Professional Documents
Culture Documents
قواعد االسناد ودورها في التنازع ,وكيفية اثبات وتفسير القانون االجنبي في تنازع
القوانين
إن ه من الث ابت في فق ه الق انون ال دولي الخ اص أن ه ذا الق انون إرتب ط وج وده بظ اهرة الح دود
السياسية واإلجتماعية فهو يقوم على إفتراض إنقسام المجتمع الدولي إلى عدة دول ذات حدود
إقليمي ة تميزه ا عن غيره ا ،ولك ل منه ا نظامه ا الق انوني المس تقل ثم نش وء عالق ات ورواب ط
متبادل ة إقتص ادية وإ جتماعي ة بين أف راد ك ل منه ا :وق د أض حت تل ك العالق ات ال تي تنم و ع بر
ح دود ال دول من مع الم المجتم ع ال دولي المعاص ر بع دما إرتبطت ال دول بمص الح م ع ال دول
األخ رى وعن دها لج أت ك ل دول ة إلى س ن تش ريع يطب ق على إقليمه ا س واء بالنس بة للعالق ات
الوطني ة أو بالنس بة للعالق ات ذات العنص ر األجن بي وعن طري ق قواع د اإلس ناد يمكنن ا معرف ة
الق انون ال واجب التط بيق على المنازع ة ذات العنص ر األجن بي أه و الق انون الوط ني أم الق انون
األجنبي .
فسابقا لم يكن من المتصور قيام أي تنازع بين القوانين طالما كان القاضي الوطني يقتصر
على تطبيق قانونه على مايعرض عليه من منازعات ذي طابع دولي ,اذ ان محاكم كل دولة لم
تكن تطبق سوى قانونها على كل مايعرض عليها من منازعات .
كما انه لم يكن من المتصور ايضا" قيام أي تنازع بين القوانين طالما كان التالزم متحققا" بين
المحكمة المختصة والقانون الذي يحكم النزاع ,ذلك أن المبدأ الذي ساد ولمدد هو إن جميع
القوانين تعتبر عينية أي اقليمية وهي تطبق على جميع االشخاص وجميع االشياء الكائنة في
االقليم .
وبهذا الوصف فأن قانون المحكمة التي تنظر النزاع او قانون القاضي كان يتمتع بمكانة
مرموقة ومتميزة فال يخضع لمنافسة من أي قانون اجنبي .
غير أن ازدياد الحاجة للتعامل بين الدول وتعذر بقاء المجتمعات الوطنية في معزل بعضها
عن بعض من الناحية االقتصادية واالجتماعية أدى الى استحالة استمرار التالزم بين
االختصاص القضائي والقانون الذي يحكم المسألة الخاصة ذات الطابع الدولي وأصبح من
الضروري احيانا" السماح بتطبيق القاضي الوطني لقانون غير قانون دولته ,ذلك انه لو
تمسكت كل دولة بأخضاع جميع العالقات الخاصه ذات الطابع الدولي – أي تلك التي تتصل
بعض عناصرها بنظم قانونية أجنبية لقانونها الوطني أسوة بالعالقات الوطنية البحتة ألدى ذلك
الى امكان عدم اعتراف النظم القانونية األخرى بهذه العالقات والى ارباك المعامالت الدولية
وشل الحياة االقتصادية واالجتماعية في المجتمع الدولي .
ومع ظهور المنهج التقليدي في تنازع القوانين القائم على قاعدة التنازع المتعدية التي وصفت
من بعضهم بأنها قواعد عمياء النها تحدد القانون الواجب التطبيق بصرف النظر عن مضمون
هذا القانون ،أو آثار تطبيقه على النزاع ,ودون اهتمام باالهداف السياسية واالجتماعية
واالقتصادية التي يسعى المشرع الى تحقيقها فأن قانون القاضي المعروض عليه النزاع
اليستطيع االنفراد بحكم موضوع العالقة ,اذ قد تكون العالقة اكثر ارتباطاً بأحد القوانين
االخرى المتصلة بها عن طريق أي عنصر من عناصرها .
هكذا صار باالمكان تطبيق القانون االجنبي وفقا" لماتقرره قاعدة االسناد في التشريع الوطني
ولم يعد قانون القاضي ينفرد بتلك الخصوصية .
وهكذا اختلف مركز قانون القاضي في حكم المنازعات المشتملة على عنصر اجنبي,غير انه
لم يفقد سطوته بالكامل فقد ظل يتمتع ببعض الحاالت التي ينطبق فيها بصورة اصلية ودون
أي منافسة أو مزاحمة من أي قانون أجنبي .
وذلك كان من خالل صياغة مناهج تقوم احياناً على اللجوء للقواعد الموضوعية لحل المشاكل
التي تثيرها العالقات الخاصة الدولية وفي احيان أخرى تقوم على تطبيق بعض القوانين تطبيقاً
مباشراً ,أو الركون الى قاعدة تنازع انفرادية وكان ذلك كله بمثابة رد فعل من بعضهم لعدم
احيانا الى نتائج غير مرضية .
ً كفاية المنهج التقليدي في تنازع القوانين الذي يؤدي
فعندما تشير قاعدة اإلسناد إلى تطبيق القانون الوطني فإن هذا األخير هو الواجب التطبيق ،أما
إذا ك ان الق انون المش ار إلي ه قانون ا أجنبي ا ف إلى أي م دى يل تزم القاض ي بتطبيق ه وه ل القاض ي
الوط ني يبحث عن ه ذا الق انون من تلق اء نفس ه أم يت وجب على الخص وم إثب ات مض مون ه ذا
القانون وهل يخضع القاضي وهو بصدد تطبيقه وتفسيره لهذا القانون الذي أشارت إليه قاعدة
اإلس ناد لرقاب ة المحكم ة ،وه ل يع د الق انون األجن بي قانون ا ويظ ل محتفظ ا بطبيعت ه ب الرغم من
تجاوزه للحدود اإلقليمية للدولة التي سنته أم أنه يعتبر مجرد وقائع يتعين على الخصوم إثباتها
وتقديم الدليل حول مضمون هذه القواعد ؟
واجابة هذه التساؤالت هي مجال بحثنا في هذا الفصل.
ان اصطالح "تنازع القوانين" يجب ان ال يحمل على معناه الحرفي وهو المفاض لة بين القوانين
وغلب ة اح دها على االخ ر وف وزه بحكم العالق ة ،ذل ك الن واق ع االم ر ه و عملي ة اختي ار انس ب
الق وانين لحكم العالق ة القانوني ة ،وهي مفاض لة يجريه ا المش روع الوط ني بحيث اذا م ا اقتن ع
بأفضلية قانون أجنبي لحكم عالقة معينة افسح له المجال ونحى جانبا القانون الوطني.
وانين ق الق طلح "تناس تعمال مص راح اس ترح بعض الش ذا اق وله
."Harmony of Lawsوذل ك ب دال عن اص طالح تن ازع الق وانين ،كم ا ذهب بعض هم اآلخ ر
إلى إق تراح اص طالح "س لطان الق انون من حيث المك ان" ،غ ير ان بعض هم يمي ل إلى إس تعمال
تعب ير الق انون االنس ب للعالق ة ،ذل ك ان لفظ ة تن ازع الق وانين (حس ب رأيهم) ت وحي ب ان ه ذه
الق وانين تتناض ل وتتص ارع لحكم العالق ة في حين ان اس تقرار المع امالت في المج ال ال دولي
وإ ض طرادها ال يتحق ق باختي ار انس ب الق وانين وأكثره ا انس جاما م ع ن وع العالق ة ذات الط ابع
ال دولي ومن ثم فان ه يتعين المفاض لة بين مختل ف الق وانين ال تي تتص ل بالعالق ة لالهت داء الى
الق انون االص لح لحكم العالق ة رغم ان ه ذه المفاض لة ق د ت ؤدي الى اختي ار ق انون اجن بي لحكم
العالقة كما تؤدي إلى اختيار القانون الوطني.
ان مشكلة تنازع القوانين تختلف عن أي مشكلة قانونية اخرى من حيث ان السؤال الذي يدور
البحث عن جواب له في صدد أي نزاع يثور في الفروع القانونية كافة يكون عن حكم القانون
في هذا النزاع فإذا ما انتقلنا الى مجال تنازع القوانين لوجدنا السؤال مختلفا فهو لم يعد يدور
حول حكم القانون في النزاع ،ولكنه يدور عن أي قانون يحكم النزاع.
ان مج ال تن ازع القوانين يتح دد بالمس ائل ذات العنص ر االجنبي ف إذا م ا وج دت مس الة تنطوي
على عنصر أجنبي ،مثل زواج بين عراقي وفرنسية ،أو عقد ابرم في اس بانيا بين عراقيين
هن ا يث ور التس اؤل عن الق انون ال ذي يحكم ك ل ه ذه المس ائل اذا م ا ع رض ن زاع بش أنها إم ام
القض اء دون البحث عن القواع د الموض وعية ال تي من ش انها ح ل ه ذا ال نزاع طالم ا بقين ا في
اطار الوسيلة التقليدية لحل مشكلة تنازع القوانين فإذا طلبت الزوجة االجنبية الحكم لها بالنفقة
على زوجها الوطني فهذا هو مجال تنازع القوانين،ووفق ًا للنظرة التقليدية ال يعنينا أساس ًا ما
إذا ك انت ألزوج ه تس تحق نفق ة أو ال تس تحق ،وإ نم ا يعنين ا أساس ا معرف ة الق انون ال ذي يتعين
الرجوع اليه للفصل في مسالة استحقاق النفقة.
نشأة قواعد تنازع القوانين وتطورها التاريخي
يرج ع التنظيم لقواع د تن ازع الق وانين في التش ريعات الالتيني ة الى الق رن الث الث عش ر من
الميالد ،إذ اخ ذ بعض الفقه اء االيط اليين يبحث ون عن حل ول لم ا ك ان ينش أ من تن ازع بين
التشريعات المختلفة التي كانت سارية في ايطاليا لوجود مدن مختلفة يطبق في كل منها قانون
خ اص ،وق د اخ رجت ابح اث االيط اليين في ذل ك ال وقت نظري ة اطل ق عليه ا تعب ير "نظري ة
االحوال".
وكلم ة األح وال Statusك انت تع ني اول االم ر الق وانين الخاص ة في ك ل مدين ة من الم دن
االيطالي ة وهي ال تي ك ان يقابله ا من جه ة اخ رى التش ريع الع ام لش مال ايطالي ا والمقص ود ب ه
الق انون الروم اني ال ذي ك ان يع بر عن ه اوال بلف ظ ق انون Lexثم اص بحت كلم ة اح وال مماثل ة
لكلم ة ق انون ،وص ار يع بر عن الق وانين ال تي موض وعها االش خاص تعب ير ق انون االح وال
الشخص ية ،Status personsويع بر عن الق وانين ال تي موض وعها االش ياء تعب ير ق وانين
االحوال العينية ،لذلك سميت النظرية التي تبحث عن حلول لتنازع القوانين الشخصية والعينية
بنظري ة االح وال او الق وانين ،وك ان اول من خ اض غم ار ه ذا الموض وع وكتب في نظري ة
االحوال االستاذ بارتولس )، Bartolus (1314-1357إذ يرى أن القاعدة العامة هي ان جميع
القوانين تعد مبدئيا إنها عينية وذلك الن النظام االقطاعي قد جعلها كذلك ،وان هناك استثناءات
يكون فيها القانون شخصيا فاألحوال العينية تطبق على جميع االشخاص وجميع االشياء الكائنة
في االقليم ،واألحوال الشخصية تطبق فقط على االشخاص المتوطنين في االقليم ،ولكنها تطبق
عليهم بوساطة محاكم أي مدينة اخرى اذا رفعت فيها القضية ،بمعنى انها تتبع الشخص حيثما
توجه(.)1
إن أهم النظري ات الحديث ة في الق رن التاس ع عش ر والق رن العش رين تق وم ام ا على م ذهب
شخصية القوانين فتعد األصل في القوانين ان تكون شخصية ،واما على مذهب وسط يقضي
بالجمع بين شخصية القوانين وبين إقليمها ،إما المذهب القائل بان االصل في القوانين ان تكون
اقليمية وان تطبيق القوانين الشخصية ليس مجاملة كما ترمي الى ذلك النظرية الهولندية فليس
ل ه اث ر اال في البالد االنكلوسكس ونية ،مث ل بريطاني ا وأمريك ا الش مالية حيث انتقلت النظري ة
الهولندية ،ولكن تطورت هذه النظرية حتى في هذه البالد واخذ كبار الكتاب االنكليز ،مثل:
وستيلك ، Westlakeودايسي Diecyيقررون ان تطبيق القوانين ليس مجرد مجاملة يمكن
مراعاتها او غض الطرف عنها.
فيق ول وس تيلك "إن المجامل##ة ال##تي ت##دعو الى تط##بيق ق##انون اجن##بي ال تف##ترق في الواق##ع عن
التزام قانوني يقضي به العدل " .ويق ول دايس ي "ان ه اذا قص د بعب ارة المجامل ة ال تي يق وم على
اساس ها تط بيق الق وانين االجنبي ة في بل د من البالد ف ان ه ذا التط بيق ال يحص ل إال ب أذن من
الس لطة ذات الس يادة في ه ذا البل د فه ذه حقيق ة واقع ة ،ام ا اذا قص د بالمجامل ة ان القض اء
االنجل يزي عن دما يطب ق الق انون الفرنسي انم ا يجام ل في ذل ك جمهوري ة فرنس ا ففي ذلك خلط
كبير الن تطبيق قانون اجنبي ليس متروكا للهوى او االختيار ،وليس ناشئا عن رغبة السلطة
ذات الس يادة في انجل ترا او في أي بل د ان تجام ل ال دول االخ رى إنم ا ه و ناش ئ عن إس تحالة
تنظيم عدد كبير من القضايا بطريق آخر دون أن يظلم المتقاضون ويضارون سواء كانوا من
الوطنيين أم من االجانب".
إن تنازع القوانين ال يبرر بشكله الواضح إال في حالة ما إذا كانت العالقة القانونية موضوع
دع وى تط رح ام ام المح اكم للبت فيه ا عن طري ق الق انون المختص عليه ا ،ولكن م ع ذل ك ف ان
() مثال يرى بارتول ان االحوال تكون شخصية اذا كان القانون يتكلم عن األشخاص وتكون عينية اذا 1
تكلم عن االموال فإذا جاء النص على ان "الولد االكبر يرث كل التركة" فهو من االحوال الشخصية بعكس
اذا جاء النص على ان "اموال الميت تؤول الى الولد االكبر" فانه يكون من االحوال العينية .وهذا غير
مقبول الن النصين بمعنى واحد فال يتغير الحكم لمجرد االبتداء بالشخص او بالمال بل العبرة بالمعنى.
التنازع قائم منذ اللحظة التي تنشا فيها العالق ة القانونية ،ألنه بنشوئها وتكونه ا يتطلب تحديد
الق انون ال ذي يحكم وض عها من الناحي ة الش كلية والموض وعية ،وتحدي د ه ذا الق انون يث ير من ذ
االبتداء التزاحم والتنافس بين قوانين الدول التي يعنيها األمر.
وال يظهر التنازع إال إذا قبل المشرع الوطني مبدأ احتمال تطبيق القانون االجنبي في حاالت
خاصة معينة يشار إليها من قبله في قواعد االسناد .والمشرع الوطني يقوم عادة في كل دولة
بما يضعه من قواعد تنازع القوانين بتفضيل احد القوانين المتنازعة بإعطائه االختص اص ،وق د
يكون هذا التفضيل الى القانون الوطني او لقانون اجنبي يرى انه أصلح لحكم هذه العالقة.
إن قواعد اإلسناد وهي عصب منهجية تنازع القوانين تختلف في طبيعتها بصورة جذرية عن
القواع د القانوني ة ،فه ذه االخ يرة انم ا تح دد مباش رة الحكم او الح ل الموض وعي ال واجب إنزال ه
على العالق ة القانوني ة مح ل البحث ول ذلك تس مى بـ "القواع د الموض وعية" بينم ا تقتص ر قواع د
االسناد على القانون الواجب التطبيق ككل دون ان تبين الحكم التفصيلي او الموضوعي الذي
ينزله هذا القانون على تلك العالقة.
لقد حاولت النظريات القديمة ،وكذلك النظريات الحديثة التي قيلت في تنازع القوانين والسيما
الق رنين التاس ع عش ر والعش رين ،إذ ظه رت حرك ة فقهي ة واس عة النط اق ت رمي الى ص ياغة
حلوال أنموذجية نادى أصحابها بتطبيقها تطبيقا عالميا واهم تلك النظريات الحديثة هي-:
نظرية األستاذ األلماني سافيني Savignyالتي تقوم على تحليل طبيعة الرابطة القانونية. .1
نظري ة االس تاذ االيط الي مانش يني Manciniوأساس ها مب دأ الجنس يات وم ا يتبع ه من .2
شخصية القوانين.
نظرية االستاذ الفرنسي بيليه Pilletوقوامها الغاية االجتماعية للقانون. .3
قواعد االسناد
اذا ما كنا امام مشكلة تنازع قوانين ،كأن تتزاحم قوانين اكثر من دولة على حكم مسالة مشتملة
على عنصر اجنبي فان السؤال الذي يعرض هنا هو عن كيفية حل هذا التنازع .وبعيدا عن
فكرة االقليمية التي سادت في مدد ماضية والتي وفقا لها كانت كل دولة تقتصر على تطبيق
قوانينها في اقليمها ،وبعد تطور العالقات الخاصة الدولية وإ مكانية تقبل دولة ما تطبيق قوانين
اجنبي ة الى ج انب قانونه ا ،فان ه يتعين إذًا لح ل ذل ك التن ازع التع رف على طبيع ة العالق ة أوًال
لتحديد القاعدة القانونية التي ثار بشأنها النزاع في دولة معينة لتخضع لقانونها ويكون ذلك عن
طريق قواعد تسمى "قواعد االسناد".
وإ ذا كانت هذه القواعد هي الطريقة االساسية لحل تنازع القوانين ،اال انه في بعض االحيان ق د
تظهر لدولة مصالح او اعتبارات خاصة تدعوها الى تطبيق قانونها في مسائل معينة وفي هذه
الحالة ال يكون هناك محل لحل النزاع وفقا لقاعدة االسناد ذلك إنها ستطبق قاعدة موضوعية.
وتط بيق ه ذه القواع د الموض وعية في مج ال العالق ات ذات الط ابع ال دولي ي اتي على س بيل
االس تثناء عوض ا عن االخ ذ بقواع د االس ناد وذل ك لوج ود مص الح ج ديرة بالحماي ة يخش ى من
المس اس به ا عن د تط بيق قواع د اجنبي ة .والقواع د الموض وعية ه ذه تك ون على ن وعين االولى
قواع د االمن الم دني والثاني ة القواع د ذات التط بيق الف وري او المباش ر .ولقاع دة االس ناد
خصائص وعناصر تتكون منها وهي تختلف عن القواعد الموض وعية من حيث االثر المترتب
على اعمالها فعلى سبيل المثال قد تحدد قاعدة االسناد حاالت تطبيق القانون الوطني في الوقت
نفسه الذي تحدد فيه حاالت تطبيق القانون االجنبي ،في حين ان القواعد الموضوعية ال تؤدي
اال لتطبيق قانون القاضي.
ووج ه االختالف االخ ر يتمث ل في مس الة جوهري ة هي معرف ة م دى ال تزام القاض ي الوط ني
بتطبيق قاعدة االسناد ،ايلتزم القاضي من تلقاء نفسه بتطبيق هذه القاعدة في جميع المنازعات
ذات الط ابع ال دولي ام ال؟ في حين ان ه ال مج ال لط رح ه ذا التس اؤل في تط بيق القواع د
الموضوعية التي يلتزم القاضي بتطبيقها مباشرة ودون تردد.
ذهب الفقيه بيليه Pilletالى وصف عملية تحديد القانون الذي يجب تطبيقه وفقا لقواعد االسناد
بانها عملية تحديد اختصاص تشريعي ،إذ ان التشريعات تتنازع فيما بينها الن لكل منها سنده
الخاص وصفته الخاصة ويفضل من بينها التشريع المتمتع باسناد وصفات اقوى وتقوم قواعد
االسناد بهذا التفضيل.
غير انه ال يمكن التصور باي حال من االحوال ان مهمة قواعد االسناد في دولة ما هي توزيع
االختص اص التش ريعي للق وانين االجنبي ة المختلف ة ،ذل ك ان الق انون ال دولي الخ اص ال يق وم
بتوزيع االختصاصات بين الدول وانما ينحصر موضوعه المباشر وفقا للفقه الحديث – ومنهم
– Savignyفي حكم العالقات ذات العنصر االجنبي بحيث تنصب قواعده على العالقة التي
تبحث عن حل قانوني ال على القانون الذي يريد ان يبسط سلطته ليحكم تلك العالقة.
ان قاعدة االسناد هي االسلوب الرئيس الذي يتم بوساطته التوصل الى حل المنازعات الخاصة
ذات الطابع الدولي وذلك عن طريق اختيار قانون معين لحكم المسالة القانونية محل النزاع.
وتعرف قواعد االسناد بانها "القواعد القانونية التي ترشد القاضي الى القانون الواجب التطبيق
على المراك ز القانوني ة ،ذات العنص ر االجن بي" .قواع د اإلس ناد إذا هي قواع د قانوني ة مهمته ا
إرش اد القاض ي وتوجيه ه الى الق انون ال واجب التط بيق ،فقواع د اإلس ناد وفق ًا له ذا المع نى هي
كم ا يص فها بعض هم بإنه ا قواع د عمي اء تكتفي بتحقي ق عدال ة ش كلية وهي إس ناد العالق ة
المطروح ة بطريقة آلي ة الى اكثر القوانين إرتباط ًا بهذه العالق ة وفق ًا للسياس ة التش ريعية لدولة
القاض ي.مث ال على ذل ك اس ناد اث ار ال زواج في الع راق لق انون جنس ية ال زوج (م 19/م دني
عراقي) يتضح من هذا ان لقواعد االسناد تركيبة وطبيعة مختلفتين عن سائر القواعد القانونية.
فاإلسناد عملية تأتي بعد عملية التكييف وهو كما قلنا عملية البحث عن القانون الواجب التطبيق
أي أس ناد حكمه ا إلى الق انون ال ذي يجب أن تخض ع ل ه .ولكي نتمكن من الخ وض أك ثر في
اإلس ناد وقواع ده الب د من ط رح اإلش كالية اآلتي ة:م اهي عناص ر اإلس ناد ؟ وم اهي خص ائص
ومميزات هذه القواعد ؟
هي عبارة عن قاعدة قانونية يضعها المشرع الوطني هدفها إرشاد القاضي الى القانون الواجب
التطبيق على المسالة المشتملة على عنصر اجنبي ,وتكون مهمة هذه القواعد اسناد الحكم الى
الق انون االك ثر مالئم ة لحكم العالق ة المتن ازع في ش أنها من ض من بقي ة الق وانين االخ رى
المتنازعة النه هو اكثرها إيفاءًا بمقتضيات العدالة من وجهة نظر هذا القانون المختار.
فقاع دة اإلس ناد تتكف ل بالربط بش كل مج رد بين طائف ة معين ه من العالق ات او المراك ز القانوني ة
ذات الط ابع ال دولي واح د الق وانين المرش حة لحكم العالق ة ,فهي تنص فق ط على ان العالق ة
يحكمها القانون الذي يرتبط بالعنصر األساسي في العالقة.
وهناك فارق قانوني اصطالحي بين قاعدة اإلسناد ،وبين ضابط اإلسناد :فضابط اإلسناد هو
األداة ال تي يس تند إليه ا المش رع لتع يين الق انون واجب التط بيق .مث ل الجنس ية أو مح ل وق وع
الفع ل أو الم وطن أو مح ل التس ليم أو مح ل االتف اق وغ ير ذل ك فهي تعت بر ض وابط إس ناد ،
وهناك من يسميها عنصر اإلسناد أو ظرف اإلسناد.
وقد انقسم الرأي حول مدى إلزامية قاعدة اإلسناد بالنسبة للقاضي ،إلى ثالثة اتجاهات :
االتجاه األول :ال يعترف لقاعدة اإلسناد بأية قوة ملزمة .والدول التي تسلك هذا االتجاه تمنع
محاكمها من تطبيق قاعدة اإلسناد وتوجب عليها تطبيق القانون الوطني على المنازعات كافة ،
بم ا فيه ا المنازع ات المش تملة على عنص ر أجن بي ،م ا لم يتمس ك الخص وم بالق انون األجن بي
الذي تدل عليه قاعدة اإلسناد .أي أن القاضي ليس ملزما وال واجبا عليه من تلقاء ذاته البحث
في قاعدة اإلسناد والعمل بموجبها ،ومن هذه الدول بريطانيا وكندا .
االتجاه الثاني :ذهب إلى إلزامية قاعدة اإلسناد بالنسبة للقاضي ،وهو ملزم بتطبيقها واألخذ
بمدلولها من تلقاء نفسه .ومن الدول التي أخذت بهذا الرأي ألمانيا الغربية ،حيث جعلت ذلك
واجب ا على القاض ي في جمي ع المنازع ات ال تي تش تمل على عنص ر أجن بي .س واء طلب
الخصوم ذلك أم لم يطلبوا .
وهناك اتجاه ثالث وسط بين االثنين يقول بأن قاعدة اإلسناد ال تتمتع بقوة ملزمة للقاضي
ولكن له أن يأخذ بها من تلقاء ذاته ،أو بناءا على طلب الخصوم وهذا االتجاه سائد في
فرنسا .ولكن االجتهادات األخيرة لمحكمة النقض الفرنسية كرست إلزامية قاعدة اإلسناد
بالنسبة للقاضي فيما لو أثارها الخصوم وتمسكوا بتطبيق القانون األجنبي .تماشيا مع االتجاه
العالمي واألوروبي خاصة .
وبذلك نرى أن المسألة عاد ليسودها رأيان فقط :رأي يقول بإلزامية قاعدة اإلسناد بالنسبة
للقاضي وعليه تطبيقها من تلقاء ذاته ،وآخر يقول بأن تلك القاعدة غير ملزمة له ما لم يثرها
ويتمسك بها الخصوم .
والجدير ذكره ،أن حكم هذه المسألة في العراق وغالبية الدول العربية يذهب إلى أن القاضي
غير مجبر على تطبيق قاعدة اإلسناد من تلقاء ذاته ،ولكن له ذلك بناءا على طلب
الخصوم .وهو ما يعبر عنه بأن قواعد اإلسناد ال تتعلق بالنظام العام ،فال يمكن تطبيقها ما لم
يتمسك بها أحد الخصوم .
وعدم تعلق قواعد اإلسناد بالنظام العام ،يعني عدم جواز إثارتها ألول مرة أمام محكمة
النقض ,ولتطبيقات اإلسناد مشاكل عملية كثيرة ،السيما في مجال اإلحالة وتضارب قواعد
اإلسناد وصعوبات أيضا في حالة تعدد الجنسيات للشخص الواحد .
ومن المهم التذكير أن هناك مانع قانوني أخذت به معظم التشريعات في العالم لجواز تطبيق
القانون األجنبي ،وهو عدم تعارضه مع النظام العام الوطني أي مع األحكام األساسية للتشريع
الوطني .ولعلنا ننهي بمثال عملي فإذا تزوجت عراقية من شخص سوري ،ثم حدث خالف
وشقاق بينهما ،وأراد الزوج تطبيق قانون زوجته ،أو رفعت دعوى للتفريق وطلب الطالق ،
فإن هذا النزاع القضائي يشتمل على عنصر أجنبي بالنسبة للقانون الوطني العراقي ( بالنظرة
القانونية الصرف ) وهي كون الزوج غير عراقي ,وبالعودة إلى أحكام القانون المدني
العراقي الذي تضمن قواعد اإلسناد نجد أنه نص على أن القانون الذي يسري على الطالق هو
قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت الطالق أو وقت رفع الدعوى .فإذا رفعت الدعوى
على الزوج أمام المحاكم العراقية فيحق له التمسك بقاعدة اإلسناد التي توجب تطبيق قانون
بلده .
ان قواعد االسناد فضال عن اتصافها بالخصائص العامة للقواعد القانونية يكون لها بالمقابل
خصائص ذاتية تتمثل بماياتي-:
-1انها قواعد حل غير مباشرة بمعنى انها ال ترشد القاضي إلى الحل النهائي للنزاع محل
نظره بل تكتفي ببيان القانون الذي يخضع له هذا النزاع ،وفي هذا القانون يجد القواعد
القانونية التي سيطبقها على النزاع في حالة وجود عنصر أجنبي .فمثال قاعدة اإلسناد الخاصة
لألهلية ال تبين لنا السن الذي عند بلوغه يكون الشخص كامل األهلية وإ نما تكتفي فقط ببيان
القانون الذي سيتكفل ببيان هذا السن ,وهكذا لجميع قواعد اإلسناد بخالف قواعد القانون
الدولي الخاص األخرى التي تعطي الحل مباشرة للنزاع فالقواعد المنظمة للجنسية تبين
مباشرة من هم رعايا الدولة ،والقواعد المنظمة لمركز االجانب تبين مباشرة الحقوق التي
يتمتع بها األجنبي واإللتزامات التي يتحملها وهكذا ...
ولهذا السبب يصف البعض قواعد االسناد بانها قواعد صماء التقدم حل للنزاع بشكل مباشر ،
وهي بذلك تتميز عن القواعد الموضوعية بوصف االخيرة قواعد حل مباشر .وهذا الوصف
المطبق على قاعدة االسناد دفع بالفقه الفرنسي الى اعتبارها بمثابة الشرطي الذي ينظم حركة
المرور ,بين السيارات المتزاحمة ,فهو الذي يعطيها اشارة المرور في االتجاه الصحيح,
ونستخلص في االخير ان قاعدة االسناد ال تضع لنا الحل النهائي الموضوعي للنزاع المثار
امام القاضي.
-2انها قواعد مزدوجة الجانب على راي االكثرية ،فهي يمكن ان تعطي االختصاص في
الحكم والحسم للقانون الوطني وممكن ان يكون ذلك لحساب قانون اجنبي فال تقرر ابتداء لمن
يكون االختصاص وال يعرف القانون المختص بموجبها اال بعد التكييف ،وتحديد طبيعة
العالقة ،مثال ذلك اهلية الشخص تحكم بقانون جنسية االخير فيكون القانون عراقي اذا كان
الشخص عراقي ويكون قانون اجنبي اذا كان الشخص اجنبي وبذلك تتميز عن القواعد
الموضوعية بوصفها مفردة الجانب .
وتفيد هذه الميزة في قاعدة اإلسناد أنها ال تترك فراغا في مشكلة التنازع إذ أنها تجعل
اإلختصاص بالنسبة للمسألة المطروحة على القاضي أما لقانونه أو للقانون األجنبي .وينتقد
بعض الفقهاء هذه الميزة في قاعدة اإلسناد حين يرى أن تقتصر فقط على بيان األحوال التي
يطبق فيها القانون الوطني دون اإلشارة إلى األحوال التي يطبق فيها القانون األجنبي ،
فيريدها بذلك أن تكون مفردة وليست مزدوجة ،كنص القاعدة الواردة في المادة /3فقرة 3من
القانون المدني الفرنسي والتي تقضي بأن ((القوانين الخاصة لحالة األشخاص وأهليتهم تحكم
الفرنسي ولو كان مقيما في بلد أجنبي)) ,ومن الحجج التي يبديها هؤالء الفقهاء أن الدولة ال
يمكن أن تعطي اإلختصاص لقانون دولة أخرى في حالة ما إذا كانت هذه الدولة ترفض
اإلختصاص المحول لقانونها .
لو سلمنا –جدال -بما ذهب إليه هؤالء الفقهاء لوجدنا قصورا واضحا في إيجاد حل في
حالتين:
األولى :لما تستند لها كل دولة لها عالقة بنزاع اإلختصاص لقانونها .
الثانية :لما ترفض كل دولة لها عالقة بنزاع جعل اإلختصاص لقانونها .هذا القصور دفع
القضاء الفرنسي إلى إعتبار قاعدة اإلسناد الواردة في م 3من ق.م.ق –سابقة الذكر -مزدوجة
رغم ورودها مفردة فقال بأنه إذا كان القانون الفرنسي هو المطبق على الفرنسيين حتى ولو
كانوا في الخارج ،فبمفهوم المخالفة فإن القوانين الشخصية لألجانب الخاصة بحالتهم
وأهليتهم ،تتبعهم حتى ولو كانوا في فرنسا .
-3انها قواعد وطنية المصدر أي يستاثر المشرع الوطني في كل دولة بوضعها وتراعى فيها
الخصوصيات الوطنية في كل دولة مع مراعاة المعايير الدولية السائدة عالميا ،وبذلك تكون
ذات مصدر وطني ،و تختلف عن القواعد الموضوعية اذ ان االخيرة ممكن ان تكون ذات
مصدر وطني(التشريع ) او دولي (معاهدات او قرارات القضاء الدولي).
-4انه ا قواع د محاي دة ,الن القاض ي عن دما يعم ل قاع دة اإلس ناد فإن ه يجه ل ن وع الح ل ال ذي
سيعطيه للنزاع ,فذلك متوقف على معرفة مضمون القانون الذي سيطبقه على النزاع ،وهذا
الق انون ق د يك ون قانون ه وق د يك ون قانون ا اجنبي ا .ه ذه الم يزة ال توج د في القواع د القانوني ة
األخ رى غ ير أن بعض الفقه اء ال يق رون ب ذلك وي رون أن ص فة الحي اد تش مل ك ل القواع د
القانونية