Professional Documents
Culture Documents
ملــــــــخــــص محــــــــــــــــــــــــاضرات
القــــانـــــون الدولي العــــــــــام
(المبادئ والمصادر)
من إعداد
األستاذ :حباش جمال
أستاذ محاضر "أ"
كلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة البليدة 20
1
المحور األول
مفهوم القانون الدولي العام وأهم المبادئ التي يقوم عليها
على الرغم من أن العالقات الدولية قديمة قدم نشوء الدول ،إال أن مصطلح القانون
الدولي العام حديث النشأة نسبيا ،فقد أطلقت عدة تسميات على القواعد التي تنظم العالقات بين
أشخاص القانون الدولي ،غير أن المصطلح الثابت في الوقت الحاضر هو القانون الدولي
العام.
المبحث األول
ماهية القانون الدولي العام
أطلق الرومان اصطالح قانون الشعوب » « Droit Des Gensعلى الفرع من
المعرفة القانونية القائم على ما يتصل بالشعوب ،ومع مرور الوقت أصبح يعرف بقانون األمم
أي القانون الذي ينظم العالقات بين أمم متساوية في الحقوق والواجبات ومتمتعة بالسيادة ،وهذا
التغيير في اللفظ ظهر نتيجة ظهور فكرة االستقالل السياسي لدى الدول األوروبية في مواجهة
بعضها البعض وفي مواجهة سلطة "البابا" ،كما أطلقت تسمية قانون الدول على تلك القواعد
الحاكمة للعالقات فيما بين أعضاء الجماعة الدولية.
ويعتبر الفقيه اإلنجليزي جيرمي بنتام " "Benthamأول من أطلق تسمية القانون الدولي
في كتابه "مقدمة في المبادئ واألخالق والتشريع" سنة "International law" 0871ثم أخذ
بهذا المفهوم باقي كتاب القانون الدولي ،وبذلك أصبح شائع االستخدام.
المطلب األول
تعريف القانون الدولي العام
لم يتفق فقهاء القانون الدولي على تعريف موحد للقانون الدولي العام ،فظهرت العديد
من التعاريف المختلفة ،وقد أسهم في هذا االختالف التباين اإليديولوجي واختالف المواقف حول
األشخاص المكونين والمخاطبين بأحكام وقواعد القانون.
وقد تجلت هذه االختالفات في االتجاهات التالية:
2
أوال :االتجاه التقليدي
يعرف أنصار هذا االتجاه القانون الدولي بأنه «:مجموعة القواعد القانونية التي تنظم
العالقات بين الدول» ،وعليه فهذا القانون يعنى بتنظيم الحقوق والواجبات والعالقات بين الدول
فقط ،ألن المجتمع الدولي آنذاك لم يكن يعرف سوى الدول كأعضاء للمجتمع الدولي .وهذا
المفهوم هو نفس التعريف تقريبا الذي قدمه الفقيه الهولندي "جروسيوس" عام 0161والذي ظل
متداوال وموكبا للفترة التي ساد فيها االتجاه التقليدي.
وعرفه الفقيه "أوبنهايم" بأنه «:مجموعة من القواعد العرفية واالتفاقية التي تعتبرها الدول
المتمدنة ملزمة لها في تصرفاتها المتبادلة».
وعرفه الفقيه الفرنسي "روسو" بأنه «:ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدول في
عالقاتها المتبادلة».
ومن الفقهاء العرب الذين ساروا في هذا االتجاه في تعريفهم للقانون الدولي محمد طلعت
الغنيمي ،محمد حافظ غانم ،محمد المجذوب الذي يعرف القانون الدولي العام بأنه «:مجموعة
القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول وتعين واجباتها وتنظم عالقاتها المتبادلة في أثناء
الحرب والسلم والحياد».
ثانيا :االتجاه الحديث
يتميز االتجاه الحديث عن سابقه في كون أن القانون الدولي لم يعد يقتصر فقط على
المواضيع التي يطرحها الفكر الكالسيكي ،بل تعداها ليشمل فروعا جديدة أخرى ،فضال على أن
القانون الدولي المعاصر لم يعد ينظم عالقات الدول فيما بينها فحسب بل أصبح يضم أشخاصا
دولية أخرى مثل المنظمات الدولية وحتى األفراد العاديين في بعض الحاالت.
فيعرف القانون الدولي العام وفق هذا االتجاه بأنه «:مجموعة القواعد التي تنظم عالقات
الدول وأفراد الجماعات المختلفة» ،على أساس اعتبار الدول واألفراد هم األشخاص المخاطبون
بأحكام ذلك القانون ،كما يعرفه الفقيه الفرنسي "شتروب" بأنه «:مجموعة من القواعد القانونية التي
تحكم العالقات بين األشخاص القانوني الدولية -دوال ومنظمات دولية -فتبين مالها من حقوق وما
عليها من واجبات ،كما تحدد العالقات التي تنشأ بين هؤالء األشخاص وبين األفراد».
3
ويعرفه البعض على أنه «:مجموعة القواعد التي تنظم عالقات الجماعات الدولية»،
وهذا التعريف أيضا يأخذ في االعتبار اتساع نطاق أشخاص القانون الدولي ليشمل جميع
المخاطبين بأحكام القانون الدولي وهم الدول والمنظمات الدولية بصفة أساسية ثم الفرد في
بعض الحاالت االستثنائية أين أصبح موضوعا من موضوعات القانون الدولي العام.
المطلب الثاني
فروع القانون الدولي العام
عرف القانون الدولي العام تطو ار كبي ار أدى إلى اتساع دائرة الروابط القانونية التي
يحكمها فأصبح يمتد إلى فروع كانت في السابق حك ار على القانون الداخلي فانتقلت وأصبحت
من فروع القانون الدولي.
كما اعتمدت بعض فروعه في زمن السلم وأخرى في زمن الحرب ،ومهما كانت
التقسيمات المعتمدة فإن مجال تطبيقه اتسع من حيث األشخاص المخاطبين به ،ومن حيث
المواضيع التي تحكمها.
ويمكن تصنيف فروع القانون الدولي العام من منظور زمني إلى فروع تقليدية وفروع
حديثة (ويقسمه البعض إلى فروع قانون الدولي العام زمن السلم ،وفروع القانون العام زمن
الحرب).
أوال :الفروع التقليدية للقانون الدولي العام
للقانون الدولي العام فروع تقليدية كثيرة منها :قانون التنظيم الدولي والقانون الدولي
البحري ،والقانون الدولي الجوي ،والقانون الدولي الجنائي والقانون االقتصادي الدولي.
/1قانون التنظيم الدولي
وهي تلك القواعد التي تنظم إنشاء المنظمات الدولية بكل أشكالها وأنواعها ،من حيث
العضوية والسلطات التي تتمتع بها وكيفية االنضمام لها والقوة اإللزامية لق ارراتها والشخصية
المعنوية لها ،ونشاطاتها ،والعالقة التي تربطها مع غيرها من المنظمات الدولية.
وقد زادت أهمية هذا القانون بالخصوص بعد ظهور المنظمات الدولية ذات الطابع
السياسي مثل عصبة األمم بعد الحرب العالمة األولى.
4
/0القانون الدولي البحري
ويسمى هذا أيضا بقانون البحار ،ويعرف بأنه «:القانون الذي يحكم العالقات القانونية
المترتبة على استخدام البحار» .أو هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بوسائل النقل البحري،
من جنسية السفينة ونظام السفن بكل أنواعها ،والمسؤولية المدنية والجزائية لربان السفينة ومراقبة
المالحقة البحرية.
كما يهتم هذا الفرع بكيفية استغالل الموارد الطبيعية للبحار ،وينظم المضائق الدولية ،كما يحدد
البحر اإلقليمي للدول وسيادتها عليه ،وحقوق الدول في أعالي البحار وغيرها من المسائل.
/2القانون الدولي الجوي
وهو يتضمن مجموعة القواعد الخاصة باستعمال الفضاء الجوي ألغراض المواصالت
الدولية ،حيث ينظم جنسية الطائرة حقوقها ،حمايتها ،تنظيم الطيران بين الدول في إطار منظمة
الطيران المدني والتي تحكمها اتفاقية شيكاغو لعام .0411
/2القانون الدولي االقتصادي
وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الحلول القانونية للعالقات االقتصادية والتجارية
بين الدول ،وبينها وبين المؤسسات االقتصادية الكبرى والعالقة التي تربطها خاصة
باالستثمارات الدولية الكبرى.
ومن العوامل التي ساعدت على ظهور القانون الدولي االقتصادي بروز الدول النامية
كقوة اقتصادية جديدة في إطار العالقات االقتصادية الدولية من جهة ،وبروز ظاهرة االعتماد
الدولي المتبادل من جهة أخرى (من مظاهر هذا القانون ما تقوم به المنظمات الدولية الثالثة
في هذا المجال وهي منظمة التجارة العالمية والتي تهتم بشؤون التجارة العالمية ،صندوق النقد
الدولي الذي يهتم بشؤون المالية العالمية والبنك الدولي الذي يهتم بشؤون التمويل الدولية).
/5قانون الفضاء والتحكيم الدولي
وهو مجموعة القواعد الخاصة بأنواع المحاكم الدولية ،تشكيلها ،اختصاصها واإلجراءات
الواجب اتباعها أثناء النظر في الدعوى ،كما يضم أيضا القواعد المنظمة للوسائل الخاصة بحل
النزاعات الدولية حل سلميا.
5
/6القانون الدبلوماسي والقنصلي
يعد هذا الفرع من القانون من أقدم القواعد المنتمية إلى القانون الدولي العام وأكثرها
رسوخا ،فهو يحدد العالقات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول ،حيث يحدد مفهوم الدبلوماسي
الذي يمثل الدولة في الدول األخرى ،واالمتيازات التي يتمتع بها الدبلوماسي وبداية التمثيل
الدبلوماسي ونهايته ومهام البعثة الدبلوماسية ،وغيرها من المسائل المتعلقة بالمهام الدبلوماسية
والقنصلية ،والتي قننتها اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ،0410واتفاقية فيينا للعالقات
القنصلية لعام .0413
/7القانون الجنائي الدولي
وهو القانون الذي يحدد الجرائم الدولية واجراءات المحاكمة والعقوبات المقررة لها ،ويجد
هذا الفرع من القانون العام أساسه في اتفاقية فرساي لعام 0404والئحتي محكمة نورمبرغ لعام
0411ومحكمة طوكيو لعام 0411والتي تم إنشاؤهما بغرض محاكمة مجرمي الحرب العالمية
الثانية ،ونظامي المحكمتين الدوليتين ليوغسالفيا ورواندا عامي ،41 -43وأخي ار نظام روما
المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية لعام ( 0447وينتج ضمن هذا القانون جرائم عديدة منها
جرائم الحرب ،جرائم ضد اإلنسانية ،جرائم العدوان ،جرائم اإلبادة ،جرائم ضد اإلنسانية).
ثانيا :الفروع الحديثة للقانون الدولي العام
نظ ار للتطور الذي عرفه القانون الدولي العام ظهرت فروع جديدة اهتمت بمواضيع جديدة
في القانون الدولي والتي ظهرت بالخصوص من خالل التطور الذي عرفه موضوع حقوق
اإلنسان والتنظيم الدولي ،ومن بين هذه الفروع على سبيل المثال ال الحصر ،نذكر:
/1القانون الدولي لحقوق اإلنساني
يضم هذا الفرع القواعد المتعلقة بقضايا حقوق اإلنسان وحرياته األساسية وقت السلم.
كما يضم هذا الفرع أيضا على القواعد المتعلقة بالحماية الدولية لحقوق اإلنسان ،ومبدأ السيادة
الوطنية والتطورات التي لحقت بها ،ومسألة إعمال التدخل لغرض إنساني ،وحقوق األقليات،
وتحقيق الديمقراطية في نطاق المجتمع الداخلي باعتبارها أحد المبادئ الجديدة التي يؤسس
عليها القانون الدولي في وجهه المعاصر.
6
ويجد هذا الفرع أساسه في ميثاق األمم المتحدة لعام ،0411واإلعالن العالمي لحقوق
اإلنسان لعام 0417والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق االقتصادية
واالجتماعية لعام 0411وغيرها من االتفاقيات.
/0القانون الدولي اإلنساني
يشمل هذا الفرع مجموعة القواعد التي تستهدف حماية األشخاص المتضررين خالل
النزاعات المسلحة ،واألعيان المدنية والعقارية والمنقولة ،والتي ليس لها عالقة مباشرة بالعمليات
العسكرية ،كما يحمي هذا القانون األشخاص الذين لهم عالقة مباشرة بالعمليات العسكرية
كاألسرى ،كما يهدف هذا الفرع إلى جعل الحرب أكثر إنسانية بضبط قواعد المتحربين ووضع
ضوابط تمنع االستخدام المفرط للسالح الذي من شأنه التقليل من الخسائر.
تجدر اإلشارة إلى أن مصطلحات (قانون الحرب وقانون النزاعات المسلحة والقانون الدولي
اإلنساني) مترادفة المعنى ،غير أن المصطلح السائد في الوقت الحاضر هو القانون الدولي اإلنساني،
حيث أن مصطلح قانون الحرب كان سائدا منذ القدم إلى غاية ،0414ثم اعتمد مصطلح قانون
النزاعات المسلحة بعد اعتماد اتفاقيات جنيف األربعة لعام 0414الذي يضم قانون الهاي وقانون
جنيف ،وأخي ار تم دمج قانون الهاي وقانون جنيف عام 0488في البروتوكولين اإلضافيين الملحقين
باتفاقية جنيف األربعة وأطلق عليه مصطلح القانون الدولي اإلنساني منذ عام .0488
/2القانون الدولي لالجئين
يشمل هذا الفرع مجموعة القواعد ذات الصلة بتحديد المركز القانوني لالجئين وتحديد
الشروط الواجب توافرها لكي يعترف له دوليا بهذا الوصف ،وبيان الحقوق التي يتمتع بها
بموجب ذلك ،وااللتزامات التي تترتب عليه في مواجهة دولة الملجأ ومسؤولياتها في التقيد
بأحكام هذا القانون.
/2القانون الدولي للبيئة
يضم هذا القانون جملة من القواعد التي تعنى بحماية البيئة الدولية والحفاظ على
مواردها السيما النادرة منها ،بحيث يعتبر هذا الفرع من أهم موضوعات القانون الدولي الحديثة
التي لقيت اهتماما كبي ار انطالقا من عالقتها بحقوق اإلنسان ،فالتلوث مثال أضحى أهم المسائل
التي تهدد حياة اإلنسان.
7
/5القانون الدولي للتنمية
يتضمن القوانين المطبقة على العالقات االقتصادية بين الدول النامية والدول المتقدمة،
من أجل تحقيق قدر مناسب من التوازن في معدالت النمو ،فيما بين الدول المختلفة ومحاولة
تصحيح االختالل في التوازن في إطار العالقات االقتصادية الدولية المعاصرة لصالح خدمة
قضايا التنمية المعاصرة.
/6قانون الفضاء الخارجي
ظهر هذا الفرع من القانون بعد النجاح في اكتشاف الفضاء الخارجي ،ما دفع األمم
المتحدة إلى وضع مجموعة من القواعد القانونية لتنظيم استغالل الفضاء الخارجي ألغراض
سلمية ،وأهم اتفاقية عقدت في هذا المجال هي اتفاقية عام 0418والتي تنظم نشاط الدول في
استخدام الفضاء بما في ذلك القمر واألجرام السماوية.
/7القانون الدولي للحدود
ويضم القواعد المتعلقة بالحدود وتخطيطاتها ،وقد ظهر هذا القانون بالخصوص بعد
استقالل الدول اإلفريقية واألسيوية لوضع حد ألي نزاع بشأنها ،تجدر اإلشارة إلى أن أساس هذا
القانون يوجد في االتفاقيات الثنائية وكذا في ق اررات المنظمات الدولية وأحكام القضاء الدولي.
والى جانب هذه الفروع هناك فروع أخرى من كقانون المعاهدات ،قانون مكافحة اإلرهاب
الدولي ...وغيرها
المبحث الثاني
عالقة القانون الدولي بالقانون الداخلي
تكتسي دراسة العالقة بين القانون الدولي العام والقانون الداخلي أهمية كبرى ألنها تعالج
مسألة ما إذا كان كل من القانونيين مستقلين عن اآلخر استقالال كامال أو ما إذا كان هناك
بينهما ارتباط واتصال.
وعلى العموم هناك نظريتين أساسيتين في شأن العالقة بين القانون الدولي العام والقانون
الداخلية وهما نظرية الوحدة ونظرية الثنائية.
8
الفرع األول :نظرية ثنائية القانون (ازدواجية القانون)
يرى أنصار هذه النظرية وفي مقدمتهم الفقيه اإليطالي "أنزيلوتي" والفقيه األلماني "تريبل"
أن القانون الدولي العام والقانون الداخلي يعتبران نظامان قانونيان مستقالن عنه بعضها
البعض ،بحيث ال توجد عالقة بينهما ،بسبب عدة اعتبارات (الحجج) أهمها.
/1اختالف مصادر القانون في كل من النظامين
فمصدر القانون الداخلي إرادة الدولة المطلقة ،أما مصدر القانون الدولي فهو اإلرادة
المشتركة للدول ،فالقانون الدولي ال يصدر عن سلطة عليها ،وانما يقوم بين الدول برضاها
لحكم ما يقوم بينهما من عالقات.
/0اختالف موضوع كل منها
فالقانون الدولي العام ينظم عالقات الدول المستقلة في وقت السلم أو الحرب ،أما
القانون الداخلي فينظم عالقات األفراد ببعضهم أو عالقاتهم بالدولة.
/2اختالف المخاطبين بأحكام القانونين
فالقانون الدولي العام يخاطب الدول والمنظمات الدولية في عالقاتها المتبادلة ،في حين
أن القانون الداخلي يكون في مواجهة موطني الدولة الذين تمتد إليهم سلطتها.
/2اختالف البناء القانوني في كل منها (التركيب القانوني)
فالنظام القانوني الداخلي يتضمن على سلطات (تنفيذية ،تشريعية ،قضائية) .أما البناء
القانوني للقانون الدولي ال يزال في طور اإلعداد والتطور ،كما أن البناء الحالي يقتصر على
السلطة التشريعية التي تتوالها المنظمات الدولية ،في حين تتولى محكمة العدل الدولية المهام
القضائية بصفة جزئية ،وسلطة تنفيذية تتوالها مختلف الهيئات التي تناط بها هذه الوظيفة من
قبل مجلس األمن ،وهذه األجهزة تتميز عموما بالضعف.
ويترتب على األخذ بهذه النظرية النتائج التالية:
-1أن كال القانونين ال يمكن أن يشتمال على قاعدة ملزمة نابعة من النظام القانوني
اآلخر ،انطالقا من استقالل القانون الداخلي عن القانون الدولي.
9
-0القاعدة القانونية الدولية ال يمكن أن تسري وتنفذ في المجال الداخلي بهذه الصفة ،وانما
تحول إلى قاعدة قانونية داخلية (عملية إدماجية) ،وبالتالي فهي ال تطبق بوصفها قاعدة
قانونية دولية وانما بوصفها قاعدة قانونية داخلية بمقتضى اإلجراء االندماجي.
-2القضاء الداخلي ال يلتزم بتطبيق وتفسير القانون الدولي العام ،وانما يقوم بتطبيق
وتفسير قواعد القانون الداخلي وفي حالة استقبال قاعدة قانونية دولية على المستوى
الداخلي فتكون عن طريق العملية االدماجية.
-2إن االستقالل واالنفصال الكامل بين القانون الداخلي والقانون الدولي تترتب عليه
نتيجة مهمة وهي عدم إمكانية قيام تنازع بين القانونين ،ألن لكل منهما مجاال متمي از
يطبق فيه ،والعالقة التي يمكن أن تقوم بينهما هي فكرة اإلحالة والتي تعني أن يحيل أو
يسند أحد النظامين على اآلخر مهمة الفصل في مسألة معينة على أساس أن تلك
المسألة تخضع لسلطان القانون المحال عليه ،فاإلحالة قد تكون من القانون الداخلي
على القانون الدولي مثل ذلك :أن يقدر القانون الداخلي تمتع المبعوثين الدبلوماسيين
ببعض الحصانات الدبلوماسية ثم يترك مهمة تحديد األشخاص الذين ينطبق عليهم
وصف المبعوثين الدبلوماسيين إلى قواعد القانون الدولي .ويمكن أن يكون األمر بصفة
معاكسة ،كإحالة من القانون الدولي إلى القانون الوطني الداخلي ،مثل ذلك قواعد
القانون الدولي التي تنص على واجبات الدول في مواجهة األجانب المقيمين على
إقليمها ،ويترك مهمة تحديد المقصود باألجنبي للقانون الداخلي عندما تقوم الدولة
بتحديد قواعد وشروط منح واكتساب جنسيتها.
االنتقادات الموجهة إلى نظرية ثنائية القانون
أ /من حيث المصد :تخلط هذه النظرية بين مصدر القاعدة القانونية ومظاهر التعبير عنها،
فكال القانونين ليس من صنع الدولة بل هو في الحالتين تعبير عن الحياة االجتماعية ،غير
أنهما يختلفان في مظاهر التعبير عنها ،فالمعاهدات الدولية مظهر من مظاهر التعبير في
القانون الدولي والتشريع مظهر من مظاهر التعبير في القانون الداخلي.
11
ب /من حيث اختالف أشخاص القانونيين :إن هذا االختالف ال يعد سببا الستقاللهما ،ألن
اختالف األشخاص الذين تتوجه إليهم القواعد القانونية موجودة حتى في النظام القانوني
الداخلي ،ومع ذلك يبقى النظام موحدا ،وخير دليل على ذلك انقسام القانون الداخلي إلى قانون
عام وخاص.
ج /من حيث اختالف تركيب وبناء النظام القانوني :إن اختالف بين النظامين ال ينفي بعض
التشابه بينهما ،فقد عرف القانون الدولي مؤسسات قضائية مثل محكمة العدل الدولية ،والمحكمة
الجنائية الدولية ،ومؤسسات تنفيذية كمجلس األمن ،واذا كان ال يرق إلى مصاف التركيب في
النظام الداخلي فمرد ذلك اختالف المجتمع الداخلي عن المجتمع الدولي.
الفرع الثاني :نظرية وحدة القانون
تبنى هذه النظرية الفقيه النمساوي "كلسن" والفقيه الفرنسي "جورج سال" و"كنز" وغيرهم،
حيث يجعل أصحاب هذه النظرية من قواعد القانون الدولي وقواعد القانون الداخلي كتلة قانونية
واحدة ،تقوم على أساس مبدأ التبعية واالشتقاق والتفويض المستند إلى تسلسل هرمي دقيق.
وعليه فهذا القانون ذو األصل الواحد يمكن أن يتفرع إلى فرعين هما :القانون الداخلي
والقانون الدولي العام.
ولما كانت هذه النظرية تسلم بأن القانون الداخلي والقانون الدولي العام هما فرعان
ألصل قانون واحد ،فإن التنازع بين القواعد المنتمية إلى كل هذين القانوني مسألة ممكنة ،وعليه
كيف يتم حل النزاع القائم بين قاعدة قانونية داخلية وأخرى دولية فهل تسمو القاعدة الدولية
عن القاعدة الداخلية أو العكس.
ولإلجابة على هذا السؤال ظهر هناك اتجاهين:
اإلتجاه األول :الوحدة مع سمو القانون الداخلي
تقوم هذه النظرية على فكر الفقيه األلماني "هيجل" القائل بأن القانون الدولي ليس سوى
مجموعة التزامات اتفاقية مستمدة من الدساتير الداخلية للدول التي تجد إلزامها فيه ،وترتكز هذه
النظرية على مجموعة من األسانيد وهي:
11
/1نظرية التحديد الذاتي :ومفادها أن الدولة تلزم نفسها بنفسها فالدولة ال يمكن أن تكون تابعة
ألي سلطة عليها غير إرادتها ،والتي يجوز لها أن تعدل عن أي التزام متى شاءت سواء كان
داخلي أم خارجي ،حيث أن القاعدة األساسية محددة في دستور الدولة ،فالدولة تلتزم بمحض
إرادتها بقواعد القانون الدولي وأن الدستور هو الذي يحدد كيفية عقد المعاهدات ،ولذلك فإن
القانون الداخلي أعلى من القانون الدولي العام.
/0مبدأ السيادة :فالدولة وفق ما تتمتع به من سيادة مطلقة فإنها تمتنع عن الخضوع لسيادة
أخرى ،وبالتالي ال يمكن خضوعها ألي قانون آخر أو أي سلطة أخرى غير سلطتها وبالتالي ال
يمكن أن تلتزم إال بالقانون الذي تسنه بمحض إرادتها وال يتعارض مع سيادتها.
/2فكرة االعتراف :مفادها أن القانون ال يمكن اعتباره واقعا في نظر الدولة إال بعد اعترافها به
صراحة إما عن طريق سنه بنفسها مباشرة أو بالموافقة على االلتزام بأحكامه.
* االنتقادات الموجهة إلى هذه النظرية
يؤدي التسليم بدعائم هذه النظرية (التحديد الذاتي ،السيادة ،االعتراف) ،إلى زوال القوة أ-
اإللزامية ألي قاعدة قانونية دولية نتيجة التخلي عنها بمحض إرادة الدول (التحدي الذاتي) أو
التعديل المستمر لها من منطق التزام الدولة بما تمليه عليها إرادتها وسلطان سيادتها فقط (مبدأ
السيادة) أو التنصل من أي التزام دولي بعد سحب االعتراف بأحكامه (االعتراف).
ال يمكن قبول فكرة إشتقاق أو تبعية قواعد القانون الدولي للقانون الداخلي القائمة عليها ب-
نظرية وحدة القانون ،ألن ذلك من شأنه إلغاء كل خصائص ومميزات قواعد القانون الدولي،
كمرونة قواعده والتي ينفرد بها عن القانون الداخلي.
اإلتجاه الثاني :نظرية الوحدة مع سمو القانون الدولي
يرى أنصار هذه النظرية أن قواعد القانون الدولي العام أسمى مرتبة وأعلى منزلة من
قواعد القانون الداخلي ،فأساس القانون الدولي ينبثق من القانون الدول العام ،حيث يأتي هذا
األخير في قمة التسلسل الهرمي ،وعليه نكون أمام نظامين قانونيين متكاملين وليس منفصلين
كما هو الحال في نظرية ثنائية القانون أحدهما في القمة وهو القانون الدولي واآلخر في القاعدة
وهو القانون الداخلي.
12
وقد تبنى هذه النظرية العديد من الفقهاء أبرزهم "كنز" "كلسن" و"دوجي"و"سل" ،حيث يقر هؤالء
بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي ويعتبرون هذا األخير مشتقا من القانون الدولي وصاد ار
عنه ،ولذلك فإن الدول عندما تطبق قوانينها الداخلية فهي تمارس اختصاصا دوليا حددته لها قواعد
القانون الدولي.
وعليه يترتب على هذه النظرية أن القانون الدولي العام يلزم الدول على إصدار قوانينها
وتنظيماتها الداخلية بشكل غير متعارض مع أحكامه أو مخالف لها ،إذ ينبغي لقواعد القانون الداخلي
أن تحقق االنسجام التام مع قواعد القانون الدولي كاالتفاقيات واألعراف الدولية وغيرها من مصادر
القانون الدولي.
-أهم االنتقادات التي وجهت لهذه النظرية
إن القول باشتقاق القانون الداخلي من القانون الدولي هو أمر يتناقض مع الحقائق التاريخية -
التي تثبت نشأة القانون الداخلي قبل القانون الدولي.
أن القول بوحدة القانونين وخضوعهما لنفس النظام القانوني الموحد قول غير دقيق ألن التمييز -
بين النظامين القانونيين ال يزال قائما إلى حد اليوم.
الفرع الثالث :مدى تأثر الدساتير بالنظريات الفقهية
تباينت دساتير الدول بين متأثر بنظرية ثنائية القانون أو وحدة القانون ،حيث يمكن تصنيف
هذه الدساتير على النحو التالي ،فمن الدساتير من يعترف بسمو أحكام القانون الدولي على القانون
الداخلي ،ولكن بدرجات مختلفة وهي على ثالثة أنواع.
/1الدساتير التي تمنح للمعاهدة قوة القانون
حيث تتمتع المعاهدة بنفس القوة اإللزامية والمكانة القانوني التي يأخذها القانون وال يعلو فوقها
إال الدستور ،ومن هذه الدساتير الدستور الجزائري لعام ،0481الذي نص في المادة 014منه
على «:المعاهدة الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا لألحكام المنصوص عليها في
الدستور تكتسب قوة القانون».
/0الدساتير التي تمنح المعاهدة السمو على القانون
معنى هذا أن المعاهدة تحتل مكانا وسطا بين القانون العادي والدستور ،وتعتمد العديد من
الدساتير في العالم على هذا التدرج القانوني في أنظمتها الدستورية ،كالدستور الفرنسي لعام 0417في
مادته ،11والدستور المصري لعام 0480في مادته .10
13
وعلى هذا النحو سارت الجزائر في دستور 0474حسب نص المادة 063والتي جرى إعادة
إقرارها في دستور 0441في نص المادة ،036وأكد عليها كل من تعديل 6101في نص
المادة 011وتعديل 6161في نص المادة 011والتي جاءت «:المعاهدات التي يصادق
عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون».
/2الدساتير التي تمنح المعاهدات السمو على الدستور
والدساتير التي اعتمدت هذا النهج قليلة جدا ومثالها الدستور الهولندي لعام 0466
المعدل سنتي 0413و ،0411وهذه التجربة تنسجم مع نظرية الوحدة على سمو القانون الدولي
لكن ضمن حدود معينة ألن المادة 13من الدستور الهولندي تربط السمو بضرورات الحياة
الدولية
الفرع الرابع :موقف اتفاقية فيينا لعام 1161من النظريتين
أكدت االتفاقية في مادتها 68على أنه ال يمكن ألي دولة أن تمتنع عن تنفيذ معاهدة
دولية تحت طائلة التمسك بالقانون الداخلي ،وبالتالي فالمعاهدة واجبة النفاذ ما لم تتوفر فيها
شروط المادة 11من اتفاقية فيينا ،وهي تلك المتعلقة باإلخالل الجوهري بقاعدة من قواعد
االختصاص بإبرام المعاهدات المنصوص عليها في الدستور.1
وعليه فاتفاقية فيينا لعام 0414تلزم الدول بالتقيد بأحكام القانون الدولي ،وبالتالي فهي
تعترف صراحة للقانون الدولي بالسمو على القانون الداخلي كأصل عام ،بينما يكون االستثناء
هو سمو القانون الداخلي على القانون الدولي في حالة محددة بالذات بينتها في نص المادة
46السالفة الذكر
- 1تنص المادة 11على« -ال يجوز للدولة أن تحتج بأن التعبير عن ارتضائها االلتزام بمعاهدة ما قد تم بالمخالفة
لحكم في قانونها الداخلي يتعلق باالختصاص بإبرام المعاهدات كسبب إلبطال رضاها ،إال إذا كانت المخالفة بينة
وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونا الداخلي.
تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعية ألية دولة تتصرف في هذا الشأن وفق التعامل المعتاد وبحسن نية»
14
المبحث الثالث
تمييز قواعد القانون الدولي العام عن غيره من القواعد األخرى
إلى جانب القانون الدولي العام الذي تعترف به معظم الدول وتتبنى قواعده في دساتيرها
الخاصة ووثائقها الرسمية ومعاهدتها الثنائية والجماعية ،هناك مجموعة من قواعد السلوك
االجتماعي التي ال يتوافر لها صفة اإللزام القانوني غير أن الدول عملت على مراعاتها في
سلوكها الخارجي نزوال لواجب اللياقة ومتماشيا مع مقتضيات الحياة العملية ،ومن هذه القواعد
غير القانونية التي تنظم عالقات الدول ،قواعد المجامالت الدولية وقواعد األخالق الدولية.
الفرع األول :قواعد المجامالت الدولية
ويقصد بها مجموعة العادات والسلوكات التي يرجي اتباعها استجابة العتبارات المالئمة
العلمية التي تساعد على توطيد العالقات بين الدول وخلق جو من الثقة والصداقة المتبادلة
وليس استجابة ألي التزام قانوني (أي ال يترتب على اإلخالل بها أي التزام قانوني أو أخالقي
أو أية مسؤولية خارجية).
وتتشابه قواعد المجامالت الدولية مع القانون الدولي العام في أنهما ينظمان العالقات
الدولية ،ويظهر الفرق بين قواعد القانون الدولي العام الذي يعتبر خرقها عمال غير مشروع
يؤدي إلى تحمل الدولة مسؤوليتها الدولية قد تؤثر في العالقات الدولية ،أما انتهاك قاعدة
مجاملة دولية فيعتبر مجرد عمل فغير ودي ال تترتب عليه أي مسؤولية دولية وكل ما يترتب
عنه ينحصر في المعاملة بالمثل الذي من شأنه قد يؤدي إلى تعكير صفو العالقات الدولية.
تجدر اإلشارة إلى أن قواعد المجامالت الدولية قد تتحول إلى قواعد القانون الدولي العام
عندما تكون ملزمة باالتفاق أو العرف ،كما هو الحال بالنسبة للحصانات واالمتيازات
الدبلوماسية فقد بدأت على أساس المجاملة ثم دخلت دائرة اإللتزام القانوني عن طريق العرف
وعن طريق االتفاق على تقنينها في معاهدات دولية مثل اتفاقية فيينا لعام 0410الخاصة
بحصانات وامتيازات الممثلين الدبلوماسيين واتفاقية فيينا لعام 0413والخاصة بحصانات رجال
السلك القنصليي.
15
ومن أمثلة قواعد المجامالت الدولية
-إعفاء كبار موظفي الدول األجنبية من سمة الدخول وشروط اإلقامة.
-إعفاء الممثلين الدبلوماسيين األجانب من الضرائب.
-عدم التعرض لسفن الصيد أثناء الحرب.
-استقبال كبار المسؤولين لنظائرهم في الدول المضيفة عند المطار.
-السماح لرئيس دولة أجنبية بالمرور فوق أجواء أراضي دولة أخرى واإلرسال برقيات
شكر وتقدير عند مروره.
الفرع الثاني :قواعد األخالق الدولية
األخالق الدولية هي مجموعة من المبادئ والقيم اإلنسانية التي تهم الرأي العام الدولي،
وتتفق قواعد األخالق الدولية مع قواعد القانون الدولي العام في أنها تتعلق بتنظيم العالقات بين
الدول ولها صفة دولية ،ولكنها تختلف عنها من حيث اإللزام.
فالقاعدة الخلقية – على خالف القاعدة القانونية -ال يجري إتباعها استجابة لوجود التزام
قانوني وانما استجابة لوجود التزام خلقي مستمد من اعتبارات الخلق والضمير.
وبناء عليه فإن اإلخالل بقاعدة خلقية ال يرتب المسؤولية القانونية الدولية للدولة المخلة
بل تقتصر مسؤوليتها في الجانب األدبي والخلقي ال غير ،وقد تتحول القواعد الخلقية إلى قواعد
قانونية ملزمة إذا ما سار العرف الدولي على اعتبارها ،أو تم االتفاق على ذلك ،وأوضح مثال
على ذلك القواعد الخاصة بمعاملة األسرى والمرضى وجرحى الحروب التي تحولت إلى قواعد
قانونية ملزمة.
ومن أمثلة األخالق الدولية المتعارف عليها
-تقديم المساعدات الالزمة والضرورية للدول التي تتعرض إلى كوارث طبيعية
كالفيضانات ،والزالزل واألعاصير ،والمجاعات.
-جميع الدول البحرية عليها واجب أخالقي في تقديم المساعدات للسفن األجنبية التي تلم
بها كارثة بسبب األمواج أو ألي سبب آخر ،أكانت هذه السفن في البحر اإلقليمي أو
المنطقة االقتصادية أو أعالي البحار.
16
-مساعدة الدول الغنية للدول النامية ودول العالم الثالث عن طريق منح القروض
والمساعدات الفنية ،فهذا يعتبر واجبا أخالقيا وليس قانونيا على عاتق الدول الغنية
لصالح الدول الفقيرة.
-إعالن األسف أو االستنكار لعمل غير شرعي أو إرهابي ،أو التأييد لقضية ما ،والقيام
بمثل هذه األمور يقابل من قبل الدولة بالشكر واالمتنان.
المبحث الرابع
أساس القوة الملزمة للقانون الدولي العام
على عكس القانون الوطني داخل النطاق الداخلي ،فإن المجتمع الدولي ليس له سلطة
عليا أو مشرع دولي يقوم بالسهر على تطبيق القوانين وفرض منطق تساوي كل الدول منها كان
حجمها وقوتها السياسة والعسكرية أمام القانون الدولي ،ألجل ذلك دائما ما يثور جدال حول
األساس القانوني الذي تستمد منه القواعد القانونية الدولية قوتها اإللزامية ،وقد انقسم فقه الدولي
في ذلك إلى عدة مدارس لتفسير مصر القوة اإللزامية لقواعد القانون الدولي إلى المدرسة
اإلرادية والمدرسة الموضوعية
يبنى هذا االتجاه على أساس أن الدولة تتمتع بالسيادة وال تخضع لسلطة عليا ،وأن دور
القانون الدولي هو مجرد التنسيق بين إرادات الدول صريحة كانت أم ضمنية ،وبالتالي فإن
مرجع وأساس التزامها بقواعد القانون الدولي هو إرادتها ومشيئتها ال غير.
يعتبر الفقيه األلماني "هيجل" رائد هذا االتجاه الذي اشتهر بمقولة " أن القانون الدولي وليد
إرادات الدولة " فاإلرادة هي التي تخلق القانون وتضفي عله الصفة الملزمة ،ويتم التعبير عنها
بشكل صريح في المعاهدات وبشكل ضمني في العرف الدولي.
إال أن هذه اإلرادة اختلف الفقهاء في تحديدها وقد تفرع هذا االتجاه إلى ثالث نظريات
نوجز عرضها كما يلي :
17
أوال /نظرية اإلرادة المنفردة أو التقيد الذاتي لإل رادة
زعيم هذه النظرية الفقيه األلماني "جيلينك" الذي يؤمن أن الدولة ال تخضع للقانون
الدولي العام إال بناء على إرادتها المنفردة ألنها في مركز أسمى من كل المبادئ القانونية،
فأساس القوة الملزمة لقواعد القانون الدولي ترتكز على إرادة الدولة ذات السيادة فهي صاحبة
السلطان في كل تصرفاتها ،التقيد إرادتها سلطة خارجة عنها ،وانما تستطيع بما لها من سيادة
أن تقيد إرادتها بما تشاء من القيود
زعيم هذه النظرية الفقيه األلماني "تريبل" القائل أن القانون الدولي ينشأ نتيجة تراضي وتوافق
إرادات الدول جميعها أو عدد كبير منها ،وليس لإلرادة المنفردة للدولة أن تخلق هذا القانون
الدولي وال أن تكون هي األساس االلتزام به
زعيم هذه المدرسة الفقيه النمساوي " كلسن" القائل ان مبدأ العقد شريعة المتعاقدين هو
الذي يفرض على الدول احترام القانون الدولي العام ويعتبر أساس االلتزام بأحكامه
-إن الدولة بحسب هذا االتجاه تستطيع أن تتحلل بمحض إرادتها ووفق مصالحها من
التزاماتها الدولية والقيود التي قبلتها متى شاءت بدون حسيب وال رقيب ،وفي ذلك هدم لصرح
القانون الدولي المبني على الثبات واالستقرار والديمومة ،ولقد صدق احد النقاد قائال ( أن القيد
الذي يوكل مفتاحه للشخص المقيد ال يعد قيدا من األساس )
18
-إن هذا االتجاه ال يفسر سبب التزام الدول الحديثة التي تدخل المجتمع الدولي وتقبل بقواعده،
بالرغم من كونها لم تشارك في وضع هذه القواعد ،وبالتالي ال يمكن لإلرادة وحدها أن تكون
أساسا للقانون الدولي
يرى هذا االتجاه أن أساس االلتزام بأحكام القانون الدولي يرجع إلى عوامل خارجة عن
إرادة الدولة وأن القانون الدولي ال يمكن أبدا أن يستند على إرادة الدول فقط ،ولقد تفرع هذا
االتجاه إلى مدرستين هما المدرسة القاعدية والمدرسة اإلجتماعية.
19
هو عبارة عن واقع اجتماعي يفرضه الشعور بالتضامن االجتماعي المرتبط بوجود واستمرار
األفراد سواء داخليا أو دوليا ،و عليه يرى دوجي أن التضامن االجتماعي ال ينحصر على
تنظيم العالقات بين األفراد فقط و إنما يتعداه إلى تنظيم العالقات بين الدول كذلك .وقد انتقدت
هذه النظرية على أساس فكرة التضامن فكرة غامضة وغير محددة داخليا ودوليا
أما االتجاه الثاني فيرى أن أساس االلزام بالنسبة لقواعد القانون الدولي العام تكمن في
ضرورات الحياة االجتماعية الدولية ،وهذه الضرورات قد تكون اقتصادية اجتماعية أو أخالقية
أو غيرها .ويتميز هذا االتجاه بأنه أكثر اتساعا وشموال من االتجاه السابق الذي يحصر أساس
اإللزام القانون الدولي في إطار فكرة التضامن اإلجتماعي بينما هذا االتجاه يبحث عن أساس
هذا القانون في الضرورات االجتماعية المختلفة
إن هذه المدرسة تعتبر األقرب للواقع من غيرها مع إدخال بعض التعديالت وتوسيعها .
21
المحور الثاني
21
-أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام في مختلف األمم .ويعتبر
هذا أو ذاك مصد ار احتياطيا لقواعد للقانون ،وذلك مع مراعاة أحكام المادة ، 59التي تنص أنه
ال يكون للحكم قوة اإللزام إال لمن صدر بينهم ،وفي حدود النزاع الذي فصل فيه
-مبادئ العدل واإلنصاف إذا وافق أطراف الدعوى على ذلك".
تجدر اإلشارة إلى أن التفرقة الموجودة في المادة 38بين المصادر األصلية والمصادر
االحتياطية ليست ارجعة الختالف القوة اإللزامية لهذه المصادر ،وانما هي تفرقة تخص ترتيب
هذه المصادر فقط ،بحيث ال يمكن االستناد للمصادر االحتياطية إال بعد انتفاء كل المصادر
األصلية.
على أن الفقهاء قد أجمعوا على عدم االكتفاء بالتقسيم الموجود بالمادة 38من النظام األساسي
لمحكمة العدل الدولية بشأن مصادر القانون الدولي العام ،على اعتبار وجود مصادر أخرى
مثل ق اررات الدول أو المنظمات الدولية أو ما يعرف باألعمال الدولية االنفرادية
ولإلحاطة بمضامين المصادر السالف ذكرها ككل نقوم بدراسة مصادر القانون الدولي
العام من خالل التطرق إلى المصادر األصلية والمصادر االحتياطية
الفصل األول
المصادر األصلية للقانون الدولي
قسمت المادة 38من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية المصادر األصلية للقانون
الدولي العام إلى ثالثة مصادر وهي :االتفاقيات الدولية ،العرف الدولي ،المبادئ العامة للقانون
التي أقرتها األمم المتمدنة ،وهذا ما سنتناوله في المباحث التالية.
المبحث األول
االتفاقيات الدولية
تكمن أهمية المعاهدات باعتبارها المصدر الرئيسي األول لقواعد القانون الدولي العام ،من
حيث الترتيب الوارد في المادة 37من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ،باعتبارها أكثر
المصادر وضوحا وأقلها إثارة للخالف واألكثر تعبي ار عن إرادة األطراف الحقيقية ،فعن طريق
المعاهدات تتحدد أغلب الحقوق وااللتزامات التي ينشئها األطراف فيما بينهم.
22
وانطالقا من أهمية المعاهدات باعتبارها من أهم األعمال القانونية الدولية التي تقوم بدور
هام في إنشاء العالقات الدولية ،أضحى القانون المنظم لها يمثل واحدا من الفروع الهامة
للقانون الدولي ،وستنصب دراستنا للمعاهدات على األحكام التي جاءت بها اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات لعام 0414مع الوقوف من حين آلخر عند اتفاقية 0471للتحليل أو المقارنة،
باعتبار أن االتفاقيتين جاءت بأحكام متشابهة إلى حد كبير باستثناء ما تعلق بخصوصية
المنظمة الدولية.1
المطلب األول :مفهوم المعاهدة وأنواعها
يتطلب تحديد ماهية المعاهدة الوقوف أوال عند مسألة تعريفها وبيان العناصر األساسية
المكونة لها وأهم التسميات المرادفة لها ،ثم تبيان بعد ذلك أهم أنواعها،
الفرع األول :تعريف المعاهدة وخصائصها
االتفاق الدولي هو تالقي إرادة شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي لتنظيم
العالقات القانونية القائمة بينهما أو بينهم فحسب وفقا ألحكام القانون الدولي .وقد تعددت
التعاريف الفقهية للمعاهدة إال أنها تقترب من بعضها البعض إلى حد كبير ،مع اختالف في
التركيز على ع نصر أو آخر ،فمنهم من يعرفها بأنها ( اتفاق بين شخصين من أشخاص
- - 1لقد خضعت المعاهدات لتطور عميق شمل مختلف جوانبها المتعلقة بشروط عقدها وتنفيذها متزامنة مع التطور الذي عرفه
مجال العالقات الدولية ،وقد سعى الفقه الدولي إلى وضع قواعد منظمة إلجراءات التعاقد الدولي ،غير أنه بعد أن َعهد ميثاق
األمم المتحدة للجمعية العامة بمهمة تشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه،
أنشأت الجمعية العامة لهذا الغرض لجنة القانون الدولي التي شرعت بإعداد مشروع لقانون المعاهدات منذ عام 0414والتي
انتهت من مهمتها في ، 0411وقد عرض المشروع المقترح على مؤتمر األمم المتحدة لقانون المعاهدات ،الذي انعقد في فيينا في
دورتين أولهما في الفترة ما بين 61مارس و 61ماي ،0417والثانية في الفترة ما بين 14أفريل و 66ماي ،0414وقد
أسفرت أعمال المؤتمر عن اعتماد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تتكون من خمسة وثمانون مادة وملحق ،ودخلت االتفاقية
حيز النفاذ في 68جانفي ، 0471وهو اليوم الذي صادف اليوم الثالثين إليداع وثيقة التصديق أو االنضمام الخامسة والثالثين
على ما توجبه المادة 71من االتفاقية ،وباعتبار أن هذه االتفاقية جاءت لتنظيم المعاهدات التي تبرم بين الدول فقط ،كان لزاما
على لجنة القانون الدولي إعداد اتفاقية أخرى تعنى بتقنين المعاهدات المبرمة بين الدول والمنظمات الدولية أو فيما بين المنظمات،
والتي تم اعتمادها في مؤتمر دولي عقد بفيينا في 60مارس .0471وتعتبر هاتين االتفاقيتين القاعدة العامة التي يستند إليهما
عند إبرام أية معاهدة دولية.
23
القانون الدولي إلحداث آثار قانونية يحكمها القانون الدولي) ،كما يعرفها البعض على أنه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
(اتفاق يكون أطرافه الدول ،أو غيرها من أشخاص القانون الدولي ممن يملكون أهلية إبرام
المعاهد ات ،ويتضمن االتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه ،كما يجب أن
يكون موضوعه تنظيم عالقة من العالقات التي يحكمها القانون الدولي).
بالرغم من تعدد التعاريف للمعاهدات إال أن الفقه الدولي يكاد يجمع في تعريفه للمعاهدة
انطالقا من تعداد عناصرها أو خصائصها ،فهي (اتفاق مكتوب بين أشخاص القانون الدولي
إلحداث نتائج قانونية وفقا ألحكام القانون الدولي ،سواء أفرغ هذا االتفاق في وثيقة واحدة أو
أكثر وأيا كانت التسمية ،وهذا التعريف مستوحى من المادة 10/16من اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات لعام ،0414وكذلك المادة المقابلة لها من اتفاقية قانون المعاهدات بين الدول
والمنظمات الدولية لسنة .0471
ومن هذا التعريف يستخلص وجوب توفر ثالث شروط أو عناصر أساسية في المعاهدة
وهي :أن يكون االتفاق بين أشخاص القانون الدولي ،ينبغي أن تصاغ المعاهدة الدولية في
وثيقة مكتوبة ،إحداث المعاهدة ألثار قانونية وفقا لقواعد القانون الدولي.
/1أن يكون االتفاق بين أشخاص القانون الدولي
تاريخيا ،كانت الدول وحدها هي صاحبة االختصاص في إبرام المعاهدات باعتبارها
الشخص الدولي الوحيد ،أما حاليا ،فتعتبر المنظمات الدولية من أشخاص القانون الدولي العام
لها أهلية إبرام المعاهدات ،وهذا ما تأكد بعد الرأي االستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر
عام 0414والمتعلق بمسألة التعويض عن األضرار التي تصيب موظفي األمم المتحدة أثناء
تأديتهم لوظائفهم .وتماشيا مع هذا التطور ،جاءت كل من اتفاقيتي فيينا لعام 0414و0471
مؤكدة على أهلية الدول والمنظمات في إبرام المعاهدات الدولية.
فقد نصت المادة 11من اتفاقية فيينا لعام 0414على أهلية الدول في عقد
المعاهدات الدولية ،ومن هذا النص الثابت في العالقات الدولية فإن الدول ذات السيادة الكاملة
هي صاحبة االختصاص في إبرام المعاهدات في جميع المجاالت السياسية ،االقتصادية،
االجتماعية والعسكرية وغيرها ،إال إذا قيدت الدولة حريتها بموجب اتفاقية سابقة ،لكن في هذه
24
الحالة ال يعتبر التصرف باطال ألن الدولة تملك أهلية التصرف وشخصيتها الدولية ال نزاع
فيها ،وكل ما في األمر أنها تتحمل مسؤوليتها وفقا إلخاللها بالتزام سابق.
أما بالنسبة للدول ناقصة السيادة ،فالبد من الرجوع إلى عالقة التبعية القائمة بين الدولة
التابعة والدولة المتبوعة.
كما نصت المادة 11من اتفاقية 0471على أهلية المنظمات الدولية في إبرام
المعاهدات ،وقد جاءت االتفاقية لتأكيد عرف دولي سابق يسمح للمنظمات الدولية بإبرام
المعاهدات الدولية مع الدول وغيرها من المنظمات ،ومن أمثلة ذلك ،االتفاق الدولي الذي أبرم
بين المكتب الدولي للمقاييس والموازين وفرنسا الخاص بالمقر في 1أكتوبر ،0781االتفاق
المبرم بين سويس ار وعصبة األمم حول الحصانات واالمتيازات لعام ،0461وقد تأكد هذا المبدأ
بإنشاء هيئة األمم المتحدة ،والوكاالت التابعة لها والمنظمات الدولية األخرى.
ويتم التعرف على أهلية المنظمات الدولية في مجال عقد االتفاقيات بثالث وسائل:
أ -الوثيقة المنشئة للمنظمة أو الميثاق.
ب -التفسير الموسع للميثاق.
ج -التدخل الصريح من األجهزة المختصة.
فبالرجوع مثال إلى نص المادة 13من ميثاق األمم المتحدة ،نجد أنها أكدت على حق المجلس
االقتصادي واالجتماعي في عقد اتفاق مع أي وكالة من الوكاالت المشار إليها في المادة .118
وبناء على ما سبق فال يمكن اعتبار االتفاقات التالية من قبل المعاهدات الدولية:
-االتفاقات التي تبرم بين الدول وبين القبائل التي ال تتمتع بالشخصية القانونية الدولية،
-االتفاقات التي تبرمها الدول األعضاء في الدول المركبة ،فالدويالت الداخلة في االتحاد ليس
لها شخصية قانونية دولية إال في حالة السماح بذلك بموجب الدستور ،فالقاعدة العامة أن الدولة
االتحادية هي التي تستقل بالتمثيل السياسي الخارجي وبأهلية إبرام المعاهدات.
- 1تنص المادة 13على « للمجلس االقتصادي واالجتماعي أن يضع اتفاقات مع أي وكالة من الوكاالت المشار
إليها في المادة 18تحدد الشروط التي على مقتضاها يوصل بينها وبين "األمم المتحدة " وتعرض هذه االتفاقات على
الجمعية العامة للموافقة عليها .وله أن ينسق وجوه نشاط الوكاالت المتخصصة بطريق التشاور معها وتقديم توصياته
إليها والى الجمعية العامة وأعضاء "األمم المتحدة».
25
-االتفاقات التي تعقد بين األمراء بصفتهم الخاصة وليس الرسمية ،كعقود الزواج بين األمراء.
-االتفاقات المبرمة بين األفراد العاديين والمعنويين حتى وان كان لهذه االتفاقات أثر على
المستوى الدولي.
/0ينبغي أن تصاغ المعاهدة في وثيقة مكتوبة
اشترطت المادة 6الفقرة 10من اتفاقيتي فيينا لعام 14و 71أن يفرغ االتفاق في وثيقة
مكتوبة .فالكتابة وان كانت ليست شرطا من شروط االلتزام الدولي الذي يخضع ألحكام القانون
الدولي ،إال أنها شرط لصحة المعاهدة حتى يمكن سريان أحكام المعاهدة ،وهذا لسهولة الرجوع
إلى الكتابة إلثبات حقوق وواجبات أطراف االتفاق.
وقد سايرت اتفاقية فيينا في هذا المجال نص المادة 0/016من ميثاق األمم المتحدة الذي
يشترط تسجيل ونشر جميع المعاهدات التي يبرمها أعضاء األمم المتحدة ،حرصا على ضمان
تنفيذها وتجنبا لما قد تحمله االتفاقات الشفوية من اختالف حول تفسيرها.
وعلى الرغم مما قد يحمله االتفاق الشفوي من اختالف في التفسير أو التنفيذ ،إال أن اتفاقية
فيينا لعام ،0414اعترفت له بنفس القيمة القانونية لالتفاقات المكتوبة في المادة / 3أ منها
وهذا ال يخالف ما استقر عليه القضاء الدولي باالعتراف لالتفاق الشفوي بذات القوة الملزمة
لالتفاق المكتوب ،فقد اعترفت محكمة العدل الدولية الدائمة بالقيمة القانونية لالتفاق الشفوي في
قضية (جرين الند) بين النرويج و الدنمارك ،ففي تصريح لوزير خارجية النرويج اعترف شفويا
بسيادة الدنمارك على إقليم «جرين الند الشرقية» سنة 0404وفي سنة 0430حاولت النرويج
اإلخالل بالتصريح ،ولم تتردد المحكمة في إعطاء التصريح الشفوي نفس القيمة القانونية
للمعاهدة بين الدولتين في حكمها الصادر في 1أفريل .10433
-1كان مدار البحث في هذه القضية هو مدى صحة التصريح الشفوي الصادر عن وزير خارجية النرويج " نيلس
كالوس إهلن" وقيمته القانونية في ترتيب االلتزامات الدولية على عاتق دولته ،فأثناء المباحثات بين وزيري خارجية
النرويج و الدنمارك قال الوزير النرويجي في 04جويلية عام «:0404إن بالده لم تقيم أي عقبات أمام خطط حكومة
الدنمارك من أجل بسط سيادتها على كامل جرين الند» ،ولم تتردد المحكمة عندما عرض عليها النزاع بسبب محاولة
النرويج بسط سيادتها على جزء من «جرين الند» عام 0460خالفا للتصريح الذي أصدره الوزير إهلن عام 0404في
إعطاء التصريح قيمة قانونية كما لو كان معاهدة دولية بين الدولتين.
26
كما اعتبرت محكمة العدل الدولية في الحكمين الصادرين عنها في 61ديسمبر 0481
في قضيتي التجارب النووية التي رفعتها كل من أستراليا ونيوزيلندا ضد فرنسا ،أن التصريحات
العلنية التي صدرت عن الحكومة الفرنسية ووعدت فيها بوقف التجارب الذرية الفرنسية في
جنوب المحيط الهادي تعتبر ملزمة لفرنسا.
ولم تشترط اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات أن تكتب المعاهدة في وثيقة واحدة ،بحيث قد
تكون المعاهدة متعددة الوثائق وبغض النظر عن التسمية التي تطلق عليها.
/3إحداث المعاهدة ألثار قانونية وفقا لقواعد القانون الدولي
تتعدد موضوعات المعاهدة حسب تنوع العالقات الدولية وحاجة كل دولة ،فالدول ذات
سيادة من حقها إبرام ما تشاء من المعاهدات في كافة الميادين المعروفة طالما أن االتفاق ال
يتناقض مع القواعد اآلمرة للقانون الدولي ،أي أن تحدث المعاهدة آثار قانونية على عاتق الدول
المتعاقدة ،والتي تخضع لقاعدة عامة هي العقد شريعة المتعاقدين ،ويمكن أن تتناول االتفاقية
جميع نواحي الحياة (سياسية ،عسكرية ،ثقافية ،مالية.)...
فال يعد االتفاق وان كان بين الدول من قبيل المعاهدة إن لم يكن يهدف إلى ترتيب حقوق
والتزامات متبادلة بين أطرافه ،وهذا ما يميز المعاهدة عن االتفاقيات ذات اآلثار األدبية غير
الملزمة .فال يعد من قبيل المعاهدات اتفاقية الجنتلمان ( (Gentlemen’s Agreementsأو
اتفاق الشرفاء التي تلزم األشخاص فقط باعتبارهم رؤساء للدول أو وزراء للخارجية ،والتي
يعلنون فيها بصفتهم الشخصية عن االتفاق على بعض المسائل ذات الطبيعة العامة ،كانتهاج
سياسة ما في موضوع مشترك ،وهو اتفاق ال يسمو إلى معاهدة دولية وال يخضع لقواعد القانون
الدولي ،وكل ما في األمر أن هذه االتفاقيات تتمتع أولها قيمة أدبية ترتكز على وعد وشرف
الشخص الذي أبرمها ،فكل ما يضمن التنفيذ هو كلمة الشرف الذي أعطاها الساسة لبعضهم،
والدولة غير مسؤولة إذا ما تخلف ساستها عن تنفيذ اتفاق الجنتلمان ،إال أنه من النادر جدا أن
يختلف أطرافها عن تنفيذ أحكامها بالنظر إلى تعلق األمر بشرفهم وبسمعتهم األدبية في المجال
الدولي ،بل جرت العادة أن يقوم رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية بتنفيذ ما سبق ألسالفهم
إبرامه من اتفاقات الشرفاء حرصا منهم على سمعة ساسة الدولة على وجه العموم.
27
وهناك أمثلة عديدة على االتفاقات ذات القيمة األدبية ،نذكر منها في هذا المجال :اتفاق
األطلنطي بين روزفلت وتشرشل في 01أوت 0410والخاص باالتفاق على مواصلة الحرب
ضد هتلر ،التصريح المشترك الصادر عام 0411عن الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا
وكندا حول البرنامج النووي الذي تنوي إتباعه في مجال استخدام الطاقة النووية ،والذي يعتبر
تصريحا مبدئيا ال يتضمن أي التزام قانوني.
الفرع الثاني :أنواع المعاهدات:
تنقسم المعاهدات من حيث أنواعها إلى عدة تصنيفات ،وذلك بحسب عدد أطرافها أو
إجراءات عقدها أو موضوعها أو أسلوب االنضمام إليها ،وقد ترد المعاهدة بتسميات مختلفة.
أوال :تعدد األسماء التي تطلق على المعاهدات
إن اختيار االسم الذي يرد على الوثيقة أو المعاهدة مسألة سياسية يحددها األطراف،
ومهما اختلفت التسمية التي تطلق على االتفاق فهي ملزمة لألطراف وتعد مصد ار من مصادر
القانون الدولي المادة .10/16
غير أن جانبا من الفقه ميز بين المصطلحات المختلفة للمعاهدة ،ومن التسميات األكثر
استعماال:
-1المعاهدة :Traitéوهو اصطالح يطلق على االتفاق الدولي الذي يتناول موضوعا على
درجة من األهمية يغلب عليه الطابع السياسي كمعاهدات التحالف والصداقة ومعاهدات الصلح،
مثل معاهدة وستفاليا لعام ،0117معاهدة فرساي لعام ،0404معاهدة منع انتشار األسلحة
النووية...الخ.
-0االتفاقية :Conventionوهو اصطالح يطلق على االتفاق الدولي الذي يتناول موضوعا
يغلب عليه الطابع القانوني ،وهي تشمل العديد من المجاالت كحقوق اإلنسان ،الحدود ،القانون
الدولي اإلنساني وغيرها ،مثل اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام 0410واتفاقية فيينا
للعالقات القنصلية لعام ،0413اتفاقية قانون البحار لعام 0471اتفاقيتي فيينا لقانون
المعاهدات لعام 0414و 0471وغيرها.
28
ويفضل استعمال مصطلح اتفاقية بدل معاهدة في الحاالت التالية :عندما يكون أحد
ُ
أطراف االتفاق منظمة دولية ( ،ألن المعاهدة تفرض تدخل رئيس الدولة ،وليس للمنظمات
الدولية رئيس مماثل ولهذا فأغلب االتفاقيات التي تبرمها األمم المتحدة أو فروعها تدعى في
أغلب األحيان اتفاقيات) ،أو عندما تتضمن االتفاقية قواعد قانونية دولية ،أو عندما يتناول
.
موضوع االتفاقية الجانب االقتصادي
يطلق هذا المصطلح على االتفاقات التي يراد إبراز أهميتها في -2الميثاق :Charte
المجتمع الدولي ،ويستمد هذا االتفاق اسمه من خالل الموضوع الذي ينظمه مثل ميثاق األمم
المتحدة لعام 0411وميثاق جامعة الدول العربية لعام ،0411ميثاق منظمة األمم المتحدة،
وغيرها .ويحمل مصطلح العهد Pacteنفس المدلول في هذا المجال.
-2النظام :Statutوهو مصطلح ظهر حديثا في القانون الدولي المعاصر يطلق على
االتفاقات الجماعية ،التي تنشئ هيئات أو جهاز يغلب عليه الطابع التأسيسي ،كالنظام
األساسي لمحكمة العدل الدولية لعام ،0411أو النظام األساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية
لعام ،0418أو نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام .0447
-5التصريح :Déclarationوهو اتفاق دولي ينصب على تأكيد مبادئ قانونية وسياسية
مشتركة ،مثل تصريح برلين في 1جويلية 0411بشأن تولي السلطات العليا في ألمانيا من
طرف الدول األربع المنتصرة.
-6البروتوكول :Protocoleاتفاق دولي معدل التفاق سابق أو مفسر له ،وينصرف
التصديق على االتفاق األصلي في العادة تلقائيا إلى البروتوكول ،ولكنه ال غنى عن التصديق
على البروتوكول الذي يتناول بالتنظيم مسائل جديدة ومستقلة عن االتفاق األصلي ،فالبروتوكول
في هذه الحالة هو عبارة عن معاهدة مستقلة تماما ولكنها تتضمن أحكاما مكملة لمعاهدة سابقة،
كما يمكن أن يكون البروتوكول اتفاق قائم بذاته مثل بروتوكول جنيف لعام 0461حول الحرب
الكيماوية.
29
-7االتفاق :Accordاتفاق دولي يعالج مسائل سياسية بحتة ،كاتفاق يالطا لعام 0411
حول تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بين الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد السوفيتي ،واالتفاق
بين الواليات المتحدة األمريكية واألمم المتحدة الخاص بالمقر لعام .0418
-8تبادل المذكرات أو الخطابات :Echange des lettresاصطالح يدل على اتفاق دولي
ثنائي عن طريق تبادل رسائل بين أطرافه ،و إتباع هذا األسلوب يكون ناتجا عن ضيق الوقت
الذي ال يمنح وقتا أكبر أمام الطرفين للدخول في مفاوضات تقليدية بقصد الوصول إلى اتفاق،
مثل تبادل المذكرات بين مصر واألمم المتحدة الخاصة بتحديد مركز قوات الطوارئ الدولية
على األراضي المصرية).
رغم تعدد وتنوع التسميات التي تطلق على المعاهدة ،إال أنها تحمل نفس المعنى من
الناحية القانونية ،وتخضع لنفس األحكام ،وتتمتع بالقوة اإللزامية ذاتها ،وهذا ما أكدته كل
من اتفاقيتي فيينا في المادة /0أ منهما بنصهما على " ...وأيا كانت تسميته الخاصة."...
تجدر اإلشارة أنه فيما يتعلق بالتسمية ،قد سبق لمحكمة العدل الدولية الدائمة في عام
، 0430أن أكدت أنه مهما تنوعت التسميات التي يمكن أن تطلق على المعاهدات إال أن العبرة
بالجوهر والقيمة القانونية وقيمتها اإللزامية بين أطرافها . 1وهذا ما أكدت عليه أيضا محكمة
العدل الدولية عام 6110في قضية قطر والبحرين ،عندما صرحت بموجب قرارها أن المحضر
الموقع من جانب قطر والبحرين في 61ديسمبر عام 0441يعد اتفاقا دوليا ينشئ حقوقا
ويرتب التزامات على عاتق الطرفين ،وبالتالي رفض الدفع البحريني القائل أن المحضر ليس
اتفاقية دولية على غرار اتفاقية ،0478وعلى ضوء ذلك قبلت المحكمة االختصاص بالنظر
في الدعوى بين الطرفين.
-1يستفاد هذا من خالل رأيها اإلستشاري المؤرخ في 1سبتمبر 0430في قضية النظام الجمركي بين ألمانيا وفرنسا،
أين قالت فيما يتعلق بالتصريح المدرج في البروتكول الرابع المؤرخ في 1أكتوبر 0466المبرم بين النمسا وفرنسا
وبريطانيا و إيطليا بأنه من حيث الصف ة اإللزامية للتعهدات الدولية ،فمن المعروف أنه يمكن لهذه التعهدات أن تأخذ
تسمية معاهدات ،اتفاقيات ،تصريحات ،اتفاقات ،بروتوكوالت ،أوتبادل مذكرات ،"....
31
ثانيا :تصنيف المعاهدات
تعددت التقسيمات بشأن تصنيف المعاهدات ،فمنهم من يصنفها بحسب عدد أطرافها ،إما
معاهدات ثنائية أو جماعية ،ومن حيث موضوعها تنقسم إلى معاهدات شارعة ومعاهدات
عقدية ،ومن حيث إجراءات عقد المعاهدة تنقسم إلى معاهدات ذات الشكلية أو التقليدية
واالتفاقات ذات الشكل المبسط ،ومعاهدات عامة ومعاهدات خاصة ،وغيرها من التصنيفات،1
غير أن التصنيف األكثر أهمية والذي يتمتع بفائدة منهجية أكثر هو ذلك التصنيف الموضوعي
والذي يستند إلى موضوع المعاهدة ومحتواها والتصنيف الشكلي الذي يستند إلى شكل المعاهدة
وطبيعة إجراءاتها وعدد الدول األطراف فيها.
:1التصنيف الموضوعي للمعاهدات
وهو التصنيف الذي يستند إلى الوظيفة القانونية المرجوة من المعاهدة ،أي تلك األهداف التي
يتعين على المعاهدة تحقيقها ،وقد تأثر هذا التصنيف بالتنظيم القانوني الداخلي ،الذي يفرق بين
التشريع الذي يحكم مراكز قانونية عامة ومجردة ،وبين العقد الذي يحكم مراكز قانونية خاصة
وشخصية ،وقد درج بعض الفقه الدولي على التميز بين المعاهدات المصنفة بحسب موضوعها إلى:
أ -المعاهدات العقدية والمعاهدات الشارعة:
يعتبر تقسيم المعاهدات إلى معاهدات شارعة ومعاهدات عقدية من أكثر التقسيمات
التقليدية شيوعا واستق ار ار في الفقه الدولي.
فالمعاهدة العقدية Traités Contratsتشبه العقود في القانون الداخلي تنشئ حقوقا
وواجبات متبادلة بالنسبة لألطراف المتعاقدة ،تبرم بين أشخاص القانون الدولي في أمر خاص
بهم تهدف إلى تحقيق عملية قانونية كمعاهدات التحالف والتجارة ،الحدود التنازل ،وهي عقود
ذاتية تتضمن تعهد الدول الموقعة عليها القيام بصورة متبادلة بالتزامات مختلفة ،وهذا النوع من
المعاهدات ال يلزم غير المتعاقدين ،وال يتعدى أثرها غير الدول الموقعة عليها ألن الدول غير
األطراف فيها لم تلتزم بما تم االتفاق عليه،
- 1تهدف هذه التصنيفات أساسا إلى تسهيل البحث والتحليل البيداغوجي ،دون أن يكون لها آثا ار قانونية مباشرة ،وقد
يتقاطع تصنيف مع تصنيف آخر أو يمتزج به.
31
أما االتفاقات الشارعة :Traités Lois :فهي التي يهدف من وراء سنها خلق قواعد دولية
جديدة تنظم العالقة بين أشخاص القانون الدولي ،فهذا النوع أقرب إلى التشريع منها إلى العقد،
وهي تتميز بجملة من الخصائص والمميزات ،من أهمها هو إمكانية انضمام دول لم تكن أطرافا
فيها وقت إبرامها ،كما أنها تقوم بوضع تشريعات وقوانين يمتد أثرها إلى دول ليست طرفا فيها،
كما أن غالبية المعاهدات الشارعة هي معاهدات متعددة األطراف يمكن لها أن تحدث مراكز
قانونية ،ومن االتفاقات الشارعة اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات ،ميثاق األمم المتحدة ،عهد
عصبة األمم ،قانون البحار....
ب -المعاهدات الخاصة والمعاهدات العامة:
يقصد بالمعاهدات الخاصة ،المعاهدات التي تنظم موضوعا خاصا بأطرافها ًأيا كان
عددهم ،مثل معاهدات الحدود أو تسليم المجرمين ،أو اإلحالة على التحكيم ،بينما المعاهدات
العامة هي التي تنظم موضوعا عاما يهم جميع الدول األطراف في المعاهدة وغير األطراف
فيها ،كالمعاهدات الشارعة.
وهذا التصنيف القائم على معيار الخصوصية و العمومية هو الذي أخذت به محكمة العدل
الدولية حيث نصت في فقرتها األولى من المادة 37من نظامها األساسي على « وظيفة
المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا ألحكام القانون الدولي ،وهي تطبق في
هذا الش أن( :أ) االتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة من
جانب الدولة المتنازعة." ...
/0التصنيف الشكلي للمعاهدات
وهذا التصنيف يعنى بالجانب الشكلي للمعاهدة ،نتطرق إلى البعض منها:
أ -المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية:
تنقسم المعاهدات من حيث أطرافها إلى معاهدات ثنائية عندما تكون بين طرفين فقط،
ومعاهدات جماعية والتي تعقد بين أكثر من شخصين من أشخاص القانون الدولي ،وتوصف
المعاهدة الجماعية بأنها معاهدة متعددة األطراف ،وغالبية المعاهدات الشارعة تعقد بهذه
الطريقة ،فالتميز هنا قائم على ناحية شكلية تتعلق بعدد الدول المشاركة في المعاهدة.
32
ب -المعاهدات بالمعنى الدقيق واالتفاقات ذات الشكل المبسط:
تختلف االتفاقات المبرمة بين أشخاص القانون الدولي من حيث اإلجراءات الشكلية
المتطلبة فيها بين المعاهدات بالمعنى الدقيق ،والتي يشترط فيه التصديق من طرف السلطات
الداخلية المختصة في الدول األطراف ،أما االتفاقات الدولية ذات الشكل المبسط والتي يطلق
عليها أيضا االتفاقات التنفيذية ،فال يشترط إلبرامها إتباع إجراءات شكلية معينة ،كما ال يشترط
لدخولها أن يتم التصديق عليها من جانب السلطات الداخلية للدول األطراف فيها لكنها نافذة
وملزمة للدول فور التوقيع عليها.
ويعرف الفقه الدولي االتفاقات ذات الشكل المبسط بأنها تلك االتفاقيات الدولية التي
تبرمها الدولة واألشخاص الدولية األخرى بصيغة مبسطة ،ويتم التعبير عن رضا الدولة االلتزام
بها عن طريق توقيع ممثلها على ما تم االتفاق عليه أثناء المفاوضات ،وبما أن السلطة
التنفيذية هي التي تتولى إبرام المعاهدات تسمى اتفاقيات تنفيذية.
ومن المتفق عليه أنه ال يوجد اختالف بين المعاهدات في مفهومها الدقيق وبين االتفاقات
الدولية في صورتها المبسطة ،فيما يتعلق بالقوة الملزمة والقيمة القانونية لكل منهما ،كما أنه ال
يوجد تدرج بين النوعين ،بالرغم من االختالف بينهما من حيث الشكل.
فبساطة اإلجراءات أو تعقيدها ال يؤثر في الصفة اإللزامية لالتفاق المبسط ،فااللتزامات
الدولية تنشأ من االتفاقات البسيطة والمعاهدة معا ،علما أن هذا النوع من االتفاقيات هو تجربة
أمريكية ال تحتاج إلى عرضها على مجلس الشيوخ ألخذ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوافقته (المخول بالموافقة على
المعاهدات) .وتشير بعض المصادر إلى أن أكثر من %41من االتفاقيات التي أبرمتها
الواليات المتحدة األمريكية منذ سنة 0434إلى غاية 0474كانت من االتفاقيات ذات الشكل
المبسط ،انفردت السلطة التنفيذية بإبرامها دون الرجوع إلى الكونغرس.
علما أنه ليس المعنى من عقد االتفاقات التنفيذية أن ينصب موضوعها على المسائل
ذات األهمية القليلة ،بل قد يلجأ إلى هذا النوع حتى في المسائل ذات األهمية الكبرى ،وخير
مثال على ذلك اتفاق يالطا لعام 0411بين االتحاد السوفيتي والواليات المتحدة األمريكية
وبريطانيا ،والذي رسم بموجبه الخريطة السياسية الجديدة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
33
ج -المعاهدات المغلقة والمعاهدات المفتوحة:
فالمعاهدات المفتوحة هي تلك المعاهدات التي تترك مجال االنضمام إليها مفتوحا قصد
توسيع المشاركة ،كما هو الحال في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية كاألمم المتحدة أو
اتفاقية قانون البحار ،أما المعاهدات المغلقة فهي المعاهدات المحصورة التي ال يمكن االنضمام
إليها إال بتوافر مجموعة من الشروط ،كالمعاهدة المنشئة لإلتحاد اإلفريقي ،أو جامعة الدول
العربية.
إلى جانب هذه التصنيفات ،هناك تقسيمات أخرى منها المعاهدات اإلقليمية والمعاهدات
ذات الطابع العالمي ،وغيرها ،وصلت عند بعض الفقهاء إلى 37نوع.
وتجدر اإلشارة إلى أن المعاهدة مهما اختلفت تسميتها وتصنيفها فهي في النهاية مصدر
من مصادر القانون بالنسبة ألطرافها .كما أن محكمة العدل الدائمة والحالية لم تأخذ مطلقا بهذه
التفرقة التي اعتبرتها عديمة القيمة من الناحية القانونية ،ولهذا فإن جميع المعاهدات تعتبر
مصد ار من مصادر القانون الدولي العام طالما أنها تضع قواعد لتنظيم العالقات بين األطراف.
المطلب الثاني
مراحل إبرام المعاهدات
حتى تنعقد المعاهدة بهيئتها الصحيحة على الوجه األكمل ،البد أن تمر قبل ظهورها بعدة
مراحل تدريجية قبل ظهورها حتى تكون قادرة على إحداث آثارها القانونية ،وعليه يتعين توافر
مجموعة من الشروط الشكلية في الوثيقة المكتوبة ،ويمكن القول بصفة عامة أن المعاهدة ال
تكتمل إال بتمام عدد من اإلجراءات التي ينظمها ما جرى عليه التعامل الدولي والتي يمكن أن
تتلخص في المراحل التالية :المفاوضة ،التحرير ،التوقيع ،التصديق ،والتسجيل ،غير أن
المعاهدة التي يتم إبرامها قد يتم قبولها بكاملها من جانب أطرافها ،وقد يكون ألحد األطراف أو
بعضهم من التحفظات ما قد يحد من نطاق سريان أحكام المعاهدة المعنية عليهم.
وعلى هذا األساس سنتطرق في إلى الشروط الشكلية إلبرام المعاهدات أو مراحل إبرام
المعاهدات ،ثم ننتقل لموضوع التحفظ على المعاهدات لما لهذا الموضوع من أهمية في هذا المجال.
34
الفرع األول :المراحل الشكلية إلبرام المعاهدات
المعاهدة باعتبارها مصد ار من مصادر القانون الدولي هي عمل يحتاج إلى إجراءات
متوالية ،وأولى هذه اإلجراءات هي المفاوضات حول موضوع االتفاق ،ثم يليه تحرير نصوصه
بلغة أو لغات يتم االتفاق عليها ،ثم يعقب ذلك مرحلة التوقيع والذي يكون كامال ونهائيا أو
باألحرف األولى ،وتعبر الدولة عن التزامها النهائي بالمعاهدة عن طريق التصديق حسب ما
يقتضيه قانونها الداخلي أو االنضمام ،ثم تليها عملية تسجيل ونشر المعاهدة.
أوال :المفاوضات
لم تحدد اتفاقية فيينا لعام 0414شكال محددا للمفاوضة ،وان كان موضوعها واحد،
ويقصد بالمفاوضات تبادل وجهات النظر بين أشخاص القانون الدولي حول الموضوع الذي يراد
إبرام المعاهدة بشأنه بغية الوصول إلى اتفاق بينهما.
وليس للمفاوضات شكل محدد يجب إتباعه ،فقد تكون المفاوضة شفوية حيث يتبادل األطراف
وجهات النظر مباشرة ،وقد تكون مكتوبة في صورة مادة أو أكثر يقدمها أحد األطراف ويرد
عليها اآلخر ،وقد تكون في صورة مذكرات متبادلة ترسل مع رسول دبلوماسي .كما قد تكون
المفاوضة علنية أي تجرى أمام مرأى ومسمع وسائل اإلعالم ،أو تكون المفاوضة سرية وهذا
حسب ما تقتضيه مصلحة األطراف.
تختلف طريقة إجراء المفاوضة باختالف ما إذا كنا بصدد معاهدة ثنائية أو معاهدة
متعددة األطراف ،ففي المعاهدات الثنائية تجري المفاوضة عادة بالطريق الدبلوماسي في صورة
محادثات بين وزير خارجية الدولة والممثل الدبلوماسي لدولة أخرى بمشاركة اختصاصين وفنيين
ومترجمين إذا كان موضوع المعاهدة يقضي بذلك .وقد تجري عملية التفاوض على إقليم إحدى
الدول المتفاوضة أو تستضيفها دولة ثالثة على إقليمها.
أما فيما يتعلق بالمعاهدات الجماعية (المتعددة األطراف) فهي عادة تجري في إطار مؤتمر
دولي يعقد خصيصا لهذا الغرض ،واما في إطار منظمة دولية وعلى هذا المنوال أنشأت
الجامعة الدول العربية(مؤتمر اإلسكندرية) واألمم المتحدة (مؤتمر سان فرانسيسكو).
35
والقانون الوطني لكل دولة هو الذي يحدد الجهاز المختص بالتفاوض وابرام المعاهدة باسم
الدولة .والمختص بالمفاوضة كأصل عام هو رئيس الدولة ،وان كانت هذه المهمة في الوقت
الحاضر مقصورة على المعاهدات بالغة األهمية والخطورة ،والى جانب رئيس الدولة يختص كل
من رئيس الحكومة ووزير الخارجية بالتفاوض نيابة عن الدولة دون حاجة إلى وثيقة التفويض
من دولهم ،لهما من صفة تمثيلية في إطار العالقات الدولية .كما جرى العرف الدولي على أن
المبعوث الدبلوماسي المعتمد من طرف دولة ما ،له صالحية التفاوض في كل أمر يهم مصلحة
بلده مع تلك الدولة ،طالما أن مهمة التفاوض هي جزء أساسي ومهم في عمله.
ولقد عددت الفقرة الثانية من المادة السابعة من اتفاقية فينا لعام 0414أن ممثلي الدولة
الذي يفترض فيهم الصفة التمثيلية دون حاجة إلى إبراز وثائق التفويض هم:
أ -رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية فيما يتعلق بكل التصرفات الخاصة بإبرام
المعاهدة،
ب -رؤساء البعثات الدبلوماسية ،فيما يتعلق بإقرار نص معاهدة بين الدولة المعتمدة وبين الدولة
المعتمدين لديها.
ج -الممثلون المعتمدون من دول لدى مؤتمر دولي أو لدى منظمة دولية أو أحد أجهزتها أو فروعها،
فيما يتعلق بإقرار نص معاهدة في هذا المؤتمر أو تلك المنظمة أو ذلك الجهاز.
أما عدا هؤالء فيتعين أن يكونوا مزودين بأوراق التفويض ، 1وهي وثيقة مكتوبة تصدر
عادة عن رئيس الدولة أو الجهات المختصة ،2تتضمن وثيقة التفويض إثبات صفة المفاوض
-1عرفت المادة 6فقرة /ج من اتفاقية فيينا لعام 0414وثيقة التفويض بأنها "وثيقة صادرة عن السلطة المختصة في دولة ما
بتعيين شخص أو أشخاص لتمثيل الدولة في التفاوض بشأن نص معاهدة م أو اعتمادها أو توثيقها أو في اإلعراب عن موافقة
الدولة على االلتزام بمعاهدة ما ،أو في القيام بأي عمل آخر يتعلق بالمعاهدة".
-2نموذج لوثيــــــــــــقة التفــــــــــــــــويض( :حسب ما هو مبين في دليل المعاهدات ،منشورات األمم المتحدة ،قسم المعاهدات التابع
لمكتب الشؤون القانونية ،6110 ،ص .).11
أنا[ إسم ولقب رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية]
أفوض بموجب هذا[ االسم واللقب] بأن [يوقع على ،يصدق على ،ينقض على ،يصدر التالي بشأن [ ].....عنوان وتاريخ
المعاهدة ،االتفاقية ،االتفاق ......،إلخ] بإسم الحكومة [ إسم الدولة]
حررت في [ المكان] يوم [ التاريخ]
التوقيع [يوقعها رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ].
36
وتحديد السلطات المخولة له في التعبير عن إرادة الدولة ،والتفاوض أو التعاقد باسمها وتقدم
هذه الوثائق في بداية التفاوض ،وقد تتضمن وثيقة التفاوض صالحية التفاوض والتوقيع كما
يمكن لها أن تتضمن صالحية التفاوض فقط.
واذا كان المفاوض ينوب عن منظمة دولية فإن إصدار وثيقة التفويض تكون من الجهاز
المختص بإبرام المعاهدات في هذه المنظمة . 1ويجري العمل على تبادل المفاوضين وثائق
تفويضهم إما بشكل مباشر أو تسليمها إلى لجنة فحص أو اعتماد وثائق التفويض التي يتم
تشكيلها لهذا الغرض عند التفاوض إلبرام معاهدة جماعية السيما من خالل مؤتمر دولي.
واذا قام أي مسؤول بإجراء مفاوضات دون أن يكون مزودا بأوراق التفويض فإن
مفاوضاته وتصرفاته بشأن إبرام المعاهدة تعتر باطلة وال قيمة لها ،إال إذا أجازتها دولته أو
المنظمة التي المعنية في صورة الحقة ،وهذا ما أشارت إليه المادة 17من اتفاقية فيينا لعام
،0414ومثال ذلك ما جرى في عام 0410حين وقع ممثل النرويج على اتفاق مع شخص
سويدي تبين فيما بعد أنه لم يكن مفوضا بالتوقيع ،غير أن االتفاق دخل حيز النفاذ بعد
.
التصديق عليه في وقت الحق من قبل كل الطرفين
تجدر اإلشارة إلى أنه ليس شرطا أن تنتهي المفاوضة بنجاح والى اتفاق ،بل قد تفشل
المفاوضة بعد طول مدة من مباشرتها ،وال مانع من توقف المفاوضة ثم يعاد الرجوع لها،
انطالقا من أن للدولة السيادة المطلقة في قبول إبرام المعاهدة أو رفضها.
ثانيا :تحرير المعاهدة
تنتهي المفاوضة في حالة نجاحها إلى تحرير المعاهدة في نص مكتوب يوضح موضوع
المعاهدة في صورة مواد يقوم بصياغتها متخصصون في مجال القانون بمساعدة فنيين وهذا
حسب نوع المعاهدة.
وتحرير المعاهدة يثير مسائل متعددة مثل اللغة التي تحرر بها المعاهدة وكذلك أقسامها.
-1تنص المادة 3/8من اتفاقية فيينا لعام 0471على " أن الشخص يعتبر ممثال للمنظمة الدولية بغرض قبول نص
معاهدة أو اعتماده أو التعبير عن رضا المنظمة في االلتزام بالمعاهدة ،إذا قدم وثائق التفويض المناسبة ،أو إذا ظهر
من السوابق والظروف أن نية الدول والمنظمات الدولية المعنية تعتبر أن هذا الشخص ممثال للمنظمة في هذا الغرض،
طبقا لقواعد المنظمة دون حاجة إلبراز وثائق التفويض"
37
/1لغة المعاهدة
تعتبر اللغة التي تحرر بها المعاهدة من المسائل الهامة التي تثور في هذا الصدد ،لما
لها من انعكاس على مبدأ سيادة الدولة ونفوذها وهيبتها ،وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت
المعاهدات في أوروبا تحرر باللغة الالتينية ،ثم طغت اللغة الفرنسية إلى غاية الحرب العالمية
األولى ثم حلت محلها اللغة اإلنجليزية مكان كافة اللغات نظ ار للدور الذي بدأت تلعبه الدول
الناطقة بها.
والقاعدة العامة أن المعاهدة يتم تحريرها بلغة األطراف المتفاوضة وال يثور إشكال في حالة ما
إذا كان األطراف المتفاوضون يتكلمون لغة واحدة كالدول العربية.
ومن األساليب المعتمدة في تحرير المعاهدات ،الحاالت التالية:
-تحرير المعاهدة بلغة واحدة ،إذا كانت الدول المتعاقد تستعمل لغة واحدة.
-تحرير المعاهدة بلغتين أو أكثر :مع االتفاق على إعطاء النص المحرر بإحدى اللغات
األفضلية والصفة الرسمية عند حدوث نزاع بشأن تفسير المعاهدة (معاهدة فرساي لعام )0404
إذ رجحت اللغة الفرنسية على غيرها من اللغات عند االختالف في التفسير.
-تحرير المعاهدة بلغات متعددة (كافة األطراف مع تساوي حجية كل نسخة محررة بلغة مع
غيرها من النسخ ،انعكاسا لتمسك الدول بفكرة السيادة واعتبار أن استعمال لغتها في المعاهدة
التي تدخل طرفا فيها يعد مظه ار من مظاهر سيادتها.
وتنص المادة 10/33من اتفاقية «:14إذا اعتمدت المعاهدة بلغتين أو أكثر يكون لكل نص
من نصوصه نفس الحجية ،ما لم تنص المعاهدة أو يتفق األطراف على أنه عند االختالف
تكون الغلبة لنص معين».
/0أقسام المعاهدة
بعد االتفاق على اللغة المستخدمة في كتابة المعاهدة ،تأتي مرحلة الصياغة ويقصد بها
الشكل أو البناء الذي تظهر من خالله المعاهدة ،وليست هناك قاعدة تفرض أن تحرر المعاهدة
وفقا لشكل معين ،إنما جرى العرف أن تبدأ المعاهدة بمقدمة أو ديباجة ثم يليها متن أو صلب
المعاهدة وقد تلحق بها بعض المالحق.
38
أ -الديباجة
يشير هذا الجزء إلى بعض المسائل المهمة المتعلقة بالمعاهدة ،مثل هدفها والغاية من
إبدائها والدول األطراف فيها وأسماء المندوبين وصفاتهم ،كما أن الديباجة تتم وفق الصورة التالية:
-تعداد الدول المتعاقدة حسب الحروف األبجدية ،وهو األسلوب األكثر موضوعية لكون
المعاهدة أبرمتها الدولة وتخاطبها هي .ومن بين المعاهدات التي استخدمت هذا األسلوب اتفاقية
جنيف لقانون البحار سنة 0417واتفاقية فينا بشأن العالقات الدبلوماسية 0410والعالقات
القنصلية .0413
-تعداد أسماء رؤساء الدول :يعد هذا األسلوب األصل التاريخي للمعاهدات األولى التي كانت
تهتم بأسماء مبرميها لعدم إمكانية الفصل بين شخصياتهم والدول التي يمثلونها مثل جامعة
الدول العربية.
-تعدد حكومات الدول الموقعة :وهذا األسلوب مجال استخدامه محدود ألن هذه األخيرة ليست
من أشخاص القانون الدولي (نظام مجلس أوروبا لعام .)0414
-إبرام المعاهدة من قبل الشعوب :وهذا األسلوب نادر االستعمال ،لكون الشعوب غير خاضعة
بشكل مباشر للقانون الدولي الذي ال يخاطبها ،كما هو الشأن في ميثاق األمم المتحدة.
هذا وقد يثور اإلشكال حول القيمة القانونية للديباجة ،ووفقا للرأي الراجح تعتبر الديباجة
قسما من أقسام المعاهدة لها نفس الصفة اإللزامية التي تتمتع بها المعاهدة ،إال أن جانب من
الفقه يرى أن المقدمة تتمتع بدور رئيسي في تفسير المعاهدة ولكن ال يمكن أن يكون لها الصفة
اإللزامية ،مستندا في ذلك إلى ما ذهب إليه القضاء الدولي.
ففي القضية التي أثيرت بين الواليات المتحدة األمريكية وفرنسا بخصوص حقوق الرعايا
األمريكيين بالمغرب ،صرحت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام 0416أنه ينبغي
لتفسير صلب معاهدة الجزيرة لسنة 0411أن تعتد األطراف المعنية بأهداف المعاهدة والتي
تضمنتها ديباجتها ،كما استندت المحكمة أيضا في حكمها الصادر في 60ديسمبر 0416إلى
ديباجة عهد عصبة األمم ،لتحديد الطبيعة القانونية لنظام انتداب جمهورية اتحاد جنوب إفريقيا
على إقليم جنوب غرب إفريقيا.
39
ب -صلب المعاهدة
يلي الديباجة صلب المعاهدة أو متنها الذي يحتوي على المسائل التي تم االتفاق عليها،
وتكون عادة مرتبة في فقرات مقسمة إلى مواد .كما يرفق في بعض األحيان بالمعاهدة مجموعة
من األحكام الختامية اإلجرائية يذكر كيفية دخولها حيز النفاذ ،وكيفية تفسيرها وتعديلها ووسائل
تسوية المنازعات الناشئة عن تطبيق المعاهدة وغيرها من التفاصيل اإلجرائية.
ج -المالحق
قد تتضمن المعاهدة ملحقا أو عدة مالحق تضاف إليها ،لتنظيم تفاصيل ذات طابع فني
أو تقني تكون صياغتها عادة من اختصاص رجال ذو خبرة مرافقين للوفد الذي يقوم
بالمفاوضة ،نظ ار ألن المفاوض ليس على دراية تامة دائما في جميع المجاالت.
ويعتبر الملحق أو أي مرفق آخر مهما كنت تسميته (برتوكول ،مالحق ،مرفقات) ،جزء ال
يتج أز من المعاهدة ،وله نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها المعاهدة ،وهذا ما أكدته محكمة
العدل الدولية عام 0416في قضية أمباثيلوس بين بريطانيا و اليونان.
ثالثا :التوقيع على المعاهدة
بعد االنتهاء من مرحلة المفاوضة والتحرير تأتي عملية التوقيع على نص المعاهدة،
والتوقيع هو ذلك اإلجراء الذي يفيد اتجاه إرادة أطراف المعاهدة إلى قبولها وااللتزام بأحكامها،
وال يشترط تقديم وثائق خاصة إلثبات الحق في التوقيع إذا كان القائم به هو رئيس الجمهورية
أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ألن هؤالء يملكون سلطة االشتراك في جميع مراحل إبرام
المعاهدة .أما إذا كان القائم بالتوقيع هو الذي يقوم بالتفاوض أصال فال بد أن يكون مزودا
بتفويض يسمح له بالتوقيع باسم الدولة التي يمثلها.
والتوقيع كأصل عام ال يجعل المعاهدة نافذة في حق الدولة ،وانما ينحصر أثره القانوني
في تسجيل ما تم االتفاق عليه بين الطرفين ،لكنه يكون نهائيا ونافذا حين تعبر الدولة عن
ارتضائها االلتزام بالمعاهدة دون حاجة إل التصديق عليها ،في ثالث حاالت بينتها المادة 06
من اتفاقية فيينا لعام ،0414وهي:
41
-1إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا األثر،
-0إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على أن يكون للتوقيع هذا األثر،
-2إذا بدت نية الدول أو المنظمة في إعطاء هذا األثر في وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن
ذلك أثناء المفاوضات.
وجرت العادة في الوقت الحاضر أن يتم التوقيع باألحرف األولى على المعاهدة ،أي يتم توقيعها
بشكل مؤقت .1ويجري استخدام هذا اإلجراء عادة في الحاالت التالية:
-في الحالة التي ال تمنح فيها وثائق التفويض للمفاوض سلطة التوقيع على المعاهدة فيلجأ
حينها إلى اتخاذ إجراء على مسؤوليته يتجسد في التوقيع باألحرف األولى.
-في الحالة التي يتردد المفاوض حول إعطاء موافقته النهائية على نص المعاهدة فيقرر
التوقيع باألحرف األولى حتى تتاح له الفرصة للرجوع إلى دولته أو وصول خطاب من طرف
دولته قبل التوقيع النهائي على المعاهدة.
وال يفرض التوقيع باألحرف األولى أي التزام على الدولة ،كما ال يلزمها بالتوقيع النهائي،
إال إذا كان اتفاق مسبق على غير ذلك.
وقد قننت اتفاقية فينا لعام 0414في المادة 06منها هذا األسلوب من التوقيع بنصها:
أ -يعتبر التوقيع باألحرف األولى على نص المعاهدة من قبيل التوقيع على المعاهدة إذا ثبت
أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك.
ب -يعتبر التوقيع بشرط الرجوع إلى الدولة على معاهدة من جانب ممثل الدولة من قبيل
التوقيع الكامل عليها إذا أجازته الدولة بعد ذلك.
فإذا تقرر بعد ذلك التوقيع النهائي على المعاهدة فإن هذا التوقيع يتم بأثر فوري أي من
تاريخ حصوله وليس بأثر رجعي .وعادة الفترة الفاصلة بين التوقيع باألحرف األولى والتوقيع
النهائي تكون قصيرة ال تتجاوز عدة أسابيع.
- 1يقصد بالتوقيع باألحرف األولى ،أن ممثل الدولة يضع توقيعا كامال ،ولكنه ال يكتب اسمه كامال ،وانما يضع
الحروف األولى من اسمه أسفل توقيعه ودون ختم دولته ،وال صفته التمثيلية ،والغرض من ذلك أن هذا التوقيع ال يرتب
على دولته التزاما دوليا ،وان ما وقعه هو التوصل مع الطرف اآلخر على صيغة معينة ،تتطلب اطالع الدولتين،
واكمال اإلجراءات الدستورية إلضفاء االلتزام بالمعاهدة،
41
وتقضي القاعدة العامة أن التوقيع ال يكفي لنفاذ المعاهدة في حق الدولة أو المنظمة
الدولية أيا كان شكل التوقيع باألحرف األولى أم باألحرف الكاملة ،ألن التوقيع ما هو إال مرحلة
تعطي للدولة أو المنظمة الفرصة للتفكير في موضوع المعاهدة التي لها الحرية الكاملة في تبني
أو رفض المعاهدة دون ترتيب أي آثار قانونية على الدولة أو المنظمة.1
والتساؤل المطروح هو إذا كان التوقيع غير ملزم لألطراف كقاعدة عامة فهل هو مجرد
من كل قيمة قانونية؟ أم هناك التزامات تقع على عاتق األطراف في الفترة مابين التوقيع والتصديق.
أجابت المادة 07من اتفاقيتي فيينا لعام 0414و 0471حيث اعتبرت أن الدول أو
المنظمة التي تُوقع على المعاهدة وتنتظر الموافقة النهائية عليها فيما بعد ،ليست في وضع
مشابه للدول أو المنظمات التي لم توقع أو التي رفضت التوقيع ،وهذا يعني أن الطرف الذي
وقع على مشروع المعاهدة يلتزم بعض االلتزامات خالل الفترة التي تفصل ما بين التوقيع
والتصديق وأبسط التزام هو االمتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يفرغ المعاهدة من
موضوعها وهدفها ،وهو التزام ببذل عناية.
إن هذا االلتزام الذي يقع على عاتق الدولة أو المنظمة خالل المرحلة االنتقالية (مابين
التوقيع والتصديق) يعني أن الطرف الذي وقع يجب عليه االلتزام باالمتناع عن القيام بأي عمل
يخالف األحكام العامة للمعاهدة.
فمثال مجموعة من الدول اتفقت على أن تخفض كل دولة الرسوم الجمركية على
الواردات القادمة من الدول األخرى األطراف في االتفاقية بنسبة %11ابتداء من دخول االتفاق
حيز النفاذ ،وبعد التوقيع عليه وقبل دخوله حيز النفاذ قامت إحدى الدول بمضاعفة الرسوم التي
تحصل عليها من البضائع القادمة من الدول األطراف الموقعة ،فإنها تكون بذلك قد أفرغت
االتفاقية من موضوعها وهدفها ،ألن نسبة التخفيض هنا ستكون صورية بسبب مضاعفة الرسوم
خالل الفترة االنتقالية بين التوقيع والتصديق.
-1أما بخصوص المنظمات الدولية فهنا من الضروري أن يتم التوقيع باألحرف األولى ،عندما يكون الجهاز المختص
بالمفاوضات يختلف عن الجهاز الذي يملك سلطة التوقيع كالنظام األساسي لالتحاد األوروبي الذي يجعل المفاوضات
من اختصاص لجنة االتحاد بينما التوقيع من اختصاص جهاز حكومي هو مجلس الوزراء (المادة 677و،)637
42
رابعا :التصديق
يكتسي التصديق أهمية بالغة باعتباره أهم مرحلة من مراحل إبرام المعاهدة ،فبدونه ال
يكون لهذه المعاهدة أي وجود وتعتبر كأنها لم تكن ،فمن خالل التصديق فقط تصبح الدولة
الطرف في المعاهدة ملزمة بأحكامها وتدخل حيز التنفيذ.1
/1مفهوم التصديق
يقصد بالتصديق ذلك اإلجراء أو التصرف القانوني الذي تعلن بمقتضاه السلطة المختصة
بإبرام المعاهدات في الدولة موافقتها على المعاهدة وارتضائها االلتزام بأحكامها بصورة نهائية.
وتأسيسا على هذا فإن التصديق ليس مسألة شكلية ،وانما مسألة موضوعية هامة إذ َي ُنقل
المعاهدة إلى نطاق القانون الواجب التنفيذ ،وهو إجراء يحكمه القانون الوطني للدولة أو النظام
الداخلي للمنظمة الدولية.
ويقابل مصطلح التصديق على المعاهدات من قبل الدول ،مصطلح آخر تستعمله المنظمات
الدولية الذي ال يختلف عنه من حيث الشكل والطبيعة واآلثار وهو مصطلح التأكيد أو اإلقرار
الرسمي للتعبير عن ارتضاء المنظمة الدولية االلتزام النهائي بأحكام المعاهدة ،وذلك باعتبار أن
التصديق إجراء تباشره الدولة فقط.
وقد عرفت اتفاقية فينا لعام 0414باالستناد إلى نصوص المادة 10/16ب والمادة 00
منها على أن التصدق عبارة عن إجراء تثبت بموجبه دولة ما على الصعيد الدولي موافقتها على
االلتزام بالمعاهدة.
وقد بينت اتفاقية فيينا لعام 0414في المادة 01منها أربع حاالت يتم فيها االلتزام
بالمعاهدة عن طريق التصديق باعتباره إجراء ال بد منه لنفاذ المعاهدة وهي:
- 1يعتبر التصديق أهم وسيلة تعبر بها الدولة عن ارتضائها االلتزام بالمعاهدة ،إلى جانب التوقيع ،تبادل الوثائق
المكونة للمعاهدة ،القبول ،الموافقة ،االنضمام أو أي وسيلة أخرى يتفق عليها األطراف ،وهذا ما بينته المادة 00من
اتفاقية فيينا ،وسنخصص الحيز الكبير من دراستنا إلجراء التصديق باعتبار أن اتفاقية فيينا استعملت اصطالح القبول
والموافقة كمصطلحات مرادفة الصطالح التصديق.
43
-إذا نصت المعاهدة على أن يكون التصديق هو وسيلة التعبير عن االرتضاء.
إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق. -
إذا وقع ممثل الدولة المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق. -
إذا بدت نية الدولة في توقيع المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق في وثيقة تفويض -
ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضات.
والحكمة من التصديق هي إعطاء الفرصة لكل دولة إلعادة النظر في المعاهدة قبل أن تتقيد
بها نهائيا فالتصديق شرط أساسي لنفاذ المعاهدة حتى ولو لم تنص على ذلك العتبارات عديدة منها:
-يؤدي التصديق إلى تجنب ما قد يثور من خالفات حول حقيقة التفويض الممنوح
للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة ،كذلك يمكن الدولة أو المنظمة من
االطمئنان على أن المفاوض قد التزام حدود االختصاصات والصالحيات التي منحت له.
-قد يكون موضوع المعاهدة ذو طبيعة سياسية ماسة بالمصالح العليا للدولة األمر الذي
يقتضي موافقة السلطة المختصة في الدولة على هذه المعاهدة.
-إن التصديق يعتر إجراء ضروريا وبصفة خاصة في النظم السياسية البرلمانية التي تشترط
عادة ضرورة عرض المعاهدة على البرلمان للموافقة عليها قبل قيام رئيس الدولة بالتصديق عليها.
وقد أكد القضاء الدولي أكد على أهمية التصديق واعتبره إجراء الزما لنفاذ المعاهدة في
مواجهة أطرافها ،فقد اعتبرت محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها الصادر في 01سبتمبر
0464والذي جاء فيه "أن من قواعد القانون الدولي العادية ،قاعدة أن االتفاقات ال تصبح
ملزمة ،فيما عدا حاالت استثنائية محدودة ،إال بعد التصديق عليها" ،وهو نفس الحكم الذي
أصدرته محكمة العدل الدولية في عام .0416
/0حرية الدولة في التصديق
إذا لم تنص المعاهدة صراحة على موعد معين للتصديق فإن الدولة الموقعة تظل حرة في
إجراء هذا التصديق من عدمه ،عندما يبدو لها ذلك مناسبا ،فال يوجد ما يجبر الدولة على
إتمامه بصورة آلية بعد التوقيع على المعاهدة رغم سالمة جميع اإلجراءات ،فاألمر متروك
لسلطتها التقديرية ويظهر ذلك من خالل المظاهر التالية:
44
أ -عدم تحديد موعد التصديق
للدولة مطلق الحرية في اختيار الوقت المناسب للتصديق على المعاهدة إال إذا كان هناك
نص صريح في المعاهدة يحدد أجاال معينة للتصديق ،والممارسة الدولية أثبتت في كثير من
األحيان وجود فارق زمني معتبر بين التوقيع والتصديق ،ففرنسا مثال وقعت على االتفاقية
األوروبية لحقوق اإلنسان عام 0411إال أنها لم تصادق عليها إال في سنة ،0481والمغرب
لم يصادق على اتفاقية الحدود المبرمة مع الجزائر عام 0486إال في جوان ،0446والجزائر
لم تصادق على اتفاقية قانون البحار لعام 0476إال سنة .0441
ب -جواز تعليق التصديق على تحقيق شرط سياسي معين
ليس هناك ما يمنع الدول من أن تعلق تصديقها على المعاهدة على شرط أو شروط
معينة لغاية سياسية تقدرها ،وغالبا تكون هذه الشروط ذات صلة بشكل أو بآخر بموضوع
المعاهدة المراد التصديق عليها ،ومثال ذلك اشتراط فرنسا تصديقها على معاهدة حسن الجوار
المبرمة مع ليبيا في 01أوت 0411باالتفاق على تعيين الحدود الجزائرية الليبية وقد تحقق
هذا الشرط بموجب اتفاق في نفس السنة.
ج -جواز رفض التصديق دون ترتيب أي مسؤولية دولية
يجوز للدولة أن ترفض التصديق على معاهدة سبق لها وأن وقعت عليها دون أن يرتب
هذا التصرف أية مسؤولية دولية ،كون أن هذه األخيرة ما زالت مشروعا ينقصه التصديق حتى
يكتسب صفة المعاهدة ،وعلى الرغم من أن رفض التصديق في هذه الحالة قد يعتبر عمال غير وديا
من الناحية السياسية إال أنه جائز ومشروع قانونا ،فالدولة لم تخالف قاعدة عرفية وال قاعدة مستمدة من
المبادئ العامة للقانون ،ألن العرف الدولي جرى على اعتبار أن الدولة حرة في هذا الشأن.
ويكفي أن نشير في هذا المجال أن الواليات المتحدة األمريكية رفضت التصديق على
611معاهدة من أصل 411معاهدة أبرمتها على مدى 011سنة تمتد من 0874إلى غاية
عام .0434ومن أبرز تلك المعاهدات التي لم تصدق عليها الواليات المتحدة األمريكية كانت
معاهدة فرساي لعام 0404التي أنهت الحرب العالمية األولى ،ووضعت حجر األساس إلنشاء
45
عصبة األمم ،حيث رفض مجلس الشيوخ األمريكي بتاريخ 0461 /13/04الموافقة على تلك
المعاهدة رغم أن الرئيس األمريكي لعب دو ار بار از في وضع تلك المعاهدة والتوقيع عليها.
ويرجع عدم التصديق الدولة على المعاهدات في كثير من األحيان إلى أحد األسباب التالية:
-تجاوز المفاوض للسلطة الممنوحة له بمقتضى وثيقة التفويض.
-وجود عيوب تتصل بصلب المعاهدة (خطأ في الوقائع ،عدم اشتمال المعاهدة على بعض
المسائل الهامة).
-تغير الظروف التي جرى فيها التفاوض والتوقيع على المعاهدة (كحصول توتر بين دولتين
كانتا في طريقهما إلى إبرام معاهدة صادقة).
-رفض البرلمان الموافقة على المعاهدة في ظل األنظمة السياسية التي تشترط فيها مثل تلك
الموافقة.
وينتج التصديق آثاره من تاريخ حدوثه ،أي من تاريخ تبادل الدول األطراف لوثائق التصديق ،أو
من تاريخ إيداعها إياها على أساس أنه تاريخ دخول المعاهدة حيز النفاذ ،فال يسري أثر
التصديق على التصرفات التي باشرتها الدول األطراف قبل إجرائه وتبادل وثائق التصديق.
/2السلطة المختصة بالتصديق
إن طبيعة النظام السياسي المعتمد في الدولة هو الذي يحدد السلطة المختصة بإجراء
التصديق ،وتعمل الدساتير في مختلف الدول على تحديد السلطة الموكل لها هذا اإلجراء وليس
القانون الدولي ،ويستشف ذلك صراحة من خالل المادة 001من ميث ـ ــاق األمم المتحدة
بقولها «:تصدق على هذا الميثاق الدول الموقعة عليه كل منها حسب أوضاعها الدستورية».
وتختلف األنظمة الدستورية في إسناد هذه الصالحية ،فمن األنظمة من تجعل التصديق
من اختصاص السلطة التنفيذية وحدها ،ومنها من يجعله من االختصاص مطلق للسلطة
التشريعية ،ومنها من يجعله من اختصاص كال السلطتين.
أ -منح االختصاص بالتصديق إلى السلطة التنفيذية
ومعنى هذا أن يمنح التصديق لرئيس الدولة وحده دون مشاركة من أي جهة ،وقد طبق
هذا اإلجراء في األنظمة الملكية المطلقة ،فقد طبقته فرنسا خالل اإلمبراطورية الثانية عام
46
،0716كما طبقته اليابان من خالل العهد اإلمبراطوري من 0774إلى غاية ،0411كما
طبق في ظل األنظمة الشمولية مثل النظام النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا .وهذا األسلوب
في طريق االختفاء النهائي ،ألنه أسلوب فرضته ظروف تاريخية معينة وأنظمة سياسية صارمة
ال ترغب في إشراك الشعب في أعمالها.
ب -التصديق من اختصاص السلطة التشريعية
ويطبق هذا النموذج في األنظمة التي يمنح فيها الدستور السلطة التشريعية صالحيات
أوسع من صالحيات السلطة التنفيذية ،والذي يعرف كذلك بنظام حكومة الجمعية النيابية ،وهو
نظام قليل االنتشار ونادر التطبيق ،كونه يقصر االختصاص بالتصديق على المعاهدة على
السلطة التشريعية وحدها ( كتركيا مثال في الفترة من 0461إلى غاية ،0411ودستور االتحاد
السوفيتي سابقا لعام ،)0488أين تنفرد السلطة التشريعية بسلطة التعبير عن رضا الدولة
االلتزام بالمعاهدة.
ج -التصديق من اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية
وهو األسلوب األكثر انتشا ار في الوقت الحاضر وتأخذ به معظم الدول ويتمثل هذا
األسلوب في منح التصديق لرئيس الدولة مع اشتراط حصوله مسبقا على موافقة البرلمان أو أحد
مجلسي البرلمان في الدول التي تأخذ بنظام المجلسين إما بالنسبة لجميع المعاهدات أو للبعض فقط.
ويعتبر هذا األسلوب أكثر الحلول انتشارا ،إذ تأخذ به غالبية الدول ،وهو النهج الذي اتبعه
المؤسس الدستوري الجزائري عندما اشترط موافقة السلطة التشريعية على بعض المعاهدات قبل
تصديق رئيس الجمهورية ،فقد نصت المادة 06/40من التعديل الدستوري لعام 6161على أن
رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويصادق عليها ،وال يجوز له أن يفوض هاته السلطة بموجب
المادة ،43غير أن المادة 013حددت المعاهدات التي تتطلب موافقة السلطة التشريعية قبل
المصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية.
/2التصديق الناقص
يقصد بالتصديق الناقص ذلك التصديق الذي يتم على نحو ال يتفق مع اإلجراءات
الدستورية بشأنه ،كأن يبادر رئيس الدولة إلى التصديق على المعاهدة دون الرجوع مسبقا إلى
47
السلطة التشريعية في الحاالت التي يشترط فيها دستور الدولة موافقة البرلمان على المعاهدة قبل
تصديق رئيس الدولة ،غير أنه يمكن لرئيس الجمهورية حتى بعد موافقة البرلمان أن يمتنع عن
التصديق إذا ط أر سبب ما يقضي عدم ارتباط دولته بالمعاهدة.
وهنا يطرح السؤال ما هي القيمة القانونية للتصديق الناقص؟ لإلجابة عن هذا السؤال
سنتطرق إلى موقف الفقه واتفاقية فيينا منه.
أ -موقف الفقه من التصديق الناقص
اختلف الفقه الدولي في تحديد القيمة القانونية للتصديق الناقص وانقسم إلى أربعة اتجاهات
* -صحة التصديق رغم مخالفته لإلجراءات الدستورية ومنتجا آلثاره القانونية:
ويستند هذا االتجاه إلى عدة تبريرات متعلقة بصيانة العالقات الدولية وتوفير االستقرار لها
من ناحية ،وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول بمراقبة صحة التصديق من ناحية أخرى،
فما دخل القانون الدولي إذا خرق رئيس الجمهورية قواعد القانون الداخلي ،فضال على أن قواعد
القانون الدولي العام تسمو على قواعد القانون الدولي ،فالتصديق الناقص ال يؤدي وفق هذه
النظرية إلى إبطال المعاهدة على الرغم من اعتباره عمال غير مشروع من وجهة القانون الداخلي.
48
* -المعاهدة صحيحة لعدم جواز استفادة المخطئ من خطئه
ومفاد هذا الرأي أن الدولة التي خالف رئيسها أحكام التصديق المقررة في دستورها تصبح
مسؤولة عن أعمال رئيسها مسؤولية دولية ،فمخالفة رئيس الدولة لقواعد تصديق المعاهدات وفقا
ألحكام دستور دولته يعد عمال غير مشروع في القانون الدولي مما يثير المسؤولية الدولية،
فالدولة ال تستطيع أن تطالب بإبطال المعاهدة بدعوى أن التصديق الذي أجراه رئيسها غير
مشروع ،فما عليها إال تحمل نتائج أعمال رئيسها ،وخير تعويض يمكن أن يترتب على مسؤولية
الدولة عن أعمال رئيسها هو إبقاء المعاهدة نافذة ومنتجة آلثارها القانونية (صحة التصديق
على أساس المسؤولية الدولة).
* -المعاهدة صحيحة استنادا لمبدأ حسن النية
يرى هذا الرأي بضرورة التزام مبدأ حسن النية في مجال المعاهدات الدولية ،ولهذا فالقاعدة
العامة ،أنه ال يجوز لدولة أن تطلب بطالن معاهدة دولية على أساس أن رئيسها قد خالف
أحكام التصديق المقررة في دستورها ،إذ أن مبد أحسن النية يفترض أن األطراف األخرى في
المعاهدة ال يجوز أن يلحقهم الضرر نتيجة إبطال المعاهدة خاصة إذا كانوا حسن النية وال علم
لهم بما يشوب التصديق من عدم المشروعية ،فهذه تعتبر قواعد داخلية (التصديق) ال شأنه لها
بها ،على أن مبدأ حسن النية يستوجب من ناحية أخرى أال تكون األطراف األخرى سيئة النية،
أي ال تكون على علم بما ال يشوب هذا التصديق من مخالفة.
ب /حكم التصديق الناقص وفقا التفاقية فيينا
تعرضت اتفاقية فيينا لعام 0414للتصديق الناقص ووضعت حكما له ضمنته في
المادتين 11و ،18وقد جاءت بأحكام حاولت التوفيق بين مختلف االتجاهات التي سبق ذكرها،
فقد نصت المادة 11على أنه:
« -ال يجوز للدولة أن تحتج بأن التعبير عن ارتضائها االلتزام بمعاهدة ما قد تم بالمخالفة لحكم
في قانونها الداخلي يتعلق باالختصاص بإبرام المعاهدات كسبب إلبطال رضاها ،إال إذا كانت
المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونا الداخلي.
49
-تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعيا ألية دولة تتصرف في هذا الشأن
وفق التعامل المعتاد وبحسن نية».1
المستخلص من خالل قراءة هذا النصوص أنها جاءت بقاعدة عامة وقيد عليها ،القاعدة
العامة أنه ال يجوز التمسك بالتصديق الذي تم خالفا ألحكام القوانين الداخلية للدولة أو خالفا
للميثاق المنشئ للمنظمات الدولية كسبب من أسباب البطالن وبالتالي عدم االلتزام بالمعاهدة،
والقيد على القاعدة العامة من خالل عبارة "إال إذا كان اإلخالل واضحا ومتعلقا بقاعدة جوهرية"
ففي هذه الحالة يحق للدولة أو المنظمة أن تتمسك بالتصديق الناقص كسبب من أسباب
البطالن وعدم االلتزام بأحكام المعاهدة.
كما أوردت االتفاقية نصا ثانيا في المادة 18بخصوص المعاهدات التي تبرم في شكل
مبسط وتعتبر نافذة من لحظة توقيعها ،ألن ظاهر النص يتعلق بإهمال المفاوض الذي لم يطلع
الدول األطراف األخرى على القيد الخاص الذي كان مفروضا أن يعلم به اآلخرون.
وعليه يجوز وفقا لهذا النص أن تطلب الدولة إبطال ارتضائها بمعاهدة في حالة ما إذا تجاوز
ممثلها القيود المفروضة على سلطته ،بشرط أن تكون هذه الدولة قد أوردت بالفعل قيودا على
سلطة ممثلها ،وأبلغت هذه القيود إلى الدول األطراف أثناء المفاوضات وقبل التعبير النهائي
عن ارتضائها بالطريقة المناسبة وحسب الظروف ،وبالمقابل فإن حقها في طلب اإلبطال يسقط
في حالة ارتضاء الدولة بالمعاهدة رغم تجاوز ممثلها لسلطته المقيدة.
إن السوابق الدولية فيما يخص موضوع التصديق الناقص تتسم بالندرة في العالقات
الدولية ،هذا األمر يعكس إقبال دول العالم على عدم المطالبة بإبطال المعاهدات بسبب عدم
احترام القواعد الدستورية المتعلقة بها ،وقد شهد القضاء الدولي حاالت نادرة للغاية جرى الدفع
فيها ببطالن المعاهدة بسبب التصديق الناقص باستثناء قرار التحكيم الذي أصدره الرئيس
- 1تبنت المادة 11من اتفاقية فيينا لعام 0471نفس الحكم فقد نصت « -ال يجوز لمنظمة دولية أن تتمسك بأن
التعبير عن ارتضائها االلتزام بمعاهدة ما قد تم خالفا لقواعد المنظمة المتعلقة باالختصاص بإبرام المعاهدات كسبب
إلبطال رضاها ،إال إذا كان إخالال واضحا وتعلقت بقاعدة ذات أهمية جوهرية.
يعتبر اإلخالل واضحا بينا إذا تبين بصورة موضوعيا ألية دولة أو أية منظمة دولية تتصرف في هذه المسألة وفقا
للسلوك العادي وبحسن نية للدول أو المنظمات حسب األحوال»
51
األمريكي "كليفالند" في عام 0777بعدم صحة معاهدة الحدود المعقودة بين كوستاريكا و
نيكاراغوا في عام 0717وذلك لعدم مراعاة التصديق عليها لدستور نيكاراغوا ،وقد أتيحت
الفرصة لمحكمة العدل الدولية للنظر في مسألة التصديق الناقص في قضية الحدود البرية
والبحرية بين نيجيريا والكاميرون عام ،6116حيث احتجت الحكومة النيجيرية بأن اتف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقية
"ماروا" التي وقعت بين رئيسي البلدين عام 0481ليست ملزمة لنيجيريا ،كونها لم يتم التصديق
عليها من جانب الحكومة النيجيرية كما يتطلبها الدستور ،وقد استندت نيجيريا في دعواها على
نص المادة 11من اتفاقية فيينا للمطالبة بإبطال المعاهدة ،وقد رفضت المحكمة دعوى نيجيريا
وقد أشارت المحكمة في قرارها المؤرخ في 01أكتوبر " 6116أنه ال يوجد التزام قانوني على
عاتق الدول لكي يبقوا دائما على علم أو إطالع بالتطورات ،أو التغيرات التشريعية والدستورية
في الدول األخرى ،التي من الممكن أن تصبح ذات أهمية فيما يتصل بالعالقات الدولية لهذه
الدول".
خامسا :تسجيل المعاهدات ونشرها
تسجيل المعاهدات نظام يستهدف تحقيق العالنية في مجال العالقات الدولية ،يقتضي
إيداع الدول األطراف في المعاهدات صو ار منها لدى جهاز دولي مختص بقصد تمكينه من
تدوينها في سجل خاص يعد لهذا الغرض ،ثم القيام بنشرها في مجموعة تشتمل على كافة ما
تبرمه الدول من اتفاقات دولية.
تقرر نظام تسجيل المعاهدات ألول مرة في عهد عصبة األمم بموجب المادة 07منه،
التي نصت على «:كل معاهدة أو التزام دولي يعقده في المستقبل أي عضو في عصبة األمم
يجب أن يسجل فو ار في األمانة التي تنشره في أسرع وقت ممكن ،وكل معاهدة أو التزام دولي
ال يعتبر ملزما إال بعد تسجيله»
وقد قامت أمانة العصبة خالل فترة وجودها( )0411-0461بتسجيل 1731معاهدة واتفاق
دولي ونشرها في 611مجلد.
ويرجع الفضل الكبير في تنفيذ فكرة تسجيل المعاهدات إلى الرئيس األمريكي "ويلسن" الذي قاد
حملة أخالقية ضد المعاهدات السرية ،وطالب بأن تكون الدبلوماسية مبنية على الوضوح
51
والعالنية من خالل تسجيل المعاهدة ونشرها ،وبالتالي القضاء على عامل مهم من عوامل
التحالفات السرية التي يمكن أن تشكل سببا رئيسيا في تهديد السلم واألمن الدوليين.
يهدف إلزام الدول بتسجيل المعاهدات التي تعقدها إلى تحقيق غرضين أساسيين ،األول
سياسي هو محاربة العالقات السرية التي تلجأ إليها الدول وتحيك بواسطتها المؤامرات والخطط
الخفية التي تهدد السلم واألمن الدوليين ،أما الهدف الثاني يرمي إلى تحقيق هدف فني علمي
وهو تدوين المعاهدات لتسهيل الرجوع عند الحاجة.
غير أن نوع الجزاء المترتب على عدم تسجيل المعاهدات آثار خالفا بين فقهاء القانون
الدولي ،فذهب البعض منهم (مثل الفقيه جورج سل) إلى اعتبار المعاهدة غير المسجلة باطلة
ألن التسجيل شرط من شروط صحة المعاهدات ،وذهب البعض اآلخر (مثل الفقيه أنزيلوتي)
إلى أن المعاهدة غير المسجلة صحيحة وملزمة ،إال أنه ال يمكن االحتجاج بها أمام عصبة
األمم أو أحد فروعها خاصة في الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية الدائمة.
وكان التفسير الذي قدمه رئيس محكمة العدل الدولية الدائمة الفقيه أنزيلوتي األقرب إلى
الصواب ،وسرعان ما تكون عرف دولي على أساس رأي أنزيلوتي الذي مؤداه أن المعاهدة غير
المسجلة تدخل حيز النفاذ ولها قوة قانونية ملزمة.
وبالنظر إلى نجاح نظام التسجيل والنشر وما حققه من فوائد جمة في مجال العالقات
الدولية ،فقد تبنته األمم المتحدة وذلك في نص المادة 016من الميثاق والتي نصت على:
« -كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء األمم المتحدة بعد العمل بهذا
الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقدم بنشره بأسرع ما يمكن.
-ليس ألي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة األولى من هذه المادة أن
يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك االتفاق أمام أي فرع من فروع األمم المتحدة».
ونستنتج من خالل هذا النص أن هناك التزاما على عاتق الدول األعضاء في المنظمة
الدولية بوجوب تسجيل جميع المعاهدات الدولية واالتفاقات التي يبرمونها بعد دخول ميثاق األمم
المتحدة حيز النفاذ ،ذلك أن المعاهدة غير المسجلة لدى أمانة األمم المتحدة ال يمكن ألطرافها
أن يتمسكوا بها كدليل إثبات حق أو التحلل من التزام أمام أي جهاز من أجهزة األمم المتحدة،
52
مثل الجمعية العامة ،مجلس األمن ،أو محكمة العدل الدولية ،غير أن المعاهدة تبقى ملزمة
ألطرافها فقط ونفاذة بينهم ويجوز لهم االحتجاج بها أمام هيئة تحكيم خاصة يرتضيها أطراف
المعاهدة.
وتماشيا مع ميثاق األمم المتحدة أوجبت اتفاقية فيينا لعام 0414في المادة 71منها
تسجيل المعاهدات ونشرها حيث نصت «:تحال المعاهدات بعد دخولها حيز النفاذ إلى األمانة
العامة لألمم المتحدة لتسجيلها أو قيدها وحفظها وفقا لكل حالة على حد ونشرها».
وعلى غرار األمم المتحدة لجأت العديد من المنظمات اإلقليمية والوكاالت المتخصصة إلى
إنشاء نظام خاص بها فيما يتعلق بتسجيل المعاهدات كجامعة الدول العربية في المادة 08من
ميثاقها ،والمادة 66من النظام األساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقد وصل عدد المعاهدات المنشورة بواسطة األمانة العامة لألمم المتحدة من ديسمبر 0411
إلى غاية جويلية 6103أكثر من 611ألف معاهدة منشورة في سلسلة معاهدات األمم المتحدة
عمال بأحكام المادة 016من الميثاق.
الفرع الثاني :التحفظ على المعاهدات
أيا كانت الوسيلة التي تعتمدها الدولة في التعبير عن ارتضائها االلتزام بالمعاهدة ،إال أنه
ليس بالضرورة أن تكون كل نصوص المعاهدة منسجمة مع مصالحها ،وعندئذ تكون الدولة
راغبة في االرتباط بالمعاهدة باستثناء بعض النصوص والحد من آثارها ،وهذا ما استقر العمل
الدولي على تسميته بالتحفظ.
أوال :مفهوم التحفظ والمراحل التي يقع فيها
من الضروري أن تكون المعاهدة واجبة االلتزام بكل أحكامها بين جميع أطرافها ،ولكن
هناك بعض األطراف ترفض االلتزام ببعض أحكام المعاهدة ألنها تتعارض مع مبادئها في
قوانينها الداخلية أو لعدم التوافق مع مصالحها وسيادتها العامة ،لذا جاء القانون الدولي بنظام
يسمح فيه للدول األطراف االلتزام بالمعاهدة مع استبعاد بعض النصوص ،وذلك عند توفر
شروط واجراءات محددة وهذا ما يعرف بالتحفظ.
53
:1تعريف التحفظ وأنواعه
عرفت المادة 6فقرة /0د من اتفاقية فيينا لعام 0414التحفظ بأنه" «:إعالن من جانب
واحد أيا كان صيغته أو تسميته ،تصدره الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبوله أو موافقتها أو
انضمامها إلى معاهدة وتهدف به استبعاد أو تعديل األثر القانوني ألحكام معينة في المعاهدة
من حيث سريانها على هذه الدولة».1
يتضح من هذا التعريف أن التحفظ هو إجراء رسمي يصدر من جانب دولة أو منظمة
دولية لدى توقيعها على معاهدة معينة أو التصديق أو االنضمام إليها ،تعلن فيه عن رغبتها في
تقييد آثار تلك المعاهدة في مواجهتها عن طريق استبعاد بعض النصوص أو تحديد المعنى
الذي سوف تعطيه لنصوص تلك المعاهدة أو بعضها ،وينتج عن التحفظ إذا تم قبوله الحد من
آثار المعاهدة بالنسبة للدولة أو الدول أو المنظمات الدولية المتحفظة وذلك في مواجهة الدول
األطراف وتلك التي قد تصير طرفا في المعاهدة .وعليه يكون التحفظ إما:
إعفائيا :حيث يقيد أثر المعاهدة في مواجهة الدولة المتحفظة عن طرق استبعاد بعض
النصوص واألحكام (المتحفظ عليها) ،أو
تحفظا تفسيريا :حيث يكون بتوضيح أو تفسير بعض النصوص أو المصطلحات حسب مفهوم
الدولة المتحفظة.
فاألثر المباشر للتحفظ هو إلغاء الحكم القانوني الوارد في نص أو أكثر من المعاهدة،
واعتبار هذا الحكم غير نافذ في مواجهة الدولة أو المنظمة ،التي أبدته أو اعتباره نافذا ولكن
تحت شروط معينة لم ترد في المعاهدة ،وهو بذلك يضع الطرف الذي أصدره في مركز قانوني
يختلف عن بقية األطراف المتعاقدة التي قبلت المعاهدة دون شروط.
فمثال تنص المادة 13/68من اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية لعام 0410على أن «:الحقيقة
الدبلوماسية ال يجوز فتحها» ،فإذا تحفظت الدولة على هذا النص واشترطت فتح الحقيبة
الدبلوماسية إذا ما قررت سلطات الدولة المختصة ،ففي هذه الحالة إذا ما وافقت األطراف
54
األخرى على هذا التحفظ ،يحق للدولة تفتيش الحقيبة خالفا للحكم الوارد في نص المادة ،68
واذا رفضت األطراف األخرى تعاد الحقيبة من حيث جاءت.
مثال آخر المادة 16/38من اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية "األعضاء اإلداريون والفنيون
الدبلوماسية وكذا أفراد كل أسرة منهم الذين يعيشون معهم في معيشة واحدة يستفيدون من المزايا
والحصانات المنصوص عليها في المواد ( )31-64بشرط أن ال يكونوا من رعايا الدولة
المعتمد لديها" .فإذا رأت الدولة أن هذه المزايا واسعة جدا وال يستحقها هؤالء الموظفون الذين ال
يعتبرون دبلوماسيين حسب األصل ،فوضعت تحفظا على هذه الفقرة فإن الفقرة تعتبر غير
موجودة.
وتكمن أهمية التحفظ في أنه يساعد على عالمية المعاهدات خصوصا تلك المعاهدات
التي تضع أحكاما تهم المجموعة الدولية ،فانطالقا من أن المجتمع الدولي يضم دوال مختلفة من
حيث األنظمة السياسية واالقتصادية ،فإن استخدام التحفظ هو الذي يمكن الدول من أن تصبح
أ طراف في المعاهدة التي ال تقبل ببعض أحكامها (السيما اختالف الديانات) فاستبعاد بعض
النصوص من المعاهدة أفضل من استبعاد المعاهدة كلها.
تجدر اإلشارة أن التحفظ ُيعمل بصفة أساسية في المعاهدات الجماعية ،ألن التحفظ في
المعاهدات الثنائية يعتبر رفضا للعرض األصلي للمعاهدة مرفقا بعرض جديد معدل ،فمصير
هذا العرض الجديد يتوقف على قبول الطرف اآلخر من عدمه.
غير أن هذا ال يعني أن جميع المعاهدات الجماعية تسمح بالتحفظ عليها ،فهناك بعض
المعاهدات التي ال يمكن التحفظ عليها كما هو الشأن بالنسبة لالتفاقيات الدولية التي تبرمها
منظم ة العمل الدولية ،كما يمكن أن تمنع بعض المعاهدات التحفظ على بعض أحكامها فقط،
فيما يستفاد إمكانية التحفظ على األحكام األخرى غير المشار إليها.
55
/0المراحل التي يقع فيها التحفظ
رغم أن التحفظ له مفهوم واحد إال أنه قد يختلف تبعا للزمن الذي يقفع فيه حسب
األوضاع التالية:
أ -التحفظ عند التوقيع :يتميز التحفظ الذي تبديه األطراف عند التوقيع على مشروع المعاهدة
بأنه معلوم وواضح للمتعاقدين وقت إبرام المعاهدة ،ويكتسب هذا التحفظ أهمية خاصة حيث
يبعد عنصر المفاجأة لدى األطراف الموقعة ،فجميع الدول الحاضرة تعلم بمدى تحفظات
األطراف األخرى والتي يمكن أن توافق أو تعارض ذلك ،خاصة إذا كانت المعاهدة نافذة بمجرد
التوقيع ،إال أن هذا التحفظ يصبح معقدا إذا ما اقترن بالتوقيع المؤجل أو إذا أجيز في وقت الحق.
ب -التحفظ عند التصديق :وهو الذي يجري عند تبادل أو إيداع وثائق التصديق ،ويكثر
استعماله في الدول التي يكون للبرلمان دور أساسي في الموافقة على المعاهدة ،أين قد يقرن
موافقته بإبداء بعض التحفظات ،والميزة التي يتميز بها هذا النوع أنه يفاجئ الدول األخرى التي
صادقت على المعاهدة دون وضع تحفظات.
ب -التحفظ عند االنضمام :وهو أخطر أنواع التحفظات ألن االنضمام تم في وقت تكون
المعاهدة قد أصبحت نهائية بين األطراف األصليين ،فإذا كانت المعاهدة مفتوحة يجوز
االنضمام إليها من قبل دول ومنظمات دولية أخرى غير التي اشتركت في توقيعها ،فإنه من
حق أي دولة أن تنضم إليها ويجوز لها إبداء تحفظ في ذلك الوقت ،مع تسجيل التحفظ في
وثيقة االنضمام .ومثال ذلك :التحفظ الذي أبدته الواليات المتحدة األمريكية عند انضمامها إلى
منظمة الصحة العالمية والمتضمن حقها في االنسحاب من عضوية المنظمة ،إخطارها المسبق
للدول األعضاء في المنظمة بمدة ال تقل عن عام مع التزامها بدفع ما عليها من أموال عند مدة
عضويتها.
ثالثا /مشروعية التحفظ
انقسم الفقه الدولي في موضوع مشروعية التحفظ إلى عدة اتجاهات ،ألنه قد يقبل التحفظ
طرف أو أكثر من طرف في المعاهدة في حين يرفضه طرف أخر ،وفي إطار العمل الدولي
يمكن الوقوف عند عدة نظريات منها:
56
أ -نظرية اإلجماع :وتعرف هذه النظرية أيضا باسم "نظرية أو قاعدة عصبة األمم" حيث
اعتمدت هذه النظرية في إطار عصبة األمم ومفادها أن التحفظ على المعاهدات لكي يكون
مشروعا يجب أن يحوز على موافقة جميع األطراف ،وهو الموقف الذي اتخذته عصبة األمم
بمناسبة التحفظات التي أبدتها أستراليا على اتفاقية المخدرات التي أشرفت عصبة األمم على
إبرامها ،حيث انتهت اللجنة التي عينها مجلس العصبة للنظر في مشروعية التحفظات التي
أبدتها على المعاهدة إلى أن التحفظات ال تكون مشروعة إال إذا كانت مقبولة من جميع أطراف
المعاهدة ،وان اعترض طرف على هذه التحفظات ،فإن تلك التحفظات تكون باطلة بطالنا
مطلقا.
ب -قاعدة اتحاد الدول األمريكية :بدأ نظام التحفظ الخاص بالدول األمريكية مع نشأة منظمة
الدول األمريكية عام ،0467ومفاد هذه النظرية أنه يمكن للدولة المتحفظة أن تصبح طرفا في
المعاهدة رغم اعتراض بعض أطراف المعاهدة على ذلك ،وكل ما في األمر أن النص الذي
جرى التحفظ عليه ال يسري في عالقة الدولة المتحفظة مع الدول األخرى األطراف في المعاهدة
التي قبلت ذلك التحفظ صراحة أو ضمنا ،أما بالنسبة للدول التي عارضت ذلك التحفظ فإن
النص محل التحفظ ال يمكن االحتجاج به في مواجهتها.
وقد انتقدت هذه النظرية كونها وان كانت صالحة للعمل بها في مجال المعاهدات العقدية فإنها
ال تصلح في مجال المعاهدات الشارعة.
ج -نظرية السيادة :ومفادها أن إبداء التحفظ يعتبر عمال من أعمال السيادة ،ولكل دولة الحق
في إبداء التحفظ عند التصديق أو االنضمام إلى المعاهدة باعتباره حقا سياديا ،وال يتوقف على
قبول األطراف األخرى في المعاهدة له ،فليس ألي طرف إذا ما اعترض على التحفظ أن يمنع
الدول المتحفظة من االشتراك في المعاهدة ،كما ال تعتد هذه النظرية بمالئمة التحفظ بموضوع
االتفاقية وغرضها.
وقد استند االتحاد السوفيتي سابقا ومجموعة الدول االشتراكية على هذه النظرية بمناسبة
اتفاقية تحريم إبادة الجنس البشري والعقاب عليها خاصة بالنسبة للمادة 4منها والتي تقرر
57
االختصاص اإللزامي لمحكمة العدل الدولية بشأن تسوية المنازعات المتعلقة بتفسير تلك
االتفاقية الثانية عشر المتعلقة بعدم سريان االتفاقية على األقاليم التي ال تتمتع بالحكم الذاتي.
د -نظرية محكمة العدل الدولية :تجدر اإلشارة إلى أن األمانة العامة لألمم المتحدة باعتبارها
جهة إبداع المعاهدات الجماعية المبرمة تحت رعايتها طبقت خالل الفترة ما بين 0411
و ،0411االتجاه الذي سارت عليه عصبة األمم المتحدة في رفض المعاهدات المتحفظ بشأنها
إال إذا حظي التحفظ بموافقة جميع الدول التي صادقت على المعاهدة وانضمت إليها.
بتاريخ 0411/00/01أحالت الجمعية العامة لألمم المتحدة على محكمة العدل الدولية
القضية تطلب فيه رأيا استشاريا ،بمناسبة التحفظات التي أبدت على اتفاقية منع إبادة الجنس
البشري والعقاب عليها والتي أبرمت تحت إشرافها بتاريخ .10417/06/14
وفي 0410/11/67أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها االستشاري وأفادت بأنه يمكن
إبداء التحفظات على المعاهدة بالرغم من وجود بعض األطراف المعارضة بشرط أن ال
تتعارض تلك التحفظات مع موضوع وغرض المعاهدة ،وتلك التحفظات تسري في مواجهة
األطراف التي لم تعترض عليها وال تسري في مواجهة األطراف التي اعترضت عليها ،كما أن
االعتراض على التحفظ يكون فقط من حق الدول التي صدقت على المعاهدة ،أما الدول التي
وقعت االتفاقية فقط فليس من حقها.
رابعا :موقف اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1161من التحفظ
عالجت اتفاقية فيينا لعام 0414أحكام التحفظ في المواد من 04إلى 63وتعتبر هذه
األحكام من أكثر الموضوعات دقة وصعوبة بسب تداخل األحكام ووجود القواعد العامة
واالستثناءات التي ترد عليها ،وتضمنت هذه المواد األحكام المتعلقة بكيفية إبداء التحفظات،
-1تتلخص وقائع القضية في أن بعض دول أوروبا الشرقية واالتحاد السوفيتي سابقا قد وقعت على االتفاقية وتحفظت
على نص المادة التاسعة التي تنص على عرض المنازعات الخاصة بشأن هذه االتفاقية على محكمة العدل الدولية،
والمادة الثانية عشر الخاصة بمجال تطبيق المعاهدة ،وقد اعتبرت الدول المتحفظة نفسها أطرافا في االتفاقية ،بينما
رفضت ذلك الدول الغربية واعتبرت هذه التحفظات غير مقبولة .ولما كانت المادة 03تنص على أن تصبح االتفاقية
نافذة بعد تصديق عشرون دولة فإن األمين العام وقع في مشكل احتساب التصديقات المقترنة بالتحفظ ضمن العشرين
تصديق.
58
وكيفية قبولها واالعتراض عليها ،ثم اآلثار المترتبة عنها وسحب التحفظات واالعتراض عليها
وأخي ار اإلجراءات الخاصة بالتحفظات .
/1إبداء التحفظ على المعاهدات الدولية
لقد جاءت المادة 04من االتفاقية متأثرة بالرأي االستشاري لمحكمة العدل الدولية ،حيث
نصت على أنه يجوز للدولة أن تبدي تحفظا على المعاهدة عند توقيعها أو التصديق عليها أو
قبولها أو الموافقة عليها أو االنضمام إليها باستثناء الحاالت التالية:
أ -إذا كان التحفظ محظو ار بنص المعاهدة؛
ب -إذا كانت المعاهدة تجيز تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ؛
ج -في الحاالت التي ال تشملها الفقرات (أ) و(ب) إذا كان التحفظ مخالفا لموضوع المعاهدة
والغرض منها.
يتضح من هذا النص جواز إبداء التحفظ على المعاهدات من طرف الدول أو المنظمات
الدولية كقاعدة عامة ،واستثناءا ال يمكن إبداء التحفظ في حاالت معينة ،و ال بد للتحفظ أن
يستوفي بعض الشروط المستخلصة من نص المادة ( 04أن يكون التحفظ بالمعنى الدقيق ،أن
يكون جائ از وغير مخالف لموضوع وغرض المعاهدة ،أن ال ينصب التحفظ على قاعدة ذات
أصل عرفي وال قاعدة من قواعد النظام العام الدولي).
/0قبول التحفظ واالعتراض عليه
يقابل حق الدولة في إبداء التحفظات على المعاهدة ،حق الدول األخرى في قبول هذه
التحفظات أو االعتراض عليها.
أ -قبول التحفظ
بينت المادة 61من اتفاقية 14أحك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام قبول التحفظات واالعتراض عليها حيث جاء
في الفقرة 10منها على أن التحفظ الذي تأذن به المعاهدة صراحة ال يحتاج إلى قبول الحق
من قبل الدول أو المنظمات الدولية المتعاقدة ،ما لم تنص المعاهدة على خالف ذلك،
59
أما الفقرة 16نصت على أنه إذا اتضح من خالل العدد المحدود للدول المتفاوضة ومن خالل
موضوع المعاهدة وغرضها ،أن سريان كافة أحكامها بين أطرافها شرط أساسي الرتضاء كل
طرف ،فإن التحفظ الذي قد يرد ال يكون مشروعا ما لم يقبله جميع األطراف،
أما الفقرة 13نصت على أنه إذا كانت المعاهدة أداة منشئة لمنظمة دولية فإن التحفظ عليها
يتطلب قبول الجهاز المختص في هذه المنظمة ما لم تنص المعاهدة على خالف ذلك ،و قبول
التحفظ من قبل المنظمة يكون عادة باألغلبية من طرف الجهاز المختص.
أما الفقرة 11فقد اعتبرت أن الدولة أو المنظمة التي أبدت تحفظا طرفا في المعاهدة على الرغم من
تحفظها ،فقبول دولة واحدة أو منظمة دولة واحدة لهذا التحفظ يكفي لجعل الدولة المتحفظة طرفا في
المعاهدة.
أما الفقرة 11فقد اعتبرت أنه في حالة مصادقة دولة على معاهدة وكان التحفظ على نص من
قبل أطراف أخرى ،فإن مرور اثني عشر شه ار على تعبيرها االرتضاء بالمعاهدة دون اعتراض،
يمثل قبوال ضمنيا للتحفظ واذا كان التحفظ قد صدر قبل أن تصبح الدولة طرفا في المعاهدة وتم
إبالغها ،فبعد مرور اثني عشر شه ار على هذا اإلبالغ دون اعتراض منها يمثل قبوال ضمنيا للتحفظ.
ب/االعتراض على التحفظ
يقصد باالعتراض على التحفظ هو إعالن أو تصريح تصدره الدولة أو المنظمة في
صورة كتابية تعبر فيه عن رفضها للتحفظ الذي أبداه طرف آخر على المعاهدة ،وهذا ال يمنع
كقاعدة عامة من دخول المعاهدة حيز النفاذ بين الطرف الذي صدر عنه التحفظ والطرف الذي
اعترض عليه ،غير أن الدولة المتحفظة تستبعد من دائرة النفاذ تطبيق األحكام المختلف بشأنها
أي النصوص محل التحفظ.
ج /اإلجراءات الخاصة بالتحفظ
يقتضي التحفظ في جميع مراحله وصوره إتباع إجراءات شكلية معينة ،ابتداء من تاريخ
إبدائه وابالغه واالعتراض عليه وسحبه وسحب االعتراض ،وهذا ما بينته المادة 63من اتفاقية
فيينا لعام.0414
فالتحفظ يجب أن يكون مكتوبا في وثيقة خاصة قد يتنوع شكلها تبعا للوقت الذي يتم فيه
إبداء التحفظ ،سواء كان ذلك عند التوقيع أو التصديق أو االنضمام ،وهذا حتى تتمكن الدولة
61
من تبليغه لألطراف األخرى في المعاهدة ،واألمر نفسه ينطبق على القبول الصريح للتحفظ
واالعتراض عليه وأن يرسل إلى الدول المتعاقدة والمنظمات األخرى التي من حقها أن تصبح
1
أطرافا في المعاهدة.
خامسا :اآلثار القانونية للتحفظ
نصت المادة 60على اآلثار القانونية للتحفظ ،بحيث:
-يعدل التحفظ بالنسبة للدول المتحفظة في عالقاتها بالطرف اآلخر ،نصوص المعاهدة التي
ورد التحفظ بشأنها وفي الحدود الواردة فيه،
-يعدل هذه النصوص في نفس الحدود بالنسبة للطرف اآلخر في مواجهة الدولة المتحفظة،
-ال يترتب على التحفظ تعديل نصوص المعاهدة بالنسبة لألطراف األخرى في عالقاتهم
ببعضهم البعض،
-إذا اعترضت دولة على تحفظ صادر من دولة أخرى ولم تعترض على ذلك على نفاذ
المعاهدة بينها وبين الدولة المتحفظة فإن نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ ال تسري
بين دولتين في حدود هذا التحفظ.
إذا التحفظ يجعل الدولة غير ملزمة بتطبيق النصوص التي تحفظت عليها ،بمعنى آخر أن
التحفظ يحدث أثره في تعديل نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ في حدود هذا التحفظ،
وذلك في حدود العالقة بين الدولة المتحفظة واألطراف اآلخرين في المعاهدة وال يترتب عليه أي
-1نموذج وثيــــــــــــقة تحفظ /إعالن ( :حسب ما هو مبين في دليل المعاهدات ،منشورات األمم المتحدة ،قسم
المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية ،6110 ،ص .).11
أنا[ إسم ولقب رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية]
أعلن أن الحكومة [إسم الدولة] تصدر [التحفظ /اإلعالن] التالي بشأن المادة (المواد) من [ عنوان وتاريخ اعتماد
المعاهدة ،االتفاقية ،االتفاق...إلخ]
[مضمون التحفظ /اإلعالن]
واثباتا لذلك ،وضعت توقيعي وختمي أدناه [ يوقعها رئيس الدولة ،رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ]
حرر في [ المكان] يوم [ التاريخ]
[ التوقيع واللقب]
61
أثر في العالقة بين األطراف األخرى غير المتحفظة ،أي أن المعاهدة في العالقة بين الدول
غير المتحفظة ،تبقى كما هي وفقا لنصوص المعاهدة األصلية دون تعديل.
أما اآلثار المترتبة على االعتراض على التحفظ ،فإما يكون األثر محدود المدى بحيث
تظل المعاهدة نفاذة بين الدول المتحفظة والدولة المعترضة على التحفظ فيما عدا النص أو
النصوص التي تعرض لها التحفظ ،واما أن يكون أثر االعتراض على التحفظ واسع المدى
بحيث يرفض النص أو النصوص التي جرى عليها التحفظ ويقطع في نفس الوقت العالقة
التعاقدية أي يجعل المعاهدة كأنها لم تكن بين الطرف المتحفظ والطرف المعترض فاالعتراض
متوقف على إرادة الدولة المعترضة.
تجدر اإلشارة إلى أن التحفظ عمل إرادي يصدر عن الدولة التي أبدته ومن ثم يحق لهذه
الدولة سحبه في أي وقت تراه مناسبا .وال يشترط إلتمام الدولة سحب تحفظها على المعاهدة
موافقة األطراف األخرى ،بما فيها األطراف التي سبق أن وافقت على التحفظ عند إبدائه ،وهذا
ما يستشف من نص المادة 66من اتفاقية .0414كما أشارت الفقرة 6من المادة السالفة
الذكر إلى جواز سحب االعتراض على التحفظ في أي وقت ،وال يترتب على هذا السحب أي
أثر إال من تاريخ إخطار الدولة التي سحبت اعتراضها في مواجهة الدولة المتحفظة ما لم تنص
المعاهدة على غير ذلك.
ومن ثم يجب أن يكون إخطار الدولة المتحفظة كتابة ،ويترتب على سحب االعتراض
على التحفظ نتيجة مهمة هي سريان أحكام المعاهدة في صورتها األصلية بين الدولة المتحفظة
والدولة التي سحبت اعتراضها على التحفظ.
62
المطلب الثالث
الشروط الموضوعية الالزمة لصحة المعاهدات الدولية
المعاهدة الدولية عمل قانوني ذو شقين شق إجرائي أو شكلي وشق موضوعي يتصل
بالجوهر والمضمون ،فالمعاهدة ال تنتج أثارها القانونية إال إذا استوفت شروطها الموضوعية
وانعدام الشروط الموضوعية أو البعض منها يقود إلى بطالن المعاهدة أو قابليتها لإلبطال.
ويشترط لصحة المعاهدة كتصرف قانوني أن يصدر ممن له أهلية إبرامها ،وأن يصدر عن إرادة
سليمة ،وأن يكون موضوعها ممكنا ومشروعا ،أي غير مخالف لآلداب العامة الدولية أو القواعد
اآلمرة في القانون الدولي العام ،وهذه األحكام تصدق على كافة المعاهدات سواء كانت ثنائية أو
متعددة األطراف ،وأيا كان مجال النشاط الذي تتولى تنظيمه.
الفرع األول :األهلية كشرط لصحة المعاهدات
ال يكون الرضا معتب ار إال إذا صدر من شخص كامل األهلية ،وهذه القاعدة تنطبق كذلك
على المعاهدات ،فالمعاهدات أو االتفاقات الدولية ال تكون صحيحة إال إذا صدرت عن شخص
دولي يتمتع باألهلية أو بالسلطة القانونية ،وأشخاص القانون الدولي كما رأينا سابقا هم الدول
والمنظمات الدولية
أوال :أهلية الدول في إبرام المعاهدات
نصت المادة 11من اتفاقية 0414على لكل دولة لها أهلية إبرام المعاهدات ،وبما أن
إبرام المعاهدات يعد مظه ار من مظاهر السيادة ،فإن الدول ذات السيادة التامة هي وحدها التي
تستطيع إنجاز هذا العمل ،فأهلية الدولة كقاعدة عامة هي أهلية كاملة وال يرد عليها أي قيد إال
في حاالت معينة كأن تكون هناك معاهدة دولية تمنع دولة معينة من إبرام معاهدة في مجال
معين ومثالها إذا أبرمت دولة معاهدة مع دولة ثانية تعهدت بمقتضاها بعدم االندماج مع دول
مجاورة أو عدم التنازل عن جزء من أراضيها لصالح دولة أخرى ،فهنا تظل أهلية الدولة كاملة
في إبرام المعاهدات إال في هذا التعهد االتفاقي.
وفي حال الدول المتمتعة بحياد دائم مقيدة الحرية لمصلحة النظام الدولي العام ،فهي ال
تملك نتيجة لوضعها في الحياد الدائم عقد بعض األنواع من المعاهدات مثل معاهدات التحالف
63
أو التكتالت العسكرية وسائر المعاهدات األخرى التي ال تتوافق مع وضع الحياد الدائم ،فحالة
الحياد الدائم لسويس ار مثال وقفت حائال دون دخولها إلى عضوية اإلتحاد األوروبي.
ولكن لو قامت الدولة بإبرام معاهدة دولية مخالفة لما تعهدت به ،فال ينظر إلى هذه
المعاهدة بأنها باطلة بسبب انعدام األهلية ،وانما ينظر إليها من زاوية مخالفة االلتزامات الدولية،
على أساس أن هذا التصرف يعتبر انتهاكا اللتزام واقع على الدولة يرتب المسؤولية الدولية.
أما الدول ناقصة السيادة فأهليتها في إبرام المعاهدة ناقصة أو منعدمة وفقا لما تبقى لها
عالقة التبعية من الحقوق ،وعليه ينبغي الرجوع إلى الوثيقة التي تحدد العالقة لمعرفة مدى
إمكانية الدول ناقصة السيادة في إبرام معاهدة معينة ،فإذا حدث وأن أبرمت دولة ناقصة
السيادة ،معاهدة ليست أهال لها ،ال تعتبر هذه المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا ،وانما تكون معلقة
على شرط فاسخ مفاده إجازة أو عدم إجازة الدولة صاحبة الوالية على الشؤون الخارجية للدولة
ناقصة السيادة التي أبرمت المعاهدة.
ومن أمثلة الدول الناقصة السيادة وصورها ،الدول الموضوعة تحت االنتداب أو الحماية أو
الوصاية واالحتالل ،وقد أصبحت هذه الصور باستثناء االحتالل غير مألوفة في الوقت
الحاضر نتيجة حصول كل الدول التي كانت موضوعة تحت هذه األشكال على استقاللها خالل
القرن الماضي.
أما الدول الداخلة في اإلتحاد المركزي أو الفدرالي ،وكما رأينا سابقا فالقاعدة العامة المتفق
عليها أنه ال يمكن لهذه الدويالت أن تبرم معاهدات دولية إال إذا سمح الدستور االتحادي بذلك،
وهذا تضمنه مشروع اتفاقية قانون المعاهدات الذي أعدته لجنة القانون الدولي في الفقرة الثانية
من المادة الخامسة من النص على " تمتع الدول األعضاء في دولة اتحادية بأهلية عقد
المعاهدات ،إذا قرر الدستور االتحادي ذلك وفي الحدود المبينة فيه.
وال يؤثر في أهلية الدولة إلبرام المعاهدات كونها صغيرة من حيث المساحة اإلقليمية أو من
حيث عدد السكان.
أما بخصوص حركات التحرر فإن الممارسة الدولية منذ النصف الثاني من القرن
العشرين تكشف عن اعتراف الدول بها كممثلة لشعوبها وناطقة باسمها ،وتجيز بعض
64
المعاهدات لحركات التحرر الوطني أن تصبح أطرافا بها ،وتقتصر مشاركتها على المعاهدات
التي تتفق والهدف الذي ترمي إليه وهو بلوغ الشعب الذي تمثله مرحلة االستقالل ،مثل اتفاقيات
إيفيان لعام 0416بين فرنسا والحكومة المؤقتة الجزائرية والتي سبق اإلشارة إليها.
ونظ ار ألن شخصية هذه الحركات كشخصية المنظمات الدولية ،محدودة ومقيدة في
حدود الهدف العام لها ،أجازت الممارسة والتعامل الدولي ،لحركات التحرر أن تشارك في ثالث
أصناف من المعاهدات ،اتفاقات االستقالل ،اتفاقات إدارة الكفاح المسلح ،والمشاركة في
المنظمات الدولية.
ثانيا :أهلية المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات
إلى جانب الدول كاملة السيادة التي تملك أهلية إبرام المعاهدات ،تملك المنظمات الدولية
أهلية إبرام المعاهدات ،وهذا ما نصت عليه المادة 11من اتفـ ـ ـ ــاقية 71على أن «:أهلية
المنظمات الدولية إلبرام المعاهدات الدولية تخضع لقواعد هذه المنظمة».
وأهلية المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات كما رأينا سابقا ،ليست بذات اتساع أهلية الدول
المستقلة ،فهي ال تملك إعماال لمبدأ الشخصية الوظيفية للمنظمة الدولية سوى عقد المعاهدات
التي يقتضيها القيام بوظائفها ،أي أن أهليتها محدودة بالغرض الذي أنشأت من أجله فقط،
والمنظمات المعنية هنا هي المنظمات الحكومية التي أنشئت باتفاق بين حكومات الدول.
الفرع الثاني :سالمة الرضا كشرط لصحة المعاهدات
الرضا شرط أساسي لصحة المعاهدات الدولية ،فال قيمة لمعاهدة تبرمها الدولة بغير
رضاها ورغبتها الحرة في االلتزام بها ،ويقر القانون الدولي لكل دولة تدعي وجود عيب من عيوب
الرضا أو اإلرادة في المعاهدة التي أبرمتها ،الحق في اعتبار المعاهدة باطلة أو قابلة للبطالن.
أوال :موقف الفقه الدولي من عيوب الرضا في المعاهدات
اختلف الفقه حول مسألة تطبيق عيوب الرضا المعروفة في القانون الداخلي باسم عيوب
اإلرادة على المعاهدات الدولية وانقسم إلى ثالث اتجاهات أساسية:
-1االتجاه األول :يقوم على رفض تطبيق األحكام الخاصة بعيوب الرضا على المعاهدات
الدولية ،نظ ار الختالف طبيعة الشخص القانوني الدولي عن الفرد العادي المتعاقد في ظل
65
القانون الداخلي ،فضال على أن الدول تملك من الوسائل المادية والمكونات الشخصية ما يقلل
من احتماالت صدور رضاها تحت طائلة الغلط أو التدليس أو اإلكراه ،كما أن المعاهدة تمر
عبر مراحل مختلفة وصوال إلى التصديق ما يجعل صدور إرادة الدولة معيبة أم ار غير ممكن
حدوثه تقريبا.
إال أن هذا الرأي لم يسلم من النقد كون أن العديد من السوابق التاريخية أثبتت انعدام رضا
الدولة في عقدها لمعاهدات تحت طائلة العيوب ،كما أن الذين يمثلون الدولة أشخاص طبيعيين
وبالتالي يمكن احتمال صدور إرادتهم مشمولة بالعيوب التي تصيب الرضا.
-0االتجاه الثاني :يقوم على تطبيق عيوب اإلرادة الواردة في القانون الداخلي على
المعاهدات ،ويستند هذا االتجاه إلى قياس المعاهدات على العقود المبرمة في ظل القوانين
الداخلية ومن ثم نقل هذه العيوب الخاصة بالرضا التي تنطبق على العقود وتطبيقها على
المعاهدات الدولية ،فضال على أن المجتمع الدولي يضم الدول الضعيفة والدول القوية ،لذا
يتوجب تبني نظرية عيوب اإلرادة بالنظر إلى دورها الوقائي للطرف الضعيف أو للطرف الذي
صدر رضاه نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه.
وقد انتقد هذا االتجاه أيضا على أساس أنه هناك اختالف بين النظم القانونية الداخلية
والنظ ام القانوني الدولي وال مجال للقياس بين المعاهدات بالعقود ،فضال على االختالف بين
الشخص الطبيعي والشخص الدولي.
-2االتجاه الثالث :وهو االتجاه الذي أخذ موقفا وسطا بين االتجاهين السابقين ،حيث يرى
وجوب العمل على األخذ بنظرية عيوب الرضا وتطبيقها على المعاهدات الدولية ،ولكن بالقدر
الذي تتناسب فيه مع األوضاع السائدة في إطار القانون الدولي ،وقد جاءت اتفاقيتي فينا لعام
0414و 0471مقررتان األخذ بمنطق االتجاه الثالث ،وعمدت إلى نفس األحكام الخاصة
بعيوب الرضا وأثارها ،تلك العيوب المأخوذة من نظرية العقد في القوانين الداخلية وذلك بالقدر
الذي يتفق مع ظروف العالقات الدولية.
66
ثانيا :موقف اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات من عيوب الرضا
أخذت اتفاقية فيينا باالتجاه الوسط الذي يأخذ بفكرة إعمال عيوب الرضا وتطبيقها على
المعاهدات الدولية ،وهذا ما تضمنته المواد من 11إلى 13التي نصت على عيوب اإلرادة
وهي الغلط ،الغش ،اإلكراه ،وأضافت إليها حالة جديدة وهي حالة إفساد ممثل الدولة.
وسنتناول العيوب التي تؤثر على حرية اإلرادة وسالمتها وذلك وفق الترتيب الذي أخذت
به االتفاقية.
/1الغلط
وهو تصور غير حقيقي لواقعة أو موقف ،كان له تأثير جوهري في ارتضاء أحد األطراف
التقيد بالمعاهدة ،ورغم ندرة الغلط في العالقات الدولية إال أن اتفاقية فيينا أخذت به واعتبرته
أحد العيوب التي تؤدي إلى إبطال المعاهدة في المادة 17منها ،بشرط :
-أن يكون الغلط في الوقائع وليس في القانون ،باعتبار أن الغلط في القانون ال يفسد الرضا
وال يؤثر على صحة المعاهدة،
-أال تساهم الدولة بسلوكها في الوقوع في الغلط و
-أن يكون الغلط جوهريا في حمل الدولة على التقيد بالمعاهدة وقت إبرامها،
-أن ال يكون الغلط في تحرير نصوص المعاهدة أو صياغة هذه النصوص.
ومن صور هذا العيب اختالف الدول حول تحديد مكان نهر أو جبل أثناء تحديد الحدود،
أو الغلط في خريطة جغرافية تحتوي على رسوم أو بيانات غير حقيقية تتعاقد على أساسها دون
علمها بهذه األخطاء.
وقد أكد القضاء الدولي على أهمية الغلط الجوهري في المعاهدة كسبب إلبطالها في عدد من
المرات ،ففي قرار محكمة العدل الدولية في قضية السيادة على بعض مناطق الحدود بين هولندا
وبلجيكا في عام 0414والذي أكدت من خالله على أن الغلط الذي تتوافر فيه الخطورة هو ذلك
"الغلط الذي ينصب على واقعة تعتبر عنص ار جوهريا في رضا الدولة المتعاقدة" ،كما أكدت المحكمة
في عام 0416في قضية معبد "برياه فيهيار" بين كمبوديا وتيالندا على أن" الدولة ال تستطيع أن
تطالب ببطالن المعاهدة إذا كانت قد أسهمت في سلوكها في وجود حالة الغلط أو كان يمكن تداركه،
أو إذا كان قد تم تنبيهها إلى إمكانية وقوعها في الغلط".
67
/0الغش أو التدليس
التدليس أو الخداع هو استعمال الطرق االحتيالية بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه
إلى التعاقد ،وعليه فالغش يعتبر عمال عمديا يصدر بسوء نية من أحد أطراف المعاهدة ليدفع
طرفا آخر على القبول بالمعاهدة ،وهو من العيوب المفسدة للرضا الداعية إلى إلغاء المعاهدة،
أين يفترض وجود عمل إيجابي يدفع أحد األطراف في المعاهدة على فهم أمر على غير حقيقته
مما يسهل عليه التوقيع على المعاهدة هذا العمل اإليجابي يتمثل في سلوك تدليس بقصد حمل
أحد األطراف على فهم أمر معين على غير حقيقته ،ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بناء على
هذا الفهم الخاطئ أي نتيجة هذا السلوك التدليسي.
وقد نصت المادة 14من اتفاقية فيينا لعام 0414على جواز إبطال المعاهدات بسبب
الغش أو التدليس ،وهذا ما أقرته أيضا المادة 14من اتفاقية فيينا لعام .0471
إن وقوع الدولة ضحية الغش أو التدليس أمر يصعب حدوثه في الواقع العملي الدولي،
وذلك بسبب مرور المعاهدة بالعديد من المراحل قبل دخولها حيز النفاذ ،وقد أثير الغش كعيب
من عيوب اإلرادة في حاالت نادرة جدا ،فأثناء محاكمة مجرمي الحرب في محكمة نورمبورغ،
اعتبر المحكمة أن اتفاق ميونيخ لعام 0431معيب ألن ألمانيا عند توقيعها لالتفاق كانت تنوي عدم
تطبيقه ،ومعنى ذلك أن ألمانيا إبان التفاوض قد سلكت مسلكا تدليسيا بغية التوصل إلى عقد االتفاق.
/2إفساد ممثل الدولة
يعتبر هذا العيب من عيوب اإلرادة الحديثة التي أخذت بها اتفاقية فيينا ،ففي هذه الصورة
ممثل الدولة يعلم على اليقين بأن موقفه يتعارض مع مصالح دولته ولكنه ،يتغاضى نتيجة
لمقابل يحصل عليه ،ومع ذلك يقوم بالتعبير عن الرضا بااللتزام بالمعاهدة ،فهذا التصرف
يختلف عن الغش والتدليس الذي يتضمن سلوكا تدليسيا يوجه إلى الدولة وممثليها لحملهم على
قبول معاهدة معينة ،ويختلف عن الغلط الذي يرجع إلى تصور غير حقيقي لوقائع معينة أو
مركز قانوني معين.
وقد اعتبرت اتفاقيتي فيينا لعام 0414و 0471هذا العيب من العيوب التي تفسد رضا الدولة
أو المنظمة في المادة .11
68
/2اإلكراه
يعد اإلكراه من أهم الحاالت المثارة بشأن عيوب الرضا ،فهو يفسد التصرفات القانونية
بصفة عامة ألن هذا األخير عبارة عن ضغط يقع على الشخص فيبعث في نفسه رهبة وخوفا
مما يحمله على التعاقد ،وميزت اتفاقية فيينا بين نوعين من اإلكراه :اإلكراه الواقع على ممثل
الدولة واإلكراه الواقع على الدولة ذاتها ،في نص المادة 10و 16منها.
أ /اإلكراه الواقع على ممثل الدولة
يقصد به ذالك اإلكراه الواقع على ممثل والذي يدفعه إلى التوقيع على المعاهدة ،وقد يكون
هذا اإلكراه ماديا أو معنويا.
تجدر اإلشارة إلى أن هذا النوع من اإلكراه ال يتصور حدوثه إال بالنسبة للمعاهدات التي
يعتبر التوقيع عليها بمثابة قبول نهائي لها ،أما إذا كانت المعاهدة تشترط التصديق ففي هذه
الحالة فبإمكان السلطة المختصة بالتصديق أن ترفض التصديق على معاهدة وقعها مفاوضها
تحت الضغط.
ب /اإلكراه الذي يقع على الدولة أو المنظمة الدولية
كان الفقه التقليدي يرى أن اإلكراه الذي يقع على الدولة ،ال يعتبر عيبا وبالتالي ال يمكن
للدولة أن تتحجج به إلبطال معاهدة أبرمتها تحت ضغط سياسي أو عسكري أو تحت تأثير
ظروف خاصة ،وحجتهم في ذلك أن عكس هذا سيؤدي إلى توتر العالقات الدولية ويشجع كل
دولة على المطالبة بفسخ المعاهدات وابطالها بحجة أنها لم تبرمها إال مكرهة مما يقلل من قيمة
المعاهدات ومن ثقة الدول فيها ،ويقدم هذا االتجاه معاهدات الصلح واتفاقيات الهدنة كمثال،
وكيف تلجأ الدول القوية بعد الحرب إلى فرض رغباتها ومخططاتها على الدول المغلوبة،
فاعتبر أن هذه المعاهدات ملزمة وأن التصرفات التعسفية التي يتخذها األقوياء في هذه الفترة ال
تعد إكراها يبرر إبطال المعاهدات ،وكان الفقه التقليدي ينطلق في ذلك من مبدأ مشروعية
الحرب التي كانت سائدة في ظل القانون التقليدي.
غير أن القانون الدولي المعاصر ينطلق من مبدأ تحريم الحرب ،ويجعل اإلكراه الواقع
على الدولة سببا من أسباب البطالن المطلق للمعاهدات وهو ما تبنته اتفاقيتي فيينا في المادة
69
16منهما « تعتبر المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة أو
استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق األمم المتحدة».
ويستفاد من هذا النص أن اإلكراه الذي يقع على الدولة والذي يترتب عليه بطالن
المعاهدة يتعين أن يتوافر فيه ثالثة شروط ،أولها أن يكون هناك تهديد باستعمال القوة أو تم
استعمال هذه القوة فعال ،أما الشرط الثاني أن يرتب هذا التهديد أو استعمال القوة قبول الدولة
إل برام المعاهدة ،أما الشرط الثالث أن يكون التهديد باستعمال القوة أو استعمالها قد تم بشكل
مخالف ألحكام وقواعد القانون الدولي والمبادئ الواردة في ميثاق األمم المتحدة ،وتأسيسا على
هذا فإن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها الذي يتم بموافقة ألحكام ميثاق األمم المتحدة ال
يعتبر من قبيل اإلكراه.
الفرع الثالث :مشروعية موضوع التعاقد
ال تعتبر المعاهدة صحيحة إال إذا كان موضوعها جائ از ومشروعا يبيحه القانون وتقره
األخالق ،فكل معاهدة تتعارض مع ذلك تعتبر باطلة ،ولقد تأكد هذا االتجاه في المادة 13من
اتفاقيتي فينا لعام 14و ،71وأبعد من ذلك فقد نصت المادة 11على أنه إذا ظهرت قاعدة
آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أي معاهدة تصبح باطلة وينتهي العمل بها
فأي معاهدة تبرم خالفا للقواعد الدولية اآلمرة تعد باطلة بطالنا مطلقا من تاريخ إبرامها ،واذا
كانت المعاهدة صحيحة وقت إبرامها ثم ظهرت قاعدة دولية آمرة بعد ذالك متعارضة مع هذه
المعاهدة بطلت هذه األخيرة ووجب انتهاء العمل بها.
ومن األمثلة على بطالن هذا النوع من المعاهدات ،الحكم الصادر من أحد المحاكم
العسكرية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية والقاضي ببطالن االتفاق المبرم بين حكومة
فيشي (الفرنسية) مع الحكومة األلمانية ،والذي سمح باستخدام أسرى الحرب الفرنسيين في
المصانع األلمانية ،ألن هذا االتفاق يعد مخالفا لآلداب واألخالق العامة ومخالف لقاعدة آمرة
من قواعد النظام العام الدولي وهي حق اإلنسان في العمل بإرادته دون إجبار سواء كان مقابل
أجر أو بمقابل آخر.
71
ومن القواعد اآلمرة في القانون الدولي ،القاعدة التي تمنع استعمال القوة أو التهديد
باستعمالها في العالقات الدولية ،حماية حقوق اإلنسان ،تجريم القرصنة ،وكذا تحريم تجارة
الرقيق وتحريم إبادة الجنس البشري ،منع التفرقة العنصرية....
تجدر اإلشارة في األخير أن ميثاق األمم المتحدة كان سباقا في التطرق إلى هذا
الموضوع من خالل ما ورد في نص المادة 013منه التي نصت على أنه "إذا تعارضت
االلتزامات التي يرتبط بها أعضاء األمم المتحدة وفقا ألحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي
آخر فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق".
المطلب الرابع
تنفيذ المعاهدات وآثارها
يكتسي دخول المعاهدات حيز النفاذ أهمية كبيرة ألنه الوقت الذي يبدأ فيه كل طرف
تحديد حقوقه وواجباته ،وتنفيذ المعاهدة يثير العديد من المسائل المرتبطة بتطبيقها ،كنطاق
سريان المعاهدة بين أطرافها ،وآثارها بالنسبة للغير ،وتفسير المعاهدة في حالة عدم وضوح نص
من نصوصها ،وتلك المتعلقة بتعديل واعادة النظر فيها ،وقد يصيب المعاهدة عيب في شروط
صحتها مما يجعلها باطلة أو قابلة.
الفرع األول :تطبيق المعاهدات وأثارها
يترتب على اكتمال إجراءات إبرام المعاهدة أن تصبح ملزمة ألطرافها ،بحيث يلتزمون
باحترامها ومراعاة أحكامها ،وتترتب هذه اآلثار تجاه أطراف المعاهدة ،وقد يمتد أثر المعاهدات
إلى غير أطرافها وهذا استثناء على المبدأ العام الراسخ في القانون الدولي المتمثل في أن
المعاهدة ال تنتج آثارها إال بالنسبة ألطرافها.
أوال :تطبيق المعاهدات وآثارها بالنسبة ألطرافها
تطبيق المعاهدة يتطلب تحديد الوقت الذي يبدأ فيه نفاذ المعاهدة والذي يسمى بالنطاق
الزمني لتطبيق المعاهدات ،كما يتطلب تحديد المجال المكاني الذي تطبق فيه المعاهدة ،وتعد
قاعدة العقد شريعة المتعاقدين ( )Pacta Sunt Servandaبمثابة المبدأ األساسي في قانون
المعاهدات ،فكل معاهدة نافذة ملزمة ألطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية،
71
/1سريان المعاهدة بين أطرافها من حيث الزمان والمكان
* المعاهدات قد تكون ثنائية أو متعددة األطراف ،أما المعاهدات الثنائية فهي تدخل حيز
النفاذ حسب ما اتفق عليه األطراف إما عند التوقيع أو عند تبادل وثائق التصديق ،أو قد
تحدد تاريخا معينا ،أما المعاهدات المتعددة األطراف فإن موعد التنفيذ يختلف باختالف
المعاهدات فبعضها ينص على وجوب إيداع جميع التصديقات قبل مباشرة التنفيذ ،وبعضها
يوجب الحصول على عدد معين من الدول المنضمة ،وهناك معاهدات تتطلب الحصول
على تصديقات بعض الدول للبدء بالتنفيذ.
وقد عالجت اتفاقية فيينا لعام 0414تاريخ نفاذ المعاهدات في المادة 61الفقرة " ،"0بأن
المعاهدة تدخل حيز النفاذ بالطريقة وفي التاريخ المتفق عليه بين األطراف المتفاوضة ،وفي
حالة سكوت المعاهدة عن وضع نص خاص بهذا الحل ،فإن الفقرة الثانية من المادة 61نصت
على أنه تدخل المعاهدة حيز النفاذ فور ثبوت الموافقة على االلتزام بالمعاهدة بالنسبة إلى جميع
الدول ،وعليه ففي هذه الحالة فإن وجود دولة واحدة ترفض التصديق يمكن أن يؤدي إلى منع
المعاهدة من دخول حيز النفاذ ولهذا فغالبا ما تعمل الدول المتفاوضة على وضع نص واضح
في هذا الخصوص.
وكقاعدة عامة فإن المعاهدات ال تنشئ حقوقا أو التزامات إال ابتداء من تاريخ دخولها حيز
النفاذ ،فال يمتد أثر المعاهدة إلى أحداث أو تصرفات أو مواقف وقعت في وقت سابق على دخولها
حيز النفاذ ،إال إذا اتفق أطرافها على غير ذلك ،وهذا ما يستشف من الفقرة الثالثة للمادة 61التي
نصت على عدم رجعية أثر التصديق على المعاهدات ،مؤكدة على المبدأ القاضي بعدم رجعية آثار
المعاهدات الدولية ما لم تنص المعاهدة على حكم مغاير والذي تضمنته المادة 67أيضا.1
-1تنص المادة 67على " ما لـم يظهر في المعاهدة قصد مغاير أو يثبت ذلك بطريقة أخرى ،فإن نصوص المعاهدة
ال تلزم طرفا فيها بشأن أي تصرف أو واقعة تمت أو أي حالة انتهى وجودها قبل تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ
بالنسبة لذلك الطرف".
72
واذا كان األصل أن تكون المعاهدة نافذة بصفة كلية ومباشرة بين أطرافها بمجرد تبادل أو إيداع وثائق
التصديق ،1إال أنه قد يحدث أحيانا والعتبارات خاصة أن يبدأ في تنفيذ المعاهدة أو جزء منها بصفة
مؤقتة لحين دخولها حيز النفاذ.
والغرض من التطبيق المؤقت للمعاهدة هو إعطاء فرصة للدول قبل أن تلتزم بها نهائيا ،فإذا وجد
األطراف أن المعاهدة تخدم مصالحهم قرروا التصديق عليها وااللتزام بها نهائيا ،وان ظهر لهم عدم
فائدتها رفضوا التصديق عليها واعتبروها كأنها لم تكن وهذا ما نصت عليه المادة 61من اتفاقية فيينا
لعام .0414
* قد تتضمن المعاهدات أحيانا وخصوصا الجماعية ،نصا يتعلق بمسألة تطبيق المعاهدة على
إقليم الدولة ،واذا كان األصل هو سريان المعاهدة عل كافة األقاليم الخاضعة لسيادة الدولة ،واإلقليم
يشتمل على اإلقليم البري والبحري والجوي .وهذا ما تقره المادة 64من اتفاقية فيينا لعام 0414بنصها
على "ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير ويثبت ذلك بطريقة أخرى ،تعتبر المعاهدة ملزمة لكل
طرف فيها بالنسبة لكافة إقليمه".
لكن قد يحدث أن تلجأ بعض الدول والعتبارات خاصة إلى عدم تطبيق المعاهدة على كافة أقاليمها،
وهذا ما يحدث عندما يكون للدولة المتعاقدة مستعمرات أو محميات أو مناطق خاضعة لوصايتها وتريد
إبعاد آثار المعاهدة عنها ،فقد عرف تاريخ العالقات الدولية نوعا من الشروط سمي "بشرط
المستعمرات" الذي كانت تحدد فيه نية الدول االستعمارية مدى سريان أحكام المعاهدات على
مستعمراتها.
وقد أثيرت هذه المسألة في إطار المساعدة المتبادلة التي يقدمها حلف الشمال األطلسي ألعضائه،
وذلك بخصوص مدى سريانها على إقليمي (الجزائر والهند الصينية) إبان خضوعهما لالستعمار
الفرنسي ،أين قررت فرنسا اعتبار اإلقليم الجزائري داخال في إطار تطبيق المعاهدة ،بينما اعتبرت
الهند الصينية خارج النطاق اإلقليمي لسريان المعاهدة.
-1سبق لمحكمة العدل الدولية أن أكدت على مبدأ عدم رجعية آثار المعاهدات في قضية المواطن اليوناني أماثيليوس
عام 0416بين اليونان وبريطانيا ،فقد طلبت الحكومة اليونانية من المحكمة أن تعطي أث ار رجعيا لمعاهدة 0461
المبرمة بين الدولتين على أساس أنه خالل سنوات 0433و 0463كانت توجد معاهدة مبرمة بينهما عام 0771
وكانت نافذة وتشمل نفس الشروط التي تضمنتها معاهدة ،0461لكن المحكمة رفضت هذا الطلب بقولها" أن قبول
هذا الطلب يعني إعطاء آثار للمادة 64من معاهدة 0461بصفة رجعية ،بينما المادة 36تنص على أن المعاهدة
تدخل حيز النفاذ بعد التصديق عليها مباشرة،.....
73
/0أثر المعاهدة بالنسبة ألطرافها
المعاهدة هي تصرف قانوني إرادي بين أشخاص القانون الدولي الغرض منها تحقيق أو تنظيم
مصالح مشتركة ،يلتزم كل طرف فيها بتنفيذ التزاماته المقررة بموجب تلك المعاهدة بحسن نية ،غير أن
التزام األطراف بتنفيذ المعاهدة مرهون ببقاء األوضاع والظروف التي أبرمت خاللها المعاهدة على
حالتها.
أ /مبدأ نسبية المعاهدات
تُلزم المعاهدة المبرمة إبراما صحيحا جميع الدول األطراف فيها بتنفيذها بحسن نية تطبيقا
للقاعدة العامة التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين ،وهذا ما أشارت إليه المادة 61من اتفاقية
فيينا لعام 0414بنصها" كل معاهدة نافذة تكون ملزمة ألطرافها ،وعليهم تنفيذها بحسن نية" ،فال
يجوز ألي دولة أن تمتنع عن تنفيذ معاهدة ما ارتبطت بها بحجة أن االلتزامات الواردة فيها مجحفة،
أو أنها أكرهت على قبولها تحت تأثير ظروف خاصة ألن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى شيوع الفوضى
في العالقات الدولية.
كما يجب على كل طرف أن يتخذ من اإلجراءات ما يكفل تنفيذها ،1فإذا تقاعست الدولة في اتخاذ
اإلجراءات الكفيلة بدخول المعاهدة حيز النفاذ على المستوى الداخلي ،فإن امتناعها هذا يعد منافيا
- 1كقاعدة عامة ،القانون الدولي ال يبين وسائل أو طرق إدماج قواعده ضمن النظم القانونية الداخلية للدول ،حيث سمح لكل
دولة اختيار الطريقة أو األسلوب الخاص بها إلدماج المعاهدة ضمن القانون الوطني ،وتتباين األنظمة القانونية الداخلية تبعا
لدساتيرها ،فمن األنظمة من يعطي للمعاهدة وبمجرد التصديق عليها بصورة صحيحة القوة اإللزامية المباشرة في نطاق النظام
الداخلي ،سواء في مواجهة أجهزة الدولة أو في مواجهة األفراد العاديين ودون حاجة إلى أي إجراء تشريعي آخر ،وهي األنظمة
التي تأثرت بنظرية الوحدة ،وفي مقدمة الدول التي أخذت بهذا األسلوب ،الواليات المتحدة األمريكية التي جعل دستورها المعاهدات
المبرمة مندمجة تلقائيا في القانون الداخلي( ،فقد نصت المادة 11من الدستور صراحة على أن المعاهدات تعتبر القانون
األعلى) ،واعتنقت العديد من األنظمة هذا األسلوب ومنها الدستور الفرنسي الذي جعل المعاهد سارية في النظام القانوني الداخلي
لمجرد اتخاذ إجراءات نشرها دون حاجة الستصدار قانون بذلك .أما األنظمة القانونية األخرى والتي تأثرت بنظرية الثنائية فهي
ترى أن المعاهدة ال يترتب عنها أي آثار قانونية إال باتخاذ إجراء تشريعي يحولها لقانون داخلي حتى تكتسب الصفة اإللزامية،
فالمعاهدة ال تتمتع بالقوة الملزمة في إطار النظام الداخلي بوصفها معاهدة وانما بوصفها جزءا من القانون الداخلي ،ومثال للدول
التي تأخذ بهذا األسلوب ،بريطانيا.
أما في الجزائر فقد نصت المادة 011من دستور 0441المعدل في سنة 6161على أن "المعاهدات التي يصدق عليها رئيس
الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون" ،والواضح من هذا النص أن نفاذ المعاهدات في
المجال الوطني يتم مباشرة بمجرد التصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية ،وان كان المؤسس الدستوري الجزائري قد غفل عن
ذكر عملية النشر ضمن المادة .فالجزائر اعتمدت التصديق كوسيلة إلدخال القانون الدولي اإلتفاقي في قانونها الوطني دون حاجة
إلى إجراء آخر.
74
لمبدأ حسن النية في تنفيذ المعاهدات الدولية ويتساوى مع امتناعها عن تنفيذ أحكام المعاهدة
وبالتالي يستوجب إثارة مسؤوليتها الدولية.
كما ال يمكن للدولة التذرع بالقانون الوطني للتحلل من االلتزامات التي تفرضها المعاهدة
عليها ،وهذا ما أكدت عليه أيضا المادة 68من اتفاقية فيينا بنصها على أنه "ال يجوز لطرف
في المعاهدة أن يحتج بقانونه كمبرر في إخفاقه في تنفيذ المعاهدة".
وانطالقا من هذا ،فإن المعاهدة إن كانت تقرر التزامات تعاقدية فإن هذه االلتزامات خاصة
بالنسبة ألطراف المعاهدة فقط ،فال يجوز ألي طرف من أطراف المعاهدة أن يحتج بالمعاهدة
في مواجهة دولة ليست طرفا فيها .فالقاعدة العامة تقضي أن المعاهدات ال تلزم إال أطرافها وأن
آثارها ال تمتد إلى غير أطرافها أو إلى دول لم تشارك بها ،عمال بمبدأ نسبية آثار المعاهدات.
إن قاعدة نسبية أثر المعاهدات الدولية تؤسس على فكرة قانونية مهمة هي مبدأ المساواة في
السيادة واالستقالل ،وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي أكدت عليه عدد من المواثيق الدولية.
ثانيا :آثار المعاهدات الدولية في مواجهة الدول الغير
تقتصر آثار المعاهدات كأصل عام على أطرافها فحسب ،وال ترتب آثارها إال في
مواجهتهم سواء كانت هذه اآلثار حقوقا أو التزامات انطالقا من قاعدة " نسبية أثر المعاهدات"،
إذ أن حرية التعاقد ال يمكن أن تفضي إلى إلزام الغير دون رضاه ،وقد تأكد هذا المبدأ بصورة
واضحة في المادة 31من اتفاقية «:14ال تنشأ المعاهدة التزاما أو حقوقا للدولة الغير دون
رضاها».
كن هذا ال يمنع من وجود استثناءات على مبدأ نسبية آثار المعاهدات أين يمكن أن تمتد من
خاللها آثار المعاهدة إلى الغير بموافقته أو بدون رضاه.
/1تطبيق المعاهدات على الغير مع رضاه
تسري بعض آثار المعاهدة على الغير بموافقته ،في حالتي تضمينها نصوصا يتمتع الغير
بموجبها ببعض الحقوق أو يتعهد ببعض االلتزامات ،وقد عالجت اتفاقية فيينا حاالت تطبيق
المعاهدات على الغير مع رضاه ،فمن خالل قراءة المادة 31يتضح أنه ال بد من اتفاق إضافي بين
الدولة التي تلتزم بمعاهدة ليست طرفا فيها وبين مجموعة الدول األطراف فيها ،ويكون هذا االلتزام
75
صراحة بصورة خطية ،كما أنه يحظر تغير هذه االلتزامات إال برضا الدول األطراف والدول الغير من
ناحية أخرى وفقا للمادة .38
وفقا للمادة 31و 38من اتفاقية 14والتي قننت عرفا دوليا كان سائدا من قبل يعرف باسم
االشتراط لمصلحة الغير وشرط الدولة األكثر رعاية.1
- 1االشتراط لمصلحة الغير :ويقصد به أن تفق األطراف المتعاقدة على ترتيب حقوق لصالح شخص ليس طرفا في التعاقد بشرط
أن يقبله صراحة أو ضمنا ،ولم يكن القانون الدولي العام يعرف مثل هذا النظام إال بعد أن اعترفت به محكمة العدل الدولية
الدائمةعام ،0436بموجب حكم أقرت فيه أن معاهدات 0701التي لم تشترك فيها سويسرا ،قد أنشأت حقوقا لمصلحتها حقا فعليا
واالشتراط لمصلحة الغير ال ينتج أثره إال بالقبول الصريح أو الضمني ،وهذا ما أشارت إليه المادة 31في فقرتها األولى من
اتفاقية فيينا ،واذا ترتب للدولة غير الطرف حق ما بموجب معاهدة لم تشترك فيها فال يجوز تعديله أو إلغاؤه إال بموافقة تلك الدولة
ومن أمثلة االشتراط لمصلحة الغير في العمل الدولي :معاهدة القسطنطينية لعام 0777التي تضمنت حرية المالحة
ضمن قناة السويس ،أو مثل ما هو معمول به في ميثاق األمم المتحدة ،أين يعطي الحق ألي دولة ليست عضو بالمنظمة ولكنها
طرفا في النزاع المعروض على مجلس األمن ،حق االشتراك في المناقشة المتعلقة بهذا النزاع ،ومن حقها أيضا أن تنبه مجلس
األمن والجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدما في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي
المنصوص عليها في الميثاق.علما أنه ليس من الضروري في االشتراط لمصلحة الغير أن يذكر األطراف أو أسماء الدول
المستفيدة صراحة واالسم ،ألن تقرير الحق قد يكون لصالح الدول جميعا ومنها الدول التي تنشأ مستقبال.
شرط الدولة األكثر رعاية :وهي صورة لم تشر إليها صراحة اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ،يقصد به اتفاق بين دولتين تضمن
كل منهما لألخرى االستفادة مما تمنحه أو ستمنحه من مزايا لدولة أو أكثر في معاهدة أخرى تتعلق بذات الموضوع ولكنها تتضمن
مزايا أكثر من المزايا المنصوص عليها في المعاهدة األولى.
وقد نشأ هذا الشرط في البداية في المعاهدات االقتصادية خاصة ما تعلق منها بالجمركة والرسوم والتعامل التجاري ،ليتسع مجاله
فيما بعد ويشمل باقي المسائل القانونية األخرى كمركز األجانب وتنازع القوانين وغيرها ،وقد أخذت به اتفاقية األمم لقانون البحار
لعام .0476ومثال لشرط الدولة األكثر رعاية ،أبرمت الجزائر وتونس اتفاق تجاريا واتفقت عام 0441على إعفاء البضائع
المنتقلة في كال البلدين بنسبة % 11من قيمة الضرائب عند عبورها الحدود في االتجاهين ،واتفقا أيضا على أنه إذا أبرمت أي
منهما معاهدة جديدة مستقبال مع أي دولة أخرى حول نفس الموضوع "اإلعفاء الجمركي" ووردت فهيا مزايا أكثر أو إعفاءات أكثر
في حدود %81مثال لهذه المنتجات فإن أي من الدولتين سوف يستفيد مباشرة منها ويطالب بتطبيق الشرط والحصول على هذه
المزايا األكبر على الرغم من أنه ليس طرفا في المعاهدة الثانية،
وفي سنة 0448أبرمت الجزائر والمغرب اتفاقا يعفي المنتجات والبضائع القادمة من المغرب والجزائر بنسبة %81من قيمة
الجمارك المفروضة ،ففي هذه الحالة تستفيد تونس من اإلعفاء المالي والجمركي الوارد في المعاهدة الثانية بين الجزائر والمغرب
على الرغم من أن تونس ليست طرفا في هذا االتفاق وانما استفادت وفقا ألحكام شرط الدولة األولى بالرعاية المنصوص عليها في
المعاهدة المبرمة عام 41بين تونس والجزائر.
إال أنه ينبغي لتطبق شرط الدولة األولى بالرعاية على الغير ،أن يكون الموضوع الذي تنظمه المعاهدة األولى التي تضمن
هذا الشرط والموضوع الذي تنظمه المعاهدة الثانية متطابقين،
76
/0تطبيق المعاهدات على الغير بدون رضاه
يمكن أن تسري بعض أثار المعاهدة على غير أطرافها ،وتستفيد منها الدول مباشرة وبقوة
القانون على الرغم من أنها ليست طرفا فيها ،وتفرض عليها التزامات مباشرة وبدون رضاها،
ألن المعاهدة قد خلقت أو أنشأت مرك از موضوعيا ذو أهمية خاصة بالنسبة للغير.
ويرى الفقه الدولي أن المعاهدات التي تطبق في مواجهة الغير بغض النظر عن إبداء
رضاهم يمكن أن تصنف في طائفتين :المعاهدات التي تنشأ أوضاعا دولية دائمة ،والمعاهدات
التي تتضمن تقنينا لقواعد دولية عامة.
أ /المعاهدات المنظمة ألوضاع دائمة
وتعني المعاهدات التي يتقرر فيها المركز أو النظام القانوني لمنطقة معينة أو إلقليم ما،
فمثل هذا النظام تكون له قيمة وأهمية ليس للدول التي وضعته فقط وانما حتى الدول التي لم
تساهم في وضعه باعتبار أنه يتفق مع حاجة الجماعة الدولية ويالئم مصالحها.
ومثال هذه المعاهدات ،تلك التي تضع بعض الدول في حالة الحياد الدائم ،كمعاهدة فيينا لعام
0701والتي وضعت سويس ار في حالة الحياد الدائم ،وكذلك المعاهدة المتعلقة بالقطب الجنوبي
لعام 0414أين جعلت المنطقة منزوعة السالح خدمة للبشرية جمعاء ،وكذلك المعاهدات التي
تكفل حرية المالحة في بعض المضايق والقنوات أو األنهار الدولية ،اتفاقية القسطنطينية
المبرمة عام 0777حول قناة السويس والمعاهدة المتعلقة بقناة بنما لعام ،0411واالتفاقية
الدولية حول نهر الدانوب لعام ،0417فجميع هذه المعاهدات تتضمن نصوصا واضحة تقر
للغير الحق في استخدام تلك الممرات والمجاري المالحية الدولية وهذا بهدف خدمة الصالح
العام الدولي من أجل خدمة التجارة الدولة واالتصال بين األمم.
فهي كلها معاهدات أنشأت أوضاعا دولية حجة على الكافة بحيث يلتزم الجميع
باحترامها ،سواء كانوا أطرافا فيها أو اعتبروا من الغير بالنسبة لها ،ولكن يجب أن يراعي في
إنشائها مصلحة المجتمع الدولي.
77
ب /المعاهدات التي تتضمن تقنينا لقواعد دولية عامة
إن هذه الطائفة من المعاهدات تتضمن تقنينا لقواعد دولية عامة سبق استقرارها من قبل
عن طريق العرف الدولي ،بشرط أن ال يرتب هذا التقنين تعديل في مضمونها سواء باإلضافة
أو االنتقاص منها .وقد أكدت على هذا المادة 37من اتفاقية فيينا بنصها " ليس في المواد من
31إلى 38ما يحول دون قاعدة واردة في معاهدة أن تصبح ملزمة لدولة ليست طرفا فيها
باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي ومعترف لها بهذه الصفة".
فالمعاهدات التي تتضمن قواعد قانونية هي في األصل من أحكام العرف الدولي تكون
ملزمة للغير دون الحاجة لموافقتهم ،ومرد ذلك هو الترابط الكبير بين قواعد القانون الدولي
االتفاقي والعرف الدولي فكليهما يعد من مصادر القانون الدولي.
كما أن المعاهدات المنشئة ألنظمة أو منظمات دولية تنطوي على التزامات وحقوق للغير
أو لبقية المجموعة الدولية ليست في حاجة إلى موافقة صريحة من قبل الدول الغير أطراف،
فالق اررات الصادرة عن منظمة عالمية أو متعلقة بها مثل ميثاق األمم المتحدة والمعاهدات المنشئة
للمنظمات الدولية كالمنظمات المتخصصة ،تعتبر حجة على الكافة بما جاء فيها من أحكام.
المطلب الخامس
بطالن وانهاء المعاهدة
ترتب المعاهدات وفق أحكام القانون الدولي مجموعة من الحقوق وااللتزامات بين
أطرافها ،إذ يستوجب أن يتم الوفاء بها وفقا لقاعدة الوفاء بالعهود والمواثيق الدولية تحقيقا لقاعدة
استم اررية العمل بالمعاهدات الدولية ،إال أن المعاهدة قد تكون عرضة لالنقضاء أو إيقاف
العمل بها أو إبطالها ،إذا اعترى المعاهدة عيب يؤثر في صحتها أو طرأت عليها أحداث غيرت
من الظروف التي أبرمت في ظلها ،كما يمكن أن تكون محل اتفاق إلنهائها أو إيقاف العمل بها
بمحض إرادة أطرافها المتعاقدة وفي ذلك يسري مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
وطبقا لهذا فقد أقرت اتفاقية فيينا مجموعة من األحكام واإلجراءات الخاصة ببطالن
المعاهدة وانهاؤها ووقف العمل بها.
78
الفرع األول :بطالن المعاهدة
يعرف البطالن على أنه اعتبار المعاهدة كأن لم تكن وتجريدها من كل قوة قانونية ،بأن
يظهر بعد إبرامها تخلف أي من الشروط الموضوعية النعقادها ،فالبطالن جزاء يرتبه القانون
عند خرق أحكامه ،والمعاهدات الباطلة تعد باطلة من تاريخ إبرامها وليس فقط من تاريخ
اكتشاف البطالن المادة ،10/14وعموما يذكر الفقه الدولي الشروط الموضوعية لصحة
المعاهدات عند الحديث عن بطالن المعاهدة.
وقد أخذت اتفاقيتي فينا بنوعين من البطالن ،البطالن النسبي والبطالن المطلق .والفارق بين
البطالن المطلق والبطالن النسبي يحمل ذات المدلول الذي له في النظم القانونية الوطنية.
أوال :البطالن النسبي للمعاهدات
البطالن النسبي هو الجزاء الذي يترتب على اإلخالل بالقواعد الموضوعية لحماية
المتعاقدين ،ويتحقق هذا النوع من البطالن إذا استوفى العقد أركانه ،ولكن تخلف فيه شرط من
شروط الصحة ،وهذا الجزاء أقل خطورة من البطالن المطلق ،ولهذا يأخذ العقد القابل لإلبطال
حكم العقد الصحيح فهو يرتب آثاره القانونية حتى يقضي ببطالنه بناء على من طلب البطالن
لمصلحته ،ما لم يكن قد انقضى حقه في ذلك باإلجازة ،واذا تقرر البطالن زال العقد بأثر رجعي
وكأنه لم يكن فيصبح هو والعقد الباطل بطالنا مطلقا على حد السواء ،فالمعاهدة تصبح باطلة
إذا ظهر بعد إبرامها تخلف شرط من الشروط الالزمة لكي تنعقد صحيحة.
وقد حددت اتفاقية فينا لعام 0414أوضاع البطالن النسبي للمعاهدات على سبيل
الحصر في حاالت خمس:
-1عندما تكون هناك مخالفة لحكم من أحكام القانون الداخلي للدولة متعلق باالختصاص
بإبرام المعاهدات (المادة .)11
-0عندما تكون سلطة ممثل الدولة في التعبير عن ارتضائها قد خضعت لتقييد خاص ،وتم
إبالغ هذا القيد إلى الطرف المتعاقد اآلخر (المادة .)18
-2حالة الغلط (المادة .)17
79
وحتى نكون أمام الغلط واعتباره عيب من عيوب الرضا ال بد من توفر فيه أربعة شروط (أن
يكون الغلط في الواقع وليس في القانون ،أال تساهم الدولة بسلوكها في الوقوع في الغلط ،وأال
تكون الظروف المالبسة قد نبهتها ،وأن يشكل الغلط أساسا جوهريا في حمل الدولة على التقيد
بالمعاهدة وقت إبرامها ،أن ال يكون الغلط في تحرير نصوص المعاهدة أو صياغة هذه
النصوص).
-2حالة الغش أو التدليس (المادة )14
ويقصد به تعمد أحد أطراف المعاهدة خداع الطرف اآلخر عن طريق إدالئه بمعلومات أو
بيانات أو مستندات مزورة ،وبهذا فهو يقوم على عمل إيجابي مفاده حمل الطرف المتعاقد على
تصور األمر على غير حقيقته وفق نية سيئة ومبيتة بشكل سابق.
-5حالة إفساد ممثل الدولة (المادة )11
ففي هذه الحالة ممثل الدولة يعلم علم اليقين أن موقفه يتعارض مع مصالح دولته التي
يمثلها ،ولكنه يتغاضى عن ذلك نتيجة لمقابل يحصل عليه ،مطالب الدولة صاحبة المصلحة،
دون مراعاة مصالح الدولة التي يمثلها مقابل الرشوة أو المصلحة أو اإلغراء الذي يحصل عليه.
في هذه الحاالت الخمس ،يجوز للدولة صاحبة المصلحة أن تتمسك ببطالن هذه
المعاهدة أو أن تجيزها ،فتنقلب المعاهدة صحيحة بعد أن كانت باطلة في حالة الموافقة على
بقاء المعاهدة نافذة بعد العلم بالوقائع المبطلة (سواء كانت الموافقة صريحة أو ضمنية) ،وتعتبر
آثارها نافذة منذ وقت إبرامها ،كما يجوز للدولة أن تتمسك بالبطالن وفي هذه الحالة تصبح
المعاهدة باطلة.
ثانيا :البطالن المطلق للمعاهدات
ويقصد به اعتبار المعاهدة كأنها لم تكن ،وال تشكل أي قوة ملزمة ألطرافها وأن أحكامها
مجردة من كل قيمة قانونية ،والبطالن المطلق ينتح عن تصرف قانوني مشوب بعيب اإلكراه أو
التعارض مع النظام العام.
ويحدث البطالن المطلق للمعاهدات في ثالث حاالت وردت على سبيل الحصر في
اتفاقية فينا لعام .0414
81
-1إكراه ممثل الدولة (المادة .)10
-0إكراه الدولة عن طريق التهديد بالقوة واستعمالها (المادة .)16
-2في حالة مخالفة موضوع المعاهدة لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولية (المادة 13
والمادة .)11
لقد جعلت اتفاقية فينا البطالن المطلق هو جزاء المعاهدات المبرمة بواسطة اإلكراه ألنها
تجعل اإلرادة أو الرضا منعدمة ،مما يجعل المعاهدة مجردة من كل أثر قانوني استنادا للقاعدة
التي تقضي أن ما يؤسس على الباطل فهو باطل.
كما أنه لمشروعية موضوع التعاقد أهمية كبرى تحت طائلة البطالن المطلق وفق نص
المادة ،13فأي معاهدة تبرم مخالفة لقواعد القانون الدولي أو قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي
تعتبر باطلة بطالنا مطلقا ،بل إن المادة 11نصت على أنه إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد
القانون الدولي ،فإن أي معاهدة باطلة تتعارض معها تعتبر باطلة وينتهي العمل بها.
وال يمكن تصحيح البطالن المطلق بإجازته من األطراف المعنية ،إذ تفيد المادة 11من اتفاقية
فيينا أن حاالت إكراه ممثل الدولة بالتهديد أو استخدام القوة والمعاهدات المتعارضة مع قاعدة
آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي ،ليست من الحاالت التي يمتنع فيها على الدولة بعد
وقوفها على الوقائع التمسك بها إذا سبق لها أن وافقت صراحة أو ضمنا على أن المعاهدة
صحيحة ،فاإلجازة ال تلحق المعاهدة في هذه الحاالت ،وهذا دليل على أن البطالن المقصود
فيها هو البطالن المطلق ،واذا قبلت الدولة ضحية اإلكراه أن يكون للمعاهدة أثر قانوني فال
تملك ذلك عن طريق إجازة المعاهدة الباطلة وانما عن طريق عقد معاهدة جديدة.
ويمكن أن يقع بطالن المعاهدة بناء على طلب أي دولة معنية بها ،سواء كانت طرفا فيها أم
ال ،كما يمكن أن تعتبر باطلة أمام أي جهة تثور أمامها مشكلة تطبيقها سواء كانت جها از
قضائيا أو منظمة دولية أو غيرها ،حتى ولو لم يطلب أي طرف أو أية دولة معنية ببطالنها.
كما أن االتفاقية لم تأخذ بمبدأ تقسيم المعاهدة وتجزئتها في مجال البطالن المطلق ،فالمعاهدة
المتعارضة مع قاعدة آمرة أو المبرمة تحت اإلكراه ال يسري عليها مبدأ التقسيم وانما هي باطلة بجميع
أجزائها.
81
ويضيف بعض الفقه إلى االتفاقيات الباطلة االتفاقيات غير المتكافئة وهي تلك
المعاهدات التي تتنازل فيها دولة عن أوصاف سيادتها عن إقليمها لصالح دولة غير.
وما يجب اإلشارة إليه في األخير أن اتفاقية فيينا لم تفرق بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات
الجماعية من حيث آثار البطالن ،غير أنه يمكن القول أن في المعاهدة الثنائية تتوقف المعاهدة
بمجموعها عن إنتاج آثارها القانونية بالنسبة للدولتين ،أما إذا كانت المعاهدة جماعية ،فالبطالن
في هذه الحالة ال ينتج بالضرورة اآلثار ذاتها بالنسبة لكل الدول التي كان رضاها معيبا والدول
األخرى في المعاهدة ،فتبقى المعاهدة من حيث المبدأ سارية على العالقات بين هذه الدول
األخيرة .وهذا ما أشارت إليه الفقرة 1من المادة 14من االتفاقية " في حالة بطالن رضا دولة
ما االلتزام بالمعاهدة الجماعية تسري القواعد السابقة في العالقات بين تلك الدول واألطراف
األخرى في المعاهدة" ،غير أن هذا الحكم ال ينطبق في حال ما تعلق البطالن بمخالفة القاعدة
اآلمرة أين تبطل المعاهدة بصرف النظر عن الوضع أو المركز القانوني ألطراف المعاهدة
ثالثا :آثار إبطال المعاهدة
تناولت اتفاقية فيينا اآلثار المترتبة على بطالن المعاهدة من خالل نص المادة 14منها والتي
نجدها تتعدد كما يلي:
-1عدم ترتيب المعاهدة الباطلة ألي أثر قانوني ،وحدوث البطالن بأثر رجعي
أول ما يترتب على بطالن المعاهدة هو إنهاء الرابطة التعاقدية ،فالبطالن ذو أثر رجعي
يصيب المعاهدة منذ لحظة إبرامها وليس من لحظة اكتشاف سبب البطالن ،ما عدا حالة المادة
( 11ظهور قاعدة جديدة) ،أما من حيث اآلثار المترتبة على البطالن فال فرق بين البطالن
النسبي والبطالن المطلق ،حيث أن كل معاهدة باطلة ال أثر لها .كما أن اكتشاف البطالن قبل
ا لتنفيذ يحرر األطراف من كل التزام ويعود كل منها إلى الوضع الذي كان عليه قبل إبرام
المعاهدة.
82
-0إعادة الوضع إلى ما كان عليه وقت اإلبرام
وعليه يمكن لألطراف إمكانية العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل إبرام المعاهدة
( )16/14بشرط أن تكون العودة ممكنة ،أما في حالة االستحالة فليس هناك إال االحتفاظ بهذه
اآلثار واعتبار المعاهدة باطلة بالنسبة للتصرفات الالحقة على صدور حكم البطالن.
ويفترض في هذه الحالة حسن النية ،لهذا يمكن اعتبار أن األعمال التي تم تنفيذها طبقا لمبدأ
حسن النية – قبل التمسك بالبطالن -تعتبر مشروعة ألن حسن النية يعفي الطرف من آثار
عدم المشروعية الذي قد تترتب على تنفيذ المعاهدة باطلة وهو األهم ،ولهذا كل تصرف الحق
على كشف سبب البطالن يعد من قبيل سوء النية وال يدخل ضمن التصرفات التي أوردتها
المادة .16/14
-2عدم تأثر بعض األعمال و االلتزامات أو مراكز قانونية بمبدأ الرجعية من البطالن
نصت المادة 14في فقرتها الثانية والثالثة بأن األعمال التي تم تنفيذها بحسن نية قبل
التمسك بالبطالن تعتبر مشروعة ألنها تصرفات قانونية ،بينما يبطل ويدخل في دائرة سوء النية
ابتداء من اللحظة التي يثار فيها العيب المبطل للمعاهدة ،كما ال يمكن للطرف سيئ النية
االحتفاظ بآثار المعاهدة الباطلة ،أما المادة 80فقرة 6فإنها تنص على اآلثار المترتبة على
تنفيذ المعاهدة خالل الفترة السابقة على ظهور القاعدة اآلمرة الجديدة ،ألن المعاهدة كانت
صحيحة وقت إبرامها ،كما أن األعمال تمت بحسن نية ،أما إذا بدأت هذه األعمال ولم تنته ثم
ظهرت قاعدة دولية آمرة جديدة ،يجب التوقف عن تنفيذ المعاهدة.
-2المعاهدة الباطلة بطالنا مطلقا ال تقبل اإلجازة أو التعديل أو التصحيح
طالما أن المعاهدة باطلة نتيجة اإلكراه أو نتيجة مخالفتها لقاعدة دولية آمرة تعتبر معدومة
وكأنها لم تكن ،وهذا ما ذهبت إليه المادة 14فقرة 0حين نصت على أن المعاهدة التي يثبت
عدم صحتها وفقا لالتفاقية الحالية باطلة وليس لنصوص المعاهدة الباطلة قوة قانونية.
– 5تجزئة المعاهدة الباطلة بالنسبة ألطرافها في المعاهدات المتعددة األطراف
إذا احتجت دولة ما بعيب في إرادتها بااللتزام بمعاهدة جماعية فإن البطالن ينتج آثاره
بين هذه الدولة والدول األخرى فقط ،حيث تبقى المعاهدة سارية المفعول بين بقية الدول فيما
83
بينها ،وهذا ما أشارت إليه المادة 14فقرة 1من اتفاقية فيينا .غير أن هذه القاعدة ال تطبق في
حالة بطالن المعاهدة بسبب مخالفتها لقاعدة آمرة في القانون الدولي ،ألنه في هذه الحالة
البطالن أصاب المعاهدة بشكل موضوعي ال عالقة له بصحة الرضا أو سالمة اإلرادة ،
فينتهي وجودها كلية في مواجهة الجميع.
-5تجزئة المعاهدة الباطلة بالنسبة لنصوصها
ينصرف البطالن من حيث المبدأ إلى مجموع المعاهدة ،وهذا ما ورد النص عليه في
المادة 11من اتفاقية فيينا ،إال أن المعاهدة قد تتضمن أحكاما يمكن تطبيقها باالستقالل عن
بقية األحكام األخرى ،بمعنى أن هناك حاالت يمكن فيها تجزئة المعاهدة ،وابطال بعض
أحكامها ،مع استمرار نفاذ سائر األحكام األخرى ،لكن بشروط بينتها الفقرة الثالثة من المادة 11
وهي :إذا كان من الممكن فصل البنود عن بقية بنود المعاهدة في التطبيق ،إذا ثبت من
المعاهدة أو بطرق أخرى أن قبول هذه البنود لم يكن أساسا ضروريا الرتضاء الطرف أو
األطراف األخرى االلتزام بالمعاهدة ككل ،إذا لم يكن في تنفيذ المعاهدة إجحافا.
غير أنه ال يجوز الفصل بين أحكام المعاهدة إذا كان سبب البطالن إكراه ممثل الدولة أو إكراه
الدولة بالتهديد أو استخدام القوة ،أو مخالفة المعاهدة لقاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون
الدولي ،ففي هذه الحاالت تكون المعاهدة باطلة بمجملها.
الفرع الثاني :إنهاء المعاهدات وايقاف العمل بها
يقصد بإنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها وضع حد الستمرار نفاذ المعاهدة كما كان
مقر ار لها من قبل ،ألسباب قد تط أر بعد تنفيذ المعاهدة بفترة رغم أن المعاهدة عقدت بشكل
صحيح من حيث الشكل والموضوع ،إال أن اإلنهاء يختلف عن اإليقاف باعتبار أن اإلنهاء
يؤدي إلى وضع حد لوجود المعاهدة القانوني وال يمكن العودة إليها ثانية إال بإبرام معاهدة
جديدة .بينما اإليقاف فإن المعاهدة تظل قائمة قانونا ،بحيث يمكن ألطرافها أن يعودوا إلى
تنفيذها باالتفاق بينهم على ذلك ،إن لم يقرروا إنهاؤها صراحة أو تنتهي بإبرام معاهدة الحقة.
84
واألسباب التي تؤدي إلى إنهاء أو إيقاف العمل بها قد يكون منصوصا عليها في ذات المعاهدة
وتسمى عندئذ باألسباب االتفاقية ،وقد يكون إنهاء المعاهدة أو اإليقاف العمل بها إلى أسباب
خارجة عن إرادة األطراف وتسمى عندئذ باألسباب غير اإلرادية أو األسباب الخارجية.
أوال :األسباب االتفاقية إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها
تستند األسباب االتفاقية المؤدية إلى إنهاء المعاهدات أو إيقاف العمل بها إلى إرادة
أطراف المعاهدة التي عبروا عنها في ذات المعاهدة ،أو بواسطة اتفاق منفصل عن المعاهدة و
الحق عليها ،يبين أسباب إنهاء أو إيقاف العمل بها .وقد نصت المادة 11من اتفاقية فينا على
أن إنهاء المعاهدة أو انسحاب أحد أطرافها يجوز أن يتم:
أ -وفقا ألحكام المعاهدة ،أو
ب -في أي وقت من األوقات بموافقة األطراف بعد التشاور مع الدول المتعاقدة األخرى.
/1إنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها بموجب أحكامها:
أي أن المعاهدة تتضمن نصا أو نصوصا صريحة تتعلق بتحديد أسباب انتهائها والتي
يمكن أن تأخذ الصور التالية:
أ -حالة التنفيذ الكلي ألحكام المعاهدة :أي أن المعاهدة تنتهي بتنفيذها تنفيذا كامال ( وتكون
في المعاهدات التي تتناول مواضيع يستوجب بحكم تطبيقها أن يتم تنفيذها في زمن محدد،
كالتنازل عن إقليم ،أو تعيين الحدود ،)...المعاهدات التجارية.
ب -حلول األجل في المعاهدة :تنتهي المعاهدة بانتهاء األجل المحدد لسريانها ،إذا نصت
المعاهدة على أن المعاهدة تسري ألجل محدد ،ما لم يتفق أطرافها على تجديد العمل بها ،وعادة
ما تتضمن معاهدات التحالف أو التحكيم اإلجباري ،والمعاهدات التي تبيح استئجار أجزاء معينة
من إقليم الدولة إلقامة منشآت عليها ألي غرض كان (كاستخدامها قاعدة عسكرية مثال)،
نصوصا تحدد من خاللها آجال سريانها والتي ينتهي العمل بها متى انقضت تلك اآلجال.
ج -انقضاء المعاهدة بتحقق الشرط الفاسخ فيها :يقصد بالشرط الفاسخ أن يعلق أطراف
المعاهدة انقضائها على تحقق بعض الوقائع التي سبق لهم أن توقعوا إمكان تحققها ،دون تحديد
دقيق لتاريخ حدوثه اعتمادا إلى التأكد من تحققه يوما ما .كأن تتعهد دولة بموجب معاهدة مع
85
دولة أخرى عن التنازل عن إقليم متنازع عليه بين الدولتين ،شريطة إجراء استفتاء لسكان هذا
اإلقليم ،فإذا كانت نتيجة االستفتاء اختيار األغلبية من السكان البقاء تحت سيادة الدولة المتنازلة
فإن التنازل أو التعهد السابق ينقضي وينتهي.
د -النص على نقض المعاهدة أو االنسحاب منها :نقض المعاهدة أو االنسحاب منها عبارة
عن إخطار أو إشعار يصدر عن اإلرادة المنفردة لطرف أو أكثر ،يعرب من خالله التحلل من
أحكام المعاهدة ،وينهي االنسحاب المعاهدة الثنائية إذا كان مشروعا ،أما المعاهدات المتعددة
األطراف فال يؤثر االنسحاب منها على بقاء المعاهدة قائمة بين األطراف األخرى في المعاهدة.
وتضع المعاهدات التي تجيز االنسحاب عادة شروطا معينة له ،كضرورة إخطار األطراف األخر قبل
االنسحاب بمدة زمنية معينة ،بحيث ال ينتج االنسحاب أثره إال بعد نهاية تلك المدة.
تجدر االشارة أن االنسحاب ال يدخل في طائفة األسباب االتفاقية النقضاء المعاهدات مالم يكن
منصوص عليه صراحة في صلب المعاهدة.
/0إنهاء المعاهدة بموجب اإلرادة الالحقة ألطرافها
إنهاء المعاهدة في هذه الحالة لم يكن باالستناد إلى نص صريح أو ضمني فيها ،وانما تم
باالستناد إلى اتفاق الحق يفيد توجه إرادة أطرافها إلى إنهائها ،أو عقد معاهدة جديدة تتعارض
أحكامها مع أحكام المعاهدة السابقة.
ويشترط في هذه الحالة أن يتحقق االتفاق لدى كافة أطراف المعاهدة األولى على إلغائها
صراحة ،واما ضمنا بأن تبرم المعاهدة الثانية بينهم جميعا .وهذا ما يستفاد من المادة 11
ثانيا :األسباب غير االتفاقية إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها
عديدة هي األسباب غير االتفاقية التي تؤدي إلى إنهاء المعاهدات أو إيقاف العمل بها،
وهذه األسباب جميعا تتفق في خاصية مشتركة هي أنها ال تستند إلى اإلرادة الصريحة أو
الضمنية ألطراف المعاهدة المعنية ،وانما ترجع إلى وقوع أحداث طارئة والحقة على إبرام
المعاهدة تؤدي إلى انقضائها أو إيقاف العمل بأحكامها ،ومن بين هذه األسباب:
86
أ -اإلخالل الجوهري بأحكام المعاهدة
في حالة إخالل أحد األطراف أو البعض بااللتزامات الناشئة عن المعاهدة ،فإنه من حق
الطرف أو األطراف اآلخرين أن يفسخوا المعاهدة أو أن يوقفوا العمل بها إما جزئيا أو كليا،
بشرط أن يكون اإلخالل بالمعاهدة إخالال جوهريا ،وقد ميزت المادة 11بين اإلخالل الجوهري
في المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية ،فاإلخالل الجوهري بأحكام معاهدة ثنائية من
جانب أحد طرفيها يخول للطرف اآلخر التمسك بهذا اإلخالل كأساس إلنهاء المعاهدة أو إيقاف
العمل بها كليا أو جزئيا .وحتى ينتج هذا اإلخالل مثل هذا األثر فال بد من قبول الطرف المخل
بذلك ،أما في حالة عدم قبوله فيحل النزاع بين الطرفين بالطرق المعروفة لتسوية المنازعات.
أما إذا كان اإلخالل يتعلق بمعاهدة جماعية فإن األمر يختلف ،وقد وضعت الفقرة الثانية من
المادة السالفة الذكر عدة أحكام في هذا الشأن ،فيخول للطرف الذي تأثر بصورة خاصة من
ذلك اإلخالل التمسك به إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها في العالقة بينه وبين الطرف الذي
أخل بالتزاماته ،كما أن لجميع األطراف اآلخرين منفردين أو مجتمعين اإلعالن عن إنهاء
المعاهدة أو إيقاف العمل بها:
(أ) في حدود العالقة بين كل منهم من جهة ،وبين من أخل بأحكام المعاهدة،
(ب) أو في العالقة بين جميع أطراف المعاهدة
ولغرض إنهاء المعاهدة نتيجة إخالل الطرف اآلخر بها يشترط
(أ) أن يكون إخالل الطرف اآلخر جوهريا
(ب) أال تتعلق األحكام التي يراد إنهاؤها أو إيقاف العمل بها بالحماية المقررة لألشخاص في
المعاهدات ذات الطابع اإلنساني ،وبخاصة األحكام التي تحظر أي شكل من أشكال االنتقام
من األشخاص المحميين بموجب تلك المعاهدات ،حيث ال يجوز تعطيل العمل بمثل هذه
األحكام ،ولو كان الطرف اآلخر أخل بها إخالال جوهريا.
ب -استحالة التنفيذ نتيجة للقوة القاهرة
قد تظهر أثناء حياة المعاهدة أوضاع ليس لها بإرادة األطراف ،ويكون من شأنها
استحالة االستمرار في تنفيذ المعاهدة ،وقد تكون االستحالة استحالة موضوعية ( اختفاء أو
87
هالك الشيء محل التعاقد) أو استحالة قانونية كأن تعقد ثالث دول تحالف ثم تندلع حرب بين
اثنين ففي هذه الحالة تكون الدولة الثالثة في حل من التزاماتها.
وقد ميزت المادة 10بين االستحالة المطلقة والتي يترتب عليها إنهاء المعاهدة وبين
االستحالة المؤقتة والتي يترتب عليها وفق التنفيذ إلى أن تتغير الظروف ويصبح باإلمكان
التنفيذ ،وتنقضي المعاهدة أو يوقف العمل بها ابتداء من تاريخ استحالة التنفيذ وليس من تاريخ
االحتجاج.
ج -التغير الجوهري في الظروف
تبرم معاهدة في ظل ظروف معينة لذا فإن استمرار تنفيذها والعمل بها يرتبط كثي ار
باستمرار تلك الظروف ،غير أنه كثي ار ما تتغير هذه الظروف تغي ار جوهريا يترتب عليه أن
يصبح تنفيذ المعاهدة مرهقا إلحدى الدول المتعاقدة ،وعلى نحو من شأنه المساس بمصالحها
الحيوية .وقد خصت اتفاقية فيينا لعام 0414نصا خاصا بالتغير الجوهري للظروف في المادة
16أين يمكن للطرف المتضرر أن يوقف العمل بالمعاهدة ،باستثناء المعاهدات المنشة للحدود،
أو إذا كان هذا التغير الجذري للظروف نتيجة إخالل الطرف الثاني بالتزاماته (وال يعتد بالتغير
الحاصل في النظام السياسي ،التغير في القوة والنفوذ ،صعوبة تنفيذ االلتزامات)،
وقد حددت المادة مجموعة من الشروط يجب توافرها حتى يمكن االعتداد بتغير الظروف
كسبب إلنهاء المعاهدة أو إيقافها :أوال أن يكون التغيير في الظروف التي أبرمت فيها المعاهدة
وفي ظلها جوهريا ،ثانيا أن ال يكون ذلك التغيير متوقعا وقت إبرام المعاهدة ،ثالثا أن ينال
التغيير الجوهري من الظروف التي كانت أساسا لرضا األطراف ،رابعا أن يترتب على تغيير
الظروف تبدل جوهري في نطاق االلتزامات المستقبلية ألطرافها ،وليس تلك التي تم الوفاء بها.
د -تعارض مضمون المعاهدة مع قاعدة جديدة من قواعد النظام العام الدولي
سبق لنا اإلشارة أنه يشترط لصحة المعاهدات أن ال يكون موضوعها ال يتعارض مع
قواعد النظام العام الدولي ،فإذا كانت المعاهدة وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد
النظام العام الدولي فهي باطلة بطالنا مطلقا من وقت إبرام المعاهدة.
88
غير أن القاعدة اآلمرة في النظام الدولي يمكن أن تكون كذلك سببا من أسباب انقضاء المعاهدة
التي أبرمت بشكل صحيح ،ولكن في حالة ما إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون
الدولي فإن أي معاهدة قائمة تتعارض معها تعتبر باطلة وينتهي العمل بها ،وهذا ما أشارت إليه
المادة 11من اتفاقية فيينا.
و -حالة الحرب
تعد الحرب سببا من أسباب انقضاء المعاهدات التي كانت تربط الدول المتحاربة وقت
السلم حسب النظرية التقليدية ،أما النظرية الحديثة فإنها ال تقر بهذا األثر بصفة عامة وانما
تميز بين عدة أنواع من المعاهدات .فالحرب ال تؤثر في:
-المعاهدات المنشئة لمراكز موضوعية :كمعاهدة التنازل عن إقليم معين معاهدات تعيين
الحدود ،أو المعاهدات المتعلقة بالحياد الدائم أو وضع القنوات والمضايق الدولية ،غير أنه ليس
هناك ما يمنع الدول عند انتهاء الحرب من تقرير إلغائها أو تعديلها في معاهدة سالم.
-المعاهدات التي يكون الغرض منها تنظيم حالة الحرب نفسها :فهذه المعاهدات تصبح نافذة
بمجرد قيام الحرب ألنها وضعت لظروف الحرب( ،كمعاملة األسرى ،الموقوفين تنظيم الحرب
البرية.)...
-المعاهدات المنصوص في بنودها صراحة على عدم تأثرها بحالة الحرب :فالقاعدة القائلة
بانقضاء المعاهدات بقيام الحرب هي قاعدة مقررة يجوز االتفاق على تجاوزها ،أي أنها ليست
من القواعد اآلمرة ،فالمعاهدات الثنائية المتعلقة بحقوق األفراد تظل قائمة وان توقف تنفيذها
خالل الحرب
-ال يترتب على قيام الحرب بين بعض الدول في المعاهدات المتعددة األطراف إنهاء
المعاهدة الجماعية :بل تظل سارية بين الدول غير المتحاربة وبين كل من الدول المتحاربة،
فالحرب توقف العالقة بين الدول المتحاربة إلى أن تنتهي الحرب بإبرام معاهدة صلح.
وبشأن الحرب كسبب إلنهاء المعاهدة أو تعليق تنفيذها نجد أن اتفاقية فيينا لعام 0414
لم تتضمن أحكاما تفصيلية لحالة الحرب وانما اكتفت بما أوردته من إحالة ضمنية إلى قواعد
القانون الدولي العام بنص المادة 83منها.
89
كما حرصت االتفاقية في مادتها 13على اإلشارة إلى أن قطع العالقات الدبلوماسية أو
القنصلية بين أطراف المعاهدة ال يترتب عليه انقضاء أو وقف المعاهدات السارية النفاذ إال
إذا كان قيام العالقات يعتبر ضروريا لتطبيق المعاهدة ،وهذا ما سبق وأن أكدته المادة 11من
اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية ،على عدم تأثير قطع العالقات الدبلوماسية على تطبيق
االتفاقية نفسها أو على األقل الحد األدنى من الضمانات الواردة فيها.
ويكمن السبب في أن قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية ال يؤثر على بقاء المعاهدة أو
على التزام األطراف بتنفيذها ،في الرغبة في تحقيق استقرار وأمان العالقات القانونية الدولية،
ألنه إذا كان يترتب على قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية انقضاء المعاهدات الدولية بقوة
القانون ،فإن كل دولة ترغب في التخلص من التزاماتها التعاقدية يمكنها أن تلجأ إلى قطع تلك
العالقات في أي وقت وبال ضابط.
المبحث الثاني
العرف الدولي
يعتبر العرف الدولي المصدر الثاني للقانون الدولي العام بعد المعاهدات الدولية ،و قد
كان مصد ار لمجموعة كبيرة من القواعد التي شكلت القسم األكبر من قواعد القانون الدولي العام
المعترف بها ،غير أن حركة التقنين قللت من أهميته إذ أن كثيار من األحكام العرفية تضمنتها
االتفاقيات المبرمة ابتداء من القرن التاسع عشر.
91
من طرف هؤالء األشخاص ،والتي تعتبر بمثابة قانون يدل عليه التواتر واالستمرار في
االستعمال دون انقطاع.
يتميز العرف الدولي بمجموعة من الخصائص أهمها:
-يعتبر العرف الدولي تعبي ار عن تعامل مشترك ناتج عن سوابق أي عن تكرار مجموعة من
التصرفات ترضى الدول بها ،فالتشابه في مواقف الدول من حادثة أو واقعة معينة يتيح االستنتاج
حول وجود تعامل مشترك ضمني بين الدول يتصف بالعمومية أي يتفق عليه عامة الدول.
ُ -يشترط في العرف أن يحظى بالقبول لدى الدول على أنه قانون ملزم ،ولذلك فالعرف يمثل
تعامال إلزاميا ،وقد أكد ذلك قرار محكمة العدل الدولية المتعلق بقضية الجرف القاري لبحر
الشمال ،الصادر في 20فيفري ، 1969عندما نص على أنه" :ال يكفي أن تمثل األعمال
المتكررة تعامال ثابتا ،بل عليها أيضا أن تُثبت ،بطريقتها االقتناع بأن هذا التعامل صار ملزما
بوجود قاعدة قانونية
-يمثل العرف تعامال مرنا قابال للتطور بمقدوره مواكبة األحداث والمتغيرات الدولية المختلفة
والتجاوب مع األهداف والضرورات الدولية ولو بشكل بطيء ،وهذا ما يميزه عن القواعد الدولية
التعاقدية التي تتسم بطابع الجمود نظر الشتراطها إلجراءات شكلية خاصة لتعديلها أو تغييرها.
هناك عدة تقسيمات وأنواع للعرف إال أن المتعارف عليه هو العرف العام والعرف الخاص
أما العرف العام فيقصد به ذلك العرف الذي يسري على كل أشخاص القانون الدولي ،وبالتالي
ال يقتصر تطبيقه على جزء معين من الكرة األرضية أو في العالقة بين عدد معين من
أشخاص القانون الدولي
أم ا العرف الخاص فيقصد به تلك األعراف السائدة بين مجموعة من الدول في منظمة
واحدة ،أو إقليم واحد تجمع بينهما صالت تاريخية وعرقية وسياسية وغيرها كاألعراف الخاصة
بدول أمريكا الالتينية ،فالعرف الخاص اليلزم إال الدول التي تعتقد بإلزاميته نظ ار للروابط التي
تجمع بينهم
الفرع الثاني :أركان العرف الدولي
للقاعدة الدولية العرفية الدولية ركنان أساسيان وهما الركن المادي والركن المعنوي
91
أوال :الركن المادي
يتمثل الركن المادي في التكرار والعادة ،ألن العرف في األصل هو ثبوت تكرار بعض
الوقائع بشكل متماثل ومستمر وعام .وال تكتسب القاعدة العرفية قوتها اإللزامية إال إذا طُبِّقت
باستمرار واتصفت بالشمول.
فالتطابق هو اتساق أعمال متتالية ومتشابهة صادرة عن دولة معينة ،فإذا انتفى التطابق فُِق َد
التكرار ،ولذلك ينبغي لتكوين القاعدة العرفية ،أال تلق السوابق المتوالية لدول ما حول مسألة
معينة معارضة من دول أخرى .وبالتالي ٌيشترط تطابق مواقف الدول في التصرفات الصادرة
عنها حول قضية معينة دون أي اعتراض أو اختالف بينهم.
أما االستمرار فهو مقترن بالثبات وعدم االنقطاع ،وال ُيشترط فيه عدد معين من المرات أو
انقضاء فترة زمنية محددة ،لذلك فالمعيار في ضبطه يظل نسبيا مختلفا بحسب الوقائع
واألحداث الجاري تكرارها وتواترها .
ومهما يكن من أمر فإن التعامل الدولي يستقر حول عدم االعتداد بضرورة وجود اعتراف
صريح من الدول لاللتزام بالقاعدة العرفية ،غير أن صدور رفض صريح منها بصفة قطعية،
كاف لعدم امتثالها للقاعدة العرفية الجديدة ،إال إذا كانت هذه القاعدة ذات صفة أمرة ال يجوز
للدول مخالفتها.
أما االجتهاد القضائي فيذهب إلى عدم اشتراط إجماع لدى الدول لتكوين القاعدة العرفية ،لكن
كلما إزداد عدد الدول أكثر ،كلما تمكنت المحكمة من االقتناع بتواتر الممارسة ،وهذا ما أعربت
عنه محكمة العدل الدولية في قضية بحر الشمال سنة ، 1969بخصوص دور الدول الحبيسة
الضئيل في تكوين األعراف البحرية مقارنة بالدور الكبير للدول البحرية في نفس المجال.
وهو االعتراف الضمني من جانب أشخاص القانون الدولي عن طريق اعتقادهم بأن
السلوك أو السابقة المعتادة ملزمة من الناحية القانونية ،أي اعترافهم بتوافر عنصر اإللزام،
وهذا العامل المعنوي هو الذي يميز العرف الدولي عن العادات وقواعد المجامالت الدولية التي
تعد مجرد تصرفات تخضع العتبارات ظرفية خالية من أي إلزام
92
هذا وقد أيد االجتهاد القضائي هذا االتجاه ،حيث أصدرت محكمة العدل الدولية ق ار ار دوليا في
قضية الجرف القاري لبحر الشمال السابق ذكرها عام ، 1969حيث أكدت فيه أنه" لقيام
العرف يشترط توافر تعامل ثابتا لدى الدول واقتناعا منها بأن هذا التعامل قد أصبح ملزما،
ووجود شعور لدى الدول المعنية به ،بأنها عند قيامها بهذا التعامل سوف تخضع لوضع يماثل
وضع االلتزام القانوني".
الفرع الثالث :مصادر العرف الدولي
إلى جانب األعمال الدولية تعد تصرفات واألعمال الصادرة عن األجهزة والهيئات
الحكومية مصد ار للقواعد العرفية ،والمقصود بالهيئات الحكومية السلطات الثالثة في الدولة ،ذلك
أن التصرفات الصادرة عنها والتي لها صلة بالعالقات مع بقية الدول ،تسهم في تكوين سوابق
دولية يمكن أن تتحول بفعل تكرار الدول لها إلى قواعد عرفية ملزمة.
93
فأعمال السلطة التنفيذية مثال في مجال النشاط الحكومي أو الدبلوماسي يسمح بتحديد السلوك
الذي تتبعه الدولة في عالقتها مع أشخاص المجتمع الدولي ،والتعرف على المواقف التي
تتخذها الدولة في التعامل مع القضايا أو المواقف الدولية .كما أن قيام السلطة التشريعية بسن
القوانين ذات الصفة الدولية ،يمكن أن تكون عامال لتأثر دول أخرى بها فتصدر قوانين مطابقة
لها ،ومثال ذلك القوانين المتعلقة بوضع األجانب أو القوانين القنصلية.
فأحكام القضاء الوطني المتعلقة بقضايا ذات صفة دولية يمكن أن تصير الحقا قواعد عرفية إذا
قامت محاكم الدول األخرى بتداول تطبيقها.
المبحث الثالث
المبادئ العامة القانون
تقر المادة 37من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية أن المبادئ العامة للقانون التي
تقرها التي تقرها األمم المتمدنة ،تعتبر مصد ار من مصادر القانون الدولي العام.التي يمكن
اللجوء إليها لحل أي نزاع دولي .وقد وردت اإلشارة إليها ألول مرة في ديباجة اتفاقية الهاي
الخاصة بأعراف الحرب لعام ، 1899حيث تناولها الفقهاء و اعتبروها مصد ار للقواعد الدولية
في نظام محكمة العدل الدولية الدائمة ثم في نظام محكمة العدل الدولية.
الفرع األول :تعريف المبادئ العامة للقانون
يذهب غالبية الفقه الدولي إلى اعتبار المبادئ العامة للقانون ،مجموعة المبادئ التي
تُستمد من األنظمة القانونية الداخلية للدول ،والتي تعتبر مبادئ مشتركة بين تلك األنظمة ،والتي
يمكن تطبيقها في مجال العالقات الدولية ،وهذا التعريف مقتبس نوعا ما من فقه" جروسيوس"
الذي أدخل إلى القانون الدولي فكرة القانون المشترك " " Le droit communأي المبادئ
المعترف بها من جانب مختلف األنظمة القانونية .و من األمثلة عن تلك المبادئ :مبدأ حسن
النية ،مبدأعدم التعسف في استعمال الحق ،ومبدأ المسؤولية التقصيرية ،مبدأ المساواة أمام
القضاء ،حجية الشيء المقضي فيه ،مبدأ اإللتزام بجبر الضرر من طرف المتسبب فيه ....
ويعتبر الفقه الدولي المبادئ العامة للقانون على أنها المبادئ المشتركة في األنظمة
القانونية للدول األطراف في النزاع الذي يراد تطبيق القاعدة عليه ،ولذلك ينبغي أن يكون هذا
94
المبدأ متفقا على مفهومه لدى الدول ،معترفا به من قبلها و يكون ذلك عبر اإلقرار الصريح كأن
تتضمنه قوانينها الداخلية أو تتبناها محاكمها الوطنية ،أو أن يكون االعتراف ضمنيا بعدم
االعتراض عليه أو النص على خالفه
الفرع الثاني:الطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون
ظهرت في الفقه الدولي آراء متباينة في تحديد الطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون
فمنهم من اعتبر هذه المبادئ كوسائل لتفسير القانون الدولي كالفقيه اإليطالي ""Salvioli
سالفيولي الذي اعتبر أن المادة 38من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية أاردت من
خالل إدراج المبادئ العامة ضمن مصادر القانون الدولي ،اإلشارة إلى اعتبارها وسيلة من
وسائل تفسير قواعد القانون الدولي فقط.
بينما يذهب اتجاه أخر من الفقه إلى اعتبار المبادئ العامة جزءا من المصادر االحتياطية
للقانون الدولي أو المكملة له ،وفي مقدمتهم الفقيه أنزلوتي " "Anzillotiالذي يرى أن االلتجاء
إلى المبادئ العامة للقانون ال محل له إال حيثما ال يوجد اتفاق أو عرف.
وبالمقابل يرى فريق أخر من الفقه الدولي أن المبادئ العامة مصدر من المصادر األصلية
للقانون الدولي ومن بين هؤالء الفقيه" جورج سال "و" شارل دي فيشري" ،حيث اعتبار أن مكانة
المبادئ العامة تأتي في قمة المصادر ،على أساس أنها تشغل مرك از ُيضاهي مركز القواعد
الدستورية إذا ما قورنت بباقي المصادر القانونية في األنظمة الداخلية للدول.
ورغم أ ن هذا الرأي فيه نوع من المبالغة كونه يتعارض مع الترتيب الوارد في نص المادة 37
من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ،والتي تجعل المبادئ العامة تلي كل من المعاهدات
والعرف الدولي ،فإن ذلك ال يمنع جانبا عريضا من الفقه المعاصر من اعتبار المبادئ العامة
جزءا من المصادر األصلية للقانون الدولي ،وأنه يقف على قدر من المساواة مع المعاهدات
والعرف الدولي
95
الفصل الثاني
96
الفرع الثاني :الفقه الدولي
اليمكن الفقهاء أي سلطان لفرض أرائهم على الدول ،وانما يرجع إليها لإلستعانة بها
وللتعرف على القواعد القانونية وفهمها وتفسيرها ،فاألهمية تكمن في شرح هذه القواعد
وللمحكمة حرية الرجوع إلى هذا المصدر إن رأت ضرورة لذلك.
فالفقهاء يساهمون بأرائهم ونظرياتهم في مجال القانون العام في تحديد مغزى القواعد
القانونية وفك االلتباس والغموض عنها بما ييسر فهم نصوصها ،فكثي ار ما تساعد أارء الفقهاء
في الكشف عن قواعد قانونية جديدة وذلك عقب تأثير نظرياتهم القانونية في الرأي العام الدولي،
مما قد يدفع إلى تبني األفكار الواردة في هذه النظريات من طرف الدول سيما إن كانت تحظى
بإجماع كبير لدى الفقه لدولي ،فالفقهاء ال يمكنهم إنشاء القاعدة القانونية ،ولكن إسهامهم
يقتصر من خالل شرح هذه القواعد ونقدها والتعليق عليها .
قرر القواعد القانونية
فال يمكن إنكار جهود الفقهاء في تكريس العديد من المفاهيم القانونية واست ا
الخاصة بها في القانون الدولي ،كالقانون الدولي للبحار ونظام المنطقة االقتصادية الخالصة
ومبدأ التراث المشترك لإلنسانية ،وقواعد حماية البيئة البحرية .
المطلب الثاني :مبادئ العدل واإلنصاف
نصت المادة 6/37من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية صراحة على سلطة
المحكمة في الفصل في القضية وفقا لمبادئ العدل واإلنصاف ،إال أنها ال تُجيز للقاضي تطبيق
قواعد العدل واإلنصاف إال إذا وافقت األطراف المتنازعة صراحة على ذلك.
ويمكن تعريف العدالة على أنها مجموعة من المبادئ التي يوحى بها العقل والحكمة ،وهي فكرة
مرنة تختلف باختالف الزمان والمكان
تجدر اإلشارة في األخير إلى أن الفقه الدولي ال يحصر قواعد القانون الدولي في
المصادر السابقة الواردة في نص المادة 38من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية فقط ،
بل يضيف لها مصادر حديثة أفرزها واقع التعامل الدولي الراهن والتي تتمثل في
ق ار ارت المنظمات الدولية ،والتصرفات الصادرة عن اإلرادة المنفردة للدول.
97
قائمة المراجع
أوال :الكتب
مانع جمال عبد الناصر ،القانون الدولي العام ،الجزء األول–المدخل والمصادر ،-دار العلوم للنشر والتوزيع، -0
عنابة ،الجزائر.6111 ،
رشيدة العام ،الوجيز في القانون الدولي العام ،دار األيام للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن.6108 ، -6
المجذوب محمد ،القـانون الدولي العام ،منشورات حلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،ط .6118 ،1 -3
عوض خليفة عبد الكريم ،القانون الدولي العام –دراسة مقارنة ،-دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية.6100 ، -1
عبد الكريم علوان ،الوسيط في القانون الدولي العام ،الجزء األول ،المبادئ العامة ،مكتبة دار الثقافة للنشر -1
والتوزيع ،عمان األردن ،ط.0448 ،0
بوغزالة محمد ناصر وأحمد إسكندري ،القانون الدولي العام ،الجزء األول ،المدخل والمعاهدات الدولية ،مطبعة -1
الكاهنة ،الجزائر.0448 ،
زراقط علي ،الوسيط في القانون الدولي العام ،المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان.6100 ، -8
محمد بوسلطان ،مبادئ القانون الدولي العام ،الجزء األول ،ديوان المطبوعات الجامعية ،بن عكنون الجزائر، -7
.6118
علي صادق أبوهيف ،القانون الدولي العام ،الجزء األول ،منشأة المعارف ،االسكندرية ،ط ،06دون سنة النشر. -4
بن داود إبراهيم ،المعاهدات الدولية في القانون الدولي ،دراسة تطبيقية ،دار الكتاب الحديث ،القاهرة.6101 ، -01
علي إبراهيم ،الوسيط في المعاهدات الدولية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ط.0441 ،0 -00
محمد نصر محمد ،الوافي في شرح المعاهدات الدولية في ظل أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة -06
،0414مكتبة القانون واالقتصاد ،الرياض ،السعودية.6106 ،
عادل أحمد الطائي ،القانون الدولي العام ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن.6114 ، -03
دليل المعاهدات ،منشورات األمم المتحدة ،قسم المعاهدات التابع لمكتب الشؤون القانونية.6110 ، -01
أحمد بلقاسم ،القانون الدولي العام ،المفهوم والمصادر ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية، -01
الجزائر.6111 ،
محمد سعيد الدقاق ،القانون الدولي ،المصادر واألشخاص ،الدار الجامعية ،بيروت.0441 ، -01
علوان محمد يوسف ،القانون الدولي العام ،المقدمة والمصادر ،دار وائل للنشر والتوزيع ،عمان.6118 ، -08
رشاد عارف السيد ،القانون الدولي العام في ثوبه الجديد ،دار وائل للنشر ،عمان ،األردن.6110 ، -07
98
مخلد إرخيص الطروانة ،القانون الدولي العام ،دار وائل للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن.6108 ، -04
زغموم كمال ،مصادر القانون الدولي ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة ،الجزائر( ،بدون سنة النشر) -61
محمد سامي عبد الحميد ،محمد السعيد الدقاق ،القانون الدولي العام ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية، -60
مصر6113 ،
محي الدين جمال ،القانون الدولي ،المصادر القانونية ،دار الجامعة الجديدة ،مصر.6114 ، -66
سهيل حسين الفتالوي ،القانون الدولي العام في السلم ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان األردن.6101 ، -63
محمد طاهر أورحمون ،المعاهدات التي تبرمها المنظمات الدولية ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة -61
الجزائر6117 ،
حسين حياة ،التصديق على المعاهدات الدولية ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة الجزائر.6101 ،0 -61
بن سالم رضا ،محاضرات في القانون الدولي العام ،مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق، -61
جامعة البليدة .6166-6160 ،6
أوكيل محمد أمين ،محاضرات في القانون الدولي العام ،المبادئ والمصادر ،مطبوعة موجهة لطلبة السنة -68
الثانية حقوق ،جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية.6101-6101 ،
شكيرين ديلمي ،محاضرات في القانون الدولي العام ،مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق، -67
جامعة الجياللي بونعامة ،السنة الجامعية .6166-6160
عبد الغني حوبة ،الوجيز في القانون الدولي العام ،محاضرات في القانون الدولي العام) المدخل -64
والمصادر(،جامعة الشهيد حمه لخضر ،الوادي،
اليازيد علي ،محاضرات في مادة القانون الدولي العام ،موجهة لطلبة السنة الثانية جذع مشترك ليسانس -31
حقوق ،جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي6161-6104 ،
99