْﺮ ُ‬ ‫َ‬ ‫ﷲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪ » :‬أُ ْﻋﻄ ُ ً ْ ُ‬

‫‪ - 1‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪.(199/22) ،‬‬

‫‪368‬‬
 ‫ِ‬ ‫ﺼﻼَةُ ﻓَـﻠْﻴﺼ ِﻞ‪ ،‬وأ ِ‬
‫ُﺣﻠﱠ ْ‬ ‫ﻮرا‪ ،‬ﻓَﺄﱡَﳝَﺎ َر ُﺟ ٍﻞ ِﻣ ْﻦ أُﱠﻣ ِﱵ أَ ْد َرَﻛ ْﺘﻪُ اﻟ ﱠ‬ ‫ﺖ ِﱄ اﻷَر ُ ِ‬ ‫َﺷ ْﻬ ٍﺮ‪ ،‬و ُﺟ ِﻌﻠَ ْ‬
‫ﺖ ِﱄ اﳌَﻐَﺎﱎُ‬ ‫َُّ‬ ‫ض َﻣ ْﺴﺠ ًﺪا َوﻃَ ُﻬ ً‬ ‫ْ‬
‫ﱠﺎس َﻋﺎ ﱠﻣﺔ «‪.1‬‬
‫ﺖ إِ َﱃ اﻟﻨ ِ‬ ‫ﺚ إِ َﱃ ﻗَـ ْﻮِﻣ ِﻪ َﺧﺎ ﱠ‬
‫ﺻﺔً َوﺑُِﻌﺜْ ُ‬ ‫ﺎﻋﺔَ‪ ،‬وﻛﺎن اﻟﻨﱯ ﻳـُْﺒـ َﻌ ُ‬ ‫َﺣ ٍﺪ ﻗَـْﺒﻠِﻲ‪ ،‬وأُ ْﻋ ِﻄ ُ‬
‫ﻴﺖ اﻟ ﱠ‬
‫ﺸ َﻔ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوَﱂْ َﲢ ﱠﻞ ﻷ َ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻄﺤﺎوي‪ ":‬وﻛﻮنه ‪ ‬مﺒعﻮ إﱃ اﻟنﺎس ﻛﺎﻓة معﻠﻮم من دﻳن اﻹﺳﻼم ﻟﻀﺮورة‪ ،‬وأمﺎ ﻗﻮل‬
‫ﻗﻮل ﺑعﺾ اﻟنصﺎرى أنه رﺳﻮل إﱃ اﻟعﺮب ﺧﺎﺻة‪ ،‬ﻓﻈﺎﻫﺮ اﻟﺒﻄﻼن‪...‬ﻓﻘﺪ أرﺳﻞ رﺳﻠه وﺑعﺚ ﻛﺘﺒه‬
‫ﻛﺘﺒه ﰲ أﻗﻄﺎر اﻷرض إﱃ ﻛﺴﺮى وﻗﻴصﺮ واﻟنﺠﺎﺷﻲ واﳌﻘﻮﻗﺲ وﺳﺎﺋﺮ مﻠﻮك اﻷﻃﺮاف‪ ،‬ﻳﺪﻋﻮ إﱃ‬
‫‪2‬‬
‫اﻹﺳﻼم"‪.‬‬
‫وﻷﳘﻴّة ﻫﺬه اﳋﺎﺻﻴّة من ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻓﻘﺪ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ إﺑﺮازﻫﺎ ﰲ‬
‫اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻛمﺎ تﺒﻴنه اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻋﻤﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳉﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ‬
‫إن اﳌﺘﺘﺒع ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬وﳊﺮﻛة اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ تعﺪ من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ونﺸﺮ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﳚﺪﻫﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﻛﻞ أمم اﻷرض؛ اﻟعﺮب واﻷمم ا ﺎورة ﳍم من اﻟﻴﻬﻮد واﻟﻔﺮس‪ ،‬اﻟﺮوم‬
‫ﻐﺰى ﻗﻮم إﻻ ﺑعﺪ ﺑﻠﻮغ‬ ‫اﻟﺮوم وﻏﲑﻫم‪ ،‬وﻛﺎنعﺮض اﻹﺳﻼم واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه ﻳﺴﺒق اﻟﻘﺘﺎل ﻛمﺎ مﺮ‪ ،‬وﻻ ﻳٌ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬إِذَا‬
‫ﻒ ﻋن ﻗﺘﺎﳍم‪ ،‬ﻓعن أنﺲ رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻛﺎﻧ َﺮ ُﺳ ُ‬ ‫ﺑﻠﻮغ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وإذا أﺳﻠمﻮا ٌﻛ ﱠ‬
‫ﺼﺒِ ُﺢ‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﺰﻟْﻨَﺎ‬
‫ﻚ‪ ،‬وإن َﱂْ ﻳَ ْﺴ َﻤ ْﻊ أَ َذا ً أَغَ َﺎر ﺑَـ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ ﻳُ ْ‬ ‫إِ َذا غَ َﺰا ﻗَـ ْﻮًﻣﺎ َﱂْ ﻳُﻐِ ْﺮ َﺣ ﱠﱴ ﻳُ ْ‬
‫ﺼﺒِ َﺢ‪ ،‬ﻓَإن َِﲰ َﻊ أَ َذا ً أ َْﻣ َﺴ َ‬
‫َﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ ﻟَْﻴ ًﻼ«‪.3‬‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه إﱃ ﻋمﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻜﻞ اﻷمم من ﺧﻼل ﺑعﺾ تﺮاجم‬
‫ﻛﺘﺎب "اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ"‪ ،‬من اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ومن ﻫﺬه اﻟﱰاجم‪ :‬ﻗﻮﻟه‪ " :‬ب دﻋﻮة اﻟﻴﻬﻮد واﻟنصﺎرى‪،‬‬

‫ََ َ ُ ْ ٓ‬
‫َ تَيَم ُمواْ َصعِيداٗ َطيِّبﺎٗ چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪،(74/1) ،[07 :‬‬ ‫چٱف ْم ت ِجدوا َمﺎ ٗء‬ ‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻴمم‪ ،‬ب وﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪ ،335 :‬ﻛﺘﺎب اﻟصﻼة‪ ،‬ب ﻗﻮل اﻟنﱯ ‪ » :‬ﺟﻌﻠﺖ ﱄ اﻷرض ﻣﺴﺠﺪا وﻃﻬﻮرا«‪ ،(95/1) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،438 :‬ﻛﺘﺎب‬
‫ﻓﺮض اﳋمﺲ‪ ،‬ب ﻗﻮل اﻟنﱯ ‪» :‬أﺣﻠﺖ ﻟﻜﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ«‪ ،(85/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3122 :‬وﻫﺬه اﻟﱰاجم اﻟﺒخﺎرﻳّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا‬
‫اﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ أﺷﺎرت إﱃ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة‪ ،‬ذات ﺻﻠة ﲟﻮﺿﻮع اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬من أﺻﻮل اﻟﺘﺸﺮﻳع وﻓﺮوﻋه‪ ،‬ومﻮﺿﻮع اﻟﻐنﺎﺋم اﻟﺬي ﻫﻮ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻟﱵ امﺘﺎزت ﺎ ﻋن اﻷمم اﻷﺧﺮى‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺑعﺎد‪ ،‬ﻓﻀﻼ‬ ‫من ﺧصﻮﺻﻴﺎت اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وﺑعﺾ ﺧصﻮﺻﻴﺎت ّ‬
‫ﻋن دﻻﻟﺘه ﻋﻠﻰ ﻋﺎﳌﻴّة اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﺬي ﳓن ﺑصﺪد ﺑﻴﺎنه‪.‬‬
‫‪ -2‬اﺑن أﰊ اﻟعﺰ اﳊنﻔﻲ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻄﺤﺎوﻳّة‪ ،‬ت‪ :‬ﲨﺎﻋة من اﻟعﻠمﺎء‪ ،‬دار اﻟﺴﻼم ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ اﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1426‬ﻫـ‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟنﺎس إﱃ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،(47/4) :‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2943‬‬
‫‪369‬‬
‫وﻋﻠﻰ مﺎ ﻳﻘﺎتﻠﻮن ﻋﻠﻴه‪ ،‬ومﺎ ﻛﺘﺐ اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ ﻛﺴﺮى‪ ،‬وﻗﻴصﺮ‪ ،‬واﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺒﻞ اﻟﻘﺘﺎل"‪ ،‬ومنﻬﺎ‬
‫ﻗﻮﻟه‪ ":‬ب مﺎ ﻗﻴﻞ ﰲ ﻗﺘﺎل اﻟﺮوم"‪ " ،‬ب ﻗﺘﺎل اﻟﻴﻬﻮد"‪ " ،‬ب ﻗﺘﺎل اﻟﱰك"‪ " ،‬ب ﻗﺘﺎل اﻟﺬﻳن‬
‫ﻳنﺘعﻠﻮن‪ 1‬اﻟﺸعﺮ"‪ ،2‬ﰒ ﺳﺮد ﺑعﺪ ﻛﻞ تﺮﲨة أﺣﺎدﻳﺚ منﺎﺳﺒة ﳍﺎ‪.‬‬
‫ﰒ و إن ﻫﺬه اﻟﱰاجم ومﺎ انﺪرج ﲢﺘﻬﺎ من مﺮو ت ﻟﺘﺪل ﻋﻠﻰ ﻋمﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟﻜﻞ‬
‫اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﺪﺧﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬جﻬﺪا ﰲ إﻳصﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻜﻞ اﻷمم واﻷجنﺎس‪ ،‬انﻄﻼﻗﺎ من اﻟعﺮب‪،‬‬
‫ومن جﺎورﻫم من اﻟﻴﻬﻮد واﻟﺮوم‪ ،‬وﻫﺬا ﺑﲔ من ﺧﻼل ﺣﺮﻛة اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﻐﺰوات اﻟﱵ ﱂ تﻜن إﻻ امﺘﺪادا‬
‫ﳍﺎ وﻓﺮﻋﺎ ﻋنﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن تنﻮع اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰو وﻏﲑه من دﻻﺋﻞ ﻋمﻮم اﻟﺸﺮﻳعة وﴰﻮﳍﺎ ﳉمﻴع اﻷمم‪،‬‬
‫اﻷمم‪ ،‬ﻓﻜﺎن من اﻟﺮوم ﺻﻬﻴﺐ ومن اﳊﺒﺸة ﺑﻼل ومن اﻟﻔﺮس ﺳﻠمﺎن ومن اﻟﻴﻬﻮد ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺳﻼم‬
‫ﺳﻼم وﺻﻔﻴّة ﺑنﺖ ﺣﻴﻲ أم اﳌﺆمنﲔ اﻟﱵ أﺳﻠمﺖ ﰲ ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪.3‬‬
‫ﺷﱴ ﻃﻮاﺋﻒ اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬داﻋﻴّة إ ﻫم‬ ‫ﻟﻜﻞ اﻷمم من ّ‬‫ﻓﻘﺪ ﻛﺪ ﻟﻔعﻞ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة مﻔﺘﻮﺣة ّ‬
‫‪4‬‬
‫إﱃ اتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓأﺻﺒﺢ ذﻟﻚ معﻠﻮمﺎ ﻟﻀﺮورة من اﻟﺪﻳن‪.‬‬
‫وﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻈﻴمة ﻗﺪ اﺳﺘﻮﻋﺒﻬﺎ اﳌﺴﻠمﻮن‪ ،‬ﻓأﺻﺒﺤﺖ من ﺻمﻴم ﻋﻘﻴﺪ م اﻟﺮاﺳخة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﺬي واﺻﻞ مﺴﲑة اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت من ﺣﻴﺚ انﺘﻬﺖ ﺑﻮﻓﺎة اﻟنﱯ ‪،‬‬ ‫اﻟﺮاﺳخة منﺬ جﻴﻞ ّ‬
‫ورثﻮﻫﺎ ﳌن جﺎء من ﺑعﺪﻫم تﻮرﻳﺜﺎ دﻋﻮ ﻋﻈﻴمﺎ ﻇﻬﺮت آ ره دﻳّة ﰲ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋن ﻃﺮﻳق ﺣﺮﻛة‬ ‫وّ‬
‫ﺣﺮﻛة اﻟﻔﺘﻮح‪ ،‬اﻟﱵ ﻻ تﺘﻮﻗﻒ‪ ،‬ﻓعن ﲤﻴم اﻟﺪاري ﻗﺎل‪ :‬ﲰعﺖ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪ » :‬ﻟَﻴَـْﺒـﻠُﻐَ ﱠﻦ َﻫ َﺬا‬
‫ﻳﻦ‪ ،‬ﺑِ ِﻌ ِّﺰ َﻋ ِﺰﻳ ٍﺰ أ َْو ﺑِ ُﺬ ِّل‬ ‫ِ‬
‫ﺖ َﻣ َﺪ ٍر َوَﻻ َوﺑَ ٍﺮ إِﱠﻻ أَ ْد َﺧﻠَﻪُ ﷲُ َﻫ َﺬا اﻟ ّﺪ َ‬
‫ﺎر‪ ،‬وَﻻ ﻳَـ ْﺘـ ُﺮ ُك ﷲُ ﺑَـْﻴ َ‬ ‫ْاﻷ َْﻣ ُﺮ َﻣﺎ ﺑَـﻠَ َﻎ اﻟﻠﱠْﻴ ُﻞ َواﻟﻨـ َ‬
‫ﱠﻬ ُ‬
‫اﻹ ْﺳ َﻼ َم‪ ،‬وذُﻻ ﻳُ ِﺬ ﱡل ﷲُ ﺑِ ِﻪ اﻟْ ُﻜ ْﻔ َﺮ«‪ ،‬وﻛﺎن ﲤﻴم اﻟﺪاري‪ ،‬ﻳﻘﻮل‪ " :‬ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ذﻟﻚ ﰲ‬ ‫ِﻋﺰا ﻳُِﻌ ﱡﺰ ﷲُ ﺑِ ِﻪ ِْ‬
‫ﺑﻴﱵ‪ ،‬ﻟﻘﺪ أﺻﺎب من أﺳﻠم منﻬم اﳋﲑ واﻟﺸﺮف واﻟعﺰ‪ ،‬وﻟﻘﺪ أﺻﺎب من ﻛﺎن منﻬم ﻛﺎﻓﺮا اﻟﺬل‬
‫واﻟصﻐﺎر واﳉﺰﻳّة "‪.5‬‬

‫‪ -1‬وﻫم ﻗﻮم ﻏﲑ اﻟﱰك ﻛمﺎ رجﺢ ذﻟﻚ اﺑن ﺣﺠﺮ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(104/6) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(42 ،43 ،45 /4 ) ،‬‬
‫‪-3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4212 :‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،(259/3) ،‬اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻠﻴمأ ّن اﻟنﺪوي‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﻟة اﶈمﺪﻳّة‪ ،‬دار اﺑن ﻛﺜﲑ‪،‬‬
‫دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬ه‪ ،‬ص‪.130‬‬
‫‪ -5‬رواه أﲪﺪ ﰲ مﺴنﺪه‪ ،(154/28) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،16957 :‬ﻗﺎل اﳍﻴﺜمﻲ‪ ":‬ورجﺎل أﲪﺪ رجﺎل اﻟصﺤﻴﺢ"‪ ،‬اﳍﻴﺜمﻲ‪ ،‬ﳎمع‬
‫اﻟﺰواﺋﺪ‪.(114/6) ،‬‬
‫‪370‬‬
‫وﻫﺬا مﺎ ﳛﺘم ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎة تﻮﺳﻴع نﻄﺎق اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻻ ﺳﻴمﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰمﺎن اﻟﺬي انﺘﺸﺮت ﻓﻴه وﺳﺎﺋﻞ‬
‫اﻹﻋﻼم وتﻜنﻮﻟﻮجﻴﺎت اﻻتصﺎل‪ ،‬ﻓﻬﻲ من اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ﻳنﺒﻐﻲ أن تﻔعﻞ ﲜﻮدة ﻋﺎﻟﻴّة‬
‫ﻟﺘﺤﻘق ﻋﺎﳌﻴّة‪ ،‬وﻋمﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﲟخﺘﻠﻒ ﻟﻐﺎت اﻟعﺎﱂ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﻋﻤﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳉﻤﻴﻊ اﻟﻔﺌﺎت‬
‫أﻛﱪ ﻗﺪر ﳑﻜن من‬ ‫إن من معﺎﻳﲑ جﻮدة اﳌﻴﺪان اﻟﺪﻋﻮي أن تﺘنﻮع ﻓﻴه ﻓﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻓَـﻴَـعُ ﱡم َ‬
‫اﻟﻔﺌﺎت وﻻ ﻳُﻘصﺮ اﻟعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻓﻴه ﻋﻠﻰ ﻓﺌة ﺑعﻴنﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﺬي ﻳُﻠﺤﻆ ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪﻋﻮة ﻓﻴﻬﺎ ﱂ تُﻘصﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺌﺎت اﻷﺻﻠﻴّة من اﳌﻘﺎتِﻠﲔ‪ ،‬واﳌﻘﺎتَﻠﲔ‪ ،‬ﺑﻞ تعﺪت إﱃ ﻓﺌﺎت أﺧﺮى‬
‫ﻟﺘﺒع‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ مﻮاﻗﻒ دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة من ﺧﻼل مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬تﱪز ﻫﺬا اﻟﺘﱠعﺪد‬
‫واﻟعمﻮم اﻻﺳﺘﻬﺪاﰲ ﻟﻔﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن‪.‬‬
‫ﻓﺮﻏم أن مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات مﻴﺪان ﺧﺎص ﻟﺮجﺎل ﻏﲑ أن اﳌﺮأة ﱂ تﻐﺐ ﻋنه‪ ،‬ﻛمﺸﺎرﻛة ﰲ اﻟﻐﺰو‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـﻨَ ْﺴ ِﻘﻲ اﻟ َﻘ ْﻮ َم‪،‬‬ ‫ﳌمﺎرﺳة اﻟﺘمﺮﻳﺾ واﻹﻏﺎثة‪ ،‬ﻓعن اﻟﱡﺮﺑـﻴِ ِع ﺑِْن ِ ٍ‬
‫ﺖ ُم َع ِّﻮذ‪ ،‬ﻗَﺎﻟَ ْ‬
‫ﺖ‪ُ » :‬ﻛﻨﱠﺎ ﻧَـﻐْ ُﺰو َﻣ َﻊ اﻟﻨِ ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ ‪1‬‬
‫وَﳔْ ُﺪ ُﻣ ُﻬ ْﻢ‪ ،‬وﻧَـ ُﺮ ﱡد اﳉَْﺮ َﺣى َواﻟ َﻘ ْﺘـﻠَى إِ َﱃ اﳌَﺪﻳﻨَﺔ« ‪.‬‬
‫ﻓﺎﳌﺮأة؛ وإن ﻛﺎن اﳉﻬﺎد ﻻ ﳚﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻻ أ ﺎ ﱂ ُﲢﺮم من اﳋﺮوج ﰲ اﻟﻐﺰوات؛ ﻟنﻴﻞ اﻟﻔﻀﻞ‬
‫واﻟﺸﺮف ﰲ ﺧﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬من ﺧﻼل تﻘﺪﱘ ﺧﺪمﺎت تنﺎﺳﺐ ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ ﻟﻠمﺠﺎﻫﺪﻳن‪ ،‬ﻛمﺪاواة‬
‫اﳉﺮﺣﻰ وإﻋﺪاد اﻟﻄعﺎم‪.2‬‬
‫ومن اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﺘعﻠﻘة ﳌﺮأة إﻛﺮام اﻟﺴﺒﻴﺎت‪ ،‬ﻓﺒﺴﺒﺐ إﻛﺮامﻬن من ﻗﺒﻞ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﲢﻮﻟن‬
‫ﲢﻮﻟن ﻋن اﻟﻜﻔﺮ ﰲ وﻗﺖ ﻗﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﺮﲟﺎ ﻛﺎن إﺳﻼمﻬن ﰲ ﻇﺮوف اﳌعﺮﻛة أو ﻏﲑ ﺑعﻴﺪ ﻋنﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﻓﻘﺪ أﺳﻠمﺖ جﻮﻳﺮﻳّة ﺑنﺖ اﳊﺎرث ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬وﺻﻔﻴّة ﺑنﺖ ﺣﻴﻲ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ من ﺳﱯ‬
‫وتﺰوجﻬن ﺑعﺪ ذﻟﻚ‪.3‬‬
‫ّ‬ ‫أﻋﺘﻘﻬن ‪‬‬
‫ّ‬ ‫ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب رد اﻟنﺴﺎء اﳉﺮﺣﻰ واﻟﻘﺘﻠﻰ إﱃ اﳌﺪﻳنة‪ ،(34/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪،2883 :‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺮره ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻄﺐ إﺷﺎرة إﱃ ﺑعﺪ مﻘﺎﺻﺪي ﰲ اﻟﺮواﻳّة وتﺮجم ﻟه ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب ﻫﻞ ﻳﺪاوي اﻟﺮجﻞ اﳌﺮأة أو اﳌﺮأة اﻟﺮجﻞ"‪،‬‬
‫)‪.(122/7‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪-3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4212 :‬‬
‫‪371‬‬
‫ﻓﺤﺴن ﺧﻠق اﻟنﱯ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه مع اﻟﺴﺒﺒﻴﺎت ﻛﺎن ﻇﺎﻫﺮا ﻻ ﳜﻔﻰ‪ ،‬ﻓﺈﻛﺮام اﳌﺮأة واﻹﺣﺴﺎن إﻟﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﺬي ﻇﻞ ﺷعﺎرا من ﺷعﺎرات اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة منﺬ انﻄﻼﻗﻬﺎ‪ ،‬وﺳﻴﺴﺘمﺮ ﰲ ﻛﻞ اﳌﻴﺎدﻳن إﱃ ﻗﻴﺎم‬
‫اﻟﺴﺎﻋة مﺎ ﲤﺴﻚ اﳌﺴﻠمﻮن ﲞصﺎﺋﺺ ﻫﺬه اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫ومن ﻋﺠﻴﺐ إﻛﺮام اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻠمﺮأة أنه ﻰ ﻋن ﻗﺘﻠﻬﺎ ﰲ اﳊﺮب‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن اﺑن‬
‫‪1‬‬
‫ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬وجﺪت امﺮأة مﻘﺘﻮﻟة ﰲ ﺑعﺾ مﻐﺎزي رﺳﻮل ﷲ ‪» ،‬ﻓَـﻨَـ َﻬى َر ُﺳ ُ‬
‫ﻮل‬
‫ا ﱠِ ‪ ‬ﻋﻦ ﻗَـْﺘ ِﻞ اﻟﻨِّ ِ‬
‫ﺴﺎء َو ِّ‬
‫اﻟﺼْﺒﻴﺎن« ‪.2‬‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ومن ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي اﳊﻀﺎري ﻳعﻠن اﻟنﱯ ‪ ‬إﻋﺎدة اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻠمﺮأة ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ إنﺴﺎ مﻜﺮمﺎ‬
‫ﻗﺪ ُﺳﻠﺒﺖ منﻬﺎ ﻛﺮامﺘﻬﺎ ﺑﺸع‪ ،‬وأﻓﻈع اﻟصﻮر ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة؛ إذ ﻛﺎنﺖ تﺪﻓن وﻫﻲ ﺣﻴّة‪ ،‬ﻗﺎل ﷲ‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َّٗ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ﺳﺒﺤﺎنه و تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ َذا ُ ِّ َ‬
‫َ تَ َ ٰر ٰ‬
‫ي م َِن لق ْو ِم مِن‬‫كظِيم ‪ٞ‬‬
‫۪‬ ‫ظل وجههۥ مسودا وهو‬ ‫أ َح ُد ُهم بِﺎﻻن ۪ ٰ‬
‫ل َ َ َ َ ٓ َ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ون ْم يَدسهۥ‬
‫ُ‬ ‫ُ ٓ َ ُ ّ َ ٓ َُ ْ ُ ُ ََ‬
‫ون چٱ]اﻟنﺤﻞ‪.[59- 58:‬‬‫اب أﻻ سﺎ َء مﺎ يحكم ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰه ٍ‬ ‫سو ِء مﺎ ِ ب ِ ۖهِۦ أ مسِ كهۥ‬

‫ﻳﻘﻮل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ رﲪه ﷲ تعﻠﻴﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻮك اﳉﺎﻫﻠﻲ اﻟﺒﺸع‪ ":‬وﻗﺪ ﻛﺎن من ﻫﻮان اﻟنﻔﺲ‬
‫اﻟنﻔﺲ اﻹنﺴﺎنﻴّة ﰲ اﳉﺎﻫﻠﻴّة أن انﺘﺸﺮت ﻋﺎدة وأد اﻟﺒنﺎت ﺧﻮف اﻟعﺎر أو ﺧﻮف اﻟﻔﻘﺮ‪ ،‬وﺣﻜﻰ‬
‫اﻟﻘﺮآن ﻋن ﻫﺬه اﻟعﺎدة مﺎ ﻳﺴﺠﻞ ﻫﺬه اﻟﺸنﺎﻋة ﻋﻠﻰ اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ جﺎء اﻹﺳﻼم ﻟﲑﻓع اﻟعﺮب من‬
‫وﻫﺪ ﺎ‪ ،‬وﻳﺮﻓع اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﻛﻠﻬﺎ"‪.3‬‬
‫وﳑن اﺳﺘﻬﺪف ﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟصﺒﻴﺎن ﻓﻘﺪ ﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋن ﻗﺘﻠﻬم ﰲ اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺴﺎﺑق‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﻐﺰوات ﱂ ﻳﻜن ﻫﺪﻓﻬﺎ ﰲ ﻳﻮم من اﻷ م ﺳﻔﻚ اﻟﺪمﺎء واﻹ دة اﳉمﺎﻋﻴّة‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎنﺖ أﻫﺪاﻓﻬﺎ‬
‫دﻋﻮﻳّة ﺧﺎﻟصة‪.‬‬
‫ومن ﻫﺬا اﳌنﻄﻠق ﻓﻠم تﻜن تﻘﺎتﻞ إﻻ من ﺻﺪﻫﺎ ﻋن تﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻹنﻘﺎذ اﻟﺒﺸﺮﻳّة من‬
‫اﻟﻜﻔﺮ واﻟﻀﻼل‪ ،‬وإﺧﺮاجﻬﺎ من اﻟﻈﻠمﺎت إﱃ اﻟنﻮر‪ ،‬ﻓﻬﻲ دﻋﻮة رﲪة وﺧﲑ ﻟﻺنﺴﺎنﻴّة ﺳﺮﻫﺎ؛ ﺑﻞ‬
‫ٓ َ ْ َ‬
‫ﻟﻺنﺲ واﳉن‪ ،‬أﱂ ﻳﻘﻞ ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ ﻋن ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ‪ :‬ٱچ َو َمﺎ أ ْر َسل َ ٰك‬
‫ّْ‬
‫إِﻻ َر ْح َم ٗة ِل َ ٰلَ ِم َ ۖ چ ]اﻷنﺒﻴﺎء‪[106 :‬؟ومﺎ ﻛﺎنﺖ دﻋﻮة اﻟﺮﲪة أن تﻘﺘﻞ اﻟصﺒﻴﺎن انﺘﻘﺎمﺎ من آ ﺋﻬم‪.‬‬

‫‪ - 1‬ورد ﰲ ﺑعﺾ اﻟﺮوا ت أ ﺎ ﻏﺰوة ﺣنﲔ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ‬
‫نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮي‪.(503/2) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﺘﻞ اﻟنﺴﺎء ﰲ اﳊﺮب‪ ،(61/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2851 :‬‬
‫‪ -3‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3839 /2) ،‬‬
‫‪372‬‬
‫وﻫﺬا اﳌﺒﺪأ اﻹنﺴﺎﱐ اﻟعﻈﻴم ﻛﺎن مﻄﺮدا ﰲ ﲨﻴع ﻏﺰواته ‪ ‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﻮﺻﻲ ﺑه ﻗﺎدة ﺑعﻮثه‬
‫ﷲ‪،‬‬‫ﻴﻞ ِ‬ ‫وﺳﺮا ه‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺳنن أﰊ داود ﻋن ﺑﺮﻳﺪة ‪ ،‬أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺎل‪» :‬ا ْغﺰوا ِ ﺳ ِﻢ ِ‬
‫ﷲ‪ ،‬وِﰲ َﺳﺒِ ِ‬ ‫ُ ْ‬
‫ﷲ‪ ،‬وﻗَﺎﺗِﻠُﻮا َﻣ ْﻦ َﻛ َﻔ َﺮ ِ ﱠِ‪ ،‬ا ْغ ُﺰوا َوﻻَ ﺗَـﻐْ ِﺪ ُروا‪ ،‬وﻻَ ﺗَـﻐُﻠﱡﻮا‪ ،‬وﻻَ ﲤَُﺜِّﻠُﻮا‪ ،‬وﻻَ ﺗَـ ْﻘﺘُـﻠُﻮا َوﻟِﻴ ًﺪا« ‪.1‬‬
‫ﻴﻞ ِ‬
‫َﺳﺒِ ِ‬
‫ﻓﻬﺬا اﻟﺘصﺮف اﻟنﺒﻮي مع ﻓﺌة اﻟصﺒﻴﺎن إﺷﺎرة ﻗﻮﻳّة إﱃ ﺿﺮورة اﻟعنﺎﻳّة م واﻟنﻈﺮ إﻟﻴﻬم ﺑنﻈﺮة‬
‫اﺳﺘﺸﺮاﻓﻴّة ﻗﺒة تﺪل ﻋﻠﻰ اﳉﻮدة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.2‬‬
‫ﻓصﺒﻴﺎن اﻟﻴﻮم ﻫم رجﺎل اﻟﻐﺪ اﻟﺬﻳن ﻳﺘﻮﺳم ﻓﻴﻬم ﲪﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻛمﺎ ﲪﻠﻬﺎ ﺻﺒﻴﺎن مﺸﺮﻛﻲ اﻟعﺮب؛ إذ‬
‫ﻛﺎن منﻬم اﻟﺴﺎدة واﻟﻘﺎدة واﻟعﻠمﺎء‪!...‬‬
‫وأﺧﺘم ﻫﺬه اﻟﻔﺌﺎت ﺑﻔﺌة اﻟﺸﺒﺎب‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﳍﺎ اﻟنصﻴﺐ اﻷوﻓﺮ من اﳊﻀﻮر؛ ﻛﺪﻋﺎة وﳎﺎﻫﺪﻳن ﰲ‬
‫ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه مﺪﻋﻮﻳن ومﺘﺪرﺑﲔ ﻋﻠﻰ مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة أدوارا ﺑﻄﻮﻟﻴّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬تﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗﻬم ووﻋﻴﻬم اﻟﺮﺳﺎﱄ اﻟنﺎﺿج‪،‬‬ ‫ﻓﻘﺪ ﻟعﺐ ﺷﺒﺎب ّ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﱄ اﻟنﺎﺿج‪ ،‬ومن اﻟنﱠمﺎذج اﻟﺸﺎﺑة اﳊﺮﻳّة ﻟﺬﻛﺮ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم ﳕﻮذج جﺎﺑﺮ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﺬي‬
‫ﻛﺎد ﻻ ﻳﺘخﻠﻒ ﻋن ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن مﻜﺜﺮا من اﻟﻐﺰو‪ ،‬إذ ﻳﻘﻮل‪» :‬ﻏﺰوت مع رﺳﻮل ﷲ‬
‫ﷲ ‪ ‬تﺴع ﻋﺸﺮة ﻏﺰوة«‪ ،‬ﻗﺎل جﺎﺑﺮ‪» :‬ﱂ أﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‪ ،‬وﻻ أﺣﺪا منعﲏ أﰊ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻗﺘﻞ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻳﻮم‬
‫‪3‬‬
‫ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،‬ﱂ أﲣﻠﻒ ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰوة ﻗط«‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﻳُﺴﺠﻞ ﻟه من مﻮاﻗﻒ إﻃعﺎمه ﻷﻫﻞ اﳋنﺪق ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻮﻟﻴمة اﳌﺒﺎرﻛة اﳌﺸﻬﻮدة اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﺪق اﻟصﺤﺎﰊ اﻟﺸﺎب وأﻫﻞ ﺑﻴﺘه ﰲ ﺣﺒﻬم ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻓﻠم ﻳﻄق رؤﻳّة‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﻫﻮ ﻳﺮﺑط ﻋﻠﻰ ﺑﻄنه ﺣﺠﺮﻳن من اﳉﻮع‪ ،4‬ومن مﻮاﻗﻔه‪ ،‬وﻛﺎنﻠه اﻟﻔﻀﻞ ﰲ رواﻳّة‬
‫اﻟعﺪﻳﺪ من مﺮو ت اﳌﻐﺎزي اﻟﱵ تﻀمنﺖ أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬وأذﻛﺮ من ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل ﳑﺎ‬
‫تﻀمنه اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬رواﻳﺘه ﻟصﻼة اﳋﻮف ﰲ ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،‬وﻗصة ﺑﻴع ﲨﻠه ﻟﺮﺳﻮل ﷲ‪ ،‬وﻗصة‬

‫‪ -1‬رواه أﺑﻮداود ﰲ ﺳننه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد‪ ،‬ب ﰲ دﻋﺎء اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،(37/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2613 :‬واﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ أﺧﺮجه مﺴﻠم‬
‫مﻄﻮﻻ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب مﲑ اﻹمﺎم اﻷمﺮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﻮث‪ ،(1357 /3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1731 :‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪ -3‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب ﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ ب ﻋﺪد ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ،(1448/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1813 :‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،(108/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4102:‬‬
‫‪373‬‬
‫ﻋﻔﻮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻋن اﻷﻋﺮاﰊ اﻟﺬي أراد ﻗﺘﻠه ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬وﺻﻼة اﻟنﺎﻓﻠة ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﺣﻠة‬
‫ﰲ ﻏﺰوة أﳕﺎر‪ ،1‬وﻏﲑ ذﻟﻚ من اﳌﺮو ت اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻐﺰوات اﻟﱵ ﺳﲑد ﺑعﻀﻬﺎ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ‪.2‬‬
‫ﻓﻜﺎن ﻟﻄﻮل ﺻﺤﺒة جﺎﺑﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻟﻠنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟﻐﺰوات ﺑﻠﻴغ اﻷثﺮ ﰲ ﺑنﺎء ﺷخصﻴﺘه اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪،‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﳌﻜﺜﺮﻳن من اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬وﻗﺪ جﻠﺲ ﻟﻠﺘعﻠﻴم ﰲ اﳌﺴﺠﺪ اﻟنﺒﻮي ﰲ آﺧﺮ‬ ‫ﻓﻬﻮ ﰲ ﻋﺪاد ﻋﻠمﺎء ّ‬
‫آﺧﺮ ﺣﻴﺎته‪ ،‬اﻟﱵ امﺘﺪت إﱃ ﻗﺮاﺑة اﻟﺘﺴعﲔ‪.3‬‬
‫ومن مﻮاﻗﻒ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﱵ أﺣﺒﺒﺖ أن أﺷﲑ إﻟﻴه مﻮاﻗﻒ اﻟصﺤﺎﰊ اﻟﺸﺎب ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ اﻟﺬي‬
‫ﺻﺪق‪ ،‬وثﺒﺖ ﰲ ﳏنﺘه‪ ،‬وﺧﻼﺻﺘﻬﺎ أن اﻟنﱯ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه ﻫﺠﺮوه دﻳﺒﺎ ﻟه ﻋﻠﻰ ﲣﻠﻔه ﻋن ﻏﺰوة‬
‫تﺒﻮك ﺑﻼ ﻋﺬر‪ ،‬ودام ذﻟﻚ ﲬﺴﲔ ﻳﻮمﺎ‪.4‬‬
‫ومﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮة اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺒﻄﻮﻟﻴّة ﳍﺬا اﻟﺸﺎب اﻟﱵ ﻗﻞ نﻈﲑﻫﺎ‪ ،‬ﻛﺜﺮة تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ ﻗصة‬
‫ﻛعﺐ وﻛﻞ تﺮﲨة تعﱪ ﻋن مﻮﻗﻒ ﻋﻈﻴم‪ ،‬وﻟﺴﺖ أدري ﻫﻞ أﻋﺠﺐ من مﻮاﻗﻒ ﻛعﺐ أم من ﻓﻘه‬
‫اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري؟‬
‫ﻓمن ﻫﺬه اﳌﻮاﻗﻒ‪ ،‬ﺻﺪﻗه مع رﺳﻮل ﷲ ﺣﲔ ﲣﻠﻒ ﻋن اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ " :‬وﷲ مﺎ أنعم ﷲ ﻋﻠﻲ‬
‫ﻋﻠﻲ من نعمة ﺑعﺪ إذ ﻫﺪاﱐ أﻋﻈم من ﺻﺪﻗﻲ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬أن ﻻ أﻛﻮن ﻛﺬﺑﺘه ﻓأﻫﻠﻚ ﻛمﺎ‬
‫َ ََ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫حل ُِف َ‬
‫َ َ ْ‬
‫ﺎﷲ لك ُم ٓۥ ِإذا نقلبْت ُم ٓۥ چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪. [95 :‬‬
‫‪5‬‬
‫ون ب ِ ِ‬ ‫چٱسي‬ ‫ﻫﻠﻚ اﻟﺬﻳن ﻛﺬﺑﻮا ﺣﲔ أنﺰل اﻟﻮﺣﻲ‪:‬‬
‫‪ ،‬ﻟﻴﺒﻘﻰ آﻳة ﻋﻠﻰ ﺻﺪق ﺷﺒﺎب اﻟصﺤﺎﺑة ﻋﻠﻴﻬم‬ ‫وﻗﺪ ﺧﻠّﺪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ مﻮﻗﻒ ﻛعﺐ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُ ُّ‬ ‫َ ‪6‬‬ ‫َ ََ‬
‫إِذا ضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ﻻ ض ب ِ َمﺎ َرحبَت‬ ‫ِين خلِفو َح‬ ‫ث ِة ِ۬ ا‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱو‬ ‫ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﺿﻮان‪ ،‬ﻗﺎل‬

‫‪ -1‬وتﺴمﻰ ﻏﺰوة ذي أمﺮ وﻏﺰوة ﻏﻄﻔﺎن‪ ،‬ﻛﺎنﺖ ﰲ رﺑﻴع اﻷول من اﻟﺴنة اﻟﺜﺎﻟﺜة ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬ﻛأ ّن ﺳﺒﺒﻬﺎ‪ ،‬اجﺘمﺎع ﺑنﻮ ثعﻠﺒة وﺑنﻮ‬
‫ﳏﺎرب ﻟﻺﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓخﺮج إﻟﻴﻬم رﺳﻮل ﷲ ﰲ أرﺑعمﺌة وﲬﺴﲔ ﻓﺎرس‪ ،‬واﺳﺘخﻠﻒ ﻋﺜمأ ّن ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة ﻓﺎنصﺮﻓﻮا ﺣﲔ‬
‫رأوا ﻫﺬا اﳉمع من اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(194/1) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(167/3) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(116/5) ،(62/3) ،(146/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة‪ ،(546/1) ،‬ﺧﲑ اﻟﺪﻳن ﺑن ﳏمﻮد اﻟﺰرﻛﻠﻲ‪ ،‬اﻷﻋﻼم‪ ،‬دار اﻟعﻠم ﻟﻠمﻼﻳﲔ‪ ،‬ط‪ 2002 ،15‬م‪،‬‬
‫)‪.(104/2‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ اﻟﻘصة ﺑﻄﻮﳍﺎ‪ :‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(997/3) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،(531/2) ،‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪،‬‬
‫)‪.(03/6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫َنقلبْ ُت ُم ٓۥ چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪،[97 :‬‬ ‫ﺎﷲ لك ُم ٓۥ إِذا‬ ‫حل ُِف َ‬
‫ََ ْ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ ٱ ٱسي‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه‬
‫ون ب ِ ِ‬
‫)‪ ،(68/6‬ﺑﺮﻗم‪.4673 :‬‬
‫‪ -6‬اﻟﺜﻼثة ﻫم‪ :‬ﻫﻼل ﺑن أمﻴّة‪ ،‬ومﺮارة ﺑن رﺑﻴعة‪ ،‬وﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴأ ّن ﰲ وﻳﻞ اﻟﻘﺮآن‪.(545/14) ،‬‬
‫‪374‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ٓ َْ ُ َ َ َ‬ ‫َْ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫واب‬ ‫ﷲ ه َو‬ ‫ﺎب َعليْ ِه ْم ِ َتو ٓو أن‬ ‫جﺄ م َِن ِ‬
‫ﷲ إِﻻ إ ِ ِه م ت‬ ‫َوضﺎﻗت َعليْ ِه ُم ٓۥ أنفس ُه ْم َوظن ٓوا أن ﻻ مل‬
‫ِيم چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪[119 :‬ٱ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رح ۖ‬
‫وﻟﺪﻻﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻴم اﶈنة واﻟﺒﻼء ﲟﺎ ﻻ مﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ جعﻠﻬﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري من تﺮاجم اﻟﻘصة‬
‫اﻟﻘصة ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪. 1‬‬
‫ومن مﻮاﻗﻔه اﻟﺒﻄﻮﻟﻴّة أﻳﻀﺎ‪ ،‬تصﺪﻗه ﲟﺎﻟه ﻛﻠه ﺷﻜﺮا تعﺎﱃ ﻋﻠﻰ نﺰول تﻮﺑﺘه‪ ،‬ﻓﺮوى اﻟﺒخﺎري ﰲ‬
‫ﰲ ﻃﺮق من ﻃﺮق اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬أنه ﻗﺎل‪ :‬رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬أن من تﻮﺑﱵ أن أﳔﻠع‪ 2‬من مﺎﱄ ﺻﺪﻗة إﱃ ﷲ‪،‬‬
‫ﻋﻠﻴﻚ ﺑَـ ْﻌﺾ َﻣﺎﻟِﻚ‪ ،‬ﻓَﻬﻮ َﺧ ْﲑ ﻟَ َﻚ«‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻓﺈﱐ أمﺴﻚ ﺳﻬمﻲ‬ ‫وإﱃ رﺳﻮﻟه ‪‬؟ ﻗﺎل‪» :‬أَ ْﻣ ْﺴﻚ ْ‬
‫اﻟﺬي ﲞﻴﱪ"‪.3‬‬
‫وأﺧﺘم ﲟﻮﻗﻒ من تﻠﻚ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬وﻫﻮ مﻮﻗﻔه من ﻓﺘنة وإﻏﺮاء مﻠﻚ ﻏﺴﺎن ﻟه وﻫﻮ ﰲ ﻗﻠﺐ‬
‫ﻮق اﻟ َْﻤ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ إِذَا‬
‫ﻗﻠﺐ اﶈنة‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ ﺑعﺾ ﻃﺮق اﻟﻘصة‪ ،‬ﻗﻮل ﻛعﺐ ‪ ":‬ﻓَـﺒـ ْﻴـﻨَﺎ أَ َ أ َْﻣ ِﺸﻲ ِﰲ ﺳ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ﻚ‬ ‫ﺐ ﺑْ ِﻦ ﻣﺎﻟِ ٍ‬
‫ﻮل َﻣ ْﻦ ﻳَ ُﺪ ﱡل َﻋﻠَى َﻛ ْﻌ ِ َ‬ ‫ﺸ ِﺎم ِﳑﱠ ْﻦ ﻗَ ِﺪ َم ِ ﻟﻄﱠ َﻌ ِﺎم ﻳَﺒِﻴﻌُﻪُ ِ ﻟ َْﻤ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫اﻟ َْﻤ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ إِذَا ﻧَـﺒَ ِﻄ ﱞﻲ ِﻣ ْﻦ ﻧَـﺒَ ِﻂ أَ ْﻫ ِﻞ اﻟ ﱠ‬
‫ﺖ َﻛﺎﺗِﺒًﺎ ﻓَـ َﻘ َﺮأْﺗُﻪُ ﻓَِإذَا ﻓِ ِﻴﻪ‬ ‫ﱄ ﻛِﺘَﺎ ِﻣﻦ ﻣﻠِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻗَ َ ِ‬
‫ﺴﺎ َن َوُﻛْﻨ ُ‬
‫ﻚ غَ ﱠ‬ ‫ﺎءِﱐ ﻓَ َﺪﻓَ َﻊ إِ َﱠ ً ْ َ‬ ‫ﱄ َﺣ ﱠﱴ َﺟ َ‬ ‫ﲑو َن ﻟَﻪُ إِ َ ﱠ‬
‫ﱠﺎس ﻳُﺸ ُ‬ ‫ﺎل ﻓَﻄَﻔ َﻖ اﻟﻨ ُ‬
‫ﻀﻴـﻌ ٍﺔ ﻓَﺎ ْﳊ ْﻖ ﺑِﻨَﺎ ﻧـُﻮ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أَ ﱠﻣﺎ ﺑـﻌ ُﺪ ﻓَﺄﻧﻪ ﻗَ ْﺪ ﺑـﻠَﻐَﻨﺎ أن ﺻ ِ‬
‫ﺎل‬
‫ﻚ ﻗَ َ‬ ‫اﺳ َ‬ ‫َ‬ ‫ْﻚ ا ﱠُ ﺑِ َﺪا ِر َﻫ َﻮان َوَﻻ َﻣ ْ َ َ َ‬ ‫ﺎك َوَﱂْ َْﳚ َﻌﻠ َ‬ ‫ﻚ ﻗَ ْﺪ َﺟ َﻔ َ‬ ‫ﺎﺣﺒَ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ َ‬
‫ِ ‪4‬‬ ‫ﻀﺎ ِﻣﻦ اﻟْﺒ َﻼ ِء ﻓَـﺘَـﻴﺎﳑَْ ُ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ﻓَـ ُﻘﻠ ُ ِ‬
‫ﱡﻮر ﻓَ َﺴ َﺠ ْﺮﺗُـ َﻬﺎ َﺎ " ‪.‬‬ ‫ﺖ َﺎ اﻟﺘﱠـﻨ َ‬ ‫َ‬ ‫ﲔ ﻗَـ َﺮأْﺗُـ َﻬﺎ َو َﻫﺬﻩ أَﻳْ َ ْ َ‬ ‫ْﺖ ﺣ َ‬
‫وﻫنﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ وﻋﻲ اﻟﺸﺎب أن أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ﻻ ﰐ منﻬم ﺧﲑ ﻓﺴﺎرع إﱃ إﺣﺮاق اﻟصﺤﻴﻔة‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ معﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﻮﻗﻒ ﺑﻜﻼم ﻳﻜﺘﺐ ﲟﺎء اﻟعﲔ‪ ":‬ودل ﺻنﻴع ﻛعﺐ ﻫﺬا ﻋﻠﻰ ﻗﻮة إﳝﺎنه‬
‫إﳝﺎنه وﳏﺒﺘه وﻟﺮﺳﻮﻟه وإﻻ ﻓمن ﺻﺎر ﰲ مﺜﻞ ﺣﺎﻟه من اﳍﺠﺮ واﻹﻋﺮاض ﻗﺪ ﻳﻀعﻒ ﻋن اﺣﺘمﺎل‬
‫اﺣﺘمﺎل ذﻟﻚ وﲢمﻠه اﻟﺮﻏﺒة ﰲ اﳉﺎه واﳌﺎل ﻋﻠﻰ ﻫﺠﺮان من ﻫﺠﺮه وﻻ ﺳﻴمﺎ مع أمنه من اﳌﻠﻚ‬
‫اﻟﺬي اﺳﺘﺪﻋﺎه إﻟﻴه أنه ﻻﻳﻜﺮﻫه ﻋﻠﻰ ﻓﺮاق دﻳنه ﻟﻜن ﳌﺎ اﺣﺘمﻞ ﻋنﺪه أنه ﻻ من من اﻻﻓﺘﺘﺎن‬
‫ﺣﺴم اﳌﺎدة وأﺣﺮق اﻟﻜﺘﺎب ومنع اﳉﻮاب "‪.5‬‬

‫‪-1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(70/6) ،‬‬

‫‪ -2‬أﳔﻠﻊ‪ :‬ﻗﺎل اﺑن اﻷثﲑ‪" :‬أي أﺧﺮج منه ﲨﻴعه وأتصﺪق ﺑه وأﻋﺮى منه ﻛمﺎ ﻳعﺮى اﻹنﺴأ ّن إذا ﺧﻠع ثﻮﺑه"‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳّة‪.(65/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ ‪ ،‬ب إذا تصﺪق‪ ،‬أو أوﻗﻒ ﺑعﺾ مﺎﻟه‪ ،‬أو ﺑعﺾ رﻗﻴﻘه‪ ،‬أو دواﺑه‪ ،‬ﻓﻬﻮ جﺎﺋﺰ‪،‬‬
‫)‪ ،(7/4‬ﺑﺮﻗم‪.2757 :‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻮﺑة‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ‪ ،(345/13) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4973 :‬‬
‫‪ -5‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(121/8) ،‬‬
‫‪375‬‬
‫وﻻ نﺴﺘﻐﺮب مﺜﻞ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ من ﺻﺤﺎﺑة رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻬم ﲦﺎر نعة ﻟﻠصنﺎﻋة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﱵ‬
‫ﻳنﺒﻐﻲ أن ﻳﻘﻠﺪﻫﺎ ﺷﺒﺎﺑنﺎ‪ ،‬وﻫم ﻳﻮاجﻬﻮن ﲢﺪ ت‪ ،‬وﻓﱳ أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ومﺎ أﻛﺜﺮ أمﺜﺎل مﻠﻚ ﻏﺴﺎن‬
‫ﰲ زمﺎننﺎ!‬
‫وﻟﻮﻻ اﻹﻃﺎﻟة ﻟﺬﻛﺮت ﳕﺎذج ﻛﺜﲑة من ﳐﺘﻠﻒ اﻟﻔﺌﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛من اﻟنﺴﺎء واﻟصﺒﻴﺎن واﻟﺸﺒﺎب‪ ،‬وﻓﻴمﺎ‬
‫ﺳﻠﻒ إﻳﺮاده ﻛﻔﺎﻳّة ﻟﻠﺪﻻﻟة ﻋﻠﻰ اﳌﺮاد‪.‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﻋﻤﻮم اﻟﺰﻣﺎن واﳌﻜﺎن‬
‫ﺑعﺪ أ ْن ﺑﻴنﺖ ﻋمﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳉمﻴع اﻷمم‪ ،‬واﺳﺘﻬﺪاﻓﻬﺎ ﻟﻜﻞ اﻟﻔﺌﺎت من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات؛ آﰐ‬
‫ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋن ﻋمﻮم اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺣﻴﺚ اﻟﺰمﺎن واﳌﻜﺎن وﻫﻮ ﻻ ﻳﻘﻞ أﳘﻴّة ﻋن ﺳﺎﺑﻘﻴه؛ ﻟﺬا ﻓﺈن‬
‫اﳌﺘأمﻞ ﰲ ﺣﺮﻛة اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼل اﻟﻐﺰوات ﻳﺪرك ﻓﻴﻬﺎ ﺑعﺪ ﻋمﻮم اﻟﺰمﺎن واﳌﻜﺎن ﺑﻜﻞ وﺿﻮح‪.‬‬
‫ﻓعمﻮم اﳌﻜﺎن ﻳﻠﺤﻆ من واﻗع اﻟﻐﺰوات وأ ﺎ ﱂ تﺘمﺮﻛﺰ ﰲ ﺷﺒه اﳉﺰﻳﺮة اﻟعﺮﺑﻴّة‪ ،‬ﺑﻞ تعﺪت ذﻟﻚ إﱃ‬
‫ﺑﻼد اﻟﻔﺮس واﻟﺮوم‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ ﻏﺰوة مﺆتة وتﺒﻮك‪ ،‬وإرﺳﺎل اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺮﺳﻞ‪ ،‬وﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﳍﺠﺮة إﱃ‬
‫اﳊﺒﺸة‪.‬‬
‫ﻛمﺎ تﺪل اﻟﺮؤﻳّة اﻻﺳﺘﺸﺮاﻓﻴّة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ من ﺧﻼل أﺣﺎدﻳﺚ ﻛﺜﲑة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ وﻏﲑه‪،‬‬
‫ﺻﻠﱠﻰ ﷲُ َﻋﻠَْﻴ ِه َو َﺳﻠﱠ َم‬ ‫ﱠﱯ َ‬ ‫ﺎل‪َ :‬ﺣ ﱠﺪثـَْﺘ ِﲏ أُﱡم َﺣَﺮٍام‪ :‬أن اﻟنِ ﱠ‬ ‫وﻏﲑه‪ ،‬ﻓعن أنﺲ ﺑن مﺎﻟﻚ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺖ ِﻣ ْﻦ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻋ ِﺠ ْﺒ ُ‬ ‫ﻚ؟ ﻗَ َ‬ ‫ﻀ ِﺤ ُﻜ َ‬‫ﻮل ا ﱠِ َمﺎ ﻳُ ْ‬ ‫ﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ﻚ‪ ،‬ﻗَﺎﻟَ ْ‬ ‫ﻀ َﺤ ُ‬ ‫ﻆ َوُﻫ َﻮ ﻳَ ْ‬ ‫ﺎﺳﺘَـْﻴـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬
‫ﻗَ َﺎل ﻳَـ ْﻮًمﺎ ِﰲ ﺑَـْﻴﺘ َﻬﺎ‪ ،‬ﻓَ ْ‬
‫ﻮل ا ﱠِ‪ْ ،‬ادعُ ا ﱠَ أن ْﳚ َعﻠَِﲏ‬ ‫ﺖ‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻣ ْﻦ ﻗَـ ْﻮم ﻣ ْﻦ أُﱠﻣ ِﱵ ﻳَـ ْﺮَﻛﺒُﻮ َن اﻟﺒَ ْﺤ َﺮ َﻛﺎﻟ ُْﻤﻠُﻮك َﻋﻠَى اﻷَﺳ ﱠﺮة«‪ ،‬ﻓَـ ُﻘﻠْ ُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ﺖ‪:‬‬ ‫ﲔ أ َْو ثَﻼَ ً ‪ ،‬ﻗُـ ْﻠ ُ‬ ‫ﻚ َمﱠﺮتَـ ْ ِ‬‫ﻚ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل ِمﺜْ َﻞ َذﻟ َ‬ ‫ﻀ َﺤ ُ‬ ‫ﻆ َوُﻫ َﻮ ﻳَ ْ‬ ‫ﺎﺳﺘَـْﻴـ َﻘ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺎل‪» :‬أَﻧْﺖ ﻣ ْﻨـ ُﻬ ْﻢ«‪ ،‬ﰒُﱠ َ َم ﻓَ ْ‬ ‫ِمْنـ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺖ‪،‬‬ ‫ص ِﺎم ِ‬‫ﻮل‪» :‬أَﻧْ ِﺖ ِﻣ َﻦ اﻷ ﱠَوﻟِ َﲔ«‪ ،‬ﻓَـﺘَـَﺰﱠو َج ِ َﺎ ُﻋﺒَ َﺎدةُ ﺑْ ُن اﻟ ﱠ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ْ ،‬ادعُ ا ﱠَ أن ْﳚ َعﻠَ ِﲏ ِمْنـ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻓَـﻴَـ ُﻘ ُ‬ ‫َ َر ُﺳ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اﻟ ﱠ ِ ِ‬
‫ﺖ ﻋُنُـ ُﻘ َﻬﺎ ‪.1‬‬ ‫ﺖ‪ ،‬ﻓَﺎنْ َﺪﻗﱠ ْ‬ ‫ﺖ َداﺑﱠةٌ ﻟﺘَـْﺮَﻛﺒَـ َﻬﺎ‪ ،‬ﻓَـ َﻮﻗَـ َع ْ‬‫ﺖ ﻗُـِّﺮﺑَ ْ‬‫صﺎمﺖ‪ ،‬ﻓَ َخَﺮ َج َﺎ إِ َﱃ اﻟﻐَْﺰِو‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َر َج َع ْ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ﻓﻀﻞ من ﻳصﺮع ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻓمﺎت ﻓﻬﻮ منﻬم‪ ،(18/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪ ،2799‬ب رﻛﻮب اﻟﺒﺤﺮ‪ ،(36/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2894 :‬مﺎ ﻗﻴﻞ ﰲ ﻗﺘﺎل اﻟﺮوم‪ ،(42/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2924 :‬وﻻ ﲣﻔﻰ دﻻﻟة‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫اﻟﱰﲨة اﻷﺧﲑة ﻋﻠﻰ ﻋمﻮم اﻟﺰمأ ّن واﳌﻜﺎن‪ ،‬وإﺷﺎرة اﻟﱰﲨﺘﲔ إﱃ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة أﺧﺮى‪ ،‬ﻛﺎﻻﺳﺘﻔﺎدة من اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﳌﺘﺎﺣة ﰲ ّ‬
‫واﻟﺸﻬﺎدة ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ واﳌﻮت من أجﻞ نﺸﺮ اﻟﺪﻳن‪.‬‬
‫‪376‬‬
‫وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ ﻏﺰوة ﻗﱪس ﺑﻘﻴﺎدة معﺎوﻳّة‪ ،‬زمن ﻋﺜمﺎن رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﺳنة ﲦﺎن وﻋﺸﺮﻳن‪ ،‬وﻗﻴﻞ‬
‫وﻗﻴﻞ ثﻼث وثﻼثﲔ‪ ،‬ﻓﺮﻛﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ جﻴﺶ ﻛﺜﻴﻒ من اﳌﺴﻠمﲔ ومعه ﻋﺒﺎدة ﺑن اﻟصﺎمﺖ وزوجﺘه‬
‫وزوجﺘه أم ﺣﺮام ﺑنﺖ مﻠﺤﺎن‪.1‬‬
‫وﻫﺬا ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻻمﺘﺪاد اﻟﺰمﺎﱐ واﳌﻜﺎﱐ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﳑﺎ جعﻞ اﻟﻔﺘﻮح تﺴﺘمﺮ ﺣﱴ ﻳعم‬
‫اﻹﺳﻼم اﳌعمﻮرة‪ ،‬وﳝﺘﻠﻚ اﳌﺴﻠمﻮن ﺧﺰاﺋن اﻷرض‪ ،‬تصﺪﻳﻘﺎ ﻟنﺒﻮة اﻟنﱯ ‪‬؛ إذ ﺑﺸﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻴمﺎ‬
‫رواه اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋﻘﺒة ﺑن ﻋﺎمﺮ‪ :‬أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﺧﺮج ﻳﻮمﺎ‪ ،‬ﻓصﻠﻰ ﻋﻠﻰ أﻫﻞ أﺣﺪ ﺻﻼته ﻋﻠﻰ‬
‫ط ﻟَ ُﻜﻢ‪ ،‬وأَ َ َﺷ ِﻬﻴ ٌﺪ َﻋﻠَ ْﻴ ُﻜﻢ‪ ،‬وأﱐ وا ﱠِ َﻷَﻧْﻈُﺮ إِ َﱃ ﺣﻮ ِ‬
‫ﺿﻲ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اﳌﻴﺖ‪ ،‬ﰒ انصﺮف إﱃ اﳌنﱪ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬أﱐ ﻓَـ َﺮ ٌ ْ‬
‫ض ‪َ -‬وأﱐ َوا ﱠِ َﻣﺎ أَ َﺧ ُ‬
‫ﺎف َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ أن ﺗ ْﺸ ِﺮُﻛﻮا‬ ‫ﻴﺢ اﻷ َْر ِ‬‫ِ‬
‫ض ‪ -‬أ َْو َﻣ َﻔﺎﺗ َ‬ ‫ﻴﺢ َﺧ َﺰاﺋِ ِﻦ اﻷ َْر ِ‬ ‫اﻵ َن‪ ،‬وأﱐ أُ ْﻋ ِﻄ ُ ِ‬
‫ﻴﺖ َﻣ َﻔﺎﺗ َ‬
‫ﺴﻮا ﻓِ َﻴﻬﺎ«‬ ‫ﺑَـ ْﻌ ِﺪي‪ ،‬وﻟَ ِﻜ ْﻦ أَ َﺧ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ﺎف َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ أن ﺗﻨَﺎﻓَ ُ‬
‫ﻗﺎل اﻟنﻮوي ﰲ ﺷﺮح اﳊﺪﻳﺚ‪ ":‬ﻫﺬا من أﻋﻼم اﻟنﺒﻮة ﻓﺈنه إﺧﺒﺎر ﺑﻔﺘﺢ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ﻷمﺘه ووﻗع ﻛمﺎ‬
‫أﺧﱪ ‪ ‬و اﳊمﺪ واﳌنة"‪.3‬‬
‫ومن ﰒ ﻓﺈن اﻟﻐﺰوات تﱪز من ﺧﻼل مﺮو ﺎ ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﺧﺎﺻﻴّة من أﻫم ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ ﲤﻴﺰت ﺎ ﻋن ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺪﻳنﻴّة وﻫﻲ ﺧﺎﺻﻴّة اﻟعمﻮم ﺑﻜﻞ أﺑعﺎده ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى‬
‫اﻷمم واﻷجنﺎس وﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﻟﻔﺌﺎت ا ﺘمعﻴّة‪ ،‬وﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﻟﺰمﺎن واﳌﻜﺎن‪ ،‬ﻓﻼ تﺘﻮﻗﻒ إﻻ‬
‫ﺑﺘﻮﻗﻒ اﳊﻴﺎة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻜﻮﻛﺐ ﺑﻘﻴﺎم اﻟﺴﺎﻋة!‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲞﺎﺻﻴّﺔ اﻟﺸﻤﻮل‬
‫ﺑعﺪ إﲤﺎم اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﺧﺎﺻﻴّة اﻟعمﻮم نﻮاﻋه‪ ،‬أنﺘﻘﻞ إﱃ ﺧﺎﺻﻴّة جﺪﻳﺪة من اﳋصﺎﺋﺺ اﻟعﻈﻴمة‬
‫اﻟﱵ تصﻄﺒغ ﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة؛ ﺧﺎﺻﻴّة اﻟﺸمﻮل اﻟﱵ ﻇﻠﺖ مصﺎﺣﺒة ﻟﻠﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي ﰲ‬
‫ﲨﻴع اﳌﻴﺎدﻳن‪ ،‬ﻓﺰ دة ﻋﻠﻰ ﴰﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻟﻸﺑعﺎد اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة اﻟعﺎمة اﳌمﺜﻠة‬
‫ﰲ ﺷعﺎﺋﺮ اﻹﺳﻼم اﻟﻜﱪى اﻟﱵ مﻀﻰ ﺑﻴﺎ ﺎ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻷول من ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺷﺎمﻠة ﳉمﻴع‬
‫منﺎﺣﻲ اﳊﻴﺎة اﳌﺪنﻴّة واﳊﻀﺎرﻳّة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫س‪ :‬ﺑﻀم أوﻟه‪ ،‬وﺳﻜﻮن نﻴه‬
‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﺒﺪاﻳّة واﻟنﻬﺎﻳّة‪ ،(227/10) ،‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪ ،(537/3) ،‬ﻗُـْﺒـ ُﺮ ُ‬
‫ﰒ ﺿم اﻟﺮاء‪ ،‬وﺳﲔ مﻬمﻠة‪ ،‬ﻛﻠمة رومﻴّة وﻫﻲ جﺰﻳﺮة ﰲ ﲝﺮ اﻟﺮوم‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻗﻮت اﳊمﻮي‪ ،‬معﺠم اﻟﺒﻠﺪان‪.(305/4) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉنﺎﺋﺰ‪ ،‬ب اﻟصﻼة ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻬﻴﺪ‪ ،(91/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪.1344 :‬‬
‫‪ -3‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺷﺮح مﺴﻠم‪.(5/5) ،‬‬
‫‪377‬‬
‫وﺳأﺣصﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ﺧﺎﺻﻴّة اﻟﺸمﻮل ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ ﻋﻠﻰ ا ﺎﻻت اﻟﱵ تﺘعﻠق ﺣﻜﺎم ﺑﺘنﻈﻴم‬
‫ﻋﻼﻗﺎت اﻷﻓﺮاد ﻓﻴمﺎ ﺑﻴنﻬم؛ ﺑﻐﻴّة إﺑﺮاز اﻟﺒعﺪ اﳊﻀﺎري اﻹنﺴﺎﱐ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﻓق اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:1‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﴰﻮل ا ﺎل اﻷﺳﺮي‬
‫ﻟﻴﺲ اﻟﻐﺮض من اﳊﺪﻳﺚ ﻋن ا ﺎل اﻷﺳﺮي ﺳﺮد ﲨﻴع مﺎ ورد ﻓﻴه من تﻔصﻴﻼت‪ ،‬ﻻ ﺳﻴمﺎ وﻗﺪ‬
‫مﻀﻰ اﻟﺘﻄﺮق إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ ﰲ مﻮاﻃن ﳐﺘﻠﻔة من ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬وإﳕﺎ اﻟﻘصﺪ اﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮر ﻫﺬا‬
‫ا ﺎل ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﺑﺘمﻈﻬﺮات ﳐﺘﻠﻔة ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة اﻷﺳﺮة‪ ،‬واﳊﺮص ﻋﻠﻰ ﲤﺘﲔ اﻟﺮواﺑط‬
‫واﻟعﻼﻗﺎت ﺑﲔ أﻓﺮادﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﻠغ من اﻟعنﺎﻳّة مﻮر اﻷﺳﺮة أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺘﺰوج وﻳﻮﱂ ﰲ ﳎﺎل اﻟﻐﺰو؛ ﻓﻘﺪ تﺰوج اﻟنﱯ ‪‬‬
‫ﲜﻮﻳﺮﻳّة ﰲ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬وﺑَـ َﲎ ﺑصﻔﻴّة‪ ،‬وأوﱂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻛﺎن ﻳﻈﻬﺮ اﻟعنﺎﻳّة‬
‫ﻟﺰوجﺎت واﳊﺮص ﻋﻠﻰ إﻇﻬﺎر إﻛﺮامﻬن واﻹﺣﺴﺎن إﻟﻴﻬن واﻟعﺪل ﺑﻴنﻬن؛ إذ ﻻ ﳜﺮج ﰲ ﻏﺰوة إﻻ‬
‫إﻻ وإﺣﺪى زوجﺎته معه‪.2‬‬
‫وﺑﻼ ﺷﻚ ﻓﺈن ﻟﻼﻫﺘمﺎم ﺎل اﻷﺳﺮي ﰲ اﻟﻐﺰوات أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة مﻘصﻮدة من اﻟﻔعﻞ اﻟنﺒﻮي‪،‬‬
‫ﻓﺰواجه من جﻮﻳﺮﻳّة وﻫﻲ من ﺳﱯ ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق ﻛﺎن من أﻫﺪاﻓه ﻟﻴﻒ ﻗﻠﻮب أﻫﻠﻬﺎ؛ ﻋن ﻃﺮﻳق‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻃﻠﻘﻮا اﻷﺳﺮى إﻛﺮامﺎ ﻷﺻﻬﺎر‬ ‫أﻫﻠﻬﺎ؛ ﻋن ﻃﺮﻳق اﳌصﺎﻫﺮة‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻓﻬمه ّ‬
‫ﻷﺻﻬﺎر رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻜﺎنﻠﻬﺬا اﳋﻠق اﻹﺳﻼمﻲ اﻟعﻈﻴم أثﺮ ﰲ اﺳﺘﺠﺎﺑة ﻗﻮمﻬﺎ‪.3‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﴰﻮل ا ﺎل اﳌﻌﺎﻣﻼﰐ‬
‫رﻏم أن اﻟﻐﺰوات ﻟﻴﺴﺖ ﳎﺎﻻ ﻟعﻘﻮد اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة ﻏﲑ أنﲏ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ مﺮو ت ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻗﺪ‬
‫تﻀمنﺖ ﺑعﺾ أﺣﻜﺎم اﳌعﺎمﻼت‪ ،‬ﻛمﺎ ﺑﻴنﺘه ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻷول‪ ،‬ﻛعﻘﺪ اﳌﺰارﻋة واﳌﺴﺎﻗﺎة اﻟﺬي ﻋﻘﺪه‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬مع ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من ﻋﻘﻮد اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﲟﺎ ﻳﻐﲏ إﻋﺎدته ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻗﺘصﺮت ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ا ﺎل ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ ﲡنﺒﺎ ﻟﻠﺘﻜﺮار وﻗﺪ تنﺎوﻟنﺎ ا ﺎل اﻟعﻘﺪي واﻟﺘﺸﺮﻳعﻲ ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻷول وتعﺮﺿﺖ‬
‫اﻟﺪاﻋﻴّة واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬وﻋﻠﻴه ﻓﺎﻟﺸمﻮل ﻳﺘعﻠق ﺑﺜﻼثة ﳎﺎﻻت رﺋﻴﺴﻴّة‪ :‬ا ﺎل اﻟﺘعﺒﺪي‪،‬‬
‫ﻟﻠمﺠﺎل اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋنﺪ اﳊﻴﺚ ﻋن أﺧﻼق ّ‬
‫واﻷﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬واﻟعﻼﻗﺎﰐ‪.‬‬
‫‪-2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪(159/3) ،(135/5) ،(148/3) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﳌﻄﻠق‪ ،‬اﻟﺘﺪرج ﰲ دﻋﻮة اﻟنﱯ‪ ،‬ص‪96‬‬

‫‪378‬‬
‫ﻟﺬا ﺳأﻛﺘﻔﻲ ﻟﺘنﺒﻴه ﻋﻠﻰ ﻗﻀﻴّة اﻟﺮ اﻟﱵ ورد ذﻛﺮﻫﺎ ﺿمن روا ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى‬
‫روى أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﺳﺘعمﻞ رجﻼ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﺠﺎءه ﺑﺘمﺮ جنﻴﺐ‪ 1‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﺎع ِﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا‬
‫ﺼ َ‬‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬أ ﻟَﻨَﺄْ ُﺧ ُﺬ اﻟ ﱠ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻻَ َوا ﱠِ َ َر ُﺳ َ‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬أَ ُﻛ ﱡﻞ ﲤَْ ِﺮ َﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ َﻫ َﻜ َﺬا«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎﻋ ْ ِﲔ‪ ِ ،‬ﻟﺜﱠﻼَﺛَِﺔ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪» :‬ﻻَ ﺗَـ ْﻔ َﻌ ْﻞ‪ ،‬ﺑِ ِﻊ اﳉَ ْﻤ َﻊ ِ ﻟ ﱠﺪ َر ِاﻫ ِﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ اﺑْـﺘَ ْﻊ ِ ﻟ ﱠﺪ َر ِاﻫ ِﻢ َﺟﻨِﻴﺒًﺎ« ‪.2‬‬
‫ﺼَ‬ ‫ِﻟ ﱠ‬
‫ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﳛﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ تنﻘﻴّة اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة من اﻟعﻘﻮد اﳌخﺎﻟﻔة ﻟﻠﺸﺮﻳعة ﺧﺎﺻة‬
‫ﺧﺎﺻة اﻟﺮ ؛ ﻷن تﺮك اﻟﺘعﺎمﻞ ﻟﺮ من ﳏﺎﺳن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬اﻟﺪاﻟة ﻋﻠﻰ ﺧﲑﻳﺘﻬﺎ وإنﺴﺎنﻴﺘﻬﺎ؛‬
‫وإنﺴﺎنﻴﺘﻬﺎ؛ ﻟﻴﺪرك اﻟنﺎس ﲝق أ ﺎ أﻋﻈم ﺑﺪﻳﻞ ﻋن اﳌمﺎرﺳﺎت اﳉﺎﻫﻠﻴّة‪.3‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﴰﻮل ا ﺎل اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ‬
‫ﻷﳘﻴّة اﻟنﻈﺎم اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﰲ اﻹﺳﻼم ﳒﺪه ﺣﺎﺿﺮا ﰲ اﻟﻐﺰوات وﳏﻴﻄﻬﺎ‪ ،‬ومن ذﻟﻚ مﺎ ﺣﻜم ﺑه‬
‫ي َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل‪ :‬نَـَﺰَل أ َْﻫ ُﻞ ﻗُـَﺮﻳْﻈَةَ َﻋﻠَﻰ‬ ‫ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ ﰲ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعِ ٍ‬
‫ﻴﺪ اﳋُ ْﺪ ِر ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﱠﱯ ‪‬إِ َﱃ َﺳ ْع ٍﺪ ﻓَأَتَﻰ َﻋﻠَﻰ ِﲪَﺎ ٍر‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َد َ ِم َن اﳌ ْﺴ ِﺠ ِﺪ ﻗَ َﺎل‬ ‫ﱡ‬ ‫ُﺣ ْﻜ ِم َﺳ ْع ِﺪ ﺑْ ِن ُم َع ٍﺎذ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ اﻟنِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ﻮﻣﻮا إِ َﱃ َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ‪ ،‬أ َْو َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪َ » :‬ﻫ ُﺆﻻَِء ﻧَـ َﺰﻟُﻮا َﻋﻠَى ُﺣ ْﻜ ِﻤ َﻚ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬تَـ ْﻘﺘُ ُﻞ‬ ‫صﺎ ِر‪» :‬ﻗُ ُ‬ ‫ﻟ ْﻸَنْ َ‬
‫ﺖ ِﲝُ ْﻜ ِﻢ ا ﱠِ«‪ ،‬و ُرﱠﲟَﺎ ﻗَ َ‬ ‫ُم َﻘﺎتِﻠَﺘَـ ُﻬ ْم‪ ،‬وتَ ْﺴِﱯ ذَ َرا ِرﻳـﱠ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ِ ِ ‪4‬‬
‫ﺎل‪ِ» :‬ﲝُ ْﻜ ِﻢ اﳌَﻠﻚ«‪.‬‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻗَ َ‬
‫ﻀْﻴ َ‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ إﺑﺮاز ﶈﺎﺳن اﻟﻘﻀﺎء ﰲ اﻹﺳﻼم اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟعﺪل‪ ،‬ﻓـ" ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ أﺷﺪ اﻟﻴﻬﻮد‬
‫اﻟﻴﻬﻮد ﻋﺪاوة ل رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وأﻏﻠﻈﻬم ﻛﻔﺮا‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ جﺮى ﻋﻠﻴﻬم مﺎ ﱂ ﳚﺮ ﻋﻠﻰ إﺧﻮا م"‪.5‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺘﻤﺮ اﳉﻨﻴﺐ‪ :‬ﻫﻮ نﻮع من أجﻮد اﻟﺘمﻮر‪ ،‬اﺑن اﳉﻮزي‪ ،‬ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﳌعﻄﻲ أمﲔ اﻟﻘﻠعﺠﻲ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1405 ،1‬ه‪1985 ،‬م‪.(359/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﺳﺘعمﺎل اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﺧﻴﱪ‪ ،(140/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4244 :‬وﻗﺪ ﻛﺮر اﻟﺒخﺎري‬
‫اﳊﺪﻳﺚ ﻟﻴﺸمﻞ مﻮﺿﻮﻋﺎت مﺘعﺪدة وﻟعﻞ ذﻟﻚ منﺎﺳﺐ ﳋﺎﺻﻴّة اﻟﺸمﻮل‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ أنه أﺧﺮجه ﰲ ‪:‬ﻛﺘﺎب اﻟﺒﻴﻮع‪ ،‬ب إذا‬
‫أراد ﺑﻴع ﲤﺮ ﺑﺘمﺮ ﺧﲑ منه‪ ،(77/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2201 :‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﻛﺎﻟة‪ ،‬ب اﻟﻮﻛﺎﻟة ﰲ اﻟصﺮف واﳌﻴﺰان‪ ،(98/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪ ،2302‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﺳﺘعمﺎل اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ ﺧﻴﱪ‪ ،(140/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4244 :‬ﻛﺘﺎب اﻻﻋﺘصﺎم ﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ب‬
‫إذا اجﺘﻬﺪ اﻟعﺎمﻞ أو اﳊﺎﻛم‪ ،‬ﻓأﺧﻄأ ﺧﻼف اﻟﺮﺳﻮل من ﻏﲑ ﻋﻠم‪ ،‬ﻓﺤﻜمه مﺮدود‪ ،(91/9) ،‬ﺑﺮﻗم‪.7350 :‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل ّ‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة وﳏﺎﺻﺮته إ ﻫم‪،‬‬
‫)‪ ،(112/5‬ﺑﺮﻗم‪.4121 :‬‬
‫‪ -5‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬أﻋﻼم اﳌﻮﻗعﲔ‪.(117/3) ،‬‬
‫‪379‬‬
‫ﳌﺎ ﺑعﺚ ﺑﺮﺳﺎﻟة ﻷﻫﻞ مﻜة ﳜﱪﻫم ﲟﻘﺪم‬ ‫وﳑﺎ ﻗﻀﻰ ﺑه ‪ ‬ﻋﻔﻮه ﻋن ﺣﺎﻃﺐ ﺑن أﰊ ﺑﻠﺘعة‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﺑعﺜﲏ اﻟنﱯ ‪ ‬واﻟﺰﺑﲑ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬ ‫ﳜﱪﻫم ﲟﻘﺪم رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓعن ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ‬
‫ِ‬
‫ﺿةَ‪ :‬ﻓَـ ُﻘﻠْنَﺎ‪:‬‬‫ﺐ ﻛِﺘَﺎ ً «‪ ،‬ﻓَأَتَـْﻴـنَﺎ اﻟﱠﺮْو َ‬
‫ﺎﻫﺎ َﺣﺎﻃ ٌ‬ ‫ﺿ َﺔ َﻛ َﺬا‪ ،‬وَِﲡ ُﺪو َن ِ َﺎ ْاﻣ َﺮأَ ًة‪ ،‬أَ ْﻋﻄَ َ‬
‫واﻟﺰﺑﲑ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬اﺋْـﺘُﻮا َرْو َ‬
‫ﺖ ِم ْن ُﺣ ْﺠَﺰَِﺎ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ إِ َﱃ‬ ‫َﺧَﺮ َج ْ‬
‫ﻚ‪ ،‬ﻓَأ ْ‬ ‫ﺖ‪َ :‬ﱂ ﻳـع ِﻄ ِﲏ‪ ،‬ﻓَـ ُﻘﻠْنَﺎ‪ :‬ﻟَﺘُ ْخ ِﺮِج ﱠن أَو َﻷُج ِﺮَدنﱠ ِ‬
‫ْ َّ‬ ‫ﺎب‪ ،‬ﻗَﺎﻟَ ْ ْ ُ ْ‬ ‫اﻟﻜﺘَ َ‬
‫ِ‬
‫َﺣ ٌﺪ ِم ْن‬ ‫ت وﻻَ ْازَد ْد ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺣِ‬
‫ت ﻟ ِْﻺ ْﺳﻼَم إﱠﻻ ُﺣﺒﺎ‪ ،‬وَﱂْ ﻳَ ُﻜ ْن أ َ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻻَ تَـ ْع َﺠ ْﻞ‪ ،‬وا ﱠ َمﺎ َﻛ َﻔ ْﺮ ُ َ‬ ‫ﺐ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺎﻃ ٍ‬ ‫َ‬
‫ﻚ إِﱠﻻ وﻟَه ِﲟَ ﱠﻜةَ من ﻳ ْﺪﻓَع ا ﱠ ﺑِِه ﻋن أَﻫﻠِ ِه ومﺎﻟِِه‪ ،‬وَﱂ ﻳ ُﻜن ِﱄ أَﺣ ٌﺪ‪ ،‬ﻓَأَﺣﺒـﺒﺖ أن أ ﱠِ‬
‫َﲣ َﺬ‬ ‫َﺻ َﺤﺎﺑِ َ‬
‫ْ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ ْ ْ ََ‬ ‫َُ‬ ‫أْ‬
‫ِ‬
‫ﻳﻚ‪،‬‬‫ﺎل‪َ " :‬ﻣﺎ ﻳُ ْﺪ ِر َ‬ ‫ب ﻋُنُـ َﻘهُ ﻓَأنهُ ﻗَ ْﺪ َ ﻓَ َق‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫َﺿ ِﺮ ْ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻗَ َﺎل ﻋُ َم ُﺮ‪َ :‬د ْﻋ ِﲏ أ ْ‬ ‫ص ﱠﺪﻗَهُ اﻟنِ ﱡ‬
‫ﻋْن َﺪ ُﻫ ْم ﻳَ ًﺪا‪ ،‬ﻓَ َ‬
‫ﻟَ َﻌ ﱠﻞ ا ﱠَ اﻃﱠﻠَ َﻊ َﻋﻠَى أَ ْﻫ ِﻞ ﺑَ ْﺪ ٍر ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬ا ْﻋ َﻤﻠُﻮا َﻣﺎ ِﺷ ْﺌـﺘُ ْﻢ"‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ تﻀمن اﳊﺪﻳﺚ ﲨﻠة من اﻟﻘﻀﺎ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴّة؛من ذﻟﻚ ﲤﻜﲔ اﳌﺘﻬم من اﻟﺪﻓﺎع ﻋن نﻔﺴه‪ ،‬ﰒ‬
‫إﺻﺪار اﳊﻜم ﺑنﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺘه‪ ،‬واجﺘﻬﺎد اﻟﻘﺎﺿﻲ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻓﻴه تﻐﻠﻴﺐ اﻟعﻔﻮ ﻟﺘﻮﻓﺮ مﻘﺘﻀﻴﺎته‪،‬‬
‫ﻛﺎﳌصﻠﺤة اﻟﺮاجﺤة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم ﰲ تعﻠﻴﻘه ﻋﻠﻰ اﻟﻘصة‪":‬أن ﻗﺘﻠه راجع إﱃ رأي اﻹمﺎم‪ ،‬ﻓﺈ ْن رأى‬
‫رأى ﰲ ﻗﺘﻠه مصﻠﺤة ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻗﺘﻠه‪ ،‬وإن ﻛﺎن اﺳﺘﺒﻘﺎؤه أﺻﻠﺢ اﺳﺘﺒﻘﺎ"‪.2‬‬
‫راﺑﻌﺎ‪ :‬ﴰﻮل ﳎﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴّﺔ‪:‬‬
‫ﻟﻘﺪ تﻀمنﺖ اﻟﻐﺰوات ﺑعﺾ أﺣﻜﺎم تﺘعﻠق ﺑﺘنﻈﻴم ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟﺪول اﻷﺧﺮى ﰲ‬
‫اﻟﺴﻠم واﳊﺮب‪ ،‬من ذﻟﻚ ﻋﻘﺪ اﳌعﺎﻫﺪات‪ ،‬ﻛصﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬اﻟﺬي ﻋﻘﺪه اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﺬي ﰎ ﲟﻮجﺒه‬
‫وﻗﻒ اﻟﻘﺘﺎل ﺑﲔ اﻟﻄﺮﻓﲔ واﻟنﺸﺎط اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻲ ﺑعﺪﻫﺎ اﻟﺬي ﲤﺜﻞ ﰲ إرﺳﺎل اﻟﺮﺳﻞ واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻮﻓﻮد‪،‬‬
‫ﻛمﺎ ﺳنﺒﻴنه ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ‪.‬‬
‫وﺳأﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ نﺺ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة ﻷﳘﻴﺘه اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة؛ إذ ﻳعﺪ من أﻋﻈم اﻻتﻔﺎﻗﻴﺎت اﻟﺪوﻟﻴّة ﺑﲔ‬
‫ﺑﲔ اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وﻗﺮﻳﺶ اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﻻ تعﱰف ﺑﻮجﻮد ﻛﻴﺎن ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻟَ ﱠمﺎ أ ََر َاد أن ﻳ ْعﺘَ ِمَﺮ أ َْر َﺳ َﻞ إِ َﱃ أ َْﻫ ِﻞ َم ﱠﻜ َة ﻳَ ْﺴﺘَأْ ِذنـُ ُﻬ ْم‬ ‫ِ‬
‫اﻟﺒخﺎري ﻋن اﻟﺒَـَﺮاءُ َرﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ :‬أن اﻟنِ ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث ﻟَﻴَ ٍﺎل‪ ،‬وﻻَ ﻳَ ْﺪ ُﺧﻠَ َﻬﺎ إِﱠﻻ ِﲜُﻠُﺒﺎن‬ ‫ﻳَ ْﺴﺘَأْ ِذنـُ ُﻬ ْم ﻟﻴَ ْﺪ ُﺧ َﻞ َم ﱠﻜةَ‪ ،‬ﻓَﺎ ْﺷﺘَـَﺮﻃُﻮا َﻋﻠَْﻴ ِه أن ﻻَ ﻳُﻘ َﻴم ِ َﺎ إِﱠﻻ ثَﻼَ َ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺐ َﻫ َﺬا‬ ‫ﺐ اﻟﺸ ْﱠﺮ َط ﺑَـْﻴ ُنﻬ ْم َﻋﻠ ﱡﻲ ﺑْ ُن أَِﰊ ﻃَﺎﻟﺐ ﻓَ َﻜﺘَ َ‬ ‫َﺧ َﺬ ﻳَ ْﻜﺘُ ُ‬
‫َﺣ ًﺪا‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَأ َ‬
‫اﻟﺴﻼَ ِح‪ ،‬وﻻَ ﻳَ ْﺪ ُﻋ َﻮ مْنـ ُﻬ ْم أ َ‬
‫ّ‬
‫ﻚ وﻟَﺒﺎﻳـعنَ َ ِ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟُﻮا‪ :‬ﻟَﻮ ﻋﻠِمنَﺎ أنﻚ رﺳ ُ ِ‬ ‫ﺎﺿﻰ َﻋﻠَْﻴ ِه ُﳏَ ﱠم ٌﺪ َر ُﺳ ُ‬
‫ﺐ‬ ‫ﺎك‪ ،‬وﻟﻜ ِن ا ْﻛﺘُ ْ‬ ‫ﻮل ا ﱠ َﱂْ ﳕَْنَـ ْع َ َ َ َ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ َُ‬ ‫َمﺎ ﻗَ َ‬
‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب إذا اﺿﻄﺮ اﻟﺮجﻞ إﱃ اﻟنﻈﺮ ﰲ ﺷعﻮر أﻫﻞ اﻟﺬمة‪ ،‬واﳌﺆمنﺎت إذا‬
‫ﻋصﲔ ﷲ‪ ،‬وﲡﺮﻳﺪﻫن‪ ،(76/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3081 :‬‬
‫‪ -2‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪.(372/3) ،‬‬
‫‪380‬‬
‫ﺎل‪» :‬أَ َ َوا ﱠِ ُﳏَ ﱠﻤ ُﺪ ﺑْ ُﻦ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ‪ ،‬وأَ َ َوا ﱠِ َر ُﺳ ُ‬
‫ﻮل‬ ‫ﺎﺿﻰ َﻋﻠَْﻴ ِه ُﳏَ ﱠم ُﺪ ﺑْ ُن َﻋْﺒ ِﺪ ا ﱠِ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺐ َﻫ َﺬا َمﺎ ﻗَ َ‬ ‫ا ْﻛﺘُ ْ‬
‫ﻮل ا ﱠِ« ﻓَـ َﻘ َﺎل َﻋﻠِ ﱞﻲ‪َ :‬وا ﱠِ ﻻَ أ َْﳏَﺎهُ أَﺑَ ًﺪا‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪:‬‬ ‫ﺎل ﻟِ َعﻠِ ٍﻲ‪ْ » :‬اﻣ َﺢ َر ُﺳ َ‬
‫ّ‬ ‫ﺐ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬
‫ا ﱠ « ﻗَ َﺎل‪َ :‬وﻛﺎنﻼَ ﻳَ ْﻜﺘُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ﻀِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ اﻷَ ﱠ ُم‪ ،‬أَتَـ ْﻮا َﻋﻠﻴﺎ‪،‬‬ ‫ﱠﱯ‪ ‬ﺑِﻴَﺪه‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َد َﺧ َﻞ َوَم َ‬
‫ﻗَ َﺎل‪» :‬ﻓَﺄَ ِرﻧِﻴﻪ«‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻓَأ ََراهُ إِ ﱠ هُ ﻓَ َم َﺤﺎهُ اﻟنِ ﱡ‬
‫ِ‬

‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪» :‬ﻧَـ َﻌ ْﻢ« ﰒُﱠ‬ ‫ﻚ َﻋﻠِ ﱞﻲ ر ِﺿﻲ ا ﱠ َﻋْنه ﻟِﺮﺳ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻚ ﻓَـْﻠﻴَـْﺮَِﲢ ْﻞ‪ ،‬ﻓَ َﺬ َﻛَﺮ َذﻟ َ‬ ‫ﻓَـ َﻘﺎﻟُﻮا‪ :‬مﺮ ﺻ ِ‬
‫ﺎﺣﺒَ َ‬
‫َ َ ُ ُ َُ‬ ‫ُْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ْارَﲢَ َﻞ‬
‫وﻛﺎنﺖ ﳍﺬه اﻻتﻔﺎﻗﻴّة أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة؛ ﻓﻘﺪ اﻋﱰﻓﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻜﻴﺎ م ﻷول مﺮة ﻓعﺎمﻠﺘﻬم معﺎمﻠة‬
‫معﺎمﻠة اﻟنﺪ ﻟﻠنﺪ ﺑعﺪ أن ﻛﺎنﺖ تصﻮرﻫم أمﺎم اﻟنﺎس ﺑﺸع اﻟصﻮر ﻟصﺪﻫم ﻋن اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬وأ ﺣﺖ اﳍﺪنة اﻟﻔﺮﺻة ﻟﻠﺘﻔﺮغ ﻟﻴﻬﻮد ﺧﻴﱪ آﺧﺮ معﺎﻗﻞ ﻳﻬﻮد اﻟﱵ اﺳﺘﻐﻠﺖ ﻟﻠﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ اﳋنﺪق ومﺎ ﺑعﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻛمﺎ تﻮﻓﺮ ﳍم منﺎخ ﻟنﺸﺮ اﻹﺳﻼم‪.2‬‬
‫ﺧﺎﻣﺴﺎ‪ :‬ﴰﻮل ﳎﺎل اﳉﺒﺎﻳّﺔ‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸمﻮل ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻋﺪم إﻏﻔﺎل اﳌﻮارد اﻟعﺎمة ﻟﻠﺪوﻟة‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎءت مﺮو ت تﺘعﻠق‬
‫ﻟﻐنﺎﺋم تﻔصﻞ وتﺒﲔ أﺣﻜﺎمﻬﺎ اﳌخﺘﻠﻔة ﻛﺒﻴﺎن مﺸﺮوﻋﻴﺘﻬﺎ وﻃﺮق تﻘﺴﻴمﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ أﻓﺮد ﻟﺬﻟﻚ‬
‫اﻟﺒخﺎري أﺑﻮا ﰲ ﻛﺘﺎﺑه‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﻛﺘﺎﰊ "اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ" و "ﻛﺘﺎب اﳋﻤﺲ"‪.3‬‬
‫ﻛمﺎ ﺷﻬﺪت اﻟﻐﺰوات تﻄﺒﻴﻘﺎت ﻫﺬه اﻷﺣﻜﺎم ﺣﱴ ﻳﺘﺪرب اﳌﺴﻠمﻮن ﻋﻠﻰ اﻟعمﻠﻴّة تﻄﺒﻴﻘﻴﺎ وﰲ‬
‫ذﻟﻚ ﺑعﺪ دﻋﻮي تعﻠﻴمﻲ ﻻ ﳜﻔﻰ‪.‬‬
‫ﻓمن ذﻟﻚ ﻗﺴمة ﻏنﺎﺋم ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،4‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن ﻋﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑ ِن َزﻳ ِﺪ ﺑ ِن ﻋ ِ‬
‫ﺎﺻ ٍم‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ‬ ‫ْ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ص َﺎر َﺷْﻴـﺌًﺎ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﺎس ِﰲ اﳌَُﺆﻟﱠَﻔة ﻗُـﻠُﻮﺑـُ ُﻬ ْم‪ ،‬وَﱂْ ﻳـُ ْعط اﻷَنْ َ‬ ‫ﲔ‪ ،‬ﻗَ َﺴ َم ِﰲ اﻟن ِ‬ ‫أَﻓَﺎء ا ﱠ َﻋﻠَﻰ ر ُﺳﻮﻟِِه ‪‬ﻳَـ ْﻮَم ُﺣنَـ ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ﻓَﻜأ ُْم َو َج ُﺪوا إِ ْذ َﱂْ ﻳُصْﺒـ ُﻬ ْم َمﺎ أ َ‬
‫ﺿ ﱠﻼ ًﻻ‬ ‫ﺸﺮ اﻷَﻧْﺼﺎ ِر‪ ،‬أَ َﱂ أ ِ‬
‫َﺟ ْﺪ ُﻛ ْﻢ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ﺎل‪َ َ » :‬ﻣ ْﻌ َ َ‬ ‫ﱠﺎس‪ ،‬ﻓَ َخﻄَﺒَـ ُﻬ ْم ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎب اﻟن َ‬‫َﺻ َ‬
‫ﻓَـ َﻬ َﺪا ُﻛ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ‪ ،‬وُﻛ ْﻨـﺘُ ْﻢ ُﻣﺘَـ َﻔ ِّﺮﻗِ َﲔ ﻓَﺄَﻟﱠَﻔ ُﻜ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ‪ ،‬و َﻋﺎﻟَ ًﺔ ﻓَﺄَ ْغﻨَﺎ ُﻛ ُﻢ ا ﱠُ ِﰊ«‪.5‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب اﳌصﺎﳊة ﻋﻠﻰ ثﻼثة أ م‪ ،‬أو وﻗﺖ معﻠﻮم‪.(103/4) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(441/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪(14 ،78/4) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ امﺘﺪاد ﻟﻐﺰوة ﺣنﲔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻮجه إﻟﻴﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻟﻘﺘﺎل من ﺷﺮد إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ ﰲ نﻔﺲ اﻟﺸﻬﺮ ﰲ ﺷﻮال‬
‫ﺳنة ﲦﺎن‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻈﻔﺮ م‪ ،‬ﻓﺪﻋﺎ ﳍم ﳍﺪاﻳة‪ ،‬ﻓﻜﺎنﻮا ﳑن وﻓﺪوا ﻋﻠﻴه مﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﺑعﺪ أن تﻘﺪم ﻗﺒﻠﻬم مﺎﻟﻚ ﺑن ﻋﻮف ﻓأﺳﻠم‪ ،‬ﰒ‬
‫رجع إﻟﻴﻬم‪ ،‬ﻓﺪﻋﺎﻫم إﱃ ﷲ‪ ،‬وأتﻰ م إﱃ اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ ﺑن ﻋمﺮ اﳊﻀﺮمﻲ‪ ،‬ﺣﺪاﺋق اﻷنﻮار ومﻄﺎﻟع اﻷﺳﺮار ﰲ ﺳﲑة‬
‫اﻟنﱯ اﳌخﺘﺎر‪ ،‬دار اﳊﺎوي‪1998 ،‬م‪) ،‬د‪.‬ط(‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(358/1) ،‬‬
‫‪ -5‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‪ ،(157/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4330 :‬‬
‫‪381‬‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة منﻬﺎ مﺎ أﺷﺎر إﻟﻴه اﺑن تﻴمﻴّة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وإﳕﺎ ﻛﺎن ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م‬
‫ﻗﻠﻮ م ﳌﺎ ﰲ ﻗﻠﻮ م من اﳍﻠع واﳉﺰع ﻟﻴﻜﻮن مﺎ ﻳعﻄﻴﻬم ﺳﺒﺒﺎ ﳉﻠﺐ ﻗﻠﻮ م إﱃ أن ﳛﺒﻮا اﻹﺳﻼم‬
‫ﻓﻴﺤﺒﻮا ﷲ ﻓﻜﺎن مﻘصﻮده ﺑﺬﻟﻚ دﻋﻮة اﻟﻘﻠﻮب إﱃ ﺣﺐ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ وﺻﺮﻓﻬﺎ ﻋن ﺿﺪ ذﻟﻚ"‪.1‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻳﺘعﺎمﻞ مع ﻛﻞ مﻮﻗﻒ دﻋﻮي ﲟﺎ ﻳنﺎﺳﺒه من اﳌنﺎﻫج واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‪ ،‬وﻫﺬا‬
‫مﺎ اﺻﻄﺒغ ﺑه اﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي؛ ﳑﺎ جعﻠه أﺳﻮة ﻟﻠﺪﻋﺎة ﰲ ﻛﻞ زمﺎن ومﻜﺎن‪ ،‬وأي ﻓﺸﻞ دﻋﻮي‬
‫ﺳﺒﺒه اﳊَْﻴﺪة ﻋنه‪.‬‬
‫ومن اﳌﻮارد اﳌﺎﻟﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟﻐﺰوات اﳉﺰﻳّة‪ ،‬ﻓﻸﳘﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻓﺮد ﳍﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻛﺘﺎ ﻳﺘنﺎول‬
‫أﺣﻜﺎم أﻫﻞ اﻟﺬمة ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﲰﺎه "ﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳّة"‪ ،‬وﰲ ﻛﻞ ﻛﺘﺎب أﺑﻮاب وﻛﻞ ب تنﺪرج ﲢﺘه‬
‫ﲢﺘه أﺣﺎدﻳﺚ تنﺎﺳﺒه‪ ،‬ﻛمﺎ تﺘﻀمن أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﻳﺪرﻛﻬﺎ اﳌﺘأمﻞ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﺳﻴأﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋنﻬﺎ ودﻓع‬
‫ودﻓع ﺑعﺾ اﻟﺸﺒه اﻟﱵ تﺜﺎر ﺣﻮﳍﺎ ﻻﺣﻘﺎ‪.2‬‬
‫وﳑﺎ جﺎء ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﲞصﻮص ﻫﺬا اﳌﻮرد اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬أن رﺳﻮل ﷲ ﺻﺎﱀ‪ ‬أﻫﻞ اﻟﺒﺤﺮﻳن‬
‫ﻋﻠﻰ دﻓع اﳉﺰﻳّة‪ ،‬وﺑعﺚ أ ﻋﺒﻴﺪة ﺑن اﳉﺮاح إﱃ اﻟﺒﺤﺮﻳن ﰐ ﲜﺰﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺠﺎء ﲟﺎل ﻛﺜﲑ ﻓﻘﺴمه ﺑﲔ‬
‫ﺑﲔ أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ووﻋﻈﻬم وﺣﺬرﻫم من ﻓﺘنة اﻟﺪنﻴﺎ‪.3‬‬
‫وﺳﻮف أتنﺎول مﻮارد اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺑﺸﻲء من اﻟﺘﻔصﻴﻞ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة واﻟﺘﱠمﻜﲔ‬
‫ﻟﻠﺪوﻟة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻷداء رﺳﺎﻟﺘﻬﺎ اﳊﻀﺎرﻳّة اﻟﺸﻬﻮدﻳّة ﻓﻴمﺎ ﺑعﺪ‪.‬‬
‫ﺳﺎدﺳﺎ‪ :‬ﴰﻮل ا ﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬
‫ﻗﺪ تﻀمنﺖ اﻟﻐﺰوات ﺑعﺾ اﻟﻘﻴم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة تﺮﺑﻴّة ﻟﻸمة ﻋﻠﻰ اﳊﻜم اﻟﺮاﺷﺪ واﻟﺴﻴﺎﺳة اﻟعﺎدﻟة‪ ،‬ﻓمن‬
‫ذﻟﻚ‪:‬‬

‫‪ -1‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﻟﺰﻫﺪ واﻟﻮرع واﻟعﺒﺎدة‪ ،‬ص‪.46‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪(96/4) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ اﻟﻘصة ﺑﻄﻮاﻫﺎ‪ :‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب اﳉﺰﻳّة واﳌﻮادﻋة مع أﻫﻞ اﳊﺮب‪،(96/4) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪ ،3158 :‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب مﺎ ﳛﺬر من زﻫﺮة اﻟﺪنﻴﺎ واﻟﺘنﺎﻓﺲ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،(90/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،6425 :‬واﻟﱰﲨة اﻷﺧﲑة ﻓﻴﻬﺎ من‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة أ ّن اﳉﺰﻳّة واﻟﻐنﺎﺋم وﻏﲑﻫﺎ من ﺣﻈﻮظ اﻟﺪنﻴﺎ ﻟﻴﺴﺖ مﻘصﻮدة من اﻟﻐﺰوات أﺻﺎﻟة‪ ،‬ﻛمﺎ ﻓﻴﻬﺎ إﺷﺎرة إﱃ ﲢﺪي من‬
‫اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة وﻫﻮ تنﺎﻓﺲ اﻟﺪﻋﺎة ﻋﻠﻰ اﻟﺪنﻴﺎ‪.‬‬
‫‪382‬‬
‫‪ .1‬ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺸﻮرى‪ :‬ﻛﺜﲑا مﺎ ﻛﺎن اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﻳﺴﺘﺸﲑ أﺻﺤﺎﺑه ﻓﻴمﺎ ﻻ نﺺ ﻓﻴه‪ ،‬من اﻟﻜﺘﺎب‬
‫واﻟﺴنة تعﻮﻳﺪا ﻟﻸمة ﻋﻠﻰ ﳑﺎرﺳﺘﻬﺎ من ﺑعﺪه‪ ،‬وإﻋﻄﺎﺋﻬﺎ مﻜﺎنﺘﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌﻄﻠﻮﺑة ﺑﻜﻮ ﺎ ﻓﺮﻳﻀة‬
‫دﻋﻮﻳّة ﺷﺮﻋﻴّة‪.1‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺜﺮت اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺸﻮرﻳّة ﰲ اﻟﺴﲑة‪ ،‬ﻓمنﻬﺎ‪ ،‬اﻻﺳﺘﺸﺎرة ﰲ ﺑﺪء اﻟﻘﺘﺎل ﰲ ﺑﺪر‪ ،‬ﺣﲔ أراد معﺮﻓة‬
‫معﺮﻓة مﻮﻗﻒ اﻷنصﺎر‪ ،‬واﺳﺘﺸﺎرة أم ﺳﻠمة ﰲ اﻟﺘﺤﻠﻞ من ﻋمﺮة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪.2‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﲢمﻞ اﳌﺴﺆوﻟﻴّة‪ ،‬وتعﻠم اﻟﻘﻴﺎدة من‬ ‫‪ .2‬ﻗﻴﻤﺔ اﳌﺴﺆوﻟﻴّﺔ‪ :‬ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻳﺮﰊ ّ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‬
‫اﻟﻘﻴﺎدة من ﺧﻼل تﻜﻠﻴﻔﻬم ﺑﺒعﺾ اﻷدوار اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة واﻟﻘﻴﺎدﻳّة‪ ،‬ﻛﺤمﻞ اﻟﺮا ت‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﺮاﻳّة‬
‫ﺎل‪:‬‬ ‫ﻳﻮم ﺧﻴﱪ ﻟعﻠﻲ ‪ ،‬وأﺷﺎر ﻷﻫﻠﻴﺘه ﻟﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪َ » :‬ﻷُ ْﻋ ِﻄ َ ﱠ‬
‫ﲔ اﻟ ﱠﺮاﻳّﺔ ‪ -‬أ َْو ﻗَ َ‬
‫ﺐ ا ﱠَ َوَر ُﺳﻮﻟَﻪُ‪ ،‬ﻳَـ ْﻔﺘَ ُﺢ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ "‪ ،‬ﻓَِإذَا َْﳓ ُﻦ ﺑِ َﻌﻠِ ٍّﻲ‬
‫ﺎل‪ُِ :‬ﳛ ﱡ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻟَﻴَﺄْ ُﺧ َﺬ ﱠن ‪ -‬غَ ًﺪا َر ُﺟ ٌﻞ ُِﳛﺒﱡﻪُ ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُﻪُ‪ ،‬أ َْو ﻗَ َ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬ﻓَـ َﻔﺘَ َﺢ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِﻪ «‪.3‬‬ ‫َوَﻣﺎ ﻧَـ ْﺮ ُﺟﻮﻩُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟُﻮا‪َ :‬ﻫ َﺬا َﻋﻠِ ﱞﻲ‪ ،‬ﻓَﺄَ ْﻋﻄَ ُﺎﻩ َر ُﺳ ُ‬
‫وﻗﻴﺎدة اﻟﺴﺮا ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﳝﻜن من ﻟه أﻫﻠﻴّة اﻟﻘﻴﺎدة من ﻗﻴﺎدة اﻟﺴﺮا ‪ ،‬ﲤﻜﻴنﺎ‪ ،‬وتﺪرﻳﺒﺎ‬
‫رﻏم‬ ‫ﻷﺻﺤﺎﺑه ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺪﻋﻮﻳّة واﳉﻬﺎدﻳّة من ﺑعﺪه‪ ،‬ﻓمن ﻗﺎدة اﻟ ﱠﺴﺮا أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ‬
‫ﻋنه رﻏم ﺣﺪاثة ﺳنه إﺷﺎرة إﱃ إﻋﺪاد اﻟﻘﺎدة من اﻟﺸﺒﺎب‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أمﺮ‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺳﺎمة ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻓﻄعنﻮا ﰲ إمﺎرته‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬أن ﺗﻄ َْﻌﻨُﻮا ِﰲ إِ َﻣ َﺎرﺗِِﻪ ﻓَـ َﻘ ْﺪ ﻃَ َﻌ ْﻨـﺘُ ْﻢ ِﰲ إِ َﻣ َﺎرةِ أَﺑِ ِﻴﻪ ِﻣ ْﻦ‬
‫ﱠﺎس إِ َﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ﱠﺎس إِ َﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﱄ‬ ‫ﺐ اﻟﻨ ِ‬ ‫َﺣ ِّ‬‫ﱄ‪ ،‬وأن َﻫ َﺬا ﻟَﻤ ْﻦ أ َ‬ ‫ﺐ اﻟﻨ ِ‬ ‫َﺣ ِّ‬
‫ﻗَـْﺒﻠﻪ‪ ،‬و ْاﱘُ ا ﱠ ﻟَ َﻘ ْﺪ ﻛﺎن َﺧﻠﻴ ًﻘﺎ ﻟ ْ ِﻺ َﻣ َﺎرة‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻣ ْﻦ أ َ‬
‫ﺑَـ ْﻌ َﺪﻩُ« ‪.4‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﳋﻄﺎب اﻹﺳﻼمﻲ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮي‪،‬‬
‫)‪.(360/2‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻳﺘﺪاوﻟﻮن ﻋﻠﻰ ﲪﻞ‬ ‫اﻟصﺤﺎﺑة‬
‫‪ -‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‪ ،(135/5) ،‬وﻗﺪ ﻛﺎن ّ‬
‫اﻟﺮا ت ﻛمﺎ ورد ﰲ ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ‪ ،‬ﻓﺤمﻞ مصعﺐ ﺑن ﻋمﲑ اﻟﺮاﻳّة ﻳﻮم أﺣﺪ‪ ،‬وﲪﻞ اﻟﺰﺑﲑ اﻟﺮاﻳّة ﰲ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬وﲪﻞ اﻟﺮاﻳّة زﻳﺪ‬
‫ﺑن ﺑﺖ ﰲ تﺒﻮك‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(1003/3) ،(288/2) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،(73/2) ،‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬إمﺘﺎع‬
‫اﻷﲰﺎع‪ ،(159/7) ،‬وﻗﺪ أﺑﺪع اﳌﻘﺮﻳﺰي وأمﺘع ﰲ إمﺘﺎﻋه ﰲ ذﻛﺮ رﻳخ اﻟﺮا ت وأﻟﻮا ﺎ وﻗمﺎﺷﻬﺎ ونﻘﻮﺷﻬﺎ واﻟﻜﺘﺎ ت اﻟﱵ‬
‫ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﲪﻠﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب منﺎﻗﺐ زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة‪ ،(23/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3730 :‬‬
‫‪383‬‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮت ﻛﺘﺐ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ أﲰﺎء ﻗﺎدة اﻟﺴﺮا ‪ ،‬مﻮزﻋﲔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺌﺎت واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ‪ ،‬مع مﺮاﻋﺎة ﺑﻼ‬
‫ﺑﻼ ﺷﻚ اﺳﺘعمﺎل اﻟﻘﺎﺋﺪ اﳌنﺎﺳﺐ ﻟﻜﻞ ﺳﺮﻳّة‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﺬي تﻘﺘﻀﻴه اﳊﻜمة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.1‬‬
‫ومن مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺆوﻟﻴّة اﻻﺳﺘخﻼف ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﻳﻜﻠﻒ ﰲ ﻛﻞ ﻏﺰوة من‬
‫ﻳنﻮب ﻋنه ﰲ تﺴﻴﲑ ﺷﺆون اﻷمة اﻟﺪﻳنﻴّة واﻟﺪنﻴﻮﻳّة ﰲ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘخﻠﻒ ﰲ ﻏﺰوة تﺒﻮك ﻋﻠﻰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮﺳى إِﱠﻻ‬ ‫ﺿى أن ﺗ ُﻜﻮ َن ﻣ ِّﲏ ِﲟَْﻨ ِﺰﻟَﺔ َﻫ ُ‬
‫ﺎرو َن‪ ،‬ﻣ ْﻦ ُﻣ َ‬ ‫‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﲣﻠﻔﲏ ﰲ اﻟصﺒﻴﺎن واﻟنﺴﺎء؟ ﻗﺎل‪» :‬أَﻻَ ﺗَـ ْﺮ َ‬
‫ﱯ ﺑَـ ْﻌ ِﺪي«‪.2‬‬
‫ﺲ ﻧَِ ﱞ‬ ‫ِﻣ ْﻦ ُﻣ َ ِﱠ‬
‫ﻮﺳى إﻻ أﻧﻪُ ﻟَْﻴ َ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﺬﻳن اﺳﺘخﻠﻔﻮا ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ مﺮاﻋﺎة اﻟﺘﺪاول‬ ‫وﻗﺪ ذﻛﺮ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ أﲰﺎء ّ‬
‫واﻟﺘﻜﺎﻓﺆ‪ ،‬وﰲ ذﻟﻚ ﻟﻔﺖ ﻟنﻈﺮ اﻟﺪﻋﺎة ﻻﺳﺘﻐﻼل إمﻜﺎ ت وﻃﺎﻗﺎت اﻷتﺒﺎﻋﻮاﺳﺘﺜمﺎرﻫﺎ ﰲ اﻟعمﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي‪.3‬‬
‫‪ .3‬ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻄﺎﻋﺔ‪ :‬ومن اﻟﻘﻴم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة اﳊﺎﺿﺮة ﰲ اﳌﻐﺎزي ﻗﻴمة اﻟﻄﺎﻋة ﻓﻘﺪ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋة ورﺳﻮﻟه‪ ،‬وﻃﺎﻋة أوﻟﻴﺎء اﻷمﻮر ﰲ اﳌعﺮوف‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎنﺖ مﻮاﻗﻒ‬ ‫ﻋﻠﻰ تﺮﺑﻴّة ّ‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل‪ :‬رﺳﻮل ﷲ ‪َ » :‬ﻣ ْﻦ‬ ‫مﻮاﻗﻒ ﰲ اﻟﻐﺰوات تﺪل ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﻴمة‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‬
‫ِ ِ‬
‫ﺺ‬‫ﺎﻋ ِﲏ‪ ،‬وَﻣ ْﻦ ﻳَـ ْﻌ ِ‬ ‫ﺼ ِﺎﱐ ﻓَـ َﻘ ْﺪ َﻋ َ‬
‫ﺼى ا ﱠَ‪ ،‬وَﻣ ْﻦ ﻳُﻄ ِﻊ اﻷَﻣ َ‬
‫ﲑ ﻓَـ َﻘ ْﺪ أَﻃَ َ‬ ‫ﺎع ا ﱠَ‪ ،‬وَﻣ ْﻦ َﻋ َ‬ ‫‪َ » :‬ﻣ ْﻦ أَﻃَ َ‬
‫ﺎﻋ ِﲏ ﻓَـ َﻘ ْﺪ أَﻃَ َ‬
‫ﺎم ُﺟﻨﱠﺔٌ ﻳـُ َﻘﺎﺗَ ُﻞ ِﻣ ْﻦ َوَراﺋِِﻪ َوﻳـُﺘﱠـ َﻘى ﺑِ ِﻪ‪ ،‬ﻓَإن أ ََﻣ َﺮ ﺑِﺘَـ ْﻘ َﻮى ا ﱠِ َو َﻋ َﺪ َل‪ ،‬ﻓَﺄن ﻟَﻪُ ﺑِ َﺬﻟِ َ‬
‫ﻚ‬ ‫ﺼ ِﺎﱐ‪ ،‬وأﳕَﺎ ا ِﻹ َﻣ ُ‬
‫ِ‬
‫اﻷَﻣ َﲑ ﻓَـ َﻘ ْﺪ َﻋ َ‬
‫ﺎل ﺑِﻐَ ِْﲑِﻩ ﻓإن َﻋﻠَْﻴ ِﻪ ِﻣْﻨﻪُ«‪.4‬‬
‫َﺟ ًﺮا َوأن ﻗَ َ‬ ‫أْ‬
‫ومن ﰒَﱠ ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻻ ﻳﻐﻔﻞ أي ﳎﺎل من ﳎﺎﻻت اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﳎﺎل ﻳعﺪ مﻴﺪا‬
‫من مﻴﺎدﻳن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺣﱴ تصﻄﺒغ دﻋﻮته ﺑصﺒﻐة اﻟﺸمﻮل‪ ،‬وﻟعﻞ من أﺳﺒﺎب ﻓﺸﻞ اﻟﻜﺜﲑ من‬
‫اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺪﻋﻮﻳّة واﳊﺮﻛﺎت اﻹﺻﻼﺣﻴّة واﻟﺘﺠﺪﻳﺪﻳّة ﻳﺮجع إﱃ ﻏﻴﺎب اﻟﺮؤﻳّة اﻟﺸمﻮﻟﻴّة‪.‬‬

‫‪ - 1‬ﻣ ـ ـ ـ ــﻦ ﻗ ـ ـ ـ ــﺎدة اﻟﺴـ ـ ـ ـ ـﺮا ‪ :‬ﻋﺒﻴـ ـ ــﺪة ﺑـ ـ ــن اﳊ ـ ـ ــﺎرث‪ ،‬ﲪ ـ ـ ــﺰة ﺑ ـ ـ ــن ﻋﺒ ـ ـ ــﺪ اﳌﻄﻠ ـ ـ ــﺐ‪ ،‬ﺳ ـ ـ ــعﺪ ﺑ ـ ـ ــن أﰊ وﻗ ـ ـ ــﺎص‪ ،‬ﻋﺒ ـ ـ ــﺪ ﷲ ﺑ ـ ـ ــن‬
‫جﺤ ـ ـ ــﺶ‪ ،‬زﻳـ ـ ـ ــﺪ ﺑ ـ ـ ــن ﺣﺎرث ـ ـ ــة‪ ،‬أﰊ ﻋﺒﻴ ـ ـ ــﺪة ﺑ ـ ـ ــن اﳉ ـ ـ ـ ـﺮاح‪ ،‬ﻋﻠﻘم ـ ـ ــة ﺑـ ـ ـ ــن ﳎـ ـ ـ ــﺰز‪ ،‬ﻛ ـ ـ ــﺮز ﺑـ ـ ـ ـن ج ـ ـ ــﺎﺑﺮ‪ ،‬ﺑنﻈ ـ ـ ــﺮ‪ :‬اﺑـ ـ ـ ــن ﻫﺸـ ـ ـ ــﺎم‪،‬‬
‫اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(50 ،632 ،639 ،640/2) ،(591 ،595 ،600 ،601/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،(03/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4416 :‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬منﻬم أﺑﻮ ﻟﺒﺎﺑة ﺑن ﻋﺒﺪ اﳌنﺬر‪ ،‬اﺑن أم مﻜﺘﻮم‪ ،‬ﻋﺜمأ ّن ﺑن ﻋﻔﺎن‪ ،‬ﺳﺒﺎع ﺑن‬ ‫‪ -‬ﻗﺪ اﺳﺘخﻠﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﲨع من ّ‬
‫ﻋﺮﻓﻄة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(402 ،637/2) ،(180 ،197/1) ،‬‬
‫‪ - 4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻳﻘﺎتﻞ من وراء اﻹمﺎم وﻳﺘﻘﻰ ﺑه‪.(50/4) ،‬‬
‫‪384‬‬
‫ﻛمﺎ ﻳنﺒﻐﻲ ﻟﻠمﺪﻋﻮ أن ﻳنﻈم أمﻮر ﺣﻴﺎته ﻛﻠﻬﺎ وﻓق اﻟﺸﺮع‪ ،‬وﻟﻴﺤﺬر من ﻋﺰل اﻟﺪﻳن ﻋن اﳊﻴﺎة‬
‫وﺣصﺮه ﻓﻘط ﰲ ﳎﺎل اﻟﺘعﺒﺪات‪ ،‬ﺣﱴ ﻻ ﻳﻘع ﰲ ﻓخ اﻟعﻠمﺎنﻴّة‪ ،1‬ﻓمع اﻷﺳﻒ ﻗﺪ ﻏﺎﺑﺖ اﻟعﺒﻮدﻳّة‬
‫اﳊﻘة ﰲ واﻗع اﻟنﺎس‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲞﺎﺻﻴﱵ اﳌﺜﺎﻟﻴّﺔ واﻟﻮاﻗﻌﻴّﺔ‬
‫من ﳑﻴﺰات اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬أ ﺎ تﺴعﻰ ﻟﻠﺮﻗﻲ ﲜمﻬﻮر اﳌﺪﻋﻮﻳن إﱃ اﳌﺴﺘﻮى اﳌمﻜن من‬
‫اﻟﻜمﺎل ﰲ ﻋﺎﱂ اﳌﺜﻞ‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﻻ مﻞ واﻗع اﻹنﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﻔﺮزه واﻗعه وﻃﺒﻴعﺘه‪ ،‬وﳌﺎ‬
‫ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات مﻴﺪان من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻓﻼ رﻳﺐ أ ﺎ ﲢمﻞ ﺧصﺎﺋصﻬﺎ‪ ،‬ﻛمﺎ ﳛمﻞ اﻟﻔﺮع‬
‫ﺻﻔﺎت أﺻﻠه‪.‬‬
‫وﺳﻮف أرﻛﺰ ﰲ إﺑﺮاز ﻫﺬه اﳋﺎﺻﻴّة اﳌﺮﻛﺒة من ثنﺎﺋﻴّة اﻟﻮاﻗعﻴّة واﳌﺜﺎﻟﻴّة ﰲ اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﺪال‬
‫واﳌﺮاد ﻻﻋﺘﺪال ﻋﺪم اﻹﻓﺮاط واﻟﺘﻔﺮﻳط ﰲ أي ﺷﻲء‪ ،‬وإﻋﻄﺎء ﻛﻞ ذي ﺣق ﺣﻘه‪ ،‬وﻗﺪ مﺪح ﷲ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫نف ُقوا ْ َ ْم ُ ْ ُ وا ْ َو َ ْم ُ ْق ِ ُ وا ْ َوكﺎن َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه تعﺎﱃ اﳌﺘصﻔﲔ ﺑه‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎنه‪ ،‬چ ٱوا ِين إِذآ أ‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ ًَ َ ُ ُ َ َ َْ ُ‬ ‫َ َ ْ ْ‬ ‫َ َ َ ٗ‬
‫ٰ ِك ﻗ َوامﺎ ۖ چ ]اﻟﻔﺮﻗﺎن‪ ،[ 67:‬وﻗﻮﻟه ﷻ‪ :‬چٱ َوﻻ تج َعل يَ َدك َمغ ولة ٰ نقِك َوﻻ ت س ْط َهﺎ كل‬
‫ً‬ ‫ُ ٗ‬ ‫َْ ُ ْ َ ُ ْ‬
‫كل ل َ ْس ِط َ تَ ْق ُع َد َم ومﺎ م ْح ُسوراۖ چ ]اﻹﺳﺮاء‪.2 [29 :‬‬ ‫ت سطهﺎ‬
‫وﻗﺪ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ إﺑﺮاز ﻫﺬه اﳋﺎﺻﻴّة من ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وذﻟﻚ أن ﺑﻠﻮغ اﻟﻜمﺎل ﻻ‬
‫ﻳﺘﺤﻘق إﻻ ﻟﺘﻮﺳط واﻻﻋﺘﺪال ﰲ ﲨﻴع اﳌﻴﺎدﻳن ومنﻬﺎ مﻴﺪان اﻟﻐﺰو‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ نﻮرد ﺑعﺾ اﳌﻮاﻗﻒ‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة من اﻟﻐﺰوات ﻛمﺎ جﺎءت ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻻﻋﺘﺪال ﰲ اﻟﻌﺒﺎدات ﰲ اﻟﻐﺰو‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ﰲ ﻏﺎﻟﺒﻬﺎ تﻜﻮن ﰲ اﻟﺴﻔﺮ‪ ،‬وﲢصﻞ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫اﳌﺸﻘة واﻟﺘعﺐ‪ ،‬ﺷﺮﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﺧﺺ واﻟﺘﺴﻬﻴﻼت ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ اﻷنﻔﺲ من اﻟﺘﻠﻒ واﻹرﻫﺎق‬
‫واﻷذى‪ ،‬ومن ﻫنﺎ جﺎءت رﺧﺺ اﻟﻔﻄﺮ واﻟﻘصﺮ واﳉمع ﺑﲔ اﻟصﻠﻮات‪ ،‬ﰲ اﻟﺴﻔﺮ واﻟﻐﺰو ﲢﻘﻴﻘﺎ ﳍﺬه‬
‫اﳋﺎﺻﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻟعﻠمﺎنﻴّة ﻫﻲ دﻋﻮة إﱃ إﻗﺎمة اﳊﻴﺎة ﻋﻠﻰ ﻏﲑ اﻟﺪﻳن‪ ،‬وتعﲎ ﰲ جﺎنﺒﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﺬات اﻟﻼدﻳنﻴّة ﰲ اﳊﻜم‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﲪﻮد‪،‬‬
‫اﻟﺮﺣﻴﻠﻲ اﻟعﻠمﺎنﻴّة ومﻮﻗﻒ اﻹﺳﻼم منﻬﺎ‪ ،‬اﳉﺎمعة اﻻﺳﻼمﻴّة ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﻟعﺪد ‪ ،115‬اﻟﺴنة ‪ 34‬ن‪ 1422‬ﻫـ‪ ،‬ص‪.334‬‬
‫‪ -2‬ﺷﺤﺎتة ﷴ ﺻﻘﺮ‪ ،‬ﺷﺮﻳعة ﷲ ﻻ ﺷﺮﻳعة اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪385‬‬
 ‫ﻓمن أﻇﻬﺮ اﻷمﺜﻠة ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﳋﺎﺻﻴّة ﺻﻼة اﳋﻮف اﻟﱵ ﺷﺮﻋﺖ ﰲ ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى‬
‫اﻟﺮﻗَ ِﺎع ﺻﻠﱠى ﺻﻼَ َة اﳋَﻮ ِ‬
‫ف‪ :‬أن ﻃَﺎﺋَِﻔﺔً‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬ﻳـﻮم َذ ِ‬
‫ات ِّ‬ ‫روى اﻟﺒخﺎري ﺑﺴنﺪه َﻋ ﱠم ْن َﺷ ِﻬ َﺪ " َر ُﺳ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ﺖ ﻣﻌﻪُ‪ ،‬وﻃَﺎﺋَِﻔﺔٌ ِوﺟ َﺎﻩ اﻟﻌ ُﺪ ِو‪ ،‬ﻓَﺼﻠﱠى ِ ﻟﱠِﱵ ﻣﻌﻪُ رْﻛﻌﺔً‪ ،‬ﰒُﱠ ﺛـَﺒ َ ِ‬
‫ﺖ ﻗَﺎﺋ ًﻤﺎ‪ ،‬وأَ َﲤﱡﻮا ﻷَﻧْـ ُﻔﺴ ِﻬ ْﻢ ﰒُﱠ اﻧْ َ‬
‫ﺼ َﺮﻓُﻮا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ ّ َ‬ ‫ﺻ ﱠﻔ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ﺖ ِﻣﻦ ﺻﻼَﺗِِﻪ ﰒُﱠ ﺛـَﺒ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻓَﺼ ﱡﻔﻮا ِوﺟ َﺎﻩ اﻟﻌ ُﺪ ِو‪ ،‬وﺟ ِ‬
‫ﺴﺎ‪،‬‬
‫ﺖ َﺟﺎﻟ ً‬ ‫َ‬ ‫ﺼﻠﱠى ُﻢ اﻟ ﱠﺮْﻛ َﻌﺔَ اﻟﱠِﱵ ﺑَﻘﻴَ ْ ْ َ‬ ‫ﺎءت اﻟﻄﱠﺎﺋ َﻔﺔُ اﻷُ ْﺧ َﺮى ﻓَ َ‬‫َ َ ّ ََ‬ ‫َ‬
‫وأََﲤﱡﻮا ِﻷَﻧْـ ُﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ َﺳﻠﱠ َﻢ ِِ ْﻢ " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ﻓﻔﻲ ﺻﻼة اﳋﻮف ﲢﻘﻴق ﳋﺎﺻﻴّة اﳌﺜﺎﻟﻴّة ﳊﺮص ﻋﻠﻰ أداة ﺻﻼة اﳉمﺎﻋة مع اﻹمﺎم مع مﺮاﻋﺎة‬
‫ﻃﺒﻴعة اﻟﻈﺮف اﳊﺮﰊ‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒه من اﳊﻴﻄة واﳊﺬر‪ ،‬ومﺮاﻋﺎة اﻟﻄﺒﻴعة اﻟﺒﺸﺮﻳّة ومﺎ ﳛصﻞ ﳍﺎ من‬
‫ﺧﻮف‪ ،‬ﻓﻬﻲ مﺜﺎل ﻋﻠﻰ ﺣﺴن اﻟﺸﺮﻳعة ﻳﺴﺮﻫﺎ ومﻼءمﺘﻬﺎ ﻟﻜﻞ زمﺎن ومﻜﺎن وﳉمﻴع اﻷﺣﻮال‪.2‬‬
‫وﻗﺪ ﺷﺮع اﻟﺘﻴمم ﻟﻔﺎﻗﺪ اﳌﺎء ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓنﺰول آﻳّة اﻟﺘﻴمم ﻛﺎنﺖ ﰲ إﺣﺪى اﻟﻐﺰوات ﻓﻘﺪ روى‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ً َ ‬ﺳﺎ ِﻣ ْﻦ‬ ‫ﺎء ﻗِﻼَ َد ًة ﻓَـ َﻬﻠَ َﻜ ْ‬
‫ﺖ " ﻓَﺄ َْر َﺳ َﻞ َر ُﺳ ُ‬ ‫ت ِﻣ ْﻦ أ ْ‬
‫َﲰَ َ‬ ‫اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋﺎﺋﺸة ‪ ،‬أ َﺎ ْ‬
‫اﺳﺘَـ َﻌ َﺎر ْ‬
‫ﱠﱯ ‪َ ‬ﺷ َﻜ ْﻮا َذﻟِ َ‬
‫ﻚ إِﻟَْﻴ ِﻪ‪،‬‬ ‫ﺼﻼَةُ‪ ،‬ﻓَﺼﻠﱠﻮا ﺑِﻐَ ِﲑ و ُ ٍ‬
‫َﺻ َﺤﺎﺑِ ِﻪ ِﰲ ﻃَﻠَﺒِ َﻬﺎ‪ ،‬ﻓَﺄَ ْد َرَﻛ ْﺘـ ُﻬ ُﻢ اﻟ ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ﺿﻮء‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ أَﺗَـ ُﻮا اﻟﻨِ ﱠ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫َ ًﺳﺎ ﻣ ْﻦ أ ْ‬
‫‪3‬‬
‫ﺖ آﻳّﺔ اﻟﺘـﱠﻴَ ﱡﻤ ِﻢ‪.‬‬‫ﻓَـﻨَـ َﺰﻟَ ْ‬
‫ﻓﺎﻟﻘصة أﻳﻀﺎ ﲨع ﺑﲔ اﳌﺜﺎﻟﻴّة واﻟﻮاﻗعﻴّة‪ ،‬من ﺧﻼل ﲤﻜن اﳌﺴﻠمﲔ من أداء اﻟصﻼة مع مﺮاﻋﺎة‬
‫ﻇﺮف اﳊﺎجة واﳌﺸﻘة اﻟﺬي ﺣصﻞ ﳍم ﺑﺴﺒﺐ ﻓﻘﺪ اﳌﺎء‪.‬‬
‫وﰲ ذﻟﻚ دﻻﻟة ﻗﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﺣﺮص اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻋﻠﻰ اﻟصﻼة وﻋﻠﻰ إﻗﺎمﺘﻬﺎ ﰲ وجه ﲨﻴع‬
‫اﻷﻋﺬار واﳌعﻮﻗﺎت‪ ،‬ﲝﻴﺚ ﻻ ﻳﻘﻄع اﳌﺴﻠم اﻟصﻠة تعﺎﱃ مﻬمﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﻈﺮوف‪.4‬‬
‫ﻫﻜﺬا إذن تﱪز ﺧﺎﺻﻴّة اﻟﺘﻮﺳط واﻻﻋﺘﺪال ﰲ اﳌﺜﺎﻟﲔ‪ ،‬ﲝﻴﺚ ﳚمع اﳌﻜﻠﻒ ﺑﲔ اﳊﺮص ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟنﺰوح ﳓﻮ اﻟﻜمﺎل من ﺧﻼل اﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻟﻮاجﺒﺎت مع مﺮاﻋﺎة اﻟعﻮارض واﳌﻮانع اﻟﻮاﻗعﻴّة اﻟﱵ‬
‫تصﻴﺒه ﺧﺎﺻة ﰲ مﺜﻞ ﺣﺎﻻت اﻟﻐﺰو‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،(113/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4129 :‬‬
‫‪ -2‬ﷴ أﺑﻮ ُﺷﻬﺒة‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻘﺮآن واﻟﺴنة‪.(352/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب ﻓﻀﻞ ﻋﺎﺋﺸة‪ ،(29/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3773 :‬وﻗصة ﻓﻘﺪ اﻟعﻘﺪ ﻛﺎن ﺑعﺪ ﻗصة‬
‫اﻹﻓﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺳﺒﺒه ﻓﻘﺪ اﻟعﻘﺪ أﻳﻀﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺣﻘﻘه اﺑن اﻟﻘﻴم ﰲ زاد اﳌعﺎد‪ ،(231/3) ،‬مﺴﺘﺪﻻ ﲟﺎ رواه اﻟﻄﱪاﱐ ﻋن‬
‫‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ‪" :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ ﻋﻘﺪي ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺎل أﻫﻞ اﻹﻓﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻊ اﻟﻨﱯ ‪  ‬ﰲ غﺰوة أﺧﺮى ﻓﺴﻘﻂ أﻳﻀﺎ‬ ‫ﻋﺎﺋﺸة‬
‫ﻋﻘﺪي‪ ،"...‬اﻟﻄﱪاﱐ‪ ،‬اﳌعﺠم اﻟﻜﺒﲑ‪ ،(121/23) ،‬ﺑﺮﻗم‪. 19113 :‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(670 /2) ،‬‬
‫‪386‬‬
‫‪ .2‬اﻻﻋﺘﺪال ﰲ اﳌﺒﺎﺣﺎت ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ :‬ﻗﺪ أ ح اﻹﺳﻼم اﻟﺘمﺘع ﻟﻄﻴﺒﺎت من مأﻛﻞ ومﺸﺮب‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ٓ َ‬ ‫َ َ َُ ْ َ ُ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ﷲ لك ْم َوﻻ ت ْعتَد ٓو أن ﷲ ﻻ‬ ‫ت َمﺎ أ َحل‬
‫ح ّ ِرموا َطيّ ِ َ ٰ ِ‬‫ِ ين ءامنوا ﻻ ت‬ ‫چ ٱ َ َهﺎ‬ ‫ومنﻜﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ُ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يحِ ب لمعتد َ ۖ‬
‫ِين چ ]ﳌﺎﺋﺪة‪. [89:‬‬
‫وﻫﺬا ﻻ ﻳﺘعﺎرض مع ﺑﻠﻮغ اﻟﻜمﺎل ﺑﻞ ﻳعﲔ ﻋﻠﻴه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻳﻠﱯ رﻏﺒة اﻟﻔﻄﺮة اﻹنﺴﺎنﻴّة‪ ،‬ﻟﺬا ﳒﺪ اﻟنﱯ‬
‫‪ ‬مع مﺎ ﺑﻠغ من اﻟﻜمﺎل ﱂ ﳝنعه ذﻟﻚ من اﻟﺘمﺘع ﳌﺒﺎﺣﺎت ﰲ ﻏﺰواته‪ ،‬ﻓﻘﺪ ثﺒﺖ أنه ﻛﺎن ﻻ‬
‫ﳝنع نﻔﺴه من اﻟﻄﻴﺒﺎت ‪.‬‬
‫وﻗﺪ مﺮ اﻟﻜﺜﲑ من ذﻟﻚ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻛﺤﻀﻮره وﻟﻴمﺘه‪ ،‬وﲤﺘعه ﻟنﺴﺎء‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺻﺎب جﻮﻳﺮﻳّة ﰲ‬
‫اﳌصﻄﻠق وﺻﻔﻴّة ﰲ ﺧﻴﱪ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺑﻠغ اﻋﺘﺪاﻟه ﰲ اﻟﺘمﺘع ﻟﻄﻴﺒﺎت أنه ﻗﺒﻞ ﻃعﺎم اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬وﱂ ﻳﺮﻓﻀه‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﺷﺎةٌ ﻓِ َﻴﻬﺎ ُﺳ ﱞﻢ«‪.1‬‬
‫ﺖ ﻟِﺮ ُﺳ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬ﻟَ ﱠﻤﺎ ﻓُﺘِ َﺤ ْ‬
‫ﺖ َﺧ ْﻴـﺒَـ ُﺮ أُ ْﻫﺪﻳَ ْ َ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻓﻴه دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ جﻮاز اﻷﻛﻞ من ﻃعﺎم أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب وﻗﺒﻮل ﻫﺪﻳﺘﻬم‪ ،‬ﻛمﺎ ذﻛﺮ اﺑن‬
‫ﺣﺠﺮ‪ ،2‬وأن ذﻟﻚ من ﻃﺮق اﻻتصﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب وتعﺮﻳﻔﻬم ﲞصﺎﺋﺺ اﻹﺳﻼم وﳏﺎﺳنه‪،‬‬
‫ﻓمﺠﺎل اﻷﻃعمة ﻟﻴﺲ ﳎﺎﻻ ﻓﻘﻬﻴﺎ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴع اﻟ ّﺪاﻋﻴّة أن ﳛﻮﻟه إﱃ مﻴﺪان دﻋﻮي‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ اﻟﻮاﻋﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴع أن ﳚعﻞ ﺣﻴﺎته ﻛﻠﻬﺎ مﻴﺪا دﻋﻮ ‪.‬‬
‫ﻏﲑ أنه ﻛﺎن ﳛﺮص ﻋﻠﻰ أن ﻻ ﻳنﺰﻟﻮا إﱃ ﺣﺪ أدﱏ من اﳌﺜﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘعﻠق اﻟﺰاﺋﺪ ﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫صﺒ ِﺢ مع رﺳ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮل‬ ‫ﺻﻼَةَ اﻟ ﱡ ْ َ َ َ ُ‬ ‫ص ُﺎر ﲰعﺖ ﺑُِﻘ ُﺪوم أﰊ ﻋﺒﻴﺪة ﲜﺰﻳّة اﻟﺒﺤﺮﻳن‪ ،‬ﻓَـ َﻮاﻓَـْﺘهُ َ‬ ‫روى اﻟﺒخﺎري أن اﻷَنْ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أَﻇُﻨﱡ ُﻜ ْﻢ َِﲰ ْﻌﺘُ ْﻢ‬ ‫آﻫ ْم‪ ،‬وﻗَ َ‬ ‫ف تَـعﱠﺮﺿﻮا ﻟَه‪ ،‬ﻓَـﺘَـﺒ ﱠﺴم رﺳ ُ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﲔ َر ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪‬ﺣ َ‬ ‫صَﺮ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ‬ ‫َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ انْ َ‬
‫ﺴ ﱡﺮُﻛ ْﻢ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَﺄَﺑْﺸ ُﺮوا َوأ َّﻣﻠُﻮا َﻣﺎ ﻳَ ُ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫َج ْﻞ َ َر ُﺳ َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َﲰ ْﻌﺘُ ْﻢ ﺑ ُﻘ ُﺪوم أَِﰊ ُﻋﺒَـْﻴ َﺪةَ‪ ،‬وأﻧﻪُ َﺟ َﺎء ﺑ َﺸ ْﻲء« ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬أ َ‬
‫ﻂ َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ُﻢ اﻟ ﱡﺪﻧْـﻴَﺎ‪َ ،‬ﻛ َﻤﺎ ﺑُ ِﺴﻄَ ْ‬
‫ﺖ َﻋﻠَى‬ ‫ﺴَ‬‫ﺸى َﻋﻠَ ْﻴ ُﻜ ْﻢ أن ﺗ ْﺒ َ‬ ‫ﺴ ﱡﺮُﻛ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـ َﻮا ﱠِ َﻣﺎ اﻟ َﻔ ْﻘ َﺮ أَ ْﺧ َﺸى َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬وﻟَ ِﻜ ْﻦ أَ ْﺧ َ‬ ‫ﻳَ ُ‬
‫ﻮﻫﺎ‪ ،‬وﺗُـﻠْ ِﻬﻴَ ُﻜ ْﻢ َﻛ َﻤﺎ أَ ْﳍَْﺘـ ُﻬ ْﻢ«‪.3‬‬
‫ﺴ َ‬‫ﻮﻫﺎ َﻛ َﻤﺎ ﺗَـﻨَﺎﻓَ ُ‬
‫ﺴ َ‬‫ﻛﺎن ﻗَـ ْﺒـﻠَ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓَـﺘَـﻨَﺎﻓَ ُ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب اﻟﺸﺎة اﻟﱵ ﲰﺖ ﻟﻠنﱯ ‪ ‬ﲞﻴﱪ‪ ،(141/5) ،‬ﺑﺮﻗم ‪ ،4249‬وﻫﻲ تﺮﲨة‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﻟﻘﺎد ﺎ‪ ،‬وتﻮﻇﻴﻔﻬم ﻛﻞ ﻃﺎﻗﺎ م ﻟﻠنﻴﻞ من‬
‫ﻏﺎﻳّة ﰲ اﻟﺪﻗة‪ ،‬وﻟﻄﻴﻔة ﰲ دﻻﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻜﻴﺪه اﻟﻴﻬﻮد منﺬ ﺑﺪء ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﺳﺘﻐﻼل اﻟعنصﺮ اﻟنﺴﻮي‪ ،‬وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن‪.‬‬‫ّ‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(498 /7) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺮﻗﺎق‪ ،‬ب مﺎ ﳛﺬر من زﻫﺮة اﻟﺪنﻴﺎ واﻟﺘنﺎﻓﺲ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،(90/8) ،‬ﺑﺮﻗم‪.6425 :‬‬
‫‪387‬‬
‫ﻓﺎﻟنﱯ ‪ ‬ﱂ ﻳنﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺮﻏﺒة اﻟﻔﻄﺮﻳّة ﰲ اﻟﻐنﻴمة‪ ،‬إﳕﺎ ﺣﺬرﻫم من اﻻﳓﺮاف ﻋن ﺣﺪ اﻻﻋﺘﺪال‪،‬‬
‫اﻟﺬي تﱰتﺐ ﻋنه اﻷمﺮاض اﻟنﻔﺴﻴّة واﻻجﺘمﺎﻋﻴّة اﻟﱵ ﺣﻠﺖ ﻷمم اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ ﺳﺒﺒﺎ ﳍﻼﻛﻬﺎ‪.‬‬

‫وﻫﻮ معﲎ اﻟﺰﻫﺪ اﳊﻘﻴﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻘق ﺑه اﻟﺘﻮازن ﺑﲔ رﻏﺒﺎت اﻟﺮوح‪ ،‬ومﺘﻄﻠﺒﺎت اﳉﺴﺪ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن‬
‫اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ":‬واﻟﺬي أﲨع ﻋﻠﻴه اﻟعﺎرﻓﻮن أن اﻟﺰﻫﺪ ﺳﻔﺮ اﻟﻘﻠﺐ من وﻃن اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬وأﺧﺬه ﰲ منﺎزل‬
‫اﻵﺧﺮة‪ ...‬وﻟﻴﺲ اﳌﺮاد رﻓﻀﻬﺎ من اﳌﻠﻚ"‪.1‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺑﻌﺪ اﳌﺮوﻧﺔ‬
‫من مﻘﺘﻀﻴﺎت ﺧﺎﺻﻴّة اﳌﺜﺎﻟﻴّة واﻟﻮاﻗعﻴّة اﳌﺮونة ﰲ اﳌﻮاﻗﻒ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻳصﺎدف اﻟﺪاﻋﻴّة مﻮاﻗﻒ ﻳﻀﻄﺮ أن‬
‫ﻳﺘنﺎزل ﻋن ﺣﺪ اﳌﺜﺎﻟﻴّة ﳌصﻠﺤة دﻋﻮﻳّة راجﺤة‪ ،‬ﻓﺎﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟنّﺎجﺢ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن مﺮ ﺣﱴ ﻳﺘأﻗﻠم مع‬
‫اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﻄﺎرﺋة واﳌﻔﺎجﺌة‪ ،‬مع مﺮاﻋﺎة مﻘصﺪ اﻟﺸﺎرع ﰲ ذﻟﻚ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣصﻞ ﰲ اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﺷﻲء ﻛﺜﲑ من ذﻟﻚ‪ ،‬وﻟﻀﻴق اﳌﻘﺎم ﻓﺈﱐ ﺳأﻛﺘﻔﻲ ﺑﺬﻛﺮ مﻮﻗﻔه ‪‬‬
‫ﰲ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة مع ﺷﺮط ﻗﺮﻳﺶ‪.‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﱂ ﻳﺘﻘﺒﻠﻮا‬
‫ﻓﻘﺪ أﻇﻬﺮ اﻟنﱯ ‪ ‬مﺮونة منﻘﻄعة اﻟنﻈﲑ ﰲ ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة إﱃ ﺣﺪ أن أﻛﺜﺮ ّ‬
‫اﻷمﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﻋن مﺮوان ﺑن اﳊﻜم‪ ،‬واﳌﺴﻮر ﺑن ﳐﺮمة أنه ﳌﺎ ﻛﺎتﺐ رﺳﻮل‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو ﻳﻮم اﳊﺪﻳﺒﻴّة ﻋﻠﻰ ﻗﻀﻴّة اﳌﺪة‪ ،‬وﻛﺎنﻔﻴمﺎ اﺷﱰط ﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو أنه‬
‫أنه ﻗﺎل‪ :‬ﻻ تﻴﻚ منﺎ أﺣﺪ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻋﻠﻰ دﻳنﻚ إﻻ رددته إﻟﻴنﺎ‪ ،‬وﺧﻠﻴﺖ ﺑﻴننﺎ وﺑﻴنه‪ ،‬وأﰉ ﺳﻬﻴﻞ‬
‫ﺳﻬﻴﻞ أن ﻳﻘﺎﺿﻲ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﻻ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻜﺮه اﳌﺆمنﻮن ذﻟﻚ وامعﻀﻮا‪ ،‬ﻓﺘﻜﻠمﻮا ﻓﻴه‪ ،‬ﻓﻠمﺎ‬
‫ﻓﻠمﺎ أﰉ ﺳﻬﻴﻞ أن ﻳﻘﺎﺿﻲ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﻻ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻛﺎتﺒه رﺳﻮل ﷲ ‪» ،‬ﻓﺮد رﺳﻮل ﷲ‬
‫ﷲ ‪ ‬أ جنﺪل ﺑن ﺳﻬﻴﻞ ﻳﻮمﺌﺬ إﱃ أﺑﻴه ﺳﻬﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو‪ ،‬وﱂ ت رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أﺣﺪ من‬
‫اﻟﺮجﺎل إﻻ رده ﰲ تﻠﻚ اﳌﺪة‪ ،‬وإن ﻛﺎن مﺴﻠمﺎ‪ ،‬وجﺎءت اﳌﺆمنﺎت مﻬﺎجﺮات‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ أم ﻛﻠﺜﻮم‬
‫ﺑنﺖ ﻋﻘﺒة ﺑن أﰊ معﻴط ﳑن ﺧﺮج إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وﻫﻲ ﻋﺎتق‪ ،‬ﻓﺠﺎء أﻫﻠﻬﺎ ﻳﺴأﻟﻮن رﺳﻮل ﷲ‬
‫ﷲ ‪ ‬أن ﻳﺮجعﻬﺎ إﻟﻴﻬم‪ ،‬ﺣﱴ أنﺰل ﷲ تعﺎﱃ ﰲ اﳌﺆمنﺎت مﺎ أنﺰل«‪.2‬‬

‫‪ - 3‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬مﺪارج اﻟﺴﺎﻟﻜﲔ‪.(15/2) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،(126/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4180 :‬‬
‫‪388‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﳌﺮونة ﰲ إﺑﺮام اﻟصﻠﺢ‪ ،‬وإن ﻛﺎنﺖ ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻟصﺎﱀ اﳌﺸﺮﻛﲔ‪ ،‬إﻻ أن مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫تﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ‪ ،‬ف " ﳑﺎ أﻋﺎن ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ ﺧﻴﱪ تﻔﺮغ اﳌﺴﻠمﲔ ﺑعﺪ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة ﻟﻘﺘﺎل‬
‫‪1‬‬
‫ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ دون أن تنﺠﺪﻫم ﻗﺮﻳﺶ‪".‬‬
‫ﻟﺜﺎ‪ :‬ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻮازن‬
‫إن اﻹﺳﻼم ﻳﺮﻳﺪ من اﳌﺴﻠم أن ﻳﺒﻠغ اﻟﻜمﺎل اﳌﻘﺪور ﻟه ﺑﺘنﺎﺳق‪ ،‬وﰲ ﲨﻴع ﺷﺌﻮنه‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫جﺎنﺐ واﺣﺪ أو ﻋﺪة جﻮانﺐ‪ ،‬وﻳﺒﻠغ ﻓﻴه اﳌﺴﺘﻮى اﻟعﺎﱄ من اﻟﻜمﺎل‪ ،‬ﺑﻴنمﺎ ﻳﻬمﻞ اﳉﻮانﺐ اﻷﺧﺮى‬
‫ﺣﱴ ﻳنﺰل ﻓﻴﻬﺎ إﱃ دون اﳌﺴﺘﻮى اﳌﻄﻠﻮب‪ ،‬ومن مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻮازن ﰲ اﻟﻐﺰوات مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﳌﻮازﻧﺔ ﺑﲔ اﳉﻬﺎد واﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠى اﻟﺼﻼة‪ :‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻻ ﻳﺸﻐﻠه اﳉﻬﺎد ﻋن ﻏﲑه من‬
‫ﺷﺆون اﳊﻴﺎة واﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﻬﺘم ﻟصﻼة وﳛﺮص ﻋﻠﻰ إﻗﺎمﺘﻬﺎ‪ ،‬واﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ آداﺋﻬﺎ ﰲ وﻗﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫وﻗﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓعن ﻋﻠﻲ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم اﻷﺣﺰاب ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪َ » :‬ﻣ َﻸَ ا ﱠُ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ ﺑـُﻴُﻮﺗَـ ُﻬ ْﻢ‬
‫‪2‬‬
‫ﺲ«‪.‬‬ ‫ﺑـﻴﻮﺗَـ ُﻬﻢ وﻗُـﺒﻮرُﻫﻢ َ را‪َ ،‬ﻛﻤﺎ َﺷﻐَﻠُﻮَ َﻋﻦ ﺻﻼَةِ اﻟﻮ ْﺳﻄَى ﺣ ﱠﱴ غَﺎﺑ ِ‬
‫ﺖ اﻟ ﱠ‬
‫ﺸ ْﻤ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُُ ْ َ ُ َ ْ ً َ‬
‫ومن أجﻞ اﳌﻮازنة ﺑﲔ واﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ اﻟصﻼة‪ ،‬وﺣﺮاﺳة ا ﺎﻫﺪﻳن ﺷﺮﻋﺖ ﺻﻼة اﳋﻮف‪ ،‬ﻓﻘﺪ ذﻛﺮ‬
‫أﻫﻞ اﻟﺴﲑ أنه ﺻﻼﻫﺎ ﰲ ﻋﺸﺮة مﻮاﻃن وﻗﻴﻞ أﻛﺜﺮ‪ ،‬منﻬﺎ ذات اﻟﺮﻗﺎع وﺑﻄن ﳔﻠة‪.1‬‬
‫‪ .2‬اﳌﻮازﻧﺔ ﺑﲔ اﳉﻬﺎد واﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠى ﺣﻘﻮق اﻷﻫﻞ‪ :‬ﻛﺎن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻻ ﻳﺸﻐﻠه اﳉﻬﺎد ﻋن‬
‫رﻋﺎﻳّة ﺷﺆون أﻫﻠه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺮﻋﺎﻫن وﻳعﺪل ﺑﻴنﻬن‪ ،‬وﻻ ﻳﻬمﻞ ﺣﻘﻮق اﻷﻫﻞ ﲝﺠة أنه منﺸﻐﻞ‬
‫ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻛﺎن اﻟﻨﱯ‬ ‫ﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﻐﺰو‪ ،‬ﻓﻜﺎنﻔﻲ ﻛﻞ مﺮة ﳜﺮج إﺣﺪى زوجﺎته معه‪ ،‬ﻓعن ﻋﺎﺋﺸة‬
‫ج ِ َﺎ اﻟﻨِ ﱡ‬ ‫ع ﺑـ ْﲔ ﻧِ ِِ‬ ‫»ﻛﺎن اﻟﻨﱯ ‪‬إِ َذا أ ََر َ‬
‫ع ﺑَـ ْﻴـﻨَـﻨَﺎ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَﺄَﻗـ َْﺮ َ‬ ‫ج َﺳ ْﻬ ُﻤ َﻬﺎ َﺧ َﺮ َ‬
‫ﺴﺎﺋﻪ‪ ،‬ﻓَﺄَﻳـﱠﺘُـ ُﻬ ﱠﻦ َﳜْ ُﺮ ُ‬ ‫ج أَﻗـ َْﺮ َ َ َ َ‬
‫اد أن ﳜْ ُﺮ َ‬
‫ﺎب« ‪.3‬‬ ‫ِ‬
‫ﱠﱯ ‪‬ﺑَـ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ أُﻧْ ِﺰ َل اﳊ َﺠ ُ‬ ‫ِﰲ غَ ْﺰَوةٍ غَ َﺰ َاﻫﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ َج ﻓِ َﻴﻬﺎ َﺳ ْﻬ ِﻤﻲ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ ْﺟ ُ‬
‫ﺖ َﻣ َﻊ اﻟﻨِ ِّ‬
‫وﻫﻜﺬا ﻛﺎن منﻬﺠه وﻫﺪﻳه ‪ ‬مع زوجﺎته ﰲ ﺳﻠمه وﺣﺮﺑه أﺳﻮة ﻟﻠﺰوج اﻟﺪاﻋﻴة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻟﻘﻴم‪":‬‬
‫اﻟﻘﻴم‪ ":‬وﻛﺎنﺖ ﺳﲑته مع أزواجه ﺣﺴن اﳌعﺎﺷﺮة‪ ،‬وﺣﺴن اﳋﻠق"‪.4‬‬

‫‪ -1‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(327/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﳋنﺪق وﻫﻲ اﻷﺣﺰاب‪ ،(110/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4111 :‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﲪﻞ اﻟﺮجﻞ امﺮأته ﰲ اﻟﻐﺰو دون ﺑعﺾ نﺴﺎﺋه‪ ،(33/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.2879‬‬
‫‪ -4‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪.(146/1) ،‬‬
‫‪389‬‬
‫‪ .3‬اﳌﻮازﻧﺔ ﺑﲔ اﳉﻬﺎد وﺷﺆون اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻷﺧﺮى‪ :‬ومن اﻟﺘﻮازن اﻟﺪﻋﻮي اﻫﺘمﺎمه ‪ ‬ﲜمﻴع ﺷﺆون‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة وﲨﻴع ﻓﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬و ﻟﻘﻀﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳌخﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻓﻜمﺎ ﻛﺎن ﻳﻬﺘم ﺑﺸﺆون اﳌعﺮﻛة ﻛﺎن‬
‫ﻳﻬﺘم ﺑﺸﺆون اﳌخﻠﻔﲔ من أﻫﻞ اﻷﻋﺬار ﻓﻜﺎنﻴﺴﺘخﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬم أمﲑا من أﺻﺤﺎﺑه‪ ،‬ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ‬
‫ﺷﺆو م‪.‬‬
‫ﻓعن ﺳعﺪ أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺧﺮج إﱃ تﺒﻮك‪ ،‬واﺳﺘخﻠﻒ ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬أﲣﻠﻔﲏ ﰲ اﻟصﺒﻴﺎن واﻟنﺴﺎء؟‬
‫ﱯ ﺑَـ ْﻌ ِﺪي«‪.1‬‬
‫ﺲ ﻧَِ ﱞ‬ ‫ﺎرو َن‪ِ ،‬ﻣ ْﻦ ُﻣ َ ِﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺿى أن ﺗ ُﻜﻮ َن ﻣ ِّﲏ ِﲟَْﻨ ِﺰﻟَﺔ َﻫ ُ‬
‫واﻟنﺴﺎء؟ ﻗﺎل‪» :‬أَﻻَ ﺗَـ ْﺮ َ‬
‫ﻮﺳى إﻻ أﻧﻪُ ﻟَْﻴ َ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ أن ﺑﻘﺎء ﻋﻠﻲ ﻻ ﻳﻘﻞ أﳘﻴّة ﻋن ﺧﺮوجه ﰲ اﻟﻐﺰو‪ ،‬وﻫﻮ دور دﻋﻮي ﻻ ﻳﻘﻞ‬
‫دﻋﻮي ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋن دور أﰊ ﺑﻜﺮ وﻋمﺮ وﻋﺜمﺎن وﻏﲑﻫم‪ ،‬وأن ذﻟﻚ ﻻ ﻳنﻘﺺ من ﻗﺪره‪ ،‬وﻓﻀﻠه‪.2‬‬
‫إن مﺮاﻋﺎة ﺧﺎﺻﻴّة اﻟﺘﻮازن ﰲ اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﳚعﻞ اﻟ ّﺪاﻋﻴّة ﻻ ﺳﺮ نﻔﺴه ﰲ ﻋﺒﺎدة‪ ،‬وﻻ تﻘﻴﺪه‬
‫ﻋﺎدة‪ ،‬ﳛﺪه ﳎﺎل‪ ،‬وإﳕﺎ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﲨﻴع اﻟعﺒﺎدات واﻷﺣﻮال‪ ،‬ﺣﱴ ﻳصﻞ إﱃ اﳌﺴﺘﻮى اﻟعﺎﱄ من‬
‫اﻷداء واﻟنﺠﺎح اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬وﻟعﻞ ﻏﻴﺎب ﻫﺬا اﻟﺘﻮازن ﻛﺎن من اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تعﻮق اﻟعمﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫن‪.‬‬
‫وﺑعﺪ ﻛﻴﺪ اﳊﻀﻮر اﻟﻔعﻠﻲ اﳌﻜﺜﻒ ﳋصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻜﱪى ﰲ اﻟﻐﺰوات‪ ،‬نﺪرك ﲟﺎ ﻻ ﻳﺪع ﳎﺎﻻ‬
‫ﻟﻠﺸﻚ أن اﻟﻐﺰوات من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ مﻜنﺖ من إﺑﺮاز ﺧصﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة وﳏﺎﺳنه؛‬
‫ﳑﺎ ﻳﺰﻳﺪ اﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ ثﺒﺎ وتﺸﺒﺜﺎ ﺑﺪﻳنﻬم‪ ،‬ﻛمﺎ أن ذﻟﻚ من ﺷأنه أن ﻳﺮﻓع وﻳﺰﻳﺪ من ﻓعﺎﻟﻴﺘﻬم‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬وﻳﺮﻏﺐ اﻵﺧﺮ ﰲ اﻟﺘعﺮف ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ومن ﰒﱠ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻹﺳﻼم واﻋﺘنﺎﻗه‪،‬‬
‫ﺳﻮاء ﰲ ﻋصﺮ اﻟنﺒﻮة أو ﰲ اﻟعصﻮر اﻟﱵ جﺎءت من ﺑعﺪﻫﺎ‪.‬‬
‫وﰲ ﺎﻳّة ﻫﺬا اﳌﺒﺤﺚ أﺧﻠﺺ إﱃ أن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة وﻫﻲ جﺰء من اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنﺒﻮي‪ ،‬ﻗﺪ‬
‫ﲡﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة اﻟعﺎمة اﻟﱵ ﻃﺎﻟﺖ ﲨﻴع أﺑﻮاب وﳎﺎﻻت اﻟﺸﺮﻳعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬
‫ﺣﻔﻈﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﻠﻴﺎت اﻟﻜﱪى ﺧﺎﺻة ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳن واﻟنﻔﺲ من جﻬﱵ اﻟﻮجﻮد واﻟعﺪم‪ ،‬ﻛمﺎ ﻛﺎنﺖ‬
‫مﻴﺪان ﻹﻇﻬﺎر وتﻔعﻴﻞ ﺧصﺎﺋﺺ وﳏﺎﺳن اﻹﺳﻼم ﻛﺎﻟعمﻮم واﻟﺸمﻮل وثنﺎﺋﻴّة اﻟﻮاﻗعﻴّة واﳌﺜﺎﻟﻴّة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،(03/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4416 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ اﻟصﻮ ﱐ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻛمﺎ جﺎءت ﰲ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟصﺤﻴﺤة‪.(125/4) ،‬‬
‫‪390‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳌﺮاﻋﺎة ﻫﺬه اﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة اﻟعﺎمة ﰲ اﻟﻐﺰوات آ ر دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻋﺎدت ﺑنﺘﺎﺋج ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻋﻠﻰ ﲨﻴع مﺴﺘﻮ ﺎ‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻴﺘﺒﲔ من ﺧﻼل اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺘﺎﱄ‪.‬‬

‫‪391‬‬
 ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﳋﺎﺻﺔ‬
‫ﲤﺜﻞ اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي ﰲ ﺳﺒﻴﻞ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬وﻋﻠﻴه ﻓﺈن اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫ﻟﻠﻐﺰوات ﻫﻲ نﻔﺴﻬﺎ اﳌﻘﺎﺻﺪ اﳋﺎﺻة ﳌﻮﺿﻮع اﳉﻬﺎد‪ ،‬اﻟﺬي وإن اﺷﱰك مع اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺪﻳنﻴّة ﰲ‬
‫اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟعﺎمة ﻛمﺎ ﺑﻴنﺘه ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق؛ ﻓﺈنه ﻗﺪ اﺧﺘﺺ ﲟﻘﺎﺻﺪ ﲤﻴﺰه ﻋن ﻏﲑه‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻛﺎنﺖ تﺴﺘﻬﺪف أﺻﺎﻟة تﻠﻚ اﳌﻘﺎﺻﺪ اﳋﺎﺻة‪ ،‬اﻟﱵ تﺘنﺎﺳﺐ مع ﻃﺒﻴعة اﳌﺮﺣﻠة‬
‫اﻟﱵ ﲤﺮ ﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﰲ إﻃﺎر مﻘﺎﺻﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟعﺎمة ﺑﻄﺒﻴعة اﳊﺎل‪.‬‬
‫ﻓﻬﻲ اﻟﺘﻄﺒﻴق اﻟنمﻮذجﻲ اﻷمﺜﻞ ﻷﺣﻜﺎم اﳉﻬﺎد‪ ،‬ﻓﻘﻬﺎ وتنﺰﻳﻼ وتﻔعﻴﻼ واﻗعﻴﺎ؛ ﻛﻮﺳﻴﻠة ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋن‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﳍﺎ ﰲ اﻟعﺎﱂ؛ ﲢﻘﻴﻘﺎ ﻟﻠﺒعﺪ اﻟعﺎﳌﻲ ﻟﻠﺮﺳﺎﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وﻟﻠخﺎﺻﻴّة اﻟﺸﻬﻮدﻳّة ﻟﻸمة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ .‬اﳌﺴﺎر اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ اﻟنمﻮذجﻲ ﻟﻠﺠﻬﺎد‪ ،‬ﻓﺴأﺣﺎول إﺑﺮاز مﻘﺎﺻﺪﻫﺎ اﳉﻬﺎدﻳّة اﳋﺎﺻة‪،‬‬
‫ﺑﻴنﺖ مﻘﺎﺻﺪﻫﺎ اﻟعﺎمة‪ ،‬ﻓﻴمﺎ ﺳﺒق‪.‬‬
‫وآ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﺑعﺪمﺎ ُ‬
‫وﺳﻮف أﺑﺮز أﻫم اﳌﻘﺎﺻﺪ اﳋﺎﺻة ﻟﻠﻐﺰوات وآ رﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳّة من ﺧﻼل مﻄﻠﺒﲔ‪:‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﳌﻘﺼﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﻟﻠﻐﺰوات‪.‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﳌﻘﺼﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺘﱠﻤﻜﻴﲏ ﻟﻠﻐﺰوات‪.‬‬

‫‪392‬‬
 ‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﳌﻘﺼﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﻟﻠﻐﺰوات‬
‫ﻛﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ﰲ ﺑﺪاﻳّة اﻹذن ﳉﻬﺎد ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻄﺎﺑع اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة وﲪﺎﻳّة اﻷتﺒﺎع‬
‫من ﲢﺪ ت اﻷﻋﺪاء اﳌخﺘﻠﻔة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪ ،‬وامﺘﺪت من ﺑﺪء تﺸﺮﻳع اﳉﻬﺎد ﺑﻘﻮﻟه ﺳﺒﺤﺎنه‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِين ُي َ ٰتَ ُ َ‬
‫ﷲ َ ٰ نَ ْ ِه ِْم ل َقد ٌِير ۖ چ ]اﳊج‪ ،[37:‬إﱃ انﺴﺤﺎب‬ ‫ُ‬
‫ون بﺎن ُه ْم ظل ُِمو َوأن‬ ‫وتعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ ذ َِن ِ َ‬

‫اﻷﺣﺰاب ﻋن اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة ﺑعﺪ ﻏﺰوة اﳋنﺪق‪.1‬‬

‫ﻓﻜﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة تﺘﻘصﺪ أﺻﺎﻟة ﳎﺎ ة اﻟﺘﺤﺪ ت واﳌخﺎﻃﺮ اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫ﰲ ﻗﺎد ﺎ وأتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬وﳝﻜن أن تﻘﺴم اﻟﺘﺤﺪ ت ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة إﱃ ﲢﺪ ت ﺧﺎرجﻴّة وﲢﺪ ت‬
‫داﺧﻠﻴّة‪ ،‬وﻛﻞ نﻮع من اﻟﺘﺤﺪ ت جﺎ ﺘه اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﲟﺎ ﻳﻜﺎﻓﺌه‪ ،‬و ﻻﺳﱰاتﻴﺠﻴّة اﻟﱵ تنﺎﺳﺒه‪.‬‬

‫وﺳأﺑﲔ اﻻﺳﱰاتﻴﺠﻴّة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ مﻮاجﻬة مﺎ ﳛﻴق ﻟ ّﺪﻋﻮة من ﲢﺪ ت ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة اﳊﺮجة‪ ،‬ومﺎ‬
‫تﺒع ذﻟﻚ من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﰲ ﻓﺮﻋﲔ‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرﺟﻴّﺔ‬
‫ﱂ تﺰل ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻜﻞ مﺎ أوتﻴﺖ من إمﻜﺎ ت ووﺳﺎﺋﻞ ﲢﺎول اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ مﻮﻃنﻬم‬
‫اﳉﺪﻳﺪ‪ ،‬ﺑعﺪ أن ﻓﺸﻠﺖ ﰲ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬم ﲟﻜة‪ ،‬ﻛمﺎ ﻇﻞ اﻷﻋﺮاب ا ﺎورون ﻟﻠمﺪﻳنة ﻳﱰﺑصﻮن‬
‫ﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﳛﺎوﻟﻮن انﺘﻬﺎز ﻓﺮﺻة ﺳﺎﳓة ﻟﻺﻳﻘﺎع م‪.2‬‬
‫وأمﺎم ﻫﺬه اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﱵ ﻛﺎن ﻳﺪرﻛﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ،‬ﻛﺎنﻼ ﺑﺪ من اﻟﺘﺤﺮك ﳌﻮاجﻬﺘﻬﺎ‪ ،‬واﻟﻘﻀﺎء‬
‫ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺮﻫﺎ اﶈﺪق ﻟ ّﺪﻋﻮة وأتﺒﺎﻋﻬﺎ وﻗﺎدا ﺎ‪ ،‬ﻓﺒعﺪ اﻹذن ﻟﻘﺘﺎل ﺷﺮع رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ جﻬﺎد‬
‫اﻟﻜﻔﺎر اﶈﺎرﺑﲔ وإرﻫﺎب اﳌﱰﺑصﲔ‪.‬‬
‫وﻗﺪ جﺎءت ﻋﺪة ﻏﺰوات ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة من أجﻞ ﲢﻘﻴق ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬منﻬﺎ مﺎ ﻛﺎن‬
‫ﳌﺪﻳنة‪ ،‬ومنﻬﺎ مﺎ ﻛﺎن ﺧﺎرجﻬﺎ‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪ ت ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻐﺰوات اﳋﺎرﺟﻴّﺔ‬
‫ﻋنﺪ تﺘﺒع مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﳒﺪه ﻗﺪ مﺜﻞ ﻟﻠﻐﺰوات ﺧﺎرج اﳌﺪﻳنة وﱂ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ؛‬
‫ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ؛ مﻜﺘﻔﻴﺎ ﻻﺧﺘصﺎر‪ ،‬واﻻنﺘﻘﺎء تﺒعﺎ ﻟﺸﺮﻃه‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪:‬‬

‫‪ -1‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.175‬‬

‫‪393‬‬
‫‪ .1‬اﻟﻐﺰوات واﻟﺴﺮا ﻗﺒﻞ ﺑﺪر‪ :‬ﺑعﺪ اﻹذن ﻟﻘﺘﺎل ﲢﺮﻛﺖ اﳊﺮﻛﺎت اﳉﻬﺎدﻳّة‪ ،‬ﻛﻮﺳﻴﻠة دﻓﺎﻋﻴّة ﻋن‬
‫ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أورد ﻋن اﺑن إﺳﺤﺎق معﻠﻘﺎ‪،‬‬
‫معﻠﻘﺎ‪ ،‬أن‪ " :‬أول مﺎ ﻏﺰا اﻟنﱯ ‪ :‬اﻷﺑﻮاء‪ ،‬ﰒ ﺑﻮاط‪ ،‬ﰒ اﻟعﺸﲑة "‪ ،‬ﰒ ذﻛﺮ ﺣﺪﻳﺚ أﰊ إﺳﺤﺎق‪،‬‬
‫إﺳﺤﺎق‪ ،‬ﻗﺎل ﻛنﺖ إﱃ جنﺐ زﻳﺪ ﺑن أرﻗم‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟه‪ " :‬ﻛم ﻏﺰا اﻟنﱯ ‪ ‬من ﻏﺰوة؟ ﻗﺎل‪ :‬تﺴع‬
‫ﻋﺸﺮة " ﻗﻴﻞ‪ :‬ﻛم ﻏﺰوت أنﺖ معه؟ ﻗﺎل‪ :‬ﺳﺒع ﻋﺸﺮة‪ ،‬ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻓأﻳﻬم ﻛﺎنﺖ أول؟ ﻗﺎل‪ :‬اﻟعﺴﲑة أو‬
‫أو اﻟعﺸﲑ " ﻓﺬﻛﺮت ﻟﻘﺘﺎدة ﻓﻘﺎل‪ :‬اﻟعﺸﲑ‪.1‬‬
‫وﻗﺪ اﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوات ومﺎ جﺎء ﺑعﺪﻫﺎ من اﳊﺮﻛﺎت اﳉﻬﺎدﻳّة اﻟﱵ ذﻛﺮﻫﺎ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ ثﻼثة‬
‫ثﻼثة أمﻮر‪ :‬اﳊصﺎر اﻻﻗﺘصﺎدي ﻟﻘﺮﻳﺶ من ﺧﻼل ﺪﻳﺪ ﻃﺮﻳق ﲡﺎر ﺎ إﱃ اﻟﺸﺎم‪ ،‬وﻋﻘﺪ اﻵمﺎن مع‬
‫مع اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﰲ اﳌنﻄﻘة ﺣﱴ ﻻ تﺘﺤﺎﻟﻒ مع ﻗﺮﻳﺶ ﰲ ﺣﺮب اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وإﺑﺮاز ﻗﻮة اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ اﳌﺪﻳنة‬
‫اﳌﺪﻳنة أمﺎم اﻟﻴﻬﻮد وﺑﻘﺎ اﳌﺸﺮﻛﲔ‪.2‬‬
‫ﻓﺠمﻴع ﻫﺬه اﳌﻘﺎﺻﺪ اﳉﺰﺋﻴّة اﻟﱵ اﺳﺘﻬﺪﻓﺘﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻄﻼﺋع اﳉﻬﺎدﻳّة ﲣﺪم مﻘصﺪ دﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬وﻫﻮ ﺻﺪ‬
‫ﲢﺪي ﻗﺮﻳﺶ اﶈﺘمﻞ ﰲ أي وﻗﺖ‪.‬‬
‫‪.2‬غﺰوة ﺑﺪر‪ :‬وﰲ نﻔﺲ اﻟﺴﻴﺎق اﻟﺴﺎﺑق جﺎءت ﻏﺰوة ﺑﺪر اﻟﱵ تعﺪ من أﻛﱪ اﻟﻐﺰوات اﻟﺪﻓﺎﻋﻴّة‬
‫ﺧﺎرج اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وأﻛﺜﺮﻫﺎ آ را ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﻟﺬي ﻳﻬم ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ إﺑﺮاز ﺑعﺪﻫﺎ‬
‫اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة‪ ،‬و ﻟعﻞ مﺎ ﻳﻮمﻲء إﱃ ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ مﺎ رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن ﻛعﺐ‬
‫ﻛعﺐ ﺑن مﺎﻟﻚ وﻫﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﻋن ﺳﺒﺐ اﻟﻐﺰوة ؛ إذ ﻳﻘﻮل‪» :‬ﱂ أﲣﻠﻒ ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﻏﺰوة‬
‫ﻏﺰوة ﻏﺰاﻫﺎ إﻻ ﰲ ﻏﺰوة تﺒﻮك‪ ،‬ﻏﲑ أﱐ ﲣﻠﻔﺖ ﻋن ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،‬وﱂ ﻳعﺎتﺐ أﺣﺪاً ﲣﻠﻒ ﻋنﻬﺎ‪ ،‬إﳕﺎ‬
‫ﺧﺮج رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﺮﻳﺪ ﻋﲑ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﺣﱴ ﲨع ﷲ ﺑﻴنﻬم وﺑﲔ ﻋﺪوﻫم ﻋﻠﻰ ﻏﲑ مﻴعﺎد«‪.3‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻟعﺸﲑة أو اﻟعﺴﲑة‪ ،(71/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3949 :‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‬
‫ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،(175/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ .4404 :‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب‪ :‬ﻛم ﻏﺰا اﻟنﱯ ‪‬؟ )‪ ،(16/6‬ﺑﺮﻗم‪ ،4471 :‬ﻓمن ﻋﺠﻴﺐ‬
‫ﺻنﻴع اﻟﺒخﺎري ﺑﱰتﻴﺐ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ أنه أول ﺣﺪﻳﺚ ﺑﺪأﺑه ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬وآﺧﺮ ﺣﺪﻳﺚ ﺧﺘمه ﺑه‪ ،‬وتﺮجم ﻋﻠﻴه ﲝﺠة اﻟﻮداع‪،‬‬
‫وﻛأنه ﻳﺮﺳم ﺑه منﺤﲎ اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي اﻟﺬي مﺒﺪأه ﺑﺪء اﻟﻘﺘﺎل وذروته ﺣﺠة اﻟﻮداع وﱂ ﻳﺘﻮﻗﻒ إﻻ ﻟﻮﻓﺎة‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(345/2) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗصة ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،(72/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3951 :‬‬
‫‪394‬‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺪﻓﺎع ﻋن ﻃﺮﻳق اﳊصﺎر اﻻﻗﺘصﺎدي ﻟﻘﺮﻳﺶ‪ ،‬من ﺧﻼل ﺪﻳﺪ أﻫم ﻃﺮﻳق‬
‫ﲡﺎرﻳّة ﺑﲔ مﻜة واﻟﺸﺎم‪ ،‬ﻟﺘصﺒﺤﺖ ﻗﻮاﻓﻞ ﻗﺮﻳﺶ ﻏﲑ آمنة ﺣﲔ تﺴﻠﻚ ﻫﺬا اﻟﻄﺮﻳق‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺆثﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫ﲡﺎر ﺎ‪.1‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﳍﺬه اﻟﻐﺰوة آ ر دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة ﰲ ﳎﺎل اﻟﺘﺤﺪ ت وﻏﲑﻫﺎ من منﺎﺣﻲ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻷﺧﺮى‪،‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻋﻠم اﻟعﺮب ﻗﺎﻃﺒة ﺰام ﻗﺮﻳﺶ وانﺘصﺎر اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻟﻴصﺒﺤﻮا ﻗﻮة مﻬﺎﺑة اﳉﺎنﺐ ﰲ اﳌﺪﻳنة‬
‫ومﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﻃﺮق اﻟﺘﺠﺎرة اﳊﻴﻮﻳّة إﱃ اﻟﺸﺎم‪.‬‬
‫وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه زادت من ﻗﻮة ﺧﻄﺮ ﻗﺮﻳﺶ ﻛأﻫم ﲢﺪي ﺧﺎرجﻲ‪ ،‬ﻓﻠم تﺰدﻫم اﳍﺰﳝة إﻻ ﻛﺮﻫﺎ‬
‫ﻟﻺﺳﻼم‪ ،‬ونﻘمة ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻈﻠﻮا ﳜﻄﻄﻮن ﻟﻠﺜأر ﰲ اﳋﻔﺎء‪.‬‬
‫وأمﺎ اﻟﺒﺪو اﻟﻀﺎرﺑﻮن ﺣﻮل اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ذُﻋﺮوا ﻻنﺘصﺎر اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ ﺑﺪر‪ ،‬وأﺧﺬت ﲨﻮﻋﻬم ﲢﺘﺸﺪ‬
‫ﲢﺘﺸﺪ تﺒﻐﻲ انﺘﻬﺎز ﻓﺮﺻة ﻟﻺﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﻟﻜن اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﻛﺎن مﺪرﻛﺎ ﳋﻄﺮﻫﺎ ﻓﻜﺎنﻠه‬
‫ﳌﺮﺻﺎد‪.2‬‬
‫‪.3‬اﻟﻐﺰوات اﳋﺎرﺟﻴّﺔ اﻟﺪﻓﺎﻋﻴّﺔ ﺑﻌﺪ ﺑﺪر‪:‬‬
‫وﻗﺪ تﻄﺮق أﻫﻞ اﻟﺴﲑ إﱃ اﻟنﺸﺎط اﻟعﺴﻜﺮي اﻟﺬي اﲣﺬ اﻟﻄﺎﺑع اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﺑعﺪ ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ ،‬واﻛﺘﻔﻰ‬
‫اﻟﺒخﺎري ﻛعﺎدته ﻹﺷﺎرة إﻟﻴه ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﺧﺘصﺎر‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﳎمﻠة ﰲ تﺮﲨة من تﺮاجم‬
‫أﺑﻮاب ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي ﻗﺎﺋﻼ‪ ":‬ب ﻏﺰوة اﻟﺮجﻴع ورﻋﻞ وذﻛﻮان وﺑﺌﺮ معﻮنة وﺣﺪﻳﺚ ﻋﻀﻞ واﻟﻘﺎرة‬
‫واﻟﻘﺎرة وﻋﺎﺻم ﺑن ﺑﺖ وﺧﺒﻴﺐ وأﺻﺤﺎﺑه"‪ ،3‬ﰒ أورد روا ت تﺘعﻠق ﲝﻮادث ﻫﺬه اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫و ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟنﺸﺎط اﻟعﺴﻜﺮي ﺑعﺪ أﺣﺪ ﺎ ة اﻟﺘﺤﺪ ت اﻷﻋﺮاب اﻟﺬﻳن ﺑﺪأوا ﰲ اﻟﺘﺠﺮؤ‪،‬‬
‫مﺴﺘﻬﺪﻓﲔ ﻏﺰو اﳌﺪﻳنة ﻃمعﺎ ﰲ ﺧﲑا ﺎ وانﺘصﺎرا ﻟﺸﺮﻛﻬم ومﻈﺎﻫﺮة ﻟﻘﺮﻳﺶ وتﻘﺮ إﻟﻴﻬﺎ‪.4‬‬
‫ﻓﻜﺎن من اﳌأﺳﺎة اﻟﱵ أﳊﻘﻮﻫﺎ ﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬مأﺳﺎة اﻟﺮجﻴع‪ ،‬وﺑﺌﺮ معﻮنة اﻟﱵ ﻏﺪر ﻓﻴﻬمﺎ ﰲ ﺷﻬﺮ‬
‫واﺣﺪ ﲞﲑة أﺑنﺎء اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟﺪﻋﺎة واﻟﻘﺮاء‪.5‬‬

‫‪- 1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻋمﺎد اﻟﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‪ ،‬دراﺳة ﰲ اﻟﺴﲑة‪ ،‬ص‪.144‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ تﻔﺎﺻﻴﻞ آ ر ﻏﺰوة ﺑﺪر‪ :‬ﷴ اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴﲑة‪ ،‬ص‪.244‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(103/5) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(398/2) ،‬‬
‫‪ -5‬ﺳﺮﻳّﺔ اﻟﺮﺟﻴﻊ‪ :‬وﻗعﺖ ﰲ ﺻﻔﺮ ﺳنة) ‪ 4‬هـ(‪ ،‬ﻏﺪرت ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺒﻴﻠة ﻋﻀﻞ واﻟﻘﺎرة‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘصﺤﺒﻮا ﻋﺸﺮة من اﻟﻘﺮاء ﻓﻘﺘﻠﻮا منﻬم ﲦﺎنﻴّة و ﻋﻮا منﻬم اثنﲔ‬
‫ﲟﻜة ﻓصﻠﺒﻬمﺎ أﻫﻞ مﻜة وﺑﻘﻲ جﺜمﺎ مﺎ ﻋﻠﻰ اﳋﺸﺒة أرﺑعﲔ ﻳﻮمﺎ‪ ،‬وأمﺎ ﺳﺮﻳّﺔ ﺑﺌﺮ ﻣﻌﻮﻧﺔ‪ :‬ﻓﻜﺎنﺖ ﰲ نﻔﺲ اﻟﺸﻬﺮ‪ ،‬ﻏﺪر ﺑﺴﺒعﲔ رجﻼ من اﻟﻘﺮاء‬
‫ﺑعﺜﻮا دﻋﺎة إﱃ أﻫﻞ ﳒﺪ ﻓﻠمﺎ نﺰﻟﻮا ﺑﺒﺌﺮ معﻮنة ﻏﺸﻴﺘﻬم ﻗﺒﺎﺋﻞ من ﺑﲏ ﺳﻠﻴم من رﻋﻞ وذﻛﻮان وﻗﺘﻠﻮﻫم‪ ،‬وﱂ ﻳنج إﻻ واﺣﺪ‪ ،‬وﻫﻮ ﻋمﺮو ﺑن أمﻴّة اﻟﻀمﺮي‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ ﺳﻠﻴمأ ّن اﳌنصﻮرﻓﻮري‪ ،‬رﲪة ﻟﻠعﺎﳌﲔ‪ ،‬تﺮﲨة‪ :‬ﲰﲑ ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬دار اﻟﺴﻼم ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪) ،1‬د‪.‬ت(‪ ،‬ص‪.439‬‬

‫‪395‬‬
‫وﻫﺬه اﳌأﺳﺎة اﻟﱵ تعﺪ من أﺻعﺐ اﻟﺘﺤﺪ ت ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة أﻟﺰمﺖ اﳌﺴﻠمﲔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘصﺪي ﳍﺎ‪،‬‬
‫ﺑﺘأدﻳﺐ اﻷﻋﺮاب اﻟﻐﺎدرﻳن واﻟﺴعﻲ ﻟﺘﻄﻬﲑ اﳌنﻄﻘة من ﺧﻄﺮﻫم‪ ،‬ﻓﻜﺎن من اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ ذﻛﺮﻫﺎ‬
‫اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﺮجم ﳍﺎ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب ﻏﺰوة ﺑﲏ‬
‫ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬من ﺧﺰاﻋة‪ ،‬وﻫﻲ ﻏﺰوة اﳌﺮﻳﺴﻴع‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن إﺳﺤﺎق‪ :‬وذﻟﻚ ﺳنة ﺳﺖ وﻗﺎل مﻮﺳﻰ ﺑن‬
‫ﺑن ﻋﻘﺒة‪ :‬ﺳنة أرﺑع وﻗﺎل اﻟنعمﺎن ﺑن راﺷﺪ ﻋن اﻟﺰﻫﺮي ﻛﺎن ﺣﺪﻳﺚ اﻹﻓﻚ ﰲ ﻏﺰوة اﳌﺮﻳﺴﻴع"‪.1‬‬
‫وﻋﻠﻰ ﻛﻞ؛ﺳﻮاء وﻗعﺖ اﻟﻐﺰوة ﻗﺒﻞ أو ﺑعﺪ اﻷﺣﺰاب ﻓﺈ ﺎ تُعﺪ من اﻟﻐﺰوات اﳋﺎرجﻴّة اﻟﺪﻓﺎﻋﻴّة‪،‬‬
‫ﻓﺎﳌﺮﻳﺴﻴع اﺳم مﺎء ﰲ ﺣﻴّة ﻗﺪﻳﺪ إﱃ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﰲ جﻬة اﻟﺸﺎم‪ ،‬ﻛﺎنﺴﺒﺒﻬﺎ اﻟﺘصﺪي ﻟعﺪوان اﻷﻋﺮاب‬
‫اﻷﻋﺮاب من ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق ﺑعﺪمﺎ ﺑﻠغ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أ م ﳚمعﻮن ﻟه‪ ،‬وﻳﺴﺘعﺪون ﻟﻐﺰو اﳌﺪﻳنة‬
‫اﳌنﻮرة‪ ،‬وﻗﺎﺋﺪﻫم اﳊﺎرث ﺑن أﰊ ﺿﺮار‪ ،‬ﻓخﺮج إﻟﻴﻬم‪ ،‬ﻓﻬﺰمﻬم‪ ،‬ﻓﻘﺘﻞ منﻬم من ﻗﺘﻞ‪ ،‬ونﻔﻞ أﺑنﺎءﻫم‬
‫أﺑنﺎءﻫم ونﺴﺎءﻫم وأمﻮاﳍم‪ ،‬ﻓأﻓﺎءﻫم ﻋﻠﻴه‪.2‬‬
‫و ﺬه اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬وﻓصﻠﻬﺎ أﻫﻞ اﳌﻐﺎزي واﻟﺴﲑ ﲤﻜن‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻟﺘصﺪي ﻟﻠﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﺳﻮف ﻳﺘﻀﺢ دورﻫﺎ أﻛﺜﺮ ﻋنﺪ‬
‫اﳊﺪﻳﺚ ﻋن دور اﻟﻐﺰوات اﻟﺪاﺧﻠﻴّة ﰲ مﻮاجﻬة اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪ ت ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻐﺰوات اﻟﺪاﺧﻠﻴّﺔ‬
‫إن من اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة اﻟﱵ واجﻬﺘﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة مﻬﺎﲨة اﻟعﺪو ﻟﻠمﺪﻳنة اﺳﺘﻬﺪاﻓﺎ‬
‫ﻻﺳﺘﺌصﺎل اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺎدة وأتﺒﺎﻋﺎ ﰲ ﻋﻘﺮ دارﻫﺎ‪ ،‬ومن أﻋﻈم ﻫﺬه اﻟﻐﺎرات اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻄﻠﻬﺎ‬
‫اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﰲ ﻏﺰوﰐ أﺣﺪ واﻷﺣﺰاب‪.‬‬
‫‪.1‬غﺰوة أﺣﺪ‪ :‬تعﺘﱪ اﻟﻐﺰوة من اﻟﻐﺰوات اﻟﺪﻓﺎﻋﻴّة ﻋن اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﻏﺰو ﻗﺮﻳﺶ ﳍﺎ‪ ،‬ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺰﳝﺘﻬﺎ‬
‫ﺑﺒﺪر ﺣﻴﺚ ﺧصصﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠة اﻟﺘﺠﺎرﻳّة اﻟﱵ ﳒﺖ ﻟﺘﺠﻬﻴﺰ جﻴﺸﻬﺎ‪ ،3‬وﻛﺎﳕﻘصﺪﻫم وﻫﺪﻓﻬم اﻟنﻬﺎﺋﻲ‬
‫اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ رﺳﻮل ﷲ ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(115/5) ،‬‬

‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻗﻮت اﳊمﻮي‪ ،‬اﻟﺒﻠﺪان‪ ،(118/5) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(290/2) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(200/1) ،‬‬
‫‪396‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪي‪ ،‬ﻓﺠعﻠﻮا ﲪﺎﻳّة اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬من أﻋﻈم اﳌﻘﺎﺻﺪ ﰲ‬ ‫وﻗﺪ أدرك اﻟنﱯ ‪ ‬و ّ‬
‫ُﺣ ٍﺪ«‪.1‬‬ ‫ْﺤﺔَ َﺷ ﱠﻼ َء َوﻗَى ِ َﺎ اﻟﻨِ ﱠ‬
‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳَـ ْﻮ َم أ ُ‬ ‫ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة‪ ،‬ﻓ َع ْن ﻗَـْﻴﺲ ﺑْ ِن أَِﰊ َﺣﺎ ِزٍم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪َ » :‬رأَﻳْ ُ‬
‫ﺖ ﻳَ َﺪ ﻃَﻠ َ‬
‫ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻐﺮب ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ من ﻃﻠﺤة اﳋﲑ اﻟﺬي تﺮﰉ ﰲ مﺪرﺳة اﻟنﺒﻮة اﻷوﱃ منﺬ ﻋﻬﺪ دار اﻷرﻗم‬
‫اﻷرﻗم ﺑن أﰊ اﻷرﻗم‪ ،‬ﻓﻘﺪ ر ﻫم اﻟنﱯ ﷺ ورﺳخ ﰲ نﻔﻮﺳﻬم ﺣﺐ ﷲ ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ ،‬ورﺳﻮﻟه‬
‫ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ ،‬ورﺳﻮﻟه‪ ‬و ﺑﺬل اﻟنﻔﻮس واﻷرواح من أجﻞ تﺒﻠﻴغ دﻳنه واﻟ ّﺪﻋﻮة إﻟﻴه‪. 2‬‬
‫‪.2‬غﺰوة اﳋﻨﺪق‪ :‬تعﺪ ﻏﺰوة اﳋنﺪق من اﻟﻐﺰوات اﻟﺪﻓﺎﻋﻴّة اﻟعﻈﻴمة‪ ،‬اﻟﱵ ﲤﻜنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼﳍﺎ‬
‫ﺑصﺪ أﻋﻈم ﳏﺎوﻟة وأﺧﻄﺮﻫﺎ ﻛﺎنﺖ تﺴﺘﻬﺪف إ دة اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓﻠم تﺰل ﻗﺮﻳﺶ ﺧﺎﺻة ﺑعﺪ أﺣﺪ‬
‫تﻔﻜﺮ ﻟﻘﻴﺎم ﺑعمﻞ ﻋﺴﻜﺮي ﳛﺴم اﳌﻮﻗﻒ ﻟصﺎﳊﻬﺎ ﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﳌﺴﻠمﲔ ﰲ اﳌﺪﻳنة ﻗﻀﺎء مﱪمﺎ‪.‬‬

‫ونﻈﺮا إﱃ أن ﻗﻮة ﻗﺮﻳﺶ وﺣﺪﻫﺎ ﻻ تﻜﻔﻲ ﻹﳒﺎز اﳌﻬمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺳعﺖ إﱃ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ مع اﻵﺧﺮﻳن‬
‫ﳊﺮب اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓﻜﺎ ﻟﻘﻮم ﲨﻴعﺎ اﻟﺬﻳن واﻓﻮا اﳋنﺪق من ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬وﺳﻠﻴم‪ ،‬وﻏﻄﻔﺎن‪ ،‬وأﺳﺪ‪ ،‬ﻋﺸﺮة‬
‫آﻻف‪.3‬‬
‫وأمﺎم ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪي اﻟﻜﺒﲑ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ من ﺧﻄة دﻓﺎﻋﻴّة ﳏﻜمة‪ ،‬ﲤنع‬
‫اﻟعﺪو من ﲢﻘﻴق وﺑﻠﻮغ مﻘﺎﺻﺪه‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ ﺧﻄة اﳋنﺪق اﻟﱵ أﺷﺎر ﺎ ﺳﻠمﺎن‪ ،‬وﻗﺪ ﺷﺎرك رﺳﻮل‬
‫ﷲ ‪ ‬ﺑنﻔﺴه ﰲ ﺣﻔﺮه‪ ،‬ﻓعن اﻟﱪاء ﺑن ﻋﺎزب‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﳌﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﺧنﺪق رﺳﻮل ﷲ‬
‫‪4‬‬
‫‪ ،‬رأﻳﺘه ﻳنﻘﻞ من تﺮاب اﳋنﺪق‪ ،‬ﺣﱴ وارى ﻋﲏ اﻟﻐﺒﺎر جﻠﺪة ﺑﻄنه‪.‬‬
‫وأﺣﺴﺐ أن مﺎ ذﻛﺮته من اﻟﻐﺰوات من ﺧﻼل اﻟصﺤﻴﺢ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻹثﺒﺎت اﻟﺒعﺪ اﳌﻘﺎﺻﺪي اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ‬
‫ﳍﺎ داﺧﻞ وﺧﺎرج اﳌﺪﻳنة‪ ،‬وﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة ﻟص ِّﺪ ﻛﻞ اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة اﳋﻄﲑة اﻟﱵ‬
‫ﻛﺎنﺖ تﺴﺘﻬﺪف اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة؛ ﻗﺎدة واتﺒﺎﻋﺎ‪.‬‬
‫وتﺰامنﺎ مع ﻫﺬه اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق‪ ،‬ودﺳﺎﺋﺲ وﻓﱳ‪ ،‬ومﺆامﺮات اﻟﻴﻬﻮد‬
‫اﻟﻴﻬﻮد ﲢﺪ ت داﺧﻠﻴّة‪ ،‬تعمﻞ ﻟصﺎﱀ أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﳋﺎرج؛ ﳑﺎ اﺳﺘﺪﻋﻰ اﻟﺘصﺪي ﳍﺎ‪ ،‬وتﻄﻬﲑ‬
‫ﳎﺘمع اﻟ ّﺪﻋﻮة منﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺳأﺑﻴنه ﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب أﺻﺤﺎب اﻟنﱯ ‪ ،‬ب ِذ ْﻛ ِﺮ ﻃَْﻠ َﺤةَ ﺑْ ِن ﻋُﺒَـْﻴ ِﺪ ا ﱠِ‪ ،(22/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3724 :‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱄ ﷲ‪.(503/1) ،‬‬ ‫‪ -‬ﷴ ﻋﻠﻲ ﷴ إمﺎم‪ ،‬ﻛﻠمﺎت مﻀﻴﺌة ﰲ ّ‬
‫‪ -3‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(444/2) ،‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(419/2) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب وﻫﻲ اﳋنﺪق‪.(110/5) ،‬‬
‫‪397‬‬
 ‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّﺔ‬
‫ﻻ تﻘﻞ اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة ﺧﻄﻮرة ﻋن اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرجﻴّة؛ إذ تﺘﻀﺎﻓﺮ معﻬﺎ ﰲ ﻋﺪاوة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫اﻟﺴعﻲ ﻻﺳﺘﺌصﺎﳍﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﻳﻈﻬﺮ من ﺧﻼل ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق اﻟﱵ تﻮﱃ ﻛﱪﻫﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ‪،‬‬
‫ومﺆامﺮات اﻟﻴﻬﻮد اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﲢﺎك ﺿﺪ اﳌﺴﻠمﲔ من ﺣﲔ ﻵﺧﺮ منﺬ ﺑﺪاﻳّة اﻟعﻬﺪ اﻟنﺒﻮي ﺧﺎﺻة‬
‫ﺑعﺪ ﻏﺰوة ﺑﺪر‪.‬‬
‫وﺳأﺑﲔ ﺧﻄﻮرة ﻫﺬا اﻟنﻮع من اﻟﺘﺤﺪي وﻛﻴﻔﻴّة اﻟﺘصﺪي ﻟه من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﲢﺪ ت اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ‬
‫من أﻫم اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة اﻟﱵ واجﻬﺘﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة‪ ،‬ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق‪ ،‬اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ‬
‫تعمﻞ ﻟصﺎﱀ أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟعﺮب واﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬ﻓﻜﺎنﺖ اﻟﻐﺰوات تﻜﺸﻒ من ﺣﲔ ﻵﺧﺮ ﻋن‬
‫َ َٓ‬
‫نﻮا ﻫم‪ ،‬وﺧﻄﻄﻬم اﳋﻔﻴّة اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑﻄﺮق‪ ،‬وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻓﻘﺎل تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱومﺎ‬
‫َ َ َ ُ َ َ َُ ْ ََ َْْ َ ُ ْ‬ ‫َ َََْ‬ ‫ﷲ َو ِ َ ْع َ َم ل ْ ُمو ِمنِ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َٰ ُ‬
‫ك ْم يَ ْو َم ْ َ َ ل ْ َ‬
‫و ِ ع م ِين نﺎ قو و ِيل لهم تعﺎ وا ٰتِ وا ِ‬ ‫ج ْم َ ٰ ِن فبِإِذ ِن ِ‬ ‫أ ب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َٰ َ ُ َ ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُْ َ‬ ‫َ‬
‫ون بِﺄف َ ٰ ِه ِهم‬ ‫ﷲ أ ِو دفعو ﻗﺎ وا ْو ن ْع ُم ﻗِتَﺎﻻ ﻻ بَ ْع َ ٰك ْ ۖم ه ْم ِلكف ِر يَ ْو َم ِ ٍذ ﻗ َرب مِن ُه ْم ِِﻼي ِن قو‬ ‫يل ِ‬ ‫سِ ِ‬
‫َ‬
‫ُ َ َُْ َ َ ُُْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َْ َ‬
‫ون چ ]آل ﻋمﺮان‪.[ 168-167 :‬‬ ‫مﺎ ل س ِ ﻗ و ِ ِه ْ ۖم َواﷲ أع م بِمﺎ يكتم ۖ‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ ﳍم مﻮاﻗﻒ ﻋﺪاﺋﻴّة ودﺳﺎﺋﺲ ومﺆامﺮات وﻓﱳ ﻻ ﳝﻜن ﺣصﺮﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻴﻜﻔﻲ ﻟﺒﻴﺎن ﺧﻄﻮر ﺎ‬
‫مﺎ ﻗﺎمﻮا ﺑه ﰲ ﻏﺰوﰐ أﺣﺪ وﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‪ ،‬ﻛمﺎ ﺳأﺑﻴنه ﰲ اﻟﺘﺎﱄ‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ ﰲ غﺰوة أﺣﺪ‬
‫أدرك اﳌنﺎﻓﻘﻮن أن اتﻔﺎق اﻟصﻒ اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬واﲢﺎد ﻛﻠمة اﳌﺴﻠمﲔ من أﻋﻈم أﺳﺒﺎب انﺘصﺎرﻫم‬
‫وتﻐﻠﺒﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺪ ت‪ ،‬ﻓﻠم ﻳﻜن منﻬم إﻻ اﻟﺴعﻲ من أجﻞ اﻟﻔﺮﻗة واﻻﺧﺘﻼف ﰲ اﻟصﻒ اﳌﺴﻠم‬
‫ﻹﺿعﺎﻓه‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﺎول ذﻟﻚ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬وﻛﺎد أن ﻳنﺠﺢ ﻟﻮﻻ أن ﷲ ﺣﻔﻆ‪.‬‬

‫ِنك ُم ٓۥ أن ت ْف َشﻼَ َو ُ‬
‫اﷲ‬
‫ُ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ْ َ‬
‫چ ٱ ذ همت طﺎ ِف َ ٰ ِن م‬ ‫وﻗﺪ ﺳﺠﻞ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪:‬‬
‫ُْ ُ َ‬ ‫ِ َََْ‬ ‫َ ُ َ َ ََ‬
‫‪ ،‬ﻗﺎل‪ " :‬نﺰﻟﺖ ﻫﺬه‬ ‫]آل ﻋمﺮان‪ ،[122 :‬ﻓعن جﺎﺑﺮ ﻗﺎل‬ ‫ون ٱچ‬ ‫ﷲ فليت َوك ِل لمومِن ۖ‬ ‫و ِ همﺎ و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ْ‬
‫ﺑﲏ ﺳﻠمة‪ ،‬وﺑﲏ ﺣﺎرثة‪ ،‬ومﺎ أﺣﺐ أ ﺎ ﱂ تنﺰل‪،‬‬ ‫اﻵﻳّة ﻓﻴنﺎ‪ :‬چٱ ذ َهمت طﺎ ِ َف َ ٰ ِن مِنك ُم ٓۥ أن ت ْف َشﻼ چ‬

‫‪398‬‬
‫اﷲ َو ِ ُه َمﺎ ٱپ چ‪1‬؛إذ ﳘﻮا ﻟﺮجﻮع ﺣﲔ رجع ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ‪ ،‬ﻓعصمﻬم ﷲ‪ ،‬وﺑﻘﻲ‬ ‫وﷲ ﻳﻘﻮل‪ :‬ٱچ ٱ َو ُ‬
‫‪2‬‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ ﺳﺒعمﺎﺋة"‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﺑن إﺳﺤﺎق‪" :‬ﺣﱴ إذا ﻛﺎنﻮا ﻟﺸﻮط ﺑﲔ اﳌﺪﻳنة وأﺣﺪ‪ ،‬اﳔﺰل ﻋنه ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ ﺑن ﺳﻠﻮل‬
‫ﺳﻠﻮل ﺑﺜﻠﺚ اﻟنﺎس‪ ،‬وﻗﺎل‪ :‬أﻃﺎﻋﻬم وﻋصﺎﱐ‪ ،‬مﺎ نﺪري ﻋﻼم نﻘﺘﻞ أنﻔﺴنﺎ ﻫﺎﻫنﺎ أﻳﻬﺎ اﻟنﺎس ﻓﺮجع‬
‫ﲟن اتﺒعه من ﻗﻮمه من أﻫﻞ اﻟنﻔﺎق واﻟﺮﻳﺐ‪ ،‬واتﺒعﻬم ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋمﺮو ﺑن ﺣﺮام‪ ،‬أﺧﻮ ﺑﲏ ﺳﻠمة‪،‬‬
‫ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻗﻮم‪ ،‬أذﻛﺮﻛم ﷲ أﻻ ﲣﺬﻟﻮا ﻗﻮمﻜم ونﺒﻴﻜم ﻋنﺪ مﺎ ﺣﻀﺮ من ﻋﺪوﻫم‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا‪ :‬ﻟﻮ نعﻠم‬
‫نعﻠم أنﻜم تﻘﺎتﻠﻮن ﳌﺎ أﺳﻠمنﺎﻛم‪ ،‬وﻟﻜنﺎ ﻻ نﺮى أنه ﻳﻜﻮن ﻗﺘﺎل‪.3".‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من اﻵ ر اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻈﻴمة ﻟﻐﺰوة أﺣﺪ إﱃ جنﺐ ﻛﻮ ﺎ ﻏﺰوة دﻓﺎﻋﻴّة ﻟصﺪ اﻟعﺪوان‬
‫اﻟعﺴﻜﺮي‪ ،‬أ ﺎ ﻛﺸﻔﺖ وﻓﻀﺤﺖ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وﺑﻴنﺖ ﻋﺪاو م ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ومعﺮﻓة وﻛﺸﻒ اﻟعﺪو وﻓﻀﺢ‬
‫ﳐﻄﻄﺎته ﻳﺴﻬﻞ اﻟﺘصﺪي ﻟه‪.‬‬
‫‪.2‬ﻣﻮاﻗﻔﻬﻢ ﰲ غﺰوة ﺑﲏ اﳌﺼﻄﻠﻖ‬
‫ﻻ تﺰال ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق ﲤﺎرس ﳐﻄﻄﺎ ﺎ اﻟعﺪاﺋﻴّة اﳋﻔﻴّة‪ ،‬ﻓﻬﺬه اﳌﺮة تﻄﻠعنﺎ ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق ﻋن‬
‫مﻮﻗﻔﲔ ﺧﻄﲑﻳن ﳍﺬه اﳊﺮﻛة‪.‬‬
‫أ‪.‬اﳌﻮﻗف اﻷول‪ :‬ﻓﻘﺪ ﺳعﻰ اﳌنﺎﻓﻘﻮن ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوة إﱃ إ رة اﻟعصﺒﻴّة ﺑﲔ اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر‪ ،‬ﰲ‬
‫ﻮل‪ :‬ﻻَ ﺗُـ ْﻨ ِﻔ ُﻘﻮا‬ ‫ِ‬ ‫ﺖ ِﰲ غَ َﺰاةٍ ﻓَ َﺴ ِﻤ ْﻌ ُ‬ ‫ﰲ ﺳﻴﺎق ﻓﺮق تﺴﺪ‪ ،‬ﻓعن زﻳﺪ ﺑن أرﻗم‪ ،‬ﻗﺎل‪ُ :‬ﻛ ْﻨ ُ‬
‫ُﰊ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬‫ﺖ َﻋ ْﺒ َﺪ ا ﱠ ﺑْ َﻦ أ ٍَّ‬
‫َﻋ ﱡﺰ ِﻣ ْﻨـ َﻬﺎ اﻷَذَ ﱠل‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮل ا ﱠ َﺣ ﱠﱴ ﻳَـ ْﻨـ َﻔﻀﱡﻮا ﻣ ْﻦ َﺣ ْﻮﻟ ِﻪ‪ ،‬وﻟَﺌِ ْﻦ َر َﺟ ْﻌﻨَﺎ ﻣ ْﻦ ﻋْﻨ ِﺪ ِﻩ ﻟَﻴُ ْﺨ ِﺮ َﺟ ﱠﻦ اﻷ َ‬
‫ﺗـُ ْﻨ ِﻔ ُﻘﻮا ﻋﻠَى ﻣﻦ ِﻋ ْﻨ َﺪ رﺳ ِ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َْ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬إِ َﱃ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِﻦ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَ َﺪ َﻋ ِﺎﱐ ﻓَ َﺤ ﱠﺪﺛْـﺘُﻪُ‪ ،‬ﻓَﺄ َْر َﺳ َﻞ َر ُﺳ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ذَﻟِ َ ِ ِ‬
‫ﻚ ﻟ َﻌ ّﻤﻲ أ َْو ﻟ ُﻌ َﻤ َﺮ‪ ،‬ﻓَ َﺬ َﻛ َﺮُﻩ ﻟﻠﻨِ ِّ‬ ‫ﻓَ َﺬ َﻛ ْﺮ ُ‬
‫ﺖ‬‫ﻂ‪ ،‬ﻓَ َﺠﻠَ ْﺴ ُ‬ ‫ﺼ ْﺒ ِﲏ ِﻣﺜْـﻠُﻪُ ﻗَ ﱡ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬وﺻ ﱠﺪﻗَﻪُ‪ ،‬ﻓَﺄَﺻﺎﺑ ِﲏ َﻫ ﱞﻢ َﱂ ﻳ ِ‬ ‫َﺻ َﺤﺎﺑِ ِﻪ‪ ،‬ﻓَ َﺤﻠَ ُﻔﻮا َﻣﺎ ﻗَﺎﻟُﻮا‪ ،‬ﻓَ َﻜ ﱠﺬﺑَِﲏ َر ُﺳ ُ‬ ‫ُﰊ َوأ ْ‬
‫ُْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫أ ٍَّ‬
‫َ ٓ َ‬
‫ﺎﱃ‪ :‬چٱإِذا َجﺎ َءك‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬وَﻣ َﻘﺘَ َ‬
‫ﻚ؟ ﻓَﺄَﻧْـ َﺰ َل ا ﱠُ ﺗَـ َﻌ َ‬ ‫ﻚ َر ُﺳ ُ‬ ‫ت إِ َﱃ أن َﻛ ﱠﺬﺑَ َ‬ ‫ﺎل ِﱄ َﻋ ِّﻤﻲ‪َ :‬ﻣﺎ أ ََر ْد َ‬ ‫ِﰲ اﻟﺒـْﻴ ِ‬
‫ﺖ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫َ‬
‫ل ُم َ ٰف ُق َ‬ ‫ْ‬
‫ﺻ ﱠﺪﻗَ َﻚ َ َزﻳْ ُﺪ «‪.1‬‬
‫َ‬ ‫ﺪ‬
‫ْ‬ ‫ﻗ‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ﱠ‬ ‫ا‬ ‫أن‬ ‫»‬ ‫ﻓﻘﺎل‪:‬‬ ‫أ‬
‫ﺮ‬ ‫ﻓﻘ‬ ‫‪‬‬ ‫اﻟنﱯ‬ ‫إﱄ‬ ‫ﻓﺒعﺚ‬ ‫‪،‬‬‫[‬‫‪01‬‬ ‫]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪:‬‬ ‫چ‬ ‫ون‬ ‫ِ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چٱٱٱٻٱٻٱٻٱٻٱپٱپٱپپٱڀٱ‬

‫ڀٱڀٱڀٱچ‪.(96/5) ،‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن‪. (165/7) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(64/2) ،‬‬
‫]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪ ،(152/6) ،[1 :‬ﺑﺮﻗم‪4617 :‬‬ ‫ك ل ْ ُم َ ٰف ُق َ‬
‫ون چ‬
‫َ َ َٓ َ‬
‫چٱإِذا جﺎء‬ ‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب ﻗﻮﻟه‪:‬‬
‫ِ‬

‫‪399‬‬
‫وﳋﻄﻮرة اﳌﻮﻗﻒ؛ ﻓﻘﺪ نﺰﻟﺖ ﺳﻮرة ﺑﻜﺎمﻠﻬﺎ تعﺎﳉه ﻛﺎﺷﻔة وﻓﺎﺿﺤة مﻮاﻗﻒ اﳌنﺎﻓﻘﲔ اﻟعﺪاﺋﻴّة‬
‫ﻟﻠﺪﻋﻮة؛ ﻗﺎدة وأتﺒﺎﻋﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﺳﻮرة اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬ف" ﻫﻲ تﺘﻀمن ﲪﻠة ﻋنﻴﻔة ﻋﻠﻰ أﺧﻼق اﳌنﺎﻓﻘﲔ‬
‫وأﻛﺎذﻳﺒﻬم ودﺳﺎﺋﺴﻬم ومنﺎورا م‪ ،‬ومﺎ ﰲ نﻔﻮﺳﻬم من اﻟﺒﻐﺾ واﻟﻜﻴﺪ ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‪ ،‬ومن اﻟﻠﺆم واﳉﱭ‬
‫واﳉﱭ وانﻄمﺎس اﻟﺒصﺎﺋﺮ واﻟﻘﻠﻮب"‪.1‬‬
‫ب‪ .‬اﳌﻮﻗف اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﳌﺎ ﻓﺸﻞ اﳌنﺎﻓﻘﻮن ﰲ إ رة اﻟﻔﺘنة ﺑﲔ اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر‪ ،‬اﺳﺘﻐﻠﻮا ﺣﺎدثة‬
‫اﻹﻓﻚ ﻹﻳﺬاء اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﰲ نﻔﺴه وأﻫﻞ ﺑﻴﺘه ﻓﺸنﻮا ﺣﺮ نﻔﺴﻴّة مﺮﻳﺮة من ﺧﻼﳍﺎ‪.‬‬
‫چ ٱ َوا ِے‬ ‫‪:‬‬ ‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﺮأس اﳌنﺎﻓﻘﲔ أﻋﻈم دور ﰲ اﳊﺎدثة‪ ،‬ﻓعن ﻋﺎﺋﺸة‬
‫ّ‬
‫تَ َو ۪ ٰ كِ ْ َ ُهۥ چ ]اﻟنﻮر‪ ،[11:‬ﻗﺎﻟﺖ‪» :‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ اﺑن ﺳﻠﻮل«‬
‫‪2‬‬

‫‪‬ﻓﻘصة اﻹﻓﻚ‪ ،‬ﺣﻠﻘة من ﺣﻠﻘﺎت اﻹﻳﺬاء واﶈن اﻟﱵ ﻟﻘﻴﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬من أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة من‬
‫اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وﻟﻘﺪ ﻛﺎنﺖ ﻫﺬه اﻷذﻳّة أﺷﺪ ﰲ وﻗعﻬﺎ ﻋﻠﻰ نﻔﺴه ‪ ‬من ﻛﻞ تﻠﻚ اﶈن اﻟﺴﺎﺑﻘة‪.‬‬
‫‪ ‬وﻫﻲ ﺻﻮرة واﺿﺤة ﻻﺳﺘﻬﺪاف اﳌنﺎﻓﻘﲔ ﻟﺸخصﻴّة اﻟنﱯ ‪ ،‬وﻫﻮ ﺷﺎن أﻋﺪاء اﻟﺪﻋﻮات ﰲ ﻛﻞ‬
‫زمﺎن ومﻜﺎن‪ ،‬ﻓﺎﻟﺴعﻲ ﻟﻠﻄعن ﰲ اﻟﺮمﻮز ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﺳنة مﻄﺮدة ﰲ اﻟﺪﻋﻮات‪.‬‬
‫وﻫﻜﺬا ﻛﺎن اﳌنﺎﻓﻘﻮن ﻳﺴﺘﻐﻠﻮن اﻟﻔﺮص مﱰﺑصﲔ ﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻹ رة اﳌﻜﺎﺋﺪ واﻟﺸﺮور واﻟﺪﺳﺎﺋﺲ‬
‫مﺸﻜﻠﲔ ﲢﺪ داﺧﻠﻴﺎ ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ﳑﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﺘصﺪي ﳍﺎ‪ ،‬واﳊﺬر من انعﻜﺎﺳﺎ ﺎ اﳋﻄﲑة‪،‬‬
‫وتﻠﻚ ﻫﻲ اﻵ ر اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠﻐﺰوات ﰲ تعﺮﻳّة ﺣﻘﺎﺋق اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﲢﺪ ت ﻳﻬﻮد اﳌﺪﻳﻨﺔ‬
‫ﻗﺪ ﻋﻘﺪ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻋﻬﺪا مع اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬ﻳﺘﻀمن ﺣﻘﻮﻗﻬم وواجﺒﺎ م ﰲ اﻟﺪوﻟة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻋﺘﺒﺎرﻫم‬
‫ﻋﺘﺒﺎرﻫم مﻮاﻃنﲔ ﺑﻐﺾ اﻟنﻈﺮ ﻋن د نﺘﻬم‪ ،3‬وﻇﻠﻮا ﻳﺘمﺘعﻮن ﺑﺘﻠﻚ اﳊﻘﻮق ﺣﺪ ﺑﺪا ﺧﻄﺮﻫم ﻳﻬﺪد‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة من اﻟﺪاﺧﻞ‪ ،‬ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ نﻘﻀﺎ ﻟﻠعﻬﺪ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻀﻲ تﻄﻬﲑ اﳌﺪﻳنة منﻬم‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋمﺮ‬
‫َﺟﻠَى ﺑ ِﲏ اﻟﻨ ِ‬
‫ﱠﻀ ِﲑ‪ ،‬وأَﻗَـ ﱠﺮ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔَ َوَﻣ ﱠﻦ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ‪َ ،‬ﺣ ﱠﱴ‬ ‫ِ ِ‬
‫رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪َ » :‬ﺣ َﺎرﺑَﺖ اﻟﻨﱠﻀﲑُ‪ ،‬وﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَﺄ ْ َ‬
‫ﲔ‪ ،‬إِﱠﻻ ﺑَـ ْﻌ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻀ ُﻬ ْﻢ َﳊ ُﻘﻮا ﻟﻨِ ِّ‬
‫ﱠﱯ‬ ‫ﲔ اﳌُ ْﺴﻠ ِﻤ َ‬
‫ﺎء ُﻫ ْﻢ َوأ َْوﻻَ َد ُﻫ ْﻢ َوأ َْﻣ َﻮا َﳍُ ْﻢ ﺑَـ ْ َ‬
‫ﺴَ‬ ‫ﺖ ﻗُـ َﺮﻳْﻈَﺔُ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺘَ َﻞ ِر َﺟﺎ َﳍُ ْﻢ‪ ،‬وﻗَ َﺴ َﻢ ﻧ َ‬
‫َﺣ َﺎرﺑَ ْ‬

‫‪ -1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(3572/6) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻔﺴﲑ‪ ،‬ب چٱٱ ٱٻٱٻٱٻٱٻٱپپٱچ‪ ،(101/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4472 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬نﺺ اﳌعﺎﻫﺪة ﺑﻄﻮﳍﺎ‪ ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(106/2) ،‬‬
‫‪400‬‬
 ‫ِ‬
‫ﻂ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠ ﺑْ ِﻦ َﺳ َﻼٍم‪ ،‬وﻳَـ ُﻬ َ‬
‫ﻮد ﺑَِﲏ‬ ‫ﻮد اﳌَ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ ُﻛﻠﱠ ُﻬ ْﻢ‪ :‬ﺑَِﲏ ﻗَـ ْﻴـﻨُـ َﻘ ٍﺎع‪ ،‬و ُﻫ ْﻢ َرْﻫ ُ‬
‫َﺟﻠَى ﻳَـ ُﻬ َ‬
‫َﺳﻠَ ُﻤﻮا‪ ،‬وأ ْ‬‫ﺂﻣﻨَـ ُﻬ ْﻢ َوأ ْ‬
‫‪ ‬ﻓَ َ‬
‫ﻮد اﳌَ ِﺪﻳﻨَ ِﺔ «‪.1‬‬
‫ﺣﺎ ِرﺛَﺔَ‪ ،‬وُﻛ ﱠﻞ ﻳـﻬ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬
‫ﻓﺎﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ ﻏﺰوات تﻄﻬﲑﻳّة ﳊمﺎﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻄﺮ اﻟﻴﻬﻮد اﻟﺪاﺧﻠﻲ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ‬
‫ﺧﺎﺿﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬مع ﻳﻬﻮد اﳌﺪﻳنة ﻟنﻘﻀﻬم ﻟﻠعﻬﺪ وﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﱄ‪:‬‬
‫‪ .1‬غﺰوة ﺑﲏ ﻗﻴﻨﻘﺎع‬
‫ﺑﺪأ اﻟﺘﺤﺪي اﻟﻴﻬﻮدي ﺑعﺪ ﻏﺰوة ﺑﺪر مﺒﺎﺷﺮة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻇﻬﺮ ﻳﻬﻮد ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع اﻟﻐﻀﺐ واﳊﺴﺪ ﻋنﺪمﺎ‬
‫ﻋنﺪمﺎ انﺘصﺮ اﳌﺴﻠمﻮن ﺑﺒﺪر‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﻠغ م اﻷمﺮ اﻹﺧﻼل ﻷمن داﺧﻞ اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪.2‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﻠغ من ﻋﺪاو م ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‪ ،‬أن أﺣﺪﻫم ﻋﻘﺪ ﻃﺮف ثﻮب امﺮأة مﺴﻠمة ﰲ ﺳﻮق ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع‪،‬‬
‫ﻗﻴنﻘﺎع‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻗﺎمﺖ انﻜﺸﻔﺖ وﺻﺎﺣﺖ ﻓﻘﺎم أﺣﺪ اﳌﺴﻠمﲔ ﻓﻘﺘﻞ اﻟﻴﻬﻮدي وتﻮاثﺐ ﻋﻠﻴه اﻟﻴﻬﻮد‬
‫ﻓﻘﺘﻠﻮا اﳌﺴﻠم‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘصﺮخ أﻫﻞ اﳌﺴﻠم اﳌﺴﻠمﲔ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻬﻮد ﻓﻐﻀﺐ اﳌﺴﻠمﻮن‪ ،‬ﻓﻮﻗع اﻟﺸﺮ ﺑﻴنﻬم‬
‫وﺑﲔ ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع‪ ،‬ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ ﻹجﻼﺋﻬم من اﳌﺪﻳنة‪.3‬‬
‫ﻓﻐﺰاﻫم اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻟنﻘﻀﻬم اﻟعﻬﺪ‪ ،‬ﻓﺤﺎﺻﺮﻫم ﲬﺴة ﻋﺸﺮ ﻟﻴﻠة ﺣﱴ نﺰﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﻜمه‪ ،‬ﻓﺸﻔع ﻓﻴﻬم‬
‫ﻓﻴﻬم ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن أﰊ‪ ،‬وأﱀ ﻋﻠﻴه ﻓأﻃﻠﻘﻬم ﻟه‪ ،‬وﻫم ﻗﻮم ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﺳﻼم‪ ،‬وﻛﺎنﻮا ﺳﺒعمﺎﺋة مﻘﺎتﻞ‪،‬‬
‫مﻘﺎتﻞ‪ ،‬وﻛﺎنﻮا ﺻﺎﻏة وﲡﺎرا‪.4‬‬
‫وﺑﺬﻟﻚ اﺳﱰاﺣﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﻫﺬه اﻟﻔﺌة اﻟﱵ تﺸﻜﻞ ﲢﺪي داﺧﻠﻲ ﻗﻮي ﻟﻠﺪﻋﻮة؛ ﳉﺎﻫﺰﻳﺘﻬﺎ‬
‫اﻟعﺴﻜﺮﻳّة‪ ،‬ﻗﻮ ﺎ واﻻﻗﺘصﺎدﻳّة‪ ،‬وﺧﺎﺻة إذا ﻋﻠمنﺎ ا م أﺣﻼف رأس اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪.‬‬
‫‪ .2‬غﺰوة ﺑﲏ اﻟﻨﻀﲑ‬
‫ﺑعﺪ ﻏﺪر ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع‪ ،‬وإجﻼﺋﻬم ﻏﺪرت ﺑنﻮ اﻟنﻀﲑ ونﻘﻀﺖ اﻟعﻬﺪ‪ ،‬ﲟﺤﺎوﻟﺘﻬم ﻻﻏﺘﻴﺎل رﺳﻮل ﷲ‬
‫ﷲ ‪ ،‬ﻛمﺎ ورد ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑة‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﺧﺮج إﻟﻴﻬم‪ ،‬ﻟﻴﺴﺘعﲔ م ﻋﻠﻰ دﻓع دﻳّة رجﻠﲔ معﺎﻫﺪﻳن‬
‫معﺎﻫﺪﻳن ﻗﺘﻠﻬمﺎ ﺧﻄأ ﻋمﺮو ﺑن أمﻴّة اﻟﻀمﺮي ﰲ أﻋﻘﺎب ﺣﺎدثة ﺑﺌﺮ معﻮنة‪ ،‬ﻓﺠﻠﺲ اﻟنﱯ إﱃ جﺪار‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺪﻳﺚ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،(88/5( ،‬ﺑﺮﻗم‪.3804 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(299/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(176/1) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪.(170/3) ،‬‬
‫‪401‬‬
‫ﻟﺒﲏ اﻟنﻀﲑ ﻓﻬمﻮا ﻟﻘﺎء ﺣﺠﺮ ﻋﻠﻴه وﻗﺘﻠه ﻓأﺧﱪه اﻟﻮﺣﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺎنصﺮف ﻋنﻬم مﺴﺮﻋﺎ إﱃ اﳌﺪﻳنة‬
‫‪1‬‬
‫ﰒ أمﺮ ﲝصﺎرﻫم ﻓنﺰﻟﻮا ﻋﻠﻰ اﻟصﻠﺢ ﺑعﺪ ﺣصﺎر ﺳﺖ ﻟﻴﺎل‪ ،‬ﻋﻠﻰ أن ﳍم مﺎ ﲪﻠﺖ اﻹﺑﻞ‪.‬‬
‫و ﺬه اﻟﻐﺰوة ﲣﻠصﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة من جﻮار ﺳﻲء ﱂ ﻳﻒ ﺑعﻬﺪه ووﻋﺪه‪ ،‬وﲞﺮوج ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ زادت ﺣﺮﻛة‬
‫اﻟنﻔﺎق ﺿعﻔﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﺪت مﻈﺎﻫﺮ م ﻟﻠﻴﻬﻮد ﺣﱴ ﰲ ﺣﺎل اﳊصﺎر‪ ،‬ﻹدراﻛﻬم ﳋﻄﻮرة تﻄﻬﲑ اﳌﺪﻳنة‬
‫ﻋﻠﻰ ﻛﻴﺎ م اﳋﺒﻴﺚ ﰲ اﳌﺪﻳنة‪.‬‬
‫َْ ََ َ‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎرت ﺳﻮرة اﳊﺸﺮ اﻟﱵ نﺰﻟﺖ ﰲ ﺑﲏ اﻟنﻀﲑ‪ ،‬إﱃ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻗﺎل ﺳﺒﺤﺎنه وتعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ م تر إ ِ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫جن َم َعك ْم َوﻻ نطِيع‬
‫َ َ َ ُ ْ َ ْ ْ َٰ َ ُ ْ ْ ُ ْ ََ ْ‬
‫خ ُر َ‬ ‫َ َ َُ ْ َُ ُ َ َْ ُ‬
‫ب ل ِن خ ِرجتم‬‫ِ ين نﺎ قوا قو ون ِ ِﻹخ ٰنِ ِهم ِين كفروا مِن ه ِل لكِ ِ‬
‫ُ َْ َ ُ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُْ َ ُ‬ ‫ُ ُٓ َ َ ً َ ٗ‬
‫ونٱچ ] اﳊﺸﺮ‪.[11:‬‬ ‫ِ يكمۥ أحدا بدا َوأن ﻗوتِلت ْم َن َ نك ْ ۖم َواﷲ شهد أنه ْم ل ٰذِب ۖ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻘﺎﲰﻲ ﰲ تﻔﺴﲑ اﻵﻳّة‪ ":‬وأﺧﻮ م معﻬم أﺧﻮة دﻳن واﻋﺘﻘﺎد‪ ،‬أو أﺧﻮة ﺻﺪاﻗة ومﻮاﻻة ﻷ م‬
‫ﻛﺎنﻮا معﻬم ﺳﺮا ﻋﻠﻰ اﳌﺆمنﲔ"‪.2‬‬
‫‪ .3‬غﺰوة ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈﺔ‬
‫ﱂ ﻳﺒق من اﻟﻴﻬﻮد داﺧﻞ اﳌﺪﻳنة ﺑعﺪ إجﻼء ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع وﺑﲏ اﻟنﻀﲑ إﻻ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬وﻇﻠﺖ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟعﻬﺪ إﱃ أن جﺎءت ﻏﺰوة اﳋنﺪق‪ ،‬ﻓنﻘﻀﺖ اﻟعﻬﺪ نﻀمﺎمﻬم إﱃ اﻷﺣﺰاب ﰲ ﺣﺮب اﻹ دة ﺿﺪ‬
‫ﺿﺪ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓﺴﺎر إﻟﻴﻬم اﻟنﱯ ‪ ‬مﺒﺎﺷﺮة ﺑعﺪ مﺮجعه من اﻷﺣﺰاب‪.3‬‬
‫ي‬‫ﻴﺪ اﳋُ ْﺪ ِر ﱠ‬‫ﻓﻬﺰمﻮا واﺳﺘﺴﻠمﻮا وﺣﻜم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻓﻴﻬم ﺣﻠﻴﻔﻬم ﺳعﺪ ﺑن معﺎذ‪ ،‬ﻓعن أﰊ ﺳعِ ٍ‬
‫َ‬
‫ﱠﱯ ‪‬إِ َﱃ َﺳ ْع ٍﺪ ﻓَأَتَﻰ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﻮل‪ :‬نـََﺰَل أ َْﻫ ُﻞ ﻗُـَﺮﻳْﻈَةَ َﻋﻠَﻰ ُﺣ ْﻜ ِم َﺳ ْعﺪ ﺑْ ِن ُم َعﺎذ‪ ،‬ﻓَأ َْر َﺳ َﻞ اﻟنِ ﱡ‬ ‫َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنهُ‪ ،‬ﻳَـ ُﻘ ُ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻫ ُﺆﻻَ ِء‬‫ﻮﻣﻮا إِ َﱃ َﺳﻴِّ ِﺪ ُﻛ ْﻢ‪ ،‬أ َْو َﺧ ِْﲑُﻛ ْﻢ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صﺎ ِر‪» :‬ﻗُ ُ‬
‫ﻓَأَتَﻰ َﻋﻠَﻰ ﲪَﺎ ٍر‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ َد َ م َن اﳌَ ْﺴﺠﺪ ﻗَ َﺎل ﻟ ْﻸَنْ َ‬
‫ﺖ ِﲝُ ْﻜ ِﻢ ا ﱠِ«‪،‬‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻗَ َ‬
‫ﻀ ْﻴ َ‬ ‫» َﻫ ُﺆﻻَ ِء ﻧَـ َﺰﻟُﻮا َﻋﻠَى ُﺣ ْﻜ ِﻤ َﻚ«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪ :‬تَـ ْﻘﺘُ ُﻞ ُم َﻘﺎتِﻠَﺘَـ ُﻬ ْم‪ ،‬وتَ ْﺴِﱯ َذ َرا ِرﻳـﱠ ُﻬ ْم‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ِ ِ ‪4‬‬
‫ﺎل‪ِ» :‬ﲝُ ْﻜ ِﻢ اﳌَﻠﻚ«‬ ‫و ُرﱠﲟَﺎ ﻗَ َ‬
‫ﻓﻬﺬه رواﻳّة ﺻﺤﻴﺤة تﺪل ﻋﻠﻰ ثﺒﻮت ﻗﺘﻞ اﻟﻐﺎدرﻳن من ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻟﺸﺪة ﺧﻄﺮﻫم ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﳑﺎ‬
‫ﳑﺎ ﻳﺮد ﻋﻠﻰ ﳛﺎول جﺎﻫﺪا نﻔﻴﻬﺎ ﲝﺠة ﻋﺪم إنﺴﺎنﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻠم تﻜن ﻫﺬه اﻟعﻘﻮﺑة اﻟﺸﺪﻳﺪة إﻻ جﺰاء‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(190/2) ،‬‬

‫‪ -2‬ﷴ ﲨﺎل اﻟﺪﻳن اﻟﻘﺎﲰﻲ‪ ،‬ﳏﺎﺳن اﻟﺘأوﻳﻞ‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ اﻟﺴﻮد‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬ﻫـ‪.(191/9) ،‬‬
‫‪ - 3‬ﻳنﻈﺮ تﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻐﺰوة‪ :‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(496/2) ،‬واﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(233/2) ،‬‬
‫‪ - 4‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮجع اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬وﳐﺮجه إﱃ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈة‪ ،(112/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪. 3895:‬‬
‫‪402‬‬
‫ﳋﻴﺎنﺘﻬم اﻟعﻈمﻰ ﻟﺘﻮاﻃﺆ مع اﻷﻋﺪاء‪ ،‬ﻹ دة اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ تﻘﺮه ﺣﱴ ﻗﻮانﲔ اﳊﺮب اﻟﺪوﻟﻴّة‬
‫اﳊﺪﻳﺜة‪ ،‬ﻓمن ﺣق اﳌﺴﻠمﲔ أن ﻳﻘﺘﻠﻮﻫم ﻛمﺠﺮمﻲ ﺣﺮب ﻻ ﻛمﺤﺎرﺑﲔ ﻋﺎدﻳﲔ‪.1‬‬
‫و ﺬه اﻟﻐﺰوات تﻄﻬﺮت اﳌﺪﻳنة من ﻃﻮاﺋﻒ اﻟﻴﻬﻮد جﻼء ﺑﲏ ﻗﻴنﻘﺎع وﺑﲏ اﻟنﻀﲑ وإ دة مﻘﺎتﻠﻲ ﺑﲏ‬
‫ﻗﺮﻳﻈة‪ ،‬ﻓﺘﻜﻮن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺪ وﻓﺮت جﻬﺪا ﻟﻠﺘﻔﺮغ ﻹﳒﺎزات دﻋﻮﻳّة آﺧﺮى‪.‬‬
‫وﺧﻼﺻة ﻫﺬا اﳌﻄﻠﺐ أن اﻟﻐﺰوات اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﻗﺒﻞ اﻷﺣﺰاب أو ﺑعﺪﻫﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻛﺎنﺖ ﻏﺰوات دﻓﺎﻋﻴّة‬
‫ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﳋﺎرجﻲ ﺑصﺪ ﻋﺪوان أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم ﻗﺮﻳﺶ ﳍﺠﻮم اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬وﻳﻜﻮن‬
‫ذﻟﻚ ﺧﺎرج اﳌﺪﻳنة‪ ،‬أو ﺑصﺪ ﻏﺎرا ﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة‪.‬‬
‫أمﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺸﻔﺖ اﻟﻐﺰوات دﺳﺎﺋﺲ اﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ تﻮاﻃﺆﻫﺎ مع‬
‫اﳌﺸﺮﻛﲔ واﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬وﻗﺪ ﺿعﻒ نﺸﺎط ﺣﺮﻛة اﻟنﻔﺎق ﻟﺘﻄﻬﲑ اﻟﺘﺎم ﻟﻠمﺪﻳنة من اﻟﺪاﺧﻞ من اﻟﻴﻬﻮد‪،‬‬
‫وﻫﻜﺬا ﳓﺠﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﲡﺎوز اﻟﺘﺤﺪ ت ﻟﺘنﺘﻘﻞ إﱃ ﻋﻬﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺬي ﺳﺘﻮﱃ اﻟﺪراﺳة ﺑﻴﺎنه ﰲ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﳌﻮاﱄ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص ‪ ،259‬اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(317/1) ،‬‬
‫‪403‬‬
 ‫)‪(1‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ ‪:‬اﳌﻘﺼﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺘﱠﻤﻜﻴﲏ ﻟﻠﻐﺰوات‬
‫ﺑعﺪمﺎ ﺣﻘﻘﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة مﻘصﺪ اﳊمﺎﻳّة من ﺧﻼل اﻟﺪﻓﺎع ﻋن اﳌﺪﻳنة ﰲ اﳌﺮﺣﻠة اﻟﺴﺎﺑﻘة‪ ،‬ﲟﻮاجﻬة‬
‫اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪ ،‬ﲢﺮﻛﺖ ﻟﺘﺤﻘﻴق مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﳍﺎ ﰲ أرجﺎء اﳌعمﻮرة‪ ،‬مﺘخﺬة‬
‫اﳌﺪﻳنة ﻗﺎﻋﺪة دﻋﻮﻳّة تنﻄﻠق منﻬﺎ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ تﻘﺘﻀﻴه ﻃﺒﻴعة اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﺎﳌﻴّة اﳋﺎﻟﺪة‪ ،‬اﻟﱵ جﺎءت‬
‫ﻟﺘخﺮج اﻟنﺎس ﻛﺎﻓة من اﻟﻈﻠمﺎت إﱃ اﻟنﻮر‪ ،‬وﲤﻜن ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﺣﱴ تﺴﻮد اﻟعﺎﱂ‪.‬‬
‫ﻟﺬا جﺎءت اﻟﻐﺰوات ومﺎ ﻳﺪور ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ ﻟﺘﺤﻘﻴﻘه ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة‪ ،‬ﻓنﺘنﺎول ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة من ﺣﻴﺎة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻹﺑﺮاز مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﳉﻴﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ‬
‫إن أول ﻋنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟﺬي ﺣﺮﺻﺖ ﻋﻠﻴه اﻟﺪوﻟة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻛأوﻟﻮﻳّة ﻫﻮ اﻟﺘﱠمﻜﲔ‬
‫اﳉﻴﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺧﺎرج منﻄﻘة اﳌﺪﻳنة ﻋﺎﺻمة اﻟﺪوﻟة‪ ،‬من ﺧﻼل تﻮﺳﻴع رﻗعة اﻟﺪوﻟة وﲤﺘﲔ اﻟعمﻞ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬ﺧﺎﺻة اﻟنﺸﺎط اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻲ واﻟعﻼﻗﺎت اﳋﺎرجﻴّة‪.‬‬
‫وﺳﻮف أﺑﲔ أثﺮ اﻟﻐﺰوات ومﺎ ﰲ ﳏﻴﻄﻬﺎ من نﺘﺎﺋج ومﻘﺪمﺎت ﻟﺘﺤﻘﻴق ﻫﺬا اﻹﳒﺎز اﻟﺪﻋﻮي ﰲ ﻫﺬه‬
‫اﻟعنﺎﺻﺮ‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﳉﻐﺮاﰲ‪ :‬ﻟﻘﺪ أﺧﺬت اﳊﺮﻛة ﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑعﺪ اﻷﺣﺰاب تﺘﻮﺳع ﰲ اﳉﺰﻳﺮة اﻟعﺮﺑﻴّة ﺑﻔﻀﻞ‬
‫نﺸﺎط اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﺣﱴ ﺑﻠﻐﺖ ﻛﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ تﻔﺮﺿه اﳌﺮﺣﻠة اﻟﱵ تﺴﺘﻬﺪف تﻄﻬﲑ اﳌنﻄﻘة من‬
‫اﻟﻔﺴﺎد اﳌﻮجﻮد ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬وﲣﻠﻴصﻬﺎ من ﻋﺪوان اﻟﻄﻐﺎة‪ ،‬وإﺳﻜﺎت ﺻﻮت اﻟﺒﻐﻲ وﻗﻬﺮ اﻟعﺪوان ﻗﺒﻞ‬
‫ﻇﻬﻮره‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺸﺮوع ﰲ ﲪﻼت اﻟﺘﻄﻬﲑ اﻟﱵ ﻗﺎد ﺎ اﻟﻐﺰوات واﻟﺴﺮا ﺑعﺪ اﻷﺣﺰاب‪ ،‬ﻓأﺧﺬت اﳊﺮﻛة ﻹﺳﻼم‬
‫تﺘﺴع جﻐﺮاﻓﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻮﺻﻠﺖ إﱃ ﻛﻞ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﳉﺰﻳﺮة اﻟعﺮﺑﻴّة‪ ،‬وﻛﺎنﻠﻬﺬا اﻟﺘﻮﺳع أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‪ ،‬إذ أن اﳊﺮﻛة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أﻗصﺪ ﲟصﻄﻠﺢ ))اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة((‪ :‬ﺑﻠﻮغ ّ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة مﺮﺣﻠة من اﻟنصﺮ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ أﺳﺒﺎﺑه ومﻘﺘﻀﻴﺎته‪ ،‬اﻟﺬي ﻳﺆدي‬
‫إﱃ ﲢﻘﻴق اﳌنﻬج اﻹﳍﻲ ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺸﺮﻳّة من انﺘصﺎر اﳊق واﻟعﺪل واﳊﺮﻳّة‪ ،‬ﺣﱴ ﻳﻜﻮن ﺳﻠﻄأ ّن اﻟﺪﻳن اﻹﺳﻼمﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ دﻳن‪،‬‬
‫ونﻈﺎم اﳊﻜم ﺬا اﻟﺪﻳن ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮﻳّة ﻛﻠﻬﺎ وﻫﺬا اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻳﺴﺒﻘه اﻻﺳﺘخﻼف واﳌﻠﻚ واﻟﺴﻠﻄﺎن‪ ،‬وﻳعﻘﺒه أمن ﺑعﺪ ﺧﻮف‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫ََٰ‬ ‫ََ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫أن مك ٰ ُه ْم ِ ﻻ ِض أﻗﺎموا لص وة‬
‫ِين ّ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ‬ ‫ورد ذﻛﺮ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻋﺪة مﻮاﺿع‪ ،‬من ذﻟﻚ ﻗﻮﻟه‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نك ِر چ ]اﳊج‪.[39 :‬‬ ‫َو َءاتَ ُوا زك ٰوةَ َوأ َم ُروا بِﺎل َم ْع ُر ِ‬
‫وف َو َه ْوا َع ِن لم‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪ ،(2824/4) ،‬اﻟصﻼﰊ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺘﱠمﻜﲔ‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪404‬‬
‫داﺧﻞ اﻟﺮﻗعة اﳉﻐﺮاﻓﻴّة اﳉﺪﻳﺪة أﺻﺒﺤﺖ آمنة‪ ،‬وأﺻﺒﺢ ﺻﻮت اﻹﺳﻼم ﻋﺎﻟﻴﺎ‪ ،‬وأﺧﺬ اﻟنﺎس ﻳﺸعﺮون‬
‫ﳊﺮﻳّة‪ ،‬وﻫﺬا ﳝﻬﺪ ﻷﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة وﲨﻬﻮر مﺪﻋﻮﻳن مﺮتﻘﺒﲔ‪.1‬‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺳع من ﺧﻼل تﺮاجم ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ 2‬ﻛمﺎ ﻳﺒﻴنه ﻫﺬا اﳉﺪول‪:3‬‬

‫ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ اﳉﻐﺮاﰲ‬ ‫اﻟﻐﺰوة‬

‫تﻘع ﻋﻠﻰ ثﻼثة أمﻴﺎل من اﳌﺪﻳنة‬ ‫ﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‬
‫ﺑﻄن من اﻟعﺮب‪ ،‬ﻛﺎنﺖ منﺎزﳍم مﺎ ﺑﲔ ﺣﺪ أرض مﻀﺮ اﱃ ﺣﺪ ﳒﺮان‬ ‫ﻏﺰوة أﳕﺎر‬
‫مﻮﺿع ﻳﺒعﺪ ﻋﻠﻰ مﻜة مﺮﺣﻠة‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة تﺴع مﺮاﺣﻞ‬ ‫ﻏﺰوة اﳊﺪﻳﺒﻴّة‬
‫ﺑﲔ ذي ﻗﺮد واﳌﺪﻳنة ﳓﻮ ﻳﻮم‬ ‫ﻏﺰوة ذي ﻗﺮد‬
‫ﺣﻴّة ﻋﻠﻰ ﲦﺎنﻴّة ﺑﺮد من اﳌﺪﻳنة ﳌن ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺸﺎم‬ ‫ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ‬
‫مﻮﺿع ﰲ ﺑﻼد ﺑﲏ ﺳﻠﻴم‪.‬‬ ‫ﻏﺰوة زﻳﺪ ﺑن ﺣﺎرثة‬
‫تﻄﻠق ﺑﻼد جﻬﻴنة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ أرض من ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺮب مﻴنﺎء راﺑغ‬ ‫ﺳﺮﻳّة اﳊﺮﻗﺎت‬
‫واد ﺑﻴنه وﺑﲔ مﻜة ثﻼث ﻟﻴﺎل‪.‬‬ ‫ﺣنﲔ‬
‫ﻋﻠﻰ مﺴﲑة ﻳﻮم من مﻜة‬ ‫ﻏﺰوة اﻟﻄﺎﺋﻒ‬
‫ذي اﳋﻠصة ﺻنم ﰲ دوس ﰲ جنﻮب اﳉﺰﻳﺮة‪.‬‬ ‫ﻏﺰوة ذي اﳋﻠصة‬
‫وﻫم جﺬام ﻗﺒﻴﻠة ﻗﺤﻄﺎنﻴّة تﻘﻄن ﺑﲔ مﺪﻳن إﱃ تﺒﻮك‪.‬‬ ‫ذات اﻟﺴﻼﺳﻞ‬
‫تﻘع ﰲ اﻟﺪ ر اﻷردنﻴّة‪-‬ﺷﺮﻗﻲ اﻷردن‪-‬ﻋﻠﻰ مﺴﲑة أﺣﺪ ﻋﺸﺮ ﻛﻴﻼ جنﻮب اﻟﻜﺮك‪.‬‬ ‫ﻏﺰوة مﺆتة‬
‫مﺪﻳنة من مﺪن ﴰﺎل اﳊﺠﺎز اﻟﺮﺋﻴﺴﻴّة‪ ،‬وﻫﻲ تﺒعﺪ ﻋن اﳌﺪﻳنة ﴰﺎﻻ )‪ (778‬ﻛﻴﻼ ‪.‬‬ ‫ﻏﺰوة تﺒﻮك‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪2004 ، ،‬م‪ ،‬ص‪.478‬‬
‫‪ -‬أﲪﺪ أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(166-113) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﻗﻮت اﳊمﻮي‪ ،‬اﻟﺒﻠﺪان‪ ،(229 ،322/2) ،(298/1) ،‬ﷴ ﺑن ﷴ ﺣﺴن ﺷﺮاب‪ ،‬اﳌعﺎﱂ اﻷثﲑة ﰲ اﻟﺴنة‬
‫واﻟﺴﲑة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1411 ،1‬ه‪ ،‬ص‪ ،77‬ص‪ ،88‬ص‪ ،93‬ص‪ ،237‬ص‪ ،301‬ﻋمﺮ ﻛﺤﺎﻟة‪ ،‬معﺠم ﻗﺒﺎﺋﻞ‬
‫اﻟعﺮب اﻟﻘﺪﳝة واﳊﺪﻳﺜة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪ 1414 ،7‬ﻫـ ‪ 1994 -‬م‪.(47/1) ،1‬‬

‫‪405‬‬
‫وﻫﺬا اﳉﺪول ﻳﺒﲔ ﺑﻮﺿﻮح اﻟعﻼﻗة اﳌﺒﺎﺷﺮة ﺑﲔ ﺣﺮﻛة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وتﻮﺳعﻬﺎ اﳉﻐﺮاﰲ وﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫ﺑعﺪ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب‪ ،‬ﻓﺘصﺒﺢ اﳉﺰﻳﺮة ﻛﻠﻬﺎ دار إﺳﻼم ورﻗعة جﻐﺮاﻓﻴّة ودﳝﻐﺮاﻓﻴّة إﺳﻼمﻴّة ﻳـُ َع ّﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﰲ تﺒﻠﻴغ اﻟﺮﺳﺎﻟة ﺑعﺪ ﲪﻠﻬﺎ إﱃ أن تصﻞ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺎء ﷲ تعﺎﱃ‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﻟﻔﺖ انﺘﺒﺎﻫﻲ أن آﺧﺮ مﺎ ﺧﺘم ﺑه اﻟﺒخﺎري ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي ﺑعﺚ أﺳﺎمة إﱃ اﻟﺮوم‪ ،‬وتﺮجم ﻋﻠﻴه‬
‫ﻋﻠﻴه ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب ﺑعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬أﺳﺎمة ﺑن زﻳﺪ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﰲ مﺮﺿه اﻟﺬي تﻮﰲ ﻓﻴه"‪.1‬‬
‫ﻓﺘأمﲑ أﺳﺎمة ﰲ ﻫﺬا اﻟﻈﺮف وإﱃ ﻫﺬه اﻟﻮجﻬة اﳊﺴﺎﺳة تﻀمن أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻗﺎل أﺑﻮ‬
‫ﺷﻬﺒة‪" :‬ﻓﻴه ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟعنﺠﻬﻴّة اﻟعﺮﺑﻴّة‪ ،‬واﻟﺘﻔﺎﺧﺮ ﻷﺣﺴﺎب واﻷنﺴﺎب‪ ،‬وتﻘﺮﻳﺮ ﻋمﻠﻲ ﳌﺒﺪأ‬
‫اﳌﺴﺎواة ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وأﻳﻀﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن من اﻟﺘﻮجﻴﻬﺎت اﻟنّﺒﻮﻳّة اﳊﻜﻴمة إﱃ ﻴﺌة اﻟﻔﺮص ﻟﻠﺸﺒﺎب‬
‫اﻟصﺎﱀ‪ ،‬وإ رة ﻋﺰاﺋمﻬم‪ ،‬وﳘمﻬم إﱃ معﺎﱄ اﻷمﻮر‪ ،‬وتعﻮﻳﺪﻫم اﻻﺿﻄﻼع ﻟﺘﺒعﺎت اﳉﺴﺎم‪ ،‬واﳌﻬﺎم‬
‫اﻟعﻈﺎم"‪.2‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﺮص أﺑﻮﺑﻜﺮ ﻋﻠﻰ إنﻔﺎذ جﻴﺶ أﺳﺎمة اﺳﺘﺌنﺎﻓﺎ ﻟﻠﺴﻴﺎﺳة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ انﺘﻬﺠﻬﺎ اﻟنﱯ‬
‫اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ انﺘﻬﺠﻬﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﺘﻮﺳﻴع اﻟﺮﻗعة اﳉﻐﺮاﻓﻴّة ﻟﺪوﻟة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬رﻏم مﺎ ﻟﻘﻴه من اﳌعﺎرﺿة‪،‬‬
‫ﲞصﻮص ﻫﺬا اﳉﻴﺶ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﰲ ﻋﺰم وﺣﺰم‪ ":‬ﻟﻮ ﺧﻄﻔﺘﲏ اﻟﻜﻼب واﻟﺬ ب ﻷنﻔﺬته ﻛمﺎ أمﺮ ﺑه‬
‫رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﻻ أرد ﻗﻀﺎء ﻗﻀﻰ ﺑه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﻟﻮ ﱂ ﻳﺒق ﰲ اﻟﻘﺮى ﻏﲑي ﻷنﻔﺬته"‪.3‬‬
‫ومن ﰒﱠ نﺪرك اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻔﻘه اﻟﺪﻋﻮي اﻟعمﻴق ﻟﻠصﺪﻳق ﰲ إنﻔﺎذ ﻫﺬا اﳉﻴﺶ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن اﻷثﲑ‪ ":‬وﻛﺎن‬
‫وﻛﺎن إنﻔﺎذ جﻴﺶ أﺳﺎمة أﻋﻈم اﻷمﻮر نﻔعﺎ ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓأن اﻟعﺮب ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻟﻮ ﱂ ﻳﻜن م ﻗﻮة ﳌﺎ‬
‫أرﺳﻠﻮا ﻫﺬا اﳉﻴﺶ‪ ،‬ﻓﻜﻔﻮا ﻋن ﻛﺜﲑ ﳑﺎ ﻛﺎنﻮا ﻳﺮﻳﺪون أ ْن ﻳﻔعﻠﻮه"‪.4‬‬
‫وﱂ ﻳﺰل ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺪﻋﻮي من اﻷوﻟﻮ ت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّة ﰲ ﻋمﻞ اﳋﻠﻔﺎء واﳌﻠﻮك اﻟﺬﻳن تعﺎﻗﺒﻮا‬
‫ﻋﻠﻰ اﳋﻼﻓة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وﱂ ﻳﻜن ذﻟﻚ من ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺘﻮﺳع اﻻﺳﺘعمﺎري ﻛمﺎ ﻳﺪﻋﻴه أﻋﺪاء اﻹﺳﻼمﻴّة‪،‬‬
‫وإﳕﺎ ذﻟﻚ من اﻹﳒﺎزات اﳊﻀﺎرﻳّة اﻟﻜﱪى ﻷمة اﳋﲑﻳّة اﻟﱵ ﻻ ﻳنﻘﻄع ﺧﲑﻫﺎ إﱃ ﻗﻴﺎم اﻟﺴﺎﻋة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(15/6) ،‬‬

‫‪ -2‬ﷴ أﺑﻮ ﺷﻬﺒة‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻘﺮآن واﻟﺴنة‪.(586/2) ،‬‬
‫‪ -3‬ﷴ ﺑن جﺮﻳﺮ‪ ،‬أﺑﻮ جعﻔﺮ‪ ،‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬رﻳخ اﻟﺮﺳﻞ واﳌﻠﻮك‪ ،‬دار اﻟﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1387 ،2‬ﻫـ‪.(226/3) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ اﳉﺰري‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟﻜﺎمﻞ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳخ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋمﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم تﺪمﺮي‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪1997 ،‬م‪.(195/2) ،.‬‬
‫‪406‬‬
 ‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬
‫و ﻟﺘﻮازي مع اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﳉﻐﺮاﰲ اﻟﺴﺎﺑق‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺣﻘﻘﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة ﲤﻜﻴنﺎ‬
‫ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻻﻋﱰاف ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ‬
‫ﺑعﺪمﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟﺪوﻟة اﻟﻔﺘﻴّة ﰲ اﳌﺪﻳنة ﻻ ﻳعﺘﺪ ﺎ ﺧﺎرجﻴﺎ‪ ،‬ﺧﺎﺻة من ﻗﺒﻞ ﻗﺮﻳﺶ ومن ﲢﺎﻟﻒ معﻬﺎ‬
‫من اﻷﺣﺰاب‪ ،‬أﺻﺒﺤﺖ ﻗﻮة وﻛﻴﺎن ﺳﻴﺎﺳﻲ معﱰف ﺑه‪ ،‬ومن مﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬا اﻻﻋﱰاف ﻗﺒﻮل ﻗﺮﻳﺶ‬
‫اﻟﺘﻔﺎوض معﻬﺎ‪ ،‬وإﺑﺮام معﺎﻫﺪة اﳍﺪنة من ﺧﻼل ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪.‬‬
‫وﻛﺬا اﻋﱰاف اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟة ورﺿﻮﺧﻬم ﻟﺴﻴﺎﺳﺘﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴّة‪ ،‬من ﺧﻼل ﻋﻘﺪ اﻟصﻠﺢ ﺑﲔ‬
‫ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ واﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﰎ ﲟﻮجﺒه اﻟﺴمﺎح ﳍم ﲞﺪم اﻷرض ﺑعﻘﺪ اﳌﺰارﻋة واﳌﺴﺎﻗﺎة‪ ،‬وأن أي إﺧﻼل‬
‫إﺧﻼل ﻷمن ﻳعﺮﺿﻬم ﻟﻺجﻼء‪.1‬‬
‫ﻓﻘﺪ تﻐﲑت نﻈﺮة اﻟﻜﻴﺎ ت اﻟﻜﱪى ﲡﺎه اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻗﺘنعﺖ اﻟعﺮب ﺑﻘﻮ ﺎ اﻹﻗﻠﻴمﻴّة ووز ﺎ‬
‫ووز ﺎ ﰲ اﳌنﻄﻘة‪ ،‬ورﺿخﺖ اﻟﻘﻮى اﻟﻴﻬﻮدﻳّة ﻟﺴﻠﻄﺘﻬﺎ وﺳﻠﻄﺎ ﺎ‪.2‬‬
‫وﻗﺪ أ ح ﻫﺬا اﻻﻋﱰاف منﺎﺧﺎ دﻋﻮ جﺪﻳﺪا‪ ،‬ﺧصﺒﺎ مﺘنﻮﻋﺎ؛ﺣﻴﺚ ﲤﻜنﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﲢﻘﻴق أﺑعﺎد‬
‫إﻋﻼمﻴّة اتصﺎﻟﻴّة داﺧﻞ اﳌنﻄﻘة وﺧﺎرجﻬﺎ‪ ،‬وﰲ اﻟعنصﺮ اﳌﻮاﱄ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ مﺎ تﻘﺮر‪.‬‬
‫‪ .2‬ﻧﺸﺎط اﳊﺮﻛﺔ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴّﺔ‬
‫ﺑعﺪ ﻫﺬه اﻹﳒﺎزات اﻟﱵ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة أﺧﺬت اﻟ ّﺪﻋﻮة تﺘﺠه ﳓﻮ اﻟعﺎﳌﻴّة‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻫﺬه‬
‫اﻟﻔﱰة نﺸﻄﺖ اﳊﺮﻛة اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة واﻟعﻼﻗﺎت اﳋﺎرجﻴّة وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ جﻠﻴﺎ من ﺧﻼل‪:‬‬
‫أ‪ .‬إرﺳﺎل اﻟﺴﻔﺮاء وﻣﻜﺎﺗﺒﺔ اﳌﻠﻮك‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ نﺸﺎط اﳊﺮﻛة اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة من‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة إرﺳﺎل اﻟﺴﻔﺮاء‪ ،‬ومﻜﺎتﺒة اﳌﻠﻮك ﻟﺪﻋﻮ م إﱃ اﻹﺳﻼم ﻟﻄﺮق اﻟﺴﻠمﻴّة‪ ،‬اﻟﱵ ﻫﻲ‬
‫اﻷﺻﻞ‪ ،‬ﻓﻜﺜﲑا مﺎ ﺑﻴنﺖ أن اﻟﻘﺘﺎل ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻳﻠﺠأ إﻟﻴه ﻛﺈجﺮاء تﺒعﻲ ﻋنﺪ اﻻﺿﻄﺮار إﻟﻴه‪.3‬‬

‫دﻳﺒﻴّة‪ ،126/5 ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4178 :‬و ب معﺎمﻠة اﻟنﱯ ‪ ‬أﻫﻞ‬ ‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي ب ﻏﺰوة اﱀ‬
‫ﺧﻴﱪ‪ ،(140/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4248 :‬‬
‫‪ -2‬إﺿﺎﻓة إﱃ ﻳﻬﻮد ﺧﻴﱪ ﻓﻘﺪ ﺧﻀع ﻟﺴﻠﻄة اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة أﻫﻞ ﻓﺪك وتﻴمﺎء وواد اﻟﻘﺮى‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة‪.(326/1) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ص‪.130‬‬ ‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج ّ‬
‫‪407‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﺘﺐ وﺑعﺚ رﺳﻞ إﱃ جﻬﺎت ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﺑعﺪ ﺻﻠﺢ اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن‬
‫اﻟﻘﻴم‪ ":‬ﳌﺎ رجع من اﳊﺪﻳﺒﻴّة ﻛﺘﺐ إﱃ مﻠﻮك اﻷرض وأرﺳﻞ إﻟﻴﻬم رﺳﻠه‪ ،‬ﻓﻜﺘﺐ إﱃ مﻠﻚ اﻟﺮوم‪،‬‬
‫اﻟﺮوم‪ ،‬ﻓﻘﻴﻞ ﻟه‪ :‬إ م ﻻ ﻳﻘﺮءون ﻛﺘﺎ إﻻ إذا ﻛﺎن ﳐﺘﻮمﺎ ﻓﺎﲣﺬ ﺧﺎﲤﺎ من ﻓﻀة ونﻘﺶ ﻋﻠﻴه ثﻼثة‬
‫أﺳﻄﺮ‪ :‬ﷴ ﺳﻄﺮ‪ ،‬ورﺳﻮل ﺳﻄﺮ‪ ،‬وﷲ ﺳﻄﺮ‪ ،‬وﺧﺘم ﺑه اﻟﻜﺘﺐ إﱃ اﳌﻠﻮك‪ ،‬وﺑعﺚ ﺳﺘة نﻔﺮ ﰲ ﻳﻮم‬
‫ﻳﻮم واﺣﺪ ﰲ اﶈﺮم ﺳنة ﺳﺒع"‪.1‬‬
‫وﻗﺪ أﺷﺎر اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻫﺬه اﳌﺮاﺳﻼت ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﺿمن ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﰲ إﺣﺪى‬
‫تﺮاجم اﻟﻜﺘﺎب‪ ":‬ب ﻛﺘﺎب اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ ﻛﺴﺮى وﻗﻴصﺮ "‪ ،2‬وﻛﺴﺮى ﻟﻘﺐ ﻛﻞ من مﻠﻚ‬
‫اﻟﻔﺮس‪ ،‬ومعنﺎه ﻟعﺮﺑﻴّة‪ :‬اﳌﻈﻔﺮ‪ ،‬وﻛﺴﺮى ﻫﺬا اﻟﺬي أرﺳﻞ إﻟﻴه اﻟنﱯ ‪ ،‬اﻟﻜﺘﺎب ﻫﻮ ﻛﺴﺮى‬
‫أﺑﺮوﻳﺰ ﺑن ﻫﺮمﺰ ﺑن أنﻮ ﺷﺮوان‪ ،‬وﻗﻴصﺮ ﻟﻘﺐ ﻛﻞ من مﻠﻚ اﻟﺮوم‪ ،‬واﳌﺮاد منه‪ :‬ﻫﺮﻗﻞ‪.3‬‬
‫ﻓﺎﻟﱰﲨة وإن ﻛﺎنﺖ ﳎمﻠة ﻓﻬﻲ تﺸﲑ إﱃ ﺳعة اﻟﺪﺑﻠﻮمﺎﺳﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﻴصﺮ أﺷﺎر ﺑه إﱃ أﻫﻞ‬
‫اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬وﻛﺴﺮى ﻳﺸﺎرﺑه إﱃ اﻟﻮثنﻴﲔ‪ ،‬من ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺘعﺒﲑ ﻋن اﻟﻜﻞ ﺑﺒعﺾ أجﺰاﺋه‪ ،‬ومﺎ أمم اﻷرض إﻻ‬
‫ﻫﺎتﲔ اﻟﻔﺌﺘﲔ‪.‬‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ :‬ﺑَـ َﻌ َ‬
‫ﺚ ﺑِﻜِﺘَﺎﺑِ ِﻪ إِ َﱃ‬ ‫ﰒ اﺳﺘﺪل ﻟﻠﱰﲨة ﲝﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ " ،‬أن َر ُﺳ َ‬
‫ﻴﻢ اﻟﺒَ ْﺤ َﺮﻳْ ِﻦ إِ َﱃ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إِ َﱃ ﻛِﺴﺮى‪ ،‬ﻣﻊ َﻋ ْﺒ ِﺪ ا ﱠِ ﺑْ ِﻦ ﺣ َﺬاﻓَﺔَ اﻟ ﱠ ِ‬
‫ﺴ ْﻬﻤ ِّﻲ ﻓَﺄ ََﻣ َﺮﻩُ أن ﻳ ْﺪﻓَـ َﻌﻪُ إ َﱃ َﻋﻈ ِﻴﻢ اﻟﺒَ ْﺤ َﺮﻳْ ِﻦ‪ ،‬ﻓَ َﺪﻓَـ َﻌﻪُ َﻋﻈ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬أن ﳝَﱠﺰﻗُﻮا ُﻛ ﱠﻞ‬ ‫ﺎل‪» :‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺐ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺖ أن اﺑْ َﻦ اﳌُ َﺴﻴِّ ِ‬ ‫ﻛِ ْﺴ َﺮى‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠﻤﺎ ﻗَـ َﺮأَﻩُ َﻣ ﱠﺰﻗَﻪُ‪ ،‬ﻓَ َﺤ ِﺴْﺒ ُ‬
‫ﳑَُﱠﺰ ٍق«‪.4‬‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ ﻛﺘﺎﺑه ‪ ‬إﱃ ﻫﺮﻗﻞ ﰲ ﻏﲑ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي من ﺣﺪﻳﺚ اﺑن ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ ﻗﺎل‬
‫ﻗﺎل ﺑعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬دﺣﻴّة اﻟﻜﻠﱯ ﺑﻜﺘﺎﺑه إﱃ ﻋﻈﻴم ﺑصﺮى‪ ،5‬وأمﺮه أن ﻳﺪﻓعه إﱃ ﻗﻴصﺮ‪. 6‬‬

‫‪ -1‬اﺑن اﻟﻘﻴم‪ ،‬زاد اﳌعﺎد‪ ،(120/1) ،‬ﻳنﻈﺮ ﻟﻼﺳﺘﺰادة واﻟﺘﻔصﻴﻞ‪ :‬اﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﱪى‪.(258/1) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(8/6) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪ ،‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪ ،(57/18) ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(127/8) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﻛﺘﺎب اﻟنﱯ ‪ ‬إﱃ ﻛﺴﺮى وﻗﻴصﺮ‪ ،(8/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4424 :‬‬
‫‪ -5‬ﻋﻈﻴﻢ ﺑﺼﺮى‪" :‬ﻫﻮ اﳊﺎرث ﺑن أﰊ ﴰﺮ اﻟﻐﺴﺎﱐ‪ ،‬من أمﺮاء ﻏﺴأ ّن ﰲ أﻃﺮاف اﻟﺸﺎم‪ .‬ﻛﺎنﺖ إﻗﺎمﺘه ﺑﻐﻮﻃة دمﺸق‪ ،‬وأدرك‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓأرﺳﻞ إﻟﻴه اﻟنﱯ ‪ ‬ﻛﺘﺎ مع ﺷﺠﺎع ﺑن وﻫﺐ"‪ ،‬اﻟﺰرﻛﻠﻲ اﻷﻋﻼم‪.(155/2) ،‬‬
‫‪ - 6‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب أﺧﺒﺎر اﻷﺣﺎد‪ ،‬ب مﺎ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬من اﻷمﺮاء واﻟﺮﺳﻞ واﺣﺪا ﺑعﺪ واﺣﺪ‪ ،(89/9) ،‬وﰲ اﻟﱰﲨة‬
‫اﻟﺪﻋﻮة وتعﺎﻫﺪ اﳌﺪﻋﻮﻳن وﻋﺪم اﻟﻴأس من اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‪ ،‬وﻗﺪ أورد نﺺ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫إﺷﺎرة إﱃ ﺑعﺪ دﻋﻮي مﻬم وﻫﻮ ﺑعﺪ اﻻﺳﺘمﺮارﻳّة ﰲ ّ‬
‫مﻄﻮﻻ مع ﻗصة ﻫﺮﻗﻞ مع أﰊ ﺳﻔﻴأ ّن ﰲ‪ :‬ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﻟﻮ ﺣﻲ‪ ،‬ب ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﺑﺪء اﻟﻮﺣﻲ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ‪.(08/1) ،‬‬
‫‪408‬‬
‫وﻋﻼﻗة اﳌﻜﺎتﺒﺎت ﻟﻐﺰوات ﻻ ﲣﻔﻰ ﻓمﺎﻫﻲ ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة إﻻ نﺘﻴﺠة ﻟﻼنﺘصﺎر اﻟﺒﺎﻫﺮ ﻟﻠمﺴﻠمﲔ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة من ﺧﻼل اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي‪.‬‬
‫ومن جﻬة أﺧﺮى ﻓﺈن ﻫﺬه اﳌﺮاﺳﻼت ﻗﺪ تنﺸأ ﻋنﻬﺎ ردود أﻓعﺎل ﻋنﻴﻔة‪ ،‬ﳑﺎ ﳛﺘم ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة تﻐﻴﲑ اﺳﱰاتﻴﺠﻴّة اﻟﺘعﺎمﻞ‪ ،‬ﻟﻠﺘﻜﻴﻒ مع اﻟﻈﺮوف اﻟﻄﺎرﺋة‪ ،‬وﻫﺬا مﺎ ﺣصﻞ ﳌﺎُ ﻗﺘﻞ اﳊﺎرث‬
‫اﳊﺎرث ﺑن ﻋمﲑ اﻷزدي اﻟﺬي ﺑعﺜه رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺑﻜﺘﺎب إﱃ ﻋﻈﻴم ﺑصﺮى‪ ،‬ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ‬
‫مﺒﺎﺷﺮا ﻟﻐﺰوة مﺆتة اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﺑعﺪ ذﻟﻚ إرﻫﺎﺻﺎ ﳌﺎ ﺑعﺪﻫﺎ من ﻏﺰو اﻟﺮوم‪.1‬‬
‫ب‪.‬اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻮﻓﻮد‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺪﻋﻮة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة اﻟﺬي جﺎء نﺘﻴﺠة‬
‫اﻟنﺠﺎﺣﺎت واﻹﳒﺎزات اﻟﱵ ﲢﻘﻘﺖ من ﺧﻼل ﺣﺮﻛﺎت اﻟﻐﺰو‪ ،‬اﻟﱵ ﻟعﺒﺖ دورا إﻋﻼمﻴﺎ ﰲ اﳌنﻄﻘة‬
‫أﲦﺮ اﺳﺘﺠﺎﺑة دﻋﻮﻳّة ﲤﺜﻠﺖ ﰲ اﻟﻮﻓﻮد اﻟﱵ وﻓﺪت ﻋﻠﻰ اﳌﺪﻳنة ﻗﺎﻋﺪة اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻟﺘعﻠن إﺳﻼمﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫ﲔ َر ِﺿ َﻲ ا ﱠُ َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪،‬‬ ‫صْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫أورد اﻟﺒخﺎري ﲨﻠة من ﻫﺬه اﻟﻮﻓﻮد ﰲ ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ﻓعن ﻋ ْمﺮان ﺑْ ِن ُﺣ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮل‬‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪» :‬اﻗْـﺒَـﻠُﻮا اﻟﺒُ ْﺸ َﺮى َ ﺑَِﲏ َﲤِ ٍﻴﻢ«‪ .‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬ ‫َﻋْنـ ُﻬ َمﺎ‪ ،‬ﻗَ َﺎل‪ :‬أَتَﻰ نَـ َﻔٌﺮ م ْن ﺑَِﲏ َﲤﻴ ٍم اﻟنِ ﱠ‬
‫ﻚ ِﰲ َو ْج ِﻬ ِه‪ ،‬ﻓَ َﺠﺎءَ نَـ َﻔٌﺮ ِم َن اﻟﻴَ َم ِن‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ِ‬ ‫رﺳ َ ِ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻗْـﺒَـﻠُﻮا اﻟﺒُ ْﺸ َﺮى إِ ْذ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ﻗَ ْﺪ ﺑَﺸ ْﱠﺮتَـنَﺎ ﻓَأ َْﻋ ِﻄنَﺎ‪ ،‬ﻓَـُﺮﺋِ َﻲ ذَﻟ َ‬ ‫َُ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪.2‬‬ ‫إِ ْذ َﱂْ ﻳَـ ْﻘﺒَـﻠ َْﻬﺎ ﺑَـﻨُﻮ َﲤِ ٍﻴﻢ«‪ ،‬ﻗَﺎﻟُﻮا‪ :‬ﻗَ ْﺪ ﻗَﺒِْﻠنَﺎ َ َر ُﺳ َ‬
‫ﻗﺎل اﻟﻜﺮمﺎﱐ‪ ":‬ﺑﺸﺮﻫم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﲟﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ دﺧﻮل اﳉنة ﺣﻴﺚ ﻋﺮﻓﻬم أﺻﻮل اﻟعﻘﺎﺋﺪ اﻟﱵ‬
‫ﻫﻲ اﳌﺒﺪأ واﳌعﺎد"‪.1‬‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺑﺮﻳﻚ ﺑن ﷴ اﻟعمﺮي‪ ،‬ﻏﺰوة مﺆتة واﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث اﻟنّﺒﻮﻳّة اﻟﺸمﺎﻟﻴّة‪ ،‬ﻋمﺎدة اﻟﺒﺤﺚ اﻟعﻠمﻲ ﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴّة‪،‬‬
‫اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴّة اﻟﺴعﻮدﻳّة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ﻫـ‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،387‬وﻫﻮ رﺳﺎﻟة مﺎجﺴﺘﲑ ﻗﻴمة تﻄﺮق ﻓﻴه ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‬
‫إﱃ دراﺳة ﻏﺰوة مﺆتة واﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث اﻟﺸمﺎﻟﻴّة ﻗﺒﻠﻬﺎ وﺑعﺪﻫﺎ‪ ،‬وﻓق منﻬج اﶈﺪثﲔ‪ ،‬ﻓﻴﺘنﺎول ﻛﻞ مﺎ ﻳﺘعﻠق ﻟﺴﺮﻳّة أو اﻟﺒعﺚ‬
‫ذاﻛﺮا ﺳﺒﺒﻬﺎ وﻋﺪد جﻴﺸﻬﺎ وﺳﲑ أﺣﺪاثﻬﺎ‪ ،‬ﰒ ﻳﺬﻳﻞ ذﻟﻚ ﲟﺎ تﻀمنﺘه من ﻓﻘه‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب وﻓﺪ ﺑﲏ ﲤﻴم‪ ،(168/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4365 :‬واﳊﺪﻳﺚ ﻟﻜﺜﺮة أﺑعﺎده اﻟﺪﻋﻮﻳّة‬
‫ُ‬
‫ِے‬ ‫ب مﺎ جﺎء ﰲ ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ َوه َو‬ ‫وتنﻮﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻜﺮر ﻋﺪة مﺮات ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺧﺮجه ﰲ ﻛﺘﺎب ﺑﺪء اﳋﻠق‪،‬‬
‫َ ْ ٓ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫ﺄن َع ْر ُش ُهۥ َ ل َمﺎ ِء ٱچ ]ﻫﻮد‪،[7 :‬‬
‫ك ّ‬‫َ َ‬
‫ب ٱچو‬
‫ُ ُ‬
‫َ بْ َدؤا لخل َق م يع‬
‫ِيد ُهۥ ٱچ ]اﻟﺮوم‪(105/4) ،[27 :‬ﺑﺮﻗم‪ ،3190 :‬ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪،‬‬
‫)‪ ،(124/9‬ﺑﺮﻗم‪ ،7418 ،‬واﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة مﺘنﻮﻋة ومﺘﻜﺎمﻠة ﰲ ﻫﺎ اﳊﺪﻳﺚ ﻛمﺎ ﻳﱪزه ﻓﻘه اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﻫﺬه اﻟﱰاجم‪،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة وﺧﺘمﻬﺎ ثﺒﺎت ﻋﺮش‬
‫ﻓﻘﺪ أﺷﺎر رﲪه ﷲ إﱃ رﻳخ اﻟﺒﺸﺮﻳّة‪ ،‬واﳌﺒﺪأ واﳌعﺎد‪ ،‬ومﺮﺣﻠة اﻟﻮﻓﻮد وﻫﻲ من أﻫم مﺮاﺣﻞ ّ‬
‫اﻟﺮﲪن وﻫﻮ من ﻗﻀﺎ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﳌﻬمة‪ ،‬ﻛمﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﺷﺎرة أﻋﻈم مصﺪر ﻟﻠﺪﻋﻮة وﻫﻮ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ؛ إذ ﺑ ﱠﻮب ﺑه ﺑعﺾ اﻟﱰاجم‪.‬‬
‫‪ -1‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(409/13) ،‬‬
‫‪409‬‬
‫إﺿﺎﻓة إﱃ دﻻﻟة اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻗﺒﺎل اﻟﻮﻓﻮد ﻋﻠﻰ اﻋﺘنﺎق اﻹﺳﻼم‬
‫واﻟﺪﺧﻮل ﰲ دﻳن ﷲ ﻃﻮاﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻀمن أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة أﺧﺮى أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ تﺮاﲨه‬
‫ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﻛمﺎ تﺮاه ﰲ اﻟﺘخﺮﻳج‪.‬‬
‫ﺲ َﻋﻠَﻰ رﺳ ِ‬
‫ﻮل‬ ‫َُ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻗَ ِﺪ َم َوﻓْ ُﺪ َﻋْﺒ ِﺪ اﻟ َﻘْﻴ ِ‬ ‫وذﻛﺮ اﻟﺒخﺎري ﻛﺬﻟﻚ وﻓﺎدة ﻋﺒﺪ اﻟﻘﻴﺲ‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﱠﻬ ِﺮ اﳊََﺮِام‪ ،‬ﻓَ ُمْﺮَ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘﺎﻟُﻮا‪ :‬أ ِمن ﻫ َﺬا اﳊ ِﻲ ِمن رﺑِﻴعةَ وﻟَﺴنَﺎ نَ ِ‬ ‫رﺳ ِ‬
‫ﻚ إِﱠﻻ ِﰲ اﻟﺸ ْ‬ ‫ص ُﻞ إِﻟَْﻴ َ‬ ‫ْ َ َّ ْ َ َ َ ْ‬ ‫َُ‬
‫ﻚ َونَ ْﺪﻋُﻮ إِﻟَْﻴ ِه َم ْن َوَراءَ َ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ٍ‬
‫آﻣ ُﺮُﻛ ْﻢ ِ َْرﺑَ ٍﻊ َوأَﻧْـ َﻬﺎ ُﻛ ْﻢ َﻋ ْﻦ أ َْرﺑَ ٍﻊ ا ِﻹﳝﺎن ِ ﱠِ‪،‬‬
‫ﺎل‪ُ » :‬‬ ‫ﻓَ ُمْﺮَ ﺑِ َﺸ ْﻲء َْ ُﺧ ْﺬهُ َﻋْن َ‬
‫ﺼﻼَ ِة‪ ،‬وإِﻳﺘَﺎءُ اﻟ ﱠﺰَﻛﺎةِ‪ ،‬وأن ﺗ َﺆدﱡوا إِ َﱠ‬ ‫ﺴﺮﻫﺎ َﳍﻢ‪َ :‬ﺷﻬﺎدةُ أن ﻻَ إِﻟَﻪ إِﱠﻻ ا ﱠ وأﱐ رﺳ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱄ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ،‬وإِﻗَ ُ‬
‫ﺎم اﻟ ﱠ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ﱠ ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻓَ ﱠ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫ﺲ َﻣﺎ غَﻨِ ْﻤﺘُ ْﻢ‪ ،‬وأَﻧْـ َﻬى َﻋ ْﻦ‪ :‬اﻟ ﱡﺪ ﱠ ِء َواﳊَْﻨـﺘَ ِﻢ َواﳌَُﻘ ﱠِﲑ َواﻟﻨﱠﻘ ِﲑ «‬
‫ِ ‪2 1‬‬
‫ُﲬُ َ‬
‫وﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ مﺜﺎل آﺧﺮ من أمﺜﻠة اﻟﻮﻓﺎدة اﻟﻄﻮﻋﻴّة‪ ،‬واﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻓﻴه واﺿﺤة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺳأﻟﻮا‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋمﺎ ﳚﺐ أ ْن ﻳﻔعﻠﻮه ﻋﺘﺒﺎرﻫم مﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﻓأمﺮﻫم ﻛمﺎ أمﺮ ﻏﲑﻫم من اﻟﻮﻓﻮد ﺻﻮل‬
‫اﻹﳝﺎن وأرﻛﺎن اﻹﺳﻼم وﺑعﺾ ﻓﺮوع اﻟﺘﺸﺮﻳع اﻟﱵ ﳛﺘﺎجﻮن إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟنﻬﻲ ﻋن اﻻنﺘﺒﺎذ ﰲ أواﱐ‬
‫ﳐصﻮﺻة ﺳﺪا ﻟﺬرﻳع اﻟﺴﻜﺮ‪.‬‬
‫وﰲ اﳊﺪﻳﺚ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة ﻛﺜﲑة نﺒه إﻟﻴﻬﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه من ﺧﻼل تﺮاﲨه ﻋﻠﻴه ﻛمﺎ‬
‫ﻛمﺎ ﻫﻮ مﺒﲔ ﰲ ﲣﺮﻳج اﳊﺪﻳﺚ‪.3‬‬
‫ﺖ‪ :‬ﻫﻮ اﻹ ء اﻟﱠ ِﺬي ﻃُﻠِﻰ ِ ِﻟﺰﻓْ ِ‬
‫ﱠِ‬ ‫اﳋمﺮ ﻓِ َﻴﻬﺎ إِ َﱃ اﻟْ َم ِﺪﻳنَ ِة‪ ،‬اﻟ ﱡﺪ ﱠ ءُ‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫ﺖ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻘ ْﺮعُ‪ ،‬اﻟ ُْﻤ َﺰﻓ ُ َ ٌ‬ ‫ﺖ ُْﲢ َمﻞ ْ‬ ‫‪ -‬اﳊَْﻨـﺘَ ُﻢ‪ :‬جَﺮار م ْﺪ ُﻫﻮنة ُﺧ ْ‬
‫ﻀٌﺮ ﻛﺎن ْ‬
‫ِ‬
‫وﺳﻄه ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟنﻬﺎﻳّة‪.(104/5) ،(304/2) ،(96/2) ،(148/1) ،‬‬ ‫ﱠخﻠة ﻳـُْنـ َﻘﺮ َ‬ ‫ﲑ‪ُ :‬‬
‫أﺻﻞ اﻟن ْ‬ ‫اﻟﻨﱠﻘ ُ‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻹﳝﺎن‪ ،‬ب‪ :‬أداء اﳋمﺲ من اﻹﳝﺎن‪ ،(20/1) ،‬وﰲ اﳊﺪﻳﺚ أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة مﺘعﺪدة من‬
‫أجﻞ ذﻟﻚ تعﺪدت مﻈﺎنه ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﳐﺮج ﰲ ‪:‬ﻛﺘﺎب اﻟعﻠم )‪ ،(29/1‬ﻛﺘﺎب مﻮاﻗﻴﺖ اﻟصﻼة‪ ،(111/1) ،‬ﻛﺘﺎب‬
‫اﻟﺰﻛﺎة‪ ،(105/2) ،‬ﻛﺘﺎب ﻓﺮض اﳋمﺲ‪ ،(81/4) ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،(169/5) ،‬ﻛﺘﺎب اﻷدب‪.(41/8) ،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة اﻟﻜﱪى‪ ،‬اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬ﻛﺪﺧﻮل اﻷﻋمﺎل‬ ‫ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري أ ّن ﻳﺴﺘنﺒط من اﳊﺪﻳﺚ مﺴﺎﺋﻞ ﻛﺜﲑة مﺘعﻠﻘة ﺑعﺎد ّ‬
‫ﰲ مﺴمﻰ اﻹﳝﺎن‪ ،‬وﺧﻠق أﻓعﺎل اﻟعﺒﺎد‪ ،‬واﻷﺑعﺎد اﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬ﻛﺎﻻﺳﺘﺪﻻل ﻟﻘﺮآن‪ ،‬وﺣﺠﻴّة اﳋﱪ اﻟﻮاﺣﺪ‪ ،‬ووجﻮب اﻟصﻼة واﻟﺰﻛﺎة‪،‬‬
‫وأداء اﳋمﺲ‪ ،‬واﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة ﻹﺷﺎرة إﱃ مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟنﺎس ﻃﻮﻋﺎ ﻟﻠﺪﻋﻮة واﺳﺘعﺪادﻫم ﻟﻠمﺴﺎﳘة ﰲ نﺸﺮﻫﺎ‪،‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ونﺸﺮﻫﺎ‪ ،‬ومعﺎمﻠة اﳌﺪﻋﻮ ﻟﻄﻴﻒ من‬ ‫اﻟﺪاﻋﻴّة ﳌﺪﻋﻮ واﻻﻫﺘمﺎم ﺑﺸﺆونه‪ ،‬وتﺪرﻳﺐ اﻟﺪﻋﺎة ﻋﻠﻰ ﲢمﻞ ّ‬
‫واﻟﺴﻠﻮﻛﻴّة‪ ،‬ﻛعﻼﻗة ّ‬
‫اﻟﻘﻮل؛ ﳑﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺮاء اﻟﺪﻋﻮي ﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻮﻓﻮد اﻟﱵ ﻫﻲ ﲦﺮة من ﲦﺮات ﳒﺎح اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ﺖ ﺑﺬﻛﺮ ﻫﺬﻳن اﻟﻮﻓﺪﻳن من اﻟصﺤﻴﺢ ﻟﻼﺧﺘصﺎر وإﻻ ﻓﺈ ّن اﻟﺒخﺎري ﻗﺪ ذﻛﺮ وﻓﻮد أﺧﺮى‪ ،‬ﻛﻮﻓﺪ ﺑﲏ ﺣنﻴﻔة‪ ،‬ووﻓﺪ أﻫﻞ‬ ‫‪ -‬اﻛﺘﻔﻴّ ُ‬
‫ﳒﺮان‪ ،‬ووﻓﺪ اﻷﺷعﺮﻳﲔ وأﻫﻞ اﻟﻴمن‪ ،‬ووﻓﺪ ﻃﻲء‪ ،‬وﻫﻲ أﺻﺢ مﺎ ورد ﰲ اﻟﻮﻓﻮد‪ ،‬من اﻟﺮوا ت ﻟﻀعﻒ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻛمﺎ ﺣﻘﻘه أﻛﺮم‬
‫ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬وﻗﺪ تﻀمنﺖ مﺮو ﺎ أﺑعﺎدا دﻋﻮﻳّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬أﳘﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎم اﻟﺪﻻﻟة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة وﳒﺎﺣﻬﺎ وﺑﻠﻮغ‬
‫ﺻﺪاﻫﺎ اﻵﻓﺎق‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري )‪ ،(174/5) ،(172/5) ،(171/5) ،(169/5‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‬
‫اﻟصﺤﻴﺤة‪.(542/2) ،‬‬
‫‪410‬‬
‫وﻗﺪ ﲰﻰ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ اﻟعﺎم اﻟﺬي تﻮاﻓﺪت ﻓﻴه اﻟﻮﻓﻮد إﱃ اﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﺑعﺎم اﻟﻮﻓﻮد‪ ،‬و ﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ اﻟعﺎم‬
‫اﻟعﺎم اﻟﺘﺎﺳع ﻟﻠﻬﺠﺮة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن إﺳﺤﺎق‪ ":‬ﳌﺎ اﻓﺘﺘﺢ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬مﻜة‪ ،‬وﻓﺮغ من تﺒﻮك‪ ،‬وأﺳﻠمﺖ‬
‫وأﺳﻠمﺖ ثﻘﻴﻒ و ﻳعﺖ‪ ،‬ﺿﺮﺑﺖ إﻟﻴه وﻓﻮد اﻟعﺮب من ﻛﻞ وجه‪ ...‬وإﳕﺎ ﻛﺎنﺖ اﻟعﺮب تﺮﺑﺺ‬
‫ﻹﺳﻼم أمﺮ ﻫﺬا اﳊﻲ من ﻗﺮﻳﺶ وأمﺮ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬وذﻟﻚ أن ﻗﺮﻳﺸﺎ ﻛﺎنﻮاإمﺎم اﻟنﺎس وﻫﺎدﻳﻬم‪،‬‬
‫وﻫﺎدﻳﻬم‪ ،‬وأﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﳊﺮام‪ ،‬وﺻﺮﻳﺢ وﻟﺪ إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن إﺑﺮاﻫﻴم ﻋﻠﻴﻬمﺎ اﻟﺴﻼم‪ ،‬وﻗﺎدة اﻟعﺮب ﻻ‬
‫ﻳنﻜﺮون ذﻟﻚ‪ ،‬وﻛﺎنﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﻫﻲ اﻟﱵ نصﺒﺖ ﳊﺮب رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﺧﻼﻓه‪ ،‬ﻓﻠمﺎ اﻓﺘﺘﺤﺖ مﻜة‪،‬‬
‫مﻜة‪ ،‬ودانﺖ ﻟه ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ودوﺧﻬﺎ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻋﺮﻓﺖ اﻟعﺮب أنه ﻻ ﻃﺎﻗة ﳍم ﲝﺮب رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬وﻻ‬
‫‪1‬‬
‫وﻻ ﻋﺪاوته‪ ،‬ﻓﺪﺧﻠﻮا ﰲ دﻳن ﷲ‪ ،‬ﻛمﺎ ﻗﺎل ﻋﺰ وجﻞ‪ ،‬أﻓﻮاجﺎ‪ ،‬ﻳﻀﺮﺑﻮن إﻟﻴه من ﻛﻞ وجه"‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟعﻼﻗة ﺑَـﻴِّنة ﺑﲔ ﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات وتﻮاﻓﺪ اﻟﻮﻓﻮد ﻋﻠﻰ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺪل مﺮة أﺧﺮى ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳋﺎرجﻴّة ﻟﻠﻐﺰوات‪ ،‬وآ رﻫﺎ اﻻتصﺎﻟﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة ذات اﻟصﺪى اﻟﺒعﻴﺪ واﻟﻘﻮي اﻟﻔعﺎل‪،‬‬
‫ومن ﰒﱠ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻄﻮﻋﻴّة اﳌنﻘﻄعة اﻟنﻈﲑ اﻟﻈﺎﻫﺮة ﰲ ﻫﺬه اﻟﻮﻓﻮد‪ ،‬ﻓﻬﻲ اﻟﻔﺘﺢ اﻟعﻈﻴم‪،‬‬
‫واﻟنصﺮ اﳌﺒﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة من رﳜﻬﺎ‪.‬‬
‫وﳑﺎ ﺳﺒق أﺳﺘﻄﻴع اﻟﻘﻮل أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة مﺎ ﻛﺎن ﳍﺎ أن ﲢﻘق تﻠﻚ اﻹﳒﺎزات اﳉﻴﻮ ﺳﻴﺎﺳﻴّة‬
‫ﻟﻮﻻ ﳒﺎﺣﻬﺎ ﰲ ﺣﺮﻛة اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﻔﱰة اﻟﻄﻮﻳﻠة اﳌﻀنﻴّة منﺬ اﻹذن ﻟﻘﺘﺎل إﱃ ﻓﺘﺢ مﻜة‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ‪ ،‬وﺳﻴﺒﻘﻰ اﳉﻬﺎد مﺎض مﺎ ﺑﻘﻴﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ومﺎ ﺑﻘﻲ أﻋﺪاؤﻫﺎ؛ ﳊﻔﻆ اﻹﳒﺎزات اﳉﻴﻮ‬
‫ﺳﻴﺎﺳﻴّة وجﻮدا وﻋﺪمﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﻻﻗﺘﺼﺎدي‬
‫إن اﻟنﺠﺎح اﳉﻴﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﺣﻘﻘﺘه اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻛﺎن ﻟه انعﻜﺎس إﳚﺎﰊ ﻋﻠﻰ اﻗﺘصﺎد اﻟﺪوﻟة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪،‬‬
‫اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة ﻗﻮة اﻗﺘصﺎدﻳّة ﺑعﺪمﺎ مﺮت ﺎ ﺣﺎﻻت من اﻷزمﺎت‪ ،‬واﻟﺸﺪاﺋﺪ‬
‫واﻟﺸﺪاﺋﺪ ﻛمﺎ مﺮ معنﺎ ﰲ ﻏﺰوة اﻷﺣﺰاب وﻏﺰوة ذات اﻟﺮﻗﺎع‪ ،‬وﻗﻮة اﻻﻗﺘصﺎد من أﻫم أﺳﺒﺎب‬
‫اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻷن اﻟﻘﻮة اﻻﻗﺘصﺎدﻳّة ﻫﻲ ﻋصﺐ اﳊﻴﺎة اﻟﺪنﻴﺎ وﻗﻮامﻬﺎ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻳنﺒﻐﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷمة اﻹﺳﻼمﻴّة أن تعﺘمﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺬات ﰲ مﻮارد ﺑﺘة‪ ،‬ﲤﻜنﻬﺎ من مﻮاجﻬة اﻷﻋﺪاء ونﺸﺮ‬
‫اﻟﺪﻳن‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻠﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة ﺣﺮﻳّة اﻟﺘﺤﺮك‪ ،‬واﲣﺎذ اﻟﻘﺮار دون ﺿﻐﻮط ﻛﺎﲝة ﻟﻠنﺸﺎط اﻟﺪﻋﻮي من‬

‫‪ -1‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(560/2) ،‬‬

‫‪411‬‬
‫أي جﻬة ﻛﺎنﺖ‪ ،‬إﺿﺎﻓة إﱃ مﺎ تﻮﻓﺮه اﻟﻘﻮة اﻻﻗﺘصﺎدﻳّة من ثﻘﻞ إﻋﻼمﻲ‪ ،‬واجﺘمﺎﻋﻲ‪ ،‬وﺳﻴﺎﺳﻲ‪،‬‬
‫وأمﲏ‪. 1‬‬
‫وتﺘﺠﻠﻰ مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻻﻗﺘصﺎدي ﻟﺪوﻟة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ مﻈﺎﻫﺮ منﻬﺎ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬أﺻﺎﻟﺔ اﻷﺳﺲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳّﺔ‪ :‬ونعﲏ ﺑﺬﻟﻚ أن اﻻﻗﺘصﺎد اﻹﺳﻼمﻲ مﺒﲏ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ‪ ،‬وﺿﻮاﺑط‬
‫ﺷﺮﻋﻴّة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﺮع ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻀﺒط اﻟنﺸﺎط اﻻﻗﺘصﺎدي اﻹﺳﻼمﻲ ﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى اﻟﻔﺮد‪ ،‬وﻋﻠﻰ مﺴﺘﻮى‬
‫اﻟﺪوﻟة‪ ،‬وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﺑعﺾ اﻟﺘصﺪﻳﻘﺎت ﳍﺬا اﻟﺘصﻮر من واﻗع اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة وواﻗع اﻟﻐﺰوات ﻋﻠﻰ‬
‫اﳋصﻮص‪:‬‬
‫‪.1‬ﻣﺸﺮوﻋﻴّﺔ اﳌﻌﺎﻣﻼت‬
‫ﻗﺪ أﺳﺲ اﻟنﱯ ‪ ‬اﻻﻗﺘصﺎد ﻋﻠﻰ أﺻﻮل مﺘﻴنة أول مﺎ ﻳﺮاﻋﻰ ﻓﻴﻬﺎ مﺸﺮوﻋﻴّة اﳌعﺎمﻠة‪ ،‬وﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ‬
‫ﺑﺬﻟﻚ ﺑﻞ ﳛﺮص أن ﻳﻜﻮن تﻄﺒﻴق وتنﺰﻳﻞ تﻠﻚ اﻷﺣﻜﺎم تنﺰﻳﻼ ﺻﺤﻴﺤﺎ‪ ،‬ﻓمن اﻷول معﺎمﻠﺘه ﻷﻫﻞ‬
‫ﻷﻫﻞ ﺧﻴﱪ ﻋﻄﺎﺋﻬم اﻷرض اﳌﻔﺘﻮﺣة ﺑعﻘﺪ اﳌﺰارﻋة واﳌﺴﺎﻗﺎة‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪» :‬أَ ْﻋﻄَى رﺳ ُ ِ‬
‫ج‬
‫ﻮﻫﺎ َوَﳍُ ْﻢ َﺷﻄ ُْﺮ َﻣﺎ َﳜْ ُﺮ ُ‬
‫ﻮﻫﺎ َوﻳَـ ْﺰَر ُﻋ َ‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪َ ‬ﺧ ْﻴـﺒَـ َﺮ اﻟﻴَـ ُﻬ َ‬
‫ﻮد‪ ،‬أن ﻳ ْﻌ َﻤﻠُ َ‬ ‫َُ‬
‫ِﻣ ْﻨـ َﻬﺎ«‪.2‬‬
‫ﻓﻘﺪ دﻟﺖ اﳌعﺎمﻠة ﻋﻠﻰ ﺿﺎﺑط من اﻟﻀﻮاﺑط اﻻﻗﺘصﺎدﻳّة اﳌﻬمة وﻫﻲ ﺿﺎﺑط انﺘﻔﺎء اﻟﻐﺮر ﰲ‬
‫اﻷجﺮة‪ ،‬ﻓﺎﻷجﺮة مﻘﺪرة ﺑﻮﺿﻮح ﺑﺸﻄﺮ مﺎ ﳜﺮج من اﻷرض‪ ،‬وأﺻﻞ اﳌعﺎمﻠة ﻗﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺌﺠﺎر أﻫﻞ‬
‫أﻫﻞ اﻟﺬمة‪.3‬‬
‫ﻛمﺎ ﻛﺎن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ من أﻛﻞ أمﻮال اﻟنﺎس ﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬وﻟﻮ ﻛﺎن ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺴﲑا مﺒﺎﻟﻐة ﰲ اﻟﺘنﻔﲑ‪،‬‬
‫ج ﺑﻪ ﻣﻌﻪ إِ َﱃ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺎﻋﺔُ إِ َﱃ َر ُﺳﻮل ا ﱠ ‪‬غُ َﻼ ًﻣﺎ‪ ،‬ﻓَ َﺨ َﺮ َ‬
‫ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري وﻏﲑه ﻋن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬ﻗﺎل‪ ":‬أ َْﻫ َﺪى ِرﻓَ َ‬
‫ﺎل‪َ " :‬واﻟﱠ ِﺬي‬
‫ب ﻓَﺄَﺗَى اﻟْﻐَُﻼ َم َﺳ ْﻬ ٌﻢ َﻋﺎﺋٌِﺮ ﻓَـ َﻘﺘَـﻠَﻪُ ﻓَـ ُﻘﻠْﻨَﺎ‪َ :‬ﻫﻨِﻴﺌًﺎ ﻟَﻪُ ا ْﳉَﻨﱠﺔُ ﻓَـ َﻘ َ‬‫ﺼ ِﺮ‪ ،‬واﻟ َْﻤﻐْ ِﺮ ِ‬
‫ﲔ اﻟ َْﻌ ْ‬ ‫إِ َﱃ َﺧْﻴـﺒَـ َﺮ‪ ،‬ﻓَـﻨَـ َﺰ َل ﺑَـ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ﺼﺎ ِر‪َ َ :‬ر ُﺳ َ‬
‫ﻮل‬ ‫ﺎل َر ُﺟ ٌﻞ ﻣ َﻦ ْاﻷَﻧْ َ‬ ‫ﲔ ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﻧَـ ْﻔﺴﻲ ﺑِﻴَﺪﻩ‪ ،‬أن َﴰْﻠَﺘَﻪُ ﻟَﺘُ ْﺤ َﺮ ُق َﻋﻠَْﻴﻪ اﻻن ِﰲ اﻟﻨﱠﺎ ِر غَﻠﱠ َﻬﺎ ﻣ َﻦ اﻟ ُْﻤ ْﺴﻠ ِﻤ َ‬
‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ﺎل‪ :‬ﻳـ َﻘﺎد ِﻣ ْﻨ َ ِ‬ ‫ﺖ ﻳَـ ْﻮَﻣﺌِ ٍﺬ ِﺷ َﺮا َﻛ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠﻢ "‬ ‫ﻚ ﻣﺜْـﻠُ ُﻬ َﻤﺎ ﻣ ْﻦ َ ِر َﺟ َﻬﻨ َ‬ ‫ﲔ ﻓَـ َﻘ َ ُ ُ‬ ‫ا ﱠ‪ ،‬أ َ‬
‫َﺻ ْﺒ ُ‬

‫‪ -1‬ﻋﻠﻲ اﻟصﻼﰊ‪ ،‬تﺒصﲑ اﳌﺆمنﲔ ﺑﻔﻘه اﻟنصﺮ واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ص‪.339‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﺰارﻋة‪ ،‬ب اﳌﺰارﻋة ﻟﺸﻄﺮ وﳓﻮه‪ ،(104/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4248 :‬‬
‫‪ -3‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪.(93/16) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﻟﺒخ ـ ـ ــﺎري ﰲ ﺻ ـ ـ ــﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘـ ـ ــﺎب اﳌﻐـ ـ ــﺎزي‪ ،‬ب ﻏـ ـ ــﺰوة ﺧﻴـ ـ ــﱪ‪ ،(138/5) ،‬ﺑ ـ ـ ـﺮﻗم‪ ،4234 :‬ورواه اﺑـ ـ ــن أﰊ ﺷ ـ ــﻴﺒة‪،‬‬
‫اﳌصنﻒ‪ ،(526/6) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،33537 :‬ﻫﻜﺬا ﳐﺘصﺮا‪.‬‬
‫‪412‬‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮ ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻹثﻴﻮﰊ ﻓﻮاﺋﺪ ﻛﺜﲑة ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ﲢﺮﱘ اﻟﻐﻠﻮل‪ ،‬وتعﻈﻴم ﺷأنه‪ ،‬وإن‬
‫ﻟﺘﻮﻋﺪه ﻟنﺎر"‪ ،1‬وﻛﺎنﻸﺳﻠﻮب اﻟﱰﻫﻴﺐ ﻟنﺎر أثﺮ ﰲ ﺳﺮﻋة‬ ‫وإن ﻛﺎن ﻗﻠﻴﻼً‪ ،‬وأنه من اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ؛ ّ‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة؛ ﻓﻘﺪ رد اﻟﺬي أﺧﺬ اﻟﺸﺮاﻛﲔ ﻏﻠﻮﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﺮص اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ تصﻔﻴّة اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة من اﻟﺮ ‪ ،‬ﻟنﻬﻲ ﻋنه‪ ،‬وﺑﻴﺎن أﺣﻜﺎمه‪ ،‬وتعﻠﻴم‬
‫أﺻﺤﺎﺑه إﻳﻬﺎ تﻄﺒﻴﻘﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻓﺘﺤﺖ ﺧﻴﱪ نﺸﻄﺖ اﻟﺘﺠﺎرة ﰲ اﻟﺘمﻮر وﻫﻮ من اﻷجنﺎس اﻟﺮﺑﻮﻳّة‪،‬‬
‫اﺳﺘﺪﻋﻰ ﺑﻴﺎن أﺣﻜﺎم اﳌعﺎمﻼت ﺑﲔ اﻷجنﺎس اﻟﺮﺑﻮﻳّة‪ ،‬ﺣﱴ ﻻ ﻳﻘع اﻟنﺎس ﰲ اﻟﺮ ‪.‬‬
‫ﻓعن أﰊ ﻫﺮﻳﺮة ‪ :‬أن رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬اﺳﺘعمﻞ رجﻼ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻓﺠﺎءه ﺑﺘمﺮ جنﻴﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‬
‫ﺎع‬
‫ﺼَ‬ ‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬أ ﻟَﻨَﺄْ ُﺧ ُﺬ اﻟ ﱠ‬
‫ﺎل‪ :‬ﻻَ َوا ﱠِ َ َر ُﺳ َ‬
‫جنﻴﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬أَ ُﻛ ﱡﻞ ﲤَْ ِﺮ َﺧْﻴـﺒَـ َﺮ َﻫ َﻜ َﺬا«‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬
‫ﺎﻋ ْ ِﲔ‪ ِ ،‬ﻟﺜﱠﻼَﺛَِﺔ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َﺎل‪» :‬ﻻَ ﺗَـ ْﻔ َﻌ ْﻞ‪ ،‬ﺑِ ِﻊ اﳉَ ْﻤ َﻊ ِ ﻟ ﱠﺪ َر ِاﻫ ِﻢ‪ ،‬ﰒُﱠ اﺑْـﺘَ ْﻊ ِ ﻟ ﱠﺪ َر ِاﻫ ِﻢ َﺟﻨِﻴﺒًﺎ«‪ ،2‬ﻗﺎل‬
‫ﺼَ‬ ‫ِﻣ ْﻦ َﻫ َﺬا ِ ﻟ ﱠ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﰲ زمن ﺣﻴﺎته ‪ ‬ﻟﻜﻮ م من أﻫﻞ‬ ‫اﻟﻘﺎري‪ ":‬وﱂ ﻳﺆاﺧﺬه ﲟﺎ وﻗع ﻷنه جﻬﻞ ﺣﺮمﺘه‪ ،‬و ّ‬
‫إنﺸﺎء اﻟﺸﺮاﺋع معﺬورون ﲟﺎ جﻬﻠﻮه من ﺑعﺾ اﻟﻔﺮوع اﳋﻔﻴّة ﻛمﺎ ﻫنﺎ"‪.3‬‬
‫ومع ﺑﻴﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟﻀﻮاﺑط اﻟﺘعﺎمﻞ مع اﻷمﻮال اﻟﺮﺑﻮﻳّة ﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘة اﳊﻜﻴمة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أﻛﺪ وأﻋﻠن‬
‫ﺎﻫﻠِﻴّﺔ‬
‫ﻋن ﺣﺮمة اﻟﺮ ﰲ أﻛﱪ اتصﺎل دﻋﻮي ﲨﺎﻫﲑي ﰲ ﺧﻄﺒة اﻟﻮداع‪ ،‬ﻓممﺎ جﺎء ﻓﻴﻬﺎ‪» :‬وِر ا ْﳉ ِ‬
‫ََ َ‬
‫ع ُﻛﻠﱡﻪُ«‪.4‬‬
‫ﺿﻮ ٌ‬ ‫ﺎس ﺑْ ِﻦ َﻋ ْﺒ ِﺪ اﻟ ُْﻤﻄﱠﻠِ ِ‬
‫ﺐ ﻓَﺄﻧﻪُ َﻣ ْﻮ ُ‬ ‫ﺿ ُﻊ ِرَ اﻟ َْﻌﺒﱠ ِ‬
‫ﺿﻮعٌ َوأ ﱠَو ُل ِرَ أَ َ‬
‫َﻣ ْﻮ ُ‬
‫وﺑعﺪ ﻓأﱐ أﻛﻮن ﻗﺪ أﺷﺮت إﱃ أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﱂ تﻐﻔﻞ مﻴﺪان اﻻﻗﺘصﺎد‪ ،‬ﻓﻬﻮ جﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ‬
‫منﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﳝﻜن ﻟﻠمعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة أن ﲢﻴﺪ ﻋن أﺳﺲ وأﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟعﻘﺪﻳّة واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ انﺘﻘﺪ‬
‫انﺘﻘﺪ مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ ﺑﺸﺪة من ﳛﺎول تﻄﺒﻴق اﳌعﺎمﻼت اﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ ﻇﻞ اﻟنﻈﺎم اﻟﺮأس مﺎﱄ ﺑﻘﻮﻟه‪":‬‬
‫ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬وإذا ﳌﺴﻠم اﻟﺬي ﳜﺘﺎر ﻫﺬا اﻻﲡﺎه ﻳﻐﻮص ﰲ ﳏﺎوﻟة ﲣﻠﻴﺺ اﻟﺮأﲰﺎﻟﻴّة من اﻟﺮ ‪ ،‬ﻷنه ﳏﺮم‬
‫ﳏﺮم ﰲ ﺷﺮﻳعﺘه‪ ،‬وﻛأنه من اﻟنﺎﺣﻴّة اﻟﻔنﻴّة ﳛﺎول ﲣﻠﻴﺺ جﺴﺪ من روﺣه‪ ،‬وﻳﺮجﻮ أن اﳉﺴﺪ ﺳﻴﺒﻘﻰ‬
‫ﺳﻴﺒﻘﻰ ﺣﻴﺎً وﺳﻴﻘﻮم ﲟﻬمﺎته"‪.5‬‬

‫‪ -1‬ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن آدم اﻹثﻴﻮﰊ‪ ،‬ذﺧﲑة اﻟعﻘﱮ ﰲ ﺷﺮح ا ﺘﱮ‪ ،‬دار اﳌعﺮاج اﻟﺪوﻟﻴّة ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬ط‪) ،1‬د‪.‬ت(‪.(52/31) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺒﻴﻮع‪ ،‬ب إذا أراد ﺑﻴع ﲤﺮ ﺑﺘمﺮ ﺧﲑ منه‪ ،(77/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2201 :‬‬
‫‪ -3‬اﻟﻘﺎري‪ ،‬مﺮﻗﺎة اﳌﻔﺎتﻴﺢ ﺷﺮح مﺸﻜﺎة اﳌصﺎﺑﻴﺢ‪.(1919/5) ،‬‬
‫‪ -4‬رواه اﺑن مﺎجه ﰲ ﺳننه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﺳﻚ‪ ،‬ب ﺣﺠة رﺳﻮل ﷲ ‪ ،(1022 /2) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،3074 :‬وﺻﺤﺤه اﺑن ﺧﺰﳝة‪،‬‬
‫ﺻﺤﻴﺢ اﺑن ﺧﺰﳝة‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ مصﻄﻔﻰ اﻷﻋﻈمﻲ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.(252/4) ،‬‬
‫‪ -5‬مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ‪ ،‬اﳌﺴﻠم ﰲ ﻋﺎﱂ اﻻﻗﺘصﺎد‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪413‬‬
 ‫‪.2‬ﻗﻴﻤﻴّﺔ اﳌﻌﺎﻣﻼت‬
‫من مﻈﺎﻫﺮ أﺻﺎﻟة اﻻﻗﺘصﺎد ﻗﻴﺎمه ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴم واﻷﺧﻼق‪ ،‬ﻓﺎﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة ﰲ اﻹﺳﻼم ﻟﻴﺴﺖ‬
‫معﺎمﻼت دنﻴﻮﻳّة مﺎدﻳّة جﺎﻓة‪ ،‬ﺑﻞ ﻫﻲ معﺎمﻼت راﻗﻴّة ﺑﺮﻗﻲ أﺧﻼق اﳌﺴﻠم اﻟﺬي ﳛﺮص أن تﻜﻮن‬
‫تصﺮﻓﺎته ﻛﻠﻬﺎ دﻋﻮﻳّة ﻳﺒﺘﻐﻲ من وراﺋﻬﺎ اﻷجﺮ واﻟﺜﻮاب‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺣﺚ اﻟﺸﺮع ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻠﻲ ﻷﺧﻼق واﻟﻘﻴم ﺣﲔ مﺰاوﻟة نﺸﺎط اﻟﺘعﺎمﻞ اﻻﻗﺘصﺎدي من ﺑﻴع‬
‫وﺷﺮاء وﻏﲑه‪ ،‬ﻛﺎﻟصﺪق‪ ،‬واﻷمﺎنة‪ ،‬اﻟﺮﲪة‪ ،‬واﻟﺴمﺎﺣة‪ ،‬اﻹﺣﺴﺎن‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ من اﻷﺧﻼق‪ ،‬ﻛمﺎ ﱂ‬
‫ﳛصﺮ اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة ﰲ اﻟنﻔع اﻟﺪنﻴﻮي ﻓﺤﺴﺐ؛ إذ ﻓﺘﺢ ب ﻋﻘﻮد اﻟﺘﱪﻋﺎت ﻋﻠﻰ مصﺮاﻋﻴه‪،‬‬
‫ﻓﺤﺚ ﻋﻠﻰ اﻟصﺪﻗة واﳍﺪﻳّة‪ ،‬واﻟﻮﻗﻒ‪ ،‬واﻟﻮﺻﻴّة‪ ،‬وﻛﻞ ذل ﺑﺖ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪.‬‬
‫وﱂ ﻳﻜﺘﻒ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻘﻮﻟﻴّة إﱃ ﻫﺬه اﻟﻘﻴم واﻷﺧﻼق ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎنﺖ معﺎمﻼته اﳌﺎﻟﻴّة‬
‫اﳌﺎﻟﻴّة أرﻗﻰ ﳕﻮذج ﰲ اﻟﺘﺰام اﻷﺧﻼق وتﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﰲ ا ﺎل اﳌعﺎمﻼﰐ‪ ،‬ومن أروع اﻷمﺜﻠة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‬
‫ﻗصة ﺑﻴع ﲨﻞ جﺎﺑﺮ ﻟﻠنﱯ ‪ ‬أثنﺎء اﻟﺮجﻮع من إﺣﺪى اﻟﻐﺰوات‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻗﺎل جﺎﺑﺮ‪َ " :‬د َﺧ َﻞ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻚ‪،‬‬ ‫ﺖ اﳉَ َم َﻞ ِﰲ َ ﺣﻴّة اﻟﺒَﻼَط‪ ،‬ﻓَـ ُﻘْﻠ ُ‬
‫ﺖ‪َ :‬ﻫ َﺬا َﲨَﻠُ َ‬ ‫ﺖ إِﻟَْﻴه‪ ،‬و َﻋ َﻘْﻠ ُ‬
‫ﱠﱯ‪‬اﳌَ ْﺴﺠ َﺪ‪ ،‬ﻓَ َﺪ َﺧْﻠ ُ‬ ‫ِ‬
‫" َد َﺧ َﻞ اﻟن ّ‬
‫ﻚ«‪.1‬‬ ‫ﻴﻒ ِ ْﳉَ َم ِﻞ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟﺜ َﱠﻤ ُﻦ َواﳉَ َﻤ ُﻞ ﻟَ َ‬ ‫ِ‬
‫ﻓَ َخَﺮ َج‪ ،‬ﻓَ َﺠ َع َﻞ ﻳُﻄ ُ‬
‫وﻗﺪ تﺮجم اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﱰﲨة تﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻟﻘﻴمﻲ ﰲ اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴة‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎل‪ ":‬ب ﺣﺴن اﻟﻘﻀﺎء"‪ ،2‬ﻓﻘﺪ رﻏﺐ اﳊﺪﻳﺚ ﰲ ﺣﺴن ﻗﻀﺎء اﻟﺪﻳن‪ ،‬وأﻗﻠه أن ﻳﻘﻀﻲ ﻋنﺪ‬
‫ﺣﻠﻮل اﻷجﻞ دون تﺴﻮﻳﻒ أو ﳑﺎﻃﻠة‪ ،‬وإن من ﺣﺴن اﻟﻘﻀﺎء أن ﻳ ُﺮﱠد اﻟﺪﻳن جﻮد أو أﻛﺜﺮ منه‪.3‬‬
‫ﻓﻴﻜﻮن اﳊﺪﻳﺚ ﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ﻗﻴمﺘﲔ ﻋﻈﻴمﺘﲔ تنﺒﲏ ﻋﻠﻴﻬمﺎ اﻟعﻼﻗﺎت ﻋمﻮمﺎ‪ ،‬وﳘﺎ ﻗﻴمة اﻟعﺪل‬
‫َْ ْ َ ٓ‬ ‫ُْ ْ ٰ ْ‬
‫ي َو َن ۪ ٰ َع ِن لفحشﺎ ِء‬
‫َٓ ْ‬ ‫َ َ ُُ َْ ْ َ ْ َ‬
‫واﻹﺣﺴﺎن‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱأن ﷲ يﺎمر بِﺎلعد ِل و ِاﻻح ٰ ِن يتﺎ ِءے ذِے لقر ۪‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ ُ ُ ََ ُ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ون چ ]اﻟنﺤﻞ‪.[90 :‬‬ ‫َوالمنك ِر َوا َ ِ يعِظك ْم لعلك ْم تذك ُر ۖ‬
‫ﻗﺎل ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ مﱪزا دور اﻟﻘﻴم ﰲ اﻟﺒنﺎء اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ":‬وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻗﺎم ﺑنﺎء اﳉمﺎﻋة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬و ﺑنﺎء اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻓنعم اﻟعﺎﱂ ﻟﻄمأنﻴنة‪ ،‬واﻟﺜﻘة‪ ،‬واﻟنﻈﺎﻓة ﰲ اﳌعﺎمﻼت اﻟﻔﺮدﻳّة‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ واﻟﻐصﺐ‪ ،‬ب من ﻋﻘﻞ ﺑعﲑه ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼط أو ب اﳌﺴﺠﺪ‪ ،(135/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪ ،2470‬وﻗﺪ وردت اﻟﻘصة ﰲ ﻋﺪة مﻮاﻃن من اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﺿﺮب داﺑة ﻏﲑه ﰲ اﻟﻐﺰو‪،‬‬
‫)‪ ،(30/4‬ﺑﺮﻗم‪.2706 :‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(117/3) ،‬‬
‫‪ - 3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﲪﺰة ﷴ ﻗﺎﺳم‪ ،‬منﺎر اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(347/3) ،‬‬
‫‪414‬‬
 ‫واﻟﺪوﻟﻴّة ﻳﻮم ﻛﺎنﺖ ﻗﻴﺎدة اﻟﺒﺸﺮﻳّة إﱃ اﻹﺳﻼم"‪.1‬‬
‫ﻓمﺸﺮوﻋﻴّة اﳌعﺎمﻼت اﳌﺎﻟﻴّة‪ ،‬وﻗﻴﺎمﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻘﻴم‪ ،‬واﻷﺧﻼق مﻘﻮمﺎن أﺳﺎﺳﻴﺎن ﻳﺪﻻن ﻋﻠﻰ‬
‫أﺻﺎﻟة اﻻﻗﺘصﺎد اﻹﺳﻼمﻲ؛ ﻋﺘﺒﺎره من اﻟنﻈم اﻷﺳﺎﺳﻴّة اﻟﱵ تﻘﻮم ﻋﻴﻬﺎ اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ ﲤﻮﻳﻞ‬
‫مﺸﺎرﻳعﻬﺎ اﻻﺳﺘخﻼﻓﻴّة اﻟﻜﱪى‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬ﺗﻨﻮع اﳌﻮارد اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳّﺔ‬
‫أن تﻮﺳع اﻟﺮﻗعة اﳉﻐﺮاﻓﻴّة ﻟﻠﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ونﺸﺎط ﺣﺮﻛة اﻟﻔﺘﻮح‪ ،‬وتﺰاﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﺪاﺧﻠﲔ ﰲ‬
‫اﻹﺳﻼم جعﻞ مﻮارد اﻟﺪوﻟة تﺘﺰاﻳﺪ وتﺘنﻮع ومن ﻫﺬه اﳌﻮارد‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ‬
‫ﻗﺪ أﻓﺮد اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻟﻠﻐنﺎﺋم ﻛﺘﺎ ﻋنﻮن ﻟه ﺑﻜﺘﺎب اﳋمﺲ ﺿمنه تﺴعة ﻋﺸﺮ ‪ ،‬ﻛﻞ ﻛﺘﺎب‬
‫ﻗﺪ ﺧصصه ﳊﻜم من أﺣﻜﺎم اﻟﻐنﺎﺋم‪ ،‬وﺳأﻗصﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ أمﻮر ﲟﺎ ﳜﺪم مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ‬
‫اﻻﻗﺘصﺎدي مﺴﺘعﻴنﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﱰاجم ﻛمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﻣﺸﺮوﻋﻴّﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ وﻛﻴﻔﻴّﺔ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ‪ :‬ﻗﺪ أثﺒﺖ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري مﺸﺮوﻋﻴّة اﻟﻐنﺎﺋم مﺴﺘﺪﻻ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‬
‫ُ ُ َ ُ َ ُ‬
‫ول چ ]اﻷنﻔﺎل‪.2" [41 :‬‬ ‫ذﻟﻚ ﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ﻓﻘﺎل" ب ﻗﻮل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬چٱ ِ ِ‬
‫ﷲ خمسهۥ و ِ رس ِ‬
‫ﻓﻘﺪ ﺑﻴنﺖ اﻵﻳّة مﺸﺮوﻋﻴة اﻟﻐنﻴمة‪ ،‬و ﻛﻴﻔﻴّة تﻮزﻳعﻬﺎ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ":‬ﻳﺒﲔ تعﺎﱃ تﻔصﻴﻞ مﺎ ﺷﺮﻋه‬
‫ﺷﺮﻋه ﳐصصﺎ ﳍﺬه اﻷمة اﻟﺸﺮﻳﻔة‪ ،‬من ﺑﲔ ﺳﺎﺋﺮ اﻷمم اﳌﺘﻘﺪمة‪ ،‬من إﺣﻼل اﳌﻐﺎﱎ‪ ،‬و"اﻟﻐنﻴمة"‪:‬‬
‫ﻫﻲ اﳌﺎل اﳌأﺧﻮذ من اﻟﻜﻔﺎر ﳚﺎف اﳋﻴﻞ واﻟﺮﻛﺎب‪ ،‬و"اﻟﻔﻲء"‪ :‬مﺎ أﺧﺬ منﻬم ﺑﻐﲑ ذﻟﻚ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻷمﻮال اﻟﱵ ﻳصﺎﳊﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬أو ﻳﺘﻮﻓﻮن ﻋنﻬﺎ وﻻ وارث ﳍم‪ ،‬واﳉﺰﻳّة واﳋﺮاج وﳓﻮ ذﻟﻚ‪...‬‬
‫وجعﻠﺖ اﻟﻐنﺎﺋم‪ :‬أرﺑعة أﲬﺎﺳﻬﺎ ﻟﻠمﺠﺎﻫﺪﻳن‪ ،‬وﲬﺴﺎ منﻬﺎ ﳍﺆﻻء اﳌﺬﻛﻮرﻳن"‪.3‬‬
‫ُﰒّ ﻋﻘﺪ تﺮجم ﻟه ﲝﺪﻳﺚ ﻟﻴﺒﲔ من ﺧﻼﻟه أن مﺸﺮوﻋﻴّة اﻟﻐنﺎﺋم من ﺧصﻮﺻﻴﺎت ﻫﺬه اﻷمة‪،‬‬
‫ﺖ ﻟَ ُﻜ ُﻢ اﻟﻐَﻨَﺎﺋِ ُﻢ« ‪.4‬‬ ‫ﻓﻘﺎل‪ :‬ب ﻗﻮل اﻟنﱯ ‪» :‬أ ِ‬
‫ُﺣﻠﱠ ْ‬

‫‪ - 1‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪.(2192 / 4) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.(84/4) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪.(59/4) ،‬‬
‫‪ - 4‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،(85/4) ،‬واﳊﺪﻳﺚ مﻮﺻﻮل ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ ب ﻗﻮل اﻟنﱯ ‪:‬‬
‫»أﺣﻠﺖ ﻟﻜﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ«‪ ،(85/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.3122 :‬‬
‫‪415‬‬
‫ﻓﺎﻟﻐنﺎﺋم مﺸﺮوﻋة ﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬وﻫﻲ من ﺧصﻮﺻﻴﺎت ﻫﺬه اﻷمة‪ ،‬مع اﻟﺘنﺒﻴه أن اﳉﻬﺎد ﱂ ﻳﺸﺮع‬
‫ﻳﺸﺮع ﻟﺘﺤصﻴﻞ اﻟﻐنﺎﺋم‪ ،‬وإﳕﺎ ﺷﺮع ﻹﻋﻼء ﻛﻠمة ومﺎ اﻟﻐنﺎﺋم إﻻ آ ر نﻮﻳّة ﻟه‪ ،‬وﻫﺬا ﱂ ﻳﻐﻔﻠه‬
‫اﻟﺒخﺎري رﲪه ﷲ تعﺎﱃ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬ﻓﱰجم ﻟﺬﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟه‪ " :‬ب من ﻗﺎتﻞ ﻟﻠمﻐنم‪ ،‬ﻫﻞ ﻳنﻘﺺ‬
‫ﻳنﻘﺺ من أجﺮه؟"‪ ،‬ﰒ اﺳﺘﺪل ﻟﻠﱰﲨة ﲝﺪﻳﺚ ﺻﺮﻳﺢ ﺻﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻓعن أﰊ مﻮﺳﻰ اﻷﺷعﺮي ‪ ،‬ﻓعن‬
‫ﺎل اﻟﱠﺮ ُج ُﻞ‪ :‬ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِْﻠ َمﻐْنَِم‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﻓَـ َﻘ َ‬‫ِ ِ‬
‫ﺎل‪َ :‬جﺎءَ َر ُج ٌﻞ إ َﱃ اﻟن ِّ‬‫ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻓعن أﰊ مﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ ﻗَﺎﺗَ َﻞ‬‫ﻟِْﻠ َم ْﻐنَِم‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِﻠ ِّﺬ ْﻛ ِﺮ‪ ،‬واﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ﻳـُ َﻘﺎتِ ُﻞ ﻟِﻴُـَﺮى َم َﻜﺎنُهُ‪ ،‬ﻓَ َم ْن ِﰲ َﺳﺒِ ِﻴﻞ ا ﱠِ؟ ﻗَ َ‬
‫ﻴﻞ ا ﱠِ«‪.2‬‬
‫اﻟﻌﻠْﻴَﺎ )‪ (1‬ﻓَـ ُﻬ َﻮ ِﰲ َﺳﺒِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ﻟﺘَ ُﻜﻮ َن َﻛﻠ َﻤﺔُ ا ﱠ ﻫ َﻲ ُ‬
‫وﻗﺪ ﺑﲔ اﺑن تﻴمﻴّة أن أﺧﺬ اﻟﻐنﻴمة ﻻ ﻳعﻜﺮ ﺻﻔﻮ اﳉﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ ":‬ومﺎ ﺧﺬه اﳉنﺪي‬
‫اﳉنﺪي ﻟﻴﺲ أجﺮة ﻟﻠﺠﻬﺎد‪ ،‬ﻷنه ﻟﻮ ﻛﺎن أجﺮة ﻛﺎن ﻟﻔعﻞ اﳉﻬﺎد‪ ،‬وإﳕﺎ ﻋﻠﻴﻬم أن ﻳﻘﺎتﻠﻮا ﰲ ﺳﺒﻴﻞ‬
‫ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻟﺘﻜﻮن ﻛﻠمة ﷲ ﻫﻲ اﻟعﻠﻴﺎ وﻳﻜﻮن اﻟﺪﻳن ﻛﻠه ‪ ،‬وأجﺮﻫم ﻋﻠﻰ ﷲ‪ ،‬ﻓأن ﷲ اﺷﱰى من‬
‫من اﳌﺆمنﲔ أنﻔﺴﻬم وأمﻮاﳍم ن ﳍم اﳉنة‪ ،‬واﻹﻗﻄﺎع اﻟﺬي ﺧﺬونه معﺎونة ﳍم‪ ،‬ورزﻗًﺎ ﻟنﻔﻘة ﻋﻴﺎﳍم‬
‫ﻋﻴﺎﳍم وﻹﻗﺎمة اﳋﻴﻞ واﻟﺴﻼح"‪.3‬‬
‫ب‪ .‬ﻣﺼﺎرف اﳋﻤﺲ‪ :‬أمﺎ ﲬﺲ اﻟﻐنﻴمة ﻓﺈنه ﻳصﺮف ﰲ مصﺎرف ﳐصﻮﺻة ﲢﻘق مﻘﺎﺻﺪ دﻋﻮﻳّة‬
‫ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ أن اﳋمﺲ ﻗﺪ ﻳﺪﺧﺮ ﳌﻮاجﻬة ﺑعﺾ اﻟﻄﻮارئ واﻟنﻮاﺋﺐ‪ ،‬ﻓﻘﺎل اﻟﺒخﺎري رﲪه‬
‫ﷲ‪ ":‬ب‪ :‬ومن اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن اﳋمﺲ ﻟنﻮاﺋﺐ اﳌﺴﻠمﲔ"‪ ،4‬ﻓﺎﻹمﺎم ﻟه أن ﻳﺘصﺮف ﰲ اﳋمﺲ‬
‫وﻓق مﺎ تﻘﺘﻀﻴه مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻴنﻔق ﻋﻠﻴﻬﺎ منه‪ ،‬وﻳﺮﺻﺪ ﺷﻴﺌﺎ منه ﻟصﺎﳊﻬﺎ‪.5‬‬
‫ومن اﳋمﺲ ﲡﺮي نﻔﻘة إمﺎم اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻫﻮ مصﺮف ﺣﻴﻮي‪ ،‬وﻳﺆﺧﺬ منه أﳘﻴّة ﻛﻔﺎﻳّة وﻛﻔﺎﻟة ﻗﺎدة‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة ورجﺎﻻ ﺎ ﻟﻴﺘﻔﺮﻏﻮا ﳋﺪمﺘﻬﺎ ﺑﻔعﺎﻟﻴّة وجﻮدة ﻋﺎﻟﻴّة‪ ،‬وإﱃ ذﻟﻚ اﻹﺷﺎرة ﺑﻘﻮل اﻟﺒخﺎري‪ ":‬ب‪:‬‬

‫‪ -1‬ﻗﺎل اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ":‬ﻗﺎل اﺑن أﰊ ﲨﺮة ذﻫﺐ اﶈﻘﻘﻮن إﱃ أنه إذا ﻛﺎن اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻷول ﻗصﺪ إﻋﻼء ﻛﻠمة ﷲ ﱂ ﻳﻀﺮه مﺎ انﻀﺎف‬
‫إﻟﻴه‪ ،‬وﻳﺪل ﻋﻠﻰ أ ّن دﺧﻮل ﻏﲑ اﻹﻋﻼء ﺿمنﺎ ﻻ ﻳﻘﺪح ﰲ اﻹﻋﻼء إذا ﻛﺎن اﻹﻋﻼء ﻫﻮ اﻟﺒﺎﻋﺚ اﻷﺻﻠﻲ"‪ ،‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ‬
‫اﻟﺒﺎري‪.(29/6) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب من ﻗﺎتﻞ ﻟﺘﻜﻮن ﻛﻠمة ﷲ ﻫﻲ اﻟعﻠﻴﺎ‪ ،(20/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2810 :‬‬
‫‪ -3‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻗﺎﺳم‪ ،‬اﳌﺴﺘﺪرك ﻋﻠﻰ ﳎمﻮع ﻓﺘﺎوى ﺷﻴخ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪.(227/3) ،‬‬
‫‪ -4‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(88/4) ،‬‬
‫‪-5‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪.(238/6) ،‬‬
‫‪416‬‬
‫ومن اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن اﳋمﺲ ﻟﻺمﺎم"‪ ،1‬ﻗﺎل اﻟعﻴﲏ‪ ":‬ﻗﻮﻟه‪) :‬ﻟﻺمﺎم( أراد ﺑه من ﻛﺎن ﺋﺐ رﺳﻮل‬
‫ﷲ‪ ، ،‬ﻻن اﻟﺘصﺮف ﻓﻴه ﻟه‪ ، ،‬وﳌن ﻳﻘﻮم مﻘﺎمه"‪.2‬‬
‫وﻗﺪ تﻘﺘﻀﻲ مصﻠﺤة اﻟ ّﺪﻋﻮة أﺣﻴﺎ أن ﻳصﺮف من اﳋمﺲ أومن اﻟﻐنﻴمة ﻗﺒﻞ اﻟﺘخمﻴﺲ ﻛﺘأﻟﻴﻒ‬
‫اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬وﻫﺬا اﳌصﺮف ﻗﺪ دﻟﺖ ﻋﻠﻴه ﺑعﺾ تﺮاجم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟه‪ ":‬ب مﺎ م ﱠن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺎرى من ﻏﲑ أن ﳜمﺲ"‪ ،3‬وتعﻘﺐ اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ اﻟﱰﲨة ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ﻷن ﻟه ﻋﻠﻴه اﻟصﻼة‬
‫واﻟﺴﻼم اﻟﺘصﺮف ﰲ اﻟﻐنﻴمة ﲟﺎ ﻳﺮاه مصﻠﺤة "‪ ،4‬وﻟنﻔﺲ اﻟﻐﺮض تﺮجم ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب مﺎ ﻛﺎن اﻟنﱯ‬
‫‪ ‬ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م وﻏﲑﻫم من اﳋمﺲ وﳓﻮه"‪.5‬‬
‫وﻻ ﳜﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﳌﺸﺘﻐﻞ ﻟ ّﺪﻋﻮة مﺎ ﻟﻺﺣﺴﺎن من أثﺮ ﰲ ﻟﻴﻒ ﻗﻠﻮب اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن تﻴمﻴّة‬
‫اﻟ ّﺪاﻋﻴّة اﻟﻜﺒﲑ‪ ":‬ونﺒﻴنﺎ ﻛﺎن ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﺒﻮﻫم وﻳﺪع آﺧﺮﻳن ﻫم أﺣﺐ اﻟﻴه من اﻟﺬي ﻳعﻄﻲ‬
‫ﻳﻜﻠﻬم اﱃ مﺎ ﰲ ﻗﻠﻮ م من اﻻﳝﺎن وإﳕﺎ ﻛﺎن ﻳعﻄﻲ اﳌﺆﻟﻔة ﻗﻠﻮ م ﳌﺎ ﰲ ﻗﻠﻮ م من اﳍﻠع واﳉﺰع‬
‫ﻟﻴﻜﻮن مﺎ ﻳعﻄﻴﻬم ﺳﺒﺒﺎ ﳉﻠﺐ ﻗﻠﻮ م اﱃ أن ﳛﺒﻮا اﻻﺳﻼم ﻓﻴﺤﺒﻮا ﷲ ﻓﻜﺎﳕﻘصﻮده ﺑﺬﻟﻚ دﻋﻮة‬
‫اﻟﻘﻠﻮب اﱃ ﺣﺐ ﷲ ﻋﺰ وجﻞ وﺻﺮﻓﻬﺎ ﻋن ﺿﺪ ذﻟﻚ"‪.6‬‬
‫ت ﻫﺬه اﻟﻐنﺎﺋم ﺧﲑات ﻛﺜﲑة ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟة اﺳﺘﻐﻠﺖ ﰲ نﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮةاﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﳍﺎ‪،‬‬ ‫وﻗﺪ أد ﱠر ْ‬
‫ﻓﻜﺎنﺖ من آﻟﻴﺎت اﻟﺘمﻮﻳﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ اﻟﺪوﻟة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬
‫وﻫﺬه ﺑعﺾ اﻹﺣصﺎءات اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ أﳘﻴّة ﻫﺬا اﳌﻮرد ﰲ ﲤﻮﻳﻞ اﻗﺘصﺎد اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪:‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(91/4) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري‪.(63/15) ،‬‬
‫‪ -3‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(91/4) ،‬‬
‫‪ -4‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.(218/5) ،‬‬
‫‪ -5‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪.(92/4) ،‬‬
‫‪ -6‬اﺑن تﻴمﻴّة‪ ،‬اﻟﺰﻫﺪ واﻟﻮرع واﻟعﺒﺎدة‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪417‬‬
 ‫‪1‬‬
‫ﺟﺪول رﻗﻢ‪ :‬ﻳﺒﲔ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﺰوات واﻟﺴﺮا‬
‫ﻗﻴمة اﻟﻐنﻴمة‬ ‫اﻟﻐﺰوة‬
‫‪ 2000‬ﺑعﲑ‪ ،‬و‪5000‬ﺷﺎة‬ ‫ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق‬
‫‪ 4000‬أوﻗﻴّة ﻓﻀة‪24000 ،‬من اﻹﺑﻞ‪ 40000 ،‬ﺷﺎة ﺧﻴﻞ وﺑﻘﺮ‬ ‫ﺣنﲔ‬
‫‪ 100‬ﺑعﲑ‪ 3000 ،‬ﺷﺎة‪.‬‬ ‫ﻏﺰوة اﻟﻘﺮﻃﺎء‬
‫ﺳﺮﻳّة زﻳﺪ إﱃ ﺣﺴمﻰ ‪1000‬ﺑعﲑ‪5000 ،‬ﺷﺎة‬
‫‪ 500‬ﺑعﲑ‪ 1000 ،‬ﺷﺎة‪.‬‬ ‫ﺳﺮﻳّة ﻋﻠﻲ إﱃ ﻓﺪك‬
‫ﺳﺮﻳّة ﻋﻜﺎﺷة إﱃ ‪ 200‬ﺑعﲑ‬
‫اﻟﻐمﺮ‬

‫أﺑﺮزت أﳘﻴّة اﻟﻐنﺎﺋم اﻟﱵ تﺪرﻫﺎ اﻟﻐﺰوات ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ومﺪى‬
‫ُ‬ ‫ﻟعﻠﻲ أﻛﻮن ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ‬
‫َﻋﺪ ﻫﺬه اﻵﻟﻴّة‬‫مﺴﺎﳘﺘﻬﺎ ﰲ ﲢﻘﻴق مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻻﻗﺘصﺎدي ﻟﻠﺪوﻟة ﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬وإن ﻛنﺖ أ ُ‬
‫اﻟﺘمﻮﻳﻠﻴّة ﻟﻴﺴﺖ ﻋمﻠﻴّة مﺴﺘﺪامة؛ ﳑﺎ جعﻞ اﻟﺪوﻟة تﻔعﻞ آﻟﻴﺎت أﺧﺮى ﻟعﻠﻬﺎ ﲢﻘق اﻻﺳﺘﺪامة‪ ،‬ﻛﺂﻟﻴّة‬
‫ﺑعﺪ‪.‬‬
‫اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬وآﻟﻴّة اﳉﺰﻳّة اﻟﱵ ﰐ اﳊﺪﻳﺚ ﻋنﻬمﺎ ُ‬
‫‪.2‬اﻟﺰﻛﺎة‬
‫تعﺪ ﻓﺮﻳﻀة اﻟﺰﻛﺎة من مﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة ﺑعﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻟصﻼة‪ ،‬ﻟﺬا ﻛﺎنﺖ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﺪﻋﻮة تﻘﺘﻀﻲ إﺧﺮاج اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ﻟﺘصﺒﺢ مﻮردا من مﻮارد اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة‪ ،‬ﻓعن اﺑن ﻋﺒﺎس‬
‫ﻚ َﺳﺘَﺄِْﰐ‬
‫ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﳌعﺎذ ﺑن جﺒﻞ ﺣﲔ ﺑعﺜه إﱃ اﻟﻴمن‪» :‬أﻧ َ‬
‫ﺎب‪ ،‬ﻓَِإذَا ِﺟ ْﺌـﺘَـ ُﻬ ْﻢ ﻓَﺎ ْدﻋُ ُﻬ ْﻢ إِ َﱃ أن ﻳ ْﺸ َﻬ ُﺪوا أن ﻻَ إِﻟَﻪَ إِﱠﻻ ا ﱠُ‪ ،‬وأن ُﳏَ ﱠﻤ ًﺪا َر ُﺳ ُ‬
‫ﻮل‬ ‫َﺳﺘَﺄِْﰐ ﻗَـ ْﻮًﻣﺎ ِﻣ ْﻦ أ َْﻫ ِﻞ اﻟﻜِﺘَ ِ‬
‫ات ِﰲ ُﻛ ِّﻞ ﻳَـ ْﻮٍم َوﻟَْﻴـﻠَ ٍﺔ‪ ،‬ﻓَإن‬ ‫ﻚ‪ ،‬ﻓَﺄَ ْﺧِﱪُﻫﻢ أن ا ﱠ ﻗَ ْﺪ ﻓَـﺮض َﻋﻠَْﻴ ِﻬﻢ ﲬَْﺲ ﺻﻠَﻮ ٍ‬
‫ْ َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ﻚ ﺑِ َﺬﻟِ َ‬ ‫ﺎﻋﻮا ﻟَ َ‬ ‫ِ‬
‫ا ﱠ ‪ ،‬ﻓَﺄن ُﻫ ْﻢ ﻃَ ُ‬
‫ﺻ َﺪﻗَﺔً‪ ،‬ﺗُـ ْﺆ َﺧ ُﺬ ِﻣ ْﻦ أَ ْغﻨِﻴَﺎﺋِ ِﻬ ْﻢ ﻓَـﺘُـ َﺮ ﱡد َﻋﻠَى ﻓُـ َﻘ َﺮاﺋِ ِﻬ ْﻢ‪،‬‬
‫ض َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْﻢ َ‬ ‫ﻚ ﻓَﺄَ ْﺧِ ْﱪُﻫ ْﻢ أن ا ﱠَ ﻗَ ْﺪ ﻓَـ َﺮ َ‬ ‫ﻚ ﺑِ َﺬﻟِ َ‬
‫ُﻫ ْﻢ ﻃَﺎﻋُﻮا ﻟَ َ‬
‫ﺎب« ‪.2‬‬ ‫ﻮم‪ ،‬ﻓَﺄﻧﻪ ﻟَﻴﺲ ﺑـﻴـﻨﻪ وﺑـ ِ ِ‬ ‫ﻫﻢ ﻃَﺎﻋﻮا ﻟَﻚ ﺑِ َﺬﻟِﻚ ﻓَِإ ﱠ َك وَﻛﺮاﺋِﻢ أَﻣﻮاﳍِِﻢ‪ ،‬واﺗﱠ ِﻖ دﻋﻮةَ اﳌَﻈْﻠُ ِ‬
‫ﲔ ا ﱠ ﺣ َﺠ ٌ‬ ‫ُ ْ َ َْ َ ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ َ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُ َ‬

‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(563/2) ،(558/2) ،(550/2) ،(535/2) ،(410/1) ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‬
‫اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻷنﻒ ﰲ ﺷﺮح اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(282/7) ،‬‬
‫‪ -2‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ، ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺑعﺚ أﰊ مﻮﺳﻰ‪ ،‬ومعﺎذ إﱃ اﻟﻴمن ﻗﺒﻞ ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،(162/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪ ،4347‬وﻗﺪ تﻜﺮر اﳊﺪﻳﺚ ﻋﺪة مﺮات ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻟﻴﺪل ﻋﻠﻰ تعﺪد اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﰲ اﻟﺮواﻳّة‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ أنه أﺧﺮجه ﰲ‬
‫‪418‬‬
‫ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ ﻳﺸﲑ إﱃ اﻟﺘﻜﺎمﻞ ﺑﲔ مﺮاﺣﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﳌﻐﺎزي‪ ،‬واﻟﺰﻛﺎة ﻛﺂﻟﻴّة من آﻟﻴﺎت اﻟﺘﱠمﻜﲔ‬
‫اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬ﰲ ﻇﻞ مﺮﺣﻠة اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﳉﻴﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﺑﻠﻐﺘه اﻟﺪوﻟة اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة؛ ﺣﻴﺚ‬
‫ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻫﻲ اﻟﱵ تﺘﻮﱃ ﲨع وتﻮزﻳع زﻛﺎة اﳌنﺎﻃق اﳌﻔﺘﻮﺣة‪ ،‬وﻫﺬا من‬
‫مﺴﺆوﻟﻴﺎ ﺎ ووﻇﺎﺋﻔﻬﺎ‪.1‬‬
‫وﻳﺴﺘﻔﺎد ﻫﺬا ﻛﻠه من تﺮﲨة اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻰ اﳊﺪﻳﺚ ﺑﻘﻮﻟه‪ ":‬ب ﺑعﺚ أﰊ مﻮﺳﻰ‪ ،‬ومعﺎذ‬
‫إﱃ اﻟﻴمن ﻗﺒﻞ ﺣﺠة اﻟﻮداع "‪ ،2‬ﻓأﺑﻮ مﻮﺳﻰ ومعﺎذ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ مﺒعﻮ ن من ﻗﺒﻞ اﻟﺪوﻟة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟﺘنﻔﻴﺬ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ﰲ اﳌنﻄﻘة ﻟﻠﺘمﻜﲔ ﳍﺬا اﻟﺪﻳن ﰲ ﺷﱴ ا ﺎﻻت اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬اﻟﱵ منﻬﺎ إدارة‬
‫إدارة ﺷﺆون اﻟﺰﻛﺎة ﺑعﺎدﻫﺎ اﳌخﺘﻠﻔة‪.‬‬
‫وﻟﻸﳘﻴّة اﻟﺘمﻮﻳﻠﻴّة ﻟﻠﺰﻛﺎة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬إﱃ ﻛﻞ ﺣﻴّة من ﳚمع زﻛﺎ ﺎ‬
‫زﻛﺎ ﺎ من اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﱵ أﺳﻠمﺖ‪ ،‬وﻳﺴمﻰ جﺎمع اﻟﺰﻛﺎة ﳌصﺪق‪ ،‬وﻗﺪ نﺸﻄﺖ اﻟعمﻠﻴّة واﺳﺘﺠﺎب ﳍﺎ‬
‫ﳍﺎ اﳌﺴﻠمﻮن ﺧﺎﺻة ﺑعﺪ تﻮﺳع رﻗعﺘﻬﺎ اﳉﻐﺮاﻓﻴّة‪ ،‬ومﺎ ﺻﺎﺣﺐ ذﻟﻚ من ﳕﻮ دﳝﻐﺮاﰲ ﺑعﺪ ﻓﺘﺢ مﻜة‪،‬‬
‫مﻜة‪ ،‬ﻗﺎل اﺑن إﺳﺤﺎق‪ ":‬وﻛﺎنﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺪ ﺑعﺚ أمﺮاءه وﻋمﺎﻟه ﻋﻠﻰ اﻟصﺪﻗﺎت‪ ،‬إﱃ ﻛﻞ مﺎ‬
‫مﺎ أوﻃأ اﻹﺳﻼم من اﻟﺒﻠﺪان" ‪.3‬‬
‫وﻗﺪ ﻋﺪد أﻫﻞ اﳌﻐﺎزي ﻫﺆﻻء اﳌصﺪﻗﲔ واﳌنﺎﻃق اﻟﱵ أرﺳﻠﻮا إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓممﺎ ذﻛﺮوا أنه ﺑعﺚ اﳌﻬﺎجﺮ ﺑن‬
‫اﻟﻄﺎﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗة‬
‫ّ‬ ‫ﻋﺪي ﺑن ﺣﺎﰎ‬
‫اﳌﻬﺎجﺮ ﺑن أﰊ أمﻴّة إﱃ ﺻنعﺎء‪ ،‬وز د ﺑن ﻟﺒﻴﺪ إﱃ ﺣﻀﺮمﻮت‪ ،‬و ّ‬
‫اﻟﺰﺑﺮﻗﺎن ﺑن ﺑﺪر ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗﺎت ﺳعﺪ‪،‬‬ ‫ﺻﺪﻗة ﻃﻴِّﺊ وأﺳﺪ‪ ،‬ومﺎﻟﻚ ﺑن نﻮﻳﺮة ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗﺎت ﺣنﻈﻠة‪ ،‬و ّ‬
‫ﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ ا ﱠ ﻋنه إﱃ ﳒﺮان‪.4‬‬ ‫اﳊﻀﺮمﻲ إﱃ اﻟﺒﺤﺮﻳن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ﺳعﺪ‪ ،‬واﻟعﻼء ﺑن‬

‫ﻛﺘﺎب اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ب وجﻮب اﻟﺰﻛﺎة‪ ،(104/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1395 :‬ﻛﺘﺎب اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ب أﺧﺬ اﻟصﺪﻗة من اﻷﻏنﻴﺎء وتﺮد ﰲ اﻟﻔﻘﺮاء‬
‫ﺣﻴﺚ ﻛﺎنﻮا‪ ،(119/2) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،1458 :‬ﻛﺘﺎب اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ب أﺧﺬ اﻟصﺪﻗة من اﻷﻏنﻴﺎء وتﺮد ﰲ اﻟﻔﻘﺮاء ﺣﻴﺚ ﻛﺎنﻮا‪،‬‬
‫)‪ ،(128/2‬ﺑﺮﻗم‪ ، ،1496 :‬ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ واﻟﻐصﺐ‪ ،‬ب اﻻتﻘﺎء واﳊﺬر من دﻋﻮة اﳌﻈﻠﻮم‪ ،(129/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪،2448 :‬‬
‫ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬ب مﺎ جﺎء ﰲ دﻋﺎء اﻟنﱯ ‪ ‬أمﺘه إﱃ تﻮﺣﻴﺪ ﷲ تﺒﺎرك وتعﺎﱃ‪ ،(114/9) ،‬ﺑﺮﻗم‪.7371 :‬‬
‫‪-1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬من ﻓﻘه اﻟﺪوﻟة ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ط‪ ،3‬دار اﻟﺸﺮوق‪ ،‬مصﺮ‪1422 ،‬ه‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟصﺤﻴﺢ‪(162/5) ،‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪(600/2) ،‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬إمﺘﺎع اﻷﲰﺎع‪.(102-101/2) ،‬‬
‫‪419‬‬
‫وﻳﻼﺣﻆ أن ﻫﺆﻻء اﳌصﺪﻗﲔ ﻗﺪ اﺧﺘﺎرﻫم اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑعنﺎﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ تﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬم من اﳌﻬﺎرات‬
‫واﻻﺳﺘعﺪادات اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬مﺎ ﻻ ﻳﻮجﺪ ﰲ ﻏﲑﻫم‪ ،‬ﻓمنﻬم زﻋمﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ وأﻫﻞ اﻟﺮأي واﻟعﻠم‪ ،‬ﳑﺎ ﻛﺎن‬
‫ﻛﺎن ﻟه اﻷثﺮ اﻹﳚﺎﰊ ﰲ ﳒﺎح ﻋمﻠﻴّة جﺒﺎﻳّة اﻟصﺪﻗﺎت‪.1‬‬
‫ﻓﻬﺬه اﻟعمﻠﻴّة إﺣﺪى مﻈﺎﻫﺮ ﳒﺎح اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة؛ إذ ﻛﺜﺮ أتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬وتنﻮﻋﺖ‬
‫مﻮاردﻫﺎ وﲤﻜنﺖ من إﻗﺎمة ﺷعﺎﺋﺮ اﻹﺳﻼم اﻟﻜﱪى‪ ،‬ﻓﻬﺎ ﻫﻲ ﺷعﲑة اﻟﺰﻛﺎة تﺴﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﺳﻮﻗﻬﺎ ﺑعﺪمﺎ‬
‫ﲤﻜنﺖ من إﻗﺎمة اﻟصﻼة واﻟصﻴﺎم واﳊج ﺑعﺪ ﻓﺘﺢ مﻜة‪ ،‬وﻗﺒﻠه أداء ﺷعﲑة اﻟعمﺮة ﰲ ﻋمﺮة اﻟﻘﻀﺎء‪.‬‬

‫‪.3‬اﳉﺰﻳّﺔ‬
‫إن اﻹﺳﻼم ﻻ ﻳﻠﺰم أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب وﻏﲑﻫم ﻟﺪﺧﻮل ﻓﻴه‪ ،‬ﻛمﺎ ﻻ ﻳﻠﺰمﻬم ﺑﺪﻓع اﻟﺰﻛﺎة‪ ،‬ﻷ ﺎ ﻋﺒﺎدة‬
‫ﻋﺒﺎدة ﺧﺎﺻة ﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬وﻟﻜن ﻋﺘﺒﺎرﻫم مﻮاﻃنﲔ ﻳﻠﺰمﻮن ﺑﺪﻓع اﳉﺰﻳّة اﻟﱵ ﻫﻲ مﺒﻠغ من اﳌﺎل‬
‫ﻳﻮﺿع ﻋﻠﻰ من دﺧﻞ ﰲ ذمة اﳌﺴﻠمﲔ وﻋﻬﺪﻫم من أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب وﻏﲑﻫم‪.2‬‬
‫َ َ َْ ْ َ َ َ‬ ‫ِين ﻻ َ يُوم ُِن َ‬ ‫َٰ ُ ْ‬
‫ﺎﷲ وﻻ بِﺎ و ِم ﻻخ ِِر وﻻ‬ ‫ون ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫وﻫﻲ مﺸﺮوﻋة ﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬ﻗﺎل ﷲ تعﺎﱃ‪ :‬ٱچٱ ت ِ وا‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ ْ َٰ َ َ ُ ْ ُ ْ ْ‬ ‫ِين ل ْ َ‬ ‫ُ َ ّ ُ َ َ َ َ ُ َ َ ُ ُُ َ َ َ ُ‬
‫ج ْز ّة ْن ي ٖد‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ط‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ٰ‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫كِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫وت‬ ‫ِين‬ ‫ح ّق م َ‬
‫ِن‬ ‫ِ‬
‫ِين َ‬
‫ون د َ‬ ‫يح ِرمون مﺎ حرم ﷲ ورسو ۥ وﻻ يد‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫َوه ْم ٰغ ُِر ۖ‬
‫ون چ ]اﻟﺘﻮﺑة‪.[29:‬‬
‫وﻫﺬه اﻵﻳّة اﻟﻜﺮﳝة ﻗﺪ جعﻠﻬﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري إﺣﺪى تﺮاجم ﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳّة واﳌﻮادﻋة‪ ،‬ﰒ أورد ﲢﺘﻬﺎ‬
‫ﲢﺘﻬﺎ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﱵ تﺪل ﻋﻠﻰ مﺸﺮوﻋﻴّة اﳉﺰﻳّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى ﻋن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻮف أن رﺳﻮل ﷲ‬
‫‪ ‬أﺧﺬﻫﺎ من ﳎﻮس ﻫﺠﺮ "‪.3‬‬
‫وﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ نﺺ ﰲ ب اﳉﺰﻳّة‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻠﺤق ا ﻮس ﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬وﻗﺪ ذﻫﺐ اﻟﻜﺜﲑ من‬
‫اﻟعﻠمﺎء مﺴﺘنﺪﻳن ﻟﺮوا ت ﻋﻠﻰ أ م أﺻﺤﺎب ﻛﺘﺎب‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬ص‪.609‬‬‫‪ -‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺳﻴﺪ ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴنة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1397 ،3‬ﻫـ‪ 1977 ،‬م‪.(664/2) ،‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳّة‪ ،‬ب اﳉﺰﻳّة واﳌﻮادﻋة مع أﻫﻞ اﳊﺮب‪ ،(96/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2987 :‬ﻫﺠﺮ‪ :‬مﺪﻳنة‪،‬‬
‫وﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺒﺤﺮﻳن‪ ،‬وﻟﻴﺴﺖ من اﻟﺒﺤﺮﻳن اﳌعﺮوﻓة اﻻن‪ ،‬ﰲ داﺧﻞ اﳋﻠﻴج اﻟعﺮﰊ‪ ،‬وﻟﻜن اﻟﺒﺤﺮﻳن ﻛﺎنﺖ تﻄﻠق ﻋﻠﻰ اﳌنﻄﻘة‬
‫اﻟﺸﺮﻗﻴّة من اﻟﺴعﻮدﻳّة وﻗﺎﻋﺪ ﺎ ﻫﺠﺮ‪ ،‬وﻫﻲ اﻹﺣﺴﺎء‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﷴ ﺑن ﷴ ﺣﺴن ُﺷﱠﺮاب‪ ،‬اﳌعﺎﱂ اﻷثﲑة ﰲ اﻟﺴنة واﻟﺴﲑة‪،‬‬
‫ص‪.293‬‬
‫‪ -4‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪،(261/6) ،‬‬
‫‪420‬‬
‫ﻛمﺎ ﻛﺎن ﻳﻜﻠﻒ ﻋمﺎﻟه ﲜمعﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺑعﺚ أ ﻋﺒﻴﺪة ﺑن اﳉﺮاح إﱃ اﻟﺒﺤﺮﻳن ﰐ ﲜﺰﻳﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وﻛﺎنﺮﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻫﻮ ﺻﺎﱀ أﻫﻞ اﻟﺒﺤﺮﻳن‪ ،‬وأمﺮ ﻋﻠﻴﻬم اﻟعﻼء ﺑن اﳊﻀﺮمﻲ‪.‬‬
‫وﻻﺑﺪ ﻋنﺪ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﳉﺰﻳّة أن نﺒﲔ أ ﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻮﺿﺎ مﺎﻟﻴﺎ ﻋن دم أو ﻋﻘﻴﺪة‪ ،‬وإﳕﺎ ﻫﻲ ﳊمﺎﻳّة‬
‫ﳊمﺎﻳّة اﳌﻐﻠﻮﺑﲔ ﰲ أمﻮاﳍم وﻋﻘﺎﺋﺪﻫم وأﻋﺮاﺿﻬم وﻛﺮامﺘﻬم وﲤﻜﻴنﻬم من اﻟﺘمﺘع ﲝﻘﻮق اﻟﺮﻋﺎﻳّة مع‬
‫‪2‬‬
‫مع اﳌﺴﻠمﲔ ﺳﻮاء ﺑﺴﻮاء‪.‬‬
‫‪.4‬اﻷوﻗﺎف‪ ،‬اﳍﺒﺎت واﻟﺘﱪﻋﺎت‪ :‬ﻗﺪ ﻛﺎنﺖ اﻟصﺪﻗﺎت واﻟﺘﱪﻋﺎت ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ من اﳌﻮارد اﻟﱵ تﺮد‬
‫إﱃ اﻟﺪوﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة وتﺴﺘﻐﻞ ﰲ ﺷﺆون اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳌخﺘﻠﻔة ﻛﺎﻟنﻔﻘة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء واﳉﻬﺎد ﻟنﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة‬
‫واﻟﺪﻓﺎع ﻋنﻬﺎ‪ ،‬ونﺸﻄﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮع اﳌﺎﱄ أﻛﺜﺮ ﺑعﺪ ﻓﺘﺢ ﺧﻴﱪ‪ ،‬ﻟﻔمﺎ تﻮﺳعﺖ اﻟﺮﻗعة ﻛﺜﺮت اﳌﻐﺎﱎ‪.‬‬

‫ﺻﻠﱠﻰ ﷲُ‬
‫ﱠﱯ َ‬‫ِِ‬
‫ﻗﺎل ﻟﻠن ِّ‬ ‫ﻓمن ذﻟﻚ نﺸﺎط اﻟﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري أن ﻋُ َمﺮ‬
‫ﺲ ِﻣ ْﻨﻪُ؟ ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬أن ِﺷ ْﺌ َ‬ ‫ﱡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺻﻠﱠﻰ ﷲُ َﻋﻠَْﻴه َو َﺳﻠﱠ َم‪ :‬أ َ‬
‫ﱠﱯ َ‬‫ِِ‬
‫َﺻﻠَ َﻬﺎ‬
‫ﺖأ ْ‬
‫ﺖ َﺣﺒﱠ ْﺴ َ‬ ‫ﺐ َﻣ ًﺎﻻ ﻗَﻂ أَﻧْـ َﻔ َ‬
‫ﺿﺎ َﱂْ أُﺻ ْ‬
‫ﺖ أ َْر ً‬
‫َﺻْﺒ ُ‬ ‫ﻟﻠن ِّ‬
‫ْﺖ ِ َﺎ«‪.3‬‬
‫ﺼ ﱠﺪﻗ َ‬
‫َوﺗَ َ‬
‫من ﺣﻔﺮ ﺑﺌﺮ رومة وﲡﻬﻴﺰ جﻴﺶ‬ ‫ومن أﻫم مﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﰲ ﳎﺎل اﻷوﻗﺎف مﺎ ﻗﺎم ﺑه ﻋﺜمﺎن‬
‫ﺎل اﻟنِ ﱡ‬
‫ﱠﱯ‬ ‫جﻴﺶ اﻟعﺴﺮة‪ ،‬وذﻟﻚ اﺳﺘﺠﺎﺑة ﻟﻠﱰﻏﻴﺐ اﻟنﺒﻮي‪ ،‬ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه معﻠﻘﺎ َوﻗَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺶ‬ ‫ﺎل‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َﺟﻬ َ‬
‫ﱠﺰ َﺟ ْﻴ َ‬ ‫ﺻﻠﱠﻰ ﷲُ َﻋﻠَْﻴه َو َﺳﻠﱠ َم‪َ » :‬ﻣ ْﻦ َْﳛﻔ ْﺮ ﺑِْﺌـ َﺮ ُر َ‬
‫وﻣ َﺔ ﻓَـﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔُ«‪ ،‬ﻓَ َﺤ َﻔَﺮَﻫﺎ ﻋُﺜْ َمﺎ ُن‪ ،‬وﻗَ َ‬ ‫ﱠﱯ َ‬ ‫اﻟنِ ﱡ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻌُ ْﺴ َﺮةِ ﻓَـﻠَﻪُ اﳉَﻨﱠﺔُ« ﻓَ َﺠ ﱠﻬَﺰهُ ﻋُﺜْ َمﺎ ُن‪.‬‬
‫وﱂ ﻳﻘﺘصﺮ اﻟﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟعﻘﺎر ﺑﻞ تعﺪى ﺣﱴ إﱃ وﻗﻒ اﻟﺪواب ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺰو ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ‪ ،‬ﻓعن اﺑن‬
‫اﺑن ﻋمﺮ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ‪ :‬أن ﻋمﺮ ﲪﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﺮس ﻟه ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ أﻋﻄﺎﻫﺎ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻟﻴﺤمﻞ‬

‫‪ -1‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﻛﺘﺎب اﳉﺰﻳّة‪ ،‬ب اﳉﺰﻳّة واﳌﻮادﻋة مع أﻫﻞ اﳊﺮب‪.(96/4) ،‬‬
‫‪ -2‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،(143/8) ،‬معﻠﻘﺎ‪ ،‬وأورده مﻮﺻﻮﻻ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺮوط‪ ،‬ب اﻟﺸﺮوط ﰲ اﻟﻮﻗﻒ‪،(198/3) ،‬‬
‫ﺑﺮﻗم‪.2737 :‬‬
‫‪ -4‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌنﺎﻗﺐ‪ ،‬ب منﺎﻗﺐ ﻋﺜمأ ّن ﺑن ﻋﻔﺎن أﰊ ﻋمﺮو اﻟﻘﺮﺷﻲ ‪ ،(13/5) ،‬وﻗﺪ وﺻﻠه ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ‬
‫ب إذا وﻗﻒ أرﺿﺎ أو ﺑﺌﺮا‪ ،‬واﺷﱰط ﻟنﻔﺴه مﺜﻞ دﻻء اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،(13/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2778:‬‬
‫‪421‬‬
‫ﻟﻴﺤمﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ رجﻼ‪ ،‬ﻓأﺧﱪ ﻋمﺮ أنه ﻗﺪ وﻗﻔﻬﺎ ﻳﺒﻴعﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺴأل رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬أن ﻳﺒﺘﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪» :‬ﻻ‬
‫‪1‬‬
‫»ﻻ ﺗﺒﺘﻌﻬﺎ‪ ،‬وﻻ ﺗﺮﺟﻌﻦ ﰲ ﺻﺪﻗﺘﻚ«‬
‫وﺑﻘﻲ ﺑعﺪ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﻒ من اﳌﻮارد اﻻﻗﺘصﺎدﻳّة اﳍﺎمة اﻟﱵ ﳝﻜن أن تﺴﺘﺜمﺮ ﰲ ا ﺎل اﻟﺪﻋﻮي اﻟعﺎم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟعﺎم‪ ،‬ﳋﺪمة اﻟ ّﺪﻋﻮة وتﻄﻮﻳﺮ أداﺋﻬﺎ وﲪﺎﻳّة أتﺒﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬وﲢﻘﻴق أﻫﺪاﻓﻬﺎ وﻏﺎ ﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪.‬‬
‫ومن ﻫنﺎ نﺪرك أثﺮ اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﰲ ﲤﻜﲔ اﻷمة من ﺑنﺎء اﻗﺘصﺎد أﺻﻴﻞ وﻗﻮي ﻳعﻮل ﻋﻠﻴه ﰲ‬
‫ﲤﻮﻳﻞ اﳌﺸﺎرﻳع اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﱪى ﻟﻸمة‪.‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ)‪.(‬‬
‫ﺑعﺪ ﻫﺬه اﳉﻬﻮد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﺒﲑة واﻟﻜﻔﺎح اﳌﻀﲏ اﻟﺬي تﻜﺒﺪه اﻟﺮﺳﻮل ‪ ،‬ومن معه من‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ‪ ،‬وﺻﻠﺖ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ مﺮﺣﻠة اﻟﺘمﺎم واﻟﻜمﺎل‪ ،‬ن مﻜن ﷲ ﻟﻠﺮﺳﺎﻟة اﻹﺳﻼمﻴّة اﳋﺎﻟﺪة‬
‫ّ‬
‫اﳋﺎﲤة‪.‬‬
‫ﻓﻠم ﻳﻠﺘﺤق اﻟﺮﺳﻮل ‪ ‬ﺣﱴ ﲢﻘق ﻫﺬا اﳌﻘصﺪ اﻟعﻈﻴم ﻟﻠمﺆمنﲔ اﻟﺬي مﺮت م ﻓﱰات‬
‫اﻻﺳﺘﻀعﺎف‪ ،‬ﻟﺘﻜﻮن ﳍم اﻟعﺎﻗﺒة ﻛمﺎ ﻛﺎنﺖ ﻟﻐﲑﻫم من أتﺒﺎﻋﺎﻷنﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬم اﻟﺴﻼم ﻛمﺎ أﺷﺎر إﱃ‬
‫ٗ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ْ ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِين ستضعِفوا ِ ﻻ ِض َونج َعل ُه ُم ٓۥ مة‬ ‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َون ِر د أن ُمن‬ ‫ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ٱ‬ ‫َونج َعل ُه ُم ل َ ٰ ِر ِ َ چ ]اﻟﻘصﺺ‪ .[ 04 :‬ٱ‬
‫ٱ ٱوﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﺘمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ مﻈﺎﻫﺮ أﲨﻠﻬﺎ ﰲ اﻟعنﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﻴﲏ اﻟﺪﻳﲏ ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻋﻠى اﳌﺴﺘﻮى اﳌﺮﻛﺰي‬
‫ﻳعﺪ ﻓﺘﺢ مﻜة وتﻄﻬﲑﻫﺎ من اﻟﻮثنﻴّة من اﻹﳒﺎزات اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﱪى اﻟﱵ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة؛‬
‫نﻈﺮا ﻟﻠﺒعﺪ اﶈﻮري واﳌﺮﻛﺰي اﻟﺬي تﺘمﺘع ﺑه مﻜة اﳌﻜﺮمة ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﳊﻀﺎري واﻟﺪﻳﲏ‬
‫واﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻓمﻜة أرض اﻷنﺒﻴﺎء ومﻬﺪ اﳊﻀﺎرات‪ ،‬ومﺒﺪأ ومنﻄﻠق اﻟﺮﺳﺎﻟة اﶈمﺪﻳّة‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺻﺎ ‪ ،‬ب وﻗﻒ اﻟﺪواب واﻟﻜﺮاع واﻟعﺮوض واﻟصﺎمﺖ‪ ،(12/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،2623 :‬واﻟﱰﲨة تﺸﲑ إﱃ‬
‫اﻟﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫أﳘﻴّة اﻟﻮﻗﻒ ﰲ تﻮﻓﲑ وﺳﺎﺋﻞ ّ‬
‫‪ -2‬ﻗﺪ ذﻛﺮ اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ اﻟﻜﺜﲑ من أ ر اﻟﻮﻗﻒ اﻟﻮاﻗعﻴّة وتعﺪد ﳎﺎﻻ ﺎ وأﺑعﺎدﻫﺎ اﳋﲑﻳّة واﻟﺪﻋﻮي ﰲ مﺎﺿﻲ وﺣﺎﺿﺮ اﻷمة‪،‬‬
‫ﻳنﻈﺮ‪:‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ‪ ،‬مﻘﺘﻄﻔﺎت من ﻛﺘﺎب من رواﺋع ﺣﻀﺎرتنﺎ‪ ،‬دار اﻟﻮراق ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 1999‬م‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫)‪(‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ تعﺎﱃ ﺑﻜﻔﺎءة و‬
‫اﳌﻘصﻮد ﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ اﻟﺒﻠﻮغ ّﻟﺪﻋﻮة إﱃ اﻟﺒﻼغ اﳌﺒﲔ اﻟﺬي ﳝﻜن من ّ‬
‫اﻗﺘﺪار اﻟﱵ ﲤﻜنﻬﺎ من ﲢﻘﻴق أﻫﺪاﻓﻬﺎ اﻟﻜﱪى اﻟﱵ تﺘﺴق مع ﻃﺒﻴعﺘﻬﺎ وﺧصﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث اﳋﻄﺎب اﻹﺳﻼمﻲ‬
‫اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪422‬‬
 ‫وﺳﻮف أﺑﺮز ﰲ ﻫﺬا اﻟعنصﺮ أﻫم أﺑعﺎد اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ ﻟﻔﺘﺢ مﻜة‪ ،‬وﻓق مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻟﺒﻌﺪ اﳌﻜﺎﱐ واﻟﺰﻣﺎﱐ ﻟﻔﺘﺢ ﻣﻜﺔ اﳌﻜﺮﻣﺔ‪ :‬ﳌﻜة رﻳخ ﻋﺮﻳق‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪت نﺒﻮات وﺣﻮادث‬
‫رﳜﻴّة ﻋﻈﻴمة‪ ،‬مﺎ جعﻠﻬﺎ ﲢﺘﻞ مﻮﻗعﺎ اﺳﱰاتﻴﺠﻴﺎ ﻫﺎمﺎ ﳑﺎ رﺷﺤﻬﺎ أن تﻜﻮن من أﻋﻈم اﻟعﻮاﺻم‬
‫َ َ َٰ َ َ ْ َ ْ َ ٓ‬
‫اﻟعﺎﳌﻴّة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﺑﻮﺻﻔه أ ﺎ أم اﻟﻘﺮى‪ ،‬ﰲ ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱوك ِك أوحينﺎ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٗ ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك ﻗ ْر َءانﺎ َع َر ِ ّيﺎ ِ ُنذ َِر م ل ُق ۪ر ٰي َو َم ْن َح ْول َهﺎ چ ]اﻟﺸﻮرى‪ ،[ 05:‬ﻗﺎل اﻟﺮازي‪ ":‬أن ﷲ تعﺎﱃ ﲰﻰ مﻜة‬
‫ْ َ‬
‫إِ‬
‫مﻜة أم اﻟﻘﺮى‪ ،‬وﻇﺎﻫﺮ ﻫﺬا ﻳﻘﺘﻀﻲ أ ﺎ ﻛﺎنﺖ ﺳﺎﺑﻘة ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻘﺎع ﰲ اﻟﻔﻀﻞ واﻟﺸﺮف منﺬ‬
‫‪1‬‬
‫ﻛﺎنﺖ مﻮجﻮدة‪".‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ُو ِض َع ِلن ِ‬
‫ﺎس ِ ے بِبَكة‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ومن ﺷﺮﻓﻬﺎ أن ﺎ أول ﺑﻴﺖ وﺿع ﻟﻠنﺎس‪ ،‬ﻗﺎل تعﺎﱃ‪:‬‬
‫چ ٱأن أول ي ٖ‬
‫ّْ َ‬ ‫ٗ‬
‫ُم َ ٰ َركﺎ َو ُه ٗ‬
‫دي ِل َ ٰل ِم َ چ ]آل ﻋمﺮان‪ ،[96 :‬و ﺎ أﻋﻈم اﳌﺴﺎجﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ورد ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻋن أﰊ ذر‬
‫ام«‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟ َْﻤ ْﺴﺠ ُﺪ ا ْﳊََﺮ ُ‬ ‫ي َم ْﺴ ِﺠ ٍﺪ ُو ِﺿ َع ِﰲ ْاﻷ َْر ِ‬
‫ض أَﱠوُل؟ ﻗَ َ‬ ‫ﻮل ﷲِ‪ :‬أَ ﱡ‬ ‫ﺖ َ َر ُﺳ َ‬ ‫رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗُـ ْﻠ ُ‬
‫ﺎل‪» :‬أ َْرﺑَـﻌُﻮ َن َﺳَﻨﺔً‪ ،‬وأَﻳْـﻨَ َﻤﺎ‬ ‫ﺖ‪َ :‬ﻛ ْم ﺑَـْﻴـنَـ ُﻬ َمﺎ؟ ﻗَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﺖ‪ :‬ﰒُﱠ أَ ﱞ‬
‫ْﺼى« ﻗُـْﻠ ُ‬
‫ﺎل‪» :‬اﻟ َْﻤ ْﺴﺠ ُﺪ ْاﻷَﻗ َ‬‫ي؟ ﻗَ َ‬ ‫ا ْﳊََﺮ ُام« ﻗُـﻠْ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ﺼ ِّﻞ ﻓَـ ُﻬ َﻮ َﻣ ْﺴ ِﺠ ٌﺪ«‪.‬‬
‫ﺼ َﻼةُ ﻓَ َ‬
‫ﻚ اﻟ ﱠ‬ ‫أَ ْد َرَﻛْﺘ َ‬
‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘﻌﺒﺪي‪ :‬ﻟﻔﺘﺢ مﻜة ﺑعﺪ دﻋﻮي تعﺒﺪي ﻋﻈﻴم‪ ،‬ﻓﻘﺒﻞ اﻟﻔﺘﺢ ﻗﺪ ﺣﺮم اﳌﺴﻠمﻮن من اﻟعمﺮة‬
‫ومن ﺣج ﺑﻴﺖ ﷲ اﻟﺬي ﻳعﺪ من أرﻛﺎ ﻹﺳﻼم‪ ،‬ومﺎ ﻳﺘﺒعه من أﻋمﺎل ﻓﺎﺿﻠة مﻀﺎﻋﻔة ﰲ رﺣﺎب‬
‫اﻟﺒﻴﺖ اﻟعﺘﻴق‪ ،‬من ﺻﻼة وﻃﻮاف وﻏﲑﻫﺎ من اﻟﻄﺎﻋﺎت‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻓﺘﺤﺖ مﻜة ﲤﻜن اﳌﺴﻠمﻮن من‬
‫َ ْ ْ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫تعﺎﱃ‪ :‬ٱچ ٱ َ ْو َم أك َملت لك ْم‬ ‫اﺳﺘﻜمﺎل دﻳنﻬم‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘمﺎم ﰲ ﻗﻮﻟه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٗ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ُم ِﻻ ْس َم دِينﺎ ۖ چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،[04 :‬اﻟﱵ نﺰﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺻعﻴﺪ‬ ‫دِينَك ْم َوأ َم ْمت َعليْك ْم ن ِْع َم ِ َو َر ِضيت ل‬
‫ﻋﺮﻓة ﰲ ﺣﺠة اﻟﻮداع اﻟﱵ تﻠﺖ اﻟﻔﺘﺢ وﻛﺎن من نﺘﺎﺋﺠه‪.3‬‬
‫وﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬا اﻟﺘمﻜن تﻄﻬﲑ اﻟﺒﻴﺖ اﻟعﺘﻴق من مﻈﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮك واﻟﻮثنﻴّة‪ ،‬ﻓﻘﺪ أزال اﻟنﱯ ‪ ‬ﲨﻴع‬
‫اﻷﺻنﺎم اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ ﺣﻮل وداﺧﻞ اﻟﻜعﺒة‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻟصﺤﻴﺢ ﻋن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن مﺴعﻮد رﺿﻲ ﷲ ﻋنه‪،‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪.(296/8) ،‬‬

‫‪ -2‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟصﻼة‪ ،‬ب اﳌﺴﺎجﺪ ومﻮاﺿع اﻟصﻼة‪.(370/1) ،‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺠة اﻟﻮداع‪.(177/6) ،‬‬
‫‪423‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬دﺧﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬مﻜة‪ ،‬وﺣﻮل اﻟﻜعﺒة ثﻼث مﺎﺋة وﺳﺘﻮن نصﺒﺎ‪ ،‬ﻓﺠعﻞ ﻳﻄعنﻬﺎ ﺑعﻮد ﰲ ﻳﺪه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٓ ْ‬
‫وجعﻞ ﻳﻘﻮل‪ :‬چٱ َجﺎ َء ل َحق َو َز َه َق ل َ ٰطِلۖ چ ]اﻹﺳﺮاء‪ [81 :‬اﻵﻳّة‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ﰲ وﻗﺖ ﻛﺎن اﻟنﱯ ‪ ‬ﳏﺮومﺎ‪ ،‬وﻫﻮ وأﺻﺤﺎﺑه من اﻟﻄﻮاف ﺣﻮﳍﺎ ﺑﻞ ﺣﱴ من رؤﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬منﺬ أن‬
‫ﻫﺎجﺮوا من مﻜة‪ ،‬وزاد ﺷﻮﻗﻬم إﻟﻴﻬﺎ ﺣﲔ ﺻﺪ م ﻗﺮﻳﺶ ﻋن اﻟﺒﻴﺖ‪ ،‬واﺿﻄﺮ م إﱃ اﻟﺘﺤﻠﻞ من‬
‫‪2‬‬
‫اﻟعمﺮة ﻋﺎم اﳊﺪﻳﺒﻴّة‪.‬‬
‫وﻫﻜﺬا اﺳﺘعﺎدت اﻷمة مﻜة وﺷعﲑ اﳊج واﻟعمﺮة‪ ،‬وﻻ ﳜﻔﻰ مﺎ ﳍﺬه اﻟﺸعﺎﺋﺮ من أﺑعﺎد دﻋﻮﻳّة‬
‫ﻋﻈﻴمة‪ ،‬ﻓﻀﻼ ﻋن ﻛﻮ ﺎ رﻛن اﻹﺳﻼم اﳋﺎمﺲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﳊج أﻋﻈم مﺆﲤﺮ إﺳﻼمﻲ ﺣﻮﱄ ﻳﻠﺘﻘﻲ‬
‫ﻓﻴه اﳌﺴﻠمﻮن من ﺷﱴ ﺑﻘﺎع اﳌعمﻮرة‪ ،‬ﺣﻜﺎمﺎ وﳏﻜﻮمﲔ‪ ،‬وﻋﻠمﺎء وأمﺮاء‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺮﺷﺤه أن ﻳﻜﻮن من‬
‫أﻋﻈم اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻈﻴمة‪.‬‬
‫‪.3‬اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺗﺼﺎﱄ‪ :‬ﻗﺪ ﺑعﺚ اﻟﻔﺘﺢ رﺳﺎﺋﻞ إﻋﻼمﻴّة من ﺧﻼل وﺳﺎﺋﻞ مﺘنﻮﻋة ﻷﻫﻞ مﻜة ومن‬
‫ﺣﻮﳍﺎ‪ ،‬ﻛﺎنﻠﻬﺎ ﺻﺪاﻫﺎ اﻹﻋﻼمﻲ اﻟﻜﺒﲑ‪ ،‬ﻓﻘﺪ أثﺮ جﻴﺶ اﳌﺴﻠمﻮن ﺑعﺪده‪ ،‬إذ ﻛﺎنﻮا ﻋﺸﺮة آﻻف من‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬم‪ ،‬واﻟنﲑان اﻟﱵ أوﻗﺪوﻫﺎ ﻟﻴﻼ واﻷﻟﻮﻳّة‪ ،‬واﻟﺮا ت اﻟﱵ ﻛﺎن ﳛمﻠﻬﺎ ﻗﺎدة‬
‫من ّ‬
‫ﻗﺎدة اﻟﻜﺘﺎﺋﺐ ﰲ نﻔﺴﻴﺎ م ﲟن ﻓﻴﻬم أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬ﻓﻠمﺎ أﻃﻠعه اﻟعﺒﺎس ﻋﻠﻰ ﻗﻮة اﳌﺴﻠمﲔ ﺣﻴﺚ‬
‫اﺳﺘعﺮض اﳉﻴﺶ أمﺎمه‪ ،‬أدرك ﻗﻮة اﳌﺴﻠمﲔ وأنه ﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻘﺮﻳﺶ م‪ ،‬ﺣﱴ إذا مﺮت ﺑه ﻛﺘﻴﺒة‬
‫اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر وﻓﻴﻬم رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻗﺎل‪ ":‬ﻓﻘﺎل‪ :‬ﺳﺒﺤﺎن ﷲ‪ :‬ﻋﺒﺎس‪ ،‬من ﻫﺆﻻء؟ ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻗﻠﺖ‪ :‬ﻫﺬا رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﰲ اﳌﻬﺎجﺮﻳن واﻷنصﺎر‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬مﺎ ﻷﺣﺪ ﺆﻻء ﻗﺒﻞ وﻻ ﻃﺎﻗة‪ ،‬وﷲ أ‬
‫أ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ مﻠﻚ اﺑن أﺧﻴﻚ اﻟﻐﺪاة ﻋﻈﻴمﺎ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻗﻠﺖ‪ :‬أ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬إ ﺎ اﻟنﺒﻮة‪ .‬ﻗﺎل‪:‬‬
‫ﻓنعم إذن"‪.3‬‬
‫ﻫﺬا ﻟنﺴﺒة ﻟﻠصﺪى اﳋﺎص أم اﻟصﺪى اﻟعﺎم ﳍﺬا اﻟﺒعﺪ اﻹﻋﻼمﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﳌﺪى اﳌﺮﺣﻠﻲ‬
‫اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﳌﺒﺪﺋﻴّة ﺑﺪﺧﻮل اﳌﺴﺠﺪ أو اﻟﺒﻴﻮت ﻟﻸمن ﻋﻠﻰ اﻷنﻔﺲ‪ ،‬ﻓﻘﺪ جﺎء أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ب ﻛﺘﺎب اﳌﻈﺎﱂ واﻟﻐصﺐ‪ ،‬ﻫﻞ تﻜﺴﺮ اﻟﺪ ّن اﻟﱵ ﻓﻴﻬﺎ اﳋمﺮ‪ ،‬أو ﲣﺮق اﻟﺰﻗﺎق‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺴﺮ‬
‫ﺻنمﺎ‪ ،‬أو ﺻﻠﻴﺒﺎ‪ ،‬أو ﻃنﺒﻮرا‪ ،‬أو مﺎ ﻻ ﻳنﺘﻔع ﲞﺸﺒه‪ ،(136/3) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2477 :‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(571/2) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪ ،(308/2) ،‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.308‬‬
‫‪ -3‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(404/2) ،‬‬
‫‪424‬‬
‫رﺳﻮل ﷲ‪ ،‬أﺑﻴﺪت ﺧﻀﺮاء ﻗﺮﻳﺶ ﻻ ﻗﺮﻳﺶ ﺑعﺪ اﻟﻴﻮم‪ ،‬ﻗﺎل أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن‪ :‬ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ‪» :‬ﻣﻦ‬
‫‪1‬‬
‫»ﻣﻦ دﺧﻞ دار أﰊ ﺳﻔﻴﺎن ﻓﻬﻮ آﻣﻦ‪ ،‬وﻣﻦ أﻟﻘى اﻟﺴﻼح ﻓﻬﻮ آﻣﻦ‪ ،‬وﻣﻦ أغﻠﻖ ﺑﻪ ﻓﻬﻮ آﻣﻦ«‬
‫ﰒ أﻋﻘﺐ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة دﺧﻮل أﻫﻞ مﻜة اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﺣﲔ تﺒﲔ ﳍم اﳊق‪ ،‬وﻋﻠمﻮا أن ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ‬
‫إﱃ اﻟنﺠﺎح إﻻ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﻓأذﻋنﻮا ﻟه‪ ،‬واجﺘمعﻮا ﻟﻠﺒﻴعة‪ ،‬ﻓﺠﻠﺲ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻋﻠﻰ اﻟصﻔﺎ ﻳﺒﺎﻳع‬
‫اﻟنﺎس‪ ،‬وﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب أﺳﻔﻞ منه‪ ،‬ﺧﺬ ﻋﻠﻰ اﻟنﺎس‪ ،‬ﻓﺒﺎﻳعﻮه ﻋﻠﻰ اﻟﺴمع واﻟﻄﺎﻋة ﻓﻴمﺎ‬
‫‪2‬‬
‫اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻋﻠى اﳌﺴﺘﻮى اﻟﻼﻣﺮﻛﺰي‬
‫ﺑعﺪ أن ﺑﻴنﺖ أﻫم اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻔﺘﺢ مﻜة من ﺣﻴﺚ ﻛﻮ ﺎ مﺮﻛﺰ اﻹﺷعﺎع اﻟﺪﻳﲏ واﳊﻀﺎري ﻋﱪ‬
‫رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﻄﻮﻳﻞ‪ ،‬أﻋﺮج ﻋﻠﻰ اﻷثﺮ اﳋﺎرجﻲ ﻟﻠﻔﺘﺢ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ‪:‬‬
‫ﻗﺪ ﲤﻜنﺖ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟعﺮب ﺑعﺪ اﻟﻔﺘﺢ من معﺮﻓة اﳊق من اﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬وزاﻟﺖ ﻋنﻬم اﻟﺸﺒﻬﺎت‪ ،‬ﻓﺘﺴﺎرﻋﻮا‬
‫إﱃ اﻋﺘنﺎق اﻹﺳﻼم‪.‬‬
‫ﺐ أَِﰊ ِِ ْﺳ َﻼِم أ َْﻫ ِﻞ‬ ‫ٍ ِِ ِ ِ‬
‫ﻓ َع ْن َﻋ ْم ِﺮو ﺑْ ِن َﺳﻠَ َمةَ ﻗَ َﺎل‪ :‬ﻟَ ﱠمﺎ ﻛﺎن َوْﻗـ َعةُ اﻟْ َﻔْﺘ ِﺢ َ َد َر ُﻛ ﱡﻞ ﻗَـ ْﻮم ْﺳ َﻼمﻬ ْم‪ ،‬ﻓَ َﺬ َﻫ َ‬
‫ﺻﻠﱡﻮا‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﺣﻘﺎ ﻓَـ َﻘ َ‬ ‫ﺎل‪ِ :‬جْﺌـﺘُ ُﻜم وا ﱠِ ِمن ﻋِْن ِﺪ رﺳ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﺎل‪َ » :‬‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫أ َْﻫ ِﻞ ﺣ َﻮاﺋنَﺎ‪ ،‬ﻓَـﻠَ ﱠمﺎ ﻗَﺪ َم ْ‬
‫اﺳﺘَـ ْﻘﺒَـﻠْنَﺎهُ ﻓَـ َﻘ َ‬
‫َﺣ ُﺪ ُﻛ ْﻢ‪ ،‬وﻟْﻴَـ ُﺆﱠﻣ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ِ‬
‫ﺼ َﻼةُ ﻓَـ ْﻠﻴُـ َﺆذّ ْن ﻟَ ُﻜ ْﻢ أ َ‬
‫ﻀﺮ ِ‬
‫ت اﻟ ﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ﺻ َﻼ َة َﻛ َﺬا ِﰲ ِﺣ ِ‬
‫ﲔ َﻛ َﺬا‪ ،‬ﻓَإذَا َﺣ َ َ‬ ‫ﺻ َﻼ َة َﻛ َﺬا ِﰲ ِﺣ ِ‬
‫ﲔ َﻛ َﺬا‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫‪3‬‬
‫أَ ْﻛﺜَـ ُﺮُﻛ ْﻢ ﻗُـ ْﺮآ ً «‬
‫ﻫﺬه اﻟﺮواﻳّة تﺒﲔ ﺑﻮﺿﻮح اﻷثﺮ ﻟﻔﺘﺢ مﻜة ﰲ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪ ،‬ﳌﺎ ﳍﺎ من اﻟﺪﻻﻟة ﻋﻠﻰ ﺻﺪق‬
‫اﻟنﺒﻮة‪ ،‬وﻗﺪ ﲡﻠﺖ آمﺎرات ﺻﺪﻗﻬم ﰲ نﻘﻞ اﻟ ّﺪﻋﻮة ومﻀﺎمﻴنﻬﺎ إﱃ ﻗﻮمﻬم‪ ،‬ومﺴﺎرﻋﺘﻬم ﻟﺘنﻔﻴﺬﻫﺎ‪،‬‬
‫ﻛمﺎ ﻇﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﺷعﲑة اﻟصﻼة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه مﺴﻠم ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳉﻬﺎد واﻟﺴﲑ‪ ،‬ب ﻓﺘﺢ مﻜة‪.(1407/3) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪.375 ،‬‬
‫‪-3‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﻘﺎم اﻟنﱯ ‪ ‬ﲟﻜة زمن اﻟﻔﺘﺢ‪ ،(150/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4313 :‬واﻟنﺴﺎﺋﻲ ﰲ‬
‫ﻀ ِﺮ )‪ ،(9/2‬ﺑﺮﻗم‪ ،636‬واﻟﻠﻔﻆ ﻟه‪.‬‬ ‫اجﺘَِﺰاءُ اﻟْ َم ْﺮِء َِ َذأ ّن َﻏ ِْﲑهِ ِﰲ ْ‬
‫اﳊَ َ‬ ‫اﻟﺴنن‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻷذان‪ ،‬ب ْ‬
‫‪425‬‬
‫وﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺻﺪق تﻠﻚ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة تﺰاﻳﺪ اﳉﻴﺶ من ﻋﺸﺮة آﻻف مﻘﺎتﻞ ﰲ ﻏﺰوة اﻟﻔﺘﺢ إﱃ ثﻼثﲔ‬
‫ثﻼثﲔ أﻟﻒ مﻘﺎتﻞ ﰲ ﻏﺰوة تﺒﻮك ﻟﻴصﻞ ﻋﺪد اﳌﺴﻠمﲔ مﺎﺋة أﻟﻒ من اﻟنﺎس أو مﺎﺋة وأرﺑعة وأرﺑعﻮن‬
‫وأرﺑعﻮن أﻟﻔﺎ ﰲ ﺣﺠة اﻟﻮداع‪.1‬‬
‫ومن مﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺠﺎﺑة اﻟﻮﻓﻮد اﻟﱵ وﻓﺪت ﻋﻠﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ اﻟعﺎم اﻟﺬي ﲰﻲ ﺑعﺎم وﻫﻮ اﻟﺴنة‬
‫اﻟﺴنة اﻟﺘﺎﺳعة ﻟﻠﻬﺠﺮة اﻟﻮﻓﻮد‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺮ إﱃ ﺑعﻀﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪.2‬‬
‫‪.2‬اﻟﺒﻌﺜﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ‬
‫نﺸﻄﺖ ﺣﺮﻛة اﻟﺒعﻮث اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﺑعﺪ اﻟﻔﺘﺢ ﻟنﺸﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة واﻟﺘﱠمﻜﲔ ﳍﺎ ﺧﺎرج مﻜة‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة إﱃ جﻬﺎت ﳐﺘﻠﻔة‪ " ،‬ﻟﺘعﻠﻴم اﳌﺴﻠمﲔ مﺎ ﳛﺘﺎجﻮن‬ ‫واﳌﺪﻳنة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺑعﺚ اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﺪدا من ّ‬
‫ﳛﺘﺎجﻮن إﻟﻴه من ﻗﺮان وﻓﻘه‪ ،‬ودﻳن‪ ،‬وﻟعﺮض اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳن ﱂ ﻳعﻠنﻮا إﺳﻼمﻬم‪ ،‬وﻟﺘﻘﻮﻳّة إﳝﺎن‬
‫إﳝﺎن من أﻋﻠن إﺳﻼمه ﺣﱴ ﻻ تﺘنﺎوﺷه اﻟﻈنﻮن واﻟﻮﺳﺎوس‪ ،‬وتﻠعﺐ ﺑه ﺷﻴﺎﻃﲔ اﻹنﺲ واﳉن"‪.3‬‬
‫وﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ ﳕﺎذج من ﻫﺬه اﻟﺒعﻮث اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ﺑﻌﺚ أﰊ ﻣﻮﺳى‪ ،‬وﻣﻌﺎذ إﱃ اﻟﻴﻤﻦ‬
‫من اﻟﺒعﻮث اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ جﺎءت ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ ﺑعﺚ أﰊ مﻮﺳﻰ ومعﺎذ رﺿﻲ ﷲ ﻋنﻬمﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴمن‪،‬‬
‫ﻮﺳﻰ إِ َﱃ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ﺚ ُم َعﺎ ًذا َوأَ َ ُم َ‬
‫ﱠﱯ ‪ ،‬ﺑَـ َع َ‬ ‫اﻟﻴمن‪ ،‬ﻓعن َﻋ ْن َﺳعﻴﺪ ﺑْ ِن أَِﰊ ﺑـُْﺮَد َة‪َ ،‬ﻋ ْن أَﺑِﻴه‪َ ،‬ﻋ ْن َج ّﺪه‪ ،‬أن اﻟنِ ﱠ‬
‫إِ َﱃ اﻟﻴَ َم ِن ﻗَ َ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻳَ ِّﺴ َﺮا َوﻻَ ﺗُـ َﻌ ِّﺴ َﺮا‪ ،‬وﺑَ ِّﺸ َﺮا َوﻻَ ﺗُـﻨَـ ِّﻔ َﺮا‪ ،‬وﺗَﻄَ َﺎو َﻋﺎ َوﻻَ َﲣَْﺘﻠِ َﻔﺎ«‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ﻓﻠمﺎ ﻛﺎنﺖ مﻬمة اﻟصﺤﺎﺑﻴﲔ اﳉﻠﻴﻠﲔ تعﻠﻴمﻴّة تﺮﺑﻮﻳّة أوﺻﺎﳘﺎ اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﻘﺎﻋﺪتﲔ تﺮﺑﻮﻳﺘﲔ‬
‫ﻋﻈﻴمﺘﲔ‪ ،‬إذا أﻏﻔﻠﻬمﺎ اﳌعﻠم واﳌﺮﰊ ﱂ ﻳﻔﻠﺢ ﰲ مﺴعﺎه اﻟﱰﺑﻮي‪ ،‬وﳘﺎ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻴﺴﺮ وﻗﺎﻋﺪة اﻟﻔأل‪،‬‬
‫ﺧﺎﺻة إذا تعﻠق اﻷمﺮ ﺑﻐﲑ اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬أو ﳌﺴﺘﺠﻴﺒﲔ اﳉﺪد‪ ،‬وﻗﺪ دﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬمﺎ نصﻮص ﻛﺜﲑة‪.1‬‬

‫‪-1‬اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬ص‪.408‬‬

‫‪ -2‬ﺑﻠغ ﻋﺪد اﻟﻮﻓﻮد اﻟﱵ وﻓﺪت ﻋﻠﻰ اﻟنﱯ ‪ ‬واﺣﺪا وﺳﺒعﲔ وﻓﺪا ﻛمﺎ جﺎء ﰲ ﻃﺒﻘﺎت اﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬منﻬﺎ‪ :‬وﻓﺪ وﻫﻮ ﻛﻼب‪،‬‬
‫وﻓﺪ رؤاس ﺑن ﻛﻼب‪ ،‬وﻓﺪ ﺻﺪاء‪ ،‬وﻓﺪ مﺮاد‪ ،‬وﻓﺪ زﺑﻴﺪ‪ ،‬وﻓﺪ ﻛنﺪة‪ ،‬وﻓﺪ اﻟصﺪف‪ ،‬وﻓﺪ ﺧﺸﲔ‪ ،‬وﻓﺪ ﺳعﺪ ﻫﺬﱘ‪ ،‬وﻓﺪ ﺑﻠﻲ‪ ،‬وﻓﺪ‬
‫أﺳﺪ‪ ،‬وﻓﺪ ﲤﻴم‪ ،‬وﻓﺪ ثعﻠﺒة‪ ،‬وﻓﺪ ﺳعﺪ ﺑن ﺑﻜﺮ‪ ،‬وﻓﺪ جعﺪة‪ ،‬وﻓﺪ ﺑﻜﺮ ﺑن واﺋﻞ‪ ،‬وﻓﺪ ﻋﺒﺲ‪ ،‬وﻓﺪ ﻋﻘﻴﻞ ﺑن ﻛعﺐ‪ ،‬وﻓﺪ ﻗﺸﲑ ﺑن‬
‫ﻛعﺐ‪ ،‬وﻓﺪ ﺑﲏ اﻟﺒﻜﺎء‪ ،‬وﻓﺪ ثﻘﻴﻒ‪ ،‬وﻓﺪ مﺮة‪ ،‬وﻓﺪ ﳏﺎرب‪ ،‬وﻓﺪ ﻛنﺎنة‪ ،‬وﻓﺪ ﺑﲏ ﻋﺒﺪ ﺑن ﻋﺪي‪ ،‬وﻓﺪ أﺷﺠع‪ ،‬وﻓﺪ تﻐﻠﺐ‪ ،‬وﻓﺪ‬
‫ﻓﺰارة‪ ،‬وﻓﺪ ﻫﻠة‪ ،‬وﻓﺪ ﺳﻠﻴم‪ ،‬وﻓﺪ ﻫﻼل ﺑن ﻋﺎمﺮ‪ ،‬وﻓﺪ ﻋﺎمﺮ ﺑن ﺻعصعة‪ ،‬وﻓﺪ ﺣنﻴﻔة‪ ،‬وﻓﺪ ﲡﻴﺐ‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬اﻟﻄﺒﻘﺎت‬
‫اﻟﻜﱪى‪.(269-222/1) ،‬‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬ص‪.610‬‬ ‫‪ -‬أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪ -4‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ب ﺑعﺚ أﰊ مﻮﺳﻰ‪ ،‬ومعﺎذ إﱃ اﻟﻴمن ﻗﺒﻞ ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،(161/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪:‬‬
‫‪.4341‬‬
‫‪426‬‬
 ‫ب‪.‬ﺑﻌﺚ ﺟﺮﻳﺮ إﱃ اﻟﻴﻤﻦ‬
‫إﱃ اﻟﻴمن‪ ،‬ﻓعن جﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪:‬‬ ‫ومن اﻟﺒعﻮث اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ ذﻛﺮﻫﺎ اﻟﺒخﺎري أﻳﻀﺎ ﺑعﺚ جﺮﻳﺮ‬
‫جﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛنﺖ ﻟﻴمن‪ ،‬ﻓﻠﻘﻴﺖ رجﻠﲔ من أﻫﻞ اﻟﻴمن‪ ،‬ذا ﻛﻼع‪ ،‬وذا ﻋمﺮو‪ ،‬ﻓﺠعﻠﺖ أﺣﺪثﻬم‬
‫أﺣﺪثﻬم ﻋن رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟه‪ :‬ذو ﻋمﺮو‪ :‬ﻟﺌن ﻛﺎن اﻟﺬي تﺬﻛﺮ من أمﺮ ﺻﺎﺣﺒﻚ‪ ،‬ﻟﻘﺪ مﺮ‬
‫مﺮ ﻋﻠﻰ أجﻠه منﺬ ثﻼث‪ ،‬وأﻗﺒﻼ معﻲ ﺣﱴ إذا ﻛنﺎ ﰲ ﺑعﺾ اﻟﻄﺮﻳق‪ ،‬رﻓع ﻟنﺎ رﻛﺐ من ﻗﺒﻞ اﳌﺪﻳنة‬
‫اﳌﺪﻳنة ﻓﺴأﻟنﺎﻫم‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا‪ " :‬ﻗﺒﺾ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬واﺳﺘخﻠﻒ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬واﻟنﺎس ﺻﺎﳊﻮن‪ ،‬ﻓﻘﺎﻻ‪:‬‬
‫أﺧﱪ ﺻﺎﺣﺒﻚ أ ﻗﺪ جﺌنﺎ وﻟعﻠنﺎ ﺳنعﻮد إن ﺷﺎء ﷲ‪ ،‬ورجعﺎ إﱃ اﻟﻴمن‪ ،‬ﻓأﺧﱪت أ ﺑﻜﺮ ﲝﺪﻳﺜﻬم‪،‬‬
‫ﲝﺪﻳﺜﻬم‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬أﻓﻼ جﺌﺖ م‪ ،‬ﻓﻠمﺎ ﻛﺎن ﺑعﺪ ﻗﺎل ﱄ ذو ﻋمﺮو‪ :‬جﺮﻳﺮ أن ﺑﻚ ﻋﻠﻲ ﻛﺮامة‪ ،‬وإﱐ‬
‫وإﱐ ﳐﱪك ﺧﱪا‪ :‬إنﻜم معﺸﺮ اﻟعﺮب‪ ،‬ﻟن تﺰاﻟﻮا ﲞﲑ مﺎ ﻛنﺘم إذا ﻫﻠﻚ أمﲑ مﺮﰎ ﰲ آﺧﺮ‪ ،‬ﻓﺈذا‬
‫‪2‬‬
‫ﻛﺎنﺖ ﻟﺴﻴﻒ ﻛﺎنﻮامﻠﻮﻛﺎ‪ ،‬ﻳﻐﻀﺒﻮن ﻏﻀﺐ اﳌﻠﻮك وﻳﺮﺿﻮن رﺿﺎ اﳌﻠﻮك "‬
‫وﻗﺪ ذﻛﺮت ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑة ﻋﺪدا من اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬إﱃ جﻬﺎت ﳐﺘﻠﻔة ﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﱰة‪ ،‬ﻛﺎﻟﻄﻔﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮو‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻋمﺮو‪ ،‬وﻋمﺮو ﺑن ﺣﺰم‪ ،‬وﻋﻠﻲ ﺑن أﰊ ﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬وﻏﲑﻫم‪.‬‬
‫وﻋنﺪ دراﺳة ﺳﲑة ﻫﺆﻻء اﻟﺪﻋﺎة نﺪرك أ م ﱂ ﻳﻜﻮنﻮا رجﺎﻻ ﻋﺎدﻳﲔ‪ ،‬وأ م ﲤﻴﺰوا ﻫم ﺻﻔﺎت‬
‫اﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ﻓمن مﻴﺰا م‪:‬‬
‫أ‪.‬اﻟﻔﻬم اﻟﺪﻗﻴق ﻟﻺﺳﻼم‬
‫ب‪.‬ﺧﱪ م اﻟﻮاﺳعة ﳉﻬﺎت اﻟﱵ ذﻫﺒﻮا إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬و ﻟنﺎس اﻟﺬﻳن ﲢﺪثﻮا معﻬم‪.‬‬
‫ج‪.‬ﲢﻠﻴﻬم ﲝﺴن اﳋﻠق‪ ،‬واﻟصﱪ اﳉمﻴﻞ ومﺮاﻋﺎة ﺣق ﳐﺎﻃﺒﻴﻬم ﰲ اﻟﻔﻬم واﳌعﺮﻓة‪.‬‬
‫د‪.‬اتصﺎﻓﻬم ﺑﺴﺮﻋة مﻮاجﻬة اﳌﻮاﻗﻒ اﳌﻔﺎجﺌة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻫـ‪-‬ﲤﺘعﻬم ﲝﺴن اﻟﻔﻬم‪ ،‬وﺣﺴن اﳋﻄﺎب‪ ،‬وﺣﺴن اﻟعﺮض‪.‬‬

‫‪ ،‬أ ﺎ ﻗﺎﻟﺖ ‪»:‬ﻣﺎ ﺧﲑ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﺑﲔ أﻣﺮﻳﻦ إﻻ أﺧﺬ أﻳﺴﺮﳘﺎ ﻣﺎ ﱂ ﻳﻜﻦ‬ ‫‪ -1‬ﻓممﺎ ورد ﰲ اﻟﺘﻴﺴﲑ‪ ،‬ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸة‬
‫إﲦﺎ‪ ،‬ﻓإن ﻛﺎن إﲦﺎ ﻛﺎن أﺑﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ‪ ،‬وﻣﺎ اﻧﺘﻘﻢ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻟﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬إﻻ أن ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﺮﻣﺔ ﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ«‪ ،‬رواه مﺴﻠم‪،‬‬
‫ﻛﺘﺎب اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ‪ ،‬ب مﺒﺎﻋﺪته ‪ ‬ﻟﻶ م واﺧﺘﻴﺎره من اﳌﺒﺎح‪ ،‬أﺳﻬﻠه وانﺘﻘﺎمه ﻋنﺪ انﺘﻬﺎك ﺣﺮمﺎته‪ ،(1813/4) ،‬ﺑﺮﻗم‪،‬‬
‫‪ ،2327‬وﳑﺎ ورد ﰲ اﻟﻔأل واﻟﺘﻔﺎؤل‪ ،‬ﺣﺪﻳﺚ أﰊ ﻫﺮﻳﺮة‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﲰعﺖ رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻳﻘﻮل‪» :‬ﻻ ﻃﲑة‪ ،‬وﺧﲑﻫﺎ اﻟﻔﺄل« ﻗﺎﻟﻮا‪:‬‬
‫ومﺎ اﻟﻔأل؟ ﻗﺎل‪» :‬اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺼﺎﳊﺔ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ أﺣﺪﻛﻢ«‪ ،‬رواه مﺴﻠم‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﺴﻼم‪ ،‬ب اﻟﻄﲑة واﻟﻔأل ومﺎ ﻳﻜﻮن ﻓﻴه من‬
‫اﻟﺸﺆم‪ ،(1745 /4) ،‬ﺑﺮﻗم‪.2223 :‬‬
‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ذﻫﺎب جﺮﻳﺮ إﱃ اﻟﻴمن‪ ،(166/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪.4359 :‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪.(984 ،923/3) ،‬‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬ص‪.522‬‬
‫‪-‬ﻳنﻈﺮ‪:‬أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة و ّ‬
‫‪427‬‬
‫‪.3‬دﻋﻮة اﳌﻠﻮك واﻟﺰﻋﻤﺎء‪ :‬من مﻈﺎﻫﺮ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﳋﺎرجﻴّة دﻋﻮة اﳌﻠﻮك واﻟﺰﻋمﺎء ﰲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠة‪ ،‬وﻗﺪ‬
‫مﺮ معنﺎ أن اﻟنﱯ ‪ ‬ﻗﺪ راﺳﻠﻬم ﺑﺒعﺚ ﻛﺘﺐ تﺘﻀمن دﻋﻮ م ﻟﻺﺳﻼم‪ ،‬ﻛمﺎ ﻛﺎن ﻳﺒعﺚ مع‬
‫اﻟﻜﺘﺎب ﺳﻔﲑ تﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴه اﻟصﻔﺎت واﳌﺆﻫﻼت اﻟﱵ ﲤﻜنه من اﻟﻘﻴﺎم ﺬه اﳌﻬمة اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﳋﺎﺻة‬
‫واﳍﺎمة‪ ،‬وﻗﺪ أﺷﺎر اﻟﺒخﺎري إﱃ ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ ﰲ ﺻﺤﻴﺤه ﺧﺘصﺎر ﻛعﺎدته ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪.‬‬
‫أمﺎ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑ ﻓﻘﺪ تﻮﺳعﺖ ﰲ ذﻛﺮ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺴﻔﺮاء واﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﱵ تﻀمنﺘﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ‪،‬‬
‫اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ‪ ،‬ﻛمﺎ ﰲ اﳉﺪول اﻟﺘﺎﱄ‪:1‬‬

‫‪1‬‬
‫ت اﳉﺪول من ﺧﻼل اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪ :‬اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﱪى ﻻﺑن ﺳعﺪ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء ﻟﻠﺬﻫﱯ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة ﰲ ﲤﻴﻴﺰ‬
‫‪ -‬أﳒﺰ ُ‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة ﻻﺑن ﺣﺠﺮ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪428‬‬
 ‫اﳌﺆﻫﻼت‬ ‫اﻟﺴﻔﲑ‬ ‫اﳌﺮﺳﻞ‬
‫ﺎﰊ مﺸﻬﻮر‪ّ ،‬أول مﺸﺎﻫﺪه اﳋنﺪق وﻗﻴﻞ أﺣﺪ‪ ،‬وﱂ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺪرا‪،‬‬ ‫دﺣﻴة ﺑن ﺻﺤ ّ‬ ‫إﻟﻴﻪ‬
‫ّ‬ ‫ﻗﻴصﺮ‬
‫وﻛﺎنﻴﻀﺮب ﺑه اﳌﺜﻞ ﰲ ﺣﺴن اﻟصﻮرة‪ ،‬وﻛﺎﳒﱪﻳﻞ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم ﻳنﺰل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻜﻠﱯ‬
‫ﺻﻮرته‬
‫من مﺸﺎﻫﲑ اﳌﻬﺎجﺮﻳن ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا واﳌﺸﺎﻫﺪ‪ ،‬وﻛﺎنﺘﺎجﺮا ﰲ اﻟﻄعﺎم ﻟه ﻋﺒﻴﺪ‬
‫ﺣﺎﻃﺐ ﺑن‬ ‫اﳌﻘﻮﻗﺲ‬
‫وﻛﺎن من اﻟﺮمﺎة اﳌﻮﺻﻮﻓﲔ‪.‬‬
‫أﰊ ﺑﻠﺘعة‬

‫اﻷوﻟﲔ‪ ،‬وﻓﻴمن ﻫﺎجﺮ إﱃ اﳊﺒﺸة‪ ،‬وﻓﻴمن ﺷﻬﺪ ﺑﺪرا‬

‫اﻟﺴﺎﺑﻘﲔ ّ‬
‫من ّ‬ ‫ﺷﺠﺎع ﺑن‬ ‫اﳊﺎرث ﺑن‬
‫وﻫﺐ‬ ‫أﰊ ﴰﺮ‬
‫ﻫﻮذة ﺑن‬
‫من اﳌﻬﺎجﺮﻳن اﻷوﻟﲔ ﻗﺪﱘ اﻹﺳﻼم ﲟﻜة وﻫﺎجﺮ إﱃ أرض اﳊﺒﺸة ﰲ‬ ‫ﺳﻠﻴط ﺑن‬
‫ﻋﻠﻲ‬
‫اﳍﺠﺮة وﺷﻬﺪ أﺣﺪا واﳌﺸﺎﻫﺪ ﻛﻠﻬﺎ وﻗﺘﻞ ﻳﻮم اﻟﻴمﺎمة ﺷﻬﻴﺪا‬ ‫ﻋمﺮو‬

‫اﻟصﺤﺎﺑة وﻋﻠمﺎﺋﻬم‪ ،‬داﻫﻴّة ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬ﻳﻀﺮب ﺑه اﳌﺜﻞ ﰲ اﻟﻔﻄنة‪،‬‬

‫من أﺋمة ّ‬ ‫جﻴﻔﺮ‬
‫ﻋمﺮو ﺑن‬
‫واﻟﺪﻫﺎء‪ ،‬واﳊﺰم‪.‬‬ ‫وﻋﺒﺪ اﺑﲏ‬
‫اﻟعﺎص‬
‫اﳉﻠنﺪى‪.‬‬
‫اﳌنﺬر ﺑن‬
‫اﻟنﱯ ‪ ‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﻛﺎن من ﺣﻠﻔﺎء ﺑﲏ أمﻴّة‪ ،‬ومن ﺳﺎدة اﳌﻬﺎجﺮﻳن‪ .‬واﺳﺘعمﻠه ّ‬ ‫اﻟعﻼء ﺑن‬ ‫ﺳﺎوى‬
‫أﻗﺮه أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﰒ ﻋمﺮ وﻛﺎﳕﺠﺎب اﻟ ّﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫اﻟﺒﺤﺮﻳن‪ ،‬و ّ‬ ‫اﳊﻀﺮمﻲ‬ ‫اﻟعﺒﺪي‬

‫اﻟصﺤﺎﺑة اﶈﺪثﲔ‪ ،‬و ﻳع اﻟنﱯ ‪--‬ﻋﻠﻰ اﻟنصﺢ ﻟﻜﻞ مﺴﻠم‪.‬‬

‫من أﻋﻴﺎن ّ‬ ‫ذي‬
‫جﺮﻳﺮ ﺑن‬
‫ﻛﺎن ﺑﺪﻳع اﳊﺴن‪ ،‬ﻛﺎمﻞ اﳉمﺎل‪.‬‬ ‫اﻟﻜﻼع‬
‫ﻋﺒﺪ ﷲ‬
‫ﺑن ﻛﻮر‬

‫‪429‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬اﻹﻋﻼن ﻋﻦ اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ ﻟﻠﺪﻳﲏ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ‬
‫ﻗﺒﻞ وﻓﺎة اﻟنﱯ ‪ ‬ﺑﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬وﺑعﺪ مﺎ ﲢﻘﻘﺖ اﻹﳒﺎزات اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟعﻈﻴمة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة‪ ،‬أﻋﻠن‬
‫ﻋن ﲤﺎم اﻟﺪﻳن وﻛمﺎﻟه‪ ،‬وﻳﻈﻬﺮ ذﻟﻚ من ﺧﻼل مﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪.1‬اﻹﻋﻼن اﻟﻘﺮآﱐ‪ :‬ﻗﺪ جﺎءت اﻹﺷﺎرة اﻟﻘﺮآن ﻳّة إﱃ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟﻠﺪﻳن وﻗﺮب أجﻞ اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ‬
‫أواﺧﺮ مﺎ نﺰل من اﻵ ت واﻟﺴﻮر‪ ،‬ﻓمن ذﻟﻚ‪:‬‬
‫َ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أ‪.‬آﻳّﺔ ﻛﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ‪ :‬ﻗﻮﻟه تعﺎﱃ‪ :‬چٱ َ ْو َم أك َملت لك ْم دِينَك ْم َوأ َم ْمت َعليْك ْم ن ِْع َم ِ َو َر ِضيت لك ُم‬
‫ٗ‬
‫ِﻻ ْس َم دِينﺎ ۖ چ ]اﳌﺎﺋﺪة‪ ،[04:‬ﻓﺈ ﺎ نﺰﻟﺖ ﺑعﺮﻓة ﻋﺎم ﺣﺠة اﻟﻮداع وﻇﺎﻫﺮﻫﺎ إﻛمﺎل ﲨﻴع اﻟﻔﺮاﺋﺾ‬
‫واﻷﺣﻜﺎم ﻗﺒﻠﻬﺎ‪ ،‬وﲤﻜﲔ اﳌﺴﻠمﲔ ﻓﺮادﻫم ﻟﺒﻠﺪ اﳊﺮام وإجﻼء اﳌﺸﺮﻛﲔ ﻋنه ﺣﱴ ﺣﺠه اﳌﺴﻠمﻮن‬

‫ﻻ ﳜﺎﻟﻄﻬم اﳌﺸﺮﻛﻮن‪.1‬‬
‫ب‪ .‬ﺳﻮرة اﻟﻨﺼﺮ‪ :‬ﻋن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺎس‪ ،‬ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎن ﻋمﺮ ﺑن اﳋﻄﺎب ‪ ،‬ﻳﺪﱐ اﺑن ﻋﺒﺎس‪،‬‬
‫ﻋﺒﺎس‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟه ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻮف‪ :‬أن ﻟنﺎ أﺑنﺎء مﺜﻠه‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪ :‬إنه من ﺣﻴﺚ تعﻠم‪ ،‬ﻓﺴأل ﻋمﺮ‬
‫ﻮل ا ﱠِ ‪‬‬
‫َﺟﻞ ر ُﺳ ِ‬
‫أ‬ ‫»‬ ‫‪‬‬ ‫ﻓﻘﺎل‪:‬‬ ‫‪،‬‬‫[‬‫‪01‬‬ ‫‪:‬‬‫اﻟنصﺮ‬‫]‬ ‫چ‬ ‫ح‬‫ﷲ َوال ْ َفتْ ُ‬
‫جﺎ َء ن ْ ُ ِ‬
‫َ َٓ َ‬
‫اﺑن ﻋﺒﺎس ﻋن ﻫﺬه اﻵﻳّة‪ ،‬چ ٱإِذا‬
‫ََُ‬
‫‪2‬‬
‫ﺎل‪َ :‬مﺎ أ َْﻋﻠَ ُم ِمْنـ َﻬﺎ إِﱠﻻ َمﺎ تَـ ْعﻠَ ُم‪.‬‬
‫أَ ْﻋﻠَ َﻤﻪُ إِ ﱠ ﻩُ« ﻗَ َ‬
‫ﻛمﺎ ﻳﺪل مﻮﺿﻮع اﻟﺴﻮرة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒعﺪ من وجﻮه‪:‬‬
‫‪-‬رؤﻳّة دﺧﻮل اﻟنﺎس ﰲ اﻟﺪﻳن ﻃﻮاﻋﻴّة‪.‬‬
‫‪-‬اﺳﺘمﺮار وﲡﺪد اﻟﺪﺧﻮل‪.‬‬
‫‪ -‬ﺷﺮع ﷲ ﻫﻮ اﻷﻋﻠﻰ ﰲ ﺣﺎل اﻹ ء وﰲ ﺣﺎل اﻟﻄﻮاﻋﻴّة‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻔﺘﺢ وﻗصة أﺻﺤﺎب اﻟﻔﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻼ ﳝﻜن من اﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ اﻫﻞ اﳊق‪.‬‬
‫‪.2‬اﻹﻋﻼن اﻟﻨﺒﻮي‪:‬‬
‫إن اﳌﺘأمﻞ ﰲ ﺧﻄﺒة اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﺣﺠة اﻟﻮداع ﻳﺴﺘﻠﻬم من ﺑعﺾ ﻋﺒﺎرا ﺎ اﻹﻋﻼن اﻟﺮﲰﻲ ﻋن ﲤﺎم‬
‫ﲤﺎم اﻟﺘﺒﻠﻴغ اﻟنﺒﻮي اﻟﺪال ﻋﻠﻰ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة اﻟعﺎﳌﻴّة اﳋﺎﻟﺪة اﳋﺎﲤة‪ ،‬ﻷﳘﻴّة ﻫﺬه‬
‫اﳋﻄﺒة نﻮرد نصﻬﺎ‪:‬‬

‫‪ -1‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬اﻹتﻘأ ّن ﰲ ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن‪.(106/1) ،‬‬

‫‪ -2‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب مﺮض اﻟنﱯ ‪ ‬ووﻓﺎته‪.(09/6) ،‬‬
‫‪ -3‬إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬ﺑﺮﻫﺎن اﻟﺪﻳن ااﻟﺒﻘﺎﻋﻲ‪ ،‬نﻈم اﻟﺪرر ﰲ تنﺎﺳﺐ اﻵ ت واﻟﺴﻮر‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪،‬‬
‫)‪.(316/22‬‬
‫‪430‬‬
‫اﺳﺘَ َﺪ َار َﻛ َﻬ ْﻴـﺌَ ِﺔ ﻳَـ ْﻮ َم َﺧﻠَ َﻖ‬
‫ْ‬‫ﻓﻘﺪ روى اﻟﺒخﺎري ﻋن أﰊ ﺑﻜﺮة‪ ،‬ﻋن اﻟنﱯ ‪ ،‬ﻗﺎل‪ » :‬اﻟ ﱠﺰﻣﺎن ﻗَ ِﺪ‬
‫ذُو اﻟ َﻘ ْﻌ َﺪةِ‪ ،‬وذُو اﳊِ ﱠﺠ ِﺔ‪،‬‬ ‫ﺎت‪:‬‬ ‫ﺸ َﺮ َﺷ ْﻬ ًﺮا ِﻣ ْﻨـ َﻬﺎ أ َْرﺑَـ َﻌﺔٌ ُﺣ ُﺮٌم‪ :‬ﺛَﻼَﺛَﺔٌ ُﻣﺘَـ َﻮاﻟِﻴَ ٌ‬‫ﺴﻨَﺔُ اﺛْـﻨَﺎ َﻋ َ‬‫ض‪ ،‬اﻟ ﱠ‬ ‫اﻟ ﱠ ِ‬
‫ﺴ َﻤ َﻮات َواﻷ َْر َ‬
‫واﳌُﺤ ﱠﺮم‪ ،‬ورﺟﺐ ﻣ َ ِ‬
‫ﺖ‬ ‫ﻀ َﺮ‪ ،‬اﻟﱠﺬي ﺑَـ ْ َﲔ ُﲨَ َﺎدى َو َﺷ ْﻌﺒَﺎ َن‪ ،‬أَ ﱡي َﺷ ْﻬ ٍﺮ َﻫ َﺬا "‪ ،‬ﻗُـﻠْنَﺎ‪ :‬ا ﱠُ َوَر ُﺳﻮﻟُهُ أ َْﻋﻠَ ُم‪ ،‬ﻓَ َﺴ َﻜ َ‬ ‫َ ُ ََ ُ ُ‬
‫ﺎل‪» :‬ﻓَﺄَ ﱡي ﺑَـﻠَ ٍﺪ َﻫ َﺬا«‪ .‬ﻗُـ ْﻠنَﺎ‪:‬‬ ‫ﺲ ذُو اﳊِ ﱠﺠ ِﺔ«‪ ،‬ﻗُـ ْﻠنَﺎ‪ :‬ﺑَـﻠَﻰ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺎل‪» :‬أَﻟَْﻴ َ‬ ‫اﲰ ِه‪ ،‬ﻗَ َ‬‫ﺣ ﱠﱴ ﻇَنَـنﱠﺎ أنه ﺳﻴﺴ ِم ِﻴه ﺑِﻐَ ِﲑ ِْ‬
‫ُ َُ َ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ﺲ اﻟﺒَـ ْﻠ َﺪةَ«‪ .‬ﻗُـ ْﻠنَﺎ‪ :‬ﺑَـﻠَﻰ‪،‬‬ ‫ﺎل‪» :‬أَﻟَْﻴ َ‬ ‫اﲰ ِه‪ ،‬ﻗَ َ‬‫ا ﱠ ورﺳﻮﻟُه أ َْﻋﻠَم‪ ،‬ﻓَﺴ َﻜﺖ ﺣ ﱠﱴ ﻇَنَـنﱠﺎ أنه ﺳﻴﺴ ِم ِﻴه ﺑِﻐَ ِﲑ ِْ‬
‫ُ َُ َ ّ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ ُ َ َ َ‬
‫ﺎل‪:‬‬‫اﲰ ِه‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﻗَ َﺎل‪» :‬ﻓَﺄَ ﱡي ﻳـﻮٍم َﻫ َﺬا«‪ .‬ﻗُـﻠْنَﺎ‪ :‬ا ﱠ ورﺳﻮﻟُه أ َْﻋﻠَم‪ ،‬ﻓَﺴ َﻜﺖ ﺣ ﱠﱴ ﻇَنَـنﱠﺎ أنه ﺳﻴﺴ ِم ِﻴه ﺑِﻐَ ِﲑ ِْ‬
‫ُ َُ َ ّ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ﺎل ‪-‬‬ ‫َﺣ ِﺴﺒُﻪُ ﻗَ َ‬
‫ﺎل ُﳏَ ﱠﻤ ٌﺪ‪َ :‬وأ ْ‬ ‫ﺎء ُﻛ ْﻢ َوأ َْﻣ َﻮاﻟَ ُﻜ ْﻢ‪ - ،‬ﻗَ َ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل‪ " :‬ﻓإن د َﻣ َ‬ ‫ﱠﺤ ِﺮ«‪ .‬ﻗُـ ْﻠنَﺎ‪ :‬ﺑَـﻠَﻰ‪ ،‬ﻗَ َ‬ ‫ﺲ ﻳَـ ْﻮ َم اﻟﻨ ْ‬ ‫»أَﻟَْﻴ َ‬
‫ام‪َ ،‬ﻛ ُﺤ ْﺮَﻣ ِﺔ ﻳَـ ْﻮِﻣ ُﻜ ْﻢ َﻫ َﺬا ِﰲ ﺑَـﻠَ ِﺪ ُﻛ ْﻢ َﻫ َﺬا‪ِ ،‬ﰲ َﺷ ْﻬ ِﺮُﻛ ْﻢ َﻫ َﺬا‪ ،‬و َﺳﺘَـ ْﻠ َﻘ ْﻮ َن َرﺑﱠ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬ﻓَ َﺴَﻴ ْﺴﺄَﻟُ ُﻜ ْﻢ َﻋ ْﻦ‬ ‫َﻋﻠَْﻴ ُﻜ ْﻢ َﺣ َﺮ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ﺾ‪ ،‬أَﻻَ ﻟِﻴـﺒـﻠِّ ِﻎ اﻟ ﱠ ِ‬ ‫ﺿ ﱠﻼ ًﻻ‪ ،‬ﻳَ ْ‬‫أَ ْﻋ َﻤﺎﻟِ ُﻜ ْﻢ‪ ،‬أَﻻَ ﻓَﻼَ ﺗَـ ْﺮِﺟﻌُﻮا ﺑَـ ْﻌ ِﺪي ُ‬
‫ﺐ‪ ،‬ﻓَـﻠَ َﻌ ﱠﻞ‬‫ﺸﺎﻫ ُﺪ اﻟﻐَﺎﺋ َ‬ ‫َُ‬ ‫ﺎب ﺑَـ ْﻌ ٍ‬‫ﻀ ُﻜ ْﻢ ِرﻗَ َ‬ ‫ب ﺑَـ ْﻌ ُ‬‫ﻀ ِﺮ ُ‬
‫ﺎل‪:‬‬‫ﺻ َﺪ َق ُﳏَ ﱠﻤ ٌﺪ ‪ ،‬ﰒُﱠ ﻗَ َ‬ ‫ﻮل‪َ :‬‬ ‫ﺾ َﻣ ْﻦ َِﲰ َﻌﻪُ "‪ .‬ﻓَﻜﺎﳕُ َﺤ ﱠﻤ ٌﺪ إِ َذا ذَ َﻛ َﺮﻩُ ﻳَـ ُﻘ ُ‬ ‫َﻣ ْﻦ ﻳـُﺒَـﻠﱠﻐُﻪُ أن ﻳ ُﻜﻮ َن أ َْو َﻋى ﻟَﻪُ ِﻣ ْﻦ ﺑَـ ْﻌ ِ‬
‫ﺖ« َﻣ ﱠﺮﺗَـ ْ ِﲔ ‪.1‬‬ ‫»أَﻻَ َﻫ ْﻞ ﺑَـﻠﱠﻐْ ُ‬
‫وﻗﺪ دﻟﺖ اﳋﻄﺒة ﻋﻠﻰ اﻟﺒعﺪ اﻹﻋﻼﱐ من وجﻮه‪:‬‬
‫أ‪.‬اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺗﺼﺎﱄ‪ :‬تﻜمن ﻗﻮة اﻻتصﺎل اﻟنﺒﻮي ﰲ ﻫﺬه اﳋﻄﺒة من ﺧﻼل اﻻتصﺎل اﳉمﺎﻫﲑي‬
‫اﳌﺒﺎﺷﺮ مع اﻷمة ﰲ أﻋﻈم ﲡمع ﳍﺎ ﰲ ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،‬وﻫﺬا مﻴﺪان ومﻘﺎم منﺎﺳﺐ ﻟﻺﻋﻼن اﻟﺮﲰﻲ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصﺤﺎﺑة‬
‫ﻋن ﲤﺎم اﻟﺘﺒﻠﻴغ وﻛمﺎل اﻟﺘﺸﺮﻳع‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪ معه ﺣﺠة اﻟﻮداع أرﺑعﻮن أﻟﻔﺎً من ّ‬
‫ب‪.‬اﻟﺒﻌﺪ اﻹﳛﺎﺋﻲ‪ :‬تﻀمنﺖ اﳋﻄﺒة إﳛﺎءات ﻛﺜﲑة تﺪل ﻋﻠﻰ اﻹﻋﻼن ﻋن ﻛمﺎل اﻟﺪﻳن ودون‬
‫اﻷجﻞ من تﻠﻚ اﻟعﺒﺎرات‪ :‬ﻗﻮﻟه ‪" ‬أﻳﻬﺎ اﻟنﺎس اﲰعﻮا ﻗﻮﱄ ﻓﺈﱐ ﻻ أدري ﻟعﻠﻲ ﻻ أﻟﻘﺎﻛم ﺑعﺪ‬
‫ﻋﺎمﻲ ﻫﺬا ﺬا اﳌﻮﻗﻒ أﺑﺪا "‪" ،‬أﻻ ﻫﻞ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻠﻬم ﻓﺎﺷﻬﺪ"‪.‬‬
‫ج‪.‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘﻜﺎﻣﻠﻲ‪ :‬اﻹﻋﻼن ﻋن ﻗﻴﺎم اﻟنﻈﺎم اﻹﺳﻼمﻲ اﳌﺘﻜﺎمﻞ‪ ،‬اﻟﺬي تﺮتﺒط ﺑه ﻛﺎﻓة اﻟنﻈم‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻛﺎﻟنﻈﺎم اﻟﺘعﺒﺪي‪ ،‬واﻟنﻈﺎم اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬واﻟنﻈﺎم اﻻجﺘمﺎﻋﻲ‪ ،‬واﻟنﻈﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ﺑﻴنﺖ ﺑﻮﺿﻮح أن اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻗﺪ ﺣﻘﻘﺖ مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ‪،‬‬‫وﰲ ﺧﺘﺎم ﻫﺬا اﻟعنصﺮ أﻛﻮن ﻗﺪ ُ‬
‫اﻟﺬي اﲣﺬ ثﻼث مﻈﺎﻫﺮ رﺋﻴﺴة ﰲ اﻟﺪراﺳة‪ :‬اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ اﳌﺮﻛﺰي واﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ اﳊﺮﻛﻲ‬

‫‪ -1‬رواه اﻟﺒخﺎري ﰲ ﺻﺤﻴﺤه‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ب ﺣﺠة اﻟﻮداع‪ ،(177/5) ،‬ﺑﺮﻗم‪ ،4406 :‬وﻗﺪ أوردﻫﺎ أﻫﻞ اﻟﺴﲑ مﻄﻮﻟة‬
‫وﺑصﻴغ ﳐﺘﻠﻔة‪ ،‬ﻳنﻈﺮ‪:‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،(1111/3) ،‬اﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.(603/2) ،‬‬
‫‪ -2‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﺧﺘصﺎر ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﷴ ﺷﺎﻛﺮ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴّة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.185‬‬
‫‪ -3‬ﻳنﻈﺮ‪ :‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑﺖ‪ ،‬اﳉﻮانﺐ اﻹﻋﻼمﻴّة ﰲ ﺧﻄﺐ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ،‬ص‪.835‬‬
‫‪431‬‬
‫واﻹﻋﻼن اﻟﺮﲰﻲ ﻋن ﲤﺎم وﻛمﺎل اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ ﻛمﺎ تﺒﻴنه اﻵ ت اﳋﺎﲤة ﻟﻠﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬وﺧﻄﺒة اﻟﻮداع‬
‫اﳌﺸﺤﻮنة ﺑعﺒﺎرات اﻟﺘﻮدﻳع‪.‬‬
‫و ﻟﻔﺮاغ من اﳊﺪﻳﺚ ﻋن اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ أﺻﻞ إﱃ ﺎﻳّة مﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻋﺘﺒﺎره من أﻫم اﳌﻘﺎﺻﺪ‬
‫اﳋﺎﺻة ﻟﻠﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﳍﺎ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻜﺒﲑ ﰲ اﻹﳒﺎزات اﻟﱵ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫اﳌﺴﺘﻮى اﳉﻴﻮﺳﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬واﳌﺴﺘﻮى اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬واﳌﺴﺘﻮى اﻟﺪﻳﲏ‪ ،‬ﻓﻀﻼ ﻋن اﻟﺒنﺎء اﻟﻔﻜﺮي‬
‫واﻻجﺘمﺎﻋﻲ واﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﻛمﺎ ﺑﻴنﺘه ﰲ اﻟﻔصﻞ اﻟﺴﺎﺑق‪.‬‬
‫وﰲ ﺎﻳّة ﻫﺬا اﻟﻔصﻞ أتﻮﺻﻞ إﱃ أن اﻟﻐﺰوات اﻟنّﺒﻮﻳّة ﻗﺪ ﺣﻘﻘﺖ مﻘﺎﺻﺪ ﺷﺮﻋﻴّة ﻋﻈﻴمة ﻋﺎمة‬
‫وﺧﺎﺻة ﻛﺎنﺖ ﳍﺎ آ ر ﻛﺜﲑة ﻋﻠﻰ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟنّﺒﻮﻳّة‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻐﺰوات ﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ جﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ من اﳌنﻈﻮمة اﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة؛ ﺣﻴﺚ ﲤﺜﻞ ب اﳉﻬﺎد ﰲ أرﻗﻰ‬
‫تﻄﺒﻴﻘﺎته اﻟنمﻮذجﻴّة ﻓﻘﺪ ﻛﺎنﺖ منﺴﺠمة ﲤﺎم اﻻنﺴﺠﺎم مع مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة اﻟعﺎمة‪ ،‬ﻛﺤﻔﻆ‬
‫اﻟﻀﺮور ت‪ ،‬وإﺑﺮاز ﺧصﺎﺋﺺ وﳏﺎﺳن وﻓﻀﺎﺋﻞ اﻹﺳﻼم نﻈﺮﻳّة وتﻄﺒﻴﻘﺎ‪ ،‬ﻗﺪ أثﺒﺖ ذﻟﻚ ﻛﻠه ﺑﺮوا ت‬
‫من اﳌﻐﺎزي ﰲ أﻋﻠﻰ درجﺎت اﻟصﺤة‪.‬‬
‫و ﻋﺘﺒﺎر اﻟﻐﺰوات ب اﻟﻐﺰوات ﻟه ﻃﺒﻴعة ﲤﻴﺰه ﻋن ﻏﲑه من اﻷﺑﻮاب ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺺ ﺑﺘﺤﻘﻴق أﻫﺪاف‬
‫ومﻘﺎﺻﺪ ﺧﺎﺻة ﺣصﺮ ﺎ ﰲ مﻘصﺪﻳن ﻛﺒﲑﻳن؛ مﻘصﺪ اﻟﺪﻓﺎع واﳊمﺎﻳّة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪،‬‬
‫ومﻘصﺪ اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﻟﻠﺪﻋﻮة ﻟﺘﺤﻘق مﺸﺮوﻋﻬﺎ اﻻﺳﺘخﻼﰲ اﻷﻋﻈم من ﺧﻼل ﻋنﺎﺻﺮ اﻟﺘﱠمﻜﲔ‬
‫اﻷﺳﺎﺳﻴّة‪ ،‬وﻗﺪ ﳋصﺘﻬﺎ ﰲ‪ :‬اﻟﺘﱠمﻜﲔ اﳉﻴﻮﺳﻴﺎﺳﻲ‪ ،‬واﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻻﻗﺘصﺎدي‪ ،‬واﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ‪.‬‬

‫ﻓﻬﺬه اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﻜﱪى ﺑعﺎدﻫﺎ اﳌخﺘﻠﻔة اﻟﱵ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﻟنﺒﻮي ﱂ تﻜن أن‬
‫تﺘﺠﺴﺪ ﻟﻮﻻ ﳒﺎح اﳉﻬﺎد اﻟنﺒﻮي دﻓﺎﻋﺎ وﻃﻠﺒﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﱠمﻜﲔ اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻼمة ﻳﺘنﺎﺳﺐ تنﺎﺳﺒﺎ ﻃﺮد مع‬
‫مﺪى إﻗﺎمﺘﻬﺎ ﻟﻔﺮﻳﻀة اﳉﻬﺎد اﻟﺸﺮﻋﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ منﻬﺎج اﻟنﺒﻮة‪.‬‬
‫وﰲ تﻘﺪﻳﺮي أن اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ﻟن تﺘمﻜن من ﲢﻘﻴق أﺑعﺎدﻫﺎ اﳌﻘﺎﺻﺪﻳّة اﻟﻜﱪى اﻟﱵ ﻫﻲ‬
‫مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﳋﺎﲤة إﻻ ﻗﺎمة ﻓﺮﻳﻀة اﳉﻬﺎد ﻛمﺎ أﻗﺎمه اﻟنﱯ ‪ ‬وأﺻﺤﺎﺑه من ﺑعﺪه‪ ،‬ومن ﻫنﺎ‬
‫تﻈﻬﺮ ﻗﻴمة دراﺳة ﻏﺰوات اﻟنﱯ ‪ ‬واﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﱵ ﻛﺎنﺖ امﺘﺪاد ﳍﺎ ﰲ ﲢﻘﻴق وﻇﻴﻔة‬
‫اﻻﺳﺘخﻼف‪ ،‬وﺑﻠﻮغ مﺮﺣﻠة اﻟﺸﻬﻮد اﳊﻀﺎري ﻟﻸمة‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷمة ﺳﺎدت ﻗﺎمة اﳉﻬﺎد‪ ،‬واﳓﻄﺖ وﲣﻠﻔﺖ وتﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟعﺪو ﺑﱰﻛه رﻛﻮ إﱃ اﻟﺪنﻴﺎ وﻛﺮاﻫﻴّة‬
‫وﻛﺮاﻫﻴّة اﳌﻮت‪ ،‬ﻓﻠن تﺴﺘعﻴﺪ ﳎﺪﻫﺎ وﺳﺆددﻫﺎ إﻻ ﻋﺪاد رجﺎل ﳛمﻠﻮن ﻫم اﻟ ّﺪﻋﻮة واﳉﻬﺎد ﻟﻠﺘمﻜﲔ‬
‫ﳍﺎ‪.‬‬ ‫ﻟﻠﺘمﻜﲔ‬

‫‪432‬‬
 ‫اﳋﺎﲤﺔ‪:‬‬
‫اﻟﺬي وﻓﻘﲏ من ﻏﲑ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮة مﲏ ﻋﻠﻰ إﲤﺎم ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ اﳌﺴﻮم ﺑـ"اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ‬ ‫اﳊمﺪ‬
‫ﻟﻐﺰوات اﻟﻨﱯ ‪ ‬ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري"‪ ،‬وأﺻﻠﻲ وأﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﺧﲑ ﺧﻠق ﷲ‪ ،‬وﻋﻠﻰ آﻟه‬
‫وﺻﺤﺒه‪ ،‬ومن تﺒعﻬم ﺣﺴﺎن إﱃ ﻳﻮم اﻟﺪﻳن‪ ،‬وﺑعﺪ‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺷﻐﻠﺖ ﻓﱰة اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة ﺣﻴﺰا زمﺎنﻴة من اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴة؛ﳑﺎ جعﻠﻬﺎ مﻴﺪا دﻋﻮ ﳑﺘﺎزا‪،‬‬
‫تﻮﻓﺮت ﻓﻴه ﻛﻞ اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﻼزمة ﻟﻠعمﻞ اﻟﺪﻋﻮي اﻟنمﻮذجﻲ‪ ،‬اﻟﺬي ﻳعﺪ اﻹﻃﺎر‪ ،‬واﻷﺳﺎس‬
‫اﳌﺮجعﻲ ﻟﻜﻞ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﺘﺎﻟﻴة ﳌﺮﺣﻠة اﻟنﺒﻮة؛ﻟﻜﻮنه ﻓعﻼ نﺒﻮ معصﻮمﺎ ﻟﻮﺣﻲ‪ ،‬وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ‬
‫ﻫﺬه اﻷﻃﺮوﺣة اﻟﻜﺸﻒ ﻋن تﻠﻚ اﻷﺑعﺎد ﲜمﻴع مﺴﺘﻮ ﺎ؛اﻟﺮﺳﺎﻟﻴة‪ ،‬واﻟﺴﻠﻮﻛﻴة‪ ،‬واﳌنﻬﺠﻴة‪،‬‬
‫واﳌﻘﺎﺻﺪﻳة من ﺧﻼل ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬وأﺳﻔﺮت ﰲ اﻟنﻬﺎﻳة ﻋن ﲨﻠة من اﻟنﺘﺎﺋج واﻟﺘﻮﺻﻴﺎت‬
‫واﻵﻓﺎق‪ ،‬ﳝﻜن أن أﲨﻠﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺒﺤﺚ‪:‬‬
‫‪ .1‬ﻟﻘﺪ مﺎرس اﻟنﱯ ‪ ‬اﻟﻔعﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﲜمﻴع مﺴﺘﻮ ته‪:‬اﻟﺘﺒﻠﻴﻐﻴة‪ ،‬واﻟﱰﺑﻮﻳة‪ ،‬واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴة‪ ،‬وﺑﻜﻞ‬
‫أﺑعﺎده‪:‬اﻟﺮﺳﺎﻟﻴة‪ ،‬واﻟﺴﻠﻮﻛﻴة‪ ،‬واﳌنﻬﺠﻴة‪ ،‬واﳌﻘﺎﺻﺪي ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪.‬‬
‫‪.2‬إن اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة ﻇﻠﺖ مصﺎﺣﺒة ﳊﺮﻛة اﻟﻐﺰوات‪ ،‬وﱂ تنﻔﻚ ﻋنﻬﺎ ﲝﺎل من ﺑﺪاﻳﺘﻬﺎ ﻹذن‬
‫ﻟﻘﺘﺎل إﱃ منﺘﻬﺎﻫﺎ ﺑﻮﻓﺎة اﻟنﱯ ﷺ‪.‬‬
‫‪.3‬وﻓﺎء مﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري ﺑﻜﻞ أﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮة ومﺴﺘﻮ ﺎ؛ﻟﺘﻐﻄﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﻐﺰوات ومﺎ‬
‫ﳛﻴط ﺎ من مﻘﺪمﺎت ونﺘﺎﺋج‪.‬‬
‫‪.4‬تﻔﺮﻳق اﻟﺒخﺎري ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﰲ اﻟصﺤﻴﺢ تﺒعﺎ ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﱵ تﺘﻀمنﻬﺎ‪ ،‬وتﺮﲨﺘه ﻟﻜﻞ‬
‫ﺑعﺪ دﻋﻮي ﺑﱰﲨة دﻗﻴﻘة تنﺤﻮ منﺤﻰ اﻟﺘﻘعﻴﺪ‪.‬‬
‫‪ .5‬ﻟﻘﺪ ﺷﻬﺪت اﻟﻐﺰوات ﺣﻀﻮرا ﻟﻠﺒعﺪ اﻟﺮﺳﺎﱄ ﰲ ﺷﻘﻴه اﻟعﻘﺪي من ﺧﻼل تﻀمنﻬﺎ ﻷﺻﻮل‬
‫اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﻜﱪى اﻟﱵ تﺸﻜﻞ اﳋﻠﻔﻴّة اﻟعﻘﺪﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة ؛ تﺒﻠﻴﻐﺎ وتﺜﺒﻴﺘﺎ‪ ،‬وتﺮﺑﻴّة‪ ،‬وتﻔعﻴﻼ‪.‬‬
‫ﻛمﺎ تﻀمنﺖ مﺮو ﺎ اﻹﺷﺎرة إﱃ أﺻﻮل اﻟﺘﺸﺮﻳع اﻟﺪﻋﻮي اﻟﱵ تﺴﺘمﺪ منﻬﺎ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴّة‬
‫مﺎد ﺎ ومﻮﺿﻮﻋﺎ ﺎ؛ ﲟﺎ ﻳﻀمن اﺳﺘمﺮارﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬وتﻄﻮرﻫﺎ‪ ،‬ومﻮاﻛﺒﺘﻬﺎ ﻟﻜﻞ مﺴﺘﺠﺪات‪ ،‬ومﺘﻐﲑات‬
‫اﻟ ّﺪﻋﻮة ومﻮاجﻬة ﲢﺪ ﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴّة‪ ،‬واﳋﺎرجﻴّة‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫وﻗﺪ ﲣﻠﻞ اﻟﻐﺰوات ﻓعﻼ تﺸﺮﻳعﻴﺎ ﻃﺎل ﲨﻴع اﶈﺎور اﻟﻜﱪى ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﻟﻴﺪل ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ‬
‫ﲤﻴﺰ ﻗﻞ نﻈﲑه ﰲ اﳌعﺎرك اﻟﱵ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻄﺎﺑع اﻟعﺴﻜﺮي اﻟﺒﺤﺖ‪ ،‬واﳍﺪف اﳌﺎدي اﻟصﺮف‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ إﻗﺎمة ﺷعﺎﺋﺮ ﷲ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ؛ جنﻮﺣﺎ إﱃ اﻷﺧﺬ ﻟﺮﺧﺺ‪ ،‬واﻟﱰاﺧﻴﺺ ﰲ أﺣﺴن‬
‫اﻷﺣﻮال‪.‬‬
‫ﻓمﻐﺎزي رﺳﻮل ﷲ ‪ ‬ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻐﲑﻫﺎ من اﳊﺮوب‪ ،‬واﳌعﺎرك اﻟﱵ ﻻ ﻫم ﻷﺻﺤﺎ ﺎ إﻻ اﻟﺪنﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬
‫دﻋﻮة مﺘﺤﺮﻛة منﻀﺒﻄة ﺻﻮل ﻫﺬا اﻟﺪﻳن اﻟعﻘﺪﻳّة‪ ،‬واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴّة ﻻ ﲢﻴﺪ ﻋنﻬﺎ ﻗﻴﺪ أﳕﻠة‪ ،‬ﻏﺮﺿﻬﺎ‬
‫ومﻘصﺪﻫﺎ اﻷﲰﻰ ﲪﺎﻳّة اﻟ ّﺪﻋﻮة ومنﺠﺰا ﺎ‪ ،‬واﻟﺴعﻲ ﻟﻠﺘمﻜﲔ ﻟﺪﻳن ﷲ ﰲ اﻷرض؛ وﲢﻘﻴق اﻟﺸﻬﻮد‬
‫اﳊﻀﺎري ﻟﻸمة‪.‬‬
‫‪.6‬ﻟﻘﺪ اﻋﺘﲎ اﻟنﱯ ‪‬ﰲ اﻟﻐﺰوات ﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّة اﳌﺘعﻠﻘة ﻟ ّﺪاﻋﻴّة واﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﺣﻴﺚ‬
‫ﺣﺮص ﻋﻠﻰ ﺑنﺎء ﺷخصﻴة اﻟﺪاﻋﻴة ﻋﻠمﻴﺎ‪ ،‬وأﺧﻼﻗﻴﺎ‪ ،‬وﻗﻴﺎد ‪ ،‬وﰲ اﻟﻮﻗﺖ نﻔﺴه ﱂ ﻳﻬمﻞ ﺷأن‬
‫اﳌﺪﻋﻮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﻞ ﲨﻴع اﳌﻮاﻗﻒ ﻟﺘﺒﻠﻴغ اﻟ ّﺪﻋﻮة ﳉمﻴع ﻓﺌﺎت اﳌﺪﻋﻮﻳن‪ ،‬ﺑﻜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻟﻄﺮق‬
‫اﳌﺘﺎﺣة واﳌمﻜنة‪.‬‬
‫‪.7‬اﻟصﺤﺎﰊ ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات ﻳﺆدي دور اﳌﺪﻋﻮ رة ودور اﻟﺪاﻋﻴة رة أﺧﺮى؛تﺒعﺎ ﻟﻠمﻜﺎنة‪،‬‬
‫واﳌﻮﻗﻒ‪ ،‬ﳑﺎ ﳚعﻞ ﻓعﻠه اﻟﺪﻋﻮي ﻳﺘأﺳﺲ ﻛأﺻﻞ من أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻟﺘﺒعﻴة‪.‬‬
‫‪.8‬أن اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة ﻛﺎن ﳍﺎ دور ﻛﺒﲑ ﰲ ﻛﺸﻒ اﻟﻜﺜﲑ من اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﺪاﺧﻠﻴة‬
‫واﳋﺎرجﻴة؛ﻟﻴﻔﻘه اﻟﺪﻋﺎة ﻛﻴﻔﻴة معﺎﳉﺘﻬﺎ واﻟﺘصﺪي ﳍﺎ ﻋﻠﻰ مﺮ اﻟﺘﺎرﻳخ‪.‬‬
‫‪.9‬أن اﻟﻐﺰوات ﻛﺎن ﳍﺎ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ تعﺮﻳﻒ اﳌﺴﻠمﲔ ﻋﺪاء اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻃﺒﺎﺋعﻬم‪ ،‬وﳐﻄﻄﺎ م‪ ،‬ﻛﺎﻟﻴﻬﻮد‪،‬‬
‫واﳌنﺎﻓﻘﲔ‪ ،‬وأﻫﻞ اﻷﻫﻮاء؛ﻟﻴأﺧﺬ اﻟﺪﻋﺎة ﺣﺬرﻫم من أﻋﺪاﺋﻬم‪ ،‬وﻳﺘعﺎمﻠﻮا مع ﻛﻴﺪﻫم ﰲ ﺿﻮء اﳌنﻬج‬
‫اﻟنﺒﻮي‪.‬‬
‫‪.10‬ﻟﻘﺪ وﻇﻒ اﻟنﱯ ‪‬اﳌنﺎﻫج اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﻔﻄﺮﻳة اﻟﻜﱪى‪ ،‬ﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ اﳌخﺘﻠﻔة ﰲ مﻴﺪان اﻟﻐﺰوات‪،‬‬
‫وﻳﺘعﻠق اﻷمﺮ ﳌنﻬج اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬اﻟﻮجﺪاﱐ‪ ،‬واﻟعﻘﻠﻲ‪ ،‬واﳊﺴﻲ‪ ،‬ﺑﻄﺮﻳﻘة دﻋﻮﻳة ﺣﻜﻴمة منﺎﺳﺒة‬
‫ﻟﻠمﻮاﻗﻒ اﻟﱵ ﳛﻜمﻬﺎ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﺰمﺎﱐ واﳌﻜﺎﱐ‪ ،‬واﻻﺳﺘﻬﺪاﰲ‪ ،‬وﺑﺘﻮارن منﻬﺠﻲ ﺣﻴﺚ تﺘﻜﺎمﻞ‬
‫اﳌنﺎﻫج‪ ،‬وﻻﻳﻄﻐﻰ ﺑعﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑعﺾ‪.‬‬
‫‪.11‬اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة من أﻋﻈم اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﲡﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ مﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳعة اﻟﻜﱪى‪ ،‬وﺑﺮزت‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﳏﺎﺳنﻬﺎ وﺧصﺎﺋصﺎ؛وﻫﺬا من ﺷأنه أن ﻳﻘﻮي إﳝﺎن اﳌﺪﻋﻮﻳن اﻟﺪاﺧﻠﻴﲔ وﻳﺸﺤﺬ ﻓعﺎﻟﻴﺘﻬم‪،‬‬
‫‪434‬‬
‫وﻳعﻠﻲ ﳘمﻬم‪ ،‬وﻳعﺮف ﻏﲑ اﳌﺴﻠمﲔ ﺑﻄﺒﻴعة اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻳﺮﻏﺒﻬم وﻳﻐﺮﻳﻬم ﻟﺴﺘﺠﺎﺑة ﳍﺎ‪ ،‬واﻟﺪﺧﻮل ﰲ‬
‫ﰲ دﻳن ﷲ ﻋن ﻃﻮاﻋﻴة‪.‬‬
‫‪ .12‬إن اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة ﻗﺪ ﲤﻴﺰت ﻋن ﻏﲑﻫﺎ من اﳌﻴﺎدﻳن اﻟﺪﻋﻮﻳة ﺑﺘﺤﻘﻴق مﻘﺎﺻﺪ دﻋﻮﻳة‬
‫ﺧﺎﺻة؛ﲡﻠﺖ مﻘصﺪﻳن ﻛﺒﲑﻳن؛ مﻘصﺪ اﻟﺪﻓﺎع واﳊمﺎﻳّة اﻟﺪاﺧﻠﻴّة واﳋﺎرجﻴّة ﻟﻠﺪﻋﻮة‪ ،‬ومﻘصﺪ‬
‫اﻟﺘﱠمﻜﲔ ﳍﺎ؛ﻟﺘﺤﻘﻴق مﺸﺮوﻋﻬﺎ اﻻﺳﺘخﻼﰲ اﻷﻋﻈم‪.‬‬
‫‪.13‬إن اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة تﺆدي أدوارا دﻋﻮﻳة ﳐﺘﻠﻔة ﰲ آن واﺣﺪ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟصعﻴﺪﻳن اﻟﺪاﺧﻠﻲ‬
‫واﳋﺎرجﻲ‪ ،‬وﺑﻄﺮق مﺒﺎﺷﺮة وﻏﲑ مﺒﺎﺷﺮة‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﻟعﺎجﻞ‪ ،‬واﻵجﻞ‪ ،‬وﻫﺬا إن دل ﻋﻠﻰ ﺷﻲء‬
‫إﳕﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻮﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻓعﺎﻟﻴﺘﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮﻳة اﳌنﻘﻄعة اﻟنﻈﲑ‪.‬‬
‫ﻧﻴﺎ‪ :‬اﻟﺘﻮﺻﻴﺎت‬
‫أن معﺎﻳﺸﱵ ﳍﺬا اﳌﻮﺿﻮع اﻟﺪﻋﻮي اﳊﻴﻮي ﰲ مﻴﺪان اﳌﻐﺎزي انﻄﻼﻗﺎ من ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري مﻜنﲏ‬
‫أن أﺧﺮج ﻟﺘﻮﺻﻴﺎت اﻟﺘﺎﻟﻴّة‪:‬‬
‫‪.1‬دراﺳة اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة ﳌﺮو ت ﻛﺘﺐ اﻟصﺤﻴﺢ اﳌخﺘﻠﻔة دراﺳة مﻮﺿﻮﻋﻴة‪.‬‬
‫‪.2‬إﻓﺮاد دراﺳة دﻋﻮﻳّة تﻘعﻴﺪﻳّة ﻟﱰاجم أﺑﻮاب ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪.‬‬
‫‪.3‬اﺳﺘﻘﺮاء اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة ﺑﺘﺘﺒع ﺷﺮوح اﻟﺴنة‪ ،‬ﺧﺎﺻة ﺷﺮوح اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻛﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎري ﻻﺑن ﺣﺠﺮ‪،‬‬
‫وﻋمﺪة اﻟﻘﺎري ﻟﻠعﻴﲏ‪.‬‬
‫‪.4‬اﻟعنﺎﻳّة ﻟﺘﻜﺎمﻞ اﳌعﺮﰲ ﺑﲔ اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻛﺘﺐ اﻟﺴﲑة واﻟﺴنة ﰲ اﳌﻘﺮرات اﳉﺎمعﻴّة اﻟﺪﻋﻮﻳّة‪.‬‬
‫‪.5‬اﻻﻫﺘمﺎم ﺑﺮاز اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّة ﻟﻠمﻐﺎزي من ﺧﻼل اﳌﻠﺘﻘﻴﺎت واﳌﺆﲤﺮات انﻄﻼﻗﺎ من اﻟﺴنة‬
‫واﻟﺴﲑة اﻟصﺤﻴﺤة‪.‬‬
‫‪.6‬إﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏة أﺻﻮل وﻗﻮاﻋﺪ اﻟ ّﺪﻋﻮة انﻄﻼﻗﺎ من نصﻮص اﻟﻮﺣﻲ واﻟﱰاﻛمﺎت اﳌعﺮﻓﻴّة ﻟﱰاث اﻷمة‪،‬‬
‫ﻛﺎﻟﺸﺮوح واﻟﺘﻔﺎﺳﲑ‪.‬‬

‫‪435‬‬
 ‫ﻟﺜﺎ‪ :‬آﻓﺎق اﻟﺒﺤﺚ‪:‬‬
‫ﺑعﺪ تﺘﺒعﻲ ﻟﻸﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة ﻟﻠﻐﺰوات من ﺧﻼل اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬تﻮﺻﻠﺖ ﲨﻠة من اﻵﻓﺎق اﻟﺒﺤﺜﻴة‬
‫أﳋصﻬﺎ ﻓﻴمﺎ ﻳﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ .1‬إﳒﺎز مﺴﺘخﺮج دﻋﻮي انﻄﻼﻗﺎ من اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻳﻜﻮن ﲟﺜﺎﺑة مﻮﺳﻮﻋة دﻋﻮﻳّة وﻓق منﻬج اﻟﺒخﺎري‬
‫وﻓﻘﻬه‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن ﲟﺜﺎﺑة جﺰء ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻳﻘﺴم إﱃ ﳏﺎور اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻛﻞ ﳏﻮر ﲡعﻞ ﻟه ﻓﺮوع تعنﻮن‬
‫ﺑﱰﲨة من اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﰒ ﻳﺪرج ﲢﺘﻬﺎ اﳌﺮو ت اﻟﱵ تنﺎﺳﺒﻬﺎ من اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬ﰒ مﻘﺎرنة تﻠﻚ اﻟﱰاجم ﲟﺎ‬
‫ﻫﻮ مﻘﺮر ﰲ ﻋﻠم اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعصﺮ اﻟﺮاﻫن‪ ،‬وﳝﻜن أن ﻳﺴمﻰ ﻫﺬا اﳌﺸﺮوع‪" :‬اﳌﺴﺘﺨﺮج اﻟﺪﻋﻮي ﻣﻦ‬
‫ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري"‪.‬‬
‫‪.2‬ﲨع تﺮاجم اﻟﺒخﺎري اﻟﺪﻋﻮﻳة وتصنﻴﻔﻬﺎ وﻓق ﳏﺎور اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬مع ﺷﺮﺣﻬﺎ انﻄﻼﻗﺎ من ﺷﺮوح‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬واﳌعﻄﻴﺎت اﳌعﺮﻓﻴة ﻟعﻠم اﻟ ّﺪﻋﻮة‪.‬‬
‫‪.3‬إﳒﺎز درﺳﺎت دﻋﻮﻳة مﻮﺿﻮﻋﻴة انﻄﻼﻗﺎ من ﲨع رو ت وأﻃﺮاف مﻮﺿﻮﻋﺎت دﻋﻮﻳة ﳐﺘﻠﻔة مع‬
‫مع اﻻﺳﺘﻔﺎدة من ﻓﻘه تﺮاجم اﻟﺒخﺎري ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫‪436‬‬
 ‫ﻓﻬﺮس اﻵ ت‪:‬‬

‫اﻟصﻔﺤة‬ ‫اﻟﺴﻮرة ورﻗم اﻵﻳّة‬

‫اﻟﺒﻘﺮة‬
‫‪254‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱىٱ¼ٱ½ ٱ¾ٱ¿ٱ‪À‬ٱ‪Á‬ٱچ ]اﻟﺒﻘﺮة‪[ 125‬ٱ‬
‫‪255‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڄٱڄ ٱ‬
‫ڃٱڃ ٱڃٱڃٱچٱچٱچ ]اﻟﺒﻘﺮة‪[129 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫آل ﻋﻤﺮان‬
‫‪80‬‬ ‫ٱ‬ ‫ژٱڇٱڇٱڇٱڍٱڍٱڌٱڌڎژ ]آل ﻋمﺮان‪[13 :‬ٱ‬
‫‪/‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڎٱڈ ٱڈ ٱ ٱژٱژٱڑ ٱڑٱکٱکٱکٱچ ] آل ﻋمﺮان‪[26:‬ٱ‬
‫‪44‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱٺٱٺٱٺٱٿ ٱٿٱٿٿٱٹٱٹٱٹٱٹٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[ 123:‬ٱ‬
‫‪92‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڤٱڤٱڤ ٱڦٱڦٱڦٱڦٱڄٱڄٱڄ ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[124 :‬ٱ‬
‫‪42‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱگٱگٱڳٱڳٱڳٱڳٱڱٱڱٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[126 :‬ٱ‬
‫‪35‬‬ ‫چٱہٱہ ٱہٱھٱھٱھٱھٱےٱےٱۓٱۓٱڭٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[128 :‬‬
‫‪125‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڳٱڳٱڳٱڳٱڱٱڱٱڱٱڱ ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[ 137:‬ٱ‬
‫‪59‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱھٱھٱھٱےٱےٱۓٱۓٱڭٱڭ ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[139 :‬ٱ‬
‫ٱ‬ ‫چٱۀٱہٱہٱہٱہٱھٱھٱھٱھٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[ 155 :‬ٱ‬
‫‪15‬‬ ‫چٱ½ٱ¾ ٱ¿ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[156 :‬‬
‫‪49‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڤٱڦٱڦڦٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[159 :‬ٱ‬
‫‪11‬‬ ‫چٱۉٱېٱېٱېٱېٱىٱىٱ¼ٱ½ٱ¾ٱ¿ ٱچ ]آل ﻋمﺮان‪[164 :‬‬
‫اﻟﻨﺴﺎء‬
‫‪56‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱگٱگٱگٱڳٱڳٱڳٱڳٱڱٱچ ]اﻟنﺴﺎء‪[93 :‬ٱ‬
‫‪99‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱٱٱٻٱٻٱٻٱٻٱپٱپٱپٱپٱچٱ] اﻟنﺴﺎء‪[102:‬ٱ‬
‫‪60‬‬ ‫چ ‪Ó‬ٱ‪Ô‬ٱ‪Õ‬ٱ‪Ö‬ٱ× ٱچ ]اﻟنﺴﺎء‪[134 :‬‬
‫اﳌﺎﺋﺪة‬
‫‪155‬‬ ‫چٱٹٱٹٱچ ]اﳌﺎﺋﺪة‪[32 :‬‬

‫‪437‬‬
 ‫‪55‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱہٱہچ ]اﳌﺎﺋﺪة‪[54:‬ٱ‬
‫اﻷﻋﺮاف‬
‫‪244‬‬ ‫چ ڱٱںٱںٱڻٱڻڻٱڻٱۀٱۀٱہٱچ ] اﻷﻋﺮاف‪[54:‬‬
‫‪57‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٿٱٹٱٹٱٹٹٱچ]اﻷﻋﺮاف‪[156:‬ٱ‬
‫اﻷﻧﻔﺎل‬
‫‪35‬‬ ‫چٱٱٱٻٱٻٻٱٻٱپٱپٱپپٱچ]اﻷنﻔﺎل‪[1 :‬‬
‫‪92‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱٱٱٻٱٻٱٻٱٻٱپٱپٱچ ]اﻷنﻔﺎل‪[09 :‬ٱ‬
‫‪42‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱٹٱٹٱٹٱٹٱڤٱڤڤٱڤٱڦٱڦٱڦٱچ ]اﻷنﻔﺎل‪[ 10 :‬ٱ‬
‫‪99‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱپٱپٱپٱڀٱچ ] اﻷنﻔﺎل‪[41:‬ٱ‬
‫‪97‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱۈٱۈ ٱٷٱۋٱۋٱۅٱۅٱۉٱۉٱېٱېېٱچ ]اﻷنﻔﺎل‪[ 67:‬ٱ‬
‫اﻟﺘﻮﺑﺔ‬
‫‪65‬‬ ‫چٱۀٱہہٱہٱہٱھ ٱھٱھٱھٱےٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪[26 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱۇٱۆٱۆٱۈٱۈٱٷٱۋٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪[31:‬ٱ‬
‫‪35‬‬ ‫چٱٱٱٻٱٻٱٻٱٻٱپٱپٱپٱپ ٱڀٱڀٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪[118 :‬‬
‫‪355‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڄٱڄٱڄٱڄٱڃٱڃٱڃٱڃٱچ ]اﻟﺘﻮﺑة‪[119 :‬ٱ‬
‫اﻟﻘﺼﺺ‬
‫‪298‬‬ ‫چٱۋٱۋٱۅٱۅٱۉۉٱچ]اﻟﻘصﺺ‪[68 :‬‬
‫اﻷﺣﺰاب‬
‫‪43‬‬ ‫چٱٿٱٿ ٱٿٱٹ ٱٹٱٹٱچ ]اﻷﺣﺰاب‪[:‬‬
‫‪43‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڦٱڦٱڦٱڦٱڄٱڄٱڄٱڄٱڃٱڃٱچ ]اﻷﺣﺰاب‪[09 :‬ٱ‬
‫‪78‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڃٱڃٱچٱچٱچٱچٱڇٱڇڇٱڇٱڍٱڍٱڌڌٱچ ]اﻷﺣﺰاب‪[25 :‬ٱ‬
‫اﻟﻔﺘﺢ‬
‫‪35‬‬ ‫چٱٱ ٱٻٱٻٱٻٱٻٱچ]اﻟﻔﺘﺢ‪[1 :‬‬
‫‪57‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱڳٱڳٱڳٱڱٱچ]اﻟﻔﺘﺢ‪[06:‬ٱ‬
‫اﳊﺪﻳﺪ‬
‫‪56‬‬ ‫چٱڦٱڦٱڦٱڦٱڄ چٱ]اﳊﺪﻳﺪ‪[4 :‬‬

‫‪438‬‬
 ‫ا ﺎدﻟﺔ‬
‫‪65‬‬ ‫ٱ‬ ‫چٱٱٱٻٱٻٱٻٱٻٱپٱپٱپٱپٱڀٱڀٱڀٱڀٱٺٺٱچ]ا ﺎدﻟة‪[01:‬ٱ‬
‫اﳌﺘﺤﻨﺔ‬
‫‪35‬‬ ‫چٱھٱھٱھ ٱھٱے چ ]اﳌمﺘﺤنة‪[10 :‬‬
‫اﳌﻨﺎﻓﻘﻮن‬
‫‪35‬‬ ‫چٱڄٱڄٱڃ ٱڃٱڃٱڃٱچٱچٱچٱچٱڇٱڇڇٱچ ]اﳌنﺎﻓﻘﻮن‪[7 :‬‬
‫اﳊﺎﻗﺔ‬
‫‪43‬‬ ‫چٱېٱېٱېٱېٱىٱىٱچٱ]اﳊﺎﻗة‪[6 :‬ٱ‬
‫اﻟﻨﺼﺮ‬
‫‪35‬‬ ‫چٱڦٱڄٱڄٱڄٱڄٱچ ]اﻟنصﺮ‪[3 :‬‬
‫اﻹﺧﻼص‬
‫‪23‬‬ ‫چٱٱٱٻٱٻٱٻٱچ ]اﻹﺧﻼص‪[1 :‬‬

‫‪439‬‬
 ‫ﻓﻬﺮس اﻷﺣﺎدﻳﺚ‪:‬‬
‫ﺐ ﻛِﺘَﺎ ً «‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪360‬‬ ‫ﺿةَ َﻛ َﺬا‪َ ،‬وَﲡ ُﺪو َن َﺎ ْامَﺮأًَة‪ ،‬أ َْﻋﻄَ َ‬
‫ﺎﻫﺎ َﺣﺎﻃ ٌ‬ ‫»اﺋْـﺘُﻮا َرْو َ‬
‫‪389‬‬ ‫آم ُﺮُﻛ ْم ِ َْرﺑَ ٍع َوأَنْـ َﻬﺎ ُﻛ ْم َﻋ ْن أ َْرﺑَ ٍع«‬
‫» ُ‬
‫‪156‬‬ ‫وﻫ ْم‪َ ،‬وﻻَ ﻳَـ ْﻐ ُﺰونَـنَﺎ«‬ ‫» نـَ ْﻐ ُﺰ ُ‬
‫‪306‬‬ ‫ص َﻞ اﻟﱠﺮ ُج ُﻞ ُوﱠد أَﺑِ ِﻴه«‬ ‫»أَﺑـﱡﺮ اﻟِْ ِﱪ أَ ْن ﻳ ِ‬
‫َ ّ َ‬
‫‪62‬‬ ‫ﺎل َرﺑﱡ ُﻜ ْم؟«‬ ‫»أَتَ ْﺪ ُرو َن َمﺎ َذا ﻗَ َ‬
‫ﻴﻚ تَـ ْﻘ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪146‬‬ ‫ﻀ ُم َﻬﺎ َﻛﺎﻟْ َﻔ ْﺤ ِﻞ ؟ «‬ ‫ﻀ َع ﻳَ َﺪهُ ِﰲ ﻓ َ‬ ‫» أَتُِﺮ ُ‬
‫ﻳﺪ أَ ْن ﻳَ َ‬
‫‪228‬‬ ‫ﱠﺎر َوﻟَ ْﻮ ﺑِ ِﺸ ِّق ﲤََْﺮٍة«‬
‫»اتـﱠ ُﻘﻮا اﻟن َ‬
‫‪395‬‬ ‫ﺖ ﻟَ ُﻜ ُم اﻟﻐَنَﺎﺋِ ُم«‬ ‫ِ‬
‫»أُﺣﻠﱠ ْ‬
‫‪160‬‬ ‫َﺣ ﱞﻲ َواﻟِ َﺪ َاك؟«‬
‫»أ َ‬
‫‪211‬‬ ‫ﻴﺐ«‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اﺣةَ ﻓَأُﺻ َ‬
‫َﺧ َﺬ اﺑْ ُن َرَو َ‬
‫ﻴﺐ‪ ،‬ﰒُﱠ أ َ‬
‫َﺧ َﺬ َج ْع َﻔٌﺮ ﻓَأُﺻ َ‬
‫ﻴﺐ‪ ،‬ﰒُﱠ أ َ‬ ‫َﺧ َﺬ اﻟ ﱠﺮاﻳَةَ َزﻳْ ٌﺪ ﻓَأُﺻ َ‬
‫»أ َ‬
‫‪129‬‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪.‬‬ ‫ص َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺻﻮا«‪َ ،‬و َﺧَﺮ َ‬ ‫اﺧ ُﺮ ُ‬
‫» ْ‬
‫‪177‬‬ ‫» ْاد ُﻋﻮا ِﱄ ﻋُﺜْ َمﺎ َن ﺑْ َن ﻃَْﻠ َﺤ َة«‬
‫ِ‬ ‫»إِ َذا ُ ِ‬
‫‪175‬‬ ‫ﺿﻴِّ َعﺖ اﻷ ََمﺎنَةُ ﻓَﺎنْـﺘَﻈ ِﺮ اﻟ ﱠﺴ َ‬
‫ﺎﻋةَ«‬
‫‪53‬‬ ‫»ارﺑـعﻮا ﻋﻠَﻰ أَنْـ ُﻔ ِﺴ ُﻜم‪ ،‬ﻓَأن ُﻜم ﻻَ تَ ْﺪﻋﻮ َن أَﺻ ﱠم وﻻَ ﻏَﺎﺋِﺒﺎ‪ ،‬تَ ْﺪﻋﻮ َن َِﲰﻴعﺎ ﺑ ِ‬
‫ص ًﲑا ﻗَ ِﺮﻳﺒًﺎ«‬ ‫ً َ‬ ‫ُ َ َ ً ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫‪343‬‬ ‫ﻴﻞ‪ ،‬ﻓَأن أََ ُﻛ ْم َﻛﺎ َن َر ِامﻴًﺎ ْارُمﻮا‪َ ،‬وأَ َ َم َع ﺑَِﲏ ﻓُﻼَ ٍن«‬ ‫ِ ِ‬
‫» ْارُمﻮا ﺑَِﲏ إ ْﲰَﺎﻋ َ‬
‫‪314‬‬ ‫ﺶ‪َ :‬ﻋﻠَﻰ َﺷْﻴـﺒَةَ ﺑْ ِن َرﺑِ َﻴعةَ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬اﻟ َﻜ ْعﺒَةَ‪ ،‬ﻓَ َﺪ َﻋﺎ َﻋﻠَﻰ نـَ َﻔ ٍﺮ ِم ْن ﻗـُ َﺮﻳْ ٍ‬‫اﺳﺘَـ ْﻘﺒَ َﻞ اﻟنِ ﱡ‬
‫ْ‬
‫‪223‬‬ ‫ﻴﻚ «‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪ ‬رْﻫﻄًﺎ ِمن اﻷَنْصﺎ ِر إِ َﱃ أَِﰊ راﻓِ ٍع ﻓَ َﺪﺧﻞ َﻋﻠَﻴ ِه َﻋﺒ ُﺪ ا ﱠِ ﺑن َﻋﺘِ ٍ‬ ‫ﺚ َر ُﺳ ُ‬ ‫»ﺑَـ َع َ‬
‫ُْ‬ ‫ََ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ﺚ اﻟنِﱠﱯ ﺻﻠﱠﻰ ﷲ ﻋﻠَﻴ ِه وﺳﻠﱠم ِدﺣﻴ َة اﻟ َﻜ ْﻠِ ِ ِ‬
‫‪326‬‬ ‫ﱯ ﺑِﻜﺘَﺎﺑِه إِ َﱃ َﻋﻈﻴ ِم ﺑُ ْ‬
‫صَﺮى‪ ،‬أَ ْن ﻳَ ْﺪﻓَـ َعهُ إِ َﱃ‬ ‫ﱠ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫ﺑـَ َع َ ﱡ َ‬
‫ص َﺮ‬
‫ﻗَـْﻴ َ‬
‫‪208‬‬ ‫َﺻﻼَِِ ْم َم ْن ﻳَـ ْعﺒُ ُﺪ ا ﱠَ َو ْﺣ َﺪهُ‪ ،‬ﻻَ ﻳُ ْﺸ ِﺮُك ﺑِِه َﺷْﻴـﺌًﺎ «‬ ‫ِ‬
‫» ﺑَ ْﻞ أ َْر ُجﻮ أَ ْن ُﳜْﺮ َِج ا ﱠُ م ْن أ ْ‬
‫‪270‬‬ ‫ﲔ‪ِ :‬ﻫ ْﺠ َﺮتُ ُﻜ ْم إِ َﱃ اﻟْ َم ِﺪﻳنَ ِة‪َ ،‬وِﻫ ْﺠَﺮتُ ُﻜ ْم إِ َﱃ ا ْﳊَﺒَ َﺸ ِة «‬‫»‪‬ﺑَﻞ ﻟَ ُﻜم ا ْﳍِ ْﺠﺮةُ َم ﱠﺮتَـ ْ ِ‬
‫ْ ُ َ‬
‫‪264‬‬ ‫» ﺑـَْﻴـنَﺎ أَ َ َ ﺋٌِم‪َ ،‬رأَﻳْـﺘُِﲏ ِﰲ اﳉَن ِﱠة‪ ،‬ﻓَﺈِ َذا ْامَﺮأَةٌ «‬
‫ﻴص ِة‪ ،‬إِ ْن أ ُْﻋ ِﻄ َﻲ َر ِﺿ َﻲ «‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪342‬‬ ‫ﺲ َﻋْﺒ ُﺪ اﻟ ّﺪﻳنَﺎ ِر‪َ ،‬و َﻋْﺒ ُﺪ اﻟ ّﺪ ْرَﻫ ِم‪َ ،‬و َﻋْﺒ ُﺪ اﳋَم َ‬ ‫»تَع َ‬
‫‪393‬‬ ‫ﻳﺪ ْاﻷ ََداءَ «‬ ‫ﺐ اﻟﱠ ِﺬي ﻳُِﺮ ُ‬ ‫ِ‬
‫» ثََﻼثَةٌ َﺣ ﱞق َﻋﻠَﻰ ا ﱠ َﻋ ﱠﺰ َو َج ﱠﻞ َﻋ ْﻮنـُ ُﻬ ْم‪ :‬اﻟْ ُم َﻜﺎتَ ُ‬

‫‪440‬‬
‫‪393‬‬ ‫ﻚ«‬
‫»اﻟﺜ َﱠم ُن َواﳉَ َم ُﻞ ﻟَ َ‬
‫‪63‬‬ ‫ﻴﺪ«‬‫ﺎﻃ ُﻞ َوَمﺎ ﻳُعِ ُ‬ ‫ئ اﻟﺒ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎء اﳊَ ﱡق َوَمﺎ ﻳـُْﺒﺪ ُ َ‬ ‫ﺎء اﳊَ ﱡق َوَزَﻫ َق اﻟﺒَﺎﻃ ُﻞ‪َ ،‬ج َ‬ ‫» َج َ‬
‫‪221‬‬ ‫ﱠﻀ ِﲑ‪َ ،‬وأَﻗَـ ﱠﺮ ﻗُـَﺮﻳْﻈَةَ َوَم ﱠن َﻋﻠَْﻴ ِﻬ ْم‪« ،‬‬ ‫ﱠﻀﲑ‪ ،‬وﻗُـﺮﻳﻈَةُ‪ ،‬ﻓَأَجﻠَﻰ ﺑ ِﲏ اﻟن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫» َﺣ َﺎرﺑَﺖ اﻟن ُ َ َ ْ‬
‫‪101‬‬ ‫ﱠﻀ ِﲑ َوﻗَﻄَ َع‪َ ،‬وِﻫ َﻲ اﻟﺒُـ َﻮﻳْـ َﺮةُ«‬ ‫ﻮل ا ﱠِ ‪َ ‬ﳔْﻞ ﺑ ِﲏ اﻟن ِ‬
‫ََ‬ ‫» َﺣﱠﺮ َق َر ُﺳ ُ‬
‫صﺎﺋِ ٌم َوُم ْﻔ ِﻄٌﺮ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ﱠﱯ ‪ِ‬ﰲ رم َ ِ‬
‫‪114‬‬ ‫ﱠﺎس ﳐُْﺘَﻠ ُﻔﻮ َن‪ ،‬ﻓَ َ‬ ‫ﻀﺎ َن إ َﱃ ُﺣنَـ ْﲔ‪َ ،‬واﻟن ُ‬ ‫ََ‬ ‫َﺧَﺮ َج اﻟنِ ﱡ‬
‫ِِ‬ ‫صﺮ‪ ،‬ﰒُﱠ َد َﻋﺎ ِ ﻷ َْزو ِاد ﻓَـﻠَ ْم ﻳـُ ْﺆ َ ِﱠ ِ ِ‬ ‫ﺻﻠﱠﻰ َ‬
‫‪73‬‬ ‫ي‪ ،‬ﻓَأَ َﻛ َﻞ َوأَ َﻛﻠْنَﺎ «‬ ‫ت إﻻ ﻟ ﱠﺴ ِﻮﻳق‪ ،‬ﻓَأ ََم َﺮ ﺑه ﻓَـﺜـُِّﺮ َ‬ ‫َ‬ ‫اﻟع ْ َ‬ ‫»َ‬
‫‪404‬‬ ‫ص َﻼةُ ﻓَـﻠْﻴُـ َﺆ ِذّ ْن «‬ ‫ﲔ َﻛ َﺬا‪ ،‬ﻓَِﺈذَا ﺣﻀﺮ ِ‬
‫ت اﻟ ﱠ‬ ‫َ ََ‬
‫ﺻ َﻼ َة َﻛ َﺬا ِﰲ ِﺣ ِ‬ ‫ﲔ َﻛ َﺬا‪َ ،‬و َ‬ ‫ﺻ َﻼ َة َﻛ َﺬا ِﰲ ِﺣ ِ‬ ‫ﺻﻠﱡﻮا َ‬ ‫»َ‬
‫‪356‬‬ ‫ﻮك َﻋﻠَﻰ اﻷَ ِﺳﱠﺮِة«‬ ‫»ﻋ ِﺠﺒﺖ ِمن ﻗَـﻮٍم ِمن أُﱠم ِﱵ ﻳـﺮَﻛﺒﻮ َن اﻟﺒﺤﺮ َﻛﺎﻟْمﻠُ ِ‬
‫َْ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ُْ ْ ْ ْ‬
‫‪203‬‬ ‫ﻮدهِ‪ ،‬ﻓَـَﺮﱠدهُ إِﻟَْﻴ ِﻬ ْم‬ ‫ﻓَﺠﺎء أَﺑﻮ جْن َﺪ ٍل َﳛﺠﻞ ِﰲ ﻗُـﻴ ِ‬
‫ُُْ ُ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫‪208‬‬ ‫» ﻓَـﺘَﺒِ َعْﺘهُ اﺑْـنَةُ ﲪََْﺰَة‪ ،‬تُـنَ ِﺎدي َ َﻋ ِّم َ َﻋ ِّم‪« ،‬‬
‫ِ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳـﻮم أ ٍ‬ ‫ِِ‬
‫‪90‬‬ ‫ﺖ ﻓَأَﻳْ َن أَ َ ؟‪.‬‬ ‫ﺖ إِ ْن ﻗُﺘْﻠ ُ‬ ‫ُﺣﺪ أ ََرأَﻳْ َ‬‫َْ َ ُ‬ ‫ﺎل َر ُج ٌﻞ ﻟﻠن ِّ‬ ‫ﻗَ َ‬
‫‪140‬‬ ‫ﺿ ْعنَﺎهُ «‬ ‫ِ‬ ‫» ﻗَ ْﺪ وﺿع ِ‬
‫اﻟﺴﻼَ َح؟ َوا ﱠ َمﺎ َو َ‬ ‫ﺖ ّ‬ ‫َ َْ َ‬
‫‪152‬‬ ‫ﻮل‪» :‬ﻻَ َﺣ َﺮ َج«‬ ‫ﱠﺤ ِﺮ ﲟِِ ًﲎ‪ ،‬ﻓَـﻴَـ ُﻘ ُ‬ ‫ﱠﱯ ‪ ‬ﻳُ ْﺴأ َُل ﻳـَ ْﻮَم اﻟن ْ‬ ‫َﻛﺎ َن اﻟنِ ﱡ‬
‫‪278‬‬ ‫» ﻟَ َﻘ ْﺪ َﺳ ُﻬ َﻞ ﻟَ ُﻜ ْم ِم ْن أ َْم ِﺮُﻛ ْم «‬
‫‪75‬‬ ‫ﻴﺖ إِ ْن َﱂْ أ َْﻋ ِﺪ ْل «‬ ‫ِ‬
‫» ﻟََﻘ ْﺪ َﺷﻘ ُ‬
‫‪255‬‬ ‫ﺎﺣ ِة ﻗَـ ْﻮٍم«‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ َﺧْﻴـﺒَـ ُﺮ‪ ،‬أ إذَا نَـَﺰﻟْنَﺎ ﺑ َﺴ َ‬ ‫»ا ﱠُ أَ ْﻛﺒَـ ُﺮ‪َ ،‬ﺧ ِﺮﺑَ ْ‬
‫‪190‬‬ ‫ﻳﺪ ِم ْن ثُ ِﺪﻳِّ ِﻬ َمﺎ إِ َﱃ تَـ َﺮاﻗِﻴ ِﻬ َمﺎ «‬‫ﺎن ِمن ﺣ ِﺪ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ﲔ َﻋﻠَْﻴ ِﻬ َمﺎ ُجﺒﱠـﺘَ ْ َ‬ ‫» َمﺜَﻞ اﻟﺒَ ِخ ِﻴﻞ واﳌْن ِﻔ ِق َﻛمﺜَ ِﻞ ر ُجﻠَ ْ ِ‬
‫َُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫‪258‬‬ ‫» َم ْﺮ َﺣﺒًﺎ ِ ُِّم َﻫﺎنِ ٍﺊ«‬
‫‪54‬‬ ‫ﺎد ِ ﻟﺪﱠﺑُﻮِر«‬ ‫ِ‬ ‫ت ِﻟ ﱠ‬ ‫ِ‬
‫ﺖ َﻋ ٌ‬ ‫صﺒَﺎ‪َ ،‬وأ ُْﻫﻠ َﻜ ْ‬ ‫»نُص ْﺮ ُ‬
‫‪109‬‬ ‫»نـَ َﻬﻰ َﻋ ْن ُمْﺘـ َع ِة اﻟنِّ َﺴ ِﺎء ﻳـَ ْﻮَم َﺧْﻴـﺒَـ َﺮ‪َ ،‬و َﻋ ْن أَ ْﻛ ِﻞ ُﳊُ ِﻮم اﳊُ ُم ِﺮ ا ِﻹنْ ِﺴﻴﱠ ِة«‬
‫‪89‬‬ ‫اﻟﻔ ْﺮَد ْو ِس اﻷ َْﻋﻠَﻰ«‬ ‫اﺣ َﺪةٌ ِﻫﻲ؟ أ َﺎ ِجنﺎ ٌن َﻛﺜِﲑةٌ‪ ،‬وأنه ِﰲ ِ‬ ‫ﺖ‪ ،‬أَجنﱠةٌ و ِ‬ ‫»ﻫﺒِْﻠ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪253‬‬ ‫ب«‬ ‫آﺧ ٌﺬ ﺑِﺮأْ ِس ﻓَـﺮِﺳ ِه‪َ ،‬ﻋﻠَْﻴ ِه أ ََداةُ اﳊﺮ ِ‬ ‫»ﻫ َﺬا ِج ِﱪﻳﻞ‪ِ ،‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ﺎس ﺑْ ِن َﻋْﺒ ِﺪ اﻟْمﻄﱠﻠِ ِ‬ ‫وِر ْ ِ ِ ِ‬
‫‪392‬‬ ‫ﻮع ُﻛﻠﱡهُ‬ ‫ﺿ ٌ‬‫ﺐ ﻓَأنهُ َم ْﻮ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َﺿ ُع ِرَ اﻟْ َعﺒﱠ ِ‬‫ﻮع َوأَﱠو ُل ِرَ أ َ‬ ‫ﺿ ٌ‬ ‫اﳉَﺎﻫﻠﻴِّة َم ْﻮ ُ‬ ‫ََ‬
‫‪181‬‬ ‫» َواﻟﱠ ِﺬي نَـ ْﻔ ِﺴﻲ ﺑِﻴَ ِﺪهِ‪ ،‬أن َﴰْﻠَﺘَهُ ﻟَﺘُ ْﺤَﺮ ُق َﻋﻠَْﻴ ِه ْاﻵ َن ِﰲ اﻟنﱠﺎ ِر َﻏﻠﱠ َﻬﺎ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫‪181‬‬ ‫ﻴﺐ أَنْـ ُﻔ ُﺴ ُﻬ ْم أَ ْن ﻳـَﺘَ َخﻠﱠ ُﻔﻮا «‬ ‫ﲔ ﻻَ تَﻄ ُ‬ ‫» َواﻟﱠﺬي نَـ ْﻔﺴﻲ ﺑِﻴَﺪه ﻟَْﻮﻻَ أن ِر َج ًﺎﻻ م َن اﳌُْﺆمن َ‬
‫‪61‬‬ ‫ﺎل ﻻَ إِﻟَ َه إِﱠﻻ ا ﱠُ«‪.‬‬ ‫ُﺳ َﺎمةُ‪ ،‬أَﻗَـﺘَـﻠْﺘَهُ ﺑـَ ْع َﺪ َمﺎ ﻗَ َ‬
‫»َ أ َ‬

‫‪441‬‬
 ‫ﺻنَ َع ُﺳ ْﺆًرا‪ ،‬ﻓَ َﺤ ﱠﻲ َﻫ ًﻼ ﺑِ ُﻜ ْم«‬ ‫ِ‬
‫‪72‬‬ ‫» َ أ َْﻫ َﻞ اﳋَْن َﺪق أن َجﺎﺑًِﺮا ﻗَ ْﺪ َ‬
‫‪144‬‬ ‫َﺧ َﺬ ِمْنهُ‪ ،‬أ َِم َن اﳊَﻼَ ِل أ َْم ِم َن اﳊََﺮِام«‬ ‫» َِْﰐ َﻋﻠَﻰ اﻟن ِ‬
‫ﱠﺎس َزَمﺎ ٌن‪ ،‬ﻻَ ﻳـُﺒَ ِﺎﱄ اﳌَْﺮءُ َمﺎ أ َ‬
‫ﻮل ا ﱠِ‪ ،‬أن نِﺴﺎء جع َﻔ ٍﺮ ﻓَ َﺬ َﻛﺮ ﺑ َﻜﺎءﻫ ﱠن‪ ،‬ﻓَأَمﺮه رﺳ ُ ِ‬
‫‪402‬‬ ‫ﻮل ا ﱠ ‪ ‬أَ ْن ﻳـَْنـ َﻬ ُ‬
‫ﺎﻫ ﱠن«‬ ‫َ َُ َ ُ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫» َ َر ُﺳ َ‬
‫‪402‬‬ ‫ﺎل‪» :‬اﻟْ َم ْﺴ ِﺠ ُﺪ ا ْﳊََﺮ ُام«‬ ‫ض أَﱠو ُل؟ ﻗَ َ‬ ‫ي َم ْﺴ ِﺠ ٍﺪ ُو ِﺿ َع ِﰲ ْاﻷ َْر ِ‬ ‫ﻮل ﷲِ‪ :‬أَ ﱡ‬ ‫َ َر ُﺳ َ‬
‫ﲔ ﻓَأَﻟﱠَﻔ ُﻜ ُم ا ﱠُ ِﰊ «‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪244‬‬ ‫صﺎ ِر‪ ،‬أََﱂْ أَج ْﺪ ُﻛ ْم ُ‬
‫ﺿ ﱠﻼًﻻ ﻓَـ َﻬ َﺪا ُﻛ ُم ا ﱠُ ِﰊ‪َ ،‬وُﻛْنـﺘُ ْم ُمﺘَـ َﻔِّﺮﻗ َ‬ ‫» َ َم ْع َﺸ َﺮ اﻷَنْ َ‬
‫‪405‬‬ ‫»ﻳﺴﺮا وﻻ تعﺴﺮا‪ ،‬وﺑﺸﺮا وﻻ تنﻔﺮا«‬

‫‪442‬‬
 ‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﺼﺎدر واﳌﺮاﺟﻊ‪:‬‬
‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ﻟﺮﺳﻢ اﻟﻌﺜﻤﺎﱐ ﺑﺮواﻳﺔ ورش ﻋﻦ ﻓﻊ‬
‫‪ .1‬إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن إﺑﺮاﻫﻴم ﻗﺮﻳﱯ‪ ،‬مﺮو ت ﻏﺰوة ﺑﲏ اﳌصﻄﻠق وﻫﻲ ﻏﺰوة اﳌﺮﻳﺴﻴع‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬ﻋمﺎدة اﻟﺒﺤﺚ‬
‫اﻟعﻠمﻲ ﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪.‬‬
‫‪ .2‬إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬ﺑﺮﻫﺎن اﻟﺪﻳن ااﻟﺒﻘﺎﻋﻲ‪ ،‬نﻈم اﻟﺪرر ﰲ تنﺎﺳﺐ اﻵ ت واﻟﺴﻮر‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻹﺳﻼمﻲ‪،‬‬
‫اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬
‫‪ .3‬إﺑﺮاﻫﻴم اﳌﻄﻠق‪ ،‬اﻟﺘﺪرج ﰲ دﻋﻮة اﻟنﱯ ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺌﻮن اﻹﺳﻼمﻴة واﻷوﻗﺎف‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1417‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .4‬إﺑﺮاﻫﻴم ﺑن مﻮﺳﻰ اﻷﺑنﺎﺳﻲ‪ ،‬اﻟﺸﺬا اﻟﻔﻴﺎح من ﻋﻠﻮم اﺑن اﻟصﻼح‪ ،‬ت‪ :‬ﺻﻼح ﻓﺘﺤﻲ ﻫﻠﻞ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪،‬‬
‫ط‪1418 ،1‬ﻫـ ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أﲪﺪ اﻟﺴﻴﺪ‪ ،‬رﺳﺎﻟة إﱃ اﳌﺪرﺳﲔ واﳌﺪرﺳﺎت‪ ،‬اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .6‬أﲪﺪ أﲪﺪ ﻏﻠﻮش‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة واﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ اﻟعﻬﺪ اﳌﺪﱐ‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1424‬ه‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬أﲪﺪ ﺑن إدرﻳﺲ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﻟﻘﺮاﰲ‪ ،‬اﻟﺬﺧﲑة‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺣﺠﻲ‪ ،‬ﺳعﻴﺪ أﻋﺮاب‪ ،‬ﷴ ﺑﻮ ﺧﺒﺰة‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب‬
‫اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1994 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬أﲪﺪ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ‪ ،‬اﻟﻜﻮراﱐ‪ ،‬اﻟﻜﻮثﺮ اﳉﺎري إﱃ ر ض أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ت ‪ :‬أﲪﺪ ﻋﺰو ﻋنﺎﻳة‪ ،‬دار‬
‫إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن ط‪ 1429 ،1‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬اﻟعﺴﻘﻼﱐ‪ ،‬اﻹﺻﺎﺑة ﰲ ﲤﻴﻴﺰ اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‬
‫ط‪ 1415 ،1‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .10‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺠﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬اﻟعﺴﻘﻼﱐ‪ ،‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1379 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .11‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﻘﻠﻘﺸنﺪي‪ ،‬ﺎﻳة اﻷرب ﰲ معﺮﻓة أنﺴﺎب اﻟعﺮب‪ ،‬ت‪ :‬إﺑﺮاﻫﻴم اﻹﺑﻴﺎري‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب‬
‫اﻟﻠﺒنﺎنﲔ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1400 ،2‬ﻫـ‪ 1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﳋﻄﻴﺐ‪ ،‬أﺑﻮﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺒﻐﺪادي‪ ،‬رﻳخ ﺑﻐﺪاد‪ ،‬ت‪ :‬اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﺸﺎر ﻋﻮاد معﺮوف‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب‬
‫اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬أﲪﺪ ﺑن ﷴ ﺑن أﰉ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﻟﻘﺴﻄﻼﱐ‪ ،‬إرﺷﺎد اﻟﺴﺎري ﻟﺸﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳌﻄﺒعة‬
‫اﻟﻜﱪى اﻷمﲑﻳة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪ 1323 ،7‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫‪ .14‬أﲪـ ــﺪ ﻋﻴﺴ ـ ــﺎوي‪ ،‬منﻬﺠﻴـ ــة اﻟﺒﺤـ ــﺚ ﰲ ﻋمﻠﻴـ ــة اﻻتص ـ ــﺎل اﻟـ ــﺪﻋﻮي‪ ،‬دار اﻟﻜﺘـ ــﺎب‪ ،‬اﻟﻘـ ــﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت ﰲ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬منﻬج اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋنﺪ أنﺒﻴﺎء ﷲ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬مﺪﺧﻞ إﱃ منﺎﻫج اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ط‪ ،1‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬أﲪﺪ ﻋﻴﺴﺎوي‪ ،‬دراﺳﺎت وأﲝﺎث ﰲ رﻳخ اﻟ ّﺪﻋﻮة واﻟﺪﻋﺎة‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﳊﺪﻳﺚ‪،‬‬
‫اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬
‫‪ .19‬أﲪـﺪ ﺑــن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮﻋﺒــﺪ ﷲ ﺑــن ﺣنﺒــﻞ اﻟﺸــﻴﺒﺎﱐ‪ ،‬اﳌﺴــنﺪ‪ ،‬ت‪ :‬ﺷــعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬مﺆﺳﺴــة اﻟﺮﺳــﺎﻟة‪1 ، ،‬ط‪،‬‬
‫‪ 1421‬ﻫـ‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻛﺎﰲ‪ ،‬منﻬج اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﰲ تصﺤﻴﺢ اﻷﺣﺎدﻳﺚ وتعﻠﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬دار اﺑن ﺣﺰم ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1422‬ﻫـ ‪ 2000 /‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬أﲪﺪ ﺑن اﳊﺴﲔ ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ‪ ،‬معﺮﻓة اﻟﺴنن واﻵ ر‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﳌعﻄﻲ أمﲔ ﻗﻠعﺠﻲ‪ ،‬دار‬
‫ﻗﺘﻴﺒة‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1412 ،1‬ﻫـ‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻠﻴم‪ ،‬تﻘﻲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﳉﻮاب اﻟصﺤﻴﺢ ﳌن ﺑﺪل دﻳن اﳌﺴﻴﺢ‪ ،‬ت‪:‬‬
‫ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺴن‪ ،‬دار اﻟعﺎﺻمة‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪2 ،1419‬ﻫـ‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬أﲪ ـ ــﺪ ﺑ ـ ــن ﻋﺒ ـ ــﺪ اﳊﻠ ـ ــﻴم‪ ،‬تﻘ ـ ــﻲ اﻟ ـ ــﺪﻳن‪ ،‬أﺑ ـ ــﻮ اﻟعﺒ ـ ــﺎس‪ ،‬اﺑ ـ ــن تﻴمﻴ ـ ــة‪ ،‬ﳎم ـ ــﻮع اﻟﻔﺘ ـ ــﺎوى‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒ ـ ــﺪ اﻟ ـ ــﺮﲪن‬
‫ﺑ ـ ـ ــن ﷴ ﺑـ ـ ــن ﻗﺎﺳ ـ ـ ــم‪ ،‬ﳎم ـ ـ ــع اﳌﻠ ـ ـ ــﻚ ﻓﻬ ـ ـ ــﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋ ـ ـ ــة اﳌص ـ ـ ــﺤﻒ اﻟﺸـ ـ ـ ـﺮﻳﻒ‪ ،‬اﳌﺪﻳن ـ ـ ــة اﻟنﺒﻮﻳ ـ ـ ــة‪ ،‬اﳌمﻠﻜ ـ ـ ــة اﻟعﺮﺑﻴ ـ ـ ــة‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة‪1416 ،‬ﻫـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬أﲪـ ــﺪ ﺑـ ــن ﻋﺒـ ــﺪ اﳊﻠـ ــﻴم‪ ،‬تﻘـ ــﻲ اﻟـ ــﺪﻳن‪ ،‬أﺑـ ــﻮ اﻟعﺒـ ــﺎس‪ ،‬اﺑـ ــن تﻴمﻴـ ــة‪ ،‬اﻟﺘﺪمﺮﻳـ ــة‪ ،‬مﻜﺘﺒـ ــة اﻟعﺒﻴﻜـ ــﺎن‪ ،‬اﻟـ ــﺮ ض‪،‬‬
‫ط‪1421 ،6‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻠﻴم‪ ،‬تﻘﻲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﻟﺰﻫﺪ واﻟﻮرع واﻟعﺒﺎدة‪ ،‬ت‪ :‬ﲪﺎد ﺳﻼمة‪،‬‬
‫مﻜﺘﺒة اﳌنﺎر‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪1407 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .26‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻠﻴم‪ ،‬تﻘﻲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﻟﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎذﱄ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ اﻟعمﺮان‪،‬‬
‫دار ﻋﺎﱂ اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬مﻜة‪ ،‬ط‪1429 ،1‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .27‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻠﻴم‪ ،‬تﻘﻲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﺑن تﻴمﻴة‪ ،‬اﳊﺴﺒة ت‪ :‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻳﻒ اﻟﺸﺤﻮد‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ 1425‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح زواوي‪ ،‬ﴰﺎﺋﻞ اﻟﺮﺳﻮل ‪) ،‬د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪ .‬ت(‪ ،‬دار اﻟﻘمة‪ ،‬اﻹﺳﻜنﺪرﻳة‪.‬‬
‫‪444‬‬
‫‪ .29‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ اﳋﻄﻴﺐ‪ ،‬أﺑﻮﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺒﻐﺪادي‪ ،‬رﻳخ ﺑﻐﺪاد‪ ،‬ت‪ :‬اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﺸﺎر ﻋﻮاد معﺮوف‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب‬
‫اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .30‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﳉصﺎص‪ ،‬اﻟﻔصﻮل ﰲ اﻷﺻﻮل‪ ،‬وزارة اﻷوﻗﺎف اﻟﻜﻮﻳﺘﻴة‪ ،‬ط‪1414 ،2‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬أﲪـ ـ ــﺪ ﺑـ ـ ــن ﻓـ ـ ــﺎرس‪ ،‬أﺑـ ـ ــﻮ اﳊﺴـ ـ ــﲔ‪ ،‬مﻘـ ـ ــﺎﻳﻴﺲ اﻟﻠﻐـ ـ ــة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒـ ـ ــﺪ اﻟﺴـ ـ ــﻼم ﷴ ﻫـ ـ ــﺎرون‪ ،‬دار اﻟﻔﻜـ ـ ــﺮ‪) ،‬د‪،‬‬
‫ط(‪1399 ،‬ﻫـ‪1979 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ .32‬أﲪﺪ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟعﺒﺎس‪ ،‬اﺑن ﺧﻠﻜﺎن‪ ،‬وﻓﻴﺎت اﻷﻋﻴﺎن وأنﺒﺎء أﺑنﺎء اﻟﺰمﺎن‪ ،‬ت‪ :‬إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺎس‪ ،‬دار‬
‫ﺻﺎدر‪ ،‬ﺑﲑوت )د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .33‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﲪﺎد‪ ،‬أﺑﻮ نصﺮ‪ ،‬اﳉﻮﻫﺮي‪ ،‬اﻟصﺤﺎح ج اﻟﻠﻐة وﺻﺤﺎح اﻟعﺮﺑﻴة ت‪ :‬أﲪﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻔﻮر ﻋﻄﺎر‪،‬‬
‫دار اﻟعﻠم ﻟﻠمﻼﻳﲔ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1407 ،4‬ﻫـ‪ 1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺪاء‪ ،‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﺒﺪاﻳة واﻟنﻬﺎﻳة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﶈﺴن اﻟﱰﻛﻲ‪ ،‬دار ﻫﺠﺮ‬
‫ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع واﻹﻋﻼن‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬ﻫـ‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .35‬إﲰﺎﻋﻴﻞ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺪاء‪ ،‬اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن اﻟعﻈﻴم‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺣﺴﲔ ﴰﺲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1419 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .36‬أﻛﺮم ﺿﻴﺎء اﻟعمﺮي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة اﻟصﺤﻴﺤة ﳏﺎوﻟة ﻟﺘﻄﺒﻴق ﻗﻮاﻋﺪ اﶈﺪثﲔ ﰲ نﻘﺪ روا ت اﻟﺴﲑة اﻟنﱠﺒﻮﻳّة‪،‬‬
‫مﻜﺘﺒة اﻟعﻠﻮم واﳊﻜم‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ط‪ 1415 ،6‬ﻫـ‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .37‬أﻳﻮب ﺑن مﻮﺳﻰ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﺒﻘﺎء‪ ،‬اﻟﻜﻔﻮمﻲ‪ ،‬ﻛﺘﺎب اﻟﻜﻠﻴﺎت‪ ، ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪1419 ،‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬ﺑﺮﻳﻚ ﺑن ﷴ اﻟعمﺮي‪ ،‬ﻏﺰوة مﺆتة واﻟﺴﺮا واﻟﺒعﻮث اﻟنﺒﻮﻳة اﻟﺸمﺎﻟﻴة‪ ،‬ﻋمﺎدة اﻟﺒﺤﺚ اﻟعﻠمﻲ ﳉﺎمعة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ﻫـ‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬ﺑﺴﺎم اﻟعمﻮش‪ ،‬ﻓﻘه اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ‪ ،‬ﻋمﺎن‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ﻫـ‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬ﲨعة ﻓﺘﺤﻲ ﻋﺒﺪ اﳊﻠﻴم‪ ،‬روا ت اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ ونﺴخه »دراﺳة نﻈﺮﻳة تﻄﺒﻴﻘﻴة«‪ ،‬دار اﻟﻔﻼح ﻟﻠﺒﺤﺚ‬
‫اﻟعﻠمﻲ وﲢﻘﻴق اﻟﱰاث‪ ،‬اﻟﻔﻴﻮم‪ ،‬ﲨﻬﻮرﻳة مصﺮ اﻟعﺮﺑﻴة‪ ،‬ط‪ 1424 ،1‬ﻫـ‪ 2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬ﺣﺎﻓﻆ اﳊﻜمﻲ‪ ،‬معﺎرج اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺸﺮح ﺳﻠم اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻋﻠم اﻷﺻﻮل‪ ،‬ت‪ :‬ﻋمﺮ ﺑن ﳏمﻮد‪ ،‬دار اﺑن‬
‫اﻟﻘﻴم‪ ،‬اﻟﺪمﺎم‪ ،‬ط‪ 1410 ،1‬ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬اﳊﺴﲔ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺮاﻏﺐ اﻷﺻﺒﻬﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻔﺮدات ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ :‬ﺻﻔﻮان ﻋﺪ ن‬
‫اﻟﺪاودي‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬اﻟﺪار اﻟﺸﺎمﻴة‪ ،‬دمﺸق ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،1‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫‪ .43‬اﳊﺴﲔ ﺑن ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﻄﻴﱯ‪ ،‬ﺷﺮح اﳌﺸﻜﺎة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﻫنﺪاوي مﻜﺘﺒة نﺰار مصﻄﻔﻰ اﻟﺒﺎز‪،‬‬
‫مﻜة اﳌﻜﺮمة‪ ،‬ط‪ 1417 ، ،1‬ﻫـ‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .44‬اﳊﺴﲔ آﻳﺖ ﺳعﻴﺪ‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟنﺒﻮﻳة وﺣﻲ‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة اﳌصﺤﻒ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪.‬‬
‫‪ .45‬ﲪﺰة ﷴ ﻗﺎﺳم‪ ،‬منﺎر اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬مﻜﺘﺒة دار اﻟﺒﻴﺎن‪ ،‬دمﺸق‪1410 ،‬‬
‫ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .46‬ﲪﻮد اﻟﺮﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬ﻗﻮاﻋﺪ مﻬمة ﰲ اﻷمﺮ ﳌعﺮوف واﻟنﻬﻲ ﻋن اﳌنﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬وزارة‬
‫اﻷوﻗﺎف اﻟﺴعﻮدﻳة‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .47‬رؤوف ﺷﻠﱯ‪ ،‬اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼمﻴة ﰲ ﻋﻬﺪﻫﺎ اﳌﻜﻲ‪ :‬منﺎﻫﺠﻬﺎ وﻏﺎ ﺎ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬ط‪) ،3‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .48‬رﻗﻴة ﺑنﺖ نصﺮ ﷲ نﻴﺎز‪ ،‬اﻟﺴنة اﻟنﺒﻮﻳة اﳌصﺪر اﻟﺜﺎﱐ ﻟﻠﺘﺸﺮﻳع اﻹﺳﻼمﻲ ومﻜﺎنﺘﻬﺎ من ﺣﻴﺚ اﻻﺣﺘﺠﺎج‬
‫واﳌﺮتﺒة واﻟﺒﻴﺎن واﻟعمﻞ‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة اﳌصﺤﻒ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪.‬‬
‫‪ .49‬ﺳﺎﱂ ﻋﻠﻲ اﻟﺒﻬنﺴﺎوي‪ ،‬ﺎﻓﺖ اﻟعﻠمﺎنﻴة ﰲ اﻟصﺤﺎﻓة اﻟعﺮﺑﻴة‪ ،‬دار اﻟﻮﻓﺎء ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪،‬‬
‫اﳌنصﻮرة‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪ 1410 ،1‬ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .50‬ﺳعﺪ اﳌﺮﺻﻔﻲ‪ ،‬اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ ﻟﻠﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ ‪2009 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .51‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑﺖ‪ ،‬اﳉﻮانﺐ اﻹﻋﻼمﻴة ﰲ ﺧﻄﺐ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺌﻮن اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة‬
‫اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .52‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻋﻘﻴﺪة اﳌﺴﻠم ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪،‬‬
‫ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪.‬‬
‫‪ .53‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﺷﺮح أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪،‬‬
‫اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪.‬‬
‫‪ .54‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺜمﺮ ا ﺘﲎ ﳐﺘصﺮ ﺷﺮح أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪،‬‬
‫)د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪ ،‬ت(‪.‬‬
‫‪ .55‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬مﻘﻮمﺎت اﻟﺪاﻋﻴة اﻟنﺎجﺢ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴنة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪،‬‬
‫اﻟﺮ ض‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﳉﺮﻳﺴﻲ ﻟﻠﺘﻮزﻳع واﻹﻋﻼن‪ ،‬اﻟﺮ ض‪.‬‬
‫‪ .56‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟ ّﺪﻋﻮة ﰲ ﺻﺤﻴﺢ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﻟﺮ ﺳة اﻟعﺎمة ﻹدارات‬
‫اﻟﺒﺤﻮث اﻟعﻠمﻴّة واﻹﻓﺘﺎء واﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫‪ .57‬ﺳعﻴﺪ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن وﻫﻒ اﻟﻘﺤﻄﺎﱐ ‪ ،‬اﻟعﻼﻗة اﳌﺜﻠﻰ ﺑﲔ اﻟﺪﻋﺎة ووﺳﺎﺋﻞ اﻹتصﺎل اﳊﺪﻳﺜة‪ ،‬مﻄﺒعة ﺳﻔﲑ‪،‬‬
‫اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪1432 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .58‬ﺳـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻠﻴمﺎن اﻟﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎجﻲ‪ ،‬أﺑـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻮ اﻟﻮﻟﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪ‪ ،‬اﳊـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺪود ﰲ اﻷﺻـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻮل‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺣﺴـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن إﲰﺎﻋﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻞ‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن ط‪ 1424 ،1‬ﻫـ‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .59‬ﺳﻴﺪ ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴنة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1397 ،3‬ﻫـ‪ 1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .60‬ﺳﻴﺪ ﺳﺎﺑق‪ ،‬ﻋنﺎﺻﺮ اﻟﻘﻮة ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬دار اﻟﺒعﺚ‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪) ،‬د‪.‬ط(‪1408 ،‬ه‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .61‬اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻠﻴمﺎن اﻟنﺪوي‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﻟة اﶈمﺪﻳة‪ ،‬دار اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .62‬ﺳﻴﺪ اﻟعﻔﺎﱐ‪ ،‬أﻋﻼم وأﻗﺰام ﰲ مﻴﺰان اﻹﺳﻼم‪ ،‬دار مﺎجﺪ ﻋﺴﲑي‪ ،‬جﺪة‪ ،‬ط‪ 1424 ،1‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‬
‫‪ .63‬ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ‪ ،‬ﰲ ﻇﻼل اﻟﻘﺮآن‪ ،‬دار اﻟﺸﺮوق‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،17‬ه‪.‬‬
‫‪ .64‬ﺷﺤﺎتة ﷴ ﺻﻘﺮ‪ ،‬ﺷﺮﻳعة ﷲ ﻻ ﺷﺮﻳعة اﻟﺒﺸﺮ‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬دار اﳋﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳن‪ ،‬اﻹﺳﻜنﺪرﻳة‪.‬‬
‫‪ .65‬ﺻﻔﻲ اﻟﺮﲪن اﳌﺒﺎرﻛﻔﻮري‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴق اﳌخﺘﻮم‪ ،‬دار اﳍﻼل‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .66‬ﻃﺎﻫﺮ اﳉﺰاﺋﺮي‪ ،‬تﻮجﻴه اﻟنﻈﺮ إﱃ أﺻﻮل اﻷثﺮ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح أﺑﻮ ﻏﺪة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﳌﻄﺒﻮﻋﺎت اﻹﺳﻼمﻴة‪،‬‬
‫ﺣﻠﺐ‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ﻫـ‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .67‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬منﻬج اﻟنﱯ ‪ ‬ﰲ ﲪﺎﻳة اﻟ ّﺪﻋﻮة واﶈﺎﻓﻈة ﻋﻠﻰ منﺠﺰا ﺎ ﺧﻼل اﻟﻔﱰة اﳌﻜﻴة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1416‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪ ،‬اﳌعﻬﺪ اﻟعﺎﳌﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼمﻲ‪.‬‬
‫‪ .68‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻔعﺎﻟﻴة اﳊﻀﺎرﻳة واﻟﺜﻘﺎﻓﻴة اﻟﺴننﻴة‪ ،‬دار ﻗﺮﻃﺒة‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .69‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬ﻗﻮاﻋﺪ اﳌنﻬج ﰲ اﳊﺮﻛة اﳊﻀﺎرﻳة ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴه اﻟﺴﻼم‪ ،‬دار ﻗﺎنة‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ .70‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬ﺣﺮﻛة ﲡﺪﻳﺪ اﻷمة ﻋﻠﻰ ﺧط اﻟﻔعﺎﻟﻴة اﻻجﺘمﺎﻋﻴـة‪ ،‬دار ﻗﺮﻃﺒـة‪ ،‬اﳉﺰاﺋـﺮ‪ ،‬ط‪1425 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ .71‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﻟﻘﺪوة اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬دار اﻟﺸﻬﺎب‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .72‬اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺮﻏﻮث‪ ،‬اﳋﻄﺎب اﻹﺳﻼمﻲ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬دار اﻻمﺘﻴﺎز‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .73‬ﻋﺎﻃﻒ رﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺻﻮر اﻹﻋﻼم اﻹﺳﻼمﻲ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬جﺎمعة اﳌﺪﻳنة اﻟعﺎﳌﻴة‪ ،‬مﺎﻟﻴﺰ ‪) ،‬ط‪.‬ب(‪،‬‬
‫‪ 1432‬ﻫـ‪ 2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .74‬ﻋﺒ ـ ــﺪ اﳊمﻴ ـ ــﺪ ﺑ ـ ــن دﻳ ـ ــﺲ‪ ،‬اﻟعﻘﺎﺋ ـ ــﺪ اﻹﺳ ـ ــﻼمﻴة‪ ،‬مﻜﺘﺒ ـ ــة اﻟﺸ ـ ــﺮﻛة اﳉﺰاﺋﺮﻳ ـ ــة مﺮازﻗ ـ ــه ﺑ ـ ــﻮ داود وﺷ ـ ــﺮﻛﺎؤﳘﺎ‪،‬‬
‫اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬ط‪) ،2‬د‪ ،‬ت(‪.‬‬
‫‪ .75‬ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ ﺑن دﻳﺲ‪ ،‬ﳎﺎﻟﺲ اﻟﺘﺬﻛﲑ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ﻫـ‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫‪ .76‬ﻋﺒــﺪ اﳊمﻴــﺪ ﻫنــﺪاوي‪ ،‬مــنﻬج اﻟ ـ ّﺪﻋﻮة ﰲ واﻗعنــﺎ اﳌعﺎﺻــﺮ‪ ،‬دار اﻵﻓــﺎق اﻟعﺮﺑﻴــة‪ ،‬اﻟﻘــﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ .77‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬تﺪرﻳﺐ اﻟﺮاوي ﰲ ﺷﺮح تﻘﺮﻳﺐ اﻟنﻮاوي‪ ،‬ت‪ :‬أﺑﻮ ﻗﺘﻴﺒة اﻟﻔﺎر ﰊ‪ ،‬دار‬
‫ﻃﻴﺒة‪) ،‬د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .78‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ‪ ،‬اﻻتﻘﺎن ﰲ ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬اﳍﻴﺌة اﳌصﺮﻳة‬
‫اﻟعﺎمة ﻟﻠﻜﺘﺎب‪ ،‬ط ‪1394‬ﻫـ‪ 1974 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .79‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم دمﺸق‪) ،‬د‪.‬ط(‪ .) ،‬ت(‪.‬‬
‫‪ .80‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬اﻟﺒﻼﻏة اﻟعﺮﺑﻴة دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬اﻟﺪار اﻟﺸﺎمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1416 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ .81‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺣﺴن ﺣﺒنﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﺻﺮاع مع اﳌﻼﺣﺪة ﺣﱴ اﻟعﻈم‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫‪ 1412‬ﻫـ‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .82‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺣﺴن ﺣنﺒﻚ اﳌﻴﺪاﱐ‪ ،‬ﻛﻮاﺷﻒ زﻳﻮف‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1412 ،2‬ﻫـ‪ 1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .83‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﻟﺰﻳﺪ‪ ،‬وﻗﻔﺎت مع أﺣﺎدﻳﺚ تﺮﺑﻴة اﻟنﱯ ‪ ‬ﻟصﺤﺎﺑﺘه‪ ،‬ﳎﻠة اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴة ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪،‬‬
‫اﻟﺴنة اﻟﺴﺎدﺳة واﻟﺜﻼثﻮن‪ ،‬اﻟعﺪد‪1424 ،112 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .84‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺮوض اﻷنﻒ ﰲ ﺷﺮح اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة ﻻﺑن ﻫﺸﺎم‪ ،‬ت‪:‬‬
‫ﻋمﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم اﻟﺴﻼمﻲ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪1421 ،1‬ه‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .85‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬ﲨﺎل اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺮج‪ ،‬اﳉﻮزي‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺮج‪ ،‬اﳌنﺘﻈم ﰲ رﻳخ اﻷمم واﳌﻠﻮك‪ ،‬ت‪:‬‬
‫ﷴ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﻄﺎ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،1‬ﻫـ‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .86‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬ﲨﺎل اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺮج‪ ،‬اﳉﻮزي‪ ،‬ﻛﺸﻒ اﳌﺸﻜﻞ من ﺣﺪﻳﺚ اﻟصﺤﻴﺤﲔ‪ ،‬ت‪:‬‬
‫ﻋﻠﻲ ﺣﺴﲔ اﻟﺒﻮاب‪ ،‬دار اﻟﻮﻃن‪ ،‬اﻟﺮ ض‪.‬‬
‫‪ .87‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺻﺮ اﻟﱪاك‪ ،‬تﻮﺿﻴﺢ مﻘﺎﺻﺪ اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪ ،‬دار اﻟﺘﺪمﺮﻳة‪ ،‬ط‪ 1432 ،3‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .88‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺻﺮ اﻟﺴعﺪي‪ ،‬تﻴﺴﲑ اﻟﻜﺮﱘ اﻟﺮﲪن ﰲ تﻔﺴﲑ ﻛﻼم اﳌنﺎن‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﻟﻠﻮﳛق‪،‬‬
‫مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬ﻫـ‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .89‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﺑن ﺻﺮ اﻟﺴعﺪي‪ ،‬ﺠة ﻗﻠﻮب اﻷﺑﺮار وﻗﺮة ﻋﻴﻮن اﻷﺧﻴﺎر ﰲ ﺷﺮح جﻮامع اﻷﺧﺒﺎر‪ ،‬وزارة‬
‫اﻟﺸﺌﻮن اﻹﺳﻼمﻴة واﻷوﻗﺎف واﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1423 ،4‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .90‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴم ﺑن اﳊﺴﲔ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬اﻟعﺮاﻗﻲ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟﺘﺒصﺮة واﻟﺘﺬﻛﺮة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ اﳍمﻴم ومﺎﻫﺮ‬
‫ﺳﲔ ﻓﺤﻞ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪448‬‬
‫‪ .91‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻋﻔﻴﻔﻲ‪ ،‬مﺬﻛﺮة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺆون اﻹﺳﻼمﻴة واﻷوﻗﺎف واﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة ط‪1420 ،1‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .92‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺑن ﳘﺎم‪ ،‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬ت‪ :‬ﺣﺒﻴﺐ اﻟﺮﲪن اﻷﻋﻈمﻲ‪ ،‬ا ﻠﺲ اﻟعﻠمﻲ‪ ،‬اﳍنﺪ ط‪،2‬‬
‫‪1403‬ه‪.‬‬
‫‪ .93‬ﻋﺒﺪ اﻟعﻈﻴم إﺑﺮاﻫﻴم ﷴ اﳌﻄعﲏ‪ ،‬ﲰﺎﺣة اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ واﻟعﻼﻗﺎت اﻹنﺴﺎنﻴة منﻬﺎجﺎ ‪...‬‬
‫وﺳﲑة‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬ﻫـ‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .94‬ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم اﻟﺴﻠمﻲ‪ ،‬اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﰲ اﺧﺘصﺎر اﳌﻘﺎﺻﺪ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ اﳌعﺎﺻﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫‪1416‬ه‪.‬‬
‫‪ .95‬ﻋﺒﺪ اﻟعﻈﻴم اﻟﺰرﻗﺎﱐ‪ ،‬منﺎﻫﻞ اﻟعﺮﻓﺎن‪ ،‬مﻄﺒعة ﻋﻴﺴﻰ اﻟﺒﺎﰊ اﳊﻠﱯ وﺷﺮﻛﺎه‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ .96‬ﻋﺒﺪ اﻟعﻈﻴم اﳌﻄعﲏ‪ ،‬ﲰﺎﺣة اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬ﻫـ‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .97‬ﻋﺒﺪ اﻟﻐﲏ اﳌﻘﺪﺳﻲ‪ ،‬اﻻﻗﺘصﺎد ﰲ اﻻﻋﺘﻘﺎد‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﺑن ﻋﻄﻴة ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﻐﺎمﺪي‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟعﻠﻮم‬
‫واﳊﻜم‪ ،‬اﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ﻫـ‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .98‬ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﺻﻮﰲ‪ ،‬اﳌﻔﻴﺪ ﰲ مﻬمﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪ ،‬دار اﻻﻋﻼم‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪1423-‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .99‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ زﻳﺪان‪ ،‬أﺻﻮل اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪ ،9‬ط‪1421‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫ﱂ أﺻ ــﻮل اﻟﻔﻘ ــه اﳌﻘ ــﺎرن‪ ،‬مﻜﺘﺒ ــة اﻟ ــﺮش‬ ‫رﱘ اﻟنمﻠ ــة‪ ،‬اﳌ ــه ذب ﰲ ع‬ ‫‪ .100‬ﻋ ــﺐ د اﻟ ــﻚ‬
‫ر ض‪ ،‬ط‪ 1420 ،1‬ه‪ ،‬ـ ‪ 1999‬م‪.‬‬ ‫د‪ ،‬ال‬
‫‪ .101‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ‪ ،‬اﻹﳝﺎن‪ :‬ﺣﻘﻴﻘﺘه‪ ،‬ﺧﻮارمه‪ ،‬نﻮاﻗﻀه ﻋنﺪ أﻫﻞ اﻟﺴنة واﳉمﺎﻋة‪ ،‬مﺪار اﻟﻮﻃن‬
‫ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪ 1424 ،1‬ﻫـ‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .102‬ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟعنﺰي‪ ،‬تﻴﺴﲑ ﻋﻠم أﺻﻮل اﻟﻔﻘه‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮ ن‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ .103‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑن ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺒﻐﻮي‪ ،‬معﺎﱂ اﻟﺘنﺰﻳﻞ ﰲ تﻔﺴﲑ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق‬
‫اﳌﻬﺪي‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت ط ‪1420 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .104‬ﻋﺒ ـ ـ ـ ــﺪ ﷲ ﺑ ـ ـ ـ ــن ﷴ‪ ،‬أﺑ ـ ـ ـ ــﻮ ﺑﻜ ـ ـ ـ ــﺮ‪ ،‬اﺑ ـ ـ ـ ــن أﰊ ﺷ ـ ـ ـ ــﻴﺒة‪ ،‬اﳌص ـ ـ ـ ــنﻒ ﰲ اﻷﺣﺎدﻳ ـ ـ ـ ــﺚ واﻵ ر‪ ،‬ت‪ :‬ﻛم ـ ـ ـ ــﺎل‬
‫ﻳﻮﺳﻒ اﳊﻮت‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪1 ،‬ط‪ 1409 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .105‬ﻋﺒﺪ اﶈﺴن اﻟعﺒﺎد اﻟﺒﺪر‪ ،‬اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري وﻛﺘﺎﺑه اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ‪ ،‬اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴة ﳌﺪﻳنة اﳌنﻮرة‪،‬‬
‫اﻟﺴنة اﻟﺜﺎنﻴة‪ ،‬اﻟعﺪد اﻟﺮاﺑع رﺑﻴع اﻟﺜﺎﱐ ‪1390‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫‪ .106‬ﻋﺒــﺪ اﳌﻠــﻚ ﺑــن ﻫﺸــﺎم‪ ،‬أﺑــﻮ ﷴ‪ ،‬اﻟﺴــﲑة اﻟنﺒﻮﻳــة‪ ،‬ت‪ :‬مصــﻄﻔﻰ اﻟﺴــﻘﺎ‪ ،‬وإﺑـﺮاﻫﻴم اﻷﺑﻴــﺎري وﻋﺒــﺪ اﳊﻔــﻴﻆ‬
‫اﻟﺸﻠﱯ‪ ،‬ﺷﺮﻛة مﻜﺘﺒة ومﻄﺒعة مصﻄﻔﻰ اﻟﺒﺎﰊ اﳊﻠﱯ وأوﻻده ﲟصﺮ‪ ،‬ط‪1375 ،2‬ﻫـ‪ 1955 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .107‬ﻋﺜمﺎن ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‪ ،‬أﺑﻮ ﻋمﺮو‪ ،‬اﺑن اﻟصﻼح‪ ،‬معﺮﻓـة أنـﻮاع ﻋﻠـﻮم اﳊـﺪﻳﺚ‪ ،‬ت‪ :‬نـﻮر اﻟـﺪﻳن ﻋـﱰ‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺳﻮر ‪) ،‬د‪.‬ط(‪1406 ،‬ﻫـ‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .108‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ اﳉﺰري‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﺑن اﻷثﲑ‪ ،‬اﻟﻜﺎمﻞ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳخ‪ ،‬ت‪ :‬ﻋمﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم تﺪمﺮي‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .109‬اﺑن أﰊ اﻟعﺰ‪ ،‬ﺻﺪر اﻟﺪﻳن ﷴ اﺑن أﰊ اﻟعﺰ اﳊنﻔﻲ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻄﺤﺎوﻳة‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪،‬‬
‫مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1417 ،10‬ﻫـ‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .110‬اﻟعﻈﻴم آ دي‪ ،‬ﻋﻮن اﳌعﺒﻮد ﺷﺮح ﺳنن أﰊ داود‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،2‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .111‬ﻋﻼء اﻟﺪﻳن اﺑن اﻟعﻄﺎر‪ ،‬اﻟعﺪة ﰲ ﺷﺮح اﻟعمﺪة ﰲ أﺣﺎدﻳﺚ اﻷﺣﻜﺎم‪ ،‬دار اﻟﺒﺸﺎﺋﺮ اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ط‪ 1427 ،1‬ﻫـ‪ 2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .112‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﺣﺰم‪ ،‬أﺑﻮ ﷴ‪ ،‬اﻟﻈﺎﻫﺮي‪ ،‬جﻮامع اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪) ،‬د‪.‬ط(‪،‬‬
‫)د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .113‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﺑﻠﺒﺎن‪ ،‬اﻷمﲑ ﻋﻼء اﻟﺪﻳن اﻟﻔﺎرﺳﻲ‪ ،‬اﻹﺣﺴﺎن ﰲ تﻘﺮﻳﺐ ﺻﺤﻴﺢ اﺑن ﺣﺒﺎن‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ‬
‫اﻷر ؤوط‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت ط‪1414 ،2‬ه‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .114‬ﻋﻠﻲ ﺑن اﳊﺴن اﳍنﺎﺋﻲ‪ ،‬اﻷزدي‪ ،‬اﳌنﺘخﺐ من ﻏﺮﻳﺐ ﻛﻼم اﻟعﺮب‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺑن أﲪﺪ اﻟعمﺮي‪ ،‬جﺎمعة‬
‫أم اﻟﻘﺮى‪ ،‬مﻜة اﳌﻜﺮمة‪ ،‬ط‪1409 ،1‬ﻫـ‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .115‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﻟنﺪوي‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة‪ ،‬دار اﺑن ﻛﺜﲑ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1425 ،12‬ﻫـ‬
‫‪ .116‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﻟنﺪوي‪ ،‬مﺎذا ﺧﺴﺮ اﻟعﺎﱂ ﳓﻄﺎط اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻹﳝﺎن‪،‬‬
‫اﳌنصﻮرة‪ ،‬مصﺮ‪.‬‬
‫‪ .117‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳊﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬إﱃ اﻹﺳﻼم من جﺪﻳﺪ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬دمﺸق ط‪،4‬‬
‫‪ 1399‬ﻫـ‪ 1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .118‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ اﳉﺮجﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط ‪ 1403 ،1‬ﻫـ‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .119‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﳌﻼ اﻟﻘﺎري‪ ،‬مﺮﻗﺎة اﳌﻔﺎتﻴﺢ ﺷﺮح مﺸﻜﺎة اﳌصﺎﺑﻴﺢ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .120‬ﻋﻠﻲ ﺑن ﺧﻠﻒ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳌﻠﻚ‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴﲔ‪ ،‬اﺑن ﺑﻄﺎل‪ ،‬ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬ت أﺑﻮ ﲤﻴم ﺳﺮ ﺑن‬
‫إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪2 ،1423‬ﻫـ‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪450‬‬
 ‫‪ .121‬ﻋﻠﻲ ﷴ اﻟ ﱠ‬
‫صﻼﱠﰊ‪ ،‬اﻟﻮﺳﻄﻴة ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬اﻟﺸﺎرﻗة‪ ،‬اﻹمﺎرات‪ ،‬ط‪1422 ،1‬‬
‫ﻫـ‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .122‬ﻋﻠﻲ اﻟصﻼﰊ‪ ،‬تﺒصﲑ اﳌﺆمنﲔ ﺑﻔﻘه اﻟنصﺮ واﻟﺘمﻜﲔ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟصﺤﺎﺑة‪ ،‬اﻟﺸﺎرﻗة‪،‬‬
‫اﻹمﺎرات‪ ،‬ط ‪ 1422 ،1‬ﻫـ‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .123‬ﻋمﺎد اﻟﺪﻳن ﺧﻠﻴﻞ‪ ،‬دراﺳة ﰲ اﻟﺴﲑة‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1425 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪ .124‬ﻋمﺮ ﺑن ﺳﻠﻴمﺎن اﻷﺷﻘﺮ‪ ،‬اﻟﺮﺳﻞ واﻟﺮﺳﺎﻻت‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪1410 ،4‬‬
‫ﻫـ‪ 1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .125‬ﻋمﺮ ﺑن ﺳﻠﻴمﺎن ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﻷﺷﻘﺮ‪ ،‬اﻟﻘﻴﺎمة اﻟصﻐﺮى‪ ،‬دار اﻟنﻔﺎﺋﺲ ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫‪ 1411‬ﻫـ‪ 1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .126‬ﻋمﺮ ﺑن ﻋﻠﻲ‪ ،‬أﺑﻮ ﺣﻔﺺ‪ ،‬اﺑن اﳌﻠﻘن‪ ،‬اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻟﺸﺮح اﳉﺎمع اﻟصﺤﻴﺢ ت‪ :‬دار اﻟﻔﻼح ﻟﻠﺒﺤﺚ‬
‫اﻟعﻠمﻲ وﲢﻘﻴق اﻟﱰاث‪ ،‬دار اﻟنﻮادر‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1429 ،1‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .127‬ﻋمﺮ ﻛﺤﺎﻟة‪ ،‬معﺠم ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟعﺮب‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪ 1414 ،7‬ﻫـ‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .128‬ﻋﻮﻳﺪ اﳌﻄﺮﰲ‪ ،‬آ ت ﻋﺘﺎب اﳌصﻄﻔﻰ ‪ ‬ﰲ ﺿﻮء اﻟعصمة واﻻجﺘﻬﺎد‪ ،‬ﻛﻠﻴة اﻟﺸﺮﻳعة واﻟﺪراﺳﺎت‬
‫اﻹﺳﻼمﻴة ﲜﺎمعة اﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬مﻜة اﳌﻜﺮمة‪ ،‬ط‪ 1426 ،3‬ﻫـ‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .129‬ﻋﻴﺎض ﺑن مﻮﺳﻰ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬مﺸﺎرق اﻷنﻮار ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺎح اﻵ ر‪) ،‬د‪.‬ت(‪) ،‬د‪ .‬ط( اﳌﻜﺘﺒة اﻟعﺘﻴﻘة‬
‫ودار اﻟﱰاث‪.‬‬
‫‪ .130‬ﻓﺮﻳﺪ اﻷنصﺎري‪ ،‬ﺑﻼغ اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟﻘﺮآن ﻳة؛ من أجﻞ إﺑصﺎر ﻵ ت اﻟﻄﺮﻳق‪ ،‬دار اﻟﺴﻼم ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ‬
‫واﻟﺘﻮزﻳع واﻟﱰﲨة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪،‬‬
‫‪ .131‬اﻟﻘﺎﺳم ﺑن ﺳﻼّم ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋُﺒﻴﺪ‪ ،‬اﻟنﺎﺳخ واﳌنﺴﻮخ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟعﺰﻳﺰ ومﺎ ﻓﻴه من اﻟﻔﺮاﺋﺾ‬
‫واﻟﺴنن‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ اﳌﺪﻳﻔﺮ‪ ،‬مﻜﺘﺒه اﻟﺮﺷﺪ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪ 1418 ،2‬ه‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .132‬ﻛﺎمﻠة اﻟﻜﻮاري‪ ،‬ا ﻠﻰ ﰲ ﺷﺮح اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﳌﺜﻠﻰ ﰲ ﺻﻔﺎت ﷲ وأﲰﺎﺋه اﳊﺴﲎ‪ ،‬دار اﺑن ﺣﺰم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1422‬ه‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .133‬مﺒﺎرك اﳌﻴﻠﻲ اﳉﺰاﺋﺮي‪ ،‬رﺳﺎﻟة اﻟﺸﺮك ومﻈﺎﻫﺮه‪ ،‬ت‪ :‬أﰊ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﳏمﻮد‪ ،‬دار اﻟﺮاﻳة ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪،‬‬
‫ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .134‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬أﻋﻼم اﳌﻮﻗعﲔ ﻋن رب اﻟعﺎﳌﲔ‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم‬
‫إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬ﻫـ‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .135‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬جﻼء اﻷﻓﻬﺎم ﰲ ﻓﻀﻞ اﻟصﻼة ﻋﻠﻰ ﷴ ﺧﲑ اﻷ م‪،‬‬
‫ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬دار اﻟعﺮوﺑة‪ ،‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‪ ،‬ط‪1407 ،2‬ه‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪451‬‬
‫‪ .136‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬اجﺘمﺎع اﳉﻴﻮش اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻮاد ﻋﺒﺪ ﷲ اﳌعﺘق‪،‬‬
‫ط‪1408 ،1‬ﻫـ‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .137‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬زاد اﳌعﺎد ﰲ ﻫﺪي ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1415 ،27‬ﻫـ‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .138‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬ﻫﺪاﻳة اﳊﻴﺎرى ﰲ أجﻮﺑة اﻟﻴﻬﻮد واﻟنصﺎرى‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ‬
‫أﲪﺪ اﳊﺎج‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دار اﻟﺸﺎمﻴة‪ ،‬جﺪة‪ ،‬اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط ‪1416 ،1‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .139‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن ﻗﻴم اﳉﻮزﻳة‪ ،‬ﺑﺪاﺋع اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬‬
‫ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .140‬ﷴ ﺑن أﲪﺪ اﻷزﻫﺮي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻟﻠﻐة‪ ،‬ت‪ ،‬ﷴ مﺮﻋﺐ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت ط ‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .141‬ﷴ ﺑن أﲪﺪ‪ ،‬ﴰﺲ اﻟﺪﻳن‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﺬﻫﱯ‪ ،‬ﺳﲑ أﻋﻼم اﻟنﺒﻼء‪ ،‬دار اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪،‬‬
‫‪1427‬ﻫـ‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .142‬ﷴ ﺑن إدرﻳﺲ اﻟﺸﺎﻓعﻲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﺷﺎﻛﺮ‪ ،‬مﻜﺘﺒه اﳊﻠﱯ‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1358‬ﻫـ‪1940 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .143‬ﷴ ﺑن إدرﻳﺲ اﻟﺸﺎﻓعﻲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﲨﺎع اﻟعﻠم‪ ،‬دار اﻷ ر‪ ،‬ط‪1423 ،1‬ﻫـ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .144‬ﷴ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ‪ ،‬أﺑﻮ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬تﻮﺿﻴﺢ اﻷﻓﻜﺎر ﳌعﺎﱐ تنﻘﻴﺢ اﻷنﻈﺎر ت‪ :‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‬
‫ﺻﻼح ﺑن ﷴ ﺑن ﻋﻮﻳﻀة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .145‬ﷴ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﺒخﺎري‪ ،‬اﳉﺎمع اﳌﺴنﺪ اﻟصﺤﻴﺢ اﳌخﺘصﺮ من أمﻮر رﺳﻮل ﷲ ‪‬‬
‫وﺳننه وأ مه‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ زﻫﲑ ﺑن ﺻﺮ اﻟنﺎﺻﺮ‪ ،‬دار ﻃﻮق اﻟنﺠﺎة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .146‬ﷴ ﺑن ﺳعﺪ ﺑن منﻴع‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﱪى‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﻄﺎ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪ 1410 ،1‬ﻫـ‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .147‬ﷴ اﻷمﲔ اﻟﺸنﻘﻴﻄﻲ‪ ،‬أﺿﻮاء اﻟﺒﻴﺎن ﰲ إﻳﻀﺎح اﻟﻘﺮآن ﻟﻘﺮآن‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬ط(‪1415 ،‬‬
‫ﻫـ‪ 1995 ،‬مـ‪.‬‬
‫‪ .148‬ﷴ ﺑن ﺻﺎﱀ ﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﳌﺜﻠﻰ ﰲ ﺻﻔﺎت ﷲ وأﲰﺎﺋه اﳊﺴﲎ‪ ،‬اﳉﺎمعة اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬اﳌﺪﻳنة‬
‫اﳌنﻮرة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .149‬ﷴ ﺑن ﺻﺎﱀ ﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟعﻘﻴﺪة اﻟﻮاﺳﻄﻴة‪ ،‬دار اﺑن اﳉﻮزي ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪ 1421 ،6‬ﻫـ ‪.‬‬
‫‪ .150‬ﷴ ﺑن ﺻﺎﱀ ﺑن ﻋﺜﻴمﲔ‪ ،‬ﺷﺮح ر ض اﻟصﺎﳊﲔ‪ ،‬دار اﻟﻮﻃن ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪) ،‬د‪ .‬ط(‪ 1426 ،‬ﻫـ‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫‪ .151‬ﷴ ﺑن جﺮﻳﺮ‪ ،‬أﺑﻮ جعﻔﺮ‪ ،‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬جﺎمع اﻟﺒﻴﺎن ﻋن وﻳﻞ آي اﻟﻘﺮآن‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﷴ ﺷﺎﻛﺮ‪ ،‬مﺆﺳﺴة‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪ 1420 ،‬ﻫـ‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .152‬ﷴ ﺑن جﺮﻳﺮ‪ ،‬أﺑﻮ جعﻔﺮ‪ ،‬اﻟﻄﱪي‪ ،‬رﻳخ اﻟﺮﺳﻞ واﳌﻠﻮك‪ ،‬دار اﻟﱰاث‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1387 ،2‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .153‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﱘ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﺘﺢ‪ ،‬اﻟﺸﻬﺮﺳﺘﺎﱐ‪ ،‬اﳌﻠﻞ واﻟنﺤﻞ‪) ،‬د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﳊﻠﱯ‪.‬‬
‫‪ .154‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﳉﻴﺎﱐ‪ ،‬اﻷﻟﻔﺎظ اﳌخﺘﻠﻔة ﰲ اﳌعﺎﱐ اﳌﺆتﻠﻔة‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺣﺴن ﻋﻮاد‪ ،‬دار اﳉﻴﻞ‪ ،‬ﺑﲑوت‬
‫ط‪1411 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .155‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﳊﺎﻛم اﻟنﻴﺴﺎﺑﻮري‪ ،‬اﳌﺴﺘﺪرك ﻋﻠﻰ اﻟصﺤﻴﺤﲔ‪ ،‬ت‪ :‬مصﻄﻔﻰ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﻘﺎدر ﻋﻄﺎ‪ ،‬اﻟنﺎﺷﺮ‪ :‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬ه‪.1990 ،‬‬
‫‪ .156‬ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ ﺑن آدم اﻹثﻴﻮﰊ‪ ،‬ذﺧﲑة اﻟعﻘﱮ ﰲ ﺷﺮح ا ﺘﱮ‪ ،‬دار اﳌعﺮاج اﻟﺪوﻟﻴة ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬ط‪) ،1‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .157‬ﷴ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬ﻓخﺮ اﻟﺪﻳن اﻟﺮازي‪ ،‬مﻔﺎتﻴﺢ اﻟﻐﻴﺐ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ط‪ 1420 ،3‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .158‬ﷴ ﺑن ﻋمﺮ اﳊﻀﺮمﻲ‪ ،‬ﺣﺪاﺋق اﻷنﻮار ومﻄﺎﻟع اﻷﺳﺮار‪ ،‬دار اﳊﺎوي‪1998 ،‬م‪) ،‬د‪.‬ط(‪ ،‬ﺑﲑوت‪.‬‬
‫‪ .159‬ﷴ ﺑن أﰊ ﺑﻜﺮ اﻟﺪمﺎمﻴﲏ‪ ،‬مصﺎﺑﻴﺢ اﳉﺎمع‪ ،‬دار اﻟنﻮادر‪ ،‬ﺳﻮر ‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .160‬ﷴ ﺑن إﺳﺤﺎق ﺑن ﻳﺴﺎر اﳌﻄﻠﱯ‪ ،‬ﺳﲑة اﺑن إﺳﺤﺎق‪ ،‬ت‪:‬ﺳﻬﻴﻞ زﻛﺎر‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت ط‪،1‬‬
‫‪1398‬ﻫـ‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .161‬ﷴ ﺑن إﺳﺤﺎق‪ ،‬أﺑﻮﺑﻜﺮ‪ ،‬اﺑن ﺧﺰﳝة‪ ،‬ﺻﺤﻴﺢ اﺑن ﺧﺰﳝة‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ مصﻄﻔﻰ اﻷﻋﻈمﻲ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺐ‬
‫اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.‬‬
‫‪ .162‬ﷴ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬أﺑﻮ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬تﻮﺿﻴﺢ اﻷﻓﻜﺎر ﳌعﺎﱐ تنﻘﻴﺢ اﻷنﻈﺎر ت‪ :‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‬
‫ﺻﻼح ﺑن ﷴ ﺑن ﻋﻮﻳﻀة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .163‬ﷴ ﺑن إﲰﺎﻋﻴﻞ‪ ،‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬ﺑن ﺧﻠﻔﻮن‪ ،‬اﳌعﻠم ﺑﺸﻴﻮخ اﻟﺒخﺎري ومﺴﻠم‪ ،‬ت‪ :‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن ﻋﺎدل ﺑن‬
‫ﺳعﺪ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .164‬ﷴ ﺑن ﻓﺘﻮح‪ ،‬اﻷزدي‪ ،‬تﻔﺴﲑ ﻏﺮﻳﺐ مﺎ ﰲ اﻟصﺤﻴﺤﲔ اﻟﺒخﺎري ومﺴﻠم‪ ،‬ت‪ :‬زﺑﻴﺪة ﷴ ﺳعﻴﺪ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟعﺰﻳﺰ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺴنة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1415 ،1‬ه‪ 1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .165‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﺑﻜﺮ‪ ،‬اﺑن اﻟعﺮﰊ‪ ،‬اﳌﺴﺎﻟﻚ ﰲ ﺷﺮح مﻮﻃأ مﺎﻟﻚ‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1428‬ﻫـ‪ 2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .166‬ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﺘﻬﺎنﻮي‪ ،‬مﻮﺳﻮﻋة ﻛﺸﺎف اﺻﻄﻼﺣﺎت اﻟﻔنﻮن واﻟعﻠﻮم‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﻠﻲ دﺣﺮوج‪ ،‬مﻜﺘﺒة ﻟﺒنﺎن‬
‫ﺷﺮون‪ ،‬ﺑﲑوت ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬

‫‪453‬‬
 ‫‪ .167‬ﷴ اﻟﱪﻛة‪ ،‬ﻓﻘه اﻟ ّﺪﻋﻮة ﻋنﺪ ﻓﺮﻳﺪ اﻷنصﺎري‪ ،‬دار اﻟﺴﻼم‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪1433 ،1‬ه‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .168‬ﷴ أﺑﻮ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺒﻴﺎنﻮﱐ‪ ،‬اﳌﺪﺧﻞ إﱃ ﻋﻠم اﻟ ّﺪﻋﻮة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،3‬ه‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .169‬ﷴ إمﺎم‪ ،‬من رواﺋع أﰉ اﳊﺴن اﻟنﺪوي ﰲ اﻟ ّﺪﻋﻮة إﱃ ﷲ‪ ،‬مﻄﺒعة اﻟﺴﻼم‪ ،‬مﻴﺖ ﻏمﺮ‪ ،‬مصﺮ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 2005‬م‪.‬‬
‫‪ .170‬ﷴ اﻟﺒﺸﲑ اﻻﺑﺮاﻫﻴمﻲ‪ ،‬آ ر اﻹﺑﺮاﻫﻴمﻲ‪ ،‬ت‪ :‬أﲪﺪ ﻃﺎﻟﺐ اﻹﺑﺮاﻫﻴمﻲ‪ ،‬دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ .171‬ﷴ ﲨﺎل اﻟﺪﻳن اﻟﻘﺎﲰﻲ‪ ،‬ﳏﺎﺳن اﻟﺘأوﻳﻞ‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺳﻞ ﻋﻴﻮن اﻟﺴﻮد‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ط‪ 1418 ،1‬ﻫـ‪.(191/9) ،‬‬
‫‪ .172‬ﷴ ﺣﺎزم ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴم‪ ،‬وﻗﻔﺎت مع ﻗﻀﺎ معﺎﺻﺮة ﺷﺒﻬﺎت ردود‪ ،‬ﺑﺪاﻳة ﻟﻺنﺘﺎج اﻹﻋﻼمﻲ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 2010‬م‪ 1431 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .173‬ﷴ اﻟﺰﺣﻴﻠﻲ‪ ،‬اﻟﻮجﻴﺰ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘه اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬دار اﳋﲑ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ 1427‬ﻫـ‪ 2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .174‬ﷴ ﺑن ﺻﺎمﻞ اﻟﺴﻠمﻲ‪ ،‬ﺻﺤﻴﺢ اﻷثﺮ وﲨﻴﻞ اﻟعﱪ من ﺳﲑة ﺧﲑ اﻟﺒﺸﺮ ‪ ،‬مﻜﺘﺒة رواﺋع اﳌمﻠﻜة‪،‬‬
‫جﺪة‪ ،‬ط‪ 1431 ،1‬ﻫـ‪ 2010 ،‬م‪.‬‬
‫ﻓﺘﺢ اﻟﺒﻴﺎن ﰲ مﻘﺎﺻﺪ اﻟﻘﺮآن ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺒة اﻟعصﺮﻳﱠة ﻟﻠﻄﺒَﺎﻋة‬ ‫‪ .175‬ﷴ ﺻﺪﻳق ﺧﺎن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ‪ِ ،‬‬
‫اﻟﻘنﱠﻮجﻲ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫واﻟنّ ْﺸﺮ‪ ،‬ﺑَﲑوت)د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫اﻟﻘنﱠﻮجﻲ ‪ ،‬ﻗﻄﻒ اﻟﺜمﺮ ﰲ ﺑﻴﺎن ﻋﻘﻴﺪة أﻫﻞ اﻷثﺮ‪ ،‬وزارة اﻟﺸﺆون‬ ‫‪ .176‬ﷴ ﺻﺪﻳق ﺧﺎن‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ‪ِ ،‬‬
‫اﻹﺳﻼمﻴة واﻷوﻗﺎف واﻟ ّﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ﻫـ‪.‬‬
‫ﳏمﺪ اﳊﺴﻴﲏ‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻴﺾ‪ ،‬اﻟﱠﺰﺑﻴﺪي‪ ،‬ج اﻟعﺮوس من جﻮاﻫﺮ اﻟﻘﺎمﻮس‪ ،‬ت‪ :‬ﳎمﻮﻋة من‬ ‫‪ّ .177‬‬
‫ﳏمﺪ ﺑن ّ‬
‫اﶈﻘﻘﲔ‪ ،‬دار اﳍﺪاﻳة)د‪.‬ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .178‬ﷴ ﺑــن أﲪــﺪ‪ ،‬أﺑــﻮ اﻟﻮﻟﻴــﺪ‪ ،‬اﺑــن رﺷــﺪ اﻷنﺪﻟﺴــﻲ‪ ،‬ﺑﺪاﻳــة ا ﺘﻬــﺪ و ﺎﻳــة اﳌﻘﺘصــﺪ‪ ،‬دار اﳊــﺪﻳﺚ‪ ،‬اﻟﻘــﺎﻫﺮة‪،‬‬
‫)د‪.‬ط(‪1425 ،‬ﻫـ‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .179‬ﷴ ﺑن اﳊﺴن اﻟﻔﺎﺳﻲ‪ ،‬اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﺎمﻲ ﰲ رﻳـخ اﻟﻔﻘـه اﻹﺳـﻼمﻲ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘـﺐ اﻟعﻠمﻴـة‪ ،‬ﺑـﲑوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1416‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .180‬ﷴ اﻟﺰﻫﺮاﱐ‪ ،‬تﺪوﻳن اﻟﺴنة اﻟنﺒﻮﻳة نﺸأته وتﻄﻮره من اﻟﻘﺮن اﻷول إﱃ ﺎﻳة اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳع اﳍﺠﺮي‪ ،‬دار‬
‫اﳍﺠﺮة ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ﻫـ‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪454‬‬
 ‫‪ .181‬ﷴ أﺑﻮ زﻫﺮة‪ ،‬اﳊﺪﻳﺚ واﶈﺪثﻮن‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ اﻟعﺮﰊ‪) ،‬د‪ .‬ط(‪1378 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .182‬ﷴ ﺑن ﷴ‪ ،‬اﺑن ﺳﻴﺪ اﻟنﺎس‪ ،‬ﻋﻴﻮن اﻷثﺮ ﰲ ﻓنﻮن اﳌﻐﺎزي واﻟﺸمﺎﺋﻞ واﻟﺴﲑ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1414‬ه‪.1993 ،‬‬
‫‪ .183‬ﷴ ﺳﻠﻴمﺎن اﳌنصﻮرﻓﻮري‪ ،‬رﲪة ﻟﻠعﺎﳌﲔ‪ ،‬تﺮﲨة‪ :‬ﲰﲑ ﻋﺒﺪ اﳊمﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬دار اﻟﺴﻼم ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪،‬‬
‫اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪) ،1‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .184‬ﷴ أﺑﻮ ﺷﻬﺒة‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻘﺮآن واﻟﺴنة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1427 ،8‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .185‬ﷴ اﻟصنعﺎﱐ‪ ،‬اﻟﺘنﻮﻳﺮ ﺷﺮح اﳉﺎمع اﻟصﻐﲑ‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ إﺳﺤﺎق إﺑﺮاﻫﻴم‪ ،‬مﻜﺘﺒة دار اﻟﺴﻼم‪ ،‬اﻟﺮ ض‪،‬‬
‫ط‪ 1432 ،1‬ه‪ 2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .186‬ﷴ اﻟصﻮ ﱐ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة ﻛمﺎ جﺎءت ﰲ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟصﺤﻴﺤة مﻜﺘﺒة اﻟعﺒﻴﻜﺎن‪ ،‬ط‪ 1424 ،5‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪ 2004‬م‪.‬‬
‫‪ .187‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ اﳋﺮﺷﻲ‪ ،‬ﺷﺮح ﳐﺘصﺮ ﺧﻠﻴﻞ ﻟﻠخﺮﺷﻲ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة‪ ،‬ﺑﲑوت‪) ،‬د‪ .‬ط(‪،‬‬
‫)د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .188‬ﷴ ﺑن ﻋﺒﺪ اﳍﺎدي‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﻟﺴنﺪي‪ ،‬ﺣﺎﺷﻴة اﻟﺴنﺪي ﻋﻠﻰ ﺳنن اﺑن مﺎجه‪ ،‬دار اﳉﻴﻞ‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫)د‪.‬ت(‪) ،‬د‪ .‬ط(‪.‬‬
‫‪ .189‬ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻷثﻴﻮﰊ‪ ،‬إﺳعﺎف ذوي اﻟﻮﻃﺮ ﺑﺸﺮح نﻈم اﻟﺪرر ﰲ ﻋﻠم اﻷثﺮ‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﻐﺮ ء‪ ،‬اﳌﺪﻳنة‬
‫اﳌنﻮرة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪ 1414 ،1‬ﻫـ‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .190‬ﷴ اﻟعﻮاجﻲ‪ ،‬أﳘﻴة دراﺳة اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة واﻟعنﺎﻳة ﺎ ﰲ ﺣﻴﺎة اﳌﺴﻠمﲔ‪ ،‬ﳎمع اﳌﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﻟﻄﺒﺎﻋة‬
‫اﳌصﺤﻒ اﻟﺸﺮﻳﻒ‪.‬‬
‫‪ .191‬ﷴ ا ممﻲ‪ ،‬اﻟﺘنصﲑ ﻋﱪ اﳋﺪمﺎت اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴة ﻟﺸﺒﻜة اﳌعﻠﻮمﺎت اﻟعﺎﳌﻴة‪ ،‬ﻛﻠﻴة اﻟﱰﺑﻴة‪ ،‬جﺎمعة اﳌﻠﻚ‬
‫ﺳعﻮد‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪1433 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .192‬ﷴ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ ﺣﺎمﺪ‪ ،‬اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬اﳌﻘصﺪ اﻷﺳﲎ ﰲ ﺷﺮح معﺎﱐ أﲰﺎء ﷲ اﳊﺴﲎ‪ ،‬ت‪ :‬ﺑﺴﺎم ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﻮﻫﺎب اﳉﺎﰊ‪ ،‬ﻗﱪص ط‪1407 ،1‬ه‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .193‬ﷴ اﳌﻐﺮاوي‪ ،‬مﻮﺳﻮﻋة مﻮاﻗﻒ اﻟﺴﻠﻒ ﰲ اﻟعﻘﻴﺪة واﳌنﻬج واﻟﱰﺑﻴة‪ ،‬اﳌﻜﺘﺒة اﻹﺳﻼمﻴة ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪،‬‬
‫اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .194‬ﷴ ﺑن مﻮﺳﻰ اﻟﺸﺮﻳﻒ‪ ،‬اﻟﺘﻮرﻳﺚ اﻟﺪﻋﻮي‪ ،‬دار اﻷنﺪﻟﺲ اﳋﻀﺮاء ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬جﺪة‪ ،‬اﳌمﻠﻜة‬
‫اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪ 1422 ،1‬ﻫـ‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .195‬ﷴ ﻋﺒ ـ ـ ــﺪ اﻟ ـ ـ ــﺮؤوف اﳌن ـ ـ ــﺎوي‪ ،‬اﻟﺘﻮﻗﻴ ـ ـ ــﻒ ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ مﻬم ـ ـ ــﺎت اﻟﺘع ـ ـ ــﺎرﻳﻒ‪ ،‬ﻋ ـ ـ ــﺎﱂ اﻟﻜﺘ ـ ـ ــﺐ‪ ،‬اﻟﻘـ ـ ــﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1410‬ﻫـ‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪455‬‬
‫‪ .196‬ﷴ ﺑن ﻋﻠﻲ اﻟﺘمﻴمﻲ‪ ،‬اﻟصﻔﺎت اﻹﳍﻴة تعﺮﻳﻔﻬﺎ‪ ،‬أﻗﺴﺎمﻬﺎ‪ ،‬أﺿﻮاء اﻟﺴﻠﻒ‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة‬
‫اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ﻫـ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .197‬ﷴ ﺑن ﻋمﺮ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﻟﻮاﻗﺪي‪ ،‬اﳌﻐﺎزي‪ ،‬ت‪ :‬مﺎرﺳﺪن جﻮنﺲ‪ ،‬دار اﻷﻋﻠمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪ 1409‬ه‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .198‬ﷴ ﻋمﻴم اﻹﺣﺴﺎن ا ﺪدي اﻟﱪﻛﱵ‪ ،‬اﻟﺘعﺮﻳﻔﺎت اﻟﻔﻘﻬﻴة‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ط ‪1424 ،1‬ﻫـ‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ .199‬ﷴ اﻟﻐﺰاﱄ‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴﲑة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬تخ‪ :‬ﷴ ﺻﺮ اﻟﺪﻳن اﻷﻟﺒﺎﱐ‪ ،‬ط‪ 1427 ،1‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .200‬ﷴ اﻟﻄﺎﻫﺮ‪ ،‬ﺑن ﻋﺎﺷﻮر‪ ،‬اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ واﻟﺘنﻮﻳﺮ‪ ،‬اﻟﺪار اﻟﺘﻮنﺴﻴة ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬تﻮنﺲ‪ 1984 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .201‬ﷴ ﺑن ﷴ ﺣﺴن ﺷﺮاب‪ ،‬اﳌعﺎﱂ اﻷثﲑة ﰲ اﻟﺴنة واﻟﺴﲑة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬اﻟﺪار اﻟﺸﺎمﻴة‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ط‪1411 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .202‬ﷴ ﺑن مﻜﺮم‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ‪ ،‬اﺑن منﻈﻮر‪ ،‬ﻟﺴﺎن اﻟعﺮب‪ ،‬دار ﺻﺎدر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1414 ،3‬ه‪.‬‬
‫‪ .203‬ﷴ ﺑن ﻳﺰﻳﺪ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﺑن مﺎجه اﻟﻘﺰوﻳﲏ‪ ،‬اﻟﺴنن‪ ،‬أ ﺑﻮاب اﻟﺴنة‪ ،‬ب أتﺒﺎﻋﺴنة اﳋﻠﻔﺎء‪ ،‬ت‪:‬‬
‫ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬دار اﻟﺮﺳﺎﻟة اﻟعﺎﳌﻴة‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬ﻫـ‪ 2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .204‬ﷴ ﺑن ﻳعﻘﻮب أﺑﻮ ﻃﺎﻫﺮ‪ ،‬اﻟﻔﲑوزآ دي‪ ،‬اﻟﻘﺎمﻮس اﶈﻴط‪ ،‬ت‪ :‬مﻜﺘﺐ ﲢﻘﻴق اﻟﱰاث ﰲ مﺆﺳﺴة‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة ﻟﻠﻄﺒﺎﻋة واﻟنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪ 1426 ،8‬ﻫـ‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .205‬ﷴ ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﻟصﺎﳊﻲ‪ ،‬ﺳﺒﻞ اﳍﺪى واﻟﺮﺷﺎد ﰲ ﺳﲑة ﺧﲑ اﻟعﺒﺎد‪ ،‬ت‪ :‬ﻋﺎدل أﲪﺪ ﻋﺒﺪ اﳌﻮجﻮد‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .206‬ﷴ ﺑن ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻜﺮمﺎﱐ‪ ،‬اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﺪراري ﰲ ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1356 ،1‬ﻫـ‪1937 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .207‬ﳏمﻮد ﺑن أﲪﺪ‪ ،‬أﺑﻮ ﷴ‪ ،‬ﺑﺪر اﻟﺪﻳن اﻟعﻴﲏ‪ ،‬ﻋمﺪة اﻟﻘﺎري ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒخﺎري‪) ،‬د‪ ،‬ط(‪) ،‬د‪،‬‬
‫ت(‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.‬‬
‫‪ .208‬ﳏمﻮد ﺑن ﻋمﺮو‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬اﻟﻔﺎﺋق ﰲ ﻏﺮﻳﺐ اﳊﺪﻳﺚ واﻷثﺮ‪ ،‬ت‪ ،‬ﻋﻠﻲ ﷴ اﻟﺒﺠﺎوي‪،‬‬
‫دار اﳌعﺮﻓة‪ ،‬ﻟﺒنﺎن ط‪) ،2‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .209‬ﳏمﻮد ﺑن ﻋمﺮو‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬أﺳﺎس اﻟﺒﻼﻏة‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﺳﻞ ﻋﻴﻮن اﻟﺴﻮد‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ‬
‫اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1419 ،1‬ﻫـ‪ 1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .210‬ﳏمﻮد ﺑن ﻋمﺮو‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬اﻟﻜﺸﺎف ﻋن ﺣﻘﺎﺋق ﻏﻮامﺾ اﻟﺘنﺰﻳﻞ‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟعﺮﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1407 ،3‬ه‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫‪ .211‬ﳏمﻮد ﺑن ﻋمﺮو‪ ،‬أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳم‪ ،‬اﻟﺰﳐﺸﺮي‪ ،‬رﺑﻴع اﻷﺑﺮار ونصﻮص اﻷﺧﻴﺎر‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻷﻋﻠمﻲ‪ ،‬ﺑﲑوت‬
‫ط‪ 1412 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .212‬ﳏمﻮد ﺷﻜﺮي اﻷﻟﻮﺳﻲ‪ ،‬أﺑﻮ اﳌعﺎﱄ‪ ،‬اﻟﺴﻴﻮف اﳌﺸﺮﻗة وﳐﺘصﺮ اﻟصﻮاﻋق اﶈﺮﻗة‪ ،‬ت‪ :‬ﳎﻴﺪ اﳋﻠﻴﻔة‪،‬‬
‫مﻜﺘﺒة اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري ﻟﻠنﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳع‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ ،‬ط‪ 1429 ،1‬ﻫـ‪ 2008 ،‬م‬
‫‪ .213‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﺪ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1422 ،7‬ه‪.‬‬
‫‪ .214‬ﳏمﻮد ﺷﻴﺖ ﺧﻄﺎب‪ ،‬ﺑﲔ اﻟعﻘﻴﺪة واﻟﻘﻴﺎدة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪ 1419 ،1‬ﻫـ‪ 1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .215‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺰرﻗﺎ‪ ،‬ﺷﺮح اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻔﻘﻬﻴة‪ ،‬دار اﻟﻘﻠم‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1409 ،2‬ﻫـ‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .216‬معمﺮ ﺑن اﳌﺜﲎ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪة‪ ،‬ﺷﺮح نﻘﺎﺋﺾ جﺮﻳﺮ واﻟﻔﺮزدق‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ إﺑﺮاﻫﻴم ﺣﻮر‪ ،‬وﻟﻴﺪ ﳏمﻮد ﺧﺎﻟﺺ‪،‬‬
‫ا مع اﻟﺜﻘﺎﰲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻇﱯ‪ ،‬اﻹمﺎرات‪ ،‬ط‪1998 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ .217‬مﺴﻠم ﺑن اﳊﺠﺎج‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺴن‪ ،‬اﻟﻘﺸﲑي اﻟنﻴﺴﺎﺑﻮري‪ ،‬اﳌﺴنﺪ اﻟصﺤﻴﺢ اﳌخﺘصﺮ ﺑنﻘﻞ اﻟعﺪل ﻋن‬
‫اﻟعﺪل إﱃ رﺳﻮل ﷲ ‪ ،‬ت‪ :‬ﷴ ﻓﺆاد ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺎﻗﻲ‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪ ،‬ﺑﲑوت‪.‬‬
‫‪ .218‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ‪ ،‬من رواﺋع ﺣﻀﺎرتنﺎ‪ ،‬دار اﻟﻮراق ﻟﻠنﺸﺮ‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط ‪ 1420 ،1‬ﻫـ‪ 1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .219‬مصﻄﻔﻰ اﻟﺴﺒﺎﻋﻲ‪ ،‬اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة دروس وﻋﱪ‪ ،‬اﳌﻜﺘﺐ اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ 1405 ،3‬ﻫـ‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .220‬منﺎع اﻟﻘﻄﺎن‪ ،‬مﺒﺎﺣﺚ ﰲ ﻋﻠﻮم اﻟﻘﺮآن‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﳌعﺎرف‪ ،‬اﻟﺮ ض‪ ،‬ط‪1421 ،3‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .221‬منﲑ اﻟﻐﻀﺒﺎن‪ ،‬ﻓﻘه اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة‪ ،‬جﺎمعة أم اﻟﻘﺮى‪ ،‬مﻜة‪ ،‬ط‪1413 ،3‬ه‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .222‬جﻲ ﺑن داﻳﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن‪ ،‬دﻟﻴﻞ اﻟﺪاﻋﻴة‪ ،‬دار ﻃﻴﺒة اﳋﻀﺮاء‪ ،‬ط‪) ،1‬د‪ ،‬ت(‪.‬‬
‫‪ .223‬دﻳة ﺷﺮﻳﻒ اﻟعمﺮي‪ ،‬أﺿﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓة اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ط‪1422 ،9‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟﺮﺷﺪ‪،‬‬ ‫‪ .224‬ﺻﺮ ﺑن ﻋﻠﻲ ﻋﺎﺋﺾ ﺣﺴن‪ ،‬ﻋﻘﻴﺪة أﻫﻞ اﻟﺴنة واﳉمﺎﻋة ﰲ اﻟصﺤﺎﺑة اﻟﻜﺮام‬
‫اﻟﺮ ض‪ ،‬اﳌمﻠﻜة اﻟعﺮﺑﻴة اﻟﺴعﻮدﻳة‪ ،‬ط‪1421 ،3‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .225‬نﻮر اﻟﺪﻳن ﺑن ﳐﺘﺎر اﳋﺎدمﻲ‪ ،‬ﻋﻠم اﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻋﻴة‪ ،‬مﻜﺘﺒة اﻟعﺒﻴﻜﺎن‪ ،‬ط‪1 ،142‬ﻫـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .226‬نﻮر اﻟﺪﻳن ﷴ ﻋﱰ‪ ،‬منﻬج اﻟنﻘﺪ ﰲ ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ دمﺸق‪ ،‬ﺳﻮر ‪ ،‬ط‪1418 ،3‬ه‪،‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ .227‬مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ‪ ،‬اﻟﻘﻀﺎ اﻟﻜﱪى‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1420 :‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .228‬مﺎﻟﻚ ﺑن نﱯ‪ ،‬مﺬﻛﺮات ﺷﺎﻫﺪ ﻟﻠﻘﺮن‪ ،‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬دمﺸق‪ ،‬ط‪1420 :‬ﻫـ‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .229‬ﳎمﻮﻋة من أﺳﺎتﺬة ﻛﻠﻴة اﻟعﻠﻮم اﻹﺳﻼمﻴة تنة‪ ،‬اﳉﺰاﺋﺮ‪ ،‬منﻬﺠﻴة اﻟﺒﺤﺚ ﰲ اﻟعﻠﻮم اﻹﺳﻼمﻴة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1437‬ه‪2016 ،‬م‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫‪ .230‬وﺣﻴﺪ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﱄ‪ ،‬اﳋﻼﺻة اﻟﺒﻬﻴة ﰲ تﺮتﻴﺐ أﺣﺪاث اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة‪ ،‬دار اﻟﻔﻮاﺋﺪ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫مصﺮ‪ 1428 ،‬ﻫـ ‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .231‬ﻗﻮت ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬اﳊمﻮي‪ ،‬معﺠم اﻟﺒﻠﺪان‪ ،‬دار ﺻﺎدر‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1995 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ .232‬ﳛﲕ ﺑن ﺷﺮف‪ ،‬أﺑﻮ زﻛﺮ ‪ ،‬اﻟنﻮوي‪ ،‬اﳌنﻬﺎج ﺷﺮح ﺻﺤﻴﺢ مﺴﻠم ﺑن اﳊﺠﺎج‪ ،‬دار إﺣﻴﺎء اﻟﱰاث اﻟعﺮﰊ‪،‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1392 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪ .233‬ﳛﲕ ﺑن ﺷﺮف‪ ،‬أﺑﻮ زﻛﺮ ‪ ،‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻷﲰﺎء واﻟﻠﻐﺎت‪ ،‬دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪.‬‬
‫ط(‪) ،‬د‪.‬ت(‪.‬‬
‫‪ .234‬ﳛﲕ ﺑن ﺷﺮف‪ ،‬أﺑﻮ زﻛﺮ ‪ ،‬اﻟنﻮوي‪ ،‬ر ض اﻟصﺎﳊﲔ‪ ،‬ت‪ :‬ﺷعﻴﺐ اﻷر ؤوط‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪،‬‬
‫ﻟﺒنﺎن‪ ،‬ط‪1419 ،3‬ﻫـ‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .235‬ﳛﲕ ﺑن ﷴ‪ ،‬أﺑﻮ اﳌﻈﻔﺮ‪ ،‬اﺑن ُﻫﺒﲑة‪ ،‬اﻹﻓصﺎح ﻋن معﺎﱐ اﻟصﺤﺎح‪ ،‬ت‪ :‬ﻓﺆاد ﻋﺒﺪ اﳌنعم أﲪﺪ‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻮﻃن‪1417 ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ .236‬ﻳﻮﺳﻒ ﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن‪ ،‬أﺑﻮ اﳊﺠﺎج‪ ،‬اﳌﺰي‪ ،‬ﺬﻳﺐ اﻟﻜمﺎل ﰲ أﲰﺎء اﻟﺮجﺎل‪ ،‬ت‪ :‬ﺑﺸﺎر ﻋﻮاد‬
‫معﺮوف‪ ،‬مﺆﺳﺴة اﻟﺮﺳﺎﻟة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪ 1400 ،1‬ه‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .237‬ﻳﻮﺳﻒ ﺑن ﻋﺒﺪ ﷲ‪ ،‬أﺑﻮ ﻋمﺮ‪ ،‬اﺑن ﻋﺒﺪ اﻟﱪ‪ ،‬اﻻﺳﺘﺬﻛﺎر‪ ،‬ت‪ :‬ﺳﺎﱂ ﷴ ﻋﻄﺎ‪ ،‬ﷴ ﻋﻠﻲ معﻮض‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻜﺘﺐ اﻟعﻠمﻴة‪ ،‬ﺑﲑوت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬ه‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .238‬ﻳﻮﺳﻒ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﲪن اﳌﺮﻋﺸﻠﻲ‪ ،‬ﻋﻠم ﻓﻬﺮﺳة اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬نﺸأته‪ ،‬تﻄﻮره‪ ،‬أﺷﻬﺮ مﺎ ُدون ﻓﻴه‪ ،‬دار اﳌعﺮﻓة‪.‬‬
‫ﺑﲑوت‪ ،‬ﻟﺒنﺎن‪) ،‬د‪ .‬ط(‪) ،‬د‪ .‬ط(‪ .‬أﺣﻴﺎ تعﺘمﺪ اﺳم اﻟﺸﻬﺮة ﻟﻠمﺆﻟﻒ واﺣﻴﺎ ﻻ ؟ ﻗﺎرن ﺑﲔ اﳌﻠﻮنﲔ مﺜﻼ ﻋﻠﻴﻚ‬
‫اﻟﺘﺰام ﻃﺮﻳﻘة واﺣﺪة ﺳﻮاء ﰲ اﳌﺮاجع او اﳍﻮامﺶ‬
‫‪ .239‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬دور اﻟﻘﻴم واﻷﺧﻼق ﰲ اﻻﻗﺘصﺎد اﻹﺳﻼمﻲ‪ ،‬ط‪ 1415 ،1‬ه‪1995 ،‬م‪ ،‬مﻜﺘﺒة‬
‫وﻫﺒة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬
‫‪ .240‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬جﻴﻞ اﻟنصﺮ اﳌنﺸﻮد‪ ،‬ط‪1412 ،3‬ه‪1992 ،‬م‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬
‫‪ .241‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬ﻓﻘه اﻷوﻟﻮ ت‪1416 ،‬ه‪1996 ،‬م‪ ،‬مﻜﺘﺒة وﻫﺒة‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬
‫‪ .242‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ ،‬من ﻓﻘه اﻟﺪوﻟة ﰲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ط‪ ،3‬دار اﻟﺸﺮوق‪ ،‬مصﺮ‪1422 ،‬ه‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪458‬‬
 ‫ﻓﻬﺮس اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ ‪1...............................................................................‬‬
‫ﲤﻬﻴﺪ‪ :‬ﺿﺒﻂ اﳌﺼﻄﻠﺤﺎت وﺗﻌﺮﻳف ﻟﺒﺨﺎري وﺻﺤﻴﺤﻪ‪13 ............................... .‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻷﺑﻌﺎد ‪15 .........................................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟ ّﺪﻋﻮة ‪20 .........................................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﻟﻐﺰوات ‪25 .......................................................‬‬
‫ﺼﺤﻴﺢ ‪31 ..............................‬‬‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘّﻌﺮﻳف ﻟﺒﺨﺎري وﻛﺘﺎﺑﻪ اﳉﺎﻣﻊ اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف ﻹﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري ‪31 .................................................‬‬
‫ﺼﺤﻴﺢ ‪37 ...............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘّﻌﺮﻳف ﳉﺎﻣﻊ اﻟ ﱠ‬
‫ﺼﺤﻴﺢ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﲟﻮﺿﻮع اﻟ ِّﺪراﺳﺔ ‪42 .......................‬‬‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻛﺘﺐ وأﺑﻮاب اﻟ ﱠ‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‪:‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﻴّﺔ‪50 ................................................‬‬
‫ـﺪﻳّﺔ ‪51 ........................................‬‬ ‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪:‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﻌﻖ‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪:‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻹﳍﻴﺎت‪52 ..................................... .‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﳌﻌﺮﻓﺔ واﻹﺛﺒﺎت ‪52 ..........................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘﺼﺪ واﻟﻄﻠﺐ ‪69 ...........................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ّ‬
‫ﻟﺴﻤﻌﻴﺎت ‪78 ....................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ّ‬
‫ﻟﻨﺒﻮة ‪78 ..........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻐﻴﺒﻴﺎت ‪94 ........................................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ ‪108 ...........................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻷﺻﻮل اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ ‪108 ....................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ ‪108 .........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻨﱠﺒﻮﻳﺔ ‪118 ..........................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﳌﺼﺎدر اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻊ اﻟﺘﺒﻌﻴّﺔ ‪133 ...............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻺﲨﺎع ‪133 ..............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻘﻴﺎس ‪136 ...............................................‬‬
‫‪459‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ ﰲ اﻟﻐﺰوات ‪142 ........................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ اﻟﺘّﻌﺒﺪي ‪142 ......................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ اﳌﻌﺎﻣﻼﰐ ‪149 ......................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺸﺮﻳﻌﻲ اﳉﻨﺎﺋﻲ‪157 ...............................‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ ‪162 ............................................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ‪164 ...................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ‪165 .............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻓﻀﻞ اﻟﻌﻠﻢ وﺣﺎﺟﺔ اﻟﺪاﻋﻴّﺔ إﻟﻴﻪ ‪165 .......................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻓﻘﻪ اﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ﳌﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟ ّﺪﻋﻮة وﻣﺘﻄﻠﺒﺎ ﺎ ‪169 ...............................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ واﻟﻘﻴﺎدﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ‪183 ...................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ اﻟﺬاﺗﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ‪184 ......................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ‪199 ..................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﺼﻔﺎت اﻟﻘﻴﺎدﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﻟ ّﺪاﻋﻴّﺔ ‪210 .....................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﺪﻋﻮ ‪219 .....................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻘﻮق اﳌﺪﻋﻮ ‪220 ...............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻖ ﺗﺒﻠﻴﻎ اﻟ ّﺪﻋﻮة ‪220 ..............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻖ اﻟﻌﻨﺎﻳّﺔ ﺑﻜﻞ اﻟﻔﺌﺎت ‪223 ........................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳊﻖ اﳌﺘﺎﺑﻌﺔ اﳌﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﻤﺪﻋﻮﻳﻦ ‪227 .......................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﳊﻖ اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺪﻋﻮي ‪231 .................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺻﻨﺎف اﳌﺪﻋﻮﻳﻦ ‪236 ............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺼﻨف اﳌﻸ ‪237 ...................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺼﻨف اﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ‪245 ................................‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﻨﻬﺠﻴّﺔ ‪256 ...........................................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﻮﺟﺪاﱐ‪258 .................................. .‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻮﻋﻈﺔ اﳊﺴﻨﺔ ‪258 ............................................‬‬

‫‪460‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻮﻋﻆ ﳋﻄﺎﺑﺔ ‪259 ..............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻮﻋﻆ ﻟﱰغﻴﺐ واﻟﱰﻫﻴﺐ ‪267 ....................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ اﳊﺴﻨﺔ ‪273 .............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻘﻮل اﳊﺴﻦ ‪273 ........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳌﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﳊﺴﻦ‪280 .........................................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﻌﻘﻠﻲ ‪288 ......................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻘﻴﺎس اﻟﻌﻘﻠﻲ ‪288 .............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب ﻗﻴﺎس اﻷوﱃ ‪288 .................................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ ‪292 ......................................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﳉﺪل اﻟﻌﻘﻠﻲ ‪296 ..............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﺗﻌﺮﻳف اﳉﺪل وﺑﻴﺎن ﺿﻮاﺑﻄﻪ ‪296 ..........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﳕﺎذج ﻣﻦ اﻷﺳﻠﻮب اﳉﺪﱄ ﰲ اﻟﻐﺰوات ‪299 .................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﺼﺺ ‪310 .........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﺼﺺ اﻟﻌﺎم ‪310 .......................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﺼﺺ اﳋﺎص ‪314 .....................................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﳊﺴﻲ ‪319 ....................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬أﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ ‪319 .............................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ ‪319 ................................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻷﺳﻠﻮب اﻟﻘﺪوة اﳊﺴﻨﺔ ﰲ اﻟﻐﺰوات‪321 .................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬أﺳﻠﻮب ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ ‪334 ...........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻣﻔﻬﻮم اﻻﻧﻜﺎر ﻟﻴﺪ وأﳘﻴﺘﻪ اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ ‪334 ...................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺪﻋﻮي ﻷﺳﻠﻮب ﺗﻐﻴﲑ اﳌﻨﻜﺮ ﻟﻴﺪ ﰲ اﻟﻐﺰوات ‪340 ..............‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﻘﺎﺻﺪﻳﺔ ‪347 ...........................................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪349 ..............................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲝﻔﻆ اﻟﻜﻠﻴﺎت اﻟﻜﱪى ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ ‪350 ...............‬‬

‫‪461‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻠﻴّﺔ ﺣﻔﻆ اﻟﺪﻳﻦ ‪350 .............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻠﻴّﺔ ﺣﻔﻆ اﻟﻨﻔﺲ ‪356 .............................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺒﻴﺎن ﳏﺎﺳﻦ وﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟ ّﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ‪379 ..............‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲞﺎﺻﻴّﺔ اﻟﻌﻤﻮم ‪379 ........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲞﺎﺻﻴّﺔ اﻟﺸﻤﻮل ‪388 ................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﲞﺎﺻﻴﱵ اﳌﺜﺎﻟﻴّﺔ واﻟﻮاﻗﻌﻴّﺔ ‪396 ......................‬‬
‫اﳌﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳّﺔ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﳌﻘﺎﺻﺪ اﳋﺎﺻﺔ ‪403 .............................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬اﳌﻘﺼﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺪﻓﺎﻋﻲ ﻟﻠﻐﺰوات ‪404 ..................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪ ت اﳋﺎرﺟﻴّﺔ ‪404 ...........................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪ ت اﻟﺪاﺧﻠﻴّﺔ ‪409 ...........................................‬‬
‫اﳌﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﱐ ‪:‬اﳌﻘﺼﺪ اﻟﺪﻋﻮي اﻟﺘﱠﻤﻜﻴﲏ ﻟﻠﻐﺰوات)( ‪416 .................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻷول‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﳉﻴﻮ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ‪416 ...............................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﱐ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ‪425 ..................................................‬‬
‫اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬اﻟﺘﱠﻤﻜﲔ اﻟﺪﻳﲏ‪436 .................................................... .‬‬
‫اﳋﺎﲤﺔ‪447 .......................................................................... :‬‬
‫ﻓﻬﺮس اﻵ ت‪451 ................................................................... :‬‬
‫ﻓﻬﺮس اﻷﺣﺎدﻳﺚ‪454 ................................................................ :‬‬
‫ﻗﺎﺋﻤﺔ اﳌﺼﺎدر واﳌﺮاﺟﻊ‪457 .......................................................... :‬‬
‫ﻓﻬﺮس اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت ‪473 ...............................................................‬‬

‫‪462‬‬
 ‫اﳌﻠﺨﺺ‪:‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺷﻐﻠﺖ اﻟﻐﺰوات اﻟنﺒﻮﻳة ومﺎ اتصﻞ ﺎ من ﺑعﻮث وﺳﺮا مﺴﺎﺣة واﺳعة من اﻟﺴﲑة اﻟنﺒﻮﻳة من‬
‫أجﻞ ذﻟﻚ ﺣﻈﻴﺖ ﻟعنﺎﻳة اﻟﻔﺎﺋﻘة من ﻗﺒﻞ اﶈﺪثﲔ واﻹﺧﺒﺎرﻳﲔ وﻛﺘﺎب اﻟﺴﲑة ﰲ اﻟﻘﺪﱘ واﳊﺪﻳﺚ‬
‫وﳑن اﻋﺘﲎ ﲟﺮو ﺎ اﻹمﺎم اﻟﺒخﺎري اﻟﺬي ﻋﻘﺪ ﳍﺎ ﻛﺘﺎ ﰲ ﺻﺤﻴﺤه تنﺎول ﻓﻴه اﳌﻐﺎزي من أول‬
‫ﻏﺰوة إﱃ وﻓﺎة اﻟنﱯ ﷺ وﱂ ﻳﻘﺘصﺮ ﻋﻠﻰ اﳌعﺎرك ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ تنﺎول مﻘﺪمﺎت ومﻼﺑﺴﺎت ونﺘﺎﺋج‬
‫اﻟﻐﺰوات وﻓق ﺷﺮﻃه اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ انﺘﻘﺎء أﺻﺢ اﻟﺮو ت ومنﻬﺠه اﳌﺒﲏ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘصﺎر وﻋﺪم‬
‫اﻻﺳﺘﻴعﺎب‪،‬وﻋنﺪ تﺘﺒع تﻠﻚ اﻟﺮوا ت ﲡﺪﻫﺎ مﻔﺮﻗة ﻋﻠﻰ جﻞ أﺑﻮاب اﻟصﺤﻴﺢ ﳑﺎ ﳚعﻞ ﻗﺎرئ‬
‫اﻟصﺤﻴﺢ ﻳﻄﺮح ﻓﺮﺿﻴة اﻟﻐﺰارة اﻟﻔﻘﻬﻴة ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي ﲟﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻔﻘه اﻟﺪﻋﻮي ﺑعﺪمﺎ ﻛﺎدت أن‬
‫تﺴﺘﺒعﺪﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴعة اﻟﻘﺘﺎﻟﻴة ﻟﻠﻐﺰوات‪،‬وﻗصﺪ اﻟﻜﺸﻒ ﻋن تصﺪﻳﻘﺎت ﻫﺬا اﻟﺘصﻮر جﺎءت ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟة‬
‫ﻟﻺجﺎﺑة اﻹﺷﻜﺎﻟﻴة اﻟﺘﱠﺎﻟﻴّة‪،‬ومﺎ ﻳﺘﻔﺮع ﻋنﻬﺎ من تﺴﺎؤﻻت‪:‬‬
‫ﻣﺎ اﻷﺑﻌﺎد اﻟ ﱠﺪﻋﻮﻳﺔ ﻟﻐﺰوات اﻟﻨّﱯ‪ ‬ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري اﻟﱵ ﺗﻀﻤﻨﺘﻬﺎ ﻣﺮو ت‬
‫اﳌﻐﺎزي وﺗﺮاﲨﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ؟‬
‫و ﺪف اﻟ ِّﺪراﺳة ﻹﺑﺮاز اﻷﺑعﺎد اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﺮﺳﺎﻟﻴة اﻟعﻘﺪﻳة واﻟﺘﺸﺮﻳعﻴة واﻷﺑعﺎد اﻟﺴﻠﻮﻛﻴة اﳌﺘعﻠﻘة‬
‫ﻟﺪاﻋﻴة واﳌﺪﻋﻮ واﻷﺑعﺎد اﳌنﻬﺠﻴة اﳊﺴﻴة واﻟعﺎﻃﻔﻴة واﻟعﻘﻠﻴة واﻷﺑعﺎد اﳌﻘﺎﺻﺪﻳة اﻟعﺎمة واﳋﺎﺻة‬
‫ﳌﺮو ت اﳌﻐﺎزي من ﺧﻼل مﺮو ت اﻟﺒخﺎري وتﺮاﲨه ﻋﻠﻴﻬﺎ‪،‬وﻗﺪ ﻗﺴمﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟة إﱃ ﲤﻬﻴﺪ ﺿﺒﻄﺖ‬
‫ﻓﻴه مﻔﺎﻫﻴمﻬﺎ‪،‬وأرﺑعة ﻓصﻮل ﻛﻞ ﻓصﻞ تنﺎول ﺑعﺪ من اﻷﺑعﺎد اﻟﺴﺎﺑﻘة‪.‬‬
‫وﰲ اﻟنﻬﺎﻳة أﺳﻔﺮ اﻟﺒﺤﺚ ﻋن ﲨﻠة من اﻟنﺘﺎﺋج واﻟﺘﻮﺻﻴﺎت‪،‬ﻛﺎن أﺑﺮزﻫﺎ ﻏﺰارة مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‬
‫ﳌﻀﺎمﲔ اﻟﺪﻋﻮﻳة اﻟﱵ ﻏﻄﺖ ﻛﻞ أﺑعﺎدﻫﺎ‪،‬ﻛمﺎ ﻛﺸﻔﺖ ﻋن ﻋمق اﻟﻔﻘه اﻟﺪﻋﻮي ﻟﻺمﺎم اﻟﺒخﺎري‬
‫اﻟﺬي ﲡﻠﻰ ﰲ دﻗة تﺮاﲨه ﻋﻠﻰ مﺮو ت اﳌﻐﺎزي‪.‬‬
‫وأمﺎ اﻟﺘﻮﺻﻴﺎت ﻓﻜﺎن أﳘﻬﺎ اﻟﺘﻮﺻﻴة ﺑﻀﺮورة اﻟعنﺎﻳة ﺑﻜﺘﺐ اﻟﺴنة وﺷﺮوﺣﻬﺎ ﰲ اﻟﺘأﺻﻴﻞ واﻟﱰﺷﻴﺪ‬
‫اﻟﺪﻋﻮي من ﺧﻼل اﻟﺒﺤﻮث اﳉﺎمعﻴة واﳌﻠﺘﻘﻴﺎت واﳌﺆﲤﺮات ﻟﺘﺤﻘﻴق اﻟﺘﻜﺎمﻞ اﳌعﺮﰲ ﺑﲔ اﻟﺪﻋﻮة‬
‫اﻹﺳﻼمﻴة ومصﺎدرﻫﺎ اﻷﺻﻠﻴة ومﺎ نﺒﺜق ﻋنﻬﺎ من تﺮاﻛمﺎت معﺮﻓﻴة‪.‬‬

‫‪463‬‬
 Abstract:
The prophetic invasions and the missions and companies related to
them occupied a wide area of the Prophet’s biography, for this reason they
received great care from the modernists, the chroniclers and the book of
biography in the old and the hadith, and those who took care of their
narrations, Imam al-Bukhari, who held a book for it in his Sahih, in which he
dealt with the conquests from the first invasion to the last. The death of the
Prophet, may God’s prayers and peace be upon him, was not limited to battles
only, but dealt with the introductions, circumstances and results of the
invasions according to his condition based on selecting the most correct
narrations and his approach based on brevity and lack of comprehension.
Maghazi, including advocacy jurisprudence, after it was almost excluded by
the combative nature of the invasions, and with the intent of revealing the
ratifications of this perception, this letter came to answer the following
problem, and the questions arising from it :
What are the advocacy dimensions of the conquests of the Prophetg
Through Sahih al-Bukhari included in the Maghazi narrations and his
translations on them?
The study aims to highlight the religious and legislative missionary
dimensions of the missionary and the behavioral dimensions related to the
preacher and the invitee, the sensory, emotional and mental methodological
dimensions, and the general and specific intentional dimensions of the
Maghazi narratives through Al-Bukhari's narratives and his translations on
them.
In the end, the research resulted in a number of results and
recommendations, the most prominent of which was the abundance of
Maghazi narrations with advocacy contents that covered all its dimensions, as
it revealed the depth of the advocacy jurisprudence of Imam Al-Bukhari,
which was manifested in the accuracy of his translations on the Maghazi
narrations.
As for the recommendations, the most important of which was the
recommendation that the books of the Sunnah and their explanations should
be taken care of in rooting and rationalizing the da’wah through university
research, forums and conferences to achieve knowledge integration between
the Islamic da’wah and its original sources and the accumulation of
knowledge that we emanate from.

464