Professional Documents
Culture Documents
إن اجملتمع الدويل قد وصل يف تنظيمه إىل مرحلة كبرية من التطور ،ساهم يف ذلك تزايد عدد الدول
و الظهور املكثف للمنظمات الدولية إىل جانب بروز وحدات دولية أخرى سامهت هي كذلك يف
توسيع شبكة العالقات الدولية .و قد ساعد يف ذلك من جهة أخرى التقدم العلمي و التقين و
اهتمام الدول مبسائل أخرى كانت غري موجودة :مثل مسألة التنمية و التعاون االقتصادي و انتشار
األخطار الكربى كالتلوث ،األمراض ،سوء املعيشة ،و جرائم تبييض األموال و اجتار املخدرات ،و
اإلرهاب ...كل هذا أدى إىل اتساع مضمون القانون الدويل .بناءا على هذا التطور مل يعد القانون
القانون الدويل يهتم فقط حبفظ األمن و السلم الدوليني ،بل أصبح يعتين مبواضيع أخرى .
سنتطرق يف هذا احملور إىل مفهوم الدويل العام ،متييزه عن ما يشبهه من أنظمة ،و فروعه .
يعرف أنصار هذا االجتاه القانون الدويل العام أبنه ":جمموعة من القواعد القانونية اليت حتدد حقوق وواجبات
الدولة يف عالقاهتا املتبادلة ".
أما الفقه العريب فقد عرفه على أنه ":القانون الذي ينظم عالقة الدولة بغريها من الدول و حيكم تصرفاهتا يف
احمليط اخلارجي أو الدويل ".
إن التعريفات الكالسيكية للقانون الدويل أصبحت قاصرة وال تواكب التطور الذي حدث يف جمال العالقات بني
أشخاص القانون الدويل العام .فلم تعد الدولة الشخص القانوين الوحيد املخاطب أبحكام القانون الدويل ،و إمنا
ظهرت عدة أشخاص أخرى كاملنظمات الدولية .
1
الفرع الثاين :االجتاه املوضوعي
اعترب هذا االجتاه الفرد هو الشخص القانوين الوحيد ابعتبار أن القانون يف هناية األمر ال خياطب إال األفراد أي
األشخاص الطبيعية .نظرا أن هذه األخرية وحدها متلك اإلرادة ،و أن الشخصية املعنوية للدولة ماهي إال جمرد
افرتاض ،و من مث ال متثل شخصا من أشخاص القانون الدويل العام .
و أتسيسا لذلك فإن القانون الدويل العام ":هو جمموعة القواعد القانونية اليت تنظم العالقات بني أفراد اجلماعات
املختلفة".
مل يسلم هذا التعريف من النقد أيضا ،بسبب إنكاره لكيان و مكانة الدولة كشخصية يف اجملتمع الدويل .
اعرتف هذا االجتاه بوجود أشخاص قانونية أخرى مثل املنظمات الدولية.فعرب عن القانون الدويل املعاصر على
أنه ":جمموعة القواعد القانونية اليت حتكم سلوك أعضاء اجملتمع الدويل يف إطار العالقات الدولية ".
ومنه يتضح أن القانون الدويل العام هو قانون اجملتمع الدويل حبيث ينظم العالقات اليت تنشأ بني أشخاصه .
إال أنه ننتهي إىل القول أن قواعد القانون الدويل كغريها من قواعد القانون تتميز ابإللزام الذي يتجلى من خالل
حتمل املسؤولية الدولية يف حالة خرق القانون الدويل ،وعلى الرغم من ذلك فإن اجملتمع الدويل كاجملتمعات الوطنية
ال تنظمها القواعد القانونية فقط وإمنا خيضع يف تنظيمه إىل أمناط أخرى من القواعد املنظمة للسلوك .و من هنا
وجب متييز قواعد القانون الدويل عن قواعد اجملامالت واألخالق الدولية.
2
أو تقدمي التعزية ...
ولذلك فإن خرق اجملامالت الدولية ال يعترب مبثابة عمل أو تصرف غري مشروع يثري املسؤولية الدولية ،ألهنا تفتقر
إىل العنصر املعنوي ( اإللزام ) لرتقى إىل مرتبة القاعدة القانونية .إال أن عدم االلتزام ابجملامالت الدولية يؤدي إىل
تعكري صفو العالقات الدولية ويعترب كذلك من األعمال غري الودية واليت تواجه أو تقابل ابملثل.
وجيب اإلشارة أنه إذا استكملت قاعدة اجملاملة الدولية الركن املعنوي فإهنا تتحول إىل قاعدة قانونية دولية ملزمة،
ومثال ذلك احلصاانت الدبلوماسية كانت مبثابة جمامالت مث حتولت إىل قاعدة قانونية دولية أبرمت بشأهنا عدة
اتفاقيات مثل اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسية . 1961
الفرع الثاين :قواعد األخالق الدولية
هي جمموعة من املبادئ و املثل النابعة من الضمري اإلنساين دون أن تكون ملزمة .ومعيار التمييز بني األخالق
والقانون يكمن بصفة أساسية يف عنصر االلتزام ،وتبعا لذلك فإن اإلخالل بقاعدة خلقية ال يرتتب عليها
املسؤولية الدولية على عكس اإلخالل بقاعدة قانونية دولية ،ومن أمثلة قواعد األخالق على الصعيد الدويل تلك
القاعدة اليت تفرض على الدول تقدمي املساعدة لدولة منكوبة مثال ،وقد تتحول القاعدة اخللقية أيضا إىل قاعدة
قانونية دولية وهذا ما حدث ابلنسبة لتلك القواعد القانونية املتعلقة مبعاملة أسرى احلرب واجلرحى واملرضى
واملدنيني أثناء النزاعات املسلحة حيث كانت يف بداية األمر جمرد قواعد أخالقية وبعد ذلك أصبحت قواعد
قانونية واجبة التطبيق واالحرتام من خالل اتفاقيات جنيف األربعة املربمة عام 1949بشأن القانون الدويل
اإلنساين .
القانون الدويل اجلنائي :يتكون هذا الفرع من القواعد اليت حتدد ااجلرائم الدولية وإجراءات احملاكمة والعقوابت
املقررة هلا .
3
يضم جمموعة القواعد اليت تبحث احللول املثلى لتنظيم العالقات االقتصادية و التجارية بني الدول وفق مبدأي
العدالة و التكافؤ ،و كذا العالقات بني الدول و املؤسسات الضخمة اليت تساهم يف وترية التنمية يف صيغة
استثمارات أجنبية .
يعرف أبنه جمموعة القواعد القانونية املتكونة أساسا من املواثيق واإلعالانت و االتفاقيات الدولية املتعلقة بتكريس
و محاية عدد من حقوق اإلنسان األساسية و بيان الضماانت اإلجرائية و اآلليات املرصودة الحرتام هذه احلقوق
و إنفاذها .وجيد أساسه يف ميثاق األمم املتحدة ،اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان ،العهدين الدوليني للحقوق
املدنية و السياسية ،و احلقوق االقتصادية و االجتماعية و الثقافية .
يعرف أبنه :جمموعة القواعد اليت تستهدف يف حالة النزاع املسلح محاية األشخاص و املصابني من جراء النزاع
ويهدف هذا القانون إىل التخفيف من ويالت احلرب بتحييد من ال يشرتكون يف القتال .
يضم مجلة القواعد اليت تعين حبماية البيئة الدولية و احلفاظ على مواردها السيما األنواع الناذرة منها .و هو فرع
جديد نشأ نتيجة للتطور التكنولوجي والذي كان له انعكاسات سلبية على البيئة .
4
احملور الثاين :أساس القانون الدويل العام
إن القوة اإللزامية للقانون الدويل هي فعل إجبار الدول على احرتام ما عليهم من واجبات و إرغامهم
على تنفيذها ،و كل من خيرتق هذه القواعد فإنه يوقع عليه جزاء .و إن البحث عن إلزامية القانون
الدويل يصطدم بسيادة الدولة اليت ال تقبل أوامر و نواهي خارجية .ففكرة اإللزامية هي البحث عن
أحسن طريقة حترتم الدولة من خالهلا الواجبات دون املساس بسيادهتا .
و لقد اختلف الفقه يف حتديد أساس إلزامية القانون الدويل العام و تعددت مدارسهم يف هذا
اخلصوص ،فمنهم من يرجعه إىل اإلرادة و منهم من يرجعه إىل عوامل أخرى .و سوف نتطرق إىل
أهم املدارس .
تقوم هذه النظرية على جمموعة من األسس اندى هبا الفقهاء ،كما وجهت هلذه النظرية عدة انتقادات .
5
اثنيا :نقد النظرية
لقد تعرضت نظرية التحديد الذايت إىل عدة انتقادات من بينها :
-أنه إذا كان اهلدف من القانون هو تقييد اإلرادة فكيف ميكن القول أبن هذا القانون جيد أساسه يف هذه
اإلرادة .
-العمل هبذه النظرية يؤدي إىل هدم القانون الدويل ،فإذا كانت الدولة تلتزم بقواعده مبحض إرادهتا فلها
أن تتحرر من هذا االلتزام مىت شاءت مبحض إرادهتا.
-تفتقر هذه النظرية إىل ضماانت قانونية حتمل الدولة على االلتزام بقواعد القانون الدويل ،فحسب هذه
النظرية تعترب القاعدة القانونية أسرية مصاحل وأهواء الدولة ،فالدولة تلتزم ابلقاعدة طاملا كانت ختدم
مصاحلها وتتحلل منها مىت أصبحت هذه القاعدة تتعارض مع مصاحلها.
الصفة امللزمة لقواعد القانون الدويل ،لذلك ينبغي اجتماع إرادة عدة دول ،الكتساب القاعدة الدولية صفة
إجبارية على مجيع الدول .
فحسب هذه النظرية القوة امللزمة لقواعد القانون الدويل تبىن على أساس اإلرادة املشرتكة لكافة الدول املخاطبة به
و اليت تعلو على اإلرادة املنفردة لكل دولة .
-تؤدي إىل حصر مصادر القانون الدويل يف املعاهدات الدولية فقط ،وذلك أن االلتزامات اليت ترتبها
املعاهدات انجتة عن اتفاق األطراف املتعاقدة فيما بينها ولذلك فإن هذه النظرية ال تفسر االلتزام بقواعد
القانون الدويل املستمدة من مصادر أخرى مثل املبادئ العامة للقانون وقرارات املنظمات الدولية.
-أن هذه النظرية تؤدي إىل إضعاف وعدم استقرار قواعد القانون الدويل وذلك لعدم وجود ضماانت
حتول دون انسحاب الدول من اإلرادة املشرتكة .و ابلتايل وخلق أنظمة قانونية دولية متعددة.
6
-إن اعتماد فكرة اإلرادة املشرتكة للدول يتعارض مع وضع الدول اليت انضمت حديثا إىل اجملتمع الدويل ،
فال ميكنها التقيد أبحكام مل تساهم يف تكوينها .
ونظرا هلذه االنتقادات اليت وجهت إىل املذهب اإلرادي حاول الفقه الدويل أن يفسر أساس االلتزام بقواعد القانون
الدويل بعيدا عن إرادة الدول وهذا ما نلمسه يف طرح املذهب املوضوعي.
يرى أنصار هذه املدرسة أن قواعد القانون الدويل ال تستمد قوهتا امللزمة من إرادة الدول ،و إمنا تعود إىل عوامل
أخرى خارجة عن هذه اإلرادة ،إال أهنم اختلفوا حول هذه العوامل و انقسموا إىل نظريتني :
الفرع األول :املدرسة القاعدية أو النمساوية
تسمى هذه املدرسة ابملدرسة القاعدية ألن أنصارها تصور القانون على أنه مجلة من القواعد على شكل هرم وكل
قاعدة تستمد إلزاميتها من القاعدة اليت تعلوها .وتسمى ابلنمساوية نسبة إىل مؤسسيها النمساوي " Hans
"Kelsen
تنطلق هذه املدرسة يف حبثها عن أساس اإللزام يف قواعد القانون الدويل ،يف أهنا تعترب القانون على أنه هيكل
هرمي وكل قاعدة من هذه القواعد تستند إىل قاعدة أعلى منها ،أي أن القواعد القانونية تتدرج يف قوهتا بشكل
هرمي حىت تصل إىل قمة اهلرم الذي يتكون من قاعدة معروفة هي " املتعاقد عبد تعاقده".أو " العقد شريعة
املتعاقدين" .فهذه القاعدة هي اليت تعطي سائر فروع القانون قوهتا امللزمة .
اثنيا :النقد
-إن هذه النظرية قائمة على افرتاض ال تبني ابلتدقيق املصدر األساسي اليت تستمد منه هذه القواعد
ترتيبها و نظام تطبيقها .
-أن " العقد شريعة املتعاقدين" ال تقوم إال بوجود مبادئ أخرى مرتبطة هبا و مكملة هلا .فما هو األساس
الذي تستند اليه هذه القاعدة ؟
7
-كما أن هذه القاعدة ال تصلح إال ابلنسبة ملصدر واحد من مصادر القانون الدويل و املتمثل يف
االتفاقيات الدولية ،و ال ميكن االعتماد عليها يف املصادر األخرى
النقد:
مل تسلم النظرية االجتماعية من النقد رغم صحة أساسها :
-إن التضامن االجتماعي هو سبب لنشأة القانون الدويل و ليس أساس لاللتزام به .
-أن هذه النظرية أهنا حتاول أتسيس القانون الدويل على فكرة غري حمددة وهي فكرة التضامن االجتماعي.
فهي ختلط بني حتمية التعايش بني أفراد اجملتمع الدويل من جهة ،و بني صفة االلتزام بقواعد القانون
الذي حيكم اجملتمع الدويل من جهة أخرى .
هذه االنتقادات مل متنع من اعتبار هذه النظرية األكثر حجة لتربير أساس االلتزام بقواعد القانون الدويل .
جبانب النظرايت السابقة توجد نظرايت أخرى تربر إلزامية قواعد القانون الدويل العام من بينها :
اندى هبا الفقيه ""Higuelو" " Biederتقوم هذه النظرية على فكرة املصلحة ،ابعتبارها أساس قيام
العالقات بني الدول و مصدر التزاماهتا ابلقواعد اليت تنظم هذه العالقات .
8
وجه هلذه النظرية انتقاد ،فاملصلحة ال ميكن أن تكون أساس للقانون الدويل .فما تقره السياسة حتت أتثري
املصلحة قد يتعارض مع مبادئ القانون .كما أن هذه املصلحة تتغري تبعا للظروف و النزاعات و األهداف ،و
ليس هلا معيار اثبت ودقيق يبني لنا مىت تكون مشروعة ومىت ال تكون كذلك .
للفقيه اهلولندي " "Spinozaتعتمد هذه النظرية على ما تتمتع به الدول من استقاللية و سيادة و عدم
خضوعها ألية سلطة تعلوها .و إذا تعارضت مصاحل دولتني فال سبيل إىل حل النزاع بينهما إال بواسطة القوة (
احلرب ).
إن كانت هذه النظرية تعكس نوعا ما الواقع الدويل .إال أنه ال ميكن االعتماد عليها يف أتسيس قواعد القانون
الدويل العام اليت ينبغي أن تبىن على أسس أخرى سليمة و بعيدة عن القوة .
إن القانون الطبيعي هو التشريع النمودجي و املثايل الذي يستجيب لكل وضع من األوضاع الدولية و الذي
يصلح كقانون أمسى لتنظيم العالقات بني الدول .و عليه فدور هذه الدول يقتصر على حتويل قواعد القانون
الطبيعي املوجودة إىل قانون وضعي يضفى عليه صفة اإللزام .
هناك خلط بني فكرة القانون الطبيعي القائم على جمموعة من املبادئ اخلالدة و القيم املثلى اليت تؤدي إىل حتقيق
العدالة ،و القانون الوضعي القائم على أساس التكيف مع خمتلف التغريات و التطورات االجتماعية .
فالقانون الطبيعي ليس هو األصلح لكل زمان أو مكان ،و إمنا هو القاعدة العليا و املثلى احملقق للعدل و اليت
تستعني به كل قاعدة تشريعية .
وأخريا ما ميكن أن نقف عليه يف مسألة أساس القانون الدويل وبعيدا عن اجلدال الفقهي الذي دار بشأنه على حنو
ما رأينا :فإن القانون الدويل تلتزم به الدولة وتنص على التزامها به يف قانوهنا الوطين ،ولذلك كثريا ما جند
الدساتري تنص على املبادئ اليت تلتزم هبا الدولة يف سياستها اخلارجية وهذه املبادئ تعترب من صميم قواعد القانون
الدويل.
9
احملور الثالث :العالقة بني القانون الدويل و القانون الداخلي
تعترب الدولة شخص من أشخاص القانون الدويل العام ،ويف ذات الوقت هي اجلهة اليت تقوم خبلق القانون
الداخلي.
فإن القضية تطرح بشأن العالقة بني القانون الدويل الذي حيكم سلوك الدولة اخلارجي يف إطار العالقات الدولية،
وبني القانون الداخلي الذي ينظم الشؤون الداخلية للدولة .
فتحديد العالقة بينهما له أمهية ابلغة يف حتديد األولوية بينهما .ويف إطار الفقه الدويل برز إجتاهني رئيسيني ،كما
جاءت حلول عملية تكمل هااتن النظريتني .
ظهرت نظريتان األوىل تنادي بوحدة القانون ،بينما تنادي الثانية بضرورة االزدواجية بني القانون الدويل و القانون
الداخلي .
تفيد هذه النظرية أن لكل من القانون الدويل والقانون الوطين نظامني قانونيني متمايزين و مستقلني عن بعضهما
البعض اآلخر ،وتبعا لذلك فال وجود ألية عالقة بينهما .ويستند أصحاب هذه النظرية إىل عدة أساليب لتربير
وجهة نظرهم من بينها :
•اختالف مصادر القانونني ،فالقانون الداخلي مصدره اإلرادة املنفردة للدولة ،فهي اليت تقوم ابلتشريع من
خالل سلطتها التشريعية ،بينما مصدر القانون الدويل يتمثل يف اإلرادة املشرتكة جملموعة من الدول ومصدرها
األساسي هو املعاهدات الدولية .
•اختالف البناء القانوين يف كل من اجملتمع الدويل واجملتمعات الداخلية ،ذلك أن األجهزة املختصة يف تشريع
وتطبيق وتنفيذ القانون حمددة يف ظل النظام الداخلي وليست كذلك يف إطار النظام القانوين الدويل .كما يتميز
القانون الدويل ابلالمركزية و يرفض خضوع دولة لسلطة أعلى منها ،أما القانون الداخلي فيقوم على مبدأ املركزية .
• اختالف املخاطبني أبحكام القانون يف كل من القانونني ،فالقانون الدويل ال خياطب إال الدول يف حني أن
القانون الوطين خياطب األفراد.
وهناك عدة نتائج ترتتب على األخذ بنظرية الثنائية:
10
-إن اعتبار كال القانونني منفصلني و مستقلني و متساويني ،فإن انتقال و دخول القاعدة القانونية الدولية
يف النظام الداخلي يتطلب تصرفا خاصا لتبين تلك القاعدة وهذا التصرف ينظمه القانون الداخلي ،و
مبعىن آخر القاعدة الدولية ال تفرض نفسها يف القانون الداخلي إال بتصرف خاص من الدولة .
-نظرية االزدواجية ترفض فكرة مسو أحد القانونني على اآلخر و ال ألحدمها إلغاء اآلخر .و يف حالة
تعارض القانون الدويل مع القانون الداخلي وال تنفذ الدولة اللتزاماهتا الدولية ،فال ينتج عن ذلك سوى
حتمل املسؤولية الدولية .
فالقانون الداخلي مبقتضى هذه النظرية هو الوحيد الذي يقرر تلقي أو عدم تلقي قاعدة دولية .
نقد النظرية:
-إهنا حتكم ابالنغالق على كل من القانون الدويل و الداخلي ،فهي ال تشجع على االندماج املتجانس
لألوضاع الدولية يف القانون الداخلي وابلتايل ال تشجع العالقات الدولية .
-يؤدي التسليم ابستقاللية كال النظامني القانونيني إىل نتيجة مفادها انتفاء فكرة إلزامية القانون الدويل و
أولويته على القانون الداخلي .و يف حالة وجود تعارض بينهما ال ميكن تصور إمكانية مسو القانون الدويل على
القانون الداخلي ،األمر الذي يفقد أي جدوى اللتزام الدولة على الصعيد الدويل .
11
يتزعم هذا االجتاه الفقيه األملاين" "Higuelويستند إىل ما يلي:
-أن الدولة سابقة الوجود على اجلماعة الدولية و أن القانون الداخلي أسبق يف الظهور اترخييا ،وهذا القانون
هو الذي حيدد اختصاصاهتا اخلارجية يف إطار عالقاهتا الدولية ،وهذا يعين أن القانون الدويل مشتق من القانون
الداخلي ،وتبعا لذلك فإن القانون الداخلي يسمو على القانون الدويل.
-إن العالقات الدولية تقوم على أساس مبدأ املساواة يف السيادة بني الدول ،وهذا يعين عدم وجود سلطة على
الصعيد الدويل تعلو سلطات الدول ،لذلك فالدول حرة يف حتديد االلتزامات الدولية اليت تلتزم هبا .فالدولة
التستند يف تصرفاهتا إال ابلقانون الذي تسنه مبحض إرادهتا .فهذا يعين مسو القانون الداخلي على القانون الدويل.
ويؤخذ على هذا الطرح أنه ال يتماشى مع الواقع ذلك أن التزامات الدولة يف إطار عالقاهتا الدولية ال تتأثر
بتعديل أو إلغاء القانون الداخلي ،فنهاية الدساتري مثال ال تؤدي إىل إهناء العمل يف املعامالت الدولية ،ومن
انحية أخرى فكثريا ما جند الدول تقوم إبلغاء أو تعديل تشريعاهتا الداخلية لتحقيق املالءمة مع االلتزامات الدولية.
كما يؤدي التسليم بنظرية الوحدة مع مسو القانون الداخلي ،إىل زوال القوة اإللزامية ألية قاعدة قانونية دولية .
النقد:
هذا االجتاه تعرض جلملة من االنتقادات أمهها :
-من الناحية التارخيية فإن القانون الوطين أسبق يف الوجود من القانون الدويل ،وهذا يعين أنه ال ميكن أن نشتق
السابق من الالحق.
-ومن الناحية الشكلية فإن قواعد القانون الداخلي ال ميكن أن تكون ابطلة لكوهنا تتعارض مع قواعد القانون
الدويل بصفة تلقائية ،وإمنا جيب أن يكون إلغاؤها بنفس كيفية إصدارها .كما أن قواعد القانون الدويل ال ميكن
أن تسمو على الدساتري اليت تضعها الدول .
املطلب الثاين :احللول العملية
12
لقد أقرت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة 1969يف مـادهتا 27على أنه " :ال جيوز لطرف يف املعاهدة أن
يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذه هذه املعاهدة ".
وهذا ما أكدته اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف اإلعالن اخلاص حبقوق و واجبات الدول حيث نصت على أن :
" من واجب كل دولة أن تنفذ التزاماهتا التعاقدية و كل االلتزامات الدولية األخرى حبسن النية ،و ال ميكنها أن
تتذرع أبحكام دستورها وقوانينها الداخلية كحجة لفشلها يف القيام بذلك الواجب ".
يتبني أنه بشأن التعارض بني القانون الدويل و القانون الداخلي ،فلقد مت حسمه أبولوية القانون الدويل .فال
ميكن للدولة أن تـحتج بقـانوهنا الـداخلي أو حىت بدستورها للتهرب من التزاماهتا الدولية .
ومنه ال تغلب أي نظرية على األخرى ،إمنا أيخذ بفكريت االتصال واالنفصال حيث أن القانونني ليس وحدة
واحدة وليس نظامني قانونني منفصلني عن بعضهما .حيث كان موقف القضاء الدويل من العالقة بني القانون
الدويل والقانون الداخلي على احرتام كل من التزامات القانونني وضرورة تنفيذها حبسن نية وعدم جواز خمالفة أي
قاعدة آمرة إال بقاعدة آمرة أخرى.واستقرت الكثري من أحكام احملاكم الدولية اىل وجوب حتمل الدولة املسؤولية
الدولية يف حال إخالهلا بقواعد القانون الدويل أو هترهبا من تنفيذ التزامها.
فعلى سبيل املثال ذهب القضاء الدويل إىل أتكيد مبدأ مسو القانون الدويل على القانون الداخلي منذ سنة 1872
من خالل قضية السفينة " "Alabamaبني اململكة املتحدة والوالايت املتحدة األمريكية ،وتتلخص وقائع هذه
القضية يف أن ال ـ و.م.أ رفعت الدعوى ضد اململكة املتحدة على أساس أن اململكة املتحدة خرقت التزاماهتا
الدولية وذلك خبرقها مبدأ احلياد حيث مسحت لسفينة األلباما التابعة إلحدى الوالايت األمريكية اليت كانت
آنذاك يف حرب أهلية أبن ترسو على موانئها وجتري عليها إصالحات ،حيث متكنت هذه السفينة بعد رجوعها
إىل الوالايت املتحدة من إغراق عدة سفن حربية أخرى اتبعة لوالايت أخرى معادية هلا ،ولقد دفعت اململكة
املتحدة أبنه مل يكن هناك قانون داخلي جيرم استقبال سفن األطراف املتحاربة ،ولكن حمكمة التحكيم رفضت
هذا الدفع وحكمت مبسؤولية اململكة املتحدة ،وألزمتها ابلتعويض عن األضرار اليت أصابت األطراف املتضررة
بسبب هذه السفينة ،وأكدت حمكمة التحكيم أبن عدم وجود هذا القانون يف اململكة املتحدة ال يسقط عنها
التزامات اإلخالل بقاعدة أساسية يف القانون الدويل واملتمثلة يف قاعدة احلياد ،كما أكدت هيئة التحكيم من
خالل هذه القضية على مبدأ مسو القانون الدويل على القانون الداخلي.
13
الفرع الثاين :املمارسة الداخلية للعالقة
غالبا ما تؤكد كل دولة على مسو القانون الدويل ،لكن ختتلف األنظمة القانونية الوطنية عن بعضها من حيث
درجة مسو القانون الدويل عن القانون الداخلي و يظهر ذلك كما يلي :
-الدساتري اليت متنح للمعاهدة قوة القانون :حيث تتمتع املعاهدة بنفس القوة اإللزامية و املكانة القانونية اليت
أيخذها القانون ،و ال يعلو فوقها سوى الدستور ،وختضع لنفس النظام القانوين إلنفاذ القانون وسراين أحكامه أي
القانون السابق يرتك اجملال للقانون الالحق .و من الدول اليت أتخذ هبذا النظام مثال الوالايت املتحدة األمريكية ،
أملانيا ،و اجلزائر يف ظل دستور .1976
-الدساتري اليت متنح املعاهدة السمو على القانون :معىن ذلك أن أتخذ املعاهدة مكان وسطاً ما بني القانون و
الدستور ،أي تسمو على القانون وتدنو من الدستور .وتعتمد العديد من الدساتري يف العامل هذا التدرج القانوين يف
أنظمتها الدستورية و من بينها فرنسا ،مصر ،و اجلزائر .
-يف اجلزائر:
* القيمة القانونية للمعاهدة ابلنظر إىل القانون :
إن املعاهدات اليت يصادق عليها رئيس اجلمهورية ،حسب الشروط املنصوص عليها يف الدستور ،تسمو على
القانون .وهذا طبقا للمادة .......
إقرار مبدأ خضوع املعاهدة الدولية لرقابة اجمللس الدستوري لضمان مسو الدستورعلى املعاهدة .و هذا ما نصت
عليه املادة " ....يفصل اجمللس الدستوري ،ابإلضافة إىل االختصاصات اليت خولتها إايه صراحة أحكام أخرى يف
الدستور ،يف دستورية املعاهدات والقوانني ،والتنظيمات ،إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ ،أو بقرار يف احلالة
العكسية" .
و إذا ارأتى اجمللس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق ،أو اتفاقية ،فال يتم التصديق عليها (.املادة )......
وهذا من أجل ضمان مسو الدستور و احلفاظ على وحدة النظام القانوين للدولة .
ومما سبق بيانه ميكن االستنتاج أن الدول ال أتخذ إبحدى النظريتني بصفة كلية ،و إمنا تتبىن حلوال وسطى بني
هذه النظرايت ،جتعلها تقر ابختالف أسس القانونني ومتايزمها مثلما تذهب إليه النظرية الثنائية ،وتعرتف بسمو
14
القانون الدويل على القانون الداخلي ابستثناء الدستور أي مسوا نسبيا فقط ،وهذا ما يتقارب من نظرية الوحدة مع
مسو القانون الدويل.
15