Professional Documents
Culture Documents
سلمى مبارك
كثيرا ما يبدو الجديد فى الفن قديما ،فالجديد يقوم على قيم الرفض التى وجدت
'ارب
أينما وجد المبدع ،والجديد متعدد يصعب تتبع أصوله و روافده .فما بين تج'
'ين
'ود أص''حابه أدراجهم مستأنس'
أولى تحمل مالمح تغيير سريعا ما تختفى أو يع'
بتقليدية أكثر أمانا ،وأخرى تستمر ليقاوم أصحابها فرادى ،و ما بين تجارب متناثرة
' تكونت حول قيم و مبادئ س''عت لتحقيقها
للتجديد لم تشكل تيارا ،وأخرى لجماعات
بشكل منظم ،أو غيرها لمبدعين لم يشكلوا جماعات إنما أدت ظروف تاريخية معينة
لخلق وحدة تجمعهم دون أن يجتمعوا عن قصد ،يبدو مفهوم الجدة مراوغا و تب''دو
كلمة "جديدة" فى عنواننا حاملة لقدر كبير من العمومية.
سينما "جديدة"
1
عنوان الكتاب الذى تندرج فيه دراستنا يحدد إط''ارا موض''وعيا و زمنيا و مكانيا :
"السينما فى مصر من بداية السبعينات و حتى نهاية التسعينات" .تجارب التجديد التى
'اوالت
'رزت أيضا مح'
'ترة أف'
نقصدها إذا تقع فى الفترة المشاراليها .لكن هذه الف'
متنوعة ،فما بين جديد حسين كمال فى "المستحيل" ( )1965و جديد "جماعة السينما"
( )1968و جديد شادى عبد السالم فى "المومياء" ( )1969و جديد ممدوح ش''كرى
' ( ... '')1975ثم جديد جيل الثمانينيات ،فالتسعينات ،يب''دو رافد
فى "زائر الفجر"
التجديد فى هذه المرحلة كينبوع ال يهدأ ،بالرغم من أن نفس المرحلة قد شهدت أيضا
أكثر فترات السينما المصرية قتامة بسبب طوفان من التجارية كانت الأكثر تدميرا فى
تاريخها.
أما الجديد الذى نسعى وراءه بشكل أكثر تحديدا فهو ذلك ال''ذى أتى به مجموعة من
السينمائيين بدأوا العمل مع بداية الثمانينيات :عاطف الطيب ،محمد خان ،خ''يرى
' و شكلوا باتفاق أو بدون
بشارة ،رأفت الميهى ،داوود عبد السيد ،بشير الديك ...
اتفاق تيارا له سماته الجمالية و الفكرية .و اختيارنا لهؤالء الس''ينمائيين بال''ذات و
لجديدهم جاء لكون تجربتهم تشكل التجربة األطول عمرا و األكثر اكتماال و نض''جا
بين التجارب المشار إليها و هى التى استفادت بشكل تراكمى من سابقاتها و استبقت
أكثر ما فيها أصالة .شكل هؤالء المخرجون جيال أوال النتم''ائهم لش''ريحة عمرية
واحدة فتواريخ ميالدهم اجتمعت فى سنوات األربعينات من القرن العشرين .ثاني''ا،
'دايات متقاربة
'وا بب'
جاءت أفالمهم الروائية األولى جميعها فى الثمانينات و ارتبط'
'جليتهم
سواء فى مجال الفيلم التسجيلى (بدايات داوود عبد السيد و خيرى بشارة وتس'
2
الجديدة )1أو فى مجال الكتابة النقدية و االبداعية (محمد خان ناقدا و بش''ير ال''ديك
سيناريست) أو عن طريق العمل المشترك مع بعضهم البعض (محمد خان و بش''ير
الديك و عاطف الطيب فى "سواق االت''وبيس") أو عن طريق انخ''راط البعض فى
تجربة سينما المؤلف (داوود عبدالسيد ،رأفت الميهى) .اشترك هؤالء المخرجون فى
تأثرهم أيضا بالموجات الجديدة و االتجاهات التجريبية فى السينما الغربية (الفرنسية
و االيطالية و االنجليزية و البولندية )...التى انفتحوا عليها إما نتيجة لثقافتهم الخاصة
و تجاربهم الشخصية التى أتاحت لهم االحتك''اك المباشر بالس''ينما الغربية (ف''ترة
'بب
' ) و بس'
التكوين التى قضاها محمد خان فى انجلترا أو خيرى بشارة فى بولندا...
'ينما
'ادى س'
'ترة ( جمعية ن'
نشاطات الجمعيات السينمائية التى ازدهرت فى تلك الف'
' الخ) و التى كونت جمهورا جديدا مت''ذوقا
القاهرة و جمعية النقاد و جمعية الفيلم...
للكالسيكيات و األعمال التجريبية على حد سواء فى السينما العالمية .وجدير بالذكر
أن كافة هذه الجمعيات قد توالدت فى الأصل من رحم ندوة الفيلم المختار التى أسسها
أديب هو يحيى حقى فى .1956
3
'رة مختلفة
"كانت فلسفتها الخاصة في ظل صدمة 1967فكرا جديدا ينظر للواقع نظ'
عن تلك التي كانت سائدة قبل 1967سواء علي المستوي الع''ام أو علي مس''توي
السينما ...قبل 1967كنت تنظر بانبهار إلنجازات كبيرة ..السد الع''الي ..مجمع
األلومنيوم ..وغيرها كثير ..ولكن بعد 67كان التفكير يتجه لإلنسان البسيط ..علي
'كل
'رون إليهم بش'
الرغم من حديث الثورة الدائم عن الجماهير الكادحة إال أنهم ينظ'
2
الكتلة الواحدة ولكن بعد 67بدأت المالمح الفردية تتكشف"..
ظهر فيلم "ضربة شمس" أول أفالم محمد خان الروائية و الذى يؤرخ به لالتج''اه
الجديد فى السينما المصرية فى ،1981نفس عام ظهور أفالم "العاشقة" لعاطف
'اء
' لعلى عبد الخالق و "الباطنية" لحسام الدين مصطفى . 3و ج
سالم و "عذاب الحب"
"العوامة " 70لخيرى بشارة فى ، 1982و معه "السلخانة" ألحمد السبعاوى ،و
' و اعت''بر ظه''ور كل من
"فتوات الجبل" لنادر جالل و "العار" لعلى عبد الخالق...
الفيلمين مؤشرا لجديد ما يسعى للتواجد حيث أراد هذا الجيل أن يعبر عن أزم''ات
'ة،
الفرد التى أولتها تيارات السينما السائدة ظهرها :الشك فى الخطابات االيديلوجي'
' ضيق الفرد بحياته ،تض''اؤله ،اغترابه داخل
التحرر من القيم التقليلدية و التابوهات،
' الص''غيرة المحملة بأزماته
الوطن و داخل مكانه اليومى ،التم''اهى مع التفاص''يل
الوجودية ،انصهاره فى صراعات تتجاوز مفاهيم الخير و الشر و تتجاوز ادراك''ه.
كذلك حملت سينما هذا الجيل مالمح الذات فى رغبتها التعبير عن نفسها و عن فردية
'بعينات،
'ني الس'
' -وسبعين يع' االنسان العادى " :يمكن أن تقول إن العوامة70
4
وشخصية المخرج في الفيلم هي تحمل سمات كثيرين من أبناء جيلي -تحمل سمات
' من كاتب السيناريو ..هي جيل بأكمله يحلم بكل ج''رأة أن يحمل
مني أنا شخصيًا..
السالح وخوض عمار الحرب وتحرير الوطن ..ولكن هذا علي المستوي النظري أو
في حيز الحلم ..ولكن علي المستوي العملي اليملك الشجاعة لحمل السالح فيع'وض
4
'
ذلك بحمل كاميرا"..
رواية جديدة
اذ كانت تجربة الثمانينات األكثر اكتماال قد جاءت كثمرة لمحاوالت التجديد السينمائية
التى بدأت منذ عقد الستينات ،فلنا أن نعتبرها معادال موضوعيا لتجربة جيل الستينات
5
األدبية .و بالرغم من وجود فارق العشرين عاما بين التجربتين اال أنهما تشتركان فى
عناصرعدة.
" منذ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات ،يستطيع المؤرخ أن يالحظ إرهاصات
لمالمح كتابة أدبية جديدة مغايرة للكتابة الواقعية التي سادت خالل الخمسينيات .وقد
' في القصة القصيرة وفي الشعر والمسرح ثم أخيرا في الرواية
تبدت هذه اإلرهاصات
' وإن لم تتوقف
لدى كتاب شباب اصطلح على تسميتهم ـ فيما بعد ـ بجيل الستينيات،
عليهم ،حيث اشترك معهم كتاب من أجيال أسبق مثل يوسف الشاروني وإدوارد
5
الخراط ،ولحق بهم كتاب من أجيال أصغر".
من هم هؤالء الكتاب الجدد؟ أساميهم :صنع اهلل ابراهيم ،بهاء طاهر ،جمال
' " ولد معظمهم قبيل أو أثناء
الغيطانى ،ابراهيم أصالن ،يحى الطاهر عبد اهلل...
الحرب العالمية الثانية ،ينتمون إلى الطبقات الفقيرة من المجتمع سواء في ريفه أو
مدنه ،ومعظمهم لم يكن قد استطاع أن يستكمل تعليمه رغم مجانية التعليم ،سواء
ألسباب اقتصادية أو كنوع من التمرد على المؤسسات متمثلة في المدارس
6
'
والجامعات".
كانت البداية مع رواية صنع اهلل ابراهيم االولى "تلك الرائحة " فى ، 1966التى
' السياسية
جاءت لتثير الشكوك من قبل هزيمة 1967فى العديد من الخطابات
السائدة و القيم التى ميزت الكتابة الواقعية لرواية الخمسينات .و يشير النقد الذى
تناول كتابات جيل الشبان الصاعد فى تلك المرحلة الى نقطة الخالف الرئيسية بينهم
- 5سيد البحراوى ،األدب العربى المعاصر نصوص و دراسات ،كتاب تحت الطبع.
- 6المرجع السابق.
6
و بين سابقيهم .يقول الناقد فاروق عبد القادر فى عدد خصصته مجلة الطليعة عام
1969لمناقشة ظاهرة الأدباء الجدد" :إن الأدباء الشبان مطالبون بتحسس واقعهم،
بادراكه إدراكا تفصيليا شامال فى وحدته الجدلية مع ظروف العالم المتغير ،مطالبون
بأن يكون لهم رؤية موحدة ،محتم عليهم المشاركة فى التقدم بهذا المجتمع التزاما
7
'
منهم و اصرارا"
تبدو مفاهيم "االدراك الشامل"" ،الوحدة الجدلية"" ،الحتمية فى المشاركة" ،و هذا
االيمان "بتقدم المجتمع" هى حجر الزاوية فى الخالف بين جيلين ،حيث باتت تلك
المقوالت و ما ارتبط بها من أشكال تعبيرية (الواقعية االشتراكية ،الواقعية النقدية)...
مفرغة من معناها و مزيفة للوعى .ومن هنا تبنت الرواية أساليب جديدة في الكتابة
مثل مصاحبة البطل المضاد و تعدد وجهات النظر و استخدام المونولوج الداخلى و
تيار الوعى و استخدام التقنيات السينمائية و تفكيك البنية السردية الخطية و تحطيم
مفهوم الحدث و مراوغة القارئ ...إلى آخر هذه األساليب التي تعتمد باألساس على
قلب الرؤية الموضوعية للوجود و استبدالها برؤية متشظية لعالم غير مفهوم و طارد.
و ما من شك أن هذه التحوالت فى حقل الكتابة الأدبية ال تنفصل عن تحوالت عالمية
شهدتها سنوات الستينات من خالل عدد من الثورات الثقافية و الفنية التى أتت بما
' الحداثة" و التى اجتاحت شتى مناحى االبداع :الأدب،
بات يطلق عليه "جماليات
السينما ،الفن التشكيلى ،الموسيقى ...الخ .و من هنا نستطيع القول أن رؤي و
أدوات جيل الستينات الأدبية قد تشكلت أيضا فى إطار طليعي منفتح على تجارب
الرواية الجديدة في الغرب.
- 7فاروق عبد القادر" ،لقاء يذيب المرارة و التكلسات الشكلية" ،مجلة الطليعة ،أكتوبر ،1969ص43 .
7
' السينمائية ،ابتعدت طليعية الأدب عن الرؤى
لكن كما كان الحال فى طليعية التجارب
العدمية التى ميزت الكتابة الجديدة في الغرب و التي أرادت بتر أى عالقة لها بالواقع
و استبداله بمفهوم الفن للفن .لقد تزاوج التجديد فى الأشكال الفنية في تجربة جيل
الستينات مع بعد اجتماعي ال يجد شرعيته سوى بتبنيه الهم الجماعي لألمة .و فى
هذا االطار لم يكن الرفض الثائر ألشكال الكتابة التقليدية مفهوما إال بوصفه نتاجا
ألزمة تاريخية اجتماعية و سياسية ،و من هنا أيضا كان االنحراف عن نموذج النفي
التام le modèle négativisteللكتابة الحداثية الغربية .هذا التزاوج بين قيم
الرفض التى تعلى من شأن الحرية و الذاتية و بين الرغبة الملحة في االلتزام بالواقع
و اإلنطالق منه باعتبار مأساته مأساة شخصية ،قد شكل معادلة ميزت اإلنتاج األدبى
لجيل الستينات.
عالقات جديدة
'دة و
'فنا بعضا من جوانبه بين الرواية الجدي'
'ذى استكش'
' ال'
بالرغم من هذا التقارب
السينما الجديدة سواء فى المرحلة العمرية للمبدعين من الروائيين و الس''ينمائيين أو
الفترة التاريخية التى عايشوها أو األفق المعرفى الذى شكل وعيهم أو الحساسية الفنية
'أنها
'ان من ش'
'تى ك'
التى بلورت لغاتهم الجمالية ،و كافة تلك العناصرالمشتركة ال'
إحداث تقارب بين هذين الفنين في اتجاه خلق تجارب مشتركة سواء في مج''ال نقل
العمل األدبي إلى السينما أوفى مجال الكتابة المشتركة (كما حدث مثال في فرنسا في
نفس تلك الفترة مع ،Marguerite Duras, Alain Robbe Grilletرواد
8
'تى كما ح''دث
' السينمائى بأفالم طليعية ،أو ح'
الرواية الجديدة الذين اقتحموا المجال
بشكل مختلف مع نجيب محف''وظ بممارس''ته لكتابة الس''يناريو) اال أننا نالحظ قلة
الأعمال المقتبسة فى سينما الثمانينات الجديدة و غياب تجارب المش''اركة فى الكتابة
'اب
'رت مجموعة من كت'
'ار إليها .بل على العكس ظه'
'اذج المش'
على غرار النم'
السيناريو الجدد الذين ميزت كتاباتهم هذه السينما مثل فايز غالى و بش''ير ال''ديك و
باتت السينما تسعى لالستقالل عن األدب.
إذا أردنا تفسير هذه الظاهرة فسنجد أن رغبة السينمائين الجدد فى االبتعاد عن األدب
تبدو أوال كرد فعل العتماد السينما فى الفترة السابقة علي االقتباس بش''كل يتع''دى
مفهوم االبداع ،حيث قام العمل االدبى بالنسبة للفيلم بأدوار ارتبطت بالمؤسسة .فمن
1963الى 1972كما يقول على أبو شادى قدم القطاع العام ثمانية و س''تين فيلما
مؤخوذا عن أعمال أدبية ،أى ما يقرب من نصف انتاجه ،و قدم القط''اع الخ''اص
'ات هو
'مى للسياس'
'ان التوجه الرس'
تسعة و عشرين فيلما مؤخوذا عن األدب .و ك'
'ذلك
'ار الكتابـ ،ل'
االرتقاء بمستوى الفيلم المصرى بتطعيمه بالأعمال االدبية لكب'
اشترت الدولة حق تحويل العديد من هذه الأعمال الى أفالم سينمائية" . 8و ب''دا الأمر
فى كثير من االحيان و كأن االعتماد على العمل األدبى أصبح جواز مرور أو وسيلة
لضمان الحصول على الموافقات االنتاجية والرقابية الالزمة لعمل أى فيلم .و من هنا
ارتبط االقتباس فى الذهنية السينمائية الجديدة بوضعية فكرية و سياس''ية أراد ه''ذا
الجيل أن يثور عليها.
- 8على أبو شادى" ،القطاع العام السينمائى Eفى مصر ( )1972 -1963محاولة للقراءة الموضوعية" ،السينما المصرية الثورة و القطاع العام (
،) 1971 -1952إشراف و تحرير هاشم النحاس ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،2010 ،ص328 ،327 .
9
'تينى .و
'األدب الس'
'ذى ارتبط ب'
السبب الثانى يبدو على عالقة بمفهوم الطليعية ال'
الطليعية هى ترجمة لمصطلح ، Avant-gardeو هو مصطلح و إن كان اليوم
يعتبر مرادفا للتجريب فى الفن و الأدب اال ان معناه الأصلى نشأ فى حقل العملي''ات
الحربية ،حيث Avant-gardeهى الفرقة العسكرية التى تقع فى مقدمة الجيش و
'ون هم إذا
مهمتها إستكشاف الأرض الجديدة و ارتيادها قبل مرور اآلخرين .الطليعي'
'بيل
'اتهم على أكفهم فى س'
من يحملون الشعلة و يطرقون الدروب أوال واضعين حي'
حياة اآلخرين .وإذا كان مصطلح الطليعية الفنى لم يعد يحتمل كل هذه المضامين إال
أن جزءا منها تبقى فى تجربة أدب الس''تينات ال''ذى ارتكز على طليعي''ة ارتبطت
بالمفهوم األخالقي الواسع لاللتزام ،و هوالمفهوم الذى نشأ األدب العربي الحديث في
كنفه منذ رفاعه الطهطاوى .فاألديب رسول بشكل من األشكال ،قد يدخل في صراع
مع السلطة أو مع المجتمع ألنه يدرك ما ال يدركه اآلخرون و يسير فى الدرب وحيدا
قبل اآلخرين .و قد عبرت كتابات الستينات عن تلك الصورة ،فكان األديب معارضًا
كتبت عليه العزلة فى كثير من األحيان ،فبدا مشروعه الأدبى الثائر مرفوضا جملة و
تفصيال من قبل السلطة خاصة مع التسييس العميق لخطابه الذى انصب ح''ول أزمة
'نى انطلق فكر
'توى الف'
فرد مثقف في مواجهته مع المجتمع و الدولة .و على المس'
الحداثة الستينى من موقف ضياع معنى الواقع و فقدان بديهية األشياء .و عبر التيار
'ردات
'التالعب بمف'
الشكالني عن ذلك مستعيضا عن فكرة التمثيل المرجعى للعالم ب'
اللغة الفنية ،بينما تلونت المخيلة الأدبية برؤى قاتمة .
10
'تيعاب
'ادرا على اس'
'ة ،ق'
'تينات اذا متلقيا من نوعية خاص'
تطلبت رواية جيل الس'
التحوالت األدبية التى دمرت ثوابت و أركان أساسية فى تجربة القراءة و خ''اطبت
حساسية فنية جديدة لم تكن قد تكونت بعد لدى الكثيرين ،فب''دت عملية التلقى فى حد
ذاتها إشكالية مما أدى الى صرف جزء من الجمه''ور التقلي''دى لألدب عن ه''ذه
الرواية .و بديهى أن تتأثر عملية االقتباس السينمائى به''ذه الوض''عية ،و نجد فيما
يقوله خيرى بشارة عن فيلم "الطوق و االسورة" خير مث''ال" :إن أول رواية عربية
أفتتن بها كانت هي "الطوق واإلسورة" لألديب يح''يي الط''اهر عبد اهلل وأنا قرأتها
'ون هي فيلمي األول..
'ررت أن تك'
حوالي عام 1975تقريبا وقت صدورها ...وق'
وذهبت بالفعل وقابلت يحيي الطاهر عبد اهلل .وكنت أذهب لرؤيته هو أمل دنقل وعبد
الرحمن األبنودي في النادي النوبي بوسط البلد وما أزال أتذكرهم بالقمصان البيضاء
وسمار وجوههم ..ولكن كانت المش''كلة أن جميع المنتجين ال''ذين عرضت عليهم
'نوات
'دة عشر س'
الرواية رفضوها ألنها رواية كئيبة ..لم أستسلم وظلت الرواية لم'
9
أعمل عليها".
لم يستطع المشروع الأدبى الستينى اذا التواصل مع جمهوره اال بكثير من الصعوبة،
و لم تكن السينما مهما اشتدت نزعاتها الثورية لتستطيع التجاوب مع طليعية األدب فى
تلك الفترة هى المكبلة بالقيود الرقابية و االعتبارات التجارية و تراث طويل من فهمها
كفن من الدرجة الثانية هدفه األساسى االمتاع و الترفيه ،غايت''ان لم تعرفهما الرواية
'رى أهمها
'ات أخ'
الجديدة بل انصبت قيم التجديد فيها على وأدهما و استبدالهما بغاي'
صدم المتلقى الذى بدا و كأنه قد ضاع في متاهة الدور التاريخي و فى انتظ''ار تحقق
- 9انظر حوار مع خيرى بشارة ...
11
النبوءة .هنا يظهر اختالف كب''ير بين الس''ينما و األدب على مس''توى العالقة مع
الجمهور ،ففى السينما ما أن يحتل المشاهد مكانه على الكرسي داخل القاعة المظلمة
'طور في
'ارئ من الس'
'ره الق'
ينتظر من الصورة شيئا يختلف في جوهره عما ينتظ'
صفحة مكتوبة لذا يصعب على السينما التوجه طويال لمشاهد لم يأت بعد ،حيث يبدو
االعتراف بالمتلقي الفورى وبمشروعية وعيه الفنى شرط لمش''روعية العمل ذات''ه،
ويبدو التعامل مع هذا الوعي ضرورة على أية حال ،سواء كان اله''دف تغي''يره أو
تكريسه أو تزييفه.
بالرغم من كافة هذه العوامل التى باعدت بين السينما و األدب فى الفترة المشار إليها،
إال أننا سنعود مرة أخرى و نتحسس تلك العالقة و نتساءل :هل ك''انت قطيعة ؟ أم
حدث تالق و ان اتخذ سبلا مختلفة و طرائق جدي''دة؟ فى الج''زء المتبقى من ه''ذه
الدراسة سنقدم عدة نماذج لعالقات جديدة ربطت السينما المصرية باألدب.
التناص
'انت
'وص الفنية كما لو ك'
التناص فى واحد من تعريفاته هو طريقة للنظر الى النص'
'تدعيها
'دوره بها ،10يس'
'كل ب'
'رى و يتش'
شبكة يشكل كل نص فيها نصوصا أخ'
باالستشهاد أو النقل أو االشارة أو المفارقة ،يسكنها طياته ،يلبسها و تلبسه .و
'اهيم التقليدية
'بين األعمالالمختلفة يتعدى المف'
التناص أداة منأدواتقراءة العالقات
للتأثير و التأثر وقلما استخدم فى دراسة العالقة بين السينما و األدببالرغم من
10
- Sophie Rabau, L’intertextualité, GF Flammarion, Paris, 2002
12
'ير
'اتغ'
'دة منالعالق'
'كال مختلفة و جدي'
كونه مدخالهاما قد يمكننا مناسكتشافأش'
الظاهرة بين هذينالفنين.
و النموذج الذى سنتناوله مستمد من سينما داوود عبد السيد أكثر المخرجين الج''دد
استدعاءا لألدب ليس فقط بسبب اعتماده على نصوص أدبية فى اثنين من أهم أعماله
" :الكيت كات" عن رواية "مالك الحزين" البراهيم أصالن و "س''ارق الف''رح" ،عن
قصة خيرى شلبى ،لكن ألن كتابته ألفالمه يتحقق فيها مفهوم سينما المؤلف بش''كل
'ينات من
'ينما فى الخمس'
فريد بين أبناء جيله و هوالمفهوم الذى انتقل من األدب للس'
'ة.
'ينما للغتها و امكاناتها الفكري'
'وير الس'
القرن العشرين و كان أداة من أدوات تط'
باالضافة الى ذلك فان الخاصية الأدبية فى سينما عبد السيد تتكشف من خالل األبعاد
الفكرية و الفلسفية فيها و هى األبعاد التى ظلت لصيقة بصورة األدب مقارنة بصورة
السينما.
13
يكشف عن كل شيئ .11يأتينا صوت الراوى فى "مواطن و مخبر و حرامى" محمال
بأصوله السينمائية المحملة بدورها بأصول أدبية محققا أول شكل من أشكال التناص.
لكن هذا االستدعاء لنموذج ذى مرجعية أدبية ليس الهدف منه تكريس معناه الق''ديم،
بل يقيم الفيلم محاكاة ساخرة لهذا الصوت الذى يسعى من خالل خطابه المعرفى و
من خالل نبرات الصوت التقريرية الذى يشبه صوت مقدمى نشرة االخبار الى إيهام
'ول ما
المشاهد بأنه يقول الحقيقة .لكن هذا المشاهد ما يلبث أن يكتشف أن الراوى يق'
ال تقوله الصورة بالضرورة حيث تنشأ مسافة اشكالية بين التعليق الصوتى و ما يراه
المتفرج من أحداث تمنعه من االستسالم لمقوالت الراوى و تحثه لكشف المكس''وت
' من الشد و الجذب بين التصريح و
عنه فى الخطاب ،فتنشأ داللة الفيلم فى ذلك الفضاء
التلميح.
الشكل الثانى من أشكال التناص يظهر فى شخصية الكاتب ال''روائى فى الفيلم و فى
عالقتها بعدد من روايات جيل الستينات .يتتبع الفيلم مسيرة سليم الم''واطن األديب
'وع ،
'ذا الموض'
المثقف و يشهدنا عليه .نتوقف أوال عند الخصوص 'ية الأدبية له'
'تى دأبت المخيلة الأدبية على
'يرة ال'
فتصوير الأديب هو واحد من الموضوعات األث'
االغتراف منها بينما ابتعدت السينما الى حد ما عن تناول هذه الشخصية .هذا هو ما
نالحظه بالنظر لتاريخنا السينمائى ،لكنه أمر واقع أيضا فى السينما العالمية :يق''ول
Steven Bernasفى كتابه " :الكاتب فى السينما" " :إن الشخصية السينمائية فى
بعض األعراف االسائدة يجب أن تشبه المشاهد و ال يصح أن تشكل نموذجا مثالي''ا.
'ون
'ينما و ال ينبغى أن يك'
'تحب فى الس'
'ير مس'
فالتأثير القوى لصورة المؤلف غ'
- 11انظر هامش رقم .1
14
' فالمكتبة عالمة لالنتماء
للشخصية مستوى ثقافى مرتفع أو أن تمتلك مكتبة ضخمة...
12
للبورجوازية و هى دليل على امتالك سلطة مثلها مثل اللوحات و القطع الفنية".
قدمت السينما المصرية على مدار تاريخها شخصية الكاتب فى بعض من أفالمها
'دود - 1958الرجل
'وال ،الطريق المس'
المقتبسة عن أعمال أدبية فى أغلب األح'
الذى فقد ظله - 1968عصفور الشرق ...1986و كرست ه''ذه االفالم و غيرها
غالبا لصورة أحادية لألديب مستمدة من ت''راث الس''ينما فى النظر لألدب كغ''ريم
مستدعية تلك المنافسة بين ثقافة الصورة وثقافة المكتوب .أما داوود عبد الس''يد فقد
جاء بشخصية الروائى فى فيلمه "مواطن و مخبر و ح''رامى" كى يحيكها بش''كل
مختلف منخالل تفكيك عدة نماذج و أنماط .أوال يقطع الفيلم مع التن''اول األح''ادى
لشخصية األديب فى السينما المصرية التى دائما ما صورته حبيسا ل''برج ع''اجى،
فالروائى فى الفيلم "مواطن" فى حالة اشتباك حاد مع الشارع والمجتمع و الدولة .ثانيا
' فى الكثير
يبنى داوود عبد السيد الشخصية باالعتماد ال على االقتباس كما كان الحال
من التجارب السابقة انما على التناص مع نموذج قدمته رواية الستينات ،و هونموذج
' السياسى و النشاط الطالبى فى الستينات و السبعينات
الكاتب الذى عاش حالة الحراك
'اهر و "مالك
'اء ط'
ثم عاد لينكفئ على ذاته .نجد هذا النموذج فى "شرق النخيل" لبه'
الحزين" فى شخصية يوسف النجار ،و فى شخصية عبد الخالق فى "زهر الليم''ون"
' و غيرهم.
لعالء الديب و فى رواية "نوبة رجوع" لمحمود الوردانى ...
12
- Steven Bernas, L’écrivain au cinéma, L’Harmattan, Paris 2005.
15
" نحن نعرفك أنت أيضا .شغلت بالنا فترة منذ سنتين أو ثالث سنوات عندما
' الثقافية و هذه األشياء.
كنت فى الجمعية األدبية فى الكلية و كنت تنظم المحاضرات
نحن نعرف أن هذا هو المدخل للمصائب .لكنك أرحت بالنا بسرعة عندما انقطعت
13
عن الجمعية ثم عن الكلية ثم اتجهت للبار".
"منذ سنوات االعتقال و هما يتبادالن تفاهما انسانيا عميقا ال يتغير .. .كفا عن
الحكم و اللوم و قبل كل منهما اآلخر خارجا عن األحداث و األيام ...أما السياسة فقد
صارت موضوعا يقتربان منه فى حذر ،يرددان أخبارا و طرائف وال يغوصان أكثر
14
من هذا حتى ال تبرز األشواك و يحتد الكىم؟ ثم ينتهى الى صمت خانق مرير"...
16
االلتزام السياسى وااليمان بقضايا مجتمعية ثم التراجع و االنخ''راط فى ذاتية م''ا.
باالضافة لذلك جعل الفيلم من المناخ الثقافى الذى تعيشه الشخصية سمة مميزة لها من
خالل ممارسة سليم للكتابة االبداعية و تركيز السرد على هذا الجانب فى شخصيته و
على مغامرة الكتابة فى حد ذاتها.
هذا هو النموذج األدبى الذى تناص معه فيلم داوود عبد السيد .لكن كيف كان التعامل
معه؟ هل أعاد انتاجه أم سخره ألهداف مختلفة؟ تبدأ أحداث الفيلم فى لحظة قطع فيها
المواطن سليم مع ماضيه المحكى أى مع النموذج الروائى الذى استدعاه الفيلم ليدخلنا
'تزم
'ورة :فمن المثقف المل'
'ول فيه الص'
فى عصر آخر هو مصر الثمانينات ،تتح'
'ه،
'ذى يعيش لذات'
بقضايا وطنه و هو النموذج الستينى بامتياز نتحول الى المثقف ال'
'وير
'ورها األدب ننتقل الى تص'
ومن عذابات الكتابة و مناوءات القلم التى طالما ص'
لحظات سينمائية من النشوة االبداعية ،ومن ألم ذكريات سنوات النضال الفاشلة التى
'ية تعيش الحاضر فقط
صبغت أجواء رواية الستينات بأجواء الحداد ننتقل الى شخص'
فيبدو ماضيها الذى يحكيه المخبر و ال''رواى فى بداية الفيلم و كأنه بقايا من ماضى
سلفها األدبى الذى بنى علي أطالله داوود عبد السيد شخص''ية كاتبه .و ك''أن الفيلم
' األدبية الى تفكيك النموذج الأول واع''ادة
يعمد من خالل التناص مع هذه المرجعيات
تشكيله فى الفيلم الذى يصور المجتمع المصرى فى بداية الالفية الثانية.
باالضافة الى ذلك يتناص الفيلم مع صورة أخرى لألديب أكثر كالس''يكية .فى مقاله
'افة تقليدية
'ود مس'
يقول فيصل دراج بوج' 15
الهام" استبداد الثقافة و ثقافة االستبداد"
- 15مجلة فصول ،األدب و الحرية (الجزء الثانى) ،المجلد الحادى عشر ،العدد الثانى ،صيف 1992
17
'ود فى
' بين الوج'
فاصلة بين الكاتب و القارئ هى تلك التى تباعد بين العلم و الجهل،
'ة.
'اة اليومي'
عالم الأفكار و المجردات و البالغة التعبيرية و التواجد المادى فى الحي'
' ثم تضيف اليه صفة أخ''رى هى العج''ز .ال يس''تطيع
"تخلق فلسفة المسافة الجاهل
'اج الى آخر له
الجاهل أن يعى معنى األشياء وحده بسبب نقص يحايث طبيعته ،و يحت'
' يشكل القمع لحظة جوهرية فى فلسفة
طبيعة ال نقص فيها يشرح له غامض األشياء...
'افة تنتج فن
المسافة .و بما أن اتقان القمع يستلزم اتقان وسائل القمع ،فان فلسفة المس'
16
المسافة ،أى الفن الذى يسوغ سيطرة العارف و تأكيد المسافة".
فى فيلم داوود عبد السيد ن''رى تلك المس''افة و قد أعيد انتاجها ثقافيا و اجتماعي''ا.
فالجزء األول من الفيلم يعرفنا على المواطن سليم الذى يعيش فى فيلته القديمة يحيط
نفسه بالكتب و اسطوانات الموسيقى الكالسيكية وأصدقاءه المختارين من نفس طبقته
.يشمئز من االختالط بالمجتمع ،و يرفض محاوالت الفهم لما يكتبه و مح''اوالت
التقارب التى يبديها "الجهالء" من المحيطين ،مكررا جملة "مش هتفهم" .ن''راه فى
'ثرة و
'الأقالم و الأوراق المبع'
' مكتبه ،منهمكا فى الكتابة محاطا ب'
'ل:
مكانه المفض'
'اخرة فى
المكتبة الضخمة تغطى الجدران ،يستمتع بتذوق األكالت و المشروبات الف'
مطبخه الفسيح و بسماع موسيقى الأوبرا فى صالونه القديم تصدح فى المكان .تكرس
هذه اآلليات فى تصوير الشخصية لمفهوم المسافة وتؤكد على فكرة عزلة الك''اتب و
المثقف ،لكنها فى نفس الوقت تحيلنا حينا للس''خرية من الشخص''ية المتعالية بعلمها
العاجزة بفعلها ،و حينا آخر للتعاطف معها نتيجة القتناصها داخل واقع عبثى تتورط
- 16المرجع السابق
18
فيه و تفشل تماما فى التعامل معه من خالل منظومة القيم التى تؤمن بها (و التى من
' بين سلطة
المفترض أن يشاركها فيها متلقى الفيلم) .يعاد انتاج مفهوم التباعد الفاصل
العالم (بكسر الالم) الذى تمثله ص''ورة األديب من جهة وص''ورة العامة من جهة
أخرى و تسقط شخصية سليم من عليائها بعد اشتباكها مع واقع قررت فى نهاية االمر
اعادة النظر فيه و االنصات له و التعامل معه .تعيد شخصية الروائى تش''كيل ذاتها
من خالل العالقة المركبة مع المخبر و الحرامى فتذوب المسافة التى باع''دت بينه و
بينهما منذ البداية و يبدو و كأن داوود عبد السيد قد استخدم التناص لتفكيك النم''اذج
األدبية التى استحضرها سينمائيا فى اشتباك مع األدب ذى شكل جديد به من المداعبة
أكثر ما به من السخرية.
االقتباس
19
كان من الطبيعى فى ظل هذه المحاوالت أن تبتعد السينما عن االقتباس الذى ظل
لعقود طويلة أسير معادلة الأمانة/الخيانة و التى روجت أوال لفهم قاصر للنص الأدبى
باعتباره "حدوته" ،و قلصت ثانيا من حرية المبدع الس''ينمائى فى التعامل مع العمل
الأدبى و حبسته داخل فكرة القصة التى يقوم ب"نقلها" الى الشاشة .و قد عانت عالقة
السينما باألدب نتيجة لتلك المفاهيم و كانت النتيجة الوصول الى مأزق أحد أوجهه هو
الابتعاد عن الأدب .نقول ابتعاد و ال نقول قطيعة ألن الأعمال الأولى لمخرجى الفترة
'ال أدبية
'ان على أعم'
المعنيين تنفى فكرة القطيعة حيث اعتمدت فى كثير من الأحي'
'ام"
'ون ال تن'
أجنبية " :الرغبة" لمحمد خان 1980مقتبس عن جاتسبى العظيم" ،عي'
'دردار،
'جرة ال'
لرافت الميهى ،1981عن مسرحية يوجين أونيل "رغبة تحت ش'
األقدار الدامية" لخيرى بشارة عن مسرحية "الحداد يليق ب''الكترا" لنفس المس''رحى
'ذه
'بير .17لكن ه'
االمريكى،الغيرة القاتلة" لعاطف الطيب 1982عن "عطيل" شكس'
النزعة الأولى لالقتباس سعت لالبتعاد عن الأطر المرسومة سلفا و ذلك اما باالتج''اه
لألدب األجنبى كرغبة فى تجديد المرجعية األدبية بعيدا عن الموض''وعات التقليدية
'ادر
المكررة و األدباء الذين تناولتهم السينما المصرية السابقة ،أو بالبحث عن مص'
أدبية تلتقى مع حساسية فنية جديدة أصبحت تميز ه''ذا الجيل ،كما تمثل ذلك فى فيلم
"الطوق و االسورة" المقتبس عن الرواية التى تحمل نفس العنوان ليحيى الطاهر عبد
اهلل أو فى فيلم "الكيت كات" المقتبس عن رواية "مالك الحزين" البراهيم أصالن ،أو
بالتعامل مع االقتباس برؤى جديدة تحرر صانع الفيلم من قيود االلتزام بأصله االدبى
و ترى فيه ما قاله أندريه بازين :
- 17أحمد يوسف" ،السينما المصرية الجديدة ..فى مفترق الطرق" ،الفن السابع ،العدد الرابع و الخامس مارس/أبريل 1988
20
" إن األمر ليس ترجمة للنص االدبى – مهما بلغت درجة إخالص''ها أو ذكائها – و
كذلك ليس هو استلهام حر – حتى مع حب النص واحترامه – بهدف عمل فيلم يقدم
نسخة ثانية من العمل الأدبى .إن االمر يتعلق ببناء عمل على شاكلة أخرى ،معتمدا
على الرواية ،مستخدما السينما .ليس فيلما "للمقارنة" مع الرواية و ليس فيلما "جدير"
18
'
بالرواية ،بل كائن جمالى جديد "...
'اس رواية
'وف عند تجربته و ذلك فى اقتب'
سنعود مرة أخرى لداوود عبد السيد للوق'
'
ابراهيم أصالن فى فيلمه "الكيت كات".
18
- André BAZIN, Qu'est-ce que le cinéma ? Paris, Éditions du Cerf, 1983.
21
لكن هذا التحليق األعمى في شوارع الكيت كات وحواريه هو أيضًا تدمير للمك''ان،
ورغبة في كسحه تطهيرًا له.
إن أول ما يستوقفنا في فيلم "الكيت كات" هو أنه أجري عملية إحالل فج''اءت
'ية يوسف المثقف في 'دي ً
ال عن شخص' 'ية محورية ب'
شخصية الشيخ حسني كشخص'
'حب أيضًا على األزمة
'يتين ألنه ينس'
الرواية .وهذا التغيير ال يقتصر على الشخص'
المص''احبة لكل منهما :من أزمة يوسف المثقف ذي الهم''وم السياس''ية واألحالم
المجهضة الذي يدخلنا معه في تجربة الكتابة الروائية ومشاكل القلم عن''دما يريد أن
'ني
يختار بين مفردات الواقع ("كتبت أشياء ولم تكتب أشياء" ، )19إلي أزمة الشيخ حس
تلك الشخصية الفرعية في رواية أصالن .اس'تغل داود عبد الس'يد كل ما ج'اء في
الرواية عن الشيخ حسني لكنه أيضًا أضاف الكثير .الشيخ حسني في الفيلم مزيج بين
حسني والعم عمران في الرواية ،والعم عمران هو تلك الشخصية المحملة برص''يد
تاريخي وأسطوري يجعلها على معرفة واسعة بالمكان ،فهو الوحيد في الرواية الذي
'ام ً
ال في لقط'ات 'ات ك'
'بية العالية حي الكيت ك'
يستطيع أن يري من حجرته الخش'
'دي ً
ال يتسع للتحليق ' يخلق الشيخ حس''ني في الفيلم واقعًا ب'
بانورامية واسعة المجال.
بتالعبه المجنون بمعطيات الزمان والمكان واللغة " :ساعات أقوم من الن''وم حاسس
إني باتخنق ..أبقي عاوز أركب موتوسيكل وأطير" يذهب إلي السينما ويتخيل الفيلم،
'يطنة"،
يجلس في المقهى ويتخيل النساء ،يتحدث مع اآلخرين "فيسوق الهبل على الش'
هكذا يخلق عالمًا له وحدة يتوه من يدخله سواه.
22
الشيخ حسني هو المسئول عن بيع البيت مس''ئولية أخالقية ي''دركها ويتحمل
تبعاتها ،إذ ما معني التمسك باألرض إذا كانت األرض قد فقدت وظيفتها ومعناه''ا؟
' الذي يمثله يوسف الراغب فى السفر إلي أوروبا:
معناها بالنسبة له هو موت الحاضر
"عاوز أعيش يا أخي !" هذه الفكرة نجدها في فيلم آخر لداود عبد السيد هو "س''ارق
الفرح" :قد نتخلى عن بعض المبادئ كي نعيش ألن وجوب الحياة هو المبدأ ال''ذي
يلزم التمسك به .و التعارض بل التناقض بين هذا المعنى وبين المعني الذي يأخذه بيع
البيت والمقهى في الرواية واضح ،ذلك البيع الذي سوف تتبعه سلس''لة أخ''رى من
'ادرين
'وطن "للق'
'ودي ،وبيع ال'
'ات للخواجة ديفيد اليه'
البيعات :بيع حي الكيت ك'
'ادر
كما يقول عبد الق 20
والطامعين..إن الوطن يتحول وأننا سوف نكون آخر الورثة"
على لسان يوسف.
يتضمن هذا اإلحالل موقفًا آخر من يوسف الرواية .يتساءل داوود عبد السيد " :إلي
'عرها يوسف
أي مدي يتجاوب الجمهور مع أزمات المثقفين؟ " 21تلك العزلة يستش
في الرواية و تجعله " :غريبًا في إمبابه مع أنه ولد فيها" كما يقول األمير تلك
'بيع المقهى .و يوسف المثقفالمحبط المثقل
الشخصية المهمومة أكثر منغيرها ب'
بهموم وطنه يختفى فى الفيلم و معه تختفى القضية السياسية التي تهيمن على
العالم الروائى ،تتواري وراء هم إجتماعيعالي الن''برة يتمثل وعيشخوصه في
'اب
'زءًا منخط'
'السياسي فيه ج'
صراعهم اليومى مع واقع ملتبس .ويصبحالخطاب
23
'ان
'ين منهم و هو ما تقوله الرواية أيضا على لس'
غريبعنبسطاء القوم والمهمش'
واحدة من شخصياتها " :ان المشكلة هى الشارع الذى يتفرج و يلوم .و قال انه سمع
بأذنيه فقراء القوم يقولون ان الطلبة يفعلون ذلك ألنهم صغار و آبائهم يصرفون عليهم
'نى و
و أنهم ال يحملون هما…" 22و كأن الفيلم فى تنحيته للسياسى يؤكد على هذا المع
هو يخاطب جمهوره الواسع .و من هنا يبدو االقتباس ،كما قام به داوود عبد السيد
من خالل قراءته السينمائية لرواية أصالن كتجربة كاملة فى خلق عمل ابداعى جديد
يعتمد على ذاتية المبدع و احساسه بمتلقيه و تفاعله الخ'اص مع النص األدبى ،ذلك
النص الذى يقوم مقام حجر يلقى فى ماء هادئ ،كما شبهه داوود عبد السيد ،ينتظر
'ماك،
'اه :أس'
قارئه -الذى هو صانع الفيلم -ما الذى سيخرج من أعماق تلك المي'
23
طين ،أو ال شيء على االطالق.
الموازاة
مفهوم الموازاة هو واحد من المفاهيم التى نمت فى حقل الدراسات المقارنة و يعنى
بتتبع عالقات التشابه بين عناصر بعيدة عن بعضها البعض ،يؤدى تجاورها الى خلق
داللة مشتركة بينها .سنستخدمه هنا العطاء نموذج ثالث لعالقات مختلفة بين السينما
و األدب تظهرمن خالل المقارنة .سنتتبع موضوعا مشتركا نجده ي''تردد فى فيلم و
'ان بينما
'ف" لمحمد خ'
'هما البعض :أما الفيلم فهو "الحري'
رواية بعيدين عن بعض'
الرواية هى أيضا نفس رواية أص''الن " مالك الح''زين" ،أما الموض''وع فهو عن
- 22إبراهيم أصالن ،ص78.
24
موتيف السير و السائر فى المدينة بالمعنى التش''كيلى لكلمة موتي''ف ،أى الوح''دة
البصرية المتكررة .
إذا أردنا تعريف السير فسنجده انتقالا من نقطة مكانية ألخرى عبر المرور بطرق و
أماكن يشكلها السائر كما تش''كله ،يعطيها ماهيتها الوجودية من خالل العالقة ال''تى
' يطلق فيه العنان لتس''اؤالته و حيرته .و
يقيمها معها و تمنحه فى مروره بها فضاءا
يتخذ موتيف السير و السائرالذى نجده ماثال بكثافة فى فيلم "الحريف" و رواية "مالك
الحزين" معناه فى اطار تلك الحساسية الجديدة المم'يزة لألدب و الس'ينما و ال'تى
اهتمت بالتعبير عن المعاش اليومى و الوقائع الصغيرة حيث ظهرت شخصية السائر
الغارق فى همومه و فى حشود المدينة ،تبعده مساحات من اليأس و الال مب''االة عن
المكان من حوله ،يسدد لجنباته نظرات مغترب''ة .يق''ول دول''وز أن المدينة كما
صورتها سينما الحداثة بدأت تفقد خاصيتها الجماعية و قدرتها على خلق االجماع ...
لم تعد المدينة التى نراها من أعلى ،المدينة المنتصبة بناطح''ات س''حابها ،انما هى
' حيث ينكفئ كل امرئ على ش''أنه غارقا
المدينة المستلقية ،الأفقية قصيرة القامة...
24
فى متاهة المكان.
و السائر الذى يطالعنا عند أصالن و خان ال يخطط لمساره بالذات بل تقوده الصدفة
أو وحدات حدثية غير مترابطة ،تفصله عن المكان مسافات يملؤها التأم''ل ،تعكس
'عيا
'ال س'
خطواته مسارات مأزومة بها من الشرود المكانى أكثر ما بها من االنتق'
24
- Gilles Deleuze, L’image mouvement, Les Editions de Minuit, Paris, p. 279
25
وراء أهداف بعينها .هذا ما نجده فى البنية السردية غير التقليدية لكل من العملين :
'يات موقعه داخل مجموعة من األح'داث
'وال الشخص'
فى "مالك الحزين" يتخذ تج'
الصغيرة التى تتراكم فى المسار اليومى للشخصية .ال يتبع تطور السرد خطا واضحا
' السببية أو أى من أشكال العالقات المنطقي''ة ،بل على تج''اور
يعتمد على العالقات
وحدات تختص كل منها بشخصية نتتبعها لفترة من ال''وقت ثم نتركها معلقة و نتوجه
ألخرى ،ثم نعود لألولى فى تراكم تصاعدى لألزمات التى تبدو منفصلة حيث تعيش
كل شخصية أزمتها منفردة .يتفتت الحدث و يغرق فى ذرات من الوقائع المتناثرة ال
'يات فى طرقها
'دو الشخص'
'ان التراجيدية ،و تب'
تجمعها سوى وحدة المكان و الزم'
لدروب المكان كمن يحاول جمع تلك الذرات و لم شتاتها بحثا عن مع''نى ألح''داث
تتجاوزها .وهى فى سيرها شاردة تشير الى أه''داف مكانية فى تجولها الي''ومى ثم
'ارئ
تذهب فى أغلب األحوال فى اتجاهات أخرى ،ترسم خط سير متعرجا يغرق الق'
في سلسلة من أسماء الشوارع والميادين والكبارى و المس''اكن فيش''عر بمزيد من
الضياع في المكان:
"كان يخرج من فضل اهلل عثمان الى شارع السالم من الخلف حتى جنينة الم''دير و
يمر من عند الراهبات ثم يعبر شارع السودان و يمر من بين اسكان ناصر الش''عبى
'وبرى الزمالك و هو
الى نادى طلعت حرب و يظل يمشى داخل الجنينة المواجهة لك'
يتفرج على المدخل الجانبى لمسرح البالون حتى يصل الى طريق النيل و يتجه يسارا
'اك"
و يتقدم عائدا الى ميدان الكيت كات و يقف من بعيد هكذا ،و يتجه بعينيه الى هن'
25
26
باالضافة الى ذلك نجد أن خط سير الشخصية يمر عبرمجال بصري متشظ تنزلق من
على سطحه النظرات ،فاما هى ترصد الال حدث بقدر ع''ال من الدقة ،أو هى تنظر
' تام عنه " ،و كأنها أحداث بيضاء ال تستطيع أن تمس من يتسبب فيها
للحدث بانفصال
'داث يحملها رجل ميت من
'ده :أح'
'ربته فى جس'
أو من يخضع لها ،حتى و لو ض'
باالضافة لذلك فان الشخصية غالبا ما تك''ون 26
الداخل يريد التخلص منها سريعا".
'اء
'تغرقا فى أفكاره أثن'
وحيدة على الطريق ،فيوسف النجار مثال دائما ما يكون مس'
السير " :كان يفكر و هو يحاول أن يكون حذرا ،ألن سالم فرج حنفى أخبره باألمس
و هو يضحك أن شقيقته رأته و هو يمشى و يتحدث مع نفسه دون أن يكون معه أحد
27
من الناس".
نفس هذه السمات نجدها فى فيلم "الحريف" ال''ذى تعتمد فيه الهندسة الس''ردية أيضا
على بنية غير تقليدية ،حيث تتشكل القصة حول شخصية فارس العب الكرة الشراب
' الشعبية ال''ذى يتتبعه الس''رد و تتجمع حوله الخط''وط الدرامية.
،بطل الساحات
تصاحبه الكاميرا عن قرب فى رحالته اليومية بين عدة أماكن تشكل مح''اور لحياته
المح'''دودة و يتخفف الس'''رد من التقاليد الحكائية ،فتختفى الحدوته ذات البعد
' يومية تتراكم فى مسار
التصاعدى و تصبح الدراما رصدا باردا لمشاوير و لقاءات
الشخصية كما تتراكم أزماتها المزمنة .تطول اللقطات التى نرى فيها ف''ارس و هو
يسير فى لحظات فارغة من الحدث تعطى للمكان فى امتداده و ل''زمن التأمل أهمية
قصوى .و يظهر المكان كوجود مناؤئ للشخصية ،ال يمنحها قوة و تماسكا كما كان
26
- Deleuze… 1983
27
' عالقة عضوية بين المكان والشخصية ،بل
الحال فى الواقعية الكالسيكية التى خلقت
على العكس يبدو المكان مقاوما للشخصية ،يس''جنها داخل خطوطه الطولية ال''تى
تمثل موتيفا بصريا مميزا للفيلم ،يتبدى فى صورة الح''وارى الض''يقة الممت''دة و
البنايات العالية على جانبى الطريق تسد نور السماء و تلتقى كتلها الضخمة فى نقطة
'ائعين و
'ارة و الب'
'يارات و الم'
'وارع فإما مزدحمة بالس'
الهروب البعيدة .أما الش'
الأصوات و البضائع فى المحالت و تلك التى تفترش الأرصفة ،فيبدو السائر كنقطة
غارقة فى بحر و تبدو المدينة ككائن ضخم يضج بحياة تتجاهل بؤس الع''ابرين و
' و تغرقها برك
أو هى الحوارى الضيقة القذرة التى تتراكم فيها المخلفات تسحقهم.
المياه ،يصلها نور الشمس بالكاد ،بيوتها قديمة كالحة ،أرصفتها متهدم''ة ،والقبح
مسيطر على المكان .العزلة هى أيضا ما يميز حال الس''ائر فى فيلم محمد خ''ان.
فبالرغم من المكان الشعبى الذى تدور فيه معظم أحداث الفيلم ،اال أن فارس غالبا ما
يكون وحيدا فى الطريق .لقطات الظهر التى تخفى قسمات وجه السائر فتمنع المشاهد
من التفاعل معه ،اطراقة الرأس ،الصمت المخيم ،الفراغ الممتد .هذه الوحدة تب''دو
'ية فى
'اميرا و موضع الشخص'
وجودية أكثر منها نفسية فالفراغ الممتد بين عين الك'
الكادر -حيث جاءت أغلب اللقطات الخارجية لقطات بعيدة – يخلق مسافة تح''ول
'ان و
دون اندماج المشاهد فى الموقف النفسى و يفرض حالة من التأمل فى كلية المك'
دالالته.
فى العملين يبدو موتيف الس''ير كبنية دالة لها جماليتها الخاصة و عالمها الرم''زى
الموازى تعبر خصائصه عن عالقات مكانية مأزومة .فى الحالتين تحل الوح''دات
28
'دث
'وير الح'
السردية الصغرى محل الوحدات الكبرى فينتقل مركز الثقل من تص'
'ابر و
'ير عن الع'
الكبير االستثنائى الى تصوير الوقائع اليومية العادية و الى التعب'
' الصغيرة ثقل األزمات الوجودية .هذه الس''مات هى ما
البديهى مع تحميل التفاصيل
'ار
'هما البعض أدى تجاورهما الى اظه'
يجمع بين عملين غريبين ظاهريا عن بعض'
العديد من نقاط التماس التى تقرب بينهما على مستوى الموض''وع و الرؤية و اللغة
' بين األدب و السينما .
الفنية تقاربا يرسم أشكال جديدة من العالقات
أردنا من خالل هذا التتبع لمفهوم الجدة فى األدب و السينما المصريين الوقوف على
مجموعة من المالمح المشتركة التى تمد جسورا جديدة بين فنين كادت العالقة بينهما
' التى ال تتجدد .و رأينا وج''ود العديد من
أن تتكلس و تقف عند عدد من االشكاليات
المؤشرات التى تحتاج الى دراسات أكثر شموال و تعمقا فى التاريخ الفنى المش''ترك
'تيح
بين السينما و األدب تكسر الحواجز بين المجالين و تخط حدودا عابرة لألنواع ت'
قراءات قادرة على توليد معانى و مفاهيم جديدة تنتظر جهد الباحثين فى االلتفات اليها
و دراستها.
29