Professional Documents
Culture Documents
كــلــٌـــــــة اآلداب
قسم التارٌخ
تـاريـخ الرومان
إعــــداد
3
فهرس المحتوٌات
5
الفصل األول :جغرافٌة بالد الرومان
81
الفصل الثانً :سكان إٌطالٌا األوائل
31
الفصل الثالث :نشأة مدٌنة روما
61
الفصل األول :سٌطرة روما على شبه الجزٌرة
االٌطالٌة
844
الفصل الرابع :تدهور الجمهورٌة الرومانٌة
4
الفصل األول
جغرافٌة بالد الرومان
5
الخلفٌة الجؽرافٌة لتارٌخ الرومان
إن تارٌخ أصحاب الحضارة الزاهرة التً قامت قدٌمًا فً شبه جزٌرة البلقان
وانتشرت فً أرجاء البحر المتوسط وإلى ما وراءه ٌدعً تارٌخ اإلؼرٌق أو تارٌخ
ببلد اإلؼرٌق أو تارٌخ العالم اإلؼرٌقً ،على حٌن أن تارٌخ أصحاب الحضارة
الزاهرة األخرى التً قامت قدٌمًا فً إٌطالٌا وانتشرت بدورها فً أرجاء العالم
القدٌم ٌسمى تارٌخ الرومان أو تارٌخ روما أو تارٌخ العالم الرومانً .ومعنى ذلك
أنه فً الحالة األولى ٌنسب التارٌخ إلى اإلؼرٌق كافة أو إلى ببلدهم جملة إلى ،بٌد
أنه فً الحالة الثانٌة ٌنسب التارٌخ إلى الرومان أو إلى مدٌنة روما دون باقً سكان
إٌطالٌا او باقً المدن التً عرفتها إٌطالٌا فً العصور القدٌمة .ومرد ذلك أساسا إلى
أنه فً الحالة األولى لم تسٌطر مدٌنة اؼرٌقٌة واحدة على باقً العالم اإلؼرٌقً أو
تنفرد بلعب الدور األول فً تارٌخ اإلؼرٌق .وأما فً الحالة الثانٌة فإن مواطنً
روما نجحوا فً أن ٌجعلوا من مدٌنتهم الصؽٌرة دولة قوٌة ذات بؤس استطاعت أن
تبسط سلطانها تدرٌجٌا حتى سٌطرت على إٌطالٌا بؤجمعها ثم على كل أقالٌم البحر
المتوسط ،مما حدا بالرومان إلى أن ٌدعوه « بحرنا .) mare nostrum( ،
وهكذا نجحت روما حٌث أخفقت أثٌنا و اسبرطة وطٌبة بل الممالك اإلؼرٌقٌة
الكبٌرة التً أقٌمت بقوة السبلح على أنقاض إمبراطورٌة اإلسكندر األكبر.
وتتكون إٌطالٌا من إقلٌمٌن ربٌسٌٌن ٌختلؾ أحدهما عن اآلخر اختبلفا كبٌرا من
حٌث خصابصها الطبٌعٌة .وأحد هذٌن اإلقلٌمٌن ٌإلؾ الجزء الشمالً من إٌطالٌا ،
6
وهو عبارة عن سهل فسٌح تطوقه سلسلة جبال األلب على هٌبة هبلل ؼٌر منتظم
ٌمتد من البحر األدرٌاتً قرب ترٌستا حتى البحر المتوسط قرب نٌس على الرٌفٌٌرا
الفرنسٌة ،حٌث تنفرج جبال األلب عن ممر ٌسهل عن طرٌقه بلوغ شمال اٌطالٌا .
وفً الطرؾ الشمالً الشرقً لجبال األلب ٌوجد ممر على ارتفاع حوالً 054مترا
.وإذا كان ارتفاع الممرات الموجودة فً وسط هذه الجبال وؼربها ٌتراوح بٌن
أربعة وستة أمثال ذلك تقرٌبا ،فإن روافد نهري الراٌن والرون تٌسر الوصول إلى
هذه الممرات .وقد كان طبٌعٌا أن ٌترتب على وجود هذه الممرات أن جبال األلب
ً
حاجزا مان ًعا فً وجه الهجرات القادمة من داخل القارة األوروبٌة. لم تكن
وٌقدر اتساع األقلٌم الشمالً من الشرق إلى الؽرب بحوالً ۰44کٌلو متر ومن
الشمال إلى الجنوب بحوالً خمس ذلك .ووادي نهر البو ( ، ) Padusوهو أعظم
أنهار اٌطالٌا كافة ٌ ،شؽل أكثر أنحاء هذا السهل .ونهر البو ٌنبع من جبال األلب
فً الؽرب ،وبعد أن تؽذٌه روافد كثٌرة ٌصب فً البحر األدرٌاتً فً الشرق .
ولما كان هذا السهل قد تكون من الرواسب الطمٌٌة التً حملتها فً ركابها مٌاه البو
وروافده من جبال األلب ،وكانت هذه المٌاه تتدفق بؽزارة على مدار العام ،فإنه
على هذا النحو تهٌؤ لهذا السهل الفسٌح عامبلن ربٌسٌان الزدهار الزراعة فٌه ،
وهما خصوبة التربة ووفرة المٌاه .بٌد أن المستنقعات ،والؽابات كانت تؽطً
جنبات هذا السهل فً بداٌة األمر ،وتبعا لذلك فإن قٌام الزراعة وانتشارها فً
أرجابه اقتضٌا تسخٌر جهود بشرٌة طابلة على مدى قرون طوٌلة.
واالقلٌم اآلخر ٌإلؾ الجزء الجنوبً من اٌطالٌا وٌتكون من شبه جزٌرة تقع بٌن
البحر التٌرانً فً الؽرب والبحر األدرٌاتً فً الشرق ،وتمتد من الشمال الؽربً
صوب الجنوب الشرقً لمسافة حوالً ۰444کٌلو متر دون أن ٌزٌد عرضها فً
أي مكان على ۰44کٌلومتر .وعلى حٌن أن اإلقلٌم الشمالً ٌفتقر إلى شواطا
7
طوٌلة ،و تطوقه سلسلة جبال األلب دون أن تخترقه ،وٌخلو من البراكٌن ،تحؾ
الشواطا باإلقلٌم الجنوبً على طول
امتداده ،وتشقه سلسلة جبال األبنٌن وكؤنها عموده الفقري -على حد قول المإرخ
الرومانً لٌفٌوس -وتوجد فً بعض مناطق الشاطا الؽربً والجزر المجاورة له
عدة براكٌن بعضها خامدة ( شمالً نهر التٌبر وجنوبٌة فً اترورٌا Etruria
والتٌوم Latiumوقمبانٌا ) Campaniaوبعضها اآلخر ما زالت تمارس
نشاطها منذ العصور القدٌمة ( فٌسوفٌوس فً كامبانٌا بالقرب من خلٌج نابولً ،
وأسترامبولً بؤحدى جزر لٌباري وأتنا فً صقلٌة ) .وبرؼم ما كانت لثورات
البراكٌن من نتابج مدمرة وقت حدوثها .فإن نتابجها على المدى الطوٌل كانت مفٌدة
،ذلك أن ما قذفته من حمم ساعد على تكوٌن تربة جٌدة صالحة بوجه خاص
لزراعة الكروم .وآٌة ذلك أن أرض كامبانٌا البركانٌة أخصب أراضً إٌطالٌا .
وإذا كان من شؤن الطٌن المسٌك الذي ٌإلؾ الطبقات التالٌة للطبقة البركانٌة
الخصبة العلٌا فً سهول أترورٌا والتٌوم أنه كان ٌجعل هذه الطبقة عرضة ألن
تحولها ا ألمطار إلى مستنقعات ،فإن هذه السهول استطاعت بفضل أعمال الصرؾ
والكفاح الدإوب انتاج حاصبلت وفٌرة على مدى قرون عدٌدة ،بل انها حتى فً
حالة ؼمرها جزبٌا بالمٌاه كانت تستطٌع أن تهًٌء مراعً جٌدة فً الشتاء لرعاة
الودٌان المجاورة المرتفعة .
وجبال األبنٌن تبدأ عند الطرؾ الجنوبً الؽربً لئلقلٌم الشمالً ،وبعد أن تؤخذ هٌبة
قوس مفلطحة تفصل اإلقلٌم الشمالً عن أؼلب شبه الجزٌرة تنصرؾ نحو اإلقلٌم
الجنوبً فتشقه من شماله حتى جنوبه و تشؽل نصؾ اتساعه تقرٌبا .ومع ذلك فإن
هذه الجبال -شؤنها شؤن البراكٌن -لٌست كلها نقمة على شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ،
فهً أٌضا مصدر خٌر عمٌم لها .ذلك أنه تتخللها كثٌر من الودٌان الخصبة الفسٌحة
،كما أنه فً جهات عدٌدة من هذه الجبال توجد ؼابات كثٌفة ومراع رحبة .وأهم
من ذلك أن هذه الجبال تساعد على تكثٌؾ السحب وهطول األمطار .وتبعا لذلك
فإنه تنبع من هذه ا لجبال أنهار كثٌرة تؽذي الودٌان السفلى بمٌاه الري ،هذا إلى أن
1
الؽابات التً تؽطً منحدرات هذه الجبال تساعد على اختزان المٌاه وتبعا لذلك على
توفٌر المٌاه الجوفٌة .وتبلػ جبال األبنٌن أقصى ارتفاعها فً جانبها الشرقً حٌث
تقترب من شواطا األدرٌاتً اقترابا شدٌ ًدا دون أن تترك سوى شرٌط ساحلً ضٌق
إال عند ابولٌا ( )Apuliaفً الجنوب حٌث ٌوجد سهل فسٌح بهٌیء مراعً ممتازة
للماشٌة واألؼنام .وهذا الشرٌط الساحلً الضٌق تقطعه عدة مجار مابٌة قصٌرة.
وأما الجانب الؽربً لجبال األبنٌن فإنه أقل ارتفاعا وأكثر بعدا عن شاطا البحر
التٌران ً مما أتاح أمرٌن :أحدهما ،هو وجود سهول واسعة هً سهول أترورٌا
والتٌوم وقمبانٌا ،وان كانت تتناثر فً أرجاء هذه السهول عدة تبلل مرتفعة .
واألمر اآلخر هو وجود أربعة أنهار كبٌرة نسبٌة وهً من الشمال إلى الجنوب :
األرنوس ( )Arnusوالتٌبر ( )Tiberولٌرٌس ( )Lirisو فولتورنٌوس
( . )Volturniusبٌد أن الصفة الؽالبة ألكثر األنهار التً تنبع من جبال األبنٌن
أنها سرٌعة الجرٌان شدٌدة التدفق ،تندفع كالسٌل الجارؾ لتصب فً البحر وتلقً
بما تحمله مٌاهها من طمى وصخور رملٌة عند مصابها ،حٌث ٌتراكم ذلك كله فٌقل
عمق الماء و تمتد األرض تدرٌجا فً البحر ،وال سٌما أنه ال ٌوجد مد بحري قوي
ٌفتت هذه الرواسب وٌزٌلها .وظاهرة الترسٌب أكثر وضوحا فً بعض األماكن من
ؼٌرها ،ولعلنا نجد خٌر مثل لها عند مصب كل من نهري التٌبر واألرنوس .وقد
ترتب على ذلك نتٌجتان :وإحداهما ،هً أن إٌطالٌا لم تعرؾ موانا نهرٌة كبٌرة
مثل لندن وهمبرج .والنتٌجة األخرى ،هً أنه حٌثما أنشًء بالقرب من مصب
أحد األنهار مٌناء على قدر كاؾ لسد حاجة المبلحة فً العصور القدٌمة كانت
ظاهرة الترسٌب مصدر متاعب دابمة ألولً األمر .ونضرب مثبل لذلك بما حدث
فً حالة أوستٌا ( )Ostiaوهً التً أنشبت أصبل عند مصب التٌبر مباشرة لتكون
مٌناء لروما ،ولكن عوامل الترسٌب عند هذا المصب اضطرت اإلمبراطور
كبلودٌوس Claudiasعند منتصؾ القرن األول للمٌبلد إلى نقل المٌناء عدة
كٌلومترات شمالً الموقع القدٌم .
4
- 3طبٌعة سواحل إٌطالٌا :
وإنه مما ٌستلفت النظر أن سواحل إٌطالٌا ،وهً التً ٌبلػ طولها أكثر من 3444
کٌلو متر قلٌلة التعارٌج فقٌرة فً الخلجان العمٌقة والموانا الطبٌعٌة الجٌدة .
وٌنهض دلٌبل على ذلك أنه لم ٌوجد فً الساحل الشرقً إال مٌناء واحد جٌد هو
بروندٌزٌوم ( )Brundisiumفً أقصى الجنوب ،لكنه لما كان هذا الشاطا قلٌل
السكان فقٌرً ا فً األرض الخصبة .فإنه لم ٌحتج إلى موانا تجارٌة .والساحل
الؽربً اآلهل بالسكان والؽنً باألرض لم توجد فٌه :إال بعض الموانا الجٌدة فً
خلٌج نابولً ومٌناءان جٌدان فً خلٌج جنوة -وهما جنوه ولوناي بورتوس
( = Lunae portusسبزٌا - )Speziaلكن هذٌن المٌناءٌن لم ٌكتسبا أهمٌة
تذكر إال فً وقت متؤخر فً التارٌخ الرومانً .وإذا كانت أوستٌا قد سبقتهما إلى
ذلك فإنها لم تكن مٌناء طبٌعٌة .ومما ٌجدر بالمبلحظة أن موانا خلٌج نابولً
وكذلك المٌناء الكبٌر الوحٌد على الشاطىء الجنوبً -تارنتوم - Tarentum
كانت فً قبضة اإلؼرٌق.
بٌد أنه كان ٌعوض الساحل الؽربً عن فقره فً الموانا الجٌدة ضحالة مٌاه البحر
التً تحؾ به ،مما كان ٌٌسر رسو السفن الصؽٌرة الشابعة أول األمر فً العصور
القدٌمة .ولكنه عندما شاع استخدام السفن الكبٌرة وبدأ القراصنة ٌعتدون على
الموانا المكشوفة تبٌنت على الفور مضار االفتقار إلى الموانا العمٌقة التً ٌسهل
الدفاع عنها .ؼٌر أنه عندبذ كانت روما قد نشرت نفوذها فً إٌطالٌا ووضعت
قبضتها على ما كان فً ٌد اإلؼرٌق من موانا
وأخذت تصطنع موانا جدٌدة لمواجهة نشاطها التجاري .و إزاء ما امتاز به
الساحل الؽربً على الساحل الشرقً لشبه الجزٌرة اإلٌطالٌة من حٌث وفرة العمران
ووفرة األراضً الخصبة واألنهار الكبٌرة نسبًٌا وأسباب التٌسٌر لرسو السفن
وتبادل التجارة قام بدور ربٌسً فً تقدم اٌطالٌا مادًٌا وحضارًٌا.
ه -المناخ :
ومناخ اٌطالٌا بوجه عام من الطراز الشابع فً حوض البحر المتوسط ،فهو جاؾ
صٌفا مطٌر شتا ًء دون إفراط سواء فً درجة الحرارة أم فً درجة البرودة ،وان
كان ذلك ٌتباٌن تباٌ ًنا كبٌرً ا من مكان إلى آخر تبعا الرتفاع المكان عن مستوى سطح
البحر أو النخفاضه عنه ،ولموقعه فً الشمال أو فً الجنوب ،ولقربه من البحر أو
بعده عنه .ونتٌجة النتشار المستنقعات فً أودٌة األنهار وعند مصابها حٌث تراكم
الرواسب وجدت بٌبات مناسبة لتوالد ناموس المبلرٌا ولذلك نكبت اٌطالٌا قدٌما
وحدٌثا بتفشً هذا المرض من حٌن إلى آخر .
-6موقع روما:
كان نهر التٌبر حدا طبٌعٌا ٌفصل بٌن التٌوم وأترورٌا ،وعلى بعد أربعة وعشرٌن
كٌلو متر من مصب النهر كانت تقع روما عند ثنٌتٌن فً مجرى النهر تإلفان شكبل
ٌقارب حرؾ السٌن ( )Sالبلتٌنً .وتحٌط بروما مجموعة من التبلل تقعجانبی نهر
التٌبر ،وٌتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بٌن ۲4-64مترا ،وال ٌزٌد ارتفاعها عن
السهل المجاور عن 34مترا ،وعلى الضفة الٌمنى أو الؽربٌة للتٌبر ٌقع تبلن هما
ٌانٌقولوس Ianiculusفً الجنوب وتل فاتٌكانوس Vaticanusفً الشمال .أما
على الضفة الٌسرى أو الشرقٌة للتٌبر فتقع سبعة تبلل تقؾ منفصلة عن بعضها
البعض فً صفٌن شبه مقوسٌن ،أقربهما إلى النهر أقصر من األخر و أكثر منه
88
تقوسا وٌقابل الثنٌة السفلى للنهر ،وأبعدهما عن النهر أطول من اآلخر وأكثر منه
انفراجا وٌبدأ من الثنٌة العلٌا للنهر وٌمتد حتى منتصؾ الثنٌة السفلى.
ومما ٌجدر بالمبلحظة هنا أمرٌن :أحدهما :أنه إذا كانت روما تسمى عادة مدٌنة
التبلل السبعة ،فإنها لم تشمل التبلل السبعة جمٌعا الواقعة على الضفة الشرقٌة للنهر
إال فً الشطر األخٌر من عصر الجمهورٌة ،وكذلك فً عصر اإلمبراطورٌة عندما
امتدت عبر التٌبر وشملت أٌضا تل ٌانٌقولوس والسهلٌن المجاورٌن لهذا التل من
الشمال ومن الشرق .واألمر اآلخر ،هو أنه عند بداٌة الثنٌة السفلى للتٌبر كان عمق
النهر ٌقل جدا وتتوسط مجراه جزٌرة ،مما جعل هذه المنطقة أٌسر مكان لعبور
النهر فٌما بٌن مصب فً البحر وإلى ما وراء روما لعدة كٌلو مترات .
وبفضل موقع روما تمتعت هذه المدٌنة بمزاٌا طبٌعٌة أسهمت فً بناء مجدها .ذلك
أن وقوعها فً سهل التٌوم هٌؤ لها إقلٌما خصبا إذا عنً بزراعته كان كفٌبل بسد
حاجة عدد كبٌر من السكان ٌتناسب ومساحته .وبفضل تبللها كانت إلى حد ما فً
مؤمن من الفٌضانات التً كان وادي التٌبر بصفة خاصة معرضا لها .وبفضل
موقعها على التٌبر وفً مكان ٌسهل عبوره توفر لها االتصال بالبحر وممارسة
التجارة الخارجٌة دون التعرض لسطو القراصنة .وكذلك السٌطرة على الطرٌق
الربٌسً للمواصبلت فً الشطر الؽربً إلٌطالٌا .هذا باإلضافة إلى وقوع روما
وسط إٌطالٌا على بعد متساو تقرٌبا من أطرفها الشمالٌة والجنوبٌة جعلها المركز
الطبٌعى للمواصبلت فً إٌطالٌا.
81
ثانٌا -موارد الثروة
وقد اشتهرت إٌطالٌا فً العصور القدٌمة بؤن أهم موارد ثروتها كانت الزراعة
وتربٌة الحٌوان .ذلك أن األراضً الواطبة كانت تنتج حاصبلت وفٌرة من مختلؾ
أنواع الحبوب -مثل القمح والذرة والشعٌر -وكذلك من البقول -مثل البازالء
والفاصولٌا وؼٌرها .وتربة كامبانٌا اشتهرت بإنتاج ثبلث حاصبلت متعاقبة فً
العام الواحد .وفً كل أنحاء اٌطالٌا ،فٌما عدا الجهات الجبلٌة ،كانت تزدهر أشجار
الكروم والزٌتون ،وعلى مر الزمن ،وبخاصة منذ القرن الثانً قبل المٌبلد ،ؼدا
استثمار األرض فً هذا اللون من الفبلحة أجدى من استثمارها فً زراعة الحبوب
الؽذابٌة ،مما كانت له نتابج اجتماعٌة وسٌاسٌة خطٌرة .وكانت تؽرس كذلك أشجار
التٌن والنقل ،و بعد اتساع روما فً شرق البحر المتوسط أدخلت أنواع أخرى من
الفاكهة مثل التفاح والكمثري .وأما زراعة الحوامض فإن شؤنها شؤن زراعة األرز
لم تتعلم ها إٌطالٌا من الشرق إال بعد سقوط االمبراطورٌة الرومانٌة بوقت طوٌل .
ولما كانت تتوافر مراع ممتازة لؤلؼنام والماعز والماشٌة والخٌول فً المناطق
الساحلٌة المنخفضة شتاء وفً المنحدرات الجبلٌة صٌ ًفا ،فإن تربٌة الحٌوان كانت
تلً الزراعة فً إٌطالٌا من حٌث األهمٌة .
وفً العصور القدٌمة كانت إٌطالٌا تفوق أؼلب أقالٌم البحر المتوسط من حٌث الؽنً
بالؽابات ،وهً التً كانت تنتشر فً األقلٌم الشمالً على السفوح الجنوبٌة لجبال
األلب وفً وادي البو وعلى امتداد ساحل لٌجورٌا ) (Ligurisوفً اإلقلٌم الجنوبً
على سفوح األبنٌن وفً التٌوم وأودٌة نهر التٌبر وروافده وكذلك فً جنوب أترورٌا
حٌث أعاقت طوٌبل زحؾ الرومان عبر هذا اإلقلٌم .وقد كان الرومان
واألترورٌون أو االتروسكٌون ) ( Etrusciواإلؼرٌق والقرطاجٌون ٌقبلون على
استخدام الخشب اإلٌطالً فً بناء السفن .وكان هذا الخشب ٌستخدم كذلك بكثرة فً
83
المبانً وفً صنع األثاث .وكانت ؼابات أشجار الصنوبر مصدرا هاما للقطران
والصموغ ،كما أن أحراج أشجار البلوط والزان والقسطل كانت توفر علفا ثمٌنا
لقطعان الخنازٌر .ومن المرجح أن إٌطالٌا كانت قدٌما أؼنً بؽاباتها مما هً الٌوم
،بل ٌبدو أنه قبل العصر المسٌحً بعدة قرون كانت مساحة كبٌرة من ؼاباتها قد
اختفت نتٌجة لنشاط الحطابٌن خدمة ألؼراض مختلفة وكذلك نتٌجة لنشاط الراؼبٌن
فً تطهٌر األرض لزراعتها أو لتحوٌلها إلى مراع .وٌبدو أنه حٌثما قطعت
األشجار مرة قلما خلفتها أشجار أخرى ،ذلك أن التربة الصالحة لنمو األشجار على
المنحدرات الجبلٌة كانت عبارة عن طبقة رقٌقة ،وبعد قطع األشجار كانت مٌاه
األمطار تكتسح تلك الطبقة قبل أن ٌتمكن النبت الجدٌد من النمو .بل أنه حٌثما أمكن
ذلك كانت قطعان األؼنام والماعز التً تطلق للرعً فً تلك األماكن كفٌلة بالقضاء
على كل ما ٌنمو فٌها .
ولم تمتع اٌطالٌا بثروة معدنٌة كبٌرة ،وان كانت مناجم النحاس فً ترورٌا
ولٌجورٌا وجزٌرة سردٌنٌا ،والكمٌات الوفٌرة من خام الحدٌد فً جزٌرة ألبا Alba
القرٌبة من شاطا اترورٌا ،قد ساعدت إلى حد كبٌر على سد حاجة إٌطالٌا فً
العصور القدٌمة إلى أهم معدنٌن الزمٌن لها .وكان ٌمكن الحصول على الملح من
مناجم صقلٌة وكذلك من المستنقعات الملحٌة الواقعة عند مصب التٌبر وعلى امتداد
الشاطىء الؽربً فً أواسط إٌطالٌا .وأما أحجار البناء من مختلؾ األنواع ،بما فً
ذلك الرخام الممتاز ،فإنها كانت على الدوام وفٌرة .وفضبل عن ذلك فإن التٌوم
وأترورٌا وؼٌرهما من أقالٌم إٌطالٌا ؼنٌة بالصلصال الصالح لصناعة أنواع ممتازة
من األجر والقرمٌد واآلنٌة الفخارٌة.
84
ثالثا -نتائج طبٌعة تكوٌن إٌطالٌا
وإذا لم ٌكن من شؤن طبٌعة تكوٌن اٌطالٌا تنمٌة التجارة الخارجٌة ،فإنه لم ٌكن من
شؤنها كذل ك تٌسٌر سبل المواصبلت الداخلٌة وال تحقٌق الوحدة السٌاسٌة ،فقد كان
من معوقات ذلك كله امتداد شبه الجزٌرة امتدادا طوٌبل ٌبلزمه امتداد جبال األبنٌن
امتدا ًدا منحر ًفا ،لم ٌترتب علٌه اعاقة االتصال بٌن الشاطبٌن الشرقً والؽربً
فحسب ،بل كذلك بٌن شبه الجزٌرة ووادي البو .وفضبل عن ذلك فإن أكثر أنهار
شبه الجزٌرة لم تكن مواتٌة الستخدامها فً النقل واالنتقال بسبب سرعة جرٌانها
وتباٌن كمٌات مٌاهها من وقت إلى آخر .وهكذا كانت وحدة إٌطالٌا الجؽرافٌة وحدة
ظاهرٌة أكثر منها حقٌقٌة .وقد أسهمت الطبٌعة من ناحٌة أخرى فً تعوٌق وحدة
إٌطالٌا ،ذلك أن المٌزات التً حبت بها إٌطالٌا شجعت على الهجرة إلٌها شعوبًا
عدٌدة شدٌدة البؤس محبة للحرب متباٌنة فً األصل وفً الحضارة .
بٌد أن موقع روما فً وسط شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ،عند مكان ٌسهل فٌه عبور نهر
التٌبر وعلى قٌد مسٌرة ٌوم من الشاطا الؽربً وبذلك كانت فً مؤمن من قراصنة
البحر ،أكسبها مٌزة كبرى على مدن الشمال والجنوب سواء بسواء .ومع ذلك فإنه
لم ٌتٌسر لروما أن توحد شبه الجزٌرة إال بعد أن خاضت ؼمار حروب ضروس
عدٌدة .وحتى بعد نجاح روما فً توحٌد شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة تحت لوابها ،لم
تستطع ضم اإلقلٌم الشمالً -وادي البو -إال بعد أن أنفقت فً ذلك قدرً ا كبٌرً ا من
الوقت والجهد والدماء ،ومع ذلك فإنها لم تضمن والءه الدابم لها إال فً أواخر
العصر الجمهوري بعد أن نشرت حضارتها فً أرجابه .وعندما بسطت روما
سٌطرتها على شبه الجزٌرة تحسنت سبل المواصبلت الداخلٌة .وذلك من ناحٌة
بفضل ما وجهته من عناٌة إلى تنظٌم مجارٌها المابٌة بالوسابل الهندسٌة ،ومن
ناحٌة أكبر بفضل شبكة الطرق العامة التً أنشؤتها لربط أجزاء الببلد المختلفة
بعضها ببعض .وبسٌطرة روما على شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة أصبحت تسٌطر على
إقلٌم ال تفوقه فً عالم البحر المتوسط إال مصر من حٌث عدد السكان .
85
وإذا كان موقع روما فً وسط شبه الجزٌرة عامبل بالػ األهمٌة فً بسط سٌطرتها
علٌها .فإن كثرة عدد سكان شبه الجزٌرة وموقعها فً وسط البحر المتوسط لم
ٌكونا أقل أهمٌة فً بسط سٌادة روما على عالم هذا البحر .ذلك أن روما ما أن
ن جحت فً السٌطرة على شبه الجزٌرة حتى أتاح لها موقع دولتها ووفرة المقاتلٌن
الذٌن كانوا تحت أمرها أن تعالج أمر خصومها واحدة بعد اآلخر فً األوقات
المناسبة لها .وأن تبنً إمبراطورتٌها المترامٌة األطراؾ.
بٌد أن كون اٌطالٌا أبعد من ببلد اإلؼرٌق عن مراكز الحضارة القدٌمة فً مصر
وؼٌرها من بلدان الشرق جعلها أقل تعرضا لتؤثٌر تلك الحضارات .وتبعا لذلك
تؤخر نموها الحضاري عن ببلد اإلؼرٌق ومنطقة بحر إٌجة .ؼٌر أن اعتدال مناخ
إٌطالٌا و خصوبة أرضها وجودة مراعٌها ووفرة ؼاباتها الؽنٌة باألخشاب الصالحة
لصناعة السفن وسهولة الوصول إلٌها بحرً ا وبرً ا على السواء شجعت على الهجرة
إلٌها بالتدرٌج مما كان له أثره فً تحضرها.
87
سكان إٌطالٌا األوائل
عام كان استخدام الكتابة فً إٌطالٌا لم ٌؤخذ فً االنتشار قبل حوالً 544ق.م، .
وكانت الرواٌات المتناقلة من جٌل إلى جٌل قلما تتناول أحداثا تسبق هذا التارٌخ
بوقت طوٌل ،فإن مصادر تارٌخ إٌطالٌا فً عصورها األولى تكاد أن تكون
مقصورة على نتابج أعمال الحفر والتنقٌب ،و على النتابج المستمدة من دراسة بقاٌا
لؽات األقوام التً كانت تسكن اٌطالٌا عند بداٌة العصور التارٌخٌة .ولسوء الحظ
أن هذه النتابج جمٌ ًعا ال تلقً على بداٌة تارٌخ إٌطالٌا إال أشعة متذبذبة ؼٌر باهرة ال
ٌمكن أن نتبٌن ٌقٌنا فً ضوبها سوى المعالم العامة للتطور الحضاري الباكر فً
إٌطالٌا وللهجرات الربٌسٌة إلٌها ،والتارٌخ التقرٌبً لهذه الهجرات .وتبعا لذلك ال
بد من انتظار نتابج كشوؾ أثرٌة جدٌدة فً المواقع البدابٌة اإلٌطالٌة للفصل فً
كثٌر من المشاكل المتعلقة بالتفاصٌل وبتارٌخ هذه الهجرات.
وقد كان شؤن إٌطالٌا شؤن شمال أفرٌقٌا من حٌث أن كبل منهما لم ٌعرؾ عصور
الجلٌد ( الببلٌستوسٌن ) التً عرفتها أواسط أوربا وشمالها وؼٌر ذلك من أصقاع
العالم .ولما كانت إٌطالٌا معتدلة المناخ ،ؼنٌة بمواردها الطبٌعٌة ،وال تفصلها
حواجز مانعة عن األقالٌم األوربٌة المجاورة ،وكانت تتصل اتصاال مباشرة بالقارة
األفرٌقٌة إلى أن حدث فً خبلل عصر الجلٌد الرابع األخٌر ) أن هبط مستوى
سطح األرض فً حوض البحر المتوسط مما أدى إلى انفصالها عن افرٌقٌا ،فإنه ال
ٌسعنا إال أن نعجب من أنه لم ٌعثر حتى اآلن فً اٌطالٌا على مخلفات تشهد بإقامة
اإلنسان فٌها قبل العصر الحجري القدٌم األوسط ،وهو الذي ٌقابل فً جهات أخرى
بؤوربا الفترة الواقعة بٌن عصري الجلٌد الثالث والرابع.
وفً خبلل هذه الفترة كان المناخ حارً ا رطبًا وكانت تؽشى الؽابات والمراعً فرس
الماء و الفٌل والكركدن وؼٌر ذلك من الحٌوانات المدارٌة جنبا إلى جنب الوعل
81
والثور البري ( )Bisonوالحصان وؼٌر ذلك من الحٌوانات الشمالٌة .وقد كشؾ
فً طبقة جٌولوجٌة بعٌنها ،فً كهوؾ الجبال وبٌن حصباء األنهار بجهات كثٌرة
فً إٌطالٌا عن أدوات وأسلحة صوانٌه ومعها عظام حٌوانات معاصرة لتلك الفترة
الزمنٌة ،كما أنه كشؾ فً هذه الطبقة الجٌولوجٌة ذاتها عن بقاٌا هٌاكل بشرٌة من
النوع المسمى إنسان النٌاندرتال ( . )Neanderthalولما كانت هذه األدوات
واألسلحة أقدم ما كشؾ عنه حتى اآلن من مخلفات اإلنسان فً اٌطالٌا ،وكانت هذه
األدوات واألسلحة الصوانٌة مصنوعة بطرٌقة التشظٌة ،وهً التً ٌتسم بها العصر
الحجري القدٌم األوسط ،وكان إنسان النٌاندرتال ٌنتشر فً أرجاء أوربا وحوض
البحر المتوسط فً خبلل هذا العصر ،فإنه ٌمكن القول عن ٌقٌن بؤن أول عهد
اإلنسان اإلقامة فً إٌطالٌا ٌرجع إلى ذلك العصر.
والعصر الحجري القدٌم األعلى ،وهو الذي ٌقابل عصر الجلٌد الرابع أو األخٌر ،
ٌتمٌز بوجه خاص بؤمرٌن :وأحدهما ،هو اختفاء اإلنسان البدابً المسمى « إنسان
النٌاندرتال ،لٌخلفه نوع اإلنسان الحدٌث المسمى «اإلنسان العاقل Homo ( ،
، )Sapiensوهو الذي وفد على أوروبا من آسٌا وأفرٌقٌا .واألمر اآلخر هو
ظهور فن الكهوؾ .وقد كشؾ فً كهوؾ جرٌمالدي ( ، )Grimaldiعلى شاطىء
لٌجورٌا بالقرب من الحدود بٌن اٌطالٌا و فرنسا ،عن مدافن عدٌدة تنهض
محتوٌاتها دلٌبل على أن اٌطالٌا عرفت عندبذ نوعٌن جدٌدٌن من السكان أحدهما أقدم
عهدا من اآلخر .والنوع األقدم ٌتسم بسمات متزنجة ( ، )negroidوالنوع
األحدث ٌنتمً إلى تلك الفبة من الناس التً أطلق علٌها اسم كرومانٌون ( -Cro
) Magnonوكانت تعٌش فً جنوب فرنسا فً أواخر العصر الحجري القدٌم
وتتمتع بقدرة فنٌة عالٌة فً رسم الحٌوانات وتصوٌرها على جدران الكهوؾ.
وفً كهوؾ جرٌمالدي كان الموتى ٌدفنون فً خنادق ؼٌر عمٌقة ،إما ممددٌن وإما
جالسٌن القرفصاء .وكانت الجثث تؽطً بكمٌات كبٌرة من أصداؾ البحر ،وبقبلبد
مصنوعة من هذه األصداؾ ،وكذلك بؤدوات صوانٌة .وقد وجدت فً المدافن
84
كمٌات من بقاٌا المؽرة (اللون األحمر) لعلها كانت تستخدم فً طبلء جثث الموتى .
وٌظن أن محتوٌات هذه المدافن توحً بؤن أربابها كانوا ٌعتقدون فً حٌاة ثانٌة
ٌحتاجون فٌها إلى األشٌاء المادٌة التً كانوا ٌعتبرونها ثمٌنة فً هذه الدنٌا.
وفً خبلل العصر الحجري القدٌم كان شؤن سكان إٌطالٌا شؤن سكان أقالٌم أخرى
فً العالم من حٌث أنهم كانوا قد عرفوا النار وصنع األدوات واألسلحة من الخشب
والصوان ولكنهم لم ٌكونوا قد عرفوا بعد استبناس الحٌوان أو زراعة األرض .
وتبعا لذلك كانوا ٌعٌشون على ما ٌصٌدونه من حٌوان وأسماك وما ٌجمعونه من
ثمار و نباتات صالحة لؤلكل ،وال ٌستقرون فً مكان واحد بل ٌتنقلون من جهة إلى
أخرى سعٌا وراء الرزق ،وٌتخذون من الكهوؾ مساكنهم ومدافنهم.
والمرحلة الحضارٌة التالٌة هً مرحلة العصر الحجري الحدٌث ،وهً التً بدأت
فً إٌطالٌا حوالً عام 5444ق.م .عندما وفدت علٌها أفواج متتابعة من مهاجرٌن
جدد ٌبدو أن بعضهم قدموا من شمال افرٌقٌا ودخلوا شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وصقلٌة
وسردٌنٌا وكورسٌكا من الجنوب ،والبعض اآلخر قدموا من أسبانٌا بالطرٌق
الساحلً فً جنوب فرنسا ووصلوا إلى لٌجورٌا فً الشمال الؽربً من إٌطالٌا ،
والبعض الثالث جاءوا من أواسط أوروبا ودخلوا وادي البو عن طرٌق ممرات
األلب.
وتعزى بداٌة العصر الحجري الحدٌث فً إٌطالٌا إلى استقرار هإالء المهاجرٌن
الجدد فٌها ألنهم استقدموا معهم حضارة جدٌدة تتمٌز بثبلث ظواهر ربٌسٌة ظهرت
تباعا فً ركاب أفواج هإالء المهاجرٌن الجدد الذٌن وفدوا أفواجا تلو أفواج .وهذه
الظواهر هً :أوال ،مهارة عالٌة فً صنع األدوات واألسلحة الحجرٌة أضافت
طرٌقة جدٌدة هً طرٌقة الصقل أو السحق إلى طرٌقة التشظٌة القدٌمة وطورت
الطرٌقة القدٌمة تطورا كبٌرا .وقد ترتب على ذلك كله ازدٌاد اإلنتاج وتبعا لذلك
11
ازدٌاد القدرة على سد حاجة اإلنسان إلى متطلبات الحٌاة فً ظروفها الجدٌدة .ومن
أهم مخلفات هذا العصر التً وجدت فً إٌطالٌا رإوس سهام حجرٌة ،وهً التً
تعتبر فً كل مكان داللة قاطعة على حضارة العصر الحجري الحدٌث .وثانٌا ،
صنع اآلنٌة الفخارٌة و نسج األقمشة ،وهما صناعتان لم ٌعرفهما اإلنسان قبل هذا
العصر .ومما ٌجدر بالمبلحظة أن اآلنٌة الفخارٌة كانت تصنع فً هذا العصر بالٌد
ثم توضع فً أفران ؼٌر مسقوفة .وكانت هذه اآلنٌة متعددة األشكال واألحجام
التوابم متطلبات االستعمال الٌومً وكذلك متطلبات الدفن ،وكانت تزخرؾ عادة
زخرفة بسٌطة من الطراز المعروؾ بطراز الزخرفة الهندسٌة ،أي بخطوط و
دوابر محفورة .وثالثة ،االنتقال من مرحلة جمع القوت والتقاطه إلى مرحلة إنتاج
القوت عن طرٌق الزراعة واستبناس الحٌوان وتربٌة أنواع مختلفة منه .وهذا
االنتقال بل االنقبلب االقتصادي ٌعتبر من أجل الخطوات التً خطاها اإلنسان فً
شوط التقدم الحضاري .وقد ترتبت على ذلك نتٌجتان هامتان :وإحداهما ،هً
استقرار اإلنسان فً قرى تحٌط بها الحقول والمراعً ؛ واألخرى ،هً نمو عدد
السكان نموا كبٌرة بفضل إمكان توفٌر كمٌات كبٌرة من الؽذاء بانتظام.
ومن المسلم به حتى اآلن أن هذا االنقبلب االقتصادي الجلٌل الشؤن ظهر أول ما
ظهر فً الشرق األدنى ،حٌث قامت أقدم الجماعات القروٌة المإلفة من المزارعٌن
والرعاة فً فترة تمتد من حوالً عام ۰444إلى حوالً عام 5544ق.م .ومن
الشرق األدنى نشرت جماعات من المهاجرٌن نظام إنتاج القوت صوب الؽرب فً
األقالٌم المطلة على البحر المتوسط وصوب الشمال الؽربً فً مختلؾ أرجاء
أوروبا .وتبعا لذلك ٌبدو أن المهاجرٌن الذٌن وفدوا من شمال أفرٌقٌا أدخلوا هذا
النظام االقتصادي الجدٌد إلى صقلٌة وسردٌنٌا وكورسٌكا وجنوب إٌطالٌا ،وأن
المهاجرٌن الذٌن نزحوا من أواسط أوروبا أدخلوه إلى شمال إٌطالٌا الشرقً .ومن
المحتمل أن ٌكون هذا النظام االقتصادي قد ظهر أول ما ظهر فً هذه األرجاء
حوالً عام 3544ق.م .ثم أخذ ٌنتشر بالتدرٌج عام ۰544ق.م .حتى كان قد
انتشر فً كل شبه الجزٌرة االٌطالٌة ووادي البو وصقلٌة وسردٌنٌا وكورسٌكا .بٌد
18
أنه ٌجب أن نشٌر إلى أن الزراعة لم تبلػ من األهمٌة مبلػ تربٌة الحٌوان عند سكان
إٌطالٌا فً العصر الحجري حٌن كانت الثٌران واألؼنام والماعز والخنازٌر والحمٌر
أهم أنواع حٌوانتهم المستؤنسة .ومع ذلك فإن سكان اٌطالٌا كانوا ٌزرعون عندبذ
أنواعا متع ددة من الحبوب الؽذابٌة وكذلك الكتان ،ولكنهم فٌما ٌبدو لم ٌمارسوا بعد
زراعة الفاكهة وإن كانوا ٌؤكلون البرٌة منها .وقد استمر كذلك الصٌد والقنص
مصدرً ا هامًا من مصادر توفٌر القوت.
وتدل المخلفات األثرٌة على أنه فً الشمال الؽربً كان سكان لٌجورٌا ال ٌزالون
ٌعٌش ون فً الكهوؾ حٌث كانوا أٌضا ٌدفنون موتاهم ،وعلى أنه فً الجزء الشرقً
من وادي البو ،جنوبً هذا النهر ،كان ٌوجد عدد كبٌر من القرى تنهض دلٌبل
علٌها بقاٌا أكواخها .وكانت هذه األكواخ بوجه عام إما مستدٌرة وإما بٌضاوٌة
الشكل .وال ٌبعد أن جدران هذه األكواخ وسقوفها كانت تتؤلؾ من قوابم خشبٌة
تتشابك معها أؼصان صؽٌرة أو أعواد من البوص أو حزم من القش .وتؽطى ذلك
كله طبقة من الطٌن .وفً العادة كانت أرضٌات هذه األكواخ تحفر إلى عمق ٌبلػ
حوالً المتر تحت مستوى األرض المحٌطة بها .وفً الجزء الجنوبً الشرقً من
شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وكذلك فً صقلٌة توجد قرابن على أن أهالً هاتٌن المنطقتٌن
كانوا فً العصر الحجري الحدٌث ٌعٌشون فً كهوؾ وكذلك فً أكواخ قروٌة.
وٌتبٌن من المقابر اإلٌطالٌة الكثٌرة التً ترجع إلى العصر الحجري الحدٌث أنه إذا
كانت هناك فوارق محلٌة بٌن هذه المقابر ،فإن عادات الدفن فً أنحاء اٌطالٌا جمٌ ًعا
كانت متماثلة بوجه عام .ذلك أنه فً كل الحاالت تقرٌبا كان الموتى ٌدفنون فً
وضع ٌشابه وضع الجنٌن فً بطن أمه ،وكان الدفن ٌتم إما فً أرضٌات الكهوؾ
وإما فً خنادق أو حفر أعدت خصٌصا لهذا الؽرض ،وأحٌانا كانت جوانب المقابر
وفتحاتها تؽطى بؤلواح حجرٌة وأحٌانا أخرى كانت المقابر تمؤل بؤكوام من الحجارة
لحماٌة جثث الموتى .وفً العادة كان الموتى ٌدفنون بملبسهم وحلٌهم وإلى جانبهم
أسلحتهم وكذلك آنٌة فخارٌة تحتوي طعامًا وشرابًا .وإنه لمما ٌستوقؾ النظر
11
العثور على هٌاكل عظمٌة مطلٌة بالمؽرة .وقد أدلً فً تفسٌر ذلك برأٌٌن :
وأحدهما هو أنه بعد الوفاة كان اللحم ٌنزع والهٌكل ٌطلى ،واآلخر -ولعله أدنى
إلى القبول -هو أنه بعد تؤكل اللحم كان الهٌكل ٌطلى وٌعاد دفنه.
وٌدل ما كشؾ عنه حتى اآلن من مخلفات العصر الحجري الحدٌث فً إٌطالٌا على
إنه كانت تعٌش فً أرجابها عند حوالً عام ۰544ق.م .عدة أقوام مختلفة ال
نعرؾ عن مظاهرها الحضارٌة إال ما تنم عنه هذه المخلفات .ومع ذلك فإننا قد ال
نعدو الحقٌقة إذا تصورنا أن هذه األقوام كانت تنتظم فً وحدات قروٌة منفصلة عن
بعضها بعضا ،وأنها لم تعرؾ باسم مشترك واحد .وإذا كانت لؽات هذه األقوام قد
اختفت معها إال حٌثما بقٌت ماثلة فً أسماء أماكن احتفظ بها أولبك الذٌن خلفوا تلك
األقوام فً سكنى اٌطالٌا ،فإن هذه البقاٌا توحً بؤن لؽات تلك األقوام كانت مختلفة
عن اللهجات الهندي أوربٌة التً عرفتها إٌطالٌا فٌما بعد .وٌتبٌن من الهٌاكل التً
وجدت فً مقابر العصر الحجري الحدٌث أن أؼلب األقوام التً كانت تعٌش فً
إٌطالٌا فً هذا العصر كانت تنتمً إلى ذلك الجنس الذي كان ٌعٌش منذ العصر
الحجري الحدٌث فً األقالٌم المطلة على البحر المتوسط وفً جزر هذا البحر .
والخصابص البشرٌة لهذا الجنس هً :قامة متوسطة وبشرة سمراء وشعر داكن
وجمجمة تمٌل إلى االستطالة مع فك مستقٌم
13
علٌه من األدوات المعدنٌة هً الخناجر والمقاطع المصنوعة من النحاس النقً .
ولما كانت مناجم النحاس اإلٌطالٌة قد ظلت ؼٌر مستؽلة إلى ما بعد هذا العصر بعدة
قرون ،فبل بد من أن استخدام النحاس فً إٌطالٌا قد كان نتٌجة لعاملٌن :وأحدهما
هو مجًء مهاجرٌن جدد نرجح أنهم كانوا من المنطقة الوسطى فً وادي الدانوب ،
فقد كانت هذه المنطقة ؼنٌة بالنحاس ،وكان أهل أواسط أوربا قد عرفوا طرٌقهم
إلى شمال إٌطالٌا فً المرحلة الحضارٌة السابقة .وقد ٌإٌد ما نذهب إلٌه أمران :و
أحدهما هو مظاهر المرحلة الحضارٌة الجدٌدة التً نحن بصددها اآلن ،واآلخر هو
أننا سنرى فً المرحلة الحضارٌة التالٌة مهاجرٌن جدد ذوي حضارة جدٌدة تصل
اتصاال وثٌقا بحضارة حوض الدانوب .ومع ذلك ال بد من أن المهاجرٌن الجدد
الذٌن وفدوا على اٌطالٌا فً العصر الحجري المعدنً كانوا محدودي العدد :
ال ٌوجد دلٌل على مجًء هجرات إلى إٌطالٌا على نطاق واسع فً هذا العصر ،
وال سٌما أن مظاهر الحضارة اإلٌطالٌة عندبذ -على نحو ما سری بعد قلٌل -ال
ٌمكن أن توحً بذلك .والعامل اآلخر هو اتصال سکان إٌطالٌا من أهل العصر
الحجري الحدٌث بمن كانوا قد سبقوهم إلى استخدام النحاس وال سٌما شعوب الشرق
األدنى وكانت أسبق شعوب الدنٌا فً السٌر قدما بركب الحضارة .وفً ضوء ما
أوردناه لعل النحاس أن ٌكون قد أتى إلى اٌطالٌا فً أول عهدها بهذا المعدن ال من
الشرق فحسب بل أٌضا من وادي الدانوب .وإذا جاز أن شرق البحر المتوسط كان
المصدر األصلً والربٌسً إلٌطالٌا من النحاس ،فإنه ازاء ؼنى إسبانٌا والمنطقة
الوسطى فً وادي الدانوب بالنحاس وازاء قٌام صبلت بٌن اٌطالٌا وهاتٌن المنطقتٌن
ٌرجح أن هاتٌن المنطقتٌن لم تلبثا أن أخذتا تسهمان فً تزوٌد اٌطالٌا بحاجتها إلى
النحاس.
و إزاء ما مر بنا من تطور اٌطالٌا الحضاري فٌما مضى ال ٌمكن إرجاع بداٌة
العصر الحجري المعدنً فً إٌطالٌا إلى ما قبل حوالً عام ۰444ق.م .بفترة
طوٌلة .و مظاهر حضارة إٌطالٌا فً هذا العصر تنم عن تطور تدرٌجً بطًء من
14
حضارة العصر السابق .وآٌة ذلك أنه أحٌانا ٌكاد أن ٌتعذر على الباحث المدقق أن
ٌفرق بٌن بقاٌا العصر الحجري الحدٌث وبقاٌا العصر الحجري المعدنً ،وأنه
كشؾ عن نوعٌن من المقابر ٌبدو أنهما كانا ولٌدي نوعٌن من المقابر معروفٌن فً
العصر السابق ،إذ ٌبدو أن استخدام الكهوؾ الطبٌعٌة أفضى إلى استخدام جوانب
التبلل والجبال لحفر مقابر متفاوتة فً االتساع ،وأن المقابر التً كانت على هٌبة
خنادق أو حفر تؽطً أحٌا ًنا جوانبها وفتحاتها بؤلواح من الحجارة أفضت إلى مقابر
حجرٌة فوق سطح األرض اتخذ بعضها شكل حجرات ٌتؤلؾ كل جانب من جوانبها
وكذلك السقؾ من كتلة حجرٌة واحدة .وأؼلب هذا النوع من المقابر وكذلك المقابر
المتسعة من النوع األول كانت مقابر جماعٌة تستخدم للدفن أجٌاال عدٌدة .وقد
وجدت أمثلة النوع األول من المقابر فً وسط إٌطالٌا وجنوبها ،وأمثلة النوع الثانً
فً جنوب إٌطالٌا وفً صقلٌة وسردٌنٌا.
وقد كانت المرحلة الحضارٌة التالٌة فً اٌطالٌا هً مرحلة عصر البرونز وهً
المرحلة التً ٌحتمل أنها بدأت فً المنطقة الؽربٌة من وادي البو حوالً عام ۰۱44
ق.م ، .وفً المنطقتٌن الوسطى والشرقٌة من هذا الوادي حوالً عام ۰044ق.م، .
وفً المنطقتٌن الشمالٌة والوسطى بشبه الجزٌرة االٌطالٌة فً وقت ٌصعب تحدٌده
ولكنه من المرجح أنه ٌرجع إلى الشطر األخٌر من عصر البرونز اإلٌطالً وهو
الذي انتهى حوالً بداٌة األلؾ األولى قبل المٌبلد ومن الجابز أن ٌكون عصر
البرونز قد ظهر فً صقلٌة وسردٌنٌا قبل ظهوره فً وادي البو بفضل العبلقات
التجارٌة التً كانت قابمة بٌن هاتٌن الجزٌرتٌن وبٌن کرٌت وببلد اإلؼرٌق منذ قبل
عام ۰444ق.م .وٌنهض دلٌبل على ذلك العثور على أسلحة برونزٌة من الطراز
الكرٌتً وعلى آنٌة فخارٌة من الطراز الموكٌنً ( )Mycenaeفً مقابر صقلٌة
التً ترجع إلى عصر البرونز ،وبلوغ حضارة سردٌنٌا العتٌقة ذروتها فً هذا
العصر .و ازاء ذلك ال ٌبعد أن تكون حضارة صقلٌة فً عصر البرونز قد أثرت
15
فً حضارة المنطقة الجنوبٌة لشبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ،وأن ٌكون ظهور حضارة
عصر البرونز فً المنطقة أسبق منه فً المنطقتٌن الوسطى والشمالٌة بشبه الجزٌرة
وقد بدأ عصر البرونز اإلٌطالً فً وادي البو عندما أخذت تفد علٌه أفواج شعب
جدٌد ٌلوح أنها أقامت أولى قراها على شواطا بحٌرة ماجٌوري ،ثم أخذت تنتشر
بعد ذلك فً المنطقة الؽربٌة من وادي البو حٌث أقامت قراها على شواطا بحٌرات
أخرى هناك .وهذه القرى كانت تتؤلؾ من نوع جدٌد من المساكن ٌسمً «مساكن
الركابز » (Palafireومفردها ) fittaو ذلك أن هذه المساكن كانت تقام فً المٌاه
الضحلة عند حافة البحٌرات على عوارض خشبٌة ترفعها فوق مستوى سطح الماء
ركابز ؼرست فً األرض الرخوة .وعندما حدث فٌما بعد أن ارتفع مستوى سطح
الماء فً البحٌرات بحٌث ؼمرت المٌاه هذه المساكن هجرها أصحابها ولم ٌتبق من
المساكن إال ركابزها ،وهً التً كشؾ عنها فً خبلل القرن التاسع عشر عندما
هبط مستوى سطح الماء فً البحٌرات .ولما كانت هذه المساكن شدٌدة الشبه
بمساكن البحٌرات فً سوٌسرا ،فإن هذا ٌوحً بؤن المهاجرٌن الجدد وفدوا من
سوٌسرا على اٌطالٌا عبر ممرات األلب .وعلى األرض الجافة بالقرب من مساكن
الركابز ،وجدت مقابر بها آنٌة فخارٌة جنابزٌة ومعها حلً وأشٌاء أخرى .وهذه
اآلنٌة تحتوي على رماد جثث الموتى مما ٌدل على أن المهاجرٌن الجدد لم ٌختلفوا
عن سابقٌهم من سكان وادي البو من حٌث نوع المساكن فحسب بل أٌضا من حٌث
أنهم كانوا ال ٌدفنون موتاهم وإنما ٌحرقون جثثهم.
وكان سكان وادي البو الجدد ٌمارسون قنص الحٌوان وصٌد السمك وكذلك الزراعة
ونسج األقمشة وصناعة اآلنٌة الفخارٌة بالٌد .وكانت هذه اآلنٌة تزخرؾ بصفوؾ
من الدوابر والخطوط المتعرجة التً حفرت فً جوانبها .وإذا كان لم ٌعثر فً
إحدى قراهم الباكرة على أٌة مخلفات تنم عن استخدامهم أدوات معدنٌة ،فإنه عثر
فً قرٌة أخرى أحدث عه ًدا من األولى على أدوات برونزٌة كثٌرة تنتمً إلى
مرحلة متقدمة جدا من مراحل حضارة عصر البرونز اإلٌطالً ،وهً التً ٌبدو
أنها عمرت فً شمال اٌطالٌا حتى حوالً عام ۰444ق.م.
16
وحوالً عام ۰044ق.م .ظهرت فً المنطقتٌن الوسطى والشرقٌة بوادي البو
حضارة أخرى من حضارات عصر البرونز اإلٌطالً .ولما كانت أطبلل القرى
التً أقامها أصحاب هذه الحضارة تإلؾ تربة خصبة سوداء ،وكان اإلٌطالٌون
المحدثون ٌدعون هذه التربة السوداء « تراماری ،)Terramare( ،فإن الباحثٌن
درجوا على تسمٌة هذه الحضارة «حضارة تراماری ،وتسمٌة أصحابها
«ترامارٌقولً . )Tramariocoli( ،وفً أعقاب الكشوؾ األولى عن قرى
أصحاب هذه الحضارة ومساكنهم ذهب الباحثون إلى :
.۰أن هذه القرى كانت تخطط وفقا لنسق قٌاسً واحد كان منحرؾ الشكل وتمتد
فٌه شوارع تتقاطع مع بعضها بعضا فً زواٌا قابمة ،وٌحٌط بالقرٌة جسر
من التراب وخندق مملوء بالماء
.۰وأن هذا التخطٌط كان النموذج الذي استمد منه تخطٌط المعسكر الرومانً
فً عصور متؤخرة
.3وأن مساكن هذه القرى كانت تقام على ركابز ،شؤنها شؤن مساكن الركابز ،
التً كانت تقام على شواطىء البحٌرات ،أي إنها كانت تطبٌ ًقا لفكرة هذه
المساكن على األرض الجافة ومن المحتمل على أرض المستنقعات .
بٌد أنه فً ضوء ما تمخضت عنه الكشوؾ المتتالٌة من معلومات أوفر مما كان
متوافرً ا من قبل البد من أن نطرح جانبا كل هذه اآلراء المبتسرة .فقد تبٌن أن قرى
أهل « حضارة تراماری » لم تخطط وفقا لنسق قٌاسً ،وأنه فً بعض الحاالت
فقط كانت تحٌط بهذه القرى جسور من التراب وأحٌانا كان ٌصحب الجسر سٌاج
من الخشب ،وأن المساكن فً هذه القرى كانت أكواخا مستدٌرة الشكل فً أول
األمر ولكنها لم تلبث أن أصبحت مستطٌلة ،وأنه ال ٌوجد أي دلٌل على اقامتها فوق
ركابز إال فً حاالت قلٌلة تنتمً إلى فترة متؤخرة.
17
وعلى مقربة من هذه القرى وجدت مقابر أصحابها ،وكان مثلهم مثل أصحاب «
مساكن الركابز » ٌحرقون جثث موتاهم وٌضعون رمادها فً آنٌة فخارٌة جنازٌة
كانت فً أول األمر تكدس أعداد منها جنبا إلى جنب فً مقبرة واحدة ،ولكنه فً
مرحلة تالٌة أصبح كل إناء ٌفصل عن اآلخر بلوح صخري ،ثم فً مرحلة أخرى
أصبح كل إناء ٌوضع فً مقبرة منفصلة كما أصبح مؤلو ًفا أن ٌوضع مع اإلناء
الجنابزي عدد من اآلنٌة األخرى والحلً فضبل عن بعض األسلحة واآلالت
الموسٌقٌة المصنوعة من البرونز .وتدل مخلفات "التر امارٌقولً" ،على أنهم
كانوا أوفر ثراء وأسمى حضارة من أصحاب «مساكن الركابز ،وعلى أن
حضارتهم كانت وثٌقة الصلة بحضارة عصر البرونز المعاصرة فً حوض الدانوب
عند المجر مما ٌوحً بؤن "التر امارٌقولً" وفدوا أصبل من هناك على إٌطالٌا .
وكان هإالء الوافدون الجدد ٌمارسون قبل كل شًء الزراعة وتربٌة الحٌوان .بٌد
أنهم كانوا ٌمارسون أٌضا الصٌد والقنص وٌنسجون األقمشة و على قدر كبٌر من
المهارة فً صناعة اآلنٌة الفخارٌة واألدوات واألسلحة البرونزٌة فضبل عن أعمال
الخشب.
وفً ضوء معلوماتنا الحالٌة ٌصعب تكوٌن فكرة واضحة عن أصحاب الحضارات
التً قامت فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ذاتها فً خبلل عصر البرونز .ومع ذلك فإنه
ال بد من أن تكون قد وفدت علٌها فً خبلل هذا العصر أقوام جدٌدة فً أعداد كبٌرة
بحٌث استطاعت هذه األقوام -ومعها مهاجرو المرحلة الحضارٌة التالٌة --أن
تنشر فً كثٌر من أرجاء شبه الجزٌرة عددا من اللهجات ما أن أهل العصر
التارٌخً حتى كانت قد خلفت اللؽات القدٌمة المستخدمة فً تلك األرجاء .ولما
كانت هذه اللهجات تنتمً إلى أسرة اللؽات الهندي -أوربٌة .وكانت تمثل الفرع
اإلٌطالً لهذه اللؽات .فإن الباحثٌن ٌدعون هذه اللهجات "اللهجات اإلٌطالٌة "،
)(Italicوأصحابها واألقوام اإلٌطالٌة » .وحٌث أن هذه اللهجات شدٌدة القرب من
اللؽتٌن اإلؼرٌقٌة والكلتٌة (Celtic :فإنه لٌس من اإلسراؾ فً الرأي الربط بٌن
ظهور هذه اللهجات فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وبٌن الهجرات الكبرى التً قامت
11
بها األقوام الهندي -أوربٌة من أواسط آسٌا صوب الؽرب فٌما بٌن عام ۰444
وعام ۰444ق.م .وإذا كان ٌمكن القول بؤن أصحاب الحضارتٌن اللتٌن ظهرتا فً
وادي البو فً عصر البرونز كانوا ٌنتمون إلى األقوام الهندي -أوربٌة ،فإنه ال
ٌوجد دلٌل على هجرات من وادي البو إلى شبه الجزٌرة فً خبلل هذا العصر .
و تبعا لذلك ال بد من أن ٌكون قد أتً من الخارج بطرٌق أو آخر أولبك المهاجرون
الجدد الذٌن استقروا فً شبه الجزٌرة فً عصر البرونز .وأؼلب الظن أن ٌكونوا
قد أتوا أفواجا تلو أفواج واستقروا فً أؼلب أنحاء شبه الجزٌرة وصقلٌة فً أواخر
عصر البرونز اإلٌطالً.
وٌبدو أن ذلك كان أٌضا شؤن األلتورٌٌن الذٌن هاجروا من شبه جزٌرة البلقان
وجاءت بعض افواجهم إلى إٌطالٌا بالسٌر حول الطرؾ الشمالً للبحر األدرٌاتً ،
على حٌن أن أفواجا أخرى منهم أتت إلٌها مباشرة عبر هذا البحر .وقد استقر فرٌق
من هإالء المهاجرٌن فً المنطقة الشمالٌة الشرقٌة ( فنتٌا ) Venetiaوفرٌق آخر
فً المنطقة الوسطى الشرقٌة ( بٌقنوم ) Picenumوفرٌق ثالث فً المنطقة
الجنوبٌة الشرقٌة ( ابولٌا Apuliaو كاالبرٌا ) Calabriaوفرٌق رابع فً
المنطقة الجنوبٌة الؽربٌة ( لوقانٌا Lucaniaواقلٌم البروتًٌ . ) Brutiوٌقطع
باألصل األلوري لهإالء المهاجرٌن ما کشؾ عنه من المخلفات األثرٌة فً هذه
المناطق واألثر األلوري الواضح فً اللهجات المحلٌة التً كان سكان هذه المناطق
ٌستخدمونها فً العصور التارٌخٌة.
14
اللهجات اإلٌطالٌة نتٌجة التصالهم بؤهالً وادي الدانوب وشبه جزٌرة البلقان » .
بٌد أن البعض اآلخر من الباحثٌن ٌعزون ذلك إلى هجرة هندي -أوربٌة جدٌدة أتت
فً أوابل األلؾ األول قبل المٌبلد من وادي الدانوب حٌث ازدهرت حوالً أواخر
األلؾ الثانً قبل المٌبلد صناعة األدوات واألسلحة الحدٌدٌة .وتسمى هذه الحضارة
«حضارة هالشتات )Hallstat( ،نسبة إلى المدٌنة التً وجدت فٌها كمٌات كبٌرة
من مخلفات هذه الحضارة ،وتقع هذه المدٌنة فً وادي الدانوب بالقرب من
سالزبورج .ونحن نمٌل إلى األخذ بالرأي الثانً ألن كل مرحلة حضارٌة جدٌدة فً
إٌطالٌا جاءت فً أعقاب هجرة جدٌدة من خارجها ،وال سٌما أنه فً عصر البرونز
كانت "حضارة التراماری" ،ولٌدة هجرات من وادي الدانوب .وفضبل عن ذلك
فإننا رجحنا أن ٌكون أحد العاملٌن اللذٌن أدٌا إلى استخدام النحاس فً إٌطالٌا هو
قدوم مهاجرٌن من وادي الدانوب .وبوصول المهاجرٌن الجدد فً المرحلة الباكرة
من عصر الحدٌد تكون قد اكتملت العناصر الربٌسٌة التً نشؤت منها تدرٌجٌا
األقوام اإلٌطالٌة التً سنلقاها فٌما بعد .وإذا كان ٌبدو أن أصحاب الحضارة الجدٌدة
كانوا فً أول األمر ٌستقدمون الحدٌد من حوض الدانوب فإنهم على مر الزمن
أصبحوا ٌحصلون من جزٌرة ألٌا على حاجتهم من هذا المعدن.
وحضارة عصر الحدٌد الباكرة فً إٌطالٌا تسمى بوجه عام «حضارة فٌبلنوفا »
( ،)Vilanovaوهو اسم جبانة حدٌثة عند بولونٌا ( )Bolognaفً الشمال
الشرقً من شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ،حٌث كشؾ ألول مرة عن بقاٌا هذه الحضارة
بٌن أطبلل أكبر قرى عصر الحدٌد الباكر اإلٌطالً .وإذا كان فرٌق من هإالء
المهاجرٌن الجدد قد انتشر فً شمال إٌطالٌا حول بولونٌا ،فإن فرٌقا آخر اتجه
جنوبا واستقر بعضه فً أترورٌا والبعض اآلخر فً التٌوم .وكان أصحاب
حضارة فٌبلنوفا ٌعٌشون فً أكواخ مستدٌرة الشكل تنتظم فً قرى متناثرة ؼٌر
محصنة وال منتظمة فً تخ طٌطها إذا جاز القول بؤنه كان لها أي تخطٌط .وعلى
مقربة من كل قرٌة كانت توجد قبورها ،أما على هٌبة حفر ؼٌر منتظمة الشكل
تؽطً فتحاتها ألواح من الحجر ،وأما على هٌبة حفر مستطٌلة الشكل تؽطً فتحاتها
31
وكذلك جوانبها ألواح من الحجر وكان هإالء القوم أٌضا ٌمارسون عادة حرق جثث
الموتى وٌضعون رماده فً آنٌة فخارٌة جنابزٌة تؽطً عادة بؤطباق فخارٌة أو
بخوذات معدنٌة ،لكنه عثر فً التٌوم على آنٌة جنابزٌة برونزٌة تماثل فً شكلها
شكل األكواخ التً كان األحٌاء ٌعٌشون فٌها .وٌمكن اعتبار هذه اآلنٌة الجنابزٌة
البرونزٌة تطبٌقا للفكرة التً كانت متبعة فً حالة اآلنٌة الجنابزٌة الفخارٌة السابق
ذكرها ،فهً تبدو كؤناء مستدٌر الشكل مسطح القاع تؽطٌة خوذة تبرز حوافها عن
الجدار المستدٌر .فبل عجب إن كانت هذه اآلنٌة الجنابزٌة البرونزٌة أحدث عه ًدا
من اآلنٌة الجنابزٌة الفخارٌة .ومع أن أصحاب هذه الحضارة كانوا ٌعرفون الحدٌد
وٌستخدمونه فً صناعتهم ،إال أنهم استمروا ٌستخدمون البرونز .والواقع أن
صناعة البرونز اإلٌطالٌة بلؽت فً فٌبلنوفا فً خبلل القرنٌن الثامن والسابع قبل
المٌبلد أرقى درجات تطورها فً العصور السابقة للتارٌخ مما ٌسر صناعة
الخوذات والدروع والزرد وكذلك اآلنٌة والصنادٌق وؼٌرها من األدوات المنزلٌة .
وأما الظاهرة الثانٌة فانها تتمثل فً قدوم جماعتٌن جدٌدتٌن إلى إٌطالٌا ،وكانت
أحداهما تتؤلؾ من االتروسكٌٌن ،وهم الذٌن جاءوا حوالً أوابل القرن الثامن قبل
المٌبلد واستقروا على الشاطىء الؽربً شمالً التٌبر .وكانت الجماعة األخرى
تتؤلؾ من اإلؼرٌق ،وهم الذٌن أخذوا ٌفدون تباعا منذ حوالً منتصؾ القرن الثامن
حتى منتصؾ القرن السادس قبل المٌبلد وٌنشبون ألنفسهم مستعمرات فً الجزء
الجنوبً بشبه الجزٌرة من طرؾ البحر األدرٌاتً حتى خلٌج نابولً وكذلك فً
صقلٌة.
وإذا كانت إٌطالٌا قد شهدت فً المرحلة الباكرة من عصر الحدٌد إنبثاق الجماعات
اإلنسانٌة المختلفة التً لعبت أدوارا ربٌسٌة فً تارٌخها فً خبلل العصور
التارٌخٌة ،فإنه ال ٌمكن تتبع تارٌخ أكثر هذه الجماعات ولو فً إطاره العام قبل
38
القرن السادس قبل المٌبلد حٌن نستطٌع تحدٌد أسماء هذه الجماعات ومواطنها .
ولما كان الباحثون قد درجوا على أن ٌتخذوا من الجنس واللؽة أساسا لتقسٌم سكان
إٌطالٌا فً العصور التارٌخٌة إلى قسمٌن ٌتؤلؾ أحدهما من «األقوام اإلٌطالٌة »
( ، )Italieواآلخر من األقوام " ؼٌر اإلٌطالٌة" ( ، )Non - Italieفاننا سنعرض
فٌما ٌلً توزٌع سكان إٌطالٌا عند القرن السادس قبل المٌبلد وفقا لهذا التقسٌم :
اإلٌطالٌون
- ۰فً أقلٌم التنٌوم -وهو ٌقع جنوبً نهر التٌبر فٌما بٌن الشاطىء الؽربً
والسلسلة الربٌسٌة لجبال األبنٌن -كان ٌسكن البلتٌن ( ، )Latiniوهم الذٌن كان فً
ضمٌر الدهر أن بعضا منهم وهم الرومان سٌصبحون بعد بضعة قرون سادة اٌطالٌا
فالعالم المتحضر .ومن المحتمل أن البلتٌن كانوا أساسا ثمرة امتزاج أربعة عناصر
ربٌسٌة :كان أحدها عنصر مهاجري العصر الحجري الحدٌث ،وكانوا قلٌلً العدد
وٌمارسون عادة دفن الموتى ؛ وكان الثانً عنصر مهاجري أواخر عصر البرونز
من أصحاب اللؽة الهندي -أوربٌة ،وكانوا أكثر رقٌا وأوفر عددا من العنصر
السابق وٌمارسون عادة حرق جثث الموتى ؛ وكان الثالث عنصر مهاجري أوابل
عصر الحدٌد من أصحاب اللؽة الهندي -أوربٌة ،وكانوا أقل عددا وإنما أكثر
تحضرً ا من سابقٌهم وإن كانوا مثلهم ٌتبعون عادة حرق جثث الموتى ؛ وكان الرابع
عنصرا من المهاجرٌن قدموا كذلك فً أوابل عصر الحدٌد وإنما من المناطق
المجاورة فً جبال األبنٌن ،وكانوا أدنً من أهل العنصرٌن الثانً والثالث عد ًدا
وحضارة وٌتبعون عادة دفن الموتى .ومنذ أواخر القرن السابع قبل المٌبلد أخذ
االتروسكٌون ٌبسطون سٌطرتهم على إقلٌم التٌوم .وفً أعقاب ذلك انضمت إلى
العناصر السابق ذكرها نسبة ضبٌلة من االتروسكٌٌن
31
وأما الجماعات اإلٌطالٌة التً أخذت منذ أواخر القرن السادس قبل المٌبلد تنزح عن
مواطنها فً جبال األبنٌن لتؽٌر على جنوب التٌوم ونجحت فً االستقرار هناك ،
فإنها لم تندمج فً البلتٌن أو تعتبر فً عدادهم .
وعلى مشارؾ التٌوم كانت تنزل عدة قبابل صؽٌرة ،مثل الهرنٌقی ()Hernici
والفالٌسقً ( . )Falisciولما كانت هذه القبابل تماثل البلتٌن إلى حد كبٌر من حٌث
الجنس واللؽة ،فإنه ٌمكن اعتبارها فً عدادهم .
- ۰وفً ودٌان المنطقة الوسطى من جبال األبنٌن كان ٌعٌش عدد كبٌر من القبابل
كثٌرا ما تدعى القبابل األومبرٌة -السابلٌة ( ) sabelli -Umbroألن أبرزها
كانت قبابل األومبري ( )Umbriفً الشمال والسابلً ( )Sabelliفً الجنوب .
ومما ٌجدر بالمبلحظة أن الفرع اإلٌطالً للؽات الهندي -أوربٌة كان ٌتسم بلهجات
متعددة أهمها ثبلث ،وهً البلتٌنٌة واألومبرٌة واألوسقٌة .وعلى حٌن كانت
البلتٌنٌة تختلؾ اختبلؾ واضحً ا عن اللهجتٌن األخرتٌن كان هناك وجه شبه كبٌر
بٌن هاتٌن اللهجتٌن .وكانت مجموعة القبابل التً تستخدم اللهجة األومبرٌة تدعى
القبابل األومبرٌة ،والمجموعة التً تستخدم اللهجة األوسقٌة تدعى القبابل السابلٌة .
غٌر اإلٌطالٌٌن وكان غٌر اإلٌطالٌٌن موزعٌن على النحو التالً :
-۰فً المنطقة الشمالٌة الغربٌة -وهً تشمل وادي البو من جبال األلب حتى نهر
تٌقٌنوس ( )Ticinusشرقة بما فً ذلك المنطقة الساحلٌة حتى نهر األرنوس جنوبًا
-كان ٌعٌش اللٌجورٌون ( ، )Liguresوإذا كانوا بوجه عام من سبللة سكان هذه
المنطقة فً العصر الحجري الحدٌث ،فبل بد من أن ٌكونوا قد تؤثروا بطرٌقة أو
أخرى ببعض الهجرات التالٌة ألننا نجدهم فً مطلع العصور التارٌخٌة ٌستخدمون
لؽة هندي -أوربٌة.
33
- 1فً المنطقة الشمالٌة الشرقٌة -وهً تمتد من السفوح الجنوبٌة لجبال األلب
إلى السفوح الشمالٌة الشرقٌة لجبال األبنٌن ،ومن نهر تٌقٌنوس ؼربا إلى البحر
األدرٌاتً وشبه جزٌرة إسترٌا ( )Istriaشرقا -كان أهم السكانهم :
أ -الفنتً ( )Venetiاإللتورٌون فً الطرؾ الشرقً شمالً نهر البو ،فٌما بٌن
بحٌرة جاردا وشبه جزٌرة إسترٌا ،وكانت لؽتهم مثل لؽة اإللورٌٌن بوجه
عام من فصٌلة اللؽات الهندي -أوربٌة .
ب -عدد من القبابل كانت تنزل إلى الشمال والؽرب من الفنتً حتى أقلٌم
اللجورٌٌن .وكانت أهم هذه القبابل هً قبابل الراٌتً) ، (Raetiوكانت
لؽتها مزٌجا من عناصر الورٌة وعناصر لؽات أواسط أوربا ،مما ٌنم عن
أن هذه القبابل كانت تتؤلؾ من مهاجرٌن الورٌٌن وممن سبقوهم إلى تلك
األرجاء من مهاجري أواسط أوربا .وفً خبلل القرن السادس قبل المٌبلد
كانت أكثر هذه القبابل تخضع لسٌطرة االتروسكٌٌن .
ت -سبللة أصحاب حضارة فٌبلنوفا ،وكانوا ٌنزلون شمالً جبال األبنٌن
وشرقٌها فٌما بٌن نهو البو وأرٌمٌنوم ( )Ariminumعلى شاطىء
األدرٌانً وقد وقع هإالء أٌضا تحت سٌطرة االتروسكٌٌن .
- 3فً المنطقة الوسطى ،شرقً القبابل األومبرٌة -السابلٌة فٌما بٌن أنقونا
( )Anconaو نهر سانجرو ( ، )Sangroكانت توجد مواطن البٌقنس
( )Picenesأو البٌقنتس ( ، )Picentesوكانوا من سبللة أهل العصر الحجري
الحدٌث إلى أن امتزجت بهم عناصر الورٌة فً أعقاب هجرة األلورٌٌن إلى شبه
الجزٌرة اإلٌطالٌة فً أواخر عصر البرونز .
- 0فً المنطقة الجنوبٌة الشرقٌة -وهً تشمل أبولٌا وقاالبرٌا القدٌمة -كان
ٌعٌش عدد من القبابل ٌطلق علٌها جمٌ ًعا اسم الٌابوجً ( . )Iapygiوالطابع السابد
لهذه القبابل طابع الوري ،مما ٌدل على أن المهاجرٌن اإللورٌٌن الذٌن استقروا فً
34
هذه المنطقة فً أواخر عصر البرونز كانوا من الكثرة بحٌث استوعبوا السكان
الذٌن كانوا قد سبقوهم إلٌها .
ه -فً المنطقة الجنوبٌة الغربٌة ٌبدو أنه فً العصور التارٌخٌة كانت تسكن قبابل
تكونت من امتزاج سبللة أهل العصر الحجري الحدٌث الذٌن وفدوا من شمال
أفرٌقٌا مع المهاجرٌن األلورٌٌن الذٌن جاءوا فً أواخر عصر البرونز .وكانت أهم
القبابل فً هذه المنطقة قبٌلتا األوٌنوتري ( )Oenotriوالخونس (. )Chones
وأما قبٌلة األوسقً ( )Osciفإن ذات اسمها ٌدل على أنه لم ٌكن لها وجود قبل
ؼزوة السابلً أصحاب اللهجة األوسقٌة .وعلى كل حال فإن اإلؼرٌق كانوا
أصحاب السٌادة على أقلٌم البروتًٌ بؤسره والجزء الساحلً فً لوقانٌا .
-فً الجزء الجنوبً ،على امتداد الشاطا من طرؾ البحر األدرٌاتً حتى خلٌج
نابولً ،أنشؤ اإلؼرٌق منذ حوالً نصؾ القرن الثامن حتى منتصؾ القرن السادس
قبل المٌبلد مجموعة كبٌرة من المستعمرات مما أكسب هذا الشاطىء اسم «ببلد
اإلؼرٌق الكبرى . )Magna Graecia( ،
-7فً أقلٌم قمبانٌا ( - )Campaniaوهو ٌقع على الساحل الؽربً فٌما بٌن
التٌوم شماال ولوقانٌا جنوبا وجبال االبنٌن شرقا -كانت تنزل قبابل األوسونس
( )Ausonesوهً من سبللة أهل العصر الحجري الحدٌث الذٌن وفدوا من شمال
افرٌقٌا .وكانت هذه القبابل تنفرد بهذا اإلقلٌم إلى أن وفد علٌه اإلؼرٌق عند
منتصؾ القرن الثامن قبل المٌبلد و األترسكٌون فً أوابل القرن السادس قبل المٌبلد
والسابلً فً النصؾ الثانً من القرن الخامس قبل المٌبلد .
-1أقلٌم أترورٌا ،وهو ٌشمل المنطقة الواقعة ؼربً السلسلة الربٌسٌة لجبال
االبنٌن فٌما بٌن نهري األرنوس والتٌبر .ومن المحتمل أن أؼلب سكان هذا اإلقلٌم
كان مثلهم مثل سكان إقلٌم التٌوم مزٌجا من أربع سبلالت هً :سبللة مهاجري
العصر الحجري الحدٌث ،وسبللة مهاجري أواخر عصر البرونز ،وسبللتً
35
عنصرٌن من المهاجرٌن أتٌا فً المرحلة الباكرة من عصر الحدٌد .ومع ذلك فإن
هإالء السكان ال ٌعتبرون فً عداد األقوام اإلٌطالٌة ،ألنه عندما سٌطر
االتروسكٌون على هذا اإلقلٌم منذ أوابل القرن الثامن قبل المٌبلد .فرضوا لؽتهم
على أهله ونشروا حضارتهم بٌنهم وأقاموا كثٌرً ا من المدن الكبٌرة فً أرجاء هذا
ً
ممٌزا األقلٌم .وقد كان من شؤن ذلك كله أنه خلع على هذا األقلٌم طاب ًعا أتروسكًٌا
إلى حد أن اسم هذا اإلقلٌم استمد من اسم هإالء الؽزاة األجانب ،وهم الذٌن أخذوا
ٌبسطون سلطانهم على األجزاء الوسطى والشرقٌة من وادي البو .وعلى بعض
أجزاء التٌوم وقمبانٌا .على نحو ما أشرنا فٌما مضى .
-4صقلٌة :إلى أن استولى اإلؼرٌق على الشاطبٌن الجنوبً والشرقً وعلى جزء
من الشاطا الشمالً وتوؼلوا فً الداخل ،دون أن ٌستطٌعوا اإلمتداد إلى الطرؾ
الؽربً الستٌبلء القرطاجنٌٌن علٌه ،كان سكان صقلٌة -وهم الذٌن ٌدعون
صٌقولً ( )Siculiأو صٌقلس (ٌ - )Sicelsتؤلفون مثل جٌرانهم سكان المنطقة
الجنوبٌة الؽربٌة بشبه الجزٌرة اإلٌطالٌة من امتزاج سبللة أهل العصر الحجري
الحدٌث مع المهاجرٌن اإللورٌٌن ،ولكن مع اختبلؾ نسبة كل من العنصرٌن فً
هذا المزٌج بحٌث أن نسبة العنصر األول إلى الثانً كانت فً صقلٌة أكبر منها فً
شبه الجزٌرة.
وٌتبٌن من هذا العرض أنه عند نهاٌة القرن السادس قبل المٌبلد كانت تعٌش فً
مختلؾ مناطق إٌطالٌا عدة جماعات إنسانٌة متباٌنة فً الجنس وفً الحضارة .وهذا
ٌفسر ما سبقت اإلشارة إلٌه من أنه جنبا إلى جنب العوابق المترتبة على طبٌعة
تكوٌن اٌطالٌا الجؽرافً كانت هناك عوامل أجل خطرً ا تعترض سبٌل الوحدة
السٌاسٌة وتكوٌن أمة اٌطالٌة واحدة .وقبل أن نمضى قدمًا فً عرض ما كان من
أمر هذه الجماعات ٌ .جب أن نتناول فً الفصل التالً الكبلم عن االتروسكٌٌن
واإلؼرٌق بسبب األثر البالػ األهمٌة الذي ترتب على مجٌبهم إلى إٌطالٌا .ذلك أنه
فً أعقاب ذلك دعم اتصال األقوام اإلٌطالٌة ببعض الحضارات القدٌمة الباهرة فً
36
شرق البحر المتوسط .مما نتج عنه انتقال تلك األقوام من حٌاة البداوة إلى الحٌاة
المتحضرة بدرجات متفاوتة .وفضبل عن ذلك فإن تلك األقوام مثلت فً صفحات
المدونات التارٌخٌة ،فنحن ندٌن إلى اإلؼرٌق بؤقدم ما كتب عن إٌطالٌا وسكانها.
37
الفصل الثالث
نشأة مدٌنة روما
31
نشؤة مدٌنة روما:
كانت الرواٌات واألساطٌر التارٌخٌة القدٌمة هً المصادر التً استخلص منها
المإرخون الرومان األوابل معارفهم حول نشؤة روما واالمة الرومانٌة والتً اعتمد
علٌها كل من تصدی الدراسة تارٌخ الرومان بعد ذلك فً القرون الوسطى ومطلع
العصور الحدٌثة إلى أن جاء القرن العشرٌن واستطاع األثرٌون والمنقبون الكشؾ
عن الحقابق المتعلقة بتارٌخ البلتٌوم وروما ولذا ٌجدر بنا أن نشٌر الى االسطورة ثم
الى ما استجد من الحقابق بعدها حول هذا الموضوع.
و لما كانت روما قد استرعت اهتمام اإلؼرٌق فً خبلل القرنٌن الخامس والرابع قبل
المٌبلد ،وكان اإلؼرٌق معروفٌن بخٌالهم الخصب وٌسارعون إلى ابتكار مإسس
أ سطوري لكل مدٌنة تفتقر إلى أسانٌد صحٌحة عند إنشابها ،فإنهم لم ٌلبثوا أن أدلوا
بدلوهم وربطوا نشؤة روما بماضٌهم األسطوري ،وأهم هذه األساطٌر التً تربط
إنشاء روما وبٌن األمٌر الطروادي إنٌاس ( )Aeneasابن اإللهه أفرودٌتى ( من
أنخسٌس الراعً الطروادی )
لما كانت روم ا قد أنشبت قبل عهد اإلٌطالٌٌن بالكتابة فقد تبارى القدماء على مر
العصور فً استكمال معلوماتهم التارٌخٌة المتوارثة عن نشؤة هذه المدٌنة بابتكار
سلسلة من األساطٌر نسج خٌال الرومان بعضها ونسج خٌال اإلؼرٌق بعضها
اآلخر ،إلى أن انتهى األمر بؤن أقر الرومان أسطورة كانت مزٌجا من خٌال
الرومان واإلؼرٌق معا .وقبل نهاٌة القرن الرابع قبل المٌبلد كانت قد تمخضت عن
عدة أساطٌر رومانٌة فحواها أن اإلله مارس ( – )Marsإله روما الحارس -أنجب
سفاحا من ابنة ملك ألبا لونجا المسماة إٌلٌا.
وبٌان ذلك أنه قد هاجر المحارب الطروادي اٌنٌاس Aineiasابن االلهه فٌنوس
والطروادي أنكٌسٌس ، Anchisesوقد تزوج اٌنٌاس من ابنة الملك الطروادي
برٌام ،Priamosوبعد مؽامرات عدٌدة فً مختلؾ أرجاء البحر االبٌض
34
المتوسط ،رسا هذا المؽامر بسفٌنته على شواطًء نهر التٌبر فً مدخل سهل
البلتٌوم فً نفس الموقع الذي نزل فٌه االله «ساتورنوس » بعد أن خلفه ابنه
جوبٌتر على عرش الهة االولٌمب وحل محله ،ومن هنا سمٌت المنطقة بالبلتٌوم
المشتقه من الفعل البلتٌنً Latereاي اختبا حٌث تواری ساتورنوس فٌها بعد
فراره ...وقد قام ساتورنوس اعترافا بفضل سكان المنطقة بتعلٌمهم زراعة القمح
والكرمة.
كان الملك التٌنوس Latinusسلٌل االله ساتورنوس ٌحكم منطقة البلتٌوم حٌن
وصول اٌنٌاس الٌها فزوجه من ابنته الفمٌنٌا ، Laviniaوبعد موت الملك خلفه
اٌنٌاس على العرش وبنً مدٌنة سماها الفٌنٌوم اكراما لزوجته واصبح شعبه ٌعرؾ
باسم الشعب البلتٌنً نسبة الى التٌنوس ،وقد اختفى اٌنٌاس فٌما بعد فً اثناء
عاصفة هوجاء ،فاصبح معبودا لدي شعبه باسم « جوبٌتر القومً .وبعد اختفاء
اٌنٌاس تولى ابنه اسکاٌنوس او « بولوس » الحكم بعده فقام ببناء مدٌنة البا
المستطٌلة ،وسرعان ما أصبحت هذه المدٌنه اهم مدٌنة فً البلتٌوم وبعد إسكانٌوس
بؤحد عشر جٌبل اعتلى عرش ألبا لونجا الشقٌقان نٌومٌتور وأمٌولٌوس.
41
إلى السماء فً السحاب .وأصبحت إٌلٌا عاجزة عن أداء دورها كراهبة عذراء للربة
فٌستا ،فاستشارت أمها فً األمر وتظاهرت بالمرض.
رأى فاوستولوس ،راعً قطعان الملك ،ذلك المشهد المعجز فنزل من فوق التل
وأنقذ التوأمٌن .وانسحبت الذببة فً هدوء إلى كهؾ قرٌب مقدس عند اإلله بان بٌنما
حمل فاوستولوس الطفلٌن إلى زوجته .واآلن استطاع فاوستولوس أن ٌعرؾ هوٌة
التوأم :فقد كان فً ألبا لونجا عندما شاعت والدة رٌا سلفٌا التوأم كما هٌؤت له
السماء فرصة اصطحاب خدم الملك المبعوثٌن فً مهمتهم إلى تل ببلتٌنٌوم .ولم ٌكن
األمر كذلك فقط ،بل إن زوجته الرٌنشٌا Larentiaما لبثت أن وضعت طفبل مٌتا.
ولهذا فقد تعهدا بتربٌة الطفلٌن سرا واسماهما رومولوس Romulusورٌموس
Remusنسبة إلى روما (أي حلمة الثدي) إشارة إلى معجزة رضاعتهما.
48
تربى الولدان وشبا على الوسامة والشجاعة والروح المعنوٌة المرتفعة كما ٌتربی
أطفال الملوك الذٌن ولدوا بمعجزات أسطورٌة .وكانا ٌكرهان الكسل ،فؤمضٌا
وقتهما فً التمرٌنات البدنٌة والصٌد ومطاردة اللصوص وإؼاثة الملهوفٌن من
براثن الظلم .ولكنهما سلكا منهج أبٌهم بالتبنً ،فكانا راعٌن لقطعان األؼنام ٌرعٌانها
فً تل ببلتٌنٌوم .وكثٌرا ما كان ٌدب بٌنهما وبٌن رعاة نٌومٌتور شجار فً تل
أفٌنتٌنوس حول الرعً فً التلٌن .وذات ٌوم بعد أن بلػ التوأمان الثامنة عشر استؽل
رعاة نٌومٌتور ؼٌاب رومولوس فً أحد مراسم األضاحً فشنوا هجوما شامبل،
وتولى رٌموس قٌادة المقاومة ولكنه وقع فً أحد الكمابن أسٌرا لدي نٌومٌتور.
وعند عودة رومولوس Romulusقرر إنقاذ شقٌقه فورا ،ولكن فاوستولوس باعد
بٌنه وبٌن التسرع المحموم ،وأبلؽه قصة مولدهما وتربٌتهما كاملة .ووضعا خطة
مشتركة أكثر شموال لتحرٌر أسرة نٌومتور جمٌعها من جبروت أمولٌوس وأول
مرحلة من مراحل الخطة هً الحشد التدرٌجً ألكبر عدد من المإٌدٌن فً الساحة
فً ألبا لونجا بدون إثارة أٌة شكوك .وفً الوقت ذاته أحضر رجال نٌومٌتور األسٌر
رٌموس أمام الملك وأدانوه فٌما نسبوا إلٌه من اتهامات ،واقتادوه إلى بٌت نٌومٌتور
لتوقٌع الجزاء علٌه .وتؤثر نٌومٌتور بقوامه وبسلوكه فسؤله عن أصله ،ومن إجابته
استطاع أن ٌتوصل إلى حقٌقة أمره .وقص القصة على رٌموس وطلب معاونته ضد
أمولٌوس ثم أرسل مبعوثا موثوقا فً كفاءته إلحضار رومولوس .وكان رومولوس
فً ذلك الوقت قرٌبا من المدٌنة ٌعد قواته فً مواقعها .وانضم إلى رٌموس ونٌو
مٌتور وراحوا جمٌعا ٌخططون للهجوم .واختمرت فكرة المإامرة .وذهب
فاوستولوس إلى إٌلٌا لٌحضر الدلٌل األكٌد وهو الصندوق الذي احتواهما إلبعادهما
واستوقفه حراس الملك عند بوابة المدٌنة واضطروه إلى أن ٌعرض علٌهم ما حاول
إخفاءه .وتعرؾ أحد الحراس على الصندوق من المهمة التً كلؾ بها منذ ثمانً
عشرة سنة ،واقتٌد لٌمثل أمام الملك ،وجرى استجوابه بشدة ،واضطر فاوستولوس
إلى االعتراؾ بؤن التوأمٌن أحٌاء ،ولكنه أوری بؤنهما ٌرعٌان القطعان بعٌدا عن
المدٌنة( .ولم ٌعرؾ أمولٌوس بطبٌعة الحال هوٌة الراعً الذي اقتٌد توا إلى
41
نٌومٌتور) وعرض أن ٌذهب فٌحضرهما أمام الملك .أما الصندوق فقد أخذه
لٌعرضه على إٌلٌا التً سمع أنها فً كفالة الملك.
وأرسل أمولٌوس الراعً فاوستولوس تحت حراسة مشددة لٌحضر التوأمٌن وأرسل
مبعوثا آخر لٌحضر نٌو مٌتور حتى ٌضعه تحت المراقبة عندما ٌتعامل مع ولدي
إٌلٌا المفقودٌن منذ زمن بعٌد ولكن المبعوث ؼٌر والءه فحذر نٌومٌتور من مإامرة
أمولٌوس وحثه على أن ٌتخذ إجراء فورٌا .واجتاحت القلعة القوات المشتركة ألتباع
نٌومٌتور والحشد الرٌفً الهابل فً الساحة تحت قٌادة التوأمٌن وقتل أمولٌوس
وأعاد نٌو مٌتور إلى عرشه الذي ٌستحقه .وٌإكد بعض المإلفٌن أن روما أسسها
التوأمان سوٌا .وبعدبذ إما أن ٌكون رومولوس قد أصبح طاؼٌة وقتل شقٌقه ونتٌجة
لذلك نشبت الحرب األهلٌة) ،أو أن ٌكون رٌموس عاش عمرا أطول من عمر
رومولوس.
وتروي األسطورة أن األخوٌن كان قد قدما قربانا لآللهه مع بداٌة اإلعداد إلقامة
المدٌنة فؤوحت إشارات العرافة عن طرٌق الطٌور بؤن اآللهة قبلت قرابٌن
رومٌولوس ولم تقبل قرابٌن رٌموس وهو ما ٌوحً بتفضٌل اآللهة لرومٌولوس على
رٌموس لٌكون ملكا على المدٌنة الولٌدة .ؼضب رٌموس وكان حانقا بسبب تجاهل
االلهة له واختٌارها الخٌه ،فقفز عن السور صابحا « ،هل لمثل هذه الحواجز آن
تصون مدٌنتك ؟ .فاستشاط رومولوس ؼضبا وقتل أخاه صابحا «:هكذا سٌهلك كل
من ٌجتاز أسوار مدٌنتً» .وبذا انفرد رومولوس بالسلطة ،وأكمل بناء روما على
آثار الدماء التً سفكت فٌها ،والتً سٌتسبب اهلها فً سفكها طوال قرون عدٌدة بعد
ذلك.
وذكر أن رومولوس قد وسع من نطاق مدٌنته الجدٌدة وشجع العبٌد المحاربٌن ،بل
وحتى المجرمٌن على اإلقامة فً المدٌنة الجدٌدة .ولما كان قد أقٌم فً الفوروم
الرومانً فً عام ۰۲6ق.م تمثال من البرونز لذببة ترضع طفلٌن توأمٌن من
البشر ،وكان هذا المنظر قد صور على النقود الرومانٌة التً سكت فً عام ۰6۱
43
ق.م فإن هذا ٌدل على أنه منذ أوابل القرن الثالث قبل المٌبلد كانت المعالم الربٌسٌة
لهذه األسطورة شابعة مقبولة فً روما).
وٌبدأ بلوتارخوس بحثه بالتساإل عن معنى لفظ روما و السبب الذي جعلها تطلق
على العاصمة الرومانٌة وبٌن تضارب التفسٌرات واألقاوٌل فً ذلك .ولكنه ٌقول إن
الرأي الؽالب ٌرى أن بعد سقوط طروادة هرب بعض البلجبٌن وركبوا السفن
وراحو ا ٌضربون فً البحر وٌضرب البحر بهم ،حتى وصلوا إلى شاطا توسكانٌا
( )Tuscaniaعند مصب نهر التٌبر ،وهناك قامت إحدى األمٌرات الطروادٌات
المهاجرات واسمها روما بحرق السفن حتى ال ٌفكر الرجال فً الرحٌل ألنهن ضقن
ذرعا بالبحر و ركوبه ،ولما علم األزواج بهذا انتابهم الؽضب الشدٌد ولكن أمام
األمر الواقع اضطروا لتدبٌر حٌاتهم فؤقاموا مجموعة من األكواخ الطٌنٌة عند سفح
تل الببلتٌنٌوم ( )Platuniumوسرعان ما استطاعوا اإلقامة ،فالبلد ثرى وأرضه
بركانٌة خصبة ،كما وجدوا سكانها كرماء مضٌافٌن ومن ثم توجهوا بالشكر
والعرفان إلی األمٌرة " روما" وكرموها بؤن أطلق اسمها على القرٌة التً أقاموها
وٌقول بلوتارخوس ،إن هذا ،كما ٌدعون ٌشرح عادة النساء الرومانٌات فً تقبٌل
أزواجهن وأقاربهن عند التحٌة ،ألن روما وصوٌحباتها أخذن ٌقبلن الرجال تهدبة
لؽضبهم عندما علموا أن السفن قد أحرقت.
و عند أواخر القرن الثالث قبل المٌبلد صاغ مإرخو الرومان وشعراإهم من
عناصر األساطٌر المحلٌة واألسطورة اإلؼرٌقٌة األسطورة التقلٌدٌة لتؤسٌس روما.
وظلت هذه األسطورة متوارثة جٌبل بعد جٌل مع بعض اإلضافات والتعدٌبلت إلى
أن أخذت شكلها النهابً فً عصر اإلمبراطور أؼسطس .وتتلخص هذه األسطورة
فً أنه بعد مجًء إٌنٌاس إلى التٌوم أسس مدٌنة الفٌنٌوم .وأن ابنه إسكانٌوس لم
ٌعجبه موقع المدٌنة ألنها فً مكان منخفض فؤسس مدٌنة ألبا لونجا "ذات الجدار
األبٌض الممتد" التً أصبحت عاصمة لسهل التٌوم بؤكمله ،وأنه بعد أن خلؾ
إسكانٌوس فً حكم مدٌنته عدد من سبللته قام واحد من هذه السبللة كان ٌدعی
44
رومٌولوس بتؤسٌس مدٌنة روما .وأهم نقطة اختلؾ فٌها الكتاب الرومان تتركز
حول تارٌخ إنشاء روما .إذا أرجع الشاعر إنٌوس هذا التارٌخ إلى عام ۰0۱ق.م
وحوالى منتصؾ القرن الثانً قبل المٌبلد أٌد كاتو الرومانً وبولٌبٌوس اإلؼرٌقی
تارٌخ فابٌوس .ولكنه نتٌجة للبحوث التً قام بها الفقٌه الرومانً فارو فً خبلل
القرن األول قبل المٌبلد أصبح عام ۰53ق.م هو التارٌخ الرسمً لتؤسٌس المدٌنة
وإزاء االفتقار إلى مدونات أصلٌة عن نشؤة روما ال ٌسع الباحث المدقق إال االعتماد
على المخلفات األثرٌة التً كشؾ عنها فً موقع هذه المدٌنة .وٌستخلص من هذه
الكشوؾ أنه كانت أصبل فً المكان الذي قامت علٌه روما ثبلث جماعات قروٌة
على األقل ،وأن أقدم هذه الجماعات كانت الجماعة التً نزلت على تل ببلتنٌوم منذ
حوالً عام ۱44ق.م ،وٌتبٌن من المقابر التً وجدت تحت الفوروم أن بعضها
معاص رة لدفن الموتى وبعضها لدفن رماد الذٌن أحرقت جثثهم وهذا ٌدل على وجود
نوعٌن على األقل من الحضارة .وبزٌادة عدد مقابر النوع الثانً على عدد مقابر
النوع األول ٌشٌر إلى أن أكثر سكان روما األوابل كانوا من سبللة الجنس الهندي -
أوربً .وهو الذي وفد أكثره فً أواخر عصر البرونز وأقله من أوابل عصر
الحدٌد .وإذا ما أكملنا مشوارنا وتحققنا فً المادة األثرٌة المتاحة من الحفابر التً
تمت حتى تارٌخه ،تطالعنا بقاٌا آثار أولبك فٌما ٌخص مقابرهم بالمبلحظات التالٌة:
أ -كان سكان إٌطالٌا القدماء ،إبان العصر الحجري الحدٌث ٌدفنون موتاهم داخل
خنادق أو حفر ،مدعمة األركان بؤلواح حجرٌة .وتعتبر تلك الوسٌلة أو طرٌقة الدفن
البدابٌة هذه ،هً أقدم عادات دفن الموتى عند أقدم جماعات بشرٌة أوروبٌة،
)۰وضع المٌت على هٌبة القرفصاء ،أو كوضع الجنٌن داخل رحم أمه ،وهً
45
المعروفة بالٌونانٌة.
) ۰دفن المٌت بمبلبسه وحلٌه واسلحته ومعه بعض اآلنٌة الفخارٌة الملٌبة ببعض
أنواع الطعام والحبوب.
46
وخلفه ( توللوس هوستٌلٌوس ، ) Tulus Hostiliusوبحكمه ابتدأ حكم الملوك
البشر فً روما ،ونشبت فً زمنه الحرب بٌن روما ومدٌنة البا المستطٌلة ،وقد
اصطرع خبللها ثبلثة ابطال من روما (االخوة موراتٌوس) مع االبطال االلبٌنٌٌن
الثبلثة « االخوة كورٌاس» فتؽلب األبطال الرومان على خصومهم ،وبذا ورثت
روما من البا زعامتها على البلتٌوم وسٌطرتها علٌه ولكن البا ما لبثت ان تمردت
على روما فقام الرومان باحتبللها وهدمها واصبح الكابٌتول بنتٌجة ذلك المعبد
الربٌسً لسكان البلتٌوم بدال من جبل « كافو » Cavo ،المكان المقدس عند سكان
البلتٌوم القدماء وعندما فسدت عبلقات الملك المحارب توللوس مع اآللهة ؼضب
6۰6 -604ق.م. علٌه جوبٌتر وقذؾ مقره بالصاعقة فخلفه انكوس مارتٌوس
ومن أهم أعماله بناء جسر سوبلٌسٌوس ،Subliciusومٌناء اوستً على مصب
التٌبر ،وحصن تل الجانٌكول لحماٌة روما من الؽرب .
وقد وفد فً اٌامه الى روما من أترورٌا شخص من كورنثه فً الٌونان ،فؤوكل إلٌه
الملك الوصاٌة على أوالده ،وبعد موته تولى الوصً تاركوٌنوس الحكم ،وانتهى
بذلك حكم الملوك السابٌنٌٌن .وبدأ عهد الملوك االتروسكٌٌن ،الرومان " .حٌث
توالى على العرش ثبلثة ملوك أتروسكٌٌن امتد حكمهم منذ ( )54۲ - 6۰6ق.م.
وأول هإالء الملوك كما رأٌنا هو الوصً ( تاركوٌنٌوس القدٌم ) وكان لقبه قبل
تولٌه الحكم ( لوکومون ) Lucumonوتعنً « شٌخ قبٌلة» او ربٌس ،ومن اهم
انجازاته فً روما بناء الفوروم ،والملعب الكبٌر ،و «مجری روما الكبٌر » ،كما
عمل على تجفٌؾ المستنقعات ،وبذا توسعت مساحة األراضً القابلة للزراعة كما
اخضع البلتٌن والسابٌن واألتروسكٌن لحكمه ،وزاد أعضاء مجلس الشٌوخ فعٌن «
» ۰44شٌخ جدٌد ،وقد قتله ابناء الملك انكوس مارتٌوس انتقاما ألبٌهم ،فتولی
بعده الحكم صهره « سٌرفٌوس تولٌوس » ( )530 -5۰۱ق.م .وتنسبه الرواٌات
األتروسكٌه الى الزواج بٌن أمة كانت تعٌش فً قصر الملك واالله الحارس للقصر
الملكً ( نصفه بشر ونصفه اله ) ،وقد أقام التنظٌمات اإلدارٌة األولى فً روما
حٌث قسمها الى عدة دوابر كما قسم اراضٌها الى مناطق متعددة وقسم السكان إلى
47
خمس طبقات حسب ثرواتهم كما بنى السور الجدٌد حول روما ،وقد انتهى أمره
نتٌجة مإامرة قام بها صهره ( تاركٌنٌوس المتعالً ) ،وقد اشتهر بجرابمه وحكمه
المستبد بدأ حكمه بإلؽاء كل تنظٌمات سلفه ،وبسبب ظلمه ،وخوفا على حٌاته قام
باتخاذ حرس خاص لحماٌته .اما اهم منجزاته العمرانٌة فهً بناء المعبد المكرس
للثالوث االلهً ،كما اشتهر بحروبه المتوالٌة ضد األقوام المجاورة وبخاصة
البلتٌنٌن والسابٌنٌٌن وقد أثارت تصرفاته المستبدة شعبه فثار علٌه وطرده و طرد
االسرة الملكٌة كلها من روما ،وبطردها سقطت الملكٌة وبدأ العهد الجمهوري فً
روما.
ومما ٌبلحظ على ملوك األتروسكٌٌن فً روما هو :ان الملوك األتروسكٌٌن الثبلثة
وصلوا إلى العرش باالؼتصاب ،وان اثنٌن منهم قتبل وطرد الثالث ،وان الزعٌم
الذي قاد الثورة ضد االتروسكٌٌن التٌنً األصل ،وهذا ٌشٌر الى الصراع المرٌر
الذي دار بٌن االتروسكٌٌن والبلتٌن ،والى الدور الذي لعبه البلتٌن فً طرد
االتروسكٌٌن من البلتٌوم.
إن الرواٌات التً أوردناها عن إنشاء مدٌنة روما واستٌطان سهل البلتٌوم هً
مجرد أساطٌر تعكس بعض الحقٌقة اذا امكن دراستها بطرٌقة علمٌة سلٌمة ،اذ ٌمكن
اعتبار كل ما ورد فٌها مختلؾ .وخرافً ،وال ٌمت بصلة لماضً البلتٌوم وروما ،
ولذا ٌجدر بدارس التارٌخ الرومانً أن ٌجمع ما بٌن االسطورة وما توصلت الٌه
دراسات وابحاث اللؽوٌٌن وعلماء اآلثار.
41
الفصل الرابع
44
مظاهر الحضارة الرومانٌة فً العصر الملكً
( 514-753ق.م)
ال ٌزال شخص رمولوس اسطورًٌا وتذكر التقالٌد أن ستة ملوك قد خلفوه ( أو سبعة
باضافة تٌتوس تاتٌوس ) وٌعتقد البعض أنهم من ابتداع عوابل االشراؾ ( البطارقة
) العطاء تمٌٌز لهم عن العامة .وٌظهر أن إثبات الملوك قد دون فً القرن الخامس
ق.م .واألسماء فٌه لٌست مبتدعة أو مختارة لتعظٌم عوابل معٌنة ،وان الملوك
الستة من نوما إلى تارکوٌنٌوس األخٌر ٌظهر أنهم حكموا روما فعبل حتی تاسٌس
الجمهورٌة .وٌرفض الؽالبٌة تٌتوس تاتٌوس بالرؼم من أن تمثاله موجود فً
الكابٌتول مع تماثٌل الملوك اآلخرٌن ألن مرکزه وأسمه قد ظهر فً مرحلة متؤخرة
إلعطاء دور الى احدى القبابل كما تدخل المعترك السٌاسً زمن الجمهورٌة.
اذا كان العنصر األسطوري الٌزال ٌخٌم على ملوك روما األوابل فإن المإسسات
السٌاسٌة ،االجتماعٌة ،الدٌنٌة واالقتصادٌة الشك فٌها ،والنعرؾ شٌبا عن أصل
الملكٌة فً روما وأن عدم كونها وراثٌة ٌدل على أن السلطة كانت بٌد الجمهور و
ربما كان ٌختار من عابلة نبٌلة ثم ٌوافق علٌه الجمهور .وقد نسب إلى الملك األول
( نوما ) تؤسٌس الجهاز المدنً والتنظٌم العسكري وللثانً المإسسات الدٌنٌة .ولم
ً
ارتباطا عرقٌة أو اتصاال شخصًٌا باآللهة .وان سلطنة ال حدود لها ٌدع الملك
وٌعاقب من ٌخرج على أوامره .وكانوا ٌرتدون الحلل األرجوانٌة وٌركبون العربة
العاجٌة مع مرافقٌن ٌحملون الصولجانات والفإوس رمزي سلطة الملكٌة .وهو
رأس الدولة وٌخول اإلشراؾ على المراسٌم الدٌنٌة أمثال طقوس جوبٌتر ،ومارس
وكوٌرٌنوس الى رجال ٌختارهم من طبقة البطارقة وٌرعى نار فٌستا الخالدة ستة
من عذاري ٌتم اختٌارهن لمدة ثبلثٌن عاما من العوابل النبٌلة ٌعشن خبللها فً عزلة
.وعهد تفسٌر قانون طقوس الدولة إلى لجنة من خمسة موظفٌن كبار وتفسٌر
الفإول إلى لجنة من ثبلثة عرافٌن ٌرشحهم الملك من طبقة البطارقة .وعدا القٌام
51
ببعض طقوس األضاحً فان الملك ال ٌقوم بؤي واجب دٌنً خبل تحدٌد تقوٌم السنة
،فقد كان للرومان واالٌطالٌٌن سنة تتؤلؾ من اثنً عشر شهرا عدد أٌامها ۰۲و34
على التوالً وٌتم تبلفً النقص بإدخال شهر كبٌس قوامه ٌ ۰3وما بكل .عدد من
السنٌن .
ا
أوال :النظام السٌاسً
الملك
كانت المبلمح الربٌسٌة للتنظٌم السٌاسً لمدٌنة روما فً القرن األول قبل إنشابها ال
تختلؾ كثٌرا عما كان شابعا فً أٌة مدٌنة من مدن الدولة التً عرفها العالم القدٌم.
فالعامة Plebesكانوا ٌجمعون من حٌن آلخر فً مجلس ٌدعى مجلس األحٌاء
ٌ Comita Curiatessجتمع فٌه هإالء بحسب األحٌاء التً ٌسكنونها والتً
تنقسم إلٌها روما .ولم تكن مهمة هذا المجلس ،فً الواقع ،تزٌد على أكثر من
الموافقة على القرارات التً ٌصدرها مجلس الشٌوخ Senatusالذي كان ٌضم
أرستقراطٌة روما من كبار أصحاب األراضً ،وهً الطبقة التً كانت تسمى طبقة
األشراؾ أو اآلباء .Patrichوقد كانت سٌادة هذه الطبقة األخٌرة اقتصادًٌا العتماد
صؽار المبلك علٌهم اجتماعٌة واقتصادٌة.
ٌمثل أعلى الهرم فً هذا التنظٌم السٌاسً الملك Rexالذي كانت بٌده السلطات
السٌاسٌة والقضابٌة والعسكرٌة ،إال أن الصفة الدٌنٌة كانت هً الؽالبة .فهو الذي
ٌقدم الذبابح لآللهة .وٌتولى وضع التقوٌم السنوي بمساعدة كبار رجال الدٌن من
األحبار . Pomtitesفتحدد فٌه األعٌاد .وٌبدأ عد السنٌن بدءا من عهد الملك .
وزٌادة فً األبهة كان الملك ٌلبس على رأسه تاج ذهبٌة .وٌرتدي ثوبا مخملٌة،
وٌحٌط به الحراس حملة الفإوس تمٌٌزا له عن بقٌة األباء .وٌقٌم فً بٌت مقدس
Lexregiaقرب معبد .وٌترأس الملك احتفاالت النصر بالركوب فً عربة
مكشوفة مرتدٌة اللباس األحمر ،ملوحً ا بصولجانه العاجً.
58
وبالرؼم من أن حكم الملك لم ٌكن وراثٌا ،بل كان موظفا منتخبا من قبل مجلس
الشٌوخ ،الذٌن لم ٌزد عددهم فً العهد الملكً عن مبة شٌخ ،ثم ٌوافق على انتخابه
مجلس األحٌاء بصفة صورٌة .وبمجرد تولً الملك الحكم كان ٌجمع فً قبضته
سلطة مطلقة Imperimال تحدها أٌة قٌود حتى أنه ٌدخل فً نظامها حق الحٌاة
والموت على المواطنٌن.
.۰قرار بإجماع شعبً إلعطاء تلك السلطة لذلك الشخص ،أی البد من أخذ
موافقة مواطنً الدولة على هذا االختٌار لهذه المهمة .
.۰اعتماد واقرار الهة الدولة لذلك ،عن طرٌق إظهار فال حسن بخصوصها
عند إجراء طقوس التنصٌب التً كانت تقلٌدٌة .والبد أال ٌقع فٌها أي خطؤ ،
وإال أصبح اختٌار الحاكم ( الملك ) باطبل.
كانت السلطة الملكٌة ( )Imperiumذات ثبلث دالالت أو صاحبة ثبلثة مٌادٌن ،
تمارس فٌها نفوذها ،وتثبت وجودها :
فً الشئون الدٌنٌة :لما كان المجتمع القدٌم ،مازال فً مراحل تطوره األولى ،
حٌث لعب الدٌن دورا أساسٌا وجوهرٌا فً استقرار سبلم المجتمعات البشرٌة ،فقد
كان الناس فً مدٌنة روما القدٌمة شؤنهم فً ذلك شؤن معظم األمم األخرى ،فً تلك
الحقبة من الزمن ٌعتقدون أنه إذا لم ٌستطع الملك -وهو المسبول األول فً نظرهم
-أن ٌفوز برضاء اآللهة عن مجتمعهم ومدٌنتهم (مما ٌحقق سبلما سماوًٌا ( Pax
ٌ )Deorumعود بالنفع والخٌر العمٌم على أهل األرض ،الذٌن ٌحرصون على
51
دوام قٌام رابطة الحب والطاعة لبللهة وٌحسنون تقوى السماء فً عبلقاتهم ببعض
وبٌنهم وبٌن قوی الطبٌعة ،حتى ال تؽضب علٌهم بالكوارث والمصابب ) فإنهم ال
شك مالكون.
ولما كان الملك ال ٌمكنه القٌام بؤعباء تؤدٌة فروض الطاعة والوالء أللهة المدٌنة
وحده ،فإنه استعان بمجلس صؽٌر من رجال الدٌن ،وهم الكهنة ()Pontifices
إلى جانب المجلس األصؽر من العرافٌن ( )Auguresالذٌن كانوا متمرسٌن على
تفسٌر الطوالع والظواهر الطبٌعٌة تفسٌرا دٌنٌا وكذلك التنبإ بمشٌبة االلهة.
وهكذا فإننا نجد أن سلطة الملك الدٌنٌة لم تكن مطلقة ،فقد قٌدها وجود الكهنة
والعرافٌن الذٌن كانوا هم المصدر الحقٌقً وراء أي قرار ملكً فً الشبون الدٌنٌة.
فً القضاء :كانت حكمة " امبرٌوم" تلك السلطة الملكٌة العلٌا ،تتٌح لصاحبها
ممارسة النفوذ األعلى فً مٌدان القضاء ،والفصل فً القضاٌا والمنازعات حتى
ٌنتشر السبلم و ٌستتب األمن فً جنبات المجتمع الرومانً آنذاك .
كان للملك ،فً هذا المجال سلطة مطلقة تماما على خبلؾ الوضع فً الشبون
الدٌنٌة -وصلت إلى حد توقٌع العقوبات التً ٌراها ،بما فً ذلك عقوبة االعدام ...
وبالرؼم من ذلك ،فلم تكن تلك السلطة استبدادٌة دابما ،فقد مارس الحكماء من أهل
روما دورهم باسم العرؾ وسنة السلؾ فً تحجٌم تلك السلطة المطلقة قانونا ،ذلك
ألن العرؾ كان أقوى من القانون نفسه ،ومارس أقوى الضؽوط على السلطة
الحاكمة ،كما كان من مصلحة الحاكم أن ٌراعً ذلك مراعاة كاملة حتى ٌضمن
رضاء اآللهة ،وحب الناس على السواء .وتحقٌقا لتلك الؽاٌة استعان الملك فً
النهوض بواجب القاضً األكبر أو قاضً القضاة ،بالحكماء من الرومان فً
صورة مجلس سمً مجلس الشٌوخ ( ")senatusوهم أباء األسر الرومانٌة الكبٌرة
،الذٌن كان العرؾ الرومانً ٌلزم الملك باستشارتهم ،وإن لم ٌلزم بقبول مشورتهم
53
.بهذه الطرٌقة نجد نظام األسرة الصؽٌرة فً المجتمعات الصؽٌرةٌ ،كرر نفسه
على مستوى الدولة -
كما كان للملك حق دعوة الجمعٌة الشعبٌة (جمعٌة األحٌاء إلخطارهما بقراراته حول
قضاٌا قانونٌة مثل التبنً ومنح الجنسٌة أو الوصاٌة .
هنا ٌختلؾ األمر عن سابقٌة ،فنجد سلطة االمبرٌوم فً ٌد صاحبها سلطة مطلقة
بكل معانً الكلمة ،وذلك ألن الرومان كانوا ٌعتقدون أن قابد الحرب ،الذي ٌخرج
بجٌشه خارج أسوار روما ،سٌكون فً منؤى عن رعاٌة الهة المدٌنة ،وسٌصبح
تحت رحمة الهة أجنبٌة ،مما ٌستلزم أعطاه سلطة مطلقة ،دون قٌد من أحد ،هذا
فضبل عن قٌامهم أنطبلقا من نفس الفكرة السابقة ،بطقوس دٌنٌة خاصة بقصد
حماٌة الجٌش الرومانً وقراده من األرواح الشرٌرة التً ستحٌط بهم توهم بعٌدٌن
من ببلدهم والهتهم .
ولكن هذه السلطة المطلقة المستبدة كانت سببا فً انهٌار النظام الملكً بعد تذمر
الطبقة األرستقراطٌة على عهد الملك لوقٌوس تارکوبنٌوس سوبربوس T .
Lucius Turquinius superbusآخر الملوك الذي أطلق علٌه لقب المتعالً
أو المتكبر Superbusنظرا لتصرفاته المتكبرة والمتجبرة المستبدة ،والتً زاد
من وقعها على الشعب أنه كان من أصل أجنبً .كان ٌنتمً إلى العنصر
األتروسكً .وبمعنى آخر أنه من ؼٌر العنصر البلتٌنً .فلما اشتد ساعد الرومان
أطاحوا بالملك المستبد ،وقضوا على النظام الملكً الفاسد عام 54۲ق.م .الذي
استمر حوالً القرنٌن ونصؾ تقرٌبا .وأقاموا النظام الجمهوري بعد ما حكم روما
ستة ملوك ابتسم حكمهم بطابع التنظٌم االجتماعً واالقتصادي من الوجهتٌن القبلٌة
والدٌنٌة .
54
والملك الذي كانت تلتزم بإطاعة أوامره جمعٌة األحٌاء .فقد كان علٌه أن ٌؤخذ
موافقتها على إبرام حكم صدر باإلعدام على أحد المواطنٌن و تؤٌٌده فً أخذ موقؾ
معٌن من الدخول فً حرب ،أو اتخاذ سٌاسة معٌنة ،كما كان من العسٌر على الملك
تجاه ل مكانة مجلس الشٌوخ التً اخذت بالتزاٌد على مر السنٌن على الرؼم من
سلطته المطلقة.
وتحد من سلطة الملك ،سلطة رب األسرة على أفراد أسرته فً نطاق اختصاصه
القضابً .وعلى كل حال فقد ٌتنازل الملك عن بعض الجوانب من سلطاته مثل :
تفسٌر الشرابع الدٌنٌة والحفاظ على تقالٌدها إلى هٌبة كبار الكهنة ،Pontifies
واستطبلع رؼبات اآللهة فً بعض األمور إلى هٌبة العراق .فضبل عن استعانة
الملك بهٌبة من القضاة للفصل بٌن جرابم الخٌانة والقتل دون مبرر.
وكان الهدؾ األساسً من هذا التنظٌم .فٌما ٌبدو ،هو أن تإدي كل قبٌلة نصٌبها
مما تحتاج الٌه الدولة من مال وجنود بناء على ما ٌؤمر به الملك وٌقوم بجمعه نقٌب
كل قبٌلة ،وكان ٌدعى ترٌبونا ( tribunusوجمعها ) tribuniوهو الذي كان
ٌقود القوات التً تقدمها قبٌلته .وال سبٌل لدٌنا إلى أن نعرؾ عن ٌقٌن عدد الكور
فً األصل ،وإن كان من المحتمل أن عددها قد ازداد بالتدرٌج تبعا الزدٌاد عدد
55
السكان واتساع نطاق المساحة المعمورة فً المدٌنة إلى أن أصبحت توجد فً
العصور التارٌخٌة ثبلثون كورة مقسمة إلى على القبابل الثبلث .وكانت لكل كورة
طقوسها الدٌنٌة الخاصة بها .وكذلك مكان لعقد اجتماعاتها كلما اقتضى األمر
إشهادا على الوصاٌا أو إقرارا لحاالت التبنً أو الفصل فً شرعٌة البنوة .ومن ثم
فإن الكور هً التً كانت صاحبة األمر و النهً فٌمن ٌدخل فً زمرة هٌبة
المواطنٌن .
وٌكفً النجاح أي قرار فٌه تجمٌع ( )۰6ستة عشر صوتا بجانب القرار ،
56
)0اعبلن الحرب والنظر فً أمور السلم والحرب .
أما الهٌبة التً كان لها وزن أكبر ونفوذ أوسع فً الدولة ،فانها كانت مجلس
السناتو ( . )Senatusوٌدل اسم هذا المجلس على أنه كان أصبل مجلس الشٌوخ ،
بٌد أنه على ؼرار ما حدث فً ببلد اإلؼرٌق أصبح مجلس البطارقة وأصبحت
عضوٌته مقصورة على ممثلً هذه الطبقة .وإذا كنا ال نعرؾ شٌبا عن تفاصٌل
نظام هذا المجلس .فإننا نعرؾ أن أعضاءه كانوا ٌدعون اآلباء ( ، )patresوإزاء
ذلك ال ٌبعد أنهم كانوا آباء أسرهم .وعلى كل حال فإنه ال جدال فً أن هذا المجلس
لم ٌكن أكثر من هٌبة استشارٌة آراإها ؼٌر ملزمة الملك ،اال أنه إزاء مكانة
أعضابه وتجاربهم أصبح على مر الزمن من العسٌر إؼفال الرأي الذي ٌجمعون
علٌه .وال أدل على مكانة هذا المجلس من أنه عند وفاة الملك كانت سلطته تنتقل
إلى السناتو فٌعٌن أحد أعضابه حاكما مإقتا ) (interresإلى أن ٌختار المجلس
الملك الجدٌد وتصادق جمعٌة الكور على اختٌاره ،وأهم مهماته :
ٌ )3وافق على قرارات مجلس الجماعات وٌعطٌها الصفة القانونٌة .الدٌانة
الرومانٌة فً العهد الملكً
األم ( ) Materأو الزوجة :كان دورها قاصرً ا على أعمال المنزل ،كالطهً
وؼزل المبلبس الصوفٌة .فلم تكن -مثل المرأة المصرٌة الفرعونٌة -تساعد
زوجها فً األعمال الزراعٌة والفبلحة فً األرض ولهذا فإن اللؽة البلتٌنٌة لم
تعرؾ مفرداتها لفظة ( فبلحة ) ،بل فبلح فقط () agricola
كان للزوجة الرومانٌة تؤثٌر ؼٌر مباشر على مجرى األمور فً حٌاة األسرة ،وكان
لها حرٌة التصرؾ داخل المنزل ،فهً صاحبة الكلمة العلٌا داخل جدرانه .كما
كان لكل فرد فً األسرة عمل معٌن ٌ ،جب علٌه أداإه .فضبل عن الواجبات الدٌنٌة
تجاه الهة الجماعة ،تلك اآللهة األمان والحماٌة وتحل بفضلها البركة والرخاء
لؤلسرة جمٌعها.
إنه من الطرٌؾ حقا أن نذكر هنا رواٌة ،وصلتنا عن كاتو األكبر ومفادها أن ابنا
صاحب أباه إلى مجلس الشٌوخ وحضر معه جلسات ذلك الٌوم ولما عاد إلى البٌت
سؤلته أمه :ماذا كنتم تناقشون الٌوم؟ فرفض اإلجابة ،مخبرا والدته بؤنه ال ٌجب
اإلفصاح عن ذلك أو نقله ألحد ،فما كان منها إال اإللحاح بعد أن زاد فضولها
لمعرفة موضوعات مناقشة مجلس الشٌوخ -صمت االبن لحظة وخطر على باله -
تفادٌا للوقوع فً خطؤ إفشاء أسرار المجلس -أن ٌخبرها بقصة خٌالٌة من بنات
أفكاره فقال لها" :كان ٫المجلس ٌناقش ما إذا كان من حق الرجل أن ٌتزوج بامرأتٌن
أو أن تتزوج المرأة برجلٌن "فانزعجت األم كثٌرا و خرجت لتوها لتخبر صدٌقاتها
البلبً قررن االعتراض على حق الرجل وتؤكٌد حق المرأة فً الزواج من رجلٌن،
51
وضرورة الذهاب فً صباح الٌوم التالً إلى مقر مجلس الشٌوخ ()Senatus
لئلعراب عن معارضتهن لحق الرجل ،وفعبل ،جاء الصباح ،وكانت دهشة رجال
مجلس السناتو كبٌرة عندما وجدوا زوجاتهم وأخرٌات كثٌرات ٌصحن وٌنادٌن
بحقهم فً الزواج من رجلٌن ،بدال من زواج الرجل بامرأتٌن .ولم ٌنته الموضوع
إال عندما أتى الؽبلم بنفسه فكشؾ عن سر هذا الموقؾ وحرصه على أال ٌبوح
بؤسرار اال جتماع ،فخلق ألمه تلك الحكاٌة ،فما كان من السناتو إال أنه كافؤه على
أمانته وحسن تصرفه .ولكن السناتو فٌما بعد ،لم ٌسمح -نتٌجة لذلك -ألي صبً أن
ٌحضر جلساته.
األبناء ( : ) liberiوهم أبناء األسرة كلها سواء أكانت األسرة صؽٌرة ،أم كبٌرة
ٌعٌش فً كنفها أبناء متزوجٌن للجد األكبر ،الذي ٌملك كل السلطات .وكان عملهم
ٌتمثل فً مساعدة األب فً إنجاز األعمال خارج المنزل ومساعدة األم داخله ،
فكانت البنات دابمًا داخل المنزل ال ٌخرجن منه أبدا ،حتى ولو للزٌارة أو
لبلستضافة ،بدلٌل أن اللؽة البلتٌنٌة ال ٌعرؾ قاموسها كلمة مإنثة لكلمة ضٌؾ (
،)Convivaالتً تستخدم للنوعٌن .
العبٌد ( :) Serviوهم ،أصبل ،إما أسرى حرب ،وأبناء أسرى ،أو أشخاص ،
أصبحوا عبٌدا ألنهم لم ٌستطٌعوا الوفاء بدٌونهم ،فٌظلوا هكذا إلى أن ٌستطٌعوا
تؤدٌة ما علٌهم ،أو أن ٌدفعها عنهم أحد وٌعتقهم هذا ما ٌذكرنا بعصور الجاهلٌة ،
فٌما قبل اإلسبلم عندنا ،كما ٌدل داللة واضحة على القسوة فً المعاملة مع ؼٌر
القادرٌن – بادًٌا -من أبناء الطبقات االجتماعٌة الفقٌرة .وكان األب ،كبٌر األسرة
التً ٌعملون فً ظلهاٌ ،مارس علٌهم سلطة السٌد (وهً المعروضة فً البلتٌنٌة.
أ -البطارقة:
وكانت طبقة البطارٌة تتؤلؾ من كبار مبلك األراضً ،وتتمتع بنفوذ واسع
وامتٌازات كبٌرة فً الدولة .ذلك أنه بفضل ثروة هذه الطبقة كان أفردها أوفر عدة و
54
أكثر إلماما بممارسة القتال ،وبفضل كثرة أتباعهم كانت عشابرهم أكثر قدرة على
حشد أعداد كبٌرة لخوض ؼمار الحروب .وبفضل عراقة أصلهم وثقافتهم وتوافر
الفرص لهم كانوا أقدر من ؼٌرهم على أن ٌكونوا مستشارى الملك فً أمور الدٌن
والدنٌا على السواء .وتبعا لذلك تكونت منهم الهٌبة السٌاسٌة العلٌا فً الدولة ،وظلت
عضوٌة الهٌبات الدٌنٌة وقفا على هذه الطبقة إلى أن قضى العامة على هذا االحتكار
بعد كفاح مرٌر فً عصر الجمهورٌة.
وإذا كان نطاق الطبقة األرستقراطٌة الرومانٌة قد أشع فً عهد مبكر ،حٌن كانت
هذه الطبقة تسمح بؤن تدخل فً عدادها وعشابرها األعظم شؤنا عشابر أقل عراقة
وشؤنا وإن كان لدٌها مإهبلت مماثلة ،فإن هذه الطبقة أصبحت على مر الزمان
طبقة مؽلقة تحرص أشد الحرص على امتٌازاتها وترفض التزاوج من عناصر ؼٌر
عشابر البطارقة وتعتبر مثل هذا الزواج ؼٌر مشروع.
كانت طبقة العامة تتؤلؾ من متوسطً الحال من مبلك األرض ومن التجار و
أرباب الحرؾ المختلفة وكذلك من األجراء .وكان كثٌرون منهم ٌشتؽلون بفبلحة
أرض األثرٌاء .ورؼم أن هإالء المزارعٌن األجراء كانوا مواطنٌن أحرارا شؤنهم
شؤن باقی طبقة العامة ،فإنه كانت تربطهم بؤولى نعمتهم صلة خاصة لم تكن
اقتصادٌة فحسب بل كانت تتعدى ذلك إلى قٌام األثرٌاء برد أي ظلم أو عدوان ٌوقعه
طرؾ ثالث بفبلحٌهم .وتبعا لذلك أصبح كل مزارع أجٌر ٌعتبر تابعا ()cliens
لولی نعمته وراعٌه ( ،)patronatusوفً مقابل ذلك كان على التابع أال ٌفلح
أرض راعٌه فحسب بل كان علٌه أٌضا أن ٌتبعه إلى مٌدان القتال وٌقدم له أي
مساعدة كلما اقتضى األمر .وكانت هذه الصلة تسمى التبعٌة ( )clientelaمن
ناحٌة التابع ،والرعاٌة ( )Patronatusمن ناحٌة الراعً ،ولٌس معروفا على
وجه الٌقٌن كٌؾ نشؤ هذا اللون من التبعٌة ،بل ٌتعذر علٌنا أن نكون فكرة صحٌحة
عن وضع األتباع فً الدولة الرومانٌة الباكرة وإن كان ٌبدو أنه كان ٌماثل وضع
61
الموالً ثم أخذ ٌتحسن بالتدرٌج فً عصر الجمهورٌة .و الستمرار نظام التبعٌة
على مدى قرون عدة دون أي سند من القانون لضمان الوفاء بالتزامات الطرفٌن
ٌنهض دلٌبل على استناد هذا النظام على المصالح المتبادلة ،مما جعل العبلقة بٌن
الطرفٌن من أقوى العبلقات فً المجتمع الرومانً ،ومما ٌجدر بالمبلحظة أنه لم
ٌوجد فً هذا المجتمع فً بداٌة األمر إال قلٌل من العبٌد كانوا عبارة عن م دٌنٌن
عجزوا عن الوفاء بدٌونهم ،وتبعا لذلك فإن عبودٌتهم لم تكن وراثٌة كما أنها لم تكن
مستدٌمة إال إلى أن ٌفوا بدٌونهم.
وقد عبد الرومان باإلضافة لذلك ثالوثا الهٌا هو :جوبٌتٌر كبٌر االلهة و اله السماء
واألمطار ،ومرشد القضاة إلى األحكام الصاببة ،وله زوجة هً ( جونون ) وابنة
هً منٌرفا وجانوس ،Janosوهو اله نو وجهٌن ،وهو اله الحرب ،وقد أقٌم له
68
معبد فً ساحة ( الفوروم ) فً روما ،تفتح أبوابه فً حالة الحرب وتؽلق فً حالة
السلم.
وااللهة فستا ( )Vestaكانت ربة الموقد التً تبعث الدؾء والحٌاة والسعادة فً
الدار .ولم ٌحاول الرومان تصوٌرها أبدا ألنهم على حد تعبٌر شاعرهم الكبٌر أو
فٌدٌوس اعتقدوا أنها لٌست سوى الموقد الدابم االشتعال ،Ignis Inextinetus
ولهذا حرصت األسرة على التوجه لها بالصبلة فً كل مرة تجتمع حول مابدة
الطعام .حٌث تقدم للموقد قطعة من شرٌحة مملحة تقوم بصنعها بنات األسرة .وكما
كان الموقد ٌتوسط البٌت الرومانً کان الموقد ٌتوسط مدٌنة روما بٌت الرومان
الكبٌر ،وهناك فً قلب الفورم الرومانً كان ٌقؾ معبد فٌستا الكبٌر ذلك البناء
الدابري الشكل على تراث المنازل الرومانٌة القدٌمة ،وفً قلب المعبد توجد الشعلة
المقدسة التً ال ٌسمح بإطفابها إال فً الٌوم األول من شهر مارس بداٌة السنة
الرومانٌة القدٌمة ،حٌث ٌنظؾ المحراب والموقد (فً الفترة من ۰5-۰مارس) ثم
ٌعاد إٌقاده فً احتفال بٌنً كبٌر.
ٌانوس :رب البداٌات وفاتحة كل شًء مثل بداٌة السنة أو الٌوم أو الساعة أو
الحصاد ،وكان معبده ٌتوسط الفوروم الرومانً ببواباته التً ال تؽلق إال فً أٌام
ال سبلم .أما على مستوى األسرة فقد كان ٌانوس ٌشرؾ على األسرة ورفاهٌتها،
وكان ٌصور برأس إنسانٌة لها وجهان لكً ٌرقب جٌدا ما ٌدخل من الباب أو ٌخرج
منه خاصة األرواح الشرٌرة التً قد تسبب األزمات أو تعكر صفو األسرة.
الرس :Laresوهى ارواح األرض الزراعٌة -أو كما ٌظن البعض ،فهى أرواح
األسبلؾ الراحلٌن -التً تظل حٌة تطوؾ بؤماكن إقامتها فوق األرض وقبل
مماتها ،لتبارك األحفاد .وكان طبٌعٌا أن ٌعتقد الرومانً القدٌم فً الهة تخص
األرض التً ٌزرعها وٌعٌش على رٌعها طوال العام ،وكان ال بد كذلك أن ٌتقرب
لها وٌشكرها على خٌرها العمٌم الفٌاض كل موسم وعند الحصاد.
61
بناتٌس :Penatesوهً أرواح ؼرفة التموٌن والتخزٌن التً ال ٌخلو منها أي
بٌت ،حٌث كانت تتجمع كل ضرورٌات الحٌاة الرٌفٌة البسٌطة من ألبان وجٌن
ولحوم مجمدة محفوظة وكل أنواع المحاصٌل التً تجود بها أرض األسرة وكانت
األرواح حامٌة هذا المكان .
وهناك الهة اخرى اقتبسها الرومان عن ؼٌرهم من األمم والشعوب مثل :االلهة
سٌرٌس آلهة المزروعات والنبات ،واآللهة دٌانا والهة الحظ فورتونا Fortune
واإلله هٌراكلٌس الٌونانً واإلله مارس.
كما عبد الرومان االموات ،حٌث آمنوا بؤن المٌت ٌخلؾ وراءه روحه بعد موته ،
وعلى االحٌاء ارضاإها حتى تحمٌهم من األرواح الشرٌرة ،ولذا كانوا ٌقٌمون لها
احتفاالت خاصة تستمر عشرة أٌام فً نهاٌة شباط من كل عام ،حٌث تعطل
األعمال وتؽلق المعابد وتطفؤ النار فً المعابد والهٌاكل وٌمنع الزواج .وتتكرر
العملٌة فً أٌام التاسع والحادي عشر والثالث عشر من شهر أٌار لتهدأ األوراح
وتعمل على طرد األرواح الشرٌرة " .كما كان من المعتاد ان ٌقوم رب األسرة
بؤعمال معٌنة هدفها اٌضا ارضاء االرواح ،بؤن ٌقوم فً منتصؾ اللٌل فٌفرقع
أصابعه وٌتطهر ثم ٌسٌر فً البٌت وٌرمً وراءه تسع حبات من الفول األسود وهو
63
ٌقول تسع مرات " اننً ارمً هذه الفوالت فاشتري بها نفسً وأقربابً » .ثم
ٌتطهر ثانٌة وٌضرب قطعة نحاسٌة وٌقول تسع مرات "اخرجً اٌتها األرواح
الشرٌرة» .كما كانوا ٌعتقدون بؤنه بإمكانهم االتصال بؤمواتهم ٌ ،تم ذلك فً حفرة
على تل الباالتان اسمها ( موندوس ٌ )Mondusؤتون إلٌها ثبلث مرات فً السنة
ٌتكلمون معها وفً المساء تعود ارواح االموات الى مقرها وتؽلق أبواب الموندوس
ثانٌة.
ومن الطقوس التً كانوا ٌمارسونها فً عباداتهم استشارة وتفسٌر سلوك الحٌوانات
والظواهر الطبٌعٌة ،كالبرق ،والرعد وطٌران الطٌور وطرٌقة مشً الحٌوانات
وزحؾ األفاعً .
اما الكهنه ورجال الدٌن فهم كثٌرون ومتعددوا األعمال والوظابؾ وٌنتظمون فً
فبات هً:
)۰كهنة ذكور وظٌفتهم مباركة الحقول والمواشً والمدن واخصاب االراضً .
64
)5كهنة ذكور ٌقومون بالرقص واستدعاء االله مارس عند نشوب الحرب .
)6كهنة ذكور وظٌفتهم السهر على حفظ القوانٌن ودوام المإسسات الدٌنٌة .
)۰کهنة ذكور وظٌفتهم تؤمٌن حسن سٌر العبلقات الدولٌة بٌن روما وجاراتها .
65
وإذا كان المجتمع الرومانً فً العهد الملكً مجتمعا رٌفٌا قبل كل شًء ،فإن
القرابن توحً بؤن هذا العهد شهد نشاطا ملموسا فً مجالً الصناعة والتجارة .ذلك
أنه فً مجال الصناعة أحرزت صناعات الفخار والبرونز والحدٌد قدرا من التقدم .
ومن المحتمل أنه ٌرجع إلى هذا العهد إنشاء نقابات العمال األحرار المشتؽلٌن
بصناعات الفخار والمعادن والجلود واألخشاب وصٌاؼة الذهب ودباؼة الجلود .
وٌنهض دلٌبل على نمو تجارة روما الخارجٌة ما عثر علٌه فً روما من اآلنٌة
الكورنثٌة واآلتٌكٌة المعاصرة .ومن المحتمل جدا أنه ترتبط بنمو تجارة روما
الخارجٌة إقامة مستعمرة جدٌدة على تل أفنتٌنوس وإنشاء سوق عند معبد دٌانا على
هذا التل لٌلتقً هناك تجار البلتٌن من مختلؾ مدن التٌوم مع تجار العالم الخارجً
.وإزاء تقدم االتروسكٌٌن فً مجال الصناعة وخاصة صناعة المعادن ،ونشاطهم
فً مجال التجارة ،ال ٌبعد أنه كان لهم أثر محسوس فٌما أحرزته روما من تقدم
مبكر فً هذٌن المجالٌن.
66
الباب الثانً :روما تحت العصر
الجمهوري
67
الفصل األول
سٌطرة روما على شبه الجزٌرة
االٌطالٌة( 165-514ق.م)
61
قام النظام الجمهوري فً مدٌنة روما بعد طرد آخر ملوك االتروسكٌٌن وأسرته
منها ،وتم إنشاء نوع من الحكم ٌقوم على وجود قاضٌٌن ٌنتخبان لمدة سنة ،ثم
استبدل اسمها الى قنصلٌن ،وقد حاول الملك اإلتروسكً المطرود تاركوٌن
المتعالً او الجمٌل ،العودة الى الحكم مستعٌنا بسكان مدٌنة تسکولوم وبورسٌنا
أمٌر مدٌنة كلوزٌوم ،حٌث قام هذا األمٌر باحتبلل روما واحراقها وتدمٌر أسوارها
،ولم تستطع روما فً أواخر القرن السادس ق.م إعادة بناء أسوارها ،واوشكت
أن تعود ثانٌة مجموعة من القرى المتحالفة ،وبدا وكؤن الوحدة السٌاسٌة التً تمت
قبل ذلك توشك أن تزول ،حٌث عادت النزعات االقلٌمٌة الى الظهور بٌن الخواص
والعوام وكادت الطبقتان أن تصطدما ،ولكن بدال من االصطدام توصلت الطبقتان
إلى إقامة وحدة سٌاسٌة ابتبلفٌة مإقتة ،ؼاٌتها المحافظة على كٌان روما الحالً.
وقد حلت الفوضى بعد ثورة 54۲ق.م فً سهل البلتٌوم ،فقد ثار البلتٌنٌون ضد
روما و كونوا حلفا ضم جمٌع المدن البلتٌنٌة ،ودخلت روما فً نزاع مع هذا الحلؾ
استمر طٌلة القرن الخامس ق.م ،كما دخلت روما فً نزاع مع السابٌنٌن القاطنٌن
فً جبال االبنٌن استمر خمسٌن سنة ،انتصرت روما فً بداٌتها ( من 0۰5-540
ق.م ) ومالت الكفة الى جانب السابٌنٌٌن فً أواخرها دون أن ٌحرز الطرفان نصرا
حاسما ،قام الطرفان بعقد سلم طوٌل األمد کما تعرضت روما الى ؼزوات األقوام
الجبلٌة الذٌن كانوا ٌحٌطون بها كاالٌكٌٌن والفولسكٌٌن ،والسبٌلٌٌن ،والبٌسٌنٌٌن
والسامنتٌٌن ،وقد أصٌبت اترورٌا بضربات شدٌدة من هذه األقوام الجبلٌة أٌضا.
وهكذا فان روما تعرضت الى خطر شدٌد خبلل القرن الخامس ق.م ودفعت الى
خوض ؼمار حروب ضارٌة خرجت منها وهً تملك الوسابل التً ساعدتها فٌما
بعد على إنشاء إمبراطورٌتها العظٌمة فٌما بعد.
كانت الحروب بٌن الرومان واعدابهم تتم على شكل ؼزوات متقطعة خبلل الربٌع
ؼالبا ،حٌث ٌتحرك الرومان او اعدابهم وٌقومون بنهب أراضً بعضهم وحرق
مزروعاتها .اضطرت روما والعصبة البلتٌنٌة إلى تسوٌة خبلفاتهما حوالً عام
64
0۲3ق.م ،.وعقد معاهدة تحالؾ بٌن الطرفٌن ،أصبح بموجبها مواطنو كل مدٌنة
من المدن األعضاء فً الحلؾ ٌتمتعون بحقً االتجار والتزاوج فً روما وفً باقً
مدن الخلؾ " وفً عام 0۱6ق.م .أصبح الحلؾ ٌتكون من روما والعصبة البلتٌنٌة
وقبابل الهرنٌقً ( Herniciثبلثٌة) وكان موطن هذه القبابل عند وسط الحدود
الشرقٌة ،القلٌم التٌوم وتإلؾ عصبة بزعامة مدٌنة أنا ؼنٌا .Anagnia
ج -روما ومدٌنة فٌاي االتروسكٌة :كانت مدٌنة فٌاي veiiالواقعة على بعد
عشرٌن كٌلومترا شمالً روما .تسٌطر على إقلٌم أكثر ؼنى واتسا ًعا من إقلٌم روما،
وتحتفظ بحامٌة لها فً مدٌنة فٌدناي .لذلك حاولت روما تحرٌر هذه المدٌنة األخٌرة
من سٌطرة فٌاي األتروسكٌة عام 0۱4ق.م .لكنهم فشلوا فً محاولتهم هذه بٌنما
عندما زادوا من أعداد جٌشهم وأعادوا تنظٌمه ،وأتموا حروبهم مع االٌكوي
71
والفولسكً حوالً عام 034ق.م .أحرزوا انتصارا كبٌرا على فٌاي االتروسكٌة ،
وأجلوها عند فٌدناي ،ثم لم تكتؾ روما بطرد فٌاي األتروسكٌة وإجبلبها عن
فٌدناي ،بل تحالفت مع أعوانها فً الحلؾ الثبلثً على محاصرة المدٌنة مدة طوٌلة
بٌن 045و 3۲۲ق.م .حتى انتهى إلى هزٌمتها واالستٌبلء علٌها فضمت أراضٌها
إلٌها ،فتضاعفت مساحة اإلقلٌم الرومانً .لكن روما فً اثناء القتال مع فٌاي
اضطرت إلى االستعانة بعدد كبٌر من الجنود والفرسان المتطوعٌن للخدمة فً
الجٌش على صهوات جٌادهم الخاصة .كما أدخلت روما ألول مرة نظام دفع
مرتبات للمقاتلٌن فً أثناء الحمبلت.
وهكذا كانت نتٌجة هذه التحالفات من االنتصار على االٌكٌٌن واحتلت أراضٌهم سنة
0۰۱ق.م ،كما هاجمت ببلد الفولسكٌٌن سنة 046ق.م واحتلتها ،ثم احتلت
اترورٌا نتٌجة التحوالت االجتماعٌة واالقتصادٌة التً سادتها ،كما ارتد السابٌنٌون
على أعقابهم وتحولوا من الهجوم الى الدفاع ،وهكذا تحولت روما من قوة اقلٌمٌة
صؽرى الى اقوى دولة فً وسط اٌطالٌا وقد أتاح لها احتبلل اترورٌا مجاال حٌوٌا
لل عمل ومكنها من الوصول إلى البحر ،واتسعت مساحتها من اقل من ۰444کم ۰
فً نهاٌة العهد الملكً الى اكثر من ۰۰44كم ۰فً القرن الرابع ق.م.
عملت روما على توسٌع رقعة دولتها بعد أن تخلصت من أعدابها الذٌن كانوا
ٌحٌطون بها من كل جانب وكادوا ٌقضون علٌها فكان علٌها أن تستولً على سهل
البلتٌوم وتوطد فٌه نفوذها نهابٌا ،وكان ٌنازعها فٌه البلتٌنٌون .وقد تؤثر توسعها
فً القرن الرابع ق.م بثبلث أحداث كان لها تؤثٌر كبٌر فً تارٌخ إٌطالٌا بشكل عام
وروما بشكل خاص هً :انحطاط اترورٌا وتدهورها ،وانهٌار النفوذ الرومانً
وضعفه والؽزو ات الؽالٌة ( ،الكلتٌة) ،ومما ال شك فٌه أن انهٌار القوى
األتروسكٌة ،وضعؾ النفوذ الٌونانً كان ذو أهمٌة بالؽة فً تارٌخ روما ،اذ انه
ازاح من امامها قوتٌن كبٌرتٌن عظٌمتً الشؤن ،كانتا تقفان حجر عثرة فً وجه
التوسع الرومانً وتشاركانها الزعامة ،كما أن انهٌارهما احدث فراؼا ٌنبؽً ملإه.
78
وقد أثبتت الؽارات الؽالٌه صحة هذا االمر ،الشًء الذي فعلته روما وجعلها تنتقل
الى احتبلل المركز األول بٌن جمٌع القوى التً كانت فً إٌطالٌا فً ذلك الوقت.
هجمات الغال:
حوالً بداٌة القرن الرابع قبل المٌبلد أخذت قبابل الؽال الفرنسٌة تعبر جبال األلب
لتستقر فً الشمال الؽربً والجنوب الشرقً من وادي البو فً شمال إٌطالٌا .فترتب
من جراء استقرار ثمانً قبابل ؼالٌة فً إقلٌم اٌطالٌا الشمالً أن قضى بالتدرٌج
على ما كان االتروسكٌون ٌتمتعون به من سٌطرة على وادي البو.كما أصبح هذا
االقلٌم الشمالً منذ ذلك الوقت ٌعرؾ به ؼالٌا قٌس ألبٌنا Gallia Cis Alpina
كما أصبح هذا اإلقلٌم الشمالً مصدر كل خطر على إقلٌم اٌطالٌا الجنوبً وأمنه.
واتصؾ هإالء الؽال بؤنهم كانوا ٌعٌشون على تربٌة الماشٌة وممارسة نوع بدابً
من الزراعة وال ٌعرفون من الصناعة إال صناعة المعادن .وقد انؽمسوا فً الشراب
والخصام والؽزوات ؼٌر المنتظمة من أجل األسبلب والمؽانم .وعبر جماعة من
الؽال بقٌادة أحد زعماء قبابلهم جبال األبنٌن حوالً العام 3۲4ق.م ،.وحاصرت
مدٌنة كولوسٌوم Clusiumاألتروسكٌة .فناشدت الرومان للمساعدة .فبعث مجلس
الشٌوخ الرومانً رسبل إلى الؽال ٌدعونهم الى االنسحاب .فما كان من هإالء إال أن
اعتبروا تدخل الرومان تحدًٌا لهم .واستدعوا نجدات جدٌدة لهم هاجموا بها عام
3۱۰ق.م .روما ،حٌث التقوا الرومان وحلفابهم البلتٌن على ضفاؾ نهر ألٌا Allia
أحد روافد نهر التٌبر .فكانت معركة كبٌرة انهزم فٌها الرومان والبلتٌن بعد أن
منوا بخسابر جسٌمة.
ولو أن القبابل الؽالٌة تابعت طرٌقها نحو روما الحتلتها ألنها كانت خالٌة وبدون
سور منذ أن هدمه بورسٌنا .لكن تمهل الؽال فً أرض المعركة لجمع المؽانم أتاح
الفرصة الفرٌق من االٌطالٌٌن االنتحاء الى تل فابٌتو لٌنوس Fabitolinasالمنٌع،
71
ولما تابع الؽال زحفهم نحو روما دخلوها دون مقاومة فنهبوا وخربوا ما وصلت إلٌه
أٌدٌهم.
وقد حاول الجٌش الرومانً اٌقافهم عند نهر الٌا Alliaلكنه منً بهزٌمة منكرة ،
فاخلً سكان روما مدٌنتهم ولجؤوا الى مدٌنة فٌٌس ،فاحتل الؽالٌون روما ،
وحاصروا قلعة الكابٌتول ،ونهبوا ،وأحرقوا منازلها الخشبٌة ،وبعد أشهر أصابت
المجاعة المدافعٌن عن الكابٌتول فطلبوا الصلح فوافق الؽالٌون ،وقد دفعت لهم
روما فدٌة والتً بلؽت سبعة أالؾ رطل من الذهب ،وكان ذلك بٌن سنتً - 344
3۱۲ق.م .
وقد قام الرومان بعد هذه الفاجعة بإعادة بناء سور مدٌنتهم خوفا من تجدد ؼارات
الؽالٌٌن علٌها والتً تجددت فعبل ،حٌث عاد الؽالٌون الى روما بعد عدة سنوات
فحاصروها ولم ٌستطٌعوا فتحها بفعل السور الذي بنً حولها ،ثم قاموا بمحاصرتها
وعسكروا أمامها فً سنوات 364 ،36۰ ،36۰ق.م ،ثم عادوا الى مهاجمة
البلتٌوم سنة 30۰ق.م وقد تمكن الرومان فً هذه المرة من هزٌمتهم بفضل جٌشهم
الذي أعادوا تنظٌمه ،وبفضل مجموعة من القادة األكفاء مثل لوسٌوس كامبلٌوس
ً
ثانٌة ،األمر وقد عاد الؽالٌون للمرة األخٌرة لمهاجمة روما سنة 33۰ق.م فهزموا
الذي اضطرهم الى عقد اتفاقٌة معها.
وهكذا وبعد تبلشً الخطر الؽالً نهابٌا التفتت روما الى استعادة ما كانت قد خسرته
فً فترة الضعؾ والتراجع أمام الخطر الؽالً ،فؤعادت إخضاع اترورٌا وتصفٌة
حساباتها مع الفولسكٌٌن والحقت أراضٌهم بالممتلكات الرومانٌة ،وقد قام الرومان
فً هذه المرة بسلوك سٌاسة جدٌدة تقضً بإسكان قبابل رومانٌة فً المناطق
المخضعة .لتثبٌت السٌطرة الرومانٌة فٌها .وقد خرجت روما من هذه الحروب التً
كادت تقضً عٌلها أقوى مما دخلتها .وانتهت بذلك المرحلة األولى من التوسع
الرومانً فً القرن الرابع ،ولكنها ظلت محصورة فً البلتٌوم بٌن ما تبقى من
المدن األتروسكٌة فً الشمال وبٌن البلتٌن فً الجنوب.
73
أما المرحلة الثانٌة من التوسع الرومانً فتمت بعد ذلك بإخضاع البلتٌنٌٌن .كان
البلتٌنٌون كما رأٌنا سابقا حلفاء لروما فً صراعها ضد األقوام الجبلٌة التً شكلت
عدوا مشتركا للطرفٌن وخطرً ا داهمًا علٌهما ،وقد تجدد هذا التحالؾ
فٌما مضى ً
ً
ثانٌة عند نشوب الحرب بٌن الرومان والسامنتٌٌن نتٌجة لؤلحداث التً جرت فً
كامبانٌا جنوب اٌطالٌا ،وقد انتصر الحلؾ الرومانً البلتٌنً ضد السامنتٌٌن ،
ولكن البلتٌنٌٌن اكتشفوا أن الرومان قد اصبحوا ٌشكلون خطرا داهما علٌهم حٌث
أحاطوا بهم من الشمال والجنوب باحتبللها كامبانٌا ،فؤرادوا التخلص من هذا
المؤزق ،فقاموا سنة 304ق.م بتقدٌم مجموعة مطالب تتضمن المطالبة بالتساوي
فً الحقوق السٌاسٌة مع الرومان ،وبؤن ٌكون لهم الحق بؤخذ المنصبٌن القنصلٌٌن
ولكن روما رفضت ذلك بشدة ،ولذلك نشبت الحرب بٌن الطرفٌن ،واستطاع
الرومان هزٌمة البلتٌنٌٌن وإنهاء القضٌة البلتٌنٌة نهابٌا فتم حل حلؾ المدن البلتٌنٌة
ومنع مواطنً المدن البلتٌنٌة من الزواج فٌما بٌن هذه المدن أو قٌام اي تملك
مشترك بٌنهم.
الحروب السامنٌة
وجه الرومان نظرهم بعد ذلك نحو السامنتٌٌن الذٌن كانوا ٌسكنون أودٌة جبال
االبنٌن وٌشكلون دولة تكاد تضارع الدولة الرومانٌة من حٌث المساحة ،ولكنها
أضعؾ منها سكانا واقتصا ًدا ،وقد نشبت الحرب بٌن الطرفٌن كنتٌجة حتمٌة لتوسع
الدولتٌن المتجاورتٌن ،وكان السبب المباشر ،الطلب الذي تقدم به السامنتٌون إلى
روما إلخبلء المستعمرة الرومانٌة فرٌجٌل التً تحول بٌنهم وبٌن البحر ،فرفض
الرومان هذا الطلب ونشبت الحرب بٌن الطرفٌن واستمرت 3۰سنة ()۰۲4 - 3۰۰
ق.م وقد هزم بنتٌجتها السامنتٌون وحلفابهم وخرجت منها روما ظافرة وقد امتلكت
معظم أجزاء اٌطالٌا .وقد كانت الحروب السامنتٌة أطول الحروب التً خاضتها
روما واكثرها عنفا وضراوة .
74
بٌنما كان السمنٌون منهمكٌن فً حربهم ضد مدٌنة تارنتم -كبرى المدن اإلؼرٌقٌة
33۰ -330ق.م .عقدت روما معها معاهدة فً العام 330ق.م ،والتزمت فقط
بمقتضاها بعدم تقدٌم اٌة مساعدة لحلفابهم السنٌٌن .بٌنما قام الملك بٌروس Pirus
ملك شبه جزٌرة ابٌروس Epirusاإلؼرٌقٌة على األدرٌاتٌك بتقدٌم المساعدة
لتارنتم التً تمكنت من االنتصار على السمنٌٌن .لكن السمنٌٌن الذٌن عقدوا صلحا
مع تارنتم بعد الحرب وجهوا اهتمامهم نحو قمبانٌا واستطردت الحرب ضد الرومان
لؤلسباب اآلتٌة :
)3أن المستعمرتٌن اللتٌن اقامتهما روما :األولى فً عام 330ق.م .عند فالس
على حدود قمبانٌا ،والثانٌة فً عام 3۰۱ق .م .عند فرجبلي فً وادي نهر
لٌرٌس ،تعتبران سدا مانعا لزحؾ السمنٌٌن على قمبانٌا .
وفً عام 3۰۰ق.م تدخل السمنٌون مع أحد الحزبٌن المتصارعٌن فً مدٌنة نابولً
نابولٌس Neapolisاإلؼرٌقٌة ،ووضعوا حامٌة لهم فً المدٌنة .أفزع هذا
التدخل مدٌنة قابوا Capuaالتً ناشدت الرومان المساعدة .فاقتحم الرومان مدٌنة
نٌابول ٌس وطردوا السمنٌٌن منها وجعلوا المدٌنة حلٌفة .ثم استولوا على روفرٌوم
Rufriumوالٌفاي Allifaeالواقعتٌن على حدود سامنٌوم Samniumاي اقلٌم
السامنٌوم .وهكذا لم ٌعد من مفر من وقوع صدام طوٌل األمد بٌن الرومان
والسمنٌٌن -اقوى قوتٌن عسكرٌتٌن فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة آنذاك .وقد مرت تلك
الحرب بمرحلتٌن:
75
المرحلة األولى من عام 316إلى 314ق.م.
فً البداٌة من هذه المرحلة أحرز الرومان بعض االنتصارات اال انهم خسروا
المعركة عندما حاولوا تطوٌق السمٌنٌٌن من الخلؾ على طرٌق ابولٌا فً عام 3۰۰
ق.م .إذ أن السمٌنٌٌن كانوا لهم بالمرصاد فؤوقعوا الجٌش الرومانً فً كمٌن ضٌق
ٌعرؾ باسم «شعاب قاودٌوم» Furculae Caudiumبٌن مدٌنتً قابوا وبنفنتوم
Beneventumحٌث أرؼم الجٌش على التسلٌم ولم ٌفك أسره اال بعد ان عقدت
روما صلحا مع السمٌنٌن تعهدت فٌه لهم بالتنازل عن فرجبلي ،وبعدم قتالهم ثانٌة.
لج ؤ الرومان إلى إعادة تنظٌم الجٌش الرومانً ،شؤنهم فً ذلك بعد كل خسارة كبٌرة
تلحق بهم .فزادوا عدد مشاة جٌشهم حتى صار ٌتؤلؾ من أربع فرق ،عدد كل منها
0۰44مقاتل .وفرضوا على المدن الحلٌفة اإلسهام بعدد مماثل من المقاتلٌنٌ .عنً
هذا أنه صار بمقدور الرومان تجنٌد جٌش من الرومان وحلفابهم ٌتراوح بٌن
35444و 04444مقاتل .ثم نقض الرومان فً عام 3۰5ق.م .صلح قاودٌوم
Caudinum Foedusواستؤنفوا الهجوم على السمٌنٌٌن من الخلؾ عن طرٌق
أبولٌا .فرد هإالء على الرومان بؤن قطعوا الطرٌق الساحلً لئلمدادات .ولما حاول
الرومان إرسال قوة الستعادة السٌطرة على الطرٌق الساحلً اصٌبت قوتهم بهزٌمة
هزت والء حلفابهم فً قمبانٌا .وقبل أن تتسع الفتنة تمكن الرومان فً العام الثانً
3۰0ق.م من طرد السمٌنٌٌن من تاراقٌنا على الساحل ،األمر الذي جعل قابوا
تسارع باالستسبلم إلى الرومان .ثم أنشؤ الرومان اشهر طرقهم العامة المرصوفة،
وهو طرٌق أبٌوس Via Appiaالذي كان ٌهًء لهم كل اتصال.
ولما ضٌق الرومان الخناق على السمٌنٌٌن عمل هإالء على تفرٌق حلفاء الرومان
عنها .فبادر السمٌنٌون إلى تحرٌض فالٌرًٌ وتاركوٌنًٌ عام 3۰۰قدم على
مهاجمة إقلٌم اترورٌا بعد انقضاء عقد الصلح معها ،وفً العام التالً حرضوا قبابل
الهرنٌقً واألٌكوي والباٌلجنً على رفض تحالفهم مع الرومان .فما كان من
الرومان إال أن عاجلوا االتروسكٌٌن خبلل ثبلث سنوات 34۱ -3۰4 .ق.م
76
واجبروهم على عقد الصلح مع الرومان) .كما أرؼمت عصبة المدن األتروسكٌة
على عقد هدنة تتجدد سنوًٌا لمدة عشرٌن عاما .كما أرؼموا الهرنٌقً واألٌكوي
والباٌلجنً على التسلٌم لروما.
ولم ٌؤتً العام 340ق.م حتى اضطر السمٌنٌون إلى طلب الصلح الذي وافقهم علٌه
الرومان .وسمحوا للسمٌنٌٌن باإلحتفاظ باستقبللهم الداخلً ،وبما ٌملكون فٌما عدا
بعض أقالٌم الحدود .والسبب ان السمٌنٌٌن كانوا ال ٌزالون قوة ٌتطلب القضاء علٌها
بذل مجهود كبٌر.
وجد السمٌنٌون انفسهم محاصرٌن من قبل الرومان ،فردوا على روما بعقد تحالؾ
منهم ومن السابٌنً ومن قبٌلة السنونس الؽالٌة ومن بعض المدن األتروسكٌة .لكن
الرومان تمكنوا من االنتصار على هذه الجبهة عند سنتنٌوم Sentinumفً عام
۰۲5ق.م ،وبقٌت المدن األتروسكٌة لقمة سابؽة للرومان .ثم هزمت الرومان
المدن االتروسكٌة وارؼمتها على عقد الصلح معها ،األمر الذي فرؼها لحرب
استنزاؾ مع السمٌنٌٌن ،أدت هذه الحرب المتكررة على عدة جبهات إلى طلب
السمٌنٌٌن الصلح مع الرومان الذٌن استجابوا له لقاء تنازلهم عن جزء من إقلٌمهم
وٌصبحوا حلفاء لروما فً عام ۰۲4ق.م .عندها استفردت روما بالسابٌن ،فصفت
حسابها معهم وضمت اقلٌمهم ومنحت مواطنٌهم حقوق المواطنة الرومانٌة الخاصة.
لكن قبٌلة السنونس الؽالبة بقٌت تشكل خطرا على روما وبخاصة عندما أؼاروا
على اترورٌا وحاصروا مدٌنة أرتٌوم Arretiumفً عام ۰۱0ق.م .فما كان من
77
الرومان إال أن أرسلوا قوة منهم لنجدة المدٌنة المحاصرة ،وؼزوا إقلٌم السنونس -
الؽال -واحتلوه .وخربوه وحولوه إلى صحراء ظل ال ٌزرع مدة خمسٌن سنة .وفً
العام ۰۱3ق.م .قضى الرومان على قبٌلة بوبً الؽالٌة واجبروها على طلب الصلح
هً األخرى .ثم ارؼموا بعض المدن االتروسكٌة على التسلٌم الى روما بعد أن
استؽلت فرصة انشؽال روما بحروب جانبٌة فوافق الرومان عام ۰۱4ق.م .على
الصلح أٌضا وصاروا اسٌاد اواسط شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وشمالها اٌ ً
ضا
دأبت بعض القبابل من أبولٌا ولوقانٌا بعد انهٌار امبراطور سٌراكوزا فً عام 36۰
ق.م على االعتداء على المدن اإلؼرٌقٌة فً شبه جزٌرة إٌطالٌا .فتزعمت تارنتوم
المدن اإلؼرٌقٌة وأخذت على نفسها مهمة الدفاع عنها مستعٌنة بملك اسبرطة الذي
قتل فً مواجهة اللوقانٌٌن فً عام 33۱ق.م .ثم استعانت تارنتوم بملك ابٌروس فً
عام 330ق.م وأخٌرا بملك إسبرطة فً عام 343ق.م وأرؼمت اللوقانٌٌن على
عقد الصلح حوالً عام ۰۲۱ق.م .آزر طاؼٌة سٌراكوزا اؼرٌق إٌطالٌا ،لكنه
عندما مات فً عام ۰۲۱ق.م ضعفت سٌراكوزا ولم ٌبق لدى اإلؼرٌق من ٌحمٌهم.
لذلك طلبت مدٌنة ثوري Thuriiمساعدة الرومان ضد اللوقانٌٌن عندما هاجموها.
فؤرسل الرومان حامٌة إلى ثوري فً عام ۰۱۰ق.م فً البر والبحر هزمت
اللوقانٌٌن وحلفابهم.
لذلك اعتبرت مدٌنة تارنتوم ،كبرى المدن اإلؼرٌقٌة أن هذا العمل من جانب روما
هو تحد للمدٌنة ،وبخاصة عندما دخلت عشر سفن رومانٌة خلٌج تارنتوم فً عام
۰۱۰ق.م معتبرة هذا العمل أٌضا خرقا لمعاهدة التحالؾ المعقودة بٌنهما فً عام
330ق.م ،والتً كانت تنص على عدم دخول القوات الرومانٌة إلى هذا الخلٌج.
وعلى الفور قامت تارنتوم بإؼراق بعض السفن الرومانٌة واستولت على بعضها
اآلخر ،وطردت الحامٌة الرومانٌة من مدٌنة ثوري واحتلتها بمساعدة بٌروس
71
Pyrrhusملك اوبٌروس وجٌشه) .احتجت روما لدى تارنتوم مطالبة بتعوٌضها،
لكن األخٌرة ،رفضت طلب روما و أهانت سفراءها إهانة بالؽة.
لم ٌعد فً وسع الرومان بعد ذلك السكوت عما حدث ،وقرروا مواجهة تارنتوم
وبٌروس الذي اصطحب جٌشا مإل ًفا من ۰4444مقاتل من المشاة 3444فارس
۰444من رماة السهام مدربٌن أفضل تدرٌب ومجهزٌن بؤحدث األسلحة المعروفة
آنذاك فضبل عن عشرٌن فً تدخل المعركة ألول مرة فً إٌطالٌا") .فدارت المعركة
األولى فً عام ۰۱4ق.م عند هرقلٌا على شاطىء خلٌج تارنتوم .انهزمت فٌها
روما أمام بٌروس و تارنتوم ،ورفضت الصلح الذي عرضه علٌها مقابل أن تتخلى
عن جنوب إٌطالٌا بؤجمعه ،ثم الحق بٌروس بروما هزٌمة ثانٌة فً عام ۰۰۲ق.م
عند أوسقولوم Ausculumفً أبولٌا .وفً أثناء االتفاق على بعض بنود الصلح
بٌنهما وقد سارت المفاوضات بنجاح .أسرعت قرطاجة بإرسال سفرابها إلى روما
لٌعرضوا علٌها المساعدة باألموال والسفن حتى ال تسمح لبٌروس بالتدخل فً
صقلٌة ،فرفضت روما فً عام ۰۰۲م .مصالحة بٌروس وعقدت مع قرطاجة
معاهدة عسكرٌة اتفق فٌها الطرفان على :
)3أنه فً حالة إبرام احد الطرفٌن معاهدة مع العدو المشترك ٌجب أن ٌحتفظ
لنفسه فً هذه المعاهدة بحق مساعدة الطرؾ اآلخر إذا ؼزٌت أراضٌه.
وقرر بٌروس نجدة اؼرٌق صقلٌة الذٌن وقعوا ،بعد وفاة أجاثوكلٌس طاؼٌة
سٌراكوزا فً عام ۰۱۲ق.م ،بٌن خطرٌن:
األول :أن القرطاجٌٌن انتهزوا فرصة وفاته وجددوا هجماتهم على المدن اإلؼرٌقٌة
.
74
الثانً :أن القمبانٌٌن المؤجورٌن تركوا خدمة سٌراكوزا بعد وفاة موالهم واستولوا
على مسانا = مسٌنا Messanaوجعلوها قاعدة الؼاراتهم على المدن اإلؼرٌقٌة
فً صقلٌة.
لذلك جاء إلى صقلٌة فً عام ۰۰۱ق.م ،ووجه جل اهتماماته لمحاربة القرطاجٌٌن
على مدى ثبلث سنوات ،حتى أرؼمهم على التخلً عن كل ممتلكاتهم فٌما عدا
لٌلوباٌوم .Lilybaeumوكاد ٌنقل الصراع إلى افرٌقٌا لوال تخلً حلفابه عنه
وعقدهم الصلح مع القرطاجٌٌن ،األمر الذي جعله ٌؽادر صقلٌة فً عام ۰۰5ق.م
عابدة إلى حلفابه فً جنوب إٌطالٌا .وفً إٌطالٌا أعاد تنظٌم قواته لٌنقض على جٌش
رومانً كان قد زحؾ على سامنٌوم ووصل حتى بنفنتوم Beneventumلكن
خطته فشلت .فانسحب إلى تارنتوم ،ثم إلى ببلده األصلٌة لٌحقق ما عجز عن تحقٌقه
فً اٌطالٌا ،باحتبلل مقدونٌا وتؤسٌس امبراطورٌة كبٌرة ،وبخاصة أن الظروؾ
الراهنة فً ببلد اإلؼرٌق كانت أفضل له لبلستٌبلء على مقدونٌا) .لكنه قتل فً
مٌدان المعركة بببلد اإلؼرٌق عام ۰۰۰ق.م .وصادؾ أن أرسل قبٌل وفاته فً
طلب حامٌة تارنتوم .فسلمت هذه الحامٌة المدٌنة إلى الرومان لتإمن خروجها
بسبلم .فوضع الرومان فً تارنتوم حامٌة رومانٌة دابمة وتفرؼوا للقضاء على
اللوقانٌٌن والبروتٌٌن والسمٌنٌٌن وحلفابهم القبابل السابلٌة واستولوا على قسم كبٌر
من أقالٌمهم حٌث أقاموا فٌها عددا من المستعمرات .فً جنوبً إٌطالٌا .ولم ٌبدأ
عام ۰65ق.م حتى كانت شبه جزٌرة إٌطالٌا بؤجمعها تعترؾ بسٌادة الرومان.
ومن أهم األسباب التً ساعدت الرومان فً تحقٌق انتصاراتهم الحربٌة ما ٌلً:
)3قدرة الجٌش الرومانً وبراعة قادته العسكرٌٌن بالمناورة والتطوٌق .كما أن
الجٌش قد أخضعت به روما مدن اٌطالٌا بتجنٌد كل مواطن البق للخدمة
11
العسكرٌة على نفقته الخاصة كالتزام ٌإدٌه للدولة إال أن طول الحروب وبعد
المعارك عن روما جعل فكرة دفع راتب منتظم للجنود الرومان تظهر الى
حٌز الوجود ،وكانت هذه الخطوة هً المرحلة األولى نحو تكوٌن جٌش
محترؾ خاص بروما.
)0دبلوماسٌة الرومان التً عملت على تمزٌق شمل التحالفات التً نظمها
أعدابها السامنتٌون ضدها.
)۰وكانت من أهم العوامل التً ساعدت روما على بسط سلطانها على إٌطالٌا
بؤجمعها تقرٌبا أال وهً :شبكة الطرق البرٌة الشهٌرة فقد بدأت ألول مرة
بشكلها المتطور حوالی 3۰۰ق.م .بإنشاء الكنسور ابٌوس كاٌكوس للطرٌق
الموصل من روما إلى كابوا والذي حمل اسمه ،ثم امتد نفس الطرٌق لٌصل
الى برندٌزٌوم ثم بدأت الطرق تتعدد لتربط روما وأؼلب المدن ،وأٌضا كان
لها دورها االقتصادي كوسٌلة سرٌعة للنقل البري باالضافة لدورها
الحضاري الذي ال ٌمكن تجاهله.
ثم وجهت روما جهودها نحو المدن االؼرٌقٌة فً جنوب إٌطالٌا والتً كانت تعٌق
مطامع روما فً توحٌد إٌطالٌا فحاربتها واحتلتها سنة ۰۰۰ق.م وهدمت أسوارها
وأقامت فٌها حامٌة رومانٌة ،وبعد هذه الفتوحات التً قامت بها روما فً اٌطالٌا
اصبحت دولة عظٌمة ٌحسب حسابها وٌخشاها اعدابها وتبادلها الدول الكبرى
المعاصرة الود والعبلقات ،فقد أرسل لها بطلٌموس فٌبلدلفٌا ملك مصر بعثة سٌاسٌة
18
لٌكتسب صداقتها .كما أخذت تقٌم عبلقات تجارٌة مع المدن الٌونانٌة فً البر
الٌونانً.
أما عن روما من الداخل فقد كان الصراع قاسٌا كمثٌله فً الخارج فقامت
الجمهورٌة الرومانٌة نتٌجة الثورة األرستقراطٌة من مبلك األرض ،وتولی
السلطات التنفٌذٌة فً الدولة موظفون عمومٌون من الطبقة األرستقراطٌة .وسٌطر
على هإالء الموظفٌن مجلس الشٌوخ الرومانً الذي كان ٌعبر عن مصالح الطبقة
األرستقراطٌة ضد أي مصالح أخرى ،لذا كان من الطبٌعً أن ٌتفجر الصراع بٌن
هذه الطبقة الحاكمة وبٌن الطبقة المحكومة من عامة الشعب نتٌجة تضارب المصالح
االقتصادٌة وما ٌترتب علٌها من ظروؾ اجتماعٌة وسٌاسٌة وقانونٌة .وبدأ هذا
الصراع حوالى بداٌة القرن الخامس قبل المٌبلد واستمر أكثر من مابتً عام حتى
حقق العامة أهدافهم .وقد تكونت طبقة العامة فً روما من أصحاب الحرؾ
والفبلحٌن األحرار والتجار والمهاجرٌن الفقراء واستخدمت هذه الطبقة فً بداٌة
صراعها مع األرستقراطٌة الرومانٌة سبلحا بسٌطا لكنه فعال إلى أقصى الحدود،
وهو (االنسحاب) أي انسحاب كافة هذه الجماعات من روما مما ٌشكل بالقطع كارثة
اقتصادٌة ال ٌمكن األرستقراطٌة أن تتجاهلها ،وقد خرج عامة الشعب من هذا
الصراع فً أول جولة لهم فٌه بمكسب ال ٌنكر هو ظهور مجموعة من الموظفٌن
العمومٌٌن والترابنة الشعبٌٌن الذي ٌدافعون عن مصالحهم ضد مصالح
األرستقراطٌة ،باإلضافة إلى تكوٌن الجمعٌة الشعبٌة التً أصبحت ندا لمجلس
الشٌوخ األرستقراطً ،وتدرٌجٌا تطورت سلطات الترابنة حتى أصبحت تجٌز لهم
االعتراض على أي موظؾ عام أو قرارات أو قوانٌن ٌفرضها مجلس الشٌوخ،
وتتعارض مع مصالح الطبقات الشعبٌة فً روما.
وكان ثانً المكاسب التً خرجت بها طبقة العامة فً روما فً صراعها مع
األرستقراطٌة هو مجموعة القوانٌن المكتوبة المعروفة باسم قوانٌن األلواح االثنً
عشر ،والتً تعتبر أحد أهم مصادر التارٌخ الرومانً ،وٌعتبر هذا المكسب تؽٌٌرا
11
جذرٌا فً العبلقات بٌن كل من األرستقراطٌٌن والعامة ،إذ كانت القوانٌن قبل ذلك
أقرب الى العرؾ الذي ٌخضع للتفسٌرات الشفوٌة التً تقدمها الطبقة األرستقراطٌة
وحدها مما شكل نوعا من الضؽط على الطبقات األخرى ،أما فً ظل القوانٌن
المكتوبة فقد سحبت هذه االمتٌازات بالتالً من ٌد الطبقة األرستقراطٌة والتً كثٌرا
ما استؽلت هذا الوضع لصالحها دون باقً الطبقات.
ثم توالت مكاسب العامة كاكتسابهم لحق التزاوج بٌنهم وبٌن األشراؾ من
األرستقراطٌٌن وامکان انتخاب أحد القناصل من عامة الشعب بعد أن كان قاصرا
على األرستقراطٌٌن واعادة توزٌع األراضً العامة وهً األراضً التً كانت روما
تضمها عن طرٌق الؽزو ،وكان الهدؾ من اعادة التوزٌع هو الحد من الملكٌات
الكبٌرة وإتاحة الفرصة للفبلحٌن الصؽار لتملك بعض هذه األراضً ،وقد صدر
قانون بهذا المعنى فً ۰6۰ق.مٌ .حدد الحد األقصى للملكٌة الزراعٌة بحٌث ال
تزٌد عن 544فدان رومانً للشخص الواحد من األراضً الزراعٌة أو األراضً
الصالحة للرعً ،وعرؾ هذا القانون باسم الكٌنوس سٌكستوس) .ووصلت هذه
المكاسب الى ذروتها فً عام ۰۱۰ق.م .عندما أصبحت لقرارات الجمعٌة الشعبٌة
قوة القانون بمقتضى قانون عرؾ باسم قانون هورتنسٌوس .وهكذا ففً خبلل قرنٌن
من الصراع بٌن طبقة العامة والطبقة األرستقراطٌة حصل العامة على جمٌع
أهدافهم بؤقل قدر من العنؾ ،ولم ٌعد لبلرستقراطٌة سند قانونً ألي امتٌازات قد
تتمتع بها .وبالتالً اعتمد مركزهم الجدٌد فً الدولة على وضع ؼٌر رسمی تضفٌه
علٌهم ثروتهم أو سمعة أسرهم وتارٌخهم وأعمالهم المجٌدة ان وجدت ،وهو ما
ٌخالؾ الوضع القدٌم.
وتولى األمور التنفٌذٌة فً داخل روما عدد قلٌل من الموظفٌن العمومٌٌن هم
قنصبلن وبراٌتور واحد ،وفً بعض األحٌان زٌد العدد الى اثنٌن واثنان من
الكوٌستور وأربعة من االٌدٌل واثنان من الكنسور ،وحددت فترة شؽلهم لمناصبهم
بعام واحد تجنبا لترك السلطة التنفٌذٌة فً روما لمثل هذا العدد القلٌل من الموظفٌن
13
لمدد طوٌلة ،ولما كانت هذه المناصب ٌتم شؽلها باالنتخاب فٌمكن القول بؤن الشعب
الرومانً قد مارس السلطة إلى حد ما ،اال أن هإالء الموظفٌن كانوا بحكم الوضع
السٌاسً القابم أمٌل الى جانب مجلس الشٌوخ الذي ٌضم أصحاب الخبرة السٌاسٌة
الناضجة وذلك بحكم كونهم أعضاء فً هذا المجلس قبل شؽلهم لمناصبهم،
ً
مرتبطا أٌضا بالمجلس بعد تركهم لمناصبهم باالضافة الى أن مستقبلهم السٌاسً كان
وأدى ذلك بطبٌعة الحال إلى تعاظم سلطان المجلس من الناحٌة السٌاسٌة واستمر هذا
الوضع حتى فترة ظهور األخوان جراكوس.
هكذا كانت روما من الداخل فهً فً طرٌقها إلى الشكل السٌاسً المنظم المستقر
الى حد كبٌر بعد أن استقرت لها األمور تقرٌبا فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة.
14
الفصل األول
توسعات روما الخارجٌة
( 833-165ق.م)
15
الحروب البونٌة
فً ؼمرة انهماك روما بتوحٌد شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة تحت سٌطرتها لم تول اهتماما
كبٌرا إلى التجارة الخارجٌة أو تلق باال على اإلطبلق إلى األحداث الجارٌة خارج
إٌطالٌا ،ولكنها عندما أصبحت سٌدة شبه ،وبذلك ؼدت إحدى القوى الكبرى فً
البحر المتوسط و أخذت تنظر إلى األمر نظرة جدٌدة كان مبعثها االنتصارات التً
أحرزتها والمكانة الكبٌرة التً احتلتها والكفاٌة العسكرٌة التً أظهرتها ،فضبل عن
األطماع الجدٌدة التً أخذت تراودها .وإزاء ذلك كله كان طبٌعٌا أن تنزل روما إلى
معترك السٌاسة الدولٌة.
جوبهت روما بعد اتمام توسعها فً سهل البلتٌوم وجنوب إٌطالٌا بثبلث مشاكل او
قضاٌا كان علٌها حلها التمام توسعها فً شبه جزٌرة إٌطالٌا ،وفً المناطق البحرٌة
المجانٌة االٌطالٌا فً البحرٌن التٌرانً ،األدرٌاتٌكً وفً مناطق شمال اٌطالٌا
وراء جبال األبنٌن.
وقد قادتها محاوالت حل هذه المشكبلت الى حروب مع القوى المسٌطرة على هذه
المناطق ،كان من نتٌجتها توسع روما فً البحر األبٌض المتوسط وفً البر
الٌونانً وفً شمال اٌطالٌا ثم فٌما وراء األلب بعد ذلك وبشكل خاص فً ؼالٌا.
وكانت قضٌة البحر التٌرانً من أكثر المشاكل الحاحا بالنسبة للرومان ،والتً
تتطلب حبل عاجبلٌ .قع البحر التٌرانً بٌن الساحل اإلٌطالً الؽربً ومجموعات
جزر أرخبٌل توسكانا شماال وجزٌرتً كورسٌكا وسردٌنٌا ؼربا ومجموعة جزر
لٌباري وصقلٌة جنوبا .وقد كانت مضابق هذا البحر موضع نزاع بٌن القوى التً
نشؤت على أطرافه كاالتروسكٌٌن ،والٌونان ،والفٌنٌقٌٌن ،والقرطاجٌٌن ،ثم روما
فٌما بعد ،حٌث اعتبرت أن مصٌرها كدولة كبرى فً إٌطالٌا مرتبط بمصٌره وبما
ٌجري فٌه من أحداث ،فتوجب العمل على التخلص من الوضع القابم فٌه ،األمر
16
الذي اضطرها الى الصدام مع قرطاجة التً كانت تسٌطر على صقلٌة وجزر
لٌباري :مع األتروسكٌٌن الذٌن كانوا ٌسٌطرون على كورسٌكا وسردٌنٌا.
وفً ذلك الوقت كانت القوى العظمى هً مصر وسورٌا ومقدونٌا فً شرق البحر
المتوسط وقرطاجة فً ؼرب هذا البحر ،ولما كان العامل الحاسم فً االتجاه الذي
اتخذته سٌاسة روما الخارجٌة طوال البقٌة الباقٌة من القرن الثالث قبل المٌبلد هو
سٌطرة قرطاجة على ؼرب البحر المتوسط ابتداء من صقلٌة حتى مضٌق جبل
طارق مما أفضى إلى صراع عنٌؾ بٌن هذٌن العمبلقٌن ،فإننا وقد أحطنا علما
بشبون روما ٌجمل بنا اآلن أن نستعرض فً إنجاز مكامن فوق قرطاجة ومواطن
ضعفها لكً ٌسهل علٌنا تفهم النتٌجة التً انتهى إلٌها الصراع فً ؼرب البحر
المتوسط.
كانت قرطاجة تقع على شاطا أفرٌقٌا الشمالً قرب مدٌنة تونس الحالٌة تجاه
الطرؾ الؽربً لجزٌرة صقلٌة .وقد أسس قرطاجة مستعمرون فٌنٌقٌون من مدٌنة
صور عند أواخر القرن التاسع قبل المٌبلد حوالً عام ۱۰5أو ۱۰0ق .م .وبذلك
كانت إحدى المستعمرات التً أنشؤها الفٌنٌقٌون فً ؼرب البحر المتوسط ،بٌد أن
قرطاجة أخذت تنمو سرٌعا حتى ؼدت أعظم المستعمرات الفٌنٌقٌة فً الؽرب .وفً
هذه األثناء كانت فٌنٌقٌا ذاتها آخذة فً االضمحبلل أمام توسع األشورٌٌن ووقوعها
فً قبضتهم ،مما حدا بالمستعمرات الفٌنٌقٌة فً الؽرب إلى قطع صبلتها السٌاسٌة
بالمدن أمهاتها .وإلى االعتماد على جهودها الذاتٌة فً الصمود أمام منافسة التجار
والمستعمرٌن اإلؼرٌق.
وقد انتهزت قرطاجة هذه الفرصة لتنصب نفسها حامٌة لذمار المستعمرات الفٌنٌقٌة
فً ؼرب البحر المتوسط ،ثم أخذت منذ القرن السادس بسط سٌطرتها تدرٌجا على
هذه المستعمرات الحلٌفة ،وعلى عدد من الجزر الواقعة فً ؼرب البحر المتوسط ،
وتحول أهم المراكز التجارٌة الفٌنٌقٌة إلى مستعمرات دابمة تابعة لها مثل لبدة
( )Leptis Magnaوصبراتة ( Sabrathaوأوٌا ( )Oeaفً لٌبٌا .وفضبل
17
عن ذلك فإن قرطاجة عملت على بسط سٌطرتها على اللٌبٌٌن المقٌمٌن فً المناطق
المجاورة لها ،شرقا وؼربا ،وكذلك على نشر نفوذها على كثٌر من القبابل النازلة
فً جنوب اسبانٌا وشرقها .وتبعا لذلك كانت امبراطورٌة قرطاجة فً النصؾ
األول من القرن الثالث قبل المٌبلد ال تشمل شاطا إفرٌقٌا الشمالً ابتداء من خلٌج
سرت إلى ما وراء جبل طارق فحسب بل أٌضا بعض أجزاء من شواطا إسبانٌا
الجنوبً وجزر البلٌار وكورسٌكا وسردٌنٌا وكذلك جانبا كبٌرا من جزٌرة صقلٌة.
أوال ،قرطاجة ذاتها ،وكانت مدٌنة كبٌرة ٌقال إن عدد سكانها بلػ ۰44444نسمة
قبل تدمٌرها فً منتصؾ القرن الثانً قبل المٌبلد .وهذا الرقم ٌبدو معقوال إذا كان
ٌشمل كل فبات السكان ،فقد قدر عدد مواطنٌها بما ٌتراوح بٌن ۰44444و
344444مواطن .
ثانٌا ،المستعمرات الفٌنٌقٌة ،القدٌمة منها والحدٌثة ،وهً التً كانت حلٌفات تابعة
لقرطاجة مع تمتعها بالحكم الذاتً.
ثالثا ،المدن و األقالٌم التً كان ٌسكنها جنس خلٌط ٌسمى اللٌبٌٌن الفٌنٌقٌٌن .وكانوا
رعاٌا ٌتمتعون بمركز خاص و بالتزاوج مع القرطاجنٌٌن بامتبلك األرض .
خامسا ،القبابل اللٌبٌة المقٌمة خارج هذه المناطق ،ولكن قرطاجة بسطت نفوذها
على هذه القبابل عن طرٌق العبلقات التً أنشؤتها .وكذلك عن طرٌق الروابط
التجارٌة الوثٌقة بٌن قرطاجة وحلٌفاتها وبٌن هذه القبابل ،فهً التً كانت وسٌلة
تبادل السلع بٌن الثؽور والدواخل.
11
ساد ًسا :القبابل اإلسبانٌة التً سٌطرت قرطاجة علٌها وعلى مناجم النحاس والفضة
المجاورة لها.
سابعا ،جزر البلٌار و كورسٌكا وسردٌنٌا وجانب من صقلٌة حٌث أعطت قرطاجة
رعاٌاها من الحرٌة أكثر مما أعطته لرعاٌاها اآلخرٌن
وقد أعفت قرطاجة حلٌفاتها الفٌنٌقٌة التابعة لها من أعباء الدفاع عن نفسها ولكنها
فرضت ع لٌها وكذلك على رعاٌاها اللٌبٌٌن واالسبانٌٌن الخاضعٌن لسٌادتها تزوٌدها
بالمإنة والجنود أو السفن فً زمن الحرب ،فضبل عن أداء جزٌة سنوٌة مرتفعة
نضرب مثبل لها ما ٌحدثنا به لٌفٌوس من أن قرطاجة فرضت على لبدة أن تإدي لها
ٌومٌا جزٌة قدرها تالنت ( = حوالً ۰34جنٌها استرلٌنٌا ) وهو ما ٌظهر على
الفور مقدار حرص قرطاجة على مناطق نفوذها من إؼبلقها موانًء إمبراطورٌتها
فً وجه جمٌع التجار األجانب ومن إصرارها على ضرورة أن تمر بها التجارة
الخارجٌة جمٌعها وحتى لو كانت المدن الفٌنٌقٌة مصدرها ،وهو ما ٌتضح من
نصوص المعاهدتٌن اللتٌن عقدهما مع روما .وٌبدو أن األسلوب نفسه ،أسلوب
السٌطرة على أقالٌم داخلٌة لم تقهر عن طرٌق السٌطرة على الشواطًء لم تتبعه
قرطاجة فً لٌبٌا فحسب بل اتبعته أٌضا فً سردٌنٌا وكورسٌكا وجزر البلٌار .
وٌبدو أن قرطاجة اتبعت األسلوب نفسه فً إسبانٌا كذلك بعد قضابها على مدٌنً
تارتسوس ( )Tartessusوماٌناقی ( )Maenaceفً الجنوب حوالً آخر القرن
السادس قبل المٌبلد ،ألن قرطاجة بسٌطرتها على الشاطىء الجنوبً وجزء من
الشاطا الشرقً بسطت سٌطرتها على عدد كبٌر من القبابل اإلسبانٌة والمناجم
المجاورة لها .ذلك أن المخلفات األثرٌة تدل على انتشار تؤثٌرات فٌنٌقٌة منذ حوالً
عام 544ق.م .فً مناطق إسبانٌة تمتد إلى ما وراء األندلس شماال حتى سلسلة
جبال مورنا ( . )Sierra Morenaبٌد أنه حوالً عام 044ق.م .تعاون إؼرٌق
ماسٌلٌا -منافسو القرطاجنٌٌن األشداء منذ عهد بعٌد -مع القبابل اإلسبانٌة فً
ال قضاء على هذه اإلمبراطورٌة اإلسبانٌة الباكرة ،فلم ٌبق لقرطاجة هناك إال بعض
14
أجزاء من الشاطا الجنوبً إلى أن أعادت بناء قوتها فً إسبانٌا بعد الحرب البونٌة
األولى على نحو ما سنرى .وأما فً صقلٌة ،فإنه بسبب كثرة اإلؼرٌق وقوتهم
هناك لم ٌكن مرکز قرطاجة قوٌا اال فً ؼرب هذه الجزٌرة ،ومن مراكزها
الحصٌنة فً هذه المنطقة حاولت بسط سلطانها فً صقلٌة قدر االستطاعة مع
حرصها فً الوقت نفسه على أن تمنح رعاٌاها هناك قدرا من الحرٌة أكبر مما
منحته رعاٌاها فً جهات أخرى ،وأن تكون كذلك أكثر رحمة بحلفابها هناك منها
بحلفابها اآلخرٌن.
وجعلوها قاعدة إلؼاراتهم على أقالٌم المدن اإلؼرٌقٌة فً صقلٌة ولما كان
المامرتٌنً ٌشكلون خطرا شدٌدا على جارتهم سٌراكوزا ،فإنه بعد أن آلت الحكم
فٌها إلى هٌرو ( - )Hieroوهو الذي اتخذ لقب ملك فً عام ۰65ق.م -.حاصر
مسانا فً عام ۰60ق.م .حصارا شدٌدا وأصبح سقوطها فً قبضته أمرا ٌكاد أن
ٌكون مإك ًدا .وإزاء ذلك ناشد المامرتٌنً المساعدة .قرطجً ٌبدو أنه كان قرٌبا
من مسرح األحداث الجارٌة هناك توقع االحتمال ،فقد كانت قرطجنة شدٌدة
الحرص على الحٌلولة دون اتساع سٌراكوزا .وعندما نجح األسطول القرطاجً فً
41
رفع الحصار ولكنه ظل راسٌا فً مسانا ،خشً المامرتٌنً أن تفرض قرطجنة
سٌطرتها علٌهم ،ولذلك رأوا أنه مخرج لهم من هذه الورطة إال بؤن ٌطلبوا إلى
روما إدخالهم فً زمرة رعاٌاها.
وإذ أدرك السناتو أنه كان من شؤن استٌبلء قرطاجة على مسانا تهدٌد سبلمة جنوب
إٌطالٌا وحرٌة سفن روما وسفن حلفابها فً استخدام مضٌق مسانا ،أدرك كذلك أن
االستجابة إلى طلب المامرتًٌ قد ٌإدي إلى االشتباك مع قرطاجة فً حرب بحرٌة
،وأن الرومان لم تكن لهم خبرة بمثل هذه الحرب وال أسطول ٌضارع من قرب أو
بعد أسطول قرطاجة .وإزاء هذه االعتبارات نستطٌع أن نفهم سر انقسام اآلراء فً
السناتو بصدد هذه المشكلة و إحالته إٌاها دون توجٌه محدد إلى جمعٌة المثٌنات ،
فٌما ٌرجح .ولما كان المواطنون الرومان ٌستشعرون الحاجة إلى الراحة بعد
المجهود المضنً الذي بذلوه فً السٌطرة على شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وبخاصة فً
أثناء الصراع مع بوروس ،فإنه ملك الجمعٌة الشعبٌة أٌضا التردد والحٌرة إلى أن
أقنعها القنصبلن بالموافقة على التحالؾ مع المامرتٌنً لما ٌنطوي علٌه إرسال حملة
إلى صقلٌة من « مکاسب » طابلة ،أي المجد العسكري وأسبلب الحرب .بٌد أن
الجمعٌة لم تذهب إلى أبعد من الموافقة على المحالفة وإرسال نجدة فورا إلى مسانا ،
حٌث حققت النجدة هدفها دون إراقة أي دماء ألنه عند ظهور الرومان على ؼٌر
توقع انسحب األسطول القرطاجً بسبلم.
ؼٌر أنه لما لم ٌكن فً نٌة حكومة قرطاجة التفرٌط فً هذه الؽنٌمة بمثل هذه
السهولة ،فإنها على الفور أرسلت حملة الستعادتها وحرضت هٌرو على االنضمام
إلى جانبها لطرد الدخبلء الرومان من صقلٌة وقام الفرٌقان بمحاصرة مسانا ،مما
حدا بالسناتو إلى حشد فرقتٌن وإرسالها بقٌادة القنصل أبٌوس قبلودٌوس لتعزٌز
النجدة .وعندما نجحت التعزٌزات فً عبور البحر والوصول إلى مسانا ،تمكن
الرومان من رفع الحصار عنها بهزٌمة القوتٌن المتحالفتٌن .وعلى هذا النحو أنقذت
48
روما مسانا ،ولكنها فً الوقت نفسه أشعلت فتٌل الحرب بٌنها وبٌن قرطاجة
سٌراكوزا.
وٌمكن تلخٌص أسباب الحروب البونٌة بٌن روما وقرطاج الى :
)۰تنافس بٌن القوتٌن على السٌطرة على صقلٌة وسردٌنٌا وكورسٌكا .
)۰قضٌة مسٌنا أو السٌطرة على المضٌق البحري الذي ٌفصل صقلٌة عن البر
اإلٌطالً والذي دفع روما الى السٌطرة على مدٌنة رٌجٌون فً جزٌرة (
البوي ) وإلى احتبلل قرطاجة المدٌنة مسٌنا التً كان ٌتنافس علٌها الرومان
ومدٌنة سٌراكوزا والقرطاجٌون .
)3ضؽط الطبقات الشعبٌة الرومانٌة على مجلس الشٌوخ لدفعه إلى التدخل فً
صقلٌة طمعا فً ما ٌمكن أن ٌعود به علٌهم هذا التدخل من مؽانم كثٌرة
كانت قرطاجة تحرمهم منها .
بعد أن احتل القرطاجٌون مسٌنا قاموا بعقد معاهدة للصلح مع هٌرون ملك سٌراكوزا
لكً ٌقووا جانبهم ،ولكً ٌقطعوا الطرٌق على التدخل الرومانً .ولكن روما كانت
تمٌل الى التدخل لفك طوق العزلة التً فرضها علٌها احتبلل قرطاجة لمسٌنا
وسٌطرتها على مضٌق مسٌنا ،حٌث سارع ابٌوس كلودٌوس الى قٌادة جٌش توجه
به إلى مدٌنة رٌجٌون ،فاستعادها من جنود القابد القرطاجً ( أؼا توكل ) المارمتٌٌن
،ثم حاصر مدٌنة مسٌنا ولم ٌستطع النفاذ إلٌها بسبب إؼبلق االساطٌل القرطاجٌة
طرفً المضٌق فً وجهه ،ولكنه ستطاع استدراج قابد الحامٌة القرطاجٌة الى
خارج قلعة مسٌنا وأسره ،فقام جنوده بتسلٌم قلعة مسٌنا كفدٌة له .وهكذا احتل
41
الرومان مدٌنة مسٌنا ،وردا على ذلك قام القرطاجٌون وحلٌفهم هٌرون ملک
سٌراكوزا بحصار مسٌنا ،ولكن ابٌوس كلودٌوس استطاع االفبلت من الحصار
واتجه الى سٌراكوزا فحاصرها ولكنه لم ٌستطع فتحها فانسحب من جوارها سنة
۰60ق.م.
وهكذا بدأت الحرب رسمٌا بٌن الطرفٌن حٌث أعلنت روما الحرب على قرطاجة،
وارسلت جٌشا الى صقلٌة بقٌادة القنصلٌن ماكسٌموس ،وكراسوس اللذان استطاعا
إجبار ملك سٌراكوزا على االستسبلم وطلب الصلح والتحول إلى حلٌؾ لروما ٌزٌد
جٌشها بالمإن واالؼذٌة ومن ثم انضمت بعض المدن الصقلٌة الناقمة على السٌطرة
القرطاجٌة الى روما ثم استطاع الرومان فتح اجرٌجانت المدٌنة الصقلٌة الٌونانٌة
حلٌقة قرطاجة الربٌسة فً الجزٌرة سنة ۰6۰ق م ،ولم ٌبق فً نهاٌة السنة الثالثة
من الحرب إال بعض الحصون البحرٌة القرٌبة.
ولكن القرطاجٌٌن الذٌن هزموا فً البر عملوا على االنتقام والسٌطرة فً البحر
حٌث كانت اساطٌلهم تهدد السواحل الرومانٌة فً البلتٌوم ،واستطاعت هزٌمة
أسطول رومانً فً لٌباري ،ولكن الرومان سرعان ما طوروا اسالٌب قتالهم
البحري حٌث قلدوا بناء السفن القرطاجٌة السرٌعة ،واضافوا الى سفنهم سبللم
خشبٌة ٌلقونها على السفن القرطاجٌة ،وهذا ٌمكن جنودهم من الوصول إلٌها وقتال
القرطاجٌٌن وكؤنهم على البر ،وبهذه الوسٌلة استطاعوا االنتصار على األسطول
القرطاجً فً معركة ( مٌلة ) سنة ۰64ق.م .وظلت الحرب سجاال بٌن الطرفٌن
حٌث انتصر القرطاجٌون سنة ۰5۲ق.م وعاد الرومان الى االنتصار من جدٌد فً
۰5۱ق.م ،وقد دفعهم هذا الموقؾ الذي ٌفتقر الى الحسم الى التفكٌر بؽزو قرطاجة
نفسها فً البر األفرٌقً ،فؤرسلوا أسطوال من 334سفٌنة بقٌادة القنصلٌن
رٌجولوس مانلٌوس سنة ۰56ق.م ،فاصطدم بؤسطول قرطاجً كبٌر تعداد سفنه
354سفٌنة ،واستطاع التؽلب علٌه ،وقد وصلت الحملة الى الساحل األفرٌقً
وانزلوا جٌوشهم فً رأس ( ٌونه ) واحتلوا بعض المواقع فً المناطق المجاورة
43
لمدٌنة قرطاجة وعاثوا فسادا فً مزارعها ،وأسروا كثٌرا من الفبلحٌن و باعوهم
عبٌدا فً سوق الرقٌق ،ثم اضطر مانلٌوس للعودة مع جزء من الجٌش والؽنابم
واالسرى الى روما بٌنما بقً القنصل االخر رٌجولوس فً االراضً االفرٌقٌة مع
بقٌة الجٌش ،وقد حاول رٌجولوس انهاء الحرب بسرعة فعرض على القرطاجٌٌن
ملحا بشروط قاسٌة ،ولكن القرطاجٌٌن ه اجموه بشدة وتمكنوا من أسره وهزٌمته
وإنهاء مشروع ضرب قرطاجة فً البر األفرٌقً.
وقد حاولت روما تجدٌد نشاطها فً البحر المحاذي لشاطا صقلٌة وفً صقلٌة
نفسها وتمكنت من إحراز بعض االنتصارات ولكن أسطولها دمر على سواحل
صقلٌة بفعل العواصؾ واألعاصٌر الشدٌدة ،حٌث عادت قرطاجة بعد ذلك لسٌادة
البحر ،ومحاولة استعادة سٌطرتها على البر الصقلً بعد ذلك ،فاحرزوا بعض
االنتصارات ،ولكن الرومان عاودوا االنتصار مما أؼراهم بمعاودة ؼزو الساحل
األفرٌقً ،ولكنهم منوا بانتكاسات جدٌدة جعلتهم ٌتبنون هذه الفكرة ثانٌة.
وفً الفترة بٌن ۰0۰-۰50ق.م عاودت الحرب نشاطها بٌن الطرفٌن فقد حاول
القابد القرطاجً ( اسدروبال ) استعادة مدٌنة بالرم ،ولكنه فشل فشبل ذرٌعا و
هزمت قواته ،ولجؤت قرطاجة للتفاوض وطلب الصلح فرفض الرومان ذلك
لشعورهم بقرب االنتصار النهابً على السٌطرة القرطاجٌة على صقلٌة وذلك
بالقضا ء على آخر معقلٌن لها فٌهما وهما( لٌلٌبه) (درٌبان) ،وقد حاصروا المدٌنة
االولى ثم حاولوا مهاجمة المدٌنة االخرى ولكنهم منوا بهزٌمة شدٌدة فً الحالتٌن ،
مما جعلهم ٌقلعون عن محاولة استعادة السٌطرة على البحر وعن محاولة القضاء
على معاقل القرطاجٌٌن فً صقلٌة ،وفً هذه الفترة ظهر القابد القرطاجً أمٌلكار
الذي أفزع الرومان بهجماته الجسورة على سواحل اترورٌا والبلتٌوم وكامبانٌا مما
دفع الرومان إلى االنشؽال عن مقلٌة بإنشاء مستعمرات بحرٌة على السواحل
االٌطالٌة ،واطمؤن القرطاجٌون إلى تفوقهم فسحبوا أساطٌلهم إلى أفرٌقٌا ،ففاجؤهم
الرومان بؤسطول رومانً ٌهاجم درٌبان وٌستولً علٌها ،فسارع القرطاجٌون
44
العادة اسطولهم لنجدتها واستعادتها ،ولكن الرومان بقٌادة القنصل ( لوتانٌوس )
نصب له كمٌنا وحطمه بالقرب من جزٌرة اٌؽات سنة ۰0۰ق.م ونتج عن هذه
الهزٌمة أن قرطاجة لم تستطع متابعة الحرب فطلبت الصلح على أن ال تعود الى
ً
ثانٌة ،وان ال تحارب روما أو حلٌفتها سٌراكوزة أو ؼٌرها من حلفاء روما مقلٌه
وان تفع ؼرامة حربٌة قٌمتها ۰۰44تاالن ذهبً خبلل عشرٌن سنة ،وان تعٌد
اسرى الحرب الرومان وبهذا انتهت الحروب البونٌة األولى ،بعد ان استمرت
حوالً ۰0عاما.
فؤرسل السناتو -مجلس الشٌوخ -بعثة إلى قرطاجة -مارس ( ۰۰۱ق.م - .تطالب
بتسلٌم هانٌبال وهٌبة قٌادته .وعندما قررت الحكومة القرطاجٌة الوقوؾ إلى جانب
هانٌبال وتؤٌٌده هذه المرة أٌضا .أعلنت البعثة الحرب على قرطاجة .فكانت مسؤلة
45
ساجٌنتوم السبب المباشر لنشوب الحرب البونٌة فً مرحلتها الثانٌة ،وإن لم تكن
السبب الحقٌقً ألن هناك ثبلثة أسباب حقٌقٌة هً :
.۰حقد هامٌلكار على روما التً أرؼمته على تسلٌم صقلٌة ،فکرس بقٌة حٌاته
لبلنتقام منها ،وأورث هذا الحقد لمن أتوا بعده.
.۰ؼضب قرطاجة على روما لبلنتقام بسبب سطوتها على سردٌنٌا وتجدٌد
تهدٌدها بالحرب.
إذا كان تصرؾ هانٌبال فً احتبلل ساجونتوم عام ۰۰۲ق.مٌ .عتبر خرقا لمعاهدة
عام ۰۰۲ق.م .التً أعطته الحرٌة فً التصرؾ فً كل المناطق الواقعة إلى جنوب
نهر اإلبرو .فإن تعببة الرإوس وشحذ النفوس ضد روما كان هدؾ هانٌبال األول
واألخٌر الذي لقنه إٌاه والده منذ صؽره.
وبعد أن استكمل هانٌبال جمع األعداد البلزمة من الرجال ،وتمت له السٌطرة على
ساجٌنتوم ،قرر القٌام بمهاجمة روما فً اٌطالٌا إلعبلنها الحرب على قرطاجة،
ومطالبتها بواسطة بعثتها إلى قرطاجة عام ۰۰۱ق.م .بوجوب تسلٌم هانٌبال
ومجلس قٌادته الى روما .وقد زحؾ هانٌبال على رأس جٌش مإلؾ من أربعٌن
ألؾ مقاتل ،وتسعة اآلؾ من الفرسان ،فضبل عن عدد من الفٌلة التً كانت عنصرا
من عناصر التشكٌل العسكري للجٌوش القرطاجٌة .وقد ترك أخاه هسدروبال فً
اسبانٌا لٌشرؾ علٌها ،وٌرسل إلٌه اإلمدادات بانتظام ،وأن ٌلحق به فٌما بعد عند
الحاجة.
وكان تحرك هانٌبال فً عام ۰۰۱ق.م .من اسبانٌا قاص ًدا إٌطالٌا عبر جبال
البرانس التً تكون الحدود الشمالٌة الشرقٌة ألسبانٌا مع فرنسا ،فجنوب فرنسا
«ؼالٌا» لٌهاجم إٌطالٌاٌ .بدو أن خطة سٌر هانٌبال هذه جاءت عن دراٌة وتفكٌر فً
أمور الحرب ألسباب عدة أهمها:
46
أوال :أن األسطول القرطاجً ال ٌستطٌع حماٌته وجٌشه .إذا حاول أن ٌذهب به
رأسا إلى جنوب اٌطالٌا.
ثانٌا :صعوبة نقل ستة اآلؾ فارس بحرً ا .وكانوا من عداد جٌشه آنذاك .
رابعا :بٌنما كان الؽالٌون فً شمال إٌطالٌا على عكس سكان جنوبها .كانت ال تزال
تؽلً فً صدورهم مراجل الحقد على الرومان ،فضبل عن أن بعضا منهم كان قد
التحق مرارة بجٌش قرطاجة كجنود مرتزقة.
فاجؤ هانٌبال ،الرومان ،بهجومه ،فً الوقت الذي كان مجلس شٌوخهم السناتو،
ٌرسم الخطط لؽزو إسبانٌا وأفرٌقٌا ،قاطعة جبال األلب فً خرٌؾ عام ۰۰۱ق.م.
بعدما كابد ما ال ٌوصؾ من المشاق واألخطار لوعورة المسالك ،وصعوبة اجتٌاز
الفٌلة ،الممرات العمٌقة قبل توسٌعها ،وتراكم الثلوج ،وتساقط األمطار ،وتدحرج
الصخور والحجارة الكبٌرة على جٌشه من قبل أعدابه اإلٌطالٌٌن .فلم ٌصل بجٌشه
الى وادي البو إال بعد أن فقد منه حوالً ستة آالؾ مقاتل .ولٌقاتل فً ببلد بعٌدة
عن ببلده ،مع استحالة استقدام النجدات لمساعدته .بسبب تسلط الرومان على
البحر ،بٌنما سٌقاتل الرومان على أرضهم ،وبقوات كبٌرة قد تصل إلى مبات
األلوؾ من الرجال ،وسط امكانٌة توالً النجدات المساعدة عند الحاجة .وبالرؼم
من ذلك فقد ساعد هانٌبال على االنتصار عوامل عدٌدة :
أوال :اطبلعه الواسع على أرقى الخطط الحربٌة ،وعلى األعمال الباهرة التً قام بها
اإلسكندر األكبر وخلفاإه من بعده .
ثانٌا :لم ٌكن للقواد الرومان -المنتخبٌن االدارة األحكام -خبرة فً األمور
الحربٌة.
47
ثالثا :سرعة المباؼتة واالنتصار الذي ألهب حماس الؽالٌٌن ،فوقفوا إلى جانبه ،
وتطوعوا فً جٌشه.
تمكن هانٌبال من :التؽلب على القابد الرومانً سكٌبٌو الذي تجرأ على مهاجمة
هانٌبال عند نهر تقٌنوس Ticinosفً مناوشات جانبٌة لم تمنع األخٌر من عبور
البو ومتابعة طرٌقه ،وعندما إنضم سمبرومٌنوس القنصل الرومانً الثانً إلى
سكٌبٌو .قام القنصبلن بمهاجمة هانٌبال بقوات تبلػ ضعؾ قواته .لكنه ألحق بهما
هزٌمة ساحقة على ضفاؾ نهر ترٌبٌا Trebiaفً كانون أول (دٌسمبر) عام ۰۰۱
ق.م .مما أدى إلى انسحاب الرومان من شمال إٌطالٌا ،وكان النسحابهم التشجٌع
الكبٌر على انضمام الؽال إلى جانب القابد القرطاجً هانٌبال فزاد عدد جنوده إلى
حوالً 54444مقاتل.
أمضى هانٌبال شتاء عام ۰۰۰ -۰۰۱ق.م .فً تدرٌب الؽال الذٌن انضموا إلٌه على
القتال لؽزو شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة فً ربٌع عام ۰۰۰ق.م .أما الرومان الذٌن منوا
بالهزٌمة عند نهر ترٌبٌا فقد اكتفوا بالدفاع مقسمٌن جٌشهم بٌن القنصلٌن :فرابط أحد
القنصلٌن عند أرٌمٌنوم ٌسد طرٌق فبلمٌنٌو فً وجه القرطاجٌٌن ورابط القنصل
الثانً ،جاٌرس فبلمٌنوس عند أرثٌوم Arretiumلٌحمً اترورٌا ،ؼٌر أن هانٌبال
تقدم خلؾ خطوط القنصل الثانً جاٌوس فبلمٌنوس عبر جبال األبنٌن واستدرجه
إلى القتال عند بحٌرة تراسٌمنً Trasimeneبعدما أخفً قواته .فً التبلل
الواقعة على الجانب اآلخر من الطرٌق بجوار البحٌرة .وفً أثناء مرور جٌش
القنصل فبلمٌنوس .بهذا الطرٌق انقض علٌه القرطاجٌون من كمابنهم من جمٌع
الجهات ومزقه كل ممزق .ووقع القنصل Gaius Flaminiusأسٌرة بٌن ٌدي
هانٌبال الذي أمر بقتل كل الرومان األسرى ،وباطبلق سراح اإلٌطالٌٌن معلنا أنه
آټ لتحرٌر إٌطالٌا ،وذلك فً ۰۰حزٌران سنة ۰۰۰ق.م .واحتل هانٌبال ساجونتا
Sagentaاألمر الذي جعل المناقشة تحتدم فً مجلس الشٌوخ الرومانً حول
الموقؾ الواجب اتخاذه .فطالب كورنٌلٌوس لٌنتولس بإعبلن الحرب ،بٌنما كان
41
عمٌد المجلس فابٌوس ماکسٌموس Fabis Maximusمن أنصار السلم» لكن
أنصار الحرب تفوقوا اخٌرً ا ،وانهزم سقٌبون بوٌلٌسو ،امام القرطاجٌٌن ،مما أدى
إلى انقبلب شعوب إٌطالٌا الشمالٌة ضد روما التً تراجعت جٌوشها اثر سقوط
تورٌنو أٌضا .آثر هانٌبال االبتعاد عن روما والذهاب نحو الجنوب إلى أبولٌا لٌتخذ
منها ق اعدة لنشاطه فً اثارة جنوب إٌطالٌا على روما مع أنه كانت الطرٌق مفتوحة
أمامه إلى روما بعد االنتصار الذي حققه على القنصلٌن مسقٌبٌو وسمٌرومٌنوس .
لكنه آثر االبتعاد عنها اعتقادا منه أن اقتحام أسرار روما ٌحتاج إلى معدات ٌفتقر
إلٌها مثل ما كان ٌفتقر إلى قواعد مجاورة تمده باحتٌاجاته ،ألن مدن وسط إٌطالٌا
أقفلت أبوابها فً وجهه .بٌنما قامت فً مجلس الشٌوخ الرومانً مناقشة حادة انتهت
باختٌار محارب رومانً محنك ٌدعى کوٌنتوس فابٌوس ماکسٌموس Guintus
Fabius Maximusوجعلوه دكتاتورً ا ،فآلت إلٌه قٌادة الجٌش الذي تم جمعه
على عجل وأرسل نحو الجنوب لمجابهة هانٌبال وقطع الطرٌق علٌه أكثر من مرة،
بٌن أبولٌا وقمبانٌا ،قبل أن ٌستقٌل فً الشتاء وٌحل محله فً القٌادة قنصبلن جدٌدان
بدءا بجمع الجٌوش حتى أصبح لهما ً
نحوا من ثمانٌن ألؾ مقاتل ،وزحفا بها إلى
الجنوب لمبلقاة هانٌبال بعد انتخابهما فً السنة ۰۰6ق.م.
وفً ربٌع هذا العام ،التقى الرومان فً سهل مکشوؾ قرب مدٌنة قاناي Cannae
فً أبولٌا ،بجٌش هانٌبال الذي أظهر براعة كبٌرة أكسبته االعجاب على مر
العصور من ؼالبٌة القواد الذٌن جاءوا بعده .وما أن بدأت المعركة حتى بدأ فرسانه
بحركة التفاؾ سرٌعة أطبقوا فٌها على قلب الجٌش الرومانً ،وعلى مشاتهم فً
المإخرة .وقد تلتها مجزرة هابلة دامت بقٌة النهار .ولم ٌكد اللٌل ٌرخى سدوله حتى
كان الجٌش الرومانً قد أبٌد على بكرة أبٌه .وامست كل أسرة فً روما مرتدٌة
ثٌاب الحداد على من فقدت من أبنابها .وقٌل أن هانٌبال أرسل الى قرطاجة مدٌن من
خواتم الذهب التً انتزعها جنوده من أصابع فرسان الرومان واشرافهم .كما قتل
فً هذه المعركة حوالً الثمانٌن من أعضاء مجلس الشٌوخ الرومانً ،وأحد
44
القنصلٌن المدعو امٌلٌوس Aemiliusفً الوقت الذي لم ٌخسر القرطاجٌون أكثر
من ستة آالؾ رجل.
ثم هبت مدن جنوب إٌطالٌا ،بعدما فقدت ثقتها بروما ،والمدن الٌونانٌة ،ومن بٌنها
سٌراكوزا ،وقلبت ظهر المجن لروما ،و انحازت إلى جانب هانٌبال .ولم ٌبق فً
الجنوب أحد مناوبة له إال بعض المستعمرات البلتٌنٌة ،والرومانٌة ،فضبل عن
انحٌاز مدٌنة قابوا ذات الشهرة بمركزها الصناعً األول فً إٌطالٌا إلى جانب
هانٌبال .وأرسل هانٌبال الى مقدونٌا ممثلٌن له طالبًا مساعدة ملكها فٌلٌب الخامس
الذي وعدهما بارسال النجدات) .فلو أدرك خلفاء االسكندر فً مصر وسورٌا وآسٌا
حقٌقة هذا القتال فً إٌطالٌا .وكان فً استطاعتهم أن ٌتحدوا ضد روما ،فلربما كانوا
سحقوها إلى األبد.
لكن مجلس الشٌوخ الرومانً عقد بحنكته السٌاسٌة تحال ًفا مع الٌونانٌٌن ،وأوقد نار
الثورة فً ببلدهم على المقدونٌٌن ،فمنع هإالء من إرسال النجدات إلى هانٌبال.
بٌنما تمكنت روما بثباتها وحكمتها من المحافظة على والء اإلٌطالٌٌن فً وسط
إٌطالٌا .واضطرها الحال أخٌرا الى تسلٌح األرقاء وصؽار الصبٌان؛ وتقدمت بهذا
النوع من الجٌوش لمحاصرة المدن الثابرة التً كانت قببل موالٌة لها .واستولت
علٌها الواحدة بعد األخرى ،حتى سٌراكوزا نفسها التً كانت قد انضمت إلى
قرطاجة بعد معركة كاناي ،مع كل ما ابتكرته فكرة أرخمٌدس من الحٌل إلى إنقاذها
من الحصار الشدٌد ،لم تنج من الوقوع فً السنة ۰۰۰ق.م .بٌن أٌدي الرومان،
وقتل أرخمٌدس نفسه .
المبلحظ هنا ،أن القابد القرطاجً هانٌبال لم ٌتابع سٌره نحو مدٌنة روما ألسباب ما
تزال مجهولة .لكنه ظن أنها ستطلب السلم وتعقد معاهدة بٌنهما .فجاءت ظنونه فً
ؼٌر محلها هذه المرة ،ورفضت روما المفاوضة ،وحتى لم تتقدم بطلب افتداء
اسراها فً الوقت الذي قتل أكثر من نصؾ جٌشها ،ووقع فً األسر ربعه .وأخذت
الدهشة والذهول مجلس شٌوخها ،فؤتاح الفرصة من جدٌد للرومان لٌبدأوا فً تنظٌم
811
الجٌش ولملمة شتاته ،وتجنٌد األعداد الكبٌرة ألخذ مبادرة الهجوم .فتمكنت روما من
احتبلل قابوا من جدٌد عام ۰۰4ق.م .وصقلٌة التً كانت قد ثارت على الحكم
الرومانً سنة ۰۰4ق.م .وكذلك منطقة ،قاناي نفسها سنة ۰4۲ق.م .ومنع
الرومان هسدروبال -شقٌق هانٌبال -من اللحاق بؤخٌه على رأس نجدة كبرى،
وكسروه فً إٌطالٌا الوسطى بقٌادة کلودوس نٌرون ،فارتد هسدروبال سال ًكا وادي
المتورس Metaurusلٌعود إلى الشمال أو لٌتصل بؤخٌه عن طرٌق آخر.
818
ولما لم ٌكن جٌش هانٌبال كافًٌا لمحاصرة أعظم مدن اٌطالٌا كما ذكرنا ،وال كان فً
طاقته أن ٌستقدم اآلت الحصار .اضطر والحالة هذه الى االبتعاد عن أسوار المدٌنة
دون أن ٌقوم بؤي عمل حربً ،محاوال السٌطرة على جنوبً إٌطالٌا ،وقد ظل فً
إقلٌم البروتًٌ فً أقصى الجنوب الؽربً من شبه الجزٌرة إلى أن صدرت األوامر
الٌه بالعودة إلى قرطاجة فً خرٌؾ عام ۰43ق.م.
ومع هذا عادت روما وأسندت قٌادة جٌش جدٌد أرسلته إلى اسبانٌا إلى ابن القنصل
القت ٌل المدعو مثل أبٌه بوبلٌوس قورنلٌوس سكٌبٌو حٌنما ضرب السناتو الرومانً
بالتقالٌد عرض الحابط ،وأوصً جمعٌة المثٌنات باستصدار قانون خاص ٌضفً
على سكٌبٌو الشاب مرتبة برو قنصل أي نابب قنصل ،وإسناد القٌادة العلٌا فً
اسبانٌا إلٌه ،فاستؤنؾ أعمال أبٌه وعمه فً اسبانٌا عام ۰4۲ق.م .حٌث تمكن من
السٌطرة على قرطاجة الجدٌدة فً الجنوب الشرقً من إسبانٌا .ثم تمكن بعد قٌام
هاسدروبال بحملته إلى إٌطالٌا لتقدٌم المساعدة إلى أخٌه هانٌبال ،أن تابع سكٌبٌو
بنجاح كبٌر فتح إسبانٌا .ولم ٌؤت العام ۰46ق.م .حتى كانت جمٌع الممتلكات
القرطاجٌة فً إسبانٌا قد سٌطر علٌها الرومان.
وبعد أن انتخب سكٌبٌو قنصبل طلب من مجلس الشٌوخ ،الذي رفض أول األمر،
السماح له بؽزو افرٌقٌا ،ثم لم ٌلبث أن وافق على أن ٌؤخذ معه فرقتٌن من الجٌش
811
الرومانً المنهزم فً معركة كاناي كانتا فً صقلٌة ،وأي متطوعٌن ٌستطٌع
جمعهم .وفً عام ۰40ق.م .نزل سكٌبٌو على الشاطا األفرٌقً قرب أوتٌقا
Uticaحٌث قهر جنود قرطاجة مرتٌن ،األمر الذي جعلها تستدعً على عجل
قابدها هانٌبال من اٌطالٌا .وطلبت الصلح الذي وافق علٌه الرومان .وعلى الرؼم
من أن قرطاجة قبلت شروط الصلح التً فرضها الرومان ،فإن عودة هانٌبال ومعه
۰5444من جنوده المجربٌن أعاد إلٌها الثقة وشجعها على خرق الهدنة قبل العمل
بشروط الصلح):
وفً صٌؾ عام ۰4۰ق.م .التقى عند زاما Zamaالجٌشان فً معركة فاصلة ،
قابل فٌها هانٌبال خصمه بجٌشه الذي ٌفتقر إلى األعداد الكافٌة من الفرسان .فلما
تقدم جنوده فً حركة التفاؾ على العدو وجدوا أمامهم سورً ا رومانًٌا من الفوالذ إلى
أن عاد الرومان من مطاردة القرطاجٌٌن ،وهجموا على جناحً هانٌبال .فؤخذت
صفوؾ جٌشه تتساقط أو تنهزم امام الجٌش الرومانً فما كان منه إال أن الذ بالفرار
ناجًٌا بنفسه على أمل العودة تاركا قرطاجة ترضخ للشروط التالٌة :
أوال :تتنازل قرطاجة عن جمٌع ممتلكاتها ما عدا مدٌنة قرطاجة ذاتها وإقلٌمها
وطرابلس.
ثانٌا :تدفع قرطاجة عشرة اآلؾ تالنت -ملٌونٌن ونصؾ ملٌون جنٌه استرلٌنً
مقسطة على 54عام
ثالثا :أن تسلم قرطاجة لروما جمٌع سفنها الحربٌة ما خبل عشر سفن .
رابعا :أن ال تحارب قرطاجة أحدة دون موافقة روما ،وان ترد ممتلكات ماسٌنٌا.
813
الحرب البونٌة الثالثة:
وبفضل الجهد الكبٌر الذي بذلته قرطاجة فً آخر لحظة ،خٌبت آمال الرومان فلم
تكن الحرب البونٌة الثالثة مجرد نزهة عسكرٌة بل كانت سلسلة من الحمبلت العنٌفة
استؽرقت أربعة أعوام .ولم ٌفلح الرومان فً خبلل العامٌن األولٌن ( ۰0۲و
۰0۱ق.م) فً أكثر من أن ٌطوقوا قرطاجة دون أن ٌستطٌعوا اقتحام استحکاماتها
المنٌعة أو حصارها حصارا فعاال .ولم ٌكن للحصار أي أثر محسوس قبل عام ۰0۰
ق.م عندما كان السناتو وجمعٌة القبابل قد أعربا عن تبرمهما عن بسٌر الحرب
بإسناد أحد منصبی القنصلٌة لعام ۰0۰ق.م وكذلك القٌادة العامة فً أفرٌقٌا إلى
ضابط شاب كان قد أثبت كفاءته فً حملتی ۰0۲و ۰0۱ق.م حٌن أثبت اآلخرون
فشلهم .وإنه لما ٌستوقؾ النظر أن هذا الضابط الشاب كان قد عاد إلى روما لترشٌح
نفسه لوظٌفة اإلٌدٌلٌة ،أي أنه لم ٌكن مإهبل لتولى القنصلٌة .ولكنه بمقتضى قانون
خاص منحت القنصلٌة والقٌادة العامة الى الضابط الشاب بوبلٌوس كورنللٌوس
سكٌبٌو إٌمٌلٌانوس وكان ابنا شرعٌا إلٌمٌلٌوس باولوس الذي انتصر فً الحرب
المقدونٌة الثالثة ( ۰6۱-۰۰۰ق.م) ،وحفٌدا بالتبنً لسكٌبٌو أفرٌكانوس ،وبفضل ما
أظهره أٌمٌلٌانوس من حزم ونشاط دافق أكثر مما أثبته من نبوغ فً فن القٌادة
العسكرٌة ،اكتسب بؤعماله فً حملتی عامً ۰0۰و ۰06ق.م شهرة ال تدانً إال
شهرة جده بالتبنً ،ذلك أنه لم ٌدخر جهدا فً إعادة تنظٌم القوات الرومانٌة ورفع
معنوٌاتها بحٌث استطاع أ ن ٌهزم العدو فً المٌدان وأن ٌضٌق الخناق على المدٌنة
المحاصرة إلى أن تمكن من اقتحامها فً ربٌع عام ۰06ق.م ثم االستٌبلء علٌها بعد
قتال مرٌر فً الشوارع والمنازل برؼم ما كان قد نال المواطنٌن من إعٌاء شدٌد
بسبب شراسة القتال والجوع وتناقص قواتهم باطراد .وبعد سقوط قرطاجة .بٌع فً
سوق النخاسة مواطنوها الذٌن بقوا على قٌد الحٌاة وكانوا حوالً ،54444وسوٌت
مبانً المدٌنة باألرض ،وحول إقلٌمها إلى والٌة جدٌدة سمٌت "والٌة افرٌقٌا "
814
)(Provincia Africaوجعلت أو تٌكا مقر لحاكم هذه الوالٌة .وضمانا لعدم
اعتداء نومٌدٌا على هذه الوالٌة أنشؤ خندق على طول امتداد حدودها.
ماتت قرطاجة فً ربٌع عام ۰06ق.م وقام بعض المإرخٌن ،مثل "بولٌبٌوس" الذي
شهد تلك األحداث ،وأستقً "بٌانوس" منه ،قاموا بوصؾ ما حدث بدقة ،وكؤنه
تقرٌر صحفى وخصوصا المشاهد الفظٌعة التً تبلحقت فً األٌام الستة األخٌرة،
وأهوال حر ب اإلبادة تلك التً سببت المذابح وأدت إلى اختفاء مدن بؤكملها.
والمعارك الشرسة التً دارت فً الشوارع التً حفت بها األبنٌة ذات الطوابق الست
والتً قاتل سكانها ببسالة فً كل بٌت وقبو وشرفة .لقد ابتلعت المدٌنة بانهٌارها
البطًء أحٌاءها وأمواتها .ودارت زمر من الجنود الرومان ،مسلحٌن بالمعاول ،بٌن
أكوام الحصى ،العدٌد من الجرحى الذٌن كانوا الٌزالون ٌنتفضون.
"وفً الٌوم السابع خرج خمسون ألؾ شخص ،من الرجال والنساء األطفال ،من
قلعة بورصة وهم ٌتضورون جوعا واستسلموا لرحمة الفاتحٌن وبٌعوا فٌما بعد فً
أسواق العبٌد مثل جمٌع من بقً حٌا .أما "هسدر وبعل" الذي قاد القرطاجٌٌن فً
هذه الحرب ،فقد تناسى كلماته المتعجرفة :أنه لن ٌؤتً مطلقا ذلك الٌوم الذي سٌرى
فٌه ضوء الشمس ومدٌنته طعم للنار ،هذه النار ستكون احتفاال جمٌبل ٌواكب جنابز
الناس الشرفاء الذٌن فقدوا وطنهم لقد اختار هذا القابد أن ٌستسلم متوسبل رحمة
المنتصرٌن .وكان معبد اإلله إشمون آخر معقل للمقاومة وهو ٌشرؾ على
األكروبول" فؤشعل القرطاجٌون النار فٌه ،لٌحترقوا معه ،وٌضعوا حدا لحٌاتهم بهذه
الطرٌقة .أما زوجة "هسدرو بعل" فقد أطلت من شرفة المعبد بكامل زٌنتها ممسكة
بطفلٌها ،لعنت زوجها لخٌانته شعبه ثم تضرعت إلى آلهتها ،وبعد ذلك دفعت
بطفلٌها ،إلى النار ،وفعلت هً الشًء نفسه ،كما فعلت قبلها "إلٌسار" رؼم أن
سكٌبٌو كان ٌعدها بإنقاذ حٌاته" استمرت النٌران تستعر فً قرطاجة طوال عشرة
أٌام .أما "روما" فقد نظمت االحتفاالت العظٌمة حٌنما علمت بالخبر السعٌد ،وشكل
مجلس الشٌوخ لجنة التحوٌل األراضً البونٌة إلى إقلٌم تابع ،طالبا أن تحل اللعنة
815
على أنقاض المدٌنة فدكت بقاٌا أسوارها ،وصب "سكٌبٌو" لعناته التً تحرم على
الناس هذه األرض الموقوفة لخلود آلهة الجحٌم ،ثم ذرت أرضها بالملح الحاكم -
سكٌبٌو امٌلٌانوس األفرٌقً ٌ -ا إله الموت والحرب فلتصب جام الرعب والمخاوؾ
على مدٌنة قرطاجة الملعونة هذه ،وعلى جٌوشها وأهلٌها ،إننا نلعن هإالء القوم
وجٌوشهم بؤقصى ما فً كٌاننا من قوة ،أجل نلعن كل من شؽل هذه القصور،
واشتؽل بهذه الحقول ،وعاش على هذه األرض ،نتضرع أال ٌشاهدوا مرة أخرى
ا لنور من فوق ،فلٌحل الصمت األٌدي والوحشة الكبٌبة هنا فبل ٌرمان ،ملعون من
ٌعود ،ولتضاعؾ اللعنة لمن ٌحاول تعمٌر هذه الخرابب وبعث الحٌاة فٌها .و إال أن
هذه اللعنات األبدٌة لم تستمر ،فبعد ثبلثة وعشرن عاما من هذه الطقوس االحتفالٌة،
لم ٌخش "جاٌوس جراكوس " Gaius Gracchusمن تؤسٌس مستوطنة رومانٌة
تطاولت على الملح الملعون.
وٌمكننا أن نسرع فً الحكم على مصٌر هذا الشعب المقدام والجشع الذي لم ٌكن
ٌستسٌػ صناعة األسلحة ،وكان ٌستخدم جٌشا من المرتزقة .ورؼم ذلك قدم هذا
الشعب فً نهاٌة تارٌخه مثاال عالٌا فً التضحٌة والكرامة أثناء الثورة -حتى لو أن
هذه االنتفاضة جاءت متؤخرة -ضد األوامر الهمجٌة التً فرضتها "روما" لقد كان
القرطاجٌون فً تلك األٌام ٌقاتلون ال لفوابد تجارٌة ،بل دفاعا عن فكرة ،عن الحرٌة
وعن نوع من اإلخبلص الراقً .إن هذه الصبلبة العبثٌة التً هدفت إلنقاذ مثل علٌا
لم تك ن دون أساس .وبدون شك علٌنا أن نستعٌد ما قاله "تٌتوس لٌفٌوس فً شعب
قرطاجة كله ،حٌث تحدث عن أحد رموزها السامٌة "حنبعل" " :وال أعرؾ ما إذا
كان ٌوجد أروع منه فً أوقات الكوارث أو االنتصارات .
وهكذا فقد حققت فً روما فً المرحلة األولى السٌادة البحرٌة على ؼرب إٌطالٌا
وحول صقلٌة ونسمع خبللها قصة القابد الرومانً " "Regulusالذي كان قد وقع
فً األسر بٌن ٌدي القرطاجٌٌن وكٌؾ أنه أوفى بوعده وشرؾ كلمته أثر قٌامه
816
بإقناع السناتوس بشروط قرطاجة وعاد فسلم نفسه أسٌرا حٌث لقً حتفه ،ضاربا
المثل على الفداء والتضحٌة ( )devotioفً سبٌل وطنه وكرامته .
ولكن روما ،بزعامة السٌناتوس القوٌة الصارمة ،والهادبة كذلك ،استطاعت أن
تضمد جراحها بؤسرع ما ٌمكن ولم تمض شهور على أعظم خسارة حلت بها ،حتى
كانت أمورها تسٌر سٌرها الطبٌعً ،وقد خلقت من الهزٌمة نصرا جدٌدا ،على
نفسها وعلى علوها ،فحققت نصرا كبٌرا فً موقعة مٌتاوروس ()Metaurus
على هاسدلایر ) أخً هانٌبال ،الذي قتل فً المٌدان ،عام ۰4۰ق.م ،وذلك بعد
نجاح روما فً الزود عن نفسها ،وصد هجمات هانٌبال نفسه عن أسوار المدٌنة فً
عام ۰۰۰ق.م.
أما فً المرحلة الثالثة ،فقد تمكنت روما من تدمٌر مدٌنة قرطاجة ذاتها وتم تحوٌلها
إلى والٌة رومانٌة ،ضمن أمبلك الشعب الرومانً أى ( )Provinciaفً عام
Scipio ۰06ق.م ،على ٌد القابد الرومانً العظٌم سكٌبو أٌمٌلٌانوس
Aemilianusالذي استولى علٌها بعد حصار دام ( )۰5شهرا ،وتم تدمٌرها
تدمٌرا كامبل عام ۰33ق.م.
817
الفصل الثانً
الحروب المقدونٌة
811
بدأت روما توجه أنظارها نحو السٌطرة على شرق البحر األبٌض المتوسط فً
البداٌات األولى للمرحلة الثانٌة من الحروب القرطاجٌة .إذ قد ظلت روما قبل هذه
الحرب لسبب أو آلخر بعٌدة عن االهتمام بما ٌجري فً الدول المتؤؼرقة المتؤثرة
بالحضارة الهلنستٌة ،التً قامت بعد انهٌار امبراطورٌة االسكندر الكبٌر على
شواطىء البحر األبٌض المتوسط الشرقٌة.
بدأت الحرب بٌن روما ومقدونٌا عندما أقام فٌلٌب الخامس ملك مقدونٌا بمناورة
تهدؾ إلى التدخل ،إلى جانب القرطاجٌٌن ،مإمبل أن ٌشارك فً نتابج النصر الذي
كان ٌقدر أن هانٌبال بن هامٌلكار برقة سٌحرزه على الرومان .لكن الرومان
استطاعوا -كما رأٌنا قببل -عن طرٌق اسطولهم ان ٌحولوا دون وصول أٌة
مساعدات فعالة من جانب فٌلٌب الخامس إلى هانٌبال.
كما لم ٌنس الرومان ،محاولة ملك مقدونٌا فٌلٌب الخامس السٌطرة على ببلد
الٌونان ،وتطلعه إلى فرضها على جمٌع السواحل فً الشرق والؽرب أٌضا ،فً
الوقت الذي أصبحت روما سٌدة إٌطالٌا .فاضطرت إزاء هذه المطامع ،لتؤمٌن
المبلحة فً بحر األدرٌاتٌك ،إلى الوقوؾ فً وجه قرصان ألٌرٌا واكرهتهم على
الرضوخ لمشٌبتها .ثم منعتهم عن اإلبحار إلى جنوب اٌسوس Essusوفرضت
حماٌتها على المدن الٌونانٌة فً دلماتٌا ،وفً السنة ۰۰۲ق.م ضمت جزٌرة فاروس
Farrusإلى ممتلكاتها بعد أن فر صاحبها دٌمترٌوس إلى مقدونٌا طالبا حماٌة
فٌلٌب الخامس .ولوال خطر قرطاجة ،واندالع الحرب بٌنهما -المرحلة الثانٌة فً
۰۰۲ق.م -لما تؤخرت روما من االقتصاص من دٌمترٌوس ومن فٌلٌب اٌضا .وفً
السنة ۰۰۲ق.م أصبح فٌلٌب حلٌؾ هانٌبال عدو روما اللدود فزاد اهتمام روما
بمطامع فٌلٌب وعقدت معه معاهدة عدم اعتداء فً السنة ۰45ق.م عرفت باسم
«معاهدة فونٌکً».
814
وبالرؼم من ذلك لم ٌؤمن الرومان جانبه ،وانتهزوا فرصة العداء الذي بدأ ٌزداد بٌن
مدٌنة رودس وملك برجام - Pergamفً آسٌا الصؽرى -من جهة ،وبٌن فٌلٌب
الخامس ملك مقدونٌا من جهة أخرى .فؤصؽً شٌوخ روما إلى نداءات االستؽاثة
التً أجمع الرودسٌون على توجٌهها إلى روما بموافقة أثلوس ملك برجام ،عندما
بعثوا برسلهم وكتبهم ٌستنصرون شٌوخ روما فً صٌؾ السنة ۰4۰ق.م ،وٌصفون
إلٌهم ما أصابهم على ٌده من المحن ،وما تم بٌن فٌلٌب ملك مقدونٌا و انطٌوخوس
الملك السلوقً فً آسٌا الصؽرى من تحالؾ للسٌطرة على شرقً المتوسط .لكن
الرومان لم ٌبتوا فً األمر بحضور الرسل مباشرة.
و تنفٌذا لبلتفاق بٌن فٌلٌب الخامس وأنطٌوخوس الثالث بدأ كل منهما فً احتبلل
جزء من ممتلكات الدولة البطلمٌة .ففً حٌن ؼزا انطٌوخوس الجزء الجنوبً من
الدولة .قام فٌلٌب الخامس باالنقضاض على مدن تقع على ضفاؾ الدردنٌل
والبوسفور ،فؤخضع لوسٌماخٌا Lysimachiaوخلقدونٌا Chalcedomوقٌوس
Ceosحلٌفات عصبة أٌتولٌا ،واستولى اٌضا على جزٌرة تاسوس Thasusفً
طرٌق عودته إلى مقدونٌا.
أثار فٌلٌب الخامس باعتدابه على تلك المدن اآلمنة ؼضب انطٌوخوس وبخاصة
الستٌبلبه على لوسٌماخٌا التً ٌدعً لنفسه حقوقؤ علٌها ،وكذلك ؼضب اٌتولٌا
الستٌبلبه على حلٌفاتها ،كما أهاج ؼضب جزٌرة رودس التً رأت فً استٌبلبه
على مضابق البوسفور والدردنٌل خطرا ٌهدد تجارتها ،فعدته عدوا لها وأخذت
تستعد لمحاربته .
ثم استؤنؾ فٌلٌب نشاطه العسكري فً ربٌع العام التالً ۰4۰ق .م فً بحر إٌجه
وعلى شواطا آسٌا الصؽرى ،فاستولى على عدد من الجزر التً كان أهمها جزٌرة
ساموس ،وفرض سٌادته على تٌوس Teosوحاصر خٌوس Chiosفافزع
رودس و برجام واتحدتا ضده برؼم أنهما كانتا عدوتٌن .التقت اساطٌل الفرٌقٌن فً
موقعة كبٌرة ،ولكنها لم تكن حاسمة حٌث هزم أسطول فٌلٌب الخامس بالقرب من
881
خٌوس .لكنه بعد قلٌل عاد والتقى بؤسطول رودس عند الدي Ladeوألحق به
هزٌمة اضطرته إلى االنسحاب جنوبا .واستولى فٌلٌب على ملٌتوس Melitusثم
ترك أسطوله بٌهاجم الجزر الصؽٌرة التابعة لرودس ،بٌنما ذهب هو إلى برجام عله
ٌستولً علٌها .فخٌبت أمله ،وانصرؾ عنها إلى قارٌا Cariaواستولى على عدة
مدن هناك منها مبلطٌة ومٌوس Myusفً البر.
وعندما أراد أن ٌعود الى مقدونٌا فً شتاء ۰44 /۰4۰ق.م .حاصرت برجام ورود
قواته البحرٌة والبرٌة .ومع ذلك تمكن من فك الحصار ومتابعة طرٌقه إلى مقدونٌا
لمواجهة األخطار التً أحاطت به إزاء استنجاد برجام ورودس بروما على الرؼم
من العداوة بٌنهما .وروما التً كانت منهمكة فً محاربة قرطاجة حتى عام ۰4۰
ق.م لم تحفل قبل ذلك باألحداث الجارٌة فً شرق البحر المتوسط إلى أن اجتذبت
اهتمامها نداءات دولة البطالمة وبرجام ورودس.
فانتهز السناتو الرومانً الفرصة عقب النصر الرومانً فً موقعة زاما .لٌشتبك
مع فٌلٌب قبل أن ٌقوي نفسه ،وقبل أن ٌفرغ انطٌوخوس من مشاؼله وٌتحالفا م ًعا
ضد روما .وقرر إعبلن الحرب على فٌلٌب بحجة اعتدابه دون مبرر على برجام
حلٌفة روما .ولما عُرض رأى السناتو على جمعٌة المبٌنات قررت رفضه فً أول
األمر ،ولم توافق علٌه فً اجتماع ثان إال بعد إقناعها بؤن على الرومان أن ٌتوقعوا
قٌام فٌلٌب بؽزو إٌطالٌا اذا هم لم ٌسبقوه بؽزو مقدونٌا.
وفً ربٌع عام ۰44ق.م أوفد الرومان بعض السفراء إلى ببلد اإلؼرٌق عقب عودة
فٌلٌب بقلٌل ،وأثاروا عددا من المدن اإلؼرٌقٌة ضده ،وأبلؽوا أحد قواد فٌلٌب إنذار
روما الذي ٌتضمن عدم محاربة اٌة مدٌنة إؼرٌقٌة ودفع تعوٌضات كافٌة لبرجام.
لكن فٌلٌب لم ٌؤبه بالرد على االنذار وإنما سارع إلى اتخاذ الخطوات لمواجهة
الحرب مع روما .ومضى هو نفسه إلى شاطىء تراقٌا وشبه جزٌرة ؼالٌبولً وعبر
الدردنٌل وحاصر أبٌدوس .وقبٌل سقوط هذه المدٌنة قدم إلٌها أحد السفراء الرومان
لٌنهً إلى فٌلٌب إنذارً ا جدٌ ًدا بعد موافقة جمعٌة المبٌنات فً روما صٌؾ عام ۰44
888
ق.م على إعبلن الحرب على فٌلٌب بشكل انذار ٌتضمن إلى جانب المطلبٌن
الواردٌن فً اإلنذار األول مطلبٌن آخرٌن .وهما :دفع التعوٌضات لرودس ،وعدم
المساس بالممتلكات المصرٌة .وكلفت البعثة ،الرومانٌة الموجودة فً رودس وجوب
اببلغ اإلنذار إلى فٌلٌب شخصٌة ،فاسندت هذه المهمة إلى أحد أعضابها .مرقوس
إٌمٌلٌوس لبٌدوس .Marcus Aemilius Lepidusرفض فٌلٌب استبلم اإلنذار
ورد على لبٌدوس بؤنه إذا كانت روما مصممة على عدم احترام المعاهدة بٌنهما،
فإنه سٌدافع عن نفسه بحماٌة اآللهة.
وفً خرٌؾ عام ۰44ق.م نزل جٌش رومانً ،استجابة إلى نداءات االستؽاثة من
اصدقابهم فً بحر اٌجه ،برً ا فً ابولونٌا Apalloniaفً ألٌرٌا .وقوة بحرٌة
رومانٌة فً مٌاه أثٌنا ،بقٌادة القنصل سولبٌقٌوس Sulpiciusمدعٌا أنه ٌدافع عن
حرٌة الدوٌبلت الٌونانٌة .فهب االتٌولٌون ثم اآلخٌون إلى مساعدة الرومان فً
السنة ۰۲۲ق.م .ومع هذا لم ٌتمكن الرومان من تحقٌق أي نصر فً هذا العام على
فٌلٌب الخامس .وبوصول تٌتوس فبلمٌنٌوس أحد قنصلً عام ۰۲۱ق.م ،أرؼم
فٌلٌب على االنسحاب من أبٌروس إلى تسالٌا ،بسبب عدم قدرته على تجٌٌش عدد
كا ؾ للصمود فً وجه الرومان وحلفابهم بعد الحروب الكثٌرة التً خاضتها
مقدونٌا .واضطر إلى أن ٌفاجًء أحٌانا فٌضرب خصمه ضربة قوٌة ،ثم ٌراوغ
لٌتملص من الوقوع فً قبضته) .وعندما استإنؾ القتال فً صٌؾ عام ۰۲۰ق.م
فً تسالٌا وحاصروا فٌلٌب الخامس بٌن شدقً كماشة كبٌرة عند تبلل کونوس
كٌفاالي Cynocephalaeأو رإوس الكبلب .انهزم فٌها جٌش فٌلٌب الخامس
انهزامه كبٌرة وفر فٌلٌب إلى مقدونٌا طالبا الصلح .وبالرؼم من أن االٌتولٌٌن وباقً
خصوم فٌلٌب من اإلؼرٌق طالبوا بؽزو مقدونٌا والقضاء علٌها قضا ًء تامًا ،فإن
الرومان رفضوا هذا الطلب لعد ة اعتبارات ،كان أهمها :إذا كان من صالح الرومان
اضعاؾ مقدونٌا إلى الحد الذي ال تكون فٌه خطرً ا علٌهم ،فإنه لم ٌكن من صالحهم
فً ذلك الوقت القضاء علٌها .ألن وجودها كان ٌكفل وجود حاجز منٌع ٌقً ببلد
اإلؼرٌق لٌس فقط من القبابل المتبربرة التراقٌة واأللورٌة وكذلك القبابل الؽالٌة
881
النازلة فً وادي الدانوب األدنى ،بل أٌضا انطٌوخوس امبراطور الدولة السلوقٌة
الذي كان ٌخشى بؤسه.
ثان اٌا :إخبلء جمٌع المدن الٌونانٌة التً له فٌها جنود قبل موعد األلعاب الكورنثٌة .
ثالثا :تسلٌم جمٌع سفنه الحربٌة الكبٌرة والصؽٌرة ما عدا خمسة فقط.
خامسا :تسلٌح جٌش ال ٌزٌد تعداده على خمسة آالؾ جندي ،شرٌطة أال ٌسمح
باقتناء الفٌلة ،وأال ٌدخل فً حرب خارج مقدونٌا إال بإذن روما.
سادسا ٌ :رسل فٌلٌب الخامس ابنه األصؽر دٌمترٌوس إلى روما لٌبقى فٌها رهٌنة.
لم ٌكن فً وسع فٌلٌب الخامس إال أن قبل هذه الشروط فً عام ۰۲6ق.م .ثم أصبح
حلٌ ًفا لروما .لكن هذه المعاهدة لم تكن مجرد معاهدة صلح بقدر ما كانت إعبلنا بؤن
روما هً حامٌة حمً اإلؼرٌق وانذارً ا موجهًا إلى انطٌوخوس .وعندما أعلن
فبلمٌنٌوس -عندما أقٌم فً عام ۰۲6ق.م حفل األلعاب فً كورنثة او ألعاب
البرزخ Isthmiaحٌث ٌإمه المتبارون من كل أنحاء العالم -عن حق اإلؼرٌق فً
أن ٌتمتعوا بحرٌتهم وأن ٌحكموا وفقا لقوانٌنهم المتوارثة دون أن تلزمهم روما بدفع
الجزٌة لها أو بإٌواء اٌة حامٌات من قبلها .هللت لهذا اإلعبلن أؼلب الدول
اإلؼرٌقٌة .لكن هذه الفرحة لم تطل إذ أعقب التهلٌل رد فعل مضاد للرومان ألنهم
جعلوا من أنفسهم أوصٌاء على ببلد اإلؼرٌق.
883
وفً عام ۰۲5ق.م دعا فبلمٌنٌوس مندوبٌن عن الدول اإلؼرٌقٌة للتباحث فً أمر
تحرٌر أرجوس من قبضة نابٌس Nabisملك إسبرطة .وقد عقد المإتمر فً
كورنثه حٌث وافق الجمٌع على القٌام بحملة لتحرٌر أرخوس .وفعبل تم تحرٌر
أرجوس وهزٌمة نابٌس .لكن فبلمٌنٌوس رفض أٌضا فكرة مطالب الحلفاء اإلؼرٌق
بالقضاء على أسبرطة .فراعهم حل المشاكل من وجهة نظر الرومان ،وكذلك اسناد
الحكم فً الدول اإلؼرٌقٌة إلى ارستقراطٌة محلٌة اختٌرت بعناٌة تامة .ولكً ٌخفؾ
من اثر ذلك اقتنع فبلمٌنٌوس السناتو الرومانً فً عام ۰۲0ق.م بضرورة سحب
القوات الرومانٌة من ببلد اإلؼرٌق ،والتً تم سحبها مكتفٌن بعقد المعاهدات
والتنظٌمات التً وضعت .وتبعا لذلك اعتبر الرومان ببلد اإلؼرٌق منطقة نفوذ
رومانٌة تولوا تسوٌة مشاكلها وتنظٌم شإونها بحسب وجهة نظرهم وتمتع اإلؼرٌق
بحرٌتهم ،على أن ٌثبت اإلؼرٌق انهم حلفاء أوفٌاء ٌقفون فً وجه أي اعتداء
بحرٌتهم .على أن ٌثبت اإلؼرٌق انهم حلفاء أوفٌاء ٌقفون فً وجه أي اعتداء على
روما ٌحاول القٌام به فٌلٌب الخامس او انطٌوخوس أو االثنان معا.
اضطر الرومان إلى محاربة انطٌوخوس الثالث الذي حاول استرجاع ما فقدته
أسرته من السلطة فً آسٌا الصؽرى و تراقٌا .فؤوفد فً شتاء السنة ۰۲۰ - ۰۲۱
ق.م وفدا ٌطمبن روما وٌإكد لها اخبلصه ووالءه .وفً الوقت نفسه ،كان ٌعد العدة
للعمل الحربً فً الشمال .وفً ربٌع عام ۰۲۰ق.م أرسل ابنه أنطٌوخوس
وسلوقوس على رأس قوة برٌة إلى قلٌقٌة .بٌنما أبحر هو بمبة بارجة ومابتً سفٌنة
أخرى إلى مٌاه هذه المنطقة نفسها وأخذ ٌحاصر إحدى مدن بامفولٌا
.Pamphyliaأوفدت رودس إلٌه وف ًدا ،بإٌعاز من روماٌ ،ذكره بوجوب احترام
حرٌة المدن الٌونانٌة واستقبللها ،وٌهدده باللجوء إلى العنؾ إن هو حاول اجتٌاز
المٌاه الخلقٌدونٌة).
884
رأي انطٌوخوس أن ٌفاوض روما مرة ثانٌة .فؤرسل وفدا فً السنة ۰۲5ق.م إلى
فبلمٌنوس ٌقترح اعادة النظر فً جمٌع النقاط موضع االختبلؾ .فرفض القابد
الرومانً ،ولم ٌستمع إلى الوفد .وصادؾ ذلك فرار هانٌبال من قرطاجة إلى صور
-البلد األم -ثم انتقل الى انطاكٌة فً صٌؾ السنة ۰۲5ق.م ،ومنها تابع سٌره الى
اخوس لٌلتقً بإنطٌوخوس وٌتفقا على محاربة روما .فخشٌت روما سوء العاقبة
وسحبت جنودها على نحو ما ذكرنا من الٌونان لتحتفظ بصداقة الٌونانٌٌن وتؤٌٌدهم
فً حال صحة توقعاتهم فً تعاون انطٌوخوس الثالث وهانٌبال ضدها .فكان لهذا
الجبلء أثر طٌب فً نفس انطٌوخوس الثالث ،إذ بدا له أن روما لن تنفذ مطالبها
بالقوة .فعاد فً السنة ۰۲0ق.م إلى المفاوضة مإك ًدا أنه لن ٌسمح لعدو روما أن
ٌجره إلى قتالها .وكان مجلس السناتو قد أوكل أمر المفاوضة إلى فبلمٌنٌوس .فوجده
الوفد السلوقً أقل عنا ًدا بكثٌر مما كان علٌه قببل ،وانه مستعد إلطبلق ٌد
انطٌوخوس فً جمٌع أنحاء آسٌا شرط أال ٌتدخل فً شإون أوروبا .لكن الوفد أصر
على االحتفاظ بحقوق انطٌوخوس الموروثة فً تراقٌا فلم ٌتوصل المفاوضون إلى
حل مرض.
ومع هذا ظلت روما على خشٌتها من إمكانٌة قٌام هانٌبال بحربٌ ،خوضها إلى
جانب انطٌوخوس ،ستكون أعظم بكثٌر من امكانٌاته السابقة ،وذلك لتوفر الرجال
والمال فً آسٌا .فؤرسلت روما وفدة لٌكون على بٌنة من أمرها .فانتقل الوفد من
برجام إلى أبامٌا فوجد انطٌوخوس ؼاببا عنها ٌقود حملة على االسبرطٌٌن فانتقل
منها إلى أفسس .وفً صٌؾ السنة ۰۲3ق.م دار البحث مجددا فً هذه المدٌنة
للوصول إلى تفاهم نهابً .فؤخفق مإتمر أفسس فً الوصول إلى حل بسبب إشراك
روما الممثلٌن عن أزمٌر ولمٌساكوس وؼٌرها من مدن آسٌا الصؽرى الذٌن عرقلوا
سٌر المفاوضات بنظر أنطٌوخوس الثالث العتباره إٌاهم من رعاٌاه .وبالتالً ال
ٌحق لهم المفاوضة والوقوؾ إلى جانبه ،وسافر الوفد الرومانً عاب ًدا إلى ببلده دون
أن ٌوجه أي إنذار الى انطٌوخوس.
885
وإن كان أنطٌوخوس لم ٌبػ الحرب ،ولم ٌرؼب فً السعً الٌها ،إال أنه أجبر
مکرها على اختٌار الحرب ،بعدما تسلم فً العام ۰۲3ق.م دعوة من اإلٌتولٌٌن
ٌرجونه فٌها أن ٌتزعم حركة التحرر من ظل روما وحلفابها .ورأت حاشٌته الرأي
نفسه ،وحضوا سٌدهم على الحرب .كما أن هانٌبال ال ٌزال قرٌبا من انطٌوخوس
ٌسؤل تزوٌده بعشرة آالؾ مقاتل من المشاة وألؾ فارس ومابة بارجة ،مإكدة له انه
اذا ما تٌسر له الوصول بهذه القوات إلى قرطاجة ،فإنه سٌتمكن من اشعال الثورة
فً افرٌقٌا ومن ؼزو إٌطالٌا نفسها بعد حٌن .ولكن انطٌوخوس استصعب هذه
الخطة ،ورأها بعٌدة المرام ،صعبة التحقٌق ،مكلفة كثٌرً ا .ولم ٌتحمس لها كثٌرً ا
ألنه لم ٌكن ٌكره روما کره هانٌبال لها .وجل ما كان ٌتوخاه أشؽالها فً حروب
جانبٌة فً أوروبا .كما أزعجته فً حروب هامشٌة بآسٌا) .وفً مطلع السنة ۰۲۰
ق.م صمم أنطٌوخوس على التدخل فً شإون الٌونان بؤوروبا .وأعلن عن عزمه
هذا إلى تواس Thoasاألٌتولً المفاوض ،وطلب الٌه ان ٌعود الى ببلده ،وٌطلع
الحلؾ األٌتولً على ذلك .ولم ٌكتؾ بهذا التشجٌع بل أمر مٌنٌبوس Menippos
سفٌره بروما .أن ٌرافق تواس وأن ٌشجع االٌتولٌٌن على الحرب .فوقؾ مٌنٌبوس
خطٌبًا فً اجتماع الحلؾ اإلٌتولً آخر آذار من سنة ۰۲۰ق.م وأكد استعداد سٌده
بالتعاون مع الحلؾ فً سبٌل الحرٌة واالستقبلل .فهلل المجتمعون واؼتبطوا
واتخذوا قرارا دعوة فٌه أنطٌوخوس إلى إنقاذ الٌونان من الشقاق والتخاذل ،وإلى
تسوٌة الخبلؾ بٌنهم وبٌن روما.
886
Lamiaالمركز اإلٌتولً ،فوصلها فً أواخر تشرٌن األول اکتوبر من السمنة
۰۲۰ق .م .فتمكن انطٌوخوس من السٌطرة على ببلد الٌونان.
وال علمت روما بعبور انطٌوخوس إلى ببلد الٌونان ،أرسلت فً تشرٌن الثانً /
نوفمبر قوة صؽٌرة إلى الٌٌرٌة لتراقب بها تحركات فٌلٌبوس .وبعد ذلك بؤربعة
أشهر جاء اکٌلٌوس ؼبلبرٌو Acillus Glabrioبعشرٌن ألؾ مقاتل من المشاة
وألفً فارس وخمسة عشر فٌبل .فوصل اکٌلٌوس بجٌشه هذا فً أواخر نٌسان/
أبرٌل عام ۰۲۰ق.م محاوال اختراق الخطوط السلوقٌة عند ممر تٌرموبٌلً Oeta
، - Thermnopylaeلكنه أعٌد على أعقابه فاشبل .فرأى أن ٌلتؾ حول مسٌرة
انطٌوخوس لٌتحاشی بذلك هزٌمته .وبعث .بکاتو Catoمع الفً مقاتل ،إلى
التبلل فً ؼربً تٌرمبولً ،وأمره بالسٌر لٌبل .فتمكن كاتو من اختراق صفوؾ
السلوقٌٌن .فذعروا ودبت الفوضى فً صفوفهم ،وولوا هاربٌن .ونجا انطٌوخوس
بخمسمابة مقاتل ،وركب البحر عاب ًدا إلى آسٌا فً أواخر العام ۰۲۰ق.م ،تاركة
حلفاءه الؽادرٌن لٌلقوا جزاءهم من الرومان.
وقد بقً االٌتولٌون وحدهم فً المعركة بٌن الجٌش الرومانً من جهة وجٌش فٌلٌب
من جهة ثانٌة فطلبوا الصلح .لكنه عندما طلب منهم الرومان التسلٌم بدون قٌد أو
شرط ،رفضوا وقرروا متابعة القتال منفردٌن إال أن الرومان لم ٌقوموا بؤي عمل
حاسم ضد االٌتولٌٌن بسبب انشؽالهم فً مبلحقة ومحاربة أنطٌوخوس إلى آسٌا
الصؽرى.
حاول انطٌوخوس فور عودته إلى أفسس حشد جٌش ٌصمد به عند المضابق بعدما
تؤخر عن مبلحقته اکٌلٌوس الذي ألهاه االٌتولٌون بحروب جانبٌة .بٌنما هب القابد
السلوقً بولٌکٌسٌنٌداس Polyxenidasالى قتال األسطول الرومانً الذي وجهته
روما فً صٌؾ السنة ۰۲۰ق.م إلى مٌاه اٌجه لتساند أسطولً برجام ورودس،
887
وذلك قبل انضمام الوحدات الرودٌسٌة إلٌه ،فانتصر علٌه وتمكن من اضافة بوارج
جدٌدة بحٌث أصبح عدد البوارج السلوقٌة تسعٌن بارجة .ثم التقى بولكٌسنٌٌداس
بوحدة بحرٌة رودٌسٌة عند ساموس Samesفحطمها شر تحطٌم.
فً حٌن كانت روما سٌرت ثبلثٌن ألفا عبروا مقدونٌا ثم تراقٌا بقٌادة الوقٌوس
قورنٌلٌوس سکٌبٌو Lucius Cornellus Scipioوبإشراؾ سکٌبٌو افرٌكانوس
قاهر هانٌبال .وكان انطٌوخوس قد انسحب من تراقٌا ،بعد موقعة مٌنٌوس البحرٌة،
وحشد خمسة وسبعٌن الفؤ ،وإنما ٌنقصهم التدرٌب الكافً ،ولم ٌمض وقت طوٌل
حتى وصل الرومان إلى الدردنٌل ،وعبروه فً تشرٌن الثانً من السنة ۰۲4ق.م،
ثم توقفوا عن المسٌر شهرا كامبل .وفً أثنابها كتب أنطٌوخوس إلى سكٌبٌو
افرٌكانوس ٌسؤله التفاوض مظهرً ا استعداده للتخلً عن تراقٌا وعن جمٌع المدن
الٌونانٌة فً آسٌا التً كانت قد دخلت فً حماٌة روما ،مضٌ ًفا أنه مستعد مشاطرة
روما كل ما كانت قد أنفقته على الحرب .لكن سکٌٌٌو فضل الحرب ،فكانت موقعة
مؽنٌسٌا Magnesia- ad - Sipylumالشهٌرة فً كانون الثانً سنة ۰۱۲ق.م
التً كادت تدور الدابرة على الجٌش الرومانً وٌخسر الحرب سكٌبٌو لوال قٌام
أخمٌنٌس الث انً ملك برجام بهجوم معاكس على مٌسرة انطٌوخوس فنجح فً ذلك
واخترق قلب ومٌسرة جٌش األخٌر .فؤرؼم على رمً السبلح ،والقبول بمعاهدة
صلح بٌنه وبٌن روما .ووقع صلح «أبامٌا التً فً فرٌجٌا ،وقبل شروطها التً
تنص على ما ٌلً :
881
أوالٌ :تخلى انطٌوخوس عن جمٌع المدن فً أوروبا وآسٌا الصؽرى حتى جبال
طوروس الشمالٌة.
ثانٌا ٌ :دفع لروما خمسة عشر ألؾ تالنت -حوالى ثبلثة مبلٌٌن وثبلثة أرباع
ملٌون جنٌه استرلٌنً ٌ -دفع خمسها عاجبل واألربعة أخماس بمدى اثنتً
عشرة سنة.
رابعاٌ :رسل إلى روما عشرٌن رهٌنة من جملتهم ابنه انطٌوخوس ،كما ٌسلمهم
هانٌبال .وبمقتضى هذه المعاهدة التً أبرمت من الطرفٌن فً عام ۰۱۱ق.م سمح
لسفن انطٌوخوس المتبقٌة أن تبحر شرقً رأس ساربدونٌوم Sarpedoniumفً
قٌلٌقٌا فقط ،وأن ٌخوض اٌة حرب لصد عدوان علٌه إذا هوجم شرط أال ٌبسط
سٌادته على من ٌقهرهم او ٌعقد معهم معاهدات صداقة ،وأن تقوم روما بالفصل فً
هذه المنازعات .كما سمحت روما ألنطٌوخوس باالحتفاظ بوالٌتً قٌلٌقٌا الؽربٌة
وجنوب سورٌا ،وهما اللتان انتزعهما من بطلمٌوس الخامس ،بٌنما لم تسمح
لبطلٌموس باسترداد شًء من ممتلكاته المسلوبة.
أجلت روما جنودها عن آسٌا الصؽرى ،و اقتسمت رودس وبرجام ممتلكات
أنطٌوخوس فً آسٌا الصؽرى .ولجؤ هانٌبال إلى بروسٌوس األول فً آسٌا الصؽرى
ملك بثٌنٌة ،فجعله قابدا على جٌشه ،وحارب برجام بمواهبه فً العام ۰۱6ق .م.
لكن إلحاح روما فً العام ۰۱3ق.م على بروسٌوس بوجوب تسلٌم هانٌبال إلٌها.
آثر البطل القرطاجً السُم على إذالله فً شوارع روما واندٌتها.
ولم ٌكد ربع قرن ٌمر على انتصار الرومان على فٌلٌب حتى عادت مخاوفهم من
جانب مقدونٌا تتجسد مرة أخرى .فشن الرومان هجوما على برسٌوس Persius
884
ابن فٌلٌب الخامس وخلٌفته .انتهى فً ۰۰حزٌران سنة ۰6۱ق.م بتؽلب القنصل
الرومانً باولوس امٌلٌوس Palus Aemilusعلى المقدونٌٌن فً معركة حاسمة
فً بٌدنا -مقدونٌا -عقد على أثرها الصلح فً أمفٌبولٌس Amphypulusالذي
نص على:
أوال :تقسٌم مقدونٌا إلى أربع جمهورٌات مستقلة عن بعضها وعدم تحالفها أو
التعامل معاه
ثالثا :تدفع كل جمهورٌة جزٌة سنوٌة ،مقدارها مبة تالنت .ثم أصبحت اخٌرة
مقدونٌا والٌة رومانٌة فً العام ۰06ق.م بعدما نشبت الحرب بٌن األخٌٌن و
االسبرطٌٌن ،والتً انتصرت فٌها روما على اسبرطة فاصلة بٌن الطرفٌن ،فاحتلتها
ونهبتها ،وضم الرومان أرضها إلى األراضً الرومانٌة العامة .
فحاولت روما مرارً ا أن تفض هذه النزاعات عن طرٌق تسوٌة دبلوماسٌة بٌن هذه
المدن .ولكن مجهودها فً هذا السبٌل ذهب هباء .ولم ٌإد إلى نتٌجة ،حتی اصبحت
هذه النزاعات بطرٌق ؼٌر مباشرة مصدر خطر لروما نفسها .فوجه الرومان فً
السنة ۰0۲ق.م بقٌادة القنصل مومٌوس Mummiusحملة ضد مدن الجامعة
اآلخٌة ،التً تحدث سلطة الرومان تحدًٌا مباشرً ا ،باجتٌاح ببلد اإلؼرٌق الوسطى،
811
فقضت على هذه الجامعة التً جمعت بٌن بعض المدن الٌونانٌة بانهزام جٌشها
هزٌمة كبٌرة ،بعد استبسالهم فً القتال ضد قوات تفوقهم عدة وعد ًدا .
عندبذ قرر السناتو أن ٌعاقب كورنثه على اعتدابها السابق على السفراء الرومان،
وأن ٌجعل منها عظة وعبرة لببلد اإلؼرٌق جمٌعا .فؤمر القنصل مومٌوس بنقل
كنوزها إلى روما ،وهدم مبانٌها وإشعال النار فٌها وبٌع من بقً على قٌد الحٌاة من
مواطنٌها عبٌدة فً سوق النخاسة.
ووضع الرومان ببلد اإلؼرٌق تحت إشراؾ حاكم والٌة مقدونٌا ،واعطوه
صبلحٌات للفصل فً المنازعات والحفاظ على النظام واألمن ومعاقبة المناهضٌن
للرومان عقابا شدٌ ًدا .وحلوا جمٌع األحبلؾ الٌونانٌة مثل :الجامعة اآلخٌة ،أو
البوٌوتٌٌن ،او الفوقاٌٌن .وفرضوا الجزٌة على المدن التً ساهمت فً مناصبتهم
العداء .وأسندوا الحكم إلى الطبقات الثرٌة فً اؼلب المدن .وحظروا التعامل.
818
الفصل الثالث
نظام الحكم فً روما فً
العصر الجمهوري
811
إنه بمجرد إنتهاء النظام الملكً فً عام 5۰4ق.م وطرد أخر الملوك ،وقٌام نظام
جمهوري فً عام 54۲ق.م ،ؼدت كلمة ملك ( )Rexكلمة ممقوته من الشعب
الرومانى ( )populus Romanusلما ارتبط فً أذهانهم عن ذلك العصر
السابق من تسلط وسٌادة مطلقة ،لم ٌكن لهم فٌها أي نصٌب من المشاركة الفعالة .
لقد سمى النظام الجدٌد باسم ""Res Publicaأي -كترجمة حرفٌة لهذا
االصطبلح " -الشًء العام بمعنى النظام الذي ٌعنً باألمور العامة والشعب ،أو
الؽالبٌة العظمى من الناس ولٌس ذلك النظام األرستقراطً ،الملكً السابق ،الذي
كان ٌعنً بمصالح األؼنٌاء والنببلء واألشراؾ فقط.
كانت أهم التؽٌٌرات التً طرأت على النظام السابق ،هو احبلل بعض الوظابؾ
الجدٌدة ،تبعا لضرورات تؤدٌة مصالح الشعب على أحسن وجه وضمان القٌام
بالمهام الموكلة إلى شاؼل تلك المناصب خٌر قٌام ،دون تهاون أو شطط ،فتمثل
فٌماٌلی :
ب -جماعة الكهنة
فً الحكم الملكً ،كان الملك ٌمارس سلطات دٌنٌة واسعة .بٌنما فً العهد
الجمهوري لم تنتقل إلى القناصل السلطات الدٌنٌة باستثناء حق استطبلع وؼٌاب
اآللهة auspiciaلمعرفة رضابها أو سخطها قبل اإلقدام على عمل عام .أما أؼلب
هذه االختصاصات فإن شطرً ا منها وهو الخاص بتقدٌم القرابٌن كان ٌتواله کاهن
ٌسمى ملك القرابٌن Rex Saerorumعلى حٌن أن الشطر األكبر ،وهو الخاص
بالعبلقات الرسمٌة بٌن المجتمع الرومانً و آلهته التً ترعاه بعناٌتها ،كانت تتواله
جماعة Collegiumمن الكهنة ٌقوم على رأسها الكاهن األكبر او الحبر األعظم
.)Pontifex Maximusووجد عدة جماعات Collegiaمن الكهنة مختص کل
منها بإقامة شعابر طقوس دٌنٌة بعٌنها بمثل ما كانت تقوم به فً عهد الملكٌة .
واشتهر من جماعات الكهنة فً العهد الجمهوري جماعتان):
814
-الجماعة األولى :تجمع نبوءات وهی سٌبوالي Sibyllaeوالحفاظ علٌها،
واستطبلعها كلما أمر مجلس الشٌوخ Sinatosبذلك فً األزمات.
والمبلحظ أن الكهنة الرومان لم ٌإلفوا فبة خاصة من فبات المجتمع ،ألنهم كانوا فً
بداٌة عهد الجمهورٌة من البطارقة دون ؼٌرهم .ولما كان الكاهن فً الوقت نفسه
عضوا فً مجلس الشٌوخ وٌتولى احد المناصب ،فإن المصالح الطبقٌة والخاصة
على السواء أخذت تطؽى شٌبا فشٌبا على الدٌانة الرومانٌة الرسمٌة .وأخذت هذه
الدٌانة تتسم شٌبا فشٌبا بطابع شكلً بحت.
و كان للكهنة دور كبٌر فً بداٌة عهد الجمهورٌة ،ألنهم كانوا حراس القانون الدٌنً
الذي ٌسري تطبٌقه فً عقوبة جرابم كثٌرة كانت معتبرة ذنوبه ضد اآللهة .ورجال
الدٌن هإالء هم وحدهم الذٌن ٌعرفون هذا القانون والصٌػ المتبعة فً جمٌع أنواع
التعاقد حتى ٌكون العقد صحٌحة من الناحٌة القانونٌة .وربٌس الكهنة -الحبر
األعظم -هو الذي ٌحدد سنوٌة أٌام األعٌاد العامة ،دٌنٌة أم ؼٌر دٌنٌة ،وٌعلن فً
كل شهر األٌام التً ٌجوز مباشرة العمل الرسمً فٌها ،وتوارٌخ األٌام التً ٌحظر
العمل فٌها .وهو باالتفاق مع جماعة العراؾ .كان من الممكن تعطٌل اي اجراء
عام ،باإلعبلن عن وقوع نذر سٌبة فً الموعد الذي كان محددة التخاذ هذا اإلجراء.
إزاء هذا النفوذ الواسع ،والمكانة العالٌة فً الدولة ،وإزاء ما كان من فرص لخدمة
مصالح طبقتهم ،فقد حرص البطارقة طوٌبل على أن تقتصر عضوٌة الجماعات
الدٌنٌة على أنفسهم.
815
ج .الدٌكتاتورٌة :
وضع الرومان بعض القواعد ،فً بداٌة عهد الجمهورٌة ،لمنصب القنصلٌة حتى ال
ٌنفرد شخص واحد بالسلطة ،فاتسم قناصل الرومان بسمات مٌزت منصبهم
بالمبادئ التالٌة - :
مبدأ قصر مدة تولً المنصب على عام واحد - .مبدأ حق االعتراض
.Intercessio
وبمرور الزمن ،وبسبب الحروب الكثٌرة التً خاضتها روما فٌما بعد ،اضطر
الرومان إلى التفكٌر فً جعل السلطة كاملة فً شخص واحد وانما لمدة محددة.
وبناء على ذلك تشاور القنصبلن مع مجلس الشٌوخ ،واتفقوا على ان ٌتنازال عن
سلطتهما لشخص فً أوقات الطوارئ ٌمارس سلطة مطلقة بمفرده لمدة ستة أشهر.
وكان هذا الحاكم ٌعرؾ فً أول األمر بحاكم الشعب» ، Magister Populiولم
ٌلبث أن تؽٌر هذا اللقب ب «الدكتاتور» .Dictatorوٌختار الدكتاتور من بٌن
القناصل القدماء ؼالبا .وٌتخذ مساع ًدا له شخصا ٌدعى قابد الفرسان Magister
، Equitumعلى أن ٌتم تعلٌق العمل بجمٌع الوظابؾ األخرى ما عدا محامً
العامة .Tribun
د -مجلس الشٌوخ
ٌعتبر مجلس الشٌوخ ممثبل لعظمة الشعب الرومانً والدولة ،لهذا كان اسمه ٌرتفع
دابما على اعبلم روما .وكان أكبر سلطة رومانٌة فً العهد الجمهوري وإن لم ٌكن
816
له سلطة تنفٌذٌة .وكان ٌتم تعٌٌن الشٌوخ من بٌن صفوؾ البطارقة ،قبل سنة 3۰۱
ق.م من جانب القناصل او الحكام العسكرٌٌن الذٌن حشوا المجلس بؤصدقابهم .بٌنما
أصبح بعد سنة 3۰۱ق.م حق تعٌٌن الشٌوخ ،اثر صدور القانون األوقٌنً Lex
،Oviniaمنحصرا بمراقبً اإلحصاء وحدهم او القونسورس Censores
وتستمر عضوٌة الشٌوخ مدى الحٌاة إال إذا ارتكب العضو عمبل مشٌ ًنا advita
autculpamفً سلوكه العام او الخاص .ولم ٌزد عدد أعضاء هذا المجلس فً
العهد الجمهوري عن 344شٌخا حتى بداٌة القرن األول قبل المٌبلد .ولٌس للمجلس
مبدبًٌا حتى التقرٌر او التنفٌذ ألن كل قرار عند الرومان خاصة كان أو عامة ٌإخذ
فً مجلس شوری .لكنه لم ٌلبث أن اكتسب ح ًقا هامًا وهو ابرام او نقض قرارات
الجمعٌة الشعبٌة بحٌث أصبحت مصادقة الشٌوخ Patrum auctoritasعلى هذه
القرارات شرطا أساسٌا لتكتسب قوة القانون ،فتحول معها المجلس من هٌبة
استشارٌة إلى هٌبة رقابة علٌا.
واألصول المت بعة فً تعٌٌن الشٌوخ اختلفت باختبلؾ مراحل الحكم الجمهوري بعد
أن تكتب أسماء المرشحٌن بالفحم األسود على لوح أبٌض ٌسمى . Albumكل
خمس سنوات شرط أن تكتب علٌها اسماء اصحاب الوظابؾ الكبرى بموجب
القانون األوقٌنً .فؤمكن القول بؤن وظٌفة الشٌوخ أصبحت محصورة بالطبقة
األرستقراطٌة .كما أن تعٌٌنهم اصطبػ بصبؽة دٌمقراطٌة ألن الشعب هو الذي
ٌنتخب الحكام ،وبسبب وظابفهم هذه ٌعٌنون شٌوخا وٌكون ربٌسا لمجلس الشٌوخ
Princips Senatusمن ٌرد اسمه فً رأس البلبحة.
وامتاز الشٌوخ بلبس القمٌص الرومانٌة الفضفاضة المحبلة بشرابط حمراء على
أط رافها .سمٌت التوؼا .وٌنتعلون األحذٌة الحمراء التً تزٌنها بكلة فضٌة بشكل
هبلل.
تعقد جلسات مجلس الشٌوخ فً هٌكل الكونکرد ،أو فً هٌكل جوبٌتر بالكابٌتول أو
خارج حرم المدٌنة .على أن تبقى ،طٌلة االنعقاد ،األبواب مفتوحة ،ودون أن تكون
817
الجلسات علنٌةٌ ،جلس فً اثنابها الشٌوخ على مقاعد أكثرها من الحجر ،ولٌست
معٌنة لكل واحد منهم ،إذ ٌجلس الشٌخ فً المكان .الفارغ عند وصوله .كما أن
العرؾ لم ٌحدد عددة معٌنة الكتمال النصاب .والشٌوخ الذٌن كانوا ال ٌزالون
ٌمارسون وظابفهم لٌس لهم مبدبٌا حق االقتراع .بٌنما الكبار منهم لهم حق التعاون
مع المجلس Jusagandiem Partibusأي حق رباسة مجلس الشٌوخ ،وطرح
االقتراحات علٌه ،والتدخل فً مناقشاته ،أما الذٌن ٌنتخبون للوظابؾ من بٌن
أعضاء المجلس ،فقد جرت العادة بؤن ٌمنحوا حق ابداء الرأي إذا دعت الحاجة ،أي
أنهم ٌدعون إلى حضور مناقشات المجلس ،وذلك منذ أواخر القرن الثانً قبل
المٌبلد).
الشوری - Consilium
الوصاٌة – Auctoritas
الشوری - Consilium
كان دور المجلس فً العهد الملكً والعهد الجمهوري أٌضا استشارًٌا فٌنعقد بدعوة
ممن له الحق بالعمل معه ،كبار الموظفٌن الشٌوخ .كما ال ٌقرر بذاته جدول
االعمال ،انما ٌعرض الرأي علٌه الحاكم الذي دعا إلى عقده ،ثم ٌدعو بعد مناقشة
المشارٌع أو القرارات ،إلى التصوٌت االسمً -المناداة باالسماء -برفع األٌدي أو
القٌام والقعود.
كان المجلس فً العهد الملكً ،عندما ٌموت الملك ،تنتقل سلطته إلى األباء فً
المجلس ،الذٌن ٌعٌنون مل ًكا بالوكالة إلى أن ٌجري انتخاب الملك الجدٌد أما السلطة
بالوكالة فً العهد الجمهوري فقد أعطت المجلس ،فً حال موت القناصل أو اقالتهما
لنقص فً شرعٌة انتخابهما ،حق تعٌٌن حاکم بالوكالة ٌشرؾ بدوره على إجراء
االنتخابات ،كما ٌلجؤ المجلس إلى مثل هذه الحالة فً حال انتخاب قناصل ال
ٌروقون له.
-الوصاٌة Auctoritas
ولما كان بعض أعضاء المجلس «أباء Patresفقد كان لهم حق األبوة والوصاٌة
على الشعب تماما كالوالد على أبنابه .لذلك ٌحق للمجلس ،بموجب سلطة الموافقة
على القرارات التً ٌقررها آباء الشعب ،حق الوصاٌة ،حتى أصبح هذا الحق -
الوصاٌة -فً القرن الثانً قبل المٌبلد ذا أهمٌة لمقارنته بقرارات الشعب الجدٌدة
بالقرارات السابقة المنبثقة عن االنتخابات ،والتً أعطى هذا الشعب فٌها ثقته للحكام
الذٌن ٌإلفون مجلس الٌوم ،فً العهد الجمهوري ،وبذلك أصبح أعضاء المجلس
ٌمثلون ارادة الناخبٌن المستمرة.
كانت هذه سلطات مجلس الشٌوخ بموجب الدستور الرومانً .إال أن هذه السلطات
ازدادت وتضاعفت على حساب سلطات الحكام ،عندما حاول البطارقة اضعاؾ
سلطة القناصل ،بعدما أصبحت هذه الوظابؾ فً متناول أبناء العامة ،بفصلهم بعض
صبلحٌات القناصل ،اعتقادا من البطارقة بؤنهم سٌحتفظون بهذه الصبلحٌات
ألنفسهم.
814
وتصل واقعٌة ساسة الرومان وحكماء روما القدٌمة إلى أبعد من هذا وذاك ،فقد
اتصؾ نظام حكمهم السٌاسً فً العهد الجمهوري بمرونة كبٌرة ،وعدم تقدٌس
النظم القدٌمة ،بل راحوا ٌؽٌرون فٌها وٌطوروها لتصبح صالحة تحت كل
الظروؾ وفً ظل كل المبلبسات ،وذلك إذا كان فً هذا التؽٌٌر أو التطور تحقٌق
لصالح الشعب الرومانً أو تؤمٌن السبلمة الببلد من أخطار محققة ،فمثبل كانت
الظروؾ تفرض نفسها على النظم المعمول بها ،كما حدث فً تعٌٌن رجل واحد
مزود بسلطة اإلمٌرٌوم من قبل القنصلٌن ،بمعرفتهما ،حتى ٌتمكن فً ساعات
الخطر أن ٌتخذ القرارات السرٌعة ،فً الوقت المناسب ودونما إضاعة الوقت فً
مناقشات واعتراضات .كان ذلك ٌتم بإٌعاز من السٌناتوس ،وال ٌجب أن تزٌد مدة
سرٌان هذا اإلجراء المإقت عن ستة شهور ،ودونما الحاجة إلى استدعاء الجمعٌة
المبوٌة لبلنعقاد و ما ٌإكد الثقة الكاملة التً ٌولٌها رجاالت السٌاسة فً روما
القدٌمة فً قادتها وزعمابها.
وبقٌت الجمعٌة الشعبٌة أو جمعٌة الكور مدة طوٌلة تقوم بدور المحكمة التً كان
المواطنون الرومان ٌستؤنفون أمامها ما صدر علٌهم من أحكام باإلعدام أو بالنفً أو
831
بالجلد أو بدفع ؼرامة كبٌرة .واحتفظت أٌضا حتى نهاٌة عهد الجمهورٌة بحق
الشهادة على الوصاٌا وحاالت التبنً والفصل فً شرعٌة التبنً .واقتصرت
اجتماعاتها على الدعوة لتدرٌس بعض القوانٌن ،وخاصة منها الدٌنٌة ،على أن
ٌترأسها الحبر األعظم .Pontife Maximun
وكان التصوٌت فً الجمعٌة الشعبٌة ٌتم بالمناداة علنا ،إما برفع الٌد أو الوقوؾ.
وكان لكل كورة من الكور العشر صوت واحد فقط ٌمثل ؼالبٌتها .إذ ٌعبر عن رأي
الكورة بالرفض أو بالموافقة .وكان للبطارقة تؤثٌر قوي على التصوٌت بسبب ما
ٌتمتع به البطارقة من نفوذ شخصً والتزام أتباعهم على تؤٌٌد رؼباتهم.
ولم ٌإلؾ البطارقة من مجموع المواطنٌن الرومان إال نسبة ضبٌلة تتراوح بٌن ۰و
% ۱فبل عجب إذا رأٌنا أن الؽالبٌة العظمى من الشعب الرومانً تصطدم مع طبقة
البطارقة فً نزاع مستمر للحصول منها على بعض من حقوقها المشروعة على ما
سنرى فٌما بعد.
838
تطور نظم الجمهورٌة الرومانٌة فً النصف األول من الحكم
الجمهوري
ب -اإلصالحات العسكرٌة
ولما كان هذا النظام قد بقً معموال به فً بداٌة العهد الجمهوري وإن أدخل علٌه
بعض التعدٌبلت بحٌث ضوعؾ عدد الفرسان ،فؤصبح عدد أفراد الجٌش 3444
راجل أو ثبلثٌن مبٌنا Centuriaثبلثٌن وحدة عدد أفراد كل منها مابة ،و 644
فارس مقصورة على البطارقة ،كما كان أكثر المشاة منهم ومن اتباعهم أٌضا .ألنهم
أكثر تدرٌبا وأوفر ماال ،وأقدر من ؼٌرهم على تزوٌد أنفسهم بالخٌول واألسلحة .لما
831
كانت حروب روما الكثٌرة ،سببت عجز البطارقة عن النهوض باعبابها المتزاٌدة
تزاٌ ًدا ال ٌتناسب وعددهم .فقد عمدت روما الى زٌادة عدد المواطنٌن الرومان ،عن
طرٌق الضم وتوسٌع رقعة االقلٌم ،الذٌن ألقً على عاتقهم عبء الخدمة العسكرٌة.
وتبعا لذلك زٌد عدد المشاة فً النصؾ الثانً من القرن الخامس قبل المٌبلد إلى
أربعٌن مبٌنا أي إلى 0444رجل أخضعوا إلى تدرٌب وتنظٌم ٌجعلهم كتلة صلبة
متبلحمة phalanxعلى ؼرار ما كان معموال به عند االؼرٌق.
فً أثناء الحرب مع مدٌنة فٌاي veiiاألتروسكٌة بٌن 3۲۲ - 045ق.م .زاد
الرومان من عدد جٌشهم حتى صار 6444مقاتل بتجنٌد الشباب ممن تتراوح
أعمارهم بٌن السابعة عشرة والخامسة واألربعٌن .مكونٌن 64مبٌنا من المشاة إلى
جانب ست مبٌنات من الفرسان إنضموا جمٌعا إلى ما عرؾ بالجٌش العامل .اما
المواطنٌن الذٌن تتراوح أعمارهم بٌن السادسة واالربعٌن والستٌن كونوا منهم 64
مبٌنا من الشٌوخ . Senatosعلى أن ٌعهد لهم أعمال الحراسة فقط .وبالنظر إلى
حاجة الدولة إلى عدد كبٌر من الفرسان سمحت للقادرٌن من أصحاب الثروة
المنقولة بالتطوع للخدمة فً الجٌش على صهوة جٌادهم الخاصة ،فعرفوا باالفرسان
ذوي الخٌول الخاصة» Equites Equo privatoأو Equites Equo Suo
ً
تمٌٌزا لهم عن «الفرسان ذوي خٌول الدولة .Equites equo publieo
ثم زادت روما من أعداد جٌشها ،إثر هزٌمتها مع الؽال فً معركة ألٌا ،Allia
فؤصبح ٌضم ۱044رجل و ۰۱44فارس ،أي ۱0مبٌنا من المشاة تنتظم فً
فرقتٌن ومن ثمانٌة عشر مبٌنا من الفرسان .كذلك رفع عدد الجٌش المرابط إلى ۱0
مبٌنا أٌضا .فضبل إلى أنهم أدخلوا ترتٌبات جدٌدة على توزٌع األسلحة .فوضع
الرومان أمام قوة المشاة الثقٌلً العدة قوة من المشاة خفٌفً العدة Velitesتتؤلؾ
من أصحاب المقالٌع ورماة الرماح ،وسلح كل مقاتل فً صفوؾ القسم األمامً
Principesمن المشاة الثقٌلً العدة بحربتٌن وسٌؾ ،وكل مقاتل فً صفوؾ
833
القسمٌن األوسط Hostatiوالخلفً Triioriiبحربة طوٌلة .وفٌما بعد سلح مقاتلو
الصفوؾ الوسطى والخلفٌة بحراب طوٌلة.
ولم ٌلبث الرومان إال أن استبدلوا التقسٌم على أساس المبٌنات بوحدات تكتٌكٌة
منفصلة Manipulusتتؤلؾ كل وحدة منها من 64أو ۰۰4مقاتبل وأن هذه
الوحدة كانت تقؾ فً صفوؾ منتظمة متباعدة عن بعضها بعضا .وبإمكانها أن
تترك مثبل وحدات القسم األوسط من خبلل الثؽرات المساندة وحدات القسم األمامً،
ووحدات القسم الخلفً تتقدم لشد أزر وحدات القسم األوسط أو األمامً بحسب
الظروؾ.
لم ٌترتب على اتساع نطاق حروب روما وتلك اإلصبلحات العسكرٌة التً مرت بنا
وما جاء فً أعقابها من إنشاء جمعٌة المبات فحسب ،بل أٌضا عدة تجارب فً
كٌفٌة ممارسة تلك السلطة العلٌا مدنٌة وعسكرٌة فً ظروؾ ،كثٌرا ما كانت
تقتضی بوجود أكثر من شخصٌن (أي القنصلٌن ) ٌ ،ستطٌعان ممارسة هذه السلطة
فً عدة أماكن فً وقت واحد .
834
ومن ثم أوجد الرومان مجالس ،مكونة من ثبلثة أو ستة حكام مزودٌن بالسلطة
العلٌا المطلقة " "Imperiumوالسٌما فً الفترة الواقعة من 004ق.م إلى 36۰
ق.م -كانوا ٌعرفون باسم :الترابٌة العسكرٌون ذوي السلطة القنصلٌة Tribuni " :
potestate " .milieum consulariوكان ذلك اإلجراء ٌهدؾ من ناحٌة
أخرى " إلى إرضاء العامة المحرومٌن من تولى القنصلٌة وإشراكهم فً منصب
ٌتمتع أصحابه بسلطة " االمبرٌوم "
ولكن هذه الوظٌفة لم تستمر طوٌبل ،وفً العام 36۰ق.م .تقرر العودة الى
انتخاب قنصلٌن سنوٌة لتولً السلطة العلٌا مدنٌة وعسكرٌة ،اعتبارا من العالم
التالً 366ق.م ،.تم االستؽناء عن تجربة انتخاب الترابنة العسكرٌٌن ذوي السلطة
القنصلٌة والعودة إلى نظام القنصلٌة .ومنذ ذلك الوقت صارت السلطة العلٌا ،كما
كانت فً الماضً عند بداٌة العهد الجمهوري ،للقنصلٌن مع امكان اسنادها حٌن
تقتضً الضرورة إلى حاکم جدٌد تقرر اختٌاره لمساعدة القنصلٌن .وأصبح الترابنة
العسكرٌٌن ضباط وحدات فً الجٌش تحت إمرة القابد العام.
م تنشؤ وظٌفة الكواٌستور اال فً بداٌة عهد الجمهورٌة عندما كان القنصبلن ٌعٌنان
سنوٌا کواٌستورٌن لٌنوبا عنهما فً الفصل فً قضاٌا القتل بدون مبرر
.Quaestores Parrarieidiiولم ٌصبح الكواٌستوران فً عداد الحكام
الرومان إال عندما تقرر فً عام 00۲ق.م ،أن تنتخب جمعٌة القبابل Comitia
Tributaفً كل عام کواٌستورٌن من البطارقة .فً حٌن ارتفع عدد الكواٌستورس
إلى أربعة عندما أعطً الحق للعامة بتولً هذه الوظٌفة فً عام 0۰۰ق.م .فؤصبح
أو Quaestores Tribani العامة» الخزانة «أمٌنً منهما اثنان
.Quaestores aerariأما االثنان اآلخران فٌساعدان القنصلٌن وٌصحبانهما
إلى مٌدان القتال لٌتولٌان مهمة توفٌر مإونة الجٌش وصرؾ رواتب الجنود .وزٌد
عدد الكواٌستروس ،فً عام ۰6۰ق.م ،إلى ثمانٌة عهد إلى األربعة الجدد االهتمام
835
بتوفٌر حاجة روما إلى المال والرجال من األقالٌم اإلٌطالٌة التً ضمتها .وكانوا
ٌسمون «کواٌستورس االٌطالٌٌن» . Quaestores Italiei
أنشبت تلك الوظٌفة ( الكنسور) حوالی 003ق.م ،وذلك بهدؾ إحكام عملٌة
اإلحصاء ( ، )Censusالتً كانت تجرى ألفراد الشعب الرومانً ،كل خمس
سنوات ،لمعرفة ممتلكاتهم وقٌمة الضرابب الواجبة علٌهم تجاه الدولة ،وعندما
كان ٌحٌن وقت إتمام اإلحصاء تنتخب الجمعٌة المبوٌة اثنٌن من الرقباء
( )Carsoresلٌتولٌا عملها لمدة ( )۰۱شهرا فتط ،وال ٌتمتعان بسلطة االمبرٌوم
العلٌا ،ونظرا لخطورة تلك الوظٌفة ،وضرورة توافر الخلق السلٌم والسمعة الطٌبة
لدي شاؼلها فإنها كانت وقفا على من ٌتولى منصب القنصلٌة من قبل ،وكان حسن
السلوك العام ،كان هذا الشرط نابعا من جسامة المسبولٌة التً تقع على عاتق
الرقٌب ،فكان :
أٌ -سجل -مع زمٌله اآلخر -كل المواطنٌن الرومان وممتلكاتهم تبعا لقبابلهم
وأحبابهم )Curiate(.
ب ٌ -فحص تلك القوابم وٌتؤكد من مدى سبلمة البٌانات وٌعاقب المخادعٌن وذلك
بفرض ؼرامات علٌهم .
836
ج ٌ -عاقب سٌا السلوك والذٌن ٌضرون بالصالح العام وٌحكم علٌهم بسوء السمعة.
()infamia
د -له صبلحٌة إقرار أو استبعاد عضوٌة بعض شخصٌات مجلس الشٌوخ -والسٌما
منذ نهاٌة القرن ( 0ق.م ) ،وذلك بكتابة تقرٌر عنهم " . nota ccnsorts
هـ ٌ -قدر ضرٌبة الملكٌة على أساس الثروة ،وفً الضرٌبة المعروفة باسم
( )Tributumوكانت تجمع فً وقت الحروب ،وساعة األخطار الداخلٌة أو
الخارجٌة وارضاء للعامة " Plebsفقد تم إقرار حقهم فً انتخاب أحد المراقبٌن فً
كل مرة ،وذلك منذ عام 3۲4ق.م ،وبمرور الوقت ،أصبح الرقٌبان االثنان من
تلك الطبقة ،ولكن منذ عام ۰3۰ق.م وما بعدها ،ولٌس قبل تلك السنة المذكورة .
لم تكن تلك الوظٌفة من الوظابؾ العامة فً الدولة ،حتى جاء عام 36۰ق.م
وأصبحت وظٌفة األٌدٌلٌس ،وظٌفة سنوٌة عامة ٌ ،توالها صاحبها عن طرٌق
االنتخاب و انتخاب الجمعٌة القبلٌة له ،كما كان ٌشؽلها أربعة موظفٌن ،اثنان منهم
ٌعرفون باسم " "edites plebisأي العامة واثنان آخران باسم " sediles
"caralesأي من األشراؾ.
مرت تلك الوظٌفة بمرحلتٌن األولى قبل عام 00۲ق.م .عندما اقتصر على
األٌدٌلٌس حفظ المحفوظات وأمانة األرشٌؾ كموظؾ لنقباء العام ( Tribini
)plebisوالثانٌة بعد ذلك ،وبالتحدٌد بعد 36۰ق.م ،عندما أصبحت تللى الوظٌفة
وظٌفة عامة وشملت االختصاصات اآلتٌة التً كانت تعرؾ باسم " رعاٌة شبون
المدٌنة tira tarbisومنها :
837
ج -اإلشراؾ على المعامبلت التجارٌة فً األسواق برقابة الموازٌن .
أنشدت تلك الوظٌفة عام 366ق.م تخفٌ ًفا عن القنصلٌٌن .فقد روعً إٌجاد
البراٌتور المدنً { )Tractor urbansلٌفصل فً القضاٌا المدنٌة بٌن المواطنٌن
( )Civesوبراٌتو األجانب (. )praetor peregrinusالذي كان ٌفض النزاعات
القابمة بٌن المواطنٌن الرومان واألجانب .وقد كان تعٌٌن هذا الحاكم القضابً ،
سواء البراٌتور المدنً أو پراٌتور األجانب عن طرٌق انتخابه فً الجمعٌة المبوٌة،
فقد تقرر فً حوالً العام ۰0۰ق.م ،عندما اتسع نطاق العبلقات الخارجٌة
الرومانٌة ،أن ٌنتخب سنوًٌا براٌتور ثان لٌشرؾ على الفصل فً القضاٌا التً ٌكون
أحد طرفٌها أو كبلهما من األجانب .وللتفرقة بٌن هذٌن الحاكمٌن كان أولهما ٌسمى
براٌتور المدٌنة Practor Urbanusوثانٌهما ٌسمی براٌتور األجانب و كان
طبٌعٌا ،كذلك ،أن ٌزداد عدد أولبك باتساع نطاق الفتوحات الرومانٌة خارج شبه
الجزٌرة اإلٌطالٌة ،وربما لبلستعان ة بهم فً حكم بعض الوالٌات الخارجٌة التابعة
للشعب الرومانً ،طالما أنهم كانوا ٌتمتعون بالسلطة العلٌا.
وتقتصر صبلحٌات البراٌتور القضابً على القضاٌا المدنٌة .فهو ٌستمع فً
المرافعات المبدبٌة ،ثم ٌصدر تعلٌماته إلى قاض Indexأو إلى هٌبة تتؤلؾ من
ثبلثة أو خمسة محلفٌن Recuperatoلفحص األدلة وإصدار الحكم .وكان من
أهم واجبات البراٌتور أن ٌصدر فور تولٌه منصبه الجدٌد قرارا ٌبٌن القواعد التً
سٌفصل بمقتضاها فً القضاٌا المنطوٌة على نقاط ال تعطى فٌها القوانٌن القابمة او
العرؾ السابد أحكام قاطعة .وقد كان لقرارات البراٌتورس المتعاقبٌن دور كبٌر فً
تطور القانون الرومانً.
831
وبسبب توسع روما فً فتوحاتها خارج شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ،وما ٌقتضً هذا
التوسع ،من حاجة إلى حكام ٌتولون ادارة ممتلكات روما خارج إٌطالٌا التً كانت
تسمى والٌات ،اتسع نطاق اختصاصات البراٌتورس ولم ٌعد اختصاصهم الفصل
فً القضاٌا فقط بل تعداه إلى أن أسند الٌهم حكم بعض الوالٌات .فكانت من هنا
الحاجة إلى زٌادة عددهم.
هكذا ،تؤكد لنا بحق ،شٌوع تولً العامة لمعظم المناصب اإلدارٌة المختلفة فً
العصر الجمهوري ،ذلك العصر الذي أشرؾ عامة الشعب ( )Plebsفً الحكم
وإدارة األمور وأ صبح نظام الدولة الجدٌد ،شكبل ومضمونا * نظام جمهورٌة *
ٌشارك فً إدارته جمهور الشعب ،فً الببلد والذٌن أداروا دفة روما القدٌمة
والعصر الجمهوري بنفس القدر من اإلخبلص والتفانً ،والطاعة وااللتزام ،كما
كانوا هم أعمدة انتصاراتها األولى السابقة فً العصر الملكً ،ولكنهم الٌوم بمساندة
العامة ،أصحاب المصالح المباشرة ٌ ،حققون كذلك مزٌدا من االستقرار ،لدعم
حقوق كل المواطنٌن الرومان ،واالستمتاع بخٌرات الوالٌات الخارجٌة ،التً
ضمها إلى أمبلك الشعب الرومانً قادة عظام ،التزموا بدساتٌر ببلدهم فً كل نظام
دقٌق ،بهدؾ تحقٌق العدالة والمساواة أمام القانون فً كل شًء ،وبالتالً كان
التفانً فً أداء الواجب .أهم سمات رجاالت العصر الجمهوري ،سواء فً مٌدان
السٌاسة أو فً المٌدان العسكري على أرض المعارك.
ولكن حقٌقة األمر ،أن العامة كافحوا كفاحا مرٌرا حتى تم االعتراؾ بحقوقهم ،مما
استلزم الدخول فً صراع بٌنهم وبٌن طبقة السادة واألشراؾ (. )Patricii
ومما ٌإسؾ له حقا ،أن ذلك الصراع الطبقً بٌن األشراؾ ( ) Patriciiوبٌن
العامة ( )Plabsوالذي بدأ منذ بداٌات القرن الخامس ق.م ،أي حوالً منذ عام
0۲0ق.م ،أي أنه دام ..حوالً قرنٌن من الزمان ) لم ٌحقق النتابج المرجوة منه .
كٌؾ إذن ٌمكن فهم ذلك ؟.
834
نعم ،لقد حقق العامة إنجازات كبٌرة وحصلوا على حقوق كثٌرة منها :
-۰شاركوا فً سن القوانٌن ونشرها بعد أن كانت حكرا على األشراؾ والنببلء من
الطبقة األرستقراطٌة على ؼرار قوانٌن سولون األثٌنً على ٌد لجنة منهم سمٌت
بلجنة العشرة رجال" ( )Decemvirبالرؼم من صعوبة تحقٌق ذلك ومن أهم
نصوص تلك القوانٌن إقرار حق العامة فً استبناؾ أي حكم ضدها
(. )Provocatio
-0کسبوا حق تولى منصب القنصلٌة عام 36۰ق.م حتى أن تسعٌن منهم تولوا هذا
المنصب ،وأصبحوا أعضاء فً الستاتوس ( )Senatusبعد ذلك فً المدة من
366حتى ۰65ق.م.
وقد ساعد على وجود عدد كبٌر فً مجلس السناتو عامبلن آخران هما:
841
من هذا االختبار ٌتبٌن لنا أن االختٌار لعضوٌة السناتو لم ٌعد مقتصرً ا على البطارقة
وال على القنسورس والقناصل السابقٌن فقط ،بل شمل من سبق لهم تولً البراٌتورٌة
فً النصؾ األول من عهد الجمهورٌة الرومانٌة لٌمتد فً النصؾ الثانً من عهدها
وٌشمل البراٌتورس اآلنٌٌن ومن سبق لهم وتولوا األٌدٌلٌة أو ترٌبونٌة العامة أو
الكواٌستورٌة .وفٌما كان أعضاء مجلس السٌناتو من البطارقة كانوا ٌسمون اآلباء
بٌنما كان اعضاء السناتو من العامة ٌسمون أحٌانا المختارٌن» adleti Patres
وكذلك فإن العامة نجحوا فً وضع حد لمشاكلهم والستبثار طبقة األشراؾ بكل
االمتٌازات دونهم ،وكانت نهاٌة هذا الصراع درامٌة ،عندما هاجر العامة إلى
خارج حدود مدٌنة روما ،على تل پانٌکولوس عبر النهر ،فً عام ۰۱۰ق.م ،
وهددوا باالنفصال عن مدٌنة روما ،مما أجبر السناتوس على اتخاذ موقؾ أكثر
مرونة وتفاهم .فاتخذوا من بٌنهم دكتاتورا عنهم هو هورتنسٌوس ()Hortensius
الذي نجح فً فض الخبلؾ ،وأصدر قانونا باسمه ( )Hortensiaنص على
سرٌان مفعول أي قرار تصدره جمعٌة القبابل دون أن تسبقه أو تعقبه موافقة
السناتوس علبة.
عندبذ نعود إلى سابق سإالنا ،لماذا لم تحقق كل هذه اإلنجازات النتابج المرجوة ؟.
ٌقول د .نصحً فً هذا المقام " إنه قد ترتب على شدة مٌل الرومان جمٌعا إلى
الحفاظ على تقالٌدهم قدر اإلمكان ،أمران مهمان :أحدهما :هو أنه بالرؼم ما كسبه
العامة من حقوق كفلت لهم المساواة قانونا مع البطارقة (األشراؾ) ،فإن هذه
المساواة کانت شكلٌة أكثر منها حقٌقٌة .وال أدل على ذلك من أنه بعد اكتساب العامة
حق تولى الوظابؾ العامة جمٌما ،لم ٌحدث اندفاع نحو شؽلها برجال من العامة ،
بل ظل الناخبون مٌالون إلى تفضٌل المرشحٌن الذٌن لهم أو ألسرهم ماض ممتاز
فً الحٌاة العامة ".
848
ثم ٌضٌؾ قاببل « :واألمر اآلخر ،هو أنه بالرؼم مما منح للعامة من حقوق وما
اتسمت به تربٌونٌة العامة وجمعٌة القبابل من طابع دٌمقراطً لم ٌصبح نظام الحكم
الرومانی نظاما دٌمقراطٌا بمعنى الكلمة وإنما ظل فً الواقع نظاما أرستقراطٌا.
وما هو جدٌر بالذكر أن طبقة العامة ،بعد أن حققت كثٌرً ا من مكاسبها ،حتى عام
۰۱۰ق.م وتساوت -شكلٌا مع طبقة األشراؾ إال أنها -بحكم إمكاناتها المحدودة
وشاؼل حٌاتها المستمر سعٌا وراء حٌاة أفضل ،قنعت بذلك وتركت الحٌاة السٌاسٌة
.كما كانت من قبل فً أٌدي طبقة األرستقراطٌة الجدٌدة ،التً نشؤت من تآلؾ بٌن
طبقة األشراؾ والنببلء القدٌمة بٌن مستوری الحال من الطبقة العامة.
لقد استراحت طبقة العامة إلى شكل األوضاع الجدٌدة والسٌما فً المٌدان
االجتماعً .فقد كسبت حق الزواج من طبقة األشراؾ بمقتضى قانون کانولٌوس
( )Lex Canuleiaالذي ٌقضً بذلك نهابٌا على عقدة النقص لدى العامة ،وتم
القضاء على روح التعصب الطبقً القدٌمة .كما سعدت تلك الطبقة سعادة ؼامرة
بإٌجاد وظٌفة الرقٌب ،تلك الوظٌفة القوٌة ،التً لم تفرق بٌن كبار القوم وصؽارهم
،وراحت تفتش عن االنحرافات أو صور التهاون فً حق الدولة .بل تستجوب
أرباب األسر عن نسٌانهم لواجباتهم العابلٌة ،وعن سوء معاملتهم لعبٌدهم ،فكان
الكنسور ( ٌ )Censorعاقب أولبك عقابا شدٌدا صارما ،بؤن ٌحذؾ اسم رب
األسرة من قابمة أفراد القبٌلة ،مما ٌسبب له سمعة سٌبة بٌن األسر األخرى ،وكان
ذلك أخشى ما ٌخشاه الفرد الرومانً ،لقد وصل نشاط هذه الوظٌفة إلى استبعاد
بعض أعضاء السناتوس أو أفراد من طبقة الفرسان .إن أهمل أحدهم فً االهتمام
بفرسه الذي أعطته له الدولة .حقا لقد استراح الرومان جمٌعا إلى نزاهة هذا
المنصب ،وبعدالة قراراته ،فؤطاعوا جمٌعهم السلطة الشرعٌة ،ومن بٌنها أولبك
المفتشون الرقباء ،الذٌن كانوا ٌنهون مدتهم بإجراء تطهٌر دٌنی ()Lustratio
للمواطنٌن ،خارج أسوار روما ،ومصحوبة بتقدٌم القرابٌن وإقامة الصلوات فً
ساحة اإلله "مارس".
841
الفصل الرابع
843
كان القرن األخٌر من عصر الجمهورٌة ( )34 - ۰33عصرا حافبل باألحداث
الجسام ال بالنسبة لروما وحدها بل بالنسبة للحضارة الؽربٌة كلها .فقد بلؽت
األخطار التً أحدقت بالدولة فً الداخل والخارج مبلؽا ٌتطلب ساسة وجنودا من
الطراز األول .وقد تحقق ذلك ففً هذا القرن ظهرت أشهر الشخصٌات الرومانٌة
التً ألفنا سماع أسمابها :تٌبرٌوس جراکوس وأخوه جاٌوس جراکوس ،ومارٌوس
وسبل ،و پومپی و کراسوس وشٌشرون وقٌصر ،ثم أوؼسطس الذٌن ساهموا
جمٌعا بمختلؾ الوسابل فً إنقاذ اٌطالٌا واألمبراطورٌة من االنحبلل المبكر .كان
العصر فً الواقع عصر الشخصٌات العظٌمة ،وفٌه أٌضا أصبحت األخبلق
الشخصٌة مثار االهتمام الشدٌد بٌن الناس كما ال تزال بٌننا فً العصر الحالً ،وقد
حدث أن تضاءل سلطان الدولة حتى عجزت عن فرض الطاعة والنظام على
المواطنٌن ،فتهٌؤت للفرد فرصة إظهار قوته ،وبلؽت هذه القوة فً بعض األحٌان
حدا قد ٌحملنا على تركٌز االهتمام فً األفراد البارزٌن ،وإؼفال الدوافع المتداخلة
والمصالح المتضاربة فً العالم الذي عاشوا فٌه.
ازداد حرص السناتوس على ملكٌة األرض فً إٌطالٌا ،وحتى حٌن أصبح لروما
والٌات اجنبٌة كان ألعضاء السناتوس اراضً فٌها وكانوا ٌدٌرونها عادة عن
طرٌق وكبلء عنهم .وهكذا لم ٌؤلؾ .اعضاء السناتوس الهجرة واإلقامة خارج
إٌطالٌا .ولذلك افسح المجال امام طبقة جدٌدة نشطة أفادت من هذه الظروؾ ،وهً
الطبقة المتوسطة الرومانٌة التً عرفت اصطبلحا باسم «طبقة الفرسان»
، Equitesفهإالء سٌطروا على األعمال التجارٌة والنقل البحري بٌن إٌطالٌا
والوالٌات .کما اشتؽل كثٌر منهم فً الوالٌات فً عملٌة جباٌة الضرابب فٌها ،وهو
عمل مربح عاد علٌهم بالثروات الطابلة ألنهم استؽلوا األهالً واستنزفوا موارد
ثرواتهم.
أما طبقة العامة ،فرؼم اتساع ممتلكات روما وازدٌاد ثرابها فلم ٌعد ذلك علٌهم بنفع
كبٌر فرؼم أنهم حاربوا وضحوا وانتصروا ولكن لم ٌمنحوا أمبلكا مثل ؼٌرهم من
844
األشراؾ ولم ٌتمكنوا من المشاركة فً أعمال التجارة أو جباٌة الضرابب او ؼٌرها
من األعمال المالٌة ،ألن مكافآتهم على دورهم فً الحرب كان مبلؽا من المال ال
ٌلبث أن ٌنفد بمضً الزمن .کما اصابهم ضرر آخر نتٌجة لهذه الحروب المستمرة،
وهً أن بعضهم ممن كان لهم قطعة صؽٌرة من األرض فً إٌطالٌا ،اضطر إلى
تركها وإهمال زراعتها بسبب ظروؾ الحرب وحٌن ٌعود إلٌها كانت تحتاج إلى
نفقات كبٌرة الستثمارها مرة ثانٌة ،وخاصة بعد فترة التدمٌر والخراب التً حدثت
أثناء حرب هانٌبال التً دامت نحوا من ستة عشر عاما متصلة .لذلك فضل هإالء
األفراد من صؽار المبلك ،بٌع ارضهم لؤلشراؾ وخاصة فً ظروؾ الؽبلء التً
كانت تحدث فً أعقاب الحروب .كما أصاب هذه :الطبقة الفقٌرة من عامة الرومان
خطرا آخر نتٌجة النتصاراتهم المستمرة فً حروبهم .وهً انها جلبت لروما اعدادا
ك بٌرة جدا من األسرى من الشعوب المقهورة ،هإالء األسرى ،حسب النظم القدٌمة،
ٌتحولون إلى عبٌد .وحسب القانون الرومانً فً ذلك الوقت ،كان هإالء العبٌد
ٌصبحون ملكا للدولة من الناحٌة النظرٌة على األقل .أما من الناحٌة العملٌة فكانت
الدولة أو السناتوس ٌوزعهم على األسر الكبٌرة لٌكونوا .تحت اشرافهم ورعاٌتهم.
ورحبت بهم هذه األسر لبلستعانة بهم فً زراعة ممتلكاتهم التً ازدادت مساحتها
فً طول اٌطالٌا وعرضها .وهكذا نافس العبٌد العمال األحرار من المواطنٌن
الرومان الذٌن كانوا ٌعملون باألجر فً الزراعة او فً الصناعة او ؼٌرها من
األ عمال الٌدوٌة .ونتج عن ذلك كله أن تعطل كثٌر من فقراء الرومان عن العمل،
ولم ٌعد أمامهم إال أحد امرٌن اما ان ٌشتؽلوا بالجندٌة فً حروب جدٌدة أو أن
ٌتعطلوا وٌعٌشون عالة على األسر الشرٌفة الكبٌرة .وكانت هذه األسر ترحب بهم
لٌفوزوا بؤصواتهم فً االنتخابات السٌاسٌة ألن الحٌاة السٌاسٌة لؤلشراؾ اصبحت،
رؼم أنها ؼٌر مؤجورة ،مصدرا كبٌرا للثراء .فمن المعروؾ أن من ٌصل إلى
مناصب البرٌتور والقنصل كان بعد انتهاء عام منصبه ٌعٌن فً حكم الوالٌات وهذه
تدر علٌهم ثروة طابلة .وهكذا اشتدت المنافسة على االنتخابات وفسدت الحٌاة
845
السٌاسٌة وازدادت الرشوة وشراء أصوات المواطنٌن .هذه هً الصورة التً آلت
إلٌها الحٌاة السٌاسٌة واالجتماعٌة فً روما فً سنة ۰33ق.م.
ولكن ٌمكن أن ننظر إلى الموقؾ نظرة مختلفة ،وهً أن الدستور الرومانً الذي
كانت ال تزال تعٌش فً ظله روما سنة ۰33ق.م ،.كان دستورا قدٌما مضى علٌه
ما ٌقرب من أربعة قرون وكان قد وضع أصبل لمدٌنة صؽٌرة ذات طابع قبلً كما
ذكرنا من قبل .هذه المدٌنة الصؽٌرة تحولت فٌما بٌن ۰33 - 54۲ق.م .إلى دولة
عالمٌة تشمل شبه الجزٌرة االٌطالٌة كلها وقسما من الؽالة واسبانٌا وشمال أفرٌقٌا
وصقلٌة والٌونان وآسٌا الصؽرى .وكان من الطبٌعً أن تثبت األحداث عجز
الدستور البدابً البسٌط عن التحكم وتوجٌه سٌاسة هذه الدولة العالمٌة الكبرى ،وما
نتج عن تكوٌنها من مفارقات ومتناقضات فً المجتمع وأصبحت الضؽوط
االقتصادٌة والمصالح المادٌة أقوى من القانون .ولهذا كله سنجد نمط الحٌاة
السٌاسٌة وأسلوبها فً المرحلة األخٌرة من الجمهورٌة (أي ۰۰ - ۰33ق.م) .
مختلفا كل االختبلؾ عما حدث فً مرحلة الصراع بٌن الطبقات فً بداٌة
الجمهورٌة .ففً المرحلة األولى كان الصراع ٌهدؾ إلى تعدٌل قانون أو إصدار
قانون أو اكتساب حق فً منصب أو فً هٌبة تشرٌعٌة .وكانت المصالح المرتبطة
باألفراد والطبقات ال تزال محدودة ولذلك أمكن الوصول دابما إلى التوفٌق بٌن
المصالح المختلفة وتحقٌق اإلصبلح عن طرٌق التشرٌع .أما فً المرحلة التالٌة،
خبلل القرن األخٌر من الجمهورٌة فسنجد المصالح أشد تنافرً ا والصراع أكثر عنفا
والقانون عاجز عن مواجهة الواقع فرؼم ظهور شخصٌات على مسرح السٌاسة
الرومانٌة ٌسعون إلى اإلصبلح والتؽلب على التناقضات فً المجتمع ،إال أن
المصالح الشخصٌة حٌنا والمصالح الطبقٌة حٌنا آخر ،كانت لها دابما الؽلبة .ولذلك
تؽٌر محور الحٌاة السٌاسٌة بدال من محاولة تطبٌق القانون أو تعدٌله من أجل
اإلصبلح ،إلى الوصول إلى السلطة وفرض اإلصبلح بالقوة .وألول مرة فً
تارٌخ الجمهورٌة الرومانٌة ،استخدم العنؾ والقتل فً حل االختبلفات السٌاسٌة .
واتخذت الحٌاة السٌاسٌة مظهر الصراع .الحزبً الذي ٌقوم على أساس طبقً ؼلب
846
علٌه التعصب والحدة وتطور تدرٌجٌا إلى حرب أهلٌة قضت على النظام
الجمهوري فً روما .
كانت أولى المشاكل التً تتطلب عبلجا سرٌعا هً مشكلة اقفار الرٌؾ من الفبلحٌن
األحرار وتدهور الزراعة .وقد بدأت محاولة اإلصبلح فً عام ۰33ال على ٌد
السناتو الذي كان الواجب ٌحتم علٌه ذلك ،بل على ٌد شاب متحمس فً الثبلثٌن من
عمره ٌ ،نتمً الى أسرة شهٌرة ،وٌعد من بعض النواحً من أرفع الشخصٌات فً
التارٌخ الرومانً .كان تٌبرٌوس سمپرونٌوس جراکوس ( Tiberius
)Sempronius Gracchusكؤسبلفه عمٌق الشعور بالواجب ،وعلى ؼٌر ما
عرؾ عن الرومان مثالٌا ٌفٌض رقة ونببل .لكنه وقد تلقى تعلٌما اؼرٌقٌا نظرٌا
ٌتضمن الببلؼة والفلسفة الرواقٌة وال ٌتضمن دراسة الحقابق البحتة ،فقد كانت
تعوزه الخبرة العملٌة والمعرفة الواسعة البلزمتان لمن ٌضطلع بمثل المشكلة
االقتصادٌة ۔ االجتماعٌة التً تصدى لها ،والتً ال ٌصدر الٌوم بها قانون إال بعد
أن ٌدرسها الخبراء من كافة جوانبها دراسة فاحصة عمٌقة.
كان تٌبرٌوس قد ارتقى أول درجة فً سلم الوظابؾ العامة بفوزه بمنصب ر
الكوبستور ،عام ۰3۰الذي قضاه فً أسبانٌا .وفً أواخر صٌؾ عام ۰30ق.م
رشح نفسه نقٌٌا للعامة ( )tribunus plebisوتقلد منصبه مع زمبلبه النقباء
التسعة فً ٌوم ۰4دٌسمبر من السنة عٌنها .وسرعان ما أعلن برنامجه اإلصبلحً
فً مستهل عام . ۰33وقد اجتذب الٌه دهماء المدٌنة الذٌن كانت لهم أصوات كثٌرة
فً القبابل الرٌفٌة ،ألن بعضهم ممن وفدوا من الرٌؾ الى العاصمة فً السنوات
األخٌ رة كانوا تواقٌن الى العودة الى أسلوب حٌاتهم القدٌم ،وألن بعضهم .اآلخرٌن
،وان لم تكن لدٌهم أي رؼبة فً اقتناء قطعة من األرض ،فإنهم كانوا ٌؤملون فً
847
أن ٌإدي المشروع إلى تقلٌل عدد سكان العاصمة وبذلك تزداد فرصهم فً العثور
على عمل .وكان بٌن الدهماء فرٌق ٌزٌد المشروع بدافع من الحسد والحقد على
األثرٌاء .وثمة فرٌق آخر تؤثر بفصاحة تٌبٌرٌوس أو أعجب بمنطقة فً الدفاع عن
مشروعه واستناده الى أسس أخبلقٌة سامٌة ووطنٌة صادقة .وأهم من ذلك أن نبؤ
المشروع انتشر بسرعة فً أرجاء الرٌؾ االٌطالً فتدفقت جموع ؼفٌرة من
الفبلحٌن على العاصمة ٌوم االقتراع علٌه ،واكتظت قاعة الجمعٌة القبلٌة بناخبٌن
من خارج روما قلما سبق لهم حضور جلساتها أو لم ٌحضروها قط من قبل .
وشكل تٌبرٌوس لجنة لئلصبلح الزراعً تكونت منه ومن أخٌه جاٌوس جراکوس
وأبٌوس كبلودٌوس لممارسة تطبٌق االقتراح السابق عملٌا وذلك بعد أن نجح فً
استصدار قانون من مجلس السٌناتوس بهذا المعنى.
رؼم أن مثل هذا القانون أمكن صدوره فً فترة الصراع األولى عن طرٌق
السناتوس ،نجد أن السناتوس ٌرفضه وٌقاومه فً سنة ۰33ق.م .فٌتجه تٌبٌرٌوس
إلى الجمعٌة القبلٌة إلصدار القانون .وهكذا وجدنا ثنابٌة فً التشرٌع فً روما فكان
باستطاعة السناتوس أن ٌشرع ،کما كان فً استطاعة الجمعٌة القبلٌة أن تشرع هً
األخرى .ومن الواضح أن تشرٌعات هاتٌن الهٌبتٌن كانت متعارضة ومتناقضة ،
فالسناتوس ٌشرع لصالح األشراؾ ،والجمعٌة القبلٌة تشرع لصالح طبقتها الشعبٌة
،وواضح أن الدولة ال تستطٌع أن تستقر على هذا النحو .وحٌن حاول تٌبٌرٌوس أن
ٌعٌد ترشٌح نفسه للمنصب ذاته و الترٌبونٌة الشعبٌة ،،السنة ثانٌة ،وهو ما لم
841
ٌحدث من قبل فً تارٌخ الجمهورٌة ،كان ذلك مخال ًفا لؤلسالٌب الدستورٌة التً
كانت تمارسها الجمهورٌة منذ نشؤتها .وحدث خبلؾ عنٌؾ حول قانونٌة هذا
اإلجراء بٌن تٌبٌرٌوس والسناتوس ،ولما أصر تٌبٌرٌوس على موقفه وأٌده العامة ،
لم ٌجد السناتوس ب ًدا من استخدام العنؾ ،وتصدوا له فً ٌوم االنتخابات وقتلوه .
كانت هذه هً أول حادثة عنؾ فً الحٌاة السٌاسٌة الرومانٌة منذ قٌام الجمهورٌة ،
وألول مرة تسال الدماء بسبب االختبلؾ على المواقؾ السٌاسٌة .وبعد ذلك
ستتكرر حوادث القتل وٌزداد العنؾ طٌلة القرن األخٌر من الجمهورٌة .فسنجد
أخاه جاٌوس ٌتولى الترٌبونٌة الشعبٌة فً سنة ۰۰0ق.م .وٌنجح فٌها فشل فٌه أخوه
وهو تولً المنصب مرتٌن متتالٌتٌن وفى المرة الثالثة ٌفشل فً االنتخابات وٌحاربه
السناتوس وٌتمكن من قتله هو وثبلثة آالؾ من أعوانه .هكذا بدأ العنؾ فً الحٌاة
السٌاسٌة مع البدء فً مخالفة الدستور وكان معنى هذا قصور الدستور عن متطلبات
الدولة ومسبولٌاتها.
ورؼم مقتل تٌبرٌوس جراكوس ظلت لجنة اإلصبلح الزراعً تمارس عملها لمدة
أربعة عاما متتالٌة حتى عام ۰۰4ق.م وكان بها جاٌوس جراكوس الذي حرص
بدوره على تنفٌذ رإٌة اخٌه تٌبرٌوس فً األصبلح الزراعً.
-استصدر قانون بإنشاء شبكة من الطرق الرٌفٌة فً مختلؾ أنحاء ٌطالٌا وتحسٌن
الطرق الرٌفٌة القدٌمة وقد أولى هذا المشروع عناٌة خاصة حتى تكون الطرق نافعة
وجٌدة وال تقل جودة عن الطرق العسكرٌة المنتشرة فً أرجاء شبه الجزٌرة
االٌطالٌة وكان ٌرمً بذلك إلى تٌسٌر نقل الؽبلل والمحاصٌل الزراعٌة األخرى إلى
األسواق القرٌبة فٌسهل على صؽار الزراع مهمة تسوٌقها محلًٌا.
-ومن المرجح أنه اعاد للجنة اإلصبلح الزراعً سلطتها القضابٌة التً سلبت منها
فً عام ۰۰۲بعد مصرع أخٌه بسنوات قلٌلة.
ؼٌر أن أهم مشروع جرى له فً هذا الصدد هو محاولته تؤسٌس مستعمرة -ألول
مرة -عبر البحر -مقتدٌا باألؼرٌق -فً مكان قرطاجنة القدٌمة وقد تم بناء هذه
المستعمرة بناء على صدور قانون ٌعرؾ باسم قانون روبرٌوس Lex rubria
نسبه إلى نقٌب العامة الذي تبنً المشروع بتشجٌع من جاٌوس واتبع جاٌوس ذلك
المشروع بمشروعٌن أحدهما ٌهدؾ إلى التخفٌؾ من صرامة الخدمة العسكرٌة
اإللزامٌة بمنع التجنٌد قبل سن السابعة عشر واألخر ٌنص على أن تصرؾ الدولة
للجنود المبلبس مجانا دون خصم الثمن من رواتبهم.
وقد بدأ جاٌوس عملة السٌاسً باقتراح زٌادة عدد أعضاء مجلس الشٌوخ الذي كان
محور الدستور وذلك بؤضافة 644عضو الٌه إال أن هذا االقتراح قوبل بمعارضة
شدٌدة من جانب السٌناتو فسحبه جاٌوس ،ؼٌر أنه تمكن من استصدار قانون ٌنص
851
على فرض عقوبات على محلفً محكمة االبتزاز (رجال السٌناتوس) الذٌن تثبت
ادانتهم بالرشوة باعتبارها جرٌمة.
وأخٌرا كان للسٌناتوس ضربة قاضٌة بإصدار قانون اکٌلوس Lex Aciliaوؼٌر
به تشکٌل محكمة استرداد األموال المبتزة Quaesto de Repetundisوكانت
هذه المحكمة المدنٌة مختصة بالنظر فً دعاوى االبتزاز المرفوعة على حكام
الوالٌات السابقٌن وإلزامهم بدفع تعوٌضات عن األضرار فً حالة ثبوت التهمة.
وبقً أن نقٌم أعمال األخوان تٌبرٌوس وجاٌوس جراكوس وما ترتب علٌها من
آثار ،فقد كان إخفاق اآلخوٌن مؤساة سٌاسٌة كبٌرة وبٌنما احتلت ذكراهم موضع
األعزاز واألكبار فً قلوب أنصارهما إال أنها كانت فً الوقت ذاته مثار استهجان
واستنكار بٌن صفوؾ خصومهما ومن اآلثار التً ترتبت على أعمالهم.
بٌنما كانت روما منهمكة فً الصراع الحزبً الذي احتدم بٌن السٌناتوس وجاٌوس
جراكوس ،كانت الجٌوش الرومانٌة مشتركة على الحدود فً سلسلة من الحروب
دفاعا عن سبلمة أراضً الجمهورٌة.
ولم تمض عدة سنوات على موت جاٌوس حتى اتضح الفساد وعدم الكفاٌة و
اشتعلت من جدٌد نار التطاحن الحزبً أثناء ذلك القتال الذي خاضته روما فً شمال
افرٌقٌا ضد الزعٌم النومٌدی ٌوجورثا hugurthaولكن هذا الصراع الذي بدأ فً
858
عام ۰۰۰ق.م أنجب جندي عظٌم ٌدعى .Mariusمارٌوس وهو رجل عصامً
اٌطالى المولد وجندي عظٌم آخر ٌدعی .سوال ، Sullaوهو سلٌل أسرة شرٌفة.
وبفضل هذٌن الجندٌٌن انتهت الحرب ضد ٌوجورتا فً مصلحة الرومان والتً
سجلها المإرخ الرومانً ساللوستٌوس C. Sallustiusفً عمله الذي ٌعرؾ
بعنوان الحرب الٌوجورتٌة .Bellum Iugurthinum
وٌذكر التارٌخ أنه نظرا لتفوقه العسكري وتعرض روما لمخاطر أجنبٌة سبقت
اإلشارة إلٌها قبل السٌناتوس إعادة ترشٌحه لمنصب القنصلٌة خمس سنوات متصلة
وذلك بالرؼم أنه كان من طبقة الفرسان الجدٌدة وكان ٌمٌل إلى مناصرة العامة،
ونظرا لعدم تطرفه السٌاسً وتذبذبه بٌن الطبقتٌن كان السٌناتوس ٌقبل بقاءه فً
السلطة بسبب تفوقه العسكري.
إن تجربة مارٌوس تعد تجربة جدٌدة فً تارٌخ روما إذ لم ٌحدث أن تولی شخص
القنصلٌة مرتٌن متتالٌتٌن مهما كانت مواهبه .وقد استطاع مارٌوس أن ٌوجد ألول
مرة جٌ ًشا نظامًٌا تقوم الدولة بتسلٌحه وٌكون والء جنوده لقابدهم ،إذ كان الجنود
ٌعتمدون على قابدهم فً الحصول على مكافؤت سخٌة من أرض ومال بعد انتهاء
الحرب وهكذا ارتبطت مصالح الجنود بؤفراد القواد وهذه ظاهرة جدٌدة سوؾ تظهر
خطورتها حٌن ٌتخذ القادة العسكرٌون من أمثال بومبً وقٌصر جنو ًشا خاصة
فالجٌوش لم تصبح جٌوش الوطن ولكن جٌوش األحزاب الطبقٌة.
-۰ؼٌر نظام التجنٌد حتى ٌستطٌع أن ٌعبا القوات البلزمة ،إذ فتح باب التجنٌد
للمواطنٌن الفقراء Proletariiفً جمٌع أنحاء اإلمبراطورٌة.
-3اعتمد على التطوع أكثر منه على التجنٌد اإلجباري لعدد معٌن من الحمبلت.
851
-0أفضت إصبلحاته إلى انتصار رابع أحرزه ضد قبابل التٌوتون Teutoni
فً اكوای سکستٌای Aquae Sextiaeفً عام ۰4۰ق.م ،وانتصار آخر فً
عام ۰4۰على قبابل الكمبري فً فركلبلي Vercllaeفً حوض البو عند الطرؾ
الشرقً من شمال إٌطالٌا الذي كان هإالء البرابرة قد تسللوا منه أخٌرا وهكذا نجت
إٌطالٌا من الخطر البربري.
وم نذ ذلك الحٌن ظلت الجٌوش الرومانٌة تتؤلؾ من اتباع لكل من مارٌوس وسوال
وبومبی وقٌصر مما جعلها من مصادر القلق والخطر المستمر على الدولة ،وإن
كانت فً نفس الوقت أجهزة رابعة للقتال كفٌلة بتؤمٌن حدود اإلمبراطورٌة ،وأستمر
األمر كذلك إلى أن أحٌا أؼسطس فً نفوس الرومان من جدٌد الشعور بالواجب نحو
الدولة.
-عموما فقد أساءت الحرب مع ٌوجورتا إلى سمعة حزب السٌناتوس الذي عرؾ
باسم الحزب األرستقراطً Optimaeوقلت من هٌبته وزاد من تزعزع مركزه
الهزابم التً منً بها قواد هذا الحزب فً أثناء ؼزوات الكمبري و التٌوتون وقد
شجع ذلك زعماء الحزب الشعبً أو الدٌمقراطً Popularesعلى شن سلسلة من
الهجمات على حزب السٌناتوس مستندٌن إلى تؤٌٌد مارٌوس والتفاؾ الشعب حوله
والفرسان.
-وثمة ظاهرة أخرى أخذت تتفاعل لتزٌد الموقؾ تعقٌدا فً تلك المرحلة وهً
حلفاء روما من اإلٌطالٌٌن ،إذ بدأ أهالً المدن اإلٌطالٌة الذٌن اخضعتهم روما فً
بداٌة عصرها الجمهوري وفرضت علٌهم التحالؾ معها وتقدٌم الجنود والسفن
والمساعدات المختلفة فً وقؾ الحرب ٌضٌقون بوضعهم وخضوعهم لشعب روما.
853
-إزداد الموقؾ تعقٌدا حٌنما حدث انقسام داخل حزب الشعبٌن فً روما فوجدنا
بعض زعمابهم المتطرفٌن ٌمٌلون إلى إنصاؾ الحلفاء اإلٌطالٌٌن بمنحهم المواطنة
الرومانٌة ومثل هذا الموقؾ كان ٌحقق هدفٌن لروما فً وقت واحد.
األول :هو إرضاء اإلٌطالٌٌن بؤن ٌصبحوا مواطنٌن رومان وبالتالً ما ٌترتب علٌه
ذلك من تمتعهم بكل االمتٌازات الرومانٌة وأهمها عطاءات الجنود.
-ورؼم ذلك فكان السٌناتوس وكثٌر من الشعبٌن أنفسهم ٌعارضون مثل هذا الحل
بدعوى حرصهم على نقاء الدم الرومانً ،أو االستبثار بؤكبر قدر من مكاسب
الحروب.
-بلػ الموقؾ درجة األزمة حٌن تعرض أحد زعماء العامة وٌدعی دروسوس
Drususللقتل وكان ٌنادي بمنح المواطنة الرومانٌة لئلٌطالٌٌن من موقعه كنقٌب
للعامة سنة ۲4ق.م ونتٌجة لذلك قام اإلٌطالٌون بثورة عارمة سرعان ما تحولت
إلى حرب ضد روما عرفت باسم حرب الحلفاء ( socii ،واشتهرت أٌضا باسم
حرب المارسٌه Marsiنسبة إلى المارسٌون.
-لم تتمكن روما من القضاء على هذه الثورة التً تحولت إلى حرب إال بقبول منح
اإلٌطالٌٌن المواطنة الرومانٌة كاملة ولكنهم رؼم ذلك استمروا ٌشعرون بؤنهم
مواطنٌن من الطبقة الثانٌة وذلك لسببٌن:
-هذا الوضع الخطٌر نتج عنه فٌما بعد انقسام الصراع السٌاسً إلى حزبٌن:
854
(أ) حزب المحافظٌن ،الذٌن ٌرؼبون فً الحفاظ على النظام الجمهوري ممثبل
(ب) حزب ا لمجددٌن ،الذٌن ٌدعون إلقامة الحكم المطلق بالمحافظة على وحدة
الشعوب اإلٌطالٌة دون تمٌٌز.
-عموما وبعد انتهاء الحرب المارسٌة ،التً استمرت ثبلث سنوات م ۲4 - ۱۱
ق.م تعرضت روما ألخطر مواجهة عسكرٌة لها مع قوة أجنبٌة منذ نهاٌة الحرب
البونٌه الثانٌة وتمثلت هذه القوة فً مٌثراداتٌس السادس ،وكان أشد طموحً ا فضم
أجزاء واسعة من الساحل الشمالً للبحر األسود ،والتً كانت تتمتع بقدر واسع من
الثراء والقوة العسكرٌة ،إذ كان مٌثراداتٌس الخامس على عبلقة طٌبة بروما وتمكن
من بسط نفوذه على جٌرانه من المدن الصؽٌرة ،إال أن ابنه مٌثراداتٌس السادس كان
أشد طموحً ا فضم أجزاء واسعة من الساحل الشمالً للبحر األسود وبذلك أصبح
ٌسٌطر على مملكة قوٌة فً الشرق بعد تدهور سورٌا.
-انتهز مٌتراداتٌس فرصة انشؽال روما فً الحرب األهلٌة الدابرة بٌنها وبٌن
الحلفاء اإلٌطالٌٌن وهاجم آسٌا فً عام ۱۱ق.م واكتسح القوات الرومانٌة بها ودبر
مذبحة قتل فٌها فً ٌوم واحد عدد ٌتراوح ما بٌن ثمانٌن
إلى مابة وخمسٌن ألفا من الرومان واإلٌطالٌٌن وصودرت أمبلكهم لصالح الخزانة
الملكٌة وهكذا خسرت روما آسٌا ،وبات من الضروري لها التخلص من
مٌثراداتٌس السادس.
855
عسكرٌا وان ٌشن حربا شعواء على خصومه وأعمل فٌهم القتل والتنكٌل وهو ما لم
ٌحدث فً تارٌخ روما من قبل.
-أقام سوال من نفسه دكتاتورا وبقً فً المنصب سنتٌن فٌما بٌن ۱۰ - ۱4ق.م فً
حٌن أن منصب الدكتاتور كان مقررا فترة ست أشهر فقط لشؽله وفً حاالت
استثنابٌة ،وأصدر بموجب السلطة المخولة له كدكتاتور سلسلة من القوانٌن الؽً بها
كثٌر من امتٌازات العامة وعمل على تؤكٌد سلطة السٌناتوس.
-لم ٌستطع أن ٌوحد بٌن مصالحه ومصالح الدولة العلٌا ،ألنه كان بالفطرة مجردة
من روح العاطفة وهذا ما سلبه القدرة على معرفة حقٌقة تلك المصالح ،وفً هذا
ال صدد فقد قورن سوال بنابلٌون والمقارنة صحٌحة من وجه نظر أو اثنٌن ولكنهما
ٌختلفان كل االختبلؾ فً نقطه جوهرٌة ،وهً القدرة على اإلدراك المشمول بروح
العطؾ.
وسوؾ نجد الصراع فً ظل هذا التصور الجدٌد ٌقترن بالعنؾ الشدٌد أٌضا ،
وٌتضح هذا فً الدور الذي قام به « شوال sulla ،الذي تزعم حزب السناتوس
وأراد أن ٌقر سلطانه بقوة السبلح .وكان قد عٌن قابدا للجٌوش الرومانٌة ضد أحد
األمراء الثابرٌن فً آسٌا الصؽرى ،وحٌن نازعه حقه فً القٌادة ،الشعبٌون ،لم
ٌتردد فً أن ٌقود جٌشه وٌقتحم روما عسكرٌا وأن ٌشن حربا شعواء على خصومه
وأعم ل فٌهم القتل والتنكٌل وهو ما لم ٌحدث فً تارٌخ روما من قبل .وبعد أن أقر
حقه بالقوة على هذا النحو ،مضى إلى حربه فً آسٌا الصؽرى .وأثناء ؼٌبته،
حاول الشعبٌون االنتقام مما حدث لهم ،فجمعوا صفوفهم و شنوا حربا على
السناتوس وأعضابه ،فما لبث أن عاد سبل بجٌشه ،ودخل روما .دخول الفاتحٌن
وأقام نفسه دکتاتورا وبقً فً المنصب سنتٌن فٌما بٌن ۱4-۱۰ق.م .وأعمل القتل
والتنكٌل ومصادرة األمبلك وٌقال أن خمسة آالؾ ذهبوا ضحٌة هذا االضطهاد ،
وأصدر سلسلة من القوانٌن ألؽً بها كثٌرا من امتٌازات العامة وتؤكٌد سلطة
السٌناتوس .ما من شك أن تجربة سبل هذه ،رؼم أنها تمت بدعوى الحفاظ على
856
الجمهورٌة ،كانت خطوة .فً سبٌل القضاء علٌها ،بسبب ما صاحبها من مخالفات
النص وروح الدستور الرومانً ،أولها دخوله روما دخول الؽازي على رأس جٌش
رومانً ،والثانً ممارسته للسلطة الدكتاتورٌة سنتٌن متصلتٌن ،مما أباح له حرٌة
تؽٌٌر القوانٌن وإصدارها ،عن ؼٌر طرٌق المجالس التشرٌعٌة .ونحن نعرؾ أن
منصب الدكتاتور ،حسب الدستور الرومانً ،كانت مدته ستة أشهر فقط ولم ٌحدث
طٌلة القرون األربعة السابقة ،منذ قٌام .الجمهورٌة ،أن بقً أحدا دكتاتورا أكثر
من ستة أشهر .
هذه األحداث كلها ،تثبت بما ال ٌدع مجاال للشك أن الدستور الرومانً أصبح ال
ٌطبق ،ورؼم تمسك القادة الرومان دابما بدعوى الحفاظ على القوانٌن ،إال أنهم
حٌن وقفت القوانٌن فً طرٌقهم ،ؼٌروها بما تحقق مصالحهم .والظاهرة الثانٌة ،
هً أن السٌناتوس والشعبٌٌن ال ٌلتقون فً حوار سٌاسً وإنما ٌقررون خبلفاتهم
بقوة السبلح .وظاهرة ثالثة أخٌرة تتضح هً ازدٌاد ظهور القادة العسكرٌٌن
وتسلطهم على الحٌاة السٌاسٌة ،كما رأٌنا فً شخصٌتً مارٌوس وسبل.
ومع ذلك ،فقد ظهر من بٌن السٌاسٌٌن المدنٌٌن من حاول اإلصبلح فً هذه المرحلة
المضطربة ،وهو "شٌشرون" Ciceroالخطٌب الرومانً المشهور .فرؼم أنه
من طبقة الفرسان أصبل ( وهً الطبقة المتوسطة ،إال أنه استطاع أن ٌتخذ جانب
السٌناتوس ،وأن ٌتولى منصب القنصلٌة سنة 63ق.م ،.وحاول أن ٌدخل على
الدستور تعدٌبل جدٌدا هدؾ ما أسماه "التوفٌق بٌن الطبقات" Concordia ،
Ordinumعن طرٌق أن تتولى السلطة التنفٌذٌة العناصر الممتازة من السٌناتوس
والفرسان .وهذه محاولة ببل شك للتوفٌق بٌن هاتٌن الطبقتٌن ضد طبقة الشعبٌٌن .
ورؼم مهارة شٌشرون الخطابٌة وقوة شخصٌته ،فلم تزد دعوته أن تكون صٌحة
فً واد ،ألنه ٌدعو إلى استخدام األسالٌب السٌاسٌة فً وقت كانت تقرر فٌه قضاٌا
السٌاسة الجٌوش العسكرٌة .
857
فً هذا الوقت ظهر على مسرح الحٌاة السٌاسٌة الرومانٌة شخصٌتان خطٌرتان
وهما « بومبٌوس ،وٌولٌوس قٌصر ،اللذان سٌتقرر على أٌدٌهما مصٌر الجمهورٌة
النهابً .
851
854
رومولوس ورٌموس ٌرضعان من الذئبة المقدسة
861
868