Professional Documents
Culture Documents
نورية شبورو
ملخص
تعتبر الجنسية من أبرز ضوابط االسناد المعول عليها لحل إشكالية تنازع القوانين في
مسائل األحوال الشخصية .إال أن اإلعمال الفعلي لهذا الضابط قد يثير عدة صعوبات عملية
وذلك في حالة تعدد الجنسية ،انعدامها أو تغييرها ،وأيضا في الحالة التي ينتمي فيها
الشخص بجنسيته إلى دولة تتعدد فيها الشرائع أو الطوائف.
فكيف سيهتدي القاضي الوطني في مثل هذه الحاالت إلى القانون الواجب التطبيق؟
وما هي إذن أهم الحلول الفقهية ،والقضائية والتشريعية المعتمدة الجتياز هذه الصعوبات؟
الكلمات المفتاحية :جنسية ،تنازع القوانين ،تعدد الجنسيات ،انعدام الجنسية ،تنازع
متحرك.
Résumé :
أستاذة مساعدة ،قسم –أكلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة جياللي اليابس ،سيدي بلعباس.
219
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
changement de nationalité, ou encore des cas où une personne, de par
sa nationalité se trouve dans un Etat à multiples lois confessionnelles.
En présence de ces divers cas, sur quelle base le juge du fort va-
t-il faire le choix de la loi qu’il faut appliquer? Ceci va nous emmener
à préciser non seulement les positions doctrinales, mais également les
solutions législatives et jurisprudentielles adoptées à cet égard.
Abstract:
مقدمة
أخضعت معظم التشريعات العربية ومن بينها التشريع الجزائري مسائل األحوال
فهي بذلك ارتأت إعمال، الميراث لقانون الجنسية، النسب، الطالق،الشخصية كالزواج
ضابط الجنسية لتحديد القانون الواجب التطبيق على هاته المسائل في حالة تنازع عدة قوانين
220
شبورو نورية
حكمها .إال أن إعمال هذا الضابط لحل هذا التنازع القانوني قد يثير عدة صعوبات في
التطبيق وذلك في حالة تعدد الجنسيات وهذا ما يسمى ب"التنازع االيجابي" ،أو في حالة
انعدام الجنسية وهذا ما يسمى ب"التنازع السلبي" .وأيضا في حالة تغيير الجنسية و هذا ما
يطلق عليه "التنازع المتحرك أو المتغير" .كما قد تواجه القاضي مشكلة من نوع آخر في
حالة ما إذا كان قانون الجنسية الواجب التطبيق على المسألة محل النزاع هو قانون دولة
تتعدد فيها الشرائع أو الطوائف .فكيف سيهتدي القاضي الوطني في مثل هذه الحاالت إلى
القانون الواجب التطبيق؟ و ما هي إذن أهم الحلول الفقهية ،القضائية والتشريعية المعتمدة
الجتياز هذه الصعوبات؟
لإلجابة عن هذه اإلشكاليات قسمنا دراستنا لهذه المقالة إلى فرعيين رئيسين ،حيث
سنخصص األول منهما إلى دراسة التنازع اإليجابي والتنازع السلبي (الفرع األول) ،والثاني
سنتطرق من خالله إلى التنازع المتحرك وحالة الشخص المنتمي إلى دولة تتعدد فيها
التشريعات (الفرع الثاني).
221
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
.وبعبارة أخرى تتحقق هذه الظاهرة في الحالة التي ترى فيها قوانين الجنسية في 1
واحد
دولتين أو أكثر أن شخص ما ينتمي إليها.2
ويع تبر التعدد في الجنسية كنتيجة حتمية لحرية كل دولة في تنظيم جنسيتها
على النحو الذي يتماشى مع مصالحها دون االعتداد بمقتضيات الحياة المشركة في الجماعة
الدولية.3
يترتب عن تعدد الجنسيات قيام مشكلة هامة في مجال تنازع القوانين ،وذلك
بالنسبة للتشريعات التي تأخذ بضابط الجنسية في مسائل األحوال الشخصية ومن بينها
الزواج ذو العنصر األجنبي .4إذ يتعين حينئذ اختيار قانون جنسية واحدة باعتباره القانون
الشخصي للزوج متعدد الجنسيات نظ ار الستحالة تطبيق قوانين مختلف الجنسيات التي تنتمي
إليها في نفس الوقت.5
أنظر ،أحمد ضاعن السمدان ،المبادئ العامة لتعدد الجنسية في القانون المقارن والقانون الكويتي ،مجلة 1
وعليه نكون بصدد تنازع إيجابي للجنسيات إذا كان للشخص جنسيتين أو أكثر،
فيطرح التساؤل في هذه الحالة حول الجنسية التي يعتد بها من أجل تطبيق قانونها على
.لإلجابة عن هذه اإلشكالية يجب التمييز بين حالتين: 6
موضوع النزاع
آ -.الحالة الولى :تعدد الجنسيات مع عدم وجود جنسية دولة القاضي من بينها
يكون التنازع في هذه الحالة بين جنسيات أجنبية ،وقد تم اقتراح عدة معايير
لحل التنازع االيجابي للجنسيات في هذه الحالة ،كتفضيل الجنسية التي تتفق أحكامها مع
قانون جنسية دولة القاضي ،أو منح األولوية للجنسية األقدم أو األحدث .7أو منح الشخص
حرية اختيار إحدى الجنسيات الثابتة .إال أن الرأي الراجح ذهب إلى حسم التنازع بين
الجنسيات األجنبية باللجوء إلى نظرية الجنسية الفعلية أو الواقعية أو المهيمنة.8
والجنسية الفعلية هي التي يكون الشخص أكثر ارتباط بها من غيرها ،9ويستعين
القاضي للكشف عن هذه الجنسية بعناصر موضوعية كموطن الشخص أو محل إقامته ،كما
له االستعانة بغير ذلك من المالبسات والمؤثرات المتعلقة بالشخص ذاته كمركز مصالحه
التجارية ،روابطه العائلية ،لغته ،محل مزاولة حقوقه السياسية أو العامة ،وظائفه العامة
وتأدية خدمته العسكرية ،الخ .وعليه إذا كان القاضي أمام حالة من حاالت تعدد الجنسيات
أنظر ،إلياس ناصيف ،الوصية للمسلمين وفي القانون الدولي الخاص،ج ،0 .دون دار النشر ،0224 ،ص. 6
.332
أنظر ،سامي بديع منصور ،الوسيط في القانون الدولي الخاص ،بدون طبعة ،دار العلوم العربية ،لبنان، 7
،0443ص.025 .
8
Cf. Olivera BOSKOVIC, Droit des étrangers et de la nationalité, in droit des
étrangers, panorama, Recueil Dalloz, 9 décembre 2010- n° 43, p. 2868.
9
Cf. Olivera BOSKOVIC, op.cit., p. 2869.
223
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
مع عدم وجود جنسيته من بينها فيبحث عن الجنسية الفعلية طبقا للوقائع والظروف ويطبق
قانونها على موضوع النزاع.10
وقد اعتمد المشرع الجزائري من خالل المادة 20/00من القانون المدني على فكرة
الجنسية الفعلية ووظفها كحل لفرضية تعدد الجنسيات مع عدم وجود الجنسية الجزائرية من
بينها حيث نصت المادة على أنه ''في حالة تعدد الجنسيات يطبق القاضي الجنسية الحقيقة".
وهو الحل الذي اعتمده أيضا المشرع التونسي من خالل الفصل 04من مجلة
القانون الدولي الخاص الذي جاء فيه ''تخضع األحوال الشخصية للمعني لقانونه الشخصي
واذا كان المعني باألمر حامال لعدة جنسيات يعتمد القاضي الجنسية الفعلية.''.
أنظر ،حسن الهداوي ،الجنسية ومركز األجانب وأحكامهما في القانون العراقي ،ط ،3.دار الثقافة للنشر و 10
القاضي القانون الذي يجب تطبيقه في حالة األشخاص ،...أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت
واحد" و تقابل هذه المادة المادة 20/05من القانون المدني الليبي ،المادة 20/02من القانون المدني السوري،
المادة 02من القانون المدني األردني،المادة 22من القانون المدني الكويتي ،أنظر ،ممدوح عبد الكريم حافظ
عرموش ،القانون الدولي الخاص ،ج ،0.مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ،0447 ،ص.022.
224
شبورو نورية
.وأخذ اجتهاد المحاكم اللبنانية كذلك بفكرة الجنسية الفعلية وذلك ما كرسته 12
على غيرها
محكمة االستئناف اللبنانية في قرار لها صادر بتاريخ .130422/25/04
وقد تبنت هذا الحل كذلك اتفاقية الهاي لعام ،0442حيث جاء في نص المادة
الخامسة منها ما يلي'' :يتعين على الدولة التي يوجد بإقليمها فرد يتمتع بعدة جنسيات ،أن
تعامله على أنه متمتع بجنسية واحدة ،ويجوز لها في هذا الصدد أن تختار جنسية الدولة
التي يوجد بها محل إقامة الشخص العادية أو جنسية الدولة التي يظهر من المالبسات تعلق
الشخص بها فعال.''15
انظر ،محمد مبروك الالفي ،تنازع القوانين و تنازع االختصاص القضائي الدولي ،منشورات الجامعة 12
وتوفي في لبنان .إن االجتهاد اللبناني قد استقر في مثل هذا الوضع على وجوب األخذ بالجنسية األكثر
فعالية أي الجنسية األكثر فعالية من النشاطات العملية التي مارسها المتوفي إبان حياته ،ويستدل من
المستندات التي أبرزها الطرفان أن المتوفي كان يتذرع في نشاطاته العملية بجنسيته الفلسطينية وتارة أخرى
بجنسيته االيرانية .ولذلك ال يمكن اعتبار أيا من الجنسيتين اللتين يحملهما المتوفي بمثابة الجنسية االكثر
فعالية .وان االجتهاد مستقر على اعتبار الجنسيتين في مثل هذا الوضع تنهاران لعدم تطبيق قانونيهما معا،
ويتوجب تطبيق قانون محل إقامة المتوفي .انظر ،محكمة االستئناف اللبنانية ،0422/25/02 ،مقتبس عن،
إلياس ناصيف ،المرجع السابق ،ص.504.
ومن بين هذه التشريعات التشريع السويسري الصادر عام ،0472وقانون الجنسية البرتغالي الصادر في 14
0470/02/24في مادته ،07القانون االسباني في المادة 04/4من الباب التمهيدي للقانون المدني لعام
،0423و أيضا القانون الدولي الخاص المجري لعام 0424في مادته .00
انظر ،عكاشة محمد عبد العال ،االتجاهات الحديثة ،...المرجع السابق ،ص.042 . 15
225
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
ب -.الحالة الثانية :تعدد الجنسيات مع وجود جنسية القاضي الناظر في النزاع
من بينها
أن الدولي لخاص استقر الرأي الراجح في علم الجنسية وفي القانون
،16وبالتالي يؤخذ بجنسية دولة الجنسية الوطنية في هذه الحالة تفضل على غيرها
القاضي ،17ويطبق قانون هذا األخير على المسألة المتنازع فيها بغض النظر عن قوانين
الجنسيات التي يتمتع بها الشخص في آن واحد إلى جنب جنسية دولة القاضي ألن هذه
األخيرة تلعب بالنسبة لجنسيات الدول المتواجدة دو ار حاذفا فتحذف مسبقا كل إمكانية
للمفاضلة أو االختيار ،فهي تطبق دون سواها على المسألة محل التنازع.18
وهذا الحل تبناه المشرع الجزائري وجسدته المادة 00فقرة 20من القانون
،الليبي،22 21
،التونسي 20
،ووافقه في ذلك كل من المشرع المصري 19
المدني
واإلماراتي.23
انظر ،أحمد عبد الكريم سالمة ،القانون الدولي الخاص ،ط ،0.دار النهضة العربية ،مصر ،دون دار 16
،0425ص.20 .
انظر ،سامي بديع منصور ،الوسيط في القانون الدولي الخاص ،بدون طبعة ،دار العلوم العربية ،لبنان، 18
،0443ص.023 .
حيث نصت على أنه "غير أن القانون الجزائري هو الذي يطبق إذا كانت للشخص في وقت واحد بالنسبة 19
للجزائر الجنسية الجزائرية و بالنسبة إلى دولة أو عدة دول أجنبية جنسية تلك الدول".
المادة 20/05من القانون المدني المصري. 20
المادة 03من تقنين المعامالت المدنية اإلماراتية رقم 25لعام .0475 23
226
شبورو نورية
كما أخذ بنظرية ترجيح جنسية القاضي في هذه الحالة الكثير من التشريعات
، 28
،والسويسري 27
،الكوري 26
،البرتغالي 25
البولوني 24
الغربية كالتشريع االسباني
واعتمدت هذا الحل اتفاقية الهاي المبرمة في .290442/23/00
يقصد بانعدام الجنسية عدم تمتع الفرد بأية جنسية .30كما يمكن تعريفه بأنه:
''وضع قانوني لشخص ال يتمتع بجنسية أية دولة على اإلطالق" .31وعديم الجنسية هو
الشخص الذي يجد نفسه منذ ميالده أو في تاريخ الحقا على الميالد مجردا من حمل جنسية
أية دولة من الدول.32
إذن يحصل التنازع السلبي للجنسيات عندما ال تدعي أية دولة السيادة على
جنسية شخص معين و ال تعترف باختصاص قانونها الوطني في مسائل أحواله الشخصية
حيث نصت المادة 24من هذه االتفاقية على أنه " كل شخص يتمتع بجنسيتين أو أكثر يمكن أن تعتبره 29
كل الدول التي له جنسيتها من رعاياها" .انظر ،أحمد عبد الكريم سالمة ،المرجع السابق ،ص.020 .
30
Cf. Jean Pierre Laborde, Sandrine Sanachaillé de Néré, Droit international privé,
18 édition, Dalloz, Paris, 2014, p. 21 .
أحمد عبد الكريم سالمة ،المرجع السابق ،ص .002. 31
عكاشة محمد عبد العال ،االتجاهات الحديثة ،...المرجع السابق ،ص.022 . 32
227
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
لوقوعه في حالة الالجنسية .33وهذا ما يسبب مشكلة أساسية تظهر خاصة عند البحث عن
القانون الواجب التطبيق على مسائل األحوال الشخصية.
قد تعددت المعايير المقترحة لحل هذه اإلشكالية ومن بينها إعمال قانون آخر
جنسية كان يحملها الشخص قبل انعدام جنسية .34بينما اتجه رأي آخر إلى االعتداد
بجنسية الدولة التي ولد فيها عديم الجنسية إذا عرف مكان ميالده إال أن هذا الحل انتقد ألن
واقعة الوالدة قد تكون بصفة عرضية في دولة معينة ،وبالتالي ال تعكس ارتباط الشخص بها
.35
إال أن الرأي الراجح ذهب إلى إعمال فكرة شبيهة بفكرة الجنسية الفعلية،
مقتضاها معاملة عديم الجنسية على أنه ينتمي إلى الدولة التي يتصل بها من الناحية
العملية أكثر من سواها ،وهي تمثل عادة الدولة التي يوجد بها موطن عديم الجنسية أو محل
إقامة.36
ولعل الدافع وراء ترجيح قانون الموطن أو محل اإلقامة هو مدى تعلق وتشبث
الشخص بالمكان الذي يعيش ويتواجد فيه ،األمر الذي يجعل درجة ارتباط الشخص بمكان
معين تتوازى مع ارتباطه بالدولة التي ينتمي إليها بجنسيته .37
غالب علي الداوودي ،القانون الدولي الخاص ،ط ،3.دار وائل للنشر، 0225،ص.030 . 33
انظر ،أعراب بلقاسم ،القانون الدولي الخاص ،ج ،0.ط ،5.دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر، 34
.0227المرجع السابق ،ص022 .؛ فؤاد عبد المنعم رياض ،الجنسية في التشريعات العربية ،...المرجع
السابق ،ص.72.
عكاشة محمد عبد العال ،االتجاهات الحديثة ،المرجع السابق ،ص.040 . 35
عكاشة محمد عبد العال ،االتجاهات الحديثة ،المرجع السابق ،ص.043 . 36
عكاشة محمد عبد العال ،االتجاهات الحديثة ،المرجع السابق ،ص.042 . 37
228
شبورو نورية
متجنبا 38
وقد تبنى المشرع الجزائري هذا الحل من خالل تعديله للقانون المدني
بذلك االنتقادات التي وجهت إليه مسبقا ،والمتمثلة في عدم تطابق النص الداخلي مع معاهدة
المصادق عليها 39
نيويورك المنعقدة في 07سبتمبر 0453المتعلقة بمركز عديمي الجنسية
من قبل الجزائر في 7جوان ،0423و التي تكرس في المادة 00منها تطبيق قانون الموطن
بالنسبة لعديمي الجنسية. 40
إن تطبيق قانون موطن عديم الجنسية أو محل إقامته قد يثير هو اآلخر عدة
إشكاليات في حالة ما إذا لم يكن لعديم الجنسية موطن معروف أو محل إقامة محدد ،وكذا
في حالة ما إذا كان لعديم الجنسية أكثر من موطن.
حيث نصت المادة 00من القانون المدني المعدلة بموجب القانون رقم 02-25المؤرخ في 0225/22/02 38
على أنه" و في حالة انعدام الجنسية ،يطبق القاضي قانون الموطن أو قانون محل اإلقامة" .كما أخذت بهذا
الحل أيضا بعض التشريعات الغربية كالتشريع االسباني ( المادة 02/24من الباب التمهيدي للقانون المدني
المضاف بالمرسوم الصادر في .0423/25/40والتركي ( المادة 23من القانون الدولي الخاص) ،
والسويسري ( المادة 03من القانون الدولي الخاص الصادر في ،)0472/00/07وااليطالي ( المادة 04من
القانون المدني ).
كما أيدت هذا الحل أيضا اتفاقيتي جنيف لسنتي 0440،0450بخصوص الحالة الدولية لألجنبين 39
السياسيين ،حيث نصت المادة 00من االتفاقية األخيرة على أنه ''الحالة الشخصية لكل الجئ سياسي يحكمها
قانون بلد موطنه ،فإذا تخلف الموطن فيكون قانون بلد إقامته ."...انظر ،أحمد عبد الكريم سالمة ،المرجع
السابق ،ص.042 .
انظر ،جندولي فاطمة الزهراء ،انحالل الرابطة الزوجية في القانون الدولي الخاص ،مذكرة ماجستير ،جامعة 40
229
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
الفرع الثاني :التنازع المتحرك أو المتغير و انتماء الشخص لدولة تتعدد فيها
التشريعات
يخصص هذا الفرع لدراسة أوال التنازع المتحرك أو المتغير ،ثم حالة الشخص
المنتمي لدولة تتعدد فيها التشريعات.
يتحقق التنازع المتحرك أو المتغير عندما يحدث تغيير واقعي في ظرف اإلسناد
يؤدي إلى انتقال شخص أو شيء معين من نطاق تطبيق قانون إلى نطاق تطبيق قانون
آخر بمقتضى نفس قاعدة اإلسناد .43أو بعبارة أخرى يتحقق التنازع المتحرك عندما تكون
هناك قابلية خضوع وضعية معينة لنمطين قانونين مختلفين .وعليه نستنتج أن التنازع
أنظر ،عكاشة محمد عبد العال ،االتجاهات الحديثة ،...المرجع السابق ،ص.020 . 42
انظر ،عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان ،الوسيط في قانون المعامالت الدولة الخاصة ،ط ،0.دون دار 43
المتحرك ينشأ عن خضوع العالقة لقانونين متتابعين يتنازعان لحكم موضوع واحد بفعل
انتشار عنصر التغيير في الزمان والمكان .44
ويعتبر ضابط الجنسية من بين الضوابط التي تثير مسألة التنازع المتحرك
كونه من الضوابط القابلة للتغيير ،فيستطيع الشخص تغيير جنسية في الفترة ما بين نشوء
.وهذا ما يؤدي إلى تعاقب قانونين 45
العالقة القانونية ورفع النزاع بشأنها أمام القضاء
لحكم النزاع قانون الجنسية القديمة وقانون الجنسية الجديدة ما يؤدي إلى تضارب الحقوق
.األمر الذي يثير صعوبة عملية عند تطبيق قانون 46
المكتسبة في قانون كال الدولتين
الجنسية باعتباره القانون الواجب التطبيق على النزاعات الدولية الخاصة بمسائل األحوال
الشخصية.
وتثور مسألة التنازع المتحرك في الزواج المختلط مثال إذا قام أحد الزوجين مثال
بتغير جنسيته فيكتسب بموجب هذا التغير جنسية دولة أخرى ،وبذلك يتم تغيير ضابط
اإلسناد الذي يتحدد بموجبه القانون الواجب التطبيق .47وهذا ما يجعل القاضي المعروض
أمامه النزاع يتساءل حول الجنسية التي يعتد بها في مثل الحالة ،وهل يطبق أحكام قانون
انظر ،يوبي سعاد ،تنازع القوانين في مجال النسب ،مذكرة ماجستير ،جامعة أبي بكر بلقايد ، 44
.70
46
Cité par, Dominique holleaux, Jacques Foyer , Gérand de Geouffre de la
Paradelle, Droit international privé, Masson, Paris, 1987, p. 228.
47
Cf. Olivier CACHARD , droit international privé, 2 édition, collection paradigne
strada, 2013, p. 243.
231
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
الجنسية القديمة أم أحكام قانون الجنسية الجديدة على الشروط الموضوعية للزواج حتى ينعقد
صحيحا.48
لقد أثارت هذه المسألة جدال واسعا بين الفقهاء كما أدت إلى تضارب أحكام
المحاكم ولهذا راعت معظم التشريعات اعتبار تغيير الجنسية عند ضبطها لقواعد اإلسناد ،
فعالجت مسألة التنازع المتحرك بين القوانين على أساس المفاضلة والمالئمة بين القوانين
المتنازعة وذلك بضبط وقت معين يعتد به لمعرفة القانون الواجب التطبيق.49
ففيما يتعلق مثال بآثار بالزواج ،فقد رجح المشرع الجزائري قانون الدولة التي
ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج ليحكم اآلثار الشخصية و المالية التي يرتبها عقد
.و استثناءا تطبيق القانون الجزائري إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد 50
الزواج
الزواج.51
وعليه ،يعتد القاضي بجنسية الزوج وقت انعقاد الزواج ويطبق قانون هذه
الجنسية على كل ما يتعلق بآثار الزواج المالية والشخصية حتى ولو كان الزوج يتمتع
بجنسية دولة أخرى قبل وقت انعقاد الزواج أو بعده ،غير أنه يطبق القانون الجزائري وحده
إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد الزواج بغض النظر عن الجنسية التي كان يتمتع
بها قبل ذلك.
انظر ،محمد مبروك الالفي ،تنازع القوانين وتنازع االختصاص القضائي الدولي ،منشورات الجامعة 48
عليها في المادتين 00و 00إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد الزواج إال فيما يخص أهلية الزواج".
232
شبورو نورية
قد تعترض القاضي صعوبة في تطبيق قانون الجنسية في حالة ما إذا أحيل
.فقد تشير قاعدة اإلسناد 52
الحكم إلى قانون دولة تتعدد فيها شرائع األحوال الشخصية
الوطنية مثال بتطبيق قانون جنسية الزوجين على النزاع المتعلق بالشروط الموضوعية
للزواج ،أو بتطبيق قانون جنسية الزوج وقت انعقاد الزواج على النزاع المتعلق باآلثار
الشخصية أو المالية للزواج ،فإذا رجع القاضي الوطني إلى هذا القانون وجده قانونا غير
موحد بحيث تتعدد التشريعات تعددا داخليا وسواء أكان تعددا إقليميا وهو الذي نلمحه في
الدول التي تطبق على كل إقليم من أقاليمها شريعة خاصة .كما هو الشأن بالنسبة للدول
المركبة كالواليات المتحدة األمريكية وسويس ار حيث يوجد في كل والية أو مقاطعة قانون
ينظم األحوال الشخصية ،أو كان تعددا طائفيا أو شخصيا وهو الذي نلحظه في الدول
البسيطة التي تطبق على كل طائفة من األشخاص قانون خاص بأحوالها الشخصية والذي
.فإذا كان 53
يستمد من ديانتها كما هو الحال عليه في دول المشرق العربي كمصر ولبنان
القاضي أمام واحدة من هذه الحاالت ،سوف يجد ال محالة صعوبة في تحديد القانون
الواجب تطبيقه على هذه النزاعات من بين القوانين المتعددة وأي قانون يعتبر قانون الجنسية
المقصود في قاعدة اإلسناد الوطنية .وما هو القانون الذي سوف يعتد به لحل التنازع؟ وأي
شريعة من الشرائع المتعددة سيتبع؟
انظر ،حفيظة السيد الحداد ،الموجز في القانون الدولي الخاص ،الكتاب األول ،ط ،0.منشورات الحلبي 53
الحقوقية ،لبنان ،0223 ،ص002 .؛ زروتي الطيب ،دراسات في القانون الدولي الخاص الجزائري ،دار هومة
للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ،0200 ،ص ،04 .عليوش قربوع كمال ،المرجع السابق ،ص .002.
233
الصعوبات التي تعترض القاضي عند حل إشكالية تنازع القوانين بناء على ضابط الجنسية
إن الحل الراجح لهذه االشكالية على مستوى الفقه والتشريع والقضاء يقضي
بوجوب األخذ بالقانون الداخلي الذي تشير بتطبيقه قاعدة اإلسناد الداخلية في البلد الذي
أشارت قاعدة اإلسناد في قانون القاضي بتطبيق قانونه.54
وقد أخذ المشرع الجزائري على غرار التشريعات العربية األخرى بهذا الحل الذي
جسدته المادة 20/04من القانون المدني حيث نصت على أنه " :متى ظهر من األحكام
الواردة في المواد المتقدمة أن القانون الواجب التطبيق ،هو قانون دولة معينة تتعدد فيها
. 55
التشريعات فإن القانون الداخلي لتلك الدولة هو الذي يقرر أي تشريع منها يجب تطبيقه"
وبناء على مقتضى هذه المادة فإنه إذا وجب تطبيق قانون أجنبي على نزاع متعلق
بالشروط الموضوعية للزواج مثال أو آثاره سواء أكانت شخصية أو مالية ،و كان البلد الذي
يجب تطبيق قانونه من الدول التي تتعدد فيها الشرائع الداخلية سواء أكان تعددا إقليميا أو
انظر ،جابر جاد عبد الرحمان ،القانون الدولي الخاص العربي ،ج ،4.ط ،0.جامعة الدول العربية ،معهد 54
من القانون المدني األردني ،والمادة 07من القانون المدني السوري 20/40 ،من القانون المدني العراقي.
انظر ،ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش ،المرجع السابق ،ص .23 .كما تبنى هذا الحل أيضا القضاء
اللبناني حيث انتهت الغرفة المدنية األولى لمحكمة التمييز اللبنانية في قرارها الصادر في 0427/22/24إلى
أنه " :من المبادئ العامة المقررة في القانون الدولي الخاص أن المحكمة الوطنية عندما تكون مدعوة إلى
تطبيق قانون بلد جنسية شخص فتجد نفسها أمام تعدد قوانين داخلية في ذلك البلد ناتج عن نظامه السياسي
كما هو الحال في الواليات المتحدة األمريكية ،تختار من بين هذه القوانين الداخلية ما تفرضه قواعد تنازع
القوانين المطبقة هناك ،بحيث تكون القاعدة المعتمدة من قبل القاضي الوطني لحل تنازع القوانين الداخلية في
بلد أجنبي هي القاعدة المعمول بها في ذلك البلد أي القاعدة األجنبية" .انظر ،محكمة التمييز اللبنانية ،الغرفة
المدنية األولى ،0427/22/24 ،مقتبس عن حفيظة السيد الحداد ،المرجع السابق ،الكتاب األول ،ص.007 .
234
شبورو نورية
طائفيا ،فإن قواعد التنازع الداخلي في هذه التشريعات هي التي تتولى مهمة تحديد التشريع
الواجب التطبيق من بين التشريعات المتعددة. 56
إن إعمال هذا الحل الذي سمي" بالتفويض " أو "اإلحالة الداخلية" يفترض بداهة
أن القانون األجنبي الذي تتعدد فيه الشرائع يتضمن قواعد إسناد خاصة بفض التنازع
.ولكن 57
الداخلي والتي تتكفل بتحديد التشريع الواجب التطبيق من بين التشريعات المتعددة
ما الحل فيما لو لم يتضمن القانون األجنبي أي قواعد من هذا النوع.58
لقد تعددت االقتراحات لحل هذه اإلشكالية ،فمنها من نادت بوجوب األخذ
بالشريعة الرئيسية ،وهي شريعة العاصمة ومنها من رجحت تحليل فكرة الجنسية بقصد
كشف الوحدة اإلقليمية ،و بعضها اآلخر فضل الرجوع إلى قانون القاضي ،في حين آثر
األغلبية قانون الموطن باعتباره أكثر القوانين تماشيا مع الواقع و أكثرها بعدا عن الشك
والغموض.59
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد حسم موقفه بهذا الخصوص ،بتتميمه للمادة 04
من القانون المدني ،وذلك بإضافة فقرة ثانية عالج فيها حالة عدم وجود نص ينظم هذه
انظر ،يوسف فتيحة ،محاضرات في القانون الدولي الخاص ،ألقيت على طلبة السنة الرابعة ،كلية الحقوق، 56
ص.044 .
حفيظة السيد الحداد ،المرجع السابق ،الكتاب األول ،ص.002 . 58
انظر ،محمد مبروك الالفي ،المرجع السابق ،ص002 .؛ يوسف فتيحة ،محاضرات في القانون الدولي 59
المسألة في القانون المختص ،حيث نص على تطبيق التشريع الغالب في حالة التعدد
الطائفي أو التشريع المطبق في عاصمة ذلك البلد في حالة التعدد اإلقليمي.60
وبناء على ذلك إذا رفع أمام قاضي جزائري مثال نزاع يتعلق بالشروط
الموضوعية لزواج لبنانيين أو أمريكيين ،فوفقا للمادة 00من القانون المدني سوف يقضي
بتطبيق القانون الوطني لكل من الزوجين أي القانون اللبناني أو األمريكي .وبما أن لبنان
تعد من البلدان المتعددة الطوائف والواليات المتحدة األمريكية تعتبر من الدول المتعددة
إقليميا ،فان القاضي الجزائري سيصعب عليه تحديد أي تشريع من التشريعات المتعددة
يجب أن يتبع لحل النزاع ،لكن بالرجوع إلى المادة 04من القانون المدني تزول اإلشكالية
ألن القاضي سيستأنس بالقانون الداخلي لكل من لبنان والواليات المتحدة األمريكية ،فيتولى
هذا األخير مهمة تبيان التشريع الواجب اتباعه بشأن الشروط الموضوعية للزواج .وفي حالة
تخلف أي نص مختص يطبق القاضي التشريع الغالب في لبنان ،والتشريع المطبق في
عاصمة الواليات المتحدة األمريكية "نيويورك".
حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 04من القانون المدني الجزائري على أنه '' :إذا لم يوجد في القانون 60
المختص نص بهذا الشأن ،طبق التشريع الغالب في البالد في حالة التعدد الطائفي أو التشريع المطبق في
عاصمة ذلك البلد في حالة التعدد اإلقليمي".
236