You are on page 1of 38

‫جامعة محمد بوضياف بالمسيلة‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم العلوم السياسية‬

‫السنة األولى ليسانس علوم سياسية‬

‫تاريخ الجزائر السياسي‬


‫األستاذ‪ :‬عبد المالك زغبة‬

‫‪2022/2021‬‬
‫‪1‬‬
‫محتوى المادة‪:‬‬
‫المحاضرة رقم (‪ :)1‬الجزائر في ظل الحكم التركي العثماني ‪1830 -1518‬‬

‫‪ -‬المحاضرة رقم(‪ :)2‬التواجد العثماني بالجزائر ‪ – 1830-1518‬حماية أم احتالل؟‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)3‬االحتالل الفرنسي للجزائر ‪(1962-1830‬األسباب والدوافع)‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)4‬ردود فعل الشعب الجزائري (من المقاومة المسلحة الى المقاومة‬

‫السياسية)‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)5‬السياسة االستعمارية بالجزائر (األساليب والقوانين االستثنائية)‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)6‬مظاهرات ‪ 08‬ماي ‪ 1945‬م ورد فعل االستعمار(دستور‪)20/09/1947‬‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)7‬اعادة بناء اتجاهات الحركة الوطنية وجنوح التيار الثوري نحو العمل‬

‫المسلح‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)8‬الثورة الجزائرية الكبرى (دراسة مواثيق الثورة ورؤيتها في إعادة بناء‬

‫الدولة)‬

‫‪2‬‬
‫المحاضرة رقم ‪ :01‬الجزائر في ظل الحكم التركي‪-‬العثماني ‪1830-1518‬‬

‫تمهيد‪ :‬في البداي ة يجب االع تراف بص عوبة الحكم ح ول طبيع ة الحكم ال تركي العثم اني للجزائ ر‬
‫الممت د على مس ار زم ني يق در ب ‪ 312‬س نة بين الوج ود أو االحتالل‪ ،‬عموم ا يتف ق الكث ير من‬
‫الم ؤرخين على المفه وم األول ب النظر الى دور األت راك العثم انيين في انق اذ الجزائ ر من‬
‫التهدي دات االس بانية فض ال عن اس تنجاد أعي ان الجزائ ر ب األخوة البح ارة فخ ارجي (خيرال دين‬
‫وعروج والياس واسحق) ودورهم في انقاذ اليهود وعرب األندلس ونقلهم الى كبرى الحواضر‬
‫الجزائرية وخاصة باتجاه تلمسان‪.‬‬

‫‪-1‬الحاق الجزائر بالخالفة العثمانية‪:‬‬

‫ا‪-‬أصل األتراك‪ :‬ينتمي األتراك الى قبائل الغز التي سكنت اسيا الوسطى (جمهورية تركستان و‬
‫أذربيجان حاليا) ثم انحدرت نحو اسيا الصغرى (األناضول أو جمهورية تركيا حاليا)‪ ،‬اذ يعتبر‬
‫الس لطان عثم ان بن أرطغ ل مؤس س الدول ة العثماني ة خالل الق رن ‪، 13‬ثم تع اقب أبنائ ه على‬
‫عرش السلطنة أو الباب العالي أشهرهم السلطان محمد الفاتح العثماني الذي وضع خاتمة للدولة‬
‫الروم البيزنطية بعد فتح القسطنطينية وصيرها عاصمة لدار السالم وأطلق عليها تسمية أرض‬
‫اإلس الم(اس تانبول)‪،‬بينم ا أول من تلقب بتس مية خليف ة المس لمين ه و الس لطان س ليم األول ع ام‬
‫‪ 1516‬بع د القض اء على دول ة الممالي ك بمص ر في حادث ة القلع ة الش هيرة ‪،‬كم ا س اهمت الدول ة‬
‫العثمانية في توسيع رقعة الفتح بأوروبا الشرقية وشبه جزيرة البلقان حيث ينتشر اإلسالم اليوم‬

‫‪3‬‬
‫بين س كان جمهوري ة البوس نة والهرس ك وإ قليم الكوس وفو فض ال عن الج زء الش مالي لجزي رة‬
‫قبرص الخاضع للسيطرة التركية منذ السبعينات‪.‬‬

‫ب‪-‬الجزائ‪PP‬ر أيال‪PP‬ة عثماني‪PP‬ة ‪ :1830-1518‬خالل الق رنين ‪15‬م و‪16‬م زادت غ ارت االس بان‬
‫والبرتغال على المدن الساحلية وموانئ الجزائر خاصة بعد سقوط غرناطة أخر معاقل اإلسالم‬
‫بأوروبا عام ‪ 1492‬م ولجوء عرب األندلس مع األقلية اليهودية نحو الحواضر الجزائرية‪ ،‬لجأ‬
‫أعي ان الجزائ ر الى االس تنجاد ب األخوة برب اروس ال ذين لب وا الن داء واتخ ذوا من بعض الم وانئ‬
‫كمين اء الجزائ ر وجيج ل مرك زا ألس طولهم وحين أس تاء ع روج من عمال ة ح اكم الجزائ ر س الم‬
‫الت ومي لإلس بان ب ادر الى قتل ه و أعلن نفس ه س لطانا على الجزائ ر‪ ،‬وبع د مقتل ه بتلمس ان ‪،‬خلف ه‬
‫أخوه خيرالدين باشا الذي أعلن تبعيته للسلطان العثماني سليم األول عام ‪ 1518‬م بعد مبايعته‬
‫خليف ة للمس لمين ‪،‬فأرس ل ل ه ح والي ‪ 2000‬من جن ود النظ امين وقراب ة ‪ 1100‬من الجن ود‬
‫المتط وعين أو االنكش ارية(كلم ة تركي ة أص لها ب ني تش اري وتع ني الجيش الجدي د المك ون من‬
‫أطف ال أوروب ا الش رقية) مس لحين بالبن ادق وع ددا أخ ر من رج ال المدفعي ة كم ا وج ه رس ائل الى‬
‫حك ام ت ونس و المغ رب يح ذرهم من االعت داء على ح دود ام ارة الجزائ ر ال تي ص ارت أيال ة‬
‫عثماني ة ‪،‬كم ا عّين الس لطان العثم اني س ليم األول خيرال دين باش ا أول ح اكم على الجزائ ر ع ام‬
‫‪ 1518‬م برتب ة بايلرب اي (ب اي الباي ات) أو أم ير األم راء باعتب اره ال رئيس األعلى لك ل الباي ات‬
‫الذين سيتولون الحكم في شمال افريقية (الجزائر وتونس وطرابلس الغرب)‪.‬‬

‫‪-2‬التنظيم السياسي واإلداري واالجتماعي للجزائر‪:‬‬

‫ا‪-‬التنظيم السياسي‪ :‬خالل المرحلة الرابعة من الوجود العثماني بالجزائر (عهد الدايات) كانت‬
‫الجزائ ر جمهوري ة عس كرية تربطه ا بالب اب الع الي (الس لطنة العثماني ة) عالق ة ديني ة واتفاقي ات‬
‫ش كلية ال تتج اوز ح دود ال دعاء الى الخليف ة في خطب ة الجمع ة والعي دين وارس ال الهدي ة الس نوية‬
‫بينما كانت الجزائر مستقلة في سياستها الخارجية وبإمكانها ابرام المعاهدات الدولية دون العودة‬
‫الى الباب العالي فمثال أقدمت فرنسا على إقامة عالقة دبلوماسية مع الجزائر بعد تعيين ممثلها‬

‫‪4‬‬
‫الذي حمل تسمية "القائم باألعمال" ‪،‬أما على الصعيد الداخلي فقد عرف التنظيم السياسي الهيكلة‬
‫األتية‪:‬‬

‫* ال‪PP‬داي‪ :‬ه و الح اكم الع ام والقائ د الع ام للق وات المس لحة ال ذي ينتخب من ري اس البح ر ويتمت ع‬
‫بجمل ة من الص الحيات منه ا تط بيق الق وانين المدني ة والعس كرية وتوقي ع المعاه دات واالتفاقي ات‬
‫الدولية وتعيين الوزراء وبايات المقاطعات اإلدارية األربعة وكذا االشراف على مراقبة إيرادات‬
‫الجزائر وخزينتها فضال عن استقبال السفراء والقناصلة بعد اعتمادهم‪.‬‬

‫* ال ‪PP‬ديوان‪ :‬أو مجلس ال وزراء‪ ،‬يتك ون من ‪ 35‬شخص ية مدني ة وعس كرية ال تي تش رف على‬
‫تسيير شؤون الدولة في قضايا المال والعدل واألمن‪.‬‬

‫* الخزن‪PP P‬اجي‪ :‬أو وزي ر المالي ة والمس ؤول المباش ر على خزين ة الجزائ ر ال تي ال تفتح اال‬
‫بحضوره ألّن ه هو الوحيد الذي يحتفظ بمفاتيح الخزينة العامة‪.‬‬

‫* األغا‪ :‬أو قائد الجيش البري المكون من قوات اإلنكشارية والفرسان العرب والمتطوعون‪.‬‬

‫* وكي‪PP‬ل الخ‪PP‬رج‪ :‬أو وزي ر الخارجي ة المكل ف بالعالق ات م ع ال دول األجنبي ة وك ل م ا ل ه عالق ة‬
‫بالبواخر والتسليح والذخيرة والتحصينات ومواجهة الخصوم في البحر المتوسط‪.‬‬

‫* الشاوش‪ :‬أو مسؤول التشريفات وهو الحاجب الذي يتولى مراقبة ال دخول والخروج من والى‬
‫قصر الداي‪.‬‬

‫* الب‪PP‬اي‪ :‬أو ال والي وه و الق ائم باألعم ال على مس توى المقاطع ة اإلداري ة أو البايل ك نياب ة عن‬
‫الداي ويستعين بموظفين ساميين بديوانه الخاص‪.‬‬

‫ب‪.‬التنظيم اإلداري‪ :‬قسمت الجزائر الى ‪ 04‬مقاطع ات إداري ة وهي دار السلطان ومقره ا مدينة‬
‫الجزائر وتمتد من دلس شرقا الى شرشال غربا ويحدها بايلك التيطري جنوبا بينما تعبر بايلك‬
‫الشرق أكبر مقاطعة إدارية مساحة ومقرها مدينة قسنطينة التي تمتد من الحدود التونسية شرقا‬
‫الى بالد الزواوة(القبائل حاليا) غربا و من المتوسط شماال الى الص حراء جنوب ا في حين بايلك‬
‫‪5‬‬
‫الغرب مقرها وهران بعد استرجاعها من االسبان عامي ‪ 1792‬م التي تمتد من الحدود المغربية‬
‫غربا الى بايلك التيطري شرقا و من المتوسط شماال حتى الصحراء جنوبا بينما بايلك التيطري‬
‫الذي يعتبر أصغر مقاطعة إدارية التي يحدها من الشمال سهل متيجة و من الجنوب الصحراء‪.‬‬

‫ج‪-‬التنظيم االجتماعي‪ :‬يتكون المجتمع الجزائري من الفئات األتية‪:‬‬

‫*األرس ‪PP‬تقراطية التركي ‪PP‬ة‪ :‬وهي الش ريحة األك ثر ث راء ونف وذا وت أثيرا في الس لطة الحاكم ة‪،‬‬
‫حرصت على االستئثار بالمناصب الحكومية وعزل السكان المحليين من الجزائريين الذي ولد‬
‫نفورا وعداوة مستمرة الى ت اريخ االحتالل الفرنسي عام ‪ ،1830‬وقد بلغ عدد األتراك حوالي‬
‫‪ 20‬أل ف معظمهم غ ادر الجزائ ر م ع ال داي حس ين بع د التوقي ع على معاه دة االستس الم ي وم ‪05‬‬
‫جويلية ‪.1830‬‬

‫* الكراغلة‪ :‬كلمة تركية مشتقة من الكرغن وهو الطفل المولود من زواج مختلط (األب تركي‬
‫أو غير تركي واألم جزائرية)‪ ،‬استقروا بالحواضر والمدن الكبرى مثل مدينة الجزائر وقسنطينة‬
‫وجيج ل وتلمس ان والمدي ة‪ ،‬لم يكن لهم الح ق في االنض مام للجيش أو الحص ول على الوظ ائف‬
‫السامية بينما حرصوا على امتالك األراضي الشاسعة دون خدمتها‪.‬‬

‫* اليهود‪ :‬األقلية التي حرصت على القيام باألعمال التجارية وممارسة الربا الفاحش والوساطة‬
‫في العمليات التجارية مثل صفقة تزويد فرنسا بالقمح الجزائري خالل ثورة الجياع عام ‪1789‬‬
‫م ال تي لعب فيه ا الت اجران اليهودي ان بك ري وبوش ناق دورا كب يرا وارتبطت الص فقة بمش كلة‬
‫الديون الفرنسية المستحقة للجزائر وعالقتها بحادثة المروحة الشهيرة‪.‬‬

‫* الجزائريون‪ :‬هم السكان األصليون للجزائر من األمازيغ والعرب الذين استبعدوا من مراكز‬
‫ص ناعة الق رار السياس ي واإلداري اس تعبدوا من مراك ز ص ناعة الق رار السياس ي واإلداري أو‬
‫االلتح اق ب الجيش أو االن دماج م ع األرس تقراطية التركي ة أو الكراغل ة وك ان معظمهم يش تغلون‬
‫بالنشاطات االقتصادية مثل الزراعة والصناعة والبستنة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الخالص‪P‬ة‪ :‬بع د الح اق الجزائ ر بالخالف ة العثماني ة خالل ف ترة الس لطان س ليم األول‪ ،‬م رت الحكم‬
‫بمراح ل وعه ود أربع ة أبرزه ا عه د ال دايات حيث ص ارت الجزائ ر جمهوري ة عس كرية ش به‬
‫مستقلة وقوة بحرية ض اربة في المتوسط بينم ا عرفت الهيكل ة التنظيمي ة على جمي ع المستويات‬
‫السياس ية واإلداري ة واالجتماعي ة م ع تف وق العنص ر ال تركي (‪ 20‬أل ف نس مة تقريب ا) على ب اقي‬
‫العناصر االجتماعية المكونة للمجتمع الجزائرية‪.‬‬

‫*********************************************************‬

‫المحاضرة رقم ‪ :2‬التواجد العثماني بالجزائر ‪1830- 1518‬م (حماية أم احتالل؟)‬

‫تمهيد‪ :‬تعتبر الفترة العثمانية بالجزائر الممتدة على مسار تاريخي يزيد عن ‪ 03‬قرون من أكثر‬
‫المراح ل التاريخي ة ج دال و اختالف ا بين ال رأي المؤي د ألطروح ة الفتح و الموق ف ال داعم لفك رة‬
‫االس تعمار بس بب تق اطع البع د ال ديني م ع األهمي ة الجي و‪-‬اس تراتيجية و ص راع األت راك م ع‬
‫األوربيين حول الضفة الجنوبية للمتوسط حيث يعتبر األستاذ ناصر الدين سعيدوني في كتابه "‬
‫دراس ات و أبحـاث في ت اريخ الجزائ ر – العه د العثم اني‪ ": -‬أنه ا ف ترة عاش ت أثناءه ا الجزائ ر‬
‫مرحلة حاسمة ‪ ،‬تمثلت بالخصوص في مواجهة اعتداءات الدول األوروبية ‪،‬على رأسها اسبانيا‬
‫و فرنسا و انكلترا ‪ ،‬التي تكالبت أساطيلها وجيوشها على استغالل خيرات الجزائر و التحكم في‬
‫مقدراتها لصالح أوروبا و ما تحمله من روح صليبية‪)1( .‬‬

‫‪ /1‬طبيعة التواجد العثماني في الجزائر‪:‬‬

‫أوال ‪ /‬أنصار الحماية‪:‬‬

‫‪ )1(1‬ناصر الدين سعيدوني‪ ،‬دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر – العهد العثماني‪( ،-‬الجزائر‪ :‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،)1984 ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪7‬‬
‫في سياق رفض المقاربة التاريخية التي تتحدث عن فكرة ''االستعمار العثماني في الجزائر''‬
‫يؤك د الم ؤرخ س ليمان البس تاني في كتاب ه" الدول ة العثماني ة قب ل الدس تور و بع د الدس تور" على‬
‫مفه وم "الفتح اإلسالمي" استجابة لدعوة االستنجاد التي أطلقها س كان مدين ة الجزائر بعد الغزو‬
‫االس باني ال تي حوله ا الى دار الكف‪PP‬ر‪ ،‬وبع د تحريره ا من قب ل األخ وة فخ ارجي أص حاب اللحي‬
‫الحم راء(‪ )BARBAROSA‬ع ادت الجزائ ر الى دار اإلس‪PP‬الم بع د ض مها الى الخالف ة العثماني ة‬
‫حامي ة اإلس الم و المس لمين ع ام ‪ 1518‬وت ولي ال ريس خض ر المك نى خيرال دين منص ب أم ير‬
‫األم راء (البايرلب اي) وحس ب رض ا عم راني المكل ف بالدراس ات التاريخي ة بمؤسس ة‬
‫''القص بة'' ‪،‬ف إن قب ول الجزائ ريين ب األتراك ي دخل في س ياق ت اريخي ونفس ي‪ ،‬ي برز من خالل‬
‫رفض الجزائ ريين لك ل المح اوالت الص ليبية ال تي ك انت تس عى لبس ط نفوذه ا وس يطرتها على‬
‫الضفة الجنوبية للمتوسط ‪،‬ومن اآلثار االيجابية للوجود التركي في الجزائر التأسيس لن واة الدولة‬
‫الجزائري ة الحديث ة بمعالمه ا الجغرافي ة الحالي ة ونش وء عالق ة المص اهرة بين األس ر العربي ة و‬
‫التركي ة من نواتجه ا الكراغل ة وهم نت اج زواج بين العثم انيين والجزائري ات كمك ون اجتم اعي‬
‫جديد يضاف الى مكونات األمة الجزائرية الى جانب العرب و األمازيغ (‪.)2‬‬

‫بينم ا يعتق د أس تاذ الت اريخ العثم اني بجامع ة الجزائ ر‪ ،‬ش كيب بن حف ري ‪ " :‬إن ه ال يمكن وص ف‬
‫الوج ود العثم اني في الجزائ ر باالس تعمار‪ ،‬مثلم ا يري د أن ي رّو ج ل ه بعض المت أثرين بالكتاب ات‬
‫التاريخية الفرنسية واإلسبانية التي أرادت تشويه العثمانيين وتقديمهم في صورة تجسد االستبداد‬
‫الشرقي‪ ،‬لتبرير التنصير بالنسبة لإلسبان‪ ،‬والغزو بالنسبة للفرنسيين واعتبر األستاذ شكيب بن‬
‫حف ري أن ص فة االس تعمار تس قط بمج رد تق ديم ع دد من الحق ائق التاريخي ة‪ ،‬منه ا أن األت راك‬
‫تركوا لعشائر وقبائل الجزائر حرية الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬آخذين بعين االعتبار قضية‬
‫العصبية''(‪.)2‬‬

‫‪ )1(2‬رضا عمراني «األتراك لم يستعمروا الجزائر بل رسموا حدودها»‪ ،‬جريدة الخبر‪http://www.elkhabar.com/ar/ ،01/06/2012. (2) ،‬‬
‫)‪ (2‬شكيب بن حفري «األتراك لم يستعمروا الجزائر بل رسموا حدودها»‪ ،‬جريدة الخبر‪.http://www.elkhabar.com/ar/،01/06/2012 ،‬‬

‫‪8‬‬
‫بينما يضيف األستاذ بلقاسم بابابسي قائال‪'' :‬أعتقد أننا نبتعد كثيرا عن الحقيقة التاريخية لما نعتبر‬
‫العثم انيين بمثاب ة اس تعمار‪ ،‬فهم من رس م لن ا ح دودنا الحالي ة‪ ،‬ووقف وا ض د مح اوالت الدول ة‬
‫المرينية في الغرب لالستيالء على أجزاء من الجزائر إلى غاية تلمسان‪ ،‬كما وفقوا ضد حمالت‬
‫الدولة الحفصية في الشرق لبسط نفوذها على حساب الجزائر إلى غاية قسنطينة''(‪.)1‬‬

‫في حين ي رى األس تاذ ناص ر ال دين س عيدوني أن أغلب الدراس ات التاريخي ة المتعلق ة ب الجزائر‬
‫العثماني ة ‪ ،‬و ال تي تمت على ي د كت اب فرنس يين ‪ ،‬تعت بر دراس ات مغرض ة ‪ ،‬فهي ته دف الى‬
‫خدمة االستعمار و تبرير الوجود الفرنسي بالجزائر ‪ ،‬و ذلك بتغيير صورة الماضي و تشويه‬
‫الواقع التاريخي حتى يصبح متماشيا و مصالح االستعمار(‪ )...‬فالوجود العثماني بالجزائر في‬
‫نظ ر المس اهمة الفرنس ية ك ان بمثاب ة العام ل ال ذي ح ال دون اكتس اب الجزائ ر مقوم ات الدول ة‬
‫القومي ة وع اق تط ور النظم االجتماعي ة و االقتص ادية ‪ ،‬وذل ك ليخل وا الى مقارنت ه بالحض ور‬
‫الفرنسي ‪ ،‬فالحكم التركي في هذه المقارنة غير العادلة كان يقوم على االستبداد و يتصف ب الظلم‬
‫و العدوان ‪ ،‬بينما الحضور الفرنسي كان حسب استنتاجهم أقرب الى العمل الحضاري منه الى‬
‫التدخل االستعماري(‪.)3‬‬

‫ثانيا‪ /‬أنصار االحتالل‪:‬‬

‫تستند المقاربة التاريخية التي تبناها شيخ المؤرخين الجزائريين الراحل أبو القاسم سعد اهلل الذي‬
‫أنطلق من التساؤالت التاريخية القائلة‪ ،‬هل جاء العثمانيون الى الجزائر غــازين أم منقذين؟ وهل‬
‫وج ودهم خ يرا وبرك ة على البالد وأهله ا أو ش را ونقم ة عليه ا؟ وه ل ك انت الجزائ ر في عه دهم‬
‫مستقلة أم تابعة؟ الى غير ذلك من التساؤالت التي مازالت لم تنته وال نتوقع أنها ستنتهي ذات‬
‫يوم‪ .‬وقد ساعد على تعميق هذه التساؤالت وتشعبها ما أثاره الفرنسيون من مقارنات بين أنواع‬
‫االستعمار التي تعاقبت على الجزائر‪ ،‬فهذه في نظرهم لم تكن في يوم من األيام "أمة" أو حتى "‬
‫‪ ) 1(3‬بلقاسم باباسي «األتراك لم يستعمروا الجزائر بل رسموا حدودها»‪ ،‬جريدة الخبر‪.http://www.elkhabar.com/ar/،01/06/2012 ،‬‬
‫(‪ )2‬ناصر الدين سعيدوني‪ ،‬دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر – العهد العثماني‪-‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ص ‪.35-34‬‬
‫(‪ )3‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬ج ‪( ،1‬الجزائر‪ :‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،)1976 ،‬ص ص ‪.10-9‬‬

‫‪9‬‬
‫ش عبا" يم ارس حريت ه ويتحكم في مص يره وإ نم ا هي أرض مفتوح ة تتع اقب عليه ا ال دول الغالب ة‬
‫من الفينيقيين والرومان الى الترك والفرنسيين(‪.)3‬‬

‫باإلض افة الى اعتم اده على مض مون الرس الة المترجم ة من التركي ة الى اللغ ة العربي ة من قب ل‬
‫ال دكتور أرجمن د ك وران في كتاب ه السياس ة العثماني ة تج اه االحتالل الفرنس ي للجزائ ر ‪-1827‬‬
‫‪ 1847‬التي تكشف عن مواقف تاريخية مازال غامضة عند المختصين من ذلك معارض ة الب اب‬
‫العالي لظهور شخصية عربية في الجزائر كاألمير عبد القادر و عرقلة التفاهم بين األمير و بين‬
‫فرنس ا ألن ه من اف لمص لحة الدول ة العثماني ة ‪ ،‬ومن المفه وم أن الدول ة العثماني ة ك انت تمي ل الى‬
‫الحاج أحمد باي قسنطينة الذي كان يعلن في صراحة أنه يحكم و يقاوم باسم السلطان (‪.)1‬‬

‫و يخلص األس تاذ أب و القاس م س عد اهلل في معظم كتابات ه التاريخي ة أن طبيع ة التواج د العثم اني‬
‫ب الجزائر " غ زوا و اس تعمارا و اس تبدادا ش رقيا" ال يختل ف عن مراح ل االس تعمار الس ابقة من‬
‫الرومان الى االسبان مرورا بالوندال والبيزنطيين حجته في ذلك تهميش و إبعاد أبناء الجزائر‬
‫عن دواليب الحكم من العرب و األمازيغ و حتى الكراغلة الذين حاولوا اقتسام السلطة والقضاء‬
‫على نظ ام الحكم المنغل ق ماع دا ال ريس حمي دو ال ذي بل غ أس مى ال رتب في البحري ة الجزائري ة‪،‬‬
‫فض ال عن موق ف الس لطة العثماني ة ال ذي لم يتج اوز ح دود إرس ال وف د دبلوماس ي الى العاص مة‬
‫باريس لتقديم احتجاج السلطان العثماني على الحملة العسكرية الفرنسية و تأمين خروج العائالت‬
‫التركية من مدينة الجزائر ‪.‬‬

‫يق ول ال دكتور أب و القاس م س عد اهلل‪ ":‬إن الجزائ ر حظه ا س يئ ألنه ا ش هدت دخ ول ''أعالج‬
‫مت تركين''‪ ،‬فع انى منهم الش عب الجزائ ري جهل ة ال يعرف ون ح تى الق راءة والكتاب ة‪ ،‬كم ا ك انوا‬
‫مغ امرين ال فائ دة لهم من الحكم إال جمع المال والتس لط‪ ،‬ثم أنهم كانوا يحكمون الجزائريين بيد‬
‫من حديد ويسلبونهم أموالهم وثرواتهم عن طريق الضرائب والرشي والهدايا "(‪)4‬‬
‫‪ )1( 4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.339‬‬
‫(‪ )2‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪( ،1‬الجزائر‪ :‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪ ، )1998 ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(‪ )3‬حميد عبد القادر‪« ،‬ما يجوز لمولود قاسم وال يجوز لتوفيق المدني»‪.http://www.elkhabar.com/ar، 12/01/2012 ،‬‬

‫‪10‬‬
‫بينما يتذكر اإلعالمي في جريدة الخبر و المهتم بالدراسات التاريخية حميد عبد القادر(‪ )2‬وهو‬
‫يق رأ موق ف ع الم الجمعي ة توفي ق الم دني من األت راك ومل ك الجزائ ر س ليم الت ومي ذل ك النق اش‬
‫الذي جرى في مطلع الثمانينيات بين محفوظ قداش (المؤرخ) ومولود قاسم نايت بلقاسم (صانع‬
‫األيديولوجية) بخصوص طبيعة الوجود التواجد العثماني في الجزائر حيث دافع محفوظ قداش‬
‫عن الفكرة القائلة بأن العثمانيين استولوا على السلطة في الجزائر‪ ،‬بينما رأى مولود قاسم عكس‬

‫ذلك تماما (‪ )...‬ويضيف أن األستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم أفضى لمقربيه معترف أن ع ُر وْج‬
‫اس تولى على الس لطة بع د اغتي ال س ليم الت ومي‪ ،‬واع ترف ك ذلك أن وج ودهم في الجزائ ر ك ان‬
‫وج ودا دخيال‪ ،‬لكن ه ي رفض التص ريح ب ذلك علن ا‪ ،‬ففي ح ال االع تراف به ذه الحقيق ة التاريخي ة‪،‬‬
‫ف ذلك يع ني أن الفرنس يين ج اؤوا لكي يخّلص وا الجزائ ريين فعال من ''اس تعمار الدول ة العثماني ة''‬
‫كم ا ي ّد عون‪ ،‬فط رح القض ية بمن اورة وراح ي دافع عن ط رح يع ارض الط رح الفرنس ي ‪ ،‬ففض ل‬
‫الحديث من زاوية أيديولوجية تعبر عن توجهات السلطة التي كان يمثلها‪.‬‬

‫عموم ا أن الح ديث عن" االس تعمار العثم اني للجزائ ر" يع ّد بمثاب ة ابتع اد عن الحقيق ة التاريخي ة‪،‬‬
‫والتأكي د عن ص فة الفتح اإلس المي ه و انتق اص من ال ذاكرة التاريخي ة على رأي ال دكتور ش كيب‬
‫بن حف ري خالل ن دوة ''الخ بر''‪ ،‬ال ذي ط رح الس ؤال الت الي‪'' :‬من أي مص ادر نق رأ ال ذاكرة‬
‫التاريخي ة الجزائري ة؟''‪ .‬الكتاب ات اإلس بانية أم الفرنس ية أم الرحال ة اإلنجل يز؟ وهي مص ادر ال‬
‫تخدم الذاكرة الجزائرية وال النقاش الذي يدور حاليا بخصوص الحقبة العثمانية‪.‬‬

‫‪ /2‬موقف السلطنة العثمانية من احتالل فرنسا للجزائر‪:‬‬


‫أوال ‪ /‬محاولة الدولة العثمانية استرداد الجزائر سلميا‬
‫بعد أن خسرت الدول ة العثمانية قواته ا البحرية بهجوم األسطولين االنجل يزي و الفرنسي عليها‬
‫في معرك ة ناف ارين في ‪ 20‬نوفم بر ‪ ، 1827‬ودخولهم ا الح رب م ع روس يا بع د ذل ك بقلي ل ‪ ،‬لم‬
‫ت دع له ا مج اال لالهتم ام بالقض ية الجزائري ة ‪ ،‬ولم تس تفد فرنس ا من وض عية الدول ة العثماني ة‬
‫الحرجة هاته ‪ ،‬حيث أرسلت جيشا للشرق مؤلفا من ثالثين ألفا لالستيالء على شبه جزيرة م ورا‬

‫‪11‬‬
‫و له ذا الس بب اض طرت فرنس ا أن تم دد حص ارها لع دة س نوات على الجزائ ر ب ل و ق امت‬
‫بمحاوالت عدة للتفاهم مع حسين باشا و لكن بدون جدوى ‪ ،‬كما فشلت الدبلوماسية الفرنسية في‬
‫إقناع والي مصر محمد علي باشا في القيام بالحملة التأديبية على الجزائر‪)5(.‬‬
‫بعد ذل ك كل ف ط اهر باش ا المبع وث الشخص ي للس لطان العثم اني ب إدارة وح ل ال نزاع الق ائم بين‬
‫حاكم الجزائر الداي حسين والدولة الفرنسية لكنه فشل في دخول مدينة الجزائر بسبب الحصار‬
‫البح ري المف روض عليه ا وتواط ؤ ب اي ت ونس م ع الس فير الفرنس ي لتس هيل دخ ول الط اهر باش ا‬
‫عبر التراب التونسي حتى أحتل الجيش الفرنسي مدينة الجزائر‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فان الباب العالي في ذلك العهد العصيب لم يتوان في اإلعالن رسميا بإعادة الجزائر‬
‫للدولة العثمانية بدليل ما جاء في دفتر التوجيهات على شكل جدول‪ ":‬ولما كانت والية الجزائر‬
‫موعودا بردها لطرف الدولة العلية عندما طلبناها‪ ،‬فسينظر بمقتضاه عند التنظيم‪)6( ".‬‬
‫وفي ‪ 18‬ديس مبر ‪ 1834‬تقاب ل الس فير العثم اني م ع وزي ر الخارجي ة الفرنس ي وعلى أث ر فتح‬
‫رش يد ب اي موض وع الجزائ ر‪ ،‬لم ي رغب األم يرال دي ري ني في إث ارة الموض وع (‪ )...‬أعلم ه‬
‫رشيد باي بأنه مكلف بالتباحث لتأمين إعادة الجزائر للدولة العثمانية"(‪)7‬‬
‫ثانيا ‪ /‬أوال ‪ /‬محاولة الدولة العثمانية استرداد الجزائر بالقوة‬
‫لقد فهم بشكل قطعي إن استرداد الجزائر من فرنسا بالمباحثات السياسية فقط غ ير ممكن‪ ،‬وعلي ه‬
‫أق دم الب اب الع الي في ربي ع ‪ 1835‬على محاول ة جريئ ة في س بيل ح ل قض ايا ش مال إفريقي ا‬
‫بإرسال قوة بحرية الى طرابلس الغرب (‪ )...‬كانت الدولة العلية قد اقتربت من البالد الجزائرية‬
‫باستيالئها على طرابلس الغرب‪ ،‬وأصبح الباب العالي قادرا على التفكير في التدخل العسكري‬
‫بهذه البالد كما يستطيع أن يجرب ربط والية تونس‪ ،‬الفاصلة بين ليبيا والجزائر لإلمبراطورية‬
‫العثمانية بصورة عملية (‪.)8‬‬

‫‪ )?(5‬أرجمند كوران ‪ ،‬السياسة العثمانية تجاه االحتالل الفرنسي للجزائر ‪ 1847-1827‬تر عبد الجليل التميمي ‪ (،‬ط‪ ،2‬تونس ‪:‬الشركة التونسية لفنون‬
‫الطبع ‪،) 1974 ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ )?(6‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ ) ?(7‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ ) ?(8‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪12‬‬
‫غير أن سقوط مدينة قسنطينة عام ‪ 1937‬ولجوء حاكمها الباي أحمد عند أخواله ببسكرة الذي‬
‫أدعى أنه الوريث الشرعي للخالفة العثمانية عجل باعتراف الدولة العلية باحتالل فرنسا للجزائر‬
‫التي خسرتها على المستويين السياسي والعسكري‪.‬‬

‫الخالص‪PP P‬ة‪ :‬إن الفص ل في طبيع ة التواج د العثم اني في الجزائ ر بين أطروح ة الفتح وفك رة‬
‫االس تعمار قض ية تاريخي ة معق دة‪ ،‬البحث فيه ا يزي د من وهن النس يج االجتم اعي للمجتم ع‬
‫الجزائ ري وال يخ دم المص الح االقتص ادية للدول ة الجزائري ة ال تي تس عى الى تقوي ة العالق ات م ع‬
‫الجمهوري ة التركي ة‪ ،‬رغم الموق ف الس لبي للدول ة العثماني ة من االحتالل الفرنس ي للجزائ ر ال ذي‬
‫كانت تمليه شيخوخة الدولة العلية في ظل تصاعد القوى األوروبية بعد الثورة الصناعية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المحاضرة رقم‪ 3:‬االحتالل الفرنسي للجزائر ‪(1962-1830‬األسباب والدوافع)‬

‫تمهي‪PP‬د‪ :‬اّن حقيق ة االحتالل الفرنس ي للجزائ ر ‪ 1962-1830‬ال يرتب ط أساس ا بحادث ة المروح ة‬
‫وانم ا ك انت مج رد ذريع ة لتنفي ذ المش روع االس تعماري الفرنس ي القتالع الش عب الجزائ ري من‬
‫جذوره العربية‪-‬اإلسالمية‪ ،‬وقد أفصح ملك فرنسا شارل ‪ 10‬عن هذا التوجه الديني مصرحا‪:‬‬
‫"اّن التعويض الحاسم الذي أريد الحصول عليه وأنا أثأر لشرف فرنس ا أن يتحول بمعونة اهلل‬
‫لص الح المس يحية"‪ ،‬ونفس التعب ير حمل ه التقري ر ال ذي رفع ه وزي ر الحربي ة الفرنس ية الى مجلس‬
‫الوزراء يوم ‪ 14‬أكتوبر ‪1827‬م جاء فيه‪ ":‬لعله مع الوقت سيكون من حظنا أن نمدنهم وذلك‬
‫لجعلهم مسيحيين"‪ .‬فماهي الدوافع واألسباب الحقيقية لالحتالل الفرنسي للجزائر؟‬

‫‪-1‬أسباب االحتالل الفرنسي للجزائر‪:‬‬

‫ا‪-‬األسباب السياسية‪:‬‬

‫بقاء الجزائر خاضعة للخالفة العثمانية في ظل الضعف بدءا من القرن ‪ 18‬م واجماع القوى‬ ‫‪-‬‬
‫األوروبي ة الك برى على ض رورة تقس يم ممتلكاته ا بع د انعق اد م ؤتمر فيين ا ‪ 1815‬م وم ؤتمر‬
‫اكس الشابيل ‪1818‬م‪.‬‬
‫التق ارب الفرنس ي –الروس ي ورغب ة المل ك ش ارل العاش ر في التع اون الثن ائي للس يطرة على‬ ‫‪-‬‬
‫المتوس ط لتحجيم ال دور البريط اني المتواج د بمنطق ة جب ل ط ارق ومض يق ص قلية وجزي رة‬
‫قبرص‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫محاولة الملك شارل العاشر توجيه الرأي العام الفرنسي عن المشاكل الداخلية الصعبة قصد‬ ‫‪-‬‬
‫اسكات المعارضة البرلمانية من خالل تحقيق نصر حاسم على الداي حسين واالنتقام لشرف‬
‫فرنسا‪.‬‬

‫ب‪-‬األسباب العسكرية‪:‬‬

‫فشل حروب اإلمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت التوسعية في أوروبا بعد السعي الى بناء‬ ‫‪-‬‬
‫إمبراطوري ة اس تعمارية خ ارج الق ارة األوروبي ة ع بر إقام ة محمي ات ومن اطق اس تيطان تمت د‬
‫من مصر شرقا الى المغرب غربا‪.‬‬
‫فش ل حمل ة ن ابليون بون ابرت على مص ر‪ 1801-1798‬إث ر نج اح حمل ة الس لطان العثم اني‬ ‫‪-‬‬
‫بقيادة محمد علي باشا وبمساعدة اإلنجليز مما ولد رغبة جامحة لدى اإلمبراطور الفرنسي‬
‫بتعويض الخسارة باحتالل الجزائر‪.‬‬
‫دور الجاس وس الفرنس ي بوت ان ال ذي نجح في رس م مخطط ا عس كريا بع د مس ح الس واحل‬ ‫‪-‬‬
‫الجزائري ة وتس ليمه الى اإلم براطور الفرنس ي ن ابليون بون ابرت ع ام ‪ 1809‬م ال ذي نص حه‬
‫باحتالل الجزائر برا من أقرب وأضعف نقطة بحرية قريبة من مدينة الجزائر وهي منطقة‬
‫سيدي فرج‪.‬‬
‫هزيمة الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابارت في معركة " واترلو" ‪1815‬م أمام تحالف قوى‬ ‫‪-‬‬
‫الرجعية األوروبية التي أعادت أسرة "آل بوربون" إلى الحكم‪ ،‬وأنهت حكم نابليون بونابرت‪،‬‬
‫وبداية التململ والفوض ى داخ ل الجيش الفرنسي وتخوف الملك ش ارل العاشر من قي ام الجيش‬ ‫‪-‬‬
‫بانقالب ضده‪ ،‬فوجه األنظار نحو احتالل الجزائر عام ‪1830‬م‪.‬‬

‫ج‪-‬األسباب االقتصادية‪:‬‬

‫حاج ة الص ناعة التحويلي ة الفرنس ية إلى الم وارد الطبيعي ة الخ ام‪ ،‬فض ال عن األس واق التجاري ة‬ ‫‪-‬‬
‫لتصريف الفائض من السلع والبضائع‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الحص ول على األراض ي الزراعي ة الخص بة إلقام ة المس تعمرات الجدي دة تحقيق ا لألطم اع‬ ‫‪-‬‬
‫الرأس مالية الفرنس ية المتحالف ة م ع كب ار ض باط الجيش والشخص يات الناف ذة في المجتم ع‬
‫الفرنسي‪.‬‬
‫رغبة الحكومة الفرنسية في االستيالء على الخزينة الجزائرية والبحث عن الذهب بمناجم الجزائر‬ ‫‪-‬‬
‫وتشجيع زراعة التبغ والحوامض وعنب الخمرة‪.‬‬
‫التخلص من ال ديون الجزائري ة المترتب ة على الدول ة الفرنس ية من ذ إم دادها بكمي ات القمح خالل‬ ‫‪-‬‬
‫أيام الثورة الفرنسية ‪ 14‬جويلية ‪.1789‬‬

‫د‪-‬األسباب الدينية‪:‬‬
‫دور األسطول الجزائري في ممارسة الجهاد البحري إلى جانب األسطول العثماني ضد القرصنة‬ ‫‪-‬‬
‫األوروبية دفاعا عن الحدود وأمن الخالفة اإلسالمية‪.‬‬
‫استمرار الصراع أو التدافع الحضاري بين اإلسالم من جهة والمسيحية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫رغب ة فرنس ا في نش ر المس يحية الكاثوليكي ة في الجزائ ر واعتب ار الع رب المس لمين أم ة غازي ة‬ ‫‪-‬‬
‫لشمال إفريقيا التي كان سكانها مسيحيين في ظل الحكم البيزنطي‬
‫دور الكنيسة الكاثوليكية في تحريض الملك شارل العاشر وحث الفرنسيين على نص رة الصليب‬ ‫‪-‬‬
‫والتمكين للنصرانية في الجزائر‪.‬‬
‫ربط المدنية الفرنسية بالديانة المسيحية ماعدا ذلك فهو بربري معادي للحضارة‪ ،‬حسب تقرير‬ ‫‪-‬‬
‫وزي ر الحربي ة "ألن ه من الممكن ول و يمض ي ال وقت أن يك ون لن ا الش رف في أن نم دنهم وذل ك‬
‫بجعلهم مسيحيين"‪.‬‬

‫‪-2‬التواطؤ اليهودي الفرنسي في احتالل الجزائر‪.‬‬


‫أ‪-‬دور اليهوديين أل بكري وأل بوشناق‪:‬‬
‫حرصت الحكومة الفرنسية في عهد نابليون على التزود بالقمح الجزائري لجودته ونوعيته الجيدة‬
‫عن طريق الشركة الفرنسية المسماة الوكالة الوطنية إلفريقيا عند قدوم اليهوديين الثريين أل بكري‬

‫‪16‬‬
‫وأل بوشناق من إيطاليا سنة ‪1770‬م لالستقرار بالجزائر اللذين استطاعا احتكار التجارة الخارجية‬
‫للجزائر بعد حصولهما على موافقة الداي حسين باحتكار تجارة الحبوب مقابل دفع عالوات عالية‬
‫للدولة‪ ،‬كما أقنع وزير خارجية فرنسا بذلك‪ ،‬وقد استمر تدفق القمح الجزائري نحو فرنسا ح تى بلغت‬
‫ديون الجزائر على فرنسا ‪ 24‬مليون فرنك وقد تواطأت الشركة اليهودية مع قنصل فرنسا الكونت‬
‫دي ف‪PP‬ال ووزي ر الخارجي ة ت‪PP‬اليران في دف ع ال ديون دفع ة واح دة قص د إح داث قطيع ة دبلوماس ية في‬
‫العالقات الجزائرية الفرنسية‪.‬‬
‫وعندما عالجت الحكومة الفرنسية حقيقية األمر وافقت على دفع المبلغ إلى الخزينة الجزائرية على‬
‫أقساط بمعدل ‪ 385‬ألف فرنك فرنسي أسبوعيا‪ ،‬وبالفعل شرعت في تسديد الديون إلى أن بقي مبل غ‬
‫‪ 2.5‬ملي ون فرن ك‪ ،‬ت وقفت الحكوم ة الفرنس ية عن التس ديد مم ا زاد في تعق د أزم ة ال ديون الجزائري ة‬
‫على فرنسا‪.‬‬
‫ب‪-‬دور الدبلوماسية الفرنسية‪:‬‬
‫ناشد الداي حسين حكومة فرنسا الحرة‪ ،‬بعدم بتجميد أموال الخزينة الجزائرية فوجه ثالثة رسائل إلى‬
‫ملك فرنسا شارل العاشر الذي لم يكلف نفسه مشقة اإلجابة عليها عندها أدرك الداي حسين بأنه‬
‫ضحية خديعة وتالعب القنصل الفرنسي الكونت دي فال مع الشركة اليهودية خاصة بعد هروب‬
‫اليه وديين ب‪PP‬وخريص وبوش‪PP‬ناق من الجزائ ر خفي َة بينم ا الت اجر اليه ودي بك‪PP‬ري أع دم على ي د أح د‬
‫جن ود االنكش ارية‪ ،‬وق د اكتملت فص ول اللعب ة ي وم ‪29/04/1827‬م بط رد ال داي حس ين للقنص ل‬
‫الفرنسي دي فال من القاعة الشرفية مشي ار له بمروحيته الخاصة واعتبار تلك الحادثة بمثابة إهانة‬
‫لشرف األمة الفرنسية يتعين على الداي حسين تقديم اعتذار رسمي واالنحناء أمام العلم الفرنسي أو‬
‫يتحمل مسؤولية الخطأ الفادح‪.‬‬
‫ج‪-‬احتالل مدينة الجزائر‪:‬‬
‫وفي ي وم ‪ 11‬ج وان ‪1827‬م أرس لت فرنس ا ق وة بحري ة نح و س واحل مدين ة الجزائ ر واش ترطت على‬
‫الداي حسين تقديم االعتذار لقنصل الفرنسي دي فال على ظهر سفينة فرنسية ورفع العلم الفرنسي‬
‫فوق حصون مدينة الجزائر خاصة فوق قصر الداي ومقر البحرية الجزائرية ثم توجيه التحية للعلم‬

‫‪17‬‬
‫الفرنسي بمائة طلقة مدفعية‪ ،‬وقد أنذر الداي حسين بأن عدم االستجابة لهذه المطالب في ظرف‬
‫‪ 24‬ساعة يعني إعالن الحرب‪.‬‬
‫وبالفع ل رفض ال داي حس ين الش روط المجحف ة‪ ،‬وب ذلك أعلنت فرنس ا الح رب على لجزائ ر ي وم ‪16‬‬
‫ج وان ‪1827‬م ح تى لحظ ة س قوط مدين ة الجزائ ر انطالق ا من منطق ة س يدي ف رج ي وم‬
‫‪05/07/1830‬م بع د توقي ع معاه دة االستس الم م ع قائ د الحمل ة الس كرية الفرنس ية الك‪PP‬ونت دي‬
‫بورمون‪.‬‬

‫د‪-‬اغتباط (فرحة) اليهود باحتالل الجزائر‪:‬‬


‫أب دى يه ود الجزائ ر فرح ة ش ديدة بع د توقي ع ال داي حس ين معاه دة االستس الم م ع فرنس ا ي وم‬
‫‪05/07/1830‬م ونج اح الغ زو العس كري الفرنس ي في احتالل الجزائ ر ال ذي زاد من نش اطهم في‬
‫النهب والس لب والقت ل بع د أن لعب كب ار التج ار اليه ود خاص ة (بك ري وبوش ناق) دو ار كب ي ار في‬
‫تعك ير ص فو العالق ات الفرنس ية الجزائ ري‪ ،‬إث ر أزم ة ال ديون وتق ديم المس اعدة الكامل ة للجن ود‬
‫الفرنس يين ح ول األم اكن والمم رات‪ ،‬فك انت المكافئ ة ع ام ‪ 1870‬عن د حص ولهم على الجنس ية‬
‫الفرنسية التي منحتهم كامل الحقوق والواجبات‪ ،‬سلوكهم العدائي نحو الجزائر يعكس حقيقة واحدة‬
‫هي شدة الكراهية و البغض للعرب خاصة والمسلمين عامة‪.‬‬

‫الخالصة‪ :‬تعتبر حادثة المروحة مجرد ذريعة استعمارية ال أكثر بينما األسباب الحقيقية لالحتالل‬
‫الفرنسي للجزائر متعددة نابعة من المشروع االستعماري الذي حلم به اإلمبراطور الفرنسي نابليون‬
‫بون ابرت ونف ذه المل ك ش ارل العاش ر بمبارك ة الكنيس ة المس يحية ومس اعدة األقلي ة اليهودي ة المقيم ة‬
‫بالجزائر‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المحاض‪PPPP‬رة رقم(‪ :)4‬ردود فع‪PPPP‬ل الش‪PPPP‬عب الجزائ‪PPPP‬ري (من المقاوم‪PPPP‬ة المس‪PPPP‬لحة الى المقاوم‪PPPP‬ة‬
‫السياسية)‬

‫تمهيد‪ :‬اعتقد الكونت دي بورمون أن توقيع الداي حسين على معاهدة االستسالم يوم ‪ 05‬جويلية‬
‫‪1830‬م بعد سقوط مدينة الجزائر‪ ،‬ستفتح المجال واسعا أمام احتالل باقي المناطق‪ ،‬والحقيقة لم‬
‫يكن اليوم األول نهاية المقاومة الشعبية ضد االحتالل األجنبي وانما نهاية السلطة السياسية غير‬
‫الوطنية التي تنحدر شخصياتها من أصول تركية وأوروبية أثرت التقارب مع األقلية اليهودية‬
‫الناف ذة‪ ،‬الش يء ال ذي دف ع الش عب الى االلتف اف ح ول زعام ات ديني ة وسياس ية للمش اركة في‬
‫المقاومة المسلحة بشقيها الشعبي والرسمي‪.‬‬
‫‪ /1‬المقاومة الشعبية المسلحة‪-‬ثورة األمير عبد القادر ‪ 1847-1832‬انموذجا‪-‬‬
‫ا‪ /‬شخص‪PP‬ية األم‪PP‬ير‪ :‬ه و عب د الق ادر بن محي ال دين الهاش مي اإلدريس ي النس ب رم ز المقاوم ة‬
‫الجزائري ة ومؤس س الدول ة الجزائري ة الحديث ة‪ ،‬من موالي د ي وم الجمع ة ‪ 13‬م اي ‪ 1807‬ب دوار‬
‫القيطنة الواقعة بسهل غريس غرب والية معسكر حفظ القرأن الكريم حفظا تاما وهو لم يتجاوز‬
‫‪ 12‬عاما من عمره‪ ،‬كما درس الحديث وأصول الشريعة ومبادئ الفقه عن والده وهو في سن‬
‫‪ 15‬تزوج من ابنة عمه اللة خيرة التي كانت على جانب من األخالق الفاضلة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫اش تهر األم ير عب د الق ادر بش دة الب أس وق وة الب دن والفروس ية كم ا ك ان ش غوفا ب تزيين س الحه‬
‫وممارس ة رياض ة الص يد ونظم الش عر‪ ،‬فجم ع ب ذلك بين الس يف والقلم كم ا اقتن ع بحقيق ة هام ة‬
‫تعلمها من والده وهي‪ :‬ضعف األتراك السياسي والعسكري مع اتساع استغاللهم لطبقات الشعب‬
‫الجزائري"‪.‬‬
‫بعد احتالل الجزائر‪ ،‬عرض مشايخ وأعيان الغرب الجزائري مسؤولية االم ارة على محي ال دين‬
‫الذي رفضها لكبر سنه وقبل أمر الجهاد مقترحا ولده عبد القادر قائدا للجيش‪ ،‬فعقدت له البيعة‬
‫يوم ‪ 27‬تشرين الثاني ‪1832‬م تحت شجرة الدردار بسهل غريس حيث تعهد األمير عبد القادر‬
‫العمل بالقرأن الكريم والجهاد في سبيل اهلل قائال‪" :‬لن أخذ بقانون غير القران‪ ،‬لن يكون مرشدي‬
‫غير تعاليم القرأن‪ ،‬القرأن وحده‪ ،‬فلو أن أخي الشقيق قد أحل دمه بمخالفة القرأن لمات"‪.‬‬
‫بع د ذل ك تمت ل ه البيع ة الثاني ة أس وة بالرس ول عليه الص الة والس الم في قص ر االم ارة يوم ‪04‬‬
‫شباط ‪1833‬م وأختار معسكر مقرا إلمارته‬
‫ب‪/‬التنظيم السياسي واإلداري والعسكري لدولة األمير عبد القادر‪:‬‬
‫أوال‪ /‬التنظيم السياس ي واإلداري‪ :‬أعتم د األم ير عب د الق ادر على التنظيم الفي درالي لإلم ارة ال تي‬
‫قسمت الى ‪ 08‬مقاطعات إدارية‪ ،‬كل مقاطعة يرأسها خليفة األمير وهي‪:‬‬
‫مقاطعة تلمسان برئاسة الخليفة محمد البوحميدي‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة معسكر برئاسة الخليفة محمد بن فريحة ثم الخليفة مصطفى بن أحمد التهامي‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة مليانة برئاسة الخليفة محي الدين بن عالل ثم الخليفة محمد بن عالل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة التيطري برئاسة الخليفة مصطفى بن محي الدين ثم الخليفة محمد البركاني‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة برج حمزة(البويرة) برئاسة الخليفة أحمد بن سالم الديسي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة مجانة برئاسة الخليفة محمد بن عبد السالم المقراني ثم الخليفة محمد الخروبي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة بسكرة برئاسة الخليفة فرحات بن السعيد ثم الخليفة الحسين بن عزوز‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقاطعة الصحراء (الجنوب الغربي) برئاسة الخليفة الخليفة قدور بن عبد الباقي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪20‬‬
‫وق د تم يزت دول ة األم ير عب د الق ادر بحس ن التنظيم اذ قس م ك ل مقاطع ة الى دوائ ر وك ل دائ رة‬
‫يرأس ها قائ د برتب ة أغ ا يعين لم دة ع اميين قابل ة للتجدي د‪ ،‬وب دورها ك ل دائ رة تنقس م الى وح دات‬
‫إداري ة ص غيرة يحكمه ا ش خص برتب ة "قاي د" يعين لم دة س نة كامل ة قابل ة للتجدي د يس اعده ش يوخ‬
‫وأعيان القبيلة أو القرية لمدة زمنية غير محددة‪.‬‬
‫كما وضع األمير عبد القادر القوانين المنظمة لمؤسسات الدولة الناشئة والمستمدة من المبادئ‬
‫اإلسالمية وهو القائل‪" :‬لن أخذ بقانون غير القران‪ ،‬لن يكون مرشدي غير تع اليم القرأن‪ ،‬القرأن‬
‫وحده‪ ،‬فلو أن أخي الشقيق قد أحل دمه بمخالفة القرأن لمات"‪ ،‬كما صك العملة باسمه‪.‬‬
‫ثانيا‪ /‬التنظيم العسكري‪ :‬شرع األمير عبد القادر في تكوين الجيش الوطني معتم دا على كبري ات‬
‫القبائ ل العربي ة أبرزه ا قبيل ة ب ني ع امر الهاللي ة في تزوي ده بالعناص ر المتحمس ة للجه اد ض د‬
‫االحتالل الفرنسي كما عمل على إقامة مصانع البارود واألسلحة‪.‬‬
‫اعتمد األمير عبد القادر على تكتيك الكر والفر أو ما يعرف حديثا بحرب العصابات بالنظر الى‬
‫االختالل في م يزان الق وة م ع الق وات الفرنس ية الغازي ة أش هرها مع ارك خن ق النط اح األولى‬
‫والثانية وبرج العين وأعنفها معركة وادي التافنة بتلمسان ‪1836‬م التي أذاق فيها القائد كلوزيل‬
‫مرارة الهزيمة وأجبر الطرف الفرنسي على توقيع معاهدة التافنة يوم ‪ 30‬ماي ‪1837‬م‪.‬‬
‫بع د خ رق معاه دة التافن ة ‪1839‬م ب دأت المرحل ة الثاني ة من مقاوم ة األم ير عب د الق ادر ال تي‬
‫خس رها بع د اعتم اد المارش ال بيح و على سياس ة األرض المحروق ة وتش تيت القبائ ل الموالي ة‬
‫لألم ير فض ال عن تخلي الس لطان المغ ربي عب د ال رحمن عن دعم ه ومس اندته تحت ت أثير‬
‫الضغوطات الفرنسية ولم يبق غير رفع الراية البيضاء نهاية للجهاد الذي دام ‪ 17‬عام كامال‪.‬‬
‫ج‪ /‬نهاية المقاومة‪ :‬خالل عام ‪1847‬م قبل األمير عبد القادر الشروط الفرنسية بإنهاء المقاومة‬
‫ش ريطة الس ماح ل ه بمغ ادرة البالد نح و الوجه ة ال تي يختاره ا‪ ،‬لكن الس لطات الفرنس ية نكثت‬
‫بالعه د وأق دمت على س جنه لم دة ‪ 05‬س نوات بقلع ة المب واز بفرنس ا‪ ،‬وبع د إطالق س راحه توج ه‬
‫الى اس طنمبول حيث ع رض علي ه الس لطان العثم اني البق اء لكن ه فض ل االس تقرار بالش ام ح تى‬

‫‪21‬‬
‫وافته المنية يوم ‪ 24‬ماي ‪1883‬م ودفن هناك الى غاية نقل رفاته الطاهرة الى مربع الشهداء‬
‫بمقبرة العالية يوم ‪ 05‬جويلية ‪1966‬م‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫‪ /2‬المقاومة الرسمية المسلحة‪-‬الحاج أحمد باي انموذجا‪:-‬‬
‫ا‪ /‬شخص ية الب اي‪ :‬الب اي لف ظ ت ركي يع ني األم ير‪ ،‬ه و الح اج أحم د ب اي الك رغلي‪ ،‬بن الش ريف‬
‫محم د وحفي د ب اي قس نطينة أحم د القلي‪ ،‬ول د ع ام ‪1748‬م بقس نطينة من أب ت ركي ه و الش ريف‬
‫محمد وأم عربية من عائلة بن قانة التي سكنت بسكرة‪.‬‬
‫يع ود الفض ل في تنش ئته االجتماعي ة وتكوين ه السياس ي الى ج ده الب اي أحم د القلي‪ ،‬ع رف بكني ة‬
‫الحاج بعد أدائه فريضة الحج ‪،‬كان يتمتع بشخصية قوية وفرض سلطته على القبائل ودافع عن‬
‫اإلرث العثم اني ب الجزائر بع د أن س اهم في تق ديم االقتراح ات لمواجه ة الغ زو الفرنس ي غ ير أن‬
‫خطته بمواجهة القوات الفرنسية الغازية عبر سيدي فرج باستعمال المدافع الثقيلة في البحر لم‬
‫تؤخذ بالحسبان ألن صهر الباشا حسين داي أعتبر عدم مواجهة العدو على األرض ليست من‬
‫أخالق الرج ال فك انت النتيج ة إب ادة الجيش الجزائ ري في معرك ة اس طاوالي‪ ،‬على أثره ا توج ه‬
‫الباي الحاج أحمد الى مقر البايلك بقسنطينة لتنظيم المقاومة المسلحة‪.‬‬
‫ب‪/‬مقاومة الحاج أحمد باي‪:‬‬
‫بعد احتالل فرنسا ميناء عنابة‪ ،‬أرسلت قوات عسكرية بقيادة الجنرال كلوزيل لإلطاحة بالحاج‬
‫أحمد باي واالستيالء على مدينة قسنطينة حيث استدرجهم الحاج أحمد باي الى أسوار المدينة‬
‫ومباغتتهم من الخلف وتحقيق النصر في أولى معاركه عام ‪1836‬م‪.‬‬
‫ع ام ‪1837‬م دفعت فرنس ا بجيش ق وي قوام ه ‪ 16000‬جن دي بقي ادة الج نرال دامريم ون‪ ،‬وق د‬
‫ح اول الح اج أحم د ب اي اعتم اد التكتي ك الس ابق نفس ه‪ ،‬فلم تفلح الخط ة الحربي ة رغم تمكن ه من‬
‫اغتي ال الج نرال كلوزي ل واس تخالفه ب الجنرال ف الي ال ذي أعتم د على س الح المدفعي ة في تحطيم‬
‫أسوار المدينة ثم الدخول اليها واحتالل مقر البايلك‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ج‪ /‬اس تمرار المقاومة‪ :‬لج أ الحاج أحمد باي عن د أخواله ببسكرة وأخذ يحرض القبائ ل العربية‬
‫على المقاومة والجهاد‪ ،‬غير أن المرض وعدم قدرته على رص الصفوف أجبرته على التفاوض‬
‫مع فرنسا واالستسالم يوم ‪ 05‬جوان ‪1848‬م الى غاية وفاته عام ‪1950‬م ودفنه بجوار ضريح‬
‫سيدي عبد الرحمن الثعالبي أعالي القصبة العتيقة‪.‬‬
‫ما يمكن استخالصه من مقاومة الحاج أحمد باي الكرغلي ما يلي‪:‬‬
‫استمرار مقاومة الحاج أحمد باي ‪ 18‬عام كامال ضد جبهات ثالث (فرنسا‪-‬باي تونس‪-‬خونة‬ ‫‪-‬‬
‫الداخل)‪.‬‬
‫اعتراف الشعب الجزائري بشرعية الباي أحمد وتنصيبه بعد انهيار حكومة الداي حسين باشا‬ ‫‪-‬‬
‫مبايعة الشعب الجزائري دليل على تجاوز العصبية القبلية مع وجود الخطر المشترك‪...‬‬ ‫‪-‬‬

‫***السداسي الثاني***‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)5‬السياسة االستعمارية بالجزائر (األساليب والقوانين) –منقول‪-‬‬


‫تمهي ‪PP‬د‪ :‬ان الش يء ال ذي تج در االش ارة الي ه عن د دراس ة السياس ة االس تعمارية الفرنس ية في‬
‫الجزائ ر‪ ،‬ه و أن ه بع د ق دوم الفرنس يين الى الجزائ ر ق دموا أنفس هم على أس اس انهم مح ررون‬
‫وليس وا مس تعمرين‪ ،‬ففي بي ان باللغ ة العربي ة وزع ه عمالء عش ية ال نزول ب الجزائر ادعى‬
‫الفرنس يون ب أن ح ركتهم ك انت تس تهدف القض اء على ال داي الطاغي ة (ال داي حس ين) وأن ك ل‬
‫الممتلك ات وقض ايا األس رة والبالد س تبقى في ي د الجزائ ريين‪ ،‬بم ا فيه ا المس اجد وأم اكن العب ادة‬
‫س تحترم بص فة ناف ذة وأن الفرنس يين س يحررون الجزائ ر من الطغي ان ال تركي ‪،‬ثم أمض ى ال داي‬
‫حسين من جهة والكونت دوبرمون القائد األعلى للجيش الفرنسي على معاهدة تاريخية تعرف ب ـ‬
‫اتفاق الجزائر تضمنت المادة الخامسة منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬حرية ممارسة الدين االسالمي‬

‫‪23‬‬
‫‪ ‬ضمان الحرية لجميع الطبقات واألديان‪.‬‬
‫‪ ‬احترام كامل للمرأة الجزائرية‪.‬‬
‫‪ ‬احترام التقاليد‪.‬‬
‫أما المادة الثانية من االتفاق فنصت على ما يلي‪:‬‬

‫احترام التقاليد الجزائرية‬ ‫‪‬‬

‫احترام المساجد‪ ،‬بحيث ال يسمح للجنود الفرنسيين بدخولها‬ ‫‪‬‬

‫بمج رد أن وطئت أق دام المحت ل الفرنس ي أرض الجزائ ر وج دوا أنفس هم وجه ًا لوج ه أم ام ش عب‬
‫أعزل يختلف اختالفًا جذريًا عنهم ‪ ،‬في اللغة والدين والتاريخ والعادات والتقاليد ومستوى التقدم‬
‫الحضاري‪ ،‬وهكذا بدأ الحكم بطريقة مباشرة نظرًا النعدام الحل معدا االستيطان‪ ،‬وكانت النتيجة‬
‫أن عمت البالد الفوض ى و االض طرابات ال تي اتخ ذت نوع ًا من المقاوم ة العس كرية المس لحة‪،‬‬
‫التي عمت كثيرا من المناطق الجزائرية‪ ،‬أشهرها و أعنفها مقاومة األمير عبد القادر ابن محمد‬
‫الهاش مي ب الغرب الجزائ ري‪ ،‬ومقاوم ة الح اج أحم د ب اي الك رغلي بالش رق الجزائ ري‪ ،‬ومقاوم ة‬
‫الشيخ بوعمامة بالجنوب الغربي‪ ،‬ومقاومة الحاج محمد المقراني بوسط البالد‪....‬الخ‪.‬‬

‫ق ررت فرنسا فرض هيمنته ا عن طريق أس اليب الحكم قص د المحو الت ام للشخص ية الجزائرية‪،‬‬
‫ومن هذه األساليب‪:‬‬

‫تشجيع االستيطان األوربي بالجزائر واالستيالء على أراضي السكان األصليين‪:‬‬

‫يعت بر االس تيطان االوربي من أهم األس اليب ال تي اس تعملتها اإلدارة الفرنس ية في بداي ة االحتالل‬
‫لفرض الهيمنة الشاملة على الجزائر و سكانها‪ ،‬وكانت حركة االستيطان قد شهدت توسعًا كبيرا‬
‫خالل الق رن التاس ع عش ر ‪ ،19‬ويعت بر الج نرال كل وزال‪ ،‬من أك بر مش جعي االحتالل الفرنس ي‬
‫للجزائر خالل الفترة األولى ‪ ،1831-1830‬وفي الفترة الثانية الممتدة بين‪ 1837-1835‬كانت‬
‫مهمته األساسية هي نزع األراضي و السكنات من الجزائريين و منحها للمستوطنين الفرنسيين‪،‬‬
‫ن حاكمًا عام ًا‪ ،‬حاول استنساخ التجربة‪ ،‬تجربة ابادة العنصر المحلي (الجزائريين) و مصادرة‬
‫‪24‬‬
‫االراضي ومنحها للعنصر األجنبي (الكولون أو المعمرون)‪ .‬فقد كانت ترغب فرنسا في انشاء‬
‫مس تعمرة كب يرة وقوي ة بعناص رها االوربي ة و ب رؤوس أمواله ا‪ ،‬بع د اس تقبال ه ذا الج نرال في‬
‫الجزائر الذي عاش في شمال أمريكا و شاهد هجرة البريطانيين و االوربيين نحو العالم الجديد‪،‬‬
‫بعد تعيينه حاكم ًا عام ًا للجزائر شجع سياسة االستيطان الحر و الرسمي في نفس الوقت قصد‬
‫الهيمن ة التام ة على أراض ي الجزائ ريين‪ ،‬كم ا ق ام بإص دار االوام ر به ذا الش أن إلض فاء الط ابع‬
‫الش رعي على المخطط ات االس تعمارية‪ ،‬ونتيج ة للتس هيالت ال تي وض عها الج نرال كل وزال‬
‫الس تقبال المس توطنين فق د وص ل الى مدين ة الجزائ ر أع داد كب يرة من المه اجريين االورب يين‬
‫الواف دين من فرنس ا و أوروب ا خاص ة من إس بانيا‪ ،‬ايطالي ا‪ ،‬مالط ا‪ ،‬وسويس را‪ ،‬جلهم من ذوي‬
‫الس وابق وشذاذ األف اق‪ ،‬أك ثرهم من المنحرفين و الص عاليك‪ ،‬وقد قامت هذه االفواج باالستيالء‬
‫على المباني و القرى و الغابات الساحلية بشكل فوضوي ال مثيل له‪ ،‬بعد طرد السكان األصليين‬
‫و ارغ امهم على ال نزوح و الهج رة‪ ،‬ولتش جيع المس توطنين االورب يين الج دد على االس تقرار و‬
‫البق اء ص مم الح اكم الع ام الج نرال كل وزال على تحوي ل س هل متيج ة والق رى المج اورة الى‬
‫مستعمرات أوربية من نماذج ذلك قرية بوفاريك‪ ،‬أما بالنسبة للجنرال بيجو ‪ 1847-1841‬الذي‬
‫خلف الجنرال كلوزال‪ ،‬فقد تلخصت سياسته في كلمتين (الفتح بالسيف و الفتح بالمخدرات)‪ ،‬فقد‬
‫أخ ذ في تحوي ل الض باط و الجن ود الى فالح يين و م زارعين‪ ،‬على أس اس أن الجن دي أق در على‬
‫الحي اة االجتماعي ة القاس ية و ال دفاع عن مزرعت ه اذا م ا تعرض ت للخط ر‪ ،‬و أق ام س بعة ق رى‬
‫نموذجية لالستيطان على شكل مزارع جماعية‪ ،‬وفي هذا الشأن أصدر قرارًا ملزم ًا عام ‪1841‬‬
‫يقض ي باالس تيالء على أراض ي المس لمين الجزائ ريين الث ائرين‪ ،‬ليس تفيد منه ا المس توطنون‬
‫االوربي ون‪ ،‬وفي ع ام ‪ 1845‬أص در الج نرال بيج و مرس ومًا خاص ًا باالس تيالء على االراض ي‬
‫الخاص ة بالقبائ ل ال تي تع ادي الفرنس يين وتؤي د األم ير عب د الق ادر ابن محي ال دين الهاش مي‪،‬‬
‫وبموجب هذا المرسوم استولت االدارة االستعمارية على حوالي نصف مليون هكتار في جهات‬
‫كثيرة من البالد‪ ،‬كما أصدر الجنرال بيجو مرسومًا أخر يتعلق بتحويل المالك الى عم ال بس طاء‬
‫فظهر نظام الخماسة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫يمكن تلخيص مشاريع الجنرال بيجو المتعلقة باالستيطان الرسمي بالجزائر ب ـ‪:‬‬

‫أ‪ -‬مصادرة أراضي األوقاف اإلسالمية‪.‬‬


‫ب‪ -‬مصادرة أراضي الدولة التركية‪.‬‬
‫ت‪ -‬وضع الحراسة القضائية واالدارية على أراضي الفارين من الجزائر‪.‬‬
‫ث‪ -‬تفتيت أراضي األعراش وتوزيعها بواسطة قوانين ومراسيم‪.‬‬
‫وق د نتج عن سياس ة االس تيطان األوربي في الجزائ ر نت ائج ذات خط ورة كب يرة على الس كان‬
‫الجزائريين يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫تحطيم العوائل الجزائرية الكبرى التي كانت تمثل قيادات المجتمع الجزائري روحيا وماديا‬ ‫‪-‬‬
‫واداريا واجتماعيا وسياسيًا‪ ،‬وتحطيم هذه العائالت يعني تحطيم المجتمع الجزائري ككل‪.‬‬
‫تحطيم الطبق ة ال برجوازي في بعض المن اطق والمحافظ ة عليه ا في من اطق أخ رى ش ريطة‬ ‫‪-‬‬
‫الوالء والتعاون مقابل المحافظة على األراضي‪ ،‬مثل عائلة بوعزيز بن قانة‪.‬‬
‫الهجرة المكثفة للمسلمين خالل القرن ال ‪ 19‬الى الشرق األوسط خاصة الى الشام وتركيا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫احتجاج ًا على االج راءات الفرنس ية التعس فية فق د تعرض ت م دن البلي دة المدي ة معس كر عناب ة‬
‫قسنطينة للمذابح واالبادة الجماعية خالل الفترة ما بين ‪ 1940-1830‬وبالتالي هجرة مكثفة‬

‫من الم دن لألري اف‪ ،‬وهك ذا ص ار ع دد الجزائ ريين المس لمين المقيمين بمدين ة الجزائ ر قليًال‬
‫جدا‪.‬‬
‫تحطيم الفالحيين الجزائريين عن طريق‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‪ -‬نزع الملكية الزراعية والفالحية‬
‫ب‪ -‬ارغام الجزائريين على بيع االراضي الفالحية بسبب الضرائب المرتفعة والتع اطي بالرب ا‬
‫الفاحش مع اليهود‬
‫ت‪ -‬حصر أراضيي الرعي والغابات الشيء الذي أدى الى تناقص الثروة الحيوانية‬
‫ث‪ -‬نقص المساحات المزروعة بالحبوب في بعض األحيان بعد ادخال نظام الدورة الزراعية‬
‫ألكثر من عاميين‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫ج‪ -‬االقتراض بالربا من السماسرة المعمرين واليهود‪.‬‬
‫ح‪ -‬تعرض المسلمين الجزائريين لألوبئة والمجاعات واألمراض القاتلة أخطرها مجاعة عام‬
‫‪.1867‬‬

‫المحاضرة رقم ‪ :06‬مظاهرات ‪ 08‬ماي ‪ 1945‬م ورد فعل االستعمار‬

‫تمهيد‪ :‬لقد وجدت فرنسا الفرصة المناسبة للقيام بذلك عندما قام الشعب الجزائري في مظاهرات‬
‫كب يرة وعارم ة من ذ الف اتح م اي ‪ ،1945‬وص لت الى ح دودها القص وى في ‪ 08‬م اي ‪1945‬م‬
‫وكان الشعب الجزائري يقوم بهذه المظاهرات من أجل هدفين رئيسيين هما‪:‬‬
‫المشاركة في احتفاالت نهاية الحرب العالمية الثانية بانهزام النازية والفاشية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التعبير عن آمال الجزائريين في الحرية واالستقالل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪27‬‬
‫اغتي ال الكش اف بوزي د س عال ال ذي رفض إن زال وتس ليم العلم الوط ني الى محاف ظ ش رطة‬ ‫‪-‬‬
‫سطيف‪.‬‬
‫ا‪ /‬أحداث ‪ 08‬ماي ‪1945‬م‪:‬‬
‫‪ /1‬التعريف واألسباب والنتائج واالنعكاسات‪:‬‬
‫أوال‪ /‬تعريفها‪ :‬هي مظاهرات سلمية تحولت الى جريمة ضد اإلنسانية ارتكبتها السلطة‬
‫االستعمارية ضد الشعب الجزائري بعد الحرب العالمية الثانية بعد تنكرها لوعودها السابقة‬
‫بتطبيق مبدأ تقرير المصير شملت مدن سطيف‪ ،‬قالمة وخراطة‪ ،‬خلفت أكثر من ‪ 45‬ألف شهيد‪.‬‬
‫ثانيا‪ /‬أسبابها وعواملها‪:‬‬
‫‪ ‬نمو الوعي السياسي لدى االتجاهات المختلفة للحركة الوطنية الجزائرية‪.‬‬
‫‪ ‬تمسك الحركة الوطنية بمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير‪.‬‬
‫‪ ‬خطاب شارل ديغول بالكونغو برازافيل ‪.1944‬‬
‫‪ ‬تنكر فرنسا لوعودها السابقة بتطبيق حق تقرير المصير على الجزائريين‪.‬‬
‫‪ ‬عدم إطالق السلطة االستعمارية صراح المعتقلين السياسيين‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ /‬نتائجها‪:‬‬
‫‪ ‬استشهاد حوالي ‪ 45‬ألف جزائري‪.‬‬
‫‪ ‬حل األحزاب السياسية واعتقال المناضلين‪.‬‬
‫‪ ‬التضييق على الحريات العامة والفردية‪.‬‬
‫‪ ‬غلق المدارس العربية الحرة التابعة لجمعية العلماء‪.‬‬
‫رابعا‪ /‬انعكاساتها‬

‫على الشعب الجزائري‪:‬‬

‫لق د ك انت النت ائج ثقيل ة على الش عب الجزائ ري ال ذي تع رض لمختل ف أن واع القم ع والتنكي ل‬
‫باإلطالق العشوائي للنار على المتظاهرين مما أدى الى استشهاد أكثر من ‪ 45‬ألف جزائري كما‬
‫تم اعتق ال ع دد كب ير من الجزائ ريين‪ ،‬وأح رقت الق رى والمداش ر‪ ،‬وتم الق اء القبض على زعم اء‬
‫‪28‬‬
‫الحركة الوطنية‪ ،‬واالعالن عن حل حركة احباب البيان والحرية‪ ،‬كما أدت الى إزدياد اله وة بين‬
‫الشعب الجزائري واالدارة االستعمارية والى تزايد حدة الوعي الوطني في أوساط الشعب‪.‬‬
‫على فرنسا‬
‫حاولت الحكومة الفرنسية تبرئة نفسها أمام الرأي العام العالمي بعد تلك العزلة التي بدأت تشعر‬
‫بها بعد الحوادث‪ ،‬فقامت بتشكيل لجنة تحقيق‪ ،‬واصدار بعض العقوبات بعد أن قدمت هذه اللجن ة‬
‫تقريره ا ض د مجموع ة من الم وظفين االداريين ال ذين حملتهم المس ؤولية‪ ،‬واتبعت ذل ك بإص دار‬
‫مرسوم العفو العام في الجزائر العتقادها أن الشعب الجزائري لن يعود الى التحرك ضد فرنسا‬
‫بع دما اجهض ت مط البهم الجدي دة‪ ،‬اال أن ه ذا لم يتحق ق ألن ح وادث ‪ 08‬م اي ‪ 1945‬ك انت له ا‬
‫آثار ايجابية على مسار الحركة الوطنية‪...‬‬
‫على مسار الحركة الوطنية الجزائرية‪:‬‬

‫لقد بلورت مجازر ‪ 08‬ماي ‪ 1945‬لدى الحركة الوطنية‪ ،‬النوايا الحقيقية لالستعمار الفرنسي‬
‫كم ا ت ركت ه ذه المج ازر آث ارًا عميق ة في مس ار الحرك ة الوطني ة اذ أعطت للش عب و حركت ه‬
‫درس ًا مهم ًا و دافع ًا إلع ادة النظ ر في وس ائل العم ل و الكف اح و اح داث القطيع ة م ع أس اليب‬
‫النض ال الس ابقة و أدت الى ظه ور جي ل جدي د ي ؤمن بالعم ل الث وري المس لح كأس لوب وحي د‬
‫للخالص من االس تعمار الفرنس ي ال ذي ال يفهم س وى اللغ ة ال تي يتعام ل به ا‪ ،‬لغ ة الق وة وق د‬
‫تجسدت هذه القناعة بصفة حاصة في صفوف مناضلي حزب الشعب الجزائري الذين سارعوا‬
‫لتشكيل منظمة سرية شبه عسكرية لتحمل مسؤولية االعداد لثورة الفاتح من نوفمبر ‪1954‬م‪.‬‬

‫‪ / 2‬مظاهر تجديد النضال السياسي في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية‬

‫ان ما حدث في ‪ 08‬ماي ‪ 1945‬لم ينل من ارادة الشعب وال من زعمائه السياسيين بل أعطى‬
‫دفع ًا قوي ًا للحرك ة الوطني ة الجزائري ة وزاد من تعمي ق اله وة ال تي ك انت تفص ل بين الش عب و‬
‫فرنسا‪ ،‬كما أن زعماء الحركة الوطنية سارعوا الى اعادة تشكيل الحركة من جديد معتمدين في‬
‫ذل ك على بعض األس س الجدي دة‪ ،‬فلق د ق ام االس تعمار الفرنس ي ك رد فع ل من ه على ح وادث ‪08‬‬
‫م اي ‪ 1945‬بإلق اء القبض على زعم اء الحرك ة الوطني ة الجزائري ة‪ ،‬وال زج بهم في الس جن ولم‬
‫‪29‬‬
‫يطلق سراحهم اال في بدايات ‪ ،1946‬حيث سارعوا الى اعادة بناء الحركة الوطنية الجزائرية‬
‫من جدي د‪ ،‬اذ ق ان فرح ات عب اس في ‪ 17‬أفري ل ‪ 1946‬بتأس يس ح زب جدي د تحت اس م الح زب‬
‫ال ديمقراطي أو االتح اد ال ديمقراطي للبي ان الجزائ ري ‪ UDMA‬متخ ذًا من البي ان الجزائ ري‬
‫الصادر في فيفري ‪ 1945‬األرضية االساسية لبرنامجه حول اقامة جمهورية جزائرية مرتبطة‬
‫بفرنس ا في اتح اد ف درالي ول و ب دون علم خ اص به ا‪ ،‬وانش اء مجلس جزائ ري اهتم وا بالمش اكل‬
‫الداخلي ة في اط ار االتح اد الع ربي‪ ،‬ويق وم المجلس بتش كيل حكوم ة ‪،‬ويق وم ك ل من المجلس و‬
‫الحكومة بالتشاور مع ممثلي الجمهورية الفرنسية فيما يخص الشؤون الخارجية والعس كرية‪ .‬كم ا‬
‫ع دت جمعي ة العلم اء المس لمين الجزائ ريين الى نش اطاتها الس ابقة بزعام ة الش يخ محم د البش ير‬
‫االبراهيمي متمسكة بذلك بمبادئها االساسية المتمثلة في العمل على اصالح المجتمع الجزائري‬
‫ونش ر ال وعي في أوس اطه بواس طة الم دارس والمعاه د ال تي أنش أتها في مختل ف أرج اء القط ر‬
‫الوطني‪ .‬وعاد في الوقت نفسه حزب الشعب ‪ PPA‬تحت تسمية أخرى وهي حركة االنتصارات‬
‫للحريات الديمقراطية ‪ MTLD‬ينص على نفس المطالب على رأسها منح االستقالل التام للجزائر‬
‫اال أن الشيء الجديد هو التوجه المسلح‪.‬‬

‫‪/3‬أسباب التوجه نحو العمل المسلح ومظاهره‬

‫لق د تجس د التوج ه المس لح داخ ل ‪ MTLD‬حرك ة االنتص ارات للحري ات الديمقراطي ة‪ ،‬ال تي ق امت‬
‫بتأسيس المنظمة السرية وهي عبارة عن جناح شبه عسكري‪.‬‬

‫أس بابه‪ :‬ان الس بب الرئيس ي ال ذي دف ع الحرك ة لتش كيل ه ذه المنظم ة ه و ايم انهم الراس خ بعقم‬
‫النضال السياسي وبضرورة مواجهة االستعمار بنفس اللغة التي يفهمها‪ ،‬أال وهي لغة السالح‪.‬‬

‫مظ اهره‪ :‬قي ام قي ادة ه ذه المنظم ة بت دريب المنخ رطين به ا ت دريبًا عس كريًا‪ ،‬حيث دربتهم على‬
‫كيفية استعمال االسلحة‪ ،‬كما كانت تتولى جمع االسلحة المختلفة‪ ،‬وتنظم مجموعة من العمليات‬
‫الشبه عسكرية‪.‬‬

‫‪ /3‬موقف فرنسا من تجميد النضال السياسي في الجزائر‬

‫‪30‬‬
‫ح اولت فرنس ا اجه اض عملي ة اع ادة بن اء الحرك ة الوطني ة‪ ،‬وذل ك بطرحه ا لمش روع اص الحي‬
‫تمثل في دستور ‪ 20‬ديسمبر ‪ 1947‬والذي لم تكن محتوياته في نفس مستوى طموحات الحركة‬
‫الوطنية‪ ،‬ففي الوقت الذي كانت تطالب فيه الحركة الوطنية باالستقالل مهما كان شكله نجد أن‬
‫ه ذا الدس تور يتح دث عن الجزائ ر على أس اس أنه ا قطع ة من فرنس ا‪ ،‬كم ا يق دم في ال وقت نفس ه‬
‫شكًال ممسوًخ ا للديمقراطية‪ ،‬عندما ساوى بين ‪ 10‬ماليين جزائري و‪ 800‬ألف مستوطن فرنس ي‬
‫في البرلم ان الجزائ ري ال ذي يق وم على ‪ 120‬ن ائب‪ 60 ،‬لك ل ط رف‪ ،‬وه و م ا رفض ته الحرك ة‬
‫جملة وتفصيًال‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬

‫من خالل ما تقدم يمكن القول إن حوادث ‪ 08‬ماي ‪ 1945‬أعطت دفع ًا قوي ًا للحركة الجزائرية‬
‫كم ا أنه ا عجلت بقي ام ث ورة مس لحة في نوفم بر ‪ ،1954‬وبه ذه المج ازر ال تي ارتكبت في ح ق‬
‫الشعب الجزائري‪ ،‬فشلت االدارة الفرنسية بتحقيق هدفها المنشود وهو اجهاض مطالب الحركة‬
‫الوطني ة‪ ،‬واس كات الش عب الجزائ ري الى األب د‪ .‬فمج ازر ‪ 08‬م اي ‪ 1945‬جعلت العدي د من‬
‫الجزائريين بل معظمهم يعتقدون ويقتنعون بجدوى النضال العسكري على النضال السياسي‪.‬‬

‫ب‪/‬دستور الجزائر ‪ 20‬سبتمبر ‪1947‬‬

‫‪-‬أسباب وضع قانون ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1947‬ومحتوياته‪.‬‬


‫‪-‬المواقف المختلفة من القانون‪.‬‬

‫دس تور ‪ 20‬س بتمبر ‪ 1947‬ه و ذل ك الق انون األساس ي الخ اص ب الجزائر ال ذي يع د اهم‬
‫االج راءات ال تي اتخ ذها برلم ان الجمهوري ة الرابع ة في ب اريس ‪ 20/09/1947‬بخص وص‬

‫‪31‬‬
‫الجزائ ر‪ ،‬فم اهي األس باب الكامن ة وراء اص داره‪ ،‬وم اهي محتويات ه‪ ،‬وم اهو موق ف ك ل من‬
‫المسلمين الجزائريين والمستوطنين األوربيين؟‬

‫‪ /1‬أسباب وضع القانون‪ :‬توجد عوامل ع دة دفعت الجمهوري ة الرابعة الى اص دار ه ذا الق انون‬
‫ومن بين هذه العوامل‪:‬‬

‫العم ل من أج ل مكان ة فرنس ا في الجزائ ر‪ ،‬بع د ان اه تزت كث يرًا من ج راء انهزامه ا أم ام‬ ‫‪-‬‬
‫ألمانيا خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬مما ترتب عنه نتائج كثيرة في غير صالح فرنسا من‬
‫بينها التغييرات الجذرية التي حدثت في مطالب الحركة الوطنية الجزائرية وحتى أصحاب‬
‫الخيار االندماجي أصبحوا يطالبون باستقالل الجزائر عن فرنسا‪ ،‬بغض النظر عن ش كل ه ذا‬
‫االستقالل‪.‬‬
‫العمل على اجهاض المطالب الجديدة التي ظهرت بها الحركة الوطنية الجزائرية وذلك بعد‬ ‫‪-‬‬
‫أن فشلت في تحقيق نفس الهدف خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وأثناء ارتكابها لمجازر ‪08‬‬
‫ماي ‪.1945‬‬
‫العم ل من أج ل ارض اء المس توطنين االورب يين أم ام ازدي اد ح دة ال وعي الوط ني في أوس اط‬ ‫‪-‬‬
‫الشعب الجزائري خاصة بعد مجازر ‪ 08‬ماي ‪.1945‬‬
‫اآلثار التي خلفتها المجازر أين أفصح خاللها الشعب الجزائري عن رغبته في التخلص من‬ ‫‪-‬‬
‫السيطرة الفرنسية‪.‬‬
‫تحديد نش اط الحركة الوطنية بإع ادة بعث الحي اة في الحركات السياسية المختلفة التي كانت‬ ‫‪-‬‬
‫متواجدة على الساحة الجزائرية‪.‬‬
‫‪ /2‬محتوى دستور ‪ 20‬سبتمبر ‪1947‬م‪:‬‬

‫يعتبر قانون ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1947‬قانونًا خاصًا جدًا بالجزائر‪ ،‬حيث أسمته الحكومة الفرنسية عند‬
‫اص داره '' ق انون الجزائ ر'' وق د ج اء ه ذا الق انون ليعطي الجزائ ر دس تورًا خاص ًا به ا تحت اس م‬
‫مقاطع ات الجزائ ر‪ ،‬وب ذلك لم تع د الجزائ ر تخض ع لدس تور ‪ 1946‬ال ذي تخض ع ل ه المقاطع ات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ويالح ظ أن مض مون ق انون ‪ 20‬س بتمبر ‪ 1947‬لم ي أت بش يء جدي د لمحتوي ات الق وانين و‬
‫المراس يم و األوام ر ال تي أص درتها االدارة الفرنس ية من ذ الس نوات األولى الحتالل مث ل ق انون‬
‫‪ ،1835‬وأمر سنة ‪ ،1834‬ومرسوم ‪ ،1898‬وقانون سنة ‪ ،1900‬وأمر سنة ‪ ،1945‬ويالحظ‬
‫أيضًا أنه لما قدمت الحكومة الفرنسية قانـ ـ ــون ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1947‬في شكل مشروع للمناقشة من‬
‫طرف األحزاب السياسية الوطنية بتاريخ ‪ 29‬ماي ‪ 1947‬قدمت هذه األحزاب ‪ -‬بعد االطالع‬
‫عليه – مشاريع مضادة ولكن الحكومة الفرنسية لم تأخذ بعين االعتبار االقتراحات المقدمة اليها‬
‫عند الصياغة النهائية لذلك القانون‪ .‬وقد احتوى هذا القانون على عدة بنود أهمها‪:‬‬

‫الجزائ ر ج زء ال يتج زأ من فرنس ا‪ ،‬تت ألف من ثالث ة والي ات يتس اوى س كانها في الحق وق‬ ‫‪‬‬
‫والواجبات وجنسيتهم فرنسية‪.‬‬

‫يحافظ المسلمون الجزائريون على حالة الشخصية االسالمية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تتمتع الجزائر تحت سلطة الحاكم العام بنظام خاص يقضي بتأسيس مجلس جزائري ينتخبه‬ ‫‪‬‬
‫الجزائريون والفرنسيون وتكون الرئاسة متداولة بين القسمين كل سنة‪.‬‬

‫يختص هذا المجلس بدراسة ميزانية الجزائر وله حق وضع مشاريع اقتصادية واجتماعية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ولكن الميزاني ة الجزائرية ال توضع حيز التنفي ذ‪ ،‬اال بعد مص ادقة الحكوم ة الفرنسية عليه ا‪،‬‬
‫وك ذلك ال يمكن تنفي ذ أي ق رار من ق رارات المجلس الجزائ ري اال بع د أن تص ادق علي ه‬
‫الحكومة الفرنسية في باريس على ما يلي‪:‬‬

‫‪-‬فتح الوظائف العامة المدنية كانت أم العسكرية أمام سكان الجزائر سواء‪.‬‬

‫‪-‬الغاء البلديات المختلطة والحكم العسكري السائد في الجنوب الجزائري‪.‬‬

‫‪-‬فصل الدين عن الدولة‪.‬‬

‫‪-‬اعتبار اللغة العربية لغة رسمية ثانية بعد الفرنسية وتدرس في جميع المستويات‪.‬‬

‫‪-3‬المواقف المختلفة من القانون‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫في الواقع أنه لم يتم تطبيق معظم النصوص التي جاء بها قانون قانون ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1947‬ذلك‬
‫أن ه دف االدارة الفرنس ية من ادراج ه ذه االص الحات واص دار ذل ك الق انون‪ ،‬ه و امتص اص‬
‫غض ب الش عب الجزائ ري و تم ييع النق اط األساس ية للقض ية الجزائري ة و المتمثل ة في االس تقالل‬
‫التام و االنفصال النهائي عن فرنسا‪ ،‬غير أن جزائر القرن العشرين ''‪ ''20‬لم تعد جزائر القرن‬
‫''‪ ،''19‬و الجزائريون الذين كانوا يطالبون بالمساواة قبل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬أصبحوا بعد‬
‫ذل ك يط البون باالس تقالل الت ام و اس ترجاع الس يادة الوطني ة‪ ،‬ويرفض ون مش روع اص الحات ق د‬
‫يش م في ه رائح ة االبق اء على الوح دة العض وية بين الجزائ ر و فرنس ا أو منح الجزائ ر ن وع من‬
‫االستقالل الذاتي‪ ،‬مع معارضة فكرة االنفصال عن فرنسا و االبقاء على تقسيم سكان الجزائر‬
‫على مجموع تين مجموع ة تتك ون من المس توطنين األورب يين و يعت برون مواط نين من الدرج ة‬
‫األولى‪ ،‬ومجموعة تتكون من المسلمين الجزائريين يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية‪.‬‬

‫في ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1947‬حضي قانون الجزائر بمصادقة المجلس الوطني الفرنسي وتوقيع رئيس‬
‫الجمهورية الفرنسية آنذاك ‪ Aurid Vincent‬وفي في ‪ 19‬أكتوبر ‪ 1947‬بعد مرور شهر عليه‬
‫ج رت االنتخاب ات البلدي ة وعش يت تل ك االنتخاب ات اس تغلت االط راف المعني ة بتط بيق الق انون‬
‫المتباين ة لتنظيم حمل ة سياس ية واس عة حت ش عار رفض ق انون الجزائ ر ورفض ه ذا الش عار ك ل‬
‫من المستوطنين االوربيين من جهة ومناضلو حركة انتصار الحريات‪.‬‬

‫‪ -‬المس توطنون ع بروا أن تخ وفهم الش ديد من الق انون ال ذي ته دف م واده الى اعط اء المس لمين‬
‫الجزائ ريين ول و نض ريًا بعض الحق وق ال تي تخل ق المس اواة بينهم وبين االورب يين‪ ،‬ب ل انهم‬
‫كانوا يرون في ذلك القانون تهديدًا صريحًا للسيادة الفرنسية في الجزائر‪ ،‬ولذلك فانهم أبدوا‬
‫استنكارًا شديدًا ازاء هذا القانون وطالبوا بمحاربته وعدم تطبيقه‪.‬‬
‫أم ا المس لمون الجزائري ون ف انهم ق د ع بروا عن اس تيائهم الش ديد من مض مون ذل ك الق انون‬ ‫‪-‬‬
‫الذي اعتبروه في الحقيقة تمهيدا لتحقيق ما يسمى االندماج التدريجي في دولة االصل فرنسا‬
‫و بما أنهم كانوا يطالبون باالستقالل التام و االنفصال عن فرنسا و استرجاع السيادة الكاملة‬
‫في اطار دولة جزائرية تمتع بجميع صالحياتها فانهم ناصبوهم العداء وطالبوا بمحاربته و‬
‫‪34‬‬
‫عدم تطبيقه‪ ،‬بل أن قادة االحزاب السياسية الوطنية بالجزائر اعتبروا تلك االصالحات خرق ًا‬
‫أخ ر لحق وق الش عب الجزائ ري في التمت ع باالس تقالل الكام ل و الحري ة الش املة في تس يير‬
‫شؤون بالدهم بنفسهم واستنتجوا من تلك االصالحات التي جاء بها قانون الجزائر انها تعني‬
‫ص راحة أن فرنسا ترفض رفض ًا باتا فكرة انشاء حكومة جزائرية مثلما كانوا يط البون به‬
‫من خالل المشاريع التي تقدموا بها للحكومة الفرنسية و بالتالي فان قادة االحزاب السياسية‬
‫قد رفضوا القانون شكال و مضمونًا و طالبوا بإلغائه وعدم تطبيقه ولكن التشكيالت السياسية‬
‫الجزائرية على الرغم من عدم اقتناعها بجدوى ذلك القانون وعلى ال رغم من موقف ال رفض‬
‫ل ه ق ررت ال دخول في اللعب ة السياس ية و المش اركة في االنتخاب ات المحلي ة وذل ك قص د‬
‫اح راج االورب يين و فض ح من اوراتهم المريب ة أم ام ال رأي الع ام الجزائ ري والفرنس ي وق د‬
‫اس تفادت حرك ة انتص ار الحري ات الديمقراطي ة من ه ذه المش اركة اذ حص لت على االغلبي ة‬
‫الس احقة من المقاع د في الم دن الك برى‪ ،‬الجزائ ر وه ران وقس نطينة وذل ك بنس بة ‪ 33‬من‬
‫أصوات المسلمين الجزائريين وبذلك تكون حركة أنصار الحريات قد حققت نصرا لم تعهده‬
‫من قبل و قد كتبت صحيفة المغرب العربي‪" :‬لقد صوت الشعب الجزائري لصالح فكرة أمة‬
‫جزائري ة تمثله ا حرك ة انتص ار الحري ات الديمقراطي ة ولع ل الش يء ال ذي ينبغي أن يق ال في‬
‫ش أن االنتخاب ات البلدي ة ه و أن ه ل و لم يكن هنال ك ن وع من الديمقراطي ة في مس اهمة عملي ة‬
‫االنتخابات لما كانت النتائج كذلك‪ ،‬ولذلك سخط المواطنون االوربيون على الحاكم العام الذي‬

‫أشرف على العملية وتحاشى تزوير االنتخابات لصالحهم كما أنهم قد هاجموه هجوم ًا شديدًا‬
‫في الص حف واتهموه بموالته للمواطنين العرب‪ ،‬فتدخلت الحكومة الفرنسية في ‪ 11‬فيفري‬
‫‪ 1948‬واستبدلته باالشتراكي الذي كانت مهمته الرئيسية تزوير االنتخابات التشريعية لعام‬
‫‪1945‬م"‪.‬‬
‫‪/4‬خرق الدستور وتزويره على جميع المستويات‪:‬‬

‫لق د انتهت االنتخاب ات البلدي ة ي وم ‪ 19‬أكت وبر ‪ 1947‬بف وز س احق لألح زاب السياس ية الوطني ة‬
‫وعلى رأسها حركة االنتصار للحريات الديمقراطية ‪ MTLD‬وقد زرعت هذه النتائج االنتخابية‬

‫‪35‬‬
‫بالنسبة للمسلمين الجزائريين رعبًا وهلعًا كبيرا في أوساط المستوطنين االوربيين اذ بدأ يشعرون‬
‫أنها تهديد لوجودهم وكيانهم في الجزائر‪ ،‬وبعد االعالن عن النتائج البلدية والسؤال المحير الذي‬
‫أصبح يشغل بال المستوطنين االوربيين هو‪:‬‬

‫م اهي الوس يلة الناجح ة ال تي تمكنهم من من ع المس لمين الجزائ ريين من تحقي ق نج اح مماث ل في‬
‫االنتخابات التشريعية القادمة؟‬

‫ح دد ق انون ‪ 09/1947/ 20‬ت اريخ اجرائه ا في ي وم ‪ 15‬ج انفي ‪ 1948‬والوس يلة الوحي دة في‬

‫رأيهم تكمن في اللجوء الى تزوير االنتخابات التشريعية ولكن هذه الوسيلة تتطلب بدورها حاكم ًا‬
‫عام ًا مناسبًا مقتنع ًا بتحقيق الخطة التي سيرسمونها لحرمان المسلمين الجزائ ريين من ممارسة‬
‫الديمقراطية في االنتخابات التشريعية أو البلدية التي ينص عليها قانون ‪ 20‬سبتمبر ‪.1947‬‬

‫وله ذه الغاي ة ق رر المس توطنون التعب ير عن س خطهم على تص رفات الح اكم الع ام ب زعيم ممثليهم‬
‫في البرلمان الفرنسي الذي أبلغ رئيس الحكومة الفرنسية استدعاء الحاكم العام المتهم من طرف‬
‫المس توطنين األورب يين بمهادن ة المس لمين الجزائ ريين وع دم الت دخل إليق اف زح ف المس لمين‬
‫للسيطرة على مسار االنتخابات المحلية يوم ‪ 11‬فيفري ‪.1948‬‬

‫وترتكز التعليمات التي تم االتفاق عليها بين الحكومة الفرنسية والحاكم العام الجديد على النقاط‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪-‬محاربة الوطنيين وعدم السماح لهم باستعمال المقرات السياسية لصالحهم في حملة االنتخابات‬
‫التشريعية وهذا يعني غلق باب المجلس الجزائري في وجه الوطنيين خاصة أولئك الذين ينتم ون‬
‫لحركة انتصار الحريات الديمقراطية‪.‬‬
‫‪-‬تأجي ل تط بيق الم واد المنص وص عليه ا في الق انون الجدي د وال تي له ا عالق ة بض مان ممارس ة‬
‫المسلمين الجزائريين لبعض الحقوق التي منحها لهم القانون وهي أربع المواد‪،56 ،53 ،50 :‬‬
‫‪.57‬‬

‫‪36‬‬
‫‪-‬الحث على ع دم تأيي د المرش حين األح رار واليس اريين وح تى االش تراكيين من المس لمين‬
‫الجزائريين‪.‬‬
‫وهكذا دشن الحاكم العام الجديد ‪ NAEGELEN‬وسيلة جديدة تعرف في كل أنحاء العالم باسمه‪،‬‬
‫فكثرت التزوير في عهد ‪ NAEGELEN‬وتكررت مخالفات قانون ‪ 20‬سبتمبر ‪ ،1947‬وسدت‬
‫أب واب الترش ح في وج ه ك ل المواط نين وق د نتج عن عملي ة الغش وال تزوير في االنتخاب ات‬
‫الخاص ة ب المجلس الجزائ ري أن ف از مرش حو االدارة الفرنس ية ب الرغم من س يطرة مناض لي‬
‫‪ MTLD‬على كل البلديات والسبب في ذلك يعود أن االدارة الفرنسية قد استعملت الطرق التالية‬
‫للفوز باالنتخابات‪:‬‬

‫‪ -‬المرحل ة األولى‪ :‬ك انت االدارة الفرنس ية ق د لج أت الى ترش يح األش خاص الموال يين له ا من‬
‫المسلمين الجزائريين وقدمتهم في االنتخابات على أنهم مرشحون أحرار‪.‬‬
‫‪ -‬المرحل ة الثاني ة‪ :‬ق امت االدارة الفرنس ية عش ية االنتخاب ات باعتق ال أغلبي ة مرش حي حرك ة‬
‫االنتصار للحريات الديمقراطية ‪ MTLD‬فقامت بمصادرة الجرائد ومنع المنشورات بل وضع‬
‫أليات التي قد تعقدها في إطار الحملة االنتخابية‪.‬‬
‫‪ -‬المرحل ة الثالث ة‪ :‬ق ررت االدارة الفرنس ية االعالن عن نت ائج االنتخاب ات ال تي ج اءت مطابق ة‬
‫تمام ًا لخط ة ‪-‬فري ق االنتخاب ات – ال تي رس مها الم ـــواطنون األوربي ون باالتف اق م ع الح اكم‬
‫العام ‪ NAEGELEN‬ولقد كانت النتائج الخاصة ب‪ 60‬عضوًا الممثلة للمسلمين الجزائريين‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬المرش حون المس تقلون من المس لمين الجزائ ريين ال ذي رش حتهم االدارة الفرنس ية ‪ 41‬مقع دًا‪،‬‬
‫‪ UDMA‬مقاع د‪،‬‬ ‫حرك ة ‪ MTLD 09‬مقاع د‪ ،‬االتح اد ال ديمقراطي للبي ان الجزائ ري ‪07‬‬
‫والمستقلون االشتراكيون ‪ 02‬مقاعد‪.‬‬

‫‪ -‬بالنس بة لمجموع ة المس توطنين األورب يين ف إن عملي ة االنتخاب ات لم تع رف أي تزيي ف‪:‬‬
‫األوربي ون اليمي نيون ال ذين ش كلوا تكتًال فيم ا بينهم ‪ 55‬مقع دًا‪ ،‬االش تراكيون االوربي ون ‪05‬‬
‫مقاعد‪ ،‬الشيوعيون األوربيون ‪ 01‬مقعد‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫وق د عللت االدارة الفرنس ية تزييفه ا لالنتخاب ات بقوله ا‪( :‬لق د ك ان االختي ار بين انتخاب ات يزيفه ا‬
‫المصاليون‪ ،‬وانتخابات يزيفها الحاكم العام‪ ،‬فاخترنا الثانية)‪.‬‬

‫قام الوطنيون بإبالغ هيئة األمم المتحدة وجامعة الدول العربية اللجنة المكلفة بتحرير المغرب‬
‫العربي وطلبوا تفاصيل حول ما حدث في تلك االنتخابات‪ ،‬كما طلبوا من هذه الهيئات التدخل‬
‫إلعادته ا كم ا ق ام ن ائب في البرلم ان بتوجي ه رس الة ل وزير الداخلي ة الفرنس ي يح ذره فيه ا من‬
‫أسلوب الغش و التزوير و التحايل الذي اتبعه الحاكم العام و المستوطنون األوربيون للفوز في‬
‫االنتخاب ات وطلب منهم اع ادة النظ ر في النت ائج ولكن االدارة الفرنس ية أثبتت التواط ؤ م ع‬
‫‪ NAEGELEN‬وم ع المس توطنين في تزيي ف االنتخاب ات عن دما هنأت ه على نجاح ه في التوص ل‬
‫الى تأسيس مجلس جزائري سيكون آداة طيعة في يد الجميع‪ ،‬فهي اآلن تستولي عليه تمامًا‪.‬‬

‫‪38‬‬

You might also like