Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في مقياس
أسس القانون -1-
للسداسي األول
2
المحور األول :ماهية القانون
يعتبر االنسان اجتماعي بطبيعته ،فهو ال يستطيع العيش بمفرده في الحياة ،إنما يجب عليه أن
ينخرط في جماعة من الناس ،هذا ما ينتج عنه بالضرورة دخول اإلنسان الفرد مع الجماعة التي
يعيش فيها في عالقات و معامالت عديدة ،يستطيع من خاللها إشباع حاجاته ،إال أن قيام مثل هذه
العالقات بين اإلنسان الفرد و الجماعة و أفرادها ،يؤدي إلى قيام التعارض بين مصلحته و بين
مصلحة األشخاص اآلخرين ،و هذا من شأنه أن يخلق الفوضى و االضطراب في المجتمع .
عليه ،من الواجب وضع تنظيم لهذه العالقات التي يقوم بها االنسان الفرد مع غيره من
األشخاص اآلخرين ،بهدف إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة أو المتناقضة.
من أجل تحقيق هذا النظام ،يتوجب بالضرورة وجود قواعد سلوك Règles de conduite
ترشد األفراد في تصرفاتهم و سلوكياتهم ،قواعد سلوك تحكم العالقات داخل المجتمع بتحديد
حقوق و واجبات األفراد ،فيشعر كل فرد بوجوب احترامها ،و إال تعرض لجزاء تفرضه عليه
سلطة عامة تمثل المجتمع ككل.
إن مجموعة القواعد التي تحكم النظام في الجماعة تدعى "قانون" ،فهو الذي يقيم التوازن
بين مصالح األفراد المتعارضة و المتضاربة أو التوفيق بينهما ،فال وجود لجماعة مستقرة
ومنظمة دون وجود قانون .
يرجع األصل اللغوي لكلمة قانون إلى اللغة اليونانية ،حيث أخذت من الكلمة اليونانية ،kanun
أو من الكلمة الرومانية ، kanonو التي تعني العصا المستقيمة .
فكلمة قانون تستعمل كمعيار لقياس انحراف األشخاص عن الطريق المستقيم الذي سطره لهم
القانون.
3
عبرت اللغات الالتينية على القانون بكلمة مستقيم ،و باستعمال كلمات أخرى تدل على المعنى
نفسه ،فاستعملت اللغة الفرنسية مصطلح ، Droitو اللغة اإلنجليزية مصطلح ، Lawو اللغة
اإليطالية مصطلح . Diritto
كلمة Droitتستعمل في اللغة الفرنسية للداللة على مفهومين القانون – الحق ،لذلك من أجل
التمييز بينهما يضيف الفقه القانوني الفرنسي كلمتي Objectifو ،Subjectifحيث يقصد بعبارة
Droit Objectifالقانون ،و بعبارة Droit Subjectifالحق .
في اللغتين العربية و اإلنجليزية ال يوج د هذا اللبس ،إذ تستعمل كلمتي القانون و الحق في
اللغة العربية و كالهما له معنى خاص ،و في اللغة اإلنجليزية تستعمل كلمتي . Right ، Law
يطلق مصطلح "قانون" على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت ،و بهذا
المعنى فإن هذا المصطلح يستخدم إما لإلشارة إلى العالقة التي تحكم الظواهر الطبيعية و
االجتماعية المستمرة وفقا لنظام ثابت كقانون الجاذبية ،قانون العرض و الطلب (.... ،و هذا مفهوم
عام و ليس هو المقصود من دراستنا) .كما يستخدم هذا المصطلح لإلشارة إلى قواعد السلوك التي
يتعين على األفراد احترامها حتى يستقيم النظام في المجتمع ،و لها معنيين معنى عام و معنى
خاص.
تستعمل كلمة قانون استعماال عاما للداللة على مجموعة القواعد التي تحكم سلوك
األفراد و تنظم عالقاتهم في المجتمع على نحو ملزم ،سواء كانت هذه القواعد مكتوبة
أو غير مكتوبة ،سماوية أو وضعية.
قد ينصرف اصطالح القانون للداللة على معنى خاص و ذلك في احدى الحالتين:
4
-1استعمال لفظ القانون في معنى التشريع :La loi
يقصد بالتشريع مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية في
الدولة لتنظيم أمر معين ،فيقال بهذا المعنى :القانون(التشريع) الجبائي ،قانون (تشريع)
اإلعالم....،يالحظ في هذا المجال أن اللغة الفرنسية تميز بين مصطلحي القانون
والتشريع ،فهي تستعمل لفظ DROITعندما تقصد القانون ،و تستخدم لفظ Loiعندما
تقصد التشريع .
يقصد بالتقنين مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تصنعها السلطة المختصة في
كتاب واحد ،بعد تبويبها وتنسيقها بهدف تنظيم فرع معين من فروع القانون كالتقنين
التجاري ،التقنين المدني...... ،
-تعريف القانون:
يمكن إعطاء تعريف شامل للقانون على أنه" :مجموعة القواعد العامة والمجردة التي تنظم
سلوك األفراد وعالقاتهم في المجتمع ،والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند
االقتضاء".
يكمن الهدف من تحديد خصائص القاعدة القانونية في إمكانية العرف عليها وتمييزها عن
غيرها من القواعد األخرى العلمية والسلوكية ،ومن تعريف القانون نستخلص ثالثة ()22
خصائص جوهرية تتميز بها القاعدة القانونية وهي:
ال يوجد القانون إال حيث يوجد المجتمع ،وغاية القانون هي تنظيم سلوك أفراد المجتمع،
وذلك بوضع قواعد السلوك الواجب على األفراد اتباعها ،وكل مجموعة من هذه القواعد تنظم
جانبا محددا من سلوك األفراد ،فقد يكون موضوعا مدنيا أو جزائيا أو تجاريا...... ،
5
عليه ،فالقاعدة لقانونية تنظم سلوك األفراد في المجتمع ،وال تهتم أساسا إال بالسلوك الخارجي
للشخص ،أما المشاعر واألحاسيس الداخلية والنوايا كيفما كانت درجة خطورتها فال يعتد بها،
طالما كانت كامنة في النفس ولم تجسد في سلوك مادي.
يقصد بتجريد القاعدة القانونية ،أن صياغتها ونشوئها ال يتعلق بشخص معين بالذات أو
بواقعة معينة بالذات ،بل نشوئها يكون بصفة مجردة وبدون تحديد ،فالمشرع عند وضعه للقاعدة
القانونية يواجه ظروفا معينة ويضع لها أحكاما ،دون النظر إلى واقعة محددة أو شخص بالذات،
بمعنى أن القاعدة القانونية تخاطب األشخاص بصفاتهم وليس بذواتهم ،وتتناول الوقائع بشروطها
وال بذواتها.
أما العمومية ،يقصد بها أنها تسري على جميع األشخاص المخاطبين بحكمها ،وعلى جميع
الوقائع التي تدخل في مضمونها.
من هنا ،نجد ارتباطا حتميا بين التجريد و العمومية ،فالقاعدة القانونية تنشأ مجردة ،و تكتسب
نتيجة لذلك صفة العمومية عند تطبيقها على األشخاص و الوقائع.
مثال عن ذلك ،ما نصت عليه المادة 102من التقنين المدني" :كل فعل أيا كان يرتكبه
الشخص بخطئه ،و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض" .
فهذه القاعدة التي أوردتها المادة 102هي قاعدة قانونية عامة و مجردة ،تنصرف إلى كل
الوقائع التي يتحق ق فيها ركن الخطأ ،و تتوجه إلى كل األشخاص الذين يرتكبون هذا الخطأ،
والذي يسبب ضررا للغير .
تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون ،و منع التحيز لمصلحة شخص معين أو ضد
شخص معين .
ضمانة هامة لحريات المواطنين و صيانتها من استبداد الحكام .
6
استحالة وضع قرارات أو أوامر خاصة لحكم سلوك كل فرد من أفراد المجتمع على
حدى .
-3القاعدة القانونية قاعدة ملزمة Règle Obligatoire :
يقصد من كون القاعدة القانونية ملزمة ،أن تكون مقترنة بجزاء مادي توقعه السلطة العامة
المختصة جبرا على من يخالف مقتضاها ،بمعنى يتعين على المخاطبين بالقاعدة القانونية االمتثال
لها ،وإال أجبروا على ذلك كرها من خالل توقيع الجزاء.
7