You are on page 1of 100

‫جامعة البليدة ‪20‬‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم القانون العام‬

‫ملــــــــخــــص محــــــــــــــــــــــــاضرات‬
‫القــــانـــــون الدولي العــــــــــام‬
‫(المبادئ والمصادر)‬

‫موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق‬


‫المجموعة األولى‬

‫من إعداد‬
‫األستاذ‪ :‬حباش جمال‬
‫أستاذ محاضر "أ"‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫جامعة البليدة ‪20‬‬

‫السنة الجامعية‪0202-0202 :‬‬


‫مقدمة‬
‫ينظم القانون الدولي العام العالقات بين األشخاص القانونية الدولية وقتي السلم والحرب‪،‬‬
‫وبهذا فإنه نشأ بنشوء الدول وبتطور العالقات الدولية‪ ،‬حيث مر بمراحل تاريخية متعددة حتى‬
‫أصبح قانونا مستقال قائما بذاته‪ ،‬له قواعده الخاصة من حيث الموضوعات التي يتناولها‬
‫واألشخاص الذين يخضعون ألحكامه‪.‬‬
‫ستتمحور دراستنا لهذه المحاضرة من خالل التطرق إلى مفهوم القانون الدولي العام‬
‫وأهم المبادئ التي يقوم عليها في المحور األول من الدراسة‪ ،‬أما المحور الثاني فنخصصه‬
‫لدراسة مصادر القانون الدولي العام من خالل التطرق إلى المصادر األصلية والمصادر‬
‫االحتياطية‪ ،‬على أن نخصص الحظ األوفر من الدراسة في هذا المحور للمعاهدات‪ ،‬لما لها من‬
‫أهمية في االلتزام الدولي وآلثارها المختلفة على أعضاء المجتمع الدولي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المحور األول‬
‫مفهوم القانون الدولي العام وأهم المبادئ التي يقوم عليها‬
‫على الرغم من أن العالقات الدولية قديمة قدم نشوء الدول‪ ،‬إال أن مصطلح القانون‬
‫الدولي العام حديث النشأة نسبيا‪ ،‬فقد أطلقت عدة تسميات على القواعد التي تنظم العالقات بين‬
‫أشخاص القانون الدولي‪ ،‬غير أن المصطلح الثابت في الوقت الحاضر هو القانون الدولي‬
‫العام‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫ماهية القانون الدولي العام‬
‫أطلق الرومان اصطالح قانون الشعوب » ‪ « Droit Des Gens‬على الفرع من‬
‫المعرفة القانونية القائم على ما يتصل بالشعوب‪ ،‬ومع مرور الوقت أصبح يعرف بقانون األمم‬
‫أي القانون الذي ينظم العالقات بين أمم متساوية في الحقوق والواجبات ومتمتعة بالسيادة‪ ،‬وهذا‬
‫التغيير في اللفظ ظهر نتيجة ظهور فكرة االستقالل السياسي لدى الدول األوروبية في مواجهة‬
‫بعضها البعض وفي مواجهة سلطة "البابا"‪ ،‬كما أطلقت تسمية قانون الدول على تلك القواعد‬
‫الحاكمة للعالقات فيما بين أعضاء الجماعة الدولية‪.‬‬
‫ويعتبر الفقيه اإلنجليزي جيرمي بنتام "‪ "Bentham‬أول من أطلق تسمية القانون الدولي‬
‫في كتابه "مقدمة في المبادئ واألخالق والتشريع" سنة ‪ "International law" 0871‬ثم أخذ‬
‫بهذا المفهوم باقي كتاب القانون الدولي‪ ،‬وبذلك أصبح شائع االستخدام‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫تعريف القانون الدولي العام‬
‫لم يتفق فقهاء القانون الدولي على تعريف موحد للقانون الدولي العام‪ ،‬فظهرت العديد‬
‫من التعاريف المختلفة‪ ،‬وقد أسهم في هذا االختالف التباين اإليديولوجي واختالف المواقف حول‬
‫األشخاص المكونين والمخاطبين بأحكام وقواعد القانون‪.‬‬
‫وقد تجلت هذه االختالفات في االتجاهات التالية‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫أوال‪ :‬االتجاه التقليدي‬
‫يعرف أنصار هذا االتجاه القانون الدولي بأنه‪ «:‬مجموعة القواعد القانونية التي تنظم‬
‫العالقات بين الدول»‪ ،‬وعليه فهذا القانون يعنى بتنظيم الحقوق والواجبات والعالقات بين الدول‬
‫فقط‪ ،‬ألن المجتمع الدولي آنذاك لم يكن يعرف سوى الدول كأعضاء للمجتمع الدولي‪ .‬وهذا‬
‫المفهوم هو نفس التعريف تقريبا الذي قدمه الفقيه الهولندي "جروسيوس" عام ‪ 0161‬والذي ظل‬
‫متداوال وموكبا للفترة التي ساد فيها االتجاه التقليدي‪.‬‬
‫وعرفه الفقيه "أوبنهايم" بأنه‪ «:‬مجموعة من القواعد العرفية واالتفاقية التي تعتبرها الدول‬
‫المتمدنة ملزمة لها في تصرفاتها المتبادلة»‪.‬‬
‫وعرفه الفقيه الفرنسي "روسو" بأنه‪ «:‬ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدول في‬
‫عالقاتها المتبادلة»‪.‬‬
‫ومن الفقهاء العرب الذين ساروا في هذا االتجاه في تعريفهم للقانون الدولي محمد طلعت‬
‫الغنيمي‪ ،‬محمد حافظ غانم‪ ،‬محمد المجذوب الذي يعرف القانون الدولي العام بأنه ‪ «:‬مجموعة‬
‫القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول وتعين واجباتها وتنظم عالقاتها المتبادلة في أثناء‬
‫الحرب والسلم والحياد»‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االتجاه الحديث‬
‫يتميز االتجاه الحديث عن سابقه في كون أن القانون الدولي لم يعد يقتصر فقط على‬
‫المواضيع التي يطرحها الفكر الكالسيكي‪ ،‬بل تعداها ليشمل فروعا جديدة أخرى‪ ،‬فضال على أن‬
‫القانون الدولي المعاصر لم يعد ينظم عالقات الدول فيما بينها فحسب بل أصبح يضم أشخاصا‬
‫دولية أخرى مثل المنظمات الدولية وحتى األفراد العاديين في بعض الحاالت‪.‬‬
‫فيعرف القانون الدولي العام وفق هذا االتجاه بأنه‪ «:‬مجموعة القواعد التي تنظم عالقات‬
‫الدول وأفراد الجماعات المختلفة»‪ ،‬على أساس اعتبار الدول واألفراد هم األشخاص المخاطبون‬
‫بأحكام ذلك القانون‪ ،‬كما يعرفه الفقيه الفرنسي "شتروب" بأنه‪ «:‬مجموعة من القواعد القانونية التي‬
‫تحكم العالقات بين األشخاص القانوني الدولية‪ -‬دوال ومنظمات دولية‪ -‬فتبين مالها من حقوق وما‬
‫عليها من واجبات‪ ،‬كما تحدد العالقات التي تنشأ بين هؤالء األشخاص وبين األفراد»‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ويعرفه البعض على أنه‪ «:‬مجموعة القواعد التي تنظم عالقات الجماعات الدولية»‪،‬‬
‫وهذا التعريف أيضا يأخذ في االعتبار اتساع نطاق أشخاص القانون الدولي ليشمل جميع‬
‫المخاطبين بأحكام القانون الدولي وهم الدول والمنظمات الدولية بصفة أساسية ثم الفرد في‬
‫بعض الحاالت االستثنائية أين أصبح موضوعا من موضوعات القانون الدولي العام‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫فروع القانون الدولي العام‬
‫عرف القانون الدولي العام تطو ار كبي ار أدى إلى اتساع دائرة الروابط القانونية التي‬
‫يحكمها فأصبح يمتد إلى فروع كانت في السابق حك ار على القانون الداخلي فانتقلت وأصبحت‬
‫من فروع القانون الدولي‪.‬‬
‫كما اعتمدت بعض فروعه في زمن السلم وأخرى في زمن الحرب‪ ،‬ومهما كانت‬
‫التقسيمات المعتمدة فإن مجال تطبيقه اتسع من حيث األشخاص المخاطبين به‪ ،‬ومن حيث‬
‫المواضيع التي تحكمها‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف فروع القانون الدولي العام من منظور زمني إلى فروع تقليدية وفروع‬
‫حديثة (ويقسمه البعض إلى فروع قانون الدولي العام زمن السلم‪ ،‬وفروع القانون العام زمن‬
‫الحرب)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الفروع التقليدية للقانون الدولي العام‬
‫للقانون الدولي العام فروع تقليدية كثيرة منها‪ :‬قانون التنظيم الدولي والقانون الدولي‬
‫البحري‪ ،‬والقانون الدولي الجوي‪ ،‬والقانون الدولي الجنائي والقانون االقتصادي الدولي‪.‬‬
‫‪ /1‬قانون التنظيم الدولي‬
‫وهي تلك القواعد التي تنظم إنشاء المنظمات الدولية بكل أشكالها وأنواعها‪ ،‬من حيث‬
‫العضوية والسلطات التي تتمتع بها وكيفية االنضمام لها والقوة اإللزامية لق ارراتها والشخصية‬
‫المعنوية لها‪ ،‬ونشاطاتها‪ ،‬والعالقة التي تربطها مع غيرها من المنظمات الدولية‪.‬‬
‫وقد زادت أهمية هذا القانون بالخصوص بعد ظهور المنظمات الدولية ذات الطابع‬
‫السياسي مثل عصبة األمم بعد الحرب العالمة األولى‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ /0‬القانون الدولي البحري‬
‫ويسمى هذا أيضا بقانون البحار‪ ،‬ويعرف بأنه‪ «:‬القانون الذي يحكم العالقات القانونية‬
‫المترتبة على استخدام البحار»‪ .‬أو هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بوسائل النقل البحري‪،‬‬
‫من جنسية السفينة ونظام السفن بكل أنواعها‪ ،‬والمسؤولية المدنية والجزائية لربان السفينة ومراقبة‬
‫المالحقة البحرية‪.‬‬
‫كما يهتم هذا الفرع بكيفية استغالل الموارد الطبيعية للبحار‪ ،‬وينظم المضائق الدولية‪ ،‬كما يحدد‬
‫البحر اإلقليمي للدول وسيادتها عليه‪ ،‬وحقوق الدول في أعالي البحار وغيرها من المسائل‪.‬‬
‫‪/2‬القانون الدولي الجوي‬
‫وهو يتضمن مجموعة القواعد الخاصة باستعمال الفضاء الجوي ألغراض المواصالت‬
‫الدولية‪ ،‬حيث ينظم جنسية الطائرة حقوقها‪ ،‬حمايتها‪ ،‬تنظيم الطيران بين الدول في إطار منظمة‬
‫الطيران المدني والتي تحكمها اتفاقية شيكاغو لعام ‪.0411‬‬
‫‪ /2‬القانون الدولي االقتصادي‬
‫وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الحلول القانونية للعالقات االقتصادية والتجارية‬
‫بين الدول‪ ،‬وبينها وبين المؤسسات االقتصادية الكبرى والعالقة التي تربطها خاصة‬
‫باالستثمارات الدولية الكبرى‪.‬‬
‫ومن العوامل التي ساعدت على ظهور القانون الدولي االقتصادي بروز الدول النامية‬
‫كقوة اقتصادية جديدة في إطار العالقات االقتصادية الدولية من جهة‪ ،‬وبروز ظاهرة االعتماد‬
‫الدولي المتبادل من جهة أخرى (من مظاهر هذا القانون ما تقوم به المنظمات الدولية الثالثة‬
‫في هذا المجال وهي منظمة التجارة العالمية والتي تهتم بشؤون التجارة العالمية‪ ،‬صندوق النقد‬
‫الدولي الذي يهتم بشؤون المالية العالمية والبنك الدولي الذي يهتم بشؤون التمويل الدولية)‪.‬‬
‫‪ /5‬قانون الفضاء والتحكيم الدولي‬
‫وهو مجموعة القواعد الخاصة بأنواع المحاكم الدولية‪ ،‬تشكيلها‪ ،‬اختصاصها واإلجراءات‬
‫الواجب اتباعها أثناء النظر في الدعوى‪ ،‬كما يضم أيضا القواعد المنظمة للوسائل الخاصة بحل‬
‫النزاعات الدولية حل سلميا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ /6‬القانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫يعد هذا الفرع من القانون من أقدم القواعد المنتمية إلى القانون الدولي العام وأكثرها‬
‫رسوخا‪ ،‬فهو يحدد العالقات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول‪ ،‬حيث يحدد مفهوم الدبلوماسي‬
‫الذي يمثل الدولة في الدول األخرى‪ ،‬واالمتيازات التي يتمتع بها الدبلوماسي وبداية التمثيل‬
‫الدبلوماسي ونهايته ومهام البعثة الدبلوماسية‪ ،‬وغيرها من المسائل المتعلقة بالمهام الدبلوماسية‬
‫والقنصلية‪ ،‬والتي قننتها اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ ،0410‬واتفاقية فيينا للعالقات‬
‫القنصلية لعام ‪.0413‬‬
‫‪ /7‬القانون الجنائي الدولي‬
‫وهو القانون الذي يحدد الجرائم الدولية واجراءات المحاكمة والعقوبات المقررة لها‪ ،‬ويجد‬
‫هذا الفرع من القانون العام أساسه في اتفاقية فرساي لعام ‪ 0404‬والئحتي محكمة نورمبرغ لعام‬
‫‪ 0411‬ومحكمة طوكيو لعام ‪ 0411‬والتي تم إنشاؤهما بغرض محاكمة مجرمي الحرب العالمية‬
‫الثانية‪ ،‬ونظامي المحكمتين الدوليتين ليوغسالفيا ورواندا عامي ‪ ،41 -43‬وأخي ار نظام روما‬
‫المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية لعام ‪( 0447‬وينتج ضمن هذا القانون جرائم عديدة منها‬
‫جرائم الحرب‪ ،‬جرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬جرائم العدوان‪ ،‬جرائم اإلبادة‪ ،‬جرائم ضد اإلنسانية)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفروع الحديثة للقانون الدولي العام‬
‫نظ ار للتطور الذي عرفه القانون الدولي العام ظهرت فروع جديدة اهتمت بمواضيع جديدة‬
‫في القانون الدولي والتي ظهرت بالخصوص من خالل التطور الذي عرفه موضوع حقوق‬
‫اإلنسان والتنظيم الدولي‪ ،‬ومن بين هذه الفروع على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬نذكر‪:‬‬
‫‪ /1‬القانون الدولي لحقوق اإلنساني‬
‫يضم هذا الفرع القواعد المتعلقة بقضايا حقوق اإلنسان وحرياته األساسية وقت السلم‪.‬‬
‫كما يضم هذا الفرع أيضا على القواعد المتعلقة بالحماية الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ومبدأ السيادة‬
‫الوطنية والتطورات التي لحقت بها‪ ،‬ومسألة إعمال التدخل لغرض إنساني‪ ،‬وحقوق األقليات‪،‬‬
‫وتحقيق الديمقراطية في نطاق المجتمع الداخلي باعتبارها أحد المبادئ الجديدة التي يؤسس‬
‫عليها القانون الدولي في وجهه المعاصر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ويجد هذا الفرع أساسه في ميثاق األمم المتحدة لعام ‪ ،0411‬واإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان لعام ‪ 0417‬والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية لعام ‪ 0411‬وغيرها من االتفاقيات‪.‬‬
‫‪ /0‬القانون الدولي اإلنساني‬
‫يشمل هذا الفرع مجموعة القواعد التي تستهدف حماية األشخاص المتضررين خالل‬
‫النزاعات المسلحة‪ ،‬واألعيان المدنية والعقارية والمنقولة‪ ،‬والتي ليس لها عالقة مباشرة بالعمليات‬
‫العسكرية‪ ،‬كما يحمي هذا القانون األشخاص الذين لهم عالقة مباشرة بالعمليات العسكرية‬
‫كاألسرى‪ ،‬كما يهدف هذا الفرع إلى جعل الحرب أكثر إنسانية بضبط قواعد المتحربين ووضع‬
‫ضوابط تمنع االستخدام المفرط للسالح الذي من شأنه التقليل من الخسائر‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن مصطلحات (قانون الحرب وقانون النزاعات المسلحة والقانون الدولي‬
‫اإلنساني) مترادفة المعنى‪ ،‬غير أن المصطلح السائد في الوقت الحاضر هو القانون الدولي اإلنساني‪،‬‬
‫حيث أن مصطلح قانون الحرب كان سائدا منذ القدم إلى غاية ‪ ،0414‬ثم اعتمد مصطلح قانون‬
‫النزاعات المسلحة بعد اعتماد اتفاقيات جنيف األربعة لعام ‪ 0414‬الذي يضم قانون الهاي وقانون‬
‫جنيف‪ ،‬وأخي ار تم دمج قانون الهاي وقانون جنيف عام ‪ 0488‬في البروتوكولين اإلضافيين الملحقين‬
‫باتفاقية جنيف األربعة وأطلق عليه مصطلح القانون الدولي اإلنساني منذ عام ‪.0488‬‬
‫‪ /2‬القانون الدولي لالجئين‬
‫يشمل هذا الفرع مجموعة القواعد ذات الصلة بتحديد المركز القانوني لالجئين وتحديد‬
‫الشروط الواجب توافرها لكي يعترف له دوليا بهذا الوصف‪ ،‬وبيان الحقوق التي يتمتع بها‬
‫بموجب ذلك‪ ،‬وااللتزامات التي تترتب عليه في مواجهة دولة الملجأ ومسؤولياتها في التقيد‬
‫بأحكام هذا القانون‪.‬‬
‫‪ /2‬القانون الدولي للبيئة‬
‫يضم هذا القانون جملة من القواعد التي تعنى بحماية البيئة الدولية والحفاظ على‬
‫مواردها السيما النادرة منها‪ ،‬بحيث يعتبر هذا الفرع من أهم موضوعات القانون الدولي الحديثة‬
‫التي لقيت اهتماما كبي ار انطالقا من عالقتها بحقوق اإلنسان‪ ،‬فالتلوث مثال أضحى أهم المسائل‬
‫التي تهدد حياة اإلنسان‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ /5‬القانون الدولي للتنمية‬
‫يتضمن القوانين المطبقة على العالقات االقتصادية بين الدول النامية والدول المتقدمة‪،‬‬
‫من أجل تحقيق قدر مناسب من التوازن في معدالت النمو‪ ،‬فيما بين الدول المختلفة ومحاولة‬
‫تصحيح االختالل في التوازن في إطار العالقات االقتصادية الدولية المعاصرة لصالح خدمة‬
‫قضايا التنمية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ /6‬قانون الفضاء الخارجي‬
‫ظهر هذا الفرع من القانون بعد النجاح في اكتشاف الفضاء الخارجي‪ ،‬ما دفع األمم‬
‫المتحدة إلى وضع مجموعة من القواعد القانونية لتنظيم استغالل الفضاء الخارجي ألغراض‬
‫سلمية‪ ،‬وأهم اتفاقية عقدت في هذا المجال هي اتفاقية عام ‪ 0418‬والتي تنظم نشاط الدول في‬
‫استخدام الفضاء بما في ذلك القمر واألجرام السماوية‪.‬‬
‫‪ /7‬القانون الدولي للحدود‬
‫ويضم القواعد المتعلقة بالحدود وتخطيطاتها‪ ،‬وقد ظهر هذا القانون بالخصوص بعد‬
‫استقالل الدول اإلفريقية واألسيوية لوضع حد ألي نزاع بشأنها‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن أساس هذا‬
‫القانون يوجد في االتفاقيات الثنائية وكذا في ق اررات المنظمات الدولية وأحكام القضاء الدولي‪.‬‬
‫والى جانب هذه الفروع هناك فروع أخرى من كقانون المعاهدات‪ ،‬قانون مكافحة اإلرهاب‬
‫الدولي‪ ...‬وغيرها‬
‫المبحث الثاني‬
‫عالقة القانون الدولي بالقانون الداخلي‬
‫تكتسي دراسة العالقة بين القانون الدولي العام والقانون الداخلي أهمية كبرى ألنها تعالج‬
‫مسألة ما إذا كان كل من القانونيين مستقلين عن اآلخر استقالال كامال أو ما إذا كان هناك‬
‫بينهما ارتباط واتصال‪.‬‬
‫وعلى العموم هناك نظريتين أساسيتين في شأن العالقة بين القانون الدولي العام والقانون‬
‫الداخلية وهما نظرية الوحدة ونظرية الثنائية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية ثنائية القانون (ازدواجية القانون)‬
‫يرى أنصار هذه النظرية وفي مقدمتهم الفقيه اإليطالي "أنزيلوتي" والفقيه األلماني "تريبل"‬
‫أن القانون الدولي العام والقانون الداخلي يعتبران نظامان قانونيان مستقالن عنه بعضها‬
‫البعض‪ ،‬بحيث ال توجد عالقة بينهما‪ ،‬بسبب عدة اعتبارات (الحجج) أهمها‪.‬‬
‫‪ /1‬اختالف مصادر القانون في كل من النظامين‬
‫فمصدر القانون الداخلي إرادة الدولة المطلقة‪ ،‬أما مصدر القانون الدولي فهو اإلرادة‬
‫المشتركة للدول‪ ،‬فالقانون الدولي ال يصدر عن سلطة عليها‪ ،‬وانما يقوم بين الدول برضاها‬
‫لحكم ما يقوم بينهما من عالقات‪.‬‬
‫‪ /0‬اختالف موضوع كل منها‬
‫فالقانون الدولي العام ينظم عالقات الدول المستقلة في وقت السلم أو الحرب‪ ،‬أما‬
‫القانون الداخلي فينظم عالقات األفراد ببعضهم أو عالقاتهم بالدولة‪.‬‬
‫‪ /2‬اختالف المخاطبين بأحكام القانونين‬
‫فالقانون الدولي العام يخاطب الدول والمنظمات الدولية في عالقاتها المتبادلة‪ ،‬في حين‬
‫أن القانون الداخلي يكون في مواجهة موطني الدولة الذين تمتد إليهم سلطتها‪.‬‬
‫‪ /2‬اختالف البناء القانوني في كل منها (التركيب القانوني)‬
‫فالنظام القانوني الداخلي يتضمن على سلطات (تنفيذية‪ ،‬تشريعية‪ ،‬قضائية)‪ .‬أما البناء‬
‫القانوني للقانون الدولي ال يزال في طور اإلعداد والتطور‪ ،‬كما أن البناء الحالي يقتصر على‬
‫السلطة التشريعية التي تتوالها المنظمات الدولية‪ ،‬في حين تتولى محكمة العدل الدولية المهام‬
‫القضائية بصفة جزئية‪ ،‬وسلطة تنفيذية تتوالها مختلف الهيئات التي تناط بها هذه الوظيفة من‬
‫قبل مجلس األمن‪ ،‬وهذه األجهزة تتميز عموما بالضعف‪.‬‬
‫ويترتب على األخذ بهذه النظرية النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن كال القانونين ال يمكن أن يشتمال على قاعدة ملزمة نابعة من النظام القانوني‬
‫اآلخر‪ ،‬انطالقا من استقالل القانون الداخلي عن القانون الدولي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -0‬القاعدة القانونية الدولية ال يمكن أن تسري وتنفذ في المجال الداخلي بهذه الصفة‪ ،‬وانما‬
‫تحول إلى قاعدة قانونية داخلية (عملية إدماجية)‪ ،‬وبالتالي فهي ال تطبق بوصفها قاعدة‬
‫قانونية دولية وانما بوصفها قاعدة قانونية داخلية بمقتضى اإلجراء االندماجي‪.‬‬
‫‪ -2‬القضاء الداخلي ال يلتزم بتطبيق وتفسير القانون الدولي العام‪ ،‬وانما يقوم بتطبيق‬
‫وتفسير قواعد القانون الداخلي وفي حالة استقبال قاعدة قانونية دولية على المستوى‬
‫الداخلي فتكون عن طريق العملية االدماجية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن االستقالل واالنفصال الكامل بين القانون الداخلي والقانون الدولي تترتب عليه‬
‫نتيجة مهمة وهي عدم إمكانية قيام تنازع بين القانونين‪ ،‬ألن لكل منهما مجاال متمي از‬
‫يطبق فيه‪ ،‬والعالقة التي يمكن أن تقوم بينهما هي فكرة اإلحالة والتي تعني أن يحيل أو‬
‫يسند أحد النظامين على اآلخر مهمة الفصل في مسألة معينة على أساس أن تلك‬
‫المسألة تخضع لسلطان القانون المحال عليه‪ ،‬فاإلحالة قد تكون من القانون الداخلي‬
‫على القانون الدولي مثل ذلك‪ :‬أن يقدر القانون الداخلي تمتع المبعوثين الدبلوماسيين‬
‫ببعض الحصانات الدبلوماسية ثم يترك مهمة تحديد األشخاص الذين ينطبق عليهم‬
‫وصف المبعوثين الدبلوماسيين إلى قواعد القانون الدولي‪ .‬ويمكن أن يكون األمر بصفة‬
‫معاكسة‪ ،‬كإحالة من القانون الدولي إلى القانون الوطني الداخلي‪ ،‬مثل ذلك قواعد‬
‫القانون الدولي التي تنص على واجبات الدول في مواجهة األجانب المقيمين على‬
‫إقليمها‪ ،‬ويترك مهمة تحديد المقصود باألجنبي للقانون الداخلي عندما تقوم الدولة‬
‫بتحديد قواعد وشروط منح واكتساب جنسيتها‪.‬‬
‫‪ ‬االنتقادات الموجهة إلى نظرية ثنائية القانون‬
‫أ‪ /‬من حيث المصد‪ :‬تخلط هذه النظرية بين مصدر القاعدة القانونية ومظاهر التعبير عنها‪،‬‬
‫فكال القانونين ليس من صنع الدولة بل هو في الحالتين تعبير عن الحياة االجتماعية‪ ،‬غير‬
‫أنهما يختلفان في مظاهر التعبير عنها‪ ،‬فالمعاهدات الدولية مظهر من مظاهر التعبير في‬
‫القانون الدولي والتشريع مظهر من مظاهر التعبير في القانون الداخلي‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ب‪ /‬من حيث اختالف أشخاص القانونيين‪ :‬إن هذا االختالف ال يعد سببا الستقاللهما‪ ،‬ألن‬
‫اختالف األشخاص الذين تتوجه إليهم القواعد القانونية موجودة حتى في النظام القانوني‬
‫الداخلي‪ ،‬ومع ذلك يبقى النظام موحدا‪ ،‬وخير دليل على ذلك انقسام القانون الداخلي إلى قانون‬
‫عام وخاص‪.‬‬
‫ج‪ /‬من حيث اختالف تركيب وبناء النظام القانوني‪ :‬إن اختالف بين النظامين ال ينفي بعض‬
‫التشابه بينهما‪ ،‬فقد عرف القانون الدولي مؤسسات قضائية مثل محكمة العدل الدولية‪ ،‬والمحكمة‬
‫الجنائية الدولية‪ ،‬ومؤسسات تنفيذية كمجلس األمن‪ ،‬واذا كان ال يرق إلى مصاف التركيب في‬
‫النظام الداخلي فمرد ذلك اختالف المجتمع الداخلي عن المجتمع الدولي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية وحدة القانون‬
‫تبنى هذه النظرية الفقيه النمساوي "كلسن" والفقيه الفرنسي "جورج سال" و"كنز" وغيرهم‪،‬‬
‫حيث يجعل أصحاب هذه النظرية من قواعد القانون الدولي وقواعد القانون الداخلي كتلة قانونية‬
‫واحدة‪ ،‬تقوم على أساس مبدأ التبعية واالشتقاق والتفويض المستند إلى تسلسل هرمي دقيق‪.‬‬
‫وعليه فهذا القانون ذو األصل الواحد يمكن أن يتفرع إلى فرعين هما‪ :‬القانون الداخلي‬
‫والقانون الدولي العام‪.‬‬
‫ولما كانت هذه النظرية تسلم بأن القانون الداخلي والقانون الدولي العام هما فرعان‬
‫ألصل قانون واحد‪ ،‬فإن التنازع بين القواعد المنتمية إلى كل هذين القانوني مسألة ممكنة‪ ،‬وعليه‬
‫كيف يتم حل النزاع القائم بين قاعدة قانونية داخلية وأخرى دولية فهل تسمو القاعدة الدولية‬
‫عن القاعدة الداخلية أو العكس‪.‬‬
‫ولإلجابة على هذا السؤال ظهر هناك اتجاهين‪:‬‬
‫اإلتجاه األول‪ :‬الوحدة مع سمو القانون الداخلي‬
‫تقوم هذه النظرية على فكر الفقيه األلماني "هيجل" القائل بأن القانون الدولي ليس سوى‬
‫مجموعة التزامات اتفاقية مستمدة من الدساتير الداخلية للدول التي تجد إلزامها فيه‪ ،‬وترتكز هذه‬
‫النظرية على مجموعة من األسانيد وهي‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ /1‬نظرية التحديد الذاتي‪ :‬ومفادها أن الدولة تلزم نفسها بنفسها فالدولة ال يمكن أن تكون تابعة‬
‫ألي سلطة عليها غير إرادتها‪ ،‬والتي يجوز لها أن تعدل عن أي التزام متى شاءت سواء كان‬
‫داخلي أم خارجي‪ ،‬حيث أن القاعدة األساسية محددة في دستور الدولة‪ ،‬فالدولة تلتزم بمحض‬
‫إرادتها بقواعد القانون الدولي وأن الدستور هو الذي يحدد كيفية عقد المعاهدات‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫القانون الداخلي أعلى من القانون الدولي العام‪.‬‬
‫‪ /0‬مبدأ السيادة‪ :‬فالدولة وفق ما تتمتع به من سيادة مطلقة فإنها تمتنع عن الخضوع لسيادة‬
‫أخرى‪ ،‬وبالتالي ال يمكن خضوعها ألي قانون آخر أو أي سلطة أخرى غير سلطتها وبالتالي ال‬
‫يمكن أن تلتزم إال بالقانون الذي تسنه بمحض إرادتها وال يتعارض مع سيادتها‪.‬‬
‫‪ /2‬فكرة االعتراف‪ :‬مفادها أن القانون ال يمكن اعتباره واقعا في نظر الدولة إال بعد اعترافها به‬
‫صراحة إما عن طريق سنه بنفسها مباشرة أو بالموافقة على االلتزام بأحكامه‪.‬‬
‫* االنتقادات الموجهة إلى هذه النظرية‬
‫يؤدي التسليم بدعائم هذه النظرية (التحديد الذاتي‪ ،‬السيادة‪ ،‬االعتراف)‪ ،‬إلى زوال القوة‬ ‫أ‪-‬‬
‫اإللزامية ألي قاعدة قانونية دولية نتيجة التخلي عنها بمحض إرادة الدول (التحدي الذاتي) أو‬
‫التعديل المستمر لها من منطق التزام الدولة بما تمليه عليها إرادتها وسلطان سيادتها فقط (مبدأ‬
‫السيادة) أو التنصل من أي التزام دولي بعد سحب االعتراف بأحكامه (االعتراف)‪.‬‬
‫ال يمكن قبول فكرة إشتقاق أو تبعية قواعد القانون الدولي للقانون الداخلي القائمة عليها‬ ‫ب‪-‬‬
‫نظرية وحدة القانون‪ ،‬ألن ذلك من شأنه إلغاء كل خصائص ومميزات قواعد القانون الدولي‪،‬‬
‫كمرونة قواعده والتي ينفرد بها عن القانون الداخلي‪.‬‬
‫اإلتجاه الثاني‪ :‬نظرية الوحدة مع سمو القانون الدولي‬
‫يرى أنصار هذه النظرية أن قواعد القانون الدولي العام أسمى مرتبة وأعلى منزلة من‬
‫قواعد القانون الداخلي‪ ،‬فأساس القانون الدولي ينبثق من القانون الدول العام‪ ،‬حيث يأتي هذا‬
‫األخير في قمة التسلسل الهرمي‪ ،‬وعليه نكون أمام نظامين قانونيين متكاملين وليس منفصلين‬
‫كما هو الحال في نظرية ثنائية القانون أحدهما في القمة وهو القانون الدولي واآلخر في القاعدة‬
‫وهو القانون الداخلي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وقد تبنى هذه النظرية العديد من الفقهاء أبرزهم "كنز" "كلسن" و"دوجي"و"سل"‪ ،‬حيث يقر هؤالء‬
‫بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي ويعتبرون هذا األخير مشتقا من القانون الدولي وصاد ار‬
‫عنه‪ ،‬ولذلك فإن الدول عندما تطبق قوانينها الداخلية فهي تمارس اختصاصا دوليا حددته لها قواعد‬
‫القانون الدولي‪.‬‬
‫وعليه يترتب على هذه النظرية أن القانون الدولي العام يلزم الدول على إصدار قوانينها‬
‫وتنظيماتها الداخلية بشكل غير متعارض مع أحكامه أو مخالف لها‪ ،‬إذ ينبغي لقواعد القانون الداخلي‬
‫أن تحقق االنسجام التام مع قواعد القانون الدولي كاالتفاقيات واألعراف الدولية وغيرها من مصادر‬
‫القانون الدولي‪.‬‬
‫‪ -‬أهم االنتقادات التي وجهت لهذه النظرية‬
‫إن القول باشتقاق القانون الداخلي من القانون الدولي هو أمر يتناقض مع الحقائق التاريخية‬ ‫‪-‬‬
‫التي تثبت نشأة القانون الداخلي قبل القانون الدولي‪.‬‬
‫أن القول بوحدة القانونين وخضوعهما لنفس النظام القانوني الموحد قول غير دقيق ألن التمييز‬ ‫‪-‬‬
‫بين النظامين القانونيين ال يزال قائما إلى حد اليوم‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مدى تأثر الدساتير بالنظريات الفقهية‬
‫تباينت دساتير الدول بين متأثر بنظرية ثنائية القانون أو وحدة القانون‪ ،‬حيث يمكن تصنيف‬
‫هذه الدساتير على النحو التالي‪ ،‬فمن الدساتير من يعترف بسمو أحكام القانون الدولي على القانون‬
‫الداخلي‪ ،‬ولكن بدرجات مختلفة وهي على ثالثة أنواع‪.‬‬
‫‪ /1‬الدساتير التي تمنح للمعاهدة قوة القانون‬
‫حيث تتمتع المعاهدة بنفس القوة اإللزامية والمكانة القانوني التي يأخذها القانون وال يعلو فوقها‬
‫إال الدستور‪ ،‬ومن هذه الدساتير الدستور الجزائري لعام ‪ ،0481‬الذي نص في المادة ‪ 014‬منه‬
‫على‪ «:‬المعاهدة الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا لألحكام المنصوص عليها في‬
‫الدستور تكتسب قوة القانون»‪.‬‬
‫‪ /0‬الدساتير التي تمنح المعاهدة السمو على القانون‬
‫معنى هذا أن المعاهدة تحتل مكانا وسطا بين القانون العادي والدستور‪ ،‬وتعتمد العديد من‬
‫الدساتير في العالم على هذا التدرج القانوني في أنظمتها الدستورية‪ ،‬كالدستور الفرنسي لعام ‪ 0417‬في‬
‫مادته ‪ ،11‬والدستور المصري لعام ‪ 0480‬في مادته ‪.10‬‬
‫‪13‬‬
‫وعلى هذا النحو سارت الجزائر في دستور ‪ 0474‬حسب نص المادة ‪ 063‬والتي جرى إعادة‬
‫إقرارها في دستور ‪ 0441‬في نص المادة ‪ ،036‬وأكد عليها كل من تعديل ‪ 6101‬في نص‬
‫المادة ‪ 011‬وتعديل ‪ 6161‬في نص المادة ‪ 011‬والتي جاءت‪ «:‬المعاهدات التي يصادق‬
‫عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون»‪.‬‬
‫‪ /2‬الدساتير التي تمنح المعاهدات السمو على الدستور‬
‫والدساتير التي اعتمدت هذا النهج قليلة جدا ومثالها الدستور الهولندي لعام ‪0466‬‬
‫المعدل سنتي ‪ 0413‬و‪ ،0411‬وهذه التجربة تنسجم مع نظرية الوحدة على سمو القانون الدولي‬
‫لكن ضمن حدود معينة ألن المادة ‪ 13‬من الدستور الهولندي تربط السمو بضرورات الحياة‬
‫الدولية‬
‫الفرع الرابع‪ :‬موقف اتفاقية فيينا لعام ‪ 1161‬من النظريتين‬
‫أكدت االتفاقية في مادتها ‪ 68‬على أنه ال يمكن ألي دولة أن تمتنع عن تنفيذ معاهدة‬
‫دولية تحت طائلة التمسك بالقانون الداخلي‪ ،‬وبالتالي فالمعاهدة واجبة النفاذ ما لم تتوفر فيها‬
‫شروط المادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا‪ ،‬وهي تلك المتعلقة باإلخالل الجوهري بقاعدة من قواعد‬
‫االختصاص بإبرام المعاهدات المنصوص عليها في الدستور‪.1‬‬
‫وعليه فاتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬تلزم الدول بالتقيد بأحكام القانون الدولي‪ ،‬وبالتالي فهي‬
‫تعترف صراحة للقانون الدولي بالسمو على القانون الداخلي كأصل عام‪ ،‬بينما يكون االستثناء‬
‫هو سمو القانون الداخلي على القانون الدولي في حالة محددة بالذات بينتها في نص المادة‬
‫‪ 46‬السالفة الذكر‬

‫‪ - 1‬تنص المادة ‪ 11‬على‪« -‬ال يجوز للدولة أن تحتج بأن التعبير عن ارتضائها االلتزام بمعاهدة ما قد تم بالمخالفة‬
‫لحكم في قانونها الداخلي يتعلق باالختصاص بإبرام المعاهدات كسبب إلبطال رضاها‪ ،‬إال إذا كانت المخالفة بينة‬
‫وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونا الداخلي‪.‬‬
‫تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعية ألية دولة تتصرف في هذا الشأن وفق التعامل المعتاد وبحسن نية»‬

‫‪14‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫تمييز قواعد القانون الدولي العام عن غيره من القواعد األخرى‬
‫إلى جانب القانون الدولي العام الذي تعترف به معظم الدول وتتبنى قواعده في دساتيرها‬
‫الخاصة ووثائقها الرسمية ومعاهدتها الثنائية والجماعية‪ ،‬هناك مجموعة من قواعد السلوك‬
‫االجتماعي التي ال يتوافر لها صفة اإللزام القانوني غير أن الدول عملت على مراعاتها في‬
‫سلوكها الخارجي نزوال لواجب اللياقة ومتماشيا مع مقتضيات الحياة العملية‪ ،‬ومن هذه القواعد‬
‫غير القانونية التي تنظم عالقات الدول‪ ،‬قواعد المجامالت الدولية وقواعد األخالق الدولية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قواعد المجامالت الدولية‬
‫ويقصد بها مجموعة العادات والسلوكات التي يرجي اتباعها استجابة العتبارات المالئمة‬
‫العلمية التي تساعد على توطيد العالقات بين الدول وخلق جو من الثقة والصداقة المتبادلة‬
‫وليس استجابة ألي التزام قانوني (أي ال يترتب على اإلخالل بها أي التزام قانوني أو أخالقي‬
‫أو أية مسؤولية خارجية)‪.‬‬
‫وتتشابه قواعد المجامالت الدولية مع القانون الدولي العام في أنهما ينظمان العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬ويظهر الفرق بين قواعد القانون الدولي العام الذي يعتبر خرقها عمال غير مشروع‬
‫يؤدي إلى تحمل الدولة مسؤوليتها الدولية قد تؤثر في العالقات الدولية‪ ،‬أما انتهاك قاعدة‬
‫مجاملة دولية فيعتبر مجرد عمل فغير ودي ال تترتب عليه أي مسؤولية دولية وكل ما يترتب‬
‫عنه ينحصر في المعاملة بالمثل الذي من شأنه قد يؤدي إلى تعكير صفو العالقات الدولية‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن قواعد المجامالت الدولية قد تتحول إلى قواعد القانون الدولي العام‬
‫عندما تكون ملزمة باالتفاق أو العرف‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للحصانات واالمتيازات‬
‫الدبلوماسية فقد بدأت على أساس المجاملة ثم دخلت دائرة اإللتزام القانوني عن طريق العرف‬
‫وعن طريق االتفاق على تقنينها في معاهدات دولية مثل اتفاقية فيينا لعام ‪ 0410‬الخاصة‬
‫بحصانات وامتيازات الممثلين الدبلوماسيين واتفاقية فيينا لعام ‪ 0413‬والخاصة بحصانات رجال‬
‫السلك القنصليي‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ومن أمثلة قواعد المجامالت الدولية‬
‫‪ -‬إعفاء كبار موظفي الدول األجنبية من سمة الدخول وشروط اإلقامة‪.‬‬
‫‪ -‬إعفاء الممثلين الدبلوماسيين األجانب من الضرائب‪.‬‬
‫‪ -‬عدم التعرض لسفن الصيد أثناء الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬استقبال كبار المسؤولين لنظائرهم في الدول المضيفة عند المطار‪.‬‬
‫‪ -‬السماح لرئيس دولة أجنبية بالمرور فوق أجواء أراضي دولة أخرى واإلرسال برقيات‬
‫شكر وتقدير عند مروره‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قواعد األخالق الدولية‬
‫األخالق الدولية هي مجموعة من المبادئ والقيم اإلنسانية التي تهم الرأي العام الدولي‪،‬‬
‫وتتفق قواعد األخالق الدولية مع قواعد القانون الدولي العام في أنها تتعلق بتنظيم العالقات بين‬
‫الدول ولها صفة دولية‪ ،‬ولكنها تختلف عنها من حيث اإللزام‪.‬‬
‫فالقاعدة الخلقية – على خالف القاعدة القانونية‪ -‬ال يجري إتباعها استجابة لوجود التزام‬
‫قانوني وانما استجابة لوجود التزام خلقي مستمد من اعتبارات الخلق والضمير‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن اإلخالل بقاعدة خلقية ال يرتب المسؤولية القانونية الدولية للدولة المخلة‬
‫بل تقتصر مسؤوليتها في الجانب األدبي والخلقي ال غير‪ ،‬وقد تتحول القواعد الخلقية إلى قواعد‬
‫قانونية ملزمة إذا ما سار العرف الدولي على اعتبارها‪ ،‬أو تم االتفاق على ذلك‪ ،‬وأوضح مثال‬
‫على ذلك القواعد الخاصة بمعاملة األسرى والمرضى وجرحى الحروب التي تحولت إلى قواعد‬
‫قانونية ملزمة‪.‬‬
‫ومن أمثلة األخالق الدولية المتعارف عليها‬
‫‪ -‬تقديم المساعدات الالزمة والضرورية للدول التي تتعرض إلى كوارث طبيعية‬
‫كالفيضانات‪ ،‬والزالزل واألعاصير‪ ،‬والمجاعات‪.‬‬
‫‪ -‬جميع الدول البحرية عليها واجب أخالقي في تقديم المساعدات للسفن األجنبية التي تلم‬
‫بها كارثة بسبب األمواج أو ألي سبب آخر‪ ،‬أكانت هذه السفن في البحر اإلقليمي أو‬
‫المنطقة االقتصادية أو أعالي البحار‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -‬مساعدة الدول الغنية للدول النامية ودول العالم الثالث عن طريق منح القروض‬
‫والمساعدات الفنية‪ ،‬فهذا يعتبر واجبا أخالقيا وليس قانونيا على عاتق الدول الغنية‬
‫لصالح الدول الفقيرة‪.‬‬
‫‪ -‬إعالن األسف أو االستنكار لعمل غير شرعي أو إرهابي‪ ،‬أو التأييد لقضية ما‪ ،‬والقيام‬
‫بمثل هذه األمور يقابل من قبل الدولة بالشكر واالمتنان‪.‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫أساس القوة الملزمة للقانون الدولي العام‬

‫على عكس القانون الوطني داخل النطاق الداخلي‪ ،‬فإن المجتمع الدولي ليس له سلطة‬
‫عليا أو مشرع دولي يقوم بالسهر على تطبيق القوانين وفرض منطق تساوي كل الدول منها كان‬
‫حجمها وقوتها السياسة والعسكرية أمام القانون الدولي‪ ،‬ألجل ذلك دائما ما يثور جدال حول‬
‫األساس القانوني الذي تستمد منه القواعد القانونية الدولية قوتها اإللزامية‪ ،‬وقد انقسم فقه الدولي‬
‫في ذلك إلى عدة مدارس لتفسير مصر القوة اإللزامية لقواعد القانون الدولي إلى المدرسة‬
‫اإلرادية والمدرسة الموضوعية‬

‫الفرع األول ‪ :‬االتجاه اإلرادي‬

‫يبنى هذا االتجاه على أساس أن الدولة تتمتع بالسيادة وال تخضع لسلطة عليا ‪ ،‬وأن دور‬
‫القانون الدولي هو مجرد التنسيق بين إرادات الدول صريحة كانت أم ضمنية ‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫مرجع وأساس التزامها بقواعد القانون الدولي هو إرادتها ومشيئتها ال غير‪.‬‬

‫يعتبر الفقيه األلماني "هيجل" رائد هذا االتجاه الذي اشتهر بمقولة " أن القانون الدولي وليد‬
‫إرادات الدولة " فاإلرادة هي التي تخلق القانون وتضفي عله الصفة الملزمة‪ ،‬ويتم التعبير عنها‬
‫بشكل صريح في المعاهدات وبشكل ضمني في العرف الدولي‪.‬‬

‫إال أن هذه اإلرادة اختلف الفقهاء في تحديدها وقد تفرع هذا االتجاه إلى ثالث نظريات‬
‫نوجز عرضها كما يلي ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫أوال‪ /‬نظرية اإلرادة المنفردة أو التقيد الذاتي لإل رادة‬

‫زعيم هذه النظرية الفقيه األلماني "جيلينك" الذي يؤمن أن الدولة ال تخضع للقانون‬
‫الدولي العام إال بناء على إرادتها المنفردة ألنها في مركز أسمى من كل المبادئ القانونية‪،‬‬
‫فأساس القوة الملزمة لقواعد القانون الدولي ترتكز على إرادة الدولة ذات السيادة فهي صاحبة‬
‫السلطان في كل تصرفاتها‪ ،‬التقيد إرادتها سلطة خارجة عنها‪ ،‬وانما تستطيع بما لها من سيادة‬
‫أن تقيد إرادتها بما تشاء من القيود‬

‫ثانيا‪ /‬نظرية اإلرادة المشتركة‬

‫زعيم هذه النظرية الفقيه األلماني "تريبل" القائل أن القانون الدولي ينشأ نتيجة تراضي وتوافق‬
‫إرادات الدول جميعها أو عدد كبير منها ‪ ،‬وليس لإلرادة المنفردة للدولة أن تخلق هذا القانون‬
‫الدولي وال أن تكون هي األساس االلتزام به‬

‫ثالثا‪ /‬نظرية العقد شريعة المتعاقدين‬

‫زعيم هذه المدرسة الفقيه النمساوي " كلسن" القائل ان مبدأ العقد شريعة المتعاقدين هو‬
‫الذي يفرض على الدول احترام القانون الدولي العام ويعتبر أساس االلتزام بأحكامه‬

‫ينتقد االتجاه اإلرادي –في صوره الثالث – من النواحي التالية ‪:‬‬


‫‪ -‬إن هذا االتجاه ال يتفق مع المبادئ القانونية الرامية إلى ضبط اإلرادة والحد من سلطانها‪،‬‬
‫ويتناسى أن مهمة القانون األساسية هي تنظيم عالقات الدول وتقييد إراداتها وهذا في سبيل‬
‫تحقيق وتطبيق حد أدنى من النظام القانوني يمتثل إليه الجميع‬

‫‪ -‬إن الدولة بحسب هذا االتجاه تستطيع أن تتحلل بمحض إرادتها ووفق مصالحها من‬
‫التزاماتها الدولية والقيود التي قبلتها متى شاءت بدون حسيب وال رقيب‪ ،‬وفي ذلك هدم لصرح‬
‫القانون الدولي المبني على الثبات واالستقرار والديمومة ‪ ،‬ولقد صدق احد النقاد قائال ( أن القيد‬
‫الذي يوكل مفتاحه للشخص المقيد ال يعد قيدا من األساس )‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬إن هذا االتجاه ال يفسر سبب التزام الدول الحديثة التي تدخل المجتمع الدولي وتقبل بقواعده‪،‬‬
‫بالرغم من كونها لم تشارك في وضع هذه القواعد‪ ،‬وبالتالي ال يمكن لإلرادة وحدها أن تكون‬
‫أساسا للقانون الدولي‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االتجاه الموضوعي‬

‫يرى هذا االتجاه أن أساس االلتزام بأحكام القانون الدولي يرجع إلى عوامل خارجة عن‬
‫إرادة الدولة وأن القانون الدولي ال يمكن أبدا أن يستند على إرادة الدول فقط ‪ ،‬ولقد تفرع هذا‬
‫االتجاه إلى مدرستين هما المدرسة القاعدية والمدرسة اإلجتماعية‪.‬‬

‫أوال‪ /‬المدرسة القاعدية‬

‫يرى كل من الفقهين النمساوين "كلسن" و "فردروس" ‪ ،‬أن القانون هو عبارة عن مجموعة‬


‫من القواعد القانونية تندرج قوتها تدرجا هرميا بحيث تستمد كل قاعدة قانونية قوتها اإللزامية من‬
‫قاعدة أخرى تعلوها حتى تصل تدريجيا إلى القاعدة األساسية التي توجد في قمة الهرم وهي‬
‫قاعدة المتعاقد عبد تعاقده وهذه هي التي تفسر أساس االلتزام بأحكام القانون الدولي‪.‬‬
‫وقد انتقدت هذه المدرسة من خالل ‪:‬‬
‫‪ -‬أنها تقوم على أساس اإلفتراض‪ ،‬حيث أنها لم تبين من أين تستمد القاعدة األساسية بدورها‬
‫قوتها اإللزامية‬
‫‪ -‬تعزل هذه النظرية القانون عن المجتمع وتعتبره مجرد قواعد فقط‪ ،‬كما أنها إذا كانت القاعدة‬
‫األساسية تصلح لتفسير أساس إلزام المعاهدات فإنها ال تصلح لتفسير إلزام العرف الدولي‪.‬‬
‫ثانيا‪ /‬المدرسة االجتماعية‬
‫تذهب هذه المدرسة إلى أن االعتبارات االجتماعية هي العامل الحاسم في تحديد أساس‬
‫إلزامية القاعدة القانونية الدولية‪ ،‬وفي هذا اإلطار هناك اتجاهين أساسيين هما‬
‫االتجاه األول‪ :‬يتزعمه الفقيه الفرنسي "دوجي" ‪ ،‬والذي يرفض الشخصية المعنوية وفكرة‬
‫السيادة باعتبارها حيل قانونية افتراضية ألن الدولة ليست في الحقيقة سوى مجموعة من األفراد‬
‫الطبيعيين وبالتالي الفرد هو الشخص القانوني الوحيد في القانون الداخلي أو الدولي‪ ،‬أما القانون‬

‫‪19‬‬
‫هو عبارة عن واقع اجتماعي يفرضه الشعور بالتضامن االجتماعي المرتبط بوجود واستمرار‬
‫األفراد سواء داخليا أو دوليا‪ ،‬و عليه يرى دوجي أن التضامن االجتماعي ال ينحصر على‬
‫تنظيم العالقات بين األفراد فقط و إنما يتعداه إلى تنظيم العالقات بين الدول كذلك‪ .‬وقد انتقدت‬
‫هذه النظرية على أساس فكرة التضامن فكرة غامضة وغير محددة داخليا ودوليا‬
‫أما االتجاه الثاني فيرى أن أساس االلزام بالنسبة لقواعد القانون الدولي العام تكمن في‬
‫ضرورات الحياة االجتماعية الدولية‪ ،‬وهذه الضرورات قد تكون اقتصادية اجتماعية أو أخالقية‬
‫أو غيرها‪ .‬ويتميز هذا االتجاه بأنه أكثر اتساعا وشموال من االتجاه السابق الذي يحصر أساس‬
‫اإللزام القانون الدولي في إطار فكرة التضامن اإلجتماعي بينما هذا االتجاه يبحث عن أساس‬
‫هذا القانون في الضرورات االجتماعية المختلفة‬
‫إن هذه المدرسة تعتبر األقرب للواقع من غيرها مع إدخال بعض التعديالت وتوسيعها ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المحور الثاني‬

‫مصادر القانون الدولي العام‬


‫مقدمة‬
‫درسة مصادر القانون الدولي العام أهمية بالغة كونها تمكن الباحث من االطالع‬
‫تكتسي ا‬
‫على كافة القواعد القانونية التي تستند عليها الدول والمنظمات الدولية في تبرير أعمالها‬
‫وتصرفاتها القانونية حتى ال تكون هذه األخيرة خارجة عن نطاق الشرعية الدولية‪ .‬كما أن تحديد‬
‫مصادر القاعدة القانونية الدولية يعني تمكين القاضي من استخالص الحكم الواجب‬
‫التطبيق في النزاعات المعروضة أمامه‪.‬‬
‫ولذلك فإن مصادر القانون الدولي العام البد أن تكون مدرجة في شكل نصوص وضعية‬
‫حتى يتسنى ألشخاص المجتمع الدولي االستناد عليها‪ ،‬وفي هذا الصدد يرجع أول تدوين‬
‫لمصادر القانون الدولي في العصر الحديث إلى اتفاقية الهاي المنعقدة في ‪ 18‬أكتوبر ‪0418‬‬
‫بشأن المحكمة الدولية للغنائم حيث جاء في نص المادة ‪ 18‬منها اآلتي" ‪:‬إذا لم تكن المسألة‬
‫المعروضة والمراد حلها تحكمها معاهدة دولية سارية بين الدول المتحاربة ‪ ،‬تطبق المحكمة‬
‫قواعد القانون العرفي‪ ،‬واذا لم توجد قواعد عامة معترف بها‪ ،‬فإن المحكمة تفصل في النزاع‬
‫المعروض أمامها طبقا للمبادئ العامة للعدل واإلنصاف‪ ".‬وقد جرى اعتماد النص بشكل أكثر‬
‫تفصيل من قبل المحكمة الدائمة للعدل الدولية في عهد عصبة األمم سنة ‪ ، 1920‬ثم من‬
‫طرف محكمة العدل الدولية عقب تأسيس هيئة األمم المتحدة‪ ،‬حيث نص النظام األساسي‬
‫لمحكمة العدل الدولية في المادة ‪ 38‬منه على" ‪ :‬وظيفة المحكمة‪ ،‬الفصل في المنازعات التي‬
‫ترفع إليها وفقا ألحكام القانون الدولي‪ ،‬وهي تطبق في هذا الشأن‪:‬‬
‫‪ -‬االتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صارحة من جانب الدول‬
‫المتنازعة‬
‫‪ -‬العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر االستعمال‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم المتمدنة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام في مختلف األمم ‪.‬ويعتبر‬
‫هذا أو ذاك مصد ار احتياطيا لقواعد للقانون‪ ،‬وذلك مع مراعاة أحكام المادة ‪ ، 59‬التي تنص أنه‬
‫ال يكون للحكم قوة اإللزام إال لمن صدر بينهم‪ ،‬وفي حدود النزاع الذي فصل فيه‬
‫‪ -‬مبادئ العدل واإلنصاف إذا وافق أطراف الدعوى على ذلك‪".‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن التفرقة الموجودة في المادة ‪ 38‬بين المصادر األصلية والمصادر‬
‫االحتياطية ليست ارجعة الختالف القوة اإللزامية لهذه المصادر‪ ،‬وانما هي تفرقة تخص ترتيب‬
‫هذه المصادر فقط‪ ،‬بحيث ال يمكن االستناد للمصادر االحتياطية إال بعد انتفاء كل المصادر‬
‫األصلية‪.‬‬
‫على أن الفقهاء قد أجمعوا على عدم االكتفاء بالتقسيم الموجود بالمادة ‪ 38‬من النظام األساسي‬
‫لمحكمة العدل الدولية بشأن مصادر القانون الدولي العام‪ ،‬على اعتبار وجود مصادر أخرى‬
‫مثل ق اررات الدول أو المنظمات الدولية أو ما يعرف باألعمال الدولية االنفرادية‬
‫ولإلحاطة بمضامين المصادر السالف ذكرها ككل نقوم بدراسة مصادر القانون الدولي‬
‫العام من خالل التطرق إلى المصادر األصلية والمصادر االحتياطية‬
‫الفصل األول‬
‫المصادر األصلية للقانون الدولي‬
‫قسمت المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية المصادر األصلية للقانون‬
‫الدولي العام إلى ثالثة مصادر وهي ‪:‬االتفاقيات الدولية‪ ،‬العرف الدولي ‪ ،‬المبادئ العامة للقانون‬
‫التي أقرتها األمم المتمدنة‪ ،‬وهذا ما سنتناوله في المباحث التالية‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫االتفاقيات الدولية‬
‫تكمن أهمية المعاهدات باعتبارها المصدر الرئيسي األول لقواعد القانون الدولي العام‪ ،‬من‬
‫حيث الترتيب الوارد في المادة ‪ 37‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬باعتبارها أكثر‬
‫المصادر وضوحا وأقلها إثارة للخالف واألكثر تعبي ار عن إرادة األطراف الحقيقية‪ ،‬فعن طريق‬
‫المعاهدات تتحدد أغلب الحقوق وااللتزامات التي ينشئها األطراف فيما بينهم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وانطالقا من أهمية المعاهدات باعتبارها من أهم األعمال القانونية الدولية التي تقوم بدور‬
‫هام في إنشاء العالقات الدولية‪ ،‬أضحى القانون المنظم لها يمثل واحدا من الفروع الهامة‬
‫للقانون الدولي‪ ،‬وستنصب دراستنا للمعاهدات على األحكام التي جاءت بها اتفاقية فيينا لقانون‬
‫المعاهدات لعام ‪ 0414‬مع الوقوف من حين آلخر عند اتفاقية ‪ 0471‬للتحليل أو المقارنة‪،‬‬
‫باعتبار أن االتفاقيتين جاءت بأحكام متشابهة إلى حد كبير باستثناء ما تعلق بخصوصية‬
‫المنظمة الدولية‪.1‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم المعاهدة وأنواعها‬
‫يتطلب تحديد ماهية المعاهدة الوقوف أوال عند مسألة تعريفها وبيان العناصر األساسية‬
‫المكونة لها وأهم التسميات المرادفة لها‪ ،‬ثم تبيان بعد ذلك أهم أنواعها‪،‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف المعاهدة وخصائصها‬
‫االتفاق الدولي هو تالقي إرادة شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي لتنظيم‬
‫العالقات القانونية القائمة بينهما أو بينهم فحسب وفقا ألحكام القانون الدولي‪ .‬وقد تعددت‬
‫التعاريف الفقهية للمعاهدة إال أنها تقترب من بعضها البعض إلى حد كبير‪ ،‬مع اختالف في‬
‫التركيز على ع نصر أو آخر‪ ،‬فمنهم من يعرفها بأنها ( اتفاق بين شخصين من أشخاص‬

‫‪ - - 1‬لقد خضعت المعاهدات لتطور عميق شمل مختلف جوانبها المتعلقة بشروط عقدها وتنفيذها متزامنة مع التطور الذي عرفه‬
‫مجال العالقات الدولية‪ ،‬وقد سعى الفقه الدولي إلى وضع قواعد منظمة إلجراءات التعاقد الدولي‪ ،‬غير أنه بعد أن َعهد ميثاق‬
‫األمم المتحدة للجمعية العامة بمهمة تشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه‪،‬‬
‫أنشأت الجمعية العامة لهذا الغرض لجنة القانون الدولي التي شرعت بإعداد مشروع لقانون المعاهدات منذ عام ‪ 0414‬والتي‬
‫انتهت من مهمتها في ‪ ، 0411‬وقد عرض المشروع المقترح على مؤتمر األمم المتحدة لقانون المعاهدات‪ ،‬الذي انعقد في فيينا في‬
‫دورتين أولهما في الفترة ما بين ‪ 61‬مارس و ‪ 61‬ماي ‪ ،0417‬والثانية في الفترة ما بين ‪ 14‬أفريل و ‪ 66‬ماي ‪ ،0414‬وقد‬
‫أسفرت أعمال المؤتمر عن اعتماد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تتكون من خمسة وثمانون مادة وملحق‪ ،‬ودخلت االتفاقية‬
‫حيز النفاذ في ‪ 68‬جانفي ‪ ، 0471‬وهو اليوم الذي صادف اليوم الثالثين إليداع وثيقة التصديق أو االنضمام الخامسة والثالثين‬
‫على ما توجبه المادة ‪ 71‬من االتفاقية‪ ،‬وباعتبار أن هذه االتفاقية جاءت لتنظيم المعاهدات التي تبرم بين الدول فقط‪ ،‬كان لزاما‬
‫على لجنة القانون الدولي إعداد اتفاقية أخرى تعنى بتقنين المعاهدات المبرمة بين الدول والمنظمات الدولية أو فيما بين المنظمات‪،‬‬
‫والتي تم اعتمادها في مؤتمر دولي عقد بفيينا في ‪ 60‬مارس ‪ .0471‬وتعتبر هاتين االتفاقيتين القاعدة العامة التي يستند إليهما‬
‫عند إبرام أية معاهدة دولية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫القانون الدولي إلحداث آثار قانونية يحكمها القانون الدولي)‪ ،‬كما يعرفها البعض على أنه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫(اتفاق يكون أطرافه الدول‪ ،‬أو غيرها من أشخاص القانون الدولي ممن يملكون أهلية إبرام‬
‫المعاهد ات‪ ،‬ويتضمن االتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه‪ ،‬كما يجب أن‬
‫يكون موضوعه تنظيم عالقة من العالقات التي يحكمها القانون الدولي)‪.‬‬
‫بالرغم من تعدد التعاريف للمعاهدات إال أن الفقه الدولي يكاد يجمع في تعريفه للمعاهدة‬
‫انطالقا من تعداد عناصرها أو خصائصها‪ ،‬فهي (اتفاق مكتوب بين أشخاص القانون الدولي‬
‫إلحداث نتائج قانونية وفقا ألحكام القانون الدولي‪ ،‬سواء أفرغ هذا االتفاق في وثيقة واحدة أو‬
‫أكثر وأيا كانت التسمية‪ ،‬وهذا التعريف مستوحى من المادة ‪ 10/16‬من اتفاقية فيينا لقانون‬
‫المعاهدات لعام ‪ ،0414‬وكذلك المادة المقابلة لها من اتفاقية قانون المعاهدات بين الدول‬
‫والمنظمات الدولية لسنة ‪.0471‬‬
‫ومن هذا التعريف يستخلص وجوب توفر ثالث شروط أو عناصر أساسية في المعاهدة‬
‫وهي‪ :‬أن يكون االتفاق بين أشخاص القانون الدولي‪ ،‬ينبغي أن تصاغ المعاهدة الدولية في‬
‫وثيقة مكتوبة‪ ،‬إحداث المعاهدة ألثار قانونية وفقا لقواعد القانون الدولي‪.‬‬
‫‪ /1‬أن يكون االتفاق بين أشخاص القانون الدولي‬
‫تاريخيا‪ ،‬كانت الدول وحدها هي صاحبة االختصاص في إبرام المعاهدات باعتبارها‬
‫الشخص الدولي الوحيد‪ ،‬أما حاليا‪ ،‬فتعتبر المنظمات الدولية من أشخاص القانون الدولي العام‬
‫لها أهلية إبرام المعاهدات‪ ،‬وهذا ما تأكد بعد الرأي االستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر‬
‫عام ‪ 0414‬والمتعلق بمسألة التعويض عن األضرار التي تصيب موظفي األمم المتحدة أثناء‬
‫تأديتهم لوظائفهم‪ .‬وتماشيا مع هذا التطور‪ ،‬جاءت كل من اتفاقيتي فيينا لعام ‪ 0414‬و‪0471‬‬
‫مؤكدة على أهلية الدول والمنظمات في إبرام المعاهدات الدولية‪.‬‬
‫فقد نصت المادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬على أهلية الدول في عقد‬
‫المعاهدات الدولية‪ ،‬ومن هذا النص الثابت في العالقات الدولية فإن الدول ذات السيادة الكاملة‬
‫هي صاحبة االختصاص في إبرام المعاهدات في جميع المجاالت السياسية‪ ،‬االقتصادية‪،‬‬
‫االجتماعية والعسكرية وغيرها‪ ،‬إال إذا قيدت الدولة حريتها بموجب اتفاقية سابقة‪ ،‬لكن في هذه‬

‫‪24‬‬
‫الحالة ال يعتبر التصرف باطال ألن الدولة تملك أهلية التصرف وشخصيتها الدولية ال نزاع‬
‫فيها‪ ،‬وكل ما في األمر أنها تتحمل مسؤوليتها وفقا إلخاللها بالتزام سابق‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدول ناقصة السيادة‪ ،‬فالبد من الرجوع إلى عالقة التبعية القائمة بين الدولة‬
‫التابعة والدولة المتبوعة‪.‬‬
‫كما نصت المادة ‪ 11‬من اتفاقية ‪ 0471‬على أهلية المنظمات الدولية في إبرام‬
‫المعاهدات‪ ،‬وقد جاءت االتفاقية لتأكيد عرف دولي سابق يسمح للمنظمات الدولية بإبرام‬
‫المعاهدات الدولية مع الدول وغيرها من المنظمات‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ ،‬االتفاق الدولي الذي أبرم‬
‫بين المكتب الدولي للمقاييس والموازين وفرنسا الخاص بالمقر في ‪ 1‬أكتوبر ‪ ،0781‬االتفاق‬
‫المبرم بين سويس ار وعصبة األمم حول الحصانات واالمتيازات لعام ‪ ،0461‬وقد تأكد هذا المبدأ‬
‫بإنشاء هيئة األمم المتحدة‪ ،‬والوكاالت التابعة لها والمنظمات الدولية األخرى‪.‬‬
‫ويتم التعرف على أهلية المنظمات الدولية في مجال عقد االتفاقيات بثالث وسائل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوثيقة المنشئة للمنظمة أو الميثاق‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفسير الموسع للميثاق‪.‬‬
‫ج‪ -‬التدخل الصريح من األجهزة المختصة‪.‬‬
‫فبالرجوع مثال إلى نص المادة ‪ 13‬من ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬نجد أنها أكدت على حق المجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي في عقد اتفاق مع أي وكالة من الوكاالت المشار إليها في المادة ‪.118‬‬
‫وبناء على ما سبق فال يمكن اعتبار االتفاقات التالية من قبل المعاهدات الدولية‪:‬‬
‫‪ -‬االتفاقات التي تبرم بين الدول وبين القبائل التي ال تتمتع بالشخصية القانونية الدولية‪،‬‬
‫‪ -‬االتفاقات التي تبرمها الدول األعضاء في الدول المركبة‪ ،‬فالدويالت الداخلة في االتحاد ليس‬
‫لها شخصية قانونية دولية إال في حالة السماح بذلك بموجب الدستور‪ ،‬فالقاعدة العامة أن الدولة‬
‫االتحادية هي التي تستقل بالتمثيل السياسي الخارجي وبأهلية إبرام المعاهدات‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنص المادة ‪ 13‬على « للمجلس االقتصادي واالجتماعي أن يضع اتفاقات مع أي وكالة من الوكاالت المشار‬
‫إليها في المادة ‪ 18‬تحدد الشروط التي على مقتضاها يوصل بينها وبين "األمم المتحدة " وتعرض هذه االتفاقات على‬
‫الجمعية العامة للموافقة عليها‪ .‬وله أن ينسق وجوه نشاط الوكاالت المتخصصة بطريق التشاور معها وتقديم توصياته‬
‫إليها والى الجمعية العامة وأعضاء "األمم المتحدة»‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬االتفاقات التي تعقد بين األمراء بصفتهم الخاصة وليس الرسمية‪ ،‬كعقود الزواج بين األمراء‪.‬‬
‫‪ -‬االتفاقات المبرمة بين األفراد العاديين والمعنويين حتى وان كان لهذه االتفاقات أثر على‬
‫المستوى الدولي‪.‬‬
‫‪ /0‬ينبغي أن تصاغ المعاهدة في وثيقة مكتوبة‬
‫اشترطت المادة ‪ 6‬الفقرة ‪ 10‬من اتفاقيتي فيينا لعام ‪ 14‬و‪ 71‬أن يفرغ االتفاق في وثيقة‬
‫مكتوبة‪ .‬فالكتابة وان كانت ليست شرطا من شروط االلتزام الدولي الذي يخضع ألحكام القانون‬
‫الدولي‪ ،‬إال أنها شرط لصحة المعاهدة حتى يمكن سريان أحكام المعاهدة‪ ،‬وهذا لسهولة الرجوع‬
‫إلى الكتابة إلثبات حقوق وواجبات أطراف االتفاق‪.‬‬
‫وقد سايرت اتفاقية فيينا في هذا المجال نص المادة ‪ 0/016‬من ميثاق األمم المتحدة الذي‬
‫يشترط تسجيل ونشر جميع المعاهدات التي يبرمها أعضاء األمم المتحدة‪ ،‬حرصا على ضمان‬
‫تنفيذها وتجنبا لما قد تحمله االتفاقات الشفوية من اختالف حول تفسيرها‪.‬‬
‫وعلى الرغم مما قد يحمله االتفاق الشفوي من اختالف في التفسير أو التنفيذ‪ ،‬إال أن اتفاقية‬
‫فيينا لعام ‪ ،0414‬اعترفت له بنفس القيمة القانونية لالتفاقات المكتوبة في المادة ‪/ 3‬أ منها‬
‫وهذا ال يخالف ما استقر عليه القضاء الدولي باالعتراف لالتفاق الشفوي بذات القوة الملزمة‬
‫لالتفاق المكتوب‪ ،‬فقد اعترفت محكمة العدل الدولية الدائمة بالقيمة القانونية لالتفاق الشفوي في‬
‫قضية (جرين الند) بين النرويج و الدنمارك‪ ،‬ففي تصريح لوزير خارجية النرويج اعترف شفويا‬
‫بسيادة الدنمارك على إقليم «جرين الند الشرقية» سنة ‪ 0404‬وفي سنة ‪ 0430‬حاولت النرويج‬
‫اإلخالل بالتصريح‪ ،‬ولم تتردد المحكمة في إعطاء التصريح الشفوي نفس القيمة القانونية‬
‫للمعاهدة بين الدولتين في حكمها الصادر في ‪ 1‬أفريل ‪.10433‬‬

‫‪ -1‬كان مدار البحث في هذه القضية هو مدى صحة التصريح الشفوي الصادر عن وزير خارجية النرويج " نيلس‬
‫كالوس إهلن" وقيمته القانونية في ترتيب االلتزامات الدولية على عاتق دولته‪ ،‬فأثناء المباحثات بين وزيري خارجية‬
‫النرويج و الدنمارك قال الوزير النرويجي في ‪ 04‬جويلية عام ‪ «:0404‬إن بالده لم تقيم أي عقبات أمام خطط حكومة‬
‫الدنمارك من أجل بسط سيادتها على كامل جرين الند»‪ ،‬ولم تتردد المحكمة عندما عرض عليها النزاع بسبب محاولة‬
‫النرويج بسط سيادتها على جزء من «جرين الند» عام ‪ 0460‬خالفا للتصريح الذي أصدره الوزير إهلن عام ‪ 0404‬في‬
‫إعطاء التصريح قيمة قانونية كما لو كان معاهدة دولية بين الدولتين‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫كما اعتبرت محكمة العدل الدولية في الحكمين الصادرين عنها في ‪ 61‬ديسمبر ‪0481‬‬
‫في قضيتي التجارب النووية التي رفعتها كل من أستراليا ونيوزيلندا ضد فرنسا‪ ،‬أن التصريحات‬
‫العلنية التي صدرت عن الحكومة الفرنسية ووعدت فيها بوقف التجارب الذرية الفرنسية في‬
‫جنوب المحيط الهادي تعتبر ملزمة لفرنسا‪.‬‬
‫ولم تشترط اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات أن تكتب المعاهدة في وثيقة واحدة‪ ،‬بحيث قد‬
‫تكون المعاهدة متعددة الوثائق وبغض النظر عن التسمية التي تطلق عليها‪.‬‬
‫‪ /3‬إحداث المعاهدة ألثار قانونية وفقا لقواعد القانون الدولي‬
‫تتعدد موضوعات المعاهدة حسب تنوع العالقات الدولية وحاجة كل دولة‪ ،‬فالدول ذات‬
‫سيادة من حقها إبرام ما تشاء من المعاهدات في كافة الميادين المعروفة طالما أن االتفاق ال‬
‫يتناقض مع القواعد اآلمرة للقانون الدولي‪ ،‬أي أن تحدث المعاهدة آثار قانونية على عاتق الدول‬
‫المتعاقدة‪ ،‬والتي تخضع لقاعدة عامة هي العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬ويمكن أن تتناول االتفاقية‬
‫جميع نواحي الحياة (سياسية‪ ،‬عسكرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مالية‪.)...‬‬
‫فال يعد االتفاق وان كان بين الدول من قبيل المعاهدة إن لم يكن يهدف إلى ترتيب حقوق‬
‫والتزامات متبادلة بين أطرافه‪ ،‬وهذا ما يميز المعاهدة عن االتفاقيات ذات اآلثار األدبية غير‬
‫الملزمة‪ .‬فال يعد من قبيل المعاهدات اتفاقية الجنتلمان (‪ (Gentlemen’s Agreements‬أو‬
‫اتفاق الشرفاء التي تلزم األشخاص فقط باعتبارهم رؤساء للدول أو وزراء للخارجية‪ ،‬والتي‬
‫يعلنون فيها بصفتهم الشخصية عن االتفاق على بعض المسائل ذات الطبيعة العامة‪ ،‬كانتهاج‬
‫سياسة ما في موضوع مشترك‪ ،‬وهو اتفاق ال يسمو إلى معاهدة دولية وال يخضع لقواعد القانون‬
‫الدولي ‪ ،‬وكل ما في األمر أن هذه االتفاقيات تتمتع أولها قيمة أدبية ترتكز على وعد وشرف‬
‫الشخص الذي أبرمها‪ ،‬فكل ما يضمن التنفيذ هو كلمة الشرف الذي أعطاها الساسة لبعضهم‪،‬‬
‫والدولة غير مسؤولة إذا ما تخلف ساستها عن تنفيذ اتفاق الجنتلمان‪ ،‬إال أنه من النادر جدا أن‬
‫يختلف أطرافها عن تنفيذ أحكامها بالنظر إلى تعلق األمر بشرفهم وبسمعتهم األدبية في المجال‬
‫الدولي‪ ،‬بل جرت العادة أن يقوم رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية بتنفيذ ما سبق ألسالفهم‬
‫إبرامه من اتفاقات الشرفاء حرصا منهم على سمعة ساسة الدولة على وجه العموم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وهناك أمثلة عديدة على االتفاقات ذات القيمة األدبية‪ ،‬نذكر منها في هذا المجال‪ :‬اتفاق‬
‫األطلنطي بين روزفلت وتشرشل في ‪ 01‬أوت ‪ 0410‬والخاص باالتفاق على مواصلة الحرب‬
‫ضد هتلر‪ ،‬التصريح المشترك الصادر عام ‪ 0411‬عن الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا‬
‫وكندا حول البرنامج النووي الذي تنوي إتباعه في مجال استخدام الطاقة النووية‪ ،‬والذي يعتبر‬
‫تصريحا مبدئيا ال يتضمن أي التزام قانوني‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أنواع المعاهدات‪:‬‬
‫تنقسم المعاهدات من حيث أنواعها إلى عدة تصنيفات‪ ،‬وذلك بحسب عدد أطرافها أو‬
‫إجراءات عقدها أو موضوعها أو أسلوب االنضمام إليها‪ ،‬وقد ترد المعاهدة بتسميات مختلفة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعدد األسماء التي تطلق على المعاهدات‬
‫إن اختيار االسم الذي يرد على الوثيقة أو المعاهدة مسألة سياسية يحددها األطراف‪،‬‬
‫ومهما اختلفت التسمية التي تطلق على االتفاق فهي ملزمة لألطراف وتعد مصد ار من مصادر‬
‫القانون الدولي المادة ‪.10/16‬‬
‫غير أن جانبا من الفقه ميز بين المصطلحات المختلفة للمعاهدة‪ ،‬ومن التسميات األكثر‬
‫استعماال‪:‬‬
‫‪ -1‬المعاهدة ‪ :Traité‬وهو اصطالح يطلق على االتفاق الدولي الذي يتناول موضوعا على‬
‫درجة من األهمية يغلب عليه الطابع السياسي كمعاهدات التحالف والصداقة ومعاهدات الصلح‪،‬‬
‫مثل معاهدة وستفاليا لعام ‪ ،0117‬معاهدة فرساي لعام ‪ ،0404‬معاهدة منع انتشار األسلحة‬
‫النووية‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -0‬االتفاقية ‪ :Convention‬وهو اصطالح يطلق على االتفاق الدولي الذي يتناول موضوعا‬
‫يغلب عليه الطابع القانوني‪ ،‬وهي تشمل العديد من المجاالت كحقوق اإلنسان‪ ،‬الحدود‪ ،‬القانون‬
‫الدولي اإلنساني وغيرها‪ ،‬مثل اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ 0410‬واتفاقية فيينا‬
‫للعالقات القنصلية لعام ‪ ،0413‬اتفاقية قانون البحار لعام ‪ 0471‬اتفاقيتي فيينا لقانون‬
‫المعاهدات لعام ‪ 0414‬و‪ 0471‬وغيرها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ويفضل استعمال مصطلح اتفاقية بدل معاهدة في الحاالت التالية‪ :‬عندما يكون أحد‬
‫ُ‬
‫أطراف االتفاق منظمة دولية‪ ( ،‬ألن المعاهدة تفرض تدخل رئيس الدولة‪ ،‬وليس للمنظمات‬
‫الدولية رئيس مماثل ولهذا فأغلب االتفاقيات التي تبرمها األمم المتحدة أو فروعها تدعى في‬
‫أغلب األحيان اتفاقيات)‪ ،‬أو عندما تتضمن االتفاقية قواعد قانونية دولية‪ ،‬أو عندما يتناول‬
‫‪.‬‬
‫موضوع االتفاقية الجانب االقتصادي‬
‫يطلق هذا المصطلح على االتفاقات التي يراد إبراز أهميتها في‬ ‫‪ -2‬الميثاق ‪:Charte‬‬
‫المجتمع الدولي‪ ،‬ويستمد هذا االتفاق اسمه من خالل الموضوع الذي ينظمه مثل ميثاق األمم‬
‫المتحدة لعام ‪ 0411‬وميثاق جامعة الدول العربية لعام ‪ ،0411‬ميثاق منظمة األمم المتحدة‪،‬‬
‫وغيرها‪ .‬ويحمل مصطلح العهد ‪ Pacte‬نفس المدلول في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -2‬النظام ‪ :Statut‬وهو مصطلح ظهر حديثا في القانون الدولي المعاصر يطلق على‬
‫االتفاقات الجماعية‪ ،‬التي تنشئ هيئات أو جهاز يغلب عليه الطابع التأسيسي‪ ،‬كالنظام‬
‫األساسي لمحكمة العدل الدولية لعام ‪ ،0411‬أو النظام األساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية‬
‫لعام ‪ ،0418‬أو نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام ‪.0447‬‬
‫‪ -5‬التصريح ‪ :Déclaration‬وهو اتفاق دولي ينصب على تأكيد مبادئ قانونية وسياسية‬
‫مشتركة‪ ،‬مثل تصريح برلين في ‪ 1‬جويلية ‪ 0411‬بشأن تولي السلطات العليا في ألمانيا من‬
‫طرف الدول األربع المنتصرة‪.‬‬
‫‪ -6‬البروتوكول ‪ :Protocole‬اتفاق دولي معدل التفاق سابق أو مفسر له‪ ،‬وينصرف‬
‫التصديق على االتفاق األصلي في العادة تلقائيا إلى البروتوكول‪ ،‬ولكنه ال غنى عن التصديق‬
‫على البروتوكول الذي يتناول بالتنظيم مسائل جديدة ومستقلة عن االتفاق األصلي‪ ،‬فالبروتوكول‬
‫في هذه الحالة هو عبارة عن معاهدة مستقلة تماما ولكنها تتضمن أحكاما مكملة لمعاهدة سابقة‪،‬‬
‫كما يمكن أن يكون البروتوكول اتفاق قائم بذاته مثل بروتوكول جنيف لعام‪ 0461‬حول الحرب‬
‫الكيماوية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -7‬االتفاق ‪ :Accord‬اتفاق دولي يعالج مسائل سياسية بحتة‪ ،‬كاتفاق يالطا لعام ‪0411‬‬
‫حول تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بين الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد السوفيتي‪ ،‬واالتفاق‬
‫بين الواليات المتحدة األمريكية واألمم المتحدة الخاص بالمقر لعام ‪.0418‬‬
‫‪ -8‬تبادل المذكرات أو الخطابات ‪ :Echange des lettres‬اصطالح يدل على اتفاق دولي‬
‫ثنائي عن طريق تبادل رسائل بين أطرافه‪ ،‬و إتباع هذا األسلوب يكون ناتجا عن ضيق الوقت‬
‫الذي ال يمنح وقتا أكبر أمام الطرفين للدخول في مفاوضات تقليدية بقصد الوصول إلى اتفاق‪،‬‬
‫مثل تبادل المذكرات بين مصر واألمم المتحدة الخاصة بتحديد مركز قوات الطوارئ الدولية‬
‫على األراضي المصرية)‪.‬‬
‫رغم تعدد وتنوع التسميات التي تطلق على المعاهدة‪ ،‬إال أنها تحمل نفس المعنى من‬
‫الناحية القانونية‪ ،‬وتخضع لنفس األحكام‪ ،‬وتتمتع بالقوة اإللزامية ذاتها‪ ،‬وهذا ما أكدته كل‬
‫من اتفاقيتي فيينا في المادة ‪/0‬أ منهما بنصهما على " ‪ ...‬وأيا كانت تسميته الخاصة‪."...‬‬
‫تجدر اإلشارة أنه فيما يتعلق بالتسمية‪ ،‬قد سبق لمحكمة العدل الدولية الدائمة في عام‬
‫‪ ، 0430‬أن أكدت أنه مهما تنوعت التسميات التي يمكن أن تطلق على المعاهدات إال أن العبرة‬
‫بالجوهر والقيمة القانونية وقيمتها اإللزامية بين أطرافها‪ . 1‬وهذا ما أكدت عليه أيضا محكمة‬
‫العدل الدولية عام ‪ 6110‬في قضية قطر والبحرين‪ ،‬عندما صرحت بموجب قرارها أن المحضر‬
‫الموقع من جانب قطر والبحرين في ‪ 61‬ديسمبر عام ‪ 0441‬يعد اتفاقا دوليا ينشئ حقوقا‬
‫ويرتب التزامات على عاتق الطرفين‪ ،‬وبالتالي رفض الدفع البحريني القائل أن المحضر ليس‬
‫اتفاقية دولية على غرار اتفاقية ‪ ،0478‬وعلى ضوء ذلك قبلت المحكمة االختصاص بالنظر‬
‫في الدعوى بين الطرفين‪.‬‬

‫‪ -1‬يستفاد هذا من خالل رأيها اإلستشاري المؤرخ في ‪ 1‬سبتمبر ‪ 0430‬في قضية النظام الجمركي بين ألمانيا وفرنسا‪،‬‬
‫أين قالت فيما يتعلق بالتصريح المدرج في البروتكول الرابع المؤرخ في ‪ 1‬أكتوبر ‪ 0466‬المبرم بين النمسا وفرنسا‬
‫وبريطانيا و إيطليا بأنه من حيث الصف ة اإللزامية للتعهدات الدولية ‪ ،‬فمن المعروف أنه يمكن لهذه التعهدات أن تأخذ‬
‫تسمية معاهدات ‪ ،‬اتفاقيات ‪ ،‬تصريحات‪ ،‬اتفاقات‪ ،‬بروتوكوالت‪ ،‬أوتبادل مذكرات ‪،"....‬‬

‫‪31‬‬
‫ثانيا‪ :‬تصنيف المعاهدات‬
‫تعددت التقسيمات بشأن تصنيف المعاهدات‪ ،‬فمنهم من يصنفها بحسب عدد أطرافها‪ ،‬إما‬
‫معاهدات ثنائية أو جماعية‪ ،‬ومن حيث موضوعها تنقسم إلى معاهدات شارعة ومعاهدات‬
‫عقدية‪ ،‬ومن حيث إجراءات عقد المعاهدة تنقسم إلى معاهدات ذات الشكلية أو التقليدية‬
‫واالتفاقات ذات الشكل المبسط‪ ،‬ومعاهدات عامة ومعاهدات خاصة‪ ،‬وغيرها من التصنيفات‪،1‬‬
‫غير أن التصنيف األكثر أهمية والذي يتمتع بفائدة منهجية أكثر هو ذلك التصنيف الموضوعي‬
‫والذي يستند إلى موضوع المعاهدة ومحتواها والتصنيف الشكلي الذي يستند إلى شكل المعاهدة‬
‫وطبيعة إجراءاتها وعدد الدول األطراف فيها‪.‬‬
‫‪ :1‬التصنيف الموضوعي للمعاهدات‬
‫وهو التصنيف الذي يستند إلى الوظيفة القانونية المرجوة من المعاهدة‪ ،‬أي تلك األهداف التي‬
‫يتعين على المعاهدة تحقيقها‪ ،‬وقد تأثر هذا التصنيف بالتنظيم القانوني الداخلي‪ ،‬الذي يفرق بين‬
‫التشريع الذي يحكم مراكز قانونية عامة ومجردة‪ ،‬وبين العقد الذي يحكم مراكز قانونية خاصة‬
‫وشخصية‪ ،‬وقد درج بعض الفقه الدولي على التميز بين المعاهدات المصنفة بحسب موضوعها إلى‪:‬‬
‫أ‪ -‬المعاهدات العقدية والمعاهدات الشارعة‪:‬‬
‫يعتبر تقسيم المعاهدات إلى معاهدات شارعة ومعاهدات عقدية من أكثر التقسيمات‬
‫التقليدية شيوعا واستق ار ار في الفقه الدولي‪.‬‬
‫فالمعاهدة العقدية ‪ Traités Contrats‬تشبه العقود في القانون الداخلي تنشئ حقوقا‬
‫وواجبات متبادلة بالنسبة لألطراف المتعاقدة‪ ،‬تبرم بين أشخاص القانون الدولي في أمر خاص‬
‫بهم تهدف إلى تحقيق عملية قانونية كمعاهدات التحالف والتجارة‪ ،‬الحدود التنازل‪ ،‬وهي عقود‬
‫ذاتية تتضمن تعهد الدول الموقعة عليها القيام بصورة متبادلة بالتزامات مختلفة‪ ،‬وهذا النوع من‬
‫المعاهدات ال يلزم غير المتعاقدين‪ ،‬وال يتعدى أثرها غير الدول الموقعة عليها ألن الدول غير‬
‫األطراف فيها لم تلتزم بما تم االتفاق عليه‪،‬‬

‫‪ - 1‬تهدف هذه التصنيفات أساسا إلى تسهيل البحث والتحليل البيداغوجي‪ ،‬دون أن يكون لها آثا ار قانونية مباشرة‪ ،‬وقد‬
‫يتقاطع تصنيف مع تصنيف آخر أو يمتزج به‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أما االتفاقات الشارعة‪ :Traités Lois :‬فهي التي يهدف من وراء سنها خلق قواعد دولية‬
‫جديدة تنظم العالقة بين أشخاص القانون الدولي‪ ،‬فهذا النوع أقرب إلى التشريع منها إلى العقد‪،‬‬
‫وهي تتميز بجملة من الخصائص والمميزات‪ ،‬من أهمها هو إمكانية انضمام دول لم تكن أطرافا‬
‫فيها وقت إبرامها‪ ،‬كما أنها تقوم بوضع تشريعات وقوانين يمتد أثرها إلى دول ليست طرفا فيها‪،‬‬
‫كما أن غالبية المعاهدات الشارعة هي معاهدات متعددة األطراف يمكن لها أن تحدث مراكز‬
‫قانونية‪ ،‬ومن االتفاقات الشارعة اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات‪ ،‬ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬عهد‬
‫عصبة األمم‪ ،‬قانون البحار‪....‬‬
‫ب‪ -‬المعاهدات الخاصة والمعاهدات العامة‪:‬‬
‫يقصد بالمعاهدات الخاصة‪ ،‬المعاهدات التي تنظم موضوعا خاصا بأطرافها ًأيا كان‬
‫عددهم‪ ،‬مثل معاهدات الحدود أو تسليم المجرمين‪ ،‬أو اإلحالة على التحكيم‪ ،‬بينما المعاهدات‬
‫العامة هي التي تنظم موضوعا عاما يهم جميع الدول األطراف في المعاهدة وغير األطراف‬
‫فيها‪ ،‬كالمعاهدات الشارعة‪.‬‬
‫وهذا التصنيف القائم على معيار الخصوصية و العمومية هو الذي أخذت به محكمة العدل‬
‫الدولية حيث نصت في فقرتها األولى من المادة ‪ 37‬من نظامها األساسي على « وظيفة‬
‫المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا ألحكام القانون الدولي‪ ،‬وهي تطبق في‬
‫هذا الش أن‪( :‬أ) االتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة من‬
‫جانب الدولة المتنازعة‪." ...‬‬
‫‪ /0‬التصنيف الشكلي للمعاهدات‬
‫وهذا التصنيف يعنى بالجانب الشكلي للمعاهدة‪ ،‬نتطرق إلى البعض منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية‪:‬‬
‫تنقسم المعاهدات من حيث أطرافها إلى معاهدات ثنائية عندما تكون بين طرفين فقط‪،‬‬
‫ومعاهدات جماعية والتي تعقد بين أكثر من شخصين من أشخاص القانون الدولي‪ ،‬وتوصف‬
‫المعاهدة الجماعية بأنها معاهدة متعددة األطراف‪ ،‬وغالبية المعاهدات الشارعة تعقد بهذه‬
‫الطريقة‪ ،‬فالتميز هنا قائم على ناحية شكلية تتعلق بعدد الدول المشاركة في المعاهدة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ب‪ -‬المعاهدات بالمعنى الدقيق واالتفاقات ذات الشكل المبسط‪:‬‬
‫تختلف االتفاقات المبرمة بين أشخاص القانون الدولي من حيث اإلجراءات الشكلية‬
‫المتطلبة فيها بين المعاهدات بالمعنى الدقيق‪ ،‬والتي يشترط فيه التصديق من طرف السلطات‬
‫الداخلية المختصة في الدول األطراف‪ ،‬أما االتفاقات الدولية ذات الشكل المبسط والتي يطلق‬
‫عليها أيضا االتفاقات التنفيذية‪ ،‬فال يشترط إلبرامها إتباع إجراءات شكلية معينة‪ ،‬كما ال يشترط‬
‫لدخولها أن يتم التصديق عليها من جانب السلطات الداخلية للدول األطراف فيها لكنها نافذة‬
‫وملزمة للدول فور التوقيع عليها‪.‬‬
‫ويعرف الفقه الدولي االتفاقات ذات الشكل المبسط بأنها تلك االتفاقيات الدولية التي‬
‫تبرمها الدولة واألشخاص الدولية األخرى بصيغة مبسطة‪ ،‬ويتم التعبير عن رضا الدولة االلتزام‬
‫بها عن طريق توقيع ممثلها على ما تم االتفاق عليه أثناء المفاوضات‪ ،‬وبما أن السلطة‬
‫التنفيذية هي التي تتولى إبرام المعاهدات تسمى اتفاقيات تنفيذية‪.‬‬
‫ومن المتفق عليه أنه ال يوجد اختالف بين المعاهدات في مفهومها الدقيق وبين االتفاقات‬
‫الدولية في صورتها المبسطة‪ ،‬فيما يتعلق بالقوة الملزمة والقيمة القانونية لكل منهما‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يوجد تدرج بين النوعين‪ ،‬بالرغم من االختالف بينهما من حيث الشكل‪.‬‬
‫فبساطة اإلجراءات أو تعقيدها ال يؤثر في الصفة اإللزامية لالتفاق المبسط‪ ،‬فااللتزامات‬
‫الدولية تنشأ من االتفاقات البسيطة والمعاهدة معا‪ ،‬علما أن هذا النوع من االتفاقيات هو تجربة‬
‫أمريكية ال تحتاج إلى عرضها على مجلس الشيوخ ألخذ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوافقته (المخول بالموافقة على‬
‫المعاهدات)‪ .‬وتشير بعض المصادر إلى أن أكثر من ‪ %41‬من االتفاقيات التي أبرمتها‬
‫الواليات المتحدة األمريكية منذ سنة ‪ 0434‬إلى غاية ‪ 0474‬كانت من االتفاقيات ذات الشكل‬
‫المبسط‪ ،‬انفردت السلطة التنفيذية بإبرامها دون الرجوع إلى الكونغرس‪.‬‬
‫علما أنه ليس المعنى من عقد االتفاقات التنفيذية أن ينصب موضوعها على المسائل‬
‫ذات األهمية القليلة‪ ،‬بل قد يلجأ إلى هذا النوع حتى في المسائل ذات األهمية الكبرى‪ ،‬وخير‬
‫مثال على ذلك اتفاق يالطا لعام ‪ 0411‬بين االتحاد السوفيتي والواليات المتحدة األمريكية‬
‫وبريطانيا‪ ،‬والذي رسم بموجبه الخريطة السياسية الجديدة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ج‪ -‬المعاهدات المغلقة والمعاهدات المفتوحة‪:‬‬
‫فالمعاهدات المفتوحة هي تلك المعاهدات التي تترك مجال االنضمام إليها مفتوحا قصد‬
‫توسيع المشاركة‪ ،‬كما هو الحال في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية كاألمم المتحدة أو‬
‫اتفاقية قانون البحار‪ ،‬أما المعاهدات المغلقة فهي المعاهدات المحصورة التي ال يمكن االنضمام‬
‫إليها إال بتوافر مجموعة من الشروط‪ ،‬كالمعاهدة المنشئة لإلتحاد اإلفريقي‪ ،‬أو جامعة الدول‬
‫العربية‪.‬‬
‫إلى جانب هذه التصنيفات‪ ،‬هناك تقسيمات أخرى منها المعاهدات اإلقليمية والمعاهدات‬
‫ذات الطابع العالمي‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وصلت عند بعض الفقهاء إلى ‪ 37‬نوع‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن المعاهدة مهما اختلفت تسميتها وتصنيفها فهي في النهاية مصدر‬
‫من مصادر القانون بالنسبة ألطرافها‪ .‬كما أن محكمة العدل الدائمة والحالية لم تأخذ مطلقا بهذه‬
‫التفرقة التي اعتبرتها عديمة القيمة من الناحية القانونية‪ ،‬ولهذا فإن جميع المعاهدات تعتبر‬
‫مصد ار من مصادر القانون الدولي العام طالما أنها تضع قواعد لتنظيم العالقات بين األطراف‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫مراحل إبرام المعاهدات‬
‫حتى تنعقد المعاهدة بهيئتها الصحيحة على الوجه األكمل‪ ،‬البد أن تمر قبل ظهورها بعدة‬
‫مراحل تدريجية قبل ظهورها حتى تكون قادرة على إحداث آثارها القانونية‪ ،‬وعليه يتعين توافر‬
‫مجموعة من الشروط الشكلية في الوثيقة المكتوبة‪ ،‬ويمكن القول بصفة عامة أن المعاهدة ال‬
‫تكتمل إال بتمام عدد من اإلجراءات التي ينظمها ما جرى عليه التعامل الدولي والتي يمكن أن‬
‫تتلخص في المراحل التالية‪ :‬المفاوضة‪ ،‬التحرير‪ ،‬التوقيع‪ ،‬التصديق‪ ،‬والتسجيل‪ ،‬غير أن‬
‫المعاهدة التي يتم إبرامها قد يتم قبولها بكاملها من جانب أطرافها‪ ،‬وقد يكون ألحد األطراف أو‬
‫بعضهم من التحفظات ما قد يحد من نطاق سريان أحكام المعاهدة المعنية عليهم‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس سنتطرق في إلى الشروط الشكلية إلبرام المعاهدات أو مراحل إبرام‬
‫المعاهدات‪ ،‬ثم ننتقل لموضوع التحفظ على المعاهدات لما لهذا الموضوع من أهمية في هذا المجال‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المراحل الشكلية إلبرام المعاهدات‬
‫المعاهدة باعتبارها مصد ار من مصادر القانون الدولي هي عمل يحتاج إلى إجراءات‬
‫متوالية‪ ،‬وأولى هذه اإلجراءات هي المفاوضات حول موضوع االتفاق‪ ،‬ثم يليه تحرير نصوصه‬
‫بلغة أو لغات يتم االتفاق عليها‪ ،‬ثم يعقب ذلك مرحلة التوقيع والذي يكون كامال ونهائيا أو‬
‫باألحرف األولى‪ ،‬وتعبر الدولة عن التزامها النهائي بالمعاهدة عن طريق التصديق حسب ما‬
‫يقتضيه قانونها الداخلي أو االنضمام‪ ،‬ثم تليها عملية تسجيل ونشر المعاهدة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المفاوضات‬
‫لم تحدد اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬شكال محددا للمفاوضة‪ ،‬وان كان موضوعها واحد‪،‬‬
‫ويقصد بالمفاوضات تبادل وجهات النظر بين أشخاص القانون الدولي حول الموضوع الذي يراد‬
‫إبرام المعاهدة بشأنه بغية الوصول إلى اتفاق بينهما‪.‬‬
‫وليس للمفاوضات شكل محدد يجب إتباعه‪ ،‬فقد تكون المفاوضة شفوية حيث يتبادل األطراف‬
‫وجهات النظر مباشرة‪ ،‬وقد تكون مكتوبة في صورة مادة أو أكثر يقدمها أحد األطراف ويرد‬
‫عليها اآلخر‪ ،‬وقد تكون في صورة مذكرات متبادلة ترسل مع رسول دبلوماسي‪ .‬كما قد تكون‬
‫المفاوضة علنية أي تجرى أمام مرأى ومسمع وسائل اإلعالم‪ ،‬أو تكون المفاوضة سرية وهذا‬
‫حسب ما تقتضيه مصلحة األطراف‪.‬‬
‫تختلف طريقة إجراء المفاوضة باختالف ما إذا كنا بصدد معاهدة ثنائية أو معاهدة‬
‫متعددة األطراف‪ ،‬ففي المعاهدات الثنائية تجري المفاوضة عادة بالطريق الدبلوماسي في صورة‬
‫محادثات بين وزير خارجية الدولة والممثل الدبلوماسي لدولة أخرى بمشاركة اختصاصين وفنيين‬
‫ومترجمين إذا كان موضوع المعاهدة يقضي بذلك‪ .‬وقد تجري عملية التفاوض على إقليم إحدى‬
‫الدول المتفاوضة أو تستضيفها دولة ثالثة على إقليمها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالمعاهدات الجماعية (المتعددة األطراف) فهي عادة تجري في إطار مؤتمر‬
‫دولي يعقد خصيصا لهذا الغرض‪ ،‬واما في إطار منظمة دولية وعلى هذا المنوال أنشأت‬
‫الجامعة الدول العربية(مؤتمر اإلسكندرية) واألمم المتحدة (مؤتمر سان فرانسيسكو)‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫والقانون الوطني لكل دولة هو الذي يحدد الجهاز المختص بالتفاوض وابرام المعاهدة باسم‬
‫الدولة‪ .‬والمختص بالمفاوضة كأصل عام هو رئيس الدولة‪ ،‬وان كانت هذه المهمة في الوقت‬
‫الحاضر مقصورة على المعاهدات بالغة األهمية والخطورة‪ ،‬والى جانب رئيس الدولة يختص كل‬
‫من رئيس الحكومة ووزير الخارجية بالتفاوض نيابة عن الدولة دون حاجة إلى وثيقة التفويض‬
‫من دولهم‪ ،‬لهما من صفة تمثيلية في إطار العالقات الدولية‪ .‬كما جرى العرف الدولي على أن‬
‫المبعوث الدبلوماسي المعتمد من طرف دولة ما‪ ،‬له صالحية التفاوض في كل أمر يهم مصلحة‬
‫بلده مع تلك الدولة‪ ،‬طالما أن مهمة التفاوض هي جزء أساسي ومهم في عمله‪.‬‬
‫ولقد عددت الفقرة الثانية من المادة السابعة من اتفاقية فينا لعام ‪ 0414‬أن ممثلي الدولة‬
‫الذي يفترض فيهم الصفة التمثيلية دون حاجة إلى إبراز وثائق التفويض هم‪:‬‬
‫أ‪ -‬رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية فيما يتعلق بكل التصرفات الخاصة بإبرام‬
‫المعاهدة‪،‬‬
‫ب‪ -‬رؤساء البعثات الدبلوماسية‪ ،‬فيما يتعلق بإقرار نص معاهدة بين الدولة المعتمدة وبين الدولة‬
‫المعتمدين لديها‪.‬‬
‫ج‪ -‬الممثلون المعتمدون من دول لدى مؤتمر دولي أو لدى منظمة دولية أو أحد أجهزتها أو فروعها‪،‬‬
‫فيما يتعلق بإقرار نص معاهدة في هذا المؤتمر أو تلك المنظمة أو ذلك الجهاز‪.‬‬
‫أما عدا هؤالء فيتعين أن يكونوا مزودين بأوراق التفويض‪ ، 1‬وهي وثيقة مكتوبة تصدر‬
‫عادة عن رئيس الدولة أو الجهات المختصة‪ ،2‬تتضمن وثيقة التفويض إثبات صفة المفاوض‬

‫‪ -1‬عرفت المادة ‪ 6‬فقرة ‪/‬ج من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬وثيقة التفويض بأنها "وثيقة صادرة عن السلطة المختصة في دولة ما‬
‫بتعيين شخص أو أشخاص لتمثيل الدولة في التفاوض بشأن نص معاهدة م أو اعتمادها أو توثيقها أو في اإلعراب عن موافقة‬
‫الدولة على االلتزام بمعاهدة ما‪ ،‬أو في القيام بأي عمل آخر يتعلق بالمعاهدة‪".‬‬
‫‪ -2‬نموذج لوثيــــــــــــقة التفــــــــــــــــويض‪( :‬حسب ما هو مبين في دليل المعاهدات‪ ،‬منشورات األمم المتحدة‪ ،‬قسم المعاهدات التابع‬
‫لمكتب الشؤون القانونية‪ ،6110 ،‬ص ‪.).11‬‬
‫أنا[ إسم ولقب رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية]‬
‫أفوض بموجب هذا[ االسم واللقب] بأن [يوقع على‪ ،‬يصدق على‪ ،‬ينقض على‪ ،‬يصدر التالي بشأن ‪ [ ].....‬عنوان وتاريخ‬
‫المعاهدة‪ ،‬االتفاقية ‪ ،‬االتفاق‪ ......،‬إلخ] بإسم الحكومة [ إسم الدولة]‬
‫حررت في [ المكان] يوم [ التاريخ]‬
‫التوقيع [يوقعها رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ]‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وتحديد السلطات المخولة له في التعبير عن إرادة الدولة‪ ،‬والتفاوض أو التعاقد باسمها وتقدم‬
‫هذه الوثائق في بداية التفاوض‪ ،‬وقد تتضمن وثيقة التفاوض صالحية التفاوض والتوقيع كما‬
‫يمكن لها أن تتضمن صالحية التفاوض فقط‪.‬‬
‫واذا كان المفاوض ينوب عن منظمة دولية فإن إصدار وثيقة التفويض تكون من الجهاز‬
‫المختص بإبرام المعاهدات في هذه المنظمة‪ . 1‬ويجري العمل على تبادل المفاوضين وثائق‬
‫تفويضهم إما بشكل مباشر أو تسليمها إلى لجنة فحص أو اعتماد وثائق التفويض التي يتم‬
‫تشكيلها لهذا الغرض عند التفاوض إلبرام معاهدة جماعية السيما من خالل مؤتمر دولي‪.‬‬
‫واذا قام أي مسؤول بإجراء مفاوضات دون أن يكون مزودا بأوراق التفويض فإن‬
‫مفاوضاته وتصرفاته بشأن إبرام المعاهدة تعتر باطلة وال قيمة لها‪ ،‬إال إذا أجازتها دولته أو‬
‫المنظمة التي المعنية في صورة الحقة‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه المادة ‪ 17‬من اتفاقية فيينا لعام‬
‫‪ ،0414‬ومثال ذلك ما جرى في عام ‪ 0410‬حين وقع ممثل النرويج على اتفاق مع شخص‬
‫سويدي تبين فيما بعد أنه لم يكن مفوضا بالتوقيع‪ ،‬غير أن االتفاق دخل حيز النفاذ بعد‬
‫‪.‬‬
‫التصديق عليه في وقت الحق من قبل كل الطرفين‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه ليس شرطا أن تنتهي المفاوضة بنجاح والى اتفاق‪ ،‬بل قد تفشل‬
‫المفاوضة بعد طول مدة من مباشرتها‪ ،‬وال مانع من توقف المفاوضة ثم يعاد الرجوع لها‪،‬‬
‫انطالقا من أن للدولة السيادة المطلقة في قبول إبرام المعاهدة أو رفضها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحرير المعاهدة‬
‫تنتهي المفاوضة في حالة نجاحها إلى تحرير المعاهدة في نص مكتوب يوضح موضوع‬
‫المعاهدة في صورة مواد يقوم بصياغتها متخصصون في مجال القانون بمساعدة فنيين وهذا‬
‫حسب نوع المعاهدة‪.‬‬
‫وتحرير المعاهدة يثير مسائل متعددة مثل اللغة التي تحرر بها المعاهدة وكذلك أقسامها‪.‬‬

‫‪ -1‬تنص المادة ‪ 3/8‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0471‬على " أن الشخص يعتبر ممثال للمنظمة الدولية بغرض قبول نص‬
‫معاهدة أو اعتماده أو التعبير عن رضا المنظمة في االلتزام بالمعاهدة‪ ،‬إذا قدم وثائق التفويض المناسبة‪ ،‬أو إذا ظهر‬
‫من السوابق والظروف أن نية الدول والمنظمات الدولية المعنية تعتبر أن هذا الشخص ممثال للمنظمة في هذا الغرض‪،‬‬
‫طبقا لقواعد المنظمة دون حاجة إلبراز وثائق التفويض"‬

‫‪37‬‬
‫‪ /1‬لغة المعاهدة‬
‫تعتبر اللغة التي تحرر بها المعاهدة من المسائل الهامة التي تثور في هذا الصدد‪ ،‬لما‬
‫لها من انعكاس على مبدأ سيادة الدولة ونفوذها وهيبتها‪ ،‬وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت‬
‫المعاهدات في أوروبا تحرر باللغة الالتينية‪ ،‬ثم طغت اللغة الفرنسية إلى غاية الحرب العالمية‬
‫األولى ثم حلت محلها اللغة اإلنجليزية مكان كافة اللغات نظ ار للدور الذي بدأت تلعبه الدول‬
‫الناطقة بها‪.‬‬
‫والقاعدة العامة أن المعاهدة يتم تحريرها بلغة األطراف المتفاوضة وال يثور إشكال في حالة ما‬
‫إذا كان األطراف المتفاوضون يتكلمون لغة واحدة كالدول العربية‪.‬‬
‫ومن األساليب المعتمدة في تحرير المعاهدات‪ ،‬الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تحرير المعاهدة بلغة واحدة‪ ،‬إذا كانت الدول المتعاقد تستعمل لغة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬تحرير المعاهدة بلغتين أو أكثر‪ :‬مع االتفاق على إعطاء النص المحرر بإحدى اللغات‬
‫األفضلية والصفة الرسمية عند حدوث نزاع بشأن تفسير المعاهدة (معاهدة فرساي لعام ‪)0404‬‬
‫إذ رجحت اللغة الفرنسية على غيرها من اللغات عند االختالف في التفسير‪.‬‬
‫‪ -‬تحرير المعاهدة بلغات متعددة (كافة األطراف مع تساوي حجية كل نسخة محررة بلغة مع‬
‫غيرها من النسخ‪ ،‬انعكاسا لتمسك الدول بفكرة السيادة واعتبار أن استعمال لغتها في المعاهدة‬
‫التي تدخل طرفا فيها يعد مظه ار من مظاهر سيادتها‪.‬‬
‫وتنص المادة ‪ 10/33‬من اتفاقية ‪ «:14‬إذا اعتمدت المعاهدة بلغتين أو أكثر يكون لكل نص‬
‫من نصوصه نفس الحجية‪ ،‬ما لم تنص المعاهدة أو يتفق األطراف على أنه عند االختالف‬
‫تكون الغلبة لنص معين»‪.‬‬
‫‪ /0‬أقسام المعاهدة‬
‫بعد االتفاق على اللغة المستخدمة في كتابة المعاهدة‪ ،‬تأتي مرحلة الصياغة ويقصد بها‬
‫الشكل أو البناء الذي تظهر من خالله المعاهدة‪ ،‬وليست هناك قاعدة تفرض أن تحرر المعاهدة‬
‫وفقا لشكل معين‪ ،‬إنما جرى العرف أن تبدأ المعاهدة بمقدمة أو ديباجة ثم يليها متن أو صلب‬
‫المعاهدة وقد تلحق بها بعض المالحق‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أ‪ -‬الديباجة‬
‫يشير هذا الجزء إلى بعض المسائل المهمة المتعلقة بالمعاهدة‪ ،‬مثل هدفها والغاية من‬
‫إبدائها والدول األطراف فيها وأسماء المندوبين وصفاتهم‪ ،‬كما أن الديباجة تتم وفق الصورة التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تعداد الدول المتعاقدة حسب الحروف األبجدية‪ ،‬وهو األسلوب األكثر موضوعية لكون‬
‫المعاهدة أبرمتها الدولة وتخاطبها هي‪ .‬ومن بين المعاهدات التي استخدمت هذا األسلوب اتفاقية‬
‫جنيف لقانون البحار سنة ‪ 0417‬واتفاقية فينا بشأن العالقات الدبلوماسية ‪ 0410‬والعالقات‬
‫القنصلية ‪.0413‬‬
‫‪ -‬تعداد أسماء رؤساء الدول‪ :‬يعد هذا األسلوب األصل التاريخي للمعاهدات األولى التي كانت‬
‫تهتم بأسماء مبرميها لعدم إمكانية الفصل بين شخصياتهم والدول التي يمثلونها مثل جامعة‬
‫الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬تعدد حكومات الدول الموقعة‪ :‬وهذا األسلوب مجال استخدامه محدود ألن هذه األخيرة ليست‬
‫من أشخاص القانون الدولي (نظام مجلس أوروبا لعام ‪.)0414‬‬
‫‪ -‬إبرام المعاهدة من قبل الشعوب‪ :‬وهذا األسلوب نادر االستعمال‪ ،‬لكون الشعوب غير خاضعة‬
‫بشكل مباشر للقانون الدولي الذي ال يخاطبها‪ ،‬كما هو الشأن في ميثاق األمم المتحدة‪.‬‬
‫هذا وقد يثور اإلشكال حول القيمة القانونية للديباجة‪ ،‬ووفقا للرأي الراجح تعتبر الديباجة‬
‫قسما من أقسام المعاهدة لها نفس الصفة اإللزامية التي تتمتع بها المعاهدة‪ ،‬إال أن جانب من‬
‫الفقه يرى أن المقدمة تتمتع بدور رئيسي في تفسير المعاهدة ولكن ال يمكن أن يكون لها الصفة‬
‫اإللزامية‪ ،‬مستندا في ذلك إلى ما ذهب إليه القضاء الدولي‪.‬‬
‫ففي القضية التي أثيرت بين الواليات المتحدة األمريكية وفرنسا بخصوص حقوق الرعايا‬
‫األمريكيين بالمغرب‪ ،‬صرحت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام ‪ 0416‬أنه ينبغي‬
‫لتفسير صلب معاهدة الجزيرة لسنة ‪ 0411‬أن تعتد األطراف المعنية بأهداف المعاهدة والتي‬
‫تضمنتها ديباجتها‪ ،‬كما استندت المحكمة أيضا في حكمها الصادر في ‪ 60‬ديسمبر ‪ 0416‬إلى‬
‫ديباجة عهد عصبة األمم‪ ،‬لتحديد الطبيعة القانونية لنظام انتداب جمهورية اتحاد جنوب إفريقيا‬
‫على إقليم جنوب غرب إفريقيا‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ب ‪ -‬صلب المعاهدة‬
‫يلي الديباجة صلب المعاهدة أو متنها الذي يحتوي على المسائل التي تم االتفاق عليها‪،‬‬
‫وتكون عادة مرتبة في فقرات مقسمة إلى مواد‪ .‬كما يرفق في بعض األحيان بالمعاهدة مجموعة‬
‫من األحكام الختامية اإلجرائية يذكر كيفية دخولها حيز النفاذ‪ ،‬وكيفية تفسيرها وتعديلها ووسائل‬
‫تسوية المنازعات الناشئة عن تطبيق المعاهدة وغيرها من التفاصيل اإلجرائية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المالحق‬
‫قد تتضمن المعاهدة ملحقا أو عدة مالحق تضاف إليها‪ ،‬لتنظيم تفاصيل ذات طابع فني‬
‫أو تقني تكون صياغتها عادة من اختصاص رجال ذو خبرة مرافقين للوفد الذي يقوم‬
‫بالمفاوضة‪ ،‬نظ ار ألن المفاوض ليس على دراية تامة دائما في جميع المجاالت‪.‬‬
‫ويعتبر الملحق أو أي مرفق آخر مهما كنت تسميته (برتوكول‪ ،‬مالحق‪ ،‬مرفقات)‪ ،‬جزء ال‬
‫يتج أز من المعاهدة‪ ،‬وله نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها المعاهدة‪ ،‬وهذا ما أكدته محكمة‬
‫العدل الدولية عام ‪ 0416‬في قضية أمباثيلوس بين بريطانيا و اليونان‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التوقيع على المعاهدة‬
‫بعد االنتهاء من مرحلة المفاوضة والتحرير تأتي عملية التوقيع على نص المعاهدة‪،‬‬
‫والتوقيع هو ذلك اإلجراء الذي يفيد اتجاه إرادة أطراف المعاهدة إلى قبولها وااللتزام بأحكامها‪،‬‬
‫وال يشترط تقديم وثائق خاصة إلثبات الحق في التوقيع إذا كان القائم به هو رئيس الجمهورية‬
‫أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ألن هؤالء يملكون سلطة االشتراك في جميع مراحل إبرام‬
‫المعاهدة‪ .‬أما إذا كان القائم بالتوقيع هو الذي يقوم بالتفاوض أصال فال بد أن يكون مزودا‬
‫بتفويض يسمح له بالتوقيع باسم الدولة التي يمثلها‪.‬‬
‫والتوقيع كأصل عام ال يجعل المعاهدة نافذة في حق الدولة‪ ،‬وانما ينحصر أثره القانوني‬
‫في تسجيل ما تم االتفاق عليه بين الطرفين‪ ،‬لكنه يكون نهائيا ونافذا حين تعبر الدولة عن‬
‫ارتضائها االلتزام بالمعاهدة دون حاجة إل التصديق عليها‪ ،‬في ثالث حاالت بينتها المادة ‪06‬‬
‫من اتفاقية فيينا لعام ‪ ،0414‬وهي‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -1‬إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا األثر‪،‬‬
‫‪ -0‬إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على أن يكون للتوقيع هذا األثر‪،‬‬
‫‪ -2‬إذا بدت نية الدول أو المنظمة في إعطاء هذا األثر في وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن‬
‫ذلك أثناء المفاوضات‪.‬‬
‫وجرت العادة في الوقت الحاضر أن يتم التوقيع باألحرف األولى على المعاهدة‪ ،‬أي يتم توقيعها‬
‫بشكل مؤقت‪ .1‬ويجري استخدام هذا اإلجراء عادة في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬في الحالة التي ال تمنح فيها وثائق التفويض للمفاوض سلطة التوقيع على المعاهدة فيلجأ‬
‫حينها إلى اتخاذ إجراء على مسؤوليته يتجسد في التوقيع باألحرف األولى‪.‬‬
‫‪ -‬في الحالة التي يتردد المفاوض حول إعطاء موافقته النهائية على نص المعاهدة فيقرر‬
‫التوقيع باألحرف األولى حتى تتاح له الفرصة للرجوع إلى دولته أو وصول خطاب من طرف‬
‫دولته قبل التوقيع النهائي على المعاهدة‪.‬‬
‫وال يفرض التوقيع باألحرف األولى أي التزام على الدولة‪ ،‬كما ال يلزمها بالتوقيع النهائي‪،‬‬
‫إال إذا كان اتفاق مسبق على غير ذلك‪.‬‬
‫وقد قننت اتفاقية فينا لعام ‪ 0414‬في المادة ‪ 06‬منها هذا األسلوب من التوقيع بنصها‪:‬‬
‫أ‪ -‬يعتبر التوقيع باألحرف األولى على نص المعاهدة من قبيل التوقيع على المعاهدة إذا ثبت‬
‫أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬يعتبر التوقيع بشرط الرجوع إلى الدولة على معاهدة من جانب ممثل الدولة من قبيل‬
‫التوقيع الكامل عليها إذا أجازته الدولة بعد ذلك‪.‬‬
‫فإذا تقرر بعد ذلك التوقيع النهائي على المعاهدة فإن هذا التوقيع يتم بأثر فوري أي من‬
‫تاريخ حصوله وليس بأثر رجعي‪ .‬وعادة الفترة الفاصلة بين التوقيع باألحرف األولى والتوقيع‬
‫النهائي تكون قصيرة ال تتجاوز عدة أسابيع‪.‬‬

‫‪ - 1‬يقصد بالتوقيع باألحرف األولى‪ ،‬أن ممثل الدولة يضع توقيعا كامال‪ ،‬ولكنه ال يكتب اسمه كامال‪ ،‬وانما يضع‬
‫الحروف األولى من اسمه أسفل توقيعه ودون ختم دولته‪ ،‬وال صفته التمثيلية‪ ،‬والغرض من ذلك أن هذا التوقيع ال يرتب‬
‫على دولته التزاما دوليا‪ ،‬وان ما وقعه هو التوصل مع الطرف اآلخر على صيغة معينة‪ ،‬تتطلب اطالع الدولتين‪،‬‬
‫واكمال اإلجراءات الدستورية إلضفاء االلتزام بالمعاهدة‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫وتقضي القاعدة العامة أن التوقيع ال يكفي لنفاذ المعاهدة في حق الدولة أو المنظمة‬
‫الدولية أيا كان شكل التوقيع باألحرف األولى أم باألحرف الكاملة‪ ،‬ألن التوقيع ما هو إال مرحلة‬
‫تعطي للدولة أو المنظمة الفرصة للتفكير في موضوع المعاهدة التي لها الحرية الكاملة في تبني‬
‫أو رفض المعاهدة دون ترتيب أي آثار قانونية على الدولة أو المنظمة‪.1‬‬
‫والتساؤل المطروح هو إذا كان التوقيع غير ملزم لألطراف كقاعدة عامة فهل هو مجرد‬
‫من كل قيمة قانونية؟ أم هناك التزامات تقع على عاتق األطراف في الفترة مابين التوقيع والتصديق‪.‬‬

‫أجابت المادة ‪ 07‬من اتفاقيتي فيينا لعام ‪ 0414‬و ‪ 0471‬حيث اعتبرت أن الدول أو‬
‫المنظمة التي تُوقع على المعاهدة وتنتظر الموافقة النهائية عليها فيما بعد‪ ،‬ليست في وضع‬
‫مشابه للدول أو المنظمات التي لم توقع أو التي رفضت التوقيع‪ ،‬وهذا يعني أن الطرف الذي‬
‫وقع على مشروع المعاهدة يلتزم بعض االلتزامات خالل الفترة التي تفصل ما بين التوقيع‬
‫والتصديق وأبسط التزام هو االمتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يفرغ المعاهدة من‬
‫موضوعها وهدفها‪ ،‬وهو التزام ببذل عناية‪.‬‬
‫إن هذا االلتزام الذي يقع على عاتق الدولة أو المنظمة خالل المرحلة االنتقالية (مابين‬
‫التوقيع والتصديق) يعني أن الطرف الذي وقع يجب عليه االلتزام باالمتناع عن القيام بأي عمل‬
‫يخالف األحكام العامة للمعاهدة‪.‬‬
‫فمثال مجموعة من الدول اتفقت على أن تخفض كل دولة الرسوم الجمركية على‬
‫الواردات القادمة من الدول األخرى األطراف في االتفاقية بنسبة ‪ %11‬ابتداء من دخول االتفاق‬
‫حيز النفاذ‪ ،‬وبعد التوقيع عليه وقبل دخوله حيز النفاذ قامت إحدى الدول بمضاعفة الرسوم التي‬
‫تحصل عليها من البضائع القادمة من الدول األطراف الموقعة‪ ،‬فإنها تكون بذلك قد أفرغت‬
‫االتفاقية من موضوعها وهدفها‪ ،‬ألن نسبة التخفيض هنا ستكون صورية بسبب مضاعفة الرسوم‬
‫خالل الفترة االنتقالية بين التوقيع والتصديق‪.‬‬

‫‪ -1‬أما بخصوص المنظمات الدولية فهنا من الضروري أن يتم التوقيع باألحرف األولى‪ ،‬عندما يكون الجهاز المختص‬
‫بالمفاوضات يختلف عن الجهاز الذي يملك سلطة التوقيع كالنظام األساسي لالتحاد األوروبي الذي يجعل المفاوضات‬
‫من اختصاص لجنة االتحاد بينما التوقيع من اختصاص جهاز حكومي هو مجلس الوزراء (المادة ‪ 677‬و‪،)637‬‬

‫‪42‬‬
‫رابعا‪ :‬التصديق‬
‫يكتسي التصديق أهمية بالغة باعتباره أهم مرحلة من مراحل إبرام المعاهدة‪ ،‬فبدونه ال‬
‫يكون لهذه المعاهدة أي وجود وتعتبر كأنها لم تكن‪ ،‬فمن خالل التصديق فقط تصبح الدولة‬
‫الطرف في المعاهدة ملزمة بأحكامها وتدخل حيز التنفيذ‪.1‬‬
‫‪ /1‬مفهوم التصديق‬
‫يقصد بالتصديق ذلك اإلجراء أو التصرف القانوني الذي تعلن بمقتضاه السلطة المختصة‬
‫بإبرام المعاهدات في الدولة موافقتها على المعاهدة وارتضائها االلتزام بأحكامها بصورة نهائية‪.‬‬
‫وتأسيسا على هذا فإن التصديق ليس مسألة شكلية‪ ،‬وانما مسألة موضوعية هامة إذ َي ُنقل‬
‫المعاهدة إلى نطاق القانون الواجب التنفيذ‪ ،‬وهو إجراء يحكمه القانون الوطني للدولة أو النظام‬
‫الداخلي للمنظمة الدولية‪.‬‬
‫ويقابل مصطلح التصديق على المعاهدات من قبل الدول‪ ،‬مصطلح آخر تستعمله المنظمات‬
‫الدولية الذي ال يختلف عنه من حيث الشكل والطبيعة واآلثار وهو مصطلح التأكيد أو اإلقرار‬
‫الرسمي للتعبير عن ارتضاء المنظمة الدولية االلتزام النهائي بأحكام المعاهدة‪ ،‬وذلك باعتبار أن‬
‫التصديق إجراء تباشره الدولة فقط‪.‬‬
‫وقد عرفت اتفاقية فينا لعام ‪ 0414‬باالستناد إلى نصوص المادة ‪ 10/16‬ب والمادة ‪00‬‬
‫منها على أن التصدق عبارة عن إجراء تثبت بموجبه دولة ما على الصعيد الدولي موافقتها على‬
‫االلتزام بالمعاهدة‪.‬‬
‫وقد بينت اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬في المادة ‪ 01‬منها أربع حاالت يتم فيها االلتزام‬
‫بالمعاهدة عن طريق التصديق باعتباره إجراء ال بد منه لنفاذ المعاهدة وهي‪:‬‬

‫‪ - 1‬يعتبر التصديق أهم وسيلة تعبر بها الدولة عن ارتضائها االلتزام بالمعاهدة‪ ،‬إلى جانب التوقيع‪ ،‬تبادل الوثائق‬
‫المكونة للمعاهدة‪ ،‬القبول‪ ،‬الموافقة‪ ،‬االنضمام أو أي وسيلة أخرى يتفق عليها األطراف‪ ،‬وهذا ما بينته المادة ‪ 00‬من‬
‫اتفاقية فيينا‪ ،‬وسنخصص الحيز الكبير من دراستنا إلجراء التصديق باعتبار أن اتفاقية فيينا استعملت اصطالح القبول‬
‫والموافقة كمصطلحات مرادفة الصطالح التصديق‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -‬إذا نصت المعاهدة على أن يكون التصديق هو وسيلة التعبير عن االرتضاء‪.‬‬
‫إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إذا وقع ممثل الدولة المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إذا بدت نية الدولة في توقيع المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق في وثيقة تفويض‬ ‫‪-‬‬
‫ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضات‪.‬‬
‫والحكمة من التصديق هي إعطاء الفرصة لكل دولة إلعادة النظر في المعاهدة قبل أن تتقيد‬
‫بها نهائيا فالتصديق شرط أساسي لنفاذ المعاهدة حتى ولو لم تنص على ذلك العتبارات عديدة منها‪:‬‬
‫‪ -‬يؤدي التصديق إلى تجنب ما قد يثور من خالفات حول حقيقة التفويض الممنوح‬
‫للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة‪ ،‬كذلك يمكن الدولة أو المنظمة من‬
‫االطمئنان على أن المفاوض قد التزام حدود االختصاصات والصالحيات التي منحت له‪.‬‬
‫‪ -‬قد يكون موضوع المعاهدة ذو طبيعة سياسية ماسة بالمصالح العليا للدولة األمر الذي‬
‫يقتضي موافقة السلطة المختصة في الدولة على هذه المعاهدة‪.‬‬
‫‪ -‬إن التصديق يعتر إجراء ضروريا وبصفة خاصة في النظم السياسية البرلمانية التي تشترط‬
‫عادة ضرورة عرض المعاهدة على البرلمان للموافقة عليها قبل قيام رئيس الدولة بالتصديق عليها‪.‬‬

‫وقد أكد القضاء الدولي أكد على أهمية التصديق واعتبره إجراء الزما لنفاذ المعاهدة في‬
‫مواجهة أطرافها‪ ،‬فقد اعتبرت محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها الصادر في ‪ 01‬سبتمبر‬
‫‪ 0464‬والذي جاء فيه "أن من قواعد القانون الدولي العادية‪ ،‬قاعدة أن االتفاقات ال تصبح‬
‫ملزمة‪ ،‬فيما عدا حاالت استثنائية محدودة‪ ،‬إال بعد التصديق عليها" ‪ ،‬وهو نفس الحكم الذي‬
‫أصدرته محكمة العدل الدولية في عام ‪.0416‬‬
‫‪ /0‬حرية الدولة في التصديق‬
‫إذا لم تنص المعاهدة صراحة على موعد معين للتصديق فإن الدولة الموقعة تظل حرة في‬
‫إجراء هذا التصديق من عدمه‪ ،‬عندما يبدو لها ذلك مناسبا‪ ،‬فال يوجد ما يجبر الدولة على‬
‫إتمامه بصورة آلية بعد التوقيع على المعاهدة رغم سالمة جميع اإلجراءات‪ ،‬فاألمر متروك‬
‫لسلطتها التقديرية ويظهر ذلك من خالل المظاهر التالية‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫أ‪ -‬عدم تحديد موعد التصديق‬
‫للدولة مطلق الحرية في اختيار الوقت المناسب للتصديق على المعاهدة إال إذا كان هناك‬
‫نص صريح في المعاهدة يحدد أجاال معينة للتصديق‪ ،‬والممارسة الدولية أثبتت في كثير من‬
‫األحيان وجود فارق زمني معتبر بين التوقيع والتصديق‪ ،‬ففرنسا مثال وقعت على االتفاقية‬
‫األوروبية لحقوق اإلنسان عام ‪ 0411‬إال أنها لم تصادق عليها إال في سنة ‪ ،0481‬والمغرب‬
‫لم يصادق على اتفاقية الحدود المبرمة مع الجزائر عام ‪ 0486‬إال في جوان ‪ ،0446‬والجزائر‬
‫لم تصادق على اتفاقية قانون البحار لعام ‪ 0476‬إال سنة ‪.0441‬‬
‫ب‪ -‬جواز تعليق التصديق على تحقيق شرط سياسي معين‬
‫ليس هناك ما يمنع الدول من أن تعلق تصديقها على المعاهدة على شرط أو شروط‬
‫معينة لغاية سياسية تقدرها‪ ،‬وغالبا تكون هذه الشروط ذات صلة بشكل أو بآخر بموضوع‬
‫المعاهدة المراد التصديق عليها‪ ،‬ومثال ذلك اشتراط فرنسا تصديقها على معاهدة حسن الجوار‬
‫المبرمة مع ليبيا في ‪ 01‬أوت ‪ 0411‬باالتفاق على تعيين الحدود الجزائرية الليبية وقد تحقق‬
‫هذا الشرط بموجب اتفاق في نفس السنة‪.‬‬
‫ج‪ -‬جواز رفض التصديق دون ترتيب أي مسؤولية دولية‬
‫يجوز للدولة أن ترفض التصديق على معاهدة سبق لها وأن وقعت عليها دون أن يرتب‬
‫هذا التصرف أية مسؤولية دولية‪ ،‬كون أن هذه األخيرة ما زالت مشروعا ينقصه التصديق حتى‬
‫يكتسب صفة المعاهدة‪ ،‬وعلى الرغم من أن رفض التصديق في هذه الحالة قد يعتبر عمال غير وديا‬
‫من الناحية السياسية إال أنه جائز ومشروع قانونا‪ ،‬فالدولة لم تخالف قاعدة عرفية وال قاعدة مستمدة من‬
‫المبادئ العامة للقانون‪ ،‬ألن العرف الدولي جرى على اعتبار أن الدولة حرة في هذا الشأن‪.‬‬
‫ويكفي أن نشير في هذا المجال أن الواليات المتحدة األمريكية رفضت التصديق على‬
‫‪ 611‬معاهدة من أصل ‪ 411‬معاهدة أبرمتها على مدى ‪ 011‬سنة تمتد من ‪ 0874‬إلى غاية‬
‫عام ‪ .0434‬ومن أبرز تلك المعاهدات التي لم تصدق عليها الواليات المتحدة األمريكية كانت‬
‫معاهدة فرساي لعام ‪ 0404‬التي أنهت الحرب العالمية األولى‪ ،‬ووضعت حجر األساس إلنشاء‬

‫‪45‬‬
‫عصبة األمم‪ ،‬حيث رفض مجلس الشيوخ األمريكي بتاريخ ‪ 0461 /13/04‬الموافقة على تلك‬
‫المعاهدة رغم أن الرئيس األمريكي لعب دو ار بار از في وضع تلك المعاهدة والتوقيع عليها‪.‬‬
‫ويرجع عدم التصديق الدولة على المعاهدات في كثير من األحيان إلى أحد األسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تجاوز المفاوض للسلطة الممنوحة له بمقتضى وثيقة التفويض‪.‬‬
‫‪ -‬وجود عيوب تتصل بصلب المعاهدة (خطأ في الوقائع‪ ،‬عدم اشتمال المعاهدة على بعض‬
‫المسائل الهامة)‪.‬‬
‫‪ -‬تغير الظروف التي جرى فيها التفاوض والتوقيع على المعاهدة (كحصول توتر بين دولتين‬
‫كانتا في طريقهما إلى إبرام معاهدة صادقة)‪.‬‬
‫‪ -‬رفض البرلمان الموافقة على المعاهدة في ظل األنظمة السياسية التي تشترط فيها مثل تلك‬
‫الموافقة‪.‬‬
‫وينتج التصديق آثاره من تاريخ حدوثه‪ ،‬أي من تاريخ تبادل الدول األطراف لوثائق التصديق‪ ،‬أو‬
‫من تاريخ إيداعها إياها على أساس أنه تاريخ دخول المعاهدة حيز النفاذ‪ ،‬فال يسري أثر‬
‫التصديق على التصرفات التي باشرتها الدول األطراف قبل إجرائه وتبادل وثائق التصديق‪.‬‬
‫‪ /2‬السلطة المختصة بالتصديق‬
‫إن طبيعة النظام السياسي المعتمد في الدولة هو الذي يحدد السلطة المختصة بإجراء‬
‫التصديق‪ ،‬وتعمل الدساتير في مختلف الدول على تحديد السلطة الموكل لها هذا اإلجراء وليس‬
‫القانون الدولي‪ ،‬ويستشف ذلك صراحة من خالل المادة ‪ 001‬من ميث ـ ــاق األمم المتحدة‬
‫بقولها‪ «:‬تصدق على هذا الميثاق الدول الموقعة عليه كل منها حسب أوضاعها الدستورية»‪.‬‬
‫وتختلف األنظمة الدستورية في إسناد هذه الصالحية‪ ،‬فمن األنظمة من تجعل التصديق‬
‫من اختصاص السلطة التنفيذية وحدها‪ ،‬ومنها من يجعله من االختصاص مطلق للسلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬ومنها من يجعله من اختصاص كال السلطتين‪.‬‬
‫أ‪ -‬منح االختصاص بالتصديق إلى السلطة التنفيذية‬
‫ومعنى هذا أن يمنح التصديق لرئيس الدولة وحده دون مشاركة من أي جهة‪ ،‬وقد طبق‬
‫هذا اإلجراء في األنظمة الملكية المطلقة‪ ،‬فقد طبقته فرنسا خالل اإلمبراطورية الثانية عام‬

‫‪46‬‬
‫‪ ،0716‬كما طبقته اليابان من خالل العهد اإلمبراطوري من‪ 0774‬إلى غاية ‪ ،0411‬كما‬
‫طبق في ظل األنظمة الشمولية مثل النظام النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا‪ .‬وهذا األسلوب‬
‫في طريق االختفاء النهائي‪ ،‬ألنه أسلوب فرضته ظروف تاريخية معينة وأنظمة سياسية صارمة‬
‫ال ترغب في إشراك الشعب في أعمالها‪.‬‬
‫ب‪ -‬التصديق من اختصاص السلطة التشريعية‬
‫ويطبق هذا النموذج في األنظمة التي يمنح فيها الدستور السلطة التشريعية صالحيات‬
‫أوسع من صالحيات السلطة التنفيذية‪ ،‬والذي يعرف كذلك بنظام حكومة الجمعية النيابية‪ ،‬وهو‬
‫نظام قليل االنتشار ونادر التطبيق‪ ،‬كونه يقصر االختصاص بالتصديق على المعاهدة على‬
‫السلطة التشريعية وحدها ( كتركيا مثال في الفترة من ‪ 0461‬إلى غاية ‪ ،0411‬ودستور االتحاد‬
‫السوفيتي سابقا لعام ‪ ،)0488‬أين تنفرد السلطة التشريعية بسلطة التعبير عن رضا الدولة‬
‫االلتزام بالمعاهدة‪.‬‬
‫ج‪ -‬التصديق من اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية‬
‫وهو األسلوب األكثر انتشا ار في الوقت الحاضر وتأخذ به معظم الدول ويتمثل هذا‬
‫األسلوب في منح التصديق لرئيس الدولة مع اشتراط حصوله مسبقا على موافقة البرلمان أو أحد‬
‫مجلسي البرلمان في الدول التي تأخذ بنظام المجلسين إما بالنسبة لجميع المعاهدات أو للبعض فقط‪.‬‬
‫ويعتبر هذا األسلوب أكثر الحلول انتشارا‪ ،‬إذ تأخذ به غالبية الدول‪ ،‬وهو النهج الذي اتبعه‬
‫المؤسس الدستوري الجزائري عندما اشترط موافقة السلطة التشريعية على بعض المعاهدات قبل‬
‫تصديق رئيس الجمهورية‪ ،‬فقد نصت المادة ‪ 06/40‬من التعديل الدستوري لعام ‪ 6161‬على أن‬
‫رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويصادق عليها‪ ،‬وال يجوز له أن يفوض هاته السلطة بموجب‬
‫المادة ‪ ،43‬غير أن المادة ‪ 013‬حددت المعاهدات التي تتطلب موافقة السلطة التشريعية قبل‬
‫المصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية‪.‬‬
‫‪ /2‬التصديق الناقص‬
‫يقصد بالتصديق الناقص ذلك التصديق الذي يتم على نحو ال يتفق مع اإلجراءات‬
‫الدستورية بشأنه‪ ،‬كأن يبادر رئيس الدولة إلى التصديق على المعاهدة دون الرجوع مسبقا إلى‬

‫‪47‬‬
‫السلطة التشريعية في الحاالت التي يشترط فيها دستور الدولة موافقة البرلمان على المعاهدة قبل‬
‫تصديق رئيس الدولة‪ ،‬غير أنه يمكن لرئيس الجمهورية حتى بعد موافقة البرلمان أن يمتنع عن‬
‫التصديق إذا ط أر سبب ما يقضي عدم ارتباط دولته بالمعاهدة‪.‬‬
‫وهنا يطرح السؤال ما هي القيمة القانونية للتصديق الناقص؟ لإلجابة عن هذا السؤال‬
‫سنتطرق إلى موقف الفقه واتفاقية فيينا منه‪.‬‬
‫أ‪ -‬موقف الفقه من التصديق الناقص‬
‫اختلف الفقه الدولي في تحديد القيمة القانونية للتصديق الناقص وانقسم إلى أربعة اتجاهات‬
‫*‪ -‬صحة التصديق رغم مخالفته لإلجراءات الدستورية ومنتجا آلثاره القانونية‪:‬‬
‫ويستند هذا االتجاه إلى عدة تبريرات متعلقة بصيانة العالقات الدولية وتوفير االستقرار لها‬
‫من ناحية‪ ،‬وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول بمراقبة صحة التصديق من ناحية أخرى‪،‬‬
‫فما دخل القانون الدولي إذا خرق رئيس الجمهورية قواعد القانون الداخلي‪ ،‬فضال على أن قواعد‬
‫القانون الدولي العام تسمو على قواعد القانون الدولي‪ ،‬فالتصديق الناقص ال يؤدي وفق هذه‬
‫النظرية إلى إبطال المعاهدة على الرغم من اعتباره عمال غير مشروع من وجهة القانون الداخلي‪.‬‬

‫*‪ -‬المعاهدة باطلة لعدم االختصاص الدستوري‬


‫يرى هذا الطرف وجوب مراعاة اإلجراءات الدستورية في إبرام المعاهدات خصوصا إجراء‬
‫التصديق‪ ،‬لما له من أهمية في تقييد الدولة بتعاقدها على الصعيد الدولي‪ ،‬وهذا الرأي مستمد‬
‫من فكرة االختصاص كون المعاهدة ال تكون صحيحة ومنتجة آلثارها القانونية إال إذا كان من‬
‫أبرمها مختصا قانونا طبقا ألحكام الدستور الداخلية واال اعتبر التصديق مجرد من كل قيمة قانونية‪.‬‬
‫ومن األمثلة التاريخية القرار التحكيمي المؤرخ في ‪ 66‬مارس ‪ 0777‬بين كوستاريكا ونيكاراغوا‬
‫حول صحة اتفاقية الحدود المبرمة عام ‪ ،0711‬والتي صدقت عليها الدولتان لكن دون أن‬
‫تحترم ن يكاراغوا إجراءات التصديق المنصوص عليها في دستورها‪ ،‬فعرض النزاع على الرئيس‬
‫األمريكي " كليفالند" كمحكم بين الدولتين وأصدر حكمه سنة ‪ 0777‬مؤيدا وجهة نظر نيكارغوا‬
‫الرافضة للمعاهدة كونها جاءت مخالفة ألحكام دستورها‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫*‪ -‬المعاهدة صحيحة لعدم جواز استفادة المخطئ من خطئه‬
‫ومفاد هذا الرأي أن الدولة التي خالف رئيسها أحكام التصديق المقررة في دستورها تصبح‬
‫مسؤولة عن أعمال رئيسها مسؤولية دولية‪ ،‬فمخالفة رئيس الدولة لقواعد تصديق المعاهدات وفقا‬
‫ألحكام دستور دولته يعد عمال غير مشروع في القانون الدولي مما يثير المسؤولية الدولية‪،‬‬
‫فالدولة ال تستطيع أن تطالب بإبطال المعاهدة بدعوى أن التصديق الذي أجراه رئيسها غير‬
‫مشروع‪ ،‬فما عليها إال تحمل نتائج أعمال رئيسها‪ ،‬وخير تعويض يمكن أن يترتب على مسؤولية‬
‫الدولة عن أعمال رئيسها هو إبقاء المعاهدة نافذة ومنتجة آلثارها القانونية (صحة التصديق‬
‫على أساس المسؤولية الدولة)‪.‬‬
‫*‪ -‬المعاهدة صحيحة استنادا لمبدأ حسن النية‬
‫يرى هذا الرأي بضرورة التزام مبدأ حسن النية في مجال المعاهدات الدولية‪ ،‬ولهذا فالقاعدة‬
‫العامة‪ ،‬أنه ال يجوز لدولة أن تطلب بطالن معاهدة دولية على أساس أن رئيسها قد خالف‬
‫أحكام التصديق المقررة في دستورها‪ ،‬إذ أن مبد أحسن النية يفترض أن األطراف األخرى في‬
‫المعاهدة ال يجوز أن يلحقهم الضرر نتيجة إبطال المعاهدة خاصة إذا كانوا حسن النية وال علم‬
‫لهم بما يشوب التصديق من عدم المشروعية‪ ،‬فهذه تعتبر قواعد داخلية (التصديق) ال شأنه لها‬
‫بها‪ ،‬على أن مبدأ حسن النية يستوجب من ناحية أخرى أال تكون األطراف األخرى سيئة النية‪،‬‬
‫أي ال تكون على علم بما ال يشوب هذا التصديق من مخالفة‪.‬‬
‫ب‪ /‬حكم التصديق الناقص وفقا التفاقية فيينا‬
‫تعرضت اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬للتصديق الناقص ووضعت حكما له ضمنته في‬
‫المادتين ‪ 11‬و‪ ،18‬وقد جاءت بأحكام حاولت التوفيق بين مختلف االتجاهات التي سبق ذكرها‪،‬‬
‫فقد نصت المادة ‪ 11‬على أنه‪:‬‬
‫‪ « -‬ال يجوز للدولة أن تحتج بأن التعبير عن ارتضائها االلتزام بمعاهدة ما قد تم بالمخالفة لحكم‬
‫في قانونها الداخلي يتعلق باالختصاص بإبرام المعاهدات كسبب إلبطال رضاها‪ ،‬إال إذا كانت‬
‫المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونا الداخلي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعيا ألية دولة تتصرف في هذا الشأن‬
‫وفق التعامل المعتاد وبحسن نية»‪.1‬‬
‫المستخلص من خالل قراءة هذا النصوص أنها جاءت بقاعدة عامة وقيد عليها‪ ،‬القاعدة‬
‫العامة أنه ال يجوز التمسك بالتصديق الذي تم خالفا ألحكام القوانين الداخلية للدولة أو خالفا‬
‫للميثاق المنشئ للمنظمات الدولية كسبب من أسباب البطالن وبالتالي عدم االلتزام بالمعاهدة‪،‬‬
‫والقيد على القاعدة العامة من خالل عبارة "إال إذا كان اإلخالل واضحا ومتعلقا بقاعدة جوهرية"‬
‫ففي هذه الحالة يحق للدولة أو المنظمة أن تتمسك بالتصديق الناقص كسبب من أسباب‬
‫البطالن وعدم االلتزام بأحكام المعاهدة‪.‬‬
‫كما أوردت االتفاقية نصا ثانيا في المادة ‪ 18‬بخصوص المعاهدات التي تبرم في شكل‬
‫مبسط وتعتبر نافذة من لحظة توقيعها‪ ،‬ألن ظاهر النص يتعلق بإهمال المفاوض الذي لم يطلع‬
‫الدول األطراف األخرى على القيد الخاص الذي كان مفروضا أن يعلم به اآلخرون‪.‬‬
‫وعليه يجوز وفقا لهذا النص أن تطلب الدولة إبطال ارتضائها بمعاهدة في حالة ما إذا تجاوز‬
‫ممثلها القيود المفروضة على سلطته‪ ،‬بشرط أن تكون هذه الدولة قد أوردت بالفعل قيودا على‬
‫سلطة ممثلها‪ ،‬وأبلغت هذه القيود إلى الدول األطراف أثناء المفاوضات وقبل التعبير النهائي‬
‫عن ارتضائها بالطريقة المناسبة وحسب الظروف‪ ،‬وبالمقابل فإن حقها في طلب اإلبطال يسقط‬
‫في حالة ارتضاء الدولة بالمعاهدة رغم تجاوز ممثلها لسلطته المقيدة‪.‬‬
‫إن السوابق الدولية فيما يخص موضوع التصديق الناقص تتسم بالندرة في العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬هذا األمر يعكس إقبال دول العالم على عدم المطالبة بإبطال المعاهدات بسبب عدم‬
‫احترام القواعد الدستورية المتعلقة بها‪ ،‬وقد شهد القضاء الدولي حاالت نادرة للغاية جرى الدفع‬
‫فيها ببطالن المعاهدة بسبب التصديق الناقص باستثناء قرار التحكيم الذي أصدره الرئيس‬

‫‪ - 1‬تبنت المادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0471‬نفس الحكم فقد نصت « ‪ -‬ال يجوز لمنظمة دولية أن تتمسك بأن‬
‫التعبير عن ارتضائها االلتزام بمعاهدة ما قد تم خالفا لقواعد المنظمة المتعلقة باالختصاص بإبرام المعاهدات كسبب‬
‫إلبطال رضاها‪ ،‬إال إذا كان إخالال واضحا وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية‪.‬‬
‫يعتبر اإلخالل واضحا بينا إذا تبين بصورة موضوعيا ألية دولة أو أية منظمة دولية تتصرف في هذه المسألة وفقا‬
‫للسلوك العادي وبحسن نية للدول أو المنظمات حسب األحوال»‬

‫‪51‬‬
‫األمريكي "كليفالند" في عام ‪ 0777‬بعدم صحة معاهدة الحدود المعقودة بين كوستاريكا و‬
‫نيكاراغوا في عام ‪ 0717‬وذلك لعدم مراعاة التصديق عليها لدستور نيكاراغوا‪ ،‬وقد أتيحت‬
‫الفرصة لمحكمة العدل الدولية للنظر في مسألة التصديق الناقص في قضية الحدود البرية‬
‫والبحرية بين نيجيريا والكاميرون عام ‪ ،6116‬حيث احتجت الحكومة النيجيرية بأن اتف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقية‬
‫"ماروا" التي وقعت بين رئيسي البلدين عام ‪ 0481‬ليست ملزمة لنيجيريا‪ ،‬كونها لم يتم التصديق‬
‫عليها من جانب الحكومة النيجيرية كما يتطلبها الدستور‪ ،‬وقد استندت نيجيريا في دعواها على‬
‫نص المادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا للمطالبة بإبطال المعاهدة‪ ،‬وقد رفضت المحكمة دعوى نيجيريا‬
‫وقد أشارت المحكمة في قرارها المؤرخ في ‪ 01‬أكتوبر ‪ " 6116‬أنه ال يوجد التزام قانوني على‬
‫عاتق الدول لكي يبقوا دائما على علم أو إطالع بالتطورات‪ ،‬أو التغيرات التشريعية والدستورية‬
‫في الدول األخرى‪ ،‬التي من الممكن أن تصبح ذات أهمية فيما يتصل بالعالقات الدولية لهذه‬
‫الدول"‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تسجيل المعاهدات ونشرها‬
‫تسجيل المعاهدات نظام يستهدف تحقيق العالنية في مجال العالقات الدولية‪ ،‬يقتضي‬
‫إيداع الدول األطراف في المعاهدات صو ار منها لدى جهاز دولي مختص بقصد تمكينه من‬
‫تدوينها في سجل خاص يعد لهذا الغرض‪ ،‬ثم القيام بنشرها في مجموعة تشتمل على كافة ما‬
‫تبرمه الدول من اتفاقات دولية‪.‬‬
‫تقرر نظام تسجيل المعاهدات ألول مرة في عهد عصبة األمم بموجب المادة ‪ 07‬منه‪،‬‬
‫التي نصت على‪ «:‬كل معاهدة أو التزام دولي يعقده في المستقبل أي عضو في عصبة األمم‬
‫يجب أن يسجل فو ار في األمانة التي تنشره في أسرع وقت ممكن‪ ،‬وكل معاهدة أو التزام دولي‬
‫ال يعتبر ملزما إال بعد تسجيله»‬
‫وقد قامت أمانة العصبة خالل فترة وجودها( ‪ )0411-0461‬بتسجيل ‪ 1731‬معاهدة واتفاق‬
‫دولي ونشرها في ‪ 611‬مجلد‪.‬‬
‫ويرجع الفضل الكبير في تنفيذ فكرة تسجيل المعاهدات إلى الرئيس األمريكي "ويلسن" الذي قاد‬
‫حملة أخالقية ضد المعاهدات السرية‪ ،‬وطالب بأن تكون الدبلوماسية مبنية على الوضوح‬

‫‪51‬‬
‫والعالنية من خالل تسجيل المعاهدة ونشرها‪ ،‬وبالتالي القضاء على عامل مهم من عوامل‬
‫التحالفات السرية التي يمكن أن تشكل سببا رئيسيا في تهديد السلم واألمن الدوليين‪.‬‬
‫يهدف إلزام الدول بتسجيل المعاهدات التي تعقدها إلى تحقيق غرضين أساسيين‪ ،‬األول‬
‫سياسي هو محاربة العالقات السرية التي تلجأ إليها الدول وتحيك بواسطتها المؤامرات والخطط‬
‫الخفية التي تهدد السلم واألمن الدوليين‪ ،‬أما الهدف الثاني يرمي إلى تحقيق هدف فني علمي‬
‫وهو تدوين المعاهدات لتسهيل الرجوع عند الحاجة‪.‬‬
‫غير أن نوع الجزاء المترتب على عدم تسجيل المعاهدات آثار خالفا بين فقهاء القانون‬
‫الدولي‪ ،‬فذهب البعض منهم (مثل الفقيه جورج سل) إلى اعتبار المعاهدة غير المسجلة باطلة‬
‫ألن التسجيل شرط من شروط صحة المعاهدات‪ ،‬وذهب البعض اآلخر (مثل الفقيه أنزيلوتي)‬
‫إلى أن المعاهدة غير المسجلة صحيحة وملزمة‪ ،‬إال أنه ال يمكن االحتجاج بها أمام عصبة‬
‫األمم أو أحد فروعها خاصة في الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية الدائمة‪.‬‬
‫وكان التفسير الذي قدمه رئيس محكمة العدل الدولية الدائمة الفقيه أنزيلوتي األقرب إلى‬
‫الصواب‪ ،‬وسرعان ما تكون عرف دولي على أساس رأي أنزيلوتي الذي مؤداه أن المعاهدة غير‬
‫المسجلة تدخل حيز النفاذ ولها قوة قانونية ملزمة‪.‬‬
‫وبالنظر إلى نجاح نظام التسجيل والنشر وما حققه من فوائد جمة في مجال العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬فقد تبنته األمم المتحدة وذلك في نص المادة ‪ 016‬من الميثاق والتي نصت على‪:‬‬
‫«‪ -‬كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء األمم المتحدة بعد العمل بهذا‬
‫الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقدم بنشره بأسرع ما يمكن‪.‬‬
‫‪ -‬ليس ألي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة األولى من هذه المادة أن‬
‫يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك االتفاق أمام أي فرع من فروع األمم المتحدة»‪.‬‬
‫ونستنتج من خالل هذا النص أن هناك التزاما على عاتق الدول األعضاء في المنظمة‬
‫الدولية بوجوب تسجيل جميع المعاهدات الدولية واالتفاقات التي يبرمونها بعد دخول ميثاق األمم‬
‫المتحدة حيز النفاذ‪ ،‬ذلك أن المعاهدة غير المسجلة لدى أمانة األمم المتحدة ال يمكن ألطرافها‬
‫أن يتمسكوا بها كدليل إثبات حق أو التحلل من التزام أمام أي جهاز من أجهزة األمم المتحدة‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫مثل الجمعية العامة‪ ،‬مجلس األمن‪ ،‬أو محكمة العدل الدولية‪ ،‬غير أن المعاهدة تبقى ملزمة‬
‫ألطرافها فقط ونفاذة بينهم ويجوز لهم االحتجاج بها أمام هيئة تحكيم خاصة يرتضيها أطراف‬
‫المعاهدة‪.‬‬
‫وتماشيا مع ميثاق األمم المتحدة أوجبت اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬في المادة ‪ 71‬منها‬
‫تسجيل المعاهدات ونشرها حيث نصت‪ «:‬تحال المعاهدات بعد دخولها حيز النفاذ إلى األمانة‬
‫العامة لألمم المتحدة لتسجيلها أو قيدها وحفظها وفقا لكل حالة على حد ونشرها»‪.‬‬
‫وعلى غرار األمم المتحدة لجأت العديد من المنظمات اإلقليمية والوكاالت المتخصصة إلى‬
‫إنشاء نظام خاص بها فيما يتعلق بتسجيل المعاهدات كجامعة الدول العربية في المادة ‪ 08‬من‬
‫ميثاقها‪ ،‬والمادة ‪ 66‬من النظام األساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية‪.‬‬
‫وقد وصل عدد المعاهدات المنشورة بواسطة األمانة العامة لألمم المتحدة من ديسمبر ‪0411‬‬
‫إلى غاية جويلية ‪ 6103‬أكثر من ‪ 611‬ألف معاهدة منشورة في سلسلة معاهدات األمم المتحدة‬
‫عمال بأحكام المادة ‪ 016‬من الميثاق‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التحفظ على المعاهدات‬
‫أيا كانت الوسيلة التي تعتمدها الدولة في التعبير عن ارتضائها االلتزام بالمعاهدة‪ ،‬إال أنه‬
‫ليس بالضرورة أن تكون كل نصوص المعاهدة منسجمة مع مصالحها‪ ،‬وعندئذ تكون الدولة‬
‫راغبة في االرتباط بالمعاهدة باستثناء بعض النصوص والحد من آثارها‪ ،‬وهذا ما استقر العمل‬
‫الدولي على تسميته بالتحفظ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم التحفظ والمراحل التي يقع فيها‬
‫من الضروري أن تكون المعاهدة واجبة االلتزام بكل أحكامها بين جميع أطرافها‪ ،‬ولكن‬
‫هناك بعض األطراف ترفض االلتزام ببعض أحكام المعاهدة ألنها تتعارض مع مبادئها في‬
‫قوانينها الداخلية أو لعدم التوافق مع مصالحها وسيادتها العامة‪ ،‬لذا جاء القانون الدولي بنظام‬
‫يسمح فيه للدول األطراف االلتزام بالمعاهدة مع استبعاد بعض النصوص‪ ،‬وذلك عند توفر‬
‫شروط واجراءات محددة وهذا ما يعرف بالتحفظ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ :1‬تعريف التحفظ وأنواعه‬
‫عرفت المادة ‪ 6‬فقرة ‪/0‬د من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬التحفظ بأنه"‪ «:‬إعالن من جانب‬
‫واحد أيا كان صيغته أو تسميته‪ ،‬تصدره الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبوله أو موافقتها أو‬
‫انضمامها إلى معاهدة وتهدف به استبعاد أو تعديل األثر القانوني ألحكام معينة في المعاهدة‬
‫من حيث سريانها على هذه الدولة»‪.1‬‬
‫يتضح من هذا التعريف أن التحفظ هو إجراء رسمي يصدر من جانب دولة أو منظمة‬
‫دولية لدى توقيعها على معاهدة معينة أو التصديق أو االنضمام إليها‪ ،‬تعلن فيه عن رغبتها في‬
‫تقييد آثار تلك المعاهدة في مواجهتها عن طريق استبعاد بعض النصوص أو تحديد المعنى‬
‫الذي سوف تعطيه لنصوص تلك المعاهدة أو بعضها‪ ،‬وينتج عن التحفظ إذا تم قبوله الحد من‬
‫آثار المعاهدة بالنسبة للدولة أو الدول أو المنظمات الدولية المتحفظة وذلك في مواجهة الدول‬
‫األطراف وتلك التي قد تصير طرفا في المعاهدة‪ .‬وعليه يكون التحفظ إما‪:‬‬
‫إعفائيا‪ :‬حيث يقيد أثر المعاهدة في مواجهة الدولة المتحفظة عن طرق استبعاد بعض‬
‫النصوص واألحكام (المتحفظ عليها)‪ ،‬أو‬
‫تحفظا تفسيريا‪ :‬حيث يكون بتوضيح أو تفسير بعض النصوص أو المصطلحات حسب مفهوم‬
‫الدولة المتحفظة‪.‬‬
‫فاألثر المباشر للتحفظ هو إلغاء الحكم القانوني الوارد في نص أو أكثر من المعاهدة‪،‬‬
‫واعتبار هذا الحكم غير نافذ في مواجهة الدولة أو المنظمة‪ ،‬التي أبدته أو اعتباره نافذا ولكن‬
‫تحت شروط معينة لم ترد في المعاهدة‪ ،‬وهو بذلك يضع الطرف الذي أصدره في مركز قانوني‬
‫يختلف عن بقية األطراف المتعاقدة التي قبلت المعاهدة دون شروط‪.‬‬
‫فمثال تنص المادة ‪ 13/68‬من اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ 0410‬على أن‪ «:‬الحقيقة‬
‫الدبلوماسية ال يجوز فتحها»‪ ،‬فإذا تحفظت الدولة على هذا النص واشترطت فتح الحقيبة‬
‫الدبلوماسية إذا ما قررت سلطات الدولة المختصة‪ ،‬ففي هذه الحالة إذا ما وافقت األطراف‬

‫‪ -1‬يقابل هذا النص المادة ‪ 6‬فقرة‪/0‬د من اتفاقية فيينا لعام ‪.0471‬‬

‫‪54‬‬
‫األخرى على هذا التحفظ‪ ،‬يحق للدولة تفتيش الحقيبة خالفا للحكم الوارد في نص المادة ‪،68‬‬
‫واذا رفضت األطراف األخرى تعاد الحقيبة من حيث جاءت‪.‬‬
‫مثال آخر المادة ‪ 16/38‬من اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية "األعضاء اإلداريون والفنيون‬
‫الدبلوماسية وكذا أفراد كل أسرة منهم الذين يعيشون معهم في معيشة واحدة يستفيدون من المزايا‬
‫والحصانات المنصوص عليها في المواد (‪ )31-64‬بشرط أن ال يكونوا من رعايا الدولة‬
‫المعتمد لديها"‪ .‬فإذا رأت الدولة أن هذه المزايا واسعة جدا وال يستحقها هؤالء الموظفون الذين ال‬
‫يعتبرون دبلوماسيين حسب األصل‪ ،‬فوضعت تحفظا على هذه الفقرة فإن الفقرة تعتبر غير‬
‫موجودة‪.‬‬
‫وتكمن أهمية التحفظ في أنه يساعد على عالمية المعاهدات خصوصا تلك المعاهدات‬
‫التي تضع أحكاما تهم المجموعة الدولية‪ ،‬فانطالقا من أن المجتمع الدولي يضم دوال مختلفة من‬
‫حيث األنظمة السياسية واالقتصادية‪ ،‬فإن استخدام التحفظ هو الذي يمكن الدول من أن تصبح‬
‫أ طراف في المعاهدة التي ال تقبل ببعض أحكامها (السيما اختالف الديانات) فاستبعاد بعض‬
‫النصوص من المعاهدة أفضل من استبعاد المعاهدة كلها‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة أن التحفظ ُيعمل بصفة أساسية في المعاهدات الجماعية‪ ،‬ألن التحفظ في‬
‫المعاهدات الثنائية يعتبر رفضا للعرض األصلي للمعاهدة مرفقا بعرض جديد معدل‪ ،‬فمصير‬
‫هذا العرض الجديد يتوقف على قبول الطرف اآلخر من عدمه‪.‬‬
‫غير أن هذا ال يعني أن جميع المعاهدات الجماعية تسمح بالتحفظ عليها‪ ،‬فهناك بعض‬
‫المعاهدات التي ال يمكن التحفظ عليها كما هو الشأن بالنسبة لالتفاقيات الدولية التي تبرمها‬
‫منظم ة العمل الدولية‪ ،‬كما يمكن أن تمنع بعض المعاهدات التحفظ على بعض أحكامها فقط‪،‬‬
‫فيما يستفاد إمكانية التحفظ على األحكام األخرى غير المشار إليها‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ /0‬المراحل التي يقع فيها التحفظ‬
‫رغم أن التحفظ له مفهوم واحد إال أنه قد يختلف تبعا للزمن الذي يقفع فيه حسب‬
‫األوضاع التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحفظ عند التوقيع‪ :‬يتميز التحفظ الذي تبديه األطراف عند التوقيع على مشروع المعاهدة‬
‫بأنه معلوم وواضح للمتعاقدين وقت إبرام المعاهدة‪ ،‬ويكتسب هذا التحفظ أهمية خاصة حيث‬
‫يبعد عنصر المفاجأة لدى األطراف الموقعة‪ ،‬فجميع الدول الحاضرة تعلم بمدى تحفظات‬
‫األطراف األخرى والتي يمكن أن توافق أو تعارض ذلك‪ ،‬خاصة إذا كانت المعاهدة نافذة بمجرد‬
‫التوقيع‪ ،‬إال أن هذا التحفظ يصبح معقدا إذا ما اقترن بالتوقيع المؤجل أو إذا أجيز في وقت الحق‪.‬‬

‫ب‪ -‬التحفظ عند التصديق‪ :‬وهو الذي يجري عند تبادل أو إيداع وثائق التصديق‪ ،‬ويكثر‬
‫استعماله في الدول التي يكون للبرلمان دور أساسي في الموافقة على المعاهدة‪ ،‬أين قد يقرن‬
‫موافقته بإبداء بعض التحفظات‪ ،‬والميزة التي يتميز بها هذا النوع أنه يفاجئ الدول األخرى التي‬
‫صادقت على المعاهدة دون وضع تحفظات‪.‬‬
‫ب‪ -‬التحفظ عند االنضمام‪ :‬وهو أخطر أنواع التحفظات ألن االنضمام تم في وقت تكون‬
‫المعاهدة قد أصبحت نهائية بين األطراف األصليين‪ ،‬فإذا كانت المعاهدة مفتوحة يجوز‬
‫االنضمام إليها من قبل دول ومنظمات دولية أخرى غير التي اشتركت في توقيعها‪ ،‬فإنه من‬
‫حق أي دولة أن تنضم إليها ويجوز لها إبداء تحفظ في ذلك الوقت‪ ،‬مع تسجيل التحفظ في‬
‫وثيقة االنضمام‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬التحفظ الذي أبدته الواليات المتحدة األمريكية عند انضمامها إلى‬
‫منظمة الصحة العالمية والمتضمن حقها في االنسحاب من عضوية المنظمة‪ ،‬إخطارها المسبق‬
‫للدول األعضاء في المنظمة بمدة ال تقل عن عام مع التزامها بدفع ما عليها من أموال عند مدة‬
‫عضويتها‪.‬‬
‫ثالثا‪ /‬مشروعية التحفظ‬
‫انقسم الفقه الدولي في موضوع مشروعية التحفظ إلى عدة اتجاهات‪ ،‬ألنه قد يقبل التحفظ‬
‫طرف أو أكثر من طرف في المعاهدة في حين يرفضه طرف أخر‪ ،‬وفي إطار العمل الدولي‬
‫يمكن الوقوف عند عدة نظريات منها‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫أ‪ -‬نظرية اإلجماع‪ :‬وتعرف هذه النظرية أيضا باسم "نظرية أو قاعدة عصبة األمم" حيث‬
‫اعتمدت هذه النظرية في إطار عصبة األمم ومفادها أن التحفظ على المعاهدات لكي يكون‬
‫مشروعا يجب أن يحوز على موافقة جميع األطراف‪ ،‬وهو الموقف الذي اتخذته عصبة األمم‬
‫بمناسبة التحفظات التي أبدتها أستراليا على اتفاقية المخدرات التي أشرفت عصبة األمم على‬
‫إبرامها‪ ،‬حيث انتهت اللجنة التي عينها مجلس العصبة للنظر في مشروعية التحفظات التي‬
‫أبدتها على المعاهدة إلى أن التحفظات ال تكون مشروعة إال إذا كانت مقبولة من جميع أطراف‬
‫المعاهدة‪ ،‬وان اعترض طرف على هذه التحفظات‪ ،‬فإن تلك التحفظات تكون باطلة بطالنا‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫ب‪ -‬قاعدة اتحاد الدول األمريكية‪ :‬بدأ نظام التحفظ الخاص بالدول األمريكية مع نشأة منظمة‬
‫الدول األمريكية عام ‪ ،0467‬ومفاد هذه النظرية أنه يمكن للدولة المتحفظة أن تصبح طرفا في‬
‫المعاهدة رغم اعتراض بعض أطراف المعاهدة على ذلك‪ ،‬وكل ما في األمر أن النص الذي‬
‫جرى التحفظ عليه ال يسري في عالقة الدولة المتحفظة مع الدول األخرى األطراف في المعاهدة‬
‫التي قبلت ذلك التحفظ صراحة أو ضمنا‪ ،‬أما بالنسبة للدول التي عارضت ذلك التحفظ فإن‬
‫النص محل التحفظ ال يمكن االحتجاج به في مواجهتها‪.‬‬
‫وقد انتقدت هذه النظرية كونها وان كانت صالحة للعمل بها في مجال المعاهدات العقدية فإنها‬
‫ال تصلح في مجال المعاهدات الشارعة‪.‬‬
‫ج‪ -‬نظرية السيادة‪ :‬ومفادها أن إبداء التحفظ يعتبر عمال من أعمال السيادة‪ ،‬ولكل دولة الحق‬
‫في إبداء التحفظ عند التصديق أو االنضمام إلى المعاهدة باعتباره حقا سياديا‪ ،‬وال يتوقف على‬
‫قبول األطراف األخرى في المعاهدة له‪ ،‬فليس ألي طرف إذا ما اعترض على التحفظ أن يمنع‬
‫الدول المتحفظة من االشتراك في المعاهدة‪ ،‬كما ال تعتد هذه النظرية بمالئمة التحفظ بموضوع‬
‫االتفاقية وغرضها‪.‬‬
‫وقد استند االتحاد السوفيتي سابقا ومجموعة الدول االشتراكية على هذه النظرية بمناسبة‬
‫اتفاقية تحريم إبادة الجنس البشري والعقاب عليها خاصة بالنسبة للمادة ‪ 4‬منها والتي تقرر‬

‫‪57‬‬
‫االختصاص اإللزامي لمحكمة العدل الدولية بشأن تسوية المنازعات المتعلقة بتفسير تلك‬
‫االتفاقية الثانية عشر المتعلقة بعدم سريان االتفاقية على األقاليم التي ال تتمتع بالحكم الذاتي‪.‬‬
‫د‪ -‬نظرية محكمة العدل الدولية‪ :‬تجدر اإلشارة إلى أن األمانة العامة لألمم المتحدة باعتبارها‬
‫جهة إبداع المعاهدات الجماعية المبرمة تحت رعايتها طبقت خالل الفترة ما بين ‪0411‬‬
‫و‪ ،0411‬االتجاه الذي سارت عليه عصبة األمم المتحدة في رفض المعاهدات المتحفظ بشأنها‬
‫إال إذا حظي التحفظ بموافقة جميع الدول التي صادقت على المعاهدة وانضمت إليها‪.‬‬
‫بتاريخ ‪ 0411/00/01‬أحالت الجمعية العامة لألمم المتحدة على محكمة العدل الدولية‬
‫القضية تطلب فيه رأيا استشاريا‪ ،‬بمناسبة التحفظات التي أبدت على اتفاقية منع إبادة الجنس‬
‫البشري والعقاب عليها والتي أبرمت تحت إشرافها بتاريخ ‪.10417/06/14‬‬
‫وفي ‪ 0410/11/67‬أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها االستشاري وأفادت بأنه يمكن‬
‫إبداء التحفظات على المعاهدة بالرغم من وجود بعض األطراف المعارضة بشرط أن ال‬
‫تتعارض تلك التحفظات مع موضوع وغرض المعاهدة ‪ ،‬وتلك التحفظات تسري في مواجهة‬
‫األطراف التي لم تعترض عليها وال تسري في مواجهة األطراف التي اعترضت عليها‪ ،‬كما أن‬
‫االعتراض على التحفظ يكون فقط من حق الدول التي صدقت على المعاهدة‪ ،‬أما الدول التي‬
‫وقعت االتفاقية فقط فليس من حقها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬موقف اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪ 1161‬من التحفظ‬
‫عالجت اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬أحكام التحفظ في المواد من ‪ 04‬إلى ‪ 63‬وتعتبر هذه‬
‫األحكام من أكثر الموضوعات دقة وصعوبة بسب تداخل األحكام ووجود القواعد العامة‬
‫واالستثناءات التي ترد عليها‪ ،‬وتضمنت هذه المواد األحكام المتعلقة بكيفية إبداء التحفظات‪،‬‬

‫‪ -1‬تتلخص وقائع القضية في أن بعض دول أوروبا الشرقية واالتحاد السوفيتي سابقا قد وقعت على االتفاقية وتحفظت‬
‫على نص المادة التاسعة التي تنص على عرض المنازعات الخاصة بشأن هذه االتفاقية على محكمة العدل الدولية‪،‬‬
‫والمادة الثانية عشر الخاصة بمجال تطبيق المعاهدة‪ ،‬وقد اعتبرت الدول المتحفظة نفسها أطرافا في االتفاقية‪ ،‬بينما‬
‫رفضت ذلك الدول الغربية واعتبرت هذه التحفظات غير مقبولة‪ .‬ولما كانت المادة ‪ 03‬تنص على أن تصبح االتفاقية‬
‫نافذة بعد تصديق عشرون دولة فإن األمين العام وقع في مشكل احتساب التصديقات المقترنة بالتحفظ ضمن العشرين‬
‫تصديق‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫وكيفية قبولها واالعتراض عليها‪ ،‬ثم اآلثار المترتبة عنها وسحب التحفظات واالعتراض عليها‬
‫وأخي ار اإلجراءات الخاصة بالتحفظات ‪.‬‬
‫‪ /1‬إبداء التحفظ على المعاهدات الدولية‬
‫لقد جاءت المادة ‪ 04‬من االتفاقية متأثرة بالرأي االستشاري لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬حيث‬
‫نصت على أنه يجوز للدولة أن تبدي تحفظا على المعاهدة عند توقيعها أو التصديق عليها أو‬
‫قبولها أو الموافقة عليها أو االنضمام إليها باستثناء الحاالت التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا كان التحفظ محظو ار بنص المعاهدة؛‬
‫ب‪ -‬إذا كانت المعاهدة تجيز تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ؛‬
‫ج‪ -‬في الحاالت التي ال تشملها الفقرات (أ) و(ب) إذا كان التحفظ مخالفا لموضوع المعاهدة‬
‫والغرض منها‪.‬‬
‫يتضح من هذا النص جواز إبداء التحفظ على المعاهدات من طرف الدول أو المنظمات‬
‫الدولية كقاعدة عامة‪ ،‬واستثناءا ال يمكن إبداء التحفظ في حاالت معينة‪ ،‬و ال بد للتحفظ أن‬
‫يستوفي بعض الشروط المستخلصة من نص المادة ‪( 04‬أن يكون التحفظ بالمعنى الدقيق‪ ،‬أن‬
‫يكون جائ از وغير مخالف لموضوع وغرض المعاهدة‪ ،‬أن ال ينصب التحفظ على قاعدة ذات‬
‫أصل عرفي وال قاعدة من قواعد النظام العام الدولي)‪.‬‬
‫‪ /0‬قبول التحفظ واالعتراض عليه‬
‫يقابل حق الدولة في إبداء التحفظات على المعاهدة‪ ،‬حق الدول األخرى في قبول هذه‬
‫التحفظات أو االعتراض عليها‪.‬‬
‫أ‪ -‬قبول التحفظ‬
‫بينت المادة ‪ 61‬من اتفاقية ‪ 14‬أحك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام قبول التحفظات واالعتراض عليها حيث جاء‬
‫في الفقرة ‪ 10‬منها على أن التحفظ الذي تأذن به المعاهدة صراحة ال يحتاج إلى قبول الحق‬
‫من قبل الدول أو المنظمات الدولية المتعاقدة‪ ،‬ما لم تنص المعاهدة على خالف ذلك‪،‬‬

‫‪59‬‬
‫أما الفقرة ‪ 16‬نصت على أنه إذا اتضح من خالل العدد المحدود للدول المتفاوضة ومن خالل‬
‫موضوع المعاهدة وغرضها‪ ،‬أن سريان كافة أحكامها بين أطرافها شرط أساسي الرتضاء كل‬
‫طرف‪ ،‬فإن التحفظ الذي قد يرد ال يكون مشروعا ما لم يقبله جميع األطراف‪،‬‬
‫أما الفقرة ‪ 13‬نصت على أنه إذا كانت المعاهدة أداة منشئة لمنظمة دولية فإن التحفظ عليها‬
‫يتطلب قبول الجهاز المختص في هذه المنظمة ما لم تنص المعاهدة على خالف ذلك‪ ،‬و قبول‬
‫التحفظ من قبل المنظمة يكون عادة باألغلبية من طرف الجهاز المختص‪.‬‬
‫أما الفقرة ‪ 11‬فقد اعتبرت أن الدولة أو المنظمة التي أبدت تحفظا طرفا في المعاهدة على الرغم من‬
‫تحفظها‪ ،‬فقبول دولة واحدة أو منظمة دولة واحدة لهذا التحفظ يكفي لجعل الدولة المتحفظة طرفا في‬
‫المعاهدة‪.‬‬
‫أما الفقرة ‪ 11‬فقد اعتبرت أنه في حالة مصادقة دولة على معاهدة وكان التحفظ على نص من‬
‫قبل أطراف أخرى‪ ،‬فإن مرور اثني عشر شه ار على تعبيرها االرتضاء بالمعاهدة دون اعتراض‪،‬‬
‫يمثل قبوال ضمنيا للتحفظ واذا كان التحفظ قد صدر قبل أن تصبح الدولة طرفا في المعاهدة وتم‬
‫إبالغها‪ ،‬فبعد مرور اثني عشر شه ار على هذا اإلبالغ دون اعتراض منها يمثل قبوال ضمنيا للتحفظ‪.‬‬
‫ب‪/‬االعتراض على التحفظ‬
‫يقصد باالعتراض على التحفظ هو إعالن أو تصريح تصدره الدولة أو المنظمة في‬
‫صورة كتابية تعبر فيه عن رفضها للتحفظ الذي أبداه طرف آخر على المعاهدة‪ ،‬وهذا ال يمنع‬
‫كقاعدة عامة من دخول المعاهدة حيز النفاذ بين الطرف الذي صدر عنه التحفظ والطرف الذي‬
‫اعترض عليه‪ ،‬غير أن الدولة المتحفظة تستبعد من دائرة النفاذ تطبيق األحكام المختلف بشأنها‬
‫أي النصوص محل التحفظ‪.‬‬
‫ج‪ /‬اإلجراءات الخاصة بالتحفظ‬
‫يقتضي التحفظ في جميع مراحله وصوره إتباع إجراءات شكلية معينة‪ ،‬ابتداء من تاريخ‬
‫إبدائه وابالغه واالعتراض عليه وسحبه وسحب االعتراض‪ ،‬وهذا ما بينته المادة ‪ 63‬من اتفاقية‬
‫فيينا لعام‪.0414‬‬
‫فالتحفظ يجب أن يكون مكتوبا في وثيقة خاصة قد يتنوع شكلها تبعا للوقت الذي يتم فيه‬
‫إبداء التحفظ‪ ،‬سواء كان ذلك عند التوقيع أو التصديق أو االنضمام‪ ،‬وهذا حتى تتمكن الدولة‬

‫‪61‬‬
‫من تبليغه لألطراف األخرى في المعاهدة‪ ،‬واألمر نفسه ينطبق على القبول الصريح للتحفظ‬
‫واالعتراض عليه وأن يرسل إلى الدول المتعاقدة والمنظمات األخرى التي من حقها أن تصبح‬
‫‪1‬‬
‫أطرافا في المعاهدة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اآلثار القانونية للتحفظ‬
‫نصت المادة ‪ 60‬على اآلثار القانونية للتحفظ‪ ،‬بحيث‪:‬‬
‫‪ -‬يعدل التحفظ بالنسبة للدول المتحفظة في عالقاتها بالطرف اآلخر‪ ،‬نصوص المعاهدة التي‬
‫ورد التحفظ بشأنها وفي الحدود الواردة فيه‪،‬‬
‫‪ -‬يعدل هذه النصوص في نفس الحدود بالنسبة للطرف اآلخر في مواجهة الدولة المتحفظة‪،‬‬
‫‪ -‬ال يترتب على التحفظ تعديل نصوص المعاهدة بالنسبة لألطراف األخرى في عالقاتهم‬
‫ببعضهم البعض‪،‬‬
‫‪ -‬إذا اعترضت دولة على تحفظ صادر من دولة أخرى ولم تعترض على ذلك على نفاذ‬
‫المعاهدة بينها وبين الدولة المتحفظة فإن نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ ال تسري‬
‫بين دولتين في حدود هذا التحفظ‪.‬‬
‫إذا التحفظ يجعل الدولة غير ملزمة بتطبيق النصوص التي تحفظت عليها‪ ،‬بمعنى آخر أن‬
‫التحفظ يحدث أثره في تعديل نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ في حدود هذا التحفظ‪،‬‬
‫وذلك في حدود العالقة بين الدولة المتحفظة واألطراف اآلخرين في المعاهدة وال يترتب عليه أي‬

‫‪ -1‬نموذج وثيــــــــــــقة تحفظ‪ /‬إعالن‪ ( :‬حسب ما هو مبين في دليل المعاهدات‪ ،‬منشورات األمم المتحدة‪ ،‬قسم‬
‫المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية‪ ،6110 ،‬ص ‪.).11‬‬
‫أنا[ إسم ولقب رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية]‬
‫أعلن أن الحكومة [إسم الدولة] تصدر [التحفظ‪ /‬اإلعالن] التالي بشأن المادة (المواد) من [ عنوان وتاريخ اعتماد‬
‫المعاهدة‪ ،‬االتفاقية‪ ،‬االتفاق‪...‬إلخ]‬
‫[مضمون التحفظ‪ /‬اإلعالن]‬
‫واثباتا لذلك‪ ،‬وضعت توقيعي وختمي أدناه [ يوقعها رئيس الدولة‪ ،‬رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ]‬
‫حرر في [ المكان] يوم [ التاريخ]‬
‫[ التوقيع واللقب]‬

‫‪61‬‬
‫أثر في العالقة بين األطراف األخرى غير المتحفظة‪ ،‬أي أن المعاهدة في العالقة بين الدول‬
‫غير المتحفظة‪ ،‬تبقى كما هي وفقا لنصوص المعاهدة األصلية دون تعديل‪.‬‬
‫أما اآلثار المترتبة على االعتراض على التحفظ‪ ،‬فإما يكون األثر محدود المدى بحيث‬
‫تظل المعاهدة نفاذة بين الدول المتحفظة والدولة المعترضة على التحفظ فيما عدا النص أو‬
‫النصوص التي تعرض لها التحفظ‪ ،‬واما أن يكون أثر االعتراض على التحفظ واسع المدى‬
‫بحيث يرفض النص أو النصوص التي جرى عليها التحفظ ويقطع في نفس الوقت العالقة‬
‫التعاقدية أي يجعل المعاهدة كأنها لم تكن بين الطرف المتحفظ والطرف المعترض فاالعتراض‬
‫متوقف على إرادة الدولة المعترضة‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن التحفظ عمل إرادي يصدر عن الدولة التي أبدته ومن ثم يحق لهذه‬
‫الدولة سحبه في أي وقت تراه مناسبا‪ .‬وال يشترط إلتمام الدولة سحب تحفظها على المعاهدة‬
‫موافقة األطراف األخرى‪ ،‬بما فيها األطراف التي سبق أن وافقت على التحفظ عند إبدائه‪ ،‬وهذا‬
‫ما يستشف من نص المادة ‪ 66‬من اتفاقية ‪ .0414‬كما أشارت الفقرة ‪ 6‬من المادة السالفة‬
‫الذكر إلى جواز سحب االعتراض على التحفظ في أي وقت‪ ،‬وال يترتب على هذا السحب أي‬
‫أثر إال من تاريخ إخطار الدولة التي سحبت اعتراضها في مواجهة الدولة المتحفظة ما لم تنص‬
‫المعاهدة على غير ذلك‪.‬‬
‫ومن ثم يجب أن يكون إخطار الدولة المتحفظة كتابة‪ ،‬ويترتب على سحب االعتراض‬
‫على التحفظ نتيجة مهمة هي سريان أحكام المعاهدة في صورتها األصلية بين الدولة المتحفظة‬
‫والدولة التي سحبت اعتراضها على التحفظ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الشروط الموضوعية الالزمة لصحة المعاهدات الدولية‬
‫المعاهدة الدولية عمل قانوني ذو شقين شق إجرائي أو شكلي وشق موضوعي يتصل‬
‫بالجوهر والمضمون‪ ،‬فالمعاهدة ال تنتج أثارها القانونية إال إذا استوفت شروطها الموضوعية‬
‫وانعدام الشروط الموضوعية أو البعض منها يقود إلى بطالن المعاهدة أو قابليتها لإلبطال‪.‬‬
‫ويشترط لصحة المعاهدة كتصرف قانوني أن يصدر ممن له أهلية إبرامها‪ ،‬وأن يصدر عن إرادة‬
‫سليمة‪ ،‬وأن يكون موضوعها ممكنا ومشروعا‪ ،‬أي غير مخالف لآلداب العامة الدولية أو القواعد‬
‫اآلمرة في القانون الدولي العام‪ ،‬وهذه األحكام تصدق على كافة المعاهدات سواء كانت ثنائية أو‬
‫متعددة األطراف‪ ،‬وأيا كان مجال النشاط الذي تتولى تنظيمه‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األهلية كشرط لصحة المعاهدات‬
‫ال يكون الرضا معتب ار إال إذا صدر من شخص كامل األهلية‪ ،‬وهذه القاعدة تنطبق كذلك‬
‫على المعاهدات‪ ،‬فالمعاهدات أو االتفاقات الدولية ال تكون صحيحة إال إذا صدرت عن شخص‬
‫دولي يتمتع باألهلية أو بالسلطة القانونية‪ ،‬وأشخاص القانون الدولي كما رأينا سابقا هم الدول‬
‫والمنظمات الدولية‬
‫أوال‪ :‬أهلية الدول في إبرام المعاهدات‬
‫نصت المادة ‪ 11‬من اتفاقية ‪ 0414‬على لكل دولة لها أهلية إبرام المعاهدات‪ ،‬وبما أن‬
‫إبرام المعاهدات يعد مظه ار من مظاهر السيادة‪ ،‬فإن الدول ذات السيادة التامة هي وحدها التي‬
‫تستطيع إنجاز هذا العمل‪ ،‬فأهلية الدولة كقاعدة عامة هي أهلية كاملة وال يرد عليها أي قيد إال‬
‫في حاالت معينة كأن تكون هناك معاهدة دولية تمنع دولة معينة من إبرام معاهدة في مجال‬
‫معين ومثالها إذا أبرمت دولة معاهدة مع دولة ثانية تعهدت بمقتضاها بعدم االندماج مع دول‬
‫مجاورة أو عدم التنازل عن جزء من أراضيها لصالح دولة أخرى‪ ،‬فهنا تظل أهلية الدولة كاملة‬
‫في إبرام المعاهدات إال في هذا التعهد االتفاقي‪.‬‬
‫وفي حال الدول المتمتعة بحياد دائم مقيدة الحرية لمصلحة النظام الدولي العام‪ ،‬فهي ال‬
‫تملك نتيجة لوضعها في الحياد الدائم عقد بعض األنواع من المعاهدات مثل معاهدات التحالف‬

‫‪63‬‬
‫أو التكتالت العسكرية وسائر المعاهدات األخرى التي ال تتوافق مع وضع الحياد الدائم‪ ،‬فحالة‬
‫الحياد الدائم لسويس ار مثال وقفت حائال دون دخولها إلى عضوية اإلتحاد األوروبي‪.‬‬
‫ولكن لو قامت الدولة بإبرام معاهدة دولية مخالفة لما تعهدت به‪ ،‬فال ينظر إلى هذه‬
‫المعاهدة بأنها باطلة بسبب انعدام األهلية‪ ،‬وانما ينظر إليها من زاوية مخالفة االلتزامات الدولية‪،‬‬
‫على أساس أن هذا التصرف يعتبر انتهاكا اللتزام واقع على الدولة يرتب المسؤولية الدولية‪.‬‬
‫أما الدول ناقصة السيادة فأهليتها في إبرام المعاهدة ناقصة أو منعدمة وفقا لما تبقى لها‬
‫عالقة التبعية من الحقوق‪ ،‬وعليه ينبغي الرجوع إلى الوثيقة التي تحدد العالقة لمعرفة مدى‬
‫إمكانية الدول ناقصة السيادة في إبرام معاهدة معينة‪ ،‬فإذا حدث وأن أبرمت دولة ناقصة‬
‫السيادة‪ ،‬معاهدة ليست أهال لها‪ ،‬ال تعتبر هذه المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا‪ ،‬وانما تكون معلقة‬
‫على شرط فاسخ مفاده إجازة أو عدم إجازة الدولة صاحبة الوالية على الشؤون الخارجية للدولة‬
‫ناقصة السيادة التي أبرمت المعاهدة‪.‬‬
‫ومن أمثلة الدول الناقصة السيادة وصورها‪ ،‬الدول الموضوعة تحت االنتداب أو الحماية أو‬
‫الوصاية واالحتالل‪ ،‬وقد أصبحت هذه الصور باستثناء االحتالل غير مألوفة في الوقت‬
‫الحاضر نتيجة حصول كل الدول التي كانت موضوعة تحت هذه األشكال على استقاللها خالل‬
‫القرن الماضي‪.‬‬
‫أما الدول الداخلة في اإلتحاد المركزي أو الفدرالي‪ ،‬وكما رأينا سابقا فالقاعدة العامة المتفق‬
‫عليها أنه ال يمكن لهذه الدويالت أن تبرم معاهدات دولية إال إذا سمح الدستور االتحادي بذلك‪،‬‬
‫وهذا تضمنه مشروع اتفاقية قانون المعاهدات الذي أعدته لجنة القانون الدولي في الفقرة الثانية‬
‫من المادة الخامسة من النص على " تمتع الدول األعضاء في دولة اتحادية بأهلية عقد‬
‫المعاهدات‪ ،‬إذا قرر الدستور االتحادي ذلك وفي الحدود المبينة فيه‪.‬‬
‫وال يؤثر في أهلية الدولة إلبرام المعاهدات كونها صغيرة من حيث المساحة اإلقليمية أو من‬
‫حيث عدد السكان‪.‬‬
‫أما بخصوص حركات التحرر فإن الممارسة الدولية منذ النصف الثاني من القرن‬
‫العشرين تكشف عن اعتراف الدول بها كممثلة لشعوبها وناطقة باسمها‪ ،‬وتجيز بعض‬

‫‪64‬‬
‫المعاهدات لحركات التحرر الوطني أن تصبح أطرافا بها‪ ،‬وتقتصر مشاركتها على المعاهدات‬
‫التي تتفق والهدف الذي ترمي إليه وهو بلوغ الشعب الذي تمثله مرحلة االستقالل‪ ،‬مثل اتفاقيات‬
‫إيفيان لعام ‪ 0416‬بين فرنسا والحكومة المؤقتة الجزائرية والتي سبق اإلشارة إليها‪.‬‬
‫ونظ ار ألن شخصية هذه الحركات كشخصية المنظمات الدولية‪ ،‬محدودة ومقيدة في‬
‫حدود الهدف العام لها‪ ،‬أجازت الممارسة والتعامل الدولي‪ ،‬لحركات التحرر أن تشارك في ثالث‬
‫أصناف من المعاهدات‪ ،‬اتفاقات االستقالل‪ ،‬اتفاقات إدارة الكفاح المسلح‪ ،‬والمشاركة في‬
‫المنظمات الدولية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهلية المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات‬
‫إلى جانب الدول كاملة السيادة التي تملك أهلية إبرام المعاهدات‪ ،‬تملك المنظمات الدولية‬
‫أهلية إبرام المعاهدات‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 11‬من اتفـ ـ ـ ــاقية ‪ 71‬على أن‪ «:‬أهلية‬
‫المنظمات الدولية إلبرام المعاهدات الدولية تخضع لقواعد هذه المنظمة»‪.‬‬
‫وأهلية المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات كما رأينا سابقا‪ ،‬ليست بذات اتساع أهلية الدول‬
‫المستقلة‪ ،‬فهي ال تملك إعماال لمبدأ الشخصية الوظيفية للمنظمة الدولية سوى عقد المعاهدات‬
‫التي يقتضيها القيام بوظائفها‪ ،‬أي أن أهليتها محدودة بالغرض الذي أنشأت من أجله فقط‪،‬‬
‫والمنظمات المعنية هنا هي المنظمات الحكومية التي أنشئت باتفاق بين حكومات الدول‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬سالمة الرضا كشرط لصحة المعاهدات‬
‫الرضا شرط أساسي لصحة المعاهدات الدولية‪ ،‬فال قيمة لمعاهدة تبرمها الدولة بغير‬
‫رضاها ورغبتها الحرة في االلتزام بها‪ ،‬ويقر القانون الدولي لكل دولة تدعي وجود عيب من عيوب‬
‫الرضا أو اإلرادة في المعاهدة التي أبرمتها‪ ،‬الحق في اعتبار المعاهدة باطلة أو قابلة للبطالن‪.‬‬
‫أوال‪ :‬موقف الفقه الدولي من عيوب الرضا في المعاهدات‬
‫اختلف الفقه حول مسألة تطبيق عيوب الرضا المعروفة في القانون الداخلي باسم عيوب‬
‫اإلرادة على المعاهدات الدولية وانقسم إلى ثالث اتجاهات أساسية‪:‬‬
‫‪ -1‬االتجاه األول‪ :‬يقوم على رفض تطبيق األحكام الخاصة بعيوب الرضا على المعاهدات‬
‫الدولية‪ ،‬نظ ار الختالف طبيعة الشخص القانوني الدولي عن الفرد العادي المتعاقد في ظل‬

‫‪65‬‬
‫القانون الداخلي‪ ،‬فضال على أن الدول تملك من الوسائل المادية والمكونات الشخصية ما يقلل‬
‫من احتماالت صدور رضاها تحت طائلة الغلط أو التدليس أو اإلكراه‪ ،‬كما أن المعاهدة تمر‬
‫عبر مراحل مختلفة وصوال إلى التصديق ما يجعل صدور إرادة الدولة معيبة أم ار غير ممكن‬
‫حدوثه تقريبا‪.‬‬
‫إال أن هذا الرأي لم يسلم من النقد كون أن العديد من السوابق التاريخية أثبتت انعدام رضا‬
‫الدولة في عقدها لمعاهدات تحت طائلة العيوب‪ ،‬كما أن الذين يمثلون الدولة أشخاص طبيعيين‬
‫وبالتالي يمكن احتمال صدور إرادتهم مشمولة بالعيوب التي تصيب الرضا‪.‬‬
‫‪ -0‬االتجاه الثاني‪ :‬يقوم على تطبيق عيوب اإلرادة الواردة في القانون الداخلي على‬
‫المعاهدات‪ ،‬ويستند هذا االتجاه إلى قياس المعاهدات على العقود المبرمة في ظل القوانين‬
‫الداخلية ومن ثم نقل هذه العيوب الخاصة بالرضا التي تنطبق على العقود وتطبيقها على‬
‫المعاهدات الدولية‪ ،‬فضال على أن المجتمع الدولي يضم الدول الضعيفة والدول القوية‪ ،‬لذا‬
‫يتوجب تبني نظرية عيوب اإلرادة بالنظر إلى دورها الوقائي للطرف الضعيف أو للطرف الذي‬
‫صدر رضاه نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه‪.‬‬
‫وقد انتقد هذا االتجاه أيضا على أساس أنه هناك اختالف بين النظم القانونية الداخلية‬
‫والنظ ام القانوني الدولي وال مجال للقياس بين المعاهدات بالعقود‪ ،‬فضال على االختالف بين‬
‫الشخص الطبيعي والشخص الدولي‪.‬‬
‫‪ -2‬االتجاه الثالث‪ :‬وهو االتجاه الذي أخذ موقفا وسطا بين االتجاهين السابقين‪ ،‬حيث يرى‬
‫وجوب العمل على األخذ بنظرية عيوب الرضا وتطبيقها على المعاهدات الدولية‪ ،‬ولكن بالقدر‬
‫الذي تتناسب فيه مع األوضاع السائدة في إطار القانون الدولي‪ ،‬وقد جاءت اتفاقيتي فينا لعام‬
‫‪ 0414‬و‪ 0471‬مقررتان األخذ بمنطق االتجاه الثالث‪ ،‬وعمدت إلى نفس األحكام الخاصة‬
‫بعيوب الرضا وأثارها‪ ،‬تلك العيوب المأخوذة من نظرية العقد في القوانين الداخلية وذلك بالقدر‬
‫الذي يتفق مع ظروف العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ثانيا‪ :‬موقف اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات من عيوب الرضا‬
‫أخذت اتفاقية فيينا باالتجاه الوسط الذي يأخذ بفكرة إعمال عيوب الرضا وتطبيقها على‬
‫المعاهدات الدولية‪ ،‬وهذا ما تضمنته المواد من ‪ 11‬إلى ‪ 13‬التي نصت على عيوب اإلرادة‬
‫وهي الغلط‪ ،‬الغش‪ ،‬اإلكراه‪ ،‬وأضافت إليها حالة جديدة وهي حالة إفساد ممثل الدولة‪.‬‬
‫وسنتناول العيوب التي تؤثر على حرية اإلرادة وسالمتها وذلك وفق الترتيب الذي أخذت‬
‫به االتفاقية‪.‬‬
‫‪ /1‬الغلط‬
‫وهو تصور غير حقيقي لواقعة أو موقف‪ ،‬كان له تأثير جوهري في ارتضاء أحد األطراف‬
‫التقيد بالمعاهدة‪ ،‬ورغم ندرة الغلط في العالقات الدولية إال أن اتفاقية فيينا أخذت به واعتبرته‬
‫أحد العيوب التي تؤدي إلى إبطال المعاهدة في المادة ‪ 17‬منها‪ ،‬بشرط ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الغلط في الوقائع وليس في القانون‪ ،‬باعتبار أن الغلط في القانون ال يفسد الرضا‬
‫وال يؤثر على صحة المعاهدة‪،‬‬
‫‪ -‬أال تساهم الدولة بسلوكها في الوقوع في الغلط و‬
‫‪ -‬أن يكون الغلط جوهريا في حمل الدولة على التقيد بالمعاهدة وقت إبرامها‪،‬‬
‫‪ -‬أن ال يكون الغلط في تحرير نصوص المعاهدة أو صياغة هذه النصوص‪.‬‬
‫ومن صور هذا العيب اختالف الدول حول تحديد مكان نهر أو جبل أثناء تحديد الحدود‪،‬‬
‫أو الغلط في خريطة جغرافية تحتوي على رسوم أو بيانات غير حقيقية تتعاقد على أساسها دون‬
‫علمها بهذه األخطاء‪.‬‬
‫وقد أكد القضاء الدولي على أهمية الغلط الجوهري في المعاهدة كسبب إلبطالها في عدد من‬
‫المرات‪ ،‬ففي قرار محكمة العدل الدولية في قضية السيادة على بعض مناطق الحدود بين هولندا‬
‫وبلجيكا في عام ‪ 0414‬والذي أكدت من خالله على أن الغلط الذي تتوافر فيه الخطورة هو ذلك‬
‫"الغلط الذي ينصب على واقعة تعتبر عنص ار جوهريا في رضا الدولة المتعاقدة"‪ ،‬كما أكدت المحكمة‬
‫في عام ‪ 0416‬في قضية معبد "برياه فيهيار" بين كمبوديا وتيالندا على أن" الدولة ال تستطيع أن‬
‫تطالب ببطالن المعاهدة إذا كانت قد أسهمت في سلوكها في وجود حالة الغلط أو كان يمكن تداركه‪،‬‬
‫أو إذا كان قد تم تنبيهها إلى إمكانية وقوعها في الغلط"‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫‪ /0‬الغش أو التدليس‬
‫التدليس أو الخداع هو استعمال الطرق االحتيالية بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه‬
‫إلى التعاقد‪ ،‬وعليه فالغش يعتبر عمال عمديا يصدر بسوء نية من أحد أطراف المعاهدة ليدفع‬
‫طرفا آخر على القبول بالمعاهدة‪ ،‬وهو من العيوب المفسدة للرضا الداعية إلى إلغاء المعاهدة‪،‬‬
‫أين يفترض وجود عمل إيجابي يدفع أحد األطراف في المعاهدة على فهم أمر على غير حقيقته‬
‫مما يسهل عليه التوقيع على المعاهدة هذا العمل اإليجابي يتمثل في سلوك تدليس بقصد حمل‬
‫أحد األطراف على فهم أمر معين على غير حقيقته‪ ،‬ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بناء على‬
‫هذا الفهم الخاطئ أي نتيجة هذا السلوك التدليسي‪.‬‬
‫وقد نصت المادة ‪ 14‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬على جواز إبطال المعاهدات بسبب‬
‫الغش أو التدليس‪ ،‬وهذا ما أقرته أيضا المادة ‪ 14‬من اتفاقية فيينا لعام ‪.0471‬‬
‫إن وقوع الدولة ضحية الغش أو التدليس أمر يصعب حدوثه في الواقع العملي الدولي‪،‬‬
‫وذلك بسبب مرور المعاهدة بالعديد من المراحل قبل دخولها حيز النفاذ‪ ،‬وقد أثير الغش كعيب‬
‫من عيوب اإلرادة في حاالت نادرة جدا‪ ،‬فأثناء محاكمة مجرمي الحرب في محكمة نورمبورغ‪،‬‬
‫اعتبر المحكمة أن اتفاق ميونيخ لعام ‪ 0431‬معيب ألن ألمانيا عند توقيعها لالتفاق كانت تنوي عدم‬
‫تطبيقه‪ ،‬ومعنى ذلك أن ألمانيا إبان التفاوض قد سلكت مسلكا تدليسيا بغية التوصل إلى عقد االتفاق‪.‬‬
‫‪ /2‬إفساد ممثل الدولة‬
‫يعتبر هذا العيب من عيوب اإلرادة الحديثة التي أخذت بها اتفاقية فيينا‪ ،‬ففي هذه الصورة‬
‫ممثل الدولة يعلم على اليقين بأن موقفه يتعارض مع مصالح دولته ولكنه‪ ،‬يتغاضى نتيجة‬
‫لمقابل يحصل عليه‪ ،‬ومع ذلك يقوم بالتعبير عن الرضا بااللتزام بالمعاهدة‪ ،‬فهذا التصرف‬
‫يختلف عن الغش والتدليس الذي يتضمن سلوكا تدليسيا يوجه إلى الدولة وممثليها لحملهم على‬
‫قبول معاهدة معينة‪ ،‬ويختلف عن الغلط الذي يرجع إلى تصور غير حقيقي لوقائع معينة أو‬
‫مركز قانوني معين‪.‬‬
‫وقد اعتبرت اتفاقيتي فيينا لعام ‪ 0414‬و‪ 0471‬هذا العيب من العيوب التي تفسد رضا الدولة‬
‫أو المنظمة في المادة ‪.11‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ /2‬اإلكراه‬
‫يعد اإلكراه من أهم الحاالت المثارة بشأن عيوب الرضا‪ ،‬فهو يفسد التصرفات القانونية‬
‫بصفة عامة ألن هذا األخير عبارة عن ضغط يقع على الشخص فيبعث في نفسه رهبة وخوفا‬
‫مما يحمله على التعاقد‪ ،‬وميزت اتفاقية فيينا بين نوعين من اإلكراه‪ :‬اإلكراه الواقع على ممثل‬
‫الدولة واإلكراه الواقع على الدولة ذاتها‪ ،‬في نص المادة ‪ 10‬و ‪ 16‬منها‪.‬‬
‫أ‪ /‬اإلكراه الواقع على ممثل الدولة‬
‫يقصد به ذالك اإلكراه الواقع على ممثل والذي يدفعه إلى التوقيع على المعاهدة‪ ،‬وقد يكون‬
‫هذا اإلكراه ماديا أو معنويا‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن هذا النوع من اإلكراه ال يتصور حدوثه إال بالنسبة للمعاهدات التي‬
‫يعتبر التوقيع عليها بمثابة قبول نهائي لها‪ ،‬أما إذا كانت المعاهدة تشترط التصديق ففي هذه‬
‫الحالة فبإمكان السلطة المختصة بالتصديق أن ترفض التصديق على معاهدة وقعها مفاوضها‬
‫تحت الضغط‪.‬‬
‫ب‪ /‬اإلكراه الذي يقع على الدولة أو المنظمة الدولية‬
‫كان الفقه التقليدي يرى أن اإلكراه الذي يقع على الدولة‪ ،‬ال يعتبر عيبا وبالتالي ال يمكن‬
‫للدولة أن تتحجج به إلبطال معاهدة أبرمتها تحت ضغط سياسي أو عسكري أو تحت تأثير‬
‫ظروف خاصة‪ ،‬وحجتهم في ذلك أن عكس هذا سيؤدي إلى توتر العالقات الدولية ويشجع كل‬
‫دولة على المطالبة بفسخ المعاهدات وابطالها بحجة أنها لم تبرمها إال مكرهة مما يقلل من قيمة‬
‫المعاهدات ومن ثقة الدول فيها‪ ،‬ويقدم هذا االتجاه معاهدات الصلح واتفاقيات الهدنة كمثال‪،‬‬
‫وكيف تلجأ الدول القوية بعد الحرب إلى فرض رغباتها ومخططاتها على الدول المغلوبة‪،‬‬
‫فاعتبر أن هذه المعاهدات ملزمة وأن التصرفات التعسفية التي يتخذها األقوياء في هذه الفترة ال‬
‫تعد إكراها يبرر إبطال المعاهدات‪ ،‬وكان الفقه التقليدي ينطلق في ذلك من مبدأ مشروعية‬
‫الحرب التي كانت سائدة في ظل القانون التقليدي‪.‬‬
‫غير أن القانون الدولي المعاصر ينطلق من مبدأ تحريم الحرب‪ ،‬ويجعل اإلكراه الواقع‬
‫على الدولة سببا من أسباب البطالن المطلق للمعاهدات وهو ما تبنته اتفاقيتي فيينا في المادة‬

‫‪69‬‬
‫‪ 16‬منهما « تعتبر المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة أو‬
‫استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق األمم المتحدة»‪.‬‬
‫ويستفاد من هذا النص أن اإلكراه الذي يقع على الدولة والذي يترتب عليه بطالن‬
‫المعاهدة يتعين أن يتوافر فيه ثالثة شروط ‪ ،‬أولها أن يكون هناك تهديد باستعمال القوة أو تم‬
‫استعمال هذه القوة فعال‪ ،‬أما الشرط الثاني أن يرتب هذا التهديد أو استعمال القوة قبول الدولة‬
‫إل برام المعاهدة‪ ،‬أما الشرط الثالث أن يكون التهديد باستعمال القوة أو استعمالها قد تم بشكل‬
‫مخالف ألحكام وقواعد القانون الدولي والمبادئ الواردة في ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬وتأسيسا على‬
‫هذا فإن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها الذي يتم بموافقة ألحكام ميثاق األمم المتحدة ال‬
‫يعتبر من قبيل اإلكراه‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مشروعية موضوع التعاقد‬
‫ال تعتبر المعاهدة صحيحة إال إذا كان موضوعها جائ از ومشروعا يبيحه القانون وتقره‬
‫األخالق‪ ،‬فكل معاهدة تتعارض مع ذلك تعتبر باطلة‪ ،‬ولقد تأكد هذا االتجاه في المادة ‪ 13‬من‬
‫اتفاقيتي فينا لعام ‪ 14‬و‪ ،71‬وأبعد من ذلك فقد نصت المادة ‪ 11‬على أنه إذا ظهرت قاعدة‬
‫آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أي معاهدة تصبح باطلة وينتهي العمل بها‬
‫فأي معاهدة تبرم خالفا للقواعد الدولية اآلمرة تعد باطلة بطالنا مطلقا من تاريخ إبرامها‪ ،‬واذا‬
‫كانت المعاهدة صحيحة وقت إبرامها ثم ظهرت قاعدة دولية آمرة بعد ذالك متعارضة مع هذه‬
‫المعاهدة بطلت هذه األخيرة ووجب انتهاء العمل بها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على بطالن هذا النوع من المعاهدات‪ ،‬الحكم الصادر من أحد المحاكم‬
‫العسكرية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية والقاضي ببطالن االتفاق المبرم بين حكومة‬
‫فيشي (الفرنسية) مع الحكومة األلمانية‪ ،‬والذي سمح باستخدام أسرى الحرب الفرنسيين في‬
‫المصانع األلمانية‪ ،‬ألن هذا االتفاق يعد مخالفا لآلداب واألخالق العامة ومخالف لقاعدة آمرة‬
‫من قواعد النظام العام الدولي وهي حق اإلنسان في العمل بإرادته دون إجبار سواء كان مقابل‬
‫أجر أو بمقابل آخر‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ومن القواعد اآلمرة في القانون الدولي‪ ،‬القاعدة التي تمنع استعمال القوة أو التهديد‬
‫باستعمالها في العالقات الدولية‪ ،‬حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬تجريم القرصنة‪ ،‬وكذا تحريم تجارة‬
‫الرقيق وتحريم إبادة الجنس البشري‪ ،‬منع التفرقة العنصرية‪....‬‬
‫تجدر اإلشارة في األخير أن ميثاق األمم المتحدة كان سباقا في التطرق إلى هذا‬
‫الموضوع من خالل ما ورد في نص المادة ‪ 013‬منه التي نصت على أنه "إذا تعارضت‬
‫االلتزامات التي يرتبط بها أعضاء األمم المتحدة وفقا ألحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي‬
‫آخر فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق"‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫تنفيذ المعاهدات وآثارها‬
‫يكتسي دخول المعاهدات حيز النفاذ أهمية كبيرة ألنه الوقت الذي يبدأ فيه كل طرف‬
‫تحديد حقوقه وواجباته‪ ،‬وتنفيذ المعاهدة يثير العديد من المسائل المرتبطة بتطبيقها‪ ،‬كنطاق‬
‫سريان المعاهدة بين أطرافها‪ ،‬وآثارها بالنسبة للغير‪ ،‬وتفسير المعاهدة في حالة عدم وضوح نص‬
‫من نصوصها‪ ،‬وتلك المتعلقة بتعديل واعادة النظر فيها‪ ،‬وقد يصيب المعاهدة عيب في شروط‬
‫صحتها مما يجعلها باطلة أو قابلة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تطبيق المعاهدات وأثارها‬
‫يترتب على اكتمال إجراءات إبرام المعاهدة أن تصبح ملزمة ألطرافها‪ ،‬بحيث يلتزمون‬
‫باحترامها ومراعاة أحكامها‪ ،‬وتترتب هذه اآلثار تجاه أطراف المعاهدة‪ ،‬وقد يمتد أثر المعاهدات‬
‫إلى غير أطرافها وهذا استثناء على المبدأ العام الراسخ في القانون الدولي المتمثل في أن‬
‫المعاهدة ال تنتج آثارها إال بالنسبة ألطرافها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تطبيق المعاهدات وآثارها بالنسبة ألطرافها‬
‫تطبيق المعاهدة يتطلب تحديد الوقت الذي يبدأ فيه نفاذ المعاهدة والذي يسمى بالنطاق‬
‫الزمني لتطبيق المعاهدات‪ ،‬كما يتطلب تحديد المجال المكاني الذي تطبق فيه المعاهدة‪ ،‬وتعد‬
‫قاعدة العقد شريعة المتعاقدين (‪ )Pacta Sunt Servanda‬بمثابة المبدأ األساسي في قانون‬
‫المعاهدات‪ ،‬فكل معاهدة نافذة ملزمة ألطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ /1‬سريان المعاهدة بين أطرافها من حيث الزمان والمكان‬
‫* المعاهدات قد تكون ثنائية أو متعددة األطراف‪ ،‬أما المعاهدات الثنائية فهي تدخل حيز‬
‫النفاذ حسب ما اتفق عليه األطراف إما عند التوقيع أو عند تبادل وثائق التصديق‪ ،‬أو قد‬
‫تحدد تاريخا معينا‪ ،‬أما المعاهدات المتعددة األطراف فإن موعد التنفيذ يختلف باختالف‬
‫المعاهدات فبعضها ينص على وجوب إيداع جميع التصديقات قبل مباشرة التنفيذ‪ ،‬وبعضها‬
‫يوجب الحصول على عدد معين من الدول المنضمة‪ ،‬وهناك معاهدات تتطلب الحصول‬
‫على تصديقات بعض الدول للبدء بالتنفيذ‪.‬‬
‫وقد عالجت اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬تاريخ نفاذ المعاهدات في المادة ‪ 61‬الفقرة "‪ ،"0‬بأن‬
‫المعاهدة تدخل حيز النفاذ بالطريقة وفي التاريخ المتفق عليه بين األطراف المتفاوضة‪ ،‬وفي‬
‫حالة سكوت المعاهدة عن وضع نص خاص بهذا الحل‪ ،‬فإن الفقرة الثانية من المادة ‪ 61‬نصت‬
‫على أنه تدخل المعاهدة حيز النفاذ فور ثبوت الموافقة على االلتزام بالمعاهدة بالنسبة إلى جميع‬
‫الدول‪ ،‬وعليه ففي هذه الحالة فإن وجود دولة واحدة ترفض التصديق يمكن أن يؤدي إلى منع‬
‫المعاهدة من دخول حيز النفاذ ولهذا فغالبا ما تعمل الدول المتفاوضة على وضع نص واضح‬
‫في هذا الخصوص‪.‬‬
‫وكقاعدة عامة فإن المعاهدات ال تنشئ حقوقا أو التزامات إال ابتداء من تاريخ دخولها حيز‬
‫النفاذ‪ ،‬فال يمتد أثر المعاهدة إلى أحداث أو تصرفات أو مواقف وقعت في وقت سابق على دخولها‬
‫حيز النفاذ‪ ،‬إال إذا اتفق أطرافها على غير ذلك‪ ،‬وهذا ما يستشف من الفقرة الثالثة للمادة ‪ 61‬التي‬
‫نصت على عدم رجعية أثر التصديق على المعاهدات‪ ،‬مؤكدة على المبدأ القاضي بعدم رجعية آثار‬
‫المعاهدات الدولية ما لم تنص المعاهدة على حكم مغاير والذي تضمنته المادة ‪ 67‬أيضا‪.1‬‬

‫‪ -1‬تنص المادة ‪ 67‬على " ما لـم يظهر في المعاهدة قصد مغاير أو يثبت ذلك بطريقة أخرى‪ ،‬فإن نصوص المعاهدة‬
‫ال تلزم طرفا فيها بشأن أي تصرف أو واقعة تمت أو أي حالة انتهى وجودها قبل تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ‬
‫بالنسبة لذلك الطرف"‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫واذا كان األصل أن تكون المعاهدة نافذة بصفة كلية ومباشرة بين أطرافها بمجرد تبادل أو إيداع وثائق‬
‫التصديق‪ ،1‬إال أنه قد يحدث أحيانا والعتبارات خاصة أن يبدأ في تنفيذ المعاهدة أو جزء منها بصفة‬
‫مؤقتة لحين دخولها حيز النفاذ‪.‬‬
‫والغرض من التطبيق المؤقت للمعاهدة هو إعطاء فرصة للدول قبل أن تلتزم بها نهائيا‪ ،‬فإذا وجد‬
‫األطراف أن المعاهدة تخدم مصالحهم قرروا التصديق عليها وااللتزام بها نهائيا‪ ،‬وان ظهر لهم عدم‬
‫فائدتها رفضوا التصديق عليها واعتبروها كأنها لم تكن وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 61‬من اتفاقية فيينا‬
‫لعام ‪.0414‬‬
‫* قد تتضمن المعاهدات أحيانا وخصوصا الجماعية‪ ،‬نصا يتعلق بمسألة تطبيق المعاهدة على‬
‫إقليم الدولة‪ ،‬واذا كان األصل هو سريان المعاهدة عل كافة األقاليم الخاضعة لسيادة الدولة‪ ،‬واإلقليم‬
‫يشتمل على اإلقليم البري والبحري والجوي‪ .‬وهذا ما تقره المادة ‪ 64‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬بنصها‬
‫على "ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير ويثبت ذلك بطريقة أخرى‪ ،‬تعتبر المعاهدة ملزمة لكل‬
‫طرف فيها بالنسبة لكافة إقليمه"‪.‬‬
‫لكن قد يحدث أن تلجأ بعض الدول والعتبارات خاصة إلى عدم تطبيق المعاهدة على كافة أقاليمها‪،‬‬
‫وهذا ما يحدث عندما يكون للدولة المتعاقدة مستعمرات أو محميات أو مناطق خاضعة لوصايتها وتريد‬
‫إبعاد آثار المعاهدة عنها‪ ،‬فقد عرف تاريخ العالقات الدولية نوعا من الشروط سمي "بشرط‬
‫المستعمرات" الذي كانت تحدد فيه نية الدول االستعمارية مدى سريان أحكام المعاهدات على‬
‫مستعمراتها‪.‬‬
‫وقد أثيرت هذه المسألة في إطار المساعدة المتبادلة التي يقدمها حلف الشمال األطلسي ألعضائه‪،‬‬
‫وذلك بخصوص مدى سريانها على إقليمي (الجزائر والهند الصينية) إبان خضوعهما لالستعمار‬
‫الفرنسي‪ ،‬أين قررت فرنسا اعتبار اإلقليم الجزائري داخال في إطار تطبيق المعاهدة‪ ،‬بينما اعتبرت‬
‫الهند الصينية خارج النطاق اإلقليمي لسريان المعاهدة‪.‬‬

‫‪ -1‬سبق لمحكمة العدل الدولية أن أكدت على مبدأ عدم رجعية آثار المعاهدات في قضية المواطن اليوناني أماثيليوس‬
‫عام ‪ 0416‬بين اليونان وبريطانيا‪ ،‬فقد طلبت الحكومة اليونانية من المحكمة أن تعطي أث ار رجعيا لمعاهدة ‪0461‬‬
‫المبرمة بين الدولتين على أساس أنه خالل سنوات ‪ 0433‬و ‪ 0463‬كانت توجد معاهدة مبرمة بينهما عام ‪0771‬‬
‫وكانت نافذة وتشمل نفس الشروط التي تضمنتها معاهدة ‪ ،0461‬لكن المحكمة رفضت هذا الطلب بقولها" أن قبول‬
‫هذا الطلب يعني إعطاء آثار للمادة ‪ 64‬من معاهدة ‪ 0461‬بصفة رجعية‪ ،‬بينما المادة ‪ 36‬تنص على أن المعاهدة‬
‫تدخل حيز النفاذ بعد التصديق عليها مباشرة‪،.....‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ /0‬أثر المعاهدة بالنسبة ألطرافها‬
‫المعاهدة هي تصرف قانوني إرادي بين أشخاص القانون الدولي الغرض منها تحقيق أو تنظيم‬
‫مصالح مشتركة‪ ،‬يلتزم كل طرف فيها بتنفيذ التزاماته المقررة بموجب تلك المعاهدة بحسن نية‪ ،‬غير أن‬
‫التزام األطراف بتنفيذ المعاهدة مرهون ببقاء األوضاع والظروف التي أبرمت خاللها المعاهدة على‬
‫حالتها‪.‬‬
‫أ‪ /‬مبدأ نسبية المعاهدات‬
‫تُلزم المعاهدة المبرمة إبراما صحيحا جميع الدول األطراف فيها بتنفيذها بحسن نية تطبيقا‬
‫للقاعدة العامة التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه المادة ‪ 61‬من اتفاقية‬
‫فيينا لعام ‪ 0414‬بنصها" كل معاهدة نافذة تكون ملزمة ألطرافها‪ ،‬وعليهم تنفيذها بحسن نية"‪ ،‬فال‬
‫يجوز ألي دولة أن تمتنع عن تنفيذ معاهدة ما ارتبطت بها بحجة أن االلتزامات الواردة فيها مجحفة‪،‬‬
‫أو أنها أكرهت على قبولها تحت تأثير ظروف خاصة ألن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى شيوع الفوضى‬
‫في العالقات الدولية‪.‬‬
‫كما يجب على كل طرف أن يتخذ من اإلجراءات ما يكفل تنفيذها‪ ،1‬فإذا تقاعست الدولة في اتخاذ‬
‫اإلجراءات الكفيلة بدخول المعاهدة حيز النفاذ على المستوى الداخلي‪ ،‬فإن امتناعها هذا يعد منافيا‬

‫‪ - 1‬كقاعدة عامة‪ ،‬القانون الدولي ال يبين وسائل أو طرق إدماج قواعده ضمن النظم القانونية الداخلية للدول‪ ،‬حيث سمح لكل‬
‫دولة اختيار الطريقة أو األسلوب الخاص بها إلدماج المعاهدة ضمن القانون الوطني‪ ،‬وتتباين األنظمة القانونية الداخلية تبعا‬
‫لدساتيرها‪ ،‬فمن األنظمة من يعطي للمعاهدة وبمجرد التصديق عليها بصورة صحيحة القوة اإللزامية المباشرة في نطاق النظام‬
‫الداخلي‪ ،‬سواء في مواجهة أجهزة الدولة أو في مواجهة األفراد العاديين ودون حاجة إلى أي إجراء تشريعي آخر‪ ،‬وهي األنظمة‬
‫التي تأثرت بنظرية الوحدة‪ ،‬وفي مقدمة الدول التي أخذت بهذا األسلوب‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية التي جعل دستورها المعاهدات‬
‫المبرمة مندمجة تلقائيا في القانون الداخلي‪( ،‬فقد نصت المادة ‪ 11‬من الدستور صراحة على أن المعاهدات تعتبر القانون‬
‫األعلى)‪ ،‬واعتنقت العديد من األنظمة هذا األسلوب ومنها الدستور الفرنسي الذي جعل المعاهد سارية في النظام القانوني الداخلي‬
‫لمجرد اتخاذ إجراءات نشرها دون حاجة الستصدار قانون بذلك‪ .‬أما األنظمة القانونية األخرى والتي تأثرت بنظرية الثنائية فهي‬
‫ترى أن المعاهدة ال يترتب عنها أي آثار قانونية إال باتخاذ إجراء تشريعي يحولها لقانون داخلي حتى تكتسب الصفة اإللزامية‪،‬‬
‫فالمعاهدة ال تتمتع بالقوة الملزمة في إطار النظام الداخلي بوصفها معاهدة وانما بوصفها جزءا من القانون الداخلي‪ ،‬ومثال للدول‬
‫التي تأخذ بهذا األسلوب‪ ،‬بريطانيا‪.‬‬
‫أما في الجزائر فقد نصت المادة ‪ 011‬من دستور ‪ 0441‬المعدل في سنة ‪ 6161‬على أن "المعاهدات التي يصدق عليها رئيس‬
‫الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون"‪ ،‬والواضح من هذا النص أن نفاذ المعاهدات في‬
‫المجال الوطني يتم مباشرة بمجرد التصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬وان كان المؤسس الدستوري الجزائري قد غفل عن‬
‫ذكر عملية النشر ضمن المادة‪ .‬فالجزائر اعتمدت التصديق كوسيلة إلدخال القانون الدولي اإلتفاقي في قانونها الوطني دون حاجة‬
‫إلى إجراء آخر‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫لمبدأ حسن النية في تنفيذ المعاهدات الدولية ويتساوى مع امتناعها عن تنفيذ أحكام المعاهدة‬
‫وبالتالي يستوجب إثارة مسؤوليتها الدولية‪.‬‬
‫كما ال يمكن للدولة التذرع بالقانون الوطني للتحلل من االلتزامات التي تفرضها المعاهدة‬
‫عليها‪ ،‬وهذا ما أكدت عليه أيضا المادة ‪ 68‬من اتفاقية فيينا بنصها على أنه "ال يجوز لطرف‬
‫في المعاهدة أن يحتج بقانونه كمبرر في إخفاقه في تنفيذ المعاهدة"‪.‬‬
‫وانطالقا من هذا‪ ،‬فإن المعاهدة إن كانت تقرر التزامات تعاقدية فإن هذه االلتزامات خاصة‬
‫بالنسبة ألطراف المعاهدة فقط‪ ،‬فال يجوز ألي طرف من أطراف المعاهدة أن يحتج بالمعاهدة‬
‫في مواجهة دولة ليست طرفا فيها‪ .‬فالقاعدة العامة تقضي أن المعاهدات ال تلزم إال أطرافها وأن‬
‫آثارها ال تمتد إلى غير أطرافها أو إلى دول لم تشارك بها‪ ،‬عمال بمبدأ نسبية آثار المعاهدات‪.‬‬
‫إن قاعدة نسبية أثر المعاهدات الدولية تؤسس على فكرة قانونية مهمة هي مبدأ المساواة في‬
‫السيادة واالستقالل‪ ،‬وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي أكدت عليه عدد من المواثيق الدولية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬آثار المعاهدات الدولية في مواجهة الدول الغير‬
‫تقتصر آثار المعاهدات كأصل عام على أطرافها فحسب‪ ،‬وال ترتب آثارها إال في‬
‫مواجهتهم سواء كانت هذه اآلثار حقوقا أو التزامات انطالقا من قاعدة " نسبية أثر المعاهدات"‪،‬‬
‫إذ أن حرية التعاقد ال يمكن أن تفضي إلى إلزام الغير دون رضاه‪ ،‬وقد تأكد هذا المبدأ بصورة‬
‫واضحة في المادة ‪ 31‬من اتفاقية ‪ «:14‬ال تنشأ المعاهدة التزاما أو حقوقا للدولة الغير دون‬
‫رضاها»‪.‬‬
‫كن هذا ال يمنع من وجود استثناءات على مبدأ نسبية آثار المعاهدات أين يمكن أن تمتد من‬
‫خاللها آثار المعاهدة إلى الغير بموافقته أو بدون رضاه‪.‬‬
‫‪ /1‬تطبيق المعاهدات على الغير مع رضاه‬
‫تسري بعض آثار المعاهدة على الغير بموافقته‪ ،‬في حالتي تضمينها نصوصا يتمتع الغير‬
‫بموجبها ببعض الحقوق أو يتعهد ببعض االلتزامات‪ ،‬وقد عالجت اتفاقية فيينا حاالت تطبيق‬
‫المعاهدات على الغير مع رضاه‪ ،‬فمن خالل قراءة المادة ‪ 31‬يتضح أنه ال بد من اتفاق إضافي بين‬
‫الدولة التي تلتزم بمعاهدة ليست طرفا فيها وبين مجموعة الدول األطراف فيها‪ ،‬ويكون هذا االلتزام‬

‫‪75‬‬
‫صراحة بصورة خطية‪ ،‬كما أنه يحظر تغير هذه االلتزامات إال برضا الدول األطراف والدول الغير من‬
‫ناحية أخرى وفقا للمادة ‪.38‬‬
‫وفقا للمادة ‪ 31‬و‪ 38‬من اتفاقية ‪ 14‬والتي قننت عرفا دوليا كان سائدا من قبل يعرف باسم‬
‫االشتراط لمصلحة الغير وشرط الدولة األكثر رعاية‪.1‬‬

‫‪ - 1‬االشتراط لمصلحة الغير‪ :‬ويقصد به أن تفق األطراف المتعاقدة على ترتيب حقوق لصالح شخص ليس طرفا في التعاقد بشرط‬
‫أن يقبله صراحة أو ضمنا‪ ،‬ولم يكن القانون الدولي العام يعرف مثل هذا النظام إال بعد أن اعترفت به محكمة العدل الدولية‬
‫الدائمةعام ‪ ،0436‬بموجب حكم أقرت فيه أن معاهدات ‪ 0701‬التي لم تشترك فيها سويسرا‪ ،‬قد أنشأت حقوقا لمصلحتها حقا فعليا‬
‫واالشتراط لمصلحة الغير ال ينتج أثره إال بالقبول الصريح أو الضمني‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه المادة ‪ 31‬في فقرتها األولى من‬
‫اتفاقية فيينا‪ ،‬واذا ترتب للدولة غير الطرف حق ما بموجب معاهدة لم تشترك فيها فال يجوز تعديله أو إلغاؤه إال بموافقة تلك الدولة‬
‫ومن أمثلة االشتراط لمصلحة الغير في العمل الدولي‪ :‬معاهدة القسطنطينية لعام ‪ 0777‬التي تضمنت حرية المالحة‬
‫ضمن قناة السويس‪ ،‬أو مثل ما هو معمول به في ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬أين يعطي الحق ألي دولة ليست عضو بالمنظمة ولكنها‬
‫طرفا في النزاع المعروض على مجلس األمن‪ ،‬حق االشتراك في المناقشة المتعلقة بهذا النزاع‪ ،‬ومن حقها أيضا أن تنبه مجلس‬
‫األمن والجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدما في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي‬
‫المنصوص عليها في الميثاق‪.‬علما أنه ليس من الضروري في االشتراط لمصلحة الغير أن يذكر األطراف أو أسماء الدول‬
‫المستفيدة صراحة واالسم‪ ،‬ألن تقرير الحق قد يكون لصالح الدول جميعا ومنها الدول التي تنشأ مستقبال‪.‬‬
‫شرط الدولة األكثر رعاية‪ :‬وهي صورة لم تشر إليها صراحة اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات‪ ،‬يقصد به اتفاق بين دولتين تضمن‬
‫كل منهما لألخرى االستفادة مما تمنحه أو ستمنحه من مزايا لدولة أو أكثر في معاهدة أخرى تتعلق بذات الموضوع ولكنها تتضمن‬
‫مزايا أكثر من المزايا المنصوص عليها في المعاهدة األولى‪.‬‬
‫وقد نشأ هذا الشرط في البداية في المعاهدات االقتصادية خاصة ما تعلق منها بالجمركة والرسوم والتعامل التجاري‪ ،‬ليتسع مجاله‬
‫فيما بعد ويشمل باقي المسائل القانونية األخرى كمركز األجانب وتنازع القوانين وغيرها‪ ،‬وقد أخذت به اتفاقية األمم لقانون البحار‬
‫لعام ‪ .0476‬ومثال لشرط الدولة األكثر رعاية‪ ،‬أبرمت الجزائر وتونس اتفاق تجاريا واتفقت عام ‪ 0441‬على إعفاء البضائع‬
‫المنتقلة في كال البلدين بنسبة ‪ % 11‬من قيمة الضرائب عند عبورها الحدود في االتجاهين‪ ،‬واتفقا أيضا على أنه إذا أبرمت أي‬
‫منهما معاهدة جديدة مستقبال مع أي دولة أخرى حول نفس الموضوع "اإلعفاء الجمركي" ووردت فهيا مزايا أكثر أو إعفاءات أكثر‬
‫في حدود ‪ %81‬مثال لهذه المنتجات فإن أي من الدولتين سوف يستفيد مباشرة منها ويطالب بتطبيق الشرط والحصول على هذه‬
‫المزايا األكبر على الرغم من أنه ليس طرفا في المعاهدة الثانية‪،‬‬
‫وفي سنة ‪ 0448‬أبرمت الجزائر والمغرب اتفاقا يعفي المنتجات والبضائع القادمة من المغرب والجزائر بنسبة ‪ %81‬من قيمة‬
‫الجمارك المفروضة‪ ،‬ففي هذه الحالة تستفيد تونس من اإلعفاء المالي والجمركي الوارد في المعاهدة الثانية بين الجزائر والمغرب‬
‫على الرغم من أن تونس ليست طرفا في هذا االتفاق وانما استفادت وفقا ألحكام شرط الدولة األولى بالرعاية المنصوص عليها في‬
‫المعاهدة المبرمة عام ‪ 41‬بين تونس والجزائر‪.‬‬
‫إال أنه ينبغي لتطبق شرط الدولة األولى بالرعاية على الغير‪ ،‬أن يكون الموضوع الذي تنظمه المعاهدة األولى التي تضمن‬
‫هذا الشرط والموضوع الذي تنظمه المعاهدة الثانية متطابقين‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ /0‬تطبيق المعاهدات على الغير بدون رضاه‬
‫يمكن أن تسري بعض أثار المعاهدة على غير أطرافها‪ ،‬وتستفيد منها الدول مباشرة وبقوة‬
‫القانون على الرغم من أنها ليست طرفا فيها‪ ،‬وتفرض عليها التزامات مباشرة وبدون رضاها‪،‬‬
‫ألن المعاهدة قد خلقت أو أنشأت مرك از موضوعيا ذو أهمية خاصة بالنسبة للغير‪.‬‬
‫ويرى الفقه الدولي أن المعاهدات التي تطبق في مواجهة الغير بغض النظر عن إبداء‬
‫رضاهم يمكن أن تصنف في طائفتين‪ :‬المعاهدات التي تنشأ أوضاعا دولية دائمة‪ ،‬والمعاهدات‬
‫التي تتضمن تقنينا لقواعد دولية عامة‪.‬‬
‫أ‪ /‬المعاهدات المنظمة ألوضاع دائمة‬
‫وتعني المعاهدات التي يتقرر فيها المركز أو النظام القانوني لمنطقة معينة أو إلقليم ما‪،‬‬
‫فمثل هذا النظام تكون له قيمة وأهمية ليس للدول التي وضعته فقط وانما حتى الدول التي لم‬
‫تساهم في وضعه باعتبار أنه يتفق مع حاجة الجماعة الدولية ويالئم مصالحها‪.‬‬
‫ومثال هذه المعاهدات‪ ،‬تلك التي تضع بعض الدول في حالة الحياد الدائم‪ ،‬كمعاهدة فيينا لعام‬
‫‪ 0701‬والتي وضعت سويس ار في حالة الحياد الدائم‪ ،‬وكذلك المعاهدة المتعلقة بالقطب الجنوبي‬
‫لعام ‪ 0414‬أين جعلت المنطقة منزوعة السالح خدمة للبشرية جمعاء‪ ،‬وكذلك المعاهدات التي‬
‫تكفل حرية المالحة في بعض المضايق والقنوات أو األنهار الدولية‪ ،‬اتفاقية القسطنطينية‬
‫المبرمة عام ‪ 0777‬حول قناة السويس والمعاهدة المتعلقة بقناة بنما لعام ‪ ،0411‬واالتفاقية‬
‫الدولية حول نهر الدانوب لعام ‪ ،0417‬فجميع هذه المعاهدات تتضمن نصوصا واضحة تقر‬
‫للغير الحق في استخدام تلك الممرات والمجاري المالحية الدولية وهذا بهدف خدمة الصالح‬
‫العام الدولي من أجل خدمة التجارة الدولة واالتصال بين األمم‪.‬‬
‫فهي كلها معاهدات أنشأت أوضاعا دولية حجة على الكافة بحيث يلتزم الجميع‬
‫باحترامها‪ ،‬سواء كانوا أطرافا فيها أو اعتبروا من الغير بالنسبة لها‪ ،‬ولكن يجب أن يراعي في‬
‫إنشائها مصلحة المجتمع الدولي‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ب‪ /‬المعاهدات التي تتضمن تقنينا لقواعد دولية عامة‬
‫إن هذه الطائفة من المعاهدات تتضمن تقنينا لقواعد دولية عامة سبق استقرارها من قبل‬
‫عن طريق العرف الدولي‪ ،‬بشرط أن ال يرتب هذا التقنين تعديل في مضمونها سواء باإلضافة‬
‫أو االنتقاص منها‪ .‬وقد أكدت على هذا المادة ‪ 37‬من اتفاقية فيينا بنصها " ليس في المواد من‬
‫‪ 31‬إلى ‪ 38‬ما يحول دون قاعدة واردة في معاهدة أن تصبح ملزمة لدولة ليست طرفا فيها‬
‫باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي ومعترف لها بهذه الصفة"‪.‬‬
‫فالمعاهدات التي تتضمن قواعد قانونية هي في األصل من أحكام العرف الدولي تكون‬
‫ملزمة للغير دون الحاجة لموافقتهم‪ ،‬ومرد ذلك هو الترابط الكبير بين قواعد القانون الدولي‬
‫االتفاقي والعرف الدولي فكليهما يعد من مصادر القانون الدولي‪.‬‬
‫كما أن المعاهدات المنشئة ألنظمة أو منظمات دولية تنطوي على التزامات وحقوق للغير‬
‫أو لبقية المجموعة الدولية ليست في حاجة إلى موافقة صريحة من قبل الدول الغير أطراف‪،‬‬
‫فالق اررات الصادرة عن منظمة عالمية أو متعلقة بها مثل ميثاق األمم المتحدة والمعاهدات المنشئة‬
‫للمنظمات الدولية كالمنظمات المتخصصة‪ ،‬تعتبر حجة على الكافة بما جاء فيها من أحكام‪.‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫بطالن وانهاء المعاهدة‬
‫ترتب المعاهدات وفق أحكام القانون الدولي مجموعة من الحقوق وااللتزامات بين‬
‫أطرافها‪ ،‬إذ يستوجب أن يتم الوفاء بها وفقا لقاعدة الوفاء بالعهود والمواثيق الدولية تحقيقا لقاعدة‬
‫استم اررية العمل بالمعاهدات الدولية‪ ،‬إال أن المعاهدة قد تكون عرضة لالنقضاء أو إيقاف‬
‫العمل بها أو إبطالها‪ ،‬إذا اعترى المعاهدة عيب يؤثر في صحتها أو طرأت عليها أحداث غيرت‬
‫من الظروف التي أبرمت في ظلها‪ ،‬كما يمكن أن تكون محل اتفاق إلنهائها أو إيقاف العمل بها‬
‫بمحض إرادة أطرافها المتعاقدة وفي ذلك يسري مبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫وطبقا لهذا فقد أقرت اتفاقية فيينا مجموعة من األحكام واإلجراءات الخاصة ببطالن‬
‫المعاهدة وانهاؤها ووقف العمل بها‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الفرع األول‪ :‬بطالن المعاهدة‬
‫يعرف البطالن على أنه اعتبار المعاهدة كأن لم تكن وتجريدها من كل قوة قانونية‪ ،‬بأن‬
‫يظهر بعد إبرامها تخلف أي من الشروط الموضوعية النعقادها‪ ،‬فالبطالن جزاء يرتبه القانون‬
‫عند خرق أحكامه‪ ،‬والمعاهدات الباطلة تعد باطلة من تاريخ إبرامها وليس فقط من تاريخ‬
‫اكتشاف البطالن المادة ‪ ،10/14‬وعموما يذكر الفقه الدولي الشروط الموضوعية لصحة‬
‫المعاهدات عند الحديث عن بطالن المعاهدة‪.‬‬
‫وقد أخذت اتفاقيتي فينا بنوعين من البطالن‪ ،‬البطالن النسبي والبطالن المطلق‪ .‬والفارق بين‬
‫البطالن المطلق والبطالن النسبي يحمل ذات المدلول الذي له في النظم القانونية الوطنية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬البطالن النسبي للمعاهدات‬
‫البطالن النسبي هو الجزاء الذي يترتب على اإلخالل بالقواعد الموضوعية لحماية‬
‫المتعاقدين‪ ،‬ويتحقق هذا النوع من البطالن إذا استوفى العقد أركانه‪ ،‬ولكن تخلف فيه شرط من‬
‫شروط الصحة‪ ،‬وهذا الجزاء أقل خطورة من البطالن المطلق‪ ،‬ولهذا يأخذ العقد القابل لإلبطال‬
‫حكم العقد الصحيح فهو يرتب آثاره القانونية حتى يقضي ببطالنه بناء على من طلب البطالن‬
‫لمصلحته‪ ،‬ما لم يكن قد انقضى حقه في ذلك باإلجازة‪ ،‬واذا تقرر البطالن زال العقد بأثر رجعي‬
‫وكأنه لم يكن فيصبح هو والعقد الباطل بطالنا مطلقا على حد السواء‪ ،‬فالمعاهدة تصبح باطلة‬
‫إذا ظهر بعد إبرامها تخلف شرط من الشروط الالزمة لكي تنعقد صحيحة‪.‬‬
‫وقد حددت اتفاقية فينا لعام ‪ 0414‬أوضاع البطالن النسبي للمعاهدات على سبيل‬
‫الحصر في حاالت خمس‪:‬‬
‫‪ -1‬عندما تكون هناك مخالفة لحكم من أحكام القانون الداخلي للدولة متعلق باالختصاص‬
‫بإبرام المعاهدات (المادة ‪.)11‬‬
‫‪ -0‬عندما تكون سلطة ممثل الدولة في التعبير عن ارتضائها قد خضعت لتقييد خاص‪ ،‬وتم‬
‫إبالغ هذا القيد إلى الطرف المتعاقد اآلخر (المادة ‪.)18‬‬
‫‪ -2‬حالة الغلط (المادة ‪.)17‬‬

‫‪79‬‬
‫وحتى نكون أمام الغلط واعتباره عيب من عيوب الرضا ال بد من توفر فيه أربعة شروط (أن‬
‫يكون الغلط في الواقع وليس في القانون‪ ،‬أال تساهم الدولة بسلوكها في الوقوع في الغلط‪ ،‬وأال‬
‫تكون الظروف المالبسة قد نبهتها‪ ،‬وأن يشكل الغلط أساسا جوهريا في حمل الدولة على التقيد‬
‫بالمعاهدة وقت إبرامها‪ ،‬أن ال يكون الغلط في تحرير نصوص المعاهدة أو صياغة هذه‬
‫النصوص)‪.‬‬
‫‪ -2‬حالة الغش أو التدليس (المادة ‪)14‬‬
‫ويقصد به تعمد أحد أطراف المعاهدة خداع الطرف اآلخر عن طريق إدالئه بمعلومات أو‬
‫بيانات أو مستندات مزورة‪ ،‬وبهذا فهو يقوم على عمل إيجابي مفاده حمل الطرف المتعاقد على‬
‫تصور األمر على غير حقيقته وفق نية سيئة ومبيتة بشكل سابق‪.‬‬
‫‪ -5‬حالة إفساد ممثل الدولة (المادة ‪)11‬‬
‫ففي هذه الحالة ممثل الدولة يعلم علم اليقين أن موقفه يتعارض مع مصالح دولته التي‬
‫يمثلها‪ ،‬ولكنه يتغاضى عن ذلك نتيجة لمقابل يحصل عليه‪ ،‬مطالب الدولة صاحبة المصلحة‪،‬‬
‫دون مراعاة مصالح الدولة التي يمثلها مقابل الرشوة أو المصلحة أو اإلغراء الذي يحصل عليه‪.‬‬
‫في هذه الحاالت الخمس‪ ،‬يجوز للدولة صاحبة المصلحة أن تتمسك ببطالن هذه‬
‫المعاهدة أو أن تجيزها‪ ،‬فتنقلب المعاهدة صحيحة بعد أن كانت باطلة في حالة الموافقة على‬
‫بقاء المعاهدة نافذة بعد العلم بالوقائع المبطلة (سواء كانت الموافقة صريحة أو ضمنية)‪ ،‬وتعتبر‬
‫آثارها نافذة منذ وقت إبرامها‪ ،‬كما يجوز للدولة أن تتمسك بالبطالن وفي هذه الحالة تصبح‬
‫المعاهدة باطلة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬البطالن المطلق للمعاهدات‬
‫ويقصد به اعتبار المعاهدة كأنها لم تكن‪ ،‬وال تشكل أي قوة ملزمة ألطرافها وأن أحكامها‬
‫مجردة من كل قيمة قانونية‪ ،‬والبطالن المطلق ينتح عن تصرف قانوني مشوب بعيب اإلكراه أو‬
‫التعارض مع النظام العام‪.‬‬
‫ويحدث البطالن المطلق للمعاهدات في ثالث حاالت وردت على سبيل الحصر في‬
‫اتفاقية فينا لعام ‪.0414‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ -1‬إكراه ممثل الدولة (المادة ‪.)10‬‬
‫‪ -0‬إكراه الدولة عن طريق التهديد بالقوة واستعمالها (المادة ‪.)16‬‬
‫‪ -2‬في حالة مخالفة موضوع المعاهدة لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولية (المادة ‪13‬‬
‫والمادة ‪.)11‬‬
‫لقد جعلت اتفاقية فينا البطالن المطلق هو جزاء المعاهدات المبرمة بواسطة اإلكراه ألنها‬
‫تجعل اإلرادة أو الرضا منعدمة‪ ،‬مما يجعل المعاهدة مجردة من كل أثر قانوني استنادا للقاعدة‬
‫التي تقضي أن ما يؤسس على الباطل فهو باطل‪.‬‬
‫كما أنه لمشروعية موضوع التعاقد أهمية كبرى تحت طائلة البطالن المطلق وفق نص‬
‫المادة ‪ ،13‬فأي معاهدة تبرم مخالفة لقواعد القانون الدولي أو قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي‬
‫تعتبر باطلة بطالنا مطلقا‪ ،‬بل إن المادة ‪ 11‬نصت على أنه إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد‬
‫القانون الدولي‪ ،‬فإن أي معاهدة باطلة تتعارض معها تعتبر باطلة وينتهي العمل بها‪.‬‬
‫وال يمكن تصحيح البطالن المطلق بإجازته من األطراف المعنية‪ ،‬إذ تفيد المادة ‪ 11‬من اتفاقية‬
‫فيينا أن حاالت إكراه ممثل الدولة بالتهديد أو استخدام القوة والمعاهدات المتعارضة مع قاعدة‬
‫آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي‪ ،‬ليست من الحاالت التي يمتنع فيها على الدولة بعد‬
‫وقوفها على الوقائع التمسك بها إذا سبق لها أن وافقت صراحة أو ضمنا على أن المعاهدة‬
‫صحيحة‪ ،‬فاإلجازة ال تلحق المعاهدة في هذه الحاالت‪ ،‬وهذا دليل على أن البطالن المقصود‬
‫فيها هو البطالن المطلق‪ ،‬واذا قبلت الدولة ضحية اإلكراه أن يكون للمعاهدة أثر قانوني فال‬
‫تملك ذلك عن طريق إجازة المعاهدة الباطلة وانما عن طريق عقد معاهدة جديدة‪.‬‬
‫ويمكن أن يقع بطالن المعاهدة بناء على طلب أي دولة معنية بها‪ ،‬سواء كانت طرفا فيها أم‬
‫ال‪ ،‬كما يمكن أن تعتبر باطلة أمام أي جهة تثور أمامها مشكلة تطبيقها سواء كانت جها از‬
‫قضائيا أو منظمة دولية أو غيرها‪ ،‬حتى ولو لم يطلب أي طرف أو أية دولة معنية ببطالنها‪.‬‬
‫كما أن االتفاقية لم تأخذ بمبدأ تقسيم المعاهدة وتجزئتها في مجال البطالن المطلق‪ ،‬فالمعاهدة‬
‫المتعارضة مع قاعدة آمرة أو المبرمة تحت اإلكراه ال يسري عليها مبدأ التقسيم وانما هي باطلة بجميع‬
‫أجزائها‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ويضيف بعض الفقه إلى االتفاقيات الباطلة االتفاقيات غير المتكافئة وهي تلك‬
‫المعاهدات التي تتنازل فيها دولة عن أوصاف سيادتها عن إقليمها لصالح دولة غير‪.‬‬
‫وما يجب اإلشارة إليه في األخير أن اتفاقية فيينا لم تفرق بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات‬
‫الجماعية من حيث آثار البطالن‪ ،‬غير أنه يمكن القول أن في المعاهدة الثنائية تتوقف المعاهدة‬
‫بمجموعها عن إنتاج آثارها القانونية بالنسبة للدولتين‪ ،‬أما إذا كانت المعاهدة جماعية‪ ،‬فالبطالن‬
‫في هذه الحالة ال ينتج بالضرورة اآلثار ذاتها بالنسبة لكل الدول التي كان رضاها معيبا والدول‬
‫األخرى في المعاهدة‪ ،‬فتبقى المعاهدة من حيث المبدأ سارية على العالقات بين هذه الدول‬
‫األخيرة‪ .‬وهذا ما أشارت إليه الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 14‬من االتفاقية " في حالة بطالن رضا دولة‬
‫ما االلتزام بالمعاهدة الجماعية تسري القواعد السابقة في العالقات بين تلك الدول واألطراف‬
‫األخرى في المعاهدة"‪ ،‬غير أن هذا الحكم ال ينطبق في حال ما تعلق البطالن بمخالفة القاعدة‬
‫اآلمرة أين تبطل المعاهدة بصرف النظر عن الوضع أو المركز القانوني ألطراف المعاهدة‬
‫ثالثا‪ :‬آثار إبطال المعاهدة‬
‫تناولت اتفاقية فيينا اآلثار المترتبة على بطالن المعاهدة من خالل نص المادة ‪ 14‬منها والتي‬
‫نجدها تتعدد كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم ترتيب المعاهدة الباطلة ألي أثر قانوني‪ ،‬وحدوث البطالن بأثر رجعي‬
‫أول ما يترتب على بطالن المعاهدة هو إنهاء الرابطة التعاقدية‪ ،‬فالبطالن ذو أثر رجعي‬
‫يصيب المعاهدة منذ لحظة إبرامها وليس من لحظة اكتشاف سبب البطالن‪ ،‬ما عدا حالة المادة‬
‫‪( 11‬ظهور قاعدة جديدة)‪ ،‬أما من حيث اآلثار المترتبة على البطالن فال فرق بين البطالن‬
‫النسبي والبطالن المطلق‪ ،‬حيث أن كل معاهدة باطلة ال أثر لها‪ .‬كما أن اكتشاف البطالن قبل‬
‫ا لتنفيذ يحرر األطراف من كل التزام ويعود كل منها إلى الوضع الذي كان عليه قبل إبرام‬
‫المعاهدة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -0‬إعادة الوضع إلى ما كان عليه وقت اإلبرام‬
‫وعليه يمكن لألطراف إمكانية العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل إبرام المعاهدة‬
‫(‪ )16/14‬بشرط أن تكون العودة ممكنة‪ ،‬أما في حالة االستحالة فليس هناك إال االحتفاظ بهذه‬
‫اآلثار واعتبار المعاهدة باطلة بالنسبة للتصرفات الالحقة على صدور حكم البطالن‪.‬‬
‫ويفترض في هذه الحالة حسن النية‪ ،‬لهذا يمكن اعتبار أن األعمال التي تم تنفيذها طبقا لمبدأ‬
‫حسن النية – قبل التمسك بالبطالن‪ -‬تعتبر مشروعة ألن حسن النية يعفي الطرف من آثار‬
‫عدم المشروعية الذي قد تترتب على تنفيذ المعاهدة باطلة وهو األهم‪ ،‬ولهذا كل تصرف الحق‬
‫على كشف سبب البطالن يعد من قبيل سوء النية وال يدخل ضمن التصرفات التي أوردتها‬
‫المادة ‪.16/14‬‬
‫‪ -2‬عدم تأثر بعض األعمال و االلتزامات أو مراكز قانونية بمبدأ الرجعية من البطالن‬
‫نصت المادة ‪ 14‬في فقرتها الثانية والثالثة بأن األعمال التي تم تنفيذها بحسن نية قبل‬
‫التمسك بالبطالن تعتبر مشروعة ألنها تصرفات قانونية‪ ،‬بينما يبطل ويدخل في دائرة سوء النية‬
‫ابتداء من اللحظة التي يثار فيها العيب المبطل للمعاهدة‪ ،‬كما ال يمكن للطرف سيئ النية‬
‫االحتفاظ بآثار المعاهدة الباطلة‪ ،‬أما المادة ‪ 80‬فقرة ‪ 6‬فإنها تنص على اآلثار المترتبة على‬
‫تنفيذ المعاهدة خالل الفترة السابقة على ظهور القاعدة اآلمرة الجديدة‪ ،‬ألن المعاهدة كانت‬
‫صحيحة وقت إبرامها‪ ،‬كما أن األعمال تمت بحسن نية‪ ،‬أما إذا بدأت هذه األعمال ولم تنته ثم‬
‫ظهرت قاعدة دولية آمرة جديدة ‪ ،‬يجب التوقف عن تنفيذ المعاهدة‪.‬‬
‫‪ -2‬المعاهدة الباطلة بطالنا مطلقا ال تقبل اإلجازة أو التعديل أو التصحيح‬
‫طالما أن المعاهدة باطلة نتيجة اإلكراه أو نتيجة مخالفتها لقاعدة دولية آمرة تعتبر معدومة‬
‫وكأنها لم تكن‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه المادة ‪ 14‬فقرة ‪ 0‬حين نصت على أن المعاهدة التي يثبت‬
‫عدم صحتها وفقا لالتفاقية الحالية باطلة وليس لنصوص المعاهدة الباطلة قوة قانونية‪.‬‬
‫‪ – 5‬تجزئة المعاهدة الباطلة بالنسبة ألطرافها في المعاهدات المتعددة األطراف‬
‫إذا احتجت دولة ما بعيب في إرادتها بااللتزام بمعاهدة جماعية فإن البطالن ينتج آثاره‬
‫بين هذه الدولة والدول األخرى فقط‪ ،‬حيث تبقى المعاهدة سارية المفعول بين بقية الدول فيما‬

‫‪83‬‬
‫بينها‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه المادة ‪ 14‬فقرة ‪ 1‬من اتفاقية فيينا‪ .‬غير أن هذه القاعدة ال تطبق في‬
‫حالة بطالن المعاهدة بسبب مخالفتها لقاعدة آمرة في القانون الدولي‪ ،‬ألنه في هذه الحالة‬
‫البطالن أصاب المعاهدة بشكل موضوعي ال عالقة له بصحة الرضا أو سالمة اإلرادة ‪،‬‬
‫فينتهي وجودها كلية في مواجهة الجميع‪.‬‬
‫‪ -5‬تجزئة المعاهدة الباطلة بالنسبة لنصوصها‬
‫ينصرف البطالن من حيث المبدأ إلى مجموع المعاهدة‪ ،‬وهذا ما ورد النص عليه في‬
‫المادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا‪ ،‬إال أن المعاهدة قد تتضمن أحكاما يمكن تطبيقها باالستقالل عن‬
‫بقية األحكام األخرى‪ ،‬بمعنى أن هناك حاالت يمكن فيها تجزئة المعاهدة‪ ،‬وابطال بعض‬
‫أحكامها‪ ،‬مع استمرار نفاذ سائر األحكام األخرى‪ ،‬لكن بشروط بينتها الفقرة الثالثة من المادة ‪11‬‬
‫وهي‪ :‬إذا كان من الممكن فصل البنود عن بقية بنود المعاهدة في التطبيق‪ ،‬إذا ثبت من‬
‫المعاهدة أو بطرق أخرى أن قبول هذه البنود لم يكن أساسا ضروريا الرتضاء الطرف أو‬
‫األطراف األخرى االلتزام بالمعاهدة ككل‪ ،‬إذا لم يكن في تنفيذ المعاهدة إجحافا‪.‬‬
‫غير أنه ال يجوز الفصل بين أحكام المعاهدة إذا كان سبب البطالن إكراه ممثل الدولة أو إكراه‬
‫الدولة بالتهديد أو استخدام القوة‪ ،‬أو مخالفة المعاهدة لقاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون‬
‫الدولي‪ ،‬ففي هذه الحاالت تكون المعاهدة باطلة بمجملها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إنهاء المعاهدات وايقاف العمل بها‬
‫يقصد بإنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها وضع حد الستمرار نفاذ المعاهدة كما كان‬
‫مقر ار لها من قبل‪ ،‬ألسباب قد تط أر بعد تنفيذ المعاهدة بفترة رغم أن المعاهدة عقدت بشكل‬
‫صحيح من حيث الشكل والموضوع‪ ،‬إال أن اإلنهاء يختلف عن اإليقاف باعتبار أن اإلنهاء‬
‫يؤدي إلى وضع حد لوجود المعاهدة القانوني وال يمكن العودة إليها ثانية إال بإبرام معاهدة‬
‫جديدة‪ .‬بينما اإليقاف فإن المعاهدة تظل قائمة قانونا‪ ،‬بحيث يمكن ألطرافها أن يعودوا إلى‬
‫تنفيذها باالتفاق بينهم على ذلك‪ ،‬إن لم يقرروا إنهاؤها صراحة أو تنتهي بإبرام معاهدة الحقة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫واألسباب التي تؤدي إلى إنهاء أو إيقاف العمل بها قد يكون منصوصا عليها في ذات المعاهدة‬
‫وتسمى عندئذ باألسباب االتفاقية‪ ،‬وقد يكون إنهاء المعاهدة أو اإليقاف العمل بها إلى أسباب‬
‫خارجة عن إرادة األطراف وتسمى عندئذ باألسباب غير اإلرادية أو األسباب الخارجية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬األسباب االتفاقية إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها‬
‫تستند األسباب االتفاقية المؤدية إلى إنهاء المعاهدات أو إيقاف العمل بها إلى إرادة‬
‫أطراف المعاهدة التي عبروا عنها في ذات المعاهدة‪ ،‬أو بواسطة اتفاق منفصل عن المعاهدة و‬
‫الحق عليها‪ ،‬يبين أسباب إنهاء أو إيقاف العمل بها‪ .‬وقد نصت المادة ‪ 11‬من اتفاقية فينا على‬
‫أن إنهاء المعاهدة أو انسحاب أحد أطرافها يجوز أن يتم‪:‬‬
‫أ ‪ -‬وفقا ألحكام المعاهدة‪ ،‬أو‬
‫ب‪ -‬في أي وقت من األوقات بموافقة األطراف بعد التشاور مع الدول المتعاقدة األخرى‪.‬‬
‫‪ /1‬إنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها بموجب أحكامها‪:‬‬
‫أي أن المعاهدة تتضمن نصا أو نصوصا صريحة تتعلق بتحديد أسباب انتهائها والتي‬
‫يمكن أن تأخذ الصور التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬حالة التنفيذ الكلي ألحكام المعاهدة‪ :‬أي أن المعاهدة تنتهي بتنفيذها تنفيذا كامال ( وتكون‬
‫في المعاهدات التي تتناول مواضيع يستوجب بحكم تطبيقها أن يتم تنفيذها في زمن محدد‪،‬‬
‫كالتنازل عن إقليم‪ ،‬أو تعيين الحدود‪ ،)...‬المعاهدات التجارية‪.‬‬
‫ب‪ -‬حلول األجل في المعاهدة‪ :‬تنتهي المعاهدة بانتهاء األجل المحدد لسريانها‪ ،‬إذا نصت‬
‫المعاهدة على أن المعاهدة تسري ألجل محدد‪ ،‬ما لم يتفق أطرافها على تجديد العمل بها‪ ،‬وعادة‬
‫ما تتضمن معاهدات التحالف أو التحكيم اإلجباري‪ ،‬والمعاهدات التي تبيح استئجار أجزاء معينة‬
‫من إقليم الدولة إلقامة منشآت عليها ألي غرض كان (كاستخدامها قاعدة عسكرية مثال)‪،‬‬
‫نصوصا تحدد من خاللها آجال سريانها والتي ينتهي العمل بها متى انقضت تلك اآلجال‪.‬‬
‫ج‪ -‬انقضاء المعاهدة بتحقق الشرط الفاسخ فيها‪ :‬يقصد بالشرط الفاسخ أن يعلق أطراف‬
‫المعاهدة انقضائها على تحقق بعض الوقائع التي سبق لهم أن توقعوا إمكان تحققها‪ ،‬دون تحديد‬
‫دقيق لتاريخ حدوثه اعتمادا إلى التأكد من تحققه يوما ما‪ .‬كأن تتعهد دولة بموجب معاهدة مع‬

‫‪85‬‬
‫دولة أخرى عن التنازل عن إقليم متنازع عليه بين الدولتين‪ ،‬شريطة إجراء استفتاء لسكان هذا‬
‫اإلقليم‪ ،‬فإذا كانت نتيجة االستفتاء اختيار األغلبية من السكان البقاء تحت سيادة الدولة المتنازلة‬
‫فإن التنازل أو التعهد السابق ينقضي وينتهي‪.‬‬
‫د‪ -‬النص على نقض المعاهدة أو االنسحاب منها‪ :‬نقض المعاهدة أو االنسحاب منها عبارة‬
‫عن إخطار أو إشعار يصدر عن اإلرادة المنفردة لطرف أو أكثر‪ ،‬يعرب من خالله التحلل من‬
‫أحكام المعاهدة‪ ،‬وينهي االنسحاب المعاهدة الثنائية إذا كان مشروعا‪ ،‬أما المعاهدات المتعددة‬
‫األطراف فال يؤثر االنسحاب منها على بقاء المعاهدة قائمة بين األطراف األخرى في المعاهدة‪.‬‬
‫وتضع المعاهدات التي تجيز االنسحاب عادة شروطا معينة له‪ ،‬كضرورة إخطار األطراف األخر قبل‬
‫االنسحاب بمدة زمنية معينة‪ ،‬بحيث ال ينتج االنسحاب أثره إال بعد نهاية تلك المدة‪.‬‬
‫تجدر االشارة أن االنسحاب ال يدخل في طائفة األسباب االتفاقية النقضاء المعاهدات مالم يكن‬
‫منصوص عليه صراحة في صلب المعاهدة‪.‬‬
‫‪ /0‬إنهاء المعاهدة بموجب اإلرادة الالحقة ألطرافها‬
‫إنهاء المعاهدة في هذه الحالة لم يكن باالستناد إلى نص صريح أو ضمني فيها‪ ،‬وانما تم‬
‫باالستناد إلى اتفاق الحق يفيد توجه إرادة أطرافها إلى إنهائها‪ ،‬أو عقد معاهدة جديدة تتعارض‬
‫أحكامها مع أحكام المعاهدة السابقة‪.‬‬
‫ويشترط في هذه الحالة أن يتحقق االتفاق لدى كافة أطراف المعاهدة األولى على إلغائها‬
‫صراحة‪ ،‬واما ضمنا بأن تبرم المعاهدة الثانية بينهم جميعا‪ .‬وهذا ما يستفاد من المادة ‪11‬‬
‫ثانيا‪ :‬األسباب غير االتفاقية إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها‬
‫عديدة هي األسباب غير االتفاقية التي تؤدي إلى إنهاء المعاهدات أو إيقاف العمل بها‪،‬‬
‫وهذه األسباب جميعا تتفق في خاصية مشتركة هي أنها ال تستند إلى اإلرادة الصريحة أو‬
‫الضمنية ألطراف المعاهدة المعنية‪ ،‬وانما ترجع إلى وقوع أحداث طارئة والحقة على إبرام‬
‫المعاهدة تؤدي إلى انقضائها أو إيقاف العمل بأحكامها‪ ،‬ومن بين هذه األسباب‪:‬‬

‫‪86‬‬
‫أ‪ -‬اإلخالل الجوهري بأحكام المعاهدة‬
‫في حالة إخالل أحد األطراف أو البعض بااللتزامات الناشئة عن المعاهدة‪ ،‬فإنه من حق‬
‫الطرف أو األطراف اآلخرين أن يفسخوا المعاهدة أو أن يوقفوا العمل بها إما جزئيا أو كليا‪،‬‬
‫بشرط أن يكون اإلخالل بالمعاهدة إخالال جوهريا‪ ،‬وقد ميزت المادة ‪ 11‬بين اإلخالل الجوهري‬
‫في المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية‪ ،‬فاإلخالل الجوهري بأحكام معاهدة ثنائية من‬
‫جانب أحد طرفيها يخول للطرف اآلخر التمسك بهذا اإلخالل كأساس إلنهاء المعاهدة أو إيقاف‬
‫العمل بها كليا أو جزئيا‪ .‬وحتى ينتج هذا اإلخالل مثل هذا األثر فال بد من قبول الطرف المخل‬
‫بذلك‪ ،‬أما في حالة عدم قبوله فيحل النزاع بين الطرفين بالطرق المعروفة لتسوية المنازعات‪.‬‬
‫أما إذا كان اإلخالل يتعلق بمعاهدة جماعية فإن األمر يختلف‪ ،‬وقد وضعت الفقرة الثانية من‬
‫المادة السالفة الذكر عدة أحكام في هذا الشأن‪ ،‬فيخول للطرف الذي تأثر بصورة خاصة من‬
‫ذلك اإلخالل التمسك به إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها في العالقة بينه وبين الطرف الذي‬
‫أخل بالتزاماته‪ ،‬كما أن لجميع األطراف اآلخرين منفردين أو مجتمعين اإلعالن عن إنهاء‬
‫المعاهدة أو إيقاف العمل بها‪:‬‬
‫(أ) في حدود العالقة بين كل منهم من جهة‪ ،‬وبين من أخل بأحكام المعاهدة‪،‬‬
‫(ب) أو في العالقة بين جميع أطراف المعاهدة‬
‫ولغرض إنهاء المعاهدة نتيجة إخالل الطرف اآلخر بها يشترط‬
‫(أ) أن يكون إخالل الطرف اآلخر جوهريا‬
‫(ب) أال تتعلق األحكام التي يراد إنهاؤها أو إيقاف العمل بها بالحماية المقررة لألشخاص في‬
‫المعاهدات ذات الطابع اإلنساني‪ ،‬وبخاصة األحكام التي تحظر أي شكل من أشكال االنتقام‬
‫من األشخاص المحميين بموجب تلك المعاهدات‪ ،‬حيث ال يجوز تعطيل العمل بمثل هذه‬
‫األحكام‪ ،‬ولو كان الطرف اآلخر أخل بها إخالال جوهريا‪.‬‬
‫ب‪ -‬استحالة التنفيذ نتيجة للقوة القاهرة‬
‫قد تظهر أثناء حياة المعاهدة أوضاع ليس لها بإرادة األطراف‪ ،‬ويكون من شأنها‬
‫استحالة االستمرار في تنفيذ المعاهدة‪ ،‬وقد تكون االستحالة استحالة موضوعية ( اختفاء أو‬

‫‪87‬‬
‫هالك الشيء محل التعاقد) أو استحالة قانونية كأن تعقد ثالث دول تحالف ثم تندلع حرب بين‬
‫اثنين ففي هذه الحالة تكون الدولة الثالثة في حل من التزاماتها‪.‬‬
‫وقد ميزت المادة ‪ 10‬بين االستحالة المطلقة والتي يترتب عليها إنهاء المعاهدة وبين‬
‫االستحالة المؤقتة والتي يترتب عليها وفق التنفيذ إلى أن تتغير الظروف ويصبح باإلمكان‬
‫التنفيذ‪ ،‬وتنقضي المعاهدة أو يوقف العمل بها ابتداء من تاريخ استحالة التنفيذ وليس من تاريخ‬
‫االحتجاج‪.‬‬
‫ج‪ -‬التغير الجوهري في الظروف‬
‫تبرم معاهدة في ظل ظروف معينة لذا فإن استمرار تنفيذها والعمل بها يرتبط كثي ار‬
‫باستمرار تلك الظروف‪ ،‬غير أنه كثي ار ما تتغير هذه الظروف تغي ار جوهريا يترتب عليه أن‬
‫يصبح تنفيذ المعاهدة مرهقا إلحدى الدول المتعاقدة‪ ،‬وعلى نحو من شأنه المساس بمصالحها‬
‫الحيوية‪ .‬وقد خصت اتفاقية فيينا لعام ‪ 0414‬نصا خاصا بالتغير الجوهري للظروف في المادة‬
‫‪ 16‬أين يمكن للطرف المتضرر أن يوقف العمل بالمعاهدة‪ ،‬باستثناء المعاهدات المنشة للحدود‪،‬‬
‫أو إذا كان هذا التغير الجذري للظروف نتيجة إخالل الطرف الثاني بالتزاماته (وال يعتد بالتغير‬
‫الحاصل في النظام السياسي‪ ،‬التغير في القوة والنفوذ‪ ،‬صعوبة تنفيذ االلتزامات)‪،‬‬
‫وقد حددت المادة مجموعة من الشروط يجب توافرها حتى يمكن االعتداد بتغير الظروف‬
‫كسبب إلنهاء المعاهدة أو إيقافها‪ :‬أوال أن يكون التغيير في الظروف التي أبرمت فيها المعاهدة‬
‫وفي ظلها جوهريا‪ ،‬ثانيا أن ال يكون ذلك التغيير متوقعا وقت إبرام المعاهدة‪ ،‬ثالثا أن ينال‬
‫التغيير الجوهري من الظروف التي كانت أساسا لرضا األطراف‪ ،‬رابعا أن يترتب على تغيير‬
‫الظروف تبدل جوهري في نطاق االلتزامات المستقبلية ألطرافها‪ ،‬وليس تلك التي تم الوفاء بها‪.‬‬
‫د‪ -‬تعارض مضمون المعاهدة مع قاعدة جديدة من قواعد النظام العام الدولي‬
‫سبق لنا اإلشارة أنه يشترط لصحة المعاهدات أن ال يكون موضوعها ال يتعارض مع‬
‫قواعد النظام العام الدولي‪ ،‬فإذا كانت المعاهدة وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد‬
‫النظام العام الدولي فهي باطلة بطالنا مطلقا من وقت إبرام المعاهدة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫غير أن القاعدة اآلمرة في النظام الدولي يمكن أن تكون كذلك سببا من أسباب انقضاء المعاهدة‬
‫التي أبرمت بشكل صحيح‪ ،‬ولكن في حالة ما إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون‬
‫الدولي فإن أي معاهدة قائمة تتعارض معها تعتبر باطلة وينتهي العمل بها‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه‬
‫المادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا‪.‬‬
‫و‪ -‬حالة الحرب‬
‫تعد الحرب سببا من أسباب انقضاء المعاهدات التي كانت تربط الدول المتحاربة وقت‬
‫السلم حسب النظرية التقليدية‪ ،‬أما النظرية الحديثة فإنها ال تقر بهذا األثر بصفة عامة وانما‬
‫تميز بين عدة أنواع من المعاهدات‪ .‬فالحرب ال تؤثر في‪:‬‬
‫‪ -‬المعاهدات المنشئة لمراكز موضوعية‪ :‬كمعاهدة التنازل عن إقليم معين معاهدات تعيين‬
‫الحدود‪ ،‬أو المعاهدات المتعلقة بالحياد الدائم أو وضع القنوات والمضايق الدولية‪ ،‬غير أنه ليس‬
‫هناك ما يمنع الدول عند انتهاء الحرب من تقرير إلغائها أو تعديلها في معاهدة سالم‪.‬‬
‫‪ -‬المعاهدات التي يكون الغرض منها تنظيم حالة الحرب نفسها‪ :‬فهذه المعاهدات تصبح نافذة‬
‫بمجرد قيام الحرب ألنها وضعت لظروف الحرب‪( ،‬كمعاملة األسرى‪ ،‬الموقوفين تنظيم الحرب‬
‫البرية‪.)...‬‬
‫‪ -‬المعاهدات المنصوص في بنودها صراحة على عدم تأثرها بحالة الحرب‪ :‬فالقاعدة القائلة‬
‫بانقضاء المعاهدات بقيام الحرب هي قاعدة مقررة يجوز االتفاق على تجاوزها‪ ،‬أي أنها ليست‬
‫من القواعد اآلمرة‪ ،‬فالمعاهدات الثنائية المتعلقة بحقوق األفراد تظل قائمة وان توقف تنفيذها‬
‫خالل الحرب‬
‫‪ -‬ال يترتب على قيام الحرب بين بعض الدول في المعاهدات المتعددة األطراف إنهاء‬
‫المعاهدة الجماعية‪ :‬بل تظل سارية بين الدول غير المتحاربة وبين كل من الدول المتحاربة‪،‬‬
‫فالحرب توقف العالقة بين الدول المتحاربة إلى أن تنتهي الحرب بإبرام معاهدة صلح‪.‬‬
‫وبشأن الحرب كسبب إلنهاء المعاهدة أو تعليق تنفيذها نجد أن اتفاقية فيينا لعام ‪0414‬‬
‫لم تتضمن أحكاما تفصيلية لحالة الحرب وانما اكتفت بما أوردته من إحالة ضمنية إلى قواعد‬
‫القانون الدولي العام بنص المادة ‪ 83‬منها‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫كما حرصت االتفاقية في مادتها ‪ 13‬على اإلشارة إلى أن قطع العالقات الدبلوماسية أو‬
‫القنصلية بين أطراف المعاهدة ال يترتب عليه انقضاء أو وقف المعاهدات السارية النفاذ إال‬
‫إذا كان قيام العالقات يعتبر ضروريا لتطبيق المعاهدة‪ ،‬وهذا ما سبق وأن أكدته المادة ‪ 11‬من‬
‫اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية‪ ،‬على عدم تأثير قطع العالقات الدبلوماسية على تطبيق‬
‫االتفاقية نفسها أو على األقل الحد األدنى من الضمانات الواردة فيها‪.‬‬
‫ويكمن السبب في أن قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية ال يؤثر على بقاء المعاهدة أو‬
‫على التزام األطراف بتنفيذها‪ ،‬في الرغبة في تحقيق استقرار وأمان العالقات القانونية الدولية‪،‬‬
‫ألنه إذا كان يترتب على قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية انقضاء المعاهدات الدولية بقوة‬
‫القانون‪ ،‬فإن كل دولة ترغب في التخلص من التزاماتها التعاقدية يمكنها أن تلجأ إلى قطع تلك‬
‫العالقات في أي وقت وبال ضابط‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫العرف الدولي‬

‫يعتبر العرف الدولي المصدر الثاني للقانون الدولي العام بعد المعاهدات الدولية‪ ،‬و قد‬
‫كان مصد ار لمجموعة كبيرة من القواعد التي شكلت القسم األكبر من قواعد القانون الدولي العام‬
‫المعترف بها‪ ،‬غير أن حركة التقنين قللت من أهميته إذ أن كثيار من األحكام العرفية تضمنتها‬
‫االتفاقيات المبرمة ابتداء من القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف العرف الدولي أنواعه‬


‫أوال‪ :‬تعريف العرف الدولي‬
‫العرف الدولي هو مجموعة من القواعد القانونية تنشأ في المجتمع الدولي بسبب تكرار‬
‫الدول لها لفترة زمنية طويلة‪ ،‬وبسبب التزام هذه الدول بها في تصرفاتها الدولية‪ ،‬واعتقادها بأن‬
‫هذه القواعد تتصف بطابع اإللزام‪ .‬ويعرف العرف أيضا أنه " مجموعة من األحكام القانونية‬
‫نشأت من تكرار التزام الدول بها في تصرفاتها مع غيرها في حاالت معينة بوصفها قواعد‬
‫تكتسب في اعتقاد غالبية الدول وصف االلتزام القانوني"‪.‬‬
‫والمادة ‪ 37‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية العرف بقولها " العادات الدولية‬
‫المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر االستعمال " أي العادات الدولية التي يأتيها‬
‫أشخاص المجتمع الدولي خصوصا الدول والمنظمات الدولية ‪ ،‬والتي تحظى بالتطبيق واالحترام‬

‫‪91‬‬
‫من طرف هؤالء األشخاص‪ ،‬والتي تعتبر بمثابة قانون يدل عليه التواتر واالستمرار في‬
‫االستعمال دون انقطاع‪.‬‬
‫يتميز العرف الدولي بمجموعة من الخصائص أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬يعتبر العرف الدولي تعبي ار عن تعامل مشترك ناتج عن سوابق أي عن تكرار مجموعة من‬
‫التصرفات ترضى الدول بها‪ ،‬فالتشابه في مواقف الدول من حادثة أو واقعة معينة يتيح االستنتاج‬
‫حول وجود تعامل مشترك ضمني بين الدول يتصف بالعمومية أي يتفق عليه عامة الدول‪.‬‬
‫‪ُ -‬يشترط في العرف أن يحظى بالقبول لدى الدول على أنه قانون ملزم‪ ،‬ولذلك فالعرف يمثل‬
‫تعامال إلزاميا‪ ،‬وقد أكد ذلك قرار محكمة العدل الدولية المتعلق بقضية الجرف القاري لبحر‬
‫الشمال‪ ،‬الصادر في ‪ 20‬فيفري ‪ ، 1969‬عندما نص على أنه" ‪:‬ال يكفي أن تمثل األعمال‬
‫المتكررة تعامال ثابتا‪ ،‬بل عليها أيضا أن تُثبت‪ ،‬بطريقتها االقتناع بأن هذا التعامل صار ملزما‬
‫بوجود قاعدة قانونية‬
‫‪ -‬يمثل العرف تعامال مرنا قابال للتطور بمقدوره مواكبة األحداث والمتغيرات الدولية المختلفة‬
‫والتجاوب مع األهداف والضرورات الدولية ولو بشكل بطيء‪ ،‬وهذا ما يميزه عن القواعد الدولية‬
‫التعاقدية التي تتسم بطابع الجمود نظر الشتراطها إلجراءات شكلية خاصة لتعديلها أو تغييرها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع العرف الدولي‬

‫هناك عدة تقسيمات وأنواع للعرف إال أن المتعارف عليه هو العرف العام والعرف الخاص‬
‫أما العرف العام فيقصد به ذلك العرف الذي يسري على كل أشخاص القانون الدولي‪ ،‬وبالتالي‬
‫ال يقتصر تطبيقه على جزء معين من الكرة األرضية أو في العالقة بين عدد معين من‬
‫أشخاص القانون الدولي‬

‫أم ا العرف الخاص فيقصد به تلك األعراف السائدة بين مجموعة من الدول في منظمة‬
‫واحدة‪ ،‬أو إقليم واحد تجمع بينهما صالت تاريخية وعرقية وسياسية وغيرها كاألعراف الخاصة‬
‫بدول أمريكا الالتينية‪ ،‬فالعرف الخاص اليلزم إال الدول التي تعتقد بإلزاميته نظ ار للروابط التي‬
‫تجمع بينهم‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أركان العرف الدولي‬
‫للقاعدة الدولية العرفية الدولية ركنان أساسيان وهما الركن المادي والركن المعنوي‬

‫‪91‬‬
‫أوال ‪:‬الركن المادي‬
‫يتمثل الركن المادي في التكرار والعادة‪ ،‬ألن العرف في األصل هو ثبوت تكرار بعض‬
‫الوقائع بشكل متماثل ومستمر وعام‪ .‬وال تكتسب القاعدة العرفية قوتها اإللزامية إال إذا طُبِّقت‬
‫باستمرار واتصفت بالشمول‪.‬‬
‫فالتطابق هو اتساق أعمال متتالية ومتشابهة صادرة عن دولة معينة‪ ،‬فإذا انتفى التطابق فُِق َد‬
‫التكرار‪ ،‬ولذلك ينبغي لتكوين القاعدة العرفية‪ ،‬أال تلق السوابق المتوالية لدول ما حول مسألة‬
‫معينة معارضة من دول أخرى ‪.‬وبالتالي ٌيشترط تطابق مواقف الدول في التصرفات الصادرة‬
‫عنها حول قضية معينة دون أي اعتراض أو اختالف بينهم‪.‬‬
‫أما االستمرار فهو مقترن بالثبات وعدم االنقطاع‪ ،‬وال ُيشترط فيه عدد معين من المرات أو‬
‫انقضاء فترة زمنية محددة‪ ،‬لذلك فالمعيار في ضبطه يظل نسبيا مختلفا بحسب الوقائع‬
‫واألحداث الجاري تكرارها وتواترها ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن التعامل الدولي يستقر حول عدم االعتداد بضرورة وجود اعتراف‬
‫صريح من الدول لاللتزام بالقاعدة العرفية‪ ،‬غير أن صدور رفض صريح منها بصفة قطعية‪،‬‬
‫كاف لعدم امتثالها للقاعدة العرفية الجديدة‪ ،‬إال إذا كانت هذه القاعدة ذات صفة أمرة ال يجوز‬
‫للدول مخالفتها‪.‬‬
‫أما االجتهاد القضائي فيذهب إلى عدم اشتراط إجماع لدى الدول لتكوين القاعدة العرفية‪ ،‬لكن‬
‫كلما إزداد عدد الدول أكثر‪ ،‬كلما تمكنت المحكمة من االقتناع بتواتر الممارسة‪ ،‬وهذا ما أعربت‬
‫عنه محكمة العدل الدولية في قضية بحر الشمال سنة ‪ ، 1969‬بخصوص دور الدول الحبيسة‬
‫الضئيل في تكوين األعراف البحرية مقارنة بالدور الكبير للدول البحرية في نفس المجال‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬الركن المعنوي‬

‫وهو االعتراف الضمني من جانب أشخاص القانون الدولي عن طريق اعتقادهم بأن‬
‫السلوك أو السابقة المعتادة ملزمة من الناحية القانونية‪ ،‬أي اعترافهم بتوافر عنصر اإللزام‪،‬‬
‫وهذا العامل المعنوي هو الذي يميز العرف الدولي عن العادات وقواعد المجامالت الدولية التي‬
‫تعد مجرد تصرفات تخضع العتبارات ظرفية خالية من أي إلزام‬

‫‪92‬‬
‫هذا وقد أيد االجتهاد القضائي هذا االتجاه‪ ،‬حيث أصدرت محكمة العدل الدولية ق ار ار دوليا في‬
‫قضية الجرف القاري لبحر الشمال السابق ذكرها عام ‪ ، 1969‬حيث أكدت فيه أنه" لقيام‬
‫العرف يشترط توافر تعامل ثابتا لدى الدول واقتناعا منها بأن هذا التعامل قد أصبح ملزما‪،‬‬
‫ووجود شعور لدى الدول المعنية به‪ ،‬بأنها عند قيامها بهذا التعامل سوف تخضع لوضع يماثل‬
‫وضع االلتزام القانوني‪".‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬مصادر العرف الدولي‬

‫تكمن المصادر األساسية للعرف الدولي في األعمال الصادرة عن الهيئات واألجهزة‬


‫الدولية أو الهيئات الوطنية التي لها صلة أو تأثير على العالقات الدولية ونوضحها كما يلي‪:‬‬
‫أوال ‪:‬أعمال الهيئات الدولية‬
‫يمكن للقاعدة العرفية أن تتكون نتيجة التصرفات الصادرة عن بعض األجهزة أو‬
‫المنظمات الدولية وذلك عن طريق الق اررات واللوائح التي تصدرها‪ ،‬فالقرار الذي أصدرته‬
‫الجمعية العامة لألمم المتحدة مثال في ‪ 14‬ديسمبر ‪ 1960‬الموسوم بـ" اإلعالن الخاص بمنح‬
‫االستقالل للبالد أو الشعوب الواقعة تحت االستعمار "كان النواة األساسية في تكوين القاعدة‬
‫القانونية المتعلقة بمناهضة االستعمار نتيجة القبول الواسع له من طرف المجتمع الدولي‬
‫وتطابق مواقف عدد كبير من الدول في تعاملها معه‪.‬‬
‫وبالتالي تكون السوابق الناجمة عن هذه األعمال الدولية مصدار للقواعد العرفية‪ ،‬شريطة قبولها‬
‫من طرف الدول وتكرارها المتواتر في تعامالتها الدولية‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬أعمال الهيئات الحكومية‬

‫إلى جانب األعمال الدولية تعد تصرفات واألعمال الصادرة عن األجهزة والهيئات‬
‫الحكومية مصد ار للقواعد العرفية‪ ،‬والمقصود بالهيئات الحكومية السلطات الثالثة في الدولة‪ ،‬ذلك‬
‫أن التصرفات الصادرة عنها والتي لها صلة بالعالقات مع بقية الدول‪ ،‬تسهم في تكوين سوابق‬
‫دولية يمكن أن تتحول بفعل تكرار الدول لها إلى قواعد عرفية ملزمة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫فأعمال السلطة التنفيذية مثال في مجال النشاط الحكومي أو الدبلوماسي يسمح بتحديد السلوك‬
‫الذي تتبعه الدولة في عالقتها مع أشخاص المجتمع الدولي‪ ،‬والتعرف على المواقف التي‬
‫تتخذها الدولة في التعامل مع القضايا أو المواقف الدولية ‪.‬كما أن قيام السلطة التشريعية بسن‬
‫القوانين ذات الصفة الدولية‪ ،‬يمكن أن تكون عامال لتأثر دول أخرى بها فتصدر قوانين مطابقة‬
‫لها‪ ،‬ومثال ذلك القوانين المتعلقة بوضع األجانب أو القوانين القنصلية‪.‬‬
‫فأحكام القضاء الوطني المتعلقة بقضايا ذات صفة دولية يمكن أن تصير الحقا قواعد عرفية إذا‬
‫قامت محاكم الدول األخرى بتداول تطبيقها‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫المبادئ العامة القانون‬
‫تقر المادة ‪ 37‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية أن المبادئ العامة للقانون التي‬
‫تقرها التي تقرها األمم المتمدنة‪ ،‬تعتبر مصد ار من مصادر القانون الدولي العام‪.‬التي يمكن‬
‫اللجوء إليها لحل أي نزاع دولي‪ .‬وقد وردت اإلشارة إليها ألول مرة في ديباجة اتفاقية الهاي‬
‫الخاصة بأعراف الحرب لعام ‪ ، 1899‬حيث تناولها الفقهاء و اعتبروها مصد ار للقواعد الدولية‬
‫في نظام محكمة العدل الدولية الدائمة ثم في نظام محكمة العدل الدولية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف المبادئ العامة للقانون‬
‫يذهب غالبية الفقه الدولي إلى اعتبار المبادئ العامة للقانون‪ ،‬مجموعة المبادئ التي‬
‫تُستمد من األنظمة القانونية الداخلية للدول‪ ،‬والتي تعتبر مبادئ مشتركة بين تلك األنظمة‪ ،‬والتي‬
‫يمكن تطبيقها في مجال العالقات الدولية‪ ،‬وهذا التعريف مقتبس نوعا ما من فقه" جروسيوس"‬
‫الذي أدخل إلى القانون الدولي فكرة القانون المشترك "‪ " Le droit commun‬أي المبادئ‬
‫المعترف بها من جانب مختلف األنظمة القانونية‪ .‬و من األمثلة عن تلك المبادئ‪ :‬مبدأ حسن‬
‫النية‪ ،‬مبدأعدم التعسف في استعمال الحق ‪ ،‬ومبدأ المسؤولية التقصيرية ‪ ،‬مبدأ المساواة أمام‬
‫القضاء‪ ،‬حجية الشيء المقضي فيه‪ ،‬مبدأ اإللتزام بجبر الضرر من طرف المتسبب فيه ‪....‬‬
‫ويعتبر الفقه الدولي المبادئ العامة للقانون على أنها المبادئ المشتركة في األنظمة‬
‫القانونية للدول األطراف في النزاع الذي يراد تطبيق القاعدة عليه‪ ،‬ولذلك ينبغي أن يكون هذا‬

‫‪94‬‬
‫المبدأ متفقا على مفهومه لدى الدول‪ ،‬معترفا به من قبلها و يكون ذلك عبر اإلقرار الصريح كأن‬
‫تتضمنه قوانينها الداخلية أو تتبناها محاكمها الوطنية‪ ،‬أو أن يكون االعتراف ضمنيا بعدم‬
‫االعتراض عليه أو النص على خالفه‬
‫الفرع الثاني‪:‬الطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون‬
‫ظهرت في الفقه الدولي آراء متباينة في تحديد الطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون‬
‫فمنهم من اعتبر هذه المبادئ كوسائل لتفسير القانون الدولي كالفقيه اإليطالي "‪"Salvioli‬‬
‫سالفيولي الذي اعتبر أن المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية أاردت من‬
‫خالل إدراج المبادئ العامة ضمن مصادر القانون الدولي‪ ،‬اإلشارة إلى اعتبارها وسيلة من‬
‫وسائل تفسير قواعد القانون الدولي فقط‪.‬‬
‫بينما يذهب اتجاه أخر من الفقه إلى اعتبار المبادئ العامة جزءا من المصادر االحتياطية‬
‫للقانون الدولي أو المكملة له‪ ،‬وفي مقدمتهم الفقيه أنزلوتي "‪ "Anzilloti‬الذي يرى أن االلتجاء‬
‫إلى المبادئ العامة للقانون ال محل له إال حيثما ال يوجد اتفاق أو عرف‪.‬‬
‫وبالمقابل يرى فريق أخر من الفقه الدولي أن المبادئ العامة مصدر من المصادر األصلية‬
‫للقانون الدولي ومن بين هؤالء الفقيه" جورج سال "و" شارل دي فيشري"‪ ،‬حيث اعتبار أن مكانة‬
‫المبادئ العامة تأتي في قمة المصادر‪ ،‬على أساس أنها تشغل مرك از ُيضاهي مركز القواعد‬
‫الدستورية إذا ما قورنت بباقي المصادر القانونية في األنظمة الداخلية للدول‪.‬‬
‫ورغم أ ن هذا الرأي فيه نوع من المبالغة كونه يتعارض مع الترتيب الوارد في نص المادة ‪37‬‬
‫من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬والتي تجعل المبادئ العامة تلي كل من المعاهدات‬
‫والعرف الدولي‪ ،‬فإن ذلك ال يمنع جانبا عريضا من الفقه المعاصر من اعتبار المبادئ العامة‬
‫جزءا من المصادر األصلية للقانون الدولي‪ ،‬وأنه يقف على قدر من المساواة مع المعاهدات‬
‫والعرف الدولي‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫المصادر االحتياطية للقانون الدولي‬


‫أشارت المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية في الفقرة األولى إلى أحكام‬
‫المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام وبالتالي يعد كل من الفقه والقضاء من‬
‫المصادر االحتياطية المساعدة على كشف القاعدة القانونية األصلية‪،‬إضافة إلى هذا أشارت‬
‫الفقرة الثانية من المادة ‪ 37‬إلى إمكانية اللجوء في حل النزاعات الدولية إلى العمل بمبادئ‬
‫العدل واإلنصاف متى وافق األطراف على ذلك ‪ ،‬التي وان كانت تقوم بدور مساعد للقواعد‬
‫األصلية‪ ،‬لكنها يمكن أن تصبح مصد ار مستقال عن هذه المصادر يخضع لها األطراف حال‬
‫اتفاقهم على ذلك‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفقه والقضاء‬
‫يعتبر الفقه والقضاء الدولي من المصادر االحتياطية أو االستداللية يتم اللجوء إليها في‬
‫حالة انعدام الحل في المصادر األصلية‪ ،‬يستعان بهما لتحديد مضمون القاعدة القانونية واجبة‬
‫التطبيق‬
‫الفرع األول‪ :‬أحكام المحاكم‬
‫وهي مجموعة الق اررات واألحكام التي تصدرها مختلف الهيئات القضائية والتحكيمية‬
‫الدولية والوطنية‪ ،‬حيث تشكل مصد ار ثانويا من مصادر القانون الدولي العام واذا كانت ال تتمتع‬
‫بقوة القانون بالنسبة لجميع الدول فإنها يمكن أن تعتبر مرجعا استدالليا يساعد على حل‬
‫المنازعات الدولية ومعرفة مدى تطبيق قاعدة قانونية معينة أو استخالص مضمونها وليس‬
‫إنشائهاا‪.‬‬
‫وعليه تعد أحكام القضاء مصدار من المصادر االحتياطية أو االستداللية التي يمكن‬
‫اللجوء إليها في مجال الكشف عن القاعدة القانونية الدولية‪ ،‬وهذا وفق ما نصت عليه المادة‬
‫‪/0/37‬د من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الفقه الدولي‬
‫اليمكن الفقهاء أي سلطان لفرض أرائهم على الدول‪ ،‬وانما يرجع إليها لإلستعانة بها‬
‫وللتعرف على القواعد القانونية وفهمها وتفسيرها ‪ ،‬فاألهمية تكمن في شرح هذه القواعد‬
‫وللمحكمة حرية الرجوع إلى هذا المصدر إن رأت ضرورة لذلك‪.‬‬
‫فالفقهاء يساهمون بأرائهم ونظرياتهم في مجال القانون العام في تحديد مغزى القواعد‬
‫القانونية وفك االلتباس والغموض عنها بما ييسر فهم نصوصها‪ ،‬فكثي ار ما تساعد أارء الفقهاء‬
‫في الكشف عن قواعد قانونية جديدة وذلك عقب تأثير نظرياتهم القانونية في الرأي العام الدولي‪،‬‬
‫مما قد يدفع إلى تبني األفكار الواردة في هذه النظريات من طرف الدول سيما إن كانت تحظى‬
‫بإجماع كبير لدى الفقه لدولي‪ ،‬فالفقهاء ال يمكنهم إنشاء القاعدة القانونية‪ ،‬ولكن إسهامهم‬
‫يقتصر من خالل شرح هذه القواعد ونقدها والتعليق عليها ‪.‬‬
‫قرر القواعد القانونية‬
‫فال يمكن إنكار جهود الفقهاء في تكريس العديد من المفاهيم القانونية واست ا‬
‫الخاصة بها في القانون الدولي‪ ،‬كالقانون الدولي للبحار ونظام المنطقة االقتصادية الخالصة‬
‫ومبدأ التراث المشترك لإلنسانية‪ ،‬وقواعد حماية البيئة البحرية ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مبادئ العدل واإلنصاف‬
‫نصت المادة ‪ 6/37‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية صراحة على سلطة‬
‫المحكمة في الفصل في القضية وفقا لمبادئ العدل واإلنصاف‪ ،‬إال أنها ال تُجيز للقاضي تطبيق‬
‫قواعد العدل واإلنصاف إال إذا وافقت األطراف المتنازعة صراحة على ذلك‪.‬‬
‫ويمكن تعريف العدالة على أنها مجموعة من المبادئ التي يوحى بها العقل والحكمة ‪ ،‬وهي فكرة‬
‫مرنة تختلف باختالف الزمان والمكان‬
‫تجدر اإلشارة في األخير إلى أن الفقه الدولي ال يحصر قواعد القانون الدولي في‬
‫المصادر السابقة الواردة في نص المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية فقط ‪،‬‬
‫بل يضيف لها مصادر حديثة أفرزها واقع التعامل الدولي الراهن والتي تتمثل في‬
‫ق ار ارت المنظمات الدولية‪ ،‬والتصرفات الصادرة عن اإلرادة المنفردة للدول‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫قائمة المراجع‬
‫أوال‪ :‬الكتب‬

‫مانع جمال عبد الناصر‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬الجزء األول–المدخل والمصادر‪ ،-‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪-0‬‬
‫عنابة‪ ،‬الجزائر‪.6111 ،‬‬

‫رشيدة العام‪ ،‬الوجيز في القانون الدولي العام‪ ،‬دار األيام للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.6108 ،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫المجذوب محمد‪ ،‬القـانون الدولي العام‪ ،‬منشورات حلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪.6118 ،1‬‬ ‫‪-3‬‬
‫عوض خليفة عبد الكريم‪ ،‬القانون الدولي العام –دراسة مقارنة‪ ،-‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.6100 ،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عبد الكريم علوان‪ ،‬الوسيط في القانون الدولي العام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المبادئ العامة‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر‬ ‫‪-1‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬ط‪.0448 ،0‬‬

‫بوغزالة محمد ناصر وأحمد إسكندري ‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المدخل والمعاهدات الدولية‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪-1‬‬
‫الكاهنة‪ ،‬الجزائر‪.0448 ،‬‬

‫زراقط علي‪ ،‬الوسيط في القانون الدولي العام‪ ،‬المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.6100 ،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫محمد بوسلطان‪ ،‬مبادئ القانون الدولي العام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون الجزائر‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪.6118‬‬

‫علي صادق أبوهيف‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط ‪ ،06‬دون سنة النشر‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫بن داود إبراهيم‪ ،‬المعاهدات الدولية في القانون الدولي‪ ،‬دراسة تطبيقية‪ ،‬دار الكتاب الحديث‪ ،‬القاهرة‪.6101 ،‬‬ ‫‪-01‬‬
‫علي إبراهيم‪ ،‬الوسيط في المعاهدات الدولية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.0441 ،0‬‬ ‫‪-00‬‬
‫محمد نصر محمد‪ ،‬الوافي في شرح المعاهدات الدولية في ظل أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة‬ ‫‪-06‬‬
‫‪ ،0414‬مكتبة القانون واالقتصاد‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪.6106 ،‬‬

‫عادل أحمد الطائي‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.6114 ،‬‬ ‫‪-03‬‬
‫دليل المعاهدات‪ ،‬منشورات األمم المتحدة‪ ،‬قسم المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية‪.6110 ،‬‬ ‫‪-01‬‬
‫أحمد بلقاسم‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬المفهوم والمصادر‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫‪-01‬‬
‫الجزائر‪.6111 ،‬‬

‫محمد سعيد الدقاق‪ ،‬القانون الدولي‪ ،‬المصادر واألشخاص‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت‪.0441 ،‬‬ ‫‪-01‬‬
‫علوان محمد يوسف‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬المقدمة والمصادر‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.6118 ،‬‬ ‫‪-08‬‬
‫رشاد عارف السيد‪ ،‬القانون الدولي العام في ثوبه الجديد‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.6110 ،‬‬ ‫‪-07‬‬

‫‪98‬‬
‫مخلد إرخيص الطروانة‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.6108 ،‬‬ ‫‪-04‬‬
‫زغموم كمال‪ ،‬مصادر القانون الدولي‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪( ،‬بدون سنة النشر)‬ ‫‪-61‬‬
‫محمد سامي عبد الحميد‪ ،‬محمد السعيد الدقاق‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪-60‬‬
‫مصر‪6113 ،‬‬

‫محي الدين جمال‪ ،‬القانون الدولي‪ ،‬المصادر القانونية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬مصر‪.6114 ،‬‬ ‫‪-66‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬القانون الدولي العام في السلم‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪.6101 ،‬‬ ‫‪-63‬‬
‫محمد طاهر أورحمون‪ ،‬المعاهدات التي تبرمها المنظمات الدولية‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬ ‫‪-61‬‬
‫الجزائر‪6117 ،‬‬

‫حسين حياة‪ ،‬التصديق على المعاهدات الدولية‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.6101 ،0‬‬ ‫‪-61‬‬
‫بن سالم رضا‪ ،‬محاضرات في القانون الدولي العام‪ ،‬مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق‪،‬‬ ‫‪-61‬‬
‫جامعة البليدة ‪.6166-6160 ،6‬‬

‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬محاضرات في القانون الدولي العام‪ ،‬المبادئ والمصادر‪ ،‬مطبوعة موجهة لطلبة السنة‬ ‫‪-68‬‬
‫الثانية حقوق‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية‪.6101-6101 ،‬‬

‫شكيرين ديلمي‪ ،‬محاضرات في القانون الدولي العام‪ ،‬مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق‪،‬‬ ‫‪-67‬‬
‫جامعة الجياللي بونعامة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.6166-6160‬‬

‫عبد الغني حوبة‪ ،‬الوجيز في القانون الدولي العام‪ ،‬محاضرات في القانون الدولي العام) المدخل‬ ‫‪-64‬‬
‫والمصادر(‪،‬جامعة الشهيد حمه لخضر‪ ،‬الوادي‪،‬‬

‫اليازيد علي‪ ،‬محاضرات في مادة القانون الدولي العام‪ ،‬موجهة لطلبة السنة الثانية جذع مشترك ليسانس‬ ‫‪-31‬‬
‫حقوق‪ ،‬جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي‪6161-6104 ،‬‬

‫‪99‬‬

You might also like