You are on page 1of 13

‫مقدمة‪.

‬‬

‫من المسلم به أن الكائن البشري محتاج في حياته للعيش ضمن الجماعة‪ ،‬وما هذا إال لكونه مدني‬
‫بطبعه وبفطرته التي فطره الله سبحانه وتعالى عليها‪ ،‬وهو ما أدى إلى ظهور فكرة المجتمع الذي يقصد‬
‫ظم‬
‫بها من ناحية علم االجتماع‪ ..." :‬مجموعة من الناس تعيش سوية في شكل من ّ‬
‫وضمن جماعة منظمة‪ ...‬يسعى كل واحد منهم لتحقيق المصالح واالحتياجات‪ ."...‬وعلى ذلك فإن عيش‬
‫اإلنسان في جماعة يوّلد نوعا من المعامالت كنتيجة منطقية للعالقات المقامة بين األفراد‪.‬‬
‫إال أن العيش ضمن الجماعة قد يؤدي في بعض األحيان إلى االختالف والصراع بين أفرادها‪،‬‬
‫خاصة في حالة تعارض المصالح واألهداف‪ ،‬ومن ثم كان لزاما أن تنظم العالقات بجملة من القواعد‪،‬‬
‫للحد من حريات األفراد ورغباتهم المطلقة‪ ،‬وللتوفيق بين مصالحهم‪ ،‬وهذا منعا لكل تعارض أو تضارب‬
‫فيما بينهم‪.1‬‬
‫هذه القواعد المنظمة لسلوكيات أفراد المجتمع‪ ،‬تم االصطالح عليها بمصطلح "القانون"‪ .‬فالحاجة‬
‫إلى القانون إذن تنشأ من مجرد وجود أشخاص يعيشون في جماعة‪.‬‬
‫على أن احترام القانون وفرض سلطانه وهيبته على أعضاء الجماعة‪ ،‬يقتضي بالضرورة ظهور‬
‫سلطة – مهما كان شكلها – تتولى مهمة اإلشراف على وضع القواعد وتسهر على مدى احترامها‪،‬‬
‫وتتولى كذلك معاقبة المخالفين لها‪ ،‬ومن هنا ظهرت فكرة الدولة التي تقوم على ثالث أركان أو عناصر‬
‫هي‪ -1 :‬وجود مجموعة من البشر‪ -2 ،‬استقرار هذه المجموعة فوق إقليم محدد‪ -3 ،‬خضوع هذه‬
‫المجموعة لسلطة معينة‪.‬‬
‫و من باب التذكير‪ ،‬يمكن القول بأن الدولة تتشكل من ثالث سلطات هي‪ :‬السلطة التشريعية‬
‫واضعة القانون‪ ،‬السلطة التنفيذية المطبقة للقانون‪ ،‬السلطة القضائية الساهرة على مدى احترام القانون‪،‬‬
‫فهذه السلطات تعمل في تكامل وتعاون فيما بينها وفقا للمفهوم المرن لمبدأ الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬ومن خالل ما سبق يمكن القول بأن القانون بصفة عامة عبارة عن "‪ ...‬مجموعة‬
‫من القواعد القانونية العامة التي تنظم سلوك األفراد في المجتمع‪ ،‬والتي تكفل الدولة احترامها بالقوة عند‬
‫‪.‬‬
‫االقتضاء عن طريق توقيع جزاء على من يخالفها‪"...‬‬

‫‪ )1‬توفيق حسن فرج‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية‪ ،‬النظرية العامة للقانون والنظرية العامة للحق‪ ،‬ط‪ ،2 .‬مؤسسة الثقافة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ص‪.11 .‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن القواعد القانونية وإن كانت تتسم بخصائص مشتركة (عامة‪،‬‬
‫ومجردة‪ ،‬وملزمة) إال أنها ليست على نوع واحد وإنما تتعدد وتتنوع تبعا لتعدد وتنوع العالقات التي تنظمها‬
‫في المجتمع‪ ،‬فما ينظم عالقة األفراد في بينهم‪ ،‬يختلف عن ذلك الذي ينظم عالقتهم مع الدولة‪ ،‬أو ما‬
‫ينظم عالقة هذه األخيرة بباقي الدول في المجتمع الدولي‪ ،‬ومن هنا درجت غالبية الدراسات الفقهية‬
‫التقليدية إلى تقسيم القانون الوضعي إلى قانون خاص ينظم عالقات األفراد وقانون عام ينظم العالقات‬
‫التي تكون الدولة طرفا فيها‪.‬‬
‫هذا النوع األخير من القانون (القانون العام) يهتم بتنظيم الدولة وغيرها من األشخاص العامة‬
‫التابعة لها‪ ،‬وذلك فيما يتعلق ببنائها وممارسة نشاطها بوصفها سلطة عامة تقوم على تحقيق المصالح‬
‫العامة‪.1‬‬
‫وعلى شاكلة القانون الخاص الذي يتفرع إلى العديد من القوانين كالقانون المدني‪ ،‬والقانون التجاري‪،‬‬
‫وقانون األسرة‪ ...‬إلخ‪ ،‬فإن القانون العام هو اآلخر يضم مجموعة من القوانين أهمها‪ :‬القانون الدستوري‪،‬‬
‫القانون المالي‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القانون اإلداري إلى غير ذلك من القوانين التي‬
‫تظهر الدولة فيها كطرف في العالقة باعتبارها صاحبة السلطة العامة‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هو المفهوم العلمي لمصطلح القانون العام‪ ،‬إال أن التقاليد األكاديمية ال تأخذ به‪ ،‬بل‬
‫وقفت باصطالح القانون العام عند مفهوم ضيق من هذا المفهوم العلمي األكاديمي‪ ،‬فتستعمل أحيانا‬
‫هذا المصطلح بحيث ال يشمل سوى القانون الدستوري‪ ،‬والقانون اإلداري‪ ،‬والقانون المالي‪ .‬وتستعمله‬
‫أحيانا أخرى بمعنى أضيق بحيث يقف االصطالح عند مادتي القانون الدستوري والقانون اإلداري‬
‫فحسب‪ ،‬لما بينهما من روابط وثيقة‪ .‬ويعد هذا االستعمال األخير هو الغالب في التقاليد األكاديمية في‬
‫الوقت الحاضر‪ .‬ولقد ساعد على ذلك أن بقية فروع القانون العام (كالقانون الدولي العام‪ ،‬والقانون‬
‫المالي‪ ،‬وقانون العقوبات) قد أخذت طريقها إلى االستقالل لتكون مواد قائمة بذاتها‪.‬‬
‫وبناءا على ماسبق ذكره نطرح اإلشكالية التالية‪.‬‬
‫ما مفهوم القانون اإلداري من حيث المقصود به ونشأته ثم خصائصه؟‪.‬‬

‫‪ )1‬ابراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬مبادئ وأحكام القانون اإلداري‪ ،‬ماهية القانون اإلداري‪ ،‬تنظيم اإلدارة العامة‪ ،‬أموال اإلدارة‬
‫العامة‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1991 ،‬ص‪.6 .‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف ونشأة القانون اإلداري‪.‬‬

‫البد قبل البحث في موضوع القانون اإلداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقي الضوء‬
‫على هذا القانون من حيث طبيعته‪ ،‬فنبين التعريف بالقانون اإلداري (المطلب األول) ونشأته‬
‫في دولته األم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالم العربي وبعد ذلك في‬
‫دولة اإلمارات العربية المتحدة (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف القانون اإلداري‪.‬‬

‫هو مجموعة القواعد القانونية التي تتميز عن قواعد الشريعة العامة (قواعد القانون الخاص) تنظم‬
‫أو تحكم أو تبين تكوين اإلدارة (الجانب الشكلي أو العضوي)‪ ،‬وتبين كيفية ممارسة اإلدارة ألنشطتها‪،‬‬
‫ووسائل اإلدارة في تحقيقها ألهدافها (الجانب الموضوعي أو المادي)‪.‬‬
‫ومن ثم فإن موضوعات القانون اإلداري هي‪:‬‬
‫التنظيم اإلداري‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫المركزية والالمركزية‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫التفويض اإلداري‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫الضبط اإلداري‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫المرفق العام‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫القرار اإلداري‪.‬‬ ‫‪)6‬‬
‫العقد اإلداري‪.‬‬ ‫‪)7‬‬
‫المال العام‪.‬‬ ‫‪)8‬‬
‫الموظف العام والوظيفة العامة‪.‬‬ ‫‪)9‬‬
‫في حين عرفه البعض بأنه القانون الذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها‬
‫ونشاطها باعتبارها سلطة عامة‪.1‬‬

‫‪ -1‬ناصر لباد‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،2 .‬منشورات لباد‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.50 .‬‬
‫ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين‪ ،‬قانون عام وقانون خاص‬
‫‪ ,‬القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتها العامة ‪ ,‬ويحكم العالقات القانونية التي‬
‫تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاً فيها ‪ ,‬وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق‬
‫وامتيازات استثنائية ال مقابل لها في عالقات األفراد‪.‬‬

‫أما القانون الخاص فينظم نشاط األفراد ويحكم العالقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى‬
‫هيئاتها عندما تظهر بمظهر األفراد العاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات‬
‫استثنائية ‪.‬‬

‫ويشتمل كل قسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام‬
‫الخارجي ويتضمن القانون الدولي العام ‪ ,‬والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوري والقانون‬
‫اإلداري والقانون المالي ‪.‬‬

‫في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة‬
‫وغيرها من القوانين األخرى ‪.‬‬

‫وكما بينا فأن القانون اإلداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاط اإلدارة العامة‬
‫‪1‬‬
‫وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري ‪.‬‬

‫وفي هذا المجال يسود مفهومان لإلدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي‪ ،‬والمفهوم الموضوعي‬
‫أو الوظيفي ‪.‬‬

‫المفهوم العضوي‪ :‬يهتم بالتكوين الداخلي لإلدارة العامة ‪ ,‬فيعرف اإلدارة العامة بأنها السلطة‬
‫اإلدارية سواء المركزية منها أو الالمركزية ‪ ,‬وجميع الهيئات التابعة لها ‪.‬‬

‫بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي‪ ،‬فيعرف اإلدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة‬
‫التي تتوالها األجهزة اإلدارية إلشباع الحاجات العامة ‪.‬‬

‫‪ -1‬توفيق حسن فرج‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية‪ ،‬النظرية العامة للقانون والنظرية العامة للحق‪ ،‬ط‪ ،2 .‬مؤسسة الثقافة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ن‪ ،‬ص‪.11 .‬‬
‫وتبعاً لذلك فإن القانون اإلداري بمعناه العضوي هو القانون الذي يحكم السلطة اإلدارية أو األجهزة‬
‫اإلدارية في الدولة‪ ،‬بينما يمكننا أن نعرف القانون اإلداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم‬
‫النشاط أو الوظيفة التي تتوالها األجهزة اإلدارية لتحقيق المصلحة العامة ‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقه في ترجيح أحد المفهومين إال أن االتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف‬
‫القانون اإلداري بأنه‪ " :‬القانون الذي ينظم األجهزة والهيئات اإلدارية في الدولة‪ ،‬ويحكم النشاط أو الوظيفة‬
‫‪1‬‬
‫التي تتوالها األجهزة اإلدارية لتحقيق المصلحة العامة‪".‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة القانون اإلداري‪.‬‬


‫نشأ القانون اإلداري على النحو التالي‪:‬‬

‫في فرنسا‪ :‬نشأ القانون اإلداري في فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية سنة ‪1789‬م ذلك‬ ‫‪:1‬‬
‫بقوانين سنة ‪1790‬م وذلك ألسباب تاريخية خاصة ثم بقي واستمر وتطور إلى أن نشأ القضاء‬
‫اإلداري في فرنسا ونشأ معه القانون اإلداري سنة ‪1872‬م ألسباب فنية‪ ،‬وهذه األسباب هي التي‬
‫أدت إلى انتقاله إلى الدول األخرى ومنها (مصر)‪.‬‬

‫في مصر‪ :‬نشأ النظام اإلداري بنشأة القضاء اإلداري سنة ‪1916‬م وكان اختصاص‬ ‫‪:2‬‬
‫القضاء اإلداري محددا على سبيل الحصر‪ ،‬ولكنه أصبح صاحب االختصاص العام بدء من دستور‬
‫سنة ‪1971‬م ونشأ القانون اإلداري في هذه الفترة متأث ار بالنظام الفرنسي وبناء قواعد ونظريات‬

‫أصيلة للنظام المصري‪.‬‬


‫‪:3‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ :‬يالحظ انه على الرغم من عدم وجود جهات قضائية‬
‫إدارية مستقلة عن القضاء العادي في دولة اإلمارات‪ ،‬إال أن ذلك لن يمنع من وجود قانون إداري‬
‫مستقل‪ ،‬ويطبق القضاء العادي بدوائره اإلدارية القانون اإلداري في الموضوعات المختلفة‪ ،‬وهذه‬
‫القواعد اإلدارية مستقلة عن قواعد القانون الخاص (والتي تعرف بقواعد الشريعة العامة)‪ ،‬وذلك‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬مراد بدران‪ ،‬محاضرات في القانون اإلداري والمؤسسات اإلدارية‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان‪ ،2007 ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪ )3‬وقد نصت المادة‬ ‫القضاء‬ ‫وطبق‬ ‫‪)2‬‬ ‫المشرع‬ ‫تدخل‬ ‫‪)1‬‬
‫اإلماراتي بتنظيم موضوعات العادي منذ سنوات عديدة (‪ )102‬من الدستور االتحادي‬
‫إدارية كثيرة‪ ،‬ومنها على سبيل العديد من المبادئ والنظريات اإلماراتي لسنة ‪1791‬م على‬
‫والقواعد اإلدارية األساسية قيام محكمة اتحادية أو أكثر‪،‬‬ ‫المثال ال الحصر‪:‬‬
‫‪ ‬قانون الخدمة المعروفة في الدول التي تأخذ وجعل من اختصاصها الفصل‬
‫في المنازعات اإلدارية بين‬ ‫بقضاء إداري مستقل‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫المدنية‪.‬‬
‫فرنسا اإلتحاد واألفراد‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬قوانين‬
‫مصر‬ ‫‪‬‬ ‫الكادرات الخاصة‪.‬‬
‫‪ .....‬إلخ‬ ‫‪ ‬الئحة شراء‬
‫المواد والمقاوالت‪.‬‬
‫‪ ‬لوائح األشغال‬
‫العامة‪...‬الخ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خصائص القانون اإلداري‪.‬‬


‫من خالل ما سبق من التعريفات يتضح لنا أن للقانون اإلداري مجموعة من الخصائص‬
‫تتمثل في‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القانون اإلداري حديث النشأة ويتسم بالمرونة والتطور‪.‬‬


‫أن هذا الفرع من القانون ظهر للوجود على يد محكمة التنازع ومجلس الدولة الفرنسيين ابتداء‬
‫ّ‬
‫من المرحلة التي أعترف فيها لمجلس الدولة بالسلطة التقريرية ولم يعد جهة رأي واقتراح‪ .‬ومعنى‬
‫ذلك ّأنه قبل ‪ 1872‬ال يمكن الحديث في علم القانون عن فرع اسمه القانون اإلداري بالمعنى الفني‬
‫كمجموعة قواعد استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص تحكم نشاط اإلدارة وتنظيمها‬
‫أن نشأة هذا القانون بالذات ارتبط بالظروف السياسية التي مرت بها‬
‫ومنازعاتها‪ .‬ولقد قلنا سابقا ّ‬
‫فرنسا‪ .1‬وهذا أمر طبيعي طالما كان القانون اإلداري يحكم السلطة التنفيذية في تنظيمها وعملها‬

‫ـ بو زيد فهمي مصطفى‪ .‬القانون اإلداري‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،1990 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬
‫أن هذه السلطة في الزمن السابق للثورة كانت على الغالب األعم ال‬
‫وعالقاتها ومنازعاتها‪ .‬وال شك ّ‬
‫تخضع للرقابة القضائية‪ .‬وال يسأل أعوانها عما سببوه من ضرر للغير‪ .‬ومع التطور الذي ط أر على‬
‫المجتمع الفرنسي خاصة بعد الثورة أصبحت اإلدارة تسأل عن أعمالها التي تسبب ضر ار للغير‪.‬‬
‫وتخضع في نشاطها للرقابة القضائية‪ .‬وهو ما ثبت عمال كما رأينا في قضية بالنكو الشهيرة‪.1‬‬
‫وهكذا فإن تغير نمط الحكم في فرنسا عقب الثورة وما تبعه من تشريعات كان له أثر كبير في‬

‫ظهور القواعد الغير مألوفة أو القانون اإلداري بالمعنى الفني‪ .‬وحري بنا التنبيه ّ‬
‫أن حداثة نشأة هذا‬
‫الفرع من القانون شكلت ولو نسبيا عائقا يقف وراء غموض كثير من مصطلحاته إلى غاية اليوم‬
‫نذكر منها المرفق العام والسلطة العامة والمنفعة العامة‪...‬الخ ورغم الجهود المبذولة من قبل الفقه‬
‫والقضاء في فرنسا وخارجها فان بنيان هذه القانون لم يكتمل بعد‪.2‬‬

‫كذلك لماّ كان القانون اإلداري يهتم أساسا باإلدارة العامة ويحكم نشاطها ّ‬
‫فانه تبعا لذلك وجب‬
‫أن يكون قانونا متطو ار ال يعرف االستقرار ذلك ّأنه ما صلح لإلدارة اليوم قد ال يكون كذلك في‬
‫وقت الحق‪ .‬وتأسيسا على ذلك وجب أن يتكيف هذا القانون مع متطلبات اإلدارة وفقا لما يتماشى‬
‫ووظيفتها في إشباع الحاجات العامة للجمهور‪ .‬وهذا الهدف وحده نراه في حركة دءوبة ودائمة‪.‬‬
‫األمر الذي سينعكس في النهاية على أحكام ومبادئ القانون اإلداري فيجعلها قابلة للتطور والتغيير‪.3‬‬
‫وإذا كانت قواعد القانون المدني والتجاري والبحري مثال رغم ثباتها النسبي قابلة للتعديل من زمن‬
‫فإن قواعد القانون اإلداري وهي التي تتسم بعدم قابليتها للتقنين‬
‫إلى آخر‪ ،‬كلما اقتضى األمر ذلك‪ّ ،‬‬
‫والحصر كأصل عام ستفسح مجاال في حاالت كثيرة لإلدارة الختيار القاعدة التي تليق بها‪ .‬كما‬
‫أن أحكام هذا القانون‬
‫أن القضاء ذاته صرح في كثير من أحكامه وق ارراته ومنها بالنكو المشار إليه ّ‬
‫ّ‬
‫أن هذه المرونة كانت أحد‬
‫قد تتغير بحسب مقتضيات المرفق العام‪ .‬وال نجانب الصواب عند القول ّ‬
‫أهم األسباب التي حالت وتحول دون تقنين القانون اإلداري‪ .4‬فإذا كانت خطوات الفرد وعالقته‬
‫فإن األمر ال‬
‫محددة ومعلومة ويمكن معرفتها والتنبؤ بها وتنظيمها بمقتضى نصوص رغم تشعبها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫يكون كذلك إذا دخل في االعتبار عنصر اإلدارة العامة مما يتعذر معه التنبؤ بالنشاط مسبقا‪،‬‬

‫ـ التكاري البشير‪ .‬مدخل للقانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،2‬مركز لبحوث والدراسات اإلدارية‪ ،‬تونس‪ ،2000 ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ـ الزغبي خالد‪ .‬القانون اإلداري وتطبيقاته في المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪،1986 ،‬ص ‪.63‬‬
‫ـ بوضياف عمار‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،2‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ الزغبي خالد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪4‬‬


‫وبالظروف المحيطة به‪ ،‬وتفاعل اإلدارة مع هذه الظروف‪ ،‬وموقف القاضي منها‪ ...‬وال شك أن‬
‫هذه المرونة ازدادت سعتها وامتد نطاقها بظهور ميادين وقطاعات جديدة أفرزها تدخل الدولة في‬
‫مجاالت كانت اإلدارة بعيدة عنها فيما مضى كالنشاط االقتصادي واالجتماعي‪ .‬وال تفوتنا اإلشارة‬
‫أن التقدم العلمي والتكنولوجي أيضا يساهم في إنشاء نشاطات إدارية مختلفة والتحكم فيها‪.1‬‬
‫ّ‬
‫فاالختراعات العلمية واالكتشافات الكثيرة والمتنوعة وما الزمها من ظهور لمشروعات متنوعة أدى‬
‫إلى تدخل الدولة لمباشرة هذه النشاطات واإلشراف والرقابة عليها بما يؤدي إلى سيطرتها على‬
‫مختلف أوجه النشاط وتنظيم الحركية االقتصادية بهدف إشباع الحاجات العامة للجمهور‪.2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬قانون إداري قانون غير مقنن وهو قانون قضائي‪.‬‬
‫معينة في منظومة‬
‫قصد بالتقنين تجميع رسمي ألهم المبادئ القانونية بخصوص مسألة ّ‬
‫تشريعية كأن نقول القانون المدني أو القانون التجاري أو البحري‪ .‬والتقنين على هذا النحو عملية‬
‫تشريعية تتمثل في إصدار تشريع يضم المبادئ والقواعد التي تحكم فرعا معينا من الروابط‬
‫والعالقات‪ .‬ويظهر التقنين نتيجة جهود تقوم بها كل من السلطة التشريعية داخل كل دولة وكذلك‬
‫جهود السلطة التنفيذية‪ .‬كما يساهم الفقه أيضا وكذلك القضاء بشكل غير مباشر في ظهور التقنين‪.‬‬
‫ويأخذ ظهور التقنين زمنا غير قصير‪ .3‬وكّلما تضافرت الجهود من أجل صياغة تقنين معين كّلما‬
‫أن تقنين القاعدة وتبيان‬
‫ظهر التشريع في صورة يخلو من الثغرات القانونية واألخطاء‪ .‬وال شك ّ‬
‫ألفاظها وحصر معانيها يؤدي إلى وضوحها فيسهل على القاضي معرفة مقصد المشرع ونيته من‬
‫ثم يسهل عليه اإللمام بها وتطبيقها أحسن تطبيق‪ .‬ولقد سبق‬ ‫خالل ما أقره من قواعد مقننة‪ .‬ومن ّ‬
‫أن التشريع في غير المجال اإلداري يتسم بالثبات ولو نسينا بحكم إمكانية التنبؤ بالعالقة‬
‫البيان ّ‬
‫المشرع تكون يسيرة وهو يضع قواعد للقانون المدني‬
‫ّ‬ ‫فان مهمة‬
‫ثم ّ‬‫وما قد تثيره من إشكاالت‪ .‬ومن ّ‬
‫أو التجاري أو البحري‪ .‬وخالف ذلك تماما تكون المهمة في غاية من التعقيد والعسر إن هو حاول‬
‫حصر وجمع مختلف القواعد اّلتي تنظم شتى صور النشاط اإلداري بمجاالته المختلفة‪ .4‬من أجل‬

‫ـ بوضياف عمار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫ـ بو زيد فهمي مصطفى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪2‬‬

‫ـ الطماوي سلمان‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري (دراسة مقارنة)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1992 ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ الزغبي خالد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪4‬‬


‫ذلك ذهب الدكتور سليمان محمد الطماوي إلى القول‪ّ " :‬إنه لو قدر لهذا القانون أن يقنن ألصبح‬
‫أكثر القوانين عرضة للتغيير والتبديل‪."...‬‬
‫أن القضاء خاصة الفرنسي ممثال في مجلس الدولة لعب‬
‫وكذلك أجمعت مختلف الدراسات ّ‬
‫دو ار رائد في إظهار القانون اإلداري إلى حيز الوجود‪ .‬ذلك ّ‬
‫أن مجلس الدولة وفي مرحلة القضاء‬
‫المفوض‪ ،‬حين عرضت عليه منازعات اإلدارة رفض إخضاعها للقانون الخاص وفي غياب كامل‬
‫لنصوص أخرى تحكم نشاط اإلدارة‪ .‬األمر الذي فرض عليه تقديم البديل وإيجاد النصوص اّلتي‬
‫تالئم متطلبات اإلدارة العامة‪ .‬وشيئا فشيئا وحال فصله في المنازعات اإلدارية المعروضة عليه‬
‫استطاع المجلس أن يرسي قواعد قانونية من العدم وعرف من خاللها كيف يوازن بين المصلحة‬
‫العامة أي حقوق اإلدارة و سلطتها من جهة‪ ،‬وحقوق األفراد من جهة أخرى‪ .‬وهذه القواعد أصطلح‬
‫عليها فيما بعد بالقانون اإلداري‪ .‬وتدفعنا ميزة المنشأ القضائي للقانون اإلداري التمييز بين القاضي‬
‫العادي والقاضي اإلداري‪ .‬فاألول قاض تطبيقي أي ّأنه يتولى تطبيق النصوص على القضايا‬
‫المعروضة عليه‪ .‬فإذا كان النزاع مدنيا لجأ للقانون المدني وان كان تجاريا لجأ للقانون التجاري‬
‫وهكذا‪...‬بينما تتجّلى مهمة القاضي اإلداري ّأنه كأصل قاضي تأسيس و إبداع وإنشاء‪ ،‬فهو الذي‬
‫يبدع القاعدة في حال عدم وجودها و تطبيقها على النزاع المعروض عليه‪ ،‬وهي مهمة في غاية‬
‫من الصعوبة‪ .‬من أجل ذلك تمتّع القاضي اإلداري بسلطات أوسع من القاضي المدني‪ ،‬سلطات‬
‫أن أحد أطراف‬
‫من شأنها أن تساعده على إقرار قاعدة عادلة تحكم النزاع الذي بين يديه خاصة و ّ‬

‫النزاع سلطة عامة (السلطة التنفيذية) وتتمتع هي األخرى بامتيازات وسلطات‪ .‬ومن ّ‬
‫ثم كان لزاما‬
‫تزويد القاضي بسلطة أوسع إلخضاع اإلدارة للقانون تكريسا وتطبيقا لمبدأ المشروعية‪.1‬‬

‫ـ بو زيد فهمي مصطفى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪11‬‬


‫الخاتمة‪.‬‬
‫يمكن القول أنه بين القانون اإلداري واإلدارة العامة يوجد بينهما الكثير من أوجه التقارب ‪,‬‬
‫من حيث أنها يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهاز اإلداري في الدولة وأن انحصرت دراسة‬
‫كل منها بجانب من جوانبه ‪ ,‬حتى أننا نجد أنه في الدول التي ال تأخذ باالزدواج القانوني "النظم‬
‫االنجلوسكسونية " تشتمل دراسة اإلدارة العامة على النواحي القانونية التي يحكمها من حيث األصل‬
‫القانون اإلداري باإلضافة إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية‪.‬‬

‫يتسم القانون اإلداري بأنه قانون يتطور بسرعة تفوق التطور االعتيادي في القوانين‬
‫األخرى ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة المواضيع التي يعالجها ‪ ،‬فقواعد القانون الخاص‬
‫تتميز بالثبات واالستقرار ‪ ،‬وقد ثمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير ‪،‬‬
‫ويعود ذلك إلى أن العالقات التي ينظمها القانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون‬
‫مدني ‪ ،‬قانون تجاري ‪ ،‬قانون مرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قد اًر من‬
‫االستقرار مع ترك الحرية لألفراد من تسيير األمور األخرى ذات الطابع المتغير في‬
‫حدود القواعد العامة المنصوص عليها على عكس القانون اإلداري الذي يعالج‬
‫مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامة وحسن تسيير وإدارة المرافق‬
‫العامة وجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعية وإنما من أحكام‬
‫القضاء وخاصة القضاء اإلداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلول للمنازعات‬
‫اإلدارية وال يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتالئم مع ظروف‬
‫كل منازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل اإلداري ومقتضيات سير المرافق‬
‫العامة‪.‬‬
‫ولعل من أسباب سرعة تطور القانون اإلداري أنه يتأثر بالعوامل االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرة نسبياً ‪،‬‬
‫فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب واألزمات االقتصادية وظهور‬
‫المرافق العامة االقتصادية ‪ ,‬وما إلى ذلك من ظواهر اقتصادية وسياسية وإدارية ‪،‬‬
‫وضرورة استيعاب القانون اإلداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلى‬
‫التطور المستمر في أحكامه‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪.‬‬
‫_ بو زيد فهمي مصطفى‪ .‬القانون اإلداري‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1990 ،‬‬
‫_ التكاري البشير‪ .‬مدخل للقانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،2‬مركز لبحوث والدراسات اإلدارية‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪.2000‬‬

‫_ الزغبي خالد‪ .‬القانون اإلداري وتطبيقاته في المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬دار‬
‫الثقافة‪ ،‬عمان‪.1986 ،‬‬

‫_ بوضياف عمار‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،2‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2007‬‬

‫_ الطماوي سلمان‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري (دراسة مقارنة)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫القاهرة‪.1992 ،‬‬

‫‪ -‬ناصر لباد‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،2 .‬منشورات لباد‪ ،‬الجزائر‪.2007 ،‬‬

‫‪ -‬توفيق حسن فرج‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية‪ ،‬النظرية العامة للقانون والنظرية العامة‬
‫للحق‪ ،‬ط‪ ،2 .‬مؤسسة الثقافة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ن‪.‬‬

‫‪ -‬مراد بدران‪ ،‬محاضرات في القانون اإلداري والمؤسسات اإلدارية‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‬
‫تلمسان‪.2007 ،‬‬

You might also like