You are on page 1of 159

‫جـامـعــــة الزقــــازٌق‬

‫كــلــٌـــــــة اآلداب‬
‫قسم التارٌخ‬

‫تـاريـخ الرومان‬

‫إعــــداد‬

‫د‪ /‬الس يد فتحي بدران‬


‫مدرس‪/‬التاريخ القديم‬

‫‪3‬‬
‫فهرس المحتوٌات‬

‫الباب األول‪ :‬روما فً عصر الملكٌة‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‪ :‬جغرافٌة بالد الرومان‬

‫‪81‬‬
‫الفصل الثانً‪ :‬سكان إٌطالٌا األوائل‬

‫‪31‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نشأة مدٌنة روما‬

‫‪44‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬مظاهر الحضارة‬

‫الباب الثانً ‪ :‬روما فً عصر الملكٌة‬

‫‪61‬‬
‫الفصل األول‪ :‬سٌطرة روما على شبه الجزٌرة‬
‫االٌطالٌة‬

‫‪15‬‬ ‫الفصل الثانً‪ :‬توسعات روما الخارجٌة‬

‫‪811‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬نظام الحكم فً روما‬

‫‪844‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تدهور الجمهورٌة الرومانٌة‬

‫‪4‬‬
‫الفصل األول‬
‫جغرافٌة بالد الرومان‬

‫‪5‬‬
‫الخلفٌة الجؽرافٌة لتارٌخ الرومان‬

‫إن تارٌخ أصحاب الحضارة الزاهرة التً قامت قدٌمًا فً شبه جزٌرة البلقان‬
‫وانتشرت فً أرجاء البحر المتوسط وإلى ما وراءه ٌدعً تارٌخ اإلؼرٌق أو تارٌخ‬
‫ببلد اإلؼرٌق أو تارٌخ العالم اإلؼرٌقً ‪ ،‬على حٌن أن تارٌخ أصحاب الحضارة‬
‫الزاهرة األخرى التً قامت قدٌمًا فً إٌطالٌا وانتشرت بدورها فً أرجاء العالم‬
‫القدٌم ٌسمى تارٌخ الرومان أو تارٌخ روما أو تارٌخ العالم الرومانً ‪ .‬ومعنى ذلك‬
‫أنه فً الحالة األولى ٌنسب التارٌخ إلى اإلؼرٌق كافة أو إلى ببلدهم جملة إلى ‪ ،‬بٌد‬
‫أنه فً الحالة الثانٌة ٌنسب التارٌخ إلى الرومان أو إلى مدٌنة روما دون باقً سكان‬
‫إٌطالٌا او باقً المدن التً عرفتها إٌطالٌا فً العصور القدٌمة‪ .‬ومرد ذلك أساسا إلى‬
‫أنه فً الحالة األولى لم تسٌطر مدٌنة اؼرٌقٌة واحدة على باقً العالم اإلؼرٌقً أو‬
‫تنفرد بلعب الدور األول فً تارٌخ اإلؼرٌق ‪ .‬وأما فً الحالة الثانٌة فإن مواطنً‬
‫روما نجحوا فً أن ٌجعلوا من مدٌنتهم الصؽٌرة دولة قوٌة ذات بؤس استطاعت أن‬
‫تبسط سلطانها تدرٌجٌا حتى سٌطرت على إٌطالٌا بؤجمعها ثم على كل أقالٌم البحر‬
‫المتوسط ‪ ،‬مما حدا بالرومان إلى أن ٌدعوه « بحرنا ‪.) mare nostrum( ،‬‬
‫وهكذا نجحت روما حٌث أخفقت أثٌنا و اسبرطة وطٌبة بل الممالك اإلؼرٌقٌة‬
‫الكبٌرة التً أقٌمت بقوة السبلح على أنقاض إمبراطورٌة اإلسكندر األكبر‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬طبٌعة تكوٌن اٌطالٌا ومناخها‬

‫اإلقلٌم الشمالً أو وادي البو ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫وتتكون إٌطالٌا من إقلٌمٌن ربٌسٌٌن ٌختلؾ أحدهما عن اآلخر اختبلفا كبٌرا من‬
‫حٌث خصابصها الطبٌعٌة ‪ .‬وأحد هذٌن اإلقلٌمٌن ٌإلؾ الجزء الشمالً من إٌطالٌا ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫وهو عبارة عن سهل فسٌح تطوقه سلسلة جبال األلب على هٌبة هبلل ؼٌر منتظم‬
‫ٌمتد من البحر األدرٌاتً قرب ترٌستا حتى البحر المتوسط قرب نٌس على الرٌفٌٌرا‬
‫الفرنسٌة ‪ ،‬حٌث تنفرج جبال األلب عن ممر ٌسهل عن طرٌقه بلوغ شمال اٌطالٌا ‪.‬‬
‫وفً الطرؾ الشمالً الشرقً لجبال األلب ٌوجد ممر على ارتفاع حوالً ‪ 054‬مترا‬
‫‪ .‬وإذا كان ارتفاع الممرات الموجودة فً وسط هذه الجبال وؼربها ٌتراوح بٌن‬
‫أربعة وستة أمثال ذلك تقرٌبا ‪ ،‬فإن روافد نهري الراٌن والرون تٌسر الوصول إلى‬
‫هذه الممرات ‪ .‬وقد كان طبٌعٌا أن ٌترتب على وجود هذه الممرات أن جبال األلب‬
‫ً‬
‫حاجزا مان ًعا فً وجه الهجرات القادمة من داخل القارة األوروبٌة‪.‬‬ ‫لم تكن‬

‫وٌقدر اتساع األقلٌم الشمالً من الشرق إلى الؽرب بحوالً ‪ ۰44‬کٌلو متر ومن‬
‫الشمال إلى الجنوب بحوالً خمس ذلك ‪ .‬ووادي نهر البو (‪ ، ) Padus‬وهو أعظم‬
‫أنهار اٌطالٌا كافة ‪ٌ ،‬شؽل أكثر أنحاء هذا السهل ‪ .‬ونهر البو ٌنبع من جبال األلب‬
‫فً الؽرب ‪ ،‬وبعد أن تؽذٌه روافد كثٌرة ٌصب فً البحر األدرٌاتً فً الشرق ‪.‬‬
‫ولما كان هذا السهل قد تكون من الرواسب الطمٌٌة التً حملتها فً ركابها مٌاه البو‬
‫وروافده من جبال األلب ‪ ،‬وكانت هذه المٌاه تتدفق بؽزارة على مدار العام‪ ،‬فإنه‬
‫على هذا النحو تهٌؤ لهذا السهل الفسٌح عامبلن ربٌسٌان الزدهار الزراعة فٌه ‪،‬‬
‫وهما خصوبة التربة ووفرة المٌاه ‪ .‬بٌد أن المستنقعات‪ ،‬والؽابات كانت تؽطً‬
‫جنبات هذا السهل فً بداٌة األمر ‪ ،‬وتبعا لذلك فإن قٌام الزراعة وانتشارها فً‬
‫أرجابه اقتضٌا تسخٌر جهود بشرٌة طابلة على مدى قرون طوٌلة‪.‬‬

‫‪ - 1‬األقلٌم الجنوبً أو شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ‪:‬‬

‫واالقلٌم اآلخر ٌإلؾ الجزء الجنوبً من اٌطالٌا وٌتكون من شبه جزٌرة تقع بٌن‬
‫البحر التٌرانً فً الؽرب والبحر األدرٌاتً فً الشرق ‪ ،‬وتمتد من الشمال الؽربً‬
‫صوب الجنوب الشرقً لمسافة حوالً ‪ ۰444‬کٌلو متر دون أن ٌزٌد عرضها فً‬
‫أي مكان على ‪ ۰44‬کٌلومتر‪ .‬وعلى حٌن أن اإلقلٌم الشمالً ٌفتقر إلى شواطا‬
‫‪7‬‬
‫طوٌلة ‪ ،‬و تطوقه سلسلة جبال األلب دون أن تخترقه ‪ ،‬وٌخلو من البراكٌن ‪ ،‬تحؾ‬
‫الشواطا باإلقلٌم الجنوبً على طول‬

‫امتداده ‪ ،‬وتشقه سلسلة جبال األبنٌن وكؤنها عموده الفقري ‪ -‬على حد قول المإرخ‬
‫الرومانً لٌفٌوس ‪ -‬وتوجد فً بعض مناطق الشاطا الؽربً والجزر المجاورة له‬
‫عدة براكٌن بعضها خامدة ( شمالً نهر التٌبر وجنوبٌة فً اترورٌا ‪Etruria‬‬
‫والتٌوم ‪ Latium‬وقمبانٌا ‪ ) Campania‬وبعضها اآلخر ما زالت تمارس‬
‫نشاطها منذ العصور القدٌمة ( فٌسوفٌوس فً كامبانٌا بالقرب من خلٌج نابولً ‪،‬‬
‫وأسترامبولً بؤحدى جزر لٌباري وأتنا فً صقلٌة ) ‪ .‬وبرؼم ما كانت لثورات‬
‫البراكٌن من نتابج مدمرة وقت حدوثها ‪ .‬فإن نتابجها على المدى الطوٌل كانت مفٌدة‬
‫‪ ،‬ذلك أن ما قذفته من حمم ساعد على تكوٌن تربة جٌدة صالحة بوجه خاص‬
‫لزراعة الكروم ‪ .‬وآٌة ذلك أن أرض كامبانٌا البركانٌة أخصب أراضً إٌطالٌا ‪.‬‬
‫وإذا كان من شؤن الطٌن المسٌك الذي ٌإلؾ الطبقات التالٌة للطبقة البركانٌة‬
‫الخصبة العلٌا فً سهول أترورٌا والتٌوم أنه كان ٌجعل هذه الطبقة عرضة ألن‬
‫تحولها ا ألمطار إلى مستنقعات‪ ،‬فإن هذه السهول استطاعت بفضل أعمال الصرؾ‬
‫والكفاح الدإوب انتاج حاصبلت وفٌرة على مدى قرون عدٌدة ‪ ،‬بل انها حتى فً‬
‫حالة ؼمرها جزبٌا بالمٌاه كانت تستطٌع أن تهًٌء مراعً جٌدة فً الشتاء لرعاة‬
‫الودٌان المجاورة المرتفعة ‪.‬‬

‫وجبال األبنٌن تبدأ عند الطرؾ الجنوبً الؽربً لئلقلٌم الشمالً ‪ ،‬وبعد أن تؤخذ هٌبة‬
‫قوس مفلطحة تفصل اإلقلٌم الشمالً عن أؼلب شبه الجزٌرة تنصرؾ نحو اإلقلٌم‬
‫الجنوبً فتشقه من شماله حتى جنوبه و تشؽل نصؾ اتساعه تقرٌبا ‪ .‬ومع ذلك فإن‬
‫هذه الجبال ‪ -‬شؤنها شؤن البراكٌن ‪ -‬لٌست كلها نقمة على شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ‪،‬‬
‫فهً أٌضا مصدر خٌر عمٌم لها ‪ .‬ذلك أنه تتخللها كثٌر من الودٌان الخصبة الفسٌحة‬
‫‪ ،‬كما أنه فً جهات عدٌدة من هذه الجبال توجد ؼابات كثٌفة ومراع رحبة ‪ .‬وأهم‬
‫من ذلك أن هذه الجبال تساعد على تكثٌؾ السحب وهطول األمطار ‪ .‬وتبعا لذلك‬
‫فإنه تنبع من هذه ا لجبال أنهار كثٌرة تؽذي الودٌان السفلى بمٌاه الري ‪ ،‬هذا إلى أن‬
‫‪1‬‬
‫الؽابات التً تؽطً منحدرات هذه الجبال تساعد على اختزان المٌاه وتبعا لذلك على‬
‫توفٌر المٌاه الجوفٌة ‪ .‬وتبلػ جبال األبنٌن أقصى ارتفاعها فً جانبها الشرقً حٌث‬
‫تقترب من شواطا األدرٌاتً اقترابا شدٌ ًدا دون أن تترك سوى شرٌط ساحلً ضٌق‬
‫إال عند ابولٌا (‪ )Apulia‬فً الجنوب حٌث ٌوجد سهل فسٌح بهٌیء مراعً ممتازة‬
‫للماشٌة واألؼنام ‪ .‬وهذا الشرٌط الساحلً الضٌق تقطعه عدة مجار مابٌة قصٌرة‪.‬‬

‫وأما الجانب الؽربً لجبال األبنٌن فإنه أقل ارتفاعا وأكثر بعدا عن شاطا البحر‬
‫التٌران ً مما أتاح أمرٌن ‪ :‬أحدهما ‪ ،‬هو وجود سهول واسعة هً سهول أترورٌا‬
‫والتٌوم وقمبانٌا ‪ ،‬وان كانت تتناثر فً أرجاء هذه السهول عدة تبلل مرتفعة ‪.‬‬
‫واألمر اآلخر هو وجود أربعة أنهار كبٌرة نسبٌة وهً من الشمال إلى الجنوب ‪:‬‬
‫األرنوس (‪ )Arnus‬والتٌبر (‪ )Tiber‬ولٌرٌس (‪ )Liris‬و فولتورنٌوس‬
‫(‪ . )Volturnius‬بٌد أن الصفة الؽالبة ألكثر األنهار التً تنبع من جبال األبنٌن‬
‫أنها سرٌعة الجرٌان شدٌدة التدفق ‪ ،‬تندفع كالسٌل الجارؾ لتصب فً البحر وتلقً‬
‫بما تحمله مٌاهها من طمى وصخور رملٌة عند مصابها ‪ ،‬حٌث ٌتراكم ذلك كله فٌقل‬
‫عمق الماء و تمتد األرض تدرٌجا فً البحر ‪ ،‬وال سٌما أنه ال ٌوجد مد بحري قوي‬
‫ٌفتت هذه الرواسب وٌزٌلها ‪ .‬وظاهرة الترسٌب أكثر وضوحا فً بعض األماكن من‬
‫ؼٌرها ‪ ،‬ولعلنا نجد خٌر مثل لها عند مصب كل من نهري التٌبر واألرنوس ‪ .‬وقد‬
‫ترتب على ذلك نتٌجتان ‪ :‬وإحداهما ‪ ،‬هً أن إٌطالٌا لم تعرؾ موانا نهرٌة كبٌرة‬
‫مثل لندن وهمبرج ‪ .‬والنتٌجة األخرى ‪ ،‬هً أنه حٌثما أنشًء بالقرب من مصب‬
‫أحد األنهار مٌناء على قدر كاؾ لسد حاجة المبلحة فً العصور القدٌمة كانت‬
‫ظاهرة الترسٌب مصدر متاعب دابمة ألولً األمر ‪ .‬ونضرب مثبل لذلك بما حدث‬
‫فً حالة أوستٌا (‪ )Ostia‬وهً التً أنشبت أصبل عند مصب التٌبر مباشرة لتكون‬
‫مٌناء لروما‪ ،‬ولكن عوامل الترسٌب عند هذا المصب اضطرت اإلمبراطور‬
‫كبلودٌوس ‪ Claudias‬عند منتصؾ القرن األول للمٌبلد إلى نقل المٌناء عدة‬
‫كٌلومترات شمالً الموقع القدٌم ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ - 3‬طبٌعة سواحل إٌطالٌا ‪:‬‬
‫وإنه مما ٌستلفت النظر أن سواحل إٌطالٌا ‪ ،‬وهً التً ٌبلػ طولها أكثر من ‪3444‬‬
‫کٌلو متر قلٌلة التعارٌج فقٌرة فً الخلجان العمٌقة والموانا الطبٌعٌة الجٌدة ‪.‬‬
‫وٌنهض دلٌبل على ذلك أنه لم ٌوجد فً الساحل الشرقً إال مٌناء واحد جٌد هو‬
‫بروندٌزٌوم (‪ )Brundisium‬فً أقصى الجنوب ‪ ،‬لكنه لما كان هذا الشاطا قلٌل‬
‫السكان فقٌرً ا فً األرض الخصبة ‪ .‬فإنه لم ٌحتج إلى موانا تجارٌة ‪ .‬والساحل‬
‫الؽربً اآلهل بالسكان والؽنً باألرض لم توجد فٌه ‪ :‬إال بعض الموانا الجٌدة فً‬
‫خلٌج نابولً ومٌناءان جٌدان فً خلٌج جنوة ‪ -‬وهما جنوه ولوناي بورتوس‬
‫(‪ = Lunae portus‬سبزٌا ‪ - )Spezia‬لكن هذٌن المٌناءٌن لم ٌكتسبا أهمٌة‬
‫تذكر إال فً وقت متؤخر فً التارٌخ الرومانً ‪ .‬وإذا كانت أوستٌا قد سبقتهما إلى‬
‫ذلك فإنها لم تكن مٌناء طبٌعٌة ‪ .‬ومما ٌجدر بالمبلحظة أن موانا خلٌج نابولً‬
‫وكذلك المٌناء الكبٌر الوحٌد على الشاطىء الجنوبً ‪ -‬تارنتوم ‪- Tarentum‬‬
‫كانت فً قبضة اإلؼرٌق‪.‬‬

‫بٌد أنه كان ٌعوض الساحل الؽربً عن فقره فً الموانا الجٌدة ضحالة مٌاه البحر‬
‫التً تحؾ به ‪ ،‬مما كان ٌٌسر رسو السفن الصؽٌرة الشابعة أول األمر فً العصور‬
‫القدٌمة ‪ .‬ولكنه عندما شاع استخدام السفن الكبٌرة وبدأ القراصنة ٌعتدون على‬
‫الموانا المكشوفة تبٌنت على الفور مضار االفتقار إلى الموانا العمٌقة التً ٌسهل‬
‫الدفاع عنها ‪ .‬ؼٌر أنه عندبذ كانت روما قد نشرت نفوذها فً إٌطالٌا ووضعت‬
‫قبضتها على ما كان فً ٌد اإلؼرٌق من موانا‬

‫وأخذت تصطنع موانا جدٌدة لمواجهة نشاطها التجاري ‪ .‬و إزاء ما امتاز به‬
‫الساحل الؽربً على الساحل الشرقً لشبه الجزٌرة اإلٌطالٌة من حٌث وفرة العمران‬
‫ووفرة األراضً الخصبة واألنهار الكبٌرة نسبًٌا وأسباب التٌسٌر لرسو السفن‬
‫وتبادل التجارة قام بدور ربٌسً فً تقدم اٌطالٌا مادًٌا وحضارًٌا‪.‬‬

‫‪ -4‬جزٌرة صقلٌة ‪:‬‬


‫‪81‬‬
‫وأما عن الجزر القرٌبة من اٌطالٌا ‪ :‬فإن صقلٌة وحدها هً التً قامت بدور هام فً‬
‫التارٌخ الرومانً ‪ .‬وهذا ٌتضح بوجه خاص فً أثناء الصراع بٌن روما وقرطاجنة‬
‫‪ .‬وال ٌفصل صقلٌة عن شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة إال مضٌق مسٌنا ‪ .‬كما أنه ال ٌفصلها‬
‫إال ‪ ۰۰۱‬کٌلو مترا من بحر ؼٌر عمٌق عن أفرٌقٌا حٌث كانت تربض قرطاجنة ‪.‬‬
‫وهً التً أقامت لها مستعمرات فً صقلٌة وكانت تمارس فٌها نشاطا كبٌرً ا‪ .‬ولذلك‬
‫فإن روما ما أن ؼدت سٌدة شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة حتى استشعرت ضرورة‬
‫السٌطرة على صقلٌة لحماٌة شبه الجزٌرة من الؽزو الخارجً ‪.‬‬

‫ه ‪ -‬المناخ ‪:‬‬
‫ومناخ اٌطالٌا بوجه عام من الطراز الشابع فً حوض البحر المتوسط ‪ ،‬فهو جاؾ‬
‫صٌفا مطٌر شتا ًء دون إفراط سواء فً درجة الحرارة أم فً درجة البرودة ‪ ،‬وان‬
‫كان ذلك ٌتباٌن تباٌ ًنا كبٌرً ا من مكان إلى آخر تبعا الرتفاع المكان عن مستوى سطح‬
‫البحر أو النخفاضه عنه ‪ ،‬ولموقعه فً الشمال أو فً الجنوب ‪ ،‬ولقربه من البحر أو‬
‫بعده عنه ‪ .‬ونتٌجة النتشار المستنقعات فً أودٌة األنهار وعند مصابها حٌث تراكم‬
‫الرواسب وجدت بٌبات مناسبة لتوالد ناموس المبلرٌا ولذلك نكبت اٌطالٌا قدٌما‬
‫وحدٌثا بتفشً هذا المرض من حٌن إلى آخر ‪.‬‬

‫‪ -6‬موقع روما‪:‬‬
‫كان نهر التٌبر حدا طبٌعٌا ٌفصل بٌن التٌوم وأترورٌا‪ ،‬وعلى بعد أربعة وعشرٌن‬
‫كٌلو متر من مصب النهر كانت تقع روما عند ثنٌتٌن فً مجرى النهر تإلفان شكبل‬
‫ٌقارب حرؾ السٌن (‪ )S‬البلتٌنً‪ .‬وتحٌط بروما مجموعة من التبلل تقعجانبی نهر‬
‫التٌبر‪ ،‬وٌتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بٌن ‪ ۲4-64‬مترا‪ ،‬وال ٌزٌد ارتفاعها عن‬
‫السهل المجاور عن ‪34‬مترا‪ ،‬وعلى الضفة الٌمنى أو الؽربٌة للتٌبر ٌقع تبلن هما‬
‫ٌانٌقولوس ‪ Ianiculus‬فً الجنوب وتل فاتٌكانوس ‪ Vaticanus‬فً الشمال‪ .‬أما‬
‫على الضفة الٌسرى أو الشرقٌة للتٌبر فتقع سبعة تبلل تقؾ منفصلة عن بعضها‬
‫البعض فً صفٌن شبه مقوسٌن‪ ،‬أقربهما إلى النهر أقصر من األخر و أكثر منه‬
‫‪88‬‬
‫تقوسا وٌقابل الثنٌة السفلى للنهر‪ ،‬وأبعدهما عن النهر أطول من اآلخر وأكثر منه‬
‫انفراجا وٌبدأ من الثنٌة العلٌا للنهر وٌمتد حتى منتصؾ الثنٌة السفلى‪.‬‬

‫ومما ٌجدر بالمبلحظة هنا أمرٌن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه إذا كانت روما تسمى عادة مدٌنة‬
‫التبلل السبعة‪ ،‬فإنها لم تشمل التبلل السبعة جمٌعا الواقعة على الضفة الشرقٌة للنهر‬
‫إال فً الشطر األخٌر من عصر الجمهورٌة‪ ،‬وكذلك فً عصر اإلمبراطورٌة عندما‬
‫امتدت عبر التٌبر وشملت أٌضا تل ٌانٌقولوس والسهلٌن المجاورٌن لهذا التل من‬
‫الشمال ومن الشرق‪ .‬واألمر اآلخر‪ ،‬هو أنه عند بداٌة الثنٌة السفلى للتٌبر كان عمق‬
‫النهر ٌقل جدا وتتوسط مجراه جزٌرة‪ ،‬مما جعل هذه المنطقة أٌسر مكان لعبور‬
‫النهر فٌما بٌن مصب فً البحر وإلى ما وراء روما لعدة كٌلو مترات ‪.‬‬

‫وبفضل موقع روما تمتعت هذه المدٌنة بمزاٌا طبٌعٌة أسهمت فً بناء مجدها ‪ .‬ذلك‬
‫أن وقوعها فً سهل التٌوم هٌؤ لها إقلٌما خصبا إذا عنً بزراعته كان كفٌبل بسد‬
‫حاجة عدد كبٌر من السكان ٌتناسب ومساحته‪ .‬وبفضل تبللها كانت إلى حد ما فً‬
‫مؤمن من الفٌضانات التً كان وادي التٌبر بصفة خاصة معرضا لها‪ .‬وبفضل‬
‫موقعها على التٌبر وفً مكان ٌسهل عبوره توفر لها االتصال بالبحر وممارسة‬
‫التجارة الخارجٌة دون التعرض لسطو القراصنة‪ .‬وكذلك السٌطرة على الطرٌق‬
‫الربٌسً للمواصبلت فً الشطر الؽربً إلٌطالٌا‪ .‬هذا باإلضافة إلى وقوع روما‬
‫وسط إٌطالٌا على بعد متساو تقرٌبا من أطرفها الشمالٌة والجنوبٌة جعلها المركز‬
‫الطبٌعى للمواصبلت فً إٌطالٌا‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ثانٌا ‪ -‬موارد الثروة‬

‫‪ - 8‬الثروة الزراعٌة والحٌوانٌة ‪:‬‬

‫وقد اشتهرت إٌطالٌا فً العصور القدٌمة بؤن أهم موارد ثروتها كانت الزراعة‬
‫وتربٌة الحٌوان ‪ .‬ذلك أن األراضً الواطبة كانت تنتج حاصبلت وفٌرة من مختلؾ‬
‫أنواع الحبوب ‪ -‬مثل القمح والذرة والشعٌر ‪ -‬وكذلك من البقول ‪ -‬مثل البازالء‬
‫والفاصولٌا وؼٌرها ‪ .‬وتربة كامبانٌا اشتهرت بإنتاج ثبلث حاصبلت متعاقبة فً‬
‫العام الواحد‪ .‬وفً كل أنحاء اٌطالٌا ‪ ،‬فٌما عدا الجهات الجبلٌة ‪ ،‬كانت تزدهر أشجار‬
‫الكروم والزٌتون ‪ ،‬وعلى مر الزمن ‪ ،‬وبخاصة منذ القرن الثانً قبل المٌبلد ‪ ،‬ؼدا‬
‫استثمار األرض فً هذا اللون من الفبلحة أجدى من استثمارها فً زراعة الحبوب‬
‫الؽذابٌة ‪ ،‬مما كانت له نتابج اجتماعٌة وسٌاسٌة خطٌرة‪ .‬وكانت تؽرس كذلك أشجار‬
‫التٌن والنقل ‪ ،‬و بعد اتساع روما فً شرق البحر المتوسط أدخلت أنواع أخرى من‬
‫الفاكهة مثل التفاح والكمثري ‪ .‬وأما زراعة الحوامض فإن شؤنها شؤن زراعة األرز‬
‫لم تتعلم ها إٌطالٌا من الشرق إال بعد سقوط االمبراطورٌة الرومانٌة بوقت طوٌل ‪.‬‬
‫ولما كانت تتوافر مراع ممتازة لؤلؼنام والماعز والماشٌة والخٌول فً المناطق‬
‫الساحلٌة المنخفضة شتاء وفً المنحدرات الجبلٌة صٌ ًفا ‪ ،‬فإن تربٌة الحٌوان كانت‬
‫تلً الزراعة فً إٌطالٌا من حٌث األهمٌة ‪.‬‬

‫وفً العصور القدٌمة كانت إٌطالٌا تفوق أؼلب أقالٌم البحر المتوسط من حٌث الؽنً‬
‫بالؽابات ‪ ،‬وهً التً كانت تنتشر فً األقلٌم الشمالً على السفوح الجنوبٌة لجبال‬
‫األلب وفً وادي البو وعلى امتداد ساحل لٌجورٌا )‪ (Liguris‬وفً اإلقلٌم الجنوبً‬
‫على سفوح األبنٌن وفً التٌوم وأودٌة نهر التٌبر وروافده وكذلك فً جنوب أترورٌا‬
‫حٌث أعاقت طوٌبل زحؾ الرومان عبر هذا اإلقلٌم ‪ .‬وقد كان الرومان‬
‫واألترورٌون أو االتروسكٌون ) ‪ ( Etrusci‬واإلؼرٌق والقرطاجٌون ٌقبلون على‬
‫استخدام الخشب اإلٌطالً فً بناء السفن ‪ .‬وكان هذا الخشب ٌستخدم كذلك بكثرة فً‬

‫‪83‬‬
‫المبانً وفً صنع األثاث ‪ .‬وكانت ؼابات أشجار الصنوبر مصدرا هاما للقطران‬
‫والصموغ ‪ ،‬كما أن أحراج أشجار البلوط والزان والقسطل كانت توفر علفا ثمٌنا‬
‫لقطعان الخنازٌر ‪ .‬ومن المرجح أن إٌطالٌا كانت قدٌما أؼنً بؽاباتها مما هً الٌوم‬
‫‪ ،‬بل ٌبدو أنه قبل العصر المسٌحً بعدة قرون كانت مساحة كبٌرة من ؼاباتها قد‬
‫اختفت نتٌجة لنشاط الحطابٌن خدمة ألؼراض مختلفة وكذلك نتٌجة لنشاط الراؼبٌن‬
‫فً تطهٌر األرض لزراعتها أو لتحوٌلها إلى مراع ‪ .‬وٌبدو أنه حٌثما قطعت‬
‫األشجار مرة قلما خلفتها أشجار أخرى ‪ ،‬ذلك أن التربة الصالحة لنمو األشجار على‬
‫المنحدرات الجبلٌة كانت عبارة عن طبقة رقٌقة ‪ ،‬وبعد قطع األشجار كانت مٌاه‬
‫األمطار تكتسح تلك الطبقة قبل أن ٌتمكن النبت الجدٌد من النمو ‪ .‬بل أنه حٌثما أمكن‬
‫ذلك كانت قطعان األؼنام والماعز التً تطلق للرعً فً تلك األماكن كفٌلة بالقضاء‬
‫على كل ما ٌنمو فٌها ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الثروة المعدنٌة ‪:‬‬

‫ولم تمتع اٌطالٌا بثروة معدنٌة كبٌرة ‪ ،‬وان كانت مناجم النحاس فً ترورٌا‬
‫ولٌجورٌا وجزٌرة سردٌنٌا ‪ ،‬والكمٌات الوفٌرة من خام الحدٌد فً جزٌرة ألبا ‪Alba‬‬
‫القرٌبة من شاطا اترورٌا ‪ ،‬قد ساعدت إلى حد كبٌر على سد حاجة إٌطالٌا فً‬
‫العصور القدٌمة إلى أهم معدنٌن الزمٌن لها‪ .‬وكان ٌمكن الحصول على الملح من‬
‫مناجم صقلٌة وكذلك من المستنقعات الملحٌة الواقعة عند مصب التٌبر وعلى امتداد‬
‫الشاطىء الؽربً فً أواسط إٌطالٌا ‪ .‬وأما أحجار البناء من مختلؾ األنواع ‪ ،‬بما فً‬
‫ذلك الرخام الممتاز ‪ ،‬فإنها كانت على الدوام وفٌرة ‪ .‬وفضبل عن ذلك فإن التٌوم‬
‫وأترورٌا وؼٌرهما من أقالٌم إٌطالٌا ؼنٌة بالصلصال الصالح لصناعة أنواع ممتازة‬
‫من األجر والقرمٌد واآلنٌة الفخارٌة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫ثالثا ‪ -‬نتائج طبٌعة تكوٌن إٌطالٌا‬
‫وإذا لم ٌكن من شؤن طبٌعة تكوٌن اٌطالٌا تنمٌة التجارة الخارجٌة ‪ ،‬فإنه لم ٌكن من‬
‫شؤنها كذل ك تٌسٌر سبل المواصبلت الداخلٌة وال تحقٌق الوحدة السٌاسٌة ‪ ،‬فقد كان‬
‫من معوقات ذلك كله امتداد شبه الجزٌرة امتدادا طوٌبل ٌبلزمه امتداد جبال األبنٌن‬
‫امتدا ًدا منحر ًفا ‪ ،‬لم ٌترتب علٌه اعاقة االتصال بٌن الشاطبٌن الشرقً والؽربً‬
‫فحسب ‪ ،‬بل كذلك بٌن شبه الجزٌرة ووادي البو ‪ .‬وفضبل عن ذلك فإن أكثر أنهار‬
‫شبه الجزٌرة لم تكن مواتٌة الستخدامها فً النقل واالنتقال بسبب سرعة جرٌانها‬
‫وتباٌن كمٌات مٌاهها من وقت إلى آخر ‪ .‬وهكذا كانت وحدة إٌطالٌا الجؽرافٌة وحدة‬
‫ظاهرٌة أكثر منها حقٌقٌة ‪ .‬وقد أسهمت الطبٌعة من ناحٌة أخرى فً تعوٌق وحدة‬
‫إٌطالٌا ‪ ،‬ذلك أن المٌزات التً حبت بها إٌطالٌا شجعت على الهجرة إلٌها شعوبًا‬
‫عدٌدة شدٌدة البؤس محبة للحرب متباٌنة فً األصل وفً الحضارة ‪.‬‬

‫بٌد أن موقع روما فً وسط شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ‪ ،‬عند مكان ٌسهل فٌه عبور نهر‬
‫التٌبر وعلى قٌد مسٌرة ٌوم من الشاطا الؽربً وبذلك كانت فً مؤمن من قراصنة‬
‫البحر ‪ ،‬أكسبها مٌزة كبرى على مدن الشمال والجنوب سواء بسواء ‪ .‬ومع ذلك فإنه‬
‫لم ٌتٌسر لروما أن توحد شبه الجزٌرة إال بعد أن خاضت ؼمار حروب ضروس‬
‫عدٌدة ‪ .‬وحتى بعد نجاح روما فً توحٌد شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة تحت لوابها ‪ ،‬لم‬
‫تستطع ضم اإلقلٌم الشمالً ‪ -‬وادي البو ‪ -‬إال بعد أن أنفقت فً ذلك قدرً ا كبٌرً ا من‬
‫الوقت والجهد والدماء ‪ ،‬ومع ذلك فإنها لم تضمن والءه الدابم لها إال فً أواخر‬
‫العصر الجمهوري بعد أن نشرت حضارتها فً أرجابه‪ .‬وعندما بسطت روما‬
‫سٌطرتها على شبه الجزٌرة تحسنت سبل المواصبلت الداخلٌة ‪ .‬وذلك من ناحٌة‬
‫بفضل ما وجهته من عناٌة إلى تنظٌم مجارٌها المابٌة بالوسابل الهندسٌة ‪ ،‬ومن‬
‫ناحٌة أكبر بفضل شبكة الطرق العامة التً أنشؤتها لربط أجزاء الببلد المختلفة‬
‫بعضها ببعض ‪ .‬وبسٌطرة روما على شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة أصبحت تسٌطر على‬
‫إقلٌم ال تفوقه فً عالم البحر المتوسط إال مصر من حٌث عدد السكان ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وإذا كان موقع روما فً وسط شبه الجزٌرة عامبل بالػ األهمٌة فً بسط سٌطرتها‬
‫علٌها ‪ .‬فإن كثرة عدد سكان شبه الجزٌرة وموقعها فً وسط البحر المتوسط لم‬
‫ٌكونا أقل أهمٌة فً بسط سٌادة روما على عالم هذا البحر ‪ .‬ذلك أن روما ما أن‬
‫ن جحت فً السٌطرة على شبه الجزٌرة حتى أتاح لها موقع دولتها ووفرة المقاتلٌن‬
‫الذٌن كانوا تحت أمرها أن تعالج أمر خصومها واحدة بعد اآلخر فً األوقات‬
‫المناسبة لها ‪ .‬وأن تبنً إمبراطورتٌها المترامٌة األطراؾ‪.‬‬

‫بٌد أن كون اٌطالٌا أبعد من ببلد اإلؼرٌق عن مراكز الحضارة القدٌمة فً مصر‬
‫وؼٌرها من بلدان الشرق جعلها أقل تعرضا لتؤثٌر تلك الحضارات ‪ .‬وتبعا لذلك‬
‫تؤخر نموها الحضاري عن ببلد اإلؼرٌق ومنطقة بحر إٌجة ‪ .‬ؼٌر أن اعتدال مناخ‬
‫إٌطالٌا و خصوبة أرضها وجودة مراعٌها ووفرة ؼاباتها الؽنٌة باألخشاب الصالحة‬
‫لصناعة السفن وسهولة الوصول إلٌها بحرً ا وبرً ا على السواء شجعت على الهجرة‬
‫إلٌها بالتدرٌج مما كان له أثره فً تحضرها‪.‬‬

‫ونجاح روما فً بناء إمبراطورتٌها أثار إعجاب و دهشة المفكرٌن والمإرخٌن‬


‫القدامى سواء أكانوا من الرومان أم من اإلؼرٌق ‪ .‬فؤولوا هذا األمر عناٌتهم وحاولوا‬
‫العثور على تفسٌر شاؾ له ‪ .‬وانطبلقا من األفكار السٌاسٌة والفلسفٌة السابدة فً‬
‫عصور الكتاب القدامى ‪ .‬وهً القابلة بؤن مجد الدولة ٌستند على عاملٌن أساسٌٌن‬
‫هما رقً نظمها والصفات الخلقٌة التً ٌتحلى بها أبناإها ‪ ،‬عزا الكتاب القدامى‬
‫نجاح روما إلى كمال الدستور الرومانً وفضابل المواطنٌن الرومان ‪ .‬بٌد أن‬
‫األبحاث المستفٌضة التً أجرٌت فً أحوال الحٌاة فً روما وفً إٌطالٌا وفً باقً‬
‫عالم البحر المتوسط قد أثبتت أن رأي الكتاب القدامی فً الدستور الرومانً وفً‬
‫فضابل المواطنٌن الرومان رأي مبالػ فٌه ‪ ،‬وأن هذا الرأي على كل حال ال ٌفسر‬
‫تفسٌرا شافًٌا نجاح روما فً بناء امبراطورٌتها وأن عوامل هذا النجاح كانت أكثر‬
‫عمقا وتعقٌدا من العاملٌن اللذٌن أوردهما أولبك الكتاب ‪ ،‬وأنه ال ٌمكن التعرؾ على‬
‫هذه العوامل إال بدراسة دقٌقة لؤلوضاع التً كٌفت مجرى الحوادث فً روما وفً‬
‫إٌطالٌا و فً باقً عالم البحر المتوسط ‪ ،‬على نحو ما سنتبٌنه فً الفصول التالٌة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫الفصل الثانً‬
‫سكان إٌطالٌا األوائل‬

‫‪87‬‬
‫سكان إٌطالٌا األوائل‬
‫عام كان استخدام الكتابة فً إٌطالٌا لم ٌؤخذ فً االنتشار قبل حوالً ‪ 544‬ق‪.‬م‪، .‬‬
‫وكانت الرواٌات المتناقلة من جٌل إلى جٌل قلما تتناول أحداثا تسبق هذا التارٌخ‬
‫بوقت طوٌل‪ ،‬فإن مصادر تارٌخ إٌطالٌا فً عصورها األولى تكاد أن تكون‬
‫مقصورة على نتابج أعمال الحفر والتنقٌب ‪ ،‬و على النتابج المستمدة من دراسة بقاٌا‬
‫لؽات األقوام التً كانت تسكن اٌطالٌا عند بداٌة العصور التارٌخٌة ‪ .‬ولسوء الحظ‬
‫أن هذه النتابج جمٌ ًعا ال تلقً على بداٌة تارٌخ إٌطالٌا إال أشعة متذبذبة ؼٌر باهرة ال‬
‫ٌمكن أن نتبٌن ٌقٌنا فً ضوبها سوى المعالم العامة للتطور الحضاري الباكر فً‬
‫إٌطالٌا وللهجرات الربٌسٌة إلٌها ‪ ،‬والتارٌخ التقرٌبً لهذه الهجرات ‪ .‬وتبعا لذلك ال‬
‫بد من انتظار نتابج كشوؾ أثرٌة جدٌدة فً المواقع البدابٌة اإلٌطالٌة للفصل فً‬
‫كثٌر من المشاكل المتعلقة بالتفاصٌل وبتارٌخ هذه الهجرات‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬العصر الحجري القدٌم‬

‫وقد كان شؤن إٌطالٌا شؤن شمال أفرٌقٌا من حٌث أن كبل منهما لم ٌعرؾ عصور‬
‫الجلٌد ( الببلٌستوسٌن ) التً عرفتها أواسط أوربا وشمالها وؼٌر ذلك من أصقاع‬
‫العالم ‪ .‬ولما كانت إٌطالٌا معتدلة المناخ ‪ ،‬ؼنٌة بمواردها الطبٌعٌة ‪ ،‬وال تفصلها‬
‫حواجز مانعة عن األقالٌم األوربٌة المجاورة ‪ ،‬وكانت تتصل اتصاال مباشرة بالقارة‬
‫األفرٌقٌة إلى أن حدث فً خبلل عصر الجلٌد الرابع األخٌر ) أن هبط مستوى‬
‫سطح األرض فً حوض البحر المتوسط مما أدى إلى انفصالها عن افرٌقٌا ‪ ،‬فإنه ال‬
‫ٌسعنا إال أن نعجب من أنه لم ٌعثر حتى اآلن فً اٌطالٌا على مخلفات تشهد بإقامة‬
‫اإلنسان فٌها قبل العصر الحجري القدٌم األوسط ‪ ،‬وهو الذي ٌقابل فً جهات أخرى‬
‫بؤوربا الفترة الواقعة بٌن عصري الجلٌد الثالث والرابع‪.‬‬

‫وفً خبلل هذه الفترة كان المناخ حارً ا رطبًا وكانت تؽشى الؽابات والمراعً فرس‬
‫الماء و الفٌل والكركدن وؼٌر ذلك من الحٌوانات المدارٌة جنبا إلى جنب الوعل‬

‫‪81‬‬
‫والثور البري (‪ )Bison‬والحصان وؼٌر ذلك من الحٌوانات الشمالٌة ‪ .‬وقد كشؾ‬
‫فً طبقة جٌولوجٌة بعٌنها ‪ ،‬فً كهوؾ الجبال وبٌن حصباء األنهار بجهات كثٌرة‬
‫فً إٌطالٌا عن أدوات وأسلحة صوانٌه ومعها عظام حٌوانات معاصرة لتلك الفترة‬
‫الزمنٌة ‪ ،‬كما أنه كشؾ فً هذه الطبقة الجٌولوجٌة ذاتها عن بقاٌا هٌاكل بشرٌة من‬
‫النوع المسمى إنسان النٌاندرتال (‪ . )Neanderthal‬ولما كانت هذه األدوات‬
‫واألسلحة أقدم ما كشؾ عنه حتى اآلن من مخلفات اإلنسان فً اٌطالٌا ‪ ،‬وكانت هذه‬
‫األدوات واألسلحة الصوانٌة مصنوعة بطرٌقة التشظٌة ‪ ،‬وهً التً ٌتسم بها العصر‬
‫الحجري القدٌم األوسط ‪ ،‬وكان إنسان النٌاندرتال ٌنتشر فً أرجاء أوربا وحوض‬
‫البحر المتوسط فً خبلل هذا العصر ‪ ،‬فإنه ٌمكن القول عن ٌقٌن بؤن أول عهد‬
‫اإلنسان اإلقامة فً إٌطالٌا ٌرجع إلى ذلك العصر‪.‬‬

‫والعصر الحجري القدٌم األعلى ‪ ،‬وهو الذي ٌقابل عصر الجلٌد الرابع أو األخٌر ‪،‬‬
‫ٌتمٌز بوجه خاص بؤمرٌن ‪ :‬وأحدهما ‪ ،‬هو اختفاء اإلنسان البدابً المسمى « إنسان‬
‫النٌاندرتال ‪ ،‬لٌخلفه نوع اإلنسان الحدٌث المسمى «اإلنسان العاقل ‪Homo ( ،‬‬
‫‪ ، )Sapiens‬وهو الذي وفد على أوروبا من آسٌا وأفرٌقٌا ‪ .‬واألمر اآلخر هو‬
‫ظهور فن الكهوؾ ‪ .‬وقد كشؾ فً كهوؾ جرٌمالدي (‪ ، )Grimaldi‬على شاطىء‬
‫لٌجورٌا بالقرب من الحدود بٌن اٌطالٌا و فرنسا ‪ ،‬عن مدافن عدٌدة تنهض‬
‫محتوٌاتها دلٌبل على أن اٌطالٌا عرفت عندبذ نوعٌن جدٌدٌن من السكان أحدهما أقدم‬
‫عهدا من اآلخر ‪ .‬والنوع األقدم ٌتسم بسمات متزنجة (‪ ، )negroid‬والنوع‬
‫األحدث ٌنتمً إلى تلك الفبة من الناس التً أطلق علٌها اسم كرومانٌون ( ‪-Cro‬‬
‫‪ ) Magnon‬وكانت تعٌش فً جنوب فرنسا فً أواخر العصر الحجري القدٌم‬
‫وتتمتع بقدرة فنٌة عالٌة فً رسم الحٌوانات وتصوٌرها على جدران الكهوؾ‪.‬‬

‫وفً كهوؾ جرٌمالدي كان الموتى ٌدفنون فً خنادق ؼٌر عمٌقة ‪ ،‬إما ممددٌن وإما‬
‫جالسٌن القرفصاء‪ .‬وكانت الجثث تؽطً بكمٌات كبٌرة من أصداؾ البحر ‪ ،‬وبقبلبد‬
‫مصنوعة من هذه األصداؾ ‪ ،‬وكذلك بؤدوات صوانٌة ‪ .‬وقد وجدت فً المدافن‬

‫‪84‬‬
‫كمٌات من بقاٌا المؽرة (اللون األحمر) لعلها كانت تستخدم فً طبلء جثث الموتى ‪.‬‬
‫وٌظن أن محتوٌات هذه المدافن توحً بؤن أربابها كانوا ٌعتقدون فً حٌاة ثانٌة‬
‫ٌحتاجون فٌها إلى األشٌاء المادٌة التً كانوا ٌعتبرونها ثمٌنة فً هذه الدنٌا‪.‬‬

‫وفً خبلل العصر الحجري القدٌم كان شؤن سكان إٌطالٌا شؤن سكان أقالٌم أخرى‬
‫فً العالم من حٌث أنهم كانوا قد عرفوا النار وصنع األدوات واألسلحة من الخشب‬
‫والصوان ولكنهم لم ٌكونوا قد عرفوا بعد استبناس الحٌوان أو زراعة األرض ‪.‬‬
‫وتبعا لذلك كانوا ٌعٌشون على ما ٌصٌدونه من حٌوان وأسماك وما ٌجمعونه من‬
‫ثمار و نباتات صالحة لؤلكل ‪ ،‬وال ٌستقرون فً مكان واحد بل ٌتنقلون من جهة إلى‬
‫أخرى سعٌا وراء الرزق ‪ ،‬وٌتخذون من الكهوؾ مساكنهم ومدافنهم‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ -‬العصر الحجري الحدٌث‬

‫والمرحلة الحضارٌة التالٌة هً مرحلة العصر الحجري الحدٌث ‪ ،‬وهً التً بدأت‬
‫فً إٌطالٌا حوالً عام ‪ 5444‬ق‪.‬م‪ .‬عندما وفدت علٌها أفواج متتابعة من مهاجرٌن‬
‫جدد ٌبدو أن بعضهم قدموا من شمال افرٌقٌا ودخلوا شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وصقلٌة‬
‫وسردٌنٌا وكورسٌكا من الجنوب ‪ ،‬والبعض اآلخر قدموا من أسبانٌا بالطرٌق‬
‫الساحلً فً جنوب فرنسا ووصلوا إلى لٌجورٌا فً الشمال الؽربً من إٌطالٌا ‪،‬‬
‫والبعض الثالث جاءوا من أواسط أوروبا ودخلوا وادي البو عن طرٌق ممرات‬
‫األلب‪.‬‬

‫وتعزى بداٌة العصر الحجري الحدٌث فً إٌطالٌا إلى استقرار هإالء المهاجرٌن‬
‫الجدد فٌها ألنهم استقدموا معهم حضارة جدٌدة تتمٌز بثبلث ظواهر ربٌسٌة ظهرت‬
‫تباعا فً ركاب أفواج هإالء المهاجرٌن الجدد الذٌن وفدوا أفواجا تلو أفواج ‪ .‬وهذه‬
‫الظواهر هً ‪ :‬أوال ‪ ،‬مهارة عالٌة فً صنع األدوات واألسلحة الحجرٌة أضافت‬
‫طرٌقة جدٌدة هً طرٌقة الصقل أو السحق إلى طرٌقة التشظٌة القدٌمة وطورت‬
‫الطرٌقة القدٌمة تطورا كبٌرا‪ .‬وقد ترتب على ذلك كله ازدٌاد اإلنتاج وتبعا لذلك‬

‫‪11‬‬
‫ازدٌاد القدرة على سد حاجة اإلنسان إلى متطلبات الحٌاة فً ظروفها الجدٌدة ‪ .‬ومن‬
‫أهم مخلفات هذا العصر التً وجدت فً إٌطالٌا رإوس سهام حجرٌة‪ ،‬وهً التً‬
‫تعتبر فً كل مكان داللة قاطعة على حضارة العصر الحجري الحدٌث ‪ .‬وثانٌا ‪،‬‬
‫صنع اآلنٌة الفخارٌة و نسج األقمشة ‪ ،‬وهما صناعتان لم ٌعرفهما اإلنسان قبل هذا‬
‫العصر ‪ .‬ومما ٌجدر بالمبلحظة أن اآلنٌة الفخارٌة كانت تصنع فً هذا العصر بالٌد‬
‫ثم توضع فً أفران ؼٌر مسقوفة ‪ .‬وكانت هذه اآلنٌة متعددة األشكال واألحجام‬
‫التوابم متطلبات االستعمال الٌومً وكذلك متطلبات الدفن ‪ ،‬وكانت تزخرؾ عادة‬
‫زخرفة بسٌطة من الطراز المعروؾ بطراز الزخرفة الهندسٌة ‪ ،‬أي بخطوط و‬
‫دوابر محفورة ‪ .‬وثالثة ‪ ،‬االنتقال من مرحلة جمع القوت والتقاطه إلى مرحلة إنتاج‬
‫القوت عن طرٌق الزراعة واستبناس الحٌوان وتربٌة أنواع مختلفة منه ‪ .‬وهذا‬
‫االنتقال بل االنقبلب االقتصادي ٌعتبر من أجل الخطوات التً خطاها اإلنسان فً‬
‫شوط التقدم الحضاري ‪ .‬وقد ترتبت على ذلك نتٌجتان هامتان ‪ :‬وإحداهما ‪ ،‬هً‬
‫استقرار اإلنسان فً قرى تحٌط بها الحقول والمراعً ؛ واألخرى ‪ ،‬هً نمو عدد‬
‫السكان نموا كبٌرة بفضل إمكان توفٌر كمٌات كبٌرة من الؽذاء بانتظام‪.‬‬

‫ومن المسلم به حتى اآلن أن هذا االنقبلب االقتصادي الجلٌل الشؤن ظهر أول ما‬
‫ظهر فً الشرق األدنى ‪ ،‬حٌث قامت أقدم الجماعات القروٌة المإلفة من المزارعٌن‬
‫والرعاة فً فترة تمتد من حوالً عام ‪ ۰444‬إلى حوالً عام ‪ 5544‬ق‪.‬م‪ .‬ومن‬
‫الشرق األدنى نشرت جماعات من المهاجرٌن نظام إنتاج القوت صوب الؽرب فً‬
‫األقالٌم المطلة على البحر المتوسط وصوب الشمال الؽربً فً مختلؾ أرجاء‬
‫أوروبا ‪ .‬وتبعا لذلك ٌبدو أن المهاجرٌن الذٌن وفدوا من شمال أفرٌقٌا أدخلوا هذا‬
‫النظام االقتصادي الجدٌد إلى صقلٌة وسردٌنٌا وكورسٌكا وجنوب إٌطالٌا ‪ ،‬وأن‬
‫المهاجرٌن الذٌن نزحوا من أواسط أوروبا أدخلوه إلى شمال إٌطالٌا الشرقً ‪ .‬ومن‬
‫المحتمل أن ٌكون هذا النظام االقتصادي قد ظهر أول ما ظهر فً هذه األرجاء‬
‫حوالً عام ‪ 3544‬ق‪.‬م‪ .‬ثم أخذ ٌنتشر بالتدرٌج عام ‪ ۰544‬ق‪.‬م‪ .‬حتى كان قد‬
‫انتشر فً كل شبه الجزٌرة االٌطالٌة ووادي البو وصقلٌة وسردٌنٌا وكورسٌكا ‪ .‬بٌد‬
‫‪18‬‬
‫أنه ٌجب أن نشٌر إلى أن الزراعة لم تبلػ من األهمٌة مبلػ تربٌة الحٌوان عند سكان‬
‫إٌطالٌا فً العصر الحجري حٌن كانت الثٌران واألؼنام والماعز والخنازٌر والحمٌر‬
‫أهم أنواع حٌوانتهم المستؤنسة ‪ .‬ومع ذلك فإن سكان اٌطالٌا كانوا ٌزرعون عندبذ‬
‫أنواعا متع ددة من الحبوب الؽذابٌة وكذلك الكتان ‪ ،‬ولكنهم فٌما ٌبدو لم ٌمارسوا بعد‬
‫زراعة الفاكهة وإن كانوا ٌؤكلون البرٌة منها ‪ .‬وقد استمر كذلك الصٌد والقنص‬
‫مصدرً ا هامًا من مصادر توفٌر القوت‪.‬‬

‫وتدل المخلفات األثرٌة على أنه فً الشمال الؽربً كان سكان لٌجورٌا ال ٌزالون‬
‫ٌعٌش ون فً الكهوؾ حٌث كانوا أٌضا ٌدفنون موتاهم ‪ ،‬وعلى أنه فً الجزء الشرقً‬
‫من وادي البو ‪ ،‬جنوبً هذا النهر ‪ ،‬كان ٌوجد عدد كبٌر من القرى تنهض دلٌبل‬
‫علٌها بقاٌا أكواخها ‪ .‬وكانت هذه األكواخ بوجه عام إما مستدٌرة وإما بٌضاوٌة‬
‫الشكل ‪ .‬وال ٌبعد أن جدران هذه األكواخ وسقوفها كانت تتؤلؾ من قوابم خشبٌة‬
‫تتشابك معها أؼصان صؽٌرة أو أعواد من البوص أو حزم من القش ‪ .‬وتؽطى ذلك‬
‫كله طبقة من الطٌن ‪ .‬وفً العادة كانت أرضٌات هذه األكواخ تحفر إلى عمق ٌبلػ‬
‫حوالً المتر تحت مستوى األرض المحٌطة بها ‪ .‬وفً الجزء الجنوبً الشرقً من‬
‫شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وكذلك فً صقلٌة توجد قرابن على أن أهالً هاتٌن المنطقتٌن‬
‫كانوا فً العصر الحجري الحدٌث ٌعٌشون فً كهوؾ وكذلك فً أكواخ قروٌة‪.‬‬

‫وٌتبٌن من المقابر اإلٌطالٌة الكثٌرة التً ترجع إلى العصر الحجري الحدٌث أنه إذا‬
‫كانت هناك فوارق محلٌة بٌن هذه المقابر ‪ ،‬فإن عادات الدفن فً أنحاء اٌطالٌا جمٌ ًعا‬
‫كانت متماثلة بوجه عام ‪ .‬ذلك أنه فً كل الحاالت تقرٌبا كان الموتى ٌدفنون فً‬
‫وضع ٌشابه وضع الجنٌن فً بطن أمه ‪ ،‬وكان الدفن ٌتم إما فً أرضٌات الكهوؾ‬
‫وإما فً خنادق أو حفر أعدت خصٌصا لهذا الؽرض ‪ ،‬وأحٌانا كانت جوانب المقابر‬
‫وفتحاتها تؽطى بؤلواح حجرٌة وأحٌانا أخرى كانت المقابر تمؤل بؤكوام من الحجارة‬
‫لحماٌة جثث الموتى ‪ .‬وفً العادة كان الموتى ٌدفنون بملبسهم وحلٌهم وإلى جانبهم‬
‫أسلحتهم وكذلك آنٌة فخارٌة تحتوي طعامًا وشرابًا ‪ .‬وإنه لمما ٌستوقؾ النظر‬

‫‪11‬‬
‫العثور على هٌاكل عظمٌة مطلٌة بالمؽرة ‪ .‬وقد أدلً فً تفسٌر ذلك برأٌٌن ‪:‬‬
‫وأحدهما هو أنه بعد الوفاة كان اللحم ٌنزع والهٌكل ٌطلى ‪ ،‬واآلخر ‪ -‬ولعله أدنى‬
‫إلى القبول ‪ -‬هو أنه بعد تؤكل اللحم كان الهٌكل ٌطلى وٌعاد دفنه‪.‬‬

‫وٌدل ما كشؾ عنه حتى اآلن من مخلفات العصر الحجري الحدٌث فً إٌطالٌا على‬
‫إنه كانت تعٌش فً أرجابها عند حوالً عام ‪ ۰544‬ق‪.‬م‪ .‬عدة أقوام مختلفة ال‬
‫نعرؾ عن مظاهرها الحضارٌة إال ما تنم عنه هذه المخلفات ‪ .‬ومع ذلك فإننا قد ال‬
‫نعدو الحقٌقة إذا تصورنا أن هذه األقوام كانت تنتظم فً وحدات قروٌة منفصلة عن‬
‫بعضها بعضا ‪ ،‬وأنها لم تعرؾ باسم مشترك واحد ‪ .‬وإذا كانت لؽات هذه األقوام قد‬
‫اختفت معها إال حٌثما بقٌت ماثلة فً أسماء أماكن احتفظ بها أولبك الذٌن خلفوا تلك‬
‫األقوام فً سكنى اٌطالٌا ‪ ،‬فإن هذه البقاٌا توحً بؤن لؽات تلك األقوام كانت مختلفة‬
‫عن اللهجات الهندي أوربٌة التً عرفتها إٌطالٌا فٌما بعد‪ .‬وٌتبٌن من الهٌاكل التً‬
‫وجدت فً مقابر العصر الحجري الحدٌث أن أؼلب األقوام التً كانت تعٌش فً‬
‫إٌطالٌا فً هذا العصر كانت تنتمً إلى ذلك الجنس الذي كان ٌعٌش منذ العصر‬
‫الحجري الحدٌث فً األقالٌم المطلة على البحر المتوسط وفً جزر هذا البحر ‪.‬‬
‫والخصابص البشرٌة لهذا الجنس هً ‪ :‬قامة متوسطة وبشرة سمراء وشعر داكن‬
‫وجمجمة تمٌل إلى االستطالة مع فك مستقٌم‬

‫ثالثا ‪ -‬العصر الحجري المعدنً‬

‫والمرحلة الحضارٌة التالٌة فً اٌطالٌا هً مرحلة العصر الذي ٌسمى العصر‬


‫الحجري المعدنً (‪ Chaleolithic‬أو ‪ ، )Aeneolithic‬وذلك ألنه إذا كان الناس‬
‫قد بدأوا عندبذ فً استخدام النحاس فً صنع أدواتهم ‪ ،‬فإنهم لم ٌستؽنوا فً هذا‬
‫العصر عن استخدام الحجر ‪ .‬ومرد ذلك من ناحٌة إلى أن كمٌة النحاس التً كانت‬
‫فً متناولهم لم تكن عندبذ بالوفرة الكافٌة لسد كل حاجاتهم ‪ ،‬ومن ناحٌة أخرى إلى‬
‫أن النحاس كان أقل صبلحٌة من الحجر للوفاء ببعض األؼراض ‪ .‬وأهم ما عثر‬

‫‪13‬‬
‫علٌه من األدوات المعدنٌة هً الخناجر والمقاطع المصنوعة من النحاس النقً ‪.‬‬
‫ولما كانت مناجم النحاس اإلٌطالٌة قد ظلت ؼٌر مستؽلة إلى ما بعد هذا العصر بعدة‬
‫قرون ‪ ،‬فبل بد من أن استخدام النحاس فً إٌطالٌا قد كان نتٌجة لعاملٌن ‪ :‬وأحدهما‬
‫هو مجًء مهاجرٌن جدد نرجح أنهم كانوا من المنطقة الوسطى فً وادي الدانوب ‪،‬‬
‫فقد كانت هذه المنطقة ؼنٌة بالنحاس ‪ ،‬وكان أهل أواسط أوربا قد عرفوا طرٌقهم‬
‫إلى شمال إٌطالٌا فً المرحلة الحضارٌة السابقة ‪ .‬وقد ٌإٌد ما نذهب إلٌه أمران ‪ :‬و‬
‫أحدهما هو مظاهر المرحلة الحضارٌة الجدٌدة التً نحن بصددها اآلن ‪ ،‬واآلخر هو‬
‫أننا سنرى فً المرحلة الحضارٌة التالٌة مهاجرٌن جدد ذوي حضارة جدٌدة تصل‬
‫اتصاال وثٌقا بحضارة حوض الدانوب ‪ .‬ومع ذلك ال بد من أن المهاجرٌن الجدد‬
‫الذٌن وفدوا على اٌطالٌا فً العصر الحجري المعدنً كانوا محدودي العدد ‪:‬‬

‫ال ٌوجد دلٌل على مجًء هجرات إلى إٌطالٌا على نطاق واسع فً هذا العصر ‪،‬‬
‫وال سٌما أن مظاهر الحضارة اإلٌطالٌة عندبذ ‪ -‬على نحو ما سری بعد قلٌل ‪ -‬ال‬
‫ٌمكن أن توحً بذلك ‪ .‬والعامل اآلخر هو اتصال سکان إٌطالٌا من أهل العصر‬
‫الحجري الحدٌث بمن كانوا قد سبقوهم إلى استخدام النحاس وال سٌما شعوب الشرق‬
‫األدنى وكانت أسبق شعوب الدنٌا فً السٌر قدما بركب الحضارة ‪ .‬وفً ضوء ما‬
‫أوردناه لعل النحاس أن ٌكون قد أتى إلى اٌطالٌا فً أول عهدها بهذا المعدن ال من‬
‫الشرق فحسب بل أٌضا من وادي الدانوب ‪ .‬وإذا جاز أن شرق البحر المتوسط كان‬
‫المصدر األصلً والربٌسً إلٌطالٌا من النحاس ‪ ،‬فإنه ازاء ؼنى إسبانٌا والمنطقة‬
‫الوسطى فً وادي الدانوب بالنحاس وازاء قٌام صبلت بٌن اٌطالٌا وهاتٌن المنطقتٌن‬
‫ٌرجح أن هاتٌن المنطقتٌن لم تلبثا أن أخذتا تسهمان فً تزوٌد اٌطالٌا بحاجتها إلى‬
‫النحاس‪.‬‬

‫و إزاء ما مر بنا من تطور اٌطالٌا الحضاري فٌما مضى ال ٌمكن إرجاع بداٌة‬
‫العصر الحجري المعدنً فً إٌطالٌا إلى ما قبل حوالً عام ‪ ۰444‬ق‪.‬م‪ .‬بفترة‬
‫طوٌلة ‪ .‬و مظاهر حضارة إٌطالٌا فً هذا العصر تنم عن تطور تدرٌجً بطًء من‬

‫‪14‬‬
‫حضارة العصر السابق ‪ .‬وآٌة ذلك أنه أحٌانا ٌكاد أن ٌتعذر على الباحث المدقق أن‬
‫ٌفرق بٌن بقاٌا العصر الحجري الحدٌث وبقاٌا العصر الحجري المعدنً ‪ ،‬وأنه‬
‫كشؾ عن نوعٌن من المقابر ٌبدو أنهما كانا ولٌدي نوعٌن من المقابر معروفٌن فً‬
‫العصر السابق ‪ ،‬إذ ٌبدو أن استخدام الكهوؾ الطبٌعٌة أفضى إلى استخدام جوانب‬
‫التبلل والجبال لحفر مقابر متفاوتة فً االتساع ‪ ،‬وأن المقابر التً كانت على هٌبة‬
‫خنادق أو حفر تؽطً أحٌا ًنا جوانبها وفتحاتها بؤلواح من الحجارة أفضت إلى مقابر‬
‫حجرٌة فوق سطح األرض اتخذ بعضها شكل حجرات ٌتؤلؾ كل جانب من جوانبها‬
‫وكذلك السقؾ من كتلة حجرٌة واحدة ‪ .‬وأؼلب هذا النوع من المقابر وكذلك المقابر‬
‫المتسعة من النوع األول كانت مقابر جماعٌة تستخدم للدفن أجٌاال عدٌدة ‪ .‬وقد‬
‫وجدت أمثلة النوع األول من المقابر فً وسط إٌطالٌا وجنوبها ‪ ،‬وأمثلة النوع الثانً‬
‫فً جنوب إٌطالٌا وفً صقلٌة وسردٌنٌا‪.‬‬

‫رابعا ‪ -‬عصر البرونز‬

‫وقد كانت المرحلة الحضارٌة التالٌة فً اٌطالٌا هً مرحلة عصر البرونز وهً‬
‫المرحلة التً ٌحتمل أنها بدأت فً المنطقة الؽربٌة من وادي البو حوالً عام ‪۰۱44‬‬
‫ق‪.‬م‪ ، .‬وفً المنطقتٌن الوسطى والشرقٌة من هذا الوادي حوالً عام ‪ ۰044‬ق‪.‬م‪، .‬‬
‫وفً المنطقتٌن الشمالٌة والوسطى بشبه الجزٌرة االٌطالٌة فً وقت ٌصعب تحدٌده‬
‫ولكنه من المرجح أنه ٌرجع إلى الشطر األخٌر من عصر البرونز اإلٌطالً وهو‬
‫الذي انتهى حوالً بداٌة األلؾ األولى قبل المٌبلد ومن الجابز أن ٌكون عصر‬
‫البرونز قد ظهر فً صقلٌة وسردٌنٌا قبل ظهوره فً وادي البو بفضل العبلقات‬
‫التجارٌة التً كانت قابمة بٌن هاتٌن الجزٌرتٌن وبٌن کرٌت وببلد اإلؼرٌق منذ قبل‬
‫عام ‪ ۰444‬ق‪.‬م‪ .‬وٌنهض دلٌبل على ذلك العثور على أسلحة برونزٌة من الطراز‬
‫الكرٌتً وعلى آنٌة فخارٌة من الطراز الموكٌنً (‪ )Mycenae‬فً مقابر صقلٌة‬
‫التً ترجع إلى عصر البرونز ‪ ،‬وبلوغ حضارة سردٌنٌا العتٌقة ذروتها فً هذا‬
‫العصر ‪ .‬و ازاء ذلك ال ٌبعد أن تكون حضارة صقلٌة فً عصر البرونز قد أثرت‬

‫‪15‬‬
‫فً حضارة المنطقة الجنوبٌة لشبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ‪ ،‬وأن ٌكون ظهور حضارة‬
‫عصر البرونز فً المنطقة أسبق منه فً المنطقتٌن الوسطى والشمالٌة بشبه الجزٌرة‬
‫وقد بدأ عصر البرونز اإلٌطالً فً وادي البو عندما أخذت تفد علٌه أفواج شعب‬
‫جدٌد ٌلوح أنها أقامت أولى قراها على شواطا بحٌرة ماجٌوري‪ ،‬ثم أخذت تنتشر‬
‫بعد ذلك فً المنطقة الؽربٌة من وادي البو حٌث أقامت قراها على شواطا بحٌرات‬
‫أخرى هناك ‪ .‬وهذه القرى كانت تتؤلؾ من نوع جدٌد من المساكن ٌسمً «مساكن‬
‫الركابز ‪ » (Palafire‬ومفردها )‪ fitta‬و ذلك أن هذه المساكن كانت تقام فً المٌاه‬
‫الضحلة عند حافة البحٌرات على عوارض خشبٌة ترفعها فوق مستوى سطح الماء‬
‫ركابز ؼرست فً األرض الرخوة ‪ .‬وعندما حدث فٌما بعد أن ارتفع مستوى سطح‬
‫الماء فً البحٌرات بحٌث ؼمرت المٌاه هذه المساكن هجرها أصحابها ولم ٌتبق من‬
‫المساكن إال ركابزها ‪ ،‬وهً التً كشؾ عنها فً خبلل القرن التاسع عشر عندما‬
‫هبط مستوى سطح الماء فً البحٌرات ‪ .‬ولما كانت هذه المساكن شدٌدة الشبه‬
‫بمساكن البحٌرات فً سوٌسرا ‪ ،‬فإن هذا ٌوحً بؤن المهاجرٌن الجدد وفدوا من‬
‫سوٌسرا على اٌطالٌا عبر ممرات األلب ‪ .‬وعلى األرض الجافة بالقرب من مساكن‬
‫الركابز ‪ ،‬وجدت مقابر بها آنٌة فخارٌة جنابزٌة ومعها حلً وأشٌاء أخرى ‪ .‬وهذه‬
‫اآلنٌة تحتوي على رماد جثث الموتى مما ٌدل على أن المهاجرٌن الجدد لم ٌختلفوا‬
‫عن سابقٌهم من سكان وادي البو من حٌث نوع المساكن فحسب بل أٌضا من حٌث‬
‫أنهم كانوا ال ٌدفنون موتاهم وإنما ٌحرقون جثثهم‪.‬‬

‫وكان سكان وادي البو الجدد ٌمارسون قنص الحٌوان وصٌد السمك وكذلك الزراعة‬
‫ونسج األقمشة وصناعة اآلنٌة الفخارٌة بالٌد ‪ .‬وكانت هذه اآلنٌة تزخرؾ بصفوؾ‬
‫من الدوابر والخطوط المتعرجة التً حفرت فً جوانبها ‪ .‬وإذا كان لم ٌعثر فً‬
‫إحدى قراهم الباكرة على أٌة مخلفات تنم عن استخدامهم أدوات معدنٌة ‪ ،‬فإنه عثر‬
‫فً قرٌة أخرى أحدث عه ًدا من األولى على أدوات برونزٌة كثٌرة تنتمً إلى‬
‫مرحلة متقدمة جدا من مراحل حضارة عصر البرونز اإلٌطالً ‪ ،‬وهً التً ٌبدو‬
‫أنها عمرت فً شمال اٌطالٌا حتى حوالً عام ‪ ۰444‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وحوالً عام ‪ ۰044‬ق‪.‬م‪ .‬ظهرت فً المنطقتٌن الوسطى والشرقٌة بوادي البو‬
‫حضارة أخرى من حضارات عصر البرونز اإلٌطالً ‪ .‬ولما كانت أطبلل القرى‬
‫التً أقامها أصحاب هذه الحضارة تإلؾ تربة خصبة سوداء ‪ ،‬وكان اإلٌطالٌون‬
‫المحدثون ٌدعون هذه التربة السوداء « تراماری ‪ ،)Terramare( ،‬فإن الباحثٌن‬
‫درجوا على تسمٌة هذه الحضارة «حضارة تراماری‪ ،‬وتسمٌة أصحابها‬
‫«ترامارٌقولً ‪ . )Tramariocoli( ،‬وفً أعقاب الكشوؾ األولى عن قرى‬
‫أصحاب هذه الحضارة ومساكنهم ذهب الباحثون إلى ‪:‬‬

‫‪ .۰‬أن هذه القرى كانت تخطط وفقا لنسق قٌاسً واحد كان منحرؾ الشكل وتمتد‬
‫فٌه شوارع تتقاطع مع بعضها بعضا فً زواٌا قابمة ‪ ،‬وٌحٌط بالقرٌة جسر‬
‫من التراب وخندق مملوء بالماء‬

‫‪ .۰‬وأن هذا التخطٌط كان النموذج الذي استمد منه تخطٌط المعسكر الرومانً‬
‫فً عصور متؤخرة‬

‫‪ .3‬وأن مساكن هذه القرى كانت تقام على ركابز ‪ ،‬شؤنها شؤن مساكن الركابز ‪،‬‬
‫التً كانت تقام على شواطىء البحٌرات ‪ ،‬أي إنها كانت تطبٌ ًقا لفكرة هذه‬
‫المساكن على األرض الجافة ومن المحتمل على أرض المستنقعات ‪.‬‬

‫بٌد أنه فً ضوء ما تمخضت عنه الكشوؾ المتتالٌة من معلومات أوفر مما كان‬
‫متوافرً ا من قبل البد من أن نطرح جانبا كل هذه اآلراء المبتسرة ‪ .‬فقد تبٌن أن قرى‬
‫أهل « حضارة تراماری » لم تخطط وفقا لنسق قٌاسً‪ ،‬وأنه فً بعض الحاالت‬
‫فقط كانت تحٌط بهذه القرى جسور من التراب وأحٌانا كان ٌصحب الجسر سٌاج‬
‫من الخشب ‪ ،‬وأن المساكن فً هذه القرى كانت أكواخا مستدٌرة الشكل فً أول‬
‫األمر ولكنها لم تلبث أن أصبحت مستطٌلة ‪ ،‬وأنه ال ٌوجد أي دلٌل على اقامتها فوق‬
‫ركابز إال فً حاالت قلٌلة تنتمً إلى فترة متؤخرة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وعلى مقربة من هذه القرى وجدت مقابر أصحابها ‪ ،‬وكان مثلهم مثل أصحاب «‬
‫مساكن الركابز » ٌحرقون جثث موتاهم وٌضعون رمادها فً آنٌة فخارٌة جنازٌة‬
‫كانت فً أول األمر تكدس أعداد منها جنبا إلى جنب فً مقبرة واحدة ‪ ،‬ولكنه فً‬
‫مرحلة تالٌة أصبح كل إناء ٌفصل عن اآلخر بلوح صخري ‪ ،‬ثم فً مرحلة أخرى‬
‫أصبح كل إناء ٌوضع فً مقبرة منفصلة كما أصبح مؤلو ًفا أن ٌوضع مع اإلناء‬
‫الجنابزي عدد من اآلنٌة األخرى والحلً فضبل عن بعض األسلحة واآلالت‬
‫الموسٌقٌة المصنوعة من البرونز ‪ .‬وتدل مخلفات "التر امارٌقولً" ‪ ،‬على أنهم‬
‫كانوا أوفر ثراء وأسمى حضارة من أصحاب «مساكن الركابز ‪ ،‬وعلى أن‬
‫حضارتهم كانت وثٌقة الصلة بحضارة عصر البرونز المعاصرة فً حوض الدانوب‬
‫عند المجر مما ٌوحً بؤن "التر امارٌقولً" وفدوا أصبل من هناك على إٌطالٌا ‪.‬‬
‫وكان هإالء الوافدون الجدد ٌمارسون قبل كل شًء الزراعة وتربٌة الحٌوان ‪ .‬بٌد‬
‫أنهم كانوا ٌمارسون أٌضا الصٌد والقنص وٌنسجون األقمشة و على قدر كبٌر من‬
‫المهارة فً صناعة اآلنٌة الفخارٌة واألدوات واألسلحة البرونزٌة فضبل عن أعمال‬
‫الخشب‪.‬‬

‫وفً ضوء معلوماتنا الحالٌة ٌصعب تكوٌن فكرة واضحة عن أصحاب الحضارات‬
‫التً قامت فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة ذاتها فً خبلل عصر البرونز ‪ .‬ومع ذلك فإنه‬
‫ال بد من أن تكون قد وفدت علٌها فً خبلل هذا العصر أقوام جدٌدة فً أعداد كبٌرة‬
‫بحٌث استطاعت هذه األقوام ‪ -‬ومعها مهاجرو المرحلة الحضارٌة التالٌة ‪ --‬أن‬
‫تنشر فً كثٌر من أرجاء شبه الجزٌرة عددا من اللهجات ما أن أهل العصر‬
‫التارٌخً حتى كانت قد خلفت اللؽات القدٌمة المستخدمة فً تلك األرجاء ‪ .‬ولما‬
‫كانت هذه اللهجات تنتمً إلى أسرة اللؽات الهندي ‪ -‬أوربٌة ‪ .‬وكانت تمثل الفرع‬
‫اإلٌطالً لهذه اللؽات ‪ .‬فإن الباحثٌن ٌدعون هذه اللهجات "اللهجات اإلٌطالٌة "‪،‬‬
‫)‪(Italic‬وأصحابها واألقوام اإلٌطالٌة » ‪ .‬وحٌث أن هذه اللهجات شدٌدة القرب من‬
‫اللؽتٌن اإلؼرٌقٌة والكلتٌة ‪ (Celtic :‬فإنه لٌس من اإلسراؾ فً الرأي الربط بٌن‬
‫ظهور هذه اللهجات فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وبٌن الهجرات الكبرى التً قامت‬
‫‪11‬‬
‫بها األقوام الهندي ‪ -‬أوربٌة من أواسط آسٌا صوب الؽرب فٌما بٌن عام ‪۰444‬‬
‫وعام ‪ ۰444‬ق‪.‬م‪ .‬وإذا كان ٌمكن القول بؤن أصحاب الحضارتٌن اللتٌن ظهرتا فً‬
‫وادي البو فً عصر البرونز كانوا ٌنتمون إلى األقوام الهندي ‪ -‬أوربٌة ‪ ،‬فإنه ال‬
‫ٌوجد دلٌل على هجرات من وادي البو إلى شبه الجزٌرة فً خبلل هذا العصر ‪.‬‬
‫و تبعا لذلك ال بد من أن ٌكون قد أتً من الخارج بطرٌق أو آخر أولبك المهاجرون‬
‫الجدد الذٌن استقروا فً شبه الجزٌرة فً عصر البرونز ‪ .‬وأؼلب الظن أن ٌكونوا‬
‫قد أتوا أفواجا تلو أفواج واستقروا فً أؼلب أنحاء شبه الجزٌرة وصقلٌة فً أواخر‬
‫عصر البرونز اإلٌطالً‪.‬‬

‫وٌبدو أن ذلك كان أٌضا شؤن األلتورٌٌن الذٌن هاجروا من شبه جزٌرة البلقان‬
‫وجاءت بعض افواجهم إلى إٌطالٌا بالسٌر حول الطرؾ الشمالً للبحر األدرٌاتً ‪،‬‬
‫على حٌن أن أفواجا أخرى منهم أتت إلٌها مباشرة عبر هذا البحر ‪ .‬وقد استقر فرٌق‬
‫من هإالء المهاجرٌن فً المنطقة الشمالٌة الشرقٌة ( فنتٌا ‪ ) Venetia‬وفرٌق آخر‬
‫فً المنطقة الوسطى الشرقٌة ( بٌقنوم ‪ ) Picenum‬وفرٌق ثالث فً المنطقة‬
‫الجنوبٌة الشرقٌة ( ابولٌا ‪ Apulia‬و كاالبرٌا ‪ ) Calabria‬وفرٌق رابع فً‬
‫المنطقة الجنوبٌة الؽربٌة ( لوقانٌا ‪ Lucania‬واقلٌم البروتًٌ ‪ . ) Bruti‬وٌقطع‬
‫باألصل األلوري لهإالء المهاجرٌن ما کشؾ عنه من المخلفات األثرٌة فً هذه‬
‫المناطق واألثر األلوري الواضح فً اللهجات المحلٌة التً كان سكان هذه المناطق‬
‫ٌستخدمونها فً العصور التارٌخٌة‪.‬‬

‫خامسا ‪ -‬عصر الحدٌد‬


‫وٌتسم تارٌخ إٌطالٌا فً الشطر األول من األلؾ األولى قبل المٌبلد بظاهرتٌن ‪.‬‬
‫وال ظاهرة األولى هً المرحلة الباكرة من عصر الحدٌد ‪ ،‬وهً التً بدأت عند أوابل‬
‫األلؾ األولى قبل المٌبلد واستمرت حتى حوالً عام ‪ 644‬ق‪.‬م‪ .‬وفً رأي بعض‬
‫الباحثٌن أن قٌام حضارة عصر الحدٌد فً اٌطالٌا «جاء فً أعقاب هجرات أصحاب‬

‫‪14‬‬
‫اللهجات اإلٌطالٌة نتٌجة التصالهم بؤهالً وادي الدانوب وشبه جزٌرة البلقان » ‪.‬‬
‫بٌد أن البعض اآلخر من الباحثٌن ٌعزون ذلك إلى هجرة هندي ‪ -‬أوربٌة جدٌدة أتت‬
‫فً أوابل األلؾ األول قبل المٌبلد من وادي الدانوب حٌث ازدهرت حوالً أواخر‬
‫األلؾ الثانً قبل المٌبلد صناعة األدوات واألسلحة الحدٌدٌة ‪ .‬وتسمى هذه الحضارة‬
‫«حضارة هالشتات ‪ )Hallstat( ،‬نسبة إلى المدٌنة التً وجدت فٌها كمٌات كبٌرة‬
‫من مخلفات هذه الحضارة ‪ ،‬وتقع هذه المدٌنة فً وادي الدانوب بالقرب من‬
‫سالزبورج‪ .‬ونحن نمٌل إلى األخذ بالرأي الثانً ألن كل مرحلة حضارٌة جدٌدة فً‬
‫إٌطالٌا جاءت فً أعقاب هجرة جدٌدة من خارجها ‪ ،‬وال سٌما أنه فً عصر البرونز‬
‫كانت "حضارة التراماری"‪ ،‬ولٌدة هجرات من وادي الدانوب ‪ .‬وفضبل عن ذلك‬
‫فإننا رجحنا أن ٌكون أحد العاملٌن اللذٌن أدٌا إلى استخدام النحاس فً إٌطالٌا هو‬
‫قدوم مهاجرٌن من وادي الدانوب ‪ .‬وبوصول المهاجرٌن الجدد فً المرحلة الباكرة‬
‫من عصر الحدٌد تكون قد اكتملت العناصر الربٌسٌة التً نشؤت منها تدرٌجٌا‬
‫األقوام اإلٌطالٌة التً سنلقاها فٌما بعد‪ .‬وإذا كان ٌبدو أن أصحاب الحضارة الجدٌدة‬
‫كانوا فً أول األمر ٌستقدمون الحدٌد من حوض الدانوب فإنهم على مر الزمن‬
‫أصبحوا ٌحصلون من جزٌرة ألٌا على حاجتهم من هذا المعدن‪.‬‬

‫وحضارة عصر الحدٌد الباكرة فً إٌطالٌا تسمى بوجه عام «حضارة فٌبلنوفا »‬
‫(‪ ،)Vilanova‬وهو اسم جبانة حدٌثة عند بولونٌا ( ‪ )Bologna‬فً الشمال‬
‫الشرقً من شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة‪ ،‬حٌث كشؾ ألول مرة عن بقاٌا هذه الحضارة‬
‫بٌن أطبلل أكبر قرى عصر الحدٌد الباكر اإلٌطالً ‪ .‬وإذا كان فرٌق من هإالء‬
‫المهاجرٌن الجدد قد انتشر فً شمال إٌطالٌا حول بولونٌا ‪ ،‬فإن فرٌقا آخر اتجه‬
‫جنوبا واستقر بعضه فً أترورٌا والبعض اآلخر فً التٌوم ‪ .‬وكان أصحاب‬
‫حضارة فٌبلنوفا ٌعٌشون فً أكواخ مستدٌرة الشكل تنتظم فً قرى متناثرة ؼٌر‬
‫محصنة وال منتظمة فً تخ طٌطها إذا جاز القول بؤنه كان لها أي تخطٌط ‪ .‬وعلى‬
‫مقربة من كل قرٌة كانت توجد قبورها‪ ،‬أما على هٌبة حفر ؼٌر منتظمة الشكل‬
‫تؽطً فتحاتها ألواح من الحجر‪ ،‬وأما على هٌبة حفر مستطٌلة الشكل تؽطً فتحاتها‬
‫‪31‬‬
‫وكذلك جوانبها ألواح من الحجر وكان هإالء القوم أٌضا ٌمارسون عادة حرق جثث‬
‫الموتى وٌضعون رماده فً آنٌة فخارٌة جنابزٌة تؽطً عادة بؤطباق فخارٌة أو‬
‫بخوذات معدنٌة ‪ ،‬لكنه عثر فً التٌوم على آنٌة جنابزٌة برونزٌة تماثل فً شكلها‬
‫شكل األكواخ التً كان األحٌاء ٌعٌشون فٌها ‪ .‬وٌمكن اعتبار هذه اآلنٌة الجنابزٌة‬
‫البرونزٌة تطبٌقا للفكرة التً كانت متبعة فً حالة اآلنٌة الجنابزٌة الفخارٌة السابق‬
‫ذكرها ‪ ،‬فهً تبدو كؤناء مستدٌر الشكل مسطح القاع تؽطٌة خوذة تبرز حوافها عن‬
‫الجدار المستدٌر ‪ .‬فبل عجب إن كانت هذه اآلنٌة الجنابزٌة البرونزٌة أحدث عه ًدا‬
‫من اآلنٌة الجنابزٌة الفخارٌة ‪ .‬ومع أن أصحاب هذه الحضارة كانوا ٌعرفون الحدٌد‬
‫وٌستخدمونه فً صناعتهم ‪ ،‬إال أنهم استمروا ٌستخدمون البرونز ‪ .‬والواقع أن‬
‫صناعة البرونز اإلٌطالٌة بلؽت فً فٌبلنوفا فً خبلل القرنٌن الثامن والسابع قبل‬
‫المٌبلد أرقى درجات تطورها فً العصور السابقة للتارٌخ مما ٌسر صناعة‬
‫الخوذات والدروع والزرد وكذلك اآلنٌة والصنادٌق وؼٌرها من األدوات المنزلٌة ‪.‬‬

‫وأما الظاهرة الثانٌة فانها تتمثل فً قدوم جماعتٌن جدٌدتٌن إلى إٌطالٌا‪ ،‬وكانت‬
‫أحداهما تتؤلؾ من االتروسكٌٌن‪ ،‬وهم الذٌن جاءوا حوالً أوابل القرن الثامن قبل‬
‫المٌبلد واستقروا على الشاطىء الؽربً شمالً التٌبر ‪ .‬وكانت الجماعة األخرى‬
‫تتؤلؾ من اإلؼرٌق ‪ ،‬وهم الذٌن أخذوا ٌفدون تباعا منذ حوالً منتصؾ القرن الثامن‬
‫حتى منتصؾ القرن السادس قبل المٌبلد وٌنشبون ألنفسهم مستعمرات فً الجزء‬
‫الجنوبً بشبه الجزٌرة من طرؾ البحر األدرٌاتً حتى خلٌج نابولً وكذلك فً‬
‫صقلٌة‪.‬‬

‫سادسا ‪ -‬سكان اٌطالٌا عند القرن السادس قبل المٌالد‬

‫وإذا كانت إٌطالٌا قد شهدت فً المرحلة الباكرة من عصر الحدٌد إنبثاق الجماعات‬
‫اإلنسانٌة المختلفة التً لعبت أدوارا ربٌسٌة فً تارٌخها فً خبلل العصور‬
‫التارٌخٌة ‪ ،‬فإنه ال ٌمكن تتبع تارٌخ أكثر هذه الجماعات ولو فً إطاره العام قبل‬

‫‪38‬‬
‫القرن السادس قبل المٌبلد حٌن نستطٌع تحدٌد أسماء هذه الجماعات ومواطنها ‪.‬‬
‫ولما كان الباحثون قد درجوا على أن ٌتخذوا من الجنس واللؽة أساسا لتقسٌم سكان‬
‫إٌطالٌا فً العصور التارٌخٌة إلى قسمٌن ٌتؤلؾ أحدهما من «األقوام اإلٌطالٌة »‬
‫(‪ ، )Italie‬واآلخر من األقوام " ؼٌر اإلٌطالٌة" ( ‪ ، )Non - Italie‬فاننا سنعرض‬
‫فٌما ٌلً توزٌع سكان إٌطالٌا عند القرن السادس قبل المٌبلد وفقا لهذا التقسٌم ‪:‬‬

‫اإلٌطالٌون‬

‫وكان اإلٌطالٌون موزعٌن على النحو التالً ‪:‬‬

‫‪ - ۰‬فً أقلٌم التنٌوم ‪ -‬وهو ٌقع جنوبً نهر التٌبر فٌما بٌن الشاطىء الؽربً‬
‫والسلسلة الربٌسٌة لجبال األبنٌن ‪ -‬كان ٌسكن البلتٌن (‪ ، )Latini‬وهم الذٌن كان فً‬
‫ضمٌر الدهر أن بعضا منهم وهم الرومان سٌصبحون بعد بضعة قرون سادة اٌطالٌا‬
‫فالعالم المتحضر ‪ .‬ومن المحتمل أن البلتٌن كانوا أساسا ثمرة امتزاج أربعة عناصر‬
‫ربٌسٌة ‪ :‬كان أحدها عنصر مهاجري العصر الحجري الحدٌث‪ ،‬وكانوا قلٌلً العدد‬
‫وٌمارسون عادة دفن الموتى ؛ وكان الثانً عنصر مهاجري أواخر عصر البرونز‬
‫من أصحاب اللؽة الهندي ‪ -‬أوربٌة ‪ ،‬وكانوا أكثر رقٌا وأوفر عددا من العنصر‬
‫السابق وٌمارسون عادة حرق جثث الموتى ؛ وكان الثالث عنصر مهاجري أوابل‬
‫عصر الحدٌد من أصحاب اللؽة الهندي ‪ -‬أوربٌة ‪ ،‬وكانوا أقل عددا وإنما أكثر‬
‫تحضرً ا من سابقٌهم وإن كانوا مثلهم ٌتبعون عادة حرق جثث الموتى ؛ وكان الرابع‬
‫عنصرا من المهاجرٌن قدموا كذلك فً أوابل عصر الحدٌد وإنما من المناطق‬
‫المجاورة فً جبال األبنٌن ‪ ،‬وكانوا أدنً من أهل العنصرٌن الثانً والثالث عد ًدا‬
‫وحضارة وٌتبعون عادة دفن الموتى ‪ .‬ومنذ أواخر القرن السابع قبل المٌبلد أخذ‬
‫االتروسكٌون ٌبسطون سٌطرتهم على إقلٌم التٌوم ‪ .‬وفً أعقاب ذلك انضمت إلى‬
‫العناصر السابق ذكرها نسبة ضبٌلة من االتروسكٌٌن‬

‫‪31‬‬
‫وأما الجماعات اإلٌطالٌة التً أخذت منذ أواخر القرن السادس قبل المٌبلد تنزح عن‬
‫مواطنها فً جبال األبنٌن لتؽٌر على جنوب التٌوم ونجحت فً االستقرار هناك ‪،‬‬
‫فإنها لم تندمج فً البلتٌن أو تعتبر فً عدادهم ‪.‬‬

‫وعلى مشارؾ التٌوم كانت تنزل عدة قبابل صؽٌرة ‪ ،‬مثل الهرنٌقی (‪)Hernici‬‬
‫والفالٌسقً (‪ . )Falisci‬ولما كانت هذه القبابل تماثل البلتٌن إلى حد كبٌر من حٌث‬
‫الجنس واللؽة ‪ ،‬فإنه ٌمكن اعتبارها فً عدادهم ‪.‬‬

‫‪ - ۰‬وفً ودٌان المنطقة الوسطى من جبال األبنٌن كان ٌعٌش عدد كبٌر من القبابل‬
‫كثٌرا ما تدعى القبابل األومبرٌة ‪ -‬السابلٌة ( ‪ ) sabelli -Umbro‬ألن أبرزها‬
‫كانت قبابل األومبري (‪ )Umbri‬فً الشمال والسابلً (‪ )Sabelli‬فً الجنوب ‪.‬‬
‫ومما ٌجدر بالمبلحظة أن الفرع اإلٌطالً للؽات الهندي ‪ -‬أوربٌة كان ٌتسم بلهجات‬
‫متعددة أهمها ثبلث ‪ ،‬وهً البلتٌنٌة واألومبرٌة واألوسقٌة ‪ .‬وعلى حٌن كانت‬
‫البلتٌنٌة تختلؾ اختبلؾ واضحً ا عن اللهجتٌن األخرتٌن كان هناك وجه شبه كبٌر‬
‫بٌن هاتٌن اللهجتٌن ‪ .‬وكانت مجموعة القبابل التً تستخدم اللهجة األومبرٌة تدعى‬
‫القبابل األومبرٌة ‪ ،‬والمجموعة التً تستخدم اللهجة األوسقٌة تدعى القبابل السابلٌة ‪.‬‬

‫غٌر اإلٌطالٌٌن وكان غٌر اإلٌطالٌٌن موزعٌن على النحو التالً ‪:‬‬

‫‪ -۰‬فً المنطقة الشمالٌة الغربٌة ‪ -‬وهً تشمل وادي البو من جبال األلب حتى نهر‬
‫تٌقٌنوس (‪ )Ticinus‬شرقة بما فً ذلك المنطقة الساحلٌة حتى نهر األرنوس جنوبًا‬
‫‪ -‬كان ٌعٌش اللٌجورٌون (‪ ، )Ligures‬وإذا كانوا بوجه عام من سبللة سكان هذه‬
‫المنطقة فً العصر الحجري الحدٌث ‪ ،‬فبل بد من أن ٌكونوا قد تؤثروا بطرٌقة أو‬
‫أخرى ببعض الهجرات التالٌة ألننا نجدهم فً مطلع العصور التارٌخٌة ٌستخدمون‬
‫لؽة هندي ‪ -‬أوربٌة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ - 1‬فً المنطقة الشمالٌة الشرقٌة ‪ -‬وهً تمتد من السفوح الجنوبٌة لجبال األلب‬
‫إلى السفوح الشمالٌة الشرقٌة لجبال األبنٌن ‪ ،‬ومن نهر تٌقٌنوس ؼربا إلى البحر‬
‫األدرٌاتً وشبه جزٌرة إسترٌا (‪ )Istria‬شرقا ‪ -‬كان أهم السكانهم ‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفنتً (‪ )Veneti‬اإللتورٌون فً الطرؾ الشرقً شمالً نهر البو ‪ ،‬فٌما بٌن‬
‫بحٌرة جاردا وشبه جزٌرة إسترٌا ‪ ،‬وكانت لؽتهم مثل لؽة اإللورٌٌن بوجه‬
‫عام من فصٌلة اللؽات الهندي ‪ -‬أوربٌة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬عدد من القبابل كانت تنزل إلى الشمال والؽرب من الفنتً حتى أقلٌم‬
‫اللجورٌٌن ‪ .‬وكانت أهم هذه القبابل هً قبابل الراٌتً)‪ ، (Raeti‬وكانت‬
‫لؽتها مزٌجا من عناصر الورٌة وعناصر لؽات أواسط أوربا ‪ ،‬مما ٌنم عن‬
‫أن هذه القبابل كانت تتؤلؾ من مهاجرٌن الورٌٌن وممن سبقوهم إلى تلك‬
‫األرجاء من مهاجري أواسط أوربا ‪ .‬وفً خبلل القرن السادس قبل المٌبلد‬
‫كانت أكثر هذه القبابل تخضع لسٌطرة االتروسكٌٌن ‪.‬‬

‫ت‪ -‬سبللة أصحاب حضارة فٌبلنوفا ‪ ،‬وكانوا ٌنزلون شمالً جبال األبنٌن‬
‫وشرقٌها فٌما بٌن نهو البو وأرٌمٌنوم (‪ )Ariminum‬على شاطىء‬
‫األدرٌانً وقد وقع هإالء أٌضا تحت سٌطرة االتروسكٌٌن ‪.‬‬

‫‪ - 3‬فً المنطقة الوسطى ‪ ،‬شرقً القبابل األومبرٌة ‪ -‬السابلٌة فٌما بٌن أنقونا‬
‫(‪ )Ancona‬و نهر سانجرو (‪ ، )Sangro‬كانت توجد مواطن البٌقنس‬
‫(‪ )Picenes‬أو البٌقنتس (‪ ، )Picentes‬وكانوا من سبللة أهل العصر الحجري‬
‫الحدٌث إلى أن امتزجت بهم عناصر الورٌة فً أعقاب هجرة األلورٌٌن إلى شبه‬
‫الجزٌرة اإلٌطالٌة فً أواخر عصر البرونز ‪.‬‬

‫‪ - 0‬فً المنطقة الجنوبٌة الشرقٌة ‪ -‬وهً تشمل أبولٌا وقاالبرٌا القدٌمة ‪ -‬كان‬
‫ٌعٌش عدد من القبابل ٌطلق علٌها جمٌ ًعا اسم الٌابوجً (‪ . )Iapygi‬والطابع السابد‬
‫لهذه القبابل طابع الوري ‪ ،‬مما ٌدل على أن المهاجرٌن اإللورٌٌن الذٌن استقروا فً‬

‫‪34‬‬
‫هذه المنطقة فً أواخر عصر البرونز كانوا من الكثرة بحٌث استوعبوا السكان‬
‫الذٌن كانوا قد سبقوهم إلٌها ‪.‬‬

‫ه‪ -‬فً المنطقة الجنوبٌة الغربٌة ٌبدو أنه فً العصور التارٌخٌة كانت تسكن قبابل‬
‫تكونت من امتزاج سبللة أهل العصر الحجري الحدٌث الذٌن وفدوا من شمال‬
‫أفرٌقٌا مع المهاجرٌن األلورٌٌن الذٌن جاءوا فً أواخر عصر البرونز ‪ .‬وكانت أهم‬
‫القبابل فً هذه المنطقة قبٌلتا األوٌنوتري (‪ )Oenotri‬والخونس (‪. )Chones‬‬
‫وأما قبٌلة األوسقً (‪ )Osci‬فإن ذات اسمها ٌدل على أنه لم ٌكن لها وجود قبل‬
‫ؼزوة السابلً أصحاب اللهجة األوسقٌة ‪ .‬وعلى كل حال فإن اإلؼرٌق كانوا‬
‫أصحاب السٌادة على أقلٌم البروتًٌ بؤسره والجزء الساحلً فً لوقانٌا ‪.‬‬

‫‪ -‬فً الجزء الجنوبً ‪ ،‬على امتداد الشاطا من طرؾ البحر األدرٌاتً حتى خلٌج‬
‫نابولً ‪ ،‬أنشؤ اإلؼرٌق منذ حوالً نصؾ القرن الثامن حتى منتصؾ القرن السادس‬
‫قبل المٌبلد مجموعة كبٌرة من المستعمرات مما أكسب هذا الشاطىء اسم «ببلد‬
‫اإلؼرٌق الكبرى ‪. )Magna Graecia( ،‬‬

‫‪ -7‬فً أقلٌم قمبانٌا (‪ - )Campania‬وهو ٌقع على الساحل الؽربً فٌما بٌن‬
‫التٌوم شماال ولوقانٌا جنوبا وجبال االبنٌن شرقا ‪ -‬كانت تنزل قبابل األوسونس‬
‫(‪ )Ausones‬وهً من سبللة أهل العصر الحجري الحدٌث الذٌن وفدوا من شمال‬
‫افرٌقٌا ‪ .‬وكانت هذه القبابل تنفرد بهذا اإلقلٌم إلى أن وفد علٌه اإلؼرٌق عند‬
‫منتصؾ القرن الثامن قبل المٌبلد و األترسكٌون فً أوابل القرن السادس قبل المٌبلد‬
‫والسابلً فً النصؾ الثانً من القرن الخامس قبل المٌبلد ‪.‬‬

‫‪ -1‬أقلٌم أترورٌا ‪ ،‬وهو ٌشمل المنطقة الواقعة ؼربً السلسلة الربٌسٌة لجبال‬
‫االبنٌن فٌما بٌن نهري األرنوس والتٌبر ‪ .‬ومن المحتمل أن أؼلب سكان هذا اإلقلٌم‬
‫كان مثلهم مثل سكان إقلٌم التٌوم مزٌجا من أربع سبلالت هً ‪ :‬سبللة مهاجري‬
‫العصر الحجري الحدٌث ‪ ،‬وسبللة مهاجري أواخر عصر البرونز ‪ ،‬وسبللتً‬

‫‪35‬‬
‫عنصرٌن من المهاجرٌن أتٌا فً المرحلة الباكرة من عصر الحدٌد ‪ .‬ومع ذلك فإن‬
‫هإالء السكان ال ٌعتبرون فً عداد األقوام اإلٌطالٌة ‪ ،‬ألنه عندما سٌطر‬
‫االتروسكٌون على هذا اإلقلٌم منذ أوابل القرن الثامن قبل المٌبلد‪ .‬فرضوا لؽتهم‬
‫على أهله ونشروا حضارتهم بٌنهم وأقاموا كثٌرً ا من المدن الكبٌرة فً أرجاء هذا‬
‫ً‬
‫ممٌزا‬ ‫األقلٌم ‪ .‬وقد كان من شؤن ذلك كله أنه خلع على هذا األقلٌم طاب ًعا أتروسكًٌا‬
‫إلى حد أن اسم هذا اإلقلٌم استمد من اسم هإالء الؽزاة األجانب ‪ ،‬وهم الذٌن أخذوا‬
‫ٌبسطون سلطانهم على األجزاء الوسطى والشرقٌة من وادي البو ‪ .‬وعلى بعض‬
‫أجزاء التٌوم وقمبانٌا ‪ .‬على نحو ما أشرنا فٌما مضى ‪.‬‬

‫‪ -4‬صقلٌة ‪ :‬إلى أن استولى اإلؼرٌق على الشاطبٌن الجنوبً والشرقً وعلى جزء‬
‫من الشاطا الشمالً وتوؼلوا فً الداخل ‪ ،‬دون أن ٌستطٌعوا اإلمتداد إلى الطرؾ‬
‫الؽربً الستٌبلء القرطاجنٌٌن علٌه ‪ ،‬كان سكان صقلٌة ‪ -‬وهم الذٌن ٌدعون‬
‫صٌقولً (‪ )Siculi‬أو صٌقلس (‪ٌ - )Sicels‬تؤلفون مثل جٌرانهم سكان المنطقة‬
‫الجنوبٌة الؽربٌة بشبه الجزٌرة اإلٌطالٌة من امتزاج سبللة أهل العصر الحجري‬
‫الحدٌث مع المهاجرٌن اإللورٌٌن ‪ ،‬ولكن مع اختبلؾ نسبة كل من العنصرٌن فً‬
‫هذا المزٌج بحٌث أن نسبة العنصر األول إلى الثانً كانت فً صقلٌة أكبر منها فً‬
‫شبه الجزٌرة‪.‬‬

‫وٌتبٌن من هذا العرض أنه عند نهاٌة القرن السادس قبل المٌبلد كانت تعٌش فً‬
‫مختلؾ مناطق إٌطالٌا عدة جماعات إنسانٌة متباٌنة فً الجنس وفً الحضارة ‪ .‬وهذا‬
‫ٌفسر ما سبقت اإلشارة إلٌه من أنه جنبا إلى جنب العوابق المترتبة على طبٌعة‬
‫تكوٌن اٌطالٌا الجؽرافً كانت هناك عوامل أجل خطرً ا تعترض سبٌل الوحدة‬
‫السٌاسٌة وتكوٌن أمة اٌطالٌة واحدة ‪ .‬وقبل أن نمضى قدمًا فً عرض ما كان من‬
‫أمر هذه الجماعات ‪ٌ .‬جب أن نتناول فً الفصل التالً الكبلم عن االتروسكٌٌن‬
‫واإلؼرٌق بسبب األثر البالػ األهمٌة الذي ترتب على مجٌبهم إلى إٌطالٌا ‪ .‬ذلك أنه‬
‫فً أعقاب ذلك دعم اتصال األقوام اإلٌطالٌة ببعض الحضارات القدٌمة الباهرة فً‬

‫‪36‬‬
‫شرق البحر المتوسط ‪ .‬مما نتج عنه انتقال تلك األقوام من حٌاة البداوة إلى الحٌاة‬
‫المتحضرة بدرجات متفاوتة ‪ .‬وفضبل عن ذلك فإن تلك األقوام مثلت فً صفحات‬
‫المدونات التارٌخٌة ‪ ،‬فنحن ندٌن إلى اإلؼرٌق بؤقدم ما كتب عن إٌطالٌا وسكانها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫نشأة مدٌنة روما‬

‫‪31‬‬
‫نشؤة مدٌنة روما‪:‬‬
‫كانت الرواٌات واألساطٌر التارٌخٌة القدٌمة هً المصادر التً استخلص منها‬
‫المإرخون الرومان األوابل معارفهم حول نشؤة روما واالمة الرومانٌة والتً اعتمد‬
‫علٌها كل من تصدی الدراسة تارٌخ الرومان بعد ذلك فً القرون الوسطى ومطلع‬
‫العصور الحدٌثة إلى أن جاء القرن العشرٌن واستطاع األثرٌون والمنقبون الكشؾ‬
‫عن الحقابق المتعلقة بتارٌخ البلتٌوم وروما ولذا ٌجدر بنا أن نشٌر الى االسطورة ثم‬
‫الى ما استجد من الحقابق بعدها حول هذا الموضوع‪.‬‬

‫و لما كانت روما قد استرعت اهتمام اإلؼرٌق فً خبلل القرنٌن الخامس والرابع قبل‬
‫المٌبلد‪ ،‬وكان اإلؼرٌق معروفٌن بخٌالهم الخصب وٌسارعون إلى ابتكار مإسس‬
‫أ سطوري لكل مدٌنة تفتقر إلى أسانٌد صحٌحة عند إنشابها‪ ،‬فإنهم لم ٌلبثوا أن أدلوا‬
‫بدلوهم وربطوا نشؤة روما بماضٌهم األسطوري‪ ،‬وأهم هذه األساطٌر التً تربط‬
‫إنشاء روما وبٌن األمٌر الطروادي إنٌاس (‪ )Aeneas‬ابن اإللهه أفرودٌتى ( من‬
‫أنخسٌس الراعً الطروادی )‬

‫لما كانت روم ا قد أنشبت قبل عهد اإلٌطالٌٌن بالكتابة فقد تبارى القدماء على مر‬
‫العصور فً استكمال معلوماتهم التارٌخٌة المتوارثة عن نشؤة هذه المدٌنة بابتكار‬
‫سلسلة من األساطٌر نسج خٌال الرومان بعضها ونسج خٌال اإلؼرٌق بعضها‬
‫اآلخر‪ ،‬إلى أن انتهى األمر بؤن أقر الرومان أسطورة كانت مزٌجا من خٌال‬
‫الرومان واإلؼرٌق معا‪ .‬وقبل نهاٌة القرن الرابع قبل المٌبلد كانت قد تمخضت عن‬
‫عدة أساطٌر رومانٌة فحواها أن اإلله مارس (‪ – )Mars‬إله روما الحارس ‪ -‬أنجب‬
‫سفاحا من ابنة ملك ألبا لونجا المسماة إٌلٌا‪.‬‬

‫وبٌان ذلك أنه قد هاجر المحارب الطروادي اٌنٌاس ‪ Aineias‬ابن االلهه فٌنوس‬
‫والطروادي أنكٌسٌس ‪ ، Anchises‬وقد تزوج اٌنٌاس من ابنة الملك الطروادي‬
‫برٌام ‪ ،Priamos‬وبعد مؽامرات عدٌدة فً مختلؾ أرجاء البحر االبٌض‬

‫‪34‬‬
‫المتوسط‪ ،‬رسا هذا المؽامر بسفٌنته على شواطًء نهر التٌبر فً مدخل سهل‬
‫البلتٌوم فً نفس الموقع الذي نزل فٌه االله «ساتورنوس » بعد أن خلفه ابنه‬
‫جوبٌتر على عرش الهة االولٌمب وحل محله ‪ ،‬ومن هنا سمٌت المنطقة بالبلتٌوم‬
‫المشتقه من الفعل البلتٌنً ‪ Latere‬اي اختبا حٌث تواری ساتورنوس فٌها بعد‬
‫فراره ‪ ...‬وقد قام ساتورنوس اعترافا بفضل سكان المنطقة بتعلٌمهم زراعة القمح‬
‫والكرمة‪.‬‬

‫كان الملك التٌنوس ‪ Latinus‬سلٌل االله ساتورنوس ٌحكم منطقة البلتٌوم حٌن‬
‫وصول اٌنٌاس الٌها فزوجه من ابنته الفمٌنٌا ‪ ، Lavinia‬وبعد موت الملك خلفه‬
‫اٌنٌاس على العرش وبنً مدٌنة سماها الفٌنٌوم اكراما لزوجته واصبح شعبه ٌعرؾ‬
‫باسم الشعب البلتٌنً نسبة الى التٌنوس ‪ ،‬وقد اختفى اٌنٌاس فٌما بعد فً اثناء‬
‫عاصفة هوجاء ‪ ،‬فاصبح معبودا لدي شعبه باسم « جوبٌتر القومً ‪ .‬وبعد اختفاء‬
‫اٌنٌاس تولى ابنه اسکاٌنوس او « بولوس » الحكم بعده فقام ببناء مدٌنة البا‬
‫المستطٌلة ‪ ،‬وسرعان ما أصبحت هذه المدٌنه اهم مدٌنة فً البلتٌوم وبعد إسكانٌوس‬
‫بؤحد عشر جٌبل اعتلى عرش ألبا لونجا الشقٌقان نٌومٌتور وأمٌولٌوس‪.‬‬

‫وعرض أمولٌوس ‪ Amulius‬على أخٌه أن ٌختار بٌن اعتبلء العرش أو اقتناء‬


‫ثروة األسرة‪ .‬وعندما اختار نٌومٌتور العرش استخدم أمولٌوس الثروة فً محاولة‬
‫إقصابه عن العرش وتولٌه السلطة بنفسه‪ .‬وخوفا من االنتقام دبر أمولٌوس مكٌدة‬
‫لقتل نٌومٌتور وتنصٌب رٌا سلفٌا ‪ Rhea Siliva‬ابنة نٌومٌتور الوحٌدة راهبة فً‬
‫معبد اإللهه فٌستا تظاهرا بتشرٌفها بهذا المنصب‪ .‬ولكن الحقٌقة أنه أراد أن ٌحرمها‬
‫من إنجاب األطفال الذٌن ٌحاولون االنتقام لجدهم‪ .‬ذلك أن راهبات فستا ال ٌسمح‬
‫لهن بالزواج‪ .‬وبعد أربع سنوات وبٌنما كانت إٌلٌا فً بستان مارس تجلب الماء من‬
‫الٌنبوع اسودت السماء فجؤة وتمثل لها بشر ذو حجم خرافً وجمال رابع‬
‫واؼتصبها‪ ،‬فً رواٌة أخرى تزوجها‪ ،‬وبشرها بعدبذ بؤنها تحمل من ذرٌة اإلله‬
‫مارس نفسه تإمن ٌفوقان سابر البشر فً الشجاعة الحربٌة‪ ،‬ثم حلق فً الجو عابدا‬

‫‪41‬‬
‫إلى السماء فً السحاب‪ .‬وأصبحت إٌلٌا عاجزة عن أداء دورها كراهبة عذراء للربة‬
‫فٌستا‪ ،‬فاستشارت أمها فً األمر وتظاهرت بالمرض‪.‬‬

‫وساور الشك أمولٌوس ‪ ،Amulius‬وبمرور الوقت اكتشؾ أن إلٌا حامل وشکی‬


‫إلى نٌومٌتور الذي كان قد عرؾ القصة برمتها من زوجته‪ ،‬فعرض األمر على‬
‫المجلس الملكً‪ .‬فهل قالت إٌلٌا الحقٌقة ؟ لقد صدقت فٌما قالت حٌث وضعت توأمٌن‬
‫كما أنبؤها بذلك اإلله مارس ولكن أمولٌوس رفض أن ٌصدق ذلك وادعى أن امرأة‬
‫أخرى هً التً أنجبت الطفل الثانً وأن هذه القصة الفحشاء من راهبة اإللهة فٌستا‬
‫توجب قتل رٌا سلفٌا التام ولدٌها فً النهر‪ .‬وعلى أٌة حال‪ ،‬فقد استبدل الحكم فً‬
‫فقرته األولى بالسجن االنفرادي اللٌا فً مكان منعزل وذلك نزوال على طلب ابنة‬
‫عمها أي ابنة امولٌوس (أسماها بلوتارخوس انتو أي الزهرة) ونفذ كبل من الحكم‬
‫والشفاعة بعد المٌبلد‪ .‬حٌث وضع الطفبلن التوأم فً صندوق حمله أتباع أمولٌوس‬
‫إلى نهر التٌبر الذي كان ملٌبا بالفٌضان ووضع الرجال الصندوق فً الماء المتدفق‪،‬‬
‫فحمله إلى أن رسا عند سفح تل ببلتٌنٌوم ولما انحسر الماء رسا الصندوق على قاع‬
‫المجرى وتقلب التوأمان فً الوحل وهما ٌصرخان بجوار إحدى شجرات التٌن‪.‬‬
‫وعندبذ ظهرت ذببة ‪ Lupa‬ذات ضرع منتفخ (ألنها وضعت منذ فترة وجٌزة)‬
‫فنظفت الطفلٌن لعقا بلسانها وأرضعتهما‪.‬‬

‫رأى فاوستولوس‪ ،‬راعً قطعان الملك‪ ،‬ذلك المشهد المعجز فنزل من فوق التل‬
‫وأنقذ التوأمٌن‪ .‬وانسحبت الذببة فً هدوء إلى كهؾ قرٌب مقدس عند اإلله بان بٌنما‬
‫حمل فاوستولوس الطفلٌن إلى زوجته‪ .‬واآلن استطاع فاوستولوس أن ٌعرؾ هوٌة‬
‫التوأم‪ :‬فقد كان فً ألبا لونجا عندما شاعت والدة رٌا سلفٌا التوأم كما هٌؤت له‬
‫السماء فرصة اصطحاب خدم الملك المبعوثٌن فً مهمتهم إلى تل ببلتٌنٌوم‪ .‬ولم ٌكن‬
‫األمر كذلك فقط‪ ،‬بل إن زوجته الرٌنشٌا ‪ Larentia‬ما لبثت أن وضعت طفبل مٌتا‪.‬‬
‫ولهذا فقد تعهدا بتربٌة الطفلٌن سرا واسماهما رومولوس ‪ Romulus‬ورٌموس‬
‫‪ Remus‬نسبة إلى روما (أي حلمة الثدي) إشارة إلى معجزة رضاعتهما‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫تربى الولدان وشبا على الوسامة والشجاعة والروح المعنوٌة المرتفعة كما ٌتربی‬
‫أطفال الملوك الذٌن ولدوا بمعجزات أسطورٌة‪ .‬وكانا ٌكرهان الكسل‪ ،‬فؤمضٌا‬
‫وقتهما فً التمرٌنات البدنٌة والصٌد ومطاردة اللصوص وإؼاثة الملهوفٌن من‬
‫براثن الظلم‪ .‬ولكنهما سلكا منهج أبٌهم بالتبنً‪ ،‬فكانا راعٌن لقطعان األؼنام ٌرعٌانها‬
‫فً تل ببلتٌنٌوم‪ .‬وكثٌرا ما كان ٌدب بٌنهما وبٌن رعاة نٌومٌتور شجار فً تل‬
‫أفٌنتٌنوس حول الرعً فً التلٌن‪ .‬وذات ٌوم بعد أن بلػ التوأمان الثامنة عشر استؽل‬
‫رعاة نٌومٌتور ؼٌاب رومولوس فً أحد مراسم األضاحً فشنوا هجوما شامبل‪،‬‬
‫وتولى رٌموس قٌادة المقاومة ولكنه وقع فً أحد الكمابن أسٌرا لدي نٌومٌتور‪.‬‬

‫وعند عودة رومولوس ‪ Romulus‬قرر إنقاذ شقٌقه فورا‪ ،‬ولكن فاوستولوس باعد‬
‫بٌنه وبٌن التسرع المحموم‪ ،‬وأبلؽه قصة مولدهما وتربٌتهما كاملة‪ .‬ووضعا خطة‬
‫مشتركة أكثر شموال لتحرٌر أسرة نٌومتور جمٌعها من جبروت أمولٌوس وأول‬
‫مرحلة من مراحل الخطة هً الحشد التدرٌجً ألكبر عدد من المإٌدٌن فً الساحة‬
‫فً ألبا لونجا بدون إثارة أٌة شكوك‪ .‬وفً الوقت ذاته أحضر رجال نٌومٌتور األسٌر‬
‫رٌموس أمام الملك وأدانوه فٌما نسبوا إلٌه من اتهامات‪ ،‬واقتادوه إلى بٌت نٌومٌتور‬
‫لتوقٌع الجزاء علٌه‪ .‬وتؤثر نٌومٌتور بقوامه وبسلوكه فسؤله عن أصله‪ ،‬ومن إجابته‬
‫استطاع أن ٌتوصل إلى حقٌقة أمره‪ .‬وقص القصة على رٌموس وطلب معاونته ضد‬
‫أمولٌوس ثم أرسل مبعوثا موثوقا فً كفاءته إلحضار رومولوس‪ .‬وكان رومولوس‬
‫فً ذلك الوقت قرٌبا من المدٌنة ٌعد قواته فً مواقعها‪ .‬وانضم إلى رٌموس ونٌو‬
‫مٌتور وراحوا جمٌعا ٌخططون للهجوم‪ .‬واختمرت فكرة المإامرة‪ .‬وذهب‬
‫فاوستولوس إلى إٌلٌا لٌحضر الدلٌل األكٌد وهو الصندوق الذي احتواهما إلبعادهما‬
‫واستوقفه حراس الملك عند بوابة المدٌنة واضطروه إلى أن ٌعرض علٌهم ما حاول‬
‫إخفاءه‪ .‬وتعرؾ أحد الحراس على الصندوق من المهمة التً كلؾ بها منذ ثمانً‬
‫عشرة سنة‪ ،‬واقتٌد لٌمثل أمام الملك‪ ،‬وجرى استجوابه بشدة‪ ،‬واضطر فاوستولوس‬
‫إلى االعتراؾ بؤن التوأمٌن أحٌاء‪ ،‬ولكنه أوری بؤنهما ٌرعٌان القطعان بعٌدا عن‬
‫المدٌنة‪( .‬ولم ٌعرؾ أمولٌوس بطبٌعة الحال هوٌة الراعً الذي اقتٌد توا إلى‬
‫‪41‬‬
‫نٌومٌتور) وعرض أن ٌذهب فٌحضرهما أمام الملك‪ .‬أما الصندوق فقد أخذه‬
‫لٌعرضه على إٌلٌا التً سمع أنها فً كفالة الملك‪.‬‬

‫وأرسل أمولٌوس الراعً فاوستولوس تحت حراسة مشددة لٌحضر التوأمٌن وأرسل‬
‫مبعوثا آخر لٌحضر نٌو مٌتور حتى ٌضعه تحت المراقبة عندما ٌتعامل مع ولدي‬
‫إٌلٌا المفقودٌن منذ زمن بعٌد ولكن المبعوث ؼٌر والءه فحذر نٌومٌتور من مإامرة‬
‫أمولٌوس وحثه على أن ٌتخذ إجراء فورٌا‪ .‬واجتاحت القلعة القوات المشتركة ألتباع‬
‫نٌومٌتور والحشد الرٌفً الهابل فً الساحة تحت قٌادة التوأمٌن وقتل أمولٌوس‬
‫وأعاد نٌو مٌتور إلى عرشه الذي ٌستحقه‪ .‬وٌإكد بعض المإلفٌن أن روما أسسها‬
‫التوأمان سوٌا‪ .‬وبعدبذ إما أن ٌكون رومولوس قد أصبح طاؼٌة وقتل شقٌقه ونتٌجة‬
‫لذلك نشبت الحرب األهلٌة)‪ ،‬أو أن ٌكون رٌموس عاش عمرا أطول من عمر‬
‫رومولوس‪.‬‬

‫وتروي األسطورة أن األخوٌن كان قد قدما قربانا لآللهه مع بداٌة اإلعداد إلقامة‬
‫المدٌنة فؤوحت إشارات العرافة عن طرٌق الطٌور بؤن اآللهة قبلت قرابٌن‬
‫رومٌولوس ولم تقبل قرابٌن رٌموس وهو ما ٌوحً بتفضٌل اآللهة لرومٌولوس على‬
‫رٌموس لٌكون ملكا على المدٌنة الولٌدة‪ .‬ؼضب رٌموس وكان حانقا بسبب تجاهل‬
‫االلهة له واختٌارها الخٌه ‪ ،‬فقفز عن السور صابحا‪ « ،‬هل لمثل هذه الحواجز آن‬
‫تصون مدٌنتك ؟‪ .‬فاستشاط رومولوس ؼضبا وقتل أخاه صابحا ‪ «:‬هكذا سٌهلك كل‬
‫من ٌجتاز أسوار مدٌنتً»‪ .‬وبذا انفرد رومولوس بالسلطة ‪ ،‬وأكمل بناء روما على‬
‫آثار الدماء التً سفكت فٌها ‪ ،‬والتً سٌتسبب اهلها فً سفكها طوال قرون عدٌدة بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وذكر أن رومولوس قد وسع من نطاق مدٌنته الجدٌدة وشجع العبٌد المحاربٌن‪ ،‬بل‬
‫وحتى المجرمٌن على اإلقامة فً المدٌنة الجدٌدة ‪ .‬ولما كان قد أقٌم فً الفوروم‬
‫الرومانً فً عام ‪ ۰۲6‬ق‪.‬م تمثال من البرونز لذببة ترضع طفلٌن توأمٌن من‬
‫البشر‪ ،‬وكان هذا المنظر قد صور على النقود الرومانٌة التً سكت فً عام ‪۰6۱‬‬

‫‪43‬‬
‫ق‪.‬م فإن هذا ٌدل على أنه منذ أوابل القرن الثالث قبل المٌبلد كانت المعالم الربٌسٌة‬
‫لهذه األسطورة شابعة مقبولة فً روما)‪.‬‬

‫وٌبدأ بلوتارخوس بحثه بالتساإل عن معنى لفظ روما و السبب الذي جعلها تطلق‬
‫على العاصمة الرومانٌة وبٌن تضارب التفسٌرات واألقاوٌل فً ذلك‪ .‬ولكنه ٌقول إن‬
‫الرأي الؽالب ٌرى أن بعد سقوط طروادة هرب بعض البلجبٌن وركبوا السفن‬
‫وراحو ا ٌضربون فً البحر وٌضرب البحر بهم‪ ،‬حتى وصلوا إلى شاطا توسكانٌا‬
‫(‪ )Tuscania‬عند مصب نهر التٌبر‪ ،‬وهناك قامت إحدى األمٌرات الطروادٌات‬
‫المهاجرات واسمها روما بحرق السفن حتى ال ٌفكر الرجال فً الرحٌل ألنهن ضقن‬
‫ذرعا بالبحر و ركوبه‪ ،‬ولما علم األزواج بهذا انتابهم الؽضب الشدٌد ولكن أمام‬
‫األمر الواقع اضطروا لتدبٌر حٌاتهم فؤقاموا مجموعة من األكواخ الطٌنٌة عند سفح‬
‫تل الببلتٌنٌوم (‪ )Platunium‬وسرعان ما استطاعوا اإلقامة‪ ،‬فالبلد ثرى وأرضه‬
‫بركانٌة خصبة‪ ،‬كما وجدوا سكانها كرماء مضٌافٌن ومن ثم توجهوا بالشكر‬
‫والعرفان إلی األمٌرة " روما" وكرموها بؤن أطلق اسمها على القرٌة التً أقاموها‬
‫وٌقول بلوتارخوس‪ ،‬إن هذا‪ ،‬كما ٌدعون ٌشرح عادة النساء الرومانٌات فً تقبٌل‬
‫أزواجهن وأقاربهن عند التحٌة‪ ،‬ألن روما وصوٌحباتها أخذن ٌقبلن الرجال تهدبة‬
‫لؽضبهم عندما علموا أن السفن قد أحرقت‪.‬‬

‫و عند أواخر القرن الثالث قبل المٌبلد صاغ مإرخو الرومان وشعراإهم من‬
‫عناصر األساطٌر المحلٌة واألسطورة اإلؼرٌقٌة األسطورة التقلٌدٌة لتؤسٌس روما‪.‬‬
‫وظلت هذه األسطورة متوارثة جٌبل بعد جٌل مع بعض اإلضافات والتعدٌبلت إلى‬
‫أن أخذت شكلها النهابً فً عصر اإلمبراطور أؼسطس‪ .‬وتتلخص هذه األسطورة‬
‫فً أنه بعد مجًء إٌنٌاس إلى التٌوم أسس مدٌنة الفٌنٌوم‪ .‬وأن ابنه إسكانٌوس لم‬
‫ٌعجبه موقع المدٌنة ألنها فً مكان منخفض فؤسس مدٌنة ألبا لونجا "ذات الجدار‬
‫األبٌض الممتد" التً أصبحت عاصمة لسهل التٌوم بؤكمله‪ ،‬وأنه بعد أن خلؾ‬
‫إسكانٌوس فً حكم مدٌنته عدد من سبللته قام واحد من هذه السبللة كان ٌدعی‬

‫‪44‬‬
‫رومٌولوس بتؤسٌس مدٌنة روما‪ .‬وأهم نقطة اختلؾ فٌها الكتاب الرومان تتركز‬
‫حول تارٌخ إنشاء روما‪ .‬إذا أرجع الشاعر إنٌوس هذا التارٌخ إلى عام ‪ ۰0۱‬ق‪.‬م‬
‫وحوالى منتصؾ القرن الثانً قبل المٌبلد أٌد كاتو الرومانً وبولٌبٌوس اإلؼرٌقی‬
‫تارٌخ فابٌوس‪ .‬ولكنه نتٌجة للبحوث التً قام بها الفقٌه الرومانً فارو فً خبلل‬
‫القرن األول قبل المٌبلد أصبح عام ‪ ۰53‬ق‪.‬م هو التارٌخ الرسمً لتؤسٌس المدٌنة‬

‫وإزاء االفتقار إلى مدونات أصلٌة عن نشؤة روما ال ٌسع الباحث المدقق إال االعتماد‬
‫على المخلفات األثرٌة التً كشؾ عنها فً موقع هذه المدٌنة‪ .‬وٌستخلص من هذه‬
‫الكشوؾ أنه كانت أصبل فً المكان الذي قامت علٌه روما ثبلث جماعات قروٌة‬
‫على األقل‪ ،‬وأن أقدم هذه الجماعات كانت الجماعة التً نزلت على تل ببلتنٌوم منذ‬
‫حوالً عام ‪ ۱44‬ق‪.‬م‪ ،‬وٌتبٌن من المقابر التً وجدت تحت الفوروم أن بعضها‬
‫معاص رة لدفن الموتى وبعضها لدفن رماد الذٌن أحرقت جثثهم وهذا ٌدل على وجود‬
‫نوعٌن على األقل من الحضارة‪ .‬وبزٌادة عدد مقابر النوع الثانً على عدد مقابر‬
‫النوع األول ٌشٌر إلى أن أكثر سكان روما األوابل كانوا من سبللة الجنس الهندي ‪-‬‬
‫أوربً‪ .‬وهو الذي وفد أكثره فً أواخر عصر البرونز وأقله من أوابل عصر‬
‫الحدٌد‪ .‬وإذا ما أكملنا مشوارنا وتحققنا فً المادة األثرٌة المتاحة من الحفابر التً‬
‫تمت حتى تارٌخه‪ ،‬تطالعنا بقاٌا آثار أولبك فٌما ٌخص مقابرهم بالمبلحظات التالٌة‪:‬‬

‫أ‪ -‬كان سكان إٌطالٌا القدماء‪ ،‬إبان العصر الحجري الحدٌث ٌدفنون موتاهم داخل‬

‫خنادق أو حفر‪ ،‬مدعمة األركان بؤلواح حجرٌة‪ .‬وتعتبر تلك الوسٌلة أو طرٌقة الدفن‬
‫البدابٌة هذه‪ ،‬هً أقدم عادات دفن الموتى عند أقدم جماعات بشرٌة أوروبٌة‪،‬‬

‫وتسبق ٌذلك مثٌبلتها فً المرحلة المبكرة من تارٌخ الحضارة المٌبلدٌة‪.‬‬

‫ب‪ -‬كانت إجراءات الدفن مصحوبة بإجراءات ثبلثة هً‪:‬‬

‫‪ )۰‬وضع المٌت على هٌبة القرفصاء‪ ،‬أو كوضع الجنٌن داخل رحم أمه‪ ،‬وهً‬

‫‪45‬‬
‫المعروفة بالٌونانٌة‪.‬‬

‫‪ ) ۰‬دفن المٌت بمبلبسه وحلٌه واسلحته ومعه بعض اآلنٌة الفخارٌة الملٌبة ببعض‬
‫أنواع الطعام والحبوب‪.‬‬

‫‪ )3‬دهان الهٌكل العظمی (‪ )Skeleton‬للمٌت بنوع من الؽراء‪.‬‬

‫رومولوس وخلفاءه حكام روما الملكٌة‬


‫ولجؤ رومولوس من اجل اكثار سكان مدٌنته الى اجتذاب اكبر عدد من الناس فقام‬
‫ببناء ملجا على تل الكابٌتولٌوم‪ ،‬أوى الٌه االبقون واللصوص والمشردون‬
‫والمؽامرون ‪ ،‬ولكن جٌرانه من السابٌنٌٌن رفضوا تزوٌج بناتهم لهإالء الرومان ‪،‬‬
‫فلجؤ رومولوس الى الحٌلة‪ ،‬ودعاهم الى حفل ‪ ،‬ثم ارسل اتباعه فاختطفوا بناتهم‬
‫وتزوجوهن وكان ذلك سببا لحرب كانت سجاال بٌن الطرفٌن ‪ ،‬ثم عقد الصلح بٌن‬
‫الطرفٌن بتوسط النساء السابٌنٌات‪ ،‬واصبح بنتٌجة ذلك (رومولوس ) و( تاتٌوس )‬
‫السابٌنً ملكٌن علٌهم ٌحكمان معا ‪ ،‬ولكن تاتٌوس قتل فً حرب خاضها ضد‬
‫األقوام المجاورة ‪ ،‬فبقً رومولوس وحده حاكما منفردا على الرومان والسابٌنٌٌن‬
‫ولكن رومولوس اختفى بعد مدة فً عاصفة هوجاء فً أثناء احتفال دٌنً ‪ ،‬واختلؾ‬
‫الرومان والسابٌنٌٌن‪ .‬لمدة سنة فً تعٌٌن خلؾ له ‪ ،‬واتفقا أخٌرا على أن ٌقوم‬
‫الرومان بانتخاب ملك من السابٌنٌٌن علٌهم ‪ ،‬فانتخب «نومابومبلٌوس» السابٌنً‬
‫وزوج إحدى الربات ملكا وقد اشتهر بالتقى والورع ‪ ،‬واصلح التقوٌم ‪ ،‬ونظم‬
‫للرومان مإسساتهم الدٌنٌة وشجعهم على الزراعة ‪ ،‬ووزع علٌهم األراضً التً‬
‫خلفها رومولوس ‪ ،‬وبارتقابه العرش ٌبدأ حكم ثبلثة ملوك سابٌنٌٌن خبلل(‪ )۲۲‬سنة‬
‫من (‪ )6۰6-۰۰5‬ق‪.‬م ‪ .‬وانشؤ معبدا لبلله جانوس ‪ ،‬وكانت أبواب هذا المعبد تفتح‬
‫فً حالة الحرب وتؽلق فً أثناء حالة السلم كما شٌد معبدا لبللهة ( فٌستا‬
‫‪.")Vesta‬‬

‫‪46‬‬
‫وخلفه ( توللوس هوستٌلٌوس ‪ ، ) Tulus Hostilius‬وبحكمه ابتدأ حكم الملوك‬
‫البشر فً روما ‪ ،‬ونشبت فً زمنه الحرب بٌن روما ومدٌنة البا المستطٌلة ‪ ،‬وقد‬
‫اصطرع خبللها ثبلثة ابطال من روما (االخوة موراتٌوس) مع االبطال االلبٌنٌٌن‬
‫الثبلثة « االخوة كورٌاس» فتؽلب األبطال الرومان على خصومهم‪ ،‬وبذا ورثت‬
‫روما من البا زعامتها على البلتٌوم وسٌطرتها علٌه ولكن البا ما لبثت ان تمردت‬
‫على روما فقام الرومان باحتبللها وهدمها واصبح الكابٌتول بنتٌجة ذلك المعبد‬
‫الربٌسً لسكان البلتٌوم بدال من جبل « كافو ‪ » Cavo ،‬المكان المقدس عند سكان‬
‫البلتٌوم القدماء وعندما فسدت عبلقات الملك المحارب توللوس مع اآللهة ؼضب‬
‫‪ 6۰6 -604‬ق‪.‬م‪.‬‬ ‫علٌه جوبٌتر وقذؾ مقره بالصاعقة فخلفه انكوس مارتٌوس‬
‫ومن أهم أعماله بناء جسر سوبلٌسٌوس ‪ ،Sublicius‬ومٌناء اوستً على مصب‬
‫التٌبر‪ ،‬وحصن تل الجانٌكول لحماٌة روما من الؽرب ‪.‬‬

‫وقد وفد فً اٌامه الى روما من أترورٌا شخص من كورنثه فً الٌونان ‪ ،‬فؤوكل إلٌه‬
‫الملك الوصاٌة على أوالده ‪ ،‬وبعد موته تولى الوصً تاركوٌنوس الحكم ‪ ،‬وانتهى‬
‫بذلك حكم الملوك السابٌنٌٌن ‪ .‬وبدأ عهد الملوك االتروسكٌٌن‪ ،‬الرومان " ‪ .‬حٌث‬
‫توالى على العرش ثبلثة ملوك أتروسكٌٌن امتد حكمهم منذ (‪ )54۲ - 6۰6‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫وأول هإالء الملوك كما رأٌنا هو الوصً ( تاركوٌنٌوس القدٌم ) وكان لقبه قبل‬
‫تولٌه الحكم ( لوکومون ) ‪ Lucumon‬وتعنً « شٌخ قبٌلة» او ربٌس ‪ ،‬ومن اهم‬
‫انجازاته فً روما بناء الفوروم ‪ ،‬والملعب الكبٌر ‪ ،‬و «مجری روما الكبٌر » ‪ ،‬كما‬
‫عمل على تجفٌؾ المستنقعات‪ ،‬وبذا توسعت مساحة األراضً القابلة للزراعة كما‬
‫اخضع البلتٌن والسابٌن واألتروسكٌن لحكمه‪ ،‬وزاد أعضاء مجلس الشٌوخ فعٌن «‬
‫‪ » ۰44‬شٌخ جدٌد ‪ ،‬وقد قتله ابناء الملك انكوس مارتٌوس انتقاما ألبٌهم ‪ ،‬فتولی‬
‫بعده الحكم صهره « سٌرفٌوس تولٌوس » ( ‪ )530 -5۰۱‬ق‪.‬م‪ .‬وتنسبه الرواٌات‬
‫األتروسكٌه الى الزواج بٌن أمة كانت تعٌش فً قصر الملك واالله الحارس للقصر‬
‫الملكً ( نصفه بشر ونصفه اله ) ‪ ،‬وقد أقام التنظٌمات اإلدارٌة األولى فً روما‬
‫حٌث قسمها الى عدة دوابر كما قسم اراضٌها الى مناطق متعددة وقسم السكان إلى‬
‫‪47‬‬
‫خمس طبقات حسب ثرواتهم كما بنى السور الجدٌد حول روما ‪ ،‬وقد انتهى أمره‬
‫نتٌجة مإامرة قام بها صهره ( تاركٌنٌوس المتعالً ) ‪ ،‬وقد اشتهر بجرابمه وحكمه‬
‫المستبد بدأ حكمه بإلؽاء كل تنظٌمات سلفه ‪ ،‬وبسبب ظلمه‪ ،‬وخوفا على حٌاته قام‬
‫باتخاذ حرس خاص لحماٌته ‪ .‬اما اهم منجزاته العمرانٌة فهً بناء المعبد المكرس‬
‫للثالوث االلهً ‪ ،‬كما اشتهر بحروبه المتوالٌة ضد األقوام المجاورة وبخاصة‬
‫البلتٌنٌن والسابٌنٌٌن وقد أثارت تصرفاته المستبدة شعبه فثار علٌه وطرده و طرد‬
‫االسرة الملكٌة كلها من روما ‪ ،‬وبطردها سقطت الملكٌة وبدأ العهد الجمهوري فً‬
‫روما‪.‬‬

‫ومما ٌبلحظ على ملوك األتروسكٌٌن فً روما هو ‪ :‬ان الملوك األتروسكٌٌن الثبلثة‬
‫وصلوا إلى العرش باالؼتصاب ‪ ،‬وان اثنٌن منهم قتبل وطرد الثالث ‪ ،‬وان الزعٌم‬
‫الذي قاد الثورة ضد االتروسكٌٌن التٌنً األصل ‪ ،‬وهذا ٌشٌر الى الصراع المرٌر‬
‫الذي دار بٌن االتروسكٌٌن والبلتٌن‪ ،‬والى الدور الذي لعبه البلتٌن فً طرد‬
‫االتروسكٌٌن من البلتٌوم‪.‬‬

‫إن الرواٌات التً أوردناها عن إنشاء مدٌنة روما واستٌطان سهل البلتٌوم هً‬
‫مجرد أساطٌر تعكس بعض الحقٌقة اذا امكن دراستها بطرٌقة علمٌة سلٌمة‪ ،‬اذ ٌمكن‬
‫اعتبار كل ما ورد فٌها مختلؾ‪ .‬وخرافً ‪ ،‬وال ٌمت بصلة لماضً البلتٌوم وروما ‪،‬‬
‫ولذا ٌجدر بدارس التارٌخ الرومانً أن ٌجمع ما بٌن االسطورة وما توصلت الٌه‬
‫دراسات وابحاث اللؽوٌٌن وعلماء اآلثار‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫مظاهر الحضارة الرومانٌة فً‬


‫العصر الملكً (‪ 514-753‬ق‪.‬م)‬

‫‪44‬‬
‫مظاهر الحضارة الرومانٌة فً العصر الملكً‬
‫(‪ 514-753‬ق‪.‬م)‬
‫ال ٌزال شخص رمولوس اسطورًٌا وتذكر التقالٌد أن ستة ملوك قد خلفوه ( أو سبعة‬
‫باضافة تٌتوس تاتٌوس ) وٌعتقد البعض أنهم من ابتداع عوابل االشراؾ ( البطارقة‬
‫) العطاء تمٌٌز لهم عن العامة ‪ .‬وٌظهر أن إثبات الملوك قد دون فً القرن الخامس‬
‫ق‪.‬م‪ .‬واألسماء فٌه لٌست مبتدعة أو مختارة لتعظٌم عوابل معٌنة ‪ ،‬وان الملوك‬
‫الستة من نوما إلى تارکوٌنٌوس األخٌر ٌظهر أنهم حكموا روما فعبل حتی تاسٌس‬
‫الجمهورٌة ‪ .‬وٌرفض الؽالبٌة تٌتوس تاتٌوس بالرؼم من أن تمثاله موجود فً‬
‫الكابٌتول مع تماثٌل الملوك اآلخرٌن ألن مرکزه وأسمه قد ظهر فً مرحلة متؤخرة‬
‫إلعطاء دور الى احدى القبابل كما تدخل المعترك السٌاسً زمن الجمهورٌة‪.‬‬

‫اذا كان العنصر األسطوري الٌزال ٌخٌم على ملوك روما األوابل فإن المإسسات‬
‫السٌاسٌة ‪ ،‬االجتماعٌة‪ ،‬الدٌنٌة واالقتصادٌة الشك فٌها‪ ،‬والنعرؾ شٌبا عن أصل‬
‫الملكٌة فً روما وأن عدم كونها وراثٌة ٌدل على أن السلطة كانت بٌد الجمهور و‬
‫ربما كان ٌختار من عابلة نبٌلة ثم ٌوافق علٌه الجمهور ‪ .‬وقد نسب إلى الملك األول‬
‫( نوما ) تؤسٌس الجهاز المدنً والتنظٌم العسكري وللثانً المإسسات الدٌنٌة ‪ .‬ولم‬
‫ً‬
‫ارتباطا عرقٌة أو اتصاال شخصًٌا باآللهة ‪ .‬وان سلطنة ال حدود لها‬ ‫ٌدع الملك‬
‫وٌعاقب من ٌخرج على أوامره ‪ .‬وكانوا ٌرتدون الحلل األرجوانٌة وٌركبون العربة‬
‫العاجٌة مع مرافقٌن ٌحملون الصولجانات والفإوس رمزي سلطة الملكٌة ‪ .‬وهو‬
‫رأس الدولة وٌخول اإلشراؾ على المراسٌم الدٌنٌة أمثال طقوس جوبٌتر‪ ،‬ومارس‬
‫وكوٌرٌنوس الى رجال ٌختارهم من طبقة البطارقة وٌرعى نار فٌستا الخالدة ستة‬
‫من عذاري ٌتم اختٌارهن لمدة ثبلثٌن عاما من العوابل النبٌلة ٌعشن خبللها فً عزلة‬
‫‪ .‬وعهد تفسٌر قانون طقوس الدولة إلى لجنة من خمسة موظفٌن كبار وتفسٌر‬
‫الفإول إلى لجنة من ثبلثة عرافٌن ٌرشحهم الملك من طبقة البطارقة ‪ .‬وعدا القٌام‬

‫‪51‬‬
‫ببعض طقوس األضاحً فان الملك ال ٌقوم بؤي واجب دٌنً خبل تحدٌد تقوٌم السنة‬
‫‪ ،‬فقد كان للرومان واالٌطالٌٌن سنة تتؤلؾ من اثنً عشر شهرا عدد أٌامها ‪ ۰۲‬و‪34‬‬
‫على التوالً وٌتم تبلفً النقص بإدخال شهر كبٌس قوامه ‪ٌ ۰3‬وما بكل ‪ .‬عدد من‬
‫السنٌن ‪.‬‬

‫ا‬
‫أوال‪ :‬النظام السٌاسً‬

‫الملك‬

‫كانت المبلمح الربٌسٌة للتنظٌم السٌاسً لمدٌنة روما فً القرن األول قبل إنشابها ال‬
‫تختلؾ كثٌرا عما كان شابعا فً أٌة مدٌنة من مدن الدولة التً عرفها العالم القدٌم‪.‬‬
‫فالعامة ‪ Plebes‬كانوا ٌجمعون من حٌن آلخر فً مجلس ٌدعى مجلس األحٌاء‬
‫‪ٌ Comita Curiatess‬جتمع فٌه هإالء بحسب األحٌاء التً ٌسكنونها والتً‬
‫تنقسم إلٌها روما‪ .‬ولم تكن مهمة هذا المجلس‪ ،‬فً الواقع‪ ،‬تزٌد على أكثر من‬
‫الموافقة على القرارات التً ٌصدرها مجلس الشٌوخ ‪ Senatus‬الذي كان ٌضم‬
‫أرستقراطٌة روما من كبار أصحاب األراضً‪ ،‬وهً الطبقة التً كانت تسمى طبقة‬
‫األشراؾ أو اآلباء ‪ .Patrich‬وقد كانت سٌادة هذه الطبقة األخٌرة اقتصادًٌا العتماد‬
‫صؽار المبلك علٌهم اجتماعٌة واقتصادٌة‪.‬‬

‫ٌمثل أعلى الهرم فً هذا التنظٌم السٌاسً الملك ‪ Rex‬الذي كانت بٌده السلطات‬
‫السٌاسٌة والقضابٌة والعسكرٌة ‪ ،‬إال أن الصفة الدٌنٌة كانت هً الؽالبة ‪ .‬فهو الذي‬
‫ٌقدم الذبابح لآللهة ‪ .‬وٌتولى وضع التقوٌم السنوي بمساعدة كبار رجال الدٌن من‬
‫األحبار ‪ . Pomtites‬فتحدد فٌه األعٌاد‪ .‬وٌبدأ عد السنٌن بدءا من عهد الملك ‪.‬‬
‫وزٌادة فً األبهة كان الملك ٌلبس على رأسه تاج ذهبٌة‪ .‬وٌرتدي ثوبا مخملٌة‪،‬‬
‫وٌحٌط به الحراس حملة الفإوس تمٌٌزا له عن بقٌة األباء ‪ .‬وٌقٌم فً بٌت مقدس‬
‫‪ Lexregia‬قرب معبد‪ .‬وٌترأس الملك احتفاالت النصر بالركوب فً عربة‬
‫مكشوفة مرتدٌة اللباس األحمر‪ ،‬ملوحً ا بصولجانه العاجً‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫وبالرؼم من أن حكم الملك لم ٌكن وراثٌا‪ ،‬بل كان موظفا منتخبا من قبل مجلس‬
‫الشٌوخ‪ ،‬الذٌن لم ٌزد عددهم فً العهد الملكً عن مبة شٌخ‪ ،‬ثم ٌوافق على انتخابه‬
‫مجلس األحٌاء بصفة صورٌة‪ .‬وبمجرد تولً الملك الحكم كان ٌجمع فً قبضته‬
‫سلطة مطلقة ‪ Imperim‬ال تحدها أٌة قٌود حتى أنه ٌدخل فً نظامها حق الحٌاة‬
‫والموت على المواطنٌن‪.‬‬

‫‪ .‬كانت السلطة الملكٌة المطلقة (‪ ، )imperium‬هً بمثابة تفوٌض شعبً الشخص‬


‫ما لكً ٌحكم بالحدٌد والنار ‪ ،‬فمن ٌحصل علٌها عن طرٌق شرعی ‪ .‬وجبت طاعته‬
‫طاعة عمٌاء ‪ ،‬وال سبٌل إلى مقاومة تلك السلطة ‪ ،‬طالما أن الشعب هو الذي كان‬
‫ٌمنحها وفقا إلجراءات معٌنة ‪ ،‬تخلع على صاحبها الصبؽة الشرعٌة ومن هذه‬
‫اإلجراءات ما ٌلً‪:‬‬

‫‪ .۰‬قرار بإجماع شعبً إلعطاء تلك السلطة لذلك الشخص ‪ ،‬أی البد من أخذ‬
‫موافقة مواطنً الدولة على هذا االختٌار لهذه المهمة ‪.‬‬

‫‪ .۰‬اعتماد واقرار الهة الدولة لذلك ‪ ،‬عن طرٌق إظهار فال حسن بخصوصها‬
‫عند إجراء طقوس التنصٌب التً كانت تقلٌدٌة ‪ .‬والبد أال ٌقع فٌها أي خطؤ ‪،‬‬
‫وإال أصبح اختٌار الحاكم ( الملك ) باطبل‪.‬‬

‫كانت السلطة الملكٌة (‪ )Imperium‬ذات ثبلث دالالت أو صاحبة ثبلثة مٌادٌن ‪،‬‬
‫تمارس فٌها نفوذها ‪ ،‬وتثبت وجودها ‪:‬‬

‫فً الشئون الدٌنٌة ‪ :‬لما كان المجتمع القدٌم ‪ ،‬مازال فً مراحل تطوره األولى ‪،‬‬
‫حٌث لعب الدٌن دورا أساسٌا وجوهرٌا فً استقرار سبلم المجتمعات البشرٌة ‪ ،‬فقد‬
‫كان الناس فً مدٌنة روما القدٌمة شؤنهم فً ذلك شؤن معظم األمم األخرى ‪ ،‬فً تلك‬
‫الحقبة من الزمن ٌعتقدون أنه إذا لم ٌستطع الملك ‪ -‬وهو المسبول األول فً نظرهم‬
‫‪ -‬أن ٌفوز برضاء اآللهة عن مجتمعهم ومدٌنتهم (مما ٌحقق سبلما سماوًٌا ( ‪Pax‬‬
‫‪ٌ )Deorum‬عود بالنفع والخٌر العمٌم على أهل األرض ‪ ،‬الذٌن ٌحرصون على‬

‫‪51‬‬
‫دوام قٌام رابطة الحب والطاعة لبللهة وٌحسنون تقوى السماء فً عبلقاتهم ببعض‬
‫وبٌنهم وبٌن قوی الطبٌعة ‪ ،‬حتى ال تؽضب علٌهم بالكوارث والمصابب ) فإنهم ال‬
‫شك مالكون‪.‬‬

‫ولما كان الملك ال ٌمكنه القٌام بؤعباء تؤدٌة فروض الطاعة والوالء أللهة المدٌنة‬
‫وحده ‪ ،‬فإنه استعان بمجلس صؽٌر من رجال الدٌن ‪ ،‬وهم الكهنة (‪)Pontifices‬‬
‫إلى جانب المجلس األصؽر من العرافٌن (‪ )Augures‬الذٌن كانوا متمرسٌن على‬
‫تفسٌر الطوالع والظواهر الطبٌعٌة تفسٌرا دٌنٌا وكذلك التنبإ بمشٌبة االلهة‪.‬‬

‫وهكذا فإننا نجد أن سلطة الملك الدٌنٌة لم تكن مطلقة ‪ ،‬فقد قٌدها وجود الكهنة‬
‫والعرافٌن الذٌن كانوا هم المصدر الحقٌقً وراء أي قرار ملكً فً الشبون الدٌنٌة‪.‬‬

‫فً القضاء ‪ :‬كانت حكمة " امبرٌوم" تلك السلطة الملكٌة العلٌا ‪ ،‬تتٌح لصاحبها‬
‫ممارسة النفوذ األعلى فً مٌدان القضاء ‪ ،‬والفصل فً القضاٌا والمنازعات حتى‬
‫ٌنتشر السبلم و ٌستتب األمن فً جنبات المجتمع الرومانً آنذاك ‪.‬‬

‫كان للملك ‪ ،‬فً هذا المجال سلطة مطلقة تماما على خبلؾ الوضع فً الشبون‬
‫الدٌنٌة ‪ -‬وصلت إلى حد توقٌع العقوبات التً ٌراها ‪ ،‬بما فً ذلك عقوبة االعدام ‪...‬‬
‫وبالرؼم من ذلك ‪ ،‬فلم تكن تلك السلطة استبدادٌة دابما ‪ ،‬فقد مارس الحكماء من أهل‬
‫روما دورهم باسم العرؾ وسنة السلؾ فً تحجٌم تلك السلطة المطلقة قانونا ‪ ،‬ذلك‬
‫ألن العرؾ كان أقوى من القانون نفسه‪ ،‬ومارس أقوى الضؽوط على السلطة‬
‫الحاكمة‪ ،‬كما كان من مصلحة الحاكم أن ٌراعً ذلك مراعاة كاملة حتى ٌضمن‬
‫رضاء اآللهة ‪ ،‬وحب الناس على السواء ‪ .‬وتحقٌقا لتلك الؽاٌة استعان الملك فً‬
‫النهوض بواجب القاضً األكبر أو قاضً القضاة ‪ ،‬بالحكماء من الرومان فً‬
‫صورة مجلس سمً مجلس الشٌوخ (‪ ")senatus‬وهم أباء األسر الرومانٌة الكبٌرة‬
‫‪ ،‬الذٌن كان العرؾ الرومانً ٌلزم الملك باستشارتهم ‪ ،‬وإن لم ٌلزم بقبول مشورتهم‬

‫‪53‬‬
‫‪ .‬بهذه الطرٌقة نجد نظام األسرة الصؽٌرة فً المجتمعات الصؽٌرة‪ٌ ،‬كرر نفسه‬
‫على مستوى الدولة ‪-‬‬

‫كما كان للملك حق دعوة الجمعٌة الشعبٌة (جمعٌة األحٌاء إلخطارهما بقراراته حول‬
‫قضاٌا قانونٌة مثل التبنً ومنح الجنسٌة أو الوصاٌة ‪.‬‬

‫فً المٌدان العسکرى ( الحربً )‬

‫هنا ٌختلؾ األمر عن سابقٌة ‪ ،‬فنجد سلطة االمبرٌوم فً ٌد صاحبها سلطة مطلقة‬
‫بكل معانً الكلمة ‪ ،‬وذلك ألن الرومان كانوا ٌعتقدون أن قابد الحرب ‪ ،‬الذي ٌخرج‬
‫بجٌشه خارج أسوار روما ‪ ،‬سٌكون فً منؤى عن رعاٌة الهة المدٌنة ‪ ،‬وسٌصبح‬
‫تحت رحمة الهة أجنبٌة ‪ ،‬مما ٌستلزم أعطاه سلطة مطلقة‪ ،‬دون قٌد من أحد ‪ ،‬هذا‬
‫فضبل عن قٌامهم أنطبلقا من نفس الفكرة السابقة ‪ ،‬بطقوس دٌنٌة خاصة بقصد‬
‫حماٌة الجٌش الرومانً وقراده من األرواح الشرٌرة التً ستحٌط بهم توهم بعٌدٌن‬
‫من ببلدهم والهتهم ‪.‬‬

‫ولكن هذه السلطة المطلقة المستبدة كانت سببا فً انهٌار النظام الملكً بعد تذمر‬
‫الطبقة األرستقراطٌة على عهد الملك لوقٌوس تارکوبنٌوس سوبربوس ‪T .‬‬
‫‪ Lucius Turquinius superbus‬آخر الملوك الذي أطلق علٌه لقب المتعالً‬
‫أو المتكبر ‪ Superbus‬نظرا لتصرفاته المتكبرة والمتجبرة المستبدة ‪ ،‬والتً زاد‬
‫من وقعها على الشعب أنه كان من أصل أجنبً ‪ .‬كان ٌنتمً إلى العنصر‬
‫األتروسكً‪ .‬وبمعنى آخر أنه من ؼٌر العنصر البلتٌنً‪ .‬فلما اشتد ساعد الرومان‬
‫أطاحوا بالملك المستبد‪ ،‬وقضوا على النظام الملكً الفاسد عام ‪ 54۲‬ق‪.‬م‪ .‬الذي‬
‫استمر حوالً القرنٌن ونصؾ تقرٌبا ‪ .‬وأقاموا النظام الجمهوري بعد ما حكم روما‬
‫ستة ملوك ابتسم حكمهم بطابع التنظٌم االجتماعً واالقتصادي من الوجهتٌن القبلٌة‬
‫والدٌنٌة ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫والملك الذي كانت تلتزم بإطاعة أوامره جمعٌة األحٌاء‪ .‬فقد كان علٌه أن ٌؤخذ‬
‫موافقتها على إبرام حكم صدر باإلعدام على أحد المواطنٌن و تؤٌٌده فً أخذ موقؾ‬
‫معٌن من الدخول فً حرب‪ ،‬أو اتخاذ سٌاسة معٌنة ‪ ،‬كما كان من العسٌر على الملك‬
‫تجاه ل مكانة مجلس الشٌوخ التً اخذت بالتزاٌد على مر السنٌن على الرؼم من‬
‫سلطته المطلقة‪.‬‬

‫وتحد من سلطة الملك‪ ،‬سلطة رب األسرة على أفراد أسرته فً نطاق اختصاصه‬
‫القضابً‪ .‬وعلى كل حال فقد ٌتنازل الملك عن بعض الجوانب من سلطاته مثل ‪:‬‬
‫تفسٌر الشرابع الدٌنٌة والحفاظ على تقالٌدها إلى هٌبة كبار الكهنة ‪،Pontifies‬‬
‫واستطبلع رؼبات اآللهة فً بعض األمور إلى هٌبة العراق‪ .‬فضبل عن استعانة‬
‫الملك بهٌبة من القضاة للفصل بٌن جرابم الخٌانة والقتل دون مبرر‪.‬‬

‫جمعية الكور أو مجلس الجماعات‬


‫ومن أجل أن ٌإدي المواطنون واجباتهم نحو الدولة وٌمارسوا حقوقهم العامة على‬
‫أفضل وجه ممكن كان جمٌع المواطنٌن أو بعبارة أخرى جمٌع سكان روما األحرار‬
‫باستثناء العبٌد ٌنتظمون فً قبابل (‪ )tribus‬تنقسم إلى وحدات تسمى کور‬
‫(‪ . ) curiae‬وكان عدد هذه القبابل فً العهد الملكً ثبلثا وهً قبابل تٌتٌس‬
‫(‪ )Tities‬ورمنس (‪ )Ramnes‬ولوقرس (‪. )Luceres‬وقد كان ٌظن أن هذه‬
‫القبابل تمثل تقسٌم المواطنٌن على أساس الجنس بمعنى أن أوالها كانت تتؤلؾ من‬
‫السابٌنً وثانٌتها من البلتٌن وثالثها من االتروسكٌٌن ‪ .‬ولكن األرجح أنها كانت‬
‫تمثل تقسٌم المواطنٌن على أساس مناطقهم السكنٌة‪ ،‬وأن ذلك كان شؤن الكور أٌضا‪.‬‬

‫وكان الهدؾ األساسً من هذا التنظٌم ‪ .‬فٌما ٌبدو ‪ ،‬هو أن تإدي كل قبٌلة نصٌبها‬
‫مما تحتاج الٌه الدولة من مال وجنود بناء على ما ٌؤمر به الملك وٌقوم بجمعه نقٌب‬
‫كل قبٌلة ‪ ،‬وكان ٌدعى ترٌبونا ( ‪ tribunus‬وجمعها ‪ ) tribuni‬وهو الذي كان‬
‫ٌقود القوات التً تقدمها قبٌلته ‪ .‬وال سبٌل لدٌنا إلى أن نعرؾ عن ٌقٌن عدد الكور‬
‫فً األصل ‪ ،‬وإن كان من المحتمل أن عددها قد ازداد بالتدرٌج تبعا الزدٌاد عدد‬
‫‪55‬‬
‫السكان واتساع نطاق المساحة المعمورة فً المدٌنة إلى أن أصبحت توجد فً‬
‫العصور التارٌخٌة ثبلثون كورة مقسمة إلى على القبابل الثبلث ‪ .‬وكانت لكل كورة‬
‫طقوسها الدٌنٌة الخاصة بها ‪ .‬وكذلك مكان لعقد اجتماعاتها كلما اقتضى األمر‬
‫إشهادا على الوصاٌا أو إقرارا لحاالت التبنً أو الفصل فً شرعٌة البنوة ‪ .‬ومن ثم‬
‫فإن الكور هً التً كانت صاحبة األمر و النهً فٌمن ٌدخل فً زمرة هٌبة‬
‫المواطنٌن ‪.‬‬

‫وكانت العضوٌة فً إحدى الكور تكسب صاحبها حق حضور اجتماعات جمعٌة‬


‫الكور (‪ ، )Comitia Curiata‬وكانت أولى الجمعٌات العامة الدستورٌة التً‬
‫عرفها الشعب الرومانً ‪ .‬بٌد أنها لم تكن جمعٌة تشرٌعٌة ‪ .‬وقد كانت وظٌفتها‬
‫الربٌسٌة هً المصادقة على اختٌار الملك الجدٌد ‪ ،‬بمقتضى القانون ( ‪lex curiate‬‬
‫‪ )de imperio‬الذي كانت تصدره فً هذه المناسبة كانت تلتزم بطاعة أوامر هذا‬
‫الملك ‪ .‬وكان انعقاد هذه الجمعٌة رهنا بمشٌبة الملك كلما رأى أن هناك ما ٌدعو إلى‬
‫ذلك ‪ ،‬مثل رؼبته فً أن ٌحصل منها على إبرام حكم صدر بإعدام أحد المواطنٌن‪،‬‬
‫أو على شد أزره والوقوؾ إلى جانبه فً أٌة حرب ٌخوض ؼمارها أو فً أٌة أزمة‬
‫سٌاسٌة أخرى تواجهه ‪ .‬وال ٌجتمع هذا المجلس إال اذا دعاه الملك الى االجتماع او‬
‫بعد وفاة الملوك النتخاب ملك جدٌد ‪ ،‬و ٌحق للكاهن األعظم ان ٌرأس اجتماعاتها‬
‫عندما ٌطرح امامها مناقشة األمور المتعلقة‬

‫وٌكفً النجاح أي قرار فٌه تجمٌع (‪ )۰6‬ستة عشر صوتا بجانب القرار ‪،‬‬

‫وٌمكن تلخٌص مهماته فً‪:‬‬

‫‪ )۰‬انه ٌنتخب الملوك ‪.‬‬

‫‪ٌ )۰‬صوت على القوانٌن ‪.‬‬

‫‪ )3‬له سلطات قضابٌة ‪ -‬استبناؾ األحكام التً ٌصدرها الملك واعوانه‬

‫‪56‬‬
‫‪ )0‬اعبلن الحرب والنظر فً أمور السلم والحرب ‪.‬‬

‫‪ )5‬النظر فً منح الؽرباء حق السكنً فً المدٌنة وفً قضاٌا التبنً‬


‫والوصٌات ‪.‬‬

‫مجلس الشٌوخ (السناتو)‬

‫أما الهٌبة التً كان لها وزن أكبر ونفوذ أوسع فً الدولة ‪ ،‬فانها كانت مجلس‬
‫السناتو (‪ . )Senatus‬وٌدل اسم هذا المجلس على أنه كان أصبل مجلس الشٌوخ ‪،‬‬
‫بٌد أنه على ؼرار ما حدث فً ببلد اإلؼرٌق أصبح مجلس البطارقة وأصبحت‬
‫عضوٌته مقصورة على ممثلً هذه الطبقة ‪ .‬وإذا كنا ال نعرؾ شٌبا عن تفاصٌل‬
‫نظام هذا المجلس ‪ .‬فإننا نعرؾ أن أعضاءه كانوا ٌدعون اآلباء (‪ ، )patres‬وإزاء‬
‫ذلك ال ٌبعد أنهم كانوا آباء أسرهم ‪ .‬وعلى كل حال فإنه ال جدال فً أن هذا المجلس‬
‫لم ٌكن أكثر من هٌبة استشارٌة آراإها ؼٌر ملزمة الملك ‪ ،‬اال أنه إزاء مكانة‬
‫أعضابه وتجاربهم أصبح على مر الزمن من العسٌر إؼفال الرأي الذي ٌجمعون‬
‫علٌه ‪ .‬وال أدل على مكانة هذا المجلس من أنه عند وفاة الملك كانت سلطته تنتقل‬
‫إلى السناتو فٌعٌن أحد أعضابه حاكما مإقتا )‪ (interres‬إلى أن ٌختار المجلس‬
‫الملك الجدٌد وتصادق جمعٌة الكور على اختٌاره‪ ،‬وأهم مهماته ‪:‬‬

‫‪ )۰‬إسداء النصح والمشورة للملك ‪.‬‬

‫‪ )۰‬مساعدة الملك فً جمٌع أمور الدولة‬

‫‪ٌ )3‬وافق على قرارات مجلس الجماعات وٌعطٌها الصفة القانونٌة ‪ .‬الدٌانة‬
‫الرومانٌة فً العهد الملكً‬

‫المجتمع الرومانً فً العهد الملكً‬


‫كانت األسرة هً أساس بناء المجتمع الرومانً فً العهد الملكً‪ٌ ،‬مارس رب‬
‫األسرة سلطة مطلقة على جمٌع أفراد أسرته ‪ ،‬بما فٌهم زوجته وبناته ؼٌر‬
‫‪57‬‬
‫المتزوجات وأبناءه وأوالدهم‪ .‬إذ كان من حقه أن ٌضرب زوجته وأوالده ‪ ،‬أو أن‬
‫ٌقتلهم‪ ،‬أو ٌبٌع أوالده فً سوق النخاسة دون خوؾ من قانون أو محاسبة أناس‬
‫مس إولٌن فً الدولة ‪ ،‬وإذا كانت مجالس األسرة ‪ Consilium Familias‬كانت‬
‫تعقد أحٌانا لمنع رب األسرة من استخدام حقه بصورة تعسفٌة فإن هذه السلطة‬
‫المطلقة استمرت عدة قرون تمارس من جانب رب األسرة دون أن ٌحد منها أي‬
‫قانون)‪.‬‬

‫األم (‪ ) Mater‬أو الزوجة ‪ :‬كان دورها قاصرً ا على أعمال المنزل ‪ ،‬كالطهً‬
‫وؼزل المبلبس الصوفٌة ‪ .‬فلم تكن ‪ -‬مثل المرأة المصرٌة الفرعونٌة ‪ -‬تساعد‬
‫زوجها فً األعمال الزراعٌة والفبلحة فً األرض ولهذا فإن اللؽة البلتٌنٌة لم‬
‫تعرؾ مفرداتها لفظة ( فبلحة ) ‪ ،‬بل فبلح فقط (‪) agricola‬‬

‫كان للزوجة الرومانٌة تؤثٌر ؼٌر مباشر على مجرى األمور فً حٌاة األسرة ‪ ،‬وكان‬
‫لها حرٌة التصرؾ داخل المنزل ‪ ،‬فهً صاحبة الكلمة العلٌا داخل جدرانه ‪ .‬كما‬
‫كان لكل فرد فً األسرة عمل معٌن ‪ٌ ،‬جب علٌه أداإه ‪ .‬فضبل عن الواجبات الدٌنٌة‬
‫تجاه الهة الجماعة ‪ ،‬تلك اآللهة األمان والحماٌة وتحل بفضلها البركة والرخاء‬
‫لؤلسرة جمٌعها‪.‬‬

‫إنه من الطرٌؾ حقا أن نذكر هنا رواٌة‪ ،‬وصلتنا عن كاتو األكبر ومفادها أن ابنا‬
‫صاحب أباه إلى مجلس الشٌوخ وحضر معه جلسات ذلك الٌوم ولما عاد إلى البٌت‬
‫سؤلته أمه‪ :‬ماذا كنتم تناقشون الٌوم؟ فرفض اإلجابة‪ ،‬مخبرا والدته بؤنه ال ٌجب‬
‫اإلفصاح عن ذلك أو نقله ألحد‪ ،‬فما كان منها إال اإللحاح بعد أن زاد فضولها‬
‫لمعرفة موضوعات مناقشة مجلس الشٌوخ ‪ -‬صمت االبن لحظة وخطر على باله ‪-‬‬
‫تفادٌا للوقوع فً خطؤ إفشاء أسرار المجلس ‪ -‬أن ٌخبرها بقصة خٌالٌة من بنات‬
‫أفكاره فقال لها‪" :‬كان‪ ٫‬المجلس ٌناقش ما إذا كان من حق الرجل أن ٌتزوج بامرأتٌن‬
‫أو أن تتزوج المرأة برجلٌن "فانزعجت األم كثٌرا و خرجت لتوها لتخبر صدٌقاتها‬
‫البلبً قررن االعتراض على حق الرجل وتؤكٌد حق المرأة فً الزواج من رجلٌن‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫وضرورة الذهاب فً صباح الٌوم التالً إلى مقر مجلس الشٌوخ (‪)Senatus‬‬
‫لئلعراب عن معارضتهن لحق الرجل‪ ،‬وفعبل‪ ،‬جاء الصباح‪ ،‬وكانت دهشة رجال‬
‫مجلس السناتو كبٌرة عندما وجدوا زوجاتهم وأخرٌات كثٌرات ٌصحن وٌنادٌن‬
‫بحقهم فً الزواج من رجلٌن‪ ،‬بدال من زواج الرجل بامرأتٌن‪ .‬ولم ٌنته الموضوع‬
‫إال عندما أتى الؽبلم بنفسه فكشؾ عن سر هذا الموقؾ وحرصه على أال ٌبوح‬
‫بؤسرار اال جتماع ‪ ،‬فخلق ألمه تلك الحكاٌة‪ ،‬فما كان من السناتو إال أنه كافؤه على‬
‫أمانته وحسن تصرفه‪ .‬ولكن السناتو فٌما بعد‪ ،‬لم ٌسمح ‪ -‬نتٌجة لذلك ‪ -‬ألي صبً أن‬
‫ٌحضر جلساته‪.‬‬

‫األبناء (‪ : ) liberi‬وهم أبناء األسرة كلها سواء أكانت األسرة صؽٌرة ‪ ،‬أم كبٌرة‬
‫ٌعٌش فً كنفها أبناء متزوجٌن للجد األكبر ‪ ،‬الذي ٌملك كل السلطات ‪ .‬وكان عملهم‬
‫ٌتمثل فً مساعدة األب فً إنجاز األعمال خارج المنزل ومساعدة األم داخله ‪،‬‬
‫فكانت البنات دابمًا داخل المنزل ال ٌخرجن منه أبدا ‪ ،‬حتى ولو للزٌارة أو‬
‫لبلستضافة ‪ ،‬بدلٌل أن اللؽة البلتٌنٌة ال ٌعرؾ قاموسها كلمة مإنثة لكلمة ضٌؾ (‬
‫‪ ،)Conviva‬التً تستخدم للنوعٌن ‪.‬‬

‫العبٌد (‪ :) Servi‬وهم ‪ ،‬أصبل ‪ ،‬إما أسرى حرب ‪ ،‬وأبناء أسرى ‪ ،‬أو أشخاص ‪،‬‬
‫أصبحوا عبٌدا ألنهم لم ٌستطٌعوا الوفاء بدٌونهم ‪ ،‬فٌظلوا هكذا إلى أن ٌستطٌعوا‬
‫تؤدٌة ما علٌهم ‪ ،‬أو أن ٌدفعها عنهم أحد وٌعتقهم هذا ما ٌذكرنا بعصور الجاهلٌة ‪،‬‬
‫فٌما قبل اإلسبلم عندنا ‪ ،‬كما ٌدل داللة واضحة على القسوة فً المعاملة مع ؼٌر‬
‫القادرٌن – بادًٌا ‪ -‬من أبناء الطبقات االجتماعٌة الفقٌرة ‪ .‬وكان األب ‪ ،‬كبٌر األسرة‬
‫التً ٌعملون فً ظلها‪ٌ ،‬مارس علٌهم سلطة السٌد (وهً المعروضة فً البلتٌنٌة‪.‬‬

‫أ‪ -‬البطارقة‪:‬‬

‫وكانت طبقة البطارٌة تتؤلؾ من كبار مبلك األراضً‪ ،‬وتتمتع بنفوذ واسع‬
‫وامتٌازات كبٌرة فً الدولة‪ .‬ذلك أنه بفضل ثروة هذه الطبقة كان أفردها أوفر عدة و‬

‫‪54‬‬
‫أكثر إلماما بممارسة القتال‪ ،‬وبفضل كثرة أتباعهم كانت عشابرهم أكثر قدرة على‬
‫حشد أعداد كبٌرة لخوض ؼمار الحروب‪ .‬وبفضل عراقة أصلهم وثقافتهم وتوافر‬
‫الفرص لهم كانوا أقدر من ؼٌرهم على أن ٌكونوا مستشارى الملك فً أمور الدٌن‬
‫والدنٌا على السواء‪ .‬وتبعا لذلك تكونت منهم الهٌبة السٌاسٌة العلٌا فً الدولة‪ ،‬وظلت‬
‫عضوٌة الهٌبات الدٌنٌة وقفا على هذه الطبقة إلى أن قضى العامة على هذا االحتكار‬
‫بعد كفاح مرٌر فً عصر الجمهورٌة‪.‬‬

‫وإذا كان نطاق الطبقة األرستقراطٌة الرومانٌة قد أشع فً عهد مبكر‪ ،‬حٌن كانت‬
‫هذه الطبقة تسمح بؤن تدخل فً عدادها وعشابرها األعظم شؤنا عشابر أقل عراقة‬
‫وشؤنا وإن كان لدٌها مإهبلت مماثلة‪ ،‬فإن هذه الطبقة أصبحت على مر الزمان‬
‫طبقة مؽلقة تحرص أشد الحرص على امتٌازاتها وترفض التزاوج من عناصر ؼٌر‬
‫عشابر البطارقة وتعتبر مثل هذا الزواج ؼٌر مشروع‪.‬‬

‫ب‪ -‬العامة ‪ pelbs‬واألتباع‪:‬‬

‫كانت طبقة العامة تتؤلؾ من متوسطً الحال من مبلك األرض ومن التجار و‬
‫أرباب الحرؾ المختلفة وكذلك من األجراء‪ .‬وكان كثٌرون منهم ٌشتؽلون بفبلحة‬
‫أرض األثرٌاء‪ .‬ورؼم أن هإالء المزارعٌن األجراء كانوا مواطنٌن أحرارا شؤنهم‬
‫شؤن باقی طبقة العامة‪ ،‬فإنه كانت تربطهم بؤولى نعمتهم صلة خاصة لم تكن‬
‫اقتصادٌة فحسب بل كانت تتعدى ذلك إلى قٌام األثرٌاء برد أي ظلم أو عدوان ٌوقعه‬
‫طرؾ ثالث بفبلحٌهم‪ .‬وتبعا لذلك أصبح كل مزارع أجٌر ٌعتبر تابعا (‪)cliens‬‬
‫لولی نعمته وراعٌه (‪ ،)patronatus‬وفً مقابل ذلك كان على التابع أال ٌفلح‬
‫أرض راعٌه فحسب بل كان علٌه أٌضا أن ٌتبعه إلى مٌدان القتال وٌقدم له أي‬
‫مساعدة كلما اقتضى األمر‪ .‬وكانت هذه الصلة تسمى التبعٌة (‪ )clientela‬من‬
‫ناحٌة التابع‪ ،‬والرعاٌة (‪ )Patronatus‬من ناحٌة الراعً‪ ،‬ولٌس معروفا على‬
‫وجه الٌقٌن كٌؾ نشؤ هذا اللون من التبعٌة‪ ،‬بل ٌتعذر علٌنا أن نكون فكرة صحٌحة‬
‫عن وضع األتباع فً الدولة الرومانٌة الباكرة وإن كان ٌبدو أنه كان ٌماثل وضع‬

‫‪61‬‬
‫الموالً ثم أخذ ٌتحسن بالتدرٌج فً عصر الجمهورٌة‪ .‬و الستمرار نظام التبعٌة‬
‫على مدى قرون عدة دون أي سند من القانون لضمان الوفاء بالتزامات الطرفٌن‬
‫ٌنهض دلٌبل على استناد هذا النظام على المصالح المتبادلة‪ ،‬مما جعل العبلقة بٌن‬
‫الطرفٌن من أقوى العبلقات فً المجتمع الرومانً‪ ،‬ومما ٌجدر بالمبلحظة أنه لم‬
‫ٌوجد فً هذا المجتمع فً بداٌة األمر إال قلٌل من العبٌد كانوا عبارة عن م دٌنٌن‬
‫عجزوا عن الوفاء بدٌونهم‪ ،‬وتبعا لذلك فإن عبودٌتهم لم تكن وراثٌة كما أنها لم تكن‬
‫مستدٌمة إال إلى أن ٌفوا بدٌونهم‪.‬‬

‫الحٌاة الدٌنٌة ‪:‬‬


‫كان الرومان األوابل ٌعبدون القوى الطبٌعٌة‪ ،‬وٌعتقدون بتؤثٌرها على االنسان حٌث‬
‫ٌمكنها أن تحسن او تسًء إلٌه ‪ ،‬وإذا اصابت انسانا أو مدٌنة فانها تدنسه‪ ،‬وٌبرز‬
‫تؤثٌرها فً الحوادث ؼٌر الطبٌعٌة كالخسوؾ والكسوؾ ‪ ،‬والصواعق ‪ ،‬وظهور‬
‫المذنبات ‪ ،‬والهزات األرضٌة‪ ،‬أو والدة مخلوقات حٌوانٌة عجٌبة كؤن تكون ذات‬
‫رأسٌن أو ذات القدم المتبلصقة األصابع وؼٌر ذلك وإذا حدث مثل ذلك ٌتحتم القٌام‬
‫ببعض الطقوس واالعمال التً تهدؾ الى تطهٌر االنسان والمكان المدنس بعزله ‪.‬‬
‫اما المخلوقات العجٌبة فٌتم قتلها او حرقها ‪ ،‬وٌتم اٌضا الطواؾ حول المكان‬
‫المدنس وتقدٌم االضاحً والقرابٌن لآللهة ‪ ،‬كما اعتقد الرومان أن بإمكانهم التؤثٌر‬
‫فً الظواهر الطبٌعٌة وتبدٌلها بالقٌام ببعض األعمال ‪ ،‬فالمرأة العقٌم أو العاقر‬
‫تضرب بالسٌاط فتنجب‪ ،‬وهزٌمة الجٌش تستلزم تقدٌم أحد أفراده كقربان لآللهة ‪.‬‬
‫كما آمن الرومان بؤن هناك أرواحا تعٌش فً الؽابات أسموها ( الجن ) ‪ ،‬وترافق‬
‫كل روح جنٌة فرد من البشر تحسن إلٌه وتسهر على راحته وحماٌته‪.‬‬

‫وقد عبد الرومان باإلضافة لذلك ثالوثا الهٌا هو ‪ :‬جوبٌتٌر كبٌر االلهة و اله السماء‬
‫واألمطار ‪ ،‬ومرشد القضاة إلى األحكام الصاببة‪ ،‬وله زوجة هً ( جونون ) وابنة‬
‫هً منٌرفا وجانوس ‪ ،Janos‬وهو اله نو وجهٌن ‪ ،‬وهو اله الحرب ‪ ،‬وقد أقٌم له‬

‫‪68‬‬
‫معبد فً ساحة ( الفوروم ) فً روما ‪ ،‬تفتح أبوابه فً حالة الحرب وتؽلق فً حالة‬
‫السلم‪.‬‬

‫وااللهة فستا (‪ )Vesta‬كانت ربة الموقد التً تبعث الدؾء والحٌاة والسعادة فً‬
‫الدار‪ .‬ولم ٌحاول الرومان تصوٌرها أبدا ألنهم على حد تعبٌر شاعرهم الكبٌر أو‬
‫فٌدٌوس اعتقدوا أنها لٌست سوى الموقد الدابم االشتعال ‪،Ignis Inextinetus‬‬
‫ولهذا حرصت األسرة على التوجه لها بالصبلة فً كل مرة تجتمع حول مابدة‬
‫الطعام‪ .‬حٌث تقدم للموقد قطعة من شرٌحة مملحة تقوم بصنعها بنات األسرة‪ .‬وكما‬
‫كان الموقد ٌتوسط البٌت الرومانً کان الموقد ٌتوسط مدٌنة روما بٌت الرومان‬
‫الكبٌر‪ ،‬وهناك فً قلب الفورم الرومانً كان ٌقؾ معبد فٌستا الكبٌر ذلك البناء‬
‫الدابري الشكل على تراث المنازل الرومانٌة القدٌمة‪ ،‬وفً قلب المعبد توجد الشعلة‬
‫المقدسة التً ال ٌسمح بإطفابها إال فً الٌوم األول من شهر مارس بداٌة السنة‬
‫الرومانٌة القدٌمة‪ ،‬حٌث ٌنظؾ المحراب والموقد (فً الفترة من ‪ ۰5-۰‬مارس) ثم‬
‫ٌعاد إٌقاده فً احتفال بٌنً كبٌر‪.‬‬

‫ٌانوس ‪ :‬رب البداٌات وفاتحة كل شًء مثل بداٌة السنة أو الٌوم أو الساعة أو‬
‫الحصاد‪ ،‬وكان معبده ٌتوسط الفوروم الرومانً ببواباته التً ال تؽلق إال فً أٌام‬
‫ال سبلم‪ .‬أما على مستوى األسرة فقد كان ٌانوس ٌشرؾ على األسرة ورفاهٌتها‪،‬‬
‫وكان ٌصور برأس إنسانٌة لها وجهان لكً ٌرقب جٌدا ما ٌدخل من الباب أو ٌخرج‬
‫منه خاصة األرواح الشرٌرة التً قد تسبب األزمات أو تعكر صفو األسرة‪.‬‬

‫الرس ‪ :Lares‬وهى ارواح األرض الزراعٌة ‪ -‬أو كما ٌظن البعض‪ ،‬فهى أرواح‬
‫األسبلؾ الراحلٌن ‪ -‬التً تظل حٌة تطوؾ بؤماكن إقامتها فوق األرض وقبل‬
‫مماتها‪ ،‬لتبارك األحفاد‪ .‬وكان طبٌعٌا أن ٌعتقد الرومانً القدٌم فً الهة تخص‬
‫األرض التً ٌزرعها وٌعٌش على رٌعها طوال العام‪ ،‬وكان ال بد كذلك أن ٌتقرب‬
‫لها وٌشكرها على خٌرها العمٌم الفٌاض كل موسم وعند الحصاد‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫بناتٌس ‪ :Penates‬وهً أرواح ؼرفة التموٌن والتخزٌن التً ال ٌخلو منها أي‬
‫بٌت‪ ،‬حٌث كانت تتجمع كل ضرورٌات الحٌاة الرٌفٌة البسٌطة من ألبان وجٌن‬
‫ولحوم مجمدة محفوظة وكل أنواع المحاصٌل التً تجود بها أرض األسرة وكانت‬
‫األرواح حامٌة هذا المكان ‪.‬‬

‫‪ -‬جنٌوس ‪ :Genius‬وهً الروح الحارسة‪ ،‬وبصفة خاصة‪ ،‬لرب األسرة‪ .‬هنا‬


‫ٌبرز دور األب‪ ،‬کبٌر األسرة ومدي خوؾ أهله علٌه‪ ،‬وحرصهم على أن تتولى‬
‫حماٌته ومباركته روح مسبولة عنه‪ ،‬وذلك بسبب خطورة دوره وأهمٌته بالنسبة‬
‫ألفراد األسرة‪ ،‬الذٌن ٌعتمدون علٌه فً كل شا‪ ،‬وٌتوقؾ علٌه هو مصٌر األسرة‬
‫بكاملها‪ ،‬بما فً ذلك العبٌد والموالً‪ .‬لقد كانت األسرة الرومانٌة‪ ،‬كما تستطٌع أن‬
‫تفهم‪ ،‬أسرة أبوٌة‪ ،‬أي ٌنفرد األب فٌها بالسلطة عل جمٌع أفرادها‪ ،‬وإلٌه هو‬
‫ٌنتسبون‪ ،‬ولهذا كان اعتقاد أفراد الشعب الرومانً القدٌم هناك روحا مسبولة عن‬
‫توفٌق األب ونجاحه فً كل خطواته من أجل سعادة و األسرة كلها وكانت تلك‬
‫الروح تبارکه فً صحته وعمله الٌومً‪.‬‬

‫وهناك الهة اخرى اقتبسها الرومان عن ؼٌرهم من األمم والشعوب مثل ‪ :‬االلهة‬
‫سٌرٌس آلهة المزروعات والنبات ‪ ،‬واآللهة دٌانا والهة الحظ فورتونا ‪Fortune‬‬
‫واإلله هٌراكلٌس الٌونانً واإلله مارس‪.‬‬

‫كما عبد الرومان االموات ‪ ،‬حٌث آمنوا بؤن المٌت ٌخلؾ وراءه روحه بعد موته ‪،‬‬
‫وعلى االحٌاء ارضاإها حتى تحمٌهم من األرواح الشرٌرة ‪ ،‬ولذا كانوا ٌقٌمون لها‬
‫احتفاالت خاصة تستمر عشرة أٌام فً نهاٌة شباط من كل عام ‪ ،‬حٌث تعطل‬
‫األعمال وتؽلق المعابد وتطفؤ النار فً المعابد والهٌاكل وٌمنع الزواج ‪ .‬وتتكرر‬
‫العملٌة فً أٌام التاسع والحادي عشر والثالث عشر من شهر أٌار لتهدأ األوراح‬
‫وتعمل على طرد األرواح الشرٌرة " ‪ .‬كما كان من المعتاد ان ٌقوم رب األسرة‬
‫بؤعمال معٌنة هدفها اٌضا ارضاء االرواح ‪ ،‬بؤن ٌقوم فً منتصؾ اللٌل فٌفرقع‬
‫أصابعه وٌتطهر ثم ٌسٌر فً البٌت وٌرمً وراءه تسع حبات من الفول األسود وهو‬

‫‪63‬‬
‫ٌقول تسع مرات " اننً ارمً هذه الفوالت فاشتري بها نفسً وأقربابً »‪ .‬ثم‬
‫ٌتطهر ثانٌة وٌضرب قطعة نحاسٌة وٌقول تسع مرات "اخرجً اٌتها األرواح‬
‫الشرٌرة» ‪ .‬كما كانوا ٌعتقدون بؤنه بإمكانهم االتصال بؤمواتهم ‪ٌ ،‬تم ذلك فً حفرة‬
‫على تل الباالتان اسمها ( موندوس ‪ٌ )Mondus‬ؤتون إلٌها ثبلث مرات فً السنة‬
‫ٌتكلمون معها وفً المساء تعود ارواح االموات الى مقرها وتؽلق أبواب الموندوس‬
‫ثانٌة‪.‬‬

‫ومن الطقوس التً كانوا ٌمارسونها فً عباداتهم استشارة وتفسٌر سلوك الحٌوانات‬
‫والظواهر الطبٌعٌة ‪ ،‬كالبرق ‪ ،‬والرعد وطٌران الطٌور وطرٌقة مشً الحٌوانات‬
‫وزحؾ األفاعً ‪.‬‬

‫اما الكهنه ورجال الدٌن فهم كثٌرون ومتعددوا األعمال والوظابؾ وٌنتظمون فً‬
‫فبات هً‪:‬‬

‫‪ )۰‬کاهنات الربة فٌستا ‪ Vesta‬وٌقمن بحراسة النار المقدسة ‪ ،‬وهن من بنات‬


‫اسر النببلء الخواص ٌشترط فٌهن أن ٌكون آبابهن وأمهاتهن احٌاء ‪،‬‬
‫وٌخدمن فً المعبد لمدة (‪ )34‬سنة ‪ ،‬كما ٌشترط فٌهن العفة ‪ ،‬وإذا أخللن‬
‫بهذا الشرط ٌحكم علٌهن بالموت ووأدهن حٌات ٌلبسن على رإوسهن شاال‬
‫أبٌض وٌضفرن شعورهن فً ستة ضفابر متراكبة بعضها فوق بعض ‪،‬‬
‫وعملهن ابقاء النار المقدسة مشتعلة وصناعة الحلوى المملحة التً تقدم‬
‫لآللهة (الموالسالسا)‬

‫‪ )۰‬كهنة ذكور وظٌفتهم مباركة الحقول والمواشً والمدن واخصاب االراضً ‪.‬‬

‫‪ )3‬كهنة عرافون وظٌفتهم التنبإ بالمستقبل ‪ ،‬بعد النظر فً أحشاء الحٌوانات‬


‫وتفسٌر سلوكها وتفسٌر ما ترٌده الظواهر الطبٌعٌة ‪.‬‬

‫‪ )0‬كهنة ذكور ٌقومون بإٌقاد النار فً مذابح االله مارس ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ )5‬كهنة ذكور ٌقومون بالرقص واستدعاء االله مارس عند نشوب الحرب ‪.‬‬

‫‪ )6‬كهنة ذكور وظٌفتهم السهر على حفظ القوانٌن ودوام المإسسات الدٌنٌة ‪.‬‬

‫‪ )۰‬کهنة ذكور وظٌفتهم تؤمٌن حسن سٌر العبلقات الدولٌة بٌن روما وجاراتها ‪.‬‬

‫الحياة االقتصادية ‪:‬‬


‫كان المجتمع الرومانً فً العهد الملكً مجتمعا رٌفٌا قبل كل شًء ‪ ،‬قوام حٌاته‬
‫االقتصادٌة فبلحة األرض ورعً الماشٌة واألؼنام ‪ ،‬وٌؽلب على ملكٌة أرض‬
‫مراعٌه طابع الملكٌة الجماعٌة ‪ ،‬على حٌن أن ملكٌة أرضه الزراعٌة تتسم فٌما‬
‫ٌرجح منذ بداٌة التارٌخ الرومانً بطابع الملكٌة الفردٌة ‪ .‬وإذا كانت مساحة اإلقلٌم‬
‫الرومانً قد اتسعت تدرٌجا فً العهد الملكً فؤنها لم تزد على حوالً خمسابة‬
‫(‪ ) 544‬کٌلومتر مربع ‪ .‬ومعنى ذلك أن نطاق األرض الزراعٌة والمراعً لم ٌكن‬
‫كبٌرا إال أنه كان متناسبا مع عدد السكان عندبذ ‪ .‬وٌتبٌن من أسماء اآللهة واألعٌاد‬
‫الدٌنٌة أن جانبا كبٌرا من دخل الرومان األوابل كان مستمدا من تربٌة الماشٌة‬
‫واألؼنام ‪ ،‬ولكنه إزاء االفتقار إلى مراع صٌفٌة مناسبة لم ٌكن مٌسورا قٌام اقتصاد‬
‫رعوي على نطاق واسع قبل امتداد فتوحات روما إلى منطقة األبنٌن فٌما بعد‪.‬‬
‫وورود ذكر عٌد للكروم بٌن أعٌاد الرومان األوابل ٌدل على أنهم لم ٌؽفلوا ؼرس‬
‫الكروم كلٌة ‪ ،‬إال أن بساتٌن الكروم لم تكن قد أصبحت عندبذ شابعة فً أواسط‬
‫إٌطالٌا ‪ .‬وٌحتمل كذلك أن ؼرس أشجار الزٌتون لم ٌكن قد أدخل بعد فً اإلقلٌم‬
‫الرومانً ‪ .‬وكان الجانب األكبر من األرض الزراعٌة ٌؽل حاصبلت مختلفة كان‬
‫أهمها محصول وفٌر من نوع خشن من الحبوب (‪ )far‬كان أصلح لصنع السلٌقة‬
‫(‪ )poridge‬أكثر منه لصنع الخبز ‪ ،‬فبل عجب أن كانت السلٌقة ؼذاء الرومان‬
‫األساسً مع تناول اللحوم فً المناسبات الهامة‪ .‬وعلى كل حال ٌبدو أن إنتاج‬
‫األرض كان كافٌا لسد حاجات عدد كبٌر نسبٌا من السكان‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وإذا كان المجتمع الرومانً فً العهد الملكً مجتمعا رٌفٌا قبل كل شًء ‪ ،‬فإن‬
‫القرابن توحً بؤن هذا العهد شهد نشاطا ملموسا فً مجالً الصناعة والتجارة ‪ .‬ذلك‬
‫أنه فً مجال الصناعة أحرزت صناعات الفخار والبرونز والحدٌد قدرا من التقدم ‪.‬‬
‫ومن المحتمل أنه ٌرجع إلى هذا العهد إنشاء نقابات العمال األحرار المشتؽلٌن‬
‫بصناعات الفخار والمعادن والجلود واألخشاب وصٌاؼة الذهب ودباؼة الجلود ‪.‬‬
‫وٌنهض دلٌبل على نمو تجارة روما الخارجٌة ما عثر علٌه فً روما من اآلنٌة‬
‫الكورنثٌة واآلتٌكٌة المعاصرة ‪ .‬ومن المحتمل جدا أنه ترتبط بنمو تجارة روما‬
‫الخارجٌة إقامة مستعمرة جدٌدة على تل أفنتٌنوس وإنشاء سوق عند معبد دٌانا على‬
‫هذا التل لٌلتقً هناك تجار البلتٌن من مختلؾ مدن التٌوم مع تجار العالم الخارجً‬
‫‪ .‬وإزاء تقدم االتروسكٌٌن فً مجال الصناعة وخاصة صناعة المعادن ‪ ،‬ونشاطهم‬
‫فً مجال التجارة ‪ ،‬ال ٌبعد أنه كان لهم أثر محسوس فٌما أحرزته روما من تقدم‬
‫مبكر فً هذٌن المجالٌن‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الباب الثانً‪ :‬روما تحت العصر‬
‫الجمهوري‬

‫‪67‬‬
‫الفصل األول‬
‫سٌطرة روما على شبه الجزٌرة‬
‫االٌطالٌة(‪ 165-514‬ق‪.‬م)‬

‫‪61‬‬
‫قام النظام الجمهوري فً مدٌنة روما بعد طرد آخر ملوك االتروسكٌٌن وأسرته‬
‫منها‪ ،‬وتم إنشاء نوع من الحكم ٌقوم على وجود قاضٌٌن ٌنتخبان لمدة سنة ‪ ،‬ثم‬
‫استبدل اسمها الى قنصلٌن ‪ ،‬وقد حاول الملك اإلتروسكً المطرود تاركوٌن‬
‫المتعالً او الجمٌل ‪ ،‬العودة الى الحكم مستعٌنا بسكان مدٌنة تسکولوم وبورسٌنا‬
‫أمٌر مدٌنة كلوزٌوم ‪ ،‬حٌث قام هذا األمٌر باحتبلل روما واحراقها وتدمٌر أسوارها‬
‫‪ ،‬ولم تستطع روما فً أواخر القرن السادس ق‪.‬م إعادة بناء أسوارها ‪ ،‬واوشكت‬
‫أن تعود ثانٌة مجموعة من القرى المتحالفة‪ ،‬وبدا وكؤن الوحدة السٌاسٌة التً تمت‬
‫قبل ذلك توشك أن تزول ‪ ،‬حٌث عادت النزعات االقلٌمٌة الى الظهور بٌن الخواص‬
‫والعوام وكادت الطبقتان أن تصطدما ‪ ،‬ولكن بدال من االصطدام توصلت الطبقتان‬
‫إلى إقامة وحدة سٌاسٌة ابتبلفٌة مإقتة ‪ ،‬ؼاٌتها المحافظة على كٌان روما الحالً‪.‬‬

‫وقد حلت الفوضى بعد ثورة ‪ 54۲‬ق‪.‬م فً سهل البلتٌوم ‪ ،‬فقد ثار البلتٌنٌون ضد‬
‫روما و كونوا حلفا ضم جمٌع المدن البلتٌنٌة‪ ،‬ودخلت روما فً نزاع مع هذا الحلؾ‬
‫استمر طٌلة القرن الخامس ق‪.‬م ‪ ،‬كما دخلت روما فً نزاع مع السابٌنٌن القاطنٌن‬
‫فً جبال االبنٌن استمر خمسٌن سنة‪ ،‬انتصرت روما فً بداٌتها ( من ‪0۰5-540‬‬
‫ق‪.‬م ) ومالت الكفة الى جانب السابٌنٌٌن فً أواخرها دون أن ٌحرز الطرفان نصرا‬
‫حاسما ‪ ،‬قام الطرفان بعقد سلم طوٌل األمد کما تعرضت روما الى ؼزوات األقوام‬
‫الجبلٌة الذٌن كانوا ٌحٌطون بها كاالٌكٌٌن والفولسكٌٌن ‪ ،‬والسبٌلٌٌن ‪ ،‬والبٌسٌنٌٌن‬
‫والسامنتٌٌن ‪ ،‬وقد أصٌبت اترورٌا بضربات شدٌدة من هذه األقوام الجبلٌة أٌضا‪.‬‬

‫وهكذا فان روما تعرضت الى خطر شدٌد خبلل القرن الخامس ق‪.‬م ودفعت الى‬
‫خوض ؼمار حروب ضارٌة خرجت منها وهً تملك الوسابل التً ساعدتها فٌما‬
‫بعد على إنشاء إمبراطورٌتها العظٌمة فٌما بعد‪.‬‬

‫كانت الحروب بٌن الرومان واعدابهم تتم على شكل ؼزوات متقطعة خبلل الربٌع‬
‫ؼالبا‪ ،‬حٌث ٌتحرك الرومان او اعدابهم وٌقومون بنهب أراضً بعضهم وحرق‬
‫مزروعاتها ‪ .‬اضطرت روما والعصبة البلتٌنٌة إلى تسوٌة خبلفاتهما حوالً عام‬

‫‪64‬‬
‫‪ 0۲3‬ق‪.‬م‪ ،.‬وعقد معاهدة تحالؾ بٌن الطرفٌن‪ ،‬أصبح بموجبها مواطنو كل مدٌنة‬
‫من المدن األعضاء فً الحلؾ ٌتمتعون بحقً االتجار والتزاوج فً روما وفً باقً‬
‫مدن الخلؾ " وفً عام ‪ 0۱6‬ق‪.‬م‪ .‬أصبح الحلؾ ٌتكون من روما والعصبة البلتٌنٌة‬
‫وقبابل الهرنٌقً ‪( Hernici‬ثبلثٌة) وكان موطن هذه القبابل عند وسط الحدود‬
‫الشرقٌة ‪ ،‬القلٌم التٌوم وتإلؾ عصبة بزعامة مدٌنة أنا ؼنٌا ‪.Anagnia‬‬

‫حروب الحلف الثالثً‬


‫أ‪ -‬روما والسابٌنٌٌن‪ :‬تمکنت روما من أضعاؾ قوة السابٌنٌٌن من جراء کسب ود‬
‫زعٌم سابٌنً ٌدعً أٌتوس قبلوسوس ‪ Attius Clausus‬مقابل إعطابه قطعة‬
‫أرض فٌما بٌن نهري التٌبر واالرنٌو‪ ،‬استقر فٌها هو وعشٌرته واتباعه ‪ ،‬فضبل عن‬
‫منحه حقوق المواطنة الرومانٌة ‪ ،‬وادماجه مع عشٌرته فً عداد طبقة البطارقة‪،‬‬
‫فكانت نتٌجة هذه الدبلوماسٌة الرومانٌة ضعؾ القوة السابٌنٌة وبخاصة بعد عام‬
‫‪ 064‬ق‪.‬م‪ .‬وصارت إؼارتاهم مجرد هجمات على الحدود‬

‫ب ‪ -‬روما واالٌكوي والفولسكً‪ :‬واجهت روما ؼارات من قبابل االٌكوي‬


‫والفولسكً كانت اشد خطرً ا‪ ،‬وأطول مدة‪ .‬تمكن االٌكوي خبلل هذه الؽارات من‬
‫احتبلل الجزء الجنوبً الساحلً من سهل التٌوم‪ .‬إال أن الرومان الذٌن أعادوا تنظٌم‬
‫قواتهم العسكرٌة وزٌادتها عددًٌا فً النصؾ الثانً من القرن الخامس قبل المٌبلد‪،‬‬
‫تمكنوا مع حلفابهم من طرد االٌكوي من قلعة الجٌدوس حوالً عام ‪ 034‬ق‪.‬م‪ .‬ثم‬
‫طرد القبابل الفولسكٌة من السهل الساحلً البلتٌنً‪.‬‬

‫ج ‪ -‬روما ومدٌنة فٌاي االتروسكٌة ‪ :‬كانت مدٌنة فٌاي ‪ veii‬الواقعة على بعد‬
‫عشرٌن كٌلومترا شمالً روما‪ .‬تسٌطر على إقلٌم أكثر ؼنى واتسا ًعا من إقلٌم روما‪،‬‬
‫وتحتفظ بحامٌة لها فً مدٌنة فٌدناي‪ .‬لذلك حاولت روما تحرٌر هذه المدٌنة األخٌرة‬
‫من سٌطرة فٌاي األتروسكٌة عام ‪ 0۱4‬ق‪.‬م‪ .‬لكنهم فشلوا فً محاولتهم هذه بٌنما‬
‫عندما زادوا من أعداد جٌشهم وأعادوا تنظٌمه ‪ ،‬وأتموا حروبهم مع االٌكوي‬

‫‪71‬‬
‫والفولسكً حوالً عام ‪ 034‬ق‪.‬م‪ .‬أحرزوا انتصارا كبٌرا على فٌاي االتروسكٌة ‪،‬‬
‫وأجلوها عند فٌدناي‪ ،‬ثم لم تكتؾ روما بطرد فٌاي األتروسكٌة وإجبلبها عن‬
‫فٌدناي‪ ،‬بل تحالفت مع أعوانها فً الحلؾ الثبلثً على محاصرة المدٌنة مدة طوٌلة‬
‫بٌن ‪ 045‬و ‪ 3۲۲‬ق‪.‬م‪ .‬حتى انتهى إلى هزٌمتها واالستٌبلء علٌها فضمت أراضٌها‬
‫إلٌها‪ ،‬فتضاعفت مساحة اإلقلٌم الرومانً‪ .‬لكن روما فً اثناء القتال مع فٌاي‬
‫اضطرت إلى االستعانة بعدد كبٌر من الجنود والفرسان المتطوعٌن للخدمة فً‬
‫الجٌش على صهوات جٌادهم الخاصة‪ .‬كما أدخلت روما ألول مرة نظام دفع‬
‫مرتبات للمقاتلٌن فً أثناء الحمبلت‪.‬‬

‫وهكذا كانت نتٌجة هذه التحالفات من االنتصار على االٌكٌٌن واحتلت أراضٌهم سنة‬
‫‪ 0۰۱‬ق‪.‬م ‪ ،‬كما هاجمت ببلد الفولسكٌٌن سنة ‪ 046‬ق‪.‬م واحتلتها ‪ ،‬ثم احتلت‬
‫اترورٌا نتٌجة التحوالت االجتماعٌة واالقتصادٌة التً سادتها ‪ ،‬كما ارتد السابٌنٌون‬
‫على أعقابهم وتحولوا من الهجوم الى الدفاع ‪ ،‬وهكذا تحولت روما من قوة اقلٌمٌة‬
‫صؽرى الى اقوى دولة فً وسط اٌطالٌا وقد أتاح لها احتبلل اترورٌا مجاال حٌوٌا‬
‫لل عمل ومكنها من الوصول إلى البحر ‪ ،‬واتسعت مساحتها من اقل من ‪ ۰444‬کم ‪۰‬‬
‫فً نهاٌة العهد الملكً الى اكثر من ‪ ۰۰44‬كم ‪ ۰‬فً القرن الرابع ق‪.‬م‪.‬‬

‫عملت روما على توسٌع رقعة دولتها بعد أن تخلصت من أعدابها الذٌن كانوا‬
‫ٌحٌطون بها من كل جانب وكادوا ٌقضون علٌها فكان علٌها أن تستولً على سهل‬
‫البلتٌوم وتوطد فٌه نفوذها نهابٌا ‪ ،‬وكان ٌنازعها فٌه البلتٌنٌون ‪ .‬وقد تؤثر توسعها‬
‫فً القرن الرابع ق‪.‬م بثبلث أحداث كان لها تؤثٌر كبٌر فً تارٌخ إٌطالٌا بشكل عام‬
‫وروما بشكل خاص هً ‪ :‬انحطاط اترورٌا وتدهورها ‪ ،‬وانهٌار النفوذ الرومانً‬
‫وضعفه والؽزو ات الؽالٌة ‪ ( ،‬الكلتٌة) ‪ ،‬ومما ال شك فٌه أن انهٌار القوى‬
‫األتروسكٌة ‪ ،‬وضعؾ النفوذ الٌونانً كان ذو أهمٌة بالؽة فً تارٌخ روما ‪ ،‬اذ انه‬
‫ازاح من امامها قوتٌن كبٌرتٌن عظٌمتً الشؤن‪ ،‬كانتا تقفان حجر عثرة فً وجه‬
‫التوسع الرومانً وتشاركانها الزعامة ‪ ،‬كما أن انهٌارهما احدث فراؼا ٌنبؽً ملإه‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫وقد أثبتت الؽارات الؽالٌه صحة هذا االمر‪ ،‬الشًء الذي فعلته روما وجعلها تنتقل‬
‫الى احتبلل المركز األول بٌن جمٌع القوى التً كانت فً إٌطالٌا فً ذلك الوقت‪.‬‬

‫هجمات الغال‪:‬‬

‫حوالً بداٌة القرن الرابع قبل المٌبلد أخذت قبابل الؽال الفرنسٌة تعبر جبال األلب‬
‫لتستقر فً الشمال الؽربً والجنوب الشرقً من وادي البو فً شمال إٌطالٌا‪ .‬فترتب‬
‫من جراء استقرار ثمانً قبابل ؼالٌة فً إقلٌم اٌطالٌا الشمالً أن قضى بالتدرٌج‬
‫على ما كان االتروسكٌون ٌتمتعون به من سٌطرة على وادي البو‪.‬كما أصبح هذا‬
‫االقلٌم الشمالً منذ ذلك الوقت ٌعرؾ به ؼالٌا قٌس ألبٌنا ‪Gallia Cis Alpina‬‬
‫كما أصبح هذا اإلقلٌم الشمالً مصدر كل خطر على إقلٌم اٌطالٌا الجنوبً وأمنه‪.‬‬

‫واتصؾ هإالء الؽال بؤنهم كانوا ٌعٌشون على تربٌة الماشٌة وممارسة نوع بدابً‬
‫من الزراعة وال ٌعرفون من الصناعة إال صناعة المعادن‪ .‬وقد انؽمسوا فً الشراب‬
‫والخصام والؽزوات ؼٌر المنتظمة من أجل األسبلب والمؽانم‪ .‬وعبر جماعة من‬
‫الؽال بقٌادة أحد زعماء قبابلهم جبال األبنٌن حوالً العام ‪ 3۲4‬ق‪.‬م‪ ،.‬وحاصرت‬
‫مدٌنة كولوسٌوم ‪ Clusium‬األتروسكٌة‪ .‬فناشدت الرومان للمساعدة‪ .‬فبعث مجلس‬
‫الشٌوخ الرومانً رسبل إلى الؽال ٌدعونهم الى االنسحاب‪ .‬فما كان من هإالء إال أن‬
‫اعتبروا تدخل الرومان تحدًٌا لهم‪ .‬واستدعوا نجدات جدٌدة لهم هاجموا بها عام‬
‫‪ 3۱۰‬ق‪.‬م‪ .‬روما‪ ،‬حٌث التقوا الرومان وحلفابهم البلتٌن على ضفاؾ نهر ألٌا ‪Allia‬‬
‫أحد روافد نهر التٌبر ‪ .‬فكانت معركة كبٌرة انهزم فٌها الرومان والبلتٌن بعد أن‬
‫منوا بخسابر جسٌمة‪.‬‬

‫ولو أن القبابل الؽالٌة تابعت طرٌقها نحو روما الحتلتها ألنها كانت خالٌة وبدون‬
‫سور منذ أن هدمه بورسٌنا‪ .‬لكن تمهل الؽال فً أرض المعركة لجمع المؽانم أتاح‬
‫الفرصة الفرٌق من االٌطالٌٌن االنتحاء الى تل فابٌتو لٌنوس ‪ Fabitolinas‬المنٌع‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫ولما تابع الؽال زحفهم نحو روما دخلوها دون مقاومة فنهبوا وخربوا ما وصلت إلٌه‬
‫أٌدٌهم‪.‬‬

‫وقد حاول الجٌش الرومانً اٌقافهم عند نهر الٌا ‪ Allia‬لكنه منً بهزٌمة منكرة ‪،‬‬
‫فاخلً سكان روما مدٌنتهم ولجؤوا الى مدٌنة فٌٌس‪ ،‬فاحتل الؽالٌون روما ‪،‬‬
‫وحاصروا قلعة الكابٌتول ‪ ،‬ونهبوا ‪ ،‬وأحرقوا منازلها الخشبٌة ‪ ،‬وبعد أشهر أصابت‬
‫المجاعة المدافعٌن عن الكابٌتول فطلبوا الصلح فوافق الؽالٌون ‪ ،‬وقد دفعت لهم‬
‫روما فدٌة والتً بلؽت سبعة أالؾ رطل من الذهب ‪ ،‬وكان ذلك بٌن سنتً ‪- 344‬‬
‫‪ 3۱۲‬ق‪.‬م ‪.‬‬

‫وقد قام الرومان بعد هذه الفاجعة بإعادة بناء سور مدٌنتهم خوفا من تجدد ؼارات‬
‫الؽالٌٌن علٌها والتً تجددت فعبل‪ ،‬حٌث عاد الؽالٌون الى روما بعد عدة سنوات‬
‫فحاصروها ولم ٌستطٌعوا فتحها بفعل السور الذي بنً حولها ‪ ،‬ثم قاموا بمحاصرتها‬
‫وعسكروا أمامها فً سنوات ‪ 364 ،36۰ ،36۰‬ق‪.‬م ‪ ،‬ثم عادوا الى مهاجمة‬
‫البلتٌوم سنة ‪ 30۰‬ق‪.‬م وقد تمكن الرومان فً هذه المرة من هزٌمتهم بفضل جٌشهم‬
‫الذي أعادوا تنظٌمه‪ ،‬وبفضل مجموعة من القادة األكفاء مثل لوسٌوس كامبلٌوس‬
‫ً‬
‫ثانٌة‪ ،‬األمر‬ ‫وقد عاد الؽالٌون للمرة األخٌرة لمهاجمة روما سنة ‪ 33۰‬ق‪.‬م فهزموا‬
‫الذي اضطرهم الى عقد اتفاقٌة معها‪.‬‬

‫وهكذا وبعد تبلشً الخطر الؽالً نهابٌا التفتت روما الى استعادة ما كانت قد خسرته‬
‫فً فترة الضعؾ والتراجع أمام الخطر الؽالً ‪ ،‬فؤعادت إخضاع اترورٌا وتصفٌة‬
‫حساباتها مع الفولسكٌٌن والحقت أراضٌهم بالممتلكات الرومانٌة ‪ ،‬وقد قام الرومان‬
‫فً هذه المرة بسلوك سٌاسة جدٌدة تقضً بإسكان قبابل رومانٌة فً المناطق‬
‫المخضعة‪ .‬لتثبٌت السٌطرة الرومانٌة فٌها ‪ .‬وقد خرجت روما من هذه الحروب التً‬
‫كادت تقضً عٌلها أقوى مما دخلتها ‪ .‬وانتهت بذلك المرحلة األولى من التوسع‬
‫الرومانً فً القرن الرابع ‪ ،‬ولكنها ظلت محصورة فً البلتٌوم بٌن ما تبقى من‬
‫المدن األتروسكٌة فً الشمال وبٌن البلتٌن فً الجنوب‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫أما المرحلة الثانٌة من التوسع الرومانً فتمت بعد ذلك بإخضاع البلتٌنٌٌن ‪ .‬كان‬
‫البلتٌنٌون كما رأٌنا سابقا حلفاء لروما فً صراعها ضد األقوام الجبلٌة التً شكلت‬
‫عدوا مشتركا للطرفٌن وخطرً ا داهمًا علٌهما ‪ ،‬وقد تجدد هذا التحالؾ‬
‫فٌما مضى ً‬
‫ً‬
‫ثانٌة عند نشوب الحرب بٌن الرومان والسامنتٌٌن نتٌجة لؤلحداث التً جرت فً‬
‫كامبانٌا جنوب اٌطالٌا ‪ ،‬وقد انتصر الحلؾ الرومانً البلتٌنً ضد السامنتٌٌن ‪،‬‬
‫ولكن البلتٌنٌٌن اكتشفوا أن الرومان قد اصبحوا ٌشكلون خطرا داهما علٌهم حٌث‬
‫أحاطوا بهم من الشمال والجنوب باحتبللها كامبانٌا ‪ ،‬فؤرادوا التخلص من هذا‬
‫المؤزق ‪ ،‬فقاموا سنة ‪ 304‬ق‪.‬م بتقدٌم مجموعة مطالب تتضمن المطالبة بالتساوي‬
‫فً الحقوق السٌاسٌة مع الرومان ‪ ،‬وبؤن ٌكون لهم الحق بؤخذ المنصبٌن القنصلٌٌن‬
‫ولكن روما رفضت ذلك بشدة ‪ ،‬ولذلك نشبت الحرب بٌن الطرفٌن ‪ ،‬واستطاع‬
‫الرومان هزٌمة البلتٌنٌٌن وإنهاء القضٌة البلتٌنٌة نهابٌا فتم حل حلؾ المدن البلتٌنٌة‬
‫ومنع مواطنً المدن البلتٌنٌة من الزواج فٌما بٌن هذه المدن أو قٌام اي تملك‬
‫مشترك بٌنهم‪.‬‬

‫الحروب السامنٌة‬

‫وجه الرومان نظرهم بعد ذلك نحو السامنتٌٌن الذٌن كانوا ٌسكنون أودٌة جبال‬
‫االبنٌن وٌشكلون دولة تكاد تضارع الدولة الرومانٌة من حٌث المساحة‪ ،‬ولكنها‬
‫أضعؾ منها سكانا واقتصا ًدا ‪ ،‬وقد نشبت الحرب بٌن الطرفٌن كنتٌجة حتمٌة لتوسع‬
‫الدولتٌن المتجاورتٌن ‪ ،‬وكان السبب المباشر ‪ ،‬الطلب الذي تقدم به السامنتٌون إلى‬
‫روما إلخبلء المستعمرة الرومانٌة فرٌجٌل التً تحول بٌنهم وبٌن البحر ‪ ،‬فرفض‬
‫الرومان هذا الطلب ونشبت الحرب بٌن الطرفٌن واستمرت ‪ 3۰‬سنة (‪)۰۲4 - 3۰۰‬‬
‫ق‪.‬م وقد هزم بنتٌجتها السامنتٌون وحلفابهم وخرجت منها روما ظافرة وقد امتلكت‬
‫معظم أجزاء اٌطالٌا ‪ .‬وقد كانت الحروب السامنتٌة أطول الحروب التً خاضتها‬
‫روما واكثرها عنفا وضراوة ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫بٌنما كان السمنٌون منهمكٌن فً حربهم ضد مدٌنة تارنتم ‪ -‬كبرى المدن اإلؼرٌقٌة‬
‫‪ 33۰ -330‬ق‪.‬م‪ .‬عقدت روما معها معاهدة فً العام ‪ 330‬ق‪.‬م‪ ،‬والتزمت فقط‬
‫بمقتضاها بعدم تقدٌم اٌة مساعدة لحلفابهم السنٌٌن‪ .‬بٌنما قام الملك بٌروس ‪Pirus‬‬
‫ملك شبه جزٌرة ابٌروس ‪ Epirus‬اإلؼرٌقٌة على األدرٌاتٌك بتقدٌم المساعدة‬
‫لتارنتم التً تمكنت من االنتصار على السمنٌٌن‪ .‬لكن السمنٌٌن الذٌن عقدوا صلحا‬
‫مع تارنتم بعد الحرب وجهوا اهتمامهم نحو قمبانٌا واستطردت الحرب ضد الرومان‬
‫لؤلسباب اآلتٌة ‪:‬‬

‫‪ )۰‬أن الرومان ادمجوا مدن قمبانٌا الشمالٌة فً دولتهم عام ‪ 33۱‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪ )۰‬أن الرومان تحاربوا مع تارنتوم فً عام ‪ 330‬ق‪.‬م‪ .‬حٌن كانت تحارب‬


‫السمنٌٌن‪.‬‬

‫‪ )3‬أن المستعمرتٌن اللتٌن اقامتهما روما‪ :‬األولى فً عام ‪ 330‬ق‪.‬م‪ .‬عند فالس‬
‫على حدود قمبانٌا‪ ،‬والثانٌة فً عام ‪ 3۰۱‬ق‪ .‬م‪ .‬عند فرجبلي فً وادي نهر‬
‫لٌرٌس‪ ،‬تعتبران سدا مانعا لزحؾ السمنٌٌن على قمبانٌا ‪.‬‬

‫وفً عام ‪ 3۰۰‬ق‪.‬م تدخل السمنٌون مع أحد الحزبٌن المتصارعٌن فً مدٌنة نابولً‬
‫نابولٌس ‪ Neapolis‬اإلؼرٌقٌة ‪ ،‬ووضعوا حامٌة لهم فً المدٌنة ‪ .‬أفزع هذا‬
‫التدخل مدٌنة قابوا ‪ Capua‬التً ناشدت الرومان المساعدة‪ .‬فاقتحم الرومان مدٌنة‬
‫نٌابول ٌس وطردوا السمنٌٌن منها وجعلوا المدٌنة حلٌفة‪ .‬ثم استولوا على روفرٌوم‬
‫‪ Rufrium‬والٌفاي ‪ Allifae‬الواقعتٌن على حدود سامنٌوم ‪ Samnium‬اي اقلٌم‬
‫السامنٌوم‪ .‬وهكذا لم ٌعد من مفر من وقوع صدام طوٌل األمد بٌن الرومان‬
‫والسمنٌٌن ‪ -‬اقوى قوتٌن عسكرٌتٌن فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة آنذاك‪ .‬وقد مرت تلك‬
‫الحرب بمرحلتٌن‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫المرحلة األولى من عام ‪ 316‬إلى ‪ 314‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫فً البداٌة من هذه المرحلة أحرز الرومان بعض االنتصارات اال انهم خسروا‬
‫المعركة عندما حاولوا تطوٌق السمٌنٌٌن من الخلؾ على طرٌق ابولٌا فً عام ‪3۰۰‬‬
‫ق‪.‬م‪ .‬إذ أن السمٌنٌٌن كانوا لهم بالمرصاد فؤوقعوا الجٌش الرومانً فً كمٌن ضٌق‬
‫ٌعرؾ باسم «شعاب قاودٌوم» ‪ Furculae Caudium‬بٌن مدٌنتً قابوا وبنفنتوم‬
‫‪ Beneventum‬حٌث أرؼم الجٌش على التسلٌم ولم ٌفك أسره اال بعد ان عقدت‬
‫روما صلحا مع السمٌنٌن تعهدت فٌه لهم بالتنازل عن فرجبلي ‪ ،‬وبعدم قتالهم ثانٌة‪.‬‬

‫لج ؤ الرومان إلى إعادة تنظٌم الجٌش الرومانً‪ ،‬شؤنهم فً ذلك بعد كل خسارة كبٌرة‬
‫تلحق بهم‪ .‬فزادوا عدد مشاة جٌشهم حتى صار ٌتؤلؾ من أربع فرق‪ ،‬عدد كل منها‬
‫‪ 0۰44‬مقاتل‪ .‬وفرضوا على المدن الحلٌفة اإلسهام بعدد مماثل من المقاتلٌن‪ٌ .‬عنً‬
‫هذا أنه صار بمقدور الرومان تجنٌد جٌش من الرومان وحلفابهم ٌتراوح بٌن‬
‫‪ 35444‬و ‪ 04444‬مقاتل‪ .‬ثم نقض الرومان فً عام ‪ 3۰5‬ق‪.‬م‪ .‬صلح قاودٌوم‬
‫‪ Caudinum Foedus‬واستؤنفوا الهجوم على السمٌنٌٌن من الخلؾ عن طرٌق‬
‫أبولٌا‪ .‬فرد هإالء على الرومان بؤن قطعوا الطرٌق الساحلً لئلمدادات‪ .‬ولما حاول‬
‫الرومان إرسال قوة الستعادة السٌطرة على الطرٌق الساحلً اصٌبت قوتهم بهزٌمة‬
‫هزت والء حلفابهم فً قمبانٌا ‪ .‬وقبل أن تتسع الفتنة تمكن الرومان فً العام الثانً‬
‫‪ 3۰0‬ق‪.‬م من طرد السمٌنٌٌن من تاراقٌنا على الساحل‪ ،‬األمر الذي جعل قابوا‬
‫تسارع باالستسبلم إلى الرومان‪ .‬ثم أنشؤ الرومان اشهر طرقهم العامة المرصوفة‪،‬‬
‫وهو طرٌق أبٌوس ‪ Via Appia‬الذي كان ٌهًء لهم كل اتصال‪.‬‬

‫ولما ضٌق الرومان الخناق على السمٌنٌٌن عمل هإالء على تفرٌق حلفاء الرومان‬
‫عنها‪ .‬فبادر السمٌنٌون إلى تحرٌض فالٌرًٌ وتاركوٌنًٌ عام ‪ 3۰۰‬قدم على‬
‫مهاجمة إقلٌم اترورٌا بعد انقضاء عقد الصلح معها‪ ،‬وفً العام التالً حرضوا قبابل‬
‫الهرنٌقً واألٌكوي والباٌلجنً على رفض تحالفهم مع الرومان‪ .‬فما كان من‬
‫الرومان إال أن عاجلوا االتروسكٌٌن خبلل ثبلث سنوات ‪ 34۱ -3۰4 .‬ق‪.‬م‬

‫‪76‬‬
‫واجبروهم على عقد الصلح مع الرومان)‪ .‬كما أرؼمت عصبة المدن األتروسكٌة‬
‫على عقد هدنة تتجدد سنوًٌا لمدة عشرٌن عاما‪ .‬كما أرؼموا الهرنٌقً واألٌكوي‬
‫والباٌلجنً على التسلٌم لروما‪.‬‬

‫ولم ٌؤتً العام ‪ 340‬ق‪.‬م حتى اضطر السمٌنٌون إلى طلب الصلح الذي وافقهم علٌه‬
‫الرومان‪ .‬وسمحوا للسمٌنٌٌن باإلحتفاظ باستقبللهم الداخلً‪ ،‬وبما ٌملكون فٌما عدا‬
‫بعض أقالٌم الحدود‪ .‬والسبب ان السمٌنٌٌن كانوا ال ٌزالون قوة ٌتطلب القضاء علٌها‬
‫بذل مجهود كبٌر‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثانٌة من عام ‪ 141‬إلى عام ‪ 141‬ق‪.‬م‬


‫بدأت المرحلة الثانٌة ‪ ،‬من الحرب بٌن السمٌنٌٌن والرومان‪ ،‬عندما انقسم اللوقانٌون‬
‫إلى فرٌقٌن‪ ،‬ناصر الرومان فرٌقا ‪ ،‬وناصر السمٌنٌون فرٌقا آخر‪ .‬ولما أرسلت‬
‫روما قوة من جٌشها طردت السمٌنٌٌن من لوقانٌا فً عام ‪ ۰۲۱‬ق‪.‬م اعتبر ذلك‬
‫السمٌنٌون اٌذانا ببداٌة الحرب بٌنهما‪.‬‬

‫وجد السمٌنٌون انفسهم محاصرٌن من قبل الرومان‪ ،‬فردوا على روما بعقد تحالؾ‬
‫منهم ومن السابٌنً ومن قبٌلة السنونس الؽالٌة ومن بعض المدن األتروسكٌة‪ .‬لكن‬
‫الرومان تمكنوا من االنتصار على هذه الجبهة عند سنتنٌوم ‪Sentinum‬فً عام‬
‫‪ ۰۲5‬ق‪.‬م‪ ،‬وبقٌت المدن األتروسكٌة لقمة سابؽة للرومان ‪ .‬ثم هزمت الرومان‬
‫المدن االتروسكٌة وارؼمتها على عقد الصلح معها‪ ،‬األمر الذي فرؼها لحرب‬
‫استنزاؾ مع السمٌنٌٌن‪ ،‬أدت هذه الحرب المتكررة على عدة جبهات إلى طلب‬
‫السمٌنٌٌن الصلح مع الرومان الذٌن استجابوا له لقاء تنازلهم عن جزء من إقلٌمهم‬
‫وٌصبحوا حلفاء لروما فً عام ‪ ۰۲4‬ق‪.‬م‪ .‬عندها استفردت روما بالسابٌن‪ ،‬فصفت‬
‫حسابها معهم وضمت اقلٌمهم ومنحت مواطنٌهم حقوق المواطنة الرومانٌة الخاصة‪.‬‬

‫لكن قبٌلة السنونس الؽالبة بقٌت تشكل خطرا على روما وبخاصة عندما أؼاروا‬
‫على اترورٌا وحاصروا مدٌنة أرتٌوم ‪ Arretium‬فً عام ‪ ۰۱0‬ق‪.‬م‪ .‬فما كان من‬
‫‪77‬‬
‫الرومان إال أن أرسلوا قوة منهم لنجدة المدٌنة المحاصرة‪ ،‬وؼزوا إقلٌم السنونس ‪-‬‬
‫الؽال ‪ -‬واحتلوه‪ .‬وخربوه وحولوه إلى صحراء ظل ال ٌزرع مدة خمسٌن سنة‪ .‬وفً‬
‫العام ‪ ۰۱3‬ق‪.‬م‪ .‬قضى الرومان على قبٌلة بوبً الؽالٌة واجبروها على طلب الصلح‬
‫هً األخرى‪ .‬ثم ارؼموا بعض المدن االتروسكٌة على التسلٌم الى روما بعد أن‬
‫استؽلت فرصة انشؽال روما بحروب جانبٌة فوافق الرومان عام ‪ ۰۱4‬ق‪.‬م‪ .‬على‬
‫الصلح أٌضا وصاروا اسٌاد اواسط شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وشمالها اٌ ً‬
‫ضا‬

‫روما تسٌطر على جنوب شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة‬

‫دأبت بعض القبابل من أبولٌا ولوقانٌا بعد انهٌار امبراطور سٌراكوزا فً عام ‪36۰‬‬
‫ق‪.‬م على االعتداء على المدن اإلؼرٌقٌة فً شبه جزٌرة إٌطالٌا‪ .‬فتزعمت تارنتوم‬
‫المدن اإلؼرٌقٌة وأخذت على نفسها مهمة الدفاع عنها مستعٌنة بملك اسبرطة الذي‬
‫قتل فً مواجهة اللوقانٌٌن فً عام ‪ 33۱‬ق‪.‬م‪ .‬ثم استعانت تارنتوم بملك ابٌروس فً‬
‫عام ‪ 330‬ق‪.‬م وأخٌرا بملك إسبرطة فً عام ‪ 343‬ق‪.‬م وأرؼمت اللوقانٌٌن على‬
‫عقد الصلح حوالً عام ‪ ۰۲۱‬ق‪.‬م‪ .‬آزر طاؼٌة سٌراكوزا اؼرٌق إٌطالٌا‪ ،‬لكنه‬
‫عندما مات فً عام ‪ ۰۲۱‬ق‪.‬م ضعفت سٌراكوزا ولم ٌبق لدى اإلؼرٌق من ٌحمٌهم‪.‬‬
‫لذلك طلبت مدٌنة ثوري ‪ Thurii‬مساعدة الرومان ضد اللوقانٌٌن عندما هاجموها‪.‬‬
‫فؤرسل الرومان حامٌة إلى ثوري فً عام ‪ ۰۱۰‬ق‪.‬م فً البر والبحر هزمت‬
‫اللوقانٌٌن وحلفابهم‪.‬‬

‫لذلك اعتبرت مدٌنة تارنتوم ‪ ،‬كبرى المدن اإلؼرٌقٌة أن هذا العمل من جانب روما‬
‫هو تحد للمدٌنة‪ ،‬وبخاصة عندما دخلت عشر سفن رومانٌة خلٌج تارنتوم فً عام‬
‫‪ ۰۱۰‬ق‪.‬م معتبرة هذا العمل أٌضا خرقا لمعاهدة التحالؾ المعقودة بٌنهما فً عام‬
‫‪ 330‬ق‪.‬م‪ ،‬والتً كانت تنص على عدم دخول القوات الرومانٌة إلى هذا الخلٌج‪.‬‬
‫وعلى الفور قامت تارنتوم بإؼراق بعض السفن الرومانٌة واستولت على بعضها‬
‫اآلخر‪ ،‬وطردت الحامٌة الرومانٌة من مدٌنة ثوري واحتلتها بمساعدة بٌروس‬

‫‪71‬‬
‫‪ Pyrrhus‬ملك اوبٌروس وجٌشه)‪ .‬احتجت روما لدى تارنتوم مطالبة بتعوٌضها‪،‬‬
‫لكن األخٌرة‪ ،‬رفضت طلب روما و أهانت سفراءها إهانة بالؽة‪.‬‬

‫لم ٌعد فً وسع الرومان بعد ذلك السكوت عما حدث‪ ،‬وقرروا مواجهة تارنتوم‬
‫وبٌروس الذي اصطحب جٌشا مإل ًفا من ‪ ۰4444‬مقاتل من المشاة ‪ 3444‬فارس‬
‫‪ ۰444‬من رماة السهام مدربٌن أفضل تدرٌب ومجهزٌن بؤحدث األسلحة المعروفة‬
‫آنذاك فضبل عن عشرٌن فً تدخل المعركة ألول مرة فً إٌطالٌا")‪ .‬فدارت المعركة‬
‫األولى فً عام ‪ ۰۱4‬ق‪.‬م عند هرقلٌا على شاطىء خلٌج تارنتوم‪ .‬انهزمت فٌها‬
‫روما أمام بٌروس و تارنتوم‪ ،‬ورفضت الصلح الذي عرضه علٌها مقابل أن تتخلى‬
‫عن جنوب إٌطالٌا بؤجمعه‪ ،‬ثم الحق بٌروس بروما هزٌمة ثانٌة فً عام ‪ ۰۰۲‬ق‪.‬م‬
‫عند أوسقولوم ‪ Ausculum‬فً أبولٌا‪ .‬وفً أثناء االتفاق على بعض بنود الصلح‬
‫بٌنهما وقد سارت المفاوضات بنجاح‪ .‬أسرعت قرطاجة بإرسال سفرابها إلى روما‬
‫لٌعرضوا علٌها المساعدة باألموال والسفن حتى ال تسمح لبٌروس بالتدخل فً‬
‫صقلٌة ‪ ،‬فرفضت روما فً عام ‪ ۰۰۲‬م‪ .‬مصالحة بٌروس وعقدت مع قرطاجة‬
‫معاهدة عسكرٌة اتفق فٌها الطرفان على ‪:‬‬

‫‪ )۰‬أن ٌتعاون األسطول القرطاجً فورً ا مع الرومان‪.‬‬

‫‪ )۰‬أنه ال ٌحق للقرطاجٌٌن اتخاذ قواعد دابمة فً اٌطالٌا‬

‫‪ )3‬أنه فً حالة إبرام احد الطرفٌن معاهدة مع العدو المشترك ٌجب أن ٌحتفظ‬
‫لنفسه فً هذه المعاهدة بحق مساعدة الطرؾ اآلخر إذا ؼزٌت أراضٌه‪.‬‬

‫وقرر بٌروس نجدة اؼرٌق صقلٌة الذٌن وقعوا‪ ،‬بعد وفاة أجاثوكلٌس طاؼٌة‬
‫سٌراكوزا فً عام ‪ ۰۱۲‬ق‪.‬م‪ ،‬بٌن خطرٌن‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن القرطاجٌٌن انتهزوا فرصة وفاته وجددوا هجماتهم على المدن اإلؼرٌقٌة‬
‫‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الثانً‪ :‬أن القمبانٌٌن المؤجورٌن تركوا خدمة سٌراكوزا بعد وفاة موالهم واستولوا‬
‫على مسانا = مسٌنا ‪ Messana‬وجعلوها قاعدة الؼاراتهم على المدن اإلؼرٌقٌة‬
‫فً صقلٌة‪.‬‬

‫لذلك جاء إلى صقلٌة فً عام ‪ ۰۰۱‬ق‪.‬م‪ ،‬ووجه جل اهتماماته لمحاربة القرطاجٌٌن‬
‫على مدى ثبلث سنوات‪ ،‬حتى أرؼمهم على التخلً عن كل ممتلكاتهم فٌما عدا‬
‫لٌلوباٌوم ‪ .Lilybaeum‬وكاد ٌنقل الصراع إلى افرٌقٌا لوال تخلً حلفابه عنه‬
‫وعقدهم الصلح مع القرطاجٌٌن‪ ،‬األمر الذي جعله ٌؽادر صقلٌة فً عام ‪ ۰۰5‬ق‪.‬م‬
‫عابدة إلى حلفابه فً جنوب إٌطالٌا‪ .‬وفً إٌطالٌا أعاد تنظٌم قواته لٌنقض على جٌش‬
‫رومانً كان قد زحؾ على سامنٌوم ووصل حتى بنفنتوم ‪ Beneventum‬لكن‬
‫خطته فشلت‪ .‬فانسحب إلى تارنتوم‪ ،‬ثم إلى ببلده األصلٌة لٌحقق ما عجز عن تحقٌقه‬
‫فً اٌطالٌا‪ ،‬باحتبلل مقدونٌا وتؤسٌس امبراطورٌة كبٌرة‪ ،‬وبخاصة أن الظروؾ‬
‫الراهنة فً ببلد اإلؼرٌق كانت أفضل له لبلستٌبلء على مقدونٌا)‪ .‬لكنه قتل فً‬
‫مٌدان المعركة بببلد اإلؼرٌق عام ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬وصادؾ أن أرسل قبٌل وفاته فً‬
‫طلب حامٌة تارنتوم‪ .‬فسلمت هذه الحامٌة المدٌنة إلى الرومان لتإمن خروجها‬
‫بسبلم‪ .‬فوضع الرومان فً تارنتوم حامٌة رومانٌة دابمة وتفرؼوا للقضاء على‬
‫اللوقانٌٌن والبروتٌٌن والسمٌنٌٌن وحلفابهم القبابل السابلٌة واستولوا على قسم كبٌر‬
‫من أقالٌمهم حٌث أقاموا فٌها عددا من المستعمرات‪ .‬فً جنوبً إٌطالٌا ‪ .‬ولم ٌبدأ‬
‫عام ‪ ۰65‬ق‪.‬م حتى كانت شبه جزٌرة إٌطالٌا بؤجمعها تعترؾ بسٌادة الرومان‪.‬‬

‫ومن أهم األسباب التً ساعدت الرومان فً تحقٌق انتصاراتهم الحربٌة ما ٌلً‪:‬‬

‫‪ )۰‬موقع روما المتوسط ‪.‬‬

‫‪ )۰‬التنظٌم السٌاسً المحكم‪.‬‬

‫‪ )3‬قدرة الجٌش الرومانً وبراعة قادته العسكرٌٌن بالمناورة والتطوٌق ‪ .‬كما أن‬
‫الجٌش قد أخضعت به روما مدن اٌطالٌا بتجنٌد كل مواطن البق للخدمة‬

‫‪11‬‬
‫العسكرٌة على نفقته الخاصة كالتزام ٌإدٌه للدولة إال أن طول الحروب وبعد‬
‫المعارك عن روما جعل فكرة دفع راتب منتظم للجنود الرومان تظهر الى‬
‫حٌز الوجود‪ ،‬وكانت هذه الخطوة هً المرحلة األولى نحو تكوٌن جٌش‬
‫محترؾ خاص بروما‪.‬‬

‫‪ )0‬دبلوماسٌة الرومان التً عملت على تمزٌق شمل التحالفات التً نظمها‬
‫أعدابها السامنتٌون ضدها‪.‬‬

‫‪ )5‬القسوة التً استخدمها الرومان فً إخضاع السامنتٌٌن والقضاء على‬


‫تمرداتهم‪.‬‬

‫‪ )6‬ظهور عدد من القادة العسكرٌٌن الممتازٌن مثل أبٌوس كلودٌوس ودوسٌوس‬


‫موس وفابٌوس روللٌانوس ‪ ،‬وبابٌرٌوس کورسور‪.‬‬

‫‪ )۰‬وكانت من أهم العوامل التً ساعدت روما على بسط سلطانها على إٌطالٌا‬
‫بؤجمعها تقرٌبا أال وهً‪ :‬شبكة الطرق البرٌة الشهٌرة فقد بدأت ألول مرة‬
‫بشكلها المتطور حوالی ‪ 3۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬بإنشاء الكنسور ابٌوس كاٌكوس للطرٌق‬
‫الموصل من روما إلى كابوا والذي حمل اسمه‪ ،‬ثم امتد نفس الطرٌق لٌصل‬
‫الى برندٌزٌوم ثم بدأت الطرق تتعدد لتربط روما وأؼلب المدن‪ ،‬وأٌضا كان‬
‫لها دورها االقتصادي كوسٌلة سرٌعة للنقل البري باالضافة لدورها‬
‫الحضاري الذي ال ٌمكن تجاهله‪.‬‬

‫ثم وجهت روما جهودها نحو المدن االؼرٌقٌة فً جنوب إٌطالٌا والتً كانت تعٌق‬
‫مطامع روما فً توحٌد إٌطالٌا فحاربتها واحتلتها سنة ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م وهدمت أسوارها‬
‫وأقامت فٌها حامٌة رومانٌة ‪ ،‬وبعد هذه الفتوحات التً قامت بها روما فً اٌطالٌا‬
‫اصبحت دولة عظٌمة ٌحسب حسابها وٌخشاها اعدابها وتبادلها الدول الكبرى‬
‫المعاصرة الود والعبلقات‪ ،‬فقد أرسل لها بطلٌموس فٌبلدلفٌا ملك مصر بعثة سٌاسٌة‬

‫‪18‬‬
‫لٌكتسب صداقتها ‪ .‬كما أخذت تقٌم عبلقات تجارٌة مع المدن الٌونانٌة فً البر‬
‫الٌونانً‪.‬‬

‫أما عن روما من الداخل فقد كان الصراع قاسٌا كمثٌله فً الخارج فقامت‬
‫الجمهورٌة الرومانٌة نتٌجة الثورة األرستقراطٌة من مبلك األرض‪ ،‬وتولی‬
‫السلطات التنفٌذٌة فً الدولة موظفون عمومٌون من الطبقة األرستقراطٌة‪ .‬وسٌطر‬
‫على هإالء الموظفٌن مجلس الشٌوخ الرومانً الذي كان ٌعبر عن مصالح الطبقة‬
‫األرستقراطٌة ضد أي مصالح أخرى‪ ،‬لذا كان من الطبٌعً أن ٌتفجر الصراع بٌن‬
‫هذه الطبقة الحاكمة وبٌن الطبقة المحكومة من عامة الشعب نتٌجة تضارب المصالح‬
‫االقتصادٌة وما ٌترتب علٌها من ظروؾ اجتماعٌة وسٌاسٌة وقانونٌة‪ .‬وبدأ هذا‬
‫الصراع حوالى بداٌة القرن الخامس قبل المٌبلد واستمر أكثر من مابتً عام حتى‬
‫حقق العامة أهدافهم‪ .‬وقد تكونت طبقة العامة فً روما من أصحاب الحرؾ‬
‫والفبلحٌن األحرار والتجار والمهاجرٌن الفقراء واستخدمت هذه الطبقة فً بداٌة‬
‫صراعها مع األرستقراطٌة الرومانٌة سبلحا بسٌطا لكنه فعال إلى أقصى الحدود‪،‬‬
‫وهو (االنسحاب) أي انسحاب كافة هذه الجماعات من روما مما ٌشكل بالقطع كارثة‬
‫اقتصادٌة ال ٌمكن األرستقراطٌة أن تتجاهلها‪ ،‬وقد خرج عامة الشعب من هذا‬
‫الصراع فً أول جولة لهم فٌه بمكسب ال ٌنكر هو ظهور مجموعة من الموظفٌن‬
‫العمومٌٌن والترابنة الشعبٌٌن الذي ٌدافعون عن مصالحهم ضد مصالح‬
‫األرستقراطٌة‪ ،‬باإلضافة إلى تكوٌن الجمعٌة الشعبٌة التً أصبحت ندا لمجلس‬
‫الشٌوخ األرستقراطً‪ ،‬وتدرٌجٌا تطورت سلطات الترابنة حتى أصبحت تجٌز لهم‬
‫االعتراض على أي موظؾ عام أو قرارات أو قوانٌن ٌفرضها مجلس الشٌوخ‪،‬‬
‫وتتعارض مع مصالح الطبقات الشعبٌة فً روما‪.‬‬

‫وكان ثانً المكاسب التً خرجت بها طبقة العامة فً روما فً صراعها مع‬
‫األرستقراطٌة هو مجموعة القوانٌن المكتوبة المعروفة باسم قوانٌن األلواح االثنً‬
‫عشر‪ ،‬والتً تعتبر أحد أهم مصادر التارٌخ الرومانً‪ ،‬وٌعتبر هذا المكسب تؽٌٌرا‬

‫‪11‬‬
‫جذرٌا فً العبلقات بٌن كل من األرستقراطٌٌن والعامة‪ ،‬إذ كانت القوانٌن قبل ذلك‬
‫أقرب الى العرؾ الذي ٌخضع للتفسٌرات الشفوٌة التً تقدمها الطبقة األرستقراطٌة‬
‫وحدها مما شكل نوعا من الضؽط على الطبقات األخرى‪ ،‬أما فً ظل القوانٌن‬
‫المكتوبة فقد سحبت هذه االمتٌازات بالتالً من ٌد الطبقة األرستقراطٌة والتً كثٌرا‬
‫ما استؽلت هذا الوضع لصالحها دون باقً الطبقات‪.‬‬

‫ثم توالت مكاسب العامة كاكتسابهم لحق التزاوج بٌنهم وبٌن األشراؾ من‬
‫األرستقراطٌٌن وامکان انتخاب أحد القناصل من عامة الشعب بعد أن كان قاصرا‬
‫على األرستقراطٌٌن واعادة توزٌع األراضً العامة وهً األراضً التً كانت روما‬
‫تضمها عن طرٌق الؽزو‪ ،‬وكان الهدؾ من اعادة التوزٌع هو الحد من الملكٌات‬
‫الكبٌرة وإتاحة الفرصة للفبلحٌن الصؽار لتملك بعض هذه األراضً‪ ،‬وقد صدر‬
‫قانون بهذا المعنى فً ‪ ۰6۰‬ق‪.‬م‪ٌ .‬حدد الحد األقصى للملكٌة الزراعٌة بحٌث ال‬
‫تزٌد عن ‪ 544‬فدان رومانً للشخص الواحد من األراضً الزراعٌة أو األراضً‬
‫الصالحة للرعً‪ ،‬وعرؾ هذا القانون باسم الكٌنوس سٌكستوس)‪ .‬ووصلت هذه‬
‫المكاسب الى ذروتها فً عام ‪ ۰۱۰‬ق‪.‬م‪ .‬عندما أصبحت لقرارات الجمعٌة الشعبٌة‬
‫قوة القانون بمقتضى قانون عرؾ باسم قانون هورتنسٌوس‪ .‬وهكذا ففً خبلل قرنٌن‬
‫من الصراع بٌن طبقة العامة والطبقة األرستقراطٌة حصل العامة على جمٌع‬
‫أهدافهم بؤقل قدر من العنؾ‪ ،‬ولم ٌعد لبلرستقراطٌة سند قانونً ألي امتٌازات قد‬
‫تتمتع بها‪ .‬وبالتالً اعتمد مركزهم الجدٌد فً الدولة على وضع ؼٌر رسمی تضفٌه‬
‫علٌهم ثروتهم أو سمعة أسرهم وتارٌخهم وأعمالهم المجٌدة ان وجدت‪ ،‬وهو ما‬
‫ٌخالؾ الوضع القدٌم‪.‬‬

‫وتولى األمور التنفٌذٌة فً داخل روما عدد قلٌل من الموظفٌن العمومٌٌن هم‬
‫قنصبلن وبراٌتور واحد‪ ،‬وفً بعض األحٌان زٌد العدد الى اثنٌن واثنان من‬
‫الكوٌستور وأربعة من االٌدٌل واثنان من الكنسور‪ ،‬وحددت فترة شؽلهم لمناصبهم‬
‫بعام واحد تجنبا لترك السلطة التنفٌذٌة فً روما لمثل هذا العدد القلٌل من الموظفٌن‬

‫‪13‬‬
‫لمدد طوٌلة‪ ،‬ولما كانت هذه المناصب ٌتم شؽلها باالنتخاب فٌمكن القول بؤن الشعب‬
‫الرومانً قد مارس السلطة إلى حد ما‪ ،‬اال أن هإالء الموظفٌن كانوا بحكم الوضع‬
‫السٌاسً القابم أمٌل الى جانب مجلس الشٌوخ الذي ٌضم أصحاب الخبرة السٌاسٌة‬
‫الناضجة وذلك بحكم كونهم أعضاء فً هذا المجلس قبل شؽلهم لمناصبهم‪،‬‬
‫ً‬
‫مرتبطا أٌضا بالمجلس بعد تركهم لمناصبهم‬ ‫باالضافة الى أن مستقبلهم السٌاسً كان‬
‫وأدى ذلك بطبٌعة الحال إلى تعاظم سلطان المجلس من الناحٌة السٌاسٌة واستمر هذا‬
‫الوضع حتى فترة ظهور األخوان جراكوس‪.‬‬

‫هكذا كانت روما من الداخل فهً فً طرٌقها إلى الشكل السٌاسً المنظم المستقر‬
‫الى حد كبٌر بعد أن استقرت لها األمور تقرٌبا فً شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول‬
‫توسعات روما الخارجٌة‬
‫(‪ 833-165‬ق‪.‬م)‬

‫‪15‬‬
‫الحروب البونٌة‬

‫فً ؼمرة انهماك روما بتوحٌد شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة تحت سٌطرتها لم تول اهتماما‬
‫كبٌرا إلى التجارة الخارجٌة أو تلق باال على اإلطبلق إلى األحداث الجارٌة خارج‬
‫إٌطالٌا ‪ ،‬ولكنها عندما أصبحت سٌدة شبه‪ ،‬وبذلك ؼدت إحدى القوى الكبرى فً‬
‫البحر المتوسط و أخذت تنظر إلى األمر نظرة جدٌدة كان مبعثها االنتصارات التً‬
‫أحرزتها والمكانة الكبٌرة التً احتلتها والكفاٌة العسكرٌة التً أظهرتها‪ ،‬فضبل عن‬
‫األطماع الجدٌدة التً أخذت تراودها ‪ .‬وإزاء ذلك كله كان طبٌعٌا أن تنزل روما إلى‬
‫معترك السٌاسة الدولٌة‪.‬‬

‫جوبهت روما بعد اتمام توسعها فً سهل البلتٌوم وجنوب إٌطالٌا بثبلث مشاكل او‬
‫قضاٌا كان علٌها حلها التمام توسعها فً شبه جزٌرة إٌطالٌا ‪ ،‬وفً المناطق البحرٌة‬
‫المجانٌة االٌطالٌا فً البحرٌن التٌرانً ‪ ،‬األدرٌاتٌكً وفً مناطق شمال اٌطالٌا‬
‫وراء جبال األبنٌن‪.‬‬

‫وقد قادتها محاوالت حل هذه المشكبلت الى حروب مع القوى المسٌطرة على هذه‬
‫المناطق ‪ ،‬كان من نتٌجتها توسع روما فً البحر األبٌض المتوسط وفً البر‬
‫الٌونانً وفً شمال اٌطالٌا ثم فٌما وراء األلب بعد ذلك وبشكل خاص فً ؼالٌا‪.‬‬

‫وكانت قضٌة البحر التٌرانً من أكثر المشاكل الحاحا بالنسبة للرومان ‪ ،‬والتً‬
‫تتطلب حبل عاجبل‪ٌ .‬قع البحر التٌرانً بٌن الساحل اإلٌطالً الؽربً ومجموعات‬
‫جزر أرخبٌل توسكانا شماال وجزٌرتً كورسٌكا وسردٌنٌا ؼربا ومجموعة جزر‬
‫لٌباري وصقلٌة جنوبا ‪ .‬وقد كانت مضابق هذا البحر موضع نزاع بٌن القوى التً‬
‫نشؤت على أطرافه كاالتروسكٌٌن ‪ ،‬والٌونان ‪ ،‬والفٌنٌقٌٌن ‪ ،‬والقرطاجٌٌن ‪ ،‬ثم روما‬
‫فٌما بعد ‪ ،‬حٌث اعتبرت أن مصٌرها كدولة كبرى فً إٌطالٌا مرتبط بمصٌره وبما‬
‫ٌجري فٌه من أحداث ‪ ،‬فتوجب العمل على التخلص من الوضع القابم فٌه ‪ ،‬األمر‬

‫‪16‬‬
‫الذي اضطرها الى الصدام مع قرطاجة التً كانت تسٌطر على صقلٌة وجزر‬
‫لٌباري ‪ :‬مع األتروسكٌٌن الذٌن كانوا ٌسٌطرون على كورسٌكا وسردٌنٌا‪.‬‬

‫وفً ذلك الوقت كانت القوى العظمى هً مصر وسورٌا ومقدونٌا فً شرق البحر‬
‫المتوسط وقرطاجة فً ؼرب هذا البحر ‪ ،‬ولما كان العامل الحاسم فً االتجاه الذي‬
‫اتخذته سٌاسة روما الخارجٌة طوال البقٌة الباقٌة من القرن الثالث قبل المٌبلد هو‬
‫سٌطرة قرطاجة على ؼرب البحر المتوسط ابتداء من صقلٌة حتى مضٌق جبل‬
‫طارق مما أفضى إلى صراع عنٌؾ بٌن هذٌن العمبلقٌن ‪ ،‬فإننا وقد أحطنا علما‬
‫بشبون روما ٌجمل بنا اآلن أن نستعرض فً إنجاز مكامن فوق قرطاجة ومواطن‬
‫ضعفها لكً ٌسهل علٌنا تفهم النتٌجة التً انتهى إلٌها الصراع فً ؼرب البحر‬
‫المتوسط‪.‬‬

‫كانت قرطاجة تقع على شاطا أفرٌقٌا الشمالً قرب مدٌنة تونس الحالٌة تجاه‬
‫الطرؾ الؽربً لجزٌرة صقلٌة‪ .‬وقد أسس قرطاجة مستعمرون فٌنٌقٌون من مدٌنة‬
‫صور عند أواخر القرن التاسع قبل المٌبلد حوالً عام ‪ ۱۰5‬أو ‪ ۱۰0‬ق‪ .‬م‪ .‬وبذلك‬
‫كانت إحدى المستعمرات التً أنشؤها الفٌنٌقٌون فً ؼرب البحر المتوسط ‪ ،‬بٌد أن‬
‫قرطاجة أخذت تنمو سرٌعا حتى ؼدت أعظم المستعمرات الفٌنٌقٌة فً الؽرب ‪ .‬وفً‬
‫هذه األثناء كانت فٌنٌقٌا ذاتها آخذة فً االضمحبلل أمام توسع األشورٌٌن ووقوعها‬
‫فً قبضتهم ‪ ،‬مما حدا بالمستعمرات الفٌنٌقٌة فً الؽرب إلى قطع صبلتها السٌاسٌة‬
‫بالمدن أمهاتها‪ .‬وإلى االعتماد على جهودها الذاتٌة فً الصمود أمام منافسة التجار‬
‫والمستعمرٌن اإلؼرٌق‪.‬‬

‫وقد انتهزت قرطاجة هذه الفرصة لتنصب نفسها حامٌة لذمار المستعمرات الفٌنٌقٌة‬
‫فً ؼرب البحر المتوسط ‪ ،‬ثم أخذت منذ القرن السادس بسط سٌطرتها تدرٌجا على‬
‫هذه المستعمرات الحلٌفة ‪ ،‬وعلى عدد من الجزر الواقعة فً ؼرب البحر المتوسط ‪،‬‬
‫وتحول أهم المراكز التجارٌة الفٌنٌقٌة إلى مستعمرات دابمة تابعة لها مثل لبدة‬
‫(‪ )Leptis Magna‬وصبراتة (‪ Sabratha‬وأوٌا (‪ )Oea‬فً لٌبٌا ‪ .‬وفضبل‬

‫‪17‬‬
‫عن ذلك فإن قرطاجة عملت على بسط سٌطرتها على اللٌبٌٌن المقٌمٌن فً المناطق‬
‫المجاورة لها ‪ ،‬شرقا وؼربا ‪ ،‬وكذلك على نشر نفوذها على كثٌر من القبابل النازلة‬
‫فً جنوب اسبانٌا وشرقها ‪ .‬وتبعا لذلك كانت امبراطورٌة قرطاجة فً النصؾ‬
‫األول من القرن الثالث قبل المٌبلد ال تشمل شاطا إفرٌقٌا الشمالً ابتداء من خلٌج‬
‫سرت إلى ما وراء جبل طارق فحسب بل أٌضا بعض أجزاء من شواطا إسبانٌا‬
‫الجنوبً وجزر البلٌار وكورسٌكا وسردٌنٌا وكذلك جانبا كبٌرا من جزٌرة صقلٌة‪.‬‬

‫وقد كانت إمبراطورٌة قرطاجة فً ذروة مجدها تتؤلؾ من ‪:‬‬

‫أوال ‪ ،‬قرطاجة ذاتها ‪ ،‬وكانت مدٌنة كبٌرة ٌقال إن عدد سكانها بلػ ‪ ۰44444‬نسمة‬
‫قبل تدمٌرها فً منتصؾ القرن الثانً قبل المٌبلد ‪ .‬وهذا الرقم ٌبدو معقوال إذا كان‬
‫ٌشمل كل فبات السكان ‪ ،‬فقد قدر عدد مواطنٌها بما ٌتراوح بٌن ‪ ۰44444‬و‬
‫‪ 344444‬مواطن ‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ ،‬المستعمرات الفٌنٌقٌة ‪ ،‬القدٌمة منها والحدٌثة ‪ ،‬وهً التً كانت حلٌفات تابعة‬
‫لقرطاجة مع تمتعها بالحكم الذاتً‪.‬‬

‫ثالثا ‪ ،‬المدن و األقالٌم التً كان ٌسكنها جنس خلٌط ٌسمى اللٌبٌٌن الفٌنٌقٌٌن ‪ .‬وكانوا‬
‫رعاٌا ٌتمتعون بمركز خاص و بالتزاوج مع القرطاجنٌٌن بامتبلك األرض ‪.‬‬

‫راب ًعا ‪ ،‬اللٌبٌٌن النازلٌن فً المناطق المجاورة لقرطاجنة والخاضعٌن لحكمها‬


‫مباشرة ‪.‬‬

‫خامسا ‪ ،‬القبابل اللٌبٌة المقٌمة خارج هذه المناطق ‪ ،‬ولكن قرطاجة بسطت نفوذها‬
‫على هذه القبابل عن طرٌق العبلقات التً أنشؤتها ‪ .‬وكذلك عن طرٌق الروابط‬
‫التجارٌة الوثٌقة بٌن قرطاجة وحلٌفاتها وبٌن هذه القبابل ‪ ،‬فهً التً كانت وسٌلة‬
‫تبادل السلع بٌن الثؽور والدواخل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ساد ًسا‪ :‬القبابل اإلسبانٌة التً سٌطرت قرطاجة علٌها وعلى مناجم النحاس والفضة‬
‫المجاورة لها‪.‬‬

‫سابعا ‪ ،‬جزر البلٌار و كورسٌكا وسردٌنٌا وجانب من صقلٌة حٌث أعطت قرطاجة‬
‫رعاٌاها من الحرٌة أكثر مما أعطته لرعاٌاها اآلخرٌن‬

‫وقد أعفت قرطاجة حلٌفاتها الفٌنٌقٌة التابعة لها من أعباء الدفاع عن نفسها ولكنها‬
‫فرضت ع لٌها وكذلك على رعاٌاها اللٌبٌٌن واالسبانٌٌن الخاضعٌن لسٌادتها تزوٌدها‬
‫بالمإنة والجنود أو السفن فً زمن الحرب ‪ ،‬فضبل عن أداء جزٌة سنوٌة مرتفعة‬
‫نضرب مثبل لها ما ٌحدثنا به لٌفٌوس من أن قرطاجة فرضت على لبدة أن تإدي لها‬
‫ٌومٌا جزٌة قدرها تالنت ( = حوالً ‪ ۰34‬جنٌها استرلٌنٌا ) وهو ما ٌظهر على‬
‫الفور مقدار حرص قرطاجة على مناطق نفوذها من إؼبلقها موانًء إمبراطورٌتها‬
‫فً وجه جمٌع التجار األجانب ومن إصرارها على ضرورة أن تمر بها التجارة‬
‫الخارجٌة جمٌعها وحتى لو كانت المدن الفٌنٌقٌة مصدرها ‪ ،‬وهو ما ٌتضح من‬
‫نصوص المعاهدتٌن اللتٌن عقدهما مع روما ‪ .‬وٌبدو أن األسلوب نفسه ‪ ،‬أسلوب‬
‫السٌطرة على أقالٌم داخلٌة لم تقهر عن طرٌق السٌطرة على الشواطًء لم تتبعه‬
‫قرطاجة فً لٌبٌا فحسب بل اتبعته أٌضا فً سردٌنٌا وكورسٌكا وجزر البلٌار ‪.‬‬
‫وٌبدو أن قرطاجة اتبعت األسلوب نفسه فً إسبانٌا كذلك بعد قضابها على مدٌنً‬
‫تارتسوس (‪ )Tartessus‬وماٌناقی (‪ )Maenace‬فً الجنوب حوالً آخر القرن‬
‫السادس قبل المٌبلد ‪ ،‬ألن قرطاجة بسٌطرتها على الشاطىء الجنوبً وجزء من‬
‫الشاطا الشرقً بسطت سٌطرتها على عدد كبٌر من القبابل اإلسبانٌة والمناجم‬
‫المجاورة لها ‪ .‬ذلك أن المخلفات األثرٌة تدل على انتشار تؤثٌرات فٌنٌقٌة منذ حوالً‬
‫عام ‪ 544‬ق‪.‬م‪ .‬فً مناطق إسبانٌة تمتد إلى ما وراء األندلس شماال حتى سلسلة‬
‫جبال مورنا (‪ . )Sierra Morena‬بٌد أنه حوالً عام ‪ 044‬ق‪.‬م‪ .‬تعاون إؼرٌق‬
‫ماسٌلٌا ‪ -‬منافسو القرطاجنٌٌن األشداء منذ عهد بعٌد ‪ -‬مع القبابل اإلسبانٌة فً‬
‫ال قضاء على هذه اإلمبراطورٌة اإلسبانٌة الباكرة ‪ ،‬فلم ٌبق لقرطاجة هناك إال بعض‬

‫‪14‬‬
‫أجزاء من الشاطا الجنوبً إلى أن أعادت بناء قوتها فً إسبانٌا بعد الحرب البونٌة‬
‫األولى على نحو ما سنرى ‪ .‬وأما فً صقلٌة ‪ ،‬فإنه بسبب كثرة اإلؼرٌق وقوتهم‬
‫هناك لم ٌكن مرکز قرطاجة قوٌا اال فً ؼرب هذه الجزٌرة ‪ ،‬ومن مراكزها‬
‫الحصٌنة فً هذه المنطقة حاولت بسط سلطانها فً صقلٌة قدر االستطاعة مع‬
‫حرصها فً الوقت نفسه على أن تمنح رعاٌاها هناك قدرا من الحرٌة أكبر مما‬
‫منحته رعاٌاها فً جهات أخرى ‪ ،‬وأن تكون كذلك أكثر رحمة بحلفابها هناك منها‬
‫بحلفابها اآلخرٌن‪.‬‬

‫سٌاسة قرطاجة الخارجٌة‬


‫وقد كان هدؾ السٌاسة الخارجٌة التً اتبعتها قرطاجة هو الحفاظ على مصالحها‬
‫التجارٌة بضمان سٌطرتها على ؼرب البحر المتوسط ‪ .‬ولم تكن قرطاجة تخوض‬
‫ؼمار أٌة حرب دون أن ٌكون لها هدؾ محدد ٌعود علٌها بنوع ما من المكاسب ‪.‬‬
‫ومع استعداد قرطاجة للدفاع عن مصالحها بالقوة المسلحة إذا اقتضى األمر ‪ -‬وهو‬
‫ما ٌتضح مما مر بنا من صراعها مع اإلؼرٌق ‪ -‬فإنها كانت تفضل اجتناب الحرب‬
‫إذا أمكن تحقٌق بؽٌتها بالوسابل السلمٌة ‪ .‬وقد عرفنا كٌؾ أنها عقدت أواصر الود‬
‫والصداقة مع مدن اترورٌا الساحلٌة فً خبلل القرن السادس قبل المٌبلد وتعاونت‬
‫معها فً القضاء على ما كان للفوقاٌٌن من سٌادة على البحر‪.‬‬

‫وجعلوها قاعدة إلؼاراتهم على أقالٌم المدن اإلؼرٌقٌة فً صقلٌة ولما كان‬
‫المامرتٌنً ٌشكلون خطرا شدٌدا على جارتهم سٌراكوزا‪ ،‬فإنه بعد أن آلت الحكم‬
‫فٌها إلى هٌرو (‪ - )Hiero‬وهو الذي اتخذ لقب ملك فً عام ‪ ۰65‬ق‪.‬م‪ -.‬حاصر‬
‫مسانا فً عام ‪ ۰60‬ق‪.‬م‪ .‬حصارا شدٌدا وأصبح سقوطها فً قبضته أمرا ٌكاد أن‬
‫ٌكون مإك ًدا ‪ .‬وإزاء ذلك ناشد المامرتٌنً المساعدة ‪ .‬قرطجً ٌبدو أنه كان قرٌبا‬
‫من مسرح األحداث الجارٌة هناك توقع االحتمال ‪ ،‬فقد كانت قرطجنة شدٌدة‬
‫الحرص على الحٌلولة دون اتساع سٌراكوزا ‪ .‬وعندما نجح األسطول القرطاجً فً‬

‫‪41‬‬
‫رفع الحصار ولكنه ظل راسٌا فً مسانا ‪ ،‬خشً المامرتٌنً أن تفرض قرطجنة‬
‫سٌطرتها علٌهم ‪ ،‬ولذلك رأوا أنه مخرج لهم من هذه الورطة إال بؤن ٌطلبوا إلى‬
‫روما إدخالهم فً زمرة رعاٌاها‪.‬‬

‫وإذ أدرك السناتو أنه كان من شؤن استٌبلء قرطاجة على مسانا تهدٌد سبلمة جنوب‬
‫إٌطالٌا وحرٌة سفن روما وسفن حلفابها فً استخدام مضٌق مسانا ‪ ،‬أدرك كذلك أن‬
‫االستجابة إلى طلب المامرتًٌ قد ٌإدي إلى االشتباك مع قرطاجة فً حرب بحرٌة‬
‫‪ ،‬وأن الرومان لم تكن لهم خبرة بمثل هذه الحرب وال أسطول ٌضارع من قرب أو‬
‫بعد أسطول قرطاجة ‪ .‬وإزاء هذه االعتبارات نستطٌع أن نفهم سر انقسام اآلراء فً‬
‫السناتو بصدد هذه المشكلة و إحالته إٌاها دون توجٌه محدد إلى جمعٌة المثٌنات ‪،‬‬
‫فٌما ٌرجح ‪ .‬ولما كان المواطنون الرومان ٌستشعرون الحاجة إلى الراحة بعد‬
‫المجهود المضنً الذي بذلوه فً السٌطرة على شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة وبخاصة فً‬
‫أثناء الصراع مع بوروس ‪ ،‬فإنه ملك الجمعٌة الشعبٌة أٌضا التردد والحٌرة إلى أن‬
‫أقنعها القنصبلن بالموافقة على التحالؾ مع المامرتٌنً لما ٌنطوي علٌه إرسال حملة‬
‫إلى صقلٌة من « مکاسب » طابلة ‪ ،‬أي المجد العسكري وأسبلب الحرب ‪ .‬بٌد أن‬
‫الجمعٌة لم تذهب إلى أبعد من الموافقة على المحالفة وإرسال نجدة فورا إلى مسانا ‪،‬‬
‫حٌث حققت النجدة هدفها دون إراقة أي دماء ألنه عند ظهور الرومان على ؼٌر‬
‫توقع انسحب األسطول القرطاجً بسبلم‪.‬‬

‫ؼٌر أنه لما لم ٌكن فً نٌة حكومة قرطاجة التفرٌط فً هذه الؽنٌمة بمثل هذه‬
‫السهولة ‪ ،‬فإنها على الفور أرسلت حملة الستعادتها وحرضت هٌرو على االنضمام‬
‫إلى جانبها لطرد الدخبلء الرومان من صقلٌة وقام الفرٌقان بمحاصرة مسانا ‪ ،‬مما‬
‫حدا بالسناتو إلى حشد فرقتٌن وإرسالها بقٌادة القنصل أبٌوس قبلودٌوس لتعزٌز‬
‫النجدة ‪ .‬وعندما نجحت التعزٌزات فً عبور البحر والوصول إلى مسانا ‪ ،‬تمكن‬
‫الرومان من رفع الحصار عنها بهزٌمة القوتٌن المتحالفتٌن ‪ .‬وعلى هذا النحو أنقذت‬

‫‪48‬‬
‫روما مسانا ‪ ،‬ولكنها فً الوقت نفسه أشعلت فتٌل الحرب بٌنها وبٌن قرطاجة‬
‫سٌراكوزا‪.‬‬

‫وٌمكن تلخٌص أسباب الحروب البونٌة بٌن روما وقرطاج الى ‪:‬‬

‫‪ )۰‬تنافس بٌن القوتٌن على السٌطرة على صقلٌة وسردٌنٌا وكورسٌكا ‪.‬‬

‫‪ )۰‬قضٌة مسٌنا أو السٌطرة على المضٌق البحري الذي ٌفصل صقلٌة عن البر‬
‫اإلٌطالً والذي دفع روما الى السٌطرة على مدٌنة رٌجٌون فً جزٌرة (‬
‫البوي ) وإلى احتبلل قرطاجة المدٌنة مسٌنا التً كان ٌتنافس علٌها الرومان‬
‫ومدٌنة سٌراكوزا والقرطاجٌون ‪.‬‬

‫‪ )3‬ضؽط الطبقات الشعبٌة الرومانٌة على مجلس الشٌوخ لدفعه إلى التدخل فً‬
‫صقلٌة طمعا فً ما ٌمكن أن ٌعود به علٌهم هذا التدخل من مؽانم كثٌرة‬
‫كانت قرطاجة تحرمهم منها ‪.‬‬

‫‪ )0‬استنجاد المارمثٌٌن من سكان مدٌنة مسٌنا بروما لتخلصهم من سٌطرة‬


‫القرطاجٌٌن على مدٌنتهم ‪.‬‬

‫الحرب البونٌة االولى‬

‫بعد أن احتل القرطاجٌون مسٌنا قاموا بعقد معاهدة للصلح مع هٌرون ملك سٌراكوزا‬
‫لكً ٌقووا جانبهم ‪ ،‬ولكً ٌقطعوا الطرٌق على التدخل الرومانً ‪ .‬ولكن روما كانت‬
‫تمٌل الى التدخل لفك طوق العزلة التً فرضها علٌها احتبلل قرطاجة لمسٌنا‬
‫وسٌطرتها على مضٌق مسٌنا ‪ ،‬حٌث سارع ابٌوس كلودٌوس الى قٌادة جٌش توجه‬
‫به إلى مدٌنة رٌجٌون‪ ،‬فاستعادها من جنود القابد القرطاجً ( أؼا توكل ) المارمتٌٌن‬
‫‪ ،‬ثم حاصر مدٌنة مسٌنا ولم ٌستطع النفاذ إلٌها بسبب إؼبلق االساطٌل القرطاجٌة‬
‫طرفً المضٌق فً وجهه ‪ ،‬ولكنه ستطاع استدراج قابد الحامٌة القرطاجٌة الى‬
‫خارج قلعة مسٌنا وأسره ‪ ،‬فقام جنوده بتسلٌم قلعة مسٌنا كفدٌة له‪ .‬وهكذا احتل‬
‫‪41‬‬
‫الرومان مدٌنة مسٌنا ‪ ،‬وردا على ذلك قام القرطاجٌون وحلٌفهم هٌرون ملک‬
‫سٌراكوزا بحصار مسٌنا ‪ ،‬ولكن ابٌوس كلودٌوس استطاع االفبلت من الحصار‬
‫واتجه الى سٌراكوزا فحاصرها ولكنه لم ٌستطع فتحها فانسحب من جوارها سنة‬
‫‪ ۰60‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫وهكذا بدأت الحرب رسمٌا بٌن الطرفٌن حٌث أعلنت روما الحرب على قرطاجة‪،‬‬
‫وارسلت جٌشا الى صقلٌة بقٌادة القنصلٌن ماكسٌموس ‪ ،‬وكراسوس اللذان استطاعا‬
‫إجبار ملك سٌراكوزا على االستسبلم وطلب الصلح والتحول إلى حلٌؾ لروما ٌزٌد‬
‫جٌشها بالمإن واالؼذٌة ومن ثم انضمت بعض المدن الصقلٌة الناقمة على السٌطرة‬
‫القرطاجٌة الى روما ثم استطاع الرومان فتح اجرٌجانت المدٌنة الصقلٌة الٌونانٌة‬
‫حلٌقة قرطاجة الربٌسة فً الجزٌرة سنة ‪ ۰6۰‬ق م‪ ،‬ولم ٌبق فً نهاٌة السنة الثالثة‬
‫من الحرب إال بعض الحصون البحرٌة القرٌبة‪.‬‬

‫ولكن القرطاجٌٌن الذٌن هزموا فً البر عملوا على االنتقام والسٌطرة فً البحر‬
‫حٌث كانت اساطٌلهم تهدد السواحل الرومانٌة فً البلتٌوم ‪ ،‬واستطاعت هزٌمة‬
‫أسطول رومانً فً لٌباري ‪ ،‬ولكن الرومان سرعان ما طوروا اسالٌب قتالهم‬
‫البحري حٌث قلدوا بناء السفن القرطاجٌة السرٌعة ‪ ،‬واضافوا الى سفنهم سبللم‬
‫خشبٌة ٌلقونها على السفن القرطاجٌة‪ ،‬وهذا ٌمكن جنودهم من الوصول إلٌها وقتال‬
‫القرطاجٌٌن وكؤنهم على البر ‪ ،‬وبهذه الوسٌلة استطاعوا االنتصار على األسطول‬
‫القرطاجً فً معركة ( مٌلة ) سنة ‪ ۰64‬ق‪.‬م‪ .‬وظلت الحرب سجاال بٌن الطرفٌن‬
‫حٌث انتصر القرطاجٌون سنة ‪ ۰5۲‬ق‪.‬م وعاد الرومان الى االنتصار من جدٌد فً‬
‫‪ ۰5۱‬ق‪.‬م ‪ ،‬وقد دفعهم هذا الموقؾ الذي ٌفتقر الى الحسم الى التفكٌر بؽزو قرطاجة‬
‫نفسها فً البر األفرٌقً ‪ ،‬فؤرسلوا أسطوال من ‪ 334‬سفٌنة بقٌادة القنصلٌن‬
‫رٌجولوس مانلٌوس سنة ‪ ۰56‬ق‪.‬م ‪ ،‬فاصطدم بؤسطول قرطاجً كبٌر تعداد سفنه‬
‫‪ 354‬سفٌنة ‪ ،‬واستطاع التؽلب علٌه ‪ ،‬وقد وصلت الحملة الى الساحل األفرٌقً‬
‫وانزلوا جٌوشهم فً رأس ( ٌونه ) واحتلوا بعض المواقع فً المناطق المجاورة‬

‫‪43‬‬
‫لمدٌنة قرطاجة وعاثوا فسادا فً مزارعها‪ ،‬وأسروا كثٌرا من الفبلحٌن و باعوهم‬
‫عبٌدا فً سوق الرقٌق‪ ،‬ثم اضطر مانلٌوس للعودة مع جزء من الجٌش والؽنابم‬
‫واالسرى الى روما بٌنما بقً القنصل االخر رٌجولوس فً االراضً االفرٌقٌة مع‬
‫بقٌة الجٌش ‪ ،‬وقد حاول رٌجولوس انهاء الحرب بسرعة فعرض على القرطاجٌٌن‬
‫ملحا بشروط قاسٌة ‪ ،‬ولكن القرطاجٌٌن ه اجموه بشدة وتمكنوا من أسره وهزٌمته‬
‫وإنهاء مشروع ضرب قرطاجة فً البر األفرٌقً‪.‬‬

‫وقد حاولت روما تجدٌد نشاطها فً البحر المحاذي لشاطا صقلٌة وفً صقلٌة‬
‫نفسها وتمكنت من إحراز بعض االنتصارات ولكن أسطولها دمر على سواحل‬
‫صقلٌة بفعل العواصؾ واألعاصٌر الشدٌدة ‪ ،‬حٌث عادت قرطاجة بعد ذلك لسٌادة‬
‫البحر ‪ ،‬ومحاولة استعادة سٌطرتها على البر الصقلً بعد ذلك ‪ ،‬فاحرزوا بعض‬
‫االنتصارات ‪ ،‬ولكن الرومان عاودوا االنتصار مما أؼراهم بمعاودة ؼزو الساحل‬
‫األفرٌقً ‪ ،‬ولكنهم منوا بانتكاسات جدٌدة جعلتهم ٌتبنون هذه الفكرة ثانٌة‪.‬‬

‫وفً الفترة بٌن ‪ ۰0۰-۰50‬ق‪.‬م عاودت الحرب نشاطها بٌن الطرفٌن فقد حاول‬
‫القابد القرطاجً ( اسدروبال ) استعادة مدٌنة بالرم‪ ،‬ولكنه فشل فشبل ذرٌعا و‬
‫هزمت قواته ‪ ،‬ولجؤت قرطاجة للتفاوض وطلب الصلح فرفض الرومان ذلك‬
‫لشعورهم بقرب االنتصار النهابً على السٌطرة القرطاجٌة على صقلٌة وذلك‬
‫بالقضا ء على آخر معقلٌن لها فٌهما وهما( لٌلٌبه) (درٌبان) ‪ ،‬وقد حاصروا المدٌنة‬
‫االولى ثم حاولوا مهاجمة المدٌنة االخرى ولكنهم منوا بهزٌمة شدٌدة فً الحالتٌن ‪،‬‬
‫مما جعلهم ٌقلعون عن محاولة استعادة السٌطرة على البحر وعن محاولة القضاء‬
‫على معاقل القرطاجٌٌن فً صقلٌة ‪ ،‬وفً هذه الفترة ظهر القابد القرطاجً أمٌلكار‬
‫الذي أفزع الرومان بهجماته الجسورة على سواحل اترورٌا والبلتٌوم وكامبانٌا مما‬
‫دفع الرومان إلى االنشؽال عن مقلٌة بإنشاء مستعمرات بحرٌة على السواحل‬
‫االٌطالٌة ‪ ،‬واطمؤن القرطاجٌون إلى تفوقهم فسحبوا أساطٌلهم إلى أفرٌقٌا‪ ،‬ففاجؤهم‬
‫الرومان بؤسطول رومانً ٌهاجم درٌبان وٌستولً علٌها‪ ،‬فسارع القرطاجٌون‬

‫‪44‬‬
‫العادة اسطولهم لنجدتها واستعادتها ‪ ،‬ولكن الرومان بقٌادة القنصل ( لوتانٌوس )‬
‫نصب له كمٌنا وحطمه بالقرب من جزٌرة اٌؽات سنة ‪ ۰0۰‬ق‪.‬م ونتج عن هذه‬
‫الهزٌمة أن قرطاجة لم تستطع متابعة الحرب فطلبت الصلح على أن ال تعود الى‬
‫ً‬
‫ثانٌة‪ ،‬وان ال تحارب روما أو حلٌفتها سٌراكوزة أو ؼٌرها من حلفاء روما‬ ‫مقلٌه‬
‫وان تفع ؼرامة حربٌة قٌمتها ‪ ۰۰44‬تاالن ذهبً خبلل عشرٌن سنة ‪ ،‬وان تعٌد‬
‫اسرى الحرب الرومان وبهذا انتهت الحروب البونٌة األولى ‪ ،‬بعد ان استمرت‬
‫حوالً ‪۰0‬عاما‪.‬‬

‫الحرب البونٌة الثانٌة (‪)111-181‬‬


‫انتهز هامٌلكار بركة فرصة انشؽال الرومان مع الؽالٌٌن واٌلٌرٌا فذهب إلى اسبانٌا‬
‫لٌنشا إمبراطورٌة جدٌدة ووجد فً مناجم الفضة فٌها خٌر مصدر للثروة لٌقوى بها‬
‫الجٌش واألسطول ‪ .‬وخلؾ اسدروبال زوج ابنته الذي حكم اسبانٌا وأسس مدٌنة‬
‫قرطاجة الجدٌدة فٌها ‪ .‬وفً سنة ‪ ۰۰6‬ق‪.‬م‪ .‬بعثت روما وفدا إلى هاسدروبال ‪ ،‬ربما‬
‫نتٌجة احتمال قٌام حلؾ بٌنه وبٌن الؽالٌٌن‪ ،‬أسفر عن توقٌع معاهدة بٌن روما‬
‫وقرطاجة أطلقت فٌها ٌد الثانٌة فً اسبانٌا حتى نهر ابرو الذي التزمت بعدم عبوره‬
‫بقوة السبلح ‪ .‬وبعد مقتل هاسدروبال سنة ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪ ،‬خلفه هانٌبال نجل هامٌلكار‬
‫بركة وكان له من العمر ‪ ۰۲‬سنة وكان قاب ًدا محن ًكا شجاعا بالرؼم من فقدانه إلحدى‬
‫عٌنٌه ‪ ،‬وقد أخذ هذا فورا بتعزٌز قواته فً شرق أسبانٌا مما أثار مخاوؾ مدٌنة‬
‫ساجونتوم الٌونانٌة جنوب نهر إبرو التً استنجدت بروما‪ ،‬وطلبت روما من هانٌبال‬
‫احترام االتفاقٌة بٌنهما وعدم مهاجمة ساجونتوم ‪.‬‬

‫فؤرسل السناتو ‪ -‬مجلس الشٌوخ ‪ -‬بعثة إلى قرطاجة ‪ -‬مارس ( ‪ ۰۰۱‬ق‪.‬م‪ - .‬تطالب‬
‫بتسلٌم هانٌبال وهٌبة قٌادته‪ .‬وعندما قررت الحكومة القرطاجٌة الوقوؾ إلى جانب‬
‫هانٌبال وتؤٌٌده هذه المرة أٌضا‪ .‬أعلنت البعثة الحرب على قرطاجة‪ .‬فكانت مسؤلة‬

‫‪45‬‬
‫ساجٌنتوم السبب المباشر لنشوب الحرب البونٌة فً مرحلتها الثانٌة ‪ ،‬وإن لم تكن‬
‫السبب الحقٌقً ألن هناك ثبلثة أسباب حقٌقٌة هً ‪:‬‬

‫‪ .۰‬حقد هامٌلكار على روما التً أرؼمته على تسلٌم صقلٌة ‪ ،‬فکرس بقٌة حٌاته‬
‫لبلنتقام منها‪ ،‬وأورث هذا الحقد لمن أتوا بعده‪.‬‬

‫‪ .۰‬ؼضب قرطاجة على روما لبلنتقام بسبب سطوتها على سردٌنٌا وتجدٌد‬
‫تهدٌدها بالحرب‪.‬‬

‫‪ .3‬النجاح الذي حققته قرطاجة فً اسبانٌا‪.‬‬

‫إذا كان تصرؾ هانٌبال فً احتبلل ساجونتوم عام ‪ ۰۰۲‬ق‪.‬م‪ٌ .‬عتبر خرقا لمعاهدة‬
‫عام ‪ ۰۰۲‬ق‪.‬م‪ .‬التً أعطته الحرٌة فً التصرؾ فً كل المناطق الواقعة إلى جنوب‬
‫نهر اإلبرو‪ .‬فإن تعببة الرإوس وشحذ النفوس ضد روما كان هدؾ هانٌبال األول‬
‫واألخٌر الذي لقنه إٌاه والده منذ صؽره‪.‬‬

‫وبعد أن استكمل هانٌبال جمع األعداد البلزمة من الرجال‪ ،‬وتمت له السٌطرة على‬
‫ساجٌنتوم‪ ،‬قرر القٌام بمهاجمة روما فً اٌطالٌا إلعبلنها الحرب على قرطاجة‪،‬‬
‫ومطالبتها بواسطة بعثتها إلى قرطاجة عام ‪ ۰۰۱‬ق‪.‬م‪ .‬بوجوب تسلٌم هانٌبال‬
‫ومجلس قٌادته الى روما‪ .‬وقد زحؾ هانٌبال على رأس جٌش مإلؾ من أربعٌن‬
‫ألؾ مقاتل‪ ،‬وتسعة اآلؾ من الفرسان‪ ،‬فضبل عن عدد من الفٌلة التً كانت عنصرا‬
‫من عناصر التشكٌل العسكري للجٌوش القرطاجٌة ‪ .‬وقد ترك أخاه هسدروبال فً‬
‫اسبانٌا لٌشرؾ علٌها‪ ،‬وٌرسل إلٌه اإلمدادات بانتظام‪ ،‬وأن ٌلحق به فٌما بعد عند‬
‫الحاجة‪.‬‬

‫وكان تحرك هانٌبال فً عام ‪ ۰۰۱‬ق‪.‬م‪ .‬من اسبانٌا قاص ًدا إٌطالٌا عبر جبال‬
‫البرانس التً تكون الحدود الشمالٌة الشرقٌة ألسبانٌا مع فرنسا‪ ،‬فجنوب فرنسا‬
‫«ؼالٌا» لٌهاجم إٌطالٌا‪ٌ .‬بدو أن خطة سٌر هانٌبال هذه جاءت عن دراٌة وتفكٌر فً‬
‫أمور الحرب ألسباب عدة أهمها‪:‬‬
‫‪46‬‬
‫أوال ‪ :‬أن األسطول القرطاجً ال ٌستطٌع حماٌته وجٌشه ‪ .‬إذا حاول أن ٌذهب به‬
‫رأسا إلى جنوب اٌطالٌا‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ :‬صعوبة نقل ستة اآلؾ فارس بحرً ا‪ .‬وكانوا من عداد جٌشه آنذاك ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬امکان مقاومة سكان إٌطالٌا الجنوبٌة له بسبب والبهم لروما‬

‫رابعا ‪ :‬بٌنما كان الؽالٌون فً شمال إٌطالٌا على عكس سكان جنوبها‪ .‬كانت ال تزال‬
‫تؽلً فً صدورهم مراجل الحقد على الرومان‪ ،‬فضبل عن أن بعضا منهم كان قد‬
‫التحق مرارة بجٌش قرطاجة كجنود مرتزقة‪.‬‬

‫فاجؤ هانٌبال‪ ،‬الرومان‪ ،‬بهجومه ‪ ،‬فً الوقت الذي كان مجلس شٌوخهم السناتو‪،‬‬
‫ٌرسم الخطط لؽزو إسبانٌا وأفرٌقٌا‪ ،‬قاطعة جبال األلب فً خرٌؾ عام ‪ ۰۰۱‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫بعدما كابد ما ال ٌوصؾ من المشاق واألخطار لوعورة المسالك‪ ،‬وصعوبة اجتٌاز‬
‫الفٌلة ‪ ،‬الممرات العمٌقة قبل توسٌعها‪ ،‬وتراكم الثلوج‪ ،‬وتساقط األمطار‪ ،‬وتدحرج‬
‫الصخور والحجارة الكبٌرة على جٌشه من قبل أعدابه اإلٌطالٌٌن‪ .‬فلم ٌصل بجٌشه‬
‫الى وادي البو إال بعد أن فقد منه حوالً ستة آالؾ مقاتل ‪ .‬ولٌقاتل فً ببلد بعٌدة‬
‫عن ببلده‪ ،‬مع استحالة استقدام النجدات لمساعدته ‪ .‬بسبب تسلط الرومان على‬
‫البحر‪ ،‬بٌنما سٌقاتل الرومان على أرضهم‪ ،‬وبقوات كبٌرة قد تصل إلى مبات‬
‫األلوؾ من الرجال‪ ،‬وسط امكانٌة توالً النجدات المساعدة عند الحاجة‪ .‬وبالرؼم‬
‫من ذلك فقد ساعد هانٌبال على االنتصار عوامل عدٌدة ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اطبلعه الواسع على أرقى الخطط الحربٌة‪ ،‬وعلى األعمال الباهرة التً قام بها‬
‫اإلسكندر األكبر وخلفاإه من بعده ‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ :‬لم ٌكن للقواد الرومان ‪ -‬المنتخبٌن االدارة األحكام ‪ -‬خبرة فً األمور‬
‫الحربٌة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ثالثا ‪ :‬سرعة المباؼتة واالنتصار الذي ألهب حماس الؽالٌٌن‪ ،‬فوقفوا إلى جانبه ‪،‬‬
‫وتطوعوا فً جٌشه‪.‬‬

‫تمكن هانٌبال من‪ :‬التؽلب على القابد الرومانً سكٌبٌو الذي تجرأ على مهاجمة‬
‫هانٌبال عند نهر تقٌنوس ‪ Ticinos‬فً مناوشات جانبٌة لم تمنع األخٌر من عبور‬
‫البو ومتابعة طرٌقه‪ ،‬وعندما إنضم سمبرومٌنوس القنصل الرومانً الثانً إلى‬
‫سكٌبٌو ‪ .‬قام القنصبلن بمهاجمة هانٌبال بقوات تبلػ ضعؾ قواته‪ .‬لكنه ألحق بهما‬
‫هزٌمة ساحقة على ضفاؾ نهر ترٌبٌا ‪ Trebia‬فً كانون أول (دٌسمبر) عام ‪۰۰۱‬‬
‫ق‪.‬م‪ .‬مما أدى إلى انسحاب الرومان من شمال إٌطالٌا‪ ،‬وكان النسحابهم التشجٌع‬
‫الكبٌر على انضمام الؽال إلى جانب القابد القرطاجً هانٌبال فزاد عدد جنوده إلى‬
‫حوالً ‪ 54444‬مقاتل‪.‬‬

‫أمضى هانٌبال شتاء عام ‪ ۰۰۰ -۰۰۱‬ق‪.‬م‪ .‬فً تدرٌب الؽال الذٌن انضموا إلٌه على‬
‫القتال لؽزو شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة فً ربٌع عام ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬أما الرومان الذٌن منوا‬
‫بالهزٌمة عند نهر ترٌبٌا فقد اكتفوا بالدفاع مقسمٌن جٌشهم بٌن القنصلٌن‪ :‬فرابط أحد‬
‫القنصلٌن عند أرٌمٌنوم ٌسد طرٌق فبلمٌنٌو فً وجه القرطاجٌٌن ورابط القنصل‬
‫الثانً‪ ،‬جاٌرس فبلمٌنوس عند أرثٌوم ‪ Arretium‬لٌحمً اترورٌا‪ ،‬ؼٌر أن هانٌبال‬
‫تقدم خلؾ خطوط القنصل الثانً جاٌوس فبلمٌنوس عبر جبال األبنٌن واستدرجه‬
‫إلى القتال عند بحٌرة تراسٌمنً ‪ Trasimene‬بعدما أخفً قواته‪ .‬فً التبلل‬
‫الواقعة على الجانب اآلخر من الطرٌق بجوار البحٌرة‪ .‬وفً أثناء مرور جٌش‬
‫القنصل فبلمٌنوس‪ .‬بهذا الطرٌق انقض علٌه القرطاجٌون من كمابنهم من جمٌع‬
‫الجهات ومزقه كل ممزق‪ .‬ووقع القنصل ‪ Gaius Flaminius‬أسٌرة بٌن ٌدي‬
‫هانٌبال الذي أمر بقتل كل الرومان األسرى‪ ،‬وباطبلق سراح اإلٌطالٌٌن معلنا أنه‬
‫آټ لتحرٌر إٌطالٌا‪ ،‬وذلك فً ‪ ۰۰‬حزٌران سنة ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬واحتل هانٌبال ساجونتا‬
‫‪ Sagenta‬األمر الذي جعل المناقشة تحتدم فً مجلس الشٌوخ الرومانً حول‬
‫الموقؾ الواجب اتخاذه‪ .‬فطالب كورنٌلٌوس لٌنتولس بإعبلن الحرب‪ ،‬بٌنما كان‬

‫‪41‬‬
‫عمٌد المجلس فابٌوس ماکسٌموس ‪ Fabis Maximus‬من أنصار السلم» لكن‬
‫أنصار الحرب تفوقوا اخٌرً ا‪ ،‬وانهزم سقٌبون بوٌلٌسو‪ ،‬امام القرطاجٌٌن‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى انقبلب شعوب إٌطالٌا الشمالٌة ضد روما التً تراجعت جٌوشها اثر سقوط‬
‫تورٌنو أٌضا‪ .‬آثر هانٌبال االبتعاد عن روما والذهاب نحو الجنوب إلى أبولٌا لٌتخذ‬
‫منها ق اعدة لنشاطه فً اثارة جنوب إٌطالٌا على روما مع أنه كانت الطرٌق مفتوحة‬
‫أمامه إلى روما بعد االنتصار الذي حققه على القنصلٌن مسقٌبٌو وسمٌرومٌنوس ‪.‬‬
‫لكنه آثر االبتعاد عنها اعتقادا منه أن اقتحام أسرار روما ٌحتاج إلى معدات ٌفتقر‬
‫إلٌها مثل ما كان ٌفتقر إلى قواعد مجاورة تمده باحتٌاجاته ‪ ،‬ألن مدن وسط إٌطالٌا‬
‫أقفلت أبوابها فً وجهه‪ .‬بٌنما قامت فً مجلس الشٌوخ الرومانً مناقشة حادة انتهت‬
‫باختٌار محارب رومانً محنك ٌدعى کوٌنتوس فابٌوس ماکسٌموس ‪Guintus‬‬
‫‪ Fabius Maximus‬وجعلوه دكتاتورً ا‪ ،‬فآلت إلٌه قٌادة الجٌش الذي تم جمعه‬
‫على عجل وأرسل نحو الجنوب لمجابهة هانٌبال وقطع الطرٌق علٌه أكثر من مرة‪،‬‬
‫بٌن أبولٌا وقمبانٌا‪ ،‬قبل أن ٌستقٌل فً الشتاء وٌحل محله فً القٌادة قنصبلن جدٌدان‬
‫بدءا بجمع الجٌوش حتى أصبح لهما ً‬
‫نحوا من ثمانٌن ألؾ مقاتل‪ ،‬وزحفا بها إلى‬
‫الجنوب لمبلقاة هانٌبال بعد انتخابهما فً السنة ‪ ۰۰6‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫وفً ربٌع هذا العام‪ ،‬التقى الرومان فً سهل مکشوؾ قرب مدٌنة قاناي ‪Cannae‬‬
‫فً أبولٌا‪ ،‬بجٌش هانٌبال الذي أظهر براعة كبٌرة أكسبته االعجاب على مر‬
‫العصور من ؼالبٌة القواد الذٌن جاءوا بعده‪ .‬وما أن بدأت المعركة حتى بدأ فرسانه‬
‫بحركة التفاؾ سرٌعة أطبقوا فٌها على قلب الجٌش الرومانً‪ ،‬وعلى مشاتهم فً‬
‫المإخرة‪ .‬وقد تلتها مجزرة هابلة دامت بقٌة النهار‪ .‬ولم ٌكد اللٌل ٌرخى سدوله حتى‬
‫كان الجٌش الرومانً قد أبٌد على بكرة أبٌه ‪ .‬وامست كل أسرة فً روما مرتدٌة‬
‫ثٌاب الحداد على من فقدت من أبنابها‪ .‬وقٌل أن هانٌبال أرسل الى قرطاجة مدٌن من‬
‫خواتم الذهب التً انتزعها جنوده من أصابع فرسان الرومان واشرافهم ‪ .‬كما قتل‬
‫فً هذه المعركة حوالً الثمانٌن من أعضاء مجلس الشٌوخ الرومانً‪ ،‬وأحد‬

‫‪44‬‬
‫القنصلٌن المدعو امٌلٌوس ‪ Aemilius‬فً الوقت الذي لم ٌخسر القرطاجٌون أكثر‬
‫من ستة آالؾ رجل‪.‬‬

‫ثم هبت مدن جنوب إٌطالٌا‪ ،‬بعدما فقدت ثقتها بروما‪ ،‬والمدن الٌونانٌة ‪ ،‬ومن بٌنها‬
‫سٌراكوزا‪ ،‬وقلبت ظهر المجن لروما‪ ،‬و انحازت إلى جانب هانٌبال ‪ .‬ولم ٌبق فً‬
‫الجنوب أحد مناوبة له إال بعض المستعمرات البلتٌنٌة ‪ ،‬والرومانٌة ‪ ،‬فضبل عن‬
‫انحٌاز مدٌنة قابوا ذات الشهرة بمركزها الصناعً األول فً إٌطالٌا إلى جانب‬
‫هانٌبال ‪ .‬وأرسل هانٌبال الى مقدونٌا ممثلٌن له طالبًا مساعدة ملكها فٌلٌب الخامس‬
‫الذي وعدهما بارسال النجدات)‪ .‬فلو أدرك خلفاء االسكندر فً مصر وسورٌا وآسٌا‬
‫حقٌقة هذا القتال فً إٌطالٌا‪ .‬وكان فً استطاعتهم أن ٌتحدوا ضد روما‪ ،‬فلربما كانوا‬
‫سحقوها إلى األبد‪.‬‬

‫لكن مجلس الشٌوخ الرومانً عقد بحنكته السٌاسٌة تحال ًفا مع الٌونانٌٌن‪ ،‬وأوقد نار‬
‫الثورة فً ببلدهم على المقدونٌٌن‪ ،‬فمنع هإالء من إرسال النجدات إلى هانٌبال‪.‬‬
‫بٌنما تمكنت روما بثباتها وحكمتها من المحافظة على والء اإلٌطالٌٌن فً وسط‬
‫إٌطالٌا‪ .‬واضطرها الحال أخٌرا الى تسلٌح األرقاء وصؽار الصبٌان؛ وتقدمت بهذا‬
‫النوع من الجٌوش لمحاصرة المدن الثابرة التً كانت قببل موالٌة لها‪ .‬واستولت‬
‫علٌها الواحدة بعد األخرى‪ ،‬حتى سٌراكوزا نفسها التً كانت قد انضمت إلى‬
‫قرطاجة بعد معركة كاناي‪ ،‬مع كل ما ابتكرته فكرة أرخمٌدس من الحٌل إلى إنقاذها‬
‫من الحصار الشدٌد‪ ،‬لم تنج من الوقوع فً السنة ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬بٌن أٌدي الرومان‪،‬‬
‫وقتل أرخمٌدس نفسه ‪.‬‬

‫المبلحظ هنا‪ ،‬أن القابد القرطاجً هانٌبال لم ٌتابع سٌره نحو مدٌنة روما ألسباب ما‬
‫تزال مجهولة ‪ .‬لكنه ظن أنها ستطلب السلم وتعقد معاهدة بٌنهما ‪ .‬فجاءت ظنونه فً‬
‫ؼٌر محلها هذه المرة‪ ،‬ورفضت روما المفاوضة‪ ،‬وحتى لم تتقدم بطلب افتداء‬
‫اسراها فً الوقت الذي قتل أكثر من نصؾ جٌشها‪ ،‬ووقع فً األسر ربعه‪ .‬وأخذت‬
‫الدهشة والذهول مجلس شٌوخها‪ ،‬فؤتاح الفرصة من جدٌد للرومان لٌبدأوا فً تنظٌم‬

‫‪811‬‬
‫الجٌش ولملمة شتاته‪ ،‬وتجنٌد األعداد الكبٌرة ألخذ مبادرة الهجوم‪ .‬فتمكنت روما من‬
‫احتبلل قابوا من جدٌد عام ‪ ۰۰4‬ق‪.‬م‪ .‬وصقلٌة التً كانت قد ثارت على الحكم‬
‫الرومانً سنة ‪ ۰۰4‬ق‪.‬م‪ .‬وكذلك منطقة ‪ ،‬قاناي نفسها سنة ‪ ۰4۲‬ق‪.‬م‪ .‬ومنع‬
‫الرومان هسدروبال ‪ -‬شقٌق هانٌبال ‪ -‬من اللحاق بؤخٌه على رأس نجدة كبرى‪،‬‬
‫وكسروه فً إٌطالٌا الوسطى بقٌادة کلودوس نٌرون‪ ،‬فارتد هسدروبال سال ًكا وادي‬
‫المتورس ‪ Metaurus‬لٌعود إلى الشمال أو لٌتصل بؤخٌه عن طرٌق آخر‪.‬‬

‫واصلت روما استردادها لعدد من المدن الصؽرى فً سامٌنٌوم وأبولٌا ‪ .‬فاستردت‬


‫فً عام ‪ ۰4۲‬ق‪.‬م‪ .‬أٌضا المدٌنة الكبٌرة تارنتوم‪ .‬وقطعت اتصال هانٌبال بالؽال‪.‬‬
‫كما حاصرت شراذم جٌش هانٌبال فً أبولٌا وحلفاءه اللوقانٌٌن والبورتًٌ‪ ،‬حتى ال‬
‫ٌدعوا له أي أمل فً النصر إال إذا جاءته امدادات من خارج إٌطالٌا‪ .‬لذلك اتخذت‬
‫روما جمٌع اإلجراءات الكفٌلة بعدم التقاء األخوٌن هانٌبال وهسدوربال‪ .‬وتشاء‬
‫الصدؾ أن ٌؤسر القنصل جاٌوس کبلودوس مبعوثً هاسدوربال إلى أخٌه وٌعرؾ‬
‫منهم خط سٌر النجدة القادمة من الشمال ‪ .‬فٌقسم جٌشه إلى قسمٌن قسم صؽٌر العدد‬
‫ٌتركه فً مواجهة هانٌبال وٌسحب القسم األكبر لٌنضم إلى جٌش زمٌله القنصل‬
‫ماركوس لٌقٌوس لٌمنع زحؾ هسدروبال‪ .‬وعند ضفاؾ نهر متاورس ‪Metaurus‬‬
‫قضى القنصبلن على جٌش النجدة فً معركة دامٌة وقع فٌها هسدروبال قتٌبل‪.‬‬
‫وتنفست روما الصعداء فً احتفال عظٌم بهذا النصر‪ .‬ثم أبلؽت روما نتابج المعركة‬
‫إلى هانٌبال بطرٌقة مفجعة بإلقاء رأس هسدروبال داخل معسكر أخٌه فً ربٌع‬
‫‪ ۰4۰‬ق‪.‬م‪ .‬لٌعلن له نبؤ الكارثة التً حلت به ‪ .‬وقضت على آماله بعدما كان قد‬
‫زحؾ الى روما فً السنة ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪ٌ .‬حٌط به رجال حرسه الخاص إلى أن بلؽوا‬
‫أحد أبواب المدٌنة العظٌمة التً كانت ال تزال فً أوج مجدها وعظمتها‪ .‬ووقؾ‬
‫خلؾ أسوارها ٌتفرس به بطارقتها من فوق أسوارها‪ .‬لكنهم على ما ٌبدو لم ٌبلؽوا‬
‫درجة من الرعب تدفعهم إلى التماس الصلح‪ ،‬ولم ٌرسلوا فً طلب شًء على‬
‫اإلطبلق‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫ولما لم ٌكن جٌش هانٌبال كافًٌا لمحاصرة أعظم مدن اٌطالٌا كما ذكرنا‪ ،‬وال كان فً‬
‫طاقته أن ٌستقدم اآلت الحصار ‪ .‬اضطر والحالة هذه الى االبتعاد عن أسوار المدٌنة‬
‫دون أن ٌقوم بؤي عمل حربً‪ ،‬محاوال السٌطرة على جنوبً إٌطالٌا‪ ،‬وقد ظل فً‬
‫إقلٌم البروتًٌ فً أقصى الجنوب الؽربً من شبه الجزٌرة إلى أن صدرت األوامر‬
‫الٌه بالعودة إلى قرطاجة فً خرٌؾ عام ‪ ۰43‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫و إمعانا فً إضعاؾ شوكة هانٌبال‪ ،‬أرسلت روما المدعو بوبلٌوس كورنٌلٌوس‬


‫سكٌبو ‪ -‬الذي فشل فً المعركة على نهر تٌکٌنوس ‪ ، Ticunus‬عام ‪ ۰۰۱‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫أمام هانٌبال ‪ -‬على رأس قوة رومانٌة إلى إسبانٌا للقضاء على استعدادات‬
‫هاسدروبال فٌها‪ ،‬وإن كان قد تمكن أخٌرا فً العام ‪ ۰۰۰‬ق‪ .‬م‪ .‬من هزٌمة األخوٌن‬
‫كورنٌلٌوس وجناٌوس سكٌبٌو اللذٌن خرا صرٌعٌن فً مٌدان القتال بعدما نجحا فً‬
‫بث الفتنة بٌن رعاٌا القرطاجٌٌن‪ ،‬وفً شل ٌد قرطاجة عن ارسال االمدادات الى‬
‫هانٌبال إذ أنها لو وصلته اإلمدادات بعد معركة قاناي ‪ Cannae‬لكان لها تؤثٌر‬
‫كبٌر فً سٌر الحرب إبان توالً النكبات على روما‪.‬‬

‫ومع هذا عادت روما وأسندت قٌادة جٌش جدٌد أرسلته إلى اسبانٌا إلى ابن القنصل‬
‫القت ٌل المدعو مثل أبٌه بوبلٌوس قورنلٌوس سكٌبٌو حٌنما ضرب السناتو الرومانً‬
‫بالتقالٌد عرض الحابط‪ ،‬وأوصً جمعٌة المثٌنات باستصدار قانون خاص ٌضفً‬
‫على سكٌبٌو الشاب مرتبة برو قنصل أي نابب قنصل‪ ،‬وإسناد القٌادة العلٌا فً‬
‫اسبانٌا إلٌه ‪ ،‬فاستؤنؾ أعمال أبٌه وعمه فً اسبانٌا عام ‪ ۰4۲‬ق‪.‬م‪ .‬حٌث تمكن من‬
‫السٌطرة على قرطاجة الجدٌدة فً الجنوب الشرقً من إسبانٌا ‪ .‬ثم تمكن بعد قٌام‬
‫هاسدروبال بحملته إلى إٌطالٌا لتقدٌم المساعدة إلى أخٌه هانٌبال‪ ،‬أن تابع سكٌبٌو‬
‫بنجاح كبٌر فتح إسبانٌا‪ .‬ولم ٌؤت العام ‪ ۰46‬ق‪.‬م‪ .‬حتى كانت جمٌع الممتلكات‬
‫القرطاجٌة فً إسبانٌا قد سٌطر علٌها الرومان‪.‬‬

‫وبعد أن انتخب سكٌبٌو قنصبل طلب من مجلس الشٌوخ‪ ،‬الذي رفض أول األمر‪،‬‬
‫السماح له بؽزو افرٌقٌا ‪ ،‬ثم لم ٌلبث أن وافق على أن ٌؤخذ معه فرقتٌن من الجٌش‬

‫‪811‬‬
‫الرومانً المنهزم فً معركة كاناي كانتا فً صقلٌة‪ ،‬وأي متطوعٌن ٌستطٌع‬
‫جمعهم‪ .‬وفً عام ‪ ۰40‬ق‪.‬م‪ .‬نزل سكٌبٌو على الشاطا األفرٌقً قرب أوتٌقا‬
‫‪ Utica‬حٌث قهر جنود قرطاجة مرتٌن‪ ،‬األمر الذي جعلها تستدعً على عجل‬
‫قابدها هانٌبال من اٌطالٌا‪ .‬وطلبت الصلح الذي وافق علٌه الرومان‪ .‬وعلى الرؼم‬
‫من أن قرطاجة قبلت شروط الصلح التً فرضها الرومان‪ ،‬فإن عودة هانٌبال ومعه‬
‫‪۰5444‬من جنوده المجربٌن أعاد إلٌها الثقة وشجعها على خرق الهدنة قبل العمل‬
‫بشروط الصلح)‪:‬‬

‫وفً صٌؾ عام ‪ ۰4۰‬ق‪.‬م‪ .‬التقى عند زاما ‪ Zama‬الجٌشان فً معركة فاصلة ‪،‬‬
‫قابل فٌها هانٌبال خصمه بجٌشه الذي ٌفتقر إلى األعداد الكافٌة من الفرسان ‪ .‬فلما‬
‫تقدم جنوده فً حركة التفاؾ على العدو وجدوا أمامهم سورً ا رومانًٌا من الفوالذ إلى‬
‫أن عاد الرومان من مطاردة القرطاجٌٌن‪ ،‬وهجموا على جناحً هانٌبال‪ .‬فؤخذت‬
‫صفوؾ جٌشه تتساقط أو تنهزم امام الجٌش الرومانً فما كان منه إال أن الذ بالفرار‬
‫ناجًٌا بنفسه على أمل العودة تاركا قرطاجة ترضخ للشروط التالٌة ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تتنازل قرطاجة عن جمٌع ممتلكاتها ما عدا مدٌنة قرطاجة ذاتها وإقلٌمها‬
‫وطرابلس‪.‬‬

‫ثانٌا‪ :‬تدفع قرطاجة عشرة اآلؾ تالنت ‪ -‬ملٌونٌن ونصؾ ملٌون جنٌه استرلٌنً‬
‫مقسطة على ‪ 54‬عام‬

‫ثالثا ‪ :‬أن تسلم قرطاجة لروما جمٌع سفنها الحربٌة ما خبل عشر سفن ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أن ال تحارب قرطاجة أحدة دون موافقة روما‪ ،‬وان ترد ممتلكات ماسٌنٌا‪.‬‬

‫‪813‬‬
‫الحرب البونٌة الثالثة‪:‬‬

‫وبفضل الجهد الكبٌر الذي بذلته قرطاجة فً آخر لحظة‪ ،‬خٌبت آمال الرومان فلم‬
‫تكن الحرب البونٌة الثالثة مجرد نزهة عسكرٌة بل كانت سلسلة من الحمبلت العنٌفة‬
‫استؽرقت أربعة أعوام‪ .‬ولم ٌفلح الرومان فً خبلل العامٌن األولٌن (‪ ۰0۲‬و‬
‫‪ ۰0۱‬ق‪.‬م) فً أكثر من أن ٌطوقوا قرطاجة دون أن ٌستطٌعوا اقتحام استحکاماتها‬
‫المنٌعة أو حصارها حصارا فعاال‪ .‬ولم ٌكن للحصار أي أثر محسوس قبل عام ‪۰0۰‬‬
‫ق‪.‬م عندما كان السناتو وجمعٌة القبابل قد أعربا عن تبرمهما عن بسٌر الحرب‬
‫بإسناد أحد منصبی القنصلٌة لعام ‪۰0۰‬ق‪.‬م وكذلك القٌادة العامة فً أفرٌقٌا إلى‬
‫ضابط شاب كان قد أثبت كفاءته فً حملتی ‪۰0۲‬و ‪ ۰0۱‬ق‪.‬م حٌن أثبت اآلخرون‬
‫فشلهم‪ .‬وإنه لما ٌستوقؾ النظر أن هذا الضابط الشاب كان قد عاد إلى روما لترشٌح‬
‫نفسه لوظٌفة اإلٌدٌلٌة‪ ،‬أي أنه لم ٌكن مإهبل لتولى القنصلٌة‪ .‬ولكنه بمقتضى قانون‬
‫خاص منحت القنصلٌة والقٌادة العامة الى الضابط الشاب بوبلٌوس كورنللٌوس‬
‫سكٌبٌو إٌمٌلٌانوس وكان ابنا شرعٌا إلٌمٌلٌوس باولوس الذي انتصر فً الحرب‬
‫المقدونٌة الثالثة (‪ ۰6۱-۰۰۰‬ق‪.‬م)‪ ،‬وحفٌدا بالتبنً لسكٌبٌو أفرٌكانوس‪ ،‬وبفضل ما‬
‫أظهره أٌمٌلٌانوس من حزم ونشاط دافق أكثر مما أثبته من نبوغ فً فن القٌادة‬
‫العسكرٌة‪ ،‬اكتسب بؤعماله فً حملتی عامً ‪ ۰0۰‬و ‪۰06‬ق‪.‬م شهرة ال تدانً إال‬
‫شهرة جده بالتبنً‪ ،‬ذلك أنه لم ٌدخر جهدا فً إعادة تنظٌم القوات الرومانٌة ورفع‬
‫معنوٌاتها بحٌث استطاع أ ن ٌهزم العدو فً المٌدان وأن ٌضٌق الخناق على المدٌنة‬
‫المحاصرة إلى أن تمكن من اقتحامها فً ربٌع عام ‪ ۰06‬ق‪.‬م ثم االستٌبلء علٌها بعد‬
‫قتال مرٌر فً الشوارع والمنازل برؼم ما كان قد نال المواطنٌن من إعٌاء شدٌد‬
‫بسبب شراسة القتال والجوع وتناقص قواتهم باطراد‪ .‬وبعد سقوط قرطاجة‪ .‬بٌع فً‬
‫سوق النخاسة مواطنوها الذٌن بقوا على قٌد الحٌاة وكانوا حوالً ‪ ،54444‬وسوٌت‬
‫مبانً المدٌنة باألرض‪ ،‬وحول إقلٌمها إلى والٌة جدٌدة سمٌت "والٌة افرٌقٌا "‬

‫‪814‬‬
‫)‪(Provincia Africa‬وجعلت أو تٌكا مقر لحاكم هذه الوالٌة‪ .‬وضمانا لعدم‬
‫اعتداء نومٌدٌا على هذه الوالٌة أنشؤ خندق على طول امتداد حدودها‪.‬‬

‫ماتت قرطاجة فً ربٌع عام ‪۰06‬ق‪.‬م وقام بعض المإرخٌن‪ ،‬مثل "بولٌبٌوس" الذي‬
‫شهد تلك األحداث‪ ،‬وأستقً "بٌانوس" منه‪ ،‬قاموا بوصؾ ما حدث بدقة‪ ،‬وكؤنه‬
‫تقرٌر صحفى وخصوصا المشاهد الفظٌعة التً تبلحقت فً األٌام الستة األخٌرة‪،‬‬
‫وأهوال حر ب اإلبادة تلك التً سببت المذابح وأدت إلى اختفاء مدن بؤكملها‪.‬‬
‫والمعارك الشرسة التً دارت فً الشوارع التً حفت بها األبنٌة ذات الطوابق الست‬
‫والتً قاتل سكانها ببسالة فً كل بٌت وقبو وشرفة‪ .‬لقد ابتلعت المدٌنة بانهٌارها‬
‫البطًء أحٌاءها وأمواتها‪ .‬ودارت زمر من الجنود الرومان‪ ،‬مسلحٌن بالمعاول‪ ،‬بٌن‬
‫أكوام الحصى‪ ،‬العدٌد من الجرحى الذٌن كانوا الٌزالون ٌنتفضون‪.‬‬

‫"وفً الٌوم السابع خرج خمسون ألؾ شخص‪ ،‬من الرجال والنساء األطفال‪ ،‬من‬
‫قلعة بورصة وهم ٌتضورون جوعا واستسلموا لرحمة الفاتحٌن وبٌعوا فٌما بعد فً‬
‫أسواق العبٌد مثل جمٌع من بقً حٌا‪ .‬أما "هسدر وبعل" الذي قاد القرطاجٌٌن فً‬
‫هذه الحرب‪ ،‬فقد تناسى كلماته المتعجرفة‪ :‬أنه لن ٌؤتً مطلقا ذلك الٌوم الذي سٌرى‬
‫فٌه ضوء الشمس ومدٌنته طعم للنار‪ ،‬هذه النار ستكون احتفاال جمٌبل ٌواكب جنابز‬
‫الناس الشرفاء الذٌن فقدوا وطنهم لقد اختار هذا القابد أن ٌستسلم متوسبل رحمة‬
‫المنتصرٌن‪ .‬وكان معبد اإلله إشمون آخر معقل للمقاومة وهو ٌشرؾ على‬
‫األكروبول" فؤشعل القرطاجٌون النار فٌه‪ ،‬لٌحترقوا معه‪ ،‬وٌضعوا حدا لحٌاتهم بهذه‬
‫الطرٌقة‪ .‬أما زوجة "هسدرو بعل" فقد أطلت من شرفة المعبد بكامل زٌنتها ممسكة‬
‫بطفلٌها‪ ،‬لعنت زوجها لخٌانته شعبه ثم تضرعت إلى آلهتها‪ ،‬وبعد ذلك دفعت‬
‫بطفلٌها‪ ،‬إلى النار‪ ،‬وفعلت هً الشًء نفسه‪ ،‬كما فعلت قبلها "إلٌسار" رؼم أن‬
‫سكٌبٌو كان ٌعدها بإنقاذ حٌاته" استمرت النٌران تستعر فً قرطاجة طوال عشرة‬
‫أٌام‪ .‬أما "روما" فقد نظمت االحتفاالت العظٌمة حٌنما علمت بالخبر السعٌد‪ ،‬وشكل‬
‫مجلس الشٌوخ لجنة التحوٌل األراضً البونٌة إلى إقلٌم تابع‪ ،‬طالبا أن تحل اللعنة‬

‫‪815‬‬
‫على أنقاض المدٌنة فدكت بقاٌا أسوارها‪ ،‬وصب "سكٌبٌو" لعناته التً تحرم على‬
‫الناس هذه األرض الموقوفة لخلود آلهة الجحٌم‪ ،‬ثم ذرت أرضها بالملح الحاكم ‪-‬‬
‫سكٌبٌو امٌلٌانوس األفرٌقً ‪ٌ -‬ا إله الموت والحرب فلتصب جام الرعب والمخاوؾ‬
‫على مدٌنة قرطاجة الملعونة هذه‪ ،‬وعلى جٌوشها وأهلٌها‪ ،‬إننا نلعن هإالء القوم‬
‫وجٌوشهم بؤقصى ما فً كٌاننا من قوة‪ ،‬أجل نلعن كل من شؽل هذه القصور‪،‬‬
‫واشتؽل بهذه الحقول‪ ،‬وعاش على هذه األرض‪ ،‬نتضرع أال ٌشاهدوا مرة أخرى‬
‫ا لنور من فوق‪ ،‬فلٌحل الصمت األٌدي والوحشة الكبٌبة هنا فبل ٌرمان‪ ،‬ملعون من‬
‫ٌعود‪ ،‬ولتضاعؾ اللعنة لمن ٌحاول تعمٌر هذه الخرابب وبعث الحٌاة فٌها‪ .‬و إال أن‬
‫هذه اللعنات األبدٌة لم تستمر‪ ،‬فبعد ثبلثة وعشرن عاما من هذه الطقوس االحتفالٌة‪،‬‬
‫لم ٌخش "جاٌوس جراكوس ‪ " Gaius Gracchus‬من تؤسٌس مستوطنة رومانٌة‬
‫تطاولت على الملح الملعون‪.‬‬

‫وٌمكننا أن نسرع فً الحكم على مصٌر هذا الشعب المقدام والجشع الذي لم ٌكن‬
‫ٌستسٌػ صناعة األسلحة‪ ،‬وكان ٌستخدم جٌشا من المرتزقة‪ .‬ورؼم ذلك قدم هذا‬
‫الشعب فً نهاٌة تارٌخه مثاال عالٌا فً التضحٌة والكرامة أثناء الثورة ‪ -‬حتى لو أن‬
‫هذه االنتفاضة جاءت متؤخرة ‪ -‬ضد األوامر الهمجٌة التً فرضتها "روما" لقد كان‬
‫القرطاجٌون فً تلك األٌام ٌقاتلون ال لفوابد تجارٌة‪ ،‬بل دفاعا عن فكرة‪ ،‬عن الحرٌة‬
‫وعن نوع من اإلخبلص الراقً‪ .‬إن هذه الصبلبة العبثٌة التً هدفت إلنقاذ مثل علٌا‬
‫لم تك ن دون أساس‪ .‬وبدون شك علٌنا أن نستعٌد ما قاله "تٌتوس لٌفٌوس فً شعب‬
‫قرطاجة كله‪ ،‬حٌث تحدث عن أحد رموزها السامٌة "حنبعل"‪ " :‬وال أعرؾ ما إذا‬
‫كان ٌوجد أروع منه فً أوقات الكوارث أو االنتصارات ‪.‬‬

‫وهكذا فقد حققت فً روما فً المرحلة األولى السٌادة البحرٌة على ؼرب إٌطالٌا‬
‫وحول صقلٌة ونسمع خبللها قصة القابد الرومانً "‪ "Regulus‬الذي كان قد وقع‬
‫فً األسر بٌن ٌدي القرطاجٌٌن وكٌؾ أنه أوفى بوعده وشرؾ كلمته أثر قٌامه‬

‫‪816‬‬
‫بإقناع السناتوس بشروط قرطاجة وعاد فسلم نفسه أسٌرا حٌث لقً حتفه‪ ،‬ضاربا‬
‫المثل على الفداء والتضحٌة (‪ )devotio‬فً سبٌل وطنه وكرامته ‪.‬‬

‫وفً المرحلة الثانٌة‪ ،‬استطاعت روما أن نهزم قرطاجة فً موقعة (‪ )Zarna‬زاما‬


‫بشمال أفرٌقٌة عام ‪ ۰4۰‬ق‪.‬م بعد سلسلة طوٌلة من تبادل الهزابم واالنتصارات بٌن‬
‫قادتها وبٌن هانٌبال القابد القرطاجً العظٌم الذي أوقع بالجٌش الرومانً أفدح‬
‫الخسابر فً موقعة كنای (‪ )cannat‬عام ‪ ۰۰6‬ق‪ .‬م تلك المعركة التً أصابت‬
‫المجتمع الرومانً بالشلل والفزع التام ولفت سٌاسته بالحٌرة وألبستهم رداء الشك‬
‫والقلق على مصٌر دولتهم ‪ ،‬فلجؤوا وهم فً حالة الفزع فزع دٌنً" إلى اآللهة‬
‫ألرضابها ‪ ،‬لعلها تكشؾ عنهم تلك الؽمة‪ ،‬والكارثة العظٌمة)‪.‬‬

‫ولكن روما‪ ،‬بزعامة السٌناتوس القوٌة الصارمة‪ ،‬والهادبة كذلك ‪ ،‬استطاعت أن‬
‫تضمد جراحها بؤسرع ما ٌمكن ولم تمض شهور على أعظم خسارة حلت بها ‪ ،‬حتى‬
‫كانت أمورها تسٌر سٌرها الطبٌعً ‪ ،‬وقد خلقت من الهزٌمة نصرا جدٌدا ‪ ،‬على‬
‫نفسها وعلى علوها ‪ ،‬فحققت نصرا كبٌرا فً موقعة مٌتاوروس (‪)Metaurus‬‬
‫على هاسدلایر ) أخً هانٌبال ‪ ،‬الذي قتل فً المٌدان ‪ ،‬عام ‪ ۰4۰‬ق‪.‬م‪ ،‬وذلك بعد‬
‫نجاح روما فً الزود عن نفسها ‪ ،‬وصد هجمات هانٌبال نفسه عن أسوار المدٌنة فً‬
‫عام ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫أما فً المرحلة الثالثة ‪ ،‬فقد تمكنت روما من تدمٌر مدٌنة قرطاجة ذاتها وتم تحوٌلها‬
‫إلى والٌة رومانٌة ‪ ،‬ضمن أمبلك الشعب الرومانً أى (‪ )Provincia‬فً عام‬
‫‪Scipio‬‬ ‫‪ ۰06‬ق‪.‬م‪ ،‬على ٌد القابد الرومانً العظٌم سكٌبو أٌمٌلٌانوس‬
‫‪ Aemilianus‬الذي استولى علٌها بعد حصار دام (‪ )۰5‬شهرا ‪ ،‬وتم تدمٌرها‬
‫تدمٌرا كامبل عام ‪ ۰33‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪817‬‬
‫الفصل الثانً‬
‫الحروب المقدونٌة‬

‫‪811‬‬
‫بدأت روما توجه أنظارها نحو السٌطرة على شرق البحر األبٌض المتوسط فً‬
‫البداٌات األولى للمرحلة الثانٌة من الحروب القرطاجٌة‪ .‬إذ قد ظلت روما قبل هذه‬
‫الحرب لسبب أو آلخر بعٌدة عن االهتمام بما ٌجري فً الدول المتؤؼرقة المتؤثرة‬
‫بالحضارة الهلنستٌة‪ ،‬التً قامت بعد انهٌار امبراطورٌة االسكندر الكبٌر على‬
‫شواطىء البحر األبٌض المتوسط الشرقٌة‪.‬‬

‫أ‪ -‬الحرب ضد فٌلٌب الخامس‬

‫بدأت الحرب بٌن روما ومقدونٌا عندما أقام فٌلٌب الخامس ملك مقدونٌا بمناورة‬
‫تهدؾ إلى التدخل‪ ،‬إلى جانب القرطاجٌٌن‪ ،‬مإمبل أن ٌشارك فً نتابج النصر الذي‬
‫كان ٌقدر أن هانٌبال بن هامٌلكار برقة سٌحرزه على الرومان‪ .‬لكن الرومان‬
‫استطاعوا ‪ -‬كما رأٌنا قببل ‪ -‬عن طرٌق اسطولهم ان ٌحولوا دون وصول أٌة‬
‫مساعدات فعالة من جانب فٌلٌب الخامس إلى هانٌبال‪.‬‬

‫كما لم ٌنس الرومان‪ ،‬محاولة ملك مقدونٌا فٌلٌب الخامس السٌطرة على ببلد‬
‫الٌونان‪ ،‬وتطلعه إلى فرضها على جمٌع السواحل فً الشرق والؽرب أٌضا‪ ،‬فً‬
‫الوقت الذي أصبحت روما سٌدة إٌطالٌا‪ .‬فاضطرت إزاء هذه المطامع‪ ،‬لتؤمٌن‬
‫المبلحة فً بحر األدرٌاتٌك‪ ،‬إلى الوقوؾ فً وجه قرصان ألٌرٌا واكرهتهم على‬
‫الرضوخ لمشٌبتها‪ .‬ثم منعتهم عن اإلبحار إلى جنوب اٌسوس ‪ Essus‬وفرضت‬
‫حماٌتها على المدن الٌونانٌة فً دلماتٌا‪ ،‬وفً السنة ‪ ۰۰۲‬ق‪.‬م ضمت جزٌرة فاروس‬
‫‪ Farrus‬إلى ممتلكاتها بعد أن فر صاحبها دٌمترٌوس إلى مقدونٌا طالبا حماٌة‬
‫فٌلٌب الخامس‪ .‬ولوال خطر قرطاجة‪ ،‬واندالع الحرب بٌنهما ‪ -‬المرحلة الثانٌة فً‬
‫‪ ۰۰۲‬ق‪.‬م ‪ -‬لما تؤخرت روما من االقتصاص من دٌمترٌوس ومن فٌلٌب اٌضا‪ .‬وفً‬
‫السنة ‪ ۰۰۲‬ق‪.‬م أصبح فٌلٌب حلٌؾ هانٌبال عدو روما اللدود فزاد اهتمام روما‬
‫بمطامع فٌلٌب وعقدت معه معاهدة عدم اعتداء فً السنة ‪ ۰45‬ق‪.‬م عرفت باسم‬
‫«معاهدة فونٌکً»‪.‬‬

‫‪814‬‬
‫وبالرؼم من ذلك لم ٌؤمن الرومان جانبه‪ ،‬وانتهزوا فرصة العداء الذي بدأ ٌزداد بٌن‬
‫مدٌنة رودس وملك برجام ‪ - Pergam‬فً آسٌا الصؽرى ‪ -‬من جهة ‪ ،‬وبٌن فٌلٌب‬
‫الخامس ملك مقدونٌا من جهة أخرى‪ .‬فؤصؽً شٌوخ روما إلى نداءات االستؽاثة‬
‫التً أجمع الرودسٌون على توجٌهها إلى روما بموافقة أثلوس ملك برجام‪ ،‬عندما‬
‫بعثوا برسلهم وكتبهم ٌستنصرون شٌوخ روما فً صٌؾ السنة ‪ ۰4۰‬ق‪.‬م‪ ،‬وٌصفون‬
‫إلٌهم ما أصابهم على ٌده من المحن‪ ،‬وما تم بٌن فٌلٌب ملك مقدونٌا و انطٌوخوس‬
‫الملك السلوقً فً آسٌا الصؽرى من تحالؾ للسٌطرة على شرقً المتوسط‪ .‬لكن‬
‫الرومان لم ٌبتوا فً األمر بحضور الرسل مباشرة‪.‬‬

‫و تنفٌذا لبلتفاق بٌن فٌلٌب الخامس وأنطٌوخوس الثالث بدأ كل منهما فً احتبلل‬
‫جزء من ممتلكات الدولة البطلمٌة ‪ .‬ففً حٌن ؼزا انطٌوخوس الجزء الجنوبً من‬
‫الدولة‪ .‬قام فٌلٌب الخامس باالنقضاض على مدن تقع على ضفاؾ الدردنٌل‬
‫والبوسفور‪ ،‬فؤخضع لوسٌماخٌا ‪ Lysimachia‬وخلقدونٌا ‪ Chalcedom‬وقٌوس‬
‫‪ Ceos‬حلٌفات عصبة أٌتولٌا‪ ،‬واستولى اٌضا على جزٌرة تاسوس ‪ Thasus‬فً‬
‫طرٌق عودته إلى مقدونٌا‪.‬‬

‫أثار فٌلٌب الخامس باعتدابه على تلك المدن اآلمنة ؼضب انطٌوخوس وبخاصة‬
‫الستٌبلبه على لوسٌماخٌا التً ٌدعً لنفسه حقوقؤ علٌها‪ ،‬وكذلك ؼضب اٌتولٌا‬
‫الستٌبلبه على حلٌفاتها‪ ،‬كما أهاج ؼضب جزٌرة رودس التً رأت فً استٌبلبه‬
‫على مضابق البوسفور والدردنٌل خطرا ٌهدد تجارتها‪ ،‬فعدته عدوا لها وأخذت‬
‫تستعد لمحاربته ‪.‬‬

‫ثم استؤنؾ فٌلٌب نشاطه العسكري فً ربٌع العام التالً ‪ ۰4۰‬ق‪ .‬م فً بحر إٌجه‬
‫وعلى شواطا آسٌا الصؽرى‪ ،‬فاستولى على عدد من الجزر التً كان أهمها جزٌرة‬
‫ساموس‪ ،‬وفرض سٌادته على تٌوس ‪ Teos‬وحاصر خٌوس ‪ Chios‬فافزع‬
‫رودس و برجام واتحدتا ضده برؼم أنهما كانتا عدوتٌن ‪ .‬التقت اساطٌل الفرٌقٌن فً‬
‫موقعة كبٌرة‪ ،‬ولكنها لم تكن حاسمة حٌث هزم أسطول فٌلٌب الخامس بالقرب من‬

‫‪881‬‬
‫خٌوس‪ .‬لكنه بعد قلٌل عاد والتقى بؤسطول رودس عند الدي ‪ Lade‬وألحق به‬
‫هزٌمة اضطرته إلى االنسحاب جنوبا‪ .‬واستولى فٌلٌب على ملٌتوس ‪ Melitus‬ثم‬
‫ترك أسطوله بٌهاجم الجزر الصؽٌرة التابعة لرودس‪ ،‬بٌنما ذهب هو إلى برجام عله‬
‫ٌستولً علٌها‪ .‬فخٌبت أمله‪ ،‬وانصرؾ عنها إلى قارٌا ‪ Caria‬واستولى على عدة‬
‫مدن هناك منها مبلطٌة ومٌوس ‪ Myus‬فً البر‪.‬‬

‫وعندما أراد أن ٌعود الى مقدونٌا فً شتاء ‪ ۰44 /۰4۰‬ق‪.‬م‪ .‬حاصرت برجام ورود‬
‫قواته البحرٌة والبرٌة‪ .‬ومع ذلك تمكن من فك الحصار ومتابعة طرٌقه إلى مقدونٌا‬
‫لمواجهة األخطار التً أحاطت به إزاء استنجاد برجام ورودس بروما على الرؼم‬
‫من العداوة بٌنهما‪ .‬وروما التً كانت منهمكة فً محاربة قرطاجة حتى عام ‪۰4۰‬‬
‫ق‪.‬م لم تحفل قبل ذلك باألحداث الجارٌة فً شرق البحر المتوسط إلى أن اجتذبت‬
‫اهتمامها نداءات دولة البطالمة وبرجام ورودس‪.‬‬

‫فانتهز السناتو الرومانً الفرصة عقب النصر الرومانً فً موقعة زاما ‪ .‬لٌشتبك‬
‫مع فٌلٌب قبل أن ٌقوي نفسه‪ ،‬وقبل أن ٌفرغ انطٌوخوس من مشاؼله وٌتحالفا م ًعا‬
‫ضد روما‪ .‬وقرر إعبلن الحرب على فٌلٌب بحجة اعتدابه دون مبرر على برجام‬
‫حلٌفة روما‪ .‬ولما عُرض رأى السناتو على جمعٌة المبٌنات قررت رفضه فً أول‬
‫األمر‪ ،‬ولم توافق علٌه فً اجتماع ثان إال بعد إقناعها بؤن على الرومان أن ٌتوقعوا‬
‫قٌام فٌلٌب بؽزو إٌطالٌا اذا هم لم ٌسبقوه بؽزو مقدونٌا‪.‬‬

‫وفً ربٌع عام ‪ ۰44‬ق‪.‬م أوفد الرومان بعض السفراء إلى ببلد اإلؼرٌق عقب عودة‬
‫فٌلٌب بقلٌل‪ ،‬وأثاروا عددا من المدن اإلؼرٌقٌة ضده ‪ ،‬وأبلؽوا أحد قواد فٌلٌب إنذار‬
‫روما الذي ٌتضمن عدم محاربة اٌة مدٌنة إؼرٌقٌة ودفع تعوٌضات كافٌة لبرجام‪.‬‬
‫لكن فٌلٌب لم ٌؤبه بالرد على االنذار وإنما سارع إلى اتخاذ الخطوات لمواجهة‬
‫الحرب مع روما‪ .‬ومضى هو نفسه إلى شاطىء تراقٌا وشبه جزٌرة ؼالٌبولً وعبر‬
‫الدردنٌل وحاصر أبٌدوس‪ .‬وقبٌل سقوط هذه المدٌنة قدم إلٌها أحد السفراء الرومان‬
‫لٌنهً إلى فٌلٌب إنذارً ا جدٌ ًدا بعد موافقة جمعٌة المبٌنات فً روما صٌؾ عام ‪۰44‬‬

‫‪888‬‬
‫ق‪.‬م على إعبلن الحرب على فٌلٌب بشكل انذار ٌتضمن إلى جانب المطلبٌن‬
‫الواردٌن فً اإلنذار األول مطلبٌن آخرٌن ‪ .‬وهما‪ :‬دفع التعوٌضات لرودس‪ ،‬وعدم‬
‫المساس بالممتلكات المصرٌة‪ .‬وكلفت البعثة‪ ،‬الرومانٌة الموجودة فً رودس وجوب‬
‫اببلغ اإلنذار إلى فٌلٌب شخصٌة ‪ ،‬فاسندت هذه المهمة إلى أحد أعضابها‪ .‬مرقوس‬
‫إٌمٌلٌوس لبٌدوس ‪ .Marcus Aemilius Lepidus‬رفض فٌلٌب استبلم اإلنذار‬
‫ورد على لبٌدوس بؤنه إذا كانت روما مصممة على عدم احترام المعاهدة بٌنهما‪،‬‬
‫فإنه سٌدافع عن نفسه بحماٌة اآللهة‪.‬‬

‫وفً خرٌؾ عام ‪۰44‬ق‪.‬م نزل جٌش رومانً‪ ،‬استجابة إلى نداءات االستؽاثة من‬
‫اصدقابهم فً بحر اٌجه ‪ ،‬برً ا فً ابولونٌا ‪ Apallonia‬فً ألٌرٌا‪ .‬وقوة بحرٌة‬
‫رومانٌة فً مٌاه أثٌنا‪ ،‬بقٌادة القنصل سولبٌقٌوس ‪ Sulpicius‬مدعٌا أنه ٌدافع عن‬
‫حرٌة الدوٌبلت الٌونانٌة ‪ .‬فهب االتٌولٌون ثم اآلخٌون إلى مساعدة الرومان فً‬
‫السنة ‪ ۰۲۲‬ق‪.‬م‪ .‬ومع هذا لم ٌتمكن الرومان من تحقٌق أي نصر فً هذا العام على‬
‫فٌلٌب الخامس‪ .‬وبوصول تٌتوس فبلمٌنٌوس أحد قنصلً عام ‪ ۰۲۱‬ق‪.‬م‪ ،‬أرؼم‬
‫فٌلٌب على االنسحاب من أبٌروس إلى تسالٌا‪ ،‬بسبب عدم قدرته على تجٌٌش عدد‬
‫كا ؾ للصمود فً وجه الرومان وحلفابهم بعد الحروب الكثٌرة التً خاضتها‬
‫مقدونٌا‪ .‬واضطر إلى أن ٌفاجًء أحٌانا فٌضرب خصمه ضربة قوٌة‪ ،‬ثم ٌراوغ‬
‫لٌتملص من الوقوع فً قبضته)‪ .‬وعندما استإنؾ القتال فً صٌؾ عام ‪ ۰۲۰‬ق‪.‬م‬
‫فً تسالٌا وحاصروا فٌلٌب الخامس بٌن شدقً كماشة كبٌرة عند تبلل کونوس‬
‫كٌفاالي ‪ Cynocephalae‬أو رإوس الكبلب‪ .‬انهزم فٌها جٌش فٌلٌب الخامس‬
‫انهزامه كبٌرة وفر فٌلٌب إلى مقدونٌا طالبا الصلح‪ .‬وبالرؼم من أن االٌتولٌٌن وباقً‬
‫خصوم فٌلٌب من اإلؼرٌق طالبوا بؽزو مقدونٌا والقضاء علٌها قضا ًء تامًا ‪ ،‬فإن‬
‫الرومان رفضوا هذا الطلب لعد ة اعتبارات‪ ،‬كان أهمها‪ :‬إذا كان من صالح الرومان‬
‫اضعاؾ مقدونٌا إلى الحد الذي ال تكون فٌه خطرً ا علٌهم‪ ،‬فإنه لم ٌكن من صالحهم‬
‫فً ذلك الوقت القضاء علٌها‪ .‬ألن وجودها كان ٌكفل وجود حاجز منٌع ٌقً ببلد‬
‫اإلؼرٌق لٌس فقط من القبابل المتبربرة التراقٌة واأللورٌة وكذلك القبابل الؽالٌة‬
‫‪881‬‬
‫النازلة فً وادي الدانوب األدنى‪ ،‬بل أٌضا انطٌوخوس امبراطور الدولة السلوقٌة‬
‫الذي كان ٌخشى بؤسه‪.‬‬

‫وتبعا لذلك عقدت معاهدة صلح بٌن الطرفٌن من شروطها)‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إعطاء الحرٌة واالستقبلل لجمٌع الٌونانٌٌن فً أوروبا وآسٌا‪.‬‬

‫ثان اٌا ‪ :‬إخبلء جمٌع المدن الٌونانٌة التً له فٌها جنود قبل موعد األلعاب الكورنثٌة ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تسلٌم جمٌع سفنه الحربٌة الكبٌرة والصؽٌرة ما عدا خمسة فقط‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تسلٌم روما تعوٌ ً‬


‫ضا مالًٌا عن الحرب مقداره ألؾ تالنت ‪ -‬حوالى ربع ملٌون‬
‫جنٌه استرلٌنً ‪ -‬فً مدة ال تتجاوز العشر سنوات‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬تسلٌح جٌش ال ٌزٌد تعداده على خمسة آالؾ جندي‪ ،‬شرٌطة أال ٌسمح‬
‫باقتناء الفٌلة‪ ،‬وأال ٌدخل فً حرب خارج مقدونٌا إال بإذن روما‪.‬‬

‫سادسا ‪ٌ :‬رسل فٌلٌب الخامس ابنه األصؽر دٌمترٌوس إلى روما لٌبقى فٌها رهٌنة‪.‬‬

‫لم ٌكن فً وسع فٌلٌب الخامس إال أن قبل هذه الشروط فً عام ‪ ۰۲6‬ق‪.‬م‪ .‬ثم أصبح‬
‫حلٌ ًفا لروما‪ .‬لكن هذه المعاهدة لم تكن مجرد معاهدة صلح بقدر ما كانت إعبلنا بؤن‬
‫روما هً حامٌة حمً اإلؼرٌق وانذارً ا موجهًا إلى انطٌوخوس‪ .‬وعندما أعلن‬
‫فبلمٌنٌوس ‪ -‬عندما أقٌم فً عام ‪ ۰۲6‬ق‪.‬م حفل األلعاب فً كورنثة او ألعاب‬
‫البرزخ ‪ Isthmia‬حٌث ٌإمه المتبارون من كل أنحاء العالم ‪ -‬عن حق اإلؼرٌق فً‬
‫أن ٌتمتعوا بحرٌتهم وأن ٌحكموا وفقا لقوانٌنهم المتوارثة دون أن تلزمهم روما بدفع‬
‫الجزٌة لها أو بإٌواء اٌة حامٌات من قبلها‪ .‬هللت لهذا اإلعبلن أؼلب الدول‬
‫اإلؼرٌقٌة ‪ .‬لكن هذه الفرحة لم تطل إذ أعقب التهلٌل رد فعل مضاد للرومان ألنهم‬
‫جعلوا من أنفسهم أوصٌاء على ببلد اإلؼرٌق‪.‬‬

‫‪883‬‬
‫وفً عام ‪ ۰۲5‬ق‪.‬م دعا فبلمٌنٌوس مندوبٌن عن الدول اإلؼرٌقٌة للتباحث فً أمر‬
‫تحرٌر أرجوس من قبضة نابٌس ‪ Nabis‬ملك إسبرطة‪ .‬وقد عقد المإتمر فً‬
‫كورنثه حٌث وافق الجمٌع على القٌام بحملة لتحرٌر أرخوس‪ .‬وفعبل تم تحرٌر‬
‫أرجوس وهزٌمة نابٌس‪ .‬لكن فبلمٌنٌوس رفض أٌضا فكرة مطالب الحلفاء اإلؼرٌق‬
‫بالقضاء على أسبرطة‪ .‬فراعهم حل المشاكل من وجهة نظر الرومان‪ ،‬وكذلك اسناد‬
‫الحكم فً الدول اإلؼرٌقٌة إلى ارستقراطٌة محلٌة اختٌرت بعناٌة تامة‪ .‬ولكً ٌخفؾ‬
‫من اثر ذلك اقتنع فبلمٌنٌوس السناتو الرومانً فً عام ‪۰۲0‬ق‪.‬م بضرورة سحب‬
‫القوات الرومانٌة من ببلد اإلؼرٌق‪ ،‬والتً تم سحبها مكتفٌن بعقد المعاهدات‬
‫والتنظٌمات التً وضعت‪ .‬وتبعا لذلك اعتبر الرومان ببلد اإلؼرٌق منطقة نفوذ‬
‫رومانٌة تولوا تسوٌة مشاكلها وتنظٌم شإونها بحسب وجهة نظرهم وتمتع اإلؼرٌق‬
‫بحرٌتهم‪ ،‬على أن ٌثبت اإلؼرٌق انهم حلفاء أوفٌاء ٌقفون فً وجه أي اعتداء‬
‫بحرٌتهم‪ .‬على أن ٌثبت اإلؼرٌق انهم حلفاء أوفٌاء ٌقفون فً وجه أي اعتداء على‬
‫روما ٌحاول القٌام به فٌلٌب الخامس او انطٌوخوس أو االثنان معا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الحروب ضد انطٌوخوس الثالث‬

‫اضطر الرومان إلى محاربة انطٌوخوس الثالث الذي حاول استرجاع ما فقدته‬
‫أسرته من السلطة فً آسٌا الصؽرى و تراقٌا ‪ .‬فؤوفد فً شتاء السنة ‪۰۲۰ - ۰۲۱‬‬
‫ق‪.‬م وفدا ٌطمبن روما وٌإكد لها اخبلصه ووالءه‪ .‬وفً الوقت نفسه ‪ ،‬كان ٌعد العدة‬
‫للعمل الحربً فً الشمال‪ .‬وفً ربٌع عام ‪ ۰۲۰‬ق‪.‬م أرسل ابنه أنطٌوخوس‬
‫وسلوقوس على رأس قوة برٌة إلى قلٌقٌة‪ .‬بٌنما أبحر هو بمبة بارجة ومابتً سفٌنة‬
‫أخرى إلى مٌاه هذه المنطقة نفسها وأخذ ٌحاصر إحدى مدن بامفولٌا‬
‫‪ .Pamphylia‬أوفدت رودس إلٌه وف ًدا‪ ،‬بإٌعاز من روما‪ٌ ،‬ذكره بوجوب احترام‬
‫حرٌة المدن الٌونانٌة واستقبللها‪ ،‬وٌهدده باللجوء إلى العنؾ إن هو حاول اجتٌاز‬
‫المٌاه الخلقٌدونٌة)‪.‬‬

‫‪884‬‬
‫رأي انطٌوخوس أن ٌفاوض روما مرة ثانٌة ‪ .‬فؤرسل وفدا فً السنة ‪۰۲5‬ق‪.‬م إلى‬
‫فبلمٌنوس ٌقترح اعادة النظر فً جمٌع النقاط موضع االختبلؾ‪ .‬فرفض القابد‬
‫الرومانً‪ ،‬ولم ٌستمع إلى الوفد‪ .‬وصادؾ ذلك فرار هانٌبال من قرطاجة إلى صور‬
‫‪ -‬البلد األم ‪ -‬ثم انتقل الى انطاكٌة فً صٌؾ السنة ‪۰۲5‬ق‪.‬م‪ ،‬ومنها تابع سٌره الى‬
‫اخوس لٌلتقً بإنطٌوخوس وٌتفقا على محاربة روما‪ .‬فخشٌت روما سوء العاقبة‬
‫وسحبت جنودها على نحو ما ذكرنا من الٌونان لتحتفظ بصداقة الٌونانٌٌن وتؤٌٌدهم‬
‫فً حال صحة توقعاتهم فً تعاون انطٌوخوس الثالث وهانٌبال ضدها‪ .‬فكان لهذا‬
‫الجبلء أثر طٌب فً نفس انطٌوخوس الثالث‪ ،‬إذ بدا له أن روما لن تنفذ مطالبها‬
‫بالقوة‪ .‬فعاد فً السنة ‪۰۲0‬ق‪.‬م إلى المفاوضة مإك ًدا أنه لن ٌسمح لعدو روما أن‬
‫ٌجره إلى قتالها‪ .‬وكان مجلس السناتو قد أوكل أمر المفاوضة إلى فبلمٌنٌوس‪ .‬فوجده‬
‫الوفد السلوقً أقل عنا ًدا بكثٌر مما كان علٌه قببل‪ ،‬وانه مستعد إلطبلق ٌد‬
‫انطٌوخوس فً جمٌع أنحاء آسٌا شرط أال ٌتدخل فً شإون أوروبا‪ .‬لكن الوفد أصر‬
‫على االحتفاظ بحقوق انطٌوخوس الموروثة فً تراقٌا فلم ٌتوصل المفاوضون إلى‬
‫حل مرض‪.‬‬

‫ومع هذا ظلت روما على خشٌتها من إمكانٌة قٌام هانٌبال بحرب‪ٌ ،‬خوضها إلى‬
‫جانب انطٌوخوس‪ ،‬ستكون أعظم بكثٌر من امكانٌاته السابقة‪ ،‬وذلك لتوفر الرجال‬
‫والمال فً آسٌا‪ .‬فؤرسلت روما وفدة لٌكون على بٌنة من أمرها‪ .‬فانتقل الوفد من‬
‫برجام إلى أبامٌا فوجد انطٌوخوس ؼاببا عنها ٌقود حملة على االسبرطٌٌن فانتقل‬
‫منها إلى أفسس ‪ .‬وفً صٌؾ السنة ‪ ۰۲3‬ق‪.‬م دار البحث مجددا فً هذه المدٌنة‬
‫للوصول إلى تفاهم نهابً‪ .‬فؤخفق مإتمر أفسس فً الوصول إلى حل بسبب إشراك‬
‫روما الممثلٌن عن أزمٌر ولمٌساكوس وؼٌرها من مدن آسٌا الصؽرى الذٌن عرقلوا‬
‫سٌر المفاوضات بنظر أنطٌوخوس الثالث العتباره إٌاهم من رعاٌاه‪ .‬وبالتالً ال‬
‫ٌحق لهم المفاوضة والوقوؾ إلى جانبه‪ ،‬وسافر الوفد الرومانً عاب ًدا إلى ببلده دون‬
‫أن ٌوجه أي إنذار الى انطٌوخوس‪.‬‬

‫‪885‬‬
‫وإن كان أنطٌوخوس لم ٌبػ الحرب‪ ،‬ولم ٌرؼب فً السعً الٌها‪ ،‬إال أنه أجبر‬
‫مکرها على اختٌار الحرب‪ ،‬بعدما تسلم فً العام ‪ ۰۲3‬ق‪.‬م دعوة من اإلٌتولٌٌن‬
‫ٌرجونه فٌها أن ٌتزعم حركة التحرر من ظل روما وحلفابها‪ .‬ورأت حاشٌته الرأي‬
‫نفسه‪ ،‬وحضوا سٌدهم على الحرب‪ .‬كما أن هانٌبال ال ٌزال قرٌبا من انطٌوخوس‬
‫ٌسؤل تزوٌده بعشرة آالؾ مقاتل من المشاة وألؾ فارس ومابة بارجة‪ ،‬مإكدة له انه‬
‫اذا ما تٌسر له الوصول بهذه القوات إلى قرطاجة‪ ،‬فإنه سٌتمكن من اشعال الثورة‬
‫فً افرٌقٌا ومن ؼزو إٌطالٌا نفسها بعد حٌن‪ .‬ولكن انطٌوخوس استصعب هذه‬
‫الخطة ‪ ،‬ورأها بعٌدة المرام‪ ،‬صعبة التحقٌق‪ ،‬مكلفة كثٌرً ا‪ .‬ولم ٌتحمس لها كثٌرً ا‬
‫ألنه لم ٌكن ٌكره روما کره هانٌبال لها‪ .‬وجل ما كان ٌتوخاه أشؽالها فً حروب‬
‫جانبٌة فً أوروبا‪ .‬كما أزعجته فً حروب هامشٌة بآسٌا)‪ .‬وفً مطلع السنة ‪۰۲۰‬‬
‫ق‪.‬م صمم أنطٌوخوس على التدخل فً شإون الٌونان بؤوروبا‪ .‬وأعلن عن عزمه‬
‫هذا إلى تواس ‪ Thoas‬األٌتولً المفاوض‪ ،‬وطلب الٌه ان ٌعود الى ببلده‪ ،‬وٌطلع‬
‫الحلؾ األٌتولً على ذلك‪ .‬ولم ٌكتؾ بهذا التشجٌع بل أمر مٌنٌبوس ‪Menippos‬‬
‫سفٌره بروما‪ .‬أن ٌرافق تواس وأن ٌشجع االٌتولٌٌن على الحرب‪ .‬فوقؾ مٌنٌبوس‬
‫خطٌبًا فً اجتماع الحلؾ اإلٌتولً آخر آذار من سنة ‪ ۰۲۰‬ق‪.‬م وأكد استعداد سٌده‬
‫بالتعاون مع الحلؾ فً سبٌل الحرٌة واالستقبلل‪ .‬فهلل المجتمعون واؼتبطوا‬
‫واتخذوا قرارا دعوة فٌه أنطٌوخوس إلى إنقاذ الٌونان من الشقاق والتخاذل‪ ،‬وإلى‬
‫تسوٌة الخبلؾ بٌنهم وبٌن روما‪.‬‬

‫وبعد هذا بقلٌل فاجؤ االٌتولٌون دٌمترٌاس ‪ Demetrias‬وخلقٌس واسبرطة بهجوم‬


‫خاطؾ‪ ،‬تمكنوا فٌه من احتبلل دٌمترٌاس ‪ .‬فضمنوا بذلك رقبة جسر ألنطٌوخوس‬
‫فً حال وصوله إلى الٌونان‪ .‬ثم وجهوا إلٌه دعوة رسمٌة‪ ،‬رجوه فٌها أن ٌهب‬
‫لتحرٌر الٌونان‪ .‬فحشد عندبذ انطٌوخوس عشرة آالؾ مقاتل من المشاة وخمسمابة‬
‫فارس وستة أفٌال ومابة بارجة ومابتً نقالة‪ ،‬واقلع بهذه القوات والقطع البحرٌة من‬
‫مٌاه الدردنٌل ٌرافقه هانٌبال‪ .‬فنزل بجٌشه فً دٌمترٌاس ثم سار منها إلى المٌا‬

‫‪886‬‬
‫‪ Lamia‬المركز اإلٌتولً‪ ،‬فوصلها فً أواخر تشرٌن األول اکتوبر من السمنة‬
‫‪ ۰۲۰‬ق‪ .‬م‪ .‬فتمكن انطٌوخوس من السٌطرة على ببلد الٌونان‪.‬‬

‫بالد الٌونان الشمالٌة‪.‬‬

‫وال علمت روما بعبور انطٌوخوس إلى ببلد الٌونان‪ ،‬أرسلت فً تشرٌن الثانً ‪/‬‬
‫نوفمبر قوة صؽٌرة إلى الٌٌرٌة لتراقب بها تحركات فٌلٌبوس‪ .‬وبعد ذلك بؤربعة‬
‫أشهر جاء اکٌلٌوس ؼبلبرٌو ‪ Acillus Glabrio‬بعشرٌن ألؾ مقاتل من المشاة‬
‫وألفً فارس وخمسة عشر فٌبل‪ .‬فوصل اکٌلٌوس بجٌشه هذا فً أواخر نٌسان‪/‬‬
‫أبرٌل عام ‪ ۰۲۰‬ق‪.‬م محاوال اختراق الخطوط السلوقٌة عند ممر تٌرموبٌلً ‪Oeta‬‬
‫‪ ، - Thermnopylae‬لكنه أعٌد على أعقابه فاشبل‪ .‬فرأى أن ٌلتؾ حول مسٌرة‬
‫انطٌوخوس لٌتحاشی بذلك هزٌمته‪ .‬وبعث‪ .‬بکاتو ‪ Cato‬مع الفً مقاتل‪ ،‬إلى‬

‫التبلل فً ؼربً تٌرمبولً‪ ،‬وأمره بالسٌر لٌبل‪ .‬فتمكن كاتو من اختراق صفوؾ‬
‫السلوقٌٌن‪ .‬فذعروا ودبت الفوضى فً صفوفهم‪ ،‬وولوا هاربٌن‪ .‬ونجا انطٌوخوس‬
‫بخمسمابة مقاتل‪ ،‬وركب البحر عاب ًدا إلى آسٌا فً أواخر العام ‪ ۰۲۰‬ق‪.‬م‪ ،‬تاركة‬
‫حلفاءه الؽادرٌن لٌلقوا جزاءهم من الرومان‪.‬‬

‫وقد بقً االٌتولٌون وحدهم فً المعركة بٌن الجٌش الرومانً من جهة وجٌش فٌلٌب‬
‫من جهة ثانٌة فطلبوا الصلح‪ .‬لكنه عندما طلب منهم الرومان التسلٌم بدون قٌد أو‬
‫شرط‪ ،‬رفضوا وقرروا متابعة القتال منفردٌن إال أن الرومان لم ٌقوموا بؤي عمل‬
‫حاسم ضد االٌتولٌٌن بسبب انشؽالهم فً مبلحقة ومحاربة أنطٌوخوس إلى آسٌا‬
‫الصؽرى‪.‬‬

‫حاول انطٌوخوس فور عودته إلى أفسس حشد جٌش ٌصمد به عند المضابق بعدما‬
‫تؤخر عن مبلحقته اکٌلٌوس الذي ألهاه االٌتولٌون بحروب جانبٌة ‪ .‬بٌنما هب القابد‬
‫السلوقً بولٌکٌسٌنٌداس ‪ Polyxenidas‬الى قتال األسطول الرومانً الذي وجهته‬
‫روما فً صٌؾ السنة ‪۰۲۰‬ق‪.‬م إلى مٌاه اٌجه لتساند أسطولً برجام ورودس‪،‬‬

‫‪887‬‬
‫وذلك قبل انضمام الوحدات الرودٌسٌة إلٌه ‪ ،‬فانتصر علٌه وتمكن من اضافة بوارج‬
‫جدٌدة بحٌث أصبح عدد البوارج السلوقٌة تسعٌن بارجة‪ .‬ثم التقى بولكٌسنٌٌداس‬
‫بوحدة بحرٌة رودٌسٌة عند ساموس ‪ Sames‬فحطمها شر تحطٌم‪.‬‬

‫ودارت المعركة بٌن األسطول السلوقً واألسطول الرومانً بالقرب من تٌوس‬


‫‪ٌ ،Theos‬ساعد األخٌر أسطول رو دوس بقٌادة اقداموس ‪ ecdamos‬حٌث شؽله‬
‫عند مسٌرته بمناوشات جانبٌة مكنت األسطول الرومانً من االنقضاض على قلب‬
‫األسطول السلوقً فً المعركة التً دعٌت مٌنٌوس ‪ Myonnnesus‬أصبحت‬
‫روما بنهاٌتها سٌدة البحر فسٌطرت علٌه سٌطرة تامة‪ .‬وذلك فً شهر اٌلول من‬
‫السنة ‪ ۰۲4‬ق‪.‬م ‪.‬‬

‫فً حٌن كانت روما سٌرت ثبلثٌن ألفا عبروا مقدونٌا ثم تراقٌا بقٌادة الوقٌوس‬
‫قورنٌلٌوس سکٌبٌو ‪ Lucius Cornellus Scipio‬وبإشراؾ سکٌبٌو افرٌكانوس‬
‫قاهر هانٌبال ‪ .‬وكان انطٌوخوس قد انسحب من تراقٌا‪ ،‬بعد موقعة مٌنٌوس البحرٌة‪،‬‬
‫وحشد خمسة وسبعٌن الفؤ‪ ،‬وإنما ٌنقصهم التدرٌب الكافً‪ ،‬ولم ٌمض وقت طوٌل‬
‫حتى وصل الرومان إلى الدردنٌل‪ ،‬وعبروه فً تشرٌن الثانً من السنة ‪ ۰۲4‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫ثم توقفوا عن المسٌر شهرا كامبل‪ .‬وفً أثنابها كتب أنطٌوخوس إلى سكٌبٌو‬
‫افرٌكانوس ٌسؤله التفاوض مظهرً ا استعداده للتخلً عن تراقٌا وعن جمٌع المدن‬
‫الٌونانٌة فً آسٌا التً كانت قد دخلت فً حماٌة روما‪ ،‬مضٌ ًفا أنه مستعد مشاطرة‬
‫روما كل ما كانت قد أنفقته على الحرب‪ .‬لكن سکٌٌٌو فضل الحرب‪ ،‬فكانت موقعة‬
‫مؽنٌسٌا ‪ Magnesia- ad - Sipylum‬الشهٌرة فً كانون الثانً سنة ‪ ۰۱۲‬ق‪.‬م‬
‫التً كادت تدور الدابرة على الجٌش الرومانً وٌخسر الحرب سكٌبٌو لوال قٌام‬
‫أخمٌنٌس الث انً ملك برجام بهجوم معاكس على مٌسرة انطٌوخوس فنجح فً ذلك‬
‫واخترق قلب ومٌسرة جٌش األخٌر‪ .‬فؤرؼم على رمً السبلح‪ ،‬والقبول بمعاهدة‬
‫صلح بٌنه وبٌن روما‪ .‬ووقع صلح «أبامٌا التً فً فرٌجٌا‪ ،‬وقبل شروطها التً‬
‫تنص على ما ٌلً ‪:‬‬

‫‪881‬‬
‫أوال‪ٌ :‬تخلى انطٌوخوس عن جمٌع المدن فً أوروبا وآسٌا الصؽرى حتى جبال‬
‫طوروس الشمالٌة‪.‬‬

‫ثانٌا ‪ٌ :‬دفع لروما خمسة عشر ألؾ تالنت ‪ -‬حوالى ثبلثة مبلٌٌن وثبلثة أرباع‬

‫ملٌون جنٌه استرلٌنً ‪ٌ -‬دفع خمسها عاجبل واألربعة أخماس بمدى اثنتً‬

‫عشرة سنة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ٌ :‬سلم إلى الرومانٌٌن أفٌاله وسفنه الحربٌة ما خبل عشرة‪.‬‬

‫رابعا‪ٌ :‬رسل إلى روما عشرٌن رهٌنة من جملتهم ابنه انطٌوخوس‪ ،‬كما ٌسلمهم‬
‫هانٌبال‪ .‬وبمقتضى هذه المعاهدة التً أبرمت من الطرفٌن فً عام ‪ ۰۱۱‬ق‪.‬م سمح‬
‫لسفن انطٌوخوس المتبقٌة أن تبحر شرقً رأس ساربدونٌوم ‪ Sarpedonium‬فً‬
‫قٌلٌقٌا فقط‪ ،‬وأن ٌخوض اٌة حرب لصد عدوان علٌه إذا هوجم شرط أال ٌبسط‬
‫سٌادته على من ٌقهرهم او ٌعقد معهم معاهدات صداقة ‪ ،‬وأن تقوم روما بالفصل فً‬
‫هذه المنازعات‪ .‬كما سمحت روما ألنطٌوخوس باالحتفاظ بوالٌتً قٌلٌقٌا الؽربٌة‬
‫وجنوب سورٌا‪ ،‬وهما اللتان انتزعهما من بطلمٌوس الخامس ‪ ،‬بٌنما لم تسمح‬
‫لبطلٌموس باسترداد شًء من ممتلكاته المسلوبة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الحرب ضد بروسٌوس بن فٌلٌب الخامس ملك مقدونٌا‬

‫أجلت روما جنودها عن آسٌا الصؽرى‪ ،‬و اقتسمت رودس وبرجام ممتلكات‬
‫أنطٌوخوس فً آسٌا الصؽرى‪ .‬ولجؤ هانٌبال إلى بروسٌوس األول فً آسٌا الصؽرى‬
‫ملك بثٌنٌة ‪ ،‬فجعله قابدا على جٌشه ‪ ،‬وحارب برجام بمواهبه فً العام ‪ ۰۱6‬ق‪ .‬م‪.‬‬
‫لكن إلحاح روما فً العام ‪ ۰۱3‬ق‪.‬م على بروسٌوس بوجوب تسلٌم هانٌبال إلٌها‪.‬‬
‫آثر البطل القرطاجً السُم على إذالله فً شوارع روما واندٌتها‪.‬‬

‫ولم ٌكد ربع قرن ٌمر على انتصار الرومان على فٌلٌب حتى عادت مخاوفهم من‬
‫جانب مقدونٌا تتجسد مرة أخرى‪ .‬فشن الرومان هجوما على برسٌوس ‪Persius‬‬
‫‪884‬‬
‫ابن فٌلٌب الخامس وخلٌفته‪ .‬انتهى فً ‪ ۰۰‬حزٌران سنة ‪ ۰6۱‬ق‪.‬م بتؽلب القنصل‬
‫الرومانً باولوس امٌلٌوس ‪ Palus Aemilus‬على المقدونٌٌن فً معركة حاسمة‬
‫فً بٌدنا ‪ -‬مقدونٌا ‪ -‬عقد على أثرها الصلح فً أمفٌبولٌس ‪ Amphypulus‬الذي‬
‫نص على‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تقسٌم مقدونٌا إلى أربع جمهورٌات مستقلة عن بعضها وعدم تحالفها أو‬
‫التعامل معاه‬

‫ثانٌا ‪ :‬تحكم هذه الجمهورٌات مجالس تتمثل فٌها كل المدن ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تدفع كل جمهورٌة جزٌة سنوٌة ‪ ،‬مقدارها مبة تالنت ‪ .‬ثم أصبحت اخٌرة‬
‫مقدونٌا والٌة رومانٌة فً العام ‪ ۰06‬ق‪.‬م بعدما نشبت الحرب بٌن األخٌٌن و‬
‫االسبرطٌٌن‪ ،‬والتً انتصرت فٌها روما على اسبرطة فاصلة بٌن الطرفٌن‪ ،‬فاحتلتها‬
‫ونهبتها‪ ،‬وضم الرومان أرضها إلى األراضً الرومانٌة العامة ‪.‬‬

‫د‪ -‬إخضاع المدن الٌونانٌة‬


‫ذكرنا قببل ان الرومان تركوا الحرٌة للمدن الٌونانٌة‪ ،‬فلم ٌتدخلوا فً شإونها‪،‬‬
‫وتركوها تدبر أمرها بنفسها‪ .‬فكانت هذه فرصة لكً تنضم هذه المدن إلى بعضها‬
‫بعض وتكون اتحا ًدا ٌونانًٌا‪ .‬ولكن هذا االتحاد لم ٌعمر طوٌبل‪ ،‬ألن المدن الٌونانٌة لم‬
‫تلبث بعد اندحار مقدونٌا‪ ،‬أن عادت مرة أخرى إلى ما عرؾ عنها من النزعة‬
‫االنفصالٌة‪ .‬وأخذت كل من هذه المدن‪ ،‬تعادي األخرى وتستنجد بروما فً نزاعها‪.‬‬

‫فحاولت روما مرارً ا أن تفض هذه النزاعات عن طرٌق تسوٌة دبلوماسٌة بٌن هذه‬
‫المدن‪ .‬ولكن مجهودها فً هذا السبٌل ذهب هباء‪ .‬ولم ٌإد إلى نتٌجة‪ ،‬حتی اصبحت‬
‫هذه النزاعات بطرٌق ؼٌر مباشرة مصدر خطر لروما نفسها‪ .‬فوجه الرومان فً‬
‫السنة ‪ ۰0۲‬ق‪.‬م بقٌادة القنصل مومٌوس ‪ Mummius‬حملة ضد مدن الجامعة‬
‫اآلخٌة‪ ،‬التً تحدث سلطة الرومان تحدًٌا مباشرً ا‪ ،‬باجتٌاح ببلد اإلؼرٌق الوسطى‪،‬‬

‫‪811‬‬
‫فقضت على هذه الجامعة التً جمعت بٌن بعض المدن الٌونانٌة بانهزام جٌشها‬
‫هزٌمة كبٌرة‪ ،‬بعد استبسالهم فً القتال ضد قوات تفوقهم عدة وعد ًدا ‪.‬‬

‫عندبذ قرر السناتو أن ٌعاقب كورنثه على اعتدابها السابق على السفراء الرومان‪،‬‬
‫وأن ٌجعل منها عظة وعبرة لببلد اإلؼرٌق جمٌعا‪ .‬فؤمر القنصل مومٌوس بنقل‬
‫كنوزها إلى روما‪ ،‬وهدم مبانٌها وإشعال النار فٌها وبٌع من بقً على قٌد الحٌاة من‬
‫مواطنٌها عبٌدة فً سوق النخاسة‪.‬‬

‫ووضع الرومان ببلد اإلؼرٌق تحت إشراؾ حاكم والٌة مقدونٌا‪ ،‬واعطوه‬
‫صبلحٌات للفصل فً المنازعات والحفاظ على النظام واألمن ومعاقبة المناهضٌن‬
‫للرومان عقابا شدٌ ًدا‪ .‬وحلوا جمٌع األحبلؾ الٌونانٌة مثل‪ :‬الجامعة اآلخٌة‪ ،‬أو‬
‫البوٌوتٌٌن‪ ،‬او الفوقاٌٌن‪ .‬وفرضوا الجزٌة على المدن التً ساهمت فً مناصبتهم‬
‫العداء‪ .‬وأسندوا الحكم إلى الطبقات الثرٌة فً اؼلب المدن‪ .‬وحظروا التعامل‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫نظام الحكم فً روما فً‬
‫العصر الجمهوري‬

‫‪811‬‬
‫إنه بمجرد إنتهاء النظام الملكً فً عام ‪ 5۰4‬ق‪.‬م وطرد أخر الملوك ‪ ،‬وقٌام نظام‬
‫جمهوري فً عام ‪ 54۲‬ق‪.‬م ‪ ،‬ؼدت كلمة ملك (‪ )Rex‬كلمة ممقوته من الشعب‬
‫الرومانى (‪ )populus Romanus‬لما ارتبط فً أذهانهم عن ذلك العصر‬
‫السابق من تسلط وسٌادة مطلقة‪ ،‬لم ٌكن لهم فٌها أي نصٌب من المشاركة الفعالة ‪.‬‬

‫لقد سمى النظام الجدٌد باسم "‪"Res Publica‬أي ‪ -‬كترجمة حرفٌة لهذا‬
‫االصطبلح ‪ " -‬الشًء العام بمعنى النظام الذي ٌعنً باألمور العامة والشعب ‪ ،‬أو‬
‫الؽالبٌة العظمى من الناس ولٌس ذلك النظام األرستقراطً‪ ،‬الملكً السابق ‪ ،‬الذي‬
‫كان ٌعنً بمصالح األؼنٌاء والنببلء واألشراؾ فقط‪.‬‬

‫كانت أهم التؽٌٌرات التً طرأت على النظام السابق ‪ ،‬هو احبلل بعض الوظابؾ‬
‫الجدٌدة ‪ ،‬تبعا لضرورات تؤدٌة مصالح الشعب على أحسن وجه وضمان القٌام‬
‫بالمهام الموكلة إلى شاؼل تلك المناصب خٌر قٌام ‪ ،‬دون تهاون أو شطط ‪ ،‬فتمثل‬
‫فٌماٌلی ‪:‬‬

‫أ‪ -‬القنصلٌة ‪:‬‬


‫عندما ألؽى الحكم الملكً وطرد الملك تارکوٌنٌوس ‪ Turquinius‬استبدل الملك‬
‫بشخصٌن كان مجلس الشٌوخ ٌنتخبهما‪ ،‬على أن ٌمارس السلطة كل منهما لمدة سنة‬
‫كاملة ٌراقب الثانً اعمال األول إذ ٌستطٌع وقؾ كل ما ال ٌروق له من تصرفاته‬
‫بحق االعتراض ‪ .Intercessio‬وسُمً هذان الحاكمان فً أول األمر باسم‬
‫براٌتورس ‪ Praetores‬اي الربٌسٌن‪ ،‬وبعد مدة تؽٌر سنة ‪ 36۰‬ق‪.‬م إلى اسم‬
‫القنصلٌن ‪ Consules‬أي الزمٌلٌن‪ .‬ووظٌفة القنصل هً من أعلى الوظابؾ فً‬
‫الجمهورٌة الرومانٌة‪ ،‬ألن سلطة الملك لم تلػ عنها إذ بقً بالسلطة المطلقة‬
‫‪ ، Imperium‬إنما أدخل علٌها بعض الضوابط التً اعتقدوا أنها كفٌلة بالحٌلولة‬
‫دون االستبداد فً استخدامها‪ .‬على أنه ٌجب التفرٌق بٌن المنصب وشاؼلً المنصب‬
‫الذي أنشًء فٌما بعد وكان أدنى شؤنا من المنصب األول‪ .‬ولكن شاؼلٌه كانوا‬
‫ٌدعون أٌضا براٌتورٌس على نحو ما سنرى فٌما بعد‪.‬‬
‫‪813‬‬
‫وبانتقال صبلحٌات الملك‪ ،‬والشارات الدالة علٌها‪ ،‬والكرسً الصاجً الذي ٌجلس‬
‫علٌها‪ ،‬اصبح القناصل هم الذٌن ٌرعون استتباب األمن والنظام فً الدولة ‪.‬‬
‫وٌسمحون للمواطنٌن داخل روما باستبناؾ األحكام الشدٌدة الصادرة علٌهم أمام‬
‫جمعٌة األحٌاء او الكور ‪ .Comita Curiata‬وٌنٌبون عنهم حکامًا ‪arbitri‬‬
‫للفصل فً المنازعات‪ ،‬وٌعٌنون عادة حكاما فً المقاطعات ٌدعون بروقنصل ‪pro‬‬
‫‪ . - consules‬كما ٌعٌنون هٌبتٌن قضابٌتٌن تفصل إحداهما فً‬

‫قضاٌا الخٌانة ‪ Duoviri perduellionis‬واألخرى فً قضاٌا القتل دون مبرر‬


‫‪ٌ . Quaestores parricidii‬دعون مجلس الشٌوخ لبلجتماع وٌترأسون‬
‫اجتماعاته ‪ ،‬كما ٌدعون الكومٌسٌا المبوٌة لبلجتماع وٌترأسونها‪ ،‬وٌنظمون الجٌوش‬
‫وٌقودونها فً الحرب‪ .‬وإذا صادؾ خروج القنصلٌن معا إلى مٌدان الحرب‪ ،‬كانا‬
‫ٌتولٌان القٌادة العلٌا بالتناوب ٌوما فٌومًا‪ .‬وٌعطً القنصل اسمه للسنة التً كان ٌحكم‬
‫فٌها‪ ،‬فٌقال ‪ :‬حدث ذلك فً عهد قنصلٌة مارٌوس مثبل‪ .‬وبعد انتهاء مدة حكم‬
‫القناصل ٌعٌنون عادة حكامًا فً المقاطعات‪ ،‬وٌدعون برو قنصل‪.‬‬

‫ب ‪ -‬جماعة الكهنة‬
‫فً الحكم الملكً‪ ،‬كان الملك ٌمارس سلطات دٌنٌة واسعة‪ .‬بٌنما فً العهد‬
‫الجمهوري لم تنتقل إلى القناصل السلطات الدٌنٌة باستثناء حق استطبلع وؼٌاب‬
‫اآللهة ‪ auspicia‬لمعرفة رضابها أو سخطها قبل اإلقدام على عمل عام‪ .‬أما أؼلب‬
‫هذه االختصاصات فإن شطرً ا منها وهو الخاص بتقدٌم القرابٌن كان ٌتواله کاهن‬
‫ٌسمى ملك القرابٌن ‪ Rex Saerorum‬على حٌن أن الشطر األكبر‪ ،‬وهو الخاص‬
‫بالعبلقات الرسمٌة بٌن المجتمع الرومانً و آلهته التً ترعاه بعناٌتها‪ ،‬كانت تتواله‬
‫جماعة ‪ Collegium‬من الكهنة ٌقوم على رأسها الكاهن األكبر او الحبر األعظم‬
‫‪ .)Pontifex Maximus‬ووجد عدة جماعات ‪ Collegia‬من الكهنة مختص کل‬
‫منها بإقامة شعابر طقوس دٌنٌة بعٌنها بمثل ما كانت تقوم به فً عهد الملكٌة ‪.‬‬
‫واشتهر من جماعات الكهنة فً العهد الجمهوري جماعتان)‪:‬‬

‫‪814‬‬
‫‪ -‬الجماعة األولى‪ :‬تجمع نبوءات وهی سٌبوالي ‪ Sibyllae‬والحفاظ علٌها‪،‬‬
‫واستطبلعها كلما أمر مجلس الشٌوخ ‪ Sinatos‬بذلك فً األزمات‪.‬‬

‫‪ -‬الجماعة األخرى‪ :‬هً جماعة العراؾ ‪ Augures‬التً كانت تشرؾ على‬


‫استطبلع رؼبات اآللهة إزاء الشإون العامة‪.‬‬

‫والمبلحظ أن الكهنة الرومان لم ٌإلفوا فبة خاصة من فبات المجتمع‪ ،‬ألنهم كانوا فً‬
‫بداٌة عهد الجمهورٌة من البطارقة دون ؼٌرهم‪ .‬ولما كان الكاهن فً الوقت نفسه‬
‫عضوا فً مجلس الشٌوخ وٌتولى احد المناصب‪ ،‬فإن المصالح الطبقٌة والخاصة‬
‫على السواء أخذت تطؽى شٌبا فشٌبا على الدٌانة الرومانٌة الرسمٌة ‪ .‬وأخذت هذه‬
‫الدٌانة تتسم شٌبا فشٌبا بطابع شكلً بحت‪.‬‬

‫و كان للكهنة دور كبٌر فً بداٌة عهد الجمهورٌة‪ ،‬ألنهم كانوا حراس القانون الدٌنً‬
‫الذي ٌسري تطبٌقه فً عقوبة جرابم كثٌرة كانت معتبرة ذنوبه ضد اآللهة ‪ .‬ورجال‬
‫الدٌن هإالء هم وحدهم الذٌن ٌعرفون هذا القانون والصٌػ المتبعة فً جمٌع أنواع‬
‫التعاقد حتى ٌكون العقد صحٌحة من الناحٌة القانونٌة ‪ .‬وربٌس الكهنة ‪ -‬الحبر‬
‫األعظم ‪ -‬هو الذي ٌحدد سنوٌة أٌام األعٌاد العامة ‪ ،‬دٌنٌة أم ؼٌر دٌنٌة ‪ ،‬وٌعلن فً‬
‫كل شهر األٌام التً ٌجوز مباشرة العمل الرسمً فٌها ‪ ،‬وتوارٌخ األٌام التً ٌحظر‬
‫العمل فٌها‪ .‬وهو باالتفاق مع جماعة العراؾ‪ .‬كان من الممكن تعطٌل اي اجراء‬
‫عام‪ ،‬باإلعبلن عن وقوع نذر سٌبة فً الموعد الذي كان محددة التخاذ هذا اإلجراء‪.‬‬
‫إزاء هذا النفوذ الواسع‪ ،‬والمكانة العالٌة فً الدولة ‪ ،‬وإزاء ما كان من فرص لخدمة‬
‫مصالح طبقتهم‪ ،‬فقد حرص البطارقة طوٌبل على أن تقتصر عضوٌة الجماعات‬
‫الدٌنٌة على أنفسهم‪.‬‬

‫‪815‬‬
‫ج ‪ .‬الدٌكتاتورٌة ‪:‬‬
‫وضع الرومان بعض القواعد‪ ،‬فً بداٌة عهد الجمهورٌة‪ ،‬لمنصب القنصلٌة حتى ال‬
‫ٌنفرد شخص واحد بالسلطة ‪ ،‬فاتسم قناصل الرومان بسمات مٌزت منصبهم‬
‫بالمبادئ التالٌة ‪- :‬‬

‫‪ ‬مبدأ الزمالة فً ممارسة السلطة على قدم المساواة ‪par potestas‬‬

‫‪ ‬مبدأ قصر مدة تولً المنصب على عام واحد‪ - .‬مبدأ حق االعتراض‬
‫‪.Intercessio‬‬

‫وبمرور الزمن‪ ،‬وبسبب الحروب الكثٌرة التً خاضتها روما فٌما بعد‪ ،‬اضطر‬
‫الرومان إلى التفكٌر فً جعل السلطة كاملة فً شخص واحد وانما لمدة محددة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك تشاور القنصبلن مع مجلس الشٌوخ‪ ،‬واتفقوا على ان ٌتنازال عن‬
‫سلطتهما لشخص فً أوقات الطوارئ ٌمارس سلطة مطلقة بمفرده لمدة ستة أشهر‪.‬‬
‫وكان هذا الحاكم ٌعرؾ فً أول األمر بحاكم الشعب» ‪ ، Magister Populi‬ولم‬
‫ٌلبث أن تؽٌر هذا اللقب ب «الدكتاتور» ‪ .Dictator‬وٌختار الدكتاتور من بٌن‬
‫القناصل القدماء ؼالبا‪ .‬وٌتخذ مساع ًدا له شخصا ٌدعى قابد الفرسان ‪Magister‬‬
‫‪ ، Equitum‬على أن ٌتم تعلٌق العمل بجمٌع الوظابؾ األخرى ما عدا محامً‬
‫العامة ‪.Tribun‬‬

‫واستعاض مجلس الشٌوخ بعد سنة ‪ ۰۰6‬ق‪.‬م عن الدكتاتور‪ ،‬بتوسٌع صبلحٌات‬


‫القناصل‪ .‬فكان أول دٌکتاتور بعد ذلك التارٌخ سوال ‪ . Sulla‬مع االنتباه إلى أن‬
‫الدكتاتور حرم من حق ركوب الخٌل خوفا من إعادة الملكٌة ‪.‬‬

‫د ‪ -‬مجلس الشٌوخ‬
‫ٌعتبر مجلس الشٌوخ ممثبل لعظمة الشعب الرومانً والدولة ‪ ،‬لهذا كان اسمه ٌرتفع‬
‫دابما على اعبلم روما‪ .‬وكان أكبر سلطة رومانٌة فً العهد الجمهوري وإن لم ٌكن‬

‫‪816‬‬
‫له سلطة تنفٌذٌة ‪ .‬وكان ٌتم تعٌٌن الشٌوخ من بٌن صفوؾ البطارقة‪ ،‬قبل سنة ‪3۰۱‬‬
‫ق‪.‬م من جانب القناصل او الحكام العسكرٌٌن الذٌن حشوا المجلس بؤصدقابهم‪ .‬بٌنما‬
‫أصبح بعد سنة ‪ 3۰۱‬ق‪.‬م حق تعٌٌن الشٌوخ‪ ،‬اثر صدور القانون األوقٌنً ‪Lex‬‬
‫‪ ،Ovinia‬منحصرا بمراقبً اإلحصاء وحدهم او القونسورس ‪Censores‬‬
‫وتستمر عضوٌة الشٌوخ مدى الحٌاة إال إذا ارتكب العضو عمبل مشٌ ًنا ‪advita‬‬
‫‪ autculpam‬فً سلوكه العام او الخاص‪ .‬ولم ٌزد عدد أعضاء هذا المجلس فً‬
‫العهد الجمهوري عن ‪ 344‬شٌخا حتى بداٌة القرن األول قبل المٌبلد‪ .‬ولٌس للمجلس‬
‫مبدبًٌا حتى التقرٌر او التنفٌذ ألن كل قرار عند الرومان خاصة كان أو عامة ٌإخذ‬
‫فً مجلس شوری‪ .‬لكنه لم ٌلبث أن اكتسب ح ًقا هامًا وهو ابرام او نقض قرارات‬
‫الجمعٌة الشعبٌة بحٌث أصبحت مصادقة الشٌوخ ‪ Patrum auctoritas‬على هذه‬
‫القرارات شرطا أساسٌا لتكتسب قوة القانون‪ ،‬فتحول معها المجلس من هٌبة‬
‫استشارٌة إلى هٌبة رقابة علٌا‪.‬‬

‫واألصول المت بعة فً تعٌٌن الشٌوخ اختلفت باختبلؾ مراحل الحكم الجمهوري بعد‬
‫أن تكتب أسماء المرشحٌن بالفحم األسود على لوح أبٌض ٌسمى ‪ . Album‬كل‬
‫خمس سنوات شرط أن تكتب علٌها اسماء اصحاب الوظابؾ الكبرى بموجب‬
‫القانون األوقٌنً‪ .‬فؤمكن القول بؤن وظٌفة الشٌوخ أصبحت محصورة بالطبقة‬
‫األرستقراطٌة ‪ .‬كما أن تعٌٌنهم اصطبػ بصبؽة دٌمقراطٌة ألن الشعب هو الذي‬
‫ٌنتخب الحكام‪ ،‬وبسبب وظابفهم هذه ٌعٌنون شٌوخا وٌكون ربٌسا لمجلس الشٌوخ‬
‫‪ Princips Senatus‬من ٌرد اسمه فً رأس البلبحة‪.‬‬

‫وامتاز الشٌوخ بلبس القمٌص الرومانٌة الفضفاضة المحبلة بشرابط حمراء على‬
‫أط رافها‪ .‬سمٌت التوؼا‪ .‬وٌنتعلون األحذٌة الحمراء التً تزٌنها بكلة فضٌة بشكل‬
‫هبلل‪.‬‬

‫تعقد جلسات مجلس الشٌوخ فً هٌكل الكونکرد‪ ،‬أو فً هٌكل جوبٌتر بالكابٌتول أو‬
‫خارج حرم المدٌنة‪ .‬على أن تبقى‪ ،‬طٌلة االنعقاد‪ ،‬األبواب مفتوحة‪ ،‬ودون أن تكون‬

‫‪817‬‬
‫الجلسات علنٌة‪ٌ ،‬جلس فً اثنابها الشٌوخ على مقاعد أكثرها من الحجر‪ ،‬ولٌست‬
‫معٌنة لكل واحد منهم‪ ،‬إذ ٌجلس الشٌخ فً المكان ‪ .‬الفارغ عند وصوله‪ .‬كما أن‬
‫العرؾ لم ٌحدد عددة معٌنة الكتمال النصاب ‪ .‬والشٌوخ الذٌن كانوا ال ٌزالون‬
‫ٌمارسون وظابفهم لٌس لهم مبدبٌا حق االقتراع ‪ .‬بٌنما الكبار منهم لهم حق التعاون‬
‫مع المجلس ‪ Jusagandiem Partibus‬أي حق رباسة مجلس الشٌوخ‪ ،‬وطرح‬
‫االقتراحات علٌه‪ ،‬والتدخل فً مناقشاته ‪ ،‬أما الذٌن ٌنتخبون للوظابؾ من بٌن‬
‫أعضاء المجلس‪ ،‬فقد جرت العادة بؤن ٌمنحوا حق ابداء الرأي إذا دعت الحاجة‪ ،‬أي‬
‫أنهم ٌدعون إلى حضور مناقشات المجلس‪ ،‬وذلك منذ أواخر القرن الثانً قبل‬
‫المٌبلد)‪.‬‬

‫وحدد الدستور الرومانً صبلحٌات مجلس الشٌوخ بثبلث‪- :‬‬

‫الشوری ‪- Consilium‬‬

‫الحكم بالوكالة ‪- Interregnum‬‬

‫الوصاٌة ‪– Auctoritas‬‬

‫الشوری ‪- Consilium‬‬

‫كان دور المجلس فً العهد الملكً والعهد الجمهوري أٌضا استشارًٌا فٌنعقد بدعوة‬
‫ممن له الحق بالعمل معه ‪ ،‬كبار الموظفٌن الشٌوخ ‪ .‬كما ال ٌقرر بذاته جدول‬
‫االعمال‪ ،‬انما ٌعرض الرأي علٌه الحاكم الذي دعا إلى عقده ‪ ،‬ثم ٌدعو بعد مناقشة‬
‫المشارٌع أو القرارات‪ ،‬إلى التصوٌت االسمً ‪ -‬المناداة باالسماء ‪ -‬برفع األٌدي أو‬
‫القٌام والقعود‪.‬‬

‫وٌدون رأي المجلس فً محضر ٌساهم المتربس فً نصه وٌدعی ‪Senatus‬‬


‫‪ Consultus‬وهو مجرد رأي أو مشورة ال أكثر‪ٌ .‬حق للحكام الكبار قناصل‬
‫‪811‬‬
‫وبرٌتور االعتراض على المشورة‪ .‬وٌسمى هذا الحق ‪ Intercassio‬وإلؽابها‬
‫أحٌانا وحق النقض ‪.Veto‬‬

‫‪ -‬الحكم بالوكالة ‪Interregnum‬‬

‫كان المجلس فً العهد الملكً‪ ،‬عندما ٌموت الملك‪ ،‬تنتقل سلطته إلى األباء فً‬
‫المجلس‪ ،‬الذٌن ٌعٌنون مل ًكا بالوكالة إلى أن ٌجري انتخاب الملك الجدٌد أما السلطة‬
‫بالوكالة فً العهد الجمهوري فقد أعطت المجلس‪ ،‬فً حال موت القناصل أو اقالتهما‬
‫لنقص فً شرعٌة انتخابهما‪ ،‬حق تعٌٌن حاکم بالوكالة ٌشرؾ بدوره على إجراء‬
‫االنتخابات‪ ،‬كما ٌلجؤ المجلس إلى مثل هذه الحالة فً حال انتخاب قناصل ال‬
‫ٌروقون له‪.‬‬

‫‪ -‬الوصاٌة ‪Auctoritas‬‬
‫ولما كان بعض أعضاء المجلس «أباء ‪ Patres‬فقد كان لهم حق األبوة والوصاٌة‬
‫على الشعب تماما كالوالد على أبنابه ‪ .‬لذلك ٌحق للمجلس‪ ،‬بموجب سلطة الموافقة‬
‫على القرارات التً ٌقررها آباء الشعب‪ ،‬حق الوصاٌة ‪ ،‬حتى أصبح هذا الحق ‪-‬‬
‫الوصاٌة ‪ -‬فً القرن الثانً قبل المٌبلد ذا أهمٌة لمقارنته بقرارات الشعب الجدٌدة‬
‫بالقرارات السابقة المنبثقة عن االنتخابات‪ ،‬والتً أعطى هذا الشعب فٌها ثقته للحكام‬
‫الذٌن ٌإلفون مجلس الٌوم‪ ،‬فً العهد الجمهوري‪ ،‬وبذلك أصبح أعضاء المجلس‬
‫ٌمثلون ارادة الناخبٌن المستمرة‪.‬‬

‫كانت هذه سلطات مجلس الشٌوخ بموجب الدستور الرومانً‪ .‬إال أن هذه السلطات‬
‫ازدادت وتضاعفت على حساب سلطات الحكام‪ ،‬عندما حاول البطارقة اضعاؾ‬
‫سلطة القناصل‪ ،‬بعدما أصبحت هذه الوظابؾ فً متناول أبناء العامة‪ ،‬بفصلهم بعض‬
‫صبلحٌات القناصل‪ ،‬اعتقادا من البطارقة بؤنهم سٌحتفظون بهذه الصبلحٌات‬
‫ألنفسهم‪.‬‬

‫‪814‬‬
‫وتصل واقعٌة ساسة الرومان وحكماء روما القدٌمة إلى أبعد من هذا وذاك ‪ ،‬فقد‬
‫اتصؾ نظام حكمهم السٌاسً فً العهد الجمهوري بمرونة كبٌرة ‪ ،‬وعدم تقدٌس‬
‫النظم القدٌمة ‪ ،‬بل راحوا ٌؽٌرون فٌها وٌطوروها لتصبح صالحة تحت كل‬
‫الظروؾ وفً ظل كل المبلبسات ‪ ،‬وذلك إذا كان فً هذا التؽٌٌر أو التطور تحقٌق‬
‫لصالح الشعب الرومانً أو تؤمٌن السبلمة الببلد من أخطار محققة ‪ ،‬فمثبل كانت‬
‫الظروؾ تفرض نفسها على النظم المعمول بها ‪ ،‬كما حدث فً تعٌٌن رجل واحد‬
‫مزود بسلطة اإلمٌرٌوم من قبل القنصلٌن ‪ ،‬بمعرفتهما ‪ ،‬حتى ٌتمكن فً ساعات‬
‫الخطر أن ٌتخذ القرارات السرٌعة ‪ ،‬فً الوقت المناسب ودونما إضاعة الوقت فً‬
‫مناقشات واعتراضات ‪ .‬كان ذلك ٌتم بإٌعاز من السٌناتوس ‪ ،‬وال ٌجب أن تزٌد مدة‬
‫سرٌان هذا اإلجراء المإقت عن ستة شهور ‪ ،‬ودونما الحاجة إلى استدعاء الجمعٌة‬
‫المبوٌة لبلنعقاد و ما ٌإكد الثقة الكاملة التً ٌولٌها رجاالت السٌاسة فً روما‬
‫القدٌمة فً قادتها وزعمابها‪.‬‬

‫هـ‪ -‬الجمعٌة الشعبٌة ‪Comitia Curiata‬‬


‫تعود التسمٌة إلى كورٌا ‪ ،Curia‬وهً قسم من أقسام الشعب الرومانً فً العهد‬
‫الم لكً‪ ،‬وكان عددها عشرة‪ ،‬ثم أصبحت ثبلثٌن‪ .‬ثم أطلق اسم کورٌا على المكان‬
‫الذي ٌسكنه الملك‪ ،‬وحتى على مكان اجتماع مجلس الشٌوخ‪ .‬وفً بداٌة العهد‬
‫الجمهوري كانت هذه الجمعٌة هً التً تنتخب القنصلٌن سنوًٌا وتمنحهما سلطتهما‬
‫التنفٌذٌة العلٌا ‪ Imperium‬بمقتضى قانون خاص تصدره وتوافق على المقترحات‬
‫التً ٌعرضها علٌها القناصل أو ترفض الموافقة دون أن تحق لها مناقشة المعروض‬
‫علٌها أو تعدٌله أو اقتراح بدٌل عنه ‪ ،‬أي أن حقها كان مقصورً ا على ابداء الرأي‬
‫فٌما ٌعرض علٌها‪ ،‬وبخاصة عندما أصبح من حق مجلس الشٌوخ إبرام أو نقض‬
‫قراراتها‪.‬‬

‫وبقٌت الجمعٌة الشعبٌة أو جمعٌة الكور مدة طوٌلة تقوم بدور المحكمة التً كان‬
‫المواطنون الرومان ٌستؤنفون أمامها ما صدر علٌهم من أحكام باإلعدام أو بالنفً أو‬

‫‪831‬‬
‫بالجلد أو بدفع ؼرامة كبٌرة‪ .‬واحتفظت أٌضا حتى نهاٌة عهد الجمهورٌة بحق‬
‫الشهادة على الوصاٌا وحاالت التبنً والفصل فً شرعٌة التبنً‪ .‬واقتصرت‬
‫اجتماعاتها على الدعوة لتدرٌس بعض القوانٌن‪ ،‬وخاصة منها الدٌنٌة ‪ ،‬على أن‬
‫ٌترأسها الحبر األعظم ‪.Pontife Maximun‬‬

‫وكان التصوٌت فً الجمعٌة الشعبٌة ٌتم بالمناداة علنا‪ ،‬إما برفع الٌد أو الوقوؾ‪.‬‬
‫وكان لكل كورة من الكور العشر صوت واحد فقط ٌمثل ؼالبٌتها‪ .‬إذ ٌعبر عن رأي‬
‫الكورة بالرفض أو بالموافقة ‪ .‬وكان للبطارقة تؤثٌر قوي على التصوٌت بسبب ما‬
‫ٌتمتع به البطارقة من نفوذ شخصً والتزام أتباعهم على تؤٌٌد رؼباتهم‪.‬‬

‫و‪ -‬سٌطرة البطارقة‬


‫لما كان البطارقة قد احتكروا تولً مناصب الحكام‪ ،‬وعضوٌة الجماعات الدٌنٌة‬
‫فض بل عن عضوٌة مجلس الشٌوخ‪ ،‬على نحو ما عرفنا مما سبق‪ ،‬فإنهم بفضل هذا‬
‫االحتكار كانوا ٌمارسون السلطة العلٌا وٌوجهون سٌاسة الدولة وٌتحكمون فً‬
‫تصرٌؾ العدالة‪ ،‬والتحكم فً قرارات الجمعٌة الشعبٌة عن طرٌق حق الشٌوخ فً‬
‫ابرام هذه القرارات أو فً نقضها إذا فشلت جهودهم فً أخذ موافقة الجمعٌة الشعبٌة‬
‫على وجهة نظرهم‪.‬‬

‫ولم ٌإلؾ البطارقة من مجموع المواطنٌن الرومان إال نسبة ضبٌلة تتراوح بٌن ‪ ۰‬و‬
‫‪ % ۱‬فبل عجب إذا رأٌنا أن الؽالبٌة العظمى من الشعب الرومانً تصطدم مع طبقة‬
‫البطارقة فً نزاع مستمر للحصول منها على بعض من حقوقها المشروعة على ما‬
‫سنرى فٌما بعد‪.‬‬

‫‪838‬‬
‫تطور نظم الجمهورٌة الرومانٌة فً النصف األول من الحكم‬
‫الجمهوري‬

‫أ‪ -‬زٌادة عدد القبائل‬


‫أخذ عدد القبابل الرومانٌة ٌزداد‪ ،‬بعد زٌادة عدد المواطنٌن واتساع رقعة اإلقلٌم)‪.‬‬
‫فبعد أن كان عدد القبابل ثبلثة فً العهد الملكً‪ ،‬أصبح عددها فً العام ‪ ۰65‬ق‪ .‬م‪.‬‬
‫من العهد الجمهوري‪ ،‬خمس وثبلثون قبٌلة ‪ :‬أربع قبابل منها داخل روما‪،‬‬
‫والمواطنون الرومان فً مختلؾ انحاء االقلٌم الرومانً‪ ،‬احدی وثبلثٌن قبٌلة‪ ،‬كانت‬
‫القبابل الرٌفٌة ‪ -‬خارج مدٌنة روما ‪ -‬تعرؾ ب ‪ ،Tribus Rusticae‬بٌنما تعرؾ‬
‫القبابل داخل مدٌنة روما بالقبابل الحضرٌة ‪ Tribus urbanae‬وقد أصبحت‬
‫القبابل الدعابم األساسٌة التً ٌعتمد علٌها نظام التجنٌد ودفع الضرابب الملكٌة ألن‬
‫كل مواطن كان ٌتم تسجٌله وما ٌملك فً سجل قبٌلة على أساس تقسٌم الرومان إلى‬
‫قبابل اقلٌمٌة بحسب موقع مسکن کل منهم ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬اإلصالحات العسكرٌة‬

‫كان الجٌش الرومانً فً العهد الملكً ٌتؤلؾ من ‪ 3444‬راجل و‪ 344‬فارس‬


‫ٌإخذون بالتساوي من القبابل الثبلث القدٌمة داخل روما على أساس أن كل قبٌلة‬
‫تقدم ‪ ۰444‬راجل و‪ ۰44‬فارس‪ ،‬بقٌادة ضابطهم الراجل ‪Militum Tribunus‬‬
‫وضابط فارس ‪ Tribunus celerum‬أي أن كل كورة من الكور العشرة كانت‬
‫تسهم بمابة راجل وعشرة فرسان‪.‬‬

‫ولما كان هذا النظام قد بقً معموال به فً بداٌة العهد الجمهوري وإن أدخل علٌه‬
‫بعض التعدٌبلت بحٌث ضوعؾ عدد الفرسان‪ ،‬فؤصبح عدد أفراد الجٌش ‪3444‬‬
‫راجل أو ثبلثٌن مبٌنا ‪ Centuria‬ثبلثٌن وحدة عدد أفراد كل منها مابة ‪ ،‬و ‪644‬‬
‫فارس مقصورة على البطارقة‪ ،‬كما كان أكثر المشاة منهم ومن اتباعهم أٌضا‪ .‬ألنهم‬
‫أكثر تدرٌبا وأوفر ماال‪ ،‬وأقدر من ؼٌرهم على تزوٌد أنفسهم بالخٌول واألسلحة‪ .‬لما‬

‫‪831‬‬
‫كانت حروب روما الكثٌرة‪ ،‬سببت عجز البطارقة عن النهوض باعبابها المتزاٌدة‬
‫تزاٌ ًدا ال ٌتناسب وعددهم‪ .‬فقد عمدت روما الى زٌادة عدد المواطنٌن الرومان‪ ،‬عن‬
‫طرٌق الضم وتوسٌع رقعة االقلٌم‪ ،‬الذٌن ألقً على عاتقهم عبء الخدمة العسكرٌة‪.‬‬
‫وتبعا لذلك زٌد عدد المشاة فً النصؾ الثانً من القرن الخامس قبل المٌبلد إلى‬
‫أربعٌن مبٌنا أي إلى ‪ 0444‬رجل أخضعوا إلى تدرٌب وتنظٌم ٌجعلهم كتلة صلبة‬
‫متبلحمة ‪ phalanx‬على ؼرار ما كان معموال به عند االؼرٌق‪.‬‬

‫فً أثناء الحرب مع مدٌنة فٌاي ‪ veii‬األتروسكٌة بٌن ‪ 3۲۲ - 045‬ق‪.‬م‪ .‬زاد‬
‫الرومان من عدد جٌشهم حتى صار ‪ 6444‬مقاتل بتجنٌد الشباب ممن تتراوح‬
‫أعمارهم بٌن السابعة عشرة والخامسة واألربعٌن‪ .‬مكونٌن ‪ 64‬مبٌنا من المشاة إلى‬
‫جانب ست مبٌنات من الفرسان إنضموا جمٌعا إلى ما عرؾ بالجٌش العامل‪ .‬اما‬
‫المواطنٌن الذٌن تتراوح أعمارهم بٌن السادسة واالربعٌن والستٌن كونوا منهم ‪64‬‬
‫مبٌنا من الشٌوخ ‪ . Senatos‬على أن ٌعهد لهم أعمال الحراسة فقط‪ .‬وبالنظر إلى‬
‫حاجة الدولة إلى عدد كبٌر من الفرسان سمحت للقادرٌن من أصحاب الثروة‬
‫المنقولة بالتطوع للخدمة فً الجٌش على صهوة جٌادهم الخاصة‪ ،‬فعرفوا باالفرسان‬
‫ذوي الخٌول الخاصة» ‪ Equites Equo privato‬أو ‪Equites Equo Suo‬‬
‫ً‬
‫تمٌٌزا لهم عن «الفرسان ذوي خٌول الدولة ‪.Equites equo publieo‬‬

‫ثم زادت روما من أعداد جٌشها‪ ،‬إثر هزٌمتها مع الؽال فً معركة ألٌا ‪،Allia‬‬
‫فؤصبح ٌضم ‪ ۱044‬رجل و‪ ۰۱44‬فارس‪ ،‬أي ‪ ۱0‬مبٌنا من المشاة تنتظم فً‬
‫فرقتٌن ومن ثمانٌة عشر مبٌنا من الفرسان‪ .‬كذلك رفع عدد الجٌش المرابط إلى ‪۱0‬‬
‫مبٌنا أٌضا‪ .‬فضبل إلى أنهم أدخلوا ترتٌبات جدٌدة على توزٌع األسلحة‪ .‬فوضع‬
‫الرومان أمام قوة المشاة الثقٌلً العدة قوة من المشاة خفٌفً العدة ‪ Velites‬تتؤلؾ‬
‫من أصحاب المقالٌع ورماة الرماح‪ ،‬وسلح كل مقاتل فً صفوؾ القسم األمامً‬
‫‪ Principes‬من المشاة الثقٌلً العدة بحربتٌن وسٌؾ‪ ،‬وكل مقاتل فً صفوؾ‬

‫‪833‬‬
‫القسمٌن األوسط ‪ Hostati‬والخلفً ‪ Triiorii‬بحربة طوٌلة ‪ .‬وفٌما بعد سلح مقاتلو‬
‫الصفوؾ الوسطى والخلفٌة بحراب طوٌلة‪.‬‬

‫ولم ٌلبث الرومان إال أن استبدلوا التقسٌم على أساس المبٌنات بوحدات تكتٌكٌة‬
‫منفصلة ‪ Manipulus‬تتؤلؾ كل وحدة منها من ‪ 64‬أو ‪ ۰۰4‬مقاتبل وأن هذه‬
‫الوحدة كانت تقؾ فً صفوؾ منتظمة متباعدة عن بعضها بعضا ‪ .‬وبإمكانها أن‬
‫تترك مثبل وحدات القسم األوسط من خبلل الثؽرات المساندة وحدات القسم األمامً‪،‬‬
‫ووحدات القسم الخلفً تتقدم لشد أزر وحدات القسم األوسط أو األمامً بحسب‬
‫الظروؾ‪.‬‬

‫انشاء وظائف جدٌدة‬


‫تم إدخال وظابؾ جدٌدة تماما فً تلك الوظابؾ العامة )‪، (cursus Honorum‬‬
‫وذلك لضمان سٌر العمل على الوجه الصحٌح وتؤدٌة كل مواطن لواجباته تجاه‬
‫الدولة من المشاركة فً تؤدٌة الخدمة العسكرٌة ( االلتحاق بالجٌش ) ودفع الضرابب‬
‫‪ ،‬كل حسب ثرواته ‪ ،‬فضبل عن االطمبنان على مناصبه وقٌام المسبولٌن فً الدولة‬
‫بواجباتهم تجاه المواطنٌن فً كافة األمور‪.‬‬

‫ومن هذه الوظاتؾ ما ٌلى ‪:‬‬

‫‪ - 8‬نقٌب العامة (‪ : Tribunus‬ترٌبونوس ) ‪:‬‬

‫لم ٌترتب على اتساع نطاق حروب روما وتلك اإلصبلحات العسكرٌة التً مرت بنا‬
‫وما جاء فً أعقابها من إنشاء جمعٌة المبات فحسب ‪ ،‬بل أٌضا عدة تجارب فً‬
‫كٌفٌة ممارسة تلك السلطة العلٌا مدنٌة وعسكرٌة فً ظروؾ ‪ ،‬كثٌرا ما كانت‬
‫تقتضی بوجود أكثر من شخصٌن (أي القنصلٌن ) ‪ٌ ،‬ستطٌعان ممارسة هذه السلطة‬
‫فً عدة أماكن فً وقت واحد ‪.‬‬

‫‪834‬‬
‫ومن ثم أوجد الرومان مجالس ‪ ،‬مكونة من ثبلثة أو ستة حكام مزودٌن بالسلطة‬
‫العلٌا المطلقة "‪ "Imperium‬والسٌما فً الفترة الواقعة من ‪ 004‬ق‪.‬م إلى ‪36۰‬‬
‫ق‪.‬م ‪ -‬كانوا ٌعرفون باسم ‪ :‬الترابٌة العسكرٌون ذوي السلطة القنصلٌة ‪Tribuni " :‬‬
‫‪ potestate " .milieum consulari‬وكان ذلك اإلجراء ٌهدؾ من ناحٌة‬
‫أخرى " إلى إرضاء العامة المحرومٌن من تولى القنصلٌة وإشراكهم فً منصب‬
‫ٌتمتع أصحابه بسلطة " االمبرٌوم "‬

‫ولكن هذه الوظٌفة لم تستمر طوٌبل ‪ ،‬وفً العام ‪ 36۰‬ق‪.‬م‪ .‬تقرر العودة الى‬
‫انتخاب قنصلٌن سنوٌة لتولً السلطة العلٌا مدنٌة وعسكرٌة ‪ ،‬اعتبارا من العالم‬
‫التالً ‪ 366‬ق‪.‬م‪ ،.‬تم االستؽناء عن تجربة انتخاب الترابنة العسكرٌٌن ذوي السلطة‬
‫القنصلٌة والعودة إلى نظام القنصلٌة ‪ .‬ومنذ ذلك الوقت صارت السلطة العلٌا‪ ،‬كما‬
‫كانت فً الماضً عند بداٌة العهد الجمهوري‪ ،‬للقنصلٌن مع امكان اسنادها حٌن‬
‫تقتضً الضرورة إلى حاکم جدٌد تقرر اختٌاره لمساعدة القنصلٌن‪ .‬وأصبح الترابنة‬
‫العسكرٌٌن ضباط وحدات فً الجٌش تحت إمرة القابد العام‪.‬‬

‫‪ -1‬أمٌن الخزانة العامة ‪ : Quaestor ( :‬کواٌستور ) ‪- :‬‬

‫م تنشؤ وظٌفة الكواٌستور اال فً بداٌة عهد الجمهورٌة عندما كان القنصبلن ٌعٌنان‬
‫سنوٌا کواٌستورٌن لٌنوبا عنهما فً الفصل فً قضاٌا القتل بدون مبرر‬
‫‪ .Quaestores Parrarieidii‬ولم ٌصبح الكواٌستوران فً عداد الحكام‬
‫الرومان إال عندما تقرر فً عام ‪ 00۲‬ق‪.‬م‪ ،‬أن تنتخب جمعٌة القبابل ‪Comitia‬‬
‫‪ Tributa‬فً كل عام کواٌستورٌن من البطارقة‪ .‬فً حٌن ارتفع عدد الكواٌستورس‬
‫إلى أربعة عندما أعطً الحق للعامة بتولً هذه الوظٌفة فً عام ‪ 0۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬فؤصبح‬
‫أو‬ ‫‪Quaestores‬‬ ‫‪Tribani‬‬ ‫العامة»‬ ‫الخزانة‬ ‫«أمٌنً‬ ‫منهما‬ ‫اثنان‬
‫‪ .Quaestores aerari‬أما االثنان اآلخران فٌساعدان القنصلٌن وٌصحبانهما‬
‫إلى مٌدان القتال لٌتولٌان مهمة توفٌر مإونة الجٌش وصرؾ رواتب الجنود‪ .‬وزٌد‬
‫عدد الكواٌستروس‪ ،‬فً عام ‪ ۰6۰‬ق‪.‬م‪ ،‬إلى ثمانٌة عهد إلى األربعة الجدد االهتمام‬
‫‪835‬‬
‫بتوفٌر حاجة روما إلى المال والرجال من األقالٌم اإلٌطالٌة التً ضمتها‪ .‬وكانوا‬
‫ٌسمون «کواٌستورس االٌطالٌٌن» ‪. Quaestores Italiei‬‬

‫واعتبارا من إنشاء وظٌفة البراٌتورٌة فً عام ‪ 366‬ق‪.‬م‪ ،‬أصبح اختصاص‬


‫الكواٌستورس فً روما مقصورة على الشإون المالٌة دون القضابٌة‪ .‬وأصبح «أمٌنا‬
‫الخزانة العامة) أهم الكواٌستورس جمٌعا‪ .‬فٌما راح الباقون ٌصحبون القواد‬
‫العسكرٌٌن إلى مٌدان القتال‪ ،‬ثم فٌما بعد ٌصحبون حكام الوالٌات إلى والٌاتهم‬
‫لٌمارسوا أعماال ال تمت إلى الشإون المالٌة بصلة‪ .‬ووظٌفة الكواٌستور تعتبر أدنً‬
‫الوظابؾ فً سلك الوظابؾ العامة الرومانٌة ‪ . Cursus honorum‬لكن من‬
‫ٌتوالها كان ٌعتبرها تجربة ناجحة وصوال إلى تولً الوظابؾ التً تلٌها‪.‬‬

‫‪ - 3‬الرقٌب ‪ : Censcr‬کنسور ‪-‬‬

‫أنشبت تلك الوظٌفة ( الكنسور) حوالی ‪ 003‬ق‪.‬م ‪ ،‬وذلك بهدؾ إحكام عملٌة‬
‫اإلحصاء (‪ ، )Census‬التً كانت تجرى ألفراد الشعب الرومانً ‪ ،‬كل خمس‬
‫سنوات ‪ ،‬لمعرفة ممتلكاتهم وقٌمة الضرابب الواجبة علٌهم تجاه الدولة ‪ ،‬وعندما‬
‫كان ٌحٌن وقت إتمام اإلحصاء تنتخب الجمعٌة المبوٌة اثنٌن من الرقباء‬
‫(‪ )Carsores‬لٌتولٌا عملها لمدة (‪ )۰۱‬شهرا فتط ‪ ،‬وال ٌتمتعان بسلطة االمبرٌوم‬
‫العلٌا ‪ ،‬ونظرا لخطورة تلك الوظٌفة ‪ ،‬وضرورة توافر الخلق السلٌم والسمعة الطٌبة‬
‫لدي شاؼلها فإنها كانت وقفا على من ٌتولى منصب القنصلٌة من قبل ‪ ،‬وكان حسن‬
‫السلوك العام ‪ ،‬كان هذا الشرط نابعا من جسامة المسبولٌة التً تقع على عاتق‬
‫الرقٌب ‪ ،‬فكان ‪:‬‬

‫أ‪ٌ -‬سجل ‪ -‬مع زمٌله اآلخر ‪ -‬كل المواطنٌن الرومان وممتلكاتهم تبعا لقبابلهم‬
‫وأحبابهم ‪)Curiate(.‬‬

‫ب ‪ٌ -‬فحص تلك القوابم وٌتؤكد من مدى سبلمة البٌانات وٌعاقب المخادعٌن وذلك‬
‫بفرض ؼرامات علٌهم ‪.‬‬

‫‪836‬‬
‫ج ‪ٌ -‬عاقب سٌا السلوك والذٌن ٌضرون بالصالح العام وٌحكم علٌهم بسوء السمعة‪.‬‬
‫(‪)infamia‬‬

‫د‪ -‬له صبلحٌة إقرار أو استبعاد عضوٌة بعض شخصٌات مجلس الشٌوخ ‪ -‬والسٌما‬
‫منذ نهاٌة القرن (‪ 0‬ق‪.‬م )‪ ،‬وذلك بكتابة تقرٌر عنهم " ‪. nota ccnsorts‬‬

‫هـ ‪ٌ -‬قدر ضرٌبة الملكٌة على أساس الثروة ‪ ،‬وفً الضرٌبة المعروفة باسم‬
‫(‪ )Tributum‬وكانت تجمع فً وقت الحروب ‪ ،‬وساعة األخطار الداخلٌة أو‬
‫الخارجٌة وارضاء للعامة "‪ Plebs‬فقد تم إقرار حقهم فً انتخاب أحد المراقبٌن فً‬
‫كل مرة ‪ ،‬وذلك منذ عام ‪ 3۲4‬ق‪.‬م ‪ ،‬وبمرور الوقت ‪ ،‬أصبح الرقٌبان االثنان من‬
‫تلك الطبقة ‪ ،‬ولكن منذ عام ‪ ۰3۰‬ق‪.‬م وما بعدها ‪ ،‬ولٌس قبل تلك السنة المذكورة ‪.‬‬

‫‪ - 4‬مسئول األمن والتجارة ‪ : aedilis ( :‬اٌدٌلٌس ) ‪:‬‬

‫لم تكن تلك الوظٌفة من الوظابؾ العامة فً الدولة ‪ ،‬حتى جاء عام ‪ 36۰‬ق‪.‬م‬
‫وأصبحت وظٌفة األٌدٌلٌس ‪ ،‬وظٌفة سنوٌة عامة ‪ٌ ،‬توالها صاحبها عن طرٌق‬
‫االنتخاب و انتخاب الجمعٌة القبلٌة له ‪ ،‬كما كان ٌشؽلها أربعة موظفٌن ‪ ،‬اثنان منهم‬
‫ٌعرفون باسم " ‪ "edites plebis‬أي العامة واثنان آخران باسم " ‪sediles‬‬
‫‪ "carales‬أي من األشراؾ‪.‬‬

‫مرت تلك الوظٌفة بمرحلتٌن األولى قبل عام ‪ 00۲‬ق‪.‬م‪ .‬عندما اقتصر على‬
‫األٌدٌلٌس حفظ المحفوظات وأمانة األرشٌؾ كموظؾ لنقباء العام ( ‪Tribini‬‬
‫‪ )plebis‬والثانٌة بعد ذلك‪ ،‬وبالتحدٌد بعد ‪ 36۰‬ق‪.‬م ‪ ،‬عندما أصبحت تللى الوظٌفة‬
‫وظٌفة عامة وشملت االختصاصات اآلتٌة التً كانت تعرؾ باسم " رعاٌة شبون‬
‫المدٌنة ‪ tira tarbis‬ومنها ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬صٌانة شوارع روما وتطبٌق قواعد المرور فٌها ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تدبٌر إمداد روما بالمٌاه والحبوب ‪.‬‬

‫‪837‬‬
‫ج ‪ -‬اإلشراؾ على المعامبلت التجارٌة فً األسواق برقابة الموازٌن ‪.‬‬

‫د ‪ -‬حفظ األمن والنظام وخاصة فً الحفبلت واألعٌاد ‪.‬‬

‫‪ -5‬الحاكم الفضائً { ‪ : practist‬پراٌتور )‪:‬‬

‫أنشدت تلك الوظٌفة عام ‪ 366‬ق‪.‬م تخفٌ ًفا عن القنصلٌٌن ‪ .‬فقد روعً إٌجاد‬
‫البراٌتور المدنً {‪ )Tractor urbans‬لٌفصل فً القضاٌا المدنٌة بٌن المواطنٌن‬
‫(‪ )Cives‬وبراٌتو األجانب (‪. )praetor peregrinus‬الذي كان ٌفض النزاعات‬
‫القابمة بٌن المواطنٌن الرومان واألجانب ‪ .‬وقد كان تعٌٌن هذا الحاكم القضابً ‪،‬‬
‫سواء البراٌتور المدنً أو پراٌتور األجانب عن طرٌق انتخابه فً الجمعٌة المبوٌة‪،‬‬
‫فقد تقرر فً حوالً العام ‪ ۰0۰‬ق‪.‬م‪ ،‬عندما اتسع نطاق العبلقات الخارجٌة‬
‫الرومانٌة‪ ،‬أن ٌنتخب سنوًٌا براٌتور ثان لٌشرؾ على الفصل فً القضاٌا التً ٌكون‬
‫أحد طرفٌها أو كبلهما من األجانب‪ .‬وللتفرقة بٌن هذٌن الحاكمٌن كان أولهما ٌسمى‬
‫براٌتور المدٌنة ‪ Practor Urbanus‬وثانٌهما ٌسمی براٌتور األجانب و كان‬
‫طبٌعٌا ‪ ،‬كذلك ‪ ،‬أن ٌزداد عدد أولبك باتساع نطاق الفتوحات الرومانٌة خارج شبه‬
‫الجزٌرة اإلٌطالٌة ‪ ،‬وربما لبلستعان ة بهم فً حكم بعض الوالٌات الخارجٌة التابعة‬
‫للشعب الرومانً ‪ ،‬طالما أنهم كانوا ٌتمتعون بالسلطة العلٌا‪.‬‬

‫وتقتصر صبلحٌات البراٌتور القضابً على القضاٌا المدنٌة ‪ .‬فهو ٌستمع فً‬
‫المرافعات المبدبٌة ‪ ،‬ثم ٌصدر تعلٌماته إلى قاض ‪ Index‬أو إلى هٌبة تتؤلؾ من‬
‫ثبلثة أو خمسة محلفٌن ‪ Recuperato‬لفحص األدلة وإصدار الحكم‪ .‬وكان من‬
‫أهم واجبات البراٌتور أن ٌصدر فور تولٌه منصبه الجدٌد قرارا ٌبٌن القواعد التً‬
‫سٌفصل بمقتضاها فً القضاٌا المنطوٌة على نقاط ال تعطى فٌها القوانٌن القابمة او‬
‫العرؾ السابد أحكام قاطعة‪ .‬وقد كان لقرارات البراٌتورس المتعاقبٌن دور كبٌر فً‬
‫تطور القانون الرومانً‪.‬‬

‫‪831‬‬
‫وبسبب توسع روما فً فتوحاتها خارج شبه الجزٌرة اإلٌطالٌة‪ ،‬وما ٌقتضً هذا‬
‫التوسع‪ ،‬من حاجة إلى حكام ٌتولون ادارة ممتلكات روما خارج إٌطالٌا التً كانت‬
‫تسمى والٌات‪ ،‬اتسع نطاق اختصاصات البراٌتورس ولم ٌعد اختصاصهم الفصل‬
‫فً القضاٌا فقط بل تعداه إلى أن أسند الٌهم حكم بعض الوالٌات ‪ .‬فكانت من هنا‬
‫الحاجة إلى زٌادة عددهم‪.‬‬

‫هكذا ‪ ،‬تؤكد لنا بحق ‪ ،‬شٌوع تولً العامة لمعظم المناصب اإلدارٌة المختلفة فً‬
‫العصر الجمهوري ‪ ،‬ذلك العصر الذي أشرؾ عامة الشعب ( ‪ )Plebs‬فً الحكم‬
‫وإدارة األمور وأ صبح نظام الدولة الجدٌد ‪ ،‬شكبل ومضمونا * نظام جمهورٌة *‬
‫ٌشارك فً إدارته جمهور الشعب‪ ،‬فً الببلد والذٌن أداروا دفة روما القدٌمة‬
‫والعصر الجمهوري بنفس القدر من اإلخبلص والتفانً ‪ ،‬والطاعة وااللتزام ‪ ،‬كما‬
‫كانوا هم أعمدة انتصاراتها األولى السابقة فً العصر الملكً ‪ ،‬ولكنهم الٌوم بمساندة‬
‫العامة ‪ ،‬أصحاب المصالح المباشرة ‪ٌ ،‬حققون كذلك مزٌدا من االستقرار ‪ ،‬لدعم‬
‫حقوق كل المواطنٌن الرومان ‪ ،‬واالستمتاع بخٌرات الوالٌات الخارجٌة ‪ ،‬التً‬
‫ضمها إلى أمبلك الشعب الرومانً قادة عظام ‪ ،‬التزموا بدساتٌر ببلدهم فً كل نظام‬
‫دقٌق ‪ ،‬بهدؾ تحقٌق العدالة والمساواة أمام القانون فً كل شًء ‪ ،‬وبالتالً كان‬
‫التفانً فً أداء الواجب ‪ .‬أهم سمات رجاالت العصر الجمهوري ‪ ،‬سواء فً مٌدان‬
‫السٌاسة أو فً المٌدان العسكري على أرض المعارك‪.‬‬

‫ولكن حقٌقة األمر ‪ ،‬أن العامة كافحوا كفاحا مرٌرا حتى تم االعتراؾ بحقوقهم ‪ ،‬مما‬
‫استلزم الدخول فً صراع بٌنهم وبٌن طبقة السادة واألشراؾ (‪. )Patricii‬‬

‫ومما ٌإسؾ له حقا ‪ ،‬أن ذلك الصراع الطبقً بٌن األشراؾ (‪ ) Patricii‬وبٌن‬
‫العامة (‪ )Plabs‬والذي بدأ منذ بداٌات القرن الخامس ق‪.‬م ‪ ،‬أي حوالً منذ عام‬
‫‪ 0۲0‬ق‪.‬م ‪ ،‬أي أنه دام ‪ ..‬حوالً قرنٌن من الزمان ) لم ٌحقق النتابج المرجوة منه ‪.‬‬
‫كٌؾ إذن ٌمكن فهم ذلك ؟‪.‬‬

‫‪834‬‬
‫نعم ‪ ،‬لقد حقق العامة إنجازات كبٌرة وحصلوا على حقوق كثٌرة منها ‪:‬‬

‫‪ -۰‬تكوٌن جمعٌة القبابل (‪ )Comitia Tributa‬ومجلس العامة ( ‪Concilium‬‬


‫‪ )plebis‬وتولٌهم مناصب سمٌت باسمابهم ‪ ،‬نقباء عن العامة (‪)Tribuni plebis‬‬

‫‪ -۰‬شاركوا فً سن القوانٌن ونشرها بعد أن كانت حكرا على األشراؾ والنببلء من‬
‫الطبقة األرستقراطٌة على ؼرار قوانٌن سولون األثٌنً على ٌد لجنة منهم سمٌت‬
‫بلجنة العشرة رجال" (‪ )Decemvir‬بالرؼم من صعوبة تحقٌق ذلك ومن أهم‬
‫نصوص تلك القوانٌن إقرار حق العامة فً استبناؾ أي حكم ضدها‬
‫(‪. )Provocatio‬‬

‫‪ - 3‬حصلوا على حق تمثٌل طبقتهم بنصؾ أعداد الجماعات الدٌنٌة المختصة‬


‫بالنبوءة المقدسة {‪ )decemvin sacris faciundis‬وجملة كبار الكهنة (‬
‫‪ ) Pontifices‬وجماعة العرافٌن (‪ )Augures‬وذلك منذ عام ‪ 344‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪ -0‬کسبوا حق تولى منصب القنصلٌة عام ‪ 36۰‬ق‪.‬م حتى أن تسعٌن منهم تولوا هذا‬
‫المنصب ‪ ،‬وأصبحوا أعضاء فً الستاتوس (‪ )Senatus‬بعد ذلك فً المدة من‬
‫‪ 366‬حتى ‪ ۰65‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫وقد ساعد على وجود عدد كبٌر فً مجلس السناتو عامبلن آخران هما‪:‬‬

‫العامل األول‪ :‬اكتساب العامة حق تولً الوظابؾ العامة األخرى‪.‬‬

‫العامل اآلخر‪ :‬قٌام ترٌبون العامة أوفٌنٌوس ‪ ovinius‬باستصدار القانون المعروؾ‬


‫باسمه) ‪ Lex ovinia‬ما بٌن عامً ‪ 3۰۱‬و ‪ 3۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬وهذا القانون ٌقضً بؤن‬
‫ٌختار القنسورس أعضاء السناتو من «أفضل المواطنٌن مهما تكن مرتبتهم‬
‫‪ Optimum quemque Ex omni ordine‬وٌبدو من تطبٌق هذا القانون أنه‬
‫قصد به اختٌار أعضاء السناتو من كافة الحكام السابقٌن ذوي السلوك الطٌب‪.‬‬

‫‪841‬‬
‫من هذا االختبار ٌتبٌن لنا أن االختٌار لعضوٌة السناتو لم ٌعد مقتصرً ا على البطارقة‬
‫وال على القنسورس والقناصل السابقٌن فقط‪ ،‬بل شمل من سبق لهم تولً البراٌتورٌة‬
‫فً النصؾ األول من عهد الجمهورٌة الرومانٌة لٌمتد فً النصؾ الثانً من عهدها‬
‫وٌشمل البراٌتورس اآلنٌٌن ومن سبق لهم وتولوا األٌدٌلٌة أو ترٌبونٌة العامة أو‬
‫الكواٌستورٌة‪ .‬وفٌما كان أعضاء مجلس السٌناتو من البطارقة كانوا ٌسمون اآلباء‬
‫بٌنما كان اعضاء السناتو من العامة ٌسمون أحٌانا المختارٌن» ‪adleti Patres‬‬

‫وكذلك فإن العامة نجحوا فً وضع حد لمشاكلهم والستبثار طبقة األشراؾ بكل‬
‫االمتٌازات دونهم ‪ ،‬وكانت نهاٌة هذا الصراع درامٌة ‪ ،‬عندما هاجر العامة إلى‬
‫خارج حدود مدٌنة روما ‪ ،‬على تل پانٌکولوس عبر النهر ‪ ،‬فً عام ‪ ۰۱۰‬ق‪.‬م ‪،‬‬
‫وهددوا باالنفصال عن مدٌنة روما ‪ ،‬مما أجبر السناتوس على اتخاذ موقؾ أكثر‬
‫مرونة وتفاهم ‪ .‬فاتخذوا من بٌنهم دكتاتورا عنهم هو هورتنسٌوس (‪)Hortensius‬‬
‫الذي نجح فً فض الخبلؾ ‪ ،‬وأصدر قانونا باسمه (‪ )Hortensia‬نص على‬
‫سرٌان مفعول أي قرار تصدره جمعٌة القبابل دون أن تسبقه أو تعقبه موافقة‬
‫السناتوس علبة‪.‬‬

‫عندبذ نعود إلى سابق سإالنا ‪ ،‬لماذا لم تحقق كل هذه اإلنجازات النتابج المرجوة ؟‪.‬‬

‫ٌقول د‪ .‬نصحً فً هذا المقام " إنه قد ترتب على شدة مٌل الرومان جمٌعا إلى‬
‫الحفاظ على تقالٌدهم قدر اإلمكان ‪ ،‬أمران مهمان ‪ :‬أحدهما‪ :‬هو أنه بالرؼم ما كسبه‬
‫العامة من حقوق كفلت لهم المساواة قانونا مع البطارقة (األشراؾ)‪ ،‬فإن هذه‬
‫المساواة کانت شكلٌة أكثر منها حقٌقٌة‪ .‬وال أدل على ذلك من أنه بعد اكتساب العامة‬
‫حق تولى الوظابؾ العامة جمٌما ‪ ،‬لم ٌحدث اندفاع نحو شؽلها برجال من العامة ‪،‬‬
‫بل ظل الناخبون مٌالون إلى تفضٌل المرشحٌن الذٌن لهم أو ألسرهم ماض ممتاز‬
‫فً الحٌاة العامة "‪.‬‬

‫‪848‬‬
‫ثم ٌضٌؾ قاببل ‪ « :‬واألمر اآلخر ‪ ،‬هو أنه بالرؼم مما منح للعامة من حقوق وما‬
‫اتسمت به تربٌونٌة العامة وجمعٌة القبابل من طابع دٌمقراطً لم ٌصبح نظام الحكم‬
‫الرومانی نظاما دٌمقراطٌا بمعنى الكلمة وإنما ظل فً الواقع نظاما أرستقراطٌا‪.‬‬

‫وما هو جدٌر بالذكر أن طبقة العامة ‪ ،‬بعد أن حققت كثٌرً ا من مكاسبها ‪ ،‬حتى عام‬
‫‪ ۰۱۰‬ق‪.‬م وتساوت ‪ -‬شكلٌا مع طبقة األشراؾ إال أنها ‪ -‬بحكم إمكاناتها المحدودة‬
‫وشاؼل حٌاتها المستمر سعٌا وراء حٌاة أفضل ‪ ،‬قنعت بذلك وتركت الحٌاة السٌاسٌة‬
‫‪ .‬كما كانت من قبل فً أٌدي طبقة األرستقراطٌة الجدٌدة ‪ ،‬التً نشؤت من تآلؾ بٌن‬
‫طبقة األشراؾ والنببلء القدٌمة بٌن مستوری الحال من الطبقة العامة‪.‬‬

‫لقد استراحت طبقة العامة إلى شكل األوضاع الجدٌدة والسٌما فً المٌدان‬
‫االجتماعً ‪ .‬فقد كسبت حق الزواج من طبقة األشراؾ بمقتضى قانون کانولٌوس‬
‫(‪ )Lex Canuleia‬الذي ٌقضً بذلك نهابٌا على عقدة النقص لدى العامة‪ ،‬وتم‬
‫القضاء على روح التعصب الطبقً القدٌمة ‪ .‬كما سعدت تلك الطبقة سعادة ؼامرة‬
‫بإٌجاد وظٌفة الرقٌب ‪ ،‬تلك الوظٌفة القوٌة ‪ ،‬التً لم تفرق بٌن كبار القوم وصؽارهم‬
‫‪ ،‬وراحت تفتش عن االنحرافات أو صور التهاون فً حق الدولة‪ .‬بل تستجوب‬
‫أرباب األسر عن نسٌانهم لواجباتهم العابلٌة ‪ ،‬وعن سوء معاملتهم لعبٌدهم ‪ ،‬فكان‬
‫الكنسور ( ‪ٌ )Censor‬عاقب أولبك عقابا شدٌدا صارما ‪ ،‬بؤن ٌحذؾ اسم رب‬
‫األسرة من قابمة أفراد القبٌلة ‪ ،‬مما ٌسبب له سمعة سٌبة بٌن األسر األخرى ‪ ،‬وكان‬
‫ذلك أخشى ما ٌخشاه الفرد الرومانً ‪ ،‬لقد وصل نشاط هذه الوظٌفة إلى استبعاد‬
‫بعض أعضاء السناتوس أو أفراد من طبقة الفرسان ‪ .‬إن أهمل أحدهم فً االهتمام‬
‫بفرسه الذي أعطته له الدولة ‪ .‬حقا لقد استراح الرومان جمٌعا إلى نزاهة هذا‬
‫المنصب ‪ ،‬وبعدالة قراراته ‪ ،‬فؤطاعوا جمٌعهم السلطة الشرعٌة ‪ ،‬ومن بٌنها أولبك‬
‫المفتشون الرقباء ‪ ،‬الذٌن كانوا ٌنهون مدتهم بإجراء تطهٌر دٌنی (‪)Lustratio‬‬
‫للمواطنٌن ‪ ،‬خارج أسوار روما ‪ ،‬ومصحوبة بتقدٌم القرابٌن وإقامة الصلوات فً‬
‫ساحة اإلله "مارس"‪.‬‬

‫‪841‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫تدهور الجمهورٌة الرومانٌة‬

‫‪843‬‬
‫كان القرن األخٌر من عصر الجمهورٌة ( ‪ )34 - ۰33‬عصرا حافبل باألحداث‬
‫الجسام ال بالنسبة لروما وحدها بل بالنسبة للحضارة الؽربٌة كلها ‪ .‬فقد بلؽت‬
‫األخطار التً أحدقت بالدولة فً الداخل والخارج مبلؽا ٌتطلب ساسة وجنودا من‬
‫الطراز األول ‪ .‬وقد تحقق ذلك ففً هذا القرن ظهرت أشهر الشخصٌات الرومانٌة‬
‫التً ألفنا سماع أسمابها ‪ :‬تٌبرٌوس جراکوس وأخوه جاٌوس جراکوس ‪ ،‬ومارٌوس‬
‫وسبل ‪ ،‬و پومپی و کراسوس وشٌشرون وقٌصر ‪ ،‬ثم أوؼسطس الذٌن ساهموا‬
‫جمٌعا بمختلؾ الوسابل فً إنقاذ اٌطالٌا واألمبراطورٌة من االنحبلل المبكر ‪ .‬كان‬
‫العصر فً الواقع عصر الشخصٌات العظٌمة ‪ ،‬وفٌه أٌضا أصبحت األخبلق‬
‫الشخصٌة مثار االهتمام الشدٌد بٌن الناس كما ال تزال بٌننا فً العصر الحالً ‪ ،‬وقد‬
‫حدث أن تضاءل سلطان الدولة حتى عجزت عن فرض الطاعة والنظام على‬
‫المواطنٌن ‪ ،‬فتهٌؤت للفرد فرصة إظهار قوته ‪ ،‬وبلؽت هذه القوة فً بعض األحٌان‬
‫حدا قد ٌحملنا على تركٌز االهتمام فً األفراد البارزٌن‪ ،‬وإؼفال الدوافع المتداخلة‬
‫والمصالح المتضاربة فً العالم الذي عاشوا فٌه‪.‬‬

‫ازداد حرص السناتوس على ملكٌة األرض فً إٌطالٌا‪ ،‬وحتى حٌن أصبح لروما‬
‫والٌات اجنبٌة كان ألعضاء السناتوس اراضً فٌها وكانوا ٌدٌرونها عادة عن‬
‫طرٌق وكبلء عنهم‪ .‬وهكذا لم ٌؤلؾ ‪ .‬اعضاء السناتوس الهجرة واإلقامة خارج‬
‫إٌطالٌا‪ .‬ولذلك افسح المجال امام طبقة جدٌدة نشطة أفادت من هذه الظروؾ‪ ،‬وهً‬
‫الطبقة المتوسطة الرومانٌة التً عرفت اصطبلحا باسم «طبقة الفرسان»‬
‫‪ ، Equites‬فهإالء سٌطروا على األعمال التجارٌة والنقل البحري بٌن إٌطالٌا‬
‫والوالٌات‪ .‬کما اشتؽل كثٌر منهم فً الوالٌات فً عملٌة جباٌة الضرابب فٌها‪ ،‬وهو‬
‫عمل مربح عاد علٌهم بالثروات الطابلة ألنهم استؽلوا األهالً واستنزفوا موارد‬
‫ثرواتهم‪.‬‬

‫أما طبقة العامة‪ ،‬فرؼم اتساع ممتلكات روما وازدٌاد ثرابها فلم ٌعد ذلك علٌهم بنفع‬
‫كبٌر فرؼم أنهم حاربوا وضحوا وانتصروا ولكن لم ٌمنحوا أمبلكا مثل ؼٌرهم من‬

‫‪844‬‬
‫األشراؾ ولم ٌتمكنوا من المشاركة فً أعمال التجارة أو جباٌة الضرابب او ؼٌرها‬
‫من األعمال المالٌة‪ ،‬ألن مكافآتهم على دورهم فً الحرب كان مبلؽا من المال ال‬
‫ٌلبث أن ٌنفد بمضً الزمن‪ .‬کما اصابهم ضرر آخر نتٌجة لهذه الحروب المستمرة‪،‬‬
‫وهً أن بعضهم ممن كان لهم قطعة صؽٌرة من األرض فً إٌطالٌا‪ ،‬اضطر إلى‬
‫تركها وإهمال زراعتها بسبب ظروؾ الحرب وحٌن ٌعود إلٌها كانت تحتاج إلى‬
‫نفقات كبٌرة الستثمارها مرة ثانٌة ‪ ،‬وخاصة بعد فترة التدمٌر والخراب التً حدثت‬
‫أثناء حرب هانٌبال التً دامت نحوا من ستة عشر عاما متصلة‪ .‬لذلك فضل هإالء‬
‫األفراد من صؽار المبلك‪ ،‬بٌع ارضهم لؤلشراؾ وخاصة فً ظروؾ الؽبلء التً‬
‫كانت تحدث فً أعقاب الحروب‪ .‬كما أصاب هذه ‪ :‬الطبقة الفقٌرة من عامة الرومان‬
‫خطرا آخر نتٌجة النتصاراتهم المستمرة فً حروبهم‪ .‬وهً انها جلبت لروما اعدادا‬
‫ك بٌرة جدا من األسرى من الشعوب المقهورة‪ ،‬هإالء األسرى‪ ،‬حسب النظم القدٌمة‪،‬‬
‫ٌتحولون إلى عبٌد‪ .‬وحسب القانون الرومانً فً ذلك الوقت‪ ،‬كان هإالء العبٌد‬
‫ٌصبحون ملكا للدولة من الناحٌة النظرٌة على األقل‪ .‬أما من الناحٌة العملٌة فكانت‬
‫الدولة أو السناتوس ٌوزعهم على األسر الكبٌرة لٌكونوا‪ .‬تحت اشرافهم ورعاٌتهم‪.‬‬
‫ورحبت بهم هذه األسر لبلستعانة بهم فً زراعة ممتلكاتهم التً ازدادت مساحتها‬
‫فً طول اٌطالٌا وعرضها‪ .‬وهكذا نافس العبٌد العمال األحرار من المواطنٌن‬
‫الرومان الذٌن كانوا ٌعملون باألجر فً الزراعة او فً الصناعة او ؼٌرها من‬
‫األ عمال الٌدوٌة‪ .‬ونتج عن ذلك كله أن تعطل كثٌر من فقراء الرومان عن العمل‪،‬‬
‫ولم ٌعد أمامهم إال أحد امرٌن اما ان ٌشتؽلوا بالجندٌة فً حروب جدٌدة أو أن‬
‫ٌتعطلوا وٌعٌشون عالة على األسر الشرٌفة الكبٌرة‪ .‬وكانت هذه األسر ترحب بهم‬
‫لٌفوزوا بؤصواتهم فً االنتخابات السٌاسٌة ألن الحٌاة السٌاسٌة لؤلشراؾ اصبحت‪،‬‬
‫رؼم أنها ؼٌر مؤجورة‪ ،‬مصدرا كبٌرا للثراء‪ .‬فمن المعروؾ أن من ٌصل إلى‬
‫مناصب البرٌتور والقنصل كان بعد انتهاء عام منصبه ٌعٌن فً حكم الوالٌات وهذه‬
‫تدر علٌهم ثروة طابلة‪ .‬وهكذا اشتدت المنافسة على االنتخابات وفسدت الحٌاة‬

‫‪845‬‬
‫السٌاسٌة وازدادت الرشوة وشراء أصوات المواطنٌن‪ .‬هذه هً الصورة التً آلت‬
‫إلٌها الحٌاة السٌاسٌة واالجتماعٌة فً روما فً سنة ‪ ۰33‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫ولكن ٌمكن أن ننظر إلى الموقؾ نظرة مختلفة ‪ ،‬وهً أن الدستور الرومانً الذي‬
‫كانت ال تزال تعٌش فً ظله روما سنة ‪ ۰33‬ق‪.‬م‪ ،.‬كان دستورا قدٌما مضى علٌه‬
‫ما ٌقرب من أربعة قرون وكان قد وضع أصبل لمدٌنة صؽٌرة ذات طابع قبلً كما‬
‫ذكرنا من قبل ‪ .‬هذه المدٌنة الصؽٌرة تحولت فٌما بٌن ‪ ۰33 - 54۲‬ق‪.‬م‪ .‬إلى دولة‬
‫عالمٌة تشمل شبه الجزٌرة االٌطالٌة كلها وقسما من الؽالة واسبانٌا وشمال أفرٌقٌا‬
‫وصقلٌة والٌونان وآسٌا الصؽرى ‪ .‬وكان من الطبٌعً أن تثبت األحداث عجز‬
‫الدستور البدابً البسٌط عن التحكم وتوجٌه سٌاسة هذه الدولة العالمٌة الكبرى ‪ ،‬وما‬
‫نتج عن تكوٌنها من مفارقات ومتناقضات فً المجتمع وأصبحت الضؽوط‬
‫االقتصادٌة والمصالح المادٌة أقوى من القانون ‪ .‬ولهذا كله سنجد نمط الحٌاة‬
‫السٌاسٌة وأسلوبها فً المرحلة األخٌرة من الجمهورٌة (أي ‪۰۰ - ۰33‬ق‪.‬م‪) .‬‬
‫مختلفا كل االختبلؾ عما حدث فً مرحلة الصراع بٌن الطبقات فً بداٌة‬
‫الجمهورٌة ‪ .‬ففً المرحلة األولى كان الصراع ٌهدؾ إلى تعدٌل قانون أو إصدار‬
‫قانون أو اكتساب حق فً منصب أو فً هٌبة تشرٌعٌة ‪ .‬وكانت المصالح المرتبطة‬
‫باألفراد والطبقات ال تزال محدودة ولذلك أمكن الوصول دابما إلى التوفٌق بٌن‬
‫المصالح المختلفة وتحقٌق اإلصبلح عن طرٌق التشرٌع‪ .‬أما فً المرحلة التالٌة‪،‬‬
‫خبلل القرن األخٌر من الجمهورٌة فسنجد المصالح أشد تنافرً ا والصراع أكثر عنفا‬
‫والقانون عاجز عن مواجهة الواقع فرؼم ظهور شخصٌات على مسرح السٌاسة‬
‫الرومانٌة ٌسعون إلى اإلصبلح والتؽلب على التناقضات فً المجتمع ‪ ،‬إال أن‬
‫المصالح الشخصٌة حٌنا والمصالح الطبقٌة حٌنا آخر ‪ ،‬كانت لها دابما الؽلبة ‪ .‬ولذلك‬
‫تؽٌر محور الحٌاة السٌاسٌة بدال من محاولة تطبٌق القانون أو تعدٌله من أجل‬
‫اإلصبلح ‪ ،‬إلى الوصول إلى السلطة وفرض اإلصبلح بالقوة ‪ .‬وألول مرة فً‬
‫تارٌخ الجمهورٌة الرومانٌة ‪ ،‬استخدم العنؾ والقتل فً حل االختبلفات السٌاسٌة ‪.‬‬
‫واتخذت الحٌاة السٌاسٌة مظهر الصراع ‪ .‬الحزبً الذي ٌقوم على أساس طبقً ؼلب‬
‫‪846‬‬
‫علٌه التعصب والحدة وتطور تدرٌجٌا إلى حرب أهلٌة قضت على النظام‬
‫الجمهوري فً روما ‪.‬‬

‫تٌٌرٌوس جراکوس ‪:‬‬

‫قانون اإلصالح الزراعً‬

‫كانت أولى المشاكل التً تتطلب عبلجا سرٌعا هً مشكلة اقفار الرٌؾ من الفبلحٌن‬
‫األحرار وتدهور الزراعة ‪ .‬وقد بدأت محاولة اإلصبلح فً عام ‪ ۰33‬ال على ٌد‬
‫السناتو الذي كان الواجب ٌحتم علٌه ذلك ‪ ،‬بل على ٌد شاب متحمس فً الثبلثٌن من‬
‫عمره ‪ٌ ،‬نتمً الى أسرة شهٌرة ‪ ،‬وٌعد من بعض النواحً من أرفع الشخصٌات فً‬
‫التارٌخ الرومانً ‪ .‬كان تٌبرٌوس سمپرونٌوس جراکوس ( ‪Tiberius‬‬
‫‪ )Sempronius Gracchus‬كؤسبلفه عمٌق الشعور بالواجب ‪ ،‬وعلى ؼٌر ما‬
‫عرؾ عن الرومان مثالٌا ٌفٌض رقة ونببل ‪ .‬لكنه وقد تلقى تعلٌما اؼرٌقٌا نظرٌا‬
‫ٌتضمن الببلؼة والفلسفة الرواقٌة وال ٌتضمن دراسة الحقابق البحتة ‪ ،‬فقد كانت‬
‫تعوزه الخبرة العملٌة والمعرفة الواسعة البلزمتان لمن ٌضطلع بمثل المشكلة‬
‫االقتصادٌة ۔ االجتماعٌة التً تصدى لها ‪ ،‬والتً ال ٌصدر الٌوم بها قانون إال بعد‬
‫أن ٌدرسها الخبراء من كافة جوانبها دراسة فاحصة عمٌقة‪.‬‬

‫كان تٌبرٌوس قد ارتقى أول درجة فً سلم الوظابؾ العامة بفوزه بمنصب ر‬
‫الكوبستور ‪ ،‬عام ‪ ۰3۰‬الذي قضاه فً أسبانٌا ‪ .‬وفً أواخر صٌؾ عام ‪ ۰30‬ق‪.‬م‬
‫رشح نفسه نقٌٌا للعامة (‪ )tribunus plebis‬وتقلد منصبه مع زمبلبه النقباء‬
‫التسعة فً ٌوم ‪ ۰4‬دٌسمبر من السنة عٌنها ‪ .‬وسرعان ما أعلن برنامجه اإلصبلحً‬
‫فً مستهل عام ‪ . ۰33‬وقد اجتذب الٌه دهماء المدٌنة الذٌن كانت لهم أصوات كثٌرة‬
‫فً القبابل الرٌفٌة ‪ ،‬ألن بعضهم ممن وفدوا من الرٌؾ الى العاصمة فً السنوات‬
‫األخٌ رة كانوا تواقٌن الى العودة الى أسلوب حٌاتهم القدٌم ‪ ،‬وألن بعضهم ‪.‬اآلخرٌن‬
‫‪ ،‬وان لم تكن لدٌهم أي رؼبة فً اقتناء قطعة من األرض ‪ ،‬فإنهم كانوا ٌؤملون فً‬

‫‪847‬‬
‫أن ٌإدي المشروع إلى تقلٌل عدد سكان العاصمة وبذلك تزداد فرصهم فً العثور‬
‫على عمل ‪ .‬وكان بٌن الدهماء فرٌق ٌزٌد المشروع بدافع من الحسد والحقد على‬
‫األثرٌاء ‪.‬وثمة فرٌق آخر تؤثر بفصاحة تٌبٌرٌوس أو أعجب بمنطقة فً الدفاع عن‬
‫مشروعه واستناده الى أسس أخبلقٌة سامٌة ووطنٌة صادقة ‪ .‬وأهم من ذلك أن نبؤ‬
‫المشروع انتشر بسرعة فً أرجاء الرٌؾ االٌطالً فتدفقت جموع ؼفٌرة من‬
‫الفبلحٌن على العاصمة ٌوم االقتراع علٌه ‪ ،‬واكتظت قاعة الجمعٌة القبلٌة بناخبٌن‬
‫من خارج روما قلما سبق لهم حضور جلساتها أو لم ٌحضروها قط من قبل ‪.‬‬

‫رشح تٌبرٌوس جراکوس نفسه لمنصب الترٌبون ‪ Tribunus‬نقٌب العامة‪ ،‬وانتخب‬


‫عام ‪ ۰33‬ق‪.‬م حٌث قدم اقتراح بإعادة تطبٌق قانون لٌكٌنٌوس سٌكستوس‬
‫‪ Licinius Sextus‬والذي صدر فً ‪ 36۰‬ق ‪.‬م والذي حدد الحد األقصى للملكٌة‬
‫الفردٌة فً األراضً بما ال ٌزٌد عن ‪ 544‬فدان رومانی (بوجٌرا) وأضاؾ إلٌه‬
‫‪ٌ 544‬وجٌرا أخرى لؤلبنٌن البالؽٌن لٌصبح بذلك الحد األقصى للملكٌة هو ‪۰444‬‬
‫ٌوجٌرا لؤلسرة‪.‬‬

‫وشكل تٌبرٌوس لجنة لئلصبلح الزراعً تكونت منه ومن أخٌه جاٌوس جراکوس‬
‫وأبٌوس كبلودٌوس لممارسة تطبٌق االقتراح السابق عملٌا وذلك بعد أن نجح فً‬
‫استصدار قانون من مجلس السٌناتوس بهذا المعنى‪.‬‬

‫رؼم أن مثل هذا القانون أمكن صدوره فً فترة الصراع األولى عن طرٌق‬
‫السناتوس ‪ ،‬نجد أن السناتوس ٌرفضه وٌقاومه فً سنة ‪ ۰33‬ق‪.‬م‪ .‬فٌتجه تٌبٌرٌوس‬
‫إلى الجمعٌة القبلٌة إلصدار القانون ‪ .‬وهكذا وجدنا ثنابٌة فً التشرٌع فً روما فكان‬
‫باستطاعة السناتوس أن ٌشرع‪ ،‬کما كان فً استطاعة الجمعٌة القبلٌة أن تشرع هً‬
‫األخرى ‪ .‬ومن الواضح أن تشرٌعات هاتٌن الهٌبتٌن كانت متعارضة ومتناقضة ‪،‬‬
‫فالسناتوس ٌشرع لصالح األشراؾ ‪ ،‬والجمعٌة القبلٌة تشرع لصالح طبقتها الشعبٌة‬
‫‪ ،‬وواضح أن الدولة ال تستطٌع أن تستقر على هذا النحو‪ .‬وحٌن حاول تٌبٌرٌوس أن‬
‫ٌعٌد ترشٌح نفسه للمنصب ذاته و الترٌبونٌة الشعبٌة ‪ ،،‬السنة ثانٌة ‪ ،‬وهو ما لم‬

‫‪841‬‬
‫ٌحدث من قبل فً تارٌخ الجمهورٌة ‪ ،‬كان ذلك مخال ًفا لؤلسالٌب الدستورٌة التً‬
‫كانت تمارسها الجمهورٌة منذ نشؤتها ‪ .‬وحدث خبلؾ عنٌؾ حول قانونٌة هذا‬
‫اإلجراء بٌن تٌبٌرٌوس والسناتوس ‪ ،‬ولما أصر تٌبٌرٌوس على موقفه وأٌده العامة ‪،‬‬
‫لم ٌجد السناتوس ب ًدا من استخدام العنؾ ‪ ،‬وتصدوا له فً ٌوم االنتخابات وقتلوه ‪.‬‬
‫كانت هذه هً أول حادثة عنؾ فً الحٌاة السٌاسٌة الرومانٌة منذ قٌام الجمهورٌة ‪،‬‬
‫وألول مرة تسال الدماء بسبب االختبلؾ على المواقؾ السٌاسٌة ‪ .‬وبعد ذلك‬
‫ستتكرر حوادث القتل وٌزداد العنؾ طٌلة القرن األخٌر من الجمهورٌة ‪ .‬فسنجد‬
‫أخاه جاٌوس ٌتولى الترٌبونٌة الشعبٌة فً سنة ‪ ۰۰0‬ق‪.‬م‪ .‬وٌنجح فٌها فشل فٌه أخوه‬
‫وهو تولً المنصب مرتٌن متتالٌتٌن وفى المرة الثالثة ٌفشل فً االنتخابات وٌحاربه‬
‫السناتوس وٌتمكن من قتله هو وثبلثة آالؾ من أعوانه ‪.‬هكذا بدأ العنؾ فً الحٌاة‬
‫السٌاسٌة مع البدء فً مخالفة الدستور وكان معنى هذا قصور الدستور عن متطلبات‬
‫الدولة ومسبولٌاتها‪.‬‬

‫ورؼم مقتل تٌبرٌوس جراكوس ظلت لجنة اإلصبلح الزراعً تمارس عملها لمدة‬
‫أربعة عاما متتالٌة حتى عام ‪ ۰۰4‬ق‪.‬م وكان بها جاٌوس جراكوس الذي حرص‬
‫بدوره على تنفٌذ رإٌة اخٌه تٌبرٌوس فً األصبلح الزراعً‪.‬‬

‫جاٌوس جراكوس ‪Gaius Sempronius Gracchus‬‬

‫‪ -‬کون جبهة قوٌة ضد مجلس الشٌوخ من أصحاب المصالح المالٌة والتجارٌة‬


‫والفقراء والحلفاء االٌطالٌون‪ .‬فً ظل السماح بدءا فً عام ‪ ۰3۰‬ق‪.‬م بإعادة ترشٌح‬
‫الترٌبون لنفسه مرة أخرى‪ ،‬قام بترشٌح نفسه لمنصب الترٌبون من ‪ ۰۰0‬ق‪.‬م وحتى‬
‫‪۰۰۰‬ق‪.‬م‪ .‬نتٌجة الزدٌاد شعبٌته بٌن الفقراء الرومان على وجه الخصوص بسبب‬
‫القوانٌن المتتالٌة التً أصدرها والتً كان هدفها األول تحقٌق قدر من الرخاء‬
‫للفقراء كقانون توزٌع الؽبلل على فقراء روما بنصؾ سعر السوق ثم مجانا فٌما‬
‫بعد‪ ،‬حاول مجلس الشٌوخ التخلص منه وتمكنوا من قتله هو وثبلثة آالؾ من‬
‫أعوانه‪.‬‬
‫‪844‬‬
‫أما عن مشروعات جاٌوس التً تمكن من استصدار قوانٌن بشؤنها قبل اؼتٌاله فهً‬
‫كالتالً‪:‬‬

‫‪ -‬استصدر قانون بإنشاء شبكة من الطرق الرٌفٌة فً مختلؾ أنحاء ٌطالٌا وتحسٌن‬
‫الطرق الرٌفٌة القدٌمة وقد أولى هذا المشروع عناٌة خاصة حتى تكون الطرق نافعة‬
‫وجٌدة وال تقل جودة عن الطرق العسكرٌة المنتشرة فً أرجاء شبه الجزٌرة‬
‫االٌطالٌة وكان ٌرمً بذلك إلى تٌسٌر نقل الؽبلل والمحاصٌل الزراعٌة األخرى إلى‬
‫األسواق القرٌبة فٌسهل على صؽار الزراع مهمة تسوٌقها محلًٌا‪.‬‬

‫‪ -‬ومن المرجح أنه اعاد للجنة اإلصبلح الزراعً سلطتها القضابٌة التً سلبت منها‬
‫فً عام ‪ ۰۰۲‬بعد مصرع أخٌه بسنوات قلٌلة‪.‬‬

‫‪ -‬اقترح مشرو ًعا بإنشاء عدد من المستعمرات ‪ Coloniae‬فً اٌطالٌا بهدؾ‬


‫تخفٌؾ أزمة تضخم سكان روما وؼٌرها من المدن ومن بٌن المستعمرات التً‬
‫ٌنسب الٌه تؤسٌسها كانت اثنتان وهما «نبتونٌا‪ Neptunia ،‬بالقرب من تارنتوم و‬
‫مٌنرفٌا‪ Minervia ،‬بالقرب من اسكوالكٌوم ‪.‬‬

‫ؼٌر أن أهم مشروع جرى له فً هذا الصدد هو محاولته تؤسٌس مستعمرة ‪ -‬ألول‬
‫مرة ‪ -‬عبر البحر ‪ -‬مقتدٌا باألؼرٌق ‪ -‬فً مكان قرطاجنة القدٌمة وقد تم بناء هذه‬
‫المستعمرة بناء على صدور قانون ٌعرؾ باسم قانون روبرٌوس ‪Lex rubria‬‬
‫نسبه إلى نقٌب العامة الذي تبنً المشروع بتشجٌع من جاٌوس واتبع جاٌوس ذلك‬
‫المشروع بمشروعٌن أحدهما ٌهدؾ إلى التخفٌؾ من صرامة الخدمة العسكرٌة‬
‫اإللزامٌة بمنع التجنٌد قبل سن السابعة عشر واألخر ٌنص على أن تصرؾ الدولة‬
‫للجنود المبلبس مجانا دون خصم الثمن من رواتبهم‪.‬‬

‫وقد بدأ جاٌوس عملة السٌاسً باقتراح زٌادة عدد أعضاء مجلس الشٌوخ الذي كان‬
‫محور الدستور وذلك بؤضافة ‪ 644‬عضو الٌه إال أن هذا االقتراح قوبل بمعارضة‬
‫شدٌدة من جانب السٌناتو فسحبه جاٌوس‪ ،‬ؼٌر أنه تمكن من استصدار قانون ٌنص‬

‫‪851‬‬
‫على فرض عقوبات على محلفً محكمة االبتزاز (رجال السٌناتوس) الذٌن تثبت‬
‫ادانتهم بالرشوة باعتبارها جرٌمة‪.‬‬

‫وأخٌرا كان للسٌناتوس ضربة قاضٌة بإصدار قانون اکٌلوس ‪ Lex Acilia‬وؼٌر‬
‫به تشکٌل محكمة استرداد األموال المبتزة ‪ Quaesto de Repetundis‬وكانت‬
‫هذه المحكمة المدنٌة مختصة بالنظر فً دعاوى االبتزاز المرفوعة على حكام‬
‫الوالٌات السابقٌن وإلزامهم بدفع تعوٌضات عن األضرار فً حالة ثبوت التهمة‪.‬‬

‫وبقً أن نقٌم أعمال األخوان تٌبرٌوس وجاٌوس جراكوس وما ترتب علٌها من‬
‫آثار‪ ،‬فقد كان إخفاق اآلخوٌن مؤساة سٌاسٌة كبٌرة وبٌنما احتلت ذكراهم موضع‬
‫األعزاز واألكبار فً قلوب أنصارهما إال أنها كانت فً الوقت ذاته مثار استهجان‬
‫واستنكار بٌن صفوؾ خصومهما ومن اآلثار التً ترتبت على أعمالهم‪.‬‬

‫‪ -۰‬زاد عدد صؽار المبلك (مبلك األراضً)‪.‬‬

‫‪ -۰‬زاد عدد المهاجرٌن إلى المستعمرات‪.‬‬

‫‪ -3‬هدأ مشروع الؽبلل ثابرة عامة العاصمة المعطلٌن‪.‬‬

‫‪ -0‬تمكن األخوان فً حٌاتهما وبعد مماتهما من إضعاؾ نفوذ السٌناتوس‪.‬‬

‫‪ -‬مارٌوس وسوال ‪- Marius et Sulla‬‬

‫بٌنما كانت روما منهمكة فً الصراع الحزبً الذي احتدم بٌن السٌناتوس وجاٌوس‬
‫جراكوس‪ ،‬كانت الجٌوش الرومانٌة مشتركة على الحدود فً سلسلة من الحروب‬
‫دفاعا عن سبلمة أراضً الجمهورٌة‪.‬‬

‫ولم تمض عدة سنوات على موت جاٌوس حتى اتضح الفساد وعدم الكفاٌة و‬
‫اشتعلت من جدٌد نار التطاحن الحزبً أثناء ذلك القتال الذي خاضته روما فً شمال‬
‫افرٌقٌا ضد الزعٌم النومٌدی ٌوجورثا ‪ hugurtha‬ولكن هذا الصراع الذي بدأ فً‬

‫‪858‬‬
‫عام ‪ ۰۰۰‬ق‪.‬م أنجب جندي عظٌم ٌدعى ‪ .Marius‬مارٌوس وهو رجل عصامً‬
‫اٌطالى المولد وجندي عظٌم آخر ٌدعی ‪.‬سوال ‪ ، Sulla‬وهو سلٌل أسرة شرٌفة‪.‬‬
‫وبفضل هذٌن الجندٌٌن انتهت الحرب ضد ٌوجورتا فً مصلحة الرومان والتً‬
‫سجلها المإرخ الرومانً ساللوستٌوس ‪ C. Sallustius‬فً عمله الذي ٌعرؾ‬
‫بعنوان الحرب الٌوجورتٌة ‪.Bellum Iugurthinum‬‬

‫وٌذكر التارٌخ أنه نظرا لتفوقه العسكري وتعرض روما لمخاطر أجنبٌة سبقت‬
‫اإلشارة إلٌها قبل السٌناتوس إعادة ترشٌحه لمنصب القنصلٌة خمس سنوات متصلة‬
‫وذلك بالرؼم أنه كان من طبقة الفرسان الجدٌدة وكان ٌمٌل إلى مناصرة العامة‪،‬‬
‫ونظرا لعدم تطرفه السٌاسً وتذبذبه بٌن الطبقتٌن كان السٌناتوس ٌقبل بقاءه فً‬
‫السلطة بسبب تفوقه العسكري‪.‬‬

‫إن تجربة مارٌوس تعد تجربة جدٌدة فً تارٌخ روما إذ لم ٌحدث أن تولی شخص‬
‫القنصلٌة مرتٌن متتالٌتٌن مهما كانت مواهبه ‪ .‬وقد استطاع مارٌوس أن ٌوجد ألول‬
‫مرة جٌ ًشا نظامًٌا تقوم الدولة بتسلٌحه وٌكون والء جنوده لقابدهم‪ ،‬إذ كان الجنود‬
‫ٌعتمدون على قابدهم فً الحصول على مكافؤت سخٌة من أرض ومال بعد انتهاء‬
‫الحرب وهكذا ارتبطت مصالح الجنود بؤفراد القواد وهذه ظاهرة جدٌدة سوؾ تظهر‬
‫خطورتها حٌن ٌتخذ القادة العسكرٌون من أمثال بومبً وقٌصر جنو ًشا خاصة‬
‫فالجٌوش لم تصبح جٌوش الوطن ولكن جٌوش األحزاب الطبقٌة‪.‬‬

‫أما عن إصبلحات مارٌوس العسكرٌة فهً كالتالً‪:‬‬

‫‪ -۰‬اعاد تنظٌم الجٌش وؼٌر طرٌقة تسلٌحه وتدرٌبه‪.‬‬

‫‪ -۰‬ؼٌر نظام التجنٌد حتى ٌستطٌع أن ٌعبا القوات البلزمة‪ ،‬إذ فتح باب التجنٌد‬
‫للمواطنٌن الفقراء ‪ Proletarii‬فً جمٌع أنحاء اإلمبراطورٌة‪.‬‬

‫‪ -3‬اعتمد على التطوع أكثر منه على التجنٌد اإلجباري لعدد معٌن من الحمبلت‪.‬‬

‫‪851‬‬
‫‪ -0‬أفضت إصبلحاته إلى انتصار رابع أحرزه ضد قبابل التٌوتون ‪Teutoni‬‬

‫فً اكوای سکستٌای ‪ Aquae Sextiae‬فً عام ‪ ۰4۰‬ق‪.‬م‪ ،‬وانتصار آخر فً‬
‫عام ‪ ۰4۰‬على قبابل الكمبري فً فركلبلي ‪ Vercllae‬فً حوض البو عند الطرؾ‬
‫الشرقً من شمال إٌطالٌا الذي كان هإالء البرابرة قد تسللوا منه أخٌرا وهكذا نجت‬
‫إٌطالٌا من الخطر البربري‪.‬‬

‫وهكذا نجد أن اٌطالٌا قد انقذت ال بفضل الجٌوش الرومانٌة أو الحكومة الرومانٌة‬


‫بل على ٌد مارٌوس والجٌش الذي انشؤه وهو الجٌش الذي شبهه الدكتور عبد‬
‫اللطٌؾ أحمد على بجٌش هانٌبعل‪.‬‬

‫وم نذ ذلك الحٌن ظلت الجٌوش الرومانٌة تتؤلؾ من اتباع لكل من مارٌوس وسوال‬
‫وبومبی وقٌصر مما جعلها من مصادر القلق والخطر المستمر على الدولة‪ ،‬وإن‬
‫كانت فً نفس الوقت أجهزة رابعة للقتال كفٌلة بتؤمٌن حدود اإلمبراطورٌة‪ ،‬وأستمر‬
‫األمر كذلك إلى أن أحٌا أؼسطس فً نفوس الرومان من جدٌد الشعور بالواجب نحو‬
‫الدولة‪.‬‬

‫‪ -‬عموما فقد أساءت الحرب مع ٌوجورتا إلى سمعة حزب السٌناتوس الذي عرؾ‬
‫باسم الحزب األرستقراطً ‪ Optimae‬وقلت من هٌبته وزاد من تزعزع مركزه‬
‫الهزابم التً منً بها قواد هذا الحزب فً أثناء ؼزوات الكمبري و التٌوتون وقد‬
‫شجع ذلك زعماء الحزب الشعبً أو الدٌمقراطً ‪ Populares‬على شن سلسلة من‬
‫الهجمات على حزب السٌناتوس مستندٌن إلى تؤٌٌد مارٌوس والتفاؾ الشعب حوله‬
‫والفرسان‪.‬‬

‫‪ -‬وثمة ظاهرة أخرى أخذت تتفاعل لتزٌد الموقؾ تعقٌدا فً تلك المرحلة وهً‬
‫حلفاء روما من اإلٌطالٌٌن‪ ،‬إذ بدأ أهالً المدن اإلٌطالٌة الذٌن اخضعتهم روما فً‬
‫بداٌة عصرها الجمهوري وفرضت علٌهم التحالؾ معها وتقدٌم الجنود والسفن‬
‫والمساعدات المختلفة فً وقؾ الحرب ٌضٌقون بوضعهم وخضوعهم لشعب روما‪.‬‬

‫‪853‬‬
‫‪ -‬إزداد الموقؾ تعقٌدا حٌنما حدث انقسام داخل حزب الشعبٌن فً روما فوجدنا‬
‫بعض زعمابهم المتطرفٌن ٌمٌلون إلى إنصاؾ الحلفاء اإلٌطالٌٌن بمنحهم المواطنة‬
‫الرومانٌة ومثل هذا الموقؾ كان ٌحقق هدفٌن لروما فً وقت واحد‪.‬‬

‫األول‪ :‬هو إرضاء اإلٌطالٌٌن بؤن ٌصبحوا مواطنٌن رومان وبالتالً ما ٌترتب علٌه‬
‫ذلك من تمتعهم بكل االمتٌازات الرومانٌة وأهمها عطاءات الجنود‪.‬‬

‫الثانً‪ :‬أن تكتسب روما مزٌدا من الجنود فً الفرق الرومانٌة ‪ Legiones‬وبذلك‬


‫تزداد قوتها العسكرٌة التً كانت فً حاجة مستمرة إلٌها‪.‬‬

‫‪ -‬ورؼم ذلك فكان السٌناتوس وكثٌر من الشعبٌن أنفسهم ٌعارضون مثل هذا الحل‬
‫بدعوى حرصهم على نقاء الدم الرومانً‪ ،‬أو االستبثار بؤكبر قدر من مكاسب‬
‫الحروب‪.‬‬

‫‪ -‬بلػ الموقؾ درجة األزمة حٌن تعرض أحد زعماء العامة وٌدعی دروسوس‬
‫‪ Drusus‬للقتل وكان ٌنادي بمنح المواطنة الرومانٌة لئلٌطالٌٌن من موقعه كنقٌب‬
‫للعامة سنة ‪ ۲4‬ق‪.‬م ونتٌجة لذلك قام اإلٌطالٌون بثورة عارمة سرعان ما تحولت‬
‫إلى حرب ضد روما عرفت باسم حرب الحلفاء‪ ( socii ،‬واشتهرت أٌضا باسم‬
‫حرب المارسٌه ‪ Marsi‬نسبة إلى المارسٌون‪.‬‬

‫‪ -‬لم تتمكن روما من القضاء على هذه الثورة التً تحولت إلى حرب إال بقبول منح‬
‫اإلٌطالٌٌن المواطنة الرومانٌة كاملة ولكنهم رؼم ذلك استمروا ٌشعرون بؤنهم‬
‫مواطنٌن من الطبقة الثانٌة وذلك لسببٌن‪:‬‬

‫‪-۰‬ألنهم لم ٌصبحوا أعضاء فً مجلس السٌناتوس‪.‬‬

‫‪ -۰‬منع تسجٌل اسمابهم ضمن القبابل الرومانٌة القدٌمة‪.‬‬

‫‪ -‬هذا الوضع الخطٌر نتج عنه فٌما بعد انقسام الصراع السٌاسً إلى حزبٌن‪:‬‬

‫‪854‬‬
‫(أ) حزب المحافظٌن‪ ،‬الذٌن ٌرؼبون فً الحفاظ على النظام الجمهوري ممثبل‬

‫فً سٌادة شعب روما‪.‬‬

‫(ب) حزب ا لمجددٌن‪ ،‬الذٌن ٌدعون إلقامة الحكم المطلق بالمحافظة على وحدة‬
‫الشعوب اإلٌطالٌة دون تمٌٌز‪.‬‬

‫‪ -‬عموما وبعد انتهاء الحرب المارسٌة‪ ،‬التً استمرت ثبلث سنوات م ‪۲4 - ۱۱‬‬
‫ق‪.‬م تعرضت روما ألخطر مواجهة عسكرٌة لها مع قوة أجنبٌة منذ نهاٌة الحرب‬
‫البونٌه الثانٌة وتمثلت هذه القوة فً مٌثراداتٌس السادس‪ ،‬وكان أشد طموحً ا فضم‬
‫أجزاء واسعة من الساحل الشمالً للبحر األسود‪ ،‬والتً كانت تتمتع بقدر واسع من‬
‫الثراء والقوة العسكرٌة‪ ،‬إذ كان مٌثراداتٌس الخامس على عبلقة طٌبة بروما وتمكن‬
‫من بسط نفوذه على جٌرانه من المدن الصؽٌرة‪ ،‬إال أن ابنه مٌثراداتٌس السادس كان‬
‫أشد طموحً ا فضم أجزاء واسعة من الساحل الشمالً للبحر األسود وبذلك أصبح‬
‫ٌسٌطر على مملكة قوٌة فً الشرق بعد تدهور سورٌا‪.‬‬

‫‪ -‬انتهز مٌتراداتٌس فرصة انشؽال روما فً الحرب األهلٌة الدابرة بٌنها وبٌن‬
‫الحلفاء اإلٌطالٌٌن وهاجم آسٌا فً عام ‪ ۱۱‬ق‪.‬م واكتسح القوات الرومانٌة بها ودبر‬
‫مذبحة قتل فٌها فً ٌوم واحد عدد ٌتراوح ما بٌن ثمانٌن‬

‫إلى مابة وخمسٌن ألفا من الرومان واإلٌطالٌٌن وصودرت أمبلكهم لصالح الخزانة‬
‫الملكٌة وهكذا خسرت روما آسٌا ‪ ،‬وبات من الضروري لها التخلص من‬
‫مٌثراداتٌس السادس‪.‬‬

‫‪ -‬واستمرارا لظاهرة العنؾ الشدٌد نجد ‪ Sulla‬الذي اختاره مجلس السٌناتوس‬


‫للتخلص من مٌثراداتٌس السادس‪ ،‬وبعد أن ٌتحقق له النصر على مٌثراداتٌس‪.‬‬
‫ٌتحول إلى قابد عسكري ٌسٌطر على أكبر جٌش رومانً موجود خارج اٌطالٌا‪،‬‬
‫وحٌن نازعه فً القٌادة‪ ،‬الشعبٌون‪ ،‬لم ٌتردد فً أن ٌقود جٌشه وٌقتحم روما‬

‫‪855‬‬
‫عسكرٌا وان ٌشن حربا شعواء على خصومه وأعمل فٌهم القتل والتنكٌل وهو ما لم‬
‫ٌحدث فً تارٌخ روما من قبل‪.‬‬

‫‪ -‬أقام سوال من نفسه دكتاتورا وبقً فً المنصب سنتٌن فٌما بٌن ‪ ۱۰ - ۱4‬ق‪.‬م فً‬
‫حٌن أن منصب الدكتاتور كان مقررا فترة ست أشهر فقط لشؽله وفً حاالت‬
‫استثنابٌة‪ ،‬وأصدر بموجب السلطة المخولة له كدكتاتور سلسلة من القوانٌن الؽً بها‬
‫كثٌر من امتٌازات العامة وعمل على تؤكٌد سلطة السٌناتوس‪.‬‬

‫‪ -‬لم ٌستطع أن ٌوحد بٌن مصالحه ومصالح الدولة العلٌا‪ ،‬ألنه كان بالفطرة مجردة‬
‫من روح العاطفة وهذا ما سلبه القدرة على معرفة حقٌقة تلك المصالح‪ ،‬وفً هذا‬
‫ال صدد فقد قورن سوال بنابلٌون والمقارنة صحٌحة من وجه نظر أو اثنٌن ولكنهما‬
‫ٌختلفان كل االختبلؾ فً نقطه جوهرٌة‪ ،‬وهً القدرة على اإلدراك المشمول بروح‬
‫العطؾ‪.‬‬

‫وسوؾ نجد الصراع فً ظل هذا التصور الجدٌد ٌقترن بالعنؾ الشدٌد أٌضا ‪،‬‬
‫وٌتضح هذا فً الدور الذي قام به « شوال ‪ sulla ،‬الذي تزعم حزب السناتوس‬
‫وأراد أن ٌقر سلطانه بقوة السبلح ‪ .‬وكان قد عٌن قابدا للجٌوش الرومانٌة ضد أحد‬
‫األمراء الثابرٌن فً آسٌا الصؽرى ‪ ،‬وحٌن نازعه حقه فً القٌادة ‪ ،‬الشعبٌون ‪ ،‬لم‬
‫ٌتردد فً أن ٌقود جٌشه وٌقتحم روما عسكرٌا وأن ٌشن حربا شعواء على خصومه‬
‫وأعم ل فٌهم القتل والتنكٌل وهو ما لم ٌحدث فً تارٌخ روما من قبل ‪ .‬وبعد أن أقر‬
‫حقه بالقوة على هذا النحو ‪ ،‬مضى إلى حربه فً آسٌا الصؽرى ‪ .‬وأثناء ؼٌبته‪،‬‬
‫حاول الشعبٌون االنتقام مما حدث لهم ‪ ،‬فجمعوا صفوفهم و شنوا حربا على‬
‫السناتوس وأعضابه ‪ ،‬فما لبث أن عاد سبل بجٌشه ‪ ،‬ودخل روما ‪ .‬دخول الفاتحٌن‬
‫وأقام نفسه دکتاتورا وبقً فً المنصب سنتٌن فٌما بٌن ‪ ۱4-۱۰‬ق‪.‬م‪ .‬وأعمل القتل‬
‫والتنكٌل ومصادرة األمبلك وٌقال أن خمسة آالؾ ذهبوا ضحٌة هذا االضطهاد ‪،‬‬
‫وأصدر سلسلة من القوانٌن ألؽً بها كثٌرا من امتٌازات العامة وتؤكٌد سلطة‬
‫السٌناتوس ‪ .‬ما من شك أن تجربة سبل هذه ‪ ،‬رؼم أنها تمت بدعوى الحفاظ على‬

‫‪856‬‬
‫الجمهورٌة ‪ ،‬كانت خطوة ‪ .‬فً سبٌل القضاء علٌها ‪ ،‬بسبب ما صاحبها من مخالفات‬
‫النص وروح الدستور الرومانً ‪ ،‬أولها دخوله روما دخول الؽازي على رأس جٌش‬
‫رومانً ‪ ،‬والثانً ممارسته للسلطة الدكتاتورٌة سنتٌن متصلتٌن ‪ ،‬مما أباح له حرٌة‬
‫تؽٌٌر القوانٌن وإصدارها‪ ،‬عن ؼٌر طرٌق المجالس التشرٌعٌة ‪ .‬ونحن نعرؾ أن‬
‫منصب الدكتاتور ‪ ،‬حسب الدستور الرومانً ‪ ،‬كانت مدته ستة أشهر فقط ولم ٌحدث‬
‫طٌلة القرون األربعة السابقة ‪ ،‬منذ قٌام ‪ .‬الجمهورٌة ‪ ،‬أن بقً أحدا دكتاتورا أكثر‬
‫من ستة أشهر ‪.‬‬

‫هذه األحداث كلها ‪ ،‬تثبت بما ال ٌدع مجاال للشك أن الدستور الرومانً أصبح ال‬
‫ٌطبق ‪ ،‬ورؼم تمسك القادة الرومان دابما بدعوى الحفاظ على القوانٌن ‪ ،‬إال أنهم‬
‫حٌن وقفت القوانٌن فً طرٌقهم ‪ ،‬ؼٌروها بما تحقق مصالحهم ‪ .‬والظاهرة الثانٌة ‪،‬‬
‫هً أن السٌناتوس والشعبٌٌن ال ٌلتقون فً حوار سٌاسً وإنما ٌقررون خبلفاتهم‬
‫بقوة السبلح ‪ .‬وظاهرة ثالثة أخٌرة تتضح هً ازدٌاد ظهور القادة العسكرٌٌن‬
‫وتسلطهم على الحٌاة السٌاسٌة ‪ ،‬كما رأٌنا فً شخصٌتً مارٌوس وسبل‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فقد ظهر من بٌن السٌاسٌٌن المدنٌٌن من حاول اإلصبلح فً هذه المرحلة‬
‫المضطربة ‪ ،‬وهو "شٌشرون" ‪ Cicero‬الخطٌب الرومانً المشهور ‪ .‬فرؼم أنه‬
‫من طبقة الفرسان أصبل ( وهً الطبقة المتوسطة ‪ ،‬إال أنه استطاع أن ٌتخذ جانب‬
‫السٌناتوس‪ ،‬وأن ٌتولى منصب القنصلٌة سنة ‪ 63‬ق‪.‬م‪ ،.‬وحاول أن ٌدخل على‬
‫الدستور تعدٌبل جدٌدا هدؾ ما أسماه "التوفٌق بٌن الطبقات" ‪Concordia ،‬‬
‫‪ Ordinum‬عن طرٌق أن تتولى السلطة التنفٌذٌة العناصر الممتازة من السٌناتوس‬
‫والفرسان ‪ .‬وهذه محاولة ببل شك للتوفٌق بٌن هاتٌن الطبقتٌن ضد طبقة الشعبٌٌن ‪.‬‬
‫ورؼم مهارة شٌشرون الخطابٌة وقوة شخصٌته ‪ ،‬فلم تزد دعوته أن تكون صٌحة‬
‫فً واد ‪ ،‬ألنه ٌدعو إلى استخدام األسالٌب السٌاسٌة فً وقت كانت تقرر فٌه قضاٌا‬
‫السٌاسة الجٌوش العسكرٌة ‪.‬‬

‫‪857‬‬
‫فً هذا الوقت ظهر على مسرح الحٌاة السٌاسٌة الرومانٌة شخصٌتان خطٌرتان‬
‫وهما « بومبٌوس ‪ ،‬وٌولٌوس قٌصر‪ ،‬اللذان سٌتقرر على أٌدٌهما مصٌر الجمهورٌة‬
‫النهابً ‪.‬‬

‫‪851‬‬
854
‫رومولوس ورٌموس ٌرضعان من الذئبة المقدسة‬

‫‪861‬‬
868

You might also like