Professional Documents
Culture Documents
ملخص
مع دخول االحتالل الفرنس ي إلى الجزائر و توسعه نحو املدن الداخلية محاوال فرض
السيطرة على كل املدن و القبائل ،جابهت هذا االحتالل العديد من املقاومات الشعبية
املنتظمة والغير املنتظمة من طرف سكان الجزائر ،و عرفت منطقة بريكة قيام العديد من
الثورات ضد املحتل الفرنس ي منذ تقدمه نحو املنطقة إلى غاية عام 1916وهو عام آخر ثورة
شعبية باملنطقة ،كانت مجمل هذه الثورات ذات طابع شعبي حماية لألرض موجهة من كبار
األعراش ونتيجة لنشاط أتباع الطريقة الرحمانية باملنطقة ،ثم رفضا للتجنيد اإلجباري ألبناء
املنطقة ضمن الجيش الفرنس ي .
الكلمات املفتاحية :االحتالل الفرنس ي ،الثورات الشعبية ،بريكة ،ثورة الهيدوق ،ثورة
األوراس.
Abstract :
with the French occupation entering Algeria and expanding toward the
internal cities in an attempt to impose control on all cities and tribes, was met by
many regular and irregular popular resistance from the citizens of Algeria. The
region of Barika has known that many revolts against the French occupier have
taken place since its advance toward the region until 1916, the last year of a
popular revolution in the region, all of which were popular in nature, as a result of
the activity of the Rahmaniya method in the region. He then refused to forcibly
recruit the citizens of the region within the French army.
Keywords : French occupation , popular revolts , Barika , Hidoug Revolution , aures
revolution.
املقدمة
بعد االحتالل الفرنس ي للجزائر و توسعه نحو املناطق الداخلية ،وصلت أوائل هاته القوات
لبريكة عام ، 1842ثم بموجب قرار 15أفريل 1845تكونت املكاتب العربية بمحيط
قسنطينة العسكري منها املكتب العربي بمدينة بريكة ،تبعها تأسيس مركز بلدية بريكة بموجب
مرسوم 10ديسمبر 1873سرعان ما تحول إلى بلدية مختلطة ذات مساحة شاسعة تضم
العديد من البلديات والدواوير واألعراش .
وكان لنشاط شيوخ القبائل و الزوايا من زعماء روحيين يبثون الحماسة في الناس ملقاومة
املستعمر ،نتجت عنها بروز مقاومات شعبية منظمة وغير منظمة شارك فيها أهل بريكة مثل
ثورة الزعاطشة 1849ثم ثورة بريكة أو تمرد أوالد سحنون الذي قتل فيه رئيس املكتب العربي
عام ، 1849ثم مشاركة أهل بريكة في ثورة بوخنتاش عام ، 1860ثم املشاركة في ثورة املقراني
سنة ، 1871و أخيرا ثورة بريكة 1916وماعرفت بثورة العيدون الهيدوق التي كانت نتيجة
لسياسة التجنيد اإلجباري .
تعتبر مدينة بريكة إحدى املدن التاريخية التي ظهرت منذ القرن الوسيط املتأخر ،وقبل
ظهور هذه املدينة تاريخيا سبقتها إحدى أهم مدن بالد املغرب أال وهي مدينة طبنة التي عرفت
بأنها عاصمة بالد املغرب اإلسالمي بعد سقوط القيروان بيد الخوارج ،ثم عاصمة إلقليم
الزاب (ّ )1
،وعمرت هذه املدينة حوالي أربعة عشر قرنا إلى غاية اندثارها و خلوها من السكان
نهاية القرن الثالث عشر(.)2
وأول نص تاريخي يذكر ظهور طوبونيم " بريكة" ،انفرد به صاحب كتاب "زهر البستان في
تاريخ دولة بني زيان" حيث ذكر أنه في شوال من عام 759ه1357/م " خرج أبو حمو الزياني
الثاني و أقام في باريكا عند شيخ قبيلة بني عامر صغير بن عامر ( )3الذي قام بمبايعة أبي حمو
الثاني وتاله على البيعة كافة بني عامر وكل بطل مشهور ،أعطوه صفقة أيديهم ،على الوفاء
بالعهود ،والحماية من املكروه ،و العضد )4( " ...
ثم يأتي ذكرها في رحلة الورتالني (ت 1193ه1779/م) ،حيث يقول عنها " :فنزلنا قرب بريكة
،وهي أرض طيبة و فيها نهر جار مثل النيل ،و هي لسيدي محمد الحاج يتقاتل عليها أوالد دراج
فيما بينهم .)5 ( " ...
ومع تقدم االحتالل الفرنس ي ملنطقة الحضنة الشرقية ،تم تكوين مكتب عربي ببريكة بموجب
أمر 15أفريل ، 1845وأول ضابط للمكتب العربي بريكة عين سنة 1858هو الجنرال
"شوليزو" ،ثم أصدر الجنرال الفرنس ي -سوسييه -قرارا في 10ديسمبر 1873ينص على إنشاء
قوة عسكرية بقيادة ضابط في موقع بريكة الحالي وبدأ العمل في 01مارس 1874يقوده النقيب
-لوسطوك ، -سبب هذا القرار هو حصار األعراش لبرج ( القيادة) آنذاك بمقرة سنة 1871
وامتداد ثورة املقراني ألعراش الحضنة الشرقية ،وكانت نتائجها وخيمة حيث تمت معاقبة
األعراش الثائرة ومصادرة أراضيها.
أما مركز مدينة بريكة هو عبارة عن ملحقة من أجل السيطرة ومراقبة أعراش الحضنة
الشرقية الثائرة ،وضمت في بادئ األمر أعراش أوالد سحنون جميعها والزوي ( أوالد سيدي
أحمد بن بلقاسم ،الضحاوي ،أوالد سيدي عثمان ،أوالد الخضرة ) وأوالد عمر وأوالد نجاع
،الساللحة أوالد علي بن صابور أوالد سالم وأوالد سلطان وعرفت بعدها بعض التغييرات
بحذف بعض األعراش وإلحاقهم ببلديات أخرى(.)6
و بموجب قرار في 17فيفري 1885أصبحت امللحقة مستقلة وماليا ،وفي سنة 1886أنشأت
البلدية املختلطة -ماكماهون -عين التوتة وضمت إليها بعض األعراش التي كانت تتبع ملحقة
بريكة،و تم اإلنشاء الرسمي لبلدية بريكة املختلطة يوم 05أكتوبر .)7( 1905
بلغ عدد سكان منطقة بريكة و ما جاوره عام 11583 : 1886نسمة موزعة كالتالي :
* أوالد سحنون 5230:نسمة.
* أوالد عمر 2141:نسمة.
* الزوي 1671:نسمة.
* الساللحة 1313:نسمة.
أوالد نجاع 1202:نسمة)8( . *
يعود انتشار ظاهرة التصوف في بالد املغرب اإلسالمي إلى القرن الخامس الهجري /الحادي
عشر ميالدي أثناء حكم املرابطين ،ثم ترسخت و تغلغلت بين طبقات املجتمع املغاربي أيام
املوحدين ،حيث ازدهرت الحركة الصوفية بتأثير الزاهد األندلس ي أبو مدين شعيب بن
الحسين ( 590-520ه1197-1126/م) ،الذي يعد شيخ الصوفية بكل األقطار املغربية و
األندلسية في القرن السادس الهجري /الثاني عشر ميالدي ،ومع بلوغ القرن الرابع عشر
ميالدي كانت الحركة الصوفية قد لعبت دورا أساسيا في رسم معالم الحياة الدينية و
االجتماعية في الجزائر ،حيث أصبحت ال تقتصر على جماعة من الزاهدين بل بكل طبقات
املجتمع ورسخت و تغلغلت وسط التقاليد الشعبية ،وأصبح الناس يؤمنون باألولياء
وكراماتهم وأقبلوا ينخرطون في الزوايا ،ومع حلول القرن السادس عشر شاعت الطرق
الصوفية في الجزائر ،وساعد ذلك الوجود العثماني الذي عمد إلى االستعانة بهذه الطرق و
الزوايا لحكم الجزائريين ،فتحالفت مع املشايخ ورجال الدين ومنحتهم االستقالل الذاتي
مقابل دفع ضرائب للحكومة و االعتراف بالتبعية للسلطة العثمانية قبل أن تسوء العالقة بين
شيوخ الطرق و الدولة العثمانية بسبب الضائقة املادية مطلع القرن التاسع عشر مما أدى إلى
ظهور ثورات مختلفة مثل ثورة ابن الشريف الدرقاوي بالغرب الجزائري عام ، 1802وثورة ابن
األحرش بالشرق الجزائري عام 1804منهية للعالقة مع السلطة العثمانية في العديد من
املناطق (.)9
أما بمنطقة الحضنة و بريكة ،فقد تواجدت الطرق الصوفية و الزوايا منذ العهد العثماني ،
و انتشرت أكثر في املنطقة بعد ثورة املقراني ، 1871وأهم هذه الطرق املنتشرة هي الطريقة
الرحمانية ،وكان لهذه الزوايا جهود بارزة في التعليم حسب الطريقة التقليدية ،أما عدد هذه
الزوايا في املنطقة التي وجدت باملفهوم الواسع فهو ال يعدو األضرحة التي ارتبطت بشخصيات
املرابطين و األولياء الصالحين (ّ ، )10
تصد شيوخ هذه الزوايا و الطرق إلى املشروع الثقافي
االستعماري الفرنس ي ،وذلك من خالل استمرار عملية التعليم في املساجد و الزوايا و الجوامع
،و بالتالي املحافظة على املقومات الوطنية من تاريخ و لغة و دين وعادات و تقاليد نابغة من
خصوصيات املجتمع الحضني ،الذي ظل محافظا على هذه الخصوصيات ولم يتأثر بمؤثرات
الحضارة الغربية (. )11
نجح شيوخ الطرق الصوفية وخاصة الرحمانية في التعبئة الجماهيرية للثورة ضد املحتل
الفرنس ي بمنطقة بريكة و الحضنة الشرقية ،حيث ما إن وصلت طالئع الطريقة الرحمانية
حتى التف حولها الناس ،و أول ثورة أسهم فيها سكان املنطقة هي ثورة ابن األحرش الذي ثار
عام 1803ضد العثمانيين بالشرق الجزائري وشاركت معه قبائل املنطقة فيها ( ،)12حيث حاول
شاكر باي القضاء على حلف قبائل الحضنة مع بلحرش فتقدم جيش الباي إلى املنطقة و
تصدى لهم سكان املنطقة ببريكة عام 1817و مني الجيش بهزيمة نكراء .
ثم جاءت مشاركة سكان منطقة الحضنة و بريكة في ثورة الزعاطشة 1849بدعوات من
أصحاب الطريقة الرحمانية ،لكن نتائج هذه املشاركة كانت وخيمة على سكان املنطقة بعد
تهجيرهم و ترحيلهم من مناطقهم األصلية و االستيالء على أراضيهم .
أما أهم الثورات التي قامت بمنطقة بريكة بدعم من شيوخ الزوايا و الطرق الصوفية نجد :
مطلع شهر مارس من عام 1860م ،ظهر شخص من فرقة البراكتية ثورة أوالد عمر بمنطقة
الحضنة الشرقية ،حيث أن تأثيرات شيوخ ومقدمي الطرق الصوفية لعبت دورا بارزا في
التحضير لهذه الثورة ،باإلضافة إلى التصرفات التي بدرت من طرف القياد التي عينتهم فرنسا
على املنطقة مثل القايد بن دايخة و القايد بيبي في إذكاء نار الثورة (.)13
توجه القايد بيبي إلى باتنة يوم 10مارس 1860م مبلغا أن رجال من أوالد رابح يدعى محمد
بوخنتاش يدعو أنه مبعوث من شريف السوس األقص ى و أنه يتكلم على الجهاد ،وانضم إليه
الشيخ الس ي العربي باش عدل أوالد سحنون ،وس ي أحمدباي من أوالد منصور ،فأرسل
الكولونيل املسؤول بباتنة شخصا لتقص ي الحقائق و الذي بعد تنقله أكد املعلومات ،فتقرر
إرسال مجموعتين من املجموعة الثامنة لقناص ي فرنسا ،ووصلت إلى بريكة بعد يومين ،وفي
اليوم املوالي وصلت إلى بريكة فرقة عسكرية أخرى من الزواف و املشاة الخفيفة اإلفريقية
ومجموعة من الرماة (. )14
استطاع بوخنتاش أن يستميل عروشا بأكملها من أوالد سحنون و أوالد منصور ،و أوالد دراج
و اوالد نجاع و أوالد عمر و كثيرا من الناس ،أحست فرنسا بخطر األوضاع في الحضنة فتحرك
الجنرال ديفو devauxبتاريخ 20مارس من قسنطينة على رأس قوة عسكرية متوجهة إلى
مخيم الكولونيل ديمارتس الذي جعل قبالة الحضنة جهة جبال بوطالب ،كما تم أمر قادة
مقاطعة املدية و سور الغزالن بالتوجه إلى الحضنة ،ووصلت حملة النقيب بان painإلى بريكة
يوم 20مارس ،كما تحركت حملة الكولونيل ديمارتس من سطيف يوم 22مارس 1860بفرقة
من الصبايحية من أجل مباغتة الثوار من الخلف ،ووقعت معركة أولى يوم 23مارس 1860م
بين القوتين أدت إلى الكثير من القتلى و الجرحى ،وقدرت قوة جيش بوخنتاش األعراش
املجاورة ب 1800بندقية (. )15
بعد تجمع كل القوات الفرنسية وقع االلتحام و املعركة الكبرى يوم 25مارس 1860م في موقع
يعرف بسم خنق أم الحمام ،حيث استبسلت قوات أعراش الحضنة ووقع التصادم بالسالح
األبيض ،إال أن قوة الجيش الفرنس ي و تنظيمه أدى إلى تحطيم معسكر الشيخ بوخنتاش ،
وقتل الشيخ العربي شيخ أوالد سحنون و تم تحطيم عرش أوالد عمر الذي أرغم على تسليم
الشيخ بوخنتاش للقوات الفرنسية ،وكانت النهاية وخيمة على كل من شارك في هذه الثورة من
تهجير و مصادرة لألراض ي ،وقد دون أحد الشعراء هذه املعركة في قصيدة مطلعها :
يا راعى امللجوم ريض أمهل لي ****وعودك من األبعاد جاء عرقه يقطر
عمر وأوالد النصارة بين فيما **** الحضـنـة في صــار ما تـعـلـمـني
خبر جاني مع النجوع الحق لي **** وحرمة األبطال عامت على البر
فتنة خنق أم حمام قعدت محكية **** يا معتاه النهار في جر أم عمر ()16
وحقيقتها أنه وفي أوائل شهر جويلية 1915كانت حملة الحصاد قد بدأت باملنطقة التي كان
يحكمها النقيب ماسونييه مع قلة من جنود السبايس ،وعلى حين غرة قامت مجموعة من
املواطنين املخلصين بحرق جميع محاصيل الباشاغا بن قانة الذي كان باسطا نفوذه من
بسكرة إلى املسيلة ،مستغلين بذلك غيابه عن املنطقة ،وحين أدركه الخبر أدرك يقينا أن
إفالسه سيكون على يد أهل بريكة ،فقرر االستقرار ببسكرة لكونها اهدأ من بريكة في ذلك
الحين.
هذه الحملة قادها ودبرها املجاهد الشهيد العيدون الهيدوق رفقة ثلة من املواطنين ،ومنهم
شباح الطاهر بن برة ،دومي محمد بن دومي ،حاجي الطاهر من أوالد منصور بلدية مقرة
،وآخرون انظموا إلى املجموعة والثورة ،بعد أن اشتعل فتيلها وأكل لهيبها محصود الباشاغا
بن قانة الذي انتقل إلى قسنطينة طالبا املدد من السلطات اإلدارية والعسكرية ضد من
يسميهم هو و أمثاله من الصعاليك بالصعاليك فوافقت السلطات على الفور بإرسال قوات
وفرق إلى ناحية باتنة وباألخص بريكة التي تشهد اضطرابات كثيرة (.)17
وكان قانون التعبئة العامة قد صدر في 02سبتمبر 1914ليجند الشباب وليرسل إلى فرنسا
لقتال األملان بعد 15يوما وصلت الفرق تحت إرشاد جنود مقيمين في باتنة ونصبت الخيام
حول برج النقيب ماسونييه لحماية مكاتب اإلدارة والسجن ،وبعد أربعة أيام من الراحة بدأت
تدق طبول التطوع في الجيش الفرنس ي ،إال أنه وفي بداية شهر أكتوبر ،ذاق املستدمر الفرنس ي
ذرعا بفشله فراح يجند الشباب بالقوة ولم يسلم من ذلك الكهل و ال ذوي العاهات ،وزج
بالكل في ساحة السجن التي نصبت قرب غرفة األموات التي بنيت في زاوية حديقة رئيس الدائرة
والحديقة العمومية (هواري بومدين حاليا ) ،وفي هذه املرحلة كانت املنطقة تشهد احتجاجات
(.)18 بسب االعتقاالت التعسفية والتجنيد املباشر بدأ يتسع نطاقها
مع بداية شهر مارس 1916وأمام هذه الوضعية واإلجراءات التعسفية ضد املجندين الذين
مات بعضهم جوعا ،بدأ عدد السكان يتضاعف بتوافد السكان من مختلف أنحاء املناطق
والقبائل األخرى ،وهنا أحس الجميع بأن أمرا ما سيحدث ،فضاعف املتصرف الحراسة
واالتصاالت واستدعى إليه الزوي " أوالد سيدي عثمان من عين الكلبة " واعتقل من اعتقل ،
وكان من بين املعتقلين رجل يسمى أحمد ،هو ابن العيدون الهيدوق " فتدخل هذا األخير وبكل
شجاعة وجرأة ال تتوافر عند أي كان بتاريخ 10أفريل 1916و توجه إلى مكتب املتصرف
ُ
فاعتقله حرسه الشخص ي ،و أخبر املتصرف بذلك فخرج على الفور ناسيا بزته الرسمية
وقبعته النظامية ،وبحركة من يده أزاح الحرس وتقدم نحو العيدون الهيدوق -من مواليد
سنة 1875ببريكة -وسأله ماذا تريد ؟ فرد الهيدوق :جئت أحرر ولدي املسجون منذ أكثر من
أسبوع ،إذا حدث له أي مكروه أو سوء معاملة ،فسأقتل كل الناس ،فقال ماسونييه :ابنك
أحمد يجب أن يذهب ليقاتل إلى جانب فرنسا فهناك الحرب ...اذهب ،فرد العيدون الهيدوق :
أريد أن احتفظ بابني إلى جانبي وال أريد أن يرحل إلى بالدكم ،فهنا الجزائر وهناك فرنسا ،وهنا
أمر املتصرف باعتقاله ،وفي الصباح أطلق سراحه ولدى خروجه من السجن تحدث إلى
الجنود قائال :لقد أنذرتكم ..وعد من الهيدوق (.)19
وفي فجر 13أفريل 1916انطلقت قافلة مكونة من 20عربة تغص باملجندين مربوطين إلى
بعضهم البعض ،وكان عليها أن تقتفي أثر قافلة البريد التي انطلقت بعد ثالثة أيام من خروج
العيدون الهيدوق من السجن وهنا انتقل الخبر بسرعة وانتشر بين مختلف القبائل كالنار في
الهشيم ،وتجمع حشد من الرجال محملين باألسلحة يذكرهم التاريخ بأسمائهم " العيدون
الهيدوق بن أحمد بن العيفة ،حامد وناس ،حبي حامة بن علي ،لهميس ي بن العجابي ،شباح
الطاهر بن برة ،ميهوبي حميدة بن القتال ،ميلود الطاهر بن حامية ،حاجي الطاهر ،دومي بن
الدومي ( ، )20وكانت الخطة تقتض ي مرور القافلة ثالث محطات املحطة األولى وهي محطة
القريدات " تيالطو حاليا " ثم املحطة الثانية عين التوتة والثالثة واألخيرة باتنة.
وقبيل انطالق هذه القافلة كانت ثمة قافلة أخرى تضم الرجال الذين ذكروا آنفا ،قد غادرت
بريكة كل على راحلته طالبين املدد والعون ألوالدهم من الخذران ،فكان لهم ما أرادوه ووضعت
تحت تصرفهم الخيول واألسلحة وعند انطالق الحافلة ،كان هناك حشد من النسوة يبكين
أبناءهن وإخوانهن وأزواجهن ألنهم سيقوا إلى املجهول ،أما عن الرجال املدججين باألسلحة
فقد انطلقت من بينهم صيحات " الجهاد في سبيل هللا " وحدث تبادل إلطالق النار على الجموع
املعزولة واملسلحة فسقط عدد بين جريح وقتيل وتفرق الجمع في األودية وكانوا يرمون الجنود
الراجلين مع القافلة بالحجارة فتعرضت القافلة أثناء الراحة إلى هجوم الثائرين من جهة
الجنوب على مسلك طريق باتنة حاليا ،ومن أسفل وادي بريش " شمال هذا املسلك " فقتلوا
بضع عشرات من الجنود وأطلقوا سراح الخيول وسلموها من كانوا في حاجة إليها وفر باقي
الجنود باتجاه عين التوتة متخلين عن املال و املؤونة وغيرهما وأحرقت املراكب في عين املكان
ُ
،وانسحب الثائرون إلى جبل متليلي أين نظم تجمع على تعليمات من الهيدوق وتم توجيه
املسجونين سابقا مشيا على األقدام عبر الحقول نحو بريكة ،ثم رسمت خطة الليل التي
تقتض ي بالهجوم على عين التوتة ،وانظم إلى الثائرين سكان جبال معافة و أوالد عوف وكل
املناطق املجاورة في نفس اليوم ،واستفادوا بأسبقية معرفتهم باألرض وأحرقوا في نفس الليلة
عين التوتة ،وبلغ ذلك العدو ،فأرسل إلى عين املكان مئات الجنود املسلحين واملدعمين
بالفرسان ونشبت معارك عنيفة قتل خاللها عدد من الطرفين بقي في عين املكان ،وقد قاوم
الثائرون أياما عديدة حرموا خاللها من املدد ما اضطرهم إلى االنقسام إلى مجموعتين ،
مجموعة الجبليين الذين سماهم املستدمر بثوار األوراس ،ومجموعة مقاتلو سقانة و بريكة
من بينهم عمر أوموس ى من أوالد سلطان الذين تراجعوا نحو سفيان وأحرقوا أول مزرعة
للكولون في بومقر قبل أن يواجهوا جنود العدو بمدخل قرية نقاوس ،واستمر هذا القتال
العنيف عدة أيام انتصر فيها الثوار على الجنود الفرنسيين (.)21
إعالن أول جمهورية جزائرية يوم 26أفريل 1916ونهاية االنتفاضة :
تجمع الثوار في املكان املسمى عين بومقر بين نقاوس وبومقر ،وأعلنوا ألول مرة في تاريخ
الجزائر عن ميالد أول جمهورية جزائرية كان ذلك في 26أفريل ، 1916بعد ذلك حدث قمع
شرس على املنطقة فقبض على الرجال وقتل أكثرهم (.)22
وخالل إحدى املطاردات على مشارف العطعوطة بريكة ،شوهد العجابي الطاهر بن العجابي
في راح فانقض عليه الجنود لكنه امتطى الحصان حافي القدمين من دون سالح ،ولكنه تلقى
رصاصة في ظهره ليسقط شهيدا في املكان املسمى النوخة ،وفي الليل قام معارفه بدفنه ،أما
عن العيدون الهيدوق رجل الثورة فقد سجن في سطيف طيلة عامين ،وتلقى عدة عروض
خاصة باألراض ي الفالحية املسمات "الصفيحة" وباألخص التي كانت مستغلة من طرف أوائل
املعمرين الفرنسيين بسطيف ،وفي أحد األيام حاول رئيس الدائرة أن يذهب به إلى فرنسا بعد
أن عمل على إخراجه من السجن ،و عرض عليه قائال " اسمع العيدون ! إذا أردت أن تصبح
صديقا لفرنسا فان كل الصفيحة ستكون لك ،وانأ الذي سأعطيك سند امللكية لك وألوالدك "
،فرد سريعا " اسمعني أنت أيضا ،هللا يصفح عليها وعلى أهلها "بمعنى اللعنة عليها وعلى أهلها
ليبقى هذا املثل سائرا في بريكة الى اليوم ،بعد هذا الرفض و املساومة والخنوع والذل كان مع
"بن قسمية حاج قسمية ،مزغيش الحواس ،حارك قويدر بن علي ،فني مبارك بن فني ،خرزي
عزيز بن أحمد ،قسوم لخضر بن قسوم ،صالحي علي بن دراجي ،شق الطين منصور ،شريف
العلمي بن دومة ورفاقه " ،ونقلو الى ناحية سعيدة باملكان املسمى عين تاعظميت ووضعو
تحت االقامة الجبرية طيلة خمس سنوات مات خاللها بن قسمية حاج قسمية ،وخالل هذه
الفترة كان الهيدوق يدعو هللا أن يرى بريكة قبل املمات فكان له ما تمنى ،ووافته املنية سنة
.1922
أما عن ابنه العيدون أحمد بن الهيدوق فقد توفي سنة 1948في سن 50سنة في ظروف عادية
ببريكة دون أن يؤدي الخدمة العسكرية .وكذلك توفي دومي بن دومي في عين التوتة والحاج
الطاهر في سفيان كانت هذه الثورة شرارة لثورة األوراس الكبرى التي بدأت شهر نوفمبر من
نفس العام و لم تنته إال مع شهر ماي من عام.)23( 1917
ثالثة أحصنة ،و تمكن ما بقي من القافلة – بعد انسحاب الثوار – من الوصول إلى املدينة
بصعوبة كبيرة (.)26
ووفقا لنفس التقرير فقد نجح الثوار في عزل املدينة و البلديات املجاورة ومنعوا عنها جميع
االتصاالت ،وانتشروا في الجبال املجاورة وتحصنوا بها والتف حولهم السكان من جميع املشاتي
و الدواوير املحيطة بها ،و بدأ الثوار ينسقون عملهم مع املناطق املجاورة كعين التوتة و غيرها .
وقد أعاد الحاكم العام الفرنس ي في الجزائر الثورة في بريكة إضافة إلى التجنيد اإلجباري الذي
رفضه كل الجزائريين ،إلى تعرض سكان املنطقة إلى اإلبادة الجماعية خالل ثورات 1871و
1879و التي تركت آثارها الوخيمة على السكان الذين حاولوا تجنب التصادم مع القوات
االستعمارية لكنهم أجبروا على ذلك.
لقد دفع أبناء املنطقة أبنائهم إلى التجنيد في فرق الرماة ،ووجد الجزائريون أنفسهم أمام
سياسة تعسفية خالل صيف 1916مما دفعهم إلى الذهاب إلى الحراش ( الجزائر العاصمة ) و
االتصال بأبنائهم في فرق الرماة و دعوتهم إلى التمرد و الخروج عن صفوف الجيش الفرنس ي ،
ثم نظموا احتجاجا وقاموا بطرد الحاكم اإلداري من مدينة بريكة يوم 24سبتمبر ، 1916ثم
هددوا رئيس الدائرة املسمى cassineluالذي استخف بوضعهم و استمر في محاولة إقناعهم
بدفع أبناهم إلى التجنيد ،ولم يلبث أن فر تحت السكان ،ثم اندلعت الثورة بمهاجمة الفرقة
العسكرية الفرنسية املتمركزة باملدينة .
ووصف الحاكم العام خطوات تطور الثورة وفق النقاط التالية :
-تجمع السكان حول األعداد الكبيرة من الشبان الجزائريين الفارين من صفوف
الجيش الفرنس ي بأسلحتهم سواء منهم املجندين إجباريا أو العاملين في صفوف الرماة
الجزائريين أو فرق الصبايحية و التحصن في الجبال ،وانظم إليهم الرافضون
للتجنيد اإلجباري ،و نظموا أنفسهم في شكل فرق مقاومة للقوات العسكرية
الفرنسية .
-تفش ي األفكار الجهادية بينهم و انتشار أفكار العرائض التي قدمتها النخبة الجزائرية
إلى السلطات الفرنسية ،املطالبة بتعديل القانون ومراعاة مصالح الجزائريين و
املساواة بينهم و بين الفرنسيين .
388 مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية
الثورات الشعبية في منطقة بريكة 1916/1830م املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس 2020
-التصدي للقوات االستعمارية التي خضعت ألوامر هيئة األركان العامة إلجبار الشباب
على التجنيد بالقوة و اعتبروا ذلك احتقارا لهم و املساس بكرامتهم .
-شجعهم ذلك رفض الجزائريين جميعا لتجنيد أبنائهم للموت من أجل فرنسا
االستعمارية في حرب ظاملة ال تخصهم)27( .
و قد حاولت اإلدارة االستعمارية أن تنسب أسباب هذه االنتفاضة إلى الحماس الديني و نشاط
الزوايا و الطرق الدينية ومعارضة مرسومي 07و 14سبتمبر ، 1916الذين يقضيان بتسخير
الناس للعمل رغم أنوفهم في أغراض الحرب لتعويض املجندين الرافضين و الهاربين ،كما
حاولت كذلك أن تنسبها إلى الدعاية األملانية املعادية لفرنسا و رحيل القوات الفرنسية من
الجزائر إلى جبهات القتال بأوربا ،و لم تحاول إطالقا أن تجعل للعنصر الوطني و الفكرة
الوطنية مكانا ضمن أسباب هذه االنتفاضة .
إن السبب الظاهر و املباشر لهذه االنتفاضة هو رفض التجنيد اإلجباري للشبان الجزائريين
على غرار أحداث بني شقران عام ، 1914و ذلك على عكس ما كانت تتوقعه اإلدارة
االستعمارية من إقبال الناس على التجنيد إليجاد حل أو حلول ملشاكلهم االقتصادية
املتدهورة خالل أعوام . 1916-1914
ومن أجل ذلك وجهت لجنة الشؤون الخارجية للمجلس الوطني النيابي الفرنس ي دعوة شديدة
اللهجة للحكومة فيها نوع من الصرامة لتؤمن الدفع املنتظم للتعويضات املطلوبة لعائالت
املجندين ولكنها لم تعر للدعوة االهتمام املطلوب ،فلم تسلم سوى مخصصات 121أسرة من
بين 466أسرة حسب تقرير أوكتاف دوبون Octave depontاملفتش العام للبلديات املختلطة
الذي رفعه للجهات املختصة يوم 01سبتمبر . 1917
أما وزير الحرب الفرنس ي فكان يرى أن كثرة قتلى الرماة الجزائريين في جبهات الحرب بأوربا هو
السبب في ثورة سكان األوراس و الجنوب القسنطيني ورفضهم لقبول التجنيد اإلجباري ،إذ
سجلت وزارة الحرب الفرنسية 7822قتيال و 30354جريحا و 2611أسيرا لغاية 07أكتوبر
، 1916ولم ينس ى وزير الحرب أن يشير إلى مصادرة أراض ي السكان في مطلع القرن في عين
التوتة و مروانة و بريكة إلنشاء مراكز توطين أوروبية لها دخل كذلك في ثورة السكان .
وهناك من زعم بأن مراسيم شهر سبتمبر ، 1916كانت وراء هذه االنتفاضة ففي يوم 7سبتمبر
صدر مرسوم ينص على السماح بتعطيل العمل بحق اإلعفاء من التجنيد والتعويض
واالستخالف ،وفي يوم 14منه صدر مرسوم آخر يقض ي بتسخير العمال رغما عنهم في األعمال
التي تدعم جبهة الحرب ،وتخدم أغراضها وهي إجراءات تسمح إلدارة الفرنسية بالتجنيد العام
للكبار والصغار دون مراعاة ألي اعتبار .
وعندما اشتد غضب السكان اضطر الوالي العام لوتو يوم 22سبتمبر أن يعلن على تأجيل
تطبيق املرسومين .وأيدته وزارة الحرب ،وعادت إلى رأيه فيما بعد ،وفي يوم 16أكتوبر تم اإلبالغ
ي بعدم إعفاء إخوة املتطوعين في الجيش من التجنيد )28( . بقانون اإلعفاء الجديد الذي يقض
وقد أنجز على هذا النظام إعفاء األسر الغنية من الخدمة العسكرية بواسطة تحليالت غير
شريفة من ضمنها شراء املجندين املتطوعين الضخام األجسام ،الثقيلي الوزن بسعر 20إلى
30فرنكا للكيلوغرام الواحد في الشمال ،وأكثر من ذلك في الجنوب ،وقامت شبه أسواق
خاصة لالتجار بالرجال الذين يباع الواحد منهم بسعر 2000إلى 3000فرنكا وأحيانا أكثر من
ذلك خاصة عام 1916م.
وملا كان األعيان هم الذين كان بمقدورهم توفير املستخلصين للخدمة العسكرية ،فإنهم كانوا
يدفعون مبالغ طائلة ألسر املجندين ،ولإلعفاءات املشروعة ،والتسريحات التي تحددها
القرعة ،وتسبب ذلك في انتشار الرشاوي بين الرؤساء ،وشيوخ القبائل الن الذي يرفض دفع
الرشوة ال يأ من من تجنيده هو ،أو ابنه أو أخوه.
وحتى العمل بالسخرة ربط بقوائم التجنيد العسكري ،وتكلف األعيان بتعيين من يدعي للعمل
في فرنسا ،ومن يعفى من ذلك ،وذكرت أحد التقارير بأن اآلغا بوحفص بن شنوف كان يطلب
مبلغ 500فرنك إلعفاء شخص واحد من الخدمة العسكرية وأن شيوخ بريكة كانوا يطلبون
مبلغ 20فرنك للحصول على اإلعفاء )29( .
وبالطبع فان الطبقات الفقيرة هي التي كانت مضطرة لتقديم شبابها للتجنيد في الجيش ،
وتسخير كهولها للعمل في املشاريع التي تخدم أغراض الحرب ،ألنها ال تملك األموال التي تمكنها
من تقديم الرشاوي وشراء اإلعفاء لشبابها ،ورجالها ،وهذا ما جعلها ترتمي في أحضان الثورة
والتمرد حسب التقارير الفرنسية .
وقد زعمت اإلدارة االستعمارية كذاك بأن الدعاية األملانية لها دخل في هذه االنتفاضة ،وأكد
دوبون ذلك في تقريره ،وعضده الحاكم العام لوتو ،وأقحموا حتى السنوسية بليبيا في القضية
،وذكروا أنها تعد لثورة في تونس ،وجنوب الجزائر الصحراوي بمساعدة ضباط أتراك ،وأملان
،ونمساويين ،وراجت لدى األهالي مقولة قدوم أجانب ملساعدة بني بوسليمان باملدافع ،
وقدوم جيش عثماني للنجدة حاملا تندلع الثورة وحتى اسم األمير خالد أقحم هو األخر في هذه
الحوادث.
وقد خلص أجيرون في بحثه وتحليله لهذه االنتفاضة ،إلى القول بأن حركة الثورة والتمرد في
الجنوب القسنطيني ال يمكن أن تقارن بثورات القرن التاسع عشر ،وال صلة لها بالزوايا و
الطرقية ،وتناحر األسر والعائالت الكبيرة ،وال بخلو البالد من القوات العسكرية كما حصل
عام 1870و ، 1871وإنما هي رد فعل تلقائي جماعي ،ضد مطالب السلطات العسكرية
االستعمارية التي ال تطاق ،واملتمثلة في التجنيد اإلجباري للشباب ،والسخرة للعمال الكبار
(.)30
ولكن أجيرون لم يحاول أن يجعل للفكر الوطنية مكانا في هذه االنتفاضة ،وان انتقد بكثرة ،
وبشدة أحيانا ،السياسة االستعمارية ،وتقاريرها ،وان كل ثورة في الجزائر وراءها رغبة ملحة ،
في طرد االستعمار األوروبي ،وتحقيق استعادة الحرية واالستقالل الوطني حتى ولو لم يعبر عنها
صراحة بسبب الضغط االستعماري ،والباحثون الفرنسيون يعرفون ذلك ويدركونه ،ومنهم
أجيرون ،ولكنهم يتغاضون عنه ويتجاهلونه (.)31
بوادراالنتفاضة :
تعود بوادر االنتفاضة إلى منتصف عام 1914عندما بدأت السلطات االستعمارية تحضر
لعمليات اإلحصاء والتجنيد اإلجباري للشبان الجزائريين .
ففي خالل شهر أوت الحظ حاكم بلدية بريكة ،استعداد الناس للعصيان والتمرد ،وفر 34
شابا من دوار سقانة ،وسفيان إلى الجبال املجاورة خالل شهر سبتمبر ،وأعلن سكان بلديات
بريكة ،وبلزمة ،وخنشلة ،بصفة جماعية ،أنهم يفضلون املوت على تقديم أبنائهم للتجنيد
لتحصدهم مدافع األملان وأكدوا لحكام املنطقة بأنهم على استعداد لتقديم أي ش يء يطلبونه
منهم ما عدا أبنائهم .
وإزاء هذا اإلصرار ،أخذت السلطات الفرنسية تلوح باستعمال القوة ،ووجهت كتيبة عسكرية
إلى منطقة األوراس قامت بعدة تحركات وتنقالت مريبة فيما بين 29أكتوبر ،و 11نوفمبر
، 1914وجندت 123رجال في دائرة األوراس خالل هذا العام و 246شخصا خالل العام املوالي
و 506رجال خالل عام 1916م .
وتطور عدد املتطوعين املستخلفين على الشكل التالي 75:رجال عام ، 1914و 38رجال في العام
املوالي :و 419رجال عام 1916م .
وعندما شرعت السلطات العسكرية في تجنيد الشبان البالغين الخدمة العسكرية ابتداء من
يوم 2أوت 1916في بريكة ،وغيرها بدأت احتجاجات الناس تكثر وتشتد خاصة بعد أن أشيع
إحصاء األفواج التي ستجند عام 1917وتسخير العمال الكبار من أعمار 45_18للعمل في
أغراض الحرب بفرنسا كذلك (.)32
وفي يوم 24سبتمبر ، 1916ذهب زانتاكس ي ZANNETACCIرئيس بلدية بريكة إلى دوار
متكعوك ليسجل الشبان الجزائريين في قوائم املجندين فتقدم وفد من سكان الدوار وأكدوا له
رفضهم القاطع لتقديم أبنائهم للتجنيد ،وأعلنوا بأنهم يفضلون موتهم بالجزائر ،وقد فروا
فعال من الدوار والتحقوا بالجبال .
وفي أول أكتوبر ذهب كاسينلي CASSENELIرئيس دائرة باتنة ،إلى نفس الدوار و الدواوير
املجاورة لنفس الغرض ،فرفض الناس كعادتهم تقديم أبنائهم للتجنيد كذلك وفشل في
اعتقال بعض القصارى الشبان ،فقرر كل من عامل عمالة قسنطينة ،والجزائر إرسال كتيبة
عسكرية لإلرهاب والتهديد ،فتوجهت إلى هناك ،واضطرت لالنسحاب بسبب الرفض القاطع
الذي جوبهت به من طرف السكان .
وقد فر مئات الشبان املطلوبين للتسجيل إلى الجبال عام ، 1916وظهرت مجموعات منهم
أخذت تقطع الطرق وتتعرض للقوافل ،وتم تسجيل 18حادث اعتداء فيما بين 25أكتوبر و 8
نوفمبر 1916منها خمسة ضد أوروبيين .
وقد احتج أعيان مدن الشمال القسنطيني ضد استدعاء الشباب للخدمة العسكرية عام
، 1917وضد تسخير الكبار للعمل ،وأكدوا في عريضتهم إلى السلطات الفرنسية بتاريخ 26
سبتمبر ، 1916بأن تخليهم عن نسائهم وأطفالهم ،وأموالهم ،والذهاب إلى فرنسا ،لخدمة
أغراض الحرب ،مسألة فوق طاقتهم .وفعل مثلهم أعيان ناحية باتنة ،و كذلك أعيان شلغوم
العيد الذي قدموا عريضتهم منذ 13سبتمبر ، 1916وأخذ الرماة القناصة يفرون من وحداتهم
،ففر من تقرت 65صبايحيا ،ومن بسكرة 42فارسا ،وارتفع عدد الهاربين في نهاية عام 1916
،حتى وصل إلى أكثر من 3000رجال اعتصموا باملناطق الجبلية )33(.
اندلعت الحوادث الكبرى للثورة يومي 10و 11نوفمبر 1916وامتدت بقاياها لغاية نهاية أفريل
و أوائل ماي 1917و ذلك في املنطقة املمتدة بين بريكة في الحضنة غربا إلى غاية جبال ششار
باألوراس شرقا وتركزت في ثالث مناطق رئيسية :
بجبال قريون و الفجوج و بوعريف ،و تمكنوا من اختطاف بعض املجندين و أخذوهم معهم
إلى الجبال .
وكان هدف املتمردين حسب اعتراف اإلدارة الفرنسية نفسها هو تخليص إخوانهم الشبان
املسجلين و املجندين فعال ،و ذلك ما كان يمثل الجانب السلبي و الضعيف في موقفهم
وحركتهم ،فاستعملته القوات الفرنسية لتطعنهم وتضع حدا سريعا لتمردهم ،وقد ارتفع عدد
الثوار بمرور األيام و األسابيع حتى وصل إلى 3000رجل وقيل إلى 4000رجل ،و كثر عدد
الفارين من الفرسان القناصة و الصبايحية من وحداتهم ،ففر 45صبايحيا من لواء فرسان
تقرت ،و 42فارسا من لواء بسكرة ،و بلغ عددهم في نهاية ديسمبر 1916حوالي 3214رجال
بينهم 286ينتمون إلى دائرة باتنة .
وقد انتظم بعض الفارين في مجموعات خاصة أخذت تمارس اعتراض القوافل و العسكريين
الفرنسيين ،من أبرز زعماء بعض هذه املجموعات :علي بن أحمد بن زملاط و أخوه املسعود في
األوراس ،اللذان اعتصما بالجبال منذ 1917إلى عام ، 1921وابن علي محمد بن النوي من
متليلي الذي ألقي عليه القبض في شهر فيفري 1917وحكم عليه باإلعدام بتهمة قتله
للمتصرف املدني بعين التوتة ليلة 11نوفمبر )35( .1916
للفرنسيين الذين ازدادوا دهشة أمام انتصاراتها و قوتها و سرعة انتشارها مما جعل الحاكم
العام يطلب النجدة و التدخل من وزير الداخلية لدى وزير الحربية ليدعمه باملال و العتاد ،
ولم تجد القوات الفرنسية أمامها سوى البطش باملدنيين و نشر الرعب في الدواوير و سلب
أموال ومتابعة املواطنين في كل مكان وهو ماشهدت به التقارير الفرنسية التي ذكرت أن قواتها
قامت يوم 19نوفمبر 1916بمهاجمة السكان بمنطقة متليلي املعزولة وبطشت بالسكان
محاولة منها إلعادة طرق االتصاالت لنشاطها السابق و تأمين مرور قواتها .
وقد أكد الحاكم العام في تقريره املؤرخ في 21نوفمبر 1916فشل الضغوطات التي مارستها
قواته بل إن الثورة ازدادت شراسة و توسعا في مناطق األوراس و متليلي خاصة في جبالها
الكثيفة و منطقة القنطرة التي تمركز ثوارها نحو الجنوب و منطقة بلزمة و جبالها الوعرة و
منطقة بسكرة التي توسع بها الثوار منذ )36( . )1914
و ساهمت إلى جانب القوات السنغالية ثمانية كتائب من جنود الزواف في الهجومات املضادة
ضد الثورة منذ يوم 18نوفمبر بعد تسعة أيام من اندالع أحداثها ،وفي يوم 30نوفمبر طلب
الجنرال بوفنال bonnevalمن الحاكم العام لوتو ،أن يرسل إليه نجدات جديدة بعد أن
هاجم الثوار قافلة عسكرية قرب واد املاء وقتلوا منها أربعة رجال يوم 21نوفمبر ،وكان طلبه
أن ترسل إليه الحكومة الفرنسية لوائين عسكريين و طائرات مقاتلة ملواجهة املوقف املتدهور
و إرهاب السكان املتمردين ،فأرسلت لواء املشاة رقم 250من جبهة القتال بأوربا وانضم إلى
لواء السنغاليين ،فأصبح مجموع القوات املسخرة ملحاربة الثوار 13892عسكريا و 275
ضابطا ،وأمرت طائرات فارمان Fermanفي تونس بالتحليق على املنطقة ملحاربة الثائرين الذين
حدد لهم أجل 30نوفمبر ليستسلموا و يسلموا سالحهم .
وفي الفترة املمتدة مابين 19و 30نوفمبر قامت هذه القوات العسكرية بتمشيط املنطقة و
اقتحام مغاورها ومخابئها في بريكة و الحضنة و متليلي و مستاوة و جبل ششار ،وواصلت
عملياتها حتى ديسمبر 1916و شهر جانفي ، 1917و في أوائل شهر فيفري شرعت طائرات
فارمان وعددها ستة في التحليق باملنطقة انطالقا من قواعدها بتونس ،وفي يوم 12فيفري
1917أخذت تقذف القرى و تقنبل األماكن املشكوكة ،وأصيبت ثالث طائرات زعمة فرنسا أنها
أصيبت بعطب فني و ليس من طرف الثوار .
وقد انتهت حوادث هذه االنتفاضة مع نهاية شهر أفريل و أوائل ماي ، 1917وبلغ مجموع قتلى
الفرنسيين 15رجال و جرح ، 30بينما بلغ قتلى الجزائريين 100شخصا حسب تقرير املفتش
العام أوكتاف دوبون )37( .
محاكمة الثوار:
اعتقلت السلطات االستعمارية 2904شخصا قدمت منهم 825شابا غير رشيد إلى محاكم
تأديبية و 165شخصا رشيدا إلى املجلس العسكري بقسنطينة ،فأدانت املجالس التأديبية
805من غير الراشدين وحكمت عليهم بما مجموعه 715عاما و شهرين و تسعة أيام سجنا ،و
22810فرنك غرامة ،وقدم 45متهما إلى محكمة باتنة وحكم عليهم بما مجموعه 90عاما و
تسعة أشهر سجنا .
وتم مصادرة 3759بندقية صيد قديمة عديمة الفعالية ،و 7929رأس غنم و 4511رأس
ماعز ،و 266رأس بقر ،و تم تغريم 62394شخصا بمبلغ 706656فرنكا لتعويض ماسمته
أضرار املعمرين األوربيين ،ووضعت املنطقة كلها تحت اإلدارة العسكرية بمقتض ى قرار 22
نوفمبر 1916رغم معارضة الحاكم العام لوتو على ذلك .
وتعرض السكان ملالحقات كثيرة و قاسية و أبرز األوربيون كل ما في قلوبهم من حقد و كراهية
للجزائريين ،و أكد النائب أوبري Aubryبأن القوات الفرنسية أحرقت قرى و مشاتي بدون
سبب ،و ذكر أنه سمع بنفسه أحد اآلباء الجزائريين يقول له وهو يبكي " :من املؤسف حقا أن
تقوموا بحرق منازلنا و أماكن استقرارنا في الوقت الذي ُيقتل فيه أبناؤنا في جبهة الحرب في
فرنسا و أوربا " ،كما ذكر هذا النائب بان املتهمين كانوا يقدمون إلى املحاكمة عشرة فعشرة و
ال يفهمون إطالقا ما يقوله لهم القضاة و املحلفون ،ويصدرون ضدهم األحكام بالسجن من
ثالثة إلى ستة أشهر ،وبسبب ذلك اضطر الكثير من الهاربين من التجنيد إلى االعتصام
بالجبال عدة سنوات كما فعل اإلخوة بن زملاط )38( .
و بقيت آثار هذه االنتفاضة و مآسيها ماثلة في أذهان سكان املنطقة حتى اندلعت ثورة أول
نوفمبر الكبرى ، 1954و ما تزال أحداث هذه الثورة في أذهان بعض الشيوخ املسنين .
الخاتمة :
نستنتج مما سبق أن مدينة بريكة هذه املدينة التي ظهرت على خارطة بالد املغرب األوسط منذ
بداية القرن الرابع عشر ،تعرضت في العديد من املرات إلى صراعات مختلفة بين العائالت
املتحكمة في األراض ي و مع القياد الذي عينتهم فرنسا .
انتشرت الطرق الصوفية حول املنطقة و خاصة الطريقة الرحمانية التي كان رجالها و شيوخها
و شيوخ املساجد يحاولون القضاء على املشروع الثقافي الفرنس ي باستمرار التعليم ولو
بالطريقة التقليدية .
سرعان ما استنهضت هذه الطرق همم الرجال و بعثت في نفوسهم روح مقاومة املستدمر
الفرنس ي ،فظهرت تمردات و ثورات وانتفاضات ،كان أولها مشاركة سكان املنطقة في ثورة
الزعاطشة ، 1849ثم تمرد أوالد سحنون في نفس العام ،سرعان ما ظهرت حركة الشيخ
بوخنتاش الذي التفت حوله جل قبائل املنطقة ،لكن النتيجة كانت وخيمة على الجميع .
من أهم الثورات ثورة العيدون الهيدوق أفريل 1916حيث تعرض ابنه للتجنيد اإلجباري ،
فكانت هذه الحادثة نقطة انعطاف في مسار األحداث حيث التفت أعراش املنطقة حول
العيدون الهيدوق معلنة ثورتها و تمردها ومن نتائجها أيضا هو إعالن أول جمهورية جزائرية
بعين بومقر في أفريل ، 1916تبعها تمرد أهل بريكة أكتوبر من نفس العام و كانت انطالقة
لثورة األوراس الكبرى و التي لم تنتهي إال مع عام .1917
الهوامش :
- 1الزاب ،كلمة أعجمية أطلقت باملشرق و هي اسم لواديين بالعراق ،و أطلقت من طرف الجغرافيين و
الرحالة املسلمين على منطقة شاسعة من بالد املغرب ،و يمكن أن تكون كلمة أمازيغية و تعني الواحة ،أو
توازي باللغة العربية كلمة ّ
الصاب ،أو نسبة ملدينة زابي الروماني قرب مدينة املسيلة ،ينظر :أسامة الطيب
جعيل ،طبنة حاضرة إقليم الزاب و املغرب عبر العصور – دراسة تاريخية ، -مجلة قبس للدراسات اإلنسانية
و االجتماعية ،املجلد ، 02العدد ، 02جامعة الوادي ، 2018 ،ص .401
-2أسامة الطيب جعيل ،معجم أعالم طبنة في العصر الوسيط ،دار األوطان للنشر و التوزيع ،الجزائر
العاصمة ، 2019 ،ص . 12
-3بنو عامر ،قبيلة عربية تنتمي إلى قبيلة زغبة إحدى بطون بني هالل ،مواطنهم األولى كانت مجاورة لبني يزيد
جنوب سوق حمزة ( البويرة حاليا ) ،ثم قام يغمراسن بنقلهم إلى جنوب تلمسان ،وكان لبني عامر ثالثة بطون
هي :بنو يعقوب بن عامر ،بنو حميد بن عامر و بنو شافع بن عامر ،أنظر :عبد الرحمن بن خلدون ،ديوان
العبر و املبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األعظم ،ج ، 06ضبط املتن :
خليل شحادة ،مراجعة :سهيل زكار ،دار الفكر للطباعة و النشر ،بيروت ، 2000 ،ص .105
- 4مجهول ،زهر البستان في دولة بني زيان ،ج ، 02تحقيق وتقديم :بوزياني الدراجي ،مؤسسة بوزياني للنشر
و التوزيع ،الجزائر ، 2013 ،ص .28-27
-5الحسين بن محمد الورثالني ،رحلة الورثالني أو نزهة األنظار في فضل علم التاريخ و األخبار ،املجلد ، 01
مكتبة الثقافة الدينية ،ط ، 01القاهرة ، 2008 ،ص .114
jean despois , le Hodna , presses universitaire de france , paris 1953 , p 103 . - 7
-9رياض بودالعة ،موقف شيوخ الطرق و الزوايا من الثورة التحريرية الجزائرية ، 1956-1954مجلة مقاربات
،جامعة الجلفة ،املجلد ، 04العدد ، 2017 ، 03ص .171
-10شترة خير الدين ،الطلبة الجزائريون بجامع الزيتونة ( ، ) 1956-1900ج ،01دار البصائر ،الجزائر
العاصمة ، 2009 ،ص .82
-11بيرم كمال ،الطرق الصوفية و الزوايا بمنطقة الحضنة وموقفها من االستعمار الفرنس ي ، 1916-1830
مجلة املعيار ،قسنطينة ،املجلد ، 20العدد ، 2015 ، 39ص .588
-12أبو القاسم سعد هللا ،تاريخ الجزائر الثقافي ،ج ، 01دار الغرب اإلسالمي ،ط ، 01بيروت ، 1998 ،ص
.222
-31يحي بوعزيز ،من كفاح الجزائر في القرن التاسع عشر – أربعة أحداث في ثالث وثائق ، -املجلة التاريخية
املغربية ،تونس ،العدد ، 1974 ،02ص . 97
-41بيرم كمال ،األوضاع االجتماعية و االقتصادية و السياسية في الحضنة الغربية فترة االحتالل الفرنس ي (
، )1954-1840أطروحة دكتوراه في التاريخ الحديث و املعاصر ،جامعة قسنطينة ، 2011-2010 ،ص .42
-71بن يحي ،ثورة العيدون الهيدوق 1916م ،مقال بكتاب :ثورة األوراس ، 1916جمعية أول نوفمبر لتخليد
وحماية مآثر الثورة في األوراس ،باتنة ، 1996 ،ص . 322
-81عبد الحق جراف ،ثورة العيدون الهيدوق ،مجلة باتنة انفو ،عدد ، 02جويلية ، 2011ص.48
- 19مقابلة مع السيد العيدون رياض ،أحد أحفاد الثائر العيدون الهيدوق ،يوم 11 :نوفمبر ، 2018بريكة ،
على الساعة 13.00زواال
- 20مقابلة مع السيد نور الدين فني ،أحد أحفاد فني مبارك بن فني أحد املشاركين في ثورة العيدون الهيدوق ،
يوم 20 :ديسمبر ، 2018بريكة على الساعة 22.00ليال
-23شارل روبير أجيرون ،االضطرابات الثورية في الجنوب القسنطيني نوفمبر -1916جانفي ، 1917مجلة
األصالة ،الجزائر ،العدد ، 1978 ، 63-62ص . 168
-24أ.د يوسف مناصرية ،دراسات و أبحاث في املقاومة و الحركة الوطنية الجزائرية ، 1954-1830دار هومة
للطباعة والنشر و التوزيع ،الجزائر ، 2014 ،ص .82
-28يحي بوعزيز ،ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر و العشرين ،ج ، 02منشورات املتحف الوطني
للمجاهد ،ط ، 02الجزائر ،د.ت ،ص .57
-32صالح فركوس ،املختصر في تاريخ الجزائر من عهد الفينيقيين إلى خروج الفرنسيين ( 814ق.م1962-م)
دار العلوم للنشر و التوزيع ،عنابة ، 2002 ،