Professional Documents
Culture Documents
بي األمر إلى حد توضيح المونتاج الحقاً ).أما وقت العمل فأسعى إلى جعل
كل ممثل في قلب الفيلم ،وضمن المشروع العام ،حتى يصير مشتركاً ،حقاً.
-كيف بدأت ميولك السينمائية؟
-بدأ تعلقي بالسينما خالل أول عرض حضرته ،وهو "بيت األرواح"
لهارولد لويد .والدهشة الثانية ،في مجال الحركة دائماً ،تملكتني لدى
رؤية حبات فاصوليا تنبت في القطن ،كما كانوا يعلّمون أبناء جيلي
في المدارس .وبين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من عمري بدأت
أتعلق بالمسرح .وفكرت بممارسته من دون أن أعرف كيف ،وال في
لدي أموال في تلك الفترة
أي اختصاص من فروعه .ولو كانت ّ
النطلقت لخوض التجربة بكاميرا 16مم .بعد ذلك حالت) الظروف
دون موهبتي .وكنت أستعد لفتح مكتبة والتعامل مع بيع الكتب عندما
أعلن عن افتتاح المعهد األعلى للدراسات السينمائية .فانتميت إليه.
-كيف تصف مهنتك؟
-هناك نزعتان في السينما .إحداهما تتمثل في السينمائيين الذين يريدون
تقديم شهادة عن الحياة ).والثانية ،وهي األهم في نظري ،تتجسد في
الذين يسعون إلى التوغل في فهم أسرار الكائنات) التي يحبونها .وفي
مجال الرسم تنطبق النزعة األخيرة على تنتوريه ،وسيزان.
-من يعجبك من السينمائيين السابقين؟
-طبعاً هناك دافيد وارك غريفيث ،مورنو ،بودفكين ،لويس بونويل،
المفضلين ).أحببت كذلك الكوميديا األمريكية
ّ تروفو… في قائمة
االستعراضية ،وخاصة رقصات) فرد آستر ،وجنجر روجرس.
-ساهمت في أول جمعية لهواة العصر الذهبي للقصص األمريكية
المصورة .هل كان لتلك الطريقة التعبيرية تأثير في عملك؟
-هي ذات عالقة بمهنتي مثل المسرح تماماً .فالتتابع السردي من
العناصر التي تشدني .والشك أن المونتاج في القصص المصورة
يختلف عنه في السينما .وفي هذا المجال ال أخفي إعجابي بهرجيه
البلجيكي ،وأالن سان أوغان في فرنسا ،وكذلك بالمبدعين األمريكيين
الكبار الذين ابتكروا "ماندراك" و"العميل السري "1xو"ديك تراسي"
1
و"تيري والقراصنة" وهم كالسيكيو العصر الذهبي .وأتابع حالياً دراسة
"ديك تراسي" بسبب ابتكاراته التخطيطية.
-أما زلت ترتاد السينما؟
-أقل مما في السابق قليالً .األفالم كثيرة ،والجيد قليل .ومع ذلك أتابع
دوري كمتفرج جيد .أما وقت اإلخراج فال أستطيع متابعة أعمال
اآلخرين.
-هل توجد مراحل أفضل من غيرها ،وقت اإلخراج؟
-التصوير والمونتاج من المراحل الممتعة .أما أصعبها فهما التحضير)،
ووضع الحوار.
-موقفك من الجمهور؟
-الناس يحبون دائماً أفالماً لك ،في حين تكون أنت متعلقاً بغيرها .ال
أنساق إلى المتفرجين .ومع ذلك أظل أخشى عدم توصلهم إلى الفهم.
ولهذا يهبط شبح الجمهور على كتفي دائماً.
-هل تعيد مشاهدة أفالمك القديمة؟
-أبداً .وحتى عندما يحدث ذلك أشعر باأللم .عندما يعرض شريط
جديد ،أذهب إلى القاعات لمراقبة العروض ،لكن خفيةً .وسرعان ما
أشعر بأخطائي في اإلخراج ،لكن بعد فوات األوان .وهذا يجعلني
أشعر بالتعاسة.
-وهل تذهب لمشاهدة أفالم اآلخرين؟ وما هي معاييرك في ذلك؟
-ال أذهب بأفكار أو مشاعر مسبقة .وأميل لمشاهدة األفالم األولى
للمخرجين الشباب.
-ما هو وصفك للفانتازي؟
-كل ما يجعلك تفكر في شيء آخر ،هو فانتازي .ويمكن أن يكون
ذلك لوحة ،أو مشهداً ،أو غرضاً من األغراض ،يبعث بك إلى
المناطق األكثر سرية في الالشعور .والفانتازي أيضاً هو ما يبعث
تداعياً لألفكار بشكل يختلف عن األصل ،عن المنطق.
-ما هي المرحلة التي تعتبرها "استعبادية" في مهنتك؟
-مرحلة التصوير ،وضرورة تقديم أفضل ما لديك من دون تذمر .إذ
ينبغي أن يكون المرء جاهزاً )،في كل لحظة ،لغرض التقاط أفضل
2
الصور واتخاذ أصعب القرارات حتى يظل وقت االستغراق في
التصوير معقوالً.
-في مقابل ذلك ،هل توجد ظروف مثالية لإلخراج؟
-مثالية؟… قد يكون ذلك في التوصل إلى إخراج فيلم ،طوله ساعة
ونصف ،في تسعة أسابيع .فاألمر يتطلب سنة كاملة من العمل
المستمر ،الدؤوب ،المضني ،للتوصل إلى تكوين تصور عن
اإلخراج ،من دون ذكر الوقت اإلضافي الضروري لبلوغ النسخة
النهائية.
3
-أالن روب ،غريييه ،كيف توفّق بين الكتابة والسينما؟
-لم أولد كاتباً .المخرج والكاتب ،يلغي أحدهما اآلخر ،وفق النشاط
الذي تجري ممارسته .وربما استطعت القول :إن السينمائي ال عالقة
له بالكاتب؛ فأنا عندما أمارس اإلخراج أنسى أنني روائي .وفي
األثناء ال ينتابني الشعور بسرقة وقت الروائي ألنني سينمائي .ولو
السينما في زمن فلوبير لتمكن من إخراج أفالم في أوقات وجدتْ
تتخلل كتابة رواياته الخمس أو الست .وينبغي القول بأن غوستاف
فلوبير هو والدي الروحي .ولقد ُو ِّجهت إليه ،في عصره ،المآخذ
توجه إلي .وال أخفي اعتزازي بكون المقاالت التي وجهت
ّ ذاتها التي
إلي سنة ،1957هي المقاالت) نفسها التي وجهت إليه سنة .1857
يمكن التمهل في كتابة الرواية ،بعكس السينما التي تتطلب سرعة اإلنجاز ألنها
تتضمن وقت اآلخرين أيضاً ).وقد يكون من غير المعقول ،أو من المستحيل
إمضاء خمسة عشر عاماً في إنجاز فيلم .وحتى لو تعلق األمر برائعة
سينمائية ،فإن أحداً لن ينتبه إلى ذلك.
-ما موقفك من الجمهور؟
هز الجمهور ،ألنه قد يفضل النوم في السينما .أما ما عدا -ينبغي ّ
ذلك فأنا أهتم بالجمهور دائماً وبشكل مرعب .وأتألم كثيراً عندما ال
ال أشرع في وضع يلقى أحد أفالمي استقباالً جيداً .والسيما أنني
كتاب أو فيلم ،إال إذا أعجبني شخصياً ،ورغبت في إنجازه .أنا
بطيء جداً في عملي.
-هل تعود إلى رؤية أفالمك بعد عروضها األولى؟
-لدى ظهور فيلم بتوقيعي ،أتخيل صادقاً أن اآلخرين كلهم مثلي.
ويحدث لي أن أدرك بأنني لم أعمل إال وأنا أفكر في نفسي فقط.
فأحاول مشاهدة أفالمي وكأنني لست َمن أخرجها )،مع الرغبة في
أن أكون متفرجاً مجهوالً أثناء العرض األول ،الكامل ،للنسخة رقم
.1
-ما تعريف السينما حسب أالن روب -غريييه.
-السينما التي أحلم بها هي لغة؛ لغة موسيقية ،شعرية ،تشكيلية .وقد
يكون شريطي المثالي عمالً يقول ،من خالل شكله ،شيئاً آخر
غير ما يرويه.
4
تنكب على إنجاز فيلم،
ّ -ماذا يكون مقصدك الحقيقي ،العميق ،عندما
لنقل على غرار "عدن وبعد"؟
-هذا الفيلم تتمة لـ "الرجل الذي يكذب" من وجهة نظر األشكال
المعمارية الناجحة .ففي هذا وذاك ،سعيت إلى وضع لغة سينمائية
جديدة .إنه شريط يختلف عن األشرطة األخرى ،فهو باأللوان من
مهم ،ألن اللون ال يدرك على الشاشة فحسب ،بل يوجد جهة ،وهذا ّ
في الموضوع وفي السيناريو أيضاً .وهو عنصر فتنة وإ غراء .يضاف
إلى ذلك أن فيلم "عدن وبعد" ،وألول مرة في أفالمي ،يقدم المرأة
كشخصية رئيسية ،بعد أن ظل الرجل هو ضمير الحكاية .والموضوع
يعتمد على نوع من المسارة التعليمية التي تمتزج فيها التجارب)
والمحن على طريقة "جوستين " للمركيز دي ساد ،والبحث عن
التابوت المفقود .وأعتبره مظهراً جديداً ،إذ أثريه بمادة غزيرة حول
الميثولوجيا الحديثة التي تغذي الوعي الجمعي .من جهة ثانية الحظت
أن وسائل اإلعالم الجماهيرية في العالم المعاصر تخلق فانتازيا
جديدة من األساطير الشعبية .وهذا ما يفسر اتّكاء الفيلم على تلك
العناصر الفانتازية نفسها .فهو ينتقل من "شهرزاد" إلى "أنجليك مركيزة
المالئكة" .فثمة ميثولوجيا أخرى ال ينبغي إهمالها.
المهيأ لمثل هذا البناء الهندسي ،فأنا أقدم له شريطاً
ّ أما بالنسبة للجمهور غير
ذا مظهر حديث ،يجد نفسه فيه .لهذا ،تتقدم القصة بنوع من اإليقاع ،ال
اليومي ،بل اإلخباري ،أي األخبار التي تذكرها الجرائد .وتقصد وجهتها مثل
سفينة ترفع المرساة .وهذه الوجهة هي الحكاية الفانتازية الناجمة عن سراب
المخيلة الشبقية .أما المغامرات التعليمية بالنسبة للنجمة كاترين جوردان ،فيمكن
أن تقارن بمغامرات "أليس في بالد العجائب"؛) إذ نشاهد اجتيازها الصحراء)
وفخاخها وسرابها .ثم تجد نفسها في مواجهة قرينها ،وقرينتها التي تستولي
على ِق َ
طع مما تدججت) به ،أو تعيدها إليها.
في هذا المستوى ال يشكل الفيلم مسارة صوفية ،بل خيالية .ففي نهاية الحكاية
يبدأ كل شيء .وكان بودي لو وضعت كلمة "البداية" بدل كلمة "النهاية" على
الشاشة .لكن ذلك من شأنه اإلزعاج أكثر!
-ما الفيلم بالنسبة إليك؟
5
-أرى أن الفيلم عمل جماعي ،في حين أن الرواية عمل منفرد.
وهكذا أترك للمعاونين والممثلين أكبر وظيفة إبداعية ممكنة ،انطالقاً
من اهتمامهم الصادق بها أفعل .وفي هذا المجال قد ألجأ إلى
استشارة الممثلين والتقنيين حول بعض النقاط .فأنا حريص على
التعاون الفعلي .في مثال كاترين جوردان ،ضمن شريط "عدن وبعد"
أعتقد أن القصة نجحت ألنها ساهمت فيها بشغف حتى أن الفيلم
صار يجسد قصتها الشخصية تقريباً.
أستخدم الكثير من األفالم الموجبة خالل التصوير لحرصي على توفير أكبر
عدد ممكن من التنويعات للمونتاج .إن المسؤولية تؤرقني باستمرار حقاً .أقول
سنهم أقل من
هذا من دون افتعال التواضع ،وأتفهم أسباب منع أفالمي عمن ّ
ثالثة عشر عاماً.
-بالمناسبة ،إلى من تتوجه بأفالمك ،في الدرجة األولى؟
-ال أعتقد أن أفالمي تخاطب العقل بقدر ما تخاطب الحواس .ال
أرغب في أن يؤدي البناء الدقيق والمتقن إلى جفاف الموضوع .أنا
أخاطب الحواس .وَأفضل تعليق يبهجني هو "هذا جميل" لذلك أستفظع
من ُيعمل عقله وال يتوصل إلى الفهم فيغضب بسبب ذلك .أعتقد أن
على المتفرج في السينما أن يسلس القياد .فعندما ال يطفو المتفرج
يغرق الفيلم.
-هل يعجبك مخرجون آخرون؟
-أنا شديد اإلعجاب بإيزنشتاين الذي ابتكر سينما مونتاج قريبة مما
أحلم بإنجازه .فيما بعد ظهر أورسن ويلز ،ثم غودار في بداياته.
وبالمقابل) هناك سينما ال أحبها ،وهي التي أدعوها سينما القرن
التاسع عشر ،تلك التي تستند إلى أشكال روائية لم يعد لها من
وجود راهن.
-ما هي أهم مرحلة خالل اإلخراج في نظرك.
-هي المونتاج في رأيي .حتى على مستوى التصوير ُأولي أهمية
قصوى للوهم ،أو الخداع اإلبداعي .وهدف السينما هو خلق االعتقاد
بأن الوهم حقيقة .ففي مسرح القرن التاسع عشر كان هناك سعي
يجسدها الممثل .أما في أفالم القرن
ّ إلى تصديق الشخصية التي
العشرين فالممثل هو الذي يفرض الشخصية من فرط التماهي معها.
6
شخصيته .لقد انقلبت أستنكر الممثل الذي يمثل وأحب الذي تزدوج
عمليات االسترجاع (الفالش بالك) في الحياة )،وفي الشارع .صارت
استرجاعات) إلى األمام ،أو ومضات قادمة .لقد صارت األمور
تتسارع في السينما كما في المجاالت) األخرى .لذلك قد أكون،
بوتيرتي المتسارعة ،أخاطب أوسع جمهور ممكن.
-هل وفرت لك السينما ذكريات جميلة؟
-حصلت على جائزة ديلوك سنة .1963ثم عرض شريط "الخالدة") في
برلين .لكن كل ذلك ليس كبير األهمية .ما أفتخر به هو أن جوزيف
فون سترنبرغ أبدى شغفه بهذا الفيلم .وكان الوحيد في ذلك ،وهو ما
يعطي لحكمه وزناً أكبر ،وقيمة متفردة.
-هل تؤمن بدور النقاد ووظيفتهم؟
-النقاد يخدمون أفالم البحث والتجريب .وفي هذا المجال) يعتبرون
نافعين .ويمكنهم كإعالميين أن يثيروا الرغبة في مشاهدة الفيلم.
-ما موقفك من التلفزيون؟
-أعتقد بإمكانية تصوير شريطين في آن؛ أحدهما يكون مخصصاً)
للتلفزيون ،والثاني للسينما ،وذلك بالشخصيات) والديكورات نفسها.
وخالل عملية المونتاج ،يكفي تزويد كل فيلم بـ %50من الصور
المختلفة لنحصل على حكاية مغامرتين مختلفتين تماماً .وقد يشكل
ذلك بداية نوع جديد من التعاون بين السينما والتلفزيون.
-هل يمكنك التفكير في إخراج فيلم وسترن ،ذات يوم؟
-سبق لي التفكير في مشروع تصوير فيلم من هذا الصنف ،تجري
لقلت):
ُ مني تعريف الوسترن أحداثه بين رومانيا وتونس .ولو طلب
عودة رجل إلى قريته ،حيث مسقط رأسه ،إلصالح خطأ كان قد
تسبب فيه ،أو خطأ ذهب ضحيته آخرون .ويكون البطل عادالً
وبريئاً ،لكنه حوكم ظلماً .الحظ أن الشريط الصوتي في فيلم "عدن
وبعد" ينتمي إلى موسيقى الوسترن أصالً.
وجهت إليك ،انطلقت منك؟ -هل تعتقد أن األحكام التي ّ
-أحياناً يتم اعتباري مؤلفاً مولعاً باإلثارة الجنسية .وأنا أستنكر ذلك
بشدة .ففي هذا المجال لست سوى شاهد .وأعتقد أن اإلثارة الجنسية
ليست سوى أحد مكونات الميثولوجيا الحديثة .ال أسعى إلى اإليقاع
7
وجرهم إلى فخ ،بل إلى توجيههم داخل بعض المتاهات)
ّ بالمتفرجين
في مجتمعنا الراهن.
8
فقبل إخراج أي فيلم تتوجب قراءة مئة كتاب على األقل .وعندما نتعرض
للهجوم ال نعرف بماذا نجيب ،وذلك اللتباس بعض المراحل التاريخية ،أو
طريقة النظر إليها.
وهكذا فقد تعرضت لهجوم قوي لدى ظهور فيلم "زمن الغيتو" حول نقطة دقيقة
تخص الجيش األحمر .وكان المهاجم أستاذ تاريخ .وقد تبين أنه أخطأ بفارق
سنة حول وقوع بعض األحداث ).ولقد واجهت مثل تلك المشاكل أيضاً حول
أسبانيا الجمهورية .فهناك الكثير من األفكار المسبقة .أما معالجة الموضوعات
الروائية المتخيلة فهي أسهل من ذلك بكثير.
-لكنك لم تكرس نفسك لماضي البشرية فحسب بل عالجت حاضر
الحيوان أيضاً…
-رؤية الحيوانات جميلة للنظر ،لكنها صعبة التفسير .إنها فاتنة .وأنا
أسعى إلى نقل فتنتها عبر الصورة .وللحيوانات ذاكرة أبعد من ذاكرة
اإلنسان األول .هي درس الحرية و مالذها .وباتت الحيوانات ترمز
إلى الفردوس المفقود ،وإ لى تلك الحرية التي انتزعت منا ،بل التي
انتزعناها من أنفسنا بأنفسنا .الحيوانات ماضينا ،نصيبنا من المخيلة.
ولقد نجمت الحيوانات الفانتازية في األعمال الشعرية لجان بول،
ولوحات غويا ،وجيروم ُبش ،واألحالم السوريالية ،من عملية التشويه
التي خضعت لها ذاكرتنا .إن أول موسيقى أدركها اإلنسان ،قبل حتى
أن يستمع إليها ،هي زقزقة العصافير )،أي الموسيقى األصلية،
موسيقى النشأة .فما زال العندليب يشدو باللحن نفسه منذ ثالثة آالف
عام.
"ع ْيَنا السمكة تصيبانني بالحمى" إن الحيوانات التي
وأنا أتبنى جملة بوفونَ :
يفتتني تصويرها ،حتى ال ننساها عندما تنقرض ،هي نظرة أسالفنا .ويتوجب
علينا أن نجيد قراءة تلك النظرة .أرى أن سعادة أي بالد مرتبطة بالدفاع عن
طبيعتها ،وحجارتها وأشجارها وحيواناتها .إن حضورها ،قبل تحولها إلى
ذكرى ،هو آخر ما تبقى من الفردوس األرضي.
-أحياناً يؤدي بك هذا االختيار إلى تثبيت صور فظيعة ومن ثم
تحريكها؟
-كثيراً ما أصور معارك وحشية مخيفة ،لكنها ليست فظيعة.
فالحيوانات تلجأ إلى القتل لكي تقتات وتحافظ على اإليقاع الطبيعية
9
للحياة وتوازن الطبيعي .ولهذا ال أخفي احتقاري الشديد للرياء
اإلنساني المتلفّع بالفرو.
-ما هي معاييرك للشروع في إنجاز فيلم جديد؟
-ينبغي أن نخرج األفالم التي نرغب في إخراجها) دائماً ،وذلك مهما
كان الموضوع المختار.
-في هذا السياق ،هل تشعر بمسؤولية خاصة إزاء الجمهور؟
-مسؤولية المخرج جزء من مسؤولية الفرد في حياته االجتماعية
وعائلته ومعتقداته .نحن نعيش عصراً خاضعاً) إلى تيارات أخالقية
كبيرة ،حيث تختلط مسؤولياتنا المختلفة .وكل فرد منا يتحمل
مسؤولية إزاء حياته الشخصية .لذلك أعتبر أن الحكم الذي يمكن أن
نحمله تجاه الذات هو الحد الفاصل األكثر نجاعة .فليست الوظيفة
هي التي تجعلنا مسؤولين ،بل حرية االختيار هي التي تجعلنا كذلك.
-هل تؤمن بـ "حرب أهلية" بين السينما والتلفزيون؟
-ينبغي أن يظال متكاملين .ومن الخطأ الخلط بينهما ألن ذلك قد
َّ
المتخيل الفردي والمتخيل الجماعي .أما يؤدي إلى عدم التمييز بين
من وجهة النظر التقنية المحض فيمكن االنتقال بسهولة من هذه
الوسيلة التعبيرية إلى تلك ،مع ضرورة المالحظة بأن التلفزيون
يتطلب تفاصيل أقل في البناء).
أما السينما فتتطلب احتفاالً جماعياً يجري في العتمة ،مع ضرورة الدفع قبل
الدخول ،في حين يتم استقبال التلفزيون في البيت .ويمكن المتابعة معه أو
تركه في منتصف الطريق .السينما اختيار ،والتلفزيون صدمة .السينما تؤثر فيك
دفعة واحدة ،والتلفزيون يفعل ذلك بالتقسيط ،وفي زمن متقطع.
مع ذلك ينبغي إيجاد تعايش بينهما .فهما وسيلتا تعبير تستجيبان لحاجات
مختلفة .والخلط بينهما يؤدي إلى عدم فهم هذه وذاك.
-من بين السينمائيين القدامى والمحدثين ،من الذي أثر فيك تأثيراً
حاسماً؟
-اسمح لي بذكر أسماء :أوالً ،ايزنشتين الذي أجاد التعامل مع مادة
حقيقية .ثم مورنو الذي اختار الدرب العميق للحلم ).وأخيراً
ميزوغوشي ،ملك الميتافيزيقا الشعرية .هؤالء الثالثة فتحوا دروب
10
السينما وأغلقوها .والثالثة تصارعوا مع الشيطان .وهم أكثر الذين
أثّروا في بالتأكيد.
-ما طموحك السينمائي بوجه عام؟
-أسعى دائماً إلى إخراج أفالم تغ ّذي أحالمي .وهي األحالم التي
لآلخرين ،الحقاً. أحاول تبليغها
-كيف تتصرف مع الممثلين؟
-أطالبهم منذ البداية أن يكونوا كما هم .الممثلون حلفاء ،وهم قادرون
األحالم .ودور على تمثيل الحياة بجدية ،إنهم الماسكون بوزارة
المخرج يتمثل في خلق العالم الذي يتحركون فيه.
-كيف تفسر القدرة السينمائية األمريكية التي تعترف بها شخصياً؟
-عندما نتحدث عن فتوة األمم البد من التعرض إلى بلوغها سن
الرشد .لقد بلغت الواليات المتحدة األمريكية سن الرشد على
مرحلتين 1918 :و .1942ففي سنة 1917أرسلت أمريكا بالرجال
إلى ما وراء البحار )،وذلك للمرة األولى ،في حين كان دورها حتى
ذلك التاريخ ،يقتصر على استقبال البشر .وفي مرحلة ما بين
الحربين ،أي خالل أربعة وعشرين عاماً ،اجتازت عمر المراهقة
لتبلغ سن الرشد .وعندئذ تزايدت وتيرة أحالمها الوحشية ،من غزو
الغرب األمريكي ،إلى عصابات الكلو -كالكس -كالن ،إلى
ٍ
ماض استبق حاضرها)، حروب العصابات ،ليتحول كل ذلك إلى
وزالت معالمه بحيث يمكن إليقاعاتها الراهنة أن تكون محملة
بنبضها القديم .وتظهر عالمات ذلك في الكوميديا الموسيقية والوسترن
واألفالم البوليسية ،والحكايات) التاريخية…
يبدو أن الواليات المتحدة تمارس عليك جاذبية حقيقية ،لماذا؟ -
-نعم ،أنا مفتون بهذا البلد الذي اضطر في الثالثينات إلى تجاوز
شبابه وعافيته لمواجهة سلسلة أزمات ).وهو يبقى دائماً وقبل كل
شيء ،بلد السينما.
-كيف ترى مستقبل هذه السينما ،وكذلك السينما الفرنسية وغيرها؟
ومحمل بالجديد غير
ًّ -لن أجازف بالتشخيص .الحياة إبداع مستمر،
المنتظر .أما أنا فلست قادراً على التنبؤ بالمستقبل.
11
ألكسندر أستريك Alexandre ASTRUC
12
نيمييه .ثم أصدرت روايتي الثانية بعنوان "الثعبان األصفر" )،واعمل اآلن على
الثالثة التي سوف تصدر بعنوان "ذكرى مالك".
-هل يوجد شخصان يحمالن اسم ألكسندر أستريك :أحدهما رجل
صورة ،والثاني رجل أدب؟
-ما بين السينما واألدب توجد تماثالت كثيرة كما توجد اختالفات)
شاسعة .وهكذا فان شريطي "طريدة الظل" كان من الممكن أن يشكل
أنكب على
ّ رواية من مائتي صفحة .وكنت ،عندما أشتغل بالسينما،
تحويل أدب بلزاك وموباسان وبارباي دوريفلي إلى صور .كذلك
أحول كتابتي إلى صور ،مباشرة .وهكذاعندما أكتب شخصياًّ ،
اكتشفت سعادتي الجديدة المتمثلة في حرية الكتابة .إذ يمكن مراكمة
الموضوعات ،وتحرير الخيال ،من دون إخراج.
أكتب روايات تحافظ على الحكاية تماماً كما هو شأن األفالم التي أحببت .وإ ذا
كنت معجباً بجون فورد وراؤول ولش وهوارد هوكس في السينما ،فأنا معجب
بما يكتبه ميشال تورنييه وجان ديتور وميشال ديون في األدب ،تماماً كما
كان ستاندال وزوال يكتبان في الماضي .لهذا ال أشعر بأية عالقة بـ "الرواية
الجديدة" وهذا يجعلني متهماً بالرجعية وباالنتماء إلى اليمين .وهو أمر ال
يزعجني كثيراً ،خصوصاً وأن اليسار بات يتخلى اليوم عما شكل عظمته ،أي
تبجيل الحرية الفردية والمآثر الكونية لصالح مبادئ مختزلة وجافة وال إنسانية،
وقد باتت عرضة للهجوم من قبل الفالسفة الجدد مثل أندريه كلوكسمان .أما
ميراث الخيال) فقد صار من مهام اليمين.
وال نزاع في كوني أشعر بالقربى إزاء بيار بوتان أو روالن لودنباخ -
وأحاورهما بسعادة -أكثر من ألن روب غرييه الذي ال أرغب حتى في
معرفته.
-ما هو إيقاعك اإلبداعي؟
-كروائي .أكتب من خمس إلى عشر صفحات يومياً .تكون الفكرة
جاهزة في ذهني ،لكني ال أدونها ،أنساق إلى حركة الشخصيات ).أنا
مقتنع بالتخييل الروائي وأكره تحطيم األشكال الفنية.
-ما زالت الصورة تجذبك والدليل على ذلك أنك أنجزت للتو برنامجاً
تلفزياً…
ّ
13
-بالتأكيد ،فقد أخرجت الجزء األول من شريط عن "لويس الحادي
عشر" وسوف يبث خالل أعياد العام .1977أما الجزء الثاني
فلسوف أشرع فيه قبل بضعة أسابيع من ذلك البث .أتصرف في
التلفزيون كما في السينما .إذ يش ّكالن وسيلة تعبير متماثلة في الواقع.
وما إن أشرع في إخراج شريط تلفزي تاريخي حتى أتخلى عن
االرتجال واقتفي بكل تواضع نموذج لوتشينو فيسكونتي.
بالنسبة لشريط "لويس الحادي عشر" لم أعبأ كثيراً باستعادة أجواء العصر
بحذافيرها ،بل سعيت -وأقول هذا بنوع من االدعاء إن شئت -إلى اقتفاء
شكسبير وساشا غيتري اللذين ال أخفي إعجابي بكليهما.
-ما هو هدفك ،بوصفك روائياً؟
-يكمن طموحي األكبر في التوصل إلى وضع أعمال تندرج ضمن
تقاليد الرواية الفرنسية ومآثرها ،وكذلك الرواية األلمانية ،كما يمثلها
موزيل أو توماس مان صاحب "الدكتور فاوست" .إنها الساللة التي
جمعت بين السخرية والخيال والمعرفة الواسعة.
-وما موقفك من السينما حالياً؟
-باتت تهمني كمتفرج أكثر مما تهمني كمخرج .وقد أفرح إذا طلب
مني أحد المنتجين شراء حقوق روايتي "الثعبان األصفر" ،لكنني لن
أقبل بإخراجها) مطلقاً )،ألن إخراجها ،شخصياً ،قد يخونني عبر
محاولة االلتصاق الوفي بالنص.
مع ذلك يوجد تشابه جوهري بين السينما والرواية ويكمن في خاصية إنتاج
الصور .يلجأ مؤلف السينما إلى من يشاء كي يأتي بالصور .وهو شأني أنا،
عندما لجأت) إلى إدغار بو أو بارباي دوريفلي .أما الروائي فال يغرف إال من
ذاته .ولو نقلت إحدى رواياتي إلى السينما الكتفيت بالمشاركة في السيناريو.
أخرجت "حياة"
ُ فليس على الروائي أن ينقل ما كتب إلى الشاشة .وهكذا ،عندما
لم أخن غي دي موباسان .لم أفعل سوى إعادة قراءته عبر مزاجي الخاص.
-ما أقرب أفالمك إليك؟
-يأتي في المقدمة Evariste Galoisالذي أحبه كثيراً ،وكذلك
"حياة" .أكثر ما يهمني عندما أصور شريطاً هو الممثلون .وكما يقول
سيلين" :على الضيف أال يشم روائح المطبخ" .لذلك ينبغي التحكم جيداً
في التقنيات والصوت والصورة والتقطيع والمونتاج ،بحيث ال يشاهد
14
المتفرج سوى الممثلين على الشاشة .فالشخصية التي يؤديها الممثل
هي األساس .كذلك عندما تبدأ الشخصية الروائية بالتشكل عبر
كتابتي ،أنظر إليها نظرتي إلى ممثل يقف أمام الكاميرا التي
بحوزتي ،أي بالحرارة ذاتها والكثافة ذاتها .وسواء أكنت سينمائياً أم
كاتباً أجد نفسي متمتّعاً بحرية قصوى تعطلها عراقيل قصوى في
آن.
الروائي يعرف الماضي )،غير أنه ال يمتلك الحاضر ).وأبرز من يدل على ذلك
شخصياً فوتران وراستينياك اللذين إما أفلتا )،أو فرضا نفسيهما ،على بلزاك،
على امتداد رواياته.
-أما زلت متعلقاً بحب السينما؟
-في سن العشرين كنت أتردد على قاعات السينما يومياً .وفي نهاية
الحرب ،أثناء تجنيدي ،تدبرت لنفسي بدلة عسكرية شبه أميركية.
وبفضل ذلك الزي ،وتراخيص منتصف الليل الفرنسية ،صرت قادراً
على التسلل إلى قاعات العرض المخصصة للجنود األميركيين ،كل
ليلة .وهكذا تمكنت من مشاهدة األعمال األميركية الكالسيكية التي
لعبت دوراً مهماً في تكويني .وتطور شغفي بالسينما حتى سن
األربعين .حينها بدأت أنتقي األفالم التي أود مشاهدتها ،على غرار
"النباب (النائب) األخير" لكازان ،أو "السبت األسود" لفرانكنهيمر.
ّ شريط
-وهل ذلك هو شأنك مع القراءة أيضاً؟
-مررت بمرحلة مطالعة مكثفة ما بين السابعة عشرة والثالثين .ثم
توقفت عن القراءة لمدة عشرين عاماً ،ألن النتاج الروائي للمرحلة
لم يكن ليجذبني .إذ ذاك فضلت التعامل مع الرياضيات) لمجرد
المتعة .وربما كان من المفارقة أنني عندما شرعت في الكتابة عدت
إلى المطالعة المكثفة.
-أنت من ابتدع صيغة "الكاميرا -القلم" فما هو موقفك منها حالياً؟
-لما أطلقت تلك الصيغة أردت القول من خاللها إن في إمكان المرء
إخراج أفالم على طريقة الكتابة ،أي بالمسعى نفسه واإلرادة نفسها.
وعندما صغت تلك العبارة المر ّكبة "كاميرا -قلم" كنت أتوقع العودة
إلى الكتابة .وربما عدت متأخراً كثيراً ،غير أنني أتمسك بمقولة
برنانوس" :ال يمكن للمرء كتابة رواية قبل سن األربعين" .وعلينا أال
15
ننسى أيضاً بأن بلزاك ،وحتى كتابة روايته "آل شوان" أو
"ال ُش َوانيون" ،لم يكن يوقع إال باسم مستعار :سان أوبان.
-كيف تتوصل إلى التوفيق بين هذين النوعين من النشاط؟
-من المؤكد أنني عندما أصور ال أتمكن من الكتابة .فخالل إخراج
فيلم يكون عدد ساعات العمل الرسمية ثماني ساعات يومياً ،لكننا
نصل إلى اثنتي عشرة ساعة.
مع ذلك أظل مقتنعاً بأن مهنتيْ السينمائي والروائي ليستا متناقضتين .ومعظم
الكتّاب مارسوا أنشطة أخرى :بلزاك كان مطبعياً ،كلوديل وموران كانا
دبلوماسيين ،سانت اكزوبيري طياراً ،مالرو وزيراً…
16
آنذاك أدرس الفنون الجميلة .وسرعان ما غادرت تلك المدرسة ألنني لم أتعلّم
شيئاً.
وهكذا تابعت العمل كمساعد حتى في ظروف ال تصدق .ففي العام ،1945
وكنت في الحادية والعشرين من عمري ،وجدت نفسي وحيداً في انجلترا )،أمام
مائتين وخمسين مظلياً وطائرات نقلهم ،لتصوير "كتيبة الجو" وبذلك تعلمت
مهنتي .وبقيت أعمل مساعداً لمدة ست أو سبع سنوات).
ليس الفيلم األول هو الصعب ،بل الثاني ،وتأتي بعد ذلك المثابرة .ولقد
أخرجت عدداً من األفالم القصيرة ،كما يفعل الجميع .وأعجبني ذلك كثيراً.
-هل أنت معجب بمخرجين آخرين؟
-في شبابي أدمنت مشاهدة األفالم وتأثرت كثيراً باألفالم األمريكية.
ويظل وجود فورد هو األعظم في نظري .توصلت )،بعرق الجبين،
إلى اقتفاء أثر تلك السينما الباذخة من خالل إخراجي لشريط "حظ
تربيعي" وكان أول شريط فرنسي من نوع الشاشة العريضة (سينما
سكوب) .ولقد حافظت على دروس السينما االميركية ألطبقها على
أفالمي البوليسية ،وكذلك على سلسلة "أنجيليك" .فكانت أفالماً ذات
مؤثرات عالية لكن بميزانيات متوسطة جداً .هكذا تعلمت العمل
السريع والناجح .وتوصلت إلى إخراج شريطين دفعة واحدة كما
حدث أثناء تصوير "الفرسان الثالثة" و"أنجيليك"… أنا وبريسون ال
نمارس المهنة نفسها!
أستطيع إدارة مائتي شخص ألعطي انطباعاً ،على الشاشة ،بوجود ألفي
شخص .ولم أنقطع عن تقديم سينما أمريكية بوسائل فرنسية .واعتقد أنني تمكنت
من ترسيخ انطباع جيد عن السينما الفرجوية الواسعة ،خاصة وأن جيلي كان
متأثراً جداً بالسينما األميركية.
قدم لنا األميركيون نماذج متميزة ،كما جرى بالنسبة للحرب األهلية وقانون
تحريم الخمر ،حيث الديكورات واألسلحة والسيارات والمطاردات والمعارك.
أما نحن ،فهنودنا هم حراس الكاردينال )،ولم يكن ينقصهم الريش على القبعات
ذات الحواف العريضة .من المؤسف أن ماضينا قد شاخ ،بينما ماضيهم ال
يزال متحركاً في الحاضر ).هذه الفتنة التي تشكلها السينما األمريكية لم تتوقف.
لقد أدهشني فيلم " ."M.A.s.Hولم يكن ذلك بسبب اإلخراج بل لحرية النبرة
17
واألسلوب .فتمكن ذلك الفيلم من قول كل ما كنت أرغب في قوله شخصياً
منذ زمن طويل .أما في فرنسا فما زلنا نصطدم بالمشاكل المغلوطة.
-ما هي معاييرك في اختيار األفالم التي تنوي إخراجها؟
-لم أعد أستجيب للمعايير حالياً ).ال أريد إعادة إخراج األفالم نفسها،
كأن أكون محكوماً بالعودة إلى "الغوريال" .لكنني أجد متعة في
إخراج المسلسالت التاريخية الكبيرة .اآلن ،وكما هي حال النشر،
سيصير التلفزيون معادالً لكتاب الجيب ،فيما تصير السينما أشبه
بالمجالت المصورة الباذخة والملونة .ومع ذلك ال أعتقد في إمكانية
الخلط بين النوعين.
ينبغي االحتفاظ بالمواضيع العادية والقصص المسلية للتلفزيون كي يشاهدها
الناس على الشاشة الصغيرة ،كما في السابق عندما كانوا يرتادون قاعات
السينما ،وقبلها المسرح ،واألوبيريت ،كمبرر للخروج .ومن أجل حث الناس
على الخروج من بيوتهم البد من أفالم استثنائية يشعر المرء بالندم إذا فوتها
.غير أن السينما باتت بين أيدي المستغلين ،وهذا تطور جديد .وصار البد
من المراهنة على الممثل النجم ،والحال أن عدد النجوم محدود في فرنسا.
وهناك ما هو أخطر .لم يعد ثمة مجال ألفالم المؤلف… بل هناك زحف على
أفالم العنف واإلثارة الجنسية .في شهر آذار/مارس 1969توجب علي التخلي
عن مشروع فيلم حول مكافحة إدمان المخدرات .قيل لي :ال مجال لمعالجة هذا
الموضوع .وبعد ثالثة أشهر ظهر فيلم " "Moreزد على ذلك أن التجربة
ورطتني في نفقات مالية.
-وهل تعتقد بوجود رقابة مخيفة؟
-مشكلة الرقابة مرعبة بالنسبة لنا .وفي كل مرة أشرع في إخراج
فيلم أردد بأنني فنان رسام ،وال أريد توريط مجموعة كاملة في
فيلم قد ال يرى النور .إن عالم السينما يواجه مشاكل مأساوية .القيم
الثابتة تنهار .ينبغي تركنا نمارس مهنتنا بهدوء .أكرر بأن كارثة
النجومية جعلت من الصعب إخراج فيلم من دون نجوم .هذا أمر
في منتصف الغباء ،ألن الممثل النكرة ،اليوم ،قد يغدو نجماً
في المستقبل .وأنا شخصياً أطلقت الكثير من النجوم :لينو فنتورا،
جيرار باري ،ميشال ميرسييه ،إيدي كونستانتين… أنا الذي
"ه ْد َهدتهم" عندما كانوا في المهد صبياناً!")
َ
18
في هذا السياق ،كيف تدير ممثليك على "البالتوه"؟ -
علي إجبارهم على القيام بما أريده منهم .وينبغي أن يكون
ّ -يتوجب
هناك نوع من التفاهم ).وقد ألجأ إلى تكييف الدور حسب الشخصية.
وهكذا أوجدت تفاهماً عميقاً مع روبير هوسين .بشكل عام ال أفتقر
إلى التقنية .وهذا ما يجعلني أكثر اهتماماً بالممثلين .نبدأ باتباع النص
نحور بعض الكلمات) أو الجمل .فلكل واحد طريقته في التعبير.
ثم ّ
وإ ذا لم يكن النص لشكسبير أو ألنويله ،نستطيع تحويره .وخالل
التصوير أحاول عدم السقوط في الكليشيهات والمبالغات التي تصور
الحياة اليومية .فأنا أرفض تصوير ما هو بشع .ولم أحب الواقعية
قط.
-هل تشعر بمسؤولية معينة إزاء جمهورك؟
البد من العثور على
-أول ما يهمني هو أال يشعر الجمهور بالمللّ .
إيقاع .كما أحب أن يضحك الناس مما أضحكني شخصياً .لكنني ال
أنساق إلى السهولة .إن أي فيلم يعرض لكي ُيرى ،وإ ال فمصيره
الفشل .عندما أتذكر "أضواء المدينة" أدرك كم بتنا نهمل تلك المهارة.
أضف إلى ذلك تلكْ لم يهرم ذلك الفيلم رغم مرور نصف قرن.
االبتكارات التقنية المصاحبة لكل صورة .ولم يكن ذلك الفيلم ليحتاج
إلى الكالم .كانت الموسيقى الجميلة كافية .أما الحكاية فكانت في
منتهى الشفافية والصفاء.
-كيف تجد هواية السينما؟
-الثقافة السينمائية مطلوبة .وهذا أمر جيد ،على أال تتحول إلى نزعة
مبالغ فيها .فالموجة الجديدة على سبيل المثال ،لم يبدأ استلهامها إال
من خالل فريتز النغ .إنها إعادة ابتكار لحيل قديمة .ومن بين الذين
أحب في السينما الفرنسية هناك كلوزو .إن الذكاء والموهبة يعوضان
مواهب الدنيا كلها .ال يمكن للمرء أن يعرف كل شيء في هذه
المهنة .وأدنى ما هو مطلوب أن يتعرف على تفاصيل التصوير
الفوتوغرافي .وهكذا يميز بين ما هو قابل لإلنجاز وما هو غير
قابل لذلك .فبفضل معرفتي بالتصوير الفوتوغرافي لم أورط الذين
عملوا معي في التصوير ،في مواقف حرجة.
-واأللوان؟
19
-إنها تشكل إضافة مهمة جداً ،وتعطى للصورة حضوراً ال يحققه
األسود واألبيض.
21
نقطة الصفر )،كما لو لم أكن أنا الذي صور ما صور .وتدوم تلك الحال
ثالثة أشهر متضمنة مواجهة مشاكل الصوت والموسيقى.
أما في مرحلة إعداد النسخة النموذجية فيساورني الشك حول نجاحي في تبليغ
ما أردت قوله .لحظة الحقيقة هذه ،تدق وقت عرض الفيلم في المختبر من
أجل كشف المعايير ،أي موازنة األلوان .وإ ذا كانت القاعة خالية في هذه
المرحلة ،فمعنى ذلك أن الفيلم لم يجذب الكثير من الناس .أما إذا امتألت
القاعة بكل التقنيين فيمكن التنبؤ بمدى إقبال الجمهور في القاعات ).بعد ذلك
تأتي مرحلة االنتظار المضني والمنهك عصبياً :مرحلة عرض الفيلم في
القاعات ).إن اهتمام التقنيين ومهندسي الصوت والعارضين يدل على نجاح ما،
للفيلم.
-ما الشعور الذي يخالجك عندما يعرض أحد أفالمك التي أخرجتها
للشاشة الكبيرة ،مثل "السالح على اليسار" ،على شاشة التلفزيون؟
-في الحقيقة ،ال أعرف .ولكن ،يمكنني النظر إلى ذلك انطالقاً من
أفالم مخرجين آخرين .على سبيل المثال شاهدت على شاشة
التلفزيون شريط المخرج راؤول ولش "جنتلمان جيم" .وكان تأثري
عميقاً كما في قاعة السينما .أما أنا فأقدم أفالماً تفقد قيمتها في
التلفزيون .ال أدري لماذا .أما شريط مثل "لوال مونتس" لماكس
أوفولس الذي يبدو شريطاً خاصاً بالشاشة الكبيرة فقد بدا لي أقوى
لدى عرضه على شاشة التلفزيون.
عندما عرض شريط "صف المخاطر كلها" في التلفزيون ،شاهدته كما لو لم
يكن من إخراجي .وجدته أشبه ببطاقة بريدية تمثل نسخة عن لوحة لفان
غوخ .يظل الهيكل العام وتتبدل األلوان.
-ما أهمية التقنية في نظرك؟
-في البداية تكون حاسمة ،كما في الموسيقى .ال يمكن عزف
الموسيقى من دون معرفة النوطة .والبد من التنسيق والتوليف بين
العناصر البسيطة أو التي تبدو كذلك في البداية .والتقنية ذات سلسلة
ال تنتهي من التوليفات ).فال بد من معرفتها وعدم الخضوع للرتابة.
عندئذ يمكن التخلص من مشاكل التقنية أثناء التصوير .إذ تتحول إلى
مسائل ذات عالقة بالكلمات المناسبة والبسيطة وكذلك بالسيناريو
22
واألداء والزمن واللون وتحريك اآلالت .أي أن التقنية تكمن في
اإلحساس بنتائجها ،وإ ال أغرقت صاحبها).
-أما زال كلود سوتيه مولعاً بالسينما؟
-هذا أمر فظيع ،عندما أبدأ بكتابة سيناريو ،وحتى عرض الفيلم في
القاعات )،ال أستطيع الذهاب إلى السينما .وهذا هو السبب :إذا شاهدت
شريطاً متواضعاً انتابني اإلحباط .إذ أجد ،أحياناً ،في ذلك الفيلم
أفكاراً مشتركة ،ومن جهة أخرى إذا شاهدت شريطاً رائعاً وعدت
أفضل
ّ لرؤيته خمس أو ست مرات ،انتابني شعور باالنسحاق .لذلك
االنعزال.
عندما ال أكون منشغالً بتصوير فيلم أذهب إلى السينما ،غير أني ال أشاهد
الكثير من األفالم .وأميل أكثر إلى إعادة مشاهدة أفالم أحبها كثيراً .وهنا تصير
األمور غريزية ،إذ أن ردة فعلي تكون شبيهة بردود فعل الجمهور.
ثمة مشكلة لم تجد حال حتى اآلن :لماذا تمتلئ إحدى القاعات )،من دون
اللجوء إلى اإلشهار ،منذ اليوم األول ،بينما يجري الترويج واإلشهار لقاعة
أخرى ،لكنها تظل خالية من الجمهور .مهنتها مثل مهنتكم ،مهنة وسطاء.
تغير على األفالم المفضلة لدى كلود سوتيه؟
-هل طرأ ّ
-هذا سؤال عويص ،ال أستطيع اإلجابة عنه.
-والمشاريع؟
-ال يمكنني البتة الحديث عن مشاريعي .ولو فعلت بطريقة واضحة
لعجزت عن إنجاز الفيلم .أشعر دائماً أن ما نقوله يقتل ما نريد
فعله .أنا أصنع أفالماً ألنني كنت خجوالً في طفولتي .ولم أكن قادراً
على التعبير بسهولة .وما أريد قوله اليوم يظهر في أفالمي.
-ما هو وقت التجدد ،بين ظهور الفيلم وبداية مشروع آخر،
الستعادة الحيوية؟
-هذا يتوقف على نوع الحالة .فبعد أفالم مثل "أشياء الحياة" و"ماكس
وباعة الحديد" و"سيزار وروزالي" ،شعرت باإلنهاك تماماً .فكان البد
من استعادة األنفاس .وتنتابني رغبة جامحة في تصوير شريط جديد
أو عدم القيام بأي شيء .لكن عدم الفعل يعني الموت .إذن ليس لي
من خيار.
-ما موقف كلود سوتيه إزاء الجمهور؟
23
-بادئ ذي بدء ال يمكن معرفة الجمهور .لذلك نبدأ من أنفسنا :إذا
وحرك مشاعرك وأضحكك ،فهذه بداية .بعد ذلك ال ّ أعجبك الفيلم
ينبغي االنخداع ،فالناس المقربون ،الذين نحبهم ويحبوننا ،هم الذين
يشكلون الجمهور األول .وهكذا ،حتى عندما تخطر لي فكرة ،وتبدو
لي طريفة أو مؤثرة ،لكنها تزعج زوجتي أو ابني ،أتخلى عنها وال
أحاول فرضها.
-ما أهمية الموسيقى؟
-إنها تشكل مناخاً ،وهذا المناخ ينبغي أن يكون غير مرئي .كما
يمكن القول إن كل شيء في الفيلم ينبغي أن يكون ال مرئياً،
باستثناء تماهي الممثل مع الشخصية .وكذلك هو شأن التقنية،
واللقطات .أنا ضد الموسيقى التي تعرض نفسها كموسيقى .فالشريط
في حد ذاته موسيقى .إنه الموسيقى .إن نغماً ضمن موسيقى الفيلم
يعني أن هناك موسيقاراً سيدوم .أما إذا كان مجرد "موضة" فمصيره
االضمحالل معها .وهذا ينطبق على السينما .إذا كان الفيلم يساير
موضة ما ،ندرك جيداً أنه سوف يتالشى.
-ما النصائح التي قد يسديها كلود سوتيه إلى شاب في بداية
طريقه؟
-أال يأخذ نفسه مأخذ الجد أبداً .أن يتحلى بصبر ال ينفد ،أن يعاند،
أن يكون حازماً ).لكنني في الواقع قد ال أنصحه بشيء القتناعي
بعدم إمكانية مساعدته.
لقد تعلمت كل شيء بمفردي .بدأت مخرجاً متواضعاً ).ولم أكن أعمل كثيراً.
لذلك ال أستطيع إسداء النصائح .وفي هذه المهنة ال توجد مدرسة .إنها مسألة
طبع.
لو قال لي أحدهم :أريد العزف على الكمان .إذن… عليه أن يتعلم .أو :أريد أن
أرسم .فليرسم! أريد أن أكتب :فليكتب! ال يمكننا أن نساعد إال من سار خطوات
في مجاله.
لست أدري كيف ستكون السينما في المستقبل .في السابق كنا نقول "اذهب
لمشاهدة األفالم" لكننا نعرف أن ذلك ال يكفي .وما أكثر األشخاص الذين أدمنوا
مشاهدة األفالم يومياً لمدة أعوام ولم يتمكنوا من إنجاز فيلم واحد .ولم يكن
24
السيد ولش يشاهد أفالماً في عصره ،ألنه كان يصنعها .هذا كل شيء .إذن،
أكرر ،ال توجد حلول جاهزة.
-ولد في فيلنو -ال -غراند (شامبانيا) سنة .1224توفي سنة .1982دبلوم من معهد
الدراسات السينمائية العليا ).سيناريست.
المزودون بالبضائع ()1961؛ متعددو ِ
والحرف ()1962؛ فيلي ()1960؛
ِّ -الطّ ّ
فجروا المصرف ()1963؛ بويك -بويك ()1963؛ دركي سان
المحظوظون ()1962؛ ّ
تروبيز ()1963؛ الغوريالت ()1964؛ دركي في نيويورك ()1965؛ الدركي يتزوج (
)1968؛ جو ()1971؛ رجال شارلو في اسبانيا ()1972؛ رخصة السياقة ()1973؛ أم
أربع وأربعين تطقطق وترقص ()1977؛ أبراج الحظ ()1978؛ الدركي والقادمون من
الفضاء ()1978؛ البخيل ()1980؛ حساء الملفوف -في إخراج مشترك مع لويس دي
فونيس ()1981؛ الدركي والدركيات (.)1982
-جان جيرو ،كيف بدأت موهبتك السينمائية؟
-إنها حكاية قديمة .عندما كنت أتابع دراسة الطب تعرفت على أصدقاء -
يمتهنون السينما .وبالتدريج أصبت بالـ "فيروس" .فبذلت كل جهودي من أجل تعاطي
25
هذه المهنة .إنها قرارات غير قابلة للتفسير ،إال فيما بعد ،عندما نحاول ،أو ندعي،
القول إنها الموهبة .طبعاً لم يكن األمر سهالً.
كان ذلك في مرحلة ما بعد الحرب .مررت بدورات تدريبية لمدة ثالثة أعوام ،ومارست
جميع أنواع األنشطة المتواضعة التي تقع عادة على عاتق المتدرب ،وكثيراً ما تكون غير
سينمائية ،ومن شأنها أن تنفّرك من السينما إذا لم تتوافر لديك قوة اإلرادة والحب ).لكنها
تغدو مجدية في خاتمة المطاف وتقي صاحبها من كل العواصف في مهنته.
وبذلك عملت مساعداً في عدد من األفالم التي ال يذكرها أحد .والحال أن مثل تلك األفالم
قدر بثمن -
هي التي تُعلّم المرء مهنته بطريقة جيدة .فهو يتعلم قبل كل شيء -وهذا ال ُي ّ
ما ال ينبغي فعله ،عندما يأتي دوره ليقف خلف الكاميرا ).كما إن هذه الطريقة في تعلم
المهنة تسمح لك بالعمل إلى جانب أبرز المخرجين .والدرس في منتهى الثراء .ذلك أن
كبار المخرجين -وأنا متأكد بأن األمور لم تتغير منذ بداية السينما -ال يتركون للمتعلّم إال
أن يتخذ موقفاً )،وال يفسحون له إال منفذاً إذا كان مولعاً حقاً ):أن يشاهدوه يعمل .فال تخلو
البداية من شعور بالتنغيص ،وربما البؤس .وال يمكن إدراك الدرس إال عند تحمل
المسؤولية الحقاً .إنها فرصة يتوجب على كل متمرن أن يجيد اقتناصها.
-هل أنت معجب بمخرجين آخرين سبقوك ،أو من الراهنين؟ -
-آه! نعم .بالكثير منهم .ولو ذكرت أسماءهم كلها لمألت كتاباً ،أو باألحرى -
"مذكرة" .العدد أكبر من أن تتحمله مثل هذه المقابلة وأقل من أن يمأل حياة سينمائي
مولع بهذا الفن .في فرنسا ،وفي ما يخص مرحلة ما قبل الحرب )،يتوجب علي أن أذكر
في البداية رونيه كلير ومارسيل كارني .وعندما كنت شاباً أدمنت مشاهدة كل
الكوميديات األميركية التي يكون أبطالها غاري غرنت ،وجيمس ستيوارت ،وغاري
كوبر ،وكالرك غيبل .أما أفضلها) والتي حافظت على أهميتها فهي تلك التي أخرجها
فرنك كابرا وليو ماك كاري .آه! كم تفتّح قلبي لدى عرض "لن تحمله معك" و"السيد
سميث في مجلس الشيوخ" و"نيويورك -ميامي" ،و"مستر ديدس الغريب األطوار"
لكابرا ،و"هذا الشيخ الطيب سام" لماك كاري ،على سبيل المثال .ذلك السينمائي الرائع
الذي عمل مساعداً لتود بروننغ وبدأ نجاحه بإدارة لوريل وهاردي .عندما كنت في
المدرسة الثانوية ،كثيراً ما جازفت) بالهروب من الدروس حتى ال يفوتني أي فيلم من
تلك األفالم.
-هذا يجعلك تشعر بالحنين؟ -
الحميا لم تعد موجودة .كان ذلك عالمي المفضل ).وا أسفاه! لم يعد له
ّ -اعتقد أن مثل تلك
وجود.
26
-ما موقفك من الممثلين؟ -
أرى أنه ال ينبغي على المخرج تنصيب نفسه أستاذاً للفن الدرامي على -
الممثلين .وحتى لو فعل ذلك ،فمن المفترض أن يكون ممثالً بدوره .عندما أكون في
حضرة ممثلين كبار أكتفي بتقديم توضيحات حول األداء وحركة الجسد وفهم األبعاد
النفسية للشخصيات التي عليهم أن يجعلوها حية على الشاشة .وال بد من تطبيق هذا
األسلوب بقدر من الليونة في إطار المشاهد المطلوب تصويرها .من جهة أخرى تتعلق
التوضيحات) بتذكير الممثلين بما حدث في المشهد السابق وبما سوف يحدث في المشهد
الالحق ،وذلك حتى التقاط الصورة األخيرة .لقد كان مبدئي دائماً ترك الحرية للممثل،
إذا كان البد من الحديث عن مبدأ ،ألنني أكره كل ما هو منهجي.
هل تعتبر التقنية مسألة أساسية؟ -
أحب أن يظهر كل شيء منطقياً أثناء
ال ينبغي أن تستعبدنا التقنية .مع ذلك ّ -
البث ).فال بد أن تكون الصورة جميلة ،وكذلك الديكور .فهناك الكثير من التفاصيل
الصغيرة ،وعلى جميع المستويات ،مما يحس به الجمهور ،فضالً عن اهتمامه بالحكاية
المروية وبمهارة الممثلين.
ما هو الفيلم الناجح في نظرك؟ -
أظ ّل مقتنعاً بأن نجاح الفيلم يعني أن المخرج قد أجاد اختيار ممثليه. -
على ذكر الممثلين ،من منهم ترك لديك ذكريات جيدة ،أو َمن الذين تعتبرهم -
من أفضل المتعاونين معك؟
كيف أجيب وقد عملت مع ممثلين من أمثال لويس دي فونيس ،وبرنار بلييه، -
وفرنسيس بالنش ،وجيرار ساتي ،وداري كول ،وبيار مودندي ،وفرنسوا بيرييه،
وميشال كاالبرو ،وجان لوفيفر ،وأندريه لوغيه… أال يكون من األفضل أن يعبروا،
هم ،عن آرائهم تجاهي؟
أعتقد ،بوجه عام ،أن تنوع شخصيات الممثلين هو ما يحدد أسلوب الشريط الذي يعالجه
المخرج .ومن الطبيعي ،بل ومن المنطقي ،والحال هذه ،أن يضع الممثل شروطاً قبل
المشاركة في أي فيلم.
-هل تهتم بالجمهور؟ وأي شكل يتخذ هذا االهتمام ،إذا كانت اإلجابة باإليجاب؟
طبعاً ،طبعاً! أهتم كثيراً بالجمهور الذي يمكنه جعل الفيلم يدوم في القاعات. -
واهتمام الجمهور بالفيلم -بعيداً عن المسألة المادية -هو أسمى مكافأة تقدم للسينمائي.
يكف عن التفكير
والبد من القول إن كل سينمائي يحترم نفسه ،يفكر في الجمهور ،وال ّ
فيه ،والسيما إذا كان متخصصاً في الكوميديا.
27
ففي الكوميديا ،أو الشريط المعلن عنه باعتباره مضحكاً وطريفاً ،إذا لم يضحك الناس ،فإن
ذلك يعني خسارة كل شيء ،بما في ذلك شرف المخرج ،ومن دون نسيان شهرة الممثلين
الذين لن يغفروا ذلك للمخرج ،تماماً كما يفعل المتفرجون .أما في األفالم الثقافية ،بهذه
الدرجة أو تلك ،ففي إمكان الجميع الذهاب إلى الصيد والعودة بما يرغبون في الحصول
عليه منه .أنا أقدم أفالماً إلى جمهور يرغب في الضحك والتسلية واالسترخاء .وينتظر كل
شيء من التسعين دقيقة التي يستغرقها عرض الشريط .بالنسبة إلينا ،نحن مخرجي
خيم الصمت ،يكون الحكم قاسياً ،وربما إلى األبد.
الكوميديا :إما الضحك أو الصمت ).فإذا ّ
ما طريقتك ،في كل مرة ،لتقديم ما يثير الضحك؟ -
إنها طريقة بسيطة ،في خط مستقيم ،مثل حالة بهلوان السيرك الذي ال يستطيع -
سوى وضع رجل أمام أخرى وهو يتقدم على الحبل ،مخاطراً بالسقوط.
هل توجد ،في هذا المجال ،وصفة سحرية؟ -
أفضل وصفة في اعتقادي هي أن تبدأ بنفسك ،وتتساءل عما إذا كان ما تقدمه -
يضحكك ويسليك.
ما هي ،انطالقاً من تجربتك ،مواصفات المخرج الكوميدي؟ -
إذا كان متشائماً بطبعه فال حاجة به إلى الخوض في هذا النوع من األفالم .ال -
يمكنني إيجاد مثال أفضل من لويس دي فونيس .فإذا ضحك وهو على "البالتوه" يمكننا
التأكد بأن الجمهور سوف يضحك في القاعات .أهم مبدأ في السينما التي أنجزها هو
معرفة كيفية التسلي والضحك من مواقف الحياة المتعاقبة.
تكن محبة خاصة ألحد أفالمك؟
هل ّ -
"جو" .ألنه الفيلم الذي أنا بصدد إنهائه حالياً ).فهو يذكرني كثيراً بـ
بالتأكيد ُ -
"بويك -بويك" .وهو عبارة عن كوميديا مقتبسة من مسرحية .ومع أن البعض يزعم
بأن نقل المسرحيات إلى الشاشة ال يقدم أفالماً بصرية ناجحة ،فأنا أظل مصراً على
التوصل إلى إيجاد إيقاع جديد ضمن السيناريو المقتبس من
ّ العكس .طبعاً ،البد من
قدم اإليقاع عبر تعاقب الفصول )،وهو ما ال نراه في المسرح.
المسرحية .ففي المسرح ُي ّ
وعلينا أن ُنظهره وأن ننقله إلى الشاشة .يتطلب األمر تحويل الكلمة إلى صورة.
ما عسى يكون حلمك ،طموحك األكبر؟ -
أن أكون منتج أفالمي ،ويكفي أن يتحقق ذلك مرة أو مرتين .ومن جهة أخرى، -
ما زلت أحلم ،منذ مدة طويلة ،بإخراج شريط مع الممثل الذي يستطيع دائماً أن ُيضفي
قيمة خارقة على الشخصية التي يؤديها :لينو فونتورا.
28
جان -شارل تاكيال Jean - Charles TACCHELLA
29
اإلعالمية عن "قانون اللعبة" لجان رينوار ،لدى ظهوره في القاعات ).بعد ذلك حاولت
العمل في السيناريو من دون جدوى.
في تلك المرحلة راجت موجة السينما الجديدة .ولفّني النسيان .وفي العام 1962انقطعت
تماماً عن محاوالت كتابة السيناريو إال للتلفزيون ومن دون ذكر اسمي الصريح .وذلك
لكي أتمكن من العودة إلى المهنة كمخرج .وهو ما فعلته ابتداء من .1970 - 1969
إذن فقبل مرحلة السينما تعاطيت الكتابة؟ -
بدأت بكتابة السيناريو لصالح غيري .كما أعدت كتابة بعض المشاهد في فيلم -
ليونيد موغي "غداً يصير الوقت متأخراً جداً" بعد مرور سنوات )،وتحديداً سنة 1954
الجدية تمثلت في "تعب
انطلقت انطالقتي الحقيقية في كتابة السيناريو .وأولى تجاربي ّ
األبطال" للمخرج إيف سيامبي.
ومررت بمرحلة تقاعد؟ -
نعم ،بدأت منذ .1960يئست من السينما .اشتريت بيتاً قديماً في الجنوب .ولم -
أنقطع عن مشاهدة األفالم ألنني عنيد ،فلم أنفك أفكر في التحول إلى اإلخراج).
وهل تطور إعجابك الفني؟ -
ظل كما كان إجماالً .أي أنني ظللت معجباً بكل ما أحببته بين 1945و -
:1950الفيلم األسود ،الكوميديا الموسيقية األميركية ،أورسن ويلز ،وكل السينما
األمريكية الجديدة في مرحلة ما بعد الحرب .والشك أنني لم أكن ناقداً سينمائياً حقيقياً،
يمكن القول إنني كنت مجرد صحفي سينمائي .ولو لم أتوصل إلى إنجاز شريطي األول
الخترت أن أكون مؤرخاً للسينما.
وبمن أنت معجب؟ -
أفضل الذين يبرهنون على بساطة في التعبير ،أولئك الذين يتمكنون من إضفاء)
ّ -
الروعة على األشياء البسيطة إلى درجة رفعها إلى مستوى الملحمة .ويمكنني ذكر
لوبيتش ،أوزو ،بورزاج ،وفي فرنسا :فيغو ،رينوار ،تاتي.
إن اإلعجاب يعني التعلم أيضاً .أذكر مثالً الكثافة االنفعالية للكادر عند غريفيت .وعلى
العكس منه نجد أن األهم هو ما يكون خارج الكادر عند لوبيتش .وبالنسبة إلى أوزو
تعجبني العالقات بين الشخصيات).
وفي سينما اليوم يعجبني مخرجون من أمثال روبير ألتمان وجون كاسافتس وبوب
رافلسون.
من يجذبك إلى مشاهدة فيلم :اسم الممثل أم المخرج؟ -
30
رغم إعجابي بعدد من الممثلين فإن اسم المخرج هو الذي يحثني على مشاهدة -
أدون أسماء المخرجين في دفتر خاص.
الفيلم .ومنذ سن الثانية عشرة كنت ّ
هل لعبت المكتبة السينمائية الفرنسية (السينماتيك) دوراً مهماً في شغفك -
بالسينما؟
طبعاً .فبعد التحرير ،عندما انتقلت إلى باريس كصحفي ،كنا نذهب جماعة مع -
أندريه بازان لمشاهدة كالسيكيات السينما التي فاتتنا مشاهدتها .وكنا نشاهد من أربعة
النغلوا بين 1946و .1947
َ إلى خمسة أفالم أسبوعياً ،بتقديم من هنري
ما هي أولى تجاربك كمخرج؟ -
كان ذلك في إخراج فيلم قصير بعنوان "الشتاءات األخيرة" وكنت قد كتبته منذ -
علي دفع الديون التي
عشرة أعوام قبل التوصل إلى إخراجه .وفي األثناء توجب ّ
علي بسبب فيلم لم أتمكن من إخراجه أيضاً ).وتمكنت من تسديد تلك الديون
تراكمت ّ
بكتابة ما يعادل مئة وعشرين ساعة بث للتلفزيون! حصل الفيلم على جائزة جان فيغو
سنة ،1971والجائزة الثانية في مهرجان شيكاغو ،كما حصل على إحدى جوائز
بدأت أفرض نفسي كمخرج.
مهرجان كاركوفي في بولندة ،خالل العام نفسه .وهكذا ُ
عندما تكون منشغالً بكتابة سيناريو ،هل يكون الممثلون حاضرين في ذهنك؟ -
في البداية أكتب قصة من دون التفكير في الممثلين .وثمة استثناء وحيد حدث -
عندما كتبت "أحبك منذ زمن طويل" خصيصاً لجان كارميه .بعد الصياغة األولى
للسيناريو أبدأ بالبحث عن الممثلين وعن المنتج .وعند العثور عليهم أعود إلى
السيناريو فأعيد كتابته حسب األشخاص الذين سأتعامل معهم.
وتظل امكانية التحوير قائمة مع الممثلين حتى أثناء التصوير ،مع المحافظة على الخطوط
العريضة للسيناريو .وذلك من دون االستسالم لالرتجال .وهذا ما يعجبني في السينما
األميركية :التلقائية في قول األشياء ببساطة ،مع الجدوى والحيوية ،في وقت مختزل.
والحال أن السينما عندنا تعاني من الثرثرة.
ومن أين جاءت هذه الظاهرة حسب رأيك؟ -
بدأت في الستينات مع سينما المؤلف .في المقابل أجد أن شريطاً مثل "ذهب مع -
الريح" هو في منتهى القصر ،وكان يمكن أن يكون أفضل لو تم تمديده ساعتين
إضافيتين .لكن ،ال ينبغي أن ننسى وجود برنامجين في تلك المرحلة ،إذ كان يتم إعداد
مدته ساعة وعشر دقائق .وقبل 1940لم يكن يوجد أي
فيلم مدته ساعة ونصف ،وآخر ّ
فيلم يتجاوز هذا التوقيت ،باستثناء بعض أعمال إيريك فون ستروهيم زمن السينما
31
فجروا هذا النسق .وكان البد من تفجيره
الصامتة .فيما بعد كان كيوبريك من أول الذين ّ
ألنه صار اعتباطياً .لكن المؤسف أننا سقطنا في اإلفراط المعاكس.
ما طريقتك في العمل مع الممثلين؟ -
ندرك بسرعة أن الممثلين مختلفون عن بعضهم بعضاً .وال توجد طريقة .لذلك -
أسلك مع كل واحد بأسلوب مختلف .لكن تبقى هناك قواعد البد من تطبيقها .فال ينبغي
فسرت
مثالً تفسير المشهد تفسيراً سيكولوجياً للممثل .فهو أيضاً يبحث عن المتعة .فإذا ّ
له المشهد سعى إلى إرضائك .إن أفضل الممثلين هم أولئك المتحلون بثراء المخيلة.
وأنا أحلم دائماً بأن يتوصل الممثلون إلى اكتشاف أشياء تفوتني رؤيتها .وذلك من أجل
إثراء الشخصيات واألدوار ،والفيلم بشكل عام.
ما يفرحني أكثر في إنجاز األفالم هو معرفة موقع الكاميرا والتقطيع التقني والعالقة
يتلخص في كل ذلك.
بالممثلين .حتى إنني أعتقد بأن اإلخراج ّ
ما هي أجمل لحظات اإلخراج لديك؟ -
أفضل التصوير ،حيث يطرأ دائماً أمر ما ،مهما خططنا لكل شيء .لكن من
ّ -
األفضل االلتزام بما تخيلناه ،وبالصور التي نحتفظ بها في رأسنا ،وعدم االستسالم
لبعض مقترحات التقنيين ،حتى ال نندم الحقاً ).فاآلخرون ال يستطيعون تقديم مساهماتهم
إال داخل الكادر .فما داموا أمام الكاميرا يستطيعون إيجاد أشياء جديدة تضفي قيمة
على ما فكرت فيه .أما بالنسبة للكاميرا فالمخرج) هو أفضل من يدرك موقعها .والحقيقة
أن المخرج يوجد وحيداً ،وحيداً تماماً ،على مستوى الكتابة السينماتوغرافية.
عندما تنتهي من إخراج فيلم ،هل تتحرر منه بسهولة؟ -
في موازاة إطالق الفيلم أنشغل بأفكار أخرى .وهي تتعلق عادة بأفكار -
سيناريوهات تنضج في رأسي منذ أعوام .وعندما أجد المفتاح) أكتب بسرعة .بالنسبة
لفيلم "رحلة في بالد التتر" وجدت الفكرة في ليلة واحدة وكتبت الموضوع بسرعة .وفي
حالة "ابن العم وابنة العم" فكرت في الموضوع خمسة أو ستة أعوام قبل التوصل إلى
الصيغة النهائية .وكذلك كان شأن ِ"اْلتهم الحياة".
أبحث دائماً عن التجدد وعدم تكرار نفسي ،وأرغب اآلن في التوجه إلى فيلم المغامرات)
والملحمة .أذكر جملة أحبها كثيراً على لسان جون فورد" :عندما ننتقل إلى الملحمة ال
يمكننا الوقوع في الخطأ" أجد ذلك رائعاً .الملحمة هي مبرر وجود السينما .لقد انشغلت
تشدني الملحمة .بالمقابل ال يمكن ألي فيلم أن يكون
بسينما النظرة ،أو وجهة النظر ،واآلن ّ
ذا فائدة ،إذا لم يتعرض إلى حياتنا اليومية وإ لى كل ما نجتازه في إطار مجتمعنا المعاصر).
هل تهتم بسينما اآلخرين أثناء انشغالك باإلخراج؟ -
32
إنها مسألة وقت .ويمكن أن أشاهد بعض األفالم في أوج عملي .وألنني أدرك -
ما أريد عمله فإن الذهاب لمشاهدة أحد أفالم كيوبريك ،مثالً ،أو كوبوال ،لن يجعلني
أغير طريقة إخراجي.
ّ
وبالنسبة للتقنية ،هل تعتبرها ضرورية مطلقاً؟ -
أعتقد أن التقنية هي ما نتعلمه من اآلخرين ،هي ما ال نعرفه .أما أساس هذه -
التقنية فيتم الحصول عليه بسرعة كافية ،هي ما يستغرقه إخراج أول شريط قصير .وال
يتم التحسن تقنياً إال عبر ما نريد قوله .وفي هذا المجال ال تنفع النصائح والوصفات
التقنية التي يقدمها لك اآلخرون .أهم ما في األمر هو الموضوع .والبد من إبداء الحذر
إزاء التقنيين أثناء التصوير ،ألنهم يميلون إلى إعادة ما قاموا به مع مخرجين سابقين.
وما سبق فعله هو األسهل دائماً.
هل كان بإمكانك العمل وفق الطلب ،على طريقة السينمائيين االميركيين في -
عصرهم الذهبي؟
لقد حلمت بذلك .وكثيراً ما تحاورت حول هذه المسألة مع السينمائيين -
األميركيين الكبار بين 1930و .1940كانت أمامهم خيارات أكثر مما نتصور.
وكانوا يعملون ضمن فريق عمل منظم يشمل السيناريو الجاهز والذي يمكن تحويره
الحقاً كما يشمل وجود المنتجين المتفهمين .أما اليوم فقد بات الطلب يتعلق بإعادة إنتاج
األنماط الجاهزة نفسها .ولم يعد ذلك مطروحاً ،ال في فرنسا وال في أمريكا .فال وجود
لمنتجين حتى في الواليات المتحدة االميركية .وأولئك الذين يطلق عليهم اسم
Producersيخطئون كثيراً وال يتمكنون من المراهنة على أفالم جيدة دائماً .أما في
فرنسا فلم يعد يوجد منتجون بل أناس جالسون خلف مكاتبهم ينتظرون من يأتي ليعرض
عليهم أفالمه .لم يعودوا يهتمون بالبحث عن ممثلين .البد أن يقدم لهم كل شيء على
طبق من فضة .ال أجد ذلك وضعاً طبيعياً أو انه يتوجب على المخرج أن يعمل منتجاً
في الوقت نفسه ،وهذا بدوره أمر غير طبيعي أكثر .وما أكثر المخرجين الذين ضحوا
بمهنتهم في اإلخراج بسبب تحولهم إلى منتجين.
ما رأيك في مدارس السينما؟ -
من األفضل اإلدمان على مشاهدة األفالم ،والتعمق في دراسة التقطيع التقني -
لدى السينمائيين الكبار ،وخاصة هيتشكوك .لقد تم تحريف المسألة من قبل النقد الذي ال
يدرس سوى الموضوعات (الثيمات) ويهمل الكتابة السينمائية .حتى ان أندريه بازان
كان يقول دائماً "البد من كتابة تاريخ التقطيع التقني للمشاهد السينمائية" وثمة إهمال
أيضاً لدراسة الدراماتورجيا السينمائية .فمن هو المخرج؟ إنه مالك اإلحساس بالصور.
33
تدرس هيتشكوك من خالل "ثيماته" من دون
والحال ان مدارس السينما الراهنة ّ
التعرض إلى طريقته في وضع الكاميرا).
ما مدى اهتمامك بالجمهور؟ -
أثناء العمل ال أفكر في الجمهور بل أهتم بالتعبير عن ذوقي الخاص .هذا -
الجمهور يقدم لي الكثير على المستوى المعنوي .لذلك البد من عدم تجاوز المسائل
األخالقية .على صعيد السيناريو أسعى دائماً إلى إيجاد توازن بين األدوار الرجالية
واألدوار النسائية .وال أركز الكاميرا على األدوار الرئيسية وحدها كما يجري في
األفالم الفرنسية الرديئة.
ما األقرب إليك من بين أفالمك؟ -
عم يبحث المخرج؟ عن إدراك لحظات صدق .أعرف ما أحبه في كل فيلم من
ّ -
أفضله على غيره.
أفالمي .لكنني ال أستطيع القول إن هناك فيلماً ّ
ما هي أمنيتك اإلبداعية؟ -
حالياً ،أنجز شريطاً كل عامين .وأتمنى التوصل إلى وتيرة فيلم كل عام ،أو كل -
عام ونصف العام ،على األقل .وأود االنتقال إلى شكل حكائي آخر :سينما المغامرات،
وربما السينما الملحمية ،من دون التخلي عن الرقة والعاطفة.
ما األسباب العميقة وراء تحولك إلى مخرج؟ -
عايشت السينما منذ سن الحادية عشرة .فصار حلمي أن أصنع فيلماً .وال -
تهمني السينما إال إذا تضمنت ما أدعوه "نصيب الملك" أي الحلم )،المثري للروح .ولهذا
أرفض الواقعية في أفالمي ،كما أتحاشى النزعة الطبيعية .إن حياتنا تتشكل من مزيج
ثري يجمع بين األحالم والواقع .أما أنا فأفضل الحلم الذي يجري التعبير عنه في
الحوار أيضاً ).علينا أن نتذكر تلك الحوارات التي وضعها بريفير وبانيول وغيتري .أنا
أصنع أفالماً ألولئك الباحثين عن الهروب من الحياة اليومية.
في:
الحرية هي الحلم ).وينبغي التعبير ببساطة .هناك جملة لهنري ميلر تركت أثرها ّ
"عندما أسعى إلى الغموض أصير قابالً للفهم بسرعة".
-في هذا العنوان تالعب بكلمتي cacheالتي تعني غميضة أو مخبأ ،و :cashنقداً.
36
مطبقاً ما
أفصلها) من الكرتونّ ،
"بالتوه" بعلبة أحذية ،فكنت أحرك عليها شخصيات ّ
شاهدته ،برفقة أبي ،خالل عمل المخرجين والممثلين.
اندلعت الحرب) سنة 1939فحالت) دون دراستي .وكانت مهنة اإلخراج تتطلب الحصول
على شهادة الباكالوريا ).غير ان االرتحال المتواصل قضى على كل شيء .وقد ذهب
والدي إلنجاز شريط "بروباغندا" فرنسية بعنوان "فالن ،أباً وابناً" من إخراج جوليان
دوفيفييه وتمثيل ريمو وميشال مورغان وروبير لوفيغان وفرناند لودو .ويفضح الفيلم
العدو البروسي من خالل ثالث حروب 1870 :و 1914و .1939أخرجني والدي من
مدرسة كولبير الثانوية حيث كنت أتمتّع بمنحة دراسية وألحقني بالفيلم .ونظراً المتالكي
دراجة فقد تحولت إلى موزع ،وناقل )،وفارس سباق قوي الساقين .كنت أسلّم
"الرادياتورات" التي يصنعها أبي في مرآب .بعد ذلك انطلقت السينما الفرنسية من جديد
بفضل كريستيان -جاك الذي كان أول من صور شريط "حفلة الرقص األولى" سنة
.1941وتمكن والدي من إلحاقي بهذا الفيلم كمساعد في اإلكسسوار .وتابعت هذه الوظيفة
في أفالم أخرى كثيرة مثل "خطيبة الظلمات" لسيرج دي بولينيي ،و"معارك" لهنري كاليف.
وحتى بعد الحرب) وتسريحي من الجيش عدت إلى العمل مشرفاً على اللواحق
(االكسسوارات) ).وهكذا تعرفت على كل من مارلين ديترش على بالتوه شريط "مارتن
رومانياك" )،وجورج الكومب ،والتقيت ريمو مجدداً في "الرجل ذو القبعة المستديرة" .أما
فت )،بوصفي اكتسبت خبرة في إطالق النار خالل الحرب ،بمالحقته
جان غابان فقد ُكلّ ُ
وإ طالق النار عليه بالرشاش وبرصاص حقيقي ،من أجل فيلم ريمون المي "مرآة" بعد ذلك
عملت مع ألكسندر منوشكين في شريط "النسر ذو الرأسين" لكوكتو .وفي هذه المرة تمت
ترقيتي إلى ريجيسير أو مدير بالتوه .وبعد فترة قصيرة استملت برقية من منوشكين تقول:
َّ
"عيّناك في شريط "األهل الشرسون" لجان كوكتو ،كمساعد مخرج" وأعقب ذلك عملي مع
كل من ماكس أوفولس ،ورينيه كليمون ،ورينيه كلير ،وفيلم جان جيونو الوحيد "قارون"
.Cresusساهمت في سبعين شريطاً كمستشار تقني أو مساعد مخرج .وهكذا "حصلت)
على عصا المريشال" ومع ذلك بقيت أؤجل إخراج شريطي األول المحتمل .قبل المغامرة
أردت أن أمأل زوادتي بالدروس والتجارب).
كيف تختار الممثلين؟ -
معياري في هذا المجال هو الوفاء ).إذ تتشكل دائماً عائالت تربط بينها المودة. -
تذكر العالقة التي كانت تجمع ما بين مارسيل كارني وآرلتي وجاك بريفير .عندما يتم
التفاهم وتحصل األفالم التي نقدمها معاً ،على رضا الجمهور ،نحافظ على المجموعة
نفسها.
37
ما اإليقاع الذي تفضله؟ -
على "البالتوه" أعمل ومعي "الكرونومتر" .وال أهتم بما تبقى .إنها مهمة -
(السكريبت) أو مساعدة المخرج ).وحتى عندما أراقب التوقيت ألجأ أحياناً إلى التسريع
في الوتيرة .وقد أطيل في أحد المشاهد كحاجة اللتقاط األنفاس.
ما موقع الموسيقى في أعمالك؟ -
من أهم المواقع .وليس مصادفة وجود جورج ديالرو في"الصفعة" ،وكلود -
بولنغ في "الرجل الغاضب" ،وفالديمير كوسما في "كاش -كاش".
ستبلغ السينما مئة عام ،ما حكمك على هذا القرن من الصور؟ -
لم تكف مسؤولية المخرجين على التنامي .وازداد تأثير األفالم في الشباب وفي -
العادات ).وهذا أمر جديد .من جهة ثانية تركت لنا السينما أرشيفاً رائعاً حول كل ما
يتحول بسرعة إلى ماضينا .وأخيراً فإن السينما تركض على إيقاع المخترعات الجديدة،
والصور االفتراضية والرقمية ،والمؤثرات الخاصة المتأتية من الحاسوب ).هذا أمر
خارق ومقلق في آن.
هل تشغل بالك بالجمهور؟ -
ال .غير أنني أفكر باستمرار في الحكاية التي سأرويها له .فأنا ،في الواقع، -
أشبه الفيلم
المتفرج األول .وينبغي أن تعجبني الحكاية قبل أن تعجب غيري .كثيراً ما ّ
بباخرة .المنتج هو صاحبها ومجهزها .بعد ذلك يتم صعود الطاقم من تقنيين وممثلين.
وعلى المخرج أن يتولى الوجهة .إذن فأنا ال أفكر في الجمهور أثناء التصوير .وهذا ال
يمنع وجود مزاعم بأنني أنجز سينما تجارية! عندما نلت جائزة لويس ديلوك ،قال لي
أحد أفراد لجنة التحكيم" :لم أرشحك شخصياً .ليس بوسعي التصويت لصالح فيلم شاهده
ثمانمائة ألف متفرج" فأجبته" :هل قرأت الكتابات السينماتوغرافية التي نشرها لويس
ديلوك؟ لقد كتب يقول في الصفحة :79سادة الشاشة هم الذين يتوجهون إلى الجمهور
الواسع وإ لى النخبة".
لو كانت النوايا كافية لصنع فيلم تجاري الغتنى المخرجون كلهم ،وكذلك التقنيون
أقدم أفالماً من ذلك النوع الذي أرغب في مشاهدته .طبعاً مع العودة إلى
والممثلون! أنا ّ
أساتذة المهنة ،مثل فرانك كابرا ،من دون أن أعرف إمكانية اللحاق بهم .عندما كنت في
سن الثانية عشرة شغفت بـ "الحياة جميلة" و"السيد سميث في مجلس الشيوخ" .ثمة أشياء
كثيرة إيجابية في الحياة فال حاجة إلى الكآبة .عندما يحب المرء الحياة )،رغم ندوب
الضربات القاسية ،تكافئه حباً بحب .على فكرة ،أثناء التصوير ،أصرخ ):شكراً للسماء.
جو من االنشراح.
فيضحك جميع أفراد الفرقة .ويسود ّ
38
جورج لوتْ َنر Georges LAUTNER
39
حدث أن اخترت الممثلين قبل الحصول على موضوع ،في عدة مرات .والبد -
أن تكون هناك مودة بيني وبين هؤالء الممثلين حتى أرغب في العمل معهم .وأنا في
منتهى الوفاء إزاءهم .وهذا ما حدث مع فرنسيس بالنش ،لينو فونتورا ،بول ميريس،
برنار بلييه .شريط "طريق سالينا" شكل حالة خاصة .إذ كان هناك جدار يفصل بيننا
وبين الممثلين األميركيين مثل ريتا هيوارث ،ميمزي فارمر ،وروبير وولكر جنيور،
وكان البد من التردد والشك.
عندما أشرع في فيلم ال أعرف مطلقاً ماذا سأصور مسبقاً .لكن في مثال "طريق سالينا"
ازداد الوضع سوءاً ألن الفريق التقني الفرنسي كان يواجه ممثلين ال يتكلمون إال
اإلنجليزية .فصارت) مشكلتي هي مشكلتهم .وأدى االرتباك إلى إيجاد حلول خصوصاً وأن
السيناريو كان باللغتين.
إن إدارة الممثلين تتوقف كثيراً على نوعية الممثلين الذين أواجههم .في بدايات مهنتي كنت
دقيقاً جداً في ما أرغب .أما اآلن فبت أفضل ترك مساحة كي يتصرف كل ممثل وفق
طبيعته ،واالستفادة من ذلك في الوقت المناسب.
ما موقفك من الجمهور؟ -
أحب أن يذهب الناس إلى مشاهدة أفالمي مدركين أن ما أقوم به يعجبني -
شخصياً .أقدم سينما تجارية لكنني لم أستسلم لالبتذال أو السهولة.
هل تعطي دوراً متميزاً للتقنية؟ -
التقنية عند السينمائي لها أهمية األسلوب لدى الكاتب )،ولم أفهم أبداً معنى -
"كاميرا -قلم" فالتقنية لغة أكثر منها أداة .وتكتسب عبر الممارسة ،ثم االجتهاد الحقاً.
إذا لم يكتسب المبتدئ تلك التقنية تعذر عليه إخراج شريطه األول.
كيف تصف السينما التي تصنعها؟ -
كثيراً ما تجنح حكاياتي إلى روح الدعابة والسخرية انطالقاً من مواقف الحياة -
لدى المتميزين بالخجل .ويصعب الذهاب بعيداً في المواقف الميلودرامية عندما يتعلق
األمر بفيلم بوليسي .أحب هذا النوع ،إلى درجة عدم الرضا عما سبق .دائماً أبحث عن
أفضل حكاية يمكن تقديمها.
وهل من شأنك الخوض في أنواع أخرى؟ -
أي نوع ُيعرض علي ،أخضعه لتطبيقاتي الخاصة .فال بد من وجود لمساتي -
الشخصية .كل األفالم التي أنجزتها أحسست بالراحة خالل تصويرها .في البداية
ينتابني الخوف ثم تأتي االنطالقة.
هل تشرف على أفالمك حتى النهاية ،أي حتى عرضها؟ -
40
ال أستطيع أثناء إطالق الفيلم ،في عرضه األول ،متابعته إلى النهاية .الفيلم -
الذي يعرض في القاعات يكف عن االنتماء لي.
هل من شانك التعاطي مع التلفزيون؟ -
قد ألجأ إلى مسلسل تاريخي ،أو مسلسل يتيح الفرصة للسفر إلى آخر العالم مدة -
سبعة أشهر .لكن المؤسف أن التلفزيون ال يملك مثل هذه اإلمكانيات .وأنا أكره البث
المباشر في التلفزيون ،وأشبهه بالكاتب الذي ال يحق له التشطيب.
هل تميز أحد أفالمك عن غيرها؟ -
"طريق سالينا" ألنه أكثر رومانسية من أعمالي األخرى .وهو ذو حكاية -
تشويقية ،مزج فيها كاتبها الفرنسي بين جون شتاينبك وأرسكين كالدويل .بدأ العمل
أثناء التصوير تحديداً ،وذلك بحثاً عن اإليقاع من خالل الممثلين .أعتقد أن دور
وي ّقنن.
يتيسر العمل ُ
المخرج يكمن في التحريض وربما قسر األشياء .ثم ّ
41
)1981؛ نجمة الشمال ()1982؛ الرجل ذو العينين الفضيتين ()1985؛ دروس
خصوصية ()1986؛ غرق ممنوع ()1987؛ النمساوية ()1989؛ الصبي (.)1994
42
بها ومساعدتها حتى اللقطات) األخيرة .ثم هناك ممثلون ،مثل شارل أزنافور الذي ال
يمتلك أي تكوين مهني في التمثيل ،يتطلب األمر توجيههم في أدق تفاصيل حركاتهم.
هل تشعر بمسؤولية المؤلف إزاء الجمهور؟ -
أعتقد أنه ال يمكن الشعور بهذه المسؤولية إال تجاه الذات ).وهي تتغير وتتوقف -
على شخصية المخرج .في ما يخصني أحرص أن تكون أفالمي نظيفة خالية مما يشين.
والبد أن نكون متفهمين للجمهور دون استسالم للسهولة.
في الحقيقة أفكر في الجمهور كثيراً ألنه يقدم أفضل مكافأة للمخرج ،ولكل أشكال الفن.
وكلنا يسعى إلى تحقيق شعبية واسعة .ويحتاج المرء منا إلى دخول بيته مرفوع الرأس
أمام زوجته وعائلته وأبنائه.
في هذا المجال تختلف السينما كثيراً عن الرسم .فالرسام الذي ال يبيع لوحاته يدرك أن ثمة
إمكانية لرواجه ،ومعبده ،ربما حتى بعد موته .أما األفالم فهي تتالشى بسرعة إذا لم تعرف
نجاحاً في وقتها .لذلك قد تموت قبل صاحبها ).وهذا ما يجعلني أكترث بالجمهور.
ما األهمية التي تعطيها للتقنية؟ -
من الطبيعي أن معرفة مجمل التقنية تسهل ممارسة المهنة .أنا معجب جداً -
بالمخرجين الذين تظهر تقنيتهم وتُدرك بطريقة معقولة على الشاشة .أعرف أنها إنجاز
لنصف العمل ،أما أنا فأحاول محوها قدر اإلمكان .التقنية هاجس المخرجين الشباب مع
أنهم ال يحتاجون إليها في أغلب األحيان ،على العكس من أبناء جيلي الذين ال يفكرون
إال في أفالمهم.
تبدو ،عبر هذا الكالم ،محترساً من السينمائيين الشباب ،هل هذا مجرد -
انطباع؟
أرى أن عمر الشباب ميزة وليس وظيفة .ويأتي وقت يتوجب فيه على كل -
واحد إما أن يظل طفولياً ،أو يصير راشداً .والحال أن هناك ارتكاساً لدى الشباب يدفع
بهم إلى الرغبة في مالزمة مرحلة الطفولة .إنهم يخافون المنعطف كما هو شأننا .غير
أنهم ال يسعون إلى التعبير عن ذلك الخوف .فال يتمكنون ،بالتالي )،من السيطرة عليهم.
مسيسون أكثر منا إ<ماالً .وهذه مالحظة مهمة جداً بالنسبة لمستقبل البالد.
هم ّ
َم ْن يعجبك من المخرجين اآلخرين؟ -
أكن له كل إجالل :إنه أورسن ويلز ،ولن أتوصل إلى قامته.
هناك سينمائي ّ -
أفضل الحديث عنهم هناك جان لوك غودار .فهو يثير الكثير
ومن بين الفرنسيين الذين ّ
من اللغط ألول وهلة ،ثم نتفهم أهميته وتأثيره في التقنية .والبد من مراعاة عدم اكتمال
مشروعه بعد .أحب كذلك ما ينجزه فرنسوا تروفو .أما اندفاعاته العاطفية فتزعجني
43
قليالً .وتعجبني صرامة ألن رينيه .كلن إذا كان البد من االعتراف بتأثير ما ،فقد تأتّى
من السينما الفرنسية لمرحلة ما قبل نهاية الحرب ).خصوصاً مع مارسيل كارني وجان
كونت لدي رغبة في ممارسة
رينوار .ذلك أن أفالمهم التي سبقت الحرب) هي التي ّ
اإلخراج).
ما هو حلمك كسينمائي ،طموحك األكبر؟ -
لدي فكرة موضوع أحتفظ بها لنفسي وأفكر في إخراجها مستقبالً .وأحياناً أقول -
إنني أكسل من أن أخوض تلك التجربة جدياً .ثمة مواضيع ٍو"ثيمات" وحكايات يحافظ
عليها المرء طيلة حياته ألنه يخشى اإلخفاق فيها .عندما أنشغل بمشروع قيد اإلنجاز
أكف عن التفكير في أي موضوع آخر ،والسيما إذا كان مشروعاً قادماً .أحب التأريخ
ّ
في الحياة مثل ذبابة على سطح الماء .فالمرء يتعرض للغرق قليالً ،لكنه يشاهد مرور
منظمة
ّ الكثير من األشياء الجميلة مع التيار :سفن أو حطام .ال أحب التفرج على حياتي
مسبقاً.
44
بدأ بشريطين قصيرين :القطيعة ()1961؛ عيد ميالد سعيد ( )1962الذي -
حصل به على أوسكار من هوليود سنة .1963أما أفالمه الطويلة فهي :العاشق (
)1962؛ يويو ()1964؛ ما دامت الصحة بخير ()1965؛ الحب الكبير ()1969؛
أرض النعيم ()1971؛ السيد متقدم في العمر ( )1987عن مسرحية من تأليفه.
نشر مجلداً مصوراً تكريماً لـ "ملوك" الضحك) من شارلو ،إلى لوريل وهاردي ،ومن جاك
تاتي إلى جيري لويس.
45
الهزليون الكبار هم الذين ملكوا قلبك… -
لكنني أحب بوستر كيتون أيضاً ،كل مقلب من مقالبه يتضمن سيناريو قصيراً -
حقيقياً ).وهناك أيضاً هاري النغدون الذي ازداد تعلقي به بسبب سوء تقدير مواهبه.
هناك ساحران آخران لعبا دوراً مهماً في عملك :جاك تاتي ،وجيري لويس -
الذي اختارك لتشاركه في تمثيل شريطه الذي بدأه سنة 1974ولم يعرض بعد "اليوم
الذي يبكي فيه المهرج"؟.
طبعاً .لكن هناك أيضاً وودي ألن الذي استطاع التطور نحو فكاهة مالئمة -
لزمنه .إنه يعكس مرحلة .وفي ايطاليا يوجد من أعتبره في عداد الكبار :موريزيو
نيكيتي .وقد أبدع في شريطيه "راتاتا نبالن" و"لص الصابون" ولديه إحساس بنوع من
الحنين إلى الماضي )،رغم أنه ماض قريب .أما وجهة نظره في مهنتنا فهي صحيحة
وحارقة ،فقد أدرك إلى أي مدى يمكن للتلفزيون واإلعالنات التي تتخلل األفالم أن تقتل
السينما نهائياً.
في هذا السياق ،كيف ترى السينما الراهنة؟ -
أشعر بالرعب ،ذات يوم سألني كوليش عما إذا كنت مواظباً على الذهاب إلى -
قاعات السينما .فاعترفت له بأنني بت أفعل ذلك نادراً .فرد بحماسته المعتادة" :أشعر،
في كل األحوال ،أن جميع األفالم تطول ساعة إضافية غير ضرورية".
في الواقع كل األفالم صارت جيدة الصنع لكنها لم تعد مقنعة .ال ينبغي الخلط بين الدقة
والوسائل المتاحة وبين المهارة .سينما اليوم باردة حتى ال نقول متجمدة .ال تتوصل إلى
جعل القلب) يخفق .اليوم صرت أفكر في مغادرة القاعة بعد الدقائق العشر األولى.
ما عقيدتك السينمائية؟ -
بسيطة جداً .السينما تتطلب المحبة ال الذهاب لإلطالع فحسب .كما تتطلب -
أفضل الحرفي الذي يجيد مهنته على العبقري الذي ال يعرف
التذوق ال بلع األشرطةّ .
ماذا يفعل… ال شيء أسوأ من صورة سيئة التأطير .إن السهولة تشير إلى نهاية
الحضارة) تماماً مثلما قتلت الروح المادية الحب ).أعرف أنني أحاول اجتياز العالم
والحياة مثل دون كيشوت تقريباً .اعتقد أن تقاسم الفرح أفضل من تقاسم األشياء .هذا
االعتقاد هو ما أطبقه عند إنجاز فيلم آمالً أن يقضي المتفرج أمسية لطيفة.
كيف يتم التعبير عن ذلك تقنياً؟ -
ببساطة شديدة .لقد أجببت هيتشكوك تحديداً لجودة التقنية عنده .ال يمكن للمرء -
ابتكار مهنة بل ينبغي أن يتعلمها .شخصياً بدأت بالتمرن على كل أشكال التعبير الفني:
الموسيقى ،الرسم ،التصوير الفوتوغرافي ،األلعاب البهلوانية ،اإليماء…
46
ما هي أهم العراقيل التي ينبغي التغلّب عليها؟ -
أفظع ما في هذه المهنة هو الخيانة .وليست مسؤولية الجمهور .لقد أجبر -
الجمهور على الضياع وفقدان الوجهة .لم يعد يرى بعينيه .وهذا ما يدعوه كوليش
"البياض األشد نصاعة من األبيض".
ما رأيك في أولى محاوالتك السينمائية من خالل شريطك القصير األول -
"القطيعة"؟
رغم العنوان المنذر ،ظلّت عنه ذكرى جميلة ،بل حماسية .لكن كل ذكرى -
تتضمن قليالً من الحزن.
سنة 1981كان لديك مشروع حول جوزفين بوآرني… -
لقد فُتِ ْن ُ
ت منذ زمن بعيد بشخصية االمبراطورة جوزفين .لم أكن أفكر في -
إخراج فيلم هزلي .يمكن تقديم شخصية نايليون األول كرجل متورط في مشاكل
عاطفية .وكانت رسائله الغرامية المرسلة إلى جوزفين مألى باألخطاء اللغوية .وهذا ال
ينقص من قيمتهما أو من حبهما.
لكنني لم أعد راغباً في السينما .لماذا؟ ألن اإلنتاج الفرنسي لم يعد ينظر إلى الفيلم إال
باعتباره "سلعة" وهم يوفرون لك اإلمكانيات ويحرمونك من ترك بصماتها الخاصة ).كذلك
الشأن بالنسبة للتلفزيون الذي بات يشارك في اإلنتاج ألسباب خادعة .أنا سعيد بعدم اللهاث
وراء النجاح) التجاري ،وهذا ما لم أتورط فيه مطلقاً ).وليس التخلي عن السينما من باب
الشعور بالمرارة .لقد اتخذت قراري بكل وضوح.
ما من تراجع؟ -
عندما كنت أصنع أفالماً ،التقيت )،طيلة حياتي ،بأناس غير أنقياء )،أو متصلبين -
في قضاياهم وأعمالهم .لكنهم كانوا يحافظون على بعد إنساني وال يرتقون بالخيانة إلى
مستوى الديانة .وأنا لم أعد قادراً على معايشة تلك الخيانة المنهجية.
هل هذه هي كلمة "النهاية"؟ -
إلي تعبيراً عن المحبة والود.
ال أزعج أحداً .بل أنا محظوظ بوجود أناس يأتون ّ -
ممتن لمن أحبوا أفالمي .وال أستطيع تحمل كره
تلك هي القيم الحقيقة في نظري .أنا ّ
الجمهور .أما اآلن فسوف أواصل المهنة نفسها عبر وسائل تعبير أخرى .أرسم،
أكتب…
ابتسامة أخيرة؟ -
كل شكل من أشكال الفكاهة يثير اهتمامي ما دام مرتبطاً بعصره ،عاكساً للحياة -
ث ينتهي بسرعة .مازلت أحب هذه المهنة ألن لدي اقتناعاً عميقاً
اليومية .وكل ما هو غ ّ
47
بأن ال شيء يضيع إلى األبد .سوف يأتي آخرون .كما يظل جمهور السينما في حاجة
دائماً إلى التسلية .كل ما يؤسفني هو ما طرأ من فساد على الروح االحتفالية.
ولد في بوردو سنة .1928بدأ بإنجاز أفالم وثائقية :الرصيف ج ،4بيوت -
بالتسلسل ،الحصان الحديدي ،البينيسيلين ،الشرف سليم ،البحر يرتفع نحو روون.
األفالم الطويلة :الظهر إلى الجدار ()1957؛ شاهد في المدينة ()1959؛ فتاة -
للصيف ()1959؛ موت بال ()1960؛ أرسين لوبين ()1962؛ حمقاء جذابة (
)1963؛ المطاردة ()1964؛ رأس الجاسوس ()1966؛ أوسكار ()1967؛
هيبرناتوس ()1969؛ عمي بنجامان ()1969؛ الحرية مردفة ()1970؛ المندرينة (
48
)1971؛ المزعج ()1973؛ الرجل المستعجل ()1977؛ ال تكف عن الكالم أمرك
يهمني ()1979؛ قفص المجنونات ( )1و ()1980 - 1978( )2؛ مقابل مليون لم يعد
لك شيء ()1982؛ على اليسار أثناء الخروج من المصعد ()1988؛ العشاء (.)1992
للتلفزة :الشفقة الخطرة. -
49
أعتقد أن اإلخراج ليس مهنة في حد ذاته .األهم من ذلك أن يكون للمرء ما -
يقوله .حتى التقنية يمكن امتالكها في ساعتين إذا ما توافر اإليمان واإلرادة .لذلك
فاإلخراج ،بما هو كذلك ،ال وجود له .ومن أجل الشروع في إنجاز فيلم يفضل أن
يتحلى المرء منذ االنطالق بمزايا إنسانية حقيقية .نحن المخرجين ،لسنا سوى أسالك
ناقلة.
لكن ،أليست التقنية حاجة ضرورية في كل األحوال؟ كيف ينجز المرء شريطا -
إن لم يكن على دراية بشروطه المعرفية؟
في هذا المستوى ،تكون التقنية ،فعالً ،أبسط درجات اللياقة التي يتحلى بها -
المخرج إزاء الجمهور .لكن جهلها ال يكتسي أية أهمية .أما إذا تم استيعابها فإنه يغدو
من المأسوي عدم معرفة استغاللها ،ومعرفة حدودها ،والتصرف فيها .صحيح أن
والتصنع والحذلقة .وهذا مثار ريبتي ،أو باألحرى حذري
ّ البعض يستبدلها بالحيل
تجاهها )،إذا تم نزعها أو استخراجها من الكل الذي يشكله الفيلم.
هل يأتي يوم وتكتب بنفسك أحد سيناريوهات أفالمك؟ -
حياء أو ربما كسالً أيضاً .والحقيقة أنني قد
قد ال أتجرأ على قول ما أريد قولهً ، -
أفضل السجن على كتابة سيناريو أو مواجهة عذاب الورقة البيضاء .إن الوفاء للعمل
ّ
اإلبداعي يجمع بين الصعوبة والشغف .دائماً أشعر بالحاجة إلى االقتراب من أحد
المؤلفين .لم أعد أؤمن بالسيناريو االحترافي .وأنا ،بشكل عام ،أفضل الشخصيات) على
أي كان بمناظر طبيعية خالبة وركض خيول.
الحكاية .ال يمكن إدهاش ٍّ
أما ما عدا ذلك فأنا لست متحفظاً على أي نوع من أنواع األفالم .وأبحث دائماً عن
شخصيات أكثر ثراء تثير اهتمامي وتدخل قلبي كي أسعى إلى سرد حكايتها وإ ضفاء
الصدق على مغامراتها الباطنية أو الخارجية.
هل يوجد بين أفالمك السابقة فيلم تكن له محبة خاصة؟ -
نعم ،في هذا المنظور يمكنني ذكر "موت بال" و"فتاة للصيف" و"عمي بنجامان" -
ولتكن هذه فرصة كي أؤكد من جديد حاجتي الدائمة إلى التعاون مع مؤلفين حقيقيين،
مع كتّاب ،على مستوى كتابة السيناريو .حقاً )،أنا ال أؤمن بالسيناريست المحترف.
وأعترف بأنني من بين األفالم العشرين التي أخرجتها ،لم أختر حقاً سوى الثلث .وال يمكن
التوصل إلى حرية إنجاز األفالم التي أحبها إال بعد تحقيق نجاحات) تجارية .فالمرء يحتاج
تسره ،حتى وإ ن تم ذلك بطريقة أنانية ،كما حدث معي
بين الفترة والفترة إلى إخراج أفالم ّ
في شريط "الحرية مردفة" .من المهم تحقيق التصالح مع الذات ،على األقل بين فترة
وأخرى.
50
أخرجت شريط "أوسكار"… -
أحتاج إلى العمل .العمل .العمل .ال أؤمن باالنعزال في قصر عاجي .الشك -
أن هناك أنواعاً ال أجيدها .وفي مثال "أوسكار" أعترف بأنني قدمت فيه مسرحاً أكثر
مما قدمت سينما.
ما موقفك كسينمائي؟ -
ال أنتظر شيئاً من الخلود .لكن ما دمت أمارس هذه المهنة ينبغي أن أظل ضمن -
التيار ،وإ ال ضعت ،وغرقت .ال يمكن الزعم بممارسة مهنة إال بالمحافظة على
الوظيفة ،على العمل المستمر.
هل لديك موقف خاص إزاء التلفزيون؟ -
أعتقد أننا ،السينمائيين جميعاً ،مدعوون اليوم أو غداً ،إلى التعامل مع -
التلفزيون ،بل أننا مجبرون على ذلك .فالناس قللوا من توجههم إلى قاعات السينما.
وازدادت صعوبات العيش في المدن .لم يعد أحد راغباً في الخروج ليالً .حتى أفالمنا
السينمائية سوف تبث من خالل التلفزيون .زد على ذلك أن التلفزيون في فرنسا يعاني
من احتكار شنيع بحيث يمكن تشبيه الوضع باحتكار أمير وحيد لمطبعة غوتببرغ في
ذلك العصر .والحال أن وسائل التعبير ينبغي أن تكون في متناول الجميع.
وال أنكر أن مجرد عرض M. A. S. Hفي التلفزيون ،على سبيل المثال )،لو كان مبرمجاً
اآلن ،لما وجدتني معك حالياً ).سوف يأتي الوقت الذي يتم فيه تكبير شاشات التلفزيون إلى
أقصى حد ممكن .وتوجد حلول لهذه المشاكل ،كما في كتاب ألدوس هكسلي Brave New
.World
ما السينما المفضلة لديك ،وربما هي التي يفضلها جمهورك أيضاً؟ -
أرغب في إخراج فيلم عن شخصيات راهنة ،أعرفها ،وأحاذيها كل يوم، -
وأحبها .أحب التصالح مع ذاتي .وال يمكن للمرء أن يظل مشابهاً لذاته ما دام الزمن
متحوالً ،حتى التناقض مع الذات هو إمكانية ،فرصة ،طريقة لنا كي نكون أصدق،
ربما…
ما طريقتك في اختيار الممثلين وإ دارتهم؟ -
ال يرتكز معياري في االختيار على ما ُيزعم أنه موقف مهني احترافي ).أحتاج -
إلى التفاهم مع الممثلين .فالممثل هو شخص ستتقاسم معه فترة من حياتك .أحتاج إلى
بعض الراحة ،والتعاون معهم .والجانب الحرفي لتفاهمنا وانسجامنا يثير شغفي .إنه
احتفال صغير نعيشه معاً .هذا هو معيار اختياري للممثلين.
هل تفكر في الجمهور؟ -
51
ال يمكننا التكهن مسبقاً بما يجعل الجمهور يرتاد السينما أو يقاطعها .وأنا ،على -
أية حال ،ال أشرع في إنجاز فيلم وأفكر في الجمهور .وإ ذا شعرت بمسؤولية ما أثناء
التصوير ،فهي مسؤولية تجاه نفسي أوالً .ويظل هاجسي هو اإلعجاب بما أنجزه .نحن
السينمائيين ،لسنا مهمين كثيراً بالنسبة للفيلم ،األهم هو رد فعل الجمهور أمام ما يعرض
على الشاشة.
هل هناك صنف من األفالم تملك قناعة بعدم إخراجه؟ -
أنا ذو مزاج فضولي .والشك أن هناك أنواعاً لم أخلق لها .وهي أنواع أجهلها. -
وفي هذا المجال) لدي أوهام كثيرة يتوجب علي التخلص منها .بعد هذه المالحظات)،
يمكنني التعبير عن ولعي باإلمبراطورية الثانية ،إذ شكلت عصراً في منتهى الروعة.
وكم تثير إعجابي الحياة الباريسية كما وصفها كل من أوفنباخ وزوال.
ولد في شماليير سنة .1928عمل ثالث سنوات ضمن المصلحة السينمائية -
للجيش الفرنسي في الهند الصينية .وقع أسيراً في ديان بيان فو.
مضيق الشيطان ( ،1965جائزة بلمان ،جائزة مدينة برلين)؛ رامونتشو ( -
)1958؛ صيادو إيسلندا ()1959؛ الفصيلة رقم ،1964( 317جائزة السيناريو في
مهرجان كان )1965؛ الهدف 500مليون ()1966؛ السرطان -قارع الطبل (
)1977؛ شرف الكابتن ()1988؛ ديان بيان فو (.)1991
للتلفزة :ريبورتاجات عن اليمن والجزائر ،و 25سنة على تأسيس األمم -
خلية أندرسون ( ،1967أوسكار من هوليود ،و Emmy Hawardفي
المتحدةّ .
نيويرك)؛ دورية الفجر (.)1976
روايات :الفصيلة رقم ،317وداع الملك (اقتبسها جون ميليوس للسينما مع نك -
نولته؛ جائزة أنتر آلييه )1969؛ السرطان -قارع الطبل (1976؛ الجائزة الكبرى
للرواية التي تسندها األكاديمية الفرنسية).
52
بيار شوندورفر ،أود في البداية أن أسالك أين تضع فيلم "السرطان -قارع -
الطبل" بالنسبة ألفالمك السابقة ،ثم بالنسبة للرواية نفسها.
األمران مرتبطان ،في الواقع .إنها سلسلة بدأت بـ "الفصيلة رقم "317 -
وتواصلت مع "وداع الملك" لتنتهي بـ "السرطان -قارع الطبل" .أما الرواية فتشير إلى
الفيلمين األول والثاني" .السرطان -قارع الطبل" هو جزء أخير من مغامرة .وما
سأكتبه الحقاًُ سوف يكون مختلفاً .وتدور أحداثه في عوالم أخرى .فال ذكر للحدث
الرئيسي المتعلق بالحرب) في الهند الصينية.
وفي "السرطان -قارع الطبل" يتم دفن ويلسدورف (يؤدي الدور برونو كريمر) وتظهر
صورته في إحدى الجرائد مع إشارة إلى موته في جبل آمور .إذن فتلك هي النهاية .وألنها
نهاية فقد اخترت أن تجري في البحر .ففي مواجهة البحر يغدو اإلنسان مختلفاً ).كما كان
الموقف يتطلب مياهاً جليدية وضباباً .وذلك مثل حياة في تقدمها :تبدأ تحت الشمس وتنتهي
في ضباب جليدي .وما يجري على متن السفينة لم يكن من باب المصادفة بل له عالقة
بالقصة .وأنا مقتنع بأن أحد مكامن قوة السينما يتمثل في الديكور الذي يكتسي أهمية تعادل
"الثيمة" والحركة والفعل.
قد يبدو هذا السؤال دعابة ،لكن ألم يكن من الصعب تشغيل فرقة كاملة على -
متن خافرة سفن؟
أعتقد أن ذلك لم يحدث من قبل قط .فكل المشاهد الضرورية لذلك ،تم -
تصويرها على متن الخافرة ).ورغم المخاطر والصعوبات ساد جو رائع حتى إن الوداع
كان قاسياً ،سواء بالنسبة إلينا أم بالنسبة للبحارة).
كيف يتناوب الكاتب والسينمائي ويتكامالن فيك؟ -
أوالً ،بالنسبة لسيناريو "السرطان -قارع الطبل" كتبته باالشتراك مع فرنسوا -
شوفيل .ألنني ملتصق كثيراً بالرواية وال أستطيع تحويلها وحدي .وكان العمل معه
رائعاً .فلم نقتبس من الرواية إال جزءاً بسيطاً وإ ال تطلب الفيلم عشر ساعات.
ما هي أهم الكتب لديك؟ -
هناك بعض روايات جوزيف كونراد ،باسكال ،مالرو ،كبلنغ .ورغم أن هذا -
األخير يقدم باعتباره استعمارياً انجليزياً وكولونيالياً امبريالياً ،فأنا أجد قوالً مأثوراً
أذكره أمام منتقديه دائماً؛ والقول عبارة عن كتابة على شاهدة قبر خاصة بالجنود
االنجليز الذين ماتوا بين 1914وIf any question why we died, tell( 1918
.)them because our fathers lyed
53
"إذا ُسئلتم :لم متنا؟ أجيبوا :ألن آباءنا كذبوا علينا" .هذا يكاد يكون موقفاً ذا نزعة يسارية.
زد على ذلك أن حبه للهند لم يكن حباً إمبريالياً .وكتابه "كيم" هو كتاب في منتهى الروعة.
هل لديك إعجاب خاص بمخرجين آخرين؟ -
حول مجرى حياتي .هناك طبعاً سينمائيون أحبهم .لكن ربما لم تكن
ما من فيلم ّ -
ثقافتي السينمائية كافية .يمكنني ذكر سينمائيين أميركيين كثيرين .ومع ذلك يوجد
سينمائي أحبه وأغبطه ،انه كوروساوا.
ما رأيك في الصورة ،كما تتجلى سينمائياً وتلفزياً؟ -
هذا األمر ال يتطلب موقفين مختلفين حقاً .وبالمقابل أجد أن عالقة مشاهد -
التلفزيون بجهازه تختلف عن عالقة هاوي السينما بالشاشة .فالمتفرج على التلفزيون ال
يقوم بجهد الخروج من بيته ودفع ثمن تذكرته ،وألن الشاشة أصغر فإن تأثيرها أقل .أما
تحول عنه نظرك ثانية واحدة.
الفيلم الجميل في السينما فهو جذاب يجعلك ال ّ
في الواقع يختلف اإليقاع وبناء الصورة ما بين التلفزيون والسينما .وكذلك الشأن بالنسبة
الختيار المواضيع .وما أحاوله شخصياً في التلفزيون هو عمل ،كانت تسمح به السينما في
الماضي ولم تعد كذلك :إنه الريبورتواج الشامل .وكذلك إجراء المقابالت) مع الشخصيات
المشهورة.
عندما تؤلف كتاباً ،هل تكون قادراً على التفكير في فيلم ،والعكس بالعكس؟ -
آه! كال .ال أركض إال وراء أرنب واحد في كل مرة .وحتى عندما أشرع في -
الكتابة ال أفكر في تحويل الكتاب إلى السينما .وعندما أنشغل بتصوير فيلم أكون في
حالة انجذاب إليه بحيث ال أفكر في أي شيء آخر .وال تشغلني إال المحافظة على الخط
الرئيسي للسيناريو ،والتكيف الممكن مع ما هو مختلف عن األصل ،أو لم ِ
ير ْد فيه.
ما طريقتك في اختيار الممثلين ثم التعامل معهم؟ -
في شريط "السرطان -قارع الطبل" تحديداً ،كان هناك ممثالن اخترتهما منذ -
البداية .وهما دوفيلهو وريتش .أما روشفور فهو الذي أراد المساهمة في الفيلم .إن
اختيار الممثلين يجمع بين الضرورة والمصادفة .وينبغي أيضاً مراعاة المنتجين
والموزعين الذين يرغبون في وجود نجم.
كيف بدأت موهبتك السينمائية؟ -
يعود ذلك إلى العام .1947كنت بحاراً آنذاك ،على متى سفينة سويدية .وأثناء -
نوبتي الليلية أمام مقبض الدفة ،ونحن عائدون من غدانسك ،انطلقت أتساءل حول
حياتي .هل أمضيها بحاراً فقط؟ شعرت ببعض األلم والريبة .وتذكرت بأنني تخليت
عن دراستي بسبب اإلفراط في ارتياد قاعات السينما .عندئذ قلت ):هوذا الحل البد أن
54
أصير سينمائياً .لكن الوسائل كانت تنقصني .وعندما عدت إلى فرنسا سنة 1948
طرقت كل األبواب بال جدوى .ثم أديت خدمتي العسكرية .وذات يوم قرأت مقاالً
لسيرج برومبرغر حول "المصلحة السينمائية للجيش الفرنسي في الهند الصينية".
فقلت ):هذه فرصتي .وهكذا تطوعت في الجيش آمالً أن أقبل ضمن تلك المصلحة .وقد
تم ذلك وكلفت بمهمة مصور بالكاميرا (كاميرامان) .كان ذلك أول باب يفتح أمامي .أما
الباب الثاني فيتمثل في تحولي إلى اإلخراج ).ويعود الفضل) فيه إلى جوزيف كيسل.
فعندما غادرت الهند الصينية سنة 1955التقيته في هونغ كونغ .اهتم بتجربتي لمدة
ثالث سنوات في تلك المنطقة وطلب مني اللقاء) في فرنسا .وهكذا وضع قدمي في
ركاب السينما رغم أنف مركز السينماتوغرافيا الفرنسية .وكان شريط "مضيق
الشيطان" الذي أخرجته باالشتراك مع جاك ديبون قد تم تصويره في أفغانستان،
واستقدمت من أجله الممثل كوتار من الهند الصينية .وبذلك كان أول فيلم يظهر فيه
كوتار.
يتميز شوندورفر بحس ملحمي سواء أكان كاتباً أم سينمائياً… -
تغذيت من تجربتي كبحار في بحر الشمال وبحر البلطيق .ثم كانت تجربة الهند -
الصينية التي جمعت بين اكتشاف الجيش -ألنني لم أكتشفه حقاً حتى أثناء خدمتي
العسكرية -واكتشاف الحرب )،والشرق األقصى ،وشعوبه ،ثم الوقوع في األسر.
تلك التجربة جعلتني أختزن الكثير وأحتاج إلى السفر ،إلى البحر ،الغابات )،الصحراء).
عندما تصور أفالمك ،هل تفكر في الجمهور؟ -
أنا أول الجمهور .أحاول منذ البداية إنجاز ما يثير اهتمامي .والسؤال الذي -
أطرحه دائماً أثناء المونتاج ،وعلى مسامع زمالئي" :هل هذا ممل"؟ الفيلم ،في نظري،
يشبه يداً ممدودة كي تصافح .لحظة المصافحة هي التي تهمني .لكن الجمهور ال
يشغلني .بل يشغلني ما أنجزه كي يصير يداً "جميلة" ممدودة للمصافحة ).وهذا شأن
الرواية أيضاً).
ما هي اللحظات التي تفضلها أثناء اإلخراج؟ -
التحضير يكون منهكاً .وكذلك اليوم األول .ثم يتم االنطالق .ويحصل سباق -
مع الزمن .ويعم الفرح األكبر بعد ثمانية أيام عندما ندرك مدى التقدم الذي حققناه
كممثلين وتقنيين .كل فيلم هو مغامرة نخرج منها مختلفين.
أما زلت محباً للسينما ومشاهدتها؟ -
كال .فقد أمضيت ما يقارب األربع سنوات في "السرطان -قارع الطبل" كتاباً -
وفيلماً .أعتقد أنني شاهدت ثالثة أفالم فقط من بينها "درسو أوزاال" لكوروساوا.
55
هل تعيد مشاهدة أفالمك؟ -
ال .لكن إذا احتجت إلى توضيح أمر ما ،إلى شخص أعمل معه ،أعرض عليه -
فيلماً لسبب محدد.
ما دور الموسيقى في أفالمك؟ -
كان العمل ممتعاً مع فيليب سارد في فيلم "السرطان -قارع الطبل" إنه فنان -
رائع .في السابق لم أهتم كثيراً بالجانب) الموسيقي في أفالمي .أما في هذا الفيلم فقد
عبرت موسيقى فيليب سارد عن أحاسيسي وتعانقت موسيقانا .ذلك أن موسيقاه أيضاً
ّ
تثير إحساسا عالياً بالقدر وتوحي به.
هل تعطي أولوية للتقنية؟ -
لست تقنياً في مجال اإلخراج ).تتحرك الكاميرا )،بالنسبة لي تلقائياً ).لست أنا من -
يختار مواضعها بل ربما الضرورة .وهذا ال يمنع إلمامي بما أريد الحصول عليه:
غير الشريط الممغنط كل
الصورة .هكذا أتخلص من حالة الجمود في األستوديو .لقد ّ
شيء بالنسبة للصوت )،فازدادت حدته .والشريط الصوتي في الفيلم ال يقل أهمية عن
الصورة في نظري.
هل من شانك قبول إخراج فيلم حسب الطلب؟ -
هناك قصص جميلة كثيرة لم أكتبها وأتمنى إخراجها ).أما التعامل مع سيناريو -
جاهز تماماً ،فهذا ما لن أقبله .أحتاج إلى التدخل في التفاصيل.
انطالقاً من الموقع الذي أنت فيه هل بت تشعر بضرورة التناوب بين الكتابة -
واإلخراج؟
قبل "السرطان -قارع الطبل" كنت أفكر في التخلي عن اإلخراج .لكنني سعيد -
بحدوث العكس .إذ فرض علي ذلك نفساً جديداً .غير أنني لن أسعى إلى إخراج خمسة
أو ستة أفالم متعاقبة .ربما أخرج فيلماً واحداً ثم أعود إلى الريبورتاج للتلفزيون ،أو
انكب على تأليف كتاب بدأت مالمحه تتضح .أحتاج إلى التغيير .والتلفزيون مهم
بالنسبة لي .ويعجبني كثيراً إخراج الريبورتاجات) الكثيرة .إنه عمل مدهش.
أين نضع شريط "السرطان -قارع الطبل" بالنسبة لإلنتاج السينمائي -
الفرنسي؟
أعتقد أنه شريط مختلف عما يقدم حالياً ،سواء بالنسبة الهتماماته أم بالنسبة -
للديكور .وإ ذا لم يكن ينتسب إلى مجرى السينما الفرنسية الراهنة فهو بالتأكيد ينتسب
إلى مجراها العميق.
56
جاك دوراي Jacques DERAY
ولد في ليون سنة .1929بدأ ممثالً ثم مساعداً للمخرجين :جيل غرانجييه، -
لويس بونويل ،جول داسان…
جيكولو ( )1960ريفيفي في طوطيو ()1962؛ سمفونية للقتل ()1963؛ -
بجثث اآلخرين ()1966؛ المسبح ()1968؛ بورسالينو ()1969؛ قليل من الشمس في
الماء البارد ()1971؛ رجل ميت ()1972؛ بورسالينو وشركاؤه ()1974؛ حكاية
شرطي ()1975؛ العصابة ()1976؛ فراشة على الكتف ()1977؛ ثالثة رجال للقتل (
المتوحد ()1987؛
ّ )1980؛ الهامشي ()1983؛ ال يموت المرء إال مرتين ()1985؛
دب القطيفة (.)1994
الغابات) السوداء ()1989؛ نيتشاييف يعود ()1990؛ ّ
جاك ديري ،ما المعايير التي تجعلك تقرر إخراج فيلم؟ -
أعتقد أن كل فيلم هو محاولة لتجسيد نموذج أصلي .وتظل للمخرج شخصيته -
المتميزة حتى يمارس المهنة .فأنا مثالً ال أستطيع إخراج فيلم هزلي .وال يمكن للمخرج
التعامل مع كل األجناس السينمائية .فقد تشكلت له صورة مميزة في ذهن الجمهور .وال
يجب أن يشوش تلك الصورة إذا كان يريد من ذلك الجمهور أن يذهب لمشاهدة شريطه
القادم .وهكذا نجد المخرج بونويل منخرطاً في عمله في إطار شخصيته وهواجسه.
وااللتزام المناسب للمخرج هو في االنكباب على إيجاد الموضوع ،أو القصة التي
ينعكس فيها المجتمع ،أو البلد ،حيث تجري األحداث.
البد للمخرج أن يترك بصماته الخاصة على أفالمه .وهذا ما يجعلني مقتنعاً بأن السينما
الملتزمة بطريقة متعمدة لن يكتب لها الدوام .أكبر رهان بالنسبة إلي أي فيلم هو أن يعود
المرء إلى مشاهدته بعد أعوام وال يشعر بالخيبة .وهذا يتطلب معايشته العصر.
قبل تحولك إلى اإلخراج َمن كان يعجبك من السينمائيين؟ -
57
في مرحلة الشباب ذهبت عدة مرات إلعادة مشاهدة أفالم مثل "بيبي لوموكو" -
و"أطفال الجنة" وكذلك "بوني وكاليد" الذي ليس مجرد شريط عن عصابات األشرار.
حتى أنني عندما أخرجت "بجثث اآلخرين" أردت التعرض إلى عالم الجاسوسية
الغامض .ولم أعد إلى ذلك الحقاً ).ويبدو أن الفيلم قد ظهر في وقت مبكر أكثر مما
يجب.
أما زلت تتردد على قاعات السينما؟ -
عندما أكون في قاعة معتمة ال أنتبه إلى الجوانب التقنية في الفيلم المعروض. -
ولدى خروجي يالزمني إحساس المغرم بالسينما .لم أنفك مأخوذاً بسحر السينما .وفي
هذا السياق يؤسفني التنظيم الجديد لقاعات) السينما ،وإ لغاء القاعات) الواسعة لصالح
سلسلة القاعات) الصغيرة .ويحدث أحياناً أن أذهب لمشاهدة فيلم من زاوية نظر
احترافية .عندئذ أكف عن كوني مجرد متفرج.
لست أدري كيف أفسر طريقتي في اختيار األفالم التي أذهب إلى مشاهدتها ،تماماً كما ال
أستطيع تفسير السبب الذي يجعل هذه القاعة أو تلك ،غاصة بالمتفرجين منذ العرض األول
للفيلم .هناك نوع من اللغز في سلوك الجمهور .وأنا شديد االهتمام بهذه الظاهرة .أحب
أيضاً مشاهدة أفالمي مع الجمهور ،لكن بشكل خفي .وهناك أشعر بدفع معنوي عال.
في موازاة ذلك أرى أن على المخرج أن يبدأ بإنجاز شريطه عندما تتوافر لديه الرغبة في
ذلك ،وأال يسمح بعرضه مباشرة بعد االنتهاء منه .فهناك توقيت أفضل من آخر ،دائماً.
طبعاً هذا سالح ذو حدين ،إذ يمكن للفيلم أن يفقد من تأثيره مع الزمن.
كيف يتم بناء الفيلم ،من لحظة تبلور الفكرة إلى تطور نسخته األولى؟ -
ينقسم إخراج الفيلم إلى عدة مراحل .في المرحلة األولى يكون الدور لعمل -
المخيلة .بعد ذلك تأتي مرحلة الكتابة مع المؤلفين .وفي هذه المرحلة يكون هناك فيلم
جاهز في حد ذاته .أما التصوير فيؤدي إلى ظهور فيلم آخر .ويمكن التوصل إلى فيلم
ثالث خالل مرحلة المونتاج ،أو العودة إلى األول ،وهكذا يمكن أن يتم اللقاء) بين شكلي
الكتابة .فترة التصوير هي األقصر واألكثر إمتاعاً .إذ يتم الخروج من مراحل القلق
واالضطراب ،والدخول في حالة من الفرح تدوم بضعة أيام.
وفي هذا السياق ،هل يكون الجمهور حاضراً؟ -
لست ممن يقولون إنهم ينجزون أفالمهم لذواتهم .والشك أن للجمهور ،الذي ال -
يفتقر إلى الوعي والرشد ،كلمته .ويستطيع الحكم على عملك .أما إخراج أفالم شعبية
فهو ال يمنع المخرج من إنجاز أفالم شخصية.
ما إيقاعك األمثل في اإلخراج؟ -
58
يصعب إخراج أكثر من فيلم في السنة .المخرج مرتبط بالمنتج .والمنتج بدوره -
ال يستطيع إنتاج أكثر من فيلم سنوياً .اإليقاع األمثل هو إخراج فيلم واحد سنوياً أو
فيلمين كل ثالث سنوات .هذا هو الحد األقصى إذا كان هناك اكتراث بالمحافظة على
نوع من األسلوب.
ُيعرف عنك اقتدارك في مجال التشويق؟ -
هو مجال آمل دائماً العودة إليه .لكن الجمهور صار متطلباً أكثر .والبد -
للمخرج أن يتجاوز إمكانيات خياله .لم يعد التشويق متمثالً في باب يئز ،بل هو بالتأكيد
وصف لموقف استثنائي ،ويتطلب ،عالوة على ذلك ،جعل المتفرج متواطئاً .في أفالم
التشويق والتوتر يتكون انطباع لدى المتفرج بأنه اكتشف مفتاح اللغز في وقت واحد مع
المخرج ).وما يفرح الجمهور أيضاً هو أن يتم تنبيهه قبل الممثل ببضع صور.
ويزداد التشويق إذا تم في ديكور رائق وهادئ .وهكذا كان موت موريس رونيه ،في
فيلم "المسبح" داخل جو حار بينما يتعالى أزيز جدجد ،أكثر تأثيراً مما لو مات وهو يسوق
سيارة بسرعة 130كلم في الساعة.
هل تسعى إلى التعبير عن نوع من الرمزية في أفالمك؟ -
ليست رموزاً بقدر ما هي هواجس .ففي شريط "المسبح" كان هناك الشك -
والقلق .أنا حساس ،بشكل عام ،تجاه األجواء والديكور .وحتى عندما أدرج بعض
مشاهد اإلثارة الجنسية ال يكون ذلك تنازالً للموضة ،بل من أجل موضعة شخصياتي.
لدى تصوير "ريفيفي في طوكيو" كانت المدينة طاغية الحضور بحيث الح الممثلون
وكأنهم يحملونها في دواخلهم .أما بالنسبة لفيلم "رجال مراكش" فقد تركت مسافة ابتعاد
عن الشخصيات إلى أن اكتسبت المناظر الطبيعية أهمية كبرى .كان ديكور هو عنصر
حركة وسيكولوجيا.
هل هناك مواضيع تحلم بنقلها إلى الشاشة؟ -
طبعاً .سوف يكون من الممتع إخراج معركة يشارك فيها خمسة آالف شخص. -
كما يظل شريط الوسترن حلم طفولتي .ولقد فكرت أيضاً في إخراج بعض قصص
ألفونس آليه .لكن مجرد التزامي بفيلم واحد يمنعني من التفكير في أي شيء آخر.
ما موقفك من التلفزيون؟ -
أعتقد صراحة أنه سوف يصير ذا آفاق واسعة ،خاصة إذا حافظ على أساليبه. -
وينبغى على السينما أن تفعل ذلك أيضاً ).ما يعجبني في التلفزيون هو ما يعتبر مستحيالً
في السينما :البث المباشر .غير أن البث المباشر ال يخلو من التزوير والتركيب في
59
أحيان كثيرة .وهذا نقص في الصدقية والشرف .خاصة وان التلفزيون من شأنه التعبير
تعوض.
عن حقائق ال ّ
هل تعتقد في إمكانية العودة إلى األسود واألبيض؟ -
اآلن البد من نسيان ذلك .وسوف تظل له جاذبية استثنائية مثل السيارات -
القديمة .وال يمكن العودة إلى التصوير باألسود واألبيض إال إذا تم ذلك على سابق
تصميم ولضرورة فنية .كذلك الشأن بالنسبة للتلفزيون .وهو أفضل في خلق أجواء
بوليسية على األقل.
كيف تصف مهنتك؟ -
كل مخرج هو رجل فرجة .وعلى هذا المستوى هناك تنافذ ما بين السينما -
والتلفزيون والمسرح .فئات الجمهور هي التي تختلف .أكره النجاح الكاذب
واالستعراضي .ال يكون النجاح) حقيقياً إال في عالقته بالذات).
ما موقفك من السينما الجديدة؟ -
مع ازدياد المخرجين يزداد رضاي .لكن المشكلة تكمن في فقدان الحماسة -
والولع .لذلك كنت حذراً من جماعة "الموجة الجديدة" وسميتهم "السينماويين" جرذان
السينماتيك .الكثير من الشباب يريدون السهولة .ال بد من االنتظار .فالحكم ال يتم
انطالقاً من فيلم واحد .والسينما ليست مجرد صور .إن صورة واحدة يمكن أن تعادل
كتاباً.
ما كان قصدك عندما أخرجت أكثر من فيلم بعنوان "بورسالينو"؟ -
يبدأ الفيلم كحكاية صداقة وتواطؤ بين مراهقين متهورين يقومان بعدة عمليات -
نصب واحتيال في مرسيليا خالل الثالثينات .ثم ينتقالن إلى استخدام األسلحة
والمساهمة في ما يشبه حروب العصابات ).وكانت تلك أول مرة يجتمع فيها ألن ديلون
وجان بول بلموندو .من جهة أخرى أردت العودة إلى تقليد فرنسي مثله بيكر ،وكارني،
ودوفيفييه ،سابقاً؛ أي تقليد سينما (األكشن) وتأزم األحداث على الطريقة الفرنسية .زد
على ذلك أنني معجب باألفالم البوليسية وحاولت التعامل مع شروطها انطالقاً من تلك
المقاصد كلها اخترت سيناريو جان كلود كاريير .فقد كان ذلك هو عمله األول ولم
يشوشه أسلوب السينما البوليسية الفرنسية بعد.
في شريط "رجل ميت" وعلى الرغم من وجود بعض الممثلين الفرنسيين ،فقد -
أخرجت شريطاً أميركيا في الواليات المتحدة؟
لقد أمتعتنا األفالم البوليسية األميركية لزمن طويل .وعكست مرحلة .وعندما -
أخرجت) "رجل ميت" سعيت إلى تفادي الفلكلور وعدم محاكمة بلد .وكان جان لوي
60
ترنتينيان ،في الفيلم ،هو الوسيط الذي تشكلت لدي ،من خالله ،رؤية أمريكا .تماماً مثل
طوكيو من خالل "ريفيفي" ،وفيينا من خالل فيلم "بجثث اآلخرين" .لقد فتنتني لوس
أنجلس .ولهذا وضعت اسمها في شارة الفيلم.
عمل معك ،في هذا الشريط ،ممثلون أميركيون أيضاً… -
توجب علي أن أدرس سلوكهم عن قرب .إنهم مختلفون عن الفرنسيين .في -
البداية كانوا ينعزلون في مقصورتهم .وإ ثر تصوير أحد المشاهد ينسحبون .لكنهم في
النهاية بدأوا باالندماج مع الفرنسيين .وقد الحظوا أن طريقة العمل الفرنسية ال تخلو
من جوانب إيجابية رغم أنها ال تزال أقرب إلى الحرفية .والممثل األميركي ،بشكل
عام ،يناقش دوره قبل التصوير ،وال يفعل ذلك أبداً على "البالتوه".
61
يتمثل عمل المخرج ،قبل كل شيء ،في محاولة خلق شخصيات وجعلها تتطور -
أفضل العمل بهدوء ،أي في
بحيث تصير نموذجية أو مثيرة لالهتمام .وأنا شخصياً ّ
ظروف مناسبة .وال ينبغي السعي إلى استغباء الجمهور أو إبهاره .فهذه الطريقة تؤدي
بالمخرج إلى نضوب قريحته.
ما الظروف التي تجعلك تقرر إخراج فيلم؟ -
أحاول إنجاز ما أرغب في إنجازه .إال في حالة شريط "الخط الفاصل" الذي لم -
أشعر تجاهه بأنني أقدم فيلماً حقيقياً وأتحمل مسؤوليته .أحلم بإنجاز أعمال متكاملة .لكن
اإلمكانيات المالية تحول دون ذلك دائماً .وكم يعجبني إخراج أفالم ذات تكاليف عالية
عن أشياء تافهة :الموضة سنة 1900مثالً.
هل تشعر بمسؤولية خاصة لكونك مخرجاً؟ -
هدفي من السينما ليس الثروة .ومن المؤسف أن المنتجين يريدون العكس ،ومع -
ذلك ال يتوصلون إلى تحقيقه دائماً .تعرف أنني أحب السينما األميركية غير أنني أقر
بأن الجانب) الوحيد السيئ فيها هو عبادة النجوم .أما أنا فأعتبر مدير التصوير الجيد ،أو
مدير اإلنتاج البارع ،أهم من النجم ،من أجل إخراج فيلم .وهذا يجعلني أبدي أسفي تجاه
السينما األميركية التي بدأت "تتأورب" .هذا أمر سيء وخطير.
ما هو إيقاعك النموذجي في العمل؟ -
قد يكون بمعدل شريطين سنوياً؛ أي أن يكون أحدهما "ثقيالً ،والثاني "خفيفاً"). -
والبد من استراحة ما بين إخراجين .مع ذلك ينبغي أن يتم اإلخراج في أسرع وقت
ممكن ،لكن من دون ممارسة ضغوط على العاملين .البد من تفادي اإلفراط في
االتجاهين :اإلخراج خالل أسبوعين ،أو إنجازه خالل اثني عشر أسبوعاً.
تفضل بعض أفالمك على غيرها؟
هل ّ -
عادة ما يكون فيلمي المفضل هو الذي لم أشاهده منذ أمد طويل .لكنني أفضل -
عليه أيضاً آخر فيلم ،أي الذي أكون قد انتهيت من إخراجه ،إذ يحصل لدي انطباع بأنه
يتضمن مشاهد ناجحة أكثر مما في األفالم السابقة.
هل أنت على استعداد إلخراج أي صنف من األفالم؟ هل تقبل ذات يوم بإخراج -
فيلم وسترن أو فيلم هزلي؟
إن تعلقي بأفالم الوسترن يمنعني من إخراج فيلم على الطريقة اإليطالية .وحتى -
ما ينجزه المخرجون األميركيون الشباب ال يتماشى وتقاليد هذا النوع .أقول هذا بكل
تواضع .أعتقد أن إحدى فضائل الوسترن هي إظهار أبطاله يتحدون المخاطر أو
62
يعيشونها ،دون أن يعني ذلك عدم التمتع بالحياة ).تلك هي شروط أي ملحمة .أما األفالم
الهزلية أو الفكاهية فهي تتطلب أمواالً طائلة ،إنها أموال طائلة ال تظهر على الشاشة.
ما معاييرك في اختيار الممثلين؟ -
انطالقاً من درجة االستلطاف .ولدي أصدقاء كثيرون من بينهم ،بحيث ال أجد -
صعوبة في إيجاد ممثلين للشخصيات ).وال أميل إلى النجوم والممثلين المشهورين
كثيراً .فهم يخضعون لشهرتهم وأسطورتهم ،وجمهورهم ليس جمهوري بالضرورة.
من يعجبك من السينمائيين السابقين؟ -
أولئك الذين نكتشفهم وندللهم كثيراً من أمثال فريتز النغ ،وارست لوبيتش ،دون -
أن أنسى ألفريد هيتشكوك الذي أكن له إعجاباً خاصاً .لكنني أقرب إلى النغ مني إلى
هيتشكوك ،خصوصاً مع محاوالتي االبتعاد عنه.
كثيراً ما تظهر في أفالمك على طريقة هيتشكوك ،لماذا؟ -
أديته كان في شريط "طريق كورنثيا".
كممثل أجد نفسي رائعاً .وأفضل دور ّ -
لنتحدث عن الحالة الخاصة بأحد أفالمك ،وليكن شريط "فلتمت البهيمة". -
هو شريط رغبت في إخراجه ألن شخصياته أعجبتني .وهو مقتبس من كتاب -
بوليسي يعود إلى مرحلة ما قبل الحرب ،وقد قرأته بعدها .ذات يوم تذكرته ورغبت في
اقتباسه وتحويله إلى فيلم .وجدت صعوبة في البداية .فالمنتجون أبدوا مخاوفهم ألنهم
وجدوا الكتاب قريباً من أسلوب أغاثا كريستي .فعمدت إلى تحديثه مع المحافظة على
"الثيمة" األساسية .أردت تحويله إلى "ميلودراما" على الطريقة األميركية .أي توخي
التشويق الواضح ،وعدم اللجوء إلى التعقيد ،كما يجري في األفالم الراهنة.
إالم تعزو هذه الظاهرة؟ -
إلى جهل الناس مهنتهم أساساً ،وعدم االجتهاد .ما يحصل في السينما ينطبق -
على سائر الفنون األخرى .لقد تم تسليمها للمخرجين الذين ال دور لهم إال تمزيقها .لكن
ثمة ما يطمئن في هذه الظاهرة .فالتكالب على تخريب فن من الفنون يقدم دليالً على أنه
فن حقيقي.
هل من عالج؟ -
ومن يعمل بغير
آمل تقديم عالجي .الحل عندي هو تقديم أفالم يفهمها الناسَ . -
ذلك ،قد يكتسب مريدين ،لكنه يندثر قبل اندثار السينما .ويعجبني في هذا المجال قول
للويس جوفيه "ثمة شيء واحد ال يتطور أبداً :الطليعة" .أنا ضد الخلط بين ما يسمى
بالطليعة وبين األفالم الجريئة .إذ يمكن التعبير عن أشياء معقدة بأسلوب بسيط
وواضح .حتى البشاعة صاروا يسقطون عليها العتمة كي يحاولوا إظهارها جماالً .هذه
63
الظاهرة تعود إلى الستينات ويعد أنطونيوني أحد أكبر المتهمين بهذه الفضيحة .كل
أفالمه حزينة .أنا شخصياً أعتبر تلك السينما مشبوهة.
ما حلمك كسينمائي؟ -
أتمنى إخراج فيلم عن فيليب أوغست في معركة بوفين ،وآخر يتناول مرحلة ما -
بين الحربين .وال يمكن أن يتحقق ذلك إال إذا تأكدت من بلوغ الكمال).
هل تؤمن بالنجاح؟ -
مع كل فيلم جديد يتوجب البدء من جديد .عندما يتكرر األمر هكذا يمكننا القول -
إن النجاح) قضية غامضة.
إذا نظرت إلى الخلف،ـ وبطريقة ارتدادية ،ما رأيك في النقاد ومؤرخي -
السينما؟
من الضروري وجود شارحين للسينما ال يغيرون اهتماماتهم وال يتحولون إلى -
اإلخراج بسرعة عجيبة .فبفضلهم تعرفنا على أفالم هيتشكوك وهاوكس… أما اليوم فقد
عمت الفوضى .وما أكثر الصفحات) و"الشحنات" التي تظهر اليوم لتحليل أعمال
فريتزالنغ .حتى إن الكثير من الشارحين والمفسرين باتوا ،من إغراقهم في التحليل،
عاجزين عن القول لماذا يتميز ذلك العمل بالجمل .أنا شديد الحذر من أولئك المتحذلقين
والمتشدقين بأفكار ليست حتى أفكارهم .إنهم في منتهى اإلزعاج والخطر .أدرك أن
بعض المخرجين يحتاجون إلى متملّقين وهواة .وقد يكتفون بهم لخدمتهم.
64
خصصت آنياس فاردا شريطاً لمرحلة شباب جاك دومي بعنوان "جاكو الذي -
من نانت" (.)1991
يتزامن لقاؤنا مع ظهور شريطك "إهاب الحمار" في القاعات.ـ هل بوسعي أن -
أسألك أين تحدد موقعه ضمن أعمالك؟
هذا الفيلم يحقق لي أمنية قديمة .كنت أرغب في إنجازه منذ زمن بعيد ،لكنني لم -
أتمكن من جمع الممثلين .واألموال والمنتجين ،أي الجميع .أين أضعه بالنسبة إلى
أفالمي األخرى؟ إنه تتمة منطقية .هل يعني هذا الكالم شيئاً؟ ذلك أن أفالمي مختلفة عن
بعضها البعض ،مع انتظامها في خط األفالم الموسيقية باعتبارها تتضمن بعض
األغاني .لكن األهم في كل لك انه تذكر أو نداء لطفولتي .ويتضمن الفيلم ذكريات
كثيرة تعود إلى تلك المرحلة وإ لى قراءاتي للحكايات) السحرية التي وضعها بيرو،
وغريم ،وأندرسون.
كيف تختار مواضيع أفالمك بشكل عام؟ ومتى تقرر إخراجها؟ -
كما تعرف ،ليست السينما عمالً سهالً .وخاصة من الزاوية االقتصادية .ولو -
كانت مجرد فن إبداعي آخر مثل الرسم والموسيقى والنحت )،لكانت أسهل .في السينما
كثيراً ما تحكمنا األفالم الرائجة ،األفالم البوليسية مثالً .فإذا تقدمت بفيلم كوميدي تجد
نفسك في مأزق .وبالنسبة الختيار المواضيع فهو يتداخل مع توفير جميع شروط
اإلخراج )،من المنتج إلى الممثل إلى األموال الالزمة ،حتى إن ذلك الموضوع قد يفقد
من قيمته مع مرور زمن االنتظار .فيما يخص "إهاب الحمار") كنت أفكر في إنجازه منذ
زمن طويل .لكنه فيلم مرتفع التكاليف .تحدثت عنه كثيراً ولم أجد استجابة عند
المنتجين .يضاف إلى ذلك أنني لم أكتب شيئاً حوله .وذات يوم أطلعتني ماغ بودار على
رغبتها في إنجاز الفيلم .وكنت قد حدثتها عنه .وهكذا شرعت في كتابته ومن ثم
إخراجه بتمثيل كاترين دونوف وجان ماريه وجاك بيران .وكان فريقاً جميالً.
في هذا السياق أود أن أسالك كيف تختار ممثليك بشكل عام ،ثم ما العالقات -
التي تقيمها معهم؟
االختيار سهل ألنني أعرف كل الممثلين تقريباً .وأميز الذين يمكن التفاهم -
معهم .إنها عائلة تجمع بينها المحبة واألفكار .وثمة تبادل وحوار .أتحدث معهم عن
المشروع ،حتى قبل كتابته ،أحياناً ،كي أتأكد من موافقتهم .وهذا ييسر مهمتي في وضع
الحوار ألنني أعرف عندئذ من سيؤديه .ولقد وضعت الحوار في "إهاب الحمار" مع
65
التفكير في الممثلين بدقة ،ألنني كنت أعرف أن ميشلين بريسل سوف تؤدي دور الملكة
األم ،وأن جاك بيران سوف يكون األمير الوسيم…
وعندما يكونون على "البالتوه"؟ -
نبدأ بتجربة عامة مع ترك الحرية كاملة للممثلين .فلكل ممثل أفكار دقيقة حول -
شخصيته في السيناريو .أتركهم يأتون بأفكارهم ثم أعمد إلى االختيار ،وتوجيه البعض
منهم.
كيف جئت إلى السينما؟ كيف تولدت موهبتك؟ -
هذا يعود إلى الطفولة وإ لى "إهاب الحمار" .بدأت باكتشاف مسرح العرائس -
واكتشفت من خالله عرض الحكايات .وبعد بضعة أعوام اكتشفت السينما وكنت في
سن السابعة آنذاك .ثم كان التطور منطقياً .إذ بدأت بتقليد مسرح العرائس .وفي الثالثة
عشرة اشتريت أول كاميرا .وهكذا لم تواجهني مشكلة االختيار منذ تلك السن المبكرة.
هل يمكنك الحديث عن إعجاب بسينمائيين آخرين ،إن لم يكن عن تأثرك -
ببعضهم؟
بالتأكيد .كل األفالم الجيدة أثارت إعجابي وولدت لدي الرغبة في ممارسة -
السينما .وأفضل مثال على ذلك شريط "النهر" لرينوار فقد كنت أالحق عرضه من قاعة
إلى أخرى عندما كنت طالباً .وهناك أفالم أخرى شاهدتها بين خمس وعشرين وثالثين
مرة.
ففي فرنسا ،على سبيل المثال )،أحب أفالم بريسون ،وفي الواليات المتحدة األميركية
تعجبني أفالم ويلز ،وهناك فيسكونني وفليني في ايطاليا .أما اآلن فالخبرة تجعلني أكثر
تطلباً.
كيف كانت مسيرتك؟ -
عملت مساعداً في أحد األفالم كي أتعلم كل شيء .لكن ،يمكن القول إن بدايتي -
كانت من خالل الكتابة مباشرة لجورج روكييه .فقد كتبت سيناريو فيلم قصير بعنوان
"صانع القباقيب) في فالديلوار" وكنت أعتقد أن روكييه الذي أخرج "صانع البراميل"
و"نجار العربات"… هو الوحيد القادر على إخراجه .لكنه فاجأني بالقول" :كال .لقد
أخرجت) أفالماً مثل ما تقدمه لي .لكن ما أنجزته أنت مختلف تماماً ،مهما كان رأيك.
سأبحث لك عن منتج" وهذا ما شكل أول فرصة أمامي ،وصداقة عميقة مع جورج
روكييه .وهكذا بدأت األبواب تفتح أمامي…
هل تعطي أهمية كبيرة للتقنية؟ -
66
ينبغي معرفة التقنية وعدم التفكير فيها .فهي ليست موجودة .وتشبه عملية -
الكتابة أو الرسم إذ تنتفي التقنية آنذاك .ويصير األهم ما تريد قوله والتعبير عنه
وطريقة قوله .حتى في مجال السينما هناك تقنيون كثيرون يستطيعون مدك بما تريد إذا
كنت مخرجاً.
هل تهتم بالجمهور أثناء اإلخراج؟ -
هناك طموح دائم في إخراج فيلم يشاهده مليون شخص في باريس ،ويحقق -
نجاحاً) عالمياً .لكن ،ال أحد يعرف الوصفة السحرية .فهناك من أنجزوا أفالماً ناجحة
من دون التفكير في الجمهور ،وثمة من يفكر في الجمهور بال انقطاع ويكون مصيره
الفشل .عندما أخرجت "إهاب الحمار") مثالً ،لم أكن أنوي إنجاز شريط حميم نظراً
لكونه شريطاً يخاطب األطفال والراشدين .لكن الحكاية ،في األصل ،ذات وجهين،
وقابلة للتأويل ،فهي طفولية ومربكة في آن .وذلك ما أثار افتتاني بها.
ما الذي تريد تبليغه للجمهور؟ -
لست ممن يدعون إبالغ رسالة .لقد بدأت متفرجاً وقدمت لي السينما متعة -
فائقة .وعندما أنجز أفالماً وأجد أنها جيدة ،أواصل الهدف ذاته .أمقت االبتذال والعنف.
وكان شغلي الشاغل دائماً هو تقديم مشاعر إنسانية كريمة تمثل عالماً قابالً للعيش في
مجتمع ممكن .في شريط "مظالت شربورغ" قصة حب مثالية ،عن حب أول تحطمه
حرب الجزائر ).وكان يمكن أن تكون أي حرب أخرى ،لكنني أردت وضع القصة في
سياق اجتماعي واقعي ودقيق ،وذلك عندما أخرجته بين 1962و .1963أما بالنسبة لـ
"إهاب الحمار") فاألمر يختلف .إذ كان من الصعب تحديد سياق له ألن الفيلم يالمس
طفولتي ولم أشأ الوقوع في عمليات نبش على طريقة التحليل النفسي .وقد يجد فيه
البعض تأويالت ممكنة تماماً مثلما يمكن تأويل الحكاية األصلية تحليالً سيكولوجياً.
هل تسعى إلى التعبير عن نوع من الرمزية انطالقاً من الصور واأللوان؟ -
أبداً .فأنا أكره الرموز .أحب البساطة والواقع والحقيقة .أحياناً عندماً أعود إلى -
مشاهدة أفالمي أشعر أنني ذهبت بعيداً ،في اتجاه ما ،فأسعى إلى تفادي ذلك في األعمال
الالحقة ،خصوصاً وأنني لست راضياً عما أنجزت حتى اآلن.
لكن ،مع ذلك ،أال يوجد فيلم تفضله على بقية أفالمك؟ -
كال .وحتى إعادة رؤية أفالمي تجعلني أنتقدها .ألنها انفصلت) عني فصرت -
أشاهدها كما لو كانت من إنجاز آخرين .أحياناً تعود العيوب إلى الظروف المصاحبة
لإلخراج ).فالحياة اليومية ذات تأثير في ما تقدم به ،بعيداً عن شخصيتك وعن إرادتك
في التعبير عن شيء في اتجاه معين.
67
ما أهم ميزة يتحلى بها السينمائي في نظرك؟ -
العناد .ألنها مهنة مألى بالفخاخ .فالبد من العناد والعافية الصحية .اإلخراج -
معركة حقيقية ودائمة.
هل تهتم بالتلفزيون؟ -
نعم ،أحبه كثيراً .وال أرى مانعاً في التعامل معه .لكن ،ضمن أي صنف من -
لعبرت من
أجد من السينما .ولو أتيحت لي الفرصة ّ
األعمال؟ فالتلفزيون وسيلة تعبير ّ
خالله بطريقتي الواضحة والناجحة.
ما الدور الذي تسنده للموسيقى؟ -
كل شيء مهم في نظري .أنجز أفالماً موسيقية .وأحب التعامل مع األلوان. -
وفي طفولتي كنت أعزف الكمنجة .كما أنني التحقت بمعهد الفنون الجميلة لتعلقي
بالرسم .زد على ذلك أنني أتعاطى القراءة والكتابة .لذلك أعتبر أن كل شيء مهم في
الفيلم من اختيار اللون إلى اختيار الممثل ،وصوالً إلى اختيار اإلضاءة).
قد يبدو األمر أصعب بالنسبة للموسيقى ،إذ ينبغي أن تجد الموسيقى الذي -
يعدل كمنجته على صورك؟
ّ
لهذا أحب العمل مع أناس أعرفهم جيداً مثل ميشال لوغران الذي يمكنني -
إزعاجه طيلة النهار .ونتوصل إلى التعديل والتحوير وفق ما أجده مناسباً للصور.
هل توافق على العمل وفق الطلب؟ -
أستطيع إنجاز أي شيء .أرفض وضع الحدود .فإذا عرض علي شريط -
يتضمن شيئاً جديداً ومثرياً لن أترك الفرصة تفوت .لكن المؤسف أن أكثر االتصاالت
التي تمت معي كانت بحثاً عن مخرج يجيد مهنته كي يرتّق ما فسد .أي أنهم ينادونني
ألن السفينة بدأت تغرق.
ما هو إيقاعك اإلبداعي؟ -
لدي ،دائماً ،مشاريع كثيرة .وفي رأسي أفكار كثيرة تتصارع .لكنني ال -
أستطيع الشروع في فيلم إذا لم أنته من الفيلم السابق .وهذا عيب أعترف به .ألنني،
بهذه الطريقة ال أتوصل إال إلى إنجاز فيلم واحد كل سنتين .وهذا غير كاف.
أال يغريك الشريط القصير؟ -
أخرجت بعض األشرطة القصيرة .لكنني أرتاح أكثر لألفالم الطويلة .وما -
دامت لدي أفكار وقدرة على إخراج األفالم الطويلة ال أجد سبباً إلنجاز أشرطة قصيرة
للتلفزيون .كانت السينما انطالقتي األولى ،والفيلم الطويل ولعي األول .إنها مسألة
منطقية.
68
هل هناك أنواع ال تثير اهتمامك؟ -
ال .ال أعتقد .لكنني أعتبر أن هناك من هم أقدر مني في أصناف معينة ،مثل -
الوسترنِ ،فل َم أحشر نفسي فيه؟ إنه اختصاص أميركي.
وسرجيو ليوني؟ -
لقد أدهش بعض األميركيين .لكن ماذا يعني ذلك؟ إنه موهوب في إخراج أفالم -
الوسترن.
هل تعتقد في إمكانية العودة إلى التصوير باألسود واألبيض؟ -
آه! نعمِ .ل َم ال؟ يمكننا ذلك حقاً )،ألم يصور فرنسوا تروفو "الطفل المتوحش" -
باألسود واألبيض؟ أنا شخصياً ال أرغب في ذلك .أحب األلوان وأرى العالم باأللوان.
ما أنتظره هو ظهور الصورة التي تظهر لك ظهر الممثل إذا استدرت .إنها الفرجة
المكعب!
ّ الشاملة ،المسرح
تلك منظورات خارقة وأنا أحب العلم واالختراع.
هل هناك سؤال نسيت طرحه عليك؟ -
كان يمكنك الحديث عن أشياء أخرى كثيرة غير السينما؟ -
69
بدأت كسيناريست .ولم يكن ذلك عن موهبة بل بالمصادفة وبنوع من الوراثة. -
فقد كان والدي مؤلف سيناريو .أما بالنسبة لإلخراج) فقد بدأته مثل غيري ،أي انطالقاً
من الشريط القصير والمونتاج.
ومنذ فرصتي األولى "إما الليلة أو ال" أدركت أن السينما هي طريقي .ولم يكن مثل هذا
االختيار سهالً ألنه يعني تقديم الحياة المهنية على الحياة الخاصة .غير أنه كان اختياراً
مريحاً في حالتي ألنني أمضيت سبعة أعوام كمساعد مخرج.
كيف تفهم مهنتك؟ -
من أجل ممارستها البد أوالً من القوة الجسدية .ألن إخراج فيلم هو معركة -
مستمرة .وينبغي الصراع من أجل إقناع اآلخرين بإنتاجه وتمثيله وتوزيعه .ويتواصل
هذا الصراع لدى عرض الفيلم .وقبل االنطالق في هذه المغامرة يتوجب على المرء أن
يكون واثقاً من التغلب على قلقه وإ رهاقه العصبي ،وكذلك الخوف والشك .إنها مهنة
ممتعة لكنها قاسية.
وهل اكتسبت هذه الشجاعة بشكل فوري؟ -
كنت ال أزال في المدرسة الثانوية عندما حصلت) على كاميرا 16مم .وذات -
يوم حصلت على عنوان هنري دوكوان .وقررت التدرب على حسابي الخاص ).ودام
ذلك سبع سنوات .وكم كانت رائعة تلك المدرسة!
في الفيلم الثالث عشر ،تملكتني الرغبة في التحليق بجناحي .وآنذاك التقيت نينا كومبانيز
التي كانت بدورها تعمل في المونتاج ضمن فريق دوكوان .هي ملت المونتاج وأنا مللت
من العمل كمساعد مخرج.
وهكذا توصلت إلى إخراج شريطك األول؟ -
لم يكن سهالً إخراج "إما هذه الليلة أو ال" فقد اضطررت إلى طرق أبواب -
المنتجين ،وإ لى االقتراض لجمع األموال الالزمة .واستغرق مني ذلك سنة كاملة.
ما األهمية التي توليها للتقنية؟ -
مهمة وثانوية في آن .فهي تخدم السيناريو ،خصوصاً في مجال دعم األحداث -
ادعاء الهواية .وأتعب
أو مساعدة الممثلين .أنا شخصياً ألجأ إلى تقنية احترافية وأكره ّ
كثيراً في ضبط األلوان أيضاً ).وكذلك األمر على مستوى الحوار إذ ال أثق بالصياغة
األولى ،وأحاول البحث عن إيقاع جماعي ،وانسجام بين مختلف العناصر التي تشكل
الفيلم ،ألنني أحب العمل المتقن.
كيف تنظر إلى مهنتك؟ -
70
أشعر بالخوف مع كل بداية .إن اإلخراج عملية عجيبة .لقد عرفت الخوف من -
الصفحة البيضاء) قبل التعرف على وسواس الصورة البيضاء ).السينما ليست مهنة
رتيبة.
كيف تختار الممثلين وما هي طريقتك في إدارتهم؟ -
أحب تجديد الممثلين الذين أعمل معهم ،وصوالً إلى التعامل معهم حتى وإ ن تم -
نسيانهم .بادئ ذي بدء البد من اختيار الممثلين األكثر تالؤماً مع الشخصيات ).اختياره
تقبل ما يقترحه.
يعتبر نصف إدارة له .أما البقية فتتمثل في توجيهه ودياً ،ورفض أو ّ
ليس ثمة أكثر هشاشة إليقاظه ،أو تشجيعه ،أو تنشيطه ،أو الحد من اندفاعه .فكل ممثل
يحتاج إلى أن يكون محاطاً بالكثير من الحب والمودة.
ما هو إيقاعك اإلبداعي؟ -
كل أفالمي تقريباً تم تصويرها في فصل الصيف .ذلك هو فصلي السينمائي. -
فأنا أحب التصوير الخارجي )،في الريف ،حيث يمكنني اللعب مع الشمس والطبيعة .زد
على ذلك أن النهار يكون أطول .والكاميرا تتنفس في الطبيعة المشمسة ،النابضة .أما
يعبر
في الديكور الثابت )،أو داخل األستوديو ،فأشعر بالضيق وتختنق الكاميرا .وهذا ما ّ
عن شغفي بالحياة ).ال وجود للصفاء) إال تحت السماء ،والضوء هو الذي ينير بكثافة
شاشات القاعات) المعتمة.
من يعجبك من السينمائيين اآلخرين ،وهل هناك من أثّر فيك؟ -
الشك أنني خضعت للتأثير ،لكن بطريقة ال واعية .أما حاالت اإلعجاب فهي -
واضحة .فهناك السينما األميركية كلها في عصرها الذهبي ،من إرنست لوبيتش إلى
إيليا كازان .والبد من ذكر آرثر بين .السينما األميركية هي األولى في العالم .ومن بين
أكن لهم اإلعجاب أيضاً هناك انغمار برغمان وكين راسل…
الذين ّ
ينبغي التأكيد بأننا كمخرجين ال نحاول تقليد الكبار أبداً ،كما أننا ال نسعى إلى إنجاز سينما
تشبه ما نعجب به .إذ يستحيل فعل ذلك سواء على المستوى الثقافي أو الممارسة التقنية.
وحتى لو حاولنا لما استطعنا.
هل تهتم بالجمهور؟ -
غريزياً نحرص على النزاهة إزاء الجمهور .وهذا سبب اهتمامنا بإتقان عملنا. -
أما اهتمامي الشخصي بالجمهور فهو مالزم لما أقو به .وال أسعى إلى ذلك من أجل أن
ُيعجب بي الجمهور ،بل من أجله أساساً .وهذا االهتمام موجود في فرنسا منذ أيام
موليير.
ما معاييرك في اختيار الموضوع الذي ستنقله إلى الشاشة؟ -
71
أبدأ بالبحث والتعثّر حتى تنطلق شرارة الفكرة .أعتقد أن السينمائي يبدأ بالنضج -
عندما يشعر بأن حماسته تستجيب ألفق انتظار جمهوره ،أي تبادل الصدق بين
الطرفين.
لقد انتقلت من الكوميديا إلى األفالم البوليسية ،ثم عدت من جديد إلى األفالم الكوميدية.
تقدمنا في العمر .فالمرء في
وذلك لمقاومة الرتابة .من جهة أخرى البد من االنتباه إلى ّ
الثالثين ال يرغب في سرد األشياء نفسها التي يمكن أن يرويها في العشرين ،وهكذا…
تغير في السينما؟
ما الذي ّ -
آه! في الماضي كانت تعرض علينا أفالم من أجل إخراجها .أما اآلن فالبد من -
الصراع إلخراج فيلم واحد .ومن أجل إخراج أفالم كثيرة ينبغي اقتراح جملة من
األفكار دفعة واحدة .وأنا شخصياً ال يمكن أن تكون لدي سوى فكرة واحدة في كل مرة.
وتظل تالزمني ما دمت لم أخرجها بأفضل طريقة ممكنة من أجلي ،ومن أجل
الجمهور.
ولد في تومري سنة .1932توفي في لوس أنجلس سنة .1995عمل مساعداً -
لدى القبطان كوستو ،ومستشاراً تقنياً مع روبير بريسون.
مصعد إلى المشنقة ()1957؛ العاشقان ()1958؛ زازي في المترو ()1960؛ -
حياة خاصة ()1962؛ وهج المستنقع ()1963؛ عاشت مارية ()1965؛ اللص (
)1966؛ كلكوتا ()1968؛ نفَس في الصدر ()1970؛ الكومب لوسيان ()1973؛
الصبية الجميلة ()1978؛ الصغيرة ()1979؛ أطلنطيك سيتي ()1980؛ عشائي مع
ّ
أندريه ()1981؛ خليج آالمو ()1985؛ وداعاً أيها األطفال ()1987؛ فانيا الشارع 42
(.)1994
أين تضع شريطك "نفس في الصدر" بالنسبة ألفالمك السابقة؟ -
أعتقد أنه أفضل أفالمي .ومن المؤكد أنه أكثرها اكتماالً .وأعتبره في الوقت -
نفسه نقطة انطالق بالنسبة لي .بعد شريط "اللص" شعرت بنوع من الثورة العارمة ضد
سينما التخييل الروائي ،أي السينما التقليدية .وفي الواقع لم تكن ثورة على شكل
سينمائي بقدر ما كانت تعبر عن حاجتي إلى نفس جديد .فقد أمضيت عشر سنوات من
عمري من دون االنقطاع عن إخراج الفيلم تلو الفيلم .ووصلت بذلك إلى نقطة إنهاك
72
قصوى .والمشكلة في مهنتنا أن االقتصار على إنجاز أفالم يجعلك ال تعيش حياتك حقاً
وتنقطع عن الواقع .في هذه المرحلة تحديداً يتوصل المخرجون إلى إخراج أفالم كثيرة
ألن ذلك هو الشيء الوحي الذي يعرفونه في العالم الحقيقي ).إذن قررت التوقف،
وإ نجاز تجارب أخرى للتلفزيون على غرار "كلكوتا" وغيره مما اعتبرته نوعاً من
العودة إلى نقطة االنطالق .وهكذا تسلحت بالكاميرا وبدأت من جديد تماماً كما كنت
أعمل مع القبطان كوستو في سن العشرين .كانت تلك طريقة من أجل العودة إلى ولوج
الحياة )،واكتساب أنفاس جديدة ،ونسيان أنني مخرج ،والعيش حقاً ).دامت تلك الحال من
فيلم "اللص" إلى فيلم "نفس في الصدر" أي مدة ثالثة أعوام .فاكتسبت اندفاعة حيوية
جديدة .وعند تصوير "نفس في الصدر" أحسست بأشياء كثيرة تخرج من داخلي ،بقوة
وحيوية ،لتؤكد لي أنني كنت محقاً عندما قررت التوقف .ولم يخل الفيلم من تقاطعات
مع األفالم السابقة مثل "زازي في المترو" و"العاشقان" و"وهج المستنقع" .أعني أن
المرء ال يستطيع إحداث قطيعة كاملة دفعة واحدة .ولقد عدت إلى الحديث عن طفولتي
والوسط الذي أعيش فيه واألشياء التي أعرفها جيداً .لكن ،ربما بنوع من البهجة والقوة
اللتين فقدتهما قليالً في السابق.
-ألم تعترضك في هذا المستوى مشكلة اختيار مواضيع؟
-لم يسبق لي التعرض إلى أية مشكلة في هذا المستوى .كل ما أعرفه هو أن موضوعاً
يأتي دائماً ليلغي غيره.
كيف تختار ممثليك في مرحلة أولى ،ثم كيف تديرهم؟ -
لي مبدأ يخص اختيار الممثلين وإ دارتهم :أال تكون هناك مبادئ .أعتقد أن كل -
النظريات المتعلقة بإدارة الممثلين هي نظريات حديثة العهد ،وأن كل التقنيات مهمة
وقابلة لالستخدام عند االقتضاء ،بشرط االنسجام مع الموقف .ثمة بعض الممثلين
يحتاجون إلى عمل على طريقة ستانيسالفسكي ،أي يحتاجون إلى التركيز والتحضير
السيكولوجي للشخصية .وبالمقابل يوجد ممثلون ال يحتاجون إلى ذلك والبد من
االستفادة من تلقائيتهم الطبيعية .إن إدارة الممثلين هي عملياً سلسلة من الحاالت
الخاصة وفق كل ممثل.
في ما يخص االختيار ،بالنسبة لي ،هناك ممثلون أحبهم أكثر من غيرهم .وأحاول دائماً أن
أقدرهم ولم أتمكن بعد
يكونوا حاضرين في أفالمي .وهذا أمر ليس ممكناً دائماً .وثمة من ّ
من العمل معهم.
إن واحداً من أهم همومي هو أن يتماهى الممثل مع الشخصية التي تؤديها إلى أقصى حد
ممكن ،لكن مع إغنائها من قبله بشيء ما مختلف .وأحياناً ألجأ إلى اختيار ممثل ال يبدو
73
عليه القرب من الشخصية المطلوبة فتحدث مفاجأة إيجابية .ذلك أن أفضل ما يحدث لي
أثناء اإلخراج هو اكتشاف أشياء مختلفة عما كنت أتصوره ،بشرط أال تتعارض والخط
الرئيسي للفيلم.
بعد العمل التحضيري يصير الثقل كله على كاهل الممثلين المواجهين للكاميرا ).والشك أنه
باالمكان مساعدتهم قليالً .لكن في مرحلة معينة يجري كل شيء بينهم وبين الكاميرا).
أعتقد أن هناك نزعة في األيام األخيرة إلى تقزيم دور الممثلين مع ميل إلى القول :إنهم
آالت ،بينما المخرجون هم الذين يمسكون بالخيوط .هذا ليس صحيحاً ).والذين يقولون مثل
يعبرون عن جنون العظمة .إنهم مخطئون ،ويوجد الكثير من جنون العظمة في
هذا الكالم ّ
هذه المهنة.
كيف تجلّت موهبتك السينمائية؟ -
لوالدي :سوف أصير
ّ بطريقة معتادة تقريباً .فمنذ سن الثالثة عشرة قلت -
مخرجاً ).فكان رد فعلهم أقرب إلى الذهول منه إلى التحمس .ومع إلحاحي) المستمر
نصحاني بااللتحاق بإحدى مدارس السينما ،حتى تصير األمور أكثر جدية .وهذا أدى
إلى التحاقي بمعهد الدراسات العليا السينمائية .والحقيقة أن الشهادات في هذه المهنة ال
تنفع لشيء.
الدبلوم حصلت عليه .وبعد ذلك تمثلت فرصتي األكبر في الذهاب مع كوستو منذ سن
العشرين .كان ضربة حظ ألن كوستو كان يحتاج إلى شخص ما ،فاتّصل بالمعهد.
شخصياً ،في ذلك الوقت ،كانت تتملكني الرغبة في التعامل مع األشرطة ،والتقاط الصور،
والمونتاج ،من أجل تعلم األفالم الوثائقية ،أفالم الواقع .وهكذا عملت مع القبطان كوستو
أربع سنوات .وفي سن الرابعة والعشرين صرت تقنياً فعالً.
في هذا المجال أود أن أسألك من األهمية التي توليها للتقنية؟ -
التقنية ال تُرى في أفالمي .عندما بدأت ،وهذا أمر طبيعي ،كنت أكثر اهتماماً -
بمسألة الشكل ومحاوالت البراعة .وسرعان ما تخليت عن كل ذلك .وانحلّت المشاكل
الشكلية تلقائياً .إذ صارت تندمج مع الحكاية .فالشكل والمضمون ،في نظري ،تنح ّل
مشكلتهما معاً .ومنذ زمن لم أعد أطرح مشاكل تقنية قبل التصوير .طبعاً أفكر
بخصوص الطريقة التي سأصور بها المشاهد ،أما على مستوى التقنية فأنا ألجأ إلى
االرتجال كثيراً .والتقنية في نظري ينبغي أن تكون في خدمة الممثلين ،كي تسهل
عملهم .لكنها ال تعنيني في حد ذاتها ،ألنها ال تطرح علي أي نوع من المشاكل .وربما
يصفونني بالسينمائي الكالسيكي لهذا السبب.
َمن يعجبك من السينمائيين؟ -
74
هناك من أضعه في مقدمة الجميع :بونويل ،له عالمه المتميز .ويصعب علي -
تقليده أو القول إنني أنتمي إلى مدرسته .وكلما سمعت عن فيلم بأنه ذو نزعة "بونويلية"
أبدي حذري المسبق ألن تقليد بونويل ال يأتي إال بالمسخ .كذلك بقيت معجباً ،لمدة
أعوام ،بجان لوك غودار .وكلما ذهبت لمشاهدة أحد أفالمه عشت مفاجأة جديدة .أما
اآلن فتستهويني أفالم مدرسة آندي وارول وبول موريسي ،وهي أفالم على النقيض من
أفالمي ،لكن أسلوبها السينمائي في غاية األهمية.
ومن بين العظماء القدامى ،آباء السينما؟
َ -
كنت وال أزال أكن إعجاباً وشغفاً بمورنو وكذلك رينوار .إنه ِ
وال ُدنا جميعاً. -
ومن الصعب ذكر األسماء على هذا المنوال .فالسينما تتطور باستمرار .ولو طرحت
علي هذا السؤال قبل عشر سنوات ألجبتك بأن األفضل هو بريسون .وما زلت أعتقد أن
مسيرته في غاية األهمية… ففي زمنه توغل وحيداً في اتجاه لم يشاركه فيه أحد.
أما اليوم فأنا مهتم بسينمائيين آخرين مع عدم االنقطاع عن رؤية أفالمه .واألمر ينطبق
على برغمان .فقد ُشغفت بما أضافه إلى السينما ودفع بي إلى التفكير ،وصوالً إلى
"الصمت" الذي يعتبر آخر المطاف بالنسبة لسينمائي مكتمل وناجح في تصوراته الجمالية.
هناك من يذهب وهناك من يأتي .إذ يوجد أشخاص يثيرون إعجابك في هذه المرحلة أو
وخف ذلك اآلن .فمثل هذه األسماء
ّ تلك .فقد افتتنت بأنطونيوني أيضاً في مرحلة معينة.
تصير بمثابة إحاالت) أكثر مما تعبر عن ولع متقد.
هل تفكر في الجمهور؟ -
نعم وال .فهذا يتوقف على نوعية األفالم أوالً .أي أن هناك أفالماً ُأخرجها من -
دون التفكير في الجمهور :مثل الريبورتاجات التي أجريتها في الهند والتي كانت مجرد
تجربة شخصية .وكذلك بالنسبة لـ "وهج المستنقع" فهو فيلم مخصص للجمهور طبعاً.
لكنني لم أفكر فيه .إذ لم أكن على اقتناع بتقديم هذا الفيلم للمتفرجين .وربما يعود ذلك
إلى مبالغة في الخجل ).وهذا يتناقض في الحقيقة مع إنسان يدعي الفن .بالمقابل عندما
أخرجت) "عاشت مارية" أردت خوض تجربة الفيلم الجماهيري الواسع .وفي مثال َ"نفَس
في الصدر" انطلقت من أشياء حميمة وشخصية ،ومع ذلك فكرت كثيراً في الجمهور.
ذلك أن ما يهمني هو الجمع بين ما هو شخصي وما هو جماهيري ،من دون السقوط في
سينما المنتج الذي يريد جمع النجوم الكبار في حكاية تتضمن "البهارات" المعتادة .تلك
التوغل في أقصى حدود أفكاري.
ّ سينما أخرى .أما أنا فأسعى شخصياً إلى
ممارسة هذه المهنة تتطلب التفكير في الجمهور .لكن من دون التنازل أو خيانة الذات).
هل تذهب إلعادة مشاهدة أفالمك في القاعات؟ـ -
75
نعم .في البداية كنت أخاف .وربما يعود السبب إلى مبالغة في الخجل أيضاً). -
كنت أشعر بأن شيئاً مني قد ُسلم إلى أناس كثيرين .أما اآلن فلم أعد أنزعج من ذلك ،بل
صرت أتسلّى به .لكن من دون أن تصل بي الحال) إلى ما يفعله بعض المخرجين -
مثل جان بيار ملفيل -الذين يقضون حياتهم في القاعات) مسجلين كل ردود الفعل .فأنا
أعتبر أن الفيلم المعروض لم يعد ملكي .وأبدأ بالتفكير في شيء آخر .غير أن هذه
المالحظة ال تمنع القول إن مراقبة ردود فعل الجمهور تقدم الكثير .فال يمكن العمل في
برج عاجي وإ همال رأي الجمهور.
ال أرتاد السينما كثيراً ألنني أعمل كثيراً .غير أنني أحاول مشاهدة أكبر عدد ممكن من
دون تمييز .كما تعنيني مشاهدة الجديد ،المختلف .وأهتم كثيراً بسينما المخرجين األقدم
مني .فأنا أذهب واثقاً من عدم الشعور بالخيبة إذا تعلق األمر بمشاهدة فيلم لفتّوريو دي
سيكا ،مع صوفيا لورين ومارشيلو ماستروياني .بالمقابل أندفع بسهولة لرؤية أفالم أولى،
أو أعمال سينمائية من بلدان تعبير حديثة العهد بالسينما .ففي هذا المجال أهتم بمعرفة
الطريقة التي يتعامل بها هؤالء الناس مع األداة السينمائية والنتيجة الناجمة عن ذلك .إنه
أمر في غاية األهمية من وجهة نظري.
أين تضع نفسك؟ -
كثيرون يقولون لي إنني سينمائي فرنسي جداً .وهذا أمر غريب ألنني ال أشعر -
بأنني فرنسي البتة .بل أجده مفهوماً ال يدخل رأسي مطلقاً ).فأنا أشعر بالقرب أكثر،
ومن جوانب معينة ،من بعض األصدقاء االنجليز واألميركيين" .الفرنسوجة" كما نقول
"الزنوجة" مفهوم ال أدرك له كنهاً .فأنا شديد الولع باكتشاف ما هو بعيد .أما اآلن فأعود
إلى موضوعات حميمة وقريبة من الحياة التي جئت منها .وربما كان في الهروب،
والذهاب بعيداً ،للبحث عن قيم أخرى مختلفة ،وجود للذات في مكان ما ،مهما اختلفت
المعطيات.
ما إيقاعك اإلبداعي األمثل؟ -
هناك نفاية كثيرة .فمقابل كل فيلم أنجزه توجد جثة فيلم لم أتمكن من تحقيقه. -
وأحياناً أقضي وقتاً في السيناريو أطول من وقت اإلخراج .لقد بت أميل إلى التباطؤ
وإ يجاد فسحة بين أفالمي ،بعد نجاح "نفس في الصدر" الذي أعده شريطاً سعيداً ،ال
يخلو من كآبة والتباس ،لكنه ينتصر للحياة .بينما كان "وهج المستنقع" و"اللص"
أفضل الحياة على صناعة األفالم .وربما أدت بي
شريطين مقيمين في دائرة الموتّ .
هذه القناعة إلى تقديم أفالم أفضل).
76
لعصاب اإلبداع .البد أن يحقق توازنه كإنسان
سجينا ُ
ً ليس من المستحسن أن يعيش المرء
أوالً ،ومن هناك ينطلق .ينبغي أن يكون السينمائي متأتياً من اإلنسان ،وليس العكس .وإ ال
فإنه الجحيم ،على طريقة بعض الكتّاب المنغلقين في عوالمهم والذين يعيشون البؤس
والعزلة.
أما نحن السينمائيين فال نعرف العزلة ألن عملنا يتم ضمن فريق .ولهذا لن أصير كاتباً
أبداً .إن مجرد الجلوس وحيداً ،أمام طاولة ،من دون أمل في الخروج من تلك العزلة ،أمر
يناقض طبيعتي.
ولد في باريس سنة .1932توفي سنة .1984عمل صحفياً في مجلة "فنون - -
آداب -عروض فنية" ،وفي "دفاتر السينما" .وضع دراسات حول السينما من بينها
"السينما عند ألفريد هيتشكوك" .مثّل في "لقاء من النوع الثالث" لستيفن سبيلبيرغ (
.)1977
Les Mistons؛ ( 400)1958طلقة ()1959؛ أطلقوا على عازف البيانو ( -
)1960؛ جول وجيم ()1961؛ الجسد الناعم ()1964؛ 451درجة على سلم
فرانهايت ()1966؛ العروس ترتدي األسود ()1967؛ قبالت مسروقة ()1968؛
عروس نهر الميسيسبي ()1969؛ الطفل المتوحش ()1969؛ بيت الزوجة ()1970؛
االنجيلزيتان والقارة ()1971؛ فتاة جميلة مثلي ()1972؛ الليلة األميركية ()1973؛
حكاية آديل هـ)1975( .؛ مصروف الجيب ()1976؛ الرجل الذي كان يحب النساء (
)1977؛ الغرفة الخضراء ()1978؛ الحب) الهارب ()1979؛ آخر مترو ()1980؛
الجارة ()1981؛ فليأت يوم األحد (.)1983
فرنسوا تروفو ،كيف جئت إلى السينما؟ -
يقال ،على وجه حق ،غالباً ،إن السينما فن هروب .الكثير من المثقفين -
يرفضون هذا المفهوم ألنهم يريدون "إيقاظ" الجمهور أكثر من مساعدته على "الهروب").
ثمة جانب صدق في كلتا النظريتين .أما أنا فقد جئت إلى السينما من باب الهروب .بدأ
77
ذلك وأنا في سن الثانية عشرة ،أثناء االحتالل .كانت تلك مرحلتي األولى ،مرحلة
الهروب الكامل .وفي مرحلة المراهقة تخليت عن مشاهدة أفالم الحرب) والوسترن،
وانتقلت إلى مشاهدة األفالم الغرامية وأفالم التشويق واألجواء الخاصة .وبذلك كنت
متفرجاً متخصصاً نوعاً ما .وكانت تلك األنواع السينمائية توفر لي أهم مهرب أو ملجأ.
وما كان يجذبني في األفالم الفرنسية لتلك المرحلة هو الواقع والذي يتجلى فيها بوضوح.
وهكذا حفظت الحوار الذي يدور في فيلم "الغراب") من دون التوصل إلى فهم نصفه .ولقد
عدت مؤخراً إلى مشاهدة هذا الفيلم فشعرت بصدمة .الشك أن السينما األميركية كانت
توفر هروباً أعمق لكنها كانت أقل صدقاً.
بالنسبة ألوروبا تكمن األهمية في الشخصيات؛) أما في أمريكا فاألولوية للمواقف التي توجد
فيها تلك الشخصيات ).والطريقتان تضحيان بجانب من الجوانب.
ومع أنني ال أستند إلى أية نظرية فإن جهودي تذهب باألحرى إلى الجمع بين الصيغتين،
مع المحافظة على إيثاري لألفالم التي كنت أحبها في طفولتي والتي كانت تسحرني .أصر
على تقديم شخصيات قابلة للتصديق من دون جعلها تتحرك في مواقف واهية .وأعتقد أنني
توصلت إلى ذلك في "عروس الميسيسبي" .فأنا مؤمن بفن شعري يخص السينما.
ما طموحك كمبدع؟ -
ال أتعامل إال مع ما هو محسوس .وال مجال في أفالمي لكلمات مثل :الرب)، -
الروح ،الكائن السامي .ما يهمني هو اإلنسان.
من جهة أخرى أريد التوصل إلى جعل الكاميرا إحدى شخصيات الفيلم .فقبل ،1959
كانت هذه الكاميرا مفرطة في الجمود ثم صارت مفرطة في الحركة والحال أن الكاميرا
ينبغي أن تكون غير مرئية ،في توازن دائم ،مع حوافز دائمة.
أجدف ضد التيار من أجل المحافظة على ذلك التوازن ،والحذر مما هو رائج،
شخصياً ّ
وحماية عوالمي الخاصة .ال أسعى إلى التجديد اإلرادي لكن ما أنجزه من تجديد في كل
فيلم من أفالمي يكون واضحاً للعيان.
كنت في طليعة رواد "الموجة الجديدة" ،أين هي اآلن تلك الموجة؟ -
إنها تتواصل وتدوم .ويفرحنا وصول جيل ثالث في المهنة ،بينما كنا ال نستطيع -
العمل ،في أيامنا ،قبل بلوغ خمسة وأربعين عاماً ،أو خمسة وستين عاماً! البد من
فرض أولئك الذين لم يتجاوزوا سن العشرين .لقد تغير الوضع حقاً غير أن هذه المهنة
ما زالت مرتبطة بالصناعة .والوضع يشبه ما يحدث في األدب حالياً ).انظر إلى العدد
الهائل من الروايات األولى التي صارت تظهر لمؤلفين شباب قد ال يتابعون الكتابة
78
الحقاً ).والحال أن مشكلة السينما أشد تعقيداً من ذلك؛ فهناك أفالم كثيرة يتم إنجازها
وإ خراجها وال تُعرض أبداً.
هل من شأنك الموافقة على التعامل مع التلفزيون؟ -
قد أرضى بإخراج مسلسل وليس برنامج منوعات .ويمكن لهذا المسلسل أن -
يكون من تمثيل األطفال .فالكثير من المخرجين للتلفزيون يجعلونك تقرأ ،وراء
صورهم ،حنينهم إلى السينما .ومن هذا المنطلق كان من شأن مارسيل بانيول وساشا
غيتري ،أن يتحوال إلى ملكين في التلفزيون.
ما هو أقرب أفالمك إليك؟ -
"فارانهايت ،"451فهذا الفيلم تعبير عن حبي للكتب .ولقد قدمت تلك الكتب -
كشخصيات في الفيلم .وحركتها فوق نيران الحطب بواسطة الكير وأدوات النفخ حتى
تبدو حية أكثر وأشد حساسية إزاء األلم .لكنني أعترف أيضاً بحبي للنار! ما إن أعلمت
بموضوع الفيلم حتى وافقت على إخراجه فوراً.
هذا الفيلم جعلك تتعرف على راي برادبري؟ -
إنه إنسان رائع ومدهش بتناقضاته الظاهرية .أكرر :الظاهرية .فهو ،مؤلف -
"وقائع كوكب المريخ" وال يجيد قيادة سيارة .ولم يسافر في طائرة قط .وال ينتقل إال
برفقة عائلته بالتمام والكمال .إنه كائن حساسَ ،و ِجل .ويدير نادياً سينمائياً للكتّاب في
هوليود .لقد ظل محافظاً على حماسة الثامنة عشرة من العمر .وهو يعيش في
كاليفورنيا حياة في منتهى البساطة .إنه رومانسي أكثر من كونه رجل تقنية.
ِكتَاب المقابالت مع ألفريد هيتشكوك ،يمثل بدوره ،مساراً مبتكراً بالنسبة -
لسينمائي…
جهّزت ذلك الكتاب قبل فترة طويلة من اتخاذي قرار نشره .ولقد أنجزته كرد -
تحمس الفرنسيين لهيتكشوك وأخذهم
فعل تجاه األميركيين الذين لم يدركوا سبب ّ
ألعماله مأخذ الجد .إن هيتشكوك هو أكثر من أمضى وقته في التفكير في السينما .وهو
ظم لقاءاتنا ).فكنا نجلس معاً ثماني ساعات يومياً ،لمدة ثمانية أيام ،مستعرضين
الذي ن ّ
كل شيء .وبعد ذلك بقينا صديقين.
بوضعي لذلك الكتاب ،عن ومن هيتشكوك ،أردت البرهنة للنقاد األميركيين بأن أفالمهم
العظيمة ليست تلك الحائزة على األوسكارات )،على غرار "بن هور" و"كليوباترا" .ففي
أمريكا تعتبر أفالم التشويق والتوتر أقل قيمة من الكوميديا الموسيقية والوسترن .والشك
أن هناك أفالماً على شاكلة سلسلة جيمس بوند .غير أن أسلوب العميل السري هو نوع
79
بريطاني أكثر ،ويمتح من أعمال كبلنغ أو بوشان .أما في أمريكا فإن الشخصية األساسية
جسده همفري بوغارت.
التحري الخاص الذي ّ
هي شخصية رجل ّ
وما هي مكانة "الطفل المتوحش" في أعمالك؟ -
هي قصة حقيقية جرت في العام .1805والفيلم ينقل وقائع تجربة حقيقية .أنا -
شخص ال يتردد كثيراً إزاء المواضيع التي تعجبه .لكنني كنت آنذاك أنتظر صدور
كتابي حول هيتشكوك .بعد ذلك اطلعت على وقائع الحكاية وقررت تحويلها إلى
سيناريو .انطلقت من الصعوبات التي أجدها في تعلم اللغة اإلنجليزية ،ألعالج إحدى
مشاكل ذلك الطفل ،والمتمثلة في ضرورة تعلمه الكالم .دائماً توجد في أفالمي
شخصيات خارج الزمن .وهذا االختيار ذو عالقة بما حدث معي بالنسبة لشريط
"فارنهايت ."451ولم يكن من باب المصادفة أن طلبت من الممثل الطفل في شريط
"الطفل المتوحش" أن يسلك سلوك الحيوان أمام اللغز الذي يمكن أن يشكله الكتاب
أمامه ،مثالً .وأختم بالقول إن هذا الفيلم قد تم تصويره باألسود واألبيض ،وقد غدا ذلك
ترفاً في العام !1969
كيف تنظر إلى الممثلين؟ -
جان بيار ليو ،هو الممثل الذي يقدم نتائج أكثر بوسائل أقل .ومن أجل ملء -
الشاشة مدة ساعة ونصف ينبغي أن يكون هناك جان بول بلموندو ،أو جان بيار ليو أو
تشارلز دينر .من المؤسف عدم وجود شباب متألقين في فرنسا ،بينما يعد االختيار
واسعاً بالنسبة للنساء .وفي هذا المجال) أحب المخرجين اإليطاليين .ذلك أن إيطاليا هي
البلد الوحيد الذي يرضى فيه الممثلون الذكور بالظهور في مواقف مثيرة للسخرية ،بل
ويحبون ذلك أيضاً .وفي ذلك تكمن قوتهم .ويكفي ذكر ألبرتو سوردي وإ يغو تونيازي
وفيتوريو غاسمان…
هل لديك هواية؟ -
الكتابة .أكتب دائماً. -
ما رأيك في وضع السينما حالياً؟ -
الشك أن هناك أفالماً جيدة يدوم عرضها أطول من األفالم السيئة .ولعله -
يتكون لدينا بذلك مرجع لتفادي األفالم الرديئة .أنا شخصياً -ومن دون ابتعاد عن
أسماء النساء في الفيلمين -أفضل "ليلتي عند مود" على شريط "أنجليك )،مركيزة
المالئكة" .وبعد هذه المالحظة الشخصية ،أرى أن األفالم الرديئة ،وبالنسبة المئوية،
تميل إلى التحسن .ويبدو لي أن هناك تهديداً أشد خطورة يواجه السينما الفرنسية.
فحسب تطور األوضاع العالمية البد من اللجوء إلى تصوير األفالم في نسختين ،تكون
80
أهمهما هي النسخة اإلنجليزية .إن شريط "عروس الميسيسبي" هو بالتأكيد من آخر
األفالم ذات الميزانية العالية ،الذي تم تصويره في نسخة فرنسية فقط .اللغة اإلنجليزية
تغزو العالم…
ما هي طريقتك في العمل؟ -
أكرر ،أحتاج دائماً إلى الكتابة .هل هذه مفارقة بالنسبة لسينمائي؟ ال أستطيع أن -
أكون خصماً وحكماً في آن .أعمل دائماً على تسجيل مالحظات للسيناريو .وأجهز اآلن
مجموعة قصصية .وأكتب مقاالت حول السينما .وأضع مقدمات لسيناريوهاتي التي
تنشر في الواليات المتحدة.
وفضالً عن ذلك ألجأ إلى الكتابة أثناء إدارة الكاميرا .وبهذه الطريقة وضعت كل الحوارات
التي تخللت شريط "عروس الميسيسبي" أثناء التصوير .ومع ذلك ال أشكو من التأخير في
مواعيد اإلنجاز .وهذه الطريقة عودتني على التوقيت ميدانياً .إنها تجربة رائعة .أما
الهوس الحقيقي فيغدو متعلقاً بالطول الفعلي للفيلم أثناء عرضه .فبهذه الطريقة نواجه خطر
إطالة الفيلم أكثر وقد يصعب الحذف منه الحقاً .وهناك جانب آخر إيجابي في هذه
الطريقة ،إذ تسمح بالتعرف على الممثلين بشكل أفضل )،وتركهم يظهرون كما هم في
الفيلم.
أما زالت هناك تجارب أخرى تغريك؟ -
لدي مشروع إخراج اسطوانة بأصوات الممثلين الذين عملوا معي ،تتضمن -
اختيار بعض المشاهد .وهذا لم يحدث من قبل .إنه طموح ٍّ
متأت بالتأكيد من تعلقي
باالستماع إلى أصوات الكتّاب المسجلة .وأحب االستماع إلى المسرحية المسجلة.
ولدي مجموعة كاملة .وأنتظر بفارغ صبر ظهور "مدام بوفاري" في شريط كاسيت.
سوف يكون ذلك رائعاً ،ألنه كتاب ألّفه فلوبير بصوت عال .وإ نه إلنجاز رائع أن نتمكن
من الحصول على أعمال المؤلفين مقروءة بأصواتهم .ولكي أعود إلى "مدام بوفاري"،
ليلي .ويا لها من تجربة!
أذكر أنني قرأته ،في السابق ،بصوت عال ،في قطار ّ
السينما ،غداً؟ -
بعد بضعة أعوام ،سوف يتفرج الناس على األفالم في منازلهم .ولن تظل -
الشاشة الصغيرة للبرامج التلفزيونية وحدها ،بل سوف تشمل عرض األفالم .وبذلك
يطلع الناس على األفالم الكالسيكية ،تماماً كما تعلمنا نحن ،في الماضي )،أمثوالت
لمحبي السينما ،سوف تصير
الفونتين .والسينما العظيمة التي كانت باألمس مخصصة ّ
ملك الجميع.
81
فهرس
(ترتيب زمني انطالقاً من تاريخ الوالدة)
التقديم
- 1جو هامان ()1974 - 1885
- 2آبل غانس ()1981 - 1889
- 3جان كوكتو ()1963 - 1889
- 4مارسيل ليربييه ()1979 - 1890
- 5جان رينوار ()1979 - 1894
- 6مارسيل بانيول ()1974 - 1895
- 7أندريه هونيبال ()1985 - 1896
- 8روجيه ريشي ()1989 - 1897
- 9رينيه كلير ()1981 - 1898
- 10ليونيد موغي ()1976 - 1899
- 11مارك آليغريه ()1973 - 1900
- 12كلود أوتون -الرا ()2000 - 1901
- 13كريستيان -جاك ()1994 - 1904
- 14جان دريفيل ()1906
- 15بيار بريفير ()1988 - 1906
- 16إيف آليغريه ()1987 - 1907
- 17موريس كلوش ()1990 - 1907
- 18هنري -جورج كلوزو ()1977 - 1907
- 19جان ديالنوا ()1908
- 20جاك تاتي ()1982 - 1908
82
- 21مارسيل كارني ()1996 - 1909
- 22أندريه كايات ()1989 - 1909
- 23جان -بول لوشانوا ()1985 - 1909
- 24هنري كاليف ()- 1910
- 25جيل غرانجييه ()- 1911
- 26جان ايماج () - 1911
- 27رينيه كليمون ()1996 - 1913
- 28راؤؤل أندريه ()1992 - 1916
- 29بيار غاسبار -ويت ()1917
- 30جان بيار ملفيل ()1973 - 1917
- 31جاك باراتييه () - 1918
- 32نوربير كاربونو ()- 1918
- 33ألكس جوفيه ()- 1918
- 34غي لوفران ()1994 - 1919
- 35جيرار أوري () - 1919
- 36إيف روبير ()- 1920
- 37إريك روهمر () - 1920
- 38هنري فرنوي ()- 1920
- 39إيف سيامبي ()1982 - 1921
- 40ميشال بوارون ()- 1921
- 41هنري كولبي () - 1921
- 42دنيس دي الباتوليير ()1921
- 43مارسيل كامو ()1982 - 1922
- 44جورج فرانجو ()1987 - 1922
- 45ألن رينيه () - 1922
- 46ألن روب -غرييه ()- 1922
- 47فريدريك روسيف ()1990 - 1922
- 48ألكسندر أستريك () - 1923
- 49برنار بوردوري ()1978 - 1924
- 50كلود سوتيه ()2000 - 1924
83
- 51جان جيرو ()1982 - 1924
- 52جان شارل تاكيال () - 1925
- 53كلود بينوتو () - 1925
- 54جورج لوتنر ()- 1926
- 55بيار غرانييه -ديفير () - 1927
- 56بيار إيته () - 1928
- 57ادوار مولينارو () - 1928
- 58بيار شوندورفر () - 1928
- 59جاك ديري () - 1929
- 60كلود شابرول () - 1930
- 61جاك دومي ()1990 - 1931
- 62ميشال دوفيل () - 1931
- 63لوي مال ()1995 - 1932
- 64فرنسوا تروفو ()1984 - 1932
84