You are on page 1of 66

‫مذكرة القانون الدولي العام (‪)1‬‬

‫مصادر القاعدة القانونية الدولية‬

‫المسؤولية القانونية الدولية‬

‫‪1‬‬
‫مصادر القانون الدولي العام‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يقصد بمصادر القانون الدولي العام‪" ،‬المنابع التي تستقي منها القاعدة القانونية الدولية أساسها ومنشأها و‬
‫بها ترسم حدودها‪.‬‬

‫ووفقا لما ورد في نص المادة (‪ 38 )1‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬والذي يعتبر جزء‬

‫أصيال من ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬فإن مصادر القانون الدولي العام هي‪ ،‬المعاهدات الدولية والعرف الدولي‬

‫والمبادئ العامة للقانون كمصادر أصلية‪ ،‬وأحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين كمصادر ثانوية‪ ،‬ال تنشئ‬

‫قواعد قانونية دولية‪ ،‬وإنما يمكن اللجوء إليها للتحقق من نشوء قاعد قانونية أو تفسير فحواها‪.‬‬

‫الجدير بالذكر أنه ال يوجد تدرج بين مصادر القانون الدولي العام األصلية‪ ،‬حيث أنه قد يعلو‬

‫بعضها بعضا‪ .‬فالمعيار األساسي‪ ،‬كما سبق‪ ،‬هو سمو القواعد القانونية الدولية اآلمرة على القواعد القانونية‬

‫المكملة‪ ،‬أيا كان مصدرها الشكلي‪ .‬وبالتالي فالقواعد القانونية الدولية المستمدة من العرف الدولي‪ ،‬على‬

‫سبيل المثال‪ ،‬لها ذات القيمة القانونية للقواعد المأخوذة من المعاهدات الدولية‪ ،‬على أال يحول ذلك دون اتفاق‬

‫أشخاص القانون الدولي على االتفاق على مثل هذا التدرج‪ .‬فعلى سبيل المثال تنص المادة ‪ 393‬من اتفاقية‬

‫األمم المتحدة لقانون البحار لعام ‪1982‬م على منح نصوص االتفاقية أولوية التطبيق أما المحكمة الدولية‬

‫لقانون البحار‪.‬‬

‫بل أنه ال يوجد أيضا ما يحول دون اتفاق أشخاص القانون الدولي على منح بعض مكونات المصدر‬

‫الواحد (كالمعاهدات الدولية) أولوية في التطبيق على ما سواه‪ ،‬فالمادة ‪ 103‬من ميثاق األمم المتحدة تمنح‬

‫االلتزامات الناتجة عن الميثاق علوا على سائر المعاهدات الدولية األخرى‪.‬‬

‫وبالرغم من أهمية ماورد في نص المادة (‪ 38 )1‬من النظام األساسي لمحكمة العدل‪ ،‬إال أنه يؤخذ‬

‫عليها أنها ال تقدم قائمة حصرية بالمصادر الشكلية للقانون الدولي العام المعاصر‪ ،‬حيث تجاهلت اإلشارة‬

‫‪2‬‬
‫إلى مصدرين مهمين يشير العمل الدولي إلى أن المحكمة نفسها تستعين بهما عند الفصل في المنازعات‬

‫التي تعرض عليها‪ ،‬وهما قرارات المنظمات الدولية‪ ،‬والتصرفات باإلرادة المنفردة الصادرة عن الدولة‪.‬‬

‫وإذا كان يمكن التماس العذر لواضعي النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية في عدم اإلشارة إلى قرارات‬

‫المنظمات الدولية كمصدر للقانون الدولي العام على اعتبار أن المنظمات الدولية لم يعترف بها وقت وضع‬

‫النظام األساسي للمحكمة‪ ،‬إال أنه من غير المبرر تجاهل التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة‬

‫الذي اقترن وجوده بوجود الدولة ذاتها‪.‬‬

‫خالصة القول‪ ،‬هناك اتفاق على أن المعاهدات الدولية والعرف الدولي يعتبران مصدران رئيسان‬

‫من مصادر القانون الدولي العام‪ ،‬وأحكام المحاكم والفقه مصدران تكميليان‪ ،‬فيما الزال الخالف قائما حول‬

‫اعتبار مبادئ القانون العامة مصدرا أصليا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفصل األول‪ :‬المعاهدات الدولية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية المعاهدات الدولية وأنواعها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬كيفية انعقاد المعاهدات الدولية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬اآلثار القانونية للمعاهدات الدولية‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬بطالن المعاهدات وإنهاؤها وإيقاف العمل بها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية المعاهدات الدولية وأنواعها‪:‬‬

‫وفقا للمادة أ(‪ 2)1‬من اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات لعامي ‪ 1969‬م (الخاصة بالمعاهدات المبرمة‬

‫بين دول فقط) و ‪1986‬م (الخاصة بالمعاهدات التي يكون أحد أطرافها منظمة دولية)‪ ،‬فإن اصطالح‬

‫المعاهدة الدولية يقصد به "اتفاق دولي مكتوب يتم إبرامه بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي‬

‫يحكمه هذا القانون سواء تم صياغته في وثيقة واحدة أو أكثر و أيا كانت التسمية التي تطلق عليه"‪.‬‬

‫و المعاهدة مصطلع عام‪ ،‬يطلق على االتفاقيات الدولية بصفة عامة‪ ،‬و إن كانت العادة قد جرت‬

‫على أن يطلق وصف المعاهدة على االتفاقيات الدولية ذات الطابع السياسي‪ ،‬و وصف اتفاقية على المعاهدات‬

‫غير السياسة‪ ،‬على أن يستخدم مصطلح بروتوكول على المعاهدات التكميلية أو المعدلة لمعاهدة سابقة‪ ،‬كما‬

‫درت الممارسة على اسباغ وصف الميثاق أو العهد على المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية‪ ،‬علما بأن‬

‫القانون الدولي العام ال يفرض على أطرافه قيودا فيما يتعلق بمسميات االتفاقيات المبرمة بينهم‪ ،‬حيث‬

‫تتساوى جميع هذه االتفاقيات من حيث القيمة القانونية بغض النظر عن مسمياتها‪.‬‬

‫وأيا كان وصف المعاهدة الدولية‪ ،‬فإنه يشترط العتبارها معاهدة دولية تحقق أربعة عناصر أساسية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن تكون عبارة عن اتفاق بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام (الدول والمنظمات‬

‫الدولي)‪ :‬حيث تقصر اتفاقية فيينا لعام ‪1969‬م نطاق تطبيقها على االتفاقيات الدولية المبرمة بين الدول‬

‫فقط‪ ،‬وتطبق أحكام اتفاقية فيينا لعام ‪1986‬م على االتفاقيات الدولية التي يكون كل أو أحد أطرافها منظمات‬

‫‪4‬‬
‫دولية‪ ،‬ويترتب على ذلك أن االتفاقيات التي يبرمها األشخاص الطبيعيون أو المعنويون سواء فيما بينهم‪ ،‬أو‬

‫مع أطراف القانون الدولي العام ال تكتسب صفة المعاهدات الدولية‪( .‬مثل االتفاقيات التي قد تبرمها شركات‬

‫البترول لتعيين مناطق النفوذ)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يجب أن تكون المعاهدة مكتوبة‪ :‬و إن كان ال يوجد في القانون الدولي العام ما يمنع أن تكون االتفاقيات‬

‫بين أطرافه ذات طابع شفهي‪ ،‬و بالرغم من أن االتفاقيات الدولية الشفهية تنتج آثارها القانونية بين أطرافها‪،‬‬

‫و تحكمها قواعد القانون الدولي العرفي‪ ،‬إال أنها تخرج خارج نطاق اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات وفقا‬

‫لنص المادة ‪ 3‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪1969‬م‪ ،‬و إن كان هذا ال يمنع تطبيق بعض نصوص‬

‫اتفاقية فيينا على المعاهدات الشفهية إذا كان قد تم تضمينها في اتفاقيات أخرى ملزمة ألطراف المعاهدة أو‬

‫كانت قد تحولت إلى قواعد دولية عرفية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه من الممكن إبرام المعاهدة في وثيقة واحدة أو أكثر‪ .‬فبالرغم من أنه من‬

‫الدارج إبرام المعاهدة الدولية في وثيقة واحدة تحتوي على جميع األحكام المنظمة لموضوعها‪ ،‬إال أنه ال‬

‫يوجد ما يمنع من إبرامها في وثيقتين أو أكثر‪ ،‬كالمعاهدات التي تقتضي الضرورة أن يرفق بها مالحق‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬خضوع موضوع المعاهدة ألحكام القانون الدولي‪ :‬وعليه‪ ،‬يخرج من نطاق المعاهدات الدولية‪،‬‬

‫االتفاقات التي تنظم مسائل ال يحكمها القانون الدولي العام مثل الشراء والبيع وغيره‪ ،‬و إن كان أطرافه من‬

‫أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬مع العلم بأن هناك توجه فقهي يذهب إلى إخضاع جميع االتفاقيات المبرمة‬

‫بين أشخاص القانون الدولي العام إلى أحكام هذا القانون أيا كان موضوع االتفاق‪ ،‬و يدعم هذا الرأي التوسع‬

‫المضطرد في نطاق القانون الدولي العام و شموليته لكثير من المواضيع التي كانت محكومة بقواعد القانون‬

‫الداخلي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫رابعا‪ :‬ضرورة أن ينشئ االتفاق التزامات قانونية‪ :‬حيث يجب أن يكون الهدف منها هو خلق عالقة قانونية‬

‫بين األطراف المتعاقدة‪ ،‬وهو ما يعد بمثابة اإلقرار بوجود اتفاقيات تبرم بين أشخاص القانون الدولي وال‬

‫تحدث آثار قانونية‪ ،‬وال تعتبر لهذا السبب معاهدات دولية‪ .‬ولهذا فإن هنالك توجه فقهي يفرق بين المعاهدات‬

‫واتفاقات الجنتلمان أو الشرف‪ ،‬وهي تلك االتفاقات ذات الطابع السياسي التي تبرمها دولتان أو أكثر وتعلن‬

‫فيها عن عزمها على اتباع منهج سياسي معين أو اتخاذ موقف معين من إحدى القضايا الدولية وذلك دون‬

‫التزام قانوني من جانبها‪ .‬فهي إذن اتفاقات ال تخضع لحكم المعاهدات وال تقيد الدول المشتركة وال يترتب‬

‫على عدم احترامها أو تنفيذها أي التزام قانوني‪ ،‬وكل ما تحدثه هو خلق رابط أدبي يقع على عاتق شخص‬

‫الرئيس أو رئيس الحكومة‪ ،‬وليس على عاتق الدولة ذاتها‪ .‬ومن األمثلة على اتفاقات الشرف‪ ،‬ميثاق‬

‫األطلنطي الموقع عام ‪1941‬م بين الرئيس األمريكي روزفلت ورئيس الوزراء تشرشل‪ ،‬وتم اإلعالن فيه‬

‫عن السياسة التي سوف تتبع لالنتصار في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وإنشاء منظمة دولية عالمية جديدة تخلف‬

‫عصبة األمم بهدف حفظ السلم واألمن الدوليين‪.‬‬

‫أما ما يتعلق بأنواع المعاهدات الدولية‪ ،‬فهناك عدة تقسيم للمعاهدات‪ ،‬منها تقسيم المعاهدات الدولية‬

‫إلى معاهدات خاصة (ثنائية) ومعاهدات عامة (جماعية)‪ .‬ومن التقسيمات أيضا‪ ،‬تقسيم المعاهدات تبعا‬

‫لمدتها إلى معاهدات محددة المدة ومعاهدات مستديمة‪ .‬كما يمكن تقسيم المعاهدات الدولية تبعا لموضوعها‬

‫إلى معاهدات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية‪ .‬باإلضافة إلى ما سبق‪ ،‬تقسم المعاهدات إلى معاهدات‬

‫شارعه (كميثاق األمم المتحدة وعهد عصبة األمم)‪ ،‬ومعاهدات عقدية (كمعاهدات تعيين الحدود و المعاهدات‬

‫التجارية)‪ ،‬و تكون المعاهدة شارعه إذا كان الهدف من ابرامها سن قواعد دولية جديدة‪ ،‬و تكون عقدية إذا‬

‫كان الهدف من إبرامها مجرد إنشاء التزامات على عاتق أطرافها تطبيقا للقواعد الدولية القائمة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬كيفية انعقاد المعاهدات‪:‬‬

‫المعاهدات الدولية هي إحدى الوسائل القانونية التي يعبر فيها أعضاء المجتمع الدولي عن إرادتهم‬

‫بهدف ترتيب آثار قانونية ملزمة بشأن موضوع محدد‪ ،‬ولكي تنعقد المعاهدة بالشكل القانوني الملزم يجب‬

‫أن تستوفي شروطا موضوعية‪ ،‬وأخرى شكلية حددها القانون الدولي لالتفاقيات الدولية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشروط الموضوعية لصحة المعاهدة‪:‬‬

‫ثالثا‪ :‬موضوع أو محل المعاهدة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬سالمة الرضا‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬أهلية مبرمي المعاهدة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األهلية كشرط موضوعي في المعاهدات الدولية‪:‬‬

‫يقصد باألهلية‪ ،‬صالحية الشخص أو قدرته على اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات طبقا ألحكام‬

‫القانون الدولي‪ ،‬وفقا للطبيعة الخاصة للقانون الدولي العام‪ ،‬فإنه وبحسب األصل‪ ،‬ال يتمتع بالشخصية‬

‫القانونية الدولية إال الدول والمنظمات الدولية بأنواعها المختلفة‪ .‬وبالتالي فإن المعاهدة ال تكون مشروعة‬

‫من الناحية الموضوعية إال إذا أبرمتها دول تتمتع باألهلية الكاملة‪ .‬أما الدول ذات السيادة الناقصة فإن أهليتها‬

‫لعقد المعاهدات الدولية تكون إما ناقصة أو معدومة‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالمنظمات الدولية‪ ،‬فإنها تتمتع باألهلية القانونية الدولية التي تؤهلها إلبرام المعاهدات‬

‫الدولية‪ ،‬إال أن أهليتها‪ ،‬بهذا الخصوص‪ ،‬تكون مقيدة بالغرض من تأسيسها كمنظمة دولية‪ ،‬حيث يترتب‬

‫على تجاوزها لصالحياتها المنصوص عليها في نظامها األساسي بطالن تصرفاتها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬سالمة الرضا من العيوب‪:‬‬

‫إذا كان أساس القوة اإللزامية لغالبية قواعد القانون الدولي العام يكمن في إرادة أشخاصه‪ ،‬فإن‬

‫اإلرادة التي يعتد بها هي وحدها اإلرادة الصحيحة الخالية من العيوب‪ .‬وبالتالي فإنه باإلضافة إلى توافر‬

‫األهلية التامة في أطراف المعاهدة‪ ،‬يشترط النعقاد المعاهدة الدولية أن يتوافر رضا الدول المشتركة فيها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أي أن يكون رضا أطرافها رضا سليما خاليا من أي عيوب من عيوب الرضا‪ ،‬كالغلط أو الغش أو اإلكراه‪،‬‬

‫وإال لحق للطرف المتضرر اعتبار المعاهدة باطلة أو طالب بإبطالها‪ .‬والهدف من إقرار الرضا كشرط‬

‫موضوعي لصحة المعاهدات الدولية‪ ،‬هو حرص القانون الدولي العام على احترام سيادة الدول من ناحية‪،‬‬

‫والحرص على استقرار العالقات الدولية من ناحية أخرى‪( .‬علما بأنه سيتم الحديث بشكل مفصل عن عيوب‬

‫اإلرادة عند التطرق إلى بطالن المعاهدات الدولية)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مشروعية موضوع المعاهدة وسببها‪:‬‬

‫بشكل مبسط‪ ،‬يقصد بكون موضوع المعاهدة وسببها مشروعا‪ ،‬أال تتعارض مع قواعد القانون‬

‫الدولي العام اآلمرة‪ ،‬وهي القواعد العامة المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولية كقواعد ال يجوز‬

‫اإلخالل بها وال يمكن تغييرها إال بقواعد جديدة من نفس النوع والصفة‪ .‬هذا وقد نصت المادة ‪ 53‬من اتفاقية‬

‫فيينا لقانون المعاهدات على أن "المعاهدة تعتبر باطلة إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من‬

‫قواعد القانون الدولي‪ ،"...‬كما ذهبت المادة ‪ 64‬إلى أبعد من ذلك‪ ،‬حيث قررت أنه "إذا ظهرت قاعدة آمرة‬

‫جديدة ‪ ...‬فإن أي معاهدة تتعارض مع هذه القاعدة تعتبر باطلة وينتهي العمل بها"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الشروط الشكلية الالزمة إلبرام المعاهدات‪:‬‬

‫المعاهدة اتفاق دولي يخضع ألحكام شكلية رسمية فهي ليست وليدة مرحلة واحدة‪ ،‬بل تمر بمراحل‬

‫متعددة تبدأ بالمفاوضات‪ ،‬ثم مرحلة كتابة المعاهدة وتوثيق نصوصها‪ ،‬ثم مرحلة التوقيع‪ ،‬ثم مرحلة التعبير‬

‫عن الرضا في االرتباط بالمعاهدة‪ ،‬ثم مرحلة التسجيل‪.‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬المفاوضات‪:‬‬

‫يقصد بالمفاوضات‪ ،‬كأول مراحل إبرام المعاهدات الشكلية‪ ،‬مناقشة موضوع المعاهدة وبنودها‪،‬‬

‫وتبادل وجهات النظر حيالها بين أطراف المعاهدة المحتملين‪ .‬وليس للمفاوضات إطار معين‪ ،‬فقد تتم شفاهه‬

‫‪8‬‬
‫وقد تكون مكتوبة‪ .‬وعادة ما تجري المفاوضات بصورة مباشرة بين األطراف المعنية‪ ،‬وقد تتم بشكل غير‬

‫مباشر عن طريق طرف ثالث أو بحضوره حينما يتعذر االتصال المباشر بين األطراف المعنية‪ ،‬وهو ما‬

‫يحدث عادة بعد انتهاء الحروب حيث يتعين إجراء مفاوضات توقيع اتفاقيات السالم عن طريق طرف أخر‬

‫نظرا النعدام التمثيل الدبلوماسي بين أطراف النزاع‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك معاهدة السالم المصرية‬

‫اإلسرائيلية عام ‪1979‬م التي تمت برعاية أمريكية في أعقاب حرب عام ‪ .1973‬ويعد نجاح المفاوضات‬

‫أمرا هاما لالنتقال إلى المراحل التالية من مراحل إبرام المعاهدات الدولية‪.‬‬

‫وقد تنعقد المفاوضات بشكل علني‪ ،‬وقد تجرى على العكس من ذلك في سرية تامة العتبارات تتعلق‬

‫بحماية األمن القومي لألطراف المعنية‪ .‬وتجري المفاوضات إلبرام معاهدة دولية ثنائية على إقليم أحد‬

‫الطرفين أو على إقليم دولة صديقة أو محايدة‪ ،‬في حين أن المفاوضات إلبرام معاهدات دولية جماعية عادة‬

‫ما تتم في إطار مؤتمر دولي يدعى إليه جميع األطراف المعنية‪ ،‬وقد تقعد أيضا تحت رعاية منظمة دولية‬

‫معنية بموضوعها‪ ،‬كالعهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬والعهد الدولي للحقوق المدنية‬

‫والسياسية لعام ‪1966‬م‪ ،‬والذين تم التفاوض على إبرامهما تحت رعاية منظمة األمم المتحدة‪.‬‬

‫‪ -‬ممثلو أشخاص القانون الدولي في إجراء المفاوضات‪:‬‬

‫وفقا لما هو دارج‪ ،‬قبل البدء في العملية التفاوضية‪ ،‬يتعين على كل من يتفاوض باسم شخص من‬

‫أشخاص القانون الدولي العام (دول ومنظمات دولية) أن يقدم لممثل الطرف األخر “أوراق تفويض"‪ ،‬يبين‬

‫من خاللها صفته وأهليته للتفاوض وحدود ما يتمتع به من سلطات وصالحيات في شأن إبرام المعاهدة‪.‬‬

‫علما بأن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪1969‬م قد استثنت مجموعة من األشخاص من تقديم أوراق‬

‫تفويض‪ ،‬كرؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية في العالقة بين الدولة‬

‫الموفدة والدولة الموفد إليها‪ ،‬والممثلين المعتمدين من قبل الدول لدى مؤتمر أو منظمة دولية‪ ،‬علما بأنه إذا‬

‫ما تمت المفا وضات من قبل أشخاص ال يملكون الصالحية فإنه ال يترتب عليها أية أثار قانونية إال إذا‬

‫أجازتها الدولة المعنية الحقا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬القيمة القانونية لنتائج المفاوضات‪:‬‬

‫بالرغم من األهمية البالغة للمفاوضات في انعقاد المعاهدات الدولية‪ ،‬إال أن القانون الدولي العام ال‬

‫يلزم األطراف المتفاوضة بتنفيذ ما تم االتفاق عليه كنتيجة للتفاوض بغرض إبرام المعاهدة الدولية‪ ،‬وال‬

‫يلزمهم أيضا باستكمال مراحل أو إجراءات إبرامها في حالة نجاح المفاوضات‪ ،‬وال يتحملون من ثم أية‬

‫مسؤولية قانونية دولية إذا امتنعوا عن تنفيذ نتائجها أو االستمرار في اإلجراءات التالية‪ ،‬وذلك راجع إلى‬

‫الطبيعة السياسية للمفاوضات‪ ،‬وإن كان الرجوع عما تم االتفاق عليه دون وجود مبرر مقبول يعد وال شك‬

‫عمال غير أخالقيا يثير االستنكار واالستهجان‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬كتابة المعاهدة وإقرارها‪:‬‬

‫إذا ما انتهت المفاوضات بنجاح فإن هذا النجاح يقود إلى تحرير نص مكتوب للمعاهدة يكون‬

‫موضوعا للتوقيع ويعتبر شرطا ضروريا للمعاهدات الدولية‪ ،‬والحكمة منه إثبات االتفاق إثباتا يحول دون‬

‫نشوء خالف حيال وجود االتفاق كلية أو حول بعض نصوصه‪ .‬وبالرغم من عدم وجود قاعدة محددة يتوجب‬

‫اتباعها حيال الشكل الذي يتعين أن تتخذه المعاهدة عند تدوينها‪ ،‬فإن العمل قد جرى على أن تبدأ صياغة‬

‫المعاهدة بديباجة يوضح فيها أسماء الدول المشتركة في المعاهدة وأسماء ممثليهم والباعث على عقدها‬

‫وموضوعها‪ ،‬ويلي الديباجة النصوص التي تشكل صلب المعاهدة‪ ،‬يليها نصوص أخرى تحدد تاريخ نفاذ‬

‫المعاهدة و مدة سريانها و اإلجراءات الالزم توافرها لتبادل التصديقات و كيفية االنضمام الالحق إليها من‬

‫الدول التي لم تكن طرفا فيها وقت انعقادها‪ ،‬إذا كانت جماعية‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بلغة المعاهدة‪ ،‬فإن الدول األطراف هم من يختار عادة اللغة أو اللغات التي تحرر بها‪،‬‬

‫وتبرز إشكالية اللغة عندما يكون أطراف المعاهدة دول ذات لغات مختلفة‪ ،‬هنا قد يلجأ أطراف المعاهدة إلى‬

‫بعض الحلول لحل هذه اإلشكالية‪:‬‬

‫‪ -‬تحرير المعاهدة بلغة واحدة ذات انتشار عالمي سواء كانت لغة أحد األطراف أم ال‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬تحريره المعاهدة بلغات جميع الدول األطراف على أن تعتبر إحدى هذه اللغات هي اللغة الرسمية‬

‫لالتفاق والتي يعول عليها عند نشوب اختالف بين األطراف حيال نص من النصوص‪.‬‬

‫‪ -‬تحريره المعاهدة بلغات جميع الدول األطراف مع عدم تفضيل نسخة على أخرى‪ ،‬وهو ما قد يؤدي‬

‫إلى إشكاليات حول تفسير هذه النصوص‪ .‬وبالرغم من عيوبه الفنية‪ ،‬إال أن هذا األسلوب هو‬

‫األسلوب الدارج‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة التوقيع على المعاهدة‪:‬‬

‫التوقيع هو اجراء يهدف إلى التأكيد على أن مراحل إعداد المعاهدة قد اكتملت‪ ،‬وأصبح كل طرف‬

‫على علم تام بمضمون المعاهدة‪ ،‬وإن كان التوقيع ال يعني‪ ،‬كقاعدة عامة التزام أطراف المعاهدة بما ورد‬

‫فيها من تعهدات‪ ،‬حيث ال تعد المعاهدة الدولية نافذة بمجرد التوقيع عليها‪ ،‬إال أن هذا األصل العام قد ترد‬

‫عليه بعض االستثناءات تم النص عليها في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪ 1969‬م‪ .‬حيث أشارت المادة‬

‫‪ 12‬من االتفاقية إلى بعض الحاالت التي تكتسب فيها المعاهدة صفة اإللزام بمجرد التوقيع عليها من قبل‬

‫األطراف وهي‪:‬‬

‫‪ -‬النص صراحة في المعاهدة على أن تكون ملزمة بمجرد التوقيع عليها‪.‬‬

‫‪ -‬أ ن يثبت بطريقة أخرى أن الدول األطراف كانت قد اتفقت على أن يتحقق هذا األثر دون اإلشارة‬

‫إليه صراحة في المعاهدة‪.‬‬

‫‪ -‬إذا اتضحت نية أطراف المعاهدة على إعطاء التوقيع هذا األثر في وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت‬

‫عن ذلك أثناء المفاوضات‪.‬‬

‫علما بأنه بمجرد التوقيع على المعاهدة تصبح معدة للتصديق ويتعين على األطراف واجب االلتزام بمبدأ‬

‫حسن النية بعدم مخالفة ما سبق االتفاق عليه‪ ،‬إلى أن يتم التصديق على المعاهدة‪ ،‬أو إلى أن تعلن الدولة‬

‫صراحة امتناعها عن التصديق‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬التصديق على المعاهدة‪:‬‬

‫بعد مرحلة التوقيع والذي ال يترتب عليه بحسب األصل إلزام الدول األطراف بأحكام المعاهدة‪،‬‬

‫تأتي مرحلة التصديق‪ ،‬وهي إجراء دبلوماسي يقوم به المسؤول األكبر في الدولة ليؤكد من خالله مشروعية‬

‫التوقيع السابق على المعاهدة من قبل المفوض بالتوقيع‪ ،‬فهو بمثابة قبول للمعاهدة بصورة رسمية من السلطة‬

‫التي تملك حق عقد المعاهدات باسم الدولة‪.‬‬

‫فالتصديق على المعاهدة الدولية هو اإلجراء الخاص بقبول االلتزام النهائي بها من قبل الدولة التي‬

‫سبق لها التوقيع على مشروعها‪ ،‬وهو إجراء يصدر بطريقة رسمية عن جهاز الدولة المختص دستوريا‬

‫بإبرام المعاهدات‪ ،‬وبمقتضاه توافق الدولة على المعاهدة‪ ،‬وتتعهد بتنفيذها بدءا من التاريخ المتفق عليه‪.‬‬

‫والحكمة من تعليق نفاذ المعاهدة على التصديق هي إعطاء الفرصة لحكومة كل دولة أن تعيد النظر‬

‫في المعاهدة قبل أن تلتزم بما ورد فيها‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد في القانون الدولي العام ما يلزم‬

‫الدولة بالتصديق على المعاهدات التي وقعت عليها‪ ،‬أو حتى ابداء أي أسباب في حالة امتناعها عن التصديق‪،‬‬

‫حيث ال يترتب على امتناعها عن التصديق على المعاهدة التي وقعت عليها سابقا أي مسؤولية قانونية دولية‪.‬‬

‫وتحدد دساتير الدول السلطة المخولة بالتصديق على المعاهدات‪ ،‬وإن كان الدارج أن تمنح صالحية‬

‫التصديق لرئيس الدولة‪ ،‬وقد يقضي الدستور بأن يتم إحالة األمر إلى السلطة التشريعية لدراسة المعاهدة قبل‬

‫أن يصادق عليها رئيس الدولة‪ ،‬حيث ال يترتب على إحالة المعاهدة للسلطة التشريعية أن تكون ذات‬

‫االختصاص في التصديق‪ ،‬مما يعني أنه يجوز لرئيس الدولة أن يمتنع عن التصديق حتى بعد موافقة السلطة‬

‫التشريعية‪ .‬وال يجوز‪ ،‬كقاعدة عامة‪ ،‬لدولة ما أن تصدق على بعض أحكام المعاهدة الدولية دون البعض‬

‫األخر مالم ترخص المعاهدة ذاتها بذلك‪ ،‬وال يعد من قبيل التصديق الجزئي التصديق مع ابداء التحفظ على‬

‫بعض الفقرات الواردة في المعاهدة‪.‬‬

‫ويتخذ التصديق في الواقع العملي شكل خطاب موجه من الجهة المختصة بإبرام المعاهدات الدولية‬

‫في الدولة (رئيس الدولة)‪ ،‬إلى األطراف األخرى في المعاهدة تشير فيه‪ ،‬وذلك بعد التحية الواجبة‪ ،‬إلى أنه‬

‫قد تم النظر في المعاهدة والموافقة على جميع أجزائها وفقا لما ينص عليه الدستور‪ ،‬ثم يشار إلى نص‬

‫‪12‬‬
‫المعاهدة كامال‪ ،‬ويليه عبارات تفيد بأنه تم التصديق عليها وسوف تراعى أحكامها‪ ،‬ويأتي في نهاية الخطاب‬

‫التوقيع مصحوبا بخاتم أو شعار الدولة‪.‬‬

‫والتصديق على المعاهدات الدولية في المملكة‪ ،‬يتم بمرسوم ملكي يصدر من الملك باعتباره رئيسا‬

‫للسلطة التنفيذية وذلك بعد دراسة المعاهدة في مجلسي الشورى والوزراء كال على حدة‪ ،‬حيث ال يشترط‬

‫موافقتهما مسبقا قبل إجراء التصديق وإنما يكتفى بدراستها من قبلهم وإبداء المالحظات إن وجدت‪.‬‬

‫‪ -‬ال يعد التصديق الطريقة الوحيدة لدخول المعاهدات حيز النفاذ‪( .‬التوقيع!)‬

‫• المصادقة على معاهدة دولية مخالفة ألحكام الدستور؟‬

‫• عدم التزام الدولة بالتصديق على المعاهدات‪:‬‬

‫ال تلتزم الدولة بالتصديق على المعاهدات الدولية‪ ،‬بما في ذلك المعاهدات التي اقترحت هي ذاتها‬

‫إبرامها‪ ،‬فمن المسلم به فقها وعمال أن عملية التصديق‪ ،‬كوسيلة للتعبير عن ارتضاء االلتزام النهائي‬

‫بالمعاهدة‪ ،‬تخضع لكامل السلطة التقديرية للدولة‪ ،‬األمر الذي يترتب عليه عدم تحملها المسؤولية القانونية‬

‫الدولية في حالة االمتناع عن التصديق على معاهدة ما‪ ،‬وإن كان قد يعتبر تصرفا غير أخالقي يثير‬

‫االستهجان واالستنكار الدوليين‪.‬‬

‫التحفظ على المعاهدات‪:‬‬

‫ال تقتصر أهمية التحفظ على المعاهدات الدولية في كونه يساهم في منح القانون الدولي العام مزيدا‬

‫من االنتشار من خالل منح الفرصة لعدد أكبر من الدول والمنظمات الدولية فرصة المشاركة في إبرام عدد‬

‫أكبر من المعاهدات الدولية‪ ،‬وبالتالي المساهمة في سن مزيد من القواعد القانونية الدولية المكتوبة‪ ،‬وإنما‬

‫لما يترتب على إعماله من تفاوت كبير في الحقوق وااللتزامات الناتجة عن المعاهدات عند إعماله‪ ،‬األمر‬

‫الذي يصعب تحديد حقوق والتزامات كل طرف بشكل دقيق‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫عرفت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التحفظ في مادتها الثانية بأنه "إعالن من جانب واحد أيا‬

‫كانت صيغته أو تسميته يصدر عن الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى‬

‫معاهدة ما‪ ،‬وتهدف به استبعاد أو تعديل األثر القانوني ألحكام معينة في المعاهدة من حيث سريانها على‬

‫هذه الدولة"‪ .‬فالتحفظ إذن هو إجراء يسمح للدول والمنظمات باالنضمام إلى المعاهدات الدولية دون االلتزام‬

‫بكل ما فيها من أحكام‪ ،‬بحيث يحق لهم طلب استبعاد أو تعديل بعض األحكام عند تطبيقها عليهم‪ ،‬على أن‬

‫يكون لبقية أطراف المعاهدة المعنية حق قبول أو رفض هذا الطلب‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن التحفظ يكون بمثابة‬

‫"إعالن من جانب واحد" يتوقف نفاذه على إجازة أطراف أخرين‪ ،‬وهو بذلك يختلف عن التصرف باإلرادة‬

‫المنفردة‪ ،‬الذي ينتج آثاره باالستناد إلى إرادة مصده دون الحاجة إلى إجازة الحقة من أشخاص أخرين‪.‬‬

‫والتحفظ ال يكون إال عند مرحلة التعبير عن ارتضاء االلتزام النهائي بالمعاهدة‪ ،‬وذلك ألنه إذا‬

‫أثارت الدولة أو المنظمة اعتراضا على بعض النصوص خالل المراحل األخرى‪ ،‬فإنه يمكن التفاوض‬

‫حولها والتوصل إلى صيغة توافقية جديدة‪ ،‬فالتحفظ إذن قد تبديه الدولة أثناء التوقيع على المعاهدة‪ ،‬مما‬

‫يجعل أثاره معلومة لبقية األطراف قبل أن يلتزموا بنصوص المعاهدة‪ ،‬وقد يرد التحفظ على المعاهدة أثناء‬

‫التصديق وهو ما قد يترتب عليه بعض اإلشكاليات التي قد تؤدي إلى رفض المعاهدة بالكامل‪ .‬وقد تبدي‬

‫الدولة التحفظ عند االنضمام وهو ما قد يثير الكثير من اإلشكاليات باعتبار أنه يعني رغبة الدولة المتحفظة‬

‫في فرض تعديالت منفردة على األطراف األصليين بعد أن تصبح المعاهدة نافذة بينهم‪.‬‬

‫‪ -‬هذا ويختلف التحفظ والذي يهدف إلى إبعاد الحكم بصفة نهائية أو تعديل آثاره عن اإلعالن التفسيري‬

‫الذي يعد إجراء تقوم به الدولة عند ارتضائها االلتزام النهائي بالمعاهدة بغية تحديد معنى حكم من‬

‫أحكام المعاهدة بالنسبة لها‪.‬‬

‫‪ -‬أنواع التحفظ‪ :‬ينقسم التحفظ على المعاهدات الدولية إلى تحفظ باالستبعاد‪ ،‬حيث تكون الدولة أو‬

‫المنظمة الدولية المتحفظة راغبة في عدم االلتزام كلية ببعض أحكام المعاهدة‪ ،‬وتحفظ تفسيري أو‬

‫تعديلي يعني أن المتحفظ يرغب في االلتزام بأحد أحكام المعاهدة وفق تعديل أو تفسير يعبر عنه‬

‫عند ارتضائه االلتزام النهائي بها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مشروعية التحفظ‪:‬‬

‫وفقا لنص المادة ‪ 19‬من اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات‪ ،‬فإنه يمكن القول بأن القاعدة العامة هي‬

‫جواز التحفظ‪ .‬ومع ذلك فإنه‪ ،‬يتعين التفرقة في هذا الشأن بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية‪،‬‬

‫فبالنسبة للمعاهدات الثنائية يعد التحفظ فيها‪ ،‬وفقا للرأي الراجح‪ ،‬بمثابة إيجاب جديد "أو اقتراح تعديل" ال‬

‫يحدث أثره مالم يقبله الطرف األخر‪ ،‬وإال انهارت المعاهدة بأكملها‪ ،‬وهذا ما تؤكده السوابق الدولية‪ .‬أما فيما‬

‫يتعلق بالمعاهدات الجماعية فالوضع يعد مختلفا‪.‬‬

‫حيث أجازت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المادة ‪ ،19‬للدولة أن تبدي تحفظا على المعاهدة عند‬

‫توقيعها أو التصديق عليها أو قبولها أو الموافقة عليها أو االنضمام إليها‪ ،‬على أن هذا الحق ال يسري في‬

‫حاالت ثالث‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا تضمنت المعاهدة نصا يحظر إبداء التحفظات‪ :‬وعليه إما أن تقبلها األطراف كاملة أو ترفض‬

‫االنضمام إليها‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا كانت المعاهدة تجيز إبداء تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ‪ :‬حيث قد تحظر بعض‬

‫المعاهدات ابداء التحفظات على بعض النصوص التي تشكل العمود الفقري في أحكام المعاهدة أو‬

‫النصوص الجوهرية التي بدونها تصبح المعاهدة عديمة أو قليلة الفائدة‪ .‬مثال تنص المادة ‪ 57‬من‬

‫االتفاقية األوربية لحماية حقوق االنسان وحرياته األساسية على أنه يحق لكل دولة طرف إبداء‬

‫تحفظات تتعلق بحكم خاص في االتفاقية حينما يكون متعارضا مع تشريع داخلي‪ ،‬مما يعني بأنه ال‬

‫يجوز إبداء تحفظات في الحاالت األخرى‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا كان التحفظ مخالفا لموضوع المعاهدة والغرض منها‪ :‬بعض المعاهدات الدولية تنص صراحة‬

‫على معيار التمييز‪ ،‬فعلى سبيل المثال تشترط المادة ‪ 20‬من االتفاقية الدولية المتعلقة بإزالة جميع‬

‫أشكال التمييز العنصري لعام ‪1966‬م‪ ،‬على أن التحفظ يكون متعارضا مع موضوع وهدف‬

‫االتفاقية إذا اعترض عليه ثلثا الدول األطراف‪ .‬أما في حالة عدم احتواء المعاهدة على مثل هذا‬

‫المعيار‪ ،‬فإنه يترك لكل طرف متعاهد الحرية في تقدير مدى مخالفة التحفظ الصادر من الطرف‬

‫‪15‬‬
‫األخر مع موضوع المعاهدة من عدمه‪ ،‬وبالتالي يظل معيار التمييز من أكثر األمور إثارة للمشاكل‬

‫ألن معيار اتفاق أو عدم اتفاق التحفظ مع موضوع المعاهدة والهدف منها هو معيار شخصي‪.‬‬

‫‪ -‬مشروعية التحفظات ذات الطابع العام‪ :‬ال يجوز قبول التحفظات ذات الطابع العام‪.‬‬

‫‪ -‬األحكام المتعلقة بقبول التحفظ‪:‬‬

‫عندما تبدي دولة أو منظمة دولية ما رغبتها في التحفظ على معاهدة دولية‪ ،‬نكون أما ثالث‬

‫حاالت‪:‬‬

‫‪ -1‬قبول التحفظ من قبل جميع األطراف المتعاهدة‪ ،‬وبالتالي ال توجد أية إشكالية‪ ،‬بحيث يطبق‬

‫التحفظ على عالقة المتحفظ مع باقي أطراف المعاهدة‪.‬‬

‫‪ -2‬االعتراض على التحفظ من قبل جميع أطراف المعاهدة‪ ،‬وهنا ال توجد إشكالية أيضا‪ ،‬حيث ال‬

‫يعتبر المتحفظ طرفا في المعاهدة ما دام متمسكا بتحفظه‪.‬‬

‫‪ -3‬قبول التحفظ من قبل بعض أطراف المعاهدة الدولية‪ ،‬واالعتراض عليه من البقية‪ ،‬وهنا يصبح‬

‫المتحفظ طرفا في المعاهدة بالنسبة لمن قبل التحفظ‪ ،‬و يسري التحفظ من ثم على عالقاتهم‬

‫المتبادلة‪ :‬و فيما يتعلق بالعالقة بين المتحفظ و األطراف المعترضة على التحفظ‪ ،‬فإن المتحفظ‬

‫يعد طرفا في المعاهدة و يسري التحفظ في مواجهة األطراف المعترضة مالم يطلبوا عدم نفاذ‬

‫المعاهدة بينهم و بين المتحفظ‪ ،‬بحيث ال يصبح الطرف المتحفظ طرفا في المعاهدة بالنسبة لهم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬مرحلة التسجيل والنشر‪:‬‬

‫بعد أن تستوفي المعاهدة شروطها الموضوعية والشكلية تكون قد استكملت ميالدها‪ ،‬وال يبقى لها‬

‫لكي تصبح نافذة في مواجهة المجتمع الدولي‪ ،‬إال استيفاء المرحلة األخيرة وهي تسجيل ونشر أنباء عقدها‬

‫بهدف تحقيق عنصر العالنية لها في نطاق العالقات الدولية‪ ،‬حيث يتم ذلك بقيام أطرافها بإيداع صور منها‬

‫لدى جهاز دولي مختص بهدف تمكينه من تدوينها في سجل خاص معد لهذا الغرض‪ .‬حيث نصت المادة‬

‫‪ 102‬من ميثاق األمم المتحدة على وجوب تسجيل المعاهدات لدى األمانة العامة لألمم المتحدة ونشرها‪.‬‬

‫كما نصت المادة ‪ 80‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪1969‬م والمادة ‪ 81‬من اتفاقية فيينا‬

‫لعام ‪1986‬م ضرورة أن تحال المعاهدات (بعد دخولها حيز النفاذ) إلى األمانة العامة لألمم المتحدة لتسجيلها‬

‫أو قيدها وحفظها ونشرها‪ ،‬وهو ما يفهم منه أن المعاهدات تكون صحيحة وملزمة من تاريخ نفاذها وقبل‬

‫تسجيلها ونشرها وأن التسجيل ليس شرطا من شروط صحة إبرامها‪.‬‬

‫إذا ما هو الغرض من تسجيل ونشر المعاهدات؟‬

‫أوال‪ :‬هدف سياسي‪ :‬وهو محاربة العالقات السرية بين الدول‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬هدف علمي قانوني‪ :‬وهو تسهيل عملية تقنين القانون الدولي والوقوف على أحكامه‪ ،‬وبالتالي‬

‫تطوره‪.‬‬

‫ما هو الجزاء المترتب على عدم تسجيل المعاهدات إذا؟‬

‫الجزاء المترتب على عدم تسجيل المعاهدات هو عدم جواز االحتجاج بها في مواجهة الغير‪.‬‬

‫والمقصود بالغير هنا أجهزة األمم المتحدة الرئيسية والثانوية المتعددة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اآلثار القانونية للمعاهدات الدولية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تاريخ بدء وتنفيذ وتطبيق المعاهدة الدولية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثار المعاهدات بالنسبة ألطرافها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثار المعاهدات بالنسبة لغير أطرافها‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تفسير المعاهدات الدولية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تاريخ بدء وتنفيذ وتطبيق المعاهدة الدولية‪:‬‬

‫من المؤكد أن إبرام المعاهدات الدولية ليس غاية في ذاته‪ ،‬و إنما هو وسيلة أو ألية لتنظيم العالقات‬

‫الدولية‪ ،‬األمر الذي يفترض معه أن تبدأ المعاهدة في السريان بمجرد إبرامها صحيحة وفق اإلجراءات‬

‫السابق ذكرها‪ ،‬كقاعدة عامة‪ ،‬تحدد كل معاهدة الطريقة التي يتم من خاللها تنفيذ أحكامها‪ ،‬كما تحدد تاريخ‬

‫هذا التنفيذ‪ ،‬حيث قد ينص بعضها على نفاذ المعاهدة بمجرد التوقيع عليها‪ ،‬و هذا هو حال المعاهدات التي‬

‫تبرم في الشكل المبسط أو وجوب إيداع جميع التصديقات قبل المباشرة بالتنفيذ‪ ،‬و بعضها ينص على وجوب‬

‫الحصول على عدد مع ين من التصديقات‪ ،‬و كثيرا ما يضاف إلى هذه الشروط شرط أخر ينص على أن‬

‫تنفيذ المعاهدة يبدأ بعد شهر أو أكثر من إيداع عدد معين من التصديقات‪.‬‬

‫وفي حالة عدم احتواء المعاهدة على نص يبين تاريخ بدء سريانها‪ ،‬ولم يتفق المتفاوضون على هذا‬

‫التاريخ‪ ،‬فإنها تدخل حيز النفاذ حينما يثبت ارتضاء جميع المتفاوضين االلتزام النهائي بها‪ ،‬على أال تسري‬

‫في حق من ارتضى االلتزام بها بعد دخولها حيز النفاذ إال اعتبارا من تاريخ التزامه بها ما لم تنص المعاهدة‬

‫ذاتها على عكس ذلك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أثار تنفيذ وتطبيق المعاهدة بالنسبة ألطرافها‪:‬‬

‫عندما تستوفي المعاهدة شروط إبرامها الموضوعية والشكلية تصبح قانونا ساريا ونافذا بين‬

‫أطرافها‪ ،‬وبالتالي يتعين عليهم احترام الحقوق وااللتزامات الناشئة عنها‪ ،‬وذلك إعماال للقاعدة العامة التي‬

‫تقضي بتقيد المتعاقد بتعاقده والعقد شريعة المتعاقدين وقاعدة المعاهدة تقيد الدولة‪ .‬حيث نصت المادة ‪26‬‬

‫من اتفاقية فيينا على أن "كل معاهدة سارية تلزم أطرافها ويجب عليهم تنفيذها بحسن نية"‪ ،‬وتشكل هذه‬

‫المادة أساس القوة اإللزامية للمعاهدات الدولية‪ ،‬وهو ما أكد عليه ميثاق األمم المتحدة في الفقرة ‪ 3‬ديباجته‬

‫التي تشير إلى ضرورة احترام االلتزامات الناتجة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي‪ ،‬وكذا‬

‫المادة ‪ )2(2‬التي تنص على مبدأ تنفيذ االلتزامات الدولية بحسن نية‪.‬‬

‫ففي كثير من األحيان تلزم المعاهدة الدولة باتخاذ إجراءات معينة من أجل تطبيقها وجعل نصوصها‬

‫ذات فعالية على المستوى الداخلي‪ ،‬وهذه اإلجراءات قد تختلف من دولة إلى أخرى‪ ،‬وبالتالي ال يمكن‬

‫اتخاذها إال بصفة فردية من جانب كل دولة حتى ولو كانت المعاهدة جماعية‪ .‬حيث يفترض قيام كل دولة‬

‫باتخاذ اإلجراءات القانونية‪ ،‬في إطار قانونها الداخلي‪ ،‬بهدف تنفيذ التزاماتها الناشئة عن المعاهدة وإال‬

‫تحملت تبعات المسؤولية الدولية‪ ،‬كما يترتب أيضا على مبدأ الوفاء بالعهد أيضا استمرار الدولة أو المنظمة‬

‫الدولية في تنفيذ المعاهدات التي تكون طرفا فيها على الرغم من تغير النظام السياسي أو الحكومة داخل‬

‫الدولة أو تغير إدارة المنظمة الدولية‪.‬‬

‫‪ -‬كقاعدة عامة‪ ،‬تطبق المعاهدة على الوقائع التي تحدث خالل الفترة الزمنية المحصورة بين تاريخ‬

‫بدء سريانها وتاريخ انتهائها‪ ،‬األمر الذي يعني أنه ليس للمعاهدة آثر رجعي‪ ،‬إال إذا نصت على‬

‫عكس ذلك‪( .‬م ‪ ،28‬فيينا ‪1969‬م)‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثار المعاهدات بالنسبة للدول غير األطراف فيها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مبدأ نسبية آثار المعاهدات‬

‫وفقا لمبدأ نسبية أثر المعاهدات الدولية‪ ،‬فإنه ليس للمعاهدات الدولية أثار قانونية إال بين أطرافها‪،‬‬

‫أي بين الدول التي اشتركت في إبرام المعاهدة ثم قامت بالتصديق عليها وفقا ألحكام دساتيرها الداخلية‪،‬‬

‫وهذا ما جرى عليه العمل الدولي‪ .‬حيث أنه مبدأ عرفي مستقر دونته اتفاقيتا فيينا لقانون المعاهدات وأكد‬

‫ع ليه القضاء الدولي في مناسبات متعددة‪ ،‬وقد أكدت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات هذا المبدأ في المادة ‪34‬‬

‫والتي ذهبت إلى أن المعاهدة ال تنشئ التزاما على الغير أو حقا له بغير رضاه‪.‬‬

‫مبررات نسبية أثر المعاهدات الدولية‪ :‬المجتمع الدولي يتكون من دول ذات سيادة يجاور بعضها‬

‫بعضا وكلها تقف على قدم المساواة من الناحية القانونية‪ ،‬وبناء عليه سيكون مخالفا لمبدأ المساواة أن تبرم‬

‫بعض الدول معاهدات دولية وتقرر فيها حقوقا لصالح دول أخرى أو تفرض عليها التزامات دون رضاها‪.‬‬

‫فالمعروف أن مبدأ المساواة في السيادة واالستقالل هو قاعدة قانونية راسخة في القانون الدولي ال يمكن‬

‫اإلخالل بها‪ ،‬وقد ورد النص عليها في ميثاق األمم المتحدة وإعالن الجمعية العامة عام ‪.1970‬‬

‫ثانيا‪ :‬االستثناءات على مبدأ نسبية آثار المعاهدات‬

‫يرد على مبدأ األثر النسبي للمعاهدات استثنائيين‪ ،‬وهما‪ :‬تطبيق المعاهدة على الغير بموافقته‪،‬‬

‫وتطبيق المعاهدات على الغير بدون موافقته‪.‬‬

‫أ‪ -‬تطبيق المعاهدة على الغير بموافقته‬

‫أ (‪ - )1‬معاهدات تفرض التزامات على عاتق الغير‬

‫وفقا لنص المادة ‪ 35‬من اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات "ينشأ التزام على الدولة الغير نتيجة نص‬

‫في معاهدة إذا قصد أطراف المعاهدة بهذا النص أن يكون وسيلة االلتزام وقبلت الدولة الغير صراحة هذا‬

‫االلتزام كتابة"‪ .‬وبالتالي يمكن القول بأنه ال يجوز أن تفرض معاهدة ما التزاما على عاتق الغير‪ ،‬إال إذا‬

‫‪20‬‬
‫توافر شرطان هما من ناحية‪ ،‬أن تتجه إرادة األطراف المتعاهدة إلى إنشاء االلتزام على عاتق الغير من‬

‫خالل أحد نصوص المعاهدة‪ ،‬ومن ناحية أخرى أن يوافق الغير صراحة وكتابة على تحمل االلتزام‪.‬‬

‫ويستفاد من أحكام اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات أن األساس القانوني لفرض التزام على عاتق‬

‫الغير ال يكمن فقط في المعاهدة التي ال يعد طرفا فيها‪ ،‬وإنما يكمن إضافة إليها في االتفاق المستقل الجانبي‬

‫أو اإلضافي المبرم بين الغير واألطراف المتعاهدة‪ .‬وبالتالي فإنه في حال رتبت معاهدة ما التزاما على‬

‫الغير بناء على موافقته الكتابية‪ ،‬فإنه ال يجوز إلغاء هذا االلتزام أو تعديله إال باتفاق بين أطراف المعاهدة‬

‫والغير‪ ،‬وذلك مالم يثبت االتفاق على العكس‪ ،‬األمر الذي يعني عدم جواز إلغاء االلتزام بإرادة أطراف‬

‫المعاهدة وحدهم أو باإلرادة المنفردة للغير‪.‬‬

‫‪ -‬ال نوافق على ما يذهب إليه بعض الفقه من أن القاعدة المنصوص عليها في المعاهدة تلزم الغير‬

‫حينما تصبح قاعدة قانونية دولية عرفية‪ ،‬وذلك ألن أساس اإللزام هنا ال يكمن في المعاهدة‪ ،‬وإنما في العرف‬

‫الدولي ووفقا للقيود والضوابط التي يقررها‪.‬‬

‫أ (‪ – )2‬معاهدات تمنح الغير حقوقا‬

‫تمنح المعاهدات الدولية حقوقا للغير بموافقته ورضاه حينما تحتوي على نص يقضي بذلك صراحة‬

‫سواء اتخذ هذا النص شكل "االشتراط لمصلحة الغير"‪ ،‬أو اتخذ صورة ما يسمى "بشرط الدولة األولى‬

‫بالرعاية"‪.‬‬

‫‪ -‬االشتراط لمصلحة الغير‬

‫االشت راط لمصلحة الغير هو نص يرد في المعاهدة بمقتضاه يتعهد أطرافها بمنح دولة أو منظمة‬

‫دولية من الغير حقا معينا يمكنها‪ ،‬إذا ما وافقت على اكتسابه‪ ،‬التمسك به واالستفادة منه‪ ،‬وال يجوز إلغائه‬

‫إال بموافقتها‪ .‬حيث يتنافى مع مبدأ نسبية أثر المعاهدات الدولية أن تستفيد دولة من أحكام معاهدة ليست‬

‫‪21‬‬
‫طرفا فيها‪ ،‬إال إذا عبرت صراحة عن رضاها بالمعاهدة‪ ،‬وذلك ما أيدته المادة ‪ 36‬من اتفاقية فيينا لقانون‬

‫المعاهدات‪ ،‬والتي نصت على ما يلي‪:‬‬

‫"ينشأ حق للدولة الغير من نص في المعاهدة إذا قصد األطراف فيها أن يمنح النص هذا الحق إما‬

‫للدولة الغير‪ ،‬أ و لمجموعة من الدول تنتمي إليها‪ ،‬أو لجميع الدول‪ ،‬ووافقت الدولة الغير على ذلك‪ ،‬وتفترض‬

‫الموافقة ما دامت الدولة الغير لم تبد العكس‪ ،‬إال إذا نصت المعاهدة على خالف ذلك"‪ .‬فاتفاقية فيينا فرقت‬

‫بين اكتساب الغير للحقوق وبين تحمله االلتزامات التي ترتبها المعاهدة‪ ،‬حيث اشترطت رضا الغير صراحة‬

‫بهذه االلتزامات حتى يمكن إلزامه بها‪ ،‬واكتفت بالقبول الضمني فيما يتعلق باكتساب الحقوق‪.‬‬

‫‪ -‬المعاهدات المتضمنة شرط الدولة األولى بالرعاية‬

‫شرط الدولة األولى بالرعاية‪ ،‬هو شرط اتفاقي شائع في العمل الدولي‪ ،‬وخاصة في مجال المعامالت‬

‫التجارية والجمركية‪ ،‬تتفق بمقتضاه دولتان أو أكثر في معاهدة دولية على أن تكفل كل منهما لألخرى ذات‬

‫المزايا التي قد تمنحها لدولة أخرى مستقبال في معاهدة أخرى تعالج أو تنظم نفس موضوع المعاهدة األولى‪،‬‬

‫متى ما كانت المعاهدة الجديدة تحتوي على شروط أفضل ومزايا أكثر من تلك الواردة في المعاهدة التي‬

‫وقعت بينهم‪.‬‬

‫وتطبيق شرط الدولة األولى بالرعاية يستلزم على هذا النحو وجود ثالثة أطراف هي "مانح الشرط"‬

‫الذي يتعهد قبل دولة ما بأن يضمن لها معاملة الدولة األكثر رعاية‪" ،‬والمستفيد من الشرط" الذي يتم التعهد‬

‫له بتلقي هذه المعاملة‪ ،‬و"الغير المفضل" الذي يتلقى مستقبال المزايا التفضيلية من قبل المانح‪.‬‬

‫كما أن إعمال شرط الدولة األولى بالرعاية يتطلب عادة وجود اتفاقيتين دوليتين هما "اتفاقية‬

‫األساس" المبرمة بين المانح والمستفيد‪ ،‬والتي تحتوى على الشرط ذاته‪ ،‬و"االتفاقية" المبرمة بين المانح‬

‫والغير المفضل‪ ،‬والتي بمقتضاها يمنح األول للثاني معاملة أكثر رعاية من تلك التي كان قد منحها للمستفيد‪.‬‬

‫فلو وقعت دولة (أ) ودولة (ب) اتفاقا في عام ‪2015‬م يعفي البضائع المنتجة في كل منهما من‬

‫الجمارك بنسبة ‪ ،%25‬وتم تضمين هذه االتفاقية "شرط الدولة األولى بالرعاية"‪ ،‬ثم وقعت دولة (أ) اتفاقا‬

‫‪22‬‬
‫أخرا مع دولة (ج) في عام ‪2017‬م يعفي البضائع المنتجة في كل منهما من الجمارك بنسبة ‪ ،%40‬فإن‬

‫الدولة (ب) ستستفيد مباشرة من اإلعفاء الجديد‪.‬‬

‫ب‪ -‬تطبيق المعاهدات على الغير دون موافقته‬

‫على الرغم من عدم احتواء اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات على أحكام تسمح بتطبيق المعاهدات‬

‫على الغير دون موافقته‪ ،‬إال أنه يوجد بالفعل معاهدات تنتج حقوقا أو التزامات بالنسبة للغير دون‬

‫طلب رضاه‪ ،‬وذلك إما لكونها تنشئ مراكز دولية موضوعية يحتج بها في مواجهة الكافة‪ ،‬وإما‬

‫لتعلقها بطرق المواصالت الدولية التي تهم الجماعة الدولية بأسرها‪ ،‬وإما لكونها تنشئ كيانات‬

‫دولية جديدة ال يمكن تجاهلها أو عدم التعامل معها‪.‬‬

‫ب (‪ - )1‬المعاهدات المنشئة أو المؤسسة ألوضاع إقليمية معينة‪:‬‬

‫ويقصد بذلك المعاهدات الدولية التي يتقرر فيها النظام القانوني لمنطقة معينة أو إلقليم ما‪ ،‬حيث إنه‬

‫وبالنظر إلى طبيعتها الموضوعية فإنها تسري في مواجهة الجميع‪ .‬ومن األمثلة على ذلك النظام الخاص‬

‫بمنطقة القطب الجنوبي الذي قررته اتفاقية عام ‪1959‬م‪ ،‬المبرمة بين اثنتي عشرة دولة‪ ،‬والتي جعلت هذه‬

‫المنطقة في خدمة العلم والتقدم اإلنساني‪ ،‬حيث تلزم هذه االتفاقية كافة الدول حتى لو لم يكونوا أطرافا في‬

‫هذه االتفاقية‪ .‬كما يندرج تحت هذا االستثناء اتفاقيات الحدود‪ ،‬والتي بالرغم من كونها في الغالب معاهدات‬

‫ثنائية‪ ،‬تعد منشئة لمراكز دولية موضوعية‪ ،‬وتنصرف آثارها من ثم ليس فقط إلى الدول األطراف‪ ،‬وإنما‬

‫أيضا إلى مختلف أشخاص القانون الدولي‪ ،‬حيث ال يملك هؤالء األشخاص في الواقع إال االعتراف بالحدود‬

‫الدولية التي تم االتفاق بين األطراف المعنية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ب (‪ - )2‬المعاهدات المتعلقة بالمواصالت الدولية‪:‬‬

‫تعد المواصالت الدولية من المرافق العامة الدولية‪ ،‬وتمثل اتاحة االستفادة منها لكافة الدول مصلحة‬

‫دولية مهمة ومشتركة‪ .‬وتعد المعاهدات الدولية المتعلقة بتنظيم المرور في الممرات المائية ذات أهمية دولية‬

‫بالغة‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك نظام قناة السويس المؤسس بموجب اتفاقية القسطنطينية لعام ‪1888‬م‪ ،‬واتفاقيتي‬

‫‪ 1901‬و‪1903‬م المتعلقتين بقناة بنما‪ ،‬واتفاقية ‪1868‬م الخاصة بنهر الراين‪.‬‬

‫وهكذا على سبيل المثال‪ ،‬فعلى الرغم من أن اتفاقية القسطنطينية لعام ‪1888‬م مبرمة بين تسع دول‬

‫فقط كانت تمثل القوى الكبرى في المجتمع الدولي آنذاك‪ ،‬إال أنها تنص في مادتها األولى على أن المالحة‬

‫في قناة السويس متاحة في زمني السلم والحرب للسفن التابعة لجميع الدول دون تمييز‪.‬‬

‫ب (‪ - )3‬المعاهدات المنشئة لمنظمات دولية تهدف إلى تحقيق األمن الدولي‪:‬‬

‫مثل ميثاق األمم المتحدة الذي تمتد قوته الملزمة لتشمل الدول غير األعضاء‪ ،‬حيث نصت المادة‬

‫(‪ 2)6‬منه على أن "تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير األعضاء فيها على مبادئ األمم المتحدة بقدر ما‬

‫تقتضيه ضرورة حفظ السلم واألمن الدولي"‪ .‬حيث يلزم الميثاق الدول غير األعضاء باعتباره نوع من‬

‫التشريع الدولي‪ ،‬ألنه تعبير عن مشيئة سلطة دولية عامة ذات اختصاص بوضع القرارات واتخاذ التدابير‬

‫الالزمة للحفاظ على السلم واألمن في المجتمع الدولي‪ .‬وهذا ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية في رأيها‬

‫االستشاري لعام ‪ 1949‬م والذي جاء فيه‪" ،‬أن أعضاء األمم المتحدة قد أنشئوا كيانا ذا شخصية دولية‬

‫موضوعية"‪ .‬فالمحكمة في هذا الرأي أقرت بالصفة شبه التشريعية لالتفاقية المنشئة للمنظمة الدولية‪ ،‬ولم‬

‫تقتصر على مجرد إقرار الشخصية القانونية لها‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تفسير المعاهدات الدولية‬

‫أوال‪ :‬ماهية التفسير‪:‬‬

‫يقصد بتفسير المعاهدة الدولية تحديد معنى نصوصها ونطاقها واستجالء النقاط الغامضة والمبهمة‬

‫فيها وذلك تمهيدا لتطبيقها تطبيقا صحيحا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من يملك حق تفسير المعاهدات؟‬

‫لما كانت المعاهدات تبنى على الرضا‪ ،‬ونظرا لغياب المركزية التشريعية والقضائية‪ ،‬فإنه مما يتفق‬

‫مع خصوصية المجتمع الدولي أن تملك الدول األعضاء اختصاص تفسير ما يكون غامضا أو مشكوكا في‬

‫معناه من نصوصها‪ ،‬حيث يتمتع أطراف المعاهدة المعنية بحرية كاملة في تفسير النص المختلف عليه‪،‬‬

‫حتى وإن تجاوز تفسيرهم مضمون النص‪ .‬وإذا تم االتفاق بين جميع أطراف المعاهدة على تفسير معين‬

‫لنص أو أكثر من نصوصها كان هذا التفسير ملزما لكافة أطرافها‪ ،‬وإن لم يتم االتفاق كان مؤدى ذلك نشوء‬

‫نزاع دولي بين أطراف المعاهدة حول تفسيرها‪ ،‬يمكن تسويته بكافة وسائل تسوية المنازعات الدولية‪ ،‬وعلى‬

‫األخص محاكم التحكيم الدولي ومحكمة العدل الدولية باعتباره نزاعا يتعلق بمسألة قانونية‪.‬‬

‫كما تملك المنظمات الدولية تفسير المعاهدات الدولية التي يثار أمر تفسيرها أمام أحد أجهزة المنظمة‬

‫الدولية بمناسبة نظر نزاع دولي معروض عليه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ما هي القواعد التي تتبع في تفسير المعاهدات؟‬

‫ليس هناك قواعد ملزمة يتعين اللجوء إليها في حالة وجود خالف حول فحوى نص في معاهدة‬

‫دولية‪ ،‬إال أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد أفردت جزء من الباب الثالث للقواعد الخاصة بتفسير‬

‫المعاهدات والتي ال تخرج في جوهرها عن القواعد التالية‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫أوال‪ :‬القواعد العامة لتفسير المعاهدات الدولية‪:‬‬

‫ذكرت المادة ‪ 31‬من اتفاقية فيينا القواعد العامة لتفسير المعاهدات التي يتعين على المفسر أخذها‬

‫في اعتباره في كافة األحوال وهي على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬وجوب تفسير المعاهدات وفقا العتبارات حسن النية طبقا للمعنى العادي أللفاظ المعاهدة في اإلطار‬

‫الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها‪ :‬حيث يعد نص المعاهدة هو العنصر األكثر‬

‫أهمية عند تفسير الحكم الغامض ألنه هو الذي يعبر بصدق عن إرادة أطرافها‪ ،‬وبالتالي فإنه من‬

‫المفترض أن يفسر النص نفسه‪.‬‬

‫‪ -2‬وإذا لم يمكن تفسير نص المعاهدة الغامض مباشرة باالستناد إلى فحوى النص‪ ،‬أمكن اللجوء إلى‬

‫السياق الخاص بالمعاهدة‪ ،‬والذي يشمل النص الكامل للمعاهدة بما في ذلك الديباجة والملحقات‪،‬‬

‫باإلضافة إلى ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين األطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة‪.‬‬

‫ب‪ -‬أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها األطراف األخرى كوثيقة‬

‫لها صلة بالمعاهدة‪.‬‬

‫‪ -3‬يؤخذ في االعتبار إلى جانب اإلطار الخاص بالمعاهدة‪:‬‬

‫أ‪ -‬اتفاق الحق بين األطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها‪.‬‬

‫ب‪ -‬أي مسلك الحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه األطراف بشأن تفسيرها‪.‬‬

‫ج‪ -‬أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العالقة بين األطراف‪.‬‬

‫‪ -4‬يعطى معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية األطراف قد اتجهت إلى ذلك‪ ،‬و يعد هذا أمرا طبيعيا‬

‫و منطقيا ألن الغاية النهائية لعملية التفسير هي الوصول إلى حقيقة النص الغامض كما قصده‬

‫أطراف المعاهدة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ثانيا‪ :‬الوسائل التكميلية لتفسير المعاهدات‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 32‬من اتفاقية فيينا على الوسائل التكميلية لتفسير المعاهدات والتي يمكن اللجوء إليها‪،‬‬

‫إما لتأكيد التفسير الذي نتج عن تطبيق القواعد العامة المنصوص عليها في المادة ‪ 31‬سالفة الذكر‪ ،‬أو لتحديد‬

‫المعنى الذي أدى التفسير وفقا للمادة ‪ 31‬إلى‪:‬‬

‫أ‪ -‬بقاء المعنى غامضا أو غير واضح‪.‬‬

‫ب‪ -‬أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة‪.‬‬

‫وأبرز هذه الوسائل التكميلية‪ ،‬األعمال التحضيرية والظروف المالبسة لعقد االتفاقية‪ ،‬و إن كان من‬

‫الصعب جدا االعتماد على هذه الطريقة في تفسير المعاهدات‪ ،‬فاألعمال التحضيرية و إن نشرت و عرفت‬

‫ال تعبر تعبيرا صادقا عن ميول الدول و رغباتها‪ .‬ولهذا ال يلجأ إلى األعمال التحضيرية في تفسير المعاهدات‬

‫إال بتحفظ وحذر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قواعد تفسير المعاهدات المحررة بأكثر من لغة‪:‬‬

‫وفقا لما ورد في نص المادة ‪ 33‬من اتفاقية فيينا‪ ،‬تفسر المعاهدات المحررة بلغتين أو أكثر على‬

‫النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا اعتمدت المعاهدات بلغتين أو أكثر يكون لكل نص من نصوصها نفس الحجية‪ ،‬ما لم تنص‬

‫المعاهدة أو يتفق األطراف على أنه عند االختالف تكون الغلبة لنص معين‬

‫‪ -2‬نص المعاهدة الذي يصاغ بلغة غير إحدى اللغات التي اعتمد بها‪ ،‬ال يكون له نفس الحجية إال إذا‬

‫نصت المعاهدة أو اتفق األطراف على غير ذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬يفترض أن أللفاظ المعاهدة نفس المعنى في كل نص من نصوصها المعتمدة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -4‬عندما تكشف المقارنة بين النصوص عن اختالف في المعنى لم يزله تطبيق المادتين ‪32 ،31‬‬

‫يؤخذ بالمعنى الذي يتفق مع موضوع المعاهدة والغرض منها‪ ،‬ويوفق قدر اإلمكان بين النصوص‬

‫المختلفة فيما عدا ما يكون ألحد النصوص الغلبة وفقا للفقرة األولى‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬بطالن المعاهدات وإنهاؤها وإيقاف العمل بها‬

‫المطلب األول‪ :‬بطالن المعاهدات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إنهاء المعاهدات وإيقاف العمل بها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬بطالن المعاهدات‬

‫يقصد ببطالن المعاهدة أنها ولدت ميتة واعتبارها كأن لم تكن ولم تشكل أي قوة ملزمة ألطرافها‪.‬‬

‫شأنها شأن مختلف األعمال القانونية األخرى‪ ،‬تتمثل شروط صحة المعاهدات في ضرورة أن يكون أطرافها‬

‫أهال إلبرامها‪ ،‬وأن تخلو إرادة هؤالء األطراف من عيوب اإلرادة وأن يكون موضوعها مشروعا وفقا‬

‫لقواعد القانون الدولي العام اآلمرة‪.‬‬

‫أسباب بطالن المعاهدات الدولية‬

‫أوال‪ :‬نقص أهلية الطرف المتعاقد‪:‬‬

‫مما تم ذكره أثناء الحديث عن الشروط الموضوعية لصحة المعاهدة‪ ،‬إن أهلية إبرام المعاهدات‬

‫الدولية تثبت ألشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬وهم الدول والمنظمات الدولية‪ ،‬واألثر المترتب على ثبوت‬

‫نقص أهليتهم في إبرام المعاهدات‪ ،‬هو اعتبار المعاهدة المعقودة باطلة ومنعدمة اآلثار‪ ،‬على أن ينصرف‬

‫هذا األثر إلى الطرف ناقص أو منعدم األهلية في حالة المعاهدات الجماعية‪ ،‬كقاعدة عامة‪.‬‬

‫أ‪ -‬الدول‪:‬‬

‫بوصفها شخص القانون الدولي العام الرئيس‪ ،‬تتمتع الدولة بالحق في إبرام المعاهدات الدولية في‬

‫جميع مجاالت العالقات الدولية‪ ،‬حيث تنص المادة ‪ 6‬من اتفاقية فيينا صراحة على أن "كل دولة لها أهلية‬

‫إبرام المعاهدات"‪ .‬ولكن حق الدولة الكامل في إبرام المعاهدات ال يثبت إال للدولة كاملة السيادة‪ ،‬أما الدول‬

‫ناقصة السيادة‪ ،‬كالدول الموصى عليها أو الخاضعة لالحتالل‪ ،‬فإن حقها في إبرام المعاهدات الدولية يتوقف‬

‫‪29‬‬
‫على ما تسمح به الوثائق القانونية المنظمة لمركزها القانوني‪ .‬ولما كان الحق في إبرام المعاهدات مرتبطا‬

‫بالشخصية القانونية الدولية يدور معها وجودا وعدما‪ ،‬فإن حق الدول أعضاء االتحادات الدولية في إبرامها‬

‫يتوقف على نوع االتحاد الذي تكون الدولة عضوا فيه‪ ،‬وما إذا كان يلغي الشخصية القانونية الدولية ألعضائه‬

‫أم ال يؤثر على وجودها‪ .‬ففي االتحادات الفدرالية ال يجوز للواليات المكونة له الدخول في معاهدات دولية‬

‫مالم ينص على عكس ذلك في الدستور‪.‬‬

‫ب‪ -‬المنظمات الدولية‪:‬‬

‫كما تمت اإلشارة سابقا‪ ،‬تتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية بالقدر الذي يمكنها من‬

‫االضطالع بوظائفها وتحقيق أهدافها‪ .‬ولما كان الحق في إبرام المعاهدات الدولية يعد نتيجة تلقائية تترتب‬

‫على التمتع بالشخصية القانونية الدولية‪ ،‬فإنه يحق للمنظمة الدولية إبرامها بوصفها شخصا قانونيا دوليا‪،‬‬

‫ولما كانت المنظمة ال تتمتع بشخصية قانونية دولية عامة على غرار الدول‪ ،‬وإنما شخصية قانونية محدودة‬

‫تقتصر على مجال عملها‪ ،‬فإن حقها في إبرام المعاهدات قاصرا على تلك التي تدخل في مجال عملها‪ ،‬بحيث‬

‫ال يجوز مثال لمنظمة الصحة العالمية أن تبرم مع دولة ما اتفاقا دوليا عسكريا‪.‬‬

‫وقد أقرت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪ 1986‬بحق المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات‬

‫الالزمة لمباشرة وظائفها وتحقيق أهدافها‪ ،‬ونصت المادة ‪ 6‬منها على أن "أهلية المنظمات الدولية في إبرام‬

‫المعاهدات تخضع لقواعد كل منظمة"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عيوب الرضا‪:‬‬

‫حتى تنعقد المعاهدة الدولية بشكل صحيح وترتب آثارها القانونية‪ ،‬يجب أن يكون ارتضاء الدولة‬

‫االلتزام بالمعاهدة صحيحا غير مشوب بأي عيب مبطل آلثاره‪ ،‬وعيوب الرضا في القانون الدولي العام هي‬

‫الغلط والغش واإلكراه وإفساد ممثل الدولة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الجدير بالذكر‪ ،‬أن هنالك عدة توجهات فقهية حيال عيوب اإلرادة في القانون الدولي العام‪ ،‬حيث‬

‫أن هناك توجه يطالب بنقل قواعد القانون الداخلي المتعلقة بعيوب الرضا إلى القانون الدولي العام‪ ،‬وذلك‬

‫على اعتبار أنها قواعد تدخل ضمن المبادئ العامة للقانون التي تعد أحد مصادر القانون الدولي العام‪ .‬بينما‬

‫يذهب جانب أخر من الفقه إلى أنه ال توجد حاجة إلى إعمال نظرية عيوب اإلرادة بحجة أن اإلجراءات‬

‫الطويلة التي يستغرقها إقرار المعاهدات الدولية كافية للجزم بعدم وجود عيوب تشوب إرادة األطراف‬

‫المتعاهدة‪ .‬أما الرأي الراجح فهو ما تبنته اتفاقية فيينا‪ ،‬بأن تبنت عيوب الرضا المستقر عليها في القوانين‬

‫الداخلية بالقدر الذي يتالءم مع الطبيعة الخاصة للقانون الدولي العام‪.‬‬

‫‪ - 1‬الغلط‪:‬‬

‫الغلط هو تصور غير الحقيقة بشأن واقعة كان لها أثرها في ارتضاء أحد األطراف التقيد بالمعاهدة‪،‬‬

‫ويجب التفرقة بين ما إذا كان الغلط جوهريا أو ثانويا‪ ،‬فاألول هو الذي يجوز للدولة التي لحق إرادتها غلط‬

‫أن تطلب إبطال المعاهدة أو إلغائها‪ .‬ووفقا لما ورد في نص المادة ‪ 48‬من اتفاقية فيينا‪ ،‬فإنه يجب أال يكون‬

‫هذا الطرف قد ساهم بسلوكه في الوقوع في الغلط‪ ،‬أو كان في إمكانه أن يتجنب الوقوع فيه أو كان في‬

‫استطاعته وفقا للظروف المحيطة إبان إبرام المعاهدة أن يتبين إمكانية الوقوع في غلط‪ ،‬وذلك إعماال للمبدأ‬

‫القانوني المستقر أنه ال يجوز للمخطئ االستفادة من خطئه‪ .‬كما أنه وفقا التفاقية فيينا لقانون المعاهدات‪،‬‬

‫فإنه يجب أن يكون الغلط في الواقع وليس في القانون حيث ال يعذر أحد لجهله بالقانون‪.‬‬

‫ومثال ذلك‪ ،‬معاهدة السالم بين أمريكا وبريطانيا في عام ‪1783‬م في فرساي‪ ،‬حيث عينت المعاهدة‬

‫الحدود بين الطرفين بسلسلة من الجبال تسمى هاي الند (تبين الحقا عدم وجودها في الواقع)‪ ،‬ونهر يدعى‬

‫سانت كروبكس‪ ،‬والذي تبين الحقا وجود أكثر من نهر يحمل ذات االسم‪.‬‬

‫الجدير بالذكر‪ ،‬أن الفقه القانوني يميز بين الغلط الذي يعني أن الواقعة في حد ذاتها معلومة ولكن‬

‫بطريقة تخالف الحقيقة‪ ،‬والجهل الذي يعد أمرا سلبيا يتمثل في انتفاء العلم بواقعة ما بصفة كلية‪ ،‬والغالب‬

‫أن الغلط بمعناه الواسع يشمل الحالتين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -2‬الغش‪:‬‬

‫وفقا لنص المادة ‪ 49‬من اتفاقية فيينا‪" ،‬يجوز للدولة التي يدفعها السلوك التدليسي لدولة متفاوضة‬

‫أخرى إلى إبرام معاهدة‪ ،‬أن تستند إلى الغش كسبب إلبطال ارتضائها االلتزام بالمعاهدة"‪ .‬وتتحقق حالة‬

‫الغش كعيب من عيوب الرضا‪ ،‬إذا لجاء أحد أطراف المعاهدة إلى ممارسة بعض الحيل التدليسية لدفع‬

‫األطراف األخرين إلى الموافقة على االرتباط بها‪ ،‬والذين ما كانوا ليوافقون عليها لوال هذه الحيل‪ .‬علما بأنه‬

‫من النادر أن تتحقق هذه الحالة في مجال العالقات بين الدول‪ ،‬وحتى في حالة تحققها فإنه من المستبعد أن‬

‫تحتج بها الدولة التي وقعت ضحية حتى ال تفقد هيبتها الدولية‪.‬‬

‫وبهذا يختلف الغش عن الغلط الذي تقع فيه الدولة في أن الخطأ تقع فيه الدولة من تلقاء نفسها‪ ،‬كما‬

‫أن الغش يعد سببا كافيا إللغاء المعاهدة الدولية أيا كان مقداره‪ ،‬وال يحد منه إال ماورد في نص المادة ‪45‬‬

‫من اتفاقيتي فيينا واللتان تقضيان بسقوط حق الدولة أو المنظمة الدولية في التمسك بالغش كسبب للبطالن‬

‫إذا ما ثبت أنها علمت به واستمرت بالرغم من ذلك في تنفيذ المعاهدة‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلكراه‪:‬‬

‫وفقا لنص المادة ‪ 52‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات "تعتبر المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا إذا تم‬

‫إبرامها‪ ،‬نتيجة التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق األمم‬

‫المتحدة"‪ .‬فاإلكراه هو ضغط يقع على الشخص فيبعث في نفسه الرهبة أو الخوف مما يحمله على التعاقد‪.‬‬

‫ويتخذ اإلكراه الذي يبطل المعاهدة إحدى صورتين أو كليهما‪:‬‬

‫األولى‪ :‬اإلكراه الوقع على شخص ممثل الدولة أو المنظمة الدولية‪ ،‬من خالل ممارسة ضغط مادي‬

‫أو معنوي ضد ممثل الدولة أو المنظمة الدولية بقصد إجباره على الموافقة على المعاهدة التي ال تحقق‬

‫مصالح من يمثله (م‪.)51‬‬

‫الثانية‪ :‬اإلكراه الواقع على الدولة نفسها أو المنظمة في صورة استخدام القوة أو التهديد بها بالمخالفة‬

‫لمبادئ القانون الدولي العام التي تضمنها الميثاق‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -4‬إفساد ممثل الدولة‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 50‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أنه "إذا كان تعبير الدولة عن ارتضائها‬

‫االلتزام بمعاهدة قد صدر نتيجة اإلفساد المباشر أو غير المباشر لممثلها بواسطة دولة متفاوضة أخرى‪،‬‬

‫يجوز للدولة أن تستند إلى هذا اإلفساد إلبطال ارتضائها االلتزام بالمعاهدة"‪ .‬معنى هذا أن ممثل الدولة إذا‬

‫كان قد وقع تحت تأثير دولة أخرى نتيجة استخدامها لوسائل إغراء مادية أو معنوية دفعته إلى إبرام المعاهدة‬

‫وفقا لرغباتها دون مراعاة لمصالح دولته‪ ،‬فإن الدولة التي ينتمي إليها من حقها طلب إبطال المعاهدة على‬

‫هذا األساس‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تعارض المعاهدة مع قاعدة دولية آمرة‪:‬‬

‫تعتبر المعاهدة باطلة إذا تعارضت مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام‪ ،‬كأن يتم توقيع‬

‫معاهدة ترخص إبادة جنس بشري‪ ،‬أو تبيح القرصنة البحرية‪ .‬حيث نصت المادة ‪ 53‬من اتفاقية فيينا‬

‫على أن "تعتبر المعاهدة باطلة بطالنا مطلقا إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد‬

‫القانون الدولي العام"‪ .‬بل إنها ذهبت إلى أكثر من ذلك حينما نصت في مادتها ‪ 64‬على أنه "إذا ظهرت‬

‫قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أي معاهدة قائمة مع هذه القاعدة تصبح باطلة‬

‫وينتهي العمل بها"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إنهاء المعاهدات وإيقاف العمل بها‬

‫انقضاء المعاهدات معناه إن المعاهدات لم تعد سارية بين أطرافها كما كانت من قبل‪ ،‬وذلك ألسباب‬

‫أو ظروف طرأت بعد تنفيذها لمدة ما من الزمان فالغرض "في هذه الحالة" أن المعاهدة عقدت صحيحة‬

‫وأصبحت ملزمة ألطرافها وأنتجت أثارها‪ ،‬إال أن هناك أسبابا حدثت بعد ذلك أدت إلى إنهاء العمل بأحكامها‪،‬‬

‫بحيث ال يمكن العودة مرة أخرى لتطبيق أحكامها بين أطرافها إال بعقد معاهدة جديدة فيما بينهم‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أما اإليقاف وإن كان يتفق مع االنقضاء من حيث أن المعاهدة ولدت صحيحة من حيث الشكل‬

‫والموضوع‪ ،‬إال أن اإليقاف ال ينهي الوجود القانوني للمعاهدة بل تظل المعاهدة قائمة قانونا في حالة إيقافها‬

‫بحيث يمكن ألطرافها أن يعودوا مرة أخرى إلى تنفيذها باالتفاق فيما بينهم دون إبرام معاهدة جديدة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األسباب االتفاقية النقضاء المعاهدات‪:‬‬

‫‪ -1‬انقضاء المعاهدات بمقتضى نص وارد فيها‬

‫حلول األجل‪ -‬تحقق الشرط الفاسخ‪ -‬التخلي عن المعاهدة أو االنسحاب منها‪ -‬التنفيذ الكلي للمعاهدة‪.‬‬

‫أ‪ -‬حلول األجل‪:‬‬

‫ويتحقق ذلك حين تنص المعاهدة على سريانها ألجل معين تنقضي بتحققه‪ ،‬بحيث تنتهي عند حلول‬

‫األجل المحدد إلنهائها‪ ،‬مالم تنص صراحة إلى تجددها تلقائيا‪.‬‬

‫ب‪ -‬تحقق الشرط الفاسخ‪:‬‬

‫وذلك بأن تحتوي المعاهدة على شرط فاسخ يترتب على تحققه انقضاء المعاهدة‪ .‬والشرط الفاسخ‬

‫أمر مستقبلي يعلق أطراف المعاهدة انقضائها على تحققه‪ ،‬كأن يعلن أطراف المعاهدة انقضاءها على‬

‫تحقق بعض الوقائع‪ ،‬والتي قد يكون حدوثها مستقبال أمرا محتمال أو مؤكدا‪ ،‬كما حدث بالنسبة لالتفاقية‬

‫المنشئة لحلف وارسو المبرمة عام ‪ 1955‬م‪ ،‬حيث تضمنت نصا يقرر أن االتفاقية ينتهي العمل بها إذا‬

‫تم التوصل إلى إقامة نظام عام لألمن الجماعي األوربي‪ ،‬أو أن يتم في بعض المعاهدات على أن انقضاء‬

‫المعاهدة إذا قل عدد أعضائها عن عدد معين لمدة معينة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ج‪ -‬التخلي عن المعاهدة أو االنسحاب منها‪:‬‬

‫التخلي عن المعاهدة أو االنسحاب منها يتحققان بتصرف باإلرادة المنفردة للدولة أو الدول‬

‫المعنية‪ .‬واصطالح التخلي عن المعاهدة ينصرف إلى المعاهدات الثنائية‪ ،‬بينما االنسحاب ال يرد عادة‬

‫إال بالنسبة للمعاهدات المتعددة األطراف‪ ،‬حيث تقتصر آثار االنسحاب على الطرف المنسحب مع بقاء‬

‫المعاهدة منتجة آلثارها بين بقية أعضائها‪.‬‬

‫وإذا وجد نص يحكم مسألة التخلي أو االنسحاب من المعاهدة فيتعين على أطرافها االلتزام بما ورد‬

‫فيه‪ ،‬أما إذا خلت المعاهدة من نص ينظم هذه المسألة‪ ،‬فإن إنهاء المعاهدة باإلرادة المنفردة يعد‪ ،‬وكقاعدة‬

‫عامة‪ ،‬عمال غير مشروع يرتب المسؤولية الدولية للدولة المعنية‪ ،‬ألن مثل هذا العمل يؤدي إلى إمكانية‬

‫التحلل من المعاهدة متى أرادت الدولة ذلك‪ ،‬إال أن اتفاقية فيينا في المادة ‪ 56‬قد حددت حالتين يجوز فيهما‬

‫انهاء المعاهدة باإلرادة المنفردة استثناء‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا ثبت إنه كان في نية أطراف المعاهدة إمكانية إنهائها باإلرادة المنفردة‪ ،‬أو‬

‫‪ -2‬إذا أمكن استنتاج ذلك من طبيعة المعاهدة‪.‬‬

‫وفي كلتا الحالتين على الطرف الذي ينهي المعاهدة أو ينسحب منها‪ ،‬أن يخطر األطراف األخرى‬

‫بذلك قبل حدوثه بإثني عشر شهرا‪.‬‬

‫د‪ -‬التنفيذ الكلي للمعاهدة‪:‬‬

‫من المنطقي أن تنقضي المعاهدة بتنفيذ كل النصوص الواردة تنفيذا كليا‪ ،‬بحيث تنتهي قوتها‬

‫الملزمة بعد الوفاء بكل الحقوق وااللتزامات المتبادلة الناشئة عنها‪ ،‬وتبقى بعد تنفيذها مجرد سند قانوني‬

‫يبرر ما حصل عليه كل طرف من أطرافها‪ ،‬ويستثنى من ذلك المعاهدات التي ترتب آثارا قانونية متجددة‬

‫كالمعاهدات الشارعة التي تضع قواعد عامة مجردة فإنها تبقى مصدرا تشريعيا لقواعد القانون الدولي‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -2‬انقضاء المعاهدة باتفاق الحق بين أطرافها (م ‪:)54‬‬

‫حيث قد يتفق أطراف المعاهدة على إلغائها بموجب اتفاق الحق‪ ،‬وقد يأخذ هذا االتفاق شكل معاهدة‬

‫جديدة بين نفس أطراف المعاهدة األولى التي قد يكون موضوعها إما إلغاء المعاهدة السابقة‪ ،‬أو تنظيم نفس‬

‫الموضوعات التي عالجتها المعاهدة األولى بشكل مختلف ال يتفق مع ما ورد في المعاهدة القديمة‪ ،‬حيث‬

‫تطبق هنا القاعدة القانونية التي تقول بأن الالحق ينسخ السابق‪.‬‬

‫فالقاعدة إذن أنه ال يمكن إلغاء المعاهدة إال باتفاق بين جميع األطراف‪ ،‬وهذه القاعدة نصت عليها‬

‫اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المادة ‪.59‬‬

‫األسباب االتفاقية إليقاف العمل بالمعاهدة‪:‬‬

‫ما سبق قوله بصدد إنهاء المعاهدة بمقتضى نص وارد فيما يسمح باالنقضاء أو بموجب اتفاق‬

‫الحق‪ ،‬يمكن أن يقال أيضا عن إيقاف العمل بالمعاهدة بمقتضى نص وارد بالمعاهدة نفسها أو يتم االتفاق‬

‫على وقف المعاهدة في أي وقت برضا جميع األطراف المتعاقدة بعد التشاور مع بقية الدول المتعاقدة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األسباب الخارجية‪ -‬غير االتفاقية‪ -‬النقضاء المعاهدات أو إليقافها‪:‬‬

‫أ‪ -‬إنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها نتيجة اإلخالل الجوهري بأحكامها‪:‬‬

‫من المسلم به في مختلف النظم القانونية الداخلية‪ ،‬ومن ثم في القانون الدولي العام‪ ،‬أنه ال يجوز‬

‫للطرف الذي ال يحترم أحكام االتفاق الذي أبرمه أن يطلب من الطرف أو األطراف األخرى الوفاء‬

‫بالتزاماتهم التعاقدية‪ .‬وبالتالي فإنه إذا أخل أحد أطراف المعاهدة بالتزاماته الواردة في معاهدة ما‪ ،‬كان‬

‫للطرف األخر أو األطراف األخرين أن يعلنوا عدم التزامهم بما ورد فيها ووقف تنفيذها جزئيا أو كليا‪.‬‬

‫معنى ذلك أنه في حالة ما إذا أخلت دولة بالتزاماتها المترتبة على المعاهدة إخالال جسيما‪ ،‬فمن حق الطرف‬

‫اآلخر فسخ المعاهدة وإنهاء العمل بها أو إيقافه‪ .‬وسبب ذلك أن الدول األطراف في معاهدة ما يعتبرون في‬

‫‪36‬‬
‫مركز متساو من حيث الحقوق والواجبات‪ ،‬وهذا التوازن يجب أن يتوافر ليس عند انعقاد المعاهدة فقط بل‬

‫طوال فترة قيامها‪.‬‬

‫وقد اعتبرت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات من قبيل اإلخالل الجوهري وفقا للفقرة الثالثة من المادة‬

‫‪:60‬‬

‫‪ -1‬رفض العمل بالمعاهدة في األحوال التي ال تسمح بها االتفاقية‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلخالل بنص ضروري لتحقيق موضوع المعاهدة أو الغرض منها‪.‬‬

‫ب‪ -‬إنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها الستحالة تنفيذها‪:‬‬

‫قد يحدث أمر يجعل تنفيذ المعاهدة مستحيال‪ ،‬فالمعاهدة تنتهي أو يوقف العمل بها عندما يستحيل‬

‫تنفيذها بسبب مادي أو اقتصادي أو قانوني‪:‬‬

‫فاالستحالة المادية تكون عندما تبرم معاهدة بين دولتين لتنظيم حقوق كل منهما على جزيرة معينة‪،‬‬

‫ثم تختفي هذه الجزيرة نتيجة حادث طبيعي‪.‬‬

‫وتكون االستحالة اقتصادية إذا كانت المعاهدة تنص على شروط اقتصادية ال تستطيع الدولة الوفاء‬

‫بها دون إحداث ضرر بالغ بكيانها‪.‬‬

‫وتكون االستحالة قانونية كما لو عقدت معاهدة تحالف بين ثالث دول ثم نشبت الحرب بين منها‪،‬‬

‫كانت الدولة الثانية في حل من المعاهدة ألنه يستحيل عليها القيام بالتزاماتها قبل كل من الدولتين المتحاربتين‬

‫في نفس الوقت‪.‬‬

‫علما بأنه إذا كانت االستحالة مؤقته فيجوز االستناد إليها كأساس إليقاف العمل فقط‪ ،‬كما تجدر‬

‫اإلشارة إلى أنه ال يجوز االستناد إلى استحالة التنفيذ كأساس إلنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها‘ إذا كانت‬

‫هذه االستحالة نتيجة إخالل جوهري من جانب هذا الطرف بالتزاماته بمقتضى المعاهدة‪ ،‬و ذلك وفقا لنص‬

‫المادة ‪ 61‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ج‪ -‬انقضاء المعاهدات بسبب ظهور قاعدة دولية آمرة تتعارض مع أحكامها‪:‬‬

‫كما ذكر سابقا‪ ،‬وفقا لنص المادة ‪ 64‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أنه " إذا ظهرت قاعدة‬

‫أمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فإن أية معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة‬

‫وينتهي العمل بها"‪ .‬هذا وقد عرفت المادة ‪ 53‬من ذات االتفاقية القواعد اآلمرة بأنها القواعد المقبولة‬

‫والمعترف به ا من الجماعة الدولية‪ ،‬كقاعدة ال يجوز اإلخالل بها وال يمكن تغييرها إال بقاعدة الحقة من‬

‫قواعد القانون الدولي لها نفس الصفة‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬العرف الدولي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف العرف الدولي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أركان العرف الدولي‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أنواع العرف الدولي‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أساس القوة الملزمة للعرف الدولي‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬مزايا العرف الدولي وعيوبه‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف العرف الدولي‪:‬‬

‫عرف بعض شراح القانون العرف الدولي بأنه "سلوك يتكرر مرة بعد أخرى في صورة القيام‬

‫بعمل ما أو االمتناع عنه بواسطة أشخاص القانون الدولي‪ ،‬حتى يستقر في ذهن هؤالء األشخاص بأن‬

‫السلوك أصبح ملزما‪ ،‬وأن مخالفته تشكل انتهاكا للقانون يرتب المسؤولية الدولية‪ .‬فوفقا للتعريف‪ ،‬يتضح‬

‫أنه يتعين لنشوء القاعدة القانونية العرفية توافر عنصرين‪ ،‬عنصر مادي وآخر معنوي أو نفسي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أركان العرف الدولي‪:‬‬

‫وفقا للتعريف سابق الذكر‪ ،‬يتضح أنه يتعين لنشوء القاعدة القانونية العرفية توافر عنصران‪ ،‬عنصر‬

‫مادي وآخر معنوي أو نفسي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الركن المادي للعرف الدولي‪:‬‬

‫الركن المادي هو سلوك يتحقق بتكرار األعمال المتماثلة في تصرف أشخاص القانون الدولي عي‬

‫عالقاتها الخارجية‪ ،‬بمعنى أنه إذا نشأت عالقة دولية بين دولتين أو أكثر و سلكت تلك الدول إزاء هذه‬

‫العالقة مسلكا معينا‪ ،‬ثم اعتادت دول أخرى تكرار هذا المسلك في عالقاتها بنفس الكيفية‪ ،‬فإن هذا التكرار‬

‫‪39‬‬
‫يعتبر دليال على أن سلوك الدول المتواتر على هذا النمط يتفق و مصالحها و يحقق العدالة و الغرض الذي‬

‫تنشده‪ ،‬و ليس معنى ذلك أن جميع الدول يجب أن تمارس هذا التصرف في الحاالت الماثلة‪ ،‬بل يكفي أن‬

‫تكون ممارسة التصرف صادرة من أغلبية أعضاء المجتمع الدولي‪.‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن التصرف أو السلوك المكون للركن المادي للعرف الدولي قد يكون إيجابيا‬

‫مثل المالحة في أعالي البحار‪ ،‬وقد يكون السلوك أو التصرف سلبيا يتمثل في االمتناع عن القيام بعمل ما‪،‬‬

‫كالحصانات الدبلوماسية التي يتمتع بها أعضاء السلك الدبلوماسي كانت وال زالت عبارة عن سلوك سلبي‬

‫من جانب الدول المعتمد لديها‪ ،‬حيث أنها تمتنع عن تطبيق أحكام قوانينها الوطنية على هذه الفئة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي للعرف الدولي‪:‬‬

‫ال يكفي أن يتوافر الركن المادي للقول بوجود القاعدة العرفية‪ ،‬وإنما يجب أن يقترن هذا الركن‬

‫بركن معنوي آخر‪ ،‬وهذا الركن يأتي نتيجة ذيوع إحساس الدول بأن ممارسة هذا التصرف‪ ،‬في الحاالت‬

‫المماثلة‪ ،‬يعتبر واجبا قانونيا ال يجوز الخروج عنه‪ ،‬فإذا لم يتوافر مثل هذا اإلحساس فإننا ال نكون بصدد‬

‫قاعدة عرفية ملزمة‪.‬‬

‫هذا وقد أثارت ضرورة هذا العنصر لتشكل العرف جدال في الفقه الدولي‪ ،‬إال أن الدارج هو األخذ‬

‫بما أقرته المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية والتي قررت أن المحكمة تطبق "العرف‬

‫الدولي المقبول بمثابة قانون كما دل عليه التواتر" مما يؤكد أن العنصر المعنوي له األولوية على التكرار‬

‫المادي‪ ،‬بمعنى أن تكرار التصرف على وجه معين ال يكسب القاعدة العرفية صفة اإللزام‪ ،‬إال إذا رسخ‬

‫االعتقاد لدى مجموعة الدول أن هذا التصرف واجب قانونا‪.‬‬

‫والواقع أن وجود هذا العنصر المعنوي هو الذي يميز الحكم المستمد من العرف من األحكام األخرى‬

‫غير الملزمة التي تتبعها الدول في بعض األحيان‪ ،‬فوجود هذا العنصر المعنوي هو الذي يميز أحكام العرف‬

‫من أحكام العادة أو أحكام المجامالت الدولية أو األخالق الدولية‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أنواع العرف الدولي‪:‬‬

‫ينقسم العرف إلى عدة تقسيمات حسب الزاوية التي ينظر من خاللها إليه‪ ،‬وال يهمنا في هذا البحث‬

‫غير التعرض لتقسيمين أساسيين من تقسيمات العرف هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬تقسيم العرف من حيث المجال المكاني لسريانه إلى عرف عالمي وعرف إقليمي‪:‬‬

‫ال تسري القاعدة العرفية بداهة إال داخل إطار الجماعة التي أوجدتها‪ ،‬ومن ثم تسري القاعدة الناشئة‬

‫عن اإلرادة الضمنية للجماعة الدولية العالمية في العالم كله وتسمى لذلك عرفا عالميا‪ ،‬وال تسري‬

‫القاعدة الناشئة عن اإلرادة الضمنية للجماعة الدولية اإلقليمية إال في إطار اإلقليم الذي تشغله هذه‬

‫الجماعة وتسمى لذلك عرفا إقليميا‪.‬‬

‫‪ -‬يطبق العرف العالمي تلقائيا وعلى من يدعي أنه ال يطبق عليه إثبات اعتراضه الصريح والمستمر‬

‫على التزامه به‪ ،‬وذلك على عكس العرف الدولي اإلقليمي الذي ال يطبق تلقائيا وإنما يقع على من‬

‫يتمسك به عبء إثبات وجوده‪.‬‬

‫‪ -‬في قضية حق المرور فوق اإلقليم الهندي بين الهند والبرتغال لعام ‪1960‬م‪ ،‬أقرت محكمة العدل‬

‫الدولية بأنه ال مانع من وجود عرف دولي ثنائي‪.‬‬

‫ب‪ -‬تقسيم العرف من حيث جواز االتفاق الصريح على خالفه إلى عرف مقرر وعرف آمر‪:‬‬

‫العرف األمر هو ما يتعلق بشكل بالمصالح العليا للمجتمع الدولي وهو ملزم في كل األحوال وال‬

‫تجوز مخالفته‪ ،‬أما العرف المقرر فيستهدف تحقيق مصالح خاصة ألفراد المجتمع‪ ،‬وبذل يكون‬

‫ملزم مالم يتفق األطراف على مخالفته‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أساس القوة الملزمة للعرف الدولي‪:‬‬

‫يذهب الرأي الراجح في الفقه الدولي إلى القول بأن أساس القوة الملزمة للعرف الدولي هو كونه‬

‫يعبر عن الضمير القانوني الجماعي للمجتمع الدولي‪ ،‬وأن أحكامه رتبتها حكمة األجيال لضمان تنسيق‬

‫العالقات بين أشخاص هذا المجتمع بطريقة عادلة تنظم سلوكه وتحافظ على بقائه‪ ،‬وهذا يفسر لنا كيف تلتزم‬

‫‪41‬‬
‫الدول الجديدة بأحكام العرف الدولي بمجرد قبولها عضوا جديدا في األسرة الدولية‪ ،‬رغم أنها لم تشارك في‬

‫إنشاء القواعد العرفية‪.‬‬

‫‪ -‬يمكن أن يعدل العرف الدولي أو حتى يلغي قواعد مدرجة في معاهدة دولية شريطة أال تكون هذه‬

‫األخيرة من قواعد القانون الدولي العام اآلمرة‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬مزايا العرف الدولي وعيوبه‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مزايا العرف الدولي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن قواعده مرنة قابلة للنمو والتطور المستمر وهو بذلك يساعد على إيجاد القواعد القانونية المالئمة‬

‫للعالقات الدولية الجديدة والحاجات الدولية الحيوية‪.‬‬

‫‪ -2‬تعتبر القاعدة العرفية قاعدة عامة ومن ثم تلتزم جميع الدول بها‪ ،‬في الوقت الذي ال تلزم القاعدة‬

‫المكتوبة (المعاهدة) سوى أطرافها‪.‬‬

‫‪ -3‬تستند القاعدة العرفية على القبول الضمني بها في رأي البعض‪ ،‬وعلى الضمير القانوني الجماعي‬

‫للمجتمع الدولي وهذا أمر يساعد على انتشار القاعدة العرفية وشيوعها‪.‬‬

‫‪ -4‬إذا كان للعرف بعض العيوب فإنه يمكن تالفيها إذ أن عيوب العرف ال تعني هجره كلية بوصفه‬

‫مصدرا من مصادر القانون الدولي العام‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عيوب العرف الدولي‪:‬‬

‫‪ -1‬بطبيعته‪ ،‬يتسم العرف بالبطء‪ ،‬حيث يحتاج إلى وقت طويل ليتشكل كقاعدة قانونية‪ ،‬وهو األمر‬

‫الذي ال يتوائم مع المتغيرات الدولية‪.‬‬

‫‪ -2‬أن قواعد العرف ليست دائما واضحة الحدود وكثيرا ما يثير تطبيقها وتفسيرها خالفا بين‬

‫الدول تبعا لوجهة نظر كال منها‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة‬

‫أوال‪ :‬تعريفه‪:‬‬

‫يقصد بالتصرف باإلرادة المنفردة هنا كل عمل قانوني صادر عن شخص دولي واحد بهدف ترتيب‬

‫آثار قانونية محددة تتعلق بحق يملكه أو بواقعة أو وثيقة تعنيه‪ .‬وبالرغم من عدم النص عليه صراحة في‬

‫المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬إال أنه يعد واحدا من المصادر األساسية للقانون الدولي‬

‫العام‪ ،‬متى ما توافرت فيه شروط معينة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط اعتبار التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة مصدرا للقانون الدولي العام‪:‬‬

‫يشترط العتبار التصرف باإلرادة المنفردة الصادر عن الدولة مصدرا للقانون الدولي العام أن‬

‫ينسب التصرف إلى الدولة‪ ،‬وأن يكون صحيحا ومشروعا‪ ،‬ومستقال في انتاج آثاره القانونية‪.‬‬

‫‪ -1‬أن ينسب التصرف إلى الدولة‬

‫لما كانت الدولة شخصا اعتباريا‪ ،‬فإنها تتصرف بالضرورة من خالل أشخاص طبيعيين يتولون‬

‫تمثيلها‪ ،‬ويتعين من ثم قبل التعامل مع دولة ما على أنها قد أصدرت تصرفا باإلرادة المنفردة‪ ،‬وترتب آثار‬

‫قانونية في مواجهتها‪ ،‬إثبات أن التصرف المنسوب إليها صادر عن شخص يمثلها في عالقاتها الدولية‪.‬‬

‫وبالتالي فإن التصرفات الصادرة عن األفراد العاديين ال تنسب إليها‪ ،‬وال تعد والحال هكذا تصرفات باإلرادة‬

‫المنفردة صادرة عنها‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون التصرف صحيحا ومشروعا‬

‫وبالتالي ال يعد تصرفا صادرا باإلرادة المنفردة‪ ،‬التصرف الصادر عن إرادة معيبة‪ ،‬حيث يعد‬

‫التصرف باطال أو قابال لإلبطال‪ .‬كما يعد التصرف باإلرادة المنفردة باطال بطالنا مطلق إذا خالف قاعدة‬

‫قانونية دولية آمرة‪ ،‬كإعالن دولة ضمها أراضي دولة أخرى لها بالقوة‪ ،‬لمخالفته لقاعدة حظر استخدام القوة‬

‫‪43‬‬
‫أو التهديد باستعمالها في العالقات الدولية‪ .‬بل إن التصرف باإلرادة المنفردة قد يكون غير صحيح أيضا إذا‬

‫صدر بالمخالفة لقواعد القانون الدولي العام التي تلتزم بها الدولة حتى في حالة كونها قواعد مكملة‪ ،‬حيث‬

‫ال يحق للدولة إنهاء المعاهدة كقاعدة عامة باإلرادة المنفردة‪ ،‬وال يجوز لها الخروج على عرف دولي بذات‬

‫الطريقة إال إذا كانت قد اعترضت على القاعدة العرفية خالل مراحل تكوينها األولى‪ ،‬وليس بعد وجودها‬

‫واستقرارها‪ .‬ويعد التصرف باإلرادة المنفردة غير صحيح إذا كان موضوعه ال يدخل في اختصاص الدولة‬

‫التي أصدرته وفقا لقواعد القانون الدولي العام‪ ،‬فال يجوز لدولة أن تمنح دولة أخرى أو تتنازل لها عن حق‬

‫ال تملكه كأن ترخص لها بالصيد في البحر اإلقليمي لدولة ما‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون التصرف مستقال في انتاج آثاره القانونية‬

‫أي أن يكون منتجا آثاره القانونية دون التوقف على صدور تصرفات قانونية من أشخاص دولية‬

‫أخرى‪ ،‬ودون االرتباط بأي من المصادر األخرى لهذا القانون‪ .‬فال يعد على هذا النحو مصدرا للقانون‬

‫الدولي العام التصريح الصادر عن إحدى الدول‪ ،‬والخاص بقبول االختصاص اإللزامي لمحكمة العدل‬

‫الدولية وفقا للمادة ‪ )2( 36‬من نظامها األساسي‪ ،‬وذلك ألن مثل هذا التصريح ال ينتج أثره القانون‪ ،‬والمتمثل‬

‫في انعقاد االختصاص للمحكمة بنظر أي من المنازعات الدولية القانونية التي يحددها‪ ،‬إال إذا صدر تصريح‬

‫مشابه عن الدولة أو الدول األطراف األخرى في النزاع الدولي‪ ،‬أي أن التصرف هنا والذي يتخذ شكل‬

‫التصريح ليس مستقال في انتاج آثاره القانونية‪ ،‬وإنما يتوقف إنتاجه لها على صدور تصرفات من دول‬

‫أخرى‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫المسؤولية القانونية الدولية‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫القانون الدولي مثل غيره من األنظمة يفرض التزامات قانونية على أشخاصه‪ ،‬وهده االلتزامات‬

‫واجبة التنفيذ أيا كان مصدرها‪ ،‬وطالما أن هذا المصدر معترف به سواء كان معاهدة دولية أو قاعدة عرفية‬

‫أو مبدأ من مبادئ القانون العامة‪.‬‬

‫فإذا أخل الشخص الدولي عن الوفاء بالتزامه ترتب على هذا اإلخالل ترتيب المسؤولية في حقه‬

‫المتناعه عن القيام بما يفرضه عليه القانون الدولي‪ .‬وارتباط االلتزام الدولي بحكم الضرورة بالمسؤولية‬

‫القانونية أمر متفق عليه في الفقه والتعامل الدولي‪ ،‬مما جعل منه قواعد عرفية مستقرة بين الدول‪ ،‬وبعد‬

‫ذلك تم النص عليه في بعض المعاهدات الدولية مثل نص المادة ‪ 3‬من اتفاقية الهاي الرابعة لعام ‪1907‬م‪،‬‬

‫والخاصة بقواعد الحرب البرية‪ ،‬وهذا ما أكدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قرارها المتعلق بالنزاع‬

‫بين ألمانيا وبولونيا عام ‪1927‬م‪ ،‬والتي أكدت فيه إن "من مبادئ القانون الدولي واألحكام القانونية العامة‬

‫يترتب على إخالل الدول بتعهداتها‪ ،‬التزامها بالتعويض عنه على نحو كاف‪ ،‬وإن لم ينص على ذلك في‬

‫االتفاقية التي حصل اإلخالل بأحكامها"‪.‬‬

‫والعرف الدولي هو الذي كان يقوم بتنظيم المسؤولية الدولية‪ ،‬وقامت لجنة القانون الدولي بإعداد‬

‫مشروع لقواعد القانون الدولي الخاصة بالمسؤولية الدولية‪ ،‬وهي تشكل اآلن القواعد أساسية لهذا‬

‫الموضوع‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تحديد مفهوم المسؤولية القانونية الدولية‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وخصائصها وشروطها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التعريف بالمسؤولية الدولية ووظائفها‪.‬‬

‫أ‪ -‬تعريف المسؤولية القانونية الدولية‪:‬‬

‫في مؤتمر تعيين قواعد القانون الدولي المنعقد في الهاي عام ‪1930‬م‪ ،‬عرفت المسؤولية القانونية‬

‫الدولية بأنها إخالل أو خرق لقواعد القانون الدولي‪ .‬كما وردت تعريفات عديدة للمسؤولية القانونية الدولية‬

‫تضمنتها كتابات فقهاء القانون الدولي وأحكام التحكيم والقضاء الدولي وبعض معاهد القانون الدولي‪ .‬حيث‬

‫عرفها فقيه القانون بادوفان بأنها "مبدأ قانوني يترتب بموجبه على الدولة التي ارتكبت عمال يحرمه القانون‬

‫الدولي إزالة الضرر الذي لحق بالدولة المعتدى عليها"‪.‬‬

‫وبالرغم من أهمية التعريفين السابقين‪ ،‬إال أن تطور قواعد المسؤولية القانونية الدولية وتوسع‬

‫مفهومها بحيث أصبحت تشمل التعويض عن األضرار الناجمة عن األفعال المشروعة المنطوية على‬

‫مخاطرة عالية حتى في حالة عدم قيام الشخص الدولي بمخالفة قواعد القانون الدولي العام أو ارتكاب خطأ‬

‫فمن األجدى تعريفها بأنها "نظام قانوني يلتزم بمقتضاه الشخص الدولي بتعويض األضرار التي تصيب‬

‫أشخاصا قانونية أخرى جراء قيامه بعمل أو امتناع عن عمل غير مشروع دوليا أو مشروع ولكنه يتسم‬

‫بخطورة عالية أو يعبر عن خطأ في تنفيذ االلتزامات الدولية"‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وظائف المسؤولية القانونية الدولية‪:‬‬

‫‪ -1‬العقاب على مخالفة االلتزامات الدولية أيا كان مصدرها (معاهدة‪ ،‬عرف‪ ،‬مبدأ قانوني عام)‪.‬‬

‫‪ -2‬التوفيق بين المصالح المتعارضة المتعلقة بمباشرة أنشطة مشروعة ذات خطورة عالية‪.‬‬

‫‪ -3‬تنفيذ االلتزامات الدولية بحسن نية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -‬إقرار المسؤولية ألحد أشخاص القانون الدولي يتم إما باعترافه بحيث ال ينشا نزاع بينهما وهذا‬

‫نادر‪ ،‬أو بالوسائل المعروفة لتسوية المنازعات الدولية‪ ،‬وذلك بأن تقوم الجهة المعنية بحل النزاع‬

‫أو أطرافه من خالل التفاوض بتحديد المسؤول عن الضرر وتحديد طريقة إصالحه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص المسؤولية القانونية الدولية‪ 4( :‬خصائص تميزها عن غيرها)‬

‫‪ -1‬المسؤولية القانونية الدولية عالقة بين شخص قانوني دولي وشخص قانوني دولي‪:‬‬
‫كقاعدة عامة‪ ،‬وبحسب األصل‪ ،‬المسؤولية القانونية الدولية هي عالقة قانونية دولية تنشأ بين‬

‫أشخاص القانون الدولي العام من الدول كاملة السيادة‪ ،‬أما الدول ناقصة السيادة‪ ،‬فتتحمل المسؤولية عن‬

‫تصرفاتها‪ ،‬الدول التي تباشر الحماية أو الوصاية عليها‪ ،‬أما بالنسبة للدول األعضاء في االتحادات الدولية‬

‫فإن موقفها يتحدد حسب الطبيعة القانونية لالتحاد ذاته‪.‬‬

‫أما فيما يخص المنظمات الدولية‪ ،‬فإن الفقه والقانون الدولي أقر لها الشخصية القانونية وشكل‬

‫البداية في ذلك الرأي االستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية عام ‪1949‬م في قضية تعويض‬

‫األضرار التي أصابت موظفي األمم المتحدة في فلسطين‪ .‬لذا فإنه وبحسب األصل يمكن للدول كاملة‬

‫السيادة والمنظمات الدولية أن يكونوا أطرافا في المسؤولية القانونية الدولية‪.‬‬

‫وبالرغم من أن القاعدة العامة تقضي بأن يتمثل أطراف دعوى المسؤولية القانونية الدولية (من‬

‫مدعي ومدعى عليه) في أشخاص القانون الدولي العام (دول ومنظمات دولية) دون غيرهم من الفاعلين‬

‫الدوليين‪ ،‬إال أن التطورات الحديثة التي لحقت مؤخرا على االختصاص القضائي الشخصي لمعظم المحاكم‬

‫الدولية الدائمة يؤيد السماح لغير الدول والمنظمات الدولية بتحريك الدعوى أمامها بصفة مباشرة دون‬

‫الحاجة للجوء لدعوى الحماية الدبلوماسية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫من أهم األمثلة على ذلك‪ ،‬المحكمة األوربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬حيث تسمح للدول أطراف االتفاقية‬

‫االوربية لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية لعام ‪1950‬م بالحق في التقاضي أمامها‪ ،‬كما تسمح لألشخاص‬

‫الطبيعيين والمعنويين الخاصين بالترافع أمامها في حالة كونهم ضحايا النتهاكات الحقوق الواردة في‬

‫االتفاقية‪ ،‬حتى ولو لم يكونوا من حاملي جنسية أحد الدول األعضاء في االتفاقية‪ ،‬متى توافرت الشروط‬

‫المنصوص عليها في م ‪.35‬‬

‫أيضا المحكمة الدولية لقانون البحار التي ترخص للدول والمنظمات الدولية واألقاليم المتمتعة‬

‫بالحكم الذاتي وأشخاص القانون الخاص الطبيعيين والمعنويين والمشروعات الحكومية بالتقاضي أمامها‪،‬‬

‫وجهاز تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية الذي يسمح ألعضاء المنظمة من الدول والمنظمات‬

‫الدولية واألقاليم الجمركية المستقلة بالتقاضي أمامه‪.‬‬

‫الجدير بالذكر‪ ،‬أنه بخالف ما ورد آنفا‪ ،‬فإن الدعاوى التي يرفعها الموظفون الدوليون ضد‬

‫المنظمات الدولية أمام المحاكم الدولية اإلدارية‪ ،‬كالمحكمة اإلدارية لألمم المتحدة ال تعد دعاوى مسؤولية‬

‫قانونية دولية للمنظمة الدولية‪ ،‬وإنما هي دعاوى مسؤولية قانونية داخلية مقامة ضدها‪ ،‬حيث تتم داخل‬

‫المنظمة الدولية ووفقا لقوانينها وأنظمتها الداخلية وهي بذلك مشابهة للدعاوى التي يرفعها موظفو الدولة‬

‫ضدها أمام المحاكم اإلدارية الداخلية إلقرار مسؤوليتها القانونية الداخلية‪.‬‬

‫خالصة القول‪ ،‬يقصد بهذه الخاصية أن الشخص المرتكب للفعل المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية‬

‫يجب أن يكون من أشخاص القانون الدولي العام (دول ومنظمات دولية)‪ ،‬أما الشخص الذي يقع عليه‬

‫الضرر من هذا الفعل فقد يكون شخص من أشخاص القانون الدولي العام أو من أشخاص القانون الداخلي‪،‬‬

‫كاألشخاص الطبيعيين أو المعنويين الخاصين‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ -2‬المسؤولية القانونية الدولية ذات طابع مدني‪.‬‬
‫يقصد بذلك أن المسؤولية القانونية الدولية ذات طابع مدني وليس جنائي‪ ،‬بمعنى أن األثار التي‬

‫تترتب عليها مقيدة في إصالح الضرر‪ ،‬دون توقيع أية عقوبة جنائية على شخص القانون الدولي المدان‪،‬‬

‫حينما يشكل الفعل الذي أقدم عليه جريمة دولية (العقوبات الجنائية توقع على األشخاص الطبيعيين‬

‫باعتبارها ذات طابع فردي)‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن هنالك رأي فقهي يذهب إلى ضرورة ثبوت المسؤولية الجنائية الدولية في‬

‫حق أشخاص القانون الدولي العام إلى جانب المسؤولية الدولية المدنية حال قيامهم بارتكاب جرائم دولية‪،‬‬

‫وذلك على اعتبار أن األشخاص الطبيعيين مرتكبي الفعل اإلجرامي دائما ما يكونون يتصرفون باسم‬

‫ولحساب شخص القانون الدولي‪ ،‬وليس بأسمائهم وصفاتهم الخاصة‪ .‬ولكن الرأي الراجح ينكر المسؤولية‬

‫الجنائية ألشخاص القانون الدولي لألسباب التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬لتعارض ذلك مع مبدأ المساواة في السيادة‪.‬‬

‫ب‪ -‬ألن أشخاص القانون الدولي كيانات معنوية وهمية ال تتوافر لها اإلرادة الجنائية أو القصد‬

‫الجنائي باعتباره الركن الثاني للمسؤولية الجنائية والتي ال يمكن أن تنشأ دون قيامه‪.‬‬

‫ج‪ -‬وألنه من الثابت أن الشخص الطبيعي ينبغي أن يمثل الشخص الدولي في تحقيق الصالح العام‪،‬‬

‫وبالتالي فإن ارتكابه لجريمة الدولية يتعارض حتما مع هذا المفهوم وعليه يتعين أن يسأل عنه‬

‫بشكل شخصي‪.‬‬

‫علما بأن النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد أخذ بهذا الرأي من خالل تأكيده على مبدأ‬

‫المسؤولية الجنائية الفردية‪ ،‬بحيث يحاكم أمام المحكمة األشخاص الطبيعيون الذين ارتكبوا الجرائم الدولية‬

‫(جرائم الحرب‪ ،‬الجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وجرائم اإلبادة الجماعية‪ ،‬وجريمة العدوان)‪ ،‬وال تحاكم الدول التي‬

‫ارتكبت الجرائم باسمها ولحسابها‪ ،‬حيث ال تثار إال مسؤوليتها المدنية وفقا للقانون الدولي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -3‬وحدة أحكام المسؤولية القانونية الدولية‪:‬‬
‫يقصد بذلك أن القواعد المنظمة لها ال تختلف باختالف شخص القانون الدولي المسؤول‪ ،‬وال‬

‫باختالف مصدر القانون الدولي الذي تمت مخالفته‪ ،‬وذلك لكون قواعد المسؤولية ذات طابع عرفي عام‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ال يعرف القانون الدولي إال نوع واحد من أنواع المسؤولية‪ ،‬بخالف التشريعات الداخلية التي تفرق‬

‫بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية‪ .‬وبالتالي ال تتغير قواعد المسؤولية القانونية الدولية‬

‫باختالف المصدر الشكلي للقاعدة التي تمت مخالفتها‪.‬‬

‫‪ -4‬المسؤولية القانونية الدولية قد تكون مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬

‫يقصد بالمسؤولية المباشرة (أو المسؤولية األصلية)‪ ،‬تلك التي تنشأ بسبب قيام أحد أجهزة الدولة‬

‫(التنفيذية أو التشريعية أو القضائية) أو المنظمة‪ ،‬أو ممثليها أو موظفيها بعمل أو امتناعها عن عمل‬

‫بالمخالفة لقواعد القانون الدولي العام‪.‬‬

‫أما المسؤولية القانونية غير المباشرة (أو المسؤولية الشعبية)‪ ،‬فتنشأ حينما يكون العمل أو االمتناع‬

‫عن عمل المنشأ للمسؤولية القانونية الدولية صادرا إما عن رعايا الدولة ذاتها أو المقيمين على إقليمها‪،‬‬

‫وإما عن دويالت تخضع لوصايتها أو حمايتها أو دويالت تجمعها بها رابطة اتحاد يلغي الشخصية القانونية‬

‫الدولية ألعضائه كاالتحاد الفيدرالي شأن الواليات المتحدة األمريكية ودولة اإلمارات‪.‬‬

‫يترتب على التفرقة بين المسؤولية المباشرة وغير المباشرة أثر في تقدير قيمة التعويض‪ ،‬بحيث‬

‫تزيد قيمة التعويض عن المسؤولية المباشرة‪ ،‬وذلك الفتراض قدرة الدولة على السيطرة على سلطاتها‬

‫وأجهزتها الرسمية بشكل تام‪ ،‬وبالتالي يكون تقصيرها في مثل هذه الحاالت مفترضا‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ثالثا‪ :‬شروط المسؤولية القانونية الدولية‪.‬‬

‫إلقرار المسؤولية القانونية الدولية في حق شخص القانون الدولي العام‪ ،‬يجب توافر ثالثة شروط‬

‫على التوالي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬إتيان الشخص الدولي لسلوك ينشئ مسؤوليته القانونية الدولية‪.‬‬

‫‪ -2‬نسبة السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية إلى الشخص الدولي (دولة أو منظمة‬

‫دولية) المدعى عليه‪.‬‬

‫‪ -3‬حدوث ضرر للمدعى سواء كان شخصا دوليا أو داخليا‪.‬‬

‫الشرط األول‪ :‬إتيان الشخص الدولي لسلوك منشئ لمسؤوليته القانونية الدولية‪:‬‬

‫يتخذ السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية للشخص الدولي ثالث صور‪:‬‬

‫الصورة األولى‪ :‬السلوك غير المشروع دوليا‪:‬‬

‫تعد هذه الصورة األكثر شيوعا وانتشارا‪ ،‬وأول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن المسؤولية‬

‫القانونية الدولية بالمقارنة ببقية الصور‪ .‬ويقصد بها‪ ،‬قيام الشخص الدولي بعمل أو امتناعه عن القيام‬

‫بعمل بالمخالفة ألحد التزاماته الدولية السارية بحقه‪ ،‬أيا كان مصدرها الشكلي‪ ،‬وذلك بغض النظر عما‬

‫تقرره قواعد القانون الداخلي‪.‬‬

‫بمعنى أنه يكفي النعقاد المسؤولية القانونية الدولية للشخص الدولي أن يتم تكييف سلوكه‬

‫باعتباره يشكل مخالفة ألحد التزاماته الدولية السارية في حقه سواء كان مصدرها معاهدة دولية أو‬

‫عرف أو مبدا قانوني عام أو قرار لمنظمة دولية أو تصرف باإلرادة المنفردة‪ ،‬حتى لو كان هذا السلوك‬

‫‪51‬‬
‫مشروعا وفقا لقواعد القانون الداخلي للدولة المعنية‪ ،‬وذلك إعماال للمادة ‪ 27‬من اتفاقية فيينا لقانون‬

‫المعاهدات التي تؤكد على علو القانون الدولي على التشريعات الداخلية‪ ،‬بل إن الدولة في هذه الحالة قد‬

‫تسأل عن مخالفة تشريعها الداخلي للقانون الدولي‪ ،‬وتنشأ مسؤوليتها القانونية الدولية لمجرد نشوء هذا‬

‫التعارض‪.‬‬

‫وبالرغم من أن طبيعة االلتزام تلعب دورا هاما في إعمال هذه الصورة‪ ،‬بحيث يكون من السهل‬

‫تحققها في حالة كون االلتزام التزاما بتحقيق نتيجة‪ ،‬فإنه يمكن تحقق هذه الصورة في حالة كون االلتزام‬

‫التزاما ببذل عناية‪ ،‬كأن يرتكب إهماال وتقصيرا جسيمين أثناء تنفيذه‪ ،‬مما يستنتج منه أنه لم يبذل الحد‬

‫األدنى من العناية الالزمة في الظروف العادية متعمدا‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪ :‬السلوك الذي يعكس خطأ في تنفيذ االلتزامات الدولية‪:‬‬

‫وتحقق هذه الصورة في حالة قيام الشخص الدولي بتنفيذ التزاماته الدولية بشكل خاطئ (خطأ في‬

‫تقدير الظروف المحيطة عند تنفيذ االلتزام)‪ ،‬وبمعنى أخر أن يعكس تنفيذ الشخص الدولي اللتزامه عن‬

‫إهمال وتقصير في بذل العناية الالزمة بالمراعاة للظروف المحيطة‪ ،‬بحيث يكون سلوكه صحيحا في ضوء‬

‫الظروف العادية‪ ،‬ولكنه عد سلوكا خاطئ منشأ لمسؤوليته القانونية الدولية الختالف الظروف المحيطة‬

‫مما جعلها تتطلب عناية أكثر من المعتاد‪ .‬إذا هذه الحالة ال تتحقق‪ ،‬إال إذا كنا بصدد التزام ببذل عناية‬

‫وليس التزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬والتي ينبغي تقييمه ضمن إطار الصور األولى‪.‬‬

‫مثال (‪ :)1‬تنص المادة ‪ )2( 22‬من اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪1961‬م على أن "يترتﺏ‬

‫على الدولة المعتمد لديها التﺯام خاص باتخاذ ﺟميع التدابير المناسبة لحماية دار البعثة من اﻱ اقتحام‬

‫او ضرر ومنع أﻱ اخالل بﺄمن البعثة او مساﺱ بكرامتها"‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فالدولة الموفد إليها إذا تكون قد أوفت بالتزامها في الظروف العادية إذا ضمنت للبعثة‬

‫األجنبية حماية أمنية تماثل حمايتها للبعثات األجنبية األخرى‪ ،‬وتكون قد أخطأت إذا لم تضاعف التدابير‬

‫األمنية حينما تمر العالقات بين الدولتين بتوتر شديد يحتمل معه اقتحام متظاهرين لمقرات البعثة واالعتداء‬

‫عليها‪ .‬وهذا ما حدث في عام ‪ 2015‬م عندما حدث اعتداء على البعثتين القنصلية والدبلوماسية السعودية‬

‫في إيران‪ ،‬بسبب تقاعس السلطات اإليرانية وتقصيرها في اتخاذ التدابير المشددة التي تتناسب مع التوتر‬

‫الحاصل في تلك الفترة‪.‬‬

‫ﺱ‪ :‬هل يمكن تﺄسيﺱ مسؤولية إيران عن هذا االعتداء باالستناد إلى الصورة األولى من صور‬

‫المسؤولية؟‬

‫مثال (‪ :)2‬حكم محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو بين ألبانيا والمملكة المتحدة لعام ‪1949‬م‪،‬‬

‫حيث تم اإلقرار بمسؤولية ألبانيا عن األضرار التي لحقت باألسطول البريطاني في مضيق كورفو باعتبار‬

‫أنه كان يجب على ألبانيا أال تتجاهل وجود ألغام في مياهها اإلقليمية على ضوء الظروف واالعتبارات‬

‫الواقعية المصاحبة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬تكون ألبانيا قد ارتكبت خطأ في تنفيذ التزامها ناجم عن عدم بذل العناية‬

‫الالزمة‪.‬‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬السلوك المشروع دوليا المتسم بخطورة استثنائية‪:‬‬

‫ويطلق عليها نظرية المسؤولية القانونية الموضوعية أو المطلقة أو المسؤولية دون ارتكاب خطأ‪،‬‬

‫وتنصرف إلى الحاالت التي يكون فيها السلوك مشروعا ولكنه ينطوي على مخاطرة عالية‪ ،‬مما يجعل‬

‫إمكانية وقوع الضرر على شخص أخر أمرا واردا‪ ،‬حتى في حالة عدم قيام الشخص الدولي بمخالفة قواعد‬

‫القانون الدولي بعمل أو امتناعه عن عمل بالمخالفة لقواعد القانون الدولي الملزمة بحقه‪ ،‬أو ارتكابه لخطأ‪.‬‬

‫أي أن الضرر قد ينشأ حتى في حالة بذله للعناية الالزمة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وتعود الحكمة من إقرارها إلى ما ترتب على التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم منذ‬

‫نهايات القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬من تمكن اإلنسان من استخدام أجهزة ومعدات وآالت متطورة على‬

‫درجة كبيرة من الخطورة اقتضتها حالة الضرورة‪ ،‬بحيث يمكن أن تلحق أضرارا باآلخرين دون أن يكون‬

‫مستخدمها قد خالف القانون‪ ،‬أي حتى في حالة استخدامها بالشكل الصحيح وبذل العناية الالزمة‪ ،‬وهو‬

‫األمر الذي قد يؤدي إلى ضياع حق الطرف المضرور في الحصول على التعويض الالزم لجبر الضرر‬

‫الذي لحق به إذا ما ألزم باللجوء إلى الصور التقليدية للمسؤولية‪.‬‬

‫ولما كانت الدول والمنظمات الدولية يمكن أن تضطلع شأن األفراد بأنشطة خطرة ال يحظرها‬

‫القانون الدولي العام‪ ،‬باعتبار القيام بها يعد أمرا ضروريا لتحقيق مصالح أشخاص القانون الدولي العام‪،‬‬

‫كبناء المفاعالت النووية لألغراض السلمية‪ ،‬وإطالق األقمار الصناعية‪ ،‬وحتى يتحقق التوازن بين مصالح‬

‫أشخاص القانون الدولي العام (المنتفع من مثل هذه التصرفات‪ ،‬ومن قد يقع عليه الضرر) انتقلت نظرية‬

‫المسؤولية الموضوعية إلى نطاق القانون الدولي العام‪ ،‬سواء من خالل النص عليها في عدد محدود من‬

‫المعاهدات‪ ،‬أو من خالل اعتبارها أحد المبادئ القانونية العامة‪.‬‬

‫وبعيدا عن المحاوالت الفقهية الساعية إلى تدوين أحكام المسؤولية الموضوعية والنقاشات‬

‫المستمرة حيالها‪ ،‬فإنه يمكن القول بأنه قد تم النص صراحة على هذه الصورة من صور المسؤولية القانونية‬

‫الدولية في معاهدة دولية واحدة على األقل‪ ،‬وهي اتفاقية المسؤولية الدولية عن األضرار التي تسببها‬

‫األجسام الفضائية لعام ‪1972‬م‪ ،‬والتي تنص صراحة في المادة ‪ 2‬منها على أن الدولة التي تطلق أجساما‬

‫فضائية أو الدولة التي تستخدم إقليمها أو منشآتها في إطالقها تكون مسؤولة مسؤولية مطلقة عن تقديم‬

‫تعويض عن األضرار التي تسببها هذه األجسام على سطح األرض أو للطائرات أثناء تحليقها‪.‬‬

‫كما يمكن القول أيضا بأن هناك مبدأ قانوني عام يقضي بتطبيق هذه النظرية على األنشطة المتعلقة‬

‫باستغالل الطاقة النووية أو القيام ببعض األنشطة المشروعة التي قد تلحق ضررا بالبيئة‪ ،‬مثل بناء‬

‫المفاعالت النووية لألغراض السلمية‪ ،‬واستخدام السفن التي تعمل بالطاقة النووية‪ .‬حيث تنص العديد من‬

‫‪54‬‬
‫التشريعات ا لوطنية على مثل هذه القواعد مما يعني قبولها الضمني بتطبيقها في عالقاتهم الدولية‪ .‬الجدير‬

‫بالذكر أنه يكفي إثبات عالقة السببية بين الفعل المشروع والضرر فقط لتنشأ المسؤولية وفقا لهذه النظرية‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬نسبة السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية إلى الشخص الدولي (دولة أو‬
‫منظمة دولية) المدعى عليه‪.‬‬

‫‪ -‬من الثابت أن المسؤولية القانونية الدولية ال تنشأ‪ ،‬إال إذا أثبت المدعي أن السلوك الذي سبب له‬
‫ضررا صادر عن شخص من أشخاص القانون الدولي‪ ،‬سواء أكان هذا الشخص الدولي‪ ،‬دولة أم‬
‫منظمة دولية حكومية‪.‬‬

‫‪ -1‬حاالت نسبة السلوك على الدولة‪:‬‬


‫ينسب السلوك المنشئ للمسؤولية القانونية الدولية إلى الدولة إذا ثبت أنه صادر عن إحدى‬

‫سلطاتها‪ ،‬وهنا نكون بصدد مسؤولية مباشرة (أصلية)‪ ،‬كما يمكن أن ينسب إليها أيضا إذا ما صدر‬

‫عن أشخاص عاديين‪ ،‬وذلك وفق شروط وضوابط أكثر تشددا‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه إذا ما تحقق‬

‫المسؤولية غير المباشرة (الشعبوية)‪.‬‬

‫أ‪ -‬السلوك الصادر عن سلطات الدولة‪:‬‬


‫يعد السلوك الصادر عن أية سلطة في الدولة كما لو كان صادرا عن هذه األخيرة‪ ،‬سواء كانت‬

‫السلطة المعنية تباشر وظيفة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية أو أية وظيفة أخرى‪ ،‬وأيا كانت المكانة التي‬

‫تحتلها في تنظيم الدولة‪ ،‬وذلك على أن تشمل السلطة كل شخص أو كيان يحدده القانون الداخلي للدولة‪.‬‬

‫‪ -‬السلوك الصادر عن السلطة التشريعية‪:‬‬


‫ينسب السلوك الصادر عن السلطة التشريعية للدولة‪ ،‬وبالتالي يثير مسؤوليتها الدولية‪ ،‬سواء تمثل في‬

‫شكل عمل إيجابي كإصدار تشريع داخلي يتعارض مع االلتزامات الدولية للدولة أيا كان مصدرها‪ ،‬أو‬

‫‪55‬‬
‫حينما يتخذ شكل عمل سلبي كاالمتناع عن إصدار تشريع ضروري لتنفيذ هذه االلتزامات‪ ،‬خاصة إذا كانت‬

‫الدولة تتبنى نظرية ثنائية القانون‪.‬‬

‫‪ -‬السلوك الصادر عن السلطة التنفيذية‪:‬‬


‫ينسب السلوك الصادر عن السلطة التنفيذية أيضا إلى الدولة‪ ،‬سواء صدر عن رئيسها أو رئيس‬

‫الحكومة أو أحد الوزراء أو كبار الموظفين أو صغارهم‪ .‬ويعد ما يصدر عن السلطة التنفيذية للدولة من‬

‫سلوكيات من أهم مسببات المسؤولية القانونية الدولية نظرا ألنها السلطة األكثر اتصاال بالرعايا األجانب‪،‬‬

‫والتعامل مع الدول األخرى‪.‬‬

‫ومن األمثلة على بعض تصرفات السلطة التنفيذية التي قد تنشأ مسؤولية الدولة القانونية من خالل‬

‫تعامالتها الداخلية مع أشخاص ينتمون لدول أخرى‪ ،‬إلقاء القبض التعسفي عليهم‪ ،‬وإبعادهم دون مراعاة‬

‫الضمانات والضوابط القانونية الدولية‪ ،‬اإلهمال والتقصير في توفير الحماية األمنية الالزمة لهم خاصة‬

‫حال تعرضهم للخطر‪ ،‬عدم احترام حقوق اإلنسان المعترف بها دوليا عند التعامل معهم‪.‬‬

‫ومن األمثلة على تصرفات السلطة التنفيذية للدولة في عالقاتها المباشرة مع الدول األخرى‪ ،‬والتي قد‬

‫تثير مسؤوليتها القانونية الدولية‪ ،‬القيام بمساعدة دولة أخرى على ارتكاب فعب غير مشروع دوليا‪ ،‬بل‬

‫وتسأل الدولة إذا تم ارتكاب مثل هذا الفعل بناء على إكراه أو تعليمات منها أو تحت إشرافها ورقابتها‪،‬‬

‫متى كانت الدولة على علم بظروف ارتكابه وعدم مشروعيته دوليا‪.‬‬

‫‪ -‬السلوك الصادر عن السلطة القضائية‪:‬‬


‫أيضا ينسب السلوك الصادر عن السلطة القضائية أيضا إلى الدولة‪ ،‬حيث ال يقبل االحتجاج هنا بمبدأ‬

‫استقالل القضاء أو الفصل بين السلطات للتنصل من المسؤولية القانونية الدولية عن تصرفاتها ألنها تعد‬

‫في نهاية المطاف إحدى سلطات الدولة‪ ،‬وهذا السلوك يتخذ في الواقع العملي أشكاال متعددة منها االمتناع‬

‫عن عمد أو عدم علم عن تطبيق قاعدة قانونية دولية تلتزم بها الدولة‪ ،‬ومنها أيضا اإلصرار على تطبيق‬

‫قواعد القانون الداخلي المتعارضة مع قواعد القانون الدولي العام‪ ،‬وإنكار العدالة كحرمان األجانب من‬

‫‪56‬‬
‫الحق في التقاضي أمام محاكم الدولة‪ ،‬أو حرمانهم من أحد درجات التقاضي‪ ،‬والتأخر في نظر قضاياهم‬

‫أو اإلسراع غير العادي في نظرها (محاكمات صورية)‪.‬‬

‫ب‪ -‬السلوك الصادر عن األشخاص العاديين‪:‬‬


‫كقاعدة عامة‪ ،‬ال ينسب للدولة سلوك األشخاص العاديين‪ ،‬سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أم معنويين‬

‫مواطنين أو أجانب‪ ،‬حينما يتصرفون باسمهم ولحسابهم الخاص‪ ،‬إال أن سلوكهم قد ينسب استثناء للدولة‪،‬‬

‫ويمكن أن ينشئ مسؤوليتها القانونية الدولية في ثالث حاالت‪:‬‬

‫‪ -‬حينما يتصرف الشخص العادي باسم الدولة ولحسابها‪.‬‬

‫‪ -‬عندما يمارس الشخص العادي فعليا اعمال السلطة العامة (نظرية الموظف الفعلي)‪.‬‬

‫‪ -‬إذا ثبت إهمال وتقصير الدولة في بذل العناية الالزمة لمنع وقوع الفعل غير المشروع أو أن‬

‫تكون قد قصرت أو تجاهلت معاقبة مرتكبيه بعد وقوعه‪.‬‬

‫‪ -2‬حاالت نسبة السلوك إلى المنظمة الدولية‪:‬‬

‫أ‪ -‬السلوك الصادر عن أجهزة المنظمة الدولية أو مستخدميها‪:‬‬


‫تنشئ كل منظمة دولية أجهزة رئيسية وأخرى ثانوية لتتمكن من القيام بالمهام الموكلة إليها وتحقيق‬

‫األهداف المرجوة من إنشائها‪ ،‬وال شك أن السلوك الصادر عن أي من هذه األجهزة أثناء مباشرة وظائفه‬

‫ينسب إلى المنظمة (مثل نسبة سلوك أجهزة الدولة الرئيسة للدولة)‪ ،‬ويحملها المسؤولية القانونية الدولية‪.‬‬

‫‪ -‬السلوك الصادر عن أﺟهﺯة المنظمة الدولية الرئيسية والثانوية‪:‬‬


‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬ينسب إلى منظمة األمم المتحدة سلوك أي من أجهزتها الرئيسية الستة‪ ،‬وهي مجلس‬

‫األمن والجمعية العامة والمجلس االقتصادي واالجتماعي ومجلس الوصاية واألمانة العامة ومحكمة العدل‬

‫الدولية‪ .‬كما قد ينسب لمنظمة األمم المتحدة أيضا أي سلوك منشئ للمسؤولية القانونية الدولية قد يصدر‬
‫‪57‬‬
‫عن أي من أجهزتها الثانوية التي تنشئها األجهزة الرئيسية للقيام ببعض المهام الفرعية‪ ،‬مثل لجان العقوبات‬

‫والتعويضات ومكافحة اإلرهاب التابعة لمجلس األمن‪ ،‬ولجنة االستخدام السلمي للفضاء الخارجي التابعة‬

‫للجمعية العامة‪.‬‬

‫‪ -‬السلوك الصادر عن مستخدمي المنظمة الدولية (ما هو المقصود بمصطلح المستخدم‬


‫الدولي؟)‪:‬‬
‫كما ينسب إلى المنظمة الدولية أيضا السلوك الصادر عن أي من مستخدميها أثناء مباشرة وظيفته‪،‬‬

‫ومصطلح "المستخدم الدولي" مصطلح واسع ال يقتصر فقط على الموظفين الدوليين كاألمين العام للمنظمة‬

‫ومساعديه وغيرهم من كبار الموظفين وصغارهم‪ ،‬وإنما يشمل أيضا أشخاص أخرون ال ينطبق عليهم‬

‫وصف "الموظف الدولي" كأعضاء الشرطة والمدنيين والقوات المسلحة التي تستخدمهم المنظمة الدولية‬

‫في عمليات حفظ السالم أو في التدابير العسكرية الموجهة لدولة ما‪ ،‬والوسطاء الدوليين الذين تستعين بهم‬

‫لتسوية المنازعات الدولية‪ ،‬والخبراء والمستشارين العاملين في خدمتها‪.‬‬

‫وينبغي التنويه إلى أن السلوك الصادر عن أجهزة المنظمة الدولية أو عن مستخدميها ينسب إليها حتى‬

‫في حالة تجاوز الجهاز أو المستخدم لحدود اختصاصه أو مخالفته للتعليمات الموجهة إليه‪ ،‬وذلك ما دام‬

‫أنه يتصرف بصفته الرسمية وفي حدود الوظائف أو االختصاصات العامة للمنظمة‪.‬‬

‫ب‪ -‬السلوك الصادر عن أجهزة ومستخدمي منظمات دولية أخرى موضوعة تحت تصرف‬
‫المنظمة الدولية وخاضعة لرقابتها‪:‬‬
‫قد تستعين المنظمة الدولية عند القيام بعمل ما للقيام بمهامها بأجهزة بعض الدول األعضاء أو‬

‫بأجهزة أو مستخدمي منظمات دولية أخرى‪ ،‬وهنا ينسب السلوك الصادر عن هذه األجهزة أو المستخدمين‬

‫المستعان بهم والموضوعين تحت تصرف المنظمة الدولية إليها‪ ،‬شريطة أن يثبت أنها تباشر عليهم رقابة‬

‫فعلية عند ارتكاب هذا السلوك‪ .‬ومن أوضح األمثلة على هذه الحالة‪ ،‬قيام منظمة األمم المتحدة بالترخيص‬

‫‪58‬‬
‫لمنظمة إقليمية بالتدخل بالنيابة عنها في دولة ما لحفظ السلم واألمن الدوليين بموجب قرار تحت مظلة‬

‫الفصل السابع‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬حدوث ضرر للمدعي‪:‬‬

‫ال يكفي إلقرار المسؤولية القانونية الدولية للشخص الدولي قيامه بالسلوك المنشئ لها‪ ،‬وإثبات‬

‫نسبة السلوك إليه‪ ،‬وإنما يتعين أيضا على المدعي‪ ،‬أن يثبت حدوث ضررا له‪ ،‬فال مسؤولية في جميع‬

‫األحوال دون حدوث ضرر‪ ،‬حيث إنه من الثابت أن مجرد قيام الشخص الدولي بفعل غير مشروع وفق‬

‫قواعد القانون الدولي العام يصاحبه حدوث ضرر‪ ،‬سواء لشخص دولي بعينه‪ ،‬أو للمجتمع الدولي بأسره‪،‬‬

‫وذلك باعتبار أن عدم احترام قواعد القانون الدولي العام وانتهاكها الجسيم يشكل في كل األحوال تهديدا‬

‫للسلم واألمن الدوليين‪.‬‬

‫‪ -1‬الضرر المادﻱ والضرر المعنوﻱ‪:‬‬


‫ويكون الضرر ماديا إذا تمثل في االعتداء الملموس على أموال وممتلكات المدعى محدثا بها خسائر‬

‫اقتصادية يسهل حصرها وحسابها وتقدير قيمة التعويض المالي المناسب لجبرها‪ .‬ومن أمثلة األضرار‬

‫المادية التي تنشأ بموجبها المسؤولية القانونية الدولية االعتداء على البعثات الدبلوماسية وإحداث تلفيات‬

‫بمنشأتها وممتلكاتها‪ ،‬والمصادرة غير القانونية ألموال وممتلكات األجانب‪ ،‬واالعتداء على موظفي‬

‫المنظمات الدولية‪ ،‬وتلويث البيئة البحرية أو البرية أو الجوية‪ ،‬واستغالل الثروات الحية وغير الحية بشكل‬

‫غير قانوني‪.‬‬

‫أما الضرر المعنوﻱ فيقصد به ذلك الضرر غير الملموس الذي قد يتمثل في االعتداء على سيادة الدولة‬

‫أو الحط من كرامتها‪ ،‬وهي مسائل يصعب تقدير قيمة التعويض الالزم إلصالحها‪ .‬ومن األمثلة على‬

‫األضرار المعنوية‪ ،‬التحليق غير المرخص من قبل الطائرات األجنبية فوق إقليم الدولة‪ ،‬وتشويه صورة‬

‫الدولة من خالل نشر أخبار وتقارير كاذبة عن وضع الدولة الداخلي أو الخارجي‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وبالرغم من أن المسؤولية القانونية الدولية تنشأ باألضرار المادية والمعنوية على حد سواء‪ ،‬إال أن‬

‫التمييز بينهما له انعكاس على آثار المترتبة على إقرارها‪ ،‬حيث يستدعى كل نوع من الضرر طرق إصالح‬

‫تتناسب مع طبيعته‪.‬‬

‫‪ -2‬الفرق بين الضرر المباشر والضرر غير المباشر‪:‬‬


‫‪ -‬الضرر المباشر هو الذي يصيب الشخص الدولي نفسه في أحد الحقوق المقررة له‪( .‬ماهي النتائج‬

‫المترتبة عليه؟)‪:‬‬

‫حينما يكون الضرر مباشرا‪ ،‬فإن الدولة أو المنظمة الدولية تباشر دعوى المسؤولية القانونية‬

‫الدولية باسمها ولحسابها الخاص‪.‬‬

‫‪ -‬الض رر غير المباشر الذي يصيب أشخاص القانون الخاص الطبيعيين أو المعنويين الحاملين‬

‫لجنسية الدولة أو يرتبطون بمنظمة دولية وظيفيا‪( .‬ماهي النتائج المترتبة عليه؟)‪:‬‬

‫وهنا تباشر الدولة الدعوى نيابة عن مواطنيها من خالل دعوى الحماية الدبلوماسية‪ ،‬وتباشرها‬

‫المنظمة الدولية نيابة عن موظفيها عبر دعوى الحماية الوظيفية‪.‬‬

‫‪ -‬يتعين عدم الخلط بين الضرر المباشر والضرر غير المباشر وفق المفهوم السابق‪ ،‬والضرر الحال‬

‫والضرر غير الحال‪ ،‬حيث إن األضرار المترتبة على بعض أنواع السلوك المسبب للمسؤولية‬

‫القانونية الدولية تحدث فو إتيان هذا السلوك‪ ،‬ويسهل من ثم إثبات عالقة السببية بينهما‪ ،‬في حين‬

‫أن األضرار الناتجة عن أنواع أخرى من السلوك قد يتأخر حدوثها لسنوات طويلة‪ ،‬كاألضرار‬

‫الناجمة عن التلوث الذري والنووي‪ .‬والراجح أن المسؤولية تنشأ في الحالتين أي سواء كان‬

‫الضرر حال أو غير حال‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫دعوى الحماية الدبلوماسية والوظيفية‬

‫يمكن تعريف دعوى الحماية الدبلوماسية على أنها "مطالبة دولة‪ ،‬من خالل عمل دبلوماسي أو‬

‫عبر الوسائل األخرى للتسوية السلمية‪ ،‬بمسؤولية شخص دولي أخر عما سببه سلوكه من أضرار لشخص‬

‫طبيعي أو معنوي يحمل جنسيتها"‪.‬‬

‫فالدولة إذا تلجأ إلى استخدام دعوى الحماية الدبلوماسية بغرض حماية رعاياها من األضرار التي‬

‫يسببها لهم سلوك ينسب إلى دولة أو منظمة دولية ما‪ ،‬وهي إذ تفعل ذلك إنما تمارس حقها في فرض‬

‫احترام قواعد القانون الدولي العام في مواجهة مواطنيها‪ ،‬وتضطلع في ذات الوقت بواجبها في حمايتهم‪.‬‬

‫إال أنه ينبغي التأك يد إلى أن الرأي الراجح فقها هو أنه ال يوجد واجب أو التزام قانوني دولي على الدولة‬

‫بمباشرتها‪ ،‬وإن كان من الممكن أن يلزمها قانونها الداخلي بذلك‪ ،‬وهذا ما أيدته محكمة العدل الدولية في‬

‫قضية برشلونة تراكشن عام ‪1970‬م‪ ،‬حيث رفضت المحكمة بشكل قاطع نظرية الحماية الدبلوماسية‬

‫الواجبة‪.‬‬

‫وتهدف دعوى الحماية الدبلوماسية‪ ،‬بالدرجة األولى‪ ،‬إلى سد الفراغ الناتج عن عدم تمتع األشخاص‬

‫الخاصين بشخصية قانونية دولية تخولهم المطالبة بحقوقهم بشكل مباشر‪ .‬إال أنه ينبغي التأكيد على أن حق‬

‫اللجوء لها ليس مطلقا‪ ،‬حيث أن حق الدولة في اللجوء لها مقيدا بكون األشخاص المراد حمايتهم ليسوا‬

‫ممن يباشرون أنشطة دولية رسمية باسمها ولحسابها‪ ،‬أي يجب أن يكون األشخاص المراد حمايتهم‬

‫مواطنين عاديين ممن يتصرفون بأسمائهم ولحسابهم الخاص‪ ،‬ومن ثم فإن دعوى الحماية الدبلوماسية ال‬

‫تطبق‪ ،‬كقاعدة عامة‪ ،‬على أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي على عكس ما يوحي به مسماها‪ .‬حيث‬

‫يعد الضرر الذي يصيب هؤالء ضرر مباشر للدولة وليس ضررا غير مباشر‪ ،‬إضافة إلى أن هاتين الفئتين‬

‫تحميهما قواعد وآليات قانونية دولية أخرى يأتي في مقدمتها اتفاقيتا فيينا للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإنه قد يمكن تحريك دعوى الحماية الدبلوماسية‪ ،‬استثناء‪ ،‬لحمايتهم في حالة إصابتهم بضرر‬

‫في إطار ممارستهم ألنشطة ال تتعلق بوظائفهم الرسمية كقيام الدولة الموفد إليها بمصادرة أموالهم الخاصة‬

‫‪61‬‬
‫دون دفع تعويض عادل‪.‬‬

‫‪ -‬تمييﺯ دعوى الحماية الدبلوماسية عن دعوى الحماية الوظيفية‬

‫تتميز دعوى الحماية الدبلوماسية عن دعوى الحماية الوظيفية التي تباشرها المنظمة الدولية لحماية‬

‫موظفيها من األضرار التي تصيبهم جراء سلوك ينسب إلى أحد أشخاص القانون الدولي‪ .‬فإذا كان الضرر‬

‫الذي يصيب المواطن يصيب دولته بطريقة غير مباشرة ويبرر تبنيها لقضيته في مواجهة الشخص الدولي‬

‫الذي سبب له الضرر‪ ،‬فإن الضرر الذي يصيب الموظف الدولي يصيب أيضا المنظمة الدولية التي يعمل‬

‫بها بصفة غير مباشرة‪ ،‬ويمنحها الحق في الدفاع عنه في مواجهة الشخص الدولي الذي ألحق به ضررا‪.‬‬

‫وقد اعترفت محكمة العدل الدولية بحق المنظمة الدولية في مباشرة دعوى الحماية الوظيفية لحماية‬

‫موظفيها‪ ،‬وذلك في رأيها االستشاري المتعلق بتعويض األضرار التي تقع أثناء الخدمة في األمم المتحدة‬

‫الصادر في ‪ 11‬أبريل ‪1949‬م‪ ،‬حيث أشارت إلى أنه في سبيل االضطالع بمهامها‪ ،‬تضطر المنظمة إلى‬

‫تكليف موظفيها بالقيام بمهام صعبة في مناطق مضطربة حول العالم‪ ،‬وقد يتعذر على دولة الجنسية مباشرة‬

‫دعوى الحماية الدبلوماسية لحمايتهم‪ ،‬أو قد تكون غير مستعدة للقيام بذلك‪ ،‬ولضمان القيام بهذه المهام‬

‫بطريقة فعالة ومحايدة‪ ،‬فإن المنظمة يجب أن تقدم لهم حماية مناسبة‪.‬‬

‫علما بأن مباشرة المنظمة الدولية لدعوى الحماية الوظيفية بغرض حماية أحد موظفيها ال يحول‬

‫دون مباشرة الدولة التي يحمل جنسيتها لدعوى الحماية الدبلوماسية لحمايته من ذات األضرار‪ .‬حيث أكدت‬

‫محكمة العدل الدولية في رأيها االستشاري سابق الذكر على أنه ال توجد قاعدة قانونية تمنح أولوية ألي‬

‫من الدولة أو المنظمة الدولية على األخر أو تلزم أيا منهما باالمتناع عن المطالبة الدولية لحماية المواطن‬

‫أو الموظف‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫والشروط الواجب توافرها لمباشرة الدعويين واحدة مع إجراء ما يلزم من تغيير‪ ،‬حيث تستبدل‬

‫رابطة الجنسية المطلوبة لمباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية برابطة الوظيفة العامة الدولية عند مباشرة‬

‫دعوى الحماية الوظيفية‪ ،‬ويطبق شرطا "استنفاد طرق الرجوع الداخلية" و "األيدي النظيفة" في الحالتين‬

‫بطريقة مماثلة على نحو ما سوف نرى في الفقرة التالية‪.‬‬

‫‪ -‬شروط مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية‬

‫يشترط لمباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية وجود رابطة الجنسية بين الشخص المضرور والدولة‬

‫التي تتبنى دعواه‪ ،‬وأن يستنفد هذا الشخص طرق الرجوع الداخلية المتاحة لدى شخص القانون الدولي‬

‫المشكو في حقه‪ ،‬ويثور التساؤل حول ما إذا كان يشترط أيضا أال يكون المضرور قد ساهم في حدوث‬

‫الضرر الذي أصابه‪.‬‬

‫‪ -1‬وﺟود رابطة "الﺟنسية" بين المضرور والدولة التي تتبنى دعواه‬

‫إذا كانت الدولة تباشر دعوى الحماية الدبلوماسية دفاعا عن حقها في فرض احترام قواعد القانون‬

‫الدولي العام في مواجهة مواطنيها‪ ،‬فإنه من الطبيعي أال تباشرها إال بالنسبة لمن يحملون جنسيتها من‬

‫األشخاص الطبيعيين والمعنويين‪ ،‬حيث إن رابطة "الجنسية" هي التي تبرر وتؤسس من الناحية القانونية‬

‫الختصاص الدولة الشخصي في مواجهة الشخص المضرور‪.‬‬

‫ويعني اشتراط توافر رابطة الجنسية لمباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية أن الدعوى لن تكون‬

‫مقبولة بالنسبة لعديمي الجنسية‪ ،‬ويستحيل أو يصعب مباشرتها بالنسبة لالجئين‪ ،‬وذلك على اعتبار أنهم‬

‫فروا من دولهم تحت وطأة اضطهاد حكومي أو ظروف قاسية كالحرب‪ ،‬األمر الذي يحول غالبا دون تبني‬

‫دولة الجنسية لدعواهم‪ ،‬وغبة في تفادي هذه الثغرة ذهبت لجنة القانون الدولي إلى أنه يجوز استثناء للدولة‬

‫‪63‬‬
‫مباشر ة الدعوى إذا كان عديم الجنسية أو الالجئ يقيم بصفة شرعية ومعتادة على إقليمها وقت حدوث‬

‫الضرر ووقت تقديم الدعوى‪ ،‬مع عدم جواز مباشرتها في مواجهة دولة الالجئ‪.‬‬

‫وبالنسبة للشخص االعتباري‪ ،‬فإن دولة جنسيته هي كقاعدة عامة صاحبة الحق في مباشرة دعوى‬

‫الحماية الدبلوماسية بالنسبة له‪ ،‬وليس الدولة أو الدول التي يحمل المساهمون جنسيتها حتى وإن كان‬

‫غالبيتهم ينتمي إلى إحداها‪ .‬حيث رفضت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في ‪1970‬م بخصوص‬

‫قضية برشلونة تراكشن‪ ،‬منح بلجيكا الحق في مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية عن مواطنيها الذين‬

‫يشكل ون أغلبية مساهمي الشركة ذات الجنسية الكندية‪ .‬وقد أوردت المحكمة في حكمها السابق استثناءين‬

‫يجوز فيهما أن تحرك الدولة دعوى الحماية الدبلوماسية من الدولة التي ينتمي إليها مساهمو الشركات‬

‫األجنبية وهما‪ ،‬إذا توقفت الشركة عن الوجود بحسب تشريع الدولة التي أسست فيها لسبب ليس له عالقة‬

‫بالضرر‪ ،‬أو إذا كانت دولة جنسية الشركة هي نفسها المسؤولة عن الضرر الذي أصابها‪.‬‬

‫وحتى تتمكن الدولة من مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية‪ ،‬يجب أن يكون المضرور حامال‬

‫لجنسيتها وقت حدوث الضرر‪ ،‬وأن يستمر في التمتع بها حتى تقديم الدعوى‪ ،‬وأال يكون قد أكتسب جنسية‬

‫الدولة المدعى عليها بعد تاريخ تقديم الدعوى‪ .‬وأما بالنسبة لمزدوجي الجنسية أو متعددي الجنسية‪ ،‬فإن أيا‬

‫من الدول التي يحمل المضرور جنسيتها‪ ،‬أو بعضهم أو جميعهم معا‪ ،‬يحق لها مباشرة الدعوى في مواجهة‬

‫أي دولة أخرى ال يحمل جنسيتها‪.‬‬

‫‪ -2‬استنفاد طرق الرﺟوع الداخلية‬

‫ال يجوز للدولة مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية قبل ان يستنفد الشخص المضرور جميع طرق‬

‫الرجوع الداخلية التي يقررها القانون الداخلي للدولة أو المنظمة الدولية المشكو في حقها أو استحالة اللجوء‬

‫لها‪ .‬ويقصد بطرق الرجوع الداخلية جميع وسائل اإلنصاف‪ ،‬العادية واالستثنائية‪ ،‬التي يتيحها القانون‬

‫‪64‬‬
‫الداخلي إلصالح الضرر في المدد المحددة‪ ،‬وذلك كأن يتظلم الشخص المضرور للشخص مصدر القرار‬

‫الضار‪ ،‬ثم رئيسه‪ ،‬وبعد ذلك ينتقل للقضاء الداخلي بكافة درجاته حتى يصل إلى محكمة النقض أو المحكمة‬

‫العليا‪ ،‬فإن لم يصل إلى حل عادل حق له اللجوء إلى دولته لتحريك دعوى الحماية الدبلوماسية والتي‬

‫يترتب عليها تدويل النزاع‪.‬‬

‫الجدير بالذكر ان شرط استفاد طرق الرجوع الداخلية قبل مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية يعد‬

‫قاعدة قانونية عرفية وفقا لما أكدت عليه محكمة العدل الدولية في أحد أحكامها لعام ‪1959‬م‪ ،‬وإن كان هذا‬

‫ال يعني أن ترد عليه بعض االستثناءات من أهمها موافقة الدولة الموفد إليها السابقة على إمكانية لجوء‬

‫الشخص المعني إلى دولته لتحريك دعوى الحماية الدبلوماسية مباشرة عند تعرضه ألي ضرر‪ .‬إال أنه‬

‫ينبغي التأكيد في المقابل على أنه ال يجوز االتفاق بين الدولة الموفدة إليها والشخص المعني على إسقاط‬

‫حقه في مطالبة دولته بتحريك دعوى الحماية الدبلوماسية (شرط كالفوا) وذلك باعتبار أن هذا الحق حق‬

‫أصيل للدولة التي ينتمي لها الشخص المضرور وليس حقا شخصيا له‪.‬‬

‫ويستند شرط استنفاد طرق الرجوع الداخلية على عدد من المبررات المنطقية‪ ،‬حيث يفترض أن‬

‫الشخص الذي يذهب لدولة أخرى أي كان هدفه قد قبل مسبقا الخضوع لقوانينها الداخلية‪ ،‬كما يجد أساسه‬

‫في مبدأ السيادة الذي يعطي كل دولة األولوية في تطبيق قوانينها الداخلية على ما يقع داخل إقليمها‪.‬‬

‫‪ -3‬مدى اعتبار "األيدﻱ النظيفة" شرطا لمباشرة الدعوى‬

‫وفقا لنظرية "األيدي النظيفة" ال يحق للدولة مباشرة دعوى الحماية الدبلوماسية بالنسبة ألحد‬

‫رعاياها إذا كان هذا األخير هو الذي تسبب في حدوث الضرر الذي أصابه‪ ،‬حيث يجب أن يكون سلوك‬

‫هذا األجنبي تجاه الدولة المشكو في حقها سلوكا صحيحا يعبر عن احترام لقوانينها وعدم التدخل في‬

‫شؤونها الداخلية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫والواقع أن قضاء محكمة العدل الدولية ال يقطع بتأييد أو رفض األخذ بهذا الشرط‪ ،‬إال أن الثابت‬

‫أنها رفضت األخذ به في الغالبية العظمى من القضايا‪ .‬كما أن الناظر في قضايا التحكيم الدولي يلحظ‬

‫تأييدها للموقف الضمني لمحكمة العدل الدولية برفض اعتبار شرط األيدي النظيفة شرطا لقبول دعوى‬

‫الحماية الدبلوماسية‪ .‬وعليه فالرأي الراجح هو عدم اعتبار نظرية األيدي النظيفة من شروط قبول دعوى‬

‫الحماية الدبلوماسية‪ ،‬على أن تتولى الجهة التي تنظر في موضوع الدعوى الحقا تحديد ما إذا كانت يد‬

‫المضرور نظيفة أم ملوثة وترتب على ذلك عدم أحقيته في التعويض بصفة مطلقة أو حقه في تعويض‬

‫منخفض إذا ثبت لها مساهمته في حدوث ما تكبده من أضرار‪.‬‬

‫* نقاط حول دعوى الحماية الدبلوماسية‬

‫‪ -‬تعتبر دعوى الحماية الدبلوماسية حقا للدولة وليس للشخص المضرور‪ ،‬وبالتالي فإنها تتمتع بسلطة‬

‫تقديرية كاملة في مباشرتها من عدمه‪ ،‬واختيار وقت تحريكها‪ ،‬وتحديد الوسائل السلمية السياسية أو‬

‫القضائية التي سوف تلجأ لها‪ ،‬بل وأحقيتها في التنازل عن الدعوى في أية مرحلة العتبارات تقدرها وحدها‬

‫دون أخذ رأي الشخص المضرور‪ ،‬وإن كانت قوانينها الداخلية قد تقضي بخالف ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬يترتب على ما سبق من اعتبار دعوى الحماية الدبلوماسية حقا للدولة أنه ال يجوز للشخص التنازل عنها‬

‫(شرط كالفو) ألن الشخص ال يجوز له التنازل عن حق ال يملكه‪.‬‬

‫‪ -‬ويترتب أيضا على اعتبار الدعوى حقا للدولة أن مبلغ التعويض الذي قد يحكم به كأثر لمباشرة دعوى‬
‫الحماية الدبلوماسية يعد حقا خالصا للدولة وحدها‪ ،‬وإن كانت قوانينها الداخلية قد تلزمها بخالف ذلك‪.‬‬

‫‪66‬‬

You might also like