Professional Documents
Culture Documents
هل كانت ذكريات سعيدة؟ أو أن الرؤية عندي قد اختفت كلًيا! إنها مخيلتي فقط.
"عندما فتحت عيناي وجدت نفسي أحدق في الجدار العلوي لغرفة ال أعرفها والدم يسيل من رأسي مثل الماء في النهر ،أسمع أصوات
غريبة تجتاح المكان:
-أسرع نادي الطبيب انه في خطر يكاد يموت
-انا ال أملك غيره أنقذوه أرجوكم..
كل ما أردته هو النوم فقط واراحة عقلي.
استيقظت مرة أخرى بعد رؤية حلم جميل كنت فيه ملك أجلس مع زوجتي وابنتاي اللتان تشبهانها ،سمعت صوت شخص يجلس بجانبي
تعلوه نبرة الفرح يقول :
-استيقظت يا نور قلبي!
-أجل ،لكن رأسي يؤلمني.
لم أرى مالمحه جيًد ا لذلك أجبته ببساطة دون تفكير ،ثم عدت للنوم مجدًد ا على أمل رؤية حلم أجمل من السابق.
قبل سنتين من هذه الحادثة كنت أتنزه رفقة صديقي المقرب زكرياء في الحديقة ،كانت موهبته تكمن في الرسم لهذا دائمًا ما تجدنا في
اماكن تحتويه .جلسنا بالقرب من شجرة جميلة نتبادل األفكار:
زكرياء - :كيف يبدو لك األمر عندما تجد نفسك في عالمك الشخصي رفقة من يشتهيه قلبك ،أليست سعادة خالصة من الحزن!!
-نعم ،أعتقد هذا ولكن...
ًد
وضع يده على فمي وابتسم لبرهة من الوقت ثم انزل رأسه وقال - :ال تقل لكن ستجعلني أقلق اذ ماكنَت سعي ا برفتي أو ال.
علمت أن غبائي الذي أدعوه بالمنطق يوما ما سأهلك بسببه .مرت نصف ساعة من وقتنا الثمين و أدخلتنا في جو من السكوت العاطفي
والفكري بكالمي األخير ثم افترقنا دون توديع وفي طريقي إلى المنزل كنت أجري محادثة خيالية داخل رأسي حتى أنني لم أنتبه إلى ما
يوجد أمامي جيًد ا ثم اصطدمت بشخص ووقعت أرًض ا ،فتحت عيناي ببطئ والتفتت واذ بها فتاة ذات شعر بني وعينان مخضرتان
تبتلعني .انتهى بي األمر عالًق ا في إيجاد كلمات لوصفها رغم عدم إدراكي بتقديم اسفي الشديد لها إلسقاطها وتلويث ثوبها األبيض كبياض
بشرتها.
لم أبارح غرفتي المظلمة منذ يومان ،كلما أردته هو صدفة تجمعني بها على أمل االعتذار منها فقط ،لكنها تبقى مجرد أمنية واحتمال
وقوعها ضعيف .أحدهم يطرق باب غرفتي ،قلت - :من؟
فأجابت - :أنا يا عزيزي
-ماذا يا أمي هل أنت بخير؟
-نعم أنا بخير وجه السؤال لنفسك وأجبني بكل صدق
صوت يجول في مسامعي ويجبرني على الكذب واخبارها بأن صحتي بخير ،لكنها علمت أنني لست بخير دون أن أتحدث وقالت - :ال
تجعل من هذا األمر عقدة في حياتك وواجهه كأنك تتحداه أن يهزمك ،فأنا لم أعهدك هكذا أبًد ا لقد كنت وال تزال االبن المثالي في نظري.
نالت مني وجعلتني ابتسم ثم فتحت الباب وعانقتها بشدة كأن الزمن جعل فراقنا طويًال .تزينت بإرتداء مالبس كالسيكية رسمية لكنها كانت
مرتي األولى وخرجت مسرعًا إلى بيت إسفيان ،وصلت ونفسي يكاد ينقطع ثم طرقت الباب مرتين لكن ال أحد يجيب تساءلت في نفسي :
-أين ذهب هذا األحمق؟ هل مازال يفعل ذلك الشيء ؟ سأذهب الى هناك وأتحقق من األمر.
انطلقت وعندما وصلت الى المكتبة وجدته واقًف ا أمامَه ا وال يحرك ساكنًا ظننته أصيب أو أن امر سي ا حدث معه ،فجأة بدأ المطر يهطل و
ًئ ًا
صرخت بأعلى صوتي خوًف ا وانا اردد اسمه وضع يده على الجدار وبدأ يبكي حتى بانت عليه مالمح األلم الداخلي ،وقفت بجانبه وقلت:
-أتعلم ياصديقي األحمق نحن ال نختلف عن بعضنا كثيرًا فأنا أيًض ا يحتويني ضجيج وأريد اخراجه في اسرع وقت.
نظرته لي كانت حادة ثم قال:
-اصمت ودعني وشأني ال يهمك ماذا أفعل أو لماذا أبكي في هذا المكان.
-أنت لست في وعيك والحزن يتحكم بك وأنا من األشخاص الذين ال يريدون تركك أو أنك نسيت هذا!
-أتمزح معي ،علمك ومعرفتك بي أكثر من معرفتك لنفسك أن وعودي ال أخلفها.
-وعدك لي أخلفته عندما فكرت في العودة الى هذا المكان ،هل تريد مني ضربك للتذكر او أن أجعل من وداعنا وعًد ا!
تبدلت مالمح وجهه ودخل في جو مضطرب وتلعثم كالمه كثيرًا واعتذر لي كما كان يفعل سابًق ا .أخذته الى مقهى قريب من منزله ،لم
يكن سكوتنا طويال ثم أخذ فنجان القهوة يدفئ به يديه وسألني:
-ماذا يوجد في داخلك؟
كان يقصد األمر الذي يزعجني ،أعرته من سكوتي خمس دقائق وبعدها تنهدت بعمق وقلت:
-أمران ال يمكن للمرء نسيانهم ،األول عندما تحترق روحك والثاني نور أبيض يجذبك نحوه وال تعرف سره.
-من هي؟
كان يعرفني جيًد ا حتى أنه يقرأ أفكاري من مالمح وجهي.
-إنها لعنتي هذا ما أستطيع قوله لك.
-كيف كان لقائكما؟
-اصطدمت بها في طريق عودتي للبيت ،حتى أنني لم استطع االعتذار منها أو سؤالها عن اسمها واين تقيم.
-هل تريد حًق ا االعتذار منها أو أن هناك شيئا اخر يجول في خاطرك؟
عرفت من ابتسامته الشريرة التي تعلو وجهه بعد هذا السؤال أنه يقرأني دون سخرية ،ثم استعار الغضب جسدي واجبرته على تغيير
حديثنا لكن هذا كان مجرد تضليل أفكار فقط لجعله يمتنع عن سؤالي بشأنها واسقط في حفرة ال أعرف مخرجها.
سألني:
-أين هو زكرياء؟ لم أره منذ مدة
-لقد كنا نتنزه في حديقته المفضلة منذ يومان.
-كيف حال رسمته الجديدة أو أنك أيضا ال تعرف وجعلها سره الخاص!
اندهشت وتفاجئت من كالمه ،اعتقدت انه يمزح او يتحدث عن تلك الفتاة التي ...
انقطع تفكيري بسبب سقوط احد الجالسين في المقهى والتفتت واذ بتلك الفتاة أجدها جالسة على ركبتها وتبتسم ،لم أعرف ماذا أفعل ،هل
أذهب إليها أو اكمل تفكيري وكأن ذلك مجرد حلم؟ .اخبرت سفيان بالذهاب الى مكان اخر وخرجنا بعد دخول الحمام ،بدت نظرات التوتر
علي حتى أنني شارد الذهن كثيرا .أوصلني الى البيت واخبرني أن اتصل به غدًا ألنه اشترى هاتف ورحل ،دخلت الى المنزل وال يزال
على موعد العشاء ساعة ونص والجوع يتملكني .صعدت الى غرفتي حيث دائما اجلس ناحية النافذة واستمتع مع مخيلتي العظيمة،
اغمضت عيناي لرؤيتها واالعتذار منها حتى لو كان مجرد وهم في رأسي ولكن لم اقدر على ذلك فإبتسامتها ال تفارقني وكبريائي
يمنعني .أنا ضائع بين أنا وأنا أحدهم يخبرني باإلعتذار منها واآلخر يغازلها ،أعجز عن ايجاد حل لمشكلتي رغم أن البعض ال يعتبرها
مشكلة.
تناولت العشاء مع ضميري أنا ألتهم الطعام وهو يلتهم قلبي ،ثم ذهبت للنوم دون تردد وأقسمت بأن امحوها من ذاكرتي هذه الليلة فقط
وغدا سأسال هللا أن يجعل لقائنا قريبا اليقاف هذه المهزلة التي تمزقني.
بدأ يومي برنين هاتفي اتصل بي سفيان ليخبرني عن موعدنا انا وهو وزكرياء في حديقتنا المعتادة ،عند وصولي هناك لم اجد احدا ربما
تسرعت وخرجت باكرًا من البيت .سمعت احدهم يضحك برقة فأخذني الفضول لرؤيته ،ذهبت خلف األشجار فوجدت زكرياء يجلس مع
فتاة تشبه تلك التي ابحث عنها وسمعتهم يتحدثان:
زكرياء - :عندي لقاء هام اآلن مع أصدقائي اعتقد أنني سأتركك وحيدة لبعض الوقت.
الفتاة - :ال يهم طالما أنك ستعود.
زكرياء - :عندي لِك مفاجأة عندما أعود ستفرحين كثيرا عندما ترينها.
الفتاة - :الشوق يقتلني ألراها فال تتأخر ،ارجوك.
وقف زكرياء وابتسامته تكاد تبتلع حزن الكون بأكمله ،عدت إلى مكاني مسرعًا وإذ به يأتي نحوي وعند وصوله قال:
-لن أسألك كيف حالك ألنك ستقول مادمت تبتسم فأنا بخير .
-إذا ال أحد بإمكانه ازعاجك اليوم.
-يمكنك مناداتي اآلن بالسعادة.
-أخبرني ماذا حدث معك لتتفاخر هكذا؟
-لدي سر لم أخبرك به من قبل وأعلم أنني مخطئ إلخفائه عنك.
تذكرت كالم سفيان وقلت:
-ال تبالي لهذا ،تكلم بسرعة فالفضول يقتلني.
-أنا واقع في الحب.
-ماذا!!؟ هل أنت متأكد ،ال اعرف ماذا اقول لكن الخبر كان مفاجئًا ،حسنا من هي محبوبتك وكيف أوصافها؟
عند وصفه لها كانت تلك الفتاة ثانية ،جعلت من مخيلتي كذبة وأن تلك االوصاف تكون لفتاة اخرى غيرها وربما هناك واحدة تشبهها كما
لو أنني أعشقها وال أريدها لغيري.
أكملنا حديثنا بسالسة حتى جاء سفيان وهو منزعج ،سألته:
-لماذا أنت منزعج؟ هل نمت جيًد ا البارحة؟
-سيخبرك زكرياء بدًال مني لماذا انا منزعج عند لقاءنا ليلة أمس.
فهمت من كالمه أنهما إلتقيا باألمس ونظرت في زكرياء نظرة استفهام وأنتظر منه التحدث ،قال:
-سفيان ال تعكر مزاجي بذلك الموضوع التافه فاليوم هو يومي.
سفيان - :أتصفه بالتافه! لقد حذرتك مراًر ا وتكراًر ا لكنك ال تنفك عن اإللتقاء بها رغم أنها ال تحبك بل تحبني أنا.
زكرياء - :شيماء تحبني أنا وانت لست قلبها لتخبرني عن مايدور داخلها أو مشاعرها تجاهي.
بدأ الحديث يزداد سوًء ا وهما على وشك الدخول في شجار طويل ،تدخلت بينهما وحاولت تهدئة الوضع وقلت بصوت مرتفع يعلوه
الغضب:
-أحقًا ستتشاجران من أجل فتاة وانتما ال تعلمان اذ ما كانت تحبكما من األساس!؟ هل سيطر عليكما الغباء لهذه الدرجة؟ لقد عهدتكما
عاقلين ودائما ما كنتما مثلي األعلى.
سفيان - :لكنها تحبني وانا أحبها ولقد اخبرتني بذلك منذ أسبوع.
زكرياء - :ال تستمع له فلقد قابلتها اليوم واعترفنا لبعضنا البعض.
كان الوضع صعٌبا جًد ا حتى أنهما يخبرانني بأشياء أسمعها ألول مرة عنهما وعلمت بأن أسرارهما كثيرة ،وصرخت في وجهيهما قائًال :
-أال يكفيكما إخفاء هاته األمور عني حتى أنكما ال تتوقفان عن الشجار أمامي ،وأنا الذي ال أخفي صغيرة وال كبيرة عنكما وتعلمان بكل
شيء يخصني.
ًال
كانت نهاية األمر مأساوية على يدي بإسكاتهما وافساد يومنا بأكمله ،رحل سفيان أو بصمت وبقيت أنا وزكرياء لبضع دقائق ثم
صارحني أنها تنتظره وسيذهب للقائها ،كان ردي عليه قويا واخبرته أنني ذاهب معه ألراها والتحدث معها في أمر مهم .انطلقنا وعند
وصولنا وجدناها جالسة مع صديقتها المقربة وانظممنا إليهم دون تردد ،ومع اكتمال تعارفنا استدرجتها لوحدها بطريقة رديئة بعض
الشيء لسؤالها على انفراد.
ابتعدنا قليال ثم جلسنا وبادرت هي:
-عيناك تحمل شيًئ ا يخصني.
كلماتها كانت في غاية الدقة كما لو أنها تسكن روحي ،لكنني جعلت من كالمها يبدو كمزحة وقلت وأنا أضحك:
-تبدين واثقة! ولماذا أحمل شيًئ ا يخصك؟
-ربما بسبب ذلك اليوم الذي إلتقيتك فيه.
-وأي يوم تقصدين!؟
-عندما اصطدمنا ببعضنا على الرصيف ،كنت أود االعتذار منك لكن نظرتك لي أخافتني ورحلت دون التفوه ولو بكلمة واحدة.
في تلك اللحظة تمنيت لو يكون هذا حلمًا وردًيا ألخبرها أنها لم تفارقني منذ رأيتها وأستيقظ بعد ذلك في غرفتي وأنا أجلس على النافذة
كما تعودت ،لكن أمنيتي أصبحت كابوًس ا :
-أنا أيًض ا أردت االعتذار منك لكن وبصراحة...
-ولكن بصراحة! اكمل
-ال شيء ،اعذريني عن ذلك اليوم وانا في غاية االسف.
-أنَت أردت االعتذار مني وانا مثلَك لذلك نحن متعادالن.
أنهيت لقائنا بإبتسامة خفيفة توحي بالطمأنينة.
كان لي أقرباء في قرية تبعد عن المدينة بمسافة خمسون كيلومتر ،ذهبت ألن ابن خالي سيتزوج بعد يومين .انطلقنا وعند وصولنا رحبو
بنا ترحيبا الئًق ا ودخلنا للمنزل وبدأنا نتبادل أطراف الحديث ونضحك ونلهو لكن شيء لفت انتباهي بالخارج قبل دخولنا ،كانت هناك
أشجار كثيرة مثل الغابة أعجبتني وأردت زيارتها والتمتع ببعض الهواء المنعش .سألت خالي :
-هل يمكنني زيارت ذاك المكان المليء باألشجار؟
خالي - :أجل ،لكن ال تذهب لوحدك لربما تصاب هناك.
-سأجد شخًص ا يذهب معي .
خرجت اهرول والفضول يقتلني لمعرفة ما يكمن وراء تلك األشجار وعندما وصلت كان منظًر ا في غاية الروعة والشيء األروع هو
الكوخ بجانب النهر .تقدمت خطوتين الى األمام وصرخت -:هل من أحد هنا؟
لم يرد أحد وكان يبدو خالًيا ،في لحظة تفكير أمسكتني يد من الخلف ومن شدة الخوف لم أستطع تحريك جسدي وقال:
-من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟
كان صوتها ناعمًا حتى أنني ظننتها شيماء واستدرت ألراها لكن مخيلتي كانت مخطئة هاته المرة ،شعر أسود ينسدل على ظهرها وعينان
بنياتان ،وزنها يتراوح مابين 67و 69كيلوغرام وترتدي األصفر وحذائها وردي .سألتها وانا متوتر:
-هل تعيشين هنا؟
-أنا منار وهذا منزلي ،أعيش وحيدة.
-أال يوجد لديك عائلة؟
-فرقتنا الحياة لقد كانوا كل ما أملكه ،لكن اآلن عندي صديقة واحدة وتسكن في المدينة.
-كيف لك صديقة من المدينة وأنت تقطنين هنا في هذا المكان الخالي والوحيد!
-يبدو لك خالًيا لكن ذكرياتنا ترقص معي كل يوم.
كانت مشتاقة لها كثيرا حتى أنها لم تعرف كيف تعبر عن ذلك وبدأت بالبكاء ،أردت مساعدتها واقترحت عليها فكرة:
-ال تحزني سوف اخذك إليها.
-احقًا!! هل كالمك صحيح؟!
-انا ال امزح معك بتاًت ا وسترينها عما قريب.
قفزت من شدة الفرح وبدأت تغني أغنية ( أميرة ومنار مابين األشجار تلعبان وتقفزان بإستمرار )..أحسست بأنني فعلت أمًر ا جيدًا لمرتي
األولى ،تجولت قليًال معها ثم عدت الى البيت .أكملنا حفل زفاف ابن خالي وهممنا بالعودة لمنزلنا لم يكن مليًئ ا بالتفاصيل كان زواجه
عادًيا ،اتصلت بزكرياء وأردت منه جمع الجميع في الحديقة بسرعة.
فور توقف الحافلة ركضت أنا ومنار الى الحديقة ويدي تمسك يدها ،وجدتهم ينتظرونني على أحر من الجمر ولكن نظرتهم كانت ذو
غرابة جميعهم مندهشين وقالوا في وقت واحد:
-منار!!!!
ًئ
لم افهم شي ا واذ بمنار تصرخ هي األخرى:
-أصدقائي لقد اشتقت لكم.
أصابني الدوار بسبب هذا الموقف ومن كثرة التفكير ثم سألتهم:
-هل تعرفون بعضكم البعض؟
سفيان - :نعم منذ زمن بعيد.
زكرياء - :نحن أصدقاء الطفولة.
كانت شيماء تنظر إليها بإبتسامة وتذرف دموعا في آن واحد ثم عانقتها بشدة وقالت :
شيماء - :اختي لقد افتقدتك كثيرًا أين كنت كل هذه المدة ،بحثت عنك في كل مكان ولم أجدك حتى ظننت أنك...
منار - :ال تتفوهي بأي حرف آخر ،لقد عدت اآلن وها أنا بين ذراعيِك ألم يكفيك هذا!؟
جلست احدق وال أعرف اذ ما كان علي أن أسأل أو اكمال هذه الدراما ،قال زكرياء ضاحًك ا:
-ماذا حل بك؟ تبدو سخيفًا ومالمح وجهك هكذا.
-هل يمكنك شرح هذا الفيلم الدرامي؟ فبصيالت عقلي تكاد تحترق.
أخبروني أنها أخت شيماء الصغرى اختفت منذ أربع سنوات عند وفات أهلها ،الحظت بأن سفيان لم يكن سعيدا لرؤيتها بدت ابتسامته
مصطنعة وال يتحدث معها كثيرًا.
عدت الى المنزل وعقلي يكاد ينفجر بسبب ماحدث معي في الفترة األخيرة؛ أسرار أصدقاء وحب صادم وإنقاذ فتاة ضائعة ،أخرجت عقلي
من الغرفة ونمت على سريري وإذ بهاتفي يرن ،كان سفيان المتصل:
-ماذا تريد أيها الثعلب اآلن؟ الوقت متأخر.
سفيان - :تعال خارجًا أريد محادثتك في أمر مهم.
-جدًيا!! اآلن وخارجًا!
سفيان - :ال تجعلني أنتظر كثير ً.ا
قطع اإلتصال ولم يدعني أكمل كالمي نهظت وارتديت معطفًا وخرجت لكي أدخله الى غرفتي والتحدث لكنه أصر وألح علي للتحدث
خارًج ا ،لم أكن من العاكسين وانطلقنا بالسير في ارجاء الطريق .فجأة توقف وقال:
سفيان - :إضربني.
-ماهذا الذي تقوله؟ ال أقدر حتى على اخراج يدي من جيبي.
ظننته يمزح واكملت طريقي واذا به يصرخ ويركض نحوي ليضربني ،أمسكته بعدما ضربني على وجهي بضع ضربات مبرحة كادت
تفقدني الوعي وقلت:
-ماذا دهاك يا أحمق؟ من أزعجك و لماذا تفعل هذا ؟
سفيان - :اضربني وال تتردد أو تشفق علي.
-سأضربك حتى تعود لرشدك ولن أرحمك أبًد ا
رفعت يداي واحتضنته لم استطع ضرب نصفي اآلخر ،ثم قال بصوت حزين:
سفيان - :قلبي يؤلمني وال أعرف ماذا أفعل ،كل مرة أحب فتاة أجد كل السبل مغلقة إليها أو تتركني وترحل.
-ال بأس ستجد األمل دائًما ينتظرك نصب عينيك.
سفيان - :مشاعري نحو منار لم تتغير ،كنت أريد ادخال شيماء في حياتي فقط إلرضاء رغبتي بأنها منار.
كان اعترافه صادًما بالنسبة لي لكني تعودت ،ابتسمت وخاطبته:
-هل تريدها من جديد؟
سفيان - :أنت أملي الوحيد في كل مرة أتوه فيها.
-حسًن ا ال تقلق سوف نجد الحل األنسب لمشكلتك.
أوصلته حيث يقيم وعدت أدراجي ،كانت ليلة صعبة على الكثير لكنها بداية ليوم جديد.
دخل الشتاء بأمطاره الغزيرة ورياحه التي ترعب النفس ،مر أسبوع وأنا أصارع المرض لم ألتقي بأحد ولم أرد على أي اتصال حتى
األقرب إلى روحي .شعرت برغبة في رؤية زكرياء حافظ أسراري ،لقائنا دائما ما يكون كما عهدنا ذلك( .حديقة الذكريات) هكذا أطلق
عليها وأظن أنه يناسبها ،عند إلتقائنا كنا نرتدي معاطف تحمينا من البرد القارص و ابتهج كثيرا عندما رآني وقال:
زكرياء - :لماذا غبت عني كل هذه الفترة؟ أال تعرف أنك سندي!
-زكرياء أنا أشبه هذا الجو ،عاصفة بداخلي وغيمة سوداء تقف وسط عقلي.
زكرياء - :حسنا ،دعها تمطر هذه الغيمة مع عاصفة قوية.
ترددت قليال لكني عزمت على اخباره بكل جزء ،قلت:
-سفيان.
قال غاضًبا:
زكرياء - :ماذا فعل هذه المرة؟
-في ذاك اليوم عندما كنا في المقهى بجانب منزله رأيت شيماء هناك ال أعرف إن كانت صدفة أو قدري هكذا.
زكرياء - :كان كل شيء مدبرًا.
-مدبًر ا!!! وكيف يعقل هذا؟
زكرياء - :أنا المدبر والمنفذ والمخرج.
-حتى عندما وقعت أرًض ا وابتسمت!
زكرياء - :كان الهدف من خطتي ابعاده عنها ،لكن دائًما أفشل.
-أنا ال أدعم فكرتك على أي حال لذلك ال تفرح أبًد ا.
زكرياء - :اذا ما الغاية من سؤالك؟
-عاصفتي ورياحي وأنت احباط أبدي بالنسبة لي ،انا الشرير بينكم وال تعتقد أنها مزحة.
زكرياء - :ال مستحيل ،تصديقي لهذا األمر يعد بعيًد ا عن آمالك.
-هل تعرف أميرة؟
زكرياء - :صديقة جديدة لك أو قريبتك!
-انها عشيقتك يا أبله.
زكرياء -:لم أحب إال شيماء ولن يتغير هذا وانا اعهد لك بحياتي.
زكرياء أصيب بفقدان ذاكرة جزئي في صغره جراء وفات والده ،محبته له فاقت الحدود حتى عندما مرض اشتغل بكد لعالجه ولكن القدر
شاء أن يفرقهما .مأساته ارغبته على نسيان عشيقته أميرة التي كانت تقطن بجانب منزله ،لم يعد يعرفها وكل يوم تحاول االقتراب منه
عسى أن تتحقق أمنيتها ويعود الى طبيعته لكن حلها الوحيد كان االختباء بعيًد ا وتركه يعيش.
زكرياء - :هاي أين ذهبت؟ ذهنك شارد اليوم
-تعال الى المكتبة في السابعة ليًال ،سأنتظرك وال تسألني ستعرف عما قريب.
في هاته األثناء كان سفيان يستمتع رفقة شيماء في ذاك المقهى حتى أنه قدم لها هدية ال يجوز تقديمها؛ خاتم زواج وطلب يدها دون
استشارتنا أو اخبارنا .احتارت المسكينة وفي النهاية قبلت به وهكذا دخلنا في زمن الالوعي ،زواج وفقدان ذاكرة واعترافات ليلية.
في طريقي الى المكتبة فكرت كيف سأقنع زكرياء باألمر ،لحظة قلق شديد أتقبل أي فكرة حتى لو كانت من حذائي.وصلنا في وقت واحد،
لم أحادثه أبدا ودخلنا مباشرة حتى نبدا الصراع.
زكرياء - :محبتي للقراءة شديدة لكن مزاجي ال يسمح لي اآلن.
-ال تقلق سيتعكر مزاجك أكثر فأكثر.
زكرياء - :أنت غريب اليوم ،ربما وقعت في حب أميرة.
-ستقع في حبها مثلي تماًما لذا أحضر معك عقلك بأكمله.
نمشي في رواق طويل وفي آخره باب من خشب ،طرقت الباب وأمرت زكرياء بالدخول وحده وعدم الخروج حتى يجد سببًا مقنًع ا .طرق
الباب ودخل وأغلقه وجلست خارجًا أنتظر الكارثة التي لطالما اعتبرتها سًر ا لن يخرج مني حتى أموت وفجأة سمعت صوًت ا في الرواق،
ذهبت للتحقق من األمر
من داخل الغرفة:
ًا
أميرة - :أعرف انك تتسائل لماذا أنت هنا وفي هذا الوقت تمام ،لدي سؤال واحد لك.
زكرياء - :اجل ،انا في غاية الحيرة لكن يمكنك سؤال ماتشائين.
-هل تعرف هذه النظارات؟
سقط زكرياء أرًض ا بسبب ما رآه ،كانت نظارات والده الوحيدة.
زكرياء - :ماذا تفعل بحوزتك روحي العزيزة!
أميرة - :أال تستطيع التذكر كيف ومتى حدث هذا؟
وضع رأسه على األرض وأغمض عينيه محاوًال إدراك ذاك الجزء المظلم من ذكرياته ،رفع رأسه وتلقى صفعة حارة منها وقالت
بصوت هش :
أميرة - :لماذا ال تستطيع تذكري أو حتى تذكر كيف أعطيتني هاته النظارات؟
زكرياء - :لقد كنت .....أغمي عليه ولم يكمل حديثه.
كنت ذاهبًا لرؤية من وراء ذلك الصوت في الرواق ،وجدتهما سفيان وشيماء كل منهما يمسك يد اآلخر .انزلت شيماء رأسها خجًال مني
وسفيان جعل من نظرته لي كلها ثقة بالنفس وسألتهما:
-هل هناك تفسير لألمر؟
سفيان - :أنا وشيماء سنتزوج.
-مممممماذا!
شيماء - :لقد قبلت عرضه للزواج بي ،وقررنا إخباركم.
سفيان - :نعم ،انا وحبيبتي شيماء سنتزوج واريد دعوتك انت والجميع لحفل زفافنا.
غضبت لدرجة أنني أرى نفسي قاتًال في مخيلتي ،سمعت صوت أميرة بسبب صراخها .ركضت كأنني في سباق مع الموت وجدت
زكرياء مغمى عليه وأميرة تبكي بجانبه ،جعلت منه نائمًا على األريكة ثم جلبت الماء وبدأت أرشه على وجهه لربما يستيقظ .دخل سفيان
الغرفة كان لوحده وقال:
سفيان - :ماذا يحصل هنا؟ ولماذا زكرياء نائم هنا؟
أميرة - :هل تتذكرني؟
سفيان - :أتذكر هاته المالمح لكن أين رأيتها ال أعلم.
اميرة - :عقولكم أصابها داء النسيان بسبب تراكم الغبار على قلوبكم.
بعد كالمها مباشرة استيقظ زكرياء وال يزال يحاول اقتحام نفسه من الداخل ،كان يحاول التحدث لكن منعته من ذلك وقمت بمساعدته على
النهوض وأخذته الى المنزل حتى أنني نسيت اخبار سفيان عن أميرة .عدت الى البيت طرقت الباب وقامت أختي دنيا بفتحه:
دنيا - :أين كنت؟ خرجت من الصباح الباكر ولم تعد لتناول الغداء معنا.
-احضري قهوتي المفضلة سأكون باألعلى.
دنيا - :حسًن ا يا اخي ،لكن...
التفتت إليها بشراشة وامسكتها من رقبتها مع الجدار وقلت في أذنها بصوت خافت:
-أريد الموت في أسرع وقت ممكن.
افلتها وصعدت الى غرفتي ،فتحت الباب وتوجهت مباشرة الى النافذة ألفعل ماكنت أفعله دائًما ،جلست أحدق في شجرة الصنوبر التي
بالخارج حتى جاءت عزيزتي السوداء لربما تجعلني هادًئ ا بعض الشيء .قدمت أمي إلخباري بأن فتاة على الهاتف تريد التحدث معي،
استغربت وتوجهت نحو الهاتف ووضعت السماعة على أذني :
-مرحبا.
كانت شيماء:
-أرجوك تعال في الحال أكاد أجن ال أعرف ماذا حصل معها لكنها ال تريد التحدث معي.
لم أفهم ماذا تقصد أو عن أي امر تتحدث ،ارتديت معطفي ثم خرجت وانا متوتر قاصًد ا بيتها الذي يقع بجوار بيت سفيان.
ازداد التوتر وأصبح خوًف ا حينما رأيت الباب مفتوًح ا ظًن ا مني أن مكروهًا قد أصابها واقتحمت المنزل واذ بشيماء تمسك بقدما منار
وترفعهما لألعلي كانت معلقة بحبل من رقبتها ،على األغليب محاولة انتحار لكن وصلت في الوقت المناسب وأنزلناها بعد فكها ثم
انتظرنا ساعتين حتى تعود لرشدها وتتحدث معنا:
منار - :كان الموت أسهل على أن أقبل بهذا األمر.
شيماء - :أال تريدين لي السعادة!
منار - :أنت تعلمين قصتي ومع ذلك تتصرفين وكأن ال شيء حدث.
شيماء - :هذا كان من الماضي اآلن تستطيعين عيش حياة جديدة وجميلة مع شخص آخر.
كان حديثهما غالًبا على أمر زواج سفيان وسؤال منار لها في محله من الصحة وخطأ أختها ال يغتفر ،لكن السؤال الذي يجب أن يطرح:
لماذا كل حادثة تقع تكون شيماء فيها؟
ًا
بدأ الشك يتغلغل داخلي ثم تذكرت ذاك اليوم حينما كان سفيان يقف أمام المكتبة باكي .كانت الساعة متأخرة جًد ا وال أستطيع االتصال
بسفيان لكن سؤالي ال يريد االنتظار للغد والفضول يمزق جسدي ،لم أنم ولم يهدئ لي بال حتى طلع النهار وأشرقت الشمس وتوجهت الى
المقهى اوانتظرته حتى قدم ،فتح الباب وتقدم نحو الطاولة التي أجلس فيها سحب الكرسي وجلس ثم ناد على النادل وأخبره بإحضار
قهوتين.
سفيان - :يبدو عليك اإلرهاق الشديد.
-اجل ،لم أنم البارحة.
سفيان - :كنت تفكر في أمر زواجي ،أليس كذلك؟
نظرت إليه بسخرية وقلت:
-لماذا كنت تبكي ذلك اليوم أمام المكتبة؟
سفيان - :علمت أنني لن أسلم منك وستسألني في يوم ما ...اخبرتني شيماء أن منار ال تزال على قيد الحياة وأنها تعلم بمكانها ولكن
ولكن...
-ولكن ...ماذا؟؟!
سفيان - :ولكن ال تريدها أن تعود.
-وأنت قبلت فكرتها بكل وقاحة وكتمت األمر بداخلك حتى أنك لم تفكر في اخباري!
سفيان - :لم أعلم ماذا أفعل أو ماذا أقول ،شيماء أحبها ومنار كانت عشيقتي كل شيء اختلط داخل راسي.
-ربما كنت محًق ا ذاك اليوم حينما طلبت مني أن أبرحك ضرًبا ،كان عليا قتلك ودفنك بيداي.
لكمت الطاولة وخرجت غاضًبا ،في تلك األثناء ذهب زكرياء مجدًد ا الى المكتبة فأميرة تعمل بدوام جزئي هناك .كل خطوة يخطوها
َم َه و الورقة يتذكر أمر من الماضي حتى وجد نفسه أمام الباب فتحه بكل ثقة لم يجد أحد كانت فارغة وعلى األريكة ورقة ونظارات ،حمل
بقرائتها :
ًد
-زكرياء سأعترف أن مشاعرك تجاهي تحمل حق ا أو وجًع ا على فراقي إنك تائه وتشعر باليأس واألمل في وقت واحد مثل سجين يبحث
في كومة قش عن ابرة تكون مفتاحه الوحيد للنجاة .شرح امر مشاعري يحتاج ليلة ونصف يوم لتجسيدها في مخيلتك وربما هناك سؤال
يجتاح عقلك؛ لماذا ينحاز االنسان دائما مع قلبه؟ كيف يجعل عقله يتكافئ مع تلك المضغة الصغيرة؟ .كل خطوة أو هدف في حياتك يعتبر
تجربة سواء نجحت أو لم تنجح في ذلك ،واستصعابك لفكرة أن حزنك مجرد فشل مؤقت هو اختبار فقط وليس أداة لتقييمك و الحياة
مستمرة وليست موجودة ألجلك ،وان كنت تستمد قيمتك من هدفك فأنت غافل عن أن ذلك محتمل بوقوع تحديات أخرى.
أحالمك عبارة عن مبادئ وان لم تفلح فيها فهي مجرد أحالم عدمها أكبر من وجودها ،و هذا طبيعي.
كل هذا مرتبط بعزيمتك وثباتك في معاملة األمور حسب مراحلها ،سأحبك إلى آخر يوم في حياتي.
انهار والحزن يملئ قلبه الصغير كان يريد إخبارها أنه تذكر كل شيء وحبه لها ال يزال موجوًد ا وأن ذركرياتها معه.
انتهى زمن األصدقاء واختلط بمأساة الحب وبدأت حكاية جديدة بعنوان أنا.
في يوم مشمس كانت منار في منزلها تفكر كيف تجعل سفيان يعود كاأليام الخوالي ويكون لها ،أحدهم يطرق باب غرفتها ،قالت:
منار - :ادخلي شيماء فال أحد غيرنا في هذا البيت المهجور.
فتحت الباب:
شيماء - :ماذا تفعلين اآلن؟
منار - :أنت توأم روحي لذلك سأخبرك .بسببك افترقنا جميعنا وقلبك المتعفن الذي تدعين أنه مليء بالحب ال يحمل سوى الغيرة والحسد.
شيماء - :تفكيرك المتواصل في أمر زواجي مع حبيبك السابق تسيطر عليك.
منار - :ماذا دهاك لتفعلي كل هذا؟
شيماء - :أسباب ال يمكنك فهمها ،تبدو تافهة بالنسبة لك لكنها كافية بالنسبة لي لقتل أحدهم.
منار - :الشخص الوحيد المتضرر بيننا هو ذاك االحمق الذي يساعدنا دائًما .ال أعلم كيف يفكر لكن قلبه ال يريدنا أن نحزن.
قالت شيماء بصوت تعلوه الغيرة:
شيماء - :يستحق كل أمر يحصل معه.
رن هاتف منار كان سفيان المتصل لكنها لم ترد ،ارتدت مالبسها وخرجت قاصدة حديقة الذكريات للترفيه عن نفسها ومع وصولها
وجدتني أجلس وحيدًا أتأمل زقزقة العصافير .أتت من خلفي ووقفت تنظر ،قلت:
-ال تقفي وقفة المحتار ،اجلسي وانتظري ذاك النور الذي يأتي دائًما بعد كل خيبة أمل.
منار - :أنت أكبر وأعظم أحمق في هذا الكون.
-شكًر ا على المجاملة ،أنا سعيد اآلن.
منار - :دعك منا واجعل من نفسك شخًص ا جديًد ا فأنت تستحق كل األشياء الجميلة .كل ما تجنيه من ورائنا هو األلم وحسب.
-ال بأس إن كان هذا يجعلكم سعداء .حتى أنني كرهت نفسي عندما اكتشفت أنني أحب شيماء.
منار - :أتمزح!! لماذا دائمًا كل شيء من أجلها ،أال يوجد أحد يفعل أمًر ا من أجلي .أال أستحق السعادة.
قالتها والدموع تهطل بغزارة.
في هذه اللحظة كان زكرياء يبحث في كل األرجاء عن أميرة ،يصرخ بإسمها ويعلق إعالن عن فقدان فتاة كأنه يبحث عن روحه .تملكه
اليأس بعد يوم كامل من البحث جلس تحت عمود إنارة على أمل رؤيتها حتى ولو كانت آخر مرة في حياته ،فجأة اتصل به سفيان ليخبره
أن أميرة في المستشفى ،كاد قلبه يصمت بعد سماعه هذا الخبر و ذهب مسرًع ا لرؤيتها وعند وصوله وجدنا جالسين :
زكرياء - :أين هي؟ اخبروني هل هي بخير؟
لم يجبه أحد ظللنا صامتين لم نستطع إخباره بأنها أعطته روحها ،احترق بالكامل لم يقدر حتى على تحريك ولو اصبع واحد .عانقته بشدة
وأنا أعلم أنه ال شيء يستطيع تعويض مكانها:
ًا ًد
زكرياء - :أريد اللحاق بها لن أسامحها على تركها لي هنا وحي ا ،لماذا لم تأخذني معها؟ أعلم أنني أخطأت كثير في حقها وهي كانت
دائًم ا تنتظرني على أحر من الجمر وقلبها ينبض من أجلي لكن هذا ليس عادًال أبًد ا.
رحل بعدما قال كلماته األخيرة النابعة من شدة األلم ،أقمنا الجنازة ومع كل خطوة نخطوها ذكرى ال نستطيع نسيانها.
بعد ثالثة اشهر من وفاة أميرة قرر سفيان اقامة العرس ،اتصل بي واخبرني بذلك لكني كنت رافضًا لهذا األمر وطلبت منه أن نجتمع كلنا
في الحديقة ونتحدث .احضرت الجميع للحديقة وجلسنا ننظر لبعضنا البعض:
.سفيان - :سأبدأ بعد إذنكم ...أنا و شيماء سنتزوج هذا األسبوع ،أحضرتكم الى هنا إلخباركم.
شيماء - :هل هناك من يرفض زواجنا؟
منار - :لن اقبل ابدا.
سفيان - :ماذا دهِا ك لترفضي؟ انها اختك وتستحق السعادة.
زكرياء - :هل يمكنني الرحيل ال أريد دخول في هذا النقاش
منار - :سفيان أنت اخر شخص تخيلته يقوم بخيانتي
شيماء - :منار انسي الماضي ودعينا نقيم هذا الزواج على خير
احتد النقاش بينهم وعلمت أنهم سيصلون لنهاية لن يرضى بها أحد ،قلت:
لندع زكرياء يقرر أمر زواجكما. -
.سفيان - :هذا قراري وأنا الذي سيتزوج.
ال تكن غبيًا وتتحدث كأن زكرياء ال يعنيك فأنتما سبب كل ما حدث معه. -
.سفيان - :ماذا فعلت! أنا لم أقتل أميرة وكل ما أردته هو الزواج من الفتاة التي أحبها.
.منار - :افعلوا ما يحلو لكم أنا ذاهبة
رحلت منار وهي تتكلم مع نفسها ،طلبت من شيماء التحدث على انفراد:
شيماء - :ها نحن لوحدنا ماذا تريد؟
سؤالي بسيط وال يحتاج للتفكير الطويل أو العميق واجابتك ستكون واضحة من الكلمة األولى . -
شيماء - :كلماتك تصيبني بالحيرة ،لكن ال بأس تفضل بسؤالك
-فكرت مليًا في كل هاته االمور التي حصلت معنا ووصلت إلستنتاج قد يعتبر اتهاًما باطاًل بالنسبة لك ،استنتاجي هو أنك تفعلين كل هذا
لقتلي.
ابتسمت ابتسامة ورائها الكثير من الشر'
شيماء - :ال أعلم السبب األساسي لتصل لهذا الحد من التفكير بشأني ،لكن سأكون فتاة صالحة وأخبرك بسر صغير
-سأخبرِك بهذا السر الذي تحتفظين به داخلك.
.شيماء - :لديك علم الغيب وتتكهن أموًر ا بداخل األشخاص ال يعلمها اال صاحبها ،تكلم فالفضول يقتلني
-علمِت أنني أحب أسماء وقررت اإلبتعاد وها أنت اليوم تعودين لإلنتقام.
شيماء - :من هي أسماء وعن أي حب تتحدث؟
قبل رحيلها كانت دائمًا تحذرني من صديقتها المقربة أنها في يوم من االيام ستدخل في حياتي وتدمرها كلًيا... -
لم أكمل كلماتي واذ بشيماء تخنقني لكن حزنها جعلها ضعيفة:
شيماء - :لقد سرقتك مني وانا كنت أعتبرها روحي الثانية
-ألم تفكري يوًما في إصالح هذا الخراب؟
شيماء - :وماذا ساجني من إصالحه!
بعد آخر مشهد من حياتي التي تعتبر كابوًس ا جلست أفكر لماذا لم يفعل زكرياء أي شيء في ذلك اليوم؟ أو أنه يجهز خطة لقتلي؟ هه أتفق
معه فأنا ال أستحق حتى الموت.
الساعة تشير إلى 1:47تأخر الوقت وحان وقت النوم لكن شعور غريب يجذبني نحو نافذة غرفتي كأن شخصًا بالخارج ينتظرني ،قلت:
-ما هذا الشعور بداخلي! سأحاول النوم هي مخيلتي وحسب دائما ما كانت تزعجني في هذه األثناء.
الشعور يزداد شيًئ ا فشيًئ ا حتى يكاد يخنقني ويقطع أنفاسي ،انزعجت منه وقررت أن أنظر من النافذة ألرضي نفسي بال ال شيء وأعود
إلى النوم ثم هممت بالنهوض وتقدمت خطوتين وبدأ الخوف يسيطر على جسدي وأفكار تدور داخل رأسي ال نراها إال في افالم الرعب،
وأكملت السير ببطئ وحين أدركتها أمسكت قبضتها كان قلبي يكاد يتوقف من سرعة دقاته وفتحتها بسرعة البرق وإذ بالشجرة تقف وحيدة
ال غير ،قلت ونفسي يدخل ويخرج من رئتي بصعوبة:
-الحمدهلل كانت مخيلتي وحسب.
إلتفت ألعود للسرير وفجأة سمعت صوت رجلين يتكلمان بجانب الطريق لم أفهم ماذا يقوالن حاولت اإلقتراب من النافذة لسماعهما لكنها
محاولة فاشلة والسبب ألنني خائف ،صفعت وجهي و جعلت أعزز نفسي بالثقة والخروج ألتأكد وكما كان الحال نزلت مسرعًا نحو الباب
وعندما وصلت نال مني الخوف مجدًد ا أن يكونا لصين أو قاتلين وأنا لم أفي بوعودي التي أعطيتها ألصدقائي ،فكرت مليا وخرجت بعدما
دخلت إلى المطبخ وحملت سكينًا تحسًبا ألي حادثة.
ًا ًن ًا ًن
إقتربت من الطريق لكن لم أجدهما وظننت أنهما غادرا المكان ،لم أرى سوى فتاة ترتدي فستا ا أبيض تمسك بيديها وتنظر يمي ا ويسار ؛
اعتقدت أنه يتوجب أن أسألها لربما تكون تائهة في هذا الوقت المتأخر أو أنها تنتظر أحًد ا ،توجهت نحوها وقبل أن أصلها رفعت يدها من
بعيد وتشير لي وكانت تتكلم لكني لم أسمعها ،استغربت من ردة فعلها عندما رأتني فلقد كانت تبكي وتصرخ كأنها تحاول إخباري بشيء
وإذ بصخرة تصدمني في رأسي ،سقطت أرًض ا والدنيا تدور من حولي ثم أغمي علي.
فتحت عيناي على زكرياء و منار وسفيان كانوا جالسين أمامي ،فرحو جًد ا عندما رأوني أستيقظ واقتربو مني:
زكرياء - :هل تسمعني!! تكلم أرجوك
سفيان :سأنادي الطبيب حاال ،إنها لمعجزة.
كانت منار تبكي وتبتسم في آن واحد ،جاء الطبيب وفحصني وأخبرني أنني بخير وسأستعيد عافيتي في بضعة أيام وجلسنا أنا وأصدقائي
نتبادل الحديث وهنا كان سؤال يشغل بالي كثيًر ا وأردت اإلجابة عنه ولكن ال أستطيع التذكر جيدًا ،نظر زكرياء نحوي وقالي:
زكرياء - :هيا أخبرني ماذا يشغلك عنا؟ أنا أعرفك أكثر من نفسي.
-ماذا حدث لي ؟ ال أتذكر شيًئ ا
اختفت البهجة من على وجوههم فجأة وكأن الموت زارهم في سؤالي ،أمسكت منار يدي وقالت:
منار - :لقد فقدت جزًءا بسيًط ا من ذاكرتك.
-كيف ومتى حدث هذا!؟
سفيان - :ضربك شخص ما على رأسك بصخرة ،وجدناك مستلقًيا على الطريق بجانب بيتك.
-وأين شيماء ،لما هي ليست معكم؟
منار - :لقد رحلت عنا.
-كيف رحلت وإلى أين!
انفجرت منار بالبكاء وسفيان جعل يمسك رأسه وينظر للحائط ونظرت إلى زكرياء على أمل أن يخبرني ،قال وهو يمسك دمعته :
زكرياء - :لقد....
-ماذا؟ هيا أكمل لقد....ماذا!
زكرياء - :لقد .......إنتحرت