Professional Documents
Culture Documents
:الحصة 1
تعتبر مسألة االختصاص الدولي للمحاكم التونسية من اهم المسائل المطروحة في القانون الدولي الخاص باعتباره القانون المنظم
للعالقات ذات الطبيعة الدولية بين الذوات الخاصة و تعتبر مسألتي تنازع القوانين و االختصاص الدولي للمحاكم من ابرز المحاور
التي نظمتها مجلة القانون الدولي الخاص حيث نص الفصل 1منها انه "تحدد احكام هذه المجلة بالنسبة للعالقات الدولية
الخاصة :اوال االختصاص القضائي للمحاكم التونسية ثانيا اثار االحكام و القرارات االجنبية بالبالد التونسية ثالثا حصانة التقاضي و
".التنفيذ و رابعا القانون المنطبق
و تشهد مسالة االختصاص الدولي للمحاكم تطورا و اهتماما متزايدين نتيجة تطور نسق المعامالت االقتصادية و انصهارها في سياق
العولمة التي تعكس تزايد تفتح االسواق على بعضها البعض و تنقل السلع و الخدمات و االشخاص و تفضي في ذات الوقت الى تعدد
العالقات القانونية المدنية و التجارية الدولية ان كان ذلك متصال بجنسية احد الطرفين او بحركية االموال المتدفقة عبر الحدود او
.بإبرام العقود او تنفيذها في اكثر من مجال قانون وطني واحد
ما من شك ان تنوع العالقات الدولية و تزايدها يؤدي حتما في المقابل الى تصاعد النزاعات القضائية الدولية و تنوعها و لعل الطبيعة
الدولية للنزاع و ارتباطه بعدة انظمة قانونية من شانه ان يضاعف من التساؤل حول ضرورة تحديد المحكمة المختصة دوليا لفض
.النزاعات المدنية و التجارية التي تطرأ بين االطراف في العالقة القانونية الدولية
و يعرف الفصل 2من مجلة ال ق.د.خ العالقة الدولية الخاصة بكونها "العالقة القانونية التي تطرأ ألحد عناصرها المؤثرة على االقل
".صلة بنظام او بعدة انظمة قانونية غير النظام القانوني التونسي
حرص المشرع في اطار االحكام العامة للمجلة على تحديد المفهوم العام لدولية العالقة الخاصة و اعتباره شرطا ضروريا ال يمكن-
دون تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص و ذلك للقطع مع ما درج عليه فقه القضاء التونسي قبل صدور مجلة القانون الدولي الخاص
.و الذي عالج عددا هاما من القضايا الدولبة دون الخوض في مسالة دولية العالقة القانونية الخاصة
:تكون العالقة القانونية الخاصة ذات صبغة دولية بتحقق شرطين اساسيين-
وجود عنصر اجنبي او خارجي :وهو العنصر الذي يسمح بتالقي النظام القانوني التونسي مع نظام قانوني اجنبي على خالف1-
العالقات الداخلية التي تتجه مجمل عناصرها نحو النظام القانوني التونسي فالعالقة الدولية تتجاوز االطار الداخلي لتكون على صلة
.من خالل احد عناصرها بنظام او عدة انظمة قانونية اجنبية
الطابع المؤثر و الفعال لهذا العنصر :اختار المشرع التونسي معيار العنصر المؤثر او الفعال انطالقا من فرضية عدم كفاية2-
العنصر االجنبي إلضفاء الصبغة الدولية على العالقات القانونية الخاصة وهو معيار يقوم على انتقاء العنصر المؤثر من بين عناصر
العالقة القانونية فال يمكن ألي عنصر اجنبي ان يمنح صبغة دولية للعالقة القانونية الخاصة فهذه العالقة ال تعتبر دولية إال اذا كان
.العنصر االجنبي الذي يضعها على صلة بنظام او عدة انظمة قانونية غير النظام التونسي مؤثرا او فعاال
ان اعتبار العنصر الخارجي عنصرا مؤثرا يختلف حسب المواد فماهو مؤثر في مادة االحوال الشخصية ال يكون بالضرورة كذلك
في المادة التعاقدية و يكون العنصر االجنبي غير مؤثر عندما يكون اتصاله بالخارج ذا اهمية دنيا من ذلك العقد الذي تتجه جميع
عناصره نحو النظام القانوني التونسي ال يمكن تكييفه بدولي بمجرد انه حرر باللغة الفرنسية .ان الطابع الدولي للعالقة القانونية يجب
ان يتقرر على اساس معيار اكثر نجاعة و تتم معالجة كل عالقة على حده .و تسهر محكمة التعقيب على ان يسند قضاة االصل
.التكييف الصحيح للعالقة موضوع النزاع
يمكن ان نستنتج بالتالي ان المشرع التونسي قد اقصى من نطاق الفصل 2من مجلة ال ق.د.خ العنصر الخارجي العرضي او غير
.المؤثر
اما فيما يتعلق بمفهوم االختصاص فيمكن تقديمه بكونه صنف قانوني جامع فتتعدد اصناف االختصاص و تتنوع من حيث طبيعتها و
نظامها و من اهمها نذكر االختصاص القضائي و الدولي .لم يعرف المشرع التونسي االختصاص ككل فكان لفقه القضاء الفصل في
ذلك من خالل قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عدد 00409المؤرخ في 10ماي 2018الذي يعرف االختصاص الداخلي
في اصطالح النظام القضائي بكونه السلطة التي يخولها القانون لجهة قضائية للفصل في نزاع معين اي نطاق القضايا التي يمكن ان
تباشر فيه واليتها و حدود سلطة القضاء المعترف به لها في مواجهة المحاكم االخرى التابعة لنفس الجهة .اما بالنسبة لالختصاص
الدولي للمحاكم التونسية فيعرفه بعض الفقهاء بكونه والية المحاكم الوطنية بالنظر في النزاعات المتضمنة لعنصر اجنبي سواء تعلق
بأطرافه او بموضوعه او بالواقعة المنشئة للعالقة و تحديد هذا االختصاص خاضع لمعايير خاصة تؤخذ بعين االعتبار قبل اللجوء
الى المعايير العامة المسندة لالختصاص الحكمي و هذه المعايير تعرض لها المشرع بالقانون عدد 98المؤرخ في 27نوفمبر
1998و الذي بمقتضاه صدرت مجلة القانون الدولي الخاص في اطار السياسة التشريعية الحديثة للدولة التي تهدف الى تقنين كل
.المسائل المتعلقة بالعالقات الدولية و االخذ بأغلب المبادئ الحديثة التي يقوم عليها القانون الدولي الخاص
ان تنظيم المجلة لمسالة التنازع القضائي قد ساهم في وضع حد لكل االنتقادات التي وجهها الفقهاء في تونس الى القانون القديم عبر
احكام الفصل 2من م م م ت المتعلق باالختصاص الدولي للمحاكم التونسية او الفصول من 317الى 321المتعلقة باكساء االحكام
االجنبية بالصبغة التنفيذية .و تجد القواعد المتعلقة باالختصاص الدولي مصدرها في نصوص متفرق اهمها ما ورد بالفصول من 3
.الى 10و من 19الى 22من مجلة الق.د.خ و كذلك احكام الفصل 106من مجلة التجارة البحرية
و من اهم المصادر الدولية نذكر الفصل 21من اتفاقية هامبورغ المؤرخة في 1978-03-30المتعلقة بالنقل البحري
للبضائع،الفصول من 33الى 36من اتفاقية التعاون القضائي بين دول اتحاد المغرب العربي المبرمة في ليبيا في 9و 10مارس
1991و في نفس االطار نضيف االحكام المتعلقة بالحصانة القضائية المضمنة في اتفاقية جونيف المؤرخة في 1961-04-18
المتعلقة بالعالقات الدبلوماسية و اتفاقية فيينا المؤرخة في 1963-04-24حول العالقات القنصلية و االتفاقية التونسية الفرنسية
.المبرمة في 28جوان 1972
و في بدء الحديث في مسالة االختصاص الدولي للمحاكم التونسية ال بد من االشارة الى انه ال مجال لطرح هذا الموضوع بعنوان
تنازع االختصاص بين المحاكم التونسية و المحاكم االجنبية على النحو الذي يتم اعتماده في مجال التنازع الدولي للقوانين .اذ ال
وجود من الناحية القانونية الي تنازع بين المحاكم التونسية و المحاكم االجنبية فالقاضي التونسي ال يهتم عند اثارة اية دعوى قضائية
دولية امامه وال يتساءل اال عن مدى اختصاصه هو للنظر في النزاع و االمر يرجع الى العالقة الوثيقة ما بين مسألة االختصاص
القضائي و القانون العام فالقانون التونسي ال يختص في تحديد مجال اختصاص المحاكم االجنبية مما يرجع بالنظر الى قانونها
الوطني الذي احدثها و حدد مجال تدخلها و في المقابل فان القاضي التونسي مادام ال غير مختص لتحديد مجال اختصاص القاضي
االجنبي فهو ال يستشير سوى قانونه الوطني لمعرفة مدى اختصاصه للنظر في النزاعات القائمة امامه .و لعل ما يثير االهتمام في
مجال االختصاص الدولي للمحاكم تلك النظرة الجديدة التي تبناها المشرع و التي تعكس اهمية المسالة بوصفها مسالة اولية ترتقي عن
كونها مجرد مسالة اجرائية ال دخل لها بأصل النزاع .فتحديد القانون المنطبق لفصل النزاع في االصل يتوقف عن وجود هيئة
قضائية مختصة لذلك سعت جل القوانين الى تنظيم قواعد االختصاص الدولي لمحاكمها .و بالرغم من ان القانون الدولي الخاص يقوم
من اصله على التفرقة بين االختصاص الدولي للمحاكم و االختصاص الدولي القانوني فال بد ان نؤكد على العالقة الوثيقة ما بين
المسألتين و مدى تأثير مسالة القاضي المختص على مآل مسالة القانون المنطبق فالقاضي يحسم مسالة اختصاصه قبل الخوض في
مسالة القانون المختص بمقتضى قواعد التنازع التي يمكن ان تفضي الى عدم التطابق بين اختصاص القاضي التونسي مع قانونه
الوطني .اذ يمكن للقاضي التونسي ان يبت في النزاع طبقا لقانون اجنبي تعينه قواعد التنازع الوطني و يعد ذلك من اهم خاصيات
.القانون الدولي الخاص
و تتصف قواعد التنازع بطبيعتها الوطنية البحتة في غياب قواعد متفق عليها دوليا فان تحديد المحكمة المختصة دوليا سيؤثر حتما
قي تحديد القانون المختص ذاته و في مآل القضية من حيث االصل و ما من شك ايضا ان هذا التأثير المباشر لقواعد االختصاص
القضائي على قواعد االختصاص القانوني يزداد وزنا بالنظر الى تدخل عدة اليات ذات التأثير المباشر على الحلول المتضمنة في
قواعد التنازع مثال ذلك الدفع بالنظام العام التي تقتضي استبعاد القانون االجنبي على معنى الفصل 36من م ق د خ و تدخل القوانين
ذات التطبيق المباشر (قانون الضبط) على معنى الفصل 38من م ق د خ و الرد او االحالة اذا نص القانون على قبوله "الفصل
35".
من جهة أخرى تتميز قواعد االختصاص الدولي بكونها قواعد مادية احادية خالفا لقواعد تنازع القوانين التي هي قواعد تنازعية
ثنائية و القاعدة المادية هي التي تحدد مجال انطباقها بصورة احادية ففي ميدان االختصاص تكتفي القاعدة بتحديد ميدان اختصاص
المحكمة الوطنية المتعهدة بالنزاع دون منح االختصاص لهيئة اجنبية اخرى و يمكن تبرير الطبيعة المادية لقواعد االختصاص بكون
.القضاء هو مرفق عام يخضع للسيادة و ال يمكن لدولة ما ان تحدد اختصاص محكمة تخضع لسيادة دولة اخرى
و تثير مسألة االختصاص الدولي للمحاكم من ناحية اخرى االشكال المتعلق بعالقته باالختصاص المحلي و ال بد من التاكيد هنا ان
قواعد االختصاص الدولي تختلف عن قواعد االختصاص المحلي من حيث الميدان فقواعد االختصاص الدولي تبحث عن مدى
اختصاص النظام القضائي باكمله من عدمه اما قواعد االختصاص المحلي فهي تبحث عن المحكمة المختصة بذاتها داخل التنظيم
القضائي بأكمله لذلك تم اعتبار ان قواعد االختصاص الدولي هي قواعد اختصاص عامة اما قواعد االختصاص المحلي فهي قواعد
.اختصاص خاصة
االشكال التالي الذي يطرح يتعلق بمعرفة طبيعة قواعد االختصاص الدولي هل هي قواعد حكمية ام ترابية؟-
ان قواعد االختصاص تنقسم الى قسمين :يتعلق القسم االول باالختصاص الحكمي و يهم النظام العام و ال يمكن االتفاق على خالفها و
تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها .القسم الثاني من القواعد يتعلق باالختصاص الترابي و تهم مصلحة الخصوم و ال تثيرها المحكمة من
:تلقاء نفسها و يمكن االتفاق على خالفها .ولقد اختلف الفقهاء حول هذه الطبيعة بقواعد االختصاص الدولي
الموقف االول:اعتبر ان قواعد االختصاص الدولي هي قواعد حكمية امرة تهم النظام العام و ال يمكن االتفاق على خالفها ضرورة*
انها تتولى ضبط والية المحاكم الوطنية بالنزاعات الدولية بالنظر لغيرها من المحاكم االجنبية .فالمشرع عندما يقر قاعدة اختصاص
محاكمه يكون قد وزع االختصاص مع المحاكم االجنبية ثم بعد ذلك يوزع االختصاص بين المحاكم الوطنية على اساس قواعد
االختصاص الترابي .و لقد اعتمد فقه القضاء هذا المنحى و ورد بحيثيات احد القرارات التعقيبية انه "اذا كان مطلب الطالق مؤسسا
على عقد زواج ابرم بين طرفين بالجمهورية التونسية فالنظر فيه يكون للمحاكم التونسية مهما كانت جنسية الزوجين عمال بالفقرة 4
من م م م ت و هذا االختصاص الحكمي يهم النظام العام و مرتبط بسيادة البالد و كل اتفاق يخالفه يكون باطال مطلقا" قرار تعقيبي
.عدد 20 .2868فيفري 1964نشرية محكمة التعقيب 1964ص 9
.إال ان هذا الرأي تعرض للنقد باعتبار ان تحديد االختصاص الدولي لمحاكم دولة ما ال يؤدي الى توزيع في االختصاص
الموقف الثاني:يعتبرها من قبيل القواعد الترابية التي تهم مصلحة الخصوم ذلك ان نفس المعايير الترابية المعمول بها في*
االختصاص الترابي (مقر المطلوب )...تم االخذ بها لتحديد االختصاص الدولي اال ان هذا الرأي تم نقده الن المشرع عندما يحدد
االختصاص الدولي و لو انه يؤسس ذلك على معايير ترابية فانه ال يحدد اختصاص محكمة بذاتها بل تنظيم قضائي بأكمله و بالتالي
فليس هناك اي تقسيم ترابي في االختصاص الدولي حتى ولو اعتمد المشرع على معايير غير ترابية و من جهة اخرى اقتضى
الفصل 10من م ق د خ انه "يجب اثارة الدفع بعدم اختصاص المحاكم التونسية قبل الخوض في االصل" .يكرس هذا الفصل قاعدة
كالسيكية في مادة االجراءات مفادها ان من وقع استدعاءه امام المحاكم التونسية في نزاع دولي و اعتبر ان هاته المحاكم غير
.مختصة فانه يعتبر موافقا على اختصاصها اذا اجاب في االصل
اما اذا اراد المنازعة في االختصاص فان عليه اثارة الدفع بعدم اختصاص هذه المحاكم قبل الخوض في االصل و هذا النظام القانوني
هو نفسه نظام االختصاص الترابي بدليل ان الفصل 18من م م م ت اقتضى انه "من تم القيام عليه امام محكمة لها نفس درجة
المحكمة المختصة ترابيا يمكنه الدفع بعدم االختصاص قبل الدفاع في االصل و إال استهدف طلبه بعدم القبول" .و بالتالي فان مسألة
االختصاص الدولي للمحاكم تهم مصلحة الخصوم و ان التكييف يتجلى من النظام القانوني للقاعدة االجرائية و هذا ما اكدت عليه
محكمة التعقيب في قرارها عدد 16 ،3823ديسمبر " 2004ال موجب إلحالة الملف على النيابة العمومية اذا تم الدفع بعدم
".االختصاص الدولي الن االمر يتعلق باالختصاص الترابي
اعتبارا لكل ما ذكر يجب ان نشير الى وجود نوع من االتفاق الفقهي على اعتبار ان القاعدة الموجودة بالفصل 10تمثل المبدأ و ان
هذا المبدأ يعرف استثناء اذ يجب على المحكمة ان ترفض اختصاصها و لو من تلقاء نفسها و مهما كانت درجة التقاضي "اذا كان
موضوع النزاع حقا عينيا متعلقا بعقار كائن خارج البالد التونسي" و يرجع ذلك لعدم امكان االتفاق على اختصاص المحاكم التونسية
.في هذا المادة
الموقف القالق:وهو موقف توفيقي يعتبر ان قواعد االختصاص الدولي المطلق هي قواعد آمرة و تهم النظام العام و ال يمكن االتفاق*
على مخالفتها (دعاوى الجنسية،الدعاوى التي موضوعها عقار،طرق التنفيذ،اجراءات جماعية) في حين ان القواعد المتعلقة
باالختصاص العادي يمكن االتفاق على خالفها و الدفع بعدم انطباقها قبل الخوض في االصل و بذلك يكون االختصاص الدولي
للمحاكم هو اختصاص مستقل يستمد طبيعته من نفسه .و يمكن ان نعتبر ان قواعد االختصاص الدولي لها طبيعة خاصة خاصة
تختلف عن طبيعة قواعد االختصاص الداخلي و من المنطق ان نفسح المجال للسلطة التقديرية لقضاة االصل بهذا الخصوص و يمكن
لهم اثارة عدم اختصاص المحاكم التونسية اذا تبين ان االقرار بعدم االختصاص يؤدي الى احترام سيادة الدولة االجنبية و يمكن من
.عدم النطق بأحكام لن يكون لها نفاذ
الجزء االول :النظام العام لالختصاص الدولي للمحاكم التونسي :يتضمن االحكام المتعلقة بالنزاعات الدولية اطرافها اشخاص
.طبيعيين او معنويين
عندما يكون النزاع دوليا فان القاضي التونسي ال يمكنه النظر فيه إال بعد التأكد من اختصاصه الدولي بالنظر الى القواعد المكرسة
في هذا الخصوص من طرف النظام القانوني التونسي .و بصفة عامة فان حاالت االختصاص الدولي للمحاكم التونسية تخضع الى
احكام الفصول من 3الى 10من م ق د خ التي عوضت نص الفصل 2من م م م ت و يجب االشارة الى ان القواعد المضمنة
بالفصول االتي بيانها تنقسم الى نوعين :من جهة نجد القواعد التي تمكن القاضي التونسي من االختصاص المطلق للنظر في بعض
النزاعات و هي حاالت تهم النظام العام و من جهة اخرى نجد القواعد التي ال تعترف للقاضي التونسي إال باالختصاص الممكن او
االحتمالي في بقية النزاعات كأن يوجد نزاع دولي يفضي الى تنافس بين عدة نظم قانونية دولية و يقرر المدعي بإرادته رفع الدعوى
.لدى المحاكم التونسية
و في خارج اطار فرضيات االختصاص المفروض فانه يمكن تبرير اختصاص المحاكم التونسية باختيار المدعي .هذا االختصاص
االخير ممكن اذا مثلت النزاعات ارتباطا اقليميا بالنظام القانوني التونسي لكن في بعض االحيان يمكن للمحاكم التونسية النظر في
نزاعات دولية تعرض عليها دون وجود ارتباط اقليمي مع النظام القانوني الوطني .وهي الصورة التي يقرر فيها طرفا النزاع بموجب
.اتفاق بينهما بإسناد االختصاص للمحاكم التونسية و يجد االختصاص سنده في هذه الحالة في ارادة طرفي النزاع
بالتمعن باألحكام الواردة ضمن الفصول من 3الى 10نتبين ان المشرع التونسي اعتمد في توزيع االختصاص على صنفين من
.ألمعايير معايير موضوعية و اخرى ذاتية
و يقصد بالمعايير الموضوعية لتوطين او ضبط النزاعات الدولية المعايير التي تضمن حسن سير القضاء كمعيار وجود العقار او
مكان حصول الفعل الضار او الضرر و المحاكمة العادلة كمعيار مقر المطلوب قصد انصافه او محكمة او محكمة مكان وجود
.القاصر و كذلك محكمة مقر الطالب حماية للدائن بالنفقة
اما المعايير الذاتية إلسناد االختصاص القضائي فهي تتمحور حول االرادة او بمعنى ادق حرية االرادة في توزيع االختصاص الدولي
.ما عدا االختصاص االقصائي
اذا تعلق النزاع بنظام او بعدة انظمة قانونية غير النظام القانوني التونسي فانه يمكن للمتقاضين مبدئيا الخيار حسب ارادتهم رفع
النزاع امام محاكم دولية اجنبية طرف في العالقة المعنية شرط ان يعترف النظام االجنبي المعني باألمر بإمكانية النظر في النزاع
لهذه المحاكم .لكن مبدأ اختيار المحكمة المختصة دوليا يعرف في المقابل قيدا هاما اذا تضمن الخيار خطر اهمال مصالح ذات صبغة
اساسية يضمنها النظام التونسي للقانون الدولي الخاص اذ نجد في هذه الحالة مصالح مهيمنة بالنسبة للنظام القانوني التونسي الذي
.يريد التكفل بها و لذلك فانه سيؤكد االختصاص المطلق لمحاكمه للنظر في هذه المسائل
و المقصود باالختصاص الدولي المطلق للمحاكم التونسية ان المحاكم التونسية وحدها هي المختصة بالنظر في النزاع فان امكن
لألطراف نظريا االبتعاد عن هذا االختصاص و ذلك بتعهيد نظام قضائي اجنبي فانه تطبيقيا ال يكون هنالك اي اثر للحكم الصادر من
.طرف المحاكم االجنبية في تونس
ان عدم احترام المتقاضين للقواعد المتعلقة باالختصاص الدولي المطلق للمحاكم التونسية يمثل عائقا للنظام القانوني التونسي لقبول
اي حكم صادر في دولة اجنبية و في هذا االطار ينص الفصل 11من م ق د خ فقرة اولى على انه "ال يؤذن بتنفيذ القرارات
".القضائية االجنبية:اذا كان موضوع النزاع من اختصاص المحاكم التونسية دون سواها
.اذا كان موضوع الدعوى يتعلق بإسناد الجنسية التونسية او اكتسابها او فقدانها او سحبها او اسقاطها
اذا كان موضوع الدعوى طلب اجراء تحفظي او تنفيذي بالبالد التونسية و يستهدف ماال موجودا بها
ما يمكن مالحظته ان هذا النص قد جدد مقارنة بالقانون السابق الذي اكتفى بمجرد اشارة عرضية لالختصاص الدولي االقصائي
للمحاكم التونسية .يكمن التجديد مبدئيا على مستوى االحكام المتعلقة بمفهوم االختصاص المطلق التي وردت منفصلة شكليا عن
.االحكام المتعلقة باالختصاص الممكن للمحاكم التونسية اي ان المشرع افردها بنص خاص بها
اما على مستوى الموضوع فقد جدد المشرع بتحديد مختلف حاالت االختصاص االقصائي اذ يتضمن الفصل 8الئحة لمختلف
الفرضيات التي يقصي فيها اختصاص المحاكم التونسية كل منافسة ألي نظام قانوني اجنبي .و تتميز هذه الالئحة بمرونتها ففي حين
تحدد الفقرات ال 4االولى بدقة حاالت االختصاص الدولي االقصائي للمحاكم التونسية فان الفقرة االخيرة تفتح المجال لتكريس حاالت
اختصاص مطلق لم يتضمنها الفصل 8المذكور و تتمثل في الحاالت التي يمنح فيها نص خاص االختصاص االقصائي للمحاكم
التونسية و بالتالي فان الحاالت التي اقرها المشرع هي حاالت وردت على سبيل الذكر ال على سبيل الحصر .فهذه الحاالت ليست
سوى امثلة و بالتالي امكن تصور حاالت اخرى وهو الذي ادى بالمشرع الى اسناد اختصاص اقصائي للمحاكم التونسية عند وجود
نص خاص يقر بها لذلك كان من الممكن ابقاء الباب مفتوحا في مجال حاالت االختصاص االقصائي مع امكانية حصره بمعايير
.محددة مسبقا تبقى خاضعة الجتهاد القضاء
هي الفرضيات المنصوص عليها بالفصل 8بالتحديد بالفقرات االولى الى الرابعة و في هذه الحاالت يتأسس االختصاص االقصائي
.على فكرة السيادة و كذلك على ضمان ادارة جيدة للقضاء او حسن سير مرفق القضاء
تمثل فكرة السيادة بالنسبة للدولة قيمة جوهرية ال مساومة فيها و خطا احمرا تسقط امامه كل االعتبارات االخرى حيث انه يؤدي
مساس مجال ما بسيادة الدولة الى ضرورة التعامل مع هذا المجال بحساسية تأخذ في االعتبار متطلبات السيادة الوطنية و ما تمليه من
استئثار الدولة لممارسة االعمال السيادية على اقليمها الوطني و احتكار قضائها لصالحية مراقبة هذه االعمال .و من بين احكام
الفصل 8نذكر فرضيتين لالختصاص االقصائي تجد تبريرها في اعتبارات مرتبطة بسيادة الدولة التونسية وهي حاالت االختصاص
.المتعلقة بنزاعات الجنسية التونسية و الدعاوى المتعلقة بطلب اجراء تحفظي او تنفيذي على التراب التونسي
يمكن ان تكون الجنسية التونسية احيانا موضوع نزاع سواء تعلق االمر بإسنادها او فقدانها او سحبها او اسقاطها و باعتبار ان مسالة
الجنسية تمس جوهر سيادة كل دولة فأنها ال يمكن ان تترك الختصاص محاكم اجنبية حيث يعود للدولة التونسية حصريا تحديد
مواطنيها وفقا لمعاييرها الخاصة و بالتالي تكون المحاكم التونسية وحدها مختصة إلقرار تمتع الشخص المعني بالجنسية التونسية من
عدمه و يستبعد تدخل اي قضاء اجنبي في هذه العملية باعتبار ان تدخل هيئة قضائية اجنبية من شأنه أن يؤدي الى اضطراب في
ممارسة السيادة و التي تتمثل بالنسبة لكل دولة في حرية تحديد مواطنيها وفقا لمعاييرها الخاصة .و بالتالي فان القانون التونسي وحده
.المنطبق في خصوص مسائل السيادة مما يحقق وحدة بين االختصاصين التشريعي و القضائي
و هذا التوجه مطابق للقانون الدولي العام و للطبيعة القانونية للجنسية التي تمثل العالقة القانونية المؤسسة على االعتبارات السياسية و
.االجتماعية الرابطة بين الفرد و الوطن
ان هذا التبرير الذي يبدو منطقيا و متماشيا مع فلسفة القانونين الدولي الخاص و العام لم يقنع بعض الفقهاء الذين اعتبروا من جهة ان
االقرار باختصاص اقصائي للمحاكم التونسية و بالنسبة للجنسية مصطنع وال مبرر له و ذلك الن الجنسية تهم القانون الدولي العام ال
.الخاص وال مجال إلدماجها في م ق د خ
و من جهة اخرى ان اختصاص الدولة لتحديد مواطنيها مسالة تهم القانون المنطبق ال اختصاص المحاكم التي ال يمكن ان تتعهد
بمسالة الجنسية إال بصفة ثانوية طبقا للفصل 48و ما يليه من مجلة الجنسية الذي ال يتطرق الختصاص المحاكم التونسية اال في
.خصوص النزاعات المتعلقة بالجنسية التونسية