‫مقدمة‬

‫ثالث جوانب تجعل من القضية الفلسطينية القضية األبرز التي شغلت و ما تزال تشغل العالم العربي‬
‫و اإلسالمي ‪:‬‬
‫الجانب األول ‪ :‬طبيعة األرض بقدسيتها و بركتها ‪ ,‬و مركزيتها في قلوب العرب و المسلمين ‪ ,‬و‬
‫مكانتها لدى أتباع الديانات السماوية ‪ ,‬و موقع األرض االستراتيجي في قلب العالم العربي و قلب‬
‫العالم اإلسالمي ‪.‬‬

‫الجانب الثاني ‪ :‬طبيعة العدو بادعاءاته العقائدية و التاريخية ‪ ,‬و بروحه االحاللية التوسعية ‪ ,‬التي‬
‫تسعى لطرد شعب فلسطين‪ ,‬و إلغاء حقوقه األصلية في أرضه و مقدساته‪.‬‬

‫الجانب الثالث ‪ :‬طبيعة التحالف الغربي ‪ -‬الصهيوني@ الذي هدف أساسا ً إلى تمزيق األمة اإلسالمية ‪ ,‬و‬
‫إضعافها و إبقائها مفككة األوصال‪ ,‬تدور في فلك التبعية للقوى الكبرى ‪.‬‬

‫و لذلك يمثل التحدي اليهودي الصهيوني@ الذي تم زرعه في فلسطين ‪ ,‬قلب العالم اإلسالمي ‪ ,‬بأشكاله‬
‫العسكرية و السياسية و الحضارية ‪ ,‬التي تواجه األمة اإلسالمية ‪ ,‬و سعيها نحو التحرر و الوحدة و‬
‫النهضة ‪ ,‬السترداد مكانتها و ريادتها بين األمم ‪.‬‬
 ‫ثورة فلسطين الكبرى ‪1939-1936‬‬

‫هي الثورة الفلسطينية الكبرى التي انطلقت في ‪ 20‬نيسان ‪ 1936‬وامتدت حتى عام ‪ ،1939‬وهي تتميز‬
‫عن الثورات التي قامت ما بين ‪ 1920‬و‪ ،1933‬إذ أن جميع ما عرف بالثورات الفلسطينية قبل ثورة‬
‫‪ 1936‬لم يكن أكثر من هبات أو انتفاضات‪ ،‬أما ثورة ‪ 1936‬فقد توافرت لها شروط الثورة هدفا ً وأداة‬
‫وأسلوبا‪ ،‬وهي تمثل محطة بارزة في حركة النضال الوطني الفلسطيني ضد الصهيونية واالستعمار‬
‫البريطاني منذ أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬فهي نقلة نوعية في توجهات هذا النضال بعد حالة الوهن العام‬
‫التي اعترت الحركة الوطنية الفلسطينية في أعقاب هبة البراق عام ‪.1929‬‬

‫بدأت ثورة ‪ 1936‬بطريقة شبه عفوية ما لبث أن استقطبت الشعب على نحو غير مسبوق‪ ،‬على أهداف‬
‫وقف الهجرة اليهودية‪ ،‬ومنع بيع األراضي واغتيال باعة األرض والسماسرة والجواسيس والتصدي‬
‫لمشروع التقسيم الذي كانت بريطانيا تمهد لتنفيذه‪ ،‬وصيانة عروبة فلسطين والحفاظ على أراضيها ومنع‬
‫تهويدها‪ ،‬وإعالن استقاللها في وحدة عربية شاملة‪.‬‬

‫لجأت الثورة إلى الكفاح المسلح أسلوبا‪ ،‬النتزاع حقوقها من االستعمار البريطاني‪ ،‬ولم تتوقف إال عند‬
‫اندالع الحرب العالمية الثانية عام ‪ ،1939‬ألسباب ذاتية‪ ،‬وأسباب تتعلق بالتدخل العربي الرسمي إلنهاء‬
‫اإلضراب‪ ،‬والتحالف الفرنسي البريطاني عشية عام ‪.1939‬‬

‫عوامل اندالع الثورة‬

‫اضطرت القيادة الفلسطينية إلى اللجوء إلى الثورة كخيار الشعب الوحيد نتيجة تطورات األحداث بعد هبة البراق ‪ ،1929‬وكانت هذه التط@@ورات‬

‫واألحداث تشكل خطراً كبيراً على الوجود العربي في فلسطين سياسيا ً واقتصاديا ً واجتماعياً‪ .‬ومن هذه التطورات ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬لقيادة والمؤسسات التقليدية التي أدت إلى ضعف الحركة الوطنية لفلسطينية‪ ،‬وخصوصا ً بعد وفاة رئيس اللجنة التنفيذية موسى كاظم الحسيني‬

‫وحل اللجنة والشروع في تجربة "القيادة من خالل األحزاب" التي كانت مظهراً جدي@@دا للعش@@ائرية واإلقطاعي@@ة السياس@@ية‪ ،‬وق@@د س@@اعدت في ذل@@ك‬

‫سياسة المندوب السامي البريطاني الجديد واكهوب‪.‬‬

‫‪ -2‬ثورة الشيخ عز الدين القسام ‪ :1935‬تجسد فيها اإليمان بعدم جدوى العمل السياسي وأن العم@@ل المس@@لح ه@@و الس@@بيل الوحي@@د لبل@@وغ األه@@داف‬

‫الوطنية‪ ،‬وقد أيقظت هذه الثورة الشعب الفلسطيني@ وأشعلت في نفسه الحماسة للجهاد‪.‬‬

‫‪ -3‬التحركات الوطنية والقومية العربية‪ :‬تمثلت في حصول العراق على شبه اس@@تقالل بمعاه@@دة ع@@ام ‪ 1930‬ال@@تي ألغت االنت@@داب‪ ،‬واض@@طرابات‬

‫مصر المطالبة بإعادة الدستورعام‪ ،1923‬وإضراب سوريا في ‪ 1936‬بهدف إلغاء االنتداب‪.‬‬

‫‪ -4‬األعداد المتزايدة في الهجرة اليهودية‪ :‬حيث وصلت عشية ثورة الـ‪ 36‬إلى نحو ‪ 40‬ألف مهاجر‪ ،‬واستمرار الهجرة الس@@رية إلى فلس@@طين م@@ع‬

‫تغاضي الحكومة البريطانية عنه@ا والتس@تر عليه@ا وحمايته@ا‪ ،‬ورفض مجلس العم@وم البريط@اني مطلب الع@رب بوق@ف الهج@رة اليهودي@ة في آذار‬

‫(مارس) ‪.1936‬‬

‫‪ -5‬استيالء الصهاينة على األراضي الفلسطينية وسن األنظمة والق@@وانين من قب@ل الحكوم@ة البريطاني@ة لتس@هيل عملي@@ة االس@تيالء على األراض@ي‬

‫وتهجير الفالحين وتحولهم إلى عمال يعانون من البطالة‪ .‬حيث ازدادت الطبقة العمالية بمن تحول إليه@ا من الفالحين ال@@ذين ج@@ردوا من أراض@@يهم‬

‫ولم يجدوا عمالً‪ ،‬فانتشرت البطالة‪ ،‬وضاعف من حدتها "مب@دأ العم@@ل الع@بري" و "امتالك العم@@ل" ال@@ذي أخ@ذ ب@@ه الص@هاينة‪ ،‬وتفض@@يل الس@لطات‬

‫البريطانية لتلزم العمل إلى مقاولين صهاينة حتى في بعض المناطق العربية‪ ،‬وتدني@ أجور العمال العرب في مقاب@@ل العم@@ال الص@@هاينة في المهن@@ة‬

‫الواحدة‪ ،‬وارتفاع الضرائب على ملكية األراضي من ‪ %9‬إلى ‪ ،%15‬أما الفالح فقد كان ي@@دفع ‪ %25‬من ص@@افي دخل@@ه ض@@رائب في الس@@نوات‬

‫العجاف‪.‬‬

‫‪ -6‬نمو الوضع العسكري للصهاينة‪ :‬حيث تمت إعادة تنظيم "الهاغاناه" بع@د هبّ@ة ال@براق‪ ،‬من حيث الع@دد وتوس@يع المهم@ات‪ ،‬والع@دوان من قب@ل‬

‫المستوطنين على المدن والقرى المجاورة واقتراف أعمال إرهابية إجرامية ضد العرب‪ ،‬وتصنيع السالح واستيراده بكميات وف@@يرة بش@@كل س@@ري‬

‫وتوزيعه على المدن والمستعمرات الصهيونية‪.‬‬

‫اإلضراب العام وإعالن الثورة‪:‬‬

 ‫في هذه األجواء المشحونة بالتوتر‪ ،‬حدثت الشرارة التي أشعلت الثورة‪ .‬فقد قتلت مجموعة مسلحة في ‪ 15‬نيسان (ابريل) ‪ 1936‬بالقرب من‬

‫عنبتا بين طولكرم ونابلس يهوديين@ وجرحت ثالثا ً‪ ،‬كانوا في طريقهم إلى "تل أبيب" وفي اليوم التالي قتل عربيان على أيدي "الهاغاناه" في بيارة‬

‫بالقرب من يافا‪ ،‬واشتد التوتر في منطقة يافا‪ -‬تل ابيب‪ ،‬فوقعت صدامات عنيفة بين العرب واليهود خصوصا ً في األحياء المختلطة‪ ،‬وأحرقت‬

‫عشرات البيوت والحوانيت‪ @،‬وقتل يهودي وجرح نحو خمسين‪ .‬بعد ثالثة أيام من الصدامات سيطرت الحكومة البريطانية على الوضع وفرضت‬

‫حظر التجول على المدينتين@ وجوارهما وأعلنت حالة الطوارئ في البالد‪ ،‬وأعلنت يافا اإلضراب العام وتبعتها مدن وقرى فلسطين وبادر زعماء‬

‫المدن والقرى على اختالف مشاربهم وفئاتهم إلى إنشاء اللجان القومية وضمت هذه اللجان ممثلين عن جميع األحزاب والطوائف والفئات‪.‬‬

‫في ‪ 25‬نيسان (ابريل) ‪ -‬وكان اإلضراب العام ما زال قائما ً ‪ -‬عقدت اللجان القومية مؤتمراً عاما ً لها في القدس‪ ،‬وقرر هذا المؤتمر تشكيل قيادة‬

‫مركزية للحركة الوطنية مقرها القدس‪ ،‬فتألفت "اللجنة العربية العليا لفلسطين" برئاسة أمين الحسيني وعضوية ممثلي األحزاب الفلسطينية‬

‫جميعها‪ ،‬وممثلين عن المستقلين‪ ،‬واتخذت "اللجنة العربية العليا" القرار التالي وأعلنته على الشعب‪" :‬دعوة الشعب العربي الفلسطيني إلى‬

‫مواصلة اإلضراب العام حتى تبدل الحكومة البريطانية سياستها وتغير مواقفها‪ ،‬وأن تكون البادرة األولى لهذا التبديل وقف الهجرة اليهودية إلى‬

‫فلسطين‪ ،‬ولقد كان متفقا ً أن يتأخر إعالن الثورة المسلحة بعض الوقت وأن تركز الجهود على اإلضراب واستمراره‪.‬‬

‫رفضت بريطانيا على الرغم من اشتداد اإلضراب طلب العرب بوقف الهجرة اليهودية كما أعلنته اللجنة العربية العليا لفلسطين‪ ،‬وقامت بتحديهم@‬

‫بإصدار شهادة هجرة جديدة قدمتها للوكالة اليهودية إلحضار أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فلسطين‪.‬‬

‫ورداً على هذا التحدي قرر القادة الفلسطينيون إعالن الثورة المسلحة‪ ،‬وتنفيذاً لهذا القرار أعلن "جيش الجهاد المقدس" الثورة المسلحة على‬

‫األعداء (مكون من جميع التشكيالت والمنظمات العسكرية السرية ومن انضم إليها فيما بعد‪ ،‬وقد اختير لقيادته عبد القادر الحسيني) وشرع‬

‫المجاهدون يهاجمون ثكنات الجيش والشرطة والمستعمرات اليهودية‪ ،‬ويدمرون طرق المواصالت ويهاجمون قوافل األعداء وتجمعاتهم‪.‬‬

‫اقتصرت أعمال الثورة في أيامها األربعة األولى على لواء القدس وحده لكنها ما لبثت في اليوم الخامس أن عمت أنحاء فلسطين في المدن‬

‫والقرى والبادية‪.‬‬

‫مراحل الثـــــــــــورة‬

‫المرحلة األولى (نيسان – تشرين األول ‪: )1936‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ولدت الثورة في الحقيقة في أحداث نيسان ‪ 1936‬وإعالن اإلضراب العام‪ .‬واتخ‪++‬ذت ش‪++‬كالً مس‪++‬لحا ً وعنيف‪+‬ا ً في مطل‪++‬ع‬
‫شهر أيار ‪.1936‬ولقد كان متفقا ً عليه أن يتأخر إعالن الثورة المس‪++‬لحة بعض ال‪++‬وقت‪ ،‬وأن ترك‪++‬ز الجه‪++‬ود على إبق‪++‬اء‬
‫اإلضراب مستمراً‪ ،‬واتجاه‪+‬ه بش‪+‬كل ي‪+‬ؤدي إلى بل‪+‬وغ أهداف‪+‬ه‪ .‬ولكن الظ‪+‬روف‪ +‬واألوض‪+‬اع‪ +‬تط‪+‬ورت بص‪+‬ورة س‪+‬ريعة‬
‫جعلت إعالن الثورة المسلحة أمر ال مفر منه‪.‬‬
 ‫فقد رفضت الحكومة البريطانية‪ ،‬على الرغم من اشتداد اإلضراب‪ ،‬طلب العرب وق‪+‬ف الهج‪+‬رة اليهودي‪+‬ة كم‪+‬ا أعلنت‪+‬ه‬
‫اللجنة العربية العليا لفلسطين‪ ،‬ثم تحدتهم‪ +‬عالنية بإص‪++‬دارها ش‪++‬هادة هج‪++‬رة جدي‪++‬دة ق‪++‬دمتها‪ +‬للوكال‪++‬ة اليهودي‪++‬ة إلحض‪++‬ار‪+‬‬
‫أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فلسطين‪.‬‬
‫وترك موقف الحكومة أسوأ األثر في نفوس أبناء الشعب‪ ،‬وحفزهم على التشدد في اإلضراب وتقويته‪ .‬ورداً على هذا التحدي قرر الق‪++‬ادة‬
‫الفلسطينيون ‪ ،‬بعد سلسلة من االجتماعات الس‪+‬رية حض‪++‬رها كب‪++‬ار المجاه‪++‬دين‪ ،‬إعالن الث‪++‬ورة المس‪++‬لحة‪ .‬وتنفي‪++‬ذاً له‪++‬ذا الق‪++‬رار أعلن جيش‬
‫الجهاد المقدس في مطلع أيار ‪ 1936‬الثورة المسلحة على األعداء‪ ،‬وأذاع بيانا ً ضمنه أهداف الثورة‪ ،‬وهي األه‪++‬داف نفس‪++‬ها ال‪++‬تي اش‪++‬تمل‬
‫عليها الميثاق الوطني الفلسطيني‪.‬‬

‫وفور صدور ه‪++‬ذا البي‪++‬ان خ‪++‬رج عب‪++‬د الق‪++‬ادر الحس‪++‬يني وفص‪++‬ائل جيش الجه‪++‬اد المق‪++‬دس إلى الجب‪++‬ال والري‪++‬ف (في ل‪++‬واء الق‪++‬دس)‪ ،‬وش‪++‬رح‬
‫المجاهدون يهاجمون ثكنات الجيش ومخافر الشرطة والمستعمرات الصهيونية‪ ،‬ويدمرون طرق المواصالت‪ ،‬ويهاجمون قوافل األع‪++‬داء‬
‫وتجمعاتهم‪.‬‬

‫اقتصرت أعمال الثورة في أيامها األربعة األولى على ل‪+‬واء الق‪+‬دس وح‪+‬ده‪ ،‬وعلى المجاه‪+‬دين المنتظمين في جيش الجه‪+‬اد المق‪+‬دس‪ ،‬كم‪+‬ا‬
‫اقتصرت على أعمال مسلحة محدودة في منطقة يافا‪ .‬على أن الفلسطينيين لم يلبثوا أن انطلقوا إلى الس‪++‬الح يحملون‪++‬ه‪ ،‬فق‪++‬د امت‪++‬دت الث‪++‬ورة‬
‫في يومها الخامس إلى سائر أنحاء فلسطين‪ ،‬وعنت المدن والقرى والبادية‪.‬‬

‫وأخذت الثورة تشتد وتتسع نطاقا ً يوما ً بعد يوم‪ .‬وأثارت أبناء المعارك الضارية و االصطدامات الشديدة بين المجاهدين واألعداء حماسة‬
‫الجماهير‪ ،‬في حين رفعت انتصارات المجاهدين المتوالية معنويات الش‪+‬عب وض‪+‬اعفت اس‪++‬تعداده للب‪+‬ذل والعط‪+‬اء‪ ،‬ف‪+‬التحق الكث‪++‬يرون من‬
‫الرجال والشبان‪ ،‬والسيما في القرى‪ ،‬بالمجاهدين واشتركوا في المعارك تحت قيادة جيش الجهاد المقدس‪ ،‬فلم يعد العمل المسلح مقتصراً‬
‫على المنتظمين‪ +‬في تشكيالته‪.‬‬

‫ثم طرأ تطور في ميدان المقاومة بدخول فوزي القاوقجي وقواته إلى منطقة المثلث من ناحية‪ ،‬ويت‪++‬دفق المتط‪++‬وعين من األردن وس‪++‬ورية‬
‫ولبنان على فلسطين وانضمامهم إلى الجهاد المقدس من ناحية أخ‪+‬رى‪ .‬وق‪++‬د ت‪++‬أثر الش‪+‬عب كث‪++‬يراً به‪++‬ذه التط‪++‬ورات‪ ،‬وتض‪+‬اعفت حماس‪+‬ته‪،‬‬
‫وأحاله‪++‬ا في ش‪++‬هرها الث‪++‬الث إلى مع‪++‬ارك عس‪++‬كرية مكش‪++‬وفة م‪++‬ع الق‪++‬وات البريطاني‪++‬ة في ش‪++‬تى أنح‪++‬اء فلس‪++‬طين‪ .‬وهجم‪++‬ات مرك‪++‬زة على‬
‫المستعمرات الصهيونية وطرق المواصالت ومخافر الشرطة‪ .‬ومما هو جدير بالتسجيل أن دخول قوات القاوقجي في معارك عنيف‪++‬ة م‪++‬ع‬
‫القوات البريطانية في قرى منطقة المثلث (مثل قرى بلعا و جبع وبرق‪++‬ة وزيت‪++‬ا ودي‪++‬ر ش‪++‬رف و عراب‪++‬ة وغيره‪++‬ا) رف‪++‬ع معنوي‪++‬ات الش‪++‬عب‬
‫وحفز الجميع إلى المساهمة في أعمال الثورة‪.‬‬

‫وكان اإلنكليز والصهيونيين يعتقدون في بادئ األمر أن اإلضراب العام لن يستمر طويالً‪ ،‬وأن الثورة ليست سوى ف‪++‬ترة آني‪++‬ة ال تلبث أن‬
‫تهدأ وتخبو‪ ،‬فلما تبين لهم عكس ما كانوا يعتقدون انطلقوا يرتكب‪+‬ون أبش‪++‬ع المظ‪+‬الم من أعم‪+‬ال القت‪++‬ل و اإلج‪+‬رام واإلره‪+‬اب والقه‪+‬ر ض‪++‬د‬
‫العرب‪ .‬ولكن الفلسطينيون واصلوا الجهاد‪ ،‬ولم تضعفهم عمليات السلطات الصهيونية بنسف الق‪++‬رى وت‪++‬دمير األحي‪++‬اء وال‪++‬بيوت واعتق‪++‬ال‬
‫المئات من المواطنين‪ .‬وكان من أبشع ما لجأ إليه اإلنكليز من تدابير نسفهم بلدة يافا القديمة‪.‬‬

‫ولمناسبة مرور مائة يوم على إعالن اإلضراب العام الذي كان قد بلغ أوج قوته وقعت في جميع أنحاء فلسطين معارك عنيفة طوال ه‪++‬ذا‬
‫اليوم وليله تجرأ خاللها المجاهدون على مهاجمة مدن القدس ويافا* والخليل وغزة* وبئر الس‪+‬بع* وعك‪+‬ا* وص‪+‬فد* ومحاول‪+‬ة احتالله‪+‬ا‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه اتسعت أعمال المجموعات “السرية” داخ‪+‬ل الم‪+‬دن‪ +،‬وأخ‪+‬ذت تغت‪++‬ال الم‪+‬وظفين البريط‪+‬انيين وض‪++‬باط الجيش والش‪+‬رطة‬
‫والجواسيس وباعة األراضي والسماسرة‪ ،‬وتلقي المتفجرات على دوائر الحكومة‪ .‬وفي هذه المناسبة أيضا ً خ‪++‬رجت النس‪++‬اء العربي‪++‬ات في‬
‫شتى مدن فلسطين في مظاهرات صاخبة ضد اإلنكليز‪ ،‬ووقعت اصطدامات دموية بين القوات البريطانية والنساء الفلسطينيات‪.‬‬

‫المرحلة الثانية (تشرين األول ‪ – 1936‬أيلول ‪:)1937‬‬

‫طغى على هذه المرحلة في أشهرها األولى طابع الصراع السياسي بين العرب وأعدائهم‪ ،‬ثم تطورت األوضاع في تموز ‪ ،1937‬ووق‪++‬ع‬
‫من الحوادث ما أدى إلى استئناف الثورة في تشرين األول ‪ .1937‬وفيما يلي موجز لألحداث والتطورات التي برزت في المرحلة الثانية‬
‫للثورة‪:‬‬
‫(‪  )1‬بعد وقف الثورة وفك اإلضراب انصرف الفلسطينيون إلى الحياة العامية‪ ،‬وانطلقوا يحاولون ترميم أوضاعهم االقتصادية‪ :‬التجارية‬
‫والصناعية والزراعية‪ ،‬في حين لجأت القيادة السياسية إلى بذل أقصى الجهود لإلبقاء على وحدة الصف وتوعية الشعب وتحذيره من‬
‫تقلبات سياسية ومؤامرات أجنبية جديدة‪ .‬وفي الوقت نفسه انطلقت اللجنة العربية العليا لفلسطين تعد العدة للدفاع عن قضية فلسطين‬
‫وطالب أهلها أمام اللجنة الملكية البريطانية للتحقيق (لجنة بيل)‪.‬‬

‫أنهت اللجنة الملكية أعمالها في أواخر كانون الثاني ‪ 1937‬وعادت إلى لندن حيث عكفت على إعداد تقريرها‪ .‬وفي أواخر حزيران‬
‫‪ 1937‬أشارت األنباء الخارجية إلى أن اللجنة الملكية ستوصي بتقسيم فلسطين‪ .‬فأذاعت اللجنة العربية العليا لفلسطين بيانا ً على الشعب‬
‫أكدت فيه رفضها للتقسيم‪ ،‬ودعته إلى مقاومته‪ .‬وفي مطلع شهر تموز ‪ 1937‬عمت فلسطين مظاهرات صاخبة ضد التقسيم‪ ،‬ووقعت‬
‫اصطدامات دامية بين العرب واألعداء في نابلس ويافا والقدس وعكا‪.‬‬

‫(‪   )2‬وكان الصهيونيين‪ +‬قد قاموا خالل شهري آذار ونيسان ‪ 1937‬بسلسلة من األعمال اإلرهابية اإلجرامية ضد بعض القرى العربية‪،‬‬
‫فرداً عليهم العرب فوراً وأجبروهم على اإلقالع عن اعتدائهم‪ .‬وفسر العرب هذه األعمال الصهيونية اإلرهابية بأنها جرت بتوجيه من‬
‫بريطانيا لتخويف العرب وإرهابهم ودفعهم إلى القبول بقرار التقسيم عند صدوره‪.‬‬

‫(‪   )3‬نشرت الحكومة البريطانية تقرير اللجنة الملكية يوم ‪ ،7/7/1937‬وقد أوصت فيه بإنشاء دولة يهودية في أقسام من فلسطين‪،‬‬
‫ووضع القدس وما حولها وحيفا* ومنطقتها تحت انتداب بريطانيا الدائم‪ ،‬وضم المناطق الباقية من فلسطين إلى شرق األردن‪ .‬وأذاعت‬
‫الحكومة البريطانية في اليوم نفسه بالغا ً رسميا ً تعلن فيها تبينها للتقسيم‪ ،‬وأعلنت أمام مجلس العموم البريطاني أنها تتعهد بتنفيذ‬
‫(ر‪ :‬تقسيم فلسطين)‪.‬‬
‫مشروعه َ‬

‫(‪  )4‬عقدت اللجنة العربية العليا لفلسطين في ‪ 9/7/1937‬اجتماعا ً طارئا ً اشترك فيه ممثلون عن اللجان القومية تقرر فيه إعالن رفض‬
‫العرب للتقسيم‪ ،‬وللسيادة البريطانية الجديدة‪ .‬وأذاع رئيس اللجنة بيانا ً على الشعب يدعوه فيه إلى التمسك بالمطالب الوطنية ومقاومة‬
‫التقسيم حتى يُقضي عليه‪ .‬وعمت فلسطين المظاهرات االصطدامات وتبين للحكومة أن الشعب الفلسطيني سيعود إلى السالح والجهاد‪.‬‬

‫(‪   )5‬اشتدت نقمة األعداء على رئيس اللجنة العربية العليا لفلسطين المفتي أمين الحسيني واتهموه بأنه المسؤول عن اشتعال نيران‬
‫الثورة‪ ،‬فقرروا اعتقاله وإبعاده إلى جزيرة موريشوس في المحيط الهندي‪ .‬وفي ‪ 19/7/1937‬داهمت قوة من رجال الجيش والشرطة‬
‫دار اللجنة العربية العليا للقبض على المفتي‪ .‬ولكنه فوت على األعداء هذه الفرصة فغادر دار اللجنة قبل وصول القوة البريطانية ولجأ‬
‫إلى المسجد األقصى‪.‬‬

‫(‪   )6‬بعثت اللجنة العربية العليا لفلسطين عدة وفود سياسية ودينية‪ +‬إلى أوروبا وأمريكا والبالد العربية واإلسالمية للدعاية لقضية‬
‫فلسطين وشرح موقف أهلها من التقسيم وأسباب رفضهم له‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة ( تشرين‪ ‬األول ‪ – 1937‬أيلول ‪: )1939‬‬

‫تميزت هذه المرحلة الثالثة من ‪ 1939 – 1936‬بالحقائق التالية ‪:‬‬

‫(‪       )1‬لم تعد القدس المرك‪+‬ز ال‪+‬رئيس للقي‪++‬ادة الوطني‪++‬ة‪ ،‬إذ انتق‪+‬ل نش‪+‬اط اللجن‪++‬ة العربي‪++‬ة العلي‪++‬ا والكث‪++‬يرون من أعض‪+‬اء اللج‪+‬ان القومي‪+‬ة‬
‫وزعماء الشباب إلى بيروت فغدت هي المركز الرئيس للقيادة الوطنية الفلسطينية‪.‬‬

‫(‪       )2‬واالعتبارات كثيرة‪ ،‬وظروف سياسية مختلفة‪ ،‬اختيرت دمشق لتكون مركزاً ومصدراً لتموين الثورة ومد المجاه‪++‬دين بالس‪++‬الح‬
‫والعتاد والمال‪ .‬وتألقت للقيام بهذه المهمة لجنة ذات ط‪+‬ابع س‪+‬ري من ع‪+‬دد من الس‪+‬وريين والعراق‪+‬يين والفلس‪+‬طينيين‪ .‬وك‪+‬انت ه‪+‬ذه اللجن‪+‬ة‬
‫تصرف أعمالها وتضطلع بواجباتها بتنسيق وتعاون وثيقين مع اللجنة العربية العليا لفلسطين في بيروت‪.‬‬

‫(‪       )3‬اقتصرت أعمال الجه‪+‬اد في ال‪++‬داخل في ه‪+‬ذه المرحل‪+‬ة على الفلس‪++‬طينيين أنفس‪++‬هم‪ ،‬فلم ت‪+‬دخل فلس‪+‬طين ق‪++‬وات ش‪++‬عبية منظم‪++‬ة من‬
‫الخارج (مثل قوة فوزي القاوقجي في المرحلة األولى)‪ ،‬ولكن أعداداً من المتطوعين من األردن والعراق وسورية ولبنان دخلوا فلسطين‬
‫وانضموا إلى المجاهدين الفلسطينيين‪ +‬بقيادة عبد القادر الحسيني‪.‬‬
‫(‪       )4‬كانت معارك الثورة في مرحلتها الثالثة أشد عنفا ً وتركيزاً من معارك المرحل‪+‬ة األولى‪ .‬وك‪+‬انت أك‪+‬ثر اتس‪+‬اعا ً ح‪+‬تى ش‪+‬ملت ك‪+‬ل‬
‫بق‪++‬اع فلس‪++‬طين‪ .‬وظه‪++‬ر ق‪++‬ادة ج‪++‬دد للمجاه‪++‬دين‪ ،‬والس‪++‬يما في من‪++‬اطق فلس‪++‬طين الش‪++‬مالية‪ ،‬أبل‪++‬وا بالءاً حس‪++‬نا ً في التنظيم والقت‪++‬ال وح‪++‬روب‬
‫العصابات‪ .‬وكانت الكفاءة في القتال والتنظيم في هذه المرحلة أظهر منهما في المرحلة األولى‪.‬‬

‫(‪       )5‬كانت المقاومة في داخل المدن أكثر حدة وش‪++‬دة من المقاوم‪++‬ة ال‪++‬تي ظه‪++‬رت في ه‪++‬ذه الم‪++‬دن خالل المرحل‪++‬ة األولى للث‪++‬ورة‪ ،‬فق‪++‬د‬
‫توالت أعمال اغتيال موظفي الحكومة اإلنكليز والمتع‪++‬اونين م‪++‬ع الس‪++‬لطة وباع‪++‬ة األراض‪++‬ي والسماس‪+‬رة والجواس‪++‬يس‪ ،‬واش‪++‬تدت هجم‪++‬ات‬
‫المقاومة على دوائر الحكومة وتدميرها وإحراقها‪.‬‬

‫(‪       )6‬لم تضرب فلسطين في المرحلة الثالثة كما أضربت في المرحلة األولى للثورة‪ .‬وهذا الواقع س‪++‬هل للش‪++‬عب ب‪++‬ذل الجه‪++‬ود والقي‪++‬ام‬
‫باألعمال لدعم المجاهدين ومساعدتهم‪ ،‬ومكن قيادة الثورة من الحصول على المعلومات واألنباء من مس‪++‬اعي الس‪++‬لطة وتحرك‪++‬ات قواته‪++‬ا‬
‫المسلحة والمنظمات الصهيونية اإلرهابية‪.‬‬

‫(‪       )7‬وقعت في البالد معارك عسكرية ضخمة ك‪++‬ان بعض‪++‬ها يس‪++‬تمر بض‪++‬عة أي‪++‬ام بين المجاه‪++‬دين والجيش البريط‪++‬اني‪ .‬واتخ‪++‬ذت ه‪++‬ذه‬
‫المعارك طابع المعارك الحربية‪ ،‬وق‪+‬د ق‪+‬ام المجاه‪++‬دون بهجم‪++‬ات عس‪+‬كرية منظم‪+‬ة على الم‪+‬دن‪ +،‬واس‪+‬تطاعوا احتالل بعض‪++‬ها ورف‪++‬ع العلم‬
‫العربي مكان العلم البريطاني‪ .‬ومن المدن التي احتلها المجاهدون القدس القديمة‪ ،‬عكا‪ ،‬وبئرالسبع‪ ،‬والخليل‪ ،‬وبيت لحم‪ ،‬وبيت ساحور*‪،‬‬
‫والمجدل*‪ ،‬والفالوجة‪ ،‬ولم يخرجوا منها إال بعد معارك ضارية مع القوات البريطانية ال‪++‬تي ك‪++‬ان تعزيزه‪++‬ا مس‪++‬تمراً‪ .‬وتمكن المجاه‪++‬دون‬
‫من السيطرة التامة على أكثر من نصف مساحة فلسطين (الريف والبادية) ومن التحكم الكامل بط‪++‬رق المواص‪++‬الت الرئيس‪++‬ة ط‪++‬وال ه‪++‬ذه‬
‫الثورة‪.‬‬

‫(‪       )8‬اتسعت في هذه المرحلة الهجمات الفلسطينية المركزة على المستعمرات الصهيونية‪ ،‬السيما في لوائي الق‪++‬دس وغ‪++‬زة‪ ،‬وتكب‪++‬دت‬
‫هذه المستعمرات خسائر مادية فادح‪++‬ة‪ ،‬في حين هل‪++‬ك الكث‪++‬يرون من حراس‪++‬ها الص‪++‬هيونيين ومن أف‪++‬راد المنظم‪++‬ات العس‪++‬كرية الص‪++‬هيونية‬
‫اإلرهابية‪.‬‬

‫(‪       )9‬ولوحظ خالل هذه المرحلة من الثورة قيام المجاه‪++‬دين بأعم‪++‬ال النس‪++‬ف والت‪++‬دمير وتفج‪++‬ير المتفج‪++‬رات في األوس‪++‬اط الص‪++‬هيونية‬
‫والدوائر الرسمية بشكل دل على أنهم قضوا المرحلة الثانية وهم يتدربون على هذه األعمال‪.‬‬