You are on page 1of 9

‫معركة عين جالوت ‪ .......

‬وهزيمة التتار أمام‬


‫المسلمين وخير جنود األرض‬

‫دكتور مهندس ‪ /‬على مهران هشام‬

‫أستاذ البيئة والعمران‬


‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫معركة عين جالوت وقعت في ‪ 3‬سبتمبر ‪ 1260‬م‪ ،‬تعد من أهم المعارك‬


‫الفاصلة في تاريخ العالم اإلسالمي‪ .‬انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا‬
‫على المغول وكانت هذه هي المرة األولى التي يهزم فيها المغول في‬
‫معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان‪ .‬أدت المعركة النحسار نفوذ المغول‬
‫في بالد الشام وخروجهم منها نهائيا وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي‬
‫أسقط الخالفة العباسية سنة ‪ 656‬هـ ‪1258 //‬م‪ .‬كما وأدت المعركة لتعزيز‬
‫موقع دولة المماليك كأقوى دولة إسالمية في ذاك الوقت لمدة قرنين من‬
‫الزمان أي إلى أن قامت الدولة العثمانية‪ .‬وقعت المعركة في منطقة تسمى‬
‫عين جالوت بين مدينة جنين والناصرة و بيسان‪ ،‬في شمال فلسطين‪.‬‬
‫‪,‬‬
‫معركة عين جالوت‬
‫جزء من غزوات المغول على فلسطين‬
‫و غزوات المغول للشام‬

‫خريطة توضح مسيرة الجيشين اإلسالمي والمغولي‬


‫حتى التقاؤهما في عين جالوت‬
‫البداية‬
‫أجتاح المغول العالم اإلسالمي في بدايات القرن السابع الهجري بقيادة‬
‫جنكيز خان وكان من أول ما واجهوا في طريقهم دولة الخوارزميين في‬
‫بالد فارس وما وراء النهرين‪ ،‬فاكتسحوها وخربوا فيها مدنا وقتلوا خلقا‬
‫كثيرا‪ ،‬بعد ذلك حكم مونكو خان إمبراطورية المغول عام ‪ 1251‬م فكان‬
‫الفعل مشابها تماما في الدولة العباسية‪ .‬انطلق بعدها المغول بجيش ضخم‬
‫قوامه ‪ 120‬ألف مقاتل نحو الشام بقيادة هوالكو معه حلفاؤه من أمراء‬
‫جورجيا وأرمينيا[‪ ]1‬وابتدأوا بمدينة ميافارقين بديار بكر والتي كان‬
‫يحكمها الكامل محمد األيوبي‪ ،‬قاومت ميافارقين المغول مقاومة عنيفة إذ‬
‫استمد طول الحصار إلى عامين حتى استسلم أهلها بعد نفاذ المؤن وموت‬
‫معظم السكان وعدم وصول الدعم من المسلمين فدخلوها وارتكبوا‬
‫مجازرا تقشعر منه الجلود حيث قبضوا على الكامل محمد األيوبي‬
‫وقطعوا جلده وأعطوه له ليأكله إلى أن مات فقطعوا رأسه وحملوه على‬
‫أسنة رماحهم تشفيا وانتقاما منه لصموده وبطولته‪.‬‬
‫اتجه المغول بعدها لمدينة حلب فدخلوها بعد حصارها وعاثوا فيها فسادا‬
‫خالل ‪ 7‬أيام ثم توجهوا نحو دمشق (في مارس ‪ 1260‬م‪658/‬هـ) ‪-‬وفي‬
‫هذا الوقت‪ -‬وصل بالبريد خبر موت الخاقان األعظم للمغول منكو خان في‬
‫قراقورم واستدعي أوالد وأحفاد جنكيز خان إلى مجلس الشورى المغولي‬
‫(الكوريل تاي ‪ )Kuriltai‬النتخاب الخان األعظم الجديد لإلمبراطورية؛‬
‫فرجع هوالكو (الذي هو أخو منكو خان) وأحد المؤّهلين للعرش بمعظم‬
‫جيشه إلى فارس‪ ،‬ليتابع أمور العاصمة المغولية‪ ،‬وترك في بالد الشام‬
‫جيشًا من المغول عدده يزيد على عشرين ألف جندي (تومانين بلغة‬
‫المغول) بقيادة أحد أبرز ضباطه واسمه كتبغا نوين النسطوري وهو قائد‬
‫عسكري محنك من قبيلة النايمان التركية‪ .‬دخل كتبغا بجيشه دمشق في ‪1‬‬
‫مارس ‪ 1260‬م‪ 15/‬ربيع األول ‪ 658‬هـ بعد أن أعطوا األمان ألهلها‬
‫ولكنهم خربوها وكان حاكمها الناصر يوسف األيوبي‪.‬انطلق المغول بعد‬
‫السيطرة على دمشق جنوبا في بالد الشام حتى استولوا على بيت المقدس‬
‫وغزة والكرك والشوبك بعد أن تحالف حاكمها المغيث عمر مع المغول‪.‬‬
‫كان يحكم دولة المماليك في ذاك الوقت المنصور نور الدين علي بن المعز‬
‫أيبك وهو صبي صغير يبلغ من العمر ‪ 15‬سنة‪ ،‬قام السلطان المظفر سيف‬
‫الدين قطز ‪ -‬وهو من المماليك البحرية‪ -‬بخلعه بعد إقناع بقية أمراء‬
‫ووجهاء الدولة بأنه فعل ذلك للتجهيز والتوحد ضد الخطر المحدق بالدولة‬
‫المملوكية بشكل خاص والمسلمين بشكل عام‪ .‬كان الوضع النفسي‬
‫للمسلمين سيئا للغاية وكان الخوف من التتار مستشريا في جميع طبقات‬
‫المجتمع اإلسالمي وقد أدرك قطز ذلك وعمل على رفع الروح المعنوية‬
‫لدى المسلمين‪ .‬استمال قطز منافسيه السياسيين في بالد الشام وحاول‬
‫ضمهم إلى صفوفه وكان ممن انضم معه بيبرس البندقداري والذي كان له‬
‫دور كبير في قتال التتار ‪.‬‬

‫أحداث ماقبل المعركة‬


‫قبل مغادرة هوالكو من بالد الشام أرسل رسال لقطز يحملون كتابا كان مما‬
‫فيه‬
‫«ِم ن ملك الملوك شرقًا وغربًا‪ ،‬الخان األعظم‪ ،‬باسمك اللهم باسط األرض‬
‫ورافع السماء‪ ..‬يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنا نحن جند‬
‫هللا في أرضه‪ ،‬خلقنا من سخطه وسّلطنا على من حل به غضبه‪ ،‬فلكم‬
‫بجميع البالد معَتَبر‪ ،‬وعن عزمنا مزدجر‪ ،‬فاتعظوا بغيركم‪ ،‬وأسلموا إلينا‬
‫أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ‪ ..‬وقد سمعتم أننا‬
‫قد فتحنا البالد وطهرنا األرض من الفساد وقتلنا معظم العباد‪ ،‬فعليكم‬
‫بالهرب وعلينا الطلب‪ .‬فأي أرض تأويكم ؟ وأي طريق تنجيكم ؟ وأي بالد‬
‫تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خالص‪ ،‬وال من مهابتنا مناص‪ ،‬فخيولنا‬
‫سوابق‪ ،‬وسهامنا خوارق‪ ،‬وسيوفنا صواعق‪ ،‬وقلوبنا كالجبال‪ ،‬وعددنا‬
‫كالرمال‪ ،‬فالحصون لدينا ال تمنع‪ ،‬والعساكر لقتالنا ال تنفع‪ ،‬ودعاؤكم علينا‬
‫ال ُيسمع‪ ..‬فمن طلب حربنا ندم‪ ،‬ومن قصد أماننا سلم‪ ،‬فإن أنتم لشرطنا‬
‫وألمرنا أطعتم‪ ،‬فلكم ما لنا وعليكم ما علينا‪ ،‬وإن خالفتم هلكتم‪ .‬فال تهلكوا‬
‫نفوسكم بأيديكم‪ ،‬فقد حذر من أنذر‪ ..‬فال تطيلوا الخطاب‪ ،‬وأسرعوا برد‬
‫الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها‪ ،‬وترمي نحوكم شرارها‪ ،‬فال تجدون‬
‫منا جاهًا وال عزًا وال كافيًا وال حرزًا‪ ،‬وتدهون منا بأعظم داهية‪ ،‬وتصبح‬
‫بالدكم منكم خالية‪ ،‬فقد أنصفناكم إذ راسلناكم‪ ،‬وأيقظناكم إذ حّذ رناكم‪ ،‬فما‬
‫بقي لنا مقصد سواكم‬

‫عقد سيف الدين قطز اجتماعا مع وجهاء الدولة وعلمائها كان من بينهم‬
‫العز بن عبد السالم وتم االتفاق على التوجه لقتال التتر إذ ال مجال‬
‫لمداهنتهم‪ ،‬وكان العز بن عبد السالم قد أمر أمراء ووجهاء الدولة أن‬
‫يتقدموا بنفائس أمالكهم لدعم مسيرة الجيش اإلسالمي فطلب قطز األمراء‬
‫وتكلم معهم في الرحيل فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل‪ ،‬ولما وجد‬
‫منهم هذا التخاذل والتهاون ألقى كلمته المأثورة «يا أمراء المسلمين‪ ،‬لكم‬
‫زمان تأكلون أموال بيت المال‪ ،‬وأنتم للغزاة كارهون‪ ،‬وأنا متوجه‪ ،‬فمن‬
‫أختار الجهاد يصحبني‪ ،‬ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته‪ ،‬فإن هللا مطلع‬
‫عليه‪ ،‬وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين»‪ .‬وقد اختلى قطز‬
‫ببيرس البندقداري الذي كان أمير األمراء واستشاره في الموضوع‪ .‬فأشار‬
‫عليه بقتل الرسل‪ ،‬والذهاب إلى كتبغا متضامنين‪ .‬فإن انتصرنا أو هزمنا‪،‬‬
‫فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين‪ .‬فاستصوب قطز هذا الكالم‪ ،‬وقام‬
‫بقتل رسل المغول إليصال رغبته في قتالهم وأنه جاد بذلك‪ .‬وقد زاد من‬
‫عزيمة المسلمين وصول رسالة من صارم الدين أزبك بن عبد هللا‬
‫األشرفي ‪-‬وقد وقع أسيرا في يد المغول إثناء غزوهم الشام ثم قبل الخدمة‬
‫في صفوفهم‪ -‬أوضح لهم فيها قلة عددهم وشجعهم على قتالهم وأن‬
‫اليخافوا منهم ‪ .‬فال شك أن قطز قد أفاد من رحيل هوالكو إلى فارس على‬
‫رأس معظم جيشه بعد سماعه بوفاة أخيه الخان األعظم‪ ،‬فمن تبقى بالشام‬
‫من عساكر المغول تحت قيادة كتبغا يتراوح ما بين ‪10‬آالف إلى ‪ 20‬ألف‬
‫رجل‬

‫موقف الصليبيين‬
‫حاول المغول عبر كتبغا النسطوري التحالف مع مملكة بيت المقدس‬
‫الصليبية ولكن بابا الفاتيكان منع وحرم التحالف مع المغول‪ .‬ثم أتت حادثة‬
‫قتل ابن أخي كتبغا بواسطة الفرسان الصليبين بصيدا فاكتسح صيدا عقابا‬
‫على ذلك‪ .‬أما الصليبيون في عكا فقد اتجه قطز إلى مسالمتهم ومهادنتهم‪,‬‬
‫واستأذنهم بعبور جيشه األراضي التي يحتلونها وطلب منهم الوقوف على‬
‫الحياد من الحرب ما بين المماليك والمغول‪ .‬وأقسم لهم انه متى تبعه‬
‫فارس منهم أو رجل يريد أذى عسكر المسلمين إال رجع وقاتلهم قبل أن‬
‫يلقى التتار إال إن الصليبيين سلموا بأن المسألة هي مسألة وقت ثم‬
‫يكتسحهم المغول ويدمرونهم كما دمروا غيرهم‪ ,‬فلذلك غضوا الطرف على‬
‫عبور المماليك أراضيهم ولم يتصدوا لهم‪ .‬وقد بر على مابدى أولئك‬
‫الصليبيين بوعدهم فلم يغدروا بالمعسكر اإلسالمي من الخلف ‪ .‬في ‪15‬‬
‫شعبان ‪658‬هـ‪/‬أغسطس ‪ 1260‬م خرج قطز يسبقه بيبرس البندقداري‬
‫ليكشف أخبار المغول‪ .‬واجهت سرية بيبرس طالئع جنود المغول في‬
‫منطقة قرب غزة‪ ،‬كان قائد المغول في غزة هو بايدر أخو كتبغا الذي‬
‫أرسل له كتابا يعلمه فيه بتحرك المسلمين‪ ،‬أخذ بيبرس في مناوشة وقتال‬
‫المغول حتى انتصر عليهم‪ .‬اتجه بعدها قطز إلى غزة ومنها عن طريق‬
‫الساحل إلى شمال فلسطين‪ .‬في تلك األثناء اجتمع كتبغا الذي كان في‬
‫بعلبك بالبقاع مع وجهاء جيشه‪ ،‬فأستشار األشرف صاحب حمص‬
‫والمجير بن الزكي‪ ،‬فأشاروا عليه بأنه ال قبل له بالمظفر حتى يعود سيده‬
‫هوالكو خان ‪ .‬ومنهم من أشار إليه ‪-‬اعتمادا على قوة المغول التي ال‬
‫تقهر‪ -‬أن ينطلق لقتالهم‪ .‬اختار كتبغا أن يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق‬
‫باتجاه جيش المسلمين حتى القاهم في المكان الذي يعرف باسم عين‬
‫جالوت‪.‬‬

‫معركة عين جالوت‬


‫ألتقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في ‪25‬‬
‫رمضان ‪ 658‬هـ‪ 3/‬سبتمبر ‪ 1260‬م (وقت وصول الجيشين تماما مختلف‬
‫فيه)‪ .‬قام سيف الدين قطز بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس وبقية‬
‫الجيش يختبئ بين التالل وفي الوديان المجاورة كقوات دعم أو لتنفيذ‬
‫هجوم مضاد أو معاكس‪ .‬وكان قطز قد أجتمع باألمراء‪ ،‬فحضهم على قتال‬
‫التتار وذكرهم بما وقع بأهل األقاليم من القتل والسبي والحريق‪ ،‬وخوفهم‬
‫وقوع مثل ذلك‪ ،‬وحضهم على أستنقاذ الشام من التتار ونصرة اإلسالم‬
‫والمسلمين‪ ،‬فضجوا بالبكاء‪ ،‬وتحالفوا على األجتهاد في قتال التتار‬
‫ودفعهم عن البالد ‪.‬‬
‫قامت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس بهجوم سريع ثم أنسحبت متظاهرة‬
‫بإنهزام مزيف هدفه سحب خيالة المغول إلى الكمين‪ ،‬في حين كان قطز قد‬
‫حشد جيشه استعدادا لهجوم مضاد كاسح‪ ،‬ومعه قوات الخيالة الفرسان‬
‫الكامنين فوق الوادي‪.‬‬
‫وانطلت الحيلة على كتبغا فحمل بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين‬
‫واخترقه وبدأت المقدمة في التراجع إلى داخل الكمين‪ ،‬وفي تلك األثناء‬
‫خرج قطز وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة‬
‫قوات كتبغا‪ ،‬حيث كانت جيوش المسلمين ينزلون من فوق تالل الجليل‪،‬‬
‫والمغول يصعدون إليهم‪ .‬ثم هجم كتبغا بعنف شديد إلى درجة أن مقدمة‬
‫جيش المسلمين أزيحت جانبا‪ ،‬فاستبسل كتبغا في القتال‪ ،‬فاندحر جناح‬
‫ميسرة عسكر المسلمين وإن ثبت الصدر والميمنة ‪ .‬وعندئذ ألقى السلطان‬
‫قطز خوذته عن رأسه إلى األرض وصرخ بأعلى صوته «وا إسالماه»‪،‬‬
‫وحمل بنفسه وبمن معه حتى أستطاعوا أن يشقوا طريقهم داخل الجيوش‬
‫المغولية مما أصابها باألضطراب والتفكك ‪ .‬ولم يمض كثيرا من الوقت‬
‫حتى هزم الجيش المغولي ونصح بعض القادة كتبغا بالفرار فأبى الهوان‬
‫والذل وقتل بعض أصحابه وجرت بينه وبين رجل يدعى العرينان مبارزة‬
‫حيث لم يمض وقت طويل عليها حتى سقط كتبغا صريعا مجندال على‬
‫األرض وكان انتصار كبير للمسلمين‪ .‬وسجل التاريخ في هذه المعركة‬
‫تمكن فرسان الخيالة الثقيلة لجيش المسلمين من هزيمة نظرائهم المغول‬
‫بشكل واضح في القتال القريب‪ ،‬وذلك لم ُيشهد ألحد غيرهم من قبل‪ .‬نقطة‬
‫أخرى ظهرت ألول مرة بتلك المعركة وهي المدفعية وإن كانت بالشكل‬
‫البدائي إال أنها أستخدمت بالمعركة من جانب الجيش المملوكي لتخويف‬
‫خيل المغول وإرباك الخيالة مما ساعد في خلخلة التنظيم العسكري‬
‫المغولي بالمعركة‪ .‬وقد تم شرح تركيبة البارود المتفجرة لتلك المدافع بعد‬
‫ذلك في الكيمياء العربية والكتيبات العسكرية في أوائل القرن الرابع عشر‪.‬‬

‫ما بعد المعركة‬


‫المماليك‬
‫بعد المعركة قام والة المغول في الشام بالهرب‪ ،‬فدخل قطز دمشق في‬
‫‪ 27‬رمضان ‪ 658‬هـ‪ ،‬وبدأ في إعادة األمن إلى نصابه في جميع المدن‬
‫الشامية‪ ،‬وتعيين والة لها‪ .‬وأستأمن األشرف صاحب حمص وكان مع‬
‫التتار وقد جعله هوالكو خان نائبًا على الشام كله‪ ،‬فأمنه الملك المظفر‪،‬‬
‫ورد إليه حمص‪ ،‬وكذلك رد حماة إلى المنصور وزاده المعرة وغيرها‪.‬‬
‫وأطلق سلمية لألمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب‪،‬‬
‫واتبع األمير بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان المغول يقتلونهم‬
‫في كل مكان‪ ،‬إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب‪ ،‬وهرب من بدمشق منهم‬
‫يوم األحد السابع والعشرين من رمضان‪ .‬فتبعهم المسلمون من دمشق‬
‫يقتلون فيهم‪ ،‬ويستفّك ون األسارى من أيديهم ‪ .‬وكان قطز قد أرسل بيبرس‬
‫البندقداري ليطرد المغول عن حلب ويتسلمها ووعده بنيابتها‪ ،‬فلما طردهم‬
‫عنها وأخرجهم منها استناب قطز عليها غيره وهو عالء الدين ابن‬
‫صاحب الموصل‪ .‬وكان ذلك سبب الوحشة التي وقعت بينه وبين بيبرس‬
‫واقتضت قتل الملك المظفر قطز سريعا‪.‬‬
‫كانت النتيجة النهائية لهذه المعركة هي توحيد الشام ومصر تحت حكم‬
‫سلطان المماليك على مدى ما يزيد عن نحو مئتين وسبعين سنة حتى قام‬
‫العثمانيون بالسيطرة على أراضيهم في عهد سليم األول‪.‬‬
‫نهاية اإلمبراطورية المغول‬

‫يعد المؤرخون هذه المعركة ونتائجها بداية النهاية لإلمبراطورية المغولية‬


‫إذ لم يهزموا في معركة قط قبلها‪ .‬كان بركة خان زعيم القبيلة الذهبية في‬
‫روسيا وابن عم هوالكو خان قد أعلن إسالمه أيام الغزو المغولي لبالد‬
‫المسلمين وكان قد تأثر كثيرا لسقوط الدولة العباسية (دولة الخالفة‬
‫اإلسالمية) على يد ابن عمه وكان يتحين الفرصة لالنتقام من هوالكو‬
‫خان‪ .‬قام بيركي أو بركة خان ‪ -‬بعد أن تحالف مع السلطان المملوكي‬
‫الظاهر بيبرس ‪ -‬بتجهيز جيوشه واتجه جنوبا نحو هوالكو الذي عاد من‬
‫بالد الشام‪ ،‬وُهِز م هوالكو هزائم كبيرة من قبل جيوش بيركي ولم يتمكن‬
‫من مقاومته‪ .‬تذكر بعض المصادر أن هوالكو لم يستطع إرسال كامل‬
‫جيشه للشام لإلنتقام من هزيمة جيشه بعين جالوت بسبب بركة خان‪,‬‬
‫فقد أرسل جيشا إلى بالد الشام ليستعيدها بقيادة إبنه "يشموط" إال أن‬
‫تلك المحاوالت باءت بالفشل‪ ،‬حيث كان قد أقام حفال وكان في حالة ثمالة‬
‫فانتهز جند بيبرس هذه الفرصة فانقضوا على معسكرهم وأفنوهم عن‬
‫كاملهم وتركوا بعضهم لينقلوا خبر الهزيمة إلى هوالكو ومعهم رأس ابنه‬
‫فما كان من هوالكو إال أن قتل بقية الناجين من المذبحة‪ .‬دانت أغلب‬
‫المناطق الشمالية من اإلمبراطورية المغولية لبركة خان واستمرت ساللته‬
‫وهي القبيلة الذهبية في حكم في روسيا واواسط آسيا لمدة تزيد عن الـ‬
‫‪ 200‬عاما‪ .‬أما ساللة هوالكو وهي الخانات فحكمت لمدة ‪ 91‬سنة حتى‬
‫سقوطها عام ‪ 1351‬م‪.‬‬
‫خرج قطز يوم االثنين الخامس عشر من شعبان سنة ‪ 658‬هـ ‪1260 -‬م‬
‫بجميع عسكر مصر ‪ ..‬خير جود األرض ومن انضم إليهم من عساكر‬
‫الشام ومن العرب والتركمان والمسلمين وغيرهم من قلعة الجبل في‬
‫القاهرة ليدحر التتار ويهزهمهم بقوة اإليمان وسيف الوطن وإرادة‬
‫الفارس الصلب المجاهد الصبور والمتيقن من نصر هللا‬
‫خير الناصرين ‪.‬‬

‫وهللا المستعان ‪,,,,,,,,‬‬

You might also like