Professional Documents
Culture Documents
رموز .. أم أوثان؟!
رموز .. أم أوثان؟!
عبادة كل ما عُبد من دون هللا تعالى ،سواء كان نبيا مرسال أم
ملكا مقربا أم عبدا صالحا أم حاكما متجبرا أم كاهنا كذابا أم قانونا
متبعا أم قبرا معظما أو شجرة أو صخرة متبرك بهما أو شيطانا
مخوفا وما شابه.
وكما هي سنة هللا –سبحانه -في األمم التي خلت من قبل،
فإن الناس ال يلبثون إذا طال عليهم األمد أن يَخلَق عندهم التوحيد
فيعودوا إلى تجديد الشرك ونصب الطواغيت ،وعبادتهم من دون
هللا تعالى ،بل ودعوة الناس إلى عبادتها.
ومن أبرز صور شرك المشركين اتخاذهم من يرون فيهم
الخير من العبّاد الز ّهاد آلهة ،يبدؤون أوال بتصوير هؤالء العبّاد
كأصنام باعتبار صورهم تذكر الناس بعبادة الز ّهاد هلل –تعالى-
المعظمين َّ وتثبت من يراها على الطريق الذي سلكوه ،ثم يتحول
إلى أوثان تُعبد من دون هللا سبحانه ،تُطلب منهم الشفاعة ويُذبح
لهم ويُنذر لهم إلخ ،وفي ظن المشركين أنهم يتقربون بذلك إلى
هللا تعالى ،ويرفضون تسمية أفعالهم شركا باهلل ،كما في قولهم:
ّللا ُز ْلفَى} ،وقولهمَ { :هؤ َُال ِء شُفَعَا ُؤنَا { َما نَ ْعبُ ُدهُ ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ ّربُونَا ِإلَى َّ ِ
ّللا} ،ويدافعون عن معبوداتهم هذه أشد الدفاع ويرفضون كل ِعن َد َّ ِ
من ينهاهم عنها ،كما في قولهمَ { :ال تَذَ ُر َّن آ ِل َهتَكُ ْم َو َال تَذَ ُر َّن َودًّا
وث َو َي ُعوقَ َونَسْرا} ،بل ويتبعهم في ذلك من س َواعا َو َال َيغُ َ َو َال ُ
أتباعهم من ازدادوا كفرا بجعلهم اتباع اآلباء وطاعتهم دينا ينهاهم
عن طاعة هللا عز وجل ،كما قال هللا –تعالى -فيهمَ { :و ِإذَا قِي َل
الرسُو ِل قَالُوا َح ْسبُنَا َما َو َج ْدنَا لَ ُه ْم تَ َعالَ ْوا إلَى َما أَ ْنزَ َل َّ ُ
ّللا َو ِإلَى َّ
علَ ْي ِه آبَا َءنَا} ،وقد أبطل هللا دعواهم تلك بقوله{ :أَ َولَ ْو َكانَ آبَا ُؤهُ ْم َ
شيْئا َو َال يَ ْهتَدُونَ } ،قال ابن العربي في تفسير هذه َال يَ ْعلَ ُمونَ َ
اآلية« :قولهم :وجدنا عليه آباءنا ،فنحن نقتدي بهم في أفعالهم،
ونمتثل ما شاهدناه من أعمالهم ،ولم يثبت عندهم أن آباءهم بالهدى
عاملون ،وعن غير الحق معصومون ،ونسوا أن الباطل جائز
عليهم» [أحكام القرآن].
رموز أم أوثان »3« ..............................................................
على هذا «الرمز» أو ذاك وكل منهم يزعم أنه الوارث إلرثه،
والمتبع لسنته ،والسائر على نهجه ،واألمين على رسالته ،فوصل
األمر ببعضهم إلى «بابيّة» معاصرة ،شبيهة بما لدى الرافضة
والباطنية -أخزاهم هللا تعالى -الذين يقدسون بعض شيوخهم
وعلمائهم بزعم أنهم األبواب إلى أئمتهم من آل البيت الذين
يزعمون أنهم أحياء بعد موتهم يتواصلون مع الناس عن طريق
هؤالء األبواب ،وذلك بأن يعلن بعض أفراد هذه األحزاب أن
الوصي على منهج «الرمز» والحامي للحزب أو التنظيم أو
الفصيل من االنحراف عن منهجه.
إن ارتباط الحزب أو التنظيم أو الفصيل بشخصيات
«الرموز» وحرصه على االستقواء بهم إنما هو سمة عامة ألهل
الضالل ،ألن المسلم يعلم أن الكتاب والسنة هما الركن الشديد
الذي يُلجأ إليه في إثبات صحة دعواه ،فمن أعياه من أهل الضالل
إيجاد الدليل الشرعي لجأ إلى االستدالل البدعي على «صحة»
منهجه ،كما تفعل األحزاب الضالة اليوم باستنادها في إثبات
«صحة» منهجها بالمشاهير من «رموزها» ،الذين لو بحثنا في
حقائقهم لوجدنا أن منهم المبتدع الضال ،بل منهم من تلبس بردّة
صريحة ،أو تستدل على «صحة» منهجها بحجم تضحيات
السابقين من أفرادها ،وعدد من قتل وسجن منهم ،أو بعدد أتباعها
وحجم انتشار أفكارها ،وكل هذه األمور ال تغني من الحق شيئا.
فالمسلم يقيس «الرموز» بمقياس الدين ،وال يقيس دينه على
مقياس «الرموز» ،ويعرف قدر «الرموز» بمقدار اتباعهم
للحق ،ال أن يبحث عن الحق في أقوال «الرموز» وأفعالهم،
ويسعى ألن يكون عبدا هلل -عز وجل -ال عبدا للحزب والتنظيم
و«رموزهم» ،وتابعا لرسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -ال لمنهج
الفصيل والحركة.
لقد كثرت «الرموز» اليوم ،وباتت أكثر من أوثان
المشركين في الجاهلية ،وكل من الناس يدعو إلى «رمزه» كما
رموز أم أوثان »5« ..............................................................
مناهجهم لكتاب هللا وسنة نبيه ،عليه الصالة والسالم ،فبات في
الواقع عشرات السبل على رأس كل منها شيطان يدعو إلى النار،
وصرنا نرى من عجائب األمور أن صار أتباع األحزاب
والتنظيمات كلما خطوا انحرافا جديدا بحثوا عن مسوغ له من
أفعال «رموزهم» لعلمهم اليقيني أن ال أحد من حزبهم يجرؤ
على انتقاد أفعال أولئك «الرموز» ،وبالتالي يصبح الفعل أو
القول مهما بلغ من الضالل «شرعيا» في دينهم ما دام أحد
«الرموز» قد قام به ،أو رضيه ،أو لمجرد السكوت عنه،
فصاروا بذلك أربابا يعبدون من دون هللا تعالى ،يشرعون لهم
من الدين ما لم يأذن به هللا.
وإننا نرى اليوم أن الضالين من أتباع تلك الفصائل يضعون
أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم ويرفضون السماع لمن
يدعوهم إلى الحق بمجرد أن يذكر «رموزهم» بسوء ،بل ويزداد
تعصب كثير منهم لتلك «الرموز» كلما زادت حدة الهجوم عليهم
لبيان حقيقتهم ،فشابهوا بذلك حال المشركين الذين كانوا يحاربون
الرسل إذا ما بينوا لهم حقيقة األوثان التي يعبدونها ،كما وصف
هللا حال بعض منهم بقولهمَ { :و َال تَذَ ُر َّن َودًّا َو َال سُ َواعا َو َال يَغُ َ
وث
علَى آ ِل َهتِكُ ْم إِ َّن َهذَا امشُوا َوا ْ
صبِ ُروا َ َويَعُوقَ َونَسْرا} ،وقولهم{ :أَ ِن ْ
لَ َ
ش ْيء ي َُرا ُد}.
وبالتالي ال بد من وضع كل من أولئك «الرموز» في حجمه
الحقيقي وفق المقياس الشرعي ،فمن كان منهم من الصالحين
الذين غال الناس في محبتهم بعد وفاتهم ،حفظنا له حقه ،وسعينا
إلى هدم طريقة أتباعه في تقديسه والغلو فيه ،واتّباعه من دون
أمر هللا ورسوله ،ومن كان في نفسه ضاال أو مرتدا بيّنّا للناس
حكمه ،وحكم طريقته ومنهجه ،ليهلك من هلك عن بينة ويحيى
ي عن بينة ،وال يمكن أن ندعو الناس إلى التوحيد ،مع من ح ّ
يحرفون الناس عن طاعة هللا إلى طاعة ِ تركنا ألولئك الذين
أنفسهم ،وعن اتباع رسول هللا -عليه الصالة والسالم -إلى اتباع
طرقهم ومناهجهم الضالة المنحرفة ،إنها معركة واحدة يجب أن
رموز أم أوثان »14« ..............................................................
اعتبروه هجاء من النبي -صلى هللا عليه وسلم -لهم ،وما كان ذلك
بهجاء الشعراء ،إن هو إال كالم رب العالمين.
لقد أمر هللا تعالى عباده المؤمنين أن يشهدوا بالحق على كل
إنسان ولو كان على أنفسهم ،فقال سبحانه{ :يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا
علَى أَنفُ ِسكُ ْم أَ ِو ْال َوا ِل َدي ِْن
لِل َولَ ْو َ امينَ ِب ْال ِقس ِ
ْط شُ َه َدا َء ِ َّ ِ كُونُوا قَ َّو ِ
َو ْاألَ ْق َر ِبينَ } [النساء ،]135 :وليس من اإلقساط في شيء أن يعظم
رأس الضاللة ،كما إنه ليس من اإلقساط في شيء أن يحكم على
التابع بحكم بناء على سيره في طريق ضالل ،وينجو من ذلك
الحكم من يقوده في طريق الضاللة تلك ممن يزعم العلم
والبصيرة ،ويتصدر لقيادة األمة وهداية العالمين.
إن المنهج الذي سار عليه أهل الحديث في الجرح والتعديل
كي يعرف الناس ع ّمن يأخذون دينهم ،ويأمنوا سالمة نقل العلم
إليهم ،لهو منهج واجب اتباعه في الحكم على أهل الحق والضالل
فيعرف السنّي بما لديه من الحق ،ويُنهى عماّ على ح ّد سواء،
ويعرف الضا ّل بما لديه منّ لديه من األوهام إن وجدت،
الضالالت ،وينهى عن األخذ منه.
وليكن رائد كل مسلم في بحثه عن الهدى قول علي بن أبي
طالب ،رضي هللا عنه« :الحق ال يعرف بالرجال ،اعرف الحق،
تعرف أهله».
رموز أم أوثان »20« ..............................................................
وقوله تعالىَ { :ونَا َدى نُوح َّربَّهُ فَقَا َل َربّ ِ إِ َّن ا ْبنِي ِم ْن أَ ْه ِلي َوإِ َّن
ْس ِم ْن ح ِإنَّهُ لَي َ َو ْعدَكَ ْال َح ُّق َوأَنتَ أَحْ َك ُم ْال َحا ِك ِمينَ * قَا َل َيا نُو ُ
ْس لَكَ ِب ِه ِع ْلم ِإنِّي أَ ِعظُكَ
صا ِلح فَ َال تَ ْسأ َ ْل ِن َما لَي َ
غي ُْر َ أَ ْهلِكَ ِإنَّهُ َ
ع َمل َ
أَن تَكُونَ ِمنَ ْال َجا ِهلِينَ } [هود ،]46-45 :وقوله صلى هللا عليه
وسلم( :يا أم الزبير بن العوام عمة رسول هللا ،يا فاطمة بنت
محمد ،اشتريا أنفسكما من هللا ال أملك لكما من هللا شيئا) [رواه
بطأ به عمله، البخاري ومسلم] ،وقوله صلى هللا عليه وسلم( :ومن ّ
لم يسرع به نسبه) [رواه مسلم] ،والحمد هلل رب العالمين.
رموز أم أوثان »26« ..............................................................
أو أخبر هللا به ورسوله ،لكون ذلك طاعة هلل ورسوله" [مجموع
الفتاوى].
بين أهل الفضل وبناء الخصومات عليها باب مثله ،إن لم يكن
أوسع منه ،وقد يكون التنافس على الدنيا ،مثلما يكون ألجل الدين،
وقد يكون على حق أو على باطل ،ولكل امرئ حال ينظر فيها.
ولنا في مواقف الناس من علي -رضي هللا عنه -خير مثال،
فليس كل من أحبّه من أهل السنة والجماعة ،بل قد يكون من
الشيعة الروافض ،أو ممن شابههم ،أو كان أكفر منهم ،وليس كل
من قاتله في حياته من الخوارج المارقين أو النواصب المغالين،
إذ قد وقع العداء والقتال بينه وبين أقوام هم من خيرة صحابة
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وال يصح بحال نسبة أحد منهم
إلى خروج أو نصب ،فكلهم عندنا سادة عدول ،نجلهم جميعا،
ونكف عما شجر بينهم.
فتجد هؤالء يردُّون الحق ،ال جحدا له أحيانا ،وال تكذيبا لمن
جاء به ،وإنما لمجرد أن في اتباعه مفارقة لما عليه "الرموز"
المعظمون ،ولما في اإلقرار به من طعن في من خالفه من
"الرموز" ،وهذا األمر سنة جارية في أهل الضالل على مدى
العصور ،ولعله من أشد األمور صدا عن طاعة هللا واتباع
الهدى ،فقد واجهه أنبياء هللا –تعالى -المؤيَّدون بوحيه مع
ع َّما َكانَ أقوامهم{ ،قَالُوا ِإ ْن أَ ْنتُ ْم ِإ َّال بَشَر ِمثْلُنَا تُ ِريدُونَ أَ ْن تَ ُ
صدُّونَا َ
طان ُمبِين} [إبراهيم.]10 : يَ ْعبُ ُد آبَا ُؤنَا فَأْتُونَا بِسُ ْل َ
فالمشكلة األكبر عند هؤالء كانت في مخالفة اآلباء ،الذين
هم "الرموز" المعظمون عندهم ،وفي تلك المخالفة لهم عن
ضاللهم إقرار بوقوع أولئك اآلباء فيه ،وطعن في دينهم ،بل
وحتى في عقولهم أحيانا ،ولذلك فإن فِئاما منهم كانوا مقرين بأن
الحق هو غير ما كان عليه آباؤهم ،ورغم ذلك أصروا على أن
يبقوا على دينهم ،كما في قصة الشيخ الضال أبي طالب ،الذي
مات وهو يردّد" :هو على ملَّة عبد المطلب" ،مخافة أن يعيره
أشياخ قريش بالرغوب عن تلك الملة الضالة المنحرفة.
دين على مقاس "الرموز"
بل إننا نجد في زماننا هذا من يسكت عن بعض المنكرات،
ويجهد نفسه في الدفاع عن فاعليها ،وذلك كله مخافة أن يسألهم
أتباعهم عن حكم من وقع فيها ،فيضطرهم األمر إلى أن يحكموا
على مرتكبها بما يستحقه ،أو يقعوا في التناقض بين ما يزعمون
اإليمان به من األحكام وبين تطبيقها على األعيان ،أو في التفريق
–بغير علة شرعية -بين مرتكبي هذه المنكرات ،كما يفعل
الهالكون (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق
فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) [متفق عليه].
بل إن منهم من يشط في ضالله بعيدا ،فال بأس عنده أن
تصبح السرقة من المباحات ،بل من األعمال الصالحات ،وال
بأس عنده أن يفتري في سبيل ذلك حتى على األنبياء ،عليهم
رموز أم أوثان »33« ..............................................................
السالم ،فينسب إليهم ظلما فعل هذا المنكر ،ليجعل لمن وقع في
السرقة من "الرموز" الذين يقدسهم سلفا ،وال يستغرب أحد هذا
األمر ،فقد فعلوا شرا من ذلك ،إذ اتهموا -كاذبين -أحد األنبياء،
وهو يوسف ابن يعقوب -عليه السالم -بما هو أفحش من السرقة،
وهو الشرك باهلل ،ومواالة الكافرين ،ليبرروا ما فعلوه هم
و"رموزهم" من شرك الديموقراطية ،ومواالة الطواغيت
الحاكمين بغير ما أنزل هللا.
ومن فهم قولنا ،أدرك حقيقة أن كثيرا من أهل الضالل اليوم
يسكتون عن أعظم المنكرات ،فيَ َود لو أن أحدا ال يسأل عن
حكمها ،أو يجهد نفسه في إعذار من فعلها بأعذار ما أنزل هللا بها
من سلطان ،ليجعل دون "الرموز" الذين وقعوا فيها سدا وحصنا
من الشروط -التي ليست في كتاب هللا -لتنزيل األحكام على
أعيانهم ،والموانع البدعية التي اخترعوها ،ليمنعوا الحكم عليهم
بما أنزل هللا ،وما قضية إعذار من فعل الشرك األكبر بالجهل
والتأويل والتقليد وغيرها من األعذار -غير المعتبرة في هذا
الباب -عنا ببعيد.
طاغوت مرتد ..وال كرامة
ولنا اليوم في النزاع الحاصل حول طاغوت اإلخوان
المرتدين (أحمد ياسين) خير مثال؛ فالرجل رأس من رؤوس
الكفر في فلسطين ،خرج من اإلسالم بنواقض عديدة ،ليس أقلها
انتماؤه إلى طائفة كفر وردة هم اإلخوان المرتدون ،ودعوته
إليها ،بل هو رأس من رؤوسها ،وقد أقر على نفسه بقبوله بكفر
الديموقراطية ،وبرضاه عن مشاركة أتباعه فيها ،بل وبأنه يريد
"دولة ديموقراطية ،السلطة فيها لمن يفوز في االنتخابات"،
واحترامه إرادة من "يرفض إقامة دولة إسالمية" ،فمن كان على
حاله ،أو قال بمقاله ،فهو طاغوت مرتد ،وال كرامة لمن يعلن
الرضا بحكم غير حكم هللا ورسوله ،كائنا من كان ،كما قال ابن
القيم ،رحمه هللا:
رموز أم أوثان »34« ..............................................................
أن يعدل بينهم في الحكم ،فال يقبل منه بحال أن يك ِفّر من يعلن
رضاه بالديموقراطية من قادة الصحوات في الشام ،وهو يعذر
من قال بذلك من طواغيت اإلخوان ،ولذلك لجأ بعضهم إلى حيلة
أن يثبت الحكم بالتكفير ثم يمتنع عن إطالقه على فاعله ،بأن
يجترح لهم عذرا عاما يبرؤهم جميعا به من هذا الوصف الذي
استحقوه.
وليس فيما نقوله افتراء عليه ،بل هو السبب الغالب في كثير
من الحاالت المشابهة ،كقولهم بإعذار طواغيت البرلمانات
بالتأويل ،ألن ممن اقترف هذا الكفر "رموز" كبار ال يجرؤ أئمة
الضالل على تحكيم شرع هللا –تعالى -فيهم ،بتكفيرهم ،هم
وعبَّادهم ،من أمثال (حسن البنا) و(مصطفى السباعي) وغيرهم،
فإذا وسعنا البحث في حكم من أباح لهم وألمثالهم هذا الكفر ،أو
أعلن الرضا به ،أو دعا إلى إعانتهم عليه ،فإن قائمة "الرموز"
المرتدين ستصبح أطول ،وحشد من سترعد أنوفهم ألجلهم أكبر،
ولذلك لم يكن عند أئمة الضالل إال أن يعذروا من ترشح
للبرلمانات بالتأويل ،ليخرجوا "الرموز" المرتدين وأولياءهم من
دائرة التكفير التي أحاطت بهم.
بل امتد إعذار بعض هؤالء للطواغيت إلى استباحة ما فعلوه
من كفر وشرك ،تخلصا من التناقض بين ما يعتقدونه وبين ما
يحكمون به ،وال زال من يقترفون هذا المنكر يستدلُّون على
صحة فعلهم بفعل أسالفهم من "الرموز" الذين اتخذوهم ُجنَّة
يتصدون بها إلنكار كل من ِكر عليهم ،ممن ترعبه أسماء
"الرموز" ،ويحسب ألف حساب قبل أن يقول فيهم كلمة تسخط
أتباعهم ،وإن كانت من رضا رب العالمين.
إن المسلم الحق يجعل نصب عينيه قوله تعالى{ :فَ َال َو َربِّكَ
ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ثُ َّم َال يَ ِجدُوا فِي أَ ْنفُ ِس ِه ْم
َال يُؤْ ِمنُونَ َحتَّى يُ َح ِ ّك ُموكَ فِي َما َ
س ِلّ ُموا تَ ْس ِليما} [النساء ،]65 :فال يجد في ضيْتَ َويُ َ َح َرجا ِم َّما قَ َ
نفسه حرجا من الحكم على الناس بما حكم هللا –تعالى -فيهم ،وإن
رموز أم أوثان »36« ..............................................................
خالف هواه ،فإنه يس ِلّم لحكم هللا –تعالى -ال لحكم هواه ،ليكون
على مراد هللا ال على مراد نفسه.