Professional Documents
Culture Documents
- 1المضمون:
تتخذ األحداث مكانها ,في قرية ريفية من قرى السودان ،حيث تجتمع مقومات الحياة المختلفة بشكل متكامل لتشكل خلفية فنية للحدث الذي
ال بد وأن يتفق مع الخصائص المكانية للنص؛ فـنجد "الشيخ محجوب" يتأمل الصور:
غابة النخيل – أحواض الذرة الناضجة التي لم تحصد بعد – األحواض الجرداء العارية التي قطعت منها الذرة – نخلة محجوب -ساقية
أبيه -سرحت على بقاياها قطعان الضأن والماعز – ,حمار حسين التاجر – جمع الحشيش للنعجة وأشركها طعامه ,وأنامها ,في فراشه –
حمار التاجر ...الخ
هذه الكائنات المتفرقة إذا جمعناها ومزجناها في قالب واحد الستطعنا أن ننظر إلى الزاوية المكانية التي تجري فيها األحداث من خالل
عدسة مقعرة ،لنرى كيف يتسم هذا المكان ,ببساطة العيش ،وبدائية الحياة ،وانسيابية التعايش ,البشري مع النباتي والحيواني ،وكيف تعمل
هذه الخصائص على صياغة الحدث الذي يتوقع أن يتناسب وإياها في القرية البسيطة التي يستقل أهلها الحمير للركوب ،ويلبس العمامة,
على رأسه ،ويقتات على النخلة.
أما الزمان ,فالمشهد يقع في اليوم السابق ليوم العيد ،حيث الناس مسرورون بمقدمه وقد ابتاعوا ألنفسهم الجديد من الملبس والوافر من
الرياش استعدادا وبهجة ،فيقول:
" أجل .غدا عيد األضحى حين يخرج الناس مع شروق الشمس في ثيابهم الجديدة ،ويصلون مجتمعين على مقربة من ضريح الشيخ
صالح "
كما أن هناك عوامل زمنية أخرى ،وهي وإن لم تكن مباشرة ,ولكنها ,تؤثث للحدث ،وتنزع نحو تكثيفه بصورة أكبر؛ حتى يتصور القارئ
الوضع بكل تفاصيله فيتفاعل ,مع الحدث ،وتتمثل مثال في :كبر سن الشيخ محجوب ،ووصول ابنه حسن سن المراهقة وخروجه عن
العائلة متوجها إلى مصر للعمل فيها وقد أمضى خمس سنوات لم يرسل ألهله كتابا ،وزواج ابنته خديجة وانتقالها للعيش مع زوجها في
صعيد مصر .فهذه الخصائص الزمانية ال تقل أهمية عن الزمان اآلني في تشكيل صورة أوسع عن الحالة التي عليها ,الشخصية ،و هذه
العوامل تعمل مجتمعة على تسيير الحدث وبناء الحبكة.
هذه المشاحنات المكانية والزمانية ,المتراكمة ,على كاهل الشيخ محجوب شكلت منه شخصية تصارع هموما وأحزانا ،وتبغي من هذا
خالصا زائفا ال يستنقذه منه إال الحظ .ويالحظ أن الطيب صالح ,قد تمكن من صنع شخصيته وإبراز مالمحها ,النفسية المكتئبة.
تبدأ أحداث القصة بالشيخ محجوب وقد ثقل عليه ه ّم العيد في ظل معاناته الفقر ،وتكبده حاله الرثة ،وعدم مقدرته على توفير الملبس
الجديد لزوجته ،وابنته التي يتصاعد الحدث بمطالبتها إياه بأن يوفر لها فستانا كفساتين أترابها فيزداد ألمه الداخلي بمجرد تفكيره ,في ذلك.
وحين يرفض التاجر حسين أن يقرضه المزيد من المال فإن الدنيا تسود في عينيه ،فتتعقد الحبكة تدريجيا ،وآنذاك يظل الشيخ غير قادر
على أن ينفك من التفكير في كيف سيواجه الناس صباح العيد بمالبسه القديمة .وتصل العقدة ذروتها حين يتذكر ابنه حسن الذي هجرهم
منذ خمس سنوات للعمل في مصر دون أن يتلقوا منه كتابا واحدا وهو من ترعرع بين أحضانه وأكل من كسب يده ،وفجأة يصطدم هذا
التضارب النفسي بخبر تسوقه آمنة الصغيرة ,مبشرة بخبر وصول جواب من حسن .هنا يبدأ الحدث بالتناقص والحبكة باالنفكاك ليجد أن
ابنه قد أرسل له طردا به مالبس جديدة وصرة نقود يدفع بها عوزه ،فينطلق على حماره مسرورا جذالنا.
إذن فالشيخ محجوب يمثل الشخصية البطل التي تثبت صفاتها ,على طول مجرى القصة في سمات البساطة والفقر ،ولكنها تمتزج وتتفاعل
مع المحيط من حولها والظروف التي تعاني منها (كالفاقة إبان العيد ،ونفور ابنه والناس عنه ،واقتصار قوته على نخلة جريد يتيمة)،
وتتفاعل ,مع شخصيات أخرى في المجتمع تمثل شخصيات معارضة ,كحسين التاجر الذي يرفض أن يقرضه مزيدا من المال وهو في
أوضع أحواله ،وكذلك ابنته آمنة التي تطالبه بثوب جديد للعيد كأثواب صويحباتها وهو يتألم في نفسه من عدم قدرته على توفيره
خصوصا وأنه فقد كل ممتلكاته من الغنم والبقر ،وابنه حسن الذي هجرهم ونساهم وهم في حال يرثى لها .هذه الشخصيات تظل في
تصادم مستمر مع النفسية التي يعاني منها الشيخ محجوب ،وتكثف ألمه ومعاناته ،وهنا يتمثل الصراعان المزدوجان :الصراع الداخلي –
متمثال في رثائه لحاله التي أضحت ضيقا بعد بسطة ،وكآبة وهما بعد سرور وسعادة ،والصراع الخارجي – متمثال في نفور الناس عنه
وتكالب الدنيا عليه بانعدام مصدر الرزق وذهاب المعين.
ينطلق الكاتب في تبريز الحدث منطلق (الراوي) السارد العليم الذي يدرك ما تخفيه الصدور ،فنجده يصور لنا ما يدور في خلج الشيخ من
تذكر ألوضاعه المعيشية وسالف عهده الذي أضاعه في اللهو بعد أن كان ميسور الحال ،وما آلت إليه أحواله اآلن ،رغم أن القارئ يجده
مع جريان الحدث وانسيابيته كأنما ,يتحول إلى وصف محايد وهو في الحقيقة قد انطلق من قراءة داخلية لما يعتمل في صدر الشخصية
التي هي الشيخ محجوب.
من الجلي أن الكاتب يهدف من هذا النص إلى إبراز مشكلة الفقر في المجتمع الريفي السوداني ،وما يعانيه المرء من ضيق الحال وشح
المال ،ويطرح حال لها وهو خروج األبناء للعمل في بالد الخارج ومعاونة أهلهم على تحسين أحوالهم المعيشي
- 2دراسة القصّة
يبدأ الكاتب القصة بحالوة االيمان ,وعذوبة ربط االعتقاد وبالسلوك االسالمي "يفتح هللا" ذلك المفتاح الذي يضعك منذ اللحظة االولى في
ً
حماية له من جو ايمانيٍ تحيطه ارادة هللا ليكون تلخيصا ً لمبدأ ذلك الفالح ألشيخ محجوب الخارج من اعماق الريف جاعالً من هذه العبارة ٍ
التاجر حسين" .يفتح هللا" ينطق بها الشيخ محجوب الفالح الذي ال يملك من دنياه غير هذا الدعاء ,ونخلته التي يساوم عليها الستقبال
مناسبه عزيزة ,على قلبه هي عيد االضحى.
ً ً ً ً ً
يوظف الكاتب تقنية االسترجاع في قصته محققا من خاللها قدرا عارما ,من المفارقة التي تعد ملمحا بارزا في نصوص الطيب صالح
القصصية ونرى ذلك حين يستعيد شيخ محجوب ماضيه السابق(يعود خمسا ً وعشرين عاماً ,الى الوراء)لتحدث مقارنة بين ذلك الماضي
البهيج وهذا الحاضر المؤلم.
يستمد الطيب صالح صوراً من البيئة السودانية :غابة النخيل ,احواض الذرة ,الساقية ,القطعان(الضأن والماعز)...
وذلك لينقل لنا مكانية ,النص ويربطها بأحداث القصة التي تجري وتقوم في قرية ريفيه في قرى السودان فنرى هذا المكان ببساطة العيش
وبدائية الحياة وانسيابية التعايش ,البشري مع النبات والحيوان.
ُأ
اما الزمان ,فالمشهد يقع في اليوم السابق ليوم العيد(عيد االضحى) حيث الناس مسرورون بقدومه .حضروا الجديد من المالبس و ضحيتهم
اال الشيخ محجوب الذي كان ,في تلك اللحظة يساوم على بيع نخلته.
تتكئ نخله على الجدول اذاً على تفعيل آلية التذكر فالحدث المركزي ,بداخلها(بيع النخلة) ,قاد ٌر على استعادة حوادث اخرى ترتبط بتاريخ,
امتالك شيخ محجوب لهذه النخلة التي اصبحت فيما بعد جزءاً ال يتجزأ منه .فأصبح لها حضوراً الفتا ً وهاما ً في حياته حيث ترتبط لديه
بذكريات سعيدة وتبدل ايجابيا ً في مسار حياته(وصارت الحياة رغداً كأنما ,استجاب هللا دعاءه يوم شق في االرض على حافة الجدول
وغرس النخلة ,لقد استغنى عن أبيه وبنى لنفسه بيتاً).
اللغة في القصة:
ً ً ً ً
ظهر الطيب صالح متمكنا ,قابضا على زمام اللغة العربية باعتبارها ,صيغة مركزية من صيغ بناء العمل السردي .منتبها وواعيا الى
ضرورة مالءمة اللغة للشخصيات المختلفة فنجد اللغة عالية في السرد عندما يتحدث الراوي بينما تهبط الى العامية السودانية عندما ,تكون
على لسان الصغار .ونجد اللغة العامية في الحوارات الشفوية التي دارت بين الشخصيات وهو ينزل اليها(للعامية) ,لتناسب مقام المتحدث
ذاته فحين تتحدث آمنه الصغيرة ,تقول( :الناس دالو ود ست البنات دا من مصر وداب لنا معا دواب من حسن أخوي) حيث نالحظ ان
لسان الطفلة لم يستقم على االحرف الصحيحة بعد ,مثل :داب -جاب ,دواب -جواب.
لم تخ ُل لغته من صبغ ٍة ديني ٍة كتضمينه ,آيات من القرآن الكريم او بعض األدعية كقوله" :بسم هللا ما شاء هللا ال حول وال قوة اال باهلل"" ,انا
فتحنا لك فتحا ً مبيناً ..سورة الفتح" .وتار ًة يوظف الشعر الشعبي:
"الدنيا بتهينك والزمان ,يوريك وقل المال يفرقك من بنات واديك"
وبذلك استطاع ان يضمن لقصصه بواسطة هذه اللغة العالمية والقبول االوسع ,توظيف اللهجة المحكية السودانية سببه وهدفه هو تكثيف
الواقعية في القصة (سواء كان بالجمل التي قيلت على لسان الصغير هاو ببيت الشعر او بأسماء ,النباتات التي ذكرها).
الواقعية االجتماعية ,في القصة:
يعرض الطيب صالح في قصته نخله على الجدول عدداً من العادات والتقاليد التي تميّز البيئة السودانية مثل االستعداد للعيد(لعيد
االضحى) وذبح األضحية وشراء المالبس الجديدة والتوجه للمسجد ألداء الصالة.
كل ما يتعلق بالعرس واالستعداد له مثل ,لبس حريرة العرس والتمسح بالدلكة ووضع الضريرة ,على الرأس واالغاني واالهازيج.
تسمية المولود تيمنا ً بالجدة ووفاء لذكراها.
التبرك والتيمن بإسقاء النخلة من ابريق الوضوء وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم عليها لتنمو وتكبر بشكل افضل.
النقوط في العرس ,تبرعات للعرس(خمسة قروش) وزجاجة من السمن وكيالً من أجود انواع التمر...
المرسال القادم من مصر ليطمئن االهالي على اوالدهم في الغربة..
نبوءة الشيخ ود دويلب.
العبارة الدالة-الموتيف (يفتح ,هللا):
تكررت عبارة ,يفتح هللا بالنص عدة مرات وفي كل مره حملت معنى وداللة مختلفة فعندما قال الشيخ محجوب "يفتح هللا انا تمرتي ال
أبيعها" دلت هذه العبارة ,على رفض البيع وصرف المشتري ..وردد الرجل في نفسه يفتح هللا وقاده ذلك الى التفكير في سورة الفتح ,
داللة" يفتح هللا "هنا تغيرت فأخذت تحمل في طياتها االمل حيث أخذ ذلك من المعنى الخفي وربطه في اآلية القرآنية ..يفتح هللا على لسان
التاجر(صفحه)120 ,فيها نو ٌع من القبول المبطن بالتهديد والسخرية والشماتة (يفتح هللا ,يفتح هللا ,باكر بتجي اتدور الدين).
المفارقة في القصة:
توقعنا ان العم محجوب سيبيع النخلة ألنه عانى وذاق االمرين ولكنه في النهاية لم يبعها , ,ولم يدعنا الطيب صالح ان نعيش تلك النهاية
كما توقعناها ففاجأنا في النهاية غير الدرامية لتزداد القصة قوة وتماسكا ,وتكتسب ابعادا جديدة ,ويكسبها ,بهاء ذلك البعد االيماني في
خاتمتها ,المفاجئة ,وايضا لتظل النخلة على الجدول شامخة مثلما أرادها شيخ محجوب حين قاوم أقسى الظروف الحياتية ورفض بيعها.
المغزى من وراء القصه:
جاءت قصة نخله على الجدول لتعالج قضيتين هامتين في المجتمع السوداني
أولهما انتهازية التجار واصحاب رؤوس االموال واستغالل الفقراء الفالحين وبهذا يسلط الكاتب الضوء على قضيه اجتماعيه ,من الدرجة
االولى(البساطة والفقر امام القوه ورأس المال)... ,
ً
أما القضية الثانية فهي قضيه ذاتيه وهي قضية االيمان باهلل وبالقضاء والقدر التي كانت سببا في حل أزمة شيخ محجوب.
يظهر لنا الطيب صالح في هذه القصة مثاالً للمسلم المتدين حتى النخاع.
كتابات ,الطيب صالح رافضه لالنتهازية ,ولالستغالل متأثره بالمدرسة الواقعية االشتراكية التي سيطرت على المزاج االدبي بالخمسينات
من القرن الماضي .وال ُتخفينا النظرة االشتراكية التي ظهرت في كتاباته ,مما جعلت البعض يعتقد ان الطيب صالح من الشيوعيين,
االشتراكيين ولكن من ناحيه اخرى برز في أدبه ايمانه باهلل مما ,جعل االسالميين يعتبرونه من رجاله .ولكن في الحقيقة الطيب صالح لم
يحسب ال على االسالميين وال على االشتراكيين انما هو واح ٌد من ابناء المجتمع السوداني الذي اهتم لقضاياه ,وسكب معاناته ,داخل
قصصه.
مالحظات:
في القصة صراعان ,مزدوجان:
الصراع الداخلي :متمثالً في رثاء الشيخ محجوب لحاله التي اصبحت ضيقا ً بعد بحبوحة اقتصاديه وكآبة وه ّما ً بعد سرور وسعادة.
الصراع الخارجي :متمثالً في انعدام مصدر الرزق وذهاب المُعين(ساعده االيمن,-حسن) وابتعاد الناس عنه وتكالب الدنيا عليه.
الواقعية في القصة:
الشخصيات األسماء) :محجوب ,التاجر حسين ,اسماعيل ,الحمار ,عائلة العم محجوب.
االماكن:الجدول ,الضيعة ,السودان ,الخرطوم ,المسجد ,مصر ,الصعيد ,النيل.
االحداث:العادات والتقاليد -االستعداد للعيد ,عملية الزرع(النباتات),العرس ,واالستعداد له, ,السفر ,الصالة ,التجارة.
اللغة :أبيات شعرية ,مالءمة اللغة للشخصية واالحداث ,تطعيم اللغة العامية ,االقتباس من القرآن الكريم.
زاوية األشراف كلية :الراوي المشرف العليم بكل شيء
.1يعرف عن الشخصيات كل شيء
. 2يعرف ما يدور في ذهن الشخصية (أي يغوص الى اعماق الشخصية ويصورها وهي تف ّكر وكيف تشعر . )...يكون الراوي العليم بكل
راو متدخل واحيانا يمزج صوته بصوت الشخصية المركزية فيصعب شيء متدخالً وقد يكون محايداً في قصة "نخلة على الجدول" .هو ٍ
التفريق بينهما( ,أال ما كان أبرك هذا ألعام.)..
التدوير:
فيه يبدأ الكاتب قصه بنقطه معينه(جمله,-عباره)وينهيها ,بذات العبارة(يفتح ,أهلل)
الهدف :تأكيد على فكرة الكاتب او قصد الكاتب من وراء العبارة ,او محاولة اقناعنا ,كقرّ اء بها .وهنا ترتبط عبارة "يفتح أهلل" بالموروث
الديني وااليمان الراسخ في نفس الشيخ محجوب.
- 3اسئلة على القصّة وردت في امتحانات سابقة :
من قصّة "نخلة على الجدول" للطيّب الصالح
وقبل أن ينطلق الحمار بعي ًد ا أبصر محجوب ابنته الصغيرة تهرول نحوه مضطربة فرحة .فتحرّ ك في قلبه أمل بدا عسيرً ا مستحيالً أبعده
عنه .ولم ينتظر الطفلة ريثما تصل ،بل أسرع نحوها يسألها عن الخبر )شنو؟ مالك؟( وحاولت الصبية أن تفضّ إليه النبأ بصوت متكسّر
ألثغ) :الناس ...دالو ودست البنات دا من مسر ...وداب لنا معه دواب من حسن أخوي( .جواب من حسن؟ وانطلق الرجل كالمجنون ,ال
يف ّكر وال يعي ينبض قلبه معرب ًدا بين جنبيه .يطغى األمل بين حناياه ,مرّ ة على اليأس ،ويفيض اليأس تارة فيغرق األمل .وابنته الصغيرة
تمسك بطرف ثوبه الم ّت سخ ،تسرع جاهدة لكي تمشي معه ،وهي أثناء ذلك تتباكى محتجة على خطوات أبيها المسرعة .وفي بيت )ناس
ست البنات( انتظر محجوب بين صفوف المستقبلين .وفي غمرة اضطرابه لم يفت عينه المستطلعة رجال يعرفهم جاؤوا يسألون عن
يعرفهن جئن يسألن عن أزواجهنّ وأبنائهنّ ,.كلهم آمال مثل آماله ،تجاذب اليأس ويغالبها اليأس .ولم تخطئ عينه ّ, أبنائهم وأقاربهم ،ونسوة
الشاب الذي عاد من مصر ،ودست البنات يرتدي مالبس نظيفة كك ّل عائد من السفر ،ويتكلّم لهجة غريبة ,على شيخ محجوب ،بادي الثقة
بادي الكبرياء .وأخيرً ا لمح الشاب الشيخ محجوب بين المستقبلين فدلف نحوه مبتسمًا ,.وشعر الرجل بالضيق والحرج ،إذ تحوّ لت ك ّل
األبصار نحوه .ولم يع شيخ محجوب من كالم مح ّد ثه إال ال )حسن مبسوط -قال لك تعفي عنه .أرسل لك ثالثين جنيه وطرد مالبس(.
وفي الطريق إلى بيته تحسّس الرجل رزمة المال التي صرَّ ها ج ّي ًدا في طرف ثوبه ،ث ّم غرس أصابعه في الطرد السمين تحت إبطه،
عل إلى غابة ,النخل الكثيفة الممتدّة عند أسفل البيوت ،وتميّز في وسطها نخلته ،ممشوقة متغطرسة جميلة تتالعب وانحدر طرفه من ٍ
بجريدها نسمات الشمال .وخيّل إليه أنّ سعف النخلة يرتجف مسبّحً ا) :يفتح هللا ،يفتح هللا(
.أ.اشرح العالقة بين ك ّل من آمنة وحسن من جهة ووضع أبيهما المادّي من جهة أخرى) .
الشيخ محجوب نوعان من الصراع عند معرفته بخبر وصول جواب من ابنه حسن .حدّد معالم هذين النوعين ،واشرحهما) . َ ب.تجاذب
َ
----------------------------------
من قصّة "نخلة على الجدول" للطيّب الصالح
!" . . .يفتح هللا"
ّ
تشتر بعد ت كبش الضحية! وأقسم لوال أنني" ِ عشرون جنيهًا يا رجل ،ح ّل منها ,ما عليك من دين ،وتصلح بها حالك .وغ ًدا العيد ،وأنت لم
أريد مساعدتك ،فإنّ هذه النخلة ال تساوي عشرة جنيهات" .وململ حمار حسين التاجر في وقفته .ولم يكن صاحبه قد ترجّ ل عنه ،فإ ّنه لم
يرد أن يظهر للشيخ ت محجوب تلهّفه على شراء النخلة ذات البنات الخمس ،التي يسمّيها ,السودانيون في الشمال "األساسق" ،وقد قامت
وسطها النخلة األ ّم ،ممشوقة متغطرسة ،تتالعب بغدائرها النسمات الباردة التي هبّت من الشمال حمل ت قطرات من مياه النيل .ورأى
الحمار األبيض البدين حمارة أنثى ترعى عن بعد بين سيقان الذرة .فنهق نهي ًقا أجهش ممت ًّدا ،ث ّم رفع رجله الخلفية اليسرى ووضعها،
ورفع رجله األمامية اليمنى ووقف على حا ّفة حافره ،وتشاغل بخصل من نبات "السّعدة" الريّانة التي مت على حا ّفة الجدول ،وكأ ّنه قد
والحق أنّ حسين التاجر ،بثيابه البيضاء الفضفاضة ،وعباءته السوداء التي ّ تبرّ م بهذه المساومة الطويلة التي لم يكن ن من ورائها طائل.
اشتراها في زيارة له للخرطوم ،وعمامته من "الكرب" مره واحد ،وحذائه األحمر الذي لم تخرج أيدي ص ّناع "المراكيب" في الفاشر ن
أجود منه ،وحماره ,األبيض البدين الالمع ،والسرج األحمر المدهن ،والفروة الب ّنية التي تدلّت وكادت مسّ األرض ،تكان صورة مجسّمة
.للكبرياء ,والغطرسة
.أ.يعكس النصّ أعاله الصعوبات التي يمرّ بها الشيخ محجوب .ما هي هذه الصعوبات؟ وهل وجد لها حال اًل ؟ وضّح
) .ب.اذكر نوع اإلشراف في النصّ أعاله ،ث ّم بيّن اثنتين من ميزاته (
------------------------------------------------
من قصّة "نخلة على الجدول" للطيّب صالح
وتمتم شيخ محجوب في صوت ال يكاد يُسمع ،شيء يشبه التوسّل واالبتهال« ,:يفتح هللا» ،وز ّم شفتيه في ت عصبية ،وعاد بعقله خمسة
وعشرين عا ًما ,إلى الوراء .أال ما أعجب تقلّبات هذا الزمن! لقد كان يومئذ شا ًّبا قو ًّيا أعزب لم يبلغ الثالثين بعد ،يعمل في ساقية أبيه مقابل
كسوته وشرابه .فلم يكن يحتاج إلى المال ،ولم يكن يعرف له قيمة .وفي ذات صباح مشرق من أصباح الصيف ،مرّ بابن عمّه إسماعيل،
وكان األخير منهم ًكا ,يقلع الشتل ليغرسه في أماكن ,أخرى من أرض الساقية .ووقع نظر محجوب على شتلة صغيرة ,رماها إسماعيل
بعي ًدا ،على أ ّنها خليّة من «األضراس» ال تصلح .فالتقطها محجوب ونفض عنها التراب ،وقال البن عمّه ضاح ًكا« :باكر تشوف دي
شق محجوب حفرة تبقى مرة زيّ العجب» .وتب ّسم إسماعيل في سخرية ،واستغرق في عمله .وعلى حا ّفة الجدول ت قريبًا من الساقيةّ ،
«النخيْلة» وواراها التراب وفتح لها الماء ,بعد أن تال آيات من القرآن ور ّدد في شيء من الخشوع« .بسم هللا ،ما شاء َ صغيرة ,وضع فيها
ينس أن يصبّ في الحفرة قليالً من ماء اإلبريق هللا ،ال حول وال قوّ ة إال ال باهلل» ،مثلما يفعل أبوه كلّما غرس ,شتلة أو حصد نب ًتا .ولم َ
ضُأ به أبوه تي ّم ًنا وتبرّ ًكا
.الذي يتو ّ
.أ.تظهر في النصّ أعاله عالقة محجوب بالنخلة منذ أن كانت شتلة
) .بيّن ذلك
ب.اإلشراف في قصّة "نخلة على الجدول" هو إشراف كلّي .استخرج من النصّ أعاله مثاالً واح ًدا يد ّل على ذلك ،ث ّم بيّن لماذا اعتبر َته (
.إشرا ًفا كلّ ًّيا
تحليل قصة "نخلة على الجدول"
- 1المضمون:
تتخذ األحداث مكانها في قرية ريفية من قرى السودان ،حيث تجتمع مقومات الحياة المختلفة بشكل متكامل لتشكل خلفية فنية للحدث
الذي ال بد وأن يتفق مع الخصائص المكانية للنص؛ فـنجد "الشيخ محجوب" يتأمل الصور:
غابة النخيل – أحواض الذرة الناضجة التي لم تحصد بعد – األحواض الجرداء العارية التي قطعت منها الذرة – نخلة محجوب-
ساقية أبيه -سرحت على بقاياها قطعان الضأن والماعز – حمار حسين التاجر – جمع الحشيش للنعجة وأشركها طعامه وأنامها في
فراشه – حمار التاجر ...الخ
هذه الكائنات المتفرقة إذا جمعناها ومزجناها في قالب واحد الستطعنا أن ننظر إلى الزاوية المكانية التي تجري فيها األحداث من
خالل عدسة مقعرة ،لنرى كيف يتسم هذا المكان ببساطة العيش ،وبدائية الحياة ،وانسيابية التعايش البشري مع النباتي والحيواني،
وكيف تعمل هذه الخصائص على صياغة الحدث الذي يتوقع أن يتناسب وإياها في القرية البسيطة التي يستقل أهلها الحمير للركوب،
ويلبس العمامة على رأسه ،ويقتات على النخلة.
أما الزمان فالمشهد يقع في اليوم السابق ليوم العيد،ـ حيث الناس مسرورون بمقدمه وقد ابتاعوا ألنفسهم الجديد من الملبس والوافر من
الرياش استعدادا وبهجة ،فيقول:
" أجل .غدا عيد األضحى حين يخرج الناس مع شروق الشمس في ثيابهم الجديدة،ـ ويصلون مجتمعين على مقربة من ضريح الشيخ
صالح "
كما أن هناك عوامل زمنية أخرى ،وهي وإن لم تكن مباشرة ولكنها تؤثث للحدث ،وتنزع نحو تكثيفه بصورة أكبر؛ حتى يتصور
القارئ الوضع بكل تفاصيله فيتفاعل مع الحدث ،وتتمثل مثال في :كبر سن الشيخ محجوب ،ووصول ابنه حسن سن المراهقة
وخروجه عن العائلة متوجها إلى مصر للعمل فيها وقد أمضى خمس سنوات لم يرسل ألهله كتابا ،وزواج ابنته خديجة وانتقالها
للعيش مع زوجها في صعيد مصر .فهذه الخصائص الزمانية ال تقل أهمية عن الزمان اآلني في تشكيل صورة أوسع عن الحالة التي
عليها الشخصية ،و هذه العوامل تعمل مجتمعة على تسيير الحدث وبناء الحبكة.
هذه المشاحنات المكانية والزمانية المتراكمة على كاهل الشيخ محجوب شكلت منه شخصية تصارع هموما وأحزانا ،وتبغي من هذا
خالصا زائفا ال يستنقذه منه إال الحظ .ويالحظ أن الطيب صالح قد تمكن من صنع شخصيته وإبراز مالمحها النفسية المكتئبة.
تبدأ أحداث القصة بالشيخ محجوب وقد ثقل عليه ه ّم العيدـ في ظل معاناته الفقر ،وتكبدهـ حاله الرثة ،وعدم مقدرته على توفير الملبس
الجديد لزوجته ،وابنته التي يتصاعد الحدث بمطالبتها إياه بأن يوفر لها فستانا كفساتين أترابها فيزداد ألمه الداخلي بمجرد تفكيره في
ذلك .وحين يرفض التاجر حسين أن يقرضه المزيد من المال فإن الدنيا تسود في عينيه ،فتتعقد الحبكة تدريجيا ،وآنذاك يظل الشيخ
غير قادر على أن ينفك من التفكير في كيف سيواجه الناس صباح العيد بمالبسه القديمة .وتصل العقدة ذروتها حين يتذكر ابنه حسن
الذي هجرهم منذ خمس سنوات للعمل في مصر دون أن يتلقوا منه كتابا واحدا وهو من ترعرع بين أحضانه وأكل من كسب يده،
وفجأة يصطدم هذا التضارب النفسي بخبر تسوقه آمنة الصغيرة مبشرة بخبر وصول جواب من حسن .هنا يبدأ الحدث بالتناقص
والحبكة باالنفكاك ليجد أن ابنه قد أرسل له طردا به مالبس جديدة وصرة نقود يدفع بها عوزه ،فينطلق على حماره مسرورا جذالنا.
إذن فالشيخ محجوب يمثل الشخصية البطل التي تثبت صفاتها على طول مجرى القصة في سمات البساطة والفقر ،ولكنها تمتزج
وتتفاعل مع المحيط من حولها والظروف التي تعاني منها (كالفاقة إبان العيد،ـ ونفور ابنه والناس عنه ،واقتصار قوته على نخلة جريد
يتيمة)،ـ وتتفاعل مع شخصيات أخرى في المجتمع تمثل شخصيات معارضة كحسين التاجر الذي يرفض أن يقرضه مزيدا من المال
وهو في أوضع أحواله ،وكذلك ابنته آمنة التي تطالبه بثوب جديد للعيد كأثواب صويحباتها وهو يتألم في نفسه من عدم قدرته على
توفيره خصوصا وأنه فقد كل ممتلكاته من الغنم والبقر ،وابنه حسن الذي هجرهم ونساهم وهم في حال يرثى لها .هذه الشخصيات
تظل في تصادم مستمر مع النفسية التي يعاني منها الشيخ محجوب ،وتكثف ألمه ومعاناته ،وهنا يتمثل الصراعان المزدوجان:
الصراع الداخلي – متمثال في رثائه لحاله التي أضحت ضيقا بعد بسطة ،وكآبة وهما بعدـ سرور وسعادة ،والصراع الخارجي –
متمثال في نفور الناس عنه وتكالب الدنيا عليه بانعدام مصدر الرزق وذهاب المعين.
ينطلق الكاتب في تبريز الحدث منطلق (الراوي) السارد العليم الذي يدرك ما تخفيه الصدور ،فنجده يصور لنا ما يدور في خلج الشيخ
من تذكر ألوضاعه المعيشية وسالف عهده الذي أضاعه في اللهو بعد أن كان ميسور الحال ،وما آلت إليه أحواله اآلن ،رغم أن
القارئ يجده مع جريان الحدث وانسيابيته كأنما يتحول إلى وصف محايد وهو في الحقيقة قد انطلق من قراءة داخلية لما يعتمل في
صدر الشخصية التي هي الشيخ محجوب.
من الجلي أن الكاتب يهدف من هذا النص إلى إبراز مشكلة الفقر في المجتمع الريفي السوداني ،وما يعانيه المرء من ضيق الحال
وشح المال ،ويطرح حال لها وهو خروج األبناء للعمل في بالد الخارج ومعاونة أهلهم على تحسين أحوالهم المعيشي
- 2دراسة القصّة
يبدأ الكاتب القصة بحالوة االيمان وعذوبة ربط االعتقاد وبالسلوك االسالمي "يفتح هللا" ذلك المفتاح الذي يضعك منذ اللحظة االولى
ايماني تحيطه ارادة هللا ليكون تلخيصا ً لمبدأ ذلك الفالح ألشيخ محجوب الخارج من اعماق الريف جاعالً من هذه العبارة
ٍ في ج ٍو
حمايةً له من التاجر حسين" .يفتح هللا" ينطق بها الشيخ محجوب الفالح الذي ال يملك من دنياه غير هذا الدعاء ونخلته التي يساوم
عليها الستقبال مناسبه عزيزة على قلبه هي عيد االضحى.
يوظف الكاتب تقنية االسترجاع في قصته محققا ً من خاللها قدراً عارما ً من المفارقة التي تعد ملمحا ً بارزاً في نصوص الطيب صالح
القصصية ونرى ذلك حين يستعيد شيخ محجوب ماضيه السابق(يعود خمسا ً وعشرين عاما ً الى الوراء)لتحدث مقارنة بين ذلك
الماضي البهيج وهذا الحاضر المؤلم.
يستمد الطيب صالح صوراً من البيئة السودانية :غابة النخيل ,احواض الذرة ,الساقية ,القطعان(الضأن والماعز)...
وذلك لينقل لنا مكانية النص ويربطها بأحداث القصة التي تجري وتقوم في قرية ريفيه في قرى السودان فنرى هذا المكان ببساطة
العيش وبدائية الحياة وانسيابية التعايش البشري مع النبات والحيوان.
اما الزمان فالمشهد يقع في اليوم السابق ليوم العيد(عيد االضحى) حيث الناس مسرورون بقدومه .حضروا الجديد من المالبس
وُأضحيتهم اال الشيخ محجوب الذي كان في تلك اللحظة يساوم على بيع نخلته.
تتكئ نخله على الجدول اذاً على تفعيل آلية التذكر فالحدث المركزي بداخلها(بيع النخلة) ,قاد ٌر على استعادة حوادث اخرى ترتبط
بتاريخ امتالك شيخ محجوب لهذه النخلة التي اصبحت فيما بعد جزءاً ال يتجزأ منه .فأصبح لها حضوراً الفتا ً وهاما ً في حياته حيث
ترتبط لديه بذكريات سعيدة وتبدل ايجابيا ً في مسار حياته(وصارت الحياة رغداً كأنما استجاب هللا دعاءه يوم شق في االرض على
حافة الجدول وغرس النخلة ,لقد استغنى عن أبيه وبنى لنفسه بيتاً).