You are on page 1of 84

‫وأفضل أن يكونوا على إلمام بكل تفاصيل العمل‪ ،‬ويذهب‬‫ّ‬ ‫عملية إبداع مشتركة‪.

‬‬
‫بي األمر إلى حد توضيح المونتاج الحقاً‪ ).‬أما وقت العمل فأسعى إلى جعل‬
‫كل ممثل في قلب الفيلم‪ ،‬وضمن المشروع العام‪ ،‬حتى يصير مشتركاً‪ ،‬حقاً‪.‬‬
‫‪ -‬كيف بدأت ميولك السينمائية؟‬
‫‪ -‬بدأ تعلقي بالسينما خالل أول عرض حضرته‪ ،‬وهو "بيت األرواح"‬
‫لهارولد لويد‪ .‬والدهشة الثانية‪ ،‬في مجال الحركة دائماً‪ ،‬تملكتني لدى‬
‫رؤية حبات فاصوليا تنبت في القطن‪ ،‬كما كانوا يعلّمون أبناء جيلي‬
‫في المدارس‪ .‬وبين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من عمري بدأت‬
‫أتعلق بالمسرح‪ .‬وفكرت بممارسته من دون أن أعرف كيف‪ ،‬وال في‬
‫لدي أموال في تلك الفترة‬
‫أي اختصاص من فروعه‪ .‬ولو كانت ّ‬
‫النطلقت لخوض التجربة بكاميرا ‪ 16‬مم‪ .‬بعد ذلك حالت) الظروف‬
‫دون موهبتي‪ .‬وكنت أستعد لفتح مكتبة والتعامل مع بيع الكتب عندما‬
‫أعلن عن افتتاح المعهد األعلى للدراسات السينمائية‪ .‬فانتميت إليه‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تصف مهنتك؟‬
‫‪ -‬هناك نزعتان في السينما‪ .‬إحداهما تتمثل في السينمائيين الذين يريدون‬
‫تقديم شهادة عن الحياة‪ ).‬والثانية‪ ،‬وهي األهم في نظري‪ ،‬تتجسد في‬
‫الذين يسعون إلى التوغل في فهم أسرار الكائنات) التي يحبونها‪ .‬وفي‬
‫مجال الرسم تنطبق النزعة األخيرة على تنتوريه‪ ،‬وسيزان‪.‬‬
‫‪ -‬من يعجبك من السينمائيين السابقين؟‬
‫‪ -‬طبعاً هناك دافيد وارك غريفيث‪ ،‬مورنو‪ ،‬بودفكين‪ ،‬لويس بونويل‪،‬‬
‫المفضلين‪ ).‬أحببت كذلك الكوميديا األمريكية‬
‫ّ‬ ‫تروفو… في قائمة‬
‫االستعراضية‪ ،‬وخاصة رقصات) فرد آستر‪ ،‬وجنجر روجرس‪.‬‬
‫‪ -‬ساهمت في أول جمعية لهواة العصر الذهبي للقصص األمريكية‬
‫المصورة‪ .‬هل كان لتلك الطريقة التعبيرية تأثير في عملك؟‬
‫‪ -‬هي ذات عالقة بمهنتي مثل المسرح تماماً‪ .‬فالتتابع السردي من‬
‫العناصر التي تشدني‪ .‬والشك أن المونتاج في القصص المصورة‬
‫يختلف عنه في السينما‪ .‬وفي هذا المجال ال أخفي إعجابي بهرجيه‬
‫البلجيكي‪ ،‬وأالن سان أوغان في فرنسا‪ ،‬وكذلك بالمبدعين األمريكيين‬
‫الكبار الذين ابتكروا "ماندراك" و"العميل السري ‪ "1x‬و"ديك تراسي"‬

‫‪1‬‬
‫و"تيري والقراصنة" وهم كالسيكيو العصر الذهبي‪ .‬وأتابع حالياً دراسة‬
‫"ديك تراسي" بسبب ابتكاراته التخطيطية‪.‬‬
‫‪ -‬أما زلت ترتاد السينما؟‬
‫‪ -‬أقل مما في السابق قليالً‪ .‬األفالم كثيرة‪ ،‬والجيد قليل‪ .‬ومع ذلك أتابع‬
‫دوري كمتفرج جيد‪ .‬أما وقت اإلخراج فال أستطيع متابعة أعمال‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬هل توجد مراحل أفضل من غيرها‪ ،‬وقت اإلخراج؟‬
‫‪ -‬التصوير والمونتاج من المراحل الممتعة‪ .‬أما أصعبها فهما التحضير‪)،‬‬
‫ووضع الحوار‪.‬‬
‫‪ -‬موقفك من الجمهور؟‬
‫‪ -‬الناس يحبون دائماً أفالماً لك‪ ،‬في حين تكون أنت متعلقاً بغيرها‪ .‬ال‬
‫أنساق إلى المتفرجين‪ .‬ومع ذلك أظل أخشى عدم توصلهم إلى الفهم‪.‬‬
‫ولهذا يهبط شبح الجمهور على كتفي دائماً‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعيد مشاهدة أفالمك القديمة؟‬
‫‪ -‬أبداً‪ .‬وحتى عندما يحدث ذلك أشعر باأللم‪ .‬عندما يعرض شريط‬
‫جديد‪ ،‬أذهب إلى القاعات لمراقبة العروض‪ ،‬لكن خفيةً‪ .‬وسرعان ما‬
‫أشعر بأخطائي في اإلخراج‪ ،‬لكن بعد فوات األوان‪ .‬وهذا يجعلني‬
‫أشعر بالتعاسة‪.‬‬
‫‪ -‬وهل تذهب لمشاهدة أفالم اآلخرين؟ وما هي معاييرك في ذلك؟‬
‫‪ -‬ال أذهب بأفكار أو مشاعر مسبقة‪ .‬وأميل لمشاهدة األفالم األولى‬
‫للمخرجين الشباب‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو وصفك للفانتازي؟‬
‫‪ -‬كل ما يجعلك تفكر في شيء آخر‪ ،‬هو فانتازي‪ .‬ويمكن أن يكون‬
‫ذلك لوحة‪ ،‬أو مشهداً‪ ،‬أو غرضاً من األغراض‪ ،‬يبعث بك إلى‬
‫المناطق األكثر سرية في الالشعور‪ .‬والفانتازي أيضاً هو ما يبعث‬
‫تداعياً لألفكار بشكل يختلف عن األصل‪ ،‬عن المنطق‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي المرحلة التي تعتبرها "استعبادية" في مهنتك؟‬
‫‪ -‬مرحلة التصوير‪ ،‬وضرورة تقديم أفضل ما لديك من دون تذمر‪ .‬إذ‬
‫ينبغي أن يكون المرء جاهزاً‪ )،‬في كل لحظة‪ ،‬لغرض التقاط أفضل‬

‫‪2‬‬
‫الصور واتخاذ أصعب القرارات حتى يظل وقت االستغراق في‬
‫التصوير معقوالً‪.‬‬
‫‪ -‬في مقابل ذلك‪ ،‬هل توجد ظروف مثالية لإلخراج؟‬
‫‪ -‬مثالية؟… قد يكون ذلك في التوصل إلى إخراج فيلم‪ ،‬طوله ساعة‬
‫ونصف‪ ،‬في تسعة أسابيع‪ .‬فاألمر يتطلب سنة كاملة من العمل‬
‫المستمر‪ ،‬الدؤوب‪ ،‬المضني‪ ،‬للتوصل إلى تكوين تصور عن‬
‫اإلخراج‪ ،‬من دون ذكر الوقت اإلضافي الضروري لبلوغ النسخة‬
‫النهائية‪.‬‬

‫غري ِييه ‪Alain ROBBE-GRILLET‬‬


‫أالن روب‪ِ -‬‬

‫‪ -‬ولد في بريست سنة ‪ .1992‬اقترن اسمه بظاهرة "الرواية الجديدة"‬


‫فوريات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التي أسسها‪ :‬الغيرة‪ ،‬الممحاة‪ ،‬في المتاهة‪،‬‬
‫‪ -‬الخالدة (‪)1962‬؛ قطار أوروبا السريع (‪)1966‬؛ الرجل الذي يكذب‬
‫(‪)1967‬؛ عدن وبعد (‪)1970‬؛ التغلغل التدريجي للرغبة (‪)1974‬؛‬
‫اللعب بالنار (‪)1975‬؛ األسيرة الجميلة (‪.)1983‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬أالن روب‪ ،‬غريييه‪ ،‬كيف توفّق بين الكتابة والسينما؟‬
‫‪ -‬لم أولد كاتباً‪ .‬المخرج والكاتب‪ ،‬يلغي أحدهما اآلخر‪ ،‬وفق النشاط‬
‫الذي تجري ممارسته‪ .‬وربما استطعت القول‪ :‬إن السينمائي ال عالقة‬
‫له بالكاتب؛ فأنا عندما أمارس اإلخراج أنسى أنني روائي‪ .‬وفي‬
‫األثناء ال ينتابني الشعور بسرقة وقت الروائي ألنني سينمائي‪ .‬ولو‬
‫السينما في زمن فلوبير لتمكن من إخراج أفالم في أوقات‬ ‫وجدتْ‬
‫تتخلل كتابة رواياته الخمس أو الست‪ .‬وينبغي القول بأن غوستاف‬
‫فلوبير هو والدي الروحي‪ .‬ولقد ُو ِّجهت إليه‪ ،‬في عصره‪ ،‬المآخذ‬
‫توجه إلي‪ .‬وال أخفي اعتزازي بكون المقاالت التي وجهت‬
‫ّ‬ ‫ذاتها التي‬
‫إلي سنة ‪ ،1957‬هي المقاالت) نفسها التي وجهت إليه سنة ‪.1857‬‬
‫يمكن التمهل في كتابة الرواية‪ ،‬بعكس السينما التي تتطلب سرعة اإلنجاز ألنها‬
‫تتضمن وقت اآلخرين أيضاً‪ ).‬وقد يكون من غير المعقول‪ ،‬أو من المستحيل‬
‫إمضاء خمسة عشر عاماً في إنجاز فيلم‪ .‬وحتى لو تعلق األمر برائعة‬
‫سينمائية‪ ،‬فإن أحداً لن ينتبه إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ما موقفك من الجمهور؟‬
‫هز الجمهور‪ ،‬ألنه قد يفضل النوم في السينما‪ .‬أما ما عدا‬ ‫‪ -‬ينبغي ّ‬
‫ذلك فأنا أهتم بالجمهور دائماً وبشكل مرعب‪ .‬وأتألم كثيراً عندما ال‬
‫ال أشرع في وضع‬ ‫يلقى أحد أفالمي استقباالً جيداً‪ .‬والسيما أنني‬
‫كتاب أو فيلم‪ ،‬إال إذا أعجبني شخصياً‪ ،‬ورغبت في إنجازه‪ .‬أنا‬
‫بطيء جداً في عملي‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعود إلى رؤية أفالمك بعد عروضها األولى؟‬
‫‪ -‬لدى ظهور فيلم بتوقيعي‪ ،‬أتخيل صادقاً أن اآلخرين كلهم مثلي‪.‬‬
‫ويحدث لي أن أدرك بأنني لم أعمل إال وأنا أفكر في نفسي فقط‪.‬‬
‫فأحاول مشاهدة أفالمي وكأنني لست َمن أخرجها‪ )،‬مع الرغبة في‬
‫أن أكون متفرجاً مجهوالً أثناء العرض األول‪ ،‬الكامل‪ ،‬للنسخة رقم‬
‫‪.1‬‬
‫‪ -‬ما تعريف السينما حسب أالن روب ‪ -‬غريييه‪.‬‬
‫‪ -‬السينما التي أحلم بها هي لغة؛ لغة موسيقية‪ ،‬شعرية‪ ،‬تشكيلية‪ .‬وقد‬
‫يكون شريطي المثالي عمالً يقول ‪ ،‬من خالل شكله‪ ،‬شيئاً آخر‬
‫غير ما يرويه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تنكب على إنجاز فيلم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ماذا يكون مقصدك الحقيقي‪ ،‬العميق‪ ،‬عندما‬
‫لنقل على غرار "عدن وبعد"؟‬
‫‪ -‬هذا الفيلم تتمة لـ "الرجل الذي يكذب" من وجهة نظر األشكال‬
‫المعمارية الناجحة‪ .‬ففي هذا وذاك‪ ،‬سعيت إلى وضع لغة سينمائية‬
‫جديدة‪ .‬إنه شريط يختلف عن األشرطة األخرى‪ ،‬فهو باأللوان من‬
‫مهم‪ ،‬ألن اللون ال يدرك على الشاشة فحسب‪ ،‬بل يوجد‬ ‫جهة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫في الموضوع وفي السيناريو أيضاً‪ .‬وهو عنصر فتنة وإ غراء‪ .‬يضاف‬
‫إلى ذلك أن فيلم "عدن وبعد"‪ ،‬وألول مرة في أفالمي‪ ،‬يقدم المرأة‬
‫كشخصية رئيسية‪ ،‬بعد أن ظل الرجل هو ضمير الحكاية‪ .‬والموضوع‬
‫يعتمد على نوع من المسارة التعليمية التي تمتزج فيها التجارب)‬
‫والمحن على طريقة "جوستين " للمركيز دي ساد‪ ،‬والبحث عن‬
‫التابوت المفقود‪ .‬وأعتبره مظهراً جديداً‪ ،‬إذ أثريه بمادة غزيرة حول‬
‫الميثولوجيا الحديثة التي تغذي الوعي الجمعي‪ .‬من جهة ثانية الحظت‬
‫أن وسائل اإلعالم الجماهيرية في العالم المعاصر تخلق فانتازيا‬
‫جديدة من األساطير الشعبية‪ .‬وهذا ما يفسر اتّكاء الفيلم على تلك‬
‫العناصر الفانتازية نفسها‪ .‬فهو ينتقل من "شهرزاد" إلى "أنجليك مركيزة‬
‫المالئكة"‪ .‬فثمة ميثولوجيا أخرى ال ينبغي إهمالها‪.‬‬
‫المهيأ لمثل هذا البناء الهندسي‪ ،‬فأنا أقدم له شريطاً‬
‫ّ‬ ‫أما بالنسبة للجمهور غير‬
‫ذا مظهر حديث‪ ،‬يجد نفسه فيه‪ .‬لهذا‪ ،‬تتقدم القصة بنوع من اإليقاع‪ ،‬ال‬
‫اليومي‪ ،‬بل اإلخباري‪ ،‬أي األخبار التي تذكرها الجرائد‪ .‬وتقصد وجهتها مثل‬
‫سفينة ترفع المرساة‪ .‬وهذه الوجهة هي الحكاية الفانتازية الناجمة عن سراب‬
‫المخيلة الشبقية‪ .‬أما المغامرات التعليمية بالنسبة للنجمة كاترين جوردان‪ ،‬فيمكن‬
‫أن تقارن بمغامرات "أليس في بالد العجائب"؛) إذ نشاهد اجتيازها الصحراء)‬
‫وفخاخها وسرابها‪ .‬ثم تجد نفسها في مواجهة قرينها‪ ،‬وقرينتها التي تستولي‬
‫على ِق َ‬
‫طع مما تدججت) به‪ ،‬أو تعيدها إليها‪.‬‬
‫في هذا المستوى ال يشكل الفيلم مسارة صوفية‪ ،‬بل خيالية‪ .‬ففي نهاية الحكاية‬
‫يبدأ كل شيء‪ .‬وكان بودي لو وضعت كلمة "البداية" بدل كلمة "النهاية" على‬
‫الشاشة‪ .‬لكن ذلك من شأنه اإلزعاج أكثر!‬
‫‪ -‬ما الفيلم بالنسبة إليك؟‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬أرى أن الفيلم عمل جماعي‪ ،‬في حين أن الرواية عمل منفرد‪.‬‬
‫وهكذا أترك للمعاونين والممثلين أكبر وظيفة إبداعية ممكنة‪ ،‬انطالقاً‬
‫من اهتمامهم الصادق بها أفعل‪ .‬وفي هذا المجال قد ألجأ إلى‬
‫استشارة الممثلين والتقنيين حول بعض النقاط‪ .‬فأنا حريص على‬
‫التعاون الفعلي‪ .‬في مثال كاترين جوردان‪ ،‬ضمن شريط "عدن وبعد"‬
‫أعتقد أن القصة نجحت ألنها ساهمت فيها بشغف حتى أن الفيلم‬
‫صار يجسد قصتها الشخصية تقريباً‪.‬‬
‫أستخدم الكثير من األفالم الموجبة خالل التصوير لحرصي على توفير أكبر‬
‫عدد ممكن من التنويعات للمونتاج‪ .‬إن المسؤولية تؤرقني باستمرار حقاً‪ .‬أقول‬
‫سنهم أقل من‬
‫هذا من دون افتعال التواضع‪ ،‬وأتفهم أسباب منع أفالمي عمن ّ‬
‫ثالثة عشر عاماً‪.‬‬
‫‪ -‬بالمناسبة‪ ،‬إلى من تتوجه بأفالمك‪ ،‬في الدرجة األولى؟‬
‫‪ -‬ال أعتقد أن أفالمي تخاطب العقل بقدر ما تخاطب الحواس‪ .‬ال‬
‫أرغب في أن يؤدي البناء الدقيق والمتقن إلى جفاف الموضوع‪ .‬أنا‬
‫أخاطب الحواس‪ .‬وَأفضل تعليق يبهجني هو "هذا جميل" لذلك أستفظع‬
‫من ُيعمل عقله وال يتوصل إلى الفهم فيغضب بسبب ذلك‪ .‬أعتقد أن‬
‫على المتفرج في السينما أن يسلس القياد‪ .‬فعندما ال يطفو المتفرج‬
‫يغرق الفيلم‪.‬‬
‫‪ -‬هل يعجبك مخرجون آخرون؟‬
‫‪ -‬أنا شديد اإلعجاب بإيزنشتاين الذي ابتكر سينما مونتاج قريبة مما‬
‫أحلم بإنجازه‪ .‬فيما بعد ظهر أورسن ويلز‪ ،‬ثم غودار في بداياته‪.‬‬
‫وبالمقابل) هناك سينما ال أحبها‪ ،‬وهي التي أدعوها سينما القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬تلك التي تستند إلى أشكال روائية لم يعد لها من‬
‫وجود راهن‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي أهم مرحلة خالل اإلخراج في نظرك‪.‬‬
‫‪ -‬هي المونتاج في رأيي ‪ .‬حتى على مستوى التصوير ُأولي أهمية‬
‫قصوى للوهم‪ ،‬أو الخداع اإلبداعي‪ .‬وهدف السينما هو خلق االعتقاد‬
‫بأن الوهم حقيقة‪ .‬ففي مسرح القرن التاسع عشر كان هناك سعي‬
‫يجسدها الممثل‪ .‬أما في أفالم القرن‬
‫ّ‬ ‫إلى تصديق الشخصية التي‬
‫العشرين فالممثل هو الذي يفرض الشخصية من فرط التماهي معها‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫شخصيته‪ .‬لقد انقلبت‬ ‫أستنكر الممثل الذي يمثل وأحب الذي تزدوج‬
‫عمليات االسترجاع (الفالش بالك) في الحياة‪ )،‬وفي الشارع‪ .‬صارت‬
‫استرجاعات) إلى األمام‪ ،‬أو ومضات قادمة‪ .‬لقد صارت األمور‬
‫تتسارع في السينما كما في المجاالت) األخرى‪ .‬لذلك قد أكون‪،‬‬
‫بوتيرتي المتسارعة‪ ،‬أخاطب أوسع جمهور ممكن‪.‬‬
‫‪ -‬هل وفرت لك السينما ذكريات جميلة؟‬
‫‪ -‬حصلت على جائزة ديلوك سنة ‪ .1963‬ثم عرض شريط "الخالدة") في‬
‫برلين‪ .‬لكن كل ذلك ليس كبير األهمية‪ .‬ما أفتخر به هو أن جوزيف‬
‫فون سترنبرغ أبدى شغفه بهذا الفيلم‪ .‬وكان الوحيد في ذلك‪ ،‬وهو ما‬
‫يعطي لحكمه وزناً أكبر‪ ،‬وقيمة متفردة‪.‬‬
‫‪ -‬هل تؤمن بدور النقاد ووظيفتهم؟‬
‫‪ -‬النقاد يخدمون أفالم البحث والتجريب‪ .‬وفي هذا المجال) يعتبرون‬
‫نافعين‪ .‬ويمكنهم كإعالميين أن يثيروا الرغبة في مشاهدة الفيلم‪.‬‬
‫‪ -‬ما موقفك من التلفزيون؟‬
‫‪ -‬أعتقد بإمكانية تصوير شريطين في آن؛ أحدهما يكون مخصصاً)‬
‫للتلفزيون‪ ،‬والثاني للسينما‪ ،‬وذلك بالشخصيات) والديكورات نفسها‪.‬‬
‫وخالل عملية المونتاج‪ ،‬يكفي تزويد كل فيلم بـ ‪ %50‬من الصور‬
‫المختلفة لنحصل على حكاية مغامرتين مختلفتين تماماً‪ .‬وقد يشكل‬
‫ذلك بداية نوع جديد من التعاون بين السينما والتلفزيون‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكنك التفكير في إخراج فيلم وسترن‪ ،‬ذات يوم؟‬
‫‪ -‬سبق لي التفكير في مشروع تصوير فيلم من هذا الصنف‪ ،‬تجري‬
‫لقلت‪):‬‬
‫ُ‬ ‫مني تعريف الوسترن‬ ‫أحداثه بين رومانيا وتونس‪ .‬ولو طلب‬
‫عودة رجل إلى قريته‪ ،‬حيث مسقط رأسه‪ ،‬إلصالح خطأ كان قد‬
‫تسبب فيه‪ ،‬أو خطأ ذهب ضحيته آخرون‪ .‬ويكون البطل عادالً‬
‫وبريئاً‪ ،‬لكنه حوكم ظلماً‪ .‬الحظ أن الشريط الصوتي في فيلم "عدن‬
‫وبعد" ينتمي إلى موسيقى الوسترن أصالً‪.‬‬
‫وجهت إليك‪ ،‬انطلقت منك؟‬ ‫‪ -‬هل تعتقد أن األحكام التي ّ‬
‫‪ -‬أحياناً يتم اعتباري مؤلفاً مولعاً باإلثارة الجنسية‪ .‬وأنا أستنكر ذلك‬
‫بشدة‪ .‬ففي هذا المجال لست سوى شاهد‪ .‬وأعتقد أن اإلثارة الجنسية‬
‫ليست سوى أحد مكونات الميثولوجيا الحديثة‪ .‬ال أسعى إلى اإليقاع‬

‫‪7‬‬
‫وجرهم إلى فخ‪ ،‬بل إلى توجيههم داخل بعض المتاهات)‬
‫ّ‬ ‫بالمتفرجين‬
‫في مجتمعنا الراهن‪.‬‬

‫فريدريك روسيف ‪Frederic ROSSIF‬‬

‫‪ -‬ولد في مونتينغرو سنة ‪ .1922‬توفي سنة ‪ .1990‬مخرج تلفزيوني‬


‫وسينمائي في آن‪ .‬نال األوسكار في هوليود‪.‬‬
‫‪ -‬زمن الغيتو (‪)1961‬؛ الموت في مدريد (‪)1962‬؛ الحيوانات (‬
‫‪)1963‬؛ ثورة أكتوبر (‪)1967‬؛ جدار في القدس (‪)1968‬؛ لماذا‬
‫أمريكا؟ (‪)1969‬؛ بقدر ابتعاد الحب) (‪)1970‬؛ المخلب والسن (‬
‫‪)1976‬؛ الحفل) المتوحش‪.‬‬
‫‪ -‬للتلفزة‪ :‬األوبرا المتوحشة؛ بيكاسو (‪)1982‬؛ جاك بريل (‪)1982‬؛‬
‫متوحش وجميل (‪)1983‬؛ القلب الموسيقي (‪.)1987‬‬

‫‪ -‬فريدريك روسيف‪ ،‬أين موقعك من السينما الفرنسية؟‬


‫‪ -‬أنا سعيد لنجاحي في تجربتي المزدوجة بين السينما والتلفزيون‪ .‬لقد‬
‫باتت تكاليف أفالم المونتاج في ارتفاع متزايد‪ .‬حتى أن المرء قد‬
‫يمل من لعب دور دون كيشوت‪ .‬أما األفالم ذات السيناريوهات‬
‫الكالسيكية‪ ،‬سواء أكانت بوليسية أم عاطفية‪ ،‬فتجري محاكمتها من‬
‫الخارج بموضوعية أكثر‪ ،‬عامة‪ .‬ففي داخل كل منا مؤرخ ذو رؤية‬
‫شخصية للعالم‪ ).‬هذه المسائل تشد انتباهي لكنها ال تمنع االصطدام‬
‫بردود فعل انفعالية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫فقبل إخراج أي فيلم تتوجب قراءة مئة كتاب على األقل‪ .‬وعندما نتعرض‬
‫للهجوم ال نعرف بماذا نجيب‪ ،‬وذلك اللتباس بعض المراحل التاريخية‪ ،‬أو‬
‫طريقة النظر إليها‪.‬‬
‫وهكذا فقد تعرضت لهجوم قوي لدى ظهور فيلم "زمن الغيتو" حول نقطة دقيقة‬
‫تخص الجيش األحمر‪ .‬وكان المهاجم أستاذ تاريخ‪ .‬وقد تبين أنه أخطأ بفارق‬
‫سنة حول وقوع بعض األحداث‪ ).‬ولقد واجهت مثل تلك المشاكل أيضاً حول‬
‫أسبانيا الجمهورية‪ .‬فهناك الكثير من األفكار المسبقة‪ .‬أما معالجة الموضوعات‬
‫الروائية المتخيلة فهي أسهل من ذلك بكثير‪.‬‬
‫‪ -‬لكنك لم تكرس نفسك لماضي البشرية فحسب بل عالجت حاضر‬
‫الحيوان أيضاً…‬
‫‪ -‬رؤية الحيوانات جميلة للنظر‪ ،‬لكنها صعبة التفسير‪ .‬إنها فاتنة‪ .‬وأنا‬
‫أسعى إلى نقل فتنتها عبر الصورة‪ .‬وللحيوانات ذاكرة أبعد من ذاكرة‬
‫اإلنسان األول‪ .‬هي درس الحرية و مالذها‪ .‬وباتت الحيوانات ترمز‬
‫إلى الفردوس المفقود‪ ،‬وإ لى تلك الحرية التي انتزعت منا‪ ،‬بل التي‬
‫انتزعناها من أنفسنا بأنفسنا‪ .‬الحيوانات ماضينا‪ ،‬نصيبنا من المخيلة‪.‬‬
‫ولقد نجمت الحيوانات الفانتازية في األعمال الشعرية لجان بول‪،‬‬
‫ولوحات غويا‪ ،‬وجيروم ُبش‪ ،‬واألحالم السوريالية‪ ،‬من عملية التشويه‬
‫التي خضعت لها ذاكرتنا‪ .‬إن أول موسيقى أدركها اإلنسان‪ ،‬قبل حتى‬
‫أن يستمع إليها‪ ،‬هي زقزقة العصافير‪ )،‬أي الموسيقى األصلية‪،‬‬
‫موسيقى النشأة‪ .‬فما زال العندليب يشدو باللحن نفسه منذ ثالثة آالف‬
‫عام‪.‬‬
‫"ع ْيَنا السمكة تصيبانني بالحمى" إن الحيوانات التي‬
‫وأنا أتبنى جملة بوفون‪َ :‬‬
‫يفتتني تصويرها‪ ،‬حتى ال ننساها عندما تنقرض‪ ،‬هي نظرة أسالفنا‪ .‬ويتوجب‬
‫علينا أن نجيد قراءة تلك النظرة‪ .‬أرى أن سعادة أي بالد مرتبطة بالدفاع عن‬
‫طبيعتها‪ ،‬وحجارتها وأشجارها وحيواناتها‪ .‬إن حضورها‪ ،‬قبل تحولها إلى‬
‫ذكرى‪ ،‬هو آخر ما تبقى من الفردوس األرضي‪.‬‬
‫‪ -‬أحياناً يؤدي بك هذا االختيار إلى تثبيت صور فظيعة ومن ثم‬
‫تحريكها؟‬
‫‪ -‬كثيراً ما أصور معارك وحشية مخيفة‪ ،‬لكنها ليست فظيعة‪.‬‬
‫فالحيوانات تلجأ إلى القتل لكي تقتات وتحافظ على اإليقاع الطبيعية‬

‫‪9‬‬
‫للحياة وتوازن الطبيعي‪ .‬ولهذا ال أخفي احتقاري الشديد للرياء‬
‫اإلنساني المتلفّع بالفرو‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي معاييرك للشروع في إنجاز فيلم جديد؟‬
‫‪ -‬ينبغي أن نخرج األفالم التي نرغب في إخراجها) دائماً‪ ،‬وذلك مهما‬
‫كان الموضوع المختار‪.‬‬
‫‪ -‬في هذا السياق‪ ،‬هل تشعر بمسؤولية خاصة إزاء الجمهور؟‬
‫‪ -‬مسؤولية المخرج جزء من مسؤولية الفرد في حياته االجتماعية‬
‫وعائلته ومعتقداته‪ .‬نحن نعيش عصراً خاضعاً) إلى تيارات أخالقية‬
‫كبيرة‪ ،‬حيث تختلط مسؤولياتنا المختلفة‪ .‬وكل فرد منا يتحمل‬
‫مسؤولية إزاء حياته الشخصية‪ .‬لذلك أعتبر أن الحكم الذي يمكن أن‬
‫نحمله تجاه الذات هو الحد الفاصل األكثر نجاعة‪ .‬فليست الوظيفة‬
‫هي التي تجعلنا مسؤولين‪ ،‬بل حرية االختيار هي التي تجعلنا كذلك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تؤمن بـ "حرب أهلية" بين السينما والتلفزيون؟‬
‫‪ -‬ينبغي أن يظال متكاملين‪ .‬ومن الخطأ الخلط بينهما ألن ذلك قد‬
‫َّ‬
‫المتخيل الفردي والمتخيل الجماعي‪ .‬أما‬ ‫يؤدي إلى عدم التمييز بين‬
‫من وجهة النظر التقنية المحض فيمكن االنتقال بسهولة من هذه‬
‫الوسيلة التعبيرية إلى تلك‪ ،‬مع ضرورة المالحظة بأن التلفزيون‬
‫يتطلب تفاصيل أقل في البناء‪).‬‬
‫أما السينما فتتطلب احتفاالً جماعياً يجري في العتمة‪ ،‬مع ضرورة الدفع قبل‬
‫الدخول‪ ،‬في حين يتم استقبال التلفزيون في البيت‪ .‬ويمكن المتابعة معه أو‬
‫تركه في منتصف الطريق‪ .‬السينما اختيار‪ ،‬والتلفزيون صدمة‪ .‬السينما تؤثر فيك‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬والتلفزيون يفعل ذلك بالتقسيط‪ ،‬وفي زمن متقطع‪.‬‬
‫مع ذلك ينبغي إيجاد تعايش بينهما‪ .‬فهما وسيلتا تعبير تستجيبان لحاجات‬
‫مختلفة‪ .‬والخلط بينهما يؤدي إلى عدم فهم هذه وذاك‪.‬‬
‫‪ -‬من بين السينمائيين القدامى والمحدثين‪ ،‬من الذي أثر فيك تأثيراً‬
‫حاسماً؟‬
‫‪ -‬اسمح لي بذكر أسماء‪ :‬أوالً‪ ،‬ايزنشتين الذي أجاد التعامل مع مادة‬
‫حقيقية‪ .‬ثم مورنو الذي اختار الدرب العميق للحلم‪ ).‬وأخيراً‬
‫ميزوغوشي‪ ،‬ملك الميتافيزيقا الشعرية‪ .‬هؤالء الثالثة فتحوا دروب‬

‫‪10‬‬
‫السينما وأغلقوها‪ .‬والثالثة تصارعوا مع الشيطان‪ .‬وهم أكثر الذين‬
‫أثّروا في بالتأكيد‪.‬‬
‫‪ -‬ما طموحك السينمائي بوجه عام؟‬
‫‪ -‬أسعى دائماً إلى إخراج أفالم تغ ّذي أحالمي‪ .‬وهي األحالم التي‬
‫لآلخرين‪ ،‬الحقاً‪.‬‬ ‫أحاول تبليغها‬
‫‪ -‬كيف تتصرف مع الممثلين؟‬
‫‪ -‬أطالبهم منذ البداية أن يكونوا كما هم‪ .‬الممثلون حلفاء‪ ،‬وهم قادرون‬
‫األحالم‪ .‬ودور‬ ‫على تمثيل الحياة بجدية‪ ،‬إنهم الماسكون بوزارة‬
‫المخرج يتمثل في خلق العالم الذي يتحركون فيه‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تفسر القدرة السينمائية األمريكية التي تعترف بها شخصياً؟‬
‫‪ -‬عندما نتحدث عن فتوة األمم البد من التعرض إلى بلوغها سن‬
‫الرشد‪ .‬لقد بلغت الواليات المتحدة األمريكية سن الرشد على‬
‫مرحلتين‪ 1918 :‬و ‪ .1942‬ففي سنة ‪ 1917‬أرسلت أمريكا بالرجال‬
‫إلى ما وراء البحار‪ )،‬وذلك للمرة األولى‪ ،‬في حين كان دورها حتى‬
‫ذلك التاريخ‪ ،‬يقتصر على استقبال البشر‪ .‬وفي مرحلة ما بين‬
‫الحربين‪ ،‬أي خالل أربعة وعشرين عاماً‪ ،‬اجتازت عمر المراهقة‬
‫لتبلغ سن الرشد‪ .‬وعندئذ تزايدت وتيرة أحالمها الوحشية‪ ،‬من غزو‬
‫الغرب األمريكي‪ ،‬إلى عصابات الكلو ‪ -‬كالكس ‪ -‬كالن‪ ،‬إلى‬
‫ٍ‬
‫ماض استبق حاضرها‪)،‬‬ ‫حروب العصابات‪ ،‬ليتحول كل ذلك إلى‬
‫وزالت معالمه بحيث يمكن إليقاعاتها الراهنة أن تكون محملة‬
‫بنبضها القديم‪ .‬وتظهر عالمات ذلك في الكوميديا الموسيقية والوسترن‬
‫واألفالم البوليسية‪ ،‬والحكايات) التاريخية…‬
‫يبدو أن الواليات المتحدة تمارس عليك جاذبية حقيقية‪ ،‬لماذا؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أنا مفتون بهذا البلد الذي اضطر في الثالثينات إلى تجاوز‬
‫شبابه وعافيته لمواجهة سلسلة أزمات‪ ).‬وهو يبقى دائماً وقبل كل‬
‫شيء‪ ،‬بلد السينما‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ترى مستقبل هذه السينما‪ ،‬وكذلك السينما الفرنسية وغيرها؟‬
‫ومحمل بالجديد غير‬
‫ًّ‬ ‫‪ -‬لن أجازف بالتشخيص‪ .‬الحياة إبداع مستمر‪،‬‬
‫المنتظر‪ .‬أما أنا فلست قادراً على التنبؤ بالمستقبل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ألكسندر أستريك ‪Alexandre ASTRUC‬‬

‫‪ -‬ولد في باريس سنة ‪ .1923‬صحفي وروائي‪ :‬العطلة؛ سماء رمادية‬


‫(جائزة روجيه نيمييه)؛ الثعبان األصفر (‪.)1977‬‬
‫‪ -‬ذهاب وإ ياب؛ الستار القرمزي (‪)1953‬؛ لقاءات خطرة (‪)1955‬؛‬
‫حياة (‪)1957‬؛ طريدة الظل (‪)1961‬؛ التربية العاطفية (‪)1962‬؛‬
‫المسيرة الكبرى (‪)1966‬؛ نيران على بحر األدرياتيك (‪)1967‬؛‬
‫لويس الحادي عشر (للتلفزيون على مرحلتين‪)1978 - 1977 :‬؛‬
‫أرسين لوبين (‪.)1980‬‬

‫‪ -‬ألكسندر أستريك‪ ،‬كيف تفسر موهبتك المزدوجة‪ ،‬كاتباً ومخرجاً‪،‬‬


‫والتناوب اإلبداعي الناجم عنهما؟‬
‫‪ -‬تعاطيت الكتابة في سن العشرين حتى أنني بدأت بكتابة رواية سنة‬
‫‪ .1945‬وبعد التعبير عن االندفاعات األولى أدركت أنني ال أملك ما‬
‫يمكن قوله‪ .‬إذ لم أُراكم ما يكفي من الحياة الداخلية لكتابة رواية‬
‫كل عام‪ .‬آنذاك واتتني الفرصة إلخراج شريطي األول "الستار‬
‫القرمزي" عن كتاب لبارباي دوريفلي‪ ،‬وتمثيل جان كلود باسكال‪ .‬ولقد‬
‫قررت االكتفاء بإخراج األفالم حتى سن األربعين‪ ،‬ثم العودة إلى‬
‫التأليف‪ .‬ولم يمنعني ذلك من تدوين مالحظاتي وأفكاري في دفاتر‬
‫خاصة مع محاولة كتابة بعض المقاالت‪ ،‬بين فيلمين‪.‬‬
‫وحصل أن انفجرت موهبتي الروائية سنة ‪ .1973‬فكتبت "سماء رمادية" دفعة‬
‫وتوج الكتاب بجائزة روجيه‬
‫واحدة في حوالي ثمانمائة صفحة مخطوطة‪ّ .‬‬

‫‪12‬‬
‫نيمييه‪ .‬ثم أصدرت روايتي الثانية بعنوان "الثعبان األصفر"‪ )،‬واعمل اآلن على‬
‫الثالثة التي سوف تصدر بعنوان "ذكرى مالك"‪.‬‬
‫‪ -‬هل يوجد شخصان يحمالن اسم ألكسندر أستريك‪ :‬أحدهما رجل‬
‫صورة‪ ،‬والثاني رجل أدب؟‬
‫‪ -‬ما بين السينما واألدب توجد تماثالت كثيرة كما توجد اختالفات)‬
‫شاسعة‪ .‬وهكذا فان شريطي "طريدة الظل" كان من الممكن أن يشكل‬
‫أنكب على‬
‫ّ‬ ‫رواية من مائتي صفحة‪ .‬وكنت‪ ،‬عندما أشتغل بالسينما‪،‬‬
‫تحويل أدب بلزاك وموباسان وبارباي دوريفلي إلى صور‪ .‬كذلك‬
‫أحول كتابتي إلى صور‪ ،‬مباشرة‪ .‬وهكذا‬‫عندما أكتب شخصياً‪ّ ،‬‬
‫اكتشفت سعادتي الجديدة المتمثلة في حرية الكتابة‪ .‬إذ يمكن مراكمة‬
‫الموضوعات‪ ،‬وتحرير الخيال‪ ،‬من دون إخراج‪.‬‬
‫أكتب روايات تحافظ على الحكاية تماماً كما هو شأن األفالم التي أحببت‪ .‬وإ ذا‬
‫كنت معجباً بجون فورد وراؤول ولش وهوارد هوكس في السينما‪ ،‬فأنا معجب‬
‫بما يكتبه ميشال تورنييه وجان ديتور وميشال ديون في األدب‪ ،‬تماماً كما‬
‫كان ستاندال وزوال يكتبان في الماضي‪ .‬لهذا ال أشعر بأية عالقة بـ "الرواية‬
‫الجديدة" وهذا يجعلني متهماً بالرجعية وباالنتماء إلى اليمين‪ .‬وهو أمر ال‬
‫يزعجني كثيراً‪ ،‬خصوصاً وأن اليسار بات يتخلى اليوم عما شكل عظمته‪ ،‬أي‬
‫تبجيل الحرية الفردية والمآثر الكونية لصالح مبادئ مختزلة وجافة وال إنسانية‪،‬‬
‫وقد باتت عرضة للهجوم من قبل الفالسفة الجدد مثل أندريه كلوكسمان‪ .‬أما‬
‫ميراث الخيال) فقد صار من مهام اليمين‪.‬‬
‫وال نزاع في كوني أشعر بالقربى إزاء بيار بوتان أو روالن لودنباخ ‪-‬‬
‫وأحاورهما بسعادة ‪ -‬أكثر من ألن روب غرييه الذي ال أرغب حتى في‬
‫معرفته‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو إيقاعك اإلبداعي؟‬
‫‪ -‬كروائي‪ .‬أكتب من خمس إلى عشر صفحات يومياً‪ .‬تكون الفكرة‬
‫جاهزة في ذهني‪ ،‬لكني ال أدونها‪ ،‬أنساق إلى حركة الشخصيات‪ ).‬أنا‬
‫مقتنع بالتخييل الروائي وأكره تحطيم األشكال الفنية‪.‬‬
‫‪ -‬ما زالت الصورة تجذبك والدليل على ذلك أنك أنجزت للتو برنامجاً‬
‫تلفزياً…‬
‫ّ‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬بالتأكيد‪ ،‬فقد أخرجت الجزء األول من شريط عن "لويس الحادي‬
‫عشر" وسوف يبث خالل أعياد العام ‪ .1977‬أما الجزء الثاني‬
‫فلسوف أشرع فيه قبل بضعة أسابيع من ذلك البث‪ .‬أتصرف في‬
‫التلفزيون كما في السينما‪ .‬إذ يش ّكالن وسيلة تعبير متماثلة في الواقع‪.‬‬
‫وما إن أشرع في إخراج شريط تلفزي تاريخي حتى أتخلى عن‬
‫االرتجال واقتفي بكل تواضع نموذج لوتشينو فيسكونتي‪.‬‬
‫بالنسبة لشريط "لويس الحادي عشر" لم أعبأ كثيراً باستعادة أجواء العصر‬
‫بحذافيرها‪ ،‬بل سعيت ‪ -‬وأقول هذا بنوع من االدعاء إن شئت ‪ -‬إلى اقتفاء‬
‫شكسبير وساشا غيتري اللذين ال أخفي إعجابي بكليهما‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو هدفك‪ ،‬بوصفك روائياً؟‬
‫‪ -‬يكمن طموحي األكبر في التوصل إلى وضع أعمال تندرج ضمن‬
‫تقاليد الرواية الفرنسية ومآثرها‪ ،‬وكذلك الرواية األلمانية‪ ،‬كما يمثلها‬
‫موزيل أو توماس مان صاحب "الدكتور فاوست"‪ .‬إنها الساللة التي‬
‫جمعت بين السخرية والخيال والمعرفة الواسعة‪.‬‬
‫‪ -‬وما موقفك من السينما حالياً؟‬
‫‪ -‬باتت تهمني كمتفرج أكثر مما تهمني كمخرج‪ .‬وقد أفرح إذا طلب‬
‫مني أحد المنتجين شراء حقوق روايتي "الثعبان األصفر"‪ ،‬لكنني لن‬
‫أقبل بإخراجها) مطلقاً‪ )،‬ألن إخراجها‪ ،‬شخصياً‪ ،‬قد يخونني عبر‬
‫محاولة االلتصاق الوفي بالنص‪.‬‬
‫مع ذلك يوجد تشابه جوهري بين السينما والرواية ويكمن في خاصية إنتاج‬
‫الصور‪ .‬يلجأ مؤلف السينما إلى من يشاء كي يأتي بالصور‪ .‬وهو شأني أنا‪،‬‬
‫عندما لجأت) إلى إدغار بو أو بارباي دوريفلي‪ .‬أما الروائي فال يغرف إال من‬
‫ذاته‪ .‬ولو نقلت إحدى رواياتي إلى السينما الكتفيت بالمشاركة في السيناريو‪.‬‬
‫أخرجت "حياة"‬
‫ُ‬ ‫فليس على الروائي أن ينقل ما كتب إلى الشاشة‪ .‬وهكذا‪ ،‬عندما‬
‫لم أخن غي دي موباسان‪ .‬لم أفعل سوى إعادة قراءته عبر مزاجي الخاص‪.‬‬
‫‪ -‬ما أقرب أفالمك إليك؟‬
‫‪ -‬يأتي في المقدمة ‪ Evariste Galois‬الذي أحبه كثيراً‪ ،‬وكذلك‬
‫"حياة"‪ .‬أكثر ما يهمني عندما أصور شريطاً هو الممثلون‪ .‬وكما يقول‬
‫سيلين‪" :‬على الضيف أال يشم روائح المطبخ"‪ .‬لذلك ينبغي التحكم جيداً‬
‫في التقنيات والصوت والصورة والتقطيع والمونتاج‪ ،‬بحيث ال يشاهد‬

‫‪14‬‬
‫المتفرج سوى الممثلين على الشاشة‪ .‬فالشخصية التي يؤديها الممثل‬
‫هي األساس‪ .‬كذلك عندما تبدأ الشخصية الروائية بالتشكل عبر‬
‫كتابتي‪ ،‬أنظر إليها نظرتي إلى ممثل يقف أمام الكاميرا التي‬
‫بحوزتي‪ ،‬أي بالحرارة ذاتها والكثافة ذاتها‪ .‬وسواء أكنت سينمائياً أم‬
‫كاتباً أجد نفسي متمتّعاً بحرية قصوى تعطلها عراقيل قصوى في‬
‫آن‪.‬‬
‫الروائي يعرف الماضي‪ )،‬غير أنه ال يمتلك الحاضر‪ ).‬وأبرز من يدل على ذلك‬
‫شخصياً فوتران وراستينياك اللذين إما أفلتا‪ )،‬أو فرضا نفسيهما‪ ،‬على بلزاك‪،‬‬
‫على امتداد رواياته‪.‬‬
‫‪ -‬أما زلت متعلقاً بحب السينما؟‬
‫‪ -‬في سن العشرين كنت أتردد على قاعات السينما يومياً‪ .‬وفي نهاية‬
‫الحرب‪ ،‬أثناء تجنيدي‪ ،‬تدبرت لنفسي بدلة عسكرية شبه أميركية‪.‬‬
‫وبفضل ذلك الزي‪ ،‬وتراخيص منتصف الليل الفرنسية‪ ،‬صرت قادراً‬
‫على التسلل إلى قاعات العرض المخصصة للجنود األميركيين‪ ،‬كل‬
‫ليلة‪ .‬وهكذا تمكنت من مشاهدة األعمال األميركية الكالسيكية التي‬
‫لعبت دوراً مهماً في تكويني‪ .‬وتطور شغفي بالسينما حتى سن‬
‫األربعين‪ .‬حينها بدأت أنتقي األفالم التي أود مشاهدتها‪ ،‬على غرار‬
‫"النباب (النائب) األخير" لكازان‪ ،‬أو "السبت األسود" لفرانكنهيمر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شريط‬
‫‪ -‬وهل ذلك هو شأنك مع القراءة أيضاً؟‬
‫‪ -‬مررت بمرحلة مطالعة مكثفة ما بين السابعة عشرة والثالثين‪ .‬ثم‬
‫توقفت عن القراءة لمدة عشرين عاماً‪ ،‬ألن النتاج الروائي للمرحلة‬
‫لم يكن ليجذبني‪ .‬إذ ذاك فضلت التعامل مع الرياضيات) لمجرد‬
‫المتعة‪ .‬وربما كان من المفارقة أنني عندما شرعت في الكتابة عدت‬
‫إلى المطالعة المكثفة‪.‬‬
‫‪ -‬أنت من ابتدع صيغة "الكاميرا ‪ -‬القلم" فما هو موقفك منها حالياً؟‬
‫‪ -‬لما أطلقت تلك الصيغة أردت القول من خاللها إن في إمكان المرء‬
‫إخراج أفالم على طريقة الكتابة‪ ،‬أي بالمسعى نفسه واإلرادة نفسها‪.‬‬
‫وعندما صغت تلك العبارة المر ّكبة "كاميرا ‪ -‬قلم" كنت أتوقع العودة‬
‫إلى الكتابة‪ .‬وربما عدت متأخراً كثيراً‪ ،‬غير أنني أتمسك بمقولة‬
‫برنانوس‪" :‬ال يمكن للمرء كتابة رواية قبل سن األربعين"‪ .‬وعلينا أال‬

‫‪15‬‬
‫ننسى أيضاً بأن بلزاك‪ ،‬وحتى كتابة روايته "آل شوان" أو‬
‫"ال ُش َوانيون"‪ ،‬لم يكن يوقع إال باسم مستعار‪ :‬سان أوبان‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تتوصل إلى التوفيق بين هذين النوعين من النشاط؟‬
‫‪ -‬من المؤكد أنني عندما أصور ال أتمكن من الكتابة‪ .‬فخالل إخراج‬
‫فيلم يكون عدد ساعات العمل الرسمية ثماني ساعات يومياً‪ ،‬لكننا‬
‫نصل إلى اثنتي عشرة ساعة‪.‬‬
‫مع ذلك أظل مقتنعاً بأن مهنتيْ السينمائي والروائي ليستا متناقضتين‪ .‬ومعظم‬
‫الكتّاب مارسوا أنشطة أخرى‪ :‬بلزاك كان مطبعياً‪ ،‬كلوديل وموران كانا‬
‫دبلوماسيين‪ ،‬سانت اكزوبيري طياراً‪ ،‬مالرو وزيراً…‬

‫برنار بوردوري ‪Bernard BORDERIE‬‬

‫‪ -‬ولد سنة ‪ 1924‬في باريس وتوفي سنة ‪ .1978‬ابن المنتج ريمون‬


‫بوردوري‪.‬‬
‫الصبية الصدئة (‪)1952‬؛ حظ تربيعي (‪)1954‬؛ الغوريال تبلغكم السالم (‬‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫لمي للسيدات (‪)1961‬؛‬ ‫‪)1957‬؛ القائد (‪)1960‬؛ الفرسان الثالثة (‪)1961‬؛ ّ‬
‫كاترين‪ ،‬يكفي‬ ‫فارس باردايان (‪)1962‬؛ أنجيليك مركيزة المالئكة (‪)1964‬؛‬
‫حب واحد (‪.)1968‬‬
‫‪ -‬للتلفزيون‪ :‬موهيكان باريس؛ سادة بوادوري الوسيمون؛ غاستون فيبوس‬
‫(‪.)1978‬‬
‫‪ -‬برنار بوردوري كيف صرت مخرجاً وما أسباب ذلك؟‬
‫تدربت على أبي الذي كان سينمائياً‬‫‪ -‬السينما هي حياتي كلها‪ .‬ولقد ّ‬
‫في شركة بارامونت‪ .‬وكان يخرج أفالماً يعرضها ألطفال الحي‪.‬‬
‫وتمكنت من العثور على بعض بكراته في المنزل‪ .‬وبصفته منتجاً‬
‫فقد كان وراء إنتاج "أطفال الجنة" لكارني و"جزاء الخوف" لكلوزو‪.‬‬
‫وكان يريد توجيهي نحو الرسم‪ .‬وما زلت أمارسه حتى اآلن‪.‬‬
‫"مقدم المتسلقين للجبال" للويس داكان‬
‫ّ‬ ‫بدأت العمل في السينما كمساعد في شريط‬
‫عن كتاب لفريزون ‪ -‬روش‪ ،‬وذلك ألنني كنت أجيد التزلج وتسلق الجبال‪ .‬ثم‬
‫كانت تجربة "أطفال الجنة"‪ .‬ولم أكن أفكر في التحول إلى اإلخراج‪ )،‬إذ كنت‬

‫‪16‬‬
‫آنذاك أدرس الفنون الجميلة‪ .‬وسرعان ما غادرت تلك المدرسة ألنني لم أتعلّم‬
‫شيئاً‪.‬‬
‫وهكذا تابعت العمل كمساعد حتى في ظروف ال تصدق‪ .‬ففي العام ‪،1945‬‬
‫وكنت في الحادية والعشرين من عمري‪ ،‬وجدت نفسي وحيداً في انجلترا‪ )،‬أمام‬
‫مائتين وخمسين مظلياً وطائرات نقلهم‪ ،‬لتصوير "كتيبة الجو" وبذلك تعلمت‬
‫مهنتي‪ .‬وبقيت أعمل مساعداً لمدة ست أو سبع سنوات‪).‬‬
‫ليس الفيلم األول هو الصعب‪ ،‬بل الثاني‪ ،‬وتأتي بعد ذلك المثابرة‪ .‬ولقد‬
‫أخرجت عدداً من األفالم القصيرة‪ ،‬كما يفعل الجميع‪ .‬وأعجبني ذلك كثيراً‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت معجب بمخرجين آخرين؟‬
‫‪ -‬في شبابي أدمنت مشاهدة األفالم وتأثرت كثيراً باألفالم األمريكية‪.‬‬
‫ويظل وجود فورد هو األعظم في نظري‪ .‬توصلت‪ )،‬بعرق الجبين‪،‬‬
‫إلى اقتفاء أثر تلك السينما الباذخة من خالل إخراجي لشريط "حظ‬
‫تربيعي" وكان أول شريط فرنسي من نوع الشاشة العريضة (سينما‬
‫سكوب)‪ .‬ولقد حافظت على دروس السينما االميركية ألطبقها على‬
‫أفالمي البوليسية‪ ،‬وكذلك على سلسلة "أنجيليك"‪ .‬فكانت أفالماً ذات‬
‫مؤثرات عالية لكن بميزانيات متوسطة جداً‪ .‬هكذا تعلمت العمل‬
‫السريع والناجح‪ .‬وتوصلت إلى إخراج شريطين دفعة واحدة كما‬
‫حدث أثناء تصوير "الفرسان الثالثة" و"أنجيليك"… أنا وبريسون ال‬
‫نمارس المهنة نفسها!‬
‫أستطيع إدارة مائتي شخص ألعطي انطباعاً‪ ،‬على الشاشة‪ ،‬بوجود ألفي‬
‫شخص‪ .‬ولم أنقطع عن تقديم سينما أمريكية بوسائل فرنسية‪ .‬واعتقد أنني تمكنت‬
‫من ترسيخ انطباع جيد عن السينما الفرجوية الواسعة‪ ،‬خاصة وأن جيلي كان‬
‫متأثراً جداً بالسينما األميركية‪.‬‬
‫قدم لنا األميركيون نماذج متميزة‪ ،‬كما جرى بالنسبة للحرب األهلية وقانون‬
‫تحريم الخمر‪ ،‬حيث الديكورات واألسلحة والسيارات والمطاردات والمعارك‪.‬‬
‫أما نحن‪ ،‬فهنودنا هم حراس الكاردينال‪ )،‬ولم يكن ينقصهم الريش على القبعات‬
‫ذات الحواف العريضة‪ .‬من المؤسف أن ماضينا قد شاخ‪ ،‬بينما ماضيهم ال‬
‫يزال متحركاً في الحاضر‪ ).‬هذه الفتنة التي تشكلها السينما األمريكية لم تتوقف‪.‬‬
‫لقد أدهشني فيلم "‪ ."M.A.s.H‬ولم يكن ذلك بسبب اإلخراج بل لحرية النبرة‬

‫‪17‬‬
‫واألسلوب‪ .‬فتمكن ذلك الفيلم من قول كل ما كنت أرغب في قوله شخصياً‬
‫منذ زمن طويل‪ .‬أما في فرنسا فما زلنا نصطدم بالمشاكل المغلوطة‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي معاييرك في اختيار األفالم التي تنوي إخراجها؟‬
‫‪ -‬لم أعد أستجيب للمعايير حالياً‪ ).‬ال أريد إعادة إخراج األفالم نفسها‪،‬‬
‫كأن أكون محكوماً بالعودة إلى "الغوريال"‪ .‬لكنني أجد متعة في‬
‫إخراج المسلسالت التاريخية الكبيرة‪ .‬اآلن‪ ،‬وكما هي حال النشر‪،‬‬
‫سيصير التلفزيون معادالً لكتاب الجيب‪ ،‬فيما تصير السينما أشبه‬
‫بالمجالت المصورة الباذخة والملونة‪ .‬ومع ذلك ال أعتقد في إمكانية‬
‫الخلط بين النوعين‪.‬‬
‫ينبغي االحتفاظ بالمواضيع العادية والقصص المسلية للتلفزيون كي يشاهدها‬
‫الناس على الشاشة الصغيرة‪ ،‬كما في السابق عندما كانوا يرتادون قاعات‬
‫السينما‪ ،‬وقبلها المسرح‪ ،‬واألوبيريت‪ ،‬كمبرر للخروج‪ .‬ومن أجل حث الناس‬
‫على الخروج من بيوتهم البد من أفالم استثنائية يشعر المرء بالندم إذا فوتها‬
‫‪ .‬غير أن السينما باتت بين أيدي المستغلين‪ ،‬وهذا تطور جديد‪ .‬وصار البد‬
‫من المراهنة على الممثل النجم‪ ،‬والحال أن عدد النجوم محدود في فرنسا‪.‬‬
‫وهناك ما هو أخطر‪ .‬لم يعد ثمة مجال ألفالم المؤلف… بل هناك زحف على‬
‫أفالم العنف واإلثارة الجنسية‪ .‬في شهر آذار‪/‬مارس ‪ 1969‬توجب علي التخلي‬
‫عن مشروع فيلم حول مكافحة إدمان المخدرات‪ .‬قيل لي‪ :‬ال مجال لمعالجة هذا‬
‫الموضوع‪ .‬وبعد ثالثة أشهر ظهر فيلم "‪ "More‬زد على ذلك أن التجربة‬
‫ورطتني في نفقات مالية‪.‬‬
‫‪ -‬وهل تعتقد بوجود رقابة مخيفة؟‬
‫‪ -‬مشكلة الرقابة مرعبة بالنسبة لنا‪ .‬وفي كل مرة أشرع في إخراج‬
‫فيلم أردد بأنني فنان رسام‪ ،‬وال أريد توريط مجموعة كاملة في‬
‫فيلم قد ال يرى النور‪ .‬إن عالم السينما يواجه مشاكل مأساوية‪ .‬القيم‬
‫الثابتة تنهار‪ .‬ينبغي تركنا نمارس مهنتنا بهدوء‪ .‬أكرر بأن كارثة‬
‫النجومية جعلت من الصعب إخراج فيلم من دون نجوم‪ .‬هذا أمر‬
‫في منتصف الغباء ‪ ،‬ألن الممثل النكرة ‪ ،‬اليوم ‪ ،‬قد يغدو نجماً‬
‫في المستقبل‪ .‬وأنا شخصياً أطلقت الكثير من النجوم‪ :‬لينو فنتورا‪،‬‬
‫جيرار باري‪ ،‬ميشال ميرسييه‪ ،‬إيدي كونستانتين… أنا الذي‬
‫"ه ْد َهدتهم" عندما كانوا في المهد صبياناً!")‬
‫َ‬
‫‪18‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬كيف تدير ممثليك على "البالتوه"؟‬ ‫‪-‬‬
‫علي إجبارهم على القيام بما أريده منهم‪ .‬وينبغي أن يكون‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يتوجب‬
‫هناك نوع من التفاهم‪ ).‬وقد ألجأ إلى تكييف الدور حسب الشخصية‪.‬‬
‫وهكذا أوجدت تفاهماً عميقاً مع روبير هوسين‪ .‬بشكل عام ال أفتقر‬
‫إلى التقنية‪ .‬وهذا ما يجعلني أكثر اهتماماً بالممثلين‪ .‬نبدأ باتباع النص‬
‫نحور بعض الكلمات) أو الجمل‪ .‬فلكل واحد طريقته في التعبير‪.‬‬
‫ثم ّ‬
‫وإ ذا لم يكن النص لشكسبير أو ألنويله‪ ،‬نستطيع تحويره‪ .‬وخالل‬
‫التصوير أحاول عدم السقوط في الكليشيهات والمبالغات التي تصور‬
‫الحياة اليومية‪ .‬فأنا أرفض تصوير ما هو بشع‪ .‬ولم أحب الواقعية‬
‫قط‪.‬‬
‫‪ -‬هل تشعر بمسؤولية معينة إزاء جمهورك؟‬
‫البد من العثور على‬
‫‪ -‬أول ما يهمني هو أال يشعر الجمهور بالملل‪ّ .‬‬
‫إيقاع‪ .‬كما أحب أن يضحك الناس مما أضحكني شخصياً‪ .‬لكنني ال‬
‫أنساق إلى السهولة‪ .‬إن أي فيلم يعرض لكي ُيرى‪ ،‬وإ ال فمصيره‬
‫الفشل‪ .‬عندما أتذكر "أضواء المدينة" أدرك كم بتنا نهمل تلك المهارة‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك تلك‬‫ْ‬ ‫لم يهرم ذلك الفيلم رغم مرور نصف قرن‪.‬‬
‫االبتكارات التقنية المصاحبة لكل صورة‪ .‬ولم يكن ذلك الفيلم ليحتاج‬
‫إلى الكالم‪ .‬كانت الموسيقى الجميلة كافية‪ .‬أما الحكاية فكانت في‬
‫منتهى الشفافية والصفاء‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تجد هواية السينما؟‬
‫‪ -‬الثقافة السينمائية مطلوبة‪ .‬وهذا أمر جيد‪ ،‬على أال تتحول إلى نزعة‬
‫مبالغ فيها‪ .‬فالموجة الجديدة على سبيل المثال‪ ،‬لم يبدأ استلهامها إال‬
‫من خالل فريتز النغ‪ .‬إنها إعادة ابتكار لحيل قديمة‪ .‬ومن بين الذين‬
‫أحب في السينما الفرنسية هناك كلوزو‪ .‬إن الذكاء والموهبة يعوضان‬
‫مواهب الدنيا كلها‪ .‬ال يمكن للمرء أن يعرف كل شيء في هذه‬
‫المهنة‪ .‬وأدنى ما هو مطلوب أن يتعرف على تفاصيل التصوير‬
‫الفوتوغرافي‪ .‬وهكذا يميز بين ما هو قابل لإلنجاز وما هو غير‬
‫قابل لذلك‪ .‬فبفضل معرفتي بالتصوير الفوتوغرافي لم أورط الذين‬
‫عملوا معي في التصوير‪ ،‬في مواقف حرجة‪.‬‬
‫‪ -‬واأللوان؟‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬إنها تشكل إضافة مهمة جداً‪ ،‬وتعطى للصورة حضوراً ال يحققه‬
‫األسود واألبيض‪.‬‬

‫كلود سوتيه ‪Claude SAUTET‬‬

‫‪ -‬ولد في مونروج سنة ‪ 1224‬وتوفي سنة ‪ .2000‬تخرج في معهد‬


‫الدراسات السينمائية العليا‪ ).‬عمل في كتابة السيناريو لمدة طويلة‪.‬‬
‫صف المخاطر كلها (‪)1959‬؛‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬صباح الخير أيتها االبتسامة (‪)1955‬؛‬
‫السالح على اليسار (‪)1965‬؛ أشياء الحياة (‪)1969‬؛ ماكس وباعة‬
‫الحديد (‪)1970‬؛ سيزار وروزالي (‪)1972‬؛ فنسون‪ ،‬فرنسوا‪ ،‬بول‪،‬‬
‫واآلخرون (‪)1974‬؛ مادو (‪)1976‬؛ حكاية بسيطة (‪)1978‬؛ االبن‬
‫العاق (‪)1980‬؛ غارسون (‪.)1983‬‬

‫‪ -‬كلود سوتيه‪ ،‬كيف بدأ شغفك بالسينما؟‬


‫‪ -‬أقول بكل صراحة إن أول سبب جعلني أتعاطى السينما يعود إلى‬
‫يمر‬
‫ولعي بإدارة الممثلين‪ .‬كل شيء‪ ،‬بما في ذلك التقنية والسيناريو‪ّ ،‬‬
‫عبر هذا الغربال‪ ).‬والمخرج الذي ال يعترف بذلك يكون مخادعاً أو‬
‫يمكنه ممارسة مهنة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬إذاً فاألولوية للممثلين؟‬
‫أكن‬
‫‪ -‬الممثلون هم أول الوسطاء في العالقة مع الحس الشعبي‪ .‬لذا ّ‬
‫احتراماً فائقاً للممثلين في نطاق كوني أبحث فيهم دائماً عن أصلهم‬
‫أو نشأتهم الحقيقية‪ ،‬أي عن طفولتهم تقريباً‪ .‬وتحقق ذلك مع لينو‬
‫فنتورا‪ ،‬وجزئياً مع بيكولي‪ ،‬وأعتقد بصدق‪ ،‬مع مونتان أيضاً‪ ).‬هذا ما‬
‫‪20‬‬
‫يثير شغفي‪ .‬حتى أنهم يتكشفون على أنفسهم مرغمين نسبياً‪ .‬كان ذلك‬
‫أمراً بسيطاً في الكثير من األفالم‪ .‬ففي "أشياء الحياة" وكذلك "ماكس‬
‫وباعة الحديد" ر ّكزت جهودي على رومي شنايدر وميشال بيكولي‪،‬‬
‫الذي يتميز بموقف متيقظ ومتلصص كثيراً في طريقة عمله‪.‬‬
‫إيف مونتان وسامي فراي ال يتميزان بالمرونة‪ ،‬أما رومي شنايدر‪ ،‬ورغم‬
‫معرفتي العميقة بها‪ ،‬فتظل امرأة‪ ،‬وينبغي االهتمام بها‪ .‬وتظل إدارة الممثلين‪،‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬أصعب ما تكون في البداية‪ .‬غير أنهم سرعان ما يتشبعون‬
‫بالشخصيات التي يؤدونها فتظهر النتيجة وتكون رائعة‪ .‬وهكذا أتوصل فجأة إلى‬
‫اكتشاف الشخصيات التي كنت أعتقد أنها ما زلت نظرية‪ ،‬وقد تحولت إلى‬
‫كائنات حية‪ .‬طبعاً في هذه اللحظة‪ ،‬يقدم الممثلون إضافتهم‪ .‬ويمكن القول إن‬
‫على الخرج في بداية الفيلم مساعدة الممثلين بطريقة مكثفة عبر توضيح‬
‫الحكاية وتفسيرها وكذلك الشأن بالنسبة للشخصيات‪.‬‬
‫‪ -‬منذ ظهور الفكرة‪ ،‬حتى بلوغ النسخة النموذجية‪ ،‬هل توجد لحظات‬
‫أكثر إثارة وأخرى قاسية؟‬
‫‪ -‬أصعب المراحل بالنسبة لي هي السيناريو‪ .‬في البداية تكون هناك‬
‫فكرة الفيلم‪ ،‬وتظهر أشبه بحلم‪ ،‬شيء ما غامض‪ ،‬مع مالمح جمالية‬
‫وأخالقية‪ .‬عندئذ يتوجب تحويلها إلى شيء محسوس‪ .‬وهذا ما يشكل‬
‫السيناريو الحقاً‪ .‬وهو عمل مرعب ألنه يتطلب جهداً قاسياً من‬
‫الصياغة والبناء والتحوير‪ .‬عمل جاد وصارم ال ندرك مدى حيويته‬
‫وتشويقه وإ يقاعه‪.‬‬
‫هذه المرحلة المغرقة في النظرية تظل األشد رعباً‪ .‬وما إن تبدأ كتابة‬
‫السيناريو النهائية حتى يصير من الممكن العودة إلى الذات والضحك‪ ،‬أو‬
‫البكاء على حدة‪ ،‬تأثراً‪ .‬هكذا يكون السيناريو قد اكتمل‪ .‬لكننا نكون ال نزال‬
‫في نقطة الصفر‪ ).‬فمع التصوير يعاد كل شيء‪ ،‬كما لو كنا نجهل السيناريو‬
‫تماماً‪ .‬فال يظل لدي اقتناع إال بالبناء الداخلي‪ .‬فإذا كان السيناريو مبنياً بطريقة‬
‫جيدة يمكن أن نحافظ على ‪ %95‬مما هو مكتوب‪ .‬أما إذا كان ثمة خطأ فال‬
‫بد من إجراء التعديالت‪ .‬نهاية التصوير مؤلمة جداً‪ .‬أنا شخصياً في منتهى‬
‫القسوة والتشدد واالنفعال‪ .‬لحظة تفرق فريق العمل تكون حزينة‪ .‬عندئذ أجد‬
‫نفسي‪ ،‬أنا المخرج‪ )،‬في مواجهة مشكلة المونتاج‪ ،‬وحيداً‪ .‬ومن جديد أنطلق من‬

‫‪21‬‬
‫نقطة الصفر‪ )،‬كما لو لم أكن أنا الذي صور ما صور‪ .‬وتدوم تلك الحال‬
‫ثالثة أشهر متضمنة مواجهة مشاكل الصوت والموسيقى‪.‬‬
‫أما في مرحلة إعداد النسخة النموذجية فيساورني الشك حول نجاحي في تبليغ‬
‫ما أردت قوله‪ .‬لحظة الحقيقة هذه‪ ،‬تدق وقت عرض الفيلم في المختبر من‬
‫أجل كشف المعايير‪ ،‬أي موازنة األلوان‪ .‬وإ ذا كانت القاعة خالية في هذه‬
‫المرحلة‪ ،‬فمعنى ذلك أن الفيلم لم يجذب الكثير من الناس‪ .‬أما إذا امتألت‬
‫القاعة بكل التقنيين فيمكن التنبؤ بمدى إقبال الجمهور في القاعات‪ ).‬بعد ذلك‬
‫تأتي مرحلة االنتظار المضني والمنهك عصبياً‪ :‬مرحلة عرض الفيلم في‬
‫القاعات‪ ).‬إن اهتمام التقنيين ومهندسي الصوت والعارضين يدل على نجاح ما‪،‬‬
‫للفيلم‪.‬‬
‫‪ -‬ما الشعور الذي يخالجك عندما يعرض أحد أفالمك التي أخرجتها‬
‫للشاشة الكبيرة‪ ،‬مثل "السالح على اليسار"‪ ،‬على شاشة التلفزيون؟‬
‫‪ -‬في الحقيقة‪ ،‬ال أعرف‪ .‬ولكن‪ ،‬يمكنني النظر إلى ذلك انطالقاً من‬
‫أفالم مخرجين آخرين‪ .‬على سبيل المثال شاهدت على شاشة‬
‫التلفزيون شريط المخرج راؤول ولش "جنتلمان جيم"‪ .‬وكان تأثري‬
‫عميقاً كما في قاعة السينما‪ .‬أما أنا فأقدم أفالماً تفقد قيمتها في‬
‫التلفزيون‪ .‬ال أدري لماذا‪ .‬أما شريط مثل "لوال مونتس" لماكس‬
‫أوفولس الذي يبدو شريطاً خاصاً بالشاشة الكبيرة فقد بدا لي أقوى‬
‫لدى عرضه على شاشة التلفزيون‪.‬‬
‫عندما عرض شريط "صف المخاطر كلها" في التلفزيون‪ ،‬شاهدته كما لو لم‬
‫يكن من إخراجي‪ .‬وجدته أشبه ببطاقة بريدية تمثل نسخة عن لوحة لفان‬
‫غوخ‪ .‬يظل الهيكل العام وتتبدل األلوان‪.‬‬
‫‪ -‬ما أهمية التقنية في نظرك؟‬
‫‪ -‬في البداية تكون حاسمة‪ ،‬كما في الموسيقى‪ .‬ال يمكن عزف‬
‫الموسيقى من دون معرفة النوطة‪ .‬والبد من التنسيق والتوليف بين‬
‫العناصر البسيطة أو التي تبدو كذلك في البداية‪ .‬والتقنية ذات سلسلة‬
‫ال تنتهي من التوليفات‪ ).‬فال بد من معرفتها وعدم الخضوع للرتابة‪.‬‬
‫عندئذ يمكن التخلص من مشاكل التقنية أثناء التصوير‪ .‬إذ تتحول إلى‬
‫مسائل ذات عالقة بالكلمات المناسبة والبسيطة وكذلك بالسيناريو‬

‫‪22‬‬
‫واألداء والزمن واللون وتحريك اآلالت‪ .‬أي أن التقنية تكمن في‬
‫اإلحساس بنتائجها‪ ،‬وإ ال أغرقت صاحبها‪).‬‬
‫‪ -‬أما زال كلود سوتيه مولعاً بالسينما؟‬
‫‪ -‬هذا أمر فظيع‪ ،‬عندما أبدأ بكتابة سيناريو‪ ،‬وحتى عرض الفيلم في‬
‫القاعات‪ )،‬ال أستطيع الذهاب إلى السينما‪ .‬وهذا هو السبب‪ :‬إذا شاهدت‬
‫شريطاً متواضعاً انتابني اإلحباط‪ .‬إذ أجد‪ ،‬أحياناً‪ ،‬في ذلك الفيلم‬
‫أفكاراً مشتركة‪ ،‬ومن جهة أخرى إذا شاهدت شريطاً رائعاً وعدت‬
‫أفضل‬
‫ّ‬ ‫لرؤيته خمس أو ست مرات‪ ،‬انتابني شعور باالنسحاق‪ .‬لذلك‬
‫االنعزال‪.‬‬
‫عندما ال أكون منشغالً بتصوير فيلم أذهب إلى السينما‪ ،‬غير أني ال أشاهد‬
‫الكثير من األفالم‪ .‬وأميل أكثر إلى إعادة مشاهدة أفالم أحبها كثيراً‪ .‬وهنا تصير‬
‫األمور غريزية ‪ ،‬إذ أن ردة فعلي تكون شبيهة بردود فعل الجمهور‪.‬‬
‫ثمة مشكلة لم تجد حال حتى اآلن‪ :‬لماذا تمتلئ إحدى القاعات‪ )،‬من دون‬
‫اللجوء إلى اإلشهار‪ ،‬منذ اليوم األول‪ ،‬بينما يجري الترويج واإلشهار لقاعة‬
‫أخرى‪ ،‬لكنها تظل خالية من الجمهور‪ .‬مهنتها مثل مهنتكم‪ ،‬مهنة وسطاء‪.‬‬
‫تغير على األفالم المفضلة لدى كلود سوتيه؟‬
‫‪ -‬هل طرأ ّ‬
‫‪ -‬هذا سؤال عويص‪ ،‬ال أستطيع اإلجابة عنه‪.‬‬
‫‪ -‬والمشاريع؟‬
‫‪ -‬ال يمكنني البتة الحديث عن مشاريعي‪ .‬ولو فعلت بطريقة واضحة‬
‫لعجزت عن إنجاز الفيلم‪ .‬أشعر دائماً أن ما نقوله يقتل ما نريد‬
‫فعله‪ .‬أنا أصنع أفالماً ألنني كنت خجوالً في طفولتي‪ .‬ولم أكن قادراً‬
‫على التعبير بسهولة‪ .‬وما أريد قوله اليوم يظهر في أفالمي‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو وقت التجدد‪ ،‬بين ظهور الفيلم وبداية مشروع آخر‪،‬‬
‫الستعادة الحيوية؟‬
‫‪ -‬هذا يتوقف على نوع الحالة‪ .‬فبعد أفالم مثل "أشياء الحياة" و"ماكس‬
‫وباعة الحديد" و"سيزار وروزالي"‪ ،‬شعرت باإلنهاك تماماً‪ .‬فكان البد‬
‫من استعادة األنفاس‪ .‬وتنتابني رغبة جامحة في تصوير شريط جديد‬
‫أو عدم القيام بأي شيء‪ .‬لكن عدم الفعل يعني الموت‪ .‬إذن ليس لي‬
‫من خيار‪.‬‬
‫‪ -‬ما موقف كلود سوتيه إزاء الجمهور؟‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬بادئ ذي بدء ال يمكن معرفة الجمهور‪ .‬لذلك نبدأ من أنفسنا‪ :‬إذا‬
‫وحرك مشاعرك وأضحكك‪ ،‬فهذه بداية‪ .‬بعد ذلك ال‬ ‫ّ‬ ‫أعجبك الفيلم‬
‫ينبغي االنخداع‪ ،‬فالناس المقربون‪ ،‬الذين نحبهم ويحبوننا‪ ،‬هم الذين‬
‫يشكلون الجمهور األول‪ .‬وهكذا‪ ،‬حتى عندما تخطر لي فكرة‪ ،‬وتبدو‬
‫لي طريفة أو مؤثرة‪ ،‬لكنها تزعج زوجتي أو ابني‪ ،‬أتخلى عنها وال‬
‫أحاول فرضها‪.‬‬
‫‪ -‬ما أهمية الموسيقى؟‬
‫‪ -‬إنها تشكل مناخاً‪ ،‬وهذا المناخ ينبغي أن يكون غير مرئي‪ .‬كما‬
‫يمكن القول إن كل شيء في الفيلم ينبغي أن يكون ال مرئياً‪،‬‬
‫باستثناء تماهي الممثل مع الشخصية‪ .‬وكذلك هو شأن التقنية‪،‬‬
‫واللقطات‪ .‬أنا ضد الموسيقى التي تعرض نفسها كموسيقى‪ .‬فالشريط‬
‫في حد ذاته موسيقى‪ .‬إنه الموسيقى‪ .‬إن نغماً ضمن موسيقى الفيلم‬
‫يعني أن هناك موسيقاراً سيدوم‪ .‬أما إذا كان مجرد "موضة" فمصيره‬
‫االضمحالل معها‪ .‬وهذا ينطبق على السينما‪ .‬إذا كان الفيلم يساير‬
‫موضة ما‪ ،‬ندرك جيداً أنه سوف يتالشى‪.‬‬
‫‪ -‬ما النصائح التي قد يسديها كلود سوتيه إلى شاب في بداية‬
‫طريقه؟‬
‫‪ -‬أال يأخذ نفسه مأخذ الجد أبداً‪ .‬أن يتحلى بصبر ال ينفد‪ ،‬أن يعاند‪،‬‬
‫أن يكون حازماً‪ ).‬لكنني في الواقع قد ال أنصحه بشيء القتناعي‬
‫بعدم إمكانية مساعدته‪.‬‬
‫لقد تعلمت كل شيء بمفردي‪ .‬بدأت مخرجاً متواضعاً‪ ).‬ولم أكن أعمل كثيراً‪.‬‬
‫لذلك ال أستطيع إسداء النصائح‪ .‬وفي هذه المهنة ال توجد مدرسة‪ .‬إنها مسألة‬
‫طبع‪.‬‬
‫لو قال لي أحدهم‪ :‬أريد العزف على الكمان‪ .‬إذن… عليه أن يتعلم‪ .‬أو‪ :‬أريد أن‬
‫أرسم‪ .‬فليرسم! أريد أن أكتب‪ :‬فليكتب! ال يمكننا أن نساعد إال من سار خطوات‬
‫في مجاله‪.‬‬
‫لست أدري كيف ستكون السينما في المستقبل‪ .‬في السابق كنا نقول "اذهب‬
‫لمشاهدة األفالم" لكننا نعرف أن ذلك ال يكفي‪ .‬وما أكثر األشخاص الذين أدمنوا‬
‫مشاهدة األفالم يومياً لمدة أعوام ولم يتمكنوا من إنجاز فيلم واحد‪ .‬ولم يكن‬

‫‪24‬‬
‫السيد ولش يشاهد أفالماً في عصره‪ ،‬ألنه كان يصنعها‪ .‬هذا كل شيء‪ .‬إذن‪،‬‬
‫أكرر‪ ،‬ال توجد حلول جاهزة‪.‬‬

‫جان جيرو ‪Jean GIRAULT‬‬

‫‪ -‬ولد في فيلنو ‪ -‬ال ‪ -‬غراند (شامبانيا) سنة ‪ .1224‬توفي سنة ‪ .1982‬دبلوم من معهد‬
‫الدراسات السينمائية العليا‪ ).‬سيناريست‪.‬‬
‫المزودون بالبضائع (‪)1961‬؛ متعددو ِ‬
‫والحرف (‪)1962‬؛‬ ‫فيلي (‪)1960‬؛‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬الطّ ّ‬
‫فجروا المصرف (‪)1963‬؛ بويك ‪ -‬بويك (‪)1963‬؛ دركي سان‬
‫المحظوظون (‪)1962‬؛ ّ‬
‫تروبيز (‪)1963‬؛ الغوريالت (‪)1964‬؛ دركي في نيويورك (‪)1965‬؛ الدركي يتزوج (‬
‫‪)1968‬؛ جو (‪)1971‬؛ رجال شارلو في اسبانيا (‪)1972‬؛ رخصة السياقة (‪)1973‬؛ أم‬
‫أربع وأربعين تطقطق وترقص (‪)1977‬؛ أبراج الحظ (‪)1978‬؛ الدركي والقادمون من‬
‫الفضاء (‪)1978‬؛ البخيل (‪)1980‬؛ حساء الملفوف ‪ -‬في إخراج مشترك مع لويس دي‬
‫فونيس (‪)1981‬؛ الدركي والدركيات (‪.)1982‬‬
‫‪-‬جان جيرو‪ ،‬كيف بدأت موهبتك السينمائية؟‬
‫‪ -‬إنها حكاية قديمة‪ .‬عندما كنت أتابع دراسة الطب تعرفت على أصدقاء‬ ‫‪-‬‬
‫يمتهنون السينما‪ .‬وبالتدريج أصبت بالـ "فيروس"‪ .‬فبذلت كل جهودي من أجل تعاطي‬

‫‪25‬‬
‫هذه المهنة‪ .‬إنها قرارات غير قابلة للتفسير‪ ،‬إال فيما بعد‪ ،‬عندما نحاول‪ ،‬أو ندعي‪،‬‬
‫القول إنها الموهبة‪ .‬طبعاً لم يكن األمر سهالً‪.‬‬
‫كان ذلك في مرحلة ما بعد الحرب‪ .‬مررت بدورات تدريبية لمدة ثالثة أعوام‪ ،‬ومارست‬
‫جميع أنواع األنشطة المتواضعة التي تقع عادة على عاتق المتدرب‪ ،‬وكثيراً ما تكون غير‬
‫سينمائية‪ ،‬ومن شأنها أن تنفّرك من السينما إذا لم تتوافر لديك قوة اإلرادة والحب‪ ).‬لكنها‬
‫تغدو مجدية في خاتمة المطاف وتقي صاحبها من كل العواصف في مهنته‪.‬‬
‫وبذلك عملت مساعداً في عدد من األفالم التي ال يذكرها أحد‪ .‬والحال أن مثل تلك األفالم‬
‫قدر بثمن ‪-‬‬
‫هي التي تُعلّم المرء مهنته بطريقة جيدة‪ .‬فهو يتعلم قبل كل شيء ‪ -‬وهذا ال ُي ّ‬
‫ما ال ينبغي فعله‪ ،‬عندما يأتي دوره ليقف خلف الكاميرا‪ ).‬كما إن هذه الطريقة في تعلم‬
‫المهنة تسمح لك بالعمل إلى جانب أبرز المخرجين‪ .‬والدرس في منتهى الثراء‪ .‬ذلك أن‬
‫كبار المخرجين ‪ -‬وأنا متأكد بأن األمور لم تتغير منذ بداية السينما ‪ -‬ال يتركون للمتعلّم إال‬
‫أن يتخذ موقفاً‪ )،‬وال يفسحون له إال منفذاً إذا كان مولعاً حقاً‪ ):‬أن يشاهدوه يعمل‪ .‬فال تخلو‬
‫البداية من شعور بالتنغيص ‪ ،‬وربما البؤس‪ .‬وال يمكن إدراك الدرس إال عند تحمل‬
‫المسؤولية الحقاً‪ .‬إنها فرصة يتوجب على كل متمرن أن يجيد اقتناصها‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت معجب بمخرجين آخرين سبقوك‪ ،‬أو من الراهنين؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬آه! نعم‪ .‬بالكثير منهم‪ .‬ولو ذكرت أسماءهم كلها لمألت كتاباً‪ ،‬أو باألحرى‬ ‫‪-‬‬
‫"مذكرة"‪ .‬العدد أكبر من أن تتحمله مثل هذه المقابلة وأقل من أن يمأل حياة سينمائي‬
‫مولع بهذا الفن‪ .‬في فرنسا‪ ،‬وفي ما يخص مرحلة ما قبل الحرب‪ )،‬يتوجب علي أن أذكر‬
‫في البداية رونيه كلير ومارسيل كارني‪ .‬وعندما كنت شاباً أدمنت مشاهدة كل‬
‫الكوميديات األميركية التي يكون أبطالها غاري غرنت‪ ،‬وجيمس ستيوارت‪ ،‬وغاري‬
‫كوبر‪ ،‬وكالرك غيبل‪ .‬أما أفضلها) والتي حافظت على أهميتها فهي تلك التي أخرجها‬
‫فرنك كابرا وليو ماك كاري‪ .‬آه! كم تفتّح قلبي لدى عرض "لن تحمله معك" و"السيد‬
‫سميث في مجلس الشيوخ" و"نيويورك ‪ -‬ميامي"‪ ،‬و"مستر ديدس الغريب األطوار"‬
‫لكابرا‪ ،‬و"هذا الشيخ الطيب سام" لماك كاري‪ ،‬على سبيل المثال‪ .‬ذلك السينمائي الرائع‬
‫الذي عمل مساعداً لتود بروننغ وبدأ نجاحه بإدارة لوريل وهاردي‪ .‬عندما كنت في‬
‫المدرسة الثانوية‪ ،‬كثيراً ما جازفت) بالهروب من الدروس حتى ال يفوتني أي فيلم من‬
‫تلك األفالم‪.‬‬
‫‪-‬هذا يجعلك تشعر بالحنين؟‬ ‫‪-‬‬
‫الحميا لم تعد موجودة‪ .‬كان ذلك عالمي المفضل‪ ).‬وا أسفاه! لم يعد له‬
‫ّ‬ ‫‪-‬اعتقد أن مثل تلك‬
‫وجود‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪-‬ما موقفك من الممثلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫أرى أنه ال ينبغي على المخرج تنصيب نفسه أستاذاً للفن الدرامي على‬ ‫‪-‬‬
‫الممثلين‪ .‬وحتى لو فعل ذلك‪ ،‬فمن المفترض أن يكون ممثالً بدوره‪ .‬عندما أكون في‬
‫حضرة ممثلين كبار أكتفي بتقديم توضيحات حول األداء وحركة الجسد وفهم األبعاد‬
‫النفسية للشخصيات التي عليهم أن يجعلوها حية على الشاشة‪ .‬وال بد من تطبيق هذا‬
‫األسلوب بقدر من الليونة في إطار المشاهد المطلوب تصويرها‪ .‬من جهة أخرى تتعلق‬
‫التوضيحات) بتذكير الممثلين بما حدث في المشهد السابق وبما سوف يحدث في المشهد‬
‫الالحق‪ ،‬وذلك حتى التقاط الصورة األخيرة‪ .‬لقد كان مبدئي دائماً ترك الحرية للممثل‪،‬‬
‫إذا كان البد من الحديث عن مبدأ‪ ،‬ألنني أكره كل ما هو منهجي‪.‬‬
‫هل تعتبر التقنية مسألة أساسية؟‬ ‫‪-‬‬
‫أحب أن يظهر كل شيء منطقياً أثناء‬
‫ال ينبغي أن تستعبدنا التقنية‪ .‬مع ذلك ّ‬ ‫‪-‬‬
‫البث‪ ).‬فال بد أن تكون الصورة جميلة‪ ،‬وكذلك الديكور‪ .‬فهناك الكثير من التفاصيل‬
‫الصغيرة‪ ،‬وعلى جميع المستويات‪ ،‬مما يحس به الجمهور‪ ،‬فضالً عن اهتمامه بالحكاية‬
‫المروية وبمهارة الممثلين‪.‬‬
‫ما هو الفيلم الناجح في نظرك؟‬ ‫‪-‬‬
‫أظ ّل مقتنعاً بأن نجاح الفيلم يعني أن المخرج قد أجاد اختيار ممثليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫على ذكر الممثلين‪ ،‬من منهم ترك لديك ذكريات جيدة‪ ،‬أو َمن الذين تعتبرهم‬ ‫‪-‬‬
‫من أفضل المتعاونين معك؟‬
‫كيف أجيب وقد عملت مع ممثلين من أمثال لويس دي فونيس‪ ،‬وبرنار بلييه‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفرنسيس بالنش‪ ،‬وجيرار ساتي‪ ،‬وداري كول‪ ،‬وبيار مودندي‪ ،‬وفرنسوا بيرييه‪،‬‬
‫وميشال كاالبرو‪ ،‬وجان لوفيفر‪ ،‬وأندريه لوغيه… أال يكون من األفضل أن يعبروا‪،‬‬
‫هم‪ ،‬عن آرائهم تجاهي؟‬
‫أعتقد‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬أن تنوع شخصيات الممثلين هو ما يحدد أسلوب الشريط الذي يعالجه‬
‫المخرج‪ .‬ومن الطبيعي‪ ،‬بل ومن المنطقي‪ ،‬والحال هذه‪ ،‬أن يضع الممثل شروطاً قبل‬
‫المشاركة في أي فيلم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تهتم بالجمهور؟ وأي شكل يتخذ هذا االهتمام‪ ،‬إذا كانت اإلجابة باإليجاب؟‬
‫طبعاً‪ ،‬طبعاً! أهتم كثيراً بالجمهور الذي يمكنه جعل الفيلم يدوم في القاعات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫واهتمام الجمهور بالفيلم ‪ -‬بعيداً عن المسألة المادية ‪ -‬هو أسمى مكافأة تقدم للسينمائي‪.‬‬
‫يكف عن التفكير‬
‫والبد من القول إن كل سينمائي يحترم نفسه‪ ،‬يفكر في الجمهور‪ ،‬وال ّ‬
‫فيه‪ ،‬والسيما إذا كان متخصصاً في الكوميديا‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ففي الكوميديا‪ ،‬أو الشريط المعلن عنه باعتباره مضحكاً وطريفاً‪ ،‬إذا لم يضحك الناس‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يعني خسارة كل شيء‪ ،‬بما في ذلك شرف المخرج‪ ،‬ومن دون نسيان شهرة الممثلين‬
‫الذين لن يغفروا ذلك للمخرج‪ ،‬تماماً كما يفعل المتفرجون‪ .‬أما في األفالم الثقافية‪ ،‬بهذه‬
‫الدرجة أو تلك‪ ،‬ففي إمكان الجميع الذهاب إلى الصيد والعودة بما يرغبون في الحصول‬
‫عليه منه‪ .‬أنا أقدم أفالماً إلى جمهور يرغب في الضحك والتسلية واالسترخاء‪ .‬وينتظر كل‬
‫شيء من التسعين دقيقة التي يستغرقها عرض الشريط‪ .‬بالنسبة إلينا‪ ،‬نحن مخرجي‬
‫خيم الصمت‪ ،‬يكون الحكم قاسياً‪ ،‬وربما إلى األبد‪.‬‬
‫الكوميديا‪ :‬إما الضحك أو الصمت‪ ).‬فإذا ّ‬
‫ما طريقتك‪ ،‬في كل مرة‪ ،‬لتقديم ما يثير الضحك؟‬ ‫‪-‬‬
‫إنها طريقة بسيطة‪ ،‬في خط مستقيم‪ ،‬مثل حالة بهلوان السيرك الذي ال يستطيع‬ ‫‪-‬‬
‫سوى وضع رجل أمام أخرى وهو يتقدم على الحبل‪ ،‬مخاطراً بالسقوط‪.‬‬
‫هل توجد‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬وصفة سحرية؟‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل وصفة في اعتقادي هي أن تبدأ بنفسك‪ ،‬وتتساءل عما إذا كان ما تقدمه‬ ‫‪-‬‬
‫يضحكك ويسليك‪.‬‬
‫ما هي‪ ،‬انطالقاً من تجربتك‪ ،‬مواصفات المخرج الكوميدي؟‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان متشائماً بطبعه فال حاجة به إلى الخوض في هذا النوع من األفالم‪ .‬ال‬ ‫‪-‬‬
‫يمكنني إيجاد مثال أفضل من لويس دي فونيس‪ .‬فإذا ضحك وهو على "البالتوه" يمكننا‬
‫التأكد بأن الجمهور سوف يضحك في القاعات‪ .‬أهم مبدأ في السينما التي أنجزها هو‬
‫معرفة كيفية التسلي والضحك من مواقف الحياة المتعاقبة‪.‬‬
‫تكن محبة خاصة ألحد أفالمك؟‬
‫هل ّ‬ ‫‪-‬‬
‫"جو"‪ .‬ألنه الفيلم الذي أنا بصدد إنهائه حالياً‪ ).‬فهو يذكرني كثيراً بـ‬
‫بالتأكيد ُ‬ ‫‪-‬‬
‫"بويك ‪ -‬بويك"‪ .‬وهو عبارة عن كوميديا مقتبسة من مسرحية‪ .‬ومع أن البعض يزعم‬
‫بأن نقل المسرحيات إلى الشاشة ال يقدم أفالماً بصرية ناجحة‪ ،‬فأنا أظل مصراً على‬
‫التوصل إلى إيجاد إيقاع جديد ضمن السيناريو المقتبس من‬
‫ّ‬ ‫العكس‪ .‬طبعاً‪ ،‬البد من‬
‫قدم اإليقاع عبر تعاقب الفصول‪ )،‬وهو ما ال نراه في المسرح‪.‬‬
‫المسرحية‪ .‬ففي المسرح ُي ّ‬
‫وعلينا أن ُنظهره وأن ننقله إلى الشاشة‪ .‬يتطلب األمر تحويل الكلمة إلى صورة‪.‬‬
‫ما عسى يكون حلمك‪ ،‬طموحك األكبر؟‬ ‫‪-‬‬
‫أن أكون منتج أفالمي‪ ،‬ويكفي أن يتحقق ذلك مرة أو مرتين‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ما زلت أحلم‪ ،‬منذ مدة طويلة‪ ،‬بإخراج شريط مع الممثل الذي يستطيع دائماً أن ُيضفي‬
‫قيمة خارقة على الشخصية التي يؤديها‪ :‬لينو فونتورا‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫جان ‪ -‬شارل تاكيال ‪Jean - Charles TACCHELLA‬‬

‫ولد في شربورغ يوم ‪ 25‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪ .1925‬عمل ناقداً في مجلة "الشاشة‬ ‫‪-‬‬


‫الفرنسية" منذ ‪ .1945‬أسس مع أندريه بازان مجلة "أوبجكتيف ‪ ،"49‬رئيس تحرير‬
‫‪ .Cine - Digest‬عمل في السيناريو واالقتباس مع كل من إيف سيامبي‪ ،‬ميشال‬
‫بوارون‪ ،‬جيرار أوري… وذلك بعد أن عمل سيناريست لصالح ليونيد موغي‪ .‬مؤلف‬
‫مسرحيات‪ ،‬ومسلسالت تلفزيونية (تحيا الحياة)‪.‬‬
‫‪ -‬أخرج أول شريط قصير (‪ )1970 - 1969‬بعنوان "الشتاءات األخيرة"‬ ‫‪-‬‬
‫(جائزة جان فيغو ‪ )1971‬وأخرج شريطاً قصيراً ثانياً سنة ‪ 1972‬مع روفوس بعنوان‬
‫"نهار جميل" وأعقب ذلك‪ :‬رحلة في بالد التتر (أول شريط طويل ‪)1973‬؛ ابن العم‬
‫وابنة العم (جائزة لويس ديلوك ‪ ،1976‬ثالث أوسكارات في هوليود)؛ البالد الزرقاء) (‬
‫‪)1977‬؛ أحبك منذ زمن طويل (‪)1979‬؛ التهم الحياة (‪)1981‬؛ الدرج س (‪)1984‬؛‬
‫)‪ Travelling avant (1987‬سيدات مستهترات (‪)1990‬؛ رجل حياتي (‪)1992‬؛‬
‫كل األيام يوم أحد (‪.)1994‬‬
‫متى وكيف بدأ شغفك بالسينما؟‬ ‫‪-‬‬
‫بدأ ذلك مبكراً جداً‪ ،‬أعتقد في الثانية عشرة‪ ،‬أو الثالثة عشرة من عمري‪ .‬كانت‬ ‫‪-‬‬
‫السينما وال تزال هروباً بالنسبة لي‪ .‬إذ كنت أهرب حتى من نفسي بالذهاب لمشاهدة‬
‫أفالم يومياً‪ .‬إن مشاهدة األفالم هي رغبة في مغادرة الحياة الشخصية والتعلق بشيء‬
‫آخر‪ .‬وجدت مصاعب كثيرة في التعود على قواعد الحياة ‪ .‬هكذا بدأ ولعي بالسينما بل‬
‫يمكنني تحديد تلك اللحظة‪ :‬أثناء خروجي من مشاهدة شريط بعنوان "مغامرات ماركو‬
‫بولو" لجون فورد‪ ،‬قلت لنفسي‪" :‬أريد أن أصير مخرجاً!") صرت أخرج من المدرسة‬
‫وألتحق بقاعات السينما حتى حلول الليل‪ .‬ورغم العقوبات وانتقالي من مدرسة إلى‬
‫مدرسة فقد وجدت من بين المدرسين َم ْن كان يسجلني حاضراً) في الصف كي يخلص‬
‫من مشاكلي‪ .‬أثناء تحرير فرنسا انتقلت إلى باريس‪ .‬حاولت العمل معاوناً لجاك بيكر‬
‫الذي وعدني بذلك‪ .‬لكن ذلك لم يحصل‪ .‬ويبدو أن عمل المساعد يتطلب مواصفات‬
‫خاصة‪ .‬فاضطررت إلى التقدم لبعض الصحف كي أتمكن من العيش‪ .‬وكانت "الشاشة‬
‫الفرنسية" مجلة أسبوعية حديثة العهد بالصدور فقُبلت للعمل فيها وكتبت أولى مقاالتي‬

‫‪29‬‬
‫اإلعالمية عن "قانون اللعبة" لجان رينوار‪ ،‬لدى ظهوره في القاعات‪ ).‬بعد ذلك حاولت‬
‫العمل في السيناريو من دون جدوى‪.‬‬
‫في تلك المرحلة راجت موجة السينما الجديدة‪ .‬ولفّني النسيان‪ .‬وفي العام ‪ 1962‬انقطعت‬
‫تماماً عن محاوالت كتابة السيناريو إال للتلفزيون ومن دون ذكر اسمي الصريح‪ .‬وذلك‬
‫لكي أتمكن من العودة إلى المهنة كمخرج‪ .‬وهو ما فعلته ابتداء من ‪.1970 - 1969‬‬
‫إذن فقبل مرحلة السينما تعاطيت الكتابة؟‬ ‫‪-‬‬
‫بدأت بكتابة السيناريو لصالح غيري‪ .‬كما أعدت كتابة بعض المشاهد في فيلم‬ ‫‪-‬‬
‫ليونيد موغي "غداً يصير الوقت متأخراً جداً" بعد مرور سنوات‪ )،‬وتحديداً سنة ‪1954‬‬
‫الجدية تمثلت في "تعب‬
‫انطلقت انطالقتي الحقيقية في كتابة السيناريو‪ .‬وأولى تجاربي ّ‬
‫األبطال" للمخرج إيف سيامبي‪.‬‬
‫ومررت بمرحلة تقاعد؟‬ ‫‪-‬‬
‫نعم‪ ،‬بدأت منذ ‪ .1960‬يئست من السينما‪ .‬اشتريت بيتاً قديماً في الجنوب‪ .‬ولم‬ ‫‪-‬‬
‫أنقطع عن مشاهدة األفالم ألنني عنيد‪ ،‬فلم أنفك أفكر في التحول إلى اإلخراج‪).‬‬
‫وهل تطور إعجابك الفني؟‬ ‫‪-‬‬
‫ظل كما كان إجماالً‪ .‬أي أنني ظللت معجباً بكل ما أحببته بين ‪ 1945‬و‬ ‫‪-‬‬
‫‪ :1950‬الفيلم األسود‪ ،‬الكوميديا الموسيقية األميركية‪ ،‬أورسن ويلز‪ ،‬وكل السينما‬
‫األمريكية الجديدة في مرحلة ما بعد الحرب‪ .‬والشك أنني لم أكن ناقداً سينمائياً حقيقياً‪،‬‬
‫يمكن القول إنني كنت مجرد صحفي سينمائي‪ .‬ولو لم أتوصل إلى إنجاز شريطي األول‬
‫الخترت أن أكون مؤرخاً للسينما‪.‬‬
‫وبمن أنت معجب؟‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل الذين يبرهنون على بساطة في التعبير‪ ،‬أولئك الذين يتمكنون من إضفاء)‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الروعة على األشياء البسيطة إلى درجة رفعها إلى مستوى الملحمة‪ .‬ويمكنني ذكر‬
‫لوبيتش‪ ،‬أوزو‪ ،‬بورزاج‪ ،‬وفي فرنسا‪ :‬فيغو‪ ،‬رينوار‪ ،‬تاتي‪.‬‬
‫إن اإلعجاب يعني التعلم أيضاً‪ .‬أذكر مثالً الكثافة االنفعالية للكادر عند غريفيت‪ .‬وعلى‬
‫العكس منه نجد أن األهم هو ما يكون خارج الكادر عند لوبيتش‪ .‬وبالنسبة إلى أوزو‬
‫تعجبني العالقات بين الشخصيات‪).‬‬
‫وفي سينما اليوم يعجبني مخرجون من أمثال روبير ألتمان وجون كاسافتس وبوب‬
‫رافلسون‪.‬‬
‫من يجذبك إلى مشاهدة فيلم‪ :‬اسم الممثل أم المخرج؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪30‬‬
‫رغم إعجابي بعدد من الممثلين فإن اسم المخرج هو الذي يحثني على مشاهدة‬ ‫‪-‬‬
‫أدون أسماء المخرجين في دفتر خاص‪.‬‬
‫الفيلم‪ .‬ومنذ سن الثانية عشرة كنت ّ‬
‫هل لعبت المكتبة السينمائية الفرنسية (السينماتيك) دوراً مهماً في شغفك‬ ‫‪-‬‬
‫بالسينما؟‬
‫طبعاً‪ .‬فبعد التحرير‪ ،‬عندما انتقلت إلى باريس كصحفي‪ ،‬كنا نذهب جماعة مع‬ ‫‪-‬‬
‫أندريه بازان لمشاهدة كالسيكيات السينما التي فاتتنا مشاهدتها‪ .‬وكنا نشاهد من أربعة‬
‫النغلوا بين ‪ 1946‬و ‪.1947‬‬
‫َ‬ ‫إلى خمسة أفالم أسبوعياً‪ ،‬بتقديم من هنري‬
‫ما هي أولى تجاربك كمخرج؟‬ ‫‪-‬‬
‫كان ذلك في إخراج فيلم قصير بعنوان "الشتاءات األخيرة" وكنت قد كتبته منذ‬ ‫‪-‬‬
‫علي دفع الديون التي‬
‫عشرة أعوام قبل التوصل إلى إخراجه‪ .‬وفي األثناء توجب ّ‬
‫علي بسبب فيلم لم أتمكن من إخراجه أيضاً‪ ).‬وتمكنت من تسديد تلك الديون‬
‫تراكمت ّ‬
‫بكتابة ما يعادل مئة وعشرين ساعة بث للتلفزيون! حصل الفيلم على جائزة جان فيغو‬
‫سنة ‪ ،1971‬والجائزة الثانية في مهرجان شيكاغو‪ ،‬كما حصل على إحدى جوائز‬
‫بدأت أفرض نفسي كمخرج‪.‬‬
‫مهرجان كاركوفي في بولندة‪ ،‬خالل العام نفسه‪ .‬وهكذا ُ‬
‫عندما تكون منشغالً بكتابة سيناريو‪ ،‬هل يكون الممثلون حاضرين في ذهنك؟‬ ‫‪-‬‬
‫في البداية أكتب قصة من دون التفكير في الممثلين‪ .‬وثمة استثناء وحيد حدث‬ ‫‪-‬‬
‫عندما كتبت "أحبك منذ زمن طويل" خصيصاً لجان كارميه‪ .‬بعد الصياغة األولى‬
‫للسيناريو أبدأ بالبحث عن الممثلين وعن المنتج‪ .‬وعند العثور عليهم أعود إلى‬
‫السيناريو فأعيد كتابته حسب األشخاص الذين سأتعامل معهم‪.‬‬
‫وتظل امكانية التحوير قائمة مع الممثلين حتى أثناء التصوير‪ ،‬مع المحافظة على الخطوط‬
‫العريضة للسيناريو‪ .‬وذلك من دون االستسالم لالرتجال‪ .‬وهذا ما يعجبني في السينما‬
‫األميركية‪ :‬التلقائية في قول األشياء ببساطة‪ ،‬مع الجدوى والحيوية‪ ،‬في وقت مختزل‪.‬‬
‫والحال أن السينما عندنا تعاني من الثرثرة‪.‬‬
‫ومن أين جاءت هذه الظاهرة حسب رأيك؟‬ ‫‪-‬‬
‫بدأت في الستينات مع سينما المؤلف‪ .‬في المقابل أجد أن شريطاً مثل "ذهب مع‬ ‫‪-‬‬
‫الريح" هو في منتهى القصر‪ ،‬وكان يمكن أن يكون أفضل لو تم تمديده ساعتين‬
‫إضافيتين‪ .‬لكن‪ ،‬ال ينبغي أن ننسى وجود برنامجين في تلك المرحلة‪ ،‬إذ كان يتم إعداد‬
‫مدته ساعة وعشر دقائق‪ .‬وقبل ‪ 1940‬لم يكن يوجد أي‬
‫فيلم مدته ساعة ونصف‪ ،‬وآخر ّ‬
‫فيلم يتجاوز هذا التوقيت‪ ،‬باستثناء بعض أعمال إيريك فون ستروهيم زمن السينما‬

‫‪31‬‬
‫فجروا هذا النسق‪ .‬وكان البد من تفجيره‬
‫الصامتة‪ .‬فيما بعد كان كيوبريك من أول الذين ّ‬
‫ألنه صار اعتباطياً‪ .‬لكن المؤسف أننا سقطنا في اإلفراط المعاكس‪.‬‬
‫ما طريقتك في العمل مع الممثلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫ندرك بسرعة أن الممثلين مختلفون عن بعضهم بعضاً‪ .‬وال توجد طريقة‪ .‬لذلك‬ ‫‪-‬‬
‫أسلك مع كل واحد بأسلوب مختلف‪ .‬لكن تبقى هناك قواعد البد من تطبيقها‪ .‬فال ينبغي‬
‫فسرت‬
‫مثالً تفسير المشهد تفسيراً سيكولوجياً للممثل‪ .‬فهو أيضاً يبحث عن المتعة‪ .‬فإذا ّ‬
‫له المشهد سعى إلى إرضائك‪ .‬إن أفضل الممثلين هم أولئك المتحلون بثراء المخيلة‪.‬‬
‫وأنا أحلم دائماً بأن يتوصل الممثلون إلى اكتشاف أشياء تفوتني رؤيتها‪ .‬وذلك من أجل‬
‫إثراء الشخصيات واألدوار‪ ،‬والفيلم بشكل عام‪.‬‬
‫ما يفرحني أكثر في إنجاز األفالم هو معرفة موقع الكاميرا والتقطيع التقني والعالقة‬
‫يتلخص في كل ذلك‪.‬‬
‫بالممثلين‪ .‬حتى إنني أعتقد بأن اإلخراج ّ‬
‫ما هي أجمل لحظات اإلخراج لديك؟‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل التصوير‪ ،‬حيث يطرأ دائماً أمر ما‪ ،‬مهما خططنا لكل شيء‪ .‬لكن من‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫األفضل االلتزام بما تخيلناه‪ ،‬وبالصور التي نحتفظ بها في رأسنا‪ ،‬وعدم االستسالم‬
‫لبعض مقترحات التقنيين‪ ،‬حتى ال نندم الحقاً‪ ).‬فاآلخرون ال يستطيعون تقديم مساهماتهم‬
‫إال داخل الكادر‪ .‬فما داموا أمام الكاميرا يستطيعون إيجاد أشياء جديدة تضفي قيمة‬
‫على ما فكرت فيه‪ .‬أما بالنسبة للكاميرا فالمخرج) هو أفضل من يدرك موقعها‪ .‬والحقيقة‬
‫أن المخرج يوجد وحيداً‪ ،‬وحيداً تماماً‪ ،‬على مستوى الكتابة السينماتوغرافية‪.‬‬
‫عندما تنتهي من إخراج فيلم‪ ،‬هل تتحرر منه بسهولة؟‬ ‫‪-‬‬
‫في موازاة إطالق الفيلم أنشغل بأفكار أخرى‪ .‬وهي تتعلق عادة بأفكار‬ ‫‪-‬‬
‫سيناريوهات تنضج في رأسي منذ أعوام‪ .‬وعندما أجد المفتاح) أكتب بسرعة‪ .‬بالنسبة‬
‫لفيلم "رحلة في بالد التتر" وجدت الفكرة في ليلة واحدة وكتبت الموضوع بسرعة‪ .‬وفي‬
‫حالة "ابن العم وابنة العم" فكرت في الموضوع خمسة أو ستة أعوام قبل التوصل إلى‬
‫الصيغة النهائية‪ .‬وكذلك كان شأن ِ"اْلتهم الحياة"‪.‬‬
‫أبحث دائماً عن التجدد وعدم تكرار نفسي‪ ،‬وأرغب اآلن في التوجه إلى فيلم المغامرات)‬
‫والملحمة‪ .‬أذكر جملة أحبها كثيراً على لسان جون فورد‪" :‬عندما ننتقل إلى الملحمة ال‬
‫يمكننا الوقوع في الخطأ" أجد ذلك رائعاً‪ .‬الملحمة هي مبرر وجود السينما‪ .‬لقد انشغلت‬
‫تشدني الملحمة‪ .‬بالمقابل ال يمكن ألي فيلم أن يكون‬
‫بسينما النظرة‪ ،‬أو وجهة النظر‪ ،‬واآلن ّ‬
‫ذا فائدة‪ ،‬إذا لم يتعرض إلى حياتنا اليومية وإ لى كل ما نجتازه في إطار مجتمعنا المعاصر‪).‬‬
‫هل تهتم بسينما اآلخرين أثناء انشغالك باإلخراج؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪32‬‬
‫إنها مسألة وقت‪ .‬ويمكن أن أشاهد بعض األفالم في أوج عملي‪ .‬وألنني أدرك‬ ‫‪-‬‬
‫ما أريد عمله فإن الذهاب لمشاهدة أحد أفالم كيوبريك‪ ،‬مثالً‪ ،‬أو كوبوال‪ ،‬لن يجعلني‬
‫أغير طريقة إخراجي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبالنسبة للتقنية‪ ،‬هل تعتبرها ضرورية مطلقاً؟‬ ‫‪-‬‬
‫أعتقد أن التقنية هي ما نتعلمه من اآلخرين‪ ،‬هي ما ال نعرفه‪ .‬أما أساس هذه‬ ‫‪-‬‬
‫التقنية فيتم الحصول عليه بسرعة كافية‪ ،‬هي ما يستغرقه إخراج أول شريط قصير‪ .‬وال‬
‫يتم التحسن تقنياً إال عبر ما نريد قوله‪ .‬وفي هذا المجال ال تنفع النصائح والوصفات‬
‫التقنية التي يقدمها لك اآلخرون‪ .‬أهم ما في األمر هو الموضوع‪ .‬والبد من إبداء الحذر‬
‫إزاء التقنيين أثناء التصوير‪ ،‬ألنهم يميلون إلى إعادة ما قاموا به مع مخرجين سابقين‪.‬‬
‫وما سبق فعله هو األسهل دائماً‪.‬‬
‫هل كان بإمكانك العمل وفق الطلب‪ ،‬على طريقة السينمائيين االميركيين في‬ ‫‪-‬‬
‫عصرهم الذهبي؟‬
‫لقد حلمت بذلك‪ .‬وكثيراً ما تحاورت حول هذه المسألة مع السينمائيين‬ ‫‪-‬‬
‫األميركيين الكبار بين ‪ 1930‬و‪ .1940‬كانت أمامهم خيارات أكثر مما نتصور‪.‬‬
‫وكانوا يعملون ضمن فريق عمل منظم يشمل السيناريو الجاهز والذي يمكن تحويره‬
‫الحقاً كما يشمل وجود المنتجين المتفهمين‪ .‬أما اليوم فقد بات الطلب يتعلق بإعادة إنتاج‬
‫األنماط الجاهزة نفسها‪ .‬ولم يعد ذلك مطروحاً‪ ،‬ال في فرنسا وال في أمريكا‪ .‬فال وجود‬
‫لمنتجين حتى في الواليات المتحدة االميركية‪ .‬وأولئك الذين يطلق عليهم اسم‬
‫‪ Producers‬يخطئون كثيراً وال يتمكنون من المراهنة على أفالم جيدة دائماً‪ .‬أما في‬
‫فرنسا فلم يعد يوجد منتجون بل أناس جالسون خلف مكاتبهم ينتظرون من يأتي ليعرض‬
‫عليهم أفالمه‪ .‬لم يعودوا يهتمون بالبحث عن ممثلين‪ .‬البد أن يقدم لهم كل شيء على‬
‫طبق من فضة‪ .‬ال أجد ذلك وضعاً طبيعياً أو انه يتوجب على المخرج أن يعمل منتجاً‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬وهذا بدوره أمر غير طبيعي أكثر‪ .‬وما أكثر المخرجين الذين ضحوا‬
‫بمهنتهم في اإلخراج بسبب تحولهم إلى منتجين‪.‬‬
‫ما رأيك في مدارس السينما؟‬ ‫‪-‬‬
‫من األفضل اإلدمان على مشاهدة األفالم‪ ،‬والتعمق في دراسة التقطيع التقني‬ ‫‪-‬‬
‫لدى السينمائيين الكبار‪ ،‬وخاصة هيتشكوك‪ .‬لقد تم تحريف المسألة من قبل النقد الذي ال‬
‫يدرس سوى الموضوعات (الثيمات) ويهمل الكتابة السينمائية‪ .‬حتى ان أندريه بازان‬
‫كان يقول دائماً "البد من كتابة تاريخ التقطيع التقني للمشاهد السينمائية" وثمة إهمال‬
‫أيضاً لدراسة الدراماتورجيا السينمائية‪ .‬فمن هو المخرج؟ إنه مالك اإلحساس بالصور‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫تدرس هيتشكوك من خالل "ثيماته" من دون‬
‫والحال ان مدارس السينما الراهنة ّ‬
‫التعرض إلى طريقته في وضع الكاميرا‪).‬‬
‫ما مدى اهتمامك بالجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫أثناء العمل ال أفكر في الجمهور بل أهتم بالتعبير عن ذوقي الخاص‪ .‬هذا‬ ‫‪-‬‬
‫الجمهور يقدم لي الكثير على المستوى المعنوي‪ .‬لذلك البد من عدم تجاوز المسائل‬
‫األخالقية‪ .‬على صعيد السيناريو أسعى دائماً إلى إيجاد توازن بين األدوار الرجالية‬
‫واألدوار النسائية‪ .‬وال أركز الكاميرا على األدوار الرئيسية وحدها كما يجري في‬
‫األفالم الفرنسية الرديئة‪.‬‬
‫ما األقرب إليك من بين أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫عم يبحث المخرج؟ عن إدراك لحظات صدق‪ .‬أعرف ما أحبه في كل فيلم من‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫أفضله على غيره‪.‬‬
‫أفالمي‪ .‬لكنني ال أستطيع القول إن هناك فيلماً ّ‬
‫ما هي أمنيتك اإلبداعية؟‬ ‫‪-‬‬
‫حالياً‪ ،‬أنجز شريطاً كل عامين‪ .‬وأتمنى التوصل إلى وتيرة فيلم كل عام‪ ،‬أو كل‬ ‫‪-‬‬
‫عام ونصف العام‪ ،‬على األقل‪ .‬وأود االنتقال إلى شكل حكائي آخر‪ :‬سينما المغامرات‪،‬‬
‫وربما السينما الملحمية‪ ،‬من دون التخلي عن الرقة والعاطفة‪.‬‬
‫ما األسباب العميقة وراء تحولك إلى مخرج؟‬ ‫‪-‬‬
‫عايشت السينما منذ سن الحادية عشرة‪ .‬فصار حلمي أن أصنع فيلماً‪ .‬وال‬ ‫‪-‬‬
‫تهمني السينما إال إذا تضمنت ما أدعوه "نصيب الملك" أي الحلم‪ )،‬المثري للروح‪ .‬ولهذا‬
‫أرفض الواقعية في أفالمي‪ ،‬كما أتحاشى النزعة الطبيعية‪ .‬إن حياتنا تتشكل من مزيج‬
‫ثري يجمع بين األحالم والواقع‪ .‬أما أنا فأفضل الحلم الذي يجري التعبير عنه في‬
‫الحوار أيضاً‪ ).‬علينا أن نتذكر تلك الحوارات التي وضعها بريفير وبانيول وغيتري‪ .‬أنا‬
‫أصنع أفالماً ألولئك الباحثين عن الهروب من الحياة اليومية‪.‬‬
‫في‪:‬‬
‫الحرية هي الحلم‪ ).‬وينبغي التعبير ببساطة‪ .‬هناك جملة لهنري ميلر تركت أثرها ّ‬
‫"عندما أسعى إلى الغموض أصير قابالً للفهم بسرعة"‪.‬‬

‫كلود بينوتو ‪Claude PINOTEAU‬‬


‫‪34‬‬
‫ولد سنة ‪ .1925‬ابن لوسيان بينوتو‪ ،‬أشهر "ريجيسير" في السينما الفرنسية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكان رئيساً لجمهورية مونمارتر أيضاً‪ .‬كما أن شقيقه جاك بينوتو كان مخرجاً بدوره‬
‫لعدة أفالم (كانوا خمسة ‪ ،1951‬دراجة بثالثة مقاعد‪،1957‬المحظوظون‬
‫‪،1962‬العنيدون ‪ )1964‬وكانت أخته آرليت ميري ممثلة ("الرجل ذو القبعة‬
‫المستديرة" مع ريمو)‪.‬‬
‫الصامت (‪ )1972‬مع لينو فونتورا‪ .‬الحفلة (‪)1981‬؛ الحفلة ‪)1982( 2‬؛‬ ‫‪-‬‬
‫الطالبة (‪)1988‬؛ مع صوفي مارسو‪ .‬الصفقة (‪)1974‬؛ رجل كبير الجثة (‪)1977‬؛‬
‫الرجل الغاضب) (‪)1978‬؛ الهدف السابع (‪)1984‬؛ الثلج والنار (‪)1990‬؛ ‪Cache-‬‬
‫)‪.cash(*) (1993‬‬
‫كلود بينوتو‪ ،‬كيف بدأت موهبتك السينمائية؟‬ ‫‪-‬‬
‫عشت طفولة رائعة‪ .‬في سن التاسعة كنت محاطاً بصديقات صغيرات في‬ ‫‪-‬‬
‫سني‪ .‬سحرتني رفقتهن وحبي لهن‪ ،‬فقررت أن أصير مخرجاً لهن‪ .‬وثمة دوافع أخرى‪:‬‬
‫كنت أحب الطبيعة‪ ،‬وأكتب الشعر‪ ،‬وأعشق الموسيقى‪ ،‬والرسم‪ .‬أدركت مبكراً وجود‬
‫أسباب كثيرة للتعلق بالحياة‪ .‬وهكذا حافظت على هذه النظرة قدر استطاعتي‪ .‬وما أن‬
‫أتيحت لي فرصة إنجاز فيلم حول الطفولة حتى انقضضت عليها‪ .‬وقررت أن يكون‬
‫جامعاً بين االبتسامة والمغامرات‪ ).‬فعلينا أال ننسى مقولة الفيلسوف ألن‪" :‬االبتسامة هي‬
‫الضحك) وقد بلغ الكمال"‪ ).‬في طفولتي طالعت واحداً وعشرين مجلدا للكاتب جول فيرن‪،‬‬
‫كما كان شارلي شابلن يفتنني‪.‬‬
‫وهذا ما ألهمك فيلماً من بطولة طفلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫بالنسبة لفليلم "‪ )*("cache - cash‬هناك أيضاً تأثيرات مطالعتي في مرحلة الشباب‪ :‬مارك‬
‫مر زمن طويل على إقامتي في "الجزيرة الغريبة"‬
‫توين‪ ،‬جاك لندن‪ ،‬روبير لويس ستيفنسون‪ّ .‬‬
‫فشعرت بحنين العودة إليها‪ .‬والشك أن التعلق بأحد كتب المغامرات) يثير في النفس طريقة ما‪،‬‬
‫إلخراجه خيالياً‪ .‬كانت طفولتي سحرية‪ .‬أما فترة الشباب فلم تكن سهلة جداً‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫مزاجي القريب إلى حب العزلة فإنني لم أنقطع عن االفتتان بالحياة‪).‬‬
‫ـــــــــــــــ‬

‫‪ -‬في هذا العنوان تالعب بكلمتي ‪ cache‬التي تعني غميضة أو مخبأ‪ ،‬و‪ :cash‬نقداً‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ما هي أول دهشة سينمائية حدثت لك؟‬ ‫‪-‬‬


‫‪35‬‬
‫ربما كنت في سن الثامنة أو التاسعة عندما شاهدت شريط "الثلجة البيضاء‬ ‫‪-‬‬
‫واألقزام السبعة"‪ .‬وفي نهاية العرض ذهبت إلى عاملة الجلوس في القاعة ألسألها عن‬
‫المدخل إلى قاعة الفنانين كي أطلب توقيعاً (أوتوغراف) من الثلجة البيضاء‪).‬‬
‫كيف تدير أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫أول ما أحرص عليه هو خلق أجواء ودية على "البالتوه"‪ .‬أحب محبة اآلخرين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أثناء تصوير "كاش ‪ -‬كاش" مع األطفال‪ ،‬كنا نقضي ربع ساعة كل صباح في تبادل‬
‫القبالت‪ ).‬وبشكل عام إذا ارتكبت حماقة على "البالتوه" أكتفي بالصمت‪ .‬فيفهم الجميع‪.‬‬
‫ويشعر المذنب بالعقوبة أشد وطأة عندما نسكت‪ .‬عندما أعمل مع األطفال أحرص على‬
‫أن يشعروا وكأنهم في عطلة جميلة أثناء التصوير‪.‬‬
‫ما هو أهم فيلم أثّر فيك‪ ،‬ومثّل فيه أطفال بإخراج غيرك؟‬ ‫‪-‬‬
‫"ليلة الصياد" لشارل لوغتون‪ .‬الكبار آلهة مؤقتة بالنسبة لألطفال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ما لحظات اإلخراج التي تفضلها؟‬ ‫‪-‬‬
‫قال جان كوكتو‪" :‬يحدث أن يأتي فيلم‪ ،‬ويمسك بك من يدك‪ ،‬ويسحبك إليه حقاً"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تلك هي اللحظة السحرية‪ .‬آنذاك نشعر بأن الفيلم في حد ذاته يريد أن يكون‪.‬‬
‫متى قررت أن تصير مخرجاً؟‬ ‫‪-‬‬
‫كان والدي من أهل المهنة أصالً‪ .‬فكنت‪ ،‬وأنا طفل‪ ،‬أمضي أيام الخميس برفقته‬ ‫‪-‬‬
‫في االستديو‪ ،‬ما بين البروجكتورات والكاميرات وكان والدي يشرف أيضاً على زاوية‬
‫من صفحة كاملة في مجلة "من أجلكم" (‪ )Pour Vous‬وكان عنوان الزاوية "بينوتو‪،‬‬
‫ملك الريجيسيرات" كان تقنياً يمكن للجميع أن يطلبوا منه كل شيء‪ .‬وشعاره الدائم "ال‬
‫يوجد مستحيل" فلو طٌلب منه فيل أبيض ألحضره في بضع ساعات‪ .‬ذات يوم أحضر‪)،‬‬
‫إوزات فجاء‬
‫أثناء اإلخراج في البتي ‪ -‬باليه‪ ،‬أسداً في سيارة أجرة‪ .‬وطُلب منه إحضار ّ‬
‫مدمى اليدين من مناقيرها‪ .‬وذات مرة نقل كل أثاث بيتنا ليستخدم كديكور في أحد‬
‫بها ّ‬
‫األفالم‪ ،‬ألن المكلف بإحضار الديكور األول أصيب بمرض مفاجئ‪.‬‬
‫لقد تعرفت أثناء ذلك على جان غابان‪ ،‬موريس شوفالييه‪ ،‬ميشال سيمون‪ ،‬لويس جوفيه‪،‬‬
‫أحمر خجالً عندما يقدمني أبي إلى أحدهم فيقول لي مصافحاً‪" :‬هل تعرف‬
‫ريمو… وكنت ّ‬
‫الفتي هو جواز سفري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن لك أباً رائعاً؟" كان عمري‬
‫كيف تجسدت في ذهنك فكرة إنجاز أفالم شخصية؟‬ ‫‪-‬‬
‫حين تحين فرصة أتخلص من دفاتر المدرسة كي أذهب لمشاهدة فيلم‪ .‬هذا ما‬ ‫‪-‬‬
‫دفع بي في النهاية إلى محاولة اإلخراج‪ .‬كنت أروي ما شاهدت إلى رفاقي في‬
‫المدرسة‪ .‬فيتحلقون حولي‪ .‬ويصل بي األمر إلى الدندنة بموسيقى الفيلم‪ .‬ثم صنعت‬

‫‪36‬‬
‫مطبقاً ما‬
‫أفصلها) من الكرتون‪ّ ،‬‬
‫"بالتوه" بعلبة أحذية‪ ،‬فكنت أحرك عليها شخصيات ّ‬
‫شاهدته‪ ،‬برفقة أبي‪ ،‬خالل عمل المخرجين والممثلين‪.‬‬
‫اندلعت الحرب) سنة ‪ 1939‬فحالت) دون دراستي‪ .‬وكانت مهنة اإلخراج تتطلب الحصول‬
‫على شهادة الباكالوريا‪ ).‬غير ان االرتحال المتواصل قضى على كل شيء‪ .‬وقد ذهب‬
‫والدي إلنجاز شريط "بروباغندا" فرنسية بعنوان "فالن‪ ،‬أباً وابناً" من إخراج جوليان‬
‫دوفيفييه وتمثيل ريمو وميشال مورغان وروبير لوفيغان وفرناند لودو‪ .‬ويفضح الفيلم‬
‫العدو البروسي من خالل ثالث حروب‪ 1870 :‬و ‪ 1914‬و ‪ .1939‬أخرجني والدي من‬
‫مدرسة كولبير الثانوية حيث كنت أتمتّع بمنحة دراسية وألحقني بالفيلم‪ .‬ونظراً المتالكي‬
‫دراجة فقد تحولت إلى موزع‪ ،‬وناقل‪ )،‬وفارس سباق قوي الساقين‪ .‬كنت أسلّم‬
‫"الرادياتورات" التي يصنعها أبي في مرآب‪ .‬بعد ذلك انطلقت السينما الفرنسية من جديد‬
‫بفضل كريستيان ‪ -‬جاك الذي كان أول من صور شريط "حفلة الرقص األولى" سنة‬
‫‪ .1941‬وتمكن والدي من إلحاقي بهذا الفيلم كمساعد في اإلكسسوار‪ .‬وتابعت هذه الوظيفة‬
‫في أفالم أخرى كثيرة مثل "خطيبة الظلمات" لسيرج دي بولينيي‪ ،‬و"معارك" لهنري كاليف‪.‬‬
‫وحتى بعد الحرب) وتسريحي من الجيش عدت إلى العمل مشرفاً على اللواحق‬
‫(االكسسوارات)‪ ).‬وهكذا تعرفت على كل من مارلين ديترش على بالتوه شريط "مارتن‬
‫رومانياك"‪ )،‬وجورج الكومب‪ ،‬والتقيت ريمو مجدداً في "الرجل ذو القبعة المستديرة"‪ .‬أما‬
‫فت‪ )،‬بوصفي اكتسبت خبرة في إطالق النار خالل الحرب‪ ،‬بمالحقته‬
‫جان غابان فقد ُكلّ ُ‬
‫وإ طالق النار عليه بالرشاش وبرصاص حقيقي‪ ،‬من أجل فيلم ريمون المي "مرآة" بعد ذلك‬
‫عملت مع ألكسندر منوشكين في شريط "النسر ذو الرأسين" لكوكتو‪ .‬وفي هذه المرة تمت‬
‫ترقيتي إلى ريجيسير أو مدير بالتوه‪ .‬وبعد فترة قصيرة استملت برقية من منوشكين تقول‪:‬‬
‫َّ‬
‫"عيّناك في شريط "األهل الشرسون" لجان كوكتو‪ ،‬كمساعد مخرج" وأعقب ذلك عملي مع‬
‫كل من ماكس أوفولس‪ ،‬ورينيه كليمون‪ ،‬ورينيه كلير‪ ،‬وفيلم جان جيونو الوحيد "قارون"‬
‫‪ .Cresus‬ساهمت في سبعين شريطاً كمستشار تقني أو مساعد مخرج‪ .‬وهكذا "حصلت)‬
‫على عصا المريشال" ومع ذلك بقيت أؤجل إخراج شريطي األول المحتمل‪ .‬قبل المغامرة‬
‫أردت أن أمأل زوادتي بالدروس والتجارب‪).‬‬
‫كيف تختار الممثلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫معياري في هذا المجال هو الوفاء‪ ).‬إذ تتشكل دائماً عائالت تربط بينها المودة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تذكر العالقة التي كانت تجمع ما بين مارسيل كارني وآرلتي وجاك بريفير‪ .‬عندما يتم‬
‫التفاهم وتحصل األفالم التي نقدمها معاً‪ ،‬على رضا الجمهور‪ ،‬نحافظ على المجموعة‬
‫نفسها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ما اإليقاع الذي تفضله؟‬ ‫‪-‬‬
‫على "البالتوه" أعمل ومعي "الكرونومتر"‪ .‬وال أهتم بما تبقى‪ .‬إنها مهمة‬ ‫‪-‬‬
‫(السكريبت) أو مساعدة المخرج‪ ).‬وحتى عندما أراقب التوقيت ألجأ أحياناً إلى التسريع‬
‫في الوتيرة‪ .‬وقد أطيل في أحد المشاهد كحاجة اللتقاط األنفاس‪.‬‬
‫ما موقع الموسيقى في أعمالك؟‬ ‫‪-‬‬
‫من أهم المواقع‪ .‬وليس مصادفة وجود جورج ديالرو في"الصفعة"‪ ،‬وكلود‬ ‫‪-‬‬
‫بولنغ في "الرجل الغاضب"‪ ،‬وفالديمير كوسما في "كاش ‪ -‬كاش"‪.‬‬
‫ستبلغ السينما مئة عام‪ ،‬ما حكمك على هذا القرن من الصور؟‬ ‫‪-‬‬
‫لم تكف مسؤولية المخرجين على التنامي‪ .‬وازداد تأثير األفالم في الشباب وفي‬ ‫‪-‬‬
‫العادات‪ ).‬وهذا أمر جديد‪ .‬من جهة ثانية تركت لنا السينما أرشيفاً رائعاً حول كل ما‬
‫يتحول بسرعة إلى ماضينا‪ .‬وأخيراً فإن السينما تركض على إيقاع المخترعات الجديدة‪،‬‬
‫والصور االفتراضية والرقمية‪ ،‬والمؤثرات الخاصة المتأتية من الحاسوب‪ ).‬هذا أمر‬
‫خارق ومقلق في آن‪.‬‬
‫هل تشغل بالك بالجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال‪ .‬غير أنني أفكر باستمرار في الحكاية التي سأرويها له‪ .‬فأنا‪ ،‬في الواقع‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أشبه الفيلم‬
‫المتفرج األول‪ .‬وينبغي أن تعجبني الحكاية قبل أن تعجب غيري‪ .‬كثيراً ما ّ‬
‫بباخرة‪ .‬المنتج هو صاحبها ومجهزها‪ .‬بعد ذلك يتم صعود الطاقم من تقنيين وممثلين‪.‬‬
‫وعلى المخرج أن يتولى الوجهة‪ .‬إذن فأنا ال أفكر في الجمهور أثناء التصوير‪ .‬وهذا ال‬
‫يمنع وجود مزاعم بأنني أنجز سينما تجارية! عندما نلت جائزة لويس ديلوك‪ ،‬قال لي‬
‫أحد أفراد لجنة التحكيم‪" :‬لم أرشحك شخصياً‪ .‬ليس بوسعي التصويت لصالح فيلم شاهده‬
‫ثمانمائة ألف متفرج" فأجبته‪" :‬هل قرأت الكتابات السينماتوغرافية التي نشرها لويس‬
‫ديلوك؟ لقد كتب يقول في الصفحة ‪ :79‬سادة الشاشة هم الذين يتوجهون إلى الجمهور‬
‫الواسع وإ لى النخبة"‪.‬‬
‫لو كانت النوايا كافية لصنع فيلم تجاري الغتنى المخرجون كلهم‪ ،‬وكذلك التقنيون‬
‫أقدم أفالماً من ذلك النوع الذي أرغب في مشاهدته‪ .‬طبعاً مع العودة إلى‬
‫والممثلون! أنا ّ‬
‫أساتذة المهنة‪ ،‬مثل فرانك كابرا‪ ،‬من دون أن أعرف إمكانية اللحاق بهم‪ .‬عندما كنت في‬
‫سن الثانية عشرة شغفت بـ "الحياة جميلة" و"السيد سميث في مجلس الشيوخ"‪ .‬ثمة أشياء‬
‫كثيرة إيجابية في الحياة فال حاجة إلى الكآبة‪ .‬عندما يحب المرء الحياة‪ )،‬رغم ندوب‬
‫الضربات القاسية‪ ،‬تكافئه حباً بحب‪ .‬على فكرة‪ ،‬أثناء التصوير‪ ،‬أصرخ‪ ):‬شكراً للسماء‪.‬‬
‫جو من االنشراح‪.‬‬
‫فيضحك جميع أفراد الفرقة‪ .‬ويسود ّ‬
‫‪38‬‬
‫جورج لوتْ َنر ‪Georges LAUTNER‬‬

‫ولد في نيس سنة ‪ .1926‬ابن الممثلة رينيه سان ‪ -‬سير‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫امش أو متْ (‪ )1960‬النظارة السوداء ذات‬
‫الصبية ذات الدمامل (‪)1958‬؛ ِ‬ ‫‪-‬‬
‫الزجاجة الواحدة (‪)1961‬؛ اليوم السابع (‪)1961‬؛ عين النظارة األحادية (‪)1962‬؛‬
‫هندباء من الجذور (‪)1963‬؛ األعمام المسلحون (‪)1963‬؛ المخبرون السريون (‬
‫‪)1964‬؛ علينا أال نغضب (‪)1965‬؛ غالية (‪)1965‬؛ الجرادة الكبيرة (‪)1966‬؛‬
‫هلموا‪ ،‬إنها رقصة فالس (‪)1970‬؛ طريق سالينا (‪)1970‬؛ الحقيبة (‪)1973‬؛ موت‬
‫رجل فاسد (‪)1977‬؛ شرطي أم شرير (‪)1978‬؛ المهرج (‪)1980‬؛ أهذا معقول؟ (‬
‫‪)1981‬؛ المحترف (‪)1981‬؛ انتبه! إن امرأةً قد تخفي أخرى (‪)1983‬؛ عيد فصح‬
‫سعيد (‪)1984‬؛ الكاوبوي (‪)1984‬؛ قفص المجنونات رقم ‪)1985( 3‬؛ البيت المغتال‬
‫(‪.)1988‬‬
‫جورج لوتنر‪ ،‬كيف تولّدت موهبتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫كانت أمي ممثلة‪ .‬وكان من الطبيعي وأنا طفل‪ ،‬أن أحلم بأن أصير ممثالً‪ ،‬لقد‬ ‫‪-‬‬
‫عشت سنوات عمري األولى على بالتوهات التصوير‪ .‬وسرعان ما أدركت أن إفراطي‬
‫في الخجل) لن يجعلني ممثالً‪ .‬ولهذا اخترت اإلخراج‪ .‬لكن ‪1‬لك لم يمنعني من العودة‬
‫الحقاً إلى موهبتي األولى‪.‬‬
‫هل تسلّم بتأثير سينمائيين سبقوك؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال أستطيع إدراك تلك التأثيرات‪ ).‬كل تأثير عامةً ال يدرك بسهولة‪ .‬أما اإلعجاب‬ ‫‪-‬‬
‫فهو أمر حاصل‪ ).‬لكنه متغير مع مرور الزمن‪ .‬إذ يشكل مراحل متعاقبة في الحياة‪.‬‬
‫غير أن إعجابي بفلّيني لم يتغير‪ .‬أضعه في أعلى مرتبة لكثافة ابتكاراته‪ .‬تربيت كذلك‬
‫على اإلعجاب بالسينما األميركية‪ .‬وأنا متفرج جيد‪.‬‬
‫ما المعايير التي تجعلك تختار الممثلين‪ ،‬وكيف تديرهم؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪39‬‬
‫حدث أن اخترت الممثلين قبل الحصول على موضوع‪ ،‬في عدة مرات‪ .‬والبد‬ ‫‪-‬‬
‫أن تكون هناك مودة بيني وبين هؤالء الممثلين حتى أرغب في العمل معهم‪ .‬وأنا في‬
‫منتهى الوفاء إزاءهم‪ .‬وهذا ما حدث مع فرنسيس بالنش‪ ،‬لينو فونتورا‪ ،‬بول ميريس‪،‬‬
‫برنار بلييه‪ .‬شريط "طريق سالينا" شكل حالة خاصة‪ .‬إذ كان هناك جدار يفصل بيننا‬
‫وبين الممثلين األميركيين مثل ريتا هيوارث‪ ،‬ميمزي فارمر‪ ،‬وروبير وولكر جنيور‪،‬‬
‫وكان البد من التردد والشك‪.‬‬
‫عندما أشرع في فيلم ال أعرف مطلقاً ماذا سأصور مسبقاً‪ .‬لكن في مثال "طريق سالينا"‬
‫ازداد الوضع سوءاً ألن الفريق التقني الفرنسي كان يواجه ممثلين ال يتكلمون إال‬
‫اإلنجليزية‪ .‬فصارت) مشكلتي هي مشكلتهم‪ .‬وأدى االرتباك إلى إيجاد حلول خصوصاً وأن‬
‫السيناريو كان باللغتين‪.‬‬
‫إن إدارة الممثلين تتوقف كثيراً على نوعية الممثلين الذين أواجههم‪ .‬في بدايات مهنتي كنت‬
‫دقيقاً جداً في ما أرغب‪ .‬أما اآلن فبت أفضل ترك مساحة كي يتصرف كل ممثل وفق‬
‫طبيعته‪ ،‬واالستفادة من ذلك في الوقت المناسب‪.‬‬
‫ما موقفك من الجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫أحب أن يذهب الناس إلى مشاهدة أفالمي مدركين أن ما أقوم به يعجبني‬ ‫‪-‬‬
‫شخصياً‪ .‬أقدم سينما تجارية لكنني لم أستسلم لالبتذال أو السهولة‪.‬‬
‫هل تعطي دوراً متميزاً للتقنية؟‬ ‫‪-‬‬
‫التقنية عند السينمائي لها أهمية األسلوب لدى الكاتب‪ )،‬ولم أفهم أبداً معنى‬ ‫‪-‬‬
‫"كاميرا ‪ -‬قلم" فالتقنية لغة أكثر منها أداة‪ .‬وتكتسب عبر الممارسة‪ ،‬ثم االجتهاد الحقاً‪.‬‬
‫إذا لم يكتسب المبتدئ تلك التقنية تعذر عليه إخراج شريطه األول‪.‬‬
‫كيف تصف السينما التي تصنعها؟‬ ‫‪-‬‬
‫كثيراً ما تجنح حكاياتي إلى روح الدعابة والسخرية انطالقاً من مواقف الحياة‬ ‫‪-‬‬
‫لدى المتميزين بالخجل‪ .‬ويصعب الذهاب بعيداً في المواقف الميلودرامية عندما يتعلق‬
‫األمر بفيلم بوليسي‪ .‬أحب هذا النوع‪ ،‬إلى درجة عدم الرضا عما سبق‪ .‬دائماً أبحث عن‬
‫أفضل حكاية يمكن تقديمها‪.‬‬
‫وهل من شأنك الخوض في أنواع أخرى؟‬ ‫‪-‬‬
‫أي نوع ُيعرض علي‪ ،‬أخضعه لتطبيقاتي الخاصة‪ .‬فال بد من وجود لمساتي‬ ‫‪-‬‬
‫الشخصية‪ .‬كل األفالم التي أنجزتها أحسست بالراحة خالل تصويرها‪ .‬في البداية‬
‫ينتابني الخوف ثم تأتي االنطالقة‪.‬‬
‫هل تشرف على أفالمك حتى النهاية‪ ،‬أي حتى عرضها؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪40‬‬
‫ال أستطيع أثناء إطالق الفيلم‪ ،‬في عرضه األول‪ ،‬متابعته إلى النهاية‪ .‬الفيلم‬ ‫‪-‬‬
‫الذي يعرض في القاعات يكف عن االنتماء لي‪.‬‬
‫هل من شانك التعاطي مع التلفزيون؟‬ ‫‪-‬‬
‫قد ألجأ إلى مسلسل تاريخي‪ ،‬أو مسلسل يتيح الفرصة للسفر إلى آخر العالم مدة‬ ‫‪-‬‬
‫سبعة أشهر‪ .‬لكن المؤسف أن التلفزيون ال يملك مثل هذه اإلمكانيات‪ .‬وأنا أكره البث‬
‫المباشر في التلفزيون‪ ،‬وأشبهه بالكاتب الذي ال يحق له التشطيب‪.‬‬
‫هل تميز أحد أفالمك عن غيرها؟‬ ‫‪-‬‬
‫"طريق سالينا" ألنه أكثر رومانسية من أعمالي األخرى‪ .‬وهو ذو حكاية‬ ‫‪-‬‬
‫تشويقية‪ ،‬مزج فيها كاتبها الفرنسي بين جون شتاينبك وأرسكين كالدويل‪ .‬بدأ العمل‬
‫أثناء التصوير تحديداً‪ ،‬وذلك بحثاً عن اإليقاع من خالل الممثلين‪ .‬أعتقد أن دور‬
‫وي ّقنن‪.‬‬
‫يتيسر العمل ُ‬
‫المخرج يكمن في التحريض وربما قسر األشياء‪ .‬ثم ّ‬

‫بيار غرانييه ‪ -‬ديفير ‪Pierre GRANIER - DEFERRE‬‬

‫ولد سنة ‪.1927‬‬ ‫‪-‬‬


‫أكاذيب (‪)1958‬؛ صبي المصعد (‪)1961‬؛ مغامرات ساالفان (‪)1963‬؛‬ ‫‪-‬‬
‫القبان؛ باريس في شهر آب‪/‬أغسطس (‪)1965‬؛ األبله الكبير (‪)1967‬؛‬
‫تحوالت حمار ّ‬
‫الفرس (‪)1969‬؛ القط (‪)1970‬؛ األرملة كودرك (‪)1971‬؛ القطار (‪)1973‬؛ ِعرق‬
‫"فروج" (‪)1975‬؛ الطبيب (‪)1979‬؛ قضية غامضة (‬
‫السادة (‪)1974‬؛ وداعاً يا ّ‬

‫‪41‬‬
‫‪)1981‬؛ نجمة الشمال (‪)1982‬؛ الرجل ذو العينين الفضيتين (‪)1985‬؛ دروس‬
‫خصوصية (‪)1986‬؛ غرق ممنوع (‪)1987‬؛ النمساوية (‪)1989‬؛ الصبي (‪.)1994‬‬

‫بيار غرانييه ‪ -‬ديفير‪ ،‬كيف جئت إلى السينما؟‬ ‫‪-‬‬


‫في البداية كنت أرغب في ممارسة الصحافة‪ ،‬وتحديداً في مجال الريبورتاج‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لكن حالتي الصحية حالت دون ذلك‪ .‬عندئذ اكتشفت دروب الكتابة الخيالية‪ .‬وكنت أظن‬
‫أن في إمكاني خلق كل شيء‪ .‬ومع مرور الزمن الحت األشياء أصعب مما كنت‬
‫أتصور‪.‬‬
‫كيف تختار موضوعاً وتقرر تحويله إلى فيلم؟‬ ‫‪-‬‬
‫اعتدت اختيار حكايات األبطال السلبيين‪ ،‬أو على األقل أولئك الذين اليحالفهم‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل سرد حكاية شخص‪ .‬وأتعب كثيراً‪ .‬وبعد قضاء سنة كاملة في كتابة‬
‫االرتقاء‪ّ ).‬‬
‫أنقض على إنجازه‬
‫ّ‬ ‫موضوع أتخلى عنه وأمر إلى إنجازه‪ .‬وإ ذا أعجبني موضوع‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫هناك أنواع ال أرغب في معالجتها‪ :‬أفالم الحروب والعصابات‪ ).‬كما أرفض السيناريوهات‬
‫التي تتطلب مني تقديم تنازالت‪.‬‬
‫أنا مولع بالمطالعة‪ ،‬لمجرد متعة المطالعة‪ .‬وهي متعة كافية في حد ذاتها‪ .‬عندما يأسرني‬
‫كتاب ال أفكر في إخراجه فيلماً‪ .‬وأفضل القصص الغرامية إجماالً‪ ،‬أهم ما في العالم‪ .‬وفي‬
‫هذا المجال تفتنني قصص الحب) الفاشل وتخيفني‪ .‬أخشى كل ما يعبر عن الفشل بما في‬
‫ذلك بلوغ نهاية الحياة‪).‬‬
‫ما معاييرك في اختيار الممثلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫يتوقف ذلك على المعايير التي تناسب الشخصيات‪ .‬لكن هناك أيضاً من أرغب‬ ‫‪-‬‬
‫فيهم ألسباب عاطفية‪ ،‬وهكذا ففي فيلم "القط" بقيت أبحث مطوالً عن شخصية تمكنني‬
‫من إدراج جان غابان‪ .‬ألن الموضوع يناسبه‪ ،‬ثم جلبت سيمون سينيوريه‪ .‬ومن أجلها‬
‫غيرت طباع الشخصية األنثوية األولية‪ ،‬مع أنني لم أكن راغباً في العمل معها منذ‬
‫البداية‪ .‬وكانت النتيجة رائعة‪ .‬أحتاج‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬إلى العمل مع ممثلين يحركونني‬
‫ويثيرونني‪ .‬واالختيار‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬ما هو إال مركزية للذات‪ )،‬إذ نتصور وجود‬
‫نقاط مشتركة مع الذين اخترناهم‪.‬‬
‫وفي مجال إدارة الممثلين كيف تحصل منهم على ما تريد؟‬ ‫‪-‬‬
‫بالنسبة إلى شخص مثل جان غابان البد من تركه يتصرف‪ .‬ما إن يكون على‬ ‫‪-‬‬
‫السكة حتى تجد نفسك مكتفياً بالنظر إليه يتقدم‪ .‬أما سيمون سينيوريه فالبد من اإلحاطة‬

‫‪42‬‬
‫بها ومساعدتها حتى اللقطات) األخيرة‪ .‬ثم هناك ممثلون‪ ،‬مثل شارل أزنافور الذي ال‬
‫يمتلك أي تكوين مهني في التمثيل‪ ،‬يتطلب األمر توجيههم في أدق تفاصيل حركاتهم‪.‬‬
‫هل تشعر بمسؤولية المؤلف إزاء الجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫أعتقد أنه ال يمكن الشعور بهذه المسؤولية إال تجاه الذات‪ ).‬وهي تتغير وتتوقف‬ ‫‪-‬‬
‫على شخصية المخرج‪ .‬في ما يخصني أحرص أن تكون أفالمي نظيفة خالية مما يشين‪.‬‬
‫والبد أن نكون متفهمين للجمهور دون استسالم للسهولة‪.‬‬
‫في الحقيقة أفكر في الجمهور كثيراً ألنه يقدم أفضل مكافأة للمخرج‪ ،‬ولكل أشكال الفن‪.‬‬
‫وكلنا يسعى إلى تحقيق شعبية واسعة‪ .‬ويحتاج المرء منا إلى دخول بيته مرفوع الرأس‬
‫أمام زوجته وعائلته وأبنائه‪.‬‬
‫في هذا المجال تختلف السينما كثيراً عن الرسم‪ .‬فالرسام الذي ال يبيع لوحاته يدرك أن ثمة‬
‫إمكانية لرواجه‪ ،‬ومعبده‪ ،‬ربما حتى بعد موته‪ .‬أما األفالم فهي تتالشى بسرعة إذا لم تعرف‬
‫نجاحاً في وقتها‪ .‬لذلك قد تموت قبل صاحبها‪ ).‬وهذا ما يجعلني أكترث بالجمهور‪.‬‬
‫ما األهمية التي تعطيها للتقنية؟‬ ‫‪-‬‬
‫من الطبيعي أن معرفة مجمل التقنية تسهل ممارسة المهنة‪ .‬أنا معجب جداً‬ ‫‪-‬‬
‫بالمخرجين الذين تظهر تقنيتهم وتُدرك بطريقة معقولة على الشاشة‪ .‬أعرف أنها إنجاز‬
‫لنصف العمل‪ ،‬أما أنا فأحاول محوها قدر اإلمكان‪ .‬التقنية هاجس المخرجين الشباب مع‬
‫أنهم ال يحتاجون إليها في أغلب األحيان‪ ،‬على العكس من أبناء جيلي الذين ال يفكرون‬
‫إال في أفالمهم‪.‬‬
‫تبدو‪ ،‬عبر هذا الكالم‪ ،‬محترساً من السينمائيين الشباب‪ ،‬هل هذا مجرد‬ ‫‪-‬‬
‫انطباع؟‬
‫أرى أن عمر الشباب ميزة وليس وظيفة‪ .‬ويأتي وقت يتوجب فيه على كل‬ ‫‪-‬‬
‫واحد إما أن يظل طفولياً‪ ،‬أو يصير راشداً‪ .‬والحال أن هناك ارتكاساً لدى الشباب يدفع‬
‫بهم إلى الرغبة في مالزمة مرحلة الطفولة‪ .‬إنهم يخافون المنعطف كما هو شأننا‪ .‬غير‬
‫أنهم ال يسعون إلى التعبير عن ذلك الخوف‪ .‬فال يتمكنون‪ ،‬بالتالي‪ )،‬من السيطرة عليهم‪.‬‬
‫مسيسون أكثر منا إ<ماالً‪ .‬وهذه مالحظة مهمة جداً بالنسبة لمستقبل البالد‪.‬‬
‫هم ّ‬
‫َم ْن يعجبك من المخرجين اآلخرين؟‬ ‫‪-‬‬
‫أكن له كل إجالل‪ :‬إنه أورسن ويلز‪ ،‬ولن أتوصل إلى قامته‪.‬‬
‫هناك سينمائي ّ‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل الحديث عنهم هناك جان لوك غودار‪ .‬فهو يثير الكثير‬
‫ومن بين الفرنسيين الذين ّ‬
‫من اللغط ألول وهلة‪ ،‬ثم نتفهم أهميته وتأثيره في التقنية‪ .‬والبد من مراعاة عدم اكتمال‬
‫مشروعه بعد‪ .‬أحب كذلك ما ينجزه فرنسوا تروفو‪ .‬أما اندفاعاته العاطفية فتزعجني‬

‫‪43‬‬
‫قليالً‪ .‬وتعجبني صرامة ألن رينيه‪ .‬كلن إذا كان البد من االعتراف بتأثير ما‪ ،‬فقد تأتّى‬
‫من السينما الفرنسية لمرحلة ما قبل نهاية الحرب‪ ).‬خصوصاً مع مارسيل كارني وجان‬
‫كونت لدي رغبة في ممارسة‬
‫رينوار‪ .‬ذلك أن أفالمهم التي سبقت الحرب) هي التي ّ‬
‫اإلخراج‪).‬‬
‫ما هو حلمك كسينمائي‪ ،‬طموحك األكبر؟‬ ‫‪-‬‬
‫لدي فكرة موضوع أحتفظ بها لنفسي وأفكر في إخراجها مستقبالً‪ .‬وأحياناً أقول‬ ‫‪-‬‬
‫إنني أكسل من أن أخوض تلك التجربة جدياً‪ .‬ثمة مواضيع ٍو"ثيمات" وحكايات يحافظ‬
‫عليها المرء طيلة حياته ألنه يخشى اإلخفاق فيها‪ .‬عندما أنشغل بمشروع قيد اإلنجاز‬
‫أكف عن التفكير في أي موضوع آخر‪ ،‬والسيما إذا كان مشروعاً قادماً‪ .‬أحب التأريخ‬
‫ّ‬
‫في الحياة مثل ذبابة على سطح الماء‪ .‬فالمرء يتعرض للغرق قليالً‪ ،‬لكنه يشاهد مرور‬
‫منظمة‬
‫ّ‬ ‫الكثير من األشياء الجميلة مع التيار‪ :‬سفن أو حطام‪ .‬ال أحب التفرج على حياتي‬
‫مسبقاً‪.‬‬

‫بيار إيته ‪Pierre ETAIX‬‬

‫ولد في روان يوم ‪ 2‬كانون األول‪/‬ديسمبر ‪ .1928‬بدأ العمل في السيرك‬ ‫‪-‬‬


‫ومسرح المنوعات‪ .‬كما عمل مع المخرج جاك تاتي في إعداد بعض المشاهد المضحكة‬
‫والمقالب) في شريط "عمي" على وجه الخصوص‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫بدأ بشريطين قصيرين‪ :‬القطيعة (‪)1961‬؛ عيد ميالد سعيد (‪ )1962‬الذي‬ ‫‪-‬‬
‫حصل به على أوسكار من هوليود سنة ‪ .1963‬أما أفالمه الطويلة فهي‪ :‬العاشق (‬
‫‪)1962‬؛ يويو (‪)1964‬؛ ما دامت الصحة بخير (‪)1965‬؛ الحب الكبير (‪)1969‬؛‬
‫أرض النعيم (‪)1971‬؛ السيد متقدم في العمر (‪ )1987‬عن مسرحية من تأليفه‪.‬‬
‫نشر مجلداً مصوراً تكريماً لـ "ملوك" الضحك) من شارلو‪ ،‬إلى لوريل وهاردي‪ ،‬ومن جاك‬
‫تاتي إلى جيري لويس‪.‬‬

‫بيار إيته‪ ،‬كيف كانت بداياتك؟‬ ‫‪-‬‬


‫عندما بدأت بالعمل في (الميوزيك هول) مسرح المنوعات‪ ،‬أصبت بخيبات‬ ‫‪-‬‬
‫متتالية وفشل محبط‪ ،‬رغم اقتناعي بجودة أفكاري ودامت تلك الحال) بضع سنوات حتى‬
‫جاء اليوم الذي ألحقني فيه جاك تاتي بـ "يوم احتفال") الذي سيعرضه في قاعة األولمبيا‪.‬‬
‫غصت القاعة بالمتفرجين وانفجر الجميع بالضحك) وتملكني الفرح‬
‫يوم االفتتاح ّ‬
‫والغبطة‪ .‬كنت محقاً إذن‪.‬‬
‫الشك قاتل‪ .‬لكن البد من مقاومته بقوة اإلرادة والقناعات‪ ).‬وهذا هو الدرس الذي قدمه لنا‬
‫بوالو‪" :‬أعد نسيجك مئة مرة إلى المنول" ال تعيش الفكرة إال إذا عملت من أجلها‪).‬‬
‫كيف استجبت إلى نداء السينما؟‬ ‫‪-‬‬
‫في‪ .‬أفالمه لم‬
‫سنة ‪ 1981‬أعدت اكتشاف ميلياس‪ .‬فأدركت مدى تأثيره ّ‬ ‫‪-‬‬
‫تتالشى كقيمة‪ .‬هو الذي ابتكر الفرجة السينمائية حقاً‪ .‬ما يعجبني فيه أن بداياته كانت‬
‫مجرد شعوذة وخداع‪.‬‬
‫هل هناك إعجاب بآخرين‪ ،‬إن لم نتحدث عن تأثّر؟‬ ‫‪-‬‬
‫يصعب الحديث عن اإلعجاب‪ .‬كما لو انك تسألني عما إذا كنت أفضل بيكاسو‬ ‫‪-‬‬
‫على ليوناردو دفنشي‪ .‬أحب جميع كبار السينما ألسباب مختلفة‪ .‬واألقرب هم المالئمون‬
‫لذوقي ولتنوعاته العميقة‪ .‬ويمكنني على كل حال ذكر لوريل وهاردي‪ .‬فأنا أحبهما‬
‫بوله‪ .‬الضحك) عندهما تلقائي‪ .‬وقد يأتي عبر التكرار الذي يأتي بالمفاجأة‪ .‬والجمهور‬
‫يضحك ألنه ال يكون مدركاً قبل جزء من الثانية أنه سيضحك‪.‬‬
‫البد من مبرر إلضحاك الناس‪ ،‬والسر األكبر هو في معرفة إطالق الطفولة المطمورة في‬
‫أعماق ذواتنا‪ .‬الطفل يضحك ألشياء كثيرة‪ ،‬تكون نشازاً أو مصيبة‪ .‬من دون أن يدل ذلك‬
‫على الخبث وحب األذى‪ .‬ويتمتع لوريل‪ ،‬في ردود فعله‪ ،‬بسلوك غير متوقع‪ ،‬ال يمكن‬
‫توضيحه أو تحليله سيكولوجياً‪ .‬نعم أحب لوريل وهاردي ألنهما يمارسان فكاهة خالصة‪،‬‬
‫متأتية من حلبة السيرك‪ ،‬ويجعالنها ترتقي إلى مراتب أعلى‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الهزليون الكبار هم الذين ملكوا قلبك…‬ ‫‪-‬‬
‫لكنني أحب بوستر كيتون أيضاً‪ ،‬كل مقلب من مقالبه يتضمن سيناريو قصيراً‬ ‫‪-‬‬
‫حقيقياً‪ ).‬وهناك أيضاً هاري النغدون الذي ازداد تعلقي به بسبب سوء تقدير مواهبه‪.‬‬
‫هناك ساحران آخران لعبا دوراً مهماً في عملك‪ :‬جاك تاتي‪ ،‬وجيري لويس‬ ‫‪-‬‬
‫الذي اختارك لتشاركه في تمثيل شريطه الذي بدأه سنة ‪ 1974‬ولم يعرض بعد "اليوم‬
‫الذي يبكي فيه المهرج"؟‪.‬‬
‫طبعاً‪ .‬لكن هناك أيضاً وودي ألن الذي استطاع التطور نحو فكاهة مالئمة‬ ‫‪-‬‬
‫لزمنه‪ .‬إنه يعكس مرحلة‪ .‬وفي ايطاليا يوجد من أعتبره في عداد الكبار‪ :‬موريزيو‬
‫نيكيتي‪ .‬وقد أبدع في شريطيه "راتاتا نبالن" و"لص الصابون" ولديه إحساس بنوع من‬
‫الحنين إلى الماضي‪ )،‬رغم أنه ماض قريب‪ .‬أما وجهة نظره في مهنتنا فهي صحيحة‬
‫وحارقة‪ ،‬فقد أدرك إلى أي مدى يمكن للتلفزيون واإلعالنات التي تتخلل األفالم أن تقتل‬
‫السينما نهائياً‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬كيف ترى السينما الراهنة؟‬ ‫‪-‬‬
‫أشعر بالرعب‪ ،‬ذات يوم سألني كوليش عما إذا كنت مواظباً على الذهاب إلى‬ ‫‪-‬‬
‫قاعات السينما‪ .‬فاعترفت له بأنني بت أفعل ذلك نادراً‪ .‬فرد بحماسته المعتادة‪" :‬أشعر‪،‬‬
‫في كل األحوال‪ ،‬أن جميع األفالم تطول ساعة إضافية غير ضرورية"‪.‬‬
‫في الواقع كل األفالم صارت جيدة الصنع لكنها لم تعد مقنعة‪ .‬ال ينبغي الخلط بين الدقة‬
‫والوسائل المتاحة وبين المهارة‪ .‬سينما اليوم باردة حتى ال نقول متجمدة‪ .‬ال تتوصل إلى‬
‫جعل القلب) يخفق‪ .‬اليوم صرت أفكر في مغادرة القاعة بعد الدقائق العشر األولى‪.‬‬
‫ما عقيدتك السينمائية؟‬ ‫‪-‬‬
‫بسيطة جداً‪ .‬السينما تتطلب المحبة ال الذهاب لإلطالع فحسب‪ .‬كما تتطلب‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل الحرفي الذي يجيد مهنته على العبقري الذي ال يعرف‬
‫التذوق ال بلع األشرطة‪ّ .‬‬
‫ماذا يفعل… ال شيء أسوأ من صورة سيئة التأطير‪ .‬إن السهولة تشير إلى نهاية‬
‫الحضارة) تماماً مثلما قتلت الروح المادية الحب‪ ).‬أعرف أنني أحاول اجتياز العالم‬
‫والحياة مثل دون كيشوت تقريباً‪ .‬اعتقد أن تقاسم الفرح أفضل من تقاسم األشياء‪ .‬هذا‬
‫االعتقاد هو ما أطبقه عند إنجاز فيلم آمالً أن يقضي المتفرج أمسية لطيفة‪.‬‬
‫كيف يتم التعبير عن ذلك تقنياً؟‬ ‫‪-‬‬
‫ببساطة شديدة‪ .‬لقد أجببت هيتشكوك تحديداً لجودة التقنية عنده‪ .‬ال يمكن للمرء‬ ‫‪-‬‬
‫ابتكار مهنة بل ينبغي أن يتعلمها‪ .‬شخصياً بدأت بالتمرن على كل أشكال التعبير الفني‪:‬‬
‫الموسيقى‪ ،‬الرسم‪ ،‬التصوير الفوتوغرافي‪ ،‬األلعاب البهلوانية‪ ،‬اإليماء…‬

‫‪46‬‬
‫ما هي أهم العراقيل التي ينبغي التغلّب عليها؟‬ ‫‪-‬‬
‫أفظع ما في هذه المهنة هو الخيانة‪ .‬وليست مسؤولية الجمهور‪ .‬لقد أجبر‬ ‫‪-‬‬
‫الجمهور على الضياع وفقدان الوجهة‪ .‬لم يعد يرى بعينيه‪ .‬وهذا ما يدعوه كوليش‬
‫"البياض األشد نصاعة من األبيض"‪.‬‬
‫ما رأيك في أولى محاوالتك السينمائية من خالل شريطك القصير األول‬ ‫‪-‬‬
‫"القطيعة"؟‬
‫رغم العنوان المنذر‪ ،‬ظلّت عنه ذكرى جميلة‪ ،‬بل حماسية‪ .‬لكن كل ذكرى‬ ‫‪-‬‬
‫تتضمن قليالً من الحزن‪.‬‬
‫سنة ‪ 1981‬كان لديك مشروع حول جوزفين بوآرني…‬ ‫‪-‬‬
‫لقد فُتِ ْن ُ‬
‫ت منذ زمن بعيد بشخصية االمبراطورة جوزفين‪ .‬لم أكن أفكر في‬ ‫‪-‬‬
‫إخراج فيلم هزلي‪ .‬يمكن تقديم شخصية نايليون األول كرجل متورط في مشاكل‬
‫عاطفية‪ .‬وكانت رسائله الغرامية المرسلة إلى جوزفين مألى باألخطاء اللغوية‪ .‬وهذا ال‬
‫ينقص من قيمتهما أو من حبهما‪.‬‬
‫لكنني لم أعد راغباً في السينما‪ .‬لماذا؟ ألن اإلنتاج الفرنسي لم يعد ينظر إلى الفيلم إال‬
‫باعتباره "سلعة" وهم يوفرون لك اإلمكانيات ويحرمونك من ترك بصماتها الخاصة‪ ).‬كذلك‬
‫الشأن بالنسبة للتلفزيون الذي بات يشارك في اإلنتاج ألسباب خادعة‪ .‬أنا سعيد بعدم اللهاث‬
‫وراء النجاح) التجاري‪ ،‬وهذا ما لم أتورط فيه مطلقاً‪ ).‬وليس التخلي عن السينما من باب‬
‫الشعور بالمرارة‪ .‬لقد اتخذت قراري بكل وضوح‪.‬‬
‫ما من تراجع؟‬ ‫‪-‬‬
‫عندما كنت أصنع أفالماً‪ ،‬التقيت‪ )،‬طيلة حياتي‪ ،‬بأناس غير أنقياء‪ )،‬أو متصلبين‬ ‫‪-‬‬
‫في قضاياهم وأعمالهم‪ .‬لكنهم كانوا يحافظون على بعد إنساني وال يرتقون بالخيانة إلى‬
‫مستوى الديانة‪ .‬وأنا لم أعد قادراً على معايشة تلك الخيانة المنهجية‪.‬‬
‫هل هذه هي كلمة "النهاية"؟‬ ‫‪-‬‬
‫إلي تعبيراً عن المحبة والود‪.‬‬
‫ال أزعج أحداً‪ .‬بل أنا محظوظ بوجود أناس يأتون ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ممتن لمن أحبوا أفالمي‪ .‬وال أستطيع تحمل كره‬
‫تلك هي القيم الحقيقة في نظري‪ .‬أنا ّ‬
‫الجمهور‪ .‬أما اآلن فسوف أواصل المهنة نفسها عبر وسائل تعبير أخرى‪ .‬أرسم‪،‬‬
‫أكتب…‬
‫ابتسامة أخيرة؟‬ ‫‪-‬‬
‫كل شكل من أشكال الفكاهة يثير اهتمامي ما دام مرتبطاً بعصره‪ ،‬عاكساً للحياة‬ ‫‪-‬‬
‫ث ينتهي بسرعة‪ .‬مازلت أحب هذه المهنة ألن لدي اقتناعاً عميقاً‬
‫اليومية‪ .‬وكل ما هو غ ّ‬

‫‪47‬‬
‫بأن ال شيء يضيع إلى األبد‪ .‬سوف يأتي آخرون‪ .‬كما يظل جمهور السينما في حاجة‬
‫دائماً إلى التسلية‪ .‬كل ما يؤسفني هو ما طرأ من فساد على الروح االحتفالية‪.‬‬

‫إدوار مولينارو ‪Edouard MOLINARO‬‬

‫ولد في بوردو سنة ‪ .1928‬بدأ بإنجاز أفالم وثائقية‪ :‬الرصيف ج‪ ،4‬بيوت‬ ‫‪-‬‬
‫بالتسلسل‪ ،‬الحصان الحديدي‪ ،‬البينيسيلين‪ ،‬الشرف سليم‪ ،‬البحر يرتفع نحو روون‪.‬‬
‫األفالم الطويلة‪ :‬الظهر إلى الجدار (‪)1957‬؛ شاهد في المدينة (‪)1959‬؛ فتاة‬ ‫‪-‬‬
‫للصيف (‪)1959‬؛ موت بال (‪)1960‬؛ أرسين لوبين (‪)1962‬؛ حمقاء جذابة (‬
‫‪)1963‬؛ المطاردة (‪)1964‬؛ رأس الجاسوس (‪)1966‬؛ أوسكار (‪)1967‬؛‬
‫هيبرناتوس (‪)1969‬؛ عمي بنجامان (‪)1969‬؛ الحرية مردفة (‪)1970‬؛ المندرينة (‬
‫‪48‬‬
‫‪)1971‬؛ المزعج (‪)1973‬؛ الرجل المستعجل (‪)1977‬؛ ال تكف عن الكالم أمرك‬
‫يهمني (‪)1979‬؛ قفص المجنونات (‪ )1‬و (‪)1980 - 1978( )2‬؛ مقابل مليون لم يعد‬
‫لك شيء (‪)1982‬؛ على اليسار أثناء الخروج من المصعد (‪)1988‬؛ العشاء (‪.)1992‬‬
‫للتلفزة‪ :‬الشفقة الخطرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إدوار مولينارو‪ ،‬ما الدروب التي سلكتها نحو اإلخراج؟‬ ‫‪-‬‬


‫أعتقد أن موهبتي‪ ،‬إذا كان بإمكاني استخدام هذه الكلمة‪ ،‬كانت عميقة بقدر ما‬ ‫‪-‬‬
‫كانت حقيقية‪ .‬فمنذ طفولتي تعلقت بحب السينما‪ .‬وفي سن العاشرة كنت أمتلك آلة بث‪.‬‬
‫وأعرض أفالماً في المنزل على أصدقائي الصغار الذين كانوا يساهمون في المصاريف‬
‫والدي كي يشتريا لي‬
‫ّ‬ ‫الستئجار األفالم‪ .‬وذات يوم مرضت فمارست ابتزازاً على‬
‫كاميرا‪.‬‬
‫في السادسة عشرة أخرجت أفالماً عائلية حين كان ينبغي على كل واحد أن ينثني ألوامري‬
‫كمخرج! وأدى بي ذلك إلى االنخراط في حلقة السينمائيين الهواة‪ ،‬بينما كنت أعد المتحان‬
‫الباكالوريا في قسم الفلسفة‪ .‬أما المرحلة الالحقة فكانت مرحلة نصف االحتراف مع تجربة‬
‫إخراج األفالم القصيرة‪ ).‬إذن هناك أعوام كثيرة خلفي في تجربة السينما ولم أعد مبتدئاً مع‬
‫األسف!‬
‫وهل هناك سينمائيون آخرون تعترف بدورهم الحاسم في تطور السينما وال‬ ‫‪-‬‬
‫تخفي إعجابك بهم؟‬
‫ال أنظر إلى مهنتي في إطار ثقافة سينمائية عامة‪ .‬وقد أضع ثالثة سينمائيين في‬ ‫‪-‬‬
‫مقدمة الجميع‪ :‬أورسن ويلز‪ ،‬ايزنشتين‪ ،‬فيديريكو فلليني‪ .‬هؤالء هم األقرب إلى ما‬
‫أحبه‪ .‬وأعترف بنوع من التقدير لموجة السينما الجديدة‪ ،‬االنجلو ‪ -‬سكسونية‪ .‬وفي هذا‬
‫المجال) تظل عناويني المفضلة هي ‪ Love‬إخراج) كين راسل‪ ،‬و ‪ M. A. S. H‬بإخراج‬
‫روبرت ألتمان‪ .‬وعلى هذا المستوى ينبغي االعتراف بأننا مازلنا متأخرين عما يجري‬
‫فيما وراء المانش واألطلسي‪ .‬مرت القاطرات أمامنا وبقينا على الرصيف‪ .‬ويمكن‬
‫فوتنا عشرة قطارات‪ )،‬روحاً وشكالً‪.‬‬
‫القول إننا ّ‬
‫في فرنسا‪ ،‬كانت لنا سينما كالسيكية عظيمة انطفأت جذوتها في الخمسينات‪ ).‬مذ ذاك‬
‫ظهرت "الموجة الجديدة"‪ .‬وال شك أنها ضرورية‪ ،‬غير أنها حطمت كل شيء من دون‬
‫تفكير جدي في إعادة البناء‪.‬‬
‫كيف تنظر إلى وظيفتك؛ مهنتك كمخرج؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪49‬‬
‫أعتقد أن اإلخراج ليس مهنة في حد ذاته‪ .‬األهم من ذلك أن يكون للمرء ما‬ ‫‪-‬‬
‫يقوله‪ .‬حتى التقنية يمكن امتالكها في ساعتين إذا ما توافر اإليمان واإلرادة‪ .‬لذلك‬
‫فاإلخراج‪ ،‬بما هو كذلك‪ ،‬ال وجود له‪ .‬ومن أجل الشروع في إنجاز فيلم يفضل أن‬
‫يتحلى المرء منذ االنطالق بمزايا إنسانية حقيقية‪ .‬نحن المخرجين‪ ،‬لسنا سوى أسالك‬
‫ناقلة‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬أليست التقنية حاجة ضرورية في كل األحوال؟ كيف ينجز المرء شريطا‬ ‫‪-‬‬
‫إن لم يكن على دراية بشروطه المعرفية؟‬
‫في هذا المستوى‪ ،‬تكون التقنية‪ ،‬فعالً‪ ،‬أبسط درجات اللياقة التي يتحلى بها‬ ‫‪-‬‬
‫المخرج إزاء الجمهور‪ .‬لكن جهلها ال يكتسي أية أهمية‪ .‬أما إذا تم استيعابها فإنه يغدو‬
‫من المأسوي عدم معرفة استغاللها‪ ،‬ومعرفة حدودها‪ ،‬والتصرف فيها‪ .‬صحيح أن‬
‫والتصنع والحذلقة‪ .‬وهذا مثار ريبتي‪ ،‬أو باألحرى حذري‬
‫ّ‬ ‫البعض يستبدلها بالحيل‬
‫تجاهها‪ )،‬إذا تم نزعها أو استخراجها من الكل الذي يشكله الفيلم‪.‬‬
‫هل يأتي يوم وتكتب بنفسك أحد سيناريوهات أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫حياء أو ربما كسالً أيضاً‪ .‬والحقيقة أنني قد‬
‫قد ال أتجرأ على قول ما أريد قوله‪ً ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل السجن على كتابة سيناريو أو مواجهة عذاب الورقة البيضاء‪ .‬إن الوفاء للعمل‬
‫ّ‬
‫اإلبداعي يجمع بين الصعوبة والشغف‪ .‬دائماً أشعر بالحاجة إلى االقتراب من أحد‬
‫المؤلفين‪ .‬لم أعد أؤمن بالسيناريو االحترافي‪ .‬وأنا‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬أفضل الشخصيات) على‬
‫أي كان بمناظر طبيعية خالبة وركض خيول‪.‬‬
‫الحكاية‪ .‬ال يمكن إدهاش ٍّ‬
‫أما ما عدا ذلك فأنا لست متحفظاً على أي نوع من أنواع األفالم‪ .‬وأبحث دائماً عن‬
‫شخصيات أكثر ثراء تثير اهتمامي وتدخل قلبي كي أسعى إلى سرد حكايتها وإ ضفاء‬
‫الصدق على مغامراتها الباطنية أو الخارجية‪.‬‬
‫هل يوجد بين أفالمك السابقة فيلم تكن له محبة خاصة؟‬ ‫‪-‬‬
‫نعم‪ ،‬في هذا المنظور يمكنني ذكر "موت بال" و"فتاة للصيف" و"عمي بنجامان"‬ ‫‪-‬‬
‫ولتكن هذه فرصة كي أؤكد من جديد حاجتي الدائمة إلى التعاون مع مؤلفين حقيقيين‪،‬‬
‫مع كتّاب‪ ،‬على مستوى كتابة السيناريو‪ .‬حقاً‪ )،‬أنا ال أؤمن بالسيناريست المحترف‪.‬‬
‫وأعترف بأنني من بين األفالم العشرين التي أخرجتها‪ ،‬لم أختر حقاً سوى الثلث‪ .‬وال يمكن‬
‫التوصل إلى حرية إنجاز األفالم التي أحبها إال بعد تحقيق نجاحات) تجارية‪ .‬فالمرء يحتاج‬
‫تسره‪ ،‬حتى وإ ن تم ذلك بطريقة أنانية‪ ،‬كما حدث معي‬
‫بين الفترة والفترة إلى إخراج أفالم ّ‬
‫في شريط "الحرية مردفة"‪ .‬من المهم تحقيق التصالح مع الذات‪ ،‬على األقل بين فترة‬
‫وأخرى‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أخرجت شريط "أوسكار"…‬ ‫‪-‬‬
‫أحتاج إلى العمل‪ .‬العمل‪ .‬العمل‪ .‬ال أؤمن باالنعزال في قصر عاجي‪ .‬الشك‬ ‫‪-‬‬
‫أن هناك أنواعاً ال أجيدها‪ .‬وفي مثال "أوسكار" أعترف بأنني قدمت فيه مسرحاً أكثر‬
‫مما قدمت سينما‪.‬‬
‫ما موقفك كسينمائي؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال أنتظر شيئاً من الخلود‪ .‬لكن ما دمت أمارس هذه المهنة ينبغي أن أظل ضمن‬ ‫‪-‬‬
‫التيار‪ ،‬وإ ال ضعت‪ ،‬وغرقت‪ .‬ال يمكن الزعم بممارسة مهنة إال بالمحافظة على‬
‫الوظيفة‪ ،‬على العمل المستمر‪.‬‬
‫هل لديك موقف خاص إزاء التلفزيون؟‬ ‫‪-‬‬
‫أعتقد أننا‪ ،‬السينمائيين جميعاً‪ ،‬مدعوون اليوم أو غداً‪ ،‬إلى التعامل مع‬ ‫‪-‬‬
‫التلفزيون‪ ،‬بل أننا مجبرون على ذلك‪ .‬فالناس قللوا من توجههم إلى قاعات السينما‪.‬‬
‫وازدادت صعوبات العيش في المدن‪ .‬لم يعد أحد راغباً في الخروج ليالً‪ .‬حتى أفالمنا‬
‫السينمائية سوف تبث من خالل التلفزيون‪ .‬زد على ذلك أن التلفزيون في فرنسا يعاني‬
‫من احتكار شنيع بحيث يمكن تشبيه الوضع باحتكار أمير وحيد لمطبعة غوتببرغ في‬
‫ذلك العصر‪ .‬والحال أن وسائل التعبير ينبغي أن تكون في متناول الجميع‪.‬‬
‫وال أنكر أن مجرد عرض ‪ M. A. S. H‬في التلفزيون‪ ،‬على سبيل المثال‪ )،‬لو كان مبرمجاً‬
‫اآلن‪ ،‬لما وجدتني معك حالياً‪ ).‬سوف يأتي الوقت الذي يتم فيه تكبير شاشات التلفزيون إلى‬
‫أقصى حد ممكن‪ .‬وتوجد حلول لهذه المشاكل‪ ،‬كما في كتاب ألدوس هكسلي ‪Brave New‬‬
‫‪.World‬‬
‫ما السينما المفضلة لديك‪ ،‬وربما هي التي يفضلها جمهورك أيضاً؟‬ ‫‪-‬‬
‫أرغب في إخراج فيلم عن شخصيات راهنة‪ ،‬أعرفها‪ ،‬وأحاذيها كل يوم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأحبها‪ .‬أحب التصالح مع ذاتي‪ .‬وال يمكن للمرء أن يظل مشابهاً لذاته ما دام الزمن‬
‫متحوالً‪ ،‬حتى التناقض مع الذات هو إمكانية‪ ،‬فرصة‪ ،‬طريقة لنا كي نكون أصدق‪،‬‬
‫ربما…‬
‫ما طريقتك في اختيار الممثلين وإ دارتهم؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال يرتكز معياري في االختيار على ما ُيزعم أنه موقف مهني احترافي‪ ).‬أحتاج‬ ‫‪-‬‬
‫إلى التفاهم مع الممثلين‪ .‬فالممثل هو شخص ستتقاسم معه فترة من حياتك‪ .‬أحتاج إلى‬
‫بعض الراحة‪ ،‬والتعاون معهم‪ .‬والجانب الحرفي لتفاهمنا وانسجامنا يثير شغفي‪ .‬إنه‬
‫احتفال صغير نعيشه معاً‪ .‬هذا هو معيار اختياري للممثلين‪.‬‬
‫هل تفكر في الجمهور؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪51‬‬
‫ال يمكننا التكهن مسبقاً بما يجعل الجمهور يرتاد السينما أو يقاطعها‪ .‬وأنا‪ ،‬على‬ ‫‪-‬‬
‫أية حال‪ ،‬ال أشرع في إنجاز فيلم وأفكر في الجمهور‪ .‬وإ ذا شعرت بمسؤولية ما أثناء‬
‫التصوير‪ ،‬فهي مسؤولية تجاه نفسي أوالً‪ .‬ويظل هاجسي هو اإلعجاب بما أنجزه‪ .‬نحن‬
‫السينمائيين‪ ،‬لسنا مهمين كثيراً بالنسبة للفيلم‪ ،‬األهم هو رد فعل الجمهور أمام ما يعرض‬
‫على الشاشة‪.‬‬
‫هل هناك صنف من األفالم تملك قناعة بعدم إخراجه؟‬ ‫‪-‬‬
‫أنا ذو مزاج فضولي‪ .‬والشك أن هناك أنواعاً لم أخلق لها‪ .‬وهي أنواع أجهلها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفي هذا المجال) لدي أوهام كثيرة يتوجب علي التخلص منها‪ .‬بعد هذه المالحظات‪)،‬‬
‫يمكنني التعبير عن ولعي باإلمبراطورية الثانية‪ ،‬إذ شكلت عصراً في منتهى الروعة‪.‬‬
‫وكم تثير إعجابي الحياة الباريسية كما وصفها كل من أوفنباخ وزوال‪.‬‬

‫بيار شوندورفر ‪Pierre SCHOENDOERFFER‬‬

‫ولد في شماليير سنة ‪ .1928‬عمل ثالث سنوات ضمن المصلحة السينمائية‬ ‫‪-‬‬
‫للجيش الفرنسي في الهند الصينية‪ .‬وقع أسيراً في ديان بيان فو‪.‬‬
‫مضيق الشيطان (‪ ،1965‬جائزة بلمان‪ ،‬جائزة مدينة برلين)؛ رامونتشو (‬ ‫‪-‬‬
‫‪)1958‬؛ صيادو إيسلندا (‪)1959‬؛ الفصيلة رقم ‪ ،1964( 317‬جائزة السيناريو في‬
‫مهرجان كان ‪)1965‬؛ الهدف ‪ 500‬مليون (‪)1966‬؛ السرطان ‪ -‬قارع الطبل (‬
‫‪)1977‬؛ شرف الكابتن (‪)1988‬؛ ديان بيان فو (‪.)1991‬‬
‫للتلفزة‪ :‬ريبورتاجات عن اليمن والجزائر‪ ،‬و ‪ 25‬سنة على تأسيس األمم‬ ‫‪-‬‬
‫خلية أندرسون (‪ ،1967‬أوسكار من هوليود‪ ،‬و‪ Emmy Haward‬في‬
‫المتحدة‪ّ .‬‬
‫نيويرك)؛ دورية الفجر (‪.)1976‬‬
‫روايات‪ :‬الفصيلة رقم ‪ ،317‬وداع الملك (اقتبسها جون ميليوس للسينما مع نك‬ ‫‪-‬‬
‫نولته؛ جائزة أنتر آلييه ‪)1969‬؛ السرطان ‪ -‬قارع الطبل (‪1976‬؛ الجائزة الكبرى‬
‫للرواية التي تسندها األكاديمية الفرنسية)‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫بيار شوندورفر‪ ،‬أود في البداية أن أسالك أين تضع فيلم "السرطان ‪ -‬قارع‬ ‫‪-‬‬
‫الطبل" بالنسبة ألفالمك السابقة‪ ،‬ثم بالنسبة للرواية نفسها‪.‬‬
‫األمران مرتبطان‪ ،‬في الواقع‪ .‬إنها سلسلة بدأت بـ "الفصيلة رقم ‪"317‬‬ ‫‪-‬‬
‫وتواصلت مع "وداع الملك" لتنتهي بـ "السرطان ‪ -‬قارع الطبل"‪ .‬أما الرواية فتشير إلى‬
‫الفيلمين األول والثاني‪" .‬السرطان ‪ -‬قارع الطبل" هو جزء أخير من مغامرة‪ .‬وما‬
‫سأكتبه الحقاًُ سوف يكون مختلفاً‪ .‬وتدور أحداثه في عوالم أخرى‪ .‬فال ذكر للحدث‬
‫الرئيسي المتعلق بالحرب) في الهند الصينية‪.‬‬
‫وفي "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" يتم دفن ويلسدورف (يؤدي الدور برونو كريمر) وتظهر‬
‫صورته في إحدى الجرائد مع إشارة إلى موته في جبل آمور‪ .‬إذن فتلك هي النهاية‪ .‬وألنها‬
‫نهاية فقد اخترت أن تجري في البحر‪ .‬ففي مواجهة البحر يغدو اإلنسان مختلفاً‪ ).‬كما كان‬
‫الموقف يتطلب مياهاً جليدية وضباباً‪ .‬وذلك مثل حياة في تقدمها‪ :‬تبدأ تحت الشمس وتنتهي‬
‫في ضباب جليدي‪ .‬وما يجري على متن السفينة لم يكن من باب المصادفة بل له عالقة‬
‫بالقصة‪ .‬وأنا مقتنع بأن أحد مكامن قوة السينما يتمثل في الديكور الذي يكتسي أهمية تعادل‬
‫"الثيمة" والحركة والفعل‪.‬‬
‫قد يبدو هذا السؤال دعابة‪ ،‬لكن ألم يكن من الصعب تشغيل فرقة كاملة على‬ ‫‪-‬‬
‫متن خافرة سفن؟‬
‫أعتقد أن ذلك لم يحدث من قبل قط‪ .‬فكل المشاهد الضرورية لذلك‪ ،‬تم‬ ‫‪-‬‬
‫تصويرها على متن الخافرة‪ ).‬ورغم المخاطر والصعوبات ساد جو رائع حتى إن الوداع‬
‫كان قاسياً‪ ،‬سواء بالنسبة إلينا أم بالنسبة للبحارة‪).‬‬
‫كيف يتناوب الكاتب والسينمائي ويتكامالن فيك؟‬ ‫‪-‬‬
‫أوالً‪ ،‬بالنسبة لسيناريو "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" كتبته باالشتراك مع فرنسوا‬ ‫‪-‬‬
‫شوفيل‪ .‬ألنني ملتصق كثيراً بالرواية وال أستطيع تحويلها وحدي‪ .‬وكان العمل معه‬
‫رائعاً‪ .‬فلم نقتبس من الرواية إال جزءاً بسيطاً وإ ال تطلب الفيلم عشر ساعات‪.‬‬
‫ما هي أهم الكتب لديك؟‬ ‫‪-‬‬
‫هناك بعض روايات جوزيف كونراد‪ ،‬باسكال‪ ،‬مالرو‪ ،‬كبلنغ‪ .‬ورغم أن هذا‬ ‫‪-‬‬
‫األخير يقدم باعتباره استعمارياً انجليزياً وكولونيالياً امبريالياً‪ ،‬فأنا أجد قوالً مأثوراً‬
‫أذكره أمام منتقديه دائماً؛ والقول عبارة عن كتابة على شاهدة قبر خاصة بالجنود‬
‫االنجليز الذين ماتوا بين ‪ 1914‬و‪If any question why we died, tell( 1918‬‬
‫‪.)them because our fathers lyed‬‬

‫‪53‬‬
‫"إذا ُسئلتم‪ :‬لم متنا؟ أجيبوا‪ :‬ألن آباءنا كذبوا علينا"‪ .‬هذا يكاد يكون موقفاً ذا نزعة يسارية‪.‬‬
‫زد على ذلك أن حبه للهند لم يكن حباً إمبريالياً‪ .‬وكتابه "كيم" هو كتاب في منتهى الروعة‪.‬‬
‫هل لديك إعجاب خاص بمخرجين آخرين؟‬ ‫‪-‬‬
‫حول مجرى حياتي‪ .‬هناك طبعاً سينمائيون أحبهم‪ .‬لكن ربما لم تكن‬
‫ما من فيلم ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ثقافتي السينمائية كافية‪ .‬يمكنني ذكر سينمائيين أميركيين كثيرين‪ .‬ومع ذلك يوجد‬
‫سينمائي أحبه وأغبطه‪ ،‬انه كوروساوا‪.‬‬
‫ما رأيك في الصورة‪ ،‬كما تتجلى سينمائياً وتلفزياً؟‬ ‫‪-‬‬
‫هذا األمر ال يتطلب موقفين مختلفين حقاً‪ .‬وبالمقابل أجد أن عالقة مشاهد‬ ‫‪-‬‬
‫التلفزيون بجهازه تختلف عن عالقة هاوي السينما بالشاشة‪ .‬فالمتفرج على التلفزيون ال‬
‫يقوم بجهد الخروج من بيته ودفع ثمن تذكرته‪ ،‬وألن الشاشة أصغر فإن تأثيرها أقل‪ .‬أما‬
‫تحول عنه نظرك ثانية واحدة‪.‬‬
‫الفيلم الجميل في السينما فهو جذاب يجعلك ال ّ‬
‫في الواقع يختلف اإليقاع وبناء الصورة ما بين التلفزيون والسينما‪ .‬وكذلك الشأن بالنسبة‬
‫الختيار المواضيع‪ .‬وما أحاوله شخصياً في التلفزيون هو عمل‪ ،‬كانت تسمح به السينما في‬
‫الماضي ولم تعد كذلك‪ :‬إنه الريبورتواج الشامل‪ .‬وكذلك إجراء المقابالت) مع الشخصيات‬
‫المشهورة‪.‬‬
‫عندما تؤلف كتاباً‪ ،‬هل تكون قادراً على التفكير في فيلم‪ ،‬والعكس بالعكس؟‬ ‫‪-‬‬
‫آه! كال‪ .‬ال أركض إال وراء أرنب واحد في كل مرة‪ .‬وحتى عندما أشرع في‬ ‫‪-‬‬
‫الكتابة ال أفكر في تحويل الكتاب إلى السينما‪ .‬وعندما أنشغل بتصوير فيلم أكون في‬
‫حالة انجذاب إليه بحيث ال أفكر في أي شيء آخر‪ .‬وال تشغلني إال المحافظة على الخط‬
‫الرئيسي للسيناريو‪ ،‬والتكيف الممكن مع ما هو مختلف عن األصل‪ ،‬أو لم ِ‬
‫ير ْد فيه‪.‬‬
‫ما طريقتك في اختيار الممثلين ثم التعامل معهم؟‬ ‫‪-‬‬
‫في شريط "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" تحديداً‪ ،‬كان هناك ممثالن اخترتهما منذ‬ ‫‪-‬‬
‫البداية‪ .‬وهما دوفيلهو وريتش‪ .‬أما روشفور فهو الذي أراد المساهمة في الفيلم‪ .‬إن‬
‫اختيار الممثلين يجمع بين الضرورة والمصادفة‪ .‬وينبغي أيضاً مراعاة المنتجين‬
‫والموزعين الذين يرغبون في وجود نجم‪.‬‬
‫كيف بدأت موهبتك السينمائية؟‬ ‫‪-‬‬
‫يعود ذلك إلى العام ‪ .1947‬كنت بحاراً آنذاك‪ ،‬على متى سفينة سويدية‪ .‬وأثناء‬ ‫‪-‬‬
‫نوبتي الليلية أمام مقبض الدفة‪ ،‬ونحن عائدون من غدانسك‪ ،‬انطلقت أتساءل حول‬
‫حياتي‪ .‬هل أمضيها بحاراً فقط؟ شعرت ببعض األلم والريبة‪ .‬وتذكرت بأنني تخليت‬
‫عن دراستي بسبب اإلفراط في ارتياد قاعات السينما‪ .‬عندئذ قلت‪ ):‬هوذا الحل البد أن‬

‫‪54‬‬
‫أصير سينمائياً‪ .‬لكن الوسائل كانت تنقصني‪ .‬وعندما عدت إلى فرنسا سنة ‪1948‬‬
‫طرقت كل األبواب بال جدوى‪ .‬ثم أديت خدمتي العسكرية‪ .‬وذات يوم قرأت مقاالً‬
‫لسيرج برومبرغر حول "المصلحة السينمائية للجيش الفرنسي في الهند الصينية"‪.‬‬
‫فقلت‪ ):‬هذه فرصتي‪ .‬وهكذا تطوعت في الجيش آمالً أن أقبل ضمن تلك المصلحة‪ .‬وقد‬
‫تم ذلك وكلفت بمهمة مصور بالكاميرا (كاميرامان)‪ .‬كان ذلك أول باب يفتح أمامي‪ .‬أما‬
‫الباب الثاني فيتمثل في تحولي إلى اإلخراج‪ ).‬ويعود الفضل) فيه إلى جوزيف كيسل‪.‬‬
‫فعندما غادرت الهند الصينية سنة ‪ 1955‬التقيته في هونغ كونغ‪ .‬اهتم بتجربتي لمدة‬
‫ثالث سنوات في تلك المنطقة وطلب مني اللقاء) في فرنسا‪ .‬وهكذا وضع قدمي في‬
‫ركاب السينما رغم أنف مركز السينماتوغرافيا الفرنسية‪ .‬وكان شريط "مضيق‬
‫الشيطان" الذي أخرجته باالشتراك مع جاك ديبون قد تم تصويره في أفغانستان‪،‬‬
‫واستقدمت من أجله الممثل كوتار من الهند الصينية‪ .‬وبذلك كان أول فيلم يظهر فيه‬
‫كوتار‪.‬‬
‫يتميز شوندورفر بحس ملحمي سواء أكان كاتباً أم سينمائياً…‬ ‫‪-‬‬
‫تغذيت من تجربتي كبحار في بحر الشمال وبحر البلطيق‪ .‬ثم كانت تجربة الهند‬ ‫‪-‬‬
‫الصينية التي جمعت بين اكتشاف الجيش ‪ -‬ألنني لم أكتشفه حقاً حتى أثناء خدمتي‬
‫العسكرية ‪ -‬واكتشاف الحرب‪ )،‬والشرق األقصى‪ ،‬وشعوبه‪ ،‬ثم الوقوع في األسر‪.‬‬
‫تلك التجربة جعلتني أختزن الكثير وأحتاج إلى السفر‪ ،‬إلى البحر‪ ،‬الغابات‪ )،‬الصحراء‪).‬‬
‫عندما تصور أفالمك‪ ،‬هل تفكر في الجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫أنا أول الجمهور‪ .‬أحاول منذ البداية إنجاز ما يثير اهتمامي‪ .‬والسؤال الذي‬ ‫‪-‬‬
‫أطرحه دائماً أثناء المونتاج‪ ،‬وعلى مسامع زمالئي‪" :‬هل هذا ممل"؟ الفيلم‪ ،‬في نظري‪،‬‬
‫يشبه يداً ممدودة كي تصافح‪ .‬لحظة المصافحة هي التي تهمني‪ .‬لكن الجمهور ال‬
‫يشغلني‪ .‬بل يشغلني ما أنجزه كي يصير يداً "جميلة" ممدودة للمصافحة‪ ).‬وهذا شأن‬
‫الرواية أيضاً‪).‬‬
‫ما هي اللحظات التي تفضلها أثناء اإلخراج؟‬ ‫‪-‬‬
‫التحضير يكون منهكاً‪ .‬وكذلك اليوم األول‪ .‬ثم يتم االنطالق‪ .‬ويحصل سباق‬ ‫‪-‬‬
‫مع الزمن‪ .‬ويعم الفرح األكبر بعد ثمانية أيام عندما ندرك مدى التقدم الذي حققناه‬
‫كممثلين وتقنيين‪ .‬كل فيلم هو مغامرة نخرج منها مختلفين‪.‬‬
‫أما زلت محباً للسينما ومشاهدتها؟‬ ‫‪-‬‬
‫كال‪ .‬فقد أمضيت ما يقارب األربع سنوات في "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" كتاباً‬ ‫‪-‬‬
‫وفيلماً‪ .‬أعتقد أنني شاهدت ثالثة أفالم فقط من بينها "درسو أوزاال" لكوروساوا‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫هل تعيد مشاهدة أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال‪ .‬لكن إذا احتجت إلى توضيح أمر ما‪ ،‬إلى شخص أعمل معه‪ ،‬أعرض عليه‬ ‫‪-‬‬
‫فيلماً لسبب محدد‪.‬‬
‫ما دور الموسيقى في أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫كان العمل ممتعاً مع فيليب سارد في فيلم "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" إنه فنان‬ ‫‪-‬‬
‫رائع‪ .‬في السابق لم أهتم كثيراً بالجانب) الموسيقي في أفالمي‪ .‬أما في هذا الفيلم فقد‬
‫عبرت موسيقى فيليب سارد عن أحاسيسي وتعانقت موسيقانا‪ .‬ذلك أن موسيقاه أيضاً‬
‫ّ‬
‫تثير إحساسا عالياً بالقدر وتوحي به‪.‬‬
‫هل تعطي أولوية للتقنية؟‬ ‫‪-‬‬
‫لست تقنياً في مجال اإلخراج‪ ).‬تتحرك الكاميرا‪ )،‬بالنسبة لي تلقائياً‪ ).‬لست أنا من‬ ‫‪-‬‬
‫يختار مواضعها بل ربما الضرورة‪ .‬وهذا ال يمنع إلمامي بما أريد الحصول عليه‪:‬‬
‫غير الشريط الممغنط كل‬
‫الصورة‪ .‬هكذا أتخلص من حالة الجمود في األستوديو‪ .‬لقد ّ‬
‫شيء بالنسبة للصوت‪ )،‬فازدادت حدته‪ .‬والشريط الصوتي في الفيلم ال يقل أهمية عن‬
‫الصورة في نظري‪.‬‬
‫هل من شانك قبول إخراج فيلم حسب الطلب؟‬ ‫‪-‬‬
‫هناك قصص جميلة كثيرة لم أكتبها وأتمنى إخراجها‪ ).‬أما التعامل مع سيناريو‬ ‫‪-‬‬
‫جاهز تماماً‪ ،‬فهذا ما لن أقبله‪ .‬أحتاج إلى التدخل في التفاصيل‪.‬‬
‫انطالقاً من الموقع الذي أنت فيه هل بت تشعر بضرورة التناوب بين الكتابة‬ ‫‪-‬‬
‫واإلخراج؟‬
‫قبل "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" كنت أفكر في التخلي عن اإلخراج‪ .‬لكنني سعيد‬ ‫‪-‬‬
‫بحدوث العكس‪ .‬إذ فرض علي ذلك نفساً جديداً‪ .‬غير أنني لن أسعى إلى إخراج خمسة‬
‫أو ستة أفالم متعاقبة‪ .‬ربما أخرج فيلماً واحداً ثم أعود إلى الريبورتاج للتلفزيون‪ ،‬أو‬
‫انكب على تأليف كتاب بدأت مالمحه تتضح‪ .‬أحتاج إلى التغيير‪ .‬والتلفزيون مهم‬
‫بالنسبة لي‪ .‬ويعجبني كثيراً إخراج الريبورتاجات) الكثيرة‪ .‬إنه عمل مدهش‪.‬‬
‫أين نضع شريط "السرطان ‪ -‬قارع الطبل" بالنسبة لإلنتاج السينمائي‬ ‫‪-‬‬
‫الفرنسي؟‬
‫أعتقد أنه شريط مختلف عما يقدم حالياً‪ ،‬سواء بالنسبة الهتماماته أم بالنسبة‬ ‫‪-‬‬
‫للديكور‪ .‬وإ ذا لم يكن ينتسب إلى مجرى السينما الفرنسية الراهنة فهو بالتأكيد ينتسب‬
‫إلى مجراها العميق‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫جاك دوراي ‪Jacques DERAY‬‬

‫ولد في ليون سنة ‪ .1929‬بدأ ممثالً ثم مساعداً للمخرجين‪ :‬جيل غرانجييه‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫لويس بونويل‪ ،‬جول داسان…‬
‫جيكولو (‪ )1960‬ريفيفي في طوطيو (‪)1962‬؛ سمفونية للقتل (‪)1963‬؛‬ ‫‪-‬‬
‫بجثث اآلخرين (‪)1966‬؛ المسبح (‪)1968‬؛ بورسالينو (‪)1969‬؛ قليل من الشمس في‬
‫الماء البارد (‪)1971‬؛ رجل ميت (‪)1972‬؛ بورسالينو وشركاؤه (‪)1974‬؛ حكاية‬
‫شرطي (‪)1975‬؛ العصابة (‪)1976‬؛ فراشة على الكتف (‪)1977‬؛ ثالثة رجال للقتل (‬
‫المتوحد (‪)1987‬؛‬
‫ّ‬ ‫‪)1980‬؛ الهامشي (‪)1983‬؛ ال يموت المرء إال مرتين (‪)1985‬؛‬
‫دب القطيفة (‪.)1994‬‬
‫الغابات) السوداء (‪)1989‬؛ نيتشاييف يعود (‪)1990‬؛ ّ‬
‫جاك ديري‪ ،‬ما المعايير التي تجعلك تقرر إخراج فيلم؟‬ ‫‪-‬‬
‫أعتقد أن كل فيلم هو محاولة لتجسيد نموذج أصلي‪ .‬وتظل للمخرج شخصيته‬ ‫‪-‬‬
‫المتميزة حتى يمارس المهنة‪ .‬فأنا مثالً ال أستطيع إخراج فيلم هزلي‪ .‬وال يمكن للمخرج‬
‫التعامل مع كل األجناس السينمائية‪ .‬فقد تشكلت له صورة مميزة في ذهن الجمهور‪ .‬وال‬
‫يجب أن يشوش تلك الصورة إذا كان يريد من ذلك الجمهور أن يذهب لمشاهدة شريطه‬
‫القادم‪ .‬وهكذا نجد المخرج بونويل منخرطاً في عمله في إطار شخصيته وهواجسه‪.‬‬
‫وااللتزام المناسب للمخرج هو في االنكباب على إيجاد الموضوع‪ ،‬أو القصة التي‬
‫ينعكس فيها المجتمع‪ ،‬أو البلد‪ ،‬حيث تجري األحداث‪.‬‬
‫البد للمخرج أن يترك بصماته الخاصة على أفالمه‪ .‬وهذا ما يجعلني مقتنعاً بأن السينما‬
‫الملتزمة بطريقة متعمدة لن يكتب لها الدوام‪ .‬أكبر رهان بالنسبة إلي أي فيلم هو أن يعود‬
‫المرء إلى مشاهدته بعد أعوام وال يشعر بالخيبة‪ .‬وهذا يتطلب معايشته العصر‪.‬‬
‫قبل تحولك إلى اإلخراج َمن كان يعجبك من السينمائيين؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪57‬‬
‫في مرحلة الشباب ذهبت عدة مرات إلعادة مشاهدة أفالم مثل "بيبي لوموكو"‬ ‫‪-‬‬
‫و"أطفال الجنة" وكذلك "بوني وكاليد" الذي ليس مجرد شريط عن عصابات األشرار‪.‬‬
‫حتى أنني عندما أخرجت "بجثث اآلخرين" أردت التعرض إلى عالم الجاسوسية‬
‫الغامض‪ .‬ولم أعد إلى ذلك الحقاً‪ ).‬ويبدو أن الفيلم قد ظهر في وقت مبكر أكثر مما‬
‫يجب‪.‬‬
‫أما زلت تتردد على قاعات السينما؟‬ ‫‪-‬‬
‫عندما أكون في قاعة معتمة ال أنتبه إلى الجوانب التقنية في الفيلم المعروض‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولدى خروجي يالزمني إحساس المغرم بالسينما‪ .‬لم أنفك مأخوذاً بسحر السينما‪ .‬وفي‬
‫هذا السياق يؤسفني التنظيم الجديد لقاعات) السينما‪ ،‬وإ لغاء القاعات) الواسعة لصالح‬
‫سلسلة القاعات) الصغيرة‪ .‬ويحدث أحياناً أن أذهب لمشاهدة فيلم من زاوية نظر‬
‫احترافية‪ .‬عندئذ أكف عن كوني مجرد متفرج‪.‬‬
‫لست أدري كيف أفسر طريقتي في اختيار األفالم التي أذهب إلى مشاهدتها‪ ،‬تماماً كما ال‬
‫أستطيع تفسير السبب الذي يجعل هذه القاعة أو تلك‪ ،‬غاصة بالمتفرجين منذ العرض األول‬
‫للفيلم‪ .‬هناك نوع من اللغز في سلوك الجمهور‪ .‬وأنا شديد االهتمام بهذه الظاهرة‪ .‬أحب‬
‫أيضاً مشاهدة أفالمي مع الجمهور‪ ،‬لكن بشكل خفي‪ .‬وهناك أشعر بدفع معنوي عال‪.‬‬
‫في موازاة ذلك أرى أن على المخرج أن يبدأ بإنجاز شريطه عندما تتوافر لديه الرغبة في‬
‫ذلك‪ ،‬وأال يسمح بعرضه مباشرة بعد االنتهاء منه‪ .‬فهناك توقيت أفضل من آخر‪ ،‬دائماً‪.‬‬
‫طبعاً هذا سالح ذو حدين‪ ،‬إذ يمكن للفيلم أن يفقد من تأثيره مع الزمن‪.‬‬
‫كيف يتم بناء الفيلم‪ ،‬من لحظة تبلور الفكرة إلى تطور نسخته األولى؟‬ ‫‪-‬‬
‫ينقسم إخراج الفيلم إلى عدة مراحل‪ .‬في المرحلة األولى يكون الدور لعمل‬ ‫‪-‬‬
‫المخيلة‪ .‬بعد ذلك تأتي مرحلة الكتابة مع المؤلفين‪ .‬وفي هذه المرحلة يكون هناك فيلم‬
‫جاهز في حد ذاته‪ .‬أما التصوير فيؤدي إلى ظهور فيلم آخر‪ .‬ويمكن التوصل إلى فيلم‬
‫ثالث خالل مرحلة المونتاج‪ ،‬أو العودة إلى األول‪ ،‬وهكذا يمكن أن يتم اللقاء) بين شكلي‬
‫الكتابة‪ .‬فترة التصوير هي األقصر واألكثر إمتاعاً‪ .‬إذ يتم الخروج من مراحل القلق‬
‫واالضطراب‪ ،‬والدخول في حالة من الفرح تدوم بضعة أيام‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬هل يكون الجمهور حاضراً؟‬ ‫‪-‬‬
‫لست ممن يقولون إنهم ينجزون أفالمهم لذواتهم‪ .‬والشك أن للجمهور‪ ،‬الذي ال‬ ‫‪-‬‬
‫يفتقر إلى الوعي والرشد‪ ،‬كلمته‪ .‬ويستطيع الحكم على عملك‪ .‬أما إخراج أفالم شعبية‬
‫فهو ال يمنع المخرج من إنجاز أفالم شخصية‪.‬‬
‫ما إيقاعك األمثل في اإلخراج؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪58‬‬
‫يصعب إخراج أكثر من فيلم في السنة‪ .‬المخرج مرتبط بالمنتج‪ .‬والمنتج بدوره‬ ‫‪-‬‬
‫ال يستطيع إنتاج أكثر من فيلم سنوياً‪ .‬اإليقاع األمثل هو إخراج فيلم واحد سنوياً أو‬
‫فيلمين كل ثالث سنوات‪ .‬هذا هو الحد األقصى إذا كان هناك اكتراث بالمحافظة على‬
‫نوع من األسلوب‪.‬‬
‫ُيعرف عنك اقتدارك في مجال التشويق؟‬ ‫‪-‬‬
‫هو مجال آمل دائماً العودة إليه‪ .‬لكن الجمهور صار متطلباً أكثر‪ .‬والبد‬ ‫‪-‬‬
‫للمخرج أن يتجاوز إمكانيات خياله‪ .‬لم يعد التشويق متمثالً في باب يئز‪ ،‬بل هو بالتأكيد‬
‫وصف لموقف استثنائي‪ ،‬ويتطلب‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬جعل المتفرج متواطئاً‪ .‬في أفالم‬
‫التشويق والتوتر يتكون انطباع لدى المتفرج بأنه اكتشف مفتاح اللغز في وقت واحد مع‬
‫المخرج‪ ).‬وما يفرح الجمهور أيضاً هو أن يتم تنبيهه قبل الممثل ببضع صور‪.‬‬
‫ويزداد التشويق إذا تم في ديكور رائق وهادئ‪ .‬وهكذا كان موت موريس رونيه‪ ،‬في‬
‫فيلم "المسبح" داخل جو حار بينما يتعالى أزيز جدجد‪ ،‬أكثر تأثيراً مما لو مات وهو يسوق‬
‫سيارة بسرعة ‪ 130‬كلم في الساعة‪.‬‬
‫هل تسعى إلى التعبير عن نوع من الرمزية في أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫ليست رموزاً بقدر ما هي هواجس‪ .‬ففي شريط "المسبح" كان هناك الشك‬ ‫‪-‬‬
‫والقلق‪ .‬أنا حساس‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬تجاه األجواء والديكور‪ .‬وحتى عندما أدرج بعض‬
‫مشاهد اإلثارة الجنسية ال يكون ذلك تنازالً للموضة‪ ،‬بل من أجل موضعة شخصياتي‪.‬‬
‫لدى تصوير "ريفيفي في طوكيو" كانت المدينة طاغية الحضور بحيث الح الممثلون‬
‫وكأنهم يحملونها في دواخلهم‪ .‬أما بالنسبة لفيلم "رجال مراكش" فقد تركت مسافة ابتعاد‬
‫عن الشخصيات إلى أن اكتسبت المناظر الطبيعية أهمية كبرى‪ .‬كان ديكور هو عنصر‬
‫حركة وسيكولوجيا‪.‬‬
‫هل هناك مواضيع تحلم بنقلها إلى الشاشة؟‬ ‫‪-‬‬
‫طبعاً‪ .‬سوف يكون من الممتع إخراج معركة يشارك فيها خمسة آالف شخص‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كما يظل شريط الوسترن حلم طفولتي‪ .‬ولقد فكرت أيضاً في إخراج بعض قصص‬
‫ألفونس آليه‪ .‬لكن مجرد التزامي بفيلم واحد يمنعني من التفكير في أي شيء آخر‪.‬‬
‫ما موقفك من التلفزيون؟‬ ‫‪-‬‬
‫أعتقد صراحة أنه سوف يصير ذا آفاق واسعة‪ ،‬خاصة إذا حافظ على أساليبه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وينبغى على السينما أن تفعل ذلك أيضاً‪ ).‬ما يعجبني في التلفزيون هو ما يعتبر مستحيالً‬
‫في السينما‪ :‬البث المباشر‪ .‬غير أن البث المباشر ال يخلو من التزوير والتركيب في‬

‫‪59‬‬
‫أحيان كثيرة‪ .‬وهذا نقص في الصدقية والشرف‪ .‬خاصة وان التلفزيون من شأنه التعبير‬
‫تعوض‪.‬‬
‫عن حقائق ال ّ‬
‫هل تعتقد في إمكانية العودة إلى األسود واألبيض؟‬ ‫‪-‬‬
‫اآلن البد من نسيان ذلك‪ .‬وسوف تظل له جاذبية استثنائية مثل السيارات‬ ‫‪-‬‬
‫القديمة‪ .‬وال يمكن العودة إلى التصوير باألسود واألبيض إال إذا تم ذلك على سابق‬
‫تصميم ولضرورة فنية‪ .‬كذلك الشأن بالنسبة للتلفزيون‪ .‬وهو أفضل في خلق أجواء‬
‫بوليسية على األقل‪.‬‬
‫كيف تصف مهنتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫كل مخرج هو رجل فرجة‪ .‬وعلى هذا المستوى هناك تنافذ ما بين السينما‬ ‫‪-‬‬
‫والتلفزيون والمسرح‪ .‬فئات الجمهور هي التي تختلف‪ .‬أكره النجاح الكاذب‬
‫واالستعراضي‪ .‬ال يكون النجاح) حقيقياً إال في عالقته بالذات‪).‬‬
‫ما موقفك من السينما الجديدة؟‬ ‫‪-‬‬
‫مع ازدياد المخرجين يزداد رضاي‪ .‬لكن المشكلة تكمن في فقدان الحماسة‬ ‫‪-‬‬
‫والولع‪ .‬لذلك كنت حذراً من جماعة "الموجة الجديدة" وسميتهم "السينماويين" جرذان‬
‫السينماتيك‪ .‬الكثير من الشباب يريدون السهولة‪ .‬ال بد من االنتظار‪ .‬فالحكم ال يتم‬
‫انطالقاً من فيلم واحد‪ .‬والسينما ليست مجرد صور‪ .‬إن صورة واحدة يمكن أن تعادل‬
‫كتاباً‪.‬‬
‫ما كان قصدك عندما أخرجت أكثر من فيلم بعنوان "بورسالينو"؟‬ ‫‪-‬‬
‫يبدأ الفيلم كحكاية صداقة وتواطؤ بين مراهقين متهورين يقومان بعدة عمليات‬ ‫‪-‬‬
‫نصب واحتيال في مرسيليا خالل الثالثينات‪ .‬ثم ينتقالن إلى استخدام األسلحة‬
‫والمساهمة في ما يشبه حروب العصابات‪ ).‬وكانت تلك أول مرة يجتمع فيها ألن ديلون‬
‫وجان بول بلموندو‪ .‬من جهة أخرى أردت العودة إلى تقليد فرنسي مثله بيكر‪ ،‬وكارني‪،‬‬
‫ودوفيفييه‪ ،‬سابقاً؛ أي تقليد سينما (األكشن) وتأزم األحداث على الطريقة الفرنسية‪ .‬زد‬
‫على ذلك أنني معجب باألفالم البوليسية وحاولت التعامل مع شروطها انطالقاً من تلك‬
‫المقاصد كلها اخترت سيناريو جان كلود كاريير‪ .‬فقد كان ذلك هو عمله األول ولم‬
‫يشوشه أسلوب السينما البوليسية الفرنسية بعد‪.‬‬
‫في شريط "رجل ميت" وعلى الرغم من وجود بعض الممثلين الفرنسيين‪ ،‬فقد‬ ‫‪-‬‬
‫أخرجت شريطاً أميركيا في الواليات المتحدة؟‬
‫لقد أمتعتنا األفالم البوليسية األميركية لزمن طويل‪ .‬وعكست مرحلة‪ .‬وعندما‬ ‫‪-‬‬
‫أخرجت) "رجل ميت" سعيت إلى تفادي الفلكلور وعدم محاكمة بلد‪ .‬وكان جان لوي‬

‫‪60‬‬
‫ترنتينيان‪ ،‬في الفيلم‪ ،‬هو الوسيط الذي تشكلت لدي‪ ،‬من خالله‪ ،‬رؤية أمريكا‪ .‬تماماً مثل‬
‫طوكيو من خالل "ريفيفي"‪ ،‬وفيينا من خالل فيلم "بجثث اآلخرين"‪ .‬لقد فتنتني لوس‬
‫أنجلس‪ .‬ولهذا وضعت اسمها في شارة الفيلم‪.‬‬
‫عمل معك‪ ،‬في هذا الشريط‪ ،‬ممثلون أميركيون أيضاً…‬ ‫‪-‬‬
‫توجب علي أن أدرس سلوكهم عن قرب‪ .‬إنهم مختلفون عن الفرنسيين‪ .‬في‬ ‫‪-‬‬
‫البداية كانوا ينعزلون في مقصورتهم‪ .‬وإ ثر تصوير أحد المشاهد ينسحبون‪ .‬لكنهم في‬
‫النهاية بدأوا باالندماج مع الفرنسيين‪ .‬وقد الحظوا أن طريقة العمل الفرنسية ال تخلو‬
‫من جوانب إيجابية رغم أنها ال تزال أقرب إلى الحرفية‪ .‬والممثل األميركي‪ ،‬بشكل‬
‫عام‪ ،‬يناقش دوره قبل التصوير‪ ،‬وال يفعل ذلك أبداً على "البالتوه"‪.‬‬

‫كلود شابرول ‪Claude CHABROL‬‬

‫ولد في باريس سنة ‪ .1930‬ناقد في "دفاتر السينما"‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫سيرج الجميل (‪)1958‬؛ أبناء العم (‪)1959‬؛ الباب موصد جيداً (‪)1959‬؛‬ ‫‪-‬‬
‫المسنات (‪)1960‬؛ عين الماكر (‪)1961‬؛ الندرو (‪)1966‬؛ فلتمت البهيمة (‬
‫ّ‬ ‫النساء‬
‫الجزار (‪)1969‬؛ العقد االستثنائي (‪)1971‬؛ نادا (‪)1974‬؛ أليس‪ ،‬أو‬
‫‪)1969‬؛ ّ‬
‫الهروب األخير (‪)1977‬؛ )‪Blood Relatives (1977 - 1978‬؛ فيوليت نوزيير (‬
‫‪)1978‬؛ حصان الكبرياء؛) أشباح صانع القبعات (‪)1982‬؛ دم اآلخرين (‪)1983‬؛‬
‫فروج بالخ ّل (‪)1984‬؛ المفتش الفاردان (‪)1985‬؛ نعيق البومة (‪)1987‬؛ قضية امرأة‬
‫(‪)1988‬؛ بتّي (‪)1991‬؛ الجحيم (‪.)1994‬‬
‫للتلفزيون‪ :‬السيد ليسزت‪ ،‬فانتوماس‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كلود شابرول؛ ما هو تصورك لمهنة المخرج؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪61‬‬
‫يتمثل عمل المخرج‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬في محاولة خلق شخصيات وجعلها تتطور‬ ‫‪-‬‬
‫أفضل العمل بهدوء‪ ،‬أي في‬
‫بحيث تصير نموذجية أو مثيرة لالهتمام‪ .‬وأنا شخصياً ّ‬
‫ظروف مناسبة‪ .‬وال ينبغي السعي إلى استغباء الجمهور أو إبهاره‪ .‬فهذه الطريقة تؤدي‬
‫بالمخرج إلى نضوب قريحته‪.‬‬
‫ما الظروف التي تجعلك تقرر إخراج فيلم؟‬ ‫‪-‬‬
‫أحاول إنجاز ما أرغب في إنجازه‪ .‬إال في حالة شريط "الخط الفاصل" الذي لم‬ ‫‪-‬‬
‫أشعر تجاهه بأنني أقدم فيلماً حقيقياً وأتحمل مسؤوليته‪ .‬أحلم بإنجاز أعمال متكاملة‪ .‬لكن‬
‫اإلمكانيات المالية تحول دون ذلك دائماً‪ .‬وكم يعجبني إخراج أفالم ذات تكاليف عالية‬
‫عن أشياء تافهة‪ :‬الموضة سنة ‪ 1900‬مثالً‪.‬‬
‫هل تشعر بمسؤولية خاصة لكونك مخرجاً؟‬ ‫‪-‬‬
‫هدفي من السينما ليس الثروة‪ .‬ومن المؤسف أن المنتجين يريدون العكس‪ ،‬ومع‬ ‫‪-‬‬
‫ذلك ال يتوصلون إلى تحقيقه دائماً‪ .‬تعرف أنني أحب السينما األميركية غير أنني أقر‬
‫بأن الجانب) الوحيد السيئ فيها هو عبادة النجوم‪ .‬أما أنا فأعتبر مدير التصوير الجيد‪ ،‬أو‬
‫مدير اإلنتاج البارع‪ ،‬أهم من النجم‪ ،‬من أجل إخراج فيلم‪ .‬وهذا يجعلني أبدي أسفي تجاه‬
‫السينما األميركية التي بدأت "تتأورب"‪ .‬هذا أمر سيء وخطير‪.‬‬
‫ما هو إيقاعك النموذجي في العمل؟‬ ‫‪-‬‬
‫قد يكون بمعدل شريطين سنوياً؛ أي أن يكون أحدهما "ثقيالً‪ ،‬والثاني "خفيفاً"‪).‬‬ ‫‪-‬‬
‫والبد من استراحة ما بين إخراجين‪ .‬مع ذلك ينبغي أن يتم اإلخراج في أسرع وقت‬
‫ممكن‪ ،‬لكن من دون ممارسة ضغوط على العاملين‪ .‬البد من تفادي اإلفراط في‬
‫االتجاهين‪ :‬اإلخراج خالل أسبوعين‪ ،‬أو إنجازه خالل اثني عشر أسبوعاً‪.‬‬
‫تفضل بعض أفالمك على غيرها؟‬
‫هل ّ‬ ‫‪-‬‬
‫عادة ما يكون فيلمي المفضل هو الذي لم أشاهده منذ أمد طويل‪ .‬لكنني أفضل‬ ‫‪-‬‬
‫عليه أيضاً آخر فيلم‪ ،‬أي الذي أكون قد انتهيت من إخراجه‪ ،‬إذ يحصل لدي انطباع بأنه‬
‫يتضمن مشاهد ناجحة أكثر مما في األفالم السابقة‪.‬‬
‫هل أنت على استعداد إلخراج أي صنف من األفالم؟ هل تقبل ذات يوم بإخراج‬ ‫‪-‬‬
‫فيلم وسترن أو فيلم هزلي؟‬
‫إن تعلقي بأفالم الوسترن يمنعني من إخراج فيلم على الطريقة اإليطالية‪ .‬وحتى‬ ‫‪-‬‬
‫ما ينجزه المخرجون األميركيون الشباب ال يتماشى وتقاليد هذا النوع‪ .‬أقول هذا بكل‬
‫تواضع‪ .‬أعتقد أن إحدى فضائل الوسترن هي إظهار أبطاله يتحدون المخاطر أو‬

‫‪62‬‬
‫يعيشونها‪ ،‬دون أن يعني ذلك عدم التمتع بالحياة‪ ).‬تلك هي شروط أي ملحمة‪ .‬أما األفالم‬
‫الهزلية أو الفكاهية فهي تتطلب أمواالً طائلة‪ ،‬إنها أموال طائلة ال تظهر على الشاشة‪.‬‬
‫ما معاييرك في اختيار الممثلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫انطالقاً من درجة االستلطاف‪ .‬ولدي أصدقاء كثيرون من بينهم‪ ،‬بحيث ال أجد‬ ‫‪-‬‬
‫صعوبة في إيجاد ممثلين للشخصيات‪ ).‬وال أميل إلى النجوم والممثلين المشهورين‬
‫كثيراً‪ .‬فهم يخضعون لشهرتهم وأسطورتهم‪ ،‬وجمهورهم ليس جمهوري بالضرورة‪.‬‬
‫من يعجبك من السينمائيين السابقين؟‬ ‫‪-‬‬
‫أولئك الذين نكتشفهم وندللهم كثيراً من أمثال فريتز النغ‪ ،‬وارست لوبيتش‪ ،‬دون‬ ‫‪-‬‬
‫أن أنسى ألفريد هيتشكوك الذي أكن له إعجاباً خاصاً‪ .‬لكنني أقرب إلى النغ مني إلى‬
‫هيتشكوك‪ ،‬خصوصاً مع محاوالتي االبتعاد عنه‪.‬‬
‫كثيراً ما تظهر في أفالمك على طريقة هيتشكوك‪ ،‬لماذا؟‬ ‫‪-‬‬
‫أديته كان في شريط "طريق كورنثيا"‪.‬‬
‫كممثل أجد نفسي رائعاً‪ .‬وأفضل دور ّ‬ ‫‪-‬‬
‫لنتحدث عن الحالة الخاصة بأحد أفالمك‪ ،‬وليكن شريط "فلتمت البهيمة"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫هو شريط رغبت في إخراجه ألن شخصياته أعجبتني‪ .‬وهو مقتبس من كتاب‬ ‫‪-‬‬
‫بوليسي يعود إلى مرحلة ما قبل الحرب‪ ،‬وقد قرأته بعدها‪ .‬ذات يوم تذكرته ورغبت في‬
‫اقتباسه وتحويله إلى فيلم‪ .‬وجدت صعوبة في البداية‪ .‬فالمنتجون أبدوا مخاوفهم ألنهم‬
‫وجدوا الكتاب قريباً من أسلوب أغاثا كريستي‪ .‬فعمدت إلى تحديثه مع المحافظة على‬
‫"الثيمة" األساسية‪ .‬أردت تحويله إلى "ميلودراما" على الطريقة األميركية‪ .‬أي توخي‬
‫التشويق الواضح‪ ،‬وعدم اللجوء إلى التعقيد‪ ،‬كما يجري في األفالم الراهنة‪.‬‬
‫إالم تعزو هذه الظاهرة؟‬ ‫‪-‬‬
‫إلى جهل الناس مهنتهم أساساً‪ ،‬وعدم االجتهاد‪ .‬ما يحصل في السينما ينطبق‬ ‫‪-‬‬
‫على سائر الفنون األخرى‪ .‬لقد تم تسليمها للمخرجين الذين ال دور لهم إال تمزيقها‪ .‬لكن‬
‫ثمة ما يطمئن في هذه الظاهرة‪ .‬فالتكالب على تخريب فن من الفنون يقدم دليالً على أنه‬
‫فن حقيقي‪.‬‬
‫هل من عالج؟‬ ‫‪-‬‬
‫ومن يعمل بغير‬
‫آمل تقديم عالجي‪ .‬الحل عندي هو تقديم أفالم يفهمها الناس‪َ .‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذلك‪ ،‬قد يكتسب مريدين‪ ،‬لكنه يندثر قبل اندثار السينما‪ .‬ويعجبني في هذا المجال قول‬
‫للويس جوفيه "ثمة شيء واحد ال يتطور أبداً‪ :‬الطليعة"‪ .‬أنا ضد الخلط بين ما يسمى‬
‫بالطليعة وبين األفالم الجريئة‪ .‬إذ يمكن التعبير عن أشياء معقدة بأسلوب بسيط‬
‫وواضح‪ .‬حتى البشاعة صاروا يسقطون عليها العتمة كي يحاولوا إظهارها جماالً‪ .‬هذه‬

‫‪63‬‬
‫الظاهرة تعود إلى الستينات ويعد أنطونيوني أحد أكبر المتهمين بهذه الفضيحة‪ .‬كل‬
‫أفالمه حزينة‪ .‬أنا شخصياً أعتبر تلك السينما مشبوهة‪.‬‬
‫ما حلمك كسينمائي؟‬ ‫‪-‬‬
‫أتمنى إخراج فيلم عن فيليب أوغست في معركة بوفين‪ ،‬وآخر يتناول مرحلة ما‬ ‫‪-‬‬
‫بين الحربين‪ .‬وال يمكن أن يتحقق ذلك إال إذا تأكدت من بلوغ الكمال‪).‬‬
‫هل تؤمن بالنجاح؟‬ ‫‪-‬‬
‫مع كل فيلم جديد يتوجب البدء من جديد‪ .‬عندما يتكرر األمر هكذا يمكننا القول‬ ‫‪-‬‬
‫إن النجاح) قضية غامضة‪.‬‬
‫إذا نظرت إلى الخلف‪،‬ـ وبطريقة ارتدادية‪ ،‬ما رأيك في النقاد ومؤرخي‬ ‫‪-‬‬
‫السينما؟‬
‫من الضروري وجود شارحين للسينما ال يغيرون اهتماماتهم وال يتحولون إلى‬ ‫‪-‬‬
‫اإلخراج بسرعة عجيبة‪ .‬فبفضلهم تعرفنا على أفالم هيتشكوك وهاوكس… أما اليوم فقد‬
‫عمت الفوضى‪ .‬وما أكثر الصفحات) و"الشحنات" التي تظهر اليوم لتحليل أعمال‬
‫فريتزالنغ‪ .‬حتى إن الكثير من الشارحين والمفسرين باتوا‪ ،‬من إغراقهم في التحليل‪،‬‬
‫عاجزين عن القول لماذا يتميز ذلك العمل بالجمل‪ .‬أنا شديد الحذر من أولئك المتحذلقين‬
‫والمتشدقين بأفكار ليست حتى أفكارهم‪ .‬إنهم في منتهى اإلزعاج والخطر‪ .‬أدرك أن‬
‫بعض المخرجين يحتاجون إلى متملّقين وهواة‪ .‬وقد يكتفون بهم لخدمتهم‪.‬‬

‫جاك دومي ‪Jacques DEMY‬‬

‫ولد في بون شاتو سنة ‪ .1913‬توفي سنة ‪.1990‬‬ ‫‪-‬‬


‫لُوال (‪)1960‬؛ خليج المالئكة (‪)1962‬؛ مظالت شربورغ (‪)1964‬؛ آنسات‬ ‫‪-‬‬
‫روشفور (‪)1966‬؛ موديل شوب (‪)1969‬؛ إهاب الحمار (‪)1970‬؛ عازف الناي (‬
‫‪)1971‬؛ أهم حدث منذ أن سار اإلنسان على سطح القمر (‪)1973‬؛ أنوشكا (‪)1978‬؛‬
‫غرفة في المدينة (‪)1983‬؛ باركنغ (‪.)1984‬‬

‫‪64‬‬
‫خصصت آنياس فاردا شريطاً لمرحلة شباب جاك دومي بعنوان "جاكو الذي‬ ‫‪-‬‬
‫من نانت" (‪.)1991‬‬

‫يتزامن لقاؤنا مع ظهور شريطك "إهاب الحمار" في القاعات‪.‬ـ هل بوسعي أن‬ ‫‪-‬‬
‫أسألك أين تحدد موقعه ضمن أعمالك؟‬
‫هذا الفيلم يحقق لي أمنية قديمة‪ .‬كنت أرغب في إنجازه منذ زمن بعيد‪ ،‬لكنني لم‬ ‫‪-‬‬
‫أتمكن من جمع الممثلين‪ .‬واألموال والمنتجين‪ ،‬أي الجميع‪ .‬أين أضعه بالنسبة إلى‬
‫أفالمي األخرى؟ إنه تتمة منطقية‪ .‬هل يعني هذا الكالم شيئاً؟ ذلك أن أفالمي مختلفة عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬مع انتظامها في خط األفالم الموسيقية باعتبارها تتضمن بعض‬
‫األغاني‪ .‬لكن األهم في كل لك انه تذكر أو نداء لطفولتي‪ .‬ويتضمن الفيلم ذكريات‬
‫كثيرة تعود إلى تلك المرحلة وإ لى قراءاتي للحكايات) السحرية التي وضعها بيرو‪،‬‬
‫وغريم‪ ،‬وأندرسون‪.‬‬
‫كيف تختار مواضيع أفالمك بشكل عام؟ ومتى تقرر إخراجها؟‬ ‫‪-‬‬
‫كما تعرف‪ ،‬ليست السينما عمالً سهالً‪ .‬وخاصة من الزاوية االقتصادية‪ .‬ولو‬ ‫‪-‬‬
‫كانت مجرد فن إبداعي آخر مثل الرسم والموسيقى والنحت‪ )،‬لكانت أسهل‪ .‬في السينما‬
‫كثيراً ما تحكمنا األفالم الرائجة‪ ،‬األفالم البوليسية مثالً‪ .‬فإذا تقدمت بفيلم كوميدي تجد‬
‫نفسك في مأزق‪ .‬وبالنسبة الختيار المواضيع فهو يتداخل مع توفير جميع شروط‬
‫اإلخراج‪ )،‬من المنتج إلى الممثل إلى األموال الالزمة‪ ،‬حتى إن ذلك الموضوع قد يفقد‬
‫من قيمته مع مرور زمن االنتظار‪ .‬فيما يخص "إهاب الحمار") كنت أفكر في إنجازه منذ‬
‫زمن طويل‪ .‬لكنه فيلم مرتفع التكاليف‪ .‬تحدثت عنه كثيراً ولم أجد استجابة عند‬
‫المنتجين‪ .‬يضاف إلى ذلك أنني لم أكتب شيئاً حوله‪ .‬وذات يوم أطلعتني ماغ بودار على‬
‫رغبتها في إنجاز الفيلم‪ .‬وكنت قد حدثتها عنه‪ .‬وهكذا شرعت في كتابته ومن ثم‬
‫إخراجه بتمثيل كاترين دونوف وجان ماريه وجاك بيران‪ .‬وكان فريقاً جميالً‪.‬‬
‫في هذا السياق أود أن أسالك كيف تختار ممثليك بشكل عام‪ ،‬ثم ما العالقات‬ ‫‪-‬‬
‫التي تقيمها معهم؟‬
‫االختيار سهل ألنني أعرف كل الممثلين تقريباً‪ .‬وأميز الذين يمكن التفاهم‬ ‫‪-‬‬
‫معهم‪ .‬إنها عائلة تجمع بينها المحبة واألفكار‪ .‬وثمة تبادل وحوار‪ .‬أتحدث معهم عن‬
‫المشروع‪ ،‬حتى قبل كتابته‪ ،‬أحياناً‪ ،‬كي أتأكد من موافقتهم‪ .‬وهذا ييسر مهمتي في وضع‬
‫الحوار ألنني أعرف عندئذ من سيؤديه‪ .‬ولقد وضعت الحوار في "إهاب الحمار" مع‬

‫‪65‬‬
‫التفكير في الممثلين بدقة‪ ،‬ألنني كنت أعرف أن ميشلين بريسل سوف تؤدي دور الملكة‬
‫األم‪ ،‬وأن جاك بيران سوف يكون األمير الوسيم…‬
‫وعندما يكونون على "البالتوه"؟‬ ‫‪-‬‬
‫نبدأ بتجربة عامة مع ترك الحرية كاملة للممثلين‪ .‬فلكل ممثل أفكار دقيقة حول‬ ‫‪-‬‬
‫شخصيته في السيناريو‪ .‬أتركهم يأتون بأفكارهم ثم أعمد إلى االختيار‪ ،‬وتوجيه البعض‬
‫منهم‪.‬‬
‫كيف جئت إلى السينما؟ كيف تولدت موهبتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫هذا يعود إلى الطفولة وإ لى "إهاب الحمار"‪ .‬بدأت باكتشاف مسرح العرائس‬ ‫‪-‬‬
‫واكتشفت من خالله عرض الحكايات‪ .‬وبعد بضعة أعوام اكتشفت السينما وكنت في‬
‫سن السابعة آنذاك‪ .‬ثم كان التطور منطقياً‪ .‬إذ بدأت بتقليد مسرح العرائس‪ .‬وفي الثالثة‬
‫عشرة اشتريت أول كاميرا‪ .‬وهكذا لم تواجهني مشكلة االختيار منذ تلك السن المبكرة‪.‬‬
‫هل يمكنك الحديث عن إعجاب بسينمائيين آخرين‪ ،‬إن لم يكن عن تأثرك‬ ‫‪-‬‬
‫ببعضهم؟‬
‫بالتأكيد‪ .‬كل األفالم الجيدة أثارت إعجابي وولدت لدي الرغبة في ممارسة‬ ‫‪-‬‬
‫السينما‪ .‬وأفضل مثال على ذلك شريط "النهر" لرينوار فقد كنت أالحق عرضه من قاعة‬
‫إلى أخرى عندما كنت طالباً‪ .‬وهناك أفالم أخرى شاهدتها بين خمس وعشرين وثالثين‬
‫مرة‪.‬‬
‫ففي فرنسا‪ ،‬على سبيل المثال‪ )،‬أحب أفالم بريسون‪ ،‬وفي الواليات المتحدة األميركية‬
‫تعجبني أفالم ويلز‪ ،‬وهناك فيسكونني وفليني في ايطاليا‪ .‬أما اآلن فالخبرة تجعلني أكثر‬
‫تطلباً‪.‬‬
‫كيف كانت مسيرتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫عملت مساعداً في أحد األفالم كي أتعلم كل شيء‪ .‬لكن‪ ،‬يمكن القول إن بدايتي‬ ‫‪-‬‬
‫كانت من خالل الكتابة مباشرة لجورج روكييه‪ .‬فقد كتبت سيناريو فيلم قصير بعنوان‬
‫"صانع القباقيب) في فالديلوار" وكنت أعتقد أن روكييه الذي أخرج "صانع البراميل"‬
‫و"نجار العربات"… هو الوحيد القادر على إخراجه‪ .‬لكنه فاجأني بالقول‪" :‬كال‪ .‬لقد‬
‫أخرجت) أفالماً مثل ما تقدمه لي‪ .‬لكن ما أنجزته أنت مختلف تماماً‪ ،‬مهما كان رأيك‪.‬‬
‫سأبحث لك عن منتج" وهذا ما شكل أول فرصة أمامي‪ ،‬وصداقة عميقة مع جورج‬
‫روكييه‪ .‬وهكذا بدأت األبواب تفتح أمامي…‬
‫هل تعطي أهمية كبيرة للتقنية؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪66‬‬
‫ينبغي معرفة التقنية وعدم التفكير فيها‪ .‬فهي ليست موجودة‪ .‬وتشبه عملية‬ ‫‪-‬‬
‫الكتابة أو الرسم إذ تنتفي التقنية آنذاك‪ .‬ويصير األهم ما تريد قوله والتعبير عنه‬
‫وطريقة قوله‪ .‬حتى في مجال السينما هناك تقنيون كثيرون يستطيعون مدك بما تريد إذا‬
‫كنت مخرجاً‪.‬‬
‫هل تهتم بالجمهور أثناء اإلخراج؟‬ ‫‪-‬‬
‫هناك طموح دائم في إخراج فيلم يشاهده مليون شخص في باريس‪ ،‬ويحقق‬ ‫‪-‬‬
‫نجاحاً) عالمياً‪ .‬لكن‪ ،‬ال أحد يعرف الوصفة السحرية‪ .‬فهناك من أنجزوا أفالماً ناجحة‬
‫من دون التفكير في الجمهور‪ ،‬وثمة من يفكر في الجمهور بال انقطاع ويكون مصيره‬
‫الفشل‪ .‬عندما أخرجت "إهاب الحمار") مثالً‪ ،‬لم أكن أنوي إنجاز شريط حميم نظراً‬
‫لكونه شريطاً يخاطب األطفال والراشدين‪ .‬لكن الحكاية‪ ،‬في األصل‪ ،‬ذات وجهين‪،‬‬
‫وقابلة للتأويل‪ ،‬فهي طفولية ومربكة في آن‪ .‬وذلك ما أثار افتتاني بها‪.‬‬
‫ما الذي تريد تبليغه للجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫لست ممن يدعون إبالغ رسالة‪ .‬لقد بدأت متفرجاً وقدمت لي السينما متعة‬ ‫‪-‬‬
‫فائقة‪ .‬وعندما أنجز أفالماً وأجد أنها جيدة‪ ،‬أواصل الهدف ذاته‪ .‬أمقت االبتذال والعنف‪.‬‬
‫وكان شغلي الشاغل دائماً هو تقديم مشاعر إنسانية كريمة تمثل عالماً قابالً للعيش في‬
‫مجتمع ممكن‪ .‬في شريط "مظالت شربورغ" قصة حب مثالية‪ ،‬عن حب أول تحطمه‬
‫حرب الجزائر‪ ).‬وكان يمكن أن تكون أي حرب أخرى‪ ،‬لكنني أردت وضع القصة في‬
‫سياق اجتماعي واقعي ودقيق‪ ،‬وذلك عندما أخرجته بين ‪ 1962‬و ‪ .1963‬أما بالنسبة لـ‬
‫"إهاب الحمار") فاألمر يختلف‪ .‬إذ كان من الصعب تحديد سياق له ألن الفيلم يالمس‬
‫طفولتي ولم أشأ الوقوع في عمليات نبش على طريقة التحليل النفسي‪ .‬وقد يجد فيه‬
‫البعض تأويالت ممكنة تماماً مثلما يمكن تأويل الحكاية األصلية تحليالً سيكولوجياً‪.‬‬
‫هل تسعى إلى التعبير عن نوع من الرمزية انطالقاً من الصور واأللوان؟‬ ‫‪-‬‬
‫أبداً‪ .‬فأنا أكره الرموز‪ .‬أحب البساطة والواقع والحقيقة‪ .‬أحياناً عندماً أعود إلى‬ ‫‪-‬‬
‫مشاهدة أفالمي أشعر أنني ذهبت بعيداً‪ ،‬في اتجاه ما‪ ،‬فأسعى إلى تفادي ذلك في األعمال‬
‫الالحقة‪ ،‬خصوصاً وأنني لست راضياً عما أنجزت حتى اآلن‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أال يوجد فيلم تفضله على بقية أفالمك؟‬ ‫‪-‬‬
‫كال‪ .‬وحتى إعادة رؤية أفالمي تجعلني أنتقدها‪ .‬ألنها انفصلت) عني فصرت‬ ‫‪-‬‬
‫أشاهدها كما لو كانت من إنجاز آخرين‪ .‬أحياناً تعود العيوب إلى الظروف المصاحبة‬
‫لإلخراج‪ ).‬فالحياة اليومية ذات تأثير في ما تقدم به‪ ،‬بعيداً عن شخصيتك وعن إرادتك‬
‫في التعبير عن شيء في اتجاه معين‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ما أهم ميزة يتحلى بها السينمائي في نظرك؟‬ ‫‪-‬‬
‫العناد‪ .‬ألنها مهنة مألى بالفخاخ‪ .‬فالبد من العناد والعافية الصحية‪ .‬اإلخراج‬ ‫‪-‬‬
‫معركة حقيقية ودائمة‪.‬‬
‫هل تهتم بالتلفزيون؟‬ ‫‪-‬‬
‫نعم‪ ،‬أحبه كثيراً‪ .‬وال أرى مانعاً في التعامل معه‪ .‬لكن‪ ،‬ضمن أي صنف من‬ ‫‪-‬‬
‫لعبرت من‬
‫أجد من السينما‪ .‬ولو أتيحت لي الفرصة ّ‬
‫األعمال؟ فالتلفزيون وسيلة تعبير ّ‬
‫خالله بطريقتي الواضحة والناجحة‪.‬‬
‫ما الدور الذي تسنده للموسيقى؟‬ ‫‪-‬‬
‫كل شيء مهم في نظري‪ .‬أنجز أفالماً موسيقية‪ .‬وأحب التعامل مع األلوان‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفي طفولتي كنت أعزف الكمنجة‪ .‬كما أنني التحقت بمعهد الفنون الجميلة لتعلقي‬
‫بالرسم‪ .‬زد على ذلك أنني أتعاطى القراءة والكتابة‪ .‬لذلك أعتبر أن كل شيء مهم في‬
‫الفيلم من اختيار اللون إلى اختيار الممثل‪ ،‬وصوالً إلى اختيار اإلضاءة‪).‬‬
‫قد يبدو األمر أصعب بالنسبة للموسيقى‪ ،‬إذ ينبغي أن تجد الموسيقى الذي‬ ‫‪-‬‬
‫يعدل كمنجته على صورك؟‬
‫ّ‬
‫لهذا أحب العمل مع أناس أعرفهم جيداً مثل ميشال لوغران الذي يمكنني‬ ‫‪-‬‬
‫إزعاجه طيلة النهار‪ .‬ونتوصل إلى التعديل والتحوير وفق ما أجده مناسباً للصور‪.‬‬
‫هل توافق على العمل وفق الطلب؟‬ ‫‪-‬‬
‫أستطيع إنجاز أي شيء‪ .‬أرفض وضع الحدود‪ .‬فإذا عرض علي شريط‬ ‫‪-‬‬
‫يتضمن شيئاً جديداً ومثرياً لن أترك الفرصة تفوت‪ .‬لكن المؤسف أن أكثر االتصاالت‬
‫التي تمت معي كانت بحثاً عن مخرج يجيد مهنته كي يرتّق ما فسد‪ .‬أي أنهم ينادونني‬
‫ألن السفينة بدأت تغرق‪.‬‬
‫ما هو إيقاعك اإلبداعي؟‬ ‫‪-‬‬
‫لدي‪ ،‬دائماً‪ ،‬مشاريع كثيرة‪ .‬وفي رأسي أفكار كثيرة تتصارع‪ .‬لكنني ال‬ ‫‪-‬‬
‫أستطيع الشروع في فيلم إذا لم أنته من الفيلم السابق‪ .‬وهذا عيب أعترف به‪ .‬ألنني‪،‬‬
‫بهذه الطريقة ال أتوصل إال إلى إنجاز فيلم واحد كل سنتين‪ .‬وهذا غير كاف‪.‬‬
‫أال يغريك الشريط القصير؟‬ ‫‪-‬‬
‫أخرجت بعض األشرطة القصيرة‪ .‬لكنني أرتاح أكثر لألفالم الطويلة‪ .‬وما‬ ‫‪-‬‬
‫دامت لدي أفكار وقدرة على إخراج األفالم الطويلة ال أجد سبباً إلنجاز أشرطة قصيرة‬
‫للتلفزيون‪ .‬كانت السينما انطالقتي األولى‪ ،‬والفيلم الطويل ولعي األول‪ .‬إنها مسألة‬
‫منطقية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫هل هناك أنواع ال تثير اهتمامك؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال‪ .‬ال أعتقد‪ .‬لكنني أعتبر أن هناك من هم أقدر مني في أصناف معينة‪ ،‬مثل‬ ‫‪-‬‬
‫الوسترن‪ِ ،‬فل َم أحشر نفسي فيه؟ إنه اختصاص أميركي‪.‬‬
‫وسرجيو ليوني؟‬ ‫‪-‬‬
‫لقد أدهش بعض األميركيين‪ .‬لكن ماذا يعني ذلك؟ إنه موهوب في إخراج أفالم‬ ‫‪-‬‬
‫الوسترن‪.‬‬
‫هل تعتقد في إمكانية العودة إلى التصوير باألسود واألبيض؟‬ ‫‪-‬‬
‫آه! نعم‪ِ .‬ل َم ال؟ يمكننا ذلك حقاً‪ )،‬ألم يصور فرنسوا تروفو "الطفل المتوحش"‬ ‫‪-‬‬
‫باألسود واألبيض؟ أنا شخصياً ال أرغب في ذلك‪ .‬أحب األلوان وأرى العالم باأللوان‪.‬‬
‫ما أنتظره هو ظهور الصورة التي تظهر لك ظهر الممثل إذا استدرت‪ .‬إنها الفرجة‬
‫المكعب!‬
‫ّ‬ ‫الشاملة‪ ،‬المسرح‬
‫تلك منظورات خارقة وأنا أحب العلم واالختراع‪.‬‬
‫هل هناك سؤال نسيت طرحه عليك؟‬ ‫‪-‬‬
‫كان يمكنك الحديث عن أشياء أخرى كثيرة غير السينما؟‬ ‫‪-‬‬

‫ميشال دوفيل ‪Michel DEVILLE‬‬

‫ولد في بولونيي سورسين سنة ‪ .1931‬عمل مساعداً لهنري دوكوان‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫ومستشاراً لجان ماير في عرضين مصورين داخل مسرح الكوميدي فرنسيز‪:‬‬
‫البرجوازي النبيل‪ ،‬زواج فيغارو‪.‬‬
‫إما الليلة أو ال (‪)1961‬؛ الكذابة الفاتنة (‪)1961‬؛ الكي جو (‪)1964‬؛ لقد‬ ‫‪-‬‬
‫ُسرقت الجوكندا (‪)1965‬؛ الجندي مارتن (‪)1966‬؛ بنجامان (‪)1967‬؛ رافائيل الداعر‬
‫(‪)1970‬؛ المرأة ذات الثياب الزرقاء) (‪)1972‬؛ المتدرب الدنيء (‪)1977‬؛ الملف رقم‬
‫‪)1978( 51‬؛ الرحلة السرية (‪)1979‬؛ مياه عميقة (‪)1981‬؛ العصابة الصغيرة (‬
‫‪)1983‬؛ مخاطر التأخير (‪)1985‬؛ الرجل الفظّ (‪)1986‬؛ القارئة (‪.)1988‬‬
‫ميشال دوفيل‪ ،‬كيف بدأت موهبتك كمخرج؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪69‬‬
‫بدأت كسيناريست‪ .‬ولم يكن ذلك عن موهبة بل بالمصادفة وبنوع من الوراثة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فقد كان والدي مؤلف سيناريو‪ .‬أما بالنسبة لإلخراج) فقد بدأته مثل غيري‪ ،‬أي انطالقاً‬
‫من الشريط القصير والمونتاج‪.‬‬
‫ومنذ فرصتي األولى "إما الليلة أو ال" أدركت أن السينما هي طريقي‪ .‬ولم يكن مثل هذا‬
‫االختيار سهالً ألنه يعني تقديم الحياة المهنية على الحياة الخاصة‪ .‬غير أنه كان اختياراً‬
‫مريحاً في حالتي ألنني أمضيت سبعة أعوام كمساعد مخرج‪.‬‬
‫كيف تفهم مهنتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫من أجل ممارستها البد أوالً من القوة الجسدية‪ .‬ألن إخراج فيلم هو معركة‬ ‫‪-‬‬
‫مستمرة‪ .‬وينبغي الصراع من أجل إقناع اآلخرين بإنتاجه وتمثيله وتوزيعه‪ .‬ويتواصل‬
‫هذا الصراع لدى عرض الفيلم‪ .‬وقبل االنطالق في هذه المغامرة يتوجب على المرء أن‬
‫يكون واثقاً من التغلب على قلقه وإ رهاقه العصبي‪ ،‬وكذلك الخوف والشك‪ .‬إنها مهنة‬
‫ممتعة لكنها قاسية‪.‬‬
‫وهل اكتسبت هذه الشجاعة بشكل فوري؟‬ ‫‪-‬‬
‫كنت ال أزال في المدرسة الثانوية عندما حصلت) على كاميرا ‪ 16‬مم‪ .‬وذات‬ ‫‪-‬‬
‫يوم حصلت على عنوان هنري دوكوان‪ .‬وقررت التدرب على حسابي الخاص‪ ).‬ودام‬
‫ذلك سبع سنوات‪ .‬وكم كانت رائعة تلك المدرسة!‬
‫في الفيلم الثالث عشر‪ ،‬تملكتني الرغبة في التحليق بجناحي‪ .‬وآنذاك التقيت نينا كومبانيز‬
‫التي كانت بدورها تعمل في المونتاج ضمن فريق دوكوان‪ .‬هي ملت المونتاج وأنا مللت‬
‫من العمل كمساعد مخرج‪.‬‬
‫وهكذا توصلت إلى إخراج شريطك األول؟‬ ‫‪-‬‬
‫لم يكن سهالً إخراج "إما هذه الليلة أو ال" فقد اضطررت إلى طرق أبواب‬ ‫‪-‬‬
‫المنتجين‪ ،‬وإ لى االقتراض لجمع األموال الالزمة‪ .‬واستغرق مني ذلك سنة كاملة‪.‬‬
‫ما األهمية التي توليها للتقنية؟‬ ‫‪-‬‬
‫مهمة وثانوية في آن‪ .‬فهي تخدم السيناريو‪ ،‬خصوصاً في مجال دعم األحداث‬ ‫‪-‬‬
‫ادعاء الهواية‪ .‬وأتعب‬
‫أو مساعدة الممثلين‪ .‬أنا شخصياً ألجأ إلى تقنية احترافية وأكره ّ‬
‫كثيراً في ضبط األلوان أيضاً‪ ).‬وكذلك األمر على مستوى الحوار إذ ال أثق بالصياغة‬
‫األولى‪ ،‬وأحاول البحث عن إيقاع جماعي‪ ،‬وانسجام بين مختلف العناصر التي تشكل‬
‫الفيلم‪ ،‬ألنني أحب العمل المتقن‪.‬‬
‫كيف تنظر إلى مهنتك؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪70‬‬
‫أشعر بالخوف مع كل بداية‪ .‬إن اإلخراج عملية عجيبة‪ .‬لقد عرفت الخوف من‬ ‫‪-‬‬
‫الصفحة البيضاء) قبل التعرف على وسواس الصورة البيضاء‪ ).‬السينما ليست مهنة‬
‫رتيبة‪.‬‬
‫كيف تختار الممثلين وما هي طريقتك في إدارتهم؟‬ ‫‪-‬‬
‫أحب تجديد الممثلين الذين أعمل معهم‪ ،‬وصوالً إلى التعامل معهم حتى وإ ن تم‬ ‫‪-‬‬
‫نسيانهم‪ .‬بادئ ذي بدء البد من اختيار الممثلين األكثر تالؤماً مع الشخصيات‪ ).‬اختياره‬
‫تقبل ما يقترحه‪.‬‬
‫يعتبر نصف إدارة له‪ .‬أما البقية فتتمثل في توجيهه ودياً‪ ،‬ورفض أو ّ‬
‫ليس ثمة أكثر هشاشة إليقاظه‪ ،‬أو تشجيعه‪ ،‬أو تنشيطه‪ ،‬أو الحد من اندفاعه‪ .‬فكل ممثل‬
‫يحتاج إلى أن يكون محاطاً بالكثير من الحب والمودة‪.‬‬
‫ما هو إيقاعك اإلبداعي؟‬ ‫‪-‬‬
‫كل أفالمي تقريباً تم تصويرها في فصل الصيف‪ .‬ذلك هو فصلي السينمائي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فأنا أحب التصوير الخارجي‪ )،‬في الريف‪ ،‬حيث يمكنني اللعب مع الشمس والطبيعة‪ .‬زد‬
‫على ذلك أن النهار يكون أطول‪ .‬والكاميرا تتنفس في الطبيعة المشمسة‪ ،‬النابضة‪ .‬أما‬
‫يعبر‬
‫في الديكور الثابت‪ )،‬أو داخل األستوديو‪ ،‬فأشعر بالضيق وتختنق الكاميرا‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫عن شغفي بالحياة‪ ).‬ال وجود للصفاء) إال تحت السماء‪ ،‬والضوء هو الذي ينير بكثافة‬
‫شاشات القاعات) المعتمة‪.‬‬
‫من يعجبك من السينمائيين اآلخرين‪ ،‬وهل هناك من أثّر فيك؟‬ ‫‪-‬‬
‫الشك أنني خضعت للتأثير‪ ،‬لكن بطريقة ال واعية‪ .‬أما حاالت اإلعجاب فهي‬ ‫‪-‬‬
‫واضحة‪ .‬فهناك السينما األميركية كلها في عصرها الذهبي‪ ،‬من إرنست لوبيتش إلى‬
‫إيليا كازان‪ .‬والبد من ذكر آرثر بين‪ .‬السينما األميركية هي األولى في العالم‪ .‬ومن بين‬
‫أكن لهم اإلعجاب أيضاً هناك انغمار برغمان وكين راسل…‬
‫الذين ّ‬
‫ينبغي التأكيد بأننا كمخرجين ال نحاول تقليد الكبار أبداً‪ ،‬كما أننا ال نسعى إلى إنجاز سينما‬
‫تشبه ما نعجب به‪ .‬إذ يستحيل فعل ذلك سواء على المستوى الثقافي أو الممارسة التقنية‪.‬‬
‫وحتى لو حاولنا لما استطعنا‪.‬‬
‫هل تهتم بالجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫غريزياً نحرص على النزاهة إزاء الجمهور‪ .‬وهذا سبب اهتمامنا بإتقان عملنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أما اهتمامي الشخصي بالجمهور فهو مالزم لما أقو به‪ .‬وال أسعى إلى ذلك من أجل أن‬
‫ُيعجب بي الجمهور‪ ،‬بل من أجله أساساً‪ .‬وهذا االهتمام موجود في فرنسا منذ أيام‬
‫موليير‪.‬‬
‫ما معاييرك في اختيار الموضوع الذي ستنقله إلى الشاشة؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪71‬‬
‫أبدأ بالبحث والتعثّر حتى تنطلق شرارة الفكرة‪ .‬أعتقد أن السينمائي يبدأ بالنضج‬ ‫‪-‬‬
‫عندما يشعر بأن حماسته تستجيب ألفق انتظار جمهوره‪ ،‬أي تبادل الصدق بين‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫لقد انتقلت من الكوميديا إلى األفالم البوليسية‪ ،‬ثم عدت من جديد إلى األفالم الكوميدية‪.‬‬
‫تقدمنا في العمر‪ .‬فالمرء في‬
‫وذلك لمقاومة الرتابة‪ .‬من جهة أخرى البد من االنتباه إلى ّ‬
‫الثالثين ال يرغب في سرد األشياء نفسها التي يمكن أن يرويها في العشرين‪ ،‬وهكذا…‬
‫تغير في السينما؟‬
‫ما الذي ّ‬ ‫‪-‬‬
‫آه! في الماضي كانت تعرض علينا أفالم من أجل إخراجها‪ .‬أما اآلن فالبد من‬ ‫‪-‬‬
‫الصراع إلخراج فيلم واحد‪ .‬ومن أجل إخراج أفالم كثيرة ينبغي اقتراح جملة من‬
‫األفكار دفعة واحدة‪ .‬وأنا شخصياً ال يمكن أن تكون لدي سوى فكرة واحدة في كل مرة‪.‬‬
‫وتظل تالزمني ما دمت لم أخرجها بأفضل طريقة ممكنة من أجلي‪ ،‬ومن أجل‬
‫الجمهور‪.‬‬

‫لوي مال ‪Louis MALLE‬‬

‫ولد في تومري سنة ‪ .1932‬توفي في لوس أنجلس سنة ‪ .1995‬عمل مساعداً‬ ‫‪-‬‬
‫لدى القبطان كوستو‪ ،‬ومستشاراً تقنياً مع روبير بريسون‪.‬‬
‫مصعد إلى المشنقة (‪)1957‬؛ العاشقان (‪)1958‬؛ زازي في المترو (‪)1960‬؛‬ ‫‪-‬‬
‫حياة خاصة (‪)1962‬؛ وهج المستنقع (‪)1963‬؛ عاشت مارية (‪)1965‬؛ اللص (‬
‫‪)1966‬؛ كلكوتا (‪)1968‬؛ نفَس في الصدر (‪)1970‬؛ الكومب لوسيان (‪)1973‬؛‬
‫الصبية الجميلة (‪)1978‬؛ الصغيرة (‪)1979‬؛ أطلنطيك سيتي (‪)1980‬؛ عشائي مع‬
‫ّ‬
‫أندريه (‪)1981‬؛ خليج آالمو (‪)1985‬؛ وداعاً أيها األطفال (‪)1987‬؛ فانيا الشارع ‪42‬‬
‫(‪.)1994‬‬
‫أين تضع شريطك "نفس في الصدر" بالنسبة ألفالمك السابقة؟‬ ‫‪-‬‬
‫أعتقد أنه أفضل أفالمي‪ .‬ومن المؤكد أنه أكثرها اكتماالً‪ .‬وأعتبره في الوقت‬ ‫‪-‬‬
‫نفسه نقطة انطالق بالنسبة لي‪ .‬بعد شريط "اللص" شعرت بنوع من الثورة العارمة ضد‬
‫سينما التخييل الروائي‪ ،‬أي السينما التقليدية‪ .‬وفي الواقع لم تكن ثورة على شكل‬
‫سينمائي بقدر ما كانت تعبر عن حاجتي إلى نفس جديد‪ .‬فقد أمضيت عشر سنوات من‬
‫عمري من دون االنقطاع عن إخراج الفيلم تلو الفيلم‪ .‬ووصلت بذلك إلى نقطة إنهاك‬

‫‪72‬‬
‫قصوى‪ .‬والمشكلة في مهنتنا أن االقتصار على إنجاز أفالم يجعلك ال تعيش حياتك حقاً‬
‫وتنقطع عن الواقع‪ .‬في هذه المرحلة تحديداً يتوصل المخرجون إلى إخراج أفالم كثيرة‬
‫ألن ذلك هو الشيء الوحي الذي يعرفونه في العالم الحقيقي‪ ).‬إذن قررت التوقف‪،‬‬
‫وإ نجاز تجارب أخرى للتلفزيون على غرار "كلكوتا" وغيره مما اعتبرته نوعاً من‬
‫العودة إلى نقطة االنطالق‪ .‬وهكذا تسلحت بالكاميرا وبدأت من جديد تماماً كما كنت‬
‫أعمل مع القبطان كوستو في سن العشرين‪ .‬كانت تلك طريقة من أجل العودة إلى ولوج‬
‫الحياة‪ )،‬واكتساب أنفاس جديدة‪ ،‬ونسيان أنني مخرج‪ ،‬والعيش حقاً‪ ).‬دامت تلك الحال من‬
‫فيلم "اللص" إلى فيلم "نفس في الصدر" أي مدة ثالثة أعوام‪ .‬فاكتسبت اندفاعة حيوية‬
‫جديدة‪ .‬وعند تصوير "نفس في الصدر" أحسست بأشياء كثيرة تخرج من داخلي‪ ،‬بقوة‬
‫وحيوية‪ ،‬لتؤكد لي أنني كنت محقاً عندما قررت التوقف‪ .‬ولم يخل الفيلم من تقاطعات‬
‫مع األفالم السابقة مثل "زازي في المترو" و"العاشقان" و"وهج المستنقع"‪ .‬أعني أن‬
‫المرء ال يستطيع إحداث قطيعة كاملة دفعة واحدة‪ .‬ولقد عدت إلى الحديث عن طفولتي‬
‫والوسط الذي أعيش فيه واألشياء التي أعرفها جيداً‪ .‬لكن‪ ،‬ربما بنوع من البهجة والقوة‬
‫اللتين فقدتهما قليالً في السابق‪.‬‬
‫‪-‬ألم تعترضك في هذا المستوى مشكلة اختيار مواضيع؟‬
‫‪-‬لم يسبق لي التعرض إلى أية مشكلة في هذا المستوى‪ .‬كل ما أعرفه هو أن موضوعاً‬
‫يأتي دائماً ليلغي غيره‪.‬‬
‫كيف تختار ممثليك في مرحلة أولى‪ ،‬ثم كيف تديرهم؟‬ ‫‪-‬‬
‫لي مبدأ يخص اختيار الممثلين وإ دارتهم‪ :‬أال تكون هناك مبادئ‪ .‬أعتقد أن كل‬ ‫‪-‬‬
‫النظريات المتعلقة بإدارة الممثلين هي نظريات حديثة العهد‪ ،‬وأن كل التقنيات مهمة‬
‫وقابلة لالستخدام عند االقتضاء‪ ،‬بشرط االنسجام مع الموقف‪ .‬ثمة بعض الممثلين‬
‫يحتاجون إلى عمل على طريقة ستانيسالفسكي‪ ،‬أي يحتاجون إلى التركيز والتحضير‬
‫السيكولوجي للشخصية‪ .‬وبالمقابل يوجد ممثلون ال يحتاجون إلى ذلك والبد من‬
‫االستفادة من تلقائيتهم الطبيعية‪ .‬إن إدارة الممثلين هي عملياً سلسلة من الحاالت‬
‫الخاصة وفق كل ممثل‪.‬‬
‫في ما يخص االختيار‪ ،‬بالنسبة لي‪ ،‬هناك ممثلون أحبهم أكثر من غيرهم‪ .‬وأحاول دائماً أن‬
‫أقدرهم ولم أتمكن بعد‬
‫يكونوا حاضرين في أفالمي‪ .‬وهذا أمر ليس ممكناً دائماً‪ .‬وثمة من ّ‬
‫من العمل معهم‪.‬‬
‫إن واحداً من أهم همومي هو أن يتماهى الممثل مع الشخصية التي تؤديها إلى أقصى حد‬
‫ممكن‪ ،‬لكن مع إغنائها من قبله بشيء ما مختلف‪ .‬وأحياناً ألجأ إلى اختيار ممثل ال يبدو‬

‫‪73‬‬
‫عليه القرب من الشخصية المطلوبة فتحدث مفاجأة إيجابية‪ .‬ذلك أن أفضل ما يحدث لي‬
‫أثناء اإلخراج هو اكتشاف أشياء مختلفة عما كنت أتصوره‪ ،‬بشرط أال تتعارض والخط‬
‫الرئيسي للفيلم‪.‬‬
‫بعد العمل التحضيري يصير الثقل كله على كاهل الممثلين المواجهين للكاميرا‪ ).‬والشك أنه‬
‫باالمكان مساعدتهم قليالً‪ .‬لكن في مرحلة معينة يجري كل شيء بينهم وبين الكاميرا‪).‬‬
‫أعتقد أن هناك نزعة في األيام األخيرة إلى تقزيم دور الممثلين مع ميل إلى القول‪ :‬إنهم‬
‫آالت‪ ،‬بينما المخرجون هم الذين يمسكون بالخيوط‪ .‬هذا ليس صحيحاً‪ ).‬والذين يقولون مثل‬
‫يعبرون عن جنون العظمة‪ .‬إنهم مخطئون‪ ،‬ويوجد الكثير من جنون العظمة في‬
‫هذا الكالم ّ‬
‫هذه المهنة‪.‬‬
‫كيف تجلّت موهبتك السينمائية؟‬ ‫‪-‬‬
‫لوالدي‪ :‬سوف أصير‬
‫ّ‬ ‫بطريقة معتادة تقريباً‪ .‬فمنذ سن الثالثة عشرة قلت‬ ‫‪-‬‬
‫مخرجاً‪ ).‬فكان رد فعلهم أقرب إلى الذهول منه إلى التحمس‪ .‬ومع إلحاحي) المستمر‬
‫نصحاني بااللتحاق بإحدى مدارس السينما‪ ،‬حتى تصير األمور أكثر جدية‪ .‬وهذا أدى‬
‫إلى التحاقي بمعهد الدراسات العليا السينمائية‪ .‬والحقيقة أن الشهادات في هذه المهنة ال‬
‫تنفع لشيء‪.‬‬
‫الدبلوم حصلت عليه‪ .‬وبعد ذلك تمثلت فرصتي األكبر في الذهاب مع كوستو منذ سن‬
‫العشرين‪ .‬كان ضربة حظ ألن كوستو كان يحتاج إلى شخص ما‪ ،‬فاتّصل بالمعهد‪.‬‬
‫شخصياً‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬كانت تتملكني الرغبة في التعامل مع األشرطة‪ ،‬والتقاط الصور‪،‬‬
‫والمونتاج‪ ،‬من أجل تعلم األفالم الوثائقية‪ ،‬أفالم الواقع‪ .‬وهكذا عملت مع القبطان كوستو‬
‫أربع سنوات‪ .‬وفي سن الرابعة والعشرين صرت تقنياً فعالً‪.‬‬
‫في هذا المجال أود أن أسألك من األهمية التي توليها للتقنية؟‬ ‫‪-‬‬
‫التقنية ال تُرى في أفالمي‪ .‬عندما بدأت‪ ،‬وهذا أمر طبيعي‪ ،‬كنت أكثر اهتماماً‬ ‫‪-‬‬
‫بمسألة الشكل ومحاوالت البراعة‪ .‬وسرعان ما تخليت عن كل ذلك‪ .‬وانحلّت المشاكل‬
‫الشكلية تلقائياً‪ .‬إذ صارت تندمج مع الحكاية‪ .‬فالشكل والمضمون‪ ،‬في نظري‪ ،‬تنح ّل‬
‫مشكلتهما معاً‪ .‬ومنذ زمن لم أعد أطرح مشاكل تقنية قبل التصوير‪ .‬طبعاً أفكر‬
‫بخصوص الطريقة التي سأصور بها المشاهد‪ ،‬أما على مستوى التقنية فأنا ألجأ إلى‬
‫االرتجال كثيراً‪ .‬والتقنية في نظري ينبغي أن تكون في خدمة الممثلين‪ ،‬كي تسهل‬
‫عملهم‪ .‬لكنها ال تعنيني في حد ذاتها‪ ،‬ألنها ال تطرح علي أي نوع من المشاكل‪ .‬وربما‬
‫يصفونني بالسينمائي الكالسيكي لهذا السبب‪.‬‬
‫َمن يعجبك من السينمائيين؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪74‬‬
‫هناك من أضعه في مقدمة الجميع‪ :‬بونويل‪ ،‬له عالمه المتميز‪ .‬ويصعب علي‬ ‫‪-‬‬
‫تقليده أو القول إنني أنتمي إلى مدرسته‪ .‬وكلما سمعت عن فيلم بأنه ذو نزعة "بونويلية"‬
‫أبدي حذري المسبق ألن تقليد بونويل ال يأتي إال بالمسخ‪ .‬كذلك بقيت معجباً‪ ،‬لمدة‬
‫أعوام‪ ،‬بجان لوك غودار‪ .‬وكلما ذهبت لمشاهدة أحد أفالمه عشت مفاجأة جديدة‪ .‬أما‬
‫اآلن فتستهويني أفالم مدرسة آندي وارول وبول موريسي‪ ،‬وهي أفالم على النقيض من‬
‫أفالمي‪ ،‬لكن أسلوبها السينمائي في غاية األهمية‪.‬‬
‫ومن بين العظماء القدامى‪ ،‬آباء السينما؟‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫كنت وال أزال أكن إعجاباً وشغفاً بمورنو وكذلك رينوار‪ .‬إنه ِ‬
‫وال ُدنا جميعاً‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومن الصعب ذكر األسماء على هذا المنوال‪ .‬فالسينما تتطور باستمرار‪ .‬ولو طرحت‬
‫علي هذا السؤال قبل عشر سنوات ألجبتك بأن األفضل هو بريسون‪ .‬وما زلت أعتقد أن‬
‫مسيرته في غاية األهمية… ففي زمنه توغل وحيداً في اتجاه لم يشاركه فيه أحد‪.‬‬
‫أما اليوم فأنا مهتم بسينمائيين آخرين مع عدم االنقطاع عن رؤية أفالمه‪ .‬واألمر ينطبق‬
‫على برغمان‪ .‬فقد ُشغفت بما أضافه إلى السينما ودفع بي إلى التفكير‪ ،‬وصوالً إلى‬
‫"الصمت" الذي يعتبر آخر المطاف بالنسبة لسينمائي مكتمل وناجح في تصوراته الجمالية‪.‬‬
‫هناك من يذهب وهناك من يأتي‪ .‬إذ يوجد أشخاص يثيرون إعجابك في هذه المرحلة أو‬
‫وخف ذلك اآلن‪ .‬فمثل هذه األسماء‬
‫ّ‬ ‫تلك‪ .‬فقد افتتنت بأنطونيوني أيضاً في مرحلة معينة‪.‬‬
‫تصير بمثابة إحاالت) أكثر مما تعبر عن ولع متقد‪.‬‬
‫هل تفكر في الجمهور؟‬ ‫‪-‬‬
‫نعم وال‪ .‬فهذا يتوقف على نوعية األفالم أوالً‪ .‬أي أن هناك أفالماً ُأخرجها من‬ ‫‪-‬‬
‫دون التفكير في الجمهور‪ :‬مثل الريبورتاجات التي أجريتها في الهند والتي كانت مجرد‬
‫تجربة شخصية‪ .‬وكذلك بالنسبة لـ "وهج المستنقع" فهو فيلم مخصص للجمهور طبعاً‪.‬‬
‫لكنني لم أفكر فيه‪ .‬إذ لم أكن على اقتناع بتقديم هذا الفيلم للمتفرجين‪ .‬وربما يعود ذلك‬
‫إلى مبالغة في الخجل‪ ).‬وهذا يتناقض في الحقيقة مع إنسان يدعي الفن‪ .‬بالمقابل عندما‬
‫أخرجت) "عاشت مارية" أردت خوض تجربة الفيلم الجماهيري الواسع‪ .‬وفي مثال َ"نفَس‬
‫في الصدر" انطلقت من أشياء حميمة وشخصية‪ ،‬ومع ذلك فكرت كثيراً في الجمهور‪.‬‬
‫ذلك أن ما يهمني هو الجمع بين ما هو شخصي وما هو جماهيري‪ ،‬من دون السقوط في‬
‫سينما المنتج الذي يريد جمع النجوم الكبار في حكاية تتضمن "البهارات" المعتادة‪ .‬تلك‬
‫التوغل في أقصى حدود أفكاري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سينما أخرى‪ .‬أما أنا فأسعى شخصياً إلى‬
‫ممارسة هذه المهنة تتطلب التفكير في الجمهور‪ .‬لكن من دون التنازل أو خيانة الذات‪).‬‬
‫هل تذهب إلعادة مشاهدة أفالمك في القاعات؟ـ‬ ‫‪-‬‬

‫‪75‬‬
‫نعم‪ .‬في البداية كنت أخاف‪ .‬وربما يعود السبب إلى مبالغة في الخجل أيضاً‪).‬‬ ‫‪-‬‬
‫كنت أشعر بأن شيئاً مني قد ُسلم إلى أناس كثيرين‪ .‬أما اآلن فلم أعد أنزعج من ذلك‪ ،‬بل‬
‫صرت أتسلّى به‪ .‬لكن من دون أن تصل بي الحال) إلى ما يفعله بعض المخرجين ‪-‬‬
‫مثل جان بيار ملفيل ‪ -‬الذين يقضون حياتهم في القاعات) مسجلين كل ردود الفعل‪ .‬فأنا‬
‫أعتبر أن الفيلم المعروض لم يعد ملكي‪ .‬وأبدأ بالتفكير في شيء آخر‪ .‬غير أن هذه‬
‫المالحظة ال تمنع القول إن مراقبة ردود فعل الجمهور تقدم الكثير‪ .‬فال يمكن العمل في‬
‫برج عاجي وإ همال رأي الجمهور‪.‬‬
‫ال أرتاد السينما كثيراً ألنني أعمل كثيراً‪ .‬غير أنني أحاول مشاهدة أكبر عدد ممكن من‬
‫دون تمييز‪ .‬كما تعنيني مشاهدة الجديد‪ ،‬المختلف‪ .‬وأهتم كثيراً بسينما المخرجين األقدم‬
‫مني‪ .‬فأنا أذهب واثقاً من عدم الشعور بالخيبة إذا تعلق األمر بمشاهدة فيلم لفتّوريو دي‬
‫سيكا‪ ،‬مع صوفيا لورين ومارشيلو ماستروياني‪ .‬بالمقابل أندفع بسهولة لرؤية أفالم أولى‪،‬‬
‫أو أعمال سينمائية من بلدان تعبير حديثة العهد بالسينما‪ .‬ففي هذا المجال أهتم بمعرفة‬
‫الطريقة التي يتعامل بها هؤالء الناس مع األداة السينمائية والنتيجة الناجمة عن ذلك‪ .‬إنه‬
‫أمر في غاية األهمية من وجهة نظري‪.‬‬
‫أين تضع نفسك؟‬ ‫‪-‬‬
‫كثيرون يقولون لي إنني سينمائي فرنسي جداً‪ .‬وهذا أمر غريب ألنني ال أشعر‬ ‫‪-‬‬
‫بأنني فرنسي البتة‪ .‬بل أجده مفهوماً ال يدخل رأسي مطلقاً‪ ).‬فأنا أشعر بالقرب أكثر‪،‬‬
‫ومن جوانب معينة‪ ،‬من بعض األصدقاء االنجليز واألميركيين‪" .‬الفرنسوجة" كما نقول‬
‫"الزنوجة" مفهوم ال أدرك له كنهاً‪ .‬فأنا شديد الولع باكتشاف ما هو بعيد‪ .‬أما اآلن فأعود‬
‫إلى موضوعات حميمة وقريبة من الحياة التي جئت منها‪ .‬وربما كان في الهروب‪،‬‬
‫والذهاب بعيداً‪ ،‬للبحث عن قيم أخرى مختلفة‪ ،‬وجود للذات في مكان ما‪ ،‬مهما اختلفت‬
‫المعطيات‪.‬‬
‫ما إيقاعك اإلبداعي األمثل؟‬ ‫‪-‬‬
‫هناك نفاية كثيرة‪ .‬فمقابل كل فيلم أنجزه توجد جثة فيلم لم أتمكن من تحقيقه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأحياناً أقضي وقتاً في السيناريو أطول من وقت اإلخراج‪ .‬لقد بت أميل إلى التباطؤ‬
‫وإ يجاد فسحة بين أفالمي‪ ،‬بعد نجاح "نفس في الصدر" الذي أعده شريطاً سعيداً‪ ،‬ال‬
‫يخلو من كآبة والتباس‪ ،‬لكنه ينتصر للحياة‪ .‬بينما كان "وهج المستنقع" و"اللص"‬
‫أفضل الحياة على صناعة األفالم‪ .‬وربما أدت بي‬
‫شريطين مقيمين في دائرة الموت‪ّ .‬‬
‫هذه القناعة إلى تقديم أفالم أفضل‪).‬‬

‫‪76‬‬
‫لعصاب اإلبداع‪ .‬البد أن يحقق توازنه كإنسان‬
‫سجينا ُ‬
‫ً‬ ‫ليس من المستحسن أن يعيش المرء‬
‫أوالً‪ ،‬ومن هناك ينطلق‪ .‬ينبغي أن يكون السينمائي متأتياً من اإلنسان‪ ،‬وليس العكس‪ .‬وإ ال‬
‫فإنه الجحيم‪ ،‬على طريقة بعض الكتّاب المنغلقين في عوالمهم والذين يعيشون البؤس‬
‫والعزلة‪.‬‬
‫أما نحن السينمائيين فال نعرف العزلة ألن عملنا يتم ضمن فريق‪ .‬ولهذا لن أصير كاتباً‬
‫أبداً‪ .‬إن مجرد الجلوس وحيداً‪ ،‬أمام طاولة‪ ،‬من دون أمل في الخروج من تلك العزلة‪ ،‬أمر‬
‫يناقض طبيعتي‪.‬‬

‫فرنسوا تروفو ‪François TRUFFAUT‬‬

‫ولد في باريس سنة ‪ .1932‬توفي سنة ‪ .1984‬عمل صحفياً في مجلة "فنون ‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫آداب ‪ -‬عروض فنية"‪ ،‬وفي "دفاتر السينما"‪ .‬وضع دراسات حول السينما من بينها‬
‫"السينما عند ألفريد هيتشكوك"‪ .‬مثّل في "لقاء من النوع الثالث" لستيفن سبيلبيرغ (‬
‫‪.)1977‬‬
‫‪Les Mistons‬؛ (‪ 400)1958‬طلقة (‪)1959‬؛ أطلقوا على عازف البيانو (‬ ‫‪-‬‬
‫‪)1960‬؛ جول وجيم (‪)1961‬؛ الجسد الناعم (‪)1964‬؛ ‪ 451‬درجة على سلم‬
‫فرانهايت (‪)1966‬؛ العروس ترتدي األسود (‪)1967‬؛ قبالت مسروقة (‪)1968‬؛‬
‫عروس نهر الميسيسبي (‪)1969‬؛ الطفل المتوحش (‪)1969‬؛ بيت الزوجة (‪)1970‬؛‬
‫االنجيلزيتان والقارة (‪)1971‬؛ فتاة جميلة مثلي (‪)1972‬؛ الليلة األميركية (‪)1973‬؛‬
‫حكاية آديل هـ‪)1975( .‬؛ مصروف الجيب (‪)1976‬؛ الرجل الذي كان يحب النساء (‬
‫‪)1977‬؛ الغرفة الخضراء (‪)1978‬؛ الحب) الهارب (‪)1979‬؛ آخر مترو (‪)1980‬؛‬
‫الجارة (‪)1981‬؛ فليأت يوم األحد (‪.)1983‬‬
‫فرنسوا تروفو‪ ،‬كيف جئت إلى السينما؟‬ ‫‪-‬‬
‫يقال‪ ،‬على وجه حق‪ ،‬غالباً‪ ،‬إن السينما فن هروب‪ .‬الكثير من المثقفين‬ ‫‪-‬‬
‫يرفضون هذا المفهوم ألنهم يريدون "إيقاظ" الجمهور أكثر من مساعدته على "الهروب"‪).‬‬
‫ثمة جانب صدق في كلتا النظريتين‪ .‬أما أنا فقد جئت إلى السينما من باب الهروب‪ .‬بدأ‬
‫‪77‬‬
‫ذلك وأنا في سن الثانية عشرة‪ ،‬أثناء االحتالل‪ .‬كانت تلك مرحلتي األولى‪ ،‬مرحلة‬
‫الهروب الكامل‪ .‬وفي مرحلة المراهقة تخليت عن مشاهدة أفالم الحرب) والوسترن‪،‬‬
‫وانتقلت إلى مشاهدة األفالم الغرامية وأفالم التشويق واألجواء الخاصة‪ .‬وبذلك كنت‬
‫متفرجاً متخصصاً نوعاً ما‪ .‬وكانت تلك األنواع السينمائية توفر لي أهم مهرب أو ملجأ‪.‬‬
‫وما كان يجذبني في األفالم الفرنسية لتلك المرحلة هو الواقع والذي يتجلى فيها بوضوح‪.‬‬
‫وهكذا حفظت الحوار الذي يدور في فيلم "الغراب") من دون التوصل إلى فهم نصفه‪ .‬ولقد‬
‫عدت مؤخراً إلى مشاهدة هذا الفيلم فشعرت بصدمة‪ .‬الشك أن السينما األميركية كانت‬
‫توفر هروباً أعمق لكنها كانت أقل صدقاً‪.‬‬
‫بالنسبة ألوروبا تكمن األهمية في الشخصيات؛) أما في أمريكا فاألولوية للمواقف التي توجد‬
‫فيها تلك الشخصيات‪ ).‬والطريقتان تضحيان بجانب من الجوانب‪.‬‬
‫ومع أنني ال أستند إلى أية نظرية فإن جهودي تذهب باألحرى إلى الجمع بين الصيغتين‪،‬‬
‫مع المحافظة على إيثاري لألفالم التي كنت أحبها في طفولتي والتي كانت تسحرني‪ .‬أصر‬
‫على تقديم شخصيات قابلة للتصديق من دون جعلها تتحرك في مواقف واهية‪ .‬وأعتقد أنني‬
‫توصلت إلى ذلك في "عروس الميسيسبي"‪ .‬فأنا مؤمن بفن شعري يخص السينما‪.‬‬
‫ما طموحك كمبدع؟‬ ‫‪-‬‬
‫ال أتعامل إال مع ما هو محسوس‪ .‬وال مجال في أفالمي لكلمات مثل‪ :‬الرب‪)،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الروح‪ ،‬الكائن السامي‪ .‬ما يهمني هو اإلنسان‪.‬‬
‫من جهة أخرى أريد التوصل إلى جعل الكاميرا إحدى شخصيات الفيلم‪ .‬فقبل ‪،1959‬‬
‫كانت هذه الكاميرا مفرطة في الجمود ثم صارت مفرطة في الحركة والحال أن الكاميرا‬
‫ينبغي أن تكون غير مرئية‪ ،‬في توازن دائم‪ ،‬مع حوافز دائمة‪.‬‬
‫أجدف ضد التيار من أجل المحافظة على ذلك التوازن‪ ،‬والحذر مما هو رائج‪،‬‬
‫شخصياً ّ‬
‫وحماية عوالمي الخاصة‪ .‬ال أسعى إلى التجديد اإلرادي لكن ما أنجزه من تجديد في كل‬
‫فيلم من أفالمي يكون واضحاً للعيان‪.‬‬
‫كنت في طليعة رواد "الموجة الجديدة"‪ ،‬أين هي اآلن تلك الموجة؟‬ ‫‪-‬‬
‫إنها تتواصل وتدوم‪ .‬ويفرحنا وصول جيل ثالث في المهنة‪ ،‬بينما كنا ال نستطيع‬ ‫‪-‬‬
‫العمل‪ ،‬في أيامنا‪ ،‬قبل بلوغ خمسة وأربعين عاماً‪ ،‬أو خمسة وستين عاماً! البد من‬
‫فرض أولئك الذين لم يتجاوزوا سن العشرين‪ .‬لقد تغير الوضع حقاً غير أن هذه المهنة‬
‫ما زالت مرتبطة بالصناعة‪ .‬والوضع يشبه ما يحدث في األدب حالياً‪ ).‬انظر إلى العدد‬
‫الهائل من الروايات األولى التي صارت تظهر لمؤلفين شباب قد ال يتابعون الكتابة‬

‫‪78‬‬
‫الحقاً‪ ).‬والحال أن مشكلة السينما أشد تعقيداً من ذلك؛ فهناك أفالم كثيرة يتم إنجازها‬
‫وإ خراجها وال تُعرض أبداً‪.‬‬
‫هل من شأنك الموافقة على التعامل مع التلفزيون؟‬ ‫‪-‬‬
‫قد أرضى بإخراج مسلسل وليس برنامج منوعات‪ .‬ويمكن لهذا المسلسل أن‬ ‫‪-‬‬
‫يكون من تمثيل األطفال‪ .‬فالكثير من المخرجين للتلفزيون يجعلونك تقرأ‪ ،‬وراء‬
‫صورهم‪ ،‬حنينهم إلى السينما‪ .‬ومن هذا المنطلق كان من شأن مارسيل بانيول وساشا‬
‫غيتري‪ ،‬أن يتحوال إلى ملكين في التلفزيون‪.‬‬
‫ما هو أقرب أفالمك إليك؟‬ ‫‪-‬‬
‫"فارانهايت ‪ ،"451‬فهذا الفيلم تعبير عن حبي للكتب‪ .‬ولقد قدمت تلك الكتب‬ ‫‪-‬‬
‫كشخصيات في الفيلم‪ .‬وحركتها فوق نيران الحطب بواسطة الكير وأدوات النفخ حتى‬
‫تبدو حية أكثر وأشد حساسية إزاء األلم‪ .‬لكنني أعترف أيضاً بحبي للنار! ما إن أعلمت‬
‫بموضوع الفيلم حتى وافقت على إخراجه فوراً‪.‬‬
‫هذا الفيلم جعلك تتعرف على راي برادبري؟‬ ‫‪-‬‬
‫إنه إنسان رائع ومدهش بتناقضاته الظاهرية‪ .‬أكرر‪ :‬الظاهرية‪ .‬فهو‪ ،‬مؤلف‬ ‫‪-‬‬
‫"وقائع كوكب المريخ" وال يجيد قيادة سيارة‪ .‬ولم يسافر في طائرة قط‪ .‬وال ينتقل إال‬
‫برفقة عائلته بالتمام والكمال‪ .‬إنه كائن حساس‪َ ،‬و ِجل‪ .‬ويدير نادياً سينمائياً للكتّاب في‬
‫هوليود‪ .‬لقد ظل محافظاً على حماسة الثامنة عشرة من العمر‪ .‬وهو يعيش في‬
‫كاليفورنيا حياة في منتهى البساطة‪ .‬إنه رومانسي أكثر من كونه رجل تقنية‪.‬‬
‫ِكتَاب المقابالت مع ألفريد هيتشكوك‪ ،‬يمثل بدوره‪ ،‬مساراً مبتكراً بالنسبة‬ ‫‪-‬‬
‫لسينمائي…‬
‫جهّزت ذلك الكتاب قبل فترة طويلة من اتخاذي قرار نشره‪ .‬ولقد أنجزته كرد‬ ‫‪-‬‬
‫تحمس الفرنسيين لهيتكشوك وأخذهم‬
‫فعل تجاه األميركيين الذين لم يدركوا سبب ّ‬
‫ألعماله مأخذ الجد‪ .‬إن هيتشكوك هو أكثر من أمضى وقته في التفكير في السينما‪ .‬وهو‬
‫ظم لقاءاتنا‪ ).‬فكنا نجلس معاً ثماني ساعات يومياً‪ ،‬لمدة ثمانية أيام‪ ،‬مستعرضين‬
‫الذي ن ّ‬
‫كل شيء‪ .‬وبعد ذلك بقينا صديقين‪.‬‬
‫بوضعي لذلك الكتاب‪ ،‬عن ومن هيتشكوك‪ ،‬أردت البرهنة للنقاد األميركيين بأن أفالمهم‬
‫العظيمة ليست تلك الحائزة على األوسكارات‪ )،‬على غرار "بن هور" و"كليوباترا"‪ .‬ففي‬
‫أمريكا تعتبر أفالم التشويق والتوتر أقل قيمة من الكوميديا الموسيقية والوسترن‪ .‬والشك‬
‫أن هناك أفالماً على شاكلة سلسلة جيمس بوند‪ .‬غير أن أسلوب العميل السري هو نوع‬

‫‪79‬‬
‫بريطاني أكثر‪ ،‬ويمتح من أعمال كبلنغ أو بوشان‪ .‬أما في أمريكا فإن الشخصية األساسية‬
‫جسده همفري بوغارت‪.‬‬
‫التحري الخاص الذي ّ‬
‫هي شخصية رجل ّ‬
‫وما هي مكانة "الطفل المتوحش" في أعمالك؟‬ ‫‪-‬‬
‫هي قصة حقيقية جرت في العام ‪ .1805‬والفيلم ينقل وقائع تجربة حقيقية‪ .‬أنا‬ ‫‪-‬‬
‫شخص ال يتردد كثيراً إزاء المواضيع التي تعجبه‪ .‬لكنني كنت آنذاك أنتظر صدور‬
‫كتابي حول هيتشكوك‪ .‬بعد ذلك اطلعت على وقائع الحكاية وقررت تحويلها إلى‬
‫سيناريو‪ .‬انطلقت من الصعوبات التي أجدها في تعلم اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ألعالج إحدى‬
‫مشاكل ذلك الطفل‪ ،‬والمتمثلة في ضرورة تعلمه الكالم‪ .‬دائماً توجد في أفالمي‬
‫شخصيات خارج الزمن‪ .‬وهذا االختيار ذو عالقة بما حدث معي بالنسبة لشريط‬
‫"فارنهايت ‪ ."451‬ولم يكن من باب المصادفة أن طلبت من الممثل الطفل في شريط‬
‫"الطفل المتوحش" أن يسلك سلوك الحيوان أمام اللغز الذي يمكن أن يشكله الكتاب‬
‫أمامه‪ ،‬مثالً‪ .‬وأختم بالقول إن هذا الفيلم قد تم تصويره باألسود واألبيض‪ ،‬وقد غدا ذلك‬
‫ترفاً في العام ‪!1969‬‬
‫كيف تنظر إلى الممثلين؟‬ ‫‪-‬‬
‫جان بيار ليو‪ ،‬هو الممثل الذي يقدم نتائج أكثر بوسائل أقل‪ .‬ومن أجل ملء‬ ‫‪-‬‬
‫الشاشة مدة ساعة ونصف ينبغي أن يكون هناك جان بول بلموندو‪ ،‬أو جان بيار ليو أو‬
‫تشارلز دينر‪ .‬من المؤسف عدم وجود شباب متألقين في فرنسا‪ ،‬بينما يعد االختيار‬
‫واسعاً بالنسبة للنساء‪ .‬وفي هذا المجال) أحب المخرجين اإليطاليين‪ .‬ذلك أن إيطاليا هي‬
‫البلد الوحيد الذي يرضى فيه الممثلون الذكور بالظهور في مواقف مثيرة للسخرية‪ ،‬بل‬
‫ويحبون ذلك أيضاً‪ .‬وفي ذلك تكمن قوتهم‪ .‬ويكفي ذكر ألبرتو سوردي وإ يغو تونيازي‬
‫وفيتوريو غاسمان…‬
‫هل لديك هواية؟‬ ‫‪-‬‬
‫الكتابة‪ .‬أكتب دائماً‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ما رأيك في وضع السينما حالياً؟‬ ‫‪-‬‬
‫الشك أن هناك أفالماً جيدة يدوم عرضها أطول من األفالم السيئة‪ .‬ولعله‬ ‫‪-‬‬
‫يتكون لدينا بذلك مرجع لتفادي األفالم الرديئة‪ .‬أنا شخصياً ‪ -‬ومن دون ابتعاد عن‬
‫أسماء النساء في الفيلمين ‪ -‬أفضل "ليلتي عند مود" على شريط "أنجليك‪ )،‬مركيزة‬
‫المالئكة"‪ .‬وبعد هذه المالحظة الشخصية‪ ،‬أرى أن األفالم الرديئة‪ ،‬وبالنسبة المئوية‪،‬‬
‫تميل إلى التحسن‪ .‬ويبدو لي أن هناك تهديداً أشد خطورة يواجه السينما الفرنسية‪.‬‬
‫فحسب تطور األوضاع العالمية البد من اللجوء إلى تصوير األفالم في نسختين‪ ،‬تكون‬

‫‪80‬‬
‫أهمهما هي النسخة اإلنجليزية‪ .‬إن شريط "عروس الميسيسبي" هو بالتأكيد من آخر‬
‫األفالم ذات الميزانية العالية‪ ،‬الذي تم تصويره في نسخة فرنسية فقط‪ .‬اللغة اإلنجليزية‬
‫تغزو العالم…‬
‫ما هي طريقتك في العمل؟‬ ‫‪-‬‬
‫أكرر‪ ،‬أحتاج دائماً إلى الكتابة‪ .‬هل هذه مفارقة بالنسبة لسينمائي؟ ال أستطيع أن‬ ‫‪-‬‬
‫أكون خصماً وحكماً في آن‪ .‬أعمل دائماً على تسجيل مالحظات للسيناريو‪ .‬وأجهز اآلن‬
‫مجموعة قصصية‪ .‬وأكتب مقاالت حول السينما‪ .‬وأضع مقدمات لسيناريوهاتي التي‬
‫تنشر في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫وفضالً عن ذلك ألجأ إلى الكتابة أثناء إدارة الكاميرا‪ .‬وبهذه الطريقة وضعت كل الحوارات‬
‫التي تخللت شريط "عروس الميسيسبي" أثناء التصوير‪ .‬ومع ذلك ال أشكو من التأخير في‬
‫مواعيد اإلنجاز‪ .‬وهذه الطريقة عودتني على التوقيت ميدانياً‪ .‬إنها تجربة رائعة‪ .‬أما‬
‫الهوس الحقيقي فيغدو متعلقاً بالطول الفعلي للفيلم أثناء عرضه‪ .‬فبهذه الطريقة نواجه خطر‬
‫إطالة الفيلم أكثر وقد يصعب الحذف منه الحقاً‪ .‬وهناك جانب آخر إيجابي في هذه‬
‫الطريقة‪ ،‬إذ تسمح بالتعرف على الممثلين بشكل أفضل‪ )،‬وتركهم يظهرون كما هم في‬
‫الفيلم‪.‬‬
‫أما زالت هناك تجارب أخرى تغريك؟‬ ‫‪-‬‬
‫لدي مشروع إخراج اسطوانة بأصوات الممثلين الذين عملوا معي‪ ،‬تتضمن‬ ‫‪-‬‬
‫اختيار بعض المشاهد‪ .‬وهذا لم يحدث من قبل‪ .‬إنه طموح ٍّ‬
‫متأت بالتأكيد من تعلقي‬
‫باالستماع إلى أصوات الكتّاب المسجلة‪ .‬وأحب االستماع إلى المسرحية المسجلة‪.‬‬
‫ولدي مجموعة كاملة‪ .‬وأنتظر بفارغ صبر ظهور "مدام بوفاري" في شريط كاسيت‪.‬‬
‫سوف يكون ذلك رائعاً‪ ،‬ألنه كتاب ألّفه فلوبير بصوت عال‪ .‬وإ نه إلنجاز رائع أن نتمكن‬
‫من الحصول على أعمال المؤلفين مقروءة بأصواتهم‪ .‬ولكي أعود إلى "مدام بوفاري"‪،‬‬
‫ليلي‪ .‬ويا لها من تجربة!‬
‫أذكر أنني قرأته‪ ،‬في السابق‪ ،‬بصوت عال‪ ،‬في قطار ّ‬
‫السينما‪ ،‬غداً؟‬ ‫‪-‬‬
‫بعد بضعة أعوام‪ ،‬سوف يتفرج الناس على األفالم في منازلهم‪ .‬ولن تظل‬ ‫‪-‬‬
‫الشاشة الصغيرة للبرامج التلفزيونية وحدها‪ ،‬بل سوف تشمل عرض األفالم‪ .‬وبذلك‬
‫يطلع الناس على األفالم الكالسيكية‪ ،‬تماماً كما تعلمنا نحن‪ ،‬في الماضي‪ )،‬أمثوالت‬
‫لمحبي السينما‪ ،‬سوف تصير‬
‫الفونتين‪ .‬والسينما العظيمة التي كانت باألمس مخصصة ّ‬
‫ملك الجميع‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فهرس‬
‫(ترتيب زمني انطالقاً من تاريخ الوالدة)‬
‫التقديم‬
‫‪ - 1‬جو هامان (‪)1974 - 1885‬‬
‫‪ - 2‬آبل غانس (‪)1981 - 1889‬‬
‫‪ - 3‬جان كوكتو (‪)1963 - 1889‬‬
‫‪ - 4‬مارسيل ليربييه (‪)1979 - 1890‬‬
‫‪ - 5‬جان رينوار (‪)1979 - 1894‬‬
‫‪ - 6‬مارسيل بانيول (‪)1974 - 1895‬‬
‫‪ - 7‬أندريه هونيبال (‪)1985 - 1896‬‬
‫‪ - 8‬روجيه ريشي (‪)1989 - 1897‬‬
‫‪ - 9‬رينيه كلير (‪)1981 - 1898‬‬
‫‪ - 10‬ليونيد موغي (‪)1976 - 1899‬‬
‫‪ - 11‬مارك آليغريه (‪)1973 - 1900‬‬
‫‪ - 12‬كلود أوتون ‪ -‬الرا (‪)2000 - 1901‬‬
‫‪ - 13‬كريستيان ‪ -‬جاك (‪)1994 - 1904‬‬
‫‪ - 14‬جان دريفيل (‪)1906‬‬
‫‪ - 15‬بيار بريفير (‪)1988 - 1906‬‬
‫‪ - 16‬إيف آليغريه (‪)1987 - 1907‬‬
‫‪ - 17‬موريس كلوش (‪)1990 - 1907‬‬
‫‪ - 18‬هنري ‪ -‬جورج كلوزو (‪)1977 - 1907‬‬
‫‪ - 19‬جان ديالنوا (‪)1908‬‬
‫‪ - 20‬جاك تاتي (‪)1982 - 1908‬‬
‫‪82‬‬
‫‪ - 21‬مارسيل كارني (‪)1996 - 1909‬‬
‫‪ - 22‬أندريه كايات (‪)1989 - 1909‬‬
‫‪ - 23‬جان ‪ -‬بول لوشانوا (‪)1985 - 1909‬‬
‫‪ - 24‬هنري كاليف (‪)- 1910‬‬
‫‪ - 25‬جيل غرانجييه (‪)- 1911‬‬
‫‪ - 26‬جان ايماج (‪) - 1911‬‬
‫‪ - 27‬رينيه كليمون (‪)1996 - 1913‬‬
‫‪ - 28‬راؤؤل أندريه (‪)1992 - 1916‬‬
‫‪ - 29‬بيار غاسبار ‪ -‬ويت (‪)1917‬‬
‫‪ - 30‬جان بيار ملفيل (‪)1973 - 1917‬‬
‫‪ - 31‬جاك باراتييه (‪) - 1918‬‬
‫‪ - 32‬نوربير كاربونو (‪)- 1918‬‬
‫‪ - 33‬ألكس جوفيه (‪)- 1918‬‬
‫‪ - 34‬غي لوفران (‪)1994 - 1919‬‬
‫‪ - 35‬جيرار أوري (‪) - 1919‬‬
‫‪ - 36‬إيف روبير (‪)- 1920‬‬
‫‪ - 37‬إريك روهمر (‪) - 1920‬‬
‫‪ - 38‬هنري فرنوي (‪)- 1920‬‬
‫‪ - 39‬إيف سيامبي (‪)1982 - 1921‬‬
‫‪ - 40‬ميشال بوارون (‪)- 1921‬‬
‫‪ - 41‬هنري كولبي (‪) - 1921‬‬
‫‪ - 42‬دنيس دي الباتوليير (‪)1921‬‬
‫‪ - 43‬مارسيل كامو (‪)1982 - 1922‬‬
‫‪ - 44‬جورج فرانجو (‪)1987 - 1922‬‬
‫‪ - 45‬ألن رينيه (‪) - 1922‬‬
‫‪ - 46‬ألن روب ‪ -‬غرييه (‪)- 1922‬‬
‫‪ - 47‬فريدريك روسيف (‪)1990 - 1922‬‬
‫‪ - 48‬ألكسندر أستريك (‪) - 1923‬‬
‫‪ - 49‬برنار بوردوري (‪)1978 - 1924‬‬
‫‪ - 50‬كلود سوتيه (‪)2000 - 1924‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ - 51‬جان جيرو (‪)1982 - 1924‬‬
‫‪ - 52‬جان شارل تاكيال (‪) - 1925‬‬
‫‪ - 53‬كلود بينوتو (‪) - 1925‬‬
‫‪ - 54‬جورج لوتنر (‪)- 1926‬‬
‫‪ - 55‬بيار غرانييه ‪ -‬ديفير (‪) - 1927‬‬
‫‪ - 56‬بيار إيته (‪) - 1928‬‬
‫‪ - 57‬ادوار مولينارو (‪) - 1928‬‬
‫‪ - 58‬بيار شوندورفر (‪) - 1928‬‬
‫‪ - 59‬جاك ديري (‪) - 1929‬‬
‫‪ - 60‬كلود شابرول (‪) - 1930‬‬
‫‪ - 61‬جاك دومي (‪)1990 - 1931‬‬
‫‪ - 62‬ميشال دوفيل (‪) - 1931‬‬
‫‪ - 63‬لوي مال (‪)1995 - 1932‬‬
‫‪ - 64‬فرنسوا تروفو (‪)1984 - 1932‬‬

‫‪84‬‬

You might also like