You are on page 1of 85

‫خلف األبواب‬

‫تصيم الغلاف والتعديل ‪:‬‬ ‫تحت إشراف‪:‬‬


‫حنين سعد الباشا‬ ‫آالء مسعود المشاي‬

‫تدقيق‪:‬‬
‫هدى مسعود الضب‬

‫جميع الحقوق محفوظة لمنظمة غيم الإبداع الثقافية‬


‫الإهداء‬
‫إلى كل من أخفى حزنه وأحكم‬
‫اإلغالق عليه‪...‬‬
‫إلى كل من كان ضحية خلف‬
‫الباب المغلق‪...‬‬
‫إلى من هم سبب نجاحنا‪...‬‬
‫أهدي هذا الِكتاب لكم‪...‬‬

‫آلاء مسعود المشاي‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬



‫يـرنو بـنا الفضوُل إلى المجـهوِل عنا كـبشٍر غلـب على أمـره التطبُع‪ ،‬يـتطلُع‬
‫إلى ذلك المٌجـهول المغلِق خلف أسواٍر وباٍب مـوصٍد‪ ،‬ما خلف‬
‫األبواِب المغلقة ليست بقصٍص أو رويـاٍت ُتحكـى تناقلها البعُض!‬
‫ما خلف هذِه األسواِر لم يكن سوى مقياٍس لفلفسٍة واقعيٍة عـن البشـِر‪.‬‬
‫يقاُل ما لم تـرى الغـب فال شي ُيحزُم أو يشـهد!‬
‫فهل هذا ما يقاُل عن من تـوارت عنـا حياتهم خـلف هذِه السواتِر؟‬
‫فقد استمتعوا بالغيـِب وستـر باٍب ال ُيظـهر عـمًلا أو قوًلا لهم لغيرهم‪،‬‬
‫مما جعل األمر أهم كغياباٍت من اإلثم تتوالى انتشرت في غيماء الغيِب‪،‬‬
‫كما سترت األبدان قلوبهم فـال ُتـرى نواياها وشعورها وبمثلها سترت‬
‫أعمالهم خلف هذه األبواب المغلقة‪.‬‬
‫فمـا بهم ؟‬
‫أينسون من هو خالقهم؟ بل يتمددون في طغيانهم‪ ،‬فهل ُينـسى كل ما ذكر‬
‫لنا من وعيد؟‬
‫إنها فلفسة واقٍع حًّقـا!‬


‫الّنظِر والسمع مباًحا‪ ،‬تلك الظلمات التي راج‬ ‫أصبح بها كل ما هو مغلٌق وبعيٌد عن

‫خلف أبوابهم‪.‬‬ ‫ِبـها الفسق

‫وهل اليزال يرنو بنا الُفـضول إلى ما خلف األبواِب بـعد هذا التخيل؟‬



‫_ شهد العارف‬
‫‪3‬‬
‫من أجل ماذا؟‬
‫فاطمة الفيتوري‬
‫من أجل ماذا؟‬
‫بين واقٍع مرير وأحالم اليقظة تعيُش طفلٌة حزينُة القلب وذات‬
‫كدماٍت جسديٍة كثيرة‪ ،‬منبوذٌة ممن هم حولها ألنها يتيمُة األب!‬
‫عقلياٌت جاهلة لم تتطور إال في قّلة الحياء والتحرر الديني؛ بل زادت‬
‫‪...‬انحطاطا على ما كانت عليه وتوارثوها جيٌل وراء جيل‬
‫لُنكمل قصة تلك الفتاة التي عاشت من الدهر اثنا عشر خريًفا وفقدت‬
‫والدها في سّن التاسعة‪ ،‬بعد عّدة أشهٍر من وفاة الوالد وبعد ِانقضاء عّدة‬
‫األم أقبلت على الزواج برجٍل أخر‪ ،‬في بداية زواجهما كان ُيعامُل ربيبته‬
‫بطريقٍة لطيفٍة وكأنُه والدها الحقيقي‪( ،‬ال تغركم البدايات الجميلة‬
‫فليست ُكل النهايات مثلها)‪ ،‬أما بعد مرور سنة من هذا الزواج تغيرت‬
‫ُمعاملتُه لها‪ ،‬أصبح ينظُر لها نظراٍت ال ُتريح اإلنس وال الحيوان‪ ،‬كأنُه‬
‫ُمفترٌس يريُد نهش جسدها‪ ،‬واألم ال تتحرك ساكنة ألنُه خليل الفؤاد‬
‫ورفيق الدرب برأيها‪ ،‬كان عند نهاية اليوم يذهُب إلى ُغرفتها وال ُيكلف‬
‫نفسُه حتى ألن يطرق الباب‪ ،‬يدخُل كأنه ُمداهمُة ُمخدرات ويبدأ في‬
‫رسم لوحٍة فنّية على جسدها الناعم‪ ،‬يتنوُع في ُطرق تعذيِبها؛ تارًة‬
‫‪،‬يحرق جسدها وتارًة يجلدها بحزامه‬

‫ويستمتُع بصراخها كأنها إحدى معزوفات بيتهوفن! وأما عن تلك‬


‫الدماء المسفوكة على أرضية المنزل فكان يبصُم بها على ُجدران‬
‫غرفتها كأنُه ُيثبت جدارته في ُكل مرٍة ُيعنفها فيها‪ ،‬وأما عن األم فهَي‬
‫ال تسمع‪ ،‬ال ترى وال تتكلُم أيًضا‪ ،‬اختارت زوجها على فلذة كبدها‪.‬‬
‫في إحدى المرات التي حاولت فيها تلك الفتاة صغيرة الحجم وكبيرة‬
‫الهم الفرار من المنزل‪ ،‬أمسكها ُمتلبسًة كما يقول‪ ،‬أمسكها مع شعرها‬
‫وأكملها بخبطاٍت ُمتتالياٍت على حائط المطبخ‪ ،‬لم يتوقف حتى بعد‬
‫أن رأى نزيًفا عّم أرجاء المكان‪ ،‬وعند شعوره بأنها فقدت توازنها تخلل‬
‫الخوف جسده‪ ،‬هل قتلتها!! هل ماتت بين أحضاني؟؟؟ يداُه ترتجفان‬
‫من الرهبة ويداُه ُمحمرتان من ضربها‪ ...‬أتظنون بأنه حملها إلى‬
‫الُمستشفى هه مخطئون‪ ،‬فهو وضعها في حمام (عفاكم الله) غرفتها‬



‫‪5‬‬
‫وترك المياه الباردة تتساقط على جسدها المزرق من الُعنف‪ ،‬ارتاح ذلك‬
‫الُمجرم بعد رؤيتها تعود إلى وعيها‪ ،‬ولم يتركها يوٌم بدون تعذيبها هذا‬
‫المريض النفسي‪ ،‬حًقا إنُه ُمختّل عقلي‪ ،‬ال تستطيُع تلك الفتاُة الصراخ‪ ،‬فهي‬
‫تعلُم بأنها لن تستطيع الفرار منه ومن قسوة قلب تلك‬
‫المرأة الُمدعاُة بأنها أمها‪ ،‬حرموها من أبسط حقوقها‪ ،‬كالتعليم مثًلا‬
‫واالرتجال من هذا البيت اللعين‪ ،‬أعانك الله يا صغيرتي فما باليد حيلة‬
‫إال الُدعاء لِك والُدعاء عليهما‪.‬‬
‫أردفُت المسكينة قائلة‪ :‬من أجِل ماذا يا أماه؟ من أجل من ولماذا؟‬
‫ألسُت ابنتِك؟ ألسُت جزٌء منِك؟ أما أنت يا ظالم فحسيُبك الله‪ ،‬أنت‬
‫خصمي يوم يجتمُع الخصوم عند الله‪ ،‬لم أفعل الُمشينة لك ولم أكن من‬
‫ذواِت األصوات العالية‪ ،‬لن أغفر لك حتى وإن رأيُتك على فراش‬
‫الموت راجًيا مّني العفو حتى يعفو الله لك‪.‬‬

‫فاطمة الفيتوري‬
‫‪6‬‬
‫الفتاة المعجزة‬
‫شهد موسى الدرسي‬
‫الفتاة المعجزة‬
‫منذ األسبوع الرابع و الثالثين من كوني مجرد‪-‬علقة‪ -‬جاء أمر الله‬
‫بإطالق أول شقهة نفس‪ ،‬أول صرخٍة مدوية لي‪ ،‬ألول مرة و أنا في رحم‬
‫شيء غريب يسمى بالدنيا‪.‬‬
‫الساعة الواحدة ظهًرا‪ ،‬من أحد أيام شهر رمضان المبارك‪ ،‬وسط غرفة‬
‫عمليات مكتظة باالطباء و الممرضين‪ ،‬و خارًجا يوجد كم هائل من‬
‫طلبة الطب‪ ،‬واقفين في تّرقب شديد‪ ،‬إلى أن جاءت اللحظة‪ ،‬التي‬
‫جعلت جّل من هناك يقف في صدمة و دهشة‪ ،‬وكأنهم شهدوا لتوهم‪،‬‬
‫والدة معجزة!!‬
‫لم أعش طفولة وال ِصًبا عادي‪ ،‬مميزة وسط أقراني‪ ،‬حيث أن كّل شي‬
‫ُمقسم على ثالثة‪ ،‬و لثالثة ‪...‬‬
‫لعلك ُدهشت أيًضا و أنت تقرأ اآلن‪ ،‬حسًنا لن أطولها عليك‪ ،‬فنحن كما‬
‫توقعت ‪-‬توأم ثالثي‪ -‬و لسنا كأي توأم بل توأم مكتظ بالتناقض‬
‫ال بد أنك الزلت مندهًشا أيها القارئ‪ ،‬ال تقلق‪ ....‬اعتدت على هذه‬
‫النظرات ممن حولنا‪ ،‬أنا نفسي كنت أحس بالغرابة و االنزعاج‪-‬أمقن‬
‫بشدٍة هذا الشعور‪ -‬لكني اآلن على عكس ذلك تماًما‪ ،‬فقد بّت أشعر‬
‫بالتميز أكثر من أي وقت سبق‪ ،‬كوني من بين ‪ %1.8‬في العالم من هذا‬
‫النوع‪ ....‬لم يتوقع أحد أننا سنصل لهذا العمر (و العمر بيد الله) علمًيا‬
‫كان ذلك مستحيًلا‪ ،‬حيث راهن عدة علماء و أطباء على ذلك‪ ،‬خصيصي‬
‫أنه كما ذكرت سابًقا فنحن بنات الثامن‪ ،‬و نسبة النمو لدينا لم تكتمل‬
‫بعد‪ ،‬مما يجعل فرص الحياة في وهن شديد و يحتاج لشيء يشابه‬
‫‪-‬المعجزة‪-‬‬
‫مّرت األعوام‪...‬و كّل منا تملك صفاتها التي تمّكنها من التميز على‬
‫األخرى‪ ،‬شكًلا و طبًعا‪ ،‬و رغم االختالف الجلي شكًلا‪ ،‬أال أن الدم‬
‫يفصح بأخوتنا كالبرق‪ ،‬برزت كّل في هواياتها‪ ،‬وال زلنا نطّور من أنفسنا؛‬
‫ألجل طموحاتنا‬
‫و ألن نجعل الحياة التي ُكتبت لنا رغم اعتراض العلم و البشر ذات قيمة‪،‬‬
‫ونثبت للجميع أن المعجزات ال تولد عبًثا‪.‬‬

‫شهد موسى الدرسي‬


‫‪7‬‬
‫ثنائية القطب‬
‫سجى سالم (ساج)‬
‫ثنائية القطب‬


‫َتسلَلت أشعُة الشمس الذهبية من وراء نافذتي عابرَة السبيل حتى َهبطت‬
‫فوق ِجْفني‪ ،‬غير قادرة على الحراك ُمتيبسٌة في مكاني هناك فوق سريري‬
‫الحبيب‪ ،‬ها قد ظهرت‪ ،‬أَطلت‪ ،‬جائت ومعها جاَء إكتئابي فاتحًا دراعيِه على‬
‫مصراعيِهما‪ ،‬شخصيتي اُألخرى التي ترى العالم باللون الرمادي‪ ،‬تحت الغطاء‬
‫الصيفي الخفيف دَخلت‪ ،‬أدرت وجهي للِجهِة األخرى حتى باتت أشعة‬
‫الشمس ورائي‪ ،‬مغمضًة َعيناي غطت في ُسباٍت عميّق للمرة المئة‪ ..‬ثم‬
‫يتغير كل شئ بمرور بضعة أيام فحسب‪ ،‬يوم وراَء اآلخر‪ ،‬تمر األيام بسرعة‬
‫أكاد ُأدِرُكها‪ ،‬مر أسبوٌع أو أكثر‪ ،‬إستيقظُت بنشاط يفوق العادة‪ ،‬سعادة كامنة‬
‫داخل قلبي تنبُض تسري خالل أوعيتي الدموية تُبث الحيوية غير المعهودة‪،‬‬
‫إستيقظُت نشيطًة كما لو أنني فتاة أخرى‪ ،‬إزدواجية غريبة إعتاد كل فرد من‬
‫عائلتي رؤيُتها من خاللي‪ ،‬من خالل الِمرٱة لمحت شخصيتي اُألخرى‬
‫المبتهجة على الدوام‪ ،‬تلك المحبة للحياة‪ ،‬التي ترى العالم بألوان زاهية‪ ،‬ترى‬
‫في األيام فرص و آماٌل ال تنتهي‪ ،‬تحمل طاقة إيجابية‪ ،‬تحمل زهور في‬
‫ُجعبتها ال تذبل‪ ،‬هبطُت إلى الطابق السفلي‬

‫أغني بمرح ال يشبه شخصي التي كنتها باألمس‪ ،‬تلك الممدة في السرير‬
‫كالجثة‪ ،‬سلمت على الجميع بلهفة؛ ثم جلست أتناول الفطور يغمرني‬
‫حماٌس شديد للذهاب الى المدرسة التي حينما دخلتها قابلني جميع‬
‫صديقاتي بفتور شديد‪ُ ،‬كل واحدٍة تعطيني ظهرها داللًة على رفض التحدث‬

‫معي‪ ،‬مدرسٌة جديدة بدأُت الدراسة فيها منذ شهر فحسب‪ ،‬أتيتها‬
‫متأملة الخروج من أبوابها برفقة صديقات ال يمكنني إحصاء اعدادهَّن‪،‬‬
‫مدرسة دخلتها بشخصيتي المرحة‪ ،‬ثم غبت أسابيع قليلة رافضًة‬
‫التحدث مع أي من زميالتي‪ ،‬مدرسٌة ال يعلم ُطالبها(أصدقائي)شيًئا‬
‫عن حالتي النفسية أو عن (ثنائي القطب) الذي يزاِمُنني منذ سنوات‬
‫ِعدة‪ ،‬عدُت أدراجي إلى المنزل بقلب محطم‪ ،‬مالجديد؟الجميع يفعل‬
‫المثل‪ ،‬منذ متى رافقُت إحداهَّن و بقيت على تواصل معها؟ ومنذ متى‬
‫صاَدقُت أنا (ُدّرة) ثنائية القطب فتاًة صداقة دائمة؟ جميعهَّن عابرات‪،‬‬
‫أو ربما أنا العابرة‪ ،‬إلى قلب المنزل ِسرُت حاملة فؤادي المتناثرة‬
‫أجزائُه‪ ،‬جاَّرًة ورائي‬

‫‪8‬‬
‫حقيبتي المدرسية‪ ،‬بخفٍة رميت نفسي على األريكة بألٍم يراودني وليس‬
‫بجديد‪ ،‬أغمضت عيناي في تعب‪ ،‬ملل شديد من حياتي‪ ،‬المرض‪ ،‬كل‬
‫االشياء الثنائية‪ ،‬حتى الرقم إثنان بل جميُع الرقام الزوجية‪ ،‬كبرُت أنا على‬
‫حضِن أمي الذي لطالما ارتميت فيه باكيًة شاكيًة متألمة جراء ردود فعل‬
‫الجميع تجاهي‪ ،‬نَضَجت (ُدَّرة)فأصبحت تبكي وحدها في غرفتها ثم تمسح‬
‫دموعها بكف يدها و تخرج للعالم متظاهرًة السعادة أمام الجميع‪ ،‬أي سعادة‬
‫هذه؟ قناٌع أرتديه فُأزيُف به و من خالله حقيقة الحزن الذي يعتريني على‬
‫الدوام‪ ،‬ال ألوُمُهم على ردود أفعالهم‪ ،‬من يريد صديقًة مريضة مختلٌة نفسية‬
‫يتقلب مزاجها في السنة مئة مرة‪ ،‬صديقة تغيب ألسابيع ترفض الرد على‬
‫رسائل أو حتى مكالمات صديقاتها القلقات‪ ،‬و حينما ترفع السماعة مجيبة‬
‫ترد بجفاٍء وبلهجة ال يمكن للمرِء قبولها أو تجاهلها‪ ،‬حتى أنا ال أريد صديقًة‬
‫مثلي‪.‬‬

‫سجى سالم (ساج)‬

‫‪9‬‬
‫سمج األوهام‬
‫إبتسام سلامة‬
‫سمج
األوهام‬


‫مع إنتهاء أخر ساعات المساء حيث يركن كل شيٍء للهدوء‪ ،‬لم يتبقى على‬
‫منتصف الليل الكثير؛ انهيُت ُجل واجباِت الدراسية وحان وقت أن اخرج‬
‫من هذه الحياة إلى عالم األحالم والعزلة حيث أحب أن أُكن بعيًدا عن‬
‫َّندوب األيام وتلك المشاعر المتضادة في جوفي‪.‬‬
‫سحبُت اِلحاف بخفٍة ونكمشُت مثل الجنين في رحم أمه‪ ،‬وأنا أفكر في‬
‫أين وضعت مرطب اليدين!‬
‫إذا بشيٍء يدفُع الباب بهدوء ويزحف دون أن ينبس بصوت!‬
‫وكأنه طيف شفاف يعبر في لمح البصر خالل الجدران واألبواب بكل‬
‫خفة وتوقر‪.‬‬
‫شعرت بإحساس غريب فرمقُة من أسفل اِلحاف لعلي أقطع الشك باليقين‬
‫ولكن ظهَر العكس تماًما!‪..‬‬
‫إنها تقف هناك عند زاوية الباب نعم نعم أنا متاكدة من ذلك!(قلتها‬
‫بتنهيدة)‬
‫تسارعت نبضات قلبي بشدة‪ ،‬وقلت في نفسي ِبكل تأكيد بأني ال اتوهم‬
‫ذلك!‪ ،‬تبدو بال مالمح يا إلهي ما يكون هذا!‪ ،‬هل هي العجوز السيئة‬
‫مجدًدا‪.‬‬
‫كانت الغرفة مغلفة بظالم الدامس ليس هناك ضواء سواء إنعكاس ِلضواء‬
‫المطبخ على جدران غرفتي‪ .‬بين فينة واألخرى أنظر من أسفل الغطاء أترقب‬
‫شيء يلغي جّل هذه المخاوف التي تسري في عروقي بشدة‪ ،‬بدأت تلك‬
‫اإلمراة تمشي بخطواٍت مثقلة نحوي‪ ،‬وكأنها تجّر أرجلها ِببطء شديد‪ ،‬يكاد‬
‫قلبي يتفطر ويخرج من مكانه‪ ،‬يا إلهي إنها تقف فوق رأسي ما الذي أفعله‬
‫األن!‬
‫استجمعُت قوتي ونهضُت مسرعٍة نحو الباب وإذا بها تشد ذراعي وتقول‬
‫بصوٍت متقطع لن ينفع الفرار فأنا معِك مثل خيالك‪.‬‬
‫سحبتها بقوة من بين كفيها الخشنة المترهلة وذهبت ركٍض لغرفة أمي‪.‬‬
‫أمي أمي قولتها بصعوبٍة شديدة وأنا أختنق من الفزع‪ ،‬بعد برهٍة فتحت‬
‫الباب وهي تقول متعجبة هل هي العجوز مجدًدا!‬
‫بتوتًرا وهلع شديد قلت لها‪ :‬نعم إنها هي‪ ،‬ال زالت تقول لي الكالم نفسه؛ أنا‬
‫خائفة يا أمي‪ ،‬أخف أن تالزمني طيلة حياتي‪ ،‬انتابني صمٌت‬

‫‪10‬‬
‫عميق وكأنني أغرق في التساؤالت‪ ،‬فقلت بعبرٍة وشجون‪:‬‬
‫لكني ال أحبها إنها سيئٌة للغاية‪ ،‬وتشعرني بالرعب والوجس‪.‬‬
‫قالت أمي وهي تجرني خلفها عليِك من اآلن وصاعًدا محاربة مخاوفك‪،‬‬
‫لسِت صغيرة على هذه األوهام!!‬
‫بدت منزعجة جًدا مني على رغم من أن كالمها يوحي بصدق إال أني لم‬
‫أُكن اكذب!‬
‫دخلنا سوًيا الغرفة‪ ،‬كانت مظلمة وال يوجد ما يأكد كالمي فقالت وهي‬
‫تضع كلتا يديها على خصرها 'انظري ال يوجد شيء مخيف هنا!'‬
‫شعرت حينها بالحماقة ولم أعرف كيف أبرر صدق ما رأيت!!‬
‫لكن فجأة حدث أمر شّب الرعب في أجسادنا!‬
‫مما جعل أمي تصرخ بقوة دون وعي‪ ،‬أما أنا فلبثُت مكاني دون حراك وكأن‬
‫الدم تجمد في عروقي‪.‬‬
‫لم أدرك بأني صارمة لهذا الحد‪ ،‬لبثُت في مكاني واألسئلة تدور من حولي‬
‫حد جنون‪ ،‬حتى أني لم أنتبه ِلصراخ أمي‪ ،‬عندما سحبتني للوراء وهي تقول‬
‫ال أصدق ما تراه عيناي؟!‬
‫عندها أدركُت ما تراه عيناي!‬
‫كانت قطة سوداء كبيرة ذا مظهر يوحي باإلشمئزاز؛ وكان في عينيها بريق‬
‫يجعلك تشعر بالموت واقًفا‪ ،‬خرجت تجّر ذيلها الشبيه بذيل الحصان وكأنه‬
‫أسود قاتم ذو مظهر مقرف‪ ،‬وختفت خلف الظالم‪ ،‬ولم يعّد لها وجود‬
‫كأنهاء قطعة من الظالم وعادة إليه‪.‬‬

‫إبتسام سلامة‬

‫‪11‬‬
‫مقاومة من أجل العهد‬

‫آية إياد (القمرية)‬


‫مقاومة من أجل العهد‬




‫أمل لن أقول لِك عن كِّل ما بذلته في تلك السنين‪..‬‬
‫‪:‬شاركني بضًعا منها‪ ،‬فما يهون الحال إال رؤية حاٍل أحلك منه‪...‬‬
‫قلت لِك ذات يوم‪ :‬أصبحتي حياتي وأملي في حين كانت ال حياة لي‪..‬‬
‫ضيقتي صقراويتك ونطقتي بوجنتيِك الشامية‪ :‬كيف لبشري أن يصبح حياة‬
‫ألحدهم؟!‬
‫_ عزيزتي أمل‪ ،‬كالذي رآني أبكي بخفوت في ليلة ظننت أن أحدهم‬
‫سيتباني‪ ،‬فاشترى لي السكاكر‬
‫كالتي أختارنيي من بين أطفال الميتم جميعهم ألغفو وسط أحضنها‪.‬‬
‫لقد قطعُت عهًدا على نفسي بالبقاِء معك طول حياتي‪..‬‬
‫أنِت مثًال‪ ،‬في عصرنا هذا‪ ،‬أنِت أمُل من ال أمل لُه في الحياة‪ ،‬من تقبل بحب‬
‫عجوز عشريني ترعرع بين جدران الميتم ومع كل هذا مصاب بمرض‬
‫لعين‪...‬‬
‫رائحة الكيمياوي التي تنضح من اطرافي‪ ،‬تستنشقيها ومالمحك تدل على‬
‫االطمئنان وانِت بين احضاني‪.‬‬
‫هاِك كفي‪ ،‬وعن البكاء فل تكفي‬
‫نطقتي وشفتاك هائجة كالموج‪ :‬كفاك قول هذا‪ ،‬انت لي وطن‪ ،‬أنسيَت‬
‫عهدك؟‬
‫إبتسمُت بخفة ثم قلت‪ :‬وكيف لبشري أن يصبح وطن ألحدهم؟‬
‫_ كالذي كان إقبالي بالنسبة له كيمياوي‬
‫كالذي بين يدي تلقى طبطبة األم وكتف األب‪...‬‬
‫أنَت الذي أهلكتك الحياة وأنا التي أهلكني ُحبك‬
‫كادت ادمعي ان تجهش لوال صوت جميلتي ذات الخمس سنين‬
‫_بابا أنت سبايدر مان خاصتي‪...‬‬
‫أمل‪ ،‬إبتسامتك وأنِت تنوهين بها إال أنظر كم نحن سعداء‪...‬‬
‫ال زالت وسط فؤادي‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫(بعض األشخاص لم يكونوا عابري سبيل‪ ،‬بل كانوا السبيل كله)‬

‫آية إياد (القمرية)‬

‫‪13‬‬
‫كفاح‬
‫رغد جمعة‬
‫كفاح‬


‫ما خلف بابي قصٌص كثيرٌة تروى‪ ،‬ما خلف بابي تلك الطفلة‬
‫البريئة الحزينة اليائسة‪ ،‬وخلف بابي المراهقة المتهورة المحاربة‬
‫لظلٍم وأذى من قريب تعرضت له وتعٍب حملته على عاتقها‬
‫وأكملت بِه حياتها‪ ،‬ما خلف بابي الشابة التي حاربت وكافحت‬
‫وتألمت حتى وصلت‪.‬‬
‫واليوم أنا شابة بعمر الثالثين ربيًعا‪ ،‬من عائلة بسيطة تتكون من أم‬
‫وأب وأخت وأخ‪.‬‬
‫منذ نعومة أظافري حملُت وراء بابي قصًصا مؤلمة‪ ،‬فأنا الطفلة التي‬
‫أنفصل والداها وعاشت بعد غياب أبيها في شجن ومحن ال يعلمها‬
‫إال الله‪ ،‬أمي حاولت أن تسعى في الحياة بقدٍم وساق دون معونة‬
‫أبي؛ لكي توفر لي وألختي الحياة الكريمة في غياب أبي الذي يعيُش‬
‫حياًة ميسورة مترفة بعيد عنا‪ ،‬فكانت أمي تعمل ليل نهار‪ ،‬ففي‬
‫النهاِر تبيع الحلويات وليًلا تسهر على نقش الثياِب بالخيِط واإلبرة‬
‫وتبيعها صباًحا‪ ،‬أمي إنسانٌة مكافحة وأخذُت من طباعها هذِه الصفة‬
‫الحسنة‬


‫أتعرفون كيف كافحُت في الحياة ؟‬
‫حينما كنُت في المدرسة الطالب كانو يعايروني بثيابي الباهتة‬
‫والمكررة التي أرتديها كل سنة‪ ،‬لم يكن لدي أصدقاء وال شخص‬
‫يهون عليا تعب الدراسة والحياة‪ ،‬ولم أكن أبالي بذلَك فمرت‬
‫سنوات دراستي في األساسي والثانوي بالعمِل مع أمي والدراسة‬
‫مًعا‪ ،‬ال أنكر الفراغ العميق الذي بداخلي بعد غياب أبي وشوقي‬
‫وحنيني له الذي كان يرهقني ويتعبني نفسًيا وأوقاٍت كثيرة يصل بي‬
‫الحال إلى المرض جسدًيا من التفكير والحزن على الليالي الحزينة‬
‫دون أبي‪ ،‬فال أعرُف ما الغلط الذي أقترفناُه في حق أبي الذي‬




‫‪14‬‬
‫هاجرنا ورحل‪ ،‬حاولُت البحث والعثور على أبي سألُت عنه القريب‬
‫والبعيد‪ ،‬وفي كل مرًة أعود فيها من بعد البحث عنه مخيبة األمل‬
‫محطمة القلب مرهقة الجسد‪ ،‬حاولت وحاولت كثيًرا ولكن‬
‫لآلسف دون جدوى لم أجد أبي ولم أسمع عنه شيًئا منذ أن كان‬
‫عمري خمس سنواٍت‪ ،‬واآلن أنا في العشرين خريًفا ولم أذق طعًما‬
‫حلًوا للحياة؛ بسبب العيشة الضنكة ومملة والروتينية التي أعيشها‬
‫فلو كان أبي معنا ما كنُت أعيُش هذِه الحياُة الصعبة‪ ،‬ولكن ماذا يفيُد‬
‫التمني والتحسر ماذا يفيد هل سيأتي بأبي؟‬
‫نحن ال ننسى الحزن بل نتعايش معه‪.‬‬
‫لن أنسى ذاك اليوم‪ ،‬عندما كانت أختي تلعب مع بنات الجيران حتى‬
‫شعرت بالدوار وغابت عن الوعي‪ ،‬بدأ االطفال يصرخون‪ ،‬خرجنا‬
‫وجدنا أختي ملقاة على االرض فبسرعة البرق أسعف جارنا أختي‬
‫للمستشفى‪ ،‬وشّخصها الطبيب وأجرى جميع الفحوصات الالزمة‬
‫لها وقضينا تلك الليلة القاسية في دوامة التفكير‪.‬‬


‫ما الذي سيحصل؟‬


‫في اليوم التالي‪ ،‬ذهبنا إلى الطبيب أخبرنا بأبشع خبر مؤلم‪ :‬أختي‬
‫تعاني من مرض السرطان‪.‬‬
‫كان الخبر بمثابة صخرة ُأطلقت على زجاٍج فتكسر ألجزاء صغيرة‬
‫يصعب ردُه كما كانت‪.‬‬
‫ُعدنا للبيت نساند بعضنا وكلنا أمل بأن الوضع سيتغير لألحسن رغم‬
‫قلة حيلتنا‪.‬‬
‫مرت األيام‪ ،‬تركُت مستقبلي ودراستي‪ ،‬وبدأنا أنا وأمي في العمل‬
‫المكثف لتوفير العالج والطعام‪ ،‬وأختي أمام أعيوننا تتألم وتزداد‬
‫الخاليا المؤذية في جسدها يوٍم عن يوم حتى بدأت بعالج‬
‫الكيماوي‪.‬‬






‫‪15‬‬
‫بعد خروجنا من المستشفى في أول جلسات الكيماوي ألختي وقفت‬
‫متأملة أختي كيف تقاوم والدمع ال إرادًيا ينهمر من عيناها الجميلتين‪،‬‬
‫نعم! أختي الزهرة المتفتحة والمشرقة تذبل أمام عيني‪.‬‬


‫تًبا لخاليا السرطان الذي جعلت اختي كالملٍح ذائٍب بماء‪.‬‬


‫بعد أخذ أختي لجرعات الكيماوي‪ ،‬انطفأ نورها‪ ،‬سقط شعرها‪ ،‬أصفر‬
‫لونها‪ ،‬نحف جسمها‪ ،‬أصبحت باهته‪.‬‬


‫السرطان يحتاج قلب قوي يقاوم خالياه‪.‬‬


‫طغى علي التفكير بمرض أختي التي تموت حية‪ ،‬بدأُت أفكر كثيًرا في‬
‫العالج الباهض ثمنه حتى تاهت نفسي في دوامة التفكير؛ فلم يكن لدي‬
‫حٌل سليم سوى البحث عن أبي المختفي منُذ سنوات‪.‬‬


‫تركُت أمي وأختي وذهبُت دون تفكير مسرعة لصديق أبي القديم الذي‬
‫اسأله عن أبي رغم أني أعرُف جوابُه على سؤالي المتكرر‪.‬‬
‫ولكنني‪ ،‬ال أستسلم ابًدا وسأجد أبي بإذن الله‪.‬‬
‫لكن هذِه المرة فارقٌة عن جميع زياراتي المتكررة؛ فقد أعطاني صديق‬
‫أبي جواًبا لسؤالي حينما أخبرني بأن أبي موجود بمدينتنا منذ ايام‪ ،‬أمٌل‬
‫دخل بقلبي كتب لي عنوانه فذهبت إليه وكلي أمل وتفاؤل‬
‫‪.‬‬

‫دخلت بيته وحينما رأيته أنهمرت دموعي الإرادًيا حامله‬


‫معها سنوات من األلم والفقدان والعتاب أيًضا‪.‬‬
‫رويُت ألبي ما حدث في غيابِه ألتفاجأ من ردِه البارد قائًلا ‪:‬‬
‫آسف ال أستطيع مساعدتكم؛ فأنا ال أملك من المال مايكفي‬
‫للعالج‪.‬‬
‫تدندن كالم أبي كطلقات نار بمسمعي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫بعد تجميعي للمعلومات عن أبي أكتشفت أن لدي أخ من زوجة‬
‫أبي اُألوروبية‪ ،‬وأن زوجته هي من تتصرف بأمواله فكل ثروة أبي‬
‫لها‪ ،‬عرفت أيًضا أن البيت الفاره الكبير والشركة ومحالت‬
‫الماركة الخاصة بأبي مسجله باسمها‪ ،‬خدعت أبي وقالت أنها‬
‫سُتسجل جميع هذِه الثروة إلبنها الصغير حين يكبر‪ ،‬ولكن تركته‬
‫هو وأبنه ورحلت عنهم‪.‬‬
‫ألن لكل فعل رد فعل قست علّي الحياة فقسوت عليها‪.‬‬


‫مرت السنوات‪ ،‬ولم يحتمل أبي خسرانُه ألمواله وثروتُه التي‬
‫أختلستها زوجته فأصيب بوعكة صحية مما جعلته طريح الفراش‪،‬‬
‫بعد ما الحظ الطبيب تشافي أختي وتعافيها تدريجًيا أوقف عالج‬
‫الكيماوي حتى شفيت من السرطان كلًيا وكان الخبر جبر لما‬
‫كسرُه الدهر بنا‪ ،‬وأقمنا حفلة بسيطة بسبب هذا الخبر المفرح‪،‬‬
‫وكانو من بين حضور هذِه الحفلة أبي وأخي بعدما أنتقلوا للعيش‬
‫معنا‪ ،‬ورغم ما قاسيتُه من الظروف ولكن أكملت دراستي‬
‫وتخرجت منها بعمر الثمانية والعشرين ربيًعا‪ ،‬وفي يوم تخرجي‬
‫وفرحتي وقفت على منصة الكلية وألقيت كلمة للجمهور وألبي‬
‫وأمي وأختي وأخي الجالسين بين الجمهور ينظرون لي بنظارات‬
‫فخر‪ ،‬ألقيُت كلماتي المرتبة كاآلتي‪:‬‬


‫السالم عليكم

‫ورحمة الله وبركاته‬
‫أعلم بأن بعضكم يعرف قصتي ومن أنا‪ ،‬ومن ال يعرفني فأنا‬
‫من كافحت واجتهدت في سبيل سعادة عائلتها وتحقيق‬
‫حلمها‪ ،‬أجزمُت أن الشيء مستحيل بين تحقيق حلمي وبين‬
‫القدر العصيب الذي أختاره الله لي‪ ،‬أمنت بنفسي وأكملُت‬
‫خطاي نحو طريق المعاناة والحلم‪ ،‬ظنيُت بالله حسن ظن‬
‫فأعطاني الله خير قدٍر وأمنت بأن ربي لن ينساني وسيدخل‬
‫النور بداخلي المظلم‪ ،‬وها أنا اليوم حققُت حلمي واسمي‬
‫أندرج بين الخريجين الناجحين‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫فنصيحتي لكم‪:‬‬
‫ال تستسلموا‪ ،‬قاوموا الحياة وال تقلقوا من المستقبل واأليام الصعبة‪،‬‬
‫تأكدوا الله سيعطيك القوة والصبر مثلما أعطاني‪ ،‬فأنا لم أكن اتخيل‬
‫يوًما أن أقوى على ما حل بي‪.‬‬
‫وتذكروا االية الكريمة‪َ{ :‬وَعَسى َأْن َتْكَرُهوا َشْيًئا َوُهَو َخْيٌر َلُكْم َوَعَسى‬
‫َأْن ُتِحُّبوا َشْيًئا َوُهَو َشٌّر َلُكْم َوالَّلُه َيْعَلُم َوَأْنُتْم َلا َتْعَلُموَن}‬
‫صفق الجميع لي فبعضهم أدمعت عيناه من كالمي گأمي وأبي ‪.‬‬


‫مرت االيام‪ ،‬وبدأت أعمل بشهادتي الجامعيه بجد وكد‪ ،‬وأثبُت‬
‫وجودي في فترة وجيزة ونجحت في عملي الحظوني المسؤولين‬
‫ونلُت ثقتهم ومنحوني أعلى الترقيات حتى أصبحت اليوم نائب‬
‫رئيس في شركة عالمية‪.‬‬
‫أنشغلُت في عملي ولكن لم أنسى عائلتي ثانية‪ ،‬أعمل ليل نهار ألوفر‬
‫لهم سبل العيش الكريم‪ ،‬تأقلم أخي بالعيش معنا وألتحق بالمدرسة‬
‫وأختي أكملت دراستها‪ ،‬خففت ضغط العمل على أمي وأفتتحُت لها‬
‫متجر لبيع الحلويات وأصبح اليوم ال يخلو من الزبائن ابًدا‪ ،‬وأبي الزال‬
‫على حالِه ولكن مرتاح نفسًيا يحمد الله ويستغفره ليل نهار‪.‬‬
‫أنبهرت عائلتي بي وبإنجازاتي والنجاحات التي قدمتها مؤخرًا‪ ،‬ففخر‬
‫عائلتي بي هذا أكبر نجاح قدمته في حياتي‪.‬‬

‫رغد جمعة‬

‫‪18‬‬
‫غيمة الرضا‬
‫مريم أحمد‬
‫غيمة الرضا‬
‫ضغط على خياِر التنزيل ثم ارتمى على سريره متنهًدا ككِل مرٍة يكمل‬
‫فيها كتابَة نٍّص ما‪ ،‬وكأنه يزيُح بعًضا من الصخور التي ُتثقل كاهله‬
‫بهذه الطريقة ولكن‪ ،‬ال شيء جديد‪ ،‬ال شيء يتغَّير‪ ،‬أصبح ال ُيطيق نمط‬
‫حياته الذي أصبح سوداوًّيا فجأة‪ ،‬بل حتى نصوصه اصطبغت باللون‬
‫األسود‪ ،‬ال حياَة فيها!‬


‫وصل إشعار المنشور إلى الُمتابعين المتّلهفين لقراءِة ُكل ما يكتبه‬
‫مجد‪ ،‬والذي أجمع عليه متابعيه أن لنصوصه وقٌع في الروح لم يروا‬
‫مثيال له‪ ،‬وكأنها بمجرد قراءتهم لها تتخلل قلوبهم‪ ،‬إنها الخاطرُة‬
‫العشرين على التوالي التي يستشعر قارئها أن من كتبها في خطٍر‬
‫محدق‪ ،‬وأن الدائرَة السوداء تضيق عليه رويًدا رويًدا ولم يبق القليل‬
‫حتى تصل لعنقه وتخنقه!‬


‫مجد شاٌب يبلغ الخامسَة والعشرين من عمره‪ ،‬يعيُش بعيًدا عن‬
‫والديه‪ ،‬في أحد أحياء اإلسكندرية الفاخرة‪ ،‬لم ُيكمل مسيرته في‬
‫الجامعة‪ ،‬وحسمها عندما قرر أن يتبع حَّسه األدبي وأن ترى نصوصه‬
‫النور وأخيًرا‪ ،‬ال ُتعيقه المقّومات المادية‪ ،‬وهو الذي منذ نعومِة‬
‫أظفاره يعيُش في نعيم‪ ،‬لم يجرب يوًما قرصة جوٍع أو خيبَة أمل‬
‫جّراء نقصان المال‪ ،‬ولم يعش قُّط وسَط من هم يكادون يسعلوَن‬
‫الُتراب‪ ،‬البَّد أن يكون سعيًدا بهذا أليس كذلك؟‬
‫ولكّنه على عكِس ذلك تماًما‪ ،‬هناَك هّوٌة كبيرٌة تخترُق قلبه‪ ،‬وكأن‬
‫هناك جزء منه مفقود‪...‬‬


‫فتح عينيه على صوِت إشعار رسالٍة جديدة‪ ،‬إنه أحُد األصدقاِء‬
‫الُقدامى‪ ،‬الذي الزال ُيِّصر عليه بالذهاِب إلى المسجد وُمحادثِة الشيخ‬
‫لعّله يجُد حًّلا ما لمشكلِة مجد‪ ،‬وبعد الكثير من محاوالِت الصِّد‬
‫رضخ أخيًرا وقّرر الذهاب‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫إنها شوارع اإلسكندرية المكتظُة بالسكان‪ ،‬بشٌر تحكي تقاسيُم‬
‫وجوههم الكثيَر من الِحكايات‪ ،‬تلك الحكايات التي ال ُترى بالعيِن‬
‫المجردة‪ ،‬وإنما بعيِن القلب‪.‬‬


‫وصل مجد أخيًرا للمسجد‪ ،‬رفع ناظريِه إلى الِمئذنِة سائًلا نفسه عن‬
‫آخر مرٍة كان بهذا القرب من بيِت الله‪ ،‬تحّرك شيء ما في داخله‬
‫يخبره أنه في المكاِن الصحيح‪ ،‬ومن محاسِن الصدف ُأقيمت صالُة‬
‫العصِر حينها‪ ،‬وتوافَد الجميع إلى الداخل ُمسرعين‪ ،‬نزل من سّيارته‬
‫الفارهة‪ ،‬توَّضأ فدخل ثم وقف في الصف ينظُر يميًنا وشماًلا‬
‫لُمساواِة الصفوف‪ ،‬كَّبر اإلمام تكبيرًة تشرُح الصدر معه‪ ،‬وتشعرك‬
‫بمهابِة لقاء الله وِعظم هذا المكان‪ ،‬وساد الصمت‪ ،‬ذلك الصمُت‬
‫الذي ال يكسره إال تمتمات الُمصلين‪ ،‬ذلك الهدوُء الغريب الذي قّلما‬
‫نشعر به خارَج هذا المكان‪ ،‬اختبر مجد كل هذه المشاعر دفعًة‬
‫واحدة‪ ،‬ويا له من شعوٍر َمهيب على قلٍب واحد في دقيقٍة واحدة!‬


‫تناثرت تلك الجموع من الناس بعد فراغهم من الصالة‪ ،‬منهم من‬
‫اتخذ من زوايا المسجِد متكًأ يقرأ القرءان‪ ،‬ومنهم من خرج‪ ،‬وبينما‬
‫تتقلب عيون مجد هنا وهناك لفت نظره رجل عجوز تشعرك هيأته‬
‫أنه ال يملك سوى ذلك الجنيه الذي أخرجه من جيبه وتصَّدق به‪،‬‬
‫زاد من ذهول مجد تقبيُل العجوز لكِّف يده وظهرها حامًدا لله‬
‫مبتسًما! تلك االبتسامة التي أصبحت مهمًة صعبًة عليه وهو يملُك‬
‫ُكل شيء‪...‬‬

‫هَّز رأسه يبعثر مئات األفكار والخواطر التي مألته‪ ،‬ثم ذهب‬
‫حيث جلس الشيخ‪ ،‬استأذنه بالجلوس فأذن له ثم جلس‪ ،‬شيٌخ على‬
‫مشارِف السبعين‪ ،‬توحي لحيته البيضاء الطويلة بحكمِة سنواِت‬
‫عمره الطويلة أيًضا‪ ،‬لم يستطع مجد في بادئ األمر أن يفتتح‬
‫الموضوع الذي أتى ألجله‪ ،‬ليسهل عليه الشيخ ويسأله متفهًما الحيرَة‬
‫التي تشع من عينيه الباهتتين‪" :‬لديَك هٌّم ما يا بني‪ ،‬أخبرني به‬
‫وسنجد حًّلا ان شاء الله"‬

‫‪20‬‬
‫انطلق لساُن مجد كمن كان ينتظر هذه الفرصَة طويًلا‪ ،‬خصيصى‬
‫بعدما َأملى عليه قلبه أن خالص محنته سيكون على يِد هذا‬
‫الشيخ‪" :‬يا شيخي إِّني ال أذوق طعم السعادِة في هذه الحياة‪ ،‬لسُت‬
‫أدري لَم أستصعُبها رغم أنني ال أشكو من شيء‪ ،‬رغم أنني أملُك‬
‫كل شيء‪ ،‬لدي عائلة ذو سلطة‪ ،‬ولدي المال والكسب‪ ،‬األصدقاء‬
‫والشهرة‪ ...‬رغم هذا كله أشعُر وكأنني ال أملُك شيًئا‪ ،‬وكأنني تائٌه‬
‫لسُت أدري أين أنا من هذا العالم الكبير"‬
‫ثّم أخفض ناظريه وفرَك يديه ُمستحًيا‪" :‬ال أخفي عليك يا شيخي ال‬
‫أذكر متى كانت آخر مرٍة صليُت فيها فرًضا‪ ،‬ولكنني أقسم لك‬
‫أنني لم ُأؤذي مخلوًقا قط‪ ،‬وال أقرُب الحرام‪ ،‬فما الذي فعلته‬
‫ليعاقبني الله بهذا الشكل؟ إنني والله ال أذوق طعم النوم من ضيق‬
‫صدري!"‬


‫تبَّسم الشيُخ في وقار وهَّز رأسه ُمتفهًما‪" :‬أخبرتني أنه ال ينقصك‬
‫شيٌء في هذه الدنيا يا بني أليس كذلك؟"‬
‫رَّد مجد متلهًفا‪ ":‬نعم"‬
‫ثم سأله الشيخ بنبرِة الُمعاتب‪" :‬وهل حمدَت الله على ما أعطاك؟"‬
‫صمت مجد والتمس الشيخ الخجل في عينيه اللتيِن يقلبهما في‬
‫محجريهما فهَّز رأسه وتابع كالمه‪" :‬أنت تقول أنك تملك كل‬
‫شيء ولكنك مخطٌئ يا بني‪ ،‬ينقصك شيٌء واحٌد أثمُن من كل‬
‫تملك‪.‬‬
‫مستنكًرا‪ ":‬أخبرني ما هو إًذا؟"‬

‬ ‫عقد مجد حاجبيه‬
‫أجاب الشيخ مبتسًما‪ " :‬إنه الرضا يا بني‪ ،‬غنيمُة الرضا‪ ،‬هذا‬
‫ما ينقُصك‪ ،‬صحيح أن يداَك ممتلئتان ولكن قلبك فارغ‪ ،‬ليكن‬
‫قلبك مليًئا بالرضا ولن يضرك إن كانت يداك صفًرا‬
‫ببساطٍة شديدة اقتنع مجد بتلك الكلمات التي لم تمَّر بباله‬
‫يوًما‪ ،‬لم يكن لها مساحٌة في عقله وقد احتَّل التذمر والكنود‬
‫حياته‪ ،‬ولّوثها كلها‪ ،‬استفاق من الحقائق‪-‬التي بدأت تقفز أمام‬
‫عينيه وتتصادم ببعضها محدثًة ضجًة كبيرًة في دماغه‪ -‬على‬
‫صوِت الشيخ الهادئ‪ ":‬أال تعلُم يا بني أن الله أنعم عليَك بنعٍم ال‬
‫تعُّد وال ُتحصى؟ "‬

‫‪21‬‬
‫لألسف أعمت تلك الغمامُة عينيك فِبَّت ال ترى أًّيا منها رغم‬
‫ِعظمها‪ ،‬إن النعم ال تدوم إال بالشكر‪ ،‬ورغم أنك جحدت بها ولم‬
‫تشكر الله عليها ولم ترَض بحالك لم يحرمك الله منها بل أمهلك‪،‬‬
‫وهذه نعمٌة عظيمٌة أيًضا!‬
‫أخبرتني أنك تملك عائلًة صحيح؟‬
‫التفت وراءك وسترى فاقًدا لهذه النعمة" التفت مجد فوجد صبًّيا‬
‫يقرأ القرآن ثم أعاد النظر للشيخ بعدم فهم فأوضح له الشيخ‪" :‬إنه‬
‫يتيم األِب واألم‪ ،‬لم يرهما في حياته‪ ،‬يكفله أحد الشيوخ‪ ،‬تخّيل‬
‫نفسك مكانه وستدرك كم أنك في نعمة" ثم صمت الشيخ قليًلا‬
‫يقرأ مالمح مجد التي أوضحت أنه استوعب ما قاله جيًدا‪.‬‬


‫أمسك الشيخ المصحف الذي بجانبه وقام بفتحه‪" :‬أترى هذه‬
‫الصفحات؟ أنت ال تشعر بأدنى صعوبٍة عند قراءتها‪ ،‬وترى هذه‬
‫الحروف جيًدا وتفهم ولكن غيرك يتمنى لو أن بإمكانه رؤيتها‬
‫وقراءتها كما تفعل أنت‪ ،‬يتمنى أن يعرف ما شكُل هذه األرض التي‬
‫تمشي عليها‪ ،‬وما هيئُة ذاك العصفور الذي يسمع صوته الجميل‪،‬‬
‫بل هناك من لم يسمعه قُّط في حياته" هذه المرة أخفى مجد وجهه‬
‫بين يديه متأثًرا‪ ،‬حامًدا لله في خجٍل وشفقٍة على حاله!‬
‫فأكمل الشيخ كالمه‪" :‬أنت‪-‬ولله الحمد‪ -‬تستيقظ وتنام على‬
‫صحٍة وعافية‪ ،‬ال ُيداهمَك األلم فيقلق مضجعك‪ ،‬وال يحيُط بك‬
‫الخوف فيمنع تسلل النوم لجفونك‪ ،‬لديك منزٌل يؤويك‪ ،‬ال تبيُت‬
‫جوعاًنا‪ ،‬وال تناُم برداًنا‪ ،‬أوليست كل هذه النعم تستحق أن تحمد‬
‫الله عليها ليَل نهار؟‬
‫ُمشكلتَك يا بني أنك ال تنظر لمن هم أقل منك‪ ،‬ال ترى هموم الناس‬
‫حولك‪ ،‬فلن تقدر قيمَة حياتك تلك التي يتمناها اآلالف من البشر‬
‫ويغبطونك ويحسدونك عليها!"‬
‫هَّز مجد رأسه وقد أغرق الدمُع عينيه‪ ،‬قال بصوٍت متهِّدٍج‪:‬‬
‫"فهمُت يا شيخي فهمُت" وداخله يأكله الندم على تقصيره في‬
‫جنب الله‪ ،‬آلمه قلبه على جحوده ذلك‪ ،‬وأنه لم يستشعر رحمة‬
‫الله به وعطاءه الواسع‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫قال الشيخ‪" :‬أنا ال أقلُق عليك بعد اآلن" ثم رفع يده ُمشيًرا على قلِب‬
‫مجد‪" :‬إَّن معدنك نظيف‪ ،‬وقلبك طّيب‪ ،‬ولتعلم أنك بخطوتك التي‬
‫خطوتها داخل هذا المكان فتحَت عليَك أبواب الخيِر والصالح‪،‬‬
‫سيُدُّلك الله على الطريق الصحيح‪ ،‬وسينيُر بصيرتك‪ُ ،‬أوصيَك‬
‫بالدعاء يا بني‪ ،‬إن الله ال يرُد عبًدا قد أتاُه ورفع يديه في ِرحابه‬
‫سائًلا الهداية‪ ،‬حاشاُه أن يرّدك‪ ،‬ال تبرح مكانك حتى تجد ضاّلتك‪،‬‬
‫وأظُّن أنك وجدتها والحمُد لله"‬


‫تنهد مجد مبتسًما وكأن هًما ثقيًلا ُزحِزح عن صدره‪ ،‬نهض من‬
‫مكانه ُمسرًعا‪" :‬قد وجدتها بالفعل يا شيخ وجدتها" هَّم مغادًرا‬
‫ولكَّنه رجع مرًة أخرى كمن نسي شيًئا "أعدَك أنها لن تكون‬
‫خطوتي األخيرة في هذا المكان" ثم اتسعت ابتسامته التي بدا عليها‬
‫مسحة االمتنان‪" :‬لن تفيَك كلماُت الشكر حَّقك‪ ،‬رغم ذلك أنا ممتٌّن‬
‫جُّدا لك على معروفك هذا" ثم قّبل رأسه وعانقه الشيخ بحفاوة‬
‫قائًلا‪" :‬يَّسر الله لَك يا بني‪ ،‬هذا واجبنا"‬
‫خرج مجد من المسجِد وعاود التأمل في مئذنته مرًة أخرى‪ ،‬ولكن‬
‫هذه المرة بروٍح حَّية‪ ،‬وبنظرٍة مشرقٍة كالشمس‪ ،‬والزالت ابتسامته‬
‫الراضية تغزو محياه‪ ،‬وال ينفك قلبه عن حمد الله‪.‬‬

‫مريم أحمد‬

‫‪23‬‬
‫قناع القدر‬
‫حنين يوسف الزليطني‬
‫قناع القدر‬
‫قطرات الدم في كل مكان‪ ،‬لقد حانت لحظتي‪ ،‬وإن كانت مدلهّمة‬
‫فأنا كنُت أنتظرها بفارغ الصبر‪ ،‬لحظة الموت!‬
‫نعم‪ ،‬أنا هي نرجس ذات الثمانية عشر خريفًا مؤلمًا‪ ،‬ابنة األرياف‬
‫وهوائها العليل‪ ،‬آه كم أحببت حياتي هنا‪ ،‬حياة تخلو من كلمات‬
‫الحزن‪ ،‬حياة َينثر فيها الورد عبقُه‪ ،‬حياة بين أحضان أبي وأمي‪،‬‬
‫بالطبع ال مكان للحزن هنا بيننا!‬
‫أعيش حياتي بكل هدوء‪ ،‬أستيقظ صباحًا في غرفتي ذات األلوان‬
‫الزاهية‪ ،‬استقبل يومي بابتسامة رقيقة‪ ،‬أجّهز نفسي للذهاب إلى‬
‫بيتي الثاني‪ ،‬مدرستي‪ ،‬أخرج حاملًة حقيبتي ألجد أمي قد‬
‫حضرت لنا الفطور‪ ،‬أجلس أنا وهي وأبي نتبادل أطراف الحديث‬
‫الصباحي اللطيف‪ ،‬رائحة الكعك والشاي بالنعناع‪ ،‬روائح اعتدُت‬
‫عليها ومع ذلك تبهرني كل يوم بروعتها‪ ،‬أوّدع أمي وأبي بقبلة على‬
‫خديهما يتبعها حضن دافئ‪.‬‬


‫في طريقي لمدرستي الحبيبة‪ ،‬أصّبح على كل مار‪ ،‬العم عامر‬
‫صاحب سوق البقالة‪ ،‬جارتنا مريم الخبازة وابنتيها‪ ،‬الحداد‬
‫والنجار وكل من هو في طريقي‪ ،‬حتى الطيور واألزهار‪ ،‬أمر على‬
‫صديقَتّي اللتان تنتظرانني يوميًا بجانب النهر الالمع‪ ،‬يستقبالنني‬
‫بشدة وبهاء كأنما لم نَر بعضنا منذ قرون بينما كنا سوية باألمس‪.‬‬

‫آه كم أحببت مدرستي ومعلماتها وكل ما يتعلق بها‪ ،‬أعود‬


‫للبيت عند الغروب‪ ،‬لتأخذني أمي ونذهب إلى العم كمال‪،‬‬
‫طبيب منطقتنا‪ ،‬أحّب الذهاب إليه جدًا؛ فهو طبيب جيد‬
‫ولطيف‪ ،‬خاصة مع طفلة مثلي‪ ،‬ألكون صادقة ال أعلم لَم‬
‫أذهُب إليه يوميًا مع أنني واثقة أنه ال شيء يؤلمني‪ ،‬بين كل‬
‫هذه التفاصيل فقد كرهُت جدا تلك األدوية التي يعطيني‬
‫إياها والتي أجهل سببها تمامًا‪ ،‬ولكنني أتغاضى عن ذلك‬
‫لمجرد رؤية أمي تبتسم لي برقة كشعاع الشمس عند‬

‫‪24‬‬
‫الغروب‪ ،‬نعود للمنزل سويًا لنجد أبي ينتظرنا‪ ،‬أركض الحتضانه وأخذ‬
‫هدية منه ال يفوت يوم دون أن يحضرها لي‪ ،‬تارًة يحضر لي كتابًا‪ ،‬وتارة‬
‫أخرى قلمًا على شكل جوهرة‪ ،‬تعددت هداياه ولكنني أحبها جميعًا‪،‬‬
‫ينتهي يومي بعد العشاء وأخلد إلى النوم بعد كتابة كل ما أمر به في‬
‫مذكراتي اليومية‪ ،‬فأنا لطالما هويُت الكتابة‪.‬‬
‫هذه أنا وهذه حياتي التي أحببتها جدًا‪ ،‬ولكن!‬
‫جاء يوٌم ليغير معايير الهدوء التي اعتادتها أيامي‪ ،‬يوٌم تغيرت حياتي من‬
‫بعده تغيرًا قاسيًا‪ ،‬ال تتحمسوا كثيرًا فما سيأتي من حزن يجعل دمع‬
‫العيون دمًا!‬
‫الرابع وعشرون من ديسمبر عام ‪1983‬م‬
‫هذا كان اليوم الذي غّير حياتي جذريًا‪ ،‬وما حدث في هذا اليوم ال‬
‫ُينسى‪ ،‬ال ُينسى أبدًا!‬
‫استيقظُت في تلك الليلة بعد منتصف الليل‪ ،‬أسمع صوت بكاء أظن‬
‫أنني لم اسمعه قبًال‪ ،‬إنها أمي تبكي بشدة وأبي يواسيها!‬
‫ما الذي يحدث بحق؟‬
‫ذهبُت وأنا أسابق خطواتي‪ ،‬ليستوقفني فجأة كالم أبي‪" :‬ال تخافي يا‬
‫رؤى‪ ،‬ابنتنا ستكون بخير‪ ،‬أعدِك أنني سأجمع مبلغ عمليتها قبل فوات‬
‫األوان"‬


‫مهال لحظة!‬
‫هل قال عملية للتو؟ ما الذي بي؟ لَم قد أحتاج لعملية؟‬
‫"كال يا قيس‪ ،‬لن أنتظر حتى نجمع المبلغ فحياة ابنتي بخطر محدق‪ ،‬إن‬
‫زاد ثقب قلبها مليمترًا آخر فقد ال نستطيع إنقاذها‪ ،‬ال أريد خسارة ابنتي‬
‫في هذا العمر‪ ،‬سأبيع آخر ما تبقى لي من إرث عائلتي وأنقذها‪".‬‬
‫ثقب في القلب؟ هل تمزحون معي؟‬
‫قمُت بتغطية أذنّي وعدُت إلى غرفتي مثقلة الخطوات‪ ،‬لم استطع النوم‬
‫تلك الليلة حتى الصباح‪ ،‬صباح تمنيُت عدم قدومه‪ ،‬في ذلك الصباح‬
‫أخبرني والداي أنهما سيسافران‪ ،‬وأنني سأبقى عند خالتي‪ ،‬لم استطع‬
‫توديعهما بابتسامة كما اعتدُت‪ ،‬بقيُت عند خالتي لمدة أسبوع‪ ،‬كانت‬
‫تعاملني بطيبة مفرطة ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان‪ ،‬عندما كنُت‬
‫أنتظر أمي وأبي ليأخذاني إلى منزلنا‪ ،‬يبدو أنهما قد خذالني!‬

‫‪25‬‬
‫"لم يعودا أبدًا ولن يفعال" ‪ ،‬كانت هذه كلمات خالتي لي لتصعقني‬
‫بعدها بخبر موتهما في حادث سير‪ ،‬وتغيرت معاملتها لي تمامًا‪،‬‬
‫فقد صرُت لها خادمة بعدما كنُت أعيش حياة هادئة راقية‪ ،‬لم تعد‬
‫تتركني أذهب إلى المدرسة‪ُ ،‬حِبست في ذلك المنزل اللعين الذي‬
‫لطالما كرهته‪ ،‬ازدادت معاملتها لي سوًء يومًا بعد يوم‪ ،‬وبعد مرور‬
‫بضع شهور‪ ،‬إنه يوم ميالدي‪ ،‬ها قد صرُت بعمر الثامنة عشر‬
‫وأخيرًا‪ ،‬بإمكاني الخروج من هذا الجحيم والعيش براحة من جديد‪،‬‬
‫ولكن خالتي لم تسمح لي بذلك‪ ،‬ولكن كان هذا بطريقتها!‬


‫في صباح يوم ميالدي‪ ،‬استيقظت خالتي وجاءت تحتضنني!‬
‫تبدلت معاملتها حرفيا‪ ،‬فقد اشترت لي هدايا ومالبس جديدة‪،‬‬
‫أخذتني إلى مدرسة جديدة حتى ولو لم تكن في مستوى مدرستي‬
‫القديمة لكنها جيدة‪ ،‬بدأت تعاملني بحذر شديد ولين محتّجة بأن‬
‫خبر موت والدتي قد كان صدمة لم تتقبلها وظهر أثرها علّي لظّنها‬
‫بأنني السبب‪ ،‬ولكن نواياها قد اختبأت خلف ذلك القناع‪ ،‬فقد‬
‫ضحكت علّي وأنا كنُت أصدقها‪ ،‬جردتني من كل ما أملك بعدما‬
‫جعلتني أوقع لها على ورقة كنت أجهل محتواها‪ ،‬ورقة تنازٌل عن‬
‫كل أمالِك والدّي‪ ،‬انتهى كل شيء‪ ،‬سأبقى حبيسة هنا لألبد‪ ،‬لم‬
‫أرَض بذلك‪ ،‬انهرت تمامًا‪ ،‬شعرُت بوخز شديد في قلبي‪ ،‬فعًال إن‬
‫ما يحدثه الحزن لهو أمر كريه!‬
‫لم أستطع التحّمل‪ ،‬ازداد األلم مع ازدياد اللحظات التي تمر‪ ،‬ليس‬
‫لي من حّل آخر‪ ،‬يبدو أنني سألحق بأهلي قريبًا‪ ،‬تناولُت أقرب‬
‫شيء حاد كان بقربي‪ُ ،‬ألنهَي حياتي تمامًا بوخزة واحد في وريد‬
‫يدي‪ ،‬تتبعها صرخُة ألٍم هّزت األرض هزًا‪ُ ،‬صِدمت خالتي من هول‬
‫ما رأت‪ ،‬وصار طيفي يحيط بها في كل مكان طالبًا اإلنتقام‪ ،‬ليصيب‬
‫خالتي بالجنون جّراء ذلك‪ ،‬إنها الشرطة وأخيرًا قد أتت‪ُ ،‬حبست‬
‫تلك المجنونة بتهمة القتل‪ ،‬وذهبت روحي إلى أهلها في السماء‪،‬‬
‫هذه كانت نهاية حياتي الهادئة التي لم تُدم ‪.‬‬



‫‪26‬‬
‫وهكذا كان القدر المقنع‪ ،‬يخفي نفسه في طيات عالمنا‪ ،‬يتبّدل‬
‫قناعه بتبّدل األيام‪ ،‬ال شيء يبقى على حاله وهو موجود‪ ،‬ولكن‬
‫ما من شيء يمكننا فعله سوى اإليمان والرضا به‪ ،‬فهو أمر ليس‬
‫بيدنا‪.‬‬

‫حنين يوسف الزليطني‬

‫‪27‬‬
‫محطة النهاية‬
‫سمية علي الرملي‬
‫محطة النهاية‬
‫عتمة قاحلة‪ ،‬باًبا مغلق‪ ،‬أصوات عقارب الساعة وحدها تجعلك تشعر‬
‫إنك فوق األرض‪َ ،‬مر خيالك امامي مثل خيط الضوء ِفنفق ُمغلق اراك من‬
‫بعيد أنَت هنا وهم معنا ولكننا في الناحية االخرى من العالم حيث ال‬
‫يوجد أحد وال حتى أنا‪ ،‬حسًنا‪ ،‬هل هذا أنَت؟ صوت شهقاتك تأتيني من‬
‫بعيد‪ ،‬لماذا؟ أنَت خائف ألست ُشجاًعا‪ ،‬ام سلبتك قوتك ايًضا كما‬
‫سلبتك حريتك؟ ال مفر‪ ،‬أنَت لي‪ ،‬أرتضيت ِبهذا‪ ،‬توقف أنا أخبرك فقط‬
‫ال يهم قبولك‪ ،‬أخبرتك يوًما األكثر ُحًبا يفوز في النهاية‪ ،‬ها أنا فزت بك‪،‬‬
‫مقيًدا بي امتلكت فؤادك وترعرعت ِبداخل أفكارك تبحث عني هنا‬
‫وهناك وال تجدني‬
‫ال تبحث‪ ،‬أنا قريبة جًدا‪ ،‬ال تلتفت سيراك أحدهم‪ ،‬هم ال يريدونك هنا‪،‬‬
‫فقط أنا أريدك أنا‬
‫فقط من يراك‪ ،‬لننام ِبسالم مًعا‪ ،‬غًدا نلتقي‪.‬‬
‫أخبرتك انهم ال يريدونك‪ ،‬لما حاولت العبث معهم؟ أيعجبك حالة‬
‫وجهك بعد ما فعلوه ِبك؟‬
‫أليس مؤسف ي صديقي ان ارى القليل من شروخ الفؤاد يتجسد على‬
‫وجهك الذي لطالما أحببته كثيًرا انتقاًما لي؟ البأس كنت تستحق هذا‪،‬‬
‫ِلنعد لحديثنا االهم اآلن‪ ،‬اعرف جيًدا ما يدور ِبعقلك‪،‬‏رغم وجودك‬
‫أماميوإال أّنني لم ألمحك‪ ،‬لم ألَمح الّرُجل الذي ُغرمت به‬
‫قبل عام‪ ،‬لقد تغّيرت كثيًرا كما تغّيرت أنا‬
‫وحُدها مشاعري من َبقيت على حالها وربما تعمق عشُقك بي‪ ،‬جرب أن‬
‫تقترب قليًلا‬
‫هل لك ِبأحتضاني؟ اقترب ال تخف هذا ما أردته‪ ،‬عالمات الدهشه‬
‫التي ستصيبك‬
‫حين معرفتك بأن ال يمكنك فعلها‪ ،‬بئًسا لقد صرت أحمق كثيًرا بعد‬
‫اختراقك لعالمنا‬
‫ولكن كم هذا جميل ان ادور حولك ِبطيفي‬
‫دون ان تستطيع لمسي وال اختراق اسوار قلبي الذي مزقته سابًقا‪ ،‬ال‬
‫اشفق عليك وال احنو تجاهك حتى قليًلا‪ ،‬لسُت بلهاًءا مثلك‪ ،‬إنهم‬
‫يبغضونك كثيًرا ال يحبذون وجودك بيننا‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ال تحاول عبًثا لن تراهم ال يمكنك ذلك إال إذا أرادوا هم ذلك‪ ،‬أذكر‬
‫كل شيء جمعنا مًعا‪ ،‬كل شيء‪ ،‬أنا ال أنسى‪ ،‬مأساتي أنني ال أنسى‪،‬‬
‫ولن أنسى أبًدا‪ ،‬ولن أتركك تنسى أيًضا‪ ،‬سأريك دوًما أثرك الُمخزي‬
‫علي‪ ،‬سأجعل منك جسًدا بروًحا ُمتعبة و ُمنهكة‪ ،‬ستتمنى كل ثانية‬
‫الرحيل من عالمي ولن تقدر‪ ،‬حتى ستتمنى الموت ولن تقدر‬
‫باألساس‪ ،‬أنَت وأنا‪ ،‬ال وجود لنا‪ ،‬ولكن العالم ال يكتمل إال بنا‪ ،‬قلُت‬
‫لَك ذات مرة‪ ،‬أحبك إلى ماال نهاية‪ ،‬وها وصلنا للنهاية وال زلت‬
‫أحبك كما قلت‬
‫فال نهاية وال وصول في الُحّب‪ ،‬ال محطة اخيرة‬
‫الُحّب ذهاب داِئم‪.‬‬

‫سمية علي الرملي‬

‫‪29‬‬
‫لعنة الثالثين‬
‫نادرة أسامة‬
‫الثالثين‬

‬ ‫لعنة‬


‫عَّم الفرح في القرية بعد أن قاموا بقتلي‪ ،‬ضنوا أنهم تخلصوا من لعنتي ولن‬
‫أقتل أحد بعد اليوم‪ ،‬من الغريب ضنهم بأنهم يستطيعون قتل ما هو في‬
‫األساس ميت‪ ،‬لكنهم على وشك معرفة ذلك فقد بقى يومان على الثالثين‪ ،‬لن‬
‫أُبقي على أحد فهم من بدأوا هذه اللعبة‪ ،‬سيتوالى أخذ أرواحهم في يوِم ‪30‬‬
‫من كِل شهر حتى تفرغ المدينة من األرواح‪ ،‬أصبحت رائحة الدماء‬
‫تستهويني؛ ففي كل مرة أقتل روًحا يصرخ عقلي حتًما لن تكون هذه المرة‬
‫األخيرة؛ فقد أصبح غذائي اآلن هو األرواح الميتة‪.‬‬
‫سأبدأ في االنتقام ِمن َمن قاموا بقتلي‪ ،‬ياال السخرية أنهم ال يدكوَّن أني ميتٌة‬
‫من األساس‪.‬‬
‫‪30/10/1930‬‬
‫وضعت صاحب فكرة قتلي األول على قائمتي إكراًما له‪ ،‬سيكون موته‬
‫رسالًة إلى أهل القرية مفادها أَّن الروح الشريرة لم ولن تموت‪ ،‬وأدواركم هي‬
‫القادمة أعزائي األحياء‪.‬‬
‫تعالت أصوات الصراخ في الصباح بعد كسرهم لباب بيت أحد السكان‪ :‬إنه‬
‫ميت‪ ،‬لقد مات! رأسه مفصوٌل عن جسده‪ ،‬ووجدوا كلمة كتبت على‬
‫جدران البيت وهي‪ :‬لعنتي‪ ،‬خرج ابن الميت والدموع تنسكب على وجنتيه‬
‫قائًلا‪ :‬عادت الروح الملعونة‪ ،‬هي من قتلت أبي بل وكتبت بدمه‪" :‬أنا ُعدت‬
‫فمرحًبا بموتكم جميًعا"‪.‬‬


‫ها قد بدأت اللعبة تزداد متعة اآلن‪ ،‬لم أحدد بعد من التالي لكن أريد بَّث‬
‫الرعب في قلوبهم جميًعا‪.‬‬
‫‪30/11/1930‬‬
‫‏خيَّم الظالم‏في‏تلك الليلة وكأنه‏يهنئني على إنجازي العظيم‪ ،‬وألول مرة أنا‬
‫فخورة بنفسي؛ فقد شممت رائحة الدم في األرجاء‪ ،‬ورأيت نظرة الخوف‬
‫في أعين الناس‪ ،‬حدث ذلك نتيجة عثورهم على جزٍء من جسٍم شخص ما‬
‫في منازلهم‪ ،‬كل ما فعلته أنني قّطعت الفتى الذي وجد رسالتي إلى أجزاٍء‬
‫صغيرة ووزعتهّن بالتساوي على بيوت أهل القرية‪ ،‬لم أرد للفتى أن يتعذب‬
‫على فراق والده فقمت بتعذيبه بنفسي‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫لم أترك لهم رسالة في هذه المرة لكن اكتفيت بتلميح بسيط؛ فقد كتبت‬
‫في ساحة القرية" لن يحزن أحٌد في ال‪ 30‬القادمة‪.‬‬


‫‪30/12/1930‬‬


‫اليوم هو أخر يوٍم لواحد‪ ،‬اثنان؟ أربعة‪ ،‬بل هو أخر يوٍم لهم جميًعا‪ ،‬أليس‬
‫هذا ما كتبته في الرسالة؟ فقد أخبرتهم بأنه لن يحزن أحد‪ ،‬وها أنا ذا‬
‫سأقتلهم جميًعا ولن يحزن أحد‪.‬‬
‫جمعت جميع األرواح التي قمت بقتلها التي سبق وأصبحت أرواًحا‬
‫هائمة مثلي‪ ،‬أمرت كل واحدٍة منها أّال ترجع إّال ومعها روٌح أخرى‪،‬‬
‫فليقتل بعضهم بعًضا وألستمتع أنا‪.‬‬
‫أنتهى األمر! أخذت جولًة في القرية‪ ،‬حيث تنتشر أجساد بال أرواح‪،‬‬
‫ورؤٌس بال أجسام‪ ،‬أه وأخيًرا سأخذ راحًة من صخب األحياء‪.‬‬
‫‪31/12/1930‬‬
‫‏‪12:00pm‬‬
‫ما الذي يحصل؟ تًبا لَم يتالشى جسدي؟ أين ذهبت يداي؟ "اللعنة" لقد‬
‫أنتهت‪ ،‬يالي من حمقاء نسيت أّن سبب وجودي من األساس هو قتل أهل‬
‫القرية ما فائدتي اآلن بعد موتهم جميًعا؟ أتالشى وألحق من قتلت يالها‬
‫من نهاية‪.‬‬


‫"لعنة الثالثين لن تبقي على أحد"‬
‫تلك كانت أول رسالٍة وجهتها اللعنة إلى الروح الشريرة فقد قصدت ما‬
‫كتبته بالحرف‪ ،‬وأنها هي المهمة بأخذها للروح الشريرة‪.‬‬


‫وسقطت أخر أوراق اللعنة بانتهاء أخر يوم من عام ‪ 1930‬وتالشت‬
‫الروح الشريرة بالكامل ذاهبًة إلى المجهول‪.‬‬

‫نادرة أسامة‬

‫‪31‬‬
‫كفاح بنكهة أمل‬

‫حفصة موسى محمد‬


‫كفاح بنكهة أمل‬
‫بينما السكون يعم األرجاء‪ ،‬بعد منتصف الليل والجميع نيام‪ ،‬تجلس تلك‬
‫الفتاة بين دفاترها وأوراقها ومحاضراتها‪ ،‬تحاول بكل جهد أن تغطي كامل‬
‫المنهج بجميع نواحيه‪.‬‬
‫أمنية شابة في التاسعة عشر من ُعمرها‪ ،‬تحلم بكلية الطب البشري منذ‬
‫طفولتها‪ ،‬مرت بصعوباٍت كثيرة والزالت تمر ببعضها‪ ،‬لكنها ستكافح‬
‫للنهاية‪ ،‬إنها مؤمنة تماًما بأنها ستنجح‪.‬‬
‫تبدأ القصة عند بداية االمتحانات النهائية للثانوية العامة‪ ،‬توتر يحتل قلبها‬
‫الصغير‪ ،‬تقلبات نفسية ومزاج سيء‪ ،‬تهيج في القولون واضطرابات عدة‪،‬‬
‫كانت تتمنى الحصول على نسبة عالية كما في كل سنواتها التي مضت‪،‬‬
‫لكننا قد ال نحصل على ما نتمنى أحَيانا!‬
‫بدأت االمتحانات تتوالى واحًدا تلو اآلخر‪ ،‬بكاٌء‪ ،‬قلٌق ودعاء‪ ،‬تذهب أمنية‬
‫المتحاناٍت تعجيزية متوكلة على ربها‪ ،‬تنظر لقاعتها ومراقبات القاعة‪،‬‬
‫فترى الغش يعم المكان‪ ،‬ما بين هِذه بنت فالن غششوها إلى هذِه لم‬
‫تعرف اإلجابة كذا‪ ،‬حتى أنهن حاولن أن يغرقن أمنية في بحر هذا‬
‫الذنب‪ ،‬وانتهت االمتحانات بهذا الحال‪ ،‬كانت فترة صعبة في ظل‬
‫ظروٍف شبه مميتة!‬

‫كانت لتلك الفترة تأثيرات ِعدة على أمنية‪ ،‬أهمها أنها تراجعت عن‬
‫حلمها‪-‬الطب‪ -‬ألنها ظنت بأنها ستتعب نفسًّيا‪ ،‬قائلة لنفسها قد‬
‫أتعبتني امتحانات الشهادة وكادت تنهكني فكيف سأمضي في‬
‫الطب؟‬
‫مرت األيام ونجحت أمنية بنسبِة ‪ ،٪85‬نعم ليست كما تمنت ولكن‬
‫كانت بمجهودها واجتهادها‪ ،‬والزمتها تأثيرات تلك الدراسة لفترٍة‬
‫طويلة‪ ،‬قررت أمنية أن تسجل في المرحلة التمهيدية‪ ،‬لربما تحقق‬
‫ذاك الُحلم‪ ،‬بدأ العام الجامعي األول وكان الفصل األول صعًبا نوًعا ما‪،‬‬
‫لم تنجح في مادتين وُحوصرت بالكثير من اإلحباط والسلبية‪ُ ،‬أهلكت‬
‫نفسًّيا ولكنها أكملت بدعاء وقياِم ليٍل والكثيَر من الدموع‪ ،‬كل ما‬
‫حولها كان ُيحبطها لكنها نهضت‪ ،‬لم تفقد األمل بربها أبًدا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫بعد عناِء تلك السنة اللعينة‪ ،‬نجحت أمنية بتقدير ممتاز‪ ،‬نعم لقعد‬
‫فعلتها حًّقا‪ ،‬انهمرت عيناها بالدموع وهي تتذكر تلك‬
‫اآلية[َفٱْسَتَجاَب َلُهۥ َرُّبُهۥ]‪ ،‬نعم استجاب لها الله‪ ،‬الفرحة ال تسُع قلبها‬
‫الصغير‪ ،‬أقبلت بروٍح مليئٍة باألمل لتدخل كلية األحالم ولتحقق‬
‫حلمها الذي راهن الجميع على أنها لن تنجح فيِه البتة‪ ،‬هي اآلن في‬
‫آخر سنٍة لتصبح طبيبًة كما تمنت‪ ،‬فالحمد للِه على استجابته‬
‫ووجودِه معنا طول الوقت‪ ،‬الحمد لله على إعطاءه لنا الصبر على‬
‫استكمال المسير‪ ،‬الحمد لله على كل شيء‪.‬‬


‫أيها القارئ اللطيف‪ ،‬ال تيأس‪ ،‬ال تستسلم‪ ،‬ال تعجز‪ ،‬اصبر وثابر‪ ،‬كن‬
‫واثًقا ومؤمًنا باستجابة الله ألدعيتك‪ ،‬إنُه قادر على كل شيء أيعجزُه‬
‫دعاؤك الصغير؟‬

‫حفصة موسى محمد‬

‫‪33‬‬
‫محطة حياة‬
‫ليال عبد الرزاق الحداد‬
‫محطة حياة‬
‫يقولون ال نعرف قيمة الشي إال بعد فقدانه‪ ،‬هذا ما حدث في قصتنا‬
‫لهذا اليوم‪ ،‬دعونا نسرد جزًء من أحداثها لعلك تجد نفسك في أحد‬
‫سطورها‪.‬‬
‫هي فتاة من حقيقة لكنها في نظر بعض منهم مجرد "خيال"‪..‬‬
‫ذات يوم كان لها العديد من األصدقاء من مختلف األعمار‪ ،‬فبعضهم‬
‫من هو أكبر منها سًّنا وبعضهم من أقرانها‪ ،‬كانت محبوبًة بين الجميع‪،‬‬
‫تساعد جميع الناس وال تنتظر مقابل من أحد أّيا كان‪ ،‬لديها العديد من‬
‫األحالم تسعى جاهدًة حتى تصلها‪ ،‬لم تؤذي أحدا أبدا‪ ،‬ولم تغير الدنيا‬
‫فيها شيئا‪ ،‬يسرق الحنين جزًء من قلبها الطيب الذي لطالما ساعد غيره‬
‫بالكالم قبل األفعال‪ ،‬ال يعرفون السواد مهما عاشروا من الناس‪ ،‬فطيب‬
‫األصل ال ُيلَّوث مهما أغرته هذه الحياة‪.‬‬
‫ولكن العديد من الناس يصفون اإلنسان طيب القلب في زمننا هذا‬
‫بالشخص الضعيف‪ ،‬فهل تؤمن بهذه العبارة؟‬
‫أنا عن نفسي ال أؤمن بهذه العبارات وحًّقا تزعجني جًّدا‪ ،‬وفعلًّيا‬
‫أصف كل من يؤمن بهذه السخافات بأنه شخص محدود التفكير‪،‬‬
‫ينظر للحياة من منظوره الشخصي فقط وال يرى ذلك من الحياة عامة‪.‬‬
‫ولكن السؤال هنا هل طيب القلب يبقى طّيبا حتى وإن جارت عليه‬
‫الدنيا؟‬
‫أجهُل تماًما كيف تلك األحداث ستنتهي في آخر المطاف‪..‬‬
‫هناك بيت شعر يقول‪:‬‬
‫"أَما ترى الّدهَر ال يبقى على حال‪ ...‬طوٌر بأمٍن وأطواٌر بأوجاِل"‬
‫هذا تماما ما حدث في قصتنا لليوم ال حال يبقى على ماهو عليه‪ ،‬وال‬
‫كل من عاهدنا على البقاء سيبقى فعًلا‪ ،‬فليس كل الكالم حقيقة‪ ،‬لن‬
‫يبقى معك سوى من أحبك بصدق وتقبلك في جميع حاالتك‪،‬‬
‫فالشعور الخذالن هو أقسى أنواع الشعور وجًعا‪ ،‬فخيبة األمل من بعد‬
‫التعلق والتضحيات لن تجعلك تعود كما كنت أبدا‪ ،‬لهذا السبب‬
‫بالذات يجب أن ال تعطي كل ما لديك‪ ،‬احتفظ دائما بالجانب المشرق‬
‫لنفسك كي ال تنخذل ممن كنت تضمده‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫أنا اليوم أفضل بكثير‪ ،‬فإحدى التجارب كانت لي درًسا قاسًيا‪،‬‬
‫ومن خذلني فهو من خسر كل شيء‪ ،‬وهو أيًضا من يعيش اآلن‬
‫أشد أنواع الندم‪ ،‬فمثلما قلت في أول السطور‬
‫أن تكون شخصا طيب القلب يساعد غيره أمر جميل‪ ،‬ال نعرف‬
‫قيمة آالء إال لعد فقدانه‪ ،‬ولكن أرجوك عزيزي القارئ ال تبالغ‬
‫بقدر حبك لغيرك والتبالغ بالعطاء حتى ال تعيش تجربة خيبة‬
‫األمل والخذالن‪ ،‬وتذكر دائما لو خذلك الجميع فالله معك ولن‬
‫يخذلك أبدا‪.‬‬


‫وفي الختام ال شك أبدا أن الحياة محطات يركُبها مجموعة ِمن‬
‫الناس وِلكل راكٍب ِحكاية تجعلُه ينظر للحياة من منظورِه‬
‫الشخصي‪ ،‬فمنهم من يبتسم لها فتبتسم له‪ ،‬ومنهم من َيعبس في‬
‫وجِهها فتعبس في وجهه‪ ،‬وِمنهم من يراها طويلة‪ ،‬شاقة‪ ،‬وقاِسية‬
‫أيًضا‪ ،‬وأنا أراها غير عاِدلة بعض الشي وهذا ال يعني بأني‬
‫سأستسِلم‪ ،‬فِمثلما ُقلت لكل راكٍب ِحكاية وال ُأريد أن ُيكتب في‬
‫ِحكايتي بأنني استسلمُت بهذِه الُسهولة‪ ،‬من المؤكد أن البقاء على‬
‫قيد الحياة أمر جميل‪ ،‬فلو كان بيدي الخترُت البقاء ولكن هذه‬
‫هي ُسنة الحياة‪ ،‬أنا اليوم انتهت ِحكايتي ولربما أنت بدأت للتو‪،‬‬
‫فال تستسلم‪..‬‬
‫أتمنى أن تجد نفسك في كلمة ما على االقل‪ ،‬لعل كلمة من بين‬
‫كلماتي المست قلبك الصغير ونبهتك على أمور عديدة كنت‬
‫تجهلها‪ ،‬لعلها تكون أيضا نقطة انطالقك لبداية جديدة‪ ،‬وحياة‬
‫أجمل‪.‬‬

‫ليال عبد الرزاق الحداد‬

‫‪35‬‬
‫ماال تعلمه‬
‫مها محمد الشريف‬
‫ماال تعلمه‬
‫في يوٍم من األيام‪ ،‬النجوم ُتزّين السماء‪ ،‬هدوء الّليِل ونسماُته ُيبحر بنا إلى‬
‫الذكرياِت التي تعصُف على قلوبنا ِبعاصفٍة من األشجان‪..‬‬
‫في إحدى بيوِت المدينة كانت ليلًة هادئًة على الجميع إال فتاة واحدة‪ ،‬واقفة‬
‫في شرفِة غرفتها تتأمل النجوم بعيوٍن حزينة تستعيد ذكرياتها المؤلمة التي ال‬
‫يمكن لفتاٍة في مثل عمرها تحملها‪.‬‬
‫كانت هذه الفتاة يتيمة األم‪ ،‬تعيش مع والدها ليس لديها إخوة وال أخوات‪ ،‬جاء‬
‫يوٍم من األيام المشؤومة الذي حمل صدمة بمثابِة طعنٍة بسيٍف بتار‪ ،‬خبٌر‬
‫كالصاعقة حّل على قلِب طفلِتنا؛ وهو تعرُض والدها لحادٍث شنيع أّدى إلى‬
‫وفاته‪ ،‬تعرضت هذه الفتاة لحالٍة من االنهياِر العصبي ألنها فقدت آخر شخٍص‬
‫من عائلتها‪ ،‬أصابها شجٌن غريب‪ ،‬أصبحت ال ُتطيق الخروج إلى الناس وأغلُب‬
‫وقتها في غرفِة والديها تجهُش بالبكاء حتى تشعر ِبحرقٍة في عينيها وكأنهما‬
‫تحَت شمِس صحراٍء قاحلة‪ ،‬كانت تظّن بأن عّمها لن يتخلى عنها‪ ،‬وسيكون‬
‫أحّن عليها من جميع الناس ألنه حالًّيا يعّد مكان والدها رِحمه الله‪ ،‬ولكنها‬
‫اكتشفت بأنها ُمخطئًة‪ ،‬في ذلك اليوم عندما تحدثت مع عمها فقال‪:‬‬
‫‪ -‬ال أستطيع أخذِك معي إلى المنزل ألن زوجتي رفضت ذلك وقالت بأنها‬
‫ستغادر المنزل إن قِدمُت بِك‪.‬‬
‫‪ُ-‬صدمُت من كالمِه ألن كل الظنون التي كنت أظنها ُنفيت وصار العكس‪،‬‬
‫أجبته وأنا ال أريد أن أظهر له حزني وصدمتي به‪ :‬حسًنا ال أريد أن أضايقكم‪،‬‬
‫سأبقى في منزلنا وحسب‪.‬‬
‫‪-‬قال وهو يضحك‪ :‬ما تقولينه ُهراء ال أستطيع أن أتركِك هنا لوحدِك وال حتى‬
‫أخذِك معي ِلذا سأفكر في حل ُيناسب كالنا‪.‬‬
‫‪-‬ابتسمت باستهزاٍء وذهبت إلى مكاني الُمعتاد وهو غرفة والدي‪.‬‬
‫قرر عمها أن يذهَب بها إلى الميتم وُيبقيها هناك‪ ،‬ظًّنا منه بأن هذا أفضل حل‪،‬‬
‫ولم يكن يعلم بأن ابنة أخيه ستخرُج من هناك فتاة ُمختلفة تماًما عن الذي‬
‫اعتادها من قبل‪ ،‬ذهبت ِتلك الفتاة إلى الميتم وهي ال تعلم حجم الُمعاناة التي‬
‫ستعيشها‪ ،‬كانت مديرة الميتم ال تفرُق عن زوجة عمها‪ ،‬امرأة شريرة وشديدة‬
‫الطبع‪ ،‬باطنها مختلف تماًما عن خارجها‪ُ ،‬تظهر للناس بأنها ُتعامل فتياِت الميتم‬
‫وكأنهّن بناتها ولكن لألسف يظهُر العكس داخل الميتم؛ فهي تتعامل معهّن بكل‬
‫شر‪ ،‬تجعلهّن ينهضن منذ الفجر الباكر ويشتغلن بأعماٍل شاّقة كتنظيِف الميتِم‪،‬‬
‫الحديقة‪ ،‬الغسيل‪ ،‬ومن هذه األعمال‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫كانت الفتاة المسكية تشعر وكأنها مأخوذة من حضِن والدتها‪ ،‬فقط كل ما‬
‫ُتريده أن ترجع إلى المنزل الذي ترعرت فيه‪ ،‬تعمل عمًلا شاًّقا وال تستطيع‬
‫أن ُتخبر عّمها بما يحُصل معها ألنها ُتدرك بأن قسوة زوجِة عّمها أسوء من‬
‫قسوِة مديرة الميتم‪ ،‬عندما يتصل بها تخبره بأنها بأحسِن حال وأنها ُمرتاحة‬
‫في هذا المكان‪ ،‬شعورها في تلَك اللحظة كأنها ُمغتِربة في وطٍن ال تعِرف‬
‫فيه أحد ‪-‬أن ُتظهر عكس ما تشعُر به صعٌب جًّدا‪ -‬عندما يأتي الليل كانت‬
‫ُتغلق على نفسها الباب ويظن الجميع بأن هذه الفتاة ُمرتاحة‪ ،‬وال يعلمون بأن‬
‫وراء هذا الباب هناك شجٌن كبير‪ ،‬وكأن شجَن أهِل األرض تجّمع وراءه‪.‬‬
‫وبعد أعوام أصبحت طفلتنا التي عشنا معها طفولتها الحزينة فتاة بالغة‪،‬‬
‫تعلمت من الحياة دروًسا تجعلها أكبُر من عمرها‪ ،‬أصبحت قليلة الكالِم‬
‫كثيرُة الكتماِن‪ ،‬تحمل في قلبها أكواًما من الكالم‪ُ ،‬تريد أن ُتخبر به عمها‬
‫الذي إلى اآلن ال يعلم عنها شيًئا ِسوى أنها بأفضِل حال حَسب قولها‪ ،‬تدُع‬
‫الله بأن ُيخرجها من هذا العذاب ولعّل أبواَب السماء كانت مفتوحًة وتحّقق‬
‫دعائها‪ ،‬عندما أتّمت لطيفُتنا ثمانية عشر ربيًعا‪ ،‬استاطعت وأخيًرا أن تخرج‬
‫من ذلك السجن وتعود إلى مكاِن نشأتها‪ ،‬خرجت وهيا تركض ُمسرعة إلى‬
‫المكان الذي لم ُيفارق عقلها طيلة إقامتها في ذلك الميتم‪ ،‬تركض وكأنها‬
‫تتنمص من السجن وهي خائفة أن يكون هذا حلًما حتى وصلت أخيًرا إلى‬
‫منزلها‪ ،‬وقفت أمام الباب ومّر أمامها شريط طفولتها عندما أخذها عّمها‬
‫ورماها في ذلك المكان المشؤوم وكأنها ليست ابنة أخيه‪ ،‬تذكرت عندما‬
‫كانت ُتخبره بأنها سعيدة بتواجدها هناك وهي تقول في نفسها؛ ويحَك يا‬
‫عّماه‪ ،‬ماال تعلمه أن ابنِة أخيك كانت تعيش حياة ُمختلفة وقاسية عن الحياة‬
‫التي كنَت تعرفها‪ ،‬تذكرت كل شيٍء إلى أن أتتها الشجاعة بأن تفتح قبضة‬
‫الباِب ودخلت! عندها فقط شعرت بأنها رجعت إلى حضِن والديها وإلى‬
‫موطنها‪ ،‬أغلقت الباب وال أستطيع بأن أصف شعورها في تلك اللحظة‪،‬‬
‫أصبحت أسعَد شخٍص في العالم ومن هنا بدأت طفلتنا حياًة جديدة تعتمد‬
‫على نفسها في كل أمور حياتها‪ ،‬نظرت إلى الباب وقالت في نفسها "وراء‬
‫باٍب مثلك عشُت أسوء أياِم حياتي ولم أخبر أحدا عما يحصُل لي‪ ،‬ألنني‬
‫كنت واثقة بأنه لن يسمعني أحد ولن يصدق ما أقوله عن مديرة الميتِم أحد‬
‫فأرجوك أّيها الباب ال تنغلق في وجهي مرة أخرى‪".‬‬

‫مها محمد الشريف‬


‫‪37‬‬
‫آالء منسية‬
‫فجر عبد الجليل‬
‫آالء منسية‬
‫في صبيحة يوٍم من األيام‪.‬‬
‫تنهض كأي إنسان‪ ،‬تزفر بضيق من روتينك اليومي الذي تعتبره ممل‪،‬‬
‫تذهب لعملك وعالمات الضجر على وجهك وال تبتسم لزمالئك‪ ،‬تكمل‬
‫باقي يومك على هذا الحال‪.‬‬
‫في يوٍم من األيام‬
‫كانت عالمات الضجر والضيق على وجهي‬
‫جلست على فراشي وأنا أتململ‪ ،‬أقلب قنوات التلفزيون صادفتني قناة‬
‫وكان فيها برنامج استضيف فيه شخص من ذوي الهمم وأيًضا يعاني من‬
‫عدة أمراض أخرى‪.‬‬
‫وهو يتكلم عن األمراض التي يعاني منها‪ ،‬خرجت من ثنايا لسانه كلمات‬
‫( رغم كل األمراض التي أعاني منها‪ ،‬ولكن الحمدلله)‪.‬‬
‫هذه الكلمات خرجت وكأنما شيء خرج من أعماقه وعالمات الرضى‬
‫والحمد والطمأنينة تعتريه‪ ،‬كلماته وحديثه الزال في مسمعي‪.‬‬
‫استصغرت نفسي‪.‬‬
‫وقلت هل أنا عبٌد جحوٌد كل هذا الجحد؟!‬
‫شخٌص عانى الكثير والراحة والهدوء الذي في مالمحه كأنه ال يعاني من‬
‫شيء‬
‫من أنا حتى أضجر وأتضايق‪ ،‬وكل الِنعم تغمرني؟!‬
‫بينما أنا أمشى‪ ،‬هناك أناس يعانون وال يمشون ويتمنون للحظة أن يقفوا‬
‫على أقدامهم‪.‬‬
‫بينما أنا أتكلم‪ ،‬هناك أناس يتمنون ولو لثانية أن يخرج صوت من‬
‫حناجرهم‪.‬‬
‫بينما أنا آمنة في سربي‪ ،‬هناك أناس مهجرون‪ ،‬ينامون ويستيقظون على‬
‫صوت الصواريخ‪.‬‬
‫والكثيير من النعم والكثير والكثير‪......‬‬
‫لو نعلم ما يعانيه اآلخرون عند غياب هذه النعم‪ ،‬لما ضجرنا وتضايقنا‪.‬‬
‫لو نعلم ألم الكيماوي وما أحره من ألم!‬
‫ولو نعلم ألم غسيل الكلى‪ ،‬وكيف يعانون أصحاب هذا المرض‪.‬‬
‫وقس على ذلك باقي األمراض الفتاكة‪ ،‬التي لم أذكرها‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫نعم أثرها في أجسادنا وحياتنا كبير جًّدا إن غابت‪ ،‬ولكن ال نشعر بها‪،‬‬
‫ذلك الشخص حرك فَّي الكثير‪.‬‬


‫نصيحتي لك أيها القارىء‬
‫بعض ‪-‬الفتافيت‪ -‬ال تجعلها تشغل بالك وتنسيك ِنعم الله عليك‪ ،‬ولطفه‬
‫ورحمته بك‪ ،‬اجعل الحمد والشكر دوًما يالزمك‪.‬‬
‫كن عبد الله الذي تكون الطمأنينة والسكينة دوًما تالزمه في جميع‬
‫األحوال‪ ،‬تذكر الرسولﷺ وكيف آذوه القوم المشركين‪ ،‬ولكن لم‬
‫يتوقف عن نشر الرسالة‪.‬‬
‫النبي أيوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬ابُتِلَي بأمراض عدة في جسده ولكن رغم‬
‫كل ذلك ظل صابًرا‪.‬‬


‫واسأل الله أن يحرك بك ما حرك بي‪ ،‬ولنجعل صفة الحمد والشكر‬
‫دائًما فينا في جميع األحوال‪.‬‬

‫فجر عبد الجليل‬

‫‪39‬‬
‫ألم‬
‫شذى أمين اشتية‬
‫ألم‬
‫الشمس ُتسدل شعاًعا بّراًقا يلمع على سطح قبة الصخرة‪ ،‬يلعب األطفال‬
‫في ساحات المسجد األقصى‪.‬‬
‫يرابط أهل القدس في هذه البقعة المباركة‪ ،‬كان اليوم هو موعد تنظيف‬
‫ساحاته‪ ،‬تشارك نساء القدس في تنظيفها‪ ،‬يحملون معهم أدوات‬
‫التنظيف‪ ،‬بروٍح سعيدٍة وقلٍب يخفق حًّبا لهذه البقعة التي أسرى الله‬
‫بعبده إليها‪.‬‬
‫بينما إحدى النساء تسكب المياه‪ ،‬إذ بصوت الشّبان يعلو‪ :‬االحتالل اقتحم‬
‫المسجد األقصى!‬
‫هكذا هم‪ ،‬ال يرتاح لهم بال إال إذا آذوا المرابطين‪ ،‬يدخلون ساحاته‬
‫ويرتكبون أبشع الجرائم‪.‬‬
‫يمسح إحدى الّشباب قطرات عرق على جبينه‪ ،‬ويعود ليطمئن على أمه‬
‫التي كانت تصلي في المسجد األقصى حين اقتحمه االحتالل‪.‬‬
‫وما خلف أبواب القدس‪ ،‬شعب فلسطين الُمقاوم‪ ،‬يتصدى لضرباته‪،‬‬
‫ويرابط للعيش على هذه األرض‪ ،‬يقّيد أحد الجنود شاًّبا في مقتبل العمر‪،‬‬
‫يسحبه بوحشّية‪ ،‬يسوقه إلى الجيب المصفوف على ُبعد أمتاٍر قليلة‪.‬‬
‫أمه‪ ،‬تلك األم التي فقدت ابًنا وسجن لها ابٌن في نفس اليوم! تترقرق‬
‫عيناها بالدموع‪ ،‬وترفع يديها إلى جبار السماوات واألرض‪ ،‬ويلهج لسانها‬
‫بالدعاء‪.‬‬
‫وفي الّسجون‪ ،‬حيث ينحت األسرى على جدرانه األمل‪ ،‬يحفرون نفًقا‬
‫بملعقة‪ ،‬ويؤمنون بأن الله لن يضيع لهم مثقال ذرة‪ ،‬وأنه يراهم وإن غفل‬
‫عن تضحياتهم العالم‪.‬‬
‫يغرد عصفوٌر عند نوافذ السجون‪ ،‬زقزقته تمّد السجناء باألمل‪ ،‬فيلهجون‬
‫بالدعاء أن يحررهم الله كما هذا العصفور‪.‬‬
‫وما خلف أبواِب السجون‪ ،‬أمهاٌت تصطف كي تزور أبناءها‪ ،‬زوجات‪،‬‬
‫أطفال‪ ،‬وعائلة تنتظر أن ترى أسيرها من وراء الزجاج‪ ،‬لتكّلمه عبر‬
‫هواتف السجون‪ ،‬وتسمع صوته الّتِعب‪.‬‬
‫في إحدى القرى فتاٌة جالسة على مكتبها‪ ،‬حملت ورقة وكتبت عن‬
‫األلم الذي يعصر قلب فلسطين‪ ،‬وحين كانت تسترسل في‬

‫‪40‬‬
‫الكتابة لم تنتبه لصراخ أخيها حين كان يرمي الجنود بالحجارة‪،‬‬
‫قبل أن ُتطلق رصاصة لتستقر في قلبه‪ ،‬وحينها‪ ،‬تمنت لو أنها تفعل‬
‫شيًئا‪ ،‬لم يكن بوسعها سوى أن تبكي على فراقه‪ ،‬لكّنها رددت‪:‬‬
‫فلسطين تستحق قلمي‪ ..‬وبشدة!‬
‫في الشارع المقابل‪..‬‬
‫يقف جٌّد يحمل مفتاًحا صدئا بعيًدا عن قفله‪ ،‬أعطاه لحفيده‪ ،‬وقال‬
‫له ‪ :‬هذا المفتاح‪ ،‬هو رمز لألمل‪ ،‬عسى يوًما أن يعود المهاجرون‬
‫يا ولدي‪ ،‬فاحتفظ به إلى حين ذلك الوقت‪ ،‬فوعُد اللِه آٍت رغم‬
‫أنِف اليهود المغتصبين‪ ..‬عسى يا ولدي أن تفتحه أنت‪ ،‬أو أبناؤك‬
‫أو أحفادك‪ ،‬نحن هنا ما خلف أبواب بيوتنا‪ ،‬عسى أن نكون‬
‫داخلها‪.‬‬

‫شذى أمين اشتية‬

‫‪41‬‬
‫لقاء‬
‫أصالة عمر‬
‫لقاء‬
‫أقف أمام منزِلهم كعادتي‪ ،‬بصري موجه لذاك الباب المؤصّد من سنين والكثير‬
‫من التساؤالت تجوب في جوِفي‪ ،‬أُتراها تعود؟ ِسوار أين أنِت؟ هل أنِت بخير؟‬
‫خطوت ُمبتعدًا أتمتّم بكلماٍت رددناها سويًا لعمرًا مديد‪:‬‬
‫( يا صاحب الوّد‪ ،‬أيا رفيق الُحب ) ذهبت وقلبي ال ُيفارقه األمل البّتة‪ ،‬شغلت‬
‫سيارتي وأنطلقت للُمستشفى؛ حين وصولي قابلني المسعف مباشرًة يركض‬
‫ويتكلم بالكاّد فهمت َأحرُفه!‬
‫‪-‬دكتور إياد هناك مريضة تنتظرك من صباح اليوم أظنها تعرفك جيدًا!‬
‫‪-‬حسًنا سأراها‪.‬‬
‫دخلت مكتبي والتعب ُينهكني‪ ،‬فالبارحة كنا في عملية أخذت ‪ 8‬ساعات حتى‬
‫أنتهاينا منها كاد ُيزاغ بصري من شدة التركيز‪ ،‬العملية جدًا خطيرة‪ .‬شردت‬
‫بفكري في حالة المريض حتى ُطرق الباب‪.‬‬
‫‪-‬تفضل‬
‫" ما أن رأيتها ظننت لوهلًة أنني أحلم! تهُت! وكأن الوقت للحظة توقف! حتى‬
‫نطقت أسمي بصوتها العذب‪:‬‬
‫‪-‬إياد اتذكرني!‬
‫وتبت من الكرسي بهلع‪:‬‬
‫‪-‬كيف اذكرِك وأنا لم أنساك!‬
‫صارت تنهمر الدموع من مقلتيها على ِتلَك الوجنتين ال يحتمل قلبي هذا ُكِف‬
‫أرجوِك‪.‬‬
‫‪-‬قبل خمسة عشر عامًا عام قرر والدي السفر المفاجئ منعني من إخبارك‪،‬‬
‫‪ِ-‬سوار طّيلة تلك السنين وأنا أبحث عنك كالمجنون! أين كنِت؟‬
‫‪-‬إيـ‪...‬‬
‫قطعت حديثها بنهم‪:‬‬
‫‪-‬لم أترك بقعًة في المدينة إال وبحثُت عنِك فيها‪ ،‬وكأنِك إبرة في كومِة َقش!!!‬
‫‪-‬حسًنا اسمعـ‪....‬‬
‫أتكلم وبالكاد آخٌذ نفسًا! ‪:‬‬
‫‏‪-‬كنُت ميتًا في جسدًا حّي‬
‫‏أقتربت ووضعت يداها الرقيقة على فمي‬
‫‏‪-‬إهدء يا إياد أنا من سأتكلم‬
‫‏‬

‫‪42‬‬
‫أ‏صغيت ألوامرها فورًا‬
‫‏‪-‬أنا لم أكن في المدينة حتى‪ ،‬نحن غادرنا البالد كلها لو تدري‪.‬‬
‫‏أخذت ألتكلم فأوقفتني بأصبعها‬
‫‏‪-‬أوووهوو إيااد اصمت‪.‬‬
‫‏وأخذت تضحك تلك الضحكات الساحرة فرحلُت أنا لعالٍم أخر‪.‬‬
‫‏‪-‬حاولت أن أصل أليك كثيًرا ولكن ال جدوى حتى توفٰى والدي‬
‫واستطعت المجيء إلي هنا ثانيًة‪.‬‬
‫أمتلئ صوتها بالخنقة أنا أعلم كم هي متعلقة بأبيها حقًا‪ ،‬نهضت من‬
‫مكاني ُمسرعًا وأخذتها لقلبي لعلها تهدأ؛ بكت بكت بحرقة وقلبي مع‬
‫ذاك الُبكاء ينِزف‪.‬‬
‫‪-‬رحمه الله يا سوار‪ ،‬كلنا ذاهبون أنا ايضا فقدت أمي فزادني األمر‬
‫عجزًا‪ ،‬ولكن قاومت ودرست وها أنا اليوم بفضل الله طبيب ‪.‬‬
‫سوار يا عزيزتي‪ ،‬لكًل مّنا نصيب من الفرح والُحزن‪ ،‬وما كتبه الله‬
‫سنرضا به‪.‬‬
‫قلت كلماتي وساد الصمت‪ ،‬تعلقت هي أكثر بقميصي وكأنها ال تريد‬
‫فراق صاحبه مجددًا‪.‬‬
‫فقطعت الصمت بسيف الشوِق لها‪:‬‬
‫‪-‬أتدرين يا جميلة الروح أني لم أفقد األمل أبدًا لِـ لقائك واآلن يا سواري‬
‫لن أسمح لشيء أن يفرقنا مرة أخرى‪.‬‬
‫ثم قهقت‪ :‬سوء الموت طبعًا‪.‬‬
‫أبتسمت ونظرت لي بُزرقاء عينيها‪:‬‬
‫‪-‬وأنا كذلك إيادي لن أسمح بالفراِق ثانيًة‪ ،‬قد رحلت عنَك سنين بل‬
‫وكأّنها قرون! لكنك في قلبّي لم تغادر لحظًة‪.‬‬
‫‏ابتسم كالهما وقاال مًعا‪:‬‬
‫‏(يا صاحب الود‪ ،‬أيارفيق الُحب)‬

‫أصالة عمر‬

‫‪43‬‬
‫قوة مزيفة‬
‫آلاء مسعود المشاي‬
‫مزيفة‬


‫قوة‬


‫أن ُتظهر عكس ما تشعر به شيٌئ مؤلٌم حًقا‪ ،‬لما يجب علّي أن أتظاهر‬
‫بالسعادة والقوة أمامهم؟‬


‫َكَتبت ضائعة‪ ،‬وأغلقت مذكرتها فإذا بالدموع تنهمر من عيناها‪ ،‬أردفت‬
‫قائلًة في نفسها ‪-‬لماذا علّي أن أواجه قسوة الحياة وحدي؟ لماذا رحلت‬
‫وتركتني؟ لما يا مرشدي‪ -‬دخلت أمها عند سماع صوت بكاء ابنتها قائلًة‪:‬‬
‫‪-‬هيا يا صغيرتي كفي عن البكاء‪ ،‬ال يمكننا معارضة قضاء الله وقدره‪ ،‬هيا يا‬
‫ميس توقفي‪.‬‬
‫‪-‬ولكن يا أمي أنِت تعلمين أن أبي كان كل حياتي أليس كذلك؟ أنا أفتقده‬
‫كثيًرا‪.‬‬
‫‪-‬أعلم جيًدا يا صغيرتي‪ ،‬كلنا نفتقده‪ ،‬ولكن ال نبكي بل ندعوا له بالرحمة‪،‬‬
‫امسحي دموعك واخرجي مع صديقاتك إنهم في انتظارك‪.‬‬
‫‪-‬رحمه الله وغفر له‪ ،‬شكًرا يا أمي‪ ،‬أوه تذكرت! مذكرتي تكاد تنتهي‪،‬‬
‫أريد شراء أخرى‪.‬‬
‫‪-‬حسًنا‪ ،‬سنذهب فيما بعد‪ ،‬لننتظر أخاك حتى يعود‪.‬‬
‫خرجت ميس للحديقة مع صديقاتها‪ ،‬وقبل خروجها ارتدت قناع المرح‬
‫واإلبتسامة‪ ،‬أصحبت تضحك مع صديقاتها الالتي ُكّن يدعونها بالفتاة‬
‫المرحة‪ ،‬وماهي إال ثواني حتى اجهشت بالبكاء عند رؤيتها لفتاٍة تحتضن‬
‫والدها‪ ،‬سألنها صديقاتها عن سبب بكائها‪ ،‬أردفت قائلة مع إبتسامة‪:‬‬
‫‪-‬ال شيء‪ ،‬بعض األتربة دخلت عيناي‪ ،‬سأذهب للمنزل اآلن‪ ،‬أراكم فيما بعد‪.‬‬
‫قالت إحداهن‪:‬‬
‫‪-‬هل ستعودين وحدك؟ أوه نسيت ليس لديك أب‪ ،‬لن يحاسبك أحد‪ ،‬ههه‪.‬‬
‫وقالت األخرى بشفقة‪:‬‬
‫‪-‬ال أعلم كيف لِك هذه القوة وقد مات سندك‪ ،‬أم أنِك نسيتيه‪ ،‬وأصبح‬
‫جزًءا من الماضي!‬
‫لم ترد عليهم ميس‪ ،‬فقد اعتادت على هذه الجمل منذ وفاة والدها‪.‬‬
‫دخلت للمنزل وارتمت على سريرها قائلًة‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫ال يوجد شيٌء أشد ألًما من أن تفقد أحد أفراد عائلتك‪ ،‬نظرة المجتمع لليتيم‬
‫خاطئًة تماًما‪ ،‬ليتني أستطيع تصحيحها‪ ،‬ال يعلمون كم يعانون خلف الباب‪،‬‬
‫ليتهم يفهمون‪ُ ،‬هناك أحزان كتب لها التعايش معنا دائًما‪ ،‬نظرت جانبها فإذا‬
‫بمذكرتها على الطاولة‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫‪-‬أنِت فقط من يمكنه فهمي‪ ،‬أخذت قلًما وكتبت‪:‬‬
‫إلى أبي‪:‬‬
‫أخبرني كيف حاُلك؟‬
‫أال تعلم أن حياتي من دونك ظالٌم َحاِلك‪.‬‬
‫اشتقت لك وشوقي فاق عنان السماء‪.‬‬
‫أال يمكنني أن أراك حتى يأتي الفناء؟‬
‫شوقي يا أبي قاتل‪.‬‬
‫لو كنت مكاني ماذا عساك فاعل؟‬
‫أصبحت قوية كما كنت تريدني‪.‬‬
‫دموعي ال تريد التوقف‪ ،‬فكيف للقوة أن تفيدني؟‬
‫أليست القوة هَي عدُم البكاء؟‬
‫ولكّن دموعي أصبحت كمطر الشتاء‪.‬‬
‫أال تتذكر كلماتك لي والوعود؟‬
‫إشتقت إليك أال يمكنك أن تعود؟‬
‫أغلقت مذكرتها‪ ،‬وتمنت لو أن ِكتاباتها تصل لوالدها‪ ،‬قامت وتوضأت‪،‬‬
‫صلت ودعت لوالدها وختمت دعائها قائلة‪:‬‬
‫اللهم ال تختبرني في عائلتي فليس لي أحد سواهم‬

‫آلاء مسعود المشاي‬

‫‪45‬‬
‫معاناة‬
‫براءة فادي النجار‬
‫معاناة‬
‫تلك الفتاة تعجبني‪ ،‬قوية‪ ،‬مكافحة‪ ،‬مليئة بالمروءة‪ ،‬تطرز ظلماء اآلخرين بنجوم‬
‫ساطعة‪ ،‬تزيل العبوس من وجوه األعداء حتى ترسم على جانب الحياة‬
‫السوداوية الكثير من الورود وتلونها باللون الثلجي‪ ،‬تنقش الوجدان بالحب‪،‬‬
‫تسطر على القلب الهوادة‪ ،‬وتزخرف الروح باإليجابية‪ ،‬تعيد إنعاش األوردة‬
‫الزرقاوية‪ ،‬تسطر السعادة على ورق وتوزعه أينما حلت‪ ،‬تكتب التحفيز على‬
‫شريط الحياة‪ ،‬يصفها الجميع بأن سمحة‪ ،‬طيبة‪ ،‬لينة‪ ،‬رقيقة‪ ،‬مع ذلك هي نوًعا‬
‫ما مستقلة‪ ،‬انتقائية‪ ،‬ال تثق بالكثير‪ ،‬مكافحة‪ ،‬شهد الجميع لها على اجتهادها‬
‫في الثانوية العامة‪ ،‬تلقت الكثير من شهادات التقدير‪ ،‬ألقت الكثير من‬
‫النصوص على منبر الثانوية‪ ،‬تلقت شهادة نجاح في مسابقة الحساب الذهني‬
‫العالمية‪ ،‬ناضجة للحد الذي ليس له حد‪ ،‬تفكر مئات بل آالف المرات‬
‫لتخطو الخطوة التالية‪ ،‬ألن لديها إيمان قوي بحدسها وبتفكيرها العميق‪ ،‬تلقت‬
‫شهادة ألفضل نص في دار نشر‪ ،‬حافظة لكتاب الله‪ ،‬تلقت شهادة لسرده في‬
‫أربعة ساعات‪ ،‬وتلقت شهادة لحفظها األربعين النووية وشهادة لحفظها‬
‫الجزرية ومداومة في حفظ صحيح البخاري ومسلم‪،‬‬
‫وأزيد أيًضا كما قالت الكاتبة شهد أحمد عبد الله‪:‬‬
‫"امرأٌة أمام عذوبتها وجمالها ونقائها‬
‫يقف اللؤلؤ مصاًبا بالدهشة‪".‬‬
‫ولكن كل هذا أمام الناس فقط‪ ،‬فال أحد يعلم ما وراء باب غرفتها…‬
‫هناك خلف األبواب فتاة ضائعة تحاول جمع رفاتها المبعثر‪ ،‬تلملم ما تبقى‬
‫من أشالء ماضيها المؤلم‪ ،‬كسرت عشرات المرات‪ُ ،‬حّطمت آلالف السنين‪،‬‬
‫وجهها مبعثر قد ُرسمت عليه مالمح الكهولة‪ ،‬أعينها مرهقة تحتها بساط‬
‫سوَداوّي منقوش عليه اإلرهاق‪ ،‬انسدل من أنفها شريط أحمر اللون‪ ،‬تشققت‬
‫شفتاها كما تتشقق األرض اليابسة‪ ،‬تكسرت أظافرها معلنة نقص الفيتامينات‪،‬‬
‫شعرها الحريري بدأ باالنهيار معلًنا فقر الدم‪ ،‬أوردتها توقفت عن التنفس‪،‬‬
‫وُكتب على جبينها "معاناة"‪ ،‬ليلة تلو أخرى ُترسم عروق داخل أعينها بلون‬
‫الدم‪ ،‬لم يرى أحد قلبها المشتت‪ ،‬لم يرى أحد بكاءها رغم اتساع عيونها‪ ،‬لم‬
‫يرى أحد حرب األعصاب داخل رأسها‪ ،‬كانت تحارب نفسها‪ ،‬انتهت‬
‫الرسائل‪ ،‬انتهى حبر مشاعرها‪ ،‬وحروف كلماتها قد اندثرت‪ ،‬لم يعد لها قوة‬
‫لحمل قلٍم يكتب هواجس ال فائدة منها‪ ،‬ومشاعرها رغم تحطمها تأبى‬
‫الخروج‪ ،‬وأفكارها الالمتناهية تعود في كل مرة بعد منتصف الليل لتجعل‬
‫عيونها النعسة مرهقة مؤرقة‪ ،‬كل محاوالتها باءت بالفشل‪،‬‬
‫‪46‬‬
‫ومرة أخرى مشاعرها أهدرت في غير مكانها‪ ،‬أعطت البعض ما لم يعطها أي‬
‫منهم‪ ،‬هي حًّقا تعبت من كونها الفتاة الجيدة التي يحاول الجميع استغالل‬
‫طيبتها من أجل مصالحهم‪ ،‬تعبت من كونها تلك الفتاة التي جعلت من الجميع‬
‫أصدقاءها ولم تنظر لهم مرة بنظرة سوء أو شك‪ ،‬من كونها تلك الفتاة التي‬
‫تسامح وتعفو بسبب كلمة "آسف" وهي تعلم أن هذه الكلمة لن ترمم شيًئا‬
‫بداخلها‪ ،‬تلك الفتاة التي كل من جاء إليها متعًبا رجع سالًما‪ ،‬كل من جاء إليها‬
‫منكسرا محطًما مشتًتا مبعثًرا رجع مرتًبا مرمًما‪ ،‬تلك الفتاة التي كان الجميع‬
‫يستهين بقدرتها على ترميم أي شيء‪ ،‬تلك الفتاة التي جعلت من الكثير أحبتها ثم‬
‫جميعهم كسروها‪ ،‬رغم أنها ترمم الجميع‪ ،‬تلك الفتاة التي لطالما حاربت نفسها‬
‫بنفسها‪ ،‬وحاربت غيرها لوحدها دون مساندة أحد‪ ،‬تلك الفتاة التي ال ُتشعر‬
‫الغير بأنهم ثقال عليها أو أن كلماتهم تجرحها‪ ،‬تلك الفتاة التي جعلت الجميع‬
‫فرًحا رغم أنها محطمة‪ ،‬تعبت من كونها تلك الفتاة‪...‬‬
‫نعم تلك الفتاة التي ال يشعر بها أحد وال يفهمها أحد‪ ،‬كانت الملجأ حين يتعب‬
‫أحدهم‪ ،‬كانت المالذ حين يحتاج شخًصا ما الهروب من ضوضاء محيطه‪،‬‬
‫كانت تعطي لكل فرد من عائلتها الحب الذي ينبغي أن ينبع من والدتهم‪ ،‬أما‬
‫اآلن‪...‬عائلتها ذهبوا ولم يعودوا‪ ،‬أصدقاؤها خذلوها‪ ،‬حتى أقرب الناس لها‬
‫هجروها‪ ،‬كان وقت تحديد خطبتها قريٌب جًّدا ولكن لم تكتمل الفرحة يا هذا‪،‬‬
‫كُّل مفرَدات اإلرهاق أصبَحت بها‪ ،‬لبست ثوَب الحزِن حَّتى اهترى‪ ،‬ما عادت‬
‫تعلم أين تخيط ثوب حزنها الجديد‪ ،‬كانت تود تحقيق أحالمها ولكن ما زالت‬
‫إلى اآلن لم تشعر بهذه الّلذة‪ ،‬كانت تسعى‪ ،‬كانت تتطّلع‪ ،‬كانت تبتغي أن تلَتمس‬
‫طرف حلمها‪ ،‬كان هناك شَغف يحاوط قلبها‪ ،‬ولكّن سعيها لم يكتمل‪ ،‬وطرف‬
‫حلمها تَناثر وشغفها اندَثر وقلبها تبعَثر‪ ،‬كان لديها هدف ولديها حلم‪ ،‬وكالهَما‬
‫لم يتحّققا‪ ،‬وحقيقة إحدى َكذبات أبريل التي قيل فيها "وتهدينا الحياة أضواًء‬
‫في آخر النفق"‪ ،‬لقد انتهى الَّزمن التي تهدينا فيها الحياة نوًرا‪...‬‬
‫أغلقُت دفتر يومياتي‪ ،‬وها أنا ريفال صديقة شهد‪...‬جالسة في غرفة المشفى‬
‫الخاصة بها‪ ،‬مع ماكنات معالجة السرطان‪ ،‬نعم‪...‬لقد أصيبت بالسرطان‪ ،‬إنها‬
‫في غيبوبة منذ شهر تقريًبا‪ ،‬ال علم ألهلها وال لصحبها‪ ،‬هي في الدرجة الثالثة‬
‫من السرطان‪ ،‬يقول الطبيب لي أن جسدها لن يتحمل أكثر من ذلك‪ ،‬وأن أكثر ما‬
‫ستعيشه هو شهرين ربما‪ ،‬أما اآلن دعوني أنام فقد أصبحت الثانية بعد‬
‫منتصف الليل‪ ،‬تصبحون على خير‪...‬‬

‫‪47‬‬
‫في الصباح‪..‬‬
‫استيقظت على سكون المشفى‪ ،‬فلم يكن بقسمنا ضجيج بقدر األقسام‬
‫األخرى‪ ،‬ولكن شيء ما غريب! هناك شيء يشعرني بالهوادة‪ ،‬ما الذي‬
‫يحدث؟‬
‫التفُّت على يميني فرأيت مهجة قلبي وأنيستي وزميلتي وجميلتي‬
‫جالسة تشرب كوب شاي‪ ،‬لقد استيقظت! صوتي الداخلي أبى إال أن‬
‫يخرج عن مساره فقلت بصوت يملؤه السعادة واالضطراب‪ :‬لقد‬
‫استيقَظْت!‬
‫بينما قفزت من سريري مهرولة لها‪ ،‬كانت تنظر لي بغرابة وهلع‪،‬‬
‫وحين وصلُت لها ألحضنها مأل صوتها ليس أرجاء الغرفة‪ ،‬بل أرجاء‬
‫الفضاء بقولها‪ :‬ابتعدي عني‪.‬‬
‫وكأنها أصبحت مجنونة!‬
‫أخذها الطبيب على حين غفلة مني حين كنت بحالة تصادم بين‬
‫الخيال والواقع‪ ،‬بين الحقيقة والحلم‪ ،‬مرت ساعة تقريًبا والطبيب لم‬
‫يأِت بعد‪ ،‬لم أدري عنها شيًئا‪ ،‬ولكن حين عاد بها إلى الغرفة وأراني‬
‫التحاليل‪ ،‬هنا تكمن الصدمة‪...‬لقد فقدت ذاكرتها‪ ،‬وما يزيد الطين بلة‬
‫أن السرطان انتشر في جسدها بشكل مروع كما تنتشر الغرابيب السود‬
‫في السماء الطاهرة‪...‬‬
‫مرت أيام وعادت شهد في غيبوبة‪،‬‬
‫أمسكت دفتري ألكتب‪ ،‬فقد كانت الكتابة الملجأ الوحيد لي‪..‬‬
‫كنت في حالة صدمة هذا األسبوع‪ ،‬كانت التحاليل مؤذية لي أكثر‬
‫منها‪ ،‬فهي اآلن ال تعي شيًئا‪ ،‬آه يا جميلتي كم أن الحزن مؤٍذ‪ ،‬وكم أن‬
‫كتم المشاعر مهلك‪ ،‬لم أشبع تلك المرة بإخباركم عن شخصها‪ ،‬دعوني‬
‫أخبركم أكثر‪ ،‬كانت تلك التي تسقي الجميع من ماء حبها حتى‬
‫أسرفت‪ ،‬وهي تعلم أن اإلسراف مضر‪ ،‬تلك التي لو كذبت بوجهها‬
‫لقالت ربما فهم األمر بشكل خاطئ‪ ،‬تلك التي كانت تضحي بنفسها من‬
‫أجل بعض أناس ال يستحقونها‪ ،‬تلك التي لو جئت من خلف ظهرها‬
‫قاتًلا ألحسنت الظن بك‪ ،‬كان هذا البيت يمثلها‪:‬‬
‫"كم باسٌم

‫والحزن يمأل قلبه‬
‫والناس تحسب أنه مسروٌر‬
‫وتراُه في جبر الَخواطر ساعًيا‬
‫وفؤاده متَصدع مكُسور‪".‬‬

‫‪48‬‬
‫أما اآلن‪...‬فقد جف نهر حبها ويبست أرضه‪ ،‬وكذب الكثير حتى ُأشبعت‬
‫بالكذب‪ ،‬وضحت بنفسها كثيًرا حتى تشَّبع جسدها بالخدوش‪ ،‬وتم اغتيالها‬
‫من ِقبل مرض خبيث‪ ،‬حقيقة‬
‫كانت مختلفة كل االختالف وال تمت للواِقع بصلة خلف األبواب‪..‬‬
‫استيقظت من غيبوبتها التي دامت قرابة العشر ساعات‪ ،‬فاقتربت منها‬
‫وقلت بنفسي لعلني أستطيع الكالم معها قليًلا فقد اشتقت كثيًرا لها‪،‬‬
‫وحين اقترابي منها دخل شخصان أحدهما معه عكازة واضًعا على عينيه‬
‫وحول رأسه قماشة‪ ،‬واآلخر ممسك به وكأن يدله على الطريق‪ ،‬جاء‬
‫صاحب العكازة وجلس على طرف سرير شهد‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪-‬مرحًبا عزيزتي كيف أصبحِت؟‬
‫‪-‬بخير‪...‬‬
‫‪-‬هل تشعرين بألم؟‬
‫‪-‬ال‪ ،‬ال أشعر بشيء‪.‬‬
‫‪-‬هل اشتقِت لي؟‬
‫‪-‬ال أدري من أنت‪ ،‬وبالتالي ال أشتاق لك‪.‬‬
‫‪-‬ال بأس‪...‬أنا أخوك‪.‬‬
‫‪-‬هل كان لدي أي أخوة؟‬
‫‪-‬نعم كنا مكونين من أب وأم وأخوين وأخت التي هي أنت‪ ،‬كنا عائلة‬
‫لديها من النعيم ما ال ُيعد فقد بارك الله لنا في عملنا‪ ،‬وكان لدينا ثالث‬
‫سيارات وبيت ذو طابقين مع مسبح جميل جًّدا‪.‬‬
‫‪-‬جميل‪...‬أين والدتي؟‬
‫‪-‬والدتك‪...‬أصابها مرض قوي منذ سنة وماتت‪.‬‬
‫‪-‬حًّقا؟‪...‬إذا أين والدي؟‬
‫‪-‬والدك أصيب بجلطة بعد موت والدتك ومات بعدها بسنة‪.‬‬
‫‪-‬وأخ؟‬
‫‪-‬أما عن أخوك وأنا فقد ذهبنا لتأدية خدمتنا في الجيش‪ ،‬ولسوء الحظ‬
‫فقدنا أخي‪ ،‬أما أنا بقيت حًّيا أعاثر الحياة‪ ،‬تعبت من قلق الحياة ومرها‪،‬‬
‫تعبت من التفكير في المستقبل‪ ،‬وماذا سيحدث بي‪ ،‬تعبت‪ ،‬وأصابني‬
‫الفتور والوهن والكلل واإلعياء‪ ،‬أتعرفين معنى الهدنة؟‬
‫أنا أريدها فقط‪...‬ال أريد شيًئا آخر‪.‬‬
‫قالت وعلى ثغرها ابتسامة أَمل‪:‬‬
‫‪-‬ربما الَحياة ليست بهذه الَقسوة‪ ،‬ربما َعيناك مرهقتان ليس إَّلا‪.‬‬
‫‪-‬لقد َفقدت َعيناي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫أزاح قطعة القماش عن عينيه فإذ بستارة بيضاء اللون تغطي بؤبؤ عينيه‪.‬‬
‫‪-‬قالت بغرابة‪ :‬ما الذي حصل لهما‪.‬‬
‫‪-‬بينما الجميع يقول لي أني محظوظ بأني ال أملك عائلة وأني حر‪،‬‬
‫أصابني العمى من الحزن كما ابيضت عينا النبي يعقوب عليه السالم‬
‫حينما فقد ولداه‪...‬‬
‫على كٍّل‪ ،‬سآتي إليك كل يوم ألراك‪.‬‬
‫جاء مساعده وأمسك بيده‪ ،‬والتف ليذهب فقالت‪:‬‬
‫‪-‬شكًرا لمجيئك‪.‬‬
‫ارتسمت على ثغره ابتسامة خفيفة‪:‬‬
‫‪-‬ال شكر على واجب‪.‬‬
‫وأشار إلي بأن ألحقه‪ ،‬عن نفسي كنت على معرفة بكل هذه القصة‪ ،‬فما‬
‫ُأصيبت جميلتي بهذا المرض إال من وراء الذي حصل‪ ،‬لم يتحمل‬
‫جسدها الواهن‪.‬‬
‫ذهبنا إلى خارج الغرفة‪:‬‬
‫‪-‬ال أدري ما سأقول ولكن شكًرا على اعتنائك بها طيلة هذا الوقت‪.‬‬
‫‪-‬ال بأس ال أريد أن تشرح شيًئا‪ ،‬فقط ابقى بجانب أختك فهي بآخر أيام‬
‫حياتها‪.‬‬
‫‪-‬أدري ذلك‪.‬‬
‫‪-‬هل كنَت بالمشفى كل هذا الوقت؟‬
‫‪-‬نعم فقد أصبت بخدوش في الحرب واضطررت لدخول المشفى‬
‫لحين شفائي‪.‬‬
‫‪-‬أوه‪..‬حسًنا‪.‬‬
‫‪-‬سأذهب اآلن‪ ،‬سأعود الحقا ان شاء الله‪.‬‬
‫‪-‬حسًنا‪.‬‬


‫عدت ألكتب على الدفتر؛ أرأيتم كم أن الحزن مؤلم‪ ،‬مؤلم نفسًّيا‪،‬‬
‫جسدًّيا وعقلًّيا‪ ،‬أحدهما أصيب بالعمى‪ ،‬واآلخر أصيب بالسرطان‪ ،‬كم‬
‫أن الناس حسودة‪ ،‬ال تنظر لألمور من عدة جهات‪ ،‬وإنما فقط ما يظهر‬
‫لها‪ ،‬متى يستوعب البشر أن الناس ال تقاس بمظهرها فقط‪ ،‬وإنما تقاس بما‬
‫ال تبصره األعين‪ ،‬كم أن هذه العائلة محسودة‪ ،‬كم أن الله يحب هذه‬
‫العائلة حتى ابتالها بشتى أنواع البالء فكما قال النبي ﷺ‪" :‬إذا أحب‬
‫الله عبده ابتاله‪".‬‬

‫‪50‬‬
‫أخاف يوًما تغادر فيه شهد الحياة‪،‬‬
‫فلتشهدوا جميًعا أيها القّراء لن يعود لي صاحبة بعد شهد‪...‬‬


‫نهضت وتوضأت وصليت ركعتين لعل الله يفرج عنا ويشفي شهد‪...‬‬
‫وألنني تأخرت بالنوم استيقظت عند الساعة الثانية عشر صباًحا على‬
‫الصوت العالي الذي ينبع من الذين أراهم أمامي‪ ،‬أطباء عن اليمين والشمال‬
‫يركضون‪ ،‬منهم من ُيحضر المصل‪ ،‬ومنهم من يأتي بآلة يضعها بجانب شهد‬
‫وبالجانب اآلخر آلة لدقات القلب‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫نهضت مسرعة ألرى ما الذي يحصل فرأيت شهد مغمضة عينيها مصفَّرة‬
‫اللون‪ ،‬وشفتيها ملونة باللون البنفسجي‪ ،‬وما أن يمسك الطبيب شعرها إال‬
‫وخرجت خصالت بيده‪.‬‬
‫ورأيت المساعد يحضر آلة كبيرة‬
‫فصرخت للطبيب بهلع‪:‬‬
‫‪-‬ما هذه؟!‬
‫‪-‬إنها آلة الصدمات الكهربائية لإلنعاش‪.‬‬
‫بدأ الطبيب بالضغط على قلبها‪ ،‬مرة يضغط بيده ومرة بآلة الصدمات‬
‫الكهربائية‪ ،‬أعاد الكرة مرة واثنتين وثالثة‪ ،‬ولم يتحرك جهاز القلب ولو ببنت‬
‫شفة‪ ،‬هنا أيقنت حًّقا أن شهد‪...‬غادرت الحياة‪.‬‬
‫شهد‪ ،‬تركتني وحيدة‪ ،‬مبعثرة‪ ،‬مشتتة‪ ،‬متناثرة‪ ،‬وكأن جبًلا من الصخور‬
‫وضع على كاهلي المنهك‪ ،‬آه يا شهد‪ ،‬لماذا‪ ،‬لماذا يجب عليك الذهاب؟ لم‬
‫يعد لي أحد‪ ،‬لقد تعبت‪ ،‬تعبت من كاللة الحياة وكدحها‪ ،‬أتذكرين تلك‬
‫المرة‪ ،‬التي جلسنا مع بعضنا نذاكر مواد االختبار اإلعدادية كنا بعمر الثالث‬
‫عشر تقريًبا؟ أال تذكرين ماذا قلِت لي حينها؟‬
‫قلِت‪:‬‬
‫‪-‬لن أتركك يا ريفال‪ ،‬أقسم لِك‪ ،‬لن أتركك ما دمُت حية‪.‬‬
‫‪-‬أعدك يا أعز ما أملك‪.‬‬

‫وفعلنا حركة الوعد الخاصة باألصبع الخنصر‪ ،‬أال تذكرين؟ لقد‬


‫وعدتني‪ ،‬لكنني لم أفهم معنى "ما دمُت حية" لم أفكر يوًما‬
‫بالساعة التي ستغادرين الحياة فيها‪ ،‬لقد كنُت أعتقد أن هذا‬
‫الكلمة تعني أن ال شيء سيأخذِك مني‪ ،‬لكن كنِت تعين ذلك أكثر‪،‬‬
‫فأضفت تلك الكلمة‪ ،‬آه ما أقسى الفراق‪...‬‬

‫‪51‬‬
‫‪-‬بعد مرور شهر‪-‬‬
‫وقفت على المرآة ألرى وجهي‪ ،‬فرأيته مليًئا بالحبوب‪ ،‬قد غطاه النعاس‪ ،‬عيناي‬
‫وكأنها أصيبت بخيبة أمل‪ ،‬قد أصبح وزني قرابة الثالثة واألربعين كيلو أكاد‬
‫أجزم أني سأصبح هيكًلا عظمًّيا قريًبا‪ ،‬أدركت أن لدي محاضرة بعد قليل‪،‬‬
‫فارتديت‪ ،‬ولكن لم أرتدي فقط الثياب‪ ،‬وإنما قناع السعادة واالبتسامة‪ ،‬ألن شهد‬
‫مرة قالت لي‪:‬‬
‫‪-‬إياك يا ريفال أن تظهري لآلخرين مدى ضعفك‪ ،‬حتى لو كنِت بأقصى مراحل‬
‫الحزن والوهن‪ ،‬فالناس تستمد قوتها من ضعفك‪ ،‬كوني قوية يا هذه‪.‬‬
‫فتحت الدفتر ألكتب قليًلا؛‬
‫شهد كيف حالك اليوم‪،‬‬
‫أتمنى أنك بخير‪ ،‬ما زلت أكتب لك‪ ،‬ال أدري إن كانت رسائلي تصلك‪ ،‬ولكن‬
‫على كل حال أنا بخير أيًضا‪ ،‬ال تقلقي علي‪ ،‬ولكن…لو تدرين ما يقولون لي‬
‫لضحكِت كثيًرا والله‪ ،‬الجميع مصدوم من ردة فعلي الكاذبة يقولون لي بأنني‬
‫محظوظة بسبب قوتي غير الطبيعية وبصبري على الذي حصل‪ ،‬فأنا في كل‬
‫مرة أخرج من باب المنزل أرسم السعادة رغًما عن أنفي‪ ،‬ولكني أقسم لك بأنني‬
‫أراك في كل شيء‪ ،‬أنا هرمت من بعدك يا شهد‪ ،‬أصابني اإلعياء‪ ،‬أصبحت على‬
‫الهامش من بعدك‪ ،‬لم أعد أفقه من الحديث شيًئا‪ ،‬أصبحت انطوائية‪ ،‬ال أجالس‬
‫الكثير رغم حاجتي لمن أحدثه‪ ،‬لكن القّراء الذين يقرؤون هذا اآلن شهدوا جميًعا‬
‫على أنه لم ولن يكون لي صديقة من بعدك‪ ،‬أليس كذلك يا رفاق؟ أنا فقط…‬
‫أحتاج كما قال أخوِك أحتاج فقط هدنة‪ ،‬أوه صحيح‪ ،‬أخوك بخير أيًضا‪ ،‬يحاول‬
‫جاهًدا إيجاد طبيب جيد لعينيه ولكن لن يجد‪ ،‬فالعينان ال تعوض‪ ،‬مثلك يا‬
‫شهد‪ ،‬مثلِك…ال تعوضين‪ ،‬لكن أتعلمين‪ ،‬لقد أخذت عبرة جيدة من وراء الذي‬
‫حدث‪ ،‬أال وهي "ال أحد يعلم ما وراء األبواب واألنفس فكل مهرج وراءه قصة‬
‫مؤلمة ُتمثل في األفالم المرعبة" ولكن أوجه رسالة للجميع حًّقا‪ ،‬حتى أنتم أيها‬
‫القَّراء‪ ،‬هذا الذي تروه‪ ،‬إنه مجرد تراكمات‪ ،‬ال ينهار اإلنسان من كلمة واحدة‪،‬‬
‫كونوا مدركين لما يحصل حولكم ولو لمرة!‬
‫وآخًرا أقول…كانت شهد َعلى شَفا ُجرف تَحاول َصامدة الَّتمسك بأحَلامها‪،‬‬
‫فتُقع هي وَتقع أحالمها وينَتهي الَّزمان‪.‬‬

‫براءة فادي النجار‬


‫‪52‬‬
‫مالذي‬
‫نبيلة الثرياء‬
‫مالذي‬


‫منزل باذخ بالترِف‪ ،‬صالته فاخرة تزين الثرّيا سقفها‪ُ ،‬غرفه واسعة ستائرها منسوجة‬
‫بألواٍن زاهية‪ ،‬ومطبخه مكتظ باألواني الالمعة‪..‬‬
‫في الطابق األرضي منه‪ ،‬هناك تقبع غرفة الفتاة العشرينية "مياسين"‪ ،‬رفيقة القلم وأنيسة‬
‫الحرف‪ ،‬محبة للعلم وشغوفة للكتب جل حياتها ما بين دفتيها‪..‬‬
‫في هذا الظالم الدامس الذي يحيط بها عدى من إضاءة خافتة تنبلج من حاسوبها‪،‬‬
‫همْت بمداعبة تلك اللوحة ومرافقة أحرفها بعيًدا عن َصخب حياتها‪ ،‬بدأت بكتابة‬
‫جملة بالخط األسود في أعلى سطح الشاشة " ما خلف الـ‬
‫لم تنتِه من إكمال جملتها تلك‪ ،‬حتى قام أحدهم بمقاطعتها بفتح الباب بقوة حتى ارتد‬
‫إلى الجدار‪ ،‬التفتْت حينها بهلٍع لجهة ذلك الصوت المدوي على مسامعها ‪ -‬الذي‬
‫أخرجها من زوبعة ما تكتبه‪-‬‬
‫فلم يكن مصدره إال بفعل أختها ‪..‬‬
‫‪ -‬ما الذي تفعلينه؟‬
‫تقدمْت أكثر ورأت ما الذي كانت تفعله وقاطعتها عنده‪ ،‬عادت بنظرها إلى أختها‬
‫ورأت نظرة التوبيخ من تصرفها ولكنها لم تبالي وهمت قائلة‪ :‬مياسين! باللِه عليك أال‬
‫تملين من المكوث أمام هذا؟ قالت جملتها تلك وَشرعت بالجلوس على السرير‬
‫متربعة بجلستها‪..‬‬
‫راحت مياسين تجول بنظرها لخطوات أختها ‪ -‬التي لم تترك حركاتها الصبيانية ‪-‬‬
‫حتى جلست ونظرت إليها بنظرِة غضب يشوبها نظرة حنان طفيفة‪ :‬جوان ألم أخبرك‬
‫من قبل أن تطرقي الباب أوًلا‪ ،‬وتقومين باالستئذان‪ ،‬وال تدخلين هكذا كأنك تهمين‬
‫لالستعداد للحرب؟ عند انتهائها من جملتها األخيرة قاطعتها ضحكة جوان الرنانة‬
‫على آخر ما قالته‪ ،‬تبسمت حينها ‪ -‬مياسين‪ -‬لوقع ضحكة أختها على قلبها‬
‫وسرحت في تفاصيلها‪..‬‬


‫فمتى آخر مرة ضحكت فيها جوان؟!‬
‫توقفت عن الضحك وعلى ثغرها يزين طفيف ابتسامة جميلة‪ ،‬أكملت مياسين‬
‫حديثها متنهدة‪ :‬وهذا الذي تسمينه بهذا؛ إنه مالذي والتجائي مما يحدث خلف هذا‬
‫الباب‪ ...‬صحيح! لم تخبريني ما الذي أتى بك إلى غرفتي؟ لم تدخلينها منذ آخر مرة‬
‫صرخ بها هادي في وجهك!‬
‫نظرت جوان إلى أختها وتنهدت تنهيدة يملؤها الحزن والتعب وطأطأت برأسها قائلة‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫أتيت ألسالك عنه ألم يعد بعد؟ أجابتها مياسين وقد اكتسى وجهها بالحزن‬
‫وَغصة تنذر بالبكاء على أخيهن الوحيد التي شّتتت حياته‪ :‬ال أعلم يا جوان‪ ،‬ال‬
‫أعلم متى سيعود من تسكعه؟‬
‫تعلمين أنه أصبح يضيق من المنزل كي ال يواجه والدك الذي ضّيق عليه‪،‬‬
‫وتأنيبه له في كل مرة يراه فيها قائًلا أنه بال فائدة وأن منهم من هم في مثل‬
‫عمره قد أنجزوا الكثير في حياتهم‪ ،‬وهو لم ينجز شيئا‪..‬‬
‫توقفت مياسين عن الكالم وحّلت موجة هدوء في الغرفة‪ ،‬وخّيم على‬
‫كلتاهما صمت ُمريب ممطر بُحزن وكمد أليم‪..‬‬
‫‪ -‬جوان‪..‬جوان‬
‫ما بال هذه الفتاة أال تسمع؟ جووووان‬
‫‪ -‬بسم الله‪ ..‬ماذا هناك‬
‫راحت تتخبط يمنة ويسرة من الخوف‬
‫ضحكت مياسين على ردة فعلها‬
‫فنظرت إليها بنظرٍة منغاضة من ضحكتها عليها‬
‫‪ -‬ميااااسين‬
‫‪ -‬لم تسمعين ما قلته لك كان علي مناداتك بصوت أعلى‬
‫‪ -‬طبلة أذني صّمت من صوتك‪ ..‬حسًنا ما الذي كنت تقولينه؟‬
‫‪ -‬تبسمت وقالت بصوت هادئ ‪:‬‬
‫ما هذا الهدوء الذي يُعم أرجاء المنزل؟ لَم ال أسمع أصوات لوالدّي اليوم؟‬
‫‪ -‬بربك مياسين كيف ستسمعينهما وجل وقتك ‪ -‬اليوم‪ -‬أمام هذا الشيء‪ ،‬بل‬
‫قبل هذا الهدوء حدثت العاصفة وككل يوم ال يمر بدونها‬
‫تنهدت مياسين بألم من َصخب المشاكل التي ال تنتهي في منزلهم بين والديها‪:‬‬
‫‪ -‬ما الذي حدث هذه المرة أيًضا؟‬
‫رتبت جوان جلستها وبدأت بالحديث ‪...‬‬
‫لتصغي‪ ،‬شنت والدتك حربا على والدك بأنه ال يهتم بأعباء المنزل وأن كل‬
‫وقته مقابل أعمال شركته وأشغاله‪ ،‬وال يبالي بما تحتاجه‪ ،‬وبالتأكيد سيبرئ‬
‫والدك التهم الموجهة إليه ككل مرة ويبدأ بالصراخ أنها هي التي ليست‬
‫كالنساء األخريات اللواتي يهتمن بشؤون منازلهن ورعاية أزواجهن وأوالدهن‪،‬‬
‫وال يهمها إال الخروج من المنزل والتباهي بمكانتها بين النساء ذات الطبقة العليا‪،‬‬
‫حتى يرتفع الصراخ ويلوم كل واحد منهم اآلخر‪ ،‬ثم مغادرتهم من المنزل كل‬
‫إلى مكانه المعتاد ‪..‬‬

‫‪54‬‬
‫توقفت جوان عن الكالم وارتمت بجسدها إلى السرير ناظرة ‪ -‬تحديًدا‬
‫‪ -‬إلى الثريا التي تزين سقف الغرفة‪ ،‬قائلة بصوت أجش مخرجة‬
‫للحروف وكأنها مشرط يقطع أحبالها الصوتية‪:‬‬
‫لماذا حياتنا هكذا؟‬
‫لماذا خلف هذا الباب الُمرصع بالجمال يكُمن ضجيج ال يهدأ؟!‬
‫وبصوت يأت من سرداب بعيد عن عالمها‪:‬‬
‫أتعلمين ماذا قالت صديقتي جمان يا مياسين؟! رفعت نظرها إلى أختها‬
‫وعيناها ترقرق من الدمع‬
‫قالت لي ذات يوم ‪ :‬ليتني أعيش حياة الرفاهية والدالل التي تعيشينها يا‬
‫جوان!‬
‫يا للبؤس يا مياسين ليتها تعلم أن خلف هذا الباب جحيم تحرق فيه‬
‫قلوبنا‪..‬‬
‫هلْت دموع مياسين وبدأ صوتها يرتفع بالنحيب من كالم أختها التي لم‬
‫تعش حياة الدالل في هذا المنزل‪ ،‬ومن حياتهم الميؤوس منها والصاخبة‬
‫‪ -‬يومًّيا‪ -‬بالمشاكل والصراخ‪ ،‬وعلى أيامهم التي لم يستمتعوا بها كبقية‬
‫أولئك الذين هم من مثل سنهم‪..‬‬
‫ليتهم يعلمون يا مياسين‬
‫أن خلف كل باب روايات ال تنتهي فصولها وحكايات يشيب لها‬
‫سامعها‪ ،‬تبكي لها العين ويندب لها القلب‪ ،‬خلفها السعيد حزينا‪ ،‬والحزين‬
‫سعيدا‪ ،‬الجميل قبيح‪ ،‬والقبيح جميل‪ ،‬الغني فقير‪ ،‬والفقير غني‪ ،‬ليتهم‬
‫يعلمون أن ما خلف األبواب يا مياسين تكمن حياة أشخاص ال يعرفها‬
‫أحد سواهم‪...‬‬
‫بعد آخر جملة قالتها جوان حل صمت حزين في الغرفة‪ ،‬ال يسمع منه‬
‫إال بكاء مياسين الذي لم يهدأ حيال كل كلمة تفوهت بها أختها‪..‬‬
‫‪ -‬مياسين‪ ..‬هيا كفي عن البكاء‪ ،‬قالت جملتها تلك مع نهوضها من‬
‫على السرير‪ ،‬مكفكفة لدموعها‬
‫‪ -‬سأخرج وأرى إن عاد هادي إلى المنزل‬
‫فإن عاد ورآك هكذا سيهرب هذه المرة من منظرك‪ ،‬رفعت‬
‫مياسين عيناها ‪ -‬وقد كِّونت فيها شعيرات دموية بسبب‬
‫بكاؤها‪ -‬ناظرة إلى أختها التي ال تكف من أن تزين اإلبتسامة على‬
‫ثغرها بعد كل موجة حزن تصيبها‪ ،‬همت تكفكف دموعها‬
‫وأخذت نفًسا عميق قائلة‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬حسًنا إن عاد أخبريه أّني بانتظاره لنذهب إلى حيث اخبرته‪..‬‬
‫‪ -‬مياااسين ما الذي تخططين لفعله‬
‫قالت جملتها تلك مصوبة تصغير عيناها الحمراواتان الثاقبة إليها‬
‫ضحكت مياسين من نظرتها وقالت مبتسمة‪:‬‬
‫صحيح لم أخبرك‬
‫قد تم قبول دار النشر لتصدير كتابي األول‬
‫‪ -‬مااااذا لم تخبريني بذلك من قبل‬
‫قالت جملتها مع ركضها من مكانها إلى احتضان أختها‪ ،‬وضحكتهن ُيسمع‬
‫صداها في أرجاء المنزل‪..‬‬
‫‪ -‬جوااان خنقتيني‬
‫‪ -‬دعيني أخنقك أكثر لعدم اخباري يا لئيمة‪ ،‬وأنا التي ظننتك تعبثين بذلك‬
‫الحاسوب ال أكثر‪ ،‬تبسمت مياسين وقامت باحتضان أختها أكثر‪ ..‬بعد أن‬
‫هدأت موجة االحتضان وآثار الفرحة تزين محياهن‪..‬‬
‫‪ -‬هيا أخبريني ما اسم الكتاب ألخبر صديقاتي في المدرسة وأخبر جمان‬
‫عنه وأفاخر بك وألغيظهن بامتالكي ألخت مثلك ‪ ..‬قالت كالمها وعيناها‬
‫تشع بالخبث‬
‫‪ -‬ضحكت مياسين من مغايظة أختها لصديقاتها دائًما وقالت بصوت حاٍن‪:‬‬
‫حسًنا‪ ،‬عندما فتحِت علّي الباب فجأة ما الذي كنُت أكتبه؟!‬
‫‪ -‬نظرت جوان إليها وكأنها لم تفهم ما قالته‪ ،‬فأخذت تسترجع حدث‬
‫دخولها عليها‪..‬‬
‫فتحت عيناها على وسعهن بنظرة دهشة‪:‬‬
‫‪ -‬ميااااسين ال تقوووولي‪...‬‬
‫تنهدت وسرحت بابتسامتها في وجه أختها‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬نعم يا جوان إنه هو‪...‬‬
‫"ما خلف األبواب"‪.‬‬

‫نبيلة الثرياء‬

‫‪56‬‬
‫إنكسار قلب‬
‫هند علي أحمد‬
‫إنكسار قلب‬
‫صراخ يدوي في اآلذان كلمات جارحة تجرح القلب الرقيق الصغير‪ ،‬أصواٌت‬
‫متداخلة متشابهة‪ ،‬هنا تبكي بال صوت تجعل للدموع طريقا من وجنتيها‪ ،‬تنطوي‬
‫على جسدها المنهك المتعب الخاوي من القوة‪ ،‬خلف الباب وحيدة ال أحد‬
‫يدري بها‪ ،‬تذهب راحلة من كل هذا الضجيج الذي يحيط بها‪ ،‬هنا فتاة بذلت‬
‫حتى ذبلت‪ ،‬تريد أن تعيش حياًة كريمًة هي وطفلها‪ ،‬يأتي إليها زوجها الذي‬
‫يعتبرها عدوته وخادمًة له ال زوجته‪..‬‬
‫يده خفيفة تجاهها في الضرب وبخيلة تجاهها‪ ،‬ال ينفق أبًدا وبخيٌل جًّدا‪ ،‬سواء‬
‫في طعاٍم أو لباٍس أو حّب‪.‬‬
‫يمتلك في الجانب األيسر حجًرا وليس قلًبا ينبض‪ ،‬دائًما حديثه مليٌء بالكلمات‬
‫البذيئة وبالكلمات الجارحة‪ ،‬كلما أرادت أن تجعله ليًنا قليًلا تجاهها يصبح أكثر‬
‫قساوًة من ذي قبل‪ ،‬بلغ الكره في قلبه ما بلغ‪ ،‬تتذكر عندما حّضرت له طعامه‬
‫المفضل عابه وذكر فيه أكثر من عيب‪ ،‬ونسي أن حبيبنا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يعب طعاًما قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه‪.‬‬
‫في أحد األيام قال لها لماذا أنِت هكذا تحاولين أن تكوني مالكا وأنِت شيطان‪،‬‬
‫لماذا ُتكثري من الطلبات أال تملين أبًدا‪ ،‬أتعلمين أنِك تريدين أن تجعلي رأسي بين‬
‫التراب وبين النعال يا فاجرة‪ ،‬تريدين أن تفقريني‪ ،‬وهي قد طلبت منه فاكهة‬
‫اشتهتها ليس إّلا‪ ،‬تتلقى التوبيخ دائًما تتعرض لنظرات مستهزئة منه‪ ،‬يعود إليها في‬
‫ُدجى الليل بعد سكرته‪ ،‬يتخبط ويصرخ يفزعها هي وطفلها الذي لم يكمل سنته‬
‫الرابعة‪ ،‬تسكن بين أربع جدران فيها كل أنواع البشاعة والقسوة‪ ،‬خيم عليهم الظالم‬
‫بسبب أسلوبه‪ ،‬غادرتها السعادة منذ تلك اللحظة التي تحولت حياتها إلى جحيم‪،‬‬
‫أسمته يوم البؤس والشؤم‪ ،‬كانت يوم األحد في المطبخ منشغلة بتنظيفه بعد أن‬
‫أعدت طعام العشاء تدندن بعض من أغنيتها المفضلة‪ ،‬سمعت مقبض الباب ينفتح‬
‫فهرولت إليه كالعادة مشتاقًة إليه‪ ،‬لكن لم تجده كعادته لم يكن طبيعًّيا أبًدا‪ ،‬به‬
‫شيء‪ ،‬قالت له ما بَك؟ ما حالتَك هذه؟ لم يكن بكامل وعيه‪ ،‬أجابها بعيون تلهب‬
‫كالنار يا حقيرة يا سافلة ولِك عيًنا تسألي‪ ،‬من أين تعرفي أحمد؟ قالت أحمد!‬
‫ومن أحمد هذا ما بَك من أين جئت؟ صفعها صفعة جعلتها تسقط أرًضا‪ ،‬مسك‬
‫بشعرها وأخذها إلى الغرفة وأخذ ابنه الذي صحى فزًعا من النوم بجانبها وأغلق‬
‫الباب وخرج من المنزل‪ ،‬رجع بعد يومان‪ ،‬أخرجها من الغرفة وقال لها من اليوم‬
‫حتى آخر يوم بعمرِك لن‬

‫‪57‬‬
‫تخرجي ولن يأتي إليِك أحد‪ ،‬قالت بسبب لماذا؟ ما ذنبي؟ لما أغلقت الباب‪،‬‬
‫اخرسي وال أسمع لِك حًّسا وإال ورّب العرش ألقتلَّنك‪ ،‬تهددني وتضربني‬
‫وتغلق علي الباب وتشك في شرفي ماذا دهاك أخبرني‪ ،‬صرخت في وجهه‬
‫قائلة لن أسامحَك ما حييت‪ ،‬اجتاحها صداع ودوار شديد حتى أغمى عليها‪،‬‬
‫طفلها يناديها ماما ماما انهضي استيقظي‪ ،‬أخذها إلى المشفى فخرجت‬
‫الممرضة إليه قالت مبارك سيدي زوجتك حامل‪ ،‬ماذا ماذا!‬
‫لكن ما حلتها هذه إنها تحتاج إلى رعاية واهتمام فهي متعبة جًّدا ومرهقة‬
‫يجب أن تهتم بها من أجلها وأجل الجنين‪ ،‬قال لها متى ستخرج قالت يمكنك‬
‫أخذها لكن كما قلت لَك سيدي إنها بحاجة الهتمام وتغذية‪ ،‬أخذها وأوصلها‬
‫إلى المنزل ركلها في بطنها وقال لها يا فاجرة ابن من هذا؟ بكت في داخلها‬
‫ولم تجبه أحست أنه طعنها بكلماته هذه أيشك بها؟ رددت حسبي الله ونعم‬
‫الوكيل‪ ،‬قالت له أرجوك أخبرني ما سبب كل هذا من تكلم علّي من اتهمني‬
‫وظلمني‪ ،‬صفعها وجرها من شعرها وضربها وركلها في بطنها ركلة تلو‬
‫األخرى‬
‫حتى أغمى عليها نظر إليها أخذ ابنه وذهب بعد أن أغلق عليها الباب‪ ،‬أفاقت‬
‫بعد ساعة وأحست بألم في بطنها‪ ،‬مسكت بطنها وهي تلتوي وتئن وتصرخ‬
‫افتح الباب‪ ،‬لكن ما من مجيب ال أحد يسمع صراخها إلى ربها شعرت ببرودة‬
‫وشيٌء خرج بغزارة منها رأت دم؛ آه إنني أنزف‪ ،‬عاد إلى البيت بعد أن ذهب‬
‫إلى من أخبره عنها واتهمها زورا وبهتانا‪ ،‬فتح الباب ونظر إليها فوجدها غارقة‬
‫في دمها‪ ،‬أخذها إلى المشفى فأخبروه أنها فقدت الجنين‪ ،‬قالت له الممرضة‬
‫ما بها ؟ من ضربها؟ قال سقطت من درج المنزل‪ ،‬ظلت في المشفى يوًما‬
‫كامًلا‬
‫سألت أين ابنها قال ابني وليس ابنِك يا فاجرة‪ ،‬بكت دون صوت حتى‬
‫انتفخت عيناها‪ ،‬خرجت من المشفى إلى المنزل لم يضربها وجدت ابنها‬
‫يتفرج على شاشة التلفاز رآها فهرع إليها وهو يبكي ماما لقد اشتقت إليِك‬
‫ِلما لم تأخذيني معِك؟ أتكرهيني؟ أنِت ال تحبينني‪ ،‬بكت كثيرا حتى جّف‬
‫الّدمع من عينيها‪ ،‬مضت األيام وهي خادمة ال غير‪ ،‬ال تخرج ال تتصل بأحٍد‬
‫أبًدا‪ ،‬فاقت من تذكرها للماضي على صوت الباب لقد جاء ألخذ بعض‬
‫األوراق‪ ،‬وجدت ابنها نائًما تأّملته فسقطت دمعة من مقلتيها آه آه يا ولدي‬
‫كيف كنا وكيف أصبحنا‪،‬استيقظ ابنها أراد أن يشتري بعًضا من الحلوى‬
‫فناداها يا ماما أريد حلوى‪ ،‬ردت عليه والُدك أغلق الباب علينا‪ ،‬أتى األب‬
‫السّكير يمشي بخطوات بطيئة وهو ال يدري أين هو ما زال في سكرته‪،‬‬

‫‪58‬‬
‫لم ُيغلق الباب أبًدا‪ ،‬صحت من نومها عندما سمعت خطواته في المنزل لم‬
‫تعد إلى النوم‪ ،‬ظلت تفكر وتجول كيف تهرب منه ليس لها نجاة إال الفرار‬
‫منه‪ ،‬لم تعد تسمع له حس‪ ،‬خرجت تمشي بهدوء في الظالم ودخان السجائر‬
‫ورائحة الخمر قد مألت المنزل‪ ،‬لديها نسخة من مفتاح الباب فقط تريد أن‬
‫تتأكد من أنُه نائم‪ ،‬وجدته مرمي على غرفة المعيشة وحوله علب السجائر‬
‫وقارورة الخمر وهو غارق في النوم لم يشعر بها‪ ،‬ذهبت إلى غرفتها مسرعة‬
‫نادت طفلها هيا قم سنرحل‪ ،‬قال الطفل هل سيمكنني أن أرى بابا مرة أخرى‪،‬‬
‫قالت له كال‪ ،‬هل يمكنني أن أنظر إليه‪ ،‬تسللت دمعة من عين األم من كالم‬
‫طفلها قالت وهي تداري جراحها بلى يمكنك لكن أمامك بضع دقائق فقط‪،‬‬
‫حاضر ماما‪ ،‬حمل الطفل قلبه الصغير إلى والده فرآه على هذه الوضعية‬
‫فحزن لمنظره قال في همس ال يكاد يسمع أحد أحبك بابا‪ ،‬التفت إلى أمه‬
‫وقال سأحميِك ماما ال تخافي خرجا من المنزل وهما يرتعدان من الخوف‬
‫مسكت بيد طفلها وقالت له سنرحل بعيًدا من هنا سأظل معَك دائًما لن‬
‫أفارقك ما ُدمت على قيد الحياة‪ ،‬ساروا كثيًرا حتى تعب الطفل‪ ،‬ماما لم‬
‫أعد أستطيع السير أريد أن أرتاح‪ ،‬جلسا في شارع فارغ ال يوجد به أحد‬
‫سوى القطط وضوء عمود اإلنارة خافت‪ ،‬شعرت بالخوف لكن عزمت أال‬
‫تعود إليه‪ ،‬داعبت خيوط الشمس وجهيهما أاستيقطت األم وطفلها فأكملوا‬
‫المسير‪ ،‬عندما تحاول الهرب من الظلم فإنَك ستكمل من حيث بدأت‪،‬‬
‫وجدا محًّلا للحلوى فقال ماما أريد من هذه‪ ،‬مرة ثانية أعدك بأن أشتريها‬
‫لك‪ ،‬ماما أنا جائع‪ ،‬اصبر قليًلا لعل هذه النقود تسد جوعَك‪،‬‬
‫ماما انظري إلى البالون إنه منتفخ جًّدا‪ ،‬ماما عندما يصبح لديِك نقود هل‬
‫ستشتري لي؟ سأشتري لَك ما تريد‪ ،‬طارت البالون في الشارع والطفل وأمه‬
‫يشتريان شطيرة لسد جوعهما‪ ،‬ماما انظري لقد ترك الطفل البالون سآخذه أنا‬
‫ركض لكي يأخذ البالون مرت سيارة مسرعة جًّدا فاصدمت بالطفل فارتمى‬
‫الطفل على األرض ودماء غطت جسده الصغير بالكامل‪ ،‬نظرت إلى طفلها‬
‫فصرخت صرخة تجعل األصم يسمع‪ ،‬ركضت إليه وهي تصرخ وتبكي‪،‬‬
‫حملته وهي تدور به طفلي طفلي انظر إلّي صهيب قم قم هيا بنا‪ ،‬لكن ما من‬
‫مجيب فطفلها طارت روحه إلى السماء أتت سيارة اإلسعاف وأخذوا الطفل‬
‫واألم‪ ،‬جاءوا إلى المشفى ولكن الطفل قد فارق الحياة‪ ،‬ما أبشع الحياة وما‬
‫أقسى قلوب البشر‪ ،‬دكتور أرجوك داوي طفلي‪ ،‬قال لها لقد مات‪ ،‬تحولت‬
‫إلى جماد لم تتحرك قال لها مات من‬

‫‪59‬‬
‫كثر النزيف‪ ،‬لم تفعل شيئا ولم تصرخ أبًدا‪ ،‬رحلت من المشفى‪ ،‬تاركة‬
‫طفلها في ثالجة الموتى‪ ،‬طفلي ما زال صغيًرا سيكبر ويحميني‪ ،‬طفلي‬
‫بخير ليس به شيء‪ ،‬سارت حتى وصلت أمام المنزل دخلت فوجدته‬
‫على الحال الذي تركته عليه‪ ،‬لقد مر ثالث عشرة ساعة على رحيلها‬
‫هي وطفلها‪ ،‬قالت له أبا صهيب قم قم تهز جسده بكل قوتها فاستيقظ‬
‫مفزوعا ما بَك ماذا هناك ما خطبك؟ تريدين أن أبدأ الصباح بالضرب‬
‫والشتم؟‬
‫قم وتعال معي طفلنا نائٌم في المستشفى‪ ،‬ماذا قلِت؟ مثل ما سمعت‪،‬‬
‫تحدثي‪ ،‬سردت عليه كل ما حدث دون أن تبكي‪ ،‬أخذ برأسها هل كل‬
‫هذا حدث؟ ما اسم المستشفى‪ ،‬سأقتلِك إن حدث لطفلي شيء‪ ،‬أغلق‬
‫باب المنزل عليها وذهب مسرًعا‪ ،‬ما إن ذهب حتى صرخت صرخة‬
‫قطعت حبالها الصوتية طفلي وتصيح صهيٌب يا ولدي هل تركتني‬
‫وحيدة‪ ،‬صهيب يا ولدي رحلت عني وتركتني أعاني من فراق األحبه‪،‬‬
‫أسندت برأسها على الباب الذي تستند عليه دائًما بكت دًما ليس‬
‫دموًعا‪ ،‬آه يا ولدي أتريد حلوى آه يا ولدي أتريد بالونا‪ ،‬تعال يا ولدي‬
‫خذني إليَك فإني لن أقدر على العيش بدونك يوًما واحًدا‪ ،‬أسندت‬
‫رأسها خلف الباب وحضنت صورًة لطفلها ونامت‪ ،‬لم تصحى بعد‬
‫نومها أبًدا ذهبت إلى جوار ربها هي وولدها‪ ،‬ماما أتيِت إلّي‪ ،‬نعم يا‬
‫ولدي لن أتركك أبًدا‪ ،‬أن يتحول كل شيٍء فجأة ويختفي الحب ويظهر‬
‫الكره يحّل الشّر ويذهب الخير أن يكون الظالم الحاكم والمسيطر هنا ال‬
‫مكان للنور بيننا ال مكان للحب ال مكان للخير‪ ،‬خلف كل باب قصة هنا‬
‫ننتهي من هذه القصة ولكم قصص وراء كل باب مختلفات‪..‬‬
‫تجد الفرح‪ ،‬الحزن‪ ،‬الفقر والغناء‪ ،‬تجد اليتيم‪ ،‬الظالم والمظلوم‪ ،‬الشر‬
‫والخير‪ ،‬لكن ال أحد يبوح بما خلف األبواب‪.‬‬

‫هند علي أحمد‬


‫‪60‬‬
‫الخاتمة‬


‫أن تحمل سًرا في قلبك شيئ في غاية األلم‪ ،‬لن‬
‫تدرك ذلك حتى تشعر به‪ ،‬رغم شدة ألم الِكتمان‬
‫إال أنه أفضل بكثير من أن تبوح بما تشعر‪ ،‬ال تعلم‬
‫متى يخون المنصتون‪ ،‬لن يبقى معك أحد فكلهم‬
‫مؤقتون‪ ،‬عليك أن تضع هذه الجملة حلقة في‬
‫أذنك حتى ال تتعثر في الحياة‪ ،‬سيذهب هذا‬
‫ويأتي ذاك‪ ،‬ولن يبقى أحد كما كان‪ ،‬ثق جيًدا أن‬
‫الحياة ال تقف على أحد‪ ،‬وأن على القلب أن‬
‫يحكم اإلغالق على بابه حتى ال يكون عرضًة‬
‫للخيبة‪.‬‬

‫آلاء مسعود المشاي‬

‫‪61‬‬
‫الفهرس‬
‫‪3‬‬ ‫المقدمة‬

‫من أجل ماذا؟‬


‫‪5‬‬
‫الفتاة المعجزة‬
‫‪7‬‬
‫ثنائي القطب‬
‫‪8‬‬
‫‪10‬‬ ‫سمج األوهام‬

‫‪12‬‬ ‫مقاومة من أجد‬


‫العهد‬

‫‪14‬‬ ‫كفاح‬

‫غيمة رضا‬
‫‪19‬‬
‫قناع القدر‬
‫‪24‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لمنظمة غيم الإبداع الثقافية‬

‫‪62‬‬
‫الفهرس‬
‫‪28‬‬ ‫محطة النهاية‬

‫‪30‬‬ ‫لعنة الثالثين‬

‫‪32‬‬ ‫كفاح بنكهة أمل‬

‫‪34‬‬ ‫محطة الحياة‬

‫‪36‬‬ ‫ما ال تعلمه‬

‫‪38‬‬ ‫آالء منسية‬

‫‪40‬‬ ‫ألم‬
‫‪42‬‬ ‫لقاء‬

‫جميع الحقوق محفوظة لمنظمة غيم الإبداع الثقافية‬

‫‪63‬‬
‫الفهرس‬
‫‪44‬‬ ‫قوة مزيفة‬

‫‪46‬‬ ‫معاناة‬
‫مالذي‬
‫‪53‬‬
‫‪57‬‬ ‫انكسار القلب‬

‫جميع الحقوق محفوظة لمنظمة غيم الإبداع الثقافية‬

‫‪64‬‬
‫كلمة المؤلف‪:‬‬

‫قصًص ا‬

‫آالء مسعود المشاي‬

‫منظمة غيم اإلبداع الثقافّية‬

You might also like