You are on page 1of 15

‫حماضرات يف القانون الدويل العام‬

‫السنة الثانية – اجملموعة الثانية ‪-‬‬

‫احملور األول ‪ :‬مدخل إىل القانون الدويل العام‬

‫إن اجملتمع الدويل قد وصل يف تنظيمه إىل مرحلة كبرية من التطور ‪ ،‬ساهم يف ذلك تزايد عدد الدول‬
‫و الظهور املكثف للمنظمات الدولية إىل جانب بروز وحدات دولية أخرى سامهت هي كذلك يف‬
‫توسيع شبكة العالقات الدولية ‪.‬و قد ساعد يف ذلك من جهة أخرى التقدم العلمي و التقين و‬
‫اهتمام الدول مبسائل أخرى كانت غري موجودة ‪ :‬مثل مسألة التنمية و التعاون االقتصادي و انتشار‬
‫األخطار الكربى كالتلوث ‪ ،‬األمراض ‪ ،‬سوء املعيشة ‪ ،‬و جرائم تبييض األموال و اجتار املخدرات ‪ ،‬و‬
‫اإلرهاب ‪...‬كل هذا أدى إىل اتساع مضمون القانون الدويل ‪.‬بناءا على هذا التطور مل يعد القانون‬
‫القانون الدويل يهتم فقط حبفظ األمن و السلم الدوليني ‪ ،‬بل أصبح يعتين مبواضيع أخرى ‪.‬‬

‫سنتطرق يف هذا احملور إىل مفهوم الدويل العام ‪ ،‬متييزه عن ما يشبهه من أنظمة ‪ ،‬و فروعه ‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬مفهوم القانون الدويل العام‬


‫مل يكن هناك اتفاقا بشأن تعريف القانون الدويل ‪ ،‬ولذلك ظهرت عدة اجتاهات أمهها‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬االجتاه الكالسيكي‬

‫يعرف أنصار هذا االجتاه القانون الدويل العام أبنه ‪ ":‬جمموعة من القواعد القانونية اليت حتدد حقوق وواجبات‬
‫الدولة يف عالقاهتا املتبادلة "‪.‬‬

‫أما الفقه العريب فقد عرفه على أنه ‪ ":‬القانون الذي ينظم عالقة الدولة بغريها من الدول و حيكم تصرفاهتا يف‬
‫احمليط اخلارجي أو الدويل ‪".‬‬

‫إن التعريفات الكالسيكية للقانون الدويل أصبحت قاصرة وال تواكب التطور الذي حدث يف جمال العالقات بني‬
‫أشخاص القانون الدويل العام ‪ .‬فلم تعد الدولة الشخص القانوين الوحيد املخاطب أبحكام القانون الدويل‪ ،‬و إمنا‬
‫ظهرت عدة أشخاص أخرى كاملنظمات الدولية ‪.‬‬

‫ومن هنا ظهر االجتاه الثاين ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬االجتاه املوضوعي‬

‫اعترب هذا االجتاه الفرد هو الشخص القانوين الوحيد ابعتبار أن القانون يف هناية األمر ال خياطب إال األفراد أي‬
‫األشخاص الطبيعية‪ .‬نظرا أن هذه األخرية وحدها متلك اإلرادة ‪ ،‬و أن الشخصية املعنوية للدولة ماهي إال جمرد‬
‫افرتاض ‪ ،‬و من مث ال متثل شخصا من أشخاص القانون الدويل العام ‪.‬‬

‫و أتسيسا لذلك فإن القانون الدويل العام ‪ ":‬هو جمموعة القواعد القانونية اليت تنظم العالقات بني أفراد اجلماعات‬
‫املختلفة‪".‬‬

‫مل يسلم هذا التعريف من النقد أيضا ‪ ،‬بسبب إنكاره لكيان و مكانة الدولة كشخصية يف اجملتمع الدويل ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬االجتاه احلديث‬

‫اعرتف هذا االجتاه بوجود أشخاص قانونية أخرى مثل املنظمات الدولية‪.‬فعرب عن القانون الدويل املعاصر على‬
‫أنه‪ ":‬جمموعة القواعد القانونية اليت حتكم سلوك أعضاء اجملتمع الدويل يف إطار العالقات الدولية ‪".‬‬

‫ومنه يتضح أن القانون الدويل العام هو قانون اجملتمع الدويل حبيث ينظم العالقات اليت تنشأ بني أشخاصه ‪.‬‬

‫املطلب الثاين ‪ :‬حتديد نطاق القانون الدويل العام‬


‫إن قواعد القانون ال دويل هي قواعد قانونية ملزمة تنظم السلوك اخلارجي للمخاطبني هبا ‪ ،‬و هناك من يشكك يف‬
‫إلزامية قواعد القانون الدويل ‪ ،‬نظرا الفتقاره لوجود السلطات الثالثة ‪ ،‬فعلى الصعيد الدويل ال توجد سلطة تعلو‬
‫سلطات دولة أخرى‪.‬‬

‫إال أنه ننتهي إىل القول أن قواعد القانون الدويل كغريها من قواعد القانون تتميز ابإللزام الذي يتجلى من خالل‬
‫حتمل املسؤولية الدولية يف حالة خرق القانون الدويل ‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فإن اجملتمع الدويل كاجملتمعات الوطنية‬
‫ال تنظمها القواعد القانونية فقط وإمنا خيضع يف تنظيمه إىل أمناط أخرى من القواعد املنظمة للسلوك ‪ .‬و من هنا‬
‫وجب متييز قواعد القانون الدويل عن قواعد اجملامالت واألخالق الدولية‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬قواعد اجملامالت الدولية‬


‫هي جمموعة من العادات احلميدة و التصرفات املستحبة اليت جيري إتباعها من طرف الدول حبيث تساعدها على‬
‫توثيق العالقات بني الدول وخلق جو من الثقة أو الصداقة املتبادلة ‪ .‬ومن أمثلة اجملامالت الدولية مراسيم استقبال‬
‫رؤساء الدول و السفراء ‪ ،‬و إرسال الربقيات يف املناسبات املختلفة كالتهنئة يف األعياد الوطنية ‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫أو تقدمي التعزية ‪...‬‬

‫ولذلك فإن خرق اجملامالت الدولية ال يعترب مبثابة عمل أو تصرف غري مشروع يثري املسؤولية الدولية ‪ ،‬ألهنا تفتقر‬
‫إىل العنصر املعنوي ( اإللزام ) لرتقى إىل مرتبة القاعدة القانونية ‪ .‬إال أن عدم االلتزام ابجملامالت الدولية يؤدي إىل‬
‫تعكري صفو العالقات الدولية ويعترب كذلك من األعمال غري الودية واليت تواجه أو تقابل ابملثل‪.‬‬
‫وجيب اإلشارة أنه إذا استكملت قاعدة اجملاملة الدولية الركن املعنوي فإهنا تتحول إىل قاعدة قانونية دولية ملزمة‪،‬‬
‫ومثال ذلك احلصاانت الدبلوماسية كانت مبثابة جمامالت مث حتولت إىل قاعدة قانونية دولية أبرمت بشأهنا عدة‬
‫اتفاقيات مثل اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية ‪. 1961‬‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬قواعد األخالق الدولية‬
‫هي جمموعة من املبادئ و املثل النابعة من الضمري اإلنساين دون أن تكون ملزمة ‪ .‬ومعيار التمييز بني األخالق‬
‫والقانون يكمن بصفة أساسية يف عنصر االلتزام ‪ ،‬وتبعا لذلك فإن اإلخالل بقاعدة خلقية ال يرتتب عليها‬
‫املسؤولية الدولية على عكس اإلخالل بقاعدة قانونية دولية ‪ ،‬ومن أمثلة قواعد األخالق على الصعيد الدويل تلك‬
‫القاعدة اليت تفرض على الدول تقدمي املساعدة لدولة منكوبة مثال ‪ ،‬وقد تتحول القاعدة اخللقية أيضا إىل قاعدة‬
‫قانونية دولية وهذا ما حدث ابلنسبة لتلك القواعد القانونية املتعلقة مبعاملة أسرى احلرب واجلرحى واملرضى‬
‫واملدنيني أثناء النزاعات املسلحة حيث كانت يف بداية األمر جمرد قواعد أخالقية وبعد ذلك أصبحت قواعد‬
‫قانونية واجبة التطبيق واالحرتام من خالل اتفاقيات جنيف األربعة املربمة عام ‪ 1949‬بشأن القانون الدويل‬
‫اإلنساين ‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬فروع القانون الدويل العام‬

‫للقانون الدويل العام عدة فروع من بينها ‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬القانون الدويل اجلنائي‬

‫القانون الدويل اجلنائي ‪:‬يتكون هذا الفرع من القواعد اليت حتدد ااجلرائم الدولية وإجراءات احملاكمة والعقوابت‬
‫املقررة هلا ‪.‬‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬القانون الدويل اإلقتصادي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫يضم جمموعة القواعد اليت تبحث احللول املثلى لتنظيم العالقات االقتصادية و التجارية بني الدول وفق مبدأي‬
‫العدالة و التكافؤ ‪ ،‬و كذا العالقات بني الدول و املؤسسات الضخمة اليت تساهم يف وترية التنمية يف صيغة‬
‫استثمارات أجنبية ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬القانون الدويل حلقوق اإلنسان‬

‫يعرف أبنه جمموعة القواعد القانونية املتكونة أساسا من املواثيق واإلعالانت و االتفاقيات الدولية املتعلقة بتكريس‬
‫و محاية عدد من حقوق اإلنسان األساسية و بيان الضماانت اإلجرائية و اآلليات املرصودة الحرتام هذه احلقوق‬
‫و إنفاذها ‪ .‬وجيد أساسه يف ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان ‪ ،‬العهدين الدوليني للحقوق‬
‫املدنية و السياسية ‪،‬و احلقوق االقتصادية و االجتماعية و الثقافية ‪.‬‬

‫الفرع الرابع ‪:‬القانون الدويل اإلنساين‬

‫يعرف أبنه ‪ :‬جمموعة القواعد اليت تستهدف يف حالة النزاع املسلح محاية األشخاص و املصابني من جراء النزاع‬
‫ويهدف هذا القانون إىل التخفيف من ويالت احلرب بتحييد من ال يشرتكون يف القتال ‪.‬‬

‫الفرع اخلامس ‪:‬القانون الدويل للبيئة‬

‫يضم مجلة القواعد اليت تعين حبماية البيئة الدولية و احلفاظ على مواردها السيما األنواع الناذرة منها ‪ .‬و هو فرع‬
‫جديد نشأ نتيجة للتطور التكنولوجي والذي كان له انعكاسات سلبية على البيئة ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬أساس القانون الدويل العام‬

‫إن القوة اإللزامية للقانون الدويل هي فعل إجبار الدول على احرتام ما عليهم من واجبات و إرغامهم‬
‫على تنفيذها ‪ ،‬و كل من خيرتق هذه القواعد فإنه يوقع عليه جزاء ‪ .‬و إن البحث عن إلزامية القانون‬
‫الدويل يصطدم بسيادة الدولة اليت ال تقبل أوامر و نواهي خارجية ‪ .‬ففكرة اإللزامية هي البحث عن‬
‫أحسن طريقة حترتم الدولة من خالهلا الواجبات دون املساس بسيادهتا ‪.‬‬

‫و لقد اختلف الفقه يف حتديد أساس إلزامية القانون الدويل العام و تعددت مدارسهم يف هذا‬
‫اخلصوص‪ ،‬فمنهم من يرجعه إىل اإلرادة و منهم من يرجعه إىل عوامل أخرى ‪ .‬و سوف نتطرق إىل‬
‫أهم املدارس ‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬املدرسة الوضعية ( اإلرادية )‬


‫يتمحور أساس القانون الدويل وفقا هلذا املذهب ‪ ،‬يف اإلرادة حيث ينسب إليها الفضل يف تكوين القانون وإضفاء‬
‫علية صفة اإللزام ‪ .‬ولذلك فإن إرادة الدولة هي أساس القوة امللزمة للقانون الداخلي ‪ ،‬وإرادة الدول هي أساس‬
‫اإللزام ابلنسبة للقانون الدويل ‪ ،‬وأنصار املذهب اإلرادي اختلفوا يف حتديد املقصود ابإلرادة اليت تعترب أساس إلزام‬
‫قواعد القانون الدويل وقد جتلى هذا االختالف يف نظريتني مها‪:‬‬

‫الفرع األول ‪:‬نظرية اإلرادة املنفردة (نظرية التقييد أو التحديد الذايت)‬

‫تقوم هذه النظرية على جمموعة من األسس اندى هبا الفقهاء ‪ ،‬كما وجهت هلذه النظرية عدة انتقادات ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أسس النظرية‬


‫من أصحاب هذه النظرية الفقيه األملاين "‪ "George Jellinek‬يف كتابه "التقييد الذايت" ‪ ،‬ومفاده أن القانون‬
‫الدويل العام يستمد إرادته من اإلرادة املنفردة لكل دولة ‪ .‬ابعتبار أن الدولة ال تعلوها سلطة أخرى ميكن أن‬
‫تفرض عليها االلتزام بقواعد القانون الدويل ‪ ،‬فالدولة تتمتع بسلطة مطلقة والتزامها بقواعد القانون الدويل يكون‬
‫ابختيارها من دون أي إكراه ‪ ،‬ومعىن هذا أن الدولة هي اليت تقيد إرادهتا بنفسها وتلتزم بقواعد القانون الدويل ‪.‬‬
‫وفقا ملنطق هذه النظرية فإن القانون الدويل هو جمموعة القواعد القانونية اليت تضعها الدولة مبحض إرادهتا لتنظم‬
‫عالقاهتا اخلارجية مع غريها من الدول و اليت التزمت ابلتقيد ابحرتامها بطريقة إرادية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫اثنيا ‪ :‬نقد النظرية‬
‫لقد تعرضت نظرية التحديد الذايت إىل عدة انتقادات من بينها ‪:‬‬

‫‪ -‬أنه إذا كان اهلدف من القانون هو تقييد اإلرادة فكيف ميكن القول أبن هذا القانون جيد أساسه يف هذه‬
‫اإلرادة ‪.‬‬
‫‪ -‬العمل هبذه النظرية يؤدي إىل هدم القانون الدويل ‪ ،‬فإذا كانت الدولة تلتزم بقواعده مبحض إرادهتا فلها‬
‫أن تتحرر من هذا االلتزام مىت شاءت مبحض إرادهتا‪.‬‬
‫‪ -‬تفتقر هذه النظرية إىل ضماانت قانونية حتمل الدولة على االلتزام بقواعد القانون الدويل ‪ ،‬فحسب هذه‬
‫النظرية تعترب القاعدة القانونية أسرية مصاحل وأهواء الدولة ‪ ،‬فالدولة تلتزم ابلقاعدة طاملا كانت ختدم‬
‫مصاحلها وتتحلل منها مىت أصبحت هذه القاعدة تتعارض مع مصاحلها‪.‬‬

‫الفرع الثاين ‪:‬نظرية اإلرادة املشرتكة للدول‬

‫أوال‪ :‬أسس النظرية‬


‫يرى أنصار هذه املدرسة ومن بينهم الفقيه األملاين"‪ "Triepel‬أن إرادة الدولة واحدة ال تكفي إىل إضفاء‬

‫الصفة امللزمة لقواعد القانون الدويل ‪ ،‬لذلك ينبغي اجتماع إرادة عدة دول ‪ ،‬الكتساب القاعدة الدولية صفة‬
‫إجبارية على مجيع الدول ‪.‬‬

‫فحسب هذه النظرية القوة امللزمة لقواعد القانون الدويل تبىن على أساس اإلرادة املشرتكة لكافة الدول املخاطبة به‬
‫و اليت تعلو على اإلرادة املنفردة لكل دولة ‪.‬‬

‫اثنيا ‪ :‬نقد النظرية‬

‫ما يؤخذ على هذه النظرية أهنا ‪:‬‬

‫‪ -‬تؤدي إىل حصر مصادر القانون الدويل يف املعاهدات الدولية فقط ‪ ،‬وذلك أن االلتزامات اليت ترتبها‬
‫املعاهدات انجتة عن اتفاق األطراف املتعاقدة فيما بينها ولذلك فإن هذه النظرية ال تفسر االلتزام بقواعد‬
‫القانون الدويل املستمدة من مصادر أخرى مثل املبادئ العامة للقانون وقرارات املنظمات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذه النظرية تؤدي إىل إضعاف وعدم استقرار قواعد القانون الدويل وذلك لعدم وجود ضماانت‬
‫حتول دون انسحاب الدول من اإلرادة املشرتكة ‪ .‬و ابلتايل وخلق أنظمة قانونية دولية متعددة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬إن اعتماد فكرة اإلرادة املشرتكة للدول يتعارض مع وضع الدول اليت انضمت حديثا إىل اجملتمع الدويل ‪،‬‬
‫فال ميكنها التقيد أبحكام مل تساهم يف تكوينها ‪.‬‬

‫ونظرا هلذه االنتقادات اليت وجهت إىل املذهب اإلرادي حاول الفقه الدويل أن يفسر أساس االلتزام بقواعد القانون‬
‫الدويل بعيدا عن إرادة الدول وهذا ما نلمسه يف طرح املذهب املوضوعي‪.‬‬

‫املطلب الثاين ‪ :‬املدرسة املوضوعية‬

‫يرى أنصار هذه املدرسة أن قواعد القانون الدويل ال تستمد قوهتا امللزمة من إرادة الدول ‪ ،‬و إمنا تعود إىل عوامل‬
‫أخرى خارجة عن هذه اإلرادة ‪ ،‬إال أهنم اختلفوا حول هذه العوامل و انقسموا إىل نظريتني ‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬املدرسة القاعدية أو النمساوية‬
‫تسمى هذه املدرسة ابملدرسة القاعدية ألن أنصارها تصور القانون على أنه مجلة من القواعد على شكل هرم وكل‬
‫قاعدة تستمد إلزاميتها من القاعدة اليت تعلوها‪ .‬وتسمى ابلنمساوية نسبة إىل مؤسسيها النمساوي " ‪Hans‬‬
‫‪"Kelsen‬‬

‫أوال ‪ :‬أسس النظرية‬

‫تنطلق هذه املدرسة يف حبثها عن أساس اإللزام يف قواعد القانون الدويل ‪ ،‬يف أهنا تعترب القانون على أنه هيكل‬
‫هرمي وكل قاعدة من هذه القواعد تستند إىل قاعدة أعلى منها ‪ ،‬أي أن القواعد القانونية تتدرج يف قوهتا بشكل‬
‫هرمي حىت تصل إىل قمة اهلرم الذي يتكون من قاعدة معروفة هي " املتعاقد عبد تعاقده"‪.‬أو " العقد شريعة‬
‫املتعاقدين" ‪ .‬فهذه القاعدة هي اليت تعطي سائر فروع القانون قوهتا امللزمة ‪.‬‬

‫اثنيا ‪ :‬النقد‬

‫‪ -‬إن هذه النظرية قائمة على افرتاض ال تبني ابلتدقيق املصدر األساسي اليت تستمد منه هذه القواعد‬
‫ترتيبها و نظام تطبيقها ‪.‬‬
‫‪ -‬أن " العقد شريعة املتعاقدين" ال تقوم إال بوجود مبادئ أخرى مرتبطة هبا و مكملة هلا ‪ .‬فما هو األساس‬
‫الذي تستند اليه هذه القاعدة ؟‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬كما أن هذه القاعدة ال تصلح إال ابلنسبة ملصدر واحد من مصادر القانون الدويل و املتمثل يف‬
‫االتفاقيات الدولية ‪ ،‬و ال ميكن االعتماد عليها يف املصادر األخرى‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬املدرسة االجتماعية‪:‬‬


‫تنسب هذه املدرسة إىل بعض الفقهاء الفرنسيني كالفقيه "‪ "George Scelle‬و "‪." Léon Duguit‬‬
‫وتنطلق يف البحث عن أساس القانون الدويل من خالل نظرهتا للقانون على أنه جمرد حدث أو واقع اجتماعي‬
‫يفرضه الشعور ابلتضامن االجتماعي الذي ال تستطيع اجلماعة االستمرار من دونه‪ .‬ويرى أنصار هذه النظرية‬
‫أن التضامن موجود أيضا بني الدول لضرورته القصوى يف احلفاظ على استقرار اجملتمع الدويل و استمراريته‬
‫لذلك يكون التضامن بني الدول و بني سائر كياانت اجملتمع الدويل‪.‬ككل حتمية ال مفر منها ‪ ،‬وهو ما جيعله‬
‫سببا وجيها لاللتزام ابلقواعد اليت حتكم هذا اجملتمع و االمتثال هلا ‪.‬‬

‫النقد‪:‬‬
‫مل تسلم النظرية االجتماعية من النقد رغم صحة أساسها ‪:‬‬
‫‪ -‬إن التضامن االجتماعي هو سبب لنشأة القانون الدويل و ليس أساس لاللتزام به ‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذه النظرية أهنا حتاول أتسيس القانون الدويل على فكرة غري حمددة وهي فكرة التضامن االجتماعي‪.‬‬
‫فهي ختلط بني حتمية التعايش بني أفراد اجملتمع الدويل من جهة ‪ ،‬و بني صفة االلتزام بقواعد القانون‬
‫الذي حيكم اجملتمع الدويل من جهة أخرى ‪.‬‬
‫هذه االنتقادات مل متنع من اعتبار هذه النظرية األكثر حجة لتربير أساس االلتزام بقواعد القانون الدويل ‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬نظرايت أخرى يف أتسيس القانون الدويل العام‬

‫جبانب النظرايت السابقة توجد نظرايت أخرى تربر إلزامية قواعد القانون الدويل العام من بينها ‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬نظرية املضلحة‬

‫اندى هبا الفقيه "‪"Higuel‬و" ‪ " Bieder‬تقوم هذه النظرية على فكرة املصلحة ‪ ،‬ابعتبارها أساس قيام‬
‫العالقات بني الدول و مصدر التزاماهتا ابلقواعد اليت تنظم هذه العالقات ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وجه هلذه النظرية انتقاد ‪ ،‬فاملصلحة ال ميكن أن تكون أساس للقانون الدويل ‪ .‬فما تقره السياسة حتت أتثري‬
‫املصلحة قد يتعارض مع مبادئ القانون ‪ .‬كما أن هذه املصلحة تتغري تبعا للظروف و النزاعات و األهداف ‪ ،‬و‬
‫ليس هلا معيار اثبت ودقيق يبني لنا مىت تكون مشروعة ومىت ال تكون كذلك ‪.‬‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬نظرية القوة‬

‫للفقيه اهلولندي "‪ "Spinoza‬تعتمد هذه النظرية على ما تتمتع به الدول من استقاللية و سيادة و عدم‬
‫خضوعها ألية سلطة تعلوها ‪ .‬و إذا تعارضت مصاحل دولتني فال سبيل إىل حل النزاع بينهما إال بواسطة القوة (‬
‫احلرب )‪.‬‬

‫إن كانت هذه النظرية تعكس نوعا ما الواقع الدويل ‪ .‬إال أنه ال ميكن االعتماد عليها يف أتسيس قواعد القانون‬
‫الدويل العام اليت ينبغي أن تبىن على أسس أخرى سليمة و بعيدة عن القوة ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬نظرية القانون الطبيعي‬

‫إن القانون الطبيعي هو التشريع النمودجي و املثايل الذي يستجيب لكل وضع من األوضاع الدولية و الذي‬
‫يصلح كقانون أمسى لتنظيم العالقات بني الدول ‪ .‬و عليه فدور هذه الدول يقتصر على حتويل قواعد القانون‬
‫الطبيعي املوجودة إىل قانون وضعي يضفى عليه صفة اإللزام ‪.‬‬

‫هناك خلط بني فكرة القانون الطبيعي القائم على جمموعة من املبادئ اخلالدة و القيم املثلى اليت تؤدي إىل حتقيق‬
‫العدالة ‪ ،‬و القانون الوضعي القائم على أساس التكيف مع خمتلف التغريات و التطورات االجتماعية ‪.‬‬

‫فالقانون الطبيعي ليس هو األصلح لكل زمان أو مكان ‪ ،‬و إمنا هو القاعدة العليا و املثلى احملقق للعدل و اليت‬
‫تستعني به كل قاعدة تشريعية ‪.‬‬
‫وأخريا ما ميكن أن نقف عليه يف مسألة أساس القانون الدويل وبعيدا عن اجلدال الفقهي الذي دار بشأنه على حنو‬
‫ما رأينا ‪ :‬فإن القانون الدويل تلتزم به الدولة وتنص على التزامها به يف قانوهنا الوطين ‪ ،‬ولذلك كثريا ما جند‬
‫الدساتري تنص على املبادئ اليت تلتزم هبا الدولة يف سياستها اخلارجية وهذه املبادئ تعترب من صميم قواعد القانون‬
‫الدويل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬العالقة بني القانون الدويل و القانون الداخلي‬

‫تعترب الدولة شخص من أشخاص القانون الدويل العام ‪ ،‬ويف ذات الوقت هي اجلهة اليت تقوم خبلق القانون‬
‫الداخلي‪.‬‬
‫فإن القضية تطرح بشأن العالقة بني القانون الدويل الذي حيكم سلوك الدولة اخلارجي يف إطار العالقات الدولية‪،‬‬
‫وبني القانون الداخلي الذي ينظم الشؤون الداخلية للدولة ‪.‬‬

‫فتحديد العالقة بينهما له أمهية ابلغة يف حتديد األولوية بينهما ‪ .‬ويف إطار الفقه الدويل برز إجتاهني رئيسيني ‪ ،‬كما‬
‫جاءت حلول عملية تكمل هااتن النظريتني ‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬احللول الفقهية‬

‫ظهرت نظريتان األوىل تنادي بوحدة القانون ‪ ،‬بينما تنادي الثانية بضرورة االزدواجية بني القانون الدويل و القانون‬
‫الداخلي ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬نظرية االزدواجية‬


‫ويتزعم هذه النظرية الفقيهان ‪Triepel‬و ‪ Anzillotti‬ومها من أنصار املذهب اإلرادي يف حتديد طبيعة‬
‫قواعد القانون الدويل‪.‬‬

‫تفيد هذه النظرية أن لكل من القانون الدويل والقانون الوطين نظامني قانونيني متمايزين و مستقلني عن بعضهما‬
‫البعض اآلخر ‪ ،‬وتبعا لذلك فال وجود ألية عالقة بينهما ‪ .‬ويستند أصحاب هذه النظرية إىل عدة أساليب لتربير‬
‫وجهة نظرهم من بينها ‪:‬‬
‫•اختالف مصادر القانونني ‪ ،‬فالقانون الداخلي مصدره اإلرادة املنفردة للدولة ‪ ،‬فهي اليت تقوم ابلتشريع من‬
‫خالل سلطتها التشريعية ‪ ،‬بينما مصدر القانون الدويل يتمثل يف اإلرادة املشرتكة جملموعة من الدول ومصدرها‬
‫األساسي هو املعاهدات الدولية ‪.‬‬
‫•اختالف البناء القانوين يف كل من اجملتمع الدويل واجملتمعات الداخلية ‪ ،‬ذلك أن األجهزة املختصة يف تشريع‬
‫وتطبيق وتنفيذ القانون حمددة يف ظل النظام الداخلي وليست كذلك يف إطار النظام القانوين الدويل‪ .‬كما يتميز‬
‫القانون الدويل ابلالمركزية و يرفض خضوع دولة لسلطة أعلى منها ‪،‬أما القانون الداخلي فيقوم على مبدأ املركزية ‪.‬‬
‫• اختالف املخاطبني أبحكام القانون يف كل من القانونني ‪ ،‬فالقانون الدويل ال خياطب إال الدول يف حني أن‬
‫القانون الوطين خياطب األفراد‪.‬‬
‫وهناك عدة نتائج ترتتب على األخذ بنظرية الثنائية‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬إن اعتبار كال القانونني منفصلني و مستقلني و متساويني ‪ ،‬فإن انتقال و دخول القاعدة القانونية الدولية‬
‫يف النظام الداخلي يتطلب تصرفا خاصا لتبين تلك القاعدة وهذا التصرف ينظمه القانون الداخلي ‪ ،‬و‬
‫مبعىن آخر القاعدة الدولية ال تفرض نفسها يف القانون الداخلي إال بتصرف خاص من الدولة ‪.‬‬
‫‪ -‬نظرية االزدواجية ترفض فكرة مسو أحد القانونني على اآلخر و ال ألحدمها إلغاء اآلخر ‪.‬و يف حالة‬
‫تعارض القانون الدويل مع القانون الداخلي وال تنفذ الدولة اللتزاماهتا الدولية ‪ ،‬فال ينتج عن ذلك سوى‬
‫حتمل املسؤولية الدولية ‪.‬‬

‫فالقانون الداخلي مبقتضى هذه النظرية هو الوحيد الذي يقرر تلقي أو عدم تلقي قاعدة دولية ‪.‬‬

‫نقد النظرية‪:‬‬

‫‪ -‬إهنا حتكم ابالنغالق على كل من القانون الدويل و الداخلي ‪ ،‬فهي ال تشجع على االندماج املتجانس‬
‫لألوضاع الدولية يف القانون الداخلي وابلتايل ال تشجع العالقات الدولية ‪.‬‬

‫‪ -‬يؤدي التسليم ابستقاللية كال النظامني القانونيني إىل نتيجة مفادها انتفاء فكرة إلزامية القانون الدويل و‬
‫أولويته على القانون الداخلي ‪ .‬و يف حالة وجود تعارض بينهما ال ميكن تصور إمكانية مسو القانون الدويل على‬
‫القانون الداخلي ‪ ،‬األمر الذي يفقد أي جدوى اللتزام الدولة على الصعيد الدويل ‪.‬‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬نظرية الوحدة‬


‫أصحاب هذه النظرية مها الفقيهان "‪ "Scell‬و "‪ ،"Kelsen‬ابلنسبة هلذه النظرية فإن القانون هو عبارة عن كتلة‬
‫واحدة من املبادئ حتكم جمموع النشاطات االجتماعية ‪ .‬وعلى ذلك فإن كل من القانونني الدويل والداخلي فرعان‬
‫جيمعهما أصل واحد ‪ ،‬فال ميكن القول بوجود استقالل وانفصال بني القانونني ما داما ينتميان إىل أصل واحد ‪،‬‬
‫ويف إطار هذا التصور فإن التنازع والتعارض بني القانون الدويل والقانون الوطين أمر وارد وممكن ‪ ،‬والقضية اليت‬
‫ميكن أن تثار هنا هي كيفية حل التنازع بينهما يف حالة التعارض‪ ،‬مع العلم أبن حل مثل هذا التنازع ال يتم إال‬
‫ابألخذ أبحدمها وإهدار اآلخر ‪ ،‬حيث ال ميكن تطبيق القانونني على قضية واحدة ‪ ،‬ومبعىن آخر هل تسمو قواعد‬
‫القانون الدويل على قواعد القانون الداخلي أم العكس؟‬
‫ويف إجابته عن هذا اإلشكال انقسم الفقه املناصر لنظرية الوحدة إىل اجتاهني األول يقول بسمو قواعد القانون‬
‫الداخلي على قواعد القانون الدويل ‪ ،‬والثاين يرى أبن قواعد القانون الدويل هي اليت تسمو على قواعد القانون‬
‫الداخلي‪.‬‬
‫•الوحدة مع مسو القانون الداخلي‬

‫‪11‬‬
‫يتزعم هذا االجتاه الفقيه األملاين"‪ "Higuel‬ويستند إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن الدولة سابقة الوجود على اجلماعة الدولية و أن القانون الداخلي أسبق يف الظهور اترخييا ‪ ،‬وهذا القانون‬
‫هو الذي حيدد اختصاصاهتا اخلارجية يف إطار عالقاهتا الدولية ‪ ،‬وهذا يعين أن القانون الدويل مشتق من القانون‬
‫الداخلي ‪ ،‬وتبعا لذلك فإن القانون الداخلي يسمو على القانون الدويل‪.‬‬
‫‪ -‬إن العالقات الدولية تقوم على أساس مبدأ املساواة يف السيادة بني الدول ‪ ،‬وهذا يعين عدم وجود سلطة على‬
‫الصعيد الدويل تعلو سلطات الدول ‪ ،‬لذلك فالدول حرة يف حتديد االلتزامات الدولية اليت تلتزم هبا ‪ .‬فالدولة‬
‫التستند يف تصرفاهتا إال ابلقانون الذي تسنه مبحض إرادهتا ‪ .‬فهذا يعين مسو القانون الداخلي على القانون الدويل‪.‬‬
‫ويؤخذ على هذا الطرح أنه ال يتماشى مع الواقع ذلك أن التزامات الدولة يف إطار عالقاهتا الدولية ال تتأثر‬
‫بتعديل أو إلغاء القانون الداخلي ‪ ،‬فنهاية الدساتري مثال ال تؤدي إىل إهناء العمل يف املعامالت الدولية ‪ ،‬ومن‬
‫انحية أخرى فكثريا ما جند الدول تقوم إبلغاء أو تعديل تشريعاهتا الداخلية لتحقيق املالءمة مع االلتزامات الدولية‪.‬‬
‫كما يؤدي التسليم بنظرية الوحدة مع مسو القانون الداخلي ‪ ،‬إىل زوال القوة اإللزامية ألية قاعدة قانونية دولية ‪.‬‬

‫•الوحدة مع مسو القانون الدويل‬


‫تزعم هذا االجتاه املدرسة النمساوية وبعض الفقهاء الفرنسيني مثل "‪ ،"Duguit‬وأنصار هذا االجتاه ذهبوا إىل‬
‫ضرورة االعرتاف بسمو القانون الدويل على القانون الداخلي ‪،‬كما استندوا إىل فكرة التفويض أي أن القانون‬
‫الدويل هو الذي يفوض للدولة أن تقوم بعملية التشريع لرعاايها يف حدود إقليمها ‪ .‬مما يوحي أن القانون الداخلي‬
‫مشتق من القانون الدويل‪.‬‬

‫النقد‪:‬‬
‫هذا االجتاه تعرض جلملة من االنتقادات أمهها ‪:‬‬
‫‪ -‬من الناحية التارخيية فإن القانون الوطين أسبق يف الوجود من القانون الدويل ‪ ،‬وهذا يعين أنه ال ميكن أن نشتق‬
‫السابق من الالحق‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الناحية الشكلية فإن قواعد القانون الداخلي ال ميكن أن تكون ابطلة لكوهنا تتعارض مع قواعد القانون‬
‫الدويل بصفة تلقائية ‪ ،‬وإمنا جيب أن يكون إلغاؤها بنفس كيفية إصدارها‪ .‬كما أن قواعد القانون الدويل ال ميكن‬
‫أن تسمو على الدساتري اليت تضعها الدول ‪.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬احللول العملية‬

‫أي موقف القانون و القضاء من عالقة القانون الدويل ابلقانون الداخلي‬

‫الفرع األول ‪ :‬املمارسة الدولية للعالقة‬

‫‪12‬‬
‫لقد أقرت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة ‪ 1969‬يف مـادهتا ‪ 27‬على أنه ‪ " :‬ال جيوز لطرف يف املعاهدة أن‬
‫يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذه هذه املعاهدة "‪.‬‬

‫وهذا ما أكدته اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف اإلعالن اخلاص حبقوق و واجبات الدول حيث نصت على أن ‪:‬‬
‫" من واجب كل دولة أن تنفذ التزاماهتا التعاقدية و كل االلتزامات الدولية األخرى حبسن النية ‪ ،‬و ال ميكنها أن‬
‫تتذرع أبحكام دستورها وقوانينها الداخلية كحجة لفشلها يف القيام بذلك الواجب "‪.‬‬

‫يتبني أنه بشأن التعارض بني القانون الدويل و القانون الداخلي ‪ ،‬فلقد مت حسمه أبولوية القانون الدويل ‪ .‬فال‬
‫ميكن للدولة أن تـحتج بقـانوهنا الـداخلي أو حىت بدستورها للتهرب من التزاماهتا الدولية ‪.‬‬

‫ومنه ال تغلب أي نظرية على األخرى ‪ ،‬إمنا أيخذ بفكريت االتصال واالنفصال حيث أن القانونني ليس وحدة‬
‫واحدة وليس نظامني قانونني منفصلني عن بعضهما‪ .‬حيث كان موقف القضاء الدويل من العالقة بني القانون‬
‫الدويل والقانون الداخلي على احرتام كل من التزامات القانونني وضرورة تنفيذها حبسن نية وعدم جواز خمالفة أي‬
‫قاعدة آمرة إال بقاعدة آمرة أخرى‪.‬واستقرت الكثري من أحكام احملاكم الدولية اىل وجوب حتمل الدولة املسؤولية‬
‫الدولية يف حال إخالهلا بقواعد القانون الدويل أو هترهبا من تنفيذ التزامها‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال ذهب القضاء الدويل إىل أتكيد مبدأ مسو القانون الدويل على القانون الداخلي منذ سنة ‪1872‬‬
‫من خالل قضية السفينة " ‪ "Alabama‬بني اململكة املتحدة والوالايت املتحدة األمريكية ‪ ،‬وتتلخص وقائع هذه‬
‫القضية يف أن ال ـ و‪.‬م‪.‬أ رفعت الدعوى ضد اململكة املتحدة على أساس أن اململكة املتحدة خرقت التزاماهتا‬
‫الدولية وذلك خبرقها مبدأ احلياد حيث مسحت لسفينة األلباما التابعة إلحدى الوالايت األمريكية اليت كانت‬
‫آنذاك يف حرب أهلية أبن ترسو على موانئها وجتري عليها إصالحات ‪ ،‬حيث متكنت هذه السفينة بعد رجوعها‬
‫إىل الوالايت املتحدة من إغراق عدة سفن حربية أخرى اتبعة لوالايت أخرى معادية هلا ‪ ،‬ولقد دفعت اململكة‬
‫املتحدة أبنه مل يكن هناك قانون داخلي جيرم استقبال سفن األطراف املتحاربة ‪ ،‬ولكن حمكمة التحكيم رفضت‬
‫هذا الدفع وحكمت مبسؤولية اململكة املتحدة ‪ ،‬وألزمتها ابلتعويض عن األضرار اليت أصابت األطراف املتضررة‬
‫بسبب هذه السفينة ‪ ،‬وأكدت حمكمة التحكيم أبن عدم وجود هذا القانون يف اململكة املتحدة ال يسقط عنها‬
‫التزامات اإلخالل بقاعدة أساسية يف القانون الدويل واملتمثلة يف قاعدة احلياد ‪ ،‬كما أكدت هيئة التحكيم من‬
‫خالل هذه القضية على مبدأ مسو القانون الدويل على القانون الداخلي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفرع الثاين ‪ :‬املمارسة الداخلية للعالقة‬

‫غالبا ما تؤكد كل دولة على مسو القانون الدويل ‪ ،‬لكن ختتلف األنظمة القانونية الوطنية عن بعضها من حيث‬
‫درجة مسو القانون الدويل عن القانون الداخلي و يظهر ذلك كما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬الدساتري اليت متنح للمعاهدة قوة القانون‪ :‬حيث تتمتع املعاهدة بنفس القوة اإللزامية و املكانة القانونية اليت‬
‫أيخذها القانون‪ ،‬و ال يعلو فوقها سوى الدستور‪ ،‬وختضع لنفس النظام القانوين إلنفاذ القانون وسراين أحكامه أي‬
‫القانون السابق يرتك اجملال للقانون الالحق ‪.‬و من الدول اليت أتخذ هبذا النظام مثال الوالايت املتحدة األمريكية ‪،‬‬
‫أملانيا ‪ ،‬و اجلزائر يف ظل دستور ‪.1976‬‬

‫‪-‬الدساتري اليت متنح املعاهدة السمو على القانون ‪ :‬معىن ذلك أن أتخذ املعاهدة مكان وسطاً ما بني القانون و‬
‫الدستور‪ ،‬أي تسمو على القانون وتدنو من الدستور‪ .‬وتعتمد العديد من الدساتري يف العامل هذا التدرج القانوين يف‬
‫أنظمتها الدستورية و من بينها فرنسا ‪ ،‬مصر‪ ،‬و اجلزائر ‪.‬‬

‫‪ -‬يف اجلزائر‪:‬‬
‫* القيمة القانونية للمعاهدة ابلنظر إىل القانون ‪:‬‬
‫إن املعاهدات اليت يصادق عليها رئيس اجلمهورية‪ ،‬حسب الشروط املنصوص عليها يف الدستور‪ ،‬تسمو على‬
‫القانون ‪ .‬وهذا طبقا للمادة ‪.......‬‬

‫* القيمة القانونية للمعاهدة ابلنظر إىل الدستور ‪:‬‬

‫إقرار مبدأ خضوع املعاهدة الدولية لرقابة اجمللس الدستوري لضمان مسو الدستورعلى املعاهدة ‪ .‬و هذا ما نصت‬
‫عليه املادة ‪ " ....‬يفصل اجمللس الدستوري‪ ،‬ابإلضافة إىل االختصاصات اليت خولتها إايه صراحة أحكام أخرى يف‬
‫الدستور‪ ،‬يف دستورية املعاهدات والقوانني‪ ،‬والتنظيمات‪ ،‬إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ‪ ،‬أو بقرار يف احلالة‬
‫العكسية‪" .‬‬
‫و إذا ارأتى اجمللس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق‪ ،‬أو اتفاقية‪ ،‬فال يتم التصديق عليها‪ (.‬املادة ‪)......‬‬

‫وهذا من أجل ضمان مسو الدستور و احلفاظ على وحدة النظام القانوين للدولة ‪.‬‬

‫ومما سبق بيانه ميكن االستنتاج أن الدول ال أتخذ إبحدى النظريتني بصفة كلية ‪ ،‬و إمنا تتبىن حلوال وسطى بني‬
‫هذه النظرايت‪ ،‬جتعلها تقر ابختالف أسس القانونني ومتايزمها مثلما تذهب إليه النظرية الثنائية‪ ،‬وتعرتف بسمو‬

‫‪14‬‬
‫القانون الدويل على القانون الداخلي ابستثناء الدستور أي مسوا نسبيا فقط‪ ،‬وهذا ما يتقارب من نظرية الوحدة مع‬
‫مسو القانون الدويل‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like