You are on page 1of 5

‫مقال ياسر برهامي‪ :‬لماذا وقف "السلف" ضد "مرسي" ومع‬

‫الجيش؟‬
‫"اإلخوان" راهنوا على حل دموي مثل ليبيا وسوريا ويراهنون اآلن على شق الجيش وعلى اإلرهاب في سيناء!‬
‫السبت ‪ 20‬تموز (يوليو) ‪2013‬‬

‫ينتهي "الشيخ" ياسر برهامي (مواليد ‪ ،)١٩٥٨‬وهو أحد أبرز زعماء "السلفيين" المصريين‪ ،‬و"حزب النور"‬
‫تحديداً‪ ،‬في دفاعه الذي نشره موقع السلف إلى دعوة "مكتب إرشاد اإلخوان" لتقديم استقالته‪ .‬كما يقترح اإلستقالة‬
‫على مجلس إدارة الدعوة السلفية‪ ،‬إقراراً منه بما تثيره مواقفه من تشنّجات داخل الصف السلفي‪.‬‬

‫ويستعرض برهامي جملة خالفات مع "اإلخوان" المسلمين تشمل خرقهم التفاقية عدم ترشيخ "إسالمي" لرئاسة مصر‬
‫أو حتى لرئاسة الحكومة‪ ،‬وتنتهي إلى اتهامهم بالمسؤولية عن األعمال اإلرهابية في "سيناء"‪ ،‬وحتى بالرهان على ما يشبه‬
‫حرب أهلية‪ ،‬على غرار ما حدث في ليبيا وسوريا‪ ،‬وبالرهان على "شق الجيش المصري"‪ .‬مروراً باستهجان مواقف‬
‫"مرسي" ومنها اعتباره أن موقف حكومته متطابق مع الموقف الروسي من أزمة سوريا!‬

‫ويدخل في تبرير ياسر برهامي أن الرئيس مرسي لم يكن "متم ّكناً" من السلطة! ومبدأ "التمكين" هو مبدأ‪ ،‬أو ذريعة‪،‬‬
‫معروفة في فكر القرون الوسطى اإلسالمية (في الصورة الطريفة المرفقة‪ ،‬رئيس مصر في وضعية "إمام" يؤم المصلّين‪،‬‬
‫وبينهم ياسر برهامي!) كما يدخل فيه عجز "اإلخوان" عن تأمين قوت المصريين‪,‬‬

‫المؤيدون لـ"مرسي" سيردّون بأن قسما ً من "السلفيين" كان "مرتبطاً" بـجهاز "أمن الدولة" منذ عهد مبارك! وهذا‬
‫سر مواقف جميع السلفيين‪ .‬وليس كافيا ً لتفسير قبولهم باإلطاحة بمرسي على يد القيادة‬
‫صحيح‪ .‬ولكن هذا اإلرتباط ال يف ّ‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫نص جدير بالقراءة نشره موقع "صوت السلف" وأضفنا إليه عناوين فرعية‪.‬‬

‫الشفاف‬

‫*‬

‫عتاب هادئ لإلخوة المخالفين في الداخل والخارج‬

‫كتبه‪ /‬ياسر برهامي‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬أما بعد؛‬

‫فرغم أن الهدوء في هذه األيام في غاية الصعوبة وسط جو مشحون باألحداث الهائلة والفتن المتراكبة‪ ،‬والتهم المتناثرة التي‬
‫بدأت بالخيانة والعمالة ووصلت إلى النفاق والكفر والردة!‬

‫ورغم أنه لم تتعرض دعوة ودعاتها وال حزب ورجاله لمثل ما تعرضت له "الدعوة السلفية" و"حزب النور" من حملة‬
‫تشويه هائلة تهدف إلى هدم كيانها من قواعده بسبب االختالف في مواقف سياسية؛ رغم التعاهد الصريح قبل تأييد حملة‬
‫د‪".‬مرسي" في اإلعادة على عدم محاولة هدم الكيانات اإلسالمية ‪-‬وكان ذلك بمكتب اإلرشاد‪ ،-‬ورغم نزيف الدماء المؤلم لكل‬
‫مسلم في كل مكان ونزيف الرصيد الدعوي للعمل اإلسالمي وسط الناس الذين هم رجاء التغيير المنشود‪ ،‬رغم كل ذلك‪ ...‬إال أنه‬
‫البد من الهدوء في المناقشة مع "إخواننا" الذين خالفونا واتهمونا‪ ،‬بعيدًا عن التشنج والتعصب واالستبداد‪ j‬بالرأي ‪ -‬في داخل‬
‫مصر وخارجها‪ ،‬بل وفي داخل الدعوة والحزب وخارجهما لعلنا نستبصر مواقع أقدامنا وخطوات المستقبل في وسط هذه الفتنة‬
‫المظلمة‪.‬‬

‫دعونا نسترجع معًا بعض المواقف التي كنا نتخذها من عهد قريب ‪-‬أو بعضنا على األقل‪ -‬ولم تكن وقتها مقتضية عند‬
‫المخالفين اليوم لكفر أو نفاق أو خيانة‪ ،‬بل ربما كانت نصحًا لألمة وسعيًا لمصلحتها‪ ،‬وما احتمل ذلك ال يصلح بحال أن يتحول‬
‫من نصح وصالح إلى ردة ونفاق وخيانة! فإن الكفر والنفاق أعمال وأقوال معلومة بنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬ومن ذلك الوالء‬
‫والبراء‪.‬‬

‫دعوا عنكم أمر النيات إلى َم ن يعلم السر وأخفى فإن اتهام النيات جرأة على هللا رد عليها النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في‬
‫مسألة احتفت بها قرائن تكاد تصل للقطع عند الناظرين بقوله‪َ( :‬أفَال َشقَ ْقتَ ع َْن قَ ْلبِ ِه) (متفق عليه)‪ ،‬ونحن ال نجزم ألنفسنا‬
‫باإلخالص فمن ظن في عمله إخالص فهو يحتاج إلى إخالص‪ ،‬و(ِإنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هَّللا ُ ِمنَ ْال ُمتَّقِينَ ) (المائدة‪ ،)27:‬وإنما نقول‪" :‬اللهم‬
‫إن كنتَ تعلم أنَّا فعلنا ذلك ابتغاء وجهك‪ ،‬فافرج عنا ما نحن فيه"‪.‬‬

‫أول هذه المواقف التي أذ ِّكر نفسي وإخواني بها‪ :‬ما كنا اتفقنا فيه مع اإلخوان في أول الثورة أن المرحلة ال تحتمل أن يتقدم‬
‫اإلسالميون بمرشح لهم من الرئاسة؛ ألن احتماالت السقوط أكبر لالنهيار الذي تركت فيه البالد والتجريف للكفاءات الذي تم‬
‫سا لمدة‬‫في العهد البائد‪ ،‬وأتذكر أن أحد األساتذة األفاضل من جماعة اإلخوان هو أ‪".‬محمد حسين" قال لي‪" :‬لن نرشح رئي ً‬
‫سا للحكومة لمدة دورة على األقل ‪5-‬‬
‫دورتين على األقل ‪-‬وقت أن كانت الدورة ‪ 6‬سنوات أي ‪ 12‬سنة‪ -‬ولن نرشح رئي ً‬
‫سنوات‪ "-‬ومعلوم أن مقتضى ذلك أن يكون الرئيس الذي نختاره إما ليبراليًّا أو من المدرسة القومية‪ ،‬فهل كان هذا الرأي‬
‫خيانة لألمة؟! ألم تظل جماعة اإلخوان على موقفها حتى قررت بأغلبية ضئيلة "‪ "53 : 56‬تقديم مرشح للرئاسة مع أننا‬
‫أرسلنا لهم عدة رسائل بالنصيحة بعدم تقديم مرشح وهو الموقف الذي التزمت به الدعوة طيلة هذه المرحلة ‪-‬وما زالت‪-‬؟!‬

‫هل كان َمن صوتوا بالرفض خائنين لألمة فضالً عن خيانة هللا والرسول؟!‬

‫أتذكر موقف أحد شيوخ السلفية الفضالء وهو الشيخ "عبد الرحمن عبد الخالق" ‪-‬حفظه هللا‪ -‬وقد زرته في بيته ببنها أول‬
‫نزوله مصر‪ ،‬وقال لي‪" :‬إن الوضع ال يحتمل رئيسًا إسالميًّا وإنما نحتاج رجالً مصليًا متدينًا في الجملة ال يحارب اإلسالم"‪،‬‬
‫وعندما كلمته عن أحد المرشحين اإلسالميين وبعض عباراته ‪-‬التي سمعتها بنفسي‪ -‬نحو‪" :‬ال مانع من الدفع بالبالد في المسار‬
‫السوري والليبي إذا لم يستجب العسكر لمطالبنا!"‪ ،‬و"إن حل مشكلة إسرائيل بكل بساطة أن نرسل ‪ 4000‬شابًا يصيفون على‬
‫انتهت!"‪" ،‬وإن مشكلة الغذاء عندنا أو حتى احتماالت الحصار‬‫ْ‬ ‫خليج العقبة ويغلقون مضيق تيران‪ ،‬وبذلك تكون إسرائيل قد‬
‫االقتصادي تُحل بتحقيق االكتفاء الذاتي بزرع ‪ 100‬ألف فدان قمح في سيناء على ماء المطر!" ‪-‬وهل سيناء فيها مطر وأرض‬
‫تكفي ذلك فعالً؟!‪ ،-‬وقال الشيخ دون أن يعرف اسم الرجل‪" :‬إن هذا الرجل ال يصلح أن يقود عزبة فضالً عن أن يقود مصر!"‪.‬‬

‫هل كان هذا الموقف خيانة هلل وللرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ولألمة؟!‬

‫هل كان "مرسي" اإلمام المم ّكن؟‬

‫سيقول الكثيرون‪ :‬الظروف قد تغيرت‪ ،‬وقد ُوجد اإلمام المم َّكن وتمت بيعته باالنتخابات فال يجوز الخروج عليه‪ ،‬وقد بالغ‬
‫البعض فجعل من سكت على ذلك وتعامل مع الواقع الجديد من الخوارج‪ ،‬وبالغ البعض أشد منه فجعله من الموالين للكفار‬
‫والمرتدين!‬

‫ويا عجبًا‪ ! ...‬هل مجرد خلع اإلمام الذي ثبتت إمامته يُعد صاحبه من الخوارج دون القول بتكفير مرتكب الكبيرة‪ ،‬وتكفير‬
‫الحاكم أو غيره مع قتاله؟‬
‫هل قتال طلحة والزبير ومعاوية لعلي ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬جعلهم من الخوارج فضالً عن ارتدادهم بذلك؟!ونقول‪ :‬إن وجود‬
‫اإلمام المم َّك ن وثبوت بيعته باالنتخابات هو وهم الحلم الجميل الذي عشناه وما زال البعض يعيشه!‬

‫يا قومنا‪ ...‬أليس عندكم جميعًا ‪-‬فيما أعلم‪ -‬أن اإلمامة ال تثبت إال بشوكة تفرض الطاعة؟!هل كان أهل الشوكة الحقيقية في‬
‫البالد مطيعين للدكتور "مرسي" ال يقدرون على مخالفته؟!‬

‫وهل كان الجيش والشرطة والمخابرات‪ ،‬ثم أجهزة اإلعالم‪ ،‬وأهل المال واالقتصاد‪ ،‬والقضاء والدولة العميقة وأتباع النظام‬
‫السابق في يد الرئيس؟!‬

‫هل استطاع د‪".‬مرسي" أن يقيم الدين أو أن يسوس الدنيا بالدين أم أحسن أحواله أن يكون عاج ًزا‪ ،‬بل ما استطاع أن يسوس‬
‫دنيا الناس ويوفر حاجياتهم؛ ولو بغير الدين‪ ،‬ولو بالربا ومنح التصاريح للخمارات؟!الكل يعلم أن جز ًءا من المشاكل مفتعل وهذا‬
‫دليل على أنه لم يكن مم َّكنً ا؛ إذ عجز عن حل المشاكل إلى درجة سخط شعبي عارم‪ ،‬فالناس على نحو ما قال القائل‪:‬‬

‫عض قلبي وال تعض رغيفي إن قلبي على الرغيف رهيف‬

‫فكل هؤالء يخالفونه حتى ُوجد لهم الظهير الشعبي المتضرر ِمن ف ْقد أساسيات حياته وهو عاجز عن قيادة البالد دنيا أو دين‬
‫وسط هذه الصراعات‪ ،‬وفي الدول المحيطة مخالفة مماثلة‪ :‬دول الخليج ‪ -‬أثيوبيا ‪ -‬حتى السودان خذلتنا في سد النهضة ‪-‬‬
‫إسرائيل "حدث وال حرج" ‪ -‬دول الربيع العربي مشغولة بمشاكل ثوراتها‪.‬أما َمن يعد إيران وتابعتها العراق حليفًا للمشروع‬
‫اإلسالمي فهي مصيبة مركبة‪.‬‬

‫وأما الموقف الدولي فمعلوم حقيقة ما يريده الغرب وأنه مع من يقدم التنازالت أكثر؛ وحبذا لو كان بغطاء إسالمي‪ ،‬وهم‬
‫يركزون ج ًّدا على الجانب الثقافي والفكري ممثالً في الدستور وهو أول ما بذله اإلخوان ومستعدون لبذله من تنازالت‪ ،‬فكيف‬
‫يمكن لرئيس "مم َّكن" ‪-‬كما يزعم َمن يزعم!‪ -‬أن يقود بلده وسط كل هذا؟!‬

‫فالسقوط مقطوع به تقدم أو تأخر؛ ألن فلسفة القيادة لم تكن في محاولة استيعاب المخالفين فضالً عن الموافقين‪ ،‬وإنما في‬
‫الصدام مع الجميع وفي نفس الوقت هل يقبل أن يكون "اإلمام المم َّكن" يتلقى إنذا ًرا من قائد جيشه ثم ال يقوم بعزله وإنما يطالبه‬
‫بسحب إنذاره ومهلته! الذي ال شك فيه إنه كان غير قادر على عزله‪" .‬حزب النور" لم يشارك في انقالب ‪-‬كما يقولون!‪ -‬وإنما‬
‫تعامل مع واقع مفروض كان موجودًا قبل ذلك للناظرين بعين الحقيقة‪ ،‬وأصبح معلنًا بالبيان الذي تم فيه عزل الرئيس بعد أن‬
‫سيطر الجيش على مقاليد البالد خالل المهلة تحت سمع وبصر الجميع‪ ،‬وسيطر على وسائل اإلعالم ووضع الرئيس تحت‬
‫اإلقامة الجبرية‪.‬هل خطؤنا أنكم تقرؤون المشهد على غير حقيقته أو تفهمونه بما تحبونه كما فسرتم اإلنذار األول والمهلة األولى‬
‫التي كانت أسبوعًا على أنها إنذار للمعارضة وليس للرئاسة؟!‬

‫والعجب أنه حتى لو كان األمر كذلك فكان هذا دون أمر من الرئاسة‪ ...‬فأين التمكين‪ j‬يا عباد هللا؟! وأين الشوكة؟! وأين إقامة‬
‫الدين‪ j،‬وسياسة الدنيا بالدين أو بغيره؟!‬

‫نحن تعاملنا مع الواقع الجديد‪- j‬القديم في الحقيقة‪ -‬كما كنتم أنتم تتعاملون معه طيلة سنة ونصف حكم فيها المجلس العسكري؛‬
‫وهذا هو الموقف الثاني الذي أذكركم به‪ :‬فلم تكن هذه خيانة هلل وللرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ولألمة‪ ،‬بل كانت ‪-‬كما كانت من‬
‫قبل‪ -‬در ًءا للمفاسد وجلبًا للمصالح‪ ،‬وأهمها‪ :‬تجنب أن نضع اإلسالميين جميعًا في بوتقة واحدة ضد الشعب تقاتله وتهدده بأنهم‬
‫سيسحقونه في "‪ !"6/ 30‬وأنه‪َ " :‬من رش الرئيس بالماء سنرشه بالدم"‪ ،‬و"أن هناك ‪ 100‬ألفًا قد بايعوا على الهجوم ال‬
‫الدفاع!"‪ ،‬مع إظهار السالح واستعماله علنًا في محافظات كثيرة‪ ...‬ثم كانت الطامة األشد في إعالن البعض صراحة أن‬
‫عمليات سيناء تتوقف فو ًرا إذا عاد "مرسي" إلى الكرسي‪ ،‬وإال ستستمر؛ فقائل هذا يح ِّمل الجماعة علنًا مسئولية كل العمليات‬
‫التي تجري في سيناء!‬

‫مع أن الذين خرجوا في "‪ "6/ 30‬لم يكونوا كلهم من العلمانيين والنصارى والفلول وأطفال الشوارع‪ ،‬بل كانت ماليين‬
‫حقيقية تطالب بلقمة عيشها التي حرمت منها بمؤامرات أو غير مؤامرات‪ ،‬فـ"المطلوب من القيادة أن تقود رغم المؤامرات وإال‬
‫فإذا عجزت فلترحل"‪.‬‬
‫صا الملتحين والمنقبات طيلة‬
‫إن السخط على كل ما هو "إسالمي" ‪-‬باالصطالح المعاصر‪ -‬كان ال يخفى على أحد خصو ً‬
‫ت‪ ،‬ولألسف كانت قراءة المشهد عند من يتخذ القرار من جنس أن‬ ‫أسبوعين تقريبًا قبل "‪ "6/ 30‬من سب واتهام وأحيانًا اعتداءا ٍ‬
‫مهلة األسبوع التي أمهلها الجيش كانت إنذا ًرا للمعارضة مع أننا نبهنا على ذلك قوالً وكتابة في الوثيقة التي استلمها وفد مكتب‬
‫اإلرشاد الذي زار الدعوة في "‪2013-6-16‬م"‪ ،‬وفيها تحذير من إعطاء المبرر لتدخل الجيش‪ ...‬ووهللا لم يكن عن تواطؤ‪ ،‬ولكن‬
‫توقع واحتمال يدركه كل من يقرأ المشهد قراءة واعية‪ ،‬وليس حسب ما يحب هو أن يراه ويقرأه‪.‬‬

‫وما قاله البعض عن وجوب استنقاذ اإلمام إذا ُأ ِسر فهو تابع في الحقيقة لهذا التصور الوهمي ِمن وجود إمام مم َّكن‪ ،‬وأن‬
‫االنتخابات بيعة! (سؤال عابر‪ :‬هل لو كسب شفيق بدون تزوير ستكون بيعة له؟!) فمجرد نية إقامة الشريعة ال تكفي في تصحيح‬
‫اإلمامة‪ ،‬فكلنا ننوي ذلك‪ ...‬فهل كلنا أئمة؟!‬

‫والصورة التي ذكرها العلماء هي في أسر اإلمام ِمن قِبَل الكفار‪ ،‬وأظن أن سيف التكفير جاهز لكل من خالفوا‪ ،‬ولم يقل‬
‫العلماء ولم يطبقوا هذا في خليفة عزله السلطان وأسره‪ ،‬بل وقتله‪ ،‬وارجعوا للتاريخ ستجدون ك ًما هائالً من ذلك‪ ،‬ولقد كان أئمة‬
‫السنة في زمن الصراع بين األمويين والعباسيين ولم يقولوا بوجوب استنقاذ اإلمام األسير‪ ،‬بل تعاملوا مع الواقع الجديد‪ j‬الذي‬
‫صار حقيقة بالتغلب‪.‬‬

‫وأكرر ليس خطؤنا أنكم ال تحسنون قراءة المشهد‪.‬‬

‫وعذ ًر ا لمن هم خارج البالد من المشايخ والدعاة‪ :‬لم يكن لكم أن تتورطوا في اإلفتاء على واقع ال تعلمونه اعتمادًا على نقل‬
‫من توالونه ولم تسمعوا ممن خالفه! فعسى أن تعيدوا النظر‪.‬‬

‫وهل يكفي االعتماد على وسائل اإلعالم المسماة باإلسالمية التي صار الكذب ‪-‬وهو على ما أعلم يجوز في الحرب‪ -‬هو‬
‫السالح األول المستعمل لتشويه الحقائق ولي الوقائع لتصل في النهاية إلى استخراج البيانات بهذه الصورة‪.‬‬

‫موقف ثالث أذ ِّكر به‪ :‬هو ما كان من وجود "التحالف الديمقراطي" الذي رعاه حزب الحرية والعدالة؛ "تحالف"‬
‫و"ديمقراطي" وعلى رأسه رموز الليبراليين وكانوا معروفي االتجاه الفكري تما ًما‪ ،‬بل صاروا قادة جبهة اإلنقاذ‪ ،‬وم َّر على‬
‫المشايخ والدعاة واإلعالم المسمي باإلسالمي مرور الكرام‪ ،‬بل مع التبرير الشرعي بحلف الفضول!‬

‫قارنوا بين هذا الموقف وقد ق َّد م رموز الليبرالية لالنتخاب على "قوائم اإلخوان" دون غضاضة وبين موقف "حزب النور"‬
‫في مبادرته التي طالب فيها بإصالح حقيقي تحتاج إليه البالد‪ ،‬ومصالحة مع مؤسسات الدولة ال يمكن أن يستمر العمل دونها؛‬
‫وإذا بالعالم كله يسمع عن مواالة "حزب النور" ألعداء هللا العلمانيين‪ j،‬معسكر الكفر‪ ،‬والديمقراطية كفر‪! ...‬‬

‫مع أننا لم نقبل قط حق التشريع لغير هللا‪.‬‬

‫وال قلنا‪ :‬إن عرض القوانين على هيئة كبار العلماء لبيان "حكم الشريعة" فيها تأسيس للدولة الدينية المرفوضة!وال قلنا‪ :‬إن‬
‫التشريع هو لهذا الشعب ممثالً في مجلس الشورى؛ ألن الشعب مصدر السلطات! بل نفسر مصدر السلطات بأنه بضوابط‬
‫الدستور المتضمن مرجعية الشريعة فال يجوز لمجلس الشورى أو النواب أن يسن خالف الشريعة‪.‬‬

‫مرسي أعلن أن الموقف المصري يتطابق مع الموقف الروسي من األزمة السورية!‬

‫هل كانت كل هذه المصطلحات‪ ،‬وكل هؤالء األشخاص‪ ،‬وكل هذا المنهج الفكري مختلفًا عما هو عليه اآلن عندما تحالف‬
‫معهم اإلخوان؟! ولم نتحالف معهم قط‪ ،‬وال والينا َمن يخالف الشرع‪ ،‬وإنما حصل توافق على موقف سياسي كان أقبح منه بال‬
‫شك ما أعلنه د‪".‬مرسي" بأن الموقف المصري يتطابق مع الموقف الروسي من األزمة السورية!‬

‫يا للعجب‪ ! ...‬يا شيوخ السلفية المتهمين‪ j‬لحزب النور والدعوة بالنفاق لماذا لم تنطقوا بكلمة على ما سبق وقتها؟! لماذا الكيل‬
‫بمكيالين؟! إلى هللا المشتكى‪.‬‬
‫القرضاوي أفتى بالقتال في الجيش األميركي ضد دولة الطالبان!‬

‫موقف رابع‪ :‬يوم أن أفتى د‪".‬يوسف القرضاوي" بأنه "يجوز" للمجند األمريكي أن يقاتل مع الجيش األمريكي ضد دولة‬
‫أفغانستان المسلمة لم ينعقد اتحاد علماء المسلمين ليبين حرمة مواالة الكفار‪ ،‬ولم تنطلق األلسنة مكفرة ومضللـة وحاكمة بالنفاق‬
‫مع أن القتال والنصرة أعظم صور المواالة ظهو ًرا‪ ،‬ودولة أفغانستان كانت تطبق الحدود وتعلن مرجعية اإلسالم‪ ،‬أما اآلن فقد‬
‫ك َخ ْيرًا لَهُ ْم َوِإ ْن يَت ََولَّوْ ا يُ َع ِّذ ْبهُ ُم هَّللا ُ َع َذابًا َألِي ًما فِي ال ُّد ْنيَا َو ِ‬
‫اآلخ َر ِة‬ ‫انطلقت األلسنة تقول في إشارة يفهمها الجميع‪ ...( :‬فَِإ ْن يَتُوبُوا يَ ُ‬
‫ْ‬ ‫هَّلل‬
‫ير) (التوبة‪ ،)74:‬مع أن صدر اآلية‪( :‬يَحْ لِفُونَ بِا ِ َما قَالُوا َولَقَ ْد قَالُوا َكلِ َمةَ ال ُك ْف ِر َو َكفَرُوا‬ ‫ص ٍ‬ ‫َو َما لَهُ ْم فِي اَألرْ ِ‬
‫ض ِم ْن َولِ ٍّي َوال نَ ِ‬
‫بَ ْع َد ِإسْال ِم ِه ْم َوهَ ُّموا بِ َما لَ ْم يَنَالُوا‪ ،) ...‬فهل رأيتم "حزب النور" قال كلمة الكفر وكفر بعد إسالمه؟!‬

‫"اإلخوان يراهنون على شق الجيش وعلى الحرب األهلية!‬

‫نوصي أنفسنا وإياكم بتقوى هللا‪ ،‬نحن فقط تعاملنا مع واقع حقيقي فرض نفسه‪ ،‬ليس في قدرتنا أن نشارك فيه‪ ،‬ولم نشأ أن‬
‫نطيع غيرنا في أن نصطدم بالحائط أو نلقي أنفسنا في هاوية مهلكة تؤدي إلى خسارة الدين والدنيا؛ خسارة الدعوة والمنزلة في‬
‫قلوب الناس وخسارة المنصب الذي ال يسمن وال يغني من جوع في نفس الوقت‪ ،‬خسارة الدماء التي تراق‪ ،‬واألموال التي تُدمر‪،‬‬
‫والبلد الذي ينهار‪ ،‬والجيش الذي يُراد انقسامه ويُراهَن على انشقاقه إلعادة الرئيس بعد كم ِمن األرواح تزهق! وعلى أي‬
‫أشالء وطن يعود الرئيس؟! وإذا لم يعد في المنطقة غير جيش واحد "هو جيش إسرائيل"؛ فمن الذي سيأمر فيطاع‪ :‬د‪".‬مرسي"‬
‫أم األيدي واألصابع من الخارج؟! إلى هللا المشتكى‪.‬‬

‫إن الخطاب الكارثي المستعمل باسم اإلسالم ‪-‬المبني على العنف الدموي في سيناء وغيرها‪ -‬والتكفير للمخالف "إسالمي‬
‫وغيره" يقتضي وقفة صادقة مع النفس لهذا االتجاه بأسره‪.‬‬

‫وأنا أنصح "مكتب اإلرشاد"‪ :‬أن يستخيروا هللا في االستقالة لمجلس الشورى التابع لهم استنقا ًذا للجماعة التي نريد أن‬
‫تظل عاملة وبقوة في الشارع المصري مقبولة من الجماهير‪ ،‬وقبل ذلك حفاظًا على ما بقي من العمل اإلسالمي ومصلحة‬
‫اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ومصلحة هذا الوطن وهذه األمة في مشارقها ومغاربها‪.‬‬

‫وأنصح كذلك إخواني في مجلس إدارة الدعوة السلفية‪ :‬بعد أن قدموا كشف حساب عن المرحلة السابقة لمجلس الشورى العام‬
‫للدعوة أن يضعوا استقاالتهم بين يدي إخوانهم ليقرروا ما شاءوا‪.‬‬

‫اللهم بلغت‪ ...‬اللهم فاشهد‪.‬‬

You might also like