You are on page 1of 12

‫المسجون في الماضي‬

‫هل كانت ذكريات سعيدة؟ أو أن الرؤية عندي قد اختفت كلًيا! إنها مخيلتي فقط‪.‬‬

‫"عندما فتحت عيناي وجدت نفسي أحدق في الجدار العلوي لغرفة ال أعرفها والدم يسيل من رأسي مثل الماء في النهر‪ ،‬أسمع أصوات‬
‫غريبة تجتاح المكان‪:‬‬
‫‪-‬أسرع نادي الطبيب انه في خطر يكاد يموت‬
‫‪ -‬انا ال أملك غيره أنقذوه أرجوكم‪..‬‬
‫كل ما أردته هو النوم فقط واراحة عقلي‪.‬‬
‫استيقظت مرة أخرى بعد رؤية حلم جميل كنت فيه ملك أجلس مع زوجتي وابنتاي اللتان تشبهانها‪ ،‬سمعت صوت شخص يجلس بجانبي‬
‫تعلوه نبرة الفرح يقول ‪:‬‬
‫‪ -‬استيقظت يا نور قلبي!‬
‫‪ -‬أجل‪ ،‬لكن رأسي يؤلمني‪.‬‬
‫لم أرى مالمحه جيًد ا لذلك أجبته ببساطة دون تفكير‪ ،‬ثم عدت للنوم مجدًد ا على أمل رؤية حلم أجمل من السابق‪.‬‬

‫قبل سنتين من هذه الحادثة كنت أتنزه رفقة صديقي المقرب زكرياء في الحديقة‪ ،‬كانت موهبته تكمن في الرسم لهذا دائمًا ما تجدنا في‬
‫اماكن تحتويه‪ .‬جلسنا بالقرب من شجرة جميلة نتبادل األفكار‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬كيف يبدو لك األمر عندما تجد نفسك في عالمك الشخصي رفقة من يشتهيه قلبك‪ ،‬أليست سعادة خالصة من الحزن!!‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أعتقد هذا ولكن‪...‬‬
‫ًد‬
‫وضع يده على فمي وابتسم لبرهة من الوقت ثم انزل رأسه وقال‪ - :‬ال تقل لكن ستجعلني أقلق اذ ماكنَت سعي ا برفتي أو ال‪.‬‬
‫علمت أن غبائي الذي أدعوه بالمنطق يوما ما سأهلك بسببه‪ .‬مرت نصف ساعة من وقتنا الثمين و أدخلتنا في جو من السكوت العاطفي‬
‫والفكري بكالمي األخير ثم افترقنا دون توديع وفي طريقي إلى المنزل كنت أجري محادثة خيالية داخل رأسي حتى أنني لم أنتبه إلى ما‬
‫يوجد أمامي جيًد ا ثم اصطدمت بشخص ووقعت أرًض ا‪ ،‬فتحت عيناي ببطئ والتفتت واذ بها فتاة ذات شعر بني وعينان مخضرتان‬
‫تبتلعني‪ .‬انتهى بي األمر عالًق ا في إيجاد كلمات لوصفها رغم عدم إدراكي بتقديم اسفي الشديد لها إلسقاطها وتلويث ثوبها األبيض كبياض‬
‫بشرتها‪.‬‬
‫لم أبارح غرفتي المظلمة منذ يومان‪ ،‬كلما أردته هو صدفة تجمعني بها على أمل االعتذار منها فقط‪ ،‬لكنها تبقى مجرد أمنية واحتمال‬
‫وقوعها ضعيف‪ .‬أحدهم يطرق باب غرفتي‪ ،‬قلت‪ - :‬من؟‬
‫فأجابت‪ - :‬أنا يا عزيزي‬
‫‪ -‬ماذا يا أمي هل أنت بخير؟‬
‫‪ -‬نعم أنا بخير وجه السؤال لنفسك وأجبني بكل صدق‬
‫صوت يجول في مسامعي ويجبرني على الكذب واخبارها بأن صحتي بخير‪ ،‬لكنها علمت أنني لست بخير دون أن أتحدث وقالت‪ - :‬ال‬
‫تجعل من هذا األمر عقدة في حياتك وواجهه كأنك تتحداه أن يهزمك‪ ،‬فأنا لم أعهدك هكذا أبًد ا لقد كنت وال تزال االبن المثالي في نظري‪.‬‬
‫نالت مني وجعلتني ابتسم ثم فتحت الباب وعانقتها بشدة كأن الزمن جعل فراقنا طويًال‪ .‬تزينت بإرتداء مالبس كالسيكية رسمية لكنها كانت‬
‫مرتي األولى وخرجت مسرعًا إلى بيت إسفيان‪ ،‬وصلت ونفسي يكاد ينقطع ثم طرقت الباب مرتين لكن ال أحد يجيب تساءلت في نفسي ‪:‬‬
‫‪ -‬أين ذهب هذا األحمق؟ هل مازال يفعل ذلك الشيء ؟ سأذهب الى هناك وأتحقق من األمر‪.‬‬
‫انطلقت وعندما وصلت الى المكتبة وجدته واقًف ا أمامَه ا وال يحرك ساكنًا ظننته أصيب أو أن امر سي ا حدث معه‪ ،‬فجأة بدأ المطر يهطل و‬
‫ًئ‬ ‫ًا‬
‫صرخت بأعلى صوتي خوًف ا وانا اردد اسمه وضع يده على الجدار وبدأ يبكي حتى بانت عليه مالمح األلم الداخلي‪ ،‬وقفت بجانبه وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬أتعلم ياصديقي األحمق نحن ال نختلف عن بعضنا كثيرًا فأنا أيًض ا يحتويني ضجيج وأريد اخراجه في اسرع وقت‪.‬‬
‫نظرته لي كانت حادة ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬اصمت ودعني وشأني ال يهمك ماذا أفعل أو لماذا أبكي في هذا المكان‪.‬‬
‫‪ -‬أنت لست في وعيك والحزن يتحكم بك وأنا من األشخاص الذين ال يريدون تركك أو أنك نسيت هذا!‬
‫‪ -‬أتمزح معي‪ ،‬علمك ومعرفتك بي أكثر من معرفتك لنفسك أن وعودي ال أخلفها‪.‬‬
‫‪ -‬وعدك لي أخلفته عندما فكرت في العودة الى هذا المكان‪ ،‬هل تريد مني ضربك للتذكر او أن أجعل من وداعنا وعًد ا!‬
‫تبدلت مالمح وجهه ودخل في جو مضطرب وتلعثم كالمه كثيرًا واعتذر لي كما كان يفعل سابًق ا‪ .‬أخذته الى مقهى قريب من منزله‪ ،‬لم‬
‫يكن سكوتنا طويال ثم أخذ فنجان القهوة يدفئ به يديه وسألني‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا يوجد في داخلك؟‬
‫كان يقصد األمر الذي يزعجني‪ ،‬أعرته من سكوتي خمس دقائق وبعدها تنهدت بعمق وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬أمران ال يمكن للمرء نسيانهم‪ ،‬األول عندما تحترق روحك والثاني نور أبيض يجذبك نحوه وال تعرف سره‪.‬‬
‫‪ -‬من هي؟‬
‫كان يعرفني جيًد ا حتى أنه يقرأ أفكاري من مالمح وجهي‪.‬‬
‫‪ -‬إنها لعنتي هذا ما أستطيع قوله لك‪.‬‬
‫‪ -‬كيف كان لقائكما؟‬
‫‪ -‬اصطدمت بها في طريق عودتي للبيت‪ ،‬حتى أنني لم استطع االعتذار منها أو سؤالها عن اسمها واين تقيم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تريد حًق ا االعتذار منها أو أن هناك شيئا اخر يجول في خاطرك؟‬
‫عرفت من ابتسامته الشريرة التي تعلو وجهه بعد هذا السؤال أنه يقرأني دون سخرية‪ ،‬ثم استعار الغضب جسدي واجبرته على تغيير‬
‫حديثنا لكن هذا كان مجرد تضليل أفكار فقط لجعله يمتنع عن سؤالي بشأنها واسقط في حفرة ال أعرف مخرجها‪.‬‬
‫سألني‪:‬‬
‫‪ -‬أين هو زكرياء؟ لم أره منذ مدة‬
‫‪ -‬لقد كنا نتنزه في حديقته المفضلة منذ يومان‪.‬‬
‫‪ -‬كيف حال رسمته الجديدة أو أنك أيضا ال تعرف وجعلها سره الخاص!‬
‫اندهشت وتفاجئت من كالمه‪ ،‬اعتقدت انه يمزح او يتحدث عن تلك الفتاة التي ‪...‬‬
‫انقطع تفكيري بسبب سقوط احد الجالسين في المقهى والتفتت واذ بتلك الفتاة أجدها جالسة على ركبتها وتبتسم‪ ،‬لم أعرف ماذا أفعل‪ ،‬هل‬
‫أذهب إليها أو اكمل تفكيري وكأن ذلك مجرد حلم؟‪ .‬اخبرت سفيان بالذهاب الى مكان اخر وخرجنا بعد دخول الحمام‪ ،‬بدت نظرات التوتر‬
‫علي حتى أنني شارد الذهن كثيرا‪ .‬أوصلني الى البيت واخبرني أن اتصل به غدًا ألنه اشترى هاتف ورحل‪ ،‬دخلت الى المنزل وال يزال‬
‫على موعد العشاء ساعة ونص والجوع يتملكني‪ .‬صعدت الى غرفتي حيث دائما اجلس ناحية النافذة واستمتع مع مخيلتي العظيمة‪،‬‬
‫اغمضت عيناي لرؤيتها واالعتذار منها حتى لو كان مجرد وهم في رأسي ولكن لم اقدر على ذلك فإبتسامتها ال تفارقني وكبريائي‬
‫يمنعني‪ .‬أنا ضائع بين أنا وأنا أحدهم يخبرني باإلعتذار منها واآلخر يغازلها‪ ،‬أعجز عن ايجاد حل لمشكلتي رغم أن البعض ال يعتبرها‬
‫مشكلة‪.‬‬
‫تناولت العشاء مع ضميري أنا ألتهم الطعام وهو يلتهم قلبي‪ ،‬ثم ذهبت للنوم دون تردد وأقسمت بأن امحوها من ذاكرتي هذه الليلة فقط‬
‫وغدا سأسال هللا أن يجعل لقائنا قريبا اليقاف هذه المهزلة التي تمزقني‪.‬‬
‫بدأ يومي برنين هاتفي اتصل بي سفيان ليخبرني عن موعدنا انا وهو وزكرياء في حديقتنا المعتادة‪ ،‬عند وصولي هناك لم اجد احدا ربما‬
‫تسرعت وخرجت باكرًا من البيت‪ .‬سمعت احدهم يضحك برقة فأخذني الفضول لرؤيته‪ ،‬ذهبت خلف األشجار فوجدت زكرياء يجلس مع‬
‫فتاة تشبه تلك التي ابحث عنها وسمعتهم يتحدثان‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬عندي لقاء هام اآلن مع أصدقائي اعتقد أنني سأتركك وحيدة لبعض الوقت‪.‬‬
‫الفتاة‪ - :‬ال يهم طالما أنك ستعود‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬عندي لِك مفاجأة عندما أعود ستفرحين كثيرا عندما ترينها‪.‬‬
‫الفتاة‪ - :‬الشوق يقتلني ألراها فال تتأخر‪ ،‬ارجوك‪.‬‬

‫وقف زكرياء وابتسامته تكاد تبتلع حزن الكون بأكمله‪ ،‬عدت إلى مكاني مسرعًا وإذ به يأتي نحوي وعند وصوله قال‪:‬‬
‫‪ -‬لن أسألك كيف حالك ألنك ستقول مادمت تبتسم فأنا بخير ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ال أحد بإمكانه ازعاجك اليوم‪.‬‬
‫‪ -‬يمكنك مناداتي اآلن بالسعادة‪.‬‬
‫‪ -‬أخبرني ماذا حدث معك لتتفاخر هكذا؟‬
‫‪ -‬لدي سر لم أخبرك به من قبل وأعلم أنني مخطئ إلخفائه عنك‪.‬‬
‫تذكرت كالم سفيان وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬ال تبالي لهذا‪ ،‬تكلم بسرعة فالفضول يقتلني‪.‬‬
‫‪ -‬أنا واقع في الحب‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا!!؟ هل أنت متأكد‪ ،‬ال اعرف ماذا اقول لكن الخبر كان مفاجئًا‪ ،‬حسنا من هي محبوبتك وكيف أوصافها؟‬
‫عند وصفه لها كانت تلك الفتاة ثانية‪ ،‬جعلت من مخيلتي كذبة وأن تلك االوصاف تكون لفتاة اخرى غيرها وربما هناك واحدة تشبهها كما‬
‫لو أنني أعشقها وال أريدها لغيري‪.‬‬
‫أكملنا حديثنا بسالسة حتى جاء سفيان وهو منزعج‪ ،‬سألته‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا أنت منزعج؟ هل نمت جيًد ا البارحة؟‬
‫‪ -‬سيخبرك زكرياء بدًال مني لماذا انا منزعج عند لقاءنا ليلة أمس‪.‬‬
‫فهمت من كالمه أنهما إلتقيا باألمس ونظرت في زكرياء نظرة استفهام وأنتظر منه التحدث‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ -‬سفيان ال تعكر مزاجي بذلك الموضوع التافه فاليوم هو يومي‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬أتصفه بالتافه! لقد حذرتك مراًر ا وتكراًر ا لكنك ال تنفك عن اإللتقاء بها رغم أنها ال تحبك بل تحبني أنا‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬شيماء تحبني أنا وانت لست قلبها لتخبرني عن مايدور داخلها أو مشاعرها تجاهي‪.‬‬
‫بدأ الحديث يزداد سوًء ا وهما على وشك الدخول في شجار طويل‪ ،‬تدخلت بينهما وحاولت تهدئة الوضع وقلت بصوت مرتفع يعلوه‬
‫الغضب‪:‬‬
‫‪ -‬أحقًا ستتشاجران من أجل فتاة وانتما ال تعلمان اذ ما كانت تحبكما من األساس!؟ هل سيطر عليكما الغباء لهذه الدرجة؟ لقد عهدتكما‬
‫عاقلين ودائما ما كنتما مثلي األعلى‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬لكنها تحبني وانا أحبها ولقد اخبرتني بذلك منذ أسبوع‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬ال تستمع له فلقد قابلتها اليوم واعترفنا لبعضنا البعض‪.‬‬
‫كان الوضع صعٌبا جًد ا حتى أنهما يخبرانني بأشياء أسمعها ألول مرة عنهما وعلمت بأن أسرارهما كثيرة‪ ،‬وصرخت في وجهيهما قائًال ‪:‬‬
‫‪ -‬أال يكفيكما إخفاء هاته األمور عني حتى أنكما ال تتوقفان عن الشجار أمامي‪ ،‬وأنا الذي ال أخفي صغيرة وال كبيرة عنكما وتعلمان بكل‬
‫شيء يخصني‪.‬‬
‫ًال‬
‫كانت نهاية األمر مأساوية على يدي بإسكاتهما وافساد يومنا بأكمله‪ ،‬رحل سفيان أو بصمت وبقيت أنا وزكرياء لبضع دقائق ثم‬
‫صارحني أنها تنتظره وسيذهب للقائها‪ ،‬كان ردي عليه قويا واخبرته أنني ذاهب معه ألراها والتحدث معها في أمر مهم‪ .‬انطلقنا وعند‬
‫وصولنا وجدناها جالسة مع صديقتها المقربة وانظممنا إليهم دون تردد‪ ،‬ومع اكتمال تعارفنا استدرجتها لوحدها بطريقة رديئة بعض‬
‫الشيء لسؤالها على انفراد‪.‬‬
‫ابتعدنا قليال ثم جلسنا وبادرت هي‪:‬‬
‫‪ -‬عيناك تحمل شيًئ ا يخصني‪.‬‬
‫كلماتها كانت في غاية الدقة كما لو أنها تسكن روحي‪ ،‬لكنني جعلت من كالمها يبدو كمزحة وقلت وأنا أضحك‪:‬‬
‫‪ -‬تبدين واثقة! ولماذا أحمل شيًئ ا يخصك؟‬
‫‪ -‬ربما بسبب ذلك اليوم الذي إلتقيتك فيه‪.‬‬
‫‪ -‬وأي يوم تقصدين!؟‬
‫‪ -‬عندما اصطدمنا ببعضنا على الرصيف‪ ،‬كنت أود االعتذار منك لكن نظرتك لي أخافتني ورحلت دون التفوه ولو بكلمة واحدة‪.‬‬
‫في تلك اللحظة تمنيت لو يكون هذا حلمًا وردًيا ألخبرها أنها لم تفارقني منذ رأيتها وأستيقظ بعد ذلك في غرفتي وأنا أجلس على النافذة‬
‫كما تعودت‪ ،‬لكن أمنيتي أصبحت كابوًس ا ‪:‬‬
‫‪ -‬أنا أيًض ا أردت االعتذار منك لكن وبصراحة‪...‬‬
‫‪ -‬ولكن بصراحة! اكمل‬
‫‪ -‬ال شيء‪ ،‬اعذريني عن ذلك اليوم وانا في غاية االسف‪.‬‬
‫‪ -‬أنَت أردت االعتذار مني وانا مثلَك لذلك نحن متعادالن‪.‬‬
‫أنهيت لقائنا بإبتسامة خفيفة توحي بالطمأنينة‪.‬‬

‫كان لي أقرباء في قرية تبعد عن المدينة بمسافة خمسون كيلومتر‪ ،‬ذهبت ألن ابن خالي سيتزوج بعد يومين‪ .‬انطلقنا وعند وصولنا رحبو‬
‫بنا ترحيبا الئًق ا ودخلنا للمنزل وبدأنا نتبادل أطراف الحديث ونضحك ونلهو لكن شيء لفت انتباهي بالخارج قبل دخولنا‪ ،‬كانت هناك‬
‫أشجار كثيرة مثل الغابة أعجبتني وأردت زيارتها والتمتع ببعض الهواء المنعش‪ .‬سألت خالي ‪:‬‬
‫‪ -‬هل يمكنني زيارت ذاك المكان المليء باألشجار؟‬
‫خالي‪ - :‬أجل‪ ،‬لكن ال تذهب لوحدك لربما تصاب هناك‪.‬‬
‫‪ -‬سأجد شخًص ا يذهب معي ‪.‬‬
‫خرجت اهرول والفضول يقتلني لمعرفة ما يكمن وراء تلك األشجار وعندما وصلت كان منظًر ا في غاية الروعة والشيء األروع هو‬
‫الكوخ بجانب النهر‪ .‬تقدمت خطوتين الى األمام وصرخت‪ -:‬هل من أحد هنا؟‬
‫لم يرد أحد وكان يبدو خالًيا‪ ،‬في لحظة تفكير أمسكتني يد من الخلف ومن شدة الخوف لم أستطع تحريك جسدي وقال‪:‬‬
‫‪ -‬من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟‬
‫كان صوتها ناعمًا حتى أنني ظننتها شيماء واستدرت ألراها لكن مخيلتي كانت مخطئة هاته المرة‪ ،‬شعر أسود ينسدل على ظهرها وعينان‬
‫بنياتان‪ ،‬وزنها يتراوح مابين ‪ 67‬و‪ 69‬كيلوغرام وترتدي األصفر وحذائها وردي‪ .‬سألتها وانا متوتر‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعيشين هنا؟‬
‫‪ -‬أنا منار وهذا منزلي‪ ،‬أعيش وحيدة‪.‬‬
‫‪ -‬أال يوجد لديك عائلة؟‬
‫‪ -‬فرقتنا الحياة لقد كانوا كل ما أملكه‪ ،‬لكن اآلن عندي صديقة واحدة وتسكن في المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬كيف لك صديقة من المدينة وأنت تقطنين هنا في هذا المكان الخالي والوحيد!‬
‫‪ -‬يبدو لك خالًيا لكن ذكرياتنا ترقص معي كل يوم‪.‬‬
‫كانت مشتاقة لها كثيرا حتى أنها لم تعرف كيف تعبر عن ذلك وبدأت بالبكاء‪ ،‬أردت مساعدتها واقترحت عليها فكرة‪:‬‬
‫‪ -‬ال تحزني سوف اخذك إليها‪.‬‬
‫‪ -‬احقًا!! هل كالمك صحيح؟!‬
‫‪ -‬انا ال امزح معك بتاًت ا وسترينها عما قريب‪.‬‬
‫قفزت من شدة الفرح وبدأت تغني أغنية ( أميرة ومنار مابين األشجار تلعبان وتقفزان بإستمرار‪ )..‬أحسست بأنني فعلت أمًر ا جيدًا لمرتي‬
‫األولى‪ ،‬تجولت قليًال معها ثم عدت الى البيت‪ .‬أكملنا حفل زفاف ابن خالي وهممنا بالعودة لمنزلنا لم يكن مليًئ ا بالتفاصيل كان زواجه‬
‫عادًيا‪ ،‬اتصلت بزكرياء وأردت منه جمع الجميع في الحديقة بسرعة‪.‬‬
‫فور توقف الحافلة ركضت أنا ومنار الى الحديقة ويدي تمسك يدها‪ ،‬وجدتهم ينتظرونني على أحر من الجمر ولكن نظرتهم كانت ذو‬
‫غرابة جميعهم مندهشين وقالوا في وقت واحد‪:‬‬
‫‪ -‬منار!!!!‬
‫ًئ‬
‫لم افهم شي ا واذ بمنار تصرخ هي األخرى‪:‬‬
‫‪ -‬أصدقائي لقد اشتقت لكم‪.‬‬
‫أصابني الدوار بسبب هذا الموقف ومن كثرة التفكير ثم سألتهم‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعرفون بعضكم البعض؟‬
‫سفيان‪ - :‬نعم منذ زمن بعيد‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬نحن أصدقاء الطفولة‪.‬‬
‫كانت شيماء تنظر إليها بإبتسامة وتذرف دموعا في آن واحد ثم عانقتها بشدة وقالت ‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬اختي لقد افتقدتك كثيرًا أين كنت كل هذه المدة‪ ،‬بحثت عنك في كل مكان ولم أجدك حتى ظننت أنك‪...‬‬
‫منار‪ - :‬ال تتفوهي بأي حرف آخر‪ ،‬لقد عدت اآلن وها أنا بين ذراعيِك ألم يكفيك هذا!؟‬
‫جلست احدق وال أعرف اذ ما كان علي أن أسأل أو اكمال هذه الدراما‪ ،‬قال زكرياء ضاحًك ا‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حل بك؟ تبدو سخيفًا ومالمح وجهك هكذا‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكنك شرح هذا الفيلم الدرامي؟ فبصيالت عقلي تكاد تحترق‪.‬‬
‫أخبروني أنها أخت شيماء الصغرى اختفت منذ أربع سنوات عند وفات أهلها‪ ،‬الحظت بأن سفيان لم يكن سعيدا لرؤيتها بدت ابتسامته‬
‫مصطنعة وال يتحدث معها كثيرًا‪.‬‬
‫عدت الى المنزل وعقلي يكاد ينفجر بسبب ماحدث معي في الفترة األخيرة؛ أسرار أصدقاء وحب صادم وإنقاذ فتاة ضائعة‪ ،‬أخرجت عقلي‬
‫من الغرفة ونمت على سريري وإذ بهاتفي يرن‪ ،‬كان سفيان المتصل‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد أيها الثعلب اآلن؟ الوقت متأخر‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬تعال خارجًا أريد محادثتك في أمر مهم‪.‬‬
‫‪ -‬جدًيا!! اآلن وخارجًا!‬
‫سفيان‪ - :‬ال تجعلني أنتظر كثير ‪ً.‬ا‬
‫قطع اإلتصال ولم يدعني أكمل كالمي نهظت وارتديت معطفًا وخرجت لكي أدخله الى غرفتي والتحدث لكنه أصر وألح علي للتحدث‬
‫خارًج ا‪ ،‬لم أكن من العاكسين وانطلقنا بالسير في ارجاء الطريق‪ .‬فجأة توقف وقال‪:‬‬
‫سفيان‪ - :‬إضربني‪.‬‬
‫‪ -‬ماهذا الذي تقوله؟ ال أقدر حتى على اخراج يدي من جيبي‪.‬‬
‫ظننته يمزح واكملت طريقي واذا به يصرخ ويركض نحوي ليضربني‪ ،‬أمسكته بعدما ضربني على وجهي بضع ضربات مبرحة كادت‬
‫تفقدني الوعي وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا دهاك يا أحمق؟ من أزعجك و لماذا تفعل هذا ؟‬
‫سفيان‪ - :‬اضربني وال تتردد أو تشفق علي‪.‬‬
‫‪ -‬سأضربك حتى تعود لرشدك ولن أرحمك أبًد ا‬
‫رفعت يداي واحتضنته لم استطع ضرب نصفي اآلخر‪ ،‬ثم قال بصوت حزين‪:‬‬
‫سفيان‪ - :‬قلبي يؤلمني وال أعرف ماذا أفعل‪ ،‬كل مرة أحب فتاة أجد كل السبل مغلقة إليها أو تتركني وترحل‪.‬‬
‫‪ -‬ال بأس ستجد األمل دائًما ينتظرك نصب عينيك‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬مشاعري نحو منار لم تتغير‪ ،‬كنت أريد ادخال شيماء في حياتي فقط إلرضاء رغبتي بأنها منار‪.‬‬
‫كان اعترافه صادًما بالنسبة لي لكني تعودت‪ ،‬ابتسمت وخاطبته‪:‬‬
‫‪ -‬هل تريدها من جديد؟‬
‫سفيان‪ - :‬أنت أملي الوحيد في كل مرة أتوه فيها‪.‬‬
‫‪ -‬حسًن ا ال تقلق سوف نجد الحل األنسب لمشكلتك‪.‬‬
‫أوصلته حيث يقيم وعدت أدراجي‪ ،‬كانت ليلة صعبة على الكثير لكنها بداية ليوم جديد‪.‬‬

‫دخل الشتاء بأمطاره الغزيرة ورياحه التي ترعب النفس‪ ،‬مر أسبوع وأنا أصارع المرض لم ألتقي بأحد ولم أرد على أي اتصال حتى‬
‫األقرب إلى روحي‪ .‬شعرت برغبة في رؤية زكرياء حافظ أسراري‪ ،‬لقائنا دائما ما يكون كما عهدنا ذلك‪( .‬حديقة الذكريات) هكذا أطلق‬
‫عليها وأظن أنه يناسبها‪ ،‬عند إلتقائنا كنا نرتدي معاطف تحمينا من البرد القارص و ابتهج كثيرا عندما رآني وقال‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬لماذا غبت عني كل هذه الفترة؟ أال تعرف أنك سندي!‬
‫‪ -‬زكرياء أنا أشبه هذا الجو‪ ،‬عاصفة بداخلي وغيمة سوداء تقف وسط عقلي‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬حسنا‪ ،‬دعها تمطر هذه الغيمة مع عاصفة قوية‪.‬‬
‫ترددت قليال لكني عزمت على اخباره بكل جزء‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫‪ -‬سفيان‪.‬‬
‫قال غاضًبا‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬ماذا فعل هذه المرة؟‬
‫‪ -‬في ذاك اليوم عندما كنا في المقهى بجانب منزله رأيت شيماء هناك ال أعرف إن كانت صدفة أو قدري هكذا‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬كان كل شيء مدبرًا‪.‬‬
‫‪ -‬مدبًر ا!!! وكيف يعقل هذا؟‬
‫زكرياء‪ - :‬أنا المدبر والمنفذ والمخرج‪.‬‬
‫‪ -‬حتى عندما وقعت أرًض ا وابتسمت!‬
‫زكرياء‪ - :‬كان الهدف من خطتي ابعاده عنها‪ ،‬لكن دائًما أفشل‪.‬‬
‫‪ -‬أنا ال أدعم فكرتك على أي حال لذلك ال تفرح أبًد ا‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬اذا ما الغاية من سؤالك؟‬
‫‪ -‬عاصفتي ورياحي وأنت احباط أبدي بالنسبة لي‪ ،‬انا الشرير بينكم وال تعتقد أنها مزحة‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬ال مستحيل‪ ،‬تصديقي لهذا األمر يعد بعيًد ا عن آمالك‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعرف أميرة؟‬
‫زكرياء‪ - :‬صديقة جديدة لك أو قريبتك!‬
‫‪ -‬انها عشيقتك يا أبله‪.‬‬
‫زكرياء‪ -:‬لم أحب إال شيماء ولن يتغير هذا وانا اعهد لك بحياتي‪.‬‬
‫زكرياء أصيب بفقدان ذاكرة جزئي في صغره جراء وفات والده‪ ،‬محبته له فاقت الحدود حتى عندما مرض اشتغل بكد لعالجه ولكن القدر‬
‫شاء أن يفرقهما‪ .‬مأساته ارغبته على نسيان عشيقته أميرة التي كانت تقطن بجانب منزله‪ ،‬لم يعد يعرفها وكل يوم تحاول االقتراب منه‬
‫عسى أن تتحقق أمنيتها ويعود الى طبيعته لكن حلها الوحيد كان االختباء بعيًد ا وتركه يعيش‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬هاي أين ذهبت؟ ذهنك شارد اليوم‬
‫‪ -‬تعال الى المكتبة في السابعة ليًال‪ ،‬سأنتظرك وال تسألني ستعرف عما قريب‪.‬‬
‫في هاته األثناء كان سفيان يستمتع رفقة شيماء في ذاك المقهى حتى أنه قدم لها هدية ال يجوز تقديمها؛ خاتم زواج وطلب يدها دون‬
‫استشارتنا أو اخبارنا‪ .‬احتارت المسكينة وفي النهاية قبلت به وهكذا دخلنا في زمن الالوعي‪ ،‬زواج وفقدان ذاكرة واعترافات ليلية‪.‬‬
‫في طريقي الى المكتبة فكرت كيف سأقنع زكرياء باألمر‪ ،‬لحظة قلق شديد أتقبل أي فكرة حتى لو كانت من حذائي‪.‬وصلنا في وقت واحد‪،‬‬
‫لم أحادثه أبدا ودخلنا مباشرة حتى نبدا الصراع‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬محبتي للقراءة شديدة لكن مزاجي ال يسمح لي اآلن‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقلق سيتعكر مزاجك أكثر فأكثر‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬أنت غريب اليوم‪ ،‬ربما وقعت في حب أميرة‪.‬‬
‫‪ -‬ستقع في حبها مثلي تماًما لذا أحضر معك عقلك بأكمله‪.‬‬
‫نمشي في رواق طويل وفي آخره باب من خشب‪ ،‬طرقت الباب وأمرت زكرياء بالدخول وحده وعدم الخروج حتى يجد سببًا مقنًع ا‪ .‬طرق‬
‫الباب ودخل وأغلقه وجلست خارجًا أنتظر الكارثة التي لطالما اعتبرتها سًر ا لن يخرج مني حتى أموت وفجأة سمعت صوًت ا في الرواق‪،‬‬
‫ذهبت للتحقق من األمر‬
‫من داخل الغرفة‪:‬‬
‫ًا‬
‫أميرة‪ - :‬أعرف انك تتسائل لماذا أنت هنا وفي هذا الوقت تمام ‪ ،‬لدي سؤال واحد لك‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬اجل‪ ،‬انا في غاية الحيرة لكن يمكنك سؤال ماتشائين‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعرف هذه النظارات؟‬
‫سقط زكرياء أرًض ا بسبب ما رآه‪ ،‬كانت نظارات والده الوحيدة‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬ماذا تفعل بحوزتك روحي العزيزة!‬
‫أميرة‪ - :‬أال تستطيع التذكر كيف ومتى حدث هذا؟‬
‫وضع رأسه على األرض وأغمض عينيه محاوًال إدراك ذاك الجزء المظلم من ذكرياته‪ ،‬رفع رأسه وتلقى صفعة حارة منها وقالت‬
‫بصوت هش ‪:‬‬
‫أميرة‪ - :‬لماذا ال تستطيع تذكري أو حتى تذكر كيف أعطيتني هاته النظارات؟‬
‫زكرياء‪ - :‬لقد كنت‪ .....‬أغمي عليه ولم يكمل حديثه‪.‬‬
‫كنت ذاهبًا لرؤية من وراء ذلك الصوت في الرواق‪ ،‬وجدتهما سفيان وشيماء كل منهما يمسك يد اآلخر‪ .‬انزلت شيماء رأسها خجًال مني‬
‫وسفيان جعل من نظرته لي كلها ثقة بالنفس وسألتهما‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك تفسير لألمر؟‬
‫سفيان‪ - :‬أنا وشيماء سنتزوج‪.‬‬
‫‪ -‬مممممماذا!‬
‫شيماء‪ - :‬لقد قبلت عرضه للزواج بي‪ ،‬وقررنا إخباركم‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬نعم‪ ،‬انا وحبيبتي شيماء سنتزوج واريد دعوتك انت والجميع لحفل زفافنا‪.‬‬
‫غضبت لدرجة أنني أرى نفسي قاتًال في مخيلتي‪ ،‬سمعت صوت أميرة بسبب صراخها‪ .‬ركضت كأنني في سباق مع الموت وجدت‬
‫زكرياء مغمى عليه وأميرة تبكي بجانبه‪ ،‬جعلت منه نائمًا على األريكة ثم جلبت الماء وبدأت أرشه على وجهه لربما يستيقظ‪ .‬دخل سفيان‬
‫الغرفة كان لوحده وقال‪:‬‬
‫سفيان‪ - :‬ماذا يحصل هنا؟ ولماذا زكرياء نائم هنا؟‬
‫أميرة‪ - :‬هل تتذكرني؟‬
‫سفيان‪ - :‬أتذكر هاته المالمح لكن أين رأيتها ال أعلم‪.‬‬
‫اميرة‪ - :‬عقولكم أصابها داء النسيان بسبب تراكم الغبار على قلوبكم‪.‬‬
‫بعد كالمها مباشرة استيقظ زكرياء وال يزال يحاول اقتحام نفسه من الداخل‪ ،‬كان يحاول التحدث لكن منعته من ذلك وقمت بمساعدته على‬
‫النهوض وأخذته الى المنزل حتى أنني نسيت اخبار سفيان عن أميرة‪ .‬عدت الى البيت طرقت الباب وقامت أختي دنيا بفتحه‪:‬‬
‫دنيا‪ - :‬أين كنت؟ خرجت من الصباح الباكر ولم تعد لتناول الغداء معنا‪.‬‬
‫‪ -‬احضري قهوتي المفضلة سأكون باألعلى‪.‬‬
‫دنيا‪ - :‬حسًن ا يا اخي‪ ،‬لكن‪...‬‬
‫التفتت إليها بشراشة وامسكتها من رقبتها مع الجدار وقلت في أذنها بصوت خافت‪:‬‬
‫‪ -‬أريد الموت في أسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫افلتها وصعدت الى غرفتي‪ ،‬فتحت الباب وتوجهت مباشرة الى النافذة ألفعل ماكنت أفعله دائًما‪ ،‬جلست أحدق في شجرة الصنوبر التي‬
‫بالخارج حتى جاءت عزيزتي السوداء لربما تجعلني هادًئ ا بعض الشيء‪ .‬قدمت أمي إلخباري بأن فتاة على الهاتف تريد التحدث معي‪،‬‬
‫استغربت وتوجهت نحو الهاتف ووضعت السماعة على أذني ‪:‬‬
‫‪ -‬مرحبا‪.‬‬
‫كانت شيماء‪:‬‬
‫‪ -‬أرجوك تعال في الحال أكاد أجن ال أعرف ماذا حصل معها لكنها ال تريد التحدث معي‪.‬‬
‫لم أفهم ماذا تقصد أو عن أي امر تتحدث‪ ،‬ارتديت معطفي ثم خرجت وانا متوتر قاصًد ا بيتها الذي يقع بجوار بيت سفيان‪.‬‬
‫ازداد التوتر وأصبح خوًف ا حينما رأيت الباب مفتوًح ا ظًن ا مني أن مكروهًا قد أصابها واقتحمت المنزل واذ بشيماء تمسك بقدما منار‬
‫وترفعهما لألعلي كانت معلقة بحبل من رقبتها‪ ،‬على األغليب محاولة انتحار لكن وصلت في الوقت المناسب وأنزلناها بعد فكها ثم‬
‫انتظرنا ساعتين حتى تعود لرشدها وتتحدث معنا‪:‬‬
‫منار‪ - :‬كان الموت أسهل على أن أقبل بهذا األمر‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬أال تريدين لي السعادة!‬
‫منار‪ - :‬أنت تعلمين قصتي ومع ذلك تتصرفين وكأن ال شيء حدث‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬هذا كان من الماضي اآلن تستطيعين عيش حياة جديدة وجميلة مع شخص آخر‪.‬‬
‫كان حديثهما غالًبا على أمر زواج سفيان وسؤال منار لها في محله من الصحة وخطأ أختها ال يغتفر‪ ،‬لكن السؤال الذي يجب أن يطرح‪:‬‬
‫لماذا كل حادثة تقع تكون شيماء فيها؟‬
‫ًا‬
‫بدأ الشك يتغلغل داخلي ثم تذكرت ذاك اليوم حينما كان سفيان يقف أمام المكتبة باكي ‪ .‬كانت الساعة متأخرة جًد ا وال أستطيع االتصال‬
‫بسفيان لكن سؤالي ال يريد االنتظار للغد والفضول يمزق جسدي‪ ،‬لم أنم ولم يهدئ لي بال حتى طلع النهار وأشرقت الشمس وتوجهت الى‬
‫المقهى اوانتظرته حتى قدم‪ ،‬فتح الباب وتقدم نحو الطاولة التي أجلس فيها سحب الكرسي وجلس ثم ناد على النادل وأخبره بإحضار‬
‫قهوتين‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬يبدو عليك اإلرهاق الشديد‪.‬‬
‫‪ -‬اجل‪ ،‬لم أنم البارحة‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬كنت تفكر في أمر زواجي‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫نظرت إليه بسخرية وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا كنت تبكي ذلك اليوم أمام المكتبة؟‬
‫سفيان‪ - :‬علمت أنني لن أسلم منك وستسألني في يوم ما‪ ...‬اخبرتني شيماء أن منار ال تزال على قيد الحياة وأنها تعلم بمكانها ولكن‬
‫ولكن‪...‬‬
‫‪ -‬ولكن ‪...‬ماذا؟؟!‬
‫سفيان‪ - :‬ولكن ال تريدها أن تعود‪.‬‬
‫‪ -‬وأنت قبلت فكرتها بكل وقاحة وكتمت األمر بداخلك حتى أنك لم تفكر في اخباري!‬
‫سفيان‪ - :‬لم أعلم ماذا أفعل أو ماذا أقول‪ ،‬شيماء أحبها ومنار كانت عشيقتي كل شيء اختلط داخل راسي‪.‬‬
‫‪ -‬ربما كنت محًق ا ذاك اليوم حينما طلبت مني أن أبرحك ضرًبا‪ ،‬كان عليا قتلك ودفنك بيداي‪.‬‬
‫لكمت الطاولة وخرجت غاضًبا‪ ،‬في تلك األثناء ذهب زكرياء مجدًد ا الى المكتبة فأميرة تعمل بدوام جزئي هناك‪ .‬كل خطوة يخطوها‬
‫َم‬ ‫َه‬ ‫و‬ ‫الورقة‬ ‫يتذكر أمر من الماضي حتى وجد نفسه أمام الباب فتحه بكل ثقة لم يجد أحد كانت فارغة وعلى األريكة ورقة ونظارات‪ ،‬حمل‬
‫بقرائتها ‪:‬‬
‫ًد‬
‫‪ -‬زكرياء سأعترف أن مشاعرك تجاهي تحمل حق ا أو وجًع ا على فراقي إنك تائه وتشعر باليأس واألمل في وقت واحد مثل سجين يبحث‬
‫في كومة قش عن ابرة تكون مفتاحه الوحيد للنجاة‪ .‬شرح امر مشاعري يحتاج ليلة ونصف يوم لتجسيدها في مخيلتك وربما هناك سؤال‬
‫يجتاح عقلك؛ لماذا ينحاز االنسان دائما مع قلبه؟ كيف يجعل عقله يتكافئ مع تلك المضغة الصغيرة؟‪ .‬كل خطوة أو هدف في حياتك يعتبر‬
‫تجربة سواء نجحت أو لم تنجح في ذلك‪ ،‬واستصعابك لفكرة أن حزنك مجرد فشل مؤقت هو اختبار فقط وليس أداة لتقييمك و الحياة‬
‫مستمرة وليست موجودة ألجلك‪ ،‬وان كنت تستمد قيمتك من هدفك فأنت غافل عن أن ذلك محتمل بوقوع تحديات أخرى‪.‬‬
‫أحالمك عبارة عن مبادئ وان لم تفلح فيها فهي مجرد أحالم عدمها أكبر من وجودها‪ ،‬و هذا طبيعي‪.‬‬
‫كل هذا مرتبط بعزيمتك وثباتك في معاملة األمور حسب مراحلها‪ ،‬سأحبك إلى آخر يوم في حياتي‪.‬‬
‫انهار والحزن يملئ قلبه الصغير كان يريد إخبارها أنه تذكر كل شيء وحبه لها ال يزال موجوًد ا وأن ذركرياتها معه‪.‬‬
‫انتهى زمن األصدقاء واختلط بمأساة الحب وبدأت حكاية جديدة بعنوان أنا‪.‬‬
‫في يوم مشمس كانت منار في منزلها تفكر كيف تجعل سفيان يعود كاأليام الخوالي ويكون لها‪ ،‬أحدهم يطرق باب غرفتها‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫منار‪ - :‬ادخلي شيماء فال أحد غيرنا في هذا البيت المهجور‪.‬‬
‫فتحت الباب‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬ماذا تفعلين اآلن؟‬
‫منار‪ - :‬أنت توأم روحي لذلك سأخبرك‪ .‬بسببك افترقنا جميعنا وقلبك المتعفن الذي تدعين أنه مليء بالحب ال يحمل سوى الغيرة والحسد‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬تفكيرك المتواصل في أمر زواجي مع حبيبك السابق تسيطر عليك‪.‬‬
‫منار‪ - :‬ماذا دهاك لتفعلي كل هذا؟‬
‫شيماء‪ - :‬أسباب ال يمكنك فهمها‪ ،‬تبدو تافهة بالنسبة لك لكنها كافية بالنسبة لي لقتل أحدهم‪.‬‬
‫منار‪ - :‬الشخص الوحيد المتضرر بيننا هو ذاك االحمق الذي يساعدنا دائًما‪ .‬ال أعلم كيف يفكر لكن قلبه ال يريدنا أن نحزن‪.‬‬
‫قالت شيماء بصوت تعلوه الغيرة‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬يستحق كل أمر يحصل معه‪.‬‬
‫رن هاتف منار كان سفيان المتصل لكنها لم ترد‪ ،‬ارتدت مالبسها وخرجت قاصدة حديقة الذكريات للترفيه عن نفسها ومع وصولها‬
‫وجدتني أجلس وحيدًا أتأمل زقزقة العصافير‪ .‬أتت من خلفي ووقفت تنظر‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقفي وقفة المحتار‪ ،‬اجلسي وانتظري ذاك النور الذي يأتي دائًما بعد كل خيبة أمل‪.‬‬
‫منار ‪ - :‬أنت أكبر وأعظم أحمق في هذا الكون‪.‬‬
‫‪ -‬شكًر ا على المجاملة‪ ،‬أنا سعيد اآلن‪.‬‬
‫منار ‪ - :‬دعك منا واجعل من نفسك شخًص ا جديًد ا فأنت تستحق كل األشياء الجميلة‪ .‬كل ما تجنيه من ورائنا هو األلم وحسب‪.‬‬
‫‪ -‬ال بأس إن كان هذا يجعلكم سعداء‪ .‬حتى أنني كرهت نفسي عندما اكتشفت أنني أحب شيماء‪.‬‬
‫منار‪ - :‬أتمزح!! لماذا دائمًا كل شيء من أجلها‪ ،‬أال يوجد أحد يفعل أمًر ا من أجلي‪ .‬أال أستحق السعادة‪.‬‬
‫قالتها والدموع تهطل بغزارة‪.‬‬
‫في هذه اللحظة كان زكرياء يبحث في كل األرجاء عن أميرة‪ ،‬يصرخ بإسمها ويعلق إعالن عن فقدان فتاة كأنه يبحث عن روحه‪ .‬تملكه‬
‫اليأس بعد يوم كامل من البحث جلس تحت عمود إنارة على أمل رؤيتها حتى ولو كانت آخر مرة في حياته‪ ،‬فجأة اتصل به سفيان ليخبره‬
‫أن أميرة في المستشفى‪ ،‬كاد قلبه يصمت بعد سماعه هذا الخبر و ذهب مسرًع ا لرؤيتها وعند وصوله وجدنا جالسين ‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬أين هي؟ اخبروني هل هي بخير؟‬
‫لم يجبه أحد ظللنا صامتين لم نستطع إخباره بأنها أعطته روحها‪ ،‬احترق بالكامل لم يقدر حتى على تحريك ولو اصبع واحد‪ .‬عانقته بشدة‬
‫وأنا أعلم أنه ال شيء يستطيع تعويض مكانها‪:‬‬
‫ًا‬ ‫ًد‬
‫زكرياء‪ - :‬أريد اللحاق بها لن أسامحها على تركها لي هنا وحي ا‪ ،‬لماذا لم تأخذني معها؟ أعلم أنني أخطأت كثير في حقها وهي كانت‬
‫دائًم ا تنتظرني على أحر من الجمر وقلبها ينبض من أجلي لكن هذا ليس عادًال أبًد ا‪.‬‬
‫رحل بعدما قال كلماته األخيرة النابعة من شدة األلم‪ ،‬أقمنا الجنازة ومع كل خطوة نخطوها ذكرى ال نستطيع نسيانها‪.‬‬

‫بعد ثالثة اشهر من وفاة أميرة قرر سفيان اقامة العرس‪ ،‬اتصل بي واخبرني بذلك لكني كنت رافضًا لهذا األمر وطلبت منه أن نجتمع كلنا‬
‫في الحديقة ونتحدث‪ .‬احضرت الجميع للحديقة وجلسنا ننظر لبعضنا البعض‪:‬‬
‫‪.‬سفيان‪ - :‬سأبدأ بعد إذنكم ‪ ...‬أنا و شيماء سنتزوج هذا األسبوع‪ ،‬أحضرتكم الى هنا إلخباركم‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬هل هناك من يرفض زواجنا؟‬
‫منار‪ - :‬لن اقبل ابدا‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬ماذا دهِا ك لترفضي؟ انها اختك وتستحق السعادة‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬هل يمكنني الرحيل ال أريد دخول في هذا النقاش‬
‫منار‪ - :‬سفيان أنت اخر شخص تخيلته يقوم بخيانتي‬
‫شيماء‪ - :‬منار انسي الماضي ودعينا نقيم هذا الزواج على خير‬
‫احتد النقاش بينهم وعلمت أنهم سيصلون لنهاية لن يرضى بها أحد‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫لندع زكرياء يقرر أمر زواجكما‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.‬سفيان‪ - :‬هذا قراري وأنا الذي سيتزوج‪.‬‬
‫ال تكن غبيًا وتتحدث كأن زكرياء ال يعنيك فأنتما سبب كل ما حدث معه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.‬سفيان‪ - :‬ماذا فعلت! أنا لم أقتل أميرة وكل ما أردته هو الزواج من الفتاة التي أحبها‪.‬‬
‫‪.‬منار‪ - :‬افعلوا ما يحلو لكم أنا ذاهبة‬
‫رحلت منار وهي تتكلم مع نفسها‪ ،‬طلبت من شيماء التحدث على انفراد‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬ها نحن لوحدنا ماذا تريد؟‬
‫سؤالي بسيط وال يحتاج للتفكير الطويل أو العميق واجابتك ستكون واضحة من الكلمة األولى ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شيماء‪ - :‬كلماتك تصيبني بالحيرة‪ ،‬لكن ال بأس تفضل بسؤالك‬
‫‪ -‬فكرت مليًا في كل هاته االمور التي حصلت معنا ووصلت إلستنتاج قد يعتبر اتهاًما باطاًل بالنسبة لك‪ ،‬استنتاجي هو أنك تفعلين كل هذا‬
‫لقتلي‪.‬‬
‫ابتسمت ابتسامة ورائها الكثير من الشر'‬
‫شيماء‪ - :‬ال أعلم السبب األساسي لتصل لهذا الحد من التفكير بشأني‪ ،‬لكن سأكون فتاة صالحة وأخبرك بسر صغير‬
‫‪ -‬سأخبرِك بهذا السر الذي تحتفظين به داخلك‪.‬‬
‫‪.‬شيماء‪ - :‬لديك علم الغيب وتتكهن أموًر ا بداخل األشخاص ال يعلمها اال صاحبها‪ ،‬تكلم فالفضول يقتلني‬
‫‪-‬علمِت أنني أحب أسماء وقررت اإلبتعاد وها أنت اليوم تعودين لإلنتقام‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬من هي أسماء وعن أي حب تتحدث؟‬
‫قبل رحيلها كانت دائمًا تحذرني من صديقتها المقربة أنها في يوم من االيام ستدخل في حياتي وتدمرها كلًيا‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫لم أكمل كلماتي واذ بشيماء تخنقني لكن حزنها جعلها ضعيفة‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬لقد سرقتك مني وانا كنت أعتبرها روحي الثانية‬
‫‪ -‬ألم تفكري يوًما في إصالح هذا الخراب؟‬
‫شيماء‪ - :‬وماذا ساجني من إصالحه!‬

‫‪ -‬سأقدم لِك روحي على طبق من ذهب‪.‬‬


‫شيماء‪ - :‬هل أنت متأكد من هذا؟‬
‫‪ -‬هذا وعد وأنا ال أخلف وعودي أبًد ‪ .‬أوًال اجعلي سفيان يتزوج منار وبعدها سنتحدث في أمر روحي‪.‬‬
‫إنتهى حديثنا القصير بالنسبة لي والطويل بالنسبة للبقية‪.‬‬
‫ًف‬
‫بعد ثالثة أيام كان الهدوء يعم البيت جميعهم ذهب ليجهز نفسه للحفل‪ ،‬كنت واق ا أمام المرآة منذ ربع ساعة لم أعرف ماذا يتوجب فعله‪.‬‬
‫اتصلت بشيماء‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬مرحبا عزيزي‪ ،‬كيف حالك؟‬
‫‪ -‬أخبريني عن المكيدة التي تدبرينها‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬أطلق عليها األسماء التي تريدها‪ ،‬فقلبي لن يرضى إال برؤيتك ميًت ا‪.‬‬
‫‪ -‬الموت أفضل من رؤيتك كل يوم‪ ،‬أنِت متشردة نرجسية هذا اإلسم أفضل بكثير من شيماء‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬دائًم ا كانت كلماتك تثير أعصابي لكن اليوم ليس يومك‪ .‬سأدع أمر جلب سفيان الى الحديقة لك‪.‬‬
‫‪ -‬متى؟‬
‫شيماء‪ - :‬عند السابعة‪.‬‬
‫رحلت لعنتي وعقلي ال ينفك عن التفكير في كيفية إعادة ذلك األمر المخفي عن زكرياء‪ ،‬اختيار المكان والزمان لن يغير شيًئ ا ربما‬
‫الكلمات تجدي نفًع ا لكن عند الرجوع للمنطقية جرحه أعمق من هذا كله‪ .‬في هذه األثناء كان بيكاسو خاصتنا يبكي على قبر الموناليزا‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬إختفائك كانت أولى رصاصاتك‪ ،‬والثانية جعلتني أنصاع لمخيلتي على أنها تجربة صبر وفي النهاية كان إنتصاًر ا ساحًقا لأللم‬
‫وعلمت أن موتِك بسببي وأن عالم الحزن هو الخيار األنسب لي من البداية‪.‬‬
‫نظرتي السعيدة لِك التي لطالما تمنيت أن اكون بطلَه ا لم تكن إال ألواًن ا تنسجها مخيلتي‪ ،‬ليتِك تعودين‪.‬‬
‫خرجت مسرعًا لتجهيز الحدث الرئيسي في هذه الليلة‪ ،‬وصلت الى الحفل وناديت على سفيان واذ به يخرج والبهجة تعلو وجهه‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫‪ -‬هاي أنت‪ ،‬أليس مبكًر ا على هاته اإلبتسامة!‬
‫ضحك وقال‪:‬‬
‫سفيان‪ - :‬دائما مزاحك سيء‪ ،‬لكن لماذا لم تجهز نفسك بعد؟‬
‫‪ -‬سنذهب في جولة قصيرة وبعدها سأجهز نفسي‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬هل هي مفاجأة بمناسبة زواجي!‬
‫‪ -‬تستطيع أن تقول ذلك‪ ،‬ربما هي افضل هدية تحصل عليها في حياتك‪.‬‬
‫قال متعجرًف ا‪:‬‬
‫سفيان‪ - :‬األفضل واألجمل مثلي تمامًا‪.‬‬
‫ابتسمت ابتسامة حزن مشفقًا على ما سيعرفه بعد قليل‪ ،‬انطلقنا نتبادل الحديث عن أحالمه المستقبلية مع زوجته‪ .‬وصلنا للحديقة وامرته‬
‫بالدخول لرؤية هديته‪ ،‬تقدم ومع كل خطوة يزداد شوًق ا لمعرفتها وجد شيماء تقف بجانب شجرة وتحمل صندوق صغير‪ ،‬إلتفت إليه ببطئ‬
‫ونظرت في عينيه وقالت‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬أنت شخص طيب سفيان و‪....‬‬
‫سفيان‪ - :‬هذا ال شيء مقارنة مع حبك لي‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬أنا لم أحبك يوًما‪ ،‬كنت مجرد خادم وفي لي‪.‬‬
‫سفيان‪ - :‬ااه!!! هل هذه مزحة أخرى؟ أعتقد انه فيلم درامي من صنع ذلك األبله‪ ،‬في أالخير يأتي مشهد حزين وأحتضنك ويعترف كل منا‬
‫بمشاعره لآلخر ونعيش سعداء‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬تفضل‪ ،‬افتح هذا الصندوق ستجد بداخله هديتك الحقيقة والتي لطالما كنت تستحقها‪.‬‬
‫امسك سفيان الصندوق وهم بفتحه ولكن قلبه منعه من ذلك ظًن ا منه أن شيماء سترحل ويخسرها لألبد‪ ،‬قال بصوت طفل صغير خائف‪:‬‬
‫سفيان‪ - :‬لن ترحلي وتتركيني مع مأساة وجرح لن ينجبرا بعد ألف قرن‪ ،‬أليس كذلك!‬
‫شيماء‪ - :‬الرحيل فكرة جيدة بالنسبة لي فقط أما بالنسبة لك فهي حقيقة كان من المفترض أن تعرفها منذ أمد بعيد‬
‫غادرت شيماء وتركت سفيان ضائع بين فتح الصندوق أو تركه مغلًق ا وأنا توجهت إلى المكتبة لشراء كتاب "كيف تسيطر على النساء"‬
‫لكنها فكرة غبية مبدئًيا‪ .‬اتصلت بمنار وطلبت منها أن ال تفارق سفيان أبًد ا‪ ،‬وافقت دون أي استفسار وهذا كان أملي األخير في إصالح ما‬
‫انكسر بينهما؛ بعدما أخبرتها عن مكانه تنهدت بعمق وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬معرفة الحزن ليس مرعًبا والخوف ليس شًر ا وأًيا كان ماتخسره‪ ،‬ستجده مجدًد ا‪.‬‬
‫وضعت الهاتف في جيبي وجلست بجانب حائط المكتبة أفكر في العاصفة التي تنتظرني بحلول صباح الغد‪ :‬ذكريات زكرياء ستكتمل عند‬
‫رؤيتها‪.....‬ماذا فعلت حتى وصلت إلى هنا؟ منذ إلتقائي بها لم أرى سوى األلم وكثرة التفكير‪ ،‬حسًن ا يا عقلي لندع كل هذا جانًبا و لنذهب‬
‫إلى بيتنا نرتاح بينما تبتلعنا هموم الغد‪.‬‬
‫انطفأت كل شموعي واستطعت النوم بعد عناء طويل‪ ،‬فتحت عيناي على صوت عصفور جميل كأن البارحة كانت نهاية لكل األحداث‬
‫السيئة وهذا صباح جديد لبداية سعادة دائمة لكن ما الفائدة إن كانت مجرد صورة أجسدها داخل رأسي‪ ،‬استجعمت أفكاري ونهظت من‬
‫السرير مسرعا نحو الخزانة إلرتاد مالبس سوداء فاليوم ستكون جنازتي التي كنت أنتظرها‪ ،‬تجهزت وهممت بالخروج؛ سحبت باب‬
‫غرفتي لغلقها وعند وصولي الى الباب الخارجي نادتني أمي‪:‬‬
‫‪ -‬بني إلى أين أنت ذاهب دون تناولك الفطور؟‬
‫‪ -‬أمي أنا مستعجل جدًا‪ ،‬سأرى جن‪(....‬جنازتي)‬
‫‪ -‬من سترى!‬
‫ابتسمت ابتسامة خفيفة ‪:‬‬
‫‪ -‬سأرى زكرياء عندنا أمر مهم لنفعله وال استطيع التأخر عليه أو تأجيله‪.‬‬
‫‪ -‬خذ معك هاته التفاحة تناولها في طريقك‪....‬لم أرك تبتسم منذ مدة‪.‬‬
‫تملكني احساس بالشفقة على نفسي حتى أنني لم أتذكر آخر مرة ضحكت فيها‪ ،‬خرجت وأقررت بحقيقة أنني لن أعود إال وزكرياء يعرف‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫كان الجو جمي يوم ربيعي مزهر‪ ،‬اخرجت هاتفي وفكرت بأن أتصل بشيماء وفجأة إذ بها تمسك بي من الخلف وهي تحمل معها لوح‪،‬‬ ‫ًال‬
‫قالت ‪:‬‬
‫شيماء‪ - :‬صباح األزهار للفارس المغوار‪.‬‬
‫‪ -‬لم أعتد أن يذلني أحد لهذه الدرجة‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬اووووف‪ ...‬دائما تفكر بطريقة سلبية معي وال تعطيني فرصة أبًد ا‬
‫‪ -‬ربما ما تقولينه صحيح لكن ال أتقن إستعمال األقنعة مثلك‪.‬‬
‫شيماء‪ - :‬لقد أغضبتني‪ ،‬لكن ال بأس اليوم سأراك تنهار وسأكون أسعد فتاة‪.‬‬
‫نظرت إليها نظرة سخرية وإنطلقت وفي أثناء سيرنا سألتها عن زكرياء وأخبرتني أنها رتبت كل شيء وسنلتقي في أول مكان إلتقى فيه‬
‫أميرة‪.‬‬
‫كان المكان هادًئ ا عند وصولنا؛ شجرتان من الجاكرندا كبيرتان ملتصقتان ببعض وتحتهما عشب جميل مكان رائع لموعد رومنسي ‪.‬‬
‫كان زكرياء يتأمل جانب الشجرة ويبتسم‪ ،‬طلبت من شيماء أن تعطيني اللوح واقتربت منه ببطىء وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬مكان جميل وأصبح أكثر جماًال عندما رأيتك هنا‪.‬‬
‫زكرياء‪ - :‬مرحبا أخي‪ ،‬تفاجئت برؤيتك‪ ...‬أقصد فرحت ألنك هنا‬
‫‪ -‬وأنا أيًض ا‪ ،‬كيف حالك؟‬
‫زكرياء‪ - :‬كما هو الحال الذي تركتني عليه‪ ،‬لكن ماذا تفعل هنا؟‬
‫‪ -‬أنا من طلبت من شيماء أن تدعوك لهذا المكان‪ ،‬هنا كانت أولى خطواتك للوقوع في حب أميرة أليس كذلك!‬
‫زكرياء‪ - :‬نعم و‪ ...‬قاطعته بسؤال غريب‪:‬‬
‫‪ -‬وهل هناك ما ال تستطيع تذكره بخصوص ذلك اليوم؟‬
‫زكرياء‪ - :‬ماذا تقصد بكالمك؟ هل يوجد شيء انا لم اتذكره بعد!‬
‫‪ -‬سأعطيك هذا اللوح وستعرف كل شيء‪.‬‬
‫أمسك اللوح ووضعه على األرض ونزع منه الغالف واذ به ينصدم من رؤيته للمنظر؛ رسم يجسد أميرة في أنقى إبتسامة تحت شجرة‬
‫الجاكرندا‪ ،‬انهار بالبكاء وهو يردد‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬جميلتي‪ ،‬جنتي‪ ،‬أميرتي‪،‬حبيبتي‪ ،‬سعادتي وحياتي أردتك أن تكوني زوجتي االولى والثانيةوالثالثة والرابعة لكن أين أنت اآلن؟‬
‫أنا وحيد بدونك‪.‬‬
‫لم أستطع تحريك نفسي َج علُتني أْن ُظ ر وأنتظره ماذا سيفعل بي…‬

‫بعد آخر مشهد من حياتي التي تعتبر كابوًس ا جلست أفكر لماذا لم يفعل زكرياء أي شيء في ذلك اليوم؟ أو أنه يجهز خطة لقتلي؟ هه أتفق‬
‫معه فأنا ال أستحق حتى الموت‪.‬‬
‫الساعة تشير إلى ‪ 1:47‬تأخر الوقت وحان وقت النوم لكن شعور غريب يجذبني نحو نافذة غرفتي كأن شخصًا بالخارج ينتظرني‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫‪ -‬ما هذا الشعور بداخلي! سأحاول النوم هي مخيلتي وحسب دائما ما كانت تزعجني في هذه األثناء‪.‬‬
‫الشعور يزداد شيًئ ا فشيًئ ا حتى يكاد يخنقني ويقطع أنفاسي‪ ،‬انزعجت منه وقررت أن أنظر من النافذة ألرضي نفسي بال ال شيء وأعود‬
‫إلى النوم ثم هممت بالنهوض وتقدمت خطوتين وبدأ الخوف يسيطر على جسدي وأفكار تدور داخل رأسي ال نراها إال في افالم الرعب‪،‬‬
‫وأكملت السير ببطئ وحين أدركتها أمسكت قبضتها كان قلبي يكاد يتوقف من سرعة دقاته وفتحتها بسرعة البرق وإذ بالشجرة تقف وحيدة‬
‫ال غير‪ ،‬قلت ونفسي يدخل ويخرج من رئتي بصعوبة‪:‬‬
‫‪ -‬الحمدهلل كانت مخيلتي وحسب‪.‬‬
‫إلتفت ألعود للسرير وفجأة سمعت صوت رجلين يتكلمان بجانب الطريق لم أفهم ماذا يقوالن حاولت اإلقتراب من النافذة لسماعهما لكنها‬
‫محاولة فاشلة والسبب ألنني خائف‪ ،‬صفعت وجهي و جعلت أعزز نفسي بالثقة والخروج ألتأكد وكما كان الحال نزلت مسرعًا نحو الباب‬
‫وعندما وصلت نال مني الخوف مجدًد ا أن يكونا لصين أو قاتلين وأنا لم أفي بوعودي التي أعطيتها ألصدقائي‪ ،‬فكرت مليا وخرجت بعدما‬
‫دخلت إلى المطبخ وحملت سكينًا تحسًبا ألي حادثة‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ًن‬ ‫ًا‬ ‫ًن‬
‫إقتربت من الطريق لكن لم أجدهما وظننت أنهما غادرا المكان‪ ،‬لم أرى سوى فتاة ترتدي فستا ا أبيض تمسك بيديها وتنظر يمي ا ويسار ؛‬
‫اعتقدت أنه يتوجب أن أسألها لربما تكون تائهة في هذا الوقت المتأخر أو أنها تنتظر أحًد ا‪ ،‬توجهت نحوها وقبل أن أصلها رفعت يدها من‬
‫بعيد وتشير لي وكانت تتكلم لكني لم أسمعها‪ ،‬استغربت من ردة فعلها عندما رأتني فلقد كانت تبكي وتصرخ كأنها تحاول إخباري بشيء‬
‫وإذ بصخرة تصدمني في رأسي‪ ،‬سقطت أرًض ا والدنيا تدور من حولي ثم أغمي علي‪.‬‬
‫فتحت عيناي على زكرياء و منار وسفيان كانوا جالسين أمامي‪ ،‬فرحو جًد ا عندما رأوني أستيقظ واقتربو مني‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬هل تسمعني!! تكلم أرجوك‬
‫سفيان‪ :‬سأنادي الطبيب حاال‪ ،‬إنها لمعجزة‪.‬‬
‫كانت منار تبكي وتبتسم في آن واحد‪ ،‬جاء الطبيب وفحصني وأخبرني أنني بخير وسأستعيد عافيتي في بضعة أيام وجلسنا أنا وأصدقائي‬
‫نتبادل الحديث وهنا كان سؤال يشغل بالي كثيًر ا وأردت اإلجابة عنه ولكن ال أستطيع التذكر جيدًا‪ ،‬نظر زكرياء نحوي وقالي‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬هيا أخبرني ماذا يشغلك عنا؟ أنا أعرفك أكثر من نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث لي ؟ ال أتذكر شيًئ ا‬
‫اختفت البهجة من على وجوههم فجأة وكأن الموت زارهم في سؤالي‪ ،‬أمسكت منار يدي وقالت‪:‬‬
‫منار‪ - :‬لقد فقدت جزًءا بسيًط ا من ذاكرتك‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ومتى حدث هذا!؟‬
‫سفيان‪ - :‬ضربك شخص ما على رأسك بصخرة‪ ،‬وجدناك مستلقًيا على الطريق بجانب بيتك‪.‬‬
‫‪ -‬وأين شيماء‪ ،‬لما هي ليست معكم؟‬
‫منار‪ - :‬لقد رحلت عنا‪.‬‬
‫‪ -‬كيف رحلت وإلى أين!‬
‫انفجرت منار بالبكاء وسفيان جعل يمسك رأسه وينظر للحائط ونظرت إلى زكرياء على أمل أن يخبرني‪ ،‬قال وهو يمسك دمعته ‪:‬‬
‫زكرياء‪ - :‬لقد‪....‬‬
‫‪ -‬ماذا؟ هيا أكمل لقد‪....‬ماذا!‬
‫زكرياء‪ - :‬لقد ‪.......‬إنتحرت‬

You might also like