You are on page 1of 2

‫‪sh‬‬

‫إال أن المستعمر في كثير من األحيان يستخدم أسلحة أشد فتكًا‪ ,‬وال تقل خطورة وشراسة ووحشية من االسلحة‬
‫الظاهرة‪ ,‬وخطورتها تكمن في استمرارية أثارها لسنوات طويلة تتعدى إلى أجيال متتابعة ومتالحقة ‪ ,‬وتحقق ما‬
‫‪.‬عجزت و أخفقت في تحقيقه أسلحة التقليدية وبأقل تكلفة‬

‫ويمكن التدليل على هذا النوع الخطير من األسلحة الفتاكة والفاعلة في العمق المجتمعي للدول الُم ستعمرة بحادثة‬
‫قصيرة وخطيرة تعطي فكرة كاملة وشاملة وتجلي ما خفي من أخطر ادوات االستعمار الخفية ذكرها عن والده‬
‫المفكر الجزائري األستاذ " مالك بن نبي " رحمه هللا في كتابه " ميالد مجتمع " ‪ :‬وبحسبنا فيما أعتقد أن نضرب‬
‫لها مثال بتلك القصة القصيرة التي حكاها لي أبي الموظف بأحد المراكز جنوب شرقي الجزائر‪ ,‬حين كان يعمل‬
‫في إحدى الوظائف المتواضعة‪ ,‬فقد كان المدير التنفيذي لهذا المركز رجال عالمًا – هو البرفسور" ريجاس‬
‫عالم أثار ما قبل التاريخ في منطقة شمال أفريقيا – ينظم سلوكه وفقا لما يمليه ضميره أكثر من " ‪REYGASS‬‬
‫‪ .‬أن يكون وفقًا لتقديرات اإلدارة العليا‬

‫وكانت في هذا المركز عائلتان جزائريتان كبيرتان ‪ ,‬ظلتا في شجار دائم على أثر خالف نشب بينهما منذ أمد بعيد‪,‬‬
‫ولكن المدير الفرنسي أفلح في إقرار المصالحة بينهما ‪ .‬وكان سعيدًا بمأثرته في إقرار السالم بين األسرتين ‪ ,‬فقد‬
‫حكى قصته أمام جمهور كبير ألحد رؤسائه اإلداريين‪ ,‬أثناء التفتيش في المنطقة ‪ ,‬وانحدرت القصة إلّي من طريق‬
‫‪ .‬أبي‬

‫قال‪ :‬لقد أشتاط الرئيس األعلى غضبًا‪ ,‬حتى أنه لم يتمالك أن صاح بأعلى صوته قائًال للعالم التائه بين دواليب‬
‫اإلدارة االستعمارية ‪ " :‬سيدي المدير ‪ :‬إننا لم نرسلك هنا قاضي مصالحات‪ ,‬لتهدئة المعارك ‪ ,‬التي قد تفيد أحيانًا‬
‫‪ !!!!.‬مصالحنا العليا‬

‫من خالل الحادثة التي يرويها األستاذ مالك بن نبي عن والده رحمهما هللا اثناء حقبة االستعمار الفرنسي للجزائر‬
‫يدرك من له أدنى فهم مدى تعدد وتنوع الصور والوسائل التي يتخذها االستعمار كأدوات للقضاء على اصوات‬
‫الشعوب‪ ,‬وبث الفرقة بين مكونات المجتمع واللعب على وتر التنوع العرقي واللغوي والجهوي والقبائلي ‪ ,‬وهو ما‬
‫يحتاج منا إلى الوعي الكامل بحقيقة المستعمر وعلى الدراية كاملة بجميع أدواته سواء المحلية أو الخارجية‬
‫ووسائله المعلنة والخفية؛ التي يستخدمها لتثبيت وجوده ‪ ,‬وتعزيز مكانته في البالد الُم ستعمرة‪ ,‬مع األخذ في‬
‫االعتبار ما قاله االستاذ " مالك " وعبر عنه بقوله ‪ :‬ولسنا نستطيع بكل أسف‪ ,‬وبتأثير أوضاعنا العقلية ‪ ,‬أن نفهم‬
‫عمل االستعمار إال ريثما يثير ضجيجًا‪ ,‬كضجيج الدبابة‪ ,‬والمدفع والطائرة‪ ,‬أما حين يكون من تدبير فنان أو عمل‬
‫‪ !!!!.‬قارض فإنه يغيب عن وعينا لسبب واحد وهو أنه ال يثير ضجيجًا‬

‫وتتجلى صورة أخرى لوسائل االستعمار الخفية متطابقة تمامًا وبنفس الوسيلة مع صورة المستعمر الفرنسي‬
‫استخدمها المستعمر االنجليزي في بالد عربية أخرى يرويها عميل المخابرات البريطانية في البالد اإلسالمية‬
‫الجاسوس مستر " همفر " في مذكراته فقال ‪ :‬وذات مرة ذكرت لبعض رؤسائي في الوزارة – وزارة‬
‫المستعمرات لبريطانية – اختالف السنة والشيعة ‪ ,‬وقلت له ‪ :‬إنهم لو كانوا يفهمون الحياة لتركوا النزاع ووحدوا‬
‫‪ .‬كلمتهم‪ ,‬فنهرني الرئيس قائًال‪ :‬الواجب عليك أن تزيد الشقة ال أن تحاول جمع كلمة المسلمين‬

‫وهذا نفس الكالم الذي أبداه المسئول الفرنسي لعالم األثار البرفسور" ريجاس " كرره المسئول البريطاني لعمل‬
‫االستخبارات "همفر" الذي يقوم على القاعدة االستعمارية " فرق تسد " وهي من الوسائل الناعمة التي يستخدمها‬
‫‪ .‬المستعمر مهما اختلفت جنسياته وتنوعت‬
‫وهذا ما يوصي به االستعمار عمالئه الذين يرسلهم للدول التي يرغب في استعمارها أو التي قام باحتاللها ويريد‬
‫أن يؤثر فيها ويقتل فيها فكرة الحرية أو االستقالل فيقوم ببث الفرقة بين مكوناتها وإشغالهم بنزاعات داخلية تبعد‬
‫‪.‬هم عن التفكير أو السعي للتخلص من المستعمر‬

‫وهو ما اكد عليه سكرتير وزارة المستعمرات البريطانية للعميل " همفر " حين قال " إن السكرتير قال‪ :‬لي في‬
‫إحدى الجلسات التي اجتمعت معه قبل سفري إلى العراق ‪ :‬أعلم يا همفر إن هناك نزاعات بين البشر منذ أن خلق‬
‫هللا هابيل وقابيل ‪ ,‬وستبقى هذه النزاعات إلى أن يعود المسيح ‪ ,‬ومهمتك في هذه السفرة أن تتعرف على هذه‬
‫النزاعات بين المسلمين ‪ ,‬وتعرف البركان المستعد لالنفجار فيها ‪ ,‬وتزود الوزارة بالمعلومات الدقيقة حول ذلك‪,‬‬
‫وإن تتمكن من تفجير النزاع كنت في قمة الخدمة لبريطانيا العظمى‪ ,‬فإننا البريطانيين ال يمكننا العيش في الرفاه‬
‫‪ .‬إال بإلقاء الفتن والنزاع في كافة المستعمرات‬

‫هذه إحدى الوسائل الخفية المتفق عليها بين الدول االستعمارية لترويض الشعوب وتفكيكها لتكون طيعة راضية‬
‫خانعة تحت سيف المستعمر الذي يصادر الحريات ويغتصب الثروات ويفتت األمم ويمزق الشعوب ويستعدي‬
‫‪ .‬بعضها على بعض‬

‫تعددت أشكل وأنواع االستعمار والوسائل واحدة‪ ,‬وعلى الشعوب أن تكون على يقظة وشعور بأدوات االستعمار‬
‫الظاهرة والباطنة وما خفي منها كان أعظم وأشد فتكا‪ ,‬ومع تعدد المستعمر فالنتيجة واحدة ألن األهداف والوسائل‬
‫متطابقة‬

You might also like