You are on page 1of 8

‫الفصل‪ :‬السادس‬

‫وحدة‪ :‬قضايا في تاريخ المغرب‬


‫األستاذ‪ :‬محمد مزيان‬

‫المحاضرة رقم‪4 :‬‬

‫السنة الجامعية‬

‫‪2021-2020‬‬

‫‪1‬‬
‫السنة الجامعية‪2021-2020 :‬‬ ‫جامعة ابن طفيل‬
‫وحدة‪ :‬قضايا في تاريخ املغرب‬ ‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫األستاذ‪ :‬محمد مزيان‬ ‫شعبة التاريخ والحضارة‬
‫املحاضرة رقم‪4 :‬‬ ‫الفصل السادس‬

‫‪:‬‬
‫تقديم‪:‬‬
‫أعزائي الطلبة رأينا يف احملاضرات السابقة كيف اختلفت املواقف والتوجهات حول طريقة احتالل املغرب‪ ،‬بني من يرى يف‬
‫التدخل العسكري وسيلة خللق حدث تارخيي‪ ،‬وبني من يعتقد بنجاعة التغلغل السلمي‪ .‬وكيف متت االستفادة من الدراسات‬
‫واالحباث اليت أجنزت حول املغرب من أجل صياغة خمططات التغلغل واضفاء الشرعية على الفعل االستعماري‪.‬‬

‫والواقع أن هناك من اهتم بإخضاع املغرب قصد بناء جمد شخصي له‪ ،‬واهلروب من الوضعية الداخلية اليت كانت تعيشها‬
‫فرنسا حينها‪ ،‬بينما يرى الرأمساليون ما يتيحه املغرب من فرص االستثمار‪ .‬كما تطلعت البورجوازية الصاعدة ملا ميكن أن حتققه من‬
‫أرباح باملغرب‪ .‬أما على املستوى السياسي‪ ،‬فقد عرف تضاربا يف املواقف‪ .‬فبالنسبة لليسار املعتدل‪ ،‬فقد بدأ يتخلى تدرجييا عن‬
‫حتفظه جتاه العملية االستعمارية يف املغرب إىل درجة أنه أصبح من املدافعني عن حقوق فرنسا يف اإلمرباطورية الشريفة‪ ،‬ملا تتميز به‬
‫من خصوصيات أكدهتا االتفاقيات واملعاهدات السابقة‪ ،‬وما أسفرت عنه من منافع وامتيازات تفضيلية‪ ،‬وقد وصل به اندفاعه إىل‬
‫تأييد فكرة أن فرنسا ستدخل احلضارة إىل بلد متخلف مفكك‪.‬‬

‫ويف املقابل‪ ،‬هناك اليسار املتطرف الذي عارض بشدة التدخل الفرنسي يف املغرب‪ ،‬ومن أشهر املعارضني "جون‬
‫جوريس" الذي كان يف السابق من مؤيدي التغلغل السلمي‪ ،‬لكنه غري موقفه وندد باحلمالت العسكرية وبالضغوطات املالية اليت‬
‫كانت متارس على السلطان ورعيته‪ ،‬كما طالب الربملان الفرنسي بتحمل مسؤوليته كسلطة مراقبة لعمل احلكومة‪.‬‬

‫توزعت املواقف السياسية بني يسار راديكايل أصبح شيئا فشيئا يزاحم اليمني يف مواقفه‪ ،‬ويساند السياسة االستعمارية‪،‬‬
‫وبني يسار متطرف مناهض هلا‪ .‬وللتذكري فإن التجربة االستعمارية الفرنسية باملغرب جاءت خمصبة مبنية على خلفية التجربة‬
‫التونسية إثر توقيع اتفاقية باردو (‪12‬ماي ‪ .)1881‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن األسس النظرية اليت قام عليها "اجمللس األعلى‬
‫للمستعمرات" املؤسس سنة ‪ ،1883‬يظهر بشكل جلي بأن مصطلح "املستعمرة" ظل مهيمنا‪ ،‬تعبريا عن ذهنية استعمارية حمتفظة‬
‫وغري متشبعة باألفكار االستعمارية الليبريالية‪.‬‬

‫وعليه سنبني يف هذه احملاضرة مفهوم احلماية يف فكر ليوطي (‪ )1925-1912‬واملالبسات املصاحبة لتطور هذا‬
‫املفهوم إجرائيا مع إبراز مالمح القوة ونقط عدم االنسجام مذهب ليوطي‪ .‬إضافة إىل إبراز أهم مظاهر السياسة اإلسالمية واألهلية‬
‫اليت اعتمدها ليوطي‪ .‬وعلى مستوى املصادر واملراجع اليت مت اعتمادها يف هذه احملاضرة ستجدوهنا يف األخري‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أوال‪ ،‬دالالت ووظائف الحماية من الناحية القانونية والتاريخية‪:‬‬

‫يستمد موضوع احلماية باملغرب أمهيته من كونه يبحث أكرب حدث يف تاريخ املغرب املعاصر للدولة املغربية والواضح أن‬
‫احلماية قدمت حلوال جملموعة من املشاكل السياسية والديبلوماسية اليت واجهتها فرنسا بالنظر إىل السياق والفاعلني حيث قدمت‬
‫احلماية على أهنا احلل االستعماري الوحيد املمكن‪.‬‬

‫ال ميكن حتليل مفهوم احلماية يف املغرب دون التحدث عن ليوطي الذي أعطى هلذا املفهوم مضموهنا املغريب‬
‫اخلاص‪ .‬ورصد الشخصية املعنوية واملادية للحماية يف مطلقاهتا وجذورها وسريورهتا‪ .‬فخالل مراحل التوسع االستعماري مت إعداد‬
‫القانون الدويل من طرف أروبا ولصا حلها فالقانون هنا كخطاب وممارسة يضفيان الشرعية على ميزان القوة غري متكافئ‪ ،‬تطور‬
‫القانون آخذا بعني االعتبار التطورات السياسية والتارخيية ومعطيات داخلية ودولية أدت بفرنسا إىل قبول هذا احلل‪ .‬لقد اضطرت‬
‫فرنسا أثناء صياغة اسرتاتيجيتها االستعمارية باملغرب أن تعمل على حتيني أساطري احلملة النابليونية على مصر‪ ،‬وقد بلغت األسطرة‬
‫ذروهتا حيث أصبح املغرب مرادفا لليوطي حسب ما جاء يف كتاب دانييل ريفي ‪Le Maroc de Lyautey a‬‬
‫‪Mohammed V le double visage de protectorat‬‬

‫وقد عرف الباحث ابراهيم بوطالب نظام احلماية باملغرب فقال‪" :‬احلماية معاهدة بني دولتني غري متكافئتني تستعمر‬
‫مبقتضاها الدولة القوية الدولة الضعيفة وتفرض عليها معمريها ورساميلها وأساليبها القتصادية واالدارية والثقافية فتلحقها بأسواقها‬
‫ومبجال نفوذها يف العامل‪ ،‬فهي حيلة قانونية تستغل هبا خريات الدولة احملمية‪ ،‬اعتمادا على أمواهلا وسواعد أبنائها‪ ،‬وهي إذن‬
‫اغتصاب ترايب واحتالل أجنيب‪.‬‬

‫وهناك تعريف آخر يقول‪" :‬إهنا بلد حيتفظ مبؤسساته وحكومته وإدارته مع أجهزته اخلاصة حتت إشراف بسيط لدولة‬
‫أوروبية حتل حمله يف التمثيل اخلارجي وتتوىل بصورة عامة إدارة جيشه وماليته وتقوده يف تطويره االقتصادي‪ ".‬إن الطابع املهيمن‬
‫واملميز هلذا املفهوم هو صيغة املراقبة املتعارضة مع صيغة "اإلدارة املباشرة"‪.‬‬

‫إذا تتبعنا العالقات املغربية الفرنسية‪ ،‬فنالحظ أن املفهوم املتداول لنظام احلماية يف املفاوضات املغربية الفرنسية اليت‬
‫انتهت بتوقيع اتفاقية فاس يف ‪ 30‬مارس ‪ ،1912‬كان هو املراقبة؛ مبعىن أن تعني الدولة الفرنسية مراقبني فرنسيني باإلدارات‬
‫واملؤسسات املغربية‪ ،‬املوجودة واليت سيتم احداثها باتفاق الطرفني‪ ،‬ليساعدوا املغاربة يف التدبري والتسيري إصالح شؤون بالدهم‬
‫وترقيتها إىل األحسن‪.‬‬

‫جتدر اإلشارة إىل أن احلكومة الفرنسية استوحت بشكل كبري أثناء صياغتها لعقد احلماية من نص اتفاقية احلماية‬
‫الفرنسية بتونس‪ ،‬وعليه مت جتاوز حاالت الرتدد‪ ،‬وهو ما يضعنا أمام عقد ديبلوماسي يتضمن شروط إقامة احلماية باملغرب يشمل‬
‫‪1‬‬
‫‪-1‬احرتام املؤسسات احمللية‪-2 ،‬إصالح املؤسسات‪ -3 ،‬مراقبة السياسة اخلارجية واالدارة احمللية‪-4 ،‬شروط مالية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬لالستفاضة أكثر يمكن الرجوع إلى‪ ،‬الحماية المفاهيم واالشكاليات القانونية (مؤلف جماعي) ‪ ،‬منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي‪،‬‬
‫(الرباط ‪)2016‬‬

‫‪3‬‬
‫‪1‬‬

‫قدمت احلماية باملغرب حلوال جملموعة من املشاكل السياسية والديبلوماسية اليت واجهتها فرنسا‪ ،‬بالنظر إىل السياق‬
‫والفاعلني ومالبسات املفاوضات بني السفري املفوض "رينو" والسلطان املوىل عبد احلفيظ والوقوف على وضعية املغرب املالية‬
‫والقتصادية والعسكرية‪ ،2‬اليت سامهت بشكل فعال يف توقيع معاهدة احلماية اليت مسحت من الناحية القانونية بإقامة نظام جديد‬
‫إىل جانب االدارة السلطانية‪ .‬وهو ما يسمح بطرح السؤال التايل‪:‬‬

‫كيف تعايش النظام اجلديد مع اإلدارة السلطانية وكيف متكنا من االستمرار املشهد السياسي املغريب؟ كيف أثرت‬
‫‪3‬‬
‫احلماية كإجراء قانوين يف مسار تاريخ املغرب وكيف وفرت األساس القانوين للدولة الرتاسبية؟؟‬

‫أ‪-‬اعتبارات عامة‪.‬‬

‫ظهر هذا اإلجراء جراء الصراع بني النظريات االستعمارية املختلفة‪ ،‬بني نظرية الدمج واالحلاق والضم‪ ،‬يري شار روبري‬
‫أجريو أن كلمة احلماية ظهرت حوايل ‪ 1883-1881‬أما "فلوري" فيعود هبا إىل ‪ 9‬شتنرب ‪ ، 1842‬كما جند يف القانون الدويل‬
‫صنفني من احلماية‪:‬‬

‫‪ )1‬بلد حام وبلد حممي‪ ،‬منظور إليه كجماعة هلا شكل دولة (محاية دولية) وتندرج ضمن هذا الصنف احملميات‬
‫الفرنسية (الكامبودج والالووس‪ ،‬وأنام وتونس واملغرب )‬

‫‪ )2‬جيمع بني البلد احلامي وبني مجاعة ليست هلا صفة الدولة‪.‬‬

‫وفق ما سبق‪ ،‬يُعرف شارل روسو احلماية‪ :‬بأهنا شراكة غالبا ما تتم عن طريق معاهدة يتفق عليها بلدان أحدمها (البلد‬
‫احلامي) يقوم بتمثيل البلد اآلخر (احملمي) والدفاع عنه‪ ،‬ويتحمل مسؤولية الدولية املرتتبة عن ذلك‪ ،‬أحكامه ليست ثابتة بل يتم‬
‫حتديدها يف الوثيقة اليت تبىن عليها االتفاقية‪ .‬ولكن يف كل احلاالت تلتزم الدولة احملمية بالتنازل عن بعض اختصاصاهتا لفائدة‬
‫الدولة احلماية‪ ،‬ولكنها حتافظ مع ذلك على فرديتها الدولية‪ ،‬ولن يكون طابعها كدولة حمل نقاش‪".‬‬

‫وبذلك فمضمون اتفاقية احلماية قابل للتغيري‪ ،‬مفهومها مرن يصعب حتديده بدقة‪.‬‬

‫خيضع التوصل التفاقية احلماية لسلسة من الشروط‪:‬‬


‫‪ -1‬الشخصية القانونية الدولية للدولتني‪.‬‬
‫‪ -2‬معاهدة هي األساس القانوين للحماية حمددة زمانيا (غالبا) ومشروطة باجناز جمموعة من األهداف غالبا ما تسمى‬
‫اصالحات‪.‬‬
‫‪ -3‬احلصول على اعرتاف الدول األخرى باحلماية‪ ،‬وهو ما كان من الصعب حتققه يف املغرب بسبب تضارب املصاحل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يمكن الرجوع إلى محمد القبلي (إشراف)‪ ،‬تاريخ المغرب تركيب وتحيين (الرباط )‬
‫‪3‬‬
‫انظر‪ ،‬عبد هللا بلمليح‪ ،‬التاريخ السياسي للمغرب إبان االستعمار‪ :‬البنيات السياسية‪ ،‬ترجمة محمد الناجي‪ ،‬إفريقيا الشرق‪( ،‬الدارالبيضاء‪)2014‬‬

‫‪4‬‬
‫ب‪ -‬نتائج المعاهدة‪.‬‬

‫على الصعيد الدولي‪:‬‬

‫تتم إعادة توزيع االختصاصات الدولية بني الدولة احلامية والدولة احملمية يشكل بعدا هاما من املعاهدة وختص ‪3‬‬
‫جماالت‪:‬‬

‫‪ -1‬إبرام املعاهدات‪ .‬هناك متييز يف القانون الكالسيكي بني التمتع بالسيادة وممارستها واحلماية جتعل الدولة احملمية تفقد‬
‫ممارسة السيادة وليس التمتع هبا‪ .‬وهذا التمييز يلحق الضرر جبوهر السيادة اليت تعترب وحدة ال تقبل التقسيم‪.‬‬

‫‪ -2‬التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ .‬احتكار الدولة احلامية الختصاصات الدولة احملمية فقد أصبحت اهليآت الفرنسية‬
‫مكلفة بتمثيل املغرب لدى الدول األجنبية‪ .‬على الصعيد القنصلي استمرت بعض الدول يف ارسال قناصلها للمغرب هذا يف‬
‫الوقت الذي كانت فيه على الصعيد الدبلوماسي تكتفي مبمثلها لدى فرنسا‪ .‬حي ينص الفصل اخلامس من الفقرة الثانية على أن‬
‫‪ :‬يكون املندوب املقيم العام هو الواسطة الوحيد بني جاللة السلطان ونواب األجانب‪ ،‬كما يكون الواسطة أيضا يف املصارفة اليت‬
‫هلؤالء النواب مع الدولة املغربية‪ .‬وحسب الفصل السادس ف‪ ":‬نواب فرنسا السياسيون والقنصليون يكونون هم النائبون عن‬
‫املخزن واملكلفون حبماية رعايا ومصاحل املغرب باألقطار األجنبية‪.‬‬

‫‪ -3‬االختصاصات يف حالة احلرب‪ .‬تعترب الدولة احلامية ضامنة للوحدة الرتابية وألمن حمميتها وعلى الدولة احلامية أن‬
‫تتدخل إذا تعرضت الدولة احملمية هلجوم‪.‬‬

‫على الصعيد الداخلي‪:‬‬

‫أقامت احلماية نظام ثنائية السلطة‪ ،‬مع تفوق نظري للسلطة اخلاضعة للحماية‪ .‬املوضوعان األساسيان اللذان حيكمان‬
‫تنظيم السلط مها‪ :‬اإلصالح واملراقبة‪ .‬كل معاهدة احلماية تؤسس شرعيتها على فكرة اإلصالح (املؤسسايت واملايل‪ ) ...‬وإحدى‬
‫وسائل اجناز االصالحات هي مراقبة السلطة احملمية‪ ،‬واهلدف من ذلك هو حتويلها إىل "دولة حديثة" هكذا نصبح أمام خطاطة‬
‫مؤسساتية قوامها شبكتان من السلط‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫من املؤكد أن احلماية هي وسيلة لتربير املشروع االستعماري فهي ستار شفاف حلجب الضم‪ ،‬كما قال "شوفاليي"‪ ،‬وقد‬
‫أثرت تأثريا كبريا يف املؤسسات‪ ،‬فليس من قبيل الصدفة أنه إذ كان احملدد والفاعل الرئيس يف املشروع االستعماري اجلزائري هو‬
‫شخصية العسكري بينما يف املغرب كان الفاعل هو التاجر والقنصل والدبلوماسي والعسكري‪ .‬وهو ما سبقت اإلشارة إليه مرتبط‬
‫باملكانة الدولية للمغرب‪ ،‬وينوع األفكار االستعمارية واالقتصاد االداري والعسكري وخاصة مسألة الشرعية‪.‬‬

‫أ‪ -‬سياق واقتصاد الوسائل‪:‬‬

‫‪ -‬السياق السياسي وااليديولوجي‪.‬‬

‫كانت فرنسا جمربة على توقيع اتفاقيات وتقدمي تنازالت والتحالف مع السلطان ومراعاة العديد من االتفاقيات الدولية‪،‬‬
‫مل يكن كل ذلك ممكنا إال يف إطار احلماية حيث تطور الفكر االستعماري نتيجة جدل يقابل بني الفكر والواقع وبني التاريخ‬
‫وااليديولوجيا‪ .‬فالرغبة يف عدم ارتكاب نفس أخطاء التجربة اجلزائرية‪ ،‬فهي املرجع السليب ويف املقابل تعترب تونس املثل الذي جيب‬
‫استلهامه‪ .‬ويبدو أن اجلزائر كانت حقل جتارب استعماري‪ ،‬وأن ليوطي واملنظرين لالستعمار‪ ،‬قد استخلصوا العرب من الفشل الذي‬
‫مين أنصار الطرق التقليدية‪ .‬فلم تتطور املذاهب االستعمارية بسبب التحوالت الداخلية يف عامل االفكار‪ ،‬بل نتيجة جدل يقابل‬
‫السياسي والواقع‪ ،‬وبني التاريخ واإليديولوجيا‪ .‬لكن كانت تونس هي التجربة امللهمة إذ صرح "النسان" (‪" :)Lanessan‬هبذا‬
‫النظام جعلنا من تونس‪ ...‬يف غضون عشر سنوات دولة متقدمة‪ .‬وبالنظام املعاكس‪ ،‬الذي يقضي بفصل كل القوى احمللية عن‬
‫بعضها البعض وممارسة احلكم على فئة قليلة‪ -‬جعلنا من اجلزائر بعد مخسني سنة بلدا خامال‪".‬‬

‫‪-‬اقتصاد الوسائل‪.‬‬

‫على الصعيد املادي كان الضم واحلكم املباشر يكلفان أكثر من احلماية خاصة على الصعيد العسكري واالداري‪ .‬كان‬
‫ليوطي يردد‪ ،‬هلذا النظام[ احلماية] ميزتان جتعالنه غري قابل للنقاش هو النظام الوحيد املطابق لألوضاع احلالية وهو االقتصادي‬
‫أكثر‪ .‬وهو ما ذكره رينو يف ‪ 23‬يونيو ‪1912‬بأنه‪" :‬ال ميكن تصور إدارة مباشرة إال إذا كانت هناك باملوازاة معها سلطة فعلية‬
‫قادرة على فرض الطاعة الكاملة‪ ،‬واحلكومة ال تنوي بتاتا أن حتتل املغرب احتالال كامال ألن ذلك سيكلفنا غاليا من حيث املال‬
‫والرجال"‪ .‬على املستوى العسكري كانت أوىل القرارات اليت اختذهتا فرنسا هي تأسيس جيش مكون من املغاربة يكون قادرا على‬
‫إسداء أفضل اخلدمات للمغرب ويكون وسيلة لسد العجز الذي يعاين منه اجليش الفرنسي‪.‬‬

‫يقول لوفو‪ ":‬مكن هذا النظام اإلدارة الفرنسية من حكم البالد بكلفة قليلة‪ ،‬واستطاعت سلطات احلماية أن حتل‬
‫التعارض بني ضرورة التوفر على إدارة أخطبوطية حلكم بلد شاسع وصعب املراس‪ ،‬والعجز عن توفر املوارد املالية‪ ،‬من خالل‬
‫الوسائل العادية ألداء أجور إدارة حاضرة باستمرار‪ .‬فمن خالل املراقبة يتمكن املستعمر من تربير حضوره إىل جانب اإلدارة‬
‫املخزنية اليت يشلها مبختلف الطرق‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ب‪ -‬وظيفة الشرعية‬

‫تعمل احلماية كوسيلة إلضفاء الشرعية وكإيديولوجيا باعتبارها حتافظ على اجلهاز السلطاين املخزين كمسلمة سياسية‪،‬‬
‫فأنصارها رأوا فيها وسيلة إلضفاء الشرعية على السلطة االستعمارية‪ .‬كتب أحد الديبلوماسيني ‪":‬لو زال املخزن لعوضناه باستخدام‬
‫القوة‪ ".‬تلعب احلماية دور االيديولوجيا من ‪ 3‬زوايا‪:‬‬

‫‪ُ -‬حلمة وحدت مؤقتا النخبة االستعمارية والنخبة السلطانية املخزينة‪.‬‬

‫‪ -‬إيديولوجيا خداعة إلضفاء الشرعية على النظام االستعماري‪ ،‬شكلت النص املؤسس‪ /‬العقيدة املرجعية اليت يرجع إليها‬
‫الفاعلون يف حالة حدوث خالف‪.‬‬

‫‪ -‬احلماية كإيديولوجيا النظام الرسويب تكسبه الشرعية ومتكنه من العمل كنظام‪.‬‬

‫وبالتايل مكنت احلماية‪ ،‬كإجراء قانوين وكخطاب‪ ،‬من إحكام نظامني‪ :‬السلطاين واالستعماري‪ ،‬نذكر أن احلماية رغم‬
‫كون مبادئها مل حترتم‪ ،‬إال أهنا قد ضمنت االستمرارية لبعض املؤسسات‪ ،‬كما مسحت باستخدام نوع من اخلطاب الذي مل يكن‬
‫حل استعماري آخر ليسمح باستخدامه‪ ،‬خطاب جند أفضل تعبري عنه يف فكر ليوطي‪.‬‬

‫خالصات واستنتاجات‪:‬‬

‫كان لليوطي وأفكاره تأثري هام على تاريخ املغرب ولفهم مرحلة احلماية جيب دراسة فكر أول مقيم عام باملغرب‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬هو مهندس اإلصالحات البنيوية األوىل اليت غريت مظهر املؤسسات باملغرب‪ .‬تلك املؤسسات اليت اعتربها ليوطي‬
‫ترمجة واقعية ملبادئ احلماية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أشرف ليوطي على تكوين جمموعة من الرجال الذين استمروا يف التأثري من قريب أو من بعيد على اآلليات‬
‫املؤسساتية للبالد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ظل فكر ليوطي مرجعا على الدوام ألنصاره وخلصومه‪ ،‬فاملقيمون العامون الذين أتوا من بعده ظلوا متأرجحني بني‬
‫اتباع فكر ليوطي وخمالفته‪.‬‬

‫يقر دانييل ريفي بنجاح جتربة ليوطي السياسية والعسكرية يف إضفاء الطابع الوطين على هذه التجربة‪ ،‬نظرا للرتاكم الذي‬
‫حققه يف آسيا واحمليط اهلندي يف إعناء مسريته السياسية‪ ،‬فهو شخص متمرس مقتنع بدوره االستعماري وقد حنج يف استمالة‬
‫النخب املغربية من جهة وإقناع الفاعلني السياسيني الفرنسيني بفلسفته احلمائية من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫تتشكل القواعد األساسية لسياسة ليوطي على اخللفية السياسية القبلية والسياسة األهلية‪ .‬مما مكنه من هتميش كل‬
‫الفاعلني املتشبثني باستنسا التجربة اجلزائرية والتونسية باملغرب‪ .‬وأن يستميل حبذر كبري النخبة املغربية‪ ،‬وأن حيول دون تأثرها‬
‫باألفكار الولسونية والبلشفية والكمالية‪ ،‬واألكثر من ذلك ترسيخ ثقافة مشاركتها يف تدبري الشأن العام من خالل اجملالس البلدية‪.‬‬
‫لكن واقع األمر يربز أيضا أن ليوطي ظل جيتهد يف إخفاء احلقيقة والتظاهر باحرتام مبدا احلماية املعتمد على مبدأ املراقبة‪ ،‬إذ أنه مل‬
‫يعمل على إشراك موالي يوسف أو خمزنه يف احلكم‪.‬‬

‫من املعلوم أن املقيم العام دائما ما أكد على ضرورة إشراك النخبة التقليدية يف تدبري البالد ويتجسد هذا يف الدور الفعال‬
‫الذي كان ينوي أن جيعل املخزن والزعماء الكبار يلعبونه‪ .‬ويف املقابل كان شديد االرتياب من البورجوازية احلضرية‪ ،‬فقد كان يريد‬
‫حتديث النخبة املغربية باختياره للفئة احملافظة‪ ،‬فاحلليف اجليد بالنسبة لليوطي هو األقل قابلية للتحديث يف الواقع‪ .‬فيمكن احلديث‬
‫عند ليوطي عن "حتديث حمافظ" ويبدو كذلك وسيلة لوضع التقاليد يف خدمة احلداثة‪ ،‬أي االستعمار متر هذه االسرتاتيجية عرب‬
‫املستعمر وتقضي بأن حتافظ هذه الفئات على امتيازاهتا‪ ،‬ويتم إيهامها بأهنا تشارك يف‬
‫َ‬ ‫التحالف مع أكثر الفئات حمافظة يف اجملتمع‬
‫تدبري البالد‪.‬‬

‫واحل اصل أن نقط عدم االنسجام عند ليوطي مصدرها عدم مالءمة منطقية بني إيديولوجيا احملافظة اليت تصورها كوسيلة‬
‫لفتح اجملال أمام االستعمار دون التسبب يف اضطرابات‪ ،‬وبني ضرورة جمتمع استعماري رغبت فيه جمموعات مالية فأوجدته فرنسا‪.‬‬
‫أما على الصعيد السياسي فقد ظلت وعود ليوطي حربا على ورق‪ ،‬ألنه مل يوفر للمجتمع املغريب أي وسيلة مؤسسية متكنه من‬
‫املشاركة يف احلياة املدنية‪.‬‬

‫فهذه الشخصية احملورية والغريبة والساحرة بأفكارها وطباعها وسلوكها ومكرها‪ ،‬كان هلا حضور قوي يف مغرب احلماية‬
‫حيث جنح يف استثمار جتاربه االستعمارية السابقة خاصة يف أول جتربة اصطدم فيها مع القبائل احمليطة بفاس‪ ،‬فاعتمد على‬
‫اخلطتني العسكريتني التاليتني‪:‬‬

‫‪ -‬خطة [أ]‪ ،‬تفضل العمل السياسي وجتعل من لغة السالح احلل الثاين‪ ،‬وال تستبعده بل توظفه عند الضرورة‪ .‬لقد تبىن‬
‫ليوطي هذه اخلطة مقتنعا جبدواها ومردوديتها يف اخرتاق ال القبائل املغربية املقاومة‪.‬‬

‫‪-‬خطة [ب]‪ ،‬تلجأ إىل التدخل العسكري على اعتبار أنه احلل ميليه املوقف ‪.‬‬

‫تؤكد هذه اخلطة على افراغ الدولة املغربية من حمتواها‪ ،‬حينما مل يظهر مبظهر املغري للثوابت املغربية‪ ،‬وحيصر دوره يف‬
‫احلفاظ على التوازانات السياسية واالجتماعية‪ ،‬وقد أكد ذلك على أرض الواقع حيث حقق األصعب‪:‬‬

‫‪-‬عزل املوىل عبد احلفيظ بدون ردة فعل شعبية قوية‬


‫‪ -‬إعادة هيكلة الدولة املغربية؛‬
‫‪ -‬استمالة النخبة املغربية؛‬
‫‪ -‬حماولة اقناع الشعب املغريب بشرعية املوىل يوسف؛‬
‫‪ -‬احلفاظ على عادات القصر وتقاليده‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like