You are on page 1of 203

‫(تمهيد)‬

‫األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية قبل ‪1967‬‬


‫بداية يمكن القول إن الفلسطينيين‪ ،‬والعرب‪ ،‬والمسلمين لم يقفوا مكتوفي األيدي في الصراع مع‬
‫المشروع االستعماري‪ ،‬الذي تمثل في زرع الجسم الصهيوني وسط المنطقة العربية‪ ،‬والذي جاء ضمن‬
‫سلسلة حلقات هدفها حماية المصالح الغربية‪ ,‬حيث يعترف المفكرون اليهود الصهاينة بأن المسئولين في‬
‫الحكومات البريطانية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬وعلى رأسهم نابليون بونابرت وبالمرستون‪ ،‬من أوائل من فكروا في‬
‫المشروع الصهيوني قبل الصهاينة اليهود‪ ،‬الذين ظهروا مع بروز"أسطورة التحرر" ‪ ،‬أو البحث عن وطن‬
‫قومي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪. *‬‬
‫وقد وقف الفلسطينيون يتصدون لهذا المشروع‪ ،‬وأفشلوا أول استيطان صهيوني في فلسطين في قرية‬
‫ملبس‪ ،‬والذي لم يكن حصوله صدفة وقت هزيمة المقاومة المصرية في التل الكبير عام ‪ ,1882‬وقاموا‬
‫من بعده بانتفاضة يافا عام ‪ ،1920‬وبهبة البراق عام ‪ ,1929‬وأخذت المقاومة بعدها بعداً إسالمياً‪ ،‬ترسخ‬
‫على األرض في ثورة ‪ ،1936‬والمقاومة العربية بقيادة فوزي القاوقجي عقب قرار التقسيم‪.‬‬
‫خرج المشروع الصهيوني بمساعدة الدول االستعمارية إلى الوجود عام ‪ ,1948‬وبدأت المقاومة‬
‫العربية المنظمة لهذا المشروع‪ ،‬و المتمثلة بأفكار الرئيس جمال عبد الناصر‪ ,‬التي كان أحد أوجه صورها‬
‫تخصيص ضباط مصريين لترتيب هذه المقاومة بزعامة مصطفي حافظ‪ ،‬لكن كان هناك "سلوك إسرائيلي"‬
‫هذا المصطلح الذي سأطلقه على النشاط الصهيوني بعد عام ‪ ،1948‬هذا السلوك الذي رسخ العداء والقهر‬
‫ضد الفلسطينيين‪ ،‬حيث ارتكبت المذابح التي سقط فيها الشهداء والجرحى وختمت باالعتقاالت‪ ،‬وهذا‬
‫السلوك اإلسرائيلي خلق حافزاً مهماً للمقاومة الفلسطينية‪ ،‬إضافة إلى حب الوطن المرسخ في أبنائه‪.‬‬
‫لقد اعتقلت إسرائيل قبل عام ‪ 1967‬في سجونها رجال المقاومة الفلسطينية في مناسبات وأحداث كثيرة‪،‬‬
‫كان غالبيتها أثناء مناسبتين‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -‬االجتياحات والغارات على المناطق الفلسطينية خارج الخط األخضر‪.‬‬
‫‪ -‬مهاجمة رجال المقاومة ألهداف إسرائيلية داخل الخط األخضر‪.‬‬

‫‪*‬‬
‫(*)عن أسماء الصهاينة غير اليهود ودعواهم إليجاد وطن لليهود أنظر‪:‬‬
‫‪Sokolow, Nahum: History of Zionist 1600-1978, selected and arranged by Israel. Solomon's, 2.vol,London,‬‬
‫‪Longmans, Green 1919, P.18-21.‬‬
‫‪) 1(1‬الخط األخضر‪:‬مصطلح أطلق على خط الفصل بين القوات األردنية واإلسرائيلية في اتفاقية الهدنة بينهما في مارس ‪ ،1949‬كما هو الحال في‬
‫خط الهدنة بين القوات اإلسرائيلية والمصرية الوارد حول غزة في اتفاقية الهدنة برودس في فبراير‪.1949‬‬
‫وقد هاجمت القوات اإلسرائيلية عام ‪ 1956‬قطاع غزة‪ ،‬ومارست أنواعاً شتى من االضطهاد للسكان‪ ،‬كان‬
‫أهمها ارتكاب مذبحة القلعة في خانيونس‪ ،‬والتي راح ضحيتها ما ال يقل عن ‪ 500‬شهيداً‪ ،‬وربما وصل‬
‫(‪)2‬‬
‫العدد خالل األيام األولى الحتالل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى آالف الشهداء‪.‬‬
‫استعملت إسرائيل في بدايات عمليات االعتقال الجماعي أسلوب تجميع السكان في أماكن معينة‪،‬‬
‫وتحويلها إلى معسكرات اعتقال‪ ،‬كما حدث عندما استولت القوات اإلسرائيلية على بعض المدارس ‪،‬‬
‫وحولتها إلى معسكرات اعتقال كانت مثاالً للتعذيب‪ ،‬كما أجبر الناس على المبيت في العراء‪ ،‬ولم يسمح‬
‫لهم بقضاء حاجتهم(‪ ،)3‬ويتضح أن إسرائيل كانت تمارس سياسة االعتقال بشكل عشوائي‪ ،‬حيث كانت‬
‫بعض فئات األسرى من المدرسين ونظار المدارس‪ ،‬ومن اللذين قدموا الخدمات للقوات المصرية‪ ،‬إضافةً‬
‫إلى أعيان المدن ‪.‬‬
‫ارتكبت إسرائيل مجزرة المدرسة األميرية "بئر السبع" في نوفمبر عام ‪ ،1956‬وقتلت العشرات‪،‬‬
‫والتي تبعها تجميع لفئة الشباب‪ ،‬واعتقال المئات منهم من أعيان المدينة‪ ،‬وكان ذلك تحت إشراف رجال‬
‫المخابرات اإلسرائيلية(‪ ،)4‬وهذا يؤكد حصول عمليات تحقيق وتعذيب أثناء اعتقال المئات من الشباب‪ ،‬وبعد‬
‫االنسحاب اإلسرائيلي من قطاع غزة وعودة اإلدارة المصرية‪ ،‬اشتدت الغارات اإلسرائيلية على القطاع‬
‫براً وجواً‪ ،‬فقام رجال المقاومة الفلسطينية بتنفيذ المئات من عمليات التسلل داخل إسرائيل‪ ،‬ومهاجمة‬
‫المواقع العسكرية‪ ،‬والقرى الزراعية المجاورة لحدود للخط األخضر بالضفة الغربية وقطاع غزة‪.)5(.‬‬
‫وقد استطاعت إسرائيل أسر العشرات من الفلسطينيين خالل عمليات تسللهم هذه‪ ،‬وسرعان ما كانت‬
‫تحولهم إلى جهاز المخابرات االسرائيلية‪ ،‬واستمر الحال حتى عام ‪ ،1967‬حيث شهد بداية عام ‪1965‬‬
‫نشاطاً ملحوظاً للمقاومة‪ ،‬وذلك بانطالق حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"‪ ،‬التي لم تنسق عملياتها‬
‫مع الحكم األردني‪ ،‬أو مع اإلدارة المصرية‪ ،‬وبالطبع لم تتعامل إسرائيل مع هؤالء األسرى على أنهم‬
‫أسرى حرب‪ ،‬بل على أنهم "مخربون" يهدفون إلي إبادة إسرائيل‪ ،‬فكانت تسلم بعضهم لما يسمى بمصلحة‬
‫السجون‪ ،‬وبعضهم للشرطة العسكرية في الجيش االسرائيلي‪ ،‬ويبدو أن مكان االعتقال هو الذي كان يحدد‬
‫الجهة التي تستلم السجين فور أسره من ِقبل قوات الجيش أو الشرطة في إسرائيل‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية قبل وأثناء حرب ‪:1967‬‬


‫(‪ )1‬زكريا السنوار‪ :‬العمل الفدائي في قطاع غزة من ‪:1973-1956‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬نوقشت بمعهد البحوث والدراسات‬ ‫‪2‬‬

‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2003 ،‬ص‪.44‬‬


‫‪ )2(3‬محمد علي‪/‬عمر الفرا‪ :‬خانيونس ماضيها وحاضرها‪،‬ط‪ ،1‬دار الكرمل‪ ،2000 ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪ )3(4‬زكريا السنوار‪ :‬العمل الفدائي في قطاع غزة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ )4‬رحبعام زئيفي‪ :‬مطاردة األمير األحمر‪،‬ط‪ ،1‬دار سلمون‪ ،‬تل أبيب‪ ،1983 ،‬ص‪( 27‬باللغة العبرية)‪ ،‬وكان المؤلف مستشار رئيس‬ ‫‪5‬‬

‫الوزراء اإلسرائيلي لشئون مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وقد قتله رجال المقاومة الفلسطينية خالل انتفاضة األقصى عام ‪2002‬م‪.‬‬
‫تعود فكرة إنشاء أماكن اعتقال إسرائيلية إلى ما قبل إعالن دولة إسرائيل بعدة سنوات‪ ،‬ويبدو أن‬
‫تصاعد حالة الصدام بين المنظمات الصهيونية ومجموعات المقاومة العربية والفلسطينية كانت وراء هذا‬
‫التفكير‪ ،‬ففي عام ‪ 1949‬صدر عفو عام في إسرائيل‪ ،‬تم بموجبه إطالق سراح كافة السجناء اليهود‪ ،‬ولم‬
‫يكن في السنوات األولى لقيام اسرائيل إال سجن تلموند‪ ،‬وأصبح التفكير في فتح منشأة حجز في يافا‬
‫الستيعاب جميع السجناء (جنائيون ‪ ،‬وأمنيون ‪ ،‬ومتسللون ‪ ،‬وأحداث ‪ ،‬ومصابون بأمراض عقلية)‪ ،‬ويمكن‬
‫االعتقاد بأنه حتى ذلك الحين لم يكن هناك أسرى فلسطينيون سوى المتسللون ألخذ حاجتهم من بيوتهم من‬
‫(‪)6‬‬
‫القرى القريبة‪ ،‬من الخط األخضر وخط الهدنة‪.‬‬
‫وبعد عام ‪ 1956‬تزايدت عمليات المقاومة الفلسطينية ‪ ،‬بل ربما كان ابتداء المقاومة المنظمة‪ ،‬حيث‬
‫كان هناك عدد من األسرى الفلسطينيين في سجن شطة‪ ،‬وسجل تمردهم على السجانين‪ ،‬ومن الممكن أن‬
‫يكون هذا التمرد وراء تغيير إدارة مصلحة السجون لسياستها بإعادة صيانة كافة أماكن االعتقال‪ ،‬وكذلك‬
‫سن تشريعات جديدة‪ ،‬لمواجهة النقص الحاد في اإلقبال على العمل كسجانين في المجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬حيث‬
‫أقامت السلطات في كفاريونه قاعدة إرشاد لطاقم مصلحة السجون(‪ ،)7‬وبالتالي كان األسرى الفلسطينيون‬
‫واليهود (أمنيون وجنائيون) في خمسة سجون (الرملة‪ ،‬ماعاسياهو‪ ،‬تلموند‪ ،‬شطة‪ ،‬كفاريونه)‪.‬‬
‫وواجهت إسرائيل أثناء حرب عام ‪ _1967‬التي لم تستمر سوى بضعة أيام _ مشكلة التعامل مع‬
‫األسرى العرب والفلسطينيين‪ ،‬ومن هو مثبت الشخصية‪ ،‬ومن لم يثبت هويته الشخصية‪ ،‬ومن قاتل ومن لم‬
‫يقاتل‪ ،‬ومن ينتمي لجيش‪ ،‬أو مجموعة‪ ،‬أو منظمة‪ ،‬فصارت الفكرة إلى إنشاء معسكرات اعتقال سريعة‬
‫اإلنشاء من قبل سالح الهندسة في الجيش والشرطة لحل هذه المشكلة التي واجهها كذلك البريطانيون الذين‬
‫افتتحوا معسكرين في تل الربيع وغزة آنذاك‪.‬‬
‫وقد رفض البرلمان اإلسرائيلي (الكنيست) العودة إلى فكرة معسكرات االعتقال‪ ،‬واستعيض عن ذلك‬
‫بملء السجون اإلسرائيلية الخمسة لحين إيجاد التشريعات الجديدة الكفيلة بفتح سجون يشرف عليها الجيش‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫لكن طبيعة التعامل مع األسرى الجدد خاصة من الفلسطينيين كلوازم التحقيق هو الذي جعل مصلحة‬

‫‪ ) 1(6‬مصلحة السجون في إسرائيل‪ :‬تاريخ مصلحة السجون في إسرائيل‪ ،‬نشرة صادرة عن مصلحة السجون في إسرائيل‪ ،1997 ،‬ص‪،3‬‬
‫(بالعبرية)‪.‬‬
‫‪ )2(7‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )3(8‬سعيد عالء الدين‪:‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات فلسطين المحتلة‪(،‬ب‪،‬م)‪ ،1983،‬ص‪.83‬‬
‫السجون تساعد الجيش في حراسة األسرى‪ ،‬وهذا هو السبب في استالمهم المبكر لمنشآت نابلس وغزة‬
‫التي تم إعدادها فيما بعد كسجون‪.‬‬
‫ومنذ األيام األولى بعد حرب ‪1967‬عرض مدير مصلحة السجون الخطة الشاملة التي كانت أساساً‬
‫للتعامل مع األسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا أثناء الحرب‪ ،‬حيث صنف السجون التي ستقام إلى خمسة‬
‫أصناف‪ ،‬هي(‪:)9‬‬
‫‪-‬سجن للسجناء العنيفين بشكل خاص‪.‬‬
‫‪-‬سجون مفتوحة‪ ،‬يسمح للسجناء فيها بالعمل خارج السجون‪ ،‬والعودة إليها وحدهم‪.‬‬
‫‪-‬سجون إقليمية‪ ،‬حيث يتم سجن كل سجين في منطقة سكنه‪.‬‬
‫‪-‬سجون األحداث‪.‬‬
‫‪-‬سجون للنساء‪.‬‬
‫ويتضح أن أكثر من ‪ %95‬من األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية منذ ‪ 1985-1967‬تم‬
‫وضعهم في سجون الفئة األولى‪.‬‬
‫وقد شهدت األشهر األولى بعد الحرب أسر الجيش اإلسرائيلي آلالف األسرى العرب والفلسطينيين‪،‬‬
‫وكان من المؤكد أنهم سيعاملون أسرى الجيوش العربية على أنهم أسرى حرب‪ ،‬وذلك ألن هذه الجيوش‬
‫كان بحوزتها أصالً أسرى إسرائيليين‪ ،‬أما بالنسبة للفلسطينيين فلم تكن النية أبداً التعامل معهم كأسرى‬
‫حرب رغم أنهم يتبعوا لمنظمات حاربت مع الجيوش العربية‪ ،‬وعليه فقد أقام الجيش اإلسرائيلي على عجل‬
‫(‪)10‬‬
‫( نخل أبو زنيمة‪ ،‬القصيمة‪ ،‬ووادي موسى قرب مدينة الطور‪،‬‬ ‫عدداً من معسكرات االعتقال أهمها‬
‫ودير سانت كاترين العريش ‪ ،‬ورفح‪ ،‬وأم البيوك جنوب رفح)‪ ،‬وقد كانت هذه المعسكرات ملحقة بأحد‬
‫معسكرات الجيش‪ ،‬وتتكون من خيام محاطة باألسالك الشائكة‪ ،‬وال يسمح لألسرى بسماع الراديو‪ ،‬أو‬
‫اقتناء الكتب‪ ،‬أو قراءة الصحف‪ ،‬وقد لوحظ أن الجيش قد نفى عائالت فلسطينية بأكملها لهذه المعسكرات‪،‬‬
‫وعلى هذا النهج نفسه أقام الجيش معسكرات اعتقال لسكان الضفة الغربية‪ ،‬وذلك في صرفند والنبي صالح‬
‫قرب أريحا(‪ ،)11‬حيث يمكن فهم المعاملة التي كان يتلقاها األسرى الفلسطينيون وعائالتهم‪ ،‬على يد هؤالء‬
‫الجنود غير المؤهلين لهذا العمل‪ ،‬وقد جاء األسرى الفلسطينيون الذين اعتقلتهم السلطات اإلسرائيلية‪ ،‬خالل‬
‫منتصف الستينيات‪ ،‬من عقليات مقاومة وعداء إلسرائيل‪ ،‬من جيل ولد في السنوات القريبة من نكبة‬

‫‪ )1(9‬السجون اإلسرائيلية‪:‬صحيفة الفجر‪ ،20/2/1979،‬ص‪.4‬‬


‫(‪ )2‬نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،1/4/1972،‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،1973،‬أنظر أيضاً الجبهة المتحدة‪ :‬فلسطينيون في سجون‬ ‫‪10‬‬

‫االحتالل‪( ،‬ب‪.‬ط)‪ ،‬منظمة التحرير الفلسطينية‪(،‬ب‪.‬م)‪ ،1975،‬ص‪.35‬‬


‫‪ )3(11‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪،‬ط‪ ،1‬دار اللوتس ‪،‬تونس‪،1986 ،‬ص‪.33‬‬
‫سواء قبلها أو بعدها‪ ،‬أي أنه حمل أفكار المعاناة وسنوات الضياع الفلسطيني‪ ،‬سنوات فقدان الهوية‬ ‫ً‬ ‫‪1948‬‬
‫والكيان الفلسطيني التي بدأ العثور عليها وإ عادة بنائها مع بداية الستينيات‪ ،‬هذه الفئة من رجال المقاومة‬
‫على اختالف انتماءاتهم اعتقلهم الجيش اإلسرائيلي بأكثر من طريقة‪ ،‬وفي أكثر من وقت‪ ،‬فقد اعتُقل عدد‬
‫قليل منهم قبل عام ‪ ،1967‬حيث كان أغلبهم ينتمون لقوات العاصفة (الجناح العسكري لحركة التحرير‬
‫الوطني الفلسطيني فتح)‪ ،‬فكان أول أسير للثورة الفلسطينية هو "محمود أبو بكر حجازي" الذي اعتقل عام‬
‫‪ 1965‬عقب اشتباك مسلح قرب بيت جبريل‪ ،‬وكذا اعتقال "سكران محمد سكران" عام ‪ 1966‬عقب‬
‫اشتباك مسلح في منطقة الجليل وهو أول أسير لتنظيم شباب الثأر (الجناح العسكري لحركة القوميين‬
‫العرب‪ -‬إقليم فلسطين‪ ،‬والذي سمي فيما بعد بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) (‪ ،)12‬وعلى ذلك فمن المؤكد‬
‫أنه كان في السجون اإلسرائيلية قبل ‪ ،1967‬أسرى فلسطينيون ينتمون لمنظمات وحركات فلسطينية‪ ،‬من‬
‫خارج منظمة التحرير‪.‬‬
‫كما اعتقل الجيش اإلسرائيلي مئات الفدائيين خالل حمالت مطاردتهم في البساتين المزروعة‬
‫بالحمضيات والموز‪ ،‬بل والتحقيق معهم ميدانياً‪ ،‬وذلك لضبط حالة الفدائيين‪ ،‬والحد من تأثيرها في بساتين‬
‫غور األردن(‪ ،)13‬ومن هذه المنطقة المقابلة ألريحا ونابلس كانت بوابة المقاومة عقب حرب ‪ ،1967‬حيث‬
‫توفر العامل الديموغرافي (سكان عرب على جانبي نهر األردن)‪ ،‬وكذا حالة المنطقة الطوبغرافيا المالئمة‬
‫لحرب العصابات‪.‬‬
‫وقد حرصت السلطات اإلسرائيلية على اعتقال المسئولين عن تنظيم النشاط الفدائي في األسابيع‬
‫واألشهر األولى بعد الحرب‪ ،‬حيث كان عدد كبير منهم ال يزال في األراضي المحتلة‪ ،‬وعلى رأسهم ياسر‬
‫عرفات‪ ،‬وهذا ما يستدل من خالل مهمة عبد العزيز شاهين وهو من كبار رجال المقاومة التابعة لقوات‬
‫العاصفة في ذلك الوقت‪ ،‬حيث اعتقل أثناء مهمة للوصول إلى عرفات عند اللطرون في سبتمبر‪،)14(1967‬‬
‫وكذلك اعتقال رياض أمين جابر وهو مسئول عسكري كبير في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد‬
‫معركة سميت "بليلة القنابل" قرب الخليل‪ ،‬واعتُقل جريحاً في ‪ ،)15(1/2/1967‬ويتضح أن رجال المقاومة‬
‫الذين اعتقلوا قبل الحرب‪ ،‬وفي األشهر األولى التي تلتها كانوا من الفدائيين المسئولين عن النشاط المسلح‪،‬‬
‫ويبدو أن استالم ومشاركة جهاز المخابرات اإلسرائيلي يعترف رئيس هذا الجهاز فيما بعد "أنهم كانوا‬

‫‪ )1(12‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية ‪،‬ط‪ ،1‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ ،1679،‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )2‬يعقوب بيري‪ :‬كنت رئيساً للشين بيت ط‪ ،1‬دار الجليل‪،‬عمان‪،1999،‬ص‪ ،18‬ويروي المؤلف ما حصل معه كضابط مخابرات مسئول عن‬ ‫‪13‬‬

‫النشاط اإلسرائيلي عام ‪ 1967‬في منطقة األغوار التي يشير إليها‪.‬‬


‫‪ )3(14‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.16‬‬
‫‪ )4(15‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.107‬‬
‫وراء اعتقال الخاليا الكثيرة في مناطق الضفة الغربية‪ ،‬وقد كانت الخلية تصل إلى عشرة أفراد أحياناً‪،‬‬
‫يملكون قطعة سالح خفيفة واحدة " (‪.)16‬‬
‫لم تكن إسرائيل دقيقة في اعتقالها للفلسطينيين حتى وفق مقاييسها‪ ،‬فلم يكن كل األسرى من رجال‬
‫المقاومة أو حتى من لهم عالقة بالمقاومة‪ ،‬فخالل عام ‪ 1967‬اعتقلت السلطات (كافة أجهزة األمن)‬
‫اآلالف على خلفية سياسية‪ ،‬ولكن كان المئات فعالً ينتمون إلى المنظمات الفلسطينية‪ ،‬وكان من بينهم‬
‫عشرات الفلسطينيين من سكان فلسطين المحتلة عام ‪ .)6(1948‬ويتضح هنا أن رجال المقاومة الفلسطينية‬
‫لم يكونوا منحدرين من المناطق التي احتلت عام ‪ 1967‬فقط بل كانوا من مناطق فلسطين المحتلة عام‬
‫‪ 1948‬أيضاً ‪،‬وكذا من الالجئين الفلسطينيين الذين يقطنون بالمخيمات في األردن ولبنان‪.‬‬
‫و برغم قلة عددهم لم يكن الرابط التنظيمي هو الذي ربط العالقة بين هؤالء األسرى‪ ،‬بل كان الانتماء‬
‫القبلي والفهم العشائري على رأس سلم االنتماء داخل السجن‪ ،‬وفي أحسن األحوال كان االنتماء للخلية أو‬
‫المجموعة أو القضية‪ ،‬هذا ما كان يسهل سيطرة مسئولي السجون من جيش أو شرطة مصلحة السجون‬
‫على األسرى واختفاء أي شكل من أشكال الحياة التنظيمية في تلك الفترة ‪.‬‬
‫إن المتتبع لطبيعة األسرى الفلسطينيين الذين كانوا في السجون اإلسرائيلية على خلفية وطنية‪ ،‬حتى‬
‫نهاية عام ‪ ،1967‬يرى أن ‪ %46.3‬منهم كان محكوماً‪ ،‬بمعنى أن غالبية األسرى كانوا موقوفين أي أنه‬
‫ال يزال هناك فراغ قانوني في تقديمهم للمحاكمة‪ ،‬وأكثر من ‪ %50‬منهم تقل أعمارهم عن ‪ 20‬عام أي‬
‫أنهم من مواليد ما بعد عام ‪ ،1948‬أو أثناء الهجرة و سكن خيام وكالة غوث وتشغيل الالجئين‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬وفقط ‪ %18‬منهم فوق ‪ 30‬عام ‪.‬‬
‫ويتضح من خالل طبيعة نشاط المقاومة الفلسطينية أن معظم التهم التي ُوجهت لهؤالء األسرى كانت‬
‫االنتماء للمنظمات الفلسطينية‪ ،‬واالشتباك مع قوات األمن اإلسرائيلية‪ ،‬ورفع صور الرئيس جمال عبد‬
‫الناصر‪ ،‬واألعالم الفلسطينية‪ ،‬وتعتبر الحرب سببا في اختالف إحصائيات بداية العام عن نهايته‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مجتمع األسرى الفلسطينيين قبل وأثناء عام ‪1967‬‬


‫برغم الحالة السيئة لألسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬والتي يمكن أن نراها مع عام‬
‫‪2000‬م‪ ،‬فإن األسرى يتحدثون بأن درجة هذه الحالة السيئة تحققت بفعل رحلة طويلة من التضحيات‪ ،‬أي‬
‫أنه يختبئ وراء هذه الحالة وصفاً أسوأ بكثير مما يتصور‪ ،‬ابتدأ بنوايا اإلسرائيليين منذ وضعوا اللبنة‬

‫‪ )5(16‬يعقوب بيرى‪ :‬كنت رئيساُ للشين بيت‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.38‬‬


‫‪ )6(6‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ‪ ،1969‬مؤسسة الدارسات الفلسطينية‪ ،1970،‬ص ‪ ،372‬نقالً عن تصريحات لوزير الشرطة لصحيفة‬
‫إسرائيلية‪.‬‬
‫األولى للسجون وبدأت معالمها في تجربة هذه النوايا تجاه األسرى األوائل‪ ،‬التي كانت في إطار مجاالت‬
‫الحياة داخل السجون‪ ،‬فلو تصور أحد أن األسرى الفلسطينيين قد قاموا عام ‪ 1966‬بعمل احتفال في ذكرى‬
‫انطالقة الثورة الفلسطينية ورفعوا خالله األعالم الفلسطينية أو صور جمال عبد الناصر‪ ،‬لقامت إسرائيل‬
‫بقصف هذا السجن ‪.‬‬
‫لقد كانت بدايات األسرى الفلسطينيين غير تلك الصورة التي وصلوا إليها قبيل انتفاضة األقصى بنهاية‬
‫القرن الماضي في أغلب مجاالت الحياة‪ ،‬فقد كان في الغرفة تسعون معتقالً‪ ،‬ولكل منهم غطاء واحد‬
‫(بطانية)(‪ ،)17‬وكيف سيكون الحال إذا افترضنا أن ذلك سيكون في سجن نابلس في فصل الشتاء‪ ،‬حيث‬
‫تصل درجة الحرارة إلى تحت الصفر‪ ،‬وإ ذا افترضنا أن ذلك في سجن بئر السبع حيث تتعدى درجة‬
‫الحرارة صيفاً في صحراء النقب األربعين درجة‪ ،‬وعند تغيير إسرائيل لهذا النظام فإنها تقلل عدد األسرى‬
‫إلى ثالثين معتقالً‪ ،‬ولكنها تقلل أيضاً من مساحة الغرفة لتصل إلى أقل من اثني عشر متر مربعاً‪.‬‬
‫لم يكن لدى إدارة السجون ثمة اهتمام بالنظافة‪ ،‬وكان ذلك بحجة أن األسرى كانوا داخل مواقع‬
‫عسكرية‪ ،‬فقد كان األسرى يقضون حاجتهم في دلو (جردل) كان يوضع في زاوية الغرفة‪ ،‬وقد أعيد‬
‫استمرار هذا األسلوب عام ‪ ،1985‬لكن على أيدي ضباط الشرطة العسكرية‪ ،‬أثناء اعتقال نشطاء األجنحة‬
‫الجماهيرية التابعة للتنظيمات الفلسطينية خاصة تلك التي تنشط بالجامعات ‪ ،‬وقادة العمل النقابي(‪ ،)18‬ولم‬
‫يكن من الممكن رؤية دورات مياه في سجن طولكرم حتى عام ‪ ،1971‬ومن خالل مطالبة األسرى في‬
‫إضراباتهم حتى عام ‪ 1974‬بإيجاد الماء الساخن في السجون‪ ،‬يمكن أن نفهم أن السجون لم تكن توفر‬
‫الماء الساخن حتى ذلك التاريخ‪.‬‬
‫وقد مثلت صورة حياة األسرى في السجون ومعسكرات االعتقال اإلسرائيلية في بداية االحتالل صورة‬
‫من التعذيب النفسي حتى عام ‪ ،1971‬حيث كان نوم المعتقل أثناء النهار ممنوعاً بل إن ممارسة الرياضة‬
‫كانت ممنوعة‪ ،‬والصالة الجهرية أو الجماعية كانت من المحظورات التي يتم عقاب فاعلها(‪ ،)19‬ومن‬
‫المعروف العواقب الصحية على إنسان يمكث في الفراش ألكثر من ‪ 20‬ساعة يومياً وذلك لعدة أشهر أو‬
‫لعدة سنوات‪.‬‬
‫كما مثّل سوء التغذية أحد صور حياة األسرى التي عكست سوء األحوال المعيشية في السجون‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬منذ وجدت من قبل عام ‪ ،1967‬واستمرت حتى عام ‪ 1969‬بإعطاء المعتقل ُخمس رغيف‬

‫‪ )1(17‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪ ،1989 ،‬ص‪.16‬‬
‫(‪ ) 1‬كان على المعتقل قضاء حاجته أمام ماال يقل عن عشرين من زمالئه ومن المكن أن يقوم الجنود بإجبار أحد زمالئه على مساعدته في ذلك‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫مشاهدة الباحث ذلك في ديسمبر ‪ 1984‬بمعسكر الكتيبة‪.‬‬


‫‪ )2(19‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫ويعطي مرة في األسبوع قطعة لحم‪ ،‬ال تزيد عن خمسين غراما (‪ ،)20‬في الوقت الذي ال تكفي قطعة‬
‫خبز‪ُ ،‬‬
‫اللحم هذه لسد الحاجة الصحية لإلنسان في يوم واحد‪ ،‬لكن إسرائيل كانت تعوض ذلك بالسماح لألهالي‬
‫بإدخال جميع أنواع األغذية لألسرى‪ ،‬ويبدو أن هذا اإلجراء كانت له سيئاته أكثر من إيجابياته‪ ،‬فقد كان‬
‫يزرع الفارق الطبقي بين األسرى ويسهم في تفرقتهم‪ ،‬بل وسكوتهم عن كميات الغذاء التي تأتي من إدارة‬
‫السجون أصالً‪ ،‬وحتى عندما وافق األسرى‪ -‬لم أعثر على رفضهم لقرار إدارة السجون بمنع األغذية‪-‬‬
‫كان البديل اإلسرائيلي زيادة كمية الغذاء بنصف بيضة يومياً وكمية من الفاصوليا أيضاً كل يوم‪ ،‬إضافةً‬
‫إلى قطعة من الكيك أسبوعياً(‪ ،)21‬وهذه الكميات ال تكفي أيضاً للحفاظ على صحة اإلنسان العادي‪.‬‬
‫كما تمثل مساحة الفسحة"الفوره" في كل سجون العالم مطلباً صحياً ونفسياً للسجين‪ ،‬لكن هذا اإلجراء‬
‫لم يكن معروفاً في السجون اإلسرائيلية قبل عام ‪ ،1967‬وقد تم البدء في التعامل به بعد أشهر من حرب‬
‫‪ ،1967‬أي بعد بداية نشاط الصليب األحمر‪ ،‬وكانت في ظروف قاهرة‪ ،‬فعلى السجين أن يلبس الزي‬
‫الرسمي للسجن وينظف فراشه وغرفته قبل الخروج‪ ،‬وكأنه سيحصل على مكافأة يجب أن يدفع استحقاقها‬
‫قبل استالمها‪ ،‬لكن اإلسرائيليون كانوا يدعون أن في ذلك مصلحة للسجين ‪،‬هذا رغم المسافة بين الغرفة‬
‫والساحة كانت رحلة عذاب تتمثل في مشي األسرى اثنين اثنين‪ ،‬وأيديهم للخلف والرأس مطأطأ‪،‬‬
‫ويتعرضون لبعض الركالت من صف الشرطة الذي يكون واقفاً إضافة للشتائم(‪ ،)22‬وكانت هذه الفسحة تتم‬
‫ويمنع خاللها الحديث بين األسرى أو حتى النظر‬
‫مرة أسبوعياً ولمدة ربع ساعة ليرى السجين الشمس‪ُ ،‬‬
‫إلى وجه السجان(‪ ،)23‬حيث يشكل ذلك احتقاراً ‪ ،‬أو حتى محاولة اعتداء على رجل الشرطة‪ ،‬فقد كانت‬
‫نشوة انتصار الحرب تحرك نفسية كل جندي إسرائيلي‪ ،‬ويتم تفريغ هذه النشوة في االعتداءات المتكررة‬
‫على المخيمات‪ ،‬أو في معاملة األسرى‪.‬‬
‫مثل حجم العبء الملقى على عاتق رجال المخابرات اإلسرائيلية والمتمثل في التحقيق مع آالف‬
‫األسرى‪ ،‬بل وتوفير معلومات سريعة لقوات الجيش‪ ،‬مثل هذا العبء ضغطاً عليهم‪ ،‬فكان األسير‬
‫الفلسطيني منفذاً وحيداً لتفريغه‪ ،‬فلم يكن في وسع ضابط التحقيق االنتظار إلى أسابيع أو حتى عدة أيام‬
‫إلنهاء التحقيق مع األسير‪ ،‬وأن أساليب االستجواب بالحوار والتحايل والتعذيب النفسي ستستغرق وقتاً‪،‬‬
‫وعليه فلم يكن سوى اللجوء إلى التعذيب الجسدي الذي بمفهوم الضابط من الممكن أن يعطي نتائج فورية‪.‬‬

‫‪ )3(20‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ‪ ،1969‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.399‬‬


‫‪ )4(21‬عدنان جابر‪ ،‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫(‪ ) 5‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ‪ :‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها‪ ،‬كراس(مخطوط) أعده المعتقلين الفلسطينيين في سجن‬ ‫‪22‬‬

‫عتليت عام ‪ ،1996‬ص‪.14‬‬


‫‪ )1(23‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪.18‬‬
‫كان على األسير أن يرى ثالث جهات سيضطر للتعامل مع كل فئة منها وكل واحدة تحمل ثقافة خاصة‪،‬‬
‫ومهمة أمنية معينة في القوات اإلسرائيلية وهم‪:‬‬
‫‪-‬ضباط المخابرات اإلسرائيلية‪.‬‬
‫‪-‬شرطة مصلحة السجون ( السجانون)‪.‬‬
‫‪-‬جنود الجيش المسؤولون عن كافة معسكرات قوات األمن اإلسرائيلي‪.‬‬
‫كما يبدو أن اختالط صالحية تعامل هذه الفئات تجاه األسرى‪ ،‬كان ضحيته األسرى أنفسهم‪ ،‬ويمكن فهم‬
‫ذلك من خالل قيام حراس السجن من الجيش بضرب األسرى جسدياً كلما مروا عليهم‪ ،‬وال يسمح لهم‬
‫بتقديم شكوى لمدير السجن الذي هو أصالً غير مسئول عن قوات الجيش الموجودة حول السجن(‪ ،)24‬وقد‬
‫استعمل ضباط المخابرات الذين ال يملك مدير السجن أي صالحيات عليهم عدة وسائل قبل وبعد حرب‬
‫‪ 1967‬للتحقيق أهمها(‪.)25‬‬
‫الضرب المبرح حتى اإلدماء الجسدي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حبس األسير مع كلب مدرب لتخويفه‪ ،‬أو حتى نهش مالبسه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إطالق النار بجانب قدمي األسير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫منع النوم مطلقاً ليالً ونهاراً‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وضع المعتقل في مياه قذرة أليام عدة‪ ،‬بل وسكب المياه الساخنة والمثلجة عليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حقن األسير بمواد مهيجة لألعصاب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يمكن االفتراض بأن المبرر هو حداثة تعامل أجهزة األمن اإلسرائيلية مع األسرى الفلسطينيين‪،‬‬
‫فقد كان عمر هذه األجهزة يزيد عن العشرين عاماً‪ ،‬وكانوا ضمن المليشيات الصهيونية قبل ذلك بعشرات‬
‫السنين‪ ،‬ومنهم َم ْن عمل ضمن أحدث أجهزة األمن في العالم في وقتها‪ ،‬كالبريطانية أو الفرنسية‪ ،‬إضافةً‬
‫إلى أنهم استعملوا أساليب أسوأ من هذه مع األسرى المصريين عقب حرب ‪ 1956‬وحرب‪ ،1967‬وقد‬
‫اعترف من كان مسئوالً في الجيش اإلسرائيلي بأن هذا الجيش كان يقوم بهذه الممارسات قبل وعقب‬
‫حرب ‪ ،1967‬فقد كان على السجين التزام الصمت طوال وجوده في الزنازين‪ ،‬وعدم التحدث‪ ،‬وكان‬
‫أسلوب صب الماء الساخن ثم البارد ليالً على السجناء متعارفاًٌ عليه بين ضباط المخابرات اإلسرائيلية(‪.)26‬‬
‫سواء اإلنسان المدني أو العامل في أجهزة األمن من أكثر‬
‫ً‬ ‫وتعد كلمة األمن لدى اإلسرائيلي‪،‬‬
‫المصطلحات قدسية التي من الممكن أن تكون مبرراً ألي إجراء‪ ،‬فالحفاظ على أمن الدولة كان بمثابة‬

‫‪ ) 2(24‬إسرائيل شاحاك‪ :‬عنصرية دولة إسرائيل (ب‪ .‬ط)‪،‬منشورات فلسطين المحتلة‪ ،‬بيروت‪،1984،‬ص‪.50‬‬
‫‪ )3(25‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ‪ ،1969‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.399‬‬
‫‪ )1(26‬إسرائيل شاحاك‪ :‬عنصرية دولة إسرائيل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.51‬‬
‫شماعة يمكن تعليق أي خطأ عليها‪ ،‬وهذا ما كان يتم رؤيته في تعامل السجانين مع األسرى‪ ،‬فقضية العدد‬
‫كانت قبل وعقب حرب ‪ 1967‬تمثل االطمئنان على أهم جانب‪ ،‬وهو عدد األسرى وعدم هروبهم‪ ،‬وهذا‬
‫العدد كان يأخذ شكل الضغط على األسرى‪ ،‬بل وجزء من التعذيب‪ ،‬فقد كان الضابط يدخل الغرفة ليعاينها‬
‫قبل ِ‬
‫العد‪ ،‬ويتفقد الفراش والنظافة‪ ،‬ووقوف كل معتقل على فراشه ألكثر من نصف ساعة النتظار دور‬
‫العد‪ ،‬فكيف سيكون األمر إذا افترضنا أن هذا اإلجراء سيكون ست مرات يومياً على األقل؟!‬
‫الغرفة في ّ‬
‫ومن الممكن أن يكون مرتين ليالً(‪ ،)27‬وقد تكون هناك إشكاليات أثناء العد‪ ،‬كعدم سماع الضابط لصوت‬
‫أحد األسرى عندما يردد رقمه‪ ،‬فقد ظل الجيش يستعمل سياسة العد نفسها التي استعملها النازيون في‬
‫أوروبا مع األسرى اليهود وغير اليهود‪ ،‬وذلك بالتعامل مع األسرى بأرقامهم‪ ،‬وحتى الضابط المشرف ال‬
‫يمكن أن يرى في الكشوفات التي بحوزته غير أرقام ال يمكنه رؤية أي اسم‪ ،‬وال يتم النداء على األسرى‬
‫إال باألرقام‪ ،‬ويكون ذلك حتى عند الخروج إلى جلب الطعام‪ ،‬أو مقابلة محامي‪ ،‬أو الذهاب إلى المحكمة‪،‬‬
‫أو حتى إلى العيادة(‪ ،)28‬ومن الممكن أن يتم سكب هذه األرقام على أيدي أو صدور بعض األسرى ممن‬
‫يصنفون بالمشاغبين أو الخطرين (حسب مفهوم إسرائيل)‪.‬‬
‫لم يكن قبل عام ‪ 1967‬أو في عام ‪ 1968‬سياسة معينة أو مدروسة من قبل إسرائيل للتعامل مع‬
‫األسرى الفلسطينيين‪ ،‬هذا ما يتضح من خالل تمايز وتباين سياسة التعامل معهم بين السجون المختلفة‪،‬‬
‫ونرى هذا الفارق بوضوح في كيفية التعامل مع األسرى من قبل إدارة مصلحة السجون و قوات الجيش‪،‬‬
‫وقد كانت قضية إلزام المعتقل على العمل داخل السجن أو في ورش قريبة من السجن من أكثر أوجه‬
‫التعامل القاسي مع األسرى ‪،‬فقد كان العمل في ورش تتبع شركات خاصة في إسرائيل لمدة ثماني ساعات‬
‫مقابل خمس سجائر وعلى األكثر عشر‪.‬‬
‫وكان العمل في صناعة شباك التمويه العسكري للدبابات واآلليات العسكرية اإلسرائيلية يمثل مرحلة‬
‫إذالل‪ ،‬فقد كان المعتقل يشعر بأنه يسهم في بناء وحماية آلية دخل السجن أصالً بسبب محاربته لها(‪،)29‬‬
‫ومن الممكن أن يكون قد ساد شعور جياش مضاد للمشاعر الوطنية أو شعور المعتقل بالخيانة عندما‬
‫يخرج لهذا العمل‪ ،‬لكن ذلك لم يكن بموافقة األسير أو أن موافقته ليس لها أي أهمية‪ ،‬أما المرافق المهمة‬
‫التي لها فائدة مباشرة لألسرى‪ ،‬فقد كانت السلطات تسندها إلى السجناء الجنائيين كالمكتبة‪ ،‬أو أعمال‬

‫‪ )2(27‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح‪ :‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )3‬توقف هذا اإلجراء عام ‪ 1969‬من قبل مصلحة السجون لكن الجيش ظل يستخدمه حتى يومنا هذا وينكر ذلك أمام اإلعالم‪ ،‬مشاهدة الباحث‬ ‫‪28‬‬

‫لذلك في معسكر الكتيبة فيما بعد و كان رقم الباحث ‪ 567‬ثم في اعتقال آخر‪.19762‬‬
‫‪ ) 4(29‬مقابلة مع عبد الحميد القدسي‪ :‬مسئول المعتقلين بسجن كفاريونا في الفترة ‪ ،1972-1967‬أجريت في ‪ 9/3/2004‬رام اهلل‪.‬‬
‫التنظيف‪ ،‬أو المغسلة‪ ،‬أو المخيطة‪ ،‬أو المخزن‪ ،‬ويقول األسرى الفلسطينيون إن إسرائيل كانت تهدف من‬
‫وراء إخراج األسرى في بدايات سنوات االحتالل إلى غرضين مهمين(‪:)30‬‬
‫‪-‬إذالل األسرى وكبح جماح مشاعرهم الوطنية‪.‬‬
‫‪-‬تأمين إيرادات مالية من أصحاب ورش العمل اإلسرائيلية أو ورش الجيش‪.‬‬
‫ويمكن القول إن العامل األول هو األرجح ‪ ،‬حيث يمكن االستدالل على ذلك بتخلي السلطات عن‬
‫المعاملة السيئة لألسرى في مرافق العمل بمجرد أي خطوة نضالية فيما بعد‪ ،‬كاإلضراب عن الخروج‬
‫لمرافق العمل‪ ،‬لكن من المستبعد أن يكون تأمين مبالغ مالية ال يمكن مقارنة قيمتها بالمشاكل التي واجهت‬
‫جراء إخراج األسرى للعمل‪ ،‬ويبدو أن أهمية القضاء على هذه الظاهرة من قبل األسرى‬
‫السلطات من ّ‬
‫كانت ضمن أولويات مطالبهم عند اإلضراب عن الطعام بعد عام ‪.1967‬‬
‫وبرغم الظروف السيئة التي عاشها األسرى الفلسطينيون على الصعد التنظيمية لمجتمعهم‪ ،‬والذي قد‬
‫يكون من الخطأ االفتراض أنهم كانوا في مجتمع تحكمه أي ضوابط غير ضوابط السجان‪ ،‬فإنهم رفضوا‬
‫العيش في هذا الواقع‪ ،‬أو التعرض له‪ ،‬وقد يكون الواعز وراء هذا الرفض غير وطني كمعاملة السجان‪،‬‬
‫ويمكن االستدالل على ذلك بالتمرد الكبير الذي حصل في سجن شطة عام ‪ ،1958‬والذي كان فيه سجناء‬
‫جنائيون‪ ،‬وآخرون على خلفية وطنية‪ ،‬غالبيتهم العظمى من فلسطينيي األراضي المحتلة عام ‪ ،1948‬حيث‬
‫تمكن أكثر من ست وستين سجيناً عربياً جنائياً وسياسياً من الهرب‪ ،‬بل نجح بعضهم في الوصول إلى نهر‬
‫األردن واجتيازه‪ ،‬وهذا برغم التعامل القاسي الذي تعامل به الجيش مع الهاربين‪ ،‬حيث قتل أثناءه أحد‬
‫عشر سجيناً من الهاربين‪ ،‬وأصيب عدد أكثر من ذلك (‪ ،)31‬ويعد هذا الحادث وراء إحداث التغييرات‬
‫الكبيرة في مصلحة السجون التي أدت إلى استقالة كبار ضباط المصلحة‪ ،‬وعلى رأسهم مندوب المصلحة‬
‫(‪)32‬‬
‫"تسفي حرمون"‪.‬‬
‫ولم يستثن من األمر عمليات هروب أخري‪ ،‬خاصة تلك التي كانت تأخذ شكل الهروب الفردي أثناء‬
‫فترة التحقيقات‪ ،‬وكان غالبية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية قبل عام ‪ 1965‬ينتمون إلي‬
‫حركة القوميين العرب‪ ،‬وقد كان هروب أي فلسطيني يثير توترات في مصلحة السجون أو في قيادة‬
‫الجيش (حسب المكان الذي هرب منه المعتقل)‪ ،‬ويمكن االستدالل على ذلك بالتغير الذي حصل في‬

‫‪ )1(30‬المصدر السابق‬
‫‪ )2(31‬مصلحة السجون في إسرائيل‪ ،‬نشرة تعريفية حول سجن شطة‪ ،‬ص‪ (،2‬بالعبرية)‪.‬‬
‫(*) نسفي حرمون‪ :‬من المؤسسين للسجون وصاحب فكرة تطويرها قبل إعالن الدولة‪ ،‬وعمل في الشرطة البريطانية وعين في بداية الخمسينات‬ ‫‪32‬‬

‫مندوب مصلحة السجون قبل أن يتغير إلى مصطلح قائد مصلحة السجون‪ ،‬وقد استقال من هذا المنصب عقب هروب شطة الكبير في‬
‫‪.31/7/1958‬‬
‫الشرطة العسكرية اإلسرائيلية في المنطقة الجنوبية‪ ،‬عندما نجح المعتقل الفلسطيني "وفا الصايغ" من‬
‫الهرب من السجن ليلة السابع من يناير عام ‪ 1957‬بعد اعتقاله بأربعة أيام وكذلك هروب المرحوم عطا‬
‫أبو كرش من نقس السجن وهو في الخامسة عشر من عمره(‪.)1()1‬‬
‫ولم يتغير الموقف الفلسطيني‪ ،‬أو العربي‪ ،‬أو الدولي من األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‬
‫حتى عام ‪ ،1967‬فقد كانت القضية الفلسطينية تمثل واعزاً وطنياً ضد االستعمار في نفوس األمة العربية‪،‬‬
‫في فترة كان النشاط القومي العربي يتصدر التصدي للمشروع الصهيوني واالستعماري‪،‬الذي كان متمثالً‬
‫باحتالل بعض المناطق العربية‪ ،‬الذي ال يزال باقياً ولم ينته‪.‬‬
‫صحيح لم يكن انطالق حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ضمن إطار أو دائرة حركة القوميين‬
‫العرب‪ ،‬أو حتى مطابقا ألفكارهم‪ ،‬إال أن هذه االنطالقة لم تعرض نشاطهم للخطر‪ ،‬إال ما استجد في‬
‫السنوات التالية من استقطاب الكثير من الشارع الفلسطيني‪ ،‬بل والعربي‪ ،‬وتعاطفه مع هذه االنطالقة‪ ،‬التي‬
‫جاءت على األقل كبديل واضح‪ ،‬في جزئية ممارسة الكفاح المسلح ضد إسرائيل بل والعنف الثوري بشتى‬
‫صور عنفوانه‪.‬‬
‫وفي األيام األولي لعام ‪ 1966‬أعلنت حركة فتح أن أحد رجالها‪ ،‬ويدعى "جالل كعوش" قد هرب من‬
‫االعتقال الصهيوني ليعتقله الجيش اللبناني ويقتله‪ ،‬وادعى األخير‪" :‬أن هذا المقاتل كان سينفذ عمالً‬
‫عسكرياً ضد إسرائيل ربما يجرها إلي حرب ال يحدد العرب وقتها ومكانها"‪ ،‬وقد كان الموقف الفلسطيني‬
‫‪2‬‬
‫واللبناني متميزاً بالمشاركة بتشييع جنازته‪ ،‬وتلقت الحكومة اللبنانية الكثير من المذكرات والتهديدات‪،‬‬
‫ويبدو أن التعاطف الشعبي الذي حدث كان للتعاطف مع الشهيد كونه كان أسيراً في السجون اإلسرائيلية‪،‬‬
‫خاصة أن بيان الجيش اللبناني اعتبر أن المذكور قد أرسل من قبل العدو‪ ،‬وإلفشال قرارات جامعة الدول‬
‫العربية‪ ،‬وأوامر القيادة العربية الموحدة‪ ،‬والتي كان بعض العرب يفهمها على أنها تكافح نشاط العمل‬
‫الفدائي غير النظامي‪ ،‬والذي يهدف إلى إيجاد حجة إلسرائيل لالعتداء بدون سبب‪.‬‬
‫ولم تتخل الحركات التي كانت تكافح إسرائيل عن أعضائها الذين اعتقلوا قبل عام ‪ 1967‬من قبل‬
‫إسرائيل‪ ،‬بل إنها وضعتهم على سلم أولوياتها بالعمل الفدائي وليس أدل على ذلك من رؤية اسم المعتقل‬
‫عبد الرازق عرفات(*) أول اسم على قائمة األسماء التي طلبت الجبهة الشعبية اإلفراج عنهم عندما اختطفت‬
‫طائرة‪ ،‬وأنزلتها في الجزائر عام ‪.)3(1968‬‬
‫(‪ )1()1‬مصلحة السجون في إسرائيل‪ ،‬نشرة تعريفية حول سجن شطة‪،‬ص‪ ( ،2‬بالعبرية)‪.‬‬
‫‪ )2(2‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ‪ ،1967‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪ ،1968 ،‬ص‪.112‬‬
‫(*) عبد الرازق عرفات‪:‬مقاتل كان يحمل أفكار القوميين العرب والذي خاض مع مجموعة معركة في ‪ 6/4/1956‬على حدود الخليل ووقع أسيراً‬
‫بيد إسرائيل وهو جريح وأمضى أثنى عشر عاماً قبل اإلفراج عنه‪.‬‬
‫(‪ )3()3‬عودة محمد عياش‪ :‬سنوات الغليان‪،‬دار األهرام‪،1976،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫وقد ش ًكل الموقف الرسمي الفلسطيني جزءاً من موقف جامعة الدول العربية‪ ،‬بل ال يمكن تسجيل أي‬
‫اختالف في الموقف الفلسطيني والعربي تجاه قضية األسرى في ذلك الوقت‪ ،‬فال خالف على قضية أسرى‬
‫في المحافل الدولية‪ ،‬فانه مهما كانت النتائج‪ ،‬فلن يربح منها أحد سوى التقرب إلى الجماهير الفلسطينية‪،‬‬
‫وهذا ما يمكن استنتاجه في جعل المندوب الفلسطيني ضمن وفد جامعة الدول العربية في األمم المتحدة‬
‫يتصدر الدفاع عن قضية األسرى خاصة في قضية محمود أبو بكر حجازي (أول أسير للثورة‬
‫الفلسطينية)‪ ،‬والذي أرسل عدة رسائل إلى أعضاء مجلس األمن وسكرتارية األمم المتحدة بذلك(‪ ،)1‬ويعد‬
‫قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق في اتهامات إسرائيل في األرضي العربية المحتلة‬
‫منذ األشهر األولى التي أعقبت حرب ‪ 1967‬دليالً على أنه كان هناك نشاط فلسطيني وعربي ضد‬
‫ممارسات إسرائيل‪.‬‬
‫انحدر غالبية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية قبل عام ‪ 1967‬من فلسطين المحتلة عام‬
‫‪ ،1948‬وبالتالي كان االرتباط الشعبي بين األسرى وبينهم أكثر من ارتباط األسرى وسكان الضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة‪ ،‬ولم يجد مسئولو األسرى الفلسطينيين في األشهر األولى بعد الحرب صعوبة في االتصال‬
‫بطالئع الفلسطينيين في مناطق ‪ ،1948‬خاصة بعض مسؤولي الطائفة البدوية ‪ ،‬أو مخاتير وشيوخ الطائفة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬ويعود السبب في ذلك إلى قرب هؤالء من السلطة في إسرائيل‪ ،‬بل ومشاركتهم في نظام‬ ‫الدرزية‬
‫الحكم كاالنتخابات‪ ،‬ومنهم أعضاء كنيست‪.‬‬
‫استطاعت إسرائيل تحقيق االنتصار العسكري في حرب ‪ 1967‬وبرغم أنها كانت البادئة في الحرب‬
‫إال أنها ظلت تدعي الدفاع عن النفس‪ ،‬ولطالما حدث جدال حول كيفية التصرف بهذه المساحات الشاسعة‬
‫من األراضي التي سيطرت عليها خالل الحرب‪ ،‬وكذلك كيفية التعامل مع الفلسطينيين والعرب القاطنين‬
‫على هذه األرض‪ ،‬فقد استفادت إسرائيل من اإلمكانيات التي كانت تملكها قبل الحرب ‪،‬ومن إمكانيات‬
‫السجون وإ جراءاتها وبالرغم من أن الجيش كان مخططاً الحتالل هذه األراضي الشاسعة‪ ،‬فإن مصلحة‬
‫السجون لم يكن لديها أي تخطيط الحتالل الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وما سيترتب عليها من أعباء كبيرة‬
‫بهذا القدر(‪ ،)3‬وأن العدد الكبير من الذين كان يحكم عليهم بالمؤبد أو مدى الحياة قد فاجأ المسؤولين حتى‬
‫في مصلحة السجون‪ ،‬ففي نهاية عام ‪ 1967‬اعتبر المجرم وستنفيلد مدير سجن عسقالن " أن حكم بالسجن‬
‫خمسة عشر عاماً أو مدى الحياة يقضيه المعتقل في زنزانة مع عشرين آخرين ال يمكن اعتباره إال نوعاً‬

‫(‪ )1()1‬اليوميات الفلسطينية لعام ‪ ،1965‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪ ،1966 ،‬مج‪،22‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )2()2‬مقابلة مع عبد الحميد القدسي‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫(‪ )3()3‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.146‬‬
‫من التعذيب" (‪ ،)4‬ويبدو أن هذا الضابط كان من أوائل الذين تزعموا فيما بعد الممارسات القاسية ضد‬
‫األسرى‪،‬بل إنه دافع عن سياسة مصلحة السجون اإلسرائيلية تجاه األسرى فيما بعد‪.‬‬
‫لم تكن إسرائيل قبل عام ‪ 1967‬تملك نظام محاكم عسكرية لمواطنين من خارج حدود الدولة‪ ،‬فلم‬
‫تستطع إسرائيل ضم المناطق التي احتلتها باستثناء القدس‪ ،‬وهضبة الجوالن‪ ،‬حيث تخوفت من تأثير ذلك‬
‫على الطابع الديني والديموغرافي للدولة‪ ،‬وبالتالي فهي بحاجة إلى أنظمة إدارية مختلفة عن تلك التي‬
‫تعاملت فيها مع مواطنيها من العرب‪ ،‬ومنها جزئية المحاكم‪ ،‬وهذا ما وجدت فيه صعوبة قبل عام ‪1967‬‬
‫مع الذين يعتقلون من خارج مناطقها‪ ،‬وعلى رأسهم قضية محاكمة محمود حجازي وما أحدثته من حالة‬
‫الجدل على المستوى الرسمي والشعبي‪.‬‬
‫طلب األسير محمود حجازي من رؤساء الدول العربية تعيين محام له‪ ،‬حيث نشطت الجامعة العربية‪،‬‬
‫ونجحت في انتداب محام فرنسي له‪ ،‬لكن ال يمكن تبرير رفض وزير العدل اإلسرائيلي"دوف جوزف"‬
‫لتعيين محام أجنبي للدفاع عن حجازي‪ ،‬وادعى بأن المحامي الذي تم انتدابه من الجامعة العربية متفق مع‬
‫المتهم على أن الديمقراطية في إسرائيل يمكن استغاللها لتشويه سمعة إسرائيل(‪ ،)1‬وكان حكم اإلعدام على‬
‫أول أسير للثورة الفلسطينية كفيل بزيادة حدة الجدل حول كيفية التعامل مع هؤالء األسرى‪ ،‬والذي قد‬
‫يصل إلى العشرات أو المئات‪ ،‬فهل ستقوم إسرائيل بإعدامهم جميعا‪ ،‬ويبدو أن هذا السبب والتصور كان‬
‫وراء قرار رئيس أركان الجيش إسحاق رابين بتشكيل محكمة عسكرية تعيد محاكمة حجازي التي بدأت‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫في مارس ‪،1966‬وتم إعادة الحكم في يونيو من العام نفسه‪ ،‬وحكم بالسجن لمدة ثالثين عاما‬
‫ثالثا ‪ :‬دور جهاز المخابرات اإلسرائيلي (الشين بيت)‪:‬‬
‫مع أن الدراسة ليست مختصة بدراسة أجهزة األمن اإلسرائيلية‪ ،‬أو حتى جهاز المخابرات اإلسرائيلي‬
‫"الشين بيت"‪ ،‬إال أن موضوع األسرى الفلسطينيين يش ّكل أهمية وجزءاً مهماً من عمل هذا الجهاز‪ ،‬بل إنه‬
‫ال يمكن العثور على أي سجين فلسطيني دون أن يكون له قصة مع أحد ضباط هذا الجهاز‪ ،‬فقد أصبح هذا‬
‫الجهاز جزءاً هاماً من أدوات االحتالل والسيطرة على السكان الفلسطينيين‪ ،‬وهو جهاز بالمفهوم‬
‫اإلسرائيلي متخصص في عمل االستخبارات اإلستباقية (جهاز وقائي)‪.‬‬
‫لقد اعتمد جهاز الشين بيت في المعلومات عن الفلسطينيين في الضفة الغربية على ضباط لواء‬
‫القدس الذي كان يعمل في مناطق القدس المحتلة عام ‪ ،1948‬وعلى قطاع غزة إلى تلك المعلومات التي‬
‫جمعها أفراد الجهاز أثناء حرب ‪ ،1956‬ومن األسرى الذين كان الجيش يلقي القبض عليهم أثناء تسللهم‪،‬‬

‫(‪ )4()4‬المرجع السابق‪،‬ص‪.147‬‬


‫(‪ )1()1‬اليوميات الفلسطينية لعام ‪،1965‬مصدر سابق‪،‬مج‪،2‬ص‪.85‬‬
‫(‪ )2()2‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫وعقب حرب ‪ 1967‬وتزايد أعداد األسرى الفلسطينيين‪ ،‬نشر هذا الجهاز كافة المستعربين الذين استعان‬
‫(‪)3‬‬
‫ديان) هو‬
‫بهم للسيطرة األمنية استخبارياً على السكان العرب داخل حدود الدولة‪ .‬وقد كان (موسى ّ‬
‫المسئول عن نقل هذا الجهاز إلى العمل ضمن المناطق المحتلة عام ‪ ،1967‬و تعتبر غالبية المسئولين‬
‫العسكريين اإلسرائيليين الذين عملوا خالل تلك الفترة في الضفة الغربية أن النشاط الفدائي وحجم المقاومة‬
‫الذي كان في تزايد قد أربك توزيع العمل القائم بين المؤسسات األمنية المختلفة (الجيش‪ ،‬والشين بيت‪،‬‬
‫والشرطة‪ ،‬والموساد)‪ ،‬وذلك دون تحديد جهة معينة لإلشراف على نشاط الفدائيين والتحقيق معهم (‪،)4‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬كان من الواضح مشاركة جميع األجهزة األمنية بعمل واحد أحياناً‪ ،‬ومنها التحقيق مع األسرى‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬فكان من الممكن أن يقوم بذلك ضابط الجيش عندما يلقي القبض على رجال المقاومة‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك ضابط الشين بيت ويكرر ذلك السجان التابع للشرطة‪.‬‬
‫وبرغم أن أجهزة األمن اإلسرائيلية تدعي دائماً المقاييس المهنية في نشاطها بعيداً عن االعتبارات‬
‫السياسية األخرى‪ ،‬فإن هذا األمر كان له ما ينقده في كثير من األحيان‪ ،‬فقد اختلف جهاز األمن مع‬
‫الحكومة في التعامل مع الشبكات المتطرفة في الشارع اإلسرائيلي‪ ،‬والتي نشأت وترعرعت في ظل‬
‫حكومة الليكود‪ ،‬وهذا السبب كان وراء استقالة رئيس الجهاز دافيد احيطوف عام ‪ 1983‬وتعيين أبراهام‬
‫شالوم‪ ،‬والذي مر الجهاز في عهده بحدثين مهمين فيما يتعلق باألسرى الفلسطينيين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -‬بالرغم من أنه جهاز أمني داخلي‪ ،‬إال أنه كان المسئول عن التحقيق مع األسرى الفلسطينيين في‬
‫سجن أنصار خارج حدود الدولة (جنوب لبنان)‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال التعذيب في عهده بكثرة مما أدى إلى إقالة رئيسه عقب تعذيب وضرب األسرى حتى‬
‫(‪)33‬‬
‫الموت في عملية الباص ‪ 300‬عام ‪ 1984‬على طريق عسقالن ‪ -‬غزة‪.‬‬
‫ومع تعاقب سنوات االحتالل‪ ،‬وبداية تنظيم العمل األمني اإلسرائيلي بين األجهزة األمنية تم تشكيل‬
‫"لجنة رؤساء األجهزة"‪ ،‬الذي يعد مجلساً أمنياً مصغراً للسياسة األمنية للدولة‪ ،‬والذي يعتبر رئيس جهاز‬
‫الشين بيت أحد أعضائه األساسيين‪ ،‬وباإلضافة إلى النشاط االستخباري بين رجال المقاومة الفلسطينية‪ .‬و‬
‫يعد الجهاز مسئوالً عن استجواب األسرى‪ ،‬وال يجوز ألي جهاز آخر استجواب األسرى‪ ،‬حتى تلك‬
‫المعلومات التي يأتي بها الجيش يتم إعطاؤها لضباط الشين بيت‪ ،‬وبالتالي تعد مرحلة التحقيق التي يعد‬
‫ضباط الشين بيت النقيض الرئيس األسير الفلسطيني فيها أهم مرحلة من مراحل األسر‪.‬‬

‫‪ )3(3‬رونيت فاردي‪ :‬تطور الشاباك‪ ،‬صحيفة يديعوت أحرونوت‪ ،29/05/1987 ،‬ص‪.32‬‬


‫‪ )4(4‬شلومو جازيت‪ ،‬العصا والجزرة‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة بيسان‪ ،‬نيقوسيا‪(،‬ب‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ )1(33‬للمزيد من المعلومات حول هذين الموضوعين‪ ،‬انظر‪ :‬يعقوب بيري‪" ،‬كنت رئيسًا للشين بيت"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.62-56‬‬
‫الفصل األول‬
‫( أنواع االعتقال ومراحله منذ عام ‪) 1967‬‬
‫أنـواع االعتقال‬
‫بناء على طبيعة إجراءاتها في اعتقال الفلسطيني فإما أن يكون موقوفاً‬
‫صنفت إسرائيل أنواع االعتقال ً‬
‫وإ ما محكوماً‪ ،‬وبعد حرب ‪ 1967‬لم تستطع إسرائيل في حالة االعتقال معاملة سكان المناطق التي احتلتها‬
‫كما تعامل مواطنيها‪ ،‬بل عاملتهم معاملة أخرى مما تطلب إيجاد تشريعات جديدة يتم سنها عن طريق‬
‫أوامر عسكرية من القادة العسكريين‪.‬‬
‫وقد واجهت إسرائيل في األعداد الكبيرة التي يتم القبض عليها من رجال المقاومة الفلسطينية مشكلة‬
‫خاصة في كيفية محاكمتهم‪ ،‬وعليه فقد لجأت إلى عدة أساليب‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬االعتقال اإلداري ‪:‬‬


‫االعتقال اإلداري هو حجز الشخص في المعتقل بصورة انفرادية أو مع أسرى إداريين آخرين لمدة ال‬
‫تزيد عن ستة أشهر‪ ،‬يمكن تجديدها وبدون توجيه اتهامات واضحة محددة ضده ودون تقديمه لمحاكمة‬
‫عادلة(‪ ،)1()1‬ويطلق عليه اإلسرائيليون اعتقال وقائي أو احتجاز‪ ،‬وقد استندت إسرائيل في هذا اإلجراء إلى‬
‫قوانين سلطة االنتداب البريطاني التي مارست هذا النوع من االعتقال في مسع منها للسيطرة على األعداد‬
‫الكبيرة من رجال المقاومة الفلسطينية‪ ،‬وكذلك بعض قادة المنظمات الصهيونية الذين اعتقلتهم عام ‪1946‬‬
‫إدارياً ولمدد مختلفة أمثال غولدا مائير وموشي ديان ومائير شمغار (‪ ،)2()2‬وهذا األخير أصبح فيما بعد‬
‫رئيس محكمة العدل العليا في إسرائيل ‪ ،‬التي أيدت هذا اإلجراء ضد األسرى الفلسطينيين من الضفة‬
‫الغربية وقطاع غزة ‪.‬‬

‫كانت سلطة االنتداب قد خولت أي قائد عسكري حسب المادة ‪ 111‬ألنظمة الدفاع "حاالت الطوارئ"‬
‫لعام ‪ 1945‬في فلسطين اعتقال أي شخص يسميه لمدة تصل إلى عام ووضعه في أي مكان يراه مناسباً‬
‫ويجوز تنفيذ األمر ألي فرد من أفراد القوات البريطانية أو من أفراد البوليس التابع لها(‪.)3()3‬‬
‫نشطت المقاومة الفلسطينية في المناطق التي احتلتها إسرائيل عقب حرب ‪ 1967‬بصورة كبيرة‬
‫وسرعة متميزة‪ ،‬مقارنة مع تلك المقاومة التي كانت في المناطق التي بقي فيها سكان عرب بعد حرب‬

‫(‪ )1()1‬منى رشماوي ‪ :‬االعتقال اإلداري ‪ ,‬صحيفة الفجر ‪ , 21/8/1985 ,‬ص‪. 9‬‬
‫(‪ ) 2()2‬إبراهيم أبو النجا ‪ :‬الحركة الفلسطينية األسيرة ‪،‬مؤسسة صابرون ‪ ،‬رام اهلل ‪( ،‬ب‪.‬ت)‪ ،‬ص‪. 49‬‬
‫(‪ )3()3‬تيسر جبارة ‪ :‬وثائق فلسطينية في أرشيف وزارة المستعمرات البريطانية ‪(،‬ب‪.‬ط)‪(،‬ب‪.‬ن)‪ ،‬رام اهلل‪،1989،‬ص‪. 39‬‬
‫‪، 1948‬وعليه فقد أخذت إسرائيل ما تشاء من قوانين االنتداب ‪ ،‬وبما يتناسب وسياستها في محاربة‬
‫المقاومة‪ ،‬وهذا ما وجد تعبيراً له من خالل إصدار قادتها العسكريين في كل المناطق المحتلة باستثناء‬
‫(القدس) عام ‪ 1968‬أوامر عسكرية باالستمرار بالعمل بقوانين االنتداب ‪ ،‬ومن ضمنها إجراءات االعتقال‬
‫اإلداري (‪ ,)1‬وقد هيأ ذلك لسلطات االحتالل اعتقال المزيد من رجال المقاومة‪ ،‬وفي عام ‪ 1969‬دخل‬
‫االعتقال اإلداري مرحلة جديدة ليتناسب مع حالة التطور التي شهدتها المقاومة الفلسطينية ‪ ،‬خاصة‬
‫تضاعف عدد أعضاء الخاليا في المناطق المحتلة نتيجة تداعيات معركة الكرامة في العام السابق ‪ ,‬فالقادة‬
‫العسكريون كانوا بحاجة إلى تسهيالت أكثر لممارسة االعتقال ضد الفدائيين ومن يساعدهم ‪ ,‬فقامت‬
‫إسرائيل مع بداية عام ‪ 1970‬بوضع الكثير من اإلجراءات في القرار العسكري رقم ‪ 378‬الذي خول أي‬
‫قائد منطقة إصدار قرار االعتقال‪ ,‬وكذلك تأجيل نظر القاضي العسكري إلى ما بعد ‪ 96‬ساعة (‪ ,)2‬وقد هيأ‬
‫ذلك اعتقال أكثر من ‪ 1131‬فلسطينياً إدارياً ولمدد مختلفة‪ ،‬وذلك في بداية السبعينيات (‪.)3‬‬
‫كان االعتقال اإلداري مع بداية السبعينات وسيلة إسرائيلية هامة ضمن الوسائل والممارسات التي‬
‫انتهجتها لضرب المقاومة‪ ,‬فبعد حالة الهدوء التي شهدتها العمليات العسكرية منتصف السبعينات لم تسجل‬
‫أكثر من خمس حاالت اعتقال إداري(‪.)4‬‬
‫رص صفوف المقاومة الفلسطينية داخل األراضي‬
‫لقد ساهمت حرب أكتوبر ‪ 1973‬إيجاباً في ّ‬
‫المحتلة من خالل تشكيل الجبهة الوطنية التي زادت من وعي رجال المقاومة وتجديد أساليب العمل ‪،‬‬
‫حيث واجهت إسرائيل نمطاً جديداً لم يمكنها من توفير المادة اإلستخبارية الكفيلة بمحاكمة قادة هذه الجبهة‪،‬‬
‫فبدأ تصعيد إجراءات االعتقال اإلداري باعتقال عشرات من أعضاء هذه الجبهة ‪ ,‬وتم إبعاد عشرين منهم‬
‫إلى لبنان بعد انتهاء مدة اعتقالهم مباشرة ‪ ,‬فيما أبقي على ‪ 33‬منهم رهن االعتقال اإلداري(‪.)5‬‬
‫أثر سير الحياة السياسية في إسرائيل على إجراءات االعتقال اإلداري ‪ ،‬فمع التغيير السياسي الذي‬
‫حصل في إسرائيل عقب االنتخابات التشريعية عام ‪ ، 1977‬وتشكيل أحزاب الليكود والمتدينين الحكومة‬
‫انخفض مؤشر عدد حاالت االعتقال اإلداري إلى أدنى معدل له منذ العام ‪ , 1967‬وبقي أولئك األسرى‬

‫((‪ ) 1‬القانون من أجل اإلنسان‪(-‬الحق)‪ :‬مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون‪ ,‬القدس‪ ،1986 ،‬المادة ‪ 3‬من األمر العسكري ‪ ,224‬ص‪.7‬‬
‫(‪ ) 2‬قيادة قوات جيش الدفاع اإلسرائيلي في يهودا والسامرة‪ ,‬األمر العسكري رقم ‪ 378‬لسنة ‪ – 5730/1970‬أمر بشأن االعتقال اإلداري في‬ ‫(‬

‫يهودا والسامرة‪( ،‬بالعبرية)‪.‬‬


‫(‪ ) 3‬وقد اعترف موشي ديان بهذا الرقم عند حديثه عن إجراءات ضرب المقاومة ‪ ,‬أنظر‪:‬إيما باليفير‪ :‬االعتقال اإلداري في الضفة الغربية ‪,‬‬ ‫(‬

‫تقرير نشرته مؤسسة القانون من أجل اإلنسان‪ ( -‬الحق ) ‪ , 1986 ,‬القدس ‪ ,‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )4‬جامعة بيرزيت – مركز الوثائق واألبحاث – تقارير األحداث الجارية – رقم ‪ : 1‬تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري ‪ ,‬ط‪ , 1‬جامعة‬ ‫(‬

‫بيرزيت – رام اهلل‪ ،1985 ،‬ص‪.15‬‬


‫((‪ )5‬نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ -16/12/1975 ،‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪ ،1975 ،‬ص‪.58‬‬
‫بقرار من الحكومة السابقة فقط وقد أفرجت عنهم حكومة الليكود فيما بعد (‪ ,)6‬ويعزى هذا االنحدار إلى‬
‫عاملين هما‪:‬‬
‫بدايات عملية السالم بين مصر وإ سرائيل التي زادت من ضغوطات مصر والواليات المتحدة على‬ ‫‪-‬‬
‫إسرائيل للتخفيف على السكان الفلسطينيين‪.‬‬
‫انتقاد منظمة الصليب األحمر الدولية إلسرائيل ونتائج لجنة التحقيق الدولية التي أرسلها األمين‬ ‫‪-‬‬
‫العام لألمم المتحدة والخاصة باألسرى اإلداريين لدى إسرائيل في األراضي العربية المحتلة(‪.)1‬‬
‫لقد تعاملت إسرائيل مع الضغط الدولي وظروف عملية السالم بخصوص االعتقال اإلداري بما يخدم‬
‫صورتها أمام العالم‪ ,‬فقد أصدرت عام ‪ 1979‬تعديالت ألوامر قادتها العسكريين‪ ،‬خاصة األمر العسكري‬
‫)*(‬
‫بأن فرضت بعض القيود على إصدار قرارات االعتقال‪ ,‬وزادت من اإلجراءات القضائية‬ ‫رقم ‪178‬‬
‫ليصبح قرار الجيش ساري المفعول‪.‬‬
‫عاد حزب العمل عام ‪ 1984‬للمشاركة في الحكومة اإلسرائيلية ‪ ,‬وتقلد قادته العسكريون مسئوليات‬
‫هامة‪ ،‬وعلى رأسها وزارة الدفاع التي ترأسها آنذاك إسحاق رابين‪ ,‬وأمام قيام المنظمات الفلسطينية بتغيير‬
‫أسلوب نشاطها في األرض المحتلة ازدادت أهمية العمل الجماهيري والنقابي ‪ ,‬وبدأت لجان الشبيبة التابعة‬
‫لحركة فتح وجبهة العمل الطالبي التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والكتلة اإلسالمية التابعة لإلخوان‬
‫المسلمين بالتنافس على السيطرة على الجامعات والمعاهد والنقابات‪ ,‬وكان هذا شكالً جديداً على المؤسسة‬
‫األمنية اإلسرائيلية لم تعهده من قبل‪ ,‬خاصة أن هذه األجنحة ال تعمل بالكفاح المسلح ‪ ,‬لكنها تعد خطراً‬
‫داهماً على إسرائيل‪ ,‬وقد مرت أربع سنوات دون أن يكون هناك أي معتقل إداري في السجون اإلسرائيلية‪,‬‬
‫وعليه وأمام زيادة موجة التطرف في إسرائيل وزيادة االستيطان قامت إسرائيل بإعادة ممارسة االعتقال‬
‫اإلداري‪ ,‬ولكن هذه المرة اختلف السبب واختلفت الشريحة المستهدفة‪ ,‬فقامت بشن حملة من االعتقاالت‬
‫طالت عشرات من نشطاء وقادة هذه المنظمات‪ .‬رغم أن هؤالء القادة يؤكدون أنه لم يكن لهم أي ضلع أو‬
‫عالقة بالعمل العسكري في األرض المحتلة(‪ ,)2‬وقد كانت نسبة األسرى من حيث فئتهم ومكان سكنهم تشير‬
‫إلى معدالت نشاط المنظمات التي ينتمون إليها‪ ،‬ولما كان النشاط االستيطاني في هذه الفترة يتركز في‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬فإن ما يزيد عن ‪ %90‬من ممارسات الجيش اإلسرائيلي في االعتقال اإلداري كانت ضد‬

‫(‪ ) 6‬الحديث يتعلق بأسرى إداريين أمضوا فترات طويلة‪ ,‬منهم علي الجمال من سكان مخيم جنين والذي أمضى أطول فترة اعتقال إداري‬ ‫(‬

‫متواصلة ولمدة ست سنوات ‪ ،1981 – 1975‬وكذلك تيسير عاروري من سكان رام اهلل الذي أمضى‪ 45‬شهراً‪.‬‬
‫((‪ )1‬عن قرارات هذه اللجنة أنظر‪ :‬االعتقاالت اإلسرائيلية‪ ,‬فلسطين المحتلة‪ ,‬ع ‪ ,13/9/1975 ,4‬ص‪.34‬‬
‫)*( األمر ‪ 178‬رفع من رتبة الضابط الذي يصدر القرار و يجب عرض األسير أمام قاض عسكري خالل ‪ 24‬ساعة‪.‬‬
‫((‪ ) 2‬مقابلة مع محمد حسن دحالن‪ ،‬مسؤول وقائد لجان الشبيبة التابعة لحركة فتح في قطاع غزة بين عامي ‪,1985-1984‬أجريت في‬
‫‪7/3/2005‬غزة‪.‬‬
‫سكان الضفة الغربية‪ ,‬و‪ %8‬تقريباً ضد سكان قطاع غزة‪ ,‬ولما كان نشاط هذه المنظمات يتركز في‬
‫الجامعات والمعاهد والنقابات فإن أكثر من ‪ %92‬من األسرى اإلداريين هم من فئة الطالب وأساتذة‬
‫الجامعات والنقابيين‪ ,‬وأن ‪ %88‬من هؤالء األسرى تتراوح أعمارهم بين ‪ 35-21‬عاماً ‪ ,‬وغالبيتهم هم‬
‫طالب من جامعتي بيرزيت والنجاح الوطنية(‪.)3‬‬
‫تطورت اإلجراءات اإلسرائيلية في االعتقال اإلداري بما يتوافق ومصالحها األمنية وكان التحايل حتى‬
‫على القوانين التي تصدرها هي نفسها ‪ ،‬فتارة تكون صالحية االعتقال اإلداري لوزير الدفاع‪ ,‬وتارة لقائد‬
‫المنطقة‪ ,‬وتارة أخرى لقائد لواء‪ ,‬فذلك مرتبط بالتطورات األمنية في المناطق المحتلة وليس بصراع‬
‫صالحيات‪ ,‬فحجم نشاط المقاومة الفلسطينية ومدى تطوره يساهم إلى حد ما في تغيير القوانين ‪ ,‬فهو‬
‫الهدف من كل هذه اإلجراءات األمنية المستهدفة من كل اإلجراءات‪.‬‬
‫يدعي المسؤولون اإلسرائيليون أن االعتقال اإلداري ليس مقصوداً به عقوبة إنما هو إجراء وقائي(‪,)1‬‬
‫ّ‬
‫أي أنه حسب هذا التفسير ال يجوز اعتقال شخص ما إدارياً كعقوبة على عمل يمس أمن إسرائيل أو األمن‬
‫العام‪ ,‬إن فرض عقوبة على عمل كهذا يأتي فقط عبر محكمة تقوم باإلجراءات القانونية االعتيادية ‪ ،‬فحين‬
‫يتوفر الدليل القاطع إلدانة أحد رجال المقاومة من خالل إجراءات كهذه ال يشكل هذه مبرراً لالعتقال‬
‫اإلداري‪ ,‬وقد مارست إسرائيل عبر قادتها العسكريين إجراء تمديد االعتقال اإلداري بمجرد حلول اليوم‬
‫قبل األخير في المدة المنصوص عليها في قرار االعتقال‪ ,‬وتعطي القرارات العسكرية صالحية مفتوحة‬
‫وغير محددة المدة للقائد العسكري إلصدار قرار التمديد حتى لو وصلت المدة إلى سنوات عديدة وكل ذلك‬
‫يكون من غير محاكمة(‪.)2‬‬
‫يبدأ االعتقال اإلداري لشخص يتسم بخطورة ال تستطيع أجهزة األمن إثباتها‪ ,‬أو أن إثباتها سيشكل‬
‫خطراً على عمالئها ومصادر المعلومات ‪ ,‬فقد كانت قوات الجيش اإلسرائيلي تقوم باعتقال عدد من قادة‬
‫منظمة معينة بعد حدوث نشاط كبير للمقاومة أو المنظمات الجماهيرية ‪ ,‬فمثالً قامت إسرائيل باعتقال عدد‬
‫من نشطاء وقادة لجان الشبيبة الطالبية في الجامعات الفلسطينية عقب معركة دامت عدة ساعات بين قوات‬
‫الجيش وطالب جامعة بيرزيت في ‪ 18/11/1984‬استشهد على أثرها أحد قادة الشبيبة(‪ ,)3‬ألنها نظرت‬

‫((‪ )3‬جامعة بيرزيت – مركز الوثائق واألبحاث ‪ :‬تعريف خلفيات االعتقال اإلداري ‪ ,‬مرجع سابق ‪ ,‬ص‪.36‬‬
‫(‪ )1‬جاء هذا على لسان المدعي العام اإلسرائيلي عام ‪ 1982‬إسحاق زايد ‪ ,‬للمزيد أنظر‪ :‬إيما باليفير‪ :‬االعتقال اإلداري في الضفة الغربية ‪,‬‬ ‫(‬

‫مرجع سابق‪ ,‬ص‪.13‬‬


‫(‪ ) 2‬المواطن وسام الرفيدي من سكان رام اهلل تم تمديد اعتقاله اإلداري لعشر مرات متتالية ‪ ,‬أنظر‪ :‬مجلة الحقيقة ‪ :‬لقاء مع وسام الرفيدي‪ ,‬ع‪،8‬‬ ‫(‬

‫‪ ,2/1998‬غزة‪ ,‬ص‪.31‬‬
‫(‪ )3‬كانت تلك المظاهرة تأييداً النعقاد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان‪ ,‬وقد استشهد الطالب شرف الطيبي القائد في‬ ‫(‬

‫لجان الشبيبة الطالبية‪ ,‬أنظر‪ :‬صحيفة القدس ‪ ,19/11/1984‬ص‪.1‬‬


‫إلى هذه التظاهرة العنيفة على أنها تطور هام في عنصر المبادرة من قبل الطالب في تصديهم للجيش‪,‬‬
‫ومدى تنسيقهم مع قيادتهم في الخارج‪ ,‬وعليه فيمكن تفسير حملة االعتقاالت على أنها عقوبة وليست أمراً‬
‫احترازياً‪ ,‬فهي جاءت بعد أحداث فعلية‪ ،‬وليس بعد أحداث متوقعة ‪ ,‬أما الطالب األربعة من جامعة النجاح‬
‫الوطنية والذين اعتقلوا إدارياً في نفس العام فقد زعمت إسرائيل أن كالً منهم يرأس فئة طالبية مرتبطة‬
‫بثالثة أحزاب‬
‫فلسطينية غير قانونية(‪ ,)4‬ولكن هل يعقل أن قيادات فئات متعارضة مختلفة يشكلون تهديداً ألمن إسرائيل؟‬
‫تعامل القادة العسكريون مع األوامر العسكرية التي أصدروها بأنفسهم على أنها ليست نصوصاً مقدسة‪,‬‬
‫بل إنه يمكن تجاوزها‪ ،‬وكل ذلك بما تقتضيه المصلحة األمنية‪ ,‬فقد الحظت مصلحة السجون أن وجود‬
‫األسرى اإلداريين بعد عام ‪ 1983‬في السجون والمعتقالت القريبة من مكان سكناهم كما ينص القانون‬
‫سيعرض أمن الدولة للخطر‪ ,‬ذلك لسهولة االتصال بينهم وبين ذويهم‪ ,‬وأن ذلك سيسهل عليهم توجيه‬
‫أعضاء منظماتهم في مدن الضفة وغزة‪ ,‬فقامت بنقلهم إلى السجون في فلسطين المحتلة عام ‪ ,1948‬وقد‬
‫نجح األسرى الفلسطينيون في استصدار قرار أمر من ما يسمى بمحكمة العدل العليا في إسرائيل يلزم قيادة‬
‫الجيش في مناطق الضفة وغزة ومصلحة السجون بتقديم األسباب التي تمنع إعادة األسرى إلى السجون‬
‫القريبة من أماكن سكناهم(‪ ,)1‬ولم أعثر في مصادر الدراسة على ما يشير إلى أن القادة العسكريين قد نفذوا‬
‫قرار محكمة العدل العليا‪.‬‬
‫استمر األسرى اإلداريون في نشاطهم السياسي حتى داخل المعتقالت وبرغم أن األوامر العسكرية قد‬
‫أظهرت بوضوح الظروف التي يجب أن يعيش فيها األسرى اإلداريون‪ ،‬إال أن مصلحة السجون‬
‫اإلسرائيلية قد دمجتهم مع األسرى المحكومين‪ ,‬وعليه فقد بادر األسرى اإلداريون أكثر من مرة في‬
‫اإلجراءات االحتجاجية‪ ،‬وكان إضرابهم األول عن الطعام في ‪ 24/2/1975‬احتجاجاً على االعتقال‬
‫نفسه(‪.)2‬‬
‫استمر األسرى في إجراءاتهم االحتجاجية وأعلنوا إضرابهم الثاني عن الطعام في ‪ ,11/7/1975‬وهذه‬
‫المرة ساهم األسرى الفلسطينيون المحكومون بالتضامن معهم ‪ ,‬وأعلنوا إضراباً تضامنياً عن الطعام مع‬
‫اإلداريين(‪ ,)3‬مما يدل على أن عالقة تنظيمية أصبحت تربطهم داخل السجون مع بقية األسرى ‪ ,‬بل إنهم‬
‫كانوا يهتمون بتوجيههم ‪ ,‬ولقد ساهمت الظروف السياسية في المنطقة والظروف الدولية في إرسال األمين‬
‫(‪ ) 4‬كان هناك نشاط انتخابات اتحاد مجلس الطلبة في الجامعة‪ ،‬وأمضت الجامعة ثالثة أيام في أجواء سياسية واحتفاالت وطنية‪ ,‬وجاءت بعدها‬ ‫(‬

‫االعتقاالت كرد فعل إسرائيل على ذلك‪ ,‬أنظر‪ :‬صحيفة القدس ‪. 7/8/1985-6‬‬
‫((‪ )1‬صحيفة هأرتس ‪ , 28/11/1985‬ص‪.1‬‬
‫((‪ )2‬صحيفة االتحاد‪ ,25/5/1975 ,‬ص‪ ,1‬صحيفة القدس‪ ,26/5/1975 ,‬ص‪.1‬‬
‫((‪ )3‬صحيفة االتحاد‪ ,12/7/1975 ,‬ص‪.1‬‬
‫العام لألمم المتحدة لجنة تحقيق ضمت أربعة عشر شخصاً للتحقيق في ظروف األسرى اإلداريين(‪ ,)4‬وغير‬
‫مرة كرروا إضرابهم عن الطعام والمطالبة بإطالق سراحهم(‪.)5‬‬
‫شارك في تلك اإلضرابات واالحتجاجات األسرى اإلداريون ولم تكترث إسرائيل بذلك ‪ ,‬واعتقلتهم‬
‫إدارياً‪ ،‬ولم تطلق سراحهم إال عند اكتمال مدة اعتقالهم ‪ ,‬وحالة السجين" نادر اليعقوبي" خير شاهد على‬
‫ذلك فقد أعتقل وهو معافى وشاهدت محاميته عالمات حروق بالسجائر على وجهه ولم يطلق سراحه إال‬
‫بعد أن فقد عقله بعد إضرابه عن الطعام مع زمالئه(‪ .)6‬واستمرت حاالت االضراب هذه حتى في سنوات‬
‫انتفاضة األقصى ومنهم من أجبر السلطات االسرائيلية على اطالق سراحه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المحاكـم‪:‬‬

‫((‪ )4‬تقرير عن األسرى اإلداريين‪ ,‬فلسطين المحتلة‪ ,‬مرجع سابق‪ ,‬ص‪.12‬‬


‫((‪ )5‬أعلن األسرى عدة إضرابات عن الطعام أشهرها ‪:‬‬
‫إضراب في سجن نابلس المركزي ‪ 8/1/1977‬وقد عاقبتهم إسرائيل بتمديد اعتقالهم جميعاً لستة أشهر أخرى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إضراب في سجن عسقالن ‪ , 17/12/1976‬أنظر ‪ :‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ‪ , 1976‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫بيروت‪ ,1977 ,‬ص‪.67‬‬
‫إضراب في كل السجون اإلسرائيلية ‪ ,14/10/1985‬أنظر‪ :‬صحيفة االتحاد ‪ ,15/10/1985‬ص‪.1‬‬ ‫‪-‬‬
‫((‪ )6‬صحيفة القدس ‪ , 15/2/1980‬ص‪. 2‬‬
‫استند الموقف النظري للجيش اإلسرائيلي قبل حرب ‪ 1967‬في قضايا الحكم العسكري إلى ميثاق‬
‫جنيف الذي نظر إليه باعتباره الوثيقة الدولية المتعارف عليها‪ ،‬على اعتبار أنها تناقش إجراءات السيطرة‬
‫العسكرية في منطقة محتلة‪ ,‬وقد وزع على ضباط الجيش عام ‪ 1965‬تفسير ميثاق جنيف الذي وقعت عليه‬
‫إسرائيل‪ ،‬ولم يهتم تفسير العقوبات بحقوق المدنيين بقدر ما ستساهم هذه العقوبات في استتباب األمن‬
‫والهدوء(‪.)1‬‬
‫قامت إسرائيل عقب الحرب بتشكيل المحاكم العسكرية وفق نظام إداري‪ ,‬ولكن لم تفكر بتطبيق نفس‬
‫القوانين التي تطبق داخل إسرائيل‪ ,‬وكان من الصعب عليها مواجهة األعداد الكبيرة من األسرى العرب‪،‬‬
‫ومن الذي ستعامله منهم كأسير حرب ؟‪ ,‬ومع مرور عدة أشهر بعد الحرب كانت المحاكم العسكرية تدين‬
‫كل العرب الذين يلقى القبض عليهم " بمخالفات أمنية " تتراوح بين انتماء إلى منظمة غير شرعية أو‬
‫توزيع منشورات أو رفع شعار أو حيازة أسلحة(‪ ,)2‬ولم تستطع إسرائيل االلتزام بالمواثيق الدولية التي‬
‫وقعت عليها ومن ضمنها تعريف اتفاقيات جنيف ألسير الحرب‪ ،‬وعللت ذلك بأن حركة المقاومة‬
‫الفلسطينية ليست طرفاً في النزاع‪ ,‬وأن اتفاقيات جنيف الثالثة ال تنطبق إال فيما يتعلق بالدول‪ ,‬وأن رجال‬
‫المقاومة الفلسطينية ال يتبعون دولة تعتبر طرفاً في النزاع ‪ ,‬وأن إسرائيل ملزمة تجاه الدول األخرى‬
‫الموقعة على االتفاقية ‪ ,‬وهي غير ملزمة تجاه منظمات وهيئات غير معترف بها ‪ ,‬وأن حركة المقاومة‬
‫الفلسطينية ال تراعي في عملياتها أعراف وقوانين الحرب(‪ ,)3‬ولقد أصرت إسرائيل على أن آالف رجال‬
‫المقاومة الفلسطينية ليسوا أسرى حرب‪ ،‬ألنها كانت تدرك جيداً أن اإلفراج عنهم سيعيدهم إلى نشاطهم‬
‫ضدها‪ ،‬وأنه يجب تقديمهم لمحاكم عسكرية‪ ,‬وأن الغرض من ذلك قبل كل شيء ضرب المقاومة التي رغم‬
‫هذه المحاكم كانت تتزايد أكثر فأكثر‪ ،‬فكانت المحاكم العسكرية هي نقطة االرتكاز الدعاء إسرائيل بأنها‬
‫تحكم المناطق المحتلة وفق القانون‪ ،‬فقد عبر سفير إسرائيل في هيئة األمم المتحدة جاكوب دورون عن‬
‫إصرار إسرائيل على محاكمة الفدائيين وإ دانة كل من ثبت بأنه مذنب(‪.)4‬‬
‫تعرضت إسرائيل إلدانة دولية عقب حرب ‪ 1967‬وطالبها المجتمع الدولي بالتعامل مع األسرى على‬
‫أنهم أسرى حرب‪ ،‬لكن إسرائيل أصرت على أن يمثلوا أمام المحاكم‪ ،‬فبعد معركة الكرامة وأمام الزيادة‬
‫الكبيرة في عدد رجال المقاومة في الضفة و القطاع والقادمين من حدود األردن احتجت إسرائيل بأن شرط‬
‫تطبيقها التفاقيات جنيف في هذا الشأن هو أن يكون الطرف الذي أزاحه االحتالل صاحب السيادة‬
‫((‪ )1‬شلومو جازيت‪ :‬العصا والجزرة ‪ ,‬ط‪ ,1‬مؤسسة بيسان‪ ,‬نيقوسيا‪ ( ,‬ب‪ .‬ت )‪ ,‬ص ‪.364‬‬
‫((‪ )2‬سعيد عالء الدين‪ :‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬ط‪ ,1‬منشورات فلسطين المحتلة‪(,‬ب‪ .‬م)‪،1983,‬ص‪.84‬‬
‫(‪ ) 3‬تيسير النابلسي‪ :‬االحتالل اإلسرائيلي لألراضي العربية – دراسة لواقع االحتالل اإلسرائيلي في ضوء القانون الدولي ‪ ,‬ط‪ ,1‬منظمة التحرير‬ ‫(‬

‫الفلسطينية‪ ,‬بيروت‪ ,1975 ,‬ص‪.313‬‬


‫((‪ )4‬سعيد عالء الدين‪ ،‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫الشرعي‪ ،‬وأن وجود األردن في الضفة الغربية ليس شرعيا ووجود القوات المصرية في القطاع غير‬
‫(‪)5‬‬
‫شرعي‪.‬‬
‫ولكن رجال المقاومة الفلسطينيين ينتمون إلى منظمة هدفها واضح في ميثاقها الوطني فقد التزم‬
‫المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته األولى ‪ 1964‬في القدس بتحرير فلسطين‪ ،‬وبالتالي فرجال المقاومة‬
‫طرف أساسي في الصراع‪ ،‬وقد أوضحت اتفاقيات جنيف المبدأ العام ألسير الحرب" فهو كل فرد من‬
‫أفراد القوات المسلحة التابعة ألحد أطراف النزاع وهو مقاتل‪ ،‬وكل مقاتل يقع في قبضة الخصم هو أسير‬
‫(‪)1‬‬
‫حرب"‪.‬‬
‫تميز رجال المقاومة الفلسطينية خاصة بعد عام ‪ 1968‬بالمعنويات العالية وحالة المد جراء معركة‬
‫الكرامة و حجم العمليات العسكرية التي كانوا يوجهونها إلسرائيل وهذا ما زادهم إصراراً على عدم‬
‫االعتراف بالمحاكم اإلسرائيلية‪ ،‬فيمكن المالحظة بأن غالبية الفدائيين الذين ألقي القبض عليهم بعد شهر‬
‫مارس ‪ 1968‬كانوا يركزون حديثهم أمام المحاكم عن القضية الفلسطينية ‪،‬وأحقيتهم في النضال‪ ،‬بل بأكثر‬
‫من ذلك بالحديث عن عدم شرعية االحتالل اإلسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وبالتالي اعتبروا أن‬
‫السلطات المنبثقة عن هذا االحتالل غير شرعية‪ ،‬ومن ضمنها هذه المحاكم‪ ،‬وقد عبرت عن ذلك المحامية‬
‫فاليتسيا النغر في محاكمة مجموعة من الفدائيين في ‪ 20/2/1968‬بان القوانين التي تم تقديم الفدائيين‬
‫للمحاكمة على أساسها هي قوانين غير شرعية ومن ضمنها القوانين التي تم بها تشكيل هذه المحكمة(‪،)2‬‬
‫وقد تكرر هذا األمر عدة مرات كان أشهرها ردود منفذي عملية الدبويا ( وسط الخليل ) أثناء محاكمتهم‬
‫عام ‪ 1981‬الذين أصروا على اعتبارهم أسرى حرب‪ ،‬وعدم اعترافهم بهذه المحكمة بل أن الموضوع قد‬
‫أثر على المجتمع اإلسرائيلي عندما كانت تنشر الصحف اإلسرائيلية أن الفدائيين يسيطرون على قاعة‬
‫(‪)3‬‬
‫المحكمة رغم أنهم قتلوا ستة من المستوطنين‪.‬‬
‫ميزت إسرائيل بين مواطنيها وبين سكان األراضي العربية المحتلة عام ‪ ، 1967‬سواء كان في‬
‫اإلجراءات أو في العقوبات‪ ،‬فقد كان مطلوباً التعامل مع اآلالف من رجال المقاومة الفلسطينية ومع أعداد‬
‫ال تزيد على أصابع اليد من اليهود المتطرفين‪ ،‬ورغم أن هناك تشابهاً في حجم الجريمة"وفق القانون‬

‫(‪ )5‬جاء ذلك على لسان مندوب إسرائيل في األمم المتحدة عام ‪،1971‬انظر‪ :‬كميل منصور‪ :‬الشعب الفلسطيني في الداخل‪ ،‬ط‪ ،3‬مؤسسة‬ ‫(‬

‫الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬ص ‪.49‬‬


‫(‪ ) 1‬للمزيد من المعلومات حول تعريف أسير الحرب وطريقة معاملته انظر‪:‬اللجنة الدولية للصليب األحمر‪ :‬القواعد األساسية التفاقيات جنيف‬ ‫(‬

‫الرابعة‪ ،‬ط‪ ،4‬جنيف‪ ،1999 ،‬ص‪.26‬‬


‫(‪ )2‬أسعد عبد الرحمن‪ ،‬أوراق سجين‪ ،‬ط‪ ،1‬منظمة التحرير الفلسطينية – مركز األبحاث‪ ،‬بيروت‪،1969 ،‬ص ‪ ،141‬وقد جاء ذلك في محاكمة‬ ‫(‬

‫هذا المؤلف حيث كان رئيس اتحاد طلبة فلسطين ‪.‬‬


‫(‪ )3‬جواد بولس‪،‬عملية الدبويا ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الجليل ‪،‬عمان‪،1984 ،‬ص ‪ ، 19 – 15‬صحيفة القدس ‪ ،17/12/1981‬ص‪.1‬‬ ‫(‬
‫اإلسرائيلي" إال أن زمن وقوعها كان مهماً لدى القاضي‪ ،‬فكل من يثبت عليه تهمة القتل من الفلسطينيين يتم‬
‫الحكم عليه بالسجن المؤبد الذي يصل إلى ‪ 25‬عاماً‪ ،‬وعندما يتم الحديث عن مواطن إسرائيلي بنفس‬
‫التهمة ‪ ،‬يتم الحكم عليه بالسحن لعشرين عاماً‪ ،‬ألنه بذلك سيخضع السترحام رئيس الدولة فيما بعد ‪ ،‬وهذا‬
‫ما حصل مع المستوطن (موشيه يقرح) الذي قتل الشهيدة "انتصار العطار" أمام مستوطنة كفار داروم‬
‫(قرب دير البلح) عام ‪ ،1985‬حيث تم الحكم عليه بالسجن سبعة أشهر بتهمة اإلهمال في استعمال السالح‬
‫‪ ،‬رغم أنه ظل يطلق النار على الطالبات الفلسطينيات لمدة تزيد عن عشرين دقيقة(‪ ،)4‬وكذلك قيام‬
‫المستوطن موشيه ليفنغر الذي اعترف بأنه قتل تاجرا فلسطينيا على باب متجره وسط مدينة الخليل ‪،‬‬
‫وحكمت عليه المحاكم اإلسرائيلية بالسجن فترة اثني عشر شهرا سبعة منها مع إيقاف التنفيذ(‪ ،)1‬وكذلك‬
‫الحكم بالسجن لمدة عشرين عاما على االرهابيين اليهود الثالثة الذين دخلوا عام ‪ 1983‬حرم جامعة‬
‫الخليل‪ ،‬وأطلقوا النار على الطالب بشكل عشوائي‪ ،‬فقتلوا ثالثة وأصابوا العشرات‪ ،‬وبعد بضعة أعوام‬
‫كانت إسرائيل قد عفت عنهم‪ ،‬إن ذلك يوضح التمييز في توجيه العقوبات من قبل المحاكم اإلسرائيلية التي‬
‫كان نشاطها من حيث اإلجراءات والعقوبات مرتبطاً بعدة عوامل أهمها‪:‬‬
‫نفوذ المستوطنين في إسرائيل تجاه الحكومة والجيش‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أعداد رجال المقاومة الفلسطينيين ونشاطهم ضد إسرائيل ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التركيبة الشخصية للقضاة حيث أنهم جميعاً ضباطاً في الجيش أو جهاز األمن العام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اتسمت المحاكم اإلسرائيلية بسرية زمانها ومكانها واختيار من يحضرها‪ ،‬فطبيعة األساليب التي‬
‫تستخدمها أجهزة استخباراتها في مكافحة نشاط المقاومة يجعل من رؤية المتهم ألي أحد يشكل خطراً على‬
‫القضية‪ ،‬إن الوضع القضائي الذي ظل سائداً حتى عام ‪ 1981‬لم يكن يعطى للدفاع حقاً واضحاً يمكنه من‬
‫رؤية موكله قبل اإلدالء بأقواله‪ ،‬فقد كانت مقابلة الدفاع لموكله تتم بوجود مسئول التحقيق وبدون توفر‬
‫إمكانية المراقبة القضائية(‪.)2‬‬
‫رفضت المحكمة اإلسرائيلية طلب السجين "محمود حجازي" استقدام ٍ‬
‫محام غير إسرائيلي للدفاع عنه‪،‬‬
‫وأدين المتهم بجميع التهم الموجهة إليه‪ ،‬وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬وفيما بعد كانت محكمة استئناف عسكرية‪ ،‬و‬
‫وزير العدل اإلسرائيلي قد اقروا بأحقية المتهم بإحضار من يشاء من المحامين‪ ،‬ووافقوا على أن يترافع‬

‫(‪ )4‬جهاد البطش‪ ،‬االستيطان الصهيوني في قطاع غزة ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مكتبة اليازجى‪ ،‬غزة‪ ، 2005 ،‬ص ‪.224‬‬ ‫(‬

‫((‪ )1‬صحيفة القدس ‪ ،1990 / 5 / 3‬ص‪.1‬‬


‫((‪ )2‬حسين أبو حسين‪ :‬حق الدفاع القضائي‪ ،‬ط‪،1‬جمعية أنصار السجين ‪ ،‬الناصرة‪ ( ،‬ب ‪ .‬ت ) ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫عنه المحامي الفرنسي جاك فرجيس(‪ ،)3‬كما أن المحاكم اإلسرائيلية في داخل الخط األخضر ترفض ترافع‬
‫محامين فلسطينيين من سكان الضفة الغربية و قطاع غزة سواء أكانت هذه المحاكم عسكرية أو مدنية(‪.)4‬‬
‫وقد منعت إسرائيل محامين إسرائيليين يحملون توجهات سياسية يسارية من هذا الحق‪ ،‬حيث منعت‬
‫محكمة عسكرية إسرائيلية لعدة مرات المحامية اإلسرائيلية (ليئا تسيمل) من الدفاع عن أسرى فلسطينيين‪،‬‬
‫وأصدرت قراراً ذكرت فيه ‪" :‬أن سماع هذه المحامية إلفادات الشهود قد يسبب ضرراً بالغاً ألمن الدولة‬
‫خاصة شخصاً مثل السيدة ليئا تسيمل التي تعلن بنفسها عن تضامنها مع أعداء الدولة الذين يهدفون إلى‬
‫تدميرها" (‪ ،)5‬وقد كانت حجة الحفاظ على المادة األمنية التي ستطرح أمام األسرى الفلسطينيين في المحاكم‬
‫اإلسرائيلية أدى إلى منع الجمهور من حضور بعض المحاكمات حتى لو كانوا أقارب المتهمين من الدرجة‬
‫األولى‪ ،‬وذلك بناء على طلب من النيابة العامة‪ ،‬وغير مرة وافقت المحكمة على االستجابة لطلبات من هذا‬
‫النوع بكثير من السهولة إذا تبين حسب تقديرها أن هناك خشية من النظر العلني في القضية ألنه يشكل‬
‫خطرا على أمن الدولة(‪ ،)1‬وال يمكن أن نكون مبالغين في األمر إذا قلنا إن تطور أساليب أجهزة األمن‬
‫اإلسرائيلية منذ العام ‪ 1967‬وحتى بداية الثمانينات جعل المحاكم اإلسرائيلية تقبل طلبات النيابة اإلسرائيلية‬
‫بأن يتم إخراج الجمهور ومحامى الدفاع والمتهم بنفسه من قاعة المحكمة‪ ،‬ويبقى القضاة والنيابة‬
‫ومساعدوهم من المخابرات اإلسرائيلية‪ ،‬ألن سماع الجمهور أو الدفاع أو المتهم للقضية سيشكل خطرا‬
‫على امن الدولة(‪.)2‬‬
‫وللحفاظ على سهولة انعقاد المحاكم العسكرية‪ ،‬فقد دأب الجيش اإلسرائيلي عقد هذه المحاكم داخل‬
‫معسكرات للجيش تقع في أقصى الصحراء أو على الحدود الدولية أو داخل السجون‪.‬‬
‫إن مدة السجن التي تحكم بها المحاكم اإلسرائيلية ال تستند إلى قانون ثابت ‪ ،‬فإن الحكم الذي سيناله‬
‫األسير في المحكمة إضافة إلى تهمه الخاصة بالقضية تساهم مع عوامل أخرى في تحديد القاضي للمدة‪،‬‬
‫وعلى رأسها األوضاع السياسية القائمة‪ ،‬ومدى استقرار األوضاع األمنية في الشارع الفلسطيني‪ ،‬هذا‬
‫إضافة إلى طبيعة الحالة السياسية في إسرائيل فمن الممكن مثالً أن تحكم المحكمة في وقت ما ضد شخص‬
‫متهم بالتنظيم في منظمة فلسطينية بسنة واحدة‪ ،‬وفى وقت آخر تحكم على نفس التهمة بسنتين‪ ،‬و ترتفع‬
‫أحكام المحكمة مع ارتفاع حدة التوتر في البالد‪ ،‬فعندما تسود المنطقة أوضاع توتر ممزوجة بالمظاهرات‬

‫((‪ )3‬حسين أبو حسين‪ :‬حق الدفاع القضائي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫((‪ )4‬مقابلة مع عبد الرحمن أبو النصر‪ ،‬نقيب المحامين الفلسطينيين‪ ,‬غزة ‪.2004 / 3 / 22‬‬
‫((‪ )5‬المصدر السابق‪.‬‬

‫((‪ )1‬حسين أبو حسين‪ :‬حق الدفاع القضائي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫((‪ ) 2‬جلسة محاكمة للباحث ‪ :‬حيث تم إخراجه هو ومحاميته اإلسرائيلية تمارا بيلنغ من قاعة المحكمة ‪.1985‬‬
‫وقذف الحجارة‪ ،‬فمن المتوقع أن ترتفع األحكام بالسجن بحدة‪ ،‬وذلك حسب تفسير ضباط المحاكم العسكرية‬
‫كجزء من إجراءات السلطات التنفيذية المتمثلة بالجيش اإلسرائيلي(‪.)3‬‬
‫إن شدة األحكام التي كانت تصدرها المحاكم اإلسرائيلية لم تكبح أو تقلل من حجم المقاومة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬فقد حكمت محكمة عسكرية إسرائيلية في غزة عام ‪ 1972‬على األسير أحمد أبو فاخر بالسجن‬
‫لمدة ‪ 155‬عاماً‪ ،‬وفى العام التالي حكمت نفس المحكمة على األسير نبيل فرج بالسجن لمدة ‪ 159‬عاماً‪،‬‬
‫وحكم على األسير عبد الهادي غنيم لمدة ‪ 630‬عاماً‪ ،‬ولم تكن أعمار األسرى ذات اعتبار هام أثناء اتخاذ‬
‫قرار الحكم‪ ،‬فقد حكمت بالسجن لمدة عام على المواطنة خضره سالم الزريعى وعمرها ‪96‬عاماً‪ ،‬ومع‬
‫بداية انتفاضة األقصى حكمت على العديد من قادة أذرع منظمات المقاومة الفلسطينية بالسجن لعشرات‬
‫السنين‪ ،‬وكذلك حكمت بالسجن لمدة ‪ 7‬أشهر على الفتى جواد البشيشى من القدس وقامت بإبعاده فيما‬
‫بعد(‪.)4‬‬
‫هدفت إسرائيل من وراء ذلك إلى جعل المحاكم العسكرية مكاناً يثير الخوف لدى رجال المقاومة‬
‫الفلسطينية وذويهم‪ ،‬فبرغم ارتفاع هذه األحكام إلى مئات السنين أحيانا إال أنها ترفض فكرة الحكم باإلعدام‬
‫مهما كانت تهمة رجال المقاومة الفلسطينية‪ ،‬ويعلل المسؤولون اإلسرائيليون ذلك باعتبارات لها عالقة‬
‫بمكافحة المقاومة‪ ،‬فهي نابعة من أن حكم اإلعدام ال يشكل عامالً رادعاً لألغلبية الساحقة من أعضاء‬
‫منظمات المقاومة الفلسطينية‪ ،‬وإ نما العكس هو القاعدة وأن حكم اإلعدام سيؤدي إلى مقاومة أكثر شراسة‬
‫أثناء االعتقال‪ ،‬وبالتالي ستزيد خسائر الجيش وستقل إمكانية اعتقال الفدائيين وهم على قيد الحياة‪،‬‬
‫وسيحولهم ذلك إلى شهداء مقدسين ورمزاً لالنتقام والثأر من إسرائيل‪ ،‬واألهم من ذلك أن إسرائيل قد ال‬
‫تستطيع تنفيذ الحكم(‪ ،)1‬وقد اخذ شكل المحاكم العسكرية اإلسرائيلية في المناطق المحتلة عدة أشكال يمكن‬
‫تقسيمها على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المحاكم االبتدائية‪ :‬وتنظر في القضايا التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى ‪ 7‬سنوات سجن أو غرامة‬
‫مالية تصل إلى ‪ 30‬ألف شيكل‪.‬‬
‫ب‪ -‬المحاكم اللوائية‪ :‬وتنظر في القضايا التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى السجن مدى الحياة‬
‫واألشغال الشاقة‪.‬‬

‫((‪ )3‬عبد الستار قاسم وآخرون‪ :‬التجربة االعتقالية في المعتقالت الصهيونية‪ ،‬ط‪ ،1‬قسم العلوم السياسية– جامعة النجاح الوطنية‪،‬نابلس‪،1986،‬ص‬
‫‪.238‬‬
‫((‪ )4‬عدنان جابر ‪ :‬ملحمة القيد والحرية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 109‬‬
‫((‪ )1‬شلومو جازيت ‪ :‬العصا و الجزرة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫ت‪ -‬اللجان االستشارية أو لجنة االعتراضات العسكرية‪ :‬وهي لالعتراض على القرارات العسكرية‬
‫التي يصدرها قادة المناطق‪.‬‬
‫ث‪ -‬محكمة العدل العليا ‪ :‬تنظر في قضايا االستئناف على أحكام صدرت عن المحاكم اللوائيه وهى‬
‫هيئة مستقلة تماما وقراراتها ملزمة لوزارة الدفاع‪.‬‬
‫واجهت إسرائيل مشكلة في مثول كل األسرى أمام المحاكم ‪ ،‬خاصة أنها تدعي أن بعض‬
‫إجراءاتها ال تتعلق بعقوبة كاالعتقال اإلداري‪ ،‬وعليه فقد شكلت اللجان االستشارية أو لجان االعتراضات‬
‫التي تتكون من ثالثة أشخاص يرأسهم قاض‪ ،‬وتجتمع مره كل ستة شهور لتستمع إلى شكاوى األسرى‬
‫بحضور النائب العسكري أو ممثلهم‪ ،‬وبحضور رجل األمن ( المخابرات ) الذي يصطحب معه(‪ )2‬ملف‬
‫المتهم‪ ،‬وقد جاء تشكيل هذه اللجان عام ‪ 1981‬بأمر عسكري من قبل قائد منطقة الضفة الغربية الجنرال‬
‫بنيامين بن اليعازر(‪ ،)3‬وعليه فإن لجنة االعتراضات يمكن أن تنظر في عشرات االستئنافات المرفوعة‬
‫إليها يومياً‪ ،‬وقليالً ما كانت تستجيب لطلبات االستئناف‪ ،‬أو تقلل مدة الحجز التي يقررها القائد العسكري‪،‬‬
‫وفى الغالبية العظمى من الجلسات ال يتم توجيه التهم إال بصيغة واحدة هي أن المتهم يشكل خطراً على‬
‫أمن الدولة‪ ،‬وأن النيابة ال تستطيع ذكر التهم علناً أمام المتهم والمحامي‪ ,‬ألن ذلك سيكون خطراً على‬
‫مصدر المعلومات (‪.)4‬‬
‫وتم تجديد العمل بلجان االعتراض مع بداية الثمانينيات‪ ،‬تلك الفترة التي سجل فيها النشاط الجماهيري‬
‫والنقابي للمنظمات الفلسطينية ارتفاعاً كبيراً لمستوى الوعي السياسي واألمني لرجال المقاومة‪ ،‬وبالتالي‬
‫ارتفعت نجاعة العمل الوطني السري‪ ،‬وعليه فقد اعتمدت أجهزة األمن اإلسرائيلية على معلومات العمالء‪،‬‬
‫ولذلك كان ذكر أي تهمة ستكشف فعالً عن هؤالء العمالء‪ ،‬ولذلك لم تستطع إسرائيل توجيه التهم لهؤالء‬
‫األسرى‪ ،‬فاعتبرت أن االعتقال اإلداري هو أنجح السبل لمحاربة األجنحة النقابية والجماهيرية للمنظمات‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬اإلقامة الجبرية واالعتقال االحترازي‪:‬‬

‫((‪ )2‬معين محمود‪ :‬االعتقاالت اإلدارية من هنا ونتائجها‪ ،‬مجلة فلسطين المحتلة ‪،‬ع ‪ ، 6/12/1976 ،70‬ص ‪. 9‬‬
‫((‪ )3‬القانون من أجل اإلنسان‪ :‬مجموعة القوانين العسكرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫((‪ ) 4‬حصل ذلك أمام عدة جلسات مع عدد من األسرى الفلسطينيين كان الباحث منهم وكانت جميع التهم كما ذكر أعاله‪.‬‬
‫اختارت إسرائيل وسائل وأساليب عديدة في مكافحة نشاط المنظمات الفلسطينية‪ ،‬وتحدد استخدام كل‬
‫وسيله طبيعة األوضاع األمنية في المناطق المختلفة‪ ،‬وكذلك طبيعة المكان الذي يعيش فيه المستهدف‪،‬‬
‫إضافة إلى نوع النشاط الذي يقوم به‪ ،‬فأما اعتقاله والتحقيق معه ليؤول ذلك إلى االعتقال في السجن بحكم‬
‫محدد‪ ،‬أو أن اإلجراء السابق سيعرض أمن الدولة للخطر‪ ،‬وخاصة كشف مصادر المعلومات فتلجأ‬
‫إسرائيل إلى االعتقال اإلداري‪ ،‬ولكن ذلك أيضا قد يؤثر على أمن الدولة كون األسرى اإلداريين يعتبرون‬
‫عادة من قادة المنظمات‪ ،‬فتكون السجون معاقل اجتماعات دائمة ويتم خاللها تفعيل نشاط المقاومة خارج‬
‫المعتقل‪ ،‬وعندها يتم اللجوء إلى أساليب عديدة منها‪:‬‬
‫فرض اإلقامة الجبرية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫االعتقال االحترازي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مصادرة البطاقة الشخصية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ورثت إسرائيل أسلوب فرض اإلقامة الجبرية عن قوانين سلطات االنتداب البريطاني‪ ،‬وعليه فقد‬
‫مارست هذا األسلوب قبل عام ‪ 1967‬على السكان العرب في المناطق المحتلة عام ‪ ،1948‬وبموجبه‬
‫منعت الكثير من المواطنين العرب من التنقل من مكان ألخر وبالذات دخول الضفة الغربية وقطاع‬
‫غزة(‪ ،)1‬وبعد عام ‪ 1967‬وفى إطار تقييد حركة من يتم اإلفراج عنهم من السجون وتعدهم إسرائيل قادة‬
‫داخل السجون أو يستطيعون التحريض‪ ،‬أو من أولئك القادة الذين يتعلق نشاطهم بالتصريحات السياسية‪،‬‬
‫اختارت إسرائيل أن تفرض اإلقامة الجبرية عليه بتوقيعه في سجل معين ثالث مرات يوميا في مركز‬
‫للشرطة‪ ،‬وأن يلتزم المفرج عنه بيته ليال ‪ ،‬وقد استخدم القادة العسكريون تشريع إجراءاتهم هذه من ضمن‬
‫األمر العسكري رقم ‪ 378‬في نيسان ‪ ،)1970(2‬الذي أعطى القادة العسكريين صالحية تقييد حركة أي‬
‫شخص يشكل خطرا على أمن الدولة‪ ،‬ويالحظ أن ذلك يتعلق بتقدير الضابط أي أنه ليس هناك مقاييس أو‬
‫بنود يلتزم بها القائد العسكري‪ ،‬بل إن القرار يعطيهم حق إصدار ذلك لضمان بقاء المواطن الفلسطيني في‬
‫أي مكان ‪ ،‬وكذلك بإمكان القائد العسكري أن يطلب من المواطن اإلبالغ عن األماكن التي يزورها حتى‬
‫بين فترات توقيعه في مراكز الجيش أو الشرطة‪ ،‬وكذا عدم نشر أخبار و أراء‪ ،‬وفى إطار ضرب العالقة‬
‫بين الخاليا الفدائية وقيادتها‪ ،‬والتي لم تكن تسيطر عليها إسرائيل‪ ،‬أو اتصال المواطن بزمالئه حتى في‬
‫السجون فقد تضمن األمر العسكري وجوب إبالغ المواطن الفلسطيني قائد الجيش في المنطقة عن عالقته‬
‫مع أي أحد من رجال المقاومة‪.‬‬

‫((‪ )1‬ليئا تسميل‪ :‬في المعتقالت اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 104‬‬
‫((‪ ) 2‬القانون من اجل اإلنسان‪(-‬الحق)‪ :‬مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون‪ ،‬المادة ‪ 84‬من لألمر العسكري ‪،378‬مصدر سابق‪،‬ص‪.44‬‬
‫فرضت إسرائيل اإلقامة الجبرية على المواطنين الفلسطينيين وهى تعرف جيدا أن هذا األسلوب‬
‫سيجعل المواطن يشعر وكأنه في السجن‪ ،‬بل إن ذلك سيشكل خطرا على حياته الخاصة في مناطق الضفة‬
‫الغربية حيث يبعد الريف عن المدن التي بها مراكز الشرطة والجيش(‪ ،)1‬فمثال فرضت السلطات العسكرية‬
‫اإلقامة الجبرية بعد اإلفراج مباشرة عن السجين مروان البرغوثي رئيس مجلس اتحاد الطلبة في جامعة‬
‫بيرزيت‪ ،‬بأن يمكث في بيته الكائن في قرية كوبرا التي تبعد مسافة عشرة كيلوا مترات عن رام اهلل‪ ،‬وهى‬
‫تعرف أنه سيأخذ من الوقت ما ال يقل عن ساعة للوصول للمقاطعة للتوقيع‪ ،‬و طلبت منه ذلك ثالثة مرات‬
‫يوميا‪ ،‬و هدفت من ذلك عدم تمكينه من التنقل بين الجامعات والمعاهد في الضفة الغربية لممارسة النشاط‬
‫السياسي‪.‬‬
‫فرضت إسرائيل المزيد من القيود على قادة المنظمات الفلسطينية بهدف منع اتصالهم مع رفاقهم ‪،‬‬
‫ولكنها لم تنجح في ذلك بشكل مطلق‪ ،‬فعندما يتعلق األمر بالمواطن الفلسطيني الذي يسكن المخيم فال يمكن‬
‫تحقيق ذلك لنمط الحياة الذي يعيشه سكان المخيم‪ ,‬وهذا ما حصل عندما فرضت إسرائيل اإلقامة الجبرية‬
‫على الصيدلي عبد العزيز شاهين من سكان مخيم رفح‪ ،‬وطلبت منه التوقيع في مركز الشرطة ثالث‬
‫مرات يوميا وعدم مغادرة بيته ليال‪ ،‬لكن ذلك لم يحقق الغرض فقامت بفرض اإلقامة الجبرية عليه في‬
‫قرية الدهنية(‪ ،)2‬رغم أن طبيعة سكان هذه القرية بحد ذاته يشكل خطرا على حياة الرجل‪ ،‬وكان الضباط‬
‫ورجال المخابرات اإلسرائيلية يزورونه بشكل يومي‪ ،‬ولم ينجح في تحسين وضعه المعيشي بالنوم على‬
‫سرير أو االستحمام إال بقرار من المحكمة‪ ،‬ورغم كل هذا فغير مرة نجح في االتصال بمسئولي لجان‬
‫الشبيبة التابعة لحركة فتح ليقوم بتوجيههم‪ ،‬وكذا االتصال بمسئولي فتح في السجون لتوجيههم في إدارة‬
‫أمورهم(‪.)3‬‬
‫إن الضغط الذي تعرضت له إسرائيل من الهيئات الدولية تجاه االعتقال اإلداري وفرض اإلقامة‬
‫الجبرية جعلها تخفف من لهجة القرارات العسكرية‪ ،‬فقد أضافت قيوداً على القادة العسكريين بأن ال يجوز‬
‫لهم اتخاذ هذه اإلجراءات إال إذا كان األمر ضرورياً ألسباب أمنية جازمة(‪ ،)4‬لكن األوضاع األمنية‬
‫وقواعد الصراع بين أجهزة االستخبارات اإلسرائيلية ورجال المقاومة هي التي تحدد أدوات هذا الصراع‬
‫فبعد هذا التعديل زادت السلطات من اتخاذ مثل هذا الصراع‪ ،‬فبعد هذا التعديل زادت السلطات من اتخاذ‬
‫(‬
‫‪(1) Sara , Roy: Gaza strip: the political Economy Of Development, the institute for Palestine studies , Beirut,‬‬
‫‪Lebanon 1995 p. 96.‬‬
‫(‪ ) 2‬قرية صغيرة تقع على الحدود المصرية الفلسطينية شرق رفح وسكانها هم من المسلحين المصريين من عمالء سلطات االحتالل الفارين من‬ ‫(‬

‫سلطات األمن والقضاء المصريين‪ ،‬وسكنها بعد ذلك الفلسطينيين من عمالء المخابرات اإلسرائيلية الهاربين من رجال المقاومة الفلسطينية‪.‬‬
‫((‪ ) 3‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪:‬مسؤول األسرى في السجون اإلسرائيلية لعدة سنوات أجريت في‪، ،7/1/2004‬غزة‪.‬‬
‫((‪ )4‬جاء ذلك في األمر العسكري رقم ‪ 815‬والذي عدل األمر ‪ 378‬السابق المتعلق باإلقامة الجبرية ‪.‬‬
‫مثل هذا اإلجراء فبعد خروج قادة األجنحة الجماهيرية والنقابية من االعتقال اإلداري فرضت عليهم‬
‫اإلقامة الجبرية‪.‬‬
‫ربطت إسرائيل الحق القضائي للمواطن الفلسطيني بتقديم استئناف على قرار اإلقامة الجبرية للجنة‬
‫االعتراضات العسكرية الخاصة باالعتقال اإلداري ويقوم بتعيين هذه اللجنة قائد المنطقة‪ ،‬ويكون رئيسها‬
‫قاضياً من ضباط الجيش‪ ،‬قراراتها ليست ملزمة‪ ،‬بل هي توصيات للقائد الذي أصدر قرار اإلقامة‬
‫الجبرية(‪ ،)5‬ألن صياغة األوامر العسكرية الخاصة باالعتقال اإلداري واإلقامة الجبرية كان يصاغ ليلبي‬
‫عدة أغراض‪:‬‬
‫محاولة تحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عدم تقييد حركة سلطات األمن خاصة أجهزة االستخبارات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫واجهت إسرائيل في ‪ 20/5/1985‬مشكلة تداعيات صفقة تبادل األسرى مع منظمة الجبهة الشعبية‬
‫لتحرير فلسطين القيادة العامة والتي بموجها خرج من السجون اإلسرائيلية ما ال يقل عن ألف أسير اتجه‬
‫أكثر من ستمائة منهم إلى بيوتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وقد تميز المفرج عنهم بالوعي السياسي‬
‫واألمني‪ ،‬وأن لهم قدرة عالية على ممارسة العمل التنظيمي الجماهيري والنقابي‪ ،‬وبينما كان غالبيتهم ممن‬
‫امضوا أكثر من ثمان سنوات فقد قامت سلطات الجيش بعدم إعطاء العشرات منهم بطاقات شخصية مما‬
‫يعني عدم تمكينهم من مغادرة منازلهم إال لمراكز الجيش‪ ،‬ولكن ذلك كان عن قصد‪ ،‬وتم إقراره قبل‬
‫اإلفراج عنهم وإ بالغهم بذلك وقامت السلطات بتخييرهم بين اإلقامة الجبرية أو الرحيل خارج األراضي‬
‫المحتلة (‪،)1‬ومع بداية إصدار هذه القرارات العسكرية في بداية الثمانينات كان الغالبية ممن فرضت عليهم‬
‫اإلقامة الجبرية قد توجه إلى لجنة االعتراضات العسكرية‪،‬ولم يفلح أحدهم باستخراج توصية تلغي قرار‬
‫اإلقامة الجبرية بل كان العديد منهم يتوجه إلى محكمة العدل العليا ليبطل القرار لكن إمكانية النجاح في‬
‫ذلك شبه مستحيلة‪ ،‬ففي عام ‪ 1985 – 1984‬كان األمر مشحوناً بين المستوطنين والسكان‪ ،‬ولم ينجح أي‬
‫التماس في إلغاء إقامة جبرية أو اعتقال إداري(‪ ،)2‬بل إن أحد هذه االلتماسات كان رد المحكمة أن صادقت‬
‫على أمر جديد من القائد العسكري بإبعاد المستأنف إلى الدول المجاورة وهو الصيدلي عبد العزيز‬
‫شاهين(‪ ،)3‬وقد استغلت السلطات األجواء األمنية العامة حيث شهدت قبل يومين عملية اختطاف حافلة‬

‫((‪ )5‬المصدر السابق‪ ،‬األمر العسكري رقم ‪ 918‬لسنة ‪ ،1981‬ص ‪. 45‬‬


‫((‪ )1‬مقابلة مع األسير المحرر احمد فياض أبو معيلق ‪ ، 12/4/2004‬حيث أمضى ‪ 8‬سنوات في السجون اإلسرائيلية ‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬تقدمت المحامية اإلسرائيلية ليئا تسيمل بعدة التماسات لموكليها لمحكمة العدل العليا وأن جميع هذه االلتماسات لم تنجح انظر ليئا تسيمل ‪:‬‬ ‫(‬

‫في المعتقالت اإلسرائيلية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 105‬‬


‫(‪ ) 3‬تحدثت الصحف اإلسرائيلية في اليوم الثاني عن فظاعة تصرف سلطات االحتالل في إخراج األسير المذكور من السجون وفرض اإلقامة‬ ‫(‬

‫الجبرية عليه مباشرة‪ ،‬انظر‪ :‬صحيفة هأرتس ‪ 18/2/1985‬ص‪ ،1‬صحيفة القدس ‪ 18/2/1985‬ص‪.1‬‬
‫إسرائيلية من قبل رجال المقاومة‪ ،‬وتحريض الصيدلي عبد العزيز شاهين األسرى الفلسطينيين في السجون‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬وترؤسه لجان الشبيبة في الضفة الغربية وقطاع غزة خالل تلك الفترة‪ ،‬استغلت كل ذلك لتنفيذ‬
‫قرار اإلبعاد وإ صدار المئات من قرارات االعتقال اإلداري وباإلقامة الجبرية على قادة المنظمات‬
‫الفلسطينية في الضفة الغربية‪.‬‬
‫اعتمدت إسرائيل في إجراءاتها العتقال الفلسطينيين على نشاط أجهزة األمن في توفير المعلومات أكثر‬
‫من القرائن والدالئل"متلبس"‪ ،‬وكثيراً ما كان الفلسطينيون يحيون الكثير من المناسبات الوطنية وينظمون‬
‫المظاهرات واالحتجاجات التي كان يتخللها عمليات رشق حجارة وما شابه ذلك‪ ،‬وعليه فقد لجأت إسرائيل‬
‫إلى اتخاذ إجراء االعتقال االحترازي‪ ،‬وهو اعتقال الشخص كإجراء وقائي وقبل مناسبة أو حدث معين‬
‫تتوقع السلطات أن يقوم الشخص بممارسة نشاط يشكل خطرا على أمن الدولة‪ ،‬وتبدأ إجراءاته بإصدار‬
‫القائد العسكري ألي مدينة فلسطينية مذكرة اعتقال ضد شخص بناءاً على توصية جهاز األمن العام‪ ،‬ويتم‬
‫تنفيذ االعتقال إما بمذكرة حضور لمركز الشرطة أو بمداهمة منزل الشخص واعتقاله‪ ،‬وغالبا ما كانت‬
‫إسرائيل تلجأ إلى األسلوب الثاني‪ ،‬ويوضع الشخص مع زمالء له اتخذ بحقهم من نفس اإلجراء في ثكنة‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسرائيلية في الضفة الغربية‪ ،‬كانت السلطات تضع األسرى في‬ ‫عسكرية أو معسكر للجيش أو المقاطعة‬
‫مقر الحاكم العسكري في نابلس أو رام اهلل أو ما يسمى بالعمارة في الخليل‪ ،‬أما في قطاع غزة فكانت‬
‫السلطات تضع األسرى في أحد غرف معسكر الكتيبة أو ما يسميه الفلسطينيون " بأنصار‪ ،)2( "2‬وعادة ما‬
‫كانت مدة االعتقال تتراوح بين ‪ 10 –7‬أيام ثم يفرج عن األسرى‪ ،‬وقد يحال بعضهم للتحقيق لدى‬
‫المخابرات اإلسرائيلية(‪ ،)3‬ولم يكن هذا النوع يشكل مصدر إزعاج إلسرائيل من قبل مؤسسات حقوق‬
‫اإلنسان أو المؤسسات الدولية ويعود ذلك لقصر مدة هذا االعتقال‪ ،‬بل إن السلطات العسكرية كثيراً ما‬
‫كانت تعترف بأنها أجرت حملة اعتقاالت احترازية في صفوف نشطاء المنظمات الفلسطينية(‪ ،)4‬أما‬
‫المناسبات التي كانت تقوم فيها السلطات اإلسرائيلية بهذا اإلجراء فهي قبل عدة أيام من المناسبات التالية‪.‬‬
‫ذكرى انطالقة الفصائل الفلسطينية خاصة حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذكرى يوم األرض ‪ 30/3‬من كل عام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عند تنفيذ إبعاد أحد القادة الفلسطينيين خارج البالد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫)‪Sara , Roy: Gaza strip the political economy of development , op .cit,p1 (1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬قاعدة عسكرية للقوات المصرية قبل عام ‪ 1967‬وهو على شاطئ البحر الجنوبي غرب مدينة غزة ‪ ،‬وسماه الفلسطينيون انصار‪ ، 2‬بعد‬ ‫(‬

‫عام ‪ 1982‬لما كان يشهده من عمليات تعذيب ضدهم‪.‬‬


‫(‪ )3‬اعتقل الباحث احترازيا عدة مرات في معتقل انصار‪ 2‬وكان ذلك قبل يومين من ذكرى انطالقة الثورة الفلسطينية التي تصادف األول من‬ ‫(‬

‫كانون ثاني من كل عام ‪.‬‬


‫((‪ )4‬صحيفة هأرتس ‪. 3/1/1985 ، 2/1/1984‬‬
‫عند حدوث حدث سياسي هام يخص القضية الفلسطينية كبداية انتفاضتي الحجارة واألقصى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حلول ذكرى المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذكرى معركة الكرامة ‪ 21/3‬من كل عام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لقد كانت إسرائيل تمارس ضد األسرى ممارسات سيئة‪ ،‬فعادة ما كانوا يمكثون طيلة فترة االعتقال وهم‬
‫مقيدي األيدي ومعصوبي األعين وترفع الثانية عند الضرورة‪ ،‬فيما كانوا يتعرضون للضرب المبرح على‬
‫أيدي الجنود الذين يخدمون في الثكنات العسكرية‪ ،‬وكل ما يعرفونه عن األسرى أنهم أخطر رجال على‬
‫الدولة(‪ ،)5‬وقد قتل رجال المقاومة الفلسطينية فيما بعد قائد هذا المعسكر (رون طال) الذي ظل مدة ‪3‬‬
‫سنوات تقريبا قائداً لمعسكر أنصار‪ 2‬ويقوم بتعذيب األسرى (‪ ،)6‬ولم أعثر في مصادر الدراسة عن سماح‬
‫إسرائيل للصليب األحمر أو المحامين بزيارة هؤالء األسرى‪.‬‬
‫مراحل االعتقال‬

‫((‪ )5‬مشاهدة الباحث بنفسه ‪.‬‬


‫((‪ )6‬أطلقت عليه النار في ‪ 4/9/1986‬على أيدي نشطاء من منظمة الجهاد اإلسالمي وأردوه قتيال وسط مدينة غزة ‪،‬انظر صحيفة القدس‬
‫‪.7/10/1986‬‬
‫مر األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية بعدة مراحل خالل عمليات اعتقالهم‪ ،‬فلم يكن يجري‬
‫االعتقال وتتم المحاكم ة مباش رة‪ ،‬بل كان لك ل مرحل ة مقاييسها األمنية والقانونية‪ ،‬وذلك تمشياً مع طبيع ة‬
‫نشاط المقاومة وكذلك الوسائل واألدوات التي كان يستعملها الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬وقد تطورت هذه المراحل‬
‫بعد عام ‪ 1967‬بما يخدم المصلحة األمنية اإلسرائيلية لكنها ألزمت رجال المقاومة تطوير وسائلهم للتغلب‬
‫على هذه المراحل فاألسير عندما يفرج عنه يكون قد مر بهذه المراحل وهى‪:‬‬
‫القرارات العسكرية باالعتقال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توقيف األسير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التحقيق و االتهام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المحاكمة و قضاء فترة المحاكمة أو مدتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن تط ور الص راع بين المقاوم ة وبين أجه زة األمن اإلس رائيلية أت اح لألخ يرة أن ال تب دأ م ع األس ير‬
‫الفلسطيني من المرحلة األولى‪ ،‬فالكثير من األسرى بدأ توقيفهم مباشرة دون قرار باعتقالهم خاصة أولئك‬
‫الذين يتم إلقاء القبض عليهم أثناء العمليات العسكرية أو قبل صدور األوامر العسكرية‪ ،‬وقد كان هذا العدد‬
‫كب يراً عقب ح رب ‪ 1967‬وم ا لبث أن تض اءل م ع تط ور الق رارات العس كرية ومراح ل ه دوء المقاوم ة‪،‬‬
‫وك ان من الممكن أن ال يم ر األس ير بك ل ه ذه المراح ل ليف رج عن ه بع د توقيف ه لع دم اس تطاعة المحققين‬
‫انتزاع اعتراف منه‪ ،‬ومن الممكن تحويله إلى معتقل إداري وعدم وصوله إلى مرحلة المحاكمة‪ ،‬وهذا ما‬
‫زاد ع دده م ع تط ور ال وعي السياس ي واألم ني لرج ال المقاوم ة خاص ة م ع بداي ة الثمانين ات‪ ،‬وعلي ه فك ان‬
‫الغالبية منهم في هذه المرحلة يبدأ رحلته مع القرار العسكري باعتقاله‪ ،‬وتصنف هذه القرارات على النحو‬
‫التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬القرارات العسكرية‪:‬‬


‫دخل الجيش اإلسرائيلي المناطق العربية في حرب حزيران وهو يحمل معه تعليمات الدفاع التي تسمح‬
‫للجندي بممارستها في أي أرض يسيطر عليها جيش الدفاع اإلسرائيلي‪ ،‬وتقضي تعليمات الدفاع بالسماح‬
‫ألي جن دي بإلق اء القبض على ك ل ش خص ارتكب "جريم ة" حس ب تعليم ات ال دفاع الص ادرة في‬
‫‪ ،)1()1(10/6/1967‬فقد كان الضابط "مصيلح" ينزل مخيم الشاطئ و يعتقل من يريد في وضح النهار عام‬
‫‪ ،1973‬ويمكن أن نالحظ أن هذه المخالفات الموصوفة بالجرم في هذه التعليمات تتسم بمخالفات عسكرية‬
‫كت دمير منش آت أو مهاجمته ا أو قت ل جن ود أو حي ازة أس لحة أو اتص ال م ع الع دو‪ ،‬كم ا أن تحدي د مك ان‬

‫(‪ )1()1‬ليئا تسيمل ‪ :‬في المعتقالت اإلسرائيلية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 95‬‬
‫المخالفة بأي مكان يسيطر عليه الجيش بمعنى أن الجندي اإلسرائيلي طالما لبس بزته العسكرية يستطيع‬
‫أن يعتقل أي مواطن في المنطقة الموجود فيها‪.‬‬
‫جاء هذا القرار العسكري على شكل تعليمات الدفاع‪ ،‬التي وضعت أصال في القانون العسكري‬
‫اإلسرائيلي لمساعدة الجندي في التصرف بحرية في اعتقال أسرى الحرب‪ ،‬وهذا ما سبق أن حصل عام‬
‫‪ ،1956‬أو أثناء معارك وعمليات االستنزاف التي خاضتها المقاومة بدعم الجيش المصري بعد عام‬
‫‪ 1956‬انطالقا من قطاع غزة‪.‬‬
‫بناء على تعليمات الدفاع هذه جلب الجنود اإلسرائيليون أعدادا كبيرة من األسرى الفلسطينيين‬
‫والجيوش العربية عام ‪ ،1967‬فشكل هذا العدد مشكلة بالنسبة للجيش خاصة فئة الفلسطينيين‪،‬فلم تشأ‬
‫إسرائيل معاملتهم كأسرى حرب‪ ،‬فأصدرت القرار العسكري رقم ‪ ،)378(1‬وذلك لترتيب عملية اعتقال‬
‫أفراد المنظمات حيث فرض بعض القيود على صالحيات االعتقال ‪ ،‬فقد سمح للجندي باعتقال أي شخص‬
‫بعد اقتناعه بأن هذا األخير قد ارتكب جرماً‪ ،‬وأنه يجب نقله بأسرع وقت ممكن إلى مركز الشرطة إضافة‬
‫إلى ضرورة الحصول على أمر بتوقيفه على أن ال تزيد هذه المدة عن أربعة أيام لكن هذا األمر العسكري‬
‫أتاح ألي ضابط أن يكتب هذا األمر(‪ ،)2‬أي أن القضية تتعلق برفع سلم الصالحية من الجنود إلى الضباط‪.‬‬
‫ومع بداية السبعينات كانت أعداد رجال المقاومة تزداد وتتطور معهم أساليبهم‪ ،‬وهذا ما تطلب اتخاذ‬
‫إجراءات أمنية إضافية ‪ ،‬فلم يستطع الجيش أن يثبت المخالفة على الشخص خالل أربعة أيام‪ ،‬فكانت‬
‫الحاجة إلى توقيف رجال المقاومة ٍ‬
‫لوقت أطول‪ ،‬فتم إعطاء هؤالء الضباط صالحية توقيعهم علي مذكرة‬
‫توقيف لمدة ‪ 7‬أيام إضافية(‪ ،)3‬وأمام هذه األعداد لم يكن الجيش قادراً على استخراج مذكرات لكل فرد من‬
‫األسرى‪ ،‬فقد كانت سياسته تطويق بلدة أو قرية واعتقال كل رجالها تقريبا من ‪ 45 – 16‬عام‪ ،‬أو أن يتم‬
‫اعتقال عائالت بأكملها التهام أحد أفرادها باالشتراك في أعمال مقاومة ‪ ،‬وكذا اعتقال كل من يتواجد أو‬
‫يسكن قرب مكان حدوث أي عملية مقاومة ‪ ،‬فقد كان الجيش يمرر األسرى من أمام متعاونين مقنعين‬
‫ليحددوا بأنفسهم من الذي سيعتقل(‪.)4‬‬
‫لقد كانت سمة المداهمة والتفتيش ومن ثم االعتقال من سمات عمل الجيش اإلسرائيلي في سنوات‬
‫السبعينيات‪ ،‬خاصة في مخيمات قطاع غزة‪ ،‬فقد كان الجيش مخوالً عند وقوع أي هجوم عليه بمطاردة‬

‫((‪ )1‬القانون من اجل اإلنسان‪ :‬مجموعة األوامر العسكرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫((‪ )2‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫((‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪. 41‬‬
‫(‪ ) 4‬مقابلة مع قاسم أبو ناجي ‪ :‬قائد قوات حركة فتح في مخيم الشاطئ عام ‪،1970‬أجريت في ‪ ، 21/5/2004‬حيث القي القبض عليه بهذه‬ ‫(‬

‫الطريقة ومعه عشرات الشبان من المخيم ‪.‬‬


‫الفدائيين العتقالهم‪ ،‬وعليه فقد أعطيت الصالحية بذلك في المادة ‪ 81‬من تعليمات األمن(‪ ،)5‬وبعدها‬
‫استطاع الجنود دخول أي مكان وفي أي وقت للبحث عن أي شخص مشتبه فيه أو يشكل خطراً علي‬
‫النظام العام‪ ،‬وبالتالي سمح ذلك باعتقال أعداد كبيرة من الفدائيين بعد حدوث عمليات هجوم علي قوافل‬
‫عسكرية تكون مارة من أمام مخيمات الالجئين‪.‬‬
‫والقصر في عمليات المقاومة‪ ،‬وهذه الفئة لم تكن‬
‫ّ‬ ‫واجه الجيش اإلسرائيلي مشكلة مشاركة األحداث‬
‫مذكورة في تعليمات الدفاع التي عمل الجنود وفقها في األيام األولي للحرب ‪ ،‬فلم يجد الجيش اإلسرائيلي‬
‫أي أحداث في الجيوش العربية‪ ،‬فهي جيوش نظامية ولكن بعد مرور أيام بدأ يظهر بين األسرى أحداثاً‬
‫وفتية‪ ،‬وأن طبيعة الحياة في المخيم تجعل منهم أشخاصاً يدركون أنهم يساندون رجال المقاومة‪ ،‬وقد تطور‬
‫األمر إلى أن أصبح لدى الجيش أحداثاً شاركوا مباشرة في عمليات المقاومة‪ ،‬فلجأت إسرائيل علي الفور‬
‫إلصدار قرارات تسمح للجيش بالتعامل مع هذه الفئة فاصدر القائدان العسكريان بالضفة الغربية وقطاع‬
‫غزة وشمال سيناء في أيلول ‪ 1967‬األمر العسكري رقم ‪ ،)132(1‬الذي أعطى الجيش صالحية اعتقال‬
‫األطفال ممن تصل أعمارهم حتى الثانية عشرة‪ ،‬بل ومحاكمتهم‪.‬‬
‫لقد كانت القرارات العسكرية الخاصة باالعتقال يتم إصدارها حسب تطور األحداث والحاجة إلي ذلك‪،‬‬
‫فعندما تكون لدى الجيش مشكلة يتم حلها بشكل سريع عن طريق إصدار القادة العسكريين لقرارات تكون‬
‫علي شكل أوامر يتم التعامل معها علي أنها تشريعات يلتزم بها الجيش‪ ،‬رغم مخالفتها للقانون الدولي‬
‫واتفاقيات جنيف التي وقعت عليها إسرائيل‪ ،‬ولم يكن السكان يستطيعون االنتقاد أو االعتراض على هذه‬
‫القرارات‪ ،‬وإ ذا ساعدتهم في ذلك أي مؤسسة دولية أو شخصية مرموقة فيمكن للجيش االلتفاف حولها‪،‬‬
‫فتقديم الشكاوى ضد هذه القرارات واألوامر العسكرية التي يصدرها القادة العسكريون يجب أن تمر‬
‫عبرهم‪ ،‬ومن ثم إلى محاكم عليا ‪ ،‬ففي شهر أكتوبر من عام ‪ 1967‬بدأ الضغط الدولي واالستنكار لسلوك‬
‫الجيش في التعامل مع المدنيين بأخذ دوره اإلعالمي‪ ،‬فما كان من هؤالء القادة إال أن أصدروا األمر رقم‬
‫‪ 121‬بتاريخ ‪ ،)23/11/1967(2‬وبمقتضى هذا القرار يمنع رفع أي دعوى ضد إسرائيل والجيش‬
‫اإلسرائيلي أو السلطات أو األشخاص الذين يخدمون الجيش اإلسرائيلي أمام المحاكم ‪ ،‬بل إنه اعتبر أن كل‬
‫شهادة موقعة من القائد العسكري أو من يفوضه نهائية حاسمة أمام ضباط الجيش وأمام المحاكم العسكرية‪،‬‬

‫((‪ )5‬القانون من اجل اإلنسان‪ :‬مجموعة األوامر العسكرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫((‪ )1‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫(‪ ) 2‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان‪ :‬حقوق اإلنسان في الوطن العربي‪ ،‬تقرير المنظمة العربية لحقوق اإلنسان عن حالة حقوق اإلنسان في‬ ‫(‬

‫الوطن العربي‪ ،‬القاهرة‪ ، 1988 ،‬ص ‪. 134‬‬


‫وأن نشوة االنتصار كانت تؤهل القادة العسكريين إلى إصدار ما يرونه مناسباً ألجل استمرار الجيش بهمته‬
‫األمنية خاصة اعتقال أفراد المنظمات الفلسطينية ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التوقيف‪:‬‬
‫يعد التوقيف من أهم مراحل االعتقال فهو نتاج القرارات العسكرية التي سنها القادة العسكريون لتسهيل‬
‫هذا التوقيف علي الجنود‪ ،‬وقد حصل الجنود منذ عام ‪ 1967‬على صالحيات واسعة في توقيف المواطن‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وقد وقع في براثن التوقيف واالعتقال أعداد كبيرة من الفلسطينيين في ظروف مختلفة وفي‬
‫أوقات متباينة على أيدي من له الحق في االعتقال حسب القرارات العسكرية أو من ليس له الحق في ذلك‪،‬‬
‫فالجندي والشرطي ورجل المخابرات والمتدرب كل هؤالء يعتقلون‪ ،‬مما جعل عملية التوقيف تتم في‬
‫أجواء من العنف‪ ،‬بل إن نهايتها كانت مجهولة‪ ،‬فال أحد يعرف أين سيتم أخذ هذا الموقوف‪.‬‬
‫تطورت منذ عام ‪ 1967‬ظروف التوقيف بما يتناسب مع القرارات العسكرية‪ ،‬وطبيعة الظروف‬
‫األمنية التي تعيشها المنطقة ‪ ،‬وكذا ظروف أجهزة األمن اإلسرائيلية ‪ ،‬فعقب عام ‪ 1967‬كان أغلب‬
‫الموقوفين يتبعون جيش التحرير الفلسطيني ومنظمة فتح والجبهة الشعبية‪ ،‬وفى عام ‪ 1968‬لوحظ توقيف‬
‫أشخاص ينتمون إلي الجبهة الوطنية المتحدة الذين كان جزء منهم يوقف علي توزيع بيانات‪ ،‬وصارت‬
‫المنافسة بين هذه الفصائل مما زاد من ظاهرة المطاردين في العام التالي‪ ،‬فقد تطلب ذلك إجراءات جديدة‬
‫من إسرائيل التي فتحت معسكر التوقيف في (نخل) بصحراء سيناء‪ ،‬وتم توقيف اآلالف من الفدائيين‬
‫فيه(‪ ،)1‬ولقد أقدمت إسرائيل على إخفاء أعداد هؤالء الموقوفين طوال الفترة الممتدة منذ عام ‪ 1967‬وحتى‬
‫‪ ، 1985‬وبرغم أن مصادر الدراسة قد اختلفت في تقدير أعداد هؤالء الموقوفين‪ ،‬فإنه يالحظ أن عام‬
‫‪ 1967‬قد شهد اعتقال المئات من الضفة الغربية وقطاع غزة ‪ ،‬ويعود ذلك إلي ظروف المنظمات التي لم‬
‫تكن قد نظمت صفوفها بعد‪ ،‬في حين شهد عام ‪ 1968‬زيادة كبيرة‪ ،‬وذلك قد يتناسب مع حالة المد التي‬
‫عاشتها هذه المنظمات ‪ ،‬فهناك من قدر أن إسرائيل قد أوقفت ما ال يقل عن ربع مليون شخص(‪ ،)2‬فيما‬
‫قدرت المنظمات الدولية ذلك بـ ‪ 350‬ألف أسير‪ ،‬وهناك بعض المؤسسات الفلسطينية التي قدرت هذا العدد‬
‫بما ال يقل عن ‪ % 25‬من أفراد الشعب الفلسطيني(‪ ،)3‬وهذا ما يعني أن ذلك يصل إلى ما ال يقل عن‬
‫نصف مليون شخص‪ ،‬أي بواقع ‪ 25‬ألف شخص سنويا‪ ،‬ويمكن أن يزيد العدد في الظروف االستثنائية‬
‫كسنوات بداية انتفاضتي الحجارة واألقصى‪.‬‬

‫((‪ ) 1‬مركز غزة للحقوق والقانون‪ :‬تقرير حول‪ :‬األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية منذ عام‪،1967‬غزة‪ ،2000،‬ص‪.3‬‬
‫((‪ ) 2‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان‪ :‬حقوق اإلنسان في الوطن العربي‪ ،‬تقرير المنظمة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 136‬‬
‫)‪Statistics of Palestinian prisoners in Israeli prisons, 1987, p. 16. Peace Now: (3‬‬ ‫(‬
‫ان أقل ما يوصف بحقوق االنسان هو أن يعرف لحظة توقيفه السبب في ذلك‪ ،‬وأن يطلب من الجندي الذي‬
‫ينوي اعتقاله أن يفسر له لماذا يقوم باعتقاله‪ ،‬وأي التهم توجه إليه ‪ ،‬ولكن ما كان يحصل هو أن يقوم‬
‫الجندي اإلسرائيلي خاصة في األعوام ( ‪ -) 1985 – 1983‬فترة زيادة التطرف في الشارع اإلسرائيلي‪-‬‬
‫(‪. )4‬‬
‫يقوم بتوقيف المواطن الفلسطيني ألن مشية هذا الشخص أو طريقة تصرفه لم ترق للجندي‬
‫كما مارس الجنود العنف وهم يعلمون أنه ليس عليهم أي رقيب‪ ،‬فقد كانوا يوقفون الشخص ويقومون‬
‫بتفتيشه ويأمرونه بعمل ما كإنزال أعالم أو شطب شعارات عن الجدران‪ ،‬ومن ثم كان يتم أخذ الشخص‬
‫إلي مكان بعيد عن السكان واالعتداء بالضرب عليه‪ ،‬وهذا ما حصل في قرية (سالم) شمال الضفة الغربية‬
‫عندما اخذوا شخصين إلي قمة الجبل وقام الجنود بتكسير عظام أيديهم أمام كاميرا سرية ألحد الصحافيين‬
‫(‪.)5‬‬
‫وكان الجنود كذلك يوقفون األشخاص لتحقيق أغراض شخصية خاصة أولئك الجنود الذين كانوا‬
‫(*)‬
‫المستوطنين ويتعرضون أحيانا لرشق الحجارة‪ ،‬فقد كان يعود الضباط العتقال شخص‬ ‫يحرسون قوافل‬
‫معين في المنطقة التي حصل فيها رشق الحجارة‪ ،‬ويضربونه ويطلبون منه إبالغ رسالة إلي زمالئه كتلك‬
‫الحادثة التي وقعت في شباط ‪ 1982‬عندما أوقفوا من الشارع المواطن جهاد فهمي سليم من نابلس وأخذوه‬
‫لمنطقة جبلية وعذبوه وألزموه على حمل سالح ( فارغ ) إلدانته فيما بعد وأن يركض خلف السيارة‬
‫العسكرية وهو يحمل أسالك شائكة ألخذ بطاقة هويته الشخصية(‪ ،)1‬ولم يكن الجنود يفرقون بين الرجل‬
‫والمرأة في سلوك التوقيف بقدر ما كانوا يقيدون أيدي الرجال‪ ،‬و كان ذلك يتم مع النساء وذلك لحين‬
‫وصولهن إلي مراكز التوقيف(‪.)2‬‬
‫وقد دأبت السلطات العسكرية على انتهاج أساليب مختلفة في التوقيف‪ ،‬فقد كان الجنود بشكل دائم‬
‫يقيدون يدي المعتقل إما بالحديد أو بقطعة من البالستيك‪ ،‬ويعصبون عينيه أو يضعون رأسه في كيس‬
‫تخرج منه رائحة كريهة ال يمكن الرؤيا من خالله(‪ ،)3‬ويأتي تقييد األيدي نوعاً من االحتياط ضد أي تمرد‬
‫قد يحاول الموقوف القيام به كالهرب أو ضرب جندي أو خطف بندقيته ‪ ،‬ومن الممكن أن يعمد الجنود إلى‬
‫ضرب الموقوف أثناء نقله إلى المعتقل‪ ،‬فإن ذلك يساهم في خلق هزات نفسية لديه ‪ ،‬مما يجعله أقل قدرة‬

‫((‪ )4‬ليئا تسيمل‪ :‬في المعتقالت اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.96‬‬


‫((‪ ( )5‬حصل ذلك في ‪ ) 18/4/1989‬ونقلت الحادث اغلب شبكات التلفزة العالمية‪،‬انظر‪:‬صحيفة القدس ‪ ،20/4/1989‬ص‪.1‬‬

‫( (*) أطلق عليهم الفلسطينيين "قطعان" تحقيراً لشأنهم‪.‬‬


‫(‪ )1‬رجاء شحادة‪ :‬قانون المحتل‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪ ،1990،‬ص ‪.143‬‬
‫)‪Palestinian Center Human Rights, Palestinian political, op.cit.p6 (2‬‬ ‫(‬

‫((‪ )3‬محمد لطفي خليل ‪ :‬التجربة اإلعتقالية في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن رشد‪ ،‬عمان ‪ ،1988 ،‬ص ‪.8‬‬
‫على مواجهة مرحلة التحقيق‪ ،‬إن هذا العنف نجا منه من تم توقيفه عن طريق مختار البلدة أو القرية أو‬
‫عن طريق استدعائه عبر رجل الشرطة‪ ،‬وقد ضمنت القوانين الدولية ومواثيق حقوق اإلنسان حق‬
‫المواطن في إبالغ طرف ثالث عند التوقيف ومكان وجوده وعدم االمتناع عن ذلك إال إذا طلب‬
‫الموقوف ‪ ،‬كما أنه يجب إطالع الموقوف على حقوقه بمجرد وصوله إلى السجن (‪ ،)4‬وكذلك حق الموقوف‬
‫بحاجته إلى ٍ‬
‫محام‪ ،‬ولكن ذلك بتقدير السلطات سيشكل خطراً على أمن الدولة‪ ،‬فقد اعتقدوا في السنوات‬
‫األولى التي أعقبت حرب ‪ 1967‬أن معرفة ذوي األسير لمكانه قد يجعل الخاليا العسكرية تهاجم ذلك‬
‫المكان خصوصا إذا كان الموقوف قائداً أو مسئوال رفيعا في التنظيم‪ ،‬وعليه فقد أعطت األوامر العسكرية‬
‫الجديدة القضاة العسكريين الحق وألسباب تتعلق بأمن الدولة أن يمددوا فترة عدم التبليغ عن التوقيف سواء‬
‫كان ذلك ألحد األقرباء أو المحامي الذي يسميه المتهم لمدة ال تتجاوز خمسة عشر يوما‪ ،‬ويتم ذلك بطلب‬
‫خطي موقع من ضابط عظيم في الشرطة(‪ ،)5‬وقد تجاهلت السلطات العسكرية كل هذه القوانين التي‬
‫أصدرتها بنفسها‪ ،‬وأنه حتى لو حصل ذوو الموقوف على موافقة القائد العسكري للمدينة أو للمنطقة أو من‬
‫وزير الدفاع أو حتى محكمة العدل العليا بإبراز مكان الموقوف فلن يتم ذلك إال بموافقة الضابط المشرف‬
‫على القضية‪ ،‬إن ذلك كله يجد تجسيداً له من خالل القضية التي رفعها ذوو الطبيب إبراهيم أبو هالل‬
‫لمحكمة العدل العليا بعد خمسة وثالثين يوما من اعتقاله من عيادته في بيت لحم‪ ،‬ولم تتمكن المحامية‬
‫اإلسرائيلية فاليتسيا النغر وال الصليب األحمر من رؤيته (‪ ،)1‬حيث إن ظروف مرحلة التوقيف هي التي‬
‫توفر ظروفاً معينة لمرحلة التحقيق واالتهام‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التحقيق واالتهام‪:‬‬


‫تعد مرحلة التحقيق واالتهام من أهم مراحل االعتقال‪ ،‬فهي تساهم في تحديد مسار عملية االعتقال‬
‫برمتها‪ ،‬وهي التي تحدد مدى نجاح أجهزة األمن اإلسرائيلية في ضرب خاليا المقاومة‪ ،‬وال تعد مجرد‬
‫إجراء سيقود إلى اإلجراءات القضائية بإدانة أعضاء المنظمات الفلسطينية‪ ،‬بل إن السلطات أرادت أن‬
‫تكون هذه المرحلة بمثابة قناة معلومات هامة الستكمال القضية‪ ،‬فتميزت هذه المرحلة بخصوصية الضباط‬
‫الذين تضعهم السلطات لإلشراف عليها‪ ،‬فهي المرحلة التي ال يتدخل فيها عادة ضباط الجيش‪ ،‬بل إن‬
‫السلطات قامت بتسليم هذه المرحلة إلى ضباط المخابرات اإلسرائيلية (الشين بيت )‪ ،‬وعليه فقد تم إعداد‬
‫بيئة خاصة تتعامل مع الفدائيين بشكل يسهل للمحقق أداء عمله من شكل الزنازين وأجوائها‪ ،‬وكذلك‬

‫((‪ ) 4‬حسين أبو حسين‪ :‬حق الدفاع القضائي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬أنظر لوائح حقوق الموقوف (المشتبه به)‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫((‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫((‪ )1‬صحيفة الشعب ‪ ،8/5/1975 ،‬ص ‪.2‬‬
‫تعرض المتهمين ألشكال متعددة من المؤثرات إلى أن يعترف‪ ،‬وأن هناك أسباباً لوصول المتهم لمرحلة‬
‫االعتراف الذي كان ينتزع بوسائل مختلفة‪.‬‬
‫وتبدأ مرحلة التحقيق في أغلب األحيان من مكان اعتقال المتهم وعليه فقد كان ضباط الجيش خالل‬
‫السنوات األولى بعد عام ‪ 1967‬هم الذين يقومون بالتحقيق خاصة في حاالت إلقاء القبض على الفدائيين‬
‫بعد مطاردتهم أثناء عمليه مهاجمة الدوريات العسكرية(‪ ،)2‬لكن بعد ذلك أصبح ضباط وجنود الجيش ال‬
‫يعرفون من هذا المتهم الذي توجهوا إللقاء القبض عليه أو أسباب ذلك‪ ،‬وفي أعوام الثمانينات والتسعينيات‬
‫أصبح ضباط المخابرات هم الذين يتوجهون لتنفيذ االعتقال‪.‬‬
‫كان اختيار السلطات للمكان الذي سيتم فيه التحقيق أهمية أكبر من قضية من سيقوم بالتحقيق‪ ،‬فهذا‬
‫المكان هو الذي سيساهم في تشكيل الوضع النفسي للمتهمين‪ ،‬وفي البداية استخدمت مقرات الجيشين‬
‫األردني والمصري السابقة التي استولى عليها الجيش اإلسرائيلي في الحرب أماكن للتحقيق‪ ،‬لكنها لم تكن‬
‫ناجعة وعليه فقد تم إدخال الكثير من الترميمات كبناء الزنازين التي اختيرت في المباني القديمة وصممت‬
‫بمساحة متر وعرض نصف متر ومرور خطوط المجاري من أسفل أرضيتها(‪ ،)3‬وقد طورت أجهزة األمن‬
‫هذه الزنازين مع بداية الثمانينات ليصبح المتهم في ظروف صعبة‪ ،‬ويزيد عددهم قدر اإلمكان في زنازين‬
‫مشتركة يكون في وضع ال يسمح بالجلوس أو النوم وال حتى بالتناوب لعدة أيام‪ ،‬ودون تهوية أو تنظيف‬
‫(‪)4‬‬
‫للفضالت مع رش الموقوفين أثناء التحقيق بمبيدات حشرية ذات رائحة كريهة‪.‬‬
‫لقد اتسمت الزنازين وأماكن التحقيق باألوضاع السيئة للغاية‪ ،‬حيث إنه لم يسمح بعد للصليب األحمر‬
‫وال ألي مؤسسة دولية بالوصول إلى هذه األماكن‪ ،‬فقد تعمد رجال األمن االسرائيليين سكب المياه في‬
‫هذه األماكن بهدف حرمان السجين من الجلوس أو التمدد على أرضيتها‪ ،‬وكذلك وضع أبواب حديدية‬
‫مصفحة للزنازين‪ ،‬وفي أغلب األحيان كانت تفتح على باب ثان وربما ثالث قبل الخروج نهائيا(‪ ،)1‬ومن‬
‫الممكن أن يمكث المتهم في هذا المكان أسابيع بل أشهراً عديدة‪.‬‬
‫استخدمت إسرائيل الكثير من الوسائل في عملية التحقيق وكلها بالطبع هدفت إلى انتزاع االعتراف‬
‫من الفدائيين عن عمليات عسكرية أو أفراد آخرين أو أماكن أسلحة‪ ،‬وكان في هذه الوسائل ما هو مسموح‬
‫وفيها ما هو غير مسموح به ومنها‪:‬‬
‫االستخفاف بالسجين والعزل عن العالم وعن اآلخرين‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫((‪ )2‬قاسم أبو ناجي‪ ،‬مقابلة‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬


‫((‪ )3‬سمير نايفه‪ :‬الممارسات النازية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫((‪ )4‬إبراهيم أبو النجا‪ :‬الحركة الفلسطينية األسيرة‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫((‪ )1‬عبد الستار قاسم‪ :‬التجربة اإلعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫الضرب بشدة على أصابع اليدين والقدمين والشفاه واألذن واألعضاء التناسلية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫إحضار األخت واألم (حيث كانوا يحاولون االعتداء على الشرف لما لهذا األمر من أهمية لدى‬ ‫‪-3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المجتمع العربي)‪.‬‬
‫تعريض العيون واألذان لمؤثرات (كأن يتم تسليط الضوء بقوة شديدة تجاه عيون األسير‪ ،‬وكذلك‬ ‫‪-4‬‬
‫فتح أصوات عالية من أغاني عبرية وأصوات صاخبة)‪.‬‬
‫منع النوم (بسكب مياه على أرضية الزنازين أو الجلوس على الكرسي لعدة أيام)‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫(‪)3‬‬
‫التنويم المغناطيسي‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫على أن هناك أساليب أخرى ال بد من الحديث عن بعضها ومنها‪:‬‬

‫* استعمال جهاز كشف الكذب‪:‬‬


‫مسعى منهم النتزاع اعتراف الكثير من الفدائيين‬ ‫استعمل ضباط األمن اإلسرائيليون هذا األسلوب في‬
‫ً‬
‫ممن لم يعترفوا بفعل األساليب السابقة ‪ ،‬فلجأت إلى استخدام هذه الوسيلة‪ ،‬وقد بدأت في استخدامه في‬
‫نهاية السبعينات‪ ،‬وجهاز كشف الكذب هذا أو (البوليغراف) يعمل وفق بديهية معروفه مفادها أن الشخص‬
‫الذي يكذب فإنه يقوم جسمه بردة فعل غير إرادية يمكن تسجيلها ويقوم الجهاز بتسجيل رطوبة المتهم‬
‫وسرعة دقات قلبه وتنفسه(‪ ،)4‬ومع بداية الثمانينات استعملت إسرائيل أنواعاً متقدمة من هذه األجهزة في‬
‫التحقيق‪ ،‬ألن األسرى أصبحوا يتعاملون مع الجهاز األول بطريقة ناجحة‪ ،‬حيث بدأ الوعي يزداد لدى‬
‫األسرى الفلسطينيين خالل هذه الفترة‪ ،‬وبدأ النشاط الثقافي داخل المعتقالت يتضمن وصفاً لهذه األجهزة‬
‫وكيفية التعامل معها‪ ،‬وعليه فكانت األجهزة الجديدة أكثر دقة إذ إنها تقيس مدى مقاومة الجلد للتيار‬
‫الكهربائي‪ ،‬فحين يفرز جسم اإلنسان مادة العرق تزيد أو تنقص مقاومة الجلد للتيار الكهربائي تبعاً لهذه‬
‫اإلفرازات‪ ،‬وكلما ازدادت فإنها تحجب التماس الكهربائي مع الجسم فتقل المقاومة‪ ،‬وكذا تقيس االرتفاع‬
‫واالنخفاض السريع في ضغط الدم‪ ،‬إضافة إلى سرعة دقات القلب والتفاعالت الكيميائية والتيارات‬
‫الكهربائية في الدماغ(‪.)1‬‬

‫((‪ )2‬مقابلة مع وداد األسود حيث استخدموا معها مثل هذا األسلوب‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫((‪ )3‬للمزيد عن الوسائل المستخدمة في التحقيق أنظر‪:‬‬
‫_ وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن أساليب التحقيق اإلسرائيلية‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ -‬سمير نايفة‪ :‬الممارسات النازية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24 - 22‬‬
‫((‪ )4‬ليئا تسيمل‪ :‬في المعتقالت اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫((‪ ) 1‬وليد الفاهوم‪ :‬تقرير عن حالة المتعقلين الموقوفين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مقدم إلى جميعه أنصار السجين ‪.19/3/1981‬‬
‫زاد الوعي الفلسطيني بأساليب التحقيق عاماً بعد عام‪ ،‬وانعكس ذلك من خالل الكتابات التي كان يكتبها‬
‫ويسجلها األسرى‪ ،‬وبدءوا يدركون أن نتائج التحقيق عبر هذا الجهاز غير مقبولة كأدلة في المحكمة‪،‬‬
‫وابتكروا وسائل تبطل مفعول هذا الجهاز وذلك بالشد على عضالت القدمين أو األكتاف مع أي إجابة‬
‫ممكن إبعاد المحقق عن محور القضية أو التفكير بأمور مؤلمة ومحزنة تسبب انفعاالت ملحوظة في غير‬
‫وقت األسئلة مما يجعل الجهاز ال يفرق بين ردات الفعل(‪.)2‬‬
‫أمام كل هذه الوسائل والدوافع فإن المتهم حين يعترف‪ ،‬فإنه يكتب اعترافه لدى رجال المخابرات‪،‬‬
‫ومن ثم يرسل إلى مكتب الشرطة حيث يكتب محضر رسمي باالعتراف ليقدم للمحكمة‪ ،‬ويستلم‬
‫المدعي العام العسكري القضية‪ ،‬ويعمل على تحديد موعد المحاكمة‪ ،‬كان لهذه المرحلة أهمية في‬
‫السنوات األولى لالحتالل حيث كان يجبر على أن يكتب شهادته باعترافه باللغة العبرية‪ ،‬وهو ال‬
‫يعرف أن من حقه أن يكتب بلغته األم‪ ،‬مع العلم أن في تلك السنوات كان قليالً ما تجد أحداً يتكلم أو‬
‫يقرأ اللغة العبرية (‪.)3‬‬

‫رابعا‪ :‬المحاكمـ اإلسرائيلية‪:‬‬


‫بعد صدور األمر العسكري ‪ 378‬الذي بموجبه تم تشكيل المحاكم العسكرية وأيضا صالحيتها بدأت‬
‫تنظر في القضايا التي انتهى التحقيق فيها‪ ،‬ومن المعروف أن اإلجراءات القضائية يمكن إطالتها إلى وقت‬
‫طويل بمبررات قانونية من الدفاع‪ ،‬لكن ذلك سيعيق إنجاز آالف الملفات الجاهزة من المحققين وتفاديا لهذه‬
‫المشكلة أصبحت تجري (المحاكمات السريعة) فقد جرت عامي ‪ ، 1983 – 1982‬وكذلك في بداية‬
‫انتفاضة الحجارة وفي السنوات األولى من انتفاضة األقصى محاكمة مئات من الشبان الذين تتراوح‬
‫أعمارهم بين الثالثة عشرة والحادية والعشرين(‪ ،)4‬وتختلف هذه المحاكمات العادية في السرعة التي تتم فيها‬
‫اإلجراءات القانونية‪ ،‬فكانت تجري عادة في أعقاب التظاهرات الجماهيرية بإحضار المقبوض عليهم أمام‬
‫محكمة تعمل مؤقتاً‪ ،‬وأحياناً ليالً قبل أن تتسنى لها فرصة االتصال بشهود الدفاع والمحامين‪.‬‬
‫فقد عقدوا المحاكم العسكرية في األمكنة واألوقات التي يعينها القاضي‪ ،‬ويمكن لألخير أو لكاتب‬
‫المحكمة أن يسجل محاضرها‪ ،‬رغم أن القانون الدولي يشير إلى ضرورة توفر كافة الضمانات‬
‫القانونية العلنية التي تتالءم والمجتمعات المتحضرة(‪.)1‬‬

‫((‪ )2‬إبراهيم أبو النجا‪ :‬الحركة الفلسطينية األسيرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫((‪ )3‬حسين أبو حسين‪ :‬حق الدفاع القضائي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫((‪ )4‬رجاء شحادة‪ :‬قانون المحتل‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.145‬‬
‫((‪ )1‬جونا ثان كتاب ورجاء شحادة‪ :‬الضفة الغربية وحكم القانون ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكلمة ‪ ،‬بيروت‪ ،1983 ،‬ص ‪.23‬‬
‫لقد خالفت إسرائيل في تشكيل وانعقاد محاكمها العسكرية مواقفها والتزامها بأن تكون القاعدة هي‬
‫إجراء المحاكمات شفويا وعلنيا‪ ،‬وأن تعلن مسبقا عن المعلومات الخاصة بوقت إجراء المحكمة ومكانها‬
‫ويجوز منع الجمهور وأجهزة اإلعالم من حضور جانب من المحاكمة أو حضورها كلياً (‪ ،)2‬لكن ذلك‬
‫استثناء وليس القاعدة‪ ،‬لكن إسرائيل كانت تقوم بعكس ذلك فكثيراً ما كانت تجري محاكمة‬
‫ً‬ ‫يجب أن يكون‬
‫العشرات دون إعالم حتى لذوي أمرهم‪ ،‬وتستغرق المحاكمة عشرة دقائق وأحيانا يقولون للمتهمين أن‬
‫األحكام ستكون خفيفة إذا اعترفوا بما يتهمون به(‪.)3‬‬
‫يتضح من ذلك أن ارتفاع سنوات المحاكمات تستجيب للظروف األمنية من حين إلى أخر‪ ،‬فمع ارتفاع‬
‫درجة التطرف وارتفاع شأن المستوطنين في الضفة الغربية أصبحت أحكام المحاكم العسكرية اشد‬
‫صرامة‪ ،‬فهي تعزز العقوبة بغرامة مالية وزادت من نسبة الغرامة إلى درجة مخالفة حتى األوامر‬
‫العسكرية الصادرة بهذا الشأن‪.‬‬
‫كانت نشأة المحاكم العسكرية في المناطق العربية المحتلة غير مكتملة التحضيرات فيما يخص‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬فقد كانت تفتقر حتى للمترجمين الجيدين إذا افترضنا أن هذه محكمة‪ ،‬وأن هناك أهمية بالغة‬
‫لطبيعة األلفاظ والمفردات التي تترجم وهناك عدة حوادث حصلت فيها ترجمة خطأ كادت أن تؤدي إلى‬
‫اختالفات كبيرة في الحكم ‪.‬‬
‫لقد رفض األسرى الفلسطينيون في كثير من األحيان حالة القصور في سلوك القضاة اإلسرائيليين‬
‫وكانوا يتجرؤون على إبداء أرائهم السياسية خاصة إن كانوا يتوقعون أحكاماً عالية أو كونهم مسئولين في‬
‫التنظيمات أو مسئولين نقابيين‪.‬‬
‫إن إبداء الفلسطينيين لرأيهم في المحاكم العسكرية اإلسرائيلية كان يولد ردة فعل عند القضاة ‪ ،‬فكثيراً‬
‫ما كانت جلسات المحكمة تتحول إلى نقاش سياسي وتاريخي بين القاضي والمتهم(‪ ،)4‬وقد وصل األمر إلى‬
‫أن اعترض الجنود على سير المحاكمة ‪ ،‬وفي إحدى المرات قاموا باالعتداء بالضرب على المتهمين(‪،)5‬‬
‫وقد كان الفلسطينيون ينتقلون إلى السجن بعد المحاكمة لكن بعد عدة مراحل من االعتقال وخوض جزء‬
‫كبير منهم بمرحلة التعذيب‪.‬‬
‫التعذيب في السجون اإلسرائيلية‬

‫(‪P..Amnesty: Annual Report, 1/5/1998(2) .74‬‬


‫((‪ )3‬جوناثان كتاب ورجاء شحادة‪ :‬الضفة الغربية وحكم القانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫((‪ ) 4‬لقطات من محاكمة أسيرين في محاكم االحتالل الصهيوني‪ ،‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع ‪،1972/ 8/ 14 ،15‬ص‪.26‬‬
‫((‪ )5‬العائد من األسر الصهيوني‪ ،‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع ‪ ،7/1979 /2 ،195‬ص‪.29‬‬
‫وقعت إسرائيل على العديد من االتفاقيات والمواثيق الدولية التي تمنع التعذيب‪ ،‬الذي عرفته اتفاقية‬
‫سواء بقصد الحصول‬
‫ً‬ ‫مناهضة التعذيب بأنه " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً‬
‫(‪)1()1‬‬
‫على المعلومات أو اعتراف أو معاقبة على عمل قام به "‪.‬‬
‫وقد وقعت إسرائيل على أربع اتفاقيات أو عهود دولية لمناهضة التعذيب وهي‪-:‬‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان (المادة ‪.)5‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اتفاقية مناهضة التعذيب (المادة ‪.)4‬‬ ‫‪-2‬‬
‫العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة ‪.)7‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اتفاقية جنيف الرابعة (المادة ‪.)2()2()32‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ويتضح من هذه االتفاقيات التي وقعتها إسرائيل بأنه ال يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً‬
‫كانت سواء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية‬
‫حالة من حاالت الطوارئ العامة األخرى كمبرر للتعذيب ‪ ،‬بل إن بعض هذه االتفاقيات كاتفاقية‬
‫مناهضة التعذيب تلزم الموقعين عليها بمالحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو األمر‬
‫باقترافها وبتقديمهم إلى محاكمة أياً كانت جنسيتهم‪.‬‬
‫في حين يرفض القانون اإلسرائيلي اعتبار التعذيب جريمة وكذلك ال يذكر أن التعذيب أو استعمال‬
‫القوة جريمة إنما هي إساءة إلى الشرطة والقوانين العسكرية(‪ ،)3()3‬وهنا يجب أن نأخذ بعين االعتبار تقرير‬
‫لجنة (النداو) لدى النظر في الحظر اإلسرائيلي على التعذيب(‪،)4()4‬حيث عنيت هذه اللجنة بالبحث في‬
‫أساليب التحقيق التي يستخدمها رجال جهاز األمن العام على ضوء حادثتين من ممارسات الجهاز التي تم‬
‫اإلعالن عنهما بشكل واسع وهما‪:‬‬
‫استخدام القوة للحصول على اعتراف من شاب عربي يعمل في الجيش اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تعذيب الفلسطينيين اللذين قاما باختطاف باص رقم ‪ 300‬ضرباً حتى الموت‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أجازت لجنة التحقيق لضابط الشرطة استخدام الضغط النفسي غير العنيف من خالل التحقيق الشامل‬
‫والشديد باستخدام الحيل وما فيها من أعمال الخداع‪ ،‬وكذلك استخدام وسائل معتدلة من الضغط الجسدي‬

‫(‪Human Rights Watch/ Middle East: torture and ill- treatmen,p22. (1) )1‬‬
‫)‪Iblid. p22. (2‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3()3‬سعيد عالء الدين‪ ،‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )4()4‬لجة النداو‪ : landaw‬لجنة التحقيق في أساليب التحقيق التي ينتهجها جهاز األمن العام ويشار إليها بهذا االختصار نسبة إلى رئيسها قاضي‬
‫محكمة العدل العليا السابق موشي لنداو‪.‬‬
‫في مثل هذه األنواع من التحقيق(‪ ،)5‬تعامل اإلسرائيليون مع المجتمع الدولي على أنهم المضطهدون في‬
‫تاريخهم الحديث‪ ،‬ومن يجرؤ على التصديق على أن يهودياً يمكن أن يعذب غيره بحرق أخمص قدميه‬
‫بالسجائر المشتعلة‪ ،‬أو بتعليقه من قدميه‪ ،‬أو بضرب عينيه‪ ،‬وهل يعقل أن يكون المئات من الذين اعتقلوا‬
‫في السنوات األولى بعد حرب ‪ 1967‬أخطئوا عندما اتهموا إسرائيل بالتعذيب؟؟‬

‫أجرت إسرائيل تعذيب أسرى دون أن يكون مطلوباً منهم أي اعتراف ‪ ،‬فأحياناً يجرى التعذيب لكي‬
‫يعترف األسير بأشياء خيالية مثل الطالب الذي عذب عام ‪ 1984‬لكي يعترف بأن له دوراً في اغتيال‬
‫الرئيس المصري محمد أنور السادات عام ‪ 1981‬وكذلك الرئيس اللبناني بشير الجميل عام ‪،)1( 1982‬‬
‫ونستطيع القول أن المحققين اإلسرائيليين يهدفون من ممارستهم لتعذيب األسرى الفلسطينيين إلى ما يلي‪:‬‬
‫الحصول على معلومات استخبارية عن األوضاع السياسية والعسكرية للمنظمات‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الحصول على معلومات استخبارية وقائية لنشاطات رجال المنظمات‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫إضعاف قدرة السجين على المقاومة أمام هيبة جهاز األمن العام‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫تحويل السجين إلى مواطن مصاب فسيولوجياً أو إصابته بعاهة ال يستطيع ممارسة نشاطه في‬ ‫‪-4‬‬
‫المنظمات بعد خروجه من السجن‪.‬‬
‫"ومثال ذلك كان التحقيق بشراسة مع المناضل أحمد نصر واتهامه بعضوية في التنظيم‬
‫النازي"‪.‬‬
‫أثارت قضية تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية اهتمام المجتمع الدولي وقد رفضت‬
‫إسرائيل نشر ذلك التحقيق الذي أجراه إدوارد هوتنشكين وفريقه عام ‪ ،1969‬الذين تحدثوا عن التعذيب‬
‫الذي رأوه في هذه السجون بل إنهم اعتبروه أقسى من ذلك الذي مارسته فرنسا في الجزائر أو الذي كانت‬
‫تمارسه الواليات المتحدة في فيتنام في فترة نشر نتائج التحقيق(‪ ،)2‬واستمر التعذيب في السجون اإلسرائيلية‬
‫رغم كل االنتقادات الدولية‪ ،‬وفى عام ‪ 1977‬جاء إلى األرض المحتلة فريق الصاندي تايمز‪ ،‬ومكث‬
‫خمسة أشهر‪ ،‬زار خاللها عدداً من السجون‪ ،‬والتقى باألسرى الفلسطينيين‪ ،‬وبمسئولي مصلحة السجون‪،‬‬
‫ونشر تقريره على صفحتها األولى‪ ،‬وأقرت بأن إسرائيل تعذب السجناء العرب‪ ،‬وأن ذلك يتم بشكل منظم‬
‫وسياسة متعمدة‪ ،‬وأن المحققين يمارسون الضرب المتواصل بوضع األقنعة على األوجه‪ ،‬وتعليقهم من‬

‫‪ ) 5(5‬جيفرى ديلمان وموسىالبكري‪،‬استخدام إسرائيل للتعذيب بالصدمة الكهربائية‪،‬ط‪،1‬مركزالمعلومات الفلسطيني لحقوق اإلنسان‪،‬القدس‪،1991،‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫((‪ ) 1‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان‪ :‬تقرير المنظمة عن حالة حقوق اإلنسان في الوطن العربي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫((‪ )2‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام ‪ ، 1969‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية ‪ ،1970،‬ص ‪.380‬‬
‫معاصمهم مدة طويلة ويمارسون االعتداء الجنسي والضرب على األعضاء التناسلية ويستعملون التيار‬
‫(‪)3‬‬
‫الكهربائي لصعق األسرى ويطلقون الكالب لالعتداء عليهم‪.‬‬
‫أثار هذا التقرير حفيظة إسرائيل التي أعربت عن قلقها من تدخل جهات حكومية أو غير حكومية في‬
‫حالة الصراع مع المنظمات الفلسطينية‪ ،‬بل إن إسرائيل تقدمت باحتجاج رسمي عبر سفيرها في لندن إلى‬
‫الحكومة البريطانية على تقرير الصحيفة(‪ ،)1‬وقد عاقبت إسرائيل المسئولين عن تزويد الصحيفة‬
‫بالمعلومات ‪ ،‬وقد وجد ذلك تعبيراً له من خالل منع محاميتين إسرائيليتين من المرافعة في محكمة العدل‬
‫العليا ‪ ،‬ووصفتهما المحكمة بأنهما تطبقان سياسية منظمة التحرير الفلسطينية وتعمالن على تصفية‬
‫إسرائيل عن طريق شبكة دولية (‪.)2‬‬
‫كما عاقبت السلطات مرة أخرى المحامية فاليتسيا النغر عندما وجهت لها أمراً مكتوباً بعدم التحدث‬
‫عن سجن غزة المركزي عام ‪ 1968‬حيث رأت خطورة وسوء التعذيب الذي يمارسه المحققون ‪ ،‬في ذلك‬
‫السجن(‪ ،)3‬وقد كان المجتمع الدولي على علم بكل ما يجري من تعذيب في السجون اإلسرائيلية لكن لم‬
‫يتدخل في ذلك‪ ،‬فعلى سبيل المثال تم تقديم شكوى من طالبات المدرسة الثانوية في مخيم الجلزون إلى‬
‫السكرتير العام لألمم المتحدة حول قيام ضباط سجن المسكوبية بتعذيب مجموعة من طالبات هذه المدرسة‪،‬‬
‫ولم تتحرك األمم المتحدة رغم أن الشكوى تتضمن اإلشارة إلى رسائل وجهها محاميهن إلى وزير الدفاع‬
‫والمستشار القانوني للحكومة في إسرائيل(‪.)4‬‬
‫وقد أشارت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى التعذيب الذي تمارسه إسرائيل ضد األسرى الفلسطينيين‬
‫في سجونها‪ ،‬بل إن النساء والفتيات الالتي تعتقلهن إسرائيل أكدن تعرضهن للتعذيب من سلطات السجون‬
‫وأن العقاب يتضمن االعتقال في سجن انفرادي لفترات طويلة وأن العذاب والحرمان من النوم والعالج‬
‫يمارس ضدهن(‪.)5‬‬
‫كان الصليب األحمر الدولي حتى عام ‪ 2000‬قد تقدم بمئات الشكاوى للحكومة اإلسرائيلية عن سوء‬
‫وبناء عليه قامت إسرائيل بمنع مندوبي‬
‫ً‬ ‫المعاملة والتعذيب التي يتلقاها األسرى الفلسطينيون في السجون‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫الصليب األحمر من مشاهدة السجناء وهم قيد التحقيق‬

‫)‪Sunday times, 19-6-1977- p1. (3‬‬ ‫(‬

‫((‪ )1‬الصاندي تايمز تكشف النقاب عن التعذيب‪ ،‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ، 28/6/1977 ،92‬ص‪.28‬‬
‫((‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،29‬و المقصود هنا السيدتان فاليتسيا النغر و ليئا تسيمل‪.‬‬
‫((‪ )3‬حسن غباش‪ :‬فلسطين حقوق اإلنسان وحدود المنطق الصهيوني‪ ،‬ط‪ ،.1‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪،1987 ،‬ص ‪.111‬‬
‫((‪ )4‬صحيفة الشعب ‪ ، 19/12/1979 ،‬ص‪.1‬‬
‫((‪ )5‬منظمة العفو الدولية‪ ،‬التقريرالسنوي لعام ‪ ،1985‬ط‪ ،1‬جنيف‪ ،1986 ،‬ص‪.96‬‬
‫((‪ )6‬سعيد عالء الدين‪ :‬التعذيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫* بدايات التـعذيـب‪:‬‬
‫نشأ التعذيب في السجون اإلسرائيلية مع بدايات االحتالل‪ ،‬ومورس على نطاق واسع بحق األسرى‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬وشكل نهجاً أساسيا وجزءاً ال يتجزأ من معاملة األسرى‪ ،‬وكان المحقق اإلسرائيلي في جهاز‬
‫األمن العام يتعامل مع األمر وكأنه مشروع من صيغة لجنة (النداو) التي أقرت التعذيب‪ ،‬لكن بمواصفات‬
‫وبشكل معين‪.‬‬
‫كانت نشوة االنتصار الذي حققته إسرائيل يمنع أي هجوم أو انتقاد لما تمارسه إسرائيل من جرائم‬
‫وفظائع‪ ،‬بل ربما لم يكن سوى الصليب األحمر من اهتم بهذا األمر‪ ،‬و لكن بعد بداية محاكمة األسرى‬
‫الفلسطينيين بدأ يظهر على بعضهم وهم قادمون إلى المحاكمة بعض أثار التعذيب التي مورست بحقهم‪،‬‬
‫وكان ذلك بعد أشهر من انتهاء الحرب‪ ،‬فقد ظهر األسير محمد ناجى البحيصى في المحكمة وأوضح‬
‫للقضاة أنه تعرض للضرب والقائه على الجدار ‪ ،‬و فيما بعد تم إثبات أنه أصبح مجنوناً ألنه ضرب نفسه‬
‫في الحائط(‪ ،)1‬وكانت هذه الحادثة من العشرات الحوادث ممن يتعرضون لهذا التعذيب‪ ،‬وعلى سبيل المثال‬
‫(‪)2‬‬
‫فإن تعذيب األسرى في سجن غزة كان بشكل جماعي حيث‪:‬‬
‫يقوم الحراس بضرب األسرى باستمرار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ضرب كل من يرفع صوته في الزنازين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وضع السجين في غرفة مظلمة ‪ 2‬متر × ‪ 1.5‬متر وأرضيتها مبللة بالماء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫منع األسرى من النوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫صب المياه الباردة على السجين ليالً‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫بدأ التعذيب باعتبار أن أعداد األسرى كانت تتزايد وأن أطقم التحقيق في جهاز األمن العام لم تكن‬
‫كبيرة مقارنة مع مراكز االستجواب التي تمتد بالعشرات التي مورس فيها التعذيب ضد األسرى‬
‫الفلسطينيين وأهمها‪:‬‬
‫مركز خان يونس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سجن غزة المركزي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫العمارة في الخليل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المقاطعة في رام اهلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سجن المسكوبية في القدس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المقاطعة في طولكرم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫((‪ )1‬حسين غباش‪ :‬فلسطين حقوق اإلنسان‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫((‪ )2‬إسرائيل شاحاك‪ :‬عنصرية دولة إسرائيل‪(،‬ب‪.‬ط)‪ ،‬منشورات فلسطين المحتلة‪ ،‬بيروت‪،1984،‬ص‪.50‬‬
‫المقاطعة في نابلس‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كان المحققون في السنوات األولى لالحتالل يعلقون السجين من يديه و يشدون على أعضاء جسمه‪،‬‬
‫ويطلقون عليه الكالب وهو معصوب العينين‪ ،‬و وضع التيار الكهربائي على األعضاء التناسلية‪ ،‬وقد رفع‬
‫الصليب األحمر شكوى بهذا الشأن إلى الحكومة اإلسرائيلية(‪ ،)3‬و ثبت لدى بعض لجان التحقيق بعض‬
‫الوسائل التي انتهجها المحققون في بدايات االحتالل‪ ،‬حيث تطرق تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في معاملة‬
‫السجناء‬

‫المسجونين عام ‪ 1970‬إلى نفس األساليب وفى سجون أخرى(‪ ،)1‬كسجن عسقالن الذي كان المحققون‬
‫يمارسون عض لحم األسرى لدرجة أن أحد األسرى حاول االنتحار من شدة الضرب(‪.)2‬‬
‫أشـكال التعذيب‪.‬‬
‫بناء على ظروف وعوامل أهمها‪:‬‬
‫يتحدد شكل التعذيب المستخدم ضد األسرى الفلسطينيين ً‬
‫‪ -‬مدى خطورة األسير‪.‬‬
‫شخصية ضابط األمن اإلسرائيلي وانتماؤه السياسي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جنس األسير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مكان االعتقال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدة التوقيف وموعد المحاكمة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويأتي تحديد نوع وشكل التعذيب من الضابط المشرف على القضية ‪ ،‬وبما يراعي العوامل‬
‫السابقة‪ ،‬وقد أشارت مصادر الدراسة إلى عشرات أشكال التعذيب ويمكن إجمال هذه األشكال التي‬
‫(‪)3‬‬
‫كانت تستخدم في غالبية مراكز التحقيق اإلسرائيلية وهي‪:‬‬

‫((‪ )3‬روجيه ديلورم‪:‬إني أتهم‪ ،‬ترجمة نخلة كالس‪ ،‬ط‪ ،1‬دارالجرمق‪ ،‬بيروت‪ ،1980 ،‬ص ‪.152‬‬
‫((‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫((‪ ) 2‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬حيث انه تعرض لهذا التعذيب عام ‪.1968‬‬
‫((‪ _ )3‬روجيه ديلورم‪ :‬إني أتهم‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 153‬‬
‫‪ -‬سعيد عالء الدين ‪ :‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية ‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫‪ -‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪،‬ط‪ ،1‬دار اللوتس‪ ,‬تونس‪ ،1986 ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪ -‬وزارة شؤون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن أشكال التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،1999 ،‬ص ‪. 11-6‬‬
‫‪- Human Rights Watch/ Middle East: torture and ill- treatment .P.27-34.‬‬
‫‪- Human Rights: prisoners in solitary confinement suffering in Israeli prisons,-1992- P. 25.‬‬
‫الضرب على كل المواضع كاألذن واألعضاء التناسلية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحرق بالسجائر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تعصيب األعين وربط اليدين والجلوس على الركبتين وطأطأة الرأس ومن ثم إطالق الكالب لنهش‬ ‫‪-‬‬
‫مالبس المعتقل ‪.‬‬
‫الصدمات الكهربائية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إهانة كرامة اإلنسان كأن تأتي المخابرات اإلسرائيلية فتنهال على المعتقل بالسب والشتم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشبح وتعليق المعتقل من رجليه ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫إجالس المعتقل على الكرسي الخشبي لعدة أيام ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫استخدام الماء البارد والساخن واستخدام المكيفات والمراوح ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحرمان من النوم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اإلطعام عنوة ( عند اإلضراب عن الطعام )‬ ‫‪-‬‬
‫محاولة الخنق سواء بالحبال أو الماء ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ربط األسرى مجموعات وسحبهم كما يحصل في سجون غزة و رام اهلل ‪ ،‬حيث يتم إخراج‬ ‫‪-‬‬
‫األسرى من الزنازين على شكل ( باص ) كما يسميه األسرى ويوضعون في صالة تسمي المسلخ‬
‫‪.‬‬
‫قلع األظافر كما حصل مع المطران كوبتشى ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫برغم مجموع العدد الكبير من األسرى الذين تعرضوا للتعذيب إال أنه هناك حاالت مميزة تعرضت‬
‫ٍ‬
‫وقاس ومنها على سبيل المثال‪:‬‬ ‫لتعذيب مميز‬
‫وداد األسود‪ /‬زوجة قائد قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة الشهيد محمد‬ ‫‪-1‬‬
‫األسود‪ ،‬وقد تعرضت ألشكال عدة من التعذيب حيث تم عصب عينيها ووضع الكيس فوق‬
‫ذلك ‪،‬ورشها بالماء الساخن حتى يغمى عليها وإ يقاظها بالضرب بعصا غليظة ‪ ،‬كما تعرضت‬
‫لكي السجائر وتم اتهامها بأنها مجنونة (‪.)1()1‬‬
‫كوتو كوزوموتي (الياباني) الذي اعتقل أثناء عملية فدائية في مطار اللد عام ‪ ،1972‬وقد‬ ‫‪-2‬‬
‫تعرض ألنواع شتى من الضرب المبرح و بصعق الكهرباء‪ ،‬وتم اعتقاله في زنزانة انفرادية‬

‫‪Gaza Community Mental Health Program: Prison Experiences and Coping Styles Among Palestinian and Men. -‬‬
‫‪Gaza, 1998, p. 36‬‬
‫(‪ )1()1‬مقابلة مع وداد األسود‪ ،‬إفادة مشفوعة بالقسم للباحث‪.‬‬
‫لمدة سبعة أعوام أفقدته عقله‪ ،‬وقد تم تحريره ضمن صفقة تبادل األسرى بين إسرائيل ومنظمة‬
‫(‪.)2()2‬‬
‫الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‬
‫المطران كبوتشي وهو أحد مطارنة القدس الذي اعتقل و تعرض للتعذيب بنتف جزء من لحيته‬ ‫‪-3‬‬
‫وقلع أظفاره‪ ،‬وكذلك إهانته باالعتداء اللفظي على دينه وكونه رجل دين له مكانته‪ ،‬وعبر‬
‫جمعيات حقوق اإلنسان تقدم بأكثر من شكوى ضد ضباط المخابرات اإلسرائيلية الذين قاموا‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫بتعذيبه وكذا تم إعالم السكرتير العام لألمم المتحدة‬
‫‪ -4‬سامي أبو دياب من سكان القدس قدم إفادة مشفوعة بالقسم لمجلة الشئون الفلسطينية ‪ ،‬أكد فيها أنه‬
‫ضرب بالعصا وتم ربطه باألسالك الحديدية وتعليقه من رجليه مقلوبا وتم إدخال طلقة في فتحة شرجه‬
‫وضرب بمسطرة فيها مسامير على عينية‪ ،‬وتم إثبات أثار من ذلك أمام المحكمة(‪.)4‬‬
‫وقد مارست إسرائيل التعذيب بحق األسرى الفلسطينيين بغض النظر عن جنس المعتقل سواء أكان‬
‫ذكراً أو أنثى‪ ،‬طفالً أم شيخاً‪ ،‬ولكن ذلك يساهم في تحديد شكل التعذيب‪ ،‬فعندما يتم تعذيب الفتيان يتم‬
‫التركيز على موضوع الشرف لما له من أهمية في الحياة االجتماعية العربية‪ ،‬وكذلك يتم تمزيق شعر‬
‫الفتاة ويتم إدخال السيدة على أسير أخر يكون قد أرغم على التعرية (‪ ،)1‬ويمكن إجمال بعض طرق‬
‫التعذيب الجسماني التي اتبعتها سلطات االحتالل بحق الفتيات الفلسطينيات بعد العام ‪:)1967(2‬‬
‫‪ -‬توضع الفتاة تحت الدش البارد عدة مرات في اليوم وفتح المراوح والمكيفات‪.‬‬
‫حمل كرسي من الخشب فوق رأسها ووقوفها أمام الحائط‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سحب الفتاة من شعرها وهى مقيدة األيدي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسليط طرف كهرباء بالقرب من جسمها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسليط اإلضاءة الشديدة وفتح أصوات صاخبة بجانب إذنها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كما مارست السلطات العسكرية اإلسرائيلية التعذيب بحق األسرى األطفال‪ ،‬فقد كانت تلزمهم‬
‫بالتعري والتقاط صور لهم في هذا الوضع‪ ،‬وقد حصل ذلك في قسم ‪ 7‬في سجن الشارون و كان‬
‫ذلك بغرض إلزامهم على كسر اإلضراب الذي خاضوه عام ‪.)1984(3‬‬

‫(‪ )2()2‬صحيفة القدس ‪،1985 /5/ 21‬ص‪ ،1‬صحيفة الشعب ‪،21/5/1985‬ص‪.1‬‬


‫(‪ ) 3‬موشيه ماعوز‪ ،‬القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية تحت السلطة األردنية واإلسرائيلية ‪ ،1984 -1948‬ط‪ ،1‬دار يشوف‪ ،‬تل أبيب‪،‬‬ ‫(‬

‫‪،1986‬ص ‪(،136‬بالعبرية)‪.‬‬
‫((‪ )4‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،1،3/1971‬ص‪.133‬‬
‫((‪ )1‬مسلسل التعذيب‪ :‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،12/6/1978 ،141‬ص‪.20‬‬
‫)‪Association of supporting Palestinian female prisoners , Annual Report,1986,p7. (2‬‬ ‫(‬

‫((‪ ) 3‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ ،‬نشرة في ذكرى اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب‪،26/6/2005 ،‬ص‪.2‬‬
‫الوفيات واإلصابات الناتجة عن التعذيب‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫نتج عن تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية وقوع أعداد من الشهداء وكذلك‬
‫اإلصابات والعاهات‪ ،‬وتشير تقارير وإ حصائيات وزارة شئون األسرى والمحررين الفلسطينية أن تسعة‬
‫وثالثين سجيناً توفوا منذ العام ‪ 1985-1967‬جراء التعذيب بعد وقوعهم بين يدي سلطات االحتالل(‪.)4‬‬

‫* ومن أشهر حوادث التعذيب حتى الموت‪:‬‬


‫‪ -‬وفاة السجين يوسف أبو سبيتان من دير البلح عام ‪ 1967‬بسجن غزة ‪.‬‬
‫‪ -‬وفاة السجين يوسف إبراهيم الجبالي من نابلس في يناير ‪ 1968‬جراء الضرب في سجن نابلس‪.‬‬
‫‪ -‬وفاة السجين عبد القادر أبوالفحم من الخليل في تموز ‪ 1970‬في سجن الرملة جراء محاولة‬
‫إدارة السجن إدخال أنبوب في فمه لفك إضرابه عن الطعام‪.‬‬
‫‪ -‬وفاة السجين عبد الصمد حريزات من بيت لحم في نيسان ‪ 1985‬في سجن جنيد وهو أول شهيد جراء‬
‫الهز العنيف‪.‬‬
‫‪ -‬وفاة السجين عواد محمد حمدان من نابلس في نوفمبر ‪ 1985‬جراء التعذيب الجسدي‪.‬‬
‫‪ -‬مقتل الفلسطينيين من عائلة أبو جامع وعائلة قبالن على أيدي رجال األمن اإلسرائيليين ضربا‬
‫بالهراوات حتى الموت‪ ،‬وقد أستطاع صحفي إسرائيلي تصويرهم وهم ال يزالون أحياء‪ ،‬في حين كان‬
‫الناطق بلسان الجيش قد أعلن مقتلهما أثناء اقتحام قوات األمن لألتوبيس الذي كانوا قد اختطفوه‪ ،‬وقد تم‬
‫عمل لجنة تحقيق وبناء عليها ثبت مقتلهما وهم أحياء ضرباً‪ ،‬وقدم رئيس جهاز األمن العام استقالته(‪. )1‬‬

‫ترك التعذيب في السجون اإلسرائيلية مئات حاالت التعذيب‪ ،‬وال يمكن تقدير عدد الذين تعرضوا‬
‫للتعذيب وصاروا مرضى أو ذوي عاهات‪ ،‬حيث لم تتفق مصادر الدراسة حول عدد معين‪،‬أما أهم‬
‫األمراض التي تعرض لها األسرى خالل فترة الدراسة فهي‪ ( :‬التهاب المعدة وقرحة اإلثنى عشر‪،‬‬
‫أمراض جلدية كالجرب و اليشمانى‪ ،‬وأمراض العيون‪ ،‬وأمراض الجراحة العامة‪ ،‬واألمراض الباطنية ‪،‬‬
‫واألمراض النفسية والعصبية ‪ ،‬وأمراض متفرقة‪ ،‬وأمراض الكلى كااللتهاب وحصى‪ ،‬وأمراض األذن‪،‬‬
‫وأمراض الغضروف والمفاصل)‪.‬‬

‫((‪ )4‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ ،‬التعذيب‪ ،‬الدائرة اإلعالمية‪ ،2001 ،‬ص ‪.9‬‬
‫((‪ )1‬للمزيد من التفاصيل عن هذه القضية التي تسمى بعملية الباص ‪ 300‬أنظر‪ :‬إسحاق شامير‪ ،‬مذكرات‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪،1994 ،‬ص‬
‫‪ ،177‬وكان أبراهام شالوم رئيسًا لجهاز األمن العام‪.‬‬
‫مارست إسرائيل عدة أنواع من االعتقال السياسي للفلسطينيين وقد استعملت قوانين وتشريعات‬
‫االنتداب‪ ،‬والتي كانت الحركات والمنظمات الصهيونية ترفضها وتشهر بها باعتبار أنها مورست ضد‬
‫أعضائها ‪ ،‬بل أن إسرائيل قد قامت بتعديل هذه القوانين لتصبح أكثر شدة وقسوة تجاه الفلسطينيين‪ ،‬فقد‬
‫تبين أنها اعتقلت المئات من رجال المقاومة الفلسطينية (إداريا) ولعدة سنوات من غير محاكمة‪،‬وقد ثبت‬
‫لدى العديد من الجهات والمؤسسات والشخصيات المختلفة في العالم تعرض األسرى للتعذيب وبوسائل‬
‫مختلفة‪ ،‬وقد خرج الكثير منهم من هذه السجون وهم يعانون من أمراض عديدة كانت السجون وظروف‬
‫المعيشة فيها هي السبب‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫(المعتقالت والسجون اإلسرائيلية)‬
‫عقب حرب ‪ 1967‬وقع اآلالف من الفلسطينيين في أسر القوات اإلسرائيلية ألسباب تتعلق بمقاومة‬
‫االحتالل‪ ،‬وكذلك كانت هذه القوات تطارد العشرات الذين لم يسلموا أنفسهم‪ ،‬فقامت باعتقال ذويهم‪،‬‬
‫وبرزت تساؤالت أين سيتم حجز هذه األعداد الهائلة؟ وكيف سيتم إيجاد الوسائل القضائية الحتجازهم؟‬
‫فأقامت إسرائيل العديد من معسكرات االحتجاز "األمن" في سيناء‪ ،‬وكانت عبارة عن خيام محاطة‬
‫باألسالك الشائكة يشرف عليها ضباط الجيش‪.‬‬
‫وقد تعرضت إسرائيل تبعاً لذلك لمزيد من الضغوط الدولية إلغالق هذه المعسكرات التي لم يكن‬
‫الضباط المشرفون عليها على دراية كاملة في التعامل مع أسرى الحرب‪ ،‬أو حتى األسرى السياسيين‬
‫بشكل عام(‪.)1()1‬‬
‫فقد نقلت األسرى إلى السجون اإلسرائيلية داخل إسرائيل التي تشرف عليها مصلحة السجون التابعة‬
‫للشرطة‪ ،‬وقد كان هناك ستة سجون يوجد بها السجناء الجنائيون اليهود‪ ،‬ولكنها استوعبت أعداداً ممن يتم‬
‫محاكمتهم من قبل المحاكم العسكرية في المناطق العربية المحتلة‪ ،‬ومع مضي السنوات األولى من‬
‫االحتالل كان عدد األسرى الفلسطينيين يزيد بشكل كبير‪ ،‬وكان فرق شاسع بين أولئك الذين يفرج عنهم‬
‫ومن يتم محاكمتهم‪ ،‬فقامت إسرائيل بإصدار األوامر العسكرية التي بموجبها تم إنشاء عدة سجون‪ ،‬تم‬
‫تسليمها لمصلحة السجون اإلسرائيلية(‪.)2()2‬‬
‫وقد أقيمت هذه السجون في المدن التي بها تجمعات سكنية فلسطينية كغزة والخليل ورام اهلل وطولكرم‬
‫ونابلس‪ ،‬داخل مواقع الجيش‪،‬أو ما يسمى بالسرايا أو العمارة أو المقاطعة‪ ،‬وكانت هذه المباني في األصل‬
‫منشآت عسكرية أقيمت منذ االنتداب البريطاني واإلدارة األردنية والمصرية‪ ،‬وكانت تحتوي على غرف‬
‫جاهزة لالعتقال‪ ،‬وعقب نهاية السبعينات بدأت الحاجة إلى إنشاء سجون جديدة لحل عدة مشاكل نتجت في‬
‫السجون القديمة‪ ،‬فقامت إسرائيل بإنشاء عدة سجون لعوامل عدة أهمها‪-:‬‬
‫‪ -1‬االزدحام في السجون و ما يترتب عليه من إشكاليات أمنية‪.‬‬
‫‪ -2‬ازدياد عدد األسرى ذوي األحكام العالية وهم بحاجة إلى سجون خاصة‪.‬‬
‫‪ -3‬قوة البناء التنظيمي لألسرى وهو ما كان يشكل عبئاً على إدارة مصلحة السجون‪.‬‬
‫‪ -4‬التطورات األمنية إلسرائيل كدخولها حرب ‪ 1982‬في لبنان مما خلق حاجة ماسة إلى سجون جديدة‪.‬‬

‫(‪ )1()1‬المعتقالت اإلسرائيلية قبل عام ‪ ،1967‬شؤون فلسطينية‪،‬ع ‪ ،3/1979-87/88،2‬ص‪.79‬‬


‫(‪ ) 2()2‬القانون من أجل اإلنسان(الحق)‪:‬مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون‪ ,‬القدس‪ ،1986 ،‬األمر العسكري ‪ ،378‬ص‪.82‬‬
‫وقد فرقت إسرائيل في تعاملها مع األسرى والسجون حسب مكان السجن و نوع األسرى‪ ،‬والجهة التي‬
‫كلفتها الحكومة باإلشراف على السجن سواء أكانت مصلحة السجون أو الجيش‪ ،‬فقد كانت السجون داخل‬
‫األراضي المحتلة عام ‪ 1948‬التي سأطلق عليها ( سجون الداخل) جاهزة من النواحي األمنية واإلشراف‬
‫عليها من قبل مصلحة السجون‪ ،‬وكانت أكثر استقراراً من تلك التي أقيمت فيما بعد في الضفة الغربية‬
‫وقطاع غزه‪،‬كذلك كان الفرق واسعاً بين ذلك السجن الذي تم افتتاحه عقب االجتياح اإلسرائيلي للبنان علم‬
‫‪ ،1982‬والذي تسلم الجيش المسؤولية عنه‪.‬‬

‫السجون في المناطق الفلسطينية المحتلة عام ‪1948‬‬


‫حتى عام ‪ 1967‬كانت إسرائيل قد أقامت ستة سجون للسجناء الجنائيين اليهود وعدد قليل من األسرى‬
‫غير اليهود‪ ،‬وكانت مصلحة السجون تشرف عليها جميعا‪ ،‬وبعد عام ‪ 1967‬أصبحت هذه السجون تضم‬
‫في غالبيتها أسرى أمنيين فلسطينيين بجانب السجناء اليهود وهذه السجون هي‪-:‬‬

‫‪ -1‬سجن نفحة الصحراوي‪:‬‬


‫يقع سجن نفحة الصحراوي في صحراء النقب بجنوب فلسطين ويبعد ‪ 115‬كم إلى الجنوب من مدينة‬
‫بئر سبع‪ ،‬وحوالي ‪ 200‬كم جنوب القدس‪ ،‬ويسمي سكان النقب البدو هذه المنطقة بقصر الغزال نسبة ألثار‬
‫قديمة بهذا االسم‪ ،‬وتسمي إسرائيل تلك المنطقة (متيسبيه رامون) وبها مطار عسكري بهذا االسم‪.‬‬
‫افتتح هذا السجن في األول من مايو أيار ‪ ،1980‬وكان افتتاحه يهدف إلى عزل قادة األسرى أو ما‬
‫تصنفهم إسرائيل بالخطرين‪ ،‬فبعد عدة أعوام من افتتاحه اعترفت إدارة السجون بأن إنشاءه كان لسد‬
‫الحاجة لحبس السجناء األمنيين الخطرين وعزلهم عن المراكز السكانية(‪.)1()1‬‬
‫وقد أشرف على التخطيط الهندسي لهذا السجن معهد الهندسة التطبيقية (التخنيون)(‪ ،)2()2‬والذي يخطط‬
‫للمشاريع الكبرى في إسرائيل‪ ،‬وعليه فليس من المعقول بأن بناءه بمواصفات سيئة بالنسبة لألسرى‬
‫كاالختناق وقلة التهوية أن يكون محض صدفه أو إهمال بل إنه صمم على أيدي علماء الهندسة في‬
‫إسرائيل‪.‬‬

‫(‪ )1()1‬مصلحة السجون في إسرائيل‪ :‬النشرة التعريفية لسجن نفحة‪(،‬بالعبرية)‪.‬‬


‫(‪ )2()2‬جبريل الرجوب‪ ،‬زنزانة‪ ،704‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪،‬عمان‪،1986،‬ص‪ ،17‬كان مدير مصلحة السجن هو الذي أبلغ األسرى بهذا‪.‬‬
‫وصل الحرص األمني لحراسة هذا السجن إلى أعلى درجة في التصنيف األمني اإلسرائيلي‪ ،‬وهو غير‬
‫موجود في أي سجن آخر‪ ،‬وأن هذه الدرجة تشبه تلك التي توضع فيها منشآت البرلمان و مجلس الوزراء‬
‫والمنشآت الحيوية جدا(‪.)3‬‬
‫أثار افتتاح هذا السجن بمواصفات قاسية االنسانية هالة الرأي العام ‪ ،‬وهذا ما وجد تعبيرا له من خالل‬
‫ما نقله مراسلو الصحف العالمية عما رأوه في ذلك السجن‪ ،‬وتأكيدهم أنه فرض على األسرى أن يبقوا في‬
‫غرفهم ثالثاً وعشرين ساعة‪ ،‬وال يسمح لهم بالمشي إال ساعة في غرفة مقفلة طولها سبعة أمتار وعرضها‬
‫أربعة أمتار في الوقت الذي كان يعاني غالبيتهم من أمراض القلب‪ ،‬و قد رأى هذان الصحفيان بأعينهم‬
‫العقارب واألفاعي داخل غرف السجناء وكان مدير هذا السجن يهدد قادة األسرى بأن ذويهم لن يستطيعوا‬
‫زيارتهم اال بواسطة طائرة هليوكبتر(‪.)1‬‬
‫حرصت مصلحة السجون على تزويد السجن بطاقم يستطيع التعامل مع األسرى في هذا السجن‬
‫الخاص‪ ،‬فقد تم تزويده بطاقم مقداره مائة وثمانون شرطياً يرأسهم العقيد (فاكنين عمرام)‪ ،‬فمصلحة‬
‫السجون تعرف أن هذا الطاقم الكبير سيتعامل مع قيادات األسرى في السجون‪ ،‬بل أن إسرائيل اعتبرتهم‬
‫األخطر‪ ،‬حيث كانت تظهر دائما أسماؤهم على رأس القوائم التي يطالب رجال المقاومة بإطالق سراحهم‬
‫مقابل أي رهائن إسرائيليين بحوزتهم‪.‬‬
‫وحرصت إدارة مصلحة السجون على تأكيد هيبتها في تعاملها مع هذا الحشد من األسرى‪ ،‬فقد قامت‬
‫عنوة بتعريضهم لمضخات ‪ D.D.T‬وهي مادة سامة لقتل الحشرات و من ثم أمرتهم بدخول غرفهم تحت‬
‫الضرب و نباح الكالب من حولهم‪،‬و كانت هذه الكالب ال تكف عن النباح بجوار غرف األسرى طوال‬
‫اليوم(‪.)2‬‬
‫إن إجراءات إدارة السجن تهدف إلى وضع األسرى في حالة نفسية صعبة‪ ،‬مما يجعل التفكير بمشاكل‬
‫السجون األخرى أمرا صعبا‪ ،‬وكذلك منعهم من محادثة زمالئهم في الغرف األخرى‪ ،‬وكان العقاب ألي‬
‫سبب فقد دخل زنازين العزل خمسة وعشرون أسيراً من أصل الخمسة وأربعين في السبعين يوما األولى‬
‫الفتتاح السجن(‪.)3‬‬
‫برغم هذا الوضع الصعب فقد استطاع األسرى منذ األيام األولى لوصولهم هذا السجن ترتيب‬
‫أوضاعهم التنظيمية‪،‬فقد اتفقوا على تشكيل لجان لكل تنظيم على حده‪ ،‬وقد تم تشكيل لجنة موحدة وصفها‬

‫((‪ ) 3‬مصلحة السجون في إسرائيل‪ :‬النشرة التعريفية لسجن نفحة‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.1‬‬


‫((‪ )1‬صحيفة هأرتس ‪ ،1980 /30/5 ،‬ص‪.1‬‬
‫((‪ ) 2‬رسالة من المحاميين ليئا تسيمل ووليد الفاهوم إلى رئيس لجنة التحقيق الدولية‪،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫((‪ )3‬جبريل الرجوب ‪ :‬زنزانة ‪،704‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫مراسل صحيفة هآرتس بأنها تفرعت إلى لجان نضالية ولجان عمل ولجان تثقيف‪ ،‬ما جعل مراسل‬
‫صحيفة هأرتس يصف الحالة بـأن " تكون إسرائيل قد أقامت المعهد الفلسطيني العالي لزعماء القومية‬
‫العربية المتطرفة في المستقبل"(‪ ،)4‬وقد كان عبد العزيز شاهين رئيساً للجنة األسرى العامة(‪.)5‬‬
‫ورفض األسرى الفلسطينيون أن يظلوا بهذه األوضاع السيئة ‪،‬فقد قاموا بالتحضير إلضراب عن الطعام‬
‫لتحقيق تحسين ألوضاعهم وبدأ هذا اإلضراب في الرابع والعشرين من تموز ‪ ،1980‬حيث اختار األسرى‬
‫هذا التاريخ ليصادف يوم سقوط سجن الباستيل على أيدي المتظاهرين الفرنسيين‪ ،‬واستمر مده ثالثة‬
‫وثالثين يوماً‪ ،‬تكبد خالله األسرى شهيدين هما ‪ :‬راسم حالوة و علي الجعفري‪ ،‬واستشهاد اثنين آخرين‬
‫فيما بعد متأثرين بالنتائج الصحية لإلضراب وهما‪ :‬أنيس دوله واسحق موراغه(‪.)6‬‬

‫‪ -2‬سجن عسقالن‬

‫((‪ )4‬صحيفة هأرتس ‪،30/5/1980 ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.1‬‬


‫((‪ ) 5‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪ ،‬مسؤول األسرى في السجون اإلسرائيلية لسنوات متفرقة أجريت في‪،7/1/2004‬غزة‪.‬‬
‫ال عن جبريل الرجوب ‪ :‬زنزانة ‪،704‬مرجع سابق‪،‬ص‪.29‬‬
‫((‪ )6‬نق ً‬
‫يطلق عليه اإلسرائيليون سجن (شيكما) بمدينة اشكلون‪ ،‬بينما يطلق عليه الفلسطينيون سجن عسقالن‬
‫ألنه يقع في مدينة عسقالن القديمة والمسماة بالمجدل‪ ،‬ويقع السجن حاليا وسط المدينة اإلسرائيلية السكان‪،‬‬
‫والتي تبعد ‪ 20‬كيلو إلى الشمال من مدينة غزة ‪،‬وثمانين كيلو إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس‪.‬‬
‫انشأ سجن عسقالن في عهد االنتداب البريطاني على فلسطين كمقر لقيادة الجيش البريطاني في‬
‫المنطقة‪ ،‬واستعمل كسرايا الستقبال الوفود البريطانية الرسمية‪ ،‬ويذكر مراسل صحيفة الهيرالد تريبيون انه‬
‫تحول لسجن العتقال المجموعات التي قامت بمقاومة االنتداب من العرب واليهود على حد سواء(‪.)1‬‬
‫وفي عام ‪ 1968‬ناقشت الكنيست اإلسرائيلية أوضاع األسرى الفلسطينيين‪ ،‬واتسم نقاشها بالتطرف خاصة‬
‫قضية زيادة عدد األسرى نتيجة تزايد أعمال المقاومة(‪ ،)2‬و بوشر العمل على تهيئته من مركز شرطة‬
‫إسرائيل بالمدينة إلى سجن‪ ،‬وبالفعل تم افتتاحه يوم ‪ 11/2/1969‬بإرسال أول دفعة من األسرى إليه‬
‫وهي خمس وثمانون أسيراً‪.‬‬
‫اعترفت مصلحة السجون أن هدف إنشاء هذا السجن هو الحد من "الزيادة في عمليات المقاومة الفلسطينية‬
‫مما دعا إلى افتتاح منشأ حبس لرجال المقاومة"(‪ ،)3‬وقد شددت إدارة السجن معاملتها لألسرى مما أدى إلى‬
‫اعتبار الفلسطينيين إن فتح هذا السجن جاء لالنتقام من األسرى‪.‬‬
‫يتكون سجن عسقالن من عدة أبنية كل منها في طابقين و يسمى قسماً‪ ،‬ويتألف السجن من أربعة أقسام في‬
‫كل قسم خمس غرف‪ ،‬و كل منها يطل على ساحة مربعة الشكل إضافة إلى بناية للخدمات و بناية أخرى‬
‫إلدارة السجن (‪ ،)4‬في حين تتعامل إدارة السجن على تقسيم السجن ألحد عشر جناح‪ ،‬وانه يتسع لستمائة‬
‫وخمسين سجين (‪ ،)5‬وهذا ما يوضح حالة االزدحام الشديد في هذا المعتقل والتي وصلت ذروتها عام‬
‫‪.1976‬‬
‫يعد سجن عسقالن حتى مايو ‪ 1985‬من أكثر السجون التي تضم أسرى ذوي أحكام عالية فغالبيتهم‬
‫محكوم عليهم أكثر من خمسة عشر عاماً‪ ،‬وهذا ما يفسر أقوال وزير الشرطة اإلسرائيلي شلومو هليل‬
‫عندما وصف األسرى في سجن عسقالن بأنهم " قد اقترفوا جرائم قتل و تخريب ضد إسرائيل عندما كانوا‬
‫أحراراً وهم اليوم يلقون على إسرائيل القنابل الدعائية "(‪.)6‬‬

‫((‪ 400 )1‬أسير فلسطيني يتكدسون في ظروف ال إنسانية‪:‬مجلة فلسطين المحتلة‪،‬ع‪ ،8/4/1977 ،3-2‬ص‪.26‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسين‪ :‬محاضر الكنيست‪ ،‬الدورة الثالثة للسنة العبرية ‪ ،5728‬ط‪ ،1‬مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية باألهرام ومؤسسة‬ ‫(‬

‫الدراسات الفلسطينية‪ ،‬القاهرة‪، 1977،‬ص‪. 368‬‬


‫((‪ ) 3‬المصدر السابق‪،‬جاء ذلك على لسان وزير الشرطة أثناء كلمة أمام الكنيست(شلومو هليل)‪.‬‬
‫((‪ )4‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪ ،1989،‬ص‪.23‬‬
‫((‪ )5‬مصلحة السجون في إسرائيل ‪ :‬النشرة التعريفية لسجن شيكما‪ ،‬ص‪(،5‬بالعبرية)‪.‬‬
‫((‪ )6‬المصدر السابق‪،‬ص‪.7‬‬
‫خاض األسرى الفلسطينيون في سجن عسقالن العديد من اإلضرابات عن الطعام و ذلك بهدف تحسين‬
‫ظروف حياتهم‪ ،‬فقد خاضوا إضراب عام ‪ 1970‬الذي استمر لمدة واحد وثالثين يوما‪ ،‬تكبد خالله األسرى‬
‫شهيدا واحدا وهو الشهيد عبد القادر أبو الفحم والذي قتله الطبيب أثناء إدخال األنبوب في فمه رغم علم‬
‫الطبيب انه مريض حيث اعتقل جريحا بعد اشتباك مع القوات اإلسرائيلية(‪ ،)1‬وكذلك خاض األسرى‬
‫إضرابا عن الطعام عام ‪1971‬استمر ما يزيد عن خمسة و عشرين يوما‪ ،‬وتم تعليقه لمدة يومين ثم أعاد‬
‫األسرى اإلضراب عشرين يوما أخرى‪ ،‬وكذلك أضرب األسرى عام ‪ 1976‬لمدة خمسة وأربعين يوما‪،‬‬
‫وكان إضراب عام ‪ 1977‬عن العمل لينهي قضية إلزام األسرى بالعمل في المرافق المختلفة(‪.)2‬‬
‫لقد تعرض سجن عسقالن لكثير من المداهمات واالعتداءات التي كانت تنفذها مصلحة السجون ضد‬
‫األسرى الفلسطينيين‪ ،‬فقد استشهد األسير عمر السليبى عندما انهال عليه مدير السجن (حيوت) ضربا حتى‬
‫الموت عام ‪ ،)1973(3‬وكذلك اقتحام السجن كله و رشه بالغاز المسيل للدموع في ‪ 11/12/1981‬ردا‬
‫على قيام األسرى الفلسطينيين برفع اإلعالم الفلسطينية وترديد هتافات ضد إسرائيل داخل السجن‪ ،‬وتم‬
‫عقاب كل األسرى بحرمانهم من الزيارة أو الشراء من دكان السجن‪ ،‬وتقليص ساعات الفسحة إلى ساعة‬
‫واحدة‪ ،‬وتقليص عدد عمال النظافة ومنع إدخال الفواكه و الخضروات(‪.)4‬‬
‫في عام ‪ 1985‬هاجمت الشرطة اإلسرائيلية السجن ‪،‬مستغلة اإلفراج عن قياداته ضمن صفقة تبادل‬
‫األسرى مع منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة‪ ،‬فقامت بإطالق الغاز المسيل للدموع‬
‫واالعتداء على األسرى بالهراوات مما دفع األسرى إلى حرق الغرف‪ ،‬وكرروا إضرام النار في غرفهم‬
‫مرة أخرى في نهاية عام ‪.)1985(5‬‬

‫‪ -3‬سجن بئر السبع‬


‫يعود قرار إنشاء هذا السجن إلى نقاش الكنيست اإلسرائيلي الهام حول السجون عام ‪ ،1968‬وتم الفراغ‬
‫من بنائه و افتتاحه بأول دفعة من األسرى في ‪ ،)3/1/1970(6‬وتطلق عليه إسرائيل سجن (ايشل) الذي‬
‫تعتبره أول منشأة حبس تم بناؤها في إسرائيل‪ ،‬و يقع على الطريق بين مدينتي بئر السبع وايالت (أم‬

‫((‪ )1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.228‬‬


‫((‪ ) 2‬عبد الناصر فروانة‪:‬علب إسمنتية و خيام نازية(دراسة غير منشورة عن السجون اإلسرائيلية)‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫((‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫((‪ ) 4‬عبد الحق شحاده ‪ :‬التجربة النضالية لمعتقل عسقالن‪-‬مذكرات اعتقالية‪ ،‬ط‪(،1‬ب‪.‬ن)‪(،‬ب‪ .‬ت)‪،‬غزة‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫((‪ )5‬وقائع وأحداث ‪ :‬مجلة األرض المحتلة‪، ،‬ع‪،22،1986‬ص‪.86‬‬
‫((‪ ) 6‬إبراهيم أبو النجا‪:‬الحركة الفلسطينية األسيرة‪(،‬ب‪.‬ط)‪،‬مؤسسة صابرون ‪ ،‬رام اهلل ‪( ،‬ب‪.‬ت) ‪،‬ص‪.24‬‬
‫الرشراش) قريبا من بئر السبع‪ ،‬وقد تم بناؤه على أيدي األسرى من سجناء عسقالن لقاء ثماني سجائر‬
‫يوميا ومن يرفض يتم وضعه في الزنازين(‪.)7‬‬
‫ولقد قامت إسرائيل بتجربة تشغيل األسرى األمنيين في سجن بئر السبع‪ ،‬حيث وضعت عام ‪1969‬‬
‫قانون العمل اإلجباري لألسرى في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬وكل أسير يرفض العمل تكون عقوبته الحبس في‬
‫الزنزانة وقطع زيارته‪ ،‬وقد كان الهدف هو تحقيق ربح اقتصادي من وراء هذه األعداد الكبيرة من‬
‫األسرى‪.‬‬
‫أنشأت السلطات في سجن بئر السبع ساحة رمليه واسعة وبها عدة ورش ومشاغل للخياطة والنجارة‬
‫والحدادة‪ ،‬وأصبح األسرى ينتجون الصناديق الخشبية باآلالف ويخيطون مالبس ويصنعون شبكات التمويه‬
‫التي يستعملها الجيش اإلسرائيلي لتغطية أسلحته(‪ ،)1‬ولم تقف معاملة إدارة السجن مع األسرى بقضية‬
‫العمل بل كان السجانون يأتون كل أسبوع ويحلقون ذقون األسرى بأيديهم و كذلك حلق الرؤوس‪ ،‬وأمام‬
‫هذه المعاملة القاسية كانت تقوم بعمل برامج ثقافيه لتغيير ثقافة األسرى وذلك بعمل جلسات ثقافيه ونقاشات‬
‫(‪)2‬‬
‫لعلماء في جامعات إسرائيلية لتشرح لهم خطورة تأييدهم للعمل المسلح ‪.‬‬
‫أضرب األسرى الفلسطينيون في سجن بئر السبع عدة مرات‪ ،‬كان أولها إضراب العشرة شهور عام‬
‫‪ ،1973‬والذي ابتدأ باإلضراب عن العمل‪ ،‬ومن ثم عن الزيارة ثم عن الخروج للفسحة ثم عن الحالقة‪،‬‬
‫وفي عام ‪ 1985‬أعلنوا إضرابا مفتوحا عن الطعام لتحسين ظروف معيشتهم‪،‬وقد شارك السجن في عدة‬
‫إضرابات تضامنا مع سجون أخرى خاصة سجن نفحة وعسقالن (‪ ،)3‬ولكن إدارة السجن كثيرا ما كانت‬
‫تداهم السجن وتطلق قنابل الغاز المسيل للدموع و تمارس االعتداء بالهراوات على األسرى وذلك ألقل‬
‫األسباب‪.‬‬
‫كانت إدارة السجن تمارس عقوبات شديدة على األسرى‪ ،‬وقد جاءت هذه العقوبات ضمن الرسالة التي‬
‫وجهها المحامى وليد الفاهوم إلى رئيس لجنة التحقيق الدولية التي ذكر فيها أن إدارة السجن تعاقب‬
‫األسرى بمنعهم من الفسحة‪ ،‬والشراء من دكان السجن‪ ،‬ومن زيارة األهالي‪ ،‬ومن لقاء محاميهم ورفضها‬
‫إعطائهم مالبس شتوية إال في وقت متأخر من فصل الشتاء(‪ ،)4‬بل إن إدارة السجن كانت تشجع السجناء‬

‫((‪ )7‬السجون اإلسرائيلية تحت دائرة الضوء‪ :‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪،14/6/1977 ، 36‬ص‪.28‬‬
‫((‪ )1‬تقرير حول سجن بئر السبع‪،‬مجلة شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪،6/1977 ،67‬ص‪.187‬‬
‫((‪ )2‬جمعية األسرى والمحررين ‪ :‬تقرير عن سجن بئر السبع‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.3‬‬
‫((‪ )3‬عدنان جابر ‪ :‬ملحمة القيد و الحرية ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.236‬‬
‫((‪ )4‬تقرير مقدم من وليد الفاهوم إلى السيد جون بيس‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.3‬‬
‫الجنائيين اليهود باالعتداء على األسرى السياسيين الفلسطينيين‪ ،‬حيث إنها وضعت أسوأ العناصر‬
‫اإلجرامية في إسرائيل في هذا السجن وتجسد ذلك من خالل(‪:)5‬‬
‫* إلقاء السجناء الجنائيين اليهود عبوة ناسفة على األسرى الفلسطينيين في قسم (ب) مما أدى إلى‬
‫إصابة تسعة منهم بجروح‪.‬‬
‫* قيامهم بوضع كميات من السم في طعام األسرى الفلسطينيين مما أدى إلى إصابة العشرات منهم‬
‫بالتسمم‪.‬‬
‫قامت إسرائيل بتفريغ األسرى األمنيين الفلسطينيين في تموز ‪ 1984‬ونقلهم إلى السجون التي تم‬
‫افتتاحها في الضفة الغربية وعلى رأسها سجن جنيد‪ ،‬مما يدل على أنها تعرف أن سجن بئر السبع كان‬
‫مخصصاً للجنائيين وليس لسجناء سياسيين لهم نمط معيشة خاصة‪.‬‬

‫‪ -4‬سجن الرملة‬

‫((‪ )5‬سجن السبع‪،‬مجلة فلسطين الثورة‪،‬ع‪،15/10/1983، 479‬ص‪.21‬‬


‫يقع سجن الرملة على الطريق الفاصل بين مدينتي اللد والرملة‪ ،‬ويعود إنشاء هذا السجن إلى سنة‬
‫‪ 1934‬عندما شيدته شركة سوليل بونيه الصهيونية لصالح سلطة االنتداب البريطاني كسرايا*‪ ،‬وفي عام‬
‫‪ 1948‬تم االستيالء عليه‪ ،‬وأقام الجيش اإلسرائيلي فيه مركز تحكم وسيطرة‪ ،‬وما لبث أن حولته‬
‫االستخبارات العسكرية عام ‪ 1953‬إلى مركز تحقيق وتوقيف لمن يلقى القبض عليهم من رجال المقاومة‬
‫التابعين للقائد مصطفى حافظ‪،‬و كان من ضمن السجون التي تم استجالب أسرى فلسطينيين إليها في وقت‬
‫مبكر بعد حرب ‪1967‬حيث نقل إليه تسعون أسيراً من سجن نابلس ووضعوا في قسم المتسللين الذي‬
‫يعرفه األسرى باسم قسم فتح والمكون من سبع غرف(‪.)1()1‬‬
‫تميز سجن الرملة بعدد الزنازين الكبير‪ ،‬و ظروف الحياة فيه قاسيه جدا‪ ،‬حيث تصل مساحتها إلى‬
‫‪ 2.9‬من المتر المربع‪ ،‬ويتم وضع سجينين فيها في بعض األحيان‪ ،‬وال يدخلها نور الشمس وحرارتها‬
‫عالية‪ ،‬والمرحاض فيها عبارة عن فتحة في األرض‪ ،‬و يوجد بها تسرب للمياه ورطوبة عاليه‪ ،‬وبها‬
‫حشرات بحكم أنها مبنى قديم‪ ،‬وتصل مدة الحجز فيها إلى أشهر و ال يخرج زمالؤه للفسحة‪ ،‬وهذا يؤثر‬
‫صحيا على شخص ال تراه الشمس لمدة أشهر(‪ ،)2‬ويصعب وصف الحالة الصحية لهذا السجن برغم أن به‬
‫مستشفى لكل السجون‪ ،‬فان كثيرا ما عانى األسرى الفلسطينيون من حاالت الحك والجرب والسعال في‬
‫هذا السجن‪ ،‬إضافة إلى وجود الجرذان حيث رأته المحامية اإلسرائيلية (ليئا تسيمل) بأم عينها ‪ ،‬وقد‬
‫تقدمت بشكوى إلى محكمة العدل العليا بهذا الشأن(‪ ،)3‬وقد توفي فيها السجين الفلسطيني راتب عارف عبد‬
‫السالم من أمراض نتجت عن الحالة السيئة من النظافة وادعت مصلحة السجون أنه توفي نتيجة نوبة‬
‫قلبية(‪.)4‬‬
‫يضم السجن باإلضافة إلى األسرى الفلسطينيين و اليهود أسرى عرب وأجانب‪ ،‬ويدعي اإلسرائيليون‬
‫أنهم يعاملونهم معاملة مميزة عن بقية األسرى ألنه ربما يفهم البعض أنهم أسرى حرب فهم ينتمون إلى‬
‫(‪)5‬‬
‫دول منها دول صديقه‪ ،‬وكان عددهم عام ‪ 1985‬نحو ثمانية أسرى‪.‬‬
‫وقد مارست السلطات سياسة قاسية ضد األسرى الفلسطينيين في سجن الرملة ربما وصلت إلى حد‬
‫القتل‪ ،‬فقد ألقى أحد السجناء الجنائيين اليهود مادة متفجرة على إحدى الغرف اتضح فيما بعد أنها مادة‬
‫ثالثي نترات الطلوين‪ T.N.T‬شديدة االنفجار‪ ،‬ويقول األسرى الفلسطينيون أنهم حصلوا على معلومات‬

‫(‪ * )1‬السرايا‪ :‬يقصد بها مقر للحكم العسكري للمنطقة و تكون مقراً لقادة األجهزة األمنية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫(‪ )1‬عبد الناصر فروانة‪:‬علب إسمنتية و خيام نازية‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.36‬‬
‫)‪.The association for civil right in Israel,1998,p.7. (2‬‬ ‫(‬

‫((‪ )3‬سوء األوضاع في سجن الرملة المركزي ‪،‬مجلة فلسطين المحتلة‪،‬ع ‪ ،61،31/5/1976‬ص‪.38‬‬
‫((‪ )4‬صحيفة القدس‪،24/1/1979،‬ص‪.1‬‬
‫((‪ )5‬دافيد فري ‪ :‬مذكرات الرملة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.42‬‬
‫عن طريق زمالئه من األسرى الجنائيين بأنه ألقى المادة المتفجرة بإيعاز من ضابط أمن السجن‪ ،‬وكثيراً‬
‫ما كان يرد األسرى الفلسطينيون على هذه الممارسات بخوض العديد من اإلضرابات عن الطعام (‪.)1‬‬
‫حاول األسرى الفلسطينيون الهروب من سجن الرملة أكثر من مرة (‪.)2‬‬

‫‪ -5‬سجن نفي ترتسا‬


‫يقع سجن (نفي ترتسا) بجانب سجن الرملة‪ ،‬وذلك بين مدينتي اللد والرملة‪ ،‬ويعود إنشاء هذا السجن‬
‫إلى عام ‪ ،1968‬وتصنيفه األمني من الدرجة القصوى‪ ،‬وهذا السجن مخصص للسجينات من إسرائيل‬
‫واألراضي المحتلة و يعتبر‪ %60‬تقريبا منهن أمهات ألطفال وتضع بعضهن المواليد ويقضين فترة‬
‫محكومتيهن(‪ ،)3‬ويتسع السجن لمائة وخمسين سجيناً‪ ً،‬وقد بلغ عدد السجينات العربيات في هذا السجن عام‬
‫‪ 1975‬سبعاً وعشرون سجينة‪ ،‬ومع بداية ‪ 1985‬بلغ حوالي سبعاً وأربعين سجينة(‪.)4‬‬
‫تم وضعهن جميعاً مع السجينات اإلسرائيليات الجنائيات والمسجونات على قضايا الدعارة والمخدرات‬
‫والقتل‪ ،‬وكثيرا ما تعرضت الفلسطينيات العتداءات دائمة‪ ،‬كما حدث لألسيرة أحالم السمحان التي‬
‫تعرضت لالعتداء من قبل إحدى مدمنات المخدرات من بين السجينات اإلسرائيليات‪ ،‬مما تسبب في كسر‬
‫أنف األسيرة العربية‪ ،‬وعادة ما تحاول السجينات اإلسرائيليات فرض خدمة المطبخ و التنظيف على‬
‫العربيات في محاولة إلذاللهن(‪.)5‬‬
‫وبعد المشكالت العديدة التي حصلت واإلضرابات التي قامت بها األسيرات العربيات اضطرت إدارة‬
‫مصلحة السجون إلى فصلهن كالً في غرف مستقلة‪ ،‬و يالحظ بأنهن استطعن ممارسة حياتهن اإلعتقالية‬
‫التنظيمية من جلسات ثقافية وتعليم لغات بعد أن تمت عملية الفصل‪ ،‬وهذا برغم أن اإلدارة كانت تتصدى‬
‫دائما لفعاليات التعليم بينهن‪،‬حيث أنها عزلت المعتقلة (روضه بصير) ألنها تقوم بتدريس السجينات اللغة‬
‫االنجليزية(‪.)6‬‬

‫((‪ )1‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.62‬‬
‫((‪ - )2‬محاولة جريئة لـ أربعة أسرىن للهرب‪ ،‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع ‪،2/3/1977 ،77‬ص‪.17‬‬
‫‪ -‬صحيفة األنباء ‪ ، 11/1/1979‬ص‪.1‬‬
‫((‪ ) 3‬مصلحة السجون في إسرائيل‪،‬نشرة تعريفية حول سجن نفي ترتسا ‪(،‬بالعبرية)‪.‬‬
‫((‪ )4‬شئون فلسطينية‪،‬ع ‪،3/1985-2، 117/118‬مرجع سابق‪،‬ص‪.198‬‬
‫((‪ )5‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪:‬تقرير عن السجون والمعتقالت‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.24‬‬
‫(‪ ) 6‬تقرير مقدم من المحاميان عزيز شحاده و وليد الفاهوم إلى إدارة جمعية أنصار السجين في الناصرة عام‪ 1981‬عن زيارتهم لسجن نفي‬ ‫(‬

‫ترتسا في ‪،17/11/1980‬ص‪.2‬‬
‫لقد مارست األسيرات الفلسطينيات بعض الفعاليات التي كان يمارسها األسرى الفلسطينيون في بعض‬
‫السجون‪ ،‬فقد رفضن الوقوف ساعة العد رغم اعتبار مصلحة السجون هذا األمر حالة أمنية يجب أن يلتزم‬
‫بها السجين وفق القانون(‪ ،)1‬وقد أعلنت األسيرات الفلسطينيات اإلضراب عن الخروج إلى الفسحة‪ ،‬ومرة‬
‫أخرى عن الطعام لمدة ستة أيام‪ ،‬ثم أضربت عطاف عليان مدة ثمانية عشر يوماً‪ ،‬وكانوا يضربون تضامناً‬
‫مع اإلضرابات في السجون األخرى‪ ،‬ولم يشفع لهن كونهم سيدات في عدم عقاب السلطات لهن‪ ،‬ففي‬
‫‪ 20/11/1983‬اقتحمت السلطات غرفهن‪ ،‬وأطلقت عليهن القنابل المسيلة للدموع‪ ،‬واعتدت عليهن‬
‫بالهراوات‪،‬و قد قبلت محكمة العدل العليا بعد أيام شهادة المحامية (فيلستيا النغر) المشفوعة بالقسم والتي‬
‫تضمنت أوضاع السجينات كما رأتها المحامية‪ ،‬وأن إدارة السجن قامت باالقتحام والمداهمة عن سبق‬
‫إصرار و أن ذلك يمثل أعماالً انتقامية(‪.)2‬‬

‫‪ -6‬سجن كفار يونه‬


‫يقع سجن كفار يونه على أرض القرية العربية (بيت ليد) التي تركها أهلها عام ‪ ،1948‬ويبعد السجن‬
‫عن طريق طولكوم مسافة خمسة كيلومترات تقريبا‪ ،‬وكان يمثل زمن االنتداب البريطاني قلعة تايغرن‪ ،‬وقد‬
‫استولت عليه القوات الصهيونية في األشهر األخيرة قبل دخول الجيوش العربية لفلسطين عام ‪، 1948‬وقد‬
‫سيطرت عليه القوات العراقية حيث أقام فيه عبد الكريم قاسم مركزا لقيادته الذي سلم المكان للجيش‬
‫األردني وقد تركها األخير عند انسحابه أمام القوات الصهيونية(‪.)3‬‬
‫و قد أقام فيه الجيش اإلسرائيلي مركزاً للقيادة إلى أن سلمه للشرطة اإلسرائيلية عام ‪ 1961‬لتنشئ عليه‬
‫سجنا أطلقت عليه سجن (أشمورت) وقامت بأعمال صيانة وترميم له‪ ،‬إلى أن نزلت به أول دفعة أسرى‬
‫جنائيين إسرائيليين في العام التالي(‪.)4‬‬
‫يتكون سجن كفار يونه من أربع شعب أو أقسام ذي غرف مختلفة السعة‪ ،‬فمنها ما يتسع لعشرين‬
‫أسيراً وأخرى تتسع ألثنى عشر‪ ،‬وأخرى لثمانية‪ ،‬ويشرف على هذه الشعب ما ال يقل عن مائتي شرطي‪،‬‬
‫ويحيط بالسجن سور ٍ‬
‫عال محاط باألسالك الشائكة‪ ،‬وعلى زواياه أربعة أبراج عالية للمراقبة(‪.)5‬‬

‫((‪ )1‬عطان عليان‪ :‬مذكرات نفي ترتسا وتلموند ‪،‬ص‪، 37‬وهذه هي أسيرة تزعمت فكرة عدم الوقوف في العدد‪ ،‬وضرورة اإلضراب عن الطعام و‬
‫هي من منظمة الجهاد اإلسالمي‪.‬‬
‫((‪ )2‬وزارة شئون األسرى والمحررين ‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.24‬‬
‫((‪ ) 3‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في سجن بيت ليد ‪ :‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها‪،‬كراس أعده األسرى الفلسطينيون في‬
‫سجن عتليت عام ‪1996‬ص‪.5‬‬
‫((‪ ) 4‬مصلحة السجون في إسرائيل‪ :‬نشرة تعريفية حول سجن أشمورت‪(،‬بالعبرية)‪.‬‬
‫((‪ )5‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫سواء العرب أو اليهود‪ ،‬مما جعل األسرى الفلسطينيين‬
‫ً‬ ‫شكل بناء السجن القديم خطراً على األسرى‬
‫يقدمون شكوى إلى محكمة العدل العليا إلصدار حكم يلزم مصلحة السجون بإغالق هذا السجن‪ ،‬واستطاع‬
‫محامي األسرى انتزاع قرار بذلك عام ‪ ،1976‬حيث نقل أسرى قطاع غزه إلى سجن عسقالن وأسرى‬
‫الضفة الغربية إلى سجن نابلس‪ ،‬وقد أعيد افتتاح هذا السجن من جديد عام‪.)6( 1986‬‬
‫ويبدو أن السلطات نفذت األمر بسرعة ألن الموضوع كان يتعلق بخطر السجن على السجناء الجنائيين‬
‫اليهود قبل العرب‪ ،‬ذلك ألن نفس المحكمة رفضت فيما بعد إغالق سجون كانت على وضع أسوأ مما كان‬
‫عليه سجن كفار يونه‪ ،‬ولكن التباين بين الحالتين هو أن السجون الثانية كان نزالؤها من األسرى‬
‫الفلسطينيين ومن ضمنهم ثالث سجينات فلسطينيات على خلفية أمنية‪ ،‬حتى سنة ‪ 1976‬أي عام إغالقه‬
‫كان السجن يضم نحو ثالثة عشر أسيراً من غير الفلسطينيين(‪:)1‬‬
‫أنشأت مصلحة السجون في إسرائيل عام ‪1975‬غرف الحماية كما تسميها أو غرف العار أو العصافير‬
‫كما يسميها األسرى‪ ،‬وهي تمأل بالعمالء الهاربين من األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وقد جمعت أكثر من ثالثين‬
‫منهم في قسم (ج)‪ ،‬في الوقت الذي قامت بترحيل أكثر من عشرين من قادة و مسئولي التنظيمات في‬
‫السجن إلى سجون أخرى(‪ ،)2‬مما جعل وضع األسرى الفلسطينيين في وضع سيئ‪.‬‬

‫‪ -7‬سجن شطه‬
‫يقع سجن شطه في غور األردن بجوار بلدة بيسان الفلسطينية الواقعة جنوب بحيرة طبريا التي سماها‬
‫اإلسرائيليون بيت شأن‪ ،‬ويعود إنشاء هذا السجن إلى قلعة خان التي بناها العثمانيون ومن ثم استعملها‬
‫الجيش البريطاني‪ ،‬إلى أن حولتها إسرائيل عام ‪ 1953‬إلى سجن أطلقت عليه شاطه(‪ ،)3‬وهذا الموقع يجعل‬
‫من العيش بالظروف الطبيعية أمرا صعباً الرتفاع درجة الحرارة التي تصل إلى أكثر من ‪ 40‬درجة‬
‫صيفاً‪ ،‬فضالً عن جفاف الجو فهي منطقة منخفضة عن سطح البحر‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1958‬حدث تمرد األسرى العرب حيث استطاعوا قتل اثنين من السجانين هما الكسندر يغر‬
‫ويوسف شيفاح(‪ ،)4‬وبعدها قامت مصلحة السجون بتعزيز اإلجراءات األمنية للسجن من جميع النواحي‪،‬‬
‫وزادت من الطاقم العامل به ليصل إلى ثالثمائة شرطي ‪.‬‬

‫((‪ ) 6‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ‪ :‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪6‬‬
‫((‪ )1‬مجلة شئون فلسطينية‪،‬ع ‪ ،87/88‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫((‪ ) 2‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ‪ :‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيتها‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.7‬‬
‫((‪ ) 3‬مصلحة السجون في إسرائيل ‪ :‬نشرة تعريفية حول سجن شطه‪( ،‬بالعبرية)‪.‬‬
‫((‪ )4‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.36‬‬
‫مارس األسرى الفلسطينيون في هذا السجن حياه تنظيمية سياسية في وقت مبكر مقارنة مع السجون‬
‫األخرى‪ ،‬وكان ينقل إليه قادة السجون األخرى عند حدوث إضرابات عن الطعام‪ ،‬أو صدامات مع اإلدارة‬
‫في تلك السجون‪ ،‬ويتكون هذا السجن من أربعة أقسام يحيط به سور من الباطون المسلح بارتفاع أربعة‬
‫أمتار‪ ،‬ويعلوها سور من األسالك الشائكة المكهربة‪ ،‬يتخللها ستة أبراج مراقبة‪ ،‬كما يوجد في السجن‬
‫غرف عزل ضيقة وتقع تحت سطح األرض وليس بها أي فتحات للتهوية‪.‬‬
‫إن طبيعة الحياة في تلك المنطقة تعكس حاجات األسرى خاصة تلك الناتجة عن البيئة كدرجة الحرارة‪،‬‬
‫وبناء عليه فقد عانى األسرى كثيراً من األمراض الجلدية المزمنة‪ ،‬وعدم توفر أدوات ووسائل النظافة‬
‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫الكافية وكذلك األجواء التي يمكث فيها األهالي عند زيارتهم لذويهم ‪.‬‬
‫وقد ارتفعت قوة البناء التنظيمي لألسرى بعد نقل عدد من قيادة األسرى من سجن عسقالن إلى سجن‬
‫شطه في ديسمبر ‪ ،1978‬مما أدى إلى حدوث إضراب جديد في سجن شطه حقق فيه األسرى العديد من‬
‫االنجازات خاصة إعادة الكتب والمالبس الداخلية و إخراج من كانوا في العزل منذ شهر ونصف من قادة‬
‫األسرى‪ ،‬وهم محمود القاق‪ ،‬محمد مهدي بسيسو وعبد العزيز شاهين وعبد اهلل العجرمى وجبر عمار(‪.)2‬‬
‫فكر العديد من األسرى الفلسطينيين بالهرب من هذا السجن‪ ،‬وعليه فقد اتفق عدد من قادة السجن على‬
‫خلع باب الغرفة والهروب في وقت تبديل قوة الشرطة‪ ،‬إال أن أحد السجناء الجنائيين كشف األمر وتم‬
‫إحباط المحاولة‪ ،‬وإ نزال سكان الغرفة إلى زنازين تحت سطح األرض لمدة شهر و نصف(‪.)3‬‬

‫‪ -8‬سجن الدامون‬
‫يقع سجن الدامون بين أحراش جبل الكرمل وعلى الطريق بين حيفا وعتليت‪ ،‬ويعود إنشاء هذا المبنى‬
‫إلى عهد االنتداب البريطاني ألهمية الموقع على الطريق الساحلي الذي يؤدي إلى شمال فلسطين‪ ،‬وكان قد‬
‫أنشئ ليكون مصنعا للدخان والتبغ فتم تشييده في مكان تتوفر فيه الرطوبة لحفظ أوراق الدخان(‪ ،)4‬و تعود‬
‫أهمية هذا المكان إلى عائلة عربية مسيحية كانت تستعمل هذا المكان إلى أن سيطرت عليه إسرائيل عام‬
‫‪ ،1953‬وافتتحته كمنشأة حبس بقرار من وزير الشرطة آنذاك (نجور شيطريت)‪ ،‬وسمي بسجن حيفا‪،‬‬
‫وبعد عام ‪ 1967‬تم تغيير اسمه إلى الدامون نسبة إلى مخيم الدامون القريب من المكان(‪.)5‬‬

‫((‪ )1‬سجن شطه‪ :‬مجلة األرض المحتلة‪،10/1986،‬ص‪.126‬‬


‫((‪ )2‬صحيفة الفجر ‪،23/10/1979،‬ص‪.1‬‬
‫((‪ )3‬للمزيد عن رواية محاولة الهروب من سجن شطه أنظر ‪ :‬صحيفة هأرتس ‪،2/9/1979،‬ص‪.1‬‬
‫((‪ ) 4‬وزارة شئون األسرى والمحررين ‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.35‬‬
‫((‪ ) 5‬مصلحة السجون في إسرائيل ‪ :‬نشرة تعريفية حول سجن دامون‪( ،‬بالعبرية)‪.‬‬
‫يتكون السجن من خمسة أجنحة وجناح أخر للسجناء اليهود الجنائيين ‪ ،‬الذين يعملون في صيانة السجن‬
‫عال وبعده سور آخر من األسالك الشائكة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫وفي مصنع للورق‪ ،‬ويحيط بهذه األجنحة سور ٍ‬
‫أربعة أبراج مراقبة‪ ،‬ويقطن في هذا السجن ما يقرب من خمسمائة سجين تقريبا تصفهم مصلحة السجون‬
‫بأنهم فلسطينيون غير البالغين(‪ ،)6‬وعادة ما كانت إدارة السجن تحرض اليهود الجنائيين على األسرى‬
‫السياسيين العرب مما يعرضهم لالعتداءات‪ ،‬و قدم الصليب األحمر شكوى بهذا األمر إلى إدارة السجون‪.‬‬
‫نقلت المحامية اإلسرائيلية (ليئا تسيمل) شكوى من األسرى إلى محكمة العدل العليا عن هذا السجن‪،‬‬
‫حيث تضمنت هذه الشكوى‪ " :‬برغم الحرارة يمكث في كل غرفة ما يزيد عن سبعة عشر سجينا ‪ ،‬ولهم‬
‫بطانيات ممزقة و يبلغ أعمار السجناء أقل من سبعة عشر عاما‪ ،‬ومراحيض الغرف هي حفرة في‬
‫الجدران"(‪.)1‬‬
‫استعملت إسرائيل أي مكان تستطيع فيه اعتقال الفلسطيني سجناً‪،‬فكل موقع للجيش اإلسرائيلي هو مكان‬
‫لتوقيف الفلسطيني‪ ،‬وكذلك كل نقطة شرطة إن لم يكن كل دورية إسرائيلية‪ ،‬وعليه فقد كان هناك مواقع‬
‫كثيرة تم توقيف الفلسطينيين فيها للتحقيق أو حتى ممارسة التعذيب وأهم هذه األماكن‪ ( :‬سجن صرفند‪،‬‬
‫كيشون "الجلمة"‪ ،‬تلموند‪ ،‬النبي صالح‪ ،‬بيت شيمش)‪.‬‬
‫تعد السجون اإلسرائيلية في األراضي المحتلة ‪ 1948‬األقدم في اإلنشاء كون السجون األخرى أقيمت‬
‫بعد عام ‪ ،1967‬وأهم ما يميزها أن مصلحة السجون اإلسرائيلية تشرف عليها جميعا وتتميز بحراسة‬
‫مشددة وأنظمة أمنية أقيمت خالل السنوات األولى لقيام دولة إسرائيل ‪،‬وكذلك يالحظ أنه حتى بداية‬
‫الثمانينيات كانت إسرائيل تضع األسرى ذوي األحكام العالية في هذه السجون‪ ،‬و يعود السبب إلى انه في‬
‫حالة هرب أي أسير منها فستكون مسألة البحث عنه بين السكان اليهود أسهل من البحث عنه في المدن‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وبعد توقيع اتفاقيات أسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل وانسحاب األخيرة من‬
‫المدن الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة أقامت اسرائيل عدد من السجون بفلسطين المحتلة عام‬
‫‪ 1948‬وعلى رأسها سجن رامون‪.‬‬

‫السجون اإلسرائيلية في المناطق المحتلة عام‪1967‬‬


‫استعملت إسرائيل السجون الواقعة تحت إشراف مصلحة السجون لوضع الموقوفين والمحكومين‪ ،‬لكن‬
‫هذه السجون لم ِ‬
‫تكف األعداد الكبيرة من األسرى خاصة أن إسرائيل لم تتعامل معهم على أنهم أسرى‬
‫حرب‪ ،‬ولكن فتح سجون جديدة كان يتطلب توفير إمكانيات أمنية وإ جرائية بل ومالية أيضا‪ ،‬و قد تم إقرار‬

‫((‪ )6‬المصدر السابق‪.‬‬


‫((‪ )1‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫أن تكون جميع هذه السجون المنوي إقامتها مقامة داخل معسكرات الجيش‪ ،‬حيث استولت إسرائيل على ما‬
‫يسمى بالسرايا أو المقاطعة أو العمارة في أغلب مدن الضفة الغربية وقطاع غزة والتي كانت تستعمل من‬
‫قبل الجيش البريطاني ومن بعده الجيوش األردنية والمصرية‪ ،‬وهذا سيحل مشكلة األمن التي تتطلب‬
‫حراسة كبيرة و أعداداً بشرية وإ مكانيات مادية لتوفيرها ألي سجن سيقام داخل التجمعات السكانية العربية‪.‬‬
‫أصدر القادة العسكريون اإلسرائيليون في الضفة الغربية و قطاع غزة وشمال سيناء العديد من األوامر‬
‫العسكرية التي تعاملوا معها على أنها تشريعات بموجبها يصبح فتح السجون أمراً قانونيا حسب وجهة‬
‫النظر اإلسرائيلية‪ ،‬وحسب ظروف كل سجن‪ ،‬فقد كان يتم إصدار أوامر خاصة بسجن معين لتعديل حدث‬
‫معين أو إعطاء صالحية أوضح وأنجع لقائد السجن أو قائد المنطقة‪ ،‬وقد كانت األوامر تعدل إلقرار تغيير‬
‫في أمر سابق يتعلق باألسرى خاصة في مواضيع تشغيلهم وزيارات األهالي لهم أو قضاء العقوبات‪،‬‬
‫ونشير إلى أن هذه األوامر العسكرية بدأت تصدر في وقت مبكر بعد الحرب فأول هذه األوامر صدر في‬
‫‪ ،23/6/1967‬الذي أصبح بموجبه فتح السجون وبمفهومهم أمراً مشروعا وهذه السجون هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬سجن غــزة‬
‫يقع سجن غزة في حي الرمال وسط مدينة غزة في مبنى تم بناؤه في عهد االنتداب البريطاني ويطلق‬
‫عليه السكان المحليون اسم السرايا*‪ ،‬ويعد اكبر موقع عسكري إسرائيلي في قطاع غزه حيث يضم هذا‬
‫المبنى قيادة قوات الجيش اإلسرائيلي في قطاع غزه ‪ ،‬إضافة إلى مكاتب جهاز المخابرات اإلسرائيلي‪ ،‬و‬
‫يتكون السجن من خمسة أقسام لألسرى‪ ،‬في كل قسم من ‪ 8-6‬غرف تبلغ مساحة الواحدة حوالي ‪ 24‬متراً‬
‫مربعاً يتم وضع ماال يقل عن ستة عشر سجينا فيها‪ ،‬إضافة إلى قسم التحقيق (‪.)1()1‬‬

‫لقد عرف سجن غزة المركزي بعد بداية االحتالل بظروفه القاسية‪ ،‬فقد كان السجانون يضربون األسرى‬
‫دون تمييز ودون أسباب‪ ،‬وكانوا محرومين من مقابلة أي مسؤول في السجون‪ ،‬أما أساليب العقاب التي‬
‫تتبعها إدارة السجن فقد كانت حتى عام‪ 1977‬قد خصصت زنزانة خاصة للعقاب يلقى فيها األسير‬
‫ماء بارداً حتى ال ينام أو‬
‫المعاقب عاريا وبدون مالبس وبدون بطانيات وتصب على أرضيتها الباطون ً‬
‫يستلقى األسير(‪ ،)2‬وأما عن اإلضرابات فقد تأخر سجن غزه المركزي في خوض اإلضرابات نظرا لتأخر‬
‫ترتيب األوضاع التنظيمية لألسرى وأنه كان بشكل دائم يتم إبعاد القادة والمسؤولين إلى السجون األخرى‪،‬‬
‫وقد استطاع األسرى تقديم قائمة من المطالب لمدير السجن في شهر أكتوبر عام ‪ 1981‬وعندما رفض‬

‫** سنة ‪ 1967‬كان مقراً إلدارة الحاكم اإلداري العام لقطاع غزة ويوجد به مصلحة الجوازات والهجرة‪.‬‬
‫(‪ )1()1‬معاينة الباحث‪.12/1986 :‬‬
‫((‪ )2‬سجن غزه ‪ :‬شئون فلسطينية ‪،‬ع‪،87/88‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫المدير التعاطي معها خاض األسرى إضراباً استمر اثني عشر يوما و ذلك في ‪ 1/11/1981‬وكان رد‬
‫إدارة السجن شديدا إذ أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وبعد ساعة دخلت قوات الشرطة إلى الغرف‬
‫وأخرجت األسرى إلى ساحة األقسام وقامت بتعرية بعضهم من المالبس‪ ،‬وقامت بمصادرة العديد من‬
‫حاجياتهم(‪ ،)3‬وقد تأثر الكثير من األسرى بهذا االقتحام حيث توفى أحدهم وهو محمد زيتون بعد اإلفراج‬
‫عنه متأثراً بما أصابه من الغاز المسيل للدموع الذي أطلق على غرف السجن في ذلك اليوم(‪ ،)4‬ويذكر أن‬
‫هذه الزنازين كانت فترة االنتداب البريطاني مخصصة للكالب‪.‬‬

‫وقامت السلطات اإلسرائيلية بتشديد إجراءاتها على أسرى سجن غزه بعد هذا اإلضراب الذي تم‬
‫مواجهته بكل شدة ولكن هذه اإلجراءات نتج عنها قيام األسرى بتمرد أخر في عام ‪ 1983‬حيث خرجوا‬
‫من بوابات الغرف وأتلفوا وكسروا الكثير من محتويات السجن و ضربوا العديد من السجانين‪ ،‬وقاموا‬
‫بإلقاء احد العمالء من نافذة ممر الطابق الثاني‪ ،‬ودارت معركة مع قوات الجيش حتى تمت السيطرة على‬
‫السجن(‪.)1‬‬
‫ولقد شهد سجن غزه محاولتي هروب هما (‪:)2‬‬
‫_ محاولة هروب ثمانية أسرى عام‪ 1983‬بواسطة أدوات تم إخفاؤها واستطاعوا فتح األبواب بها‬
‫واكتشفتها إدارة السجن قبل الخروج من سور السجن‪.‬‬
‫_ عملية الهروب الناجحة لستة من نشطاء منظمة الجهاد اإلسالمي الذين نجحوا في الهرب من إحدى‬
‫النوافذ‪ ،‬وتكمن خطورة هذا الهروب أن جميع الهاربين أعادوا تشكيل خلية عسكرية لمنظمة الجهاد‬
‫استطاعت طعن أكثر من خمسة إسرائيليين بالسالح األبيض وقتل قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزه‬
‫العقيد رون طال الذي كان يمارس التعذيب بحق األسرى في سجن أنصار‪ 2‬على شاطئ بحر مدنية‬
‫غزه ‪،‬لكن الجيش لم يستطع اعادة هؤالء األسرى الى السجن وفيما بعد سقط خمسة منهم شهداء ‪.‬‬

‫‪ -2‬سجن الخليل‬
‫يقع سجن الخليل في وسط مدينة الخليل في ما يسمى بالعمارة نسبة إلى مبنى يقع بجانبه و يسمى‬
‫بنفس االسم‪ ،‬وقد بني مبنى السجن أيام االنتداب البريطاني لفلسطين على قمة مكان مرتفع‪،‬و قد استعمل‬

‫((‪ )3‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪:‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.26‬‬


‫((‪ )4‬محمد القيسي‪:‬الهواء المقنع‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.112‬‬
‫((‪ )1‬سجن غزه ‪،‬مجلة فلسطين الثورة‪،‬ع‪ ،15/10/1983 ، 479‬ص‪.21‬‬
‫((‪ )2‬سجن غزه‪ :‬فلسطين الثورة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.22‬‬
‫الجيش األردني المبنى لجيشه‪ ،‬وأسس فيه اإلسرائيليون عام ‪ 1967‬مركزا للشرطة ما لبثوا أن استعملوه‬
‫لكافة األجهزة األمنية العاملة في منطقة الخليل و ما حولها(‪.)3‬‬
‫ويتكون سجن الخليل من ثالثة طوابق مقسمة إلى أقسام وغرف هي‪:‬‬
‫قسم الرجال وكان به حتى عام ‪ 1975‬به مائتان وخمسون أسيراً‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫قسم النساء و يتم فيه التحقيق مع النساء اللواتي يعتقلن من جنوب الضفة الغربية‬ ‫‪‬‬
‫قسم القاصرين و قد تم افتتاحه عام ‪،1985‬حيث كان زيادة طالب المدارس األسرى لتصاعد وتيرة‬ ‫‪‬‬
‫العمل الطالبي الجماهيري بتشجيع وتنظيم من التنظيمات الفلسطينية في بداية الثمانينات‪.‬‬
‫وتعتبر مشكلة االزدحام في سجن الخليل من أكثر السجون حيث ال يستطيع السجين الحصول على‬
‫أكثر من تسعين سنتيمتراً مربعاً‪ ،‬وقد رأى ذلك وفد جمعية أعضاء السجين لدى زيارته السجن في وقت‬
‫كان يعيش فيه بعض األسرى في غرف آيلة للسقوط لقدم بناء المبنى(‪.)4‬‬
‫ويبلغ عدد زنازين سجن الخليل حوالي مائة زنزانة (األكس) (*)(*)‪ ،‬التي يصفها األسرى القدامى على‬
‫أنها أسوأ أكسات في كل السجون اإلسرائيلية‪ ،‬وهي عبارة عن غرفة من غرف االنجليز الواسعة بباب‬
‫منخفض جدا ويجب أن تنحني وأنت تدخله‪ ،‬بسقف يبلغ ارتفاعه مائة وسبعين سنتيمتراً‪ ،‬مليء بالجحور‬
‫كممر للحشرات‪ ،‬والزنزانة الواحدة بعرض متر واحد وبابها من القضبان وجدرانها مليئة بالنتوءات‬
‫األسمنتية الحادة(‪.)1‬‬
‫إن هذه الحالة السيئة لزنازين السجن كانت السبب في وفاة اثنين من األسرى فيها وهما‪:‬‬
‫_ عبد الجابي عبد اهلل السيوري بعد قضاء واحد و ثالثين يوما دون أن يسمح له بتبديل مالبسه أو‬
‫االغتسال و دون أن يرى الشمس‪.‬‬
‫_ فتحي ثوابته بعد قضاء خمسة و عشرين يوما في زنزانة مظلمة ليال و نهارا‪.‬‬
‫مارست إدارة سجن الخليل أشد أنواع العقاب ضد األسرى الفلسطينيين بل إن هذه العقوبات تراوحت‬
‫ما بين حرمان األسرى من زيارة األهالي إلى منع الشراء من دكان السجن أو االعتداء بالضرب كما‬
‫حدث عندما قامت إدارة السجن ومن بينهم األطباء باالعتداء بالهراوات على األسرى في إحدى الغرف‬
‫مما أدى إلى إصابة بعضهم بإصابات خطيرة‪ ،‬تم معاقبة كل القسم بأن تشطر ساحته إلى شطرين لتضيق‬
‫مساحة الفسحة التي كان األسرى يخرجون إليها ساعتين يوميا(‪.)2‬‬
‫((‪ )3‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪:‬تقرير عن السجون والمعتقالت ‪،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫((‪ ) 4‬تقرير مقدم من المحامي وليد الفاهوم إلى إدارة جمعية أنصار السجين‪،‬الناصرة بتاريخ ‪.14/8/1981‬‬
‫(*) (*) األكس‪:‬مصطلح يشير إلى الزنازين االنفرادية والتي تستخدم لعقاب األسرى‪،‬وال تزيد مساحتها عن متران‪.‬‬
‫((‪ )1‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫((‪ )2‬الموت باألوبئة والمتفجرات‪،‬مجلة فلسطين الثورة ‪،‬ع ‪،479،15/10/1983‬ص‪.20‬‬
‫نفذ األسرى الفلسطينيون في سجن الخليل عدة إضرابات في محاولة منهم لتحسين ظروف معيشتهم‬
‫أهمها(‪:)3‬‬
‫_ إضراب عام ‪ 1978‬واستمر لمدة اثني عشر يوما‪.‬‬
‫_ إضراب عام ‪ 1983‬وتم فيه رفع دعوى من أهالي األسرى إلى محكمة العدل العليا ضد إدارة السجن ‪.‬‬
‫_ إضراب عام ‪ 1985‬وعاقبت إدارة السجن األسرى بمنع األهالي من الزيارة‪.‬‬
‫_اإلضرابات التضامنية القصيرة مع األسرى في السجون األخرى‪.‬‬
‫لقد جرت عدة محاوالت من قبل األسرى الفلسطينيين للهروب من سجن الخليل‪ ،‬كان أهمها هروب‬
‫خمسة أسرى في أغسطس‪ ،1983/‬عندما ألقى أحدهم الشاي في وجه السجان ومن ثم الخروج إلى خارج‬
‫المعتقل وقد ألقى حراس السجن القبض عليهم(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬سجن المسكوبية‬
‫يقع سجن المسكوبية في الجهة الغربية من مدينة القدس المحتلة منذ عام ‪ 1948‬بجوار مقر المخابرات‬
‫اإلسرائيلية (الشين بيت) في ساحة المسكوبية أو ساحة الروس‪ ،‬وبني في عهد االنتداب البريطاني ليكون‬
‫مركزا للشرطة ولتوقيف األسرى المنتظرين للمحاكمة حيث عرف آنذاك بالسجن المركزي(‪ ،)5‬وقد‬
‫خصصته إسرائيل مقر القيادة شرطة إسرائيل وخصت جناحاً منه لألسرى الذين ينتظرون المحاكمة أو من‬
‫يتم الحكم عليه بمدد قليلة‪ ،‬وقد استعملته إسرائيل ألسرى مدينة القدس من العرب الفلسطينيين‪.‬‬
‫ويضم السجن عدداً من الزنازين تستعمل أثناء التحقيق مع األسرى الفلسطينيين وتبلغ مساحة الزنزانة‬
‫الواحدة ‪1.5‬متراً ×‪ 80‬سنتيمتراً ويرتفع سقفها مسافة أربعة أمتار‪ ،‬وفيها شباك من القضبان الحديدية يطل‬
‫على ممر جناح الزنازين(‪ ،)1‬ويمكن أحياناً استخدام مقر سجن المسكوبية في‪:‬‬
‫_ التحقيق مع األسرى الفلسطينيين الذين يقطنون مدينة القدس‪.‬‬
‫_ حجز األسرى اإلداريين من سكان مدينة القدس‪.‬‬
‫_ احتجاز واستجواب الشخصيات الوطنية ورؤساء المؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية‪.‬‬
‫_ توقيف الذين يتم حجزهم عندما تقع أحداث الحرم القدسي الشريف‪.‬‬

‫((‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬ثم انظر‪:‬صحيفة القدس ‪،4/8/1985‬ص‪.1‬‬


‫((‪ )4‬للمزيد عن تفاصيل هذه المحاولة أنظر‪ :‬صحيفة ‪Jerusalem post,7-8-1983, P1‬‬
‫((‪ )5‬عبد الناصر فروانة‪:‬علب إسمنتية وخيام نازيه ‪،‬ص‪.34‬‬
‫((‪ )1‬سجن المسكوبية ‪ ،‬مجلة شئون فلسطينية‪،‬ع‪،6/1977، 67‬ص‪.187‬‬
‫لقد تم التحقيق في سجن المسكوبية في بداية عام ‪ 1965‬مع أول أسير للثورة الفلسطينية محمود أبو‬
‫بكر حجازي‪ ،‬وقد شكا في المحكمة لما يتعرض له من أنواع التعذيب في هذا السجن‪ ،‬وقد نقلت غالبية‬
‫الصحافة اإلسرائيلية والدولية محاضر محاكمته وحديثه عن سجن المسكوبية (‪.)2‬‬
‫كما توفى من ظروف السجن الصعبة الفلسطيني األسير قاسم أبو عكر وعمره ثالثون عاما‪ ،‬وقد كان‬
‫معتقالً للتحقيق معه هو وزوجته‪ ،‬ولم يطلق سراحها عند وفاته‪ ،‬وسمح لها بالخروج لدفنه هي ووالدها‬
‫وحفار القبور‪ ،‬وقد ادعت الشرطة آنذاك بأنه انزلق عن درج الزنازين رغم أن زوجته أكدت أنه كان‬
‫يتعرض ألنواع مختلفة من التعذيب(‪.)3‬‬

‫‪ -4‬سجن رام اهلل‬


‫يقع سجن رام اهلل شمال مدينة رام اهلل‪ ،‬وقد تم تشييده في سنوات االنتداب البريطاني على فلسطين‬
‫واستعمله الجيش األردني‪ ،‬فيما سيطرت عليه إسرائيل واستعملته مقراً لعمل األجهزة األمنية المشرفة على‬
‫رام اهلل وما حولها كالجيش والشرطة والمخابرات‪ ،‬وقد سماها الفلسطينيون بالمقاطعة‪.‬‬
‫يتكون سجن رام اهلل من طابقين و أضافت إسرائيل إليه عدة مباني صغيرة بجانب المبنى الرئيسي‬
‫الذي كان مركزاً لنشاط المخابرات وبه السجن الذي تشرف عليه مصلحة السجون في إسرائيل‪ ،‬وعلى مر‬
‫سنوات االحتالل ظل هذا السجن يعانى من مسألة االزدحام‪ ،‬ووصل عدده عدة مرات إلى أكثر من ‪300‬‬
‫أسير في الوقت الذي ال يتسع إال لمائة وعشرين أسيراً(‪.)4‬‬
‫يضم سجن رام اهلل في مبانيه عدداً من الزنازين‪ ،‬التي تبلغ مساحتها أربعة أمتار ويتم وضع عشرة‬
‫أسرى في كل واحدة منها‪ ،‬وقد تقدم األسرى الفلسطينيون في هذا السجن أكثر من مرة بمذكرات إلى‬
‫سلطات االحتالل لتحسين أوضاعهم الصحية الزدحام في الغرف ولم يوجد في السجن كتب‪ ،‬أسوة‬
‫بالسجون األخرى(‪.)1‬‬
‫وقد كانت الطلبات يتم رفضها باستمرار‪ ،‬بل أنه يتم الرد عليها باالعتداءات كما حصل عندما تقدم‬
‫األسرى عام ‪ 1983‬بمذكرة إلدارة السجن بطلبات فكان رد إدارة السجن بقيام عدد من أفراد حرس‬
‫الحدود (شرطه) باالعتداء على طاقم عمال السجن (من األسرى الفلسطينيين) المكون من ثمانية أسرى‬

‫‪Jerusalem post , 15-9-1965, P1 (2).‬‬ ‫(‬

‫((‪ )3‬سجن المسكوبية‪،‬شئون فلسطينية ‪،‬ع‪،87/88‬مرجع سابق‪،‬ص‪.198‬‬


‫((‪ )4‬سجن رام اهلل‪ ،‬مجلة األرض المحتلة ‪،12/1986،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.85‬‬
‫((‪ )1‬صحيفة الفجر‪، 27/3/1975،‬ص‪.2‬‬
‫مستخدمين في ذلك الهراوات و الغاز المسيل للدموع‪ ،‬وأسفر ذلك عن إصابة العديد منهم بإصابات كانت‬
‫بكسور في الرأس(‪.)2‬‬
‫ٍ‬ ‫إصابة احدهم وهو محمد جبريل‬
‫استخدم األسرى الفلسطينيون سالح اإلضراب عن الطعام للتعبير عن إرادتهم القوية وفي مساندة‬
‫زمالئهم في السجون األخرى‪ ،‬وكثيرا ما كان هؤالء األسرى يضربون عن الطعام لمدة قصيرة‬
‫كاإلضراب الذي أستمر لمدة ثالثة أيام فى‪ 2/10/1985‬تضامنا مع إضراب أسرى سجن الخليل(‪.)3‬‬
‫وسجلت محاولة هرب واحدة من هذا السجن عندما حاول السجين جمال سلطان و شقيقه نعيم القيام‬
‫بمحاولة الهرب من ذلك السجن‪ ،‬وقد ادعت مصلحة السجون أن األسير جمال قد حاول االنتحار في‬
‫الحمام وقد أنقذه زمالؤه‪ ،‬وهؤالء نفوا ذلك وأن هذا يجيء في إطار اإلساءة والتشهير الدائم الذي تمارسه‬
‫سلطات السجن بحق األسرى الفلسطينيين‪ ،‬ويذكر أن المناضل محمود العالول قد هرب من هذا السجن عام‬
‫‪1969‬م(‪.)4‬‬

‫‪ -5‬سجن طولكرم‬
‫يقع سجن طولكوم في منطقة منخفضة من المدينة يطلق عليها السكان (المقاطعة)‪ ،‬وهى مكونة من‬
‫مبنى تم تشييده في العقد األول من القرن العشرين خالل الوجود العثماني قبل الحرب العالمية األولى‪ ،‬وقد‬
‫استخدمها الجيش البريطاني كنقطة عسكرية وكذلك استعملها الجيش األردني حتى عام ‪ 1967‬حيث‬
‫استخدمتها السلطات اإلسرائيلية مقراً لألجهزة األمنية اإلسرائيلية من الجيش والشرطة والمخابرات العامة‬
‫(الشين بيت)‪ ،‬وتم تسليم أحد الطوابق لمصلحة السجون ليكون سجناً لألسرى الفلسطينيين من موقوفين‬
‫تحت التحقيق لدى المخابرات أو محكومين يقضون مدة محكوميتهم(‪.)5‬‬
‫ويتكون سجن طولكوم من ‪ 8‬غرف ال تتجاوز مساحة الواحدة منها ثالثين مترا مربعا تتسم بجدران‬
‫قديمة مليئة بالنتوءات‪ ،‬وسوء إضاءة‪ ،‬وانعدام رؤية أشعة الشمس خالل فترة زمهرير فصل الشتاء في‬
‫األشهر من أكتوبر وحتى مارس من كل عام وبالتالي تصبح الحياة في هذه الغرف صعبة(‪.)1‬‬
‫إن سوء تصميم بناء السجن وخاصة وضع الساحة التي ال تتجاوز ستة عشر متراً طوال وأربعة‬
‫أمتار عرضاً‪ ،‬وهذا ال يكفى أن يكون فسحة لمائة أسير(‪ ،)2‬وبالتالي ليس هناك فارق لألسير بين أن يخرج‬

‫((‪ )2‬سجن رام اهلل‪ ،‬مجلة فلسطين الثورة ‪،‬ع‪،15/10/1983، 479‬ص‪.21‬‬


‫((‪ )3‬سجن رام اهلل‪ :‬مجله األرض المحتلة ‪،10/1986 ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.82‬‬
‫((‪ )4‬صحيفة القدس‪ ، 30/1/1979 ،‬ص‪.1‬‬
‫((‪ ) 5‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫((‪ )1‬المصدر السابق‪،‬ص‪.28‬‬
‫((‪ )2‬قدري أبو بكر ‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.45‬‬
‫للفسحة من غرفته التي هي أيضاً تعانى من االزدحام‪ ،‬وقد ازداد هذا االزدحام مع بداية الثمانينات حيث‬
‫زاد عدد الموقوفين الذين تأتى بهم دوريات الجيش بشكل يومي والذين يكون غالبيتهم من طالب المدارس‪،‬‬
‫كما أنه أصبح ينقل للسجن أولئك األسرى من مدينة قلقيلية المجاورة والتي ال يوجد بها سجن‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ذلك فقد دأبت سلطات مصلحة السجون على عزل قادة ومسؤولي المنظمات في سجني جنين وجنيد شمال‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬وعزلهم في سجن طولكوم إلبعادهم عن قيادة اإلضرابات في تلك السجون‪.‬‬
‫مارست إدارة سجن طولكرم عقوبات بأشكال مختلفة ضد األسرى الفلسطينيين من عزل في الزنازين‬
‫إلى منعهم من أداء شعائرهم الدينية ففي عام ‪ 1972‬حصل صدام بين شرطة السجن واألسرى عندما‬
‫اعترضت إدارة السجن على أداء األسرى لصالة الجمعة بشكل جماعي وقامت باقتحام السجن بالغاز‪،‬‬
‫وعلى أثرها رفع األسرى الفلسطينيون شكوى إلى محكمة العدل العليا ضد مدير السجن الذي اتهموه‬
‫بتدبير الحادث(‪ ،)3‬وبرغم ذلك فقد أعلن األسرى اإلضراب في أكثر من مرة تضامناً مع أسرى السجون‬
‫األخرى مثل عسقالن وجنيد ونفحة‪ ،‬وال يمكن وصف الحياة التنظيمية لألسرى بالقوية في ذلك السجن‬
‫ألنها بدأت متأخرة مقارنة مع السجون األخرى‪.‬‬

‫‪ -6‬سجن نابلس‬
‫يقع سجن نابلس شرق مدينة نابلس و على سفح جبل (جرزيم) المليء باألشجار الحراجية الكثيفة‪،‬‬
‫ويعود تشييده إلى ما قبل الحرب العالمية األولى حيث أنشأته تركيا ليكون إسطبال لخيول الحجاج‪ ،‬و قد‬
‫حولته سلطات االنتداب البريطاني إلى مركز توقيف واحتجاز للسجناء غير األمنيين واستعمله الجيش‬
‫األردني لنفس الغاية‪ ،‬بينما استعملته إسرائيل لنشاطات أجهزة األمن المشرفة على مدينة نابلس و قضائها‬
‫الذي يضم عشرات القرى‪ ،‬وأسماه الناس المحليون بالمقاطعة‪.‬‬
‫وقد استعمل جهاز المخابرات هذا السجن منذ األيام األولى إلنتهاء حرب ‪ 1967‬فقد كانوا يحضرون‬
‫الذين يلقى القبض عليهم من الفدائيين عند نهر األردن في المسافة ما بين البحر الميت وبحيرة طبريا و يتم‬
‫التحقيق معهم في هذا السجن‪ ،‬بل إن أهم خاليا ومجموعات الفدائيين في الضفة الغربية كان يتم التحقيق‬
‫معهم في سجن نابلس‪ ،‬و كثيرا ما كان يشرف على ذلك مسؤولون كباراً في جهاز المخابرات‬
‫اإلسرائيلي(‪.)1‬‬

‫((‪ )3‬صحيفة القدس‪،22/7/1979 ،‬ص‪.1‬‬


‫((‪ )1‬يعقوب بيري‪ :‬كنت رئيسا للشين بيت‪،‬ط‪،1‬دار الجليل‪،‬عمان‪،1999،‬ص‪.8-6‬‬
‫واعتقلت إسرائيل في سجن نابلس حوالي خمسمائة سجين تقريبا خالل السنوات األولى لالحتالل‬
‫يعيشون في غرف لم يتم صيانتها أو ترميمها بعد‪،‬وكان منهم عام ‪ 1975‬نحو خمسة عشر أسيراً من‬
‫(‪)2‬‬
‫العرب غير الفلسطينيين ‪.‬‬
‫كانت بدايات حياة األسرى في سجن نابلس تتسم بالقسوة والصعوبة فقد تم وضعهم في غرف بعدد‬
‫تسعينات‪ ،‬وأعطوا بطانية واحدة للواحد‪ ،‬وكان الطعام أدنى بكثير من تلك الكميات التي توزع في السجون‬
‫األخرى‪،‬وكانت الفسحة لمدة نصف ساعة في اليوم فقط و يتم إخراجهم إليها في طابور اثنين مطئطئيى‬
‫الرأس وال يسمح لهم بالتدخين(‪ ،)3‬تعاملت إدارة السجن مع األسرى بسياسة العقوبات القاسية لكل من‬
‫يخرق نظام الحياة الذي تتبعه هذه اإلدارة‪،‬ففي مطلع عام ‪ 1981‬وأثناء احتفال األسرى بانطالقة الثورة‬
‫الفلسطينية اقتحمت الشرطة إحدى الغرف عند الساعة الحادية عشرة ليال ووضعت سبعة أسرى في‬
‫الزنازين واجبروا على خلع مالبسهم وانهال عليهم أفراد الشرطة بالضرب بالهراوات‪ ،‬بل إنه تم حرمان‬
‫كل السجن من الشاي والقهوة و السجائر و الخروج للفسحة(‪.)4‬‬
‫استخدمت مصلحة السجون في إسرائيل في سجن نابلس االقتحامات و المداهمات عدة مرات وكانت‬
‫تحضر الكالب البوليسية أمام األسرى إلرهابهم‪ ،‬ففي ‪ 19/12/1982‬استخدمت السلطات الغاز المسيل‬
‫للدموع والكالب البوليسية ضد األسرى كعقاب جماعي بسبب مشادة حصلت بين أثنين من األسرى وأحد‬
‫السجانين حول رغيف خبز رفض السجان إعطاءهم إياه وهو من حقهم في العدد المخصص لألسرى(‪،)5‬‬
‫وقد كانت السلطات تعاقب األسرى مع بداية كل إضراب عن الطعام مما يجبر األسرى على التمرد وكثيرا‬
‫ما كان األهالي القاطنون قرب السجن يسمعون ذلك‪ ،‬ففي عام ‪ 1980‬اشتبك األسرى في سجن نابلس مع‬
‫الشرطة وهم يهتفون بثورة حتى النصر وقام الجيش بمساعدة الشرطة في قذف القنابل المسيلة للدموع‬
‫على كل السجن بما فيه غرف إدارة السجن التي أخلتها للجيش وقد أصيب عشرات السجناء الذين رفضت‬
‫سلطات السجن نقلهم إلى المستشفيات بل عزلت العديد منهم في الزنازين(‪.)6‬‬

‫‪ -7‬سجن جنيد‬

‫((‪ )2‬سجن نابلس‪،‬مجلة شئون فلسطينية‪،‬ع ‪،6/1977، 67‬ص‪.188‬‬


‫((‪ )3‬قدري أبو بكر‪:‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.17‬‬
‫((‪ )4‬عبد الستار قاسم وآخرون‪:‬التجربة االعتقالية في المعتقالت الصهيونية‪ ،‬ط‪ ،1‬قسم العلوم السياسية – جامعة النجاح الوطنية‪،‬نابلس‪،1986،‬ص‬
‫‪.119‬‬
‫((‪ )5‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪:‬سجن نابلس‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.28‬‬
‫((‪ )6‬مجلة فلسطين المحتلة‪،‬ع‪،25/2/1980 ، 228‬ص‪.27-25‬‬
‫يقع سجن جنيد على مشارف مدينة نابلس وعلى الطريق المؤدى إلى مدينة قلقيلية ويمثل المدخل‬
‫الغربي للمدينة‪ ،‬وسمي بهذا االسم نسبة لقرية جنيد الواقعة على المشارف الغربية لمدينة نابلس‪ ،‬وقد انشأ‬
‫هذا المبنى عام‪ 1964‬من قبل وزارة األشغال األردنية ومتعهدي القوات المسلحة األردنية ليكون مستشفى‬
‫خاصاً بالجيش األردني وأطلق عليها اسم نيابة جنين‪ ،‬وقد سيطر عليها الجيش اإلسرائيلي وحولها لموقع‬
‫للجيش لحماية قواته القادمة إلى مدينة نابلس‪ ،‬وقد أقامت السلطات اإلسرائيلية بعض الترميمات وأعلنت‬
‫عنه سجناً تشرف عليه مصلحة السجون في إسرائيل وذلك في ‪.2/7/1984‬‬
‫أقامت الحكومة اإلسرائيلية حفل افتتاح لهذا السجن‪ ،‬ذكر فيه وزير الشرطة الجنرال حاييم برليف "أن‬
‫الهدف من بنائه هو تخفيف حدة االزدحام في سجن بئر سبع و إلغالق سجن صغير في طولكوم ولمنع‬
‫عمليات الهروب ولتقليل عدد المنظفين الالزمين للعمل وأوضح بان الحكومة اإلسرائيلية قد وضعت فيه‬
‫أجهزة متطورة وتقنيات عالية جدا لحماية األمن في السجن" (‪.)1‬‬
‫يتميز سجن جنيد بالتجهيزات األمنية فيه حيث يعمل فيه خمسة وعشرون حارسا فقط من شرطة‬
‫مصلحة السجون‪ ،‬ويتمكن حارس يقبع في غرفة مركزيه وعبر كاميرات منتشرة في كل مكان من رؤية‬
‫محيط السجن وذلك عبر أجهزة الكمبيوتر المرتبطة بأسالك شائكة موصلة بالتيار الكهربائي‪ ،‬يتم اإلبالغ‬
‫سواء من داخله أو من الخارج(‪ ،)2‬وزودت إسرائيل هذا السجن بأحدث‬
‫ً‬ ‫عن أي حركة حول سور السجن‬
‫التقنيات في السجون في العالم‪ ،‬ولكن ذلك كان من زاوية واحدة وهي حفظ أمن السجن وال يوجد ما يشير‬
‫إلى هذه التطورات في حياه السجين المعيشية‪ ،‬فقد تم تغطية نوافذ سجن جنيد بألواح االسبست من الخارج‬
‫لمنع دخول الضوء والهواء للغرف مما يصعب على السجين سماع أو رؤية أي شيء خارج الغرفة‬
‫والوصول إلى استحالة محاولة الهروب‪ ،‬مع ما عرف كذلك عن أن مادة االسبست مادة مسرطنة ممنوع‬
‫ومحرم استخدامها‪.‬‬
‫رفض األسرى الفلسطينيون الحياة في هذا السجن وخاضوا عدة إضرابات أهمها إضراب أيلول‬
‫(‪)3‬‬
‫‪:1984‬‬
‫أحضرت مصلحة السجون إلى سجن جنيد خليطاً من األسرى ومن بينهم محكومين بمدد عاليه وكذلك‬
‫كان من بينهم قادة األسرى في السجون‪ ،‬وهذه العوامل شجعت األسرى على خوض إضراب مبكر أي بعد‬

‫((‪ )1‬صحيفة هأرتس ‪،3/7/1984‬ص‪.1‬‬


‫((‪ )2‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.12‬‬
‫((‪ )3‬للمزيد من المعلومات حول هذا اإلضراب أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬جمعية أنصار السجين ‪ :‬تقرير وليد الفاهوم عن سجن جنيد ‪،1985 ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ -‬جبريل الرجوب ‪ :‬زنزانة ‪ ، 704‬مرجع سابق ‪ ،‬و كان المؤلف قائد هذا اإلضراب‪.‬‬
‫‪ -‬صحيفة هأرتس ‪،9/10/1984 ،‬ص‪.1‬‬
‫افتتاح السجن بشهرين تقريبا في ‪ ،24/9/1984‬وقد كان األسرى وإ دارة السجون قد فشلوا في التوصل‬
‫ألي اتفاق بخصوص األحوال المعيشية في السجن حيث اجتمع األسرى أكثر من مرة بمدير السجن‬
‫(عوفاديا زقوتو) وكذلك مع مدير مصلحة السجون في إسرائيل (د‪.‬مردخاى فلتهايمر) ‪ ،‬وقد قام األسرى‬
‫بعمل الخطوات التالية قبل اإلضراب(‪:)1‬‬
‫‪ -‬اتفاق بين الفصائل الفلسطينية داخل السجن بميثاق أسموه (المشروع الوطني)‪.‬‬
‫‪ -‬إنزال عشرات نشرات التعبئة النفسية لتهيئة األسرى‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل لجان من كل الفصائل في كل قسم و غرفة‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل لجنة محاميين من نقابة المحاميين الفلسطينية واإلسرائيليين‬
‫‪ -‬التأكيد على تبني منظمة التحرير الفلسطينية للعمل مع المؤسسات الدولية بهذا الشأن‬
‫تم توجيه رسائل إلى كل من مدير السجن‪ ،‬ومدير مصلحة السجون‪ ،‬و وزير الشرطة‪ ،‬ورئيس الوزراء‪،‬‬
‫وعدد من أعضاء الكينيست اليساريين‪،‬كما تم توجيه رسائل أخرى إلى الجهات الدولية كالسكرتير العام‬
‫(‪)2‬‬
‫لألمم المتحدة‪ ،‬والبابا يوحنا بولس الثاني‪.‬‬
‫استمر إضراب األسرى مدة أسبوعين توصلوا في نهايته إلى اتفاق مع وزير الشرطة الذي قدم إلى‬
‫السجن لمفاوضتهم‪ ،‬وقد حصل األسرى على بعض االمتيازات الهامة وقد كان من نتائج هذا اإلضراب‬
‫إقالة مدير السجن‪ ،‬وكذلك استقالة مدير مصلحة السجون وتعيين الجنرال (رافي سوسيه) رئيسا جديدا‬
‫دور في الوقوف مع األسرى وكان الجيش‬
‫لمصلحة السجون في إسرائيل‪ ،‬ولقد كان لألهالي والمؤسسات ٌ‬
‫اإلسرائيلي قد الحقهم في كافة فعاليتهم التضامنية مع إضراب األسرى في سجن جنيد‪ ،‬فقد اقتحم الجيش‬
‫مقر الصليب األحمر في نابلس لتفريق المعتصمين من األهالي‪ ،‬وكذلك تفريق المظاهرة العائدة من أمام‬
‫مقر القنصلية األمريكية في القدس بالقوة في ساحة باب العمود‪ ،‬وقد شهدت الضفة وقطاع غزة مظاهرات‬
‫وصدامات مع الجيش تضامنا مع األسرى(‪.)3‬‬
‫وفرضت إسرائيل عقوبات على األسرى الفلسطينيين عند حدوث أي مشادات أو إضرابات وكانت‬
‫دائما تسفر عن اقتحامات و مداهمات لغرف األسرى‪.‬‬

‫‪ -8‬سجن جنين‬

‫((‪ )1‬جبريل الرجوب ‪ :‬زنزانة ‪،704‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.185‬‬


‫((‪ )2‬نسخ من هذه الرسائل بحوزة الباحث‪.‬‬
‫((‪ )3‬انظر ‪ - :‬صحيفة القدس ‪،3/10/1984‬ص‪.1‬‬
‫‪ -‬صحيفة القدس ‪،5/10/1984‬ص‪.1‬‬
‫يقع سجن جنين شرق مدينة جنين داخل ما يسميه السكان المحليون بالعمارة أو (عمارة تيجرت) الذي‬
‫قامت سلطات االنتداب البريطاني ببنائه ليكون مركزاً للشرطة يشرف على منطقة جنين و ضواحيها‪ ،‬وقد‬
‫استخدمه الجيش األردني مقراً له‪ ،‬وما لبث أن استخدمه الجيش اإلسرائيلي عقب احتالله المدينة عام‬
‫‪ 1967‬مقراً لألجهزة األمنية خاصة (الشين بيت)‪ ،‬والستخدامه مكاناً للتحقيق ومقراً لضباط المخابرات‬
‫المشرفين على أحياء مدينة جنين التي هي أقرب المدن الفلسطينية إلى مكان معركة الكرامة التي دارت‬
‫في ‪ ،21/3/1968‬وبالتالي استخدم ضباط سالح االستخبارات العسكرية هذا المبنى في استجواب من يتم‬
‫اعتقالهم في المعركة ‪،‬وفي سنة ‪ 1970‬كان في سجن جنين جميع من تبقى لدى إسرائيل من أسرى‬
‫معركة الكرامة و عددهم ‪ 65‬سجيناً‪ ،‬وبرغم أنه ألقي القبض عليهم في معركة بين جيشين نظاميين‬
‫بافتراض مشاركة الجيش األردني في المعركة إال أن إسرائيل لم تعترف بهذا العدد على أنهم أسري حرب‬
‫بل حاكمت بعضهم(‪.)1‬‬
‫برغم أن أغلب األسرى في سجن جنين هم من الموقوفين أو من المحكومين لمدد ليست طويلة‪،‬‬
‫فلم يمنع ذلك بعضهم من التفكير بالهرب فقد تمكن السجين محمد على حسين ‪ 24‬عاماً من قرية زيتا من‬
‫الهروب من سجن جنين يوم السبت ‪ 8/12/1979‬من مطبخ السجن‪ ،‬وكان قد أمضى سنتين من أصل‬
‫ست سنوات(‪ ،)2‬وعادة ما كان األسرى يضربون عن الطعام تضامنا مع زمالئهم في السجون األخرى لمدة‬
‫يوم أو يومين يتعرضون بعدها لصور مختلفة من العقوبات‪.‬‬

‫‪ -9‬سجن الفارعة‬
‫يقع سجن الفارعة شمال مدينة جنين قرب عين تسمى عين الفارعة بجوار مخيم الالجئين الذي يحمل‬
‫نفس االسم‪ ،‬ويعود إنشاء هذا المبنى إلى عهد االنتداب البريطاني فقد أسس عام ‪ 1936‬ليكون إسطبالُ‬
‫للخيول‪ ،‬وفي عام ‪ 1948‬استعمله الجيش األردني لنفس الغاية ولم يكن هذا المبنى يوما ما لالستخدام‬
‫اإلنساني إنما كان بمثابة مكان للحيوانات و مخازن لما تأكله‪ ،‬وعند قدوم االحتالل اإلسرائيلي للضفة‬
‫الغربية لم يستعمله الجيش لنفس الغرض بل ظل المبنى بغير استخدام حتى عام ‪.1982‬‬
‫وقبل االجتياح اإلسرائيلي للبنان في حزيران ‪ 1982‬كان على الجيش أن يستعد لكل الجبهات فكانت‬
‫السجون قد ضاقت بمن فيها من أعداد ولم يف سجن نفحة بالغرض في القضاء على مشكله االزدحام‬
‫وكذلك بروز مشكلة األعداد الكبيرة من الطالب والقاصرين الذين يعتقلهم الجيش‪ ،‬ففي أثناء زيارة رئيس‬
‫أركان الجيش اإلسرائيلي الجنرال (رفائيل إيتان) تقرر إقامة سجن كبير يقضى على هذه المشاكل‪ ،‬ذلك‬

‫((‪ )1‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬


‫((‪ )2‬صحيفة األنباء ‪،10/12/1979‬ص‪.1‬‬
‫بموجب أمراً عسكرياً أصدره في ‪ 17/4/1982‬يحمل الرقم ‪ 998‬بموجبه يتم افتتاح سجن الفارعة وأسماه‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلسرائيليون "مركز إصالح الفارعة"‬
‫وكان سهال على سلطات االحتالل أن ترد على كافة المنتقدين لهذا األمر فالهدف من هذا السجن كما‬
‫يقولون هو تخفيف اكتظاظ السجون باألسرى الفلسطينيين وأن يكون هناك مركز إصالح إلصالح ثقافة‬
‫القاصرين الذين يلقون الحجارة على قوات الجيش(‪ ،)4‬ولكن الهدف الحقيقي كان حاجة المخابرات إلى‬
‫مركز توقيف غير خاضع لألنظمة القضائية التي تعيق التحقيق مع عشرات القاصرين الذين يعتقلهم‬
‫الجيش يوميا‪ ،‬بل أن تكون هناك سلطه محلية في السجن تتعامل قضائيا مع هذه األعداد‪.‬‬
‫ويتكون سجن الفارعة من ثالثة أقسام أساسية هي(‪:)1‬‬
‫‪ .1‬تسع غرف تقع في المبنى الرئيسي للسجن وأحياناً يصل عدد األسرى في الغرفة الواحدة إلى ثالثين‬
‫أسيراً مع العلم أن مساحة الغرفة ال تتجاوز العشرين مترا تقريبا وال يوجد فيها دورات مياه‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلسطبالت ويبلغ طولها عشرين مترا وعرضها تسعة أمتار ومقسمة إلى حجرات كل حجرة لحصان‬
‫واحد‪ ،‬وقد خصص اإلسرائيليون خمسة أسرى لكل حجرة من هذه ودون دورات مياه‪.‬‬
‫‪ .3‬الخيام التي تنصب عادة خالل فترة االعتقاالت الواسعة و يوضع في الخيمة الواحدة نحو خمسين أسيراً‬
‫علماً بأن مساحتها ال تتجاوز ثمانية عشر متراً مربعاً‪.‬‬
‫وفى عام ‪ 1984‬تم بناء سبع غرف جديدة ليستعملها ضباط الجيش و المخابرات للنوم والعمل‪ ،‬وكذلك‬
‫إنشاء عشر زنازين جديدة(‪ ،)2‬وهذا يوضح أن السجن لم يقم إال للتحقيق وليس ليكون ألولئك الذين‬
‫يحاكمون بمدد مختلفة‪.‬‬
‫استخدمت السلطات هذا السجن لكل من يتم إلقاء القبض عليه في األعمال غير الخاضعة للتنظيمات‬
‫العسكرية‪ ،‬ففي عام ‪ 1985‬كان به ما يزيد عن مائتي شخص أعمارهم ما بين ‪ 18- 12‬عاماً تم توقيفهم‬
‫لمده ثمانية عشر يوما دون أن يمثلوا ألي جهة قضائية‪.‬‬
‫بدأت حياة األسرى الفلسطينيين في سجن الفارعة بشيء من الشدة فمن المعروف أن كل سجن يفتحه‬
‫الجيش اإلسرائيلي كان يتسم باإلجراءات الشديدة و القاسية تجاه األسرى‪ ،‬وخالفا لغالبية السجون فإن‬
‫سجن الفارعة يديره الجيش اإلسرائيلي وليس ضباط مصلحة السجون في الشرطة اإلسرائيلية‪.‬‬

‫((‪ ) 3‬القانون من أجل اإلنسان‪(-‬الحق)‪ :‬مجموعة األوامر العسكرية المتعلقة بالسجون‪ ,‬القدس ‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.47‬‬
‫((‪ )4‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬سجن الفارعة ‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.18‬‬
‫((‪ )1‬مقابلة مع جهاد مصطفى المدهون‪،‬ممثل األسرى في السجن عام ‪ ،1984‬أجريت في ‪. 16/4/2004‬‬
‫((‪ )2‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪:‬سجن الفارعة‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.20‬‬
‫إن اإلهمال الصحي في مكان كانت تعيش فيه الحيوانات‪ ،‬وفجأة يتم وضع اإلنسان فيه دفع المحامى‬
‫جواد بولس أكثر من مرة للتقدم بشكوى إلى محكمة العدل العليا تتضمن إفادات عن أمراض جلدية تفشت‬
‫في أجسام األسرى ويطالب الجيش بنقل األسرى إلى سجون أخرى‪.‬‬
‫كما تعرضت السلطات اإلسرائيلية للكثير من النقد والضغوطات بشأن سجن الفارعة وباعتبار أنه‬
‫مكان للتحقيق‪،‬فإن غالبية األسرى كانوا يشكون بعد خروجهم منه أنهم تعرضوا للتعذيب و بوسائل مختلفة‬
‫ومن أشهر االنتقادات الدولية‪:‬‬
‫* تقرير لجنه العفوـ الدولية أمنستي‪:‬‬
‫حيث استمعت لجنة العفو الدولية بواسطة المراكز التي تعمل في األراضي المحتلة وإ سرائيل إلى‬
‫الكثير من الشهادات المشفوعة بالقسم عن ما يدور في سجن الفارعة وهي تفيد بوضع الكيس على رءوس‬
‫األسرى والقيود بأيديهم وإ جبارهم على الوقوف دون حراك ساعات طويلة‪ ،‬وتم وضع القاصرين تحت‬
‫الماء البارد في مجرى الهواء ثم حرمان األسرى الفلسطينيين من الطعام والنوم أو قضاء الحاجة(‪.)3‬‬
‫* تقرير لجنة الحقوقين الدولية عام ‪:1985‬‬
‫انتقدت فيه قرار إنشاء السجن بغرض التحقيق و بدون محاكمة‪ ،‬وقد سجلت اللجنة في تقريرها أكثر‬
‫من عشرين شهادة مشفوعة بالقسم حصلت عليها من أشخاص كانوا أسرى في هذا السجن‪ ،‬و يتضمن‬
‫التقرير اإلشارة إلى استعمال ضباط المخابرات العزل‪ ،‬والشبح في الزنازين التي يسكب الماء على‬
‫أرضيتها إضافة إلى الضرب على األعضاء التناسلية والكي بأعقاب السجائر و يتحدث التقرير عن‬
‫اإلهمال الطبي في السجن‪،‬‬
‫ويذكر أنه في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية تم تحويل هذا السجن الى مدرسة كادر‪ /‬وتم زراعة الورود‬
‫حوله لتحويله لمنظر خالب بعد أن كان مقبرة لألطفال األحياء‪.‬‬
‫ولم اعثر في مصادر الدراسة على ما يفيد بتنظيم األسرى خالل فترة الدراسة ألي إضراب جماعي‪،‬‬
‫وإ نما حاالت فردية لالحتجاج على وضعها كأن تكون معزولة في الزنازين مثالً‪،‬ولم تسجل أية محاوالت‬
‫هروب من هذا السجن ويعود السبب إلى كون األسرى في غالبيتهم من الموقوفين وغير المحكومين وال‬
‫يعرفون كم سيقضون في السجن‪.‬‬
‫هناك العديد من مراكز التوقيف التي أمضى فيها األسرى الفلسطينيون أياماً وربما أسابيع محجوزين‬
‫فيها و لكن ال يوجد ما يفيد باعتبارها سجنا مثل معسكر أنصار‪ 2‬على شاطئ بحر غزه الذي اعتبر سجنا‬
‫خارج فترة الدراسة‪.‬‬

‫()‪Amnesty : annual report 1987 , op.cit.p 6 (3‬‬


‫يتضح أن إسرائيل قد أقامت في األراضي المحتلة عام ‪ 1967‬تسعة سجون‪ ،‬وذلك لسد الحاجة الماسة‬
‫لسجون تتسع لآلالف من األسرى الفلسطينيين من رجال المقاومة‪ ،‬وقد تميزت هذه السجون بوقوعها‬
‫جميعا داخل مقرات قيادة األجهزة األمنية اإلسرائيلية ما يعني أن الجيش هو المسؤول عن الحراسة‬
‫الخارجية‪ ،‬برغم أن مصلحة السجون هي المكلفة باإلشراف الداخلي‪ ،‬وكذلك استخدمت مقرات دائمة‬
‫للتحقيق مع األسرى حتى أولئك األسرى على قضايا خطرة حسب التصنيفات الثقافية اإلسرائيلية‪ ،‬وبعد‬
‫انتهاء هذا التحقيق يتم نقل األسير إلى سجون فلسطين المحتلة ‪ ،1948‬وقد كان هذا اإلشراف الجماعي‬
‫ألجهزة األمن اإلسرائيلية على هذه المقرات يعرض األسرى العتداءات أفراد الجيش المتكررة‪،‬ويالحظ‬
‫بروز ظاهرة التكدس واالزدحام في هذه السجون‪ ،‬وكذلك فإن وجودها في األراضي المحتلة ‪ 1967‬كان‬
‫يسهل على إسرائيل تنظيم زيارات األهالي‪.‬‬

‫السجون اإلسرائيلية في األراضي العربية المحتلة خارج فلسطين‬

‫تعتبر إسرائيل أن حدودها مع جيرانها ليست تلك الحدود المنصوص عليها في اتفاقيات ترسيم الحدود‬
‫بين الجهات التي سبقتها في حكم أو إدارة فلسطين‪ ،‬بل إنها تستند في ذلك إلى حدود المناطق التي عاش‬
‫فيها بنو إسرائيل قديما أو ورد ذكرها في التوراة و التلمود‪ ،‬وعليه فلم تجد حرجا في االستيطان وفتح‬
‫مراكز توقيف في سيناء عام ‪،1967‬أو في الجوالن‪ ،‬أو في الضفة الغربية‪ ،‬و قطاع غزه‪ ،‬و كذا األمر‬
‫كان في لبنان عندما اجتاحته عام ‪ ،1982‬أقامت عدة سجون و مراكز توقيف و منها أنصار والخيام‪.‬‬
‫واجهت إسرائيل في اجتياحها للبنان عام ‪ 1982‬مقاومة ضارية من الفلسطينيين المنتمين لفصائل‬
‫المقاومة المسلحة‪ ،‬ومن بعض القوى الوطنية اللبنانية ‪ ،‬و من بعض القوات السورية النظامية‪ ،‬وبالتالي‬
‫وقع في قبضتها أالف األسرى من كل هذه الفئات واألطياف‪ ،‬فكانت الحاجة إلى سجون تتسع لهذه األعداد‬
‫البشرية الهائلة في نفس الوقت الذي ال تستطيع مصلحة السجون استيعاب هذه األعداد في سجون ال تتسع‬
‫إال للمئات وأنها أصال تعانى من مشكلة االزدحام‪ ،‬وكذلك فإن الجيش بحاجة إلى سجن يكون قريبا من‬
‫مكان األحداث لتسهل إدارة هذا السجن فنيا‪ ،‬و يستفيد الجيش من التحقيق مع بعض األسرى‪.‬‬
‫ألجل ذلك كله أقامت إسرائيل سجن أنصار في جنوب لبنان في بيئة معروف أن الحياة فيها صعبه‬
‫أمام برد الشتاء القارص الذي تتميز به‪ ،‬وأنها أسندت إدارة هذا السجن لضباط الجيش في وقت رفضت‬
‫مصلحة السجون و جهاز المخابرات قبول هذه المهمة(‪ ،)1()1‬فكان على ضباط الجيش أن يستجوبوا‪،‬و‬
‫يتعاملوا مع التمرد‪ ،‬و فرض العقوبات‪ ،‬و تنسيق نشاط الصحافة ومنظمة الصليب األحمر‪ ،‬والتعامل مع‬
‫إضرابات عن الطعام وربما لم يسمعوا بشيء كهذا إال في الصحافة و التلفزيون‪ ،‬وكذلك سيتعاملون مع‬
‫أسرى هم من أطياف مختلفة فكريا و أيديولوجياً ال يجمعهم إال كره إسرائيل‪ ،‬و ال تخلو أطيافهم حتى من‬
‫األطفال والمسنين الذين تم اقتيادهم إلى أنصار‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تاريخ سجن أنصار‬


‫افتتحت إسرائيل سجن أنصار في ‪ 14/7/1982‬في أعقاب غزو لبنان مباشرة على مساحة من‬
‫األرض في جنوب لبنان بين بلدة أنصار غربا والدوير شرقا و بين مزارع سبتي وبصفور شماالً ومزرعة‬
‫دمول جنوبا‪ ،‬وتسمى قطعة األرض المقام عليها السجن بتل بعل و يملك هذه األرض المواطن اللبناني‬
‫فرنسيس رزق ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت بصدد إنشاء مطار عسكري عليها(‪.)2‬‬
‫تكون سجن أنصار في مرحلته األولى من مجموعتين متقابلتين من عشرين معسكرا (خيمة)‪ ،‬عشرة‬
‫معسكرات شرقا ويقابلها عشرة غربا‪،‬ويفصل بينهما شارع ترابي طويل وتبلغ مساحة كل معسكر ثالثة‬
‫دنمات تقريبا‪ ،‬ويضم ما يقرب من عشرين خيمة و يتم إسكان الواحدة بثالثين أسيراً‪ ،‬ويمكن أن يصل‬
‫األمر إلى خمسة وأربعين معتقالً‪ ،‬و يفصل كل معسكر عن األخر أسالك شائكة من طبقتين تصل إلى‬
‫عشرة أمتار‪ ،‬وبداخل كل معسكر خيمة صغيرة إلعداد الطعام لألسرى(‪.)1‬‬
‫يحيط بكل معسكر برج للمراقبة يشرف على ما يدور داخل المعسكر‪ ،‬وكذلك أربعة أبراج مراقبة‬
‫على زوايا كل سجن من السجون الثالثة‪ ،‬وأمام كل معسكر خيمة بها عدد من الجنود الذين يشرفون على‬
‫شئون المعسكر‪ ،‬وكانوا أحياناً يقومون بأعمال استجواب لألسرى ليال‪ ،‬وعلى بوابة كل معسكر يقف جندي‬
‫طوال النهار يحمل رشاشا وحارس أخر بجانبه يحمل قنبلة الغاز‪ ،‬و يدور جندي أخر حول المعسكر ليرى‬
‫ما يدور داخل الخيام‪ ،‬وهو الذي يتصل مع مسئول األسرى (المختار)‪ )2(،‬وقد أحضرت إسرائيل إلى سجن‬

‫(‪ )1()1‬يعقوب بيرى ‪ :‬كنت رئيسا للشين بيت ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.176‬‬


‫((‪ )2‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪:‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫((‪ )1‬عن وصف السجن أنظر شهادات األسرى فيه ‪:‬‬
‫‪ -‬شهادة من معتقل أنصار ‪ ،‬شئون فلسطينية ‪ ،‬ع‪، 133- 132‬كانون أول ‪،1982‬ص‪23‬‬
‫‪ -‬شهادة ‪ 2‬من معتقل أنصار ‪ ،‬شئون فلسطينية ‪،‬ع ‪، 134‬كانون ثاني ‪،1983‬ص ‪.76‬‬
‫((‪ )2‬شهادة ‪ 2‬من معتقل أنصار‪ ،‬شئون فلسطينية‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.23‬‬
‫أنصار زنازين خاصة مصنوعة من المعدن وأنواع معينة من الصفيح القاسية على السجين ليال ونهارا‬
‫وشتاء أو صيفاً‪،‬وعند افتتاح أنصار "ب" تم تشييد إحدى وثالثين زنزانة من الباطون المسلح لتحل محل‬
‫ً‬
‫(‪)3‬‬
‫الزنازين القديمة و تستخدم لعقاب األسرى ‪.‬‬
‫رفضت إسرائيل معاملة من سينزلون في السجن على أنهم أسرى حرب واستثنت من ذلك الجنود‬
‫السوريين وعدداً قليالً من أفراد الجيش اللبناني‪ ،‬وهذا رغم أن اللجنة الدولية للصليب األحمر اعتبرت‬
‫مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية طرفا أساسيا في القتال‪ ،‬وأن عملية إسرائيل (سالمة الجليل) موجهة ضد‬
‫هذه المنظمة‪،‬وعليه يجب على إسرائيل معاملة األسرى من هذه المنظمة على أنهم أسرى حرب وقد عللت‬
‫ذلك أيضا بأن المنظمة تملك قوات مسلحة وجيوش نظامية‪ ،‬وأنها أعلنت تقيدها بكافة مواد اتفاقيات جنيف‪.‬‬
‫لقد ردت إسرائيل على كافة االنتقادات الدولية بخصوص قانونية اعتقال أو معاملة أسرى االجتياح‪،‬فقد‬
‫أعتبر رئيس وزرائها مناحيم بيغن "أن إسرائيل ستتعامل مع األسرى السوريين فقط كأسرى حرب أما‬
‫البقية فتعتبرهم إرهابيين‪ ،‬وسيتم معاقبتهم كما ينص عليه القانون"(‪ ،)4‬وقد أساءت إسرائيل معاملة أسرى‬
‫سجن أنصار سواء كانوا من السوريين أو من غيرهم من الجنسيات بتسجيلها عدة انتهاكات أهمها‪:‬‬
‫اعتقال رجال الخدمات الطبية المنتمين لمنظمة التحرير الفلسطينية و قد كان من بين األسرى‬ ‫‪.1‬‬
‫بعض مسئولي مستشفى الهالل األحمر الفلسطيني‪.‬‬
‫طلب المعلومات من األسرى بالتحقيق معهم‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫نقل بعض األسرى إلى سجون داخل فلسطين‬ ‫‪.3‬‬
‫عدم مالئمة اإلجراءات الصحية والعناية الطبية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫و قد كان هناك تجربة "ناجحة" إلسرائيل في افتتاحها سجن الفارعة الستيعاب مئات التالميذ و‬
‫وبناء على قرارات وزارة الدفاع‬
‫ً‬ ‫طالب الجامعات الذين ال يستطيع الجيش إعداد لوائح اتهام ضدهم‪،‬‬
‫اإلسرائيلية بتوقيف أالف األسرى إداريا ‪ ..‬فهل التزمت إسرائيل بقواعد قانون االعتقال اإلداري الذي‬
‫سنته بنفسها ضد أسرى سجن أنصار؟‬
‫ال يوجد ما يفيد بأن أسيراً واحدا استلم مذكرة اعتقاله في معتقل أنصار‪ ،‬وكذلك لم تلتزم إسرائيل‬
‫بمثول األسرى أمام قاض عسكري خالل ست و تسعين ساعة‪ ،‬ولم يسمع أحد من األسرى عن حقه في‬
‫تقديم استئناف لقاض عسكري‪ ،‬وغالبيتهم أمضى أكثر من ثالثة أشهر فهل كانت تصدر بحقهم مذكرات‬
‫تجديد التوقيف‪ ،‬حيث لم يعلم أحد منهم عن موعد اإلفراج عنه بافتراض أنه موقوف لمدة ثالثة أشهر‪.‬‬

‫((‪ )3‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪،‬تقرير عن السجون والمعتقالت الصهيونية‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.8‬‬


‫()‪Jerusalem Post , 6-7-1982 , P1. (4‬‬
‫جمعت إسرائيل كل مواطني أي بلدة أو مدينة أو قرية يسيطر عليها جيشها في مكان معين لكي يتم ختم‬
‫وبناء عليه فقد‬
‫ً‬ ‫البطاقات الشخصية‪ ،‬فكل من يوقفه الجيش‪ ،‬ولم يختم بطاقته كان يعرض نفسه للمخاطر‪،‬‬
‫كان يتم جمع األهالي (الرجال) في سن معين ويمرون من أمام ست عربات عسكرية في كل واحدة منها‬
‫رجل مقنع يشير على من تعتبرهم إسرائيل من أنصار منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬أو األحزاب الوطنية‬
‫اللبنانية‪ ،‬حيث يتم اعتقالهم أو ختم بطاقتهم الشخصية واإلفراج عنهم‪ ،‬وكثيرا ما كان المقنعون يقعون في‬
‫أخطاء جسيمة‪ ،‬بل إن الحديث عن اإلشارة إلى أهالي فدائيين أو أصدقائهم‪ ،‬فلم يكن الفدائيون أنفسهم‬
‫يذهبون لختم بطاقاتهم(‪ ،)1‬ومن لم يوجد بحوزته بطاقة شخصية كان الجنود يلجئون إلى ختم أرقام معينة‬
‫على أيدي وأذرع الرجال‪ ،‬وهذا ما كان يثير الجدال بينهم حيث يستنكرون هذا اإلجراء الذي كان يفعله‬
‫(‪)2‬‬
‫النازيون إبان الحرب العالمية الثانية ضد اليهود و غيرهم‪.‬‬

‫كان األسرى يمرون بحاالت الضرب واالعتداء عند مرورهم بأي مرحلة من مراحل اعتقالهم حتى‬
‫وصولهم إلى خيمة السجن‪ ،‬وكثيرة هي الشهادات التي تم تسجيلها في ذلك حتى كان االعتداء على األطباء‬
‫الذين يتم استدعاؤهم إلى نقاط التوقيف المؤقتة(‪.)3‬‬
‫مارس ضباط الشرطة العسكرية اإلسرائيلية التحقيق مع األسرى‪ ،‬وذلك بدون امتالكهم معلومات‬
‫إستخبارية‪ ،‬وبالتالي كان العنصر األهم لدى المحقق هو عملية التعذيب‪ ،‬بل إن جزءاً من هذا التحقيق كان‬
‫يتعلق بنشاط السجين داخل السجن‪ ،‬ويصف صالح التعمري قائد األسرى في سجن أنصار بأن عملية‬
‫التحقيق كانت تمر بظروف في غاية القسوة وانعدام اإلنسانية (‪.)1‬‬
‫لقد استخدم الجيش وسائل التعذيب التي حددها كل ضابط بما يراه مناسبا مع ضحيته ‪،‬فقد كان يلقى‬
‫باألسرى في الوحل والتراب‪ ،‬كذلك يظل األسرى موثقي األيدي ومعصوبي األعين وفي الشمس عدة أيام‬
‫بدون أي فراش‪ ،‬وكانوا يمنعون من قضاء الحاجة‪ ،‬وكذلك يتعرضون للضرب بالعصي بشكل مفاجئ‬
‫ودون أن يروا من يضربهم وكان ذلك يؤدى إلى حاالت صدمة نفسية(‪.)2‬‬
‫وقد كان بعض األسرى يقتاد إلى زنزانة خاصة من الصفيح و من شدة حرارتها سماها األسرى‬
‫"بالمحرقة " ألنه كثيرا ما كان بعضهم يصاب باالختناق أو بعض الحروق على الجلد(‪ ،)3‬ومن كان يمر‬
‫بهذه اإلجراءات وال يعترف يتم إرساله إلى محققي المخابرات في سجون داخل فلسطين ‪ ،‬فقد تم أخذ قائد‬
‫((‪ )1‬دينا عبد الحميد ‪ :‬للفجر نغني ‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز األهرام للترجمة والنشر‪،‬القاهرة‪،1989،‬ص‪.58‬‬
‫((‪ )2‬عماليا أرغمان و أهرون برتيع ‪ :‬أن تكون سبيا ‪ ،‬ط‪ ، 1‬المعهد اليهودي التابع للهستدروت ‪ ،‬بيت برل – إسرائيل ‪،1988،‬ص‪(،116‬بالعبرية)‪.‬‬
‫((‪ ) 3‬أنظر العديد من هذه الروايات ‪ ،‬دينا عبد الحميد ‪ :‬للفجر نغني ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪.61-58‬‬
‫((‪ )1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫((‪ ) 2‬أنظر شهادات بعض من تم التحقيق معهم ‪:‬الواقع الصحي في سجن أنصار‪،‬مجلة بلسم‪،‬ع‪،104-103‬كانون ثاني وشباط ‪، 1984‬ص‪.14-8‬‬
‫((‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫األسرى صالح التعمري عدة مرات إلى سجن الدامون للتحقيق معه هناك‪ ،‬وكان أيضا بغرض إبعاد‬
‫الكوادر والقادة عن السجن خاصة في أوقات اإلضرابات أو التمرد(‪.)4‬‬
‫وقد تعاملت إدارة السجن مع األسرى كرموز وأرقام عددية‪ ،‬فقد أطلقت رموز خاصة على كل ثكنة‬
‫من الثكنات وأعطت كل أسير رقما خاصا به‪ ،‬يجري التعامل معه على هذا األساس وخصص لألسرى‬
‫لباس خاص وتم إعطاء كل واحد منهم بطاقة شخصية تحمل صورته ورقمه(‪.)5‬‬
‫يأتي الوضع الصحي لألسرى في سجن أنصار من خالل سمات ومميزات البيئة والواقع الذي يعيشون‬
‫(‪)6‬‬
‫(خمسة‬ ‫فيه‪،‬فقد أحصى مندوب منظمة الصليب األحمر الدولية الحاجات التي تسلم لألسرى كما يلي‪:‬‬
‫وعشرون شخصا في كل خيمة وصابونه واحدة لهم كل أسبوع ومرايا و شفرة حالقة لهم جميعا يوميا‬
‫معجون أسنان واحد وقميص وبنطال وصحن وملعقة ورغيف لكل أربعة أسرى)‪.‬‬
‫كان هذا يعبر عن نية إسرائيل استخدام سجن أنصار ليس مكان حجز بل مكان عقاب‪ ،‬فقد كانت هذه‬
‫الظروف منذ األيام األولى الفتتاح السجن وهذه األحوال يمكن أن تصيب األسرى باألوبئة وانتشار‬
‫األمراض‪ ،‬وأن عدداً من األسرى أصيب فعال بالتيفوئيد والجرب وااللتهابات والقروح(‪ ،)7‬لقد كان غذاء‬
‫األسرى الرديء يعبر عما ستصل إليه أحوالهم الصحية ‪.‬‬
‫أصيب أسرى سجن أنصار بالعديد من األمراض تم التعرف عليها بعد اإلفراج عنهم أهمها‪( :‬أمراض‬
‫(‪)1‬‬
‫المعدة وخاصة القرحة والتدرن الرئوي وانزالق في فقرات العمود الفقري والبواسير)‪.‬‬
‫كانت اللجنة الصحية التي شكلها األسرى من بينهم ثمانون طبيبا و ممرضا وصيدلياً وفنياً وكان‬
‫معظمهم أعضاء في الهالل األحمر الفلسطيني‪ ،‬وكانت في البداية تقتصر مساعدتها لألسرى على التوعية‬
‫والدعم المعنوي وذلك لعدم توافر وسائل عالجيه أو أدوية‪ ،‬أما أطباء الجيش اإلسرائيلي فعادة ما كانوا‬
‫يعالجون فقط أولئك الذين ال زالوا في مرحلة التحقيق‪ ،‬وذلك ليتمكن المحققون من استكمال التحقيق معهم‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد منع اإلسرائيليون اللجنة الصحية المحلية من التجوال بين األقسام بل أمروا بحلها‪.‬‬

‫((‪ )4‬عماليا أرغمان و أهرون برتيع ‪:‬أن تكون سبيا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.176‬‬


‫((‪ )5‬عماليا أرغمان وأهرون برتيع‪:‬أن تكون سبيا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.188‬‬
‫((‪ )6‬شهادة من معتقل أنصار‪:‬شئون فلسطينية‪ ،133-132 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ ) 7‬وقد عدد بيان جمعية الهالل األحمر الفلسطيني هذه األمراض أنظر‪ :‬نداء جمعية الهالل األحمر الفلسطيني‪،‬نشرة وكالة األنباء الفلسطينية‬ ‫(‬

‫وفا‪،‬مج ‪ ،26/6/1982 ،14‬ص‪.178‬‬


‫)‪Amnesty : annual report 1985 , op.cit.p 67 (1‬‬ ‫(‬

‫()‪Ablid: p18.(2‬‬
‫أسندت مهمة إدارة سجن أنصار إلى الشرطة العسكرية التي أختار ضباطها مكان السجن وزمان‬
‫افتتاحه و كافة التفاصيل وقد مر على سجن أنصار قائدان له هما(‪:)3‬‬
‫العقيد تورى بن نون من مواليد القدس‪ ،‬وقد انضم لحركة غوش إيمونيم المتطرفة‪ ،‬وحمل السالح ومن‬ ‫‪.1‬‬
‫ثم انتقل للسكن في مستوطنة كريات أربع القائمة على أرض مدينة الخليل‪.‬‬
‫العقيد مئير روزفيلد وهو من مواليد تل أبيب وعاش في نفس المنطقة وفي عهده أطلق جندي صلية‬ ‫‪.2‬‬
‫رصاص فقتل ثالثة من األسرى‪ ،‬ولم يتم فعل أي شيء مع هذا الجندي‪.‬‬
‫إن طبيعة شخصية قائدي السجن تعكس تفكيرهما تجاه الفلسطينيين بشكل عام‪ ،‬فال يعقل أن يكون‬
‫شخص من مستوطنة أكثر سكانها من المتطرفين مهيئاً للعمل مع األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وكذلك ال يعقل من‬
‫اختار مكان و تفاصيل هذا السجن أن يكون سلوكه مقبوال لدى األسرى ‪ ،‬ولقد أقاموا هذا السجن وهم‬
‫يعرفون أنه سيكلف إسرائيل مبلغ طائلة يوميا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مجتمع األسرى في سجن أنصار‬
‫عن دما تم تكلي ف العقي د روزنفيل د بتحدي د مك ان لفتح س جن جدي د ك ان األم ر يتعل ق بأس بوعين أو ثالث ة‬
‫لحين انتهاء عملية سالمة الجليل ولم يتنبأ أحد أن هذا السجن سيظل مفتوحا لمدة ثمانية عشر شهرا على‬
‫األقل‪ ،‬فقد تم افتتاحه ليخفف االزدحام عن مراكز التوقيف األخرى و على رأسها مركز الصفا أو مكان‬
‫معالجة الذين يتم إلقاء القبض عليهم جرحى في (شموئيل هروفيه) شمال إسرائيل‪.‬‬
‫ادعت إسرائيل في نهاية أغسطس ‪ 1982‬إبان خروج رجال المقاومة الفلسطينية من لبنان أن بحوزتها‬
‫‪ 900‬أسيراً في سجن أنصار‪ ،‬بينما ذكر الصليب األحمر أن عدد األسرى يفوق ‪ 7000‬أسير‪ ،‬وقد ذكر‬
‫المطران جورج حداد مطران صور للجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات القوات االسرائيلية للقانون الدولي‬
‫خالل غزوها للبنان أنه قام‬
‫بحص ر ح والي ‪ 11000‬أس ير بجه وده الخاص ة‪ ،‬وذك رت منظم ة التحري ر أن األس رى في أنص ار في تل ك‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬وإ ن هذا االختالف في األرقام يمكن أن نعزوه إلى قلة عدد الذين كان يفرج‬ ‫الفترة فاق ‪ 15000‬أسير‬
‫عنهم حتى بداية أيلول ‪ ،1982‬وكذلك وجود عدد من مراكز االعتقال التي لم تقم أي مؤسسة بحصرها‪.‬‬
‫كانت الفئة العمرية لألسرى من اثني عشرة عاما حتى خمسة وثمانين عاما(‪ ،)2‬وهذا يعني أن إسرائيل‬
‫مارست االعتقال العشوائي وأنه لم يكن الضابط الذي يحمل رتبة عميد كما جاء في قرار وزارة ال دفاع في‬

‫((‪ )3‬عماليا أرغمان و أهرون برتيع‪:‬أن تكون سبيا‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.224‬‬


‫(‪ )1‬حالة األسرى‪:‬تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي أثناء غزوها للبنان‪ ،‬ترجمة‪:‬مركز األبحاث بمنظمة التحرير‬ ‫(‬

‫الفلسطينية‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫((‪ )2‬جعلنا المعتقل جبهة‪:‬مجلة فلسطين الثورة‪،‬ع ‪،9/6/1984 ، 511‬ص‪.26‬‬
‫المقََّنع ال ذي يجلس في العرب ة العس كرية اذا‬
‫يوني ه ‪ 1982‬ق د أقتن ع باألس باب أو ح تى اطل ع عليه ا‪ ،‬ب ل إن ُ‬
‫شخص يمر من أمامه في الطوابير يمكن أن يتم اعتقاله حتى لو كان طفالً أو قاصراً أو شيخاً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اقتنع بأي‬
‫ك انت ه ذه األع داد الهائل ة من األس رى تنتمي إلى أك ثر من بل د أو قط ر‪ ،‬فق د ك ان س جن أنص ار يمث ل‬
‫صورة عن المجتمع العربي‪ ،‬بل أنها شملت كل القرى والمدن والمخيمات في لبنان‪،‬أما أهم جنسيات أسرى‬
‫سجن أنصار فهي‪ :‬فلسطين – لبنان – سوريا – األردن – مصر – اليمن –تركيا – بنغاليا – باكستان(‪،)3‬‬
‫وقد كان لهذه األعداد والجنسيات المختلفة انتماءات حزبية وأيديولوجيه مختلفة‪.‬‬
‫أم ا الفلس طينيون فمعظمهم ك ان من مخيم ات عين الحل وة والرش يدية والمي ة ومي ة‪ ،‬وجمي ع ه ؤالء‬
‫األسرى هم من فئات اجتماعية مختلفة وأهم المهن التي كانوا يعملون بها(‪ :)4‬أطباء – محامون – موظفون‬
‫في الحكوم ة اللبناني ة – ش عراء – كت اب –عم ال – يعمل ون في مؤسس ات منظم ة التحري ر الفلس طينية أو‬
‫فصائلها‪.‬‬
‫ض م س جن أنص ار عش رات األس ر ال تي تتك ون من أب م ع ع دد من أبنائ ه ق د يص ل إلى خمس ة في‬
‫السجن‪ ،‬وقد نجح مسؤول األسرى في جمع جميع هذه األسر لتكون كل أسرة في خيمة واحدة(‪ ،)5‬وكثيرا‬
‫ما كانت قوات الجيش تعتقل السكان المجاورين للسجن وبالتحديد من قرية أنصار فقد كان أحد األسرى هو‬
‫المس ؤول عن زراع ة وفالح ة األرض ال تي تم مص ادرتها إلقام ة س جن أنص ار " ب " فق د ك ان ي رى من‬
‫السلك الشائك أطفاله بل صراخهم من بيته الذي يبعد عن السلك مسافة مائة متر(‪.)6‬‬
‫فق د ك ان الجن ود يجمع ونهم في مراك ز التوقي ف‪ ،‬ويقوم ون ب التحقيق معهم وممارس ة أش كال من‬
‫التع ذيب ض دهم‪ ،‬وق د استش هد أح د األطف ال من مخيم الرش يدية من ش دة العطش وض يق التنفس في ح ر‬
‫الشمس في شهر يوليو وهو في مركز الصفا‪ ،‬أما أهم وسائل التعذيب فكانت الضرب بالعصي والتعريض‬
‫للكي بالكهرباء وبالسجائر وكان يتم طلب األسرى للتحقيق عشرات المرات(‪.)7‬‬
‫ق ام األسرى بوضع األطفال في خيم ة واحدة لم ا لهؤالء من حاج ات خاصة وأن عيش هم في مخيم ات‬
‫الكب ار س وف يول د مش اكل اجتماعي ة وسياس ية ك ان األس رى في غ نى عنه ا‪ ،‬وق د ح دثت ح االت اعت داءات‬
‫جنس ية فردي ة اس تطاع األس رى معالجته ا‪ ،‬في حين عارض ت إدارة المعتق ل أن يك ون األطف ال في خيم ة‬

‫((‪ )3‬شهادة من معتقل أنصار‪ :‬شئون فلسطينية‪،‬ع ‪ ،133-132‬مرجع سابق‪،‬ص‪.24‬‬


‫((‪ )4‬جعلنا المعتقل جبهة‪،‬فلسطين الثورة‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫((‪ )5‬دينا عبد الحميد‪:‬للفجر نغني‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫((‪ )6‬شهادة من معتقل أنصار‪ ،‬شئون فلسطينية‪،‬ع ‪ ، 133- 132‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫((‪ )7‬شهادات ‪ 2‬من معتقل أنصار ‪ ،‬شئون فلسطينية‪،‬عدد ‪ ، 134‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫واحدة‪ ،‬فقد كان الجنود يمرون أمام هذه الخيمة و يسألون األطفال عن صحة معرفتهم بضرب صواريخ‬
‫‪.)B.7 (1‬‬
‫ب رغم ك ل ه ذه اإلج راءات اس تطاع األس رى تنظيم أنفس هم ليس معوا أخب ار الخ ارج ب ل و يتص لوا م ع‬
‫قي ادتهم‪ ،‬فإس رائيل ك انت حريص ة على ع دم س ماع األس رى ألي أخب ار من الخ ارج‪ ،‬وأن الجن ود ك انوا‬
‫يض عون س ماعات الرادي و على أذانهم خوف ا من س ماع األس رى له ا‪ ،‬وك ان االتص ال بين المعس كرات‬
‫بالرس ائل الطي ارة ال تي تكتب على ورق ال دخان‪ ،‬فق د ك انت األخب ار ممن ي أتي جدي د على الس جن أو من‬
‫الجنود أنفسهم ومن ثم يتم تعميمها على كافة المعسكرات ليتم قراءتها على الجميع(‪ ،)2‬و قد أصر األسرى‬
‫على أن يك ون االتص ال م ع قي ادتهم خ ارج الس جن أو ح تى خ ارج لبن ان كله ا بع د الخ روج إال عن طري ق‬
‫لجن ه أو إط ار يمثلهم و ليس ع بر المخ اتير ال ذين ك انت تعينهم إدارة الس جن و علي ه فق د ش كلوا م ا يس مى‬
‫بلجنة الدفاع عن حقوق األسرى‪.‬‬
‫قض ى األس رى في س جن أنص ار أس ابيعهم األولى وهم يفك رون فيم ا وراء األس الك الش ائكة‪ ،‬بع د‬
‫انشغالهم بتنظيمهم‪ .‬بدا من الضروري ابتكار ما يشغلهم عن الشعور بالسجن فبدأت لجنة الدفاع عن حقوق‬
‫األس رى تنظيم الجلس ات الثقافي ة ال تي ك ان بعض ها خ اص بك ل تنظيم معين وأخ رى لجمي ع الفص ائل‪،‬ف إن‬
‫إخراج السجين من شعوره بالسجن كان منوط بالوعي السياسي واألمني لهذا السجين أما النشاطات الثقافية‬
‫التي قام بها األسرى فكان أهمها ‪:‬‬
‫تعليم القراءة و الكتابة‪ :‬حيث كان ماال يقل عن ‪ %15‬من األسرى أميين لكنهم شيوخ و قرويون‪ ،‬وقد‬ ‫‪.1‬‬
‫تم تنظيم دروس لهم كانت نتائجها مثمرة للغاية(‪.)3‬‬
‫تعليم األغ اني الوطني ة ‪ :‬فق د ك ان األس رى يتجمع ون في س اعات المس اء على ش كل حلق ات وي رددون‬ ‫‪.2‬‬
‫األغاني الحماسية التي تمجد الشهداء أو المعارك التي خسر فيها اإلسرائيليين‪ ،‬وتم اعتماد " أغنية سجن‬
‫(‪)4‬‬
‫أنصار " وهى موحدة لجميع األسرى‪.‬‬
‫ص ناعة التماثي ل الخش بية والمعدني ة‪ :‬حيث ك انوا يص نعون تماثي ل تمث ل الج امع والكنيس ة وق د حص لوا‬ ‫‪.3‬‬
‫على الخش ب من الص ناديق الفارغ ة للم ؤن الغذائي ة أم ا المع ادن فق د ك انت ت أتى من األن ابيب النحاس ية‬
‫للمدافىء التي كان العمال يفكونها‪ ،‬وقد صنعوا من النحاس األساور ذات اللون الذهبي ونقش عليها أسماء‬
‫الزوجة أو البنت أو األم(‪.)5‬‬
‫((‪ )1‬الواقع الصحي في معتقل أنصار‪،‬بلسم‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪ ،109‬وهذه الصواريخ يستعملها الجيش اإلسرائيلي و هي شبيهة بـ ‪.R.B.G‬‬
‫((‪ )2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫((‪ )3‬شهادات‪ 2‬من معتقل أنصار‪ ،‬شئون فلسطين‪،‬ع‪،134‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.72‬‬
‫((‪ )4‬شهادة من معتقل أنصار‪،‬شئون فلسطينية‪،‬ع ‪،133-132‬مرجع سابق‪،‬ص‪.36‬‬
‫((‪ )5‬عماليا أرغمان و أهرون برتيع ‪ :‬أن تكون سبيا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.191-190‬‬
‫‪ .4‬النحت‪ :‬فق د التق ط األس رى الحج ارة والص خور من أرص فة المعتق ل وحولوه ا أك ثر ش يء إلى خرائ ط‬
‫لفلسطين وخرائط أخرى تعبر عن التالحم اللبناني الفلسطيني(‪.)1‬‬
‫‪.5‬األمسيات الثقافية‪ :‬والتي كانت بغرض إحياء المناسبات الوطنية أو مباريات رياضية أو مسابقات ثقافيه‬
‫وندوات وحلقات تعليمية(‪.)2‬‬
‫‪ .6‬صناعة الحاجات الشخصية‪ :‬فقد قام أسرى أنصار بصنع حقائب ألمتعتهم من قماش الخيام التي كانوا‬
‫يشعلون النار فيها كنوع من االحتجاج‪ ،‬وكانوا يقومون بتزيين حقيبة باسمه وبعض الرموز و الزخارف(‪.)3‬‬
‫‪.7‬الجري دة اليومي ة‪ :‬وتع دها لجن ة ثقافي ه يرأس ها ص الح التعم ري ويتم نس خها وتعميمه ا ع ل كاف ة‬
‫المعسكرات(‪.)4‬‬

‫عالقة إدارة السجن باألسرى‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫تضمنت األوامر العسكرية اإلسرائيلية تنظيم بعض صور وأشكال العالقة بين األسرى وإ دارة السجن‪،‬‬
‫وبرغم أن هذه األوامر كانت قاسية في تعاملها مع األسرى إال أن السجانين لم يلتزموا بها‪ ،‬والحال أسوأ‬
‫من ذلك عندما يتعلق األمر برجال الشرطة العسكرية‪ ،‬وليس شرطة مصلحة السجون حيث لم يسمع ضباط‬
‫الجيش عن هذه األوامر والقوانين شيئا‪ ،‬وعليه فقد صاغ كل ضابط عالقته باألسرى كما يراها هو مناسبة‬
‫وبالذات في أنواع العقوبات التي كانت تفرض على األسير‪ ،‬فقد كان يتم عقاب األسير على أشياء تعتبر‬
‫في غاية البساطة في حياة اإلنسانية مثل االقتراب من سلك الخيام‪ ،‬أو الخروج ليال إلى المرحاض أو ألي‬
‫مشادة كالمية تحصل بين األسير والشرطي ومن أهم هذه العقوبات(‪:)5‬‬
‫الجلد‪ :‬وقد استخدم في األسابيع األولى من افتتاح السجن‪ ،‬وكان المختار يجلد زميله بأمر من الجندي‬ ‫‪.1‬‬
‫وإ ال ستقوم اإلدارة بجلد األسير‪.‬‬
‫‪ .2‬الض رب بالعص ا‪ :‬وليس هن اك ف رق بين ش يخ أو طف ل أو ش اب وحص ل أن تم االعت داء بالض رب على‬
‫الشيخ الذي خلع مالبسه وصرخ في وجه الجندي الذي قام بدوره بإطالق النار عليه وصار هياج في كل‬
‫المعتقل‪.‬‬

‫((‪ )1‬جعلنا المعتقل جبهة ‪ :‬فلسطين الثورة‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.26‬‬


‫((‪ )2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫((‪ )3‬دينا عبد الحميد ‪ :‬للفجر نغني‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.153‬‬
‫((‪ )4‬عماليا أرغمان وأهرون برتيع ‪ :‬أن تكون سبيا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.282‬‬
‫((‪ )5‬للمزيد من المعلومات عن هذه العقوبات أنظر ‪:‬‬
‫‪ -‬عماليا أرغمان و أهرون برتيع ‪ :‬أن تكون سبيا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.178‬‬
‫‪ -‬مركز األبحاث الفلسطيني ‪ :‬تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.10‬‬
‫منع الماء‪ :‬كما كان يحصل في مركز الصفا حيث أستشهد أحد األطفال عطشا وكذلك في أثناء التحقيق‬ ‫‪.3‬‬
‫في الجورة‪.‬‬
‫ربط األيدي وتعصيب األعين‪ :‬كان يتم صلب األسير في الشمس بهذا الشكل لعدة ساعات‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الزنزان ة‪ :‬ويتم عق اب األس ير بوض عه في الزنزان ة لم دة معين ة ق د تص ل إلى أربع ة أش هر و بظ روف‬ ‫‪.5‬‬
‫قاسية‪.‬‬
‫إطالق الن ار والقت ل‪ :‬إن أغلب ح وادث إطالق الن ار ك انت بع د مش ادة بين الجن دي أو الض ابط م ع أح د‬ ‫‪.6‬‬
‫األسرى‪.‬‬
‫تمرد األسرى في سجن أنصار على هذه العقوبات والظروف التي يعيشونها في معتقل أنصار‪ ،‬وكان‬
‫التمرد أو ما يطلق عليه األسرى باالنتفاضة بأشكاله المختلفة أكثر ما يقلق إدارة السجن‪ ،‬وكانت حوادث‬
‫التم رد تح دث أحيان ا بش كل عف وي ت ؤدى إلث ارة األس رى‪ ،‬أو تك ون مخطط ة له ا من قب ل لجن ة ال دفاع عن‬
‫حق وق األس رى‪ ،‬وتك ون النت ائج أحيان ا إيجابي ة ك أن يحص لوا على بعض االمتي ازات أو ي روا إدارة الس جن‬
‫وهي تبع د أو تنق ل جن دي أو ض ابط معين يض ايق األس رى بش كل دائم‪ ،‬وأحيان ا تك ون النت ائج س لبية كنق ل‬
‫بعض األسرى أو وضع بعضهم في الزنازين أو إصابة بعضهم أثناء التمرد أو حتى االستشهاد‪ ،‬ومن أهم‬
‫حوادث التمرد‪:‬‬
‫‪ 17/7/1982‬وك انت ليل ة الق در حيث ش رع األس رى بتالوة الق رآن الك ريم وإ قام ة الص لوات فتح ركت‬ ‫‪.1‬‬
‫ال دبابات وأعلن الجيش حال ة االس تنفار‪ ،‬وق د ض رب أح د الجن ود كهالً من األس رى بالعص ا مم ا أدى إلى‬
‫هياج السجن كله بالهتافات ‪ ،‬وتم نقل هذا الجندي إلى مكان أخر(‪.)1‬‬
‫‪ 28/9/1982‬حيث ك انت أخب ار مج ازر ص برا و ش اتيال ال تي وقعت من ذ عش رة أي ام ق د وص لت من ذ‬ ‫‪.2‬‬
‫ي ومين وك ذلك حل ول عي د األض حى‪ ،‬وق د تم التخطي ط له ذا التم رد للمطالب ة ب اإلفراج عن األس رى‪ ،‬وعن د‬
‫الظهر اقتربت مظاهرة من النساء واألطفال باتجاه سجن أنصار وفور سماع األسرى لها حصل التمرد‬
‫ورشق الحجارة فأطلق الجنود النار باتجاه األسرى فأصابوا العشرات منهم(‪.)2‬‬
‫‪ 9/11/1982‬لم يكن مخططا لهذا التمرد حيث أفاق األسرى من شدة البرد التي شهدتها لبنان في تلك‬ ‫‪.3‬‬
‫الليلة في منطقة الجنوب وخاصة فقد تساقطت الثلوج ولم يكن لألسرى ما يكفى من الفراش فخرجوا جميعا‬
‫على األسالك وفوق المراحيض‪ ،‬وحدث االشتباك الذي أدى إلى إحضار الخيام الشتوية فيما بعد(‪.)3‬‬

‫((‪ )1‬شهادة من معتقل أنصار‪،‬شئون فلسطينية‪،‬ع ‪،133-132‬مرجع سابق‪،‬ص‪.25‬‬


‫((‪ ) 2‬مركز األبحاث الفلسطيني‪ :‬تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.5‬‬
‫((‪ )3‬المصدر السابق‪،‬ص‪.6‬‬
‫‪ 30/3/1983‬و ك ان ألج ل المش اركة م ع الش عب الفلس طيني في األرض المحتل ة بأحي اء ذك رى ي وم‬ ‫‪.4‬‬
‫األرض وه ذا م ا يعكس تط ورا في س لوك األس رى واس تقرار أوض اعهم الداخلي ة‪ ،‬وق د ط البوا ب إطالق‬
‫س راحهم و ق د نتج عن ه ذا التم رد نق ل العش رات منهم إلى أقس ام ومعس كرات أخ رى ووض ع بعض هم في‬
‫الزنازين(‪.)4‬‬
‫‪ 6/6/1983‬و ج اء ه ذا التم رد في ال ذكرى األولى لالجتي اح اإلس رائيلي للبن ان وتم إبالغ الص ليب‬ ‫‪.5‬‬
‫األحمر بهذا التمرد الذي سيحصل‪ ،‬وقد أحرق األسرى جميع خيام سجن أنصار للمطالبة باإلفراج عنهم‬
‫ولم يتدخل الجيش إال بعد استتباب األمور والهدوء في السجن(‪.)1‬‬
‫ويتض ح أن إس رائيل فتحت أك ثر من خمس ة عش ر س جناً في من اطق مختلف ة من المن اطق العربي ة ال تي‬
‫كانت تحتلها بين الفترة واألخرى‪ ،‬ولم تكن تتوقع أنها ستواجه أعداداً كبيرة من رجال المقاومة الفلسطينية‬
‫والعربي ة‪ ،‬وق د ك ان ه ذا الع دد من الس جون في من اطق ال يتج اوز ع دد س كانها الثالث ة ماليين نس مة‪ ،‬فيم ا‬
‫استغلت قواعد ومنشآت الجيوش البريطانية والمصرية واألردنية‪ ،‬وجعلت منها سجوناً دخلها مئات اآلالف‬
‫من الفلسطينيين‪.‬‬
‫ويبدوا أن نفس االدارة وخاصة في سالح الهندسة بالجيش االسرائيلي كانوا أنفسهم من صمم وأنشأ‬
‫"معتقل أنصار ‪ "2‬على شاطئ البحر بمدينة غزة وأسمته اسرائيل "سجن الشاطئ" ‪ ،‬وبنفس الشيء أنشأت‬
‫اس رائيل "معتق ل أنص ار ‪ "3‬في ص حراء النقب وقريب ا من الح دود م ع مص ر وذل ك في م ارس ‪ 1988‬و‬
‫أسمته اسرائيل "كتس يعوت"‪ ،‬حيث اعتقلت في أقسامه الس تة وعلى مدار الستة أعوم وحتى دخول السلطة‬
‫الوطني ة الفلس طينية م ا ال يق ل عن المائ ة أل ف فلس طيني من نش طاء انتفاض ة الحج ارة‪ ،‬وق د ب ذلت الس لطة‬
‫جهودا كبيرة لإلفراج عن الغالبية العظمى خاصة من اعتقل قبل اتفاقية أوسلو في سبتمبر ‪.1993‬‬

‫((‪ )4‬دينا عبد الحميد ‪ :‬للفجر نغني‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.170‬‬


‫((‪ )1‬المرجع السابق‪،‬ص‪.177‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫(مجتمع األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية)‬
‫دخل األسرى الفلسطينيون السجون يجمعهم قاسم مشترك هو سبب هذا االعتقال‪ ،‬أال وهو‬
‫محاربة إسرائيل ومقاومة وجودها واحتاللها بأشكال مختلفة أقلها تستر السجين على أخيه ‪،‬أو األب على‬
‫ابنه‪ ،‬والطفل على جاره‪ ،‬وأمام هذا الواقع افترضت إسرائيل أن يعيش األسرى داخل السجون كالسجناء‬
‫الجنائيين تسودهم شريعة الغاب أو السيطرة لألقوى‪ ،‬فمن المستحيل إيجاد فكر ٍ‬
‫سام ونبيل بين سجينين‬
‫أسرى على جريمة اغتصاب أو قتل أو مخدرات‪ ،‬وبالتالي سيكون السجن عقاباً مجدياً لمن يدخله من‬
‫الفلسطينيين‪.‬‬
‫وصل إلى السجون اإلسرائيلية بعض قادة التنظيمات وحركات المقاومة‪ ،‬وممن أرادوا أن تكون هذه‬
‫السجون محطة أخرى في المحطات التي ينتقل بينها أعضاء هذه المنظمات‪ ،‬وبالتالي كان أمامهم هدف‬
‫الوصول إلى سجين يقضي فترة وجوده في السجن في حياة تسودها لوائح وأعراف تنظيمية مستمدة من‬
‫أدبيات هذه التنظيمات‪ ،‬وقد تطور مجتمع األسرى الفلسطينيين من هذه الحالة إلى مجتمع اتسم بالحياة‬
‫التنظيمية المكونة من التزام وعضوية وهياكل إدارية والعمل على تنفيذ ما تقرره وما تراه قيادة التنظيم‪،‬‬
‫وعمل هذا المجتمع على حماية نفسه باكتشافه أسلحة يملكها ويسخرها كأدوات للحفاظ على أمن هذا‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫استطاع األسرى الفلسطينيون عبر سنوات االحتالل السير قدماً مع التقدم أو التغيير الثقافي للشعب‬
‫الفلسطيني والذي تحكمت فيه مجموعة من المبادئ والعوامل‪،‬صاغتها تغيرات المرحلة السياسية ممتزجة‬
‫مع اإلرث الثقافي لهذا الشعب‪ ،‬فقد مارس هؤالء األسرى التعليم وكتبوا المؤلفات والمصنفات في مختلف‬
‫العلوم خاصة السياسية واألدبية‪ ،‬فامتازوا بكتابة الشعر والنثر والقصة‪ ،‬وتميزوا بوعي سياسي استطاعوا‬
‫بواسطته أن يكونوا موجهين سياسيين لتنظيماتهم بعد خروجهم من السجن‪ ،‬كان ذلك يتم من خالل برامج‬
‫أعدت بعناية لمالءمتها بالواقع‪ ،‬حيث استطاعوا عرض كل ذلك في احتفاالت وندوات‪.‬‬

‫تطور األوضاع التنظيمية لألسرى الفلسطينيين‬


‫انشغلت قيادة المنظمات الفلسطينية عقب حرب ‪ 1967‬بممارسة الكفاح المسلح والذي كان يتطلب‬
‫سلوكاً أمنياً معيناً ومسلكية ثورية خاصة‪ ،‬تتسم بالسرية والكتمان‪ ،‬وبالتالي لم تكن تملك أي أجنحة أو‬
‫مؤسسات تشرف على متانة وصالبة العمل التنظيمي لها‪ ،‬والتي كانت السجون أحد دعائم هذا العمل‪،‬‬
‫فبمجرد اعتقال المجموعات ينقطع اإلشراف والتوجيه الخارجي عنها‪ ،‬فقد كان يأتي إلى السجون من‬
‫الشبيبة الصغيرة نسبياً في السن التي غالبا ما تفتقر إلى الوعي التنظيمي وحتى أولئك األكبر سناً لم يكونوا‬
‫من المثقفين تنظيمياً ألنهم كانوا من فئة المقاتلين‪.‬‬
‫بالبداية كان االنتماء للتنظيم أبعد ما يكون عن الحقيقة‪ ،‬فقد كان االنتماء على أساس بلدي أو جغرافي‬
‫أو شخصي‪ ،‬وفي أحسن األحوال على أساس العمل في خلية واحدة قبل االعتقال‪ ،‬فهم لم يتعرفوا من قبل‬
‫على أدبيات أو هياكل فصائلهم‪ ،‬ويمكن إجمال أهم العقبات التي أخرت عملية البناء التنظيمي في السجون‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫إجراءات إدارة مصلحة السجون المتمثلة في القمع وعزل قادة األسرى والتفتيش المتكرر‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫انعدام التجربة التنظيمية لألسرى وعدم وجود الوعي التنظيمي‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اعتماد العقلية العشائرية في فض الخالفات بين األسرى‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وجود مرافق العمل‪ ،‬وما يترتب عليها من آثار سلبية كإعاقة البناء التنظيمي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اختالف بيئات األسرى وما نتج عنه من تباين اجتماعي وثقافي ومادي بينهم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫بدأت مع نهاية عام ‪ 1968‬تظهر بوادر تغير في البنية االجتماعية لألسرى الفلسطينيين‪ ،‬وبدا أن‬
‫ضوابط العائلية والعشائرية ال تصلح داخل السجون‪ ،‬وبدأت الروح الوطنية التي تسكن في نفوس األسرى‬
‫تتولد تدريجياً للتعبير عنها في مواجهة إسرائيل والتي واجهتها شرطة مصلحة السجون‪ ،‬حيث كانوا ال‬
‫يتورعون عن ردع األسرى‪ ،‬وهذا ما وجد تشجيعاً لدى أولئك الذين يطرحون فكرة االستمرار في عضوية‬
‫(‪)1‬‬
‫التنظيم حتى داخل السجن‪ ،‬هذا إضافة إلى بداية تبلور عوامل عديدة ساهمت في البناء التنظيمي وأهمها‪:‬‬
‫مواجهة اإلدارة لألسرى وهذا ما تطلب منهم تنظيم أنفسهم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫زيادة الصراعات والمشاحنات بين األسرى مما أوجد الحاجة إلى ضابط لهذا السلوك‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تزايد عدد قادة التنظيمات الذين اعتقلوا على أيدي السلطات اإلسرائيلية خاصة أعضاء المؤسسات‬ ‫‪-3‬‬
‫التنظيمية العليا كالمجالس الثورية أو المكاتب السياسية لبعض المنظمات‪.‬‬
‫حالة الزيادة في وضوح األطروحات السياسية لكل فصيل تجاه قضايا المرحلة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اإلطالع المتزايد لألسرى على الكتب السياسية والحزبية (ضئيلة العدد)‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫*بدايات العمل التنظيمي‪:‬‬


‫بدأ العمل التنظيمي في بداية العام ‪ 1969‬في المواقع التي بها أسرى ذوو أحكام عالية وتلك التي بها‬
‫أعداد كبيرة من األسرى‪ ،‬وقد تجلت أول صورة لهذا العمل في تكليف من يقود األسرى من اختيارهم‬

‫((‪ )1‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫وليس من اختيار إدارة السجن‪ ،‬وقد ظهر في البداية االعتماد على الشخصية القيادية‪ ،‬أي حكم وتوجيه‬
‫السجين األكثر وعياً وشعبية لدى أبناء الفصيل الواحد‪ ،‬وأن ذلك قد خضع للمقومات الشخصية لدى هذا‬
‫القائد ‪،‬ولم يكن قد وجد حتى اآلن أي تشريع أو لوائح توضح كيفية الوصول إلى تكليف أو ترشيح من‬
‫يترأس التنظيم(‪ ،)2‬ومن أهم التجارب التنظيمية لألسرى في السجون التجارب اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬تجربة سجن نابلس‬
‫يعود استحداث أول عمل تنظيمي في السجون إلى شهر كانون أول ‪ 1968‬في سجن نابلس‪ ،‬حيث كان‬
‫يضم في تلك الفترة حوالي ألف أسير بين موقوف وإ داري ومحكوم‪ ،‬وقد تم ترتيب األوضاع بتوزيع‬
‫المهام على بعض األسرى المتسمين بالوعي الثقافي‪ ،‬على أن تبدأ المراتب التنظيمية بالخلية‪،‬ثم موجه‬
‫الغرفة‪ ،‬ثم لجنة مردوان(*) ثم لجنة للسجن وتنبثق عنها لجنة مركزية ومن بينها تختار ما يسمى بموجه عام‬
‫للتنظيم(‪ ،)1‬وأن هذا البناء يحتاج إلى متابعة متواصلة من كادر متميز‪ ،‬وقد تم التركيز في تكليف هذه‬
‫المهمات على أعضاء الدوريات الذين يأتون من الخارج باعتبار أن لهم تجربة تنظيمية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اطالعهم على األوضاع السياسية النخراطهم في مؤسسات الفصائل في لبنان واألردن وغيرهما(‪.)2‬‬
‫مارس األسرى الفلسطينيون أول نشاط تنظيمي في ‪ 1/1/1969‬في سجن نابلس باالحتفال الذي تم‬
‫ترتيبه تنظيمياً‪ ،‬وشارك فيه غالبية المراتب التنظيمية في السجون من عضو الخلية وحتى الموجه العام‪،‬‬
‫حيث تم تالوة أول بيان تنظيمي (بيان الثورة) وكلمة نضالية وفقرات من األغاني الوطنية والدبكة‪،‬‬
‫وبمشاركة كل الفصائل بكلمات‪ ،‬وقد فوجئت إدارة السجن بذلك(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬تجربة سجن بيت ليد‬
‫نظرت مصلحة السجون لتجربتي سجني نابلس وعسقالن بعين الخطورة‪ ،‬فقامت بنقل العديد من الكادر‬
‫التنظيمي من هذه السجون إلى سجن بيت ليد‪ ،‬وكان هذا هو العامل المهم لجمع تجارب تنظيمية ألكثر من‬
‫سجن في بيت ليد‪ ،‬فظهر في نهاية عام ‪ 1972‬أول هيكل تنظيمي بضوابط معروفة وتشكلت أطر تنظيمية‬
‫(‪)4‬‬
‫قوية ونشطة قامت بمختلف النشاطات التنظيمية‪ ،‬وقد أثرت على بقية السجون وتتصف هذه التجربة بـ‪:‬‬

‫((‪ )2‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية في السجون اإلسرائيلية‪،‬ط‪ ،1‬دار ابن رشد‪ ،‬عمان‪ ،1988 ،‬ص‪.115‬‬
‫(*) مردوان‪ :‬مصطلح يستخدمه األسرى لإلشارة إلى أحد أقسام السجن والمكون من عدة غرف‪.‬‬
‫((‪ )1‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫((‪ )2‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫((‪ )3‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫(‪ )4‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح‪ ،‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيته‪ ،‬مخطوط أعده األسرى الفلسطينيون بسجن عتليت عام‬ ‫(‬

‫‪ ،1996‬ص‪.5‬‬
‫‪ -1‬بناء هيكل تنظيمي مكون من‪ :‬موجه عام للمعتقل ولجنة مركزية عامة ولجنة ثقافية وموجهي غرف‬
‫وأقسام‪.‬‬
‫‪ -2‬العمل بقيادة جماعية بتمرير القرارات على المراتب التنظيمية الدنيا قدر اإلمكان‪.‬‬
‫‪ -3‬توزيع األدوار والمهمات على القاعدة قدر المستطاع‪.‬‬

‫يتضح من تجربة سجن بيت ليد أن تطوراً قد طرأ على العمل التنظيمي‪ ،‬يتمثل في تجاوز فكرة سجن‬
‫نابلس في تعيين الشخصية القيادية التي تقود كل شيء‪ ،‬وكذلك أسلوب العمل والذي يوضح أن االتصال‬
‫أصبح أكثر سهولة عما قبل‪ ،‬كذلك االستفادة الواسعة من تجربة عسقالن بمشاركة عدد كبير من القاعدة‪.‬‬
‫دخل العمل التنظيمي مع بداية عام ‪ 1973‬مرحلة جديدة تميزت بوجود هياكل إدارية وأطر تنظيمية‬
‫واضحة‪ ،‬استطاع األسرى في العامين التاليين نقل هذه التجربة إلى غالبية السجون‪ ،‬لكن مع كل إيجابيات‬
‫هذا البناء فإنه لم يجيئ باختيار األسرى من القاعدة أو المستوى األوسط بل كان بالتشاور بين قادة‬
‫التنظيم(‪ ،)1‬لكن هذا البناء كان يستند إلى أسس تعد بمنزلة برنامج للعمل التنظيمي يجب أن يدور هذا العمل‬
‫في إطارها‪.‬‬
‫مارس األسرى الفلسطينيون نشاطهم التنظيمي انطالقاً من هذه األسس‪،‬التي كانت تكرس سياسة‬
‫االلتزام التنظيمي لألسرى‪ ،‬بل إنها أخذت تطوراً أخر بأن أصبح االلتزام داخل أحد التنظيمات خيار ال‬
‫مفر منه لكل أسير يريد أن يعيش حياة جماعية‪ ،‬وقد تطور مفهوم األسرى للبناء التنظيمي مع بدايات عام‬
‫‪ ،1975‬فقد أصبحت السلطة التنظيمية تمثل الثورة‪ ،‬فهي نظم الثورة وأطرها وقوانينها وتمثل الكيان‬
‫(‪)2‬‬
‫االجتماعي والسياسي القائم على عدة أسس أهمها‪:‬‬
‫أ‪ -‬المجتمع االعتقالي‪ :‬هو لكل األسرى وكل من يخرج عن هذا المجتمع يعرض نفسه لعواقب ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفكر الثوري‪ :‬فالسجين في موقع نضالي أخر داخل السجن‪.‬‬
‫ج‪ -‬التنظيم‪ :‬فالسجين ملتزم في تنظيم له ديمقراطية خاصة تتمثل في التسلسل داخل األطر التنظيمية من‬
‫عضو الخلية إلى الموجه العام‪.‬‬
‫د‪ -‬القوانين الثورية‪ :‬وهي أساس يحكم العالقة والحياة التنظيمية وتفصل بين كافة أبناء التنظيم في‬
‫السجون‪.‬‬
‫* هيكلية البناء التنظيمي وتطوره‪:‬‬

‫(‪ )1‬خالد الهندي‪ :‬التجربة الديمقراطية للحركة الفلسطينية األسيرة‪ ،‬ط‪ ،1‬مواطن‪ ،‬رام اهلل‪ ،2000 ،‬ص‪.34‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪ ،1989 ،‬ص‪.141‬‬ ‫(‬
‫بدأ إنشاء الهياكل التنظيمية المختلفة بدون قانون مكتوب‪ ،‬بل إنه تم صياغتها بما يلبي حاجة كل سجن‬
‫على حدة حسب ظروفه الخاصة‪ ،‬وتطورت هذه اللوائح والهياكل عبر سنوات االحتالل بشكل يكاد يكون‬
‫متشابهاً مع عام ‪ ،1983‬ونستطيع أن نقول إن غالبية الهياكل التنظيمية في كل السجون ولكل الفصائل‬
‫(‪)3‬‬
‫الفلسطينية قد استندت إلى أسس أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬ضبط الواقع التنظيمي بتحديد الصالحيات والنشاطات ونظام المحاسبة والمتابعة‪.‬‬
‫‪ -‬التقيد العام بمبدأ جماعية العمل التنظيمي النابع من االلتحام بين أبناء التنظيم‪.‬‬
‫‪ -‬العمل بمبدأ المركزية الديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -‬تشجيع حرية الرأي الملتزم بمواقف الحركة مع حرية النقد والنقد الذاتي‪.‬‬
‫(*)(*)‬
‫والتمسك بعضوية الحركة‪.‬‬ ‫‪ -‬عدم االنفالش‬
‫صيغت اللوائح الداخلية للتنظيمات بجهود األسرى من نفس السجن‪ ،‬وبرغم تشابه األسس التي صيغت‬
‫على أساسها هذه اللوائح إال أن شكلها اختلف من سجن ألخر‪ ،‬ففي حين صيغت اللوائح في سجن عسقالن‬
‫على أساس توضيح المفاهيم التي تقوم عليها الالئحة‪ ،‬ومن ثم صياغة أدبيات حركة التحرير الوطني‬
‫الفلسطيني (فتح) كما هي من مبادئ وشعارات وأساليب‪ ،‬والحديث عن العضوية من حيث تعريفها وحقوق‬
‫وواجبات العضو‪ ،‬ومهام اللجان المختلفة الثقافية واألمنية والمالية‪ ،‬إضافة إلى العقوبات(‪ ،)1‬والتي تتشابه‬
‫إلى حد ما بتلك الواردة في المؤتمر العام لحركة فتح الذي عقد في دمشق عام ‪.1981‬‬
‫(‪)2‬‬
‫جاءت الالئحة الداخلية لسجن كفار يونا على شكل مواد كالتالي‪:‬‬
‫المادة األولى‪ :‬أوضحت الهيكلية اإلدارية المكونة من الجهاز اإلداري وموجهي الخنادق واألقسام‪ ،‬واللجان‬
‫المختلفة (الثقافية والضبط الثوري والنضالية العامة واألمنية)‪.‬‬
‫المادة الثانية‪ :‬توضح صيغة المركزية الديمقراطية‪.‬‬
‫المادة الثالثة‪ :‬أفردت قائمة للممنوعات على كل عضو في التنظيم‪.‬‬
‫المادة الرابعة‪ :‬إرشاد إلى إتباع سلوك معين تجاه النظافة واألخالق‪.‬‬
‫المادة الخامسة‪ :‬وهي التي تنظم العالقة مع الفصائل األخرى فيما أسمته باللجنة الوطنية الموجودة في‬
‫المعتقل‪.‬‬

‫(‪ ) 3‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬الالئحة الداخلية لحركة فتح في السجون‪ ،1996 ،‬ص‪.6‬‬ ‫(‬

‫(*) االنفالش‪ :‬يعني ترك أحد األسرى تنظيمه والتحول إلى تنظيم أخر‪،‬وغير مرة أدى ذلك لصدامات بين التنظيمات‪.‬‬ ‫(*)‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.26-12‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬عبد اهلل عواد‪ :‬دولة مجدو‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪ ،1992 ،‬ص‪.19-15‬‬ ‫(‬
‫اختلفت اللوائح والهياكل التنظيمية للفصائل الفلسطينية داخل السجون في وصف كيفية انتخاب أو‬
‫اختيار المراتب التنظيمية‪ ،‬فعلى صعيد التنظيم الديني فقد جرى تشكيل مجلس شورى عبر انتخابات داخلية‬
‫وهذا المجلس أفرز األمير العام للجماعة اإلسالمية‪ ،‬فيما تغير هذا النظام داخل الجماعة اإلسالمية بعد‬
‫توحد أسرى حركتي اإلخوان المسلمين والجهاد اإلسالمي حيث تشكلت قيادتها من منسقي العالقات‬
‫الخارجية الذين تفرزهم قيادتا التنظيمين اإلسالميين(‪ ،)3‬أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فلم تتصلب في‬
‫وحدانية أسلوب االنتخاب للمراتب التنظيمية المختلفة وأوجدت مبرر ذلك بالظروف التي قد يعانيها سجن‬
‫معين(‪ ،)4‬بل إنها كانت مرنة في الترشيح فيجوز للقيادة خارج السجن ترشيح أسماء معينة ألبناء التنظيم‬
‫في السجن‪ ،‬ويسمح أيضاً ألعضاء التنظيم ترشيح أنفسهم مباشرة‪ ،‬فالمتتبع للائحة الداخلية لحركة فتح ال‬
‫يجد ما يفيد بإمكانية تعيين أي مراتب تنظيمية بشكل جماعي‪ ،‬بل إن هناك إمكانية ألعلى هيئة تعيين أحد‬
‫األعضاء إذا تغيب لفترة طويلة عن موقعه التنظيمي(‪.)5‬‬
‫تضمنت اللوائح والهياكل التنظيمية لألسرى الفلسطينيين جزءاً هاماً في حياتهم وهو العقوبات‪،‬‬
‫بناء على تعليمات سلطات السجن‪ ،‬كما‬
‫ابتداء من قيام ما سمي بالمختار بعقوبة األسرى ً‬
‫ً‬ ‫والتي تطورت‬
‫كان يحصل في سجن (رام اهلل) وفي سجن أنصار‪ ،‬وصوالً إلى النصوص المكتوبة في اللوائح بهذا الشأن‪،‬‬
‫أما الالئحة الداخلية لحركة فتح فقد استقت عقوباتها من خالل قرارات الحركة في الخارج‪ ،‬لكنها نظرت‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى هذه العقوبات من جانب عالجي أو ليستفيد منه بقية األسرى فقد قسمت العقوبات إلى‪:‬‬
‫عقوبات معنوية كاللوم والتوبيخ ونسخ كراسات يستفيد منها النشاط الثقافي للتنظيم أو الحرمان من‬
‫التدخين‪ ،‬وعقوبات مادية كالجلد والقمع والردع وصوالً إلى اإلعدام ‪ ،‬والمتتبع للمخالفات سيجدها جميعاً‬
‫من تلك التي يمكن أن تحصل في مجتمع أسرى في سجن له واقعه ومشاكله‪ ،‬لكن من المهم اإلشارة إلى‬
‫أنه لم يكن في كل اللوائح والهياكل التنظيمية ما يشير إلى وجود هيئة قضائية تحدد المخالفات وتفرض‬
‫العقوبات بل إن اللجان المختلفة والمراتب العليا هي التي كانت تفرض العقوبة‪.‬‬

‫* العالقة بين التنظيمات داخل مجتمع األسرى‬


‫تعاملت مصلحة السجون اإلسرائيلية مع األسرى الفلسطينيين على أنهم جاءوا إلى السجن لمحاربتهم‬
‫إسرائيل‪ ،‬وليس لسبب أخر‪ ،‬وبالتالي لم تكن تفرق بين انتماءاتهم السياسية‪ ،‬وتعامل األسرى الفلسطينيون‬
‫في البداية مع إدارة السجن على هذا األساس‪ ،‬فبقدر ما كانوا يختلفون في أماكن سكناهم وتباين ثقافتهم‬

‫(‪ )3‬خالد الهندي‪ :‬التجربة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.82‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 4‬مقابلة مع رأفت النجار‪ ،‬مسئول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن نفحة بين ‪ ،1985-1981‬أجريت في غزة ‪28/7/2005‬م‬ ‫(‬

‫(‪ ) 5‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬الالئحة الداخلية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬الالئحة الداخلية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.45‬‬ ‫(‬
‫والتمايز في الطبقات االجتماعية التي أتوا منها‪ ،‬إال أنهم اجتمعوا على محاربتهم إسرائيل‪ ،‬فأدركوا وحدة‬
‫المصير بين جدران السجون‪ ،‬وقد استطاع األسرى من كل الفصائل إعطاء تجربة في سجن الرملة جسدوا‬
‫حياة بدت وكأنها جسم واحد متماسك‪ ،‬اتفق فيها على كل القضايا الحياتية‪ ،‬وقد تدخلت عوامل ذاتية‬
‫وموضوعية ساهمت في تغيير هذا الواقع ووضعت العالقة بين األسرى في حالة مد وجزر‪ ،‬وتماسك‬
‫وتوتر‪ ،‬وحوار وعنف ‪.‬‬
‫استطاع المعتلون الفلسطينيون بعد تجربة مريرة في عالقتهم الوصول إلى مرحلة مثلى تمثلت في‬
‫عمل غرف مشتركة سميت بخنادق الوحدة الوطنية ‪ ،‬لتعميق التفاهم وزيادة التنسيق بينهم لتدارك أي أزمة‬
‫تقع بين األعضاء اآلخرين‪ ،‬واستطاعوا تشكيل لجان مشتركة ابتدأت من الصراع على الشاويش الذي‬
‫تعينه اإلدارة‪ ،‬والتي كانت مهمته استالم حاجات األسرى وتحضيرهم للعدد ‪ ،‬وذلك لتفادي سلبيات هذا‬
‫"الشاويش" أو ما سمى بـ "المختار" في سجون أخرى(‪ ،)2‬وتطور األمر إلى قيام األسرى عام ‪ 1976‬في‬
‫سجن عسقالن بفرز ممثلين عن كل فصيل لتشكيل لجنة موحدة‪ ،‬انتبهت إدارة السجن على أثرها لخطورة‬
‫هذا األمر‪ ،‬ورفضت في البداية التعامل مع هذه اللجان‪ ،‬ثم ما لبثت أن اعترفت بها(‪ ،)3‬ويبدو أن تزايد‬
‫أعداد األسرى َشكل عائقاً أمام اإلدارة في تعاملها مع هذه اآلالف وكذلك بروز ظاهرة اإلضرابات‪ ،‬وبعد‬
‫نجاح هذه التجربة قام األسرى بتشكيل لجان مشتركة ساهمت إلى حد ما في ضبط العالقة بينهم‪ ،‬وأهم هذه‬
‫المؤسسات(‪:)4‬‬
‫‪ -1‬ممثل األسير‪ :‬وينتخب من قبل الفصائل ويكون ممثالً للمعتقل أمام اإلدارة ويتحدث باسم األسرى‬
‫جميعاً‪ ،‬ويجب أن يتميز بالسمعة األخالقية واألمنية العالية‪.‬‬
‫‪ -2‬لجنة التنسيق‪ :‬ونظراً لزيادة القضايا فقد تم القفز عن التنسيق المباشر بين مسئولي الفصائل لتشكيل‬
‫لجنة من كل الفصائل للتنسيق اليومي في كافة القضايا‪ ،‬بل إنه في بعض السجون كان يتم تشكيل‬
‫لجان التنسيق في كل قسم من أقسام السجن‪.‬‬
‫‪ -3‬شاويش الغرفة‪ :‬ومهمته اإلشراف على النشاطات العامة لألسرى في الغرفة‪ ،‬وهو المخول بالتحدث‬
‫مع الشرطة‪ ،‬وقد تم مراعاة التوزيع التنظيمي في الغرف المختلفة‪.‬‬
‫‪ -4‬لجنة التعبئة والتوجيه الوطني‪ :‬ويتم تشكيلها عند التحضير لخطوة نضالية من قبل كل الفصائل‬
‫كاالستعداد لإلضراب عن الطعام‪.‬‬

‫(‪ )2‬دينا عبد الحميد‪ :‬للفجر نغني‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز األهرام للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪،1989 ،‬ص‪.114‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬خالد الهندي‪ :‬التجربة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.133‬‬ ‫(‬


‫لجنة الصندوق‪ :‬ويطلق عليها أحياناً اللجنة المالية ومهمتها شراء حاجات السجن كله لكل الفصائل‬ ‫‪-5‬‬
‫بغض النظر عن اإلمكانيات المالية ألي سجين‪ ،‬ومع دخول العالقة بين الفصائل الفلسطينية داخل‬
‫السجون إلى مرحلة أكثر تطوراً‪ ،‬بدأ القفز على قضايا عديدة على رأسها الخالفات السياسية خارج‬
‫السجن ليصل الحد إلى توقيع ميثاق يوضح العالقة بينهم‪ ،‬وله عدة مسميات حسب السجن الذي تم‬
‫التوقيع فيه‪ ،‬ومن أشهر هذه المواثيق الميثاق الذي تم توقيعه في سجن جنيد في الفترة المثالية للعالقة‬
‫(‪)1‬‬
‫بين التنظيمات‪ .‬وتضمن المواضيع التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تفاصيل الجانب النضالي لإلضرابات عن الطعام وممنوعاته والمسموح به‪.‬‬
‫صالحيات ومهام اللجنة النضالية العامة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫طريقة اتخاذ القرار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مهمات الموجه النضالي للغرفة والقسم والسجن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشروط الواجب توافرها لوقف أي إضراب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫صالحيات وكيفية االتصال مع الخارج‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشعارات التي يجب استخدامها داخل المعتقالت‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تطور األوضاع األمنية لألسرى الفلسطينيين‬


‫تعاملت مصلحة السجون في إسرائيل مع اعتقال الفلسطينيين على أنه جزء هام من عقابهم على‬
‫نشاطهم في مقاومة المشروع اإلسرائيلي المتناقض تماماً مع المشروع الوطني الفلسطيني وطموحاته‪،‬‬
‫فبذلت كل ما بوسعها لوضع السجين الفلسطيني في حالة نفسية غير مستقرة يتخللها حالة من الشعور الدائم‬
‫بعدم األمن‪ ،‬ولم تول أي أهمية لما تسميه في القانون باإلصالح‪ ،‬واألهم من ذلك هو الحفاظ على حجز‬
‫هؤالء األسرى في ظروف قاسية يكون لها اعتبار في معادلة رجال المقاومة الفلسطينية خارج هذه‬
‫السجون‪.‬‬
‫قاوم الفلسطينيون هذه السياسة واعتبروا أنفسهم في موقع نضالي أخر‪ ،‬يشترك في الهدف تماماً‬
‫كما لو أنهم في موقع نضالي خارج السجن‪ ،‬فقاموا بتشكيل المؤسسة أو اإلطار المسؤول عن حمايتهم‬
‫غطاء للكثير من حاالت الهرب لبعض األسرى‬
‫ً‬ ‫داخل السجن أال وهو جهاز الرصد الثوري‪ ،‬بل أنه شكل‬
‫من جدران السجون‪ ،‬متحدين كافة إجراءات إدارة السجون‪ ،‬وقد اعتمدت إسرائيل في مواجهة تدابير‬
‫األسرى على نشر شبكة من العمالء داخل صفوفهم وكلفتهم بمهمات معينة ومحددة لتحقيقها في أماكن‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬جبريل الرجوب‪ :‬زنزانة ‪ ،704‬ط‪ ،1‬دار ابن رشد‪،‬عمان‪،1985،‬ص‪ ،90‬حيث وقع مؤلف الكتاب على الوثيقة باسم حركة فتح‪.‬‬ ‫(‬
‫وأوقات تحددها السياسة اإلسرائيلية األمنية تجاه األسرى‪ ،‬وكان الهدف األهم هو تحقيق حالة من التشرذم‬
‫والتفكك بين فصائل وتنظيمات األسرى‪.‬‬

‫كانت تلك مالمح المنظومة األمنية التي استعملتها كل من إدارة السجون المدعومة باإلمكانيات‬
‫المادية والخبرة المهنية‪ ،‬واألسرى المتمتعين بإمكانيات الوقت دون الوسائل المادية الملموسة‪ ،‬أو حتى دون‬
‫أي خبرة تذكر في السنوات األولى الفتتاح السجون‪ ،‬فكيف كان هذان النقيضان على أرض الواقع وفي‬
‫حساباتهم هم يعتبرون المقياس هو في عدد جوالت االنتصار والهزيمة تجاه بعضهم بعضاً‪ ،‬فما هي هذه‬
‫المراحل والجوالت ؟‬

‫أوالً ‪ :‬العالقة مع السجناء الجنائيين اليهود‬


‫لم تختلف المشاكل االجتماعية التي كان يعانيها المجتمع اإلسرائيلي كثيراُ عن تلك التي كان يعاني منها‬
‫المجتمع الغربي بشكل عام‪ ،‬فغالبيتها يتعلق بالمخدرات واالغتصاب والقتل‪ ،‬وهكذا فقد كان السجناء‬
‫الجنائيون اليهود يحملون هذه الصفات في أسباب اعتقالهم‪ ،‬مع العلم أن الغالبية العظمى منهم قد جاء من‬
‫األحياء الفقيرة والمنحدرة من أصول شرقية خاصة العراقية واليمنية والمغربية(‪.)1()1‬‬

‫تميزت العالقة بين األسرى الفلسطينيين والسجناء الجنائيين اليهود‪ ،‬كما هي النظرة تجاه بعضهم لبعض‬
‫خارج السجون‪ ،‬متسمة بسمات الكره والعداء‪ ،‬لكن االستعداد للتعبير عن هذا الشعور من الطرفين سيختلف‬
‫باختالف المكان وظروفه‪ ،‬فالمصلحة الشخصية للسجين الجنائي هي في أولوياته‪ ،‬كالحصول على جرعة‬
‫مخدرات أو حتى أي امتياز شخصي من إدارة السجن‪ ،‬وهذا بخالف المعتقل الفلسطيني المحكوم في‬
‫سلوكه بمجموعة من القوانين يمليها عليه انتماؤه التنظيمي لهذا الفصيل أو ذاك‪ ،‬وفي الحالتين ستلعب‬
‫إدارة السجن دوراً هاماً‪ ،‬وهذا ما كان يحصل في تحريضها للسجناء اليهود على اضطهاد األسرى العرب‪.‬‬

‫بدأت هذه األفكار تجد تعبيراً لها من خالل استغالل السجناء اليهود لكثرتهم في بعض األماكن ‪،‬وأقصد‬
‫مرافق العمل وذلك باالعتداء بالضرب على أي سجين يكون منفرداً عن زمالئه العرب‪ ،‬وكذلك في سيارة‬
‫نقل السجناء حيث يكون المعتقل الفلسطيني مقيد اليدين وأحياناً معصوب األعين‪ ،‬وفي أغلب المرات كان‬
‫بعض األسرى الفلسطينيين يصلون السجون والدماء تسيل من أجسادهم نتيجة الضرب الذي تعرضوا إليه‬
‫في رحلة االنتقال من سجن ألخر على يد السجناء الجنائيين اليهود(‪.)1‬‬

‫(‪ ) 1()1‬مقابلة من عبد الحميد القدسي‪ ،‬مسئول األسرى الفلسطينيين في سجن كفار يونا في الفترة ‪ ،1972-1968‬أجريت في ‪9/3/2004‬م‪ ،‬رام اهلل‪.‬‬
‫(‪ )1‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.147‬‬ ‫(‬
‫كانت إدارة السجون تضع بعض الموقوفين من األسرى العرب في غرف السجناء اليهود ‪ ،‬فكانت‬
‫تمارس ضدهم كافة أنواع االضطهاد المعيشي واالجتماعي الذي يصل إلى حد الحرمان من الغذاء‪ ،‬والقيام‬
‫بكل أعباء الغرفة خاصة نظافتها‪ ،‬وفي عام ‪ 1976‬كاد األسرى الفلسطينيون في سجن الخليل يعلنون‬
‫التمرد لالحتجاج على وضع زمالء لهم في غرف السجناء اليهود(‪ ،)2‬فمن الصعب أن تلتقي ثقافة من‬
‫يتعاطى المخدرات أو الدعارة أو القتل مع حاملي األفكار القومية والوطنية ‪ ،‬وفي كلتا الحالتين كان ذلك‬
‫يتطلب سلوكاً ثقافياً معيناً في كافة مجاالت الحياة اليومية‪.‬‬
‫وأمام تشجيع إدارة السجون لالستمرار في هذه الحالة فقد تميز سجن بئر السبع بالعديد من حاالت‬
‫الصدام بين الطرفين‪ ،‬حيث وصلت في واحدة منها إلى جرح ستة أسرى عرب وأربعة من اليهود على‬
‫خلفية خالف في توزيع وجبة الغذاء‪ ،‬وبعد عدة أشهر تم قتل أحد السجناء اليهود الذين ردوا بتفجير عبوة‬
‫ناسفة في ممر الغرف التي كان يقطنها األسرى السياسيون العرب(‪ ،)3‬وسرعان ما كانت هذه المشاعر تمتد‬
‫إلى السجون األخرى أو أنها متأثرة بأحداث سابقة حصلت في سجون مختلفة‪ ،‬وكثيراً ما كانت مصلحة‬
‫السجون هي السبب في إحداث هذه المشاكل وبعد وقوعها كانت ال تسيطر عليها‪ ،‬كما حصل في سجن‬
‫شطة عام ‪ 1973‬عند شجار عنيف وقف فيه رجل الشرطة المتطرف إلى جانب السجناء اليهود فأصيب‬
‫إصابة خطرة إضافة إلى إصابة سبعة من هؤالء السجناء‪ ،‬وبعد قدوم الشرطة أصيب أحد عشر معتقالً‬
‫عربياً‪ ،‬ورد هؤالء األسرى بتكسير األسرة وأبواب الغرف(‪ ،)4‬وعادة ما تبرر مصلحة السجون في ردها‬
‫اإلعالمي على هذه الحوادث بالعداء القومي بين السجناء اليهود والعرب وأنها تسعى دائماً لكبح هذا العداء‬
‫داخل السجون‪.‬‬

‫تطور األوضاع الثقافية لألسرى الفلسطينيين‬

‫((‪ )2‬األسرى األمنيون في سجن الخليل‪ :‬مجلة األرض المحتلة‪ ،‬ع‪ ،7/1976 ،32‬ص‪.71‬‬
‫((‪ )3‬صحيفة هآرتس‪ ،16/7/1976 :‬ص‪.1‬‬
‫((‪ )4‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية ‪،‬ط‪ ،1‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪،1979،‬ص‪.52‬‬
‫شكل السلوك اليومي لألسرى الفلسطينيين داخل السجون اإلسرائيلية في مجاالت حياتهم المختلفة‪،‬‬
‫نسيجاً من ثقافة خاصة ميزها التغير والتطور الذي صاحبها منذ بدايتها عام ‪ ،1967‬والتي حمل فيها‬
‫األسرى ثقافة الفقر ونفسية المقاتل غير الواعي سبب قتاله لعدوه‪ ،‬سوى كرهه له ودأبه على طرده من‬
‫وطنه ‪،‬في الوقت الذي يمتاز هذا العدو بالمهنية العالية ومقومات متطورة في مكافحة هذه الثقافة‪ ،‬لكن‬
‫ظروف وعوامل أخرى ساهمت في إحداث حراك في سلوك هؤالء األسرى أوجبتها الظروف التي‬
‫عاشوها داخل السجون‪ ،‬أدى هذا الحراك إلى تطور في سلوكهم مما أوصلهم إلى ثقافة تتسم بالقيم‬
‫وااللتزام باألعراف في مجتمع تحكمه قوانين ولوائح‪ ،‬فاجأ المتابعين ألمورهم‪ ،‬حيث وصف مراسل‬
‫صحيفة معاريف اإلسرائيلية هذا المجتمع بعد زيارته لسجن عسقالن عام ‪ 1978‬بـ "‪ 3000‬مخرب ال أثر‬
‫(‪)1()1‬‬
‫للسموم واالنحراف عليهم وأمراض الثقافة تتفشى بين صفوفهم"‪.‬‬
‫لم يكن هذا التطور الثقافي لألسرى ليأتي عبثاً‪ ،‬بل نتيجة جهود تطلبت بناء هيكليات ألجهزة ثقافية‬
‫أخذت دورها في مجتمع األسرى وساهمت في نشر الوعي االجتماعي والسياسي بينهم ‪ ،‬وصل إلى حد‬
‫إصدارهم صحف ومجالت تأخذ في شكلها صورة عن تلك المجالت التي تصدر في الشوارع‪ ،‬حيث استند‬
‫هذا الوعي إلى سلم خطوات علمية ابتدأت من محو األمية ‪،‬مروراً بالحصول على شهادة الثانوية العامة‪،‬‬
‫أو بالجلسات الثقافية وحركة ترجمة‪ ،‬وبنائهم لمكتبة استطاعوا بمساعدتها ممارسة شكل من أشكال البحث‬
‫العلمي من خالل دراسات وأبحاث تأخذ خطوات البحث العلمي‪ ،‬التي انتهى بعضها بنتائج وتوصيات‬
‫وخالصة‪.‬‬
‫تميزت ثقافة األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية بممارسة السواد األعظم منهم لجزء أو أجزاء‬
‫من هذه الثقافة‪ ،‬فمن ال يستطيع إعطاء الجلسات الثقافية أو إعداد الدراسات كان يكتب الشعر أو النثر أو‬
‫القصة‪ ،‬فيما استطاع بعضهم التعبير عن ثقافة غيره بتنظيم المهرجانات واالحتفاالت التي تتخللها الكلمات‬
‫والبيانات والمسرحيات‪ ،‬وقد أفنى الكثير من األسرى الوقت في الرسم واألشغال اليدوية‪ ،‬والتي عبرت عن‬
‫تفكيرهم في القضايا التي يولونها األهمية‪.‬‬
‫نضجت الحالة الثقافية لألسرى نتيجة التفاعل االجتماعي والفكري والتربوي مع واقع السجن كحاجة‬
‫فرضتها الظروف‪ ،‬وتمكن القائمون على هذا األمر من دمج األسرى في عمليتين اجتماعيتين في ٍ‬
‫آن‬
‫(‪)2‬‬
‫واحد هما‪:‬‬
‫األولى‪ :‬تهتم بصياغة وتراكم الوعي الثوري‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إعادة صياغة ثورية للتكوين النفسي لألسير‪.‬‬

‫(‪ ) 1()1‬كان هذا عنوان مقالة عن األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬صحيفة معاريف‪ ،6/4/1978 ،‬ص‪.16 ،1‬‬
‫((‪ )2‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬ط‪ ،1‬جمعية األسرى والمحررين‪ ،‬غزة‪ ،2000 ،‬ص‪.32‬‬
‫تأثرت هذه الصياغة بالتطور التاريخي لمجتمع األسرى‪ ،‬وأثرت إيجابياً في عملية تسريع نضوج هذا‬
‫المجتمع وبلوغه مرحلة متقدمة في تطوره‪ ،‬وحولته من مجتمع معاقب على أفعاله إلى بؤر تخرج وتصقل‬
‫عناصر خرجوا من السجون ليلتحق غالبيتهم مرة أخرى بالعمل الذي كان سبباً في اعتقالهم‪.‬‬
‫اعتمد األسرى الفلسطينيون في بداية مسيرتهم الثقافية على أسلوب المشافهة لعدم توافر األقالم‬
‫والدفاتر‪ ،‬بل واستعملوا أرضية الغرف والصرار اللين كطباشير(‪ ،)1‬ولقد ساهم موقع السجن وظروفه‬
‫وطبيعة بنائه وإ دارته في تحديد الوسائل األولى للتعبير الثقافي‪ ،‬فلم يكن في بداية فتح السجون غير‬
‫المصاحف‪ ،‬وتنافس األسرى في حفظ كتيب الشعر الوحيد الذي كان موجوداً في سجن عسقالن للشاعر أبو‬
‫القاسم الشابي‪ ،‬وعندما حصلوا على أنبوب قلم كتبوا به على علب الدخان(‪.)2‬‬
‫عكس هذا انتباه إدارة السجون ألهمية حيازة األسرى لألقالم والدفاتر‪ ،‬ونستطيع القول بأن هذه الحركة‬
‫الثقافية قد ارتبطت بأشخاص من قاموا عليها‪ ،‬ولم تبدأ بمنظومة أو نظام محكم‪ ،‬وهذا يتضح من مطاردة‬
‫إدارة السجن لكل من بحوزته المواد الثقافية األولية فقد عاقبت من ضبط بحوزته أنبوب القلم أو ورق‬
‫الدخان المكتوب عليه وأنزلته الزنازين لمدد وصلت ألكثر من أسبوعين‪ ،‬حيث لم تكن كل أسماء هؤالء‬
‫المعاقبين من نشطاء التنظيمات‪.‬‬
‫عكس مجموع السلوك الثقافي لألسرى صورة عن حالتهم بشكل عام وأوضاعهم‪ ،‬وبالتالي لم يكن‬
‫تطور األوضاع الثقافية بمنحى عن تطور األوضاع التنظيمية أو األمنية أو االجتماعية‪ ،‬كما أنه لم تكن‬
‫األوضاع الثقافية تساهم في تطور األوضاع األخرى أكثر من العكس‪ ،‬وقد مرت األوضاع الثقافية بعدة‬
‫مراحل‪:‬‬
‫‪ -‬المرحلة األولى ‪:1974-1967‬‬
‫فقد عبر سلوك األسرى عن شكل اجتماعي تربطه وتوحد أجزاءه روح العصبية والفهم الوطني‬
‫المشوه‪ ،‬وتشاهد فيها عمالً وطنياً ووحدة وطنية ترى تعبيراً له من خالل أحاديث األسرى مع بعضهم‪،‬‬
‫ويحكم الموقف فيها العالقة الشخصية مع صاحب أي مشروع ثقافي‪ ،‬وليس لوائح تنظيمية تضبط تنفيذ هذا‬
‫المشروع(‪ ،)3‬إذ يصعب تحديد المعالم الثقافية فليس هناك التزام‪ ،‬وال عقوبة على هذه الحالة‪ ،‬ويعود ذلك‬
‫لعدم حدوث حالة االنضباط التنظيمي وعدم ترتيب األوضاع التنظيمية والهياكل اإلدارية للتنظيمات‪.‬‬
‫‪ -‬المرحلة الثانية ‪:1985-1974‬‬

‫((‪ )1‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101‬‬


‫((‪ )2‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫((‪ )3‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫تميزت فيها العالقة الوطنية بين الفصائل على فهم معنى التزام هذا المعتقل في هذا التنظيم أو ذاك‪،‬‬
‫فقد اكتسب األسرى قدراً من الوعي التنظيمي والسياسي والفكري‪ ،‬حيث أفرز ذلك سلوكاً ثورياً‪ ،‬ونمت‬
‫القدرات الشخصية في فهم طبيعة االنتماء للوطن والتنظيم‪ ،‬فوجد هذا تعبيراً له من خالل االهتمام الزائد‬
‫بالقراءة والدراسة وتبديل أسلوب النقل بالشفاهة إلى شكل مكتوب‪ ،‬واستطاع األسرى في بعض السجون‬
‫وبعض الغرف إقامة الجلسات الثقافية التي تزيد عن خمسة أفراد(‪.)4‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثالثة ‪:2000-1986‬‬


‫انصب النشاط الثقافي في هذه المرحلة على الكتابة وصياغة األفكار الوطنية والمسائل األيديولوجية‬
‫واالعتقالية المبلورة‪ ،‬ومن ثم التركيز في هذه الكتابات على األسلوب التحريضي الواعي والنمط التعبوي‪،‬‬
‫دستور تنظيمي وأخر اعتقالي وشكل هذا أساساً موضوعياً للمشروع الثقافي(‪ ،)1‬ولم‬
‫ٍ‬ ‫وكان أن تم وضع‬
‫أعثر في مصادر الدراسة على ما يدل على سلوك إلدارة السجون في قمع أو معاقبة منظمي الجلسات‬
‫ٍ‬
‫كسجن‬ ‫الثقافية أو مع من يضبط معه مواد ثقافية سوى في السجون التي كانت تفتتح في هذه المرحلة‬
‫أنصار أو الفارعة‪ ،‬حيث كان عليها أن تبدأ من الصفر في المشروع الثقافي لألسرى‪.‬‬
‫ضمت ثقافة األسرى الفلسطينيين مجاالت عديدة كان لكل مجال فيها تطوره المميز وتحكمت فيه‬
‫عوامل خاصة تتشابه وتختلف أحياناً مع المجال األخر وأهم هذه المجاالت‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تطور الوعي السياسي‪:‬‬


‫تنافس األكاديميون وأصحاب المواهب من األسرى في انتقاء أساليب وتعبيرات الكتابة والتي كان‬
‫أرقاها البيانات والتعميمات‪،‬التي بدأت مع نهاية ‪ 1969‬يحمل توقيع التنظيمات‪ ،‬ويستخدم لتحقيق وسيلة‬
‫إعالمية تحريضية(‪ ،)2‬وكانت هذه الكتابات تحمل بعض العبارات التربوية وربما تكون غير مقصودة فحتى‬
‫هذا التاريخ لم يكن النشاط التعليمي قد بدأ‪.‬‬
‫حمل األسرى الفلسطينيون الكثير من المشاعر الوجدانية تجاه الكثير من القضايا والمواقف السياسية‪،‬‬
‫حيث أيدوا بعضها بوعي سياسي يفهم من خالل استطاعتهم تعليل ذلك‪ ،‬ورفضهم للكثير من المواقف‬
‫فعبروا عنها بالمشافهة والكتابة‪ ،‬وقد كانت إدارة السجون تعرف ذلك جيداً فلم تخبر األسرى بخبر وفاة‬
‫الرئيس جمال عبد الناصر لمعرفتها حبهم له وما يمكن أن يحدث من أزمة داخل السجن‪ ،‬وفعالً كان أفراد‬
‫الشرطة ومدير السجن ومن باب مجاملة األسرى وربما الشعور الحقيقي لبعضهم يشيدون بعبد الناصر‬

‫((‪ )4‬عبد الستار قاسم‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.172‬‬


‫((‪ )1‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫((‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫ويصفونه بالعبرية (بالشجاع)‪ ،‬وقد امتأل السجن بالبكاء والعويل‪ ،‬وكثيراً ما كانوا يرددون مقولة عبد‬
‫الناصر "ما أخذ بالقوة ال يسترد إال بالقوة"‪ ،‬وكتبوها على جدران الزنازين وحفروا بها طالء أبواب غرف‬
‫السجن واستعملوها في مسابقاتهم الثقافية(‪.)3‬‬
‫أدرك األسرى الفلسطينيون بعد سنوات من حرب أكتوبر التطورات السياسية التي تدور من حولهم‬
‫وحاولوا حتى تلك المرحلة أن يتبعوا مواقف تنظيماتهم السياسية تجاه قضايا المرحلة‪ ،‬وعندما سمعوا بقيام‬
‫بعض السجناء بتقديم عريضة للرئيس أنور السادات عند زيارته القدس قام المسؤولون عن األسرى في‬
‫كل السجون بتحضير مذكرة‪ ،‬رفضوا فيها تلك المذكرة التي قدمها زمالؤهم ورفضوا تأييد عملية السالم‬
‫المصرية اإلسرائيلية وهي في مهدها(‪ ،)4‬ويبدو أنهم كانوا يعرفون ثمن ذلك‪ ،‬فقد رفضت إسرائيل اإلفراج‬
‫عن من ال يؤيد مسيرة السالم‪.‬‬
‫حافظ األسرى الفلسطينيون على التعبير عن مشاعرهم الوطنية بالوعي السياسي الذي كان يزداد مع‬
‫مرور السنوات وتطور بنائهم التنظيمي‪ ،‬وقد رفضوا استقبال الحلويات التي أحضرها الصليب األحمر‬
‫الدولي والمؤسسات الوطنية في عيد األضحى عام ‪ ،1983‬حيث كانت تصادف الذكرى األولى لوقوع‬
‫مجازر صبرا وشاتيال‪ ،‬وعللوا ذلك إلدارة السجن والصليب األحمر بهذا السبب(‪ ،)1‬ولقد كان رد إدارة‬
‫السجون على هذا الوعي السياسي في السنوات األولى بعد حرب ‪ 1967‬بالرفض والعقاب لألسرى‬
‫القائمين على هذا النشاط الثقافي‪ ،‬ففي سجن عسقالن عزلوا عام ‪ 1970‬عشرين معتقالً بمجرد معرفة‬
‫ضابط أمن السجن عن النشاط الثقافي‪ ،‬وفي كانون األول من نفس العام رشوا غرف األسرى بالغاز عند‬
‫احتفالهم بمناسبة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن عسقالن(‪.)2‬‬

‫* الجهاز الثقافي‬
‫أولت التنظيمات الفلسطينية في السجون أهمية خاصة للنشاط الثقافي‪ ،‬ووضع الخطط والطرق المختارة‬
‫واختيار الوسائل الكفيلة بتحقيق نتائج ناجعة‪ ،‬تكفل تحقيق وعي سياسي يمثل سالحاً هاماً في مواجهة‬
‫مصلحة السجون وسياساتها المضادة لمصالحهم وبالتالي تحقيق تحسن في شروط حياتهم داخل السجون‪،‬‬
‫وكثيراً ما كانت إسرائيل تفسر النشاط الثقافي والخطوات النضالية لألسرى كاإلضرابات والتمرد بأنه‬
‫لتحقيق هدف سياسي وليس إنساني‪ ،‬وأن ذلك يأتي بتحريض من منظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬

‫((‪ )3‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬


‫((‪ )4‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪.139 ،‬‬
‫((‪ )1‬عبد الحق شحادة‪ :‬التجربة النضالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫((‪ )2‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫أجمعت كافة اللوائح الداخلية للتنظيمات الفلسطينية في السجون على اعتبار اإلطار‪،‬أو الجهاز الثقافي‬
‫جزءاً هاماً وأساسياً في كافة التشكيالت والهيكليات التنظيمية‪ ،‬ومثلت هذه األجهزة عالمة على أي تقدم‬
‫تنظيمي لألسرى‪ ،‬على اعتبار أن هذا النشاط يشارك في دعم كافة النشاطات التنظيمية األخرى لألسرى‪،‬‬
‫ابتداء من الخندق (الغرفة) وحتى اللجان‬
‫ً‬ ‫فكان المفوض الثقافي عضواً في أعلى الهيئات التنظيمية‬
‫المركزية للسجون كافة‪.‬‬
‫هدفت كافة لوائح التنظيمات الفلسطينية إلى تحقيق مجموعة من األهداف من وراء النشاط الثقافي ولذا‬
‫تشابهت في ذلك‪ ،‬ولوحظ اختالف غالبية اللجان التنظيمية بين هذه اللوائح باستثناء اللجنة الثقافية التي حتى‬
‫(‪)3‬‬
‫عام ‪ 1985‬كانت تنحصر أهدافها في‪:‬‬
‫محو األمية في صفوف األسرى‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عمل جلسات ثقافية بهدف التوعية السياسية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫العمل على متابعة األخبار السياسية اليومية ومناقشتها‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫تشجيع حلقات النقاش السياسي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫إعداد الدراسات والكراسات األمنية‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أما شكل اللجان التي ستنفذ هذه المهمات واألهداف فقد اختلفت من سجن ألخر‪ ،‬وذلك بفعل عوامل منها‬
‫صفات الكادر وعدد األسرى‪ ،‬وقد التزمت أغلب السجون بالهيكلية اإلدارية للجنة الثقافية كما يلي‪:‬‬
‫لجنة السجن مكونة من ثالثة وينتخبون رئيساً لهم يكون تلقائياً عضواً في اللجنة المركزية للتنظيم‬ ‫‪-‬‬
‫في السجن‪ ،‬وتقوم اللجنة بعمل برنامج عمل ونشره على القاعدة‪ ،‬و بتشكيل لجنة ثالثية إلصدار‬
‫مجلة التنظيم وتشكيل لجنة ثالثية للترجمة‪،‬وأخرى لصياغة البيانات والتعميمات‪ ،‬إضافة إلى لجنة‬
‫ثالثية لمكتبات السجن‪.‬‬

‫* الصحف والمجالت‬
‫بدأ تعامل األسرى الفلسطينيين مع الصحافة‪ ،‬بحاجتهم إلى سماع األخبار السياسية بعد حرب ‪،1967‬‬
‫وما شهدته من أحداث هامة والتي أحدثت منعطفات هامة في القضية الفلسطينية‪ ،‬كمعركة‬
‫الكرامة‪،‬والتغيرات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية ‪ ،‬وأحداث أيلول في األردن‪ ،‬فقد تمتع السجناء‬
‫الجنائيون اليهود بسماع اإلذاعة عبر أجهزة الراديو المسموح لهم اقتناؤها ‪ ،‬وكذلك مشاهدة التلفزيون مساء‬
‫كل يوم‪ ،‬وشراء ما يشاءون من المجالت والصحف اليومية أو أي مطبوعات‪ ،‬في حين سمح لألسرى‬

‫((‪ )3‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫الفلسطينيين سماع ساعة واحدة من دار اإلذاعة اإلسرائيلية من أورشليم القدس من الساعة الخامسة‬
‫مساء ‪،‬حيث موجز األنباء يليها أغنية يومية ألم كلثوم‪ ،‬إضافة إلى صحيفة األنباء اإلسرائيلية(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫والنصف‬
‫استمر هذا الحال لعدة سنوات في بعض السجون‪ ،‬وكان على السجون التي تفتح حديثاً أن تطلع على أخبار‬
‫العالم بهذه المواصفات فقط‪ ،‬في الوقت الذي كانت سجون أخرى قد لفظت هذه الظروف منذ سنوات‪ ،‬ففي‬
‫عام ‪ 1984‬سمح ألسرى سجن جنيد بسماع اإلذاعة اإلسرائيلية عبر مكبرات الصوت‪ ،‬وكذلك قراءة‬
‫صحيفة األنباء فقط‪ ،‬في الوقت الذي كانت غالبية الصحف تدخل السجون األخرى كنفحة وعسقالن‬
‫وبحوزة األسرى أجهزة الراديو‪ ،‬وكل ذلك حصلوا عليه بعد خطوات نضالية ضد إدارة السجن عقب‬
‫اإلضرابات الشهيرة‪.‬‬
‫وزعت الحكومة اإلسرائيلية صحيفة األنباء على المكاتب الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة‬
‫والجوالن وسيناء وذلك بغرض نشر بياناتها وسياستها وقراراتها العسكرية‪ ،‬وقد ساهمت في نشر اليأس‬
‫واإلحباط في نفوس األسرى‪ ،‬فكثيراً ما كانت تتناول القوة اإلستراتيجية إلسرائيل واألوضاع السيئة‬
‫والفساد الذي تعيشه الحكومات العربية وحالة البذخ التي يتمتع بها مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬
‫وتأتي صحيفة األنباء في إطار السياسة اإلسرائيلية الشاملة تجاه األسرى التي كانت تهدف إلى أن يعملوا‬
‫في النهار في الورش التي تعد شباكاً للدبابات اإلسرائيلية‪ ،‬ويطلعوا في المساء على األخبار التي تزيدهم‬
‫إحباطاً ويأساً‪.‬‬
‫كان إصدار المجالت والصحف من أولويات برامج العمل التي كانت تعدها اللجان الثقافية‪ ،‬وقد‬
‫(‪)1‬‬
‫تطورت مراحل الوصول إلى كتابة الصحيفة أو المجلة بمراحل الكتابة وهي‪:‬‬
‫الكتابة على ورق علب اللبن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الكتابة على ورق كرتون الخبز‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الكتابة على الورق العادي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الكتابة على الكراسات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقد بدأ إصدار ما يسمى بالصحف بإصدار أول صحيفة في تاريخ المعتقالت في سجن عسقالن وهي‬
‫صحيفة (عسقالن الثورة) وكان أول عدد منها من سبع ورقات من ورق اللبن‪ ،‬وهي نسخة لكل‬
‫مردوان(‪ ،)2‬وقد كانت هذه الصحيفة مشتركة بين كل الفصائل الموجودة حيث تطرقت إلى المواضيع‬

‫(‪ )1‬صحيفة هآرتس‪ ،17/10/1974 ،‬ص‪ ،2‬جاء ذلك خالل تغطية الصحيفة ألنباء القضية التي رفعها أحد األسرى لمحكمة العدل العليا‬ ‫(‬

‫للسماح له بإدخال الكتب الدراسية‪.‬‬


‫(‪ )1‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫(‬


‫الوطنية‪ ،‬وعلى رأسها ما جرى للثورة في األردن‪ ،‬وتأثير معركة الكرامة على الثورة‪ ،‬وحالة المد الذي‬
‫أحدثته‪ ،‬وتأثير وفاة الرئيس عبد الناصر(‪ ،)3‬ونستطيع القول أن هذه القضايا كانت تشكل قاسماً مشتركا‪ً،‬‬
‫ولم تشكل أي خالف بين األسرى‪ ،‬لذلك تم اختيارها لتساهم في أسلوب تحريضي لألسرى ولتعميق‬
‫االنتماء للتنظيم‪ ،‬وهذا ما اعتبره قادة السجون من أهداف نشاطهم التنظيمي في السنوات األولى‪ ،‬وهو ما‬
‫يعبر أيضاً عن الترابط بين النشاط الثقافي والتطور التنظيمي بشكل عام‪.‬‬
‫تطورت الصحف والمجالت حسب ما تمليه ظروف السجن من إدارة وأسرى وطبيعة المكان والظرف‬
‫السياسي‪ ،‬فقد وصلت تطورات المجلة إلى ذروتها عام ‪ 1984‬عندما كانت تصدر في أكثر من أربعين‬
‫(‪)4‬‬
‫صفحة وتتضمن العناصر التالية‪:‬‬
‫صفحة الغالف وعليها مواضيع المجلة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫صفحة للقسم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫افتتاحية المجلة من هيئة تحريرها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كلمة شكر لبعض القائمين على اللجان التنظيمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقاالت عن أهمية النشاط الثقافي والدورات الثقافية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تحليل لمواضيع إستراتيجية كاالستيطان والوحدة العربية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نبذة عن إحدى قرى فلسطين المهدمة عام ‪.1948‬‬ ‫‪-‬‬
‫ساهمت ظروف المكان والزمان في تحديد معالم المجلة‪ ،‬فمع األحداث المتسارعة يومياً والتي مرت بها‬
‫الثورة الفلسطينية عام ‪ 1982‬أثناء االجتياح اإلسرائيلي للبنان‪ ،‬كانت األخبار تتجدد ساعة بساعة‪ ،‬وعليه‬
‫فقد كان النشاط الثقافي في سجن أنصار يلبي جزءاً من احتياج األسرى يتالءم والظروف القائمة‪ ،‬وعليه‬
‫فقد كان هناك سجين متخصص يسمونه القط أخبار يسمعها من راديو سري حصل عليه األسرى من أحد‬
‫مساء كملحق لمجلة يومية تتضمن أخبار النشاطات الثقافية‬
‫ً‬ ‫الجنود‪ ،‬ويكتب األخبار في جريدة يومية توزع‬
‫والرياضية واالجتماعية في سجن أنصار(‪ ،)1‬أما أهم المجالت التي أصدرها األسرى الفلسطينيون في‬
‫السجون اإلسرائيلية فهي(‪:)2‬‬
‫عسقالن الثورة وهي أول مجلة‪ ،‬وصدرت عن كافة الفصائل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجلة العاصفة أصدرتها حركة فتح‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.104‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬أنظر ملحق رقم (‪ ) 2‬وهو غالف مجلة نفحة الثورة‪ ،‬أصدرها األسرى الفلسطينيون من تنظيم حركة فتح في سجن نفحة ومؤرخه‬ ‫(‬

‫‪.4/1984‬‬
‫(‪ )1‬عماليا أرغمان وأهرون برنيع‪ :‬أن تكون سبياً‪،‬ط‪،1‬المعهد اليهودي التابع للهستدروت‪،‬بيت برل_إسرائيل‪ ،1988،‬ص‪(،282‬بالعبرية)‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117‬‬ ‫(‬
‫نفحة الثورة وقد صدر منها أكثر من ثالثة عشر عدداً حتى فترة الدراسة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الصمود األدبي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫صدى نفحة وشارك فيها أسرى من تنظيمات مختلفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يالحظ من خالل المجالت والصحف أنه مع تطور سنوات إصدارها كانت تتميز بما يلي‪:‬‬
‫بدأ إصدار المجالت بجهد مشترك من الفصائل والتنظيمات‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أصدرت الفصائل الفلسطينية مجالت خاصة بها وبعناصرها‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫استطاع األسرى إصدار مجالت متخصصة خاصة باألدب والرياضة والسياسة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ثانياً‪ :‬النشاط التعليمي لألسرى‪.‬‬
‫مثل النشاط العلمي لألسرى الفلسطينيين أهم صور التعبير عن ثقافتهم‪ ،‬حيث تعددت أشكاله‪ ،‬ومجاالته‬
‫التي كان أهمها‪:‬‬
‫تعلم الكتابة والقراءة‪ :‬وقد بدأ ذلك في مرحلة متقدمة من تاريخ األسرى في السجون‪ ،‬حيث‬ ‫‪-1‬‬
‫استطاعت التنظيمات القضاء على األمية بشكل كامل في بعض السجون ومنهم من وصل إلى‬
‫إنهاء المرحلة اإلعدادية‪ ،‬وأنجز دراسات لغوية أخرى(‪ ،)3‬ويبدو أن هذا النشاط قد بدأ بشكل‬
‫انفرادي وبجهود خاصة من البعض قبيل اهتمام التنظيمات به‪.‬‬
‫دورات التجويد والتالوة‪ :‬وقد أخذ اهتمام األسرى به في بداية فتح السجون‪ ،‬وتطور هذا األمر‬ ‫‪-2‬‬
‫إلى حصول المجتازين لهذه الدورات على شهادات من التنظيم ومن مؤسسات خارج السجون كان‬
‫لجهود التنظيم الفضل فيها(‪ ،)4‬وهذا يعبر عن مدى تطور عالقة التنظيمات مع المؤسسات‪.‬‬
‫تعلم اللغات‪ :‬اهتم األسرى الفلسطينيون بتعلم اللغات األجنبية خاصة اللغتين العبرية واإلنجليزية‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وتدل أرقام المجتازين لهذا النشاط على‪:‬‬
‫أن السجون األكثر استقراراً كانت السباقة لممارسة هذا النشاط‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن غالبية قيادات األسرى تعلموا اللغة العبرية في مرحلة مبكرة من اعتقالهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن الحاجة هي التي كانت تحفز على ممارسة مثل هذا النشاط‪ ،‬فال يجوز أن يعمل السجين شاويش‬ ‫‪-‬‬
‫غرفة أو ممثل معتقل أو في بعض مرافق العمل بدون معرفة اللغة العبرية‪ ،‬وكذلك كان األسرى‬
‫بحاجة إلى ذلك لمناقشة ممثلي الصليب األحمر والمؤسسات الدولية األخرى والتي كان غالبية‬
‫مندوبيها ال يعرفون اللغة العربية‪.‬‬

‫(‪ )3‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.169‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬إبراهيم أبو النجا‪ :‬الحركة الفلسطينية األسيرة‪،‬ط‪ ،1‬رام اهلل‪ ،1998،‬ص‪.57‬‬ ‫(‬
‫نادي القراءة والمطالعة‪ :‬ومهمته تحضير الطلبة األسرى المتحانات الثانوية العامة بدورات‬ ‫‪-4‬‬
‫ودروس تقوية‪ ،‬وهذا يعبر عن أن التنظيمات الفلسطينية كانت تنظم موضوع امتحانات الثانوية‬
‫العامة بل إنه كان جزءاً هاماً من النشاط العلمي فيها‪.‬‬
‫دورات في مجاالت أخرى‪ :‬حيث كان يتم تنظيم دورات اختيارية في النحو والسياسة والتاريخ‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وإ دارة المشاريع‪ ،‬واإلسعافات األولية‪ ،‬والخط العربي(‪ ،)1‬وقد استفاد األسرى من هذا النشاط‬
‫بممارسة العديد منهم لإلسعاف األولي لحظة إضرابات السجون‪ ،‬وكذلك الخط الذي كان يلزم في‬
‫كافة التعميمات والبيانات‪.‬‬
‫امتحان الثانوية العامة‪ :‬وقد بدأ هذا األمر بعد عام ‪ ،1974‬ولم يتم إال بعد رفع األسرى قضية‬ ‫‪-6‬‬
‫لمحكمة العدل العليا باسم المعتقل‪ :‬هاني احمد العيسوي من سجن الرملة وبعد سنوات وصل‬
‫اإلقبال عليها ما نسبته ‪ %15,1‬من األسرى سنوياً وكانت نسبة النجاح تصل إلى ‪ ،%90‬في حين‬
‫كان أقل من ‪ %1‬من السجناء اليهود يتقدمون لمثل هذا االمتحان سنوياً(‪ ،)2‬وقد استغل‬
‫اإلسرائيليون واألسرى على السواء هذا األمر للتعبير عن بعض سياستهم‪ ،‬فقد امتنع األسرى عن‬
‫تأدية هذه االمتحانات عقب زيارة الرئيس المصري للقدس‪ ،‬وذلك تعبيراً عن رفضهم للعملية‬
‫السياسية كون االمتحانات تأتي من وزارة التعليم المصرية‪ ،‬واستغلت إسرائيل هذا األمر في‬
‫معاقبة رجال المقاومة باعتقالهم ليلة االمتحانات‪ ،‬أو عزلهم إن كانوا في االعتقال(‪.)3‬‬
‫التعليم الجامعي‪ :‬حاول األسرى بجهودهم مع العديد من المؤسسات والجهات إقامة جامعة خاصة‬ ‫‪-7‬‬
‫بهم وغير مرة رفعوا مشاريع إلقامة جامعة تحت اسم "جامعة فلسطين المفتوحة"‪ ،‬وعرضوا على‬
‫بعض الجامعات المحلية انتسابهم لها كجامعة بيرزيت(‪ ،)4‬هذا يعطي فكرة عن المستوى الثقافي‬
‫الذي وصل إليه األسرى ومدى جاهزيتهم لهذا األمر‪.‬‬
‫وفيما بعد أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية جامعة القدس المفتوحة في فلسطين والخارج‪ ،‬والتي‬ ‫‪-8‬‬
‫اعتبرت أن التحاق األسرى الفلسطينيين في السجون االسرائيلية هو جزء من مسؤليتها الوطنية ‪،‬‬
‫ومن رسالتها السامية والنبيلة‪ ،‬وعلية استطاعت فتح بعض البرامج في بعض السجون ليستفيد منها‬
‫األسرى ذوو المحكوميات العالية ‪ ،‬إال أن األمر لم يكن هيناً بل اعتراه الكثير من الصعوبات‬
‫كانتقال األسير فجأة من السجن الذي به برنامج التعليم الجامعي ‪ ،‬وصعوبة ادخال كتب المقررات‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 2‬وضع هذه المقارنات مراسل صحيفة معاريف الذي زار بعض السجون‪ ،‬صحيفة معاريف‪ ،17/11/1977 :‬ص‪.2‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.172‬‬ ‫(‬
‫الدراسية للسجن‪ ،‬اال ان دلك لم يثن ادارة الجامعة وعلى رأسها المناضل السجين السابق أ‪.‬د‬
‫يونس عمرو عن المضي قدما بهذا المشروع األكاديمي الوطني الكبير‪.‬‬
‫اهتم األسرى الفلسطينيون بإعداد الدارسات في مواضيع شتى‪ ،‬وكان المتخصصون في المجاالت‬
‫المختلفة هم الذين يعدون هذه الدراسات‪ ،‬وقد انقسمت هذه الدراسات إلى مجالين هامين‪:‬‬
‫دراسات تعنى بواقع األسرى كاإلضرابات عن الطعام‪ ،‬والهروب من المعتقالت‪ ،‬ووسائل التحقيق‬ ‫‪-1‬‬
‫ومراحل االعتقال‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬وعن مصلحة السجون في إسرائيل‪.‬‬
‫دراسات سياسية عن القضايا المطروحة في القضية الفلسطينية‪ ،‬كحرب لبنان‪ ،‬وزيارة عرفات‬ ‫‪-2‬‬
‫للقاهرة في ديسمبر ‪ ،1983‬والبعد الدولي للقضية الفلسطينية‪ ،‬وتجارب الحرب الشعبية للعديد من‬
‫الشعوب‪ ،‬ومقومات إقامة دولة فلسطينية‪ ،‬واالستيطان(‪.)1‬‬
‫ومن خالل هذه الدراسات يمكن االستدالل على ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬كانت هذه الدراسات تعبيراً عن موقف األسرى تجاه القضايا المطروحة‪.‬‬
‫‪-‬تشابهت مواقفهم في كافة الدراسات التي كتبوها مع موقف تنظيماتهم في الخارج‪.‬‬
‫‪-‬أخذت بعض هذه الدراسات بعض خطوات البحث العلمي‪ ،‬فيمكن أن نرى مقدمات وأهداف إعداد الدراسة‬
‫وفي أخر بعضها نتائج وتوصيات‪ ،‬وفي الكثير من الدراسات ترى الكاتب يبرز من أين حصل على‬
‫المعلومات التي يعتمد عليها‪.‬‬

‫كانت شرطة السجون تعزل كل سجين يتم رؤيته وهو يتحدث في السياسة حتى لو كان مع زميل له‪ ،‬أو‬
‫حتى رؤية مقاله أو ورقة أثناء التفتيش تتحدث عن مواضيع سياسية‪ ،‬وقد شكل اإلضراب عن الطعام‬
‫‪ 5/7/1970‬في سجن عسقالن مفصالً تاريخياً هاماً على المستوى الثقافي حيث سمح ألول مرة بإدخال‬
‫مواد ثقافية كانت تلزم في الجلسات(‪ ،)2‬ويبدو أن ردود فعل إدارة السجون خفت إلى حد كبير بعد هذه‬
‫الفترة فلم تعترض إدارة السجون كثيرا على انعقاد الجلسات الثقافية بعد هذا التاريخ‪.‬‬

‫قضى األسرى الفلسطينيون الكثير من وقتهم اليومي في الجلسات الثقافية‪ ،‬فقد كانت جلسة الصباح تعتبر‬
‫بمثابة جلسة تنظيمية تبدأ بالقسم ولذلك كان حضورها إجباري لجميع أبناء التنظيم بغض النظر عن‬
‫مراتبهم التنظيمية أو وعيهم‪ ،‬أما جلسات المساء فكانت للنشاطات العلمية فهي اختيارية حسب تسجيل‬

‫(‪ ) 1‬دراسات أعادت وزارة شئون األسرى والمحررين طباعتها‪ ،‬وبحوزة الباحث نسخة عن كل منها وجميعها جاءت تحت عنوان وثائق مهربة‬ ‫(‬

‫من السجون اإلسرائيلية‪.‬‬


‫(‪ )2‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50‬‬ ‫(‬
‫المعتقل ألي نشاط معين(‪ .)1‬تعد الجلسات أكثر مظهر يعبر عن النشاط الثقافي ألن األسرى كانوا يبدءون‬
‫ممارسته بمجرد افتتاح أي سجن جديد لإليحاء إلدارة السجن بابتداء الطقوس التنظيمية‪.‬‬
‫زودت مصلحة السجون األسرى الفلسطينيين عند فتح السجون ببعض كتب الفلسفة والغرام والجنس‪،‬‬
‫وقد تطورت فيما بعد لنرى أن غالبيتها كانت تتحدث عن مواضيع االكتشافات الجغرافية وطرق الطبخ‬
‫الشرقية والشعوذة والكتب الروحانية‪ ،‬بواقع كتابين لكل غرفة(‪ ،)2‬وفي نفس الوقت كان يحظر على الزوار‬
‫إحضار الكتب لألسرى‪ ،‬وإ ذا أراد السجين شراء أي كتاب فعليه أخذ موافقة ضابط أمن السجن ‪.‬‬
‫استطاع األسرى اقتناء الكتب بكثرة حيث اهتموا بذلك كثيراً ‪،‬حيث أصبح من المسموح لألهل بإدخال‬
‫الكتب لألسرى بعد فحصها‪ ،‬وفي عام ‪ 1977‬رفع األسرى الفلسطينيون قضية إلى محكمة العدل العليا‬
‫سمح بموجب قراراها في هذه القضية بإدخال أي كتاب للسجون باستثناء قائمة ال‪ 600‬كتاب(*) التي هي‬
‫أصالً ممنوع حيازتها خارج السجن بفعل أوامر عسكرية‪ ،‬وفي عام ‪ 1984‬أصبحت مكتبة سجن نفحة‬
‫(‪)3‬‬
‫تضم أكثر من ثالثة أالف كتاب مقسمة إلى عدة مكتبات هي‪:‬‬
‫ا‪ -‬مكتبة السجن العامة وهي لجميع األسرى‪.‬‬
‫ب‪ -‬مكتبة نضالية عامة (لكل الفصائل تضم ممنوعات)‬
‫ج‪ -‬مكتبة تنظيمية خاصة (كراسات ودراسات كل تنظيم على حدة)‬
‫ويمكن مالحظة أن هذا التقسيم يسري على غالبية السجون‪ ،‬وأن اإلجراءات القضائية والنضالية التي‬
‫قام بها األسرى تعكس مدى أهمية إدارتهم لحيازة الكتب العامة‪ ،‬رغم أن هذه االنجازات لم تدخل لهم كتباً‬
‫أو مواد ثقافية تنظيمية ‪ ،‬لكنهم سخروها ألغراض تنظيمية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬األدب والفنون‪:‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬إبراهيم أبو النجا‪ :‬الحركة الفلسطينية األسيرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫(‬

‫(*) قائمة تشير إلى الكتب الوطنية والسياسية التي منعت إسرائيل الفلسطينيين حيازتها(مثل إصدارات مؤسسة الدراسات الفلسطينية)‪.‬‬
‫(‪ )3‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.55‬‬ ‫(‬
‫تعد مظاهر األدب والفنون التي مارسها األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية مظهراً هاماً من‬
‫مظاهر ثقافتهم‪ ،‬وبقدر ما كانت الحاجة حافزاً لممارستهم النشاط العلمي بمختلف مجاالته‪ ،‬كانت مظاهر‬
‫األدب والفنون في غالبيتها استجابة لحب التعبير عن ما يدور في أشجان وعواطف األسرى‪ ،‬والحاجة إلى‬
‫التعبير عن عالقتهم الوجدانية مع بعضهم البعض أو حتى مع ذويهم‪ ،‬وأهم هذه المجاالت‪:‬‬
‫بدأ األسرى بترديد األهازيج التي ال زالت محفوظة عندهم من البيئة التي عاشوها‪ ،‬وكانوا يرددون‬
‫دائماً مقولة الجندي المصري "يا أمه ليه تبكي عليا ابنك مسافر جهادية" إضافة إلى أهازيج الميجانا‬
‫والدحية والدلعونة‪ ،‬ويتم تناقلها بينهم مشافهة‪ ،‬وذلك بعد مالءمة كلماتها التي تعبر عن الوطنية‪ ،‬وكانت‬
‫تؤدى في ساعة الصدامات مع الشرطة لرفع الروح المعنوية(‪ ،)1()1‬ولقد طوروا هذه األهازيج بقدر ما‬
‫كانت تتطور عالقتهم مع إدارة السجن ‪،‬وكذلك النشاط الثقافي العام لهم‪ ،‬فقد عملوا نشيداً خاصاً بسجن‬
‫أنصار كالسالم الوطني الفلسطيني الذي (لم يكن قد وجد بعد) ويرددوه كل صباح بكلمات أدبية معبرة عن‬
‫الواقع(‪ ،)2()2‬وحتى بداية السبعينات لم تكن إسرائيل لتسمح حتى بتفاعل ثقافة األسرى أو أي صورة تعبر‬
‫عنها بين الناس خارج السجون ‪ ،‬فقد جمع الشاعر الفلسطيني توفيق زياد أشعاراً وأضاف إليها كلماته‬
‫ونشرها‪ ،‬فكان أن اعتبر هذا عمالً مخالفاً للقانون وتم اعتقال من وزعوه(‪.)3()3‬‬
‫كانت رواية "بابور الكاز" أول رواية كتبت في تاريخ السجون للسجين محمد عليان وذلك عام ‪،1976‬‬
‫وتطورت الروايات في موضوعها فكانت رواية "الشمس في ليل النقب" للسجين هشام عبد الرازق(‪،)4()4‬‬
‫وقد عبر األسرى الفلسطينيون في هذه القصائد الشعرية والكتابات النثرية عن الواقع الذي يعيشونه وما‬
‫يجول في خواطرهم وأن ذلك يتم فهمه من خالل القصائد التي كانوا يكتبونها والتي تتحدث في غالبيتها‬
‫عن المواضيع التالية‪(:‬معاناة السجون‪ ،‬التعذيب في السجون‪ ،‬الدم الفلسطيني‪ ،‬ساعة االعتقال‪ ،‬القرية‬
‫والحقل والزراعة‪ ،‬األطفال الفلسطينيون‪ ،‬الحق التاريخي في أرض فلسطين‪ ،‬الجوالن‪ ،‬الوحدة العربية‪،‬‬
‫جمال عبد الناصر)‪ ،‬ويالحظ أن المواضيع التي يكتب فيها غالبية األسرى هي تلك التي تكون هامة‬
‫بالنسبة لواقعهم‪ ،‬فترى تواريخ بعض القصائد التي تتحدث عن ساعة االعتقال أو التعذيب يكتبها أولئك‬
‫رثاء للرئيس جمال عبد‬
‫الخارجون من مرحلة التحقيق‪ ،‬وترى حاملي األفكار القومية دائمي الكتابة ً‬
‫الناصر‪.‬‬

‫(‪ )1()1‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.54‬‬


‫(‪ )2()2‬دينا عبد الحميد‪ :‬للفجر نغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫(‪ )3()3‬توفيق زياد‪ :‬ممنوع‪،‬ط‪،1‬أورحمون‪ ،‬عكا‪ ،1994 ،‬ص‪.89‬‬
‫(‪ )4()4‬ال زالت هذه الروايات مخطوطات وتقع األولى في ‪111‬صفحة واألخرى في ‪ 67‬صفحة في مجلد عنوانه "روايات‪ -‬وثائق مهربة من داخل‬
‫السجون"‪ ،‬وزارة األسرى وشئون المحررين‪ ،‬دائرة التراث‪ ،‬غزة‪.‬‬
‫تطورت احتفاالت األسرى مع كل تطور للنشاط الثقافي بشكل عام ‪ ،‬وهذا يفهم من خالل الفارق‬
‫الشاسع بين إحياء المناسبات بالنشيد أو االمتناع عن الحالقة‪ ،‬وبين االحتفاالت التي كان األسرى يبلغون‬
‫إدارة السجن عنها سلفاً‪ ،‬ويعدون لها بعناية من جميع النواحي اإلدارية والثقافية والفنية‪ ،‬فقد كان األسرى‬
‫في بداية الثمانينات يقيمون االحتفاالت في ساحة الفسحة وفي الغرف ويتم قراءة البيان التنظيمي في جميع‬
‫الغرف ليدوي التصفيق في نفس الوقت ومن ثم األناشيد الجماعية(‪.)1‬‬
‫مع العام ‪ 2000‬كانت االحتفاالت قد أخذت شكالً جديداً‪ ،‬فقد تضمنت فقرات أغاني ودبكة شعبية ورفع‬
‫األعالم الفلسطينية وشعارات التنظيمات ‪،‬وكانت تستمر حتى منتصف الليل‪ ،‬وتعرض بعض‬
‫المسرحيات(‪ ،)2‬لكن العالقة في هذه المرحلة بين األسرى وإ دارة السجون كانت تتسم بفهم قوة كل منهما‬
‫لألخر‪ ،‬ولم تكن تهتم اإلدارة بالنشاط الثقافي كالنشاط األمني مثالً‪.‬‬
‫امتاز األسرى في كل السجون باألشغال اليدوية التي تسمح ظروفهم بإنتاجها‪ ،‬والتي تتحكم في ذلك‬
‫عوامل البيئة وطبيعة المكان إضافة إلى العامل الزمني‪ ،‬كغيرها من المظاهر الثقافية فقد كان إبداع‬
‫األسرى يزيد مع الزيادة التي تطرأ على تطور النشاط الثقافي بشكل عام‪ ،‬فقد اشتهر أسرى سجن بئر‬
‫السبع باألعمال الفنية في وقت مبكر عن بقية السجون نظراً للخبرة التي اكتسبوها من مرافق العمل في‬
‫السجن والتي افتتحت‬
‫انتهاء‬
‫ً‬ ‫كما مارس األسرى الفلسطينيون مهارة الرسم التي ابتدأت من الرسم على جدران الزنزانة‬
‫بالرسم الملون على المناديل(‪ ،)3‬والمتتبع لهذه الرسوم يجد أنها تتعلق بعدة مواضيع أهمها المرأة وأسوار‬
‫القدس وقبة الصخرة والقضبان الحديدية‪ ،‬وأن نجاعة وطبيعة األلوان هي من أهم السمات التي يمكن أن‬
‫ابتداء من بداية السبعينات وحتى أواخر فترة الدراسة‪ ،‬حيث إن األسرى حصلوا على‬
‫ً‬ ‫نربطها بعامل الزمن‬
‫مواد الرسم خاصة األلوان والمناديل أثناء وضعها في مطالبهم في اإلضرابات عن الطعام‪.‬‬
‫كذلك نشط األسرى الفلسطينيون في صناعة البراويز للصور من غطاء معجون األسنان الذي يتوفر‬
‫لهم‪ ،‬كما نحتوا عجم الزيتون ولونوه باألصفر والبني بعد أن أوجدوا هذه األلوان من إذابة بعض أقراص‬
‫الدواء بالماء والزيت‪ ،‬كما صنعوا عقد الزينة من الخرز‪ ،‬وحفروا على عجم (األفوكاتو)‪ ،‬وشكلوا من‬
‫الخشب سفناً ذات أشرعة متجهة إلى الساحل وقبة الصخرة عبر رموز‪ ،‬كما حفروا على علب (الدمينو)‪،‬‬
‫وقد امتاز األسرى في الحفر على حجارة الصخر الصغيرة في تعبيرات لزوجاتهم وأطفالهم‪ ،‬وقد أهدوا‬

‫(‪ )1‬عبد الحق شحادة‪ :‬التجربة النضالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،5‬حيث كان المؤلف موجهاً ثقافياً لألسرىن في سجن عسقالن‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬س‪.142‬‬ ‫(‬
‫عمالً فنياً يتمثل في تحفة "العالم لنا" التي نحتها السجين علي النجار وتم إرسالها إلى الرئيس الكوبي فيدل‬
‫كاسترو(‪.)4‬‬

‫تطور األوضاع االجتماعية لألسرى الفلسطينيين‬

‫(‪ )4‬للمزيد عن المعلومات حول األعمال الفنية أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪ -‬سلمان جاد اهلل‪ :‬أدب المواجهة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬س‪.143-140‬‬


‫‪ -‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.184-179‬‬
‫تختلف البيئة االجتماعية لكل مجتمع باختالف الظروف الذاتية والموضوعية التي يحيا في ظلها هذا‬
‫المجتمع أو ذاك‪ ،‬ويتميز مجتمع األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية بظروف ذاتية وموضوعية‬
‫ساهمت في تشكيل وصياغة حالة اجتماعية تغيرت وتطورت مع تغير وتطور الظروف منذ العام ‪،1967‬‬
‫وقد اختلفت تطورات عناصر هذا المجتمع عن بعضها بعضاً‪ ،‬فاألوضاع المعيشية لألسرى تختلف من‬
‫سجن ألخر وتتغير بفعل عوامل تختلف من سجن ألخر‪ ،‬وكذلك التغذية واألوضاع الصحية لألسرى‪،‬‬
‫وزيارة ذويهم لهم لما لها من أهمية بالغة عندهم‪ ،‬ورغم أنهم عاشوا في البدايات وهم متمسكون باالنتماء‬
‫للعائلة أو القرية أو في أحسنها إلى المجموعة‪ ،‬إال أنهم استطاعوا القفز عن هذا األمر ببديل عنه هو‬
‫االنتماء للتنظيم‪ ،‬هذا األخير الذي عمق االرتباط االجتماعي بين األسرى مما جعل كل فرد فيهم نواة في‬
‫هذا البناء االجتماعي‪ ،‬سرعان ما قوي بترابطه ليصل إلى مستوى ٍ‬
‫عال من القيم اإلنسانية‪ ،‬تطورت إلى‬
‫حد اإلضراب الجماعي عن الطعام تعاطفاً وتضامناً مع سجين جنائي يهودي تعرض للضرب على أيدي‬
‫شرطة مصلحة السجون(‪ ،)1()1‬وقد كان تطور العناصر السابقة يعطي صورة دائمة عن األوضاع‬
‫االجتماعية لألسرى‪ ،‬فكيف تطورت هذه العناصر؟‬

‫أوالً‪ :‬األوضاع المعيشية‪:‬‬


‫حرصت إسرائيل على وضع األسرى مع بداية فتح كل سجن في ظروف تساهم في صياغة وضع‬
‫نفسي سيء للسجين‪ ،‬ويتمثل هذا في تعليماتها وتدخلها في تفاصيل حياة السجين‪ ،‬فكان على السجين أن‬
‫يصحو مبكراً وينظم فراشه (البرش)‪ ،‬ويجلس عليه بطريقة محددة إلى أن يأتي العدد‪ ،‬هذا األخير الذي‬
‫توليه إدارة السجن أهمية أمنية خاصة والذي يصل في بعض السجون إلى خمس مرات يومياً(‪ ،)2()2‬حيث‬
‫تعتبر مسألة الهروب من أخطر المسائل األمنية التي يمكن أن تصل إلى المستوى السياسي أو ما تحدثه‬
‫من قلق أمني للدولة‪ ،‬وهذا ما ترجمه هروب األسرى الستة من سجن غزة حيث أعادوا تشكيل خاليا‬
‫منظمة الجهاد اإلسالمي في قطاع غزة‪.‬‬

‫يلتزم السجين بساعة معينة لتناول وجبة اإلفطار والعودة إلى فراشه وحتى بداية المساء يمنع من النوم‬
‫أو االضطجاع على البرش‪ ،‬حتى يقوم الشرطي بإطفاء النور‪ ،‬وكثيراً ما كان يمنع خروج األسرى ليالً‬
‫لقضاء الحاجة خاصة في السجون العسكرية‪ ،‬لمعتقل أنصار والفارعة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1()1‬الحقيقة كلها عن سجون العدو‪ :‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،16/3/1977 ،79‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )2()2‬مقابلة مع عبد الحميد القدسي‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬عماليا أرغمان‪ ،‬وأهرون برنيع‪ :‬أن تكون سبيًا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.159‬‬ ‫(‬
‫برغم صغر المكان الذي عاش فيه األسرى الفلسطينيون إال أن بعضهم استطاع اصطياد العصافير‬
‫وزراعة بعض النباتات خاصة في تلك السجون التي يخرج األسرى فيها إلى أماكن ترابية كالفسحة في‬
‫سجن بئر السبع مثالً‪.‬‬
‫وقد تطور هذا البرنامج الذي فرضته السلطات على األسرى مع الخطوات النضالية وأهمها‬
‫مساء ‪ ،‬استمرهذا حتى‬
‫ً‬ ‫اإلضرابات‪ ،‬ولكن بقي هناك المواضيع األمنية التي لم تلغى كالعدد وإ غالق الغرف‬
‫بعد اإلضرابات الكبيرة التي جلبت الكثير من اإلنجازات(‪ ،)1‬لكن األسرى استطاعوا تحسين شروط هذه‬
‫المواضيع فقد أصبح العدد ثالث مرات فقط‪ ،‬وأن المرضى وكبار السن ال يقفون أثناء العدد‪.‬‬

‫تطورت عالقة األسرى بالشرطة أثناء الفسحة بعد اإلضرابات الشهيرة فأصبح لألسرى القيام بجلسات‬
‫واجتماعات تنظيمية في الفسحة تضم العشرات‪ ،‬بل زيارة بعض الغرف لبعضها بعضاً‪ ،‬وتجميع األقارب‪،‬‬
‫لكن ذلك لم يتم عند فتح سجون جديدة إال بعد العودة من الصفر(‪.)2‬‬

‫منعت سلطات السجن األسرى من تأدية صالة العيدين جماعة وكثيراً ما كانت تقتحم الغرف لمنع‬
‫خطب الصالة‪ ،‬أو حجز األسرى في غرف معينة لكي ال يستطيعوا تأدية أو سماع الصالة‪ ،‬وهذا ما حصل‬
‫عندما تم حجز السجينات الفلسطينيات في غرفة منعزلة في أحد أطراف سجن الرملة لكي ال يسمعوا‬
‫صالة العيد من مكبرات الصوت بمئذنة أحد المساجد المجاورة لمبنى السجن‪ ،‬ولم تكن تسمح بتغيير‬
‫مواعيد تقديم وجبات الغذاء لتتناسب مع شهر رمضان(‪ ،)3‬وقد سمح فيما بعد لألسرى في السجون التي‬
‫تشرف عليها مصلحة السجون وبقي الحال على ما كان في السجون التي أشرف عليها الجيش اإلسرائيلي‪.‬‬

‫عاش األسرى الفلسطينيون في سجون مقامة على مبان قديمة منذ عشرات السنين‪ ،‬وقد أعطي لكل‬
‫سجين فرشة من اإلسفنج بسمك خمسة سنتيمترات للنوم عليها‪ ،‬وأن يستعمل أي شيء بدل الوسادة‪ ،‬وقد‬
‫ظل الحال كما هو عليه حتى عام ‪ 1980‬عندما استطاع األسرى الفلسطينيون أن يكسبوا القضية التي‬
‫رفعوها لمحكمة العدل العليا والتي وضعت فيه مواصفات وشروط تزويد األسرى باألسرة بدل النوم على‬
‫األرض(‪.)4‬‬
‫منعت السلطات إدخال األهالي بعض المواد لألسرى خاصة تلك التي تتعلق بالمأكوالت والقرطاسية‪،‬‬
‫وكثيراً ما كانت تعاقب األسرى بأخذ الحلويات من المؤسسات الوطنية وال توزعها عليهم إال بعد أيام‬

‫(‪ ) 1‬انظر نتائج أخر إضراب كبير في فترة الدراسة‪ ،‬جبريل الرجوب‪ ،‬زنزانة ‪ ،704‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.192-186‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬سجن جنيد‪ :‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،593،8/2/1986‬ص‪.24‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،27/9/1975 ،26‬ص‪.36‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 4‬للمزيد من التفاصيل عن هذه القضية أنظر‪ :‬جمعية أنصار السجين‪ ،‬قضايا محكمة العدل العليا‪ ،‬القضية رقم ‪ ،80/221‬محمد درويش ضد‬ ‫(‬

‫إدارة السجون‪ ،4/6/1980 ،‬صدور القرار ‪.25/11/1980‬‬


‫بحجة الفحص األمني(‪ ،)5‬وقد فتحت دكان السجن الذي نصت عليه اتفاقيات جنيف‪ ،‬وجعلت أسعاره عالية‬
‫وأعلى من تلك التي تباع فيها الحاجيات خارج السجن‪ ،‬وقد تقدمت أكثر من مرة بعض المؤسسات‬
‫بمذكرات إلى المسئولين اإلسرائيليين بهذا الشأن دون جدوى‪ ،‬وقد ضبط أكثر من مرة وفي سجون مختلفة‬
‫مسؤول الدكان (الكانتينا) وهو يختلس من أموال األسرى‪ ،‬واتضح ذلك عندما أمرت المحكمة اللوائية في‬
‫بئر السبع إدارة السجون بإعادة مبلغ من المال لصالح األسرى(‪ ،)1‬ويبدو أن هذا كان يحصل بعد التطور‬
‫الذي حصل بجمع األسرى في كل السجن لكل األموال التي يسجلها ذووهم لدى إدارة السجن وإ رسال‬
‫ممثلهم ليشتري بها جميعاً حاجيات مشتركة لجميع األسرى‪.‬‬
‫استخدمت إسرائيل الكانتينا كأحد صور العقاب ضد األسرى‪ ،‬فكثيراً ما كان يمنع كل السجن من الشراء‬
‫لمدة شهر أو شهرين كعقاب على حادث معين‪ ،‬ويعاقب كل شرطي يتعاطف مع األسرى أو يشتري لهم‬
‫في فترة المنع‪،‬خاصة األشياء الضرورية من القرطاسية كالذي يلزم للنشاط التنظيمي(‪.)2‬‬

‫ثانياً‪ :‬التغذية‬
‫سمحت إدارة السجون اإلسرائيلية عقب حرب ‪ 1967‬بإدخال األهالي األطعمة لذويهم‪ ،‬فقد كان األهالي‬
‫يجلبون في يوم الزيارة مختلف أنواع األطعمة‪ ،‬ومع بداية عام ‪ 1969‬منعت السلطات إدخال أي شيء له‬
‫عالقة بالغذاء‪ ،‬وبقدر ما كانت الحالة األولى تبرز الفوارق االجتماعية بين األسرى‪ ،‬وما لهذا األمر من‬
‫سلبيات على العالقة االجتماعية بينهم في وقت لم يكن هناك بناء تنظيمي أو قوانين تنظم العالقة بينهم‪ ،‬إال‬
‫أن البديل األسوأ كان تقديم طعام اإلدارة فقط‪ ،‬فقد أصبح الغذاء سالحاً تستعمله اإلدارة ضد األسرى ‪،‬ويقدم‬
‫بناء على احتياجات السياسة العامة لمصلحة السجون‪ ،‬وحتى عام ‪ 1976‬تم تقديم ما‬
‫لألسرى كماً ونوعاً ً‬
‫حدوده ‪ 800‬سعر حراري لكل معتقل‪ ،‬وهذا ما ال يصل إلى تلبية ثلث حاجة جسم اإلنسان‪ ،‬في الوقت‬
‫الذي كانت السجون النازية تقدم لنزالئها ‪1050‬سعراً حرارياً(‪ ،)3‬وقد شهدت السنوات التالية تناقص هذه‬
‫الكمية لألسرى في غرف العزل أو من ال زال منهم في مرحلة التحقيق‪ ،‬بل إنه كان يقدم إليهم بقايا‬
‫الطعام‪.‬‬

‫(‪ )5‬صحيفة الفجر‪ ،26/3/1975 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬األرض المحتلة‪ ،‬ع‪ ،4/1987 ،28‬ص‪.95‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،9/11/1985 ،582‬ص‪.22‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪،21/4/1980 ،236‬ص‪.124‬‬ ‫(‬


‫وبرغم أن اتفاقيات جنيف نصت على أن يقوم األسرى بصناعة غذائهم بأنفسهم‪ ،‬إال أن جميع السجون‬
‫قد مرت بمراحل تحويل صناعة األكل من السجناء الجنائيين (يهوداً أوعرباً) إلى األسرى األمنيين ‪ ،‬ومن‬
‫هذه السجون بقي فيها الطعام بأيدي الجنائيين حتى بداية الثمانينات كسجن النساء في (نفي ترتسا)(‪.)4‬‬
‫قدمت السلطات وجبات األكل في بعض السجون لألسرى األمنيين والجنائيين في نفس المكان‪ ،‬وبرغم‬
‫علمها بالعالقة السيئة بين السجينات الفلسطينيات والجنائيات اليهوديات‪ ،‬إال أنها كانت تشركهن في األكل‬
‫في نفس المكان والزمان‪ ،‬وهذا ما كان يثير الكثير من اإلشكاليات(‪ ،)5‬وقد تطورت كميات األكل بعد‬
‫إضراب سجن عسقالن ‪ 1970‬كماً ونوعاً‪ ،‬لكنه بقي ال يتضمن عناصر هامة كالفاكهة واللحوم‪ ،‬وبعد‬
‫إضراب عام ‪ 1976‬تم إدخال هذين العنصرين‪ ،‬وأصبح األسرى األمنيون يشاركون في إعداد الطعام‪،‬‬
‫لكن ذلك كان في السجون المستقرة كسجن عسقالن‪ ،‬أما السجون العسكرية فبطبيعة الحال ال يوجد فيها‬
‫سجناء جنائيون‪ ،‬فقد ظل األكل منذ بداية افتتاح السجون يصنعه األسرى األمنيون‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬األوضاع الصحية‬


‫ساهمت الظروف التي عاشها األسرى الفلسطينيون في انعكاس الحالة الصحية لهم‪ ،‬فقد عاشوا في‬
‫سجون يسودها االكتظاظ واالزدحام في ظل تهوية سيئة وقلة تعرض للشمس ‪،‬كما في وصف غرف سجن‬
‫نفحة الصحراوي‪ ،‬فيما استمر األسرى في النوم على فراش على األرض حتى عام ‪ 1982‬بالرطوبة‬
‫العالية ألرضية الغرف‪ ،‬وهذا كله في ظل تغذية سيئة ال تكفي لإلنسان العادي‪ ،‬وعدم وجود الرعاية‬
‫الطبيعية المالئمة لهذه الصورة‪ ،‬فما هي النتائج التي أدى إليها هذا الوضع في السجون؟‬
‫تسببت هذه األحوال في إصابة األسرى بأمراض مختلفة بشكل إنفرادي وجماعي وفي أماكن وأزمان‬
‫مختلفة‪ ،‬وقد أحصت وزارة شئون األسرى والمحررين الفلسطينيين األمراض الرئيسية التي كانت ظروف‬
‫السجون سبباً فيها وأهمها‪ ()1()1(:‬في فترة الدراسة فقط )‬
‫ضغط الدم‪ -‬السكر‪ -‬القلب‪ -‬ضعف النظر‪ -‬أمراض العمود الفقري‪ -‬الروماتيزم‪ -‬البواسير‪ -‬التسمم‪-‬‬
‫أمراض الجلد‪.‬‬
‫كان األسرى الذين دخلوا السجون في فترات مبكرة هم األكثر عرضة لهذه األمراض‪ ،‬فقد كانت‬
‫السنوات األولى الفتتاح المعتقالت هي األكثر سوءاً في األحوال السابقة‪ ،‬ألن بعضها قد تحسن بفعل‬
‫اإلضرابات التي خاضوها وحققوا فيها بعض االنجازات‪ ،‬وأن المتتبع لألمراض التي أصيب بها األسرى‬

‫(‪ )4‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪،8/2/1986 ،593‬ص‪.31‬‬ ‫(‬

‫(‪ )5‬مقابلة مع عطاف عليان لمجلة منظمة الجهاد اإلسالمي‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1()1‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن الخروقات التي ترتكبها إدارة مصلحة السجون‪ ،2000،‬ص‪.19‬‬
‫يستطيع مالءمتها مع تطور األحوال والظروف حولهم فقد كانت األمراض في بداية السبعينات ناتجة عن‬
‫الضرب والتعذيب في أماكن معينة كالدماغ مثالً‪ ،‬وبعد سنوات بدأت تظهر بينهم أمراض البواسير‬
‫وأمراض الجلد‪ ،‬وبعد عشر سنوات من افتتاح السجون سيكون طبيعياً أن يصاب أكثر من ‪ %70‬من‬
‫األسرى بأحد األمراض السابقة(‪ ،)2‬وهي الحاالت التي كان التعذيب سبباً فيها‪ ،‬وهذا يجد تعبيراً له من‬
‫خالل العمليات التي أجريت لبعض األسرى حيث نشرت ذلك صحيفة (هآرتس) التي استندت إلى مصدر‬
‫في إدارة مصلحة السجون(‪.)3‬‬

‫كان الجهاز القضائي في إسرائيل وعلى رأسه محكمة العدل العليا على علم بهذه األمور‪ ،‬وغير مرة‬
‫تم رفع شكاوي مستندة إلى تقارير طبية من مستشفيات مصلحة السجون نفسها كما حصل في قضية‬
‫السجينان "محمود رشيد شحادة وعبد اهلل محمود عياش" حيث تقدم المحامون بشكاوي إلى محكمة العدل‬
‫العليا يثبت سبب استئصال الطحال ألحدهما بسبب الضرب عليه‪ ،‬واألخر تعرض الختالل عقلي نتيجة‬
‫الضرب‪ ،‬ولم تستطع المحكمة اإلفراج عنهما(‪ ،)1‬وفي عام ‪ 1985‬كانت مستشفى سجن الرملة يعكس‬
‫صورة واضحة عن عشرات األسرى المصابين بأمراض‪ ،‬فقد أصبح المصابون باألمراض النفسية يزيد‬
‫عن العشرين معتقالً‪ ،‬وليس أقل من هذا الرقم من كانوا مصابين بأمراض القلب‪ ،‬والعشرات من مرض‬
‫القرحة والسكر والكلى وآالم العمود الفقري(‪.)2‬‬
‫ساهم فتح أي سجن جديد بظروفه السيئة في ظهور أمراض على األسرى نتيجة أحواله السيئة‪ ،‬فبعد‬
‫أسبوعين من افتتاح سجن جنيد أصيب أكثر من عشرين معتقالً بالتسمم لفساد األكل المقدم لهم وكذا في‬
‫سجن (رام اهلل) في نفس الشهر فيما أصاب الجدري أكثر من ستة وثالثين معتقالً في سجن جنيد في نفس‬
‫العام(‪.)3‬‬
‫كان اإلهمال الطبي من قبل مصلحة السجون سبباً في وفاة أكثر من سبعة وثالثون سجيناً حتى عام‬
‫‪ ،1985‬فيما كان أكثر من ‪ %60‬من األسرى المفرج عنهم في صفقة تبادل األسرى بين إسرائيل ومنظمة‬
‫الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة في أيار‪ 1985 /‬مصابون بمضاعفات بعض األمراض‪،‬‬
‫حيث إن غالبيتهم العظمى دخلوا السجون في فترات مبكرة(‪.)4‬‬

‫(‪ )2‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،9/2/1977 ،74‬ص‪.21‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة هآرتس‪ ،28/9/1979 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬صحيفة هآرتس‪ ،27/1/1981 ،‬ص‪.2‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،8/2/1986 ،593‬ص‪.23‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬األرض المحتلة‪ ،‬ع‪ ،12/1986 ،216‬ص‪.94‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬مستشفى المقاصد الخيرية‪ -‬ملف األسرى المحررين‪.1986 ،‬‬ ‫(‬


‫وقد يكون الجهاز الطبي لمصلحة السجون من طبيب واحد لكل سجن يساعده أحد الممرضين‪ ،‬وقد أثبت‬
‫األسرى للجنة الصليب األحمر أن الممرض يكون أحياناً من الهواة في التمريض أو المهتمين به‪ ،‬فقد‬
‫شاهدوا بأم أعينهم أحد الجنود وهو يعمل لعدة سنوات في ورشة السمكرة في معسكر السجن‪ ،‬وبدأ يأتي‬
‫تدريجياً مع الطبيب إلى أن صار يأتي لفحص األسرى وحده(‪ ،)5‬وطبيب السجن أصالً ليس متخصصاً في‬
‫كل شيء فقد كان يأتي طبيب األسنان مرة كل ثالثة أشهر لكل سجن فهناك وحدة متنقلة لعالج األسنان في‬
‫مصلحة السجون تشرف على كافة السجون‪ ،‬بل إنه في حالة نقل حالة مستعصية من مرضى األسنان أو‬
‫أي مرض أخر إلى سجن الرملة كان ينقل وهو مقيد اليدين واألرجل ومعصوب العينين وطوال فترة‬
‫السفر للمستشفى كان يتلقى الضرب من األسرى الجنائيين أو من المسئوﻠين عن النقل (البوسطة)(‪.)6‬‬

‫كما مارس األطباء العسكريون اإلسرائيليون مهنة السجانين أكثر من عملهم الطبي‪ ،‬فقد كانوا ال يبلغون‬
‫المرضى ذوي األمراض بآخر أحوالهم الصحية‪ ،‬وإ قناع المريض بأنه مشافى ومعافى‪ ،‬وليس هناك أدل‬
‫من قيام األطباء بإدخال أنابيب الحليب إلى الرئتين بدل المعدة‪ ،‬عندما حاولوا كسر إضراب األسرى في‬
‫سجني عسقالن ونفحة‪ ،‬حيث تسبب ذلك في استشهاد علي الجعفري و راسم حالوة‪.‬‬
‫وافتقرت عيادات السجون للدواء الالزم واالقتصار على المهدئات والمسكنات‪ ،‬وحتى عام ‪ 1981‬كانت‬
‫مصلحة السجون تمنع إدخال األدوية من الخارج لألسرى‪ ،‬إضافة إلى قيام الممرض بالتشخيص وصرف‬
‫الدواء من غير أي ورقة تثبت ذلك‪ ،‬وقد كان الممرض يستمع للمريض من خلف القضبان(‪.)1‬‬
‫شجعت إدارة مصلحة السجون السجناء الجنائيين القيام بكل ما من شأنه إصابة األسرى الفلسطينيين‬
‫باألمراض‪ ،‬فقد كان ضباط األمن يشجعون ويعرضون المكافآت بتخفيض مدة االعتقال للسجين الجنائي‬
‫الذي يستطيع ممارسة الجنس مع أي سجين أمني فلسطيني‪ ،‬حيث كان غالبية السجناء الجنائيين هم‬
‫مصابون بأمراض المخدرات والدعارة(‪ ،)2‬ويبدو أن ذلك كان يتم في السنوات األولى لالحتالل حيث‬
‫األوضاع التنظيمية السيئة والوعي السياسي البسيط لألسرى واالختالط الواسع بينهم وبين السجناء‬
‫الجنائيين اليهود‪.‬‬
‫وسمحت إسرائيل لشركات األدوية في إسرائيل والخارج القيام بتجارب على األسرى الفلسطينيين‪،‬‬
‫وعندما دار النقاش في البرلمان اإلسرائيلي حول هذا الموضوع‪ ،‬اعترفت "داليا ايتسك" رئيس لجنة العلوم‬
‫في الكنيست بأن إسرائيل قد قامت بإجراء المئات من تجارب األدوية على األسرى الفلسطينيين في‬

‫(‪ )5‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،2/7/1979 ،195‬ص‪.27‬‬ ‫(‬

‫(‪ )6‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬شاهده الباحث في سجن غزة المركزي‪.1985 ،‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬شئون فلسطينية‪ ،‬عدد‪ ،1‬مارس ‪ ،1971‬ص‪.232‬‬ ‫(‬


‫السجون اإلسرائيلية وأن ذلك كان منذ أكثر من عشرين عاماً(‪ ،)3‬وأن ذلك من الممكن أن تبرره مصلحة‬
‫السجون بأن شركات األدوية تقدم هذه األدوية كعينات مجانية وليس بمفهوم تجارب أدوية وعليه لم تقم‬
‫محكمة العدل بإصدار أي أمر لوقف هذا األمر حتى عام ‪.1986‬‬
‫بذل األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية الكثير من الجهود بما لهم من إمكانيات في سبيل‬
‫تحسين أوضاعهم الصحية‪ ،‬فالمتتبع لبرامجهم اليومية يمكن أن يرى بعض اإلجراءات التي تهدف إلى‬
‫ذلك‪:‬‬
‫القيام بأعباء النظافة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ممارسة األلعاب الرياضية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أكل كل ما يأتيهم من المطبخ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫عدم االعتماد على عالج الممرض اإلسرائيلي بل االستعانة باألطباء من بين صفوف األسرى إن‬ ‫‪-4‬‬
‫وجدوا‪.‬‬
‫وضع مستلزمات النظافة وزيادة كمياتها ونوعها على سلم المطالب أثناء اإلضرابات‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫تدريب أعداد كبيرة من األسرى في دورات إسعافات أولية‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫النشاطات الثقافية المتعلقة بالصحة في المجالت والنشرات التي كان يصدرها األسرى‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫رابعاً‪ :‬زيارة األهالي‬

‫(‪ ) 3‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ ،‬تقرير عن الخروقات اإلسرائيلية لحقوق اإلنسان في السجون‪ ،1998،‬ص‪.20‬‬ ‫(‬
‫نتيجة الظروف االقتصادية األمنية التي عاشها الشعب الفلسطيني عقب حرب ‪ ،1967‬بقي موضوع‬
‫رعاية وإ عالة عائلة السجين يأخذ من تفكيره الجزء األكبر‪ ،‬إن لم يكن أهم من التفكير بظروفه التي يعيشها‬
‫في السجن‪ ،‬فالتفكير في األسرة يجعل من الشعور بالسجن أكثر من أي شيء أخر‪ ،‬كذلك فإن سياسة‬
‫إسرائيل األمنية وهي عقاب األسرة عندما يعتقل أحد أفرادها‪ ،‬باعتقال الزوجة أو األب أو االبن أو إغالق‬
‫غرف في البيت أو حتى هدمه في بعض األحيان‪ ،‬كل ذلك ترك في نفسية المعتقل ووجدانه الحاجة الماسة‬
‫لزيارة األسرة له بعد خروجه من مراحل التحقيق‪.‬‬
‫يالحظ أن إدارات السجون اإلسرائيلية لم تنتهج أسلوباً موحداً في التعامل مع قضية زيارة األهالي‪،‬‬
‫وحتى في السجن الواحد وكانت هذه السياسة تختلف بمرور الوقت وبتغيير مدير السجن بموجب طبيعة‬
‫ونجاعة خطوات األسرى االحتجاجين‪ ،‬فمن الممكن أن تمنع الزيارات على كل السجن كما حصل في‬
‫معتقل أنصار بجنوب لبنان حيث رفضت إدارة السجن زيارة األهالي مطلقاً لمدة عام تقريباً(‪ ،)1‬وبالتالي‬
‫يرفضون التعامل مع األسرى حسب القانون اإلسرائيلي الذي يسمح للمعتقل بزيارة ذويه في ظروف‬
‫مختلفة حسب تطور األوامرالعسكرية بهذا الجانب منذ العام ‪ 1967‬وحتى العام ‪،1985‬هذا في الوقت‬
‫الذي رفضوا اعتبار أسرى سجن أنصار أسرى حرب‪ ،‬ألنه يجب أن يسمح لهم بالزيارة المنتظمة وحتى‬
‫في ظروف خاصة‪ ،‬فلم يستطع أحد بتبرير هذا المنع إال بالمبرر الدائم " لظروف أمنية "‪.‬‬
‫وقد بدأت الزيارات لألهالي ألبنائهم في السجون اإلسرائيلية بأن يدفع المعتقل وكذلك األهالي المزيد من‬
‫المعاناة‪ ،‬فقد كان على السجين أن يخرج من غرفته إلى مكان الزيارة وهو ناكس الرأس واأليدي خلف‬
‫الظهر‪ ،‬وينتظر في مكان معين وهو جالس على ركبتيه وممنوع من التكلم مع زمالئه(‪ ،)2‬ولم تكن الزيارة‬
‫تخضع لقوانين أو تعليمات منظمة أو مكتوبة‪ ،‬بل إن ذلك يخضع لتعليمات ورأي مدير السجن وضابط‬
‫األمن‪ ،‬وحسب مستوى الهدوء في السجن‪ ،‬أو حسب التطورات السياسية‪.‬‬
‫بدأت المدة المسموحة بالزيارة في بدايات فتح السجون حسب تقدير الضابط المناوب‪ ،‬فمن الممكن‬
‫لسكان شمال الضفة الغربية السفر إلى سجن بئر السبع على بعد ‪200‬كم ليروا أن الزيارة ال تزيد عن‬
‫عشر دقائق أو ربع ساعة(‪ ،)3‬وبعد الخطوات التي خاضها األسرى الفلسطينيون وحتى العام ‪ 1985‬كانت‬
‫مدة الزيارة قد وصلت إلى نصف ساعة أو أقل في بعض السجون‪ ،‬ويبدو أن مدة الزيارة قد تم تشريعها‬
‫من خالل اتفاقيات إيقاف اإلضراب عن الطعام التي كان قد وقعها األسرى مع مدير مصلحة السجون أو‬

‫(‪ )1‬عماليا أرغمان وأهرون برنيع‪ :‬أن تكون سبياً‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.271‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،13/9/1975 ،24‬ص‪.86‬‬ ‫(‬


‫وزير الشرطة وبشهادة ووساطة الصليب األحمر‪ ،‬وقد استند المحامون إلى هذه الوثائق أمام الجهاز‬
‫القضائي اإلسرائيلي عندما يكون األمر متعلقاً بعقاب أحد األسرى بمنعه من الزيارة‪.‬‬
‫لم تسمح السلطات اإلسرائيلية أسوة بكل سجون العالم أن يأتي األهل لزيارة أبنائهم األسرى في يوم‬
‫معين‪ ،‬بل كان على األهالي الحصول على تصاريح للزيارة وعليه فقد فرقت في ترتيبها للزيارة بين سكان‬
‫(‪)1‬‬
‫الضفة وغزة والقدس وأهالي فلسطين المحتلة عام ‪ 1948‬كالتالي‪:‬‬
‫سكان فلسطين المحتلة عام ‪ :1948‬كانت السلطات مرنة في عدد األفراد المسموح لهم بالزيارة والمدة‬
‫الفاصلة بين زيارة واألخرى‪ ،‬وكذلك في فترة الزيارة التي كانت تصل إلى أكثر من ساعة أحياناً‪ ،‬وأحياناً‬
‫تكون الزيارة في غرف خاصة‪.‬‬
‫سكان القدس‪ :‬من الممكن أن يزور من يسكن القدس ببطاقة شخصية يبرزها لشرطة السجن في يوم‬ ‫‪-‬‬
‫الزيارة ليسمح له بالدخول لزيارة من هو من سكان القدس فقط‪.‬‬
‫سكان الضفة الغربية‪ :‬يجب على كل من يود الزيارة الحصول على تصريح الحاكمية العسكرية وبعد ذلك‬
‫تغير طلب الحصول عليه إلى اإلدارة المدنية‪ ،‬وقد كانت تحصل المساومات مع ضابط المخابرات حيث‬
‫مكاتبها في نفس مباني اإلدارة المدنية‪ ،‬بل إن ضباط المناطق كانوا يستدعون من يريد الزيارة وإ ن كان‬
‫من األقارب غير الدرجة األولى وكان يتم السؤال عن سبب الزيارة وهدفها‪.‬‬
‫سكان قطاع غزة‪ :‬دأبت السلطات على وساطة الصليب األحمر في تقديم كشوف جماعية للحصول‬ ‫‪-‬‬
‫على أذونات الزيارة‪ ،‬وكثيراً ما كانت تعود أعداد كبيرة من المتقدمين مرفوضة من الزيارة‪.‬‬
‫كان األهالي في لبنان يصلون إلى ذويهم في سجن أنصار بدون أي وساطة من أي مؤسسة حيث‬
‫رفضوا ذلك‪ ،‬وعندما رفضت سلطات الجيش السماح لهم بهذه الزيارة قام اآلالف منهم بالتجمع أمام‬
‫المرتفعات التي تشرف على السجن وتوجه جموعهم إلى باب السجن(‪ ،)2‬وكان من الممكن حصول‬
‫اشتباكات لوال قيادة األسرى التي استغلت الموقف جيداً وترجمته إلى السماح بالزيارة بعد عدة أيام‪.‬‬
‫أوقفت سلطات السجون زيارة األهالي في عدة مناسبات كأيام اإلضرابات عن الطعام والتمرد وكذلك‬
‫عندما كان يعم مرض معين لعدد من األسرى‪ ،‬ولكن لم يكن من السهل على األهالي تقبل مثل هذا األمر‪،‬‬
‫وفي أغلب هذه المرات كان الجيش أو الشرطة يفرقون األهالي بالقوة‪ ،‬وينتج عن ذلك إصابات واعتقال‬
‫الشباب من الزائرين(‪ ،)3‬ويبدو أن األمر كان يتعلق بإشاعة وفاة أحد األسرى أو سماع األهالي ألصوات‬
‫صراخ األسرى في مشكلة معينة مع ضباط الشرطة‪ ،‬وكثيراً ما كانت الصحف اإلسرائيلية توجه نقداً‬

‫(‪ )1‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن الخروقات‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬عماليا أرغمان وأهرون برنيع‪ ،‬أن تكون سبياً‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة الفجر‪ ،14/6/1981 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬


‫للسلطات على هذا األمر لما فيه من إحراج أمام اإلعالم‪ ،‬كما حرصت إدارة السجون على مراقبة عملية‬
‫زيارة األهالي ألبنائهم األسرى بصرامة‪.‬‬
‫وهكذا تميز مجتمع األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية بسمات معينة‪ ،‬ساهمت إيجاباً في سير‬
‫هذا المجتمع أمام السياسة اإلسرائيلية‪ ،‬التي بذل صانعوها أقصى الجهود للحفاظ على حالة الجمود في هذا‬
‫المجتمع‪ ،‬لكن األسرى استطاعوا بناء مجتمع تسوده الضوابط واألنظمة واألنساق اإلدارية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬وأن المتتبع لحالة هذا المجتمع من بدايته منذ عام‪ 1967‬يرى كيف تطور ليصل إلى صورة عام‬
‫‪ ،1994‬وسيجد الفرق الشاسع في تحسنه باتجاه األسرى‪ ،‬وأهم مالمح صورة هذا المجتمع‪.‬‬
‫ـ تمكنت المنظمات الفلسطينية من ترتيب مجتمع أساسه االنتماء للتنظيم ‪ ،‬وصاغت قوانين على قاعدة‬
‫أدبيات التنظيم في الخارج‪.‬‬
‫ـ استطاع األسرى الفلسطينيون تسخير كل اإلمكانيات (المتواضعة) المتاحة لحماية أنفسهم ‪ ،‬فكونوا نظاماً‬
‫أمنياً ارتبط بأنظمة فرعية وأخرى أكثر تفرعاً‪ ،‬يشبه جهازاً أمنياً مصغراً بهدفه ووسائله ونتائجه‪.‬‬
‫ـ شكل الوعي السياسي والثقافي معلماً هاماً عن صورة األسرى أمام العالم الخارجي‪ ،‬حيث بذلت قيادة‬
‫التنظيمات جهودا كبيرة‪ ،‬نجحت من خاللها في نقل اآلالف من األسرى من جهل سياسي‪ ،‬بل أمية سياسية‬
‫إلى أناس يتم اإلفراج عنهم وهم في أرقى درجة من الوعي التنظيمي إن لم يكن السياسي‪ ،‬أهلهم لقيادة أهم‬
‫مراحل نضال الشعب الفلسطيني كنشاط األذرع الجماهيرية في بداية الثمانينيات‪ ،‬وقيادة االنتفاضة فيما‬
‫بعد‪.‬‬
‫ـ بنى األسرى الفلسطينيون مجتمعاً قائماً على نسق اجتماعي‪ ،‬وقف صلبا في كفاحه من أجل تطوير‬
‫وتغيير ظروف الحياة في السجون‪ ،‬ونظم العالقة بين األسرى المختلفة ثقافتهم أصالً‪.‬‬
‫إن بناء مجتمع يتسم بالتنظيم ووجود ما يشبه سلطة تنبع أفكارها من أسس ثورية ‪ ،‬إضافة إلى وعي‬
‫سياسي وثقافي عال في ظل بناء اجتماعي بعيد عن االنتماءات القبلية‪ ،‬سيسمح فعالً لهؤالء األسرى بالقيام‬
‫بتسجيل دورهم في التاريخ الفلسطيني‪ ،‬بتأديتهم دوراً نضالياً ضد إسرائيل‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫(الدور النضالي لألسرى الفلسطينيين)‬

‫همها محاربة الجيش‬


‫حاولت إسرائيل تحويل رجال المقاومة الفلسطينية من مجموعات وخاليا َّ‬
‫اإلسرائيلي إلى أسرى في سجونها‪،‬يعملون لهذا الجيش بل وللكثير من المؤسسات االقتصادية العامة في‬
‫إسرائيل‪ ،‬وذلك عبر مرافق العمل التي تم فرضها عليهم في السنوات األولى التي أعقبت حرب ‪،1967‬‬
‫والتي كان موشي ديان يفتخر أمام الكنيست بأنه حول الفدائيين إلى أيدي تصنع الشباك للدبابات‬
‫اإلسرائيلية‪.‬‬
‫ونجحت التنظيمات الفلسطينية داخل السجون اإلسرائيلية في فتح قنوات االتصال بقادتها في الخارج‬
‫ٍ‬
‫استمرار‬ ‫مبكراً خاصة بعد اعتقال العديد من هؤالء القادة‪ ،‬وكان استمرار هذه االتصاالت يعد تعبيراً عن‬
‫لوجودهم على الساحة‪ ،‬مما استوجب إثبات هؤالء القادة لهذا الوجود بسلوك نضالي في مواقع محدودة‬
‫اإلمكانيات كالسجون‪ ،‬ولم يول قادة المنظمات في الخارج أي قلق من مزاحمة قادة السجون لهم وبالتالي لم‬
‫تكن العالقة عكسية بين الطرفين‪ ،‬لكنها لم تكن متواصلة إلى حد اعتماد الخارج على األسرى ‪.‬‬
‫تطور الظرف الذاتي والموضوعي لمنظمة التحرير الفلسطينية مع التطورات المتسارعة على الساحتين‬
‫العربية والدولية‪ ،‬وغير مرة لم تكن هذه المنظمة طرفاً في عمليات سياسية في الشرق األوسط فكان‬
‫االنتباه إلى أي موقع يمكن أن يخدم وجودها خاصة عقب حرب أكتوبر ‪ 1973‬وعملية السالم المصرية‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬ولم يكن اعتراف الجامعة العربية أو األمم المتحدة بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني‬
‫كافياً‪ ،‬وال حتى العمليات الفدائية التي شنها رجال المقاومة من الخارج ضد إسرائيل‪ ،‬بل كان تشجيع‬
‫األسرى على القيام بالخطوات النضالية التي تحقق أكثر من هدف في تحسين ظروف حياتهم مروراً‬
‫بإحراج إسرائيل ووصوالً إلى اعتبار المنظمة مسئولة عن نشاط هؤالء األسرى‪.‬‬
‫اعتبر األسرى وقيادة التنظيمات وإ سرائيل أن االتصال بين األسرى والمنظمات في الخارج هو صورة‬
‫من صور المشاركة في المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل‪ ،‬حين ساند األسرى المنظمة في أكثر من‬
‫موقف‪ ،‬حيث نجحت في تحرير اآلالف منهم في صفقات التبادل مع إسرائيل‪ ،‬بل إغالق معسكرات اعتقال‬
‫بأكملها ‪.‬‬

‫عالقة األسرى مع الحركة الوطنية الفلسطينية خارج السجون‬


‫بدأ األسرى الفلسطينيون اتصالهم مع القيادة الفلسطينية في الخارج منذ األشهر األولى العتقال بعض‬
‫رجال المقاومة‪ ،‬خاصة في سجن كفار يونة‪ ،‬فكثيراً ما كانت إسرائيل تضع الذين تعتقلهم من الخارج في‬
‫هذا السجن(‪ ،)1()1‬وقد كان من فائدة هذا االتصال إبالغ األسرى بالموقف من قضايا هامة وعلى رأسها‬
‫رفض عروض إسرائيل اإلفراج عن عشرات األسرى مقابل ترحيلهم طوعاً خارج البالد‪.‬‬
‫كانت إسرائيل تدرك أن هذا التنسيق سيؤثر على سياستها العامة تجاه األسرى‪ ،‬بل إن ذلك سيمكن‬
‫هؤالء األسرى من الصعود على قمة الهرم االجتماعي للمجتمع الفلسطيني أو جزء هام من حركة المقاومة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وكثيراً ما عبر المسئولون اإلسرائيليون عن تخوفاتهم من هذا الحراك الذي سيحول األسرى‬
‫من فئة على هامش المجتمع كما في أغلب المجتمعات‪ ،‬إلى فئة مناضلة حتى داخل السجون تتربع على‬
‫قمة الهرم(‪ ،)1‬إذ يتضح من ذلك متابعة إسرائيل لحركة التطور التي شهدتها السجون اإلسرائيلية بعد العام‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،1970‬وقد حصل األسرى على أخبار الخارج بعدة وسائل أيضاً أهمها‪:‬‬
‫االستفادة من المعلومات التي بحوزة األسرى الجدد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تهريب بعض الصحف‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫من خالل زيارات المحامين والوفود المحلية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تهريب الصحف وأجهزة الراديو وأي كراسات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫زيارات األهالي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫من الصحف العبرية الملقاة في نفايات السجن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أما الجهات التي كانت التنظيمات تحرص على مواصلة االتصال بها فيمكن إجمالها بـما يلي‪:‬‬
‫المؤسسات المحلية‪ :‬كالهيئات اإلنسانية‪ -‬النقابات العمالية‪ -‬الهالل األحمر‪ -‬الجمعيات الخيرية‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫لجان العمل االجتماعي وجبهة العمل‪ -‬الحركات الطالبية‪.‬‬
‫الشخصيات الوطنية‪ :‬رؤساء البلديات (الوطنيون)‪ -‬رؤساء تحرير الصحف‪ -‬رؤساء المعاهد‬ ‫‪-‬‬
‫والجامعات‪.‬‬
‫المحامون‪ :‬حيث حرصوا على تشكيل لجان تنسيق دائمة ويومية لهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫األطر التنظيمية‪ :‬حيث كان لكل تنظيم امتداد محلي من قيادته في الداخل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ ) 1()1‬مقابلة مع عبد الحميد القدسي‪ ،‬مسئول األسرى الفلسطينيين في سجن كفار يونة في الفترة ‪ ،1972-1968‬أجريت في ‪9/3/2004‬م‪ ،‬رام اهلل‪.‬‬
‫وهو من أوائل الذين فتحوا اتصالهم مع القيادة في الخارج عام ‪.1968‬‬
‫(‪ )1‬داني روبنشتاين‪ :‬السجناء العرب والمنظمات‪ ،‬صحيفة دافار ‪ ،25/7/1975‬ص‪.2‬‬ ‫(‬

‫(‪)2‬محمد لطفي خليل‪:‬التجربة اإلعتقالية في السجون اإلسرائيلية‪،‬ط‪،1‬دار ابن رشد‪،‬عمان‪،1988،‬ص‪.103‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬استخرجها الباحث من خالل االطالع على مراسالت األسرى ‪.‬‬ ‫(‬
‫خارج الوطن‪ :‬قيادة المنظمات واألمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والصليب األحمر والبابا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وجامعة الدول العربية‪.‬‬
‫داخل إسرائيل‪ :‬المسئولون اإلسرائيليون والقوى الديمقراطية اليهودية ولجنة الدفاع عن السجين‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولجنة المبادرة الدرزية ولجنة المتابعة العربية‪ ،‬وأعضاء الكنيست ومنظمة أمنستي‪.‬‬
‫قام األسرى في كل تنظيم داخل السجن بتشكيل جهاز إلدارة هذه العالقات الخارجية بشكل عام‪ ،‬فقد‬
‫كانت جميع هذه األجهزة باختالف مسمياتها تتكون من موجه عام لها‪،‬تساعده لجنة ال يزيد عددها عن‬
‫ثالثة أسرى‪ ،‬ومهمتها تنفيذ السياسات التنظيمية في المجال الخارجي‪ ،‬وتحديد المؤسسات المسموح‬
‫االتصال بها تحددها اللجنة المركزية للتنظيم(‪ ،)1‬وفيما بعد دخلت صالحية اإلشراف على عمل الصندوق‬
‫العام لألسرى ضمن صالحيات هذه اللجنة‪ ،‬وقد وضعت الالئحة الداخلية للتنظيمات قيوداً صارمة على‬
‫صالحية اتصال أي فرد من القاعدة مع أي جهة خاصة قيادتهم في الخارج‪ ،‬مع العلم أن أغلب هذه‬
‫المراسالت الشخصية كانت تتضمن حالة المرسل عن وضعه الخاص إذا تم ترحيله أو عزله(‪ ،)2‬أو تلك‬
‫المراسالت التي تصف معاناة األهالي أثناء الزيارات أو عن المداهمات واالقتحامات من قبل إدارة‬
‫السجن‪ ،‬وغالباً ما تكون موجهة إلى مؤسسات عامة‪.‬‬
‫يالحظ من خالل الرسائل التي كان يرسلها األسرى أنها كانت تتطور مع تطور مجتمع األسرى‪ ،‬فقد‬
‫كانت توقع بختم شبيه بأختام ضباط أمن السجون‪ ،‬وبالتالي ال تستطيع الشرطة تفريغها أو مصادرتها‪ ،‬ويتم‬
‫توزيعها على كل السجون بسهولة‪ ،‬خاصة التعميمات والبيانات العامة(‪.)3‬‬

‫أوالً‪ :‬االتصال مع المؤسسات الوطنية‪:‬‬


‫اتسمت المراسالت التي كان يوجهها األسرى إلى المؤسسات الوطنية باللهجة اإلنسانية‪ ،‬حيث كانت‬
‫تعكس المطالب المعيشية‪ ،‬مع التأكيد على دور هذه المؤسسات في رعاية هؤالء األسرى‪ ،‬كما كانت تتعلق‬
‫مثالً بوضع سجين جريح‪ ،‬ومن الممكن أن يكون ذلك للضغط إلطالق سراحه(‪ ،)4‬وكثيراً ما كان األسرى‬
‫يوجهون مراسالت إلى رؤساء البلديات في الضفة الغربية وقطاع غزة وتتضمن هذه المراسالت العمل‬
‫على منع السلطات من بعض المضايقات‪ ،‬والمطالبة بإدخال التحسينات على ظروف حياتهم الصعبة أو‬
‫معاملتهم كأسرى حرب(‪ ،)5‬ويبدو أن هذه المراسالت كانت تتم في األوقات التي ال يستطيع فيها األسرى‬
‫خوض إضرابات معينة أو التمرد‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬الالئحة الداخلية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في السجون ‪ ،1984‬وثيقة أعدها األسرى (مخطوط)‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 2‬رسالة موجهة من السجين عبد الهادي غبن لذويه الذي يصف عزله في زنزانة انفرادية لفترة طويلة ‪.1983‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح‪ -‬وثيقة تقييم إضراب سجن نفحة ‪.1980‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬األرض المحتلة‪،‬ع‪ ،12/1986‬ص‪.190‬‬ ‫(‬


‫ثانياً‪ :‬المواقف السياسية لألسرى‪:‬‬
‫تأثر األسرى الفلسطينيون في األعوام األولى من بنائهم للتنظيمات داخل السجون بمواقف تنظيماتهم‬
‫السياسية في الخارج‪ ،‬فقد كان كل توتر بين التنظيمات في الخارج يعني توتراً بين األسرى(‪ ،)6‬لكن مع‬
‫تقدم البناء التنظيمي كان هذا األمر يأخذ طريقه إلى االنحدار‪ ،‬ويعزى ذلك إلى اشتراك الفصائل في‬
‫خطوات نضالية كبيرة كانت توحدهم خاصة تلك التي كان ينتج عنها شهداء‪.‬‬
‫اعتبر معتقلوا حركة فتح أنفسهم جزءاً من الحركة في الخارج‪ ،‬وأن السجن ما هو إال موقع أخر من‬
‫مواقع الحركة‪ ،‬وكذا حركة الجهاد اإلسالمي‪ ،‬وجبهة النضال الشعبي التي تؤكد في الئحتها الداخلية أنها‬
‫امتداد سياسي وتنظيمي وأيديولوجي للجبهة في الخارج(‪ ،)1‬وهذا سيعطي هذه التنظيمات داخل السجن قوة‬
‫معنوية إضافية‪ ،‬إضافة إلى أنه سيكون نوعاً من التنافس الحاد على االستقطاب بين هذه التنظيمات‪.‬‬
‫حرص األسرى على إيضاح رأيهم في القضايا السياسية التي كانت تطرح على الساحة‪ ،‬وهذا ما‬
‫جسدته المناسبات السياسية الهامة التالية‪:‬‬
‫أضرب األسرى الفلسطينيون في يوم ‪ 18/8/1976‬احتجاجاً على حصار القوات السورية وبعض‬ ‫‪-‬‬
‫المليشيات الفلسطينية والمسيحية اللبنانية لمخيم تل الزعتر الفلسطيني في لبنان ووجهوا مذكرة‬
‫احتجاج إلى األمين العام لألمم المتحدة (كورت فالدهايم)(‪.)2‬‬
‫بعث األسرى الفلسطينيون وبعد أسابيع من افتتاح سجن نفحة الصحراوي برسالة إلى قيادة منظمة‬ ‫‪-‬‬
‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬تضمنت ألفاظاً "كتجديد العهد على مواصلة النضال حتى النصر أو الشهادة‬
‫واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني"(‪ ،)3‬ويأتي إبراز منظمة التحرير لرسائل األسرى في‬
‫هذه الفترة في وسائل اإلعالم لحاجتها الماسة إلظهار وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني في‬
‫الداخل‪ ،‬كرد على معاهدة السالم المصرية اإلسرائيلية‪ ،‬وقد حاول اإلسرائيليون إيضاح ذلك‬
‫باستمرار‪ ،‬ويمكن فهم ذلك من خالل محاوالت وزير الداخلية اإلسرائيلي د‪.‬يوسف بورغ اإليحاء‬
‫أثناء هذه الفترة خاصة بأن اإلضراب الكبير في سجن نفحة إنما هو إضراب سياسي ومنظم من‬
‫الخارج وطبقاً لتعليمات منظمة التحرير‪.‬‬

‫(‪ ) 5‬موشيه ماعوز‪ ،‬القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية تحت السلطة األردنية واإلسرائيلية ‪ ،1984 -1948‬ط‪ ،1‬دار يشوف‪ ،‬تل أبيب‪،‬‬ ‫(‬

‫‪،1986‬ص ‪(،19‬بالعبرية)‪.‬‬
‫(‪ ) 6‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪ ،‬مسؤول األسرى في السجون اإلسرائيلية لسنوات متفرقة‪،‬أجريت بتاريخ ‪.7/1/2005‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬خالد الهندي‪ :‬التجربة الديمقراطية للحركة الفلسطينية األسيرة‪ ،‬ط‪ ،1‬مواطن‪ ،‬رام اهلل‪ ،2000 ،‬ص‪.66‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،24/9/1976 ،65‬ص‪.16‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬انظر نص الرسالة‪ :‬سمير نايفة‪ :‬يوميات انتفاضة سجن نفحة‪،‬ط‪ ،1‬منشورات فلسطين المحتلة‪،‬بيروت‪ ،1984 ،‬ص‪.31‬‬ ‫(‬
‫شهد عام ‪ 1983‬حالة من الضمور في الدور النضالي لألسرى الفلسطينيين حيث لم تسجل‬ ‫‪-‬‬
‫إضرابات كبيرة أو التمرد أو حاالت هروب‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬العالقة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬


‫حافظ األسرى الفلسطينيون على التواصل الدائم مع القيادة الفلسطينية‪ ،‬فقد كانوا يرسلون رسائل دائمة‬
‫للسيد ياسر عرفات ويكون على الرسالة عدة أختام للعاصفة وشعارات أخرى لحركة فتح‪ ،‬هذه األختام‬
‫التي صنعها األسرى من الجلود أو الحجارة‪ ،‬لكن بعض الرسائل كانت متشابهة في أماكن الختم عليها(‪،)4‬‬
‫كانت القيادة الفلسطينية تدرك أن الرد على مراسالت األسرى يزيدهم قوة معنوية وأن عكس ذلك‬
‫سيصيبهم بالذهول واإلحباط‪ ،‬فكثيراً ما كان األسرى يتلقون رسائل من القيادة الفلسطينية وحتى من السيد‬
‫عرفات نفسه‪ ،‬ففي عام ‪ 1984‬وبعد افتتاح سجن جنيد وجه عرفات رسالة تم تعميميها على األسرى في‬
‫الغرف واألقسام وبعد أسابيع تم تناقلها بين‬
‫السجون‪ ،‬وتتضمن الرسالة كلمات ثورية وكانت معنونة بـ " اإلخوة في لجنة األسرى" (‪ ،)1‬ولم يوجهها‬
‫عرفات لمعتقلي حركة فتح فقط كما كانت تأتيه الرسائل من السجون‪ ،‬ويعود ذلك إلى الوضع السياسي‬
‫الذي كان قائماً حيث كان عرفات يتحدث دائماً عن وحدانية تمثيله للشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫وقد تميزت رسائل األسرى للسيد عرفات بالكلمات الوطنية والثورية وصياغة الجمل التي طالما كان‬
‫عرفات يرددها بنفسه‪ ،‬ومن الملفت لالنتباه أن تخلو هذه الرسائل من وصف الحالة اإلنسانية السيئة التي‬
‫يعيشها األسرى وأن في غالبية جملها مبايعة وتأكيد عن الشرعية للسيد عرفات في وقت كانت فصائل لها‬
‫امتداد في السجن ترفض مثل هذا االعتراف(‪.)2‬‬
‫كانت االتصاالت تتم بين األسرى والقيادة حتى في أحلك اللحظات‪ ،‬فطوال فترة حصار السيد عرفات‬
‫في طرابلس شمال لبنان كان التنسيق مستمراً بين عرفات ومعتقلي سجن أنصار‪ ،‬الذين كانوا يوجهون‬
‫النداءات الدائمة لعرفات وقواته بالوحدة والتضامن مع األسرى(‪ ،)3‬وقد كان السيد عرفات حريصاً على‬
‫اإليضاح والكشف عن هذا التنسيق لوسائل اإلعالم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬االتصال مع الصحافة والهيئات الدولية‬

‫(‪ ) 4‬رسالة من معتقلي سجن نفحة الصحراوي للرئيس عرفات‪ ،‬مخطوط بحوزة الباحث‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،26/1/1985 ،542‬ص‪.12‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 2‬انظر‪ :‬نص رسالة األسرى في سجن جنيد إلى السيد عرفات‪ :‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪.13/10/1984 ،528‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 3‬لمراجعة نص أحد هذه النداءات أنظر‪ :‬فهد الحاج‪ :‬انتفاضة الجوع من وراء القضبان‪،‬ط‪(،1‬ب‪.‬ن)‪،‬رام اهلل‪ ،1993،‬ص‪.72‬‬ ‫(‬
‫أولى األسرى الفلسطينيون للمؤسسات الدولية المعنية بالسجناء وحقوق اإلنسان أهمية في إبراز‬
‫قضيتهم‪ ،‬فقد كانوا يستقبلون الصحفيين ويتعاطون معهم حتى لو كانوا من إسرائيل‪ ،‬فكافة األسرى يعرفون‬
‫جيداً أن كل سجن يتم افتتاحه ال يسمح في البداية بأي اتصاالت تتم إال للناطق اإلعالمي للجيش‪ ،‬ومن ثم‬
‫الصحف اإلسرائيلية ومن ثم وسائل اإلعالم اإلسرائيلية المختلفة‪ ،‬ومن ثم وكاالت أنباء الدول الصديقة‬
‫إلسرائيل وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫كان لألسرى الفلسطينيين موقف من هذا التسلل في السماح للصحافة بالدخول لألسرى‪ ،‬حيث رفضوا‬
‫مقابلة الصحافة اإلسرائيلية في سجن أنصار عام ‪ ،1982‬ألن إدارة السجن رفضت دخول وفد أوروبي‬
‫قبل ذلك بيومين(‪ ،)4‬ومن الممكن أن يكون ذلك وسيلة ضغط على إسرائيل للسماح لكافة الصحفيين بدخول‬
‫أنصار‪ ،‬وهذا رغم حاجة األسرى إليصال قضيتهم من أي نافذة للعالم‪ ،‬وقد سبق أن تعاطى األسرى مع‬
‫الصحافة في السجون األخرى‪ ،‬وقد دافعوا عن الصحافة في أكثر من مناسبة فقد أعلنوا إضراباً عن الطعام‬
‫لمدة يومين احتجاجاً على ممارسات إسرائيل ضد الصحفيين عام ‪.1985‬‬
‫حرص األسرى الفلسطينيون على مراسلة الهيئات الدولية المختلفة وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب‬
‫األحمر الذي كان له دور دائم في إنهاء اإلضرابات عن الطعام كشاهد على أي اتفاق أما الجهات الدولية‬
‫التي كان األسرى يراسلونها وأهمها(‪:)1‬‬
‫اللجنة الدولية للصليب األحمر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سكرتير األمم المتحدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اللجنة الدولية لحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫منظمة العفو الدولية "أمنستي"‬ ‫‪-‬‬
‫قداسة البابا يوحنا بولس الثاني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تميزت هذه الرسائل بإبراز عدة جوانب تالءم المرسل إليه‪ ،‬فقد كانت الرسائل المرسلة إلى اللجنة‬
‫الدولية للصليب األحمر تعبر عن انتهاكات إسرائيل في توفير مستلزمات األسرى‪ ،‬بينما تتضمن الرسائل‬
‫المرسلة إلى سكرتير األمم المتحدة تذكير وشرح لكيفية خرق إسرائيل لقرارات الجمعية العامة ومجلس‬
‫األمن الخاصة بقضايا األسرى في العالم‪ ،‬فيما تضمنت الرسائل المرسلة إلى اللجنة الدولية لحقوق اإلنسان‬

‫(‪ )4‬عماليا أرغمان وأهرون برنيع‪ :‬أن تكون سبياً‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.283‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬انظر نصوص هذه المراسالت‪:‬‬ ‫(‬

‫‪ -‬جبريل الرجوب‪ :‬زنزانة ‪ ،704‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪،‬عمان‪،1986،‬ص‪.140 -122‬‬


‫‪ -‬سمير نايفة‪ :‬يوميات انتفاضة سجن نفحة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32 -15‬‬
‫ومنظمة العفو الدولية صوراً وأشكاالً من حاالت التعذيب وحاالت الوفاة الناتجة عن ذلك‪ ،‬وذكرت الرسائل‬
‫المرسلة إلى البابا بامتهان إسرائيل للحقوق الدينية لألسرى‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬الرسائل الشخصية لألسرى‪:‬‬


‫مارس األسرى الفلسطينيون بطرق معينة مراسلة بعضهم بعضاً في الغرف واألقسام والسجون‪ ،‬فكانت‬
‫المراسالت تتم بتوقيع ختم حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح أو أي فصيل أخر في معتقل بعينه‪،‬‬
‫وكانت تتشابه في توقيعها مع البيانات والتعميمات‪ ،‬وإ ذا كانت ممنوعة يتم ختمها بنفس أختام إدارة السجن‬
‫(ختم بديل) فكان ذلك لتأمين وصول هذه الرسائل بين السجون(‪.)2‬‬
‫كانت مراسالت األسرى المرضى تصف أحوالهم بعبارات أدبية تعكس مبالغة في وصف الحالة‪ ،‬أو‬
‫اختيار الكلمات التي تجلب العطف‪ ،‬أما الطرق التي كان يستخدمها األسرى في إيصال مراسالتهم فأهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬الصليب األحمر‪:‬‬

‫(‪ )2‬فهد الحاج‪ :‬انتفاضة الجوع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.75‬‬ ‫(‬


‫أعطى الصليب األحمر أوراقاً فارغة مقسمة إلى قسمين‪ ،‬أحدها يعبئها السجين لذويه‪ ،‬والرد يكون على‬
‫القسم الثاني‪ ،‬ومكتوب عليها من قبل الصليب عبارة "أخبار عائلية فقط‪ -‬الرجاء الكتابة بخط واضح"(‪،)1‬‬
‫ويالحظ أن األلفاظ التي تكون موجودة في قسم الرد أكثر من ذلك القسم الذي يكتبه السجين‪ ،‬ومن الممكن‬
‫أن يوصل الصليب األحمر هذه الرسائل إلى خارج فلسطين(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬مديرية السجون العامة‪:‬‬
‫سمحت إدارة السجون لألسرى بإرسال رسائل لذويهم عن طريقها وبنماذج معينة توزع عليهم وتقوم‬
‫السلطات عبر البريد بإيصالها‪ ،‬وبالطبع كانت تخضع للكثير من الفحوصات والمراقبة‪ ،‬وقد كان األسرى‬
‫يقبلون بهذا األسلوب في السنوات األولى حيث لم يكن هناك أساليب أخرى متاحة لديهم‪ ،‬ومع تطور‬
‫مجتمع األسرى أصبحت التنظيمات تضع قيوداً على هذا األسلوب إلى أن اختفى تقريباً مع نهاية‬
‫السبعينات‪.‬‬
‫‪ -3‬المفرج عنهم‪:‬‬
‫سواء لألهل أو للقيادة‪ ،‬تسمح لهم بالهروب‬
‫ً‬ ‫دأب األسرى على ابتكار أساليب جديدة في مراسلة الخارج‬
‫من مراقبة إدارة السجن أو اطالع الصليب األحمر‪ ،‬فكان تهريب أوراق الشفاف الخفيف ليكتب عليها‬
‫بخطوط مائلة وبحجم صغير‪،‬ثم يتم طيها وإ حاطتها ولفها بطبقات من البالستيك يتم إذابته بالنار الخفيفة‪،‬‬
‫ويقوم المعتقل بابتالع العشرات منها وبالتالي سيكون من المستحيل على ضباط األمن اإلسرائيلي‬
‫اكتشافها(‪.)3‬‬
‫تطور أسلوب كتابة الرسائل فقد كانت في البداية تتضمن فقط الحنين للعائلة والحي واالستفسار‬
‫المتكرر عن األحوال والطمأنينة‪ ،‬ثم تحولت الرسائل إلى قطعة أدبية تربوية ثورية في سياق لغوي يحمل‬
‫سمات أدبية معينة‪ ،‬اعتمدت على عبارات وجمل منتقاة من مؤلفات مشهورة‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬عدة رسائل من األسير‪ :‬يحيى أبو سمرة موجهة إلى ذويه في دير البلح (مخطوطات موجودة بحوزة الباحث)‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬عدة رسائل من األسير‪ :‬عبد اهلل هالل طعمه إلى ذويه في مخيمات البداوي بلبنان واليرموك بسوريا(مخطوطات موجودة بحوزة الباحث)‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬مشاهدة الباحث و صناعته لهذا النوع من الرسائل عام‪.1985‬‬ ‫(‬


‫اإلضرابات والتمرد والهروب‬
‫تعامل السجانون اإلسرائيليون مع األسرى الفلسطينيين على أنهم أعضاء منظمات إرهابية وليسوا أسرى‬
‫حرب‪ ،‬وبالتالي كانت مالمح هذه المعاملة تجد تعبيراً لها من خالل الضرب اليومي وإ جبار األسرى على‬
‫تأدية حركات معينة والتلفظ بألفاظ كانت تثير كرهاً وحقداً لدى األسرى على رجال الشرطة اإلسرائيلية‪،‬‬
‫بناء على تعليماتهم إن لم يكن في ظل‬
‫وتبين من خالل سلوك قادة المؤسسة األمنية أن هذه المعاملة تتم ً‬
‫سكوتهم ورضاهم في أحسن األحوال‪.‬‬
‫كان من الممنوع على األسرى االحتجاج اللفظي على هذا السلوك‪ ،‬فقد كان يؤدي إلى زيادة رجال‬
‫ابتداء من تعبيرهم برفض‬
‫ً‬ ‫الشرطة وتماديهم في تهجمهم‪ ،‬وعليه فقد طور األسرى من أسلوب احتجاجهم‬
‫ذلك من نظرات عيونهم لرجال الشرطة‪ ،‬ومروراً باالحتجاج الشفوي المكتوب بأشكال ومضامين مختلفة‬
‫ومتطورة‪ ،‬كذلك بإعالن اإلضراب عن بعض المرافق أو االعتداء على أي شرطي يقوم باالعتداء على‬
‫األسرى‪ ،‬أو حتى فشل بعض رجال الشرطة وصوالً إلى رفض الواقع كلياً بالهروب من هذا السجن أو‬
‫ذاك‪.‬‬
‫مثل اإلضراب أكثر صور االحتجاج في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬لكن هذا اإلضراب شهد بدايات تصعيد‬
‫مع تطور الظروف الذاتية والموضوعية لألسرى‪ ،‬فكان له أشكال وأنواع‪ ،‬ومطالب يرفع حسب مدى‬
‫استجابة اإلدارة لدرجة معينة من هذه المطالب‪ ،‬حيث نبعت من خالل أسباب وظروف أدت إلى هذا‬
‫اإلضراب أو ذاك‪ ،‬وقد ارتقت هذه اإلضرابات إلى إدارة مركزية في كل السجون وأخرى محلية في‬
‫السجن المضرب‪ ،‬ألن إدارة السجون كان لها ردة فعل مختلفة حسب المكان والزمان والموقف اللحظي‬
‫لموقفها وسياستها‪ ،‬وتخلل هذه المعركة سقوط شهداء وإ صابات من األسرى‪ ،‬وأيضاً دفعت إدارة السجون‬
‫أثماناً مختلفة لتلك الخطوات‪ ،‬لكن في النهاية كانت هناك نتائج سلبية وأخرى إيجابية على الطرفين فكيف‬
‫ابتداء من عام ‪ 1967‬وحتى عام ‪1985‬؟‬
‫ً‬ ‫تطورت هذه األحداث‬

‫أوالً‪ :‬بدايات اإلضرابات‬


‫يمكن تعريف اإلضراب عن الطعام بأنه امتناع المعتقل عن تناول كافة أصناف وأشكال المواد الغذائية‬
‫الموجودة في متناول األسرى باستثناء الماء وقليل من الملح‪ ،‬ويعود أقدم هذه اإلضرابات بعد عام ‪1967‬‬
‫إلى قيام مجموعة من األسرى الفلسطينيين في سجن نابلس في ‪ 11/1968‬باإلضراب عن الطعام لمدة‬
‫ثالثة أيام احتجاجاً على سياسة الضرب المنظم لألسرى عند خروجهم ألي مرفق‪ ،‬أو عند دخول الضابط‬
‫للعد في الغرف(‪ ،)1()1‬وكان ذلك في سجن نابلس بالذات‪ ،‬فقد كان يضم أخطر أنواع المقاتلين حسب‬
‫التصنيف اإلسرائيلي‪ ،‬خاصة أولئك الذين يلقى القبض عليهم متسللين عبر نهر األردن‪ ،‬ومع بداية عام‬

‫(‪ ) 1()1‬إبراهيم أبو النجا‪ :‬الحركة الفلسطينية األسيرة‪(،‬ب‪.‬ط)‪،‬مؤسسة صابرون‪،‬رام اهلل‪(،‬ب‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ 1969‬نفذ معتقلو سجن الرملة إضراباً عن الطعام استمر مدة تسعة أيام رداً على ضرب أحد ضباط‬
‫الشرطة ألحد األسرى أمام زمالئه(‪ ،)1‬لكننا نستطيع أن نرى أن اإلضرابات حتى ذلك الوقت كانت تتعلق‬
‫بمجموعة معينة وردة فعل على سلوك معين وليس ُبن ُسق منظمة أو مخططة‪.‬‬
‫عاد األسرى للتفكير في وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجهم أو طلبهم تحسين ظروف معيشتهم فبدأوا‬
‫باإلضراب عن االمتيازات التي يتمتعون بها‪ ،‬والتي هي بنظرهم حقوق متدنية‪ ،‬كالخروج إلى الفسحة أو‬
‫زيارة األهالي أو الحالقة‪ ،‬ولكن كان عدم الخروج إلى العمل هم مظاهر اإلضرابات إعالمياً فهذا األمر‬
‫كان أسرع في الوصول إلى الصحافة واإلعالم اإلسرائيلي أكثر من أي أمر آخر(‪ ،)2‬ويعزي ذلك ألن‬
‫العمل كان مرتبطاً بمؤسسات إسرائيلية غير أمنية كمراكز وشركات يصعب على الشرطة إلزامها بسرية‬
‫األمر‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أسباب وأنواع اإلضرابات‬


‫عللت إسرائيل أسباب أي خطوة احتجاجية لألسرى بربط ذلك بالسياسة‪ ،‬فقد دأب منذ البداية مسئولو‬
‫مصلحة السجون على اعتبار أن اإلضراب عن الطعام يتم بمبادرة من قادة المنظمات العاملين داخل‬
‫السجون وبالتنسيق مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬واإليحاء للعالم بأن السجون أصبحت خاليا‬
‫ومجموعات واسعة ويوجد بها مجالس قيادة ومحاكم(‪ ،)3‬وكان مفوض خدمات السجون قد سبقه وكأنها‬
‫سياسة منظمة في التوضيح للعالم بأن "األسرى الفلسطينيين يواصلون نضالهم ضد الدولة حتى داخل‬
‫السجون‪ ،‬وأنهم عناصر خطيرة ويسعون دائماً للتمرد والهرب"(‪ ،)4‬ويتضح أن ذلك يتم لعدة أغراض‬
‫أهمها‪:‬‬
‫إيجاد مبرر لعدم السيطرة اإلسرائيلية على ما يدور داخل السجون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحفاظ على المصالح الشخصية في البقاء في المنصب داخل مصلحة السجون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحصول على دعم رسمي بقمع هذه اإلضرابات أو حوادث التمرد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إن المتتبع لمطالب األسرى منذ بدايات اإلضرابات يمكن أن يجمل أسباب هذه اإلضرابات بمجموعة‬
‫أسباب تطورت في صياغتها لكنها تدور حول‪:‬‬
‫تحسين المعاملة‬ ‫‪‬‬
‫تحسين الطعام‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬قدري أبو بكر‪ :‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪،‬عمان‪ ،1989،‬ص‪.62‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬عاموس هرتسيل‪ :‬تمرد السجناء العرب‪ ،‬صحيفة هآرتس‪ ،11/7/2003 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬تصريح لـ تسفي تامير مسئول االستخبارات في مصلحة السجون لصحيفة يديعوت أحرنوت‪ ،31/7/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬تصريح لغوندر حاييم ليفي مفوض خدمات السجون لصحيفة هآرتس ‪ ،11/7/1980‬ص‪.1‬‬ ‫(‬
‫تحسين الخدمات الطبية والصحية‬ ‫‪‬‬
‫حرية العمل (أول سبب اختفى من قوائم المطالب)‬ ‫‪‬‬
‫توفير الكتب والصحف‬ ‫‪‬‬
‫تخفيف ظروف االزدحام‬ ‫‪‬‬
‫حسن معاملة الزوار‬ ‫‪‬‬
‫االفراج وخاصة اضرابات المعتلين االداريين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اختلف شكل االحتجاج ضد سياسة مصلحة السجون من فترة إلى أخرى ومن مكان ألخر‪ ،‬وبعد عدة‬
‫سنوات استطاع األسرى اكتشاف نوع من أنواع االحتجاجات يكون أنجع لتحقيق ما يصبون إليه‪ ،‬وقد‬
‫تعاملوا مع ذلك بمراحل االحتجاجات ويمكن تقسيم االحتجاجات حسب خطورتها وتطورها منذ العام‬
‫‪ 1967‬بالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬االحتجاج السلبي‪:‬‬
‫ويكون بتقديم الشكاوي‪ ،‬وبدأ هذا األسلوب عقب إضراب سجن عسقالن عام ‪ ،1970‬أو عمل إضراب‬
‫خفيف يتعلق باإلضراب عن الخروج ألحد المرافق لمرة واحدة‪ ،‬ويمكن أن يتم ذلك لغرض احتجاجي على‬
‫حادث آني‪ ،‬أو أن يتم إرجاع وجبة واحدة‪ ،‬أو عدم الخروج للفسحة ليوم أو يومين كما كان يحصل في‬
‫سجن نابلس‪ ،‬أو عدم الخروج لزيارة األهل‪.‬‬
‫‪ -2‬إضرابات طويلة‪:‬‬
‫كعدم الخروج للساحة لفترة طويلة وهذا يعتبر تهديداً إلدارة السجون من الناحية األمنية أو الصحية‪،‬‬
‫واالمتناع عن الحالقة والحمام إلى أن ترى اإلدارة مئات األسرى‪ ،‬وقد أصبحت لحاهم طويلة مما يسبب‬
‫حرجاً إعالمياً لها‪ ،‬أو االمتناع عن زيارة األهالي كما حصل عندما امتنع األسرى في سجن بيت ليد من‬
‫الخروج للزيارة لمدة ثمانية أشهر(‪.)1()1‬‬
‫‪ -3‬اإلضراب االستراتيجي‪:‬‬
‫وهو اإلضراب المفتوح عن الطعام‪ ،‬ويتم بترتيب معين‪ ،‬واستعدادات جادة‪ ،‬وتكون إدارة السجون على‬
‫علم به سلفاً برؤيتها لسلوك معين لألسرى ممكن أن تراه قبل بداية اإلضراب بأسابيع إن لم يكن بأشهر‪،‬‬
‫وقد خاض األسرى العديد من هذه اإلضرابات‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلضراب السياسي‪:‬‬

‫(‪ )1()1‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح‪ ،‬بيت ليد بين عمومية المرحلة وخصوصيته‪ ،‬كراس أعده األسرى الفلسطينيون في سجن عتليت عام‬
‫‪، ،1996‬ص‪.16‬‬
‫رغم محاولة قيادة األسرى إنكار أن هناك إضراباً سياسياً هدفه المشاركة في مقارعة إسرائيل‪،‬‬
‫والمبالغة اإلسرائيلية في تصوير أي إضراب أنه سياسي‪ ،‬إال أن األسرى يعللون مثل هذه الخطوات بأنها‬
‫تعبير عن مشاعر وتصوير لمواقف‪ ،‬ولكن االتصاالت التي كانت تتم بين قادة المنظمات في الخارج‬
‫ومسئولي التنظيمات داخل السجون تعطي تأكيداً على أن بعض اإلضرابات كانت لمساندة المنظمات في‬
‫الخارج أو مساندة النضال ضد إسرائيل بشكل عام وأهمها‪:‬‬
‫إضراب سجن بيت ليد عن الخروج للفسحة عام ‪ 1972‬احتجاجاً على إطالق النار على األسرى‬ ‫‪-‬‬
‫المصريين والسوريين في أحد المعتقالت(‪.)1‬‬
‫إضراب األسرى الفلسطينيين في كل السجون اإلسرائيلية عام ‪ 1975‬ليوم واحد احتجاجاً على‬ ‫‪-‬‬
‫توقيع اتفاقية سيناء الثانية(‪.)2‬‬
‫إضراب األسرى الفلسطينيين في كل السجون اإلسرائيلية عام ‪ 1977‬لمدة يوم واحد احتجاجاً على‬ ‫‪-‬‬
‫زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس(‪.)3‬‬
‫إضراب األسرى الفلسطينيين في أغلب السجون اإلسرائيلية عن الطعام لمدة ثالثة أيام عام ‪1974‬‬ ‫‪-‬‬
‫تضامناً وتأييداً لقرار الجامعة العربية اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثالً شرعياً ووحيداً‬
‫للشعب الفلسطيني وكذلك خطاب الرئيس عرفات أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة(‪.)4‬‬

‫ثالثاً‪ :‬تطور مطالب األسرى‬


‫اتسمت مطالب األسرى بمدى حاجتهم الماسة في الحياة داخل السجون‪ ،‬فقد كانوا يوضحون مطلبهم من‬
‫وراء اإلضراب‪ ،‬ويالحظ أن كل أنواع اإلضرابات كانت مطالبها مرتبطة بنوع اإلضراب باستثناء‬
‫اإلضراب المفتوح عن الطعام‪ ،‬فمثالً كان اإلضراب عن زيارة األهالي مرتبط إلى حد ما بتحسين ظروف‬
‫سواء الخاصة بالسجن أو تلك المتعلقة بمعاملة األهالي‪ ،‬وكذلك اإلضراب عن الحالقة والحمام كان‬
‫ً‬ ‫الزيارة‬
‫يتعلق بتوفير شروط أفضل للحالقة أو زيادة مواد التنظيف‪ ،‬أما اإلضراب عن الطعام فقد ارتبط بجمع‬
‫المطالب والخاصة بمختلف الظروف‪.‬‬
‫بدأت مطالب األسرى بالمطالب الفردية المتعلقة بسجين واحد أو مجموعة من السجناء كأن يكونوا‬
‫انتهاء إلى قائمة المطالب التي تضم عشرات البنود والتي تشمل كافة مجاالت حياة‬
‫ً‬ ‫معزولين أو مرضى‬
‫السجين‪.‬‬
‫(‪ )1‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الطليعة‪،‬بيروت‪ ،1979 ،‬ص‪.239‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬صحيفة الشعب‪ ،19/9/1975 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬مقابلة مع عبد العزيز شاهين‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬صحيفة الشعب‪ ،17/11/1974 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬


‫رابعاً‪ :‬دور التنظيمات الفلسطينية في إدارة اإلضرابات‬
‫مر الشعب الفلسطيني بالكثير من التجارب النضالية التي كان الشعب صاحب المبادرة فيها‪ ،‬أو كرد‬
‫فعل على حدث معين يثير المشاعر الوطنية له‪ ،‬وتقوم التنظيمات الفلسطينية بعد ذلك بترتيب الفعاليات‬
‫الوطنية لهذا الشعب‪ ،‬كما حصل في انتفاضة الحجارة ‪ 1987‬وكذا انتفاضة األقصى‪ ،‬وقد سبق ذلك حاالت‬
‫كثيرة بنفس المنهج والطريقة‪ ،‬وكذا كان النضال في السجون ضد إدارتها ورفض األسرى لسلوكها‬
‫وسياستها هو وليد اجتهادات فردية في أغلب صور االحتجاجات وعلى رأسها اإلضراب عن الطعام‪.‬‬
‫تطلب اإلضراب المفتوح عن الطعام دراسة قيادة التنظيمات للواقع األمني للسجن المراد إعالن‬
‫اإلضراب فيه وإ ذا كان ذلك سيسمح فيجب أن يمر اإلضراب بعدة مراحل أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬التعبئة الداخلية‬
‫وقد سبق قيام مجموعة من األسرى الذين جاءوا لسجن عسقالن عام ‪ 1969‬من سجني نابلس وبيت‬
‫(‪)1()1‬‬
‫ليد بتحريض األسرى على فكرة اإلضراب ومكثوا مدة عام كامل إلعدادهم ‪ ،‬لكن ذلك كان يأخذ وقتاً‬
‫أقل كلما تطورت سلطة التنظيمات تجاه بقية األسرى‪ ،‬إن اإلعداد الداخلي لألسرى كان يتم على أكثر من‬
‫صعيد وأهمها قيام كل تنظيم بإعداد أبنائه مسبقاً‪ ،‬عبر توعيتهم ثقافياً‪.‬‬
‫تطور إعداد األسرى لجبهتهم الداخلية لإلضراب بالتفاوض بين الفصائل الفلسطينية حول هذا األمر‬
‫وتوقيع ما يسمى بالمشروع النضالي بينها وذلك قبل االبتداء ببقية الخطوات وتضمن هذا المشروع دور‬
‫موجه الغرفة الذي سيكون مسئوالً عن كل األسرى أثناء اإلضراب بغض النظر عن تنظيمهم وكذلك‬
‫موجه القسم إلى أن تصل إلى الموجه النضالي للسجن(‪.)2‬‬
‫اهتمت التنظيمات الفلسطينية بإعداد األسرى ثقافياً ونضالياً وذلك بعدة وسائل أهمها إعطاء السجين‬
‫وعلى مدار أسابيع إن لم يكن أشهر تفاصيل عن تاريخ العمل النضالي في السجون ووسائله وأهدافه‬
‫وشهدائه‪ ،‬إضافة إلى تعريفه لماذا هذا اإلضراب‪ ،‬وقد كانت الجبهة الشعبية توزع كراساً يضم كل مناسبة‬
‫على جميع األسرى لالطالع عليه ودراسته ومناقشته سلفاً(‪ ،)3‬وطالما أن الحديث عن عمل نضالي ضد‬
‫إدارة السجن‪ ،‬فال أرى المادة التي يتم بها تعبئة األسرى تختلف من فصيل ألخر‪.‬‬
‫‪ -2‬إعداد السجون األخرى‬

‫(‪ ) 1()1‬محمد القيسي‪ :‬الهواء المقنع(أبو علي شاهين‪-‬خمسة عشر عاما في االعتقال الصهيوني)‪،‬ط‪ ،1‬دار اللوتس‪،‬تونس‪،1986 ،‬ص‪.103‬‬
‫(‪ )2‬لالطالع على نص المشروع النضالي إلضراب سجن جنيد ‪ 1984‬أنظر‪ :‬جبريل الرجوب‪ :‬زنزانة ‪ ،704‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 3‬اإلضراب عن الطعام‪ ،‬مخطوط من إعداد معتقلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن عسقالن مؤرخ بـ‪.1982‬‬ ‫(‬
‫من المهم أن يقوم األسرى بإعداد السجون األخرى للمشاركة في اإلضراب في حدود أقلها إعالن‬
‫خطوات تضامنية وأقصاها المشاركة الكاملة في اإلضراب‪ ،‬لكن ظروف السجون ال تتشابه‪ ،‬ولو أنها تدار‬
‫من قبل مصلحة السجون كإدارة واحدة‪ ،‬وعليه فلم تكن استعدادات األسرى في كل السجون تتشابه يوماً‬
‫ما‪ ،‬وعليه فقد كان حرص التنظيمات على معرفة قدرات كل سجن لوضعها ضمن المشروع ومدى جدواه‪،‬‬
‫فمثال ًشاركت كل السجون في إضرابات تضامنية في نفس اليوم مع معتقلي سجن جنيد في يوم‬
‫‪ 24/9/1984‬بينما استمر سجن عسقالن حتى يوم ‪ ،)27/9/1984(4‬وبالتالي كان األسرى يدرسون‬
‫أوضاع إدارة السجون التي تساهم كجهة مركزية في صياغة األوضاع في كل السجون (ما عدا السجون‬
‫التي يديرها الجيش وهي الفارعة وأنصار) فكان يهمهم السجل المهني ألي مدير لمصلحة السجون‪ ،‬وكيف‬
‫كان رأيه في اإلضرابات السابقة في األماكن األخرى؟ وكيف تدار سياسة التعامل؟ ويبدو أن األسرى لم‬
‫يكونوا قلقين من تغيرات القيادات السياسية‪ ،‬باعتبار أن اإلسرائيليين يخدمون الرأي المهني وعادة يتبنونه‬
‫وعليه فإن رأي وزير الشرطة سيكون من رأي مدير مصلحة السجون‪.‬‬
‫‪ -3‬إعداد الساحة الفلسطينية‬
‫أدرك األسرى أن الساحة الفلسطينية هي أهم الساحات على اإلطالق التي ستخدم إضراباتهم‪ ،‬وعليه‬
‫يمكن ربط هذا بالظرف الفلسطيني األمني السياسي المعقد دائماً‪ ،‬فقد كانوا يطمحون أن يأتي األهالي‬
‫ويقومون باشتباكات مع الجيش عند السجون أو أمام مقرات الصليب األحمر‪ ،‬فهذا سيثير الرأي العام‬
‫اإلسرائيلي والدولي‪ ،‬ومن هنا كان يتم مراسلة كل فعاليات الساحة الفلسطينية خاصة التنظيمات وأجنحتها‬
‫الجماهيرية كحركة الشبيبة التابعة لحركة فتح‪ ،‬أو لجان العمل التطوعي التابعة للجبهة الشعبية وكذلك‬
‫إعداد لجان المحامين والمؤسسات الوطنية األخرى‪ ،‬بل إن لجان المرأة للعمل االجتماعي بكافة توجهاتها‬
‫كانت تنظم إضرابات منظمة عن الطعام وموازية لتلك الجارية في السجون‪ ،‬وقد كان األسرى على اتصال‬
‫دائم بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تملك اإلمكانيات إلبراز القضية دولياً‪ ،‬ولم تكن الخالفات‬
‫السياسية تؤثر على دور المنظمة في المجال اإلعالمي لخدمة األسرى‪.‬‬
‫‪ -4‬الساحة الدولية‬
‫كانت التنظيمات الفلسطينية تدرك أهمية التحرك على صعيد المؤسسات والشخصيات الدولية‪ ،‬وبرغم‬
‫أن هذا األمر كان يوكل لقيادة المنظمة إال أن األسرى كانوا يراسلون هذه المؤسسات والشخصيات برسائل‬
‫منهم مباشرة‪ ،‬وكانوا يركزون على مراسلة األمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬وكذلك الرئيس األمريكي‪ ،‬وأمين‬
‫عام جامعة الدول العربية‪ ،‬ومنظمة المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬ومنظمة دول عدم االنحياز(‪.)1‬‬

‫(‪ )4‬عبد الحق شحادة‪ :‬التجربة الديمقراطية‪،‬ط‪(،1‬ب‪.‬ن)‪ ،‬غزة‪ ،1،1999‬ص‪.25‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬أنظر نسخة من هذه الرسائل الموحدة‪ :‬فهد الحاج‪ :‬انتفاضة الجوع من وراء القضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40‬‬ ‫(‬
‫بناء على دراسة لكافة الظروف‬
‫لقد كانت التنظيمات تحدد ساعة الصفر في ابتداء اإلضراب ً‬
‫والعوامل التي ذكرناها سابقاً‪ ،‬وهم يعرفون أنها لن تتكامل‪ ،‬لكن حسب أولويات الساعات والظروف‪،‬‬
‫وكانوا يحرصون على مالئمة الزمن في ظروف الحالة العربية والدولية قدر اإلمكان‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬ردة فعل مصلحة السجون‬


‫اعتبر األسرى الفلسطينيون أن تغيير سياسة مصلحة السجون هي الهدف األول لإلضرابات‪ ،‬وقد تأثر‬
‫األسرى بالكثير من التغيرات في هذه السياسة خاصة عندما يتم تبديل المسئولين في هذه اإلدارة‪ ،‬وقد‬
‫استخدمت أساليب ووسائل عديدة إلفشال وتعطيل اإلضرابات التي يقوم بها األسرى‪ ،‬ففي العامين األول‬
‫والثاني الفتتاح السجون كانت تأخذ أي فرد أو مجموعة تضرب عن الطعام وتعاملها أقسى معاملة‪ ،‬ففي‬
‫سجن الرملة ألقى أفراد الشرطة البطانيات على رؤوس المضربين ومن ثم ضربهم بالسياط والهراوات‬
‫حتى يبدأ السجين باألكل‪ ،‬وفي نفس الوقت كان يخرج مدير السجن لينفي صحة ذلك‪ ،‬ويدعي أن إدارة‬
‫السجن تتعامل مع نفسها على أنها تدير مركز إصالح (‪ ،)1‬فقد كان مسئولو السجون اإلسرائيلية يعرفون‬
‫مدى معرفة ومقدرة األسرى القانونية المتواضعة(‪ ،)2‬وهذا ما أطال في إضراب السجن‪ ،‬فقد كان الرأي‬
‫العام في إسرائيل مهيئاً الستيعاب أي أخبار عن ردع لرجال المقاومة الذين ال يظهر اسمهم على وسائل‬
‫اإلعالم اإلسرائيلية في تلك الفترة إال وارتبط بعملية قتل الرياضيين اإلسرائيليين في ميونخ أو مهاجمة‬
‫فندق على ساحل هرتسيليا‪.‬‬
‫تطورت قيادة مصلحة السجون في تعاملها مع المضربين عن الطعام ففي عام ‪ 1977‬وفي غمرة‬
‫االنتخابات البرلمانية اإلسرائيلية سمحت مصلحة السجون لقوات كبيرة من الجيش بإطالق النار على‬
‫غرف األسرى وإ طالق الكالب تجاههم في سجن بئر السبع(‪ ،)3‬مع العلم أن هذا اإلضراب كان تضامنياً مع‬
‫سجن عسقالن‪ ،‬واإلدارة تعرف ذلك‪ ،‬ولم يكن إضراباً مطلبياً‪ ،‬لكن من الواضح أن هذا التصرف كان‬
‫للحفاظ على هيبة إدارة السجن الجديدة‪ ،‬حيث كان مدير السجن يعمل سابقاً ضابطاً في الجيش وبالتالي لم‬
‫يتورع في االعتراف بعد يومين "أن الجنود تجاوزوا صالحياتهم قليالً‪ ،‬وأن الضابط الذي أصاب األسرى‬
‫قد تم إحالته للقضاء وتبين فيما بعد أنه حكم عليه بالتوبيخ" (‪.)4‬‬

‫‪. In the name of God most merciful.‬‬


‫(‪ )1‬دافيد فري‪ :‬مذكرات الرملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.122‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬قدري أبو بكر‪ ،‬من القمع إلى السلطة الثورية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.93‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬وكالة األنباء الفلسطينية وفا‪ ،‬النشرات اليومية‪ ،‬مج‪ ،19/7/1977 ،36‬ص‪.346‬‬ ‫(‬
‫مارست إدارة السجون بأسلوب نقل األسرى من مكان اإلضراب لكنها كانت تخشى من عواقب ذلك‪،‬‬
‫وعليه ففي فترة الثمانينات كانت تعزل من يقود اإلضرابات إلى سجن الرملة حيث عزلت ستا وعشرين‬
‫سجيناً من سجن نفحة إلى سجن الرملة أثناء اإلضراب األول عام ‪ ،1980‬بل وفي نفس اليوم منعت أي‬
‫سجين من التجوال في ساحات السجن أو حتى قراءة الكتب(‪ ،)5‬ويعزي ذلك إلى أن أوضاع األسرى في‬
‫سجن الرملة لم تكن تهيئهم لديها لخوض أي إضراب وبالتالي فليس هناك خطر من المنقولين على هذا‬
‫السجن‪.‬‬
‫كما مارس أفراد الشرطة مع معتقلي سجن جنيد أثناء إضرابهم عام ‪ 1984‬سياسة الضرب التي‬
‫مارستها مصلحة السجون في كل مراحل االعتقال‪ ،‬وقد قاموا بتفتيش األسرى وتقيدهم من أيديهم ومن‬
‫أرجلهم وربطهم معاً‪ ،‬ويمكن إجمال الوسائل واألساليب التي استخدمتها إسرائيل أثناء إضراب األسرى‬
‫الفلسطينيين عن الطعام فيما يأتي‪:‬‬
‫استغالل اإلعالم وعزل المسئولين وقطع الصحف والمذياع وتوزيع بيانات كاذبة‪ ،‬وموافقة مدير السجن‬
‫بعد اليوم العاشر على تحقيق المطالب إذا أوقف األسرى إضرابهم وشواء الجنود للحم بجانب غرف‬
‫األسرى‪ ،‬ومنع المحامين من دخول السجن وحجب الماء والملح والحليب عن األسرى إضافة إلى اإلهمال‬
‫في اإلشراف الطبي‪.‬‬
‫أما عن دور الطاقم الطبي اإلسرائيلي فمن المعروف أن إسرائيل وقعت العديد من االتفاقيات والمواثيق‬
‫الدولية والتي تضمنت في نصوصها مهام الفرق الطبية العسكرية‪ ،‬ومنها إعالن طوكيو ‪ 1975‬والذي‬
‫صادقت عليه الجمعية العامة لألمم المتحدة عام ‪ ،1982‬والتي تفيد بعدم جواز تدخل الطبيب في تنفيذ أي‬
‫عقوبة‪ ،‬وأن ذلك يمثل مخالفة آلداب مهنة الطب‪ ،‬حتى أن الطبيب الذي يشهد على عزل السجين هي‬
‫مخالفة(‪ ،)1‬وبرغم إدعاء إسرائيل المتكرر أنها تثقف جنودها على ذلك‪ ،‬لكن واقع السجون المغلق يتيح‬
‫للجنود عمل ما يرونه مناسباً‪ ،‬حتى عام ‪ 1985‬وبرغم عشرات حوادث الوفيات داخل السجون والتي يؤكد‬
‫الفلسطينيون أنها ناتجة عن تعذيب وإ همال طبي أو إضراب عن الطعام‪ ،‬فلم تعترف إسرائيل بمسئوليتها‬
‫عن أحد هذه الوفيات ولم تحاكم أي شرطي بهذه التهمة‪ ،‬فكيف كانت معاملة فريقها الطبي للمضربين عن‬
‫الطعام؟‬

‫(‪ )5‬صحيفة هآرتس‪ ،30/7/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬اللجنة الدولية للصليب األحمر‪ :‬القواعد األساسية التفاقيات جنيف الرابعة‪ ،‬ط‪ ،4‬اللجنة الدولية للصليب األحمر‪ ،‬جنيف‪ ،1999 ،‬ص‪.39‬‬ ‫(‬
‫تأثر األسرى الفلسطينيون كثيراً بقضية وضع األنبوب إلطعام السجين المضرب عن الطعام بالقوة‬
‫وكان يتم ذلك بتقييد أيدي وأرجل السجين بالكرسي‪ ،‬ويتم سكب السائل داخل فمه أو من أنفه‪ ،‬وكان هذا‬
‫األسلوب سبباً في إصابة العشرات من األسرى بالقرحة المعدية والتهاب المريء(‪.)2‬‬
‫كانت إدارة السجون تعتبر الفحص الطبي أولى محاوالت إفشال اإلضرابات فقد كان الممرض يجلس‬
‫وبجانبه ضابط األمن ويقومون بممارسات عديدة أهمها‪:‬‬
‫ممارسة اإلحباط الشديد للسجين المضرب‬ ‫‪-‬‬
‫عرض التعامل مع اإلدارة‬ ‫‪-‬‬
‫اإليحاء للسجين بسوء وضعه الصحي‬ ‫‪-‬‬
‫التمييز بين السجناء في إعطائهم السوائل‬ ‫‪-‬‬
‫ففي سجن بئر السبع لم يقبل الممرض إعطاء عشرة من قيادات األسرى الغذاء االصطناعي واقتصر‬
‫على الماء فقط‪ ،‬وعليه تم نقل سبعة منهم للمستشفيات بعد إصابتهم بالضعف وجفاف الشرايين(‪.)3‬‬
‫سادساً‪ :‬نتائج اإلضرابات‬
‫فشلت الغالبية العظمى من اإلضرابات التي كان يقوم بها بعض األسرى بشكل فردي أو مجموعة في‬
‫تحقيق مطالبهم في السنوات األولى الفتتاح السجون‪ ،‬وحتى اإلضرابات األولى التي نظمتها بعض قيادات‬
‫التنظيمات والتي شملت بعض الغرف أو األقسام في بعض السجون‪ ،‬ولم تكن تحقق المطالب‪ ،‬وهذا ما‬
‫شهده سجنا بيت ليد والرملة‪ ،‬لكن هذا األسلوب كان يعبر عن استطاعة السجين التعبير عن رفضه‬
‫لظروف حياته داخل السجن‪ ،‬وأن ذلك كان يقلق اإلدارة‪ ،‬وهذا ما يجد تعبيراً عنه من خالل نقل اإلدارة‬
‫للعديد من األسرى ممن قادوا إضرابات صغيرة وبمجموعات صغيرة إلى سجون أخرى‪ ،‬برغم أن‬
‫اإلضراب لم يحقق أي نتائج لألسرى‪.‬‬
‫لقد كانت نتائج اإلضرابات محكومة بعدة عوامل أهمها‪:‬‬
‫مقدرة اإلدارة على عزل المضربين عن العالم الخارجي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عدد ونوعية الكوادر الموجودة في السجن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫طريقة ونمط إعداد التنظيمات لألسرى لإلضراب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عزل اإلدارة للنشيطين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تأثير نشاط األهالي والمؤسسات تجاه المضربين‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )2‬للتفاصيل عن هذا األسلوب انظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪.Palestine Monitor: Palestinian political prisoner, OP.cit.p23‬‬


‫(‪ )3‬صحيفة هآرتس‪ ،13/8/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬
‫طبيعة األوضاع السياسية في إسرائيل (نظام الحكم)‬ ‫‪-‬‬
‫يعتبر إضراب سجن عسقالن ‪ 1970‬أول تجربة منظمة من حيث اإلعداد وعدد المشاركين وتعاطي‬
‫األهالي والمؤسسات معها‪ ،‬لكن إسرائيل سخرت كل إمكانياتها السياسية والعسكرية واألمنية لإفشال هذا‬
‫اإلضراب وعليه فقد اختلفت النظرة إلى نتائج هذا اإلضراب‪ ،‬فيما يقول اإلسرائيليون أنهم أفشلوا إضراباً‬
‫سياسياً ولم يحقق فيه األسرى أي شيء‪ ،‬كان األسرى الفلسطينيون يختلفون في النظر إليه فالبعض ينظر‬
‫إليه على أن أول إضراب يستمر مدة ‪ 6‬أيام بهذا التنظيم‪ ،‬ورغم التنقالت فقد تحقق الكثير من إدخال‬
‫المواد الثقافية‪ ،‬وتوسيع غرفة الزيارة(‪ ،)1‬ويرى بعضهم اآلخر أن هذا اإلضراب حقق فوائد عديدة أهمها‬
‫أنه أول محاولة منظمة‪ ،‬لترسيخ الوحدة الوطنية بين األسرى‪ ،‬وعرفوا جيداً أنه ال إضراب بغير ثمن وأن‬
‫استشهاد عبد القادر أبو الفحم شكل حافزاً تاريخياً لكل اإلضرابات فيما بعد في كل السجون‪ ،‬لكن من‬
‫المالحظ أن هذه الفوائد األخيرة كلها تأتي ضمن النسق المعنوي‪ ،‬وليس أي شيء على األرض خاصة أن‬
‫المطالب كانت كلها من النوع المادي‪ ،‬ولم يكن غرض اإلضراب تحقيق الوحدة الوطنية أو معرفة كيف‬
‫سيكون ثمنه‪.‬‬
‫تعتبر نتائج إضراب سجن نفحة عام ‪ 1980‬بمثابة أول إضراب تتضح نتائجه بهذا الشكل‪ ،‬فيمكن فهم‬
‫ذلك من خالل مجموعة المطالب الكثيرة التي استجابت لها إدارة السجون‪ ،‬وتحقق غالبيتها على األرض‬
‫بمتابعة األسرى‪ ،‬وهم رافعوا سالح اإلضراب في أي وقت تتلكأ إدارة السجن عن تنفيذها‪ ،‬فقد أصبح‬
‫الوضع في هذا السجن بعد عدة أشهر من افتتاحه شبيهاً بالوضع في السجون األخرى(‪ ،)2‬ويمكن القول أن‬
‫نجاح هذا اإلضراب وتحقيقه هذه النتائج كان لعدة عوامل أهمها‪:‬‬
‫نوعية األسرى المضربين (أحكام عالية وقيادات من كل السجون)‬ ‫‪‬‬
‫تضامن كل السجون في إحداث قلق لإلدارة أثناء إضراب نفحة‬ ‫‪‬‬
‫نشاط األهالي والمؤسسات‬ ‫‪‬‬
‫رفض الرأي العام اإلسرائيلي لظروف سجن نفحة‬ ‫‪‬‬
‫طبيعة الظروف القاسية في هذا السجن‬ ‫‪‬‬
‫تطورت نتائج اإلضرابات بنمو وتطور عوامل النجاح التي ذكرناها سابقاً‪ ،‬ففي إضراب سجن جنيد عام‬
‫‪ 1984‬وبرغم األعداد الكبيرة لألسرى في السجن‪ ،‬فقد استطاع األسرى تسجيل نتائج هي أفضل من كل‬
‫سابقاتها على اإلطالق‪ ،‬والجديد فيه أن الكثير مما حققوه تم تطبيقه على بعض السجون األخرى‪ ،‬ففي هذا‬
‫اإلضراب دخل الراديو‪ ،‬وخف االزدحام وزادت ساعات الفسحة ومساحة المنطقة التي بها هذه الفسحة‪،‬‬

‫(‪ )1‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 2‬لإلطالع على قائمة المطالب التي استجابت لها اإلدارة أنظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫(‬
‫ودخل التلفزيون(‪ ،)1‬لكن ما سبب هذا النجاح‪ ،‬قد كانت هناك عوامل منطقية ساهمت في تحقيق هذه‬
‫النتائج‪ ،‬فقد كانت الدقة في التخطيط له وإ طالة مدة التعبئة النضالية‪ ،‬وشحن األسرى من قبل كل التنظيمات‬
‫التي كانت موحدة برغم أن عام ‪ 1984‬كان عاماً ليس إيجابياً على صعيد الوحدة الوطنية لفصائل منظمة‬
‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬بل إن المنظمة أسمته عام القرار الوطني الفلسطيني المستقل‪ ،‬وهذا ما عبر عنه تخلف‬
‫أغلب فصائل المنظمة عن حضور الدورة‪ 17‬للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في عمان في‬
‫نوفمبر‪ ،1984 /‬لكن رغم كل ذلك كان األسرى في منأى عن هذه الخالفات‪ ،‬وحتى الفصائل في الخارج‬
‫ساهمت جميعاً في تقديم الدعم المعنوي واإلعالمي لألسرى‪ ،‬وقد تسابق نشطاء الفصائل أثناء عقدهم‬
‫لمؤتمراتهم التنظيمية في نفس اليوم في جامعة بيرزيت إليضاح موقفهم من عقد دورة المجلس الوطني‬
‫الفلسطيني‪ 17‬تسابقوا إلى تقديم الدعم والتأييد وأغلب مادة المتحدثين كانت تأييداً للمضربين في سجن‬
‫جنيد(‪.)2‬‬
‫لكن يالحظ بعد إضراب سجن جنيد نظرت إدارة السجن وإ دارة مصلحة السجون لهذا السجن نظرة‬
‫خاصة‪ ،‬إذ كلما كان يقع أي خالف‪ ،‬وألقل األسباب كانت الشرطة تستخدم القوة ضد األسرى‪ ،‬ففي كانون‬
‫ثاني من عام ‪ 1985‬أي بعد شهرين على انتهاء اإلضراب تعرض معتقلو سجن جنيد إلى هجوم من ٍ‬
‫قوات‬
‫من الجيش وشرطة مصلحة السجون أطلقت خالله القنابل المسيلة للدموع وأدى إلى إصابة ‪35‬سجيناً(‪.)3‬‬

‫عمليات تبادل األسرى الفلسطينيين واإلسرائيليين‬

‫(‪ )1‬عن هذه النتائج أنظر‪ :‬جبريل الرجوب‪ :‬زنزانة ‪ ،704‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.188-184‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬مشاهدة الباحث ‪.17/11/1984‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬مجلة بلسم‪ ،‬ع‪ ،4/1985 ،118‬لقاء عبد العزيز شاهين‪ ،‬ص‪.66‬‬ ‫(‬
‫تميز الصراع العربي اإلسرائيلي بكثرة الحروب والمعارك بين األطراف في فترة زمنية قياسية‪ ،‬فحتى‬
‫عام ‪ 1982‬شهدت المنطقة سبعة حروب‪ ،‬إضافة إلى المناوشات والعمليات الفدائية المستمرة‪ ،‬وهذا ما‬
‫أدى إلى وجود الكثير من عمليات تبادل األسرى والتي كان أساسها وقوع أسرى من الطرفين‪ ،‬وقد كان‬
‫موضوع إطالق سراح السجناء مطلباً دائماً في عمليات فدائية‪ ،‬نجح بعضها‪ ،‬وفشل البعض األخر‪ ،‬ولو أنه‬
‫كان من الواضح أن الكثير من هذه العمليات لم يكن هدفها إطالق سراح األسرى بل كان مجرد مطلب‬
‫نهاية سيناريو وضعه مخططو هذه العمليات‪ ،‬ففي عام ‪ 1972‬وعندما احتجز فدائيو منظمة أيلول األسود‬
‫البعثة الرياضية اإلسرائيلية في (أولمبيات ميونخ) لم يكن هدف العملية إطالق سراح سجناء كما طالب‬
‫الفدائيون‪ ،‬بل كانت العملية إلثبات وجود منظمة التحرير الفلسطينية ورفض اللجنة األولمبية مشاركة‬
‫فلسطين في األلعاب‪ ،‬كذلك اختطاف فدائيي قوات ‪ 17‬الفلسطينية عام ‪ 1985‬يختاً في المياه المقابلة‬
‫لشواطئ الرنكا القبرصية وعليه سيدة إسرائيلية وقتلها بعد أقل من ساعتين في وقت لم تكن أي قوات‬
‫عسكرية تهاجم الفدائيين‪ ،‬كان ذلك يدلل على أن هدف العملية هو قتل هذه السيدة وليس إطالق سراح‬
‫جميع األسرى الفلسطينيين قبل حلول المساء كما طالب الفدائيون‪ ،‬وقد عللوا ذلك فيما بعد بأن هذه السيدة‬
‫كانت مسئولة كبيرة في المخابرات اإلسرائيلية‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬عمليات تبادل األسرى بين الدول العربية وإ سرائيل‬


‫فبعد حرب ‪ 1948‬أجرت إسرائيل عمليات تبادل أسرى مع مصر واألردن وسوريا ولبنان‪ ،‬حيث كان‬
‫في أيدي المصريين ‪ 156‬جندي إسرائيلي‪ ،‬وفي أيدي األردن ‪ 673‬جندي‪ ،‬ومع السوريين ‪48‬جندي‪،‬‬
‫وثمانية جنود مع لبنان‪ ،‬أما إسرائيل فقد كانت تحتجز ‪ 1098‬مصرياً‪ ،‬و‪ 78‬سعودياً‪ 25 ،‬سودانياً‪24 ،‬‬
‫يمنياً‪ 17 ،‬أردنياً‪ 36 ،‬لبنانياً‪ 57 ،‬سورياً‪ 5021 ،‬فلسطينياً‪ ،‬وقد نفذت إسرائيل عمليات التبادل مع كل من‬
‫ابتداء من مصر‬
‫ً‬ ‫مصر واألردن ولبنان وسوريا بالترتيب الزمني حسب توقيع كل دولة التفاق الهدنة‬
‫بتوقيع اتفاقية الهدنة في رودس فبراير‪ ،)1949(1/‬ويتضح أن آخر صفقة تبادل لألسرى ممن أسروا في‬
‫هذه الحرب كانت مع سوريا كونها تأخرت في توقيع اتفاق الهدنة مع إسرائيل مرتين‪.‬‬
‫وحتى عام ‪ 1967‬تبادلت مصر مع إسرائيل األسرى مرتين في عامي ‪ 1955‬و‪ 1957‬ولم تتضمنا‬
‫أسرى فلسطينيين‪ ،‬ويعزى السبب إلى كون األسرى وقعوا من الطرفين خالل عمليات عسكرية مباشرة‬
‫وكذلك لم تكن بعد عمليات المقاومة الفلسطينية تأخذ منحى مستقالً فقد كانت تحت إشراف القائد المصري‬
‫مصطفى حافظ‪ ،‬وقد تبادلت سوريا مع ٍإسرائيل األسرى ثالث مرات في األعوام ‪.1963 ،1961 ،1955‬‬

‫(‪ ) 1‬عيسى الشرباتي‪ :‬تاريخ عمليات تبادل األسرى مع إسرائيل‪ ،‬صحيفة القدس‪ ،27/9/2003 ،‬ص‪.12‬‬ ‫(‬
‫عقب حرب ‪ 1967‬نفذت الدول العربية عدة اتفاقيات لتبادل األسرى مع إسرائيل وشملت بعضها أسرى‬
‫فلسطينيين وكانت كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬األردن‪ :‬نفذت اتفاقية تبادل أسرى عام ‪ 1968‬ولم يكن فيها أي معتقل فلسطيني(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬سوريا‪ :‬نفذت أربع عمليات تبادل أسرى مع إسرائيل في األعوام ‪،1971،1973،1974،1984‬‬
‫وهذه‬
‫األخيرة تبادلت فيها ثالثة جنود إسرائيليين وخمسة جثث مقابل ‪ 291‬جندي سوري وثالثة عشر مواطناً‬
‫سورياً ورفات ‪ 74‬جندياً(‪ ،)2‬والمالحظ أن كافة صفقات تبادل األسرى بين سوريا وإ سرائيل لم تتضمن‬
‫اإلفراج عن أي معتقل فلسطيني‪ ،‬بل إنها لم تفلح في اإلفراج عن كل األسرى السوريين‪.‬‬
‫ج‪ -‬مصر‪ :‬نفذت ست عمليات تبادل أسرى مع إسرائيل في الفترة من ‪ 1967‬وحتى ‪ 1975‬هي (‬
‫‪"1971 -1968‬مرتان"‪ ،)1975 -1974 -1973 -‬وقد تضمنت أخر اتفاقيتين اإلفراج عن أسرى‬
‫فلسطينيين ففي آذار ‪ 1974‬أطلقت مصر سراح جاسوسين إسرائيليين مقابل خمسة وستين أسيراً فلسطينياً‬
‫من ذوي األحكام العالية‪ ،‬وكذلك تبادلت مع إسرائيل عام ‪ 1975‬جثث ورفات تسعة وثالثين جندياً‬
‫إسرائيلياً مقابل اإلفراج عن اثنين وتسعين أسيراً فلسطينياً‪ ،‬إن اقتصار هاتين الصفقتين على األسرى‬
‫الفلسطينيين يعود أصالً إلى أنهما حدثتا في فترة العام ونصف العام التي تلت حرب ‪ ،1973‬والتي لم يكن‬
‫فيها أي معتقل مصري في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬فقد أنهت مراحل تبادل األسرى التي تلت هذه الحرب في‬
‫‪ 22/11/1973‬آخر جندي مصري في السجون اإلسرائيلية حتى ذلك التاريخ(‪.)3‬‬

‫ثانياً ‪ :‬عمليات تبادل األسرى بين المنظمات الفلسطينية وإ سرائيل‬


‫أ‪ -‬عمليات التبادل ‪1981 -1968‬‬
‫شهد عام ‪ 1968‬تنافساً حاداً بين المنظمات الفلسطينية في تنفيذ العمليات الفدائية ضد إسرائيل‪ ،‬فقد‬
‫كانت هذه المنظمات تشهد حالة من المد‪ ،‬مدعومة بتأييد واسع من بعض الحكومات العربية‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫الرئيس المصري جمال عبد الناصر‪ ،‬وكذلك القوة التي تمتعت بها في األردن‪ ،‬وقد تمثلت ذروة هذا المد‬
‫في معركة الكرامة في مارس ‪ ،1968‬فكانت نتائجها زيادة في هذا التنافس‪ ،‬وكان تنفيذ عمليات أخذ‬
‫الرهائن هي من أهم سماته‪ ،‬وبالتالي شهدت السنوات التي تلت ذلك العديد من عمليات التبادل لألسرى مع‬

‫(‪ )1‬الحديث يدور عن أسرى حرب‪ 1967‬وليس عن أسرى معركة الكرامة التي وقعت في ‪.21/3/1968‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬للتفاصيل عن هذه الصفقة أنظر‪ :‬صحيفة‪:‬‬ ‫(‬

‫‪Jerusalem Post, 29-6-1984‬‬


‫(‪ )3‬ابتدأ تبادل األسرى في ‪ 15/11/1973‬واستمر لمدة أسبوع أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪Jerusalem Post, 23-11-1973‬‬


‫إسرائيل‪ ،‬وقد اختلفت ظروف هذه العمليات وأسبابها وأهدافها والجهات التي قامت عليها وهذه العمليات‬
‫هي‪:‬‬
‫تبادل األسرى ‪ 1968‬حيث نجحت مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أيام من‬ ‫‪-1‬‬
‫معركة الكرامة من اختطاف طائرة تابعة لشركة العال اإلسرائيلية وإ لزامها بالهبوط في الجزائر‪،‬‬
‫ونجحوا في إطالق سراح أربعة عشر ضابطاً فلسطينياً عملوا ضمن نشاط المقاومة الذي أشرف‬
‫عليه القائد المصري مصطفى حافظ‪ ،‬ولم تفرج عنهم إسرائيل حتى يوم هذه العملية(‪ ،)1()1‬ومما‬
‫سهل اختطاف الطائرات في ذلك الحين‪ ،‬صالحيات المنظمات الفلسطينية في مطار عمان الدولي‬
‫وتنقلهم إلى مختلف المطارات األخرى في العالم عبره‪.‬‬
‫تبادل األسرى ‪ 1971‬عندما تمكنت مجموعة من منظمة فتح من أسر المستوطن اإلسرائيلي‬ ‫‪-2‬‬
‫روزف فاستنز عند الحدود الفلسطينية اللبنانية‪ ،‬وتم مبادلته في ‪ 28/2/1971‬مع السجين محمود‬
‫أبو بكر حجازي‪ ،‬وكان هذا التبادل مناسبة هامة لقرار المجلس الوطني الفلسطيني اعتبار يوم‬
‫‪ 28/2‬من كل عام يوم اٍأل سير الفلسطيني(‪ ،)2()2‬وقد عبرت هذه العملية عن مدى خطورة ونجاح‬
‫الوجود الفلسطيني في لبنان‪ ،‬الذي استطاع وفي فترة قصيرة من انتقاله من األردن إثبات وجوده‬
‫بهذه العمليات العسكرية‪ ،‬أو إلزام إسرائيل بتنفيذ عمليات تبادل األسرى‪.‬‬
‫تبادل األسرى ‪ 1979‬حيث إن إسرائيل قامت بغزو لبنان في مارس‪ 1978/‬رداً على عملية‬ ‫‪-3‬‬
‫الساحل التي قام بها فدائيو منظمة فتح‪ ،‬والتي قتل فيها العشرات من اإلسرائيليين‪ ،‬وقد سميت هذه‬
‫العملية اإلسرائيلية بعملية الليطاني‪ ،‬وقد كانت أول غزو إسرائيلي للبنان بهذا الشكل حيث وصلوا‬
‫إلى مدينة صور‪ ،‬وعلى مشارف مخيم الرشيدية لالجئين الفلسطينيين استطاع فدائيوا الجبهة‬
‫الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة خطف جندي وقتل أربعة من زمالئه‪ ،‬وعلى إثرها تم تبادل‬
‫األسرى بعد عام تقريباً من هذا الحادث في ‪ 14/3/1979‬حيث أفرجت إسرائيل مقابل الجندي‬
‫عن ستة وسبعين سجيناً فلسطينياً(‪ ،)3‬ويالحظ أن هذه الصفقة تضمنت أسرى المعين في السجون‪،‬‬
‫وكذلك أغلب السجينات‪ ،‬وهذا يعني اإلفراج عن رسمية عودة‪ ،‬ومريم الشخشير‪ ،‬إضافة إلى تأثير‬

‫(‪ )1()1‬عن تفاصيل هذه العملية أنظر‪:‬‬


‫‪.Jerusalem Post, 26-3-1968,P.1‬‬
‫(‪ )2()2‬يعتبر محمود أبو بكر حجازي أول أسير للثورة الفلسطينية في السجون اإلسرائيلية حيث اعتقل يوم ‪ 1/1/1965‬أثناء تنفيذ عملية مهاجمة نفق‬
‫عيلبون وهي أول عملية عسكرية لقوات العاصفة التابعة لحركة فتح‪ ،‬وقد تم فيما بعد تبديل يوم األسير إلى ‪ 17/4‬من كل عام‪ ،‬وعن هذا التبادل‬
‫أنظر‪:‬‬
‫‪-Jerusalem Post, 1-3-1971,P.1‬‬
‫)‪Jerusalem Post, 15-31979,P.1. (3‬‬ ‫(‬
‫هذا التبادل سلبياً على حياة وزير الدفاع اإلسرائيلي آنذاك عيزر وايزمن الذي تغير في االنتخابات‬
‫التي خسرتها هذه الحكومة ليحل محله رئيس الوزراء الحالي أرئيل شارون‪.‬‬
‫تبادل األسرى ‪ 1981‬ولم يكن أسرى من الطرفين بل كان اإلفراج عن عدد من األسرى‬ ‫‪-4‬‬
‫الفلسطينيين مقابل تسلم الجندي دافيد شامير في عملية الليطاني‪ ،‬ولم يكونوا ضمن صفقة التبادل‬
‫عام ‪ ،)1979(4‬وقد تميزت هذه العملية بـما يلي ‪:‬‬
‫كان مطلب م‪.‬ت‪.‬ف في السماح بدفن نعيم خضر المسئول الكبير في منظمة فتح في قرية الزبابدة‬ ‫‪-‬‬
‫شمال الضفة الغربية‪ ،‬ورفضت إسرائيل على الفور لتخوفها من أن يصبح ذلك تقليداً‪.‬‬
‫إن مكان دفن الجثث كانت تسيطر عليه منظمة فتح وبعد ذلك صارت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‬
‫القيادة العامة وهذا الذي جعلها هي الطرف الفلسطيني في هذا التبادل‪.‬‬
‫ب‪ -‬عملية تبادل األسرى ‪1983‬‬
‫خاضت إسرائيل حرب ‪ 1982‬تحت شعار عملية سالمة الجليل‪ ،‬وذلك بهدف منع تساقط صورايخ‬
‫الكاتيوشا على أراضيها‪ ،‬وقد دخلت قواتها المدن والقرى والمخيمات في لبنان‪ ،‬واستطاع الفلسطينيون ومن‬
‫قاتل معهم إيقاع خسائر عسكرية وسياسية بإسرائيل‪ ،‬كان وقوع عدد من جنودها أسرى من أهم معالم هذه‬
‫الخسارة‪ ،‬وفي معركة واحدة أسر فدائيو منظمة فتح ثمانية جنود أخذت منظمة الجبهة الشعبية لتحرير‬
‫فلسطين القيادة العامة اثنين منهم مقابل مساعدتها في نقل الستة اآلخرين إلى مكان أمن(‪.)1‬‬
‫حاولت إسرائيل عبثاً إضافة بند اإلفراج عن أسراها ضمن اتفاقية الخروج التي رعاها الوسيط‬
‫األمريكي فيليب حبيب‪ ،‬لكن الفلسطينيين أفلحوا في عدم االعتراف بأنهم يملكونهم‪ ،‬ويمكن فهم ذلك من‬
‫خالل تعهد كل األطراف بتقديم كل المساعدات اإلنسانية التي تكفل البحث عن المفقودين في الحرب‪،‬‬
‫وحافظ الفلسطينيون على األسرى رغم خروج القوات الفلسطينية من لبنان وبقاء جزء يسير منها في‬
‫البقاع ومن المؤكد أن األسرى كانوا في عهدة هذه القوات‪ ،‬فليس من المعقول أن يتم إخراجهم من لبنان‬
‫وإ عادتهم إلى داخل طرابلس التي خرجوا منها إلى إسرائيل فيما بعد‪ ،‬ولم أعثر في أقوال األسرى‬
‫اإلسرائيليين للصحافة فيما بعد ما يفيد بركوبهم طائرات أو أنه تم السير بهم مسافات طويلة ما يؤكد أنهم‬
‫بقوا في لبنان طوال فترة أسرهم‪ ،‬إضافة إلى أن مراسالتهم لذويهم عن طريق الصليب األحمر لم تتوقف‬
‫بل إن صيف ‪ 1983‬وهو بداية الصدامات بين قوة فتح الموجودة في البقاع مع المنشقين عن الحركة‬
‫المدعومين من سوريا‪ ،‬وهذه الفترة كانت ذروة عدد المراسالت والتي تفيد بمعاملة المنظمة لهم معاملة‬

‫(‪ )4‬عن تفاصيل هذه العملية أنظر‪ :‬صحيفة الفجر‪ ،16/6/1981 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬أنظر ملحق رقم (‪:)3‬ويوضح أسماء األسرى اإلسرائيليين وبعض المعلومات عنهم وجميعهم تم أسرهم في ‪ 4/9/1982‬قرب بحمدون‪.‬‬ ‫(‬
‫حسنة(‪ ،)2‬مع نهاية ديسمبر ‪ 1982‬كان أسرى معتقل أنصار على اتصال دائم مع قيادتهم في الخارج‪،‬‬
‫والبد أن يكون موضوع اإلفراج عنهم من أهم الموضوعات التي تتضمن هذه المراسالت إضافة إلى‬
‫عبارات التأييد والبيعة للقيادة كما هي العادة في مراسالت التنظيمات‪.‬‬
‫صارت المفاوضات بوساطة مدير مكتب المستشار النمساوي برونوكرايسكي ويدعى د‪.‬هربرت أمري‬
‫وتعيين ضابط كبير في فتح يدعى أبو زياد يعبر عن نية الطرفين التقدم في المفاوضات حول األمر وهذا‬
‫األخير سرعان ما طلب تشكيل لجنة من المنظمة وتم تشكيلها من‪:‬‬
‫جمال الصوراني‪ :‬عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيساً‬ ‫‪-‬‬
‫عضواً‬ ‫‪ -‬نبيل الرمالوي ‪ :‬ممثل المنظمة في جنيف‬
‫عضواً‬ ‫‪ -‬المالزم نور علي‪ :‬وهو من القيادة الميدانية لقوات فتح في البقاع‬
‫عضواً‬ ‫‪ -‬العقيد فخري شقورة‪ :‬رئيس االستخبارات العسكرية الفلسطينية‬
‫عضواً‬ ‫‪ -‬أبو حازم الشهابي‪ :‬من منظمة الجبهة الشعبية (القيادة العامة)‬
‫(‪)1‬‬
‫عضواً‬ ‫‪ -‬صالح التعمري‪ :‬قائد أسرى سجن أنصار‬

‫استمرت المفاوضات بهدوء حتى شهر أكتوبر ‪ 1983‬حيث كانت تتم بشكل يومي وبتنازالت من‬
‫الطرفين خاصة في منتصف نوفمبر ‪ ،1983‬ويمكن أن نعزو ذلك إلى حالة الطرفين‪ ،‬فالطرف الفلسطيني‬
‫كانت سوريا وقوات المنشقين قد أطبقوا الحصار عليهم وسط طرابلس بشمال لبنان‪ ،‬ومن ضمنهم ياسر‬
‫عرفات‪ ،‬و كيان المنظمة أصبح في خطر حقيقي فهي بحاجة ماسة ألي انتصار سياسي‪ ،‬فكان هذا المخرج‬
‫هو الوحيد وأن يتم قبل الخروج من طرابلس وإ ذا تم الخروج فمن هي الدولة التي ستقبل أن يكون على‬
‫أراضيها أسرى يهود؟‬
‫أما على الطرف اإلسرائيلي فقد كانت الضغوط نفسها على الحكومة خاصة بعد نشر الصحف أن‬
‫األسرى هم مع قوات عرفات وسط المعارك‪ ،‬وحياتهم باتت معرضة للخطر أكثر من أي وقت مضى‬
‫فوافقت إسرائيل على اإلفراج عن كل معتقلي أنصار‪ ،‬ومائة من سجون الداخل‪ ،‬واإلفراج عن وثائق‬
‫ابتداء من نقل األسرى اإلسرائيليين إلى‬
‫ً‬ ‫مركز األبحاث الفلسطيني‪ ،‬وذلك بإجراءات تتم على مراحل‬
‫زوارق في البحر تصل إلى سفينة إسرائيلية‪ ،‬وفي نفس الوقت نقل األسرى إلى مطار اللد لتحط الطائرات‬
‫أخيراً في الجزائر‪ ،‬وتختلف الروايات بين المصادر اإلسرائيلية والفلسطينية حول األعداد لكن الصليب‬

‫(‪ )2‬عن هذه المراسالت أنظر‪ :‬نوال حالوة‪ :‬أسرى البقاع‪،‬ط‪،1‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪،‬بيروت‪،1990،‬ص‪.15-6‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬دينا عبد الحميد‪ :‬للفجر نغني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.225‬‬ ‫(‬
‫األحمر أشار في بيانه إلى اإلفراج عن ‪ 4500‬سجين من أنصار (جنسيات مختلفة) مقابل ستة‬
‫إسرائيليين(‪ ،)2‬وجرت عملية التبادل في ليل الخميس ‪ 24/11/1983‬ونشرت الصحف اإلسرائيلية عن‬
‫دور كل من الصليب األحمر وفرنسا والنمسا ومصر والجزائر في إنهاء هذا الموضوع‪ ،‬ونجاح عملية‬
‫التبادل‪ ،‬ويبدو أن عرفات كان يعرف أن تحريره آلالف األسرى‪ ،‬وتناقل تلفزيونات العالم ذلك سيعطيه‬
‫نصراً سياسياً خاصة أن رؤساء دول ووفود رسمية كانت في أو زيارتهم في معسكرهم في الجزائر وعلى‬
‫رأسهم الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد(‪.)3‬‬
‫حرص ياسر عرفات على االستفادة سياسياً قدر اإلمكان من هذه الصفقة‪ ،‬فقد أصر على أن يكون كل‬
‫السوريين والليبيين األسرى على رأس القائمة‪ ،‬وفعالً تم إطالق سراح ‪ 136‬أسيراً سورياً وأربعة ليبيين‪،‬‬
‫وتم اإلفراج كذلك عن ستة سجينات جميعهن محكومات مدى الحياة إضافة إلى خمسة وعشرين سجيناً من‬
‫أنصار(‪،)4‬وقدأخلت إسرائيل ببنود االتفاق وبالتأكيد حرصت على أال يعوق هذا اإلخالل انجاز تحرير‬
‫األسرى اإلسرائيليين(‪.)5‬‬
‫جـ‪ :‬عملية تبادل األسرى ‪1985‬‬

‫(‬
‫‪(2) A declaration reported by the International Red Cross Committee, 20/05/1985: "The International‬‬
‫‪committee supervises prisoners exchange between Israel and General Leadership of Public Block‬‬
‫‪Organization".‬‬
‫(‪ )3‬نقل مراسل مجلة فلسطين الثورة استقبال المحررين أنظر‪ :‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،10/12/1983 ،487‬ص‪.11‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬محمد عزت نصر اهلل‪ :‬عملية تبادل‪ 1983‬األسرى‪ ،‬مركز األبحاث الفلسطيني‪ ،‬منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬بيروت‪،1984،‬ص‪.55‬‬ ‫(‬

‫(‪ )5‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،487‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫(‬


‫ارتبطت عملية تبادل األسرى التي جرت في ‪ 20/5/1985‬بين إسرائيل ومنظمة الجبهة الشعبية‬
‫لتحرير فلسطين القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل بالغزو اإلسرائيلي للبنان عام ‪ ،1982‬كون األسرى‬
‫اإلسرائيليين الثالثة تم أسرهم خالل هذه الحرب‪ ،‬بل إن أول أسير في هذه الحرب كان ضمن هذه الصفقة‬
‫وهي المجندة اإلسرائيلية حازي شاي‪ ،‬والتي تم أسرها خالل معركة السلطان يعقوب في جنوب لبنان في‬
‫‪ 11/6/1982‬أي‬
‫بعد عدة أيام من بداية الغزو(‪ ،)1‬لكن إسرائيل واجهت مشكلة في عدم إعالن أي من أطراف القتال عن‬
‫أسره لها‪ ،‬بل إنها لم تكن تملك أي معلومات استخبارية عن أن منظمة الجبهة الشعبية هي التي قامت بأسر‬
‫المجندة‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل مطالبتها لمنظمة فتح في اتفاقية تبادل األسرى ‪ 1983‬البحث عن المجندة‪،‬‬
‫أو أي معلومات عنها‪ ،‬وقد كان بحوزة هذه المنظمة جنديان آخران من نفس السرية التي كانت مع منظمة‬
‫فتح وهما‪ :‬يوسف جروف ونسيم سالم اللذان تم أسرهما في ‪ 4/9/1984‬في معركة قرب بحمدون جنوب‬
‫لبنان‪.‬‬
‫رفضت منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة االنضمام إلى مفاوضات تبادل األسرى‬
‫التي كانت تحت رئاسة ياسر عرفات الذي شكل لجنة ووضع في عضويتها أحد مسئولي الجبهة أبو حازم‬
‫الشهابي‪ ،‬لكنه كان من الواضح عدم رغبة الجبهة التعاون مع هذه اللجنة‪ ،‬ويعزى ذلك إلى عدة أسباب‬
‫أهمها أن الجبهة كانت تعيش في ذروة قوتها العسكرية‪ ،‬وأنها كانت أقرب الفصائل الفلسطينية إلى سوريا‬
‫بعد الخروج من بيروت فقد قبلت سوريا معظم قوات الجبهة‪ ،‬ويتضح هذا من مشاركتها في مالحقة قوات‬
‫حركة فتح من سهل البقاع حتى طرابلس‪.‬‬
‫كانت الجبهة الشعبية تحاور إسرائيل في هذه العملية عبر الطرق الدولية بواسطة الصليب األحمر‬
‫والنمسا‪ ،‬وسلكت نفس سلوك فتح بإعطاء أهمية ودور لقيادة األسرى في السجون اإلسرائيلية للمشاركة في‬
‫هذه المفاوضات‪ ،‬ومنذ شهر أغسطس ‪ 1984‬عندما بدأت المفاوضات تأخذ منحى جدياً اتصلت بقيادة‬
‫السجون‪ ،‬عبر مسئول معتقلي الجبهة حافظ الدلقموني الذي شكل لجنة ثالثية من غير تسميات وهم(‪:)2‬‬
‫غازي أبو جياب من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‬ ‫‪-‬‬
‫حافظ الدلقموني من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة‬ ‫‪-‬‬
‫احمد نصر من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )1‬حيث اعترف الناطق بلسان الجيش اإلسرائيلي بفقدان هذه المجندة‪ ،‬أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪Jerusalem post, 12-6-1982,P.1‬‬


‫(‪ )2‬مقابلة مع احمد نصر مسئول معتقلي حركة فتح في السجون عام ‪ ،1985 -1984‬أجريت في فبراير‪.2004/‬‬ ‫(‬
‫وقد قامت هذه اللجنة بإعداد القوائم حسب مقاييس اتفقوا عليها سلفاً‪ ،‬فيما وجد الباحث أن بعض‬
‫يتبق في حكمها أكثر من عام‪ ،‬ولكن كان هناك عوامل‬‫الحاالت الخاصة قد وضعت مع القوائم و التي لم َ‬
‫صحية وأمنية تساهم في ذلك‪ ،‬ولم تعترض قيادة الجبهة في الخارج على القوائم‪ ،‬ولم يكن لالنتماء أي‬
‫عالقة باألفضلية‪.‬‬
‫أفرجت الجبهة الشعبية في هذه العملية عن ثالثة من الجنود اإلسرائيليين مقابل اإلفراج عن ‪1050‬‬
‫أسيراً من السجون اإلسرائيلية من جنسيات مختلفة‪ ،‬وكان من بينهم ‪ 779‬أسيراً أمنياً كانوا في سجون‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل و‪ 150‬أحضروا في اآلونة األخيرة من أنصار بعد إنهاء المرحلة‬
‫الثانية من االنسحاب اإلسرائيلي من جنوب لبنان‪ ،‬وكذلك ‪ 121‬أسيراً بقوا في قبضة إسرائيل بعد عملية‬
‫التبادل ‪ ،1983‬وقد اختار ‪ 294‬أسيراً السفر إلى ليبيا و‪ 151‬نقلوا إلى سوريا (أغلبهم من معتقلي الفصائل‬
‫الموالية لسوريا)‪ ،‬فيما عاد ‪ 605‬أسرى إلى بيوتهم داخل فلسطين(‪ ،)4‬ويمكن القول أن جميع من اختار‬
‫البقاء في فلسطين هم من لهم بطاقات شخصية أي ليسوا من الفلسطينيين المقيمين في الخارج‪ ،‬وكذلك‬
‫اختار جميع العاملين في المنظمات العودة إلى الخارج لاللتحاق بعملهم في المنظمة أو ذويهم‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫جميع أسرى الدوريات(*)‪ ،‬اختاروا العودة إلى الخارج‪.‬‬
‫لم تلتزم إسرائيل بكافة بنود االتفاقية‪ ،‬فقد أعادت اعتقال العديد من المفرج عنهم بعد أيام أو أسابيع‪ ،‬ولم‬
‫تشفع لهم الشكاوي التي قدمت إلى اللجنة الدولية للصليب األحمر باإلفراج عنهم‪ ،‬وكذلك رفضت إعادة‬
‫البطاقة الشخصية للعشرات منهم في الضفة وغزة ما يعني فرض اإلقامة الجبرية عليهم(‪.)1‬‬
‫اتسمت ردة فعل المجتمع اإلسرائيلي على عملية تبادل األسرى ‪ 1985‬بالتطرف بدرجة فاقت مثيالتها‬
‫في عمليات تبادل األسرى السابقة‪ ،‬فبعد أربعة أيام من التبادل كان أكثر من ‪ %80‬من المجتمع اإلسرائيلي‬
‫يؤيد فرض عقوبة اإلعدام على رجال المقاومة الفلسطينية و أكثر من ‪ %60‬من هذا المجتمع يرفض تلك‬
‫االتفاقية(‪،)2‬ويعزى هذا الموقف إلى عوامل عديدة أهمها‪:‬‬
‫مثلت هذه الفترة أول رئاسة للحكومة من حزب العمل منذ العام ‪ 1977‬فكانت حالة الصراع بين‬ ‫‪-1‬‬
‫اليمين واليسار محتدمة‪.‬‬
‫وصول المستوطنين إلى ذروة قوتهم في المجتمع اإلسرائيلي عام ‪.1985 -1984‬‬ ‫‪-2‬‬

‫(‪ )1‬شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،148 -147‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.155‬‬ ‫(‬

‫سواء عبر الحدود براً أو بحراً أو جواً وبهم عدد كبير من األسرى من‬
‫ً‬ ‫(*) مصطلح أطلق على كل من اعتقل وهو قادم لتنفيذ عمليات عسكرية‬ ‫(‬

‫غير الفلسطينيين‪.‬‬
‫(‪ )2‬فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،10/6/1985 ،560‬ص‪.29‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 3‬جاء ذلك ضمن استطالع للرأي أجراه مركز االستطالعات في جامعة بار إيالن اإلسرائيلية لصالح صحيفة يديعوت أحرونوت‪ ،‬أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫صحيفة يديعوت أحرونوت‪ ،24/5/1985 ،‬ص‪.1‬‬


‫اعتقال العشرات من أعضاء التنظيم اليهودي السري والحكم عليهم بتهم القتل ومهاجمة العرب‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫رفض جزء كبير من القيادة السياسية والعسكرية لهذه الصفقة‪ ،‬وقبل عامين من هذا لم تكن هذه‬ ‫‪-4‬‬
‫العوامل موجودة‪ ،‬وهنا يتضح الفرق في الموقف اإلسرائيلي من صفقة ‪ 1983‬وصفقة ‪،1985‬‬
‫ففي الثانية تعرض العشرات من المحررين لممارسات المستوطنين بمهاجمة بيوتهم أو تهديدهم‪.‬‬
‫تأثر األسرى الفلسطينيون الذين بقوا في السجون بعد عملية التبادل هذه سلباً‪ ،‬فقد تطلب األمر إعادة‬
‫تشكيل كافة الهياكل التنظيمية لكل التنظيمات الفلسطينية‪ ،‬وفي الغالبية العظمى من السجون‪ ،‬وأفرزت هذه‬
‫المرة قيادات اختلف تفكيرها تجاه أغلب القضايا عن القيادات السابقة‪ ،‬وكذا على الجانب اإلسرائيلي‪ ،‬فقد‬
‫أعادت إسرائيل تقييم سياستها تجاه األسرى وقامت بتغيير في قيادة مصلحة السجون وكذلك في بعض‬
‫مدراء السجون وعلى رأسها سجن عسقالن‪.‬‬
‫أما على صعيد األسرى فقد اتسمت القيادات الجديدة بالتطرف أكثر في تعاملها مع اإلدارة‪ ،‬كون هذه‬
‫القيادات من محدودي الخبرة‪ ،‬وكذا كانت التغيرات الجديدة في مصلحة السجون تعبر عن نقل مدراء أكثر‬
‫تطرفاً للسجون التي حصل فيها األسرى في األعوام األخيرة على امتيازات كثيرة كعسقالن وجنيد‪ ،‬وهذا‬
‫ما وفر األجواء المناسبة لحصول الكثير من الصدامات بين األسرى والشرطة‪ ،‬ويعد النصف الثاني من‬
‫عام ‪ 1985‬وبداية ‪ 1986‬أكثر فترة على اإلطالق تسجل فيها حوادث الصدامات بين الطرفين‪.‬‬
‫الدور النضالي للسجينات الفلسطينيات واألطفال الفلسطينيين‬
‫تحملت شرائح وفئات الشعب الفلسطيني بأكمله المصاعب والمآسي التي خلفها االحتالل اإلسرائيلي‬
‫للضفة الغربية وقطاع غزة عام ‪ ،1967‬وكان لممارسات إسرائيل في اعتقال الرجال أو هدم المنازل تأثير‬
‫على مشاركة الشيوخ واألطفال والنساء والرجال في مقاومة هذا االحتالل‪ ،‬فكان من الطبيعي أال تفرق‬
‫القوات اإلسرائيلية في سلوكها بين هذه الفئات‪ ،‬وكان اعتقال النساء واألطفال أحد أوجه هذا السلوك‪.‬‬
‫ساهمت المرأة الفلسطينية في صياغة معالم الحركة الوطنية الفلسطينية بكل عناصرها‪ ،‬فقد شاركت في‬
‫وانتهاء بالعمليات االستشهادية‪ ،‬فكان أن دخلت المرأة‬
‫ً‬ ‫التعبير عن رفض االحتالل بالكلمة والخطاب‪،‬‬
‫الفلسطينية السجون‪ ،‬وتحملت كل مراحل االعتقال من بدايته حتى اإلفراج عنها‪ ،‬وشاركت الزوج في‬
‫المكوث في السجون في نفس الفترة تاركات أسراً من األطفال خلفهم‪ ،‬وتجمعت األم مع أبنائها إن لم يكن‬
‫مع أطفالها‪ ،‬بل ووضعت مولودها داخل السجون‪ ،‬فكان من الطبيعي أن يكون لها ولألطفال دور نضالي‬
‫من أجل الوصول إلى ما وصل إليه بقية األسرى في تحسين أحوالهم المعيشية والتعبير عن انتمائهم‬
‫لوطنهم أو لتنظيمهم فكيف كان هذا الدور النضالي؟‬

‫أوالً‪ :‬الدور النضالي للسجينات الفلسطينيات في السجون اإلسرائيلية‬


‫تضمنت اتفاقيات جنيف التي وقعت عليها إسرائيل نصوصاً توضح كيفية التعامل مع النساء األسيرات‪،‬‬
‫وطالبت عمل كافة االعتبارات التي تراعي جنسهن ومعاملتهن معاملة مالئمة ال تقل عن معاملة األسرى‬
‫الرجال(‪ ،)1()1‬لكن هل راعت إسرائيل تلك النصوص في معاملتها مع السجينات الفلسطينيات؟‬
‫أرى أن إسرائيل لم تلتزم بالكثير من نصوص تلك االتفاقيات التي وقعت عليها‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق‬
‫بأسرى الحرب‪ ،‬فهي لم تعترف أصالً بأن األسرى الفلسطينيين أسرى حرب‪ ،‬فكيف ستتعامل مع تلك‬
‫التفاصيل في هذه االتفاقيات؟ وكانت معاملتها للسجينات الفلسطينيات تعبر عن ذلك بوضوح‪.‬‬
‫لم تفرق السلطات اإلسرائيلية في تعاملها عند االعتقال بين رجل وامرأة‪ ،‬وكذا لم تفرق بينهم في‬
‫مراحل االعتقال المختلفة‪ ،‬وخاصة مرحلة التحقيق‪ ،‬فقد كانت نفس القوة التي تذهب العتقال الرجال تعتقل‬
‫المرأة الفلسطينية‪ ،‬ونفس األساليب المستخدمة في التحقيق مع الرجال استخدمتها مع النساء‪ ،‬بل أحياناً‬
‫كانت أشد قسوة العتبارها حلقة ضعيفة حسب مفهومهم يمكن بواسطتها الضغط عليها لتحل إشكاليات‬
‫لضباط المخابرات ال يستطيعون حلها في التحقيق مع الرجال‪ ،‬وكثيراً ما كانت هذه األساليب تؤدي إلى‬
‫نتائج مأساوية‪ ،‬فحالة السجينة رسمية عودة عبرت عن ذلك فقد فقدت بصرها أثناء التحقيق‪.‬‬

‫(‪ )1()1‬اللجنة الدولية للصليب األحمر‪ :‬اتفاقيات جنيف الرابعة‪ ،‬ط‪ ،4‬اللجنة الدولية للصليب األحمر‪ ،‬جنيف ‪ ،1998‬المادة ‪ ،14‬ص‪.101‬‬
‫عبرت الحاالت التي تحدثت عن تعذيب النساء خاصة في تقرير مجلة الصاندي تايمز الشهير أن‬
‫إسرائيل استخدمت وسائل عديدة في التحقيق مع السجينات الفلسطينيات ويمكن إجمال هذه األساليب بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫التهديد باالعتداء الجنسي‬ ‫‪-‬‬
‫الضغط النفسي (ويمكن القول أنه يستخدم مع كل السجينات دون استثناء)‬ ‫‪-‬‬
‫الشبح وعدم النوم (كما حصل مع رائدة شحادة مع العلم أن ظروف التحقيق في ال تسمح بالنوم‬ ‫‪-‬‬
‫للرجل وال للمرأة)‬
‫الضرب واالعتداء‬ ‫‪-‬‬
‫كانت إسرائيل تعتقل المرأة الفلسطينية في أوقات بعد منتصف الليل‪ ،‬فلم أعرف حالة اعتقال‬
‫واحدة تمت خالل النهار‪ ،‬وقد ذكرت السيدة السجينة عطاف عليان أنه تم اعتقالها وزميالتها اللواتي‬
‫كن معها في السجن بعد منتصف الليل(‪ ،)1()1‬ويبدو أن السلطات كانت ترى أن حضور قوات العتقال‬
‫امرأة وسط مخيم سيكون من الصعوبة خالل النهار‪ ،‬فمن الممكن أن تتعرض ألعمال مقاومة‪ ،‬فمن‬
‫المعروف مكانة المرأة في المجتمعات الشرقية خاصة في موضوع الشرف‪.‬‬
‫اختارت إسرائيل أحد غرف سجن الرملة ليكون أول مكان العتقال المرأة الفلسطينية‪ ،‬وقد كانت السيدة‬
‫فاطمة البرناوي أول سجينة فلسطينية حيث اعتقلت في زاوية من سجن الرملة(‪ ،)2()2‬لكن تم إضافة غرف‬
‫فيما بعد ليصبح قسماً بأكمله‪ ،‬وفي نهاية السبعينات تم إضافة قسم آخر في هذا السجن للسجينات الجنائيات‬
‫من اليهود ليصبح سجناً مستقالً أسمته إسرائيل (نفي ترتسا)‪ ،‬واستخدمت أيضاً مركز التوقيف (أبو كبير)‬
‫في يافا كمكان لعقاب السجينات الفلسطينيات‪ ،‬حيث أن هذا المركز كان مخصصاً أصالً للجرائم الجنائية‬
‫للشباب اليهود كالمخدرات أو القتل أو االغتصاب‪.‬‬
‫وضعت السلطات اإلسرائيلية السجينات الفلسطينيات في غرف قديمة البناء‪ ،‬وفي ظروف قاسية‪ ،‬وحتى‬
‫عندما كانت إسرائيل تقوم بأعمال توسعة فإن ذلك يعني إضافة المزيد من هذه الغرف بما يتناسب مع‬
‫العدد اإلضافي من السجينات الفلسطينيات‪ ،‬ويبدو أن أي أعمال ترميم كان المقصود منها زيادة‬
‫االحتياطات األمنية كتقوية الشبابيك واألبواب‪ ،‬أما ما يتعلق بأحوال الغرف من الداخل‪ ،‬فإنه لم يكن يتم‬
‫عمل أي إصالحات‪ ،‬وقد كان لذلك تأثير على الوضع النفسي للسجينات‪.‬‬

‫(‪ ) 1()1‬مقابلة مع عطاف عليان لمجلة الجهاد اإلسالمي‪ ،‬في سجن نفي ترستا‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )2()2‬محمد خليل‪ ،‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫عاينت المحامية فاليتسيا النغر ظروف سجن الرملة عام ‪ ،1976‬ورأت بأم عينها كيف أن الماء كان‬
‫يتسرب من الجدران بفعل مياه الشتاء(‪ ،)3‬وكانت هذه الحالة منتشرة في الكثير من السجون‪ ،‬ولم تفلح أي‬
‫إجراءات قضائية باسم األسرى في تغيير الواقع في أي سجن باستثناء إغالق سجن بيت ليد‪ ،‬وكان السبب‬
‫أن اللجان الحكومية أثبتت وجود خطر على حياة السجناء الجنائيين من اليهود جراء وضعه‪ ،‬أما القسم‬
‫الذي تقطن فيه السجينات الجنائيات من اليهود في سجن الرملة‪ ،‬فقد اختلف كلياً عن ذلك الذي تقطنه‬
‫الفلسطينيات‪.‬‬
‫حرصت إسرائيل على ممارسة ضغوط على السجينات الفلسطينيات حيث رتبت نظاماً معيشياً معيناً‬
‫يجب على السجينات االلتزام به‪ ،‬فكانت تقسم أعمال النظافة على كل واحدة في وقت معين‪ ،‬وكذا إجبار‬
‫السجينات على العمل وبدون مقابل‪ ،‬وهذا ما يخالف قرار محكمة العدل العليا‪ ،‬بل إن إدارة السجن كانت‬
‫تلزم السجينات على إنهاء كمية معينة من العمل قبل نهاية دوامهن في الورشة وإ ال سيتم معاقبتهن(‪ ،)1‬و‬
‫أرى أنه من الصعب على السجينات مقاضاة إدارة السجن‪ ،‬فكيف سينجحن بإثبات أنهن يعملن من غير‬
‫أجر أو أنه يطلب منهن انجاز كمية معينة من هذا العمل؟‬
‫استغلت سلطات السجون حالة الكره والعداء بين السجينات الفلسطينيات واليهوديات‪ ،‬وعليه فقد جمعت‬
‫بينهن في مكان تناول وجبات األكل‪ ،‬حيث تقوم اليهوديات بتناول وجبات المخدرات‪ ،‬ومن الممكن أن‬
‫توجه تهمة لسجينة فلسطينية بحيازة مخدرات‪ ،‬وهي أصالً معتقلة على قضية سياسية‪ ،‬وكثيراً ما قامت‬
‫اليهوديات بقلب طاولة‪ ،‬ولم تؤت االحتجاجات السلمية ثماراً في تغيير هذا الواقع(‪.)2‬‬
‫رفضت مصلحة السجون االعتراف بأن هذه الظروف كانت عن قصد‪ ،‬بل إنها تنفي أن تكون مصلحة‬
‫السجون قد جعلت ظروف الغرف بالشكل الذي تدعيه السجينات الفلسطينيات‪ ،‬بل إن إسرائيل تعاملهن وفق‬
‫االتفاقيات الدولية‪ ،‬في غالبية المصادر العبرية لم ينس كتابها التذكير بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة‬
‫بناء على‬
‫الديمقراطية في الشرق األوسط‪ ،‬وهي تعامل األسرى وفق هذه الثقافة‪ ،‬وأن عمل السجينات يتم ً‬
‫طلبهن‪ ،‬وال يتم إلزامهن بشيء‪ ،‬وكالعادة فإن المسئولين اإلسرائيليين يصفون أي إجراء نضالي لألسرى‬
‫ومن ضمنهم السجينات بأنه يتم ألغراض سياسية وبتحريض من الخارج(‪ ،)3‬أدت الظروف التي عاشت‬
‫فيها السجينات الفلسطينيات إلى إحداث تراكمات صحية أدت إلى إصابتهن بأمراض كثيرة‪ ،‬كالعمود‬
‫الفقري والمعدة واألمراض الجلدية‪ ،‬فمن المؤكد أن طبيعة جدران السجن ودرجة الحرارة وعدم التهوية‬
‫(‪ )3‬فاليتسيا النغر‪ :‬بأم عيني‪ ،‬ترجمة مؤسسة األرض للدراسات الفلسطينية‪ ،‬ط‪ ،1‬سوريا‪ ،1974 ،‬ص‪.117‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬فاطمة البرناوي‪ :‬ما هو أصعب من التعذيب‪ ،‬ندوة أقامتها مجلة فلسطين المحتلة في ‪ ،5/4/1980‬بيروت‪ ،‬أنظر‪ :‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‬ ‫(‬

‫‪ ،14/4/1980 ،235‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬دافيد فري‪ :‬مذكرات الرملة‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31 -30‬‬ ‫(‬


‫في ظل غذاء سيء سيؤدي إلى هذه األمراض وغيرها‪ ،‬وقد أحصت العديد من المؤسسات طبيعة‬
‫األمراض التي أصيب بها السجينات الفلسطينيات خاصة في السنوات األولى بعد عام ‪ 1967‬توضح بال‬
‫شك أن ظروف االعتقال هي السبب في ذلك(‪ ،)4‬ويالحظ أن مدة مكوث السجينة الفلسطينية تساهم في مدى‬
‫ترك أثار للمرض عليها‪ ،‬إضافة إلى تاريخ المدة التي مكثتها السجينة‪ ،‬فقد كانت السنوات األولى أشد قسوة‬
‫في ظروفها حيث أن اإلضرابات واألعمال االحتجاجية التي قامت بها السجينات ساهمت إلى ٍ‬
‫حد ما في‬
‫تحسين ظروفهن‪.‬‬
‫عاملت مصلحة السجون قسم السجينات الفلسطينيات معاملة قاسية ال تقل عن معاملة السجناء الرجال‪،‬‬
‫فكثيراً ما كانت تلزم السجينات على التعري تماماً بحجة التفتيش الجسدي‪ ،‬وكذا اقتحام الغرف بنفس الحجة‬
‫ورش الغاز المسيل للدموع‪ ،‬إضافة إلى االعتداء بالضرب وزجهن في الزنازين االنفرادية(‪ ،)1‬وبالطبع‬
‫سيكون لذلك تأثير على السجينات أكثر من تأثيره على السجناء‪ ،‬فالحديث يتعلق بالتحمل الجسمي الذي‬
‫يمتاز به الرجل عن المرأة‪ ،‬إضافة إلى كون بعض السجينات حوامل‪ ،‬وبعضهن كن في وضع نفسي‬
‫سيء‪.‬‬
‫وجدت بعض السجينات الفلسطينيات أنفسهن في السجن في نفس الفترة التي كان أزواجهن أيضاً في‬
‫السجن‪ ،‬فقد ترافق اعتقال المواطنة (زكية شموط) ذات الخمسة أطفال في نفس الفترة التي كان زوجها في‬
‫سجن أخر‪ ،‬حيث أصيب بالجنون جراء التحقيق معه‪ ،‬وعندما دخل االثنان السجن كانت زكية حامالً في‬
‫شهرها السادس وولدت في السجن(‪ ،)2‬وهناك حاالت متشابهة اضطرت إلى اإلجهاض نتيجة سلوك‬
‫الشرطة اإلسرائيلية السابق‪.‬‬
‫استخدمت السلطات اإلسرائيلية أسلوب نقل السجينات الفلسطينيات إلى مركز توقيف أبو كبير سيء‬
‫السمعة (سجناء جنائيون خطرون) عقاباً لهن بعد أي عمل نضالي‪ ،‬وكانت السجينة تمضي أسابيع بل‬
‫أشهر تعيش وحدها بين السجينات اليهوديات الجنائيات‪ ،‬ومن المؤكد أنها ستتعرض لالعتداءات والضغط‬
‫النفسي مما تعتبره السجينات بأنه أقسى من عذاب التحقيق‪.‬‬
‫عاقبت إسرائيل السجينات الناشطات تنظيمياً بطرق شتى‪ ،‬كان منها إطالق اإلشاعات التي لها تأثير في‬
‫المجتمع الفلسطيني بشكل عام‪ ،‬كالشرف‪ ،‬ومحاولة االنتحار‪ ،‬فقد رفضت مصلحة السجون إحضار السجينة‬
‫عطاف عليان إلى قاعة المحكمة وادعى وكيل النيابة أنها حاولت االنتحار بحرق غرفتها‪ ،‬ونشرت‬
‫الصحف اإلسرائيلية ذلك بصيغ مختلفة‪ ،‬وقد نفت السيدة الفلسطينية ذلك مطلقاً(‪ ،)3‬ولكن إذا كان األسرى‬
‫( )‪Israeli Prisons, Breaches Palestinian women prisoners in Israeli prison, report, march 1999, P.52.(4‬‬
‫(‪ ) 1‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬تقرير عن السجون والمعتقالت اإلسرائيلية‪،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬مقابلة مع عطاف عليان‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(‬


‫وذوو السجينة قد صدقوا هذه الرواية فكيف سيكون موقف الرأي العام اإلسرائيلي‪ ،‬بالتأكيد ستكون اإلساءة‬
‫لهذه السجينة الناشطة تنظيمياً قد انتشرت في كل السجون‪ ،‬خاصة أنها مخطوبة لسجين معتقل معها في‬
‫نفس الفترة الزمنية الشتراكه في عملية كبيرة ضد إسرائيل وسط مدينة الخليل‪.‬‬
‫والبد هنا من اإلشارة إلى أن عزل السجينات الفلسطينيات عن اليهوديات كان بشكل دائم على رأس‬
‫مطالب السجينات خالل اإلضرابات‪ ،‬وحتى أنه كان ضمن قوائم إضراب األسرى أنفسهم خاصة مطالب‬
‫إضرابي سجن نفحة ‪ 1980‬وسجن جنيد ‪.1984‬‬
‫مارست السجينات الفلسطينيات حياتهن التنظيمية أسوة باألسرى في السجون األخرى‪ ،‬لكن هذا لم يبدأ‬
‫بنفس وتيرة ذلك العمل في بقية السجون‪ ،‬فقد كانت عالقة السجينات الفلسطينيات مختلفة وغير منظمة في‬
‫السنوات األولى لفتح السجون‪ ،‬فلم تكن منظمات أصالً في بقية السجون‪ ،‬وبالتالي فالعالقة الشخصية هي‬
‫التي ستقوي العالقة بينهن‪ ،‬وحتى بداية الثمانينات ال يمكن الحديث عما يفيد بأن هناك لجاناً نضالية تمثل‬
‫السجينات أمام إدارة السجون‪.‬‬
‫إن ذلك ال يعني عدم ممارسة السجينات ألي عمل تنظيمي‪ ،‬فقد كن يجلسن في جلسات سياسية عامة‪،‬‬
‫وبالتأكيد سيكون موقف اإلدارة قمعياً وهذا ما يجد تعبيراً له من خالل عزل السجينات إذا رآهن الشرطي‬
‫في جلسة ثقافية‪ ،‬ولكننا نستطيع أن نرى تقدم في موقف اإلدارة من الجلسات في كل السجون‪ ،‬ومن‬
‫ضمنها سجن الرملة أو (نفي ترستا) بعد إضراب سجن عسقالن ‪.)1()1(1970‬‬
‫إن السماح لهن بالجلسات يعني استطاعة السجينات االحتفال بالمناسبات الوطنية وإ طالق الزغاريد أو‬
‫ممارسة النشاط التنظيمي الثقافي‪ ،‬فقد جاء ترتيب ذلك في السجون األخرى على نفس النحو‪ ،‬وعقب‬
‫إضراب سجن نفحة ‪ ،1980‬نستطيع رؤية لجنة اعتقالية تمثل السجينات ونرى اإلدارة تتحاور معها لكن‬
‫بدون االعتراف بها‪ ،‬فقد كانت اإلدارة دائماً تذكر السجينات بأنها ال تعترف بأي هيئة جماعية لهن(‪.)2()2‬‬
‫قامت السجينات الفلسطينيات عبر تاريخهن في السجون بالكثير من اإلجراءات االحتجاجية أو النضالية‬
‫كما يسمونها وذلك لهدفين هامين‪:‬‬
‫تحسين أوضاعهن المعيشية في السجون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التعبير عن مواقفهن السياسية من الكثير من المناسبات‬ ‫‪-‬‬
‫على أن العامل األول هو األهم حيث نرى في كل أسباب إضرابهن عن الطعام تكرار لنفس‬
‫المطالب والتي يمكن إجمالها بتحسين ظروف الغذاء وصناعته ومن يصنعه‪ ،‬وكذلك تحسين األوضاع‬

‫(‪ )1()1‬محمد خليل‪ :‬التجربة االعتقالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103‬‬


‫(‪ )2()2‬دافيد فري‪ :‬مذكرات الرملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫الصحية‪ ،‬إضافة إلى التخفيف من االزدحام ‪ ،‬ويمكن مالحظة أنها تتشابه إلى ٍ‬
‫حد ما مع مطالب‬
‫األسرى في بقية السجون‪.‬‬
‫شاركت السجينات الفلسطينيات مع إضراب السجون عام ‪ 1984‬التضامني مع سجن جنيد لكنهن‬
‫اعتبرنه إضراب مطالب وليس تضامنياً حيث استمر إضرابهن مدة ثمانية عشر يوماً(‪ ،)3‬وفي عام ‪1985‬‬
‫أضربن عن الطعام مدة ستة أيام قبل اإلفراج عن غالبيتهن بثالثة أشهر(‪ ،)4‬ويالحظ أن هذا اإلضراب كان‬
‫له نتائج إيجابية على السجينات‪ ،‬ولو أنها اختلفت‪ ،‬وتم سحبها بعد ثالثة أشهر‪ ،‬لكن ذلك كان بفعل‬
‫التغيرات التي أحدثتها صفقة تبادل األسرى مع منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‪ -‬القيادة العامة‪،‬‬
‫وليس تغيراً حاصالً في هذا السجن فقط‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الدور النضالي لألطفال الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‬


‫شارك األطفال الفلسطينيون في فعاليات مختلفة ومناسبات عديدة في الحركة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬بل‬
‫إنهم عدوا بمنزلة أحد معالم النضال في مراحل عدة من الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬فقد كان ياسر‬
‫عرفات يتغنى بأطفال ‪ R.B.J‬الذين كان لهم دور كبير في مواجهة األلة العسكرية اإلسرائيلية في اجتياحها‬
‫للبنان‪ ،‬وكذا تغنى بأطفال الحجارة كما كان يسمهم دائماً‪ ،‬رابطاً ذلك بمكان سكنهم كأطفال الدهيشة‬
‫والشابورة وقلنديا‪ ،‬وقد تصدى األطفال في هذه األماكن دون الكبار للدوريات العسكرية وقطعان‬
‫المستوطنين الذين كانوا يمرون بجوار هذه األماكن‪ ،‬وكثيراً ما كان المسئولون اإلسرائيليون يعجزون عن‬
‫إيجاد حل لمشكلة رشق الحجارة‪ ،‬فقد كانت بمثابة حالة مرعبة للمستوطنين‪ ،‬في وقت لم تستطع طائرات‬
‫الفانتوم ‪ 16‬أو دبابات الميركفا حل هذه المشكلة‪ ،‬فأسندت ظاهرة رشق الحجارة إلى جهاز الشين بيت‬
‫اإلسرائيلي والذي جند عشرات العمالء لمعرفة المعلومات االستخبارية عن راشقي الحجارة(‪.)1‬‬
‫رغم أن األوامر العسكرية اإلسرائيلية ال تسمح صراحة باعتقال األطفال أو تقديمهم للمحاكمة وأن‬
‫القانون اإلسرائيلي ال يسمح بذلك‪ ،‬إال أن الجيش اإلسرائيلي اعتقل األطفال‪ ،‬وبشكل يكاد يشبه اعتقال‬
‫الكبار‪ ،‬فقد كانت الدوريات العسكرية تداهم البيوت بعد منتصف الليل ليتم اعتقال طفل ال يتجاوز عمره‬
‫الرابعة عشر وبصورة مهينة ألصحاب المنزل‪ ،‬بل يأمرون الطفل باالنبطاح على جسمه (بحجة التفتيش)‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيفة القدس‪ ،2/11/1984 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬صحيفة القدس ‪ ،19/2/195‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬بدون مؤلف‪ :‬الصحيفة تعترف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ، 8‬حيث يعترف أحد العمالء أنه قاد مجموعة لمعرفة راشقي الحجارة على السيارات‬ ‫(‬

‫اإلسرائيلية المارة من وسط مدينة جنين‪.‬‬


‫أدرك المحققون اإلسرائيليون مدى كره هؤالء األطفال لهم‪ ،‬وبالتالي حرص المحققون على أمنهم‬
‫الشخصي حتى لو كان على حساب معاناة هؤالء األطفال‪ ،‬فقد كان يتم تقييد يدي الطفل بالبالستيك‪ ،‬ويشبه‬
‫القيد حزاماً من البالستيك ‪70 -60‬سم (‪ ،)2‬وقد دخل الصحفي اإلسرائيلي السيد (موطي باسوك) إلى‬
‫معتقل الفارعة أكثر من مرة‪ ،‬وسمع شهادات من األسرى األطفال عن كيفية اعتقالهم حيث ذكر موضوع‬
‫وجود الرافعة في سجن الفارعة وكتب يقول‪" :‬إنه تم رفع الطفل في رافعة مربوط طرفها في قيد األرجل‬
‫أو اليدين"(‪ ،)3‬وأمام هذه المعلومات التي كانت تنشرها الصحافة اإلسرائيلية كان الجيش اإلسرائيلي ينفي‬
‫صحة هذه المعلومات‪ ،‬أو تلك التي تصف موت طفل في مركز الصفا لالعتقال بجنوب لبنان بعد اعتقاله‬
‫ووضعه في الجورة لمدة يومين تحت حرارة شهر تموز‪.‬‬
‫تعرض األطفال األسرى لشتى أنواع التعذيب على أيدي رجال األمن اإلسرائيليين من األجهزة‬
‫األمنية المشار إليها أعاله‪ ،‬ويمكن اعتبار أن الضرب على األعضاء التناسلية للطفل هو األكثر على‬
‫اإلطالق حتى عام ‪ ،1980‬وأعيد استعماله في سجن الفارعة عام ‪ ،1984‬وكذلك الضرب على األذن‪،‬‬
‫وعدم السماح لهم بالنوم‪ ،‬وهذا ما يجد تعبيراً له من خالل الشهادة الجماعية لمجموعة من األطفال أكبرهم‬
‫في الخامسة عشر من عمره لفريق من المحامين‪ ،‬والتي اتضح استخدام المحققين الضرب على األعضاء‬
‫التناسلية وفقدان السمع ألحدهم‪ ،‬وسكب الكيروسين على رأس طفل ورؤيته للشرارة التي كان يهدده بها‬
‫ضابط األمن اإلسرائيلي‪ ،‬وقد كان لهذه األساليب أثار سلبية كثيرة على هؤالء األطفال بعد اإلفراج عنهم‬
‫بحيث أنهم أصبحوا يشكلون مشكلة لذويهم(‪،)1‬وقد تعددت أسباب وتهم اعتقال األطفال الفلسطينيين منذ العام‬
‫‪. 1967‬‬
‫اعتقلت إسرائيل بعد عام ‪ 1967‬األطفال في نفس األماكن التي اعتقل فيها الكبار‪ ،‬وكان ينتج عن ذلك‬
‫الكثير من المشاكل فقامت بعزلهم‪،‬وأعتقد أن هذه القضية كانت مطلباً حقيقياً لقادة األسرى وإلدارة السجون‬
‫فخلطهم مع الكبار كان يسبب مشاكل للطرفين‪ ،‬ولكن اإلشكالية الكبيرة أنه سيتم اعتقال البنات الصغار مع‬
‫السجينات الفلسطينيات‪ ،‬أو من هم دون خمسة عشر عاماً‪ ،‬فوضعتهم مصلحة السجون في غرف العار في‬
‫سجن الرملة وهذا ما سبب لهم الضرب واالعتداء رغم أن القانون اإلسرائيلي يمنع وضع األحداث مع‬
‫البالغين‪ ،‬والسبب في إصدار هذا القانون كان احتمالية حدوث اعتداءات جنسية(‪ ،)2‬وقد شوهد أطفال مع‬
‫بداية الثمانينات في كل من سجني بئر السبع والخليل‪ ،‬وبالطبع كان سجن أنصار يضم عشرات هؤالء‬
‫(‪ ) 2‬موطي باسوك‪ :‬مذكرة من سجن الفارعة‪ :‬بين (اإلسطبل) والزنزانة‪ ،‬صحيفة عل همشمار‪ ،20/11/1987 ،‬ص‪.2‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬قام مركز غزة للصحة النفسية بإعداد العديد من الدارسات الميدانية حول النتائج االجتماعية لهذه األساليب من التعذيب أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪.Gaza Community Mental Health program: 350children held in Israeli prisons, report 1986, P.62‬‬
‫(‪ )2‬ليئا تسيمل‪ :‬في المعتقالت اإلسرائيلية من حقك أن ال تقول شيئًا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الصباح‪ ،‬األردن‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫(‬
‫األطفال الذين كانوا يشاركون في كافة فعاليات األسرى‪ ،‬ولكن قادة األسرى نجحوا في فصلهم عن الكبار‬
‫منذ األيام األولى الفتتاح سجن أنصار‪.‬‬
‫تعاملت مصلحة السجون مع األسرى األطفال على أنهم غير قادرين على القيام بالخطوات النضالية‪،‬‬
‫فعندما كان يتم نقلهم من سجن إلى سجن جديد كالفارعة أو أنصار أو بئر السبع كانت تجعلهم ينامون على‬
‫حشايا ملوثة‪ ،‬مع انتشار الجرذان‪ ،‬وحيث ال إضاءة‪ ،‬أو تهوية‪ ،‬وبنوعية غذاء سيئة‪ ،‬ودون عالج كاف(‪.)3‬‬
‫أدرك قادة التنظيمات الفلسطينية أهمية االنتباه لألطفال مبكراً‪ ،‬لكن عدم ترتيب األوضاع التنظيمية في‬
‫نفس السجن الموجود فيه األطفال كان العائق األساسي لترتيب وضعهم‪ ،‬وقد كان ترتيب ورعاية هؤالء‬
‫األطفال ضمن برامج قيادة التنظيمات‪ ،‬بل إن السيد عبد الحميد القدسي‪ ،‬وهو صاحب تشكيل أول جهاز‬
‫أمن في السجون‪ .‬يعتبر أن قيادة األسرى أعدت جيالً من القادة تم إعدادهم وهم الزالوا أطفاالً في‬
‫السجون(‪ ،)4‬وقد استطاع األطفال الفلسطينيون األسرى في السجون اإلسرائيلية من ترتيب أوضاعهم‬
‫التنظيمية بل إنهم تنافسوا في الوصول إلى سدة المسؤولية عن هذا النشاط‪ ،‬وقد كان الوعي الثقافي أهم‬
‫سمات التنافس بينهم‪ ،‬وما أن جاءت فترة بداية الثمانينات حتى كانت أقسام األطفال تضم هياكل متشابهة‬
‫لتلك التي في أقسام الكبار‪ ،‬بل إنهم استطاعوا ممارسة النشاط األمني‪ ،‬وما يتطلبه من صعوبات على‬
‫الكبار كانت هذه الصعوبات مضاعفة لديهم(‪ ،)5‬ويبدو أن ممارسة النشاط التنظيمي لألطفال قد بدأ بممارسة‬
‫الفعاليات الثقافية في الجلسات وتوزيع بعض الكراسات‪ ،‬ومن ثم تطور إلى االنضباط اإلداري وممارسة‬
‫عدد من األسرى األطفال للثواب والعقاب على زمالئهم أو التخيير التنظيمي لكل من يأتي من جديد‪ ،‬وهذا‬
‫ما يعبر عن وجود نسق معين من الترتيب التنظيمي لهذا المجتمع‪.‬‬
‫استطاع األطفال الفلسطينيون ممارسة االتصال الخارجي خاصة مع المنظمات الدولية‪ ،‬فقد كانوا‬
‫يراسلون العديد من المنظمات كاألمم المتحدة‪ ،‬والصليب األحمر الدولي‪ ،‬ومنظمة العفو الدولية(‪ ،)1‬ويبدو‬
‫أن ذلك كان يتم بإشراف وتوجيه قيادة التنظيمات في السجون‪ ،‬ألن التعاطف مع األطفال وظروفهم في‬
‫السجن يشكل أضعاف ذلك التعاطف مع زمالئهم الكبار‪.‬‬
‫رفض األطفال األسرى االعتراف باستمرار واقع ظروفهم المعيشية في السجون‪ ،‬فقد مارسوا العديد من‬
‫الفعاليات التي تعبر عن ذلك أهمها‪:‬‬

‫(‪ )3‬عن ظروف األطفال األسرى في السجون اإلسرائيلية أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪Palestinian Center For Human Rights: Palestinian Child Prisons , series study(4), Gaza, 1991, P.5-7‬‬
‫(‪ )4‬مقابلة مع عبد الحميد القدسي‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 5‬مقابلة مع أدهم حسن زين الدين‪ :‬مسئول األسرى األطفال في سجن بئر السبع عام ‪ ،1985‬أجريت في غزة ‪4/2005‬م‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬مجلة األرض المحتلة‪ ،12/1986 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.83‬‬ ‫(‬


‫أ‪ -‬اإلضراب عن الطعام‪ :‬حيث كان األطفال يشاركون في كافة اإلضرابات التضامنية‪ ،‬وفي المناسبات‬
‫السياسية‪ ،‬وخاضوا إضرابات استمرت عدة أيام أهمها إضراب ‪ 9/1985‬الذي استمر لمدة ثالثة أيام(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬الهروب‪ :‬حيث شاركوا في العديد من حوادث الهروب وقد كانوا جزءاً من عشرات الهاربين في نفق‬
‫سجن أنصار عام ‪ 1983‬وأفلحوا في الوصول إلى المحطة المتفق عليها‪ ،‬وهي قرية بجوار أنصار‪ ،‬ولم‬
‫يتم إلقاء القبض على أحد منهم‪ ،‬إضافة إلى محاولة الطفل تامر دعرة عشر سنوات الهروب من قفص‬
‫االتهام من محكمة نابلس العسكرية‪ ،‬وكان أصالً أسيراً بتهمة رشق الحجارة(‪.)3‬‬
‫ج‪ -‬التمرد‪ :‬وكثيراً ما كان األطفال يقومون باالعتداء على أحد أفراد الشرطة عندما يعامل أحد زمالئهم‬
‫بقسوة أو يبادر باالعتداء عليه‪ ،‬وهذا ما دعا إدارة السجون إلى اقتحام غرف األطفال ورشها بالغاز‬
‫متجاهلة ما يمكن أن يحدث ذلك مع أطفال أعمارهم بين العاشرة والسادسة عشر‪ ،‬وهذا ما حصل في سجن‬
‫الخليل(‪ ،)4‬ومن المعروف أن األطفال كانوا متحمسين لتفعيل أي إجراء احتجاجي ضد اإلدارة أكثر من‬
‫األسرى الكبار‪.‬‬
‫وخالصة األمر أنه يمكن تشبيه عالقة األسرى الفلسطينيين في إسرائيل بعالقة صراع‪ ،‬بل يمكن‬
‫اعتبارها إحدى زوايا هرم مكعبات الصراع الفلسطيني اإلسرائيلي‪،‬وأن السجون فعالً كانت حلقة من‬
‫حلقات هذا الصراع‪،‬ويتبين هذا من الدور النضالي الواضح لألسرى الفلسطينيين من خالل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬استطاع األسرى توطيد العالقة بينهم وبين قيادتهم حيث جلبوا االنتباه المفقود في بداية االحتالل إلى‬
‫قضيتهم‪ ،‬والتي أدت إلى استفادة القيادة من النشاط األمني لألسرى وإ عدادهم لعناصر قيادية استطاعت‬
‫االستمرار في العمل النضالي بعد خروجها من السجن‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نجح األسرى الفلسطينيون في ممارسة نضالهم بالتمرد على الواقع والتعبير عن ذلك بصور شتى‬
‫أهمها اإلضرابات عن الطعام‪ ،‬والتي أخذت عدة صور وأهداف مختلفة كان أهمها اإلضرابات المفتوحة‬
‫والتي كانت سبباً رئيسياً في تغيير واقع معيشتهم في السجون إيجابياً ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تمكن األسرى من التحرر بغير إرادة السلطات اإلسرائيلية بفضل تنسيقهم مع المقاومة التي نجحت‬
‫في تحقيق تبادالت أسرى عديدة مع إسرائيل وصلت في بعض األحيان إلى تحرير المئات بل اآلالف من‬
‫األسرى وإ غالق سجون بأكملها‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬رسخ األسرى الفلسطينيون في السجون اإلسرائيلية ظاهرة مشاركة أفراد األسرة الفلسطينية في‬
‫الكفاح ضد إسرائيل‪ ،‬فقد دخل السجون عشرات النساء الفلسطينيات في آن واحد ومئات منهن لكن في‬

‫(‪ )2‬مقابلة مع أدهم حسن زين الدين‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.273‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬مجلة األرض المحتلة‪ ،12/1986 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬‬ ‫(‬


‫أوقات مختلفة‪ ،‬وكذا آالف األطفال‪ ،‬واستطاعت هذه الشرائح بناء مجتمع تنظيمي ال يقل أهمية عن‬
‫األسرى اآلخرين‪ ،‬بل إن األطفال كانوا وقوداً وقادة للعمل التنظيمي للمنظمات الفلسطينية بعد اإلفراج‬
‫عنهم‪.‬‬
‫ترك هذا الدور النضالي لألسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية أثراً إيجابياً على عدة أصعدة‬
‫أهمها تحسين ظروفهم داخل السجون‪ ،‬وإ بداء رأيهم السياسي ودعم تنظيماتهم إضافة إلى رفع معنويات‬
‫الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫(الموقف من األسرى الفلسطينيين)‬
‫مثلت قضية األسرى الفلسطينيين ركناً أساسياً في القضية الفلسطينية‪ ،‬وعكست واجهة هامة يمكن من‬
‫خاللها فهم طبيعة الصراع القائم بين الفلسطينيين وإ سرائيل‪ ،‬بل إن هذه الواجهة عادت بفوائد على حركة‬
‫المقاومة الفلسطينية أكثر من واجهة العمل المسلح الذي كان يترك أثاراً سلبية على تعاطف الشعوب‬
‫الغربية مع القضية‪ ،‬مقارنة مع التعاطف الذي كانت تلقاه القضية الفلسطينية من خالل قضية األسرى‪،‬‬
‫والذي امتد أحياناً إلى داخل المجتمع اإلسرائيلي نفسه‪ ،‬والذي تعتبر مؤسساته األمنية النقيض األساسي‬
‫لحقوق األسرى ومطالبهم‪.‬‬
‫وقد فرضت بعض فعاليات األسرى نفسها على كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على الصعد الفلسطينية‬
‫واإلسرائيلية والعربية بل والدولية‪ ،‬مما ألزم هذه الجهات واألطراف اتخاذ مواقف تتناسب في األغلب مع‬
‫موقفها األساسي من القضية الفلسطينية بشكل عام‪ ،‬لكن الجانب اإلنساني لقضية األسرى كان في بعض‬
‫األحيان يجعل من هذه األطراف تنحو منحاً أخر في موقفها‪ .‬أخذ شكل التأييد للقضية الفلسطينية‪ ،‬لكن هذا‬
‫الموقف كان يبدأ بالتأييد المطلق والدفع باتجاهه‪ ،‬ومثله الموقف الفلسطيني بفعالياته المختلفة‪ ،‬وعلى‬
‫النقيض تماماً كان الموقف اإلسرائيلي خاصة الجانب الرسمي منه الذي كان يعتبر التعامل مع قضية‬
‫األسرى جزءاً مما ما يسمونه بمحاربة (اإلرهاب) الفلسطيني الذي أشاع أن هدفه اإلستراتيجي "إلقاء‬
‫اليهود في البحر"‪،‬ومروراً بين الموقفين المتناقضين بدا الموقف العربي المؤيد للقضية في حدود ال تصل‬
‫لفعاليات مقاومة ضد إسرائيل‪ ،‬وكذا المواقف الدولية المتمثلة بالدول اإلسالمية واإلفريقية والغربية‪ ،‬وعلى‬
‫رأسها الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫اختلفت مستويات الجهات التي اتخذت المواقف من قضية األسرى‪ ،‬ففي حين كان المستوى الشعبي هو‬
‫األهم التخاذ الموقف الفلسطيني‪ ،‬والذي أخذ شكل الصدام مع قوات االحتالل‪ ،‬كان المستوى الرسمي‬
‫العربي المتمثل بتصريحات المسئولين وقرارات جامعة الدول العربية تمثل الموقف العربي‪ ،‬عكس رأي‬
‫المؤسسات غير الحكومية نفسه على صورة الموقف الغربي كالصحافة ومؤسسات حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫وشخصيات هامة كالمحاميين والمثقفين‪ ،‬لكن ذلك ال ينفي اتخاذ مستويات أخرى في بعض األحيان‬
‫لمواقف معينة من قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬وستتضح هذه المواقف من كل هذه‬
‫األطراف والجهات من خالل استعراض التعبيرات عن ذلك للفلسطينيين واإلسرائيليين والعرب والعالم‪.‬‬
‫الموقف الفلسطيني‬
‫ارتبطت قضايا الصراع العربي اإلسرائيلي ارتباطاً وثيقاً بالموقف الفلسطيني كون الشعب الفلسطيني‬
‫هو رأس الحربة في النضال ضد إسرائيل‪ ،‬وبالتالي فقد كان موضوع األسرى يحظى بدرجة من األهمية‬
‫ال تقل عن المواضيع السياسية التي تشكل خالفاً مع إسرائيل‪ ،‬حيث تم إدراج هذا الموضوع في غالبية‬
‫المشاريع واألطروحات السياسية التي كانت تطرح لحل القضية الفلسطينية بمجملها العام‪ ،‬وبقدر ما‬
‫أوضحت إسرائيل موقفها في قمعها لألسرى في سجونها فقد شكل الموقف الفلسطيني من هؤالء األسرى‬
‫جزءاً من النضال العام تجاه القضية الفلسطينية‪ ،‬وهذا ما تعززه مشاركة كل فئات وشرائح الفلسطينيين في‬
‫هذا الموقف وأهمها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الموقف الرسمي‪:‬‬
‫منذ العام ‪ 1973‬اعتبرت الغالبية الساحقة من دول العالم والمؤسسات الدولية منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني‪ ،‬وبالتالي تعاملت المنظمة مع نفسها على أنها تمثل الجانب‬
‫الرسمي لقضايا الفلسطينيين‪ ،‬ومنها قضية األسرى‪ ،‬وأنها المسؤولة عن شؤونهم ورعايتها‪،‬وناطقة بلسانهم‬
‫أمام المؤسسات الدولية‪ ،‬فقد أشرفت وبشكل علني على الدفاع عن أول قضية لألسرى وأخذت جانباً‬
‫إعالمياً دولياً وهي محاكمة محمود أبو بكر حجازي أول أسير للثورة الفلسطينية‪ ،‬بل إنها هي التي أولت‬
‫أهمية العتبار أحد أيام العام يوماً للسجين الفلسطيني وحددته بيوم السابع عشر من نيسان(‪ ،)1()1‬ويمكن‬
‫القول بأن إحياء هذا اليوم لم يختلف عليه أي فصيل فلسطيني حتى يومنا هذا‪ ،‬ويبدو أن اهتمام المنظمة‬
‫بهذا الشأن ‪-‬بقضية األسرى‪ -‬كان لعدة أغراض أهمها‪ :‬االلتحام مع الشعب الفلسطيني الذي كان يولي هذا‬
‫القضية أهمية كبيرة كون األسرى أصبحوا جزءاً من كل بيت أو شارع أو حي‪ ،‬للتعزيز الدائم لمكانتها بين‬
‫هذا الشعب‪.‬‬
‫القت دعوات بل تعليمات منظمة التحرير الفلسطينية الخاصة باألسرى رضا الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫فمنذ دعوتها األولى إلحياء يوم السجين الفلسطيني كان التعاطي مع الدعوة أكثر مما توقع قادة المنظمة‪،‬‬
‫ويمكن فهم ذلك من خالل الفعاليات الشعبية للمواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬بل في صفوف‬
‫فلسطينيي الشتات‪ ،‬فيما كان أصحاب الشأن (األسرى) قد لبوا الدعوة على طريقتهم بإضرابهم عن الطعام‬
‫في جميع السجون(‪ ،)2‬ويعد ذلك ظاهرة جديدة حتى ذلك العام إذ أصبح اإلعداد إلحياء الذكرى القادمة له‬
‫جانب من األهمية لدى األسرى والشعب على حد سواء‪.‬‬
‫أدرك مسؤولو منظمة التحرير أهمية رعاية األسرى الفلسطينيين في توفير ما يلزمهم مادياً ومعنوياً‬
‫داخل السجون‪ ،‬فإن ذلك سيزيد من مدى التفاف هؤالء األسرى حول المنظمة ولذلك كانت تدفع مبالغ‬

‫(‪ )1()1‬شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،67‬حزيران ‪ ،1977‬ص‪.195‬‬


‫(‪ )2‬عن هذه الفعاليات أنظر‪ :‬صحيفة القدس‪ ،18/4/1977،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬
‫كبيرة‪ ،‬وبقدر ما كانت تسمح سلطات السجون‪ ،‬وذلك لتمكينهم من شراء ما يلزمهم من دكان السجن‪،‬‬
‫ويمكن القول بأن المنظمة كانت بأمس الحاجة إلى تأييد األسرى لها خاصة عندما كانت تمر بأزمات كبيرة‬
‫كالصراع الدائم مع األردن حول وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني‪ ،‬أو إبان معارك تل الزعتر في لبنان‬
‫التي رافقها هجمة سورية على المنظمة‪ ،‬أو إبان توقيع الرئيس المصري محمد أنور السادات التفاقية‬
‫كامب ديفيد‪ ،‬وحاجة المنظمة إلبراز معارضة الفلسطينيين لهذه االتفاقية‪ ،‬على أن حاجة المنظمة كانت في‬
‫ذروتها أثناء توتر عالقتها مع سوريا بين عامي ‪ ،1984 -1983‬وأنها أبرزت تأييد األسرى لها في األيام‬
‫القليلة التي سبقت عقد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان في نوفمبر‪ ،1984/‬حيث‬
‫ينس عرفات‪ ،‬وال أغلب المتحدثين التذكير ببرقيات التأييد من المؤسسات والشخصيات ومن األسرى‬
‫لم َ‬
‫التي انتشرت على صفحات صحيفتي الشعب والفجر المؤيدتين لمنظمة التحرير(‪ ،)1()1‬ويمكن القول أن هذا‬
‫الدعم المتبادل بين المنظمة واألسرى جاء إضافة إلى الدافع الوطني حاجة كل من الجهتين لدعم اآلخر‪.‬‬
‫لقد نشطت المنظمة في إيضاح موقفها عربياً ودولياً تجاه قضية األسرى بعدة وسائل أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬تشكيل لجان فرعية وحقوقية عالمية لزيارة السجون‪.‬‬
‫‪ -‬توجيه المذكرات إلى المؤسسات الدولية للفت انتباهها لما يجري في السجون‪.‬‬
‫‪ -‬إذاعة مؤتمرات التأييد والتي كان يشارك فيها زعماء المنظمة كعرفات وحبش وحواتمة‪.‬‬
‫‪ -‬إدراج موضوع األسرى على جداول مناقشات مؤسسات األمم المتحدة خاصة الجمعية العامة أو‬
‫لجنة حقوق اإلنسان الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر وعرض منتجات األسرى في المعارض التي كانت تقيمها مؤسسة صامد التابعة لمنظمة‬
‫التحرير في بيروت وعمان‪.‬‬
‫‪ -‬إضافة قضية األسرى ضمن المطالب الوطنية التي كانت تتضمنها المبادرات السياسية التي‬
‫تشارك المنظمة في صياغتها‪.‬‬
‫تطور موقف المنظمة الداعم لقضية األسرى بتشكيلها لمؤسسة أسر الشهداء والجرحى واألسرى‪،‬‬
‫وصرف مبلغ ستين ديناراً أردنياً شهرياً لكل ذوي سجين غير متزوج‪ ،‬وإ ن كان متزوجاً‪ ،‬فأكثر من ذلك‪،‬‬
‫وقد القى ذلك قدوم المئات من ذوي األسرى لمكتب المنظمة في عمان (الشميساني) ألخذ هذه األموال(‪،)2‬‬
‫ويبدو أن قادة المنظمة كانوا يستفيدون من قدوم األهالي من األرض المحتلة لالتصال برجال المقاومة‬

‫(‪ - )1()1‬صحيفة الفجر‪ ،21/11/1984 ،‬ص‪.1‬‬


‫‪ -‬صحيفة الشعب‪ ،21/11/1984-20 ،‬صفحات متفرقة في العددان‪.‬‬
‫(‪ )2‬مقابلة مع أحمد نصر‪ :‬مسئول معتقلي حركة فتح في السجون عام‪ 1985 ،1984‬أجريت في فبراير‪ ،2004/‬خانيونس‪.‬‬ ‫(‬
‫خارج السجون‪ ،‬وكذلك بقادة األسرى وذلك بتهريب الرسائل المتبادلة‪ ،‬أو حتى األموال الالزمة لرعاية‬
‫األسرى أو تمويل نشاط رجال المقاومة‪.‬‬
‫قامت فصائل منظمة التحرير عقب الخروج من بيروت عام ‪ 1982‬بتشكيل أذرع نقابية تمارس نشاطاً‬
‫جماهيرياً لم تكن إسرائيل وفق لوائحها وأوامرها العسكرية جاهزة للقضاء عليه بسهولة‪ ،‬وقد استحوذت‬
‫فعاليات دعم األسرى الفلسطينيين على جزءاً هاماً من سياسة هذه األذرع بل إنها أصبحت تنظم‬
‫اعتصامات في مقرات الصليب األحمر لدعم األسرى‪ ،‬سرعان ما كانت تتحول إلى منابر تنظير لسياسة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫كل فصيل‬
‫و في ظل االنتفاضة األولى حرصت البيانات الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت‬
‫تصدر باسم القيادة الوطنية الموحدة لالنتفاضة على عدم نسيان تخصيص أحد فعاليات البرنامج الذي‬
‫يتضمنه البيان عن مساندة قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية مثل تخصيص يوم اضراب‬
‫تضامني معهم أو الدعوة لالعتصام أمام مقرات الصليب األحمر أو زيارة ذوي األسرى أو حتى تخصيص‬
‫يوم غضب دفاعاً عن األسرى ‪ ،‬وهذا بقاموس االنتفاضة يعني الدعوة االشتباك مع القوات اإلسرائيلية‪،‬‬
‫وحتى في مؤتمر مدريد للسالم فقد حرص الوفد الفلسطيني وبتوجيه من القيادة الفلسطينية على التذكير‬
‫وطرح قضية األسرى في غالبية جوالت المفاوضات التي تلت المؤتمر وعقدت في واشنطن وفي ظل‬
‫اتفاقيات أوسلو عملت منظمة التحرير الفلسطينية على تحرير االالف من األسرى خاصة أولئك الذين‬
‫اعتقلوا قبل التوقيع على اتفاق وأسلو وهذا ال يعني ان اسرائيل التزمت بذلك بل احتفظت بمئات األسرى‬
‫من هذه الفئة ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المؤسسات العامة‪:‬‬
‫منعت إسرائيل الكثير من المؤسسات الوطنية التي سبق أن عملت في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل‬
‫‪ 1967‬من ممارسة نشاطها السياسي بل واالقتصادي أيضاً‪ ،‬فقد منعت البنوك التي رخصت لها اإلدارة‬
‫المصرية في قطاع غزة وإ دارة الحكم األردني في الضفة الغربية من مزاولة العمل بحجة الحفاظ على‬
‫األمن العام‪ ،‬وكذا المؤسسات االجتماعية‪ ،‬لكنها لم تستطع إغالق مؤسسات حيوية كالكليات والمدارس‬
‫والبلديات والصحافة‪ ،‬وعليه فقد كانت هذه األخيرة متنفساً للشعب الفلسطيني في التعبير عن موقفه‬
‫السياسي من القضية‪ ،‬وكان البد لمن يقف على رأس هذه المؤسسات أن يكون له دور في مساندة‬
‫موضوع األسرى‪.‬‬

‫(‪ )1‬مشاهدة الباحث لهذه االعتصامات ومشاركته فيها بين األعوام ‪.1985 -1983‬‬ ‫(‬
‫شكل الطالب شريحة هامة في النضال الفلسطيني‪ ،‬ومثلت كلية بيرزيت المكان الهام إعالمياً لممارسة‬
‫هؤالء الطالب للنشاط السياسي‪ ،‬ففي عام ‪ 1970‬شاركت هذه الكلية إدارة وطالباً في إضراب عن الطعام‬
‫تضامناً مع معتقلي سجن عسقالن المضربين عن الطعام(‪ ،)2‬ومن المعروف أن انتشار الهبات الشعبية بين‬
‫فئات ومناطق الشعب الفلسطيني كان يتم بسرعة يصعب على قوات االحتالل السيطرة عليها أحياناً‪.‬‬
‫ومع نهاية عقد السبعينات أصبح هناك ثالث جامعات في الضفة الغربية أقامتها منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وتساهم في النصيب األكبر من مصاريفها وموازنتها وتعيين مسئوليها‪ ،‬وبالتالي شاركت هذه‬
‫الجامعات بفعالية في تبني قضية األسرى‪ ،‬فأثناء إضراب سجن نفحة الصحراوي في يوليو ‪ ،1980‬كانت‬
‫إدارة الجامعة قد علقت الدراسة(‪ ،)3‬وبعرف الجامعات هذا يعني تفريغ حرم الجامعة من الطالب‪ ،‬ويبدو أن‬
‫األمر كان يتم بالتنسيق مع نشطاء المنظمة الذين كانوا يخرجون بشكل منظم لالشتباك مع الجيش‬
‫اإلسرائيلي وبالتالي إحداث موقف سياسي يعزز دور قيادة المنظمة السياسي في الخارج‪.‬‬
‫ساهمت إدارة الجامعات في إعطاء االمتيازات للطالب لممارسة النشاط السياسي‪ ،‬فقد شاركت‬
‫الجامعات في االحتجاجات على قرارات االعتقال اإلداري التي عادت حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل‬
‫لممارستها مع عودة حزب العمل للمشاركة في مؤسسة الحكم‪ ،‬حيث كان سلوكاً جديداً أن تصدر إدارة‬
‫جامعة بيرزيت بياناً مشتركاً مع الطالب يندد بسياسة إسرائيل في االعتقال اإلداري لمسئولي التنظيمات‬
‫في الجامعات‪ ،‬وكذا تبعتها في السلوك جامعة النجاح الوطنية التي طورت من أسلوب االحتجاج بالسماح‬
‫بإقامة مهرجان تضامن مع األسرى(‪ ،)1‬ويبدو أن شخصيات من رئاسة هذه المؤسسات التعليمية كانوا‬
‫أعضاء في التنظيمات‪ ،‬وحتى في سنوات انتفاضة األقصى فقد حرصت ادارة بعض الجامعات على رعاية‬
‫الفعاليات الخاصة بالتضامن مع قضية األسرى من اعتصامات ومهرجانات تأييد كجامعة القدس المفتوحة‬
‫التي كانت تقوم بمشاركة اداراتها ومجالس الطلبة والعاملين وعلى رأسهم يكون رئيس الجامعة‬
‫باالعتصامات امام مقرات الصليب األحمر وإ نشاء خيام اعتصام بل وتنظيم مؤتمرات علمية دولية عن‬
‫قضية األسرى‪ ،‬وهذا ما يعطي داللة على أن المؤسسات التعليمية وبوضوح شاركت في دعم ورعاية‬
‫النشاط المساند لقضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية ‪.‬‬
‫تعامل العالم ومن ضمنه اإلدارة اإلسرائيلية في المناطق العربية المختلفة مع رؤساء البلديات والمجالس‬
‫المحلية على أنهم ممثلون للسكان في تلك المناطق رغم أن المسئولين عن هذه المجالس تولوا رئاستها قبل‬
‫العام ‪ ،1967‬وربما بحكم طبيعة عملهم المدني‪ ،‬فلم يقطعوا اتصالهم مع اإلدارة اإلسرائيلية‪ ،‬بل إنه وفق‬

‫(‬
‫‪(2) Jerusalem Post 12-4-1970, P.1‬‬
‫(‪ )3‬صحيفة القدس‪ ،24/7/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬مجلة فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،9/11/1985 ،582‬ص‪.23‬‬ ‫(‬


‫األوامر األخيرة تصبح هذا المؤسسات من مسئولية الحكام العسكريين‪ ،‬وعليه كان االحتجاج السلبي الذي‬
‫ال يزيد عن إرسال البرقيات التي تتضمن العبارات الدبلوماسية(‪ ،)2‬ومن المؤكد أن األسرى كانوا يشعرون‬
‫بالشكل الذي يتعامل به رؤساء هذه البلديات معهم‪ ،‬والذي ال يتعدى الجانب اإلنساني‪ ،‬وال يرقى للجانب‬
‫الوطني‪ ،‬فقد كان بعض مسئولي البلديات يزورون األسرى الذين يقطنون في مناطق نفوذ هذه البلديات‪،‬‬
‫ففي عام ‪ 1972‬رفض السجناء استقبال وفد بلدية الخليل برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري‪ ،‬ألنه جاء‬
‫لنفس السجن قبل أسابيع وقابل األسرى من سكان مدينة الخليل فقط(‪ ،)3‬ولم يكن وعي األسرى بعد يؤهلهم‬
‫للتعامل مع هذه المؤسسات حيث كان بإمكانهم االستفادة منها مادياً‪ ،‬فهي تملك موازنات مالية كانت تسمح‬
‫بسد حاجة األسرى في وقت لم تكن المنظمة ترسل الدعم المادي بعد‪ ،‬وكذلك كان وضع الشعب الفلسطيني‬
‫مادياً يكاد يكون أسوأ حاالً منذ العام ‪.1967‬‬
‫مارس مسؤولو البلديات والمجالس المحلية أكثر من وسيلة لدعم قضية األسرى‪ ،‬فبقدر ما كانت تتميز‬
‫بلديتا الخليل ونابلس من وضع مالي جيد يؤهلها لدعم األسرى‪ ،‬كانت بلدية بيت لحم تمثل الجانب‬
‫اإلعالمي الدولي حيث وضع المدينة المقدس‪ ،‬ولم تتوان البلدية عن دعم قضية األسرى‪ ،‬وكانت وسائل‬
‫اإلعالم العالمية تتناول كافة البرقيات والرسائل التي ترسلها البلدية لمسؤولي الحكومة اإلسرائيلية أو‬
‫البابا(‪ ،)1‬وكذلك كثيراً ما كانت البلديات تقدم الحلوى والحاجيات األعياد السجون الموجودة في بلدياتها‪،‬‬
‫(‪)2()2‬‬
‫أن جميع مدن الضفة الغربية كان يوجد بها سجون‬ ‫ومن المعروف وكما ذكرنا في الفصل الثاني‬
‫إسرائيلية‪ ،‬لكن إسرائيل كانت تمنع مثل هذه الزيارات أو تقديم حاجيات لألسرى في أيام اإلضرابات‪.‬‬
‫لم يستطع الصحفيون الفلسطينيون الوصول إلى السجون اإلسرائيلية‪ ،‬ولنا أن نوضح الفارق الشاسع‬
‫في التسهيالت التي كانت توضع أمام الصحفيين اإلسرائيليين الذين استطاعوا دخول سجني نفحة وجنيد‬
‫بعد أيام من افتتاحهما وتصوير األمر للرأي العام اإلسرائيلي والعالمي وفق المنظور اإلسرائيلي‪ ،‬في وقت‬
‫كان يمنع الصحفي الفلسطيني من دخول أي سجن إسرائيلي لتغطية ما يدور فيه‪ ،‬وحتى عام ‪1982‬‬
‫نستطيع القول بأن أخبار األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية التي تنقلها الصحافة الفلسطينية كان‬
‫يتم نقلها عن الصحف العبرية‪ ،‬أما األحداث التي لها عالقة باألسرى كنشاط المواطنين واحتجاجهم في‬
‫مناطق الضفة وغزة فإننا نرى الخبر يأتي نقالً عن صحيفة هآرتس أو االتحاد التي تصدر في حيفا باللغة‬
‫العربية والتي تصدر عن الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬نص برقية من رؤساء بلديات نابلس وطولكرم وجنين وقلقيلية إلى وزير الدفاع اإلسرائيلي في ‪ 3/5/1970‬والتي تضمنت االحتجاج على‬ ‫(‬

‫األوضاع اإلنسانية لسجن نفحة الصحراوي الذي افتتح مؤخراً‪ ،‬أنظر‪ :‬صحيفة االتحاد‪ ،5/5/1970 ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )3‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،1979 ،‬ص‪.165‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬سمير نايفة‪ :‬يوميات انتفاضة سجن نفحة‪ ،‬ط‪،1‬منشورات فلسطين المحتلة‪(،‬ب‪.‬م)‪ .1984،‬ص‪.30‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2()2‬أنظر الدراسة‪ ،‬ص‪.81‬‬


‫واستطاع الصحفيون الفلسطينيون تنظيم أنفسهم في بداية الثمانينات بما سمي برابطة الصحفيين‬
‫الفلسطينيين التي لم تكن إال ذراعاً إعالمياً لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬فقد كان أغلب مسؤوليها هم من‬
‫نشطاء المنظمة‪ ،‬بل هم مسؤولون مباشرون في حركات الشبيبة التابعة لحركة فتح ولجان العمل‬
‫االجتماعي التابعة للجبهة الشعبية‪ ،‬وبالتالي لم يكن من الغريب أن يكونوا أول الزعماء الذين يتم اعتقالهم‬
‫إدارياً مع نهاية ‪ ،1984‬ويمكن القول أن هذه االعتقاالت كانت الحافز األكبر لقيام رابطة الصحفيين في‬
‫مساندة قضية األسرى‪ ،‬فمنذ ذلك الحين أصبحت تصدر بيانات وتنظم اعتصامات في كل مناسبة تخص‬
‫األسرى‪ ،‬ومن أهم البيانات التي أصدرتها بيان سبتمبر ‪ 1985‬الذي هاجم السلطات اإلسرائيلية (‪ ،)3‬لكنه‬
‫كان رداً على االعتقال اإلداري لنشطاء الرابطة‪ ،‬وهم من صحيفتي الفجر والميثاق‪ ،‬ويمكن القول أن‬
‫الصحافة الفلسطينية أصبحت تزيد من تغطيتها ألحداث الضفة وغزة بخصوص فعاليات األسرى عبر‬
‫مندوبيها في الضفة وغزة بل يمكن أن نرى أخباراً عما يجري داخل السجون‪ ،‬فقد استطاعت الصحافة‬
‫تغطية أخبار إضراب سجن جنيد في أواخر عام ‪ 1984‬وتنقل ذلك عن مصادر األهالي‪ ،‬ويمكن رؤية‬
‫أخبار في الصحف اإلسرائيلية في تلك السنة‪ ،‬وما تالها منقولة عن صحيفتي الفجر والميثاق‪ ،‬بل إن‬
‫الصحافة الفلسطينية الصادرة خارج األرض المحتلة كانت تغطي كافة فعاليات الصحفيين الفلسطينيين‬
‫وتنقل أخبار صحافة الداخل بخصوص األسرى(‪.)1‬‬
‫استطاع مسؤولو المؤسسات البلدية والتعليمية بعد عدة سنوات من االحتالل تطوير أساليب احتجاجهم‬
‫على معاملة األسرى‪ ،‬وذلك بالنشاط الجماعي‪ ،‬ففي عام ‪ 1974‬استطاعوا عمل مذكرة احتجاج جماعية تم‬
‫إرسالها لوزير الدفاع اإلسرائيلي(‪ ،)2‬بل إنه في العام التالي استطاعوا إرسال عدة برقيات لخارج فلسطين‬
‫خاصة لسكرتير األمم المتحدة (كورت فالدهايم) وأمين عام الجامعة العربية (محمود رياض)‪ ،‬ولجنة‬
‫حقوق اإلنسان الدولية‪ ،‬والصليب األحمر‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬دور المؤسسات والجمعيات المعنية باألسرى‪:‬‬
‫حتى عام ‪ 1979‬لم يكن في األراضي المحتلة مؤسسات تٌعنى بحقوق اإلنسان‪ ،‬وقد برزت هذه‬
‫المؤسسات نتيجة نشاط المؤسسات األجنبية في األراضي المحتلة كالمجلس الثقافي البريطاني أو الفرنسي‪،‬‬
‫وقد جاء إنشاؤها بغرض إبراز الحالة اإلنسانية‪ ،‬ويالحظ أن ترخيص هذه المؤسسات أو المراكز جاء‬
‫(*)(*)‬
‫تخضع لتعليمات قائد‬ ‫تحت بنود تعليمات األمن بالسماح لجماعات ومنشآت بالعمل كجمعيات عثمانية‬
‫(‪ ) 3‬بيان لرابطة الصحفيين الفلسطينيين بعنوان ال إلعتقال الصحفيين تم توزيعه بتاريخ ‪ ،8/9/1995‬موجود بحوزة الباحث‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬مجلة فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،9/11/1985 ،582‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬صحيفة الشعب‪ ،5/5/1970 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(*) جمعية عثمانية‪ :‬يطلق على المؤسسات غير الربحية التي تأخذ تصريح بالعمل بالضفة وغزة منذ الحكم العثماني وتم تمديد العمل بها في‬ ‫(*)‬

‫فترات االنتداب واإلدارة المصرية واألردنية‪ ،‬وتتميز بالصالحيات الواسعة لحاكم المنطقة في تشكيلها وحلها‪.‬‬
‫الجيش في المنطقة‪ ،‬ولكن ال يمكن اإلدعاء بأنها مارست نشاطها على هذا النحو‪ ،‬خاصة أنها كانت تتلقى‬
‫الدعم من الدول األوروبية‪ ،‬وقد كان على رأس هذه المؤسسات مؤسسة القانون من أجل اإلنسان (الحق)‬
‫تم أخذ تصريح بنشاطها على أنها فرع من لجنة الحقوقيين الدولية عام ‪ ،1979‬وقد كان أغلب نشاطها‬
‫يتضمن أخذ شهادات حول تعرض أسرى فلسطينيين للتعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬ويقدمون بذلك‬
‫شهادات مشفوعة بالقسم‪ ،‬كذلك يمكن التأكد بأن غالبية نشاطها كانت يتواله شخصيات أجنبية‪ ،‬وأن دور‬
‫الفلسطينيين كان يقتصر على اإلرشاد وإ دارة المقرات‪.‬‬
‫تطور نشاط مؤسسة (الحق) كلما زادت الضجة اإلعالمية حول نشاط األسرى‪ ،‬فقد استطاعت هذه‬
‫المؤسسة وعبر المحاميين األجانب‪ ،‬أو من ينوب عن المؤسسة من الشخصيات الفلسطينية زيارة السجون‪،‬‬
‫واالطالع على أحوالها وكذلك عمل دراسات وتقارير حول مواضيع لها عالقة باألسرى وأهمها(‪:)3‬‬
‫القمع والتنكيل في سجن الفارعة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫دراسة مجموعة األوامر العسكرية اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫التعذيب في السجون‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وقد أفادت من هذه الدراسات فرق المحامين والمهتمين بالدفاع عن قضية األسرى من الناحية القانونية‪،‬‬
‫فقد كانت األوامر العسكرية تصدر عادة باللغة العبرية‪ ،‬ويتم تعليقها على لوحة اإلعالنات في مراكز‬
‫الشرطة اٍإل سرائيلية لعدة أيام‪ ،‬فكيف سيعرف بها من هو مهتم بهذا األمر؟ وهو في األصل ليس مسموحاً‬
‫للجميع بدخول مراكز الشرطة التي كانت تعتبر بمثابة مواقع عسكرية يحرسها الجيش اإلسرائيلي‪.‬‬
‫وكانت مراكز حقوق اإلنسان تنشط في مجال الدفاع عن األسرى‪ ،‬لكن كان سقف هذه المراكز‬
‫والمؤسسات‪ ،‬هو إصدار النشرات‪ ،‬والبيانات التي يمكن للمنظمات الدولية االستعانة بها‪ ،‬ومن هذه المراكز‬
‫مركز المعلومات الفلسطيني لحقوق اإلنسان‪ ،‬والذي عني أيضاً بإبراز ممارسات التعذيب ضد األسرى(‪،)1‬‬
‫ويعود الفضل لهذه المراكز في إبراز جانب مهم من مراحل حياة األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وهو األهم على‬
‫اإلطالق أال وهو مرحلة التحقيق‪ ،‬وقد نجح المركز في أخذ شهادات مشفوعة بالقسم ومثبتة بتقارير طبية‬
‫بتعرض عشرات األسرى للتعذيب خاصة بالصدمة الكهربائية‪.‬‬
‫حرصت المؤسسات األجنبية المعنية بحقوق اإلنسان وبعد عام ‪ 1982‬على تقديم كل الدعم‪ ،‬وذلك‬
‫بتشجيع شخصيات فلسطينية على فتح مراكز لحقوق اإلنسان لتقديم صورة قانونية تكون بديالً عن وجود‬
‫الباحثين األجانب في األراضي المحتلة‪ ،‬لكن إسرائيل سرعان ما كانت تضايق نشطاء هذه المؤسسات‬

‫(‪ )3‬القانون من أجل اإلنسان (الحق)‪ :‬التقرير السنوي لعام ‪ ،1983‬ص‪.32-16‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬جيفري ديلمان وموسى البكري‪ :‬استخدام إسرائيل للتعذيب بالصدمة الكهربائية‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز المعلومات الفلسطيني لحقوق اإلنسان‪ ،‬القدس‪،‬‬ ‫(‬

‫‪ ،1991‬ص‪.6-3‬‬
‫وتعتقل مسؤوليها كما حصل مع رئيس المركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان راجي الصوراني الذي تعرض‬
‫لالعتقال اإلداري أكثر من مرة إلصدار المركز الكثير من النشرات التي تشير إلى ممارسات إسرائيل في‬
‫موضوعي االستيطان واألسرى‪ ،‬وتوجيه تهم لرؤساء هذه المراكز تتعلق بنشاطهم في صفوف المنظمات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ولكن بعد سنوات قليلة كان هذا المركز قد قدم عشرات االستشارات القانونية للمحامين‬
‫واألهالي إضافة إلى تقديم خدمات المعلومات حول األسرى للباحثين والوفود األجنبية(‪.)2‬‬
‫ويمكننا القول أن هذه المراكز تخصصت فيما بعد بموضوع األسرى خاصة أن حالة حقوق اإلنسان في‬
‫األراضي المحتلة كانت تعني بمتابعة أوضاع األسرى من تعذيب ومتابعة إضرابات وزيارة األهالي‬
‫ألبنائهم‪ ،‬بل إنها استطاعت توفير إنشاء قاعدة معلومات هامة حول األسرى ومن جوانب عديدة‪.‬‬
‫نشط الشعب الفلسطيني في إنشاء مؤسسات تكون غايتها رعاية أمور األسرى‪ ،‬ولكن ليس من الزاوية‬
‫القانونية‪ ،‬بل من كل النواحي‪ ،‬بحيث ال تكون هذه المؤسسات مرتبطة مع جهات أجنبية‪ ،‬أو استغالل تلك‬
‫المؤسسات الفلسطينية الموجودة في الخارج‪ ،‬والتي ال تتبع منظمة التحرير مباشرة‪ ،‬وقد نشط الحقوقيون‬
‫الفلسطينيون في الخارج منذ منتصف السبعينات‪ ،‬وذلك بإرسال العديد من المراسالت والمذكرات إلى‬
‫الشخصيات الدولية بهذا الخصوص‪،‬وهذا ما تزعمته أفرع االتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين في‬
‫الخارج(‪.)3‬‬
‫صحيح أن كل هذه المؤسسات والمراكز كان تخصصها قريباً من قضية األسرى‪ ،‬أو يشكل جزءاً‬
‫من نشاطها‪ ،‬ولكن نضج وتطور أوضاع األسرى في السجون اإلسرائيلية وبالذات من الناحية الثقافية‬
‫واألمنية والتنظيمية وكذلك خروج أعداد كبيرة من السجن بعد انتهاء مدد محكوميتهم إضافة إلى حالة المد‬
‫في النشاط السياسي الجماهيري للمنظمات الفلسطينية‪ ،‬كل هذه العوامل جعلت إقامة مؤسسة خاصة بشئون‬
‫األسرى فقط أمراً حتمياً وبتأييد من جميع الفصائل‪ ،‬لكن نجاحها كان منوطاً بظروف أخرى على رأسها‬
‫عدم انحيازها ألي فصيل‪ ،‬بل باالبتعاد عن النشاط السياسي‪ ،‬وهذا معناه ضمور في اإلمكانيات المادية‬
‫الضرورية النطالق مؤسسة كهذه‪.‬‬
‫كما شكلت مجموعة من الفلسطينيين خاصة المفرج عنهم من السجون مؤسسة نادي األسير الفلسطيني‬
‫في أيلول ‪ 1982‬بعد أيام من مجازر صبرا وشاتيال‪ ،‬وذلك عبر احتفال في جامعة بيرزيت(‪ ،)1‬ومن المؤكد‬
‫أن إسرائيل لم تسمح لهذه المؤسسة إال بعد عدة اعتراضات تقدم بها الفلسطينيون لمحكمة العدل العليا في‬
‫(‪ ) 2‬مقابلة مع راجي الصوراني‪ ،‬رئيس المركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان‪ ،‬أجريت في غزة ‪.17/7/2005‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 3‬برقية من االتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين‪ -‬فرع سوريا إلى الدكتور كولد فالدهايم‪ ،‬أنظر نصها كامالً‪ :‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪،75‬‬ ‫(‬

‫‪ ،16/2/1977‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )1‬أنظر ملحق رقم (‪ ) 4‬يتضمن نبذة عن الالئحة الداخلية ألول مؤسسة شعبية متخصصة برعاية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‬ ‫(‬

‫(نادي األسير الفلسطيني)‪.‬‬


‫إسرائيل‪ ،‬ووافقت السلطات على الترخيص لها باعتبارها جمعية عثمانية أهلية تعمل في مجال الخدمات‬
‫الخيرية ألسر األسرى الفلسطينيين ولم تسمح لها بفتح فروع لها في الضفة الغربية برغم السماح لها‬
‫بممارسة نشاطها هناك أيضاً‪ ،‬وهذا ما شكل خالفاً مع السلطات فيما بعد أدى إلى اعتقال عدد من نشطاء‬
‫النادي لفتحهم عالقة مع األسرى في الداخل‪ ،‬حتى ولو كانت ذات صبغة إنسانية‪،‬وقد ساهمت هذه المؤسسة‬
‫‪-‬ولاللتفاف على تعليمات وقوانين األمن‪ -‬في إخراج نشاطها عبر دعم لجان مختلفة يتم تشكيلها لدعم‬
‫األسرى مباشرة‪ ،‬وهذا ما اتضح من تشكيل لجنة الدفاع عن األسرى اإلداريين في السجون اإلسرائيلية‪،‬‬
‫والتي شكلت من الشخصيات والمؤسسات والمراكز واألهالي وشكل ذلك قلقاً للمسئولين العسكريين الذين‬
‫لم يستطيعوا منع عقد مؤتمر صحفي لهذه اللجنة في القدس عام ‪.)1985(2‬‬
‫تميز دور المحامين الفلسطينيين تجاه قضية األسرى الفلسطينيين أثناء اإلضرابات عن الطعام‪ ،‬فهم‬
‫القناة الوحيدة التي من الممكن أن تأتي بأخبار األسرى لذويهم وبالعكس‪ ،‬وهم الذين يتابعون مراحل‬
‫اإلضراب منذ بدايتها‪ ،‬بل إن األسرى يعدونهم جزءاً من اإلضراب‪ ،‬وأن لهم دور في إنجاحه‪ ،‬وقد كانت‬
‫السلطات اإلسرائيلية تعلم ذلك ولم تكن تمنع المحامين من دخول السجون في األيام األولى لإلضراب‪ ،‬ألن‬
‫سياستها كانت تقضي بتجاهل كل ما يدور حتى اليوم العاشر تقريباً‪ ،‬وحتى هذا السلوك لم يكن في‬
‫اإلضرابات موحداً‪ ،‬ولكن بعد ذلك تمنع المحامين من دخول السجون‪ ،‬وكثيراً ما كانوا يتغلبون على ذلك‬
‫بإيفاد المحامين اإلسرائيليين المنتمين للحركات اليسارية‪ ،‬لكن المحامين هم الذين كانت مهمتهم إيصال كافة‬
‫مسوغات اإلضرابات (مذكرات‪ -‬برقيات‪ -‬مراسالت‪ -‬تعليمات للتنظيمات‪ -‬تعليمات لألهالي‪ -‬نسخ‬
‫المطالب‪....‬إلخ) إلى الجهات المنشودة‪ ،‬وغير مرة شارك المحامون بإرسالهم أنفسهم مسوغات كهذه‬
‫موقعة منهم للدفاع عن قضية األسرى‪ ،‬بل وإ عالن إضراب عن الطعام تضامناً مع األسرى(‪ ،)1‬ويمكن أن‬
‫تالحظ كافة االتفاقيات التي عقدها ممثلو األسرى مع إدارة السجون حول مطالبهم كان وفد نقابة المحامين‬
‫يتم استدعاؤه ليشهد على ذلك‪ ،‬ومن الممكن أن هذا األمر يأتي من جهة فحص الجوانب القانونية في ذلك‬
‫من قبل األسرى‪.‬‬
‫إن مراحل تطور موقف المحامين منذ السنوات األولى بعد حرب ‪ 1967‬من قضية األسرى ووصولها‬
‫إلى مرحلة النضال الراقي منتصف التسعينينات كان محكوماً بعدة عوامل أهمها‪:‬‬
‫الثقافة الوطنية للمحامين‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫العدد المتزايد للمحامين الذين تخرجوا في الجامعات المصرية مع بداية الثمانينات‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الحالة النقابية لنقابة المحامين الفلسطينيين في الضفة والقطاع‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫(‪ )2‬جامعة بيرزيت‪ :‬تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري‪،‬ط‪ ،1‬جامعة بيرزيت‪،‬رام اهلل‪ ،1985،‬ص‪.19‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬فهد الحاج‪ :‬انتفاضة الجوع من وراء القضبان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72‬‬ ‫(‬
‫الهياكل التنظيمية (اللجان الحركية) التي قامت التنظيمات بتشكيلها في قطاع المحامين‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫دور منظمة التحرير في الدعم المادي لنشاط المحامين‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الممارسات اإلسرائيلية تجاه المحامين وخاصة اعتقال العديد منهم‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫نشاط بعض المحامين كأعضاء ومسئولين في التنظيمات‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫شاركت الشخصيات الهامة في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفعاليات التي كانت تقيمها المؤسسات‬
‫واألهالي للتضامن مع األسرى‪ ،‬بل إنهم تزعموا أحياناً مثل هذه المؤتمرات واالجتماعات وكثيراً ما كانت‬
‫السلطات تمنعهم من ذلك‪ ،‬بل إنه تم إقالة بعضهم من منصبه بسبب موقفه من قضية األسرى كما حصل‬
‫مع عبد الجواد صالح رئيس بلدية البيرة الذي تم إقالته الهتمامه الزائد بقضية األسرى(‪ ،)2‬لقد تعاملت‬
‫السلطات اإلسرائيلية مع اعتراضات الشخصيات الوطنية على ظروف السجون بقوة وبقرارات قاسية فقد‬
‫كان اعتراض بسام الشكعة (عمدة نابلس) على الزجاج العاكس الموضوع على نوافذ غرف السجون ألنه‬
‫يضر بصحة األسرى ويصيبهم بأمراض‪ ،‬كان ذلك سبباً في إصدار وزير الدفاع اإلسرائيلي عيزرا‬
‫وايزمان أمراً بإبعاده إلى األردن عام‪ ،1979‬وأن التصريحات تمت بشهادة منسق العمليات في المناطق‬
‫المحتلة العميد (داني ماط) في مكتبه(‪ ،)3‬ويبدو أن مشاركة هذه الشخصيات كان أيضاً لغرض إبراز دورهم‬
‫الوطني‪ ،‬فإن ذلك كان يعزز وجودهم على الصعيد الشعبي‪ ،‬وكذا أمام مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫التي تعرف هذه الشخصيات مدى أهمية رضاها عنهم‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬الدور الشعبي‪:‬‬

‫(‪ )2‬عدنان جابر‪ :‬ملحمة القيد والحرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.164‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬تقرير خاص لدار الجليل للنشر والخدمات الصحفية مؤرخ بـ‪ 17/11/1979‬بعنوان‪ :‬محضر اجتماع شخصيات نابلس مع منسق عمليات‬ ‫(‬

‫الجيش في المناطق المحتلة بتاريخ ‪.6/11/1979‬‬


‫تعد الجماهير الفلسطينية المدد الدائم للثورة الفلسطينية‪ ،‬كما كانت تعني الجماهير بالنسبة ألي ثورة في‬
‫العالم‪ ،‬فهي التي تصنع المواقف الذي تترجمه طليعة الشعب والمتمثل في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬
‫ولما كانت شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني قد دخلت السجون اإلسرائيلية فبنفس المنطق شارك جزء‬
‫كبير من هذه الجماهير في التعبير عن موقفها تجاه األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وكانت السند الرئيسي ألوقات‬
‫األزمات والشدة التي مر بها األسرى‪ ،‬فلم يكن األسرى أنفسهم يوماً ما الواجهة اإلعالمية ألوضاعهم‪ ،‬بل‬
‫عبرت عنها الجماهير الفلسطينية في صورة فعاليات مختلفة بدأت منذ حرب األيام الستة بمقاومة القوات‬
‫العسكرية اإلسرائيلية عندما تأتي العتقال األب أو األخ أو االبن في المنزل‪ ،‬مروراً بالجري تجاه مقرات‬
‫الصليب األحمر أو نقابة المحامين‪ ،‬وتعلم إرسال المذكرات والبرقيات التي ارتقت مع تطور القضية‬
‫الفلسطينية إلى إصدار البيانات والمنشورات‪ ،‬تلك التي كانت إضافة إلى عوامل أخرى تحرض الجماهير‬
‫على اإلضرابات وأعمال مقاومة والصدامات مع القوات العسكرية اإلسرائيلية والتي كان ينتج عنها اعتقال‬
‫آخرين وجرحى وشهداء ‪،‬هذا ما كان من خالصة الموقف حتى يسمع العالم ويمارس ضغوطاً على‬
‫السلطات اإلسرائيلية لالستجابة لطلبات األسرى أثناء اتخاذهم الخطوات المطلبية (اإلضرابات‪ /‬التمرد)‪.‬‬
‫كان الصليب األحمر ملجأ الناس األول للبحث عن أبنائهم عند اعتقالهم‪ ،‬وكذا تقدم األسرى وذووهم‬
‫الحتجاجاتهم على أي إشكاليات يواجهونها‪ ،‬ولم يكن بد أمام الناس إال االعتصام بمقرات الصليب في‬
‫اإلضرابات التي شهدتها السجون في السنوات األولى بعد عام ‪ ،1967‬وذلك للبحث عن أخبار أبنائهم‬
‫المضربين عن الطعام‪ ،‬واستغالل الجماهير لمؤسسة الصليب األحمر قد مر بعدة مراحل‪:‬‬
‫التوجه للصليب لمعرفة أماكن وجود األسرى‪ ،‬وأخبارهم أثناء اإلضراب عن الطعام أو بعد التمرد‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تقديم مذكرات االحتجاج على ظروف األسرى في سجن معين‪ ،‬واالعتصام في مقرات الصليب‬ ‫‪.2‬‬
‫األحمر‪.‬‬
‫اإلضراب عن الطعام تضامناً مع األسرى والمبيت في مقرات الصليب‪ ،‬والصدام مع القوات‬ ‫‪.3‬‬
‫اإلسرائيلية أمام هذه المقرات وأمام وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫وقد استمرت المرحلة األولى حتى عام ‪ ،1978‬حيث لم يكن هناك أي نشاط للتنظيمات السياسية أو‬
‫المؤسسات لتنظيم تعامل األهالي مع الصليب األحمر‪ ،‬وأن تعاملهم اتسم بالشكل الفردي(‪ ،)1()1‬أما المرحلة‬
‫الثانية فقد حددت فعالياتها بروز اإلضرابات المنظمة في السجون والتي كانت منسقة مع بعض األهالي‬
‫النشطين تجاه األسرى‪ ،‬والذين كانوا ينظمون االعتصامات وتقديم المذكرات‪ ،‬وبطلب من أبنائهم داخل‬
‫السجون‪ ،‬وقد بدأت الصحافة اإلسرائيلية تركز على نشاط األهالي وإ براز بداية تنسيق بين قيادة األسرى‬

‫(‪ ) 1()1‬مقابلة مع عوني وصفي أبو شعبان‪ ،‬مسئول شئون األسرى في الصليب األحمر بين أعوام ‪ ،1986-1975‬أجريت بتاريخ ‪،17/2/2006‬‬
‫غزة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وذويهم في الخارج إضافة إلى تشجيع بعض المؤسسات داخل إسرائيل لألهالي كجمعية أنصار السجين‬
‫(‪ ،)2‬أما المرحلة الثالثة فقد ساهم فيها عامالن هامان هما كون اإلضرابات في السجون كانت في تلك‬
‫الفترة تأتي ضمن خطة شاملة‪ ،‬ومعروف سلفاً ما هو دور األهالي وضغطهم على اللجنة الدولية للصليب‬
‫األحمر واستغالل مقراتها‪ ،‬إضافة إلى أنه بعد العام ‪ 1982‬كانت ذروة نشاط األجنحة الجماهيرية النقابية‬
‫للتنظيمات الفلسطينية والتي كانت تولي موضوع األسرى أهمية بالغة في نشاطها‪ ،‬ولها دور في تحريض‬
‫األهالي على استغالل مقرات الصليب األحمر في التضامن‪ ،‬وليس من المعقول االفتراض أن من يفتعل‬
‫الصدامات مع الجيش أمام مقرات الصليب األحمر هم ذوو األسرى من المسنين والنساء‪ ،‬بل إن الشباب‬
‫من حركات الشبيبة واألجنحة الجماهيرية للفصائل الوطنية واالسالمية هم من كان ينظم هذه الصدامات‬
‫التي تعطي نتائج إعالمية فورية خاصة عندما يسقط جرحى(‪.)1‬‬
‫استغل أهالي األسرى كل األماكن المتاحة لهم لالحتجاج فيها خاصة تلك التي ال يستطيع الجيش‬
‫اإلسرائيلي دخولها إال بصعوبة شديدة كمقرات الصليب األحمر أو المساجد والكنائس‪ ،‬كما يجب مالحظة‬
‫إيالء األهالي لإلعالم أهمية بالغة في فعاليتهم‪ ،‬فغير مرة كانوا ينظمون االعتصام في المساجد والكنائس‪،‬‬
‫خاصة كنيسة القيامة في القدس حيث قدسية المكان إضافة إلى الوجود الدائم للسياح الذين يأتون من مناطق‬
‫شتى ‪،‬وقد كان األهالي يوزعون عليهم المناشير التي توضح قضية األسرى كما حصل في (‪26/1/1969‬‬
‫‪ ،)2‬وكثيراً ما كان العديد من هؤالء السياح يتعاطفون مع األهالي خاصة أنهم أهل المكان الذي يأتي إليه‬
‫هؤالء الزوار‪ ،‬ويبدو أنه من هذا المكان نبعت فكرة إحضار األجانب لمساندة القضية الفلسطينية‪ ،‬ومن هنا‬
‫يتضح مشاركة هؤالء األجانب (السواح) باالحتجاجات واالعتصام أمام قنصليات بالدهم في القدس‬
‫احتجاجاً على أوضاع األسرى الفلسطينيين(‪ ،)3‬ومن الصعب االفتراض أن هذا األمر كان ظاهرة في تلك‬
‫الفترة‪ ،‬ألنه كان يتصادف مع األعياد المسيحية في شهري كانون أول وكانون ثاني من بعض األعوام‬
‫فقط‪.‬‬
‫اعتمد األهالي أسلوب المذكرات والبرقيات للتعبير عن احتجاجهم على أوضاع األسرى ونستطيع القول‬
‫بأن هذا األسلوب وبرغم أنه قد بدأت مرحلة مبكرة إال أنه استمر حتى ما بعد العام ‪.2000‬‬
‫ويالحظ أن االحتجاج على سياسة االعتقال اإلداري كانت تمثل ذروة نشاط إرسال المذكرات والبرقيات‬
‫والعرائض(‪ ،)4‬ويعود السبب إلى أن الغالبية العظمى من األسرى اإلداريين بعد عام ‪1983‬كانوا من قيادات‬
‫(‪ ) 2()2‬قائمة بالمذكرات التي سلمها األهالي للصليب األحمر أنظر‪ :‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،12/2/1979 ،175‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )1‬مشاهدة الباحث لصدامات استمرت عدة أيام في الفترة ‪ 22/10/1984-18‬أمام مقر الصليب األحمر في القدس‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية ‪ ،1969‬ط‪ ،1‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت ‪،1970،‬ص‪.163‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة الشعب‪ ،27/1/1975 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬جامعة بيرزيت‪ :‬تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫(‬
‫التنظيمات الفلسطينية ومسؤوليها أو رؤساء مؤسسات نقابية ويتمتعون بقاعدة جماهيرية كمسؤولي اتحادات‬
‫مجالس الطلبة في الجامعات أو محامين أو أعضاء هيئات نقابية‪ ،‬وإ ذا تتبعنا هذه المذكرات والبرقيات‬
‫فسنجد أنها كانت في السنوات األولى تتضمن الجانب اإلنساني‪ ،‬وتسمية بعض األسرى المرضى‪ ،‬لكن في‬
‫مرحلة متأخرة ارتقت هذه المذكرات والبرقيات إلى عبارات قانونية وتشهير ضد مصلحة السجون‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬وهذا ما يجعلنا نفصل بينها وبين البيانات والمنشورات التي كانت تصدر بهذا الشأن والتي‬
‫كانت إسرائيل تحاكم من يوزعها فلماذا كانت تفعل ذلك؟‬
‫بدأ أهالي األسرى بإصدار البيانات والمناشير التحريضية كأسلوب للتضامن ومساندة األسرى‬
‫الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية أثناء الخطوة الكبيرة التي خطاها معتقلو سجن نفحة الصحراوي بعد‬
‫أسابيع من فتح المعتقل‪ ،‬فقد كان صدى هذه البيانات قوياً تجاه وسائل اإلعالم وأنها كانت تتضمن مادة‬
‫إنسانية‪ ،‬ومن ثم قانونية ما تلبث أن تجد تحريضاً سياسياً كدعوة األسرى لالستمرار في اإلضراب حتى‬
‫الموت‪ ،‬أو دعوة الناس للتصدي لهذه الممارسات‪ ،‬ودعوة إللغاء قرارات الحكومة اإلسرائيلية باعتقال‬
‫النشطاء السياسيين وإ بعادهم(‪ ،)1‬ويمكننا مالحظة الفارق والتطور في البيانات التي كان يصدرها األهالي‬
‫عام ‪ 1985‬كون هذه البيانات تم تطعيمها بفقرات يتضح منها أنها من صياغة األسرى أنفسهم‪ ،‬ومن‬
‫الممكن االفتراض أن المحررين من السجون هم من قاموا بذلك كون عدد كبير منهم شارك بعد تحريره‬
‫مباشرة في فعاليات التضامن مع زمالئهم في السجون(‪ ،)2‬مع مالحظة أن عدداً من الذين تم إبعادهم فيما‬
‫بعد إلى خارج المناطق المحتلة كان في السجون بانتظار استكمال اإلجراءات القانونية‪.‬‬
‫وخالصة األمر أن الموقف الفلسطيني شكل المحرك الرئيسي لقضية األسرى‪ ،‬وال يمكن اعتبار نشاط‬
‫األسرى جزءاً من الموقف الفلسطيني ‪،‬أو حتى الموقف الرسمي اإلسرائيلي المتمثل بالسلطات (حكومة‬
‫ووزارة أو مصلحة سجون) فهما النقيضان المتصارعان‪،‬واللذان تعبر بقية شرائح الشعب الفلسطيني‬
‫الموقف منه‪ ،‬والذي بطبيعة الحال كان مسانداً لطرف األسرى‪ ،‬ويمكن القول بأن فعاليات الشعب‬
‫الفلسطيني هي التي كانت تحرك قضية الفلسطينيين مع مراعاة أن األزمة يتم ابتداؤها داخل السجون‪،‬‬
‫وتنتهي باتفاق األسرى مع السلطات اإلسرائيلية أيضاً داخل السجون مع السلطات اإلسرائيلية‪ ،‬ولكن‬
‫الجانب اإلعالمي لهذه المعركة إذا صح تسميته كان يتم من خالل سلوك وموقف الشعب الفلسطيني من‬
‫هذه المعركة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أنظر ملحق رقم (‪ :) 5‬بيان صادر عن أهالي وذوي األسرى السياسيين الفلسطينيين المضربين عن الطعام في مقر الصليب األحمر في‬ ‫(‬

‫القدس تضامناً مع أبنائهم في معتقل نفحة (النازي) مؤرخ بـ‪ ،26/7/1985‬وزع في نفس اليوم في مقرات الصليب األحمر في الضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ملحق رقم (‪ :) 6‬بيان صادر عن أهالي األسرى والمبعدين المعتصمين في الصليب األحمر‪ -‬رام اهلل مؤرخ بـ‪.19/9/1985‬‬ ‫(‬
‫الموقف اإلسرائيلي‬
‫تعد إسرائيل النقيض تماماً في معادلة الصراع مع الفلسطينيين‪ ،‬فهي المسؤولة عن معاناة الشعب‬
‫الفلسطيني وإ عاقة تحقيق أحالمه وطموحاته الوطنية‪ ،‬فقد فُقد الكثير من الشهداء وأصيب اآلالف من‬
‫الجرحى إضافة إلى مئات اآلالف من األسرى إلى جانب ما حدث من دمار وتشريد طوال سنوات‬
‫الصراع‪ ،‬ويمكن فهم الموقف الرسمي اإلسرائيلي من خالل سلوك اإلسرائيليين التابعين للمؤسسة الحكومية‬
‫ابتداء من الشرطي‪ ،‬وحتى التعليمات‬
‫ً‬ ‫في غالبية المباحث التي تحدثت عنها في الدراسة في الفصول السابقة‬
‫التي تعطيها أعلى مرتبة رسمية متمثلة برئيس الوزراء ورئيس الدولة‪ ،‬لكن الموقف اإلسرائيلي ال يتوقف‬
‫على سلوك أعضاء هذه المؤسسة فقط‪ ،‬ولكن هناك جهات أخرى كانت على مر فترة الدراسة تبدي‬
‫موقفها‪ ،‬هذا الموقف الذي كان مؤثراً أحياناً وبشكل مباشر‪ ،‬والعكس أحياناً أخرى‪ ،‬كما أنه لم يكن هناك‬
‫تشابها في التأثير بين الجهات المختلفة من أعضاء الكنيست أو المؤسسات حكومية أو الشخصيات‬
‫االعتبارية أو الصحافة أو حتى المؤسسات والشخصيات العربية الفلسطينية التي تعيش في األراضي‬
‫الفلسطينية المحتلة عام ‪ ،1948‬وبالتالي فهي خاضعة للقانون اإلسرائيلي‪ ،‬وعليه فمن المستحسن إدراجها‬
‫على أنها نشاط عربي لكنه جزء من الموقف اإلسرائيلي‪ ،‬وبالتالي فهذه المؤسسات والشخصيات غير‬
‫خاضعة لتعليمات وأوامر األمن المتعارف عليها في الضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬‬
‫بعكس الموقف الفلسطيني الذي كان يعكس دائماً واجهة مؤيدة ومناصرة لقضية األسرى الفلسطينيين‪ ،‬فقد‬
‫ابتداء من الداعمين والمناصرين لألسرى الفلسطينيين‪ ،‬والمتمثل في‬
‫ً‬ ‫تباين وتمايز الموقف اإلسرائيلي‬
‫موقف المؤسسات والشخصيات العربية والمتحالفين معها من شخصيات يهودية يسارية‪ ،‬وصوالً إلى‬
‫الموقف المتطرف المعادي تماماً لألسرى الفلسطينيين والذي يمثله المستوطنون‪ ،‬والذين كانوا يدعون إلى‬
‫الحكم عليهم باإلعدام أو ترحيلهم خارج ما أسموه (بأرض إسرائيل)‪ ،‬لكن السؤال هو‪ :‬هل أثر الموقف‬
‫العربي أو اليهودي غير الصهيوني في الموقف الرسمي اإلسرائيلي؟ أو هل كان أفق الموقف العربي هو‬
‫تغيير الموقف الرسمي اإلسرائيلي؟وهل تمت على األرض مساندة األسرى الفلسطينيين مباشرة؟ وبنفس‬
‫منهج السؤال هل أثر المستوطنون والجهات المتطرفة في الموقف الرسمي؟ وهل كانت معاداتهم لألسرى‬
‫الفلسطينيين قد توقفت عند التأثير على هذا الموقف؟ أم كان لهم سلوك ٍ‬
‫معاد على األرض لألسرى؟‬
‫وخالصة المشكلة كيف تأثر الموقف الرسمي اإلسرائيلي بمن حوله من جهات مختلفة؟‬
‫تعد محكمة العدل العليا أعلى هيئة قضائية في إسرائيل‪ ،‬وبشكل دائم يعد قضاتها أنفسهم الهيئة المستقلة‬
‫األولى في إسرائيل والتي تحفظ الدستور وحقوق اإلنسان‪ ،‬ولنا أن نقارن بين هذا التعريف وموقف قضاتها‬
‫من قضية األسرى‪ ،‬فهم ينظرون إليهم على أنهم (إرهابيون) ويشتركون في حقيقة األمر مع الموقف‬
‫الرسمي‪ ،‬بل إن رئيس المحكمة (أهارون باراق) يصف مصلحة السجون في إسرائيل أثناء مشاركته في‬
‫افتتاح سجن نفحة " بأنها منظمة ذات رسالة اجتماعية خالدة"(‪ ،)1()1‬إن مشاركة رئيس أكبر هيئة مستقلة في‬
‫افتتاح منشأة (كما تعرفها النشرة التعريفية) ستكون مكاناً لحجز اإلنسان وحجب النور والشمس وزيارة‬
‫ٍ‬
‫منحاز‪ ،‬ويتعارض مع‬ ‫أبنائه ووالديه بجعل من الصعب تصور أن موقف هذا القاضي يمكن أن يكون غير‬
‫تعريفهم للمحكمة كهيئة لصيانة حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫جزء من السلطة التنفيذية في إسرائيل‪ ،‬فقد‬
‫تعاملت محكمة العدل العليا مع قضية األسرى كما لو أنها ٌ‬
‫كانت تقارير جهاز األمن العام تأخذ بكل جدية وصدق‪ ،‬ومن الممكن طرحها بعد إخراج المحامي‬
‫والفلسطيني المعتقل خارج القاعة‪ ،‬وهذا ما يستدل من موقف المحكمة وبدون إصدارها لقرار بل تم إبالغ‬
‫المحامية إلغرا فيتشكو شفوياً رفض التماس موكلها المعتقل يوسف البايض بعدم تعذيبه‪ ،‬والسبب هو تقرير‬
‫من جهاز األمن العام ينفي صحة ذلك‪ ،‬وأن إصدار قرار سيشكل خطراً على أمن الدولة(‪.)1‬‬
‫لم تعترف المؤسسة الرسمية في إسرائيل بأي جهة مستقلة يمكن أن تتدخل في عمل ونشاط أجهزة‬
‫األمن غير محكمة العدل العليا‪ ،‬رغم أن توصية األخيرة تكون ملزمة حتى لرئيس الدولة ورئيس الوزراء‪،‬‬
‫لكن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أي قضية حكومية من قبل رئيس محكمة العدل العليا‪ ،‬سيتيح للحكومة‬
‫مساحة الموافقة على أي قرار صعب‪ ،‬فهو سيكون صادراً بموافقة الهيئة المسموعة توصياتها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫أنه سيعرف الرأي العام المحلي والعالمي أن مثل هذه اللجان هي مشكلة من قضاة من المفترض أنهم‬
‫يلتزمون الموضوعية واالستقاللية التامة‪ ،‬لكن يبدو أن النتائج كانت شبه مضمونة‪ ،‬وهذا ما توضحه كافة‬
‫نتائج لجان التحقيق في أحوال وأوضاع األسرى‪ ،‬وعلى سبيل المثال يمكن النظر بشيء من الموضوعية‬
‫إلى توصيات لجنة (عنات)(‪ ،)2‬التي وصفت أوضاع السجون بالسيئة واالزدحام وعدم كفاية العالج وسوء‬
‫األجواء االجتماعية‪ ،‬لكن محكمة العدل العليا لم تقبل إقرار توصيات هذه اللجنة(‪ ،)3‬وبالتالي كان هناك‬
‫مبرر للحكومة أن تمتنع عن التعاطي مع توصيات اللجنة‪ ،‬فقد شكلت محكمة العدل العليا حائط الصد‬
‫األول لهذه اللجنة‪ ،‬وليس من المنطق االفتراض بأن قضاة محكمة العدل العليا ال يعرفون أن توصيات‬
‫اللجنة ستحرج الحكومة‪ ،‬وأن أوضاع السجون ستنقلب رأساً على عقب إذا تم تنفيذ هذه التوصيات‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬موقف أعضاء الكنيست‪:‬‬
‫صحيح أن أعضاء الكنيست العرب أو أعضاء األحزاب اليسارية لم يؤثروا كثيراً على أعضاء الحكومة‬
‫اإلسرائيلية خاصة في القضايا األمنية التي يتم نقاشها عادة في لجنتي الداخلية واألمن والخارجية‪ ،‬فقلما‬
‫(‪ ) 1()1‬نشرة تعريفية بمصلحة السجون في إسرائيل‪ ،‬إصدار دائرة اإلعالم بمصلحة السجون‪،‬ص‪(،5‬بالعبرية)‪.‬‬
‫(‪ )1‬وزارة شئون األسرى والمحررين‪ :‬التعذيب‪ ،‬دائرة اإلعالم‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬لجنة شكلها وزير الداخلية اإلسرائيلي عام ‪ 1981‬د‪.‬يوسف بورغ لدراسة أوضاع السجون وسميت بهذا االسم نسبة إلى رئيسها ماكس‬ ‫(‬

‫عنات وهو قاضي سابق في محكمة العدل العليا‪.‬‬


‫(‪ )3‬صحيفة الفجر‪ ،11/3/1981 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬
‫تختلف األحزاب الصهيونية حتى لو كانت من أحزاب الوسط على القضايا األمنية‪ ،‬وعليه فقد مثل‬
‫موضوع األسرى الفلسطينيين وجهة النظر الشخصية أكثر منها نابعة من أفكار أيديولوجية بالنسبة‬
‫ألعضاء الكنيست من األحزاب الصهيونية الليبرالية‪ ،‬والذي مثله أعضاء كنيست انشقوا عن حزب العمل‬
‫اإلسرائيلي عقب هزيمته في االنتخابات التشريعية عام ‪ ،1977‬فقد كان عضو الكنيست عن حزب راتس‬
‫(حقوق المواطن) يوسي ساريد غير متفق مع الحكومة التي شارك فيها مع حزبي العمل والليكود عام‬
‫‪ 1984‬في إجراءاتها بنقل األسرى الفلسطينيين من المناطق التي أخالها الجيش اإلسرائيلي في جنوب‬
‫لبنان (المرحلة األولى) إلى السجون داخل إسرائيل(‪ ،)1‬لكن من المؤكد أنه ليس تعاطفاً مع هؤالء‬
‫األسرى‪ ،‬بل لمصلحة إسرائيل التي ستتعرض للنقد الدولي كونها نقلت أسرى من منطقة انسحب منها‬
‫الجيش‪ ،‬وكان يجب إعادتهم لمناطق سكناهم كما ينص القانون الدولي‪ ،‬وغير مرة كانت (شلوميت ألوني)‬
‫وهي من نفس الحزب تعرب عن تعاطفها مع المطالب اإلنسانية التي يطالب بها األسرى الفلسطينيون(‪،)2‬‬
‫وكان يأتي هذا المستوى من التعاطف بمالحظتين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أعضاء الكنيست من هذه األحزاب ينظرون لألمر من جانب إنساني كمواضيع الغذاء والنوم‬
‫والفسحة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هذه التصريحات تأتي في األيام األخيرة من اإلضرابات عن الطعام حيث يكون مطلوباً من‬
‫كل شخصية موقف أمام اإلعالم المهتم بالقضية‪.‬‬

‫تعد الفترة من ‪ 1977‬حتى عام ‪ 1981‬التي شكلت هزيمة للقوى واألحزاب اليسارية في إسرائيل‬
‫واستطاع اليمين بزعامة مناحيم بيغن أخذ زمام السلطة‪ ،‬فترة ضعف لنشاط أعضاء الكنيست اآلخرين في‬
‫المعارضة تجاه قضية األسرى الفلسطينيين‪ ،‬ففي هذه الفترة كانت قرارات عديدة قد صدرت بقمع‬
‫األسرى‪ ،‬أو حتى افتتاح سجون جديدة خاصة سجن نفحة الصحراوي‪ ،‬و لم يكن هناك ما يشير إلى‬
‫احتجاجات أو نقاشات في الكنيست على هذا األمر‪ ،‬في وقت كان افتتاح هذا السجن حدثاً إعالمياً هاماً‪.‬‬

‫شكلت الجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة (حداش) الواجهة التي يعبر من خاللها أعضاء الكنيست‬
‫العرب واليهود اليساريون عن موقفهم تجاه قضية األسرى‪ ،‬فغير مرة كان عضو الكنيست عن هذه الكتلة‬
‫(ماير فلنر) قد زار أمهات األسرى المضربين عن الطعام مصطحباً معه مجموعة من عائالت الجنود‬
‫الذين يرفضون الخدمة العسكرية في الضفة وغزة والتي ساهمت هذه الجبهة في إنشائها(‪ ،)3‬وفيما بعد‬

‫(‪ )1‬مجلة فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،20/4/1985 ،554‬ص‪.106‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬صحيفة هآرتس‪ ،2/11/1984 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة االتحاد‪ ،29/7/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬


‫استطاع أعضاء الكنيست من هذه الكتلة دخول سجن جنيد أثناء إضراب األسرى في ديسمبر ‪ 1984‬والشد‬
‫من أزرهم‪ ،‬واإلعراب عن مساندتهم‪ ،‬ومن ثم مهاجمة الحكومة أمام وسائل اإلعالم بعد الخروج من‬
‫السجن(‪،)4‬لكن هذا الموقف لم يكن ليؤثر على اتخاذ القرار‪ ،‬ألن أعضاء الكنيست هؤالء كان يستقبلهم في‬
‫أحسن األحوال مدير السجن أو نائبه وليس ضباطاً كباراً في مصلحة السجون‪.‬‬
‫لم تشكل السلطة التشريعية في إسرائيل (الكنيست) يوماً قيداً على تشريعات وأوامر قادة الجيش تجاه‬
‫السجون أو األسرى الفلسطينيين‪ ،‬فمنذ بداية السبعينات كان رئيس الكنيست (شلومو هليل) يصف األسرى‬
‫(باإلرهابيين) الذين أرادوا تدمير إسرائيل‪ ،‬ومن المصادفة أن يصبح فيما بعد وزيراً للشرطة‪ ،‬أي المسئول‬
‫عن مصلحة السجون‪ ،‬حيث من المؤكد أن موقفه كان سلبياً تجاه األسرى(‪،)1‬ولقد ساهم الكنيست بقرار هام‬
‫في حياة األسرى وهو إقرار توصية لجنة (النداو) التي سمحت في محتواها لرجال جهاز األمن العام‬
‫باستخدام بعض صور(الضغوطات) التعذيب ضد األسرى‪ ،‬لكن من الجانب األخر يعتبر أعضاء الكنيست‬
‫توصيات هذه اللجنة قد حد من تصرفات وسلوك ضباط جهاز األمن العام لكن دون إعاقة عملهم المقدس‪،‬‬
‫ولم يعارض القرار أي من األحزاب الصهيونية في الكنيست‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬موقف المؤسسات غير الحكومية في إسرائيل‪:‬‬
‫نشطت في إسرائيل في مطلع السبعينات فكرة تأسيس منظمات تعنى بحقوق اإلنسان والمواطنة‬
‫والمدنية‪ ،‬وقد حظي ذلك بدعم من األحزاب اليسارية‪ ،‬وعلى رأسها الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ،‬وقد كان‬
‫من مهام الكثير من هذه الجمعيات والمؤسسات جزئية الدفاع عن األسرى خاصة السياسيين‪ ،‬وحتى عام‬
‫‪ 1984‬كان عدد األسرى السياسيين اليهود ال يتجاوز أصابع اليد‪ ،‬وأن نوع االتهام لهم جميعاً هو نشاطات‬
‫عدائية ضد العرب وعلى خلفية قومية‪ ،‬وعليه فقد نشطت الجمعيات في القضايا التي تحصى الصراع مع‬
‫الفلسطينيين وعلى رأسها قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬واتسم نشاط هذه الجمعيات‬
‫والمنظمات والحركات التي سأسميها منظمات باستغالل الجانب القانوني واإلعالمي في نشاطهم‪ ،‬بشكل‬
‫أساسي‪ ،‬وقد تميزت بعض هذه المنظمات كالرابطة اإلسرائيلية للحقوق اإلنسانية والمدنية والتي كان لها‬
‫الفضل في تزويد لجنة األمم المتحدة التي أرسلت للتحقيق في أعمال إسرائيل في األراضي المحتلة عام‬
‫‪ 1970‬بالكثير من المستندات التي تثبت قيام إسرائيل بتعذيب األسرى الفلسطينيين والتي اعتمدت عليها‬
‫اللجنة‪ ،‬وظهر بعضها في تقرير اللجنة النهائي‪.‬‬
‫إن األخذ بشهادات الرابطة يعد بمثابة ثقة كبيرة بنشاطها وحيادها‪ ،‬هذه اللجنة التي تشكلت من‬
‫األكاديميين وأساتذة الجامعات‪ ،‬لكن هذه اللجنة برغم تشجيع األحزاب اليسارية لها إال أنه ليس هناك ما‬

‫(‪ )4‬مجلة األرض المحتلة‪ ،‬السنة‪ ،3‬ع‪ ،4/1987 ،28‬ص‪.95‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،1/1/1977 ،71‬ص‪.17‬‬ ‫(‬


‫يثبت أنها كانت تتبع أي حزب سياسي(‪ ،)2‬بل إنها ‪-‬هذه المنظمة‪ -‬كانت توجه نداءات تحريضية‬
‫للفلسطينيين بكيفية التعامل لفضح سلوك السلطات اإلسرائيلية في تعذيب األسرى‪ ،‬وقد نشر رئيس هذه‬
‫المنظمة بعض النصائح في وسائل اإلعالم والتركيز على بعض حاالت التعذيب باالسم(‪ ،)3‬مثل أسلوب‬
‫المذكرات المتضمن االحتجاج القانوني‪ ،‬وكذلك نشر نفس هذه المذكرات في الصحافة أساس عمل ونشاط‬
‫المؤسسات اإلسرائيلية في تلك الفترة‪ ،‬ورغم العدد الكبير لهذه المذكرات إال أن بعضها كان يؤثر إلى حد‬
‫ما كإرسال المذكرات إلى هيئات دولية فإنها تؤخذ بثقة أكثر من تلك التي كانت المنظمات الفلسطينية‬
‫توجهها‪ ،‬وكذا عندما توجه عشرات المذكرات من األسرى أنفسهم إلى المسؤولين اإلسرائيليين‪ ،‬فلم أعثر‬
‫في مصادر الدراسة أن السلطات اإلسرائيلية قد ردت كتابياً على أي من هذه المذكرات‪ ،‬بعكس مذكرات‬
‫المنظمات اإلسرائيلية‪ ،‬فقد كان المسؤولون يردون عليها ويستخدم هذا الرد في نشاط المنظمة‪ ،‬كما حدث‬
‫عندما أرسلت لجنة حقوق اإلنسان والمواطن في إسرائيل بمذكرة لوزير الشرطة اإلسرائيلية احتجاجاً على‬
‫أوضاع سجن النساء "نفي ترتسا"‪ ،‬واستخدم رد الوزير إلثبات عدم التزامه لتعهداته أمام محكمة العدل‬
‫العليا(‪.)1‬‬
‫ولقد كان مسئولو هذه المنظمة يعقدون مؤتمرات صحفية بعد كل فعالية يقومون بها فقد أولى الرأي‬
‫العام اإلسرائيلي أهمية لمؤتمر هام عقدوه في القدس بعدما أجروا التحقيق حول ما يجري في سجن‬
‫الفارعة عام ‪ 1984‬وطالبوا بإغالقه‪ ،‬ألنه مكدس باألطفال الذين تم تعذيبهم(‪ ،)2‬وقد لوحظ أن الشهادات‬
‫التي أخذها محامو المنظمة أثناء زيارتهم لسجن الفارعة أساساً لمرافعة محامي المنظمة أمام محكمة العدل‬
‫العليا إلصدار أمر بمنع استخدام الضرب والتعذيب للفلسطينيين في معسكرات الجيش‪.‬‬
‫برغم أن محامين فلسطينيين قد تقدموا بمذكرات لنقابة األطباء اإلسرائيليين لفضح سلوك أعضائها‬
‫أكثر من مرة إال أن رد النقابة كان يتسم بالفتور وعدم األخذ بالجدية‪ ،‬وهذا ما يتضح من رد نقيب األطباء‬
‫في إسرائيل (د‪.‬رام ياشي) على رسالة المحامي رجاء شحادة‪ ،‬حيث نفى مشاركة أطباء إسرائيليين في‬
‫التحقيق مع األسرى بل إنه طالب المحامي إما إثبات ما ادعاه أو االعتذار(‪ ،)3‬ومن المعروف أن الهيئة‬
‫اإلدارية للنقابة كانت من نشطاء حزب العمل اإلسرائيلي‪.‬‬

‫(‪ ) 2‬مذكرة إلى لجنة األمم المتحدة للتحقيق في أعمال إسرائيل في األراضي المحتلة من الرابطة اإلسرائيلية للحقوق اإلنسانية والمدنية‪ -‬تل أبيب‬ ‫(‬

‫مؤرخ بـ ‪1970 /24/4‬وموقعة من رئيس الرابطة د‪.‬إسرائيل شاحاك‪،‬أنظر‪:‬مجلة شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،1‬مارس ‪ ،1971‬ص‪.234‬‬
‫(‪ )3‬أحاديث مع إسرائيل شاحاك‪ ،‬مجلة شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،44‬أبريل ‪ ،1975‬ص‪.120‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬مذكرة إلى السيد وزير الشرطة من لجنة حقوق اإلنسان المواطن في إسرائيل حول أوضاع السجينات في مركز التأهيل في نفي ترتسا‪،‬‬ ‫(‬

‫مؤرخه بتاريخ ‪ ،8/8/1975‬أنظر‪ :‬صحيفة االتحاد ‪ ،26/8/1975‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )2‬صحيفة دافار‪ ،26/3/1984 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة دافار‪ ،10/6/1984 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬


‫منعت بعض المؤسسات اإلسرائيلية أي أعمال احتجاج سياسية منحازة للجانب الفلسطيني وبالذات‬
‫موضوع التعذيب لألسرى لما له من ضجة إعالمية‪ ،‬فقد منعت الجامعات اإلسرائيلية منذ منتصف‬
‫السبعينات هذا األمر‪ ،‬وتكون الحجة دائماً أن األمر سيؤدي إلى صدام بين الطالب العرب واليهود‪ ،‬وعام‬
‫‪ 1976‬منعت إدارة الجامعة العبرية اعتصاماً للطالب العرب بالتعاون مع بعض منظمات حقوق اإلنسان‬
‫احتجاجاً على أوضاع األسرى الفلسطينيين خاصة قضية تعذيبهم(‪ ،)4‬أما أهم المنظمات اإلسرائيلية التي‬
‫كانت تقوم بالفعاليات فهي‪:‬‬
‫جمعية حقوق اإلنسان في إسرائيل‪ :‬تأسست عام ‪ 1972‬كمؤسسة مستقلة وغير حزبية هدفها حماية‬ ‫‪.1‬‬
‫حقوق اإلنسان في إسرائيل والمناطق التي تسيطر عليها‪.‬‬
‫منظمة العفو الدولية فرع إسرائيل‪ :‬وتم ترخيص عملها في إسرائيل على أنها حركة عالمية يناضل‬ ‫‪.2‬‬
‫أعضاؤها من أجل تعزيز حقوق اإلنسان‪ ،‬ويعتمد على البحوث العلمية القانون الدولي‪.‬‬
‫بزخوت‪ :‬مؤسسة تعني بحقوق المعاقين جسدياً وعقلياً واهتمت هذه الفئة بمن يفرج عنهم من األسرى‬ ‫‪.3‬‬
‫الفلسطينيين"المعاقين جسديا"‪.‬‬
‫هموكيد‪ :‬مؤسسة تعني بالمساعدة القانونية للذين تعرضت حقوقهم للمس من قبل قوات الدفاع‬ ‫‪.4‬‬
‫اإلسرائيلي في المناطق المحتلة‪.‬‬
‫يش دين‪ :‬منظمة تحارب اإلساءة لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة‪ ،‬وأعضاؤها خبراء في مجاالت‬ ‫‪.5‬‬
‫القانون والقضاء واإلعالم‪.‬‬
‫اللجنة ضد التعذيب في إسرائيل‪ :‬وهي تناضل ضد استخدام التعذيب بالتحقيقات داخل إسرائيل وفي‬ ‫‪.6‬‬
‫المناطق المحتلة بطرق قضائية فقط‪ ،‬وتسعى إلصدار تشريعات ضد التعذيب‪.‬‬
‫حركة السالم آلن‪ :‬وهي تعني بالسالم بين الشعبين وقد تضمنت تقاريرها عام ‪ 1984‬جانباً هاماً من‬ ‫‪.7‬‬
‫موضوع األسرى‪ ،‬بل قدم إحصائيات عن حاالت التعذيب المثبتة لدى محامين إسرائيليين(‪ ،)1‬وبرغم‬
‫أن مكافحة االستيطان هو أساس انتماء ونشاط هذه الحركة إال أن تقاريرها كانت تجد اهتماماً لدى‬
‫الرأي العام اإلسرائيلي بل والدولة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الموقف الشعبي اإلسرائيلي‪:‬‬
‫شكل موضوع األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية أهمية بالغة لدى المجتمع‬
‫اإلسرائيلي‪،‬وطرحت العديد من القضايا على الشعب‪ ،‬وترجم هذا الموقف في صناديق االقتراع في أكثر‬

‫(‪ )4‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،31/5/1976 ،61‬ص‪.68‬‬ ‫(‬

‫(‬
‫‪)1( Peace Now: Palestinian Prisoners In Israeli Prisons, report NO.7. October 1984, Jerusalem, 1984, P.8-‬‬
‫‪12.‬‬
‫من جولة انتخابات تشريعية في إسرائيل‪ ،‬كالموقف الشعبي من قضية محاكمة أول أسير للثورة الفلسطينية‬
‫لدى إسرائيل محمود أبو بكر‪ ،‬وكذا محاكمة الناجين من عملية الساحل عام ‪ ،1978‬وكذلك صفقة تبادل‬
‫األسرى ‪ ،1985‬لكن هذا الموقف عبرت عنه شخصيات هامة في إسرائيل من خالل كتاباتهم‬
‫وتصريحاتهم ومشاركتهم في إجراءات على األرض‪ ،‬فمنذ األيام األولى بعد عام ‪ 1967‬حدث جدال عميق‬
‫في إسرائيل ليس على الصعيد الرسمي فقط بل على صعيد المجتمع حول كيفية التصرف في مساحة‬
‫األراضي الواسعة وعدد السكان الفلسطينيين الكبير الذين وقعوا تحت سيطرة إسرائيل ومن ضمن هذه‬
‫الموضوعات كيفية التعامل مع األسرى ممن أسموهم في إسرائيل (باإلرهابيين والمخربين)‪ ،‬والكثير كان‬
‫يرى ضرورة تنفيذ حكم اإلعدام بحقهم‪ ،‬واستندوا إلى الحجة "المقدسة" وهي الرجوع إلى ما فعله أنبياء‬
‫بني إسرائيل كداود عليه السالم(‪ ،)2‬فقد كان الجميع يعرف أن نتائج الحرب تستدعي إصدار تشريعات‬
‫كثيرة يمكن أن تأتي على شكل أوامر أو قوانين أو تعليمات عسكرية‪ ،‬فلم يكن مهماً كيف سيتم سن هذه‬
‫التشريعات‪.‬‬
‫لقد طرح موضوع فرض حكم اإلعدام من قبل الشعب في إسرائيل أكثر من الجهات الرسمية‪ ،‬وعليه‬
‫فقد شكل الموقف الشعبي في هذا الموضوع ضغطاً على الحكومة أحرجها أمام وسائل اإلعالم‪ ،‬وكان‬
‫يترجم ذلك عن طريق المظاهرات كتلك التي حصلت أمام مقر رئاسة الوزراء في القدس للمطالبة بإعدام‬
‫الفدائيين الناجين من عمليات فندق سافوي عام ‪ 1976‬و الساحل عام ‪ 1978‬والدبويا وسط الخليل عام‬
‫‪ ،1981‬وقد تزعم الموقف الشعبي هذا أعضاء لجنة العائالت الثكلى من العمليات المعادية ترأسها‬
‫المحامي عزرئيل براك(*)(*)‪ ،‬وعند دراسة نشاط هذا المحامي تبين أنه من أشد المحرضين للموقف الشعبي‬
‫على المطالبة بفرض حكم اإلعدام على رجال المقاومة الفلسطينية(‪ ،)1‬لقد ازداد الضغط الشعبي في‬
‫إسرائيل لغرض حكم اإلعدام على األسرى الفلسطينيين من قبل المستوطنين الذين كانوا يولون هذا‬
‫الموضوع أهمية خاصة بعد عام ‪ ،1982‬هذه الفترة التي تعتبر الذهبية في سياق ضغط وتدخل‬
‫المستوطنين في الشئون الرسمية للدولة اإلسرائيلية‪ ،‬كيف وأن التحريض قد أوصل نتائجه إلى العمليات‬
‫العدائية العديدة ضد العرب‪ ،‬ومنها مهاجمة المستوطنين لحرم جامعة الخليل وقتل وإ صابة العشرات من‬
‫الطالب‪ ،‬ومحاولة اغتيال رؤساء البلديات الفلسطينية وإ صابة عدد منهم‪ ،‬وإ طالق الصواريخ على أتوبيس‬
‫فلسطيني قرب قرية سعير‪ ،‬ويمكن فهم الموقف الشعبي من خالل وضع المستوطنين لمقارنة هؤالء‬
‫(‪ )2‬إيشاي منوحين‪ :‬بين الديمقراطية واإلذعان‪ ،‬ط‪ ،1‬كابك‪ ،‬حيفا‪ ،1986 ،‬ص‪( .12‬بالعبرية)‪.‬‬ ‫(‬

‫(*) عزرئيل براك‪ :‬محام معروف قتل ابنه وزوجته في ‪ 27/2/1979‬على يد محمود الشوبكي الذي شارك في قتل وإ صابة العشرات من‬ ‫(*)‬

‫اليهود في عملية الدبويا عام ‪.1981‬‬


‫(‪ )1‬عزرئيل براك‪ :‬المخرب القاتل يجب إعدامه‪ ،‬مجلة الدائرة‪ ،‬ع‪ ،11‬شباط ‪ ،1987‬ص‪ ،28‬نقالً للمقال الذي نشر قبل أسبوع في مجلة‬ ‫(‬

‫هيردي الصادرة عن المؤسسة التي يترأسها الكاتب‪.‬‬


‫األبطال المحاربين على حد تعبير العديد من الشخصيات مع األسرى الفلسطينيين قتلة األطفال في العمليات‬
‫اإلرهابية على حد تعبيرهم‪ ،‬وأغلب المتحدثين في محاكمة اليهود المتطرفين كانوا يتطرقون إلى مقارنتهم‬
‫باألسرى الفلسطينيين وإ ثبات أنهم نقيضهم للخروج باستنتاج أنهم أبطال(‪.)2‬‬
‫سواء في االنتقال للمعارضة أو‬
‫ً‬ ‫ساهم المسؤولون اإلسرائيليون بعد خروجهم من المؤسسة الرسمية‬
‫االستقالة في التأثير على مواقف الحكومة أو الجهات الرسمية في موضوع األسرى‪ ،‬وخاصة عندما‬
‫يشهدون أمام لجان التحقيق‪ ،‬فقد تؤخذ توصيتهم أو شهادتهم على أنها وجهة نظر مهنية‪ ،‬فقد كانت توصية‬
‫رئيس جهاز األمن العام السابق (غيلون يعزف) للجنة النداو بما يلي‪" :‬ال يوجد محقق في جهاز األمن‬
‫العام لم يستخدم التعذيب أثناء خدمته أو تحقيقه مع أسرى فلسطينيين" (‪ ،)3‬إن المواقف السابقة لشخصيات‬
‫إسرائيلية ال تعني وصف حالة الموقف الشعبي اإلسرائيلي من قضية األسرى على أنها متطرفة‪ ،‬بل إن‬
‫هناك شخصيات يهودية ساهمت في التأثير على قضية األسرى الفلسطينيين لكن ربما لم تكن بالتأثير على‬
‫الموقف الرسمي في إسرائيل بل كانت أمام وسائل اإلعالم والمؤسسات واللجان الدولية ‪،‬والمساهمة في‬
‫رفع معنويات األسرى أنفسهم‪ ،‬فقد نشط المحامون اإلسرائيليون منذ السنوات األولى لالحتالل في الدفاع‬
‫عن قضية األسرى وأهم هذه الشخصيات‪:‬‬
‫ليئا تسيمل‪ :‬محامية ترافعت في الدفاع عن قضايا التعذيب في السجون لكنها تصف عدة مرات نجاحها‬ ‫‪.1‬‬
‫في التأثير على القضاء اإلسرائيلي "بأصابع يد مع حذف أصبعين منها"(‪.)4‬‬
‫فيليتسيا النغر‪ :‬محامية ترافعت في الدفاع عن قضايا األسرى‪ ،‬وساهمت في تقديم عشرات الشهادات‬ ‫‪.2‬‬
‫مشفوعة بالقسم لفريق صحيفة الصانداي تايمز عام ‪ ،1977‬وقد نشرت عدة كتب وعشرات المقاالت‬
‫عن األسرى الفلسطينيين‪ ،‬قاطعها األسرى أثناء إضراب سجن نفحة عام ‪.1980‬‬
‫تمارا بيلنغ‪ :‬محامية تخصصت في الدفاع عن األسرى اإلداريين‪ ،‬وساهمت في اإلفراج عن عشرات‬ ‫‪.3‬‬
‫منهم برفع التماسات لوزير الدفاع أو لمحكمة العدل العليا‪ ،‬ورعت شئونهم داخل السجون(‪.)1‬‬
‫ولم يكن المحامون وحدهم من أثروا ونشطوا في مجال الدفاع عن األسرى فقد كان العديد من‬
‫الشخصيات ممن أثروا شعبياً في الضغط على مواقف الحكومة اإلسرائيلية أو القضاء‪ ،‬ومنهم (يوري‬
‫أفنيري) الذي كان جنراالً سابقاً في الجيش‪ ،‬و كان ينظم تظاهرات للدفاع عن األسرى الفلسطينيين ‪،‬وأسس‬
‫إذاعة تبث من سفينة في البحر للسالم بين الشعبين وتولى أهمية ألخبار األسرى‪ ،‬وقد تحدث كثيراً عن‬
‫(‪ ) 2‬فيليتسيا النغر‪ :‬تأمالت في أواخر العقد الثاني من االحتالل‪ ،‬نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬ع‪ ،7‬يوليو ‪ ،1986‬ص‪ ،538‬وفيها‬ ‫(‬

‫تعرض المحامية محضر أحد جلسات محاكمة المستوطنين‪.‬‬


‫(‪ )3‬غيلون يعزف‪ :‬مذكرات‪ ،‬ط‪ ،1‬بتسك‪ ،‬تل أبيب‪ ،1986 ،‬ص‪(،86‬بالعبرية)‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬ليئا تسيمل‪ :‬في المعتقالت اإلسرائيلية من حقك أن ال تقول شيئاً‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الصباح‪ ،‬عمان‪ ،1986 ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬ترافعت للدفاع عن المؤلف وزمالئه أثناء اعتقالهم إداريًا باألعوام ‪.1993-1988‬‬ ‫(‬
‫أعمال التعذيب التي يمارسها ضباط جهاز األمن العام اإلسرائيلي(‪ ،)2‬لكن يمكن االستخالص بأن الموقف‬
‫الشعبي المؤيد لقضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية لم يؤثر على الموقف الرسمي مقارنة‬
‫مع تأثير المتطرفين والمستوطنين على هذا الموقف‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬موقف عرب فلسطين المحتلة ‪:1948‬‬


‫أحدثت إجراءات إسرائيل في بداية عام ‪ 1976‬في مصادرة األراضي الفلسطينية المحتلة عام ‪1948‬‬
‫إلى إحداث تحريك للمشاعر الوطنية فتفجرت في يوم الثالثين من مارس من نفس العام أو ما سمي بيوم‬
‫األرض‪ ،‬والذي كان من نتائجه النشاط الوطني في جميع المجاالت‪ ،‬والتي كان أهمها إنشاء جمعية أنصار‬
‫السجين للدفاع عن األسرى الذين دافعوا عن األرض في وجه القوات العسكرية اإلسرائيلية‪ ،‬وقد أخذت‬
‫على عاتقها رعاية شئون األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية في وقت لم يكن هناك مؤسسات‬
‫تعني بهذا األمر في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وقد بدأت نشاطها بإرسال المحامين إلى السجون‬
‫اإلسرائيلية وإ عداد تقارير شاملة عن األوضاع فيها‪ ،‬مستغلة حرية التحرك التي تعطي لمحامي فلسطين‬
‫المحتلة ‪ 1948‬مقارنة مع محامي الضفة وغزة‪ ،‬وقد استغلت هذه التقارير في مساندة اللجان الدولية ورفع‬
‫قضايا لمحكمة العدل العليا‪ ،‬وكذلك رفع المذكرات إلى المسؤولين اإلسرائيليين‪ ،‬وكذلك تزويد أعضاء‬
‫الكنيست اليساريين بما يلزم إلثارة هذا الموضوع أمام المحافل الرسمية في إسرائيل‪.‬‬
‫كان يوم ‪ 19/4/1980‬يوماً هاماً في موقف فلسطينيي ‪ 1948‬الداعم لقضية األسرى الفلسطينيين حيث تم‬
‫إقامة مؤتمر شعبي في الناصرة شارك فيه اآلالف من المواطنين وأعضاء الكنيست العرب(‪ ،)3‬وتأتي أهمية‬
‫هذا المؤتمر كونه األول الذي يعبر عن موضوع يخص الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وأن الكلمات التي‬
‫وردت فيه لم تكن تتعامل مع القضية من جانب إنساني‪ ،‬بل من جانب وطني‪ ،‬ومن الممكن أن يكون قد‬
‫شكل مصدر قلق للمسئولين اإلسرائيليين‪ ،‬خاصة أنه قد تمخض عن مطالب األسرى نفسها‪ ،‬لكنها ترجمت‬
‫في مذكرات من المؤتمر للمسئولين‪ ،‬ويبدو أن الفلسطينيين استغلوا هذه المناسبات إلبراز قضية معاناتهم‬
‫ويظهر هذا في مطالبهم في نفس مذكرات مساندة األسرى بإنهاء أنظمة الطوارئ التي كان معموالً بها‬
‫عندهم‪.‬‬
‫القى نشاط الجمعية قبوالً واسعاً لدى الجماهير الفلسطينية وتقبالً ألطروحات مساندة األسرى وهذا ما‬
‫عبر عنه حضور كافة الشخصيات الهامة من أعضاء كنيست عرب ورؤساء وأعضاء المجالس المحلية‬

‫(‪ )2‬يوري أفينزي‪ :‬عدوي أخي‪ ،‬ط‪ ،1‬بينين‪ ،‬تل أبيب‪،1989 ،‬ص‪(،86‬بالعبرية)‪.‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة االتحاد‪ ،20/4/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬


‫العربية لالجتماع التحضيري في سينما ديانا بالناصرة لمؤتمر شعبي لمساندة األسرى المضربين عن‬
‫الطعام في سجن نفحة‪ ،‬وقد التف اآلالف من المواطنين العرب حول المؤتمر في ‪.)26/7/1980(1‬‬
‫مع بزوغ عام ‪ 1981‬مثلت جمعية أنصار السجين البوابة التي من خاللها يعبر الفلسطينيون في مناطق‬
‫‪ 1948‬عن تضامنهم مع كافة القضايا الوطنية وأصبحت الجمعية تصدر بيانات وتقارير شهرية وسنوية‬
‫وأمام انضمام عشرات المحامين المتطوعين لمساندة قضية األسرى‪ ،‬وترجم ذلك في القرارات الصادرة‬
‫عن االجتماع الشعبي المنعقد في الطيبة في ‪ ،)8/5/1981(2‬فيما يظهر جديد في هذا العام بتبني الجمعية‬
‫ألراء األسرى بالكامل ومحاولة إعطاء القضية بعداً دولياً‪ ،‬فقد كان من أولى القرارات إرسال برقية تعزية‬
‫لعائلة الشهيد األيرلندي (بوب ساندس) الذي استشهد بعد ‪ 66‬يوماً من اإلضراب عن الطعام باعتباره‬
‫سجيناً سياسياً‪.‬‬
‫نشط المحامون الفلسطينيون من مناطق ‪ 1948‬في الوقوف إلى جانب األسرى الفلسطينيين أثناء‬
‫اإلضرابات عن الطعام‪ ،‬وبعكس المحامين من مناطق ‪ 1967‬فقد سمح لهم بدخول السجون بصحبة‬
‫محامين يهود في أيام اإلضرابات األخيرة‪ ،‬بل إنهم كانوا يعقدون مؤتمرات صحفية كانت جديدة من نوعها‬
‫في قضية األسرى وإ براز أخر أخبارهم للرأي العام(‪ ،)3‬ويتبين أن زيارات هذه الفئة من المحامين من‬
‫مناطق ‪ 1948‬ومحامين يهود كانت تجد ردة فعل سيئة من إدارة مصلحة السجون التي تكون حريصة‬
‫على عدم تسرب أخبار المضربين عن الطعام في األسبوع الثالث‪ ،‬وما بعده من اإلضراب‪ ،‬فإن ذلك سيثير‬
‫الرأي العام وكذا المؤسسات الدولية لكنها لم تكن تستطيع دائماً منع هذه الفئة من المحامين‪.‬‬
‫لقد عرف األسرى الفلسطينيون كيفية استغالل هذا النشاط والوقفة الوطنية لفلسطين ‪ ،1948‬فمنذ‬
‫إضراب سجن نفحة عام ‪ 1980‬وحتى ما بعد فترة الدراسة كانت جمعية أنصار السجين وأعضاء‬
‫المجالس المحلية والعربية ولجنة المتابعة العربية هي جهات أساسية يتم التنسيق معها قبل البدء بأي‬
‫إضراب عن الطعام وكذلك اطالعهم على التطورات أثناء اإلضراب‪ ،‬وكذلك استدعاؤهم ليكونوا شهوداً‬
‫على أي اتفاق يتم بين األسرى وإ دارة السجون(‪ ،)1‬ولم تستطع إسرائيل أن تستغل هذه الجهات من‬
‫طرف في الصراع‬
‫ٌ‬ ‫فلسطيني ‪ 1948‬ليكونوا وسطاء إحداث سالم بين الشعبين بل تعاملت معهم على أنهم‬
‫العربي اإلسرائيلي‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيفة االتحاد‪ ،27/7/1980 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 2‬بيان بعنوان‪ :‬قرارات صادرة عن االجتماع الشعبي المنعقد في الطيبة بتاريخ ‪.8/5/1981‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬مجلة شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،6/1977 ،67‬ص‪.66‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬جبريل الرجوب‪ :‬زنزانة ‪ ،704‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪ ،1986 ،‬ص‪ ،142-116‬عدة مراسالت من اللجنة النضالية العامة في سجن جنيد‬ ‫(‬

‫إلى الجهات المشار أعاله‪.‬‬


‫موقف المؤسسات الدولية والموقف العربي والدولي‬
‫لم تكن القضية الفلسطينية يوماً ما تدور في حلبة الفلسطينيين وحدهم‪ ،‬فقد أخذت بعداً عربياً وإ سالمياً‬
‫يتخذ موقف المد والجزر‪ ،‬من دولة إلى أخرى‪ ،‬ومن وقت إلى أخر‪ ،‬ولما كان مطلوباً من هذه الدول‪ ،‬أو‬
‫الحركات‪ ،‬أو المنظمات الدولية موقفاً تجاه قضايا كانت تطرأ على القضية الفلسطينية‪ ،‬فقد كان هذا‬
‫الموقف جزءاً من موقف هذه الجهات من القضية بشكل عام‪ ،‬ومن هذا المفهوم جاء موقفها من موضوع‬
‫األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬وهذه الدراسة ستعني بإيضاح مواقف أهم الجهات التي قد‬
‫يكون لها تأثير على موضوع الدراسة‪ ،‬كالموقف العربي‪ ،‬واألمم المتحدة‪ ،‬والمؤسسات الدولية‪ ،‬والصحافة‬
‫العالمية‪ ،‬وقد تكون جميع هذه الجهات قد دخلت داخل دائرة التأييد والمساندة لقضية األسرى‪ ،‬ولو بنسب‬
‫مختلفة‪ ،‬لكن هناك من وقف باالتجاه المضاد لهذا التأييد ومحاولة عرقلة إجراءات دولية كان هدفها مساندة‬
‫قضية األسرى‪ ،‬ويبدو أن الصبغة اإلنسانية التي أضفاها سفراء منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل‬
‫الدولية على قضية األسرى جعلت من التأييد العربي والدولي لها أكثر من أي جزئية أخرى من القضية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ولكن يبقى السؤال هل وصل هذا التأييد إلى حد التأثير عن النقيض المعادي لألسرى وهو‬
‫الطرف اإلسرائيلي؟‬
‫مثلت قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية جانب االنتصار في الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي ‪،‬فمن جهة كانت تجلب التعاطف مع القضية الفلسطينية خاصة أيام اإلضرابات عن الطعام‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى كانت تعكس للعالم االنتصار الفلسطيني على إسرائيل أيام تبادالت األسرى أو صور‬
‫محاكمة الفلسطينيين الذين كان يتم اعتقالهم عقب عمليات فدائية كبيرة‪ ،‬والذين كانوا غير مبالين وجعلوا‬
‫قاعات المحاكم منابر للخطب الوطنية واالفتخار بتنفيذهم للعمليات الفدائية‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬موقف األمم المتحدة‪:‬‬


‫تعد األمم المتحدة من أهم المحافل الدولية التي يوليها صناع القرار الفلسطيني أهمية خاصة‪ ،‬رغم أن‬
‫القضية ظلت موضوعة على طاوالت هذه المؤسسة منذ بداية عام ‪ ،1947‬وقد شاركت في صناعة الواقع‬
‫السيئ الذي يعيشه الشعب الفلسطيني‪ ،‬وعلى مر العقود أصبحت القضية الفلسطينية تستحوذ على النصيب‬
‫األكبر من قرارات مؤسسات األمم المتحدة‪ ،‬بل إنها شكلت الملجأ الوحيد في كثير من األحيان للشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬تأتي أهمية األمم المتحدة بالنسبة لقضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية بداية من‬
‫خالل االتفاقيات التي تشترط أو تعمل األمم المتحدة على توقيع التزام أعضائها بها‪ ،‬فقد رعت وأشرفت‬
‫على صياغة اتفاقيات جنيف خاصة الرابعة وملحقاتها التي تضمن جزء منها كيفية التعامل مع األسرى‪،‬‬
‫والتي تطرقت إلى أغلب شئون حياة األسير داخل الحجز أو السجن وتعتبر حتى اليوم مصدراً لتشريعات‬
‫الكثير من دول العالم الخاصة بالتعامل مع األسرى زمن الحروب‪ ،‬لكن ظلت هناك فجوة كبيرة حاولت‬
‫إسرائيل من خاللها سلخ منبر األمم المتحدة عن قضية األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وذلك بفهمها الخاص عمن‬
‫هو مقصود في هذه االتفاقية كأسير حرب‪ ،‬ولم تؤثر هذه االتفاقية على سلوك السلطات اإلسرائيلية تجاه‬
‫األسرى ألنها ببساطة ال تعتبرهم أسرى حرب‪،‬وال يمكن توقع تعامل إسرائيل مع األسرى من خالل اتفاقية‬
‫ٍ‬
‫بكلمة واحدة (تعريف أسير حرب)‪ ،‬ولذلك استطاعت‬ ‫جنيف أو ملحقاتها فقد لجأت للتهرب من االلتزام‬
‫األمم المتحدة توقيع عدة اتفاقيات فيما يخص موضوع التعذيب أهمها(‪:)1()1‬‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اتفاقية مناهضة التعذيب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تعديل ‪/12‬آب الخاص باتفاقية جنيف الرابعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومن الممكن أن يكون تخصيص الجمعية العامة لألمم المتحدة يوم ‪ 26/6‬من كل عام يوماً عالمياً‬
‫بناء على ما يدور من حاالت تعذيب إسرائيل ضد الفلسطينيين في السجون‬‫لمناهضة التعذيب قد جاء ً‬
‫اٍإل سرائيلية‪ ،‬ذلك ألنه تزامن مع كثرة الشكاوي التي قدمت ضد إسرائيل في األمم المتحدة بين األعوام‬
‫‪ ،1985 -1983‬والذي تزامن مع اعتراف إسرائيل بضرب أسرى عملية األتوبيس ‪ 300‬حتى الموت‪.‬‬
‫لقد أصدرت مؤسسات األمم المتحدة الكثير القرارات والتوصيات التي تدين‪،‬أو تستنكر‪ ،‬أو تناقش‪ ،‬أو‬
‫ما يمكن أن تعتبره على أقل المقاييس رفض ممارسات إسرائيل تجاه األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وقد كان أول‬
‫هذه القرارات بعد حرب ‪ 1967‬وهو قرار مجلس األمن رقم ‪ 237‬الصادر في ‪/14‬حزيران‪،1967 /‬‬
‫والذي تضمن إضافة إلى بنود أخرى تتعلق بالحرب المطالبة برفع اآلالم عن السكان المدنيين أسرى‬
‫الحرب في منطقة النزاع(‪ ،)2‬ويمكن إجمال أهم القرارات التي صدرت عن مؤسسات األمم المتحدة والتي‬
‫لها عالقة بقضية األسرى الفلسطينيين بـما يلي‪:‬‬
‫توصية الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم ‪( 2546‬الدورة ‪ 24‬بتاريخ ‪ )11/12/1969‬تشكيل لجنة‬ ‫‪-1‬‬
‫للتحقق في انتهاكات حقوق اإلنسان المستمرة في األراضي المحتلة‪،‬وقد رفضت إسرائيل التعامل مع‬

‫(‪ )1()1‬سعيد عالء الدين‪ :‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24-16‬‬
‫(‪ ) 2‬أحمد عصمت عبد المجيد‪ :‬قرارات األمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي‪4 ،‬مج‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫(‬

‫‪ ،1995‬مج‪ ،1‬ص‪.197‬‬
‫فريق اللجنة المكون من ست دول‪ ،‬ورفع الفريق تقريره في ‪ 20/1/1970‬يؤكد فيه خروقات إسرائيل‬
‫لحقوق اإلنسان ومنها حقوق األسرى العرب في سجونها(‪.)3‬‬
‫توصية الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم ‪( 3376‬الدورة ‪ 30‬بتـاريخ ‪ ،)10/11/1975‬حيث شكلت‬ ‫‪-2‬‬
‫بموجبه لجنة كلفت بتقديم تقرير لمجلس األمن‪ ،‬لكن يالحظ أن هذا القرار لم يكن لقضية األسرى فقط‬
‫بل كان لحالة حقوق اإلنسان في األراضي العربية المحتلة وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه‬
‫الثابتة(‪.)1‬‬
‫توصية الجمعية العامة لألمم المتحدة ‪( 36/147‬الدورة ‪ 36‬بتاريخ ‪ )16/12/1981‬حيث أكدت على‬ ‫‪-3‬‬
‫استمرار إسرائيل النتهاكات حقوق اإلنسان في األراضي المحتلة‪ ،‬ودعتها لالمتناع عن هذا السلوك‬
‫إضافة إلى موضوع محاولة إسرائيل تغيير الصيغة القانونية لهذه األراضي(‪.)2‬‬

‫لم تكن الجمعية العامة لألمم المتحدة المؤسسة الوحيدة في األمم المتحدة التي كانت تصدر توصيات‬
‫ترفض سلوك إسرائيل تجاه حقوق اإلنسان‪ ،‬بل كانت لجنة حقوق اإلنسان نفسها تعبر عن رفضها‬
‫النتهاكات حقوق اإلنسان في األراضي المحتلة‪ ،‬ففي عام ‪ 1975‬أدانت وبلهجة شديدة لجنة حقوق اإلنسان‬
‫الدولية ممارسات إسرائيل‪ ،‬وكانت المرة األولى التي تحدث فيها مندوب منظمة التحرير الفلسطينية التي‬
‫أصبحت قبل عام عضو بصفة مراقب عن اضطهاد األسرى وتعذيبهم(‪ ،)3‬ويمكن مالحظة أنه بعد عام‬
‫بناء على‬
‫‪ 1974‬كانت األمم المتحدة ومؤسساتها تصدر قراراتها المتعلقة بحقوق اإلنسان وقضية األسرى ً‬
‫تقارير كان يقدمها مندوب منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وقد نجح في عام ‪ 1976‬في إرسال لجنة تحقيق إلى‬
‫األراضي العربية المحتلة من منظمة الصحة العالمية مهمتها زيارة السجون للتحقق من األوضاع الصحية‬
‫لألسرى(‪ ،)4‬ويبدو أن المجموعة العربية كانت في هذه الفترة تعمل بشيء من النجاح في استخراج قرارات‬
‫تخص القضية الفلسطينية‪ ،‬وهذا ما يفسر أن الجمعية العامة أدانت إسرائيل لعدم تعاونها مع اللجنة السابقة‪،‬‬
‫لكن تلك هذه اللجان تلك التي شكلتها الجمعية العامة لألمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون‬
‫الدولي خالل غزوها للبنان عام ‪ ،)5( 1982‬ويبدو أن أغلبية نشاط هذه اللجان كان يتضمن أموراً البد من‬

‫(‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬مج‪ ،1‬ص‪.105‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬المصدر السابق‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.8‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬المصدر السابق‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.244‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬صحيفة الشعب‪ ،24/2/1975 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )4‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،31/5/1976 ،61‬ص‪.46‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 5‬عن هذه اللجنة وقراراتها أنظر‪ :‬حالة األسرى‪ :‬تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي أثناء غزوها للبنان‪،‬‬ ‫(‬

‫ترجمة مركز األبحاث‪ -‬منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫مالحظتها وهي أن هناك صراعاً للضغط على هذه اللجان من المجموعة العربية ودائرتها من مندوب‬
‫المنظمة أو المؤسسات التي تعني بحقوق اإلنسان ‪،‬وصحيح أن العرب كانوا ينجحون في استخراج‬
‫توصيات تكون غالباً بعيدة عن قرارات مجلس األمن ‪،‬أي من المؤسسات األخرى ذلك ألن الواليات‬
‫المتحدة تمتعت بحق رفض أي قرار وإ حباط إصداره وهناك من الصحفيين العالميين من الحظ هذا األمر‬
‫وأبرز صور هذا الصراع(‪ ،)6‬إضافة إلى اعتماد هذه اللجان على تقارير المؤسسات والشخصيات العاملة‬
‫في رعاية شئون األسرى ‪،‬فغير مرة كانت هذه اللجان تراسل هذه الجهات وتطلب منهم تقارير عن‬
‫السجون وحالة األسرى‪ ،‬وكانت جمعية أنصار السجين أهم المؤسسات التي كان يطلب منها تقارير لعمل‬
‫هذه اللجان‪ ،‬لكن هذه اللجان كانت تواجه صعوبات في أخذ إفادات من األسرى أهمها أن‪:‬‬
‫معظم التحقيقات ستكون معروفة لدى إسرائيل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫السجناء ال يوافقون على إعطاء اللجنة أسمائهم وهذا ال يجوز في اإلفادات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن إسرائيل غير مستعدة لقبول مزاعم وادعاءات‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانياً‪ :‬موقف المؤسسات العالمية ‪:‬‬


‫اهتمت المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق اإلنسان بقضية األسرى الفلسطينيين‪ ،‬فقد كانت‬
‫قضية التعذيب على سلم أولويات اهتمام هذه المؤسسات بقضية األسرى‪ ،‬و تعتبر منظمة العفو‬
‫الدولية(أمنستي) من أكبر المؤسسات الدولية التي تعني بحقوق اإلنسان خاصة جزئية االعتقاالت‪ ،‬ويكاد‬
‫موضوع انتقاد إسرائيل حول تعاملها مع األسرى ال يخلو من التقارير السنوية‪ ،‬وذلك منذ منتصف‬
‫السبعينات‪ ،‬ويمكن فهم عمل ونشاط أفراد هذه المنظمة أنها قد بدأت في تتبع المرضى والمسنين من‬
‫األسرى‪ ،‬ومن ثم التقدم بااللتماسات إلى السلطات اإلسرائيلية إلطالق سراحهم‪ ،‬وتدعي هذه المنظمة بأنها‬
‫خالل الفترة ما بين عامي ‪ 1979-1977‬سعت إلطالق سراح تسعة وثالثين معتقالً نجحت في إطالق‬
‫سراح تسعة عشر منهم وإ بعاد واحد إلى األردن بمحض إرادته لغرض العالج(‪ ،)1‬لكن لم يكن للمقياس‬
‫اإلنساني أي قيمة في اعتقال من تعتبرهم في قاموسها مخربين أو إرهابيين‪ ،‬بل من الممكن أن يكون‬
‫بعض المرضى والمسنين ممن كانوا في تلك الفترة أسرى لحين تسليم أبنائهم أنفسهم للسلطات‬
‫اإلسرائيلية ‪،‬أو أولئك المرضى الذين يعتقلون أثناء اعتقال العشرات والمئات عندما يتم مداهمة‬
‫المخيمات‪،‬وال يمكن إنكار الدور اإلجرائي لمتطوعي منظمة العفو‪ ،‬ففي عام ‪ 1979‬كلفت محامين محليين‬

‫(‪ )6‬دراسة نشرت باللغة اإلنجليزية ‪ 1991‬وتحدثت عن هذا الصراع ومدى قوة التأثير العربي في األمم المتحدة‪ ،‬أنظر‪:‬‬ ‫(‬

‫‪.Kablan, Alison: Arabs are Prepared to Wait for Israel, Jerusalem Post, 5-2-1991, P6_11‬‬
‫(‬
‫‪(1) Amnesty: Annual Report, 1979, London, 1980, P.89.‬‬
‫و إسرائيليين للدفاع عن ستة طالب من نشطاء الحزب الشيوعي الفلسطيني اعتقلتهم السلطات لتعليقهم‬
‫مجلة (الطليعة) على جدران جامعة بيت لحم‪ ،‬ورغم ذلك حكم عليهم بالسجن لمدة ستة أشهر(‪.)2‬‬
‫اهتمت منظمة العفو الدولية في مساعدة األسرى اإلداريين في الجانب القضائي وإ رسالها المذكرات‬
‫والبرقيات للمسئولين اإلسرائيليين‪ ،‬وال يمكن تجاهل تولي اللجنة لقضايا عديدة من األسرى اإلداريين‬
‫ويتضح أنهم ممن كانوا من قادة المنظمات‪ ،‬وذلك في الفترة بين ‪ 1978-1976‬أو األكاديميين‪ ،‬مع العلم‬
‫أنه في أواخر فترة حكم حزب العمل حتى ‪ 1977‬كانت السلطات تعتقل حتى رجال المقاومة إدارياً‪،‬‬
‫وظلت المنظمة تدافع عن تيسير عاروري المحاضر في جامعة بيرزيت عام ‪ 1975‬حتى أطلق سراحه‬
‫كلياً عام ‪ ،1978‬ويعتبر عاروري صاحب فكرة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة لالنتفاضة فيما بعد وذلك‬
‫مع أشخاص أسرى تعرف عليهم في ذلك االعتقال المشار إليه(‪.)1‬‬
‫صحيح أنه لم تستطع هذه المنظمة تغيير وجهة نظر المسئولين اإلسرائيليين في سياستهم تجاه األسرى‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬لكن من الواضح أن هذه المنظمة إضافة إلى اللجنة الدولية للصليب األحمر كانتا تمثالن أكبر‬
‫المنظمات الدولية‪ ،‬وبالتالي كانت إسرائيل تعتني جيداً بالرد على تقاريرهما بغض النظر عن عملها‬
‫بتوصياتهما أم ال‪ ،‬وقد كانت البرقية التي وجهتها منظمة العفو الدولية للمستشار اإلسرائيلي عام ‪1977‬‬
‫والتي انتقدت إسرائيل بلهجة شديدة تجاه إضراب األسرى في كفار يونة وعسقالن وغزة في آن واحد‬
‫ووفاة أحد األسرى كانت المنظمة قد تقدمت بطلب اإلفراج عنه قبل أشهر(‪ ،)2‬كانت هذه البرقية كفيلة‬
‫بإعادة القضاء اإلسرائيلي بالنظر في ضرورة إيجاد بديل عن موضوع التعذيب ألخذ االعتراف‪،‬الذي‬
‫بالفعل تم تعويضه بما سماه األسرى بقانون (تامير)الذي يعطي القاضي صالحية إدانة أي معتقل لمجرد‬
‫شهادة زميله عليه‪ ،‬وال داعي العتراف األول‪.‬‬
‫ومع بداية عام ‪ 1979‬صعدت منظمة العفو الدولية نشاطها في األراضي العربية المحتلة‪ ،‬فالتقرير‬
‫السنوي المشار إليه أعاله والذي أرسلت المنظمة نسخة منه إلى رئيس الوزراء مناحيم بيغن مباشرة وعدد‬
‫من الوزراء المعنيين جعل من التقرير كافياً ليتم نقاشه في مجلس الوزراء(‪ ،)3‬ويبدو أن هذا النشاط كان‬
‫وراء تكليف اللجنة التشريعية في الكنيست للمدعي العام اإلسرائيلي (جبرائيل باخ) بفحص تقرير المنظمة‬
‫الحتمال عمل لجنة تحقيق بما ورد فيه‪ ،‬وهذا ما لم يتم فيما بعد‪.‬‬

‫(‪ )2‬سمير نايفة‪ :‬واقع االعتقال في السياسة اإلسرائيلية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجليل‪ ،‬عمان‪ ،1990 ،‬ص‪.88‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 1‬عن األسرى اإلداريين في تلك الفترة أنظر‪ :‬يهود يعاري وزئيف شيف‪ :‬االنتفاضة‪ ،‬ط‪ ،1‬يدبكين‪ ،‬تل أبيب‪ ،1990 ،‬ص‪،64-61‬‬ ‫(‬

‫(بالعبرية)‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجلة شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،6/1977 ،67‬ص‪.195‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬هآرتس‪ ،3/12/1979 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬


‫ومع بداية عقد الثمانينات أصبح هناك تطور في نشاط المتطوعين في منظمة العفو الدولية فقد‬
‫أصبحت تأخذ إفادات مباشرة من األسرى وتكلف رسمياً المؤسسات التي بدأت تنشط في األراضي المحتلة‬
‫بموضوع األسرى‪ ،‬ويمكن رؤية دراسات خاصة أعدتها المنظمة عن التعذيب في العالم من الممكن أن‬
‫تكون قد أنشئت خاصة لموضوع تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪،‬وهذا ما يتضح من‬
‫محتوى دراسة أعدتها المنظمة عام ‪ ،)1984(4‬وقد ساهمت منظمة العفو الدولية في فضح السياسة‬
‫اإلسرائيلية التي نقلت عدداً من معتقلي أنصار‪ ،‬ولم تفرج عنهم ضمن صفقة التبادل مع منظمة التحرير‪،‬‬
‫ونقلهم إلى داخل األراضي اإلسرائيلية‪ ،‬كذلك عودة إسرائيل إلى سياسة االعتقال اإلداري‪ ،‬وحتى‬
‫االعتراض على اعتقال الشرطة اإلسرائيلية لجنود إسرائيليين رفضوا الخدمة العسكرية عام ‪ 1985‬في‬
‫الضفة وغزة(‪.)5‬‬
‫لم تكن منظمة العفو الدولية المؤسسة العالمية الوحيدة التي عنيت بحقوق اإلنسان في األراضي العربية‬
‫المحتلة الذي تمثل بمفهومها غالباً بانتهاكات القوانين الدولية الخاصة باالعتقال‪ ،‬فقد كان الفاتيكان أحياناً‬
‫يتدخل لدى السلطات اإلسرائيلية‪ ،‬فعند اعتقال المطران كبوشي دعمت الفاتيكان تشكيل لجنة لتنسيق‬
‫المساعي إلطالق سراحه وكان البطريرك (مكسيموس حكيم) قد اجتمع مع البابا يوحنا بولس السادس‬
‫وحصل على دعم منه لهذه الجهود(‪ ،)1‬ورغم أن قضية األسرى كانت تأتي ضمن فعاليات هذه اللجنة لكن‬
‫يبدو أن الفاتيكان لم يكن ليتدخل لوال أن طبيعة القضية تخص أحد الذين يتبعون الفاتيكان‪.‬‬
‫مثلت طبيعة العالقات المتينة بين بعض المؤسسات الفلسطينية والشخصيات اليهودية غير الصهيونية‬
‫من جهة‪،‬والمؤسسات األوروبية من جهة أخرى رافداً لدعم قضية األسرى فكثيراً ما كانت اتحادات العمال‬
‫في بعض الدول األوروبية كفرنسا وسويسرا بإصدار بيانات ومذكرات والضغط على حكوماتهم لدعم‬
‫قضية األسرى‪ ،‬وقد أثر االتحاد العام لعمال فرنسا على أعضاء الحزب الشيوعي اإلسرائيلي إلدراج قضية‬
‫إضراب األسرى في سجن بئر السبع عام ‪ 1977‬على جدول أعمال لجنة الداخلية التابعة للكنيست(‪،)2‬‬
‫وبنفس الجهود استطاع نشطاء منظمة التحرير الفلسطينية وعبر نشاطهم في الخارج إقناع عصبة حقوق‬
‫اإلنسان السويسرية بزيارة سجون الضفة الغربية‪ ،‬وفعالً جاء فريق من هذه المؤسسة برئاسة (دينيس‬
‫بيبوت) وزار سجن نابلس‪ ،‬وأعد تقريراً عن ظروف التحقيق في هذا السجن(‪ ،)3‬وفيما بعد كان يمكن رؤية‬

‫‪(4) Amnesty: Torture in the Eighties, London, 1984, P.233.‬‬


‫(‬

‫(‪ ) 5‬نال موضوع األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية أهمية خاصة في تقرير منظمة العفو الدولية السنوي والذي صدر عام ‪ 1987‬والذي‬ ‫(‬

‫يستنكر االنتهاكات اإلسرائيلية عامي ‪ 1986-1985‬أنظر‪:‬‬


‫‪Amnesty: Annual Report, 1987, London, 1988, P.348-352‬‬
‫(‪ )1‬صحيفة الشعب‪ ،9/4/1975 ،‬ص‪.1‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،9/3/1977 ،78‬ص‪.17‬‬ ‫(‬

‫(‬
‫‪(3) Jerusalem Post, 15-9-1977, P.1.‬‬
‫تقرير هذا الفريق وشهادات أعضائه كسندات هامة اعتمد عليها تقرير لصحيفة الواشنطون بوست حول‬
‫التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪.‬‬
‫لوحظ أن منتصف السبعينات كان وفي ظل شحه وجود المؤسسات الفلسطينية برزت فيه مؤسسات‬
‫عالمية أخرى تنشط في الدفاع عن قضية األسرى الفلسطينيين وهناك تشابه في األساليب التي انتهجتها‬
‫هذه المؤسسات وأهمها‪:‬‬
‫إرسال مذكرات إلى رؤساء ووزراء دولهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إرسال مذكرات إلى رئيس وأعضاء الحكومة اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نشر البيانات الصحفية واإلعالمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التحاق العديد من المتطوعين في منظمتي الصليب األحمر والعفو الدولية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إرسال فرق للتحقيق الميداني وزيارة السجون‬ ‫‪-‬‬
‫مع أنه ليس من تخصص الدراسة دراسة نشاط الصليب األحمر في حدود ووقت الدراسة ‪ ،‬حيث أنه تم‬
‫مناقشة هذا األمر من الجانب القانوني من قبل الدراسة التي قدمها عبد الرحمن أبو النصر والتي خلصت‬
‫إلى عدم التزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي في األراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام ‪ ،1967‬لكنه يجب‬
‫إيضاح جزئية العالقة بين الصليب األحمر واألسرى الفلسطينيين وكذا العالقة بينه وبين إسرائيل فيما‬
‫يخص األسرى فقط‪.‬‬
‫تعتبر اللجنة الدولية للصليب األحمر أهم مؤسسة يلجأ إليها الناس في أوقات الحرب‪،‬إن لم تلجأ الدول‬
‫إليها أحياناً‪ ،‬وفي إطار قضية األسرى الفلسطينيين لم يستطع أعضائه زيارة األسرى إال بعد عشرة أشهر‬
‫من حرب ‪ ،1967‬وتبقى إشكالية العالقة بين اللجنة وإ سرائيل كون األخيرة ترفض اعتبار األسرى‬
‫(أسرى حرب)‪،‬وبالتالي فهي غير ملزمة بتطبيق اتفاقية جنيف التي أصرت اللجنة على تطبيقها عليهم‪،‬‬
‫ولكن دون جدوى‪ ،‬وادعت إسرائيل أنها ستتعامل مع االتفاقية ببنودها اإلنسانية فقط‪ ،‬لكن ذلك ينطبق أيضاً‬
‫على تعاملها مع السجناء الجنائيين وبالتالي ال جديد في تعاملها مع األسرى الفلسطينيين‪ ،‬وظلت العالقة‬
‫بين الصليب األحمر وإ سرائيل هكذا حتى عام ‪،1978‬عندما تم التوقيع على اتفاقية بين الطرفين لتعريف‬
‫مثل حجم الظروف اإلنسانية التي عاشها األسرى الفلسطينيون‬ ‫نشاط اللجنة تجاه األسرى(‪.)1()1‬‬
‫في سجن أنصار مفاجأة كأقل تعبير علمي لكل معني بحقوق اإلنسان‪ ،‬وهذا ما يستدل عليه من إقدام‬
‫الصليب األحمر بإيقاف زيارته لهذا السجن في ‪ 25/7/1982‬أي بعد أيام من افتتاحه(‪ ،)2‬وكانت هذه المرة‬

‫(‪ )1()1‬للمزيد من التفاصيل حول االتفاقية أنظر‪:‬‬


‫‪.International Committee Of Red Cross, Annual Report, 1978, P.31‬‬
‫(‪ )2‬دينا عبد الحميد‪ :‬للفجر نغني‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز األهرام للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1989 ،‬ص‪.142‬‬ ‫(‬
‫األولى في نشاط الصليب تجاه األسرى‪ ،‬لكن هل كل هذه اإلجراءات أو دور الصليب األحمر نالت رضا‬
‫األسرى الفلسطينيين‪ ،‬بالطبع ال‪ ،‬فقيادة األسرى كانت تعرف بالدور السلبي للصليب‪ ،‬بل هددوه بأنهم‬
‫سيعتبرونه مشاركاً في السياسة اإلسرائيلية ألنه مؤسسة غربية تعبر عن العقلية األخالقية الغربية والعالم‬
‫الرأسمالي(‪ ،)3‬ومن الممكن أن ذلك شكل حافزاً المتناع الصليب عن الزيارة ‪ ،‬ولتوخي الموضوعية في‬
‫تقييم دور الصليب وتأثيره على قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية يمكن الوصول‬
‫لالستنتاجات التالية‪:‬‬
‫الدور السلبي وهو عدم قناعة األسرى بدوره لمساندة قضيتهم بتخليه عن مطلب تطبيق اتفاقية جنيف‬ ‫أ‪-‬‬
‫عليهم بتوقيعه اتفاقية أخرى مع إسرائيل‪ ،‬وعدم التدخل في مطالبهم وطبيعة عالقتهم مع سلطات‬
‫السجون‪.‬‬
‫وربما الدور اإليجابي فقط في توفير ممثل الصليب جانب من الطمأنينة لذوي السجين‪،‬وإ يصال بعض‬ ‫ب‪-‬‬
‫األغراض الهامة للسجناء‪ ،‬إضافة إلى مشاركته وبطلب من جميع األطراف في رعاية إجراءات‬
‫تبادالت األسرى‪ ،‬والتي كان موجوداً وممثالً فيها جميعاً‪ ،‬وكذا حضور وشهادة اتفاقيات األسرى مع‬
‫إدارة السجون عند إيقاف اإلضرابات عن الطعام‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الموقـف العربـي‪:‬‬


‫مثلت القضية الفلسطينية عبر سنوات الصراع العربي اإلسرائيلي جزءاً هاماً في وجدان كل عربي‬
‫شعر وأحس بأهمية القومية العربية‪،‬وما يجب أن تمثله بالنسبة لكيان اإلنسان العربي‪ ،‬ومرت مواقف‬
‫ولحظات تالحم فيها الموقف العربي مع الموقف الفلسطيني الذي ال يتجرأ أي حزب أو منظمة أو حركة‬
‫في فلسطين إال واعتبار األمة العربية هي امتداده الطبيعي‪ ،‬وكذا ساهم العرب وخاصة خالل فترة‬
‫الستينات وبداية السبعينيات في اعتبار القضية الفلسطينية هي لب القضايا التي على األقل ال يختلف العرب‬
‫عليها ونصرتها بغض النظر عن اختالف الوسيلة في ذلك والتي اتخذت كمبرر للتخلص أحياناً من االلتزام‬
‫الوطني بها‪.‬‬
‫كانت قضية األسرى بمثابة القضية المتجددة دائماً بالنسبة للعرب واستمرارها أصالً مرتبطة بديمومة‬
‫المقاومة العربية والفلسطينية إلسرائيل‪ ،‬وال يمكن فهم الموقف العربي بصورة واحدة ولو أنه مؤيد لقضية‬
‫األسرى الفلسطينيين بشكل عام‪ ،‬وبالتالي يمكننا فهم الموقف العربي عن طريق معرفة مواقف المؤسسات‬
‫والشخصيات الهامة إضافة إلى رائدة هذه المواقف والذي مثلته الجامعة العربية‪.‬‬

‫(‪ )3‬الواقع الصحي في معتقل أنصار‪ ،‬مجلة بلسم‪ ،‬ع‪ ،104 -103‬يناير‪ -‬شباط ‪ ،1984‬ص‪.110‬‬ ‫(‬
‫ساهمت بعض المؤسسات العربية في دعم قضية األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬تلك‬
‫المؤسسات التي كان ما يبرر ارتباطها بهذه القضية أمراً غير الوازع الوطني‪ ،‬فالذي ينظر إلى طبيعة هذه‬
‫المؤسسات يعرف سبب دعمها وأهم هذه المؤسسات‪:‬‬
‫الرابطة المغربية لحقوق اإلنسان ويوجد عدد من اليهود المغاربة أعضاء في هذه المؤسسة‪ ،‬بل إنها‬ ‫‪-‬‬
‫ساندت إضراب سجن عسقالن عام ‪ 1977‬ودعت حكومة المملكة لتقديم شكوى لمجلس األمن ضد‬
‫إسرائيل على خلفية إضراب األسرى(‪.)1()1‬‬
‫الطوائف المسيحية والكنائس‪ ،‬ويمكن لنا رؤية موقفها ضد إسرائيل في قضية اعتقال المطران‬ ‫‪-‬‬
‫(كبوتشي) لدى السلطات اإلسرائيلية‪ ،‬فتضمن نشاطها إطالق سراح كافة األسرى الفلسطينيين(‪،)2()2‬‬
‫وغير مرة كانت تقام الصلوات والقداس ألجل األمر‪.‬‬
‫اتحاد المحامين العرب والذي كان يعني بنشاط إحصائي لألسرى وتخصيص محامين أجانب للدفاع‬ ‫‪-‬‬
‫عن بعض قضايا األسرى الهامة كقضية فدائيي عملية الساحل(‪.)3()3‬‬
‫المنظمة العربية لحقوق اإلنسان وقد نشطت مع بداية الثمانينيات خاصة في إدانة ممارسات إسرائيل‬ ‫‪-‬‬
‫في سجن أنصار وكذا سياسة االعتقال اإلداري(‪.)4()4‬‬
‫الهيئات النسائية والنقابية في األردن والتي نشطت في نهاية السبعينات في إرسال المذكرات وإ قامة‬ ‫‪-‬‬
‫التظاهرات المؤيدة لألسرى في األردن وبالذات أمام السفارات الغربية ووكالة الغوث وتشغيل‬
‫الالجئين الفلسطينيين(‪.)5()5‬‬
‫وقفت بعض الشخصيات العربية الهامة إيجابياً تجاه قضية األسرى الفلسطينيين‪ ،‬لكن يالحظ أن ذلك قد‬
‫جاء بظروف هامة خاصة الظرف اإلعالمي‪ ،‬ففي عام ‪ 1972‬استقبل المسؤولون الرسميون الجزائريون‬
‫برفقة مسؤولي منظمة التحرير‪ ،‬وعلى رأسهم صالح خلف استقبلوا األسرى المحررين من السجون‬
‫األلمانية استقبال األبطال‪ ،‬والذين نفذوا سابقاً عملية قتل الرياضيين اإلسرائيليين في ميونخ بألمانيا‪ ،‬وكذلك‬
‫قرار الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد األسرى المحررين صفقة التبادل في ديسمبر ‪ 1983‬في‬

‫(‪ )1()1‬مجلة فلسطين المحتلة‪ ،‬ع‪ ،16/3/1977 ،79‬ص‪.86‬‬


‫(‪ )2()2‬صحيفة الشعب‪ ،9/4/1975 ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ ) 3()3‬عن نشاط اتحاد المحامين العرب األسرى الفلسطينيين أنظر‪ :‬الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية ‪ ،1976‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،1977 ،‬ص‪.99‬‬
‫(‪ ) 4()4‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان‪ :‬حقوق اإلنسان في الوطن العربي‪ ،‬تقرير المنظمة العربية لحقوق اإلنسان عن حالة حقوق اإلنسان في الوطن‬
‫العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1988 ،‬ص‪.133-132‬‬
‫(‪ )5()5‬مجلة شئون فلسطينية‪ ،‬ع‪ ،6/1977 ،67‬ص‪.195‬‬
‫معسكرات الثورة الفلسطينية في الجزائر وأمر بمساعدتهم(‪ ،)1()1‬وكذا كان يصل بين الفينة واألخرى‬
‫مسئولون آخرون وعلى مدى أشهر كان عدد كبير من المسئولين العرب الذين يزورون الجزائر يقومون‬
‫بتفقد أسرى الثورة الفلسطينية المحررين‪.‬‬
‫اهتمت جامعة الدول العربية بإبراز قضية األسرى الفلسطينيين والدفاع عنها فمنذ اجتماع الدورة‬
‫الخمسين لمجلس الجامعة وحتى الدورة السبعين التي عقدت في أكتوبر ‪ ،1978‬ال يكاد يخلو اجتماع بدون‬
‫مناقشة انتهاكات إسرائيل لحقوق اإلنسان وخاصة ضد األسرى الفلسطينيين والعرب‪ ،‬وكانت تستغل هذه‬
‫التوصيات بعدة وسائل أهمها‪:‬‬
‫إرسال المذكرات إلى اللجان الدولية المعنية خاصة اللجنة الدولية القانونية(‪ ،)2()2‬بل تشكيل لجنة خاصة‬ ‫‪-‬‬
‫للتحقيق وجمع البيانات حول انتهاكات إسرائيل لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫متابعة تقارير منظمة العفو الدولية ومتابعتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إرسال البرقيات إلى سكرتير األمم المتحدة وأعضاء الجمعية العمومية ومجلس األمن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫رعاية الجامعة للعديد من المؤتمرات الخاصة أو التي يكون لموضوع األسرى الفلسطينيين أهمية‬ ‫‪-‬‬
‫خاصة فيها وأهمها‪ :‬المؤتمر اإلقليمي العربي لحقوق اإلنسان الذي عقد في بيروت ‪10/12/1968-2‬‬
‫أو المؤتمر العربي لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين الذي عقد في الكويت ‪ 9/4/1970-4‬أو مؤتمر‬
‫"المشرفين على شئون فلسطين" (‪.)3()3‬‬
‫تقديم الجامعة للمساعدات المادية ألسر األسرى‪ ،‬وذلك عن طريق دعم مؤسسة أسر الشهداء التابعة‬ ‫‪-‬‬
‫لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬بل إنها بعد منتصف السبعينات أصبحت تتبنى توصيات منظمة التحرير‬
‫بهذا الشأن‪ ،‬خاصة الدراسات التي كانت تعدها مؤسسة أسر الشهداء‪ ،‬خاصة موقف األمن العام‬
‫للجامعة محمود رياض على إنشاء صندوق لمعونة أسر الشهداء واألسرى الفلسطينيين(‪.)4()4‬‬
‫طرح قضية األسرى للنقاش في الجمعية العامة لألمم المتحدة كما حصل بعد إضراب سجن بئر السبع‬ ‫‪-‬‬
‫وعسقالن عام ‪ ،1976‬وقد تم مناقشة الموضوع في الجمعية العامة بطلب من المجموعة العربية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1()1‬مجلة فلسطين الثورة‪ ،‬ع‪ ،10/12/1983 ،487‬ص‪.12‬‬


‫(‪ ) 2()2‬جامعة الدول العربية‪ :‬محضر توصيات الدورة الخمسين لمجلس جامعة الدول العربية‪ ،3/9/1968‬د‪ ،50/3/22.‬ص‪.496‬‬
‫(‪ ) 3()3‬جامعة الدول العربية‪ ،‬محضر الدورة الخامسة والخمسين لمجلس الجامعة‪ ،‬مارس ‪ ،1971‬مذكرة مؤتمر المشرفين على شئون الفلسطينيين في‬
‫الدول العربية المضيفة في دورته الثامنة ‪.31/1/1971-23‬‬
‫(‪ ) 4()4‬مذكرة من األمين العام لجامعة الدول العربية محمود رياض إلى مجلس الجامعة في دورة انعقادها الثامنة والخمسين ‪.23/8/1972‬‬
‫(‪ )1‬جامعة الدول العربية‪ ،‬محاضر اجتماع الدورة ‪ 70‬لمجلس الجامعة ‪ 10/1978‬والذي وافق على توصيات مؤتمر المشرفين على شئون‬ ‫(‬

‫فلسطين في دورته‪ ،21‬وإ قرار رفعها للمناقشة في الجمعية العامة لألمم المتحدة‪.‬‬
‫إذا كانت القضية الفلسطينية تشكل قاسماً مشتركاً غير مختلف على تحقيق أهدافه بين الدول العربية‪ ،‬فقد‬
‫مثل موضوع األسرى لب وحدة الرأي فلم يسجل أي اختالف ال على الهدف وال على الوسيلة في هذا‬
‫سواء في نشاطها في األمم المتحدة أو‬
‫ً‬ ‫الموضوع‪ ،‬وبالتالي شكل وحدة الهدف والوسيلة بين الدول العربية‬
‫تجاه المنظمات والمجموعات الدولية األخرى لحركة عدم االنحياز أو منظمة المؤتمر األفريقي أو منظمة‬
‫الدول اإلسالمية‪،‬التي كانت إسرائيل تقف ضد الفلسطينيين ومن ضمنها األسرى‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬الموقف األمريكي‪:‬‬


‫حرصت اإلدارة األمريكية التي تعاقبت منذ عام ‪ 1967‬على استمرار العالقة الوطيدة مع إسرائيل‬
‫والحفاظ على هذا الجسم ليكون بوابة المصالح االستعمارية في المنطقة‪ ،‬هذا المفهوم الذي ورثته الواليات‬
‫المتحدة األمريكية من بريطانيا‪ ،‬ولم تتحرج أمريكا من الدفاع عن إسرائيل‪ ،‬وفي نفس الوقت سعت إلى‬
‫ترسيخ عالقتها مع الدول العربية تحت شعار البحث عن حل للصراع العربي اإلسرائيلي وحل القضية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ولكن أين كان موقع قضية األسرى الفلسطينيين من هذه السياسة؟‬
‫إذا كان موقف إدارة نيكسون تعامل مع قيادة هؤالء األسرى على أنهم ليسوا طرفاً في الصراع‪ ،‬فال‬
‫يمكن االفتراض بأنها ستؤيدهم أو حتى سترفع سقف اهتمامها بهم‪ ،‬فوزير الخارجية األمريكي روجرز أكد‬
‫" أن بالده ال تنوي التعامل مباشرة مع الجماعات الفلسطينية الوطنية‪ ،‬وال يوافق على اعتبارهم طرفاً في‬
‫النزاع"(‪ ،)2‬ويمكن فهم هذه السياسة من خالل مواقف هذه اإلدارة في المحافل الدولية خاصة في األمم‬
‫المتحدة والتي كان أهمها‪:‬‬
‫في‪ 1/12/1969‬امتنعت الواليات المتحدة عن التصويت على مشروع توصية الجمعية العامة الذي‬ ‫‪-‬‬
‫يدين انتهاكات إسرائيل لحقوق اإلنسان في األراضي العربية المحتلة‪.‬‬
‫‪ 15/12/1970‬صوتت الواليات المتحدة ضد مشروع توصية الجمعية العامة لتنفيذ توصيات لجنة‬ ‫‪-‬‬
‫بناء على‬
‫التحقيق الخاصة بانتهاك إسرائيل لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (أرسلت سابقاً ً‬
‫توصية الجمعية نفسها)‪.‬‬
‫‪ 13/12/1972‬امتنعت الواليات المتحدة عن التصويت على قرار لمجلس األمن يدين إسرائيل‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويدعوها لالمتناع عن انتهاك حقوق اإلنسان في األراضي العربية المحتلة‪ ،‬بل أن مندوبها اعتبر‬

‫(‪ )2‬منذر عنبتاوي‪ :‬واجبات األطراف الثالثة في الحروب المعاصرة‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز األبحاث‪ -‬منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪ ،1971 ،‬ص‬ ‫(‬

‫‪.216‬‬
‫القرار متحيزاً‪ ،‬ألنه يصف إسرائيل بـ(خارقة التفاقيات جنيف) دون دعوة األطراف األخرى االلتزام‬
‫بها(‪.)1‬‬
‫وحتى عندما قررت لجنة الشئون الخارجية في الكونغرس األمريكي مناقشة معاملة إسرائيل لألسرى‬
‫عام ‪،1974‬حرصت على االستماع في ذلك ليس من فلسطينيين ألن ذلك سيخل بالسياسة األمريكية‪ ،‬إنما‬
‫استمعت من اليهود أنفسهم ومن الحكومة اإلسرائيلية‪ ،‬أما من خارجها فكانت وجهة نظر (إسرائيل شاحاك‬
‫الناشط في حقوق اإلنسان في إسرائيل) والذي أكد بوضوح وشهادات من المؤسسة التي يديرها حصول‬
‫عشرات حوادث التعذيب لألسرى الفلسطينيين(‪ ،)2‬ولكن لم يصدر أي بيان أو توصيات لإلدارة فيما بعد‬
‫للضغط على إسرائيل‪.‬‬
‫وفي عهد الرئيس كارتر حرصت إدارة الديمقراطيين على تركيز إدارة تسوية الصراع في يدها‬
‫مستبعدة كل األطراف األخرى‪ ،‬وأهمها االتحاد السوفييتي‪ ،‬وبعد أشهر من عمل اإلدارة أحبطت الواليات‬
‫المتحدة إصدار مشروع قرار لمجلس األمن يدين انتهاك إسرائيل لحقوق اإلنسان في األراضي العربية‬
‫المحتلة(‪ ،)3‬وتعود أهمية هذا المشروع إلى أن المجموعة العربية عملت جاهدة لاللتفاف على موقف‬
‫الواليات المتحدة باستخراج قرار من مجلس األمن معتمدة على تقرير اللجنة التي أرسلتها الجمعية العامة‬
‫للتحقيق في حالة حقوق اإلنسان عام ‪.1975‬‬
‫لم تستطع إدارة كارتر الدفاع بشكل مطلق عن سياسة إسرائيل في انتهاك حقوق اإلنسان وقضايا أخرى‬
‫(ليست الدراسة بصددها)‪ ،‬حيث بدأت مؤسسات وشخصيات أمريكية ترفع تقاريراً للرأي العام األمريكي‬
‫عن قضية تعذيب األسرى الفلسطينيين في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬فقد نشرت وسائل اإلعالم األمريكية تقرير‬
‫أعده ثالثة رجال دين أمريكيين حول تعرض األحداث الفلسطينيين للتعذيب الجسدي أثناء التحقيق معهم في‬
‫السجون اإلسرائيلية(‪.)4‬‬
‫شكل التقرير الموسع الذي أنجزه فريق من صحيفة الصاندي تايمز وتعزز بعشرات الشهادات وجود‬
‫التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬إزعاجاً لإلدارة األمريكية أكثر من إسرائيل‪ ،‬وبمجرد نشر التقرير في‬
‫زاوية تحت المجهر في الصحيفة في حزيران ‪ 1977‬حصل جدال واسع في الواليات المتحدة وأوروبا‪،‬‬
‫ولم يكن أمام الناطق بلسان الخارجية األمريكية إال أن ينصح إسرائيل بالكف عن سياسة االعتقال اإلداري‬

‫(‪ )1‬هالة أبو بكر سمودي‪ :‬السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي ‪ ،1973-1967‬ط‪ ،1‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫(‬

‫‪ ،1999‬ص‪.254-251‬‬
‫(‪ ) 2‬إسرائيل شاحاك‪ :‬عنصرية دولة إسرائيل‪( ،‬ب‪.‬ط)‪ ،‬منشورات فلسطين المحتلة‪ ،‬بيروت‪ ،1984 ،‬ص‪.107‬‬ ‫(‬

‫(‪ ) 3‬أنظر كلمة مندوبة الواليات المتحدة األمريكية السيدة (جين كيرباترك) في مجلس األمن‪:‬‬ ‫(‬

‫‪Jerusalem Post, 25-6-1976, P.1.‬‬


‫(‪ )4‬مجلة األرض المحتلة‪ ،‬ع‪ ،7/1977 ،31‬ص‪.81‬‬ ‫(‬
‫وهو الموضوع الذي لم يكن مطروحا أصالً(‪ ،)5‬وأمام تفاعل الجدل الدولي في تقرير الصحيفة تطور‬
‫الموقف األمريكي‪ ،‬وأثار الرئيس كارتر مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن موضوع التعذيب في‬
‫السجون اإلسرائيلية‪ ،‬ولكن المتتبع لصيغة نشر هذا الخبر يرى حرص اإلدارة األمريكية على عدم إحراج‬
‫حكومة الليكود الجديدة في إسرائيل‪ ،‬وذلك عندما يدعي الناطق بلسان البيت األبيض "أن بيغن أكد للرئيس‬
‫كارتر أن التعذيب يتنافى ويتناقض مع السياسة الرسمية اإلسرائيلية‪ ،‬وأن اإلدارة تأكدت من إصدار بيغن‬
‫تعليمات بعدم اإلساءة لألسرى" لكن كل ذلك نفاه في نفس اليوم مكتب رئيس الوزراء اإلسرائيلي(‪.)1‬‬
‫توالت التقارير التي تشير إلى التعذيب ضد األسرى لتزيد من إحراج إدارة كارتر‪ ،‬وفي عام ‪ 1978‬كان‬
‫تقرير مفصل من المسئولة عن التأشيرات في السفارة األمريكية في تل أبيب الكسندرا جونسون التي‬
‫أحصت عينة من ثالثة وثالثين طالب تأشيرة كانوا أسرى وتعرضوا للتعذيب‪،‬وهذا بشهادتهم أمامها لدى‬
‫مقابلتها إياهم ‪،‬وقد نشرت الصحف األمريكية هذا التقرير بعد تسربه في ‪ 7/2/1978‬واتضح فيه الموقف‬
‫السلبي للواليات المتحدة األمريكية تجاه األسرى‪ ،‬والذي يؤكد عدم إعطاء تأشيرة دخول للفلسطينيين الذين‬
‫اعتقلوا على أيدي السلطات اإلسرائيلية(‪ ،)2‬ومن المعروف أن السفارة األمريكية كانت تشترط على طالبي‬
‫التأشيرة تقديم شهادة حسن سير وسلوك من الشرطة اإلسرائيلية ‪،‬وهذا ما كانت تستغله المخابرات‬
‫اإلسرائيلية بالضغط على طالبها للتعاون معها‪.‬‬
‫أظهر الرئيس رونالد ريغان خالل الحملة االنتخابية حماساً شخصياً تجاه إسرائيل فإنه خفض من سقف‬
‫التحدث مع إسرائيل على انتهاك حقوق اإلنسان حيث أعطى صفة الشرعية لالستيطان‪ ،‬وتفسيره لقرار‬
‫‪ 242‬ال يشمل االنسحاب من كل األراضي المحتلة بل أراض احتلت‪ ،‬والعالقة مع المقاومة الفلسطينية‪،‬‬
‫وأنه لم تعلق اإلدارة األمريكية بشأن التقرير الذي قدم لها وأعدته اللجنة األمريكية الفلسطينية لحقوق‬
‫اإلنسان الذي يتضمن عشرات حاالت التعذيب‪ ،‬ومنها ما أخذ بالقسم من رئيس اللجنة نفسه (جيي زغبي)‪،‬‬
‫وأنه كان رد اإلدارة أنها تراقب عن كثب تلك التقارير(‪ ،)3‬ويمكن فهم حالة عدم االكتراث أو االهتمام ‪.‬‬
‫واستمر هذا الموقف االمريكي من قضية األسرى الفلسطينيين في السجون االسرائيلية على نفس المنوال‬
‫في من فبل االدارات االمريكية المتعاقبة في عهد الرؤساء جورج بوش"األب" وبل كلنتون وجورج‬
‫بوش"االبن" وبراك أوباما‪.‬‬

‫(‪ )5‬جامعة بيرزيت‪ :‬تعريف خلفية وأبعاد االعتقال اإلداري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫(‬

‫(‪ )1‬سعيد عالء الدين‪ :‬التعذيب في السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.195‬‬ ‫(‬

‫(‪ )2‬سمير نايفة‪ :‬واقع االعتقال في السياسة اإلسرائيلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.66‬‬ ‫(‬

‫(‪ )3‬حسين غباش‪ :‬فلسطين حقوق اإلنسان وحدود المنطق الصهيوني‪ ،‬ط‪ ،1‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1987 ،‬ص‪.105‬‬ ‫(‬
‫عاملت إسرائيل األسرى الفلسطينيين على مر عقود الصراع على أنهم إرهابيين وليسوا أصحاب‬
‫قضية‪ ،‬وقد أفلحت أعمال المقاومة في تحرير اآلالف منهم في تبادالت األسرى ولم تنجح اتفاقية السالم‬
‫المصرية اإلسرائيلية في كامب ديفيد‪ ،‬وال االتفاق األردني اإلسرائيلي فيما بعد‪ ،‬وال حتى مع أصحاب‬
‫الشأن‪ ،‬فلم تستطع اتفاقيات أوسلو إغالق السجون‪ ،‬بل إن أعداد األسرى تتزايد يوماً بعد يوم طالما استمر‬
‫هذا الصراع قائما‪ ،‬فهل سنرى يوماً هدماً لهذه السجون كما هدم جدار فصل ألمانيا؟؟‬
‫(إن غداً لناظره لقريب‪ ،‬ويومها سيفرح المناضلون)‬

You might also like