Professional Documents
Culture Documents
*
(*)عن أسماء الصهاينة غير اليهود ودعواهم إليجاد وطن لليهود أنظر:
Sokolow, Nahum: History of Zionist 1600-1978, selected and arranged by Israel. Solomon's, 2.vol,London,
Longmans, Green 1919, P.18-21.
) 1(1الخط األخضر:مصطلح أطلق على خط الفصل بين القوات األردنية واإلسرائيلية في اتفاقية الهدنة بينهما في مارس ،1949كما هو الحال في
خط الهدنة بين القوات اإلسرائيلية والمصرية الوارد حول غزة في اتفاقية الهدنة برودس في فبراير.1949
وقد هاجمت القوات اإلسرائيلية عام 1956قطاع غزة ،ومارست أنواعاً شتى من االضطهاد للسكان ،كان
أهمها ارتكاب مذبحة القلعة في خانيونس ،والتي راح ضحيتها ما ال يقل عن 500شهيداً ،وربما وصل
()2
العدد خالل األيام األولى الحتالل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى آالف الشهداء.
استعملت إسرائيل في بدايات عمليات االعتقال الجماعي أسلوب تجميع السكان في أماكن معينة،
وتحويلها إلى معسكرات اعتقال ،كما حدث عندما استولت القوات اإلسرائيلية على بعض المدارس ،
وحولتها إلى معسكرات اعتقال كانت مثاالً للتعذيب ،كما أجبر الناس على المبيت في العراء ،ولم يسمح
لهم بقضاء حاجتهم( ،)3ويتضح أن إسرائيل كانت تمارس سياسة االعتقال بشكل عشوائي ،حيث كانت
بعض فئات األسرى من المدرسين ونظار المدارس ،ومن اللذين قدموا الخدمات للقوات المصرية ،إضافةً
إلى أعيان المدن .
ارتكبت إسرائيل مجزرة المدرسة األميرية "بئر السبع" في نوفمبر عام ،1956وقتلت العشرات،
والتي تبعها تجميع لفئة الشباب ،واعتقال المئات منهم من أعيان المدينة ،وكان ذلك تحت إشراف رجال
المخابرات اإلسرائيلية( ،)4وهذا يؤكد حصول عمليات تحقيق وتعذيب أثناء اعتقال المئات من الشباب ،وبعد
االنسحاب اإلسرائيلي من قطاع غزة وعودة اإلدارة المصرية ،اشتدت الغارات اإلسرائيلية على القطاع
براً وجواً ،فقام رجال المقاومة الفلسطينية بتنفيذ المئات من عمليات التسلل داخل إسرائيل ،ومهاجمة
المواقع العسكرية ،والقرى الزراعية المجاورة لحدود للخط األخضر بالضفة الغربية وقطاع غزة.)5(.
وقد استطاعت إسرائيل أسر العشرات من الفلسطينيين خالل عمليات تسللهم هذه ،وسرعان ما كانت
تحولهم إلى جهاز المخابرات االسرائيلية ،واستمر الحال حتى عام ،1967حيث شهد بداية عام 1965
نشاطاً ملحوظاً للمقاومة ،وذلك بانطالق حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ،التي لم تنسق عملياتها
مع الحكم األردني ،أو مع اإلدارة المصرية ،وبالطبع لم تتعامل إسرائيل مع هؤالء األسرى على أنهم
أسرى حرب ،بل على أنهم "مخربون" يهدفون إلي إبادة إسرائيل ،فكانت تسلم بعضهم لما يسمى بمصلحة
السجون ،وبعضهم للشرطة العسكرية في الجيش االسرائيلي ،ويبدو أن مكان االعتقال هو الذي كان يحدد
الجهة التي تستلم السجين فور أسره من ِقبل قوات الجيش أو الشرطة في إسرائيل.
الوزراء اإلسرائيلي لشئون مكافحة اإلرهاب ،وقد قتله رجال المقاومة الفلسطينية خالل انتفاضة األقصى عام 2002م.
تعود فكرة إنشاء أماكن اعتقال إسرائيلية إلى ما قبل إعالن دولة إسرائيل بعدة سنوات ،ويبدو أن
تصاعد حالة الصدام بين المنظمات الصهيونية ومجموعات المقاومة العربية والفلسطينية كانت وراء هذا
التفكير ،ففي عام 1949صدر عفو عام في إسرائيل ،تم بموجبه إطالق سراح كافة السجناء اليهود ،ولم
يكن في السنوات األولى لقيام اسرائيل إال سجن تلموند ،وأصبح التفكير في فتح منشأة حجز في يافا
الستيعاب جميع السجناء (جنائيون ،وأمنيون ،ومتسللون ،وأحداث ،ومصابون بأمراض عقلية) ،ويمكن
االعتقاد بأنه حتى ذلك الحين لم يكن هناك أسرى فلسطينيون سوى المتسللون ألخذ حاجتهم من بيوتهم من
()6
القرى القريبة ،من الخط األخضر وخط الهدنة.
وبعد عام 1956تزايدت عمليات المقاومة الفلسطينية ،بل ربما كان ابتداء المقاومة المنظمة ،حيث
كان هناك عدد من األسرى الفلسطينيين في سجن شطة ،وسجل تمردهم على السجانين ،ومن الممكن أن
يكون هذا التمرد وراء تغيير إدارة مصلحة السجون لسياستها بإعادة صيانة كافة أماكن االعتقال ،وكذلك
سن تشريعات جديدة ،لمواجهة النقص الحاد في اإلقبال على العمل كسجانين في المجتمع اإلسرائيلي ،حيث
أقامت السلطات في كفاريونه قاعدة إرشاد لطاقم مصلحة السجون( ،)7وبالتالي كان األسرى الفلسطينيون
واليهود (أمنيون وجنائيون) في خمسة سجون (الرملة ،ماعاسياهو ،تلموند ،شطة ،كفاريونه).
وواجهت إسرائيل أثناء حرب عام _1967التي لم تستمر سوى بضعة أيام _ مشكلة التعامل مع
األسرى العرب والفلسطينيين ،ومن هو مثبت الشخصية ،ومن لم يثبت هويته الشخصية ،ومن قاتل ومن لم
يقاتل ،ومن ينتمي لجيش ،أو مجموعة ،أو منظمة ،فصارت الفكرة إلى إنشاء معسكرات اعتقال سريعة
اإلنشاء من قبل سالح الهندسة في الجيش والشرطة لحل هذه المشكلة التي واجهها كذلك البريطانيون الذين
افتتحوا معسكرين في تل الربيع وغزة آنذاك.
وقد رفض البرلمان اإلسرائيلي (الكنيست) العودة إلى فكرة معسكرات االعتقال ،واستعيض عن ذلك
بملء السجون اإلسرائيلية الخمسة لحين إيجاد التشريعات الجديدة الكفيلة بفتح سجون يشرف عليها الجيش،
()8
لكن طبيعة التعامل مع األسرى الجدد خاصة من الفلسطينيين كلوازم التحقيق هو الذي جعل مصلحة
) 1(6مصلحة السجون في إسرائيل :تاريخ مصلحة السجون في إسرائيل ،نشرة صادرة عن مصلحة السجون في إسرائيل ،1997 ،ص،3
(بالعبرية).
)2(7المصدر السابق ،ص.4
)3(8سعيد عالء الدين:التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،ط ،1منشورات فلسطين المحتلة(،ب،م) ،1983،ص.83
السجون تساعد الجيش في حراسة األسرى ،وهذا هو السبب في استالمهم المبكر لمنشآت نابلس وغزة
التي تم إعدادها فيما بعد كسجون.
ومنذ األيام األولى بعد حرب 1967عرض مدير مصلحة السجون الخطة الشاملة التي كانت أساساً
للتعامل مع األسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا أثناء الحرب ،حيث صنف السجون التي ستقام إلى خمسة
أصناف ،هي(:)9
-سجن للسجناء العنيفين بشكل خاص.
-سجون مفتوحة ،يسمح للسجناء فيها بالعمل خارج السجون ،والعودة إليها وحدهم.
-سجون إقليمية ،حيث يتم سجن كل سجين في منطقة سكنه.
-سجون األحداث.
-سجون للنساء.
ويتضح أن أكثر من %95من األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية منذ 1985-1967تم
وضعهم في سجون الفئة األولى.
وقد شهدت األشهر األولى بعد الحرب أسر الجيش اإلسرائيلي آلالف األسرى العرب والفلسطينيين،
وكان من المؤكد أنهم سيعاملون أسرى الجيوش العربية على أنهم أسرى حرب ،وذلك ألن هذه الجيوش
كان بحوزتها أصالً أسرى إسرائيليين ،أما بالنسبة للفلسطينيين فلم تكن النية أبداً التعامل معهم كأسرى
حرب رغم أنهم يتبعوا لمنظمات حاربت مع الجيوش العربية ،وعليه فقد أقام الجيش اإلسرائيلي على عجل
()10
( نخل أبو زنيمة ،القصيمة ،ووادي موسى قرب مدينة الطور، عدداً من معسكرات االعتقال أهمها
ودير سانت كاترين العريش ،ورفح ،وأم البيوك جنوب رفح) ،وقد كانت هذه المعسكرات ملحقة بأحد
معسكرات الجيش ،وتتكون من خيام محاطة باألسالك الشائكة ،وال يسمح لألسرى بسماع الراديو ،أو
اقتناء الكتب ،أو قراءة الصحف ،وقد لوحظ أن الجيش قد نفى عائالت فلسطينية بأكملها لهذه المعسكرات،
وعلى هذا النهج نفسه أقام الجيش معسكرات اعتقال لسكان الضفة الغربية ،وذلك في صرفند والنبي صالح
قرب أريحا( ،)11حيث يمكن فهم المعاملة التي كان يتلقاها األسرى الفلسطينيون وعائالتهم ،على يد هؤالء
الجنود غير المؤهلين لهذا العمل ،وقد جاء األسرى الفلسطينيون الذين اعتقلتهم السلطات اإلسرائيلية ،خالل
منتصف الستينيات ،من عقليات مقاومة وعداء إلسرائيل ،من جيل ولد في السنوات القريبة من نكبة
)1(12عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،ط ،1دار الطليعة ،بيروت ،1679،ص.16
( )2يعقوب بيري :كنت رئيساً للشين بيت ط ،1دار الجليل،عمان،1999،ص ،18ويروي المؤلف ما حصل معه كضابط مخابرات مسئول عن 13
)1(17قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية ،ط ،1دار الجليل ،عمان ،1989 ،ص.16
( ) 1كان على المعتقل قضاء حاجته أمام ماال يقل عن عشرين من زمالئه ومن المكن أن يقوم الجنود بإجبار أحد زمالئه على مساعدته في ذلك، 18
) 2(24إسرائيل شاحاك :عنصرية دولة إسرائيل (ب .ط)،منشورات فلسطين المحتلة ،بيروت،1984،ص.50
)3(25الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ،1969مصدر سابق ،ص.399
)1(26إسرائيل شاحاك :عنصرية دولة إسرائيل ،مرجع سابق،ص.51
شماعة يمكن تعليق أي خطأ عليها ،وهذا ما كان يتم رؤيته في تعامل السجانين مع األسرى ،فقضية العدد
كانت قبل وعقب حرب 1967تمثل االطمئنان على أهم جانب ،وهو عدد األسرى وعدم هروبهم ،وهذا
العدد كان يأخذ شكل الضغط على األسرى ،بل وجزء من التعذيب ،فقد كان الضابط يدخل الغرفة ليعاينها
قبل ِ
العد ،ويتفقد الفراش والنظافة ،ووقوف كل معتقل على فراشه ألكثر من نصف ساعة النتظار دور
العد ،فكيف سيكون األمر إذا افترضنا أن هذا اإلجراء سيكون ست مرات يومياً على األقل؟!
الغرفة في ّ
ومن الممكن أن يكون مرتين ليالً( ،)27وقد تكون هناك إشكاليات أثناء العد ،كعدم سماع الضابط لصوت
أحد األسرى عندما يردد رقمه ،فقد ظل الجيش يستعمل سياسة العد نفسها التي استعملها النازيون في
أوروبا مع األسرى اليهود وغير اليهود ،وذلك بالتعامل مع األسرى بأرقامهم ،وحتى الضابط المشرف ال
يمكن أن يرى في الكشوفات التي بحوزته غير أرقام ال يمكنه رؤية أي اسم ،وال يتم النداء على األسرى
إال باألرقام ،ويكون ذلك حتى عند الخروج إلى جلب الطعام ،أو مقابلة محامي ،أو الذهاب إلى المحكمة،
أو حتى إلى العيادة( ،)28ومن الممكن أن يتم سكب هذه األرقام على أيدي أو صدور بعض األسرى ممن
يصنفون بالمشاغبين أو الخطرين (حسب مفهوم إسرائيل).
لم يكن قبل عام 1967أو في عام 1968سياسة معينة أو مدروسة من قبل إسرائيل للتعامل مع
األسرى الفلسطينيين ،هذا ما يتضح من خالل تمايز وتباين سياسة التعامل معهم بين السجون المختلفة،
ونرى هذا الفارق بوضوح في كيفية التعامل مع األسرى من قبل إدارة مصلحة السجون و قوات الجيش،
وقد كانت قضية إلزام المعتقل على العمل داخل السجن أو في ورش قريبة من السجن من أكثر أوجه
التعامل القاسي مع األسرى ،فقد كان العمل في ورش تتبع شركات خاصة في إسرائيل لمدة ثماني ساعات
مقابل خمس سجائر وعلى األكثر عشر.
وكان العمل في صناعة شباك التمويه العسكري للدبابات واآلليات العسكرية اإلسرائيلية يمثل مرحلة
إذالل ،فقد كان المعتقل يشعر بأنه يسهم في بناء وحماية آلية دخل السجن أصالً بسبب محاربته لها(،)29
ومن الممكن أن يكون قد ساد شعور جياش مضاد للمشاعر الوطنية أو شعور المعتقل بالخيانة عندما
يخرج لهذا العمل ،لكن ذلك لم يكن بموافقة األسير أو أن موافقته ليس لها أي أهمية ،أما المرافق المهمة
التي لها فائدة مباشرة لألسرى ،فقد كانت السلطات تسندها إلى السجناء الجنائيين كالمكتبة ،أو أعمال
)2(27حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح :بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها ،مصدر سابق ،ص.15
( )3توقف هذا اإلجراء عام 1969من قبل مصلحة السجون لكن الجيش ظل يستخدمه حتى يومنا هذا وينكر ذلك أمام اإلعالم ،مشاهدة الباحث 28
لذلك في معسكر الكتيبة فيما بعد و كان رقم الباحث 567ثم في اعتقال آخر.19762
) 4(29مقابلة مع عبد الحميد القدسي :مسئول المعتقلين بسجن كفاريونا في الفترة ،1972-1967أجريت في 9/3/2004رام اهلل.
التنظيف ،أو المغسلة ،أو المخيطة ،أو المخزن ،ويقول األسرى الفلسطينيون إن إسرائيل كانت تهدف من
وراء إخراج األسرى في بدايات سنوات االحتالل إلى غرضين مهمين(:)30
-إذالل األسرى وكبح جماح مشاعرهم الوطنية.
-تأمين إيرادات مالية من أصحاب ورش العمل اإلسرائيلية أو ورش الجيش.
ويمكن القول إن العامل األول هو األرجح ،حيث يمكن االستدالل على ذلك بتخلي السلطات عن
المعاملة السيئة لألسرى في مرافق العمل بمجرد أي خطوة نضالية فيما بعد ،كاإلضراب عن الخروج
لمرافق العمل ،لكن من المستبعد أن يكون تأمين مبالغ مالية ال يمكن مقارنة قيمتها بالمشاكل التي واجهت
جراء إخراج األسرى للعمل ،ويبدو أن أهمية القضاء على هذه الظاهرة من قبل األسرى
السلطات من ّ
كانت ضمن أولويات مطالبهم عند اإلضراب عن الطعام بعد عام .1967
وبرغم الظروف السيئة التي عاشها األسرى الفلسطينيون على الصعد التنظيمية لمجتمعهم ،والذي قد
يكون من الخطأ االفتراض أنهم كانوا في مجتمع تحكمه أي ضوابط غير ضوابط السجان ،فإنهم رفضوا
العيش في هذا الواقع ،أو التعرض له ،وقد يكون الواعز وراء هذا الرفض غير وطني كمعاملة السجان،
ويمكن االستدالل على ذلك بالتمرد الكبير الذي حصل في سجن شطة عام ،1958والذي كان فيه سجناء
جنائيون ،وآخرون على خلفية وطنية ،غالبيتهم العظمى من فلسطينيي األراضي المحتلة عام ،1948حيث
تمكن أكثر من ست وستين سجيناً عربياً جنائياً وسياسياً من الهرب ،بل نجح بعضهم في الوصول إلى نهر
األردن واجتيازه ،وهذا برغم التعامل القاسي الذي تعامل به الجيش مع الهاربين ،حيث قتل أثناءه أحد
عشر سجيناً من الهاربين ،وأصيب عدد أكثر من ذلك ( ،)31ويعد هذا الحادث وراء إحداث التغييرات
الكبيرة في مصلحة السجون التي أدت إلى استقالة كبار ضباط المصلحة ،وعلى رأسهم مندوب المصلحة
()32
"تسفي حرمون".
ولم يستثن من األمر عمليات هروب أخري ،خاصة تلك التي كانت تأخذ شكل الهروب الفردي أثناء
فترة التحقيقات ،وكان غالبية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية قبل عام 1965ينتمون إلي
حركة القوميين العرب ،وقد كان هروب أي فلسطيني يثير توترات في مصلحة السجون أو في قيادة
الجيش (حسب المكان الذي هرب منه المعتقل) ،ويمكن االستدالل على ذلك بالتغير الذي حصل في
)1(30المصدر السابق
)2(31مصلحة السجون في إسرائيل ،نشرة تعريفية حول سجن شطة ،ص (،2بالعبرية).
(*) نسفي حرمون :من المؤسسين للسجون وصاحب فكرة تطويرها قبل إعالن الدولة ،وعمل في الشرطة البريطانية وعين في بداية الخمسينات 32
مندوب مصلحة السجون قبل أن يتغير إلى مصطلح قائد مصلحة السجون ،وقد استقال من هذا المنصب عقب هروب شطة الكبير في
.31/7/1958
الشرطة العسكرية اإلسرائيلية في المنطقة الجنوبية ،عندما نجح المعتقل الفلسطيني "وفا الصايغ" من
الهرب من السجن ليلة السابع من يناير عام 1957بعد اعتقاله بأربعة أيام وكذلك هروب المرحوم عطا
أبو كرش من نقس السجن وهو في الخامسة عشر من عمره(.)1()1
ولم يتغير الموقف الفلسطيني ،أو العربي ،أو الدولي من األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية
حتى عام ،1967فقد كانت القضية الفلسطينية تمثل واعزاً وطنياً ضد االستعمار في نفوس األمة العربية،
في فترة كان النشاط القومي العربي يتصدر التصدي للمشروع الصهيوني واالستعماري،الذي كان متمثالً
باحتالل بعض المناطق العربية ،الذي ال يزال باقياً ولم ينته.
صحيح لم يكن انطالق حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ضمن إطار أو دائرة حركة القوميين
العرب ،أو حتى مطابقا ألفكارهم ،إال أن هذه االنطالقة لم تعرض نشاطهم للخطر ،إال ما استجد في
السنوات التالية من استقطاب الكثير من الشارع الفلسطيني ،بل والعربي ،وتعاطفه مع هذه االنطالقة ،التي
جاءت على األقل كبديل واضح ،في جزئية ممارسة الكفاح المسلح ضد إسرائيل بل والعنف الثوري بشتى
صور عنفوانه.
وفي األيام األولي لعام 1966أعلنت حركة فتح أن أحد رجالها ،ويدعى "جالل كعوش" قد هرب من
االعتقال الصهيوني ليعتقله الجيش اللبناني ويقتله ،وادعى األخير" :أن هذا المقاتل كان سينفذ عمالً
عسكرياً ضد إسرائيل ربما يجرها إلي حرب ال يحدد العرب وقتها ومكانها" ،وقد كان الموقف الفلسطيني
2
واللبناني متميزاً بالمشاركة بتشييع جنازته ،وتلقت الحكومة اللبنانية الكثير من المذكرات والتهديدات،
ويبدو أن التعاطف الشعبي الذي حدث كان للتعاطف مع الشهيد كونه كان أسيراً في السجون اإلسرائيلية،
خاصة أن بيان الجيش اللبناني اعتبر أن المذكور قد أرسل من قبل العدو ،وإلفشال قرارات جامعة الدول
العربية ،وأوامر القيادة العربية الموحدة ،والتي كان بعض العرب يفهمها على أنها تكافح نشاط العمل
الفدائي غير النظامي ،والذي يهدف إلى إيجاد حجة إلسرائيل لالعتداء بدون سبب.
ولم تتخل الحركات التي كانت تكافح إسرائيل عن أعضائها الذين اعتقلوا قبل عام 1967من قبل
إسرائيل ،بل إنها وضعتهم على سلم أولوياتها بالعمل الفدائي وليس أدل على ذلك من رؤية اسم المعتقل
عبد الرازق عرفات(*) أول اسم على قائمة األسماء التي طلبت الجبهة الشعبية اإلفراج عنهم عندما اختطفت
طائرة ،وأنزلتها في الجزائر عام .)3(1968
( )1()1مصلحة السجون في إسرائيل ،نشرة تعريفية حول سجن شطة،ص ( ،2بالعبرية).
)2(2الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ،1967مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،بيروت ،1968 ،ص.112
(*) عبد الرازق عرفات:مقاتل كان يحمل أفكار القوميين العرب والذي خاض مع مجموعة معركة في 6/4/1956على حدود الخليل ووقع أسيراً
بيد إسرائيل وهو جريح وأمضى أثنى عشر عاماً قبل اإلفراج عنه.
( )3()3عودة محمد عياش :سنوات الغليان،دار األهرام،1976،القاهرة ،ص.67
وقد ش ًكل الموقف الرسمي الفلسطيني جزءاً من موقف جامعة الدول العربية ،بل ال يمكن تسجيل أي
اختالف في الموقف الفلسطيني والعربي تجاه قضية األسرى في ذلك الوقت ،فال خالف على قضية أسرى
في المحافل الدولية ،فانه مهما كانت النتائج ،فلن يربح منها أحد سوى التقرب إلى الجماهير الفلسطينية،
وهذا ما يمكن استنتاجه في جعل المندوب الفلسطيني ضمن وفد جامعة الدول العربية في األمم المتحدة
يتصدر الدفاع عن قضية األسرى خاصة في قضية محمود أبو بكر حجازي (أول أسير للثورة
الفلسطينية) ،والذي أرسل عدة رسائل إلى أعضاء مجلس األمن وسكرتارية األمم المتحدة بذلك( ،)1ويعد
قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق في اتهامات إسرائيل في األرضي العربية المحتلة
منذ األشهر األولى التي أعقبت حرب 1967دليالً على أنه كان هناك نشاط فلسطيني وعربي ضد
ممارسات إسرائيل.
انحدر غالبية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية قبل عام 1967من فلسطين المحتلة عام
،1948وبالتالي كان االرتباط الشعبي بين األسرى وبينهم أكثر من ارتباط األسرى وسكان الضفة الغربية
وقطاع غزة ،ولم يجد مسئولو األسرى الفلسطينيين في األشهر األولى بعد الحرب صعوبة في االتصال
بطالئع الفلسطينيين في مناطق ،1948خاصة بعض مسؤولي الطائفة البدوية ،أو مخاتير وشيوخ الطائفة
()2
،ويعود السبب في ذلك إلى قرب هؤالء من السلطة في إسرائيل ،بل ومشاركتهم في نظام الدرزية
الحكم كاالنتخابات ،ومنهم أعضاء كنيست.
استطاعت إسرائيل تحقيق االنتصار العسكري في حرب 1967وبرغم أنها كانت البادئة في الحرب
إال أنها ظلت تدعي الدفاع عن النفس ،ولطالما حدث جدال حول كيفية التصرف بهذه المساحات الشاسعة
من األراضي التي سيطرت عليها خالل الحرب ،وكذلك كيفية التعامل مع الفلسطينيين والعرب القاطنين
على هذه األرض ،فقد استفادت إسرائيل من اإلمكانيات التي كانت تملكها قبل الحرب ،ومن إمكانيات
السجون وإ جراءاتها وبالرغم من أن الجيش كان مخططاً الحتالل هذه األراضي الشاسعة ،فإن مصلحة
السجون لم يكن لديها أي تخطيط الحتالل الضفة الغربية وقطاع غزة ،وما سيترتب عليها من أعباء كبيرة
بهذا القدر( ،)3وأن العدد الكبير من الذين كان يحكم عليهم بالمؤبد أو مدى الحياة قد فاجأ المسؤولين حتى
في مصلحة السجون ،ففي نهاية عام 1967اعتبر المجرم وستنفيلد مدير سجن عسقالن " أن حكم بالسجن
خمسة عشر عاماً أو مدى الحياة يقضيه المعتقل في زنزانة مع عشرين آخرين ال يمكن اعتباره إال نوعاً
( )1()1اليوميات الفلسطينية لعام ،1965مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،بيروت ،1966 ،مج،22ص.67
( )2()2مقابلة مع عبد الحميد القدسي ،مصدر سابق.
( )3()3عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،مرجع سابق،ص.146
من التعذيب" ( ،)4ويبدو أن هذا الضابط كان من أوائل الذين تزعموا فيما بعد الممارسات القاسية ضد
األسرى،بل إنه دافع عن سياسة مصلحة السجون اإلسرائيلية تجاه األسرى فيما بعد.
لم تكن إسرائيل قبل عام 1967تملك نظام محاكم عسكرية لمواطنين من خارج حدود الدولة ،فلم
تستطع إسرائيل ضم المناطق التي احتلتها باستثناء القدس ،وهضبة الجوالن ،حيث تخوفت من تأثير ذلك
على الطابع الديني والديموغرافي للدولة ،وبالتالي فهي بحاجة إلى أنظمة إدارية مختلفة عن تلك التي
تعاملت فيها مع مواطنيها من العرب ،ومنها جزئية المحاكم ،وهذا ما وجدت فيه صعوبة قبل عام 1967
مع الذين يعتقلون من خارج مناطقها ،وعلى رأسهم قضية محاكمة محمود حجازي وما أحدثته من حالة
الجدل على المستوى الرسمي والشعبي.
طلب األسير محمود حجازي من رؤساء الدول العربية تعيين محام له ،حيث نشطت الجامعة العربية،
ونجحت في انتداب محام فرنسي له ،لكن ال يمكن تبرير رفض وزير العدل اإلسرائيلي"دوف جوزف"
لتعيين محام أجنبي للدفاع عن حجازي ،وادعى بأن المحامي الذي تم انتدابه من الجامعة العربية متفق مع
المتهم على أن الديمقراطية في إسرائيل يمكن استغاللها لتشويه سمعة إسرائيل( ،)1وكان حكم اإلعدام على
أول أسير للثورة الفلسطينية كفيل بزيادة حدة الجدل حول كيفية التعامل مع هؤالء األسرى ،والذي قد
يصل إلى العشرات أو المئات ،فهل ستقوم إسرائيل بإعدامهم جميعا ،ويبدو أن هذا السبب والتصور كان
وراء قرار رئيس أركان الجيش إسحاق رابين بتشكيل محكمة عسكرية تعيد محاكمة حجازي التي بدأت
()2
. في مارس ،1966وتم إعادة الحكم في يونيو من العام نفسه ،وحكم بالسجن لمدة ثالثين عاما
ثالثا :دور جهاز المخابرات اإلسرائيلي (الشين بيت):
مع أن الدراسة ليست مختصة بدراسة أجهزة األمن اإلسرائيلية ،أو حتى جهاز المخابرات اإلسرائيلي
"الشين بيت" ،إال أن موضوع األسرى الفلسطينيين يش ّكل أهمية وجزءاً مهماً من عمل هذا الجهاز ،بل إنه
ال يمكن العثور على أي سجين فلسطيني دون أن يكون له قصة مع أحد ضباط هذا الجهاز ،فقد أصبح هذا
الجهاز جزءاً هاماً من أدوات االحتالل والسيطرة على السكان الفلسطينيين ،وهو جهاز بالمفهوم
اإلسرائيلي متخصص في عمل االستخبارات اإلستباقية (جهاز وقائي).
لقد اعتمد جهاز الشين بيت في المعلومات عن الفلسطينيين في الضفة الغربية على ضباط لواء
القدس الذي كان يعمل في مناطق القدس المحتلة عام ،1948وعلى قطاع غزة إلى تلك المعلومات التي
جمعها أفراد الجهاز أثناء حرب ،1956ومن األسرى الذين كان الجيش يلقي القبض عليهم أثناء تسللهم،
كانت سلطة االنتداب قد خولت أي قائد عسكري حسب المادة 111ألنظمة الدفاع "حاالت الطوارئ"
لعام 1945في فلسطين اعتقال أي شخص يسميه لمدة تصل إلى عام ووضعه في أي مكان يراه مناسباً
ويجوز تنفيذ األمر ألي فرد من أفراد القوات البريطانية أو من أفراد البوليس التابع لها(.)3()3
نشطت المقاومة الفلسطينية في المناطق التي احتلتها إسرائيل عقب حرب 1967بصورة كبيرة
وسرعة متميزة ،مقارنة مع تلك المقاومة التي كانت في المناطق التي بقي فيها سكان عرب بعد حرب
( )1()1منى رشماوي :االعتقال اإلداري ,صحيفة الفجر , 21/8/1985 ,ص. 9
( ) 2()2إبراهيم أبو النجا :الحركة الفلسطينية األسيرة ،مؤسسة صابرون ،رام اهلل ( ،ب.ت) ،ص. 49
( )3()3تيسر جبارة :وثائق فلسطينية في أرشيف وزارة المستعمرات البريطانية (،ب.ط)(،ب.ن) ،رام اهلل،1989،ص. 39
، 1948وعليه فقد أخذت إسرائيل ما تشاء من قوانين االنتداب ،وبما يتناسب وسياستها في محاربة
المقاومة ،وهذا ما وجد تعبيراً له من خالل إصدار قادتها العسكريين في كل المناطق المحتلة باستثناء
(القدس) عام 1968أوامر عسكرية باالستمرار بالعمل بقوانين االنتداب ،ومن ضمنها إجراءات االعتقال
اإلداري ( ,)1وقد هيأ ذلك لسلطات االحتالل اعتقال المزيد من رجال المقاومة ،وفي عام 1969دخل
االعتقال اإلداري مرحلة جديدة ليتناسب مع حالة التطور التي شهدتها المقاومة الفلسطينية ،خاصة
تضاعف عدد أعضاء الخاليا في المناطق المحتلة نتيجة تداعيات معركة الكرامة في العام السابق ,فالقادة
العسكريون كانوا بحاجة إلى تسهيالت أكثر لممارسة االعتقال ضد الفدائيين ومن يساعدهم ,فقامت
إسرائيل مع بداية عام 1970بوضع الكثير من اإلجراءات في القرار العسكري رقم 378الذي خول أي
قائد منطقة إصدار قرار االعتقال ,وكذلك تأجيل نظر القاضي العسكري إلى ما بعد 96ساعة ( ,)2وقد هيأ
ذلك اعتقال أكثر من 1131فلسطينياً إدارياً ولمدد مختلفة ،وذلك في بداية السبعينيات (.)3
كان االعتقال اإلداري مع بداية السبعينات وسيلة إسرائيلية هامة ضمن الوسائل والممارسات التي
انتهجتها لضرب المقاومة ,فبعد حالة الهدوء التي شهدتها العمليات العسكرية منتصف السبعينات لم تسجل
أكثر من خمس حاالت اعتقال إداري(.)4
رص صفوف المقاومة الفلسطينية داخل األراضي
لقد ساهمت حرب أكتوبر 1973إيجاباً في ّ
المحتلة من خالل تشكيل الجبهة الوطنية التي زادت من وعي رجال المقاومة وتجديد أساليب العمل ،
حيث واجهت إسرائيل نمطاً جديداً لم يمكنها من توفير المادة اإلستخبارية الكفيلة بمحاكمة قادة هذه الجبهة،
فبدأ تصعيد إجراءات االعتقال اإلداري باعتقال عشرات من أعضاء هذه الجبهة ,وتم إبعاد عشرين منهم
إلى لبنان بعد انتهاء مدة اعتقالهم مباشرة ,فيما أبقي على 33منهم رهن االعتقال اإلداري(.)5
أثر سير الحياة السياسية في إسرائيل على إجراءات االعتقال اإلداري ،فمع التغيير السياسي الذي
حصل في إسرائيل عقب االنتخابات التشريعية عام ، 1977وتشكيل أحزاب الليكود والمتدينين الحكومة
انخفض مؤشر عدد حاالت االعتقال اإلداري إلى أدنى معدل له منذ العام , 1967وبقي أولئك األسرى
(( ) 1القانون من أجل اإلنسان(-الحق) :مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون ,القدس ،1986 ،المادة 3من األمر العسكري ,224ص.7
( ) 2قيادة قوات جيش الدفاع اإلسرائيلي في يهودا والسامرة ,األمر العسكري رقم 378لسنة – 5730/1970أمر بشأن االعتقال اإلداري في (
تقرير نشرته مؤسسة القانون من أجل اإلنسان ( -الحق ) , 1986 ,القدس ,ص.3
( )4جامعة بيرزيت – مركز الوثائق واألبحاث – تقارير األحداث الجارية – رقم : 1تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري ,ط , 1جامعة (
( ) 6الحديث يتعلق بأسرى إداريين أمضوا فترات طويلة ,منهم علي الجمال من سكان مخيم جنين والذي أمضى أطول فترة اعتقال إداري (
متواصلة ولمدة ست سنوات ،1981 – 1975وكذلك تيسير عاروري من سكان رام اهلل الذي أمضى 45شهراً.
(( )1عن قرارات هذه اللجنة أنظر :االعتقاالت اإلسرائيلية ,فلسطين المحتلة ,ع ,13/9/1975 ,4ص.34
)*( األمر 178رفع من رتبة الضابط الذي يصدر القرار و يجب عرض األسير أمام قاض عسكري خالل 24ساعة.
(( ) 2مقابلة مع محمد حسن دحالن ،مسؤول وقائد لجان الشبيبة التابعة لحركة فتح في قطاع غزة بين عامي ,1985-1984أجريت في
7/3/2005غزة.
سكان الضفة الغربية ,و %8تقريباً ضد سكان قطاع غزة ,ولما كان نشاط هذه المنظمات يتركز في
الجامعات والمعاهد والنقابات فإن أكثر من %92من األسرى اإلداريين هم من فئة الطالب وأساتذة
الجامعات والنقابيين ,وأن %88من هؤالء األسرى تتراوح أعمارهم بين 35-21عاماً ,وغالبيتهم هم
طالب من جامعتي بيرزيت والنجاح الوطنية(.)3
تطورت اإلجراءات اإلسرائيلية في االعتقال اإلداري بما يتوافق ومصالحها األمنية وكان التحايل حتى
على القوانين التي تصدرها هي نفسها ،فتارة تكون صالحية االعتقال اإلداري لوزير الدفاع ,وتارة لقائد
المنطقة ,وتارة أخرى لقائد لواء ,فذلك مرتبط بالتطورات األمنية في المناطق المحتلة وليس بصراع
صالحيات ,فحجم نشاط المقاومة الفلسطينية ومدى تطوره يساهم إلى حد ما في تغيير القوانين ,فهو
الهدف من كل هذه اإلجراءات األمنية المستهدفة من كل اإلجراءات.
يدعي المسؤولون اإلسرائيليون أن االعتقال اإلداري ليس مقصوداً به عقوبة إنما هو إجراء وقائي(,)1
ّ
أي أنه حسب هذا التفسير ال يجوز اعتقال شخص ما إدارياً كعقوبة على عمل يمس أمن إسرائيل أو األمن
العام ,إن فرض عقوبة على عمل كهذا يأتي فقط عبر محكمة تقوم باإلجراءات القانونية االعتيادية ،فحين
يتوفر الدليل القاطع إلدانة أحد رجال المقاومة من خالل إجراءات كهذه ال يشكل هذه مبرراً لالعتقال
اإلداري ,وقد مارست إسرائيل عبر قادتها العسكريين إجراء تمديد االعتقال اإلداري بمجرد حلول اليوم
قبل األخير في المدة المنصوص عليها في قرار االعتقال ,وتعطي القرارات العسكرية صالحية مفتوحة
وغير محددة المدة للقائد العسكري إلصدار قرار التمديد حتى لو وصلت المدة إلى سنوات عديدة وكل ذلك
يكون من غير محاكمة(.)2
يبدأ االعتقال اإلداري لشخص يتسم بخطورة ال تستطيع أجهزة األمن إثباتها ,أو أن إثباتها سيشكل
خطراً على عمالئها ومصادر المعلومات ,فقد كانت قوات الجيش اإلسرائيلي تقوم باعتقال عدد من قادة
منظمة معينة بعد حدوث نشاط كبير للمقاومة أو المنظمات الجماهيرية ,فمثالً قامت إسرائيل باعتقال عدد
من نشطاء وقادة لجان الشبيبة الطالبية في الجامعات الفلسطينية عقب معركة دامت عدة ساعات بين قوات
الجيش وطالب جامعة بيرزيت في 18/11/1984استشهد على أثرها أحد قادة الشبيبة( ,)3ألنها نظرت
(( )3جامعة بيرزيت – مركز الوثائق واألبحاث :تعريف خلفيات االعتقال اإلداري ,مرجع سابق ,ص.36
( )1جاء هذا على لسان المدعي العام اإلسرائيلي عام 1982إسحاق زايد ,للمزيد أنظر :إيما باليفير :االعتقال اإلداري في الضفة الغربية , (
,2/1998غزة ,ص.31
( )3كانت تلك المظاهرة تأييداً النعقاد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان ,وقد استشهد الطالب شرف الطيبي القائد في (
االعتقاالت كرد فعل إسرائيل على ذلك ,أنظر :صحيفة القدس . 7/8/1985-6
(( )1صحيفة هأرتس , 28/11/1985ص.1
(( )2صحيفة االتحاد ,25/5/1975 ,ص ,1صحيفة القدس ,26/5/1975 ,ص.1
(( )3صحيفة االتحاد ,12/7/1975 ,ص.1
العام لألمم المتحدة لجنة تحقيق ضمت أربعة عشر شخصاً للتحقيق في ظروف األسرى اإلداريين( ,)4وغير
مرة كرروا إضرابهم عن الطعام والمطالبة بإطالق سراحهم(.)5
شارك في تلك اإلضرابات واالحتجاجات األسرى اإلداريون ولم تكترث إسرائيل بذلك ,واعتقلتهم
إدارياً ،ولم تطلق سراحهم إال عند اكتمال مدة اعتقالهم ,وحالة السجين" نادر اليعقوبي" خير شاهد على
ذلك فقد أعتقل وهو معافى وشاهدت محاميته عالمات حروق بالسجائر على وجهه ولم يطلق سراحه إال
بعد أن فقد عقله بعد إضرابه عن الطعام مع زمالئه( .)6واستمرت حاالت االضراب هذه حتى في سنوات
انتفاضة األقصى ومنهم من أجبر السلطات االسرائيلية على اطالق سراحه.
ثانياً :المحاكـم:
( )5جاء ذلك على لسان مندوب إسرائيل في األمم المتحدة عام ،1971انظر :كميل منصور :الشعب الفلسطيني في الداخل ،ط ،3مؤسسة (
( )4جهاد البطش ،االستيطان الصهيوني في قطاع غزة ،ط ، 2مكتبة اليازجى ،غزة ، 2005 ،ص .224 (
(( )3حسين أبو حسين :حق الدفاع القضائي ،مرجع سابق ،ص .13
(( )4مقابلة مع عبد الرحمن أبو النصر ،نقيب المحامين الفلسطينيين ,غزة .2004 / 3 / 22
(( )5المصدر السابق.
(( )1حسين أبو حسين :حق الدفاع القضائي ،مرجع سابق ،ص .18
(( ) 2جلسة محاكمة للباحث :حيث تم إخراجه هو ومحاميته اإلسرائيلية تمارا بيلنغ من قاعة المحكمة .1985
وقذف الحجارة ،فمن المتوقع أن ترتفع األحكام بالسجن بحدة ،وذلك حسب تفسير ضباط المحاكم العسكرية
كجزء من إجراءات السلطات التنفيذية المتمثلة بالجيش اإلسرائيلي(.)3
إن شدة األحكام التي كانت تصدرها المحاكم اإلسرائيلية لم تكبح أو تقلل من حجم المقاومة
الفلسطينية ،فقد حكمت محكمة عسكرية إسرائيلية في غزة عام 1972على األسير أحمد أبو فاخر بالسجن
لمدة 155عاماً ،وفى العام التالي حكمت نفس المحكمة على األسير نبيل فرج بالسجن لمدة 159عاماً،
وحكم على األسير عبد الهادي غنيم لمدة 630عاماً ،ولم تكن أعمار األسرى ذات اعتبار هام أثناء اتخاذ
قرار الحكم ،فقد حكمت بالسجن لمدة عام على المواطنة خضره سالم الزريعى وعمرها 96عاماً ،ومع
بداية انتفاضة األقصى حكمت على العديد من قادة أذرع منظمات المقاومة الفلسطينية بالسجن لعشرات
السنين ،وكذلك حكمت بالسجن لمدة 7أشهر على الفتى جواد البشيشى من القدس وقامت بإبعاده فيما
بعد(.)4
هدفت إسرائيل من وراء ذلك إلى جعل المحاكم العسكرية مكاناً يثير الخوف لدى رجال المقاومة
الفلسطينية وذويهم ،فبرغم ارتفاع هذه األحكام إلى مئات السنين أحيانا إال أنها ترفض فكرة الحكم باإلعدام
مهما كانت تهمة رجال المقاومة الفلسطينية ،ويعلل المسؤولون اإلسرائيليون ذلك باعتبارات لها عالقة
بمكافحة المقاومة ،فهي نابعة من أن حكم اإلعدام ال يشكل عامالً رادعاً لألغلبية الساحقة من أعضاء
منظمات المقاومة الفلسطينية ،وإ نما العكس هو القاعدة وأن حكم اإلعدام سيؤدي إلى مقاومة أكثر شراسة
أثناء االعتقال ،وبالتالي ستزيد خسائر الجيش وستقل إمكانية اعتقال الفدائيين وهم على قيد الحياة،
وسيحولهم ذلك إلى شهداء مقدسين ورمزاً لالنتقام والثأر من إسرائيل ،واألهم من ذلك أن إسرائيل قد ال
تستطيع تنفيذ الحكم( ،)1وقد اخذ شكل المحاكم العسكرية اإلسرائيلية في المناطق المحتلة عدة أشكال يمكن
تقسيمها على النحو التالي:
أ -المحاكم االبتدائية :وتنظر في القضايا التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى 7سنوات سجن أو غرامة
مالية تصل إلى 30ألف شيكل.
ب -المحاكم اللوائية :وتنظر في القضايا التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى السجن مدى الحياة
واألشغال الشاقة.
(( )3عبد الستار قاسم وآخرون :التجربة االعتقالية في المعتقالت الصهيونية ،ط ،1قسم العلوم السياسية– جامعة النجاح الوطنية،نابلس،1986،ص
.238
(( )4عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،مرجع سابق ،ص . 109
(( )1شلومو جازيت :العصا و الجزرة ،مرجع سابق ،ص .19
ت -اللجان االستشارية أو لجنة االعتراضات العسكرية :وهي لالعتراض على القرارات العسكرية
التي يصدرها قادة المناطق.
ث -محكمة العدل العليا :تنظر في قضايا االستئناف على أحكام صدرت عن المحاكم اللوائيه وهى
هيئة مستقلة تماما وقراراتها ملزمة لوزارة الدفاع.
واجهت إسرائيل مشكلة في مثول كل األسرى أمام المحاكم ،خاصة أنها تدعي أن بعض
إجراءاتها ال تتعلق بعقوبة كاالعتقال اإلداري ،وعليه فقد شكلت اللجان االستشارية أو لجان االعتراضات
التي تتكون من ثالثة أشخاص يرأسهم قاض ،وتجتمع مره كل ستة شهور لتستمع إلى شكاوى األسرى
بحضور النائب العسكري أو ممثلهم ،وبحضور رجل األمن ( المخابرات ) الذي يصطحب معه( )2ملف
المتهم ،وقد جاء تشكيل هذه اللجان عام 1981بأمر عسكري من قبل قائد منطقة الضفة الغربية الجنرال
بنيامين بن اليعازر( ،)3وعليه فإن لجنة االعتراضات يمكن أن تنظر في عشرات االستئنافات المرفوعة
إليها يومياً ،وقليالً ما كانت تستجيب لطلبات االستئناف ،أو تقلل مدة الحجز التي يقررها القائد العسكري،
وفى الغالبية العظمى من الجلسات ال يتم توجيه التهم إال بصيغة واحدة هي أن المتهم يشكل خطراً على
أمن الدولة ،وأن النيابة ال تستطيع ذكر التهم علناً أمام المتهم والمحامي ,ألن ذلك سيكون خطراً على
مصدر المعلومات (.)4
وتم تجديد العمل بلجان االعتراض مع بداية الثمانينيات ،تلك الفترة التي سجل فيها النشاط الجماهيري
والنقابي للمنظمات الفلسطينية ارتفاعاً كبيراً لمستوى الوعي السياسي واألمني لرجال المقاومة ،وبالتالي
ارتفعت نجاعة العمل الوطني السري ،وعليه فقد اعتمدت أجهزة األمن اإلسرائيلية على معلومات العمالء،
ولذلك كان ذكر أي تهمة ستكشف فعالً عن هؤالء العمالء ،ولذلك لم تستطع إسرائيل توجيه التهم لهؤالء
األسرى ،فاعتبرت أن االعتقال اإلداري هو أنجح السبل لمحاربة األجنحة النقابية والجماهيرية للمنظمات
الفلسطينية.
ثالثا :اإلقامة الجبرية واالعتقال االحترازي:
(( )2معين محمود :االعتقاالت اإلدارية من هنا ونتائجها ،مجلة فلسطين المحتلة ،ع ، 6/12/1976 ،70ص . 9
(( )3القانون من أجل اإلنسان :مجموعة القوانين العسكرية ،مصدر سابق ،ص .56
(( ) 4حصل ذلك أمام عدة جلسات مع عدد من األسرى الفلسطينيين كان الباحث منهم وكانت جميع التهم كما ذكر أعاله.
اختارت إسرائيل وسائل وأساليب عديدة في مكافحة نشاط المنظمات الفلسطينية ،وتحدد استخدام كل
وسيله طبيعة األوضاع األمنية في المناطق المختلفة ،وكذلك طبيعة المكان الذي يعيش فيه المستهدف،
إضافة إلى نوع النشاط الذي يقوم به ،فأما اعتقاله والتحقيق معه ليؤول ذلك إلى االعتقال في السجن بحكم
محدد ،أو أن اإلجراء السابق سيعرض أمن الدولة للخطر ،وخاصة كشف مصادر المعلومات فتلجأ
إسرائيل إلى االعتقال اإلداري ،ولكن ذلك أيضا قد يؤثر على أمن الدولة كون األسرى اإلداريين يعتبرون
عادة من قادة المنظمات ،فتكون السجون معاقل اجتماعات دائمة ويتم خاللها تفعيل نشاط المقاومة خارج
المعتقل ،وعندها يتم اللجوء إلى أساليب عديدة منها:
فرض اإلقامة الجبرية .
االعتقال االحترازي.
مصادرة البطاقة الشخصية.
ورثت إسرائيل أسلوب فرض اإلقامة الجبرية عن قوانين سلطات االنتداب البريطاني ،وعليه فقد
مارست هذا األسلوب قبل عام 1967على السكان العرب في المناطق المحتلة عام ،1948وبموجبه
منعت الكثير من المواطنين العرب من التنقل من مكان ألخر وبالذات دخول الضفة الغربية وقطاع
غزة( ،)1وبعد عام 1967وفى إطار تقييد حركة من يتم اإلفراج عنهم من السجون وتعدهم إسرائيل قادة
داخل السجون أو يستطيعون التحريض ،أو من أولئك القادة الذين يتعلق نشاطهم بالتصريحات السياسية،
اختارت إسرائيل أن تفرض اإلقامة الجبرية عليه بتوقيعه في سجل معين ثالث مرات يوميا في مركز
للشرطة ،وأن يلتزم المفرج عنه بيته ليال ،وقد استخدم القادة العسكريون تشريع إجراءاتهم هذه من ضمن
األمر العسكري رقم 378في نيسان ،)1970(2الذي أعطى القادة العسكريين صالحية تقييد حركة أي
شخص يشكل خطرا على أمن الدولة ،ويالحظ أن ذلك يتعلق بتقدير الضابط أي أنه ليس هناك مقاييس أو
بنود يلتزم بها القائد العسكري ،بل إن القرار يعطيهم حق إصدار ذلك لضمان بقاء المواطن الفلسطيني في
أي مكان ،وكذلك بإمكان القائد العسكري أن يطلب من المواطن اإلبالغ عن األماكن التي يزورها حتى
بين فترات توقيعه في مراكز الجيش أو الشرطة ،وكذا عدم نشر أخبار و أراء ،وفى إطار ضرب العالقة
بين الخاليا الفدائية وقيادتها ،والتي لم تكن تسيطر عليها إسرائيل ،أو اتصال المواطن بزمالئه حتى في
السجون فقد تضمن األمر العسكري وجوب إبالغ المواطن الفلسطيني قائد الجيش في المنطقة عن عالقته
مع أي أحد من رجال المقاومة.
(( )1ليئا تسميل :في المعتقالت اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص . 104
(( ) 2القانون من اجل اإلنسان(-الحق) :مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون ،المادة 84من لألمر العسكري ،378مصدر سابق،ص.44
فرضت إسرائيل اإلقامة الجبرية على المواطنين الفلسطينيين وهى تعرف جيدا أن هذا األسلوب
سيجعل المواطن يشعر وكأنه في السجن ،بل إن ذلك سيشكل خطرا على حياته الخاصة في مناطق الضفة
الغربية حيث يبعد الريف عن المدن التي بها مراكز الشرطة والجيش( ،)1فمثال فرضت السلطات العسكرية
اإلقامة الجبرية بعد اإلفراج مباشرة عن السجين مروان البرغوثي رئيس مجلس اتحاد الطلبة في جامعة
بيرزيت ،بأن يمكث في بيته الكائن في قرية كوبرا التي تبعد مسافة عشرة كيلوا مترات عن رام اهلل ،وهى
تعرف أنه سيأخذ من الوقت ما ال يقل عن ساعة للوصول للمقاطعة للتوقيع ،و طلبت منه ذلك ثالثة مرات
يوميا ،و هدفت من ذلك عدم تمكينه من التنقل بين الجامعات والمعاهد في الضفة الغربية لممارسة النشاط
السياسي.
فرضت إسرائيل المزيد من القيود على قادة المنظمات الفلسطينية بهدف منع اتصالهم مع رفاقهم ،
ولكنها لم تنجح في ذلك بشكل مطلق ،فعندما يتعلق األمر بالمواطن الفلسطيني الذي يسكن المخيم فال يمكن
تحقيق ذلك لنمط الحياة الذي يعيشه سكان المخيم ,وهذا ما حصل عندما فرضت إسرائيل اإلقامة الجبرية
على الصيدلي عبد العزيز شاهين من سكان مخيم رفح ،وطلبت منه التوقيع في مركز الشرطة ثالث
مرات يوميا وعدم مغادرة بيته ليال ،لكن ذلك لم يحقق الغرض فقامت بفرض اإلقامة الجبرية عليه في
قرية الدهنية( ،)2رغم أن طبيعة سكان هذه القرية بحد ذاته يشكل خطرا على حياة الرجل ،وكان الضباط
ورجال المخابرات اإلسرائيلية يزورونه بشكل يومي ،ولم ينجح في تحسين وضعه المعيشي بالنوم على
سرير أو االستحمام إال بقرار من المحكمة ،ورغم كل هذا فغير مرة نجح في االتصال بمسئولي لجان
الشبيبة التابعة لحركة فتح ليقوم بتوجيههم ،وكذا االتصال بمسئولي فتح في السجون لتوجيههم في إدارة
أمورهم(.)3
إن الضغط الذي تعرضت له إسرائيل من الهيئات الدولية تجاه االعتقال اإلداري وفرض اإلقامة
الجبرية جعلها تخفف من لهجة القرارات العسكرية ،فقد أضافت قيوداً على القادة العسكريين بأن ال يجوز
لهم اتخاذ هذه اإلجراءات إال إذا كان األمر ضرورياً ألسباب أمنية جازمة( ،)4لكن األوضاع األمنية
وقواعد الصراع بين أجهزة االستخبارات اإلسرائيلية ورجال المقاومة هي التي تحدد أدوات هذا الصراع
فبعد هذا التعديل زادت السلطات من اتخاذ مثل هذا الصراع ،فبعد هذا التعديل زادت السلطات من اتخاذ
(
(1) Sara , Roy: Gaza strip: the political Economy Of Development, the institute for Palestine studies , Beirut,
Lebanon 1995 p. 96.
( ) 2قرية صغيرة تقع على الحدود المصرية الفلسطينية شرق رفح وسكانها هم من المسلحين المصريين من عمالء سلطات االحتالل الفارين من (
سلطات األمن والقضاء المصريين ،وسكنها بعد ذلك الفلسطينيين من عمالء المخابرات اإلسرائيلية الهاربين من رجال المقاومة الفلسطينية.
(( ) 3مقابلة مع عبد العزيز شاهين:مسؤول األسرى في السجون اإلسرائيلية لعدة سنوات أجريت في، ،7/1/2004غزة.
(( )4جاء ذلك في األمر العسكري رقم 815والذي عدل األمر 378السابق المتعلق باإلقامة الجبرية .
مثل هذا اإلجراء فبعد خروج قادة األجنحة الجماهيرية والنقابية من االعتقال اإلداري فرضت عليهم
اإلقامة الجبرية.
ربطت إسرائيل الحق القضائي للمواطن الفلسطيني بتقديم استئناف على قرار اإلقامة الجبرية للجنة
االعتراضات العسكرية الخاصة باالعتقال اإلداري ويقوم بتعيين هذه اللجنة قائد المنطقة ،ويكون رئيسها
قاضياً من ضباط الجيش ،قراراتها ليست ملزمة ،بل هي توصيات للقائد الذي أصدر قرار اإلقامة
الجبرية( ،)5ألن صياغة األوامر العسكرية الخاصة باالعتقال اإلداري واإلقامة الجبرية كان يصاغ ليلبي
عدة أغراض:
محاولة تحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي. -
عدم تقييد حركة سلطات األمن خاصة أجهزة االستخبارات. -
واجهت إسرائيل في 20/5/1985مشكلة تداعيات صفقة تبادل األسرى مع منظمة الجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين القيادة العامة والتي بموجها خرج من السجون اإلسرائيلية ما ال يقل عن ألف أسير اتجه
أكثر من ستمائة منهم إلى بيوتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ،وقد تميز المفرج عنهم بالوعي السياسي
واألمني ،وأن لهم قدرة عالية على ممارسة العمل التنظيمي الجماهيري والنقابي ،وبينما كان غالبيتهم ممن
امضوا أكثر من ثمان سنوات فقد قامت سلطات الجيش بعدم إعطاء العشرات منهم بطاقات شخصية مما
يعني عدم تمكينهم من مغادرة منازلهم إال لمراكز الجيش ،ولكن ذلك كان عن قصد ،وتم إقراره قبل
اإلفراج عنهم وإ بالغهم بذلك وقامت السلطات بتخييرهم بين اإلقامة الجبرية أو الرحيل خارج األراضي
المحتلة (،)1ومع بداية إصدار هذه القرارات العسكرية في بداية الثمانينات كان الغالبية ممن فرضت عليهم
اإلقامة الجبرية قد توجه إلى لجنة االعتراضات العسكرية،ولم يفلح أحدهم باستخراج توصية تلغي قرار
اإلقامة الجبرية بل كان العديد منهم يتوجه إلى محكمة العدل العليا ليبطل القرار لكن إمكانية النجاح في
ذلك شبه مستحيلة ،ففي عام 1985 – 1984كان األمر مشحوناً بين المستوطنين والسكان ،ولم ينجح أي
التماس في إلغاء إقامة جبرية أو اعتقال إداري( ،)2بل إن أحد هذه االلتماسات كان رد المحكمة أن صادقت
على أمر جديد من القائد العسكري بإبعاد المستأنف إلى الدول المجاورة وهو الصيدلي عبد العزيز
شاهين( ،)3وقد استغلت السلطات األجواء األمنية العامة حيث شهدت قبل يومين عملية اختطاف حافلة
الجبرية عليه مباشرة ،انظر :صحيفة هأرتس 18/2/1985ص ،1صحيفة القدس 18/2/1985ص.1
إسرائيلية من قبل رجال المقاومة ،وتحريض الصيدلي عبد العزيز شاهين األسرى الفلسطينيين في السجون
اإلسرائيلية ،وترؤسه لجان الشبيبة في الضفة الغربية وقطاع غزة خالل تلك الفترة ،استغلت كل ذلك لتنفيذ
قرار اإلبعاد وإ صدار المئات من قرارات االعتقال اإلداري وباإلقامة الجبرية على قادة المنظمات
الفلسطينية في الضفة الغربية.
اعتمدت إسرائيل في إجراءاتها العتقال الفلسطينيين على نشاط أجهزة األمن في توفير المعلومات أكثر
من القرائن والدالئل"متلبس" ،وكثيراً ما كان الفلسطينيون يحيون الكثير من المناسبات الوطنية وينظمون
المظاهرات واالحتجاجات التي كان يتخللها عمليات رشق حجارة وما شابه ذلك ،وعليه فقد لجأت إسرائيل
إلى اتخاذ إجراء االعتقال االحترازي ،وهو اعتقال الشخص كإجراء وقائي وقبل مناسبة أو حدث معين
تتوقع السلطات أن يقوم الشخص بممارسة نشاط يشكل خطرا على أمن الدولة ،وتبدأ إجراءاته بإصدار
القائد العسكري ألي مدينة فلسطينية مذكرة اعتقال ضد شخص بناءاً على توصية جهاز األمن العام ،ويتم
تنفيذ االعتقال إما بمذكرة حضور لمركز الشرطة أو بمداهمة منزل الشخص واعتقاله ،وغالبا ما كانت
إسرائيل تلجأ إلى األسلوب الثاني ،ويوضع الشخص مع زمالء له اتخذ بحقهم من نفس اإلجراء في ثكنة
()1
اإلسرائيلية في الضفة الغربية ،كانت السلطات تضع األسرى في عسكرية أو معسكر للجيش أو المقاطعة
مقر الحاكم العسكري في نابلس أو رام اهلل أو ما يسمى بالعمارة في الخليل ،أما في قطاع غزة فكانت
السلطات تضع األسرى في أحد غرف معسكر الكتيبة أو ما يسميه الفلسطينيون " بأنصار ،)2( "2وعادة ما
كانت مدة االعتقال تتراوح بين 10 –7أيام ثم يفرج عن األسرى ،وقد يحال بعضهم للتحقيق لدى
المخابرات اإلسرائيلية( ،)3ولم يكن هذا النوع يشكل مصدر إزعاج إلسرائيل من قبل مؤسسات حقوق
اإلنسان أو المؤسسات الدولية ويعود ذلك لقصر مدة هذا االعتقال ،بل إن السلطات العسكرية كثيراً ما
كانت تعترف بأنها أجرت حملة اعتقاالت احترازية في صفوف نشطاء المنظمات الفلسطينية( ،)4أما
المناسبات التي كانت تقوم فيها السلطات اإلسرائيلية بهذا اإلجراء فهي قبل عدة أيام من المناسبات التالية.
ذكرى انطالقة الفصائل الفلسطينية خاصة حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. -
ذكرى يوم األرض 30/3من كل عام. -
عند تنفيذ إبعاد أحد القادة الفلسطينيين خارج البالد. -
)Sara , Roy: Gaza strip the political economy of development , op .cit,p1 (1 (
( )2قاعدة عسكرية للقوات المصرية قبل عام 1967وهو على شاطئ البحر الجنوبي غرب مدينة غزة ،وسماه الفلسطينيون انصار ، 2بعد (
إن تط ور الص راع بين المقاوم ة وبين أجه زة األمن اإلس رائيلية أت اح لألخ يرة أن ال تب دأ م ع األس ير
الفلسطيني من المرحلة األولى ،فالكثير من األسرى بدأ توقيفهم مباشرة دون قرار باعتقالهم خاصة أولئك
الذين يتم إلقاء القبض عليهم أثناء العمليات العسكرية أو قبل صدور األوامر العسكرية ،وقد كان هذا العدد
كب يراً عقب ح رب 1967وم ا لبث أن تض اءل م ع تط ور الق رارات العس كرية ومراح ل ه دوء المقاوم ة،
وك ان من الممكن أن ال يم ر األس ير بك ل ه ذه المراح ل ليف رج عن ه بع د توقيف ه لع دم اس تطاعة المحققين
انتزاع اعتراف منه ،ومن الممكن تحويله إلى معتقل إداري وعدم وصوله إلى مرحلة المحاكمة ،وهذا ما
زاد ع دده م ع تط ور ال وعي السياس ي واألم ني لرج ال المقاوم ة خاص ة م ع بداي ة الثمانين ات ،وعلي ه فك ان
الغالبية منهم في هذه المرحلة يبدأ رحلته مع القرار العسكري باعتقاله ،وتصنف هذه القرارات على النحو
التالي:
( )1()1ليئا تسيمل :في المعتقالت اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص . 95
المخالفة بأي مكان يسيطر عليه الجيش بمعنى أن الجندي اإلسرائيلي طالما لبس بزته العسكرية يستطيع
أن يعتقل أي مواطن في المنطقة الموجود فيها.
جاء هذا القرار العسكري على شكل تعليمات الدفاع ،التي وضعت أصال في القانون العسكري
اإلسرائيلي لمساعدة الجندي في التصرف بحرية في اعتقال أسرى الحرب ،وهذا ما سبق أن حصل عام
،1956أو أثناء معارك وعمليات االستنزاف التي خاضتها المقاومة بدعم الجيش المصري بعد عام
1956انطالقا من قطاع غزة.
بناء على تعليمات الدفاع هذه جلب الجنود اإلسرائيليون أعدادا كبيرة من األسرى الفلسطينيين
والجيوش العربية عام ،1967فشكل هذا العدد مشكلة بالنسبة للجيش خاصة فئة الفلسطينيين،فلم تشأ
إسرائيل معاملتهم كأسرى حرب ،فأصدرت القرار العسكري رقم ،)378(1وذلك لترتيب عملية اعتقال
أفراد المنظمات حيث فرض بعض القيود على صالحيات االعتقال ،فقد سمح للجندي باعتقال أي شخص
بعد اقتناعه بأن هذا األخير قد ارتكب جرماً ،وأنه يجب نقله بأسرع وقت ممكن إلى مركز الشرطة إضافة
إلى ضرورة الحصول على أمر بتوقيفه على أن ال تزيد هذه المدة عن أربعة أيام لكن هذا األمر العسكري
أتاح ألي ضابط أن يكتب هذا األمر( ،)2أي أن القضية تتعلق برفع سلم الصالحية من الجنود إلى الضباط.
ومع بداية السبعينات كانت أعداد رجال المقاومة تزداد وتتطور معهم أساليبهم ،وهذا ما تطلب اتخاذ
إجراءات أمنية إضافية ،فلم يستطع الجيش أن يثبت المخالفة على الشخص خالل أربعة أيام ،فكانت
الحاجة إلى توقيف رجال المقاومة ٍ
لوقت أطول ،فتم إعطاء هؤالء الضباط صالحية توقيعهم علي مذكرة
توقيف لمدة 7أيام إضافية( ،)3وأمام هذه األعداد لم يكن الجيش قادراً على استخراج مذكرات لكل فرد من
األسرى ،فقد كانت سياسته تطويق بلدة أو قرية واعتقال كل رجالها تقريبا من 45 – 16عام ،أو أن يتم
اعتقال عائالت بأكملها التهام أحد أفرادها باالشتراك في أعمال مقاومة ،وكذا اعتقال كل من يتواجد أو
يسكن قرب مكان حدوث أي عملية مقاومة ،فقد كان الجيش يمرر األسرى من أمام متعاونين مقنعين
ليحددوا بأنفسهم من الذي سيعتقل(.)4
لقد كانت سمة المداهمة والتفتيش ومن ثم االعتقال من سمات عمل الجيش اإلسرائيلي في سنوات
السبعينيات ،خاصة في مخيمات قطاع غزة ،فقد كان الجيش مخوالً عند وقوع أي هجوم عليه بمطاردة
(( )1القانون من اجل اإلنسان :مجموعة األوامر العسكرية ،مصدر سابق ،ص .35
(( )2المصدر السابق ،ص .40
(( )3المصدر السابق ،ص. 41
( ) 4مقابلة مع قاسم أبو ناجي :قائد قوات حركة فتح في مخيم الشاطئ عام ،1970أجريت في ، 21/5/2004حيث القي القبض عليه بهذه (
(( )5القانون من اجل اإلنسان :مجموعة األوامر العسكرية ،مصدر سابق ،ص .43
(( )1المصدر السابق ،ص . 74
( ) 2المنظمة العربية لحقوق اإلنسان :حقوق اإلنسان في الوطن العربي ،تقرير المنظمة العربية لحقوق اإلنسان عن حالة حقوق اإلنسان في (
ثانيا :التوقيف:
يعد التوقيف من أهم مراحل االعتقال فهو نتاج القرارات العسكرية التي سنها القادة العسكريون لتسهيل
هذا التوقيف علي الجنود ،وقد حصل الجنود منذ عام 1967على صالحيات واسعة في توقيف المواطن
الفلسطيني ،وقد وقع في براثن التوقيف واالعتقال أعداد كبيرة من الفلسطينيين في ظروف مختلفة وفي
أوقات متباينة على أيدي من له الحق في االعتقال حسب القرارات العسكرية أو من ليس له الحق في ذلك،
فالجندي والشرطي ورجل المخابرات والمتدرب كل هؤالء يعتقلون ،مما جعل عملية التوقيف تتم في
أجواء من العنف ،بل إن نهايتها كانت مجهولة ،فال أحد يعرف أين سيتم أخذ هذا الموقوف.
تطورت منذ عام 1967ظروف التوقيف بما يتناسب مع القرارات العسكرية ،وطبيعة الظروف
األمنية التي تعيشها المنطقة ،وكذا ظروف أجهزة األمن اإلسرائيلية ،فعقب عام 1967كان أغلب
الموقوفين يتبعون جيش التحرير الفلسطيني ومنظمة فتح والجبهة الشعبية ،وفى عام 1968لوحظ توقيف
أشخاص ينتمون إلي الجبهة الوطنية المتحدة الذين كان جزء منهم يوقف علي توزيع بيانات ،وصارت
المنافسة بين هذه الفصائل مما زاد من ظاهرة المطاردين في العام التالي ،فقد تطلب ذلك إجراءات جديدة
من إسرائيل التي فتحت معسكر التوقيف في (نخل) بصحراء سيناء ،وتم توقيف اآلالف من الفدائيين
فيه( ،)1ولقد أقدمت إسرائيل على إخفاء أعداد هؤالء الموقوفين طوال الفترة الممتدة منذ عام 1967وحتى
، 1985وبرغم أن مصادر الدراسة قد اختلفت في تقدير أعداد هؤالء الموقوفين ،فإنه يالحظ أن عام
1967قد شهد اعتقال المئات من الضفة الغربية وقطاع غزة ،ويعود ذلك إلي ظروف المنظمات التي لم
تكن قد نظمت صفوفها بعد ،في حين شهد عام 1968زيادة كبيرة ،وذلك قد يتناسب مع حالة المد التي
عاشتها هذه المنظمات ،فهناك من قدر أن إسرائيل قد أوقفت ما ال يقل عن ربع مليون شخص( ،)2فيما
قدرت المنظمات الدولية ذلك بـ 350ألف أسير ،وهناك بعض المؤسسات الفلسطينية التي قدرت هذا العدد
بما ال يقل عن % 25من أفراد الشعب الفلسطيني( ،)3وهذا ما يعني أن ذلك يصل إلى ما ال يقل عن
نصف مليون شخص ،أي بواقع 25ألف شخص سنويا ،ويمكن أن يزيد العدد في الظروف االستثنائية
كسنوات بداية انتفاضتي الحجارة واألقصى.
(( ) 1مركز غزة للحقوق والقانون :تقرير حول :األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية منذ عام،1967غزة ،2000،ص.3
(( ) 2المنظمة العربية لحقوق اإلنسان :حقوق اإلنسان في الوطن العربي ،تقرير المنظمة ،مصدر سابق ،ص . 136
)Statistics of Palestinian prisoners in Israeli prisons, 1987, p. 16. Peace Now: (3 (
ان أقل ما يوصف بحقوق االنسان هو أن يعرف لحظة توقيفه السبب في ذلك ،وأن يطلب من الجندي الذي
ينوي اعتقاله أن يفسر له لماذا يقوم باعتقاله ،وأي التهم توجه إليه ،ولكن ما كان يحصل هو أن يقوم
الجندي اإلسرائيلي خاصة في األعوام ( -) 1985 – 1983فترة زيادة التطرف في الشارع اإلسرائيلي-
(. )4
يقوم بتوقيف المواطن الفلسطيني ألن مشية هذا الشخص أو طريقة تصرفه لم ترق للجندي
كما مارس الجنود العنف وهم يعلمون أنه ليس عليهم أي رقيب ،فقد كانوا يوقفون الشخص ويقومون
بتفتيشه ويأمرونه بعمل ما كإنزال أعالم أو شطب شعارات عن الجدران ،ومن ثم كان يتم أخذ الشخص
إلي مكان بعيد عن السكان واالعتداء بالضرب عليه ،وهذا ما حصل في قرية (سالم) شمال الضفة الغربية
عندما اخذوا شخصين إلي قمة الجبل وقام الجنود بتكسير عظام أيديهم أمام كاميرا سرية ألحد الصحافيين
(.)5
وكان الجنود كذلك يوقفون األشخاص لتحقيق أغراض شخصية خاصة أولئك الجنود الذين كانوا
(*)
المستوطنين ويتعرضون أحيانا لرشق الحجارة ،فقد كان يعود الضباط العتقال شخص يحرسون قوافل
معين في المنطقة التي حصل فيها رشق الحجارة ،ويضربونه ويطلبون منه إبالغ رسالة إلي زمالئه كتلك
الحادثة التي وقعت في شباط 1982عندما أوقفوا من الشارع المواطن جهاد فهمي سليم من نابلس وأخذوه
لمنطقة جبلية وعذبوه وألزموه على حمل سالح ( فارغ ) إلدانته فيما بعد وأن يركض خلف السيارة
العسكرية وهو يحمل أسالك شائكة ألخذ بطاقة هويته الشخصية( ،)1ولم يكن الجنود يفرقون بين الرجل
والمرأة في سلوك التوقيف بقدر ما كانوا يقيدون أيدي الرجال ،و كان ذلك يتم مع النساء وذلك لحين
وصولهن إلي مراكز التوقيف(.)2
وقد دأبت السلطات العسكرية على انتهاج أساليب مختلفة في التوقيف ،فقد كان الجنود بشكل دائم
يقيدون يدي المعتقل إما بالحديد أو بقطعة من البالستيك ،ويعصبون عينيه أو يضعون رأسه في كيس
تخرج منه رائحة كريهة ال يمكن الرؤيا من خالله( ،)3ويأتي تقييد األيدي نوعاً من االحتياط ضد أي تمرد
قد يحاول الموقوف القيام به كالهرب أو ضرب جندي أو خطف بندقيته ،ومن الممكن أن يعمد الجنود إلى
ضرب الموقوف أثناء نقله إلى المعتقل ،فإن ذلك يساهم في خلق هزات نفسية لديه ،مما يجعله أقل قدرة
(( )3محمد لطفي خليل :التجربة اإلعتقالية في السجون اإلسرائيلية ،ط ،1دار ابن رشد ،عمان ،1988 ،ص .8
على مواجهة مرحلة التحقيق ،إن هذا العنف نجا منه من تم توقيفه عن طريق مختار البلدة أو القرية أو
عن طريق استدعائه عبر رجل الشرطة ،وقد ضمنت القوانين الدولية ومواثيق حقوق اإلنسان حق
المواطن في إبالغ طرف ثالث عند التوقيف ومكان وجوده وعدم االمتناع عن ذلك إال إذا طلب
الموقوف ،كما أنه يجب إطالع الموقوف على حقوقه بمجرد وصوله إلى السجن ( ،)4وكذلك حق الموقوف
بحاجته إلى ٍ
محام ،ولكن ذلك بتقدير السلطات سيشكل خطراً على أمن الدولة ،فقد اعتقدوا في السنوات
األولى التي أعقبت حرب 1967أن معرفة ذوي األسير لمكانه قد يجعل الخاليا العسكرية تهاجم ذلك
المكان خصوصا إذا كان الموقوف قائداً أو مسئوال رفيعا في التنظيم ،وعليه فقد أعطت األوامر العسكرية
الجديدة القضاة العسكريين الحق وألسباب تتعلق بأمن الدولة أن يمددوا فترة عدم التبليغ عن التوقيف سواء
كان ذلك ألحد األقرباء أو المحامي الذي يسميه المتهم لمدة ال تتجاوز خمسة عشر يوما ،ويتم ذلك بطلب
خطي موقع من ضابط عظيم في الشرطة( ،)5وقد تجاهلت السلطات العسكرية كل هذه القوانين التي
أصدرتها بنفسها ،وأنه حتى لو حصل ذوو الموقوف على موافقة القائد العسكري للمدينة أو للمنطقة أو من
وزير الدفاع أو حتى محكمة العدل العليا بإبراز مكان الموقوف فلن يتم ذلك إال بموافقة الضابط المشرف
على القضية ،إن ذلك كله يجد تجسيداً له من خالل القضية التي رفعها ذوو الطبيب إبراهيم أبو هالل
لمحكمة العدل العليا بعد خمسة وثالثين يوما من اعتقاله من عيادته في بيت لحم ،ولم تتمكن المحامية
اإلسرائيلية فاليتسيا النغر وال الصليب األحمر من رؤيته ( ،)1حيث إن ظروف مرحلة التوقيف هي التي
توفر ظروفاً معينة لمرحلة التحقيق واالتهام.
(( ) 4حسين أبو حسين :حق الدفاع القضائي ،مرجع سابق ،أنظر لوائح حقوق الموقوف (المشتبه به) ،ص.26
(( )5المرجع السابق ،ص.28
(( )1صحيفة الشعب ،8/5/1975 ،ص .2
تعرض المتهمين ألشكال متعددة من المؤثرات إلى أن يعترف ،وأن هناك أسباباً لوصول المتهم لمرحلة
االعتراف الذي كان ينتزع بوسائل مختلفة.
وتبدأ مرحلة التحقيق في أغلب األحيان من مكان اعتقال المتهم وعليه فقد كان ضباط الجيش خالل
السنوات األولى بعد عام 1967هم الذين يقومون بالتحقيق خاصة في حاالت إلقاء القبض على الفدائيين
بعد مطاردتهم أثناء عمليه مهاجمة الدوريات العسكرية( ،)2لكن بعد ذلك أصبح ضباط وجنود الجيش ال
يعرفون من هذا المتهم الذي توجهوا إللقاء القبض عليه أو أسباب ذلك ،وفي أعوام الثمانينات والتسعينيات
أصبح ضباط المخابرات هم الذين يتوجهون لتنفيذ االعتقال.
كان اختيار السلطات للمكان الذي سيتم فيه التحقيق أهمية أكبر من قضية من سيقوم بالتحقيق ،فهذا
المكان هو الذي سيساهم في تشكيل الوضع النفسي للمتهمين ،وفي البداية استخدمت مقرات الجيشين
األردني والمصري السابقة التي استولى عليها الجيش اإلسرائيلي في الحرب أماكن للتحقيق ،لكنها لم تكن
ناجعة وعليه فقد تم إدخال الكثير من الترميمات كبناء الزنازين التي اختيرت في المباني القديمة وصممت
بمساحة متر وعرض نصف متر ومرور خطوط المجاري من أسفل أرضيتها( ،)3وقد طورت أجهزة األمن
هذه الزنازين مع بداية الثمانينات ليصبح المتهم في ظروف صعبة ،ويزيد عددهم قدر اإلمكان في زنازين
مشتركة يكون في وضع ال يسمح بالجلوس أو النوم وال حتى بالتناوب لعدة أيام ،ودون تهوية أو تنظيف
()4
للفضالت مع رش الموقوفين أثناء التحقيق بمبيدات حشرية ذات رائحة كريهة.
لقد اتسمت الزنازين وأماكن التحقيق باألوضاع السيئة للغاية ،حيث إنه لم يسمح بعد للصليب األحمر
وال ألي مؤسسة دولية بالوصول إلى هذه األماكن ،فقد تعمد رجال األمن االسرائيليين سكب المياه في
هذه األماكن بهدف حرمان السجين من الجلوس أو التمدد على أرضيتها ،وكذلك وضع أبواب حديدية
مصفحة للزنازين ،وفي أغلب األحيان كانت تفتح على باب ثان وربما ثالث قبل الخروج نهائيا( ،)1ومن
الممكن أن يمكث المتهم في هذا المكان أسابيع بل أشهراً عديدة.
استخدمت إسرائيل الكثير من الوسائل في عملية التحقيق وكلها بالطبع هدفت إلى انتزاع االعتراف
من الفدائيين عن عمليات عسكرية أو أفراد آخرين أو أماكن أسلحة ،وكان في هذه الوسائل ما هو مسموح
وفيها ما هو غير مسموح به ومنها:
االستخفاف بالسجين والعزل عن العالم وعن اآلخرين. -1
(( )2مقابلة مع وداد األسود حيث استخدموا معها مثل هذا األسلوب ،مصدر سابق.
(( )3للمزيد عن الوسائل المستخدمة في التحقيق أنظر:
_ وزارة شئون األسرى والمحررين :تقرير عن أساليب التحقيق اإلسرائيلية ،ص .7
-سمير نايفة :الممارسات النازية ،مرجع سابق ،ص .24 - 22
(( )4ليئا تسيمل :في المعتقالت اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص.6
(( ) 1وليد الفاهوم :تقرير عن حالة المتعقلين الموقوفين في السجون اإلسرائيلية ،مقدم إلى جميعه أنصار السجين .19/3/1981
زاد الوعي الفلسطيني بأساليب التحقيق عاماً بعد عام ،وانعكس ذلك من خالل الكتابات التي كان يكتبها
ويسجلها األسرى ،وبدءوا يدركون أن نتائج التحقيق عبر هذا الجهاز غير مقبولة كأدلة في المحكمة،
وابتكروا وسائل تبطل مفعول هذا الجهاز وذلك بالشد على عضالت القدمين أو األكتاف مع أي إجابة
ممكن إبعاد المحقق عن محور القضية أو التفكير بأمور مؤلمة ومحزنة تسبب انفعاالت ملحوظة في غير
وقت األسئلة مما يجعل الجهاز ال يفرق بين ردات الفعل(.)2
أمام كل هذه الوسائل والدوافع فإن المتهم حين يعترف ،فإنه يكتب اعترافه لدى رجال المخابرات،
ومن ثم يرسل إلى مكتب الشرطة حيث يكتب محضر رسمي باالعتراف ليقدم للمحكمة ،ويستلم
المدعي العام العسكري القضية ،ويعمل على تحديد موعد المحاكمة ،كان لهذه المرحلة أهمية في
السنوات األولى لالحتالل حيث كان يجبر على أن يكتب شهادته باعترافه باللغة العبرية ،وهو ال
يعرف أن من حقه أن يكتب بلغته األم ،مع العلم أن في تلك السنوات كان قليالً ما تجد أحداً يتكلم أو
يقرأ اللغة العبرية (.)3
(( )2إبراهيم أبو النجا :الحركة الفلسطينية األسيرة ،مرجع سابق ،ص .42
(( )3حسين أبو حسين :حق الدفاع القضائي ،مرجع سابق ،ص .43
(( )4رجاء شحادة :قانون المحتل،مرجع سابق ،ص.145
(( )1جونا ثان كتاب ورجاء شحادة :الضفة الغربية وحكم القانون ،ط ،2دار الكلمة ،بيروت ،1983 ،ص .23
لقد خالفت إسرائيل في تشكيل وانعقاد محاكمها العسكرية مواقفها والتزامها بأن تكون القاعدة هي
إجراء المحاكمات شفويا وعلنيا ،وأن تعلن مسبقا عن المعلومات الخاصة بوقت إجراء المحكمة ومكانها
ويجوز منع الجمهور وأجهزة اإلعالم من حضور جانب من المحاكمة أو حضورها كلياً ( ،)2لكن ذلك
استثناء وليس القاعدة ،لكن إسرائيل كانت تقوم بعكس ذلك فكثيراً ما كانت تجري محاكمة
ً يجب أن يكون
العشرات دون إعالم حتى لذوي أمرهم ،وتستغرق المحاكمة عشرة دقائق وأحيانا يقولون للمتهمين أن
األحكام ستكون خفيفة إذا اعترفوا بما يتهمون به(.)3
يتضح من ذلك أن ارتفاع سنوات المحاكمات تستجيب للظروف األمنية من حين إلى أخر ،فمع ارتفاع
درجة التطرف وارتفاع شأن المستوطنين في الضفة الغربية أصبحت أحكام المحاكم العسكرية اشد
صرامة ،فهي تعزز العقوبة بغرامة مالية وزادت من نسبة الغرامة إلى درجة مخالفة حتى األوامر
العسكرية الصادرة بهذا الشأن.
كانت نشأة المحاكم العسكرية في المناطق العربية المحتلة غير مكتملة التحضيرات فيما يخص
الفلسطينيين ،فقد كانت تفتقر حتى للمترجمين الجيدين إذا افترضنا أن هذه محكمة ،وأن هناك أهمية بالغة
لطبيعة األلفاظ والمفردات التي تترجم وهناك عدة حوادث حصلت فيها ترجمة خطأ كادت أن تؤدي إلى
اختالفات كبيرة في الحكم .
لقد رفض األسرى الفلسطينيون في كثير من األحيان حالة القصور في سلوك القضاة اإلسرائيليين
وكانوا يتجرؤون على إبداء أرائهم السياسية خاصة إن كانوا يتوقعون أحكاماً عالية أو كونهم مسئولين في
التنظيمات أو مسئولين نقابيين.
إن إبداء الفلسطينيين لرأيهم في المحاكم العسكرية اإلسرائيلية كان يولد ردة فعل عند القضاة ،فكثيراً
ما كانت جلسات المحكمة تتحول إلى نقاش سياسي وتاريخي بين القاضي والمتهم( ،)4وقد وصل األمر إلى
أن اعترض الجنود على سير المحاكمة ،وفي إحدى المرات قاموا باالعتداء بالضرب على المتهمين(،)5
وقد كان الفلسطينيون ينتقلون إلى السجن بعد المحاكمة لكن بعد عدة مراحل من االعتقال وخوض جزء
كبير منهم بمرحلة التعذيب.
التعذيب في السجون اإلسرائيلية
(Human Rights Watch/ Middle East: torture and ill- treatmen,p22. (1) )1
)Iblid. p22. (2 ()2
( )3()3سعيد عالء الدين ،التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص.18
( )4()4لجة النداو : landawلجنة التحقيق في أساليب التحقيق التي ينتهجها جهاز األمن العام ويشار إليها بهذا االختصار نسبة إلى رئيسها قاضي
محكمة العدل العليا السابق موشي لنداو.
في مثل هذه األنواع من التحقيق( ،)5تعامل اإلسرائيليون مع المجتمع الدولي على أنهم المضطهدون في
تاريخهم الحديث ،ومن يجرؤ على التصديق على أن يهودياً يمكن أن يعذب غيره بحرق أخمص قدميه
بالسجائر المشتعلة ،أو بتعليقه من قدميه ،أو بضرب عينيه ،وهل يعقل أن يكون المئات من الذين اعتقلوا
في السنوات األولى بعد حرب 1967أخطئوا عندما اتهموا إسرائيل بالتعذيب؟؟
أجرت إسرائيل تعذيب أسرى دون أن يكون مطلوباً منهم أي اعتراف ،فأحياناً يجرى التعذيب لكي
يعترف األسير بأشياء خيالية مثل الطالب الذي عذب عام 1984لكي يعترف بأن له دوراً في اغتيال
الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981وكذلك الرئيس اللبناني بشير الجميل عام ،)1( 1982
ونستطيع القول أن المحققين اإلسرائيليين يهدفون من ممارستهم لتعذيب األسرى الفلسطينيين إلى ما يلي:
الحصول على معلومات استخبارية عن األوضاع السياسية والعسكرية للمنظمات. -1
الحصول على معلومات استخبارية وقائية لنشاطات رجال المنظمات. -2
إضعاف قدرة السجين على المقاومة أمام هيبة جهاز األمن العام. -3
تحويل السجين إلى مواطن مصاب فسيولوجياً أو إصابته بعاهة ال يستطيع ممارسة نشاطه في -4
المنظمات بعد خروجه من السجن.
"ومثال ذلك كان التحقيق بشراسة مع المناضل أحمد نصر واتهامه بعضوية في التنظيم
النازي".
أثارت قضية تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية اهتمام المجتمع الدولي وقد رفضت
إسرائيل نشر ذلك التحقيق الذي أجراه إدوارد هوتنشكين وفريقه عام ،1969الذين تحدثوا عن التعذيب
الذي رأوه في هذه السجون بل إنهم اعتبروه أقسى من ذلك الذي مارسته فرنسا في الجزائر أو الذي كانت
تمارسه الواليات المتحدة في فيتنام في فترة نشر نتائج التحقيق( ،)2واستمر التعذيب في السجون اإلسرائيلية
رغم كل االنتقادات الدولية ،وفى عام 1977جاء إلى األرض المحتلة فريق الصاندي تايمز ،ومكث
خمسة أشهر ،زار خاللها عدداً من السجون ،والتقى باألسرى الفلسطينيين ،وبمسئولي مصلحة السجون،
ونشر تقريره على صفحتها األولى ،وأقرت بأن إسرائيل تعذب السجناء العرب ،وأن ذلك يتم بشكل منظم
وسياسة متعمدة ،وأن المحققين يمارسون الضرب المتواصل بوضع األقنعة على األوجه ،وتعليقهم من
) 5(5جيفرى ديلمان وموسىالبكري،استخدام إسرائيل للتعذيب بالصدمة الكهربائية،ط،1مركزالمعلومات الفلسطيني لحقوق اإلنسان،القدس،1991،ص
.25
(( ) 1المنظمة العربية لحقوق اإلنسان :تقرير المنظمة عن حالة حقوق اإلنسان في الوطن العربي ،مصدر سابق ،ص.85
(( )2الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ، 1969مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،1970،ص .380
معاصمهم مدة طويلة ويمارسون االعتداء الجنسي والضرب على األعضاء التناسلية ويستعملون التيار
()3
الكهربائي لصعق األسرى ويطلقون الكالب لالعتداء عليهم.
أثار هذا التقرير حفيظة إسرائيل التي أعربت عن قلقها من تدخل جهات حكومية أو غير حكومية في
حالة الصراع مع المنظمات الفلسطينية ،بل إن إسرائيل تقدمت باحتجاج رسمي عبر سفيرها في لندن إلى
الحكومة البريطانية على تقرير الصحيفة( ،)1وقد عاقبت إسرائيل المسئولين عن تزويد الصحيفة
بالمعلومات ،وقد وجد ذلك تعبيراً له من خالل منع محاميتين إسرائيليتين من المرافعة في محكمة العدل
العليا ،ووصفتهما المحكمة بأنهما تطبقان سياسية منظمة التحرير الفلسطينية وتعمالن على تصفية
إسرائيل عن طريق شبكة دولية (.)2
كما عاقبت السلطات مرة أخرى المحامية فاليتسيا النغر عندما وجهت لها أمراً مكتوباً بعدم التحدث
عن سجن غزة المركزي عام 1968حيث رأت خطورة وسوء التعذيب الذي يمارسه المحققون ،في ذلك
السجن( ،)3وقد كان المجتمع الدولي على علم بكل ما يجري من تعذيب في السجون اإلسرائيلية لكن لم
يتدخل في ذلك ،فعلى سبيل المثال تم تقديم شكوى من طالبات المدرسة الثانوية في مخيم الجلزون إلى
السكرتير العام لألمم المتحدة حول قيام ضباط سجن المسكوبية بتعذيب مجموعة من طالبات هذه المدرسة،
ولم تتحرك األمم المتحدة رغم أن الشكوى تتضمن اإلشارة إلى رسائل وجهها محاميهن إلى وزير الدفاع
والمستشار القانوني للحكومة في إسرائيل(.)4
وقد أشارت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى التعذيب الذي تمارسه إسرائيل ضد األسرى الفلسطينيين
في سجونها ،بل إن النساء والفتيات الالتي تعتقلهن إسرائيل أكدن تعرضهن للتعذيب من سلطات السجون
وأن العقاب يتضمن االعتقال في سجن انفرادي لفترات طويلة وأن العذاب والحرمان من النوم والعالج
يمارس ضدهن(.)5
كان الصليب األحمر الدولي حتى عام 2000قد تقدم بمئات الشكاوى للحكومة اإلسرائيلية عن سوء
وبناء عليه قامت إسرائيل بمنع مندوبي
ً المعاملة والتعذيب التي يتلقاها األسرى الفلسطينيون في السجون،
()6
الصليب األحمر من مشاهدة السجناء وهم قيد التحقيق
(( )1الصاندي تايمز تكشف النقاب عن التعذيب ،فلسطين المحتلة ،ع ، 28/6/1977 ،92ص.28
(( )2المرجع السابق ،ص ،29و المقصود هنا السيدتان فاليتسيا النغر و ليئا تسيمل.
(( )3حسن غباش :فلسطين حقوق اإلنسان وحدود المنطق الصهيوني ،ط ،.1المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت،1987 ،ص .111
(( )4صحيفة الشعب ، 19/12/1979 ،ص.1
(( )5منظمة العفو الدولية ،التقريرالسنوي لعام ،1985ط ،1جنيف ،1986 ،ص.96
(( )6سعيد عالء الدين :التعذيب ،مرجع سابق ،ص .58
* بدايات التـعذيـب:
نشأ التعذيب في السجون اإلسرائيلية مع بدايات االحتالل ،ومورس على نطاق واسع بحق األسرى
الفلسطينيين ،وشكل نهجاً أساسيا وجزءاً ال يتجزأ من معاملة األسرى ،وكان المحقق اإلسرائيلي في جهاز
األمن العام يتعامل مع األمر وكأنه مشروع من صيغة لجنة (النداو) التي أقرت التعذيب ،لكن بمواصفات
وبشكل معين.
كانت نشوة االنتصار الذي حققته إسرائيل يمنع أي هجوم أو انتقاد لما تمارسه إسرائيل من جرائم
وفظائع ،بل ربما لم يكن سوى الصليب األحمر من اهتم بهذا األمر ،و لكن بعد بداية محاكمة األسرى
الفلسطينيين بدأ يظهر على بعضهم وهم قادمون إلى المحاكمة بعض أثار التعذيب التي مورست بحقهم،
وكان ذلك بعد أشهر من انتهاء الحرب ،فقد ظهر األسير محمد ناجى البحيصى في المحكمة وأوضح
للقضاة أنه تعرض للضرب والقائه على الجدار ،و فيما بعد تم إثبات أنه أصبح مجنوناً ألنه ضرب نفسه
في الحائط( ،)1وكانت هذه الحادثة من العشرات الحوادث ممن يتعرضون لهذا التعذيب ،وعلى سبيل المثال
()2
فإن تعذيب األسرى في سجن غزة كان بشكل جماعي حيث:
يقوم الحراس بضرب األسرى باستمرار. -
ضرب كل من يرفع صوته في الزنازين. -
وضع السجين في غرفة مظلمة 2متر × 1.5متر وأرضيتها مبللة بالماء. -
منع األسرى من النوم. -
صب المياه الباردة على السجين ليالً. -
بدأ التعذيب باعتبار أن أعداد األسرى كانت تتزايد وأن أطقم التحقيق في جهاز األمن العام لم تكن
كبيرة مقارنة مع مراكز االستجواب التي تمتد بالعشرات التي مورس فيها التعذيب ضد األسرى
الفلسطينيين وأهمها:
مركز خان يونس. -
سجن غزة المركزي. -
العمارة في الخليل. -
المقاطعة في رام اهلل. -
سجن المسكوبية في القدس. -
المقاطعة في طولكرم. -
(( )1حسين غباش :فلسطين حقوق اإلنسان ،مرجع سابق ،ص.110
(( )2إسرائيل شاحاك :عنصرية دولة إسرائيل(،ب.ط) ،منشورات فلسطين المحتلة ،بيروت،1984،ص.50
المقاطعة في نابلس. -
كان المحققون في السنوات األولى لالحتالل يعلقون السجين من يديه و يشدون على أعضاء جسمه،
ويطلقون عليه الكالب وهو معصوب العينين ،و وضع التيار الكهربائي على األعضاء التناسلية ،وقد رفع
الصليب األحمر شكوى بهذا الشأن إلى الحكومة اإلسرائيلية( ،)3و ثبت لدى بعض لجان التحقيق بعض
الوسائل التي انتهجها المحققون في بدايات االحتالل ،حيث تطرق تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في معاملة
السجناء
المسجونين عام 1970إلى نفس األساليب وفى سجون أخرى( ،)1كسجن عسقالن الذي كان المحققون
يمارسون عض لحم األسرى لدرجة أن أحد األسرى حاول االنتحار من شدة الضرب(.)2
أشـكال التعذيب.
بناء على ظروف وعوامل أهمها:
يتحدد شكل التعذيب المستخدم ضد األسرى الفلسطينيين ً
-مدى خطورة األسير.
شخصية ضابط األمن اإلسرائيلي وانتماؤه السياسي . -
جنس األسير. -
مكان االعتقال. -
مدة التوقيف وموعد المحاكمة. -
ويأتي تحديد نوع وشكل التعذيب من الضابط المشرف على القضية ،وبما يراعي العوامل
السابقة ،وقد أشارت مصادر الدراسة إلى عشرات أشكال التعذيب ويمكن إجمال هذه األشكال التي
()3
كانت تستخدم في غالبية مراكز التحقيق اإلسرائيلية وهي:
(( )3روجيه ديلورم:إني أتهم ،ترجمة نخلة كالس ،ط ،1دارالجرمق ،بيروت ،1980 ،ص .152
(( )1المرجع السابق ،ص.153
(( ) 2مقابلة مع عبد العزيز شاهين ،مصدر سابق ،حيث انه تعرض لهذا التعذيب عام .1968
(( _ )3روجيه ديلورم :إني أتهم ،مرجع سابق ،ص. 153
-سعيد عالء الدين :التعذيب في السجون اإلسرائيلية ,مرجع سابق ،ص . 21
-محمد القيسي :الهواء المقنع،ط ،1دار اللوتس ,تونس ،1986 ،ص . 74
-وزارة شؤون األسرى والمحررين :تقرير عن أشكال التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،1999 ،ص . 11-6
- Human Rights Watch/ Middle East: torture and ill- treatment .P.27-34.
- Human Rights: prisoners in solitary confinement suffering in Israeli prisons,-1992- P. 25.
الضرب على كل المواضع كاألذن واألعضاء التناسلية . -
الحرق بالسجائر . -
تعصيب األعين وربط اليدين والجلوس على الركبتين وطأطأة الرأس ومن ثم إطالق الكالب لنهش -
مالبس المعتقل .
الصدمات الكهربائية . -
إهانة كرامة اإلنسان كأن تأتي المخابرات اإلسرائيلية فتنهال على المعتقل بالسب والشتم. -
الشبح وتعليق المعتقل من رجليه .
ْ -
إجالس المعتقل على الكرسي الخشبي لعدة أيام . -
استخدام الماء البارد والساخن واستخدام المكيفات والمراوح . -
الحرمان من النوم . -
اإلطعام عنوة ( عند اإلضراب عن الطعام ) -
محاولة الخنق سواء بالحبال أو الماء . -
ربط األسرى مجموعات وسحبهم كما يحصل في سجون غزة و رام اهلل ،حيث يتم إخراج -
األسرى من الزنازين على شكل ( باص ) كما يسميه األسرى ويوضعون في صالة تسمي المسلخ
.
قلع األظافر كما حصل مع المطران كوبتشى . -
برغم مجموع العدد الكبير من األسرى الذين تعرضوا للتعذيب إال أنه هناك حاالت مميزة تعرضت
ٍ
وقاس ومنها على سبيل المثال: لتعذيب مميز
وداد األسود /زوجة قائد قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة الشهيد محمد -1
األسود ،وقد تعرضت ألشكال عدة من التعذيب حيث تم عصب عينيها ووضع الكيس فوق
ذلك ،ورشها بالماء الساخن حتى يغمى عليها وإ يقاظها بالضرب بعصا غليظة ،كما تعرضت
لكي السجائر وتم اتهامها بأنها مجنونة (.)1()1
كوتو كوزوموتي (الياباني) الذي اعتقل أثناء عملية فدائية في مطار اللد عام ،1972وقد -2
تعرض ألنواع شتى من الضرب المبرح و بصعق الكهرباء ،وتم اعتقاله في زنزانة انفرادية
Gaza Community Mental Health Program: Prison Experiences and Coping Styles Among Palestinian and Men. -
Gaza, 1998, p. 36
( )1()1مقابلة مع وداد األسود ،إفادة مشفوعة بالقسم للباحث.
لمدة سبعة أعوام أفقدته عقله ،وقد تم تحريره ضمن صفقة تبادل األسرى بين إسرائيل ومنظمة
(.)2()2
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
المطران كبوتشي وهو أحد مطارنة القدس الذي اعتقل و تعرض للتعذيب بنتف جزء من لحيته -3
وقلع أظفاره ،وكذلك إهانته باالعتداء اللفظي على دينه وكونه رجل دين له مكانته ،وعبر
جمعيات حقوق اإلنسان تقدم بأكثر من شكوى ضد ضباط المخابرات اإلسرائيلية الذين قاموا
()3
. بتعذيبه وكذا تم إعالم السكرتير العام لألمم المتحدة
-4سامي أبو دياب من سكان القدس قدم إفادة مشفوعة بالقسم لمجلة الشئون الفلسطينية ،أكد فيها أنه
ضرب بالعصا وتم ربطه باألسالك الحديدية وتعليقه من رجليه مقلوبا وتم إدخال طلقة في فتحة شرجه
وضرب بمسطرة فيها مسامير على عينية ،وتم إثبات أثار من ذلك أمام المحكمة(.)4
وقد مارست إسرائيل التعذيب بحق األسرى الفلسطينيين بغض النظر عن جنس المعتقل سواء أكان
ذكراً أو أنثى ،طفالً أم شيخاً ،ولكن ذلك يساهم في تحديد شكل التعذيب ،فعندما يتم تعذيب الفتيان يتم
التركيز على موضوع الشرف لما له من أهمية في الحياة االجتماعية العربية ،وكذلك يتم تمزيق شعر
الفتاة ويتم إدخال السيدة على أسير أخر يكون قد أرغم على التعرية ( ،)1ويمكن إجمال بعض طرق
التعذيب الجسماني التي اتبعتها سلطات االحتالل بحق الفتيات الفلسطينيات بعد العام :)1967(2
-توضع الفتاة تحت الدش البارد عدة مرات في اليوم وفتح المراوح والمكيفات.
حمل كرسي من الخشب فوق رأسها ووقوفها أمام الحائط. -
سحب الفتاة من شعرها وهى مقيدة األيدي. -
تسليط طرف كهرباء بالقرب من جسمها. -
تسليط اإلضاءة الشديدة وفتح أصوات صاخبة بجانب إذنها. -
كما مارست السلطات العسكرية اإلسرائيلية التعذيب بحق األسرى األطفال ،فقد كانت تلزمهم
بالتعري والتقاط صور لهم في هذا الوضع ،وقد حصل ذلك في قسم 7في سجن الشارون و كان
ذلك بغرض إلزامهم على كسر اإلضراب الذي خاضوه عام .)1984(3
،1986ص (،136بالعبرية).
(( )4التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،شئون فلسطينية ،ع ،1،3/1971ص.133
(( )1مسلسل التعذيب :فلسطين المحتلة ،ع ،12/6/1978 ،141ص.20
)Association of supporting Palestinian female prisoners , Annual Report,1986,p7. (2 (
(( ) 3وزارة شئون األسرى والمحررين ،نشرة في ذكرى اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب،26/6/2005 ،ص.2
الوفيات واإلصابات الناتجة عن التعذيب:
نتج عن تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية وقوع أعداد من الشهداء وكذلك
اإلصابات والعاهات ،وتشير تقارير وإ حصائيات وزارة شئون األسرى والمحررين الفلسطينية أن تسعة
وثالثين سجيناً توفوا منذ العام 1985-1967جراء التعذيب بعد وقوعهم بين يدي سلطات االحتالل(.)4
ترك التعذيب في السجون اإلسرائيلية مئات حاالت التعذيب ،وال يمكن تقدير عدد الذين تعرضوا
للتعذيب وصاروا مرضى أو ذوي عاهات ،حيث لم تتفق مصادر الدراسة حول عدد معين،أما أهم
األمراض التي تعرض لها األسرى خالل فترة الدراسة فهي ( :التهاب المعدة وقرحة اإلثنى عشر،
أمراض جلدية كالجرب و اليشمانى ،وأمراض العيون ،وأمراض الجراحة العامة ،واألمراض الباطنية ،
واألمراض النفسية والعصبية ،وأمراض متفرقة ،وأمراض الكلى كااللتهاب وحصى ،وأمراض األذن،
وأمراض الغضروف والمفاصل).
(( )4وزارة شئون األسرى والمحررين ،التعذيب ،الدائرة اإلعالمية ،2001 ،ص .9
(( )1للمزيد من التفاصيل عن هذه القضية التي تسمى بعملية الباص 300أنظر :إسحاق شامير ،مذكرات ،ط ،1دار الجليل ،عمان،1994 ،ص
،177وكان أبراهام شالوم رئيسًا لجهاز األمن العام.
مارست إسرائيل عدة أنواع من االعتقال السياسي للفلسطينيين وقد استعملت قوانين وتشريعات
االنتداب ،والتي كانت الحركات والمنظمات الصهيونية ترفضها وتشهر بها باعتبار أنها مورست ضد
أعضائها ،بل أن إسرائيل قد قامت بتعديل هذه القوانين لتصبح أكثر شدة وقسوة تجاه الفلسطينيين ،فقد
تبين أنها اعتقلت المئات من رجال المقاومة الفلسطينية (إداريا) ولعدة سنوات من غير محاكمة،وقد ثبت
لدى العديد من الجهات والمؤسسات والشخصيات المختلفة في العالم تعرض األسرى للتعذيب وبوسائل
مختلفة ،وقد خرج الكثير منهم من هذه السجون وهم يعانون من أمراض عديدة كانت السجون وظروف
المعيشة فيها هي السبب.
الفصل الثاني
(المعتقالت والسجون اإلسرائيلية)
عقب حرب 1967وقع اآلالف من الفلسطينيين في أسر القوات اإلسرائيلية ألسباب تتعلق بمقاومة
االحتالل ،وكذلك كانت هذه القوات تطارد العشرات الذين لم يسلموا أنفسهم ،فقامت باعتقال ذويهم،
وبرزت تساؤالت أين سيتم حجز هذه األعداد الهائلة؟ وكيف سيتم إيجاد الوسائل القضائية الحتجازهم؟
فأقامت إسرائيل العديد من معسكرات االحتجاز "األمن" في سيناء ،وكانت عبارة عن خيام محاطة
باألسالك الشائكة يشرف عليها ضباط الجيش.
وقد تعرضت إسرائيل تبعاً لذلك لمزيد من الضغوط الدولية إلغالق هذه المعسكرات التي لم يكن
الضباط المشرفون عليها على دراية كاملة في التعامل مع أسرى الحرب ،أو حتى األسرى السياسيين
بشكل عام(.)1()1
فقد نقلت األسرى إلى السجون اإلسرائيلية داخل إسرائيل التي تشرف عليها مصلحة السجون التابعة
للشرطة ،وقد كان هناك ستة سجون يوجد بها السجناء الجنائيون اليهود ،ولكنها استوعبت أعداداً ممن يتم
محاكمتهم من قبل المحاكم العسكرية في المناطق العربية المحتلة ،ومع مضي السنوات األولى من
االحتالل كان عدد األسرى الفلسطينيين يزيد بشكل كبير ،وكان فرق شاسع بين أولئك الذين يفرج عنهم
ومن يتم محاكمتهم ،فقامت إسرائيل بإصدار األوامر العسكرية التي بموجبها تم إنشاء عدة سجون ،تم
تسليمها لمصلحة السجون اإلسرائيلية(.)2()2
وقد أقيمت هذه السجون في المدن التي بها تجمعات سكنية فلسطينية كغزة والخليل ورام اهلل وطولكرم
ونابلس ،داخل مواقع الجيش،أو ما يسمى بالسرايا أو العمارة أو المقاطعة ،وكانت هذه المباني في األصل
منشآت عسكرية أقيمت منذ االنتداب البريطاني واإلدارة األردنية والمصرية ،وكانت تحتوي على غرف
جاهزة لالعتقال ،وعقب نهاية السبعينات بدأت الحاجة إلى إنشاء سجون جديدة لحل عدة مشاكل نتجت في
السجون القديمة ،فقامت إسرائيل بإنشاء عدة سجون لعوامل عدة أهمها-:
-1االزدحام في السجون و ما يترتب عليه من إشكاليات أمنية.
-2ازدياد عدد األسرى ذوي األحكام العالية وهم بحاجة إلى سجون خاصة.
-3قوة البناء التنظيمي لألسرى وهو ما كان يشكل عبئاً على إدارة مصلحة السجون.
-4التطورات األمنية إلسرائيل كدخولها حرب 1982في لبنان مما خلق حاجة ماسة إلى سجون جديدة.
-2سجن عسقالن
(( 400 )1أسير فلسطيني يتكدسون في ظروف ال إنسانية:مجلة فلسطين المحتلة،ع ،8/4/1977 ،3-2ص.26
( )2السيد ياسين :محاضر الكنيست ،الدورة الثالثة للسنة العبرية ،5728ط ،1مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية باألهرام ومؤسسة (
(( )7السجون اإلسرائيلية تحت دائرة الضوء :مجلة فلسطين المحتلة ،ع،14/6/1977 ، 36ص.28
(( )1تقرير حول سجن بئر السبع،مجلة شئون فلسطينية ،ع،6/1977 ،67ص.187
(( )2جمعية األسرى والمحررين :تقرير عن سجن بئر السبع،مصدر سابق،ص.3
(( )3عدنان جابر :ملحمة القيد و الحرية ،مرجع سابق،ص.236
(( )4تقرير مقدم من وليد الفاهوم إلى السيد جون بيس،مصدر سابق،ص.3
الجنائيين اليهود باالعتداء على األسرى السياسيين الفلسطينيين ،حيث إنها وضعت أسوأ العناصر
اإلجرامية في إسرائيل في هذا السجن وتجسد ذلك من خالل(:)5
* إلقاء السجناء الجنائيين اليهود عبوة ناسفة على األسرى الفلسطينيين في قسم (ب) مما أدى إلى
إصابة تسعة منهم بجروح.
* قيامهم بوضع كميات من السم في طعام األسرى الفلسطينيين مما أدى إلى إصابة العشرات منهم
بالتسمم.
قامت إسرائيل بتفريغ األسرى األمنيين الفلسطينيين في تموز 1984ونقلهم إلى السجون التي تم
افتتاحها في الضفة الغربية وعلى رأسها سجن جنيد ،مما يدل على أنها تعرف أن سجن بئر السبع كان
مخصصاً للجنائيين وليس لسجناء سياسيين لهم نمط معيشة خاصة.
-4سجن الرملة
( * )1السرايا :يقصد بها مقر للحكم العسكري للمنطقة و تكون مقراً لقادة األجهزة األمنية اإلسرائيلية.
( )1عبد الناصر فروانة:علب إسمنتية و خيام نازية،مرجع سابق ،ص.36
).The association for civil right in Israel,1998,p.7. (2 (
(( )3سوء األوضاع في سجن الرملة المركزي ،مجلة فلسطين المحتلة،ع ،61،31/5/1976ص.38
(( )4صحيفة القدس،24/1/1979،ص.1
(( )5دافيد فري :مذكرات الرملة،مرجع سابق،ص.42
عن طريق زمالئه من األسرى الجنائيين بأنه ألقى المادة المتفجرة بإيعاز من ضابط أمن السجن ،وكثيراً
ما كان يرد األسرى الفلسطينيون على هذه الممارسات بخوض العديد من اإلضرابات عن الطعام (.)1
حاول األسرى الفلسطينيون الهروب من سجن الرملة أكثر من مرة (.)2
(( )1قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية،مرجع سابق،ص.62
(( - )2محاولة جريئة لـ أربعة أسرىن للهرب ،مجلة فلسطين المحتلة ،ع ،2/3/1977 ،77ص.17
-صحيفة األنباء ، 11/1/1979ص.1
(( ) 3مصلحة السجون في إسرائيل،نشرة تعريفية حول سجن نفي ترتسا (،بالعبرية).
(( )4شئون فلسطينية،ع ،3/1985-2، 117/118مرجع سابق،ص.198
(( )5وزارة شئون األسرى والمحررين:تقرير عن السجون والمعتقالت،مصدر سابق،ص.24
( ) 6تقرير مقدم من المحاميان عزيز شحاده و وليد الفاهوم إلى إدارة جمعية أنصار السجين في الناصرة عام 1981عن زيارتهم لسجن نفي (
ترتسا في ،17/11/1980ص.2
لقد مارست األسيرات الفلسطينيات بعض الفعاليات التي كان يمارسها األسرى الفلسطينيون في بعض
السجون ،فقد رفضن الوقوف ساعة العد رغم اعتبار مصلحة السجون هذا األمر حالة أمنية يجب أن يلتزم
بها السجين وفق القانون( ،)1وقد أعلنت األسيرات الفلسطينيات اإلضراب عن الخروج إلى الفسحة ،ومرة
أخرى عن الطعام لمدة ستة أيام ،ثم أضربت عطاف عليان مدة ثمانية عشر يوماً ،وكانوا يضربون تضامناً
مع اإلضرابات في السجون األخرى ،ولم يشفع لهن كونهم سيدات في عدم عقاب السلطات لهن ،ففي
20/11/1983اقتحمت السلطات غرفهن ،وأطلقت عليهن القنابل المسيلة للدموع ،واعتدت عليهن
بالهراوات،و قد قبلت محكمة العدل العليا بعد أيام شهادة المحامية (فيلستيا النغر) المشفوعة بالقسم والتي
تضمنت أوضاع السجينات كما رأتها المحامية ،وأن إدارة السجن قامت باالقتحام والمداهمة عن سبق
إصرار و أن ذلك يمثل أعماالً انتقامية(.)2
(( )1عطان عليان :مذكرات نفي ترتسا وتلموند ،ص، 37وهذه هي أسيرة تزعمت فكرة عدم الوقوف في العدد ،وضرورة اإلضراب عن الطعام و
هي من منظمة الجهاد اإلسالمي.
(( )2وزارة شئون األسرى والمحررين :تقرير عن السجون والمعتقالت،مصدر سابق،ص.24
(( ) 3حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في سجن بيت ليد :بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها،كراس أعده األسرى الفلسطينيون في
سجن عتليت عام 1996ص.5
(( ) 4مصلحة السجون في إسرائيل :نشرة تعريفية حول سجن أشمورت(،بالعبرية).
(( )5وزارة شئون األسرى والمحررين :تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية ،مصدر سابق ،ص.27
سواء العرب أو اليهود ،مما جعل األسرى الفلسطينيين
ً شكل بناء السجن القديم خطراً على األسرى
يقدمون شكوى إلى محكمة العدل العليا إلصدار حكم يلزم مصلحة السجون بإغالق هذا السجن ،واستطاع
محامي األسرى انتزاع قرار بذلك عام ،1976حيث نقل أسرى قطاع غزه إلى سجن عسقالن وأسرى
الضفة الغربية إلى سجن نابلس ،وقد أعيد افتتاح هذا السجن من جديد عام.)6( 1986
ويبدو أن السلطات نفذت األمر بسرعة ألن الموضوع كان يتعلق بخطر السجن على السجناء الجنائيين
اليهود قبل العرب ،ذلك ألن نفس المحكمة رفضت فيما بعد إغالق سجون كانت على وضع أسوأ مما كان
عليه سجن كفار يونه ،ولكن التباين بين الحالتين هو أن السجون الثانية كان نزالؤها من األسرى
الفلسطينيين ومن ضمنهم ثالث سجينات فلسطينيات على خلفية أمنية ،حتى سنة 1976أي عام إغالقه
كان السجن يضم نحو ثالثة عشر أسيراً من غير الفلسطينيين(:)1
أنشأت مصلحة السجون في إسرائيل عام 1975غرف الحماية كما تسميها أو غرف العار أو العصافير
كما يسميها األسرى ،وهي تمأل بالعمالء الهاربين من األسرى الفلسطينيين ،وقد جمعت أكثر من ثالثين
منهم في قسم (ج) ،في الوقت الذي قامت بترحيل أكثر من عشرين من قادة و مسئولي التنظيمات في
السجن إلى سجون أخرى( ،)2مما جعل وضع األسرى الفلسطينيين في وضع سيئ.
-7سجن شطه
يقع سجن شطه في غور األردن بجوار بلدة بيسان الفلسطينية الواقعة جنوب بحيرة طبريا التي سماها
اإلسرائيليون بيت شأن ،ويعود إنشاء هذا السجن إلى قلعة خان التي بناها العثمانيون ومن ثم استعملها
الجيش البريطاني ،إلى أن حولتها إسرائيل عام 1953إلى سجن أطلقت عليه شاطه( ،)3وهذا الموقع يجعل
من العيش بالظروف الطبيعية أمرا صعباً الرتفاع درجة الحرارة التي تصل إلى أكثر من 40درجة
صيفاً ،فضالً عن جفاف الجو فهي منطقة منخفضة عن سطح البحر.
وفي عام 1958حدث تمرد األسرى العرب حيث استطاعوا قتل اثنين من السجانين هما الكسندر يغر
ويوسف شيفاح( ،)4وبعدها قامت مصلحة السجون بتعزيز اإلجراءات األمنية للسجن من جميع النواحي،
وزادت من الطاقم العامل به ليصل إلى ثالثمائة شرطي .
(( ) 6حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح :بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها ،مصدر سابق،ص6
(( )1مجلة شئون فلسطينية،ع ،87/88مرجع سابق ،ص.196
(( ) 2حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح :بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها،مصدر سابق،ص.7
(( ) 3مصلحة السجون في إسرائيل :نشرة تعريفية حول سجن شطه( ،بالعبرية).
(( )4وزارة شئون األسرى والمحررين :تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية،مصدر سابق،ص.36
مارس األسرى الفلسطينيون في هذا السجن حياه تنظيمية سياسية في وقت مبكر مقارنة مع السجون
األخرى ،وكان ينقل إليه قادة السجون األخرى عند حدوث إضرابات عن الطعام ،أو صدامات مع اإلدارة
في تلك السجون ،ويتكون هذا السجن من أربعة أقسام يحيط به سور من الباطون المسلح بارتفاع أربعة
أمتار ،ويعلوها سور من األسالك الشائكة المكهربة ،يتخللها ستة أبراج مراقبة ،كما يوجد في السجن
غرف عزل ضيقة وتقع تحت سطح األرض وليس بها أي فتحات للتهوية.
إن طبيعة الحياة في تلك المنطقة تعكس حاجات األسرى خاصة تلك الناتجة عن البيئة كدرجة الحرارة،
وبناء عليه فقد عانى األسرى كثيراً من األمراض الجلدية المزمنة ،وعدم توفر أدوات ووسائل النظافة
ً
()1
الكافية وكذلك األجواء التي يمكث فيها األهالي عند زيارتهم لذويهم .
وقد ارتفعت قوة البناء التنظيمي لألسرى بعد نقل عدد من قيادة األسرى من سجن عسقالن إلى سجن
شطه في ديسمبر ،1978مما أدى إلى حدوث إضراب جديد في سجن شطه حقق فيه األسرى العديد من
االنجازات خاصة إعادة الكتب والمالبس الداخلية و إخراج من كانوا في العزل منذ شهر ونصف من قادة
األسرى ،وهم محمود القاق ،محمد مهدي بسيسو وعبد العزيز شاهين وعبد اهلل العجرمى وجبر عمار(.)2
فكر العديد من األسرى الفلسطينيين بالهرب من هذا السجن ،وعليه فقد اتفق عدد من قادة السجن على
خلع باب الغرفة والهروب في وقت تبديل قوة الشرطة ،إال أن أحد السجناء الجنائيين كشف األمر وتم
إحباط المحاولة ،وإ نزال سكان الغرفة إلى زنازين تحت سطح األرض لمدة شهر و نصف(.)3
-8سجن الدامون
يقع سجن الدامون بين أحراش جبل الكرمل وعلى الطريق بين حيفا وعتليت ،ويعود إنشاء هذا المبنى
إلى عهد االنتداب البريطاني ألهمية الموقع على الطريق الساحلي الذي يؤدي إلى شمال فلسطين ،وكان قد
أنشئ ليكون مصنعا للدخان والتبغ فتم تشييده في مكان تتوفر فيه الرطوبة لحفظ أوراق الدخان( ،)4و تعود
أهمية هذا المكان إلى عائلة عربية مسيحية كانت تستعمل هذا المكان إلى أن سيطرت عليه إسرائيل عام
،1953وافتتحته كمنشأة حبس بقرار من وزير الشرطة آنذاك (نجور شيطريت) ،وسمي بسجن حيفا،
وبعد عام 1967تم تغيير اسمه إلى الدامون نسبة إلى مخيم الدامون القريب من المكان(.)5
-1سجن غــزة
يقع سجن غزة في حي الرمال وسط مدينة غزة في مبنى تم بناؤه في عهد االنتداب البريطاني ويطلق
عليه السكان المحليون اسم السرايا* ،ويعد اكبر موقع عسكري إسرائيلي في قطاع غزه حيث يضم هذا
المبنى قيادة قوات الجيش اإلسرائيلي في قطاع غزه ،إضافة إلى مكاتب جهاز المخابرات اإلسرائيلي ،و
يتكون السجن من خمسة أقسام لألسرى ،في كل قسم من 8-6غرف تبلغ مساحة الواحدة حوالي 24متراً
مربعاً يتم وضع ماال يقل عن ستة عشر سجينا فيها ،إضافة إلى قسم التحقيق (.)1()1
لقد عرف سجن غزة المركزي بعد بداية االحتالل بظروفه القاسية ،فقد كان السجانون يضربون األسرى
دون تمييز ودون أسباب ،وكانوا محرومين من مقابلة أي مسؤول في السجون ،أما أساليب العقاب التي
تتبعها إدارة السجن فقد كانت حتى عام 1977قد خصصت زنزانة خاصة للعقاب يلقى فيها األسير
ماء بارداً حتى ال ينام أو
المعاقب عاريا وبدون مالبس وبدون بطانيات وتصب على أرضيتها الباطون ً
يستلقى األسير( ،)2وأما عن اإلضرابات فقد تأخر سجن غزه المركزي في خوض اإلضرابات نظرا لتأخر
ترتيب األوضاع التنظيمية لألسرى وأنه كان بشكل دائم يتم إبعاد القادة والمسؤولين إلى السجون األخرى،
وقد استطاع األسرى تقديم قائمة من المطالب لمدير السجن في شهر أكتوبر عام 1981وعندما رفض
** سنة 1967كان مقراً إلدارة الحاكم اإلداري العام لقطاع غزة ويوجد به مصلحة الجوازات والهجرة.
( )1()1معاينة الباحث.12/1986 :
(( )2سجن غزه :شئون فلسطينية ،ع،87/88مرجع سابق ،ص.156
المدير التعاطي معها خاض األسرى إضراباً استمر اثني عشر يوما و ذلك في 1/11/1981وكان رد
إدارة السجن شديدا إذ أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وبعد ساعة دخلت قوات الشرطة إلى الغرف
وأخرجت األسرى إلى ساحة األقسام وقامت بتعرية بعضهم من المالبس ،وقامت بمصادرة العديد من
حاجياتهم( ،)3وقد تأثر الكثير من األسرى بهذا االقتحام حيث توفى أحدهم وهو محمد زيتون بعد اإلفراج
عنه متأثراً بما أصابه من الغاز المسيل للدموع الذي أطلق على غرف السجن في ذلك اليوم( ،)4ويذكر أن
هذه الزنازين كانت فترة االنتداب البريطاني مخصصة للكالب.
وقامت السلطات اإلسرائيلية بتشديد إجراءاتها على أسرى سجن غزه بعد هذا اإلضراب الذي تم
مواجهته بكل شدة ولكن هذه اإلجراءات نتج عنها قيام األسرى بتمرد أخر في عام 1983حيث خرجوا
من بوابات الغرف وأتلفوا وكسروا الكثير من محتويات السجن و ضربوا العديد من السجانين ،وقاموا
بإلقاء احد العمالء من نافذة ممر الطابق الثاني ،ودارت معركة مع قوات الجيش حتى تمت السيطرة على
السجن(.)1
ولقد شهد سجن غزه محاولتي هروب هما (:)2
_ محاولة هروب ثمانية أسرى عام 1983بواسطة أدوات تم إخفاؤها واستطاعوا فتح األبواب بها
واكتشفتها إدارة السجن قبل الخروج من سور السجن.
_ عملية الهروب الناجحة لستة من نشطاء منظمة الجهاد اإلسالمي الذين نجحوا في الهرب من إحدى
النوافذ ،وتكمن خطورة هذا الهروب أن جميع الهاربين أعادوا تشكيل خلية عسكرية لمنظمة الجهاد
استطاعت طعن أكثر من خمسة إسرائيليين بالسالح األبيض وقتل قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزه
العقيد رون طال الذي كان يمارس التعذيب بحق األسرى في سجن أنصار 2على شاطئ بحر مدنية
غزه ،لكن الجيش لم يستطع اعادة هؤالء األسرى الى السجن وفيما بعد سقط خمسة منهم شهداء .
-2سجن الخليل
يقع سجن الخليل في وسط مدينة الخليل في ما يسمى بالعمارة نسبة إلى مبنى يقع بجانبه و يسمى
بنفس االسم ،وقد بني مبنى السجن أيام االنتداب البريطاني لفلسطين على قمة مكان مرتفع،و قد استعمل
-5سجن طولكرم
يقع سجن طولكوم في منطقة منخفضة من المدينة يطلق عليها السكان (المقاطعة) ،وهى مكونة من
مبنى تم تشييده في العقد األول من القرن العشرين خالل الوجود العثماني قبل الحرب العالمية األولى ،وقد
استخدمها الجيش البريطاني كنقطة عسكرية وكذلك استعملها الجيش األردني حتى عام 1967حيث
استخدمتها السلطات اإلسرائيلية مقراً لألجهزة األمنية اإلسرائيلية من الجيش والشرطة والمخابرات العامة
(الشين بيت) ،وتم تسليم أحد الطوابق لمصلحة السجون ليكون سجناً لألسرى الفلسطينيين من موقوفين
تحت التحقيق لدى المخابرات أو محكومين يقضون مدة محكوميتهم(.)5
ويتكون سجن طولكوم من 8غرف ال تتجاوز مساحة الواحدة منها ثالثين مترا مربعا تتسم بجدران
قديمة مليئة بالنتوءات ،وسوء إضاءة ،وانعدام رؤية أشعة الشمس خالل فترة زمهرير فصل الشتاء في
األشهر من أكتوبر وحتى مارس من كل عام وبالتالي تصبح الحياة في هذه الغرف صعبة(.)1
إن سوء تصميم بناء السجن وخاصة وضع الساحة التي ال تتجاوز ستة عشر متراً طوال وأربعة
أمتار عرضاً ،وهذا ال يكفى أن يكون فسحة لمائة أسير( ،)2وبالتالي ليس هناك فارق لألسير بين أن يخرج
-6سجن نابلس
يقع سجن نابلس شرق مدينة نابلس و على سفح جبل (جرزيم) المليء باألشجار الحراجية الكثيفة،
ويعود تشييده إلى ما قبل الحرب العالمية األولى حيث أنشأته تركيا ليكون إسطبال لخيول الحجاج ،و قد
حولته سلطات االنتداب البريطاني إلى مركز توقيف واحتجاز للسجناء غير األمنيين واستعمله الجيش
األردني لنفس الغاية ،بينما استعملته إسرائيل لنشاطات أجهزة األمن المشرفة على مدينة نابلس و قضائها
الذي يضم عشرات القرى ،وأسماه الناس المحليون بالمقاطعة.
وقد استعمل جهاز المخابرات هذا السجن منذ األيام األولى إلنتهاء حرب 1967فقد كانوا يحضرون
الذين يلقى القبض عليهم من الفدائيين عند نهر األردن في المسافة ما بين البحر الميت وبحيرة طبريا و يتم
التحقيق معهم في هذا السجن ،بل إن أهم خاليا ومجموعات الفدائيين في الضفة الغربية كان يتم التحقيق
معهم في سجن نابلس ،و كثيرا ما كان يشرف على ذلك مسؤولون كباراً في جهاز المخابرات
اإلسرائيلي(.)1
-7سجن جنيد
-8سجن جنين
-9سجن الفارعة
يقع سجن الفارعة شمال مدينة جنين قرب عين تسمى عين الفارعة بجوار مخيم الالجئين الذي يحمل
نفس االسم ،ويعود إنشاء هذا المبنى إلى عهد االنتداب البريطاني فقد أسس عام 1936ليكون إسطبالُ
للخيول ،وفي عام 1948استعمله الجيش األردني لنفس الغاية ولم يكن هذا المبنى يوما ما لالستخدام
اإلنساني إنما كان بمثابة مكان للحيوانات و مخازن لما تأكله ،وعند قدوم االحتالل اإلسرائيلي للضفة
الغربية لم يستعمله الجيش لنفس الغرض بل ظل المبنى بغير استخدام حتى عام .1982
وقبل االجتياح اإلسرائيلي للبنان في حزيران 1982كان على الجيش أن يستعد لكل الجبهات فكانت
السجون قد ضاقت بمن فيها من أعداد ولم يف سجن نفحة بالغرض في القضاء على مشكله االزدحام
وكذلك بروز مشكلة األعداد الكبيرة من الطالب والقاصرين الذين يعتقلهم الجيش ،ففي أثناء زيارة رئيس
أركان الجيش اإلسرائيلي الجنرال (رفائيل إيتان) تقرر إقامة سجن كبير يقضى على هذه المشاكل ،ذلك
(( ) 3القانون من أجل اإلنسان(-الحق) :مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون ,القدس ،مصدر سابق،ص.47
(( )4وزارة شئون األسرى والمحررين :سجن الفارعة ،مصدر سابق،ص.18
(( )1مقابلة مع جهاد مصطفى المدهون،ممثل األسرى في السجن عام ،1984أجريت في . 16/4/2004
(( )2وزارة شئون األسرى والمحررين:سجن الفارعة ،مصدر سابق،ص.20
إن اإلهمال الصحي في مكان كانت تعيش فيه الحيوانات ،وفجأة يتم وضع اإلنسان فيه دفع المحامى
جواد بولس أكثر من مرة للتقدم بشكوى إلى محكمة العدل العليا تتضمن إفادات عن أمراض جلدية تفشت
في أجسام األسرى ويطالب الجيش بنقل األسرى إلى سجون أخرى.
كما تعرضت السلطات اإلسرائيلية للكثير من النقد والضغوطات بشأن سجن الفارعة وباعتبار أنه
مكان للتحقيق،فإن غالبية األسرى كانوا يشكون بعد خروجهم منه أنهم تعرضوا للتعذيب و بوسائل مختلفة
ومن أشهر االنتقادات الدولية:
* تقرير لجنه العفوـ الدولية أمنستي:
حيث استمعت لجنة العفو الدولية بواسطة المراكز التي تعمل في األراضي المحتلة وإ سرائيل إلى
الكثير من الشهادات المشفوعة بالقسم عن ما يدور في سجن الفارعة وهي تفيد بوضع الكيس على رءوس
األسرى والقيود بأيديهم وإ جبارهم على الوقوف دون حراك ساعات طويلة ،وتم وضع القاصرين تحت
الماء البارد في مجرى الهواء ثم حرمان األسرى الفلسطينيين من الطعام والنوم أو قضاء الحاجة(.)3
* تقرير لجنة الحقوقين الدولية عام :1985
انتقدت فيه قرار إنشاء السجن بغرض التحقيق و بدون محاكمة ،وقد سجلت اللجنة في تقريرها أكثر
من عشرين شهادة مشفوعة بالقسم حصلت عليها من أشخاص كانوا أسرى في هذا السجن ،و يتضمن
التقرير اإلشارة إلى استعمال ضباط المخابرات العزل ،والشبح في الزنازين التي يسكب الماء على
أرضيتها إضافة إلى الضرب على األعضاء التناسلية والكي بأعقاب السجائر و يتحدث التقرير عن
اإلهمال الطبي في السجن،
ويذكر أنه في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية تم تحويل هذا السجن الى مدرسة كادر /وتم زراعة الورود
حوله لتحويله لمنظر خالب بعد أن كان مقبرة لألطفال األحياء.
ولم اعثر في مصادر الدراسة على ما يفيد بتنظيم األسرى خالل فترة الدراسة ألي إضراب جماعي،
وإ نما حاالت فردية لالحتجاج على وضعها كأن تكون معزولة في الزنازين مثالً،ولم تسجل أية محاوالت
هروب من هذا السجن ويعود السبب إلى كون األسرى في غالبيتهم من الموقوفين وغير المحكومين وال
يعرفون كم سيقضون في السجن.
هناك العديد من مراكز التوقيف التي أمضى فيها األسرى الفلسطينيون أياماً وربما أسابيع محجوزين
فيها و لكن ال يوجد ما يفيد باعتبارها سجنا مثل معسكر أنصار 2على شاطئ بحر غزه الذي اعتبر سجنا
خارج فترة الدراسة.
تعتبر إسرائيل أن حدودها مع جيرانها ليست تلك الحدود المنصوص عليها في اتفاقيات ترسيم الحدود
بين الجهات التي سبقتها في حكم أو إدارة فلسطين ،بل إنها تستند في ذلك إلى حدود المناطق التي عاش
فيها بنو إسرائيل قديما أو ورد ذكرها في التوراة و التلمود ،وعليه فلم تجد حرجا في االستيطان وفتح
مراكز توقيف في سيناء عام ،1967أو في الجوالن ،أو في الضفة الغربية ،و قطاع غزه ،و كذا األمر
كان في لبنان عندما اجتاحته عام ،1982أقامت عدة سجون و مراكز توقيف و منها أنصار والخيام.
واجهت إسرائيل في اجتياحها للبنان عام 1982مقاومة ضارية من الفلسطينيين المنتمين لفصائل
المقاومة المسلحة ،ومن بعض القوى الوطنية اللبنانية ،و من بعض القوات السورية النظامية ،وبالتالي
وقع في قبضتها أالف األسرى من كل هذه الفئات واألطياف ،فكانت الحاجة إلى سجون تتسع لهذه األعداد
البشرية الهائلة في نفس الوقت الذي ال تستطيع مصلحة السجون استيعاب هذه األعداد في سجون ال تتسع
إال للمئات وأنها أصال تعانى من مشكلة االزدحام ،وكذلك فإن الجيش بحاجة إلى سجن يكون قريبا من
مكان األحداث لتسهل إدارة هذا السجن فنيا ،و يستفيد الجيش من التحقيق مع بعض األسرى.
ألجل ذلك كله أقامت إسرائيل سجن أنصار في جنوب لبنان في بيئة معروف أن الحياة فيها صعبه
أمام برد الشتاء القارص الذي تتميز به ،وأنها أسندت إدارة هذا السجن لضباط الجيش في وقت رفضت
مصلحة السجون و جهاز المخابرات قبول هذه المهمة( ،)1()1فكان على ضباط الجيش أن يستجوبوا،و
يتعاملوا مع التمرد ،و فرض العقوبات ،و تنسيق نشاط الصحافة ومنظمة الصليب األحمر ،والتعامل مع
إضرابات عن الطعام وربما لم يسمعوا بشيء كهذا إال في الصحافة و التلفزيون ،وكذلك سيتعاملون مع
أسرى هم من أطياف مختلفة فكريا و أيديولوجياً ال يجمعهم إال كره إسرائيل ،و ال تخلو أطيافهم حتى من
األطفال والمسنين الذين تم اقتيادهم إلى أنصار.
كان األسرى يمرون بحاالت الضرب واالعتداء عند مرورهم بأي مرحلة من مراحل اعتقالهم حتى
وصولهم إلى خيمة السجن ،وكثيرة هي الشهادات التي تم تسجيلها في ذلك حتى كان االعتداء على األطباء
الذين يتم استدعاؤهم إلى نقاط التوقيف المؤقتة(.)3
مارس ضباط الشرطة العسكرية اإلسرائيلية التحقيق مع األسرى ،وذلك بدون امتالكهم معلومات
إستخبارية ،وبالتالي كان العنصر األهم لدى المحقق هو عملية التعذيب ،بل إن جزءاً من هذا التحقيق كان
يتعلق بنشاط السجين داخل السجن ،ويصف صالح التعمري قائد األسرى في سجن أنصار بأن عملية
التحقيق كانت تمر بظروف في غاية القسوة وانعدام اإلنسانية (.)1
لقد استخدم الجيش وسائل التعذيب التي حددها كل ضابط بما يراه مناسبا مع ضحيته ،فقد كان يلقى
باألسرى في الوحل والتراب ،كذلك يظل األسرى موثقي األيدي ومعصوبي األعين وفي الشمس عدة أيام
بدون أي فراش ،وكانوا يمنعون من قضاء الحاجة ،وكذلك يتعرضون للضرب بالعصي بشكل مفاجئ
ودون أن يروا من يضربهم وكان ذلك يؤدى إلى حاالت صدمة نفسية(.)2
وقد كان بعض األسرى يقتاد إلى زنزانة خاصة من الصفيح و من شدة حرارتها سماها األسرى
"بالمحرقة " ألنه كثيرا ما كان بعضهم يصاب باالختناق أو بعض الحروق على الجلد( ،)3ومن كان يمر
بهذه اإلجراءات وال يعترف يتم إرساله إلى محققي المخابرات في سجون داخل فلسطين ،فقد تم أخذ قائد
(( )1دينا عبد الحميد :للفجر نغني ،ط ،1مركز األهرام للترجمة والنشر،القاهرة،1989،ص.58
(( )2عماليا أرغمان و أهرون برتيع :أن تكون سبيا ،ط ، 1المعهد اليهودي التابع للهستدروت ،بيت برل – إسرائيل ،1988،ص(،116بالعبرية).
(( ) 3أنظر العديد من هذه الروايات ،دينا عبد الحميد :للفجر نغني ،مرجع سابق ،ص.61-58
(( )1المرجع السابق ،ص.160
(( ) 2أنظر شهادات بعض من تم التحقيق معهم :الواقع الصحي في سجن أنصار،مجلة بلسم،ع،104-103كانون ثاني وشباط ، 1984ص.14-8
(( )3المرجع السابق ،ص.105
األسرى صالح التعمري عدة مرات إلى سجن الدامون للتحقيق معه هناك ،وكان أيضا بغرض إبعاد
الكوادر والقادة عن السجن خاصة في أوقات اإلضرابات أو التمرد(.)4
وقد تعاملت إدارة السجن مع األسرى كرموز وأرقام عددية ،فقد أطلقت رموز خاصة على كل ثكنة
من الثكنات وأعطت كل أسير رقما خاصا به ،يجري التعامل معه على هذا األساس وخصص لألسرى
لباس خاص وتم إعطاء كل واحد منهم بطاقة شخصية تحمل صورته ورقمه(.)5
يأتي الوضع الصحي لألسرى في سجن أنصار من خالل سمات ومميزات البيئة والواقع الذي يعيشون
()6
(خمسة فيه،فقد أحصى مندوب منظمة الصليب األحمر الدولية الحاجات التي تسلم لألسرى كما يلي:
وعشرون شخصا في كل خيمة وصابونه واحدة لهم كل أسبوع ومرايا و شفرة حالقة لهم جميعا يوميا
معجون أسنان واحد وقميص وبنطال وصحن وملعقة ورغيف لكل أربعة أسرى).
كان هذا يعبر عن نية إسرائيل استخدام سجن أنصار ليس مكان حجز بل مكان عقاب ،فقد كانت هذه
الظروف منذ األيام األولى الفتتاح السجن وهذه األحوال يمكن أن تصيب األسرى باألوبئة وانتشار
األمراض ،وأن عدداً من األسرى أصيب فعال بالتيفوئيد والجرب وااللتهابات والقروح( ،)7لقد كان غذاء
األسرى الرديء يعبر عما ستصل إليه أحوالهم الصحية .
أصيب أسرى سجن أنصار بالعديد من األمراض تم التعرف عليها بعد اإلفراج عنهم أهمها( :أمراض
()1
المعدة وخاصة القرحة والتدرن الرئوي وانزالق في فقرات العمود الفقري والبواسير).
كانت اللجنة الصحية التي شكلها األسرى من بينهم ثمانون طبيبا و ممرضا وصيدلياً وفنياً وكان
معظمهم أعضاء في الهالل األحمر الفلسطيني ،وكانت في البداية تقتصر مساعدتها لألسرى على التوعية
والدعم المعنوي وذلك لعدم توافر وسائل عالجيه أو أدوية ،أما أطباء الجيش اإلسرائيلي فعادة ما كانوا
يعالجون فقط أولئك الذين ال زالوا في مرحلة التحقيق ،وذلك ليتمكن المحققون من استكمال التحقيق معهم،
()2
وقد منع اإلسرائيليون اللجنة الصحية المحلية من التجوال بين األقسام بل أمروا بحلها.
()Ablid: p18.(2
أسندت مهمة إدارة سجن أنصار إلى الشرطة العسكرية التي أختار ضباطها مكان السجن وزمان
افتتاحه و كافة التفاصيل وقد مر على سجن أنصار قائدان له هما(:)3
العقيد تورى بن نون من مواليد القدس ،وقد انضم لحركة غوش إيمونيم المتطرفة ،وحمل السالح ومن .1
ثم انتقل للسكن في مستوطنة كريات أربع القائمة على أرض مدينة الخليل.
العقيد مئير روزفيلد وهو من مواليد تل أبيب وعاش في نفس المنطقة وفي عهده أطلق جندي صلية .2
رصاص فقتل ثالثة من األسرى ،ولم يتم فعل أي شيء مع هذا الجندي.
إن طبيعة شخصية قائدي السجن تعكس تفكيرهما تجاه الفلسطينيين بشكل عام ،فال يعقل أن يكون
شخص من مستوطنة أكثر سكانها من المتطرفين مهيئاً للعمل مع األسرى الفلسطينيين ،وكذلك ال يعقل من
اختار مكان و تفاصيل هذا السجن أن يكون سلوكه مقبوال لدى األسرى ،ولقد أقاموا هذا السجن وهم
يعرفون أنه سيكلف إسرائيل مبلغ طائلة يوميا.
ثانيا :مجتمع األسرى في سجن أنصار
عن دما تم تكلي ف العقي د روزنفيل د بتحدي د مك ان لفتح س جن جدي د ك ان األم ر يتعل ق بأس بوعين أو ثالث ة
لحين انتهاء عملية سالمة الجليل ولم يتنبأ أحد أن هذا السجن سيظل مفتوحا لمدة ثمانية عشر شهرا على
األقل ،فقد تم افتتاحه ليخفف االزدحام عن مراكز التوقيف األخرى و على رأسها مركز الصفا أو مكان
معالجة الذين يتم إلقاء القبض عليهم جرحى في (شموئيل هروفيه) شمال إسرائيل.
ادعت إسرائيل في نهاية أغسطس 1982إبان خروج رجال المقاومة الفلسطينية من لبنان أن بحوزتها
900أسيراً في سجن أنصار ،بينما ذكر الصليب األحمر أن عدد األسرى يفوق 7000أسير ،وقد ذكر
المطران جورج حداد مطران صور للجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات القوات االسرائيلية للقانون الدولي
خالل غزوها للبنان أنه قام
بحص ر ح والي 11000أس ير بجه وده الخاص ة ،وذك رت منظم ة التحري ر أن األس رى في أنص ار في تل ك
()1
،وإ ن هذا االختالف في األرقام يمكن أن نعزوه إلى قلة عدد الذين كان يفرج الفترة فاق 15000أسير
عنهم حتى بداية أيلول ،1982وكذلك وجود عدد من مراكز االعتقال التي لم تقم أي مؤسسة بحصرها.
كانت الفئة العمرية لألسرى من اثني عشرة عاما حتى خمسة وثمانين عاما( ،)2وهذا يعني أن إسرائيل
مارست االعتقال العشوائي وأنه لم يكن الضابط الذي يحمل رتبة عميد كما جاء في قرار وزارة ال دفاع في
الفلسطينية ،ص.7
(( )2جعلنا المعتقل جبهة:مجلة فلسطين الثورة،ع ،9/6/1984 ، 511ص.26
المقََّنع ال ذي يجلس في العرب ة العس كرية اذا
يوني ه 1982ق د أقتن ع باألس باب أو ح تى اطل ع عليه ا ،ب ل إن ُ
شخص يمر من أمامه في الطوابير يمكن أن يتم اعتقاله حتى لو كان طفالً أو قاصراً أو شيخاً. ٍ اقتنع بأي
ك انت ه ذه األع داد الهائل ة من األس رى تنتمي إلى أك ثر من بل د أو قط ر ،فق د ك ان س جن أنص ار يمث ل
صورة عن المجتمع العربي ،بل أنها شملت كل القرى والمدن والمخيمات في لبنان،أما أهم جنسيات أسرى
سجن أنصار فهي :فلسطين – لبنان – سوريا – األردن – مصر – اليمن –تركيا – بنغاليا – باكستان(،)3
وقد كان لهذه األعداد والجنسيات المختلفة انتماءات حزبية وأيديولوجيه مختلفة.
أم ا الفلس طينيون فمعظمهم ك ان من مخيم ات عين الحل وة والرش يدية والمي ة ومي ة ،وجمي ع ه ؤالء
األسرى هم من فئات اجتماعية مختلفة وأهم المهن التي كانوا يعملون بها( :)4أطباء – محامون – موظفون
في الحكوم ة اللبناني ة – ش عراء – كت اب –عم ال – يعمل ون في مؤسس ات منظم ة التحري ر الفلس طينية أو
فصائلها.
ض م س جن أنص ار عش رات األس ر ال تي تتك ون من أب م ع ع دد من أبنائ ه ق د يص ل إلى خمس ة في
السجن ،وقد نجح مسؤول األسرى في جمع جميع هذه األسر لتكون كل أسرة في خيمة واحدة( ،)5وكثيرا
ما كانت قوات الجيش تعتقل السكان المجاورين للسجن وبالتحديد من قرية أنصار فقد كان أحد األسرى هو
المس ؤول عن زراع ة وفالح ة األرض ال تي تم مص ادرتها إلقام ة س جن أنص ار " ب " فق د ك ان ي رى من
السلك الشائك أطفاله بل صراخهم من بيته الذي يبعد عن السلك مسافة مائة متر(.)6
فق د ك ان الجن ود يجمع ونهم في مراك ز التوقي ف ،ويقوم ون ب التحقيق معهم وممارس ة أش كال من
التع ذيب ض دهم ،وق د استش هد أح د األطف ال من مخيم الرش يدية من ش دة العطش وض يق التنفس في ح ر
الشمس في شهر يوليو وهو في مركز الصفا ،أما أهم وسائل التعذيب فكانت الضرب بالعصي والتعريض
للكي بالكهرباء وبالسجائر وكان يتم طلب األسرى للتحقيق عشرات المرات(.)7
ق ام األسرى بوضع األطفال في خيم ة واحدة لم ا لهؤالء من حاج ات خاصة وأن عيش هم في مخيم ات
الكب ار س وف يول د مش اكل اجتماعي ة وسياس ية ك ان األس رى في غ نى عنه ا ،وق د ح دثت ح االت اعت داءات
جنس ية فردي ة اس تطاع األس رى معالجته ا ،في حين عارض ت إدارة المعتق ل أن يك ون األطف ال في خيم ة
(( )2محمد خليل :التجربة االعتقالية في السجون اإلسرائيلية،ط ،1دار ابن رشد ،عمان ،1988 ،ص.115
(*) مردوان :مصطلح يستخدمه األسرى لإلشارة إلى أحد أقسام السجن والمكون من عدة غرف.
(( )1محمد القيسي :الهواء المقنع ،مرجع سابق ،ص.39
(( )2مقابلة مع عبد العزيز شاهين ،مصدر سابق.
(( )3محمد القيسي :الهواء المقنع ،مرجع سابق ،ص.100
( )4حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ،بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيته ،مخطوط أعده األسرى الفلسطينيون بسجن عتليت عام (
،1996ص.5
-1بناء هيكل تنظيمي مكون من :موجه عام للمعتقل ولجنة مركزية عامة ولجنة ثقافية وموجهي غرف
وأقسام.
-2العمل بقيادة جماعية بتمرير القرارات على المراتب التنظيمية الدنيا قدر اإلمكان.
-3توزيع األدوار والمهمات على القاعدة قدر المستطاع.
يتضح من تجربة سجن بيت ليد أن تطوراً قد طرأ على العمل التنظيمي ،يتمثل في تجاوز فكرة سجن
نابلس في تعيين الشخصية القيادية التي تقود كل شيء ،وكذلك أسلوب العمل والذي يوضح أن االتصال
أصبح أكثر سهولة عما قبل ،كذلك االستفادة الواسعة من تجربة عسقالن بمشاركة عدد كبير من القاعدة.
دخل العمل التنظيمي مع بداية عام 1973مرحلة جديدة تميزت بوجود هياكل إدارية وأطر تنظيمية
واضحة ،استطاع األسرى في العامين التاليين نقل هذه التجربة إلى غالبية السجون ،لكن مع كل إيجابيات
هذا البناء فإنه لم يجيئ باختيار األسرى من القاعدة أو المستوى األوسط بل كان بالتشاور بين قادة
التنظيم( ،)1لكن هذا البناء كان يستند إلى أسس تعد بمنزلة برنامج للعمل التنظيمي يجب أن يدور هذا العمل
في إطارها.
مارس األسرى الفلسطينيون نشاطهم التنظيمي انطالقاً من هذه األسس،التي كانت تكرس سياسة
االلتزام التنظيمي لألسرى ،بل إنها أخذت تطوراً أخر بأن أصبح االلتزام داخل أحد التنظيمات خيار ال
مفر منه لكل أسير يريد أن يعيش حياة جماعية ،وقد تطور مفهوم األسرى للبناء التنظيمي مع بدايات عام
،1975فقد أصبحت السلطة التنظيمية تمثل الثورة ،فهي نظم الثورة وأطرها وقوانينها وتمثل الكيان
()2
االجتماعي والسياسي القائم على عدة أسس أهمها:
أ -المجتمع االعتقالي :هو لكل األسرى وكل من يخرج عن هذا المجتمع يعرض نفسه لعواقب ذلك.
ب -الفكر الثوري :فالسجين في موقع نضالي أخر داخل السجن.
ج -التنظيم :فالسجين ملتزم في تنظيم له ديمقراطية خاصة تتمثل في التسلسل داخل األطر التنظيمية من
عضو الخلية إلى الموجه العام.
د -القوانين الثورية :وهي أساس يحكم العالقة والحياة التنظيمية وتفصل بين كافة أبناء التنظيم في
السجون.
* هيكلية البناء التنظيمي وتطوره:
( )1خالد الهندي :التجربة الديمقراطية للحركة الفلسطينية األسيرة ،ط ،1مواطن ،رام اهلل ،2000 ،ص.34 (
( )2قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية ،ط ،1دار الجليل ،عمان ،1989 ،ص.141 (
بدأ إنشاء الهياكل التنظيمية المختلفة بدون قانون مكتوب ،بل إنه تم صياغتها بما يلبي حاجة كل سجن
على حدة حسب ظروفه الخاصة ،وتطورت هذه اللوائح والهياكل عبر سنوات االحتالل بشكل يكاد يكون
متشابهاً مع عام ،1983ونستطيع أن نقول إن غالبية الهياكل التنظيمية في كل السجون ولكل الفصائل
()3
الفلسطينية قد استندت إلى أسس أهمها:
-ضبط الواقع التنظيمي بتحديد الصالحيات والنشاطات ونظام المحاسبة والمتابعة.
-التقيد العام بمبدأ جماعية العمل التنظيمي النابع من االلتحام بين أبناء التنظيم.
-العمل بمبدأ المركزية الديمقراطية.
-تشجيع حرية الرأي الملتزم بمواقف الحركة مع حرية النقد والنقد الذاتي.
(*)(*)
والتمسك بعضوية الحركة. -عدم االنفالش
صيغت اللوائح الداخلية للتنظيمات بجهود األسرى من نفس السجن ،وبرغم تشابه األسس التي صيغت
على أساسها هذه اللوائح إال أن شكلها اختلف من سجن ألخر ،ففي حين صيغت اللوائح في سجن عسقالن
على أساس توضيح المفاهيم التي تقوم عليها الالئحة ،ومن ثم صياغة أدبيات حركة التحرير الوطني
الفلسطيني (فتح) كما هي من مبادئ وشعارات وأساليب ،والحديث عن العضوية من حيث تعريفها وحقوق
وواجبات العضو ،ومهام اللجان المختلفة الثقافية واألمنية والمالية ،إضافة إلى العقوبات( ،)1والتي تتشابه
إلى حد ما بتلك الواردة في المؤتمر العام لحركة فتح الذي عقد في دمشق عام .1981
()2
جاءت الالئحة الداخلية لسجن كفار يونا على شكل مواد كالتالي:
المادة األولى :أوضحت الهيكلية اإلدارية المكونة من الجهاز اإلداري وموجهي الخنادق واألقسام ،واللجان
المختلفة (الثقافية والضبط الثوري والنضالية العامة واألمنية).
المادة الثانية :توضح صيغة المركزية الديمقراطية.
المادة الثالثة :أفردت قائمة للممنوعات على كل عضو في التنظيم.
المادة الرابعة :إرشاد إلى إتباع سلوك معين تجاه النظافة واألخالق.
المادة الخامسة :وهي التي تنظم العالقة مع الفصائل األخرى فيما أسمته باللجنة الوطنية الموجودة في
المعتقل.
( ) 3وزارة شئون األسرى والمحررين :الالئحة الداخلية لحركة فتح في السجون ،1996 ،ص.6 (
(*) االنفالش :يعني ترك أحد األسرى تنظيمه والتحول إلى تنظيم أخر،وغير مرة أدى ذلك لصدامات بين التنظيمات. (*)
( )2عبد اهلل عواد :دولة مجدو ،ط ،1دار الجليل ،عمان ،1992 ،ص.19-15 (
اختلفت اللوائح والهياكل التنظيمية للفصائل الفلسطينية داخل السجون في وصف كيفية انتخاب أو
اختيار المراتب التنظيمية ،فعلى صعيد التنظيم الديني فقد جرى تشكيل مجلس شورى عبر انتخابات داخلية
وهذا المجلس أفرز األمير العام للجماعة اإلسالمية ،فيما تغير هذا النظام داخل الجماعة اإلسالمية بعد
توحد أسرى حركتي اإلخوان المسلمين والجهاد اإلسالمي حيث تشكلت قيادتها من منسقي العالقات
الخارجية الذين تفرزهم قيادتا التنظيمين اإلسالميين( ،)3أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فلم تتصلب في
وحدانية أسلوب االنتخاب للمراتب التنظيمية المختلفة وأوجدت مبرر ذلك بالظروف التي قد يعانيها سجن
معين( ،)4بل إنها كانت مرنة في الترشيح فيجوز للقيادة خارج السجن ترشيح أسماء معينة ألبناء التنظيم
في السجن ،ويسمح أيضاً ألعضاء التنظيم ترشيح أنفسهم مباشرة ،فالمتتبع للائحة الداخلية لحركة فتح ال
يجد ما يفيد بإمكانية تعيين أي مراتب تنظيمية بشكل جماعي ،بل إن هناك إمكانية ألعلى هيئة تعيين أحد
األعضاء إذا تغيب لفترة طويلة عن موقعه التنظيمي(.)5
تضمنت اللوائح والهياكل التنظيمية لألسرى الفلسطينيين جزءاً هاماً في حياتهم وهو العقوبات،
بناء على تعليمات سلطات السجن ،كما
ابتداء من قيام ما سمي بالمختار بعقوبة األسرى ً
ً والتي تطورت
كان يحصل في سجن (رام اهلل) وفي سجن أنصار ،وصوالً إلى النصوص المكتوبة في اللوائح بهذا الشأن،
أما الالئحة الداخلية لحركة فتح فقد استقت عقوباتها من خالل قرارات الحركة في الخارج ،لكنها نظرت
()1
إلى هذه العقوبات من جانب عالجي أو ليستفيد منه بقية األسرى فقد قسمت العقوبات إلى:
عقوبات معنوية كاللوم والتوبيخ ونسخ كراسات يستفيد منها النشاط الثقافي للتنظيم أو الحرمان من
التدخين ،وعقوبات مادية كالجلد والقمع والردع وصوالً إلى اإلعدام ،والمتتبع للمخالفات سيجدها جميعاً
من تلك التي يمكن أن تحصل في مجتمع أسرى في سجن له واقعه ومشاكله ،لكن من المهم اإلشارة إلى
أنه لم يكن في كل اللوائح والهياكل التنظيمية ما يشير إلى وجود هيئة قضائية تحدد المخالفات وتفرض
العقوبات بل إن اللجان المختلفة والمراتب العليا هي التي كانت تفرض العقوبة.
( ) 4مقابلة مع رأفت النجار ،مسئول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن نفحة بين ،1985-1981أجريت في غزة 28/7/2005م (
( ) 5وزارة شئون األسرى والمحررين :الالئحة الداخلية ،مصدر سابق ،ص.19 (
( ) 1وزارة شئون األسرى والمحررين :الالئحة الداخلية ،مصدر سابق ،ص.45 (
والتمايز في الطبقات االجتماعية التي أتوا منها ،إال أنهم اجتمعوا على محاربتهم إسرائيل ،فأدركوا وحدة
المصير بين جدران السجون ،وقد استطاع األسرى من كل الفصائل إعطاء تجربة في سجن الرملة جسدوا
حياة بدت وكأنها جسم واحد متماسك ،اتفق فيها على كل القضايا الحياتية ،وقد تدخلت عوامل ذاتية
وموضوعية ساهمت في تغيير هذا الواقع ووضعت العالقة بين األسرى في حالة مد وجزر ،وتماسك
وتوتر ،وحوار وعنف .
استطاع المعتلون الفلسطينيون بعد تجربة مريرة في عالقتهم الوصول إلى مرحلة مثلى تمثلت في
عمل غرف مشتركة سميت بخنادق الوحدة الوطنية ،لتعميق التفاهم وزيادة التنسيق بينهم لتدارك أي أزمة
تقع بين األعضاء اآلخرين ،واستطاعوا تشكيل لجان مشتركة ابتدأت من الصراع على الشاويش الذي
تعينه اإلدارة ،والتي كانت مهمته استالم حاجات األسرى وتحضيرهم للعدد ،وذلك لتفادي سلبيات هذا
"الشاويش" أو ما سمى بـ "المختار" في سجون أخرى( ،)2وتطور األمر إلى قيام األسرى عام 1976في
سجن عسقالن بفرز ممثلين عن كل فصيل لتشكيل لجنة موحدة ،انتبهت إدارة السجن على أثرها لخطورة
هذا األمر ،ورفضت في البداية التعامل مع هذه اللجان ،ثم ما لبثت أن اعترفت بها( ،)3ويبدو أن تزايد
أعداد األسرى َشكل عائقاً أمام اإلدارة في تعاملها مع هذه اآلالف وكذلك بروز ظاهرة اإلضرابات ،وبعد
نجاح هذه التجربة قام األسرى بتشكيل لجان مشتركة ساهمت إلى حد ما في ضبط العالقة بينهم ،وأهم هذه
المؤسسات(:)4
-1ممثل األسير :وينتخب من قبل الفصائل ويكون ممثالً للمعتقل أمام اإلدارة ويتحدث باسم األسرى
جميعاً ،ويجب أن يتميز بالسمعة األخالقية واألمنية العالية.
-2لجنة التنسيق :ونظراً لزيادة القضايا فقد تم القفز عن التنسيق المباشر بين مسئولي الفصائل لتشكيل
لجنة من كل الفصائل للتنسيق اليومي في كافة القضايا ،بل إنه في بعض السجون كان يتم تشكيل
لجان التنسيق في كل قسم من أقسام السجن.
-3شاويش الغرفة :ومهمته اإلشراف على النشاطات العامة لألسرى في الغرفة ،وهو المخول بالتحدث
مع الشرطة ،وقد تم مراعاة التوزيع التنظيمي في الغرف المختلفة.
-4لجنة التعبئة والتوجيه الوطني :ويتم تشكيلها عند التحضير لخطوة نضالية من قبل كل الفصائل
كاالستعداد لإلضراب عن الطعام.
( )2دينا عبد الحميد :للفجر نغني ،ط ،1مركز األهرام للترجمة والنشر ،القاهرة،1989 ،ص.114 (
( )1أنظر :جبريل الرجوب :زنزانة ،704ط ،1دار ابن رشد،عمان،1985،ص ،90حيث وقع مؤلف الكتاب على الوثيقة باسم حركة فتح. (
وأوقات تحددها السياسة اإلسرائيلية األمنية تجاه األسرى ،وكان الهدف األهم هو تحقيق حالة من التشرذم
والتفكك بين فصائل وتنظيمات األسرى.
كانت تلك مالمح المنظومة األمنية التي استعملتها كل من إدارة السجون المدعومة باإلمكانيات
المادية والخبرة المهنية ،واألسرى المتمتعين بإمكانيات الوقت دون الوسائل المادية الملموسة ،أو حتى دون
أي خبرة تذكر في السنوات األولى الفتتاح السجون ،فكيف كان هذان النقيضان على أرض الواقع وفي
حساباتهم هم يعتبرون المقياس هو في عدد جوالت االنتصار والهزيمة تجاه بعضهم بعضاً ،فما هي هذه
المراحل والجوالت ؟
تميزت العالقة بين األسرى الفلسطينيين والسجناء الجنائيين اليهود ،كما هي النظرة تجاه بعضهم لبعض
خارج السجون ،متسمة بسمات الكره والعداء ،لكن االستعداد للتعبير عن هذا الشعور من الطرفين سيختلف
باختالف المكان وظروفه ،فالمصلحة الشخصية للسجين الجنائي هي في أولوياته ،كالحصول على جرعة
مخدرات أو حتى أي امتياز شخصي من إدارة السجن ،وهذا بخالف المعتقل الفلسطيني المحكوم في
سلوكه بمجموعة من القوانين يمليها عليه انتماؤه التنظيمي لهذا الفصيل أو ذاك ،وفي الحالتين ستلعب
إدارة السجن دوراً هاماً ،وهذا ما كان يحصل في تحريضها للسجناء اليهود على اضطهاد األسرى العرب.
بدأت هذه األفكار تجد تعبيراً لها من خالل استغالل السجناء اليهود لكثرتهم في بعض األماكن ،وأقصد
مرافق العمل وذلك باالعتداء بالضرب على أي سجين يكون منفرداً عن زمالئه العرب ،وكذلك في سيارة
نقل السجناء حيث يكون المعتقل الفلسطيني مقيد اليدين وأحياناً معصوب األعين ،وفي أغلب المرات كان
بعض األسرى الفلسطينيين يصلون السجون والدماء تسيل من أجسادهم نتيجة الضرب الذي تعرضوا إليه
في رحلة االنتقال من سجن ألخر على يد السجناء الجنائيين اليهود(.)1
( ) 1()1مقابلة من عبد الحميد القدسي ،مسئول األسرى الفلسطينيين في سجن كفار يونا في الفترة ،1972-1968أجريت في 9/3/2004م ،رام اهلل.
( )1محمد القيسي :الهواء المقنع ،مرجع سابق ،ص.147 (
كانت إدارة السجون تضع بعض الموقوفين من األسرى العرب في غرف السجناء اليهود ،فكانت
تمارس ضدهم كافة أنواع االضطهاد المعيشي واالجتماعي الذي يصل إلى حد الحرمان من الغذاء ،والقيام
بكل أعباء الغرفة خاصة نظافتها ،وفي عام 1976كاد األسرى الفلسطينيون في سجن الخليل يعلنون
التمرد لالحتجاج على وضع زمالء لهم في غرف السجناء اليهود( ،)2فمن الصعب أن تلتقي ثقافة من
يتعاطى المخدرات أو الدعارة أو القتل مع حاملي األفكار القومية والوطنية ،وفي كلتا الحالتين كان ذلك
يتطلب سلوكاً ثقافياً معيناً في كافة مجاالت الحياة اليومية.
وأمام تشجيع إدارة السجون لالستمرار في هذه الحالة فقد تميز سجن بئر السبع بالعديد من حاالت
الصدام بين الطرفين ،حيث وصلت في واحدة منها إلى جرح ستة أسرى عرب وأربعة من اليهود على
خلفية خالف في توزيع وجبة الغذاء ،وبعد عدة أشهر تم قتل أحد السجناء اليهود الذين ردوا بتفجير عبوة
ناسفة في ممر الغرف التي كان يقطنها األسرى السياسيون العرب( ،)3وسرعان ما كانت هذه المشاعر تمتد
إلى السجون األخرى أو أنها متأثرة بأحداث سابقة حصلت في سجون مختلفة ،وكثيراً ما كانت مصلحة
السجون هي السبب في إحداث هذه المشاكل وبعد وقوعها كانت ال تسيطر عليها ،كما حصل في سجن
شطة عام 1973عند شجار عنيف وقف فيه رجل الشرطة المتطرف إلى جانب السجناء اليهود فأصيب
إصابة خطرة إضافة إلى إصابة سبعة من هؤالء السجناء ،وبعد قدوم الشرطة أصيب أحد عشر معتقالً
عربياً ،ورد هؤالء األسرى بتكسير األسرة وأبواب الغرف( ،)4وعادة ما تبرر مصلحة السجون في ردها
اإلعالمي على هذه الحوادث بالعداء القومي بين السجناء اليهود والعرب وأنها تسعى دائماً لكبح هذا العداء
داخل السجون.
(( )2األسرى األمنيون في سجن الخليل :مجلة األرض المحتلة ،ع ،7/1976 ،32ص.71
(( )3صحيفة هآرتس ،16/7/1976 :ص.1
(( )4عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،ط ،1دار الطليعة ،بيروت،1979،ص.52
شكل السلوك اليومي لألسرى الفلسطينيين داخل السجون اإلسرائيلية في مجاالت حياتهم المختلفة،
نسيجاً من ثقافة خاصة ميزها التغير والتطور الذي صاحبها منذ بدايتها عام ،1967والتي حمل فيها
األسرى ثقافة الفقر ونفسية المقاتل غير الواعي سبب قتاله لعدوه ،سوى كرهه له ودأبه على طرده من
وطنه ،في الوقت الذي يمتاز هذا العدو بالمهنية العالية ومقومات متطورة في مكافحة هذه الثقافة ،لكن
ظروف وعوامل أخرى ساهمت في إحداث حراك في سلوك هؤالء األسرى أوجبتها الظروف التي
عاشوها داخل السجون ،أدى هذا الحراك إلى تطور في سلوكهم مما أوصلهم إلى ثقافة تتسم بالقيم
وااللتزام باألعراف في مجتمع تحكمه قوانين ولوائح ،فاجأ المتابعين ألمورهم ،حيث وصف مراسل
صحيفة معاريف اإلسرائيلية هذا المجتمع بعد زيارته لسجن عسقالن عام 1978بـ " 3000مخرب ال أثر
()1()1
للسموم واالنحراف عليهم وأمراض الثقافة تتفشى بين صفوفهم".
لم يكن هذا التطور الثقافي لألسرى ليأتي عبثاً ،بل نتيجة جهود تطلبت بناء هيكليات ألجهزة ثقافية
أخذت دورها في مجتمع األسرى وساهمت في نشر الوعي االجتماعي والسياسي بينهم ،وصل إلى حد
إصدارهم صحف ومجالت تأخذ في شكلها صورة عن تلك المجالت التي تصدر في الشوارع ،حيث استند
هذا الوعي إلى سلم خطوات علمية ابتدأت من محو األمية ،مروراً بالحصول على شهادة الثانوية العامة،
أو بالجلسات الثقافية وحركة ترجمة ،وبنائهم لمكتبة استطاعوا بمساعدتها ممارسة شكل من أشكال البحث
العلمي من خالل دراسات وأبحاث تأخذ خطوات البحث العلمي ،التي انتهى بعضها بنتائج وتوصيات
وخالصة.
تميزت ثقافة األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية بممارسة السواد األعظم منهم لجزء أو أجزاء
من هذه الثقافة ،فمن ال يستطيع إعطاء الجلسات الثقافية أو إعداد الدراسات كان يكتب الشعر أو النثر أو
القصة ،فيما استطاع بعضهم التعبير عن ثقافة غيره بتنظيم المهرجانات واالحتفاالت التي تتخللها الكلمات
والبيانات والمسرحيات ،وقد أفنى الكثير من األسرى الوقت في الرسم واألشغال اليدوية ،والتي عبرت عن
تفكيرهم في القضايا التي يولونها األهمية.
نضجت الحالة الثقافية لألسرى نتيجة التفاعل االجتماعي والفكري والتربوي مع واقع السجن كحاجة
فرضتها الظروف ،وتمكن القائمون على هذا األمر من دمج األسرى في عمليتين اجتماعيتين في ٍ
آن
()2
واحد هما:
األولى :تهتم بصياغة وتراكم الوعي الثوري.
الثانية :إعادة صياغة ثورية للتكوين النفسي لألسير.
( ) 1()1كان هذا عنوان مقالة عن األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية ،صحيفة معاريف ،6/4/1978 ،ص.16 ،1
(( )2سلمان جاد اهلل :أدب المواجهة ،ط ،1جمعية األسرى والمحررين ،غزة ،2000 ،ص.32
تأثرت هذه الصياغة بالتطور التاريخي لمجتمع األسرى ،وأثرت إيجابياً في عملية تسريع نضوج هذا
المجتمع وبلوغه مرحلة متقدمة في تطوره ،وحولته من مجتمع معاقب على أفعاله إلى بؤر تخرج وتصقل
عناصر خرجوا من السجون ليلتحق غالبيتهم مرة أخرى بالعمل الذي كان سبباً في اعتقالهم.
اعتمد األسرى الفلسطينيون في بداية مسيرتهم الثقافية على أسلوب المشافهة لعدم توافر األقالم
والدفاتر ،بل واستعملوا أرضية الغرف والصرار اللين كطباشير( ،)1ولقد ساهم موقع السجن وظروفه
وطبيعة بنائه وإ دارته في تحديد الوسائل األولى للتعبير الثقافي ،فلم يكن في بداية فتح السجون غير
المصاحف ،وتنافس األسرى في حفظ كتيب الشعر الوحيد الذي كان موجوداً في سجن عسقالن للشاعر أبو
القاسم الشابي ،وعندما حصلوا على أنبوب قلم كتبوا به على علب الدخان(.)2
عكس هذا انتباه إدارة السجون ألهمية حيازة األسرى لألقالم والدفاتر ،ونستطيع القول بأن هذه الحركة
الثقافية قد ارتبطت بأشخاص من قاموا عليها ،ولم تبدأ بمنظومة أو نظام محكم ،وهذا يتضح من مطاردة
إدارة السجن لكل من بحوزته المواد الثقافية األولية فقد عاقبت من ضبط بحوزته أنبوب القلم أو ورق
الدخان المكتوب عليه وأنزلته الزنازين لمدد وصلت ألكثر من أسبوعين ،حيث لم تكن كل أسماء هؤالء
المعاقبين من نشطاء التنظيمات.
عكس مجموع السلوك الثقافي لألسرى صورة عن حالتهم بشكل عام وأوضاعهم ،وبالتالي لم يكن
تطور األوضاع الثقافية بمنحى عن تطور األوضاع التنظيمية أو األمنية أو االجتماعية ،كما أنه لم تكن
األوضاع الثقافية تساهم في تطور األوضاع األخرى أكثر من العكس ،وقد مرت األوضاع الثقافية بعدة
مراحل:
-المرحلة األولى :1974-1967
فقد عبر سلوك األسرى عن شكل اجتماعي تربطه وتوحد أجزاءه روح العصبية والفهم الوطني
المشوه ،وتشاهد فيها عمالً وطنياً ووحدة وطنية ترى تعبيراً له من خالل أحاديث األسرى مع بعضهم،
ويحكم الموقف فيها العالقة الشخصية مع صاحب أي مشروع ثقافي ،وليس لوائح تنظيمية تضبط تنفيذ هذا
المشروع( ،)3إذ يصعب تحديد المعالم الثقافية فليس هناك التزام ،وال عقوبة على هذه الحالة ،ويعود ذلك
لعدم حدوث حالة االنضباط التنظيمي وعدم ترتيب األوضاع التنظيمية والهياكل اإلدارية للتنظيمات.
-المرحلة الثانية :1985-1974
* الجهاز الثقافي
أولت التنظيمات الفلسطينية في السجون أهمية خاصة للنشاط الثقافي ،ووضع الخطط والطرق المختارة
واختيار الوسائل الكفيلة بتحقيق نتائج ناجعة ،تكفل تحقيق وعي سياسي يمثل سالحاً هاماً في مواجهة
مصلحة السجون وسياساتها المضادة لمصالحهم وبالتالي تحقيق تحسن في شروط حياتهم داخل السجون،
وكثيراً ما كانت إسرائيل تفسر النشاط الثقافي والخطوات النضالية لألسرى كاإلضرابات والتمرد بأنه
لتحقيق هدف سياسي وليس إنساني ،وأن ذلك يأتي بتحريض من منظمة التحرير الفلسطينية.
* الصحف والمجالت
بدأ تعامل األسرى الفلسطينيين مع الصحافة ،بحاجتهم إلى سماع األخبار السياسية بعد حرب ،1967
وما شهدته من أحداث هامة والتي أحدثت منعطفات هامة في القضية الفلسطينية ،كمعركة
الكرامة،والتغيرات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية ،وأحداث أيلول في األردن ،فقد تمتع السجناء
الجنائيون اليهود بسماع اإلذاعة عبر أجهزة الراديو المسموح لهم اقتناؤها ،وكذلك مشاهدة التلفزيون مساء
كل يوم ،وشراء ما يشاءون من المجالت والصحف اليومية أو أي مطبوعات ،في حين سمح لألسرى
(( )3قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية ،مرجع سابق ،ص.167
الفلسطينيين سماع ساعة واحدة من دار اإلذاعة اإلسرائيلية من أورشليم القدس من الساعة الخامسة
مساء ،حيث موجز األنباء يليها أغنية يومية ألم كلثوم ،إضافة إلى صحيفة األنباء اإلسرائيلية(.)1
ً والنصف
استمر هذا الحال لعدة سنوات في بعض السجون ،وكان على السجون التي تفتح حديثاً أن تطلع على أخبار
العالم بهذه المواصفات فقط ،في الوقت الذي كانت سجون أخرى قد لفظت هذه الظروف منذ سنوات ،ففي
عام 1984سمح ألسرى سجن جنيد بسماع اإلذاعة اإلسرائيلية عبر مكبرات الصوت ،وكذلك قراءة
صحيفة األنباء فقط ،في الوقت الذي كانت غالبية الصحف تدخل السجون األخرى كنفحة وعسقالن
وبحوزة األسرى أجهزة الراديو ،وكل ذلك حصلوا عليه بعد خطوات نضالية ضد إدارة السجن عقب
اإلضرابات الشهيرة.
وزعت الحكومة اإلسرائيلية صحيفة األنباء على المكاتب الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة
والجوالن وسيناء وذلك بغرض نشر بياناتها وسياستها وقراراتها العسكرية ،وقد ساهمت في نشر اليأس
واإلحباط في نفوس األسرى ،فكثيراً ما كانت تتناول القوة اإلستراتيجية إلسرائيل واألوضاع السيئة
والفساد الذي تعيشه الحكومات العربية وحالة البذخ التي يتمتع بها مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية،
وتأتي صحيفة األنباء في إطار السياسة اإلسرائيلية الشاملة تجاه األسرى التي كانت تهدف إلى أن يعملوا
في النهار في الورش التي تعد شباكاً للدبابات اإلسرائيلية ،ويطلعوا في المساء على األخبار التي تزيدهم
إحباطاً ويأساً.
كان إصدار المجالت والصحف من أولويات برامج العمل التي كانت تعدها اللجان الثقافية ،وقد
()1
تطورت مراحل الوصول إلى كتابة الصحيفة أو المجلة بمراحل الكتابة وهي:
الكتابة على ورق علب اللبن. -
الكتابة على ورق كرتون الخبز. -
الكتابة على الورق العادي. -
الكتابة على الكراسات. -
وقد بدأ إصدار ما يسمى بالصحف بإصدار أول صحيفة في تاريخ المعتقالت في سجن عسقالن وهي
صحيفة (عسقالن الثورة) وكان أول عدد منها من سبع ورقات من ورق اللبن ،وهي نسخة لكل
مردوان( ،)2وقد كانت هذه الصحيفة مشتركة بين كل الفصائل الموجودة حيث تطرقت إلى المواضيع
( )1صحيفة هآرتس ،17/10/1974 ،ص ،2جاء ذلك خالل تغطية الصحيفة ألنباء القضية التي رفعها أحد األسرى لمحكمة العدل العليا (
( )4أنظر ملحق رقم ( ) 2وهو غالف مجلة نفحة الثورة ،أصدرها األسرى الفلسطينيون من تنظيم حركة فتح في سجن نفحة ومؤرخه (
.4/1984
( )1عماليا أرغمان وأهرون برنيع :أن تكون سبياً،ط،1المعهد اليهودي التابع للهستدروت،بيت برل_إسرائيل ،1988،ص(،282بالعبرية). (
( )2سلمان جاد اهلل :أدب المواجهة ،مرجع سابق ،ص.117 (
نفحة الثورة وقد صدر منها أكثر من ثالثة عشر عدداً حتى فترة الدراسة. -
الصمود األدبي. -
صدى نفحة وشارك فيها أسرى من تنظيمات مختلفة. -
يالحظ من خالل المجالت والصحف أنه مع تطور سنوات إصدارها كانت تتميز بما يلي:
بدأ إصدار المجالت بجهد مشترك من الفصائل والتنظيمات. -1
أصدرت الفصائل الفلسطينية مجالت خاصة بها وبعناصرها. -2
استطاع األسرى إصدار مجالت متخصصة خاصة باألدب والرياضة والسياسة. -3
ثانياً :النشاط التعليمي لألسرى.
مثل النشاط العلمي لألسرى الفلسطينيين أهم صور التعبير عن ثقافتهم ،حيث تعددت أشكاله ،ومجاالته
التي كان أهمها:
تعلم الكتابة والقراءة :وقد بدأ ذلك في مرحلة متقدمة من تاريخ األسرى في السجون ،حيث -1
استطاعت التنظيمات القضاء على األمية بشكل كامل في بعض السجون ومنهم من وصل إلى
إنهاء المرحلة اإلعدادية ،وأنجز دراسات لغوية أخرى( ،)3ويبدو أن هذا النشاط قد بدأ بشكل
انفرادي وبجهود خاصة من البعض قبيل اهتمام التنظيمات به.
دورات التجويد والتالوة :وقد أخذ اهتمام األسرى به في بداية فتح السجون ،وتطور هذا األمر -2
إلى حصول المجتازين لهذه الدورات على شهادات من التنظيم ومن مؤسسات خارج السجون كان
لجهود التنظيم الفضل فيها( ،)4وهذا يعبر عن مدى تطور عالقة التنظيمات مع المؤسسات.
تعلم اللغات :اهتم األسرى الفلسطينيون بتعلم اللغات األجنبية خاصة اللغتين العبرية واإلنجليزية، -3
وتدل أرقام المجتازين لهذا النشاط على:
أن السجون األكثر استقراراً كانت السباقة لممارسة هذا النشاط. -
أن غالبية قيادات األسرى تعلموا اللغة العبرية في مرحلة مبكرة من اعتقالهم. -
أن الحاجة هي التي كانت تحفز على ممارسة مثل هذا النشاط ،فال يجوز أن يعمل السجين شاويش -
غرفة أو ممثل معتقل أو في بعض مرافق العمل بدون معرفة اللغة العبرية ،وكذلك كان األسرى
بحاجة إلى ذلك لمناقشة ممثلي الصليب األحمر والمؤسسات الدولية األخرى والتي كان غالبية
مندوبيها ال يعرفون اللغة العربية.
( )3قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية ،مرجع سابق ،ص.169 (
( )4إبراهيم أبو النجا :الحركة الفلسطينية األسيرة،ط ،1رام اهلل ،1998،ص.57 (
نادي القراءة والمطالعة :ومهمته تحضير الطلبة األسرى المتحانات الثانوية العامة بدورات -4
ودروس تقوية ،وهذا يعبر عن أن التنظيمات الفلسطينية كانت تنظم موضوع امتحانات الثانوية
العامة بل إنه كان جزءاً هاماً من النشاط العلمي فيها.
دورات في مجاالت أخرى :حيث كان يتم تنظيم دورات اختيارية في النحو والسياسة والتاريخ، -5
وإ دارة المشاريع ،واإلسعافات األولية ،والخط العربي( ،)1وقد استفاد األسرى من هذا النشاط
بممارسة العديد منهم لإلسعاف األولي لحظة إضرابات السجون ،وكذلك الخط الذي كان يلزم في
كافة التعميمات والبيانات.
امتحان الثانوية العامة :وقد بدأ هذا األمر بعد عام ،1974ولم يتم إال بعد رفع األسرى قضية -6
لمحكمة العدل العليا باسم المعتقل :هاني احمد العيسوي من سجن الرملة وبعد سنوات وصل
اإلقبال عليها ما نسبته %15,1من األسرى سنوياً وكانت نسبة النجاح تصل إلى ،%90في حين
كان أقل من %1من السجناء اليهود يتقدمون لمثل هذا االمتحان سنوياً( ،)2وقد استغل
اإلسرائيليون واألسرى على السواء هذا األمر للتعبير عن بعض سياستهم ،فقد امتنع األسرى عن
تأدية هذه االمتحانات عقب زيارة الرئيس المصري للقدس ،وذلك تعبيراً عن رفضهم للعملية
السياسية كون االمتحانات تأتي من وزارة التعليم المصرية ،واستغلت إسرائيل هذا األمر في
معاقبة رجال المقاومة باعتقالهم ليلة االمتحانات ،أو عزلهم إن كانوا في االعتقال(.)3
التعليم الجامعي :حاول األسرى بجهودهم مع العديد من المؤسسات والجهات إقامة جامعة خاصة -7
بهم وغير مرة رفعوا مشاريع إلقامة جامعة تحت اسم "جامعة فلسطين المفتوحة" ،وعرضوا على
بعض الجامعات المحلية انتسابهم لها كجامعة بيرزيت( ،)4هذا يعطي فكرة عن المستوى الثقافي
الذي وصل إليه األسرى ومدى جاهزيتهم لهذا األمر.
وفيما بعد أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية جامعة القدس المفتوحة في فلسطين والخارج ،والتي -8
اعتبرت أن التحاق األسرى الفلسطينيين في السجون االسرائيلية هو جزء من مسؤليتها الوطنية ،
ومن رسالتها السامية والنبيلة ،وعلية استطاعت فتح بعض البرامج في بعض السجون ليستفيد منها
األسرى ذوو المحكوميات العالية ،إال أن األمر لم يكن هيناً بل اعتراه الكثير من الصعوبات
كانتقال األسير فجأة من السجن الذي به برنامج التعليم الجامعي ،وصعوبة ادخال كتب المقررات
( ) 2وضع هذه المقارنات مراسل صحيفة معاريف الذي زار بعض السجون ،صحيفة معاريف ،17/11/1977 :ص.2 (
( )4سلمان جاد اهلل :أدب المواجهة ،مرجع سابق ،ص.172 (
الدراسية للسجن ،اال ان دلك لم يثن ادارة الجامعة وعلى رأسها المناضل السجين السابق أ.د
يونس عمرو عن المضي قدما بهذا المشروع األكاديمي الوطني الكبير.
اهتم األسرى الفلسطينيون بإعداد الدارسات في مواضيع شتى ،وكان المتخصصون في المجاالت
المختلفة هم الذين يعدون هذه الدراسات ،وقد انقسمت هذه الدراسات إلى مجالين هامين:
دراسات تعنى بواقع األسرى كاإلضرابات عن الطعام ،والهروب من المعتقالت ،ووسائل التحقيق -1
ومراحل االعتقال ،والتعذيب ،وعن مصلحة السجون في إسرائيل.
دراسات سياسية عن القضايا المطروحة في القضية الفلسطينية ،كحرب لبنان ،وزيارة عرفات -2
للقاهرة في ديسمبر ،1983والبعد الدولي للقضية الفلسطينية ،وتجارب الحرب الشعبية للعديد من
الشعوب ،ومقومات إقامة دولة فلسطينية ،واالستيطان(.)1
ومن خالل هذه الدراسات يمكن االستدالل على ما يلي:
-كانت هذه الدراسات تعبيراً عن موقف األسرى تجاه القضايا المطروحة.
-تشابهت مواقفهم في كافة الدراسات التي كتبوها مع موقف تنظيماتهم في الخارج.
-أخذت بعض هذه الدراسات بعض خطوات البحث العلمي ،فيمكن أن نرى مقدمات وأهداف إعداد الدراسة
وفي أخر بعضها نتائج وتوصيات ،وفي الكثير من الدراسات ترى الكاتب يبرز من أين حصل على
المعلومات التي يعتمد عليها.
كانت شرطة السجون تعزل كل سجين يتم رؤيته وهو يتحدث في السياسة حتى لو كان مع زميل له ،أو
حتى رؤية مقاله أو ورقة أثناء التفتيش تتحدث عن مواضيع سياسية ،وقد شكل اإلضراب عن الطعام
5/7/1970في سجن عسقالن مفصالً تاريخياً هاماً على المستوى الثقافي حيث سمح ألول مرة بإدخال
مواد ثقافية كانت تلزم في الجلسات( ،)2ويبدو أن ردود فعل إدارة السجون خفت إلى حد كبير بعد هذه
الفترة فلم تعترض إدارة السجون كثيرا على انعقاد الجلسات الثقافية بعد هذا التاريخ.
قضى األسرى الفلسطينيون الكثير من وقتهم اليومي في الجلسات الثقافية ،فقد كانت جلسة الصباح تعتبر
بمثابة جلسة تنظيمية تبدأ بالقسم ولذلك كان حضورها إجباري لجميع أبناء التنظيم بغض النظر عن
مراتبهم التنظيمية أو وعيهم ،أما جلسات المساء فكانت للنشاطات العلمية فهي اختيارية حسب تسجيل
( ) 1دراسات أعادت وزارة شئون األسرى والمحررين طباعتها ،وبحوزة الباحث نسخة عن كل منها وجميعها جاءت تحت عنوان وثائق مهربة (
( )2إبراهيم أبو النجا :الحركة الفلسطينية األسيرة ،مرجع سابق ،ص.28 (
(*) قائمة تشير إلى الكتب الوطنية والسياسية التي منعت إسرائيل الفلسطينيين حيازتها(مثل إصدارات مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
( )3محمد خليل :التجربة االعتقالية ،مرجع سابق ،ص.55 (
تعد مظاهر األدب والفنون التي مارسها األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية مظهراً هاماً من
مظاهر ثقافتهم ،وبقدر ما كانت الحاجة حافزاً لممارستهم النشاط العلمي بمختلف مجاالته ،كانت مظاهر
األدب والفنون في غالبيتها استجابة لحب التعبير عن ما يدور في أشجان وعواطف األسرى ،والحاجة إلى
التعبير عن عالقتهم الوجدانية مع بعضهم البعض أو حتى مع ذويهم ،وأهم هذه المجاالت:
بدأ األسرى بترديد األهازيج التي ال زالت محفوظة عندهم من البيئة التي عاشوها ،وكانوا يرددون
دائماً مقولة الجندي المصري "يا أمه ليه تبكي عليا ابنك مسافر جهادية" إضافة إلى أهازيج الميجانا
والدحية والدلعونة ،ويتم تناقلها بينهم مشافهة ،وذلك بعد مالءمة كلماتها التي تعبر عن الوطنية ،وكانت
تؤدى في ساعة الصدامات مع الشرطة لرفع الروح المعنوية( ،)1()1ولقد طوروا هذه األهازيج بقدر ما
كانت تتطور عالقتهم مع إدارة السجن ،وكذلك النشاط الثقافي العام لهم ،فقد عملوا نشيداً خاصاً بسجن
أنصار كالسالم الوطني الفلسطيني الذي (لم يكن قد وجد بعد) ويرددوه كل صباح بكلمات أدبية معبرة عن
الواقع( ،)2()2وحتى بداية السبعينات لم تكن إسرائيل لتسمح حتى بتفاعل ثقافة األسرى أو أي صورة تعبر
عنها بين الناس خارج السجون ،فقد جمع الشاعر الفلسطيني توفيق زياد أشعاراً وأضاف إليها كلماته
ونشرها ،فكان أن اعتبر هذا عمالً مخالفاً للقانون وتم اعتقال من وزعوه(.)3()3
كانت رواية "بابور الكاز" أول رواية كتبت في تاريخ السجون للسجين محمد عليان وذلك عام ،1976
وتطورت الروايات في موضوعها فكانت رواية "الشمس في ليل النقب" للسجين هشام عبد الرازق(،)4()4
وقد عبر األسرى الفلسطينيون في هذه القصائد الشعرية والكتابات النثرية عن الواقع الذي يعيشونه وما
يجول في خواطرهم وأن ذلك يتم فهمه من خالل القصائد التي كانوا يكتبونها والتي تتحدث في غالبيتها
عن المواضيع التالية(:معاناة السجون ،التعذيب في السجون ،الدم الفلسطيني ،ساعة االعتقال ،القرية
والحقل والزراعة ،األطفال الفلسطينيون ،الحق التاريخي في أرض فلسطين ،الجوالن ،الوحدة العربية،
جمال عبد الناصر) ،ويالحظ أن المواضيع التي يكتب فيها غالبية األسرى هي تلك التي تكون هامة
بالنسبة لواقعهم ،فترى تواريخ بعض القصائد التي تتحدث عن ساعة االعتقال أو التعذيب يكتبها أولئك
رثاء للرئيس جمال عبد
الخارجون من مرحلة التحقيق ،وترى حاملي األفكار القومية دائمي الكتابة ً
الناصر.
( )1عبد الحق شحادة :التجربة النضالية ،مرجع سابق ،ص ،5حيث كان المؤلف موجهاً ثقافياً لألسرىن في سجن عسقالن. (
( )3سلمان جاد اهلل :أدب المواجهة ،مرجع سابق ،س.142 (
عمالً فنياً يتمثل في تحفة "العالم لنا" التي نحتها السجين علي النجار وتم إرسالها إلى الرئيس الكوبي فيدل
كاسترو(.)4
يلتزم السجين بساعة معينة لتناول وجبة اإلفطار والعودة إلى فراشه وحتى بداية المساء يمنع من النوم
أو االضطجاع على البرش ،حتى يقوم الشرطي بإطفاء النور ،وكثيراً ما كان يمنع خروج األسرى ليالً
لقضاء الحاجة خاصة في السجون العسكرية ،لمعتقل أنصار والفارعة(.)3
( )1()1الحقيقة كلها عن سجون العدو :فلسطين المحتلة ،ع ،16/3/1977 ،79ص.18
( )2()2مقابلة مع عبد الحميد القدسي ،مصدر سابق.
( )3عماليا أرغمان ،وأهرون برنيع :أن تكون سبيًا ،مرجع سابق ،ص.159 (
برغم صغر المكان الذي عاش فيه األسرى الفلسطينيون إال أن بعضهم استطاع اصطياد العصافير
وزراعة بعض النباتات خاصة في تلك السجون التي يخرج األسرى فيها إلى أماكن ترابية كالفسحة في
سجن بئر السبع مثالً.
وقد تطور هذا البرنامج الذي فرضته السلطات على األسرى مع الخطوات النضالية وأهمها
مساء ،استمرهذا حتى
ً اإلضرابات ،ولكن بقي هناك المواضيع األمنية التي لم تلغى كالعدد وإ غالق الغرف
بعد اإلضرابات الكبيرة التي جلبت الكثير من اإلنجازات( ،)1لكن األسرى استطاعوا تحسين شروط هذه
المواضيع فقد أصبح العدد ثالث مرات فقط ،وأن المرضى وكبار السن ال يقفون أثناء العدد.
تطورت عالقة األسرى بالشرطة أثناء الفسحة بعد اإلضرابات الشهيرة فأصبح لألسرى القيام بجلسات
واجتماعات تنظيمية في الفسحة تضم العشرات ،بل زيارة بعض الغرف لبعضها بعضاً ،وتجميع األقارب،
لكن ذلك لم يتم عند فتح سجون جديدة إال بعد العودة من الصفر(.)2
منعت سلطات السجن األسرى من تأدية صالة العيدين جماعة وكثيراً ما كانت تقتحم الغرف لمنع
خطب الصالة ،أو حجز األسرى في غرف معينة لكي ال يستطيعوا تأدية أو سماع الصالة ،وهذا ما حصل
عندما تم حجز السجينات الفلسطينيات في غرفة منعزلة في أحد أطراف سجن الرملة لكي ال يسمعوا
صالة العيد من مكبرات الصوت بمئذنة أحد المساجد المجاورة لمبنى السجن ،ولم تكن تسمح بتغيير
مواعيد تقديم وجبات الغذاء لتتناسب مع شهر رمضان( ،)3وقد سمح فيما بعد لألسرى في السجون التي
تشرف عليها مصلحة السجون وبقي الحال على ما كان في السجون التي أشرف عليها الجيش اإلسرائيلي.
عاش األسرى الفلسطينيون في سجون مقامة على مبان قديمة منذ عشرات السنين ،وقد أعطي لكل
سجين فرشة من اإلسفنج بسمك خمسة سنتيمترات للنوم عليها ،وأن يستعمل أي شيء بدل الوسادة ،وقد
ظل الحال كما هو عليه حتى عام 1980عندما استطاع األسرى الفلسطينيون أن يكسبوا القضية التي
رفعوها لمحكمة العدل العليا والتي وضعت فيه مواصفات وشروط تزويد األسرى باألسرة بدل النوم على
األرض(.)4
منعت السلطات إدخال األهالي بعض المواد لألسرى خاصة تلك التي تتعلق بالمأكوالت والقرطاسية،
وكثيراً ما كانت تعاقب األسرى بأخذ الحلويات من المؤسسات الوطنية وال توزعها عليهم إال بعد أيام
( ) 1انظر نتائج أخر إضراب كبير في فترة الدراسة ،جبريل الرجوب ،زنزانة ،704مرجع سابق ،ص.192-186 (
( ) 4للمزيد من التفاصيل عن هذه القضية أنظر :جمعية أنصار السجين ،قضايا محكمة العدل العليا ،القضية رقم ،80/221محمد درويش ضد (
ثانياً :التغذية
سمحت إدارة السجون اإلسرائيلية عقب حرب 1967بإدخال األهالي األطعمة لذويهم ،فقد كان األهالي
يجلبون في يوم الزيارة مختلف أنواع األطعمة ،ومع بداية عام 1969منعت السلطات إدخال أي شيء له
عالقة بالغذاء ،وبقدر ما كانت الحالة األولى تبرز الفوارق االجتماعية بين األسرى ،وما لهذا األمر من
سلبيات على العالقة االجتماعية بينهم في وقت لم يكن هناك بناء تنظيمي أو قوانين تنظم العالقة بينهم ،إال
أن البديل األسوأ كان تقديم طعام اإلدارة فقط ،فقد أصبح الغذاء سالحاً تستعمله اإلدارة ضد األسرى ،ويقدم
بناء على احتياجات السياسة العامة لمصلحة السجون ،وحتى عام 1976تم تقديم ما
لألسرى كماً ونوعاً ً
حدوده 800سعر حراري لكل معتقل ،وهذا ما ال يصل إلى تلبية ثلث حاجة جسم اإلنسان ،في الوقت
الذي كانت السجون النازية تقدم لنزالئها 1050سعراً حرارياً( ،)3وقد شهدت السنوات التالية تناقص هذه
الكمية لألسرى في غرف العزل أو من ال زال منهم في مرحلة التحقيق ،بل إنه كان يقدم إليهم بقايا
الطعام.
( )5مقابلة مع عطاف عليان لمجلة منظمة الجهاد اإلسالمي ،مصدر سابق. (
( ) 1()1وزارة شئون األسرى والمحررين :تقرير عن الخروقات التي ترتكبها إدارة مصلحة السجون ،2000،ص.19
يستطيع مالءمتها مع تطور األحوال والظروف حولهم فقد كانت األمراض في بداية السبعينات ناتجة عن
الضرب والتعذيب في أماكن معينة كالدماغ مثالً ،وبعد سنوات بدأت تظهر بينهم أمراض البواسير
وأمراض الجلد ،وبعد عشر سنوات من افتتاح السجون سيكون طبيعياً أن يصاب أكثر من %70من
األسرى بأحد األمراض السابقة( ،)2وهي الحاالت التي كان التعذيب سبباً فيها ،وهذا يجد تعبيراً له من
خالل العمليات التي أجريت لبعض األسرى حيث نشرت ذلك صحيفة (هآرتس) التي استندت إلى مصدر
في إدارة مصلحة السجون(.)3
كان الجهاز القضائي في إسرائيل وعلى رأسه محكمة العدل العليا على علم بهذه األمور ،وغير مرة
تم رفع شكاوي مستندة إلى تقارير طبية من مستشفيات مصلحة السجون نفسها كما حصل في قضية
السجينان "محمود رشيد شحادة وعبد اهلل محمود عياش" حيث تقدم المحامون بشكاوي إلى محكمة العدل
العليا يثبت سبب استئصال الطحال ألحدهما بسبب الضرب عليه ،واألخر تعرض الختالل عقلي نتيجة
الضرب ،ولم تستطع المحكمة اإلفراج عنهما( ،)1وفي عام 1985كانت مستشفى سجن الرملة يعكس
صورة واضحة عن عشرات األسرى المصابين بأمراض ،فقد أصبح المصابون باألمراض النفسية يزيد
عن العشرين معتقالً ،وليس أقل من هذا الرقم من كانوا مصابين بأمراض القلب ،والعشرات من مرض
القرحة والسكر والكلى وآالم العمود الفقري(.)2
ساهم فتح أي سجن جديد بظروفه السيئة في ظهور أمراض على األسرى نتيجة أحواله السيئة ،فبعد
أسبوعين من افتتاح سجن جنيد أصيب أكثر من عشرين معتقالً بالتسمم لفساد األكل المقدم لهم وكذا في
سجن (رام اهلل) في نفس الشهر فيما أصاب الجدري أكثر من ستة وثالثين معتقالً في سجن جنيد في نفس
العام(.)3
كان اإلهمال الطبي من قبل مصلحة السجون سبباً في وفاة أكثر من سبعة وثالثون سجيناً حتى عام
،1985فيما كان أكثر من %60من األسرى المفرج عنهم في صفقة تبادل األسرى بين إسرائيل ومنظمة
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة في أيار 1985 /مصابون بمضاعفات بعض األمراض،
حيث إن غالبيتهم العظمى دخلوا السجون في فترات مبكرة(.)4
كما مارس األطباء العسكريون اإلسرائيليون مهنة السجانين أكثر من عملهم الطبي ،فقد كانوا ال يبلغون
المرضى ذوي األمراض بآخر أحوالهم الصحية ،وإ قناع المريض بأنه مشافى ومعافى ،وليس هناك أدل
من قيام األطباء بإدخال أنابيب الحليب إلى الرئتين بدل المعدة ،عندما حاولوا كسر إضراب األسرى في
سجني عسقالن ونفحة ،حيث تسبب ذلك في استشهاد علي الجعفري و راسم حالوة.
وافتقرت عيادات السجون للدواء الالزم واالقتصار على المهدئات والمسكنات ،وحتى عام 1981كانت
مصلحة السجون تمنع إدخال األدوية من الخارج لألسرى ،إضافة إلى قيام الممرض بالتشخيص وصرف
الدواء من غير أي ورقة تثبت ذلك ،وقد كان الممرض يستمع للمريض من خلف القضبان(.)1
شجعت إدارة مصلحة السجون السجناء الجنائيين القيام بكل ما من شأنه إصابة األسرى الفلسطينيين
باألمراض ،فقد كان ضباط األمن يشجعون ويعرضون المكافآت بتخفيض مدة االعتقال للسجين الجنائي
الذي يستطيع ممارسة الجنس مع أي سجين أمني فلسطيني ،حيث كان غالبية السجناء الجنائيين هم
مصابون بأمراض المخدرات والدعارة( ،)2ويبدو أن ذلك كان يتم في السنوات األولى لالحتالل حيث
األوضاع التنظيمية السيئة والوعي السياسي البسيط لألسرى واالختالط الواسع بينهم وبين السجناء
الجنائيين اليهود.
وسمحت إسرائيل لشركات األدوية في إسرائيل والخارج القيام بتجارب على األسرى الفلسطينيين،
وعندما دار النقاش في البرلمان اإلسرائيلي حول هذا الموضوع ،اعترفت "داليا ايتسك" رئيس لجنة العلوم
في الكنيست بأن إسرائيل قد قامت بإجراء المئات من تجارب األدوية على األسرى الفلسطينيين في
( )6قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية ،مرجع سابق ،ص.50 (
( ) 3وزارة شئون األسرى والمحررين ،تقرير عن الخروقات اإلسرائيلية لحقوق اإلنسان في السجون ،1998،ص.20 (
نتيجة الظروف االقتصادية األمنية التي عاشها الشعب الفلسطيني عقب حرب ،1967بقي موضوع
رعاية وإ عالة عائلة السجين يأخذ من تفكيره الجزء األكبر ،إن لم يكن أهم من التفكير بظروفه التي يعيشها
في السجن ،فالتفكير في األسرة يجعل من الشعور بالسجن أكثر من أي شيء أخر ،كذلك فإن سياسة
إسرائيل األمنية وهي عقاب األسرة عندما يعتقل أحد أفرادها ،باعتقال الزوجة أو األب أو االبن أو إغالق
غرف في البيت أو حتى هدمه في بعض األحيان ،كل ذلك ترك في نفسية المعتقل ووجدانه الحاجة الماسة
لزيارة األسرة له بعد خروجه من مراحل التحقيق.
يالحظ أن إدارات السجون اإلسرائيلية لم تنتهج أسلوباً موحداً في التعامل مع قضية زيارة األهالي،
وحتى في السجن الواحد وكانت هذه السياسة تختلف بمرور الوقت وبتغيير مدير السجن بموجب طبيعة
ونجاعة خطوات األسرى االحتجاجين ،فمن الممكن أن تمنع الزيارات على كل السجن كما حصل في
معتقل أنصار بجنوب لبنان حيث رفضت إدارة السجن زيارة األهالي مطلقاً لمدة عام تقريباً( ،)1وبالتالي
يرفضون التعامل مع األسرى حسب القانون اإلسرائيلي الذي يسمح للمعتقل بزيارة ذويه في ظروف
مختلفة حسب تطور األوامرالعسكرية بهذا الجانب منذ العام 1967وحتى العام ،1985هذا في الوقت
الذي رفضوا اعتبار أسرى سجن أنصار أسرى حرب ،ألنه يجب أن يسمح لهم بالزيارة المنتظمة وحتى
في ظروف خاصة ،فلم يستطع أحد بتبرير هذا المنع إال بالمبرر الدائم " لظروف أمنية ".
وقد بدأت الزيارات لألهالي ألبنائهم في السجون اإلسرائيلية بأن يدفع المعتقل وكذلك األهالي المزيد من
المعاناة ،فقد كان على السجين أن يخرج من غرفته إلى مكان الزيارة وهو ناكس الرأس واأليدي خلف
الظهر ،وينتظر في مكان معين وهو جالس على ركبتيه وممنوع من التكلم مع زمالئه( ،)2ولم تكن الزيارة
تخضع لقوانين أو تعليمات منظمة أو مكتوبة ،بل إن ذلك يخضع لتعليمات ورأي مدير السجن وضابط
األمن ،وحسب مستوى الهدوء في السجن ،أو حسب التطورات السياسية.
بدأت المدة المسموحة بالزيارة في بدايات فتح السجون حسب تقدير الضابط المناوب ،فمن الممكن
لسكان شمال الضفة الغربية السفر إلى سجن بئر السبع على بعد 200كم ليروا أن الزيارة ال تزيد عن
عشر دقائق أو ربع ساعة( ،)3وبعد الخطوات التي خاضها األسرى الفلسطينيون وحتى العام 1985كانت
مدة الزيارة قد وصلت إلى نصف ساعة أو أقل في بعض السجون ،ويبدو أن مدة الزيارة قد تم تشريعها
من خالل اتفاقيات إيقاف اإلضراب عن الطعام التي كان قد وقعها األسرى مع مدير مصلحة السجون أو
( )1عماليا أرغمان وأهرون برنيع :أن تكون سبياً ،مرجع سابق ،ص.271 (
( )2قدري أبو بكر :من القمع إلى السلطة الثورية ،مرجع سابق ،ص.33 (
( )1وزارة شئون األسرى والمحررين :تقرير عن الخروقات ،مصدر سابق. (
( )2عماليا أرغمان وأهرون برنيع ،أن تكون سبياً،مرجع سابق ،ص.272 (
( ) 1()1مقابلة مع عبد الحميد القدسي ،مسئول األسرى الفلسطينيين في سجن كفار يونة في الفترة ،1972-1968أجريت في 9/3/2004م ،رام اهلل.
وهو من أوائل الذين فتحوا اتصالهم مع القيادة في الخارج عام .1968
( )1داني روبنشتاين :السجناء العرب والمنظمات ،صحيفة دافار ،25/7/1975ص.2 (
( )3استخرجها الباحث من خالل االطالع على مراسالت األسرى . (
خارج الوطن :قيادة المنظمات واألمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والصليب األحمر والبابا، -
وجامعة الدول العربية.
داخل إسرائيل :المسئولون اإلسرائيليون والقوى الديمقراطية اليهودية ولجنة الدفاع عن السجين، -
ولجنة المبادرة الدرزية ولجنة المتابعة العربية ،وأعضاء الكنيست ومنظمة أمنستي.
قام األسرى في كل تنظيم داخل السجن بتشكيل جهاز إلدارة هذه العالقات الخارجية بشكل عام ،فقد
كانت جميع هذه األجهزة باختالف مسمياتها تتكون من موجه عام لها،تساعده لجنة ال يزيد عددها عن
ثالثة أسرى ،ومهمتها تنفيذ السياسات التنظيمية في المجال الخارجي ،وتحديد المؤسسات المسموح
االتصال بها تحددها اللجنة المركزية للتنظيم( ،)1وفيما بعد دخلت صالحية اإلشراف على عمل الصندوق
العام لألسرى ضمن صالحيات هذه اللجنة ،وقد وضعت الالئحة الداخلية للتنظيمات قيوداً صارمة على
صالحية اتصال أي فرد من القاعدة مع أي جهة خاصة قيادتهم في الخارج ،مع العلم أن أغلب هذه
المراسالت الشخصية كانت تتضمن حالة المرسل عن وضعه الخاص إذا تم ترحيله أو عزله( ،)2أو تلك
المراسالت التي تصف معاناة األهالي أثناء الزيارات أو عن المداهمات واالقتحامات من قبل إدارة
السجن ،وغالباً ما تكون موجهة إلى مؤسسات عامة.
يالحظ من خالل الرسائل التي كان يرسلها األسرى أنها كانت تتطور مع تطور مجتمع األسرى ،فقد
كانت توقع بختم شبيه بأختام ضباط أمن السجون ،وبالتالي ال تستطيع الشرطة تفريغها أو مصادرتها ،ويتم
توزيعها على كل السجون بسهولة ،خاصة التعميمات والبيانات العامة(.)3
( ) 1الالئحة الداخلية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في السجون ،1984وثيقة أعدها األسرى (مخطوط). (
( ) 2رسالة موجهة من السجين عبد الهادي غبن لذويه الذي يصف عزله في زنزانة انفرادية لفترة طويلة .1983 (
( )3حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح -وثيقة تقييم إضراب سجن نفحة .1980 (
( ) 5موشيه ماعوز ،القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية تحت السلطة األردنية واإلسرائيلية ،1984 -1948ط ،1دار يشوف ،تل أبيب، (
،1986ص (،19بالعبرية).
( ) 6مقابلة مع عبد العزيز شاهين ،مسؤول األسرى في السجون اإلسرائيلية لسنوات متفرقة،أجريت بتاريخ .7/1/2005 (
( )1خالد الهندي :التجربة الديمقراطية للحركة الفلسطينية األسيرة ،ط ،1مواطن ،رام اهلل ،2000 ،ص.66 (
( )3انظر نص الرسالة :سمير نايفة :يوميات انتفاضة سجن نفحة،ط ،1منشورات فلسطين المحتلة،بيروت ،1984 ،ص.31 (
شهد عام 1983حالة من الضمور في الدور النضالي لألسرى الفلسطينيين حيث لم تسجل -
إضرابات كبيرة أو التمرد أو حاالت هروب.
( ) 4رسالة من معتقلي سجن نفحة الصحراوي للرئيس عرفات ،مخطوط بحوزة الباحث. (
( ) 2انظر :نص رسالة األسرى في سجن جنيد إلى السيد عرفات :فلسطين الثورة ،ع.13/10/1984 ،528 (
( ) 3لمراجعة نص أحد هذه النداءات أنظر :فهد الحاج :انتفاضة الجوع من وراء القضبان،ط(،1ب.ن)،رام اهلل ،1993،ص.72 (
أولى األسرى الفلسطينيون للمؤسسات الدولية المعنية بالسجناء وحقوق اإلنسان أهمية في إبراز
قضيتهم ،فقد كانوا يستقبلون الصحفيين ويتعاطون معهم حتى لو كانوا من إسرائيل ،فكافة األسرى يعرفون
جيداً أن كل سجن يتم افتتاحه ال يسمح في البداية بأي اتصاالت تتم إال للناطق اإلعالمي للجيش ،ومن ثم
الصحف اإلسرائيلية ومن ثم وسائل اإلعالم اإلسرائيلية المختلفة ،ومن ثم وكاالت أنباء الدول الصديقة
إلسرائيل وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية.
كان لألسرى الفلسطينيين موقف من هذا التسلل في السماح للصحافة بالدخول لألسرى ،حيث رفضوا
مقابلة الصحافة اإلسرائيلية في سجن أنصار عام ،1982ألن إدارة السجن رفضت دخول وفد أوروبي
قبل ذلك بيومين( ،)4ومن الممكن أن يكون ذلك وسيلة ضغط على إسرائيل للسماح لكافة الصحفيين بدخول
أنصار ،وهذا رغم حاجة األسرى إليصال قضيتهم من أي نافذة للعالم ،وقد سبق أن تعاطى األسرى مع
الصحافة في السجون األخرى ،وقد دافعوا عن الصحافة في أكثر من مناسبة فقد أعلنوا إضراباً عن الطعام
لمدة يومين احتجاجاً على ممارسات إسرائيل ضد الصحفيين عام .1985
حرص األسرى الفلسطينيون على مراسلة الهيئات الدولية المختلفة وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب
األحمر الذي كان له دور دائم في إنهاء اإلضرابات عن الطعام كشاهد على أي اتفاق أما الجهات الدولية
التي كان األسرى يراسلونها وأهمها(:)1
اللجنة الدولية للصليب األحمر. -
سكرتير األمم المتحدة. -
اللجنة الدولية لحقوق اإلنسان. -
منظمة العفو الدولية "أمنستي" -
قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. -
تميزت هذه الرسائل بإبراز عدة جوانب تالءم المرسل إليه ،فقد كانت الرسائل المرسلة إلى اللجنة
الدولية للصليب األحمر تعبر عن انتهاكات إسرائيل في توفير مستلزمات األسرى ،بينما تتضمن الرسائل
المرسلة إلى سكرتير األمم المتحدة تذكير وشرح لكيفية خرق إسرائيل لقرارات الجمعية العامة ومجلس
األمن الخاصة بقضايا األسرى في العالم ،فيما تضمنت الرسائل المرسلة إلى اللجنة الدولية لحقوق اإلنسان
( )4عماليا أرغمان وأهرون برنيع :أن تكون سبياً ،مرجع سابق ،ص.283 (
( ) 1عدة رسائل من األسير :يحيى أبو سمرة موجهة إلى ذويه في دير البلح (مخطوطات موجودة بحوزة الباحث) (
( )2عدة رسائل من األسير :عبد اهلل هالل طعمه إلى ذويه في مخيمات البداوي بلبنان واليرموك بسوريا(مخطوطات موجودة بحوزة الباحث) (
( ) 1()1إبراهيم أبو النجا :الحركة الفلسطينية األسيرة(،ب.ط)،مؤسسة صابرون،رام اهلل(،ب.ت) ،ص.46
1969نفذ معتقلو سجن الرملة إضراباً عن الطعام استمر مدة تسعة أيام رداً على ضرب أحد ضباط
الشرطة ألحد األسرى أمام زمالئه( ،)1لكننا نستطيع أن نرى أن اإلضرابات حتى ذلك الوقت كانت تتعلق
بمجموعة معينة وردة فعل على سلوك معين وليس ُبن ُسق منظمة أو مخططة.
عاد األسرى للتفكير في وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجهم أو طلبهم تحسين ظروف معيشتهم فبدأوا
باإلضراب عن االمتيازات التي يتمتعون بها ،والتي هي بنظرهم حقوق متدنية ،كالخروج إلى الفسحة أو
زيارة األهالي أو الحالقة ،ولكن كان عدم الخروج إلى العمل هم مظاهر اإلضرابات إعالمياً فهذا األمر
كان أسرع في الوصول إلى الصحافة واإلعالم اإلسرائيلي أكثر من أي أمر آخر( ،)2ويعزي ذلك ألن
العمل كان مرتبطاً بمؤسسات إسرائيلية غير أمنية كمراكز وشركات يصعب على الشرطة إلزامها بسرية
األمر.
( )2عاموس هرتسيل :تمرد السجناء العرب ،صحيفة هآرتس ،11/7/2003 ،ص.1 (
( )3تصريح لـ تسفي تامير مسئول االستخبارات في مصلحة السجون لصحيفة يديعوت أحرنوت ،31/7/1980 ،ص.1 (
( )4تصريح لغوندر حاييم ليفي مفوض خدمات السجون لصحيفة هآرتس ،11/7/1980ص.1 (
تحسين الخدمات الطبية والصحية
حرية العمل (أول سبب اختفى من قوائم المطالب)
توفير الكتب والصحف
تخفيف ظروف االزدحام
حسن معاملة الزوار
االفراج وخاصة اضرابات المعتلين االداريين.
اختلف شكل االحتجاج ضد سياسة مصلحة السجون من فترة إلى أخرى ومن مكان ألخر ،وبعد عدة
سنوات استطاع األسرى اكتشاف نوع من أنواع االحتجاجات يكون أنجع لتحقيق ما يصبون إليه ،وقد
تعاملوا مع ذلك بمراحل االحتجاجات ويمكن تقسيم االحتجاجات حسب خطورتها وتطورها منذ العام
1967بالتالي:
-1االحتجاج السلبي:
ويكون بتقديم الشكاوي ،وبدأ هذا األسلوب عقب إضراب سجن عسقالن عام ،1970أو عمل إضراب
خفيف يتعلق باإلضراب عن الخروج ألحد المرافق لمرة واحدة ،ويمكن أن يتم ذلك لغرض احتجاجي على
حادث آني ،أو أن يتم إرجاع وجبة واحدة ،أو عدم الخروج للفسحة ليوم أو يومين كما كان يحصل في
سجن نابلس ،أو عدم الخروج لزيارة األهل.
-2إضرابات طويلة:
كعدم الخروج للساحة لفترة طويلة وهذا يعتبر تهديداً إلدارة السجون من الناحية األمنية أو الصحية،
واالمتناع عن الحالقة والحمام إلى أن ترى اإلدارة مئات األسرى ،وقد أصبحت لحاهم طويلة مما يسبب
حرجاً إعالمياً لها ،أو االمتناع عن زيارة األهالي كما حصل عندما امتنع األسرى في سجن بيت ليد من
الخروج للزيارة لمدة ثمانية أشهر(.)1()1
-3اإلضراب االستراتيجي:
وهو اإلضراب المفتوح عن الطعام ،ويتم بترتيب معين ،واستعدادات جادة ،وتكون إدارة السجون على
علم به سلفاً برؤيتها لسلوك معين لألسرى ممكن أن تراه قبل بداية اإلضراب بأسابيع إن لم يكن بأشهر،
وقد خاض األسرى العديد من هذه اإلضرابات.
-4اإلضراب السياسي:
( )1()1حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ،بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيته ،كراس أعده األسرى الفلسطينيون في سجن عتليت عام
، ،1996ص.16
رغم محاولة قيادة األسرى إنكار أن هناك إضراباً سياسياً هدفه المشاركة في مقارعة إسرائيل،
والمبالغة اإلسرائيلية في تصوير أي إضراب أنه سياسي ،إال أن األسرى يعللون مثل هذه الخطوات بأنها
تعبير عن مشاعر وتصوير لمواقف ،ولكن االتصاالت التي كانت تتم بين قادة المنظمات في الخارج
ومسئولي التنظيمات داخل السجون تعطي تأكيداً على أن بعض اإلضرابات كانت لمساندة المنظمات في
الخارج أو مساندة النضال ضد إسرائيل بشكل عام وأهمها:
إضراب سجن بيت ليد عن الخروج للفسحة عام 1972احتجاجاً على إطالق النار على األسرى -
المصريين والسوريين في أحد المعتقالت(.)1
إضراب األسرى الفلسطينيين في كل السجون اإلسرائيلية عام 1975ليوم واحد احتجاجاً على -
توقيع اتفاقية سيناء الثانية(.)2
إضراب األسرى الفلسطينيين في كل السجون اإلسرائيلية عام 1977لمدة يوم واحد احتجاجاً على -
زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس(.)3
إضراب األسرى الفلسطينيين في أغلب السجون اإلسرائيلية عن الطعام لمدة ثالثة أيام عام 1974 -
تضامناً وتأييداً لقرار الجامعة العربية اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثالً شرعياً ووحيداً
للشعب الفلسطيني وكذلك خطاب الرئيس عرفات أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة(.)4
( ) 1()1محمد القيسي :الهواء المقنع(أبو علي شاهين-خمسة عشر عاما في االعتقال الصهيوني)،ط ،1دار اللوتس،تونس،1986 ،ص.103
( )2لالطالع على نص المشروع النضالي إلضراب سجن جنيد 1984أنظر :جبريل الرجوب :زنزانة ،704مرجع سابق ،ص.90 (
( ) 3اإلضراب عن الطعام ،مخطوط من إعداد معتقلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن عسقالن مؤرخ بـ.1982 (
من المهم أن يقوم األسرى بإعداد السجون األخرى للمشاركة في اإلضراب في حدود أقلها إعالن
خطوات تضامنية وأقصاها المشاركة الكاملة في اإلضراب ،لكن ظروف السجون ال تتشابه ،ولو أنها تدار
من قبل مصلحة السجون كإدارة واحدة ،وعليه فلم تكن استعدادات األسرى في كل السجون تتشابه يوماً
ما ،وعليه فقد كان حرص التنظيمات على معرفة قدرات كل سجن لوضعها ضمن المشروع ومدى جدواه،
فمثال ًشاركت كل السجون في إضرابات تضامنية في نفس اليوم مع معتقلي سجن جنيد في يوم
24/9/1984بينما استمر سجن عسقالن حتى يوم ،)27/9/1984(4وبالتالي كان األسرى يدرسون
أوضاع إدارة السجون التي تساهم كجهة مركزية في صياغة األوضاع في كل السجون (ما عدا السجون
التي يديرها الجيش وهي الفارعة وأنصار) فكان يهمهم السجل المهني ألي مدير لمصلحة السجون ،وكيف
كان رأيه في اإلضرابات السابقة في األماكن األخرى؟ وكيف تدار سياسة التعامل؟ ويبدو أن األسرى لم
يكونوا قلقين من تغيرات القيادات السياسية ،باعتبار أن اإلسرائيليين يخدمون الرأي المهني وعادة يتبنونه
وعليه فإن رأي وزير الشرطة سيكون من رأي مدير مصلحة السجون.
-3إعداد الساحة الفلسطينية
أدرك األسرى أن الساحة الفلسطينية هي أهم الساحات على اإلطالق التي ستخدم إضراباتهم ،وعليه
يمكن ربط هذا بالظرف الفلسطيني األمني السياسي المعقد دائماً ،فقد كانوا يطمحون أن يأتي األهالي
ويقومون باشتباكات مع الجيش عند السجون أو أمام مقرات الصليب األحمر ،فهذا سيثير الرأي العام
اإلسرائيلي والدولي ،ومن هنا كان يتم مراسلة كل فعاليات الساحة الفلسطينية خاصة التنظيمات وأجنحتها
الجماهيرية كحركة الشبيبة التابعة لحركة فتح ،أو لجان العمل التطوعي التابعة للجبهة الشعبية وكذلك
إعداد لجان المحامين والمؤسسات الوطنية األخرى ،بل إن لجان المرأة للعمل االجتماعي بكافة توجهاتها
كانت تنظم إضرابات منظمة عن الطعام وموازية لتلك الجارية في السجون ،وقد كان األسرى على اتصال
دائم بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تملك اإلمكانيات إلبراز القضية دولياً ،ولم تكن الخالفات
السياسية تؤثر على دور المنظمة في المجال اإلعالمي لخدمة األسرى.
-4الساحة الدولية
كانت التنظيمات الفلسطينية تدرك أهمية التحرك على صعيد المؤسسات والشخصيات الدولية ،وبرغم
أن هذا األمر كان يوكل لقيادة المنظمة إال أن األسرى كانوا يراسلون هذه المؤسسات والشخصيات برسائل
منهم مباشرة ،وكانوا يركزون على مراسلة األمين العام لألمم المتحدة ،وكذلك الرئيس األمريكي ،وأمين
عام جامعة الدول العربية ،ومنظمة المؤتمر اإلسالمي ،ومنظمة دول عدم االنحياز(.)1
( ) 1أنظر نسخة من هذه الرسائل الموحدة :فهد الحاج :انتفاضة الجوع من وراء القضبان ،مرجع سابق ،ص.40 (
بناء على دراسة لكافة الظروف
لقد كانت التنظيمات تحدد ساعة الصفر في ابتداء اإلضراب ً
والعوامل التي ذكرناها سابقاً ،وهم يعرفون أنها لن تتكامل ،لكن حسب أولويات الساعات والظروف،
وكانوا يحرصون على مالئمة الزمن في ظروف الحالة العربية والدولية قدر اإلمكان.
( )2قدري أبو بكر ،من القمع إلى السلطة الثورية ،مرجع سابق ،ص.93 (
( )3عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،مرجع سابق ،ص.222 (
( )4وكالة األنباء الفلسطينية وفا ،النشرات اليومية ،مج ،19/7/1977 ،36ص.346 (
مارست إدارة السجون بأسلوب نقل األسرى من مكان اإلضراب لكنها كانت تخشى من عواقب ذلك،
وعليه ففي فترة الثمانينات كانت تعزل من يقود اإلضرابات إلى سجن الرملة حيث عزلت ستا وعشرين
سجيناً من سجن نفحة إلى سجن الرملة أثناء اإلضراب األول عام ،1980بل وفي نفس اليوم منعت أي
سجين من التجوال في ساحات السجن أو حتى قراءة الكتب( ،)5ويعزي ذلك إلى أن أوضاع األسرى في
سجن الرملة لم تكن تهيئهم لديها لخوض أي إضراب وبالتالي فليس هناك خطر من المنقولين على هذا
السجن.
كما مارس أفراد الشرطة مع معتقلي سجن جنيد أثناء إضرابهم عام 1984سياسة الضرب التي
مارستها مصلحة السجون في كل مراحل االعتقال ،وقد قاموا بتفتيش األسرى وتقيدهم من أيديهم ومن
أرجلهم وربطهم معاً ،ويمكن إجمال الوسائل واألساليب التي استخدمتها إسرائيل أثناء إضراب األسرى
الفلسطينيين عن الطعام فيما يأتي:
استغالل اإلعالم وعزل المسئولين وقطع الصحف والمذياع وتوزيع بيانات كاذبة ،وموافقة مدير السجن
بعد اليوم العاشر على تحقيق المطالب إذا أوقف األسرى إضرابهم وشواء الجنود للحم بجانب غرف
األسرى ،ومنع المحامين من دخول السجن وحجب الماء والملح والحليب عن األسرى إضافة إلى اإلهمال
في اإلشراف الطبي.
أما عن دور الطاقم الطبي اإلسرائيلي فمن المعروف أن إسرائيل وقعت العديد من االتفاقيات والمواثيق
الدولية والتي تضمنت في نصوصها مهام الفرق الطبية العسكرية ،ومنها إعالن طوكيو 1975والذي
صادقت عليه الجمعية العامة لألمم المتحدة عام ،1982والتي تفيد بعدم جواز تدخل الطبيب في تنفيذ أي
عقوبة ،وأن ذلك يمثل مخالفة آلداب مهنة الطب ،حتى أن الطبيب الذي يشهد على عزل السجين هي
مخالفة( ،)1وبرغم إدعاء إسرائيل المتكرر أنها تثقف جنودها على ذلك ،لكن واقع السجون المغلق يتيح
للجنود عمل ما يرونه مناسباً ،حتى عام 1985وبرغم عشرات حوادث الوفيات داخل السجون والتي يؤكد
الفلسطينيون أنها ناتجة عن تعذيب وإ همال طبي أو إضراب عن الطعام ،فلم تعترف إسرائيل بمسئوليتها
عن أحد هذه الوفيات ولم تحاكم أي شرطي بهذه التهمة ،فكيف كانت معاملة فريقها الطبي للمضربين عن
الطعام؟
( ) 1اللجنة الدولية للصليب األحمر :القواعد األساسية التفاقيات جنيف الرابعة ،ط ،4اللجنة الدولية للصليب األحمر ،جنيف ،1999 ،ص.39 (
تأثر األسرى الفلسطينيون كثيراً بقضية وضع األنبوب إلطعام السجين المضرب عن الطعام بالقوة
وكان يتم ذلك بتقييد أيدي وأرجل السجين بالكرسي ،ويتم سكب السائل داخل فمه أو من أنفه ،وكان هذا
األسلوب سبباً في إصابة العشرات من األسرى بالقرحة المعدية والتهاب المريء(.)2
كانت إدارة السجون تعتبر الفحص الطبي أولى محاوالت إفشال اإلضرابات فقد كان الممرض يجلس
وبجانبه ضابط األمن ويقومون بممارسات عديدة أهمها:
ممارسة اإلحباط الشديد للسجين المضرب -
عرض التعامل مع اإلدارة -
اإليحاء للسجين بسوء وضعه الصحي -
التمييز بين السجناء في إعطائهم السوائل -
ففي سجن بئر السبع لم يقبل الممرض إعطاء عشرة من قيادات األسرى الغذاء االصطناعي واقتصر
على الماء فقط ،وعليه تم نقل سبعة منهم للمستشفيات بعد إصابتهم بالضعف وجفاف الشرايين(.)3
سادساً :نتائج اإلضرابات
فشلت الغالبية العظمى من اإلضرابات التي كان يقوم بها بعض األسرى بشكل فردي أو مجموعة في
تحقيق مطالبهم في السنوات األولى الفتتاح السجون ،وحتى اإلضرابات األولى التي نظمتها بعض قيادات
التنظيمات والتي شملت بعض الغرف أو األقسام في بعض السجون ،ولم تكن تحقق المطالب ،وهذا ما
شهده سجنا بيت ليد والرملة ،لكن هذا األسلوب كان يعبر عن استطاعة السجين التعبير عن رفضه
لظروف حياته داخل السجن ،وأن ذلك كان يقلق اإلدارة ،وهذا ما يجد تعبيراً عنه من خالل نقل اإلدارة
للعديد من األسرى ممن قادوا إضرابات صغيرة وبمجموعات صغيرة إلى سجون أخرى ،برغم أن
اإلضراب لم يحقق أي نتائج لألسرى.
لقد كانت نتائج اإلضرابات محكومة بعدة عوامل أهمها:
مقدرة اإلدارة على عزل المضربين عن العالم الخارجي. -
عدد ونوعية الكوادر الموجودة في السجن. -
طريقة ونمط إعداد التنظيمات لألسرى لإلضراب. -
عزل اإلدارة للنشيطين. -
تأثير نشاط األهالي والمؤسسات تجاه المضربين. -
( ) 2لإلطالع على قائمة المطالب التي استجابت لها اإلدارة أنظر :المرجع السابق ،ص.19 (
ودخل التلفزيون( ،)1لكن ما سبب هذا النجاح ،قد كانت هناك عوامل منطقية ساهمت في تحقيق هذه
النتائج ،فقد كانت الدقة في التخطيط له وإ طالة مدة التعبئة النضالية ،وشحن األسرى من قبل كل التنظيمات
التي كانت موحدة برغم أن عام 1984كان عاماً ليس إيجابياً على صعيد الوحدة الوطنية لفصائل منظمة
التحرير الفلسطينية ،بل إن المنظمة أسمته عام القرار الوطني الفلسطيني المستقل ،وهذا ما عبر عنه تخلف
أغلب فصائل المنظمة عن حضور الدورة 17للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في عمان في
نوفمبر ،1984 /لكن رغم كل ذلك كان األسرى في منأى عن هذه الخالفات ،وحتى الفصائل في الخارج
ساهمت جميعاً في تقديم الدعم المعنوي واإلعالمي لألسرى ،وقد تسابق نشطاء الفصائل أثناء عقدهم
لمؤتمراتهم التنظيمية في نفس اليوم في جامعة بيرزيت إليضاح موقفهم من عقد دورة المجلس الوطني
الفلسطيني 17تسابقوا إلى تقديم الدعم والتأييد وأغلب مادة المتحدثين كانت تأييداً للمضربين في سجن
جنيد(.)2
لكن يالحظ بعد إضراب سجن جنيد نظرت إدارة السجن وإ دارة مصلحة السجون لهذا السجن نظرة
خاصة ،إذ كلما كان يقع أي خالف ،وألقل األسباب كانت الشرطة تستخدم القوة ضد األسرى ،ففي كانون
ثاني من عام 1985أي بعد شهرين على انتهاء اإلضراب تعرض معتقلو سجن جنيد إلى هجوم من ٍ
قوات
من الجيش وشرطة مصلحة السجون أطلقت خالله القنابل المسيلة للدموع وأدى إلى إصابة 35سجيناً(.)3
( )1عن هذه النتائج أنظر :جبريل الرجوب :زنزانة ،704مرجع سابق ،ص .188-184 (
( )3مجلة بلسم ،ع ،4/1985 ،118لقاء عبد العزيز شاهين ،ص.66 (
تميز الصراع العربي اإلسرائيلي بكثرة الحروب والمعارك بين األطراف في فترة زمنية قياسية ،فحتى
عام 1982شهدت المنطقة سبعة حروب ،إضافة إلى المناوشات والعمليات الفدائية المستمرة ،وهذا ما
أدى إلى وجود الكثير من عمليات تبادل األسرى والتي كان أساسها وقوع أسرى من الطرفين ،وقد كان
موضوع إطالق سراح السجناء مطلباً دائماً في عمليات فدائية ،نجح بعضها ،وفشل البعض األخر ،ولو أنه
كان من الواضح أن الكثير من هذه العمليات لم يكن هدفها إطالق سراح األسرى بل كان مجرد مطلب
نهاية سيناريو وضعه مخططو هذه العمليات ،ففي عام 1972وعندما احتجز فدائيو منظمة أيلول األسود
البعثة الرياضية اإلسرائيلية في (أولمبيات ميونخ) لم يكن هدف العملية إطالق سراح سجناء كما طالب
الفدائيون ،بل كانت العملية إلثبات وجود منظمة التحرير الفلسطينية ورفض اللجنة األولمبية مشاركة
فلسطين في األلعاب ،كذلك اختطاف فدائيي قوات 17الفلسطينية عام 1985يختاً في المياه المقابلة
لشواطئ الرنكا القبرصية وعليه سيدة إسرائيلية وقتلها بعد أقل من ساعتين في وقت لم تكن أي قوات
عسكرية تهاجم الفدائيين ،كان ذلك يدلل على أن هدف العملية هو قتل هذه السيدة وليس إطالق سراح
جميع األسرى الفلسطينيين قبل حلول المساء كما طالب الفدائيون ،وقد عللوا ذلك فيما بعد بأن هذه السيدة
كانت مسئولة كبيرة في المخابرات اإلسرائيلية.
( ) 1عيسى الشرباتي :تاريخ عمليات تبادل األسرى مع إسرائيل ،صحيفة القدس ،27/9/2003 ،ص.12 (
عقب حرب 1967نفذت الدول العربية عدة اتفاقيات لتبادل األسرى مع إسرائيل وشملت بعضها أسرى
فلسطينيين وكانت كالتالي:
أ -األردن :نفذت اتفاقية تبادل أسرى عام 1968ولم يكن فيها أي معتقل فلسطيني(.)1
ب -سوريا :نفذت أربع عمليات تبادل أسرى مع إسرائيل في األعوام ،1971،1973،1974،1984
وهذه
األخيرة تبادلت فيها ثالثة جنود إسرائيليين وخمسة جثث مقابل 291جندي سوري وثالثة عشر مواطناً
سورياً ورفات 74جندياً( ،)2والمالحظ أن كافة صفقات تبادل األسرى بين سوريا وإ سرائيل لم تتضمن
اإلفراج عن أي معتقل فلسطيني ،بل إنها لم تفلح في اإلفراج عن كل األسرى السوريين.
ج -مصر :نفذت ست عمليات تبادل أسرى مع إسرائيل في الفترة من 1967وحتى 1975هي (
"1971 -1968مرتان" ،)1975 -1974 -1973 -وقد تضمنت أخر اتفاقيتين اإلفراج عن أسرى
فلسطينيين ففي آذار 1974أطلقت مصر سراح جاسوسين إسرائيليين مقابل خمسة وستين أسيراً فلسطينياً
من ذوي األحكام العالية ،وكذلك تبادلت مع إسرائيل عام 1975جثث ورفات تسعة وثالثين جندياً
إسرائيلياً مقابل اإلفراج عن اثنين وتسعين أسيراً فلسطينياً ،إن اقتصار هاتين الصفقتين على األسرى
الفلسطينيين يعود أصالً إلى أنهما حدثتا في فترة العام ونصف العام التي تلت حرب ،1973والتي لم يكن
فيها أي معتقل مصري في السجون اإلسرائيلية ،فقد أنهت مراحل تبادل األسرى التي تلت هذه الحرب في
22/11/1973آخر جندي مصري في السجون اإلسرائيلية حتى ذلك التاريخ(.)3
( )1الحديث يدور عن أسرى حرب 1967وليس عن أسرى معركة الكرامة التي وقعت في .21/3/1968 (
( )4عن تفاصيل هذه العملية أنظر :صحيفة الفجر ،16/6/1981 ،ص.1 (
( )1أنظر ملحق رقم (:)3ويوضح أسماء األسرى اإلسرائيليين وبعض المعلومات عنهم وجميعهم تم أسرهم في 4/9/1982قرب بحمدون. (
حسنة( ،)2مع نهاية ديسمبر 1982كان أسرى معتقل أنصار على اتصال دائم مع قيادتهم في الخارج،
والبد أن يكون موضوع اإلفراج عنهم من أهم الموضوعات التي تتضمن هذه المراسالت إضافة إلى
عبارات التأييد والبيعة للقيادة كما هي العادة في مراسالت التنظيمات.
صارت المفاوضات بوساطة مدير مكتب المستشار النمساوي برونوكرايسكي ويدعى د.هربرت أمري
وتعيين ضابط كبير في فتح يدعى أبو زياد يعبر عن نية الطرفين التقدم في المفاوضات حول األمر وهذا
األخير سرعان ما طلب تشكيل لجنة من المنظمة وتم تشكيلها من:
جمال الصوراني :عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيساً -
عضواً -نبيل الرمالوي :ممثل المنظمة في جنيف
عضواً -المالزم نور علي :وهو من القيادة الميدانية لقوات فتح في البقاع
عضواً -العقيد فخري شقورة :رئيس االستخبارات العسكرية الفلسطينية
عضواً -أبو حازم الشهابي :من منظمة الجبهة الشعبية (القيادة العامة)
()1
عضواً -صالح التعمري :قائد أسرى سجن أنصار
استمرت المفاوضات بهدوء حتى شهر أكتوبر 1983حيث كانت تتم بشكل يومي وبتنازالت من
الطرفين خاصة في منتصف نوفمبر ،1983ويمكن أن نعزو ذلك إلى حالة الطرفين ،فالطرف الفلسطيني
كانت سوريا وقوات المنشقين قد أطبقوا الحصار عليهم وسط طرابلس بشمال لبنان ،ومن ضمنهم ياسر
عرفات ،و كيان المنظمة أصبح في خطر حقيقي فهي بحاجة ماسة ألي انتصار سياسي ،فكان هذا المخرج
هو الوحيد وأن يتم قبل الخروج من طرابلس وإ ذا تم الخروج فمن هي الدولة التي ستقبل أن يكون على
أراضيها أسرى يهود؟
أما على الطرف اإلسرائيلي فقد كانت الضغوط نفسها على الحكومة خاصة بعد نشر الصحف أن
األسرى هم مع قوات عرفات وسط المعارك ،وحياتهم باتت معرضة للخطر أكثر من أي وقت مضى
فوافقت إسرائيل على اإلفراج عن كل معتقلي أنصار ،ومائة من سجون الداخل ،واإلفراج عن وثائق
ابتداء من نقل األسرى اإلسرائيليين إلى
ً مركز األبحاث الفلسطيني ،وذلك بإجراءات تتم على مراحل
زوارق في البحر تصل إلى سفينة إسرائيلية ،وفي نفس الوقت نقل األسرى إلى مطار اللد لتحط الطائرات
أخيراً في الجزائر ،وتختلف الروايات بين المصادر اإلسرائيلية والفلسطينية حول األعداد لكن الصليب
( )2عن هذه المراسالت أنظر :نوال حالوة :أسرى البقاع،ط،1مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت،1990،ص.15-6 (
( )1دينا عبد الحميد :للفجر نغني ،مرجع سابق ،ص.225 (
األحمر أشار في بيانه إلى اإلفراج عن 4500سجين من أنصار (جنسيات مختلفة) مقابل ستة
إسرائيليين( ،)2وجرت عملية التبادل في ليل الخميس 24/11/1983ونشرت الصحف اإلسرائيلية عن
دور كل من الصليب األحمر وفرنسا والنمسا ومصر والجزائر في إنهاء هذا الموضوع ،ونجاح عملية
التبادل ،ويبدو أن عرفات كان يعرف أن تحريره آلالف األسرى ،وتناقل تلفزيونات العالم ذلك سيعطيه
نصراً سياسياً خاصة أن رؤساء دول ووفود رسمية كانت في أو زيارتهم في معسكرهم في الجزائر وعلى
رأسهم الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد(.)3
حرص ياسر عرفات على االستفادة سياسياً قدر اإلمكان من هذه الصفقة ،فقد أصر على أن يكون كل
السوريين والليبيين األسرى على رأس القائمة ،وفعالً تم إطالق سراح 136أسيراً سورياً وأربعة ليبيين،
وتم اإلفراج كذلك عن ستة سجينات جميعهن محكومات مدى الحياة إضافة إلى خمسة وعشرين سجيناً من
أنصار(،)4وقدأخلت إسرائيل ببنود االتفاق وبالتأكيد حرصت على أال يعوق هذا اإلخالل انجاز تحرير
األسرى اإلسرائيليين(.)5
جـ :عملية تبادل األسرى 1985
(
(2) A declaration reported by the International Red Cross Committee, 20/05/1985: "The International
committee supervises prisoners exchange between Israel and General Leadership of Public Block
Organization".
( )3نقل مراسل مجلة فلسطين الثورة استقبال المحررين أنظر :فلسطين الثورة ،ع ،10/12/1983 ،487ص.11 (
( )4محمد عزت نصر اهلل :عملية تبادل 1983األسرى ،مركز األبحاث الفلسطيني ،منظمة التحرير الفلسطينية،بيروت،1984،ص.55 (
( )1حيث اعترف الناطق بلسان الجيش اإلسرائيلي بفقدان هذه المجندة ،أنظر: (
سواء عبر الحدود براً أو بحراً أو جواً وبهم عدد كبير من األسرى من
ً (*) مصطلح أطلق على كل من اعتقل وهو قادم لتنفيذ عمليات عسكرية (
غير الفلسطينيين.
( )2فلسطين الثورة ،ع ،10/6/1985 ،560ص.29 (
( ) 3جاء ذلك ضمن استطالع للرأي أجراه مركز االستطالعات في جامعة بار إيالن اإلسرائيلية لصالح صحيفة يديعوت أحرونوت ،أنظر: (
( )1()1اللجنة الدولية للصليب األحمر :اتفاقيات جنيف الرابعة ،ط ،4اللجنة الدولية للصليب األحمر ،جنيف ،1998المادة ،14ص.101
عبرت الحاالت التي تحدثت عن تعذيب النساء خاصة في تقرير مجلة الصاندي تايمز الشهير أن
إسرائيل استخدمت وسائل عديدة في التحقيق مع السجينات الفلسطينيات ويمكن إجمال هذه األساليب بما
يلي:
التهديد باالعتداء الجنسي -
الضغط النفسي (ويمكن القول أنه يستخدم مع كل السجينات دون استثناء) -
الشبح وعدم النوم (كما حصل مع رائدة شحادة مع العلم أن ظروف التحقيق في ال تسمح بالنوم -
للرجل وال للمرأة)
الضرب واالعتداء -
كانت إسرائيل تعتقل المرأة الفلسطينية في أوقات بعد منتصف الليل ،فلم أعرف حالة اعتقال
واحدة تمت خالل النهار ،وقد ذكرت السيدة السجينة عطاف عليان أنه تم اعتقالها وزميالتها اللواتي
كن معها في السجن بعد منتصف الليل( ،)1()1ويبدو أن السلطات كانت ترى أن حضور قوات العتقال
امرأة وسط مخيم سيكون من الصعوبة خالل النهار ،فمن الممكن أن تتعرض ألعمال مقاومة ،فمن
المعروف مكانة المرأة في المجتمعات الشرقية خاصة في موضوع الشرف.
اختارت إسرائيل أحد غرف سجن الرملة ليكون أول مكان العتقال المرأة الفلسطينية ،وقد كانت السيدة
فاطمة البرناوي أول سجينة فلسطينية حيث اعتقلت في زاوية من سجن الرملة( ،)2()2لكن تم إضافة غرف
فيما بعد ليصبح قسماً بأكمله ،وفي نهاية السبعينات تم إضافة قسم آخر في هذا السجن للسجينات الجنائيات
من اليهود ليصبح سجناً مستقالً أسمته إسرائيل (نفي ترتسا) ،واستخدمت أيضاً مركز التوقيف (أبو كبير)
في يافا كمكان لعقاب السجينات الفلسطينيات ،حيث أن هذا المركز كان مخصصاً أصالً للجرائم الجنائية
للشباب اليهود كالمخدرات أو القتل أو االغتصاب.
وضعت السلطات اإلسرائيلية السجينات الفلسطينيات في غرف قديمة البناء ،وفي ظروف قاسية ،وحتى
عندما كانت إسرائيل تقوم بأعمال توسعة فإن ذلك يعني إضافة المزيد من هذه الغرف بما يتناسب مع
العدد اإلضافي من السجينات الفلسطينيات ،ويبدو أن أي أعمال ترميم كان المقصود منها زيادة
االحتياطات األمنية كتقوية الشبابيك واألبواب ،أما ما يتعلق بأحوال الغرف من الداخل ،فإنه لم يكن يتم
عمل أي إصالحات ،وقد كان لذلك تأثير على الوضع النفسي للسجينات.
( ) 1()1مقابلة مع عطاف عليان لمجلة الجهاد اإلسالمي ،في سجن نفي ترستا ،ص.3
( )2()2محمد خليل ،التجربة االعتقالية ،مرجع سابق ،ص.94
عاينت المحامية فاليتسيا النغر ظروف سجن الرملة عام ،1976ورأت بأم عينها كيف أن الماء كان
يتسرب من الجدران بفعل مياه الشتاء( ،)3وكانت هذه الحالة منتشرة في الكثير من السجون ،ولم تفلح أي
إجراءات قضائية باسم األسرى في تغيير الواقع في أي سجن باستثناء إغالق سجن بيت ليد ،وكان السبب
أن اللجان الحكومية أثبتت وجود خطر على حياة السجناء الجنائيين من اليهود جراء وضعه ،أما القسم
الذي تقطن فيه السجينات الجنائيات من اليهود في سجن الرملة ،فقد اختلف كلياً عن ذلك الذي تقطنه
الفلسطينيات.
حرصت إسرائيل على ممارسة ضغوط على السجينات الفلسطينيات حيث رتبت نظاماً معيشياً معيناً
يجب على السجينات االلتزام به ،فكانت تقسم أعمال النظافة على كل واحدة في وقت معين ،وكذا إجبار
السجينات على العمل وبدون مقابل ،وهذا ما يخالف قرار محكمة العدل العليا ،بل إن إدارة السجن كانت
تلزم السجينات على إنهاء كمية معينة من العمل قبل نهاية دوامهن في الورشة وإ ال سيتم معاقبتهن( ،)1و
أرى أنه من الصعب على السجينات مقاضاة إدارة السجن ،فكيف سينجحن بإثبات أنهن يعملن من غير
أجر أو أنه يطلب منهن انجاز كمية معينة من هذا العمل؟
استغلت سلطات السجون حالة الكره والعداء بين السجينات الفلسطينيات واليهوديات ،وعليه فقد جمعت
بينهن في مكان تناول وجبات األكل ،حيث تقوم اليهوديات بتناول وجبات المخدرات ،ومن الممكن أن
توجه تهمة لسجينة فلسطينية بحيازة مخدرات ،وهي أصالً معتقلة على قضية سياسية ،وكثيراً ما قامت
اليهوديات بقلب طاولة ،ولم تؤت االحتجاجات السلمية ثماراً في تغيير هذا الواقع(.)2
رفضت مصلحة السجون االعتراف بأن هذه الظروف كانت عن قصد ،بل إنها تنفي أن تكون مصلحة
السجون قد جعلت ظروف الغرف بالشكل الذي تدعيه السجينات الفلسطينيات ،بل إن إسرائيل تعاملهن وفق
االتفاقيات الدولية ،في غالبية المصادر العبرية لم ينس كتابها التذكير بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة
بناء على
الديمقراطية في الشرق األوسط ،وهي تعامل األسرى وفق هذه الثقافة ،وأن عمل السجينات يتم ً
طلبهن ،وال يتم إلزامهن بشيء ،وكالعادة فإن المسئولين اإلسرائيليين يصفون أي إجراء نضالي لألسرى
ومن ضمنهم السجينات بأنه يتم ألغراض سياسية وبتحريض من الخارج( ،)3أدت الظروف التي عاشت
فيها السجينات الفلسطينيات إلى إحداث تراكمات صحية أدت إلى إصابتهن بأمراض كثيرة ،كالعمود
الفقري والمعدة واألمراض الجلدية ،فمن المؤكد أن طبيعة جدران السجن ودرجة الحرارة وعدم التهوية
( )3فاليتسيا النغر :بأم عيني ،ترجمة مؤسسة األرض للدراسات الفلسطينية ،ط ،1سوريا ،1974 ،ص.117 (
( ) 1فاطمة البرناوي :ما هو أصعب من التعذيب ،ندوة أقامتها مجلة فلسطين المحتلة في ،5/4/1980بيروت ،أنظر :مجلة فلسطين المحتلة ،ع (
،14/4/1980 ،235ص.23
( )2المرجع السابق ،ص.24 (
( )2عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،مرجع سابق ،ص.109 (
( )1بدون مؤلف :الصحيفة تعترف ،مرجع سابق ،ص ، 8حيث يعترف أحد العمالء أنه قاد مجموعة لمعرفة راشقي الحجارة على السيارات (
( ) 1قام مركز غزة للصحة النفسية بإعداد العديد من الدارسات الميدانية حول النتائج االجتماعية لهذه األساليب من التعذيب أنظر: (
.Gaza Community Mental Health program: 350children held in Israeli prisons, report 1986, P.62
( )2ليئا تسيمل :في المعتقالت اإلسرائيلية من حقك أن ال تقول شيئًا ،ط ،1دار الصباح ،األردن ،ص.43 (
األطفال الذين كانوا يشاركون في كافة فعاليات األسرى ،ولكن قادة األسرى نجحوا في فصلهم عن الكبار
منذ األيام األولى الفتتاح سجن أنصار.
تعاملت مصلحة السجون مع األسرى األطفال على أنهم غير قادرين على القيام بالخطوات النضالية،
فعندما كان يتم نقلهم من سجن إلى سجن جديد كالفارعة أو أنصار أو بئر السبع كانت تجعلهم ينامون على
حشايا ملوثة ،مع انتشار الجرذان ،وحيث ال إضاءة ،أو تهوية ،وبنوعية غذاء سيئة ،ودون عالج كاف(.)3
أدرك قادة التنظيمات الفلسطينية أهمية االنتباه لألطفال مبكراً ،لكن عدم ترتيب األوضاع التنظيمية في
نفس السجن الموجود فيه األطفال كان العائق األساسي لترتيب وضعهم ،وقد كان ترتيب ورعاية هؤالء
األطفال ضمن برامج قيادة التنظيمات ،بل إن السيد عبد الحميد القدسي ،وهو صاحب تشكيل أول جهاز
أمن في السجون .يعتبر أن قيادة األسرى أعدت جيالً من القادة تم إعدادهم وهم الزالوا أطفاالً في
السجون( ،)4وقد استطاع األطفال الفلسطينيون األسرى في السجون اإلسرائيلية من ترتيب أوضاعهم
التنظيمية بل إنهم تنافسوا في الوصول إلى سدة المسؤولية عن هذا النشاط ،وقد كان الوعي الثقافي أهم
سمات التنافس بينهم ،وما أن جاءت فترة بداية الثمانينات حتى كانت أقسام األطفال تضم هياكل متشابهة
لتلك التي في أقسام الكبار ،بل إنهم استطاعوا ممارسة النشاط األمني ،وما يتطلبه من صعوبات على
الكبار كانت هذه الصعوبات مضاعفة لديهم( ،)5ويبدو أن ممارسة النشاط التنظيمي لألطفال قد بدأ بممارسة
الفعاليات الثقافية في الجلسات وتوزيع بعض الكراسات ،ومن ثم تطور إلى االنضباط اإلداري وممارسة
عدد من األسرى األطفال للثواب والعقاب على زمالئهم أو التخيير التنظيمي لكل من يأتي من جديد ،وهذا
ما يعبر عن وجود نسق معين من الترتيب التنظيمي لهذا المجتمع.
استطاع األطفال الفلسطينيون ممارسة االتصال الخارجي خاصة مع المنظمات الدولية ،فقد كانوا
يراسلون العديد من المنظمات كاألمم المتحدة ،والصليب األحمر الدولي ،ومنظمة العفو الدولية( ،)1ويبدو
أن ذلك كان يتم بإشراف وتوجيه قيادة التنظيمات في السجون ،ألن التعاطف مع األطفال وظروفهم في
السجن يشكل أضعاف ذلك التعاطف مع زمالئهم الكبار.
رفض األطفال األسرى االعتراف باستمرار واقع ظروفهم المعيشية في السجون ،فقد مارسوا العديد من
الفعاليات التي تعبر عن ذلك أهمها:
Palestinian Center For Human Rights: Palestinian Child Prisons , series study(4), Gaza, 1991, P.5-7
( )4مقابلة مع عبد الحميد القدسي ،مصدر سابق. (
( ) 5مقابلة مع أدهم حسن زين الدين :مسئول األسرى األطفال في سجن بئر السبع عام ،1985أجريت في غزة 4/2005م. (
( )3عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،مرجع سابق ،ص.273 (
( )1مشاهدة الباحث لهذه االعتصامات ومشاركته فيها بين األعوام .1985 -1983 (
شكل الطالب شريحة هامة في النضال الفلسطيني ،ومثلت كلية بيرزيت المكان الهام إعالمياً لممارسة
هؤالء الطالب للنشاط السياسي ،ففي عام 1970شاركت هذه الكلية إدارة وطالباً في إضراب عن الطعام
تضامناً مع معتقلي سجن عسقالن المضربين عن الطعام( ،)2ومن المعروف أن انتشار الهبات الشعبية بين
فئات ومناطق الشعب الفلسطيني كان يتم بسرعة يصعب على قوات االحتالل السيطرة عليها أحياناً.
ومع نهاية عقد السبعينات أصبح هناك ثالث جامعات في الضفة الغربية أقامتها منظمة التحرير
الفلسطينية ،وتساهم في النصيب األكبر من مصاريفها وموازنتها وتعيين مسئوليها ،وبالتالي شاركت هذه
الجامعات بفعالية في تبني قضية األسرى ،فأثناء إضراب سجن نفحة الصحراوي في يوليو ،1980كانت
إدارة الجامعة قد علقت الدراسة( ،)3وبعرف الجامعات هذا يعني تفريغ حرم الجامعة من الطالب ،ويبدو أن
األمر كان يتم بالتنسيق مع نشطاء المنظمة الذين كانوا يخرجون بشكل منظم لالشتباك مع الجيش
اإلسرائيلي وبالتالي إحداث موقف سياسي يعزز دور قيادة المنظمة السياسي في الخارج.
ساهمت إدارة الجامعات في إعطاء االمتيازات للطالب لممارسة النشاط السياسي ،فقد شاركت
الجامعات في االحتجاجات على قرارات االعتقال اإلداري التي عادت حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل
لممارستها مع عودة حزب العمل للمشاركة في مؤسسة الحكم ،حيث كان سلوكاً جديداً أن تصدر إدارة
جامعة بيرزيت بياناً مشتركاً مع الطالب يندد بسياسة إسرائيل في االعتقال اإلداري لمسئولي التنظيمات
في الجامعات ،وكذا تبعتها في السلوك جامعة النجاح الوطنية التي طورت من أسلوب االحتجاج بالسماح
بإقامة مهرجان تضامن مع األسرى( ،)1ويبدو أن شخصيات من رئاسة هذه المؤسسات التعليمية كانوا
أعضاء في التنظيمات ،وحتى في سنوات انتفاضة األقصى فقد حرصت ادارة بعض الجامعات على رعاية
الفعاليات الخاصة بالتضامن مع قضية األسرى من اعتصامات ومهرجانات تأييد كجامعة القدس المفتوحة
التي كانت تقوم بمشاركة اداراتها ومجالس الطلبة والعاملين وعلى رأسهم يكون رئيس الجامعة
باالعتصامات امام مقرات الصليب األحمر وإ نشاء خيام اعتصام بل وتنظيم مؤتمرات علمية دولية عن
قضية األسرى ،وهذا ما يعطي داللة على أن المؤسسات التعليمية وبوضوح شاركت في دعم ورعاية
النشاط المساند لقضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية .
تعامل العالم ومن ضمنه اإلدارة اإلسرائيلية في المناطق العربية المختلفة مع رؤساء البلديات والمجالس
المحلية على أنهم ممثلون للسكان في تلك المناطق رغم أن المسئولين عن هذه المجالس تولوا رئاستها قبل
العام ،1967وربما بحكم طبيعة عملهم المدني ،فلم يقطعوا اتصالهم مع اإلدارة اإلسرائيلية ،بل إنه وفق
(
(2) Jerusalem Post 12-4-1970, P.1
( )3صحيفة القدس ،24/7/1980 ،ص.1 (
األوضاع اإلنسانية لسجن نفحة الصحراوي الذي افتتح مؤخراً ،أنظر :صحيفة االتحاد ،5/5/1970 ،ص.1
( )3عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،ط ،1دار الطليعة ،بيروت ،1979 ،ص.165 (
( )1سمير نايفة :يوميات انتفاضة سجن نفحة ،ط،1منشورات فلسطين المحتلة(،ب.م) .1984،ص.30 (
( )1مجلة فلسطين الثورة ،ع ،9/11/1985 ،582مرجع سابق ،ص.23 (
(*) جمعية عثمانية :يطلق على المؤسسات غير الربحية التي تأخذ تصريح بالعمل بالضفة وغزة منذ الحكم العثماني وتم تمديد العمل بها في (*)
فترات االنتداب واإلدارة المصرية واألردنية ،وتتميز بالصالحيات الواسعة لحاكم المنطقة في تشكيلها وحلها.
الجيش في المنطقة ،ولكن ال يمكن اإلدعاء بأنها مارست نشاطها على هذا النحو ،خاصة أنها كانت تتلقى
الدعم من الدول األوروبية ،وقد كان على رأس هذه المؤسسات مؤسسة القانون من أجل اإلنسان (الحق)
تم أخذ تصريح بنشاطها على أنها فرع من لجنة الحقوقيين الدولية عام ،1979وقد كان أغلب نشاطها
يتضمن أخذ شهادات حول تعرض أسرى فلسطينيين للتعذيب في السجون اإلسرائيلية ،ويقدمون بذلك
شهادات مشفوعة بالقسم ،كذلك يمكن التأكد بأن غالبية نشاطها كانت يتواله شخصيات أجنبية ،وأن دور
الفلسطينيين كان يقتصر على اإلرشاد وإ دارة المقرات.
تطور نشاط مؤسسة (الحق) كلما زادت الضجة اإلعالمية حول نشاط األسرى ،فقد استطاعت هذه
المؤسسة وعبر المحاميين األجانب ،أو من ينوب عن المؤسسة من الشخصيات الفلسطينية زيارة السجون،
واالطالع على أحوالها وكذلك عمل دراسات وتقارير حول مواضيع لها عالقة باألسرى وأهمها(:)3
القمع والتنكيل في سجن الفارعة. .1
دراسة مجموعة األوامر العسكرية اإلسرائيلية. .2
التعذيب في السجون. .3
وقد أفادت من هذه الدراسات فرق المحامين والمهتمين بالدفاع عن قضية األسرى من الناحية القانونية،
فقد كانت األوامر العسكرية تصدر عادة باللغة العبرية ،ويتم تعليقها على لوحة اإلعالنات في مراكز
الشرطة اٍإل سرائيلية لعدة أيام ،فكيف سيعرف بها من هو مهتم بهذا األمر؟ وهو في األصل ليس مسموحاً
للجميع بدخول مراكز الشرطة التي كانت تعتبر بمثابة مواقع عسكرية يحرسها الجيش اإلسرائيلي.
وكانت مراكز حقوق اإلنسان تنشط في مجال الدفاع عن األسرى ،لكن كان سقف هذه المراكز
والمؤسسات ،هو إصدار النشرات ،والبيانات التي يمكن للمنظمات الدولية االستعانة بها ،ومن هذه المراكز
مركز المعلومات الفلسطيني لحقوق اإلنسان ،والذي عني أيضاً بإبراز ممارسات التعذيب ضد األسرى(،)1
ويعود الفضل لهذه المراكز في إبراز جانب مهم من مراحل حياة األسرى الفلسطينيين ،وهو األهم على
اإلطالق أال وهو مرحلة التحقيق ،وقد نجح المركز في أخذ شهادات مشفوعة بالقسم ومثبتة بتقارير طبية
بتعرض عشرات األسرى للتعذيب خاصة بالصدمة الكهربائية.
حرصت المؤسسات األجنبية المعنية بحقوق اإلنسان وبعد عام 1982على تقديم كل الدعم ،وذلك
بتشجيع شخصيات فلسطينية على فتح مراكز لحقوق اإلنسان لتقديم صورة قانونية تكون بديالً عن وجود
الباحثين األجانب في األراضي المحتلة ،لكن إسرائيل سرعان ما كانت تضايق نشطاء هذه المؤسسات
( )3القانون من أجل اإلنسان (الحق) :التقرير السنوي لعام ،1983ص.32-16 (
( ) 1جيفري ديلمان وموسى البكري :استخدام إسرائيل للتعذيب بالصدمة الكهربائية ،ط ،1مركز المعلومات الفلسطيني لحقوق اإلنسان ،القدس، (
،1991ص.6-3
وتعتقل مسؤوليها كما حصل مع رئيس المركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان راجي الصوراني الذي تعرض
لالعتقال اإلداري أكثر من مرة إلصدار المركز الكثير من النشرات التي تشير إلى ممارسات إسرائيل في
موضوعي االستيطان واألسرى ،وتوجيه تهم لرؤساء هذه المراكز تتعلق بنشاطهم في صفوف المنظمات
الفلسطينية ،ولكن بعد سنوات قليلة كان هذا المركز قد قدم عشرات االستشارات القانونية للمحامين
واألهالي إضافة إلى تقديم خدمات المعلومات حول األسرى للباحثين والوفود األجنبية(.)2
ويمكننا القول أن هذه المراكز تخصصت فيما بعد بموضوع األسرى خاصة أن حالة حقوق اإلنسان في
األراضي المحتلة كانت تعني بمتابعة أوضاع األسرى من تعذيب ومتابعة إضرابات وزيارة األهالي
ألبنائهم ،بل إنها استطاعت توفير إنشاء قاعدة معلومات هامة حول األسرى ومن جوانب عديدة.
نشط الشعب الفلسطيني في إنشاء مؤسسات تكون غايتها رعاية أمور األسرى ،ولكن ليس من الزاوية
القانونية ،بل من كل النواحي ،بحيث ال تكون هذه المؤسسات مرتبطة مع جهات أجنبية ،أو استغالل تلك
المؤسسات الفلسطينية الموجودة في الخارج ،والتي ال تتبع منظمة التحرير مباشرة ،وقد نشط الحقوقيون
الفلسطينيون في الخارج منذ منتصف السبعينات ،وذلك بإرسال العديد من المراسالت والمذكرات إلى
الشخصيات الدولية بهذا الخصوص،وهذا ما تزعمته أفرع االتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين في
الخارج(.)3
صحيح أن كل هذه المؤسسات والمراكز كان تخصصها قريباً من قضية األسرى ،أو يشكل جزءاً
من نشاطها ،ولكن نضج وتطور أوضاع األسرى في السجون اإلسرائيلية وبالذات من الناحية الثقافية
واألمنية والتنظيمية وكذلك خروج أعداد كبيرة من السجن بعد انتهاء مدد محكوميتهم إضافة إلى حالة المد
في النشاط السياسي الجماهيري للمنظمات الفلسطينية ،كل هذه العوامل جعلت إقامة مؤسسة خاصة بشئون
األسرى فقط أمراً حتمياً وبتأييد من جميع الفصائل ،لكن نجاحها كان منوطاً بظروف أخرى على رأسها
عدم انحيازها ألي فصيل ،بل باالبتعاد عن النشاط السياسي ،وهذا معناه ضمور في اإلمكانيات المادية
الضرورية النطالق مؤسسة كهذه.
كما شكلت مجموعة من الفلسطينيين خاصة المفرج عنهم من السجون مؤسسة نادي األسير الفلسطيني
في أيلول 1982بعد أيام من مجازر صبرا وشاتيال ،وذلك عبر احتفال في جامعة بيرزيت( ،)1ومن المؤكد
أن إسرائيل لم تسمح لهذه المؤسسة إال بعد عدة اعتراضات تقدم بها الفلسطينيون لمحكمة العدل العليا في
( ) 2مقابلة مع راجي الصوراني ،رئيس المركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان ،أجريت في غزة .17/7/2005 (
( ) 3برقية من االتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين -فرع سوريا إلى الدكتور كولد فالدهايم ،أنظر نصها كامالً :مجلة فلسطين المحتلة ،ع،75 (
،16/2/1977ص.20
( )1أنظر ملحق رقم ( ) 4يتضمن نبذة عن الالئحة الداخلية ألول مؤسسة شعبية متخصصة برعاية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية (
( )2جامعة بيرزيت :تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري،ط ،1جامعة بيرزيت،رام اهلل ،1985،ص.19 (
( )1فهد الحاج :انتفاضة الجوع من وراء القضبان ،مرجع سابق ،ص.72 (
الهياكل التنظيمية (اللجان الحركية) التي قامت التنظيمات بتشكيلها في قطاع المحامين. .4
دور منظمة التحرير في الدعم المادي لنشاط المحامين. .5
الممارسات اإلسرائيلية تجاه المحامين وخاصة اعتقال العديد منهم. .6
نشاط بعض المحامين كأعضاء ومسئولين في التنظيمات. .7
شاركت الشخصيات الهامة في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفعاليات التي كانت تقيمها المؤسسات
واألهالي للتضامن مع األسرى ،بل إنهم تزعموا أحياناً مثل هذه المؤتمرات واالجتماعات وكثيراً ما كانت
السلطات تمنعهم من ذلك ،بل إنه تم إقالة بعضهم من منصبه بسبب موقفه من قضية األسرى كما حصل
مع عبد الجواد صالح رئيس بلدية البيرة الذي تم إقالته الهتمامه الزائد بقضية األسرى( ،)2لقد تعاملت
السلطات اإلسرائيلية مع اعتراضات الشخصيات الوطنية على ظروف السجون بقوة وبقرارات قاسية فقد
كان اعتراض بسام الشكعة (عمدة نابلس) على الزجاج العاكس الموضوع على نوافذ غرف السجون ألنه
يضر بصحة األسرى ويصيبهم بأمراض ،كان ذلك سبباً في إصدار وزير الدفاع اإلسرائيلي عيزرا
وايزمان أمراً بإبعاده إلى األردن عام ،1979وأن التصريحات تمت بشهادة منسق العمليات في المناطق
المحتلة العميد (داني ماط) في مكتبه( ،)3ويبدو أن مشاركة هذه الشخصيات كان أيضاً لغرض إبراز دورهم
الوطني ،فإن ذلك كان يعزز وجودهم على الصعيد الشعبي ،وكذا أمام مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية
التي تعرف هذه الشخصيات مدى أهمية رضاها عنهم.
( )2عدنان جابر :ملحمة القيد والحرية ،مرجع سابق ،ص.164 (
( )3تقرير خاص لدار الجليل للنشر والخدمات الصحفية مؤرخ بـ 17/11/1979بعنوان :محضر اجتماع شخصيات نابلس مع منسق عمليات (
( ) 1()1مقابلة مع عوني وصفي أبو شعبان ،مسئول شئون األسرى في الصليب األحمر بين أعوام ،1986-1975أجريت بتاريخ ،17/2/2006
غزة.
()2
وذويهم في الخارج إضافة إلى تشجيع بعض المؤسسات داخل إسرائيل لألهالي كجمعية أنصار السجين
( ،)2أما المرحلة الثالثة فقد ساهم فيها عامالن هامان هما كون اإلضرابات في السجون كانت في تلك
الفترة تأتي ضمن خطة شاملة ،ومعروف سلفاً ما هو دور األهالي وضغطهم على اللجنة الدولية للصليب
األحمر واستغالل مقراتها ،إضافة إلى أنه بعد العام 1982كانت ذروة نشاط األجنحة الجماهيرية النقابية
للتنظيمات الفلسطينية والتي كانت تولي موضوع األسرى أهمية بالغة في نشاطها ،ولها دور في تحريض
األهالي على استغالل مقرات الصليب األحمر في التضامن ،وليس من المعقول االفتراض أن من يفتعل
الصدامات مع الجيش أمام مقرات الصليب األحمر هم ذوو األسرى من المسنين والنساء ،بل إن الشباب
من حركات الشبيبة واألجنحة الجماهيرية للفصائل الوطنية واالسالمية هم من كان ينظم هذه الصدامات
التي تعطي نتائج إعالمية فورية خاصة عندما يسقط جرحى(.)1
استغل أهالي األسرى كل األماكن المتاحة لهم لالحتجاج فيها خاصة تلك التي ال يستطيع الجيش
اإلسرائيلي دخولها إال بصعوبة شديدة كمقرات الصليب األحمر أو المساجد والكنائس ،كما يجب مالحظة
إيالء األهالي لإلعالم أهمية بالغة في فعاليتهم ،فغير مرة كانوا ينظمون االعتصام في المساجد والكنائس،
خاصة كنيسة القيامة في القدس حيث قدسية المكان إضافة إلى الوجود الدائم للسياح الذين يأتون من مناطق
شتى ،وقد كان األهالي يوزعون عليهم المناشير التي توضح قضية األسرى كما حصل في (26/1/1969
،)2وكثيراً ما كان العديد من هؤالء السياح يتعاطفون مع األهالي خاصة أنهم أهل المكان الذي يأتي إليه
هؤالء الزوار ،ويبدو أنه من هذا المكان نبعت فكرة إحضار األجانب لمساندة القضية الفلسطينية ،ومن هنا
يتضح مشاركة هؤالء األجانب (السواح) باالحتجاجات واالعتصام أمام قنصليات بالدهم في القدس
احتجاجاً على أوضاع األسرى الفلسطينيين( ،)3ومن الصعب االفتراض أن هذا األمر كان ظاهرة في تلك
الفترة ،ألنه كان يتصادف مع األعياد المسيحية في شهري كانون أول وكانون ثاني من بعض األعوام
فقط.
اعتمد األهالي أسلوب المذكرات والبرقيات للتعبير عن احتجاجهم على أوضاع األسرى ونستطيع القول
بأن هذا األسلوب وبرغم أنه قد بدأت مرحلة مبكرة إال أنه استمر حتى ما بعد العام .2000
ويالحظ أن االحتجاج على سياسة االعتقال اإلداري كانت تمثل ذروة نشاط إرسال المذكرات والبرقيات
والعرائض( ،)4ويعود السبب إلى أن الغالبية العظمى من األسرى اإلداريين بعد عام 1983كانوا من قيادات
( ) 2()2قائمة بالمذكرات التي سلمها األهالي للصليب األحمر أنظر :مجلة فلسطين المحتلة ،ع ،12/2/1979 ،175ص.33
( )1مشاهدة الباحث لصدامات استمرت عدة أيام في الفترة 22/10/1984-18أمام مقر الصليب األحمر في القدس. (
( )2الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية ،1969ط ،1مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،بيروت ،1970،ص.163 (
( )4جامعة بيرزيت :تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري ،مصدر سابق ،ص.23 (
التنظيمات الفلسطينية ومسؤوليها أو رؤساء مؤسسات نقابية ويتمتعون بقاعدة جماهيرية كمسؤولي اتحادات
مجالس الطلبة في الجامعات أو محامين أو أعضاء هيئات نقابية ،وإ ذا تتبعنا هذه المذكرات والبرقيات
فسنجد أنها كانت في السنوات األولى تتضمن الجانب اإلنساني ،وتسمية بعض األسرى المرضى ،لكن في
مرحلة متأخرة ارتقت هذه المذكرات والبرقيات إلى عبارات قانونية وتشهير ضد مصلحة السجون
اإلسرائيلية ،وهذا ما يجعلنا نفصل بينها وبين البيانات والمنشورات التي كانت تصدر بهذا الشأن والتي
كانت إسرائيل تحاكم من يوزعها فلماذا كانت تفعل ذلك؟
بدأ أهالي األسرى بإصدار البيانات والمناشير التحريضية كأسلوب للتضامن ومساندة األسرى
الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية أثناء الخطوة الكبيرة التي خطاها معتقلو سجن نفحة الصحراوي بعد
أسابيع من فتح المعتقل ،فقد كان صدى هذه البيانات قوياً تجاه وسائل اإلعالم وأنها كانت تتضمن مادة
إنسانية ،ومن ثم قانونية ما تلبث أن تجد تحريضاً سياسياً كدعوة األسرى لالستمرار في اإلضراب حتى
الموت ،أو دعوة الناس للتصدي لهذه الممارسات ،ودعوة إللغاء قرارات الحكومة اإلسرائيلية باعتقال
النشطاء السياسيين وإ بعادهم( ،)1ويمكننا مالحظة الفارق والتطور في البيانات التي كان يصدرها األهالي
عام 1985كون هذه البيانات تم تطعيمها بفقرات يتضح منها أنها من صياغة األسرى أنفسهم ،ومن
الممكن االفتراض أن المحررين من السجون هم من قاموا بذلك كون عدد كبير منهم شارك بعد تحريره
مباشرة في فعاليات التضامن مع زمالئهم في السجون( ،)2مع مالحظة أن عدداً من الذين تم إبعادهم فيما
بعد إلى خارج المناطق المحتلة كان في السجون بانتظار استكمال اإلجراءات القانونية.
وخالصة األمر أن الموقف الفلسطيني شكل المحرك الرئيسي لقضية األسرى ،وال يمكن اعتبار نشاط
األسرى جزءاً من الموقف الفلسطيني ،أو حتى الموقف الرسمي اإلسرائيلي المتمثل بالسلطات (حكومة
ووزارة أو مصلحة سجون) فهما النقيضان المتصارعان،واللذان تعبر بقية شرائح الشعب الفلسطيني
الموقف منه ،والذي بطبيعة الحال كان مسانداً لطرف األسرى ،ويمكن القول بأن فعاليات الشعب
الفلسطيني هي التي كانت تحرك قضية الفلسطينيين مع مراعاة أن األزمة يتم ابتداؤها داخل السجون،
وتنتهي باتفاق األسرى مع السلطات اإلسرائيلية أيضاً داخل السجون مع السلطات اإلسرائيلية ،ولكن
الجانب اإلعالمي لهذه المعركة إذا صح تسميته كان يتم من خالل سلوك وموقف الشعب الفلسطيني من
هذه المعركة.
( )1أنظر ملحق رقم ( :) 5بيان صادر عن أهالي وذوي األسرى السياسيين الفلسطينيين المضربين عن الطعام في مقر الصليب األحمر في (
القدس تضامناً مع أبنائهم في معتقل نفحة (النازي) مؤرخ بـ ،26/7/1985وزع في نفس اليوم في مقرات الصليب األحمر في الضفة الغربية
وقطاع غزة.
( )2أنظر ملحق رقم ( :) 6بيان صادر عن أهالي األسرى والمبعدين المعتصمين في الصليب األحمر -رام اهلل مؤرخ بـ.19/9/1985 (
الموقف اإلسرائيلي
تعد إسرائيل النقيض تماماً في معادلة الصراع مع الفلسطينيين ،فهي المسؤولة عن معاناة الشعب
الفلسطيني وإ عاقة تحقيق أحالمه وطموحاته الوطنية ،فقد فُقد الكثير من الشهداء وأصيب اآلالف من
الجرحى إضافة إلى مئات اآلالف من األسرى إلى جانب ما حدث من دمار وتشريد طوال سنوات
الصراع ،ويمكن فهم الموقف الرسمي اإلسرائيلي من خالل سلوك اإلسرائيليين التابعين للمؤسسة الحكومية
ابتداء من الشرطي ،وحتى التعليمات
ً في غالبية المباحث التي تحدثت عنها في الدراسة في الفصول السابقة
التي تعطيها أعلى مرتبة رسمية متمثلة برئيس الوزراء ورئيس الدولة ،لكن الموقف اإلسرائيلي ال يتوقف
على سلوك أعضاء هذه المؤسسة فقط ،ولكن هناك جهات أخرى كانت على مر فترة الدراسة تبدي
موقفها ،هذا الموقف الذي كان مؤثراً أحياناً وبشكل مباشر ،والعكس أحياناً أخرى ،كما أنه لم يكن هناك
تشابها في التأثير بين الجهات المختلفة من أعضاء الكنيست أو المؤسسات حكومية أو الشخصيات
االعتبارية أو الصحافة أو حتى المؤسسات والشخصيات العربية الفلسطينية التي تعيش في األراضي
الفلسطينية المحتلة عام ،1948وبالتالي فهي خاضعة للقانون اإلسرائيلي ،وعليه فمن المستحسن إدراجها
على أنها نشاط عربي لكنه جزء من الموقف اإلسرائيلي ،وبالتالي فهذه المؤسسات والشخصيات غير
خاضعة لتعليمات وأوامر األمن المتعارف عليها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
بعكس الموقف الفلسطيني الذي كان يعكس دائماً واجهة مؤيدة ومناصرة لقضية األسرى الفلسطينيين ،فقد
ابتداء من الداعمين والمناصرين لألسرى الفلسطينيين ،والمتمثل في
ً تباين وتمايز الموقف اإلسرائيلي
موقف المؤسسات والشخصيات العربية والمتحالفين معها من شخصيات يهودية يسارية ،وصوالً إلى
الموقف المتطرف المعادي تماماً لألسرى الفلسطينيين والذي يمثله المستوطنون ،والذين كانوا يدعون إلى
الحكم عليهم باإلعدام أو ترحيلهم خارج ما أسموه (بأرض إسرائيل) ،لكن السؤال هو :هل أثر الموقف
العربي أو اليهودي غير الصهيوني في الموقف الرسمي اإلسرائيلي؟ أو هل كان أفق الموقف العربي هو
تغيير الموقف الرسمي اإلسرائيلي؟وهل تمت على األرض مساندة األسرى الفلسطينيين مباشرة؟ وبنفس
منهج السؤال هل أثر المستوطنون والجهات المتطرفة في الموقف الرسمي؟ وهل كانت معاداتهم لألسرى
الفلسطينيين قد توقفت عند التأثير على هذا الموقف؟ أم كان لهم سلوك ٍ
معاد على األرض لألسرى؟
وخالصة المشكلة كيف تأثر الموقف الرسمي اإلسرائيلي بمن حوله من جهات مختلفة؟
تعد محكمة العدل العليا أعلى هيئة قضائية في إسرائيل ،وبشكل دائم يعد قضاتها أنفسهم الهيئة المستقلة
األولى في إسرائيل والتي تحفظ الدستور وحقوق اإلنسان ،ولنا أن نقارن بين هذا التعريف وموقف قضاتها
من قضية األسرى ،فهم ينظرون إليهم على أنهم (إرهابيون) ويشتركون في حقيقة األمر مع الموقف
الرسمي ،بل إن رئيس المحكمة (أهارون باراق) يصف مصلحة السجون في إسرائيل أثناء مشاركته في
افتتاح سجن نفحة " بأنها منظمة ذات رسالة اجتماعية خالدة"( ،)1()1إن مشاركة رئيس أكبر هيئة مستقلة في
افتتاح منشأة (كما تعرفها النشرة التعريفية) ستكون مكاناً لحجز اإلنسان وحجب النور والشمس وزيارة
ٍ
منحاز ،ويتعارض مع أبنائه ووالديه بجعل من الصعب تصور أن موقف هذا القاضي يمكن أن يكون غير
تعريفهم للمحكمة كهيئة لصيانة حقوق اإلنسان.
جزء من السلطة التنفيذية في إسرائيل ،فقد
تعاملت محكمة العدل العليا مع قضية األسرى كما لو أنها ٌ
كانت تقارير جهاز األمن العام تأخذ بكل جدية وصدق ،ومن الممكن طرحها بعد إخراج المحامي
والفلسطيني المعتقل خارج القاعة ،وهذا ما يستدل من موقف المحكمة وبدون إصدارها لقرار بل تم إبالغ
المحامية إلغرا فيتشكو شفوياً رفض التماس موكلها المعتقل يوسف البايض بعدم تعذيبه ،والسبب هو تقرير
من جهاز األمن العام ينفي صحة ذلك ،وأن إصدار قرار سيشكل خطراً على أمن الدولة(.)1
لم تعترف المؤسسة الرسمية في إسرائيل بأي جهة مستقلة يمكن أن تتدخل في عمل ونشاط أجهزة
األمن غير محكمة العدل العليا ،رغم أن توصية األخيرة تكون ملزمة حتى لرئيس الدولة ورئيس الوزراء،
لكن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أي قضية حكومية من قبل رئيس محكمة العدل العليا ،سيتيح للحكومة
مساحة الموافقة على أي قرار صعب ،فهو سيكون صادراً بموافقة الهيئة المسموعة توصياتها ،إضافة إلى
أنه سيعرف الرأي العام المحلي والعالمي أن مثل هذه اللجان هي مشكلة من قضاة من المفترض أنهم
يلتزمون الموضوعية واالستقاللية التامة ،لكن يبدو أن النتائج كانت شبه مضمونة ،وهذا ما توضحه كافة
نتائج لجان التحقيق في أحوال وأوضاع األسرى ،وعلى سبيل المثال يمكن النظر بشيء من الموضوعية
إلى توصيات لجنة (عنات)( ،)2التي وصفت أوضاع السجون بالسيئة واالزدحام وعدم كفاية العالج وسوء
األجواء االجتماعية ،لكن محكمة العدل العليا لم تقبل إقرار توصيات هذه اللجنة( ،)3وبالتالي كان هناك
مبرر للحكومة أن تمتنع عن التعاطي مع توصيات اللجنة ،فقد شكلت محكمة العدل العليا حائط الصد
األول لهذه اللجنة ،وليس من المنطق االفتراض بأن قضاة محكمة العدل العليا ال يعرفون أن توصيات
اللجنة ستحرج الحكومة ،وأن أوضاع السجون ستنقلب رأساً على عقب إذا تم تنفيذ هذه التوصيات.
أوالً :موقف أعضاء الكنيست:
صحيح أن أعضاء الكنيست العرب أو أعضاء األحزاب اليسارية لم يؤثروا كثيراً على أعضاء الحكومة
اإلسرائيلية خاصة في القضايا األمنية التي يتم نقاشها عادة في لجنتي الداخلية واألمن والخارجية ،فقلما
( ) 1()1نشرة تعريفية بمصلحة السجون في إسرائيل ،إصدار دائرة اإلعالم بمصلحة السجون،ص(،5بالعبرية).
( )1وزارة شئون األسرى والمحررين :التعذيب ،دائرة اإلعالم ،ص.9 (
( )2لجنة شكلها وزير الداخلية اإلسرائيلي عام 1981د.يوسف بورغ لدراسة أوضاع السجون وسميت بهذا االسم نسبة إلى رئيسها ماكس (
تعد الفترة من 1977حتى عام 1981التي شكلت هزيمة للقوى واألحزاب اليسارية في إسرائيل
واستطاع اليمين بزعامة مناحيم بيغن أخذ زمام السلطة ،فترة ضعف لنشاط أعضاء الكنيست اآلخرين في
المعارضة تجاه قضية األسرى الفلسطينيين ،ففي هذه الفترة كانت قرارات عديدة قد صدرت بقمع
األسرى ،أو حتى افتتاح سجون جديدة خاصة سجن نفحة الصحراوي ،و لم يكن هناك ما يشير إلى
احتجاجات أو نقاشات في الكنيست على هذا األمر ،في وقت كان افتتاح هذا السجن حدثاً إعالمياً هاماً.
شكلت الجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة (حداش) الواجهة التي يعبر من خاللها أعضاء الكنيست
العرب واليهود اليساريون عن موقفهم تجاه قضية األسرى ،فغير مرة كان عضو الكنيست عن هذه الكتلة
(ماير فلنر) قد زار أمهات األسرى المضربين عن الطعام مصطحباً معه مجموعة من عائالت الجنود
الذين يرفضون الخدمة العسكرية في الضفة وغزة والتي ساهمت هذه الجبهة في إنشائها( ،)3وفيما بعد
( ) 2مذكرة إلى لجنة األمم المتحدة للتحقيق في أعمال إسرائيل في األراضي المحتلة من الرابطة اإلسرائيلية للحقوق اإلنسانية والمدنية -تل أبيب (
مؤرخ بـ 1970 /24/4وموقعة من رئيس الرابطة د.إسرائيل شاحاك،أنظر:مجلة شئون فلسطينية ،ع ،1مارس ،1971ص.234
( )3أحاديث مع إسرائيل شاحاك ،مجلة شئون فلسطينية ،ع ،44أبريل ،1975ص.120 (
( ) 1مذكرة إلى السيد وزير الشرطة من لجنة حقوق اإلنسان المواطن في إسرائيل حول أوضاع السجينات في مركز التأهيل في نفي ترتسا، (
(
)1( Peace Now: Palestinian Prisoners In Israeli Prisons, report NO.7. October 1984, Jerusalem, 1984, P.8-
12.
من جولة انتخابات تشريعية في إسرائيل ،كالموقف الشعبي من قضية محاكمة أول أسير للثورة الفلسطينية
لدى إسرائيل محمود أبو بكر ،وكذا محاكمة الناجين من عملية الساحل عام ،1978وكذلك صفقة تبادل
األسرى ،1985لكن هذا الموقف عبرت عنه شخصيات هامة في إسرائيل من خالل كتاباتهم
وتصريحاتهم ومشاركتهم في إجراءات على األرض ،فمنذ األيام األولى بعد عام 1967حدث جدال عميق
في إسرائيل ليس على الصعيد الرسمي فقط بل على صعيد المجتمع حول كيفية التصرف في مساحة
األراضي الواسعة وعدد السكان الفلسطينيين الكبير الذين وقعوا تحت سيطرة إسرائيل ومن ضمن هذه
الموضوعات كيفية التعامل مع األسرى ممن أسموهم في إسرائيل (باإلرهابيين والمخربين) ،والكثير كان
يرى ضرورة تنفيذ حكم اإلعدام بحقهم ،واستندوا إلى الحجة "المقدسة" وهي الرجوع إلى ما فعله أنبياء
بني إسرائيل كداود عليه السالم( ،)2فقد كان الجميع يعرف أن نتائج الحرب تستدعي إصدار تشريعات
كثيرة يمكن أن تأتي على شكل أوامر أو قوانين أو تعليمات عسكرية ،فلم يكن مهماً كيف سيتم سن هذه
التشريعات.
لقد طرح موضوع فرض حكم اإلعدام من قبل الشعب في إسرائيل أكثر من الجهات الرسمية ،وعليه
فقد شكل الموقف الشعبي في هذا الموضوع ضغطاً على الحكومة أحرجها أمام وسائل اإلعالم ،وكان
يترجم ذلك عن طريق المظاهرات كتلك التي حصلت أمام مقر رئاسة الوزراء في القدس للمطالبة بإعدام
الفدائيين الناجين من عمليات فندق سافوي عام 1976و الساحل عام 1978والدبويا وسط الخليل عام
،1981وقد تزعم الموقف الشعبي هذا أعضاء لجنة العائالت الثكلى من العمليات المعادية ترأسها
المحامي عزرئيل براك(*)(*) ،وعند دراسة نشاط هذا المحامي تبين أنه من أشد المحرضين للموقف الشعبي
على المطالبة بفرض حكم اإلعدام على رجال المقاومة الفلسطينية( ،)1لقد ازداد الضغط الشعبي في
إسرائيل لغرض حكم اإلعدام على األسرى الفلسطينيين من قبل المستوطنين الذين كانوا يولون هذا
الموضوع أهمية خاصة بعد عام ،1982هذه الفترة التي تعتبر الذهبية في سياق ضغط وتدخل
المستوطنين في الشئون الرسمية للدولة اإلسرائيلية ،كيف وأن التحريض قد أوصل نتائجه إلى العمليات
العدائية العديدة ضد العرب ،ومنها مهاجمة المستوطنين لحرم جامعة الخليل وقتل وإ صابة العشرات من
الطالب ،ومحاولة اغتيال رؤساء البلديات الفلسطينية وإ صابة عدد منهم ،وإ طالق الصواريخ على أتوبيس
فلسطيني قرب قرية سعير ،ويمكن فهم الموقف الشعبي من خالل وضع المستوطنين لمقارنة هؤالء
( )2إيشاي منوحين :بين الديمقراطية واإلذعان ،ط ،1كابك ،حيفا ،1986 ،ص( .12بالعبرية). (
(*) عزرئيل براك :محام معروف قتل ابنه وزوجته في 27/2/1979على يد محمود الشوبكي الذي شارك في قتل وإ صابة العشرات من (*)
( )4ليئا تسيمل :في المعتقالت اإلسرائيلية من حقك أن ال تقول شيئاً ،ط ،1دار الصباح ،عمان ،1986 ،ص.11 (
( )1ترافعت للدفاع عن المؤلف وزمالئه أثناء اعتقالهم إداريًا باألعوام .1993-1988 (
أعمال التعذيب التي يمارسها ضباط جهاز األمن العام اإلسرائيلي( ،)2لكن يمكن االستخالص بأن الموقف
الشعبي المؤيد لقضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية لم يؤثر على الموقف الرسمي مقارنة
مع تأثير المتطرفين والمستوطنين على هذا الموقف.
( )2يوري أفينزي :عدوي أخي ،ط ،1بينين ،تل أبيب،1989 ،ص(،86بالعبرية). (
( ) 2بيان بعنوان :قرارات صادرة عن االجتماع الشعبي المنعقد في الطيبة بتاريخ .8/5/1981 (
( )1جبريل الرجوب :زنزانة ،704ط ،1دار الجليل ،عمان ،1986 ،ص ،142-116عدة مراسالت من اللجنة النضالية العامة في سجن جنيد (
( )1()1سعيد عالء الدين :التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص.24-16
( ) 2أحمد عصمت عبد المجيد :قرارات األمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي4 ،مج ،ط ،1مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،بيروت، (
،1995مج ،1ص.197
فريق اللجنة المكون من ست دول ،ورفع الفريق تقريره في 20/1/1970يؤكد فيه خروقات إسرائيل
لحقوق اإلنسان ومنها حقوق األسرى العرب في سجونها(.)3
توصية الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم ( 3376الدورة 30بتـاريخ ،)10/11/1975حيث شكلت -2
بموجبه لجنة كلفت بتقديم تقرير لمجلس األمن ،لكن يالحظ أن هذا القرار لم يكن لقضية األسرى فقط
بل كان لحالة حقوق اإلنسان في األراضي العربية المحتلة وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه
الثابتة(.)1
توصية الجمعية العامة لألمم المتحدة ( 36/147الدورة 36بتاريخ )16/12/1981حيث أكدت على -3
استمرار إسرائيل النتهاكات حقوق اإلنسان في األراضي المحتلة ،ودعتها لالمتناع عن هذا السلوك
إضافة إلى موضوع محاولة إسرائيل تغيير الصيغة القانونية لهذه األراضي(.)2
لم تكن الجمعية العامة لألمم المتحدة المؤسسة الوحيدة في األمم المتحدة التي كانت تصدر توصيات
ترفض سلوك إسرائيل تجاه حقوق اإلنسان ،بل كانت لجنة حقوق اإلنسان نفسها تعبر عن رفضها
النتهاكات حقوق اإلنسان في األراضي المحتلة ،ففي عام 1975أدانت وبلهجة شديدة لجنة حقوق اإلنسان
الدولية ممارسات إسرائيل ،وكانت المرة األولى التي تحدث فيها مندوب منظمة التحرير الفلسطينية التي
أصبحت قبل عام عضو بصفة مراقب عن اضطهاد األسرى وتعذيبهم( ،)3ويمكن مالحظة أنه بعد عام
بناء على
1974كانت األمم المتحدة ومؤسساتها تصدر قراراتها المتعلقة بحقوق اإلنسان وقضية األسرى ً
تقارير كان يقدمها مندوب منظمة التحرير الفلسطينية ،وقد نجح في عام 1976في إرسال لجنة تحقيق إلى
األراضي العربية المحتلة من منظمة الصحة العالمية مهمتها زيارة السجون للتحقق من األوضاع الصحية
لألسرى( ،)4ويبدو أن المجموعة العربية كانت في هذه الفترة تعمل بشيء من النجاح في استخراج قرارات
تخص القضية الفلسطينية ،وهذا ما يفسر أن الجمعية العامة أدانت إسرائيل لعدم تعاونها مع اللجنة السابقة،
لكن تلك هذه اللجان تلك التي شكلتها الجمعية العامة لألمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون
الدولي خالل غزوها للبنان عام ،)5( 1982ويبدو أن أغلبية نشاط هذه اللجان كان يتضمن أموراً البد من
( ) 5عن هذه اللجنة وقراراتها أنظر :حالة األسرى :تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي أثناء غزوها للبنان، (
( )6دراسة نشرت باللغة اإلنجليزية 1991وتحدثت عن هذا الصراع ومدى قوة التأثير العربي في األمم المتحدة ،أنظر: (
.Kablan, Alison: Arabs are Prepared to Wait for Israel, Jerusalem Post, 5-2-1991, P6_11
(
(1) Amnesty: Annual Report, 1979, London, 1980, P.89.
و إسرائيليين للدفاع عن ستة طالب من نشطاء الحزب الشيوعي الفلسطيني اعتقلتهم السلطات لتعليقهم
مجلة (الطليعة) على جدران جامعة بيت لحم ،ورغم ذلك حكم عليهم بالسجن لمدة ستة أشهر(.)2
اهتمت منظمة العفو الدولية في مساعدة األسرى اإلداريين في الجانب القضائي وإ رسالها المذكرات
والبرقيات للمسئولين اإلسرائيليين ،وال يمكن تجاهل تولي اللجنة لقضايا عديدة من األسرى اإلداريين
ويتضح أنهم ممن كانوا من قادة المنظمات ،وذلك في الفترة بين 1978-1976أو األكاديميين ،مع العلم
أنه في أواخر فترة حكم حزب العمل حتى 1977كانت السلطات تعتقل حتى رجال المقاومة إدارياً،
وظلت المنظمة تدافع عن تيسير عاروري المحاضر في جامعة بيرزيت عام 1975حتى أطلق سراحه
كلياً عام ،1978ويعتبر عاروري صاحب فكرة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة لالنتفاضة فيما بعد وذلك
مع أشخاص أسرى تعرف عليهم في ذلك االعتقال المشار إليه(.)1
صحيح أنه لم تستطع هذه المنظمة تغيير وجهة نظر المسئولين اإلسرائيليين في سياستهم تجاه األسرى
الفلسطينيين ،لكن من الواضح أن هذه المنظمة إضافة إلى اللجنة الدولية للصليب األحمر كانتا تمثالن أكبر
المنظمات الدولية ،وبالتالي كانت إسرائيل تعتني جيداً بالرد على تقاريرهما بغض النظر عن عملها
بتوصياتهما أم ال ،وقد كانت البرقية التي وجهتها منظمة العفو الدولية للمستشار اإلسرائيلي عام 1977
والتي انتقدت إسرائيل بلهجة شديدة تجاه إضراب األسرى في كفار يونة وعسقالن وغزة في آن واحد
ووفاة أحد األسرى كانت المنظمة قد تقدمت بطلب اإلفراج عنه قبل أشهر( ،)2كانت هذه البرقية كفيلة
بإعادة القضاء اإلسرائيلي بالنظر في ضرورة إيجاد بديل عن موضوع التعذيب ألخذ االعتراف،الذي
بالفعل تم تعويضه بما سماه األسرى بقانون (تامير)الذي يعطي القاضي صالحية إدانة أي معتقل لمجرد
شهادة زميله عليه ،وال داعي العتراف األول.
ومع بداية عام 1979صعدت منظمة العفو الدولية نشاطها في األراضي العربية المحتلة ،فالتقرير
السنوي المشار إليه أعاله والذي أرسلت المنظمة نسخة منه إلى رئيس الوزراء مناحيم بيغن مباشرة وعدد
من الوزراء المعنيين جعل من التقرير كافياً ليتم نقاشه في مجلس الوزراء( ،)3ويبدو أن هذا النشاط كان
وراء تكليف اللجنة التشريعية في الكنيست للمدعي العام اإلسرائيلي (جبرائيل باخ) بفحص تقرير المنظمة
الحتمال عمل لجنة تحقيق بما ورد فيه ،وهذا ما لم يتم فيما بعد.
( )2سمير نايفة :واقع االعتقال في السياسة اإلسرائيلية ،ط ،1دار الجليل ،عمان ،1990 ،ص.88 (
( ) 1عن األسرى اإلداريين في تلك الفترة أنظر :يهود يعاري وزئيف شيف :االنتفاضة ،ط ،1يدبكين ،تل أبيب ،1990 ،ص،64-61 (
(بالعبرية).
( )2مجلة شئون فلسطينية ،ع ،6/1977 ،67ص.195 (
( ) 5نال موضوع األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية أهمية خاصة في تقرير منظمة العفو الدولية السنوي والذي صدر عام 1987والذي (
(
(3) Jerusalem Post, 15-9-1977, P.1.
تقرير هذا الفريق وشهادات أعضائه كسندات هامة اعتمد عليها تقرير لصحيفة الواشنطون بوست حول
التعذيب في السجون اإلسرائيلية.
لوحظ أن منتصف السبعينات كان وفي ظل شحه وجود المؤسسات الفلسطينية برزت فيه مؤسسات
عالمية أخرى تنشط في الدفاع عن قضية األسرى الفلسطينيين وهناك تشابه في األساليب التي انتهجتها
هذه المؤسسات وأهمها:
إرسال مذكرات إلى رؤساء ووزراء دولهم. -
إرسال مذكرات إلى رئيس وأعضاء الحكومة اإلسرائيلية. -
نشر البيانات الصحفية واإلعالمية. -
التحاق العديد من المتطوعين في منظمتي الصليب األحمر والعفو الدولية. -
إرسال فرق للتحقيق الميداني وزيارة السجون -
مع أنه ليس من تخصص الدراسة دراسة نشاط الصليب األحمر في حدود ووقت الدراسة ،حيث أنه تم
مناقشة هذا األمر من الجانب القانوني من قبل الدراسة التي قدمها عبد الرحمن أبو النصر والتي خلصت
إلى عدم التزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي في األراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام ،1967لكنه يجب
إيضاح جزئية العالقة بين الصليب األحمر واألسرى الفلسطينيين وكذا العالقة بينه وبين إسرائيل فيما
يخص األسرى فقط.
تعتبر اللجنة الدولية للصليب األحمر أهم مؤسسة يلجأ إليها الناس في أوقات الحرب،إن لم تلجأ الدول
إليها أحياناً ،وفي إطار قضية األسرى الفلسطينيين لم يستطع أعضائه زيارة األسرى إال بعد عشرة أشهر
من حرب ،1967وتبقى إشكالية العالقة بين اللجنة وإ سرائيل كون األخيرة ترفض اعتبار األسرى
(أسرى حرب)،وبالتالي فهي غير ملزمة بتطبيق اتفاقية جنيف التي أصرت اللجنة على تطبيقها عليهم،
ولكن دون جدوى ،وادعت إسرائيل أنها ستتعامل مع االتفاقية ببنودها اإلنسانية فقط ،لكن ذلك ينطبق أيضاً
على تعاملها مع السجناء الجنائيين وبالتالي ال جديد في تعاملها مع األسرى الفلسطينيين ،وظلت العالقة
بين الصليب األحمر وإ سرائيل هكذا حتى عام ،1978عندما تم التوقيع على اتفاقية بين الطرفين لتعريف
مثل حجم الظروف اإلنسانية التي عاشها األسرى الفلسطينيون نشاط اللجنة تجاه األسرى(.)1()1
في سجن أنصار مفاجأة كأقل تعبير علمي لكل معني بحقوق اإلنسان ،وهذا ما يستدل عليه من إقدام
الصليب األحمر بإيقاف زيارته لهذا السجن في 25/7/1982أي بعد أيام من افتتاحه( ،)2وكانت هذه المرة
( )3الواقع الصحي في معتقل أنصار ،مجلة بلسم ،ع ،104 -103يناير -شباط ،1984ص.110 (
ساهمت بعض المؤسسات العربية في دعم قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية ،تلك
المؤسسات التي كان ما يبرر ارتباطها بهذه القضية أمراً غير الوازع الوطني ،فالذي ينظر إلى طبيعة هذه
المؤسسات يعرف سبب دعمها وأهم هذه المؤسسات:
الرابطة المغربية لحقوق اإلنسان ويوجد عدد من اليهود المغاربة أعضاء في هذه المؤسسة ،بل إنها -
ساندت إضراب سجن عسقالن عام 1977ودعت حكومة المملكة لتقديم شكوى لمجلس األمن ضد
إسرائيل على خلفية إضراب األسرى(.)1()1
الطوائف المسيحية والكنائس ،ويمكن لنا رؤية موقفها ضد إسرائيل في قضية اعتقال المطران -
(كبوتشي) لدى السلطات اإلسرائيلية ،فتضمن نشاطها إطالق سراح كافة األسرى الفلسطينيين(،)2()2
وغير مرة كانت تقام الصلوات والقداس ألجل األمر.
اتحاد المحامين العرب والذي كان يعني بنشاط إحصائي لألسرى وتخصيص محامين أجانب للدفاع -
عن بعض قضايا األسرى الهامة كقضية فدائيي عملية الساحل(.)3()3
المنظمة العربية لحقوق اإلنسان وقد نشطت مع بداية الثمانينيات خاصة في إدانة ممارسات إسرائيل -
في سجن أنصار وكذا سياسة االعتقال اإلداري(.)4()4
الهيئات النسائية والنقابية في األردن والتي نشطت في نهاية السبعينات في إرسال المذكرات وإ قامة -
التظاهرات المؤيدة لألسرى في األردن وبالذات أمام السفارات الغربية ووكالة الغوث وتشغيل
الالجئين الفلسطينيين(.)5()5
وقفت بعض الشخصيات العربية الهامة إيجابياً تجاه قضية األسرى الفلسطينيين ،لكن يالحظ أن ذلك قد
جاء بظروف هامة خاصة الظرف اإلعالمي ،ففي عام 1972استقبل المسؤولون الرسميون الجزائريون
برفقة مسؤولي منظمة التحرير ،وعلى رأسهم صالح خلف استقبلوا األسرى المحررين من السجون
األلمانية استقبال األبطال ،والذين نفذوا سابقاً عملية قتل الرياضيين اإلسرائيليين في ميونخ بألمانيا ،وكذلك
قرار الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد األسرى المحررين صفقة التبادل في ديسمبر 1983في
فلسطين في دورته ،21وإ قرار رفعها للمناقشة في الجمعية العامة لألمم المتحدة.
إذا كانت القضية الفلسطينية تشكل قاسماً مشتركاً غير مختلف على تحقيق أهدافه بين الدول العربية ،فقد
مثل موضوع األسرى لب وحدة الرأي فلم يسجل أي اختالف ال على الهدف وال على الوسيلة في هذا
سواء في نشاطها في األمم المتحدة أو
ً الموضوع ،وبالتالي شكل وحدة الهدف والوسيلة بين الدول العربية
تجاه المنظمات والمجموعات الدولية األخرى لحركة عدم االنحياز أو منظمة المؤتمر األفريقي أو منظمة
الدول اإلسالمية،التي كانت إسرائيل تقف ضد الفلسطينيين ومن ضمنها األسرى.
( )2منذر عنبتاوي :واجبات األطراف الثالثة في الحروب المعاصرة ،ط ،1مركز األبحاث -منظمة التحرير الفلسطينية ،بيروت ،1971 ،ص (
.216
القرار متحيزاً ،ألنه يصف إسرائيل بـ(خارقة التفاقيات جنيف) دون دعوة األطراف األخرى االلتزام
بها(.)1
وحتى عندما قررت لجنة الشئون الخارجية في الكونغرس األمريكي مناقشة معاملة إسرائيل لألسرى
عام ،1974حرصت على االستماع في ذلك ليس من فلسطينيين ألن ذلك سيخل بالسياسة األمريكية ،إنما
استمعت من اليهود أنفسهم ومن الحكومة اإلسرائيلية ،أما من خارجها فكانت وجهة نظر (إسرائيل شاحاك
الناشط في حقوق اإلنسان في إسرائيل) والذي أكد بوضوح وشهادات من المؤسسة التي يديرها حصول
عشرات حوادث التعذيب لألسرى الفلسطينيين( ،)2ولكن لم يصدر أي بيان أو توصيات لإلدارة فيما بعد
للضغط على إسرائيل.
وفي عهد الرئيس كارتر حرصت إدارة الديمقراطيين على تركيز إدارة تسوية الصراع في يدها
مستبعدة كل األطراف األخرى ،وأهمها االتحاد السوفييتي ،وبعد أشهر من عمل اإلدارة أحبطت الواليات
المتحدة إصدار مشروع قرار لمجلس األمن يدين انتهاك إسرائيل لحقوق اإلنسان في األراضي العربية
المحتلة( ،)3وتعود أهمية هذا المشروع إلى أن المجموعة العربية عملت جاهدة لاللتفاف على موقف
الواليات المتحدة باستخراج قرار من مجلس األمن معتمدة على تقرير اللجنة التي أرسلتها الجمعية العامة
للتحقيق في حالة حقوق اإلنسان عام .1975
لم تستطع إدارة كارتر الدفاع بشكل مطلق عن سياسة إسرائيل في انتهاك حقوق اإلنسان وقضايا أخرى
(ليست الدراسة بصددها) ،حيث بدأت مؤسسات وشخصيات أمريكية ترفع تقاريراً للرأي العام األمريكي
عن قضية تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية ،فقد نشرت وسائل اإلعالم األمريكية تقرير
أعده ثالثة رجال دين أمريكيين حول تعرض األحداث الفلسطينيين للتعذيب الجسدي أثناء التحقيق معهم في
السجون اإلسرائيلية(.)4
شكل التقرير الموسع الذي أنجزه فريق من صحيفة الصاندي تايمز وتعزز بعشرات الشهادات وجود
التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،إزعاجاً لإلدارة األمريكية أكثر من إسرائيل ،وبمجرد نشر التقرير في
زاوية تحت المجهر في الصحيفة في حزيران 1977حصل جدال واسع في الواليات المتحدة وأوروبا،
ولم يكن أمام الناطق بلسان الخارجية األمريكية إال أن ينصح إسرائيل بالكف عن سياسة االعتقال اإلداري
( )1هالة أبو بكر سمودي :السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي ،1973-1967ط ،1مركز دراسات الوحدة العربية ،عمان، (
،1999ص.254-251
( ) 2إسرائيل شاحاك :عنصرية دولة إسرائيل( ،ب.ط) ،منشورات فلسطين المحتلة ،بيروت ،1984 ،ص.107 (
( ) 3أنظر كلمة مندوبة الواليات المتحدة األمريكية السيدة (جين كيرباترك) في مجلس األمن: (
( )5جامعة بيرزيت :تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري ،مصدر سابق ،ص.102 (
( )1سعيد عالء الدين :التعذيب في السجون اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص.195 (
( )2سمير نايفة :واقع االعتقال في السياسة اإلسرائيلية ،مرجع سابق ،ص.66 (
( )3حسين غباش :فلسطين حقوق اإلنسان وحدود المنطق الصهيوني ،ط ،1المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،1987 ،ص.105 (
عاملت إسرائيل األسرى الفلسطينيين على مر عقود الصراع على أنهم إرهابيين وليسوا أصحاب
قضية ،وقد أفلحت أعمال المقاومة في تحرير اآلالف منهم في تبادالت األسرى ولم تنجح اتفاقية السالم
المصرية اإلسرائيلية في كامب ديفيد ،وال االتفاق األردني اإلسرائيلي فيما بعد ،وال حتى مع أصحاب
الشأن ،فلم تستطع اتفاقيات أوسلو إغالق السجون ،بل إن أعداد األسرى تتزايد يوماً بعد يوم طالما استمر
هذا الصراع قائما ،فهل سنرى يوماً هدماً لهذه السجون كما هدم جدار فصل ألمانيا؟؟
(إن غداً لناظره لقريب ،ويومها سيفرح المناضلون)