You are on page 1of 25

‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫عنوان املقال‪ :‬الثورات الشعبية في‬ ‫الباحث ‪ :‬أسامة الطيب جعيل‬


‫منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املؤسسة ‪ :‬جامعة الجزائر‪02‬‬
‫أبو القاسم سعد هللا‬

‫البريد االلكتروني ‪tayeb9912@yahoo.com :‬‬


‫تاريخ اإلرسال‪ 2020/02/10 :‬تاريخ القبول‪ 2020/03/11 :‬تاريخ النشر‪2020/03/31 :‬‬

‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬

‫ملخص‬

‫مع دخول االحتالل الفرنس ي إلى الجزائر و توسعه نحو املدن الداخلية محاوال فرض‬
‫السيطرة على كل املدن و القبائل ‪ ،‬جابهت هذا االحتالل العديد من املقاومات الشعبية‬
‫املنتظمة والغير املنتظمة من طرف سكان الجزائر ‪ ،‬و عرفت منطقة بريكة قيام العديد من‬
‫الثورات ضد املحتل الفرنس ي منذ تقدمه نحو املنطقة إلى غاية عام ‪ 1916‬وهو عام آخر ثورة‬
‫شعبية باملنطقة ‪ ،‬كانت مجمل هذه الثورات ذات طابع شعبي حماية لألرض موجهة من كبار‬
‫األعراش ونتيجة لنشاط أتباع الطريقة الرحمانية باملنطقة ‪ ،‬ثم رفضا للتجنيد اإلجباري ألبناء‬
‫املنطقة ضمن الجيش الفرنس ي ‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬االحتالل الفرنس ي ‪ ،‬الثورات الشعبية ‪ ،‬بريكة ‪ ،‬ثورة الهيدوق ‪،‬ثورة‬
‫األوراس‪.‬‬

‫‪Abstract :‬‬
‫‪with the French occupation entering Algeria and expanding toward the‬‬
‫‪internal cities in an attempt to impose control on all cities and tribes, was met by‬‬
‫‪many regular and irregular popular resistance from the citizens of Algeria. The‬‬
‫‪region of Barika has known that many revolts against the French occupier have‬‬
‫‪taken place since its advance toward the region until 1916, the last year of a‬‬
‫‪popular revolution in the region, all of which were popular in nature, as a result of‬‬

‫‪377‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫‪the activity of the Rahmaniya method in the region. He then refused to forcibly‬‬
‫‪recruit the citizens of the region within the French army.‬‬
‫‪Keywords : French occupation , popular revolts , Barika , Hidoug Revolution , aures‬‬
‫‪revolution.‬‬
‫املقدمة‬
‫بعد االحتالل الفرنس ي للجزائر و توسعه نحو املناطق الداخلية ‪ ،‬وصلت أوائل هاته القوات‬
‫لبريكة عام ‪ ، 1842‬ثم بموجب قرار ‪ 15‬أفريل ‪ 1845‬تكونت املكاتب العربية بمحيط‬
‫قسنطينة العسكري منها املكتب العربي بمدينة بريكة ‪،‬تبعها تأسيس مركز بلدية بريكة بموجب‬
‫مرسوم ‪ 10‬ديسمبر ‪ 1873‬سرعان ما تحول إلى بلدية مختلطة ذات مساحة شاسعة تضم‬
‫العديد من البلديات والدواوير واألعراش ‪.‬‬
‫وكان لنشاط شيوخ القبائل و الزوايا من زعماء روحيين يبثون الحماسة في الناس ملقاومة‬
‫املستعمر ‪ ،‬نتجت عنها بروز مقاومات شعبية منظمة وغير منظمة شارك فيها أهل بريكة مثل‬
‫ثورة الزعاطشة ‪ 1849‬ثم ثورة بريكة أو تمرد أوالد سحنون الذي قتل فيه رئيس املكتب العربي‬
‫عام ‪ ، 1849‬ثم مشاركة أهل بريكة في ثورة بوخنتاش عام ‪ ، 1860‬ثم املشاركة في ثورة املقراني‬
‫سنة ‪ ، 1871‬و أخيرا ثورة بريكة ‪ 1916‬وماعرفت بثورة العيدون الهيدوق التي كانت نتيجة‬
‫لسياسة التجنيد اإلجباري ‪.‬‬

‫‪-01‬ملحة تاريخية عن مدينة بريكة‬

‫تعتبر مدينة بريكة إحدى املدن التاريخية التي ظهرت منذ القرن الوسيط املتأخر ‪ ،‬وقبل‬
‫ظهور هذه املدينة تاريخيا سبقتها إحدى أهم مدن بالد املغرب أال وهي مدينة طبنة التي عرفت‬
‫بأنها عاصمة بالد املغرب اإلسالمي بعد سقوط القيروان بيد الخوارج ‪ ،‬ثم عاصمة إلقليم‬
‫الزاب (‪ّ )1‬‬
‫‪،‬وعمرت هذه املدينة حوالي أربعة عشر قرنا إلى غاية اندثارها و خلوها من السكان‬
‫نهاية القرن الثالث عشر(‪.)2‬‬

‫‪378‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫وأول نص تاريخي يذكر ظهور طوبونيم " بريكة" ‪ ،‬انفرد به صاحب كتاب "زهر البستان في‬
‫تاريخ دولة بني زيان" حيث ذكر أنه في شوال من عام ‪759‬ه‪1357/‬م " خرج أبو حمو الزياني‬
‫الثاني و أقام في باريكا عند شيخ قبيلة بني عامر صغير بن عامر (‪ )3‬الذي قام بمبايعة أبي حمو‬
‫الثاني وتاله على البيعة كافة بني عامر وكل بطل مشهور ‪ ،‬أعطوه صفقة أيديهم ‪ ،‬على الوفاء‬
‫بالعهود ‪ ،‬والحماية من املكروه ‪ ،‬و العضد ‪)4( " ...‬‬

‫ثم يأتي ذكرها في رحلة الورتالني (ت ‪1193‬ه‪1779/‬م) ‪ ،‬حيث يقول عنها ‪ " :‬فنزلنا قرب بريكة‬
‫‪ ،‬وهي أرض طيبة و فيها نهر جار مثل النيل ‪ ،‬و هي لسيدي محمد الحاج يتقاتل عليها أوالد دراج‬
‫فيما بينهم ‪.)5 ( " ...‬‬

‫ومع تقدم االحتالل الفرنس ي ملنطقة الحضنة الشرقية ‪ ،‬تم تكوين مكتب عربي ببريكة بموجب‬
‫أمر ‪ 15‬أفريل ‪ ، 1845‬وأول ضابط للمكتب العربي بريكة عين سنة ‪ 1858‬هو الجنرال‬
‫"شوليزو" ‪ ،‬ثم أصدر الجنرال الفرنس ي ‪ -‬سوسييه ‪ -‬قرارا في ‪10‬ديسمبر ‪ 1873‬ينص على إنشاء‬
‫قوة عسكرية بقيادة ضابط في موقع بريكة الحالي وبدأ العمل في ‪ 01‬مارس ‪ 1874‬يقوده النقيب‬
‫‪ -‬لوسطوك‪ ، -‬سبب هذا القرار هو حصار األعراش لبرج ( القيادة) آنذاك بمقرة سنة ‪1871‬‬
‫وامتداد ثورة املقراني ألعراش الحضنة الشرقية ‪ ،‬وكانت نتائجها وخيمة حيث تمت معاقبة‬
‫األعراش الثائرة ومصادرة أراضيها‪.‬‬
‫أما مركز مدينة بريكة هو عبارة عن ملحقة من أجل السيطرة ومراقبة أعراش الحضنة‬
‫الشرقية الثائرة ‪ ،‬وضمت في بادئ األمر أعراش أوالد سحنون جميعها والزوي ( أوالد سيدي‬
‫أحمد بن بلقاسم ‪ ،‬الضحاوي ‪ ،‬أوالد سيدي عثمان ‪ ،‬أوالد الخضرة ) وأوالد عمر وأوالد نجاع‬
‫‪،‬الساللحة أوالد علي بن صابور أوالد سالم وأوالد سلطان وعرفت بعدها بعض التغييرات‬
‫بحذف بعض األعراش وإلحاقهم ببلديات أخرى(‪.)6‬‬
‫و بموجب قرار في ‪ 17‬فيفري ‪ 1885‬أصبحت امللحقة مستقلة وماليا ‪ ،‬وفي سنة ‪ 1886‬أنشأت‬
‫البلدية املختلطة ‪ -‬ماكماهون ‪ -‬عين التوتة وضمت إليها بعض األعراش التي كانت تتبع ملحقة‬

‫‪379‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫بريكة‪،‬و تم اإلنشاء الرسمي لبلدية بريكة املختلطة يوم ‪ 05‬أكتوبر ‪.)7( 1905‬‬
‫بلغ عدد سكان منطقة بريكة و ما جاوره عام ‪ 11583 : 1886‬نسمة موزعة كالتالي ‪:‬‬
‫* أوالد سحنون ‪ 5230:‬نسمة‪.‬‬
‫* أوالد عمر‪ 2141:‬نسمة‪.‬‬
‫* الزوي‪ 1671:‬نسمة‪.‬‬
‫* الساللحة‪ 1313:‬نسمة‪.‬‬
‫أوالد نجاع‪ 1202:‬نسمة‪)8( .‬‬ ‫*‬

‫‪ -02‬الزو ايا و الطرق الصوفية في منطقة بريكة ‪:‬‬

‫يعود انتشار ظاهرة التصوف في بالد املغرب اإلسالمي إلى القرن الخامس الهجري ‪ /‬الحادي‬
‫عشر ميالدي أثناء حكم املرابطين ‪ ،‬ثم ترسخت و تغلغلت بين طبقات املجتمع املغاربي أيام‬
‫املوحدين ‪ ،‬حيث ازدهرت الحركة الصوفية بتأثير الزاهد األندلس ي أبو مدين شعيب بن‬
‫الحسين ( ‪590-520‬ه‪1197-1126/‬م) ‪ ،‬الذي يعد شيخ الصوفية بكل األقطار املغربية و‬
‫األندلسية في القرن السادس الهجري ‪ /‬الثاني عشر ميالدي ‪ ،‬ومع بلوغ القرن الرابع عشر‬
‫ميالدي كانت الحركة الصوفية قد لعبت دورا أساسيا في رسم معالم الحياة الدينية و‬
‫االجتماعية في الجزائر ‪ ،‬حيث أصبحت ال تقتصر على جماعة من الزاهدين بل بكل طبقات‬
‫املجتمع ورسخت و تغلغلت وسط التقاليد الشعبية ‪ ،‬وأصبح الناس يؤمنون باألولياء‬
‫وكراماتهم وأقبلوا ينخرطون في الزوايا ‪ ،‬ومع حلول القرن السادس عشر شاعت الطرق‬
‫الصوفية في الجزائر ‪ ،‬وساعد ذلك الوجود العثماني الذي عمد إلى االستعانة بهذه الطرق و‬
‫الزوايا لحكم الجزائريين ‪ ،‬فتحالفت مع املشايخ ورجال الدين ومنحتهم االستقالل الذاتي‬
‫مقابل دفع ضرائب للحكومة و االعتراف بالتبعية للسلطة العثمانية قبل أن تسوء العالقة بين‬
‫شيوخ الطرق و الدولة العثمانية بسبب الضائقة املادية مطلع القرن التاسع عشر مما أدى إلى‬
‫ظهور ثورات مختلفة مثل ثورة ابن الشريف الدرقاوي بالغرب الجزائري عام ‪ ، 1802‬وثورة ابن‬

‫‪380‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫األحرش بالشرق الجزائري عام‪ 1804‬منهية للعالقة مع السلطة العثمانية في العديد من‬
‫املناطق (‪.)9‬‬

‫أما بمنطقة الحضنة و بريكة ‪ ،‬فقد تواجدت الطرق الصوفية و الزوايا منذ العهد العثماني ‪،‬‬
‫و انتشرت أكثر في املنطقة بعد ثورة املقراني ‪ ، 1871‬وأهم هذه الطرق املنتشرة هي الطريقة‬
‫الرحمانية ‪ ،‬وكان لهذه الزوايا جهود بارزة في التعليم حسب الطريقة التقليدية ‪ ،‬أما عدد هذه‬
‫الزوايا في املنطقة التي وجدت باملفهوم الواسع فهو ال يعدو األضرحة التي ارتبطت بشخصيات‬
‫املرابطين و األولياء الصالحين (‪ّ ، )10‬‬
‫تصد شيوخ هذه الزوايا و الطرق إلى املشروع الثقافي‬
‫االستعماري الفرنس ي ‪ ،‬وذلك من خالل استمرار عملية التعليم في املساجد و الزوايا و الجوامع‬
‫‪ ،‬و بالتالي املحافظة على املقومات الوطنية من تاريخ و لغة و دين وعادات و تقاليد نابغة من‬
‫خصوصيات املجتمع الحضني ‪ ،‬الذي ظل محافظا على هذه الخصوصيات ولم يتأثر بمؤثرات‬
‫الحضارة الغربية (‪. )11‬‬

‫‪ -03‬الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪: 1916-1830‬‬

‫نجح شيوخ الطرق الصوفية وخاصة الرحمانية في التعبئة الجماهيرية للثورة ضد املحتل‬
‫الفرنس ي بمنطقة بريكة و الحضنة الشرقية ‪ ،‬حيث ما إن وصلت طالئع الطريقة الرحمانية‬
‫حتى التف حولها الناس ‪ ،‬و أول ثورة أسهم فيها سكان املنطقة هي ثورة ابن األحرش الذي ثار‬
‫عام ‪ 1803‬ضد العثمانيين بالشرق الجزائري وشاركت معه قبائل املنطقة فيها (‪ ،)12‬حيث حاول‬
‫شاكر باي القضاء على حلف قبائل الحضنة مع بلحرش فتقدم جيش الباي إلى املنطقة و‬
‫تصدى لهم سكان املنطقة ببريكة عام ‪ 1817‬و مني الجيش بهزيمة نكراء ‪.‬‬

‫ثم جاءت مشاركة سكان منطقة الحضنة و بريكة في ثورة الزعاطشة ‪ 1849‬بدعوات من‬
‫أصحاب الطريقة الرحمانية ‪ ،‬لكن نتائج هذه املشاركة كانت وخيمة على سكان املنطقة بعد‬
‫تهجيرهم و ترحيلهم من مناطقهم األصلية و االستيالء على أراضيهم ‪.‬‬

‫‪381‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫أما أهم الثورات التي قامت بمنطقة بريكة بدعم من شيوخ الزوايا و الطرق الصوفية نجد ‪:‬‬

‫‪ 1-3‬ثورة محمد بوخنتاش ‪: 1860‬‬

‫مطلع شهر مارس من عام ‪1860‬م ‪ ،‬ظهر شخص من فرقة البراكتية ثورة أوالد عمر بمنطقة‬
‫الحضنة الشرقية ‪ ،‬حيث أن تأثيرات شيوخ ومقدمي الطرق الصوفية لعبت دورا بارزا في‬
‫التحضير لهذه الثورة ‪ ،‬باإلضافة إلى التصرفات التي بدرت من طرف القياد التي عينتهم فرنسا‬
‫على املنطقة مثل القايد بن دايخة و القايد بيبي في إذكاء نار الثورة (‪.)13‬‬

‫توجه القايد بيبي إلى باتنة يوم ‪ 10‬مارس ‪ 1860‬م مبلغا أن رجال من أوالد رابح يدعى محمد‬
‫بوخنتاش يدعو أنه مبعوث من شريف السوس األقص ى و أنه يتكلم على الجهاد ‪ ،‬وانضم إليه‬
‫الشيخ الس ي العربي باش عدل أوالد سحنون ‪ ،‬وس ي أحمدباي من أوالد منصور ‪،‬فأرسل‬
‫الكولونيل املسؤول بباتنة شخصا لتقص ي الحقائق و الذي بعد تنقله أكد املعلومات ‪ ،‬فتقرر‬
‫إرسال مجموعتين من املجموعة الثامنة لقناص ي فرنسا ‪ ،‬ووصلت إلى بريكة بعد يومين ‪ ،‬وفي‬
‫اليوم املوالي وصلت إلى بريكة فرقة عسكرية أخرى من الزواف و املشاة الخفيفة اإلفريقية‬
‫ومجموعة من الرماة (‪. )14‬‬

‫استطاع بوخنتاش أن يستميل عروشا بأكملها من أوالد سحنون و أوالد منصور ‪ ،‬و أوالد دراج‬
‫و اوالد نجاع و أوالد عمر و كثيرا من الناس ‪ ،‬أحست فرنسا بخطر األوضاع في الحضنة فتحرك‬
‫الجنرال ديفو ‪ devaux‬بتاريخ ‪ 20‬مارس من قسنطينة على رأس قوة عسكرية متوجهة إلى‬
‫مخيم الكولونيل ديمارتس الذي جعل قبالة الحضنة جهة جبال بوطالب ‪ ،‬كما تم أمر قادة‬
‫مقاطعة املدية و سور الغزالن بالتوجه إلى الحضنة ‪ ،‬ووصلت حملة النقيب بان ‪ pain‬إلى بريكة‬
‫يوم ‪ 20‬مارس ‪ ،‬كما تحركت حملة الكولونيل ديمارتس من سطيف يوم ‪ 22‬مارس ‪ 1860‬بفرقة‬
‫من الصبايحية من أجل مباغتة الثوار من الخلف ‪ ،‬ووقعت معركة أولى يوم ‪ 23‬مارس ‪1860‬م‬

‫‪382‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫بين القوتين أدت إلى الكثير من القتلى و الجرحى ‪ ،‬وقدرت قوة جيش بوخنتاش األعراش‬
‫املجاورة ب ‪ 1800‬بندقية (‪. )15‬‬

‫بعد تجمع كل القوات الفرنسية وقع االلتحام و املعركة الكبرى يوم ‪ 25‬مارس ‪1860‬م في موقع‬
‫يعرف بسم خنق أم الحمام ‪ ،‬حيث استبسلت قوات أعراش الحضنة ووقع التصادم بالسالح‬
‫األبيض ‪ ،‬إال أن قوة الجيش الفرنس ي و تنظيمه أدى إلى تحطيم معسكر الشيخ بوخنتاش ‪،‬‬
‫وقتل الشيخ العربي شيخ أوالد سحنون و تم تحطيم عرش أوالد عمر الذي أرغم على تسليم‬
‫الشيخ بوخنتاش للقوات الفرنسية ‪ ،‬وكانت النهاية وخيمة على كل من شارك في هذه الثورة من‬
‫تهجير و مصادرة لألراض ي ‪ ،‬وقد دون أحد الشعراء هذه املعركة في قصيدة مطلعها ‪:‬‬

‫يا راعى امللجوم ريض أمهل لي ****وعودك من األبعاد جاء عرقه يقطر‬
‫عمر‬ ‫وأوالد‬ ‫النصارة‬ ‫بين‬ ‫فيما‬ ‫****‬ ‫الحضـنـة‬ ‫في‬ ‫صــار‬ ‫ما‬ ‫تـعـلـمـني‬
‫خبر جاني مع النجوع الحق لي **** وحرمة األبطال عامت على البر‬
‫فتنة خنق أم حمام قعدت محكية **** يا معتاه النهار في جر أم عمر (‪)16‬‬

‫‪ 2-3‬ثورة سكان منطقة بريكة بقيادة العيدون الهيدوق أفريل ‪: 1916‬‬

‫وحقيقتها أنه وفي أوائل شهر جويلية ‪ 1915‬كانت حملة الحصاد قد بدأت باملنطقة التي كان‬
‫يحكمها النقيب ماسونييه مع قلة من جنود السبايس ‪ ،‬وعلى حين غرة قامت مجموعة من‬
‫املواطنين املخلصين بحرق جميع محاصيل الباشاغا بن قانة الذي كان باسطا نفوذه من‬
‫بسكرة إلى املسيلة ‪ ،‬مستغلين بذلك غيابه عن املنطقة ‪،‬وحين أدركه الخبر أدرك يقينا أن‬
‫إفالسه سيكون على يد أهل بريكة ‪ ،‬فقرر االستقرار ببسكرة لكونها اهدأ من بريكة في ذلك‬
‫الحين‪.‬‬
‫هذه الحملة قادها ودبرها املجاهد الشهيد العيدون الهيدوق رفقة ثلة من املواطنين ‪ ،‬ومنهم‬
‫شباح الطاهر بن برة ‪ ،‬دومي محمد بن دومي ‪ ،‬حاجي الطاهر من أوالد منصور بلدية مقرة‬
‫‪،‬وآخرون انظموا إلى املجموعة والثورة ‪ ،‬بعد أن اشتعل فتيلها وأكل لهيبها محصود الباشاغا‬

‫‪383‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫بن قانة الذي انتقل إلى قسنطينة طالبا املدد من السلطات اإلدارية والعسكرية ضد من‬
‫يسميهم هو و أمثاله من الصعاليك بالصعاليك فوافقت السلطات على الفور بإرسال قوات‬
‫وفرق إلى ناحية باتنة وباألخص بريكة التي تشهد اضطرابات كثيرة (‪.)17‬‬
‫وكان قانون التعبئة العامة قد صدر في ‪ 02‬سبتمبر‪ 1914‬ليجند الشباب وليرسل إلى فرنسا‬
‫لقتال األملان بعد ‪ 15‬يوما وصلت الفرق تحت إرشاد جنود مقيمين في باتنة ونصبت الخيام‬
‫حول برج النقيب ماسونييه لحماية مكاتب اإلدارة والسجن ‪ ،‬وبعد أربعة أيام من الراحة بدأت‬
‫تدق طبول التطوع في الجيش الفرنس ي ‪ ،‬إال أنه وفي بداية شهر أكتوبر‪ ،‬ذاق املستدمر الفرنس ي‬
‫ذرعا بفشله فراح يجند الشباب بالقوة ولم يسلم من ذلك الكهل و ال ذوي العاهات ‪ ،‬وزج‬
‫بالكل في ساحة السجن التي نصبت قرب غرفة األموات التي بنيت في زاوية حديقة رئيس الدائرة‬
‫والحديقة العمومية (هواري بومدين حاليا )‪ ،‬وفي هذه املرحلة كانت املنطقة تشهد احتجاجات‬
‫(‪.)18‬‬ ‫بسب االعتقاالت التعسفية والتجنيد املباشر‬ ‫بدأ يتسع نطاقها‬
‫مع بداية شهر مارس ‪ 1916‬وأمام هذه الوضعية واإلجراءات التعسفية ضد املجندين الذين‬
‫مات بعضهم جوعا ‪ ،‬بدأ عدد السكان يتضاعف بتوافد السكان من مختلف أنحاء املناطق‬
‫والقبائل األخرى ‪ ،‬وهنا أحس الجميع بأن أمرا ما سيحدث ‪ ،‬فضاعف املتصرف الحراسة‬
‫واالتصاالت واستدعى إليه الزوي " أوالد سيدي عثمان من عين الكلبة " واعتقل من اعتقل ‪،‬‬
‫وكان من بين املعتقلين رجل يسمى أحمد ‪ ،‬هو ابن العيدون الهيدوق " فتدخل هذا األخير وبكل‬
‫شجاعة وجرأة ال تتوافر عند أي كان بتاريخ ‪ 10‬أفريل ‪ 1916‬و توجه إلى مكتب املتصرف‬
‫ُ‬
‫فاعتقله حرسه الشخص ي ‪ ،‬و أخبر املتصرف بذلك فخرج على الفور ناسيا بزته الرسمية‬
‫وقبعته النظامية ‪ ،‬وبحركة من يده أزاح الحرس وتقدم نحو العيدون الهيدوق ‪ -‬من مواليد‬
‫سنة ‪ 1875‬ببريكة ‪ -‬وسأله ماذا تريد ؟ فرد الهيدوق ‪ :‬جئت أحرر ولدي املسجون منذ أكثر من‬
‫أسبوع ‪ ،‬إذا حدث له أي مكروه أو سوء معاملة ‪ ،‬فسأقتل كل الناس ‪ ،‬فقال ماسونييه ‪ :‬ابنك‬
‫أحمد يجب أن يذهب ليقاتل إلى جانب فرنسا فهناك الحرب ‪ ...‬اذهب ‪ ،‬فرد العيدون الهيدوق ‪:‬‬
‫أريد أن احتفظ بابني إلى جانبي وال أريد أن يرحل إلى بالدكم ‪ ،‬فهنا الجزائر وهناك فرنسا ‪،‬وهنا‬
‫أمر املتصرف باعتقاله ‪ ،‬وفي الصباح أطلق سراحه ولدى خروجه من السجن تحدث إلى‬
‫الجنود قائال ‪ :‬لقد أنذرتكم ‪..‬وعد من الهيدوق (‪.)19‬‬
‫وفي فجر ‪ 13‬أفريل ‪ 1916‬انطلقت قافلة مكونة من ‪ 20‬عربة تغص باملجندين مربوطين إلى‬

‫‪384‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫بعضهم البعض ‪ ،‬وكان عليها أن تقتفي أثر قافلة البريد التي انطلقت بعد ثالثة أيام من خروج‬
‫العيدون الهيدوق من السجن وهنا انتقل الخبر بسرعة وانتشر بين مختلف القبائل كالنار في‬
‫الهشيم ‪،‬وتجمع حشد من الرجال محملين باألسلحة يذكرهم التاريخ بأسمائهم " العيدون‬
‫الهيدوق بن أحمد بن العيفة ‪ ،‬حامد وناس ‪ ،‬حبي حامة بن علي ‪ ،‬لهميس ي بن العجابي ‪ ،‬شباح‬
‫الطاهر بن برة ‪ ،‬ميهوبي حميدة بن القتال ‪ ،‬ميلود الطاهر بن حامية ‪ ،‬حاجي الطاهر ‪ ،‬دومي بن‬
‫الدومي (‪ ، )20‬وكانت الخطة تقتض ي مرور القافلة ثالث محطات املحطة األولى وهي محطة‬
‫القريدات " تيالطو حاليا " ثم املحطة الثانية عين التوتة والثالثة واألخيرة باتنة‪.‬‬
‫وقبيل انطالق هذه القافلة كانت ثمة قافلة أخرى تضم الرجال الذين ذكروا آنفا ‪ ،‬قد غادرت‬
‫بريكة كل على راحلته طالبين املدد والعون ألوالدهم من الخذران ‪ ،‬فكان لهم ما أرادوه ووضعت‬
‫تحت تصرفهم الخيول واألسلحة وعند انطالق الحافلة ‪ ،‬كان هناك حشد من النسوة يبكين‬
‫أبناءهن وإخوانهن وأزواجهن ألنهم سيقوا إلى املجهول ‪،‬أما عن الرجال املدججين باألسلحة‬
‫فقد انطلقت من بينهم صيحات " الجهاد في سبيل هللا " وحدث تبادل إلطالق النار على الجموع‬
‫املعزولة واملسلحة فسقط عدد بين جريح وقتيل وتفرق الجمع في األودية وكانوا يرمون الجنود‬
‫الراجلين مع القافلة بالحجارة فتعرضت القافلة أثناء الراحة إلى هجوم الثائرين من جهة‬
‫الجنوب على مسلك طريق باتنة حاليا ‪ ،‬ومن أسفل وادي بريش " شمال هذا املسلك " فقتلوا‬
‫بضع عشرات من الجنود وأطلقوا سراح الخيول وسلموها من كانوا في حاجة إليها وفر باقي‬
‫الجنود باتجاه عين التوتة متخلين عن املال و املؤونة وغيرهما وأحرقت املراكب في عين املكان‬
‫ُ‬
‫‪،‬وانسحب الثائرون إلى جبل متليلي أين نظم تجمع على تعليمات من الهيدوق وتم توجيه‬
‫املسجونين سابقا مشيا على األقدام عبر الحقول نحو بريكة ‪ ،‬ثم رسمت خطة الليل التي‬
‫تقتض ي بالهجوم على عين التوتة ‪ ،‬وانظم إلى الثائرين سكان جبال معافة و أوالد عوف وكل‬
‫املناطق املجاورة في نفس اليوم ‪ ،‬واستفادوا بأسبقية معرفتهم باألرض وأحرقوا في نفس الليلة‬
‫عين التوتة ‪ ،‬وبلغ ذلك العدو ‪ ،‬فأرسل إلى عين املكان مئات الجنود املسلحين واملدعمين‬
‫بالفرسان ونشبت معارك عنيفة قتل خاللها عدد من الطرفين بقي في عين املكان ‪ ،‬وقد قاوم‬
‫الثائرون أياما عديدة حرموا خاللها من املدد ما اضطرهم إلى االنقسام إلى مجموعتين ‪،‬‬
‫مجموعة الجبليين الذين سماهم املستدمر بثوار األوراس ‪ ،‬ومجموعة مقاتلو سقانة و بريكة‬
‫من بينهم عمر أوموس ى من أوالد سلطان الذين تراجعوا نحو سفيان وأحرقوا أول مزرعة‬

‫‪385‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫للكولون في بومقر قبل أن يواجهوا جنود العدو بمدخل قرية نقاوس ‪ ،‬واستمر هذا القتال‬
‫العنيف عدة أيام انتصر فيها الثوار على الجنود الفرنسيين (‪.)21‬‬
‫‪ ‬إعالن أول جمهورية جزائرية يوم ‪ 26‬أفريل ‪ 1916‬ونهاية االنتفاضة ‪:‬‬
‫تجمع الثوار في املكان املسمى عين بومقر بين نقاوس وبومقر ‪ ،‬وأعلنوا ألول مرة في تاريخ‬
‫الجزائر عن ميالد أول جمهورية جزائرية كان ذلك في ‪ 26‬أفريل ‪ ، 1916‬بعد ذلك حدث قمع‬
‫شرس على املنطقة فقبض على الرجال وقتل أكثرهم (‪.)22‬‬
‫وخالل إحدى املطاردات على مشارف العطعوطة بريكة ‪ ،‬شوهد العجابي الطاهر بن العجابي‬
‫في راح فانقض عليه الجنود لكنه امتطى الحصان حافي القدمين من دون سالح ‪ ،‬ولكنه تلقى‬
‫رصاصة في ظهره ليسقط شهيدا في املكان املسمى النوخة ‪ ،‬وفي الليل قام معارفه بدفنه ‪ ،‬أما‬
‫عن العيدون الهيدوق رجل الثورة فقد سجن في سطيف طيلة عامين ‪ ،‬وتلقى عدة عروض‬
‫خاصة باألراض ي الفالحية املسمات "الصفيحة" وباألخص التي كانت مستغلة من طرف أوائل‬
‫املعمرين الفرنسيين بسطيف ‪ ،‬وفي أحد األيام حاول رئيس الدائرة أن يذهب به إلى فرنسا بعد‬
‫أن عمل على إخراجه من السجن ‪ ،‬و عرض عليه قائال " اسمع العيدون ! إذا أردت أن تصبح‬
‫صديقا لفرنسا فان كل الصفيحة ستكون لك ‪ ،‬وانأ الذي سأعطيك سند امللكية لك وألوالدك "‬
‫‪ ،‬فرد سريعا " اسمعني أنت أيضا ‪ ،‬هللا يصفح عليها وعلى أهلها "بمعنى اللعنة عليها وعلى أهلها‬
‫ليبقى هذا املثل سائرا في بريكة الى اليوم ‪ ،‬بعد هذا الرفض و املساومة والخنوع والذل كان مع‬
‫"بن قسمية حاج قسمية ‪،‬مزغيش الحواس ‪ ،‬حارك قويدر بن علي ‪،‬فني مبارك بن فني ‪ ،‬خرزي‬
‫عزيز بن أحمد ‪ ،‬قسوم لخضر بن قسوم ‪ ،‬صالحي علي بن دراجي ‪ ،‬شق الطين منصور ‪ ،‬شريف‬
‫العلمي بن دومة ورفاقه " ‪ ،‬ونقلو الى ناحية سعيدة باملكان املسمى عين تاعظميت ووضعو‬
‫تحت االقامة الجبرية طيلة خمس سنوات مات خاللها بن قسمية حاج قسمية ‪ ،‬وخالل هذه‬
‫الفترة كان الهيدوق يدعو هللا أن يرى بريكة قبل املمات فكان له ما تمنى ‪ ،‬ووافته املنية سنة‬
‫‪.1922‬‬
‫أما عن ابنه العيدون أحمد بن الهيدوق فقد توفي سنة ‪ 1948‬في سن ‪50‬سنة في ظروف عادية‬

‫‪386‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫ببريكة دون أن يؤدي الخدمة العسكرية ‪ .‬وكذلك توفي دومي بن دومي في عين التوتة والحاج‬
‫الطاهر في سفيان كانت هذه الثورة شرارة لثورة األوراس الكبرى التي بدأت شهر نوفمبر من‬
‫نفس العام و لم تنته إال مع شهر ماي من عام‪.)23( 1917‬‬

‫‪ 3-3‬ثورة األوراس ضد التجنيد اإلجباري ‪. 1917-1916‬‬


‫‪ ‬اندالع الثورة في منطقة بريكة ‪:‬‬
‫عملت اإلدارة الفرنسية على فرض التجنيد اإلجباري على الجزائريين وقامت بمباشرة عملية‬
‫اإلحصاء و التسجيل في منتصف شهر أوت ‪ 1916‬من أجل تحقيق هدفين استعماريين ‪ ،‬تمثل‬
‫األول في إحصاء الشباب و تقديمهم إلى الخدمة العسكرية اإلجبارية لتدعيم صفوف القوات‬
‫العسكرية الفرنسية على جبهات القتال ‪ ،‬و ثانيا إحصاء الرجال الجزائريين إلجبارهم على‬
‫العمل في املصانع الفرنسية في الجزائر وفرنسا للنهوض باالقتصاد الفرنس ي املتدهور (‪.)24‬‬
‫و قد رفض الجزائريون ذلك ألنهم ال يرغبون في العمل في املصانع الفرنسية وال التجنيد للحرب‬
‫لصالح فرنسا االستعمارية التي تحتل أراضيهم و تستغل أبنائهم ‪ ،‬وقد تصاعد هذا الرفض‬
‫ووصل إلى ذروته خالل شهر أكتوبر ‪ ، 1916‬وحسب التقارير الرسمية الفرنسية قام سكان‬
‫منطقة بريكة وبوسعادة بعملية العصيان ورفض تسجيل أبنائهم من قبل اإلدارة االستعمارية‬
‫وصمموا على التصدي و الوقوف في وجه السياسية االستعمارية ‪ ،‬وملا قام رئيس دائرة باتنة‬
‫بزيارة إلى منطقة بريكة واجهه السكان بقولهم ‪ " :‬إننا نفضل رؤية أبنائنا يموتون في الجزائر على‬
‫موتهم في فرنسا "(‪.)25‬‬
‫على الرغم من استخفاف الفرنسيين بالوضع ‪ ،‬فإن سكان منطقة بريكة فجروا الثورة خالل‬
‫شهر أكتوبر ‪ 1916‬و هاجموا املناطق الفرنسية و قاموا بقطع خطوط الهاتف و االتصاالت و‬
‫دخلوا في معارك ضد الفرق العسكرية الفرنسية املتمركزة باملنطقة مما أجبر الحاكم العام‬
‫الفرنس ي في الجزائر الجنرال " ليتو " (‪ )lutaud‬على اإلقرار بخطورة الوضع وشدته وظهر ذلك‬
‫في برقية أرسلها إلى وزير الداخلية الفرنس ي يوم ‪ 15‬أكتوبر ‪ 1916‬أكد له فيها مهاجمة الثوار‬
‫لقافلة التموين الفرنسية و هي في طريقها إلى منطقة بريكة مما أدى إلى جرح ضابطين و ضياع‬

‫‪387‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫ثالثة أحصنة ‪ ،‬و تمكن ما بقي من القافلة – بعد انسحاب الثوار – من الوصول إلى املدينة‬
‫بصعوبة كبيرة (‪.)26‬‬
‫ووفقا لنفس التقرير فقد نجح الثوار في عزل املدينة و البلديات املجاورة ومنعوا عنها جميع‬
‫االتصاالت‪ ،‬وانتشروا في الجبال املجاورة وتحصنوا بها والتف حولهم السكان من جميع املشاتي‬
‫و الدواوير املحيطة بها ‪ ،‬و بدأ الثوار ينسقون عملهم مع املناطق املجاورة كعين التوتة و غيرها ‪.‬‬
‫وقد أعاد الحاكم العام الفرنس ي في الجزائر الثورة في بريكة إضافة إلى التجنيد اإلجباري الذي‬
‫رفضه كل الجزائريين ‪ ،‬إلى تعرض سكان املنطقة إلى اإلبادة الجماعية خالل ثورات ‪ 1871‬و‬
‫‪ 1879‬و التي تركت آثارها الوخيمة على السكان الذين حاولوا تجنب التصادم مع القوات‬
‫االستعمارية لكنهم أجبروا على ذلك‪.‬‬
‫لقد دفع أبناء املنطقة أبنائهم إلى التجنيد في فرق الرماة ‪ ،‬ووجد الجزائريون أنفسهم أمام‬
‫سياسة تعسفية خالل صيف ‪ 1916‬مما دفعهم إلى الذهاب إلى الحراش ( الجزائر العاصمة ) و‬
‫االتصال بأبنائهم في فرق الرماة و دعوتهم إلى التمرد و الخروج عن صفوف الجيش الفرنس ي ‪،‬‬
‫ثم نظموا احتجاجا وقاموا بطرد الحاكم اإلداري من مدينة بريكة يوم ‪ 24‬سبتمبر ‪ ، 1916‬ثم‬
‫هددوا رئيس الدائرة املسمى ‪ cassinelu‬الذي استخف بوضعهم و استمر في محاولة إقناعهم‬
‫بدفع أبناهم إلى التجنيد ‪ ،‬ولم يلبث أن فر تحت السكان ‪ ،‬ثم اندلعت الثورة بمهاجمة الفرقة‬
‫العسكرية الفرنسية املتمركزة باملدينة ‪.‬‬
‫ووصف الحاكم العام خطوات تطور الثورة وفق النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬تجمع السكان حول األعداد الكبيرة من الشبان الجزائريين الفارين من صفوف‬
‫الجيش الفرنس ي بأسلحتهم سواء منهم املجندين إجباريا أو العاملين في صفوف الرماة‬
‫الجزائريين أو فرق الصبايحية و التحصن في الجبال ‪ ،‬وانظم إليهم الرافضون‬
‫للتجنيد اإلجباري ‪ ،‬و نظموا أنفسهم في شكل فرق مقاومة للقوات العسكرية‬
‫الفرنسية ‪.‬‬
‫‪ -‬تفش ي األفكار الجهادية بينهم و انتشار أفكار العرائض التي قدمتها النخبة الجزائرية‬
‫إلى السلطات الفرنسية ‪ ،‬املطالبة بتعديل القانون ومراعاة مصالح الجزائريين و‬
‫املساواة بينهم و بين الفرنسيين ‪.‬‬
‫‪388‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬
‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫‪ -‬التصدي للقوات االستعمارية التي خضعت ألوامر هيئة األركان العامة إلجبار الشباب‬
‫على التجنيد بالقوة و اعتبروا ذلك احتقارا لهم و املساس بكرامتهم ‪.‬‬
‫‪ -‬شجعهم ذلك رفض الجزائريين جميعا لتجنيد أبنائهم للموت من أجل فرنسا‬
‫االستعمارية في حرب ظاملة ال تخصهم‪)27( .‬‬

‫و قد حاولت اإلدارة االستعمارية أن تنسب أسباب هذه االنتفاضة إلى الحماس الديني و نشاط‬
‫الزوايا و الطرق الدينية ومعارضة مرسومي ‪ 07‬و ‪ 14‬سبتمبر ‪ ، 1916‬الذين يقضيان بتسخير‬
‫الناس للعمل رغم أنوفهم في أغراض الحرب لتعويض املجندين الرافضين و الهاربين ‪ ،‬كما‬
‫حاولت كذلك أن تنسبها إلى الدعاية األملانية املعادية لفرنسا و رحيل القوات الفرنسية من‬
‫الجزائر إلى جبهات القتال بأوربا ‪ ،‬و لم تحاول إطالقا أن تجعل للعنصر الوطني و الفكرة‬
‫الوطنية مكانا ضمن أسباب هذه االنتفاضة ‪.‬‬
‫إن السبب الظاهر و املباشر لهذه االنتفاضة هو رفض التجنيد اإلجباري للشبان الجزائريين‬
‫على غرار أحداث بني شقران عام ‪ ، 1914‬و ذلك على عكس ما كانت تتوقعه اإلدارة‬
‫االستعمارية من إقبال الناس على التجنيد إليجاد حل أو حلول ملشاكلهم االقتصادية‬
‫املتدهورة خالل أعوام ‪. 1916-1914‬‬
‫ومن أجل ذلك وجهت لجنة الشؤون الخارجية للمجلس الوطني النيابي الفرنس ي دعوة شديدة‬
‫اللهجة للحكومة فيها نوع من الصرامة لتؤمن الدفع املنتظم للتعويضات املطلوبة لعائالت‬
‫املجندين ولكنها لم تعر للدعوة االهتمام املطلوب ‪ ،‬فلم تسلم سوى مخصصات ‪ 121‬أسرة من‬
‫بين ‪ 466‬أسرة حسب تقرير أوكتاف دوبون ‪ Octave depont‬املفتش العام للبلديات املختلطة‬
‫الذي رفعه للجهات املختصة يوم ‪ 01‬سبتمبر ‪. 1917‬‬
‫أما وزير الحرب الفرنس ي فكان يرى أن كثرة قتلى الرماة الجزائريين في جبهات الحرب بأوربا هو‬
‫السبب في ثورة سكان األوراس و الجنوب القسنطيني ورفضهم لقبول التجنيد اإلجباري ‪ ،‬إذ‬
‫سجلت وزارة الحرب الفرنسية ‪ 7822‬قتيال و ‪ 30354‬جريحا و ‪ 2611‬أسيرا لغاية ‪ 07‬أكتوبر‬
‫‪ ، 1916‬ولم ينس ى وزير الحرب أن يشير إلى مصادرة أراض ي السكان في مطلع القرن في عين‬
‫التوتة و مروانة و بريكة إلنشاء مراكز توطين أوروبية لها دخل كذلك في ثورة السكان ‪.‬‬

‫‪389‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫وهناك من زعم بأن مراسيم شهر سبتمبر ‪، 1916‬كانت وراء هذه االنتفاضة ففي يوم ‪ 7‬سبتمبر‬
‫صدر مرسوم ينص على السماح بتعطيل العمل بحق اإلعفاء من التجنيد والتعويض‬
‫واالستخالف ‪،‬وفي يوم ‪ 14‬منه صدر مرسوم آخر يقض ي بتسخير العمال رغما عنهم في األعمال‬
‫التي تدعم جبهة الحرب ‪،‬وتخدم أغراضها وهي إجراءات تسمح إلدارة الفرنسية بالتجنيد العام‬
‫للكبار والصغار دون مراعاة ألي اعتبار ‪.‬‬

‫وعندما اشتد غضب السكان اضطر الوالي العام لوتو يوم ‪ 22‬سبتمبر أن يعلن على تأجيل‬
‫تطبيق املرسومين ‪.‬وأيدته وزارة الحرب ‪،‬وعادت إلى رأيه فيما بعد ‪،‬وفي يوم ‪ 16‬أكتوبر تم اإلبالغ‬
‫ي بعدم إعفاء إخوة املتطوعين في الجيش من التجنيد ‪)28( .‬‬ ‫بقانون اإلعفاء الجديد الذي يقض‬

‫وقد أنجز على هذا النظام إعفاء األسر الغنية من الخدمة العسكرية بواسطة تحليالت غير‬
‫شريفة من ضمنها شراء املجندين املتطوعين الضخام األجسام ‪ ،‬الثقيلي الوزن بسعر ‪ 20‬إلى‬
‫‪ 30‬فرنكا للكيلوغرام الواحد في الشمال ‪ ،‬وأكثر من ذلك في الجنوب ‪ ،‬وقامت شبه أسواق‬
‫خاصة لالتجار بالرجال الذين يباع الواحد منهم بسعر ‪ 2000‬إلى ‪ 3000‬فرنكا وأحيانا أكثر من‬
‫ذلك خاصة عام ‪1916‬م‪.‬‬

‫وملا كان األعيان هم الذين كان بمقدورهم توفير املستخلصين للخدمة العسكرية‪ ،‬فإنهم كانوا‬
‫يدفعون مبالغ طائلة ألسر املجندين ‪ ،‬ولإلعفاءات املشروعة ‪ ،‬والتسريحات التي تحددها‬
‫القرعة ‪،‬وتسبب ذلك في انتشار الرشاوي بين الرؤساء ‪ ،‬وشيوخ القبائل الن الذي يرفض دفع‬
‫الرشوة ال يأ من من تجنيده هو ‪ ،‬أو ابنه أو أخوه‪.‬‬

‫وحتى العمل بالسخرة ربط بقوائم التجنيد العسكري ‪ ،‬وتكلف األعيان بتعيين من يدعي للعمل‬
‫في فرنسا ‪،‬ومن يعفى من ذلك ‪،‬وذكرت أحد التقارير بأن اآلغا بوحفص بن شنوف كان يطلب‬
‫مبلغ ‪ 500‬فرنك إلعفاء شخص واحد من الخدمة العسكرية وأن شيوخ بريكة كانوا يطلبون‬
‫مبلغ ‪ 20‬فرنك للحصول على اإلعفاء ‪)29( .‬‬

‫‪390‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫وبالطبع فان الطبقات الفقيرة هي التي كانت مضطرة لتقديم شبابها للتجنيد في الجيش ‪،‬‬
‫وتسخير كهولها للعمل في املشاريع التي تخدم أغراض الحرب ‪ ،‬ألنها ال تملك األموال التي تمكنها‬
‫من تقديم الرشاوي وشراء اإلعفاء لشبابها ‪ ،‬ورجالها ‪ ،‬وهذا ما جعلها ترتمي في أحضان الثورة‬
‫والتمرد حسب التقارير الفرنسية ‪.‬‬

‫وقد زعمت اإلدارة االستعمارية كذاك بأن الدعاية األملانية لها دخل في هذه االنتفاضة ‪ ،‬وأكد‬
‫دوبون ذلك في تقريره‪ ،‬وعضده الحاكم العام لوتو ‪ ،‬وأقحموا حتى السنوسية بليبيا في القضية‬
‫‪ ،‬وذكروا أنها تعد لثورة في تونس ‪ ،‬وجنوب الجزائر الصحراوي بمساعدة ضباط أتراك ‪ ،‬وأملان‬
‫‪ ،‬ونمساويين ‪ ،‬وراجت لدى األهالي مقولة قدوم أجانب ملساعدة بني بوسليمان باملدافع ‪،‬‬
‫وقدوم جيش عثماني للنجدة حاملا تندلع الثورة وحتى اسم األمير خالد أقحم هو األخر في هذه‬
‫الحوادث‪.‬‬

‫وقد خلص أجيرون في بحثه وتحليله لهذه االنتفاضة ‪ ،‬إلى القول بأن حركة الثورة والتمرد في‬
‫الجنوب القسنطيني ال يمكن أن تقارن بثورات القرن التاسع عشر ‪ ،‬وال صلة لها بالزوايا و‬
‫الطرقية ‪ ،‬وتناحر األسر والعائالت الكبيرة ‪ ،‬وال بخلو البالد من القوات العسكرية كما حصل‬
‫عام ‪ 1870‬و ‪ ، 1871‬وإنما هي رد فعل تلقائي جماعي ‪ ،‬ضد مطالب السلطات العسكرية‬
‫االستعمارية التي ال تطاق ‪ ،‬واملتمثلة في التجنيد اإلجباري للشباب ‪ ،‬والسخرة للعمال الكبار‬
‫(‪.)30‬‬

‫ولكن أجيرون لم يحاول أن يجعل للفكر الوطنية مكانا في هذه االنتفاضة ‪ ،‬وان انتقد بكثرة ‪،‬‬
‫وبشدة أحيانا ‪،‬السياسة االستعمارية ‪،‬وتقاريرها ‪،‬وان كل ثورة في الجزائر وراءها رغبة ملحة ‪،‬‬
‫في طرد االستعمار األوروبي ‪ ،‬وتحقيق استعادة الحرية واالستقالل الوطني حتى ولو لم يعبر عنها‬
‫صراحة بسبب الضغط االستعماري ‪ ،‬والباحثون الفرنسيون يعرفون ذلك ويدركونه ‪ ،‬ومنهم‬
‫أجيرون ‪ ،‬ولكنهم يتغاضون عنه ويتجاهلونه (‪.)31‬‬

‫‪391‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫‪ ‬بوادراالنتفاضة ‪:‬‬

‫تعود بوادر االنتفاضة إلى منتصف عام ‪ 1914‬عندما بدأت السلطات االستعمارية تحضر‬
‫لعمليات اإلحصاء والتجنيد اإلجباري للشبان الجزائريين ‪.‬‬

‫ففي خالل شهر أوت الحظ حاكم بلدية بريكة ‪ ،‬استعداد الناس للعصيان والتمرد ‪ ،‬وفر ‪34‬‬
‫شابا من دوار سقانة ‪ ،‬وسفيان إلى الجبال املجاورة خالل شهر سبتمبر ‪ ،‬وأعلن سكان بلديات‬
‫بريكة ‪ ،‬وبلزمة ‪ ،‬وخنشلة‪ ،‬بصفة جماعية ‪ ،‬أنهم يفضلون املوت على تقديم أبنائهم للتجنيد‬
‫لتحصدهم مدافع األملان وأكدوا لحكام املنطقة بأنهم على استعداد لتقديم أي ش يء يطلبونه‬
‫منهم ما عدا أبنائهم ‪.‬‬

‫وإزاء هذا اإلصرار ‪ ،‬أخذت السلطات الفرنسية تلوح باستعمال القوة ‪ ،‬ووجهت كتيبة عسكرية‬
‫إلى منطقة األوراس قامت بعدة تحركات وتنقالت مريبة فيما بين ‪ 29‬أكتوبر ‪ ،‬و‪ 11‬نوفمبر‬
‫‪ ، 1914‬وجندت ‪ 123‬رجال في دائرة األوراس خالل هذا العام و ‪ 246‬شخصا خالل العام املوالي‬
‫و ‪ 506‬رجال خالل عام ‪1916‬م ‪.‬‬

‫وتطور عدد املتطوعين املستخلفين على الشكل التالي ‪ 75:‬رجال عام ‪ ، 1914‬و ‪ 38‬رجال في العام‬
‫املوالي ‪ :‬و ‪ 419‬رجال عام ‪1916‬م ‪.‬‬

‫وعندما شرعت السلطات العسكرية في تجنيد الشبان البالغين الخدمة العسكرية ابتداء من‬
‫يوم ‪ 2‬أوت ‪ 1916‬في بريكة ‪ ،‬وغيرها بدأت احتجاجات الناس تكثر وتشتد خاصة بعد أن أشيع‬
‫إحصاء األفواج التي ستجند عام ‪ 1917‬وتسخير العمال الكبار من أعمار ‪ 45_18‬للعمل في‬
‫أغراض الحرب بفرنسا كذلك (‪.)32‬‬

‫وفي يوم ‪ 24‬سبتمبر ‪ ، 1916‬ذهب زانتاكس ي ‪ ZANNETACCI‬رئيس بلدية بريكة إلى دوار‬
‫متكعوك ليسجل الشبان الجزائريين في قوائم املجندين فتقدم وفد من سكان الدوار وأكدوا له‬

‫‪392‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫رفضهم القاطع لتقديم أبنائهم للتجنيد ‪ ،‬وأعلنوا بأنهم يفضلون موتهم بالجزائر ‪ ،‬وقد فروا‬
‫فعال من الدوار والتحقوا بالجبال ‪.‬‬

‫وفي أول أكتوبر ذهب كاسينلي ‪ CASSENELI‬رئيس دائرة باتنة ‪ ،‬إلى نفس الدوار و الدواوير‬
‫املجاورة لنفس الغرض ‪ ،‬فرفض الناس كعادتهم تقديم أبنائهم للتجنيد كذلك وفشل في‬
‫اعتقال بعض القصارى الشبان ‪ ،‬فقرر كل من عامل عمالة قسنطينة ‪ ،‬والجزائر إرسال كتيبة‬
‫عسكرية لإلرهاب والتهديد ‪ ،‬فتوجهت إلى هناك ‪ ،‬واضطرت لالنسحاب بسبب الرفض القاطع‬
‫الذي جوبهت به من طرف السكان ‪.‬‬

‫وقد فر مئات الشبان املطلوبين للتسجيل إلى الجبال عام ‪ ، 1916‬وظهرت مجموعات منهم‬
‫أخذت تقطع الطرق وتتعرض للقوافل ‪ ،‬وتم تسجيل ‪ 18‬حادث اعتداء فيما بين ‪ 25‬أكتوبر و ‪8‬‬
‫نوفمبر ‪ 1916‬منها خمسة ضد أوروبيين ‪.‬‬

‫وقد احتج أعيان مدن الشمال القسنطيني ضد استدعاء الشباب للخدمة العسكرية عام‬
‫‪ ، 1917‬وضد تسخير الكبار للعمل ‪ ،‬وأكدوا في عريضتهم إلى السلطات الفرنسية بتاريخ ‪26‬‬
‫سبتمبر ‪ ، 1916‬بأن تخليهم عن نسائهم وأطفالهم ‪ ،‬وأموالهم ‪ ،‬والذهاب إلى فرنسا ‪ ،‬لخدمة‬
‫أغراض الحرب ‪ ،‬مسألة فوق طاقتهم ‪ .‬وفعل مثلهم أعيان ناحية باتنة ‪ ،‬و كذلك أعيان شلغوم‬
‫العيد الذي قدموا عريضتهم منذ ‪ 13‬سبتمبر ‪ ، 1916‬وأخذ الرماة القناصة يفرون من وحداتهم‬
‫‪ ،‬ففر من تقرت ‪ 65‬صبايحيا ‪ ،‬ومن بسكرة ‪ 42‬فارسا ‪ ،‬وارتفع عدد الهاربين في نهاية عام ‪1916‬‬
‫‪ ،‬حتى وصل إلى أكثر من ‪ 3000‬رجال اعتصموا باملناطق الجبلية ‪)33(.‬‬

‫‪ ‬انتشاروتوسع نطاق الثورة‪:‬‬

‫اندلعت الحوادث الكبرى للثورة يومي ‪ 10‬و ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1916‬وامتدت بقاياها لغاية نهاية أفريل‬
‫و أوائل ماي ‪ 1917‬و ذلك في املنطقة املمتدة بين بريكة في الحضنة غربا إلى غاية جبال ششار‬
‫باألوراس شرقا وتركزت في ثالث مناطق رئيسية ‪:‬‬

‫‪393‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫بريكة و متليلي و بلزمة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫جبال األوراس الشرقية و ششار ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫جبال بوعريف و فجوج بين عين كرشة و خنشلة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وعمت أكثر من ‪ 23‬دوارا من ضمن ‪ 113‬دوارا منها ‪ :‬بريكة ‪ ،‬متكعوك ‪ ،‬مقرة ‪ ،‬عين الكلبة ( عين‬
‫الخضراء ) ‪ ،‬سقانة ‪ ،‬سفيان ‪ ،‬أوالد سليمان ‪ ،‬نقاوس ‪ ،‬مروانة ‪ ،‬مركوندة ‪ ،‬أوالد عوف ‪ ،‬أوالد‬
‫شليح ‪ ،‬الشمرة ‪ ،‬جرمة ‪ ،‬أوالد عمر ‪ ،‬ششار ‪ ،‬زالطو ‪....‬‬
‫ففي يوم ‪ 10‬نوفمبر ‪ 1916‬أبلغ الوالي العام لوتو الحكومة الفرنسية بأن سكان الجنوب‬
‫القسنطيني رفضوا التجنيد اإلجباري وقاوموه منذ شهر سبتمبر السابق ‪ ،‬و أن قافلة عسكرية‬
‫صغيرة أرسلت إلى بريكة ملواجهة األحداث اضطرت أن تنسحب و تتراجع بسبب هيجان السكان‬
‫وتخوف شيخ بلدية األوراس من أن يهاجم الغاضبون قرى مدينته ‪.‬‬
‫وفي ليلة ‪ 11‬نوفمبر ‪ ، 1916‬هاجم جمع من الثوار مزرعة املعمر قرانجي ‪ Grangier‬في بلدية‬
‫بريكة ‪ ،‬و أحرقوها و خربوها وقطعوا خط الهاتف الذي يربط بين بريكة و نقاوس ‪ ،‬وفي نفس‬
‫الليلة هاجم جمع من ثوار دوار أوالد عوف يتراوح عددهم بين ‪ 1000‬و ‪ 1500‬رجل برج‬
‫ماكماهون مقر بلدية عين التوتة بقيادة شيخ سقانة املقدم محمد بن الحاج بلوديني ومحمد‬
‫بن النوي من متليلي فأحرقوا البرج وخربوه ‪ ،‬وقتلوا املتصرف املتصرف املدني كاسنلي‬
‫‪ Cassinelli‬وحاكم دائة باتنة الذي كان هناك لدراسة األوضاع ‪ ،‬وتمكن املقدم الرحماني‬
‫ُ‬
‫وقتل حوالي ‪ 12‬شخصا خالل هذا الهجوم ‪)34(.‬‬ ‫صحراوي من إنقاذ زوجة املتصرف و بنتيه ‪،‬‬
‫وفي نفس الليلة هاجم الثوار مزرعة املعمر راينال ‪ Raynal‬في مركز فيكتور دوري ومنزل حارس‬
‫غابة محطة تامارين في دوار تيالطو بمتليلي و قتلوا الحارس ‪ ،‬و هاجموا مزرعة ألحد املعمرين‬
‫قرب نقاوس وحاصروا مدينة بريكة حتى يوم ‪ 14‬نوفمبر ‪ ،‬ثم هاجموا فرقة جنود الزواف قرب‬
‫قرية سقانة بدوار تيالطو في نفس اليوم ثم أعادوا الكرة يوم ‪ 18‬نوفمبر ‪، 1916‬وفي يوم ‪14‬‬
‫نوفمبر كذلك هوجمت كتيبة تموين كانت متجهة إلى بريكة وقتل ستة من أفرادها ‪ ،‬وتمرد‬
‫سكان دواوير بلزمة والتحق ثوارهم بالغابات املجاورة خاصة مستاوة ومتليلي ‪ ،‬و رفض خمسة‬
‫دواوير في بلدية عين مليلة شماال تقديم رجالهم للتجنيد خاصة دوار عين كرشة والتحقوا‬

‫‪394‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫بجبال قريون و الفجوج و بوعريف ‪ ،‬و تمكنوا من اختطاف بعض املجندين و أخذوهم معهم‬
‫إلى الجبال ‪.‬‬
‫وكان هدف املتمردين حسب اعتراف اإلدارة الفرنسية نفسها هو تخليص إخوانهم الشبان‬
‫املسجلين و املجندين فعال ‪ ،‬و ذلك ما كان يمثل الجانب السلبي و الضعيف في موقفهم‬
‫وحركتهم ‪ ،‬فاستعملته القوات الفرنسية لتطعنهم وتضع حدا سريعا لتمردهم ‪ ،‬وقد ارتفع عدد‬
‫الثوار بمرور األيام و األسابيع حتى وصل إلى ‪ 3000‬رجل وقيل إلى ‪ 4000‬رجل ‪ ،‬و كثر عدد‬
‫الفارين من الفرسان القناصة و الصبايحية من وحداتهم ‪ ،‬ففر ‪ 45‬صبايحيا من لواء فرسان‬
‫تقرت ‪ ،‬و ‪ 42‬فارسا من لواء بسكرة ‪ ،‬و بلغ عددهم في نهاية ديسمبر ‪ 1916‬حوالي ‪ 3214‬رجال‬
‫بينهم ‪ 286‬ينتمون إلى دائرة باتنة ‪.‬‬
‫وقد انتظم بعض الفارين في مجموعات خاصة أخذت تمارس اعتراض القوافل و العسكريين‬
‫الفرنسيين ‪ ،‬من أبرز زعماء بعض هذه املجموعات ‪ :‬علي بن أحمد بن زملاط و أخوه املسعود في‬
‫األوراس ‪ ،‬اللذان اعتصما بالجبال منذ ‪ 1917‬إلى عام ‪ ، 1921‬وابن علي محمد بن النوي من‬
‫متليلي الذي ألقي عليه القبض في شهر فيفري ‪ 1917‬وحكم عليه باإلعدام بتهمة قتله‬
‫للمتصرف املدني بعين التوتة ليلة ‪ 11‬نوفمبر ‪)35( .1916‬‬

‫‪ ‬رد فعل اإلدارة االستعمارية ‪:‬‬


‫واجهت اإلدارة االستعمارية هذه النتفاضة بالعنف و القسوة و الشدة كعادتها و كلفت‬
‫خمسة كتائب من الجنود السنغاليين الذين كانوا متمركزين في مدينة بسكرة بمالحقة الثوار ‪،‬‬
‫و كان عددهم حوالي ستة آالف جندي يتسمون بالغلظة و الشدة وسوء األخالق و عدم‬
‫الرحمة وقساوة القلب ‪ ،‬فقاموا بإحراق القرى و املشاتي و إفراغ املطامير وسلب ما بها من‬
‫الحبوب ومصادرة الحيوانات وانتهاك أعراض النساء و تعذيب األطفال ‪ ،‬وارتكبوا مجزرة رهيبة‬
‫بأهل دوار أوالد مسعود ‪.‬‬
‫ولم تجد السلطات االستعمارية ما تبرر به عجزها أمام قوات الثورة سوى الضعف العددي‬
‫للقوات العسكرية املتمركزة بمنطقة بسكرة و التي – حسب التقارير الرسمية – لم يكن‬
‫يتعدى ‪ 85‬جنديا من فرقة الصبايحية ‪ ،‬مما دفع النقيب قائد امللحقة العسكرية إلى تجنيد‬
‫‪ 100‬من فرق القوم ( الحركة ) ‪ ،‬وهذا الوضع يدل على قوة الثورة وعنفوانها ومباغتتها‬

‫‪395‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫للفرنسيين الذين ازدادوا دهشة أمام انتصاراتها و قوتها و سرعة انتشارها مما جعل الحاكم‬
‫العام يطلب النجدة و التدخل من وزير الداخلية لدى وزير الحربية ليدعمه باملال و العتاد ‪،‬‬
‫ولم تجد القوات الفرنسية أمامها سوى البطش باملدنيين و نشر الرعب في الدواوير و سلب‬
‫أموال ومتابعة املواطنين في كل مكان وهو ماشهدت به التقارير الفرنسية التي ذكرت أن قواتها‬
‫قامت يوم ‪ 19‬نوفمبر ‪ 1916‬بمهاجمة السكان بمنطقة متليلي املعزولة وبطشت بالسكان‬
‫محاولة منها إلعادة طرق االتصاالت لنشاطها السابق و تأمين مرور قواتها ‪.‬‬
‫وقد أكد الحاكم العام في تقريره املؤرخ في ‪ 21‬نوفمبر ‪ 1916‬فشل الضغوطات التي مارستها‬
‫قواته بل إن الثورة ازدادت شراسة و توسعا في مناطق األوراس و متليلي خاصة في جبالها‬
‫الكثيفة و منطقة القنطرة التي تمركز ثوارها نحو الجنوب و منطقة بلزمة و جبالها الوعرة و‬
‫منطقة بسكرة التي توسع بها الثوار منذ ‪)36( . )1914‬‬

‫و ساهمت إلى جانب القوات السنغالية ثمانية كتائب من جنود الزواف في الهجومات املضادة‬
‫ضد الثورة منذ يوم ‪ 18‬نوفمبر بعد تسعة أيام من اندالع أحداثها ‪ ،‬وفي يوم ‪ 30‬نوفمبر طلب‬
‫الجنرال بوفنال ‪ bonneval‬من الحاكم العام لوتو ‪ ،‬أن يرسل إليه نجدات جديدة بعد أن‬
‫هاجم الثوار قافلة عسكرية قرب واد املاء وقتلوا منها أربعة رجال يوم ‪ 21‬نوفمبر ‪ ،‬وكان طلبه‬
‫أن ترسل إليه الحكومة الفرنسية لوائين عسكريين و طائرات مقاتلة ملواجهة املوقف املتدهور‬
‫و إرهاب السكان املتمردين ‪ ،‬فأرسلت لواء املشاة رقم ‪ 250‬من جبهة القتال بأوربا وانضم إلى‬
‫لواء السنغاليين ‪ ،‬فأصبح مجموع القوات املسخرة ملحاربة الثوار ‪ 13892‬عسكريا و ‪275‬‬
‫ضابطا ‪ ،‬وأمرت طائرات فارمان ‪Ferman‬في تونس بالتحليق على املنطقة ملحاربة الثائرين الذين‬
‫حدد لهم أجل ‪ 30‬نوفمبر ليستسلموا و يسلموا سالحهم ‪.‬‬
‫وفي الفترة املمتدة مابين ‪ 19‬و ‪ 30‬نوفمبر قامت هذه القوات العسكرية بتمشيط املنطقة و‬
‫اقتحام مغاورها ومخابئها في بريكة و الحضنة و متليلي و مستاوة و جبل ششار ‪ ،‬وواصلت‬
‫عملياتها حتى ديسمبر ‪ 1916‬و شهر جانفي ‪ ، 1917‬و في أوائل شهر فيفري شرعت طائرات‬
‫فارمان وعددها ستة في التحليق باملنطقة انطالقا من قواعدها بتونس ‪ ،‬وفي يوم ‪ 12‬فيفري‬
‫‪ 1917‬أخذت تقذف القرى و تقنبل األماكن املشكوكة ‪ ،‬وأصيبت ثالث طائرات زعمة فرنسا أنها‬
‫أصيبت بعطب فني و ليس من طرف الثوار ‪.‬‬

‫‪396‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫وقد انتهت حوادث هذه االنتفاضة مع نهاية شهر أفريل و أوائل ماي ‪ ، 1917‬وبلغ مجموع قتلى‬
‫الفرنسيين ‪ 15‬رجال و جرح ‪ ، 30‬بينما بلغ قتلى الجزائريين ‪ 100‬شخصا حسب تقرير املفتش‬
‫العام أوكتاف دوبون ‪)37( .‬‬

‫‪ ‬محاكمة الثوار‪:‬‬
‫اعتقلت السلطات االستعمارية ‪ 2904‬شخصا قدمت منهم ‪ 825‬شابا غير رشيد إلى محاكم‬
‫تأديبية و ‪ 165‬شخصا رشيدا إلى املجلس العسكري بقسنطينة ‪ ،‬فأدانت املجالس التأديبية‬
‫‪ 805‬من غير الراشدين وحكمت عليهم بما مجموعه ‪ 715‬عاما و شهرين و تسعة أيام سجنا ‪ ،‬و‬
‫‪ 22810‬فرنك غرامة ‪ ،‬وقدم ‪ 45‬متهما إلى محكمة باتنة وحكم عليهم بما مجموعه ‪ 90‬عاما و‬
‫تسعة أشهر سجنا ‪.‬‬
‫وتم مصادرة ‪ 3759‬بندقية صيد قديمة عديمة الفعالية ‪ ،‬و ‪ 7929‬رأس غنم و ‪ 4511‬رأس‬
‫ماعز ‪ ،‬و ‪ 266‬رأس بقر ‪ ،‬و تم تغريم ‪ 62394‬شخصا بمبلغ ‪ 706656‬فرنكا لتعويض ماسمته‬
‫أضرار املعمرين األوربيين ‪ ،‬ووضعت املنطقة كلها تحت اإلدارة العسكرية بمقتض ى قرار ‪22‬‬
‫نوفمبر ‪ 1916‬رغم معارضة الحاكم العام لوتو على ذلك ‪.‬‬
‫وتعرض السكان ملالحقات كثيرة و قاسية و أبرز األوربيون كل ما في قلوبهم من حقد و كراهية‬
‫للجزائريين ‪ ،‬و أكد النائب أوبري ‪ Aubry‬بأن القوات الفرنسية أحرقت قرى و مشاتي بدون‬
‫سبب ‪ ،‬و ذكر أنه سمع بنفسه أحد اآلباء الجزائريين يقول له وهو يبكي ‪ " :‬من املؤسف حقا أن‬
‫تقوموا بحرق منازلنا و أماكن استقرارنا في الوقت الذي ُيقتل فيه أبناؤنا في جبهة الحرب في‬
‫فرنسا و أوربا " ‪ ،‬كما ذكر هذا النائب بان املتهمين كانوا يقدمون إلى املحاكمة عشرة فعشرة و‬
‫ال يفهمون إطالقا ما يقوله لهم القضاة و املحلفون ‪ ،‬ويصدرون ضدهم األحكام بالسجن من‬
‫ثالثة إلى ستة أشهر ‪ ،‬وبسبب ذلك اضطر الكثير من الهاربين من التجنيد إلى االعتصام‬
‫بالجبال عدة سنوات كما فعل اإلخوة بن زملاط ‪)38( .‬‬

‫و بقيت آثار هذه االنتفاضة و مآسيها ماثلة في أذهان سكان املنطقة حتى اندلعت ثورة أول‬
‫نوفمبر الكبرى ‪ ، 1954‬و ما تزال أحداث هذه الثورة في أذهان بعض الشيوخ املسنين ‪.‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬

‫‪397‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫نستنتج مما سبق أن مدينة بريكة هذه املدينة التي ظهرت على خارطة بالد املغرب األوسط منذ‬
‫بداية القرن الرابع عشر ‪ ،‬تعرضت في العديد من املرات إلى صراعات مختلفة بين العائالت‬
‫املتحكمة في األراض ي و مع القياد الذي عينتهم فرنسا ‪.‬‬

‫انتشرت الطرق الصوفية حول املنطقة و خاصة الطريقة الرحمانية التي كان رجالها و شيوخها‬
‫و شيوخ املساجد يحاولون القضاء على املشروع الثقافي الفرنس ي باستمرار التعليم ولو‬
‫بالطريقة التقليدية ‪.‬‬

‫سرعان ما استنهضت هذه الطرق همم الرجال و بعثت في نفوسهم روح مقاومة املستدمر‬
‫الفرنس ي ‪ ،‬فظهرت تمردات و ثورات وانتفاضات ‪ ،‬كان أولها مشاركة سكان املنطقة في ثورة‬
‫الزعاطشة ‪ ، 1849‬ثم تمرد أوالد سحنون في نفس العام ‪ ،‬سرعان ما ظهرت حركة الشيخ‬
‫بوخنتاش الذي التفت حوله جل قبائل املنطقة ‪ ،‬لكن النتيجة كانت وخيمة على الجميع ‪.‬‬

‫من أهم الثورات ثورة العيدون الهيدوق أفريل ‪ 1916‬حيث تعرض ابنه للتجنيد اإلجباري ‪،‬‬
‫فكانت هذه الحادثة نقطة انعطاف في مسار األحداث حيث التفت أعراش املنطقة حول‬
‫العيدون الهيدوق معلنة ثورتها و تمردها ومن نتائجها أيضا هو إعالن أول جمهورية جزائرية‬
‫بعين بومقر في أفريل ‪ ، 1916‬تبعها تمرد أهل بريكة أكتوبر من نفس العام و كانت انطالقة‬
‫لثورة األوراس الكبرى و التي لم تنتهي إال مع عام ‪.1917‬‬

‫الهوامش ‪:‬‬

‫‪ - 1‬الزاب ‪ ،‬كلمة أعجمية أطلقت باملشرق و هي اسم لواديين بالعراق ‪ ،‬و أطلقت من طرف الجغرافيين و‬
‫الرحالة املسلمين على منطقة شاسعة من بالد املغرب ‪ ،‬و يمكن أن تكون كلمة أمازيغية و تعني الواحة ‪ ،‬أو‬
‫توازي باللغة العربية كلمة ّ‬
‫الصاب ‪ ،‬أو نسبة ملدينة زابي الروماني قرب مدينة املسيلة ‪ ،‬ينظر ‪ :‬أسامة الطيب‬
‫جعيل ‪ ،‬طبنة حاضرة إقليم الزاب و املغرب عبر العصور – دراسة تاريخية ‪ ، -‬مجلة قبس للدراسات اإلنسانية‬
‫و االجتماعية ‪ ،‬املجلد ‪ ، 02‬العدد ‪ ، 02‬جامعة الوادي ‪ ، 2018 ،‬ص ‪.401‬‬

‫‪398‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫‪ -2‬أسامة الطيب جعيل ‪ ،‬معجم أعالم طبنة في العصر الوسيط ‪ ،‬دار األوطان للنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر‬
‫العاصمة ‪ ، 2019 ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ -3‬بنو عامر ‪ ،‬قبيلة عربية تنتمي إلى قبيلة زغبة إحدى بطون بني هالل ‪ ،‬مواطنهم األولى كانت مجاورة لبني يزيد‬
‫جنوب سوق حمزة ( البويرة حاليا ) ‪ ،‬ثم قام يغمراسن بنقلهم إلى جنوب تلمسان ‪ ،‬وكان لبني عامر ثالثة بطون‬
‫هي ‪ :‬بنو يعقوب بن عامر ‪ ،‬بنو حميد بن عامر و بنو شافع بن عامر ‪ ،‬أنظر ‪ :‬عبد الرحمن بن خلدون ‪ ،‬ديوان‬
‫العبر و املبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األعظم ‪ ،‬ج‪ ، 06‬ضبط املتن ‪:‬‬
‫خليل شحادة ‪ ،‬مراجعة ‪ :‬سهيل زكار ‪ ،‬دار الفكر للطباعة و النشر ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2000 ،‬ص ‪.105‬‬

‫‪ - 4‬مجهول ‪ ،‬زهر البستان في دولة بني زيان ‪ ،‬ج‪ ، 02‬تحقيق وتقديم ‪ :‬بوزياني الدراجي ‪ ،‬مؤسسة بوزياني للنشر‬
‫و التوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2013 ،‬ص ‪.28-27‬‬

‫‪ -5‬الحسين بن محمد الورثالني ‪ ،‬رحلة الورثالني أو نزهة األنظار في فضل علم التاريخ و األخبار ‪ ،‬املجلد ‪، 01‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية ‪ ،‬ط‪ ، 01‬القاهرة ‪ ، 2008 ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪receil notices et . Monographie géographique et historique de la tribu du hodna oriental- 6‬‬


‫‪memoires de la societé archelogique du département de constantine,jourdan libraire-editeur,‬‬
‫‪alger , 1910 , p 233-235‬‬

‫‪jean despois , le Hodna , presses universitaire de france , paris 1953 , p 103 . - 7‬‬

‫‪- monographie … op cit , p 235.8‬‬

‫‪ -9‬رياض بودالعة ‪ ،‬موقف شيوخ الطرق و الزوايا من الثورة التحريرية الجزائرية ‪ ، 1956-1954‬مجلة مقاربات‬
‫‪ ،‬جامعة الجلفة ‪ ،‬املجلد ‪ ، 04‬العدد ‪ ، 2017 ، 03‬ص ‪.171‬‬

‫‪ -10‬شترة خير الدين ‪ ،‬الطلبة الجزائريون بجامع الزيتونة ( ‪، ) 1956-1900‬ج ‪ ،01‬دار البصائر ‪ ،‬الجزائر‬
‫العاصمة ‪ ، 2009 ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪ -11‬بيرم كمال ‪ ،‬الطرق الصوفية و الزوايا بمنطقة الحضنة وموقفها من االستعمار الفرنس ي ‪، 1916-1830‬‬
‫مجلة املعيار ‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬املجلد ‪ ، 20‬العدد ‪ ، 2015 ، 39‬ص ‪.588‬‬

‫‪ -12‬أبو القاسم سعد هللا ‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي ‪ ،‬ج‪ ، 01‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬ط ‪ ، 01‬بيروت ‪ ، 1998 ،‬ص‬
‫‪.222‬‬

‫‪399‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬


‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫‪ -31‬يحي بوعزيز ‪ ،‬من كفاح الجزائر في القرن التاسع عشر – أربعة أحداث في ثالث وثائق ‪ ، -‬املجلة التاريخية‬
‫املغربية ‪ ،‬تونس ‪ ،‬العدد ‪ ، 1974 ،02‬ص ‪. 97‬‬

‫‪ -41‬بيرم كمال ‪ ،‬األوضاع االجتماعية و االقتصادية و السياسية في الحضنة الغربية فترة االحتالل الفرنس ي (‬
‫‪ ، )1954-1840‬أطروحة دكتوراه في التاريخ الحديث و املعاصر ‪ ،‬جامعة قسنطينة ‪ ، 2011-2010 ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪ -51‬نفس املرجع ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬

‫‪ -61‬يحي بوعزيز ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.100‬‬

‫‪ -71‬بن يحي ‪ ،‬ثورة العيدون الهيدوق ‪1916‬م‪ ،‬مقال بكتاب ‪ :‬ثورة األوراس ‪ ، 1916‬جمعية أول نوفمبر لتخليد‬
‫وحماية مآثر الثورة في األوراس ‪ ،‬باتنة ‪ ، 1996 ،‬ص ‪. 322‬‬

‫‪ -81‬عبد الحق جراف ‪ ،‬ثورة العيدون الهيدوق ‪ ،‬مجلة باتنة انفو ‪ ،‬عدد ‪، 02‬جويلية ‪ ، 2011‬ص‪.48‬‬

‫‪ - 19‬مقابلة مع السيد العيدون رياض ‪ ،‬أحد أحفاد الثائر العيدون الهيدوق ‪ ،‬يوم ‪ 11 :‬نوفمبر ‪ ، 2018‬بريكة ‪،‬‬
‫على الساعة ‪ 13.00‬زواال‬

‫‪ - 20‬مقابلة مع السيد نور الدين فني ‪ ،‬أحد أحفاد فني مبارك بن فني أحد املشاركين في ثورة العيدون الهيدوق ‪،‬‬
‫يوم ‪ 20 :‬ديسمبر ‪ ، 2018‬بريكة على الساعة ‪ 22.00‬ليال‬

‫‪ -21‬بن يحي ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 324‬‬

‫‪ -22‬عبد الحق جراف ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬

‫‪ -23‬شارل روبير أجيرون ‪ ،‬االضطرابات الثورية في الجنوب القسنطيني نوفمبر ‪-1916‬جانفي ‪ ، 1917‬مجلة‬
‫األصالة ‪،‬الجزائر ‪ ،‬العدد ‪ ، 1978 ، 63-62‬ص ‪. 168‬‬

‫‪ -24‬أ‪.‬د يوسف مناصرية ‪ ،‬دراسات و أبحاث في املقاومة و الحركة الوطنية الجزائرية ‪ ، 1954-1830‬دار هومة‬
‫للطباعة والنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2014 ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪batna le ( incident algérie )intérieure '25- M lutaud . G.G.Algérie à M. ministère de l‬‬


‫‪17/11/1916.p01.‬‬
‫‪26- op.cit . p 01.‬‬

‫‪ -27‬أ‪.‬د يوسف مناصرية ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.85‬‬


‫‪400‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬
‫الثورات الشعبية في منطقة بريكة ‪1916/1830‬م‬ ‫املجلد الثاني – العدد الخامس – مارس ‪2020‬‬

‫‪ -28‬يحي بوعزيز ‪ ،‬ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر و العشرين ‪ ،‬ج ‪ ، 02‬منشورات املتحف الوطني‬
‫للمجاهد ‪ ،‬ط ‪ ، 02‬الجزائر ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪ -29‬نفس املرجع ‪ ،‬ص ‪.58‬‬

‫‪ -30‬شارل روبير أجيرون ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.168‬‬

‫‪ -31‬يحي بوعزيز ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.58‬‬

‫‪ -32‬صالح فركوس ‪ ،‬املختصر في تاريخ الجزائر من عهد الفينيقيين إلى خروج الفرنسيين ( ‪ 814‬ق‪.‬م‪1962-‬م)‬
‫دار العلوم للنشر و التوزيع ‪ ،‬عنابة ‪، 2002 ،‬‬

‫‪ -33‬يحي بوعزيز ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫‪34-‬‬ ‫‪Robert letan , rapport de monsieur l 'inspecteur général des communes mixtes , directeur‬‬
‫‪intérimaire des territoires des sud . batna 1916, p 12‬‬
‫‪35- opcit. P 13‬‬

‫‪ -36‬أ‪.‬د يوسف مناصرية ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.87‬‬

‫‪ -37‬شارل روبير أجيرون ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.169‬‬

‫‪ -38‬يحي بوعزيز ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬

‫‪401‬‬ ‫مدارات تاريخية – دورية دولية محكمة ربع سنوية‬

You might also like