You are on page 1of 38

‫رموز أم أوثان ‪»1« ..............................................................

‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪١‬‬
‫إن من أهم صفات أهل الجاهلية في كل العصور أن تجد أن‬
‫لكل قبيلة من القبائل أو جماعة من الناس وثنا خاصا بها تتميز‬
‫به عن غيرها من الجماعات‪ ،‬فتعظمه وتنتسب إليه من دون أوثان‬
‫سواها‪ ،‬وتتفاخر به على أوثان أعدائها‪ ،‬وتصل بهم الحال أن‬
‫يكون شعار االنتماء إلى هذه الجماعة من البشر تعظيم هذا الوثن‬
‫من دون هللا‪ ،‬عز وجل‪ ،‬فيكتسب كل من الوثن والجماعة من‬
‫اآلخر قوته وتعظيمه بين الناس‪ ،‬فإما أن يكون هذا الوثن معظما‬
‫بين كم كبير من الجماعات‪ ،‬فتكتسب الجماعة التي تقوم على‬
‫خدمته أو يرتبط بها ذكره الكثير من القوة والسلطة بذلك‪ ،‬أو‬
‫تكون الجماعة من القوة بحيث تفرض تعظيم وتقديس وثنها على‬
‫بقية الجماعات‪ ،‬وهو الغالب إذ إن تقديس هذا الوثن يحمل في‬
‫جوانبه غالبا أهدافا سياسية بحيث يكون الخضوع له خضوعا‬
‫للجماعة التي تزعم االرتباط به‪ ،‬والقيام بأمره‪ ،‬وحيازة الصنم‬
‫الذي يمثله‪ ،‬وأسرار التخاطب المزعوم معه من قبل كهانها‪،‬‬
‫ولذلك نجد أن ما من أمة من األمم يزول ملكها إال زالت مع‬
‫الملك أوثانها واندثرت أصنامها ليعبد الجاهليون وثنا آخر يكون‬
‫في الغالب وثن األمة التي ورثت الغلبة والظفر‪.‬‬
‫وربما تكون قصة أبرهة الحبشي مع الكعبة خير مثال على‬
‫ذلك‪ ،‬إذ بنى كنيسته في اليمن ليجذب العرب إلى تعظيمها وبالتالي‬
‫إخضاعهم لسطوته‪ ،‬فلما رأى إعراضهم عنها وارتباطهم بالكعبة‬
‫وما فيها من أوثان في ذلك الحين‪ ،‬جرد جيشا جرارا لهدمها‬
‫وإزالة األوثان التي فيها المنافسة لوثنه المعبود من دون هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وقد أرسل هللا تعالى رسوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بالحق‬
‫لينهى الناس عن عبادة كل تلك األوثان ويدعوهم إلى عبادة هللا‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬سبحانه‪ ،‬وفي دعوته إلى نبذ الشرك تستوي‬
‫رموز أم أوثان ‪»2« ..............................................................‬‬

‫عبادة كل ما عُبد من دون هللا تعالى‪ ،‬سواء كان نبيا مرسال أم‬
‫ملكا مقربا أم عبدا صالحا أم حاكما متجبرا أم كاهنا كذابا أم قانونا‬
‫متبعا أم قبرا معظما أو شجرة أو صخرة متبرك بهما أو شيطانا‬
‫مخوفا وما شابه‪.‬‬
‫وكما هي سنة هللا –سبحانه‪ -‬في األمم التي خلت من قبل‪،‬‬
‫فإن الناس ال يلبثون إذا طال عليهم األمد أن يَخلَق عندهم التوحيد‬
‫فيعودوا إلى تجديد الشرك ونصب الطواغيت‪ ،‬وعبادتهم من دون‬
‫هللا تعالى‪ ،‬بل ودعوة الناس إلى عبادتها‪.‬‬
‫ومن أبرز صور شرك المشركين اتخاذهم من يرون فيهم‬
‫الخير من العبّاد الز ّهاد آلهة‪ ،‬يبدؤون أوال بتصوير هؤالء العبّاد‬
‫كأصنام باعتبار صورهم تذكر الناس بعبادة الز ّهاد هلل –تعالى‪-‬‬
‫المعظمين‬ ‫َّ‬ ‫وتثبت من يراها على الطريق الذي سلكوه‪ ،‬ثم يتحول‬
‫إلى أوثان تُعبد من دون هللا سبحانه‪ ،‬تُطلب منهم الشفاعة ويُذبح‬
‫لهم ويُنذر لهم إلخ‪ ،‬وفي ظن المشركين أنهم يتقربون بذلك إلى‬
‫هللا تعالى‪ ،‬ويرفضون تسمية أفعالهم شركا باهلل‪ ،‬كما في قولهم‪:‬‬
‫ّللا ُز ْلفَى}‪ ،‬وقولهم‪َ { :‬هؤ َُال ِء شُفَعَا ُؤنَا‬ ‫{ َما نَ ْعبُ ُدهُ ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ ّربُونَا ِإلَى َّ ِ‬
‫ّللا}‪ ،‬ويدافعون عن معبوداتهم هذه أشد الدفاع ويرفضون كل‬ ‫ِعن َد َّ ِ‬
‫من ينهاهم عنها‪ ،‬كما في قولهم‪َ { :‬ال تَذَ ُر َّن آ ِل َهتَكُ ْم َو َال تَذَ ُر َّن َودًّا‬
‫وث َو َي ُعوقَ َونَسْرا}‪ ،‬بل ويتبعهم في ذلك من‬ ‫س َواعا َو َال َيغُ َ‬ ‫َو َال ُ‬
‫أتباعهم من ازدادوا كفرا بجعلهم اتباع اآلباء وطاعتهم دينا ينهاهم‬
‫عن طاعة هللا عز وجل‪ ،‬كما قال هللا –تعالى‪ -‬فيهم‪َ { :‬و ِإذَا قِي َل‬
‫الرسُو ِل قَالُوا َح ْسبُنَا َما َو َج ْدنَا‬ ‫لَ ُه ْم تَ َعالَ ْوا إلَى َما أَ ْنزَ َل َّ ُ‬
‫ّللا َو ِإلَى َّ‬
‫علَ ْي ِه آبَا َءنَا}‪ ،‬وقد أبطل هللا دعواهم تلك بقوله‪{ :‬أَ َولَ ْو َكانَ آبَا ُؤهُ ْم‬ ‫َ‬
‫شيْئا َو َال يَ ْهتَدُونَ }‪ ،‬قال ابن العربي في تفسير هذه‬ ‫َال يَ ْعلَ ُمونَ َ‬
‫اآلية‪« :‬قولهم‪ :‬وجدنا عليه آباءنا‪ ،‬فنحن نقتدي بهم في أفعالهم‪،‬‬
‫ونمتثل ما شاهدناه من أعمالهم‪ ،‬ولم يثبت عندهم أن آباءهم بالهدى‬
‫عاملون‪ ،‬وعن غير الحق معصومون‪ ،‬ونسوا أن الباطل جائز‬
‫عليهم» [أحكام القرآن]‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»3« ..............................................................‬‬

‫وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل‬


‫واألحزاب التي تزعم السعي إلقامة الدين وتطبيق الشريعة‪ ،‬قد‬
‫حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد هللا الصالحين‪،‬‬
‫لعلمه بالشريعة‪ ،‬أو حسن جهاده‪ ،‬أو لصبره على ما لقيه من‬
‫البالء من الطواغيت‪ ،‬أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في‬
‫كتاباته‪ ،‬أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس‪ ،‬والزيادة‬
‫في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا‪ ،‬برفع صورهم‪ ،‬وتلقيبهم‬
‫بألقاب التعظيم المبالغ فيها‪ ،‬وجعل كالمهم وأحكامهم فوق كالم‬
‫هللا ورسوله‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإن كانوا يدّعون أن كالمهم‬
‫مبني عليهما‪ ،‬بل وإطالق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم‬
‫وأحكامهم‪ ،‬وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها لألجيال المتعاقبة‬
‫في هذه األحزاب على أنها الصراط المستقيم‪ ،‬والسبيل القويم‬
‫لتحصيل رضا رب العالمين‪ ،‬وبتنا نسمع تسمية هؤالء األشخاص‬
‫«رموزا» لهذه الحركة أو تلك‪ ،‬وصرنا نرى االستنكار ألي نقد‬
‫لهؤالء «الرموز» بدرجة تفوق االستنكار على من يطعن في‬
‫دين هللا وشعائره‪ ،‬حتى لكأن هؤالء «الرموز» من األحياء‬
‫واألموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة‪ ،‬فمن‬
‫ينتقص من قدرهم أو يرد كالمهم‪ ،‬فهو الذي يريد أن ينقض عرى‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وصرنا نرى من حال هؤالء «الرموز» المعبودين‪ ،‬أن لكل‬
‫حزب «رمزا» أو مجموعة من «الرموز»‪ ،‬كما كان لكل قبيلة‬
‫من قبائل الجاهليين وثن أو مجموعة من األوثان‪ ،‬وكل حزب‬
‫يسعى جهده لتعظيم «رموزه» في أعين الناس‪ ،‬وهو يرى أنه‬
‫سيزيد من أتباعه بمقدار ما يزيد من تعظيم الناس «لرموز»‬
‫حزبه وتنظيمه‪ ،‬لذلك يكثرون من إضفاء األلقاب واألوصاف‬
‫لهؤالء «الرموز»‪ ،‬واالستدالل بأفعالهم على كل ما يريدون‬
‫اتخاذه من قرارات‪ ،‬فيكفيهم لذلك أن شيخهم أو رأسهم قد فعل‬
‫ذلك أو أقره أو أمر به‪ ،‬ليكون مباحا أو واجبا‪ ،‬دون النظر فيما‬
‫يُحتج به من األدلة الشرعية‪ ،‬بل وبات الحال أن يتنازع الناس‬
‫رموز أم أوثان ‪»4« ..............................................................‬‬

‫على هذا «الرمز» أو ذاك وكل منهم يزعم أنه الوارث إلرثه‪،‬‬
‫والمتبع لسنته‪ ،‬والسائر على نهجه‪ ،‬واألمين على رسالته‪ ،‬فوصل‬
‫األمر ببعضهم إلى «بابيّة» معاصرة‪ ،‬شبيهة بما لدى الرافضة‬
‫والباطنية ‪-‬أخزاهم هللا تعالى‪ -‬الذين يقدسون بعض شيوخهم‬
‫وعلمائهم بزعم أنهم األبواب إلى أئمتهم من آل البيت الذين‬
‫يزعمون أنهم أحياء بعد موتهم يتواصلون مع الناس عن طريق‬
‫هؤالء األبواب‪ ،‬وذلك بأن يعلن بعض أفراد هذه األحزاب أن‬
‫الوصي على منهج «الرمز» والحامي للحزب أو التنظيم أو‬
‫الفصيل من االنحراف عن منهجه‪.‬‬
‫إن ارتباط الحزب أو التنظيم أو الفصيل بشخصيات‬
‫«الرموز» وحرصه على االستقواء بهم إنما هو سمة عامة ألهل‬
‫الضالل‪ ،‬ألن المسلم يعلم أن الكتاب والسنة هما الركن الشديد‬
‫الذي يُلجأ إليه في إثبات صحة دعواه‪ ،‬فمن أعياه من أهل الضالل‬
‫إيجاد الدليل الشرعي لجأ إلى االستدالل البدعي على «صحة»‬
‫منهجه‪ ،‬كما تفعل األحزاب الضالة اليوم باستنادها في إثبات‬
‫«صحة» منهجها بالمشاهير من «رموزها»‪ ،‬الذين لو بحثنا في‬
‫حقائقهم لوجدنا أن منهم المبتدع الضال‪ ،‬بل منهم من تلبس بردّة‬
‫صريحة‪ ،‬أو تستدل على «صحة» منهجها بحجم تضحيات‬
‫السابقين من أفرادها‪ ،‬وعدد من قتل وسجن منهم‪ ،‬أو بعدد أتباعها‬
‫وحجم انتشار أفكارها‪ ،‬وكل هذه األمور ال تغني من الحق شيئا‪.‬‬
‫فالمسلم يقيس «الرموز» بمقياس الدين‪ ،‬وال يقيس دينه على‬
‫مقياس «الرموز»‪ ،‬ويعرف قدر «الرموز» بمقدار اتباعهم‬
‫للحق‪ ،‬ال أن يبحث عن الحق في أقوال «الرموز» وأفعالهم‪،‬‬
‫ويسعى ألن يكون عبدا هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ال عبدا للحزب والتنظيم‬
‫و«رموزهم»‪ ،‬وتابعا لرسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ال لمنهج‬
‫الفصيل والحركة‪.‬‬
‫لقد كثرت «الرموز» اليوم‪ ،‬وباتت أكثر من أوثان‬
‫المشركين في الجاهلية‪ ،‬وكل من الناس يدعو إلى «رمزه» كما‬
‫رموز أم أوثان ‪»5« ..............................................................‬‬

‫كان الجاهليون يدعون الناس لعبادة أوثانهم‪ ،‬فكل األحزاب أو‬


‫التنظيمات صارت «رموزا»‪ ،‬وقادة ورؤوس كل منها‬
‫ي منها يميل‬ ‫«رموز»‪ ،‬وكتبها ومناهجها «رموز»‪ ،‬فإلى أ ّ‬
‫المسلم‪ ،‬وبأيها يرتبط‪ ،‬وأيها يتبع؟ سيجيب الجميع‪ :‬ما وافق منها‬
‫الكتاب والسنة‪ .‬إذن فلنتبع الكتاب والسنة‪ ،‬ولندع «الرموز»‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»6« ..............................................................‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪٢‬‬
‫ال يمكن إحصاء الدعوات التي خرجت خالل القرن األخير‬
‫من عمر األمة تطالب بنبذ التقليد‪ ،‬وحصر االتّباع برسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فهاجمت التعصب األعمى للمذاهب الفقهية‪،‬‬
‫وسعت إلى هدم التقديس الشركي لشيوخ الطرق الصوفية‪ ،‬ودعت‬
‫المسلمين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وقد حققت هذه‬
‫الدعوات على اختالف غاياتها نتائج كبيرة في هذا المجال‪ ،‬ولكن‬
‫ما اتضح من تعقب مآالت هذه الدعوات أنها فشلت في تحقيق‬
‫االستمرارية في نتائجها‪ ،‬وذلك بسبب عودة الناس إلى اتخاذ‬
‫متبوعين جدد استبدلوهم مكان المتبوعين السابقين الذين خرجت‬
‫الدعوات السالفة لنقض اتباعهم‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫فإن أتباع غالبية تلك الدعوات بعد فترة قصيرة من انطالقها‬
‫صاروا يتخذون ألنفسهم متبوعين يقلدونهم ويقدسونهم ويغالون‬
‫فيهم محبة وطاعة‪ ،‬بل وتعدى بهم األمر أن يقوموا بدعوة الناس‬
‫التباع من قدسوه وغلوا فيه‪ ،‬بعد أن دعوهم لعقود إلى ترك من‬
‫اتبعوهم من العلماء والرؤساء‪.‬‬
‫ولو تتبعنا األمر أكثر لوجدنا أن تفسيره كامن في طبائع‬
‫النفس البشرية‪ ،‬فالعصبية للجماعة التي ينسب اإلنسان نفسه إليها‪،‬‬
‫والمفاخرة بهذه الجماعة ومن ينتمي إليها أو يقودها‪ ،‬والتنافس‬
‫في ذلك مع المنتسبين للجماعات األخرى هي أمور موجودة في‬
‫طبيعة اإلنسان من الصعب عليه االنفكاك عنها‪ ،‬إال على من رحم‬
‫هللا‪ ،‬وكذلك فإن إخالص التوحيد هلل وإحكام تنقية القلب من األنداد‬
‫هو من أشق األمور على النفس‪ ،‬لذلك قال هللا تعالى {وما يؤمن‬
‫أكثرهم باهلل إال وهم مشركون}‪.‬‬
‫فهذه األحزاب أو الفصائل أو التنظيمات تقع بالضرورة في‬
‫منافسة مع غيرها سواء من الحلفاء أو األعداء‪ ،‬وتحاول أن‬
‫رموز أم أوثان ‪»7« ..............................................................‬‬

‫تستقوي عليهم بأي وسيلة ممكنة في يدها‪ ،‬حتى ما يخالف الشرع‬


‫منها‪ ،‬أو يخالف أصول دعوتها فإنها تتحايل على نفسها وأتباعها‬
‫لتستفيد منها في تدعيم صفها الداخلي‪ ،‬أو تقوية موقفها الخارجي‪،‬‬
‫ومن تلك الوسائل الشائعة في لعبة المنافسة هذه اتخاذ‬
‫«الرموز»‪ ،‬ومبارزة المنافسين بها فخرا وتعظيما‪.‬‬
‫وتزداد أهمية هذه الوسيلة عند الجماعات الضالة عندما تتهم‬
‫من قبل منافسيها باالفتقار إلى نوع معين من األفراد فيها‪ ،‬سواء‬
‫كانوا من العلماء أو القادة الدهاة الحكماء‪ ،‬أو المقاتلين الخبراء‬
‫األقوياء‪ ،‬أو حتى من أهل الحرف والصناعات‪ ،‬وأرباب‬
‫االختصاصات العلمية والشهادات‪ ،‬فترتفع قيمة هؤالء في أوساط‬
‫تنظيماتهم بأن يظهروا للناس صدق دعوتهم‪ ،‬أو صواب خطتهم‪،‬‬
‫أو قوة جماعتهم‪ ،‬بعدد وحجم «الرموز» المنضمين إليها‪ ،‬أو‬
‫المادحين لها ولسيرتها‪ ،‬وبحسب أهداف الجماعة أو التنظيم ترتفع‬
‫أسهم «الرموز» الذين يجذبون المستهدفين من دعوته‪ ،‬المطلوب‬
‫انضمامهم إلى صفوفها‪ ،‬أو على األقل ضمان تأييدهم لها‪.‬‬
‫وفي حال افتقار الفصيل أو الحزب الضال إلى «رموز»‬
‫يبني عليهم بنيانه المتهالك‪ ،‬فإن قادته تنتابهم عقدة النقص إزاء‬
‫الفصائل األخرى التي تمتلك «رموزا» مشهورين يقبل عليهم‬
‫الناس ويتعلقون بالتنظيم بسببهم‪ ،‬لذلك يسعون جهدهم إلى‬
‫استقطاب «الرموز» إلى حزبهم‪ ،‬أو تصنيع «الرموز» عن‬
‫طريق اختيار بعض األفراد الموثوق بوالئهم للفصيل‪ ،‬ثم‬
‫إشهارهم إعالميا‪ ،‬والنفخ في صفاتهم‪ ،‬وتكبير أسمائهم‪ ،‬وتحويلهم‬
‫إلى «رموز»‪ ،‬لتتعلق بهم قلوب األنصار‪ ،‬ويكونوا بمثابة األوتاد‬
‫الذين يثبت كل منهم جانبا من جوانب الحزب عن طريق شد قسم‬
‫من األنصار إليه‪ ،‬في حين يقوم «الزعيم األوحد» للفصيل مقام‬
‫العمود الذي ينتصب به قوام التنظيم‪ ،‬الذي يتم ترفيعه أيضا ورفع‬
‫سوية الغلو فيه عند أعضاء الحزب في سبيل النهوض أكثر‬
‫بالتنظيم الذي يقوم بكامله على األشخاص و«الرموز»‪ ،‬أما منهج‬
‫التنظيم وعقيدته‪ ،‬فتكون غالبا منهج وعقيدة «الرموز» ال أكثر‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»8« ..............................................................‬‬

‫إن الحزب أو التنظيم الذي يزعم االنتساب إلى اإلسالم‪،‬‬


‫بوصوله إلى هذه الحالة من التبعية «للرموز» فإنه فضال عن‬
‫الضالل المبين الذي وقع فيه‪ ،‬وساق إليه الناس بتشريعه الغلو‬
‫في الرجال ورفعهم فوق مقام البشر‪ ،‬والدفع نحو تعبيد الناس لهم‬
‫بالطاعة في المعروف والمنكر‪ ،‬فإن هذا الفصيل إنما يحفر قبره‬
‫بيديه‪ ،‬وذلك بأن يصبح التنظيم ككل بعقيدته ومنهجه وسياسته‬
‫وأفراد كله مرتبطا بهؤالء «الرموز»‪ ،‬بعد أن بذل جهدا كبيرا‬
‫لربط الناس بهم‪.‬‬
‫وتأتي خطورة «الرموز» على التنظيم وأفراده من حرفهم‬
‫عن المنهج اإلسالمي في التلقي والحكم واالتباع‪ ،‬وإبعادهم عن‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬بأن يتحول الحق كلّه إلى جانب «الرموز»‬
‫فيخسر األفراد دينهم ويتحول التنظيم بذلك إلى ما يشبه زوايا‬
‫الصوفية التي قوام الدين فيها تقديس مشايخها‪ ،‬وسلوك طريقتهم‬
‫المبتدعة في الوصول إلى هللا‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فإن عقيدة التنظيم ومنهجه تصبح كلها‬
‫رهينة ألهواء «الرموز» وآرائهم‪ ،‬وخاصة «الرموز» الكبار‬
‫الموتى‪ ،‬حيث يلجأ التنظيم إلى تبرير كل أقوالهم وأفعالهم‪ ،‬خوفا‬
‫من إسقاطهم وبالتالي سقوط التنظيم بكامله من أعين الناس‪ ،‬بعدما‬
‫بنوا كل بنيانهم على هذا الجرف الهار الذي يسمونه «رموز»‪.‬‬
‫أما «الرموز» األحياء فإن خطرهم على هذه التنظيمات‬
‫الضالة أشد وأكبر‪ ،‬من حيث خوف قيادتها ووجلهم الدائم من‬
‫إغضاب هؤالء «الرموز» خشية تركهم للحزب‪ ،‬وبالتالي‬
‫سيتبعهم في ذلك اآلالف من المناصرين الذين ارتبطوا بهذا‬
‫«الرمز» أو ذاك‪ ،‬لذا يتحول هؤالء إلى مراكز قوى داخل‬
‫الفصيل‪ ،‬وتضعف قدرة قيادة الحزب على اتخاذ أي قرار‬
‫مصيري دون أخذ إذنهم‪ ،‬والتاريخ شاهد على أن أحد أهم‬
‫األسباب في تفكك التجمعات البشرية هو «الرموز» وانشقاقاتهم‬
‫التي ّ‬
‫تمزق الجماعات وتد ّمر األحزاب والتنظيمات‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»9« ..............................................................‬‬

‫وكذلك فإن الطواغيت وأعداء اإلسالم بمعرفتهم لهذه‬


‫الحقائق يسهل عليهم حرف األحزاب والتنظيمات بالسيطرة على‬
‫هؤالء «الرموز» عن طريق الترغيب أو الترهيب أو التضليل‪،‬‬
‫وما قصص التراجعات في السجون بعيدة عنا‪ ،‬حيث تمكنت‬
‫أجهزة المخابرات من القضاء على بعض التنظيمات بسهولة من‬
‫خالل السيطرة على «رموزها» المعتقلين لديها‪ ،‬الذين أصدروا‬
‫«المراجعات» التي يتبرؤون فيها من قتالهم للطواغيت‪،‬‬
‫ويضعون ألتباعهم مناهج جديدة في العمل تخدم الطواغيت‬
‫وترضيهم‪ ،‬وفي المحصلة ينحرف التنظيم أو الحزب بكامله عن‬
‫منهجه األصلي بسبب رغبة «رموزه» في جلب منفعة أو دفع‬
‫مفسدة عن أنفسهم أو عن غيرهم‪.‬‬
‫إن جماعة المسلمين تقوم على المنهج الرباني‪ ،‬الذي أساسه‬
‫أن ال طاعة مطلقة إال هلل عز وجل‪ ،‬وأن االتباع المطلق ال يكون‬
‫إال لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأن انتصارها يكون بصحة‬
‫منهجها وصدق أفرادها وقادتها في جهادهم‪ ،‬وأن ذلك االنتصار‬
‫ال يقف وراءه عدة وال عتاد وال «رموز» بل هو محض فضل‬
‫هللا عليهم‪ ،‬وبربط الجماعة أفرادها بهذه الحقائق تحفظ لهم دينهم‪،‬‬
‫وتبنى الجماعة على أساس متين‪ ،‬بحيث ال يضرها من ضل من‬
‫أفرادها مهما بلغ من القدر أو العلم أو القدم في صفوفها‪ ،‬وال‬
‫يكون فعل أو قول أو رأي أي من أفرادها حجة عليها‪ ،‬بل تقوم‬
‫بمحاسبتهم بناء على األساس الشرعي الذي قامت عليه‪.‬‬
‫فإن ثبتت الجماعة المسلمة على هذا السبيل‪ ،‬فإنها ستضمن‬
‫لنفسها البقاء بإذن هللا‪ ،‬ولن يتمكن أحد من أفرادها من التسلق إلى‬
‫المجد على أكتاف الصادقين‪ ،‬كما لن يكون فيها مكان للمنظرين‬
‫الخاملين الذين يعتقد كل منهم أن مجرد انتسابه إليها منّة يمن بها‬
‫على الجماعة‪ ،‬وأن الجماعة وأفرادها يجب أن يكونوا تبعا له‬
‫ولهواه‪ ،‬كيفما دار يدوران معه‪ ،‬ومتى ما ركنت الجماعة إلى ما‬
‫في صفوفها من «رموز» جعل هللا عذابها على أيديهم‪ ،‬وهزيمتها‬
‫بسببهم‪ ،‬وهللا ال يهدي القوم الضالين‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»10« ..............................................................‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪٣‬‬
‫كثيرة هي التماثيل في العالم‪ ،‬وإن كانت تتفاضل في مادة‬
‫صنعها وجودة نحتها وتصويرها‪ ،‬ولكن قليل منها ما اتخذه الناس‬
‫أصناما تعبد‪ ،‬فالتمثال ال يتحول إلى صنم من تلقاء نفسه إنما‬
‫بوجود من يعبده‪ ،‬وكذلك «الرموز» التي يتخذها الناس‪ ،‬فهم‬
‫كباقي البشر وإن كانوا يتفاضلون في صفاتهم‪ ،‬ولكن ما يجعل‬
‫منهم «رموزا» من دون الناس هو تعلق قلوب وأبصار الناس‬
‫بهم‪ ،‬وطاعتهم‪ ،‬واتباعهم‪ ،‬واالستدالل بسيرهم على صحة‬
‫الطريق والمنهج‪.‬‬
‫وإننا نجد في صفحات التاريخ أن مزاج الناس في اختيار‬
‫«الرموز» يتغير بحسب الظروف التي يعيشونها وما تتطلبه هذه‬
‫الظروف‪ ،‬ففي زمن الحرب يكون «الرموز» هم األبطال‬
‫المحاربون الذين يقهرون األعداء‪ ،‬وفي زمن القحط والجوع‬
‫يكون «الرمز» واحدا من الكرماء الذين يجودون بمالهم إلطعام‬
‫الفقراء والمحتاجين‪ ،‬وفي زمان السلم والرفاه يكون أهل العلم‬
‫واألدب والعمران هم «الرموز» الذين يرتفع شأنهم ويشير إليهم‬
‫الناس بالبنان‪ ،‬وهذا ما يمكننا أن نعممه على كل الظروف التي‬
‫تفرز احتياجات خاصة‪ ،‬من يلبيها يمكن أن يصبح «رمزا» في‬
‫عيون الناس‪ ،‬لذلك يتمسك بعض «الرموز» بحال معينة‪ ،‬أو‬
‫يسعى ألن تسود ظروف معينة يكون له فيها األفضلية على غيره‪،‬‬
‫فيحافظ بذلك على ميزته «الرمزية»‪ ،‬أو يقوم البعض بأفعال‬
‫معينة تلقى إعجاب الناس‪ ،‬فيرتفع بذلك صيتهم‪ ،‬ويعلو مقامهم‬
‫بينهم‪ ،‬ويتحولون إذا ما حافظوا على ميزاتهم المكتسبة إلى‬
‫«رموز» تتعلق بها القلوب‪ ،‬وتلهج بذكر محاسنها األلسنة‬
‫واألقالم‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»11« ..............................................................‬‬

‫يضاف إلى ذلك في عموم األمم عقلية البحث عن «المنقذ»‬


‫أيًّا كان‪ ،‬والتعلق بمن يعتقدون أنهم باتباعه سيصلون إلى الحالة‬
‫التي يتمنون الوصول إليها‪ ،‬وذلك حين تكون األمة في حال سيئة‪،‬‬
‫فيكثر فيها األدعياء ممن يزعمون أن بيدهم طريق الخالص‪،‬‬
‫فتتعلق بهم القلوب واآلمال‪ ،‬وبمقدار امتالك هؤالء «الرموز»‬
‫للقدرة على إقناع الناس بصحة طريقتهم ومنهجهم في تحقيق‬
‫الخالص يزداد تعلق الناس بهم‪ ،‬والغلو في محبتهم‪ ،‬فمنهم من‬
‫يقودهم زعيما‪ ،‬ومنهم من يسودهم ملكا‪ ،‬ومنهم من يستخفهم‬
‫فيزعم النبوة فيهم أو األلوهية عليهم‪.‬‬
‫وإن أمتنا باتت ال تختلف في ذلك عن بقية األمم‪ ،‬بل تتبعها‬
‫في ذلك بمقدار بعدها عن الصراط المستقيم واتباعها للسبل‪ ،‬فقد‬
‫قال رسول هللا‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪( :‬لتتبعن سُنن من كان قبلكم‪،‬‬
‫شبرا شبرا وذراعا بذراع‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم)‬
‫[رواه البخاري ومسلم]‪ ،‬وخاصة في األزمنة األخيرة التي قل‬
‫فيها العلم‪ ،‬وفشا فيها الجهل‪ ،‬وابتعد فيها الناس عن الكتاب والسنة‬
‫وتعلقوا بالرجال‪ ،‬وتسلط الكفار على المسلمين‪ ،‬حيث كثر اتخاذ‬
‫الناس «رموزا» والذين كان كثير منهم من أهل الباطل الذين‬
‫بدؤوا دعوتهم بشيء من الحق‪ ،‬كالدعوة إلى الزهد‪ ،‬أو اإلصالح‪،‬‬
‫أو االنتصار للمظلومين‪ ،‬أو ما شابه‪ ،‬فتبعهم الجهلة على ذلك‪،‬‬
‫لما ظهر منهم من زهد أو علم أو عبادة أو دعوة للحق‪ ،‬ثم ما‬
‫لبثوا أن قادوا أتباعهم إلى ضالل‪ ،‬والشواهد في التاريخ أكثر من‬
‫أن تحصى‪ ،‬فمن هؤالء «الرموز» من كان باطنيا خبيثا يخفي‬
‫عن الناس حقيقة مذهبه ويظهر لهم ما يحبون من العادات‬
‫والعبادات‪ ،‬حتى إذا استحكم حبهم له‪ ،‬وضمن تبعيتهم له أظهر‬
‫لهم مذهبه الباطل ودعاهم إلى اتباعه‪ ،‬والعمل به‪ ،‬بعد أن يكون‬
‫عندهم مصدّقا في كالمه‪ ،‬مؤتمنا على دينهم وأنفسهم‪ ،‬ومنهم من‬
‫ضل بعد أن وجد غلو الناس في شخصه‪ ،‬ورفعهم له فوق مقامه‪،‬‬
‫فطغى وتجبر وصار ال ينفك يطلب من أتباعه المزيد من شعائر‬
‫إجالله وتعظيمه‪ ،‬ويبحث لهم عن المسوغات لذلك مما يوحيه إليه‬
‫رموز أم أوثان ‪»12« ..............................................................‬‬

‫شيطانه من الضالالت والمنكرات‪ ،‬ومنهم من لبّس عليه إبليس‬


‫بأن الناس ال يلتفتون إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وأنهم يجب أن يتعلقوا‬
‫بشخصه‪ ،‬ليقودهم بذلك إلى محبّة هللا وطاعته‪ ،‬ومنهم من جعل‬
‫ذلك قاعدة في الوصول إلى رضا هللا تعالى‪ ،‬بأن أقنع السفهاء من‬
‫أتباعه أن قلوبهم ال يمكن لها أن تحتمل محبة هللا العظيم‪ ،‬ولذلك‬
‫يجب أن يتعلقوا به‪ ،‬ثم يتدرجوا صعودا إلى محبة هللا تعالى‪ ،‬كما‬
‫يفعل مشركو الطرق الصوفية اليوم‪.‬‬
‫و«الرموز» الذين نشاهدهم اليوم وقد تعلقت بهم أبصار‬
‫الناس وأفئدتهم ال يخرجون في الغالب عن الحاالت التي سبق‬
‫ذكرها‪ ،‬فإما أن أفعالهم وصفاتهم هي مما يرغبه الناس‬
‫ويحتاجونه‪ ،‬أو أنهم يرجون فيهم الخالص من واقع بائس يريدون‬
‫تغييره‪ ،‬أو أنهم يرون في اتباعهم طريقا للوصول إلى هللا‬
‫ورضوانه‪.‬‬
‫ففي ظل الواقع البائس الذي عاشه المسلمون خالل القرون‬
‫الماضية خرج الكثير ممن يزعم أنه سيحقق اإلصالح في حياة‬
‫الناس الدنيوية‪ ،‬أو يدعوهم إلى اتباعه في طريقته ومنهجه الديني‪،‬‬
‫وازدادت هذه الظاهرة وضوحا بعد عصر سايكس وبيكو‬
‫ودويالتهما‪ ،‬حيث بدأت األحزاب والفصائل والتنظيمات التي‬
‫تنتسب لإلسالم بالظهور‪ ،‬وبرز في كل منها «رموز» يزعم كل‬
‫منهم أنه وحزبه هم من سيقود األمة إلى الخالص من الواقع‬
‫األليم‪ ،‬وأنهم سيجدّدون الخالفة‪ ،‬وسيطبقون الشريعة‪ ،‬ويقيمون‬
‫العدل‪ ،‬ويزيلون الظلم‪ ،‬ويرجعون األمة إلى العصر الذي كان‬
‫فيه الخليفة يقول للغيمة «أمطري حيث شئت فإن خراجك عائد‬
‫إلي»‪ ،‬وإذا تطاول أحد من ملوك األرض انطلق إليه جيش أوله‬
‫عنده وآخره في حاضرة المسلمين‪ ،‬فتعلّق الناس بهذه «الرموز»‬
‫تعلق الغريق بحبل النجاة‪ ،‬وكل من هؤالء «الرموز» يخط للناس‬
‫منهجا جديدا لتحقيق أحالمهم‪ ،‬أو لنكون أكثر دقة فإن كال منهم‬
‫كان يقدم ألتباعه نوعا خاصا من المخدرات التي ال تجعلهم‬
‫غافلين عن الواقع فحسب‪ ،‬بل أيضا غافلين عن مدى موافقة‬
‫رموز أم أوثان ‪»13« ..............................................................‬‬

‫مناهجهم لكتاب هللا وسنة نبيه‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪ ،‬فبات في‬
‫الواقع عشرات السبل على رأس كل منها شيطان يدعو إلى النار‪،‬‬
‫وصرنا نرى من عجائب األمور أن صار أتباع األحزاب‬
‫والتنظيمات كلما خطوا انحرافا جديدا بحثوا عن مسوغ له من‬
‫أفعال «رموزهم» لعلمهم اليقيني أن ال أحد من حزبهم يجرؤ‬
‫على انتقاد أفعال أولئك «الرموز»‪ ،‬وبالتالي يصبح الفعل أو‬
‫القول مهما بلغ من الضالل «شرعيا» في دينهم ما دام أحد‬
‫«الرموز» قد قام به‪ ،‬أو رضيه‪ ،‬أو لمجرد السكوت عنه‪،‬‬
‫فصاروا بذلك أربابا يعبدون من دون هللا تعالى‪ ،‬يشرعون لهم‬
‫من الدين ما لم يأذن به هللا‪.‬‬
‫وإننا نرى اليوم أن الضالين من أتباع تلك الفصائل يضعون‬
‫أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم ويرفضون السماع لمن‬
‫يدعوهم إلى الحق بمجرد أن يذكر «رموزهم» بسوء‪ ،‬بل ويزداد‬
‫تعصب كثير منهم لتلك «الرموز» كلما زادت حدة الهجوم عليهم‬
‫لبيان حقيقتهم‪ ،‬فشابهوا بذلك حال المشركين الذين كانوا يحاربون‬
‫الرسل إذا ما بينوا لهم حقيقة األوثان التي يعبدونها‪ ،‬كما وصف‬
‫هللا حال بعض منهم بقولهم‪َ { :‬و َال تَذَ ُر َّن َودًّا َو َال سُ َواعا َو َال يَغُ َ‬
‫وث‬
‫علَى آ ِل َهتِكُ ْم إِ َّن َهذَا‬ ‫امشُوا َوا ْ‬
‫صبِ ُروا َ‬ ‫َويَعُوقَ َونَسْرا}‪ ،‬وقولهم‪{ :‬أَ ِن ْ‬
‫لَ َ‬
‫ش ْيء ي َُرا ُد}‪.‬‬
‫وبالتالي ال بد من وضع كل من أولئك «الرموز» في حجمه‬
‫الحقيقي وفق المقياس الشرعي‪ ،‬فمن كان منهم من الصالحين‬
‫الذين غال الناس في محبتهم بعد وفاتهم‪ ،‬حفظنا له حقه‪ ،‬وسعينا‬
‫إلى هدم طريقة أتباعه في تقديسه والغلو فيه‪ ،‬واتّباعه من دون‬
‫أمر هللا ورسوله‪ ،‬ومن كان في نفسه ضاال أو مرتدا بيّنّا للناس‬
‫حكمه‪ ،‬وحكم طريقته ومنهجه‪ ،‬ليهلك من هلك عن بينة ويحيى‬
‫ي عن بينة‪ ،‬وال يمكن أن ندعو الناس إلى التوحيد‪ ،‬مع‬ ‫من ح ّ‬
‫يحرفون الناس عن طاعة هللا إلى طاعة‬ ‫ِ‬ ‫تركنا ألولئك الذين‬
‫أنفسهم‪ ،‬وعن اتباع رسول هللا ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إلى اتباع‬
‫طرقهم ومناهجهم الضالة المنحرفة‪ ،‬إنها معركة واحدة يجب أن‬
‫رموز أم أوثان ‪»14« ..............................................................‬‬

‫نخوضها‪ ،‬فندعو إلى التوحيد‪ ،‬ونحمل فأس إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪-‬‬


‫لنحطم «الرموز» التي يعبدها الناس من دون هللا‪ ،‬بأن نزيل عن‬
‫أولئك البشر المعبودين المتّ َبعين «رمزيتهم» ونعيدهم بشرا من‬
‫لحم ودم‪ ،‬يأكلون ويشربون ويتزوجون‪ ،‬يتمنون ويشتهون‪،‬‬
‫يرجون ويخافون‪ ،‬يهتدون ويضلون‪ ،‬ال حق لهم في طاعة وال‬
‫اتباع‪ ،‬إال ما أذن به هللا‪.‬‬
‫إن معركة تحطيم «الرموز» وإعادة الناس إلى الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬هي المعركة األطول واألصعب‪ ،‬ولكنها رغم ذلك تبقى‬
‫من أهم المعارك التي يجب أن نخوضها وننتصر فيها‪ ،‬وهلل عاقبة‬
‫األمور‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»15« ..............................................................‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪٤‬‬
‫سرقت امرأة من بني مخزوم‪ ،‬فاهتمت القبيلة لشأنها‪،‬‬
‫وهالهم أن تُقطع يد امرأة من أشراف قريش‪ ،‬فأرسلوا أسامة بن‬
‫زيد ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ليستشفع لها عند رسول هللا‪ ،‬فغضب ‪-‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ -‬لشفاعة أحد أصحابه في ح ّد من حدود هللا‪ ،‬ثم‬
‫خطب الناس‪ ،‬وقال‪( :‬أيها الناس‪ ،‬إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا‬
‫إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا‬
‫عليه الحد‪ ،‬وايم هللا لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)‬
‫[رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬
‫وهذا الحديث حجة في أن شرف الفرد‪ ،‬أو شهرته‪ ،‬أو‬
‫ثراؤه‪ ،‬أو منصبه‪ ،‬ال تمنع من الحكم عليه بمقتضى فعل اقترفه‪،‬‬
‫أو قول خرج منه‪.‬‬
‫ولكن من عالمات هالك كثير من الناس في عصرنا الحالي‬
‫أنهم إن زعموا إقامة الدين والحكم من خالله على األشخاص‬
‫والجماعات فإنهم يقيمونه على الضعيف الذي ال ظهر له‪ ،‬وعلى‬
‫الغمر الذي ال يؤبه له‪ ،‬أما القوي المعضود‪ ،‬والشريف المشهور‬
‫فإنهم يتغافلون عن سيئاته‪ ،‬بل إنهم يجعلون من تلك السيئات‬
‫حسنات يحمد عليها‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما نراه من بعض المنتقدين لألحزاب الضالة‬
‫والمذاهب الباطلة‪ ،‬فتجدهم يهاجمون ما في عقيدة التنظيم أو‬
‫الحزب من االنحراف والضالل‪ ،‬ويفضحون ما في المذاهب‬
‫الباطلة والطرق الصوفية من الشرك والبدع‪ ،‬وتراهم يغلظون في‬
‫القول على أتباعها‪ ،‬ويكثرون من التحذير من اتّباعها‪ ،‬ولكنهم في‬
‫الوقت نفسه يتجنبون أي ذكر لقادة تلك األحزاب والفصائل‪ ،‬أو‬
‫شيوخ تلك الطرق والفرق والمذاهب‪ ،‬بل إنهم يتكلمون عنهم بكل‬
‫إجالل وإكبار‪ ،‬ويبالغون في ذكر ما يُشاع من فضائلهم ومآثرهم‪،‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»16« ..............................................................‬‬

‫بل ال غرابة إن اعتبروهم من أئمة الهدى ومصابيح الدجى‪ ،‬ومن‬


‫السادة الشهداء واألعالم النبالء‪ ،‬وهذا وجه من وجوه تناقضهم‪.‬‬
‫ويبرأ المتبوع‪ ،‬مع أن جرم‬
‫يجرم التابع على ضاللة َّ‬
‫إذ كيف َّ‬
‫سن تلك السنّة السيئة‪،‬‬
‫المتبوع أكبر‪ ،‬وإثمه أعظم‪ ،‬ألنه هو من ّ‬
‫وأمر بذلك المنكر العظيم‪ ،‬فهو حامل إلثمه وإلثم من اتبعه في‬
‫فعله أو اعتقاده إلى يوم القيامة‪ ،‬كما قال‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(من سن في اإلسالم سنة سيئة‪ ،‬كان عليه وزرها ووزر من عمل‬
‫بها من بعده‪ ،‬من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) [رواه مسلم]‪،‬‬
‫بل إن كل فعل يسنّه اإلنسان ولو لم يقصد منه متابعة غيره له‬
‫فيه فإنه يحمل وزر من يفعله إلى يوم القيامة كما في قوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪( :‬ال تُقتل نفس ظلما إال كان على ابن آدم األول‬
‫كفل من دمها‪ ،‬ألنه أول من ّ‬
‫سن القتل) [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬
‫وال نقصد من ذلك ما نسبه الضالون من أتباع المذاهب‬
‫والفرق المختلفة إلى األنبياء المعصومين من أفعال وأقوال ال‬
‫تليق بهم‪ ،‬كما فعل مشركو النصارى بادعائهم أن عيسى ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬أمرهم بعبادته من دون هللا‪ ،‬وكما يفعل المبتدعة من‬
‫المنتسبين إلى اإلسالم في نسبة أهوائهم إلى النبي‪ ،‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬بناء على ما اختلقوه من أحاديث مكذوبة موضوعة‪ ،‬وال‬
‫ما نسبه هؤالء إلى السلف الصالح في القرون األولى المفضلة‬
‫من صحابة النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وآل بيته ‪-‬رضوان هللا‬
‫عليهم أجمعين‪ -‬من المحدثات في الدين‪ ،‬كما في بدعة تقليد بعض‬
‫العلماء من أئمة السلف ‪-‬رحمهم هللا تعالى‪ -‬من أمثال مالك‬
‫والشافعي وأحمد بن حنبل الذين نهوا الناس عند تقليدهم وتعظيم‬
‫أقوالهم‪.‬‬
‫وال نقصد من ذلك أيضا من تبرأ من بدعته أو منهجه الضال‬
‫الذي كان يدعو الناس إليه ثم تاب عن ذلك كلّه‪ ،‬وبيّن للناس ما‬
‫كانوا عليه من ضاللة باتباعهم له فيما خالف الشريعة‪ ،‬ودعاهم‬
‫إلى ترك الشرك والبدعة والعودة إلى التوحيد والسنّة‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»17« ..............................................................‬‬

‫ولكن من نقصده هنا هم من سنّوا ألتباعهم سبل الضاللة‬


‫وأبعدوهم بذلك عن الصراط المستقيم‪ ،‬وماتوا ولم تظهر منهم‬
‫توبة عما اقترفوه‪ ،‬وال نصيحة ألتباعهم بترك ما هم عليه‬
‫والرجوع إلى الحق‪ ،‬فهؤالء يحملون أوزارهم وأوزار من‬
‫اتبعوهم إلى يوم الدين‪ ،‬وهؤالء أولى من أتباعهم بفضح باطلهم‪،‬‬
‫وبيان حقيقتهم للناس كي ال ينخدعوا بأسمائهم البراقة‪ ،‬وال‬
‫بكالمهم المن ّمق‪ ،‬وال بالهالة الكاذبة التي يحيطهم بها أتباعهم‬
‫ومريدوهم‪ ،‬بعكس ما يفعل المفسدون من تمجيدهم مع ذ ّم أفعالهم‪،‬‬
‫مجاملة للمتعصبين لهم‪ ،‬والغالين في محبتهم وتعظيمهم‪ ،‬وخوفا‬
‫من إغضابهم‪.‬‬
‫وال ينتبه هؤالء الضالون أن مجرد مدح أولئك القادة‬
‫والزعماء إنما هو فتنة للناس عن دينهم‪ ،‬ودعاية غير مباشرة‬
‫التباع مذاهبهم وطرائقهم التي يزعمون الحرب عليها‪ ،‬فعندما‬
‫يصف أحدهم رأسا من دعاة الضاللة وشرك الديموقراطية هو‬
‫(حسن البنا) مؤسس حزب (اإلخوان المرتدين) بأنه «اإلمام‬
‫الشهيد» ويترحّم عليه وفي نفس الوقت يعدد كثيرا من األقوال‬
‫واألفعال المكفّرة التي وقع فيها‪ ،‬والتي دعا أتباعه إلى فعلها من‬
‫بعده‪ ،‬وهم بالفعل يسيرون على منهجه الضال منذ عقود‪ ،‬فإن هذا‬
‫من التناقض الغريب‪ ،‬إذ كيف يكون «إماما» من قاد أتباعه إلى‬
‫وسن لهم سنّة السعي للدخول في‬
‫ّ‬ ‫الوقوع في شرك الديموقراطية‪،‬‬
‫المجالس البرلمانية التي تنازع هللا في سلطانه وحكمه؟ وكيف‬
‫يحكم بـ «الشهادة» لمن وقع بنفسه في كل تلك المكفّرات‪ ،‬وأوقع‬
‫من اتّبعه فيها؟!‬
‫عز وجل‪ -‬كما قال صلى‬ ‫فإذا كان مدح المنافق مغضبا هلل ‪ّ -‬‬
‫هللا عليه وسلم‪( :‬ال تقولوا للمنافق سيد‪ ،‬فإنه إن يك سيدا‪ ،‬فقد‬
‫أسخطتم ربكم عز وجل) [رواه أبو داود بإسناد صحيح]‪ ،‬فما بالك‬
‫يحسب‬
‫ُ‬ ‫بمدح من أظهر الكفر‪ ،‬وعمل به‪ ،‬ودعا الناس إليه وهو‬
‫صنعا؟!‬
‫أنه يُحسن ُ‬
‫رموز أم أوثان ‪»18« ..............................................................‬‬

‫ولم يكتف المدّاحون عند هذا الحد من تزكية أئمة الضالل‪،‬‬


‫بل تعدّى بهم األمر إلى تحريف أحكام الشريعة‪ ،‬أو كتمانها على‬
‫األقل في سبيل أن ال يضطرهم األمر إلى إسقاط تلك األحكام‬
‫على أولئك «الرموز»‪ ،‬وذلك خوفا من إغضاب أتباعهم‪ ،‬أو‬
‫استفزاز الج ّهال من الذين يعرفون الدين بالرجال‪ ،‬ويعتبرون أي‬
‫مس بهؤالء الرجال الذين يقدّسونهم ويقلّدونه اعتداء على اإلسالم‬
‫ّ‬
‫وشريعته‪.‬‬
‫ومن ذلك أنهم بدّلوا كثيرا من أحكام الشريعة‪ ،‬أو اشترطوا‬
‫لها شروطا غير شرعية‪ ،‬أو وضعوا موانع لتلك األحكام كي‬
‫يخرجوا من دائرة الحرج في تطبيق تلك األحكام على أولئك‬
‫«الرموز»‪ ،‬كزعم بعضهم أن الحكم بالقوانين الوضعية الجاهلية‬
‫هو كفر دون الكفر المخرج من الملّة‪ ،‬كي يحكموا بإسالم رجب‬
‫أردوغان ومحمد مرسي وإسماعيل هنية وأشباههم من الطواغيت‬
‫(الذين أخذوا دينهم من إمامهم حسن البنا فساروا على دربه‬
‫واتبعوا نهجه وأطاعوه في ضالله)‪ ،‬وذلك بجعل هذا الفعل المكفّر‬
‫معصية من المعاصي التي يجوز اقترافها عند الضرورة‪ ،‬بل‬
‫يتحول شرك أولئك الطواغيت إلى واجب يثابون على فعله‪،‬‬
‫ويأثمون على تركه‪ ،‬ومنهم من يحكم بكفر الفعل‪ ،‬ولكن يمتنع‬
‫عن إيقاع الحكم بالكفر على فاعله عذرا ألولئك «الرموز»‬
‫بالتأويل وعدم قصد الكفر واالضطرار وغير ذلك من موانع‬
‫تكفير من وقع في الشرك األكبر‪ ،‬التي ال اعتبار لها إال في شريعة‬
‫لف لفيفهم‪.‬‬
‫المرجئة ومن ّ‬
‫فتجد المنحرفين عن الصراط المستقيم يحرصون في ردّهم‬
‫على أهل الضالل أن ال يمسّوا «رمزا» من رموزهم مهما بلغ‬
‫جرمه‪ ،‬وعظمت فتنته‪ ،‬بخالف سنّة النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫وما أتاه من وحي القرآن‪ ،‬حيث تنزلت اآليات التي تسفّه‬
‫«رموز» المشركين من أهل م ّكة‪ ،‬كأبي جهل‪ ،‬وأبي لهب‪،‬‬
‫والوليد بن عقبة وغيرهم‪ ،‬حتى اشتكى أولئك المشركون مما‬
‫رموز أم أوثان ‪»19« ..............................................................‬‬

‫اعتبروه هجاء من النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لهم‪ ،‬وما كان ذلك‬
‫بهجاء الشعراء‪ ،‬إن هو إال كالم رب العالمين‪.‬‬
‫لقد أمر هللا تعالى عباده المؤمنين أن يشهدوا بالحق على كل‬
‫إنسان ولو كان على أنفسهم‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا‬
‫علَى أَنفُ ِسكُ ْم أَ ِو ْال َوا ِل َدي ِْن‬
‫لِل َولَ ْو َ‬ ‫امينَ ِب ْال ِقس ِ‬
‫ْط شُ َه َدا َء ِ َّ ِ‬ ‫كُونُوا قَ َّو ِ‬
‫َو ْاألَ ْق َر ِبينَ } [النساء‪ ،]135 :‬وليس من اإلقساط في شيء أن يعظم‬
‫رأس الضاللة‪ ،‬كما إنه ليس من اإلقساط في شيء أن يحكم على‬
‫التابع بحكم بناء على سيره في طريق ضالل‪ ،‬وينجو من ذلك‬
‫الحكم من يقوده في طريق الضاللة تلك ممن يزعم العلم‬
‫والبصيرة‪ ،‬ويتصدر لقيادة األمة وهداية العالمين‪.‬‬
‫إن المنهج الذي سار عليه أهل الحديث في الجرح والتعديل‬
‫كي يعرف الناس ع ّمن يأخذون دينهم‪ ،‬ويأمنوا سالمة نقل العلم‬
‫إليهم‪ ،‬لهو منهج واجب اتباعه في الحكم على أهل الحق والضالل‬
‫فيعرف السنّي بما لديه من الحق‪ ،‬ويُنهى عما‬‫ّ‬ ‫على ح ّد سواء‪،‬‬
‫ويعرف الضا ّل بما لديه من‬‫ّ‬ ‫لديه من األوهام إن وجدت‪،‬‬
‫الضالالت‪ ،‬وينهى عن األخذ منه‪.‬‬
‫وليكن رائد كل مسلم في بحثه عن الهدى قول علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬رضي هللا عنه‪« :‬الحق ال يعرف بالرجال‪ ،‬اعرف الحق‪،‬‬
‫تعرف أهله»‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»20« ..............................................................‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪٥‬‬
‫ال تتوقف فتنة الرموز والتعلق بهم واتّباعهم ‪-‬في الضالل‪-‬‬
‫عليهم فحسب‪ ،‬بل نجد أن المفتونين غالبا يوسّعون األمر ليشمل‬
‫آخرين م ّمن لهم عالقة ارتباط بـ «الرمز» رفقة أو قرابة‪ ،‬فإذا‬
‫مات «الرمز» بحثوا لهم عن «رمز» جديد يقدّسونه‪ ،‬وغالبا ما‬
‫يختارونه أو يُفرض عليهم من وسط الدائرة المحيطة بـ «الرمز»‬
‫القديم‪ ،‬أو حتى من البعيدين عنه ممن يستطيعون إيجاد عالقة‬
‫ارتباط ‪-‬ولو عرضية‪ -‬به‪ ،‬فيوثّقون تلك العالقة ليجعلوا منها‬
‫تزكية لـ «الرمز» الجديد‪ ،‬فيصير بذلك امتدادا وتجديدا لمنهج‬
‫«الرمز» القديم‪.‬‬
‫وإن فهم ظاهرة تقديس رفاق «الرمز» وأقربائه سهل بإذن‬ ‫ّ‬
‫هللا‪ ،‬فالمفتونون الذين يستدلّون على منهجهم بالرموز والرجال‬
‫يقعون في ضيق إذا غاب عنهم رمزهم لموت مثال‪ ،‬فإما أن‬
‫سرا‬
‫يزعموا كما زعمت الرافضة أنه حاضر موجود يأتيهم ّ‬
‫ليعلّمهم دينهم ويصحّح لهم منهجهم‪ ،‬وإما أن يستخرجوا من رفاقه‬
‫أو أقربائه من ينصبّونه «رمزا» عليهم‪ ،‬ويجعلوا منه منارة‬
‫يدعون الناس إلى االستدالل بها إلى دينهم‪ ،‬بعد أن يثبتوا لهم أنه‬
‫ورث من «الرمز» القديم علمه وصفاته‪ ،‬وهو األقدر على‬
‫حراسة منهجه ورعاية القطيع من أتباعه ومريديه‪.‬‬
‫لذلك نجد المفتونين في معاركهم مع غيرهم ال يفترون عن‬
‫إظهار «رموزهم» الجديدة‪ ،‬ومبارزة الناس بقوة ارتباطهم بـ‬
‫«الرمز» القديم‪ ،‬فهذا «رفيق الرمز»‪ ،‬وذاك «حارس الرمز»‬
‫واآلخر «سائق الرمز»‪ ،‬والرابع «ابن الرمز» والخامس ظهر‬
‫في صورة مع «الرمز»‪ ،‬وكلهم ‪-‬في دين المفتونين‪ -‬يجب على‬
‫أمة اإلسالم أن تدين لهم بالطاعة واالتّباع‪ ،‬كما كان واجبا عليها‬
‫في دينهم طاعة «الرمز» واتّباعه‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»21« ..............................................................‬‬

‫وإن أقارب «الرمز» ورفاقه قد يكونون أخطر منه وأشد‬


‫فتنة على الناس‪ ،‬وذلك أن كثيرا ممن اتّخذهم الناس «رموزا»‬
‫لم يكونوا راضين بذلك‪ ،‬وإنما عملوا أعماال حمدهم الناس عليها‬
‫وعظموهم ألجلها وهم غافلون عن هذا‪ ،‬أما «الرموز» الجدد‬ ‫ّ‬
‫فإنهم ساعون للشهرة‪ ،‬طالبون لها‪ ،‬ولو كانوا ال يملكون من‬
‫مؤ ّهالتها سوى عالقة االرتباط بـ «الرمز» القديم‪ ،‬فتجد أحدهم‬
‫ويغرب ما شاء‪ ،‬وهو مستقو بعالقته‬
‫ّ‬ ‫يشرق في طرق الضاللة‬ ‫ّ‬
‫تلك‪ ،‬فمهما ض ّل أو أض ّل يدافع عنه المفتونون ويذ ّكرون الناس‬
‫بعالقته بـ «رمزهم»‪ ،‬ويعتبرون الطعن في هذا الضال طعنا في‬
‫«الرمز»‪ ،‬وهي كبيرة من الكبائر ‪-‬في دين المفتونين‪ -‬ال‬
‫يرضونها‪.‬‬
‫ولذلك نجد أن «الرمز» الجديد يعمل على الحفاظ على‬
‫مكانة سلفه داخل الجماعة وخارجها‪ ،‬ألنّه إنما يكتسب «رمزيته»‬
‫الحادثة من خالل ارتباطه بـ «الرمز» القديم‪ ،‬وبفقدان «الرمز»‬
‫القديم لمكانته سيفقد هو نفسه كثيرا من «رمزيته» بتأثير االرتباط‬
‫بينهما‪ ،‬بل قد تصبح عالقة االرتباط تلك وباال عليه في حال‬
‫إسقاط «الرمز» القديم‪ ،‬باكتشاف األتباع لنقيصة في تاريخه‬
‫كانت غائبة عنهم‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون دفاع الجديد عن القديم‬
‫دفاعا عن نفسه‪.‬‬
‫والجانب اآلخر من جوانب خطورة هؤالء على أي جماعة‬
‫أو تنظيم‪ ،‬أنهم في كثير من األحيان يستلمون أعلى المناصب‬
‫القيادية فيها‪ ،‬دون أن تكون لديهم القدرات والكفاءات الالزمة‬
‫للقيام بواجبات تلك المناصب‪ ،‬فيفسدون البالد ويهلكون العباد‪،‬‬
‫كما أن تقديمهم على غيرهم في األمور المختلفة يخلق الشحناء‬
‫والبغضاء داخل الجماعة مما يعرضها للتفكك واالنهيار‪ ،‬ومن‬
‫جانب آخر فإن أقارب «الرموز» ورفاقهم معرضون بشكل أكبر‬
‫للتحول إلى مراكز ثقل داخل الجماعة‪ ،‬يجتمع عليهم الناقمون‬
‫على القيادة الجديدة‪ ،‬ويجعلون منهم واجهات ‪-‬ولو صوريّة‪-‬‬
‫للمنشقين‪ ،‬ليستفيدوا من «رمزيتهم» المكتسبة في االستقواء على‬
‫رموز أم أوثان ‪»22« ..............................................................‬‬

‫باقي أفراد الجماعة وقيادتها‪ ،‬بالزعم أنها انحرفت عن الخط‬


‫األصيل لها‪ ،‬ويستدلون على دعواهم هذه بهؤالء «الرموز»‬
‫الجدد الذين يمثلون في عرف المفتونين ورثة منهج «الرمز»‬
‫القديم والمدافعين عن مذهبه من «عبث العابثين»‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫للتمرد على األوامر وإعالن‬
‫ّ‬ ‫هؤالء معرضون أكثر من غيرهم‬
‫العصيان إذا ما عُزلوا عن مناصبهم‪ ،‬أو ُج ّردوا من بعض‬
‫صالحياتهم أو مكتسباتهم‪ ،‬ألنهم قد يشعرون أنهم في منعة من‬
‫العقاب‪ ،‬وأن هناك من سيغضب لغضبتهم‪ ،‬ويثور لثورتهم‪ ،‬وهذا‬
‫ما نجده جليا في األحزاب والتنظيمات‪ ،‬سواء منها العلمانية أو‬
‫المنتسبة لإلسالم‪ ،‬بل نجده في الطرق الصوفية‪ ،‬وفي الفرق‬
‫والطوائف الضالة المضلة‪.‬‬
‫وهذه الحقائق تدفع الطواغيت‪ ،‬وزعماء الفرق‪ ،‬وقادة‬
‫األحزاب والتنظيمات إلى الحرص على رضا أقرباء «الرموز»‬
‫يقربون أبناءهم وأحفادهم‪ ،‬ليكتسبوا من وراء ذلك‬
‫كثيرا‪ ،‬فتراهم ّ‬
‫شرعية في قلوب المفتونين وعقولهم‪.‬‬
‫ولنا في حكام جزيرة العرب من «آل سعود» خير مثال‪،‬‬
‫فبالرغم من أنّهم نبذوا الدين وراء ظهورهم وحادوا عن طريق‬
‫أجدادهم الموحّدين‪ ،‬وصاروا طواغيت مرتدّين‪ ،‬إال أنهم ال زالوا‬
‫حريصين على تقريب بعض أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب‬
‫‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬المعروفين اليوم بـ «آل الشيخ» فيشاركونهم‬
‫معهم في الردة ويختارون منهم المفتين والوزراء‪ ،‬وذلك لكي‬
‫يخدعوا الجهال‪ ،‬ويستد ّل لهم علماء السوء أنهم ال زالوا على‬
‫منهج التوحيد الذي جدّده الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ونصره‬
‫اإلمام محمد بن سعود بنفسه وأوالده ورجاله‪ ،‬فما دام «آل‬
‫الشيخ» في صف «آل سعود» فهذا – في دين المفتونين – دليل‬
‫أنهم على منهج الشيخ‪ ،‬وعلى سيرة األوائل من «آل سعود»‪.‬‬
‫وبالرغم من الردّة الواضحة التي وقع فيها بعض أحفاد‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬المعاصرين من‬
‫رموز أم أوثان ‪»23« ..............................................................‬‬

‫أمثال مفتي «آل سعود» الحالي (عبد العزيز آل الشيخ) ووزير‬


‫أوقافهم (صالح آل الشيخ) وغيرهم من المشايخ «الرسميين»‬
‫و«غير الرسميين»‪ ،‬بمواالتهم للطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل‬
‫هللا‪ ،‬وإعانتهم للصليبيين والمرتدين المحاربين ألهل التوحيد‬
‫بكالمهم ودعائهم‪ ،‬فإن كثيرا من الناس ال يقبل فيهم كالما وال‬
‫نقدا‪ ،‬ألنهم عنده حملة علم الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وحماة‬
‫منهجه‪.‬‬
‫حول هؤالء المفتونون منهج الشيخ محمد بن عبد‬ ‫وهكذا ّ‬
‫الوهاب ‪-‬الذي أفنى عمره في الدعوة إلى التوحيد واتباع السنة‪-‬‬
‫ويورثون معها‬
‫ّ‬ ‫يورثها اآلباء لألبناء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إلى طريقة صوفية‬
‫التزكيات التي يعطيها اليوم المرتدون من «آل الشيخ» للطواغيت‬
‫وأحبارهم‪.‬‬
‫وهذه العالقة النفعية بين الطواغيت من «آل سعود»‬
‫والمرتدين الموالين لهم من «آل الشيخ» ال بد أن تنتهي عاجال‬
‫في ظل تسريع عجلة التغريب والعلمنة في جزيرة العرب‪ ،‬ولن‬
‫يكون غريبا حينها أن تنتهي بحملة تشويه يشنّها إعالم «آل‬
‫سعود» ضد «آل الشيخ» ليتهموهم بأبشع التهم‪ ،‬ويعتبروهم فئة‬
‫طفيلية تستفيد من قربها من الحكم دون أن يكون لها فائدة على‬
‫دولتهم‪ ،‬وذلك ليكسروا «رمزيتهم» التي استفاد منها «آل سعود»‬
‫لقرن من الزمن‪ ،‬تمهيدا إلضعافهم وإزاحتهم عن الواجهة‪ ،‬منعا‬
‫لتحولهم إلى مركز ثقل يجتمع عليه من يريد أيضا االستفادة من‬
‫تلك «الرمزية» في منافسة «آل سعود»‪.‬‬
‫كما وجدنا أن الطاغوت الوطني الهالك (أختر منصور)‬
‫سارع إلى طلب البيعة من أسرة أميره السابق (المال عمر)‪ ،‬التي‬
‫تأ ّخرت شهورا طويلة عنها‪ ،‬ولم تعطها له إال بعد مفاوضات‬
‫ووساطات كانت نتيجتها استالم بعض أفراد األسرة لمناصب‬
‫قيادية في حركة طالبان الوطنية‪ ،‬فكانت تلك البيعة بمثابة التزكية‬
‫للطاغوت (أختر منصور)‪ ،‬التي لم يكن ليستتب األمر له بدونها‬
‫رموز أم أوثان ‪»24« ..............................................................‬‬

‫في أوساط الحركة‪ ،‬التي تغلب عليها األعراف القبلية واألفكار‬


‫الصوفية الديوبندية التي تقوم على توريث شيخ القبيلة أو الطريقة‬
‫األمر ألكبر أوالده من بعده‪ ،‬ولو طال العمر بـ (أختر منصور)‬
‫لربما وجدناه يسعى إلى تهميش أسرة (المال عمر) وانتزاع ما‬
‫أخذوه من مكتسبات لقاء بيعتهم له فور تثبيت أركان حكمه لحركة‬
‫طالبان الوطنية وإزالته لمراكز الخطر التي هدّدت هيمنته على‬
‫الحركة‪ ،‬بعد فضيحة حكمه لها عدة أعوام باسم أميرها (المال‬
‫المقربين منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عمر) الذي أخفى موته مع بعض‬
‫إن أهل التوحيد السليم‪ ،‬وأتباع المنهج النبوي القويم‪ ،‬ال‬
‫يقيمون بنيانهم على األشخاص أبدا مهما ذاع صيتهم وبلغ‬
‫مجدهم‪ ،‬بل يقيمونه على ركن شديد من الكتاب والسنّة‪ ،‬ولذلك ال‬
‫يشعرون بالحاجة الدائمة إلى تعضيد الجماعة بـ «الرموز»‪ ،‬ثم‬
‫االستمرار بصناعة «الرموز» في كل جيل للحفاظ على‬
‫جماعاتهم‪ ،‬كما تفعل األحزاب والتنظيمات المنحرفة الضالة‪،‬‬
‫وعلى هذا األساس نجد أن أقرباء قادتهم ورفاقهم ينالهم من‬
‫أفرادها االحترام والتقدير بمقدار التزامهم هم بالمنهج القويم‪،‬‬
‫وبمقدار ما يقدّمونه ألنفسهم من خير وعمل صالح‪ ،‬ال بناء على‬
‫قرابة أو صداقة أو عالقة‪.‬‬
‫إن اآليات الواضحات واألحاديث البيّنات تد ّل أهل اإليمان‬
‫أن اإلنسان ال ينتفع بقرابته ألهل الخير والصالح شيئا‪ ،‬فمن سار‬
‫على نهج الصالحين من آبائه كان منهم‪ ،‬ومن حاد عن طريقهم‬
‫يقربه نسب‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬ ‫وض ّل السبيل أبعده هللا ولم ّ‬
‫{ َوالَّذِينَ آ َمنُوا َواتَّبَ َعتْ ُه ْم ذُ ِ ّريَّتُ ُهم ِبإِي َمان أَ ْل َح ْقنَا ِب ِه ْم ذُ ِ ّريَّتَ ُه ْم َو َما‬
‫ب َرهِين} [الطور‪:‬‬ ‫س َ‬‫ام ِرئ بِ َما َك َ‬ ‫ش ْيء كُ ُّل ْ‬ ‫ع َم ِل ِهم ِّمن َ‬ ‫أَلَتْنَاهُم ِّم ْن َ‬
‫علَى ِإ ْس َحاقَ َو ِمن ذُ ِ ّريَّتِ ِه َما‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫ار ْكنَا َ‬‫‪ ،]21‬وقوله تعالى‪َ { :‬وبَ َ‬
‫ظا ِلم ِلّنَ ْف ِس ِه ُم ِبين} [الصافات‪ ،]113 :‬وقوله تعالى‪َ { :‬و ِإ ِذ‬ ‫ُمحْ ِسن َو َ‬
‫اس ِإ َماما‬ ‫ِيم َربُّهُ ِب َك ِل َمات فَأَتَ َّم ُه َّن قَا َل ِإ ِنّي َجا ِعلُكَ ِللنَّ ِ‬ ‫ا ْبتَلَى ِإب َْراه َ‬
‫الظا ِل ِمينَ } [البقرة‪،]124 :‬‬ ‫ع ْهدِي َّ‬ ‫قَا َل َو ِمن ذُ ِ ّريَّتِي قَا َل َال يَنَا ُل َ‬
‫رموز أم أوثان ‪»25« ..............................................................‬‬

‫وقوله تعالى‪َ { :‬ونَا َدى نُوح َّربَّهُ فَقَا َل َربّ ِ إِ َّن ا ْبنِي ِم ْن أَ ْه ِلي َوإِ َّن‬
‫ْس ِم ْن‬ ‫ح ِإنَّهُ لَي َ‬ ‫َو ْعدَكَ ْال َح ُّق َوأَنتَ أَحْ َك ُم ْال َحا ِك ِمينَ * قَا َل َيا نُو ُ‬
‫ْس لَكَ ِب ِه ِع ْلم ِإنِّي أَ ِعظُكَ‬
‫صا ِلح فَ َال تَ ْسأ َ ْل ِن َما لَي َ‬
‫غي ُْر َ‬ ‫أَ ْهلِكَ ِإنَّهُ َ‬
‫ع َمل َ‬
‫أَن تَكُونَ ِمنَ ْال َجا ِهلِينَ } [هود‪ ،]46-45 :‬وقوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪( :‬يا أم الزبير بن العوام عمة رسول هللا‪ ،‬يا فاطمة بنت‬
‫محمد‪ ،‬اشتريا أنفسكما من هللا ال أملك لكما من هللا شيئا) [رواه‬
‫بطأ به عمله‪،‬‬ ‫البخاري ومسلم]‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬ومن ّ‬
‫لم يسرع به نسبه) [رواه مسلم]‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»26« ..............................................................‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪٦‬‬
‫إن فتنة عبادة "الرموز" ليست قضية تعلق أناس متفرقين‬
‫بشخص من األشخاص فحسب‪ ،‬ولكنها قضية مناهج وعقائد يتم‬
‫إلباسها على هؤالء األشخاص‪ ،‬ليكونوا "رموزا" لهذه المناهج‬
‫واألديان‪ ،‬فمن تعلق بهذه "الرموز" يراد منه ضمنا أن يتعلق‬
‫بالمناهج التي التصقت بهم‪ ،‬ومن رفض تلك المناهج‪ ،‬اتهم فورا‬
‫من قبل أصحابها بالطعن في "الرموز" الذين يعظمهم‪ ،‬ألنهم‬
‫يحملون المنهج الذي رفضه‪.‬‬
‫وقد وقع في هذا بعض من أهل الصالح وطالبي الخير‪ ،‬بأن‬
‫يعلن مدح شخص ما‪ ،‬على ما ظهر منه من صالح وإحسان‪،‬‬
‫وهو ال يعلم ما خفي من حال هذا الممدوح‪ ،‬الذي قد يكون "رمزا"‬
‫لبعض الضالين‪ ،‬يستدلون بأقواله وأفعاله على صحة منهجهم‪،‬‬
‫وسالمة عقيدتهم‪ ،‬حتى إذا ما طعن المادح أو من يتبعه بعقيدة‬
‫هؤالء الضالين‪ ،‬جادلوه بأنهم على عقيدة ومنهج "الرمز" الذي‬
‫سبق له أن مدحه وأثنى عليه‪ ،‬ويسعون إللزامه بقبول ضاللهم‪،‬‬
‫لكي ال ينسحب طعنه في عقيدتهم إلى الطعن في "الرمز" الذي‬
‫مدحه‪ ،‬أو يتهموه بالتناقض‪ ،‬بين مدحه لذلك "الرمز" وطعنه في‬
‫العقيدة التي يحملها‪.‬‬
‫وال يمكن حصر األمثلة على "الرموز" التي امتدحها‬
‫البعض‪ ،‬على ما علموا عنهم من خير‪ ،‬وجهلوا عنهم من باطل‬
‫وضالل‪ ،‬كحال "رموز" اإلخوان المرتدين كحسن البنا‪،‬‬
‫و"رموز" القاعدة كعطية هللا الليبي وأبي مصعب السوري‪،‬‬
‫وغيرهم كثير من أئمة الضالل‪ ،‬ورؤوس الفتنة‪.‬‬
‫ادعوهم إلى كتاب هللا‪ ..‬ال إلى "الرموز"‬
‫رموز أم أوثان ‪»27« ..............................................................‬‬

‫والمصيبة كل المصيبة أنك ال تزال تجد بعض المنتسبين‬


‫إلى أهل السنة والجماعة‪ ،‬يحرصون على منهج تعظيم‬
‫"الرموز"‪ ،‬ويرون فيه منفعة يزعمونها‪ ،‬هي دفع الناس إلى‬
‫تقليدهم واتباعهم في ما يعرفون عنهم من خير‪ ،‬وطاعتهم في ما‬
‫يأمرون به من معروف‪.‬‬
‫وال ينتبه هؤالء إلى أن هذا "الرمز" الذي يعلمون الناس‬
‫تعظيمه واتباعه مطلقا‪ ،‬قد يكون وقع في أخطاء كثيرة في ما قاله‬
‫أو فعله أو قرره أو سكت عنه‪ ،‬أو ز ّكاه أو ذ ّمه‪ ،‬وأن أكثر الناس‬
‫ال يفقهون قاعدة أهل السنة‪ ،‬باألخذ من الرجال‪ ،‬والر ّد عليهم‪،‬‬
‫التي قررها أئمتهم وهي‪" :‬كل يؤخذ منه وير ّد عليه إال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم"‪ ،‬وأن كثيرا من الناس يتخذون الرجال الذين‬
‫يعظمونهم أربابا من دون هللا‪ ،‬بطاعتهم مطلقا‪ ،‬واتباعهم مطلقا‪،‬‬
‫وبالتالي يجعلون كل ما صدر منهم‪ ،‬أو روي عنهم‪ ،‬دينا يتعبدون‬
‫هللا به‪ ،‬فيكونون من األخسرين أعماال‪ ،‬الذين وصفهم هللا –تعالى‪-‬‬
‫س ْعيُ ُه ْم فِي ْال َحيَاةِ ال ُّد ْنيَا َوهُ ْم يَحْ َ‬
‫سبُونَ‬ ‫بالضالل فقال‪{ :‬الَّذِينَ َ‬
‫ض َّل َ‬
‫ص ْنعا} [الكهف‪.]104 :‬‬ ‫أَنَّ ُه ْم يُحْ ِسنُونَ ُ‬
‫فما بالك إن كانت أخطاء هؤالء "الرموز" تصل بهم إلى‬
‫الكفر باهلل واإلشراك به‪ ،‬وأتباعهم يروجون لهذا الكفر والشرك‬
‫على أنه التوحيد الخالص‪ ،‬والعقيدة الصحيحة‪ ،‬ويستدلون على‬
‫ذلك‪ ،‬بأنها عقيدة "الرمز" التي ال يسع من يعظمه الخروج عليها‪،‬‬
‫أو الطعن فيها‪ ،‬وإال لزمه أن يطعن في "الرمز" أيضا‪ ،‬فيكون‬
‫عندهم من المقبوحين‪ ،‬أخزاهم هللا‪ ،‬وجمعهم بمن يتبعون على‬
‫شركهم في نار جهنم‪ ،‬فيكون حالهم كمن وصفهم ربنا العظيم جل‬
‫وعال‪َ { :‬وقَا َل الَّذِينَ اتَّ َب ُعوا لَ ْو أَ َّن لَنَا ك ََّرة فَنَتَ َب َّرأَ ِم ْن ُه ْم َك َما تَ َب َّر ُءوا‬
‫َار ِجينَ ِمنَ‬ ‫علَ ْي ِه ْم َو َما هُ ْم ِبخ ِ‬ ‫س َرات َ‬ ‫ّللا أَ ْع َمالَ ُه ْم َح َ‬
‫ِمنَّا َكذَلِكَ ي ُِري ِه ُم َّ ُ‬
‫ار} [البقرة‪.]166 :‬‬ ‫النَّ ِ‬
‫امتحان عقائد الناس بمواقفهم من "الرموز"‬
‫رموز أم أوثان ‪»28« ..............................................................‬‬

‫وعلى الجانب اآلخر‪ ،‬تجد عُبَّاد "الرموز" يمتحنون عقائد‬


‫الناس‪ ،‬ال بأقوالهم وأفعالهم‪ ،‬ولكن بمدى تعظيمهم لهؤالء‬
‫"الرموز"‪ ،‬وذلك بعد سلسلة طويلة من الخطوات‪ ،‬كأن يسعوا‬
‫أوال إلى صناعة "الرمز"‪ ،‬وتعليق قلوب الناس به‪ ،‬ثم يخرجوا‬
‫على الناس بعقيدتهم التي يلصقونها بهذا "الرمز"‪ ،‬أو التي يحملها‬
‫حقيقة‪ ،‬وما عظموه إال ألنها وافقت أهواءهم‪ ،‬ويطلبون من كل‬
‫من يعظمه أن يعتقدها‪ ،‬ويتبعها‪ ،‬ليعدوه من الفرقة الناجية‪،‬‬
‫ويبشروه بالحور والقصور‪.‬‬
‫أو أن يعلنوا أن هذا "الرمز" كان عدوا إلحدى طوائف‬
‫الضالل‪ ،‬كالمرجئة أو الخوارج أو الروافض أو القدرية أو ما‬
‫صلوا لقضية أنه ال يعادي هذا "الرمز" أو حتى‬ ‫شابههم‪ ،‬ويؤ ّ‬
‫يرفض غلوهم فيه‪ ،‬إال من كان منتميا لتلك الطائفة الضالة التي‬
‫أعلنوا سلفا أن "رمزهم" عدو لها‪.‬‬
‫وهكذا تكون نتيجة امتحان الناس بهذه الطريقة البدعية‪ ،‬أن‬
‫يصبح الوالء والمودة والتزكية لمن يعظم "الرمز"‪ ،‬ولو كان من‬
‫أضل الضالين‪ ،‬وتكون العداوة والبراء والنبز باأللقاب من نصيب‬
‫كل من يشير إلى أي خطأ وقع فيه "الرمز"‪ ،‬أو يعاديه لخصومة‬
‫من خصومات الدنيا‪ ،‬والمنازعات على حظوظها‪ ،‬أو حتى لمن‬
‫يرى نفسه ندا له‪ ،‬ال يرى له عليه فضال‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪" :‬ال يجوز ألحد أن‬
‫يجعل األصل في الدين لشخص إال لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وال لقول إال لكتاب هللا عز وجل‪ ،‬ومن نصب شخصا كائنا‬
‫من كان‪ ،‬فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو { ِمنَ‬
‫الَّذِينَ فَ َّرقُوا دِينَ ُه ْم َوكَانُوا ِشيَعا} اآلية‪ ،‬وإذا تفقه الرجل وتأدب‬
‫بطريقة قوم من المؤمنين‪ ،‬مثل اتباع األئمة والمشايخ‪ ،‬فليس له‬
‫أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار‪ ،‬فيوالي من وافقهم‪ ،‬ويعادي‬
‫من خالفهم‪ ،‬وليس ألحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول‬
‫أصحابه‪ ،‬وال يناجز عليها بل ألجل أنها مما أمر هللا به ورسوله‪،‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»29« ..............................................................‬‬

‫أو أخبر هللا به ورسوله‪ ،‬لكون ذلك طاعة هلل ورسوله" [مجموع‬
‫الفتاوى]‪.‬‬

‫ال نعلق عقائد الناس بالرجال‬


‫فهذان جانبان خطيران من جوانب قضية تعظيم "الرموز"‬
‫البدعية‪ ،‬التي هي باب جلي إلى الضالل واالنحراف‪ ،‬وقطع حبال‬
‫المودة بين المسلمين‪ ،‬التي يجب أن نحذرها‪ ،‬ونحذر منها الناس‪.‬‬
‫فنحذر من ربط جماعة المسلمين بعقيدة شخص من‬
‫األشخاص أو سنته‪ ،‬مهما ظهر من صالحه وتقواه‪ ،‬واتباعه‬
‫للسنة‪ ،‬وبراءته من الشرك وأهله‪ ،‬ومهما كان له من فضل وجهاد‬
‫وإمامة في الدين‪ ،‬فكيف إن كان مجهول الحال‪ ،‬خافية علينا‬
‫عقيدته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وطباعه‪.‬‬
‫ويستوي في ذلك األحياء واألموات‪ ،‬فالحي ال تؤمن عليه‬
‫الفتنة‪ ،‬وليس بمعصوم من الخطأ‪ ،‬والميت وإن ظهرت منه خاتمة‬
‫بمبرأ أن يظهر ما هو مؤكد من أخبار حياته بعد‬
‫الخير‪ ،‬فإنه ليس َّ‬
‫موته ما ينقض تزكية شخصه‪ ،‬فضال عن جعله إماما للمسلمين‪،‬‬
‫ولعل في قصص بعض المنافقين في المدينة‪ ،‬الذين خص رسول‬
‫هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬حذيفة بن اليمان ‪-‬رضي هللا عنه‪-‬‬
‫بمعرفتهم‪ ،‬خير مثال‪ ،‬إذ كان عمر بن الخطاب ‪-‬رضي هللا عنه‪-‬‬
‫يعامل جميع الناس على ما يظهر منهم‪ ،‬فإذا مات منهم أحد نظر‬
‫إلى حذيفة‪ ،‬فإن صلى عليه وافقه في ذلك‪ ،‬وإن أبى الصالة عليه‬
‫عرف عمر أنه من المنافقين‪.‬‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬نحذر من قضية تصنيف الناس أو‬
‫مواالتهم أو معاداتهم بناء على مجرد مواقفهم من شخص من‬
‫األشخاص‪ ،‬وليست كل المحبة أو العداوة مبدأها ديني أو عقدي‪،‬‬
‫فباب الهوى والمنفعة‪ ،‬والتحاسد والتباغض بين األنداد واسع‬
‫عريض‪ ،‬دخله الكثيرون‪ ،‬وباب االختالف في المسائل العلمية‬
‫رموز أم أوثان ‪»30« ..............................................................‬‬

‫بين أهل الفضل وبناء الخصومات عليها باب مثله‪ ،‬إن لم يكن‬
‫أوسع منه‪ ،‬وقد يكون التنافس على الدنيا‪ ،‬مثلما يكون ألجل الدين‪،‬‬
‫وقد يكون على حق أو على باطل‪ ،‬ولكل امرئ حال ينظر فيها‪.‬‬
‫ولنا في مواقف الناس من علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬خير مثال‪،‬‬
‫فليس كل من أحبّه من أهل السنة والجماعة‪ ،‬بل قد يكون من‬
‫الشيعة الروافض‪ ،‬أو ممن شابههم‪ ،‬أو كان أكفر منهم‪ ،‬وليس كل‬
‫من قاتله في حياته من الخوارج المارقين أو النواصب المغالين‪،‬‬
‫إذ قد وقع العداء والقتال بينه وبين أقوام هم من خيرة صحابة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال يصح بحال نسبة أحد منهم‬
‫إلى خروج أو نصب‪ ،‬فكلهم عندنا سادة عدول‪ ،‬نجلهم جميعا‪،‬‬
‫ونكف عما شجر بينهم‪.‬‬

‫اعرفوا الحق تعرفوا أهله‬


‫ونسعى إلى حصر تمسك الناس بكتاب هللا وسنة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وتعريفهم بالحق ال بالرجال‪ ،‬فمن عرف‬
‫الحق عرف أهله‪ ،‬ومن عرف الباطل عرف أهله‪ ،‬والرجال‬
‫يستدل لهم‪ ،‬وال يستدل بهم‪.‬‬
‫وإن على كل من يريد نصب "الرموز" للناس أن يتذكر‬
‫مبدأ عبادة الصور واألصنام بين الناس‪ ،‬وهو اتخاذ بعض‬
‫الصالحين "رموزا" يتذكر قومهم العبادة برؤية صورهم‪ ،‬فلم‬
‫يطل عليهم الزمن حتى جعلوهم وسائط بينهم وبين هللا تعالى‪،‬‬
‫وأشركوا بعبادتهم مع هللا تعالى‪ ،‬وكذلك فإن من يدعو إلى تعظيم‬
‫"الرموز" ليستدل الناس بهم على الخير‪ ،‬عليه أن يتذكر أنه لن‬
‫يطول الزمن ببعض هؤالء الناس‪ ،‬أو من بعدهم‪ ،‬حتى يأخذوا‬
‫دين هؤالء "الرموز" كله‪ ،‬بصوابه وخطئه‪ ،‬ويجعلوه دينا لهم‪،‬‬
‫فيكون ضاللهم من ذات الباب الذي دخلوه‪ ،‬وهللا ال يهدي القوم‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»31« ..............................................................‬‬

‫رموز ‪ ..‬أم أوثان‬


‫‪٧‬‬
‫مانزال –يوما بعد يوم‪ -‬نجد أهمية الكالم في تحذير‬
‫المسلمين من اتباع الرجال على غير هدى‪ ،‬وتقديم أقوالهم أو‬
‫أفعالهم على كالم هللا ورسوله‪ ،‬وهدي السلف الصالح من هذه‬
‫األمة المرحومة بإجماعهم على الحق‪ ،‬وذلك ألن الفتنة بالرجال‬
‫هي من أكبر الفتن في هذا الزمان‪ ،‬بل وفي كل زمان‪ ،‬أودت‬
‫بخلق كثير من الناس إلى الشرك باهلل العظيم‪ ،‬ورد ما أنزله هللا‬
‫من العلم والهدى ليخرج به أولياءه من الظلمات إلى النور‪ ،‬كما‬
‫ت ِإلَى‬ ‫ي الَّذِينَ آ َمنُوا ي ُْخ ِر ُج ُه ْم ِمنَ ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬ ‫ّللا َو ِل ُّ‬
‫قال جل شأنه‪ُ َّ { :‬‬
‫ور ِإلَى‬ ‫ور َوالَّذِينَ َكف َُروا أَ ْو ِل َيا ُؤهُ ُم َّ‬
‫الطاغُوتُ ي ُْخ ِر ُجونَ ُه ْم ِمنَ النُّ ِ‬ ‫النُّ ِ‬
‫ار هُ ْم ِفي َها خَا ِلدُونَ } [البقرة‪،]257 :‬‬ ‫اب النَّ ِ‬‫ص َح ُ‬ ‫ت أُولَئِكَ أَ ْ‬ ‫ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬
‫فهم يخرجون من الظلمات باتباعهم النور الذي دعا إليه أنبياء‬
‫هللا‪ ،‬عليهم السالم‪ ،‬أما الذين كفروا فإنهم يُدخلون أنفسهم إلى‬
‫الظلمات باتباعهم ضالالت رؤسائهم وزعمائهم والمشاهير من‬
‫الرجال‪ ،‬الذين يتخذونهم طواغيت يعبدونهم من دون هللا‪،‬‬
‫بطاعتهم في المعصية‪ ،‬واتباعهم على غير الهدى‪.‬‬
‫وإن من أخطر ما في هذه القضية‪ ،‬أن أهل الضاللة يجعلون‬
‫من أفعال "الرموز" الذين يقدسونهم أدلَّة على صحة ما يفعلون‪،‬‬
‫وشعارهم في ذلك أن لو كان في األمر خطأ ما فعله "الرموز"‪،‬‬
‫فهم في ظنهم األعل ُم فال يعتريهم جهل‪ ،‬واألهدى فال تسري إليهم‬
‫ضاللة‪ ،‬واألتقى فال يعقل فيهم اتباع للهوى‪ ،‬وإنهم ال تزري بهم‬
‫أفعالهم‪ ،‬بل هم يزكون األفعال التي يقومون بها‪ ،‬فيمنحونها‬
‫الشرعية‪ ،‬ويكسبونها باقترافهم لها الحكم بالصحة‪ ،‬والمقياس في‬
‫ذلك كله كثرة المصفقين لهؤالء "الرموز"‪ ،‬والهاتفين بأسمائهم‪،‬‬
‫والمسبّحين لصفاتهم وأفعالهم‪ ،‬والذين مخالفتهم –عند الضالين‪-‬‬
‫ال تقل بحال عن مخالفة إجماع الصحابة‪.‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»32« ..............................................................‬‬

‫فتجد هؤالء يردُّون الحق‪ ،‬ال جحدا له أحيانا‪ ،‬وال تكذيبا لمن‬
‫جاء به‪ ،‬وإنما لمجرد أن في اتباعه مفارقة لما عليه "الرموز"‬
‫المعظمون‪ ،‬ولما في اإلقرار به من طعن في من خالفه من‬
‫"الرموز"‪ ،‬وهذا األمر سنة جارية في أهل الضالل على مدى‬
‫العصور‪ ،‬ولعله من أشد األمور صدا عن طاعة هللا واتباع‬
‫الهدى‪ ،‬فقد واجهه أنبياء هللا –تعالى‪ -‬المؤيَّدون بوحيه مع‬
‫ع َّما َكانَ‬ ‫أقوامهم‪{ ،‬قَالُوا ِإ ْن أَ ْنتُ ْم ِإ َّال بَشَر ِمثْلُنَا تُ ِريدُونَ أَ ْن تَ ُ‬
‫صدُّونَا َ‬
‫طان ُمبِين} [إبراهيم‪.]10 :‬‬ ‫يَ ْعبُ ُد آبَا ُؤنَا فَأْتُونَا بِسُ ْل َ‬
‫فالمشكلة األكبر عند هؤالء كانت في مخالفة اآلباء‪ ،‬الذين‬
‫هم "الرموز" المعظمون عندهم‪ ،‬وفي تلك المخالفة لهم عن‬
‫ضاللهم إقرار بوقوع أولئك اآلباء فيه‪ ،‬وطعن في دينهم‪ ،‬بل‬
‫وحتى في عقولهم أحيانا‪ ،‬ولذلك فإن فِئاما منهم كانوا مقرين بأن‬
‫الحق هو غير ما كان عليه آباؤهم‪ ،‬ورغم ذلك أصروا على أن‬
‫يبقوا على دينهم‪ ،‬كما في قصة الشيخ الضال أبي طالب‪ ،‬الذي‬
‫مات وهو يردّد‪" :‬هو على ملَّة عبد المطلب"‪ ،‬مخافة أن يعيره‬
‫أشياخ قريش بالرغوب عن تلك الملة الضالة المنحرفة‪.‬‬
‫دين على مقاس "الرموز"‬
‫بل إننا نجد في زماننا هذا من يسكت عن بعض المنكرات‪،‬‬
‫ويجهد نفسه في الدفاع عن فاعليها‪ ،‬وذلك كله مخافة أن يسألهم‬
‫أتباعهم عن حكم من وقع فيها‪ ،‬فيضطرهم األمر إلى أن يحكموا‬
‫على مرتكبها بما يستحقه‪ ،‬أو يقعوا في التناقض بين ما يزعمون‬
‫اإليمان به من األحكام وبين تطبيقها على األعيان‪ ،‬أو في التفريق‬
‫–بغير علة شرعية‪ -‬بين مرتكبي هذه المنكرات‪ ،‬كما يفعل‬
‫الهالكون (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق‬
‫فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) [متفق عليه]‪.‬‬
‫بل إن منهم من يشط في ضالله بعيدا‪ ،‬فال بأس عنده أن‬
‫تصبح السرقة من المباحات‪ ،‬بل من األعمال الصالحات‪ ،‬وال‬
‫بأس عنده أن يفتري في سبيل ذلك حتى على األنبياء‪ ،‬عليهم‬
‫رموز أم أوثان ‪»33« ..............................................................‬‬

‫السالم‪ ،‬فينسب إليهم ظلما فعل هذا المنكر‪ ،‬ليجعل لمن وقع في‬
‫السرقة من "الرموز" الذين يقدسهم سلفا‪ ،‬وال يستغرب أحد هذا‬
‫األمر‪ ،‬فقد فعلوا شرا من ذلك‪ ،‬إذ اتهموا ‪-‬كاذبين‪ -‬أحد األنبياء‪،‬‬
‫وهو يوسف ابن يعقوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬بما هو أفحش من السرقة‪،‬‬
‫وهو الشرك باهلل‪ ،‬ومواالة الكافرين‪ ،‬ليبرروا ما فعلوه هم‬
‫و"رموزهم" من شرك الديموقراطية‪ ،‬ومواالة الطواغيت‬
‫الحاكمين بغير ما أنزل هللا‪.‬‬
‫ومن فهم قولنا‪ ،‬أدرك حقيقة أن كثيرا من أهل الضالل اليوم‬
‫يسكتون عن أعظم المنكرات‪ ،‬فيَ َود لو أن أحدا ال يسأل عن‬
‫حكمها‪ ،‬أو يجهد نفسه في إعذار من فعلها بأعذار ما أنزل هللا بها‬
‫من سلطان‪ ،‬ليجعل دون "الرموز" الذين وقعوا فيها سدا وحصنا‬
‫من الشروط ‪-‬التي ليست في كتاب هللا‪ -‬لتنزيل األحكام على‬
‫أعيانهم‪ ،‬والموانع البدعية التي اخترعوها‪ ،‬ليمنعوا الحكم عليهم‬
‫بما أنزل هللا‪ ،‬وما قضية إعذار من فعل الشرك األكبر بالجهل‬
‫والتأويل والتقليد وغيرها من األعذار ‪-‬غير المعتبرة في هذا‬
‫الباب‪ -‬عنا ببعيد‪.‬‬
‫طاغوت مرتد‪ ..‬وال كرامة‬
‫ولنا اليوم في النزاع الحاصل حول طاغوت اإلخوان‬
‫المرتدين (أحمد ياسين) خير مثال؛ فالرجل رأس من رؤوس‬
‫الكفر في فلسطين‪ ،‬خرج من اإلسالم بنواقض عديدة‪ ،‬ليس أقلها‬
‫انتماؤه إلى طائفة كفر وردة هم اإلخوان المرتدون‪ ،‬ودعوته‬
‫إليها‪ ،‬بل هو رأس من رؤوسها‪ ،‬وقد أقر على نفسه بقبوله بكفر‬
‫الديموقراطية‪ ،‬وبرضاه عن مشاركة أتباعه فيها‪ ،‬بل وبأنه يريد‬
‫"دولة ديموقراطية‪ ،‬السلطة فيها لمن يفوز في االنتخابات"‪،‬‬
‫واحترامه إرادة من "يرفض إقامة دولة إسالمية"‪ ،‬فمن كان على‬
‫حاله‪ ،‬أو قال بمقاله‪ ،‬فهو طاغوت مرتد‪ ،‬وال كرامة لمن يعلن‬
‫الرضا بحكم غير حكم هللا ورسوله‪ ،‬كائنا من كان‪ ،‬كما قال ابن‬
‫القيم‪ ،‬رحمه هللا‪:‬‬
‫رموز أم أوثان ‪»34« ..............................................................‬‬

‫فَإِذا دعوك لغير حكمه َما فَ َال‬


‫سمعا لداعي الكفر والعصيان‬
‫قل‪َ :‬ال ك ََرا َمة‪َ ،‬ال‪َ ،‬و َال نعما‪َ ،‬و َال‬
‫َ‬
‫ط ْوعا لمن َي ْدعُو إلى طغيان‬
‫ولو أن رجال من عوام الناس نطق بمثل ذلك الكفر‪ ،‬لما‬
‫اختُلف في تكفيره كما نرى اليوم‪ ،‬ولكن لكونه "رمزا" مشهورا‬
‫بين الناس‪ ،‬وخاصة بين طائفة كبيرة العدد هم اإلخوان المرتدون‪،‬‬
‫فإن من يتصدى لتكفيره سيعرض نفسه لردَّة فعل كثير من‬
‫الطوائف التي ال تقبل بهذا الحكم فيه‪.‬‬
‫فمنهم الجهلة الذين ال تحتمل عقولهم السفيهة أن يكون رجل‬
‫قاوم اليهود لعقود من الزمان يكفر بكلمة تخرج من فمه‪ ،‬وهذه‬
‫من خزايا أهل التجهم واإلرجاء الذين يخفون عن الناس حقيقة‬
‫حبوط أعمال المشركين التي هي من أهم مسائل اإليمان وثوابت‬
‫االعتقاد‪ ،‬هذا عدا عن موانع التكفير األخرى التي اخترعها‬
‫األبالسة وراجت بين السفهاء‪ ،‬كشيب لحيته‪ ،‬وانعدام حركته‪،‬‬
‫وطول مدة سجنه‪.‬‬
‫ومنهم أنصاره وأتباعه‪ ،‬الذين لن يرضوا بتكفير "رمزهم"‪،‬‬
‫وسيردون على من فعله باتهامه بأنه عميل لليهود‪ ،‬أو أنه يضعف‬
‫صف المقاومين الذين يتبعون هذا "الرمز"‪ ،‬أو أنه بتكفيره لهذا‬
‫غضب ألمثاله‪...‬‬
‫الطاغوت يشق صف المسلمين‪ ،‬أخزى هللا من ِ‬
‫ومنهم‪ ...‬ومنهم‪...‬‬

‫ظلمات بعضها فوق بعض‬


‫والمصيبة ال تقتصر على التوقف في الطاغوت (أحمد‬
‫ياسين) وأمثاله‪ ،‬فالساكت عنه ينبغي عليه –وبال شك‪ -‬السكوت‬
‫عن كل من فعل فعله من المشركين أو شابه حاله‪ ،‬ألنه مضطر‬
‫رموز أم أوثان ‪»35« ..............................................................‬‬

‫أن يعدل بينهم في الحكم‪ ،‬فال يقبل منه بحال أن يك ِفّر من يعلن‬
‫رضاه بالديموقراطية من قادة الصحوات في الشام‪ ،‬وهو يعذر‬
‫من قال بذلك من طواغيت اإلخوان‪ ،‬ولذلك لجأ بعضهم إلى حيلة‬
‫أن يثبت الحكم بالتكفير ثم يمتنع عن إطالقه على فاعله‪ ،‬بأن‬
‫يجترح لهم عذرا عاما يبرؤهم جميعا به من هذا الوصف الذي‬
‫استحقوه‪.‬‬
‫وليس فيما نقوله افتراء عليه‪ ،‬بل هو السبب الغالب في كثير‬
‫من الحاالت المشابهة‪ ،‬كقولهم بإعذار طواغيت البرلمانات‬
‫بالتأويل‪ ،‬ألن ممن اقترف هذا الكفر "رموز" كبار ال يجرؤ أئمة‬
‫الضالل على تحكيم شرع هللا –تعالى‪ -‬فيهم‪ ،‬بتكفيرهم‪ ،‬هم‬
‫وعبَّادهم‪ ،‬من أمثال (حسن البنا) و(مصطفى السباعي) وغيرهم‪،‬‬
‫فإذا وسعنا البحث في حكم من أباح لهم وألمثالهم هذا الكفر‪ ،‬أو‬
‫أعلن الرضا به‪ ،‬أو دعا إلى إعانتهم عليه‪ ،‬فإن قائمة "الرموز"‬
‫المرتدين ستصبح أطول‪ ،‬وحشد من سترعد أنوفهم ألجلهم أكبر‪،‬‬
‫ولذلك لم يكن عند أئمة الضالل إال أن يعذروا من ترشح‬
‫للبرلمانات بالتأويل‪ ،‬ليخرجوا "الرموز" المرتدين وأولياءهم من‬
‫دائرة التكفير التي أحاطت بهم‪.‬‬
‫بل امتد إعذار بعض هؤالء للطواغيت إلى استباحة ما فعلوه‬
‫من كفر وشرك‪ ،‬تخلصا من التناقض بين ما يعتقدونه وبين ما‬
‫يحكمون به‪ ،‬وال زال من يقترفون هذا المنكر يستدلُّون على‬
‫صحة فعلهم بفعل أسالفهم من "الرموز" الذين اتخذوهم ُجنَّة‬
‫يتصدون بها إلنكار كل من ِكر عليهم‪ ،‬ممن ترعبه أسماء‬
‫"الرموز"‪ ،‬ويحسب ألف حساب قبل أن يقول فيهم كلمة تسخط‬
‫أتباعهم‪ ،‬وإن كانت من رضا رب العالمين‪.‬‬
‫إن المسلم الحق يجعل نصب عينيه قوله تعالى‪{ :‬فَ َال َو َربِّكَ‬
‫ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ثُ َّم َال يَ ِجدُوا فِي أَ ْنفُ ِس ِه ْم‬
‫َال يُؤْ ِمنُونَ َحتَّى يُ َح ِ ّك ُموكَ فِي َما َ‬
‫س ِلّ ُموا تَ ْس ِليما} [النساء‪ ،]65 :‬فال يجد في‬ ‫ضيْتَ َويُ َ‬ ‫َح َرجا ِم َّما قَ َ‬
‫نفسه حرجا من الحكم على الناس بما حكم هللا –تعالى‪ -‬فيهم‪ ،‬وإن‬
‫رموز أم أوثان ‪»36« ..............................................................‬‬

‫خالف هواه‪ ،‬فإنه يس ِلّم لحكم هللا –تعالى‪ -‬ال لحكم هواه‪ ،‬ليكون‬
‫على مراد هللا ال على مراد نفسه‪.‬‬

You might also like