You are on page 1of 10

‫‪ :‬المحاضرة األولى‬

‫الجزائر من العهد العثماني إلى االحتالل الفرنسي فالمقاومات الشعبية‬

‫مراحل و خصائص الحكم العثماني في الجزائر‪:‬‬

‫أ‪ -‬عهد البايلربايات ) ‪ :( 1587- 1518‬ميثل هذا العصر أزهى عصور احلكم الرتكي يف اجلزائر‪ ،‬حيث‬
‫ازدهرت البالد يف هذه الفرتة من النواحي التعليمية و االقتصادية ز العمرانية‪ ،‬و ذلك بفضل التعاون بني فئة‬
‫الرياس يف القيادة و أبناء اجلزائر‪ ،‬و قد ساهم يف تنمية البالد و ازدهارها مهاجرو األندلس الذين وظفوا‬
‫خرباهتم و مهاراهتم يف ترقية املهن و البناء العمراين و تقوية االقتصاد اجلزائري‪.‬‬

‫و ميكن تلخيص عصر البايلربايات من خالل أبرز خصائصه و اجنازاته كالتايل ‪:‬‬

‫دام عهد البايلر بايات مدة ‪ 70‬سنة‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫يأيت قرار تعيني احلاكم يف اجلزائر من طرف السلطان العثماين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫كانت السلطة يف يد رياس البحر أو جنود البحرية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫حترير برج فنار عام ‪ 1529‬من اإلسبان‪ ،‬و حترير جباية من االحتالل االسباين عام ‪ ،1555‬و إهناء‬ ‫‪‬‬
‫الوجود االسباين يف تونس عام ‪ 1574‬م‪.‬‬
‫ازدهرت اجلزائر يف هذه الفرتة اليت متيزت احلياة السياسية فيها باالستقرار و حتالف اجلميع ضد العدو‬ ‫‪‬‬
‫االسباين‪.‬‬
‫بداية بناء األسطول اجلزائري و تأسست فيها الوحدة اإلقليمية للجزائر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫عهد الباشوات ) ‪ 1659-1587‬و قد متيزت هذه املرحلة من مراحل احلكم العثماين يف اجلزائر مبا‬ ‫ب‪-‬‬
‫يلي‬

‫تعيني باشا تركي يف كل من اجلزائر و تونس و طرابلس‪ ،‬بعد أن كان هناك حاكم واحد للمنطقة يوجد‬ ‫‪‬‬
‫مقر حكمه باجلزائر‪.‬‬
‫قيام السلطان العثماين بتعيني باشا كل ‪ 3‬سنوات يقوم بإرساله من تركيا و يستدعيه بعد انتهاء فرتة تعيينه‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫على أن يقوم بإرسال باشا آخر من هناك‪ ،‬و بالتايل أصبح كل باشا يشعر أنه ليس يف حاجة إىل والء‬
‫الشعب مادامت مدة واليته حمدودة‪ ،‬فأصبح مهه الوحيد هو مجع أكرب قدر ممكن من األموال طوال فرتة‬
‫حكمه‪ .‬و مادام احلصول على الثروة هو اهلدف األساسي للباشوات فقد أصبحت قضية احلكم مسألة‬
‫ثانوية ال هتمهم‪.‬‬

‫انصراف الباشوات إىل السلب و النهب و مجع الثورة قبل عودته إىل القسطنطينية‪ ،‬مما دفع باليولداش أو‬ ‫‪‬‬
‫رجال اجليش الربي إىل الثورة عليهم و إضعاف نظام احلكم يف اجلزائر‪.‬‬
‫التصادم و التنافر بني جنود البحرية و جنود القوات الربية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫بروز قوة الرياس أو قوة رجال البحرية اجلزائرية إىل درجة أن دول أوروبا أصبحت ختشى اجلزائر و تسعى‬ ‫‪‬‬
‫إلقامة عالقات تعاون‬

‫عهد اآلغاوات ) ‪:(1671-1659‬‬ ‫ت‪-‬‬

‫و من أهم خصائص هذا العهد نذكر‪:‬‬

‫‪-‬كانت سلطة التنفيذية بيد أحد أعضاء اجليش االنكشاري‪ ،‬أما السلطة التشريعية فيتوالها الديوان‪.‬‬
‫‪-‬أصبحت طائفة الرياس حتتل مكانة ثانوية يف شؤون احلكم‪ ،‬و باملقابل سيطرة االنكشارية على السلطة ‪.‬‬
‫‪-‬قرر ديوان االنكشارية أن يتوىل اآلغا احلكم عن طريق االنتخاب‪ ،‬على أن يبقوا يف احلكم ملدة شهرين‬
‫اثنني فقط‪ ،‬و بالتايل أصبح الديوان هو الذي يقوم بانتخاب " اآلغا " املنتدب للحكم‪ ،‬بعدما كان احلاكم‬
‫يعني من قبل السلطان العثماين خالل مرحليت " البيلربايات‪ ،‬و الباشاوات" ‪.‬‬
‫‪-‬اضمحالل نفوذ السلطان العثماين و غياب السيادة العثمانية يف اجلزائر‪ ،‬و نتج عن ذلك استياء تركيا من‬
‫انفصال حكام اجلزائر عنها و قطع كل املساعدات عنهم‪.‬‬
‫‪-‬و ضع االغتيال كقاعدة أساسية لكي حيل آغا جديد حمل آغا قدمي رفض التخلي عن السلطة ‪ ،‬وانتهت‬
‫مدته ‪،‬األمر الذي جعل كل اآلغاوات يقتلون عندما حاولوا عدم التخلي عن مناصبهم ‪.‬‬
‫‪-‬استفحال الصراعات احمللية سواء بني ضباط اجليش الربي أو ضباط اجليش البحري ‪ ،‬و تذمر أبناء‬
‫الشعب من الفساد السياسي و انتشار الفوضى يف البالد‪.‬‬
‫ت‪ -‬عهد الدايات ) ‪:(1830-1671‬‬

‫و تتميز فرتة الدايات باخلصائص التالية ‪:‬‬

‫كان لفئة الرياس دورا بارزا يف تأسيس حكم الدايات الذين عملوا على تقليص نفوذ الديوان‪ ،‬و‬ ‫‪‬‬
‫أصبحت سلطته شكلية‪ ،‬و بدخول اجلزائر عهد الدايات عرفت استقرارا سياسيا‪.‬‬
‫تعترب فرتة الدايات من أهم الفرتات اليت مرت هبا اجلزائر‪ ،‬حيث دامت مدة ‪ 159‬سنة وهي تعادل‬ ‫‪‬‬
‫نصف تاريخ التواجد العثماين باجلزائر‪ ،‬و ميكن أن نطلق على هذه املرحلة مبرحلة االستقالل احلقيقي‬
‫للجزائر عن الدولة العثمانية يف تسيري شؤوهنا الداخلية و اخلارجية‪ ،‬يعني الداي يف منصبه مدى احلياة‪،‬‬
‫حيث كان هو املسؤول العسكري و السياسي للبالد ‪ ،‬والقاضي األعلى يف أمور احلرب و السلم و‬
‫املسؤول على الضرائب و على التوظيف‪ ،‬أي له صالحيات غري حمدودة فقد كان القتل هو الوسيلة‬
‫للحد من صالحياته‬

‫االحتالل الفرنسي للجزائر‪* 1830‬‬

‫‪ :‬خلفيات االحتالل‬

‫رغبة شارل العاشر يف إجياد تع›اون وثي›ق م›ع روس›يا يف ح›وض البح›ر االبيض املتوس›ط ح›ىت يتغلب على‬ ‫‪‬‬
‫اهليمن ››ة الربيطاني ››ة يف ه ››ذا البح ››ر‪ ،‬و التمرك ››ز يف مين ››اء اجلزائ ››ر ال ››ذي ك ››ان يعت ››رب يف نظ ››ر املل ››ك تابع ››ا‬
‫لإلمرباطورية العثمانية ‪.‬‬
‫ت ››أزم األوض ››اع السياس ››ية الداخلي ››ة يف فرنس ››ا بع ››د ت ››ويل ش ››ارل العاش ››ر احلكم يف س ››نة ‪ ، 1824‬س ››عي‬ ‫‪‬‬
‫حكوم ››ة ش ››ارل العاش ››ر إىل إهلاء ال ››رأي الع ››ام الفرنس ››ي عن مش ››اكل فرنس ››ا الداخلي ››ة بقض ››ية خارجي ››ة و‬
‫حتقي ››ق نص ››ر سياس ››ي على املعارض ››ة الليربالي ››ة‪ ،‬و إبع ››اد الض ››باط املش ››كوك يف والئهم‪ ،‬ل ››ذلك س ››عت إىل‬
‫توتري العالقات مع اجلزائر الختالق ذريعة لغزوها‪.‬‬
‫اعتبار حكومة الرياس يف اجلزائر تابعة لإلمرباطورية العثمانية اليت بدأت تنهار‪ ،‬و ال››دول األوروبي››ة تتهي››أ‬ ‫‪‬‬
‫لالستيالء على األراضي التابعة هلا ‪.‬‬
‫تطل ››ع فرنس ››ا إىل التع ››ويض عم ››ا فقدت ››ه من مس ››تعمرات و مراك ››ز يف أمريك ››ا الش ››مالية و اهلن ››د و غ ››رب‬ ‫‪‬‬
‫افريقي›ا ) الس›نغال( عقب ح›رب الس›نوات الس›بع ) ‪ (1763-1756‬ض››د بريطاني›ا ‪ ،‬و ك›ذلك بعض‬
‫األراضي يف أوروبا بعد حروب نابليون ‪.‬‬

‫‪ ‬اهنزام اجليش الفرنس ››ي يف أوروب ››ا و فش ››له يف احتالل مص ››ر و االنس ››حاب منه ››ا حتت ض ››ربات الق ››وات‬
‫االجنليزية يف سنة‬
‫‪ ،1801‬و اهنزامه مرة أخرى مع نابليون يف معركة واترلو ‪ 1815‬و حتالف الدول الكربى ضد اجليش‬
‫الفرنسي يف أوروبا‬

‫‪ ،‬جعل امللك شارل العاشر يفكر يف اشغال اجليش مبسائل حيوية و املتمثلة يف التوسع يف افريقيا باحتالل‬
‫اجلزائر ‪ ،‬و بالتايل يتخلص امللك من إمكانية قيام اجليش بانقالب ضده يف فرنسا‪.‬‬

‫اس ››تغالل فرص ››ة حتطم األس ››طول اجلزائ ››ري يف معرك ››ة ناف ››ارين جن ››وب اليون ››ان يف ‪ ،1827‬مما أدى إىل‬ ‫‪‬‬
‫انكشاف السواحل اجلزائرية و بقائها دون محاية ‪.‬‬

‫ميكن أن نلخص خلفيات فرنسا االقتصادية يف احتالهلا جلزائر فيما يلي‪:‬‬

‫اعتق››اد فرنس››ا أهنا ستحص››ل على غنيم››ة تق››در ب ‪150‬ملي››ون فرن››ك توج››د خبزين››ة ال››داي‪ ، .‬و يفتخ››ر‬ ‫•‬
‫الفرنس›يون ب›أهنم مل يقوم››وا حبمل›ة راحبة يف أي مك›ان مث›ل اجلزائ›ر‪ ،‬فحمل›ة اجلزائ›ر ق›د فاض››ت و مسحت‬
‫بتعويض تكاليف احلملة ‪.‬‬
‫تطل ››ع فرنس ››ا إىل ث ››روات اجلزائ ››ر الزراعي ››ة و املعدني ››ة و أس ››واقها التجاري ››ة‪ ،‬خاص ››ة بع ››د انطالق ثورهتا‬ ‫•‬
‫الصناعية عام ‪،1825‬‬

‫إن الص››راع ال››ذي ك››ان قائم››ا بني ال››دول املس››يحية األوروبي››ة و الدول››ة العثماني››ة اإلس››المية ق››د انعكس‬ ‫•‬
‫على اجلزائ ››ر‪ ،‬خاص ››ة بع ››د التع ››اون الوثي ››ق بني ال ››دولتني حلماي ››ة املس ››لمني و ال ››دفاع عن اإلس ››الم‪ ،‬األم ››ر‬
‫الذي دفع بالدول املسيحية يف أوروبا أن تتعاون فيما بينها لضرب املسلمني يف اجلزائر و يف اسطنبول‪.‬‬
‫الرغبة يف إحياء املسيحية يف إفريقيا بتنصري اجلزائر‪،‬‬ ‫•‬
‫الحملة الفرنسية على الجزائر‪:‬‬ ‫•‬
‫يعود تاريخ احلصار البحري على اجلزائر إىل يوم ‪ 16‬جوان ‪ ،1827‬أي بعد حوايل شهرين من رفض الداي‬
‫حسني إعطاء ترضية‬
‫لألسطول الفرنسي الراسي أمام مدينة اجلزائر‪ ،‬و كانت احلكومة الفرنسية تسعى للحصول على هذه الرتضية‬
‫لتجعل من نفسها الدولة صاحبة االمتيازات اخلاصة بالدولة اجلزائرية‪ ،‬و ذلك حبجة رد االعتبار للشرف‬
‫الفرنسي الذي أهني حسب زعمها يف حادثة املروحة‪.‬‬

‫و يعترب احلصار البحري الفرنسي للجزائر جمازفة عسكرية ملا ترتب عليه من أضرار حلقت بالبحرية الفرنسية و‬
‫ما نتج عنه من خسائر باهظة أضعفت قدرة األسطول الفرنسي اهلجومية‪.‬‬

‫إن كل هذه التكاليف و اخلسائر النامجة عن احلصار جعلت من هذه العملية العسكرية عدمية اجلدوى‪ ،‬و قد‬
‫كان هلذه النتيجةالسلبية أثرها الواضح على موقف الساسة الفرنسيني‪ ،‬إذ أصبح كثري منهم يفكر يف وضع حد‬
‫هلذه العملية‪ ،‬و هذا ما أدى إىل اختاذ قرا غزو اجلزائر ‪.‬‬

‫بعد مصادقة احلكومة الفرنسية برئاسة بولينياك و امللك شارل العاشر يوم ‪ 30‬جانفي ‪ 1830‬على مشروع‬
‫احلملة على اجلزائر‪ ،‬قامت السلطات الفرنسية بتهيئة الرأي العام الفرنسي و األورويب ليتقبل فكرة أن هذه‬
‫احلملة جاءت انتقاما لشرف فرنسا و أوروبا املسيحية‪ ،‬فجهزت القوات الفرنسية نفسها و انطلقت من ميناء‬
‫تولون احلريب يوم ‪ 16‬ماي ‪ ،1830‬على منت ‪ 500‬سفينة حربية‪ ،‬لكن هذه العملية اجهضت بسبب‬
‫العواصف ‪.‬‬

‫و يف يوم ‪ 14‬جوان ‪ ،1830‬نزلت القوات الفرنسية املكونة من ‪ 37000‬عسكري بقيادة ديبورمون‪De‬‬


‫‪ Bourmont‬بسيدي فرج‪ ،‬و قد ضمت احلملة أيضا ستة عشر قسيسا‪ ،‬و كانت حمملة مبدفعية و عتاد‬
‫عسكري ضخم و مؤونة كافية ملدة أربعة أشهر‪ ،‬مكثت هناك مدة أربعة أيام يف انتظار وصول إمدادات‬
‫أخرى ‪.‬‬

‫فيما خيص اجليش اجلزائري‪ ،‬فكان يضم ‪ 7000‬عسكري و ‪ 40000‬متطوع قدموا من اجلزائر‪ ،‬قسنطينة و‬
‫وهران‪ ،‬كان هذا اجليش غري منظم و حبوزته أسلحة حمدودة و كان بقيادة صهر الداي اآلغا إبراهيم ‪.‬‬

‫بعد استيالء الفرنسيني على قلعة موالي حسن )حصن اإلمرباطور( مجع الداي حسني أمناء الطوائف و أعيان‬
‫املدينة و رجال القانون و الدين و شرح هلم الوضع الذي عليه البالد و طلب منهم النصيحة ملواجهة املوقف‪،‬‬
‫فوجد احلاضرون أنفسهم يف حرج‪ ،‬هل ينصحون باملقاومة أو باالستسالم‪ ،‬و بعد دراسة الوضع من عدة‬
‫جوانب عربوا عن استعدادهم ملواصلة احلرب و أهنم على أمت االستعداد لطاعته مهما كان قراره ‪.‬‬

‫و يف ال‪ 4‬جويلية ‪ 1830‬أرسل الداي حسني كاتبه مصطفى مصحوبا بالقنصل االجنليزي و أمحد بوضربة و‬
‫حسن بن محدان خوجة إىل مقر القيادة الفرنسية للتفاوض مع دوبورمون‪.‬‬
‫و بعد التفاوض وقعت املعاهدة يف ‪ 5‬جويلية ‪ ،1830‬و قد نصت هذه املعاهدة على‪:‬‬

‫‪- 1‬تسلم قلعة القصبة و كل القالع األخرى املتصلة باملدينة و مينائها إىل اجليش الفرنسي صباح يوم ‪5‬‬
‫جويلية ‪.1830‬‬

‫‪- 2‬يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي أمام سعادة باشا اجلزائر أن يرتك له احلرية و كل ثرواته الشخصية‪.‬‬

‫‪- 3‬س››يكون الباش››ا ح››را يف أن ي››ذهب ه››و و أس››رته و ثروات››ه اخلاص››ة إىل املك››ان ال››ذي يق››ع علي››ه اختي››اره‪ ،‬ف››إذا‬
‫فض››ل البق››اء يف اجلزائ››ر فل››ه ذل››ك‪ ،‬ه››و و أس››رته حتت محاي››ة القائ››د الع››ام للجيش الفرنس››ي‪ ،‬و س››يعني ل››ه ح››رس‬
‫لضمان أمنه الشخصي و أمن أسرته‪.‬‬

‫‪- 4‬يتعهد القائد العام لكل اجلنود االنكشاريني بنفس املعاملة و نفس احلماية‪.‬‬

‫‪- 5‬سيظل العمل بالدين اإلسالمي حرا‪ ،‬كما أن حري››ة الس››كان مهم››ا ك››انت طبقتهم‪ ،‬و دينهم و أمالكهم و‬
‫جتارهتم‪ ،‬و صناعتهم لن يلحقها أي ضرر‪ ،‬و ستكون نساءهم حمل احرتام‪.‬‬

‫المواقف الدولية من احتالل الجزائر‪:‬‬

‫إن االحتالل الفرنسي للجزائر خلق عددا من املواقف الدولية املختلفة حوله‪ ،‬فتتباين هذه املواقف بني املؤيدة‪،‬‬
‫املعارضة و املتحفظة‪ ،‬و فيما يلي سنذكر أهم هذه املواقف‪:‬‬

‫على المستوى الغربي‪:‬‬

‫كان موقف الدول األوروبية يف عمومه مؤيد للغزو و االحتالل‪ ،‬بل عرضت عديد من هذه الدول خدمات‬
‫ضباطها على فرنسا‪ ،‬و قد جاء هذا التأييد لتحويل أنظار فرنسا من منطقة الراين و منطقة البلقان و بالتايل‬
‫التخلص من منافس عنيد ‪ ،‬أما على املستوى املغاريب كان باي تونس من املؤيدين لالحتالل انتقاما من دايات‬
‫اجلزائر‪ ،‬املغرب ‪ :‬التزم التحفظ و الصمت‪ ،‬على نقيض شعبه الذي كان مع اجلزائر ‪ .‬طرابلس ‪ :‬فقد عارضت‬
‫احلملة سياسيا‬

‫على مستوى الدولة العثمانية‪ :‬كانت الدولة العثمانية منشغلة بثورة اليونان و هتديدات روسيا وبذلك تنتهي‬
‫فرتة احلكم العثماين وتبدأ مرحلة االحتالل الفرنسي الذي دام ‪ 132‬سنة‬

‫‪:‬المقاومات الشعبية‬

‫أ‪ -‬مقاومة األمير عبد القادر بالغرب الجزائري ( ‪)1847-1830‬‬


‫تعترب من أبرز املقاومات الشعبية حيث شارك األمري عبد القادر يف اهلجومات اليت شنها والده حمي الدين على العدو الفرنسي‬
‫املتواجد مبدينة وهران‪ ،‬و قد متكن الشيخ حمي الدين من مضايقة العدو‪ ،‬و يف هذه الفرتة برزت شخصية ابنه " عبد القادر "‪،‬‬
‫حيث أظهر يف املعارك اليت شارك فيها مع والده شجاعة كبرية‪.‬‬

‫‪ -‬مراحل مقاومته ‪:‬‬

‫مرت مقاومة األمري عبد القادر بثالث مراجل نوجزها فيما يلي‪:‬‬

‫‪-‬مرحلة االنطالق و القوة (‪ :)1837-1832‬مسيت هذه املرحلة باالنطالق أل‪‬ا شهدت بداية مقاومة األمري عبد القادر‬
‫لالحتالل الفرنسي كأمري و قائد للجهاد‪ ،‬و بداية بناء اللبنة األوىل للدولة اجلزائرية احلديثة هذا من جهة‪ ،‬و وصفت من جهة‬
‫أخرى هذه املرحلة بالقوة ألن ميزان القوة كان لصاحل قوات األمري‪ ،‬حيث تفوق يف أغلب املواجهات العسكرية بينه و بني‬
‫العدو‪ ،‬و انتهت هذه املرحلة بإبرام معاهديت دي ميشال يف ‪ 26‬فيفري ‪ 1834‬ومعاهد التافنة يف ‪ 30‬ماي ‪1830‬‬

‫‪-‬مرحلة تنظيم الدولة ( ‪ ( )1839-1837‬اهلدوء املؤقت )‪:‬‬

‫استغل األمري عبد القادر معاهدة التافنة و عاد إلصالح حال بالده و ترميم ما أحدثته املعارك باحلصون والقالع و تنظيم شؤون‬
‫البالد‪ ،‬و كذا لتعزيز قواته العسكرية و تنظيم دولته من خالل اإلصالحات اإلدارية و التنظيمات العسكرية اآلتية ‪:‬‬

‫‪-‬مرحلة الضعف (‪ )1847-1839‬حرب االبادة ‪ :‬و يف هذه املرحلة بدأت الكفة ترجح لصاحل العدو بعد استيالئه‬
‫على عاصمة األمري تاقدامت ‪ ،1841‬مث سقوط الزمالةعاصمة األمري املتنقلة‪ -‬سنة ‪ 1843‬و على إثر ذلك اجته األمري إىل‬
‫املغرب يف أكتوبر عام ‪ 1843‬الذي ناصره يف أول األمر مث اضطر إىل التخلي عنه على إثر قصف األسطول الفرنسي‬
‫ملدينة( طنجة والصويرة )‪ ،‬و حتت وطأة اهلجوم الفرنسي يضطر السلطان املغريب إىل طرد األمري عبد القادر‪ ،‬بل و يتعهد‬
‫للفرنسيني بالقبض عليه‪ .‬األمر الذي دفعه إىل العودة إىل اجلزائر يف سبتمرب ‪ 1845‬حماوال تنظيم املقاومة من جديد‪ .‬ووضع‬
‫سيفه سنة ‪ 1847‬ويكمل حياته يف السجون الفرنسية مث منفيا يف الشام اىل غاية وفاته سنة ‪1883‬‬

‫ب‪-‬مقاومة الحاج أحمد باي بقسنطينة ( ‪)1848 -1830‬‬

‫‪-‬احلملة األوىل على قسنطينة ‪:1836‬‬

‫عندما متكنت فرنسا من احتالل ميناء عنابة‪ ،‬و يئست من إرغام أمحد باي على االستسالم‪ ،‬بدأت هتدده باإلطاحة به‪ ،‬مث‬
‫قررت أن تستويل على عاصمته و تضع حدا ملقاومته‪ .‬و من أجل ذلك جهزت محلة قوامها حنو ‪ 8700‬رجل ‪ ،‬خرجت من‬
‫عنابة يوم ‪ 8‬نوفمرب ‪ 1836‬بقيادة كلوزيل‪.‬‬

‫و من جهته جند أمحد باي ‪ 1500‬رجل من املشاة و ‪ 5000‬من الفرسان و استعد ملواجهة اجليش الفرنسي يف واد الكالب‬
‫لكنه انسحب إىل مدينة قسنطينة عندما شعر أنه غري قادر على حماربتهم ألن جيشهم كان أقوى ‪.‬‬
‫ضربت القوات الفرنسية على قسنطينة حصار دام ثالثة أيام ( ‪ 23-22-21‬نوفمرب ) ‪ ،‬و يف اليوم التايل رفع الغزاة حصارهم‬
‫بعدما تكبدوا خسائر جسيمة و أوشكت ذخائرهم على النفاذ ‪ ،‬و انسحبوا إىل عنابة منهزمني ‪ .‬و قد دفعت تلك اهلزمية‬
‫احلكومة الفرنسية إىل عزل كلوزيل من منصبه يف ‪ 13‬جانفي ‪ ، 1837‬و تعيني اجلنرال " دامرميون " ( ‪) Damrémont‬‬
‫خلفا له ‪ ،‬و اعداد محلة غزو ثانية‪.‬‬

‫‪-‬الحملة الثانية على قسنطينة ‪:1837‬‬

‫بعد إبرام الفرنسيني معاهدة التافنة مع األمري عبد القادر‪ ،‬تفرغوا جمددا لقتال أمحد باي‪ ،‬فسريوا محلة كبرية إىل قسنطينة بقيادة‬
‫احلاكم العام " دامرميون " ضمت ‪ 20.400‬رجل‪ ،‬و مدفعية قوية بقيادة اجلنرال فايل ( ‪ ،) Valée‬و فرقة هندسة عالية‬
‫التجهيز‪.‬‬

‫وصلت احلملة الفرنسية إىل قسنطينة يوم ‪ 5‬أكتوبر‪ 1837‬و حاصرا‪ ،‬و أمطرت القوات أسوار املدينة بوابل ال يكاد ينقطع من‬
‫القنابل ‪ ،‬مركزين على أجزاء من األسوار اجلنوبية الغربية‪ .‬و من الثغرات اليت أحدثتها الضربات يف أسوار املدينة دخل الغزاة‬
‫قسنطينة يف ‪ 13‬أكتوبر ‪، 1837‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثانية ‪ :1848-1837‬رغم ضياع عاصمة بايليك الشرق إال أن احلاج أمحد باي أىب إلقاء السالح و‬
‫االستسالم للعدو ‪ ،‬رغم أن فرنسا عرضت عليه األمان و محله إىل بالد إسالمية فرفض‪ .‬ظل احلاج أمحد باي يقاوم باعتماده‬
‫على حرب العصابات ‪ ،‬فكان يتنقل من قبيلة إىل أخرى ‪ ،‬و من اجلبل إىل الصحراء ‪،‬يف كل من بسكرة ‪ ،‬نواحي عني البيضاء‪،‬‬
‫النمامشة‪ ،‬األوراس و أوالد سلطان غريب باتنة احلضنة ‪ ...‬حماوال تعبئة القبائل ملواصلة اجلهاد و مهامجا املراكز العسكرية‬
‫الفرنسية إىل غاية صيف ‪.1848‬‬

‫* بعض االنتفاضات الشعبية األخرى ضد االحتالل الفرنسي‪:‬‬

‫ج‪-‬مقاومة الشيخ بوعمامة‪:‬‬

‫اندلعت مقاومة الشيخ بوعمامة سنة ‪ 1881‬باجلنوب الوهراين‪ ،‬انطلقت هذه املقاومة من بلدة مغرار التحتاين الواقعة على‬
‫بعد ‪ 60‬كم جنوب عني الصفراء ‪.‬‬

‫و قد مرت مقاومة الشيخ بوعمامة بثالثة مراحل‪ :‬املرحلة األوىل‪ :‬مرحلة القوة ‪1882-1881‬بدأت هذه املرحلة عند مقتل‬
‫الضابط وينربنري يف عني احلجل يف ‪ 22‬أفريل ‪ ،1881‬فكانت هذه احلادثة سببا مباشرا إلعالن املقاومة من قبل الشيخ‬
‫بوعمامة‪ ،‬و تعترب هذه املرحلة مرحلة قوة و نشاط‪ ، ،‬و دارت يف هذه املرحلة معارك طاحنة و مواجهات عنيفة تكبد فيها‬
‫الطرفان خسائر معتربة‪ .‬أما املرحلة الثانية‪ :1883 -1903 :‬اتسمت هذه املرحلة بانسحاب الشيخ بقواته حنو بلدة فكيك‬
‫املغربية مث حنو منطقة دلدول باجلنوب اجلزائري‪ ،‬و باستمرار املناوشات بني الطرفني‪ ،‬و بتبادل الرسائل بني الشيخ و السلطات‬
‫الفرنسية و املغربية من جهة‪ ،‬إىل جانب مراسالته لبعض الشخصيات و القبائل اجلزائرية من جهة أخرى‪ ،‬كما عمل الشيخ‬
‫على ضمان االتصال املستمر مبنطقة فجيج و منطقة وجدة يف الشمال إبقاء للروابط الروحية و التجارية بني الشمال و‬
‫اجلنوب‪ ،‬و ضمانا لطرق التموين والتزود بالسالح و العتاد احلريب‪ ،‬كما توسع نفوذ احلركة ليشمل القبائل اجلزائرية و املغربية‬
‫يف اجلنوب الكبري ‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة‪ 1908-1904:‬متيزت هذه املرحلة األخرية من مقاومة الشيخ بوعمامة بانتقال الشيخ إىل منطقة وجدة مشال‬
‫شرقي املغرب األقصى‪ ،‬و بانضمام قواته إىل حركة الثائر اجلياليل الزرهوين ضد السلطان املغريب‪ ،‬و باستمرار املناوشات و إقامة‬
‫الكمائن للقوات الفرنسية‪ ،‬و مهامجة القبائل اخلاضعة للنفوذ الفرنسي يف املناطق احلدودية و يف اجلهات اجلنوبية اليت كان‬
‫الفرنسيون ينعتوه ا باجلنوب الوهراين‪ ،‬و قد استقر الشيخ بوعمامة يف منطقة بالقرب من العيون أين أسس زاويته و عاش فيها‬
‫حىت وافته املنية سنة ‪. 1908‬‬

‫وهناك مقاومات كثرية منها مقاومة الزعاطشة سنة ‪1849‬جنوب غريب مدينة بسكرة بزعامة الشيخبوزيان مقدم الطريقة‬
‫الدرقاوية باملنطقة‪ ،‬و حممد الصغري بن عبد الرمحان‪ ،‬و احلاج موسى الدرقاوي و انتهت معركة الزعاطشة باستشهاد القادة‬
‫احملليني و كل السكان و اجمل اهدين تقريبا‪ ،‬و ختريب الواحة و هدم دورها عن آخرها‪ ،‬و انتهاك حرمات أهلها وسط جثث‬
‫الشهداء‪،‬‬

‫كذلك مقومة بوبغلة وفاطة نسومر واملقراين واحلداد وغريها من املقاومات اليت وقفت يف وجه االحتالل الفرنسي ‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫*إحدادن زهري‪ :‬املختصر يف تاريخ الثورة اجلزائرية‪ ،1962-1954،‬ط‪ ،1‬مؤسسة احدادن‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫*بوعزيز حيي ‪ :‬سياسة التسلط االستعماري و احلركة الوطنية اجلزائرية ‪ ،1954-1830‬ديوان‬
‫املطبوعات اجلامعية‪.2007 ،‬‬
‫*بوعزيز حيي‪ :‬االجتاه اليميين يف احلركة الوطنية اجلزائرية من خالل نصوصه ‪ ،1912‬ديوان املطبوعات‬
‫اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.1987 ،‬‬
‫*بوحوش عمار ‪ :‬التاريخ السياسي للجزائر من البداية إىل غاية ‪،1962‬ط ‪، 2‬د غ إ ‪،‬بريوت ‪.2005‬‬
‫*بوصفصاف عبد الكرمي‪ :‬مجعية العلماء املسلمني ودورها يف تطوير احلركة الوطنية اجلزائرية ‪-1931‬‬
‫‪ ،1945‬ط‪ ،1‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪.1981 ،‬‬
‫*بوجليدة ميينة‪ :‬احلركة الوطنية اجلزائرية ‪ 1954-1950‬مسار وتصور‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة ‪،‬‬
‫‪.2008-2007‬‬
‫*بوعزيز حيي‪ :‬ثورات اجلزائر يف القرنيني التاسع عشر و العشرين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البعث‪ ،‬اجلزائر‪.1980 ،‬‬
‫مصايل احلاج‪ :‬مذكرات ‪ ، 1938 – 1898‬ترمجة حممد املعراجي ‪ ،‬منشورات م م و ن ت ‪،‬‬
‫‪.2006‬‬
‫*جليسي جوان‪:‬اجلزائر الثائرة ‪،‬ترمجة خريي محاد ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬د ط ‪ ،‬بريوت ‪،‬د –ت ‪.‬‬

‫* زوزو عبد احلميد‪ :‬الفكر السياسي للحركة الوطنية اجلزائرية و الثورة التحريرية‪،1954-1880‬ج‪،1‬‬
‫دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪.2012 ،‬‬
‫*الزبريي حممد العريب‪ :‬الثورة اجلزائرية يف عامها األول‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪.2014 ،‬‬
‫*سعد اهلل أبو القاسم‪ :‬خالصة تاريخ اجلزائر املقاومة والتحرر ‪1962 -1830‬ن ط‪ ،1‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪.2007 ،‬‬
‫*سعد اهلل أبو القاسم‪ :‬احلركة الوطنية اجلزائرية ‪ ،1930-1919‬ج‪ ،2‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.1992‬‬
‫*سعيود أمحد‪ :‬العمل الدبلوماسي جلبهة التحرير الوطين ‪ ،1958-1954‬دار الشروق‪ ،2008 ،‬ص‬
‫‪.51‬‬
‫*شليب أمال‪ :‬التنظيم العسكري يف الثورة التحريرية ‪ ،1962-1954‬رسالة ماجستري‪،‬جامعة باتنة‪،‬‬
‫‪.2006‬‬
‫*الفياليل عبد السالم‪ :‬اجلزائر الدولة واجملتمع‪ ،‬ط‪،1‬الوسام العريب‪ ،‬اجلزائر‪.2013 ،‬‬
‫*قليل عمار‪ :‬ملحمة اجلزائر اجلديدة ‪،‬ج‪، 1‬ط‪، 1‬د ار البعث ‪،‬قسنطينة ‪،‬اجلزائر ‪.1991،‬‬
‫*قدادرة شايب غزواين‪ :‬احلركة الوطنية اجلزائرية أثناء احلرب العاملية الثانية ‪ ،1945-1939‬رسالة‬
‫ماجستري‪ ،‬مصر‪.1991 ،‬‬
‫*قنانش حممد وحمفوظ قداش‪ :‬حزب الشعب اجلزائري ‪ ،1939-1937‬وثائق وشهادات لدراسة‬
‫تاريخ احلركة الوطنية اجلزائرية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.1985 ،‬‬
‫*العلوي حممد الطيب‪ :‬مظاهر املقاومة اجلزائرية ‪ ،1954-1930‬دار البعث‪ ،‬اجلزائر‪.1995 ،‬‬
‫*مريوش أمحد‪ :‬دور مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني يف احلركة الوطنية ما بني ‪ ،1952-1931‬جملة‬
‫الرؤية‪ ،‬ع‪ ،2‬السنة‪ ،1‬اجلزائر‪.1996 ،‬‬

You might also like