Professional Documents
Culture Documents
1
مصادر القانون الدولي العام
مقدمة:
يقصد بمصادر القانون الدولي العام" ،المنابع التي تستقي منها القاعدة القانونية الدولية أساسها ومنشأها و
بها ترسم حدودها.
ووفقا لما ورد في نص المادة ( 38 )1من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ،والذي يعتبر جزء
أصيال من ميثاق األمم المتحدة ،فإن مصادر القانون الدولي العام هي ،المعاهدات الدولية والعرف الدولي
والمبادئ العامة للقانون كمصادر أصلية ،وأحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين كمصادر ثانوية ،ال تنشئ
قواعد قانونية دولية ،وإنما يمكن اللجوء إليها للتحقق من نشوء قاعد قانونية أو تفسير فحواها.
الجدير بالذكر أنه ال يوجد تدرج بين مصادر القانون الدولي العام األصلية ،حيث أنه قد يعلو
بعضها بعضا .فالمعيار األساسي ،كما سبق ،هو سمو القواعد القانونية الدولية اآلمرة على القواعد القانونية
المكملة ،أيا كان مصدرها الشكلي .وبالتالي فالقواعد القانونية الدولية المستمدة من العرف الدولي ،على
سبيل المثال ،لها ذات القيمة القانونية للقواعد المأخوذة من المعاهدات الدولية ،على أال يحول ذلك دون اتفاق
أشخاص القانون الدولي على االتفاق على مثل هذا التدرج .فعلى سبيل المثال تنص المادة 393من اتفاقية
األمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م على منح نصوص االتفاقية أولوية التطبيق أما المحكمة الدولية
لقانون البحار.
بل أنه ال يوجد أيضا ما يحول دون اتفاق أشخاص القانون الدولي على منح بعض مكونات المصدر
الواحد (كالمعاهدات الدولية) أولوية في التطبيق على ما سواه ،فالمادة 103من ميثاق األمم المتحدة تمنح
وبالرغم من أهمية ماورد في نص المادة ( 38 )1من النظام األساسي لمحكمة العدل ،إال أنه يؤخذ
عليها أنها ال تقدم قائمة حصرية بالمصادر الشكلية للقانون الدولي العام المعاصر ،حيث تجاهلت اإلشارة
2
إلى مصدرين مهمين يشير العمل الدولي إلى أن المحكمة نفسها تستعين بهما عند الفصل في المنازعات
التي تعرض عليها ،وهما قرارات المنظمات الدولية ،والتصرفات باإلرادة المنفردة الصادرة عن الدولة.
وإذا كان يمكن التماس العذر لواضعي النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية في عدم اإلشارة إلى قرارات
المنظمات الدولية كمصدر للقانون الدولي العام على اعتبار أن المنظمات الدولية لم يعترف بها وقت وضع
النظام األساسي للمحكمة ،إال أنه من غير المبرر تجاهل التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة
خالصة القول ،هناك اتفاق على أن المعاهدات الدولية والعرف الدولي يعتبران مصدران رئيسان
من مصادر القانون الدولي العام ،وأحكام المحاكم والفقه مصدران تكميليان ،فيما الزال الخالف قائما حول
3
الفصل األول :المعاهدات الدولية:
وفقا للمادة أ( 2)1من اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات لعامي 1969م (الخاصة بالمعاهدات المبرمة
بين دول فقط) و 1986م (الخاصة بالمعاهدات التي يكون أحد أطرافها منظمة دولية) ،فإن اصطالح
المعاهدة الدولية يقصد به "اتفاق دولي مكتوب يتم إبرامه بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي
يحكمه هذا القانون سواء تم صياغته في وثيقة واحدة أو أكثر و أيا كانت التسمية التي تطلق عليه".
و المعاهدة مصطلع عام ،يطلق على االتفاقيات الدولية بصفة عامة ،و إن كانت العادة قد جرت
على أن يطلق وصف المعاهدة على االتفاقيات الدولية ذات الطابع السياسي ،و وصف اتفاقية على المعاهدات
غير السياسة ،على أن يستخدم مصطلح بروتوكول على المعاهدات التكميلية أو المعدلة لمعاهدة سابقة ،كما
درت الممارسة على اسباغ وصف الميثاق أو العهد على المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية ،علما بأن
القانون الدولي العام ال يفرض على أطرافه قيودا فيما يتعلق بمسميات االتفاقيات المبرمة بينهم ،حيث
تتساوى جميع هذه االتفاقيات من حيث القيمة القانونية بغض النظر عن مسمياتها.
وأيا كان وصف المعاهدة الدولية ،فإنه يشترط العتبارها معاهدة دولية تحقق أربعة عناصر أساسية:
أوال :أن تكون عبارة عن اتفاق بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام (الدول والمنظمات
الدولي) :حيث تقصر اتفاقية فيينا لعام 1969م نطاق تطبيقها على االتفاقيات الدولية المبرمة بين الدول
فقط ،وتطبق أحكام اتفاقية فيينا لعام 1986م على االتفاقيات الدولية التي يكون كل أو أحد أطرافها منظمات
4
دولية ،ويترتب على ذلك أن االتفاقيات التي يبرمها األشخاص الطبيعيون أو المعنويون سواء فيما بينهم ،أو
مع أطراف القانون الدولي العام ال تكتسب صفة المعاهدات الدولية( .مثل االتفاقيات التي قد تبرمها شركات
ثانيا :يجب أن تكون المعاهدة مكتوبة :و إن كان ال يوجد في القانون الدولي العام ما يمنع أن تكون االتفاقيات
بين أطرافه ذات طابع شفهي ،و بالرغم من أن االتفاقيات الدولية الشفهية تنتج آثارها القانونية بين أطرافها،
و تحكمها قواعد القانون الدولي العرفي ،إال أنها تخرج خارج نطاق اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات وفقا
لنص المادة 3من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م ،و إن كان هذا ال يمنع تطبيق بعض نصوص
اتفاقية فيينا على المعاهدات الشفهية إذا كان قد تم تضمينها في اتفاقيات أخرى ملزمة ألطراف المعاهدة أو
وتجدر اإلشارة إلى أنه من الممكن إبرام المعاهدة في وثيقة واحدة أو أكثر .فبالرغم من أنه من
الدارج إبرام المعاهدة الدولية في وثيقة واحدة تحتوي على جميع األحكام المنظمة لموضوعها ،إال أنه ال
يوجد ما يمنع من إبرامها في وثيقتين أو أكثر ،كالمعاهدات التي تقتضي الضرورة أن يرفق بها مالحق.
ثالثا :خضوع موضوع المعاهدة ألحكام القانون الدولي :وعليه ،يخرج من نطاق المعاهدات الدولية،
االتفاقات التي تنظم مسائل ال يحكمها القانون الدولي العام مثل الشراء والبيع وغيره ،و إن كان أطرافه من
أشخاص القانون الدولي العام ،مع العلم بأن هناك توجه فقهي يذهب إلى إخضاع جميع االتفاقيات المبرمة
بين أشخاص القانون الدولي العام إلى أحكام هذا القانون أيا كان موضوع االتفاق ،و يدعم هذا الرأي التوسع
المضطرد في نطاق القانون الدولي العام و شموليته لكثير من المواضيع التي كانت محكومة بقواعد القانون
الداخلي.
5
رابعا :ضرورة أن ينشئ االتفاق التزامات قانونية :حيث يجب أن يكون الهدف منها هو خلق عالقة قانونية
بين األطراف المتعاقدة ،وهو ما يعد بمثابة اإلقرار بوجود اتفاقيات تبرم بين أشخاص القانون الدولي وال
تحدث آثار قانونية ،وال تعتبر لهذا السبب معاهدات دولية .ولهذا فإن هنالك توجه فقهي يفرق بين المعاهدات
واتفاقات الجنتلمان أو الشرف ،وهي تلك االتفاقات ذات الطابع السياسي التي تبرمها دولتان أو أكثر وتعلن
فيها عن عزمها على اتباع منهج سياسي معين أو اتخاذ موقف معين من إحدى القضايا الدولية وذلك دون
التزام قانوني من جانبها .فهي إذن اتفاقات ال تخضع لحكم المعاهدات وال تقيد الدول المشتركة وال يترتب
على عدم احترامها أو تنفيذها أي التزام قانوني ،وكل ما تحدثه هو خلق رابط أدبي يقع على عاتق شخص
الرئيس أو رئيس الحكومة ،وليس على عاتق الدولة ذاتها .ومن األمثلة على اتفاقات الشرف ،ميثاق
األطلنطي الموقع عام 1941م بين الرئيس األمريكي روزفلت ورئيس الوزراء تشرشل ،وتم اإلعالن فيه
عن السياسة التي سوف تتبع لالنتصار في الحرب العالمية الثانية ،وإنشاء منظمة دولية عالمية جديدة تخلف
أما ما يتعلق بأنواع المعاهدات الدولية ،فهناك عدة تقسيم للمعاهدات ،منها تقسيم المعاهدات الدولية
إلى معاهدات خاصة (ثنائية) ومعاهدات عامة (جماعية) .ومن التقسيمات أيضا ،تقسيم المعاهدات تبعا
لمدتها إلى معاهدات محددة المدة ومعاهدات مستديمة .كما يمكن تقسيم المعاهدات الدولية تبعا لموضوعها
إلى معاهدات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .باإلضافة إلى ما سبق ،تقسم المعاهدات إلى معاهدات
شارعه (كميثاق األمم المتحدة وعهد عصبة األمم) ،ومعاهدات عقدية (كمعاهدات تعيين الحدود و المعاهدات
التجارية) ،و تكون المعاهدة شارعه إذا كان الهدف من ابرامها سن قواعد دولية جديدة ،و تكون عقدية إذا
كان الهدف من إبرامها مجرد إنشاء التزامات على عاتق أطرافها تطبيقا للقواعد الدولية القائمة.
6
المبحث الثاني :كيفية انعقاد المعاهدات:
المعاهدات الدولية هي إحدى الوسائل القانونية التي يعبر فيها أعضاء المجتمع الدولي عن إرادتهم
بهدف ترتيب آثار قانونية ملزمة بشأن موضوع محدد ،ولكي تنعقد المعاهدة بالشكل القانوني الملزم يجب
أن تستوفي شروطا موضوعية ،وأخرى شكلية حددها القانون الدولي لالتفاقيات الدولية.
ثالثا :موضوع أو محل المعاهدة. ثانيا :سالمة الرضا. أوال :أهلية مبرمي المعاهدة.
يقصد باألهلية ،صالحية الشخص أو قدرته على اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات طبقا ألحكام
القانون الدولي ،وفقا للطبيعة الخاصة للقانون الدولي العام ،فإنه وبحسب األصل ،ال يتمتع بالشخصية
القانونية الدولية إال الدول والمنظمات الدولية بأنواعها المختلفة .وبالتالي فإن المعاهدة ال تكون مشروعة
من الناحية الموضوعية إال إذا أبرمتها دول تتمتع باألهلية الكاملة .أما الدول ذات السيادة الناقصة فإن أهليتها
أما فيما يتعلق بالمنظمات الدولية ،فإنها تتمتع باألهلية القانونية الدولية التي تؤهلها إلبرام المعاهدات
الدولية ،إال أن أهليتها ،بهذا الخصوص ،تكون مقيدة بالغرض من تأسيسها كمنظمة دولية ،حيث يترتب
إذا كان أساس القوة اإللزامية لغالبية قواعد القانون الدولي العام يكمن في إرادة أشخاصه ،فإن
اإلرادة التي يعتد بها هي وحدها اإلرادة الصحيحة الخالية من العيوب .وبالتالي فإنه باإلضافة إلى توافر
األهلية التامة في أطراف المعاهدة ،يشترط النعقاد المعاهدة الدولية أن يتوافر رضا الدول المشتركة فيها.
7
أي أن يكون رضا أطرافها رضا سليما خاليا من أي عيوب من عيوب الرضا ،كالغلط أو الغش أو اإلكراه،
وإال لحق للطرف المتضرر اعتبار المعاهدة باطلة أو طالب بإبطالها .والهدف من إقرار الرضا كشرط
موضوعي لصحة المعاهدات الدولية ،هو حرص القانون الدولي العام على احترام سيادة الدول من ناحية،
والحرص على استقرار العالقات الدولية من ناحية أخرى( .علما بأنه سيتم الحديث بشكل مفصل عن عيوب
بشكل مبسط ،يقصد بكون موضوع المعاهدة وسببها مشروعا ،أال تتعارض مع قواعد القانون
الدولي العام اآلمرة ،وهي القواعد العامة المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولية كقواعد ال يجوز
اإلخالل بها وال يمكن تغييرها إال بقواعد جديدة من نفس النوع والصفة .هذا وقد نصت المادة 53من اتفاقية
فيينا لقانون المعاهدات على أن "المعاهدة تعتبر باطلة إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من
قواعد القانون الدولي ،"...كما ذهبت المادة 64إلى أبعد من ذلك ،حيث قررت أنه "إذا ظهرت قاعدة آمرة
جديدة ...فإن أي معاهدة تتعارض مع هذه القاعدة تعتبر باطلة وينتهي العمل بها".
المعاهدة اتفاق دولي يخضع ألحكام شكلية رسمية فهي ليست وليدة مرحلة واحدة ،بل تمر بمراحل
متعددة تبدأ بالمفاوضات ،ثم مرحلة كتابة المعاهدة وتوثيق نصوصها ،ثم مرحلة التوقيع ،ثم مرحلة التعبير
يقصد بالمفاوضات ،كأول مراحل إبرام المعاهدات الشكلية ،مناقشة موضوع المعاهدة وبنودها،
وتبادل وجهات النظر حيالها بين أطراف المعاهدة المحتملين .وليس للمفاوضات إطار معين ،فقد تتم شفاهه
8
وقد تكون مكتوبة .وعادة ما تجري المفاوضات بصورة مباشرة بين األطراف المعنية ،وقد تتم بشكل غير
مباشر عن طريق طرف ثالث أو بحضوره حينما يتعذر االتصال المباشر بين األطراف المعنية ،وهو ما
يحدث عادة بعد انتهاء الحروب حيث يتعين إجراء مفاوضات توقيع اتفاقيات السالم عن طريق طرف أخر
نظرا النعدام التمثيل الدبلوماسي بين أطراف النزاع ،ومن األمثلة على ذلك معاهدة السالم المصرية
اإلسرائيلية عام 1979م التي تمت برعاية أمريكية في أعقاب حرب عام .1973ويعد نجاح المفاوضات
أمرا هاما لالنتقال إلى المراحل التالية من مراحل إبرام المعاهدات الدولية.
وقد تنعقد المفاوضات بشكل علني ،وقد تجرى على العكس من ذلك في سرية تامة العتبارات تتعلق
بحماية األمن القومي لألطراف المعنية .وتجري المفاوضات إلبرام معاهدة دولية ثنائية على إقليم أحد
الطرفين أو على إقليم دولة صديقة أو محايدة ،في حين أن المفاوضات إلبرام معاهدات دولية جماعية عادة
ما تتم في إطار مؤتمر دولي يدعى إليه جميع األطراف المعنية ،وقد تقعد أيضا تحت رعاية منظمة دولية
معنية بموضوعها ،كالعهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،والعهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية لعام 1966م ،والذين تم التفاوض على إبرامهما تحت رعاية منظمة األمم المتحدة.
وفقا لما هو دارج ،قبل البدء في العملية التفاوضية ،يتعين على كل من يتفاوض باسم شخص من
أشخاص القانون الدولي العام (دول ومنظمات دولية) أن يقدم لممثل الطرف األخر “أوراق تفويض" ،يبين
من خاللها صفته وأهليته للتفاوض وحدود ما يتمتع به من سلطات وصالحيات في شأن إبرام المعاهدة.
علما بأن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م قد استثنت مجموعة من األشخاص من تقديم أوراق
تفويض ،كرؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية في العالقة بين الدولة
الموفدة والدولة الموفد إليها ،والممثلين المعتمدين من قبل الدول لدى مؤتمر أو منظمة دولية ،علما بأنه إذا
ما تمت المفا وضات من قبل أشخاص ال يملكون الصالحية فإنه ال يترتب عليها أية أثار قانونية إال إذا
9
-القيمة القانونية لنتائج المفاوضات:
بالرغم من األهمية البالغة للمفاوضات في انعقاد المعاهدات الدولية ،إال أن القانون الدولي العام ال
يلزم األطراف المتفاوضة بتنفيذ ما تم االتفاق عليه كنتيجة للتفاوض بغرض إبرام المعاهدة الدولية ،وال
يلزمهم أيضا باستكمال مراحل أو إجراءات إبرامها في حالة نجاح المفاوضات ،وال يتحملون من ثم أية
مسؤولية قانونية دولية إذا امتنعوا عن تنفيذ نتائجها أو االستمرار في اإلجراءات التالية ،وذلك راجع إلى
الطبيعة السياسية للمفاوضات ،وإن كان الرجوع عما تم االتفاق عليه دون وجود مبرر مقبول يعد وال شك
إذا ما انتهت المفاوضات بنجاح فإن هذا النجاح يقود إلى تحرير نص مكتوب للمعاهدة يكون
موضوعا للتوقيع ويعتبر شرطا ضروريا للمعاهدات الدولية ،والحكمة منه إثبات االتفاق إثباتا يحول دون
نشوء خالف حيال وجود االتفاق كلية أو حول بعض نصوصه .وبالرغم من عدم وجود قاعدة محددة يتوجب
اتباعها حيال الشكل الذي يتعين أن تتخذه المعاهدة عند تدوينها ،فإن العمل قد جرى على أن تبدأ صياغة
المعاهدة بديباجة يوضح فيها أسماء الدول المشتركة في المعاهدة وأسماء ممثليهم والباعث على عقدها
وموضوعها ،ويلي الديباجة النصوص التي تشكل صلب المعاهدة ،يليها نصوص أخرى تحدد تاريخ نفاذ
المعاهدة و مدة سريانها و اإلجراءات الالزم توافرها لتبادل التصديقات و كيفية االنضمام الالحق إليها من
الدول التي لم تكن طرفا فيها وقت انعقادها ،إذا كانت جماعية.
وفيما يتعلق بلغة المعاهدة ،فإن الدول األطراف هم من يختار عادة اللغة أو اللغات التي تحرر بها،
وتبرز إشكالية اللغة عندما يكون أطراف المعاهدة دول ذات لغات مختلفة ،هنا قد يلجأ أطراف المعاهدة إلى
-تحرير المعاهدة بلغة واحدة ذات انتشار عالمي سواء كانت لغة أحد األطراف أم ال.
10
-تحريره المعاهدة بلغات جميع الدول األطراف على أن تعتبر إحدى هذه اللغات هي اللغة الرسمية
لالتفاق والتي يعول عليها عند نشوب اختالف بين األطراف حيال نص من النصوص.
-تحريره المعاهدة بلغات جميع الدول األطراف مع عدم تفضيل نسخة على أخرى ،وهو ما قد يؤدي
إلى إشكاليات حول تفسير هذه النصوص .وبالرغم من عيوبه الفنية ،إال أن هذا األسلوب هو
األسلوب الدارج.
التوقيع هو اجراء يهدف إلى التأكيد على أن مراحل إعداد المعاهدة قد اكتملت ،وأصبح كل طرف
على علم تام بمضمون المعاهدة ،وإن كان التوقيع ال يعني ،كقاعدة عامة التزام أطراف المعاهدة بما ورد
فيها من تعهدات ،حيث ال تعد المعاهدة الدولية نافذة بمجرد التوقيع عليها ،إال أن هذا األصل العام قد ترد
عليه بعض االستثناءات تم النص عليها في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م .حيث أشارت المادة
12من االتفاقية إلى بعض الحاالت التي تكتسب فيها المعاهدة صفة اإللزام بمجرد التوقيع عليها من قبل
األطراف وهي:
-أ ن يثبت بطريقة أخرى أن الدول األطراف كانت قد اتفقت على أن يتحقق هذا األثر دون اإلشارة
-إذا اتضحت نية أطراف المعاهدة على إعطاء التوقيع هذا األثر في وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت
علما بأنه بمجرد التوقيع على المعاهدة تصبح معدة للتصديق ويتعين على األطراف واجب االلتزام بمبدأ
حسن النية بعدم مخالفة ما سبق االتفاق عليه ،إلى أن يتم التصديق على المعاهدة ،أو إلى أن تعلن الدولة
11
المرحلة الرابعة :التصديق على المعاهدة:
بعد مرحلة التوقيع والذي ال يترتب عليه بحسب األصل إلزام الدول األطراف بأحكام المعاهدة،
تأتي مرحلة التصديق ،وهي إجراء دبلوماسي يقوم به المسؤول األكبر في الدولة ليؤكد من خالله مشروعية
التوقيع السابق على المعاهدة من قبل المفوض بالتوقيع ،فهو بمثابة قبول للمعاهدة بصورة رسمية من السلطة
فالتصديق على المعاهدة الدولية هو اإلجراء الخاص بقبول االلتزام النهائي بها من قبل الدولة التي
سبق لها التوقيع على مشروعها ،وهو إجراء يصدر بطريقة رسمية عن جهاز الدولة المختص دستوريا
بإبرام المعاهدات ،وبمقتضاه توافق الدولة على المعاهدة ،وتتعهد بتنفيذها بدءا من التاريخ المتفق عليه.
والحكمة من تعليق نفاذ المعاهدة على التصديق هي إعطاء الفرصة لحكومة كل دولة أن تعيد النظر
في المعاهدة قبل أن تلتزم بما ورد فيها .وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد في القانون الدولي العام ما يلزم
الدولة بالتصديق على المعاهدات التي وقعت عليها ،أو حتى ابداء أي أسباب في حالة امتناعها عن التصديق،
حيث ال يترتب على امتناعها عن التصديق على المعاهدة التي وقعت عليها سابقا أي مسؤولية قانونية دولية.
وتحدد دساتير الدول السلطة المخولة بالتصديق على المعاهدات ،وإن كان الدارج أن تمنح صالحية
التصديق لرئيس الدولة ،وقد يقضي الدستور بأن يتم إحالة األمر إلى السلطة التشريعية لدراسة المعاهدة قبل
أن يصادق عليها رئيس الدولة ،حيث ال يترتب على إحالة المعاهدة للسلطة التشريعية أن تكون ذات
االختصاص في التصديق ،مما يعني أنه يجوز لرئيس الدولة أن يمتنع عن التصديق حتى بعد موافقة السلطة
التشريعية .وال يجوز ،كقاعدة عامة ،لدولة ما أن تصدق على بعض أحكام المعاهدة الدولية دون البعض
األخر مالم ترخص المعاهدة ذاتها بذلك ،وال يعد من قبيل التصديق الجزئي التصديق مع ابداء التحفظ على
ويتخذ التصديق في الواقع العملي شكل خطاب موجه من الجهة المختصة بإبرام المعاهدات الدولية
في الدولة (رئيس الدولة) ،إلى األطراف األخرى في المعاهدة تشير فيه ،وذلك بعد التحية الواجبة ،إلى أنه
قد تم النظر في المعاهدة والموافقة على جميع أجزائها وفقا لما ينص عليه الدستور ،ثم يشار إلى نص
12
المعاهدة كامال ،ويليه عبارات تفيد بأنه تم التصديق عليها وسوف تراعى أحكامها ،ويأتي في نهاية الخطاب
والتصديق على المعاهدات الدولية في المملكة ،يتم بمرسوم ملكي يصدر من الملك باعتباره رئيسا
للسلطة التنفيذية وذلك بعد دراسة المعاهدة في مجلسي الشورى والوزراء كال على حدة ،حيث ال يشترط
موافقتهما مسبقا قبل إجراء التصديق وإنما يكتفى بدراستها من قبلهم وإبداء المالحظات إن وجدت.
-ال يعد التصديق الطريقة الوحيدة لدخول المعاهدات حيز النفاذ( .التوقيع!)
ال تلتزم الدولة بالتصديق على المعاهدات الدولية ،بما في ذلك المعاهدات التي اقترحت هي ذاتها
إبرامها ،فمن المسلم به فقها وعمال أن عملية التصديق ،كوسيلة للتعبير عن ارتضاء االلتزام النهائي
بالمعاهدة ،تخضع لكامل السلطة التقديرية للدولة ،األمر الذي يترتب عليه عدم تحملها المسؤولية القانونية
الدولية في حالة االمتناع عن التصديق على معاهدة ما ،وإن كان قد يعتبر تصرفا غير أخالقي يثير
ال تقتصر أهمية التحفظ على المعاهدات الدولية في كونه يساهم في منح القانون الدولي العام مزيدا
من االنتشار من خالل منح الفرصة لعدد أكبر من الدول والمنظمات الدولية فرصة المشاركة في إبرام عدد
أكبر من المعاهدات الدولية ،وبالتالي المساهمة في سن مزيد من القواعد القانونية الدولية المكتوبة ،وإنما
لما يترتب على إعماله من تفاوت كبير في الحقوق وااللتزامات الناتجة عن المعاهدات عند إعماله ،األمر
13
عرفت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التحفظ في مادتها الثانية بأنه "إعالن من جانب واحد أيا
كانت صيغته أو تسميته يصدر عن الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى
معاهدة ما ،وتهدف به استبعاد أو تعديل األثر القانوني ألحكام معينة في المعاهدة من حيث سريانها على
هذه الدولة" .فالتحفظ إذن هو إجراء يسمح للدول والمنظمات باالنضمام إلى المعاهدات الدولية دون االلتزام
بكل ما فيها من أحكام ،بحيث يحق لهم طلب استبعاد أو تعديل بعض األحكام عند تطبيقها عليهم ،على أن
يكون لبقية أطراف المعاهدة المعنية حق قبول أو رفض هذا الطلب .وبالتالي ،فإن التحفظ يكون بمثابة
"إعالن من جانب واحد" يتوقف نفاذه على إجازة أطراف أخرين ،وهو بذلك يختلف عن التصرف باإلرادة
المنفردة ،الذي ينتج آثاره باالستناد إلى إرادة مصده دون الحاجة إلى إجازة الحقة من أشخاص أخرين.
والتحفظ ال يكون إال عند مرحلة التعبير عن ارتضاء االلتزام النهائي بالمعاهدة ،وذلك ألنه إذا
أثارت الدولة أو المنظمة اعتراضا على بعض النصوص خالل المراحل األخرى ،فإنه يمكن التفاوض
حولها والتوصل إلى صيغة توافقية جديدة ،فالتحفظ إذن قد تبديه الدولة أثناء التوقيع على المعاهدة ،مما
يجعل أثاره معلومة لبقية األطراف قبل أن يلتزموا بنصوص المعاهدة ،وقد يرد التحفظ على المعاهدة أثناء
التصديق وهو ما قد يترتب عليه بعض اإلشكاليات التي قد تؤدي إلى رفض المعاهدة بالكامل .وقد تبدي
الدولة التحفظ عند االنضمام وهو ما قد يثير الكثير من اإلشكاليات باعتبار أنه يعني رغبة الدولة المتحفظة
في فرض تعديالت منفردة على األطراف األصليين بعد أن تصبح المعاهدة نافذة بينهم.
-هذا ويختلف التحفظ والذي يهدف إلى إبعاد الحكم بصفة نهائية أو تعديل آثاره عن اإلعالن التفسيري
الذي يعد إجراء تقوم به الدولة عند ارتضائها االلتزام النهائي بالمعاهدة بغية تحديد معنى حكم من
-أنواع التحفظ :ينقسم التحفظ على المعاهدات الدولية إلى تحفظ باالستبعاد ،حيث تكون الدولة أو
المنظمة الدولية المتحفظة راغبة في عدم االلتزام كلية ببعض أحكام المعاهدة ،وتحفظ تفسيري أو
تعديلي يعني أن المتحفظ يرغب في االلتزام بأحد أحكام المعاهدة وفق تعديل أو تفسير يعبر عنه
14
مشروعية التحفظ:
وفقا لنص المادة 19من اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات ،فإنه يمكن القول بأن القاعدة العامة هي
جواز التحفظ .ومع ذلك فإنه ،يتعين التفرقة في هذا الشأن بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية،
فبالنسبة للمعاهدات الثنائية يعد التحفظ فيها ،وفقا للرأي الراجح ،بمثابة إيجاب جديد "أو اقتراح تعديل" ال
يحدث أثره مالم يقبله الطرف األخر ،وإال انهارت المعاهدة بأكملها ،وهذا ما تؤكده السوابق الدولية .أما فيما
حيث أجازت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المادة ،19للدولة أن تبدي تحفظا على المعاهدة عند
توقيعها أو التصديق عليها أو قبولها أو الموافقة عليها أو االنضمام إليها ،على أن هذا الحق ال يسري في
-1إذا تضمنت المعاهدة نصا يحظر إبداء التحفظات :وعليه إما أن تقبلها األطراف كاملة أو ترفض
االنضمام إليها.
-2إذا كانت المعاهدة تجيز إبداء تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ :حيث قد تحظر بعض
المعاهدات ابداء التحفظات على بعض النصوص التي تشكل العمود الفقري في أحكام المعاهدة أو
النصوص الجوهرية التي بدونها تصبح المعاهدة عديمة أو قليلة الفائدة .مثال تنص المادة 57من
االتفاقية األوربية لحماية حقوق االنسان وحرياته األساسية على أنه يحق لكل دولة طرف إبداء
تحفظات تتعلق بحكم خاص في االتفاقية حينما يكون متعارضا مع تشريع داخلي ،مما يعني بأنه ال
-3إذا كان التحفظ مخالفا لموضوع المعاهدة والغرض منها :بعض المعاهدات الدولية تنص صراحة
على معيار التمييز ،فعلى سبيل المثال تشترط المادة 20من االتفاقية الدولية المتعلقة بإزالة جميع
أشكال التمييز العنصري لعام 1966م ،على أن التحفظ يكون متعارضا مع موضوع وهدف
االتفاقية إذا اعترض عليه ثلثا الدول األطراف .أما في حالة عدم احتواء المعاهدة على مثل هذا
المعيار ،فإنه يترك لكل طرف متعاهد الحرية في تقدير مدى مخالفة التحفظ الصادر من الطرف
15
األخر مع موضوع المعاهدة من عدمه ،وبالتالي يظل معيار التمييز من أكثر األمور إثارة للمشاكل
ألن معيار اتفاق أو عدم اتفاق التحفظ مع موضوع المعاهدة والهدف منها هو معيار شخصي.
-مشروعية التحفظات ذات الطابع العام :ال يجوز قبول التحفظات ذات الطابع العام.
عندما تبدي دولة أو منظمة دولية ما رغبتها في التحفظ على معاهدة دولية ،نكون أما ثالث
حاالت:
-1قبول التحفظ من قبل جميع األطراف المتعاهدة ،وبالتالي ال توجد أية إشكالية ،بحيث يطبق
-2االعتراض على التحفظ من قبل جميع أطراف المعاهدة ،وهنا ال توجد إشكالية أيضا ،حيث ال
-3قبول التحفظ من قبل بعض أطراف المعاهدة الدولية ،واالعتراض عليه من البقية ،وهنا يصبح
المتحفظ طرفا في المعاهدة بالنسبة لمن قبل التحفظ ،و يسري التحفظ من ثم على عالقاتهم
المتبادلة :و فيما يتعلق بالعالقة بين المتحفظ و األطراف المعترضة على التحفظ ،فإن المتحفظ
يعد طرفا في المعاهدة و يسري التحفظ في مواجهة األطراف المعترضة مالم يطلبوا عدم نفاذ
المعاهدة بينهم و بين المتحفظ ،بحيث ال يصبح الطرف المتحفظ طرفا في المعاهدة بالنسبة لهم.
16
المرحلة الخامسة :مرحلة التسجيل والنشر:
بعد أن تستوفي المعاهدة شروطها الموضوعية والشكلية تكون قد استكملت ميالدها ،وال يبقى لها
لكي تصبح نافذة في مواجهة المجتمع الدولي ،إال استيفاء المرحلة األخيرة وهي تسجيل ونشر أنباء عقدها
بهدف تحقيق عنصر العالنية لها في نطاق العالقات الدولية ،حيث يتم ذلك بقيام أطرافها بإيداع صور منها
لدى جهاز دولي مختص بهدف تمكينه من تدوينها في سجل خاص معد لهذا الغرض .حيث نصت المادة
102من ميثاق األمم المتحدة على وجوب تسجيل المعاهدات لدى األمانة العامة لألمم المتحدة ونشرها.
كما نصت المادة 80من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م والمادة 81من اتفاقية فيينا
لعام 1986م ضرورة أن تحال المعاهدات (بعد دخولها حيز النفاذ) إلى األمانة العامة لألمم المتحدة لتسجيلها
أو قيدها وحفظها ونشرها ،وهو ما يفهم منه أن المعاهدات تكون صحيحة وملزمة من تاريخ نفاذها وقبل
ثانيا :هدف علمي قانوني :وهو تسهيل عملية تقنين القانون الدولي والوقوف على أحكامه ،وبالتالي
تطوره.
الجزاء المترتب على عدم تسجيل المعاهدات هو عدم جواز االحتجاج بها في مواجهة الغير.
17
المبحث الثالث :اآلثار القانونية للمعاهدات الدولية:
من المؤكد أن إبرام المعاهدات الدولية ليس غاية في ذاته ،و إنما هو وسيلة أو ألية لتنظيم العالقات
الدولية ،األمر الذي يفترض معه أن تبدأ المعاهدة في السريان بمجرد إبرامها صحيحة وفق اإلجراءات
السابق ذكرها ،كقاعدة عامة ،تحدد كل معاهدة الطريقة التي يتم من خاللها تنفيذ أحكامها ،كما تحدد تاريخ
هذا التنفيذ ،حيث قد ينص بعضها على نفاذ المعاهدة بمجرد التوقيع عليها ،و هذا هو حال المعاهدات التي
تبرم في الشكل المبسط أو وجوب إيداع جميع التصديقات قبل المباشرة بالتنفيذ ،و بعضها ينص على وجوب
الحصول على عدد مع ين من التصديقات ،و كثيرا ما يضاف إلى هذه الشروط شرط أخر ينص على أن
تنفيذ المعاهدة يبدأ بعد شهر أو أكثر من إيداع عدد معين من التصديقات.
وفي حالة عدم احتواء المعاهدة على نص يبين تاريخ بدء سريانها ،ولم يتفق المتفاوضون على هذا
التاريخ ،فإنها تدخل حيز النفاذ حينما يثبت ارتضاء جميع المتفاوضين االلتزام النهائي بها ،على أال تسري
في حق من ارتضى االلتزام بها بعد دخولها حيز النفاذ إال اعتبارا من تاريخ التزامه بها ما لم تنص المعاهدة
18
المطلب الثاني :أثار تنفيذ وتطبيق المعاهدة بالنسبة ألطرافها:
عندما تستوفي المعاهدة شروط إبرامها الموضوعية والشكلية تصبح قانونا ساريا ونافذا بين
أطرافها ،وبالتالي يتعين عليهم احترام الحقوق وااللتزامات الناشئة عنها ،وذلك إعماال للقاعدة العامة التي
تقضي بتقيد المتعاقد بتعاقده والعقد شريعة المتعاقدين وقاعدة المعاهدة تقيد الدولة .حيث نصت المادة 26
من اتفاقية فيينا على أن "كل معاهدة سارية تلزم أطرافها ويجب عليهم تنفيذها بحسن نية" ،وتشكل هذه
المادة أساس القوة اإللزامية للمعاهدات الدولية ،وهو ما أكد عليه ميثاق األمم المتحدة في الفقرة 3ديباجته
التي تشير إلى ضرورة احترام االلتزامات الناتجة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي ،وكذا
المادة )2(2التي تنص على مبدأ تنفيذ االلتزامات الدولية بحسن نية.
ففي كثير من األحيان تلزم المعاهدة الدولة باتخاذ إجراءات معينة من أجل تطبيقها وجعل نصوصها
ذات فعالية على المستوى الداخلي ،وهذه اإلجراءات قد تختلف من دولة إلى أخرى ،وبالتالي ال يمكن
اتخاذها إال بصفة فردية من جانب كل دولة حتى ولو كانت المعاهدة جماعية .حيث يفترض قيام كل دولة
باتخاذ اإلجراءات القانونية ،في إطار قانونها الداخلي ،بهدف تنفيذ التزاماتها الناشئة عن المعاهدة وإال
تحملت تبعات المسؤولية الدولية ،كما يترتب أيضا على مبدأ الوفاء بالعهد أيضا استمرار الدولة أو المنظمة
الدولية في تنفيذ المعاهدات التي تكون طرفا فيها على الرغم من تغير النظام السياسي أو الحكومة داخل
-كقاعدة عامة ،تطبق المعاهدة على الوقائع التي تحدث خالل الفترة الزمنية المحصورة بين تاريخ
بدء سريانها وتاريخ انتهائها ،األمر الذي يعني أنه ليس للمعاهدة آثر رجعي ،إال إذا نصت على
19
المطلب الثالث :أثار المعاهدات بالنسبة للدول غير األطراف فيها:
وفقا لمبدأ نسبية أثر المعاهدات الدولية ،فإنه ليس للمعاهدات الدولية أثار قانونية إال بين أطرافها،
أي بين الدول التي اشتركت في إبرام المعاهدة ثم قامت بالتصديق عليها وفقا ألحكام دساتيرها الداخلية،
وهذا ما جرى عليه العمل الدولي .حيث أنه مبدأ عرفي مستقر دونته اتفاقيتا فيينا لقانون المعاهدات وأكد
ع ليه القضاء الدولي في مناسبات متعددة ،وقد أكدت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات هذا المبدأ في المادة 34
والتي ذهبت إلى أن المعاهدة ال تنشئ التزاما على الغير أو حقا له بغير رضاه.
مبررات نسبية أثر المعاهدات الدولية :المجتمع الدولي يتكون من دول ذات سيادة يجاور بعضها
بعضا وكلها تقف على قدم المساواة من الناحية القانونية ،وبناء عليه سيكون مخالفا لمبدأ المساواة أن تبرم
بعض الدول معاهدات دولية وتقرر فيها حقوقا لصالح دول أخرى أو تفرض عليها التزامات دون رضاها.
فالمعروف أن مبدأ المساواة في السيادة واالستقالل هو قاعدة قانونية راسخة في القانون الدولي ال يمكن
اإلخالل بها ،وقد ورد النص عليها في ميثاق األمم المتحدة وإعالن الجمعية العامة عام .1970
يرد على مبدأ األثر النسبي للمعاهدات استثنائيين ،وهما :تطبيق المعاهدة على الغير بموافقته،
وفقا لنص المادة 35من اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات "ينشأ التزام على الدولة الغير نتيجة نص
في معاهدة إذا قصد أطراف المعاهدة بهذا النص أن يكون وسيلة االلتزام وقبلت الدولة الغير صراحة هذا
االلتزام كتابة" .وبالتالي يمكن القول بأنه ال يجوز أن تفرض معاهدة ما التزاما على عاتق الغير ،إال إذا
20
توافر شرطان هما من ناحية ،أن تتجه إرادة األطراف المتعاهدة إلى إنشاء االلتزام على عاتق الغير من
خالل أحد نصوص المعاهدة ،ومن ناحية أخرى أن يوافق الغير صراحة وكتابة على تحمل االلتزام.
ويستفاد من أحكام اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات أن األساس القانوني لفرض التزام على عاتق
الغير ال يكمن فقط في المعاهدة التي ال يعد طرفا فيها ،وإنما يكمن إضافة إليها في االتفاق المستقل الجانبي
أو اإلضافي المبرم بين الغير واألطراف المتعاهدة .وبالتالي فإنه في حال رتبت معاهدة ما التزاما على
الغير بناء على موافقته الكتابية ،فإنه ال يجوز إلغاء هذا االلتزام أو تعديله إال باتفاق بين أطراف المعاهدة
والغير ،وذلك مالم يثبت االتفاق على العكس ،األمر الذي يعني عدم جواز إلغاء االلتزام بإرادة أطراف
-ال نوافق على ما يذهب إليه بعض الفقه من أن القاعدة المنصوص عليها في المعاهدة تلزم الغير
حينما تصبح قاعدة قانونية دولية عرفية ،وذلك ألن أساس اإللزام هنا ال يكمن في المعاهدة ،وإنما في العرف
تمنح المعاهدات الدولية حقوقا للغير بموافقته ورضاه حينما تحتوي على نص يقضي بذلك صراحة
سواء اتخذ هذا النص شكل "االشتراط لمصلحة الغير" ،أو اتخذ صورة ما يسمى "بشرط الدولة األولى
بالرعاية".
االشت راط لمصلحة الغير هو نص يرد في المعاهدة بمقتضاه يتعهد أطرافها بمنح دولة أو منظمة
دولية من الغير حقا معينا يمكنها ،إذا ما وافقت على اكتسابه ،التمسك به واالستفادة منه ،وال يجوز إلغائه
إال بموافقتها .حيث يتنافى مع مبدأ نسبية أثر المعاهدات الدولية أن تستفيد دولة من أحكام معاهدة ليست
21
طرفا فيها ،إال إذا عبرت صراحة عن رضاها بالمعاهدة ،وذلك ما أيدته المادة 36من اتفاقية فيينا لقانون
"ينشأ حق للدولة الغير من نص في المعاهدة إذا قصد األطراف فيها أن يمنح النص هذا الحق إما
للدولة الغير ،أ و لمجموعة من الدول تنتمي إليها ،أو لجميع الدول ،ووافقت الدولة الغير على ذلك ،وتفترض
الموافقة ما دامت الدولة الغير لم تبد العكس ،إال إذا نصت المعاهدة على خالف ذلك" .فاتفاقية فيينا فرقت
بين اكتساب الغير للحقوق وبين تحمله االلتزامات التي ترتبها المعاهدة ،حيث اشترطت رضا الغير صراحة
بهذه االلتزامات حتى يمكن إلزامه بها ،واكتفت بالقبول الضمني فيما يتعلق باكتساب الحقوق.
شرط الدولة األولى بالرعاية ،هو شرط اتفاقي شائع في العمل الدولي ،وخاصة في مجال المعامالت
التجارية والجمركية ،تتفق بمقتضاه دولتان أو أكثر في معاهدة دولية على أن تكفل كل منهما لألخرى ذات
المزايا التي قد تمنحها لدولة أخرى مستقبال في معاهدة أخرى تعالج أو تنظم نفس موضوع المعاهدة األولى،
متى ما كانت المعاهدة الجديدة تحتوي على شروط أفضل ومزايا أكثر من تلك الواردة في المعاهدة التي
وقعت بينهم.
وتطبيق شرط الدولة األولى بالرعاية يستلزم على هذا النحو وجود ثالثة أطراف هي "مانح الشرط"
الذي يتعهد قبل دولة ما بأن يضمن لها معاملة الدولة األكثر رعاية" ،والمستفيد من الشرط" الذي يتم التعهد
له بتلقي هذه المعاملة ،و"الغير المفضل" الذي يتلقى مستقبال المزايا التفضيلية من قبل المانح.
كما أن إعمال شرط الدولة األولى بالرعاية يتطلب عادة وجود اتفاقيتين دوليتين هما "اتفاقية
األساس" المبرمة بين المانح والمستفيد ،والتي تحتوى على الشرط ذاته ،و"االتفاقية" المبرمة بين المانح
والغير المفضل ،والتي بمقتضاها يمنح األول للثاني معاملة أكثر رعاية من تلك التي كان قد منحها للمستفيد.
فلو وقعت دولة (أ) ودولة (ب) اتفاقا في عام 2015م يعفي البضائع المنتجة في كل منهما من
الجمارك بنسبة ،%25وتم تضمين هذه االتفاقية "شرط الدولة األولى بالرعاية" ،ثم وقعت دولة (أ) اتفاقا
22
أخرا مع دولة (ج) في عام 2017م يعفي البضائع المنتجة في كل منهما من الجمارك بنسبة ،%40فإن
على الرغم من عدم احتواء اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات على أحكام تسمح بتطبيق المعاهدات
على الغير دون موافقته ،إال أنه يوجد بالفعل معاهدات تنتج حقوقا أو التزامات بالنسبة للغير دون
طلب رضاه ،وذلك إما لكونها تنشئ مراكز دولية موضوعية يحتج بها في مواجهة الكافة ،وإما
لتعلقها بطرق المواصالت الدولية التي تهم الجماعة الدولية بأسرها ،وإما لكونها تنشئ كيانات
ويقصد بذلك المعاهدات الدولية التي يتقرر فيها النظام القانوني لمنطقة معينة أو إلقليم ما ،حيث إنه
وبالنظر إلى طبيعتها الموضوعية فإنها تسري في مواجهة الجميع .ومن األمثلة على ذلك النظام الخاص
بمنطقة القطب الجنوبي الذي قررته اتفاقية عام 1959م ،المبرمة بين اثنتي عشرة دولة ،والتي جعلت هذه
المنطقة في خدمة العلم والتقدم اإلنساني ،حيث تلزم هذه االتفاقية كافة الدول حتى لو لم يكونوا أطرافا في
هذه االتفاقية .كما يندرج تحت هذا االستثناء اتفاقيات الحدود ،والتي بالرغم من كونها في الغالب معاهدات
ثنائية ،تعد منشئة لمراكز دولية موضوعية ،وتنصرف آثارها من ثم ليس فقط إلى الدول األطراف ،وإنما
أيضا إلى مختلف أشخاص القانون الدولي ،حيث ال يملك هؤالء األشخاص في الواقع إال االعتراف بالحدود
23
ب ( - )2المعاهدات المتعلقة بالمواصالت الدولية:
تعد المواصالت الدولية من المرافق العامة الدولية ،وتمثل اتاحة االستفادة منها لكافة الدول مصلحة
دولية مهمة ومشتركة .وتعد المعاهدات الدولية المتعلقة بتنظيم المرور في الممرات المائية ذات أهمية دولية
بالغة ،ومن األمثلة على ذلك نظام قناة السويس المؤسس بموجب اتفاقية القسطنطينية لعام 1888م ،واتفاقيتي
وهكذا على سبيل المثال ،فعلى الرغم من أن اتفاقية القسطنطينية لعام 1888م مبرمة بين تسع دول
فقط كانت تمثل القوى الكبرى في المجتمع الدولي آنذاك ،إال أنها تنص في مادتها األولى على أن المالحة
في قناة السويس متاحة في زمني السلم والحرب للسفن التابعة لجميع الدول دون تمييز.
مثل ميثاق األمم المتحدة الذي تمتد قوته الملزمة لتشمل الدول غير األعضاء ،حيث نصت المادة
( 2)6منه على أن "تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير األعضاء فيها على مبادئ األمم المتحدة بقدر ما
تقتضيه ضرورة حفظ السلم واألمن الدولي" .حيث يلزم الميثاق الدول غير األعضاء باعتباره نوع من
التشريع الدولي ،ألنه تعبير عن مشيئة سلطة دولية عامة ذات اختصاص بوضع القرارات واتخاذ التدابير
الالزمة للحفاظ على السلم واألمن في المجتمع الدولي .وهذا ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية في رأيها
االستشاري لعام 1949م والذي جاء فيه" ،أن أعضاء األمم المتحدة قد أنشئوا كيانا ذا شخصية دولية
موضوعية" .فالمحكمة في هذا الرأي أقرت بالصفة شبه التشريعية لالتفاقية المنشئة للمنظمة الدولية ،ولم
24
المطلب الرابع :تفسير المعاهدات الدولية
يقصد بتفسير المعاهدة الدولية تحديد معنى نصوصها ونطاقها واستجالء النقاط الغامضة والمبهمة
لما كانت المعاهدات تبنى على الرضا ،ونظرا لغياب المركزية التشريعية والقضائية ،فإنه مما يتفق
مع خصوصية المجتمع الدولي أن تملك الدول األعضاء اختصاص تفسير ما يكون غامضا أو مشكوكا في
معناه من نصوصها ،حيث يتمتع أطراف المعاهدة المعنية بحرية كاملة في تفسير النص المختلف عليه،
حتى وإن تجاوز تفسيرهم مضمون النص .وإذا تم االتفاق بين جميع أطراف المعاهدة على تفسير معين
لنص أو أكثر من نصوصها كان هذا التفسير ملزما لكافة أطرافها ،وإن لم يتم االتفاق كان مؤدى ذلك نشوء
نزاع دولي بين أطراف المعاهدة حول تفسيرها ،يمكن تسويته بكافة وسائل تسوية المنازعات الدولية ،وعلى
األخص محاكم التحكيم الدولي ومحكمة العدل الدولية باعتباره نزاعا يتعلق بمسألة قانونية.
كما تملك المنظمات الدولية تفسير المعاهدات الدولية التي يثار أمر تفسيرها أمام أحد أجهزة المنظمة
ليس هناك قواعد ملزمة يتعين اللجوء إليها في حالة وجود خالف حول فحوى نص في معاهدة
دولية ،إال أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد أفردت جزء من الباب الثالث للقواعد الخاصة بتفسير
25
أوال :القواعد العامة لتفسير المعاهدات الدولية:
ذكرت المادة 31من اتفاقية فيينا القواعد العامة لتفسير المعاهدات التي يتعين على المفسر أخذها
-1وجوب تفسير المعاهدات وفقا العتبارات حسن النية طبقا للمعنى العادي أللفاظ المعاهدة في اإلطار
الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها :حيث يعد نص المعاهدة هو العنصر األكثر
أهمية عند تفسير الحكم الغامض ألنه هو الذي يعبر بصدق عن إرادة أطرافها ،وبالتالي فإنه من
-2وإذا لم يمكن تفسير نص المعاهدة الغامض مباشرة باالستناد إلى فحوى النص ،أمكن اللجوء إلى
السياق الخاص بالمعاهدة ،والذي يشمل النص الكامل للمعاهدة بما في ذلك الديباجة والملحقات،
أ -أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين األطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة.
ب -أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها األطراف األخرى كوثيقة
أ -اتفاق الحق بين األطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها.
ب -أي مسلك الحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه األطراف بشأن تفسيرها.
ج -أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العالقة بين األطراف.
-4يعطى معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية األطراف قد اتجهت إلى ذلك ،و يعد هذا أمرا طبيعيا
و منطقيا ألن الغاية النهائية لعملية التفسير هي الوصول إلى حقيقة النص الغامض كما قصده
أطراف المعاهدة.
26
ثانيا :الوسائل التكميلية لتفسير المعاهدات:
نصت المادة 32من اتفاقية فيينا على الوسائل التكميلية لتفسير المعاهدات والتي يمكن اللجوء إليها،
إما لتأكيد التفسير الذي نتج عن تطبيق القواعد العامة المنصوص عليها في المادة 31سالفة الذكر ،أو لتحديد
وأبرز هذه الوسائل التكميلية ،األعمال التحضيرية والظروف المالبسة لعقد االتفاقية ،و إن كان من
الصعب جدا االعتماد على هذه الطريقة في تفسير المعاهدات ،فاألعمال التحضيرية و إن نشرت و عرفت
ال تعبر تعبيرا صادقا عن ميول الدول و رغباتها .ولهذا ال يلجأ إلى األعمال التحضيرية في تفسير المعاهدات
وفقا لما ورد في نص المادة 33من اتفاقية فيينا ،تفسر المعاهدات المحررة بلغتين أو أكثر على
النحو التالي:
-1إذا اعتمدت المعاهدات بلغتين أو أكثر يكون لكل نص من نصوصها نفس الحجية ،ما لم تنص
المعاهدة أو يتفق األطراف على أنه عند االختالف تكون الغلبة لنص معين
-2نص المعاهدة الذي يصاغ بلغة غير إحدى اللغات التي اعتمد بها ،ال يكون له نفس الحجية إال إذا
27
-4عندما تكشف المقارنة بين النصوص عن اختالف في المعنى لم يزله تطبيق المادتين 32 ،31
يؤخذ بالمعنى الذي يتفق مع موضوع المعاهدة والغرض منها ،ويوفق قدر اإلمكان بين النصوص
المختلفة فيما عدا ما يكون ألحد النصوص الغلبة وفقا للفقرة األولى.
28
المبحث الرابع :بطالن المعاهدات وإنهاؤها وإيقاف العمل بها
يقصد ببطالن المعاهدة أنها ولدت ميتة واعتبارها كأن لم تكن ولم تشكل أي قوة ملزمة ألطرافها.
شأنها شأن مختلف األعمال القانونية األخرى ،تتمثل شروط صحة المعاهدات في ضرورة أن يكون أطرافها
أهال إلبرامها ،وأن تخلو إرادة هؤالء األطراف من عيوب اإلرادة وأن يكون موضوعها مشروعا وفقا
مما تم ذكره أثناء الحديث عن الشروط الموضوعية لصحة المعاهدة ،إن أهلية إبرام المعاهدات
الدولية تثبت ألشخاص القانون الدولي العام ،وهم الدول والمنظمات الدولية ،واألثر المترتب على ثبوت
نقص أهليتهم في إبرام المعاهدات ،هو اعتبار المعاهدة المعقودة باطلة ومنعدمة اآلثار ،على أن ينصرف
هذا األثر إلى الطرف ناقص أو منعدم األهلية في حالة المعاهدات الجماعية ،كقاعدة عامة.
أ -الدول:
بوصفها شخص القانون الدولي العام الرئيس ،تتمتع الدولة بالحق في إبرام المعاهدات الدولية في
جميع مجاالت العالقات الدولية ،حيث تنص المادة 6من اتفاقية فيينا صراحة على أن "كل دولة لها أهلية
إبرام المعاهدات" .ولكن حق الدولة الكامل في إبرام المعاهدات ال يثبت إال للدولة كاملة السيادة ،أما الدول
ناقصة السيادة ،كالدول الموصى عليها أو الخاضعة لالحتالل ،فإن حقها في إبرام المعاهدات الدولية يتوقف
29
على ما تسمح به الوثائق القانونية المنظمة لمركزها القانوني .ولما كان الحق في إبرام المعاهدات مرتبطا
بالشخصية القانونية الدولية يدور معها وجودا وعدما ،فإن حق الدول أعضاء االتحادات الدولية في إبرامها
يتوقف على نوع االتحاد الذي تكون الدولة عضوا فيه ،وما إذا كان يلغي الشخصية القانونية الدولية ألعضائه
أم ال يؤثر على وجودها .ففي االتحادات الفدرالية ال يجوز للواليات المكونة له الدخول في معاهدات دولية
كما تمت اإلشارة سابقا ،تتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية بالقدر الذي يمكنها من
االضطالع بوظائفها وتحقيق أهدافها .ولما كان الحق في إبرام المعاهدات الدولية يعد نتيجة تلقائية تترتب
على التمتع بالشخصية القانونية الدولية ،فإنه يحق للمنظمة الدولية إبرامها بوصفها شخصا قانونيا دوليا،
ولما كانت المنظمة ال تتمتع بشخصية قانونية دولية عامة على غرار الدول ،وإنما شخصية قانونية محدودة
تقتصر على مجال عملها ،فإن حقها في إبرام المعاهدات قاصرا على تلك التي تدخل في مجال عملها ،بحيث
ال يجوز مثال لمنظمة الصحة العالمية أن تبرم مع دولة ما اتفاقا دوليا عسكريا.
وقد أقرت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1986بحق المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات
الالزمة لمباشرة وظائفها وتحقيق أهدافها ،ونصت المادة 6منها على أن "أهلية المنظمات الدولية في إبرام
حتى تنعقد المعاهدة الدولية بشكل صحيح وترتب آثارها القانونية ،يجب أن يكون ارتضاء الدولة
االلتزام بالمعاهدة صحيحا غير مشوب بأي عيب مبطل آلثاره ،وعيوب الرضا في القانون الدولي العام هي
30
الجدير بالذكر ،أن هنالك عدة توجهات فقهية حيال عيوب اإلرادة في القانون الدولي العام ،حيث
أن هناك توجه يطالب بنقل قواعد القانون الداخلي المتعلقة بعيوب الرضا إلى القانون الدولي العام ،وذلك
على اعتبار أنها قواعد تدخل ضمن المبادئ العامة للقانون التي تعد أحد مصادر القانون الدولي العام .بينما
يذهب جانب أخر من الفقه إلى أنه ال توجد حاجة إلى إعمال نظرية عيوب اإلرادة بحجة أن اإلجراءات
الطويلة التي يستغرقها إقرار المعاهدات الدولية كافية للجزم بعدم وجود عيوب تشوب إرادة األطراف
المتعاهدة .أما الرأي الراجح فهو ما تبنته اتفاقية فيينا ،بأن تبنت عيوب الرضا المستقر عليها في القوانين
- 1الغلط:
الغلط هو تصور غير الحقيقة بشأن واقعة كان لها أثرها في ارتضاء أحد األطراف التقيد بالمعاهدة،
ويجب التفرقة بين ما إذا كان الغلط جوهريا أو ثانويا ،فاألول هو الذي يجوز للدولة التي لحق إرادتها غلط
أن تطلب إبطال المعاهدة أو إلغائها .ووفقا لما ورد في نص المادة 48من اتفاقية فيينا ،فإنه يجب أال يكون
هذا الطرف قد ساهم بسلوكه في الوقوع في الغلط ،أو كان في إمكانه أن يتجنب الوقوع فيه أو كان في
استطاعته وفقا للظروف المحيطة إبان إبرام المعاهدة أن يتبين إمكانية الوقوع في غلط ،وذلك إعماال للمبدأ
القانوني المستقر أنه ال يجوز للمخطئ االستفادة من خطئه .كما أنه وفقا التفاقية فيينا لقانون المعاهدات،
فإنه يجب أن يكون الغلط في الواقع وليس في القانون حيث ال يعذر أحد لجهله بالقانون.
ومثال ذلك ،معاهدة السالم بين أمريكا وبريطانيا في عام 1783م في فرساي ،حيث عينت المعاهدة
الحدود بين الطرفين بسلسلة من الجبال تسمى هاي الند (تبين الحقا عدم وجودها في الواقع) ،ونهر يدعى
سانت كروبكس ،والذي تبين الحقا وجود أكثر من نهر يحمل ذات االسم.
الجدير بالذكر ،أن الفقه القانوني يميز بين الغلط الذي يعني أن الواقعة في حد ذاتها معلومة ولكن
بطريقة تخالف الحقيقة ،والجهل الذي يعد أمرا سلبيا يتمثل في انتفاء العلم بواقعة ما بصفة كلية ،والغالب
31
-2الغش:
وفقا لنص المادة 49من اتفاقية فيينا" ،يجوز للدولة التي يدفعها السلوك التدليسي لدولة متفاوضة
أخرى إلى إبرام معاهدة ،أن تستند إلى الغش كسبب إلبطال ارتضائها االلتزام بالمعاهدة" .وتتحقق حالة
الغش كعيب من عيوب الرضا ،إذا لجاء أحد أطراف المعاهدة إلى ممارسة بعض الحيل التدليسية لدفع
األطراف األخرين إلى الموافقة على االرتباط بها ،والذين ما كانوا ليوافقون عليها لوال هذه الحيل .علما بأنه
من النادر أن تتحقق هذه الحالة في مجال العالقات بين الدول ،وحتى في حالة تحققها فإنه من المستبعد أن
تحتج بها الدولة التي وقعت ضحية حتى ال تفقد هيبتها الدولية.
وبهذا يختلف الغش عن الغلط الذي تقع فيه الدولة في أن الخطأ تقع فيه الدولة من تلقاء نفسها ،كما
أن الغش يعد سببا كافيا إللغاء المعاهدة الدولية أيا كان مقداره ،وال يحد منه إال ماورد في نص المادة 45
من اتفاقيتي فيينا واللتان تقضيان بسقوط حق الدولة أو المنظمة الدولية في التمسك بالغش كسبب للبطالن
-3اإلكراه:
وفقا لنص المادة 52من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات "تعتبر المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا إذا تم
إبرامها ،نتيجة التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق األمم
المتحدة" .فاإلكراه هو ضغط يقع على الشخص فيبعث في نفسه الرهبة أو الخوف مما يحمله على التعاقد.
األولى :اإلكراه الوقع على شخص ممثل الدولة أو المنظمة الدولية ،من خالل ممارسة ضغط مادي
أو معنوي ضد ممثل الدولة أو المنظمة الدولية بقصد إجباره على الموافقة على المعاهدة التي ال تحقق
الثانية :اإلكراه الواقع على الدولة نفسها أو المنظمة في صورة استخدام القوة أو التهديد بها بالمخالفة
32
-4إفساد ممثل الدولة:
نصت المادة 50من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أنه "إذا كان تعبير الدولة عن ارتضائها
االلتزام بمعاهدة قد صدر نتيجة اإلفساد المباشر أو غير المباشر لممثلها بواسطة دولة متفاوضة أخرى،
يجوز للدولة أن تستند إلى هذا اإلفساد إلبطال ارتضائها االلتزام بالمعاهدة" .معنى هذا أن ممثل الدولة إذا
كان قد وقع تحت تأثير دولة أخرى نتيجة استخدامها لوسائل إغراء مادية أو معنوية دفعته إلى إبرام المعاهدة
وفقا لرغباتها دون مراعاة لمصالح دولته ،فإن الدولة التي ينتمي إليها من حقها طلب إبطال المعاهدة على
هذا األساس.
تعتبر المعاهدة باطلة إذا تعارضت مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام ،كأن يتم توقيع
معاهدة ترخص إبادة جنس بشري ،أو تبيح القرصنة البحرية .حيث نصت المادة 53من اتفاقية فيينا
على أن "تعتبر المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد
القانون الدولي العام" .بل إنها ذهبت إلى أكثر من ذلك حينما نصت في مادتها 64على أنه "إذا ظهرت
قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أي معاهدة قائمة مع هذه القاعدة تصبح باطلة
انقضاء المعاهدات معناه إن المعاهدات لم تعد سارية بين أطرافها كما كانت من قبل ،وذلك ألسباب
أو ظروف طرأت بعد تنفيذها لمدة ما من الزمان فالغرض "في هذه الحالة" أن المعاهدة عقدت صحيحة
وأصبحت ملزمة ألطرافها وأنتجت أثارها ،إال أن هناك أسبابا حدثت بعد ذلك أدت إلى إنهاء العمل بأحكامها،
بحيث ال يمكن العودة مرة أخرى لتطبيق أحكامها بين أطرافها إال بعقد معاهدة جديدة فيما بينهم.
33
أما اإليقاف وإن كان يتفق مع االنقضاء من حيث أن المعاهدة ولدت صحيحة من حيث الشكل
والموضوع ،إال أن اإليقاف ال ينهي الوجود القانوني للمعاهدة بل تظل المعاهدة قائمة قانونا في حالة إيقافها
بحيث يمكن ألطرافها أن يعودوا مرة أخرى إلى تنفيذها باالتفاق فيما بينهم دون إبرام معاهدة جديدة.
حلول األجل -تحقق الشرط الفاسخ -التخلي عن المعاهدة أو االنسحاب منها -التنفيذ الكلي للمعاهدة.
ويتحقق ذلك حين تنص المعاهدة على سريانها ألجل معين تنقضي بتحققه ،بحيث تنتهي عند حلول
وذلك بأن تحتوي المعاهدة على شرط فاسخ يترتب على تحققه انقضاء المعاهدة .والشرط الفاسخ
أمر مستقبلي يعلق أطراف المعاهدة انقضائها على تحققه ،كأن يعلن أطراف المعاهدة انقضاءها على
تحقق بعض الوقائع ،والتي قد يكون حدوثها مستقبال أمرا محتمال أو مؤكدا ،كما حدث بالنسبة لالتفاقية
المنشئة لحلف وارسو المبرمة عام 1955م ،حيث تضمنت نصا يقرر أن االتفاقية ينتهي العمل بها إذا
تم التوصل إلى إقامة نظام عام لألمن الجماعي األوربي ،أو أن يتم في بعض المعاهدات على أن انقضاء
34
ج -التخلي عن المعاهدة أو االنسحاب منها:
التخلي عن المعاهدة أو االنسحاب منها يتحققان بتصرف باإلرادة المنفردة للدولة أو الدول
المعنية .واصطالح التخلي عن المعاهدة ينصرف إلى المعاهدات الثنائية ،بينما االنسحاب ال يرد عادة
إال بالنسبة للمعاهدات المتعددة األطراف ،حيث تقتصر آثار االنسحاب على الطرف المنسحب مع بقاء
وإذا وجد نص يحكم مسألة التخلي أو االنسحاب من المعاهدة فيتعين على أطرافها االلتزام بما ورد
فيه ،أما إذا خلت المعاهدة من نص ينظم هذه المسألة ،فإن إنهاء المعاهدة باإلرادة المنفردة يعد ،وكقاعدة
عامة ،عمال غير مشروع يرتب المسؤولية الدولية للدولة المعنية ،ألن مثل هذا العمل يؤدي إلى إمكانية
التحلل من المعاهدة متى أرادت الدولة ذلك ،إال أن اتفاقية فيينا في المادة 56قد حددت حالتين يجوز فيهما
-1إذا ثبت إنه كان في نية أطراف المعاهدة إمكانية إنهائها باإلرادة المنفردة ،أو
وفي كلتا الحالتين على الطرف الذي ينهي المعاهدة أو ينسحب منها ،أن يخطر األطراف األخرى
من المنطقي أن تنقضي المعاهدة بتنفيذ كل النصوص الواردة تنفيذا كليا ،بحيث تنتهي قوتها
الملزمة بعد الوفاء بكل الحقوق وااللتزامات المتبادلة الناشئة عنها ،وتبقى بعد تنفيذها مجرد سند قانوني
يبرر ما حصل عليه كل طرف من أطرافها ،ويستثنى من ذلك المعاهدات التي ترتب آثارا قانونية متجددة
كالمعاهدات الشارعة التي تضع قواعد عامة مجردة فإنها تبقى مصدرا تشريعيا لقواعد القانون الدولي.
35
-2انقضاء المعاهدة باتفاق الحق بين أطرافها (م :)54
حيث قد يتفق أطراف المعاهدة على إلغائها بموجب اتفاق الحق ،وقد يأخذ هذا االتفاق شكل معاهدة
جديدة بين نفس أطراف المعاهدة األولى التي قد يكون موضوعها إما إلغاء المعاهدة السابقة ،أو تنظيم نفس
الموضوعات التي عالجتها المعاهدة األولى بشكل مختلف ال يتفق مع ما ورد في المعاهدة القديمة ،حيث
تطبق هنا القاعدة القانونية التي تقول بأن الالحق ينسخ السابق.
فالقاعدة إذن أنه ال يمكن إلغاء المعاهدة إال باتفاق بين جميع األطراف ،وهذه القاعدة نصت عليها
ما سبق قوله بصدد إنهاء المعاهدة بمقتضى نص وارد فيما يسمح باالنقضاء أو بموجب اتفاق
الحق ،يمكن أن يقال أيضا عن إيقاف العمل بالمعاهدة بمقتضى نص وارد بالمعاهدة نفسها أو يتم االتفاق
على وقف المعاهدة في أي وقت برضا جميع األطراف المتعاقدة بعد التشاور مع بقية الدول المتعاقدة.
أ -إنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها نتيجة اإلخالل الجوهري بأحكامها:
من المسلم به في مختلف النظم القانونية الداخلية ،ومن ثم في القانون الدولي العام ،أنه ال يجوز
للطرف الذي ال يحترم أحكام االتفاق الذي أبرمه أن يطلب من الطرف أو األطراف األخرى الوفاء
بالتزاماتهم التعاقدية .وبالتالي فإنه إذا أخل أحد أطراف المعاهدة بالتزاماته الواردة في معاهدة ما ،كان
للطرف األخر أو األطراف األخرين أن يعلنوا عدم التزامهم بما ورد فيها ووقف تنفيذها جزئيا أو كليا.
معنى ذلك أنه في حالة ما إذا أخلت دولة بالتزاماتها المترتبة على المعاهدة إخالال جسيما ،فمن حق الطرف
اآلخر فسخ المعاهدة وإنهاء العمل بها أو إيقافه .وسبب ذلك أن الدول األطراف في معاهدة ما يعتبرون في
36
مركز متساو من حيث الحقوق والواجبات ،وهذا التوازن يجب أن يتوافر ليس عند انعقاد المعاهدة فقط بل
وقد اعتبرت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات من قبيل اإلخالل الجوهري وفقا للفقرة الثالثة من المادة
:60
قد يحدث أمر يجعل تنفيذ المعاهدة مستحيال ،فالمعاهدة تنتهي أو يوقف العمل بها عندما يستحيل
فاالستحالة المادية تكون عندما تبرم معاهدة بين دولتين لتنظيم حقوق كل منهما على جزيرة معينة،
وتكون االستحالة اقتصادية إذا كانت المعاهدة تنص على شروط اقتصادية ال تستطيع الدولة الوفاء
وتكون االستحالة قانونية كما لو عقدت معاهدة تحالف بين ثالث دول ثم نشبت الحرب بين منها،
كانت الدولة الثانية في حل من المعاهدة ألنه يستحيل عليها القيام بالتزاماتها قبل كل من الدولتين المتحاربتين
علما بأنه إذا كانت االستحالة مؤقته فيجوز االستناد إليها كأساس إليقاف العمل فقط ،كما تجدر
اإلشارة إلى أنه ال يجوز االستناد إلى استحالة التنفيذ كأساس إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها‘ إذا كانت
هذه االستحالة نتيجة إخالل جوهري من جانب هذا الطرف بالتزاماته بمقتضى المعاهدة ،و ذلك وفقا لنص
37
ج -انقضاء المعاهدات بسبب ظهور قاعدة دولية آمرة تتعارض مع أحكامها:
كما ذكر سابقا ،وفقا لنص المادة 64من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أنه " إذا ظهرت قاعدة
أمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أية معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة
وينتهي العمل بها" .هذا وقد عرفت المادة 53من ذات االتفاقية القواعد اآلمرة بأنها القواعد المقبولة
والمعترف به ا من الجماعة الدولية ،كقاعدة ال يجوز اإلخالل بها وال يمكن تغييرها إال بقاعدة الحقة من
38
الفصل الثاني :العرف الدولي:
عرف بعض شراح القانون العرف الدولي بأنه "سلوك يتكرر مرة بعد أخرى في صورة القيام
بعمل ما أو االمتناع عنه بواسطة أشخاص القانون الدولي ،حتى يستقر في ذهن هؤالء األشخاص بأن
السلوك أصبح ملزما ،وأن مخالفته تشكل انتهاكا للقانون يرتب المسؤولية الدولية .فوفقا للتعريف ،يتضح
أنه يتعين لنشوء القاعدة القانونية العرفية توافر عنصرين ،عنصر مادي وآخر معنوي أو نفسي.
وفقا للتعريف سابق الذكر ،يتضح أنه يتعين لنشوء القاعدة القانونية العرفية توافر عنصران ،عنصر
الركن المادي هو سلوك يتحقق بتكرار األعمال المتماثلة في تصرف أشخاص القانون الدولي عي
عالقاتها الخارجية ،بمعنى أنه إذا نشأت عالقة دولية بين دولتين أو أكثر و سلكت تلك الدول إزاء هذه
العالقة مسلكا معينا ،ثم اعتادت دول أخرى تكرار هذا المسلك في عالقاتها بنفس الكيفية ،فإن هذا التكرار
39
يعتبر دليال على أن سلوك الدول المتواتر على هذا النمط يتفق و مصالحها و يحقق العدالة و الغرض الذي
تنشده ،و ليس معنى ذلك أن جميع الدول يجب أن تمارس هذا التصرف في الحاالت الماثلة ،بل يكفي أن
ومن الجدير بالذكر أن التصرف أو السلوك المكون للركن المادي للعرف الدولي قد يكون إيجابيا
مثل المالحة في أعالي البحار ،وقد يكون السلوك أو التصرف سلبيا يتمثل في االمتناع عن القيام بعمل ما،
كالحصانات الدبلوماسية التي يتمتع بها أعضاء السلك الدبلوماسي كانت وال زالت عبارة عن سلوك سلبي
من جانب الدول المعتمد لديها ،حيث أنها تمتنع عن تطبيق أحكام قوانينها الوطنية على هذه الفئة.
ال يكفي أن يتوافر الركن المادي للقول بوجود القاعدة العرفية ،وإنما يجب أن يقترن هذا الركن
بركن معنوي آخر ،وهذا الركن يأتي نتيجة ذيوع إحساس الدول بأن ممارسة هذا التصرف ،في الحاالت
المماثلة ،يعتبر واجبا قانونيا ال يجوز الخروج عنه ،فإذا لم يتوافر مثل هذا اإلحساس فإننا ال نكون بصدد
هذا وقد أثارت ضرورة هذا العنصر لتشكل العرف جدال في الفقه الدولي ،إال أن الدارج هو األخذ
بما أقرته المادة 38من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية والتي قررت أن المحكمة تطبق "العرف
الدولي المقبول بمثابة قانون كما دل عليه التواتر" مما يؤكد أن العنصر المعنوي له األولوية على التكرار
المادي ،بمعنى أن تكرار التصرف على وجه معين ال يكسب القاعدة العرفية صفة اإللزام ،إال إذا رسخ
والواقع أن وجود هذا العنصر المعنوي هو الذي يميز الحكم المستمد من العرف من األحكام األخرى
غير الملزمة التي تتبعها الدول في بعض األحيان ،فوجود هذا العنصر المعنوي هو الذي يميز أحكام العرف
40
المبحث الثالث :أنواع العرف الدولي:
ينقسم العرف إلى عدة تقسيمات حسب الزاوية التي ينظر من خاللها إليه ،وال يهمنا في هذا البحث
أ -تقسيم العرف من حيث المجال المكاني لسريانه إلى عرف عالمي وعرف إقليمي:
ال تسري القاعدة العرفية بداهة إال داخل إطار الجماعة التي أوجدتها ،ومن ثم تسري القاعدة الناشئة
عن اإلرادة الضمنية للجماعة الدولية العالمية في العالم كله وتسمى لذلك عرفا عالميا ،وال تسري
القاعدة الناشئة عن اإلرادة الضمنية للجماعة الدولية اإلقليمية إال في إطار اإلقليم الذي تشغله هذه
-يطبق العرف العالمي تلقائيا وعلى من يدعي أنه ال يطبق عليه إثبات اعتراضه الصريح والمستمر
على التزامه به ،وذلك على عكس العرف الدولي اإلقليمي الذي ال يطبق تلقائيا وإنما يقع على من
-في قضية حق المرور فوق اإلقليم الهندي بين الهند والبرتغال لعام 1960م ،أقرت محكمة العدل
ب -تقسيم العرف من حيث جواز االتفاق الصريح على خالفه إلى عرف مقرر وعرف آمر:
العرف األمر هو ما يتعلق بشكل بالمصالح العليا للمجتمع الدولي وهو ملزم في كل األحوال وال
تجوز مخالفته ،أما العرف المقرر فيستهدف تحقيق مصالح خاصة ألفراد المجتمع ،وبذل يكون
يذهب الرأي الراجح في الفقه الدولي إلى القول بأن أساس القوة الملزمة للعرف الدولي هو كونه
يعبر عن الضمير القانوني الجماعي للمجتمع الدولي ،وأن أحكامه رتبتها حكمة األجيال لضمان تنسيق
العالقات بين أشخاص هذا المجتمع بطريقة عادلة تنظم سلوكه وتحافظ على بقائه ،وهذا يفسر لنا كيف تلتزم
41
الدول الجديدة بأحكام العرف الدولي بمجرد قبولها عضوا جديدا في األسرة الدولية ،رغم أنها لم تشارك في
-يمكن أن يعدل العرف الدولي أو حتى يلغي قواعد مدرجة في معاهدة دولية شريطة أال تكون هذه
-1أن قواعده مرنة قابلة للنمو والتطور المستمر وهو بذلك يساعد على إيجاد القواعد القانونية المالئمة
-2تعتبر القاعدة العرفية قاعدة عامة ومن ثم تلتزم جميع الدول بها ،في الوقت الذي ال تلزم القاعدة
-3تستند القاعدة العرفية على القبول الضمني بها في رأي البعض ،وعلى الضمير القانوني الجماعي
للمجتمع الدولي وهذا أمر يساعد على انتشار القاعدة العرفية وشيوعها.
-4إذا كان للعرف بعض العيوب فإنه يمكن تالفيها إذ أن عيوب العرف ال تعني هجره كلية بوصفه
-1بطبيعته ،يتسم العرف بالبطء ،حيث يحتاج إلى وقت طويل ليتشكل كقاعدة قانونية ،وهو األمر
-2أن قواعد العرف ليست دائما واضحة الحدود وكثيرا ما يثير تطبيقها وتفسيرها خالفا بين
42
الفصل الثالث :التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة
أوال :تعريفه:
يقصد بالتصرف باإلرادة المنفردة هنا كل عمل قانوني صادر عن شخص دولي واحد بهدف ترتيب
آثار قانونية محددة تتعلق بحق يملكه أو بواقعة أو وثيقة تعنيه .وبالرغم من عدم النص عليه صراحة في
المادة 38من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ،إال أنه يعد واحدا من المصادر األساسية للقانون الدولي
ثانيا :شروط اعتبار التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة مصدرا للقانون الدولي العام:
يشترط العتبار التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة مصدرا للقانون الدولي العام أن
ينسب التصرف إلى الدولة ،وأن يكون صحيحا ومشروعا ،ومستقال في انتاج آثاره القانونية.
لما كانت الدولة شخصا اعتباريا ،فإنها تتصرف بالضرورة من خالل أشخاص طبيعيين يتولون
تمثيلها ،ويتعين من ثم قبل التعامل مع دولة ما على أنها قد أصدرت تصرفا باإلرادة المنفردة ،وترتب آثار
قانونية في مواجهتها ،إثبات أن التصرف المنسوب إليها صادر عن شخص يمثلها في عالقاتها الدولية.
وبالتالي فإن التصرفات الصادرة عن األفراد العاديين ال تنسب إليها ،وال تعد والحال هكذا تصرفات باإلرادة
وبالتالي ال يعد تصرفا صادرا باإلرادة المنفردة ،التصرف الصادر عن إرادة معيبة ،حيث يعد
التصرف باطال أو قابال لإلبطال .كما يعد التصرف باإلرادة المنفردة باطال بطالنا مطلق إذا خالف قاعدة
قانونية دولية آمرة ،كإعالن دولة ضمها أراضي دولة أخرى لها بالقوة ،لمخالفته لقاعدة حظر استخدام القوة
43
أو التهديد باستعمالها في العالقات الدولية .بل إن التصرف باإلرادة المنفردة قد يكون غير صحيح أيضا إذا
صدر بالمخالفة لقواعد القانون الدولي العام التي تلتزم بها الدولة حتى في حالة كونها قواعد مكملة ،حيث
ال يحق للدولة إنهاء المعاهدة كقاعدة عامة باإلرادة المنفردة ،وال يجوز لها الخروج على عرف دولي بذات
الطريقة إال إذا كانت قد اعترضت على القاعدة العرفية خالل مراحل تكوينها األولى ،وليس بعد وجودها
واستقرارها .ويعد التصرف باإلرادة المنفردة غير صحيح إذا كان موضوعه ال يدخل في اختصاص الدولة
التي أصدرته وفقا لقواعد القانون الدولي العام ،فال يجوز لدولة أن تمنح دولة أخرى أو تتنازل لها عن حق
ال تملكه كأن ترخص لها بالصيد في البحر اإلقليمي لدولة ما.
أي أن يكون منتجا آثاره القانونية دون التوقف على صدور تصرفات قانونية من أشخاص دولية
أخرى ،ودون االرتباط بأي من المصادر األخرى لهذا القانون .فال يعد على هذا النحو مصدرا للقانون
الدولي العام التصريح الصادر عن إحدى الدول ،والخاص بقبول االختصاص اإللزامي لمحكمة العدل
الدولية وفقا للمادة )2( 36من نظامها األساسي ،وذلك ألن مثل هذا التصريح ال ينتج أثره القانون ،والمتمثل
في انعقاد االختصاص للمحكمة بنظر أي من المنازعات الدولية القانونية التي يحددها ،إال إذا صدر تصريح
مشابه عن الدولة أو الدول األطراف األخرى في النزاع الدولي ،أي أن التصرف هنا والذي يتخذ شكل
التصريح ليس مستقال في انتاج آثاره القانونية ،وإنما يتوقف إنتاجه لها على صدور تصرفات من دول
أخرى.
44
المسؤولية القانونية الدولية
مقدمة:
القانون الدولي مثل غيره من األنظمة يفرض التزامات قانونية على أشخاصه ،وهده االلتزامات
واجبة التنفيذ أيا كان مصدرها ،وطالما أن هذا المصدر معترف به سواء كان معاهدة دولية أو قاعدة عرفية
فإذا أخل الشخص الدولي عن الوفاء بالتزامه ترتب على هذا اإلخالل ترتيب المسؤولية في حقه
المتناعه عن القيام بما يفرضه عليه القانون الدولي .وارتباط االلتزام الدولي بحكم الضرورة بالمسؤولية
القانونية أمر متفق عليه في الفقه والتعامل الدولي ،مما جعل منه قواعد عرفية مستقرة بين الدول ،وبعد
ذلك تم النص عليه في بعض المعاهدات الدولية مثل نص المادة 3من اتفاقية الهاي الرابعة لعام 1907م،
والخاصة بقواعد الحرب البرية ،وهذا ما أكدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قرارها المتعلق بالنزاع
بين ألمانيا وبولونيا عام 1927م ،والتي أكدت فيه إن "من مبادئ القانون الدولي واألحكام القانونية العامة
يترتب على إخالل الدول بتعهداتها ،التزامها بالتعويض عنه على نحو كاف ،وإن لم ينص على ذلك في
والعرف الدولي هو الذي كان يقوم بتنظيم المسؤولية الدولية ،وقامت لجنة القانون الدولي بإعداد
مشروع لقواعد القانون الدولي الخاصة بالمسؤولية الدولية ،وهي تشكل اآلن القواعد أساسية لهذا
الموضوع.
45
المبحث األول :تحديد مفهوم المسؤولية القانونية الدولية ،ووظائفها ،وخصائصها وشروطها.
في مؤتمر تعيين قواعد القانون الدولي المنعقد في الهاي عام 1930م ،عرفت المسؤولية القانونية
الدولية بأنها إخالل أو خرق لقواعد القانون الدولي .كما وردت تعريفات عديدة للمسؤولية القانونية الدولية
تضمنتها كتابات فقهاء القانون الدولي وأحكام التحكيم والقضاء الدولي وبعض معاهد القانون الدولي .حيث
عرفها فقيه القانون بادوفان بأنها "مبدأ قانوني يترتب بموجبه على الدولة التي ارتكبت عمال يحرمه القانون
وبالرغم من أهمية التعريفين السابقين ،إال أن تطور قواعد المسؤولية القانونية الدولية وتوسع
مفهومها بحيث أصبحت تشمل التعويض عن األضرار الناجمة عن األفعال المشروعة المنطوية على
مخاطرة عالية حتى في حالة عدم قيام الشخص الدولي بمخالفة قواعد القانون الدولي العام أو ارتكاب خطأ
فمن األجدى تعريفها بأنها "نظام قانوني يلتزم بمقتضاه الشخص الدولي بتعويض األضرار التي تصيب
أشخاصا قانونية أخرى جراء قيامه بعمل أو امتناع عن عمل غير مشروع دوليا أو مشروع ولكنه يتسم
-1العقاب على مخالفة االلتزامات الدولية أيا كان مصدرها (معاهدة ،عرف ،مبدأ قانوني عام).
-2التوفيق بين المصالح المتعارضة المتعلقة بمباشرة أنشطة مشروعة ذات خطورة عالية.
46
-إقرار المسؤولية ألحد أشخاص القانون الدولي يتم إما باعترافه بحيث ال ينشا نزاع بينهما وهذا
نادر ،أو بالوسائل المعروفة لتسوية المنازعات الدولية ،وذلك بأن تقوم الجهة المعنية بحل النزاع
أو أطرافه من خالل التفاوض بتحديد المسؤول عن الضرر وتحديد طريقة إصالحه.
-1المسؤولية القانونية الدولية عالقة بين شخص قانوني دولي وشخص قانوني دولي:
كقاعدة عامة ،وبحسب األصل ،المسؤولية القانونية الدولية هي عالقة قانونية دولية تنشأ بين
أشخاص القانون الدولي العام من الدول كاملة السيادة ،أما الدول ناقصة السيادة ،فتتحمل المسؤولية عن
تصرفاتها ،الدول التي تباشر الحماية أو الوصاية عليها ،أما بالنسبة للدول األعضاء في االتحادات الدولية
أما فيما يخص المنظمات الدولية ،فإن الفقه والقانون الدولي أقر لها الشخصية القانونية وشكل
البداية في ذلك الرأي االستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية عام 1949م في قضية تعويض
األضرار التي أصابت موظفي األمم المتحدة في فلسطين .لذا فإنه وبحسب األصل يمكن للدول كاملة
وبالرغم من أن القاعدة العامة تقضي بأن يتمثل أطراف دعوى المسؤولية القانونية الدولية (من
مدعي ومدعى عليه) في أشخاص القانون الدولي العام (دول ومنظمات دولية) دون غيرهم من الفاعلين
الدوليين ،إال أن التطورات الحديثة التي لحقت مؤخرا على االختصاص القضائي الشخصي لمعظم المحاكم
الدولية الدائمة يؤيد السماح لغير الدول والمنظمات الدولية بتحريك الدعوى أمامها بصفة مباشرة دون
47
من أهم األمثلة على ذلك ،المحكمة األوربية لحقوق اإلنسان ،حيث تسمح للدول أطراف االتفاقية
االوربية لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية لعام 1950م بالحق في التقاضي أمامها ،كما تسمح لألشخاص
الطبيعيين والمعنويين الخاصين بالترافع أمامها في حالة كونهم ضحايا النتهاكات الحقوق الواردة في
االتفاقية ،حتى ولو لم يكونوا من حاملي جنسية أحد الدول األعضاء في االتفاقية ،متى توافرت الشروط
أيضا المحكمة الدولية لقانون البحار التي ترخص للدول والمنظمات الدولية واألقاليم المتمتعة
بالحكم الذاتي وأشخاص القانون الخاص الطبيعيين والمعنويين والمشروعات الحكومية بالتقاضي أمامها،
وجهاز تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية الذي يسمح ألعضاء المنظمة من الدول والمنظمات
الجدير بالذكر ،أنه بخالف ما ورد آنفا ،فإن الدعاوى التي يرفعها الموظفون الدوليون ضد
المنظمات الدولية أمام المحاكم الدولية اإلدارية ،كالمحكمة اإلدارية لألمم المتحدة ال تعد دعاوى مسؤولية
قانونية دولية للمنظمة الدولية ،وإنما هي دعاوى مسؤولية قانونية داخلية مقامة ضدها ،حيث تتم داخل
المنظمة الدولية ووفقا لقوانينها وأنظمتها الداخلية وهي بذلك مشابهة للدعاوى التي يرفعها موظفو الدولة
خالصة القول ،يقصد بهذه الخاصية أن الشخص المرتكب للفعل المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية
يجب أن يكون من أشخاص القانون الدولي العام (دول ومنظمات دولية) ،أما الشخص الذي يقع عليه
الضرر من هذا الفعل فقد يكون شخص من أشخاص القانون الدولي العام أو من أشخاص القانون الداخلي،
48
-2المسؤولية القانونية الدولية ذات طابع مدني.
يقصد بذلك أن المسؤولية القانونية الدولية ذات طابع مدني وليس جنائي ،بمعنى أن األثار التي
تترتب عليها مقيدة في إصالح الضرر ،دون توقيع أية عقوبة جنائية على شخص القانون الدولي المدان،
حينما يشكل الفعل الذي أقدم عليه جريمة دولية (العقوبات الجنائية توقع على األشخاص الطبيعيين
تجدر اإلشارة إلى أن هنالك رأي فقهي يذهب إلى ضرورة ثبوت المسؤولية الجنائية الدولية في
حق أشخاص القانون الدولي العام إلى جانب المسؤولية الدولية المدنية حال قيامهم بارتكاب جرائم دولية،
وذلك على اعتبار أن األشخاص الطبيعيين مرتكبي الفعل اإلجرامي دائما ما يكونون يتصرفون باسم
ولحساب شخص القانون الدولي ،وليس بأسمائهم وصفاتهم الخاصة .ولكن الرأي الراجح ينكر المسؤولية
ب -ألن أشخاص القانون الدولي كيانات معنوية وهمية ال تتوافر لها اإلرادة الجنائية أو القصد
الجنائي باعتباره الركن الثاني للمسؤولية الجنائية والتي ال يمكن أن تنشأ دون قيامه.
ج -وألنه من الثابت أن الشخص الطبيعي ينبغي أن يمثل الشخص الدولي في تحقيق الصالح العام،
وبالتالي فإن ارتكابه لجريمة الدولية يتعارض حتما مع هذا المفهوم وعليه يتعين أن يسأل عنه
بشكل شخصي.
علما بأن النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد أخذ بهذا الرأي من خالل تأكيده على مبدأ
المسؤولية الجنائية الفردية ،بحيث يحاكم أمام المحكمة األشخاص الطبيعيون الذين ارتكبوا الجرائم الدولية
(جرائم الحرب ،الجرائم ضد اإلنسانية ،وجرائم اإلبادة الجماعية ،وجريمة العدوان) ،وال تحاكم الدول التي
ارتكبت الجرائم باسمها ولحسابها ،حيث ال تثار إال مسؤوليتها المدنية وفقا للقانون الدولي.
49
-3وحدة أحكام المسؤولية القانونية الدولية:
يقصد بذلك أن القواعد المنظمة لها ال تختلف باختالف شخص القانون الدولي المسؤول ،وال
باختالف مصدر القانون الدولي الذي تمت مخالفته ،وذلك لكون قواعد المسؤولية ذات طابع عرفي عام.
وعليه ،ال يعرف القانون الدولي إال نوع واحد من أنواع المسؤولية ،بخالف التشريعات الداخلية التي تفرق
بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية .وبالتالي ال تتغير قواعد المسؤولية القانونية الدولية
يقصد بالمسؤولية المباشرة (أو المسؤولية األصلية) ،تلك التي تنشأ بسبب قيام أحد أجهزة الدولة
(التنفيذية أو التشريعية أو القضائية) أو المنظمة ،أو ممثليها أو موظفيها بعمل أو امتناعها عن عمل
أما المسؤولية القانونية غير المباشرة (أو المسؤولية الشعبية) ،فتنشأ حينما يكون العمل أو االمتناع
عن عمل المنشأ للمسؤولية القانونية الدولية صادرا إما عن رعايا الدولة ذاتها أو المقيمين على إقليمها،
وإما عن دويالت تخضع لوصايتها أو حمايتها أو دويالت تجمعها بها رابطة اتحاد يلغي الشخصية القانونية
الدولية ألعضائه كاالتحاد الفيدرالي شأن الواليات المتحدة األمريكية ودولة اإلمارات.
يترتب على التفرقة بين المسؤولية المباشرة وغير المباشرة أثر في تقدير قيمة التعويض ،بحيث
تزيد قيمة التعويض عن المسؤولية المباشرة ،وذلك الفتراض قدرة الدولة على السيطرة على سلطاتها
وأجهزتها الرسمية بشكل تام ،وبالتالي يكون تقصيرها في مثل هذه الحاالت مفترضا.
50
ثالثا :شروط المسؤولية القانونية الدولية.
إلقرار المسؤولية القانونية الدولية في حق شخص القانون الدولي العام ،يجب توافر ثالثة شروط
-2نسبة السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية إلى الشخص الدولي (دولة أو منظمة
الشرط األول :إتيان الشخص الدولي لسلوك منشئ لمسؤوليته القانونية الدولية:
يتخذ السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية للشخص الدولي ثالث صور:
تعد هذه الصورة األكثر شيوعا وانتشارا ،وأول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن المسؤولية
القانونية الدولية بالمقارنة ببقية الصور .ويقصد بها ،قيام الشخص الدولي بعمل أو امتناعه عن القيام
بعمل بالمخالفة ألحد التزاماته الدولية السارية بحقه ،أيا كان مصدرها الشكلي ،وذلك بغض النظر عما
بمعنى أنه يكفي النعقاد المسؤولية القانونية الدولية للشخص الدولي أن يتم تكييف سلوكه
باعتباره يشكل مخالفة ألحد التزاماته الدولية السارية في حقه سواء كان مصدرها معاهدة دولية أو
عرف أو مبدا قانوني عام أو قرار لمنظمة دولية أو تصرف باإلرادة المنفردة ،حتى لو كان هذا السلوك
51
مشروعا وفقا لقواعد القانون الداخلي للدولة المعنية ،وذلك إعماال للمادة 27من اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات التي تؤكد على علو القانون الدولي على التشريعات الداخلية ،بل إن الدولة في هذه الحالة قد
تسأل عن مخالفة تشريعها الداخلي للقانون الدولي ،وتنشأ مسؤوليتها القانونية الدولية لمجرد نشوء هذا
التعارض.
وبالرغم من أن طبيعة االلتزام تلعب دورا هاما في إعمال هذه الصورة ،بحيث يكون من السهل
تحققها في حالة كون االلتزام التزاما بتحقيق نتيجة ،فإنه يمكن تحقق هذه الصورة في حالة كون االلتزام
التزاما ببذل عناية ،كأن يرتكب إهماال وتقصيرا جسيمين أثناء تنفيذه ،مما يستنتج منه أنه لم يبذل الحد
وتحقق هذه الصورة في حالة قيام الشخص الدولي بتنفيذ التزاماته الدولية بشكل خاطئ (خطأ في
تقدير الظروف المحيطة عند تنفيذ االلتزام) ،وبمعنى أخر أن يعكس تنفيذ الشخص الدولي اللتزامه عن
إهمال وتقصير في بذل العناية الالزمة بالمراعاة للظروف المحيطة ،بحيث يكون سلوكه صحيحا في ضوء
الظروف العادية ،ولكنه عد سلوكا خاطئ منشأ لمسؤوليته القانونية الدولية الختالف الظروف المحيطة
مما جعلها تتطلب عناية أكثر من المعتاد .إذا هذه الحالة ال تتحقق ،إال إذا كنا بصدد التزام ببذل عناية
وليس التزام بتحقيق نتيجة ،والتي ينبغي تقييمه ضمن إطار الصور األولى.
مثال ( :)1تنص المادة )2( 22من اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام 1961م على أن "يترتﺏ
على الدولة المعتمد لديها التﺯام خاص باتخاذ ﺟميع التدابير المناسبة لحماية دار البعثة من اﻱ اقتحام
52
وبناء عليه ،فالدولة الموفد إليها إذا تكون قد أوفت بالتزامها في الظروف العادية إذا ضمنت للبعثة
األجنبية حماية أمنية تماثل حمايتها للبعثات األجنبية األخرى ،وتكون قد أخطأت إذا لم تضاعف التدابير
األمنية حينما تمر العالقات بين الدولتين بتوتر شديد يحتمل معه اقتحام متظاهرين لمقرات البعثة واالعتداء
عليها .وهذا ما حدث في عام 2015م عندما حدث اعتداء على البعثتين القنصلية والدبلوماسية السعودية
في إيران ،بسبب تقاعس السلطات اإليرانية وتقصيرها في اتخاذ التدابير المشددة التي تتناسب مع التوتر
ﺱ :هل يمكن تﺄسيﺱ مسؤولية إيران عن هذا االعتداء باالستناد إلى الصورة األولى من صور
المسؤولية؟
مثال ( :)2حكم محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو بين ألبانيا والمملكة المتحدة لعام 1949م،
حيث تم اإلقرار بمسؤولية ألبانيا عن األضرار التي لحقت باألسطول البريطاني في مضيق كورفو باعتبار
أنه كان يجب على ألبانيا أال تتجاهل وجود ألغام في مياهها اإلقليمية على ضوء الظروف واالعتبارات
الواقعية المصاحبة ،وبالتالي ،تكون ألبانيا قد ارتكبت خطأ في تنفيذ التزامها ناجم عن عدم بذل العناية
الالزمة.
ويطلق عليها نظرية المسؤولية القانونية الموضوعية أو المطلقة أو المسؤولية دون ارتكاب خطأ،
وتنصرف إلى الحاالت التي يكون فيها السلوك مشروعا ولكنه ينطوي على مخاطرة عالية ،مما يجعل
إمكانية وقوع الضرر على شخص أخر أمرا واردا ،حتى في حالة عدم قيام الشخص الدولي بمخالفة قواعد
القانون الدولي بعمل أو امتناعه عن عمل بالمخالفة لقواعد القانون الدولي الملزمة بحقه ،أو ارتكابه لخطأ.
53
وتعود الحكمة من إقرارها إلى ما ترتب على التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم منذ
نهايات القرن التاسع عشر الميالدي ،من تمكن اإلنسان من استخدام أجهزة ومعدات وآالت متطورة على
درجة كبيرة من الخطورة اقتضتها حالة الضرورة ،بحيث يمكن أن تلحق أضرارا باآلخرين دون أن يكون
مستخدمها قد خالف القانون ،أي حتى في حالة استخدامها بالشكل الصحيح وبذل العناية الالزمة ،وهو
األمر الذي قد يؤدي إلى ضياع حق الطرف المضرور في الحصول على التعويض الالزم لجبر الضرر
ولما كانت الدول والمنظمات الدولية يمكن أن تضطلع شأن األفراد بأنشطة خطرة ال يحظرها
القانون الدولي العام ،باعتبار القيام بها يعد أمرا ضروريا لتحقيق مصالح أشخاص القانون الدولي العام،
كبناء المفاعالت النووية لألغراض السلمية ،وإطالق األقمار الصناعية ،وحتى يتحقق التوازن بين مصالح
أشخاص القانون الدولي العام (المنتفع من مثل هذه التصرفات ،ومن قد يقع عليه الضرر) انتقلت نظرية
المسؤولية الموضوعية إلى نطاق القانون الدولي العام ،سواء من خالل النص عليها في عدد محدود من
وبعيدا عن المحاوالت الفقهية الساعية إلى تدوين أحكام المسؤولية الموضوعية والنقاشات
المستمرة حيالها ،فإنه يمكن القول بأنه قد تم النص صراحة على هذه الصورة من صور المسؤولية القانونية
الدولية في معاهدة دولية واحدة على األقل ،وهي اتفاقية المسؤولية الدولية عن األضرار التي تسببها
األجسام الفضائية لعام 1972م ،والتي تنص صراحة في المادة 2منها على أن الدولة التي تطلق أجساما
فضائية أو الدولة التي تستخدم إقليمها أو منشآتها في إطالقها تكون مسؤولة مسؤولية مطلقة عن تقديم
تعويض عن األضرار التي تسببها هذه األجسام على سطح األرض أو للطائرات أثناء تحليقها.
كما يمكن القول أيضا بأن هناك مبدأ قانوني عام يقضي بتطبيق هذه النظرية على األنشطة المتعلقة
باستغالل الطاقة النووية أو القيام ببعض األنشطة المشروعة التي قد تلحق ضررا بالبيئة ،مثل بناء
المفاعالت النووية لألغراض السلمية ،واستخدام السفن التي تعمل بالطاقة النووية .حيث تنص العديد من
54
التشريعات ا لوطنية على مثل هذه القواعد مما يعني قبولها الضمني بتطبيقها في عالقاتهم الدولية .الجدير
بالذكر أنه يكفي إثبات عالقة السببية بين الفعل المشروع والضرر فقط لتنشأ المسؤولية وفقا لهذه النظرية.
الشرط الثاني :نسبة السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية إلى الشخص الدولي (دولة أو
منظمة دولية) المدعى عليه.
-من الثابت أن المسؤولية القانونية الدولية ال تنشأ ،إال إذا أثبت المدعي أن السلوك الذي سبب له
ضررا صادر عن شخص من أشخاص القانون الدولي ،سواء أكان هذا الشخص الدولي ،دولة أم
منظمة دولية حكومية.
سلطاتها ،وهنا نكون بصدد مسؤولية مباشرة (أصلية) ،كما يمكن أن ينسب إليها أيضا إذا ما صدر
عن أشخاص عاديين ،وذلك وفق شروط وضوابط أكثر تشددا ،وهذا ما يطلق عليه إذا ما تحقق
السلطة المعنية تباشر وظيفة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية أو أية وظيفة أخرى ،وأيا كانت المكانة التي
تحتلها في تنظيم الدولة ،وذلك على أن تشمل السلطة كل شخص أو كيان يحدده القانون الداخلي للدولة.
شكل عمل إيجابي كإصدار تشريع داخلي يتعارض مع االلتزامات الدولية للدولة أيا كان مصدرها ،أو
55
حينما يتخذ شكل عمل سلبي كاالمتناع عن إصدار تشريع ضروري لتنفيذ هذه االلتزامات ،خاصة إذا كانت
الحكومة أو أحد الوزراء أو كبار الموظفين أو صغارهم .ويعد ما يصدر عن السلطة التنفيذية للدولة من
سلوكيات من أهم مسببات المسؤولية القانونية الدولية نظرا ألنها السلطة األكثر اتصاال بالرعايا األجانب،
ومن األمثلة على بعض تصرفات السلطة التنفيذية التي قد تنشأ مسؤولية الدولة القانونية من خالل
تعامالتها الداخلية مع أشخاص ينتمون لدول أخرى ،إلقاء القبض التعسفي عليهم ،وإبعادهم دون مراعاة
الضمانات والضوابط القانونية الدولية ،اإلهمال والتقصير في توفير الحماية األمنية الالزمة لهم خاصة
حال تعرضهم للخطر ،عدم احترام حقوق اإلنسان المعترف بها دوليا عند التعامل معهم.
ومن األمثلة على تصرفات السلطة التنفيذية للدولة في عالقاتها المباشرة مع الدول األخرى ،والتي قد
تثير مسؤوليتها القانونية الدولية ،القيام بمساعدة دولة أخرى على ارتكاب فعب غير مشروع دوليا ،بل
وتسأل الدولة إذا تم ارتكاب مثل هذا الفعل بناء على إكراه أو تعليمات منها أو تحت إشرافها ورقابتها،
متى كانت الدولة على علم بظروف ارتكابه وعدم مشروعيته دوليا.
استقالل القضاء أو الفصل بين السلطات للتنصل من المسؤولية القانونية الدولية عن تصرفاتها ألنها تعد
في نهاية المطاف إحدى سلطات الدولة ،وهذا السلوك يتخذ في الواقع العملي أشكاال متعددة منها االمتناع
عن عمد أو عدم علم عن تطبيق قاعدة قانونية دولية تلتزم بها الدولة ،ومنها أيضا اإلصرار على تطبيق
قواعد القانون الداخلي المتعارضة مع قواعد القانون الدولي العام ،وإنكار العدالة كحرمان األجانب من
56
الحق في التقاضي أمام محاكم الدولة ،أو حرمانهم من أحد درجات التقاضي ،والتأخر في نظر قضاياهم
مواطنين أو أجانب ،حينما يتصرفون باسمهم ولحسابهم الخاص ،إال أن سلوكهم قد ينسب استثناء للدولة،
-عندما يمارس الشخص العادي فعليا اعمال السلطة العامة (نظرية الموظف الفعلي).
-إذا ثبت إهمال وتقصير الدولة في بذل العناية الالزمة لمنع وقوع الفعل غير المشروع أو أن
األهداف المرجوة من إنشائها ،وال شك أن السلوك الصادر عن أي من هذه األجهزة أثناء مباشرة وظائفه
ينسب إلى المنظمة (مثل نسبة سلوك أجهزة الدولة الرئيسة للدولة) ،ويحملها المسؤولية القانونية الدولية.
األمن والجمعية العامة والمجلس االقتصادي واالجتماعي ومجلس الوصاية واألمانة العامة ومحكمة العدل
الدولية .كما قد ينسب لمنظمة األمم المتحدة أيضا أي سلوك منشئ للمسؤولية القانونية الدولية قد يصدر
57
عن أي من أجهزتها الثانوية التي تنشئها األجهزة الرئيسية للقيام ببعض المهام الفرعية ،مثل لجان العقوبات
والتعويضات ومكافحة اإلرهاب التابعة لمجلس األمن ،ولجنة االستخدام السلمي للفضاء الخارجي التابعة
للجمعية العامة.
ومصطلح "المستخدم الدولي" مصطلح واسع ال يقتصر فقط على الموظفين الدوليين كاألمين العام للمنظمة
ومساعديه وغيرهم من كبار الموظفين وصغارهم ،وإنما يشمل أيضا أشخاص أخرون ال ينطبق عليهم
وصف "الموظف الدولي" كأعضاء الشرطة والمدنيين والقوات المسلحة التي تستخدمهم المنظمة الدولية
في عمليات حفظ السالم أو في التدابير العسكرية الموجهة لدولة ما ،والوسطاء الدوليين الذين تستعين بهم
وينبغي التنويه إلى أن السلوك الصادر عن أجهزة المنظمة الدولية أو عن مستخدميها ينسب إليها حتى
في حالة تجاوز الجهاز أو المستخدم لحدود اختصاصه أو مخالفته للتعليمات الموجهة إليه ،وذلك ما دام
أنه يتصرف بصفته الرسمية وفي حدود الوظائف أو االختصاصات العامة للمنظمة.
ب -السلوك الصادر عن أجهزة ومستخدمي منظمات دولية أخرى موضوعة تحت تصرف
المنظمة الدولية وخاضعة لرقابتها:
قد تستعين المنظمة الدولية عند القيام بعمل ما للقيام بمهامها بأجهزة بعض الدول األعضاء أو
بأجهزة أو مستخدمي منظمات دولية أخرى ،وهنا ينسب السلوك الصادر عن هذه األجهزة أو المستخدمين
المستعان بهم والموضوعين تحت تصرف المنظمة الدولية إليها ،شريطة أن يثبت أنها تباشر عليهم رقابة
فعلية عند ارتكاب هذا السلوك .ومن أوضح األمثلة على هذه الحالة ،قيام منظمة األمم المتحدة بالترخيص
58
لمنظمة إقليمية بالتدخل بالنيابة عنها في دولة ما لحفظ السلم واألمن الدوليين بموجب قرار تحت مظلة
الفصل السابع.
ال يكفي إلقرار المسؤولية القانونية الدولية للشخص الدولي قيامه بالسلوك المنشئ لها ،وإثبات
نسبة السلوك إليه ،وإنما يتعين أيضا على المدعي ،أن يثبت حدوث ضررا له ،فال مسؤولية في جميع
األحوال دون حدوث ضرر ،حيث إنه من الثابت أن مجرد قيام الشخص الدولي بفعل غير مشروع وفق
قواعد القانون الدولي العام يصاحبه حدوث ضرر ،سواء لشخص دولي بعينه ،أو للمجتمع الدولي بأسره،
وذلك باعتبار أن عدم احترام قواعد القانون الدولي العام وانتهاكها الجسيم يشكل في كل األحوال تهديدا
اقتصادية يسهل حصرها وحسابها وتقدير قيمة التعويض المالي المناسب لجبرها .ومن أمثلة األضرار
المادية التي تنشأ بموجبها المسؤولية القانونية الدولية االعتداء على البعثات الدبلوماسية وإحداث تلفيات
بمنشأتها وممتلكاتها ،والمصادرة غير القانونية ألموال وممتلكات األجانب ،واالعتداء على موظفي
المنظمات الدولية ،وتلويث البيئة البحرية أو البرية أو الجوية ،واستغالل الثروات الحية وغير الحية بشكل
غير قانوني.
أما الضرر المعنوﻱ فيقصد به ذلك الضرر غير الملموس الذي قد يتمثل في االعتداء على سيادة الدولة
أو الحط من كرامتها ،وهي مسائل يصعب تقدير قيمة التعويض الالزم إلصالحها .ومن األمثلة على
األضرار المعنوية ،التحليق غير المرخص من قبل الطائرات األجنبية فوق إقليم الدولة ،وتشويه صورة
الدولة من خالل نشر أخبار وتقارير كاذبة عن وضع الدولة الداخلي أو الخارجي.
59
وبالرغم من أن المسؤولية القانونية الدولية تنشأ باألضرار المادية والمعنوية على حد سواء ،إال أن
التمييز بينهما له انعكاس على آثار المترتبة على إقرارها ،حيث يستدعى كل نوع من الضرر طرق إصالح
تتناسب مع طبيعته.
المترتبة عليه؟):
حينما يكون الضرر مباشرا ،فإن الدولة أو المنظمة الدولية تباشر دعوى المسؤولية القانونية
-الض رر غير المباشر الذي يصيب أشخاص القانون الخاص الطبيعيين أو المعنويين الحاملين
لجنسية الدولة أو يرتبطون بمنظمة دولية وظيفيا( .ماهي النتائج المترتبة عليه؟):
وهنا تباشر الدولة الدعوى نيابة عن مواطنيها من خالل دعوى الحماية الدبلوماسية ،وتباشرها
-يتعين عدم الخلط بين الضرر المباشر والضرر غير المباشر وفق المفهوم السابق ،والضرر الحال
والضرر غير الحال ،حيث إن األضرار المترتبة على بعض أنواع السلوك المسبب للمسؤولية
القانونية الدولية تحدث فو إتيان هذا السلوك ،ويسهل من ثم إثبات عالقة السببية بينهما ،في حين
أن األضرار الناتجة عن أنواع أخرى من السلوك قد يتأخر حدوثها لسنوات طويلة ،كاألضرار
الناجمة عن التلوث الذري والنووي .والراجح أن المسؤولية تنشأ في الحالتين أي سواء كان
60
دعوى الحماية الدبلوماسية والوظيفية
يمكن تعريف دعوى الحماية الدبلوماسية على أنها "مطالبة دولة ،من خالل عمل دبلوماسي أو
عبر الوسائل األخرى للتسوية السلمية ،بمسؤولية شخص دولي أخر عما سببه سلوكه من أضرار لشخص
فالدولة إذا تلجأ إلى استخدام دعوى الحماية الدبلوماسية بغرض حماية رعاياها من األضرار التي
يسببها لهم سلوك ينسب إلى دولة أو منظمة دولية ما ،وهي إذ تفعل ذلك إنما تمارس حقها في فرض
احترام قواعد القانون الدولي العام في مواجهة مواطنيها ،وتضطلع في ذات الوقت بواجبها في حمايتهم.
إال أنه ينبغي التأك يد إلى أن الرأي الراجح فقها هو أنه ال يوجد واجب أو التزام قانوني دولي على الدولة
بمباشرتها ،وإن كان من الممكن أن يلزمها قانونها الداخلي بذلك ،وهذا ما أيدته محكمة العدل الدولية في
قضية برشلونة تراكشن عام 1970م ،حيث رفضت المحكمة بشكل قاطع نظرية الحماية الدبلوماسية
الواجبة.
وتهدف دعوى الحماية الدبلوماسية ،بالدرجة األولى ،إلى سد الفراغ الناتج عن عدم تمتع األشخاص
الخاصين بشخصية قانونية دولية تخولهم المطالبة بحقوقهم بشكل مباشر .إال أنه ينبغي التأكيد على أن حق
اللجوء لها ليس مطلقا ،حيث أن حق الدولة في اللجوء لها مقيدا بكون األشخاص المراد حمايتهم ليسوا
ممن يباشرون أنشطة دولية رسمية باسمها ولحسابها ،أي يجب أن يكون األشخاص المراد حمايتهم
مواطنين عاديين ممن يتصرفون بأسمائهم ولحسابهم الخاص ،ومن ثم فإن دعوى الحماية الدبلوماسية ال
تطبق ،كقاعدة عامة ،على أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي على عكس ما يوحي به مسماها .حيث
يعد الضرر الذي يصيب هؤالء ضرر مباشر للدولة وليس ضررا غير مباشر ،إضافة إلى أن هاتين الفئتين
تحميهما قواعد وآليات قانونية دولية أخرى يأتي في مقدمتها اتفاقيتا فيينا للعالقات الدبلوماسية والقنصلية.
ومع ذلك ،فإنه قد يمكن تحريك دعوى الحماية الدبلوماسية ،استثناء ،لحمايتهم في حالة إصابتهم بضرر
في إطار ممارستهم ألنشطة ال تتعلق بوظائفهم الرسمية كقيام الدولة الموفد إليها بمصادرة أموالهم الخاصة
61
دون دفع تعويض عادل.
تتميز دعوى الحماية الدبلوماسية عن دعوى الحماية الوظيفية التي تباشرها المنظمة الدولية لحماية
موظفيها من األضرار التي تصيبهم جراء سلوك ينسب إلى أحد أشخاص القانون الدولي .فإذا كان الضرر
الذي يصيب المواطن يصيب دولته بطريقة غير مباشرة ويبرر تبنيها لقضيته في مواجهة الشخص الدولي
الذي سبب له الضرر ،فإن الضرر الذي يصيب الموظف الدولي يصيب أيضا المنظمة الدولية التي يعمل
بها بصفة غير مباشرة ،ويمنحها الحق في الدفاع عنه في مواجهة الشخص الدولي الذي ألحق به ضررا.
وقد اعترفت محكمة العدل الدولية بحق المنظمة الدولية في مباشرة دعوى الحماية الوظيفية لحماية
موظفيها ،وذلك في رأيها االستشاري المتعلق بتعويض األضرار التي تقع أثناء الخدمة في األمم المتحدة
الصادر في 11أبريل 1949م ،حيث أشارت إلى أنه في سبيل االضطالع بمهامها ،تضطر المنظمة إلى
تكليف موظفيها بالقيام بمهام صعبة في مناطق مضطربة حول العالم ،وقد يتعذر على دولة الجنسية مباشرة
دعوى الحماية الدبلوماسية لحمايتهم ،أو قد تكون غير مستعدة للقيام بذلك ،ولضمان القيام بهذه المهام
بطريقة فعالة ومحايدة ،فإن المنظمة يجب أن تقدم لهم حماية مناسبة.
علما بأن مباشرة المنظمة الدولية لدعوى الحماية الوظيفية بغرض حماية أحد موظفيها ال يحول
دون مباشرة الدولة التي يحمل جنسيتها لدعوى الحماية الدبلوماسية لحمايته من ذات األضرار .حيث أكدت
محكمة العدل الدولية في رأيها االستشاري سابق الذكر على أنه ال توجد قاعدة قانونية تمنح أولوية ألي
من الدولة أو المنظمة الدولية على األخر أو تلزم أيا منهما باالمتناع عن المطالبة الدولية لحماية المواطن
أو الموظف.
62
والشروط الواجب توافرها لمباشرة الدعويين واحدة مع إجراء ما يلزم من تغيير ،حيث تستبدل
رابطة الجنسية المطلوبة لمباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية برابطة الوظيفة العامة الدولية عند مباشرة
دعوى الحماية الوظيفية ،ويطبق شرطا "استنفاد طرق الرجوع الداخلية" و "األيدي النظيفة" في الحالتين
يشترط لمباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية وجود رابطة الجنسية بين الشخص المضرور والدولة
التي تتبنى دعواه ،وأن يستنفد هذا الشخص طرق الرجوع الداخلية المتاحة لدى شخص القانون الدولي
المشكو في حقه ،ويثور التساؤل حول ما إذا كان يشترط أيضا أال يكون المضرور قد ساهم في حدوث
إذا كانت الدولة تباشر دعوى الحماية الدبلوماسية دفاعا عن حقها في فرض احترام قواعد القانون
الدولي العام في مواجهة مواطنيها ،فإنه من الطبيعي أال تباشرها إال بالنسبة لمن يحملون جنسيتها من
األشخاص الطبيعيين والمعنويين ،حيث إن رابطة "الجنسية" هي التي تبرر وتؤسس من الناحية القانونية
ويعني اشتراط توافر رابطة الجنسية لمباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية أن الدعوى لن تكون
مقبولة بالنسبة لعديمي الجنسية ،ويستحيل أو يصعب مباشرتها بالنسبة لالجئين ،وذلك على اعتبار أنهم
فروا من دولهم تحت وطأة اضطهاد حكومي أو ظروف قاسية كالحرب ،األمر الذي يحول غالبا دون تبني
دولة الجنسية لدعواهم ،وغبة في تفادي هذه الثغرة ذهبت لجنة القانون الدولي إلى أنه يجوز استثناء للدولة
63
مباشر ة الدعوى إذا كان عديم الجنسية أو الالجئ يقيم بصفة شرعية ومعتادة على إقليمها وقت حدوث
الضرر ووقت تقديم الدعوى ،مع عدم جواز مباشرتها في مواجهة دولة الالجئ.
وبالنسبة للشخص االعتباري ،فإن دولة جنسيته هي كقاعدة عامة صاحبة الحق في مباشرة دعوى
الحماية الدبلوماسية بالنسبة له ،وليس الدولة أو الدول التي يحمل المساهمون جنسيتها حتى وإن كان
غالبيتهم ينتمي إلى إحداها .حيث رفضت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في 1970م بخصوص
قضية برشلونة تراكشن ،منح بلجيكا الحق في مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية عن مواطنيها الذين
يشكل ون أغلبية مساهمي الشركة ذات الجنسية الكندية .وقد أوردت المحكمة في حكمها السابق استثناءين
يجوز فيهما أن تحرك الدولة دعوى الحماية الدبلوماسية من الدولة التي ينتمي إليها مساهمو الشركات
األجنبية وهما ،إذا توقفت الشركة عن الوجود بحسب تشريع الدولة التي أسست فيها لسبب ليس له عالقة
بالضرر ،أو إذا كانت دولة جنسية الشركة هي نفسها المسؤولة عن الضرر الذي أصابها.
وحتى تتمكن الدولة من مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية ،يجب أن يكون المضرور حامال
لجنسيتها وقت حدوث الضرر ،وأن يستمر في التمتع بها حتى تقديم الدعوى ،وأال يكون قد أكتسب جنسية
الدولة المدعى عليها بعد تاريخ تقديم الدعوى .وأما بالنسبة لمزدوجي الجنسية أو متعددي الجنسية ،فإن أيا
من الدول التي يحمل المضرور جنسيتها ،أو بعضهم أو جميعهم معا ،يحق لها مباشرة الدعوى في مواجهة
ال يجوز للدولة مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية قبل ان يستنفد الشخص المضرور جميع طرق
الرجوع الداخلية التي يقررها القانون الداخلي للدولة أو المنظمة الدولية المشكو في حقها أو استحالة اللجوء
لها .ويقصد بطرق الرجوع الداخلية جميع وسائل اإلنصاف ،العادية واالستثنائية ،التي يتيحها القانون
64
الداخلي إلصالح الضرر في المدد المحددة ،وذلك كأن يتظلم الشخص المضرور للشخص مصدر القرار
الضار ،ثم رئيسه ،وبعد ذلك ينتقل للقضاء الداخلي بكافة درجاته حتى يصل إلى محكمة النقض أو المحكمة
العليا ،فإن لم يصل إلى حل عادل حق له اللجوء إلى دولته لتحريك دعوى الحماية الدبلوماسية والتي
الجدير بالذكر ان شرط استفاد طرق الرجوع الداخلية قبل مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية يعد
قاعدة قانونية عرفية وفقا لما أكدت عليه محكمة العدل الدولية في أحد أحكامها لعام 1959م ،وإن كان هذا
ال يعني أن ترد عليه بعض االستثناءات من أهمها موافقة الدولة الموفد إليها السابقة على إمكانية لجوء
الشخص المعني إلى دولته لتحريك دعوى الحماية الدبلوماسية مباشرة عند تعرضه ألي ضرر .إال أنه
ينبغي التأكيد في المقابل على أنه ال يجوز االتفاق بين الدولة الموفدة إليها والشخص المعني على إسقاط
حقه في مطالبة دولته بتحريك دعوى الحماية الدبلوماسية (شرط كالفوا) وذلك باعتبار أن هذا الحق حق
أصيل للدولة التي ينتمي لها الشخص المضرور وليس حقا شخصيا له.
ويستند شرط استنفاد طرق الرجوع الداخلية على عدد من المبررات المنطقية ،حيث يفترض أن
الشخص الذي يذهب لدولة أخرى أي كان هدفه قد قبل مسبقا الخضوع لقوانينها الداخلية ،كما يجد أساسه
في مبدأ السيادة الذي يعطي كل دولة األولوية في تطبيق قوانينها الداخلية على ما يقع داخل إقليمها.
وفقا لنظرية "األيدي النظيفة" ال يحق للدولة مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية بالنسبة ألحد
رعاياها إذا كان هذا األخير هو الذي تسبب في حدوث الضرر الذي أصابه ،حيث يجب أن يكون سلوك
هذا األجنبي تجاه الدولة المشكو في حقها سلوكا صحيحا يعبر عن احترام لقوانينها وعدم التدخل في
شؤونها الداخلية.
65
والواقع أن قضاء محكمة العدل الدولية ال يقطع بتأييد أو رفض األخذ بهذا الشرط ،إال أن الثابت
أنها رفضت األخذ به في الغالبية العظمى من القضايا .كما أن الناظر في قضايا التحكيم الدولي يلحظ
تأييدها للموقف الضمني لمحكمة العدل الدولية برفض اعتبار شرط األيدي النظيفة شرطا لقبول دعوى
الحماية الدبلوماسية .وعليه فالرأي الراجح هو عدم اعتبار نظرية األيدي النظيفة من شروط قبول دعوى
الحماية الدبلوماسية ،على أن تتولى الجهة التي تنظر في موضوع الدعوى الحقا تحديد ما إذا كانت يد
المضرور نظيفة أم ملوثة وترتب على ذلك عدم أحقيته في التعويض بصفة مطلقة أو حقه في تعويض
-تعتبر دعوى الحماية الدبلوماسية حقا للدولة وليس للشخص المضرور ،وبالتالي فإنها تتمتع بسلطة
تقديرية كاملة في مباشرتها من عدمه ،واختيار وقت تحريكها ،وتحديد الوسائل السلمية السياسية أو
القضائية التي سوف تلجأ لها ،بل وأحقيتها في التنازل عن الدعوى في أية مرحلة العتبارات تقدرها وحدها
دون أخذ رأي الشخص المضرور ،وإن كانت قوانينها الداخلية قد تقضي بخالف ذلك.
-يترتب على ما سبق من اعتبار دعوى الحماية الدبلوماسية حقا للدولة أنه ال يجوز للشخص التنازل عنها
-ويترتب أيضا على اعتبار الدعوى حقا للدولة أن مبلغ التعويض الذي قد يحكم به كأثر لمباشرة دعوى
الحماية الدبلوماسية يعد حقا خالصا للدولة وحدها ،وإن كانت قوانينها الداخلية قد تلزمها بخالف ذلك.
66