You are on page 1of 30

‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫د‪ .‬عمر سعد اهلل‬


‫جامعة اجلزائر ‪-1-‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫امللخص‬

‫جتمع املصادر التارخيية بأن الدولة اجلزائرية املعاصرة‬


‫هي امتداد لدولة اجلزائر اليت ظهرت مع بداية القرن السادس‬
‫عشر‪ ،‬واليت اعرتفت بها الدول واعرتفت هي أيضا بدول‬
‫جديدة حتى فرتة االحتالل الفرنسي سنة ‪ ،1830‬وقد اعتاد‬
‫املؤرخون الفرنسيون االستعماريون أن يكتبوا عن هذه الدولة‬
‫وسكانها كمنطقة جغرافية جمهولة اهلوية وليس التعرف‬
‫على أحوال اجلزائريني كسكان هلذه الدولة‪.‬‬
‫وقد اعتاد باحثون آخرون أن يسريوا على خطى‬
‫نظرائهم من املؤرخني الفرنسيون‪ ،‬يف وقت كانوا يطالبون‬
‫بأن يكون املؤرخ جمردا يف أحكامه بعيدا عن األهواء‬
‫والتأثريات اخلارجية‪ ،‬وقد اخرتت بالذات تبديد اآلراء املناوئة‬
‫لتاريخ اجلزائر ودولتها ونهضتها وسياساتها‪ ،‬اليت يشرتك فيها‬
‫حتى بعض من كتاب بلدي‪ ،‬الذين خييّل إلي أنهم كانوا قد‬
‫درسوا تاريخ كل بلد ما عدا اجلزائر‪.‬‬
‫إن والدة دولة اجلزائر بقيت عند الكثريين ثقبا‬
‫أسودا‪ ،‬جيهل الكثريون أبعاده يف ظل غياب تسجيل األحداث‬
‫إال القليل منها‪ ،‬وأيضا غياب الباحث املتخصص يف النظم‬
‫الدستورية واإلدارية والسياسية‪ ،‬ومشكلة الوثائق وندرة‬

‫‪141‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫املراجع عن هذا البلد‪ .‬ونظرا إىل انعدام البحث القانوني‬


‫والسياسي يف تاريخ والدة دولة اجلزائر‪ ،‬فقد عولت على‬
‫تفحص ما كتبه مؤرخون يف هذا الشأن‪ ،‬أمثال األستاذ‬
‫"شارل أدري جوليان" املعروف جيدا لدى عدد كبري من‬
‫املثقفني اجلزائريني والعرب بتشويه صورة اجلزائر‪ ،‬وترويج‬
‫فكرة االستعمار الرتكي للجزائر‪ ،‬وبلغة القانون كان‬
‫يعتربها دولة حتت االحتالل الرتكي‪.‬‬
‫ويف هذا املقال سوف حنلل ظاهرة تشكل الدولة اجلزائرية‬
‫ومراحل تطورها‪ ،‬وحتديد عناصرها وطبيعتها يف الفرتة ما‬
‫بني ‪ .1830 – 1516‬جمسدا بذلك رؤية قانونية سليمة حول هذا‬
‫املوضوع‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬االحتالل الفرنسي‪ ،‬البايلك‪ ،‬الدولة‬


‫الرستمية‪ ،‬الدولة األغلبية‪ ،‬الدولة احلمادية‪ ،‬الدولة الزيانية‪،‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫أوالً ‪ -‬ظهور اجلزائر كدولة‪:‬‬


‫عندما يتلخص موضوع نقاش ما يف سؤال واحد‪ ،‬هل‬
‫كانت هناك دولة جزائرية قبل االحتالل الفرنسي؟ فمن‬
‫املفيد أن نبحث عن إجابة عن هذا السؤال يف الكتابات‬
‫القانونية والتارخيية والسياسية‪ ،‬ويورد الدكتور حممد‬
‫(‪)1‬‬
‫قد‬ ‫‪1830‬‬ ‫القول التالي‪" :‬إن حكومة فرنسا يف عام‬ ‫جباوي‬
‫اعرتفت مرة أخرى بالسيادة اجلزائرية حني زعمت لتربر‬
‫بأن‬ ‫‪1830‬‬ ‫إحبارها إىل سيدي فرج يف اخلامس من جويلية‬
‫حكومة اجلزائر قد خرقت املعاهدات الدولية‪ ."....‬فهو بذلك‬
‫اعرتاف صريح بأن هذه الدولة أسبق من الغزو الفرنسي‪،‬‬
‫وأنها كانت قائمة وفق املعايري القانونية ال سيما أنها كانت‬
‫هلا عالقات وسيادة تتجلى يف املعاهدات اليت ابرمتها مع دول‬
‫العامل‪ ،‬ومع فرنسا حتديدا‪.‬‬
‫ويف العالقات الدولية تكون أكثر أشكال‬
‫املعاهدات اكتماال هي املعاهدات اليت تعتمدها الدول ذات‬
‫السيادة‪ ،‬وليس أي كيان آخر‪ .‬فتوقيع هذه املعاهدات فعل‬
‫تظهر فيه إرادة الدولة بصورة اجيابية‪ .‬ويكون من العبث أن‬
‫نتجاهل يف هذا اجملال الوثائق الدولية املتبادلة بني حكومات‬
‫اجلزائر والبالد األجنبية حتى االحتالل الفرنسي‪ .‬ونكتفي‬
‫باإلحالة إىل ذلك األثر القيم ونعين جمموعة املعاهدات اليت‬

‫‪143‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫مجعها العامل االيطالي "آماري" حتت عنوان وثائق عربية‬


‫"ديبلومي آرابي"‪ .‬وأيضا كتاب "ماس التري" املعنون‪:‬‬
‫املعاهدات بني املسيحيني والعرب خالل القرون الوسطى‬
‫املنشور يف عام ‪ 1867‬بباريس(‪.)2‬‬
‫حتى اآلن كنا نؤكد على ظهور اجلزائر كدولة يف‬
‫جمتمع األمم‪ ،‬ولكن السؤال ما هي العناصر اليت تؤمن‬
‫فعالية الدولة؟ لنعجل بالقول إن أهم العناصر هو اإلقليم‬
‫والشعب وحكومة وسيادة واالعرتاف بهذه الدولة‪ .‬وهي‬
‫كانت‬ ‫جمموعة العناصر اليت تكسب الدول أينما‬
‫الشخصية القانونية الدولية مبا لديها من حقوق وواجبات‪،‬‬
‫حبيث متارس على أساسها اختصاصات السيادة‪.‬‬
‫‪ -‬إقليم الدولة‪/‬حدود‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫يقصد بذلك البقعة احملدّدة من األرض اليت متارس‬


‫عليها السلطة يف الدولة سيادتها‪ ،‬ويضاف إليها الرقعة من‬
‫املاء املوازية لسواحلها إىل مدى يقرّه القانون الدولي للبحار‪،‬‬
‫وتعرف باسم املياه اإلقليمية‪ .‬كما يضاف إليه اجملال اجلوي‬
‫الذي يعلو األرض واملياه اإلقليمية‪ .‬ولقد كانت حدود الدولة‬
‫اجلزائرية ممتدة من طرارة بالغرب حتى القالة شرقاً‬
‫ومن اجلزائر مشاالً حتى بسكرة واألغواط جنوباً وذلك‬
‫(‪)3‬‬
‫‪،‬‬ ‫تاريخ الغزو الفرنسي للجزائر‬ ‫‪1830‬‬ ‫إىل غاية‬ ‫‪1515‬‬ ‫من‬

‫‪144‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫فهذه املساحة هي اليت أقامت عليها سلطاتها وهيئاتها يف ذلك‬


‫الزمن‪ ،‬وامتدت عليها القبائل الضاربة على تلك احلدود‪.‬‬
‫وكان إقليمها هذا كالً متكامالً‪ ،‬ومرتبطا بسلطة‬
‫سياسية واحدة‪ ،‬ومعرتف ًا برسم حدوده بواسطة العرف وليس‬
‫مب وجب اتفاقيات أو وثائق دولية أخرى‪ ،‬وهو ما يتفق مع‬
‫القانون الدولي يف الزمن املاضي واحلاضر(‪.)4‬‬
‫‪ – 2‬السكان‪/‬الشعب‬
‫يشري مصطلح الشعب مبعناه العام‪ ،‬إىل جمموع األفراد‬
‫الذين يستقرون على إقليم دولة معينة‪ ،‬وينتمون إليها‬
‫باجلنسية‪ ،‬وهم الذين يطلق عليهم اصطالح رعايا أو مواطنني‪.‬‬
‫فإن لفظ السكان يتسع ليشمل كل من يقيم عل إقليم‬
‫الدولة‪ ،‬سواء كان من شعب هذه الدولة مبعناه االجتماعي‬
‫والسياسي أو من األجانب الذين ال ينتسبون إىل جنسية‬
‫الدولة‪ ،‬والذين ال تربطهم بالدولة سوى رابطة اإلقامة على‬
‫إقليمها‪ .‬وهكذا يتضح اتساع مفهوم السكان عن مفهوم‬
‫الشعب االجتماعي‪ ،‬واتساع مفهوم الشعب االجتماعي عن‬
‫مفهوم الشعب السياسي(‪.)5‬‬
‫إالّ أن ما يهمنا أنه يف منتصف القرن السادس عشر كانت‬
‫‪6.000‬‬ ‫اجلزائر العاصمة تتكون من ‪ 12.000‬سكن من بينها‬
‫يسكنها مسيحيون أوروبيون أو يهود اعتنقوا اإلسالم وهو‬
‫هم‬ ‫‪50.000‬‬ ‫مواطن من هذه الفئة من أصل‬ ‫‪25.000‬‬ ‫ما ميثل‬

‫‪145‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫(‪)6‬‬
‫‪ ،‬إذ مل تكن تسلم شهادة اجلنسية‬ ‫سكان املدينة آنذاك‬
‫إال للذين اعتنقوا اإلسالم‪.‬‬
‫تراوحت تقديرات‬ ‫‪1610 - 1620‬‬ ‫يف الفرتة ما بني‬
‫نسمة يف حني‬ ‫‪200.000‬‬ ‫و‬ ‫‪150.000‬‬ ‫السكان بني‬
‫نسمة دون عدّ‬ ‫‪100.000‬‬ ‫قدر عدد سكانها بـ‬ ‫‪1730‬‬ ‫عام‬
‫(‪)6‬‬
‫و‬ ‫‪1.500.000‬‬ ‫وقدر عدد سكان أيالة اجلزائر‬ ‫العبيد‬
‫‪ 5.000.000‬نسمة(‪ .)7‬وكان اجلزائريني يتكونون من امجالي‬
‫العرب واالمازيغ وبعض القبائل‬ ‫عدد السكان وهم‬
‫الصحراوية وبعد دخول االتراك العثمانني ظهر عرقان هما‬
‫االتراك والكراغلة وذلك مطلع القرن الرابع عشر مع وجود‬
‫االندلسيني‪ ،‬وذلك لعوامل منها‪ :‬هجرات االمازيغ من مصر‬
‫اىل مشال افريقيا‪ ،‬الفتوحات االسالمية جميء العثمانيني‬
‫وظهور الكراغلة‪ ،‬هجرة االندلسيني اىل اجلزائر ومتركزهم‬
‫يف اغلب املدن‪.‬‬
‫وإذا حبثنا عن أعراق الشعب اجلزائري‪ ،‬جند أنه‬
‫مكوّن من العرب واالمازيغ وبعض القبائل الصحراوية‪ ،‬أما‬
‫يف العهد العثماني فكان متباين األصول‪ ،‬إذ كان يتشكل‬
‫من األتراك واجلزائريني‪ ،‬والكراغلة واملهاجرين األندلسيني‪،‬‬
‫والزنزج‪ ،‬واليهود‪ ،‬واألوربيني‪ ،‬هذا جعل التنظيم العثماني‬
‫يتخذ شكال هرميا أخل بالتوازن من حيث املستوى املعيشي‬
‫على أساس الثروة مما أدى إىل ظهور الطبقية اليت حتكّمت‬
‫‪146‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫فيها خمتلف الظروف(‪ .)8‬وكان هذا الشعب‪/‬اجملتمع يعد‬


‫أحسن صورة لوحدته وخصائصه املشكلة هلويته‪ ،‬علما أن‬
‫هذا اجملال ال يزال خصبا‪ ،‬ينتظر جهود الباحثني إلماطة اللثام‬
‫قراءة‬ ‫وإعادة‬ ‫دواخله‪،‬‬ ‫يف‬ ‫املعتملة‬ ‫العناصر‬ ‫عن‬
‫الكتابات الرتكية والغربية على وجه اخلصوص قصد‬
‫تصحيح رؤى غري العلمية‪.‬‬
‫ويف بعض الكتابات الفرنسية املغرضة حاولت اختزال‬
‫الشعب اجلزائري يف كونه خليطا من أجناس متنافرة وافدة‪،‬‬
‫عجزت عن بناء دولة‪/‬أمة‪ ،‬وأن احلكم العثماني ال يعدو أن‬
‫الفرنسيون‬ ‫جاء‬ ‫الشعب‪،‬‬ ‫هلذا‬ ‫استعمارا‬ ‫يكون‬
‫إلنقاذ اجلزائر منه! وال خيفى على الباحثني خطر هذه‬
‫الدراسات التارخيية اليت كانت أحد الروافد القوية لشرعنة‬
‫االحتالل الفرنسي للجزائر‪ .‬يف وقت كان الشعب موحّد‬
‫متديّن وغري متحزّب قامت احلكومة ببنائه دومنا تدخل‬
‫تركي‪.‬‬
‫‪ -‬احلكومة‪/‬السلطة‬ ‫‪3‬‬

‫أود القول بأن احلكومة‪/‬السلطة هي اهليئة اليت‬


‫متتلك القوة‪/‬الشرعية لفرض الرتتيبات واألحكام والقوانني‬
‫الالزمة للحفاظ على األمن واالستقرار يف اجملتمع وتنظيم حياة‬
‫األفراد املشرتكة‪ .‬وال تستطيع احلكومة خدمة مجيع‬
‫األهداف يف آن واحد‪ .‬فتحقيق املساواة يتضارب مع مصاحل‬
‫‪147‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫بعض أفراد اجملتمع‪ ،‬ولكن احلكومة الناجحة هي اليت‬


‫تستطيع املوازنة والتوفيق بني الغايات املعلنة‪ .‬ولقد مرت‬
‫احلكومة‪/‬السلطة يف الدولة اجلزائرية بعدة أطوار خالل‬
‫العهد الرتكي‪ ،‬فلم ينل منها التأكيد اخلاطئ بتبعيتها للباب‬
‫‪-‬‬ ‫(‪1518‬‬ ‫العالي‪ ،‬فمثال ختتلف هذه احلكومة بني الفرتة‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ )1659-‬عن فرتة الدايات‬ ‫(‪1587‬‬ ‫عن فرتة الباشوات‬ ‫‪)1587‬‬
‫‪ ،)1830-‬ونكتفي هنا بعرض الوضع يف العهد األول‬ ‫(‪1671‬‬

‫والثالث فيما يتعلق بهذه احلكومة‪/‬السلطة‪ ،‬حيث كانت‬


‫ممثلة يف حاكم من البايلربايات‪ ،‬يتم تعيينه يف اجلزائر بقرار‬
‫من طرف السلطان العثماني‪.‬‬
‫وقد رأينا يف مرحلة "الدايات" أن "الداي" كان ميثل‬
‫احلكومة الشرعية‪ ،‬وهي تلك اليت يعرتف هلا أفراد اجملتمع‬
‫(‪)9‬‬
‫وتسيري شؤون‬ ‫حبقها يف إصدار القوانني والقرارات‬
‫اجملتمع‪ .‬رغم كونه يعني يف منصبه مدى احلياة‪ ،‬وميارس‬
‫السلطة بصورة مطلقة‪ ،‬فأصبح هو املسؤول العسكري‬
‫والسياسي للجزائر والقاضي األعلى يف أمور احلرب والسلم‬
‫واملسؤول على الضرائب وعلى التوظيف‪ ،‬ولذلك كان القتل‬
‫هو الوسيلة للحدّ من صالحياته‪.‬‬
‫وإذا عدنا إىل املرحلة األوىل‪ ،‬جند أن من أهم اجنازات‬
‫من االسبان‪،‬‬ ‫‪1529‬‬ ‫احلكومة هو حترير "برج فنار" عام‬
‫وحترير "جباية" من االحتالل االسباني عام ‪ ،1555‬وإنهاء‬

‫‪148‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫الوجود االسباني يف تونس عام ‪ .1574‬فضال عن أداء أدى إىل‬


‫ازدهار اجلزائر واستقرار احلياة السياسية فيها وبتحالف‬
‫اجلميع ضد العدو االسباني‪.‬‬
‫وأنشئت احلكومة هيئات امتازت بالقوة وتوطيد‬
‫ركائز احلكم‪ ،‬وتوحيد رقعة البالد‪ ،‬حيث استطاع‬
‫البايلربايات أن حيققوا الوحدة اإلقليمية والسياسية للدولة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬اليت امتد نفوذها وسيطرتها إىل كل اجلهات‬
‫شرقا وغربا وجنوبا‪ ،‬وقضت على كل اإلمارات احمللية‪ :‬إمارة‬
‫تلمسان‪ ،‬اإلمارات احلفصية يف قلعة بين عباس‪ ،‬قسنطينة‬
‫وعنابة‪ ،‬وإمارة جبل كوكو بالقبائل‪ .‬وبذلك امتد نفوذ‬
‫األتراك إىل واحات اجلنوب‪ ،‬والقضاء على الدولة الزيانية‬
‫بتلمسان‪ ،‬وفرض طاعتها على كل املناطق الشرقية والغربية‬
‫واجلنوبية للجزائر‪.‬‬
‫وميكن أن نؤكد بأنها قامت بتنظيم السلطة‬
‫االدارية‪ ،‬سيما يف عهد البايلرباي "حسن باشا ابن خري‬
‫الدين"‪ ،‬ففي واليته الثانية أقام على الصعيد احمللي أربعة‬
‫بايلكات "عمــــاالت"‪:‬‬
‫"دار‬ ‫بايلك اجلزائر ومركزهامدينة اجلزائر‬ ‫‪)1‬‬
‫السلطان"‪.‬‬
‫‪ )2‬بايلك الشرق ومركزها مدينة قسنطينة‪.‬‬
‫‪ )3‬بايلك التيطري ومركزها مدينة املدية‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫‪ )4‬بايلك الغرب ومركزها مدينة مازونة ثم معسكر‬


‫ثم وهران‪ .‬وكان حيكم كل والية "باي" يعيّن مباشرة من‬
‫"الداي"‪ ،‬وكانت الوالية تقسم إىل "أوطان" حيكمها قائد‪،‬‬
‫ويضم كل وطن عدد من القبائل على رأس كل منها "شيخ"‪.‬‬
‫ومتتد السلطة إىل "املدن" اليت يرتأس كل منها شيخ البلد‪.‬‬
‫عالوة على عدد من اهليئات املتخصصة تضم بيت املال‪،‬‬
‫واحملاسبة‪ ،‬واألشغال العامة‪ ،‬واملياه‪ .‬ويرأس كل هيئة‬
‫مسؤول إداري‪ .‬ومهما بلغت هذه احلكومات من تنظيم‬
‫وحفاظ على األمن واالستقرار يف اجملتمع وتنظيم حياة األفراد‬
‫فإنها مل تكن كما يعتقد حتمل طابع‬ ‫املشرتكة‪،‬‬
‫احلكومة الدستورية‪ ،‬اليت ترجع ملبادئ متفق عليها مع أفراد‬
‫اجملتمع لكي حتظى بالطاعة من خالل "حكم القانون"(‪.)10‬‬
‫غري أن مثل هذه احلكومات حتتاج إىل شرعية من نوع ما‬
‫لكي تتمكن من القيام بدورها حلفظ األمن ورعاية املصاحل‬
‫املشرتكة لكي يستطيع أفراد اجملتمع من تسيري شؤون‬
‫حياتهم‪.‬‬
‫ثانيا – أسس الدولة اجلزائرية‪:‬‬
‫إن الغرض الرئيسي املتوخى من دراسة األسس القدمية‬
‫للدولة اجلزائرية هو معرفة التطور التارخيي هلذه الدولة‪،‬‬
‫املنسجم والقانون الدولي‪ ،‬حيث كان هناك أرضا مأهولة‬
‫وذات حكومة واعرتافا وسيادة وحقوق متارس على أرض‬

‫‪150‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫الواقع قبل سنة ‪1516‬م‪ ،‬وهذا ما يتضح من وجود دولة‬


‫رستمية‪ ،‬وأخرى أغلبية‪ ،‬ومحادية وزيانية اخل‪....‬ومجيعها متثل‬
‫كيانات وأشخاص للقانون الدولي وأعضاء يف اجملتمع الدولي‬
‫قبل الفرتة الرتكية‪.‬‬
‫سوف جنري هنا فحصا موضوعيا هلذه الكيانات‪،‬‬
‫قصد دحض احلجج اليت تنكر بعث الدولة اجلزائرية منذ‬
‫عام ‪776‬م‪ ،‬وتوضيح آثارها اإلجيابية على الصعيد الداخلي‬
‫والدولي‪.‬‬
‫‪ – 1‬الدولة الرستمية‪:‬‬
‫يبدو من الضروري قبل كل شيئ أن نسأل عن ما‬
‫يؤيد وجود الدولة الرستمية يف املغرب األوسط؟ جيب توضيح‬
‫‪ 909-‬م‪ ،‬فقد كان‬ ‫‪777‬‬ ‫معنى هذه الدولة اليت ظهرت ما بني‬
‫(‪)11‬‬
‫‪،‬‬ ‫مقرها مدينة "تاهرت أو تيهرت" وتسمى اليوم تيارت‬
‫تقوم على وجود وحدة جغرافية وسياسية واقتصادية‪،‬‬
‫باإلضافة إىل وحدتها الفكرية والروحية‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الدولة مؤيدة من طرف أغلب السكان‪ ،‬لكنها مل تكن‬
‫مبنية على فكرة الدولة القومية "احلديثة"(‪.)12‬‬
‫واملالحظ أنها تكونت بعد سيطر الرستميون على‬
‫مناطق وسط اجلزائر أثناء عهد "ابن عبد الرمحن بن رستم"‬
‫‪ 823-‬م)‪ ،‬الذي وضع نفسه حتت‬ ‫(‪784‬‬ ‫املسمى "عبد الوهاب"‬
‫محاية األمويني الذين كانوا حيكمون األندلس‪ .‬غري أن هذه‬

‫‪151‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫الدولة مل تكن تعمل أو متثل مصلحة "الدولة األموية" حيث‬


‫أن سيادتها ال تصبح الغية بفعل روابطها مع تلك الدولة من‬
‫الوجهة القانونية(‪.)13‬‬
‫وقد شهدت هذه الدولة بعض االضطرابات والتوترات‬
‫واحلروب األهلية اليت تعرفها خمتلف الدول األخرى‬
‫يف اجملتمع الدولي‪ ،‬ولكنها مع ذلك ظلت حمتفظة مبعايري‬
‫السيادة وبعالقات دولية مع دول العامل‪ ،‬حيث أصدرت‬
‫القرارات وأبرمت االتفاقيات الدبلوماسية والتجارية مع دول‬
‫العامل‪ ،‬واستقبلت سفراء هذه الدول‪ ،‬جمسدة بذلك مبدأ‬
‫سيادتها السياسية والقانونية‪ ،‬لكن الكتابات التارخيية‬
‫خففت من اإلشارة إىل ذلك‪ ،‬فلم تربز ما صدر عنها من‬
‫قرارات واتفاقيات ومواجهات ونزاعات بينها وبني دول أخرى‪.‬‬
‫ومع ذلك خنطئ إذا تصورنا أنها كانت أقل شأنا عن باقي‬
‫دول العامل يف ذلك الوقت‪ ،‬أو أنها مل تتبادل املصاحل عرب‬
‫املفاوضات‪.‬‬
‫وميكن احلكم على قيام هذه الدولة من خالل نظـام‬
‫احلكم الذي اتسم عند نشأتها بالبساطة الشديدة‪ ،‬فحاكم‬
‫الدولـة كان يسمى "اإلمام" وحيمل ألقاب أخرى مثل "أمري‬
‫املؤمنني"‪ .‬ولتفسري طبيعة نظام احلكم أكثر عند‬
‫الرستميني(‪ )14‬البد من معرفة أن هذه الدولة وصفت بأنها دولة‬
‫دينية ثيوقراطية‪ ،‬وقيل بأنها دولة مثالية ووصفت أيضا بأنها‬

‫‪152‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫بسيطة بدوية‪ ،‬والبعض يقول بأنها مملكة‪ ،‬يف حني يرى‬


‫آخرون أنها وراثية‪ ،‬وقيل أنها كانت تتلون حبسب الظروف‬
‫واألئمة احلكام‪ ،‬كما وصفت بأنها دميقراطية شورية‬
‫مجهورية‪ ،‬كما قيل عنها أنها إمرباطورية كما وصفهم ابن‬
‫الصغري بالعدل واملساواة وحسن السرية‪.‬‬
‫إن هذه األوصاف اليت جاءت تعرب عن طبيعة الدولة‬
‫ونظام احلكم عند الرستميني‪ ،‬تكاد كلها تنطبق على دول‬
‫ذلك العصر‪ ،‬وخصوصا اإلسالمية منها‪ ،‬وهذا ما يتضح من‬
‫احلجج التالية‪:‬‬
‫أوال – كانت اجلزائر دولة ثيوقراطية‪ ،‬ألنها اعتمدت الدين‬
‫كسلطة عليا وكان أئمتها علماء دين ومن ورائهم الشراة‬
‫فقهاء اإلباضية يراقبون أعمال اإلمام وموظفيه رقابة شديدة‪.‬‬
‫ثانيا – أنها كانت دولة مثالية‪ ،‬لكون نظام احلكم ينطلق‬
‫من الدين اإلسالمي وينتهي إىل الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬أن اجلزائر كانت عبارة عن مملكة‪ ،‬نظرا لتعاقب‬
‫األئمة على سدة احلكم من أسرة واحدة من أوهلم إىل‬
‫أخرهم‪ ،‬وبذلك صورت على أنها مملكة أسرة حاكمة ‪.‬‬
‫وحسب ما يقول مارسيه‪ " :‬رغم أن الرستميني يشكلون أسرة‬
‫حاكمة إال أنهم نظريا منتخبون الواحد تلوى اآلخر‪ ،‬إذ‬
‫يعتربون األكثر أهلية لإلمامة واختيارهم العلماء يف اجملتمع‬
‫اإلباضي بكل حرية (‪")15‬‬

‫‪153‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫رابعا ‪ -‬أن اجلزائر كانت عبارة عن إمرباطورية‪ ،‬حيكم‬


‫امتداد سلطة أئمتها إىل نفوسة بطرابلس وأجزاء واسعة من‬
‫املغرب األدنى شرقا إىل سجلماسة يف املغرب األقصى غربا‬
‫فضال عن املغرب األوسط كله أو جله(‪.)16‬‬
‫وحتى إذا كان الرأي بأن اجلزائر متثل دولة مفهوما‪،‬‬
‫فال ميكن قبوله حبال من األحوال عند البعض‪ ،‬إذا مل‬
‫نؤكد بأن حكم الدولة الرستمية استمر قرن وربع قرن‪،‬‬
‫وتوىل حكمها مثانية أئمة‪ ،‬يف مقدمتهم اإلمام "عبد الرمحان‬
‫‪787-‬م) الذي وضع أركان‬ ‫(‪171- 160‬هـ‪777/‬‬ ‫بن رستم"‬
‫‪-‬‬ ‫(‪171‬‬ ‫الدولة ورتب شؤونها‪ ،‬ثم "عبد الوهاب"‬
‫‪805-‬م) الذي نهج سرية أبيه يف تنظيم الدولة‪ .‬ثم‬ ‫‪190‬هـ‪787/‬‬

‫البنه "أفلح بن عبد الوهاب" ‪(190-240‬هـ‪854- /‬م) الذي‬


‫اتبع هو اآلخر سياسة أبيه‪ .‬ثم اإلمام "أبي بكر بن أفلح"‬
‫‪855-‬م)‪ ،‬حيث شهدت الدولة بداية‬ ‫(‪241- 240‬هـ‪854/‬‬

‫الضعف والرتاجع وحدوث صراع ونزاع بني عناصر اجملتمع‬


‫‪-‬‬ ‫(‪- 281241‬هـ‪855/‬‬ ‫الرستمي‪ .‬ثم أبي اليقظان بن أفلح‬
‫‪894‬م) الذي سعى لتحسني األوضاع الداخلية للدولة الرستمية‬
‫وإنقاذها من االنهيار‪ .‬ثم انتقل احلكم البنه "أبي حامت"‬
‫‪(281-294‬هـ) الذي نشب صراع بينه وبني عمه "يعقوب" ملدة‬
‫‪-‬‬ ‫(‪294‬‬ ‫أربع سنوات‪ .‬ثم خلفه "أبو اليقظان بن أبي اليقظان"‬
‫‪909-‬م) وقد شهد عهده الفنت وعدم االستقرار‪،‬‬ ‫‪296‬هـ‪906/‬‬

‫‪154‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫ويف هذه الفرتة متكن "عبد اهلل الشيعي" من االستحواذ على‬


‫العاصمة "تيهرت" وحينها انتهت الدولة الرستمية‪.‬‬
‫وبذلك ال نستطيع أن ننكر بأن الدولة الرستمية‬
‫شهدت ازدهار كبريا مشل خمتلف اجملاالت‪ ،‬حيث انتشرت‬
‫التجارة وازدهر االقتصاد وعم االستقرار بني أفراد اجملتمع‬
‫الرستمي‪ ،‬وساد األمن والسالم يف دولة موحدة حتت حكم‬
‫وسيادة واحد‪ .‬كما شهدت يف آخر عهدها فرتات من الصراع‬
‫أدت إىل نهايتها‪.‬‬
‫يف آخر املطاف‪.‬‬
‫‪ -‬الدولة األغلبية‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)18‬‬
‫هنا أنها شخصية‬ ‫األصل يف كلمة دولة أغلبية‬
‫معنوية دولية ذات نظام حكم ملكي وراثي‪ ،‬بأراضي مأهولة‬
‫هلا سيادة متارسها داخليا وخارجيا‪ ،‬وليس هلا والء أو تبعية‬
‫لدولة أجنبية‪ .‬وقد استمرت فرتة حكمها ما بني سنة ‪ 800‬إىل‬
‫م‪ .‬وكل كاتب منصف يعتقد أن هذه الدولة تأسست‬ ‫‪909‬‬

‫على يد "إبراهيم بن األغلب" عقب دخوله إفريقية مع قوات‬


‫"حممد بن األشعث" سنة ‪144‬هـ‪761 /‬م‪ ،‬والذي عهد إليه‬
‫اخلليفة العباسي "املنصور" بوالية إفريقية (تونس) سنة ‪148‬هـ‪/‬‬
‫‪765‬م‪ ،‬غري أن سهماً أصابه سنة ‪150‬هـ‪767 /‬م أدى إىل وفاته‬
‫فعرف بالشهيد‪ ،‬وبذلك ينسب تأسيس هذه الدولة إىل‬
‫"إبراهيم بن األغلب"‪ ،‬الذي كان أمريا على مدينة طبنة‬

‫‪155‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫(بسكرة وما جاورها) يف عهد "هارون الرشيد" سنة‪184‬هـ‬


‫(‪)19‬‬
‫املوافق ‪800‬م ‪.‬‬
‫والظاهر أن "إبراهيم بن األغلب" كان سياسيا‬
‫حمنكا‪ ،‬حيث استغل ثورة األمازيغ على والي القريوان‪،‬‬
‫فطالب اخلليفة العباسي "هارون الرشيد" بتوليته املغرب األدنى‬
‫على أن يدفع خلزينة الدولة أربعني ( ‪ )40‬ألف دينار سنويا‬
‫بشرط أن جيعل والية احلكم يف الدولة مقتصرة على ذريته‪،‬‬
‫فوافق "الرشيد" على ذلك بهدف الوقوف يف وجه الدولة‬
‫(‪)20‬‬
‫اإلدريسية يف املغرب واألموية يف األندلس‬
‫وتعود نشأة هذه الدولة إىل املؤسس األول ألسرة‬
‫األغالبة وهو "األغلب بن سامل بن عقال التميمي"‪ ،‬الذي كان‬
‫قائداً يف اجليش التابع للدولة العباسية‪ ،‬وتوىل ذلك من بعد‬
‫ابنه "إبراهيم بن األغلب" الذي أشرنا إليه يف الفرتة ما بني‬
‫عامي ‪800‬م و‪812‬م‪ ،‬حيث توىل إدارة أفريقيا بواسطة "هارون‬
‫الرشيد"‪ ،‬وكان ذلك منذ بداية عام ‪787‬م‪ ،‬ولكن استقل عن‬
‫هذه املهمة عام ‪800‬م‪ ،‬عندما أصبح دور العباسيني غري‬
‫ملحوظ‪ ،‬وخالل فرتة توليه دعمه "هارون الرشيد" كثرياً‪ ،‬غري‬
‫أنه مل يشجعه على االستقالل‪.‬‬
‫ومن خصائص الدولة األغلبية وجود أهالي أو سكان‬
‫وإقليم وحكومة‪ ،‬يلقب رئيسها باألمري‪ ،‬مستقل وغري مقيد‬
‫مبذهب معني‪ .‬وتتكون هذه احلكومة من أمري ووزيران‬
‫‪156‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫مفوضان‪ ،‬باإلضافة إىل وزراء منهم صاحب اخلراج وصاحب‬


‫الربيد وقائد اجليش ومقدم األسطول‪.‬‬
‫ويظهر لي أن حضارة هذه الدولة عرفت ازدهارا‬
‫كبريا‪ ،‬فنشطت احلركة العلمية والتجارية والصناعية‬
‫والفالحية‪ ،‬كما عملت على نشر تعاليم اإلسالم واللغة‬
‫العربية والثقافة اإلسالمية‪ ،‬وقد كانت احلكومة األغلبية‬
‫من أقوى احلكومات آنذاك‪ ،‬حلفظها األمن وحسن‬
‫سياستها للدولة والرعية‪ ،‬كما سيطر األسطول األغليب على‬
‫حوض البحر املتوسط ففتحوا صقلية وسردينيا ومالطة‪.‬‬
‫وميكننا أن نعيد بناء أحداث الدولة األغلبية‪ ،‬باالعتماد على‬
‫احلجج واملعلومات احملددة هلذه الدولة ونظامها السياسي‪.‬‬
‫أ) – شن احلرب‪:‬‬
‫تعرضت "صقلية" للغزو من قبل الدولة األغالبية يف‬
‫الفرتة ما بعد عام ‪827‬م‪ ،‬وتعرضت مدينة "باري" اإليطالية‬
‫لالستيالء عام ‪ 841‬م‪ ،‬ومن بعدها "روما" يف العام ‪ 846‬م‪ .‬ولعل‬
‫للهجرة أمر "أسد بن‬ ‫‪212‬‬ ‫أهم إجنازات هذه الدولة يف عام‬
‫الفرات" وهو قاضي القريوان بتجهيز جيش كبري؛ لتحرير‬
‫جزيرة "صقلية" بقيادة زيادة اهلل بن األغلب‪ ،‬ومتكن من‬
‫االستيالء على جزء كبري منها‪ ،‬ولكنهم مل يستطيعوا‬
‫التوغل فيها أو دخوهلا بشكلٍ كامل؛ نتيجة وفاة هذا‬
‫القائد‪ ،‬ومساعدة الرومانيني ألهالي صقلية‪ ،‬وبعد حصول‬

‫‪157‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫املسلمني على مساعدات من القريوان‪ ،‬توغلوا يف جزيرة‬


‫"صقلية" بقيادة "حممد بن أبي اجلواري"‪ ،‬وتويف "زيادة اهلل"‬
‫يف العام ‪ 221‬للهجرة‪.‬‬
‫ب) ‪ -‬ممارسة السيادة ‪:‬‬
‫ظهرت الدولة األغلبية كدولة صاحبة القوة العليا غري‬
‫املقيدة يف اجملتمع‪ ،‬وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو‬
‫مجاعات أخرى داخل الدولة‪ .‬ومن مظاهر ممارسة السيادة‬
‫استقبال حاكمها "إبراهيم" "شارملان" يف العباسية عاصمة‬
‫الدولة‪ ،‬وعقده هدنة مع حاكم صقلية "قسطنطني" نصت‬
‫على مفاداة األسرى‪ .‬فضال عن قيام "أبو عقال"‪ ،‬مبجموعة‬
‫من اإلصالحات كإزالة الظلم والتخلص من اخلمر ومنعه‪.‬‬
‫إضافةً إىل العديد من اإلجنازات العسكرية؛ كاالستيالء‬
‫على حصون يف صقلية‪ ،‬واالنتصار على الرومانيني الذين‬
‫حاولوا االستيالء على اجلزيرة‪.‬‬
‫ج) – نظام احلكم واإلدارة‪:‬‬
‫عندما نتكلم عن الدولة فإننا نعين جمموعة من‬
‫مؤسسات احلكم ذات سيادة على أرض وسكان حمددة‪.‬‬
‫(‪)21‬‬
‫عدد من‬ ‫وقد توىل مقاليد احلكم يف الدولة األغلبية‬
‫احلكام‪ ،‬واحلكومات اليت تكونت من أمري ووزيران‬
‫مفوضان باإلضافة إىل وزراء منهم صاحب اخلراج وصاحب‬
‫الربيد وقائد اجليش ومقدم األسطول‪ .‬وال ميكن لنا اإلسهاب‬
‫‪158‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫يف بيان حكام هذه الدولة الذين كانوا يلقبون "باألمراء"‪،‬‬


‫وال إجراءات توليهم احلكم ضمن بيعة أو اغتصاب للسلطة أو‬
‫تنازل‪ ،‬نظرا لتعدد من توىل احلكم‪.‬‬
‫واتسم النظام السياسي يف هذه الدولة بالوراثة‪،‬‬
‫فكانت اإلمرة تنتقل من األب إىل االبن أو إىل األخ أو إىل العم‬
‫أو ابن األخ‪ ،‬ومل خيل األمر من وقوع نزاع على العرش‪ ،‬ومل‬
‫يأخذ هذا النزاع منحى حاداً إال يف نهاية حكم األسرة‪.‬‬
‫وتداول على احلكم فيها "إبراهيم بن األغلب" احلكم‪،‬‬
‫واستمر يف منصبه اثنيت عشرة سنة‪ ،‬أي حتى سنة ‪196‬هـ‪/‬‬
‫‪812‬م‪ ،‬وعرف عنه أنه كان فقيهاً‪ ،‬وأديباً‪ ،‬وشاعراً‪،‬‬
‫وخطيباً‪ ،‬وذا رأي وجندة‪ .‬ثم توىل من بعده ابنه أبو العباس‬
‫‪903-‬م) بعد أن تنازل له والده‬ ‫‪902‬‬ ‫‪290-‬هـ‪/‬‬ ‫(‪289‬‬ ‫عبد اهلل‬
‫"إبراهيم" عن احلكم وهو يف صقلية(‪ .)22‬ثم آل احلكم من‬
‫‪296-‬هـ‪/‬‬ ‫(‪290‬‬ ‫بعده إىل ابنه املقيد زيادة اهلل بن أبي العباس‬
‫‪909-‬م)(‪ ، )23‬وإىل "ابن عمه إبراهيم بن أبي األغلب"‪.‬‬ ‫‪903‬‬

‫د) – سقوط الدولة‪:‬‬


‫انهارت هذه الدولة على يد الفاطميني سنة ‪296‬هـ ‪-‬‬
‫‪909‬م‪ ،‬وتعود أسباب سقوطها إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬عنف احلكام ضد الشعب‪ ،‬كما حدث يف منطقة‬ ‫‪1‬‬

‫هـ‪ ،‬وما قام به "املقيد زيادة اهلل بن أبي‬ ‫‪280‬‬ ‫بسكرة سنة‬
‫‪909-‬م)" الذي بدأ عهده بإراقة‬ ‫‪903‬‬ ‫‪296-‬هـ‪/‬‬ ‫(‪290‬‬ ‫العباس‬

‫‪159‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫الدماء‪ ،‬فغدر بأعمامه وإخوته‪ ،‬وقتل بعض فتيانه وقادته‪،‬‬


‫واشرتى بعضهم باملال‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد الدولة على جيش من املرتزقة‪ .‬حيث اشرتى‬ ‫‪2‬‬

‫بعض أمرائها أفراداً من السودان حبجة استخدامهم يف‬


‫الصناعة ختفيفاً على الناس من أعبائها‪ ،‬لكنهم‬
‫يستخدمونهم يف تقوية اجليش بعد تدريبهم على محل السالح‪.‬‬
‫‪ -‬انغماس بعض األمراء يف اللهو والشراب‪ ،‬ومن هؤالء‬ ‫‪3‬‬

‫"زيادة اهلل الثالث" الذي كان آخر أمراء دولة األغالبة‪.‬‬


‫– انتصارات جيش الفاطميني على جيش األغالبة وهو ما‬ ‫‪4‬‬

‫أدى إىل خسارتهم لعدة أقاليم‪ ،‬فقد استوىل اجليش الفاطمي‬


‫على سطيف‪ ،‬ثم قسنطينة سنة ‪292‬هـ‪905 /‬م بعد معركة‬
‫حامية‪ ،‬ثم توالت اهلزائم بعد االستيالء على بَ ْلزَمة وطَبْنة‪،‬‬
‫وتيجَس‪ ،‬وباغاية سنة ‪294‬هـ‪907 /‬م‪ ،‬ثم جمانة وقصر‬
‫اإلفريقي وتيفاش وقاملة أو قالة ومسكيانة وتبسَّة ومديرة‬
‫(حيدرة) ومرماجنة والقصرين ثم توزر وقفصة‪ ،‬واألرْبُس سنة‬
‫‪909‬م بعد معارك حامسة‪.‬‬
‫وأخريا‪ ،‬ميكن القول بأن هذه الدولة حافظت على حدودها‬
‫اجلغرافية والسياسية اليت كانت تتسع وتتقلص حبسب قوة‬
‫أمرائها وضعفهم‪ .‬وارتباط تلك احلدود ارتباطا وثيقا مبا‬
‫كان يسود إقليم الدولة من اضطراب وفوضى وصراع مذهيب‬
‫وثورات اجلند‪ .‬ولذلك فإن حدود واليتها ضمت مساحة واسعة‬

‫‪160‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫من الشمال اإلفريقي‪ ،‬وإذا كنا نستطيع أن حندد حدودها‬


‫الغربية بشكل دقيق نقول‪ :‬إنها كانت تشمل إقليم قسطيلية‬
‫وما يليه مشاال حتى ساحل البحر‪ ،‬وميتد غربا فيشمل النصف‬
‫الشرقي من جبال أوراس وتقف عند حدود ما يعرف اليوم‬
‫ببالد القبائل يف اجلزء الشرقى من مجهورية اجلزائر احلالية‪،‬‬
‫فتدخل فيها قلعة ملبيزة أو قالقل ملبيزة وباغاية وتصل إىل‬
‫البحر فتشمل والية جباية احلالية وتصل إىل جمرى نهر‬
‫شلف(‪.)24‬‬
‫‪ -‬الدولة احلمادية‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫(‪)25‬‬
‫كيان ذات شخصية‬ ‫تعين عبارة "دولة محادية"‬
‫معنوية دولية بنظام حكم ملكي وراثي‪ ،‬كان حيكمها‬
‫أمراء مبساعدة وزراء ووالة وقادة اجليش‪ ،‬ومن املعلوم أنها‬
‫تنسب إىل مؤسسها "محاد بن بلكني بن زيري بن مناد‬
‫‪1014‬‬ ‫الصنهاجي"‪ ،‬الذي كان قد أنشأها سنة ‪ 405‬هـ املوافق‬
‫م‪ ،‬وقد كان هلذه الدولة عاصمة أوىل هي مدينة "القلعة"‬
‫املشهورة بـ "قلعة بين محاد" اليت اختطها األمري "محاد بن‬
‫–‬ ‫(‪1007‬‬ ‫زيري بن مناد بن بلكني"‪ ،‬يف حدود عام ‪398‬هـ‬
‫‪1008‬مـ) ليعلن منها عن تأسيس الدولة "احلمادية " دولة‬
‫مستقلة عن دولة "بين زيري" اليت كان على إمارتها يف ذلك‬
‫الوقت "باديس بن أبي املنصور بن زيري"‪ ،‬وهو ابن أخي محاد‪.‬‬
‫وهناك عاصمة ثانية تأسست عام ‪461‬هـ يف مدينة "جباية"‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫ويساعد على فهم هذه الدولة أكثر تنظيمها اإلداري‪،‬‬


‫فقد تشكلت إدارة مركزية قوامها رئيس الدولة‪ ،‬الذي يلقب‬
‫باألمري أو احلاكم أو امللك‪ ،‬وديوان اإلنشاء وكان على رأسه‬
‫(‪)27‬‬
‫‪،‬‬ ‫كاتب‪ ،‬وديوان الربيد‪ .‬ونظام للجيش وجهاز للوزارة‬
‫فكان أول وزير محادي ذكره املؤرخون هو وزير "حمسن بن‬
‫القائد" والوزير "خلف بن ابي حيدرة"‪ ،‬الذي اعترب وزير سيف‪،‬‬
‫بسبب قمعه لثورة أهل بسكرة‪ ،‬والوزير "ابا بكر بن ابي‬
‫الفتوح"‪ ،‬وكان هذا األخري وزير قلم‪ ،‬حيث كٌلف باملراسلة‬
‫مع األمري "الزيري متيم"‪ .‬والوزير "بين محود")‪ .(28‬وتشكلت‬
‫إدارة حملية من ست واليات هي‪ :‬مليانة‪ ،‬ومحزة (البويرة‬
‫حالياً)‪ ،‬ونقاوس‪ ،‬وقسنطينة‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬ومرسى الدجاج‪،‬‬
‫وأشري‪.‬‬
‫وليس ما يضفي عليها طابعا قانونيا هو إدارتها فحسب‬
‫بل سيادتها اليت كانت متارسها يف عالقاتها اخلارجية‪،‬‬
‫وعدم والئها أو تبعيتها لدولة أجنبية‪ ،‬وتطور حدودها‬
‫اجلغرافية والسياسية‪ .‬فبعد أن كانت منذ تأسيس الدولة إىل‬
‫وفاة األمري "حمسن بن قائد" تشتمل على قلعة بين محاد‪،‬‬
‫مسيلة‪ ،‬طبنة‪ ،‬مزاب‪ ،‬اشري‪ ،‬تاهرت‪ ،‬مرسى الدجاج‪ ،‬بلد‬
‫الزواوة‪ ،‬مقرة‪ ،‬دكامة‪ ،‬بلزمة‪ ،‬وسوق محزة يف عهد "بلقني‬
‫بن حممد" وخضوع مدينة فاس للسلطة احلمادية يف عهد‬
‫"الناصر بن علناس"‪ ،‬أصبحت حدودها بعد تأسيس مدينة‬

‫‪162‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫"جباية" تشمل مدينة مليانة‪ ،‬نقاوس‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬


‫بسكرة‪ ،‬صفاقس‪ ،‬قسطيلية‪ ،‬تونس‪ ،‬والقريوان‪.‬‬
‫وقد تداول على حكمها تسعة أمراء أو سالطني)‪، (29‬‬
‫–‬ ‫‪1008‬‬ ‫يف مقدمتهم " محاد بن بلكني" الذي حكم ما بني‬
‫‪ ،1028‬و" القايد بن محاد" الذي حكم ما بني ‪،1045 – 1028‬‬
‫‪،1046-‬‬ ‫‪1045‬‬ ‫و"حمسن بن قايد" الذي حكم ما بني‬
‫‪-‬‬ ‫‪1046‬‬ ‫و"بلكني بن حممد بن محاد" الذي حكم ما بني‬
‫‪ ،1062‬و"الناصر بن علناس بن محاد" الذي حكم ما بني‬
‫‪ ،1088‬و" املنصور بن الناصر" الذي حكم ما بني‬ ‫‪– 1062‬‬

‫‪ ،1105‬و" باديس بن منصور" الذي حكم ما بني‬ ‫‪– 1088‬‬

‫‪ ،1105 -‬و" عبد العزيز بن منصور" الذي حكم ما بني‬ ‫‪1105‬‬

‫– ‪ ،1121‬و" حيي بن عبد العزيز" الذي حكم ما بني‬ ‫‪1105‬‬

‫‪.1152 – 1121‬‬
‫ومع أنه ال ميكن هنا حتليل أسباب توسع الدولة احلمادية‪،‬‬
‫فمن املعلوم أن هؤالء القادة أو السالطني عملوا على توسيعها‪،‬‬
‫م) مثال توسعت إىل‬ ‫(‪1062- 1055‬‬ ‫ففي عهد "بلكني"‬
‫حدود املغرب األقصى مع دخول "فاس"‪ ،‬ثم يف عهد الناصر‬
‫‪1088-‬م) وصلت إىل تونس والقريوان‪ ،‬كما امتدت‬ ‫(‪1062‬‬

‫أطرافها جنوبا يف الصحراء‪ .‬كما قاد هؤالء السالطني‬


‫حركة عمرانية كبرية ونهضة ثقافية‪ .‬ومع أنه ال ميكننا‬
‫اإلحاطة بأسباب سقوط ونهاية الدولة احلمادية‪ ،‬إال أن ذلك‬

‫‪163‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫راجع إىل الفنت الداخلية‪ ،‬واحلروب الطاحنة مع جريانها)‪.(30‬‬


‫م‪ ،‬وقد بدأت مؤشرات‬ ‫‪1152‬‬ ‫ودخول املوحدين "جباية" سنة‬
‫م عقب دخول أعراب بين هالل املنطقة‪،‬‬ ‫‪1104‬‬ ‫سقوطها سنة‬
‫وتزايد ضغطهم عليها‪ ،‬مما جعل نفوذ هذه الدولة تنحسر‬
‫رقعته إىل املنطقة الساحلية‪.‬‬
‫‪ -‬الدولة الزيانية‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫الدولة الزيانية هي جتمع إقليمي جزائري مرتبط‬


‫بإقليم جغرايف ذي حدود معينة كانت متارس عليه‬
‫اختصاصاتها‪ ،‬عاصمتها مدينة "تلمسان"‪ .‬ويساعد على فهمها‬
‫أكثر أنها استمرت كوحدة مستقلة يف السياسة الدولية ما‬
‫يقارب ثالث قرون‪ ،‬فقد حافظت خالهلا على كيانها‬
‫السيادي‪ ،‬وحدودها وبنظامها السياسي الوراثي امللكي)‪، (31‬‬
‫وعدم السماح ألي من الكيانات الدولية االنفراد بالسيادة‬
‫والسيطرة على إقليمها وسكانها‪.‬‬
‫وبلغة القانون أصبحت هذه الدولة عضوا يف اجملتمع‬
‫)‪ ،‬ويرجع‬ ‫‪1554- 1235‬‬ ‫الدولي خالل الفرتة املمتدة ما بني (‬
‫تأسيسها إىل " أبو حييى يغمراسن بن زيان" الذي حكمها ملدة‬
‫‪ 47‬سنة متكـن خـالهلا مـن وضـع قواعـد وأسـس دولـة قويـة‬
‫سـواء يف عهـده أو مـن بعـده‪ .‬وقد قام بتأسيس دولته‬
‫يف تلمسـان عقب سقوط الدولة املوحدية سنة ‪ ، 1235‬وبعد أن‬

‫‪164‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫كتب إليه اخلليفة املوحدي "عبد الواحد الرشيد بن املأمون"‬


‫بتولي احلكم على والية املغرب األوسط وعاصمتها‪.‬‬
‫وال نريد هنا تناول العـوامل املساعـدة علـى قيـام هذه الدولـة‬
‫وال أصوهلا‪ ،‬ألن ذلك يبعدنا عن اجلانب القانوني وجيعلنا‬
‫أقرب إىل املادة التارخيية‪ ،‬ولذلك سوف اجته إىل معرفة‬
‫أسباب سقوط عضويتها يف اجملتمع الدولي آنذاك‪ ،‬فمن‬
‫املعلوم أن ذلك يعود إىل شـروع الدولة الزيانية يف توسيـع‬
‫أسطوهلـا البحري وتعـزيزه بـأمـهر املـالحـني‪ ،‬وقضاء األسطـول‬
‫اجلزائـري علـى حركـة القرصنة يف البحر‪ .‬ومن األسباب‬
‫األخرى احلروب والنزاعات احلدودية اليت دارت بني‬
‫الزيانيني‪ ،‬واحلفصيني‪ ،‬واملرينيني‪ .‬وتشكيل حتالفات ضد‬
‫الدولة الزيانية للقضاء عليها وعلى جيوشها‪ .‬واندالع حروب‬
‫داخلية‪ ،‬وإثارة فنت داخل اجلزائر حتى باتت على أمت‬
‫االستعداد للقضاء على مملكة بين زيان‪ .‬واستيالء القراصنة‬
‫األوروبيني وخاصة اإلسبان واإليطاليني على خريات املناطق‬
‫)‪(32‬‬
‫الساحلية للجزائر وشواطئها‪ .‬فضال عن متكن "الربابسة"‬
‫من مهامجة هذه الدولة والقضاء عليها‪ ،‬وطرد اإلسبان من‬
‫جباية ثم طرد اإليطاليني من جيجل‪ ،‬وتوحيد اجلزائر حتت‬
‫سلطتهم بعد أن سقطت تـلمسـان بيدهـم سنـة ‪1554‬م‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫خامتة‪:‬‬
‫وما ميكن استخالصه‪ ،‬أن سلسلة من الدول‬
‫اجلزائرية قد تشكلت يف اجلزائر متيزت بنظامها السياسي‬
‫امللكي‪ ،‬وحبدودها الدولية‪ ،‬وكانت متلك قوة اإلرغام‬
‫لضمان االلتزام بقوانينها‪ ،‬ومعاقبة املخالفني‪ ،‬منها ما استمر‬
‫سنة كالدولة الزيانية‪ ،‬لكنها سقطت يف النهاية‬ ‫‪319‬‬ ‫لفرتة‬
‫بسبب الغزو واحتالل مدنها وسواحلها خاصة من االسبان‬
‫وااليطاليني والفرنسيني‪ ،‬وسخط الشعب على احلكومات‬
‫اليت عجزت عن الدفاع عنه أمام العدوان اخلارجي‪.‬‬
‫وبفضل هذه النواة للدول اجلزائرية املتعاقبة على مدى‬
‫التاريخ‪ ،‬أمكن التوصل إىل بناء صيغة جديدة للدولة‬
‫اجلزائرية أثناء العهد الرتكي‪ ،‬جرى تغلب فيها على بعض‬
‫السلبيات السابقة‪ ،‬بل وأمكن البناء عليها بعد االستقالل يف‬
‫تأسيس دولة جزائرية دميقراطية واجتماعية تقوم على القانون‬
‫وتكفل مجيع احلريات ومجيع احلقوق األساسية للفرد‬
‫املعرتف بها يف الدساتري الدميقراطية‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫اهلوامش‪:‬‬

‫‪ - 1‬انظر مؤلفه الثورة اجلزائرية والقانون ‪ ،1961 - 1960‬دار الرائد‬


‫للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2005‬ص ‪.38‬‬
‫‪- 2‬الدكتور حممد جباوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪L'Algérie.‬‬ ‫‪Casbah‬‬ ‫‪Editions.‬‬ ‫‪2000.‬‬ ‫الوسيط‬ ‫انظر‬ ‫‪- 3‬‬
‫صفحة ‪. ISBN 9961-64-189-2. 27 351‬‬
‫‪- 4‬ال يهتم القانون الدولي بسعة األرض اليت تؤلف إقليم الدولة؛ فمثال دولة "سان‬
‫مارينو" ال تتجاوز مساحتها ‪ 59‬كيلو مرتاً مربعاً‪ ،‬يف حني تبلغ مساحة الواليات‬
‫املتحدة األمريكية عشرة ماليني‪ .‬كما ال يضري الدولة أن يكون إقليمها كالً‬
‫متكامالً أو مؤلفاً من أقسام متباعدة (كإندونيسيا واليونان والفيليبني) مادامت‬
‫حدود هذه األقسام معرفة على وجه صحيح‪ ،‬وما دامت ترتبط بسلطة سياسية‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬يعني مفهوم الشعب اجتماعيا كافة األفراد الذين يقيمون على إقليم الدولة‪،‬‬
‫وينتمون إليها‪ ،‬ويتمتعون بجنسيتها‪ ،‬ويطلق على هؤالء رعايا الدولة الوطنيين‪ .‬أما‬
‫معناه السياسي فيقصد به األفراد الذين يتمتعون بحق ممارسة الحقوق السياسية‪،‬‬
‫وعلى األخص حق االنتخاب‪ ،‬أي الذين تدرج أسماؤهم في جداول االنتخابات‪،‬‬
‫ويطلق عليهم جمهور الناخبين‪.‬‬
‫‪ -6‬انظر‬
‫‪Confessions d'un archiviste algérien: Un regard constantinois : études ...‬‬
‫‪Par Abdelkrim Badjadja, p.121 livre en ligne‬‬
‫‪ -7‬انظر‬
‫‪note, le nombre comprend aussi les enfants et les femmes, voir Pierre‬‬
‫‪Boyer, Revue de l'Occident musulman et de la Méditerranée, p.94‬‬
‫‪ -8‬انظر‬
‫‪Pierre Boyer, Les renégats et la marine de la Régence d'Alger. In: Revue‬‬
‫‪de l'Occident musulman et de la Méditerranée, N°39, 1985. pp. 94, 96 et‬‬
‫‪99.livre en ligne‬‬
‫‪: http://ens-‬‬ ‫‪ -9‬انظر منتديات المدرسة العليا لألساتذة بوزريعة‬
‫‪mustapha.mam9.com/t2048-topic#ixzz4byYtvEIZ‬‬
‫‪ - 10‬يطلق على هذه الفرتة بعهد البايلر بايات‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫والدة الدولة اجلزائرية نهائي دراسة قانونية سياسية‬

‫‪ - 11‬تعترب احلكومة والسلطة اليت تصدر قوانني ال يتبعها أحد ليست حكومة وليست‬
‫سلطة‪ .‬واملؤسسة احلاكمة اليت تفرض قوانينها بالقوة على أفراد اجملتمع ودون شرعية‪،‬‬
‫تتحول من وضع احلكومة الشرعية وتقرتب إىل وضع اجليش احملتل‪ ،‬وبالتالي فهي حباجة‬
‫لتوظيف قواتها بصورة مستمرة لفرض قوانينها على أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫‪ - 12‬جيب أن يكون القانون عادال‪ ،‬مبعنى أن إصداره كان من أجل غاية عادلة‬
‫ومقبولة‪ ،‬وأن تطبيقه يشمل مجيع األفراد دون استثناء‪.‬‬
‫‪ - 13‬تنسب هذه الدولة إىل الرستميون‪ ،‬وهم ساللة من اإلباضية حكمت يف اجلزائر‬
‫تونس وليبيا‪ .‬مؤسس الساللة‪ ،‬عبد الرمحن بن رستم (ذو أصول فارسية) كان منذ ‪758‬‬
‫م واليا على القريوان من قبل اإلباضية‪ .‬فر بعد عودة والة العباسيني إليها (القريوان) إىل‬
‫تيهرت‪ ،‬بويع إماما على اجلماعة (‪ 784- 776‬م)‪.‬‬
‫‪ - 14‬ظهرت هذه الدولة بعد اتفاقية وستفاليا سنة ‪ 1648‬يف أوروبا‪.‬‬
‫‪ - 15‬انظر فتيحة قرواز‪ ،‬احلــياة احلضارية يف اجلزائر الرستمية (‪. /777- 909‬ـ‬
‫‪ 260 - 296‬هـ)‪ ، ،‬مذكرة ماسرت غري منشورة‪ ،‬جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف‪،‬‬
‫‪ ،2012/2011‬ص ‪ 58‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 16‬انظر إبراهيم حباز‪ ،‬الطبيعة العامة للحكم عند الرستميني (‪296- 160‬هـ ‪/‬‬
‫‪909- 777‬م)‪ ،‬اجمللة اخللدونية‪ :‬عدد خاص‪ ،‬أكتوبر ‪2009‬م ‪.‬ص‪44‬‬
‫‪ - 17‬انظر جودت عبد الكريم‪ ،‬العالقات اخلارجية للدولة الرستمية‪،‬اجلزائر‪،‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب ‪1984،‬م ‪ ،‬ص‪.69- 52‬‬
‫‪ - 18‬انظر بلحاج طرشاوي‪ ،‬مالمح احلكم الراشد يف دولة بين رستم‪ ،‬اجمللة‬
‫اخللدونية‪ :‬عدد خاص‪ ،‬أكتوبر ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 19‬األغالبة أو بنو األغلب ساللة عربية من بين العنرب بن عمرو من قبيلة بين متيم‬
‫حكمت يف املغرب العربي (شرق اجلزائر وتونس وغرب ليبيا) مع جنوب إيطاليا وصقلية‬
‫وسردينيا وكورسيكا ومالطة‪ .‬ويكيبيديا ‪.‬‬
‫‪ - 20‬انظر حممد الطاليب‪ ،‬الدولة األغلبية‪ :‬التاريخ السياسي (‪ 184‬ـ ‪ 296‬هـ)‪،‬‬
‫تعريب‪ :‬املنجي الصيادي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪،1995‬‬
‫ص ‪.59‬‬
‫‪ - 21‬انظر ابن وردان‪ ،‬مستند تاريخ مملكة األغالبة‪ ،‬دراسة وحتقيق وتعليق ‪ :‬الدكتور‬
‫حممد زينهم حممد عزب‪ ،‬ص‪ .58 - 57‬وحممد الطاليب‪ ،‬الدولة األغلبية‪ ،‬التاريخ‬
‫السياسي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،1995‬ص‪ .292 - 282‬وابن وردان‪ ،‬مستند تاريخ‬

‫‪168‬‬
‫املصادر العدد ‪29‬‬

‫مملكة األغالبة‪ ،‬دراسة وحتقيق وتعليق‪ :‬الدكتور حممد زينهم حممد عزب‪ ،‬ص‪- 61‬‬
‫‪ .64‬وبن وردان‪ ،‬مستند تاريخ مملكة األغالبة‪ ،‬دراسة وحتقيق وتعليق ‪ :‬الدكتور حممد‬
‫زينهم حممد عزب‪ ،‬ص‪.44 - 35‬‬
‫‪- 22‬سك أمراء هذه الدولة النقود بامسهم‪ ،‬وخطبوا هلم على املنابر‪ ،‬من دون أن يسمحوا‬
‫هلم بالتدخل يف شؤونهم الداخلية‪.‬‬
‫‪ - 23‬يعترب ساعد أبيه األمين يف حروبه يف خمتلف األقاليم‪ ،‬والسيما يف قيادة اجليوش‬
‫يف صقلية‪ ،‬كما كان شجاعاً عاملاً باحلرب‪ ،‬حسن النظر يف اجلدل‪ .‬أعاد النظر يف‬
‫أعمال أبيه‪ ،‬وقام بتغيريات يف والية األقاليم‪.‬‬
‫‪ - 24‬أخذ البيعة لنفسه من أهله وأقاربه‪ ،‬وقرأ كتاب البيعة على منرب املسجد اجلامع‬
‫بتونس‪.‬‬
‫‪ - 25‬نظن أن هذه كانت حدود والية إفريقية يف التنظيم الذي وضعه حسان بن النعمان‪.‬‬
‫انظر يف ذلك‪ ،‬اليعقوبي‪ ،‬البلدان‪ ،‬ص‪ .345‬النويري‪ ،‬نهاية األب يف فنون األدب‪ ،‬جـ‪/24‬‬
‫‪.36‬‬
‫‪ - 26‬األغالبة أو بنو األغلب ساللة عربية من بين العنرب بن عمرو من قبيلة بين متيم‬
‫حكمت يف املغرب العربي (شرق اجلزائر وتونس وغرب ليبيا) مع جنوب إيطاليا وصقلية‬
‫وسردينيا وكورسيكا ومالطة‪ .‬ويكيبيديا ‪.‬‬
‫‪ - 27‬انظر حاجيات عبد احلميد ‪،‬كتاب مرجعي حول تاريخ اجلزائر يف العصر‬
‫الوسيط مننشورات املركز الوطين للدراسات والبحث يف احلركة الوطنية وثورة اول‬
‫نوفمرب ‪،1954‬طبعة خاصة نوزارة اجملاهدين ‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ - 28‬انظر بورويبة رشيد نلقبال موسى واخرون‪،‬اجلزائر يف التاريخ ‪،‬ج‪3‬ناملؤسسة‬
‫الوطنية للكتاب ‪،‬اجلزائر ن‪،1984‬ص‪221‬‬
‫‪ - 29‬انظر‬
‫‪https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%AF%D‬‬
‫‪9%8A%D9%88%D9%8‬‬
‫‪ - 30‬انظر حاجيات عبد احلميد ‪،‬املرجع السابق ‪،‬ص‪142‬‬
‫‪- 31‬يلقب رئيسها بأمري املؤمنني‪ ،‬وتعرف أحيانا "مبملكة الزيانيني يف املغرب‬
‫األوسط"‪.‬‬
‫‪ - 32‬نعين ب الربابسة " القائد عروج وشقيقه خري الدين بربروس" أي "ذو اللحية احلمراء‬
‫ألنه كان خيضبها باحلناء"‪.‬‬

‫‪169‬‬

You might also like