Professional Documents
Culture Documents
عقول مصرية صنعت الحضارة .وحياة المصريين على ضفاف النيل حيث الهدوء
واالستقرار واألمن واألمان والنظام.
كل هذا كون « قانونا حضاريا » في المقام األول ،قانون فيه عظمة الفكر الفرعوني ،فجاء
قانونا مسجال كامال للتقدم الحضاري للبالد ،ومن هنا كانت دهشة المؤرخين قاطبة لعظمة
هذا القانون وسبقه الحضاري.
***
القانون وصناعته
القانون صناعة « العقل البشري » .وقدرة الصناعة الفكرية المرتبطة بالحضارة -كما
رأينا حاال -هي التي صاغت مبادىء القانون وشكلت قواعده.
عاشت مصر -قديم -في عزلة شبه تامة عن باقي المدن والمجتمعات البشرية القديمة،
ومن هنا ومن قلب المجتمع المصرى صنع العقل المصرى تلك القواعد القانونية التي
نظمت عالقة األفراد بعضها بالبعض االخر
دون االخذ باى قوانين أخرى كان مولد ونشأة وتطور القانون المصرى الفرعوني
فهر إذن :قنةن نقي في مبادئه ،صاف في قواعده « صنعه العقل المصرى من ظروف
المجتمع المصرى ونمط حياته »
***
القانون فن الخير والعدل كان القانون يخرج من فم اإلله أوزوريس إله الخير ومن
دارحوريس الكبري ..دار العدالة ..ثم إن الفرعون باعتباره « الها ،فكان الديون قد خرج
من فم اإلله ،واإلله هو « الخير والحق والعدل .
انصهر القانون في نار « العدالة المقدسة ،إذ المعلوم أن المصريين القدماء عبدوا االلهة
«معات » إلهة الحقيقة و العدالة ،واتخذوا منها نبعا من ينابيع القانون ،وكنا نري قضاة
المحكمة العليا «دار حوريس كان كل قاضي يضع حول عنقه تمثال االلهة «معات لتذكره :
أنه يخكم بين الناس بالعدل هذا في القانون الخاص .و األمر كلك بالنسبة للقانون العام
حيث سادت القاعدة « التي هي صناعة مصريةفي المقام األول » « :العدل أساس الملك »
3
قاعدة
العدل أساس الملك
اتصف القانون المصرى الفرعوني ألن الفرعون كان الهه واالله من خصائصه العدل۔
ولما كان القانون يستمد وجوده من الفرعون باعتباره صاحب السلطة التشريعية االول
إذن ما علينا إال أن نشير في عجالة إلى أبعاد هذه الصفة المقدسة للقانون
" ــ إذ يتم اختيار الملك الصالح -هكذا تقول النصوص -ينبع الخصب في الحقول .وتأتي
االنتصارات في الحروب -وعلى الشعب ان يعيش في خير وهناء مقيم
إن الفرعون إله حي ،إنه ال يموت :أنه يحي باعماله
* الفرعون يفعل ما يحب أما ما اليحب ،ال يفعله
ــ وهذه رسالة من أحد ملوك األسرة الثانية عشرة إلى أحد وزرائه بمناسبة تعيينه
((,والذي يجب عليك عمله في كل األحوال أن تحافظ علي القانون ،و عندما يأتي
صاحب شکوی ،فاحرص على أن يتم كل شيء طبقا لما يقضي به وما يقضي به نظامه
حتى يصل كل شخص الى حقه ))
أول تقنين لمبدأ « سيادة القانون »
* ومشی قضاة مصر على الدرب العدالة وطريقه المستقيم ،كان كل منهم يضع تمثال اآللهة
معات » حول عنقه في مجلس القضاء لتذكره بتحقيق العدالة.
وامتد العدل من الحاكم إلى قضاته :
يقول القاضي «رمنوکا » في عهد الملك « منكاورع» في نقوش وجدت على قبره تذكارا
لما كان يحكم به :
« إن الذي يحب الملك واإلله أنوبيس على قمة جبله ،ال يأتي باذي لمحتويات هذا القبر ،من
القوم الذين سيصعدون إلى الغرب «الدار األخره ،أما من جهة هذا القبر األبدي فإني قد
أقمته ألني كنت مقربا لدى الملك والناس ،ولم يحدث قط أني اغتصبت أي شيء من أي
إنسان لهذا القبر ،ألني أذكر يوم الحساب في الغرب « الدار اآلخرة »
4
وانتهت حكاية الفالح الفصيح بعودته إلى أهله سالما ،وأجزل عليه الملك العطاء العظيم،
وحاكم كبار موظفي الدولة الذين ظلموه وأوقع عليهم عظيم الجزاء .وبذلك انتصر القانون
وساد العدل ربوع البالد
القانون والمساواة
كما كان القانون قد كتبت كلماته ہمداد الحق والعدل ،فكانت غايته تحقيق ذلك ايضا ،إذ الكل
كان أمام القانون سواء
ا) جاء القانون ليساوي بين الطبقات االجتماعية ،هذه هي قاعدته العامة ،وإن كان في
بعض عصوره قد خضع إلى حين إلى سيادة «اإلقطاع ،سواء «اإلقطاع االجتماعي» أو
«اإلقطاع العسكريه أو اإلقطاع الديني» إال أنه سرعان ما كان يعود التاريخ إلى سيرته
األولى وتم المساواة بين الناس جميعا .وكل بمقدار ما يعمل
فال طبقية في المجتمع المصري والقاعدة األصولية «سيادة النزعة الفردية ..
)2وصورة أخرى من صور المساواة تلك التي قررها القانون المصري وتوجه قانون
الملك بوكخوريس « األسرة الخامسة والعشرون * تلك المساواة الكاملة بين « الرجل
والمرأة .
كان القانون المصرى الفرعوني -دون قوانين العالم قاطبة .قد أقر المساواة بين
حقوق المرأة و الرجل :إذ المراة الفرعونية كانت تتمتع بالشخصية قانونية الكاملة :
كان لها أن تمتلك األموال المنقوالت والعقارات ومنها األراضي وتستطيع أن تتصرف فيها
بمقابل « البيع » أو بدون مقابل « الهبة » وسواء كانت تصرفاتها أثناء الحياة أو
مضافة إلى ما بعد الموت الوصية »
وكانت لها أرادتها الكاملة في الزواج واختيار زوج المستقبل ،قبوال أو رفضا دون وصاية
من أهلها وذويها.
وتساوت في الحقوق اإلرثية » األخت كأخيها تماما على قدم المساواة ...
وللزوجه حق إرث زوجها ...
وتستطيع المرأة أن تدافع عن حقوقها في المحاكم سواء كانت مدعية أم مدعي عليها ...
6
وسنری بعد قليل -خالل العصر البطلمی -كيف أن البطالمة أصابتهم الدهشة لهذا المركز
القانوني واالجتماعي للمرأة المصرية.
القانون وصياغته الفنية
كتب القانون الفرعونی بصياغة بالغية في منتهى اإلتقان ...
عبارات واضحة سليمة ومختصرة ...كان يصاغ في «دار حوريس الكبرى ،وهي محكمة
العدل ..وكان النص القانونی محاطا بالقدسية بمعني مثال في عقد من البيع يقول البائع ،
قسما بحياة الملك سأعطي ما هو حق ...
وفي عقد الزواج :يقول الزوج معلنا رضاؤه بالزواج « :أنت زوجتي منذ اآلن ...
وعرف القانون المصرى الفرعوني كل صور العقود المسماة وغير المسماة ،الرضائية و
الشكلية ،وأيضا عرف التأمينات العينية والشخصية.
مثال :كان ألموال الزوجة قبل زوجها في عدم الوفاء بحقوقها حق الزمن ..وهو حق
امتياز على أمواله » يعطيها الحق في األولوية على سائر الدائنين المرتهنين ...
-وكانت اآللهة شاهدة على العقود الخاصة والعامة و االتفاقيات والمعاهدات الدولية »
كضمان لتنفيذها .
-وكانت الرضائية هو المبدأ السائد في شتى التصرفات القانونية أي سيادة قاعدة « العقد
شريعة المتعاقدين »
-وجاءت تصرفات األفراد نبعا من « الروح العامة و التي سادت المجتمع المصري
ورسمت أبعاد القانون ،تری سيادة المبادىء القانونية التي خلد بها القانون المصري والقي
ظالله على قوانين العالم القديم قاطبة بدءا من القانون اليوناني « قانون صولون » والقانون
الروماني في بدنه ونشأته « قانون األلواح اإلثني عشر » وعند نهايته قانون أو « موسوعة
» أخر أباطرة الرومان « جوستنيان » حيث كانت مصر والية رومانية وتعايش القانون
الروماني مع القانون المصرى -كما سنرى ذلك بعد قليل -وكان للقانون المصري الفضل
العظيم واألثر الكبير في القانون الروماني في نهاية تطوره .و من المبادىء السائدة :مبدأ
الرضائية ،مبدأ سلطان اإلرادة ،مبدا حسن النية في التعاقد ،وسيادة فضيلة « الثقة » و «
األمانة ،والوفاء بالعقود والعهود « :إن العهد كان مسئوال »
7
وخالصة القول
كان القانون المصرى الفرعوني صافيا في قواعده و أحكامه له رسالته األخالقية و أيضا
نزعته )( العالمية ) فقد كتب له البقاء عبر عصور تاريخ القانون المصرى جميعا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 2العالقات الدولية الرومانية ؟؟
من ص 70ل ص 88
المبحث الثالث
العالقات الدولية الرومانية
وندرس هنا على التوالى ،الموضوعات التي تتمشي مع دراستنا عن حلقات التاريخ
المتعاقبة ،ودخول مصر في ذلك اإلمبراطورية الرومانية كوالية من والياتها وينطبق
عليها لفظة « األجنبي » واألجنبي عند الرومان -۱ :أجنبي عادی -۲ ،أجنبي مستسلم «
وكما عرفه الفقيه جايوس " األجنبي المستسلم هو الذي دخل في حرب مع روما وانتهی به
األمر إلى االستسالم " » ومصر تدخل في فلك روما ضمن األجانب المستسلمين ،ولكن
ليس بالمفهوم الذي ارتآه جايوس .ولذلك و إيضاحا للمعرفة الشاملة في هذا الخصوص
تناقشة تباعا :
-۱المطلب األول :نظرة الرومان صوب األجانب وتطورها -۲ .المطلب الثاني :معالم
العالقات الدولية الرومانية -۳ .المطلب الثالث :دور بريتور األجانب وقانون الشعوب- 4 .
المطلب الرابع :القانون الروماني :من اإلقليمية إلى العالمية.
***
المطلب األول نظرة الروماني صوب األجانب وتطورها
مثل سائر الشعوب القديمة قاطبة كانت نظرة الرومان إلى «األجنبي».
لقد كان األجنبي -بصفة عامة في نظر الشعوب القديمة وأيضا في روما -ال يتمتع باي حق
من الحقوق ،وال توجد أية وسيلة قانونية لحمايته ،فهو في نظرهم جميعا بمثابة « عدو » -
8
وبهذه الصفة كان يقتل كما يقتل األعداء -حيث دمهم مباح -أو إذا أبقرا على حياته فإنما
يعامل كأنه من «الرقيق ( ،ومن هنا جاء الرق بديال للموت ).
والعبد عند الرومان وباقي الشعوب القديمة -كان شيئا من األشياء أو حيوانا من الحيوانات،
يکون ليسيده عليه « حق الحياة والموت » وهو كعبد ال أسرة له ،وال مجتمع ياويه ،فال
حق له وال واجب عليه فان السيد کل دنياه ،هو اسرته وقانونه وحياته ،فإذا ما اكتسب ماال
عاد اول الذمة المالية لسيده ،وإذا ارتكب جرما كانت العودة علي سيده وسيده ينوب عنه
قضائيا سواء كان مدعيا أم مدعى عليه.
هذه هي الصورة الحزينة للعبد عند الرومان.
وهي نفس الصورة لألجنبي في روما :هو « عدو » :ال حق له في روما ،وال قانون
يحميه ،وال مجتمع ياويه :ال دين له ،وال أسرة له ،حرمان كامل من كل الحقوق الخاصة
والعامة على حد سواء.
إال أن هذه الصورة األليمة الحزينة تطورت مع الزمن ،على أساس أخالقي وإنساني وتبادل
المصالح والمنافع بين روما وجيرانها ،ومن هنا -وعلى جسر التطور -بدأت دائرة العداء
تتحسر عن األجانب في روما ،وقد مرت بمراحل على النحو اآلتي :أ) مرحلة الحماية
القانونية الخاصة ب) مرحلة الحماية القانونية العامة ،ج) مرحلة االتفاقيات والمعاهدات
الدولية.
***
مرحلة الحماية القانونية الخاصة
منذ زمن قديم في روما ،جرت عادة بعض األسر الرومانية على ابرام اتفاقات خاصة »،
تتضمن منح ضمانات إلقامة األجنبي في روما في إقامة مؤقتة سواء بقصد السياحة أو
التجارة في أسواق روما لمدة معلومة و محدودة -وهذا هو « حق االستضافة » وكان
يطلق علي األجانب الجوابون أو السياح » .وكان مقصدهم ليس بقصد اإلقامة في روما،
وإنما بقصد المتاجرة وتبادل المنافع
ولما كان األجنبي -في األصل -ال يتمتع بأي حق من الحقوق في روما ،ففي حالة
االستضافة هذه – بناء على االتفاقات الودية -بين العائالت الرومانية واألجنبية ،تكون
9
الحماية الخاصة لهؤالء األجانب ويتم ذلك عن طريق « الحماية المتبادلة » ،أي يكون
للروماني نفس الحماية الخاصة إذا يمم وجهه صوب بلد اجنبی.
وهذه الحماية تتوالها « آلهة » البلدين بالعناية والرعاية والضمان
وفي ضوء ذلك يقوم الروماني بتوفير وسائل الراحة وتيسير سبل اإلقامة ،.وتسهيل
إجراءات التعامل بين األجنبي والروماني خاصة في مجال البيع والشراء -وعدم معرفة
األجنبي بالصياغة الرومانية ،فيكون الروماني كفيال بتسهيلها لضيفه من األجانب.
وكان األمر يصل إلى حد أن يمثل الروماني بنفسه أمام القضاء بموجب كفالته لألجنبي.
***
ثانيا
مرحلة الحماية القانونية العامة
وعلى جسر التطور حلت الدولة محل األفراد في مسألة الحماية لألجنبي ،فكانت «
االتفاقيات » تبرم ما بين الدولة الرومانية والدول األجنبية ،وبموجب تلك االتفاقيات كانت
تأخذ كل مدينة على عاتقها تقديم كافة الضمانات للرعايا األجانب.
ومن أهم الحقوق التي منحها الرومان لألجانب :حق الزواج -حق التعامل -وحق االلتجاء
إلى القضاء.
ومعنى حق القضاء هو في إمكانية األجانب في عرض منازعاتهم على « هيئة محكمين
» يتم اختيارهم بمعرفة األجانب -وتتولى هذه الهيئة الفصل في المنازعات سواء تلك التي
تحدث بين األجانب وبين الرومان أو بين األجانب أنفسهم.
ومن الجدير بالتتويه أن األجانب حتى في ظل الحماية العامة لم يتمتعوا بعد بتطبيق القانون
الروماني عليهم ،ألنه ظل حساب نشأته وطبيعته « :قانون خاص بالرومان وحدهم ،وال
يطبق إال على الرومان أنفسهم دون سواهم »
وهكذا نرى أن الحماية بصورتها الخاصة أو العامة» لم تكن كافية بالنسبة لألجانب ،إال أنه
مع التطور ،وتزايد وفود األجانب على مدينة روما ،كان البد من حماية جديدة لتوكيد هذا
10
الزحف صوب مدينة روما .فكان هذا دور « الحاكم القضائي » لمدينة روما على النحو
اآلتي:
**
دور الحاكم القضائي « البريتور المدني » واستخدام نظام الحيلة القانونية
في تطور النظرة صوب األجانب
كما وصفت النصوص الرومانية « البريتور المدني » في روما بأنه « :اللسان المعبر عن
القانون المدني وصوته الحي »
فقد كان البريتور هو األمين على تطبيق أحكام القانون بما له من سلطة قضائية ،وبهذه
الصفة كان يلمس أكثر من غيره مدى عدم مالءمة احكام القانون المدني القديم لحالة
المجتمع الروماني وهو يشاهد تطوره -من هنا تمكن البريتور من سد النقص الظهر في
أحكام القانون المدني وتعديل أحكامه بما يتالءم مع التطور الجديد.
وابتغاء مسايرة التطور الذي أصاب البالد استخدم « البريتور وسيلة من أهم وسائل تطور
القوانين في العالم القديم ،وهي «الحيلة» ..ما هي الحيلة؟ هي تلك الوسيلة القانونية التي
استخدمها البريتور لمسايرة التطور -وفي مجال تغير النظرة صوب األجنبي ،فقد
استخدمها إلضفا) حماية قانونية على األجنبي -الذي ال يخضع لتطبيق القانون المدني -فقد
« تحيال البريتور » على هذا الوضع ( وافترض أن األجنبي رومانی -خالف الواقع طبعا
– ابتغاء تطبيق القانون الروماني عليه )
ثم كان هذا الطريق موصال إلى مزيد من الحماية القانونية لألجانب بعدما أصبحت روما
مدينة عالمية ،ودخلها األجانب من كل فج عميق ليشهدوا مصالح حالة لهم.
***
معالم العالقات الدولية الرومانية
على جسر التطور وتتويجا له ،انتهى األمر بالرومان إلى االعتراف الكامل باألجانب،
وأصبح ما لهم وما عليهم تماما مثل الرومان على أراضيهم -فكانت االتفاقات والمعاهدات
الدولية التي أبرمتها روما مع جيرانها ومع تلك الدول المطلة على حوض البحر األبيض
المتوسط.
11
وانتقلت روما من « حياة العزلة القديمة إلى بناء وتأسيس االمبراطورية العالمية» وتدعمت
العالقات الدولية مع روما وانتهى األمر باعتبار « روما عاصمة الدنيا ،والقانون الروماني
قانون العالم أجمعين »
االمطلب الثالث
دور بريتور األجانب و مولد قانون الشعوب
أوال دور بريتور األجانب
على جسر التطور أيضا ،وتدعيما لتغير نظرة الرومان صوب األجانب ،ومع الدور
اإليجابي الذي قام به بريتور المدينة على طريق تطور القانون واستخدامه « الحيلة
الشرعية » لخلق حماية لألجانب ،ومع حتمية اإلعتراف باألجانب ودورهم اإليجابي في
روما من ناحية االقتصاد بصفة خاصة ،وكان البد من « حماية خاصة » تدعم وجودهم
واالعتراف بهم كحقيقة دولية.
فما كان من الرومان إال أن أنشأوا وظيفة جديدة لمحاكم قضائي جديد يتولى شئون األجانب
والعمل على حمايتهم فكان مولد وظيفة « بريتور األجانب »
لقد ازدادت العالقات التجارية بين الرومان واألجانب ،وازداد عدد األجانب في روما،
ومنهم كما رأينا فيما سبق من ارتبط بروما بمعاهدة تحالف وصداقة تسمح لهؤالء األجانب
بالتمتع بقدر كاف من الحقوق ،فكان البد من خلق وظيفة لحاكم يتولى هذه الشئون جميعا.
ولم تعد روما تلك المدينة المنعزلة بل أصبحت المدينة العالمية التي يؤمها األجانب من كل
فج عميق.
وكان الفضل لعضو مجلس الشيوخ «لوتاتيوس » باقتراحه الشهير ء وظيفة « بريتور
األجانب »
وكان على عاتق بريتور األجانب مواكبة التطور الذي أصاب المدينة برمتها ،وحاول إيجاد
مواءمة ما بين التطور وأسبابه والنظم القانونية السائدة في البالد ،واألخذ بها صوب آفاق
جديدة لمواكبة التطور الذي عم البالد ،واالنفتاح االقتصادي الذي أصبح سمة من أهم
سماتها .
وعن التطور الذي قام به بريتور األجانب وكان له الفضل فيه ،يتمثل في اآلتي :
12
أنشأ كثيرا من القواعد القانونية الجديدة ،المتصفة بالعدالة والمتسمة بالعموم والشمول في
التطبيق ،يستظل في ظلها الرومان واألجانب على حد سواء.
ولما كانت وظيفية « بريتور األجانب » جاءت في ظل االنفتاح االقتصادي والتجاري
العالمي ،وزحف األجانب صوب مدينة روما فقد اختص بشتى المنازعات التي تحدث بين
األجانب الوافدين على مدينة روما أو المقيمين بها أو المنازعات التي تتم بينهم وبين
الرومان أنفسهم.
وكانت اإلجراءات الجديدة السهلة واضحة ولم تكن معقدة كما هي في القانون الروماني
العتيق ،ثم بدأت تتحلل من قيود الشكلية.
وكان البديل هو إنشاء « نظام المحكمين » .:
حيث كان الخصوم يحضرون أمام « بريتور األجانب » و يشرحون دعواهم في عبارات
خالية من كل صيغة رسمية بأية طريقة ويأية لغة ،ثم يتولى بريتور األجانب إحالة النزاع
إلى هيئة من المحكمين ( وهم ثالثة أو خمسة يختارون بالتساوی من بين مواطني الخصمين
مع رئيس محايد ) ..وذلك بعد إثبات إدعاءات الطرفين في « برنامج مكتوب ،يبين فيه
للمحكمين حدود مهمتهم في فحص الوقائع والفصل فيها وأيضا القاعدة القانونية واجبة
التطبيق
بجانب هذه االختصاصات الرئيسية لبريتور األجانب تمتع بحكم وظيفته الدولية
باختصاصات أخرى محلية ودولية ومنها :
أ )كانت له سلطات سياسية متعددة ،ومنها أن له الحق في دعوة مجلس الشيوخ إلى االنعقاد.
ب ) وكان له حق رئاسة بعض المجالس الشعبية.
ج) وطبقا لقرار صدر من مجلس الشيوخ « » 169 - 585نقل أعباء التخطيط الحربي
من على كاهل القناصلة وأوكل لبريتور األجانب القيام به.
د) وعلى الصعيد الدولي كان له دور -بجانب القناصلة -في اختيار السفراء األجانب ،و
أيضا في االعتراض على تواجدهم في روما حال خطئهم.
هـ ) وجاءت النصوص التشير إلى أن كثيرا من الحكام القضائيين لألجانب « بريتور
األجانب » جمعوا بين هذه الوظيفة و وظيفة « بريتور المدينة »
13
وكان لذلك فيما بعد أثر في انتقال قواعد قانون الشعوب الذي أنشاه بريتور األجانب عام
242ق.م ليأخذ طريقه صوب القانون المدني المطبق في روما.
و ) وجاء مولد قانون الشعوب :قانون عام التطبيق بالنسبة للرومان واألجانب -قانون اتسم
بالمرونة -بعيدا كل البعد عن الشكلية – وقائم على الثقة واألمانة في المعامالت
والتصرفات القانونية ،تلك التي وجب توافرها في الناس الشرفاء.
ز) ولقد أجمع الفقهاء على أن دور « بريتور األجانب » لم ينته إال وقد أثمرت مجهوداته
في خلق « المدينة العالمية » كما سنرى بعد حين .
ثانيا قانون الشعوب
اتفق فقهاء الرومان على قانون الشعوب اتفق فقهاء الرومان على تعريف « قانون الشعوب
« بأنه ذلك :القانون الذي يستمد قواعذه من المبادية المشتركة بين كافة الشعوب التي ينتمي
إليها الجنس البشري »
وهو بهذه الصفة يحكم كافة الناس باعتبارهم بشرا عاقلين ومميزين -وينتسبون كمواطنين
في « المدينة العالمية »
ومن ثم فإنه يطبق على كل الناس بغض النظر عن اختالف جنسياتهم :أمي على المواطنين
واألجانب.
رأينا أن مولد قانون الشعوب جاء إثر تطور عظيم أصاب المجتمع والقانون الروماني،
وتغير النظر :تصويب األجنبي إذ بعدما كان األجنبي بمثابة عدو في نظر الرومان يستحل
قتله أو استرقاقه ،بدأ يفد على أرض روما ويرتبط معها بروابت اقتصادية وأصبح من ثم ال
مندوحة من االعتراف بوجوده ،ولكن المشكلة الحالية والرئيسية تمثلت في خضوعه ( ألي
القوانين ) ،إذ أن القانون الروماني منذ نشأته األولى كان قانونا ( عنصرية ) بمعنى أنه ال
يطبق إال على كل من هو رومانی ،واألجنبي ال قانون يحميه وال حماية له ،إال أنه وقد
اعترف بوجوده كان البد من وجود وسيلة لحمايته ،فما كان من البريتور إال أن استخدم
الحيلة القانونية ،وافترض أن األجنبي رومانی وبذلك يمكن تطبيق القانون الروماني عليه،
ومع تصاعد المصالح وحتمية وجود األجنبي كان البد من خلق قانون يحميه ،فكان أن
أنشئت في روما وظيفة « بريتور » خاص لألجانب وكلف بصياغة قانون لهم فكان قانون
الشعوب عام 242ق.م.
14
ولم يتبع بريتور األجانب ما كان يقوم به زميله بريتور المدينة من إجراءات ،إذ كان بريتور
المدينة يلجا إلى نظام دعاوى القانون حيث يلتزم المتخاصمون بالتفوه بألفاظ معينة والقيام
بطقوس خاصة إال أن بريتور األجانب كان يعطى لألجانب الحرية في توضيح وجهة
نظرهم بأية وسيلة وباية لغة ،ثم يقوم بصبها في برنامج مكتوب « الفورميال » ثم يحيلها
إلى هيئة المحكمين ( وهم ثالثة أو خمسة يختارون بالتساوی من بين مواطنى الخصمين
وعليهم وباتفاقهم اختيار رئيس حيادي ).
وأما عن مصادر قانون الشعوب فكانت عدة :
بداية لم يكن بريتور األجانب ملتزما بنصوص قانونية معينة ،إذ في إمكانه وطبقا لحريته
في االختيار أن ينتقي أي القوانين وأي المصادر حسب مشيئته من القوانين األجنبية .ويمكنه
أن يلجأ إلى التقاليد العرفية التي سادت حوض البحر األبيض المتوسط ،وعليه أيضا أن
يستأنس بقواعد القانون المدني الروماني ،حتى قيل في رأي مهجور أن قانون الشعوب كان
هو القانون الروماني في نهاية تطوره. .
وقد استمد كما قلنا بريتور األجانب مصادره من قوانين الشعوب التي تعاملت مع روما،
ومن هنا جاءت تسميته « قانون الشعوب »
وكل الذي يمكن قوله أن بريتور األجانب كان يتوخى العدالة في اختياره لهذه القوانين
والبعد جهده عن اإلجراءات المعقدة والشكليات التي کانت سمة كثير من القوانين القديمة.
يبقى السؤال الجوهري اآلن ،ما هي إذن خصائص قانون الشعوب ومدى عالقته بالقانون
الروماني العتيق ؟؟
نالحظ بادىء ذي بدء ،من حيث التطبيق أنه وإن كان القانون الروماني ال يطبق إال على
الرومان وحدهم ،فإن قانون الشعوب كان من حيث األصل ال يطيق اال على األجانب ثم
امتد تطبيقه على األجانب والرومان.
وبالمناسبة فإن األمر على األرض الرومانية ظهر كاالتي ،لقد تصارع القانون الروماني
وقانون الشعوب وكانا کفرسی رهان ،انتهى األمر بانتصار قانون الشعوب ،وانحسار
القانون الروماني من دائرة التطبيق حتى أن الرومان أنفسهم بدأوا يطبقون قانون الشعوب.
فما علة ذلك هذا هو موضوع خصائص قانون الشعوب ؟؟
15
على درج التطور وسلم الصعود من «قاع اإلقليمية إلى ذروة العالمية » ،ومع االتفاق مع
خطوات التدرج جنبا إلى جنب مع المسيرة التشريعية عند الرومان ،حيث بدأت النظرة
تتبدل وتتغير صوب األجانب ،اعترافا بوجودهم ثم أعترافا بقوانين تحميهم ويستظلون بظلها
الظليل ،بدءا من صور الحماية حتى كان قانون الشعوب عام 242ق.م.
ومرت القرون ،وروما تفتح مصراعيها إلى األجانب ،حتى كان علم ۲۱۲م وجاء حكم
اإلمبراطور کراکال وإصداره الدستوره الشهير الذي دعم -في مجال حقوق األجانب -
المسيرة التشريعية للرومان.
لقد تمثل االتجاه السياسي واإلنساني نحو اإلغداق للجنسية الرومانية على األجانب بصفة
فردية ثم يصفة جماعية ،وكانت منذ القرون األولى كما علمنا صعبة المنال.
وظهر على القمة اإلجراء التشريعي الذي استه االمبراطور كراكال ليتوج به اعمال من
سبقوه ،ولكنه كان واضحا وصريح العبارة والبيان والمدلول ،فقد أصدر دستوره عام ۲۱۲م
(وهو الرأي السديد ،رغم أن البعض اشار إلى عام ۲۱۳أو )214وقد تضمنته بردية
جيسين رقم 40بالمانيا ونشرت باللغة اليونانية عام ،۱۹۱۰وقد كشفت اللثام عما أحاط هذا
الدستور من غموه من مضمونه األساسي خاصة فيما يتعلق بنوع « األجانب المستسلمون
» وهم حسب تعريف فقهاء الرومان ) انظر تعريف الفقيه جايوس ) « :هؤالء الذين
حملوا السالح ضد الرومان وألقوا في النهاية سالحهم بعد استسالمهم »
***
مضمون نص الدستور .
بقي أن تتعرف على مضمون النص ونشير إلى أهم أسبابه الدافعة إلى وضعه :والنص
حسب « بردية جيسين » ينص على :
أمنح الرعوية ( الجنسية ) الرومانية جميع األجانب على األرض جميعا ( يقصد األحرار
الذين يدخلون نطاق االمبراطورية ويقيمون بها فعال ...ثم سقطت بعض الكلمات بعد هذا
17
المبدأ ولم يظهر منها إال كلمة المقيمون» ...وبعدها ظهرت عبارة « عدا األجانب
المستسلمين وينتهی عندها مضمون النص.
وتعليقنا على النص :من حيث المبدأ واضح تماما أن االمبراطور کراكال منح الجنسية
الرومانية إلى « كل األجانب ،الذين يقيمون فعال داخل حدود االمبراطورية الرومانية،
وذلك توكيدا لالتجاه الذي ساد روما نحو اعتراف المنح الفردية والعامة لألجانب.
وعن االستثناء ،قال بعض الشراح أنه تضمن « األجانب المستسلمين » أنهم ال يتمتعون
بالجنسية الرومانية ،ألنهم كانوا في مركز أدنى من باقي األجانب.
وجاء رأي يعارض السابق ويقول أن االستثناء ال ينصب على تت األجانب المستسلمين
بالجنسية الرومانية (تلك التي تمتع بها األجانب كافة ) وإنما االستثناء ورد فيما يتعلق بعدم
احتفاظ هؤالء األجانب بنظمهم البلدية وما عليها من التزامات مالية.
وتجدر المالحظة أن هذه الفئة من األجانب كانت قليلة العين كما أنها کانت تهجر المدن
لتستقر بعيدا ومنزوية في الريف .ثم مع الزمن جاءت الوثائق لتدل على تمتع هؤالء
األجانب ،حتى منأقام منهم بالريف بالجنسية الرومانية التي عمت الجميع ،ومما تجدر :
اإلشارة اليه أن األجانب سواء كانوا «عاديين » أم من و المستسلمين تمتعوا بتطبيق قانون
الشعوب عليهم.
وأيا ما كان األمر فإن عدد األجانب المستسلمين في نطاق االمبراطورية بدأ في النقصان مع
إغداق الجنسية الرومانية بصفة مطلقة مع االمبراطور دقلديانوس عام 284م ،وفي عام
530م أعلن اإلمبراطور المشرع جوستنيان انتهاء الوجود الفعلي والقانوني لألجانب
المستسلمين نهائيا من االمبراطورية الرومانية »
***
موقف مصرفي ظل الدستور
وأما عن موقف مصر ،حال االحتالل الروماني لها ،فإنه من المعروف أن مصر كانت
ضمن من أطلق عليهم و األجانب المستسلمين ) وأنه طبقا للرأي الراجح والتفسير الذي
قدمناه فإنها تمتعت بالجنسية الرومانية ،إال أن ذلك لم يحرمهم من جنسيتهم األصلية ،فقد
تسامح الرومان مع المصريين حتى يضمنوا بقاءهم في البالد.
18
ومن هنا فإنه كان للمصري الخيار -بعد تمتعه بالجنسية الرومانية -أن يختار بين تطبيق
القانون ( المصري -اإلغريقي ) أو القانون الفرعونی -قانون بوكخوريس :الذي لم
تطمس قواعده في من التطبيق ) أم تطبيق القانون الروماني و للجنسية أم في النهاية
القانون عام التطبيق على الناس جميعا وهو « قانون الشعوب
أسباب إصدار الدستور
ما بقي لنا إال أن نتساءل عن األسباب التي دفعت االمبراطور کراکال إلصدار هذا الدستور
قيلت آراء عدة ،يمكن إيجازها في اآلتي :
أ) ذهب رأي إلى القول بأن كراكال وضع هذا الدستور عام 212ميالدية وكان يعالج
سكرات الموت وأراد بذلك أن يقدم مخلصين جدد إلى مدينة اآللهة ،إرضاءا لآللهة.
ب) البعض نظر إلى الدستور نظرة « إدارية » أراد بمنح الجنسية لألجانب تدعيم المرافق
اإلدارية وتنظيمات اإلمبراطورية باالكفاء من الموظفين واالمتيازات التي يتمتعون بها حال
لباسهم رداء الجنسية الرومانية.
ج) نادي البعض بسبب «اقتصادي » ،إذ أنه حينما تبوأ کراکال مقاليد الحكم وكانت
الضريبة على التركات ،وهی «% ۲۰الضريبة العشرينية » من قيمة التركة هي السائدة،
فما كان منه اال أن خفضه يجعلها ۱۰٪تخفيفا على األعباء العائلية ،إال أن ذلك أثر في
انخفاض ايرادات الميزانية ،فما كان منه -حسب ظن البعض -إال أن هنا األجانب الجنسية
الرومانية ،وبذلك يزداد عدد دافعي هذه الضريبية وتزد حصيلتها.
د) وهذا الرأي هو الذي نعنعتقده ونراه أصوب األراء ،و أكثرها عمقا ،وهو أن « الباعث
الفلسفي » كان ورا صدور دستور االمبراطور كراكال فى اإلغداق على منح الجنسية
الرومانية اذ اننا نعلم أن الفلسفة اليونانية اإلنسانية و الممثلة في الفلسفة الرواقية التي نادت
بالوحدة العالمية ،وأن العالم يعش أسرة واحدة ،وال توجد بينها حواجز أو حداد أو سدود
،إنها المدينة العالمية التي يصبح فيها كل مواطن أخا للمواطن األخر أيا كان موقعه ،وهذه
هي «األخوة العالمية ،وهذه الفلسفة -كما نعلم -التي راج سوقها بين الرومان ،وتأثر بها
حكام روما ،ومنهم -بكل تأكيد -األمير اطور أنطونين کراكال الذي أراد أن يقدم لألله
19
مخلصين جددا ،أي مواطنين جددا ،يتمتعون بالجنسية الرومانية ،ويدخلون -باسم الدستور
الذي أصدره -تحت مظلتها أفواجا أفواجا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 4القانون الروماني من اإلقليمية الى العالمية ؟؟ ص 85ل 88
القانون الروماني من االقليمية إلى العالمية
كان القانون الروماني -كما رأينا في دراستنا السابقة -قانونا إقليميا ،بمعنى أنه ال يتخطى
الحدود الجغرافية لروما ،وفي الوقت نفسه كان قانونا « عنصريا » بمعنى أنه ال يطبق إال
على من هو رومانی.
ثم رأينا فيما رأينا نظرة الرومان صوب األجنبي وكيف تطورت مع الزمن ،فبعد أن كان
األجنبي « عدوا » يستحل قتله أو إذا أبقوا عليه كان « عبدا » .و العبد عند الرومان شیء
من األشياء أو حيوان من الحيوانات ،ويوضع في التقسيم القانون تحت باب « األشياء»
وليس في منزلة األشخاص» ...ولم يكن للعبد أي حق من الحقوق في روما ،ال مال له وال
أسرة ينتسب إليها ،وزواجه عبارة عن « اختالط مادی » وإذا أنجب تماما « کنتاج
الحيوان » ...عالمه كله في « سيده ...
نظرة الرومان تغيرت تماما قبل « األجانب ،ورأينا أبعاد هذاالتطور.
واآلن -وحتى تستقيم الصورة في شمولها وبهائها ما علينا إال أن نوضح األسباب العامة
التي أخذت بالقانون الروماني من مرحلة اإلقليمية إلى مرحلة العالمية ،وهي -في نظرنا -
کاالتی :
أوال :الدور اإليجابي والخالق الذى قام به ( بريتور المدينة) في مواجهة التطور
باستخدامه وسيلة الحيلة ،وطبقها كالتى بأن اعتبر األجنبي رومانيا خالف الواقع و علي
وجة االفتراض حتى يتسنى تطبيق القانون الروماني عليه ...
ثانيا :زحف األجانب صوب مدينة روما بدءا من السواح والجوابين إلى تكاثر رجال
األعمال وازدهار األسواق في روما ومكاتب الصيارفة ،ومعها انتقل االقتصاد الزراعي و
الذي اتصف به االقتصاد الروماني ،حيث كان يحكم مجتمعا مغلقا إلی اقتصاد تجاری
يتصف باالنفتاح ،ومع االقتصاد التجاري سادت و التجارة الدولية ومن خصائص التجارة،
20
سهولة المعامالت بال شكليات او تعقيدات وسيادة مبادئ « الثقة في التعامل » واألمانة
وحسن النية والبعد عن التشكلية والوفاء بالعهود وبالعقود ،واحترام الكلمة المعطاة «أن
..........وهذا هو الجانب االقتصادي و تطورة العهد كان مسئوال »
ثالثا :دور « بريتور األجانب » ونشأة « قانون الشعوب » عام 242ق.م وكان له أثر في
إضفاء الحماية القانونية لألجانب وما اتى به سواء البريتور أو ما ضمنه قانونه من نظم
قانونية تدور حول الشمول والعموم والعالمية.
رابعا :وانضم إلى األسباب ،سالفة الذكر ،عامل كان له عظيم األثر في إحداث ثورة في
القانون الروماني ونقله نقلة تاريخية من األقليمية األولى إلى العالمية ،وكان ذلك بفضل و
الفلسفة اليونانية ،وما قام بها الفالسفة من تحريك الجمود الذي ران على القانون الروماني
القديم ،وکان فتحا جديدا لتدعيم قواعد العدالة واإلنصاف وسيادة دور االراده في التصرفات
القانونية وكان أهم اثر قامت به بالذات والفلسفة الرواقية التي نالت باالخوة العالمية في ظل
المكدينة العالمية ،وانتقل هذا اللون من الفكر االنسانى العالمى من عالم الفلسفة الى الواقع
فظهرت روما بفضل االباطرة و الفقهاء الرومان الذين تأثروا بهذا اللون من الوان الفلسفة
هي ) امبراطورية العالم اجمعين )
خامسا :ويضاف إلى ما تقدم ،وكان له أثر روحانی فی نقاء المجتمع الرومانى کله ،وازره
في دعوته العالمية ،وهو ظهور المسيحية واتخاذ االباطرة لها دين رسمي لعموم البلد.
وقد قيل بحق :ان الرواقية بمبادئها السامية واألخالقية حيث كانت ترى في الفلسفة محبة
الحكمة ومزاولتها ،وأن الحكمة في نظرها « علم األشياء االلية واإلنسانية » قد مهدت
الطريق إلى تقبل المسيحية قبوال حسنا ،حيث المحبة واألخوة العالمية و العدل والمساواة
بين البشر جميعا .
وفي ظل هذا التطور العالمي ،جاءت الوثائق لترسم صورة روما في ظل العالمية كاتی :
لقد أصبح األورونتيس"نهر من أنهار سوريا " يصب ماءه في نهر التيبر "الروماتي" -
وكانت بالد الشام قد خضعت للسيادة الرومانية -وستظل أرض "الرين" -بألمانيا -تحرث
دائما من أجل روما ،كما سيظل "نهر النيل " -مصر -يفيض على جانبيه من أجلها .
لقد ثبت إذن بالدليل العلمي -كما قال هومير « -أن األرض ملك الجميع ،ألنها كما ردد
الشعب الروماني «أم الجميع» وكما ردد روتيليوس كلوديوس» -فی مناجاته لآللهة «
21
جوبيتر :إله الكابيتول » « ،مارس جر اديفوس » -مؤلف االسم الروماني -فاستا -
حارسة اللهب المقدس -كل ذلك « :تحول إلى ( مدينة واحدة ) ما كان من قبل مدارا للعالم
» وفوق قمة السلطة في تلك « المدينة العالمية » تبوأ االمبراطور عرشه باعتباره « سيد
العالم أجمعين »
إنه كذلك كما قال عنه الفيلسوف األخالقي « سينيك » « :أليس هو المواطن األول » ؟ بل
« إنه أب الوطن قاطبة »
وبذلك مثلت «روما» من جانبها « عاصمة تلك المدينة العالمية » وأصبحت كما أكدت
النصوص :وطن العالم أجمعين» ،ويحكمه « القانون الروماني في صياغته العالمية »
للناس كافة.
وبذلك تحققت « االمبراطورية العالمية » وإلقانون العالمي ألول مرة على جسر التاريخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س : 5الطبقات االجتماعية في مصر البطليمية و حقوق كل طبقة ؟ من ص 109ل 115
الطبقات االجتماعية في مصر البطلمية وحقوق كل طبقة
فتحت البالد أبوابها لكافة الجنسيات ،وتعددت الجاليات األجنبية من اغريق ومقدونيين
وأخرى من الفرس واليهود والفينيقيين و السومريين.
وقد رأينا أن السياسة البطلمية كان «ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ،فقد حرم المصريون
من تولي المناصب اإلدارية العليا ،و أيضا من تلك األراضي الزراعية فكانوا -أي
المصريون -أدوات لالسغالل وليسو أدوات الملكية األراضي »
وحرم المصريون من ممارسة الحقوق السياسية ،وجرت سياسة البطالمة على عدم إشراك
المصريين في إدارة شئون الحكم ،حيث كان المصريون في نظر البطالمة ،وطبقا لفلسفة
كبير الفالسفة «أرسطو» « ،غير مهيئين للحياة السياسية ،تلك التي تأتي من وجود «مدن
حرة » يمارس فيها المواطنون حرية القول والعمل.
وقد رأينا أن سياسة البطالمة اتجهت صوب استغالل البالد اقتصاديا ،وأيضا محاولة تدعيم
الحكم في البالد في ظل هدوء مطلق فما كان منهم لتحقيق ذلك كله أن آثروا رجال الدين
باالمتيازات حتى يضمنوا والء الشعب كله.
22
وفي ظل النظرة االجتماعية والقانونية التركيبة االجتماعية لمصر البطلمية ،فإنه يمكن
الحديث عن الطبقات االجتماعية اآلتية :
1ـ طبقة الكهنة -۲ .طبقة المحاربين -3 .طبقة الموظفين
4ـ طبقة العامة أسفل السلم االجتماعي وهي مكونة من « العمال والفالحين وصغار
التجار »
وما علينا إال أن نلقي بعض أضواء المعرفة على هذه الطبقات االجتماعية التي سادت
إبان الحكم البطلمی وحقوق كل طبقة.
***
طبقة الكهنة
يأتي في ذروة الطبقات االجتماعية في مصر البطلمية ،طبقة الكهنة هؤالء الذين تربعوا
بحق على عرش سائر الطبقات االجتماعية ،هي بمثابة طبقة األشراف في البالد بل هي
طبقة األرستقراطية الدينية ،وقد حاول الملوك البطالمة وحكام البالد التقرب زلفي من
هذه الطبقة ليضمنوا والءهم من جهة لما لهم من مكانة عليها في قلوب المصريين،
وليعطوا حكمهم الصبغة الشرعية من جهة أخرى
من هنا أغدق الحكام البطالمة االمتيازات على هؤالء الكهنة وفي ا الوقت نفسه أعفوهم
من شتى االلتزامات وأهمها أعمال السخرة ،وأحتفظوا لهم بدخولهم من األراضي
المقدسة « حقول اآللهة » و أيضا دخولهم من انتاج مصانع الدولة التي ألحقت بالمعايد.
و حينما كانت تهب رياح األعاصير والغضب من جانب الشعب المصرى ضد الحكام
البطالمة كان هؤالء يوجهون وجهتهم صوب الكهنة إلسكات غضبة الجماهير ،لما لهم
عندهم من تقديس وآيات السمع والطاعة.
ثانيا
طبقة المحاربين
في البداية لم يكن المصري محاربا ،هذه هي فطرته التي فطر عليها وإنما حينما كتب
عليه قدره خوض الحروب ،خاصة إبان حرب المصريين ضد الهكسوس ،وفي الحرب
23
الكبرى التي تمخض عنها الجنود و الضباط الشجعان بقيادة القائد المصري « احمس »
وتعلم المصريون فن النزال القتال « انقلب حسب وثائق التاريخ اإلنسان المصري من
حامل الفأس إلى حامل الرمح والسهم » .وقد ظهرت في البالد خاصة خالل بداية
عصر الدولة الحديثة في مصر الفرعونية إبان حكم رمسيس الثاني وتحتمس الثالث
ومن قبلهما إبان حكم أحمس طبقة المحاربين » التي تمتعت بامتيازات متعددة جزاءا
وفاقا » لبالئهم في الحروب.
إال أنه مع مقدم البطالمة ومحاولتهم القضاء على كل قوة في البالد ،فما كان منهم إال أن
وجهوا ضربتهم القاصمة لجنود مصر وضباطها فقد حرموهم من االنخراط بين فيالق
الجيش واعتمدوا في تكوين الجيش على العناصر األجنبية وخاصة الجنود المقدونيين
واإلغريق الذين نزحوا معهم ،وأنعموا عليهم بشتى أنواع االمتيازات ومنها «
اإلقطاعيات العسكرية » أما الجنود المصريون وضباطهم فلم يكن لهم إال األعمال
اإلدارية أو الكتابية و الهامشية أو الثانوية .
إال أن األمور تبدلت تماما مع حدث هام في تاريخ العسكرية المصرية ،وذلك بعد
معركة رفح الشهيرة عام ۲۱۷ق.م التي خاضها البطالمة وكانوا على شفا الهزيمة إال
أنهم وقت المحنة استعانوا بالجنود والضباط المصريين -تحت السالح -وبفضل
شجاعة هؤالء واستبسالهم كتب النصر للبطالمة.
وهذا الحد الفاصل جعل البطالمة يمنحون العسكر من المصريين بعض االمتيازات
ولكن دون مبالغة وبعد تردد وعلى استحياء ،وإن تحسن مركز هؤالء إال أنه لم يصل
إلي مصاف ما وصل إليه الجنود األجانب قاطبة من امتيازات وكان الشعور بالظلم
الناجم عن سوء المعاملة هذه هو المحرك الشتراك الجنود المصريين في الثورات
القومية التي اشتعل لهيبها في البالد طوال وعرضا ،ضد الحكم البطلمی.
***
طبقة الموظفين
عرف الموظف المصرى بكفاعته النادرة ،وكان النظام الوظيفي الفرعوني من أعظم
االنظمة اإلدارية في العالم القديم والحديث على حد سواء
24
کانت الوظائف العليا -حكرا على األجانب من إغريق ومقدونيين والحرمان في جنب
المصريين أصحاب البالد الحقيقين حيث شغلوا رغم كفائتهم أدنى الوظائف في سلم
الوظيفة في البالد..
ولم يقف المصريون صامتين إزاء هذه السياسة غير الحكيمة ،وإنما حولوا كدأبهم
وعادتهم إتقان األعمال المكلفين بالقيام بها ،ثم أثبتوا جارتهم بتعلم اللغة اإلغريقية
ومعرفة فن الكتابة ونظام المحاسبات ،وكانت هذه اإلجادة السبيل نحو تغير نظرة الحكام
البطالمة إليهم قليال فقد عين بعضهم حكاما للقرى « نظام العمدة » وكان لهم في النهاية
دورا مشهودا في تكوين األساس الحقيقي للنظام اإلداري والمالي و االقتصادى في البالد
وبهذا تمكن نفر قليل من المصريين من تولى بعض المناصب الرئيسية إال أنها قلة قليلة
لم يكن لها وجود في مجال المقارنة مع الموظفين األجانب.
وأيضا هؤالء ترسبت في نفوسهم مشاعر الظلم وحرك فيهم وقود الثورة التي اشتعلت في
البالد ضد االحتكار الوظيفي الذي استن البطالمة في البالد
***
رابعا طبقة العمال
في قاع التنظيم االجتماعي أو السلم االجتماعى ازدحم الماليين من المصريين عبر
القرى والمدن ،وهم خليط من الزراع والصناع وصغار التجار ،وهؤالء منذ العصر
الفرعوني اشتهر عنهم « تفانيهم في عملهم » مهما كان القهر واقعا عليهم ،وتقول
الوثائق المصرية « هذا عملنا ونحن نحبه وسوف نجزى في اآلخرة عنه الجزاء األوفي
»
انهم بحق عماد الحياة االقتصادية في البالد وفي كل العصور.
وكان منطقيا أن يتأثروا تماما بذلك النظام االقتصادي الصارم الذي عزة الحكام
البطالمة.
كانت الغاية المثلى أن يكون « الملك غنيا قويا » وكل أدوات اإلنتاج ،األيدي العاملة،
في خدمته.
25
كان عمل العمال إذن لصالح خزانة الدولة سواء كان العامل يعمل في المزرعة الملكية
التي شملت « أراضي الدولة » كلها ،أو كانوا في المصانع الملكية » أو عماال في
المصانع ،أم صيادين أو رعاة عماال في النقل البري أو البحرى
وكانت تفرض عليهم الضرائب
وتحدد لهم « أماكن عملهم ال يغادرونها طيلة العام وكانت تفرض على العمال :ترك
اعمالهم المعتادة ،والتوجه للقيام باألعمال الجبرية في الجسور و حفر القنوات ام في
المحاجر و المناجم » وذلك الستغاللهم بشتى طرق االستغالل النتعاش االقتصاد
الموجه لصالح الحكام البطالمة.
ويثار االن تساؤل جوهرى
عن طبيعة العالقة بين هؤالء العمال والدولة ؟؟ ما طبيعة الرابطة القانونية التي تربط
العمال بالدولة في ظل هذا النظام و االحتكار
جاء رأي يقول بانها -أي تلك الرابطة -أسست على أساس تعاقدر فيما بين الدولة
والعمال ولكنها رابطة تميزت بطابع خاص ،اذ بموجبها يشترط في حالة عدم وفاء
العمال بالتزاماتهم -أي بقيامهم بالعمل -الذين كلفوا به لصالح الدولة ،تقوم الدولة
بالتنفيذ على جسم المدين العامل» إما بسجنه أو استرقاقه «اإلكراه البدني » وفاءا
لحقوقها.
إال أن هذا اإلكراه البدني كوسيلة من وسائل التنفيذ ال يفهم منه أن طبقة العمال في
العصر البطلمى كانوا من « العبيد » وبرهان ذلك فإنه لم يفرض على العامل المصري
مزاولة حرفة معينة كما لم يفرض عليه البقاء على وجه العموم في مكان عمله.
وتمتع العمال في مصر البطلمية بجانب ذلك على قدر من الحريه االجتماعية « حرية
الزواج من حرة » والحرية االقتصادية « حرية اختيار العمل و اإلنتاج » ،وحرية
التنقل من مكان إلى آخر.
وفي الحقيقة المرة أن هؤالء العمال الذين أفنوا حياتهم في خدمة الحاكمين األجانب لم
يكونوا أحرارا بكل معنى الحرية » فقد كان محظورا عليهم ترك عملهم او مقر العمل
إبان موسم العمل ،بجانب قيود أخرى شكليه فرضت عليهم من قبل الدولة كانت عائقا
في وجه حريتهم االنتاجية
26
الخاتمة
اننا رأينا ان نعيم الحياة كانت من نصيب الحكام األجانب ،وأن القدر اليسير من خيرات
البالد كان من نصيب أبنائها و أصحابها الحقيقيينُ ،زراعا كانوا أم موظفيين أم محاربين
كل هذا رسب عوامل الغضب وبذور الثورة في نفوس المصريين كافة ،ألن الحقيقة
المؤكدة المدونة على جدار التاريخ أن الشعور بالظلم ال الظلم نفسه هو المولد الثورات
و كان أن قامت الفورة تلو الثورة في عموم البالد تعبيرا عن الظلم االجتماعی و
االقتصادى و االداری
كانت البداية لتحك الثورة إثر انتصار البطالمة في معركة رفح عام ۲۱۷ق .م بفضل
الجنود والضباط المصريين ،وإثر عودة هؤالء منتصريين بدوا بالشعور بثقتهم بأنفسهم
وشجاعتهم ،وأنهم ليسوا أقل كفاءة من األجانب ومن هنا بدأت الثورة تتحرك ودامت
سنوات عدة سجلت أحداثها على جدران معبد ادفوا اذ جاء بالنقوش :
ان عمال البناء في هذه المعبد العظيم و غيره من وسائل العمران قد توقفت تماما بسبب
الثورة ،وكان الثوار يلوذون بالمعابد »
وكان لهذه الثورات نتائج طيبة أهمها أن اتسعت سياسة البطالمة بالمرونة و العطاء
وحاولوا من جديد كسب ود المصريين ،فقاموا بمنحهم بعض االمتيازات و خففوا من
قسوة النظام االقتصادى وفتحت أبواب الوظائف العليا أمام المصريين بشروط خاصة،
إال أن ذلك كله لحيض الحقيقة التاريخية
أن الخير كله كان من نصيب الحكام األجانب ،إغريق ومقدونيين والشقاء والعدم في
جانب المصريين ،أصحاب البالد الحقيقيين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س / 6تكلم عن كل ما يتعلق بالجالية اليهودية ؟؟ من ص 137ل ص 144
الجالية اليهودية
كما رأينا فقد كانت مصر مضيافة فتحت أبوابها لكثير من الجنسيات األجنبية ،وللتاريخ فقد
تم جذب األجانب صوب مصر إلى ما غرف عن مصر من التسامح الديني ،وثرائها،
والطابع الحر في االقتصاد ،وطبيعة المصريين في حق الضيافة ،كل ذلك جذب األجانب
نحو مصر ابتغاء تكوين ثروات ضخمة ،ومن ناحية اخرى فقد شجعهم البطالمة على ذلك
ابتغاء االستفادة بخبرتهم اإلدارية واالقتصادية ،فزحف إلى مصر أفواجا أفواجا من
27
الدراسات العليا والف کتابا الفرنسية» عن دور القانون العام في مصر الفرعونية ،ومن
خالله تحدث عن النظام اإلداري في مصر الفرعونية ،ومن خالله أعلن أن مصر الفرعونية
عرفت أعظم نظام إداري في العالم القديم ويكاد يتشابه مع أقوى و أعظم النظم اإلدارية
الحديثة ،كما أنها عرفت كافة الوزارات والمرافق اإلدارية كمثيالتها في العصر الحديث.
ومن خالل هذه الدراسة تحدث عن بناء األهرام الذي نني بناها على تخطيط من و عقول
مصرية هندسية ،تبع وزارة ما يمكن أن يضت عليه وزارة األشغال .
إذن ،كان المصريون بإجماع الباحثين -في كل زمان ومكان -هم الذين – بعقولهم
وعلومهم والذين تخرجوا من «بير عنخ أي دار الحياة و أعظم المؤسسات العلمية :علما
وعمال هم الذين بنوا الحضارة المصرية ،حجرا حجرا وإبداعا بعد ابداع).
يضاف إلى ذلك أن اليهود يمكن أن يكونوا قد أتوا إلى مصر عابرين « برزخ السويس =
قناة السويس ،ولكن ذلك كان يتم فردی وليس هجرة جماعية ،وباعتبار أن مصر تفتح
ذراعها لكل أجنبي من فجر التاريخ وتمتعت البالد -حسب أصالتها التاريخية والحضارية.
اذن كان اليهودي يعمل في التجارة تارة ،أو يختار مكانا قصيا في ريف مصر ويربح عن
طريق قرض النقود بفوائد باهضة و الربا ،وكثيرا ما كانوا يختلطون بالمصريين دون أي
امتياز كباقي الغرباء .حتى كانت قصتهم الحقيقية مع نبي هللا يوسف ومن بعده موسی.
بأهذاب الدين فكرا أو عقيدة وممارسة « كما قال عنهم المؤرخ اليوناني هيرودوت ،ومن
هنا صبوا جام غضبهم على الفرس واليهود على حد سواء.
وجاء اإلسكندر األكبر فاتحا لمصر ،وفتح صفحة جديدة لليهود ،و اكرم وفادتهم بل ازداد
في كرمه لهم وهيأ لهم حياة رغدة في عموم البالد .واألكثر بل واألخطر أنه « أسكنهم فی
شی خاص بهم بمدينة االسكندرية .وهي المدينة الحرة األولى ،والتي حرم منها
المصريون ،وتمتع باإلقامة فيها اليهود ،في حي من أهم أحيائها وهو الحي التجارى
وفي عهد بطليموس الثاني -فيالدلفيوس -والذي أطلق عليه صديق اليهود» .وكان
عصرهم الذهبي في مصر وقويت شوكتهم و انتشروا في ربوع البالد تحت حماية
بطليموس الثاني ،الذي رعاهم و أجزل لهم العطاء.
***
جـ -ماذا عن اليهود في مصر
ما هي أهم األعمال التي مارسوها بمصر؟
مارس اليهود في مصر شتى الحرف على اختالف أنواعها ،وكافة المهن ،مثل الزراعة
ومشتقاتها من تربية الماشية ،واستصالح األراضي البور ،وتفننوا في إدارة المصارف
المالية ،والتزام الضرائب والجندية وأعمال الحراسة على النيل ،هذا عن عموم اليهود
العاديين.
إال أن نفرا منهم تمكن من الترقي في المناصب اإلدارية الرفيعة في البالد ،منهم كان
الضابط وقائد الكتائب ورئيس الشرطة ،وسكرتير الملك وتقص علينا وثائق تلك الحقبة من
الزمن أن أحد اليهود تولى منصب حاكم إقليم (هليوبوليس) » .
بما مفاده تغلغل اليهود في شتى مرافق الدولة .وبقى القول الذي يصنف اليهود بأنهم كانوا
مرابين.
قد جاءت البرديات األرامية أن اليهود الذين جاءوا مصر قبل العصر البطلمى كانوا -رجاال
ونساء -يقرضون األموال بفوائد قد تصل أحيانا إلى .٪60
31
إال أن ما تحت أيدينا من وثائق بردية تشير إلى أن العمل الرئيسي لليهود لم يقتصر على
االشتغال بالتجارة و إقراض األموال بفائدة ،وإنما امتدت ساحته إلى كثير من مرافق الدولة
،كما أشرنا إلى ذلك حاال.
وكما رأينا فيما سلف أن اليهود انتشروا بأنحاء وأحياء مصر المختلفة ،إال أن البطالمة
فتحوا لهم مدينة االسكندرية على مصراعيها واستقروا بأهم حي من أحيائها ،وهو « الحي
الرابع ،وهو الحي التجاري.
من المعلوم أن االسكندرية كانت مقسمة -في العصر البطلمي -إلى خمسة أحياء ،وكان
الحي الرابع -كما رأينا -من نصيب اليهود ،إال أنهم مع ذلك تمكنوا من االنتشار في باقي
أحياء المدينة.
أمام هذه االمتيازات التي منحت لليهود في هذا العصر ،قد تكاثر عددهم في البالد ،ووصلوا
إلى ما يقرب من المليون شخص ،وكونوا األنفسهم جالية ،منحت قسطا كبيرا من الحكم
الذاتي لم يمنح ألية جالية أخرى في أي مدينة من المدن اإلغريقية.
وتولى مجلس أطلق عليه « مجلس الشيوخ » شئون اإلدارة وتولی مصالح اليهود ،كما
أنشئت محاكم خاصة لليهود طبقوا فيها القانون اليهودي « القانون الموسوی » نسبة إلى
سيدنا موسى عليه السالم.
وثمة مالحظة هامة تخلص في أن هؤالء اليهود سواء منهم من ولد بمدينة االسكندرية أو
الذين وفدوا إليها فيما بعد ،ال يعتبرون مواطنين من مواطني المدينة الحرة ،ومن هنا لم
يتمتعوا بالحقوق السياسية لمواطني المدن الحرة ،وهؤالء كانوا يشتركون في عبادة آلهة
المدينة ،األمر الذى رفضه اليهود اصال ،حيث اعتبر اليهود ذلك كفرا ال يتفق مع اعتزازه
وتمسكهم بأهداب دينهم،
هذا عن يهود الجاليات الذين استوطنوا بمدينة االسكندرية ،اما اليهود الذين انتشروا عبر
البالد ،فلم تشر إلينا الوثائق شيئا عن أحوالهم في البالد او عن طبيعة رابطتهم بجالية
اليهود الكبرى بمدينة االسكندرية .هل كانت لهم تجمعات أو تنظيمات إدارية مستقلة خاصة
بهم .إال أننا نرى من واقع طبيعة اليهود وسياستهم في تلك البالد التي أوتهم عبر تاريخهم
انهم كانوا يشكلون تجمعات في أحياء خاصة بهم ،يجتمعون فيها كجماعة واحدة « الجيتو
32
» ،وكانت لهم أنشطتهم المختلفة خاصة في مسائل التجارة و اإلقراض بفوائد کبری،
وشراء األراضي الزراعية وغيرها والتي كانوا يتوارثونها جيال بعد جيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ