Professional Documents
Culture Documents
إن دراسة األنظمة القانونية المقارنة ،يكتسب أهمية كبيرة خاصة في ظل تنامي العالقات
السياسية واإل قتصادية واإليجابية بين مختلف دول العالم ،مما يقتضي معرفة مختلف األنظمة القانونية ،
فدراسة القوانين األجنبية يساعد على الوقوف عند إيجابيات وسلبيات النظام القانوني الوطني ،إضافة
إلى أيجاد الحلول المناسبة لبعض المشاكل القانونية ،التي قد تصادفنا أثناء القيام ببحث أوعند سن القوانين
تزداد هذه األهمية عن العولمة والشمولية ،التي بدون شك لها ت أثيرها على مستوى النظام القانوني
لمختلف الدول ،وعليه فمن الغير مقبول أن تظل النظم القانونية في كل الدول غير معروفة لدول أخرى
،مما يبرز أهمية الدراسات القانونية المقارنة في عالمنا المعاصر ،ومن المنطلق أنه نفصل بين القانون
المقارن ودراسة األنظمة القانونية المقارنة ،فمن الضروري أن تشمل دراستها مفاهيم تتعلق بالقانون
المقارن ،وعليه فإن دراستنا للمقرر تكون وفق الخطة :
إن دراسة األنظمة القانونية هي في الواقع دراسة للقانون المقارن ،فالعالقة بينهما وطيدة جدا
لدرجة أن البعض يعتبره شيء واحد ،وبغرض الإلحاطة بالفروق المتعلقة أو باإلختالفات ،نتناول أوال
التعاريف العامة في القانون المقارن ،ثم أهمية دراسة القانون المقارن ،واألنظمة القانونية.
سنتناول في هذا المبحث نشأة القانون المقارن ،وتعريف قانون المقارن ،وطبيعته.
إن التأسيس لما أصبح يعرف اليوم بالقانون المقارن ،يعود إلى سنة 1900م ،وهذا إعتمادا
على أول مؤتمر دولي ،الذي انعقد بباريس ،إال أن الدراسات القانونية قديمة جدا ،فهي تعود إلى
العصور القديمة سواء في الحضارات ما بين بالد الرافدين ،أو بالد مصر القديمة ،أو لدى الرومان
واليونان ،وهذا نشير إلى أن العديد الباحثين ال سيما الغربيين ،يعتبرون بأن الجذور التاريخية للقانون
المقارن ،تبدأ من الحضارة الرومانية من خالل األبحاث التي قام بها " أفالطون" و "أرسطو" ،بحيث
عكف على مقارنة قوانين بالدهما وقوانين دول أخرى للحضارات السابقة اليونانية فقد أتى أرسطو :في
كتابه ( السياسة مابين مختلف الدساتير اإلغريقية والبربرية) ،وفي هذا الصدد كتب "أرسطو" ( :ينبغي
على المشرع أن يعمل على تحسين القوانين ،ولذلك يتعين عليه أن يعرف عند تقسيم قوانين حكومات
الدول األخرى وفروق بينهما ،ويقتبس منها ما يصلح لمدينته) ،وفي هذا الصدد فقد إستفاد الرومان من
تجارب اليونان فقد درسوا قوانين المدن اليونانية ،واقتبسوا منها إلى أن تشكل النظام القانوني الروماني
المعروف بمدونة قانون األلواح اإلثناعشر (.)12
أما في العصور الوسطى فيمكن أن نذكر بعض الكتب الفقهية التي إهتمت بدراسة المقارنة ،من
بين هذه الكتب الفقهية ،كتب فقهية إسالمية ،مثل الكتاب "البن رشد" (بداية المجتهد ونهاية المقتصد)
وتعتبر من أبرز الكتب التي تناولت المقارنة بين مختلف المذاهب الفقهية.
• تعريف القانون المقارن.
لقد اختلف الفقهاء في إعطاء تسمية القانون المقارن فمنه من يطلق عليه تسمية القانون الموازي
،وأطلق عليه البعض اآلخر مقارنة القوانين ،والبعض اآلخر سموه بالطريقة المقارنة ،وأطلق عليه
البعض اآلخر اإلجتهاد المقارن ،واقترح اآلخرون مصطلح التشريع المقارن ،لكن استقر اآلخر على
تسميته بالقانون المقارن ،وهي التسمية التي هي في الواقع تعبر عن مصطلح فرنسي " Le Droit
، "Comparéوهي التسمية التي نجدها حاليا في أغلب التشريعات ،وفي أغلب الجامعات الغربية ،
والعربية كما أطلقت هذه التسمية على معظم المراكز و المؤسسات المهتمة بهذا العلم ،ومثال ذلك
األكاديمية الدولية للقانون المقارن ،تأسست سنة 1924م ،وكذلك المركز الفرنسي للقانون المقارن ،
تأسس سنة 1991م ومعهد القانون المقارن بجامعة باريس الذي اهتموا فيه بدراسة القانون المقارن.
ويجب اإلشارة بأن عبارة القانون المقارن بمجردها ال تعني شيء ،وال يوجد قانون يسمى
بالقانون المقارن ولقد إنتقد بعض الفقهاء لهذه التسمية ،مثل الفقيه "روني دافيد" حيث يعتبرها عبارة
تعيسة ،فهو يقول ( :مصطلح القانون المقارن هو عبارة تعيسة يفترض أنه تمنحه قيمة لكن من األحسن
تجنبها) .فإصالح القانون المقارن يقصد به دراسة مقارنة للقوانين ،أو الدراسة القانونية المقارنة ،وهذه
الدراسة قد تتعلق بفرع قانوني واحد ،أو بفروع قانونية مختلفة ،وهو ليس كغيره من الفروع القانونية
من حيث أنه ال يعرف بكونه مجموعة من القواعد القانونية أو بفروع قانونية مختلفة ،ويتنازل مع
الدراسة المقارنة للقانون دراسة القوانين األجنبية ،فمثل هذه الدراسة تسمح بأن تلقي الضوء على
اإليجابيات والسلبيات ،فهي تعتبر األساس للبناء دراسة القانون المقارن.
لقد أثيرة عدة نقاشات بخصوص طبيعة القانون المقارن ،فمنه من يراه علما مستقال بذاته ،
غايته الوصول إلى استخالص القواعد العامة المشتركة ،تكون األساس لقواعد العالم المتحضر ،ومنه
من ذهب إلى إعتباره طريقة من طرق البحث ،تستخدم إلصالح التشريع الوطني وتوحيد القوانين في
الدولة الواحدة ،أو بين دول متعددة تربط بينهما عوامل مشتركة ،ومصالح متبادلة ،بالنسبة لإلتجاه
األول فقد ظهر مع إنعقاد أول مؤتمر دولي في القانون المقارن ،فالمشاركين في هذا المؤتمر مثل
"لومبار" و "إيزمان" اعتبروا بأن القانون المقارن قائم بذاته ،واتفقوا على اعتباره أداة علمية تستهدف
استخراج القوانين التي تحكم العالقات اإلجتماعية ،ويتم التوصل إلى هذه القوانين عن طريق الدراسة
ال مقارنة للعادات والتقاليد وأنماط السلوك وارتباطها بفكرة التطور الحضاري ،ولقد اعتبر الفقيه
"دورهاي" بأن المقارنة تحل محل التجربة في الدراسات اإلنسانية.
أما بالنسبة لإلتجاه الثاني ،الذي يعتبر القانون المقارن هو مجرد طريقة مقارنة ،فإنه يقوم على
إعتبار قانون المقارن طريقة المقارنة تستخدم في مجال العلوم القانونية ،هدفها المقارنة بين قوانين
مختلف الدول للوصول إلى الموازنة بين القواعد بغرض التعرف على إيجابيات وسلبيات كل قانون ،
وقد دافع على هذا الرأي بعض الفقهاء ،مثل "اهرنج" وقد دافع عليه في البداية الفقيه "روني دافيد"
الذي تراجع في رأيه واعتبره في األخير علم قائم بذاته ،الهدف منه معرفة أوجه التشابه واختالف الذي
تضمنها كل القانون الوطني ،والقوانين األجنبية ،وما يستخلص أن اعتبار القانون المقارن علم مستقل
بذاته ،فهو طريقة علمية تقوم على أساس المقارنة بين مختلف األنظمة القانونية ،فهو إذن يتميز بالطابع
المزدوج.
تبرز أهمية القانون المقارن في الوظائف التي يؤديها سواءا على المستوى الوطني أو الدولي.
يلعب القانون المقارن دورا مهما في تطوير وتنسيق ووحدة القانون ،فهو أداة لتطوير القانون
الوطني من خالل دراسة وتحليل النصوص القانونية األجنبية أو الوطنية ،لكن في هذا اإلطار يجب
األخذ بعين اإلعتبار الضروف أو المعطيات السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية ،السائدة في القانون
الوطني بغرض تطويره وتحسينه ،لذلك يجب على الباحث أال يعتمد على قانون دولة أجنبية واحدة ،
إنما من األحسن أن يجلي دراسة مقارنة بين دول مختلفة خاصة مع الدول التي تجمع بينها روابط
مشتركة ،سواء تاريخية كما هو األمر بالجزائر مع فرنسا ،أو روابط مذهبية كما هو الشأن بالنسبة
للدول اإلشتراكية سابقا ،أو روابط دينية كما هو األمر بالنسبة للدول اإلسالمية ،وهذا ما قامت به
الجزائر في إطار إعداد العديد من النصوص القانونية ،مثال القانون المدني الذي استفاد صلتهم بناء
األحكام الواردة في القانون المدني الفرنسي والقانون المدني المصري ،وأيضا القانون التجاري الذي
أخذ من القوانين التجارية لمجموعة من الدول ال سيما القانون الفرنسي واأللماني وقوانين الواليات
المتحدة األمريكية ،ونفس الوضع بالنسبة للفروع القانونية األخرى وال سيما تلك المرتبطة بالجوانب
اإلقتصادية وذلك بفعل تأثير العولمة ،وكمثال القوانين التي تبنتها الجزائر ،قانون النقد والقرض ظهر
هذا القانون 1990م وعدل عدة مرات – قانون اإلستثمار وانشاء صناديق المساهمة.
تتمثل أهميته في دوره في توحيد القوانين ،أو القواعد القانونية بين الدول من خالل إعداد
مشاريع التوحيد الدولي للقوانين ،فالهدف السياسي من هذا التوحيد هو إزالة أو تقليل من التباين الموجود
ما بين األنظمة القانونية بين الدول ويتجسد ذلك في مختلف اإلتفاقيات التي نظمت مجاالت مختلفة كمثال
ذلك ( :مجال النقل ،التجارة ،الملكية الفكرية ،قانون العمل ...وغيرها) .والنموذج األساسي الممكن
ذكره فيما يتعلق في هذه اإلتفاقيات نذكر بعضها :
-إتفاقية متعلقة بنقل أمتعة السفر ،المنصوص عليها في الجريدة الرسمية عام 1973م
-والثانية خاصة بالطيران المدني الدولي ما يتعلق بالرحالت الجوية1963 ،م جريدة رسمية العدد .68
-إتفاقية خاصة باألضرار التي تصيب الغير ،سبب سقوط طائرة أجنبية جريدة رسمية 1964العدد .30
-كما يمكن ذكر نماذج أخرى لمبادالت توحيد القوانين توحيدا القوانين داخل المجموعة اإلسكندافية (دول
معروضة ،سويد ،نرويج ،دنمارك.)...
-توحيد القوانين داخل المجموعة الجرمانية (ألمانيا ،فرنسا ،بولونيا )...ومثال المعاصر الذي يمكن
ذكره ما يتعلق بصادرات توحيد القواعد القانونية بين مختلف دول اإلتحاد األوروبي فقانون اإلتحاد
األوروبي يتكون أساسا من دول أعضاء اإلتحاد فدور القانون المقارن هو تكوين القواعد المشتركة التي
من الممكن تطبيقها من دول اإلتحاد والتي من الممكن أن تأ خذ بها المحكمة األوروبية في حال وجود
فراغ قانوني في القانون األوروبي.
• الفصل الثاني :النظام الالتيني الجرماني (العائلة الالتينية الجرمانية).
نتناول نبذة تاريخية للعائلة الجرمانية الالتينية ،ثم نتناول تقسيماته ،وعناصر أساسية للتنظيم
القضائي.
تمهيد :ظهرت هذه العائلة الالتينية الجرمانية في أوروبا ،وانتشر فيما بعد إلى دول أخرى خارج القارة
األوروبية ،فهو نظام يتبع في كل مختلف مناطق العالم ،أمريكا االتينية ،وآسيا ،وافريقيا ،وبطبيعة
الحال أوروبا ،ما عدى بريطانيا ،وظهوره يعود إلى القرن الثاني عشر ميالدي (12م) ،ويستند تسمية
التيني جرماني لإلرث التاريخي المشترك لبعض دول أوروبا.
سنتناول في هذا الفصل الخلفيات التاريخية المشتركة ،و مصادر القانون في هذه العائلة في
النظام الالتيني الجرماني ،كما سنتناول تقسيمات القانون ،وفي المبحث الثاني نتناول التنظيم القضائي
في العائلة الجرمانية الالتينية.
من المهم أن نشير إلى هذه التسمية ،التي جاءت أساسا من مدونة "جيستينيار" (اإلمبراطور
الروماني) ،ومن األعراف الجرمانية ،التي سادت بعد غزو قبائل البربر الجرمانية ،واستالئها على
أراضي اإلمبراطورية الرومانية في أوروبا ،وتجسدت هذه المبادئ في كل من التقنين المدني الفرنسي
والمدني األلماني ،بإعتبارهما يستندان على مصادر واحدة وهي :القانون الروماني ،واألعراف
المحلية ،والقانون الكنسي.
خضع نظام هذه العائلة في تكوينه إلى جملة من العوامل المشتركة ،مما جعل قوانين الدول
الغربية بشكل عام ،تلتقي في قواسم مشتركة ،منها تأثر قوانين هذه الدول بالقانون الروماني ،واعتاق
شعوبها الديانة المسيحية بمختلف مذاهبها ،وتأثرها بالقانون الكنسي ،واهتمام الجامعات بدراسة وتحليل
القانون الروماني ،األمر الذي أدى إلى استخالص مبادئ واجماعها في االعراف المحلية لشعوب
المنطقة ،إلستخراج قانون نموذجي يحكم العالقات بين األفراد والحكام.
• تأ ثر القانون الروماني في النظام الالتيني الجرماني.
لقد تأثرت تشريعات الدول التي أخذت بالنظام الالتيني الجرماني بالقانون الروماني في الكثير
من الجوانب سواء فرنسا والدول التي حذت (حذوها أي اتبعتها) مثل الجزائر وألمانيا وبعض الدول
المتأثرة بقوانينها ،ولمعرفة ذلك ينبغي أن نتعرف على مراحل تكوين القانون الروماني وأهم تقسيماته.
لقد كانت روما مكانا لضرب المثل في النظام ،كما كانت اليونان مضرب المثل في الحرية
ولغة القانون مأخوذة في معظمها من اللغة الالتينية ،وكان اللفظ الدال على هذا القانون في هذه اللغة ،
هو " "Lusأي العدالة ،ولقد وصف هذا القانون بأنه علم وفقه معا وقد بدأ القانون الروماني في التكوين
منذ تاريخ 754ق.م تاريخ إنشاء روما ،ولقد عرف تطورا ملحوضا خالل العهد الجمهوري ،حيث
ظهرت مصادر قانونية إلى جانب مصادر أخرى ،مثل األعراف واألفكار الفلسفية اليونانية التي كانت
سائدة أمامه ،وهذا ما يشكل المرحلة األولى من مراحل تكوين القانون الروماني.
أما المرحلة الثانية بدأت في 224م ،تاريخ تولي اإلمبراطور "ديفرديانوس" الحكم ،تميزت
هذه الفترة بإصدار األوامر اإلمبراطورية التي كانت تصدر في شكل دساتير ،وشملت هذه األوامر ما
يشبه اليوم بالقانون الجنائي ،وقانون األحوال الشخصية ،ونظام المعامالت ،ونظام اإلجراءات القانونية
لرفع الدعاوى ،إن هذه األوامر أضعفت نوعا ما من قيمة القوانين التي أنشأها "جيستينيار" (قانون
األلواح اإلثناعشر) التي تتشكل من البرلمان الروماني.
أما المرحلة الثالثة بدأت من تاريخ إنقسام اإلمبراطورية إلى قسمين ،وكان ذلك في عام 395م
في عهد إمبراطور "تيردوس األول" ،وبقية عاصمة اإلمبراطورية الغربية لروما ،واإلمبراطورية
الشرقية عاصمتها بزنطة ،وكان أبرز إمبراطور عرفه التاريخ ،وترك ثروة قانونية كبرى ،هو
اإلمبراطور "جيستنيار" صاحب المدونات التي ال زالت تحمل اسمه ،وقد قام هذا اإلمبراطور من
تجميع القوانين الرومانية لمختلف أشكالها في مجموعات تضمنت األولى الدساتير اإلمبراطورية وهي
تشمل المواضيع التالية:
أوال :المنشورات :هي تلك األوامر التي يصدرها اإلمبراطور وتسري أحكامها على كافة األقاليم
اإلمبراطورية.
ثانيا :األحكام :وهي تتعلق باألحكام التي يصدرها اإلمبراطور في المنازعات التي كان يتولى الفصل
فيها شخصيا.
ثالثا :الفتاوى :هي عبارة عن مجموعة من اإلجتهادات الفقهية ،التي كان يقدمها اإلمبراطور بمشاركة
المجلس اإلمبراطوري.
رابعا :التعليمات :هي عبارة عن نصائح أو توجيهات يصدرها اإلمبراطور للحكام ،تتعلق بكيفيات
تسيير الشؤون العامة لألقاليم.
تناولت المجموعة الثانية النظم وقسمت إلى أربعة أجزاء يتعلق الجزء األول باألشخاص
وخصص الجزء الثاني والثالث لألشياء وتضمن الجزء الرابع نظام الدعاوى.
أما المجموعة الثانية تناولت النظم وقسمت إلى أربعة أجزاء ،يتعلق الجزء األول باألشخاص
وخصص الجزء الثاني والثالث لألشياء وتضمن الجزء الرابع نظام الدعاوى.
أما المجموعة الثالثة اهتمت بجمع مؤلفات كبار الفقهاء مثال "جاينبورس" و "بابينيوس"
و"بولس" وسميت هذه المجموعة بموسوع ة جيستينيار ألهميتها بإعتبارها خالصة آلراء الفقه الروماني
لقرابة 50كتابا ،تناول فيها المؤلفون جميع مواضيع القانون بمفهومه الواسع ،ووصف هذا القانون
الروماني بقانون الدولة السيدة ذات العقلية الممتازة.
سنتطرق في تقسيمات القانون وفقا لما هو موجود في العائلة الالتينية الجرمانية ،التي تأثرت
بتقسيمات القانون الروماني ،والزالت إلى حد اليوم تأخذ بها ،نذكر منها على سبيل المثال تقسيم القانون
الروماني إلى قانون عام وقانون خاص ،فكان القانون العام يعتني بمرافقة الدولة بتنظيم المصلحة العامة
وكان يشمل عدة فروع تؤدي وظيفة ما يعرف اليوم بالقانون الدستوري ،والقانون اإلداري ،والقانون
المالي ،والقانون الجنائي ،والقانون الجبائي ،ويشمل القانون الخاص ما يدخل اليوم في نطاق القانون
المدني والقانون التجاري ،وقواعد اإلجراءات المدنية والتجارية ،وقسم القانون الخاص بمختلف
مجاالته إلى قانون خاص -خاص باألشخاص ،وقانون خاص باألموال ،وقانون يتعلق بقواعد الدعاوى
فكان قانون األشخاص ينطلق من مركز األشخاص بإعتباره من جهة أهال إلكتساب الحقوق وإلتزامه
بالواجبات ،ويتناول قانون األموال تحديد القواعد الخاصة بالملكية ،والحقوق العينية بمختلف صورها
والحقوق الشخصية واإللتزامات ،وقد قسم الرومان األموال إلى أموال عقارية وأموال منقولة ،وأموال
عادية وأموال معنوية ،وقسمت اإللتزامات إلى إلتزامات مدنية وإلتزامات طبيعية ،وإلتزامات بسيطة
وإلتزامات تضامنية ،مع التفرقة بالتضامن اإليجابي والتضامن السلبي ،وقسم الرومان المسؤلية إلى
مسؤولية تقوم على أساس الخطأ أو على الفعل الشخصي أو على فعل الغير ،و قسم الرومان العقود إلى
عدة تقسيمات الزالت تأخذ بها اليوم قوانين دول النظام الالتيني الجرماني من عقود رضائية إلى عقود
ملزمة لجانب واحد وغيرها من التقسيمات.
تمهيد :تكمن أه مية دراسة القانون الروماني ال بإ عتباره قانونا وضعيا مطبقا بالفعل في أغلب الدول ،
بل بإعتباره مصدرا تاريخيا لمعظم القوانين الحديثة ،فالقانون الفرنسي الصادر سنة 1804م أخذ أحكامه
عن القانون الروماني ،وكان للقانون الفرنسي الدور الوسيط بين القانون الروماني وقوانين الدول الحديثة
بل تعتبر كذلك من بين المصادر المرتبطة بالقانون األندرو ساكسوني ،أي ترك آثرا في البالد
األنجلوساكسوني ،ويرجع إلى الرومان الفضل في إعتبار القانون علما قائما بذاته ،ففرقوا بين قواعد
الفلسفة والعين واألخالق ،وهو بالفعل يتأثر بهذه العلوم الفلسفية ،إال أنه يختلف عنها من حيث طبيعة
قواعده ،ومجال تطبيقه وطريقة دراسته ،فهم الذين وضعوا األسس القانونية والتقسيمات والتفريعات ،
ولقد إهتمت الجامعات لمعظم الدول األوروبية التي تأخذ بالنظام الالتيني الجرماني ،ويعود ذلك إلى
سهولة معرفة القانون الروماني ألنه مكتوب باللغة الالتينية ،ويتماشى مع منطق وسهولة إستنباط الحلول
العلمية ،وقد وجدت الجامعات في القانون الروماني ،المتميز بهذا الشكل مخرجا من ظالم العصور
الوسطى ،وكان ينظر إليه تقدير وإظباط واعتبر على أنه العقل المكتوب ،وفي ألمانيا أعتبر بمثابة
الشريعة العامة وقد أعتبره بعض الفقهاء بأن الرومان خلقوا ليحملوا رسالة القانون العام.
• المطلب الثالث :مصادر القانون في النظام الالتيني الجرماني.
هو ال يختلف على ما هو موجود في الجزائر ،فالجزائر تعتبر من الدول التي تنتمي إلى هذه
العائلة ،ويعتبر التشريع المصدر األول ثم يليه العرف من الدرجة الثانية ،واإلجتهاد القضائي في
الدرجة الثالثة.
أوال :التشريع :يشمل جميع القواعد المكتوبة سواء كانت صادرة من سلطة تشريعية أو سلطة تنفيذية ،
وسواء كانت بشكل قانون أو في شكل تنظيم ،وذلك بحسب تصنيفها ودرجة ترتيبها الهيكلي ،وهو هرم
ال يختلف في شيء على ماهو موجود في الجزائر ،ويأتي على رأس الهرم الدستور وهو التشريع
الصادر من السلطة البرلمانية ،أو على الشعب حسب األنظمة التي تأخذ بها دولة دون دولة أخرى ،إلى
جانب الدستور يوجد في هذا النظام تقنينات أو مدونات كالتقنين المدني أو التجاري ...الخ ،ويأتي فيما
بعد التنظيم في شكل مراسيم وقرارات ومقررات ،التي تكون ضرورية لتنظيم شؤون اإلدارة العامة في
الدولة ،وهذا تتداخل في الكثير من الحاالت صالحيات السلطة التنفيذية بصالحيات السلطة التشريعية
خاصة في الدول التي تحدد دساتيرها إختصاصات السلطة التشريعية على سبيل الحشر ،وتترك مازاد
عن ذلك السلطة التنفيذية تشرع فيه عن طريق التنظيم.
ثانيا :العرف :يمثل العرف المرتبة الثانية في هذا النظام ،والزال في الكثير من الدول يمثل أهمية
كبيرة في مجال التطبيق ،حيث أن القاضي يلجأ إليه في حالة عدم وجود النص المكتوب أو كانت
صياغته في شكل عرف تؤدي إلى صعوبة تطبيق القاعدة القانونية ،وقد ذهب الفقه في هذا المجال إلى
التفرقة بين العرف المساعد للتشريع ،والعرف المكمل للتشريع ،وهنا عرف آخر هو العرف المخالف
للتشريع ،وهو ذلك الذي ينظم حاالت معينة يختلف فيها عن التشريع ،فيكمل اإلستئناس به في حدود
ضيقة مادام أنه غير مخالف للنظان العام ،كما هو معلوم اليجوز بقاعدة عرفية أن تخالف قاعدة
تشريعية آمرة.
ثالثا :القضاء :ال شك أن القاضي في القانون الالتيني الجرماني يملك سلطة تفسير القاعدة القانونية
قصد الوصول إلى إيجاد حلول للقضايا أو للمسائل المعروضة عليه ،وهو بذلك يضع مبدأ قانوني لحل
النزاعات المماثلة مستقبال وفي حالة ما إذا صدر هذا المبدأ ال على هيئة في الهرم القضائي وبشروط
خاصة يؤثر على أحكام المحاكم األقل درجة مما يعرض عليها من قضايا مماثلة في المستقبل ،ومن ثم
يتحول اإلجتهاد إلى سابقة قضائية ،إال أن هذه السابقة في النظام القانوني الالتيني الجرماني ليست لها
من الناحية القانونية القوة الملزمة لتطبيقها من الجهات القضائية األخرى خالفا لما هو موجود في النظام
األندروساكسوني.
• المبحث الثاني :التنظيم القضائي (نماذج من التنظيم القضائي في العائلة الجرمانية الالتينية).
نتناول كنموذج.
يتشكل التنظيم القضائي الفرنسي من تنظيمين مختلفين ،التنظيم القضائي العادي ،والتنظيم
القضائي اإلداري.
وهو يتشكل من نوعين من الهيئات القضائية ،هيئات قضائية عليا وأخرى دنيا.
-01الهيئات القضائية والمدنية ألول درجة :تتشكل من محكمة الجوارية ،هذه المحاكم تم انشاؤها
بموجب قانون توجيهي مؤرخ في 9فيفري 2002م ،والمعدل بموجب القانون العضوي المؤرخ في 20
فيفري 2003م ،والهدف من إنشاؤها هو تخفيف العبئ على محاكم دعوة التمييز ،وتعقد جلساتها في
مقر محكمة التمييز بقاض واحد غير محترف ،وإنما يتم تعيينه من المجتمع المدني من بين المختصين
في القانون.
• محكمة التمييز :وتسمى كذلك إجراءات الدعوى تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالمسائل المدنية
التي تتراوح قيمة موضوعها بين 4 000إلى 10 000أورو ،كما تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة
بالجنسية ونظام الوصاية ،وتهدف هذه المحاكم في إجراءات مصالحة بين المتخاصمين ،وإذا تعذر
األمر تفصل في النزاع ،وهي تتشكل من قضاة محترفون.
• محكمة التمييز الكبرى (إجراءات الدعوى الكبرى) :يوجد في فرنسا 181محكمة كبرى للتمييز ،
تتشكل هذه المحكمة من قاضي رئيس وقاضيين مساعدين ،ووكيل الجمهورية ،تختص بالفصل
بالنزاعات المدنية التي تتجاوز قيمة موضوعها 10 000أورو.
• المحكمة المتساوية األعضاء لإلجراءات الريفية :تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة باألمالك
الفالحية أو إيجارها ،وهي تفصل بحكم إبتدائي نهائي ،إذا تعلق األمر بنزاع ال تتجاوز قيمة موضوعه
4 000أورو وما زاد عن ذلك تفصل فيه بحكم ابتدائي ،تتشكل هذه المحكمة من قاضي ينتمي إلى
محكمة التمييز يترأس الجلسة ،ومن أربعة قضاة هم مواطنون فرنسيون وعمرهم 26سنة فما فوق
منتخبين 2من ممثالن المالكيين و 2منهم يمثالن المستأجريين.
• المحكمة التجارية :تفصل هذه المحكمة في نزاعات التي تدخل في نطاق تطبيق القانون التجاري ،
وتسلك أحكام إبتدائية يمكن إستئنافها أمام محكمة اإلستئناف.
• محكمة العمل (المحكمة العمالية) :تختص بالفصل في النزاعات المتعلقة بعالقات العمل ،وتتشكل من
منتخبين يمثلون العمال وآخرين يمثلون المستخدمين بشكل متساوي.
• محكمة شؤون الضمان اإلجتماعي :تختص هذه المحكمة بالفصل في النزاعات بين المؤمنين وأجهزة
الضمان اإلجتماعي ،وبين مختلف الهيئات الضمان اإلجتماعي ،تتشكل من القاضي المحترف
ومساعدين إثنين غير محترفين ،معينين لثالث سنوات من طرف رئيس محكمة اإلستئناف.
• محكمة نزاعات العجز :مقرها في المديرية الجهوية لهيئة الضمان اإلجتماعي ،وتتشكل من قضاة
وموظفين وعمال أوجراء مستخدمين وأطباء ،كانت تسمى قديما باللجنة الجهوية للعجز ،وتم ترقيتها
سنة 1994م إلى محكمة تختص بالنظر في النزاعات ذات الطابع الطبي ،كالعجز وعدم التأهيل
المهني.
-02الهيئات القضائية الجزائية ألول درجة :تتشكل هذه المحكمة الجهوية :
• المحكمة الجوارية :تختص بالمسائل أو النزاعات التي ال تتجاوز قيمة موضوعها 4 000أورو ،تم
إنشاؤها بموجب 26جانفي 2005م ،ت م توسيع اختصاصات المحاكم الجوارية لتشمل المسائل الجزائية
المتعلقة بالمخالفات إلى غاية الدرجة الرابعة ،باستثناء مخالفات الصحافة غير أنه ال يمكن لقاضي
المحاكم الجوارية أن يحكم بالحبس مع وقت التنفيذ إنما يحكم بالغرامات فقط أما بالنسبة للوسائل المدنية
فيختص فقط في حالة نزاع يفوق قيمة موضوعه 4 000أورو.
• محكمة الشرطة :مقرها هي محكمة التمييز ،وهي مشكلة من قضاة محترفيين إضافة إلى النيابة العامة
الممثلة بوكيل الجمهورية ،تختص بالنظر في المخالفات خصوصا من الدرجة الخامسة ،كما تختص
بالفصل في المخالفات الجمركية.
• المحكمة التصحيحية :بالنسبة لهذه المحكمة تفصل في الجنح ما عدى الجنح المرتكبة من طرف رئيس
الجمهورية ،أو أعضاء الحكومة أثناء ممارسته لمهامه ،وتتشكل المحكمة من 3قضاة الرئيس
والمساعدين ووكيل الجمهورية ،كما يمكن أن تفصل بقاض واحد إذا تعلق األمر بعقوبة أقل من 5
سنوات.
• محكمة الجنايات :تتشكل هذه المحكمة من 3قضاة محترفين و 9قضاة شعبيين محلفين (مواطنين
عاديين محلفين) تختص بالفصل في الجنايات.
تتشكل من:
• محكمة مجلس اإلستئناف :تختص بالفصل في كل نزاع ال تختص بالفصل فيه محاكم الدرجة األولى ،
مكونة من غرف ،وتختص بالنظر في مسائل المدنية والجزائية دون جنايات ،ويوجد ما يقارب 35
محكمة استئناف في فرنسا.
• محكمة استئناف للجنايات :تم إنشاؤها بموجب قانون 15جوان 2000م ،فأصبح بإمكان إستئناف
قرارات محكمة الجنايات ،وتتكون من 3قضاة محترفين و 12محلف شرعي.
• المحكمة الوطنية للعجز :تتكون من قاضي رئيس ينتمي لمحكمة اإلستئناف معين لثالث ( )3سنوات
ومن مساعدين إثنين ( )2ممثالن عمال وآخرين يمثالن المستخدمين ،تنظر في اإلستئنافات المقدمة ضد
أحكام محكمة المنازعات المتعلقة بالعجز ،كما تنظر في النزاعات التي ال تختص بها محكمة نزاعات
العجز.
• محكمة النقض :وهي أعلى هيئة قضائية مشكلة من غرف وهي محكمة قانون.
إن هذا النظام يأخذ به كل من المملكة المتحدة البريطانية ،والواليات المتحدة األمريكية ،وبعض
الدول التي كانت خاضعة لإلستعمار اإلنجليزي (جنوب افريقيا).
تمهيد :بدأت معالم القانون اإلنجليزي بالتبلور بعد غزو النورماديين خالل أواخر سنة 1066م ،ونتيجة
لهذا الغزو تم حصر نظام الحكم في يد الملك ،بحيث أصبح هو الوحيد الذي يحكم في إنجلترا ،شكل هذا
األخير مجلسا يفصل في المنازعات التي تتعلق باألمن وسالمة الدولة ،والعصيان واإلعتداء على
العقارات ،بإعتبارها أصبحت ملكا للملك ،إنبثق هذا المجلس 3محاكم سميت بالمحاكم الملكية ،تنظر
في القضايا المالية والضرائب والديون العاهدة للتاج ،والقضايا العقارية المتعلقة باإلعتداءات على
األفراد ،وكانت هذه المحاكم تنتقل إلى أماكن توارد الخصومة ،وتعقد جلساتها هناك برئاسة الملك ،
وهذا سعيا إلقامة نظام قضائي موحد يقضي على تعدد المحاكم التي كانت موجودة في العهود السابقة.
وبعد اتساع دائرة إختصاص الملك لتسيير شؤون المملكة ،عين الملك قضاة للمحاكم الملكية
يختصون بالفصل وذلك بعد أمر مكتوب يصدره الملك ومن هذا بدأت تتكون قواعد القانون العام في
إنجلترا ،الكومن الو " " Cumin Lawوكانت هذه المحاكم تقضي بما تراه عدال وإنصافا ،وما يتجاوب
مع ضمير الملك ،واستقرت هذه المحاكم إلى غاية القرن الثالث عشر ( )13في لندن ،وظهرت إلى
جانب هذه المحاكم الملكية محاكم أخرى سميت بمحاكم المستشار ،الذي كان يفصل في الدعاوى التي
ترفع إليه وفقا لمبادئ العدالة ،وكانت محاكم الكومن الو ليست لها السلطة الكافية لجبر األطراف على
تقديم األدلة أو إحضار شهود وال تملك القدرة على إعطاء أحكامها الصيغة التنفيذية ،واشتهرت بذلك
محاكم المستشار لكونها تمارس صالحيات ر دعية األمر الذي أدى لتقاضيه اللجوء إليها ،بالنظر لما
تتمتع به من مصدقة وفعالية في الفصل في النزاعات.
ولقد تسببت هذه الوضعية لنشوء خالفات في مناسبات مختلفة بين المؤسسين ،وجعلت كل من
الملك والبرلمان يتدخالن من حين آلخر لتسوية األوضاع ،فكان الملك غالبا من يميل إلى محاكم
المستشار بينما كان البرلمان عكس ذلك ،وبهذه اإلزدواجية مصدر القانون يستمد إلى السوابق القضائية
لمحاكم الكومن الو ،والقانون يستمد إلى السوابق القضائية لمحاكم المستشار.
ضل القانون اإلنجليزي وقت طويل يتكون من قواعد العدالة التي هي بانتاج محاكم المستشار
وقواعد القانون العام ،أو القانون المشترك الكومن الو ،التي هي من صنع المحاكم الملكية وذلك إلى
غاية أن تم دعم هاذين القانونين وأصبح يشكالن القانون اإلنجليزي الحالي وقضاء إزدواجية المحاكم.
-01يتميز القانون العام اإلنجليزي بعدم التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص فالقانون اإلنجليزي
يقوم على التفرقة ما بين الكومن الو وقواعد العدالة.
-02يتميز القانون اإلنجليزي بعدم اإلهتمام بالجوانب النظرية وإنما ينصب إهتمام الجوانب العملية.
-03يعتمد القانون اإلنجليزي على السابقة القضائية وجعلها المصدر األول من مصادر القانون.
يتكون النظام أو القانون اإلنجليزي من ثالث مصادر هي السابقة القضائية التي تأخذ المرتبة
األولى ،ثم التشريع في المرتبة الثانية ،وفي األخير العرف الذي يأتي في الدرجة الثالثة.
يالحظ في النظام اإلنجليزي أن القضاء ال تقتصر وظيفته في تطبيق القانون ،بل تمتد هذه
الوظيفة إلى إنشاء القاعدة القانونية ،بمعنى يقوم القضاء بوظيفة تشريعية وذلك من خالل األحكام التي
يصدرها في القضايا المختلفة التي عرضت عليه للحل ،ومن مجموع هذه األحكام التي تشكل السوابق
القضائية تكون ما يسمى بمدونات أو تقنيات تصحيح سارية المفعول لدى المحاكم ،وتلزمها بالرجوع
إلى األحكام الموجودة في هذه المجموعات ،ومن المالحظ كذلك أن األحكام القضائية تصدر عادة في
شكل موثوق مطول دون التقيد بتقديم األسباب والمبررات ،فالقاضي غير ملزم بإعطاء مبررات على
األحكام التي يصدرها ،وذلك يعتبر في نظره مساس بكرامة القاضي ،وبهذا يشكل هذا الحكم قاعدة
قانونية وتصبح مرجعا لكل المهتمين بميدان القانوني ،إلى جانب التشريع الذي يصدر عن السلطة
التشريعية.
• الفرع الثاني :التشريع.
يحتل التشريع في النظام األندروساكسوني المرتبة الثانية ،ويعرف بالقانون البرلماني لتمييزه
عن القانون العام ،كومن الو ويصنف التشريع في بريطانيا (إنجلترا) إلى نوعين ،التشريع الصادر من
البرلمان ،والتشريع الصادر عن السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) ،وهو ما يسمى بالتشريع طريق
التفويض.
مالحظة :يالحظ أن التشريع رغم احتالله الدرجة الثانية إال أنه أصبح أكثر انتشارا في السنوات األخيرة
سواء تعلق األمر بالتشري ع البرلماني أو تشريع عن طريق التفويض ،ويعود ذلك أساسا إلى إعتبارين ،
هما تدخل الدولة البريطانية في تنظيم اإلقتصاد كغيرها من الدول األخرى ،والثاني إلى متطلبات دولية
(ظروف إقليمية) المتمثلة في وجود قانون اإلتحاد األوروبي.
النظام القانوني األمريكي ألكثر األنظمة القانونية تعقيدا وصعوبة ،فللقانون الدستوري مكانة
خاصة في هذا النظام ،الذي يحكم الدولة الفدرالية والواليات المشكلة لهذه الواليات ،لها كامل الحرية
في سن القوانين ،بمعنى أن الرضى القانوني األمريكي يتشكل من أكثر من تنظيم قانوني ،مما يجعله
من أكثر األنظمة القانونية تعقيدا ،نتناول أوال تشكل النظام القانوني األمريكي ثم خصائص هذا القانون.
هناك معطيات تاريخية ساهمت إلى حد كبير في تشكيل النظام القانوني األمريكي ،يتعلق األمر
أساسا بالقانون األساسي ،والمتمثل في الدستور األمريكي ،فالواليات المتحدة يحكمها دستور من أقدم
الدساتير في العالم ،والذي تم إعتماده بعام 1787م ،وقد تعرض إلى تعديالت محدودة وبسيطة
وللدستور األمريكي تاريخ طويل يبدأ من الحقبة اإلستعمارية البريطانية ألمريكا ،التي إبتدأت في عام
1607م ،وتنتهي بتحالف ثالثة عشر ( )13مستعمرة ،لتعلن إستقاللها سنة 1776م ،ولكن حرب
طويلة إندلعت ضد الجيش البريطاني ،وباقي الواليات المتحالفة مهمى إنتهى هذا الحرب إال بإمضاء
اتفاقية السالم في باريس في عام 1783م ،وكان لهجرة اإلنجليز في بداية القرن السابع عشر (17م) إلى
أمريكا باعتبارها أراضي جديدة تم اكتشافها حديثا تأثير كبير في تشكل جزء مهم إلى النظام القانوني
األمريكي وهو (الكومن الو األمريكي) ،فلمى إستقر اإلنجليز في أمريكا نقلوا معهم قانونهم وكانوا
وكانوا يطبقونه في حالة استقرارهم بمنطقة ال يطبق فيها أي قانون أوروبي آخر في جميع الحاالت
يطبقون منه ما يتالئم مع ظروف اإلقامة ال جديدة فتم تطبيق القانون اإلنجليزي بفارجينيا عام 1907م
غير أن هذا التطبيق األول للقانون اإلنجليزي صادف العديد من العراقيل أبرزها أن المهاجرين اإلنجليز
إلى أمريكا دخلوا في صراع كبير من أجل البقاء مرة ضد المجاعة واألمراض الفتاكة وكذلك ضد الهنود
الحمر مما أدى إلى إضعاف هذا القانون ،لكن تحسنت األوضاع في بعض المستعمرات خاصتا تلك التي
كانت خاضعة للنظام اإلقطاعي كما أن بعض المستعمرات في أمريكا تم إنشاؤها من طرف الهولنديين أو
اإلسبان أو الفرنسيين كما أن بعض المستعمرات أنشئت من طرف مسيحيين متدينين كانو يتمسكون
بتقدي م تعاليم اإلنجيل والقانون الطبيعي مستبعدين بذلك القانون اإلنجليزي وهكذا وجب منذ البداية الكومن
الو اإلنجليزي ظروفا مختلفة عن البلد المنشأ رغم كل هذه المعرقالت إال أنه بقيام الثورة األمريكية سنة
1776م بتحالف ثالثة عشر ( ) 13مستعمرة ضد الوجود البريطاني في أمريكا وأعلنت استقالليتها وبعد
بدأت الكراهية ضد القانون اإلنجليزي تنتشر في مختلف المستعمرات وترسمت هذه الكراهية بمجرد
إستقالل تلك المستعمرات وتحولها لواليات مشكلة لإلتحاد الفدرالي األمريكي ولقد وصل الحد لبعض
الواليات إلستبعاد قواعد الكومن الو إال أن الصراع ال ذي وقع في باقي الواليات المتحدة األمريكية نحو
محاوالت لتعيين قانون الكومن الو ،وأنه يشكل معلم من معالم الهوية األمريكية تشير إلى محاسن
الكومن الو وخاصة إلى كتابة الفقيهين األمريكيين "كانط" و "سطوري" مكانة أفكار هاذا الرجلين أثر
كبير في تبني القانون اإلنجليزي متمثلة في الكومن الو األمركي غير أنه ما لبث أن ظهرت حركة
واسعة ال ترفضه بل تبناه لكن بشروط وأبرزها هذا الشرط هو تدوين هذا القانون وبالفعل ظهرت حملة
واسعة تضمنت مجموعات التقنينات أهمها تقنين اإلجراءات المدنية التي تبنته خمسة وعشرون ()25
والية أمريكة ،تقنين اإلجراءات الجزائية الذي كان في عام 1881م وكذلك تقنين العقوبات لسنة 1881م.
رغم تأثر القانون اإلنجليزي بالقانون األمريكي سواء من حيث التقسيمات أو المصطلحات أو
المفاهيم إلى أن بعد تطور المجتمع األمريكي بدأ هذا القانون يخرج شيئا فشيئا عن النظام اإلنجليزي
ولعل ذلك يعود إلى تبادل األنظمة السياسية والبنية الهيكلية لكل واحدة منها إال أنه يميز بعض الفرقات
المتمثلة فيما يلي.
يتميز القانون األمريكي بإزدواجية القوانين فهناك قانون الواليات قانون خاص بكل والية ،
وقانون اتحادي أو فدرالي كما تميز قانون األمريكي عن القانون اإلنجليزي بنظام رقابة المحاكم على
دستورية القوانين.
ولعل ذلك يعود إلى إختالف بين النظامين من حيث أن النظام اإلنجليزي ال يعرف المعنى
الصحيح ألحكام الدستور ،بينما النظام األمريكي يعتمد على األحكام الواردة في الدستور كما يتميز
قانون الواليات المتحدة األمريكية عن القانون اإلنجليزي بوجود دستور مكتوب يحدد الصالحيات في
جميع المجاالت بين السلطات المختلفة المركزية وعلى مستوى الواليات.
• المطلب الثالث :نموذج للتنظيم القضائي األمريكي
يتشكل من تنظيمين قضائيين األول محلي يتعلق بالواليات والثاني وطني يتعلق باإلتحاد
الفدرالي.
يختلف هذا التنظيم القضائي من والية إلى أخرى غير أن هناك هيئات متشابهة في أغلب
الواليات ويتشكل هذا التنظيم القضائي من :
أ -المحاكم الدنيا ( :محاكم درجة أولى) :تختص بالفصل في القضايا ذات األهمية المحدودة وتشمل
المحاكم وتتكون من قضاة محترفين.
ب -محاكم دار السالم :تتكون من قضاة غير محترفي ن وهم في الغالب منتخبين من بين األشخاص الذين
لديهم خبرة إدارية وقضائية.
ج -محاكم المنطقة (محاكم المقاطعات) :تختص بالنظر في المسائل المدنية والجزائية تعقد جلساتها
بقاض واحد وفي بعض األحيان يكون المساعد من طرف محلفين سواءا في القضايا الجزائية أو القضايا
المدنية وتمثل هذه الهيئة الدرجة األولى في التنظيم القضائي.
د -محكمة االستئناف (محاكم الدرجة الثانية) :وهي تستأنف القرارات الصادرة من المحاكم الدرجة
األولى.
ه -المحكمة العليا :تنظر في القرارات واألحكام الصادرة من المحاكم األقل درجة منها وهي محكمة
قانون وليست محكمة واقع.
يتشكل من :
أ -المحاكم الفدرالية الجهوية :تمثل أول درجة في التنظيم القضائي الفدرالي يتجاوز عددها مائة ()100
محكمة تختص في النظر في القضايا المدنية وحتى اإلدارية.
ب -الهيئات القضائية المتخصصة :وهي تنظر في بعض النزاعات ذات الطابع الفدرالي ومثالها محكمة
الضرائب الفدرالية ومحكمة الجمارك الفدرالية ومحكمة تنظر في جبر األضرار الصادرة عن الهيئات
العمومية الفدرالية.
ج -المحاكم الفدرالية االستئناف :يبلغ عددها ثالثة عشر ( )13محكمة قضاتها معينين من قضاة ذات
مستوى عالي وتنظر في االستئنافات المتعلقة بالقضايا الفدرالية مثل األحكام عن الهيئات القضائية
المخصصة مثل محكمة الجمارك الفدرالية...الخ.
د -المحكمة العليا الفدرالية :تتكون من تسعة ( )9قضاة معينين من طرف رئيس الواليات المتحدة
األمريكية بعد تزكية مجلس الشيوخ غالبا يزكي مجلس الشيوخ اقتراحات الرئيس وبشكل تلقائي غير أنه
حدث في عهد الرئيس "نيلسون" أن رفض مجلس الشيوخ اقتراحين لقائمة قضاة المحكمة العليا وكذلك
في عهد الرئيس "ريقل" قاضيين مرشحين من بين تسعة ( ) 9وانسحب أمام اإلنتقادات المانعة ألعضاء
مجلس الشيوخ قضاة المحكمة العليا معينون مدى الحياة غير أنه بإمكانه أغلب الحالة في التقاعد تنظم
المحكمة العليا الفدرالية تنظر في الطعون المقدمة ضد األحكام الصادرة من المحاكم الفدرالية ومحاكم
الواليات إذا تعلق األمر بتطبيق القانون الفدرالي.
يمكن للمحكمة العليا الفدرالية رفض الفصل في النزاع الذي طرح أمامها إذا رأت أنه ليس له
قيمة قانونية كبرى كما تقوم هذه المحكمة على توحيد التفسيرات المتعلقة المتعلقة بالقوانين الكبرى
الفدرالية باألخص بالمواد الإلقتصادية وشؤون اإلقتصادية والعالقات اإلقتصادية.
تعتبر المحكمة العليا محكمة دستور أيضا حيث تراقب مطابقة القوانين واألحكام القضائية
للدستور الفدرالي.