Professional Documents
Culture Documents
ﺗﺄﻟﻴﻒ
زﻳﻨﺐ ﻓﻮﱠاز
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
زﻳﻨﺐ ﻓﻮاز
ﱠ
إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره ،وإﻧﻤﺎ ﱢ
ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ.
ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﴩ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ُﻣ َﺮ ﱠﺧﺼﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ رﺧﺼﺔ
املﺸﺎع اﻹﺑﺪاﻋﻲ :ﻧ َ ْﺴﺐُ ا ُملﺼﻨﱠﻒ ،اﻹﺻﺪار .٤٫٠ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﴩ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻨﺺ اﻟﻌﻤﻞ
اﻷﺻﲇ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
6
ُﺧﻄﺒﺔ اﻟﻜﺘﺎب
اﺧﺘﺼﺎر ،وﻟﻢ أ َر ﰲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻄ ﱠﺮف وأﻓﺮد ﻟﻨﺼﻒ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﺎﺑًﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ﺟﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﺷﺘﻬﺮن ﺑﺎﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ،وﺗﻨﺰﻫﻦ ﻋﻦ اﻟﺮذاﺋﻞ ،ﻣﻊ أﻧﻬﻦ ﻧﺒﻎ ﻣﻨﻬﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺳﻴﺪات
ﻟﻬﻦ املﺆﻟﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻛني ﺑﻬﺎ أﻋﺎﻇﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻋﺎرﺿﻦ ﻓﺤﻮل اﻟﺸﻌﺮاء ،ﻓﻠﺤﻘﺘﻨﻲ اﻟﺤﻤﻴﺔ
ﺳﻔ ٍﺮ ﻳﺴﻔﺮ ﻋﻦ ﻣُﺤَ ﻴﱠﺎ ﻓﻀﺎﺋﻞ ذوات اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻵﻧﺴﺎت واﻟﻐرية اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﻋﲆ ﺗﺄﻟﻴﻒ ْ
واﻟﻌﻘﺎﺋﻞ ،وﺟﻤﻊ ﺷﺘﺎت ﺗﺮاﺟﻤﻬﻦ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻪ اﻹﻣﻜﺎن ،وإﻳﺮاد أﺧﺒﺎرﻫﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ
زﻣﺎن وﻣﻜﺎن.
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﲆ ﻣﻦً وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺻﻌﺒﺔ املﺴﺎﻟﻚ ،ﺗﻌﴪ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺳﺎﻟﻚ —
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﲇ ذات ﺣﺠﺎب وﻣﺘﻨﻘﺒﺔ ﻣﻦ املﻨﻌﺔ ﺑﻨﻘﺎب — ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻌﻨﺖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﺑﻤﺎ
ﺟﺎء ﰲ اﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ،واملﺠﻼت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ووﺿﻌﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﺤﺮوف اﻟﻬﺠﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮ
ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﰲ ﺑﺎﺑﻪ ،ﻓﺴﻴﺤً ﺎ ﰲ رﺣﺎﺑﻪ ،وﻗﺪ ﺳﻤﻴﺘﻪ» :اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور«،
ﺒﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺆدي إﱃ املﻠﻞ،وﺟﻌﻠﺘﻪ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﺒﻨﺎت ﻧﻮﻋﻲ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻓﺮﻏﺖ ﰲ ﺗﻨﻘﻴﺤﻪ وﺳﻌﻲ ،ﻣُﺘﺠﻨ ﱢ ً
ﻣﺨﺘﴫة ﻋﻦ اﻷﺳﺎﻧﻴﺪ واﻟﻌﻨﻌﻨﺔ ،واﻷﻣﻜﻨﺔ واﻷزﻣﻨﺔ.
وﻗﺪ اﺑﺘﺪأت ﰲ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ﰲ ٤رﺑﻴﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ ) ١٣٠٩ﻫﺠﺮﻳﺔ ،املﻮاﻓﻖ ٧أﻛﺘﻮﺑﺮ ﺳﻨﺔ
١٨٩١إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ( ،وﻗﺪ ﺟﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺟﻤﱠ ﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ وأدﺑﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﺘﺐ اﻵﺗﻴﺔ؛ وﻫﻲ:
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻻﺑﻦ اﻷﺛري. •
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻟﻠﻤﱪد. •
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻮﻓﻴﺎت واﻷﻋﻴﺎن ،ﻻﺑﻦ ﺧﻠﻜﺎن. •
ﺗﺎرﻳﺦ ﻧﻔﺢ اﻟﻄﻴﺐ ،ﻷﺣﻤﺪ املﻘﺮي. •
ﺗﺎرﻳﺦ أﺧﺒﺎر اﻷول ﻓﻴﻤﻦ ﺗﴫف ﰲ ﻣﴫ ﻣﻦ اﻟﺪول ،ﻟﻺﺳﺤﺎﻗﻲ. •
ﻛﺘﺎب اﻟﻌﱪ ،ﻻﺑﻦ ﺧﻠﺪون. •
ﻛﺘﺎب اﻷﻏﺎﻧﻲ ،ﻷﺑﻲ اﻟﻔﺮج اﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ. •
ﻛﺘﺎب داﺋﺮة املﻌﺎرف ،ﻟﺒﻄﺮس اﻟﺒﺴﺘﺎﻧﻲ. •
ﻛﺘﺎب اﻟﺴرية اﻟﺤﻠﺒﻴﺔ ،ﻟﱪﻫﺎن اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻠﺒﻲ. •
ﻛﺘﺎب اﻟﺴرية اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ،ﻟﻠﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ زﻳﻨﻲ دﺣﻼن. •
ﻛﺘﺎب اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻔﺮﻳﺪ ،ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺪ رﺑﻪ. •
ﻛﺘﺎب ﺗﺰﻳني اﻷﺳﻮاق ،ﻟﻠﺸﻴﺦ داود اﻷﻧﻄﺎﻛﻲ. •
ﻛﺘﺎب املﺴﺘﻄﺮف ﰲ ﻛﻞ ﻓﻦ ﻣﺴﺘﻈﺮف ،ﻟﺸﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ أﺣﻤﺪ اﻷﺑﺸﻴﻬﻲ. •
ﻛﺘﺎب ﺛﻤﺮات اﻷوراق ،ﻻﺑﻦ ﺣﺠﺔ اﻟﺤﻤﻮي. •
8
ُﺧﻄﺒﺔ اﻟﻜﺘﺎب
وﻫﺬه ﺧﻼف ﻣﺎ ﺟﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ املﺠﻼت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﺪورﻳﺔ ،وﻣﺎ اﻟﺘﻘﻄﺘُﻪ ﻣﻦ
ﻣﻘﺎﻻت ﻟﺒﻨﺎت ﻫﺬا اﻟﻌﴫ اﻟﻼﺗﻲ ﺗﺮﺑﱠني أﺣﺴﻦ اﻟﱰﺑﻴﺔ ،وﺗﻌﻠﻤﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﰲ املﺪارس اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ،
وﺻﺎر ﻟﻬﻦ ﺷﻬﺮة ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ.
9
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وإﻧﻲ ذاﻛﺮة ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻻﺗﻬﻦ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب؛ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻗﺮاؤه أن ﻋﴫﻧﺎ ﻫﺬا ﻧﺒﻎ
ﻓﻴﻪ ﻧﺴﺎء ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪﻣﻬﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﻦ ﰲ اﻷﻋﴫ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ،وﻣﺎ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻬﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﻦ
ﻣﻦ ذوﻳﻬﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺮﻓﻮا اﻟﺤﻖ واﺗﺒﻌﻮه.
10
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات اﳌﺆﻟﻔﺔ
ﺳﺎرة ﻧﻮﻓﻞ
وﻟﻨﺒﺪأ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﺣﴬة اﻵﻧﺴﺔ واﻷدﻳﺒﺔ اﻟﺴﻴﺪة »ﺳﺎرة ﻧﻮﻓﻞ« ،ﻛﺮﻳﻤﺔ اﻟﻔﺎﺿﻞ ﻧﺴﻴﻢ
أﻓﻨﺪي ﻧﻮﻓﻞ ،ﻣﻦ اﻻﻗﱰاﺣﺎت اﻟﺘﻲ اﻗﱰﺣﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻗﺎﻟﺖ» :ﻧﺤﻦ ﰲ ﻋﴫ
ﺳﻄﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﺷﻤﻮس اﻟﻌﻠﻢ واﻵداب ،ﻓﺄﻧﺎرت ﺑﺄﺷﻌﺘﻬﺎ ﻣﺪارك ذوي اﻷﻟﺒﺎب ،ﻓﻼ ﻏﺮو إذا
ﺳﻤﻴﻨﺎه ﺑﻌﴫ اﻻﺧﱰاﻋﺎت واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت .وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺒﺨﺎر واﻟﻨﻮر أﻋﺠﺐ
اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ،وﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﱪق واﻟﻜﻬﺮﺑﺎء أﻏﺮب اﻟﻐﺮاﺋﺐ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻓﻴﻪ ﻣﺤﻞ ﻟﻠﻐﺮاﺑﺔ إذ
ﺑﺎﻗﱰاح ﻳﻬﻤﻨﻲ
ٍ ﺗﻄﻔﻠﺖ ﰲ ﻫﺬا املﻘﺎم ﻋﲆ ﻧﴫاء اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء ،وأرﺑﺎب اﻟﻔﻀﻞ اﻷﻟﺒﺎء، ُ
اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ ،واﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻓﺎﺋﺪﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻬﻢ اﻟﺒﻨﺎت اﻟﴩﻗﻴﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻋﺮﻓﻦ ﻣﺎ
ﻛﺎن ﻟﻬﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ املﺴﻠﻮب ،وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ املﻔﺮوض.
ﻓﺄﻗﻮل — ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﺴﻤﺎح ﻣﻦ ذوي اﻟﻔﻀﻞ واﻵداب :ﻗﺪ ﻋﻠﻢ اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ أن
اﻷوروﺑﻴني وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻤﺪﻧًﺎ ﻗﺪ اﺗﺤﺪوا ﺑﻌﻘﺪ اﻟﺨﻨﺎﴏ واﺗﻔﺎق اﻟﺨﻮاﻃﺮ،
ﺳﻮاء ﻛﺎن ﰲ ﻣﺤﺎﻓﻠﻬﻢ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ وﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ اﻷدﺑﻴﺔ ،أو ﰲ ﻧﻮادﻳﻬﻢ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ وﻫﻴﺌﺎﺗﻬﻢ
اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻗﺮروا وﺟﻮب اﺣﱰام املﺮأة ﻳﻮم ﻋﺮﻓﻮﻫﺎ ﻋﻀﻮًا ﻣُﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﺟﺴﻢ اﻟﻜﻮن ﻟﻼرﺗﻘﺎء
وﺣﺴﻦ اﻟﱰﺑﻴﺔ .و ﱠملﺎ ﻋ ﱠﻢ ﰲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻘﺮار اﻟﻌﺎدل ،وﺻﺎر ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﻣﺮﻋﻴٍّﺎ ﺑني اﻟﺨﺎص
واﻟﻌﺎم؛ أﺧﺬت املﺮأة ﺑﺎﻟﺘﻘﺪم إﱃ ﻣﺮاﺗﺐ اﻟﻮﺟﻮد ،وﻣﻘﺎم اﻟﻜﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺎ
ﺑﻠﻐﺘﻪ ﻣﻦ املﻌﺎرف واﻟﻮاﺟﺒﺎت ،وﻗﺪ رﻓﻌﺖ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﻤﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﺴﻼم ﺑني أوﻻدﻫﺎ وذوﻳﻬﺎ،
وﺗﻤﻜﻨﺖ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ وﺛﺎق اﻟﺤﺐ واﻟﻮﻻء ﺑني ﻛﻞ ﻣﻦ أﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ
ﻧﺮاه ﻣﻦ آﺛﺎر آداﺑﻬﺎ ﰲ أﻛﺜﺮ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ اﻟﻐﺮﺑﻴﻮن ﺑﻬﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻨﺒﻄﻮا ﻟﻠﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني اﻟﺒﻨﺖ اﻟﻌﺬراء واملﺮأة
املﺘﺰوﺟﺔ ﻟﻔﻈﺔ اﻓﺘﺨﺎرﻳﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬاﺗﻬﺎ؛ ﻛﻘﻮﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻟﻠﻤﺮأة :ﻣﺪام ،وﻟﻠﻌﺬراء
ﻣﺎدﻣﻮازﻳﻞ ،وﰲ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ :ﻣﺴﺰ ،وﻣﺲ ،وﺑﺎﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ :ﻛﺮﻳﺎ وﺳﺒﻴﻨﻴﺲ ،وﺑﺎﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﺳﻨﻴﻮره،
وﺳﻨﻴﻮرﻳﻨﺔ ،أو ﻣﺪاﻣﺎ ،وﻣﺪام ،وﻫﻜﺬا ﰲ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻷﻛﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎ ًرا ﰲ وﻗﺘﻨﺎ
اﻟﺤﺎﴐ.
ﺧﺼﻮﺻﺎ — ﻓﻘﺪ أﻏﻤﻀﻨﺎ اﻟﺠﻔﻦ ﻋﻦ ﻫﺬا ً أﻣﺎ ﻧﺤﻦ — اﻟﴩﻗﻴني ﻋﻤﻮﻣً ﺎ واﻟﻐﺮﺑﻴني
اﻟﺘﺨﺼﻴﺺ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ اﺗﺴﺎع اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺗﺴﺎﺑﻘﻨﺎ إﱃ اﻧﺘﺤﺎل أﻛﺜﺮ ﻋﻮاﺋﺪ اﻟﻐﺮﺑﻴني
وأزﻳﺎﺋﻬﻢ ،واﺷﱰﻛﻨﺎ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﻴﺌﺎﺗﻬﻢ وﻣﻨﺘﺪﻳﺎﺗﻬﻢ ،واﺳﺘﺤﺴﺎن أﺧﻼق اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ،إﻻ
أﻧﻨﺎ ﻟﺴﻮء اﻟﺤﻆ ﻟﻢ ﻧﺤﺬُ ﺣﺬوﻫﻢ ﺑﺈﻋﻄﺎء اﻟﺒﻨﺎت ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻻﺣﱰاﻣﻲ ،واﻹﺷﺎرة اﻟﺨﺎﺻﺔ
ﺑﻬﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ.
واﻷﻏﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا أﻧﻨﺎ ﻟﻮ ﻓﺘﺸﻨﺎ وﺑﺤﺜﻨﺎ ﻣَ ﻠﻴٍّﺎ ﺑني ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﻧﻔﺲ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻃﻘني
ﺑﺎﻟﻀﺎد ،ملﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﺗﻘﻮم ﻣﻘﺎم املﺪام واملﺎدﻣﻮازﻳﻞ ﰲ ﻣﺒﻨﺎﻫﺎ وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ،وإن
ﻗﻴﻞ :إن ﻛﻠﻤﺘﻲ ﺳﺖ وﺳﺘﻴﺘﺔ ﻳﺴﺘﻌﻤﻼن ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺪام وﻣﺎدﻣﻮازﻳﻞ ﰲ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،إﻻ أن
وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﺼﻐري ﰲ ﺳﺘﻴﺘﺔ ﻫﻮ ً ﻫﺎﺗني اﻟﻜﻠﻤﺘني ﻟﻴﺴﺘﺎ ﺻﺤﻴﺤﺘني ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ،
ﺧﻼﻓﺎ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ املﻘﺼﻮد ﺑﺎملﺎدﻣﻮازﻳﻞ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻟﺒﻴﺐ أدﻳﺐ. ً ﻟﻼﺣﺘﻘﺎر ﻻ ﻟﻼﻓﺘﺨﺎر
ﻧﻌﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻛﻠﻤﺘﺎن ﻣﱰادﻓﺘﺎن؛ وﻫﻤﺎ :اﻟﺴﻴﺪة واﻟﺨﺎﺗﻮن ،وﻟﻜﻦ ﻧﺮاﻫﻤﺎ ﻏري واﻓﻴﺘني
آن واﺣﺪ ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء ،وﻟﻴﺲ ﰲ إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺑﺎملﺮام؛ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺗﻄﻠﻘﺎن ﻋﲆ اﻟﻌﺬراء واملﺘﺰوﺟﺔ ﰲ ٍ
ﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺪﻟﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ املﻮﺻﻮﻓﺔ ﺑﺈﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ .واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻧﻨﺎ
ﻟﻮ ﻋﺜﺮﻧﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻹﺣﺪى اﻟﺴﻴﺪات واﻟﺨﻮاﺗني اﻟﴩﻗﻴﺎت ﰲ إﺣﺪى اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ملﺎ
ﻗﺪرﻧﺎ أن ﻧﺤﻜﻢ ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ا ُملﺤﺮرة ﺑﻨﺘًﺎ أو اﻣﺮأة ،ﺑﻞ ﻧﻘﻒ ﺑﺎﻻﻟﺘﺒﺎس ﺣﻴﺎرى ﺑني ﻫﺬه
وﺗﻠﻚ إﱃ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ.
ﻫﺬا وإن ﺷﺌﻨﺎ أن ﻧﻌﺮب ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺲ أو ﻣﺎدﻣﻮازﻳﻞ وﻧﺴﺘﺨﺪﻣﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻨﺎ
وﺣﺪﻳﺜﻨﺎ اﻟﻌﺎم ،ﻧﺨﺎف املﻼﻣﺔ ﻣﻤﻦ درﺳﻮا ﻣﻔﺮدات اﻟﻠﻐﺔ وﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﻢ ﻳﻘﻮل» :ﻛﻞ اﻟﺼﻴﺪ
ﰲ ﺟﻮف اﻟﻔﺮا «.ﻓﻨﺤﺘﺎج وﻗﺘﺌﺬ إﱃ أﺣﺪ أﻣﺮﻳﻦ :إﻣﺎ املﺒﺎﺣﺜﺔ واﻟﺠﺪال اﻟﻄﻮﻳﻞ ،وإﻣﺎ أن
ﻧﺴﻜﺖ وﻧﺴﱰ اﻟﻮﺟﻪ ﺑﺄﻛﻤﺎم اﻟﺨﺠﻞ ،ﺣني ﻻ ﻧﺮى ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﻠﻐﺔ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ
اﻟﻌﺬراء ﻣﻦ املﺘﺰوﺟﺔ اﺣﱰاﻣً ﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻴﺰا ﰲ اﻟﻠﻐﺎت املﺬﻛﻮرة ً
آﻧﻔﺎ.
12
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
ﻓﺮﺟﺎؤﻧﺎ ﻣﻦ أﺋﻤﺔ اﻟﻠﻐﺔ وﺟﻬﺎﺑﺬة اﻟﻔﻀﻞ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﴫ أن ﻳﺒﺤﺜﻮا ﻟﻨﺎ ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ
ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻣﻘﺎم املﺎدﻣﻮازﻳﻞ ﺑﻮﺿﻌﻬﺎ وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﻋﺎﻣﺔ ﺑني اﻟﺮﻓﻴﻊ واﻟﻮﺿﻴﻊ
ﻈﺎ وﻛﺘﺎﺑﺔ ،وإﻻ ﻓﻼ ﻟﻮم ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻻ ﺗﺜﺮﻳﺐ إذا اﻟﺘﺠﺄﻧﺎ إﱃ ﻟﻐﺎت اﻷﻋﺎﺟﻢ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻫﺬه ﻟﻔ ً
اﻟﻜﻠﻤﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻻ ﺷﺒﻪ ﻟﻪ ﰲ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ إن ﻃﺎل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻄﺎل ﻫﺬه اﻻﺳﺘﻌﺎرات
ً
اﺧﺘﻼﻻ واﻣﺘﺰاﺟً ﺎ. أﺻﺒﺤﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻛﺎﻟﻠﻬﺠﺔ املﺎﻟﻄﻴﺔ
وﻻ ﻧﻨﻜﺮ أن ﰲ زﻣﻦ ﺗﺪوﻳﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ املﺮأة ﰲ ﻋني اﻟﺮﺟﻞ ﺣﻘرية ذﻟﻴﻠﺔ،
وﻟﻴﺴﺖ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ أدوات اﻟﺒﻴﺖ أو ﻛﺒﺎﻗﺔ ﻣﻦ اﻷزﻫﺎر ﺗُﻄﺮح ﺧﺎرﺟً ﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺬﺑﻞ ،وﻟﺬﻟﻚ
ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎل أﺣﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ أن ﻳﺴﺘﻨﺒﻂ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﺗﺪل ﻋﲆ املﺮأة
دﻻﻟﺔ ﴏﻳﺤﺔ ﺑﺎﺣﱰا ٍم وﺗﻮﻗري ،وﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ اﻵن ﰲ ﻋﴫ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻓﻴﻪ أﻧﻮاع اﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻃﺎت ،ﻓﻼ
ﻳﻌﴪ ﻋﲆ ﻧﴫاء اﻟﻠﻐﺔ اﺑﺘﻜﺎر ﻛﻠﻤﺔ ﻛﺎملﺎدﻣﻮازﻳﻞ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ واﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻣﻊ ﺣﻔﻆ ﺻﻔﺔ اﻻﺣﱰام
واﻻﻓﺘﺨﺎر ،وﺣﺒﺬا ﻟﻮ أﺿﺎﻓﻮا إﱃ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت املﺴﺘﺤﺪﺛﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا
ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﻌﺎﺿﺪة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻠﻤﻲ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﴢ أن أﺑﺤﺚ
ﻓﻴﻪ وأﺣﺚ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻫﺬا املﻘﺎم.
ﻫﺬا؛ وأرﺟﻮ ﻣﻦ ﺟﻤﻬﻮر اﻷﻟﺒﺎء ،وأﺻﺤﺎب اﻟﻔﻀﻞ اﻷذﻛﻴﺎء أن ﻳﺴﺒﻠﻮا ﺣﺠﺎب اﻟﻌﻔﻮ
واملﻌﺬرة ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻄﻔﻠﺖ ﺑﻪ ﺗﺠﺎه ﺳﺎﺣﺎت ﺣﻠﻤﻬﻢ؛ إذ ﻗﺼﺪ ﱄ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﻗﱰاح أن ﻧﺒﺎري
اﻷﺟﺎﻧﺐ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻧﻔﺜﺎت أﺻﺤﺎب اﻟﻔﻀﻞ ،وﺧري اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﻓﺎد،
وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻗﱰاح اﺳﺘﻨﺒﻂ ﺑﻌﺾ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻠﻐﺔ ﻟﻔﻈﺔ آﻧﺴﺔ ﻟﻠﺒﻨﺖ ،وﻋﻘﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺘﺰوﺟﺔ،
واﺳﺘﻌﻤﻠﻬﻤﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﺠﺮاﺋﺪ«.
13
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أوﻻدﻫﺎ ﺑﺎﻻﺣﺘﺪاد واﻟﺸﺘﺎﺋﻢ واﻟﻜﺬب واﻟﺤﻴﻞ ،وﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﻬﻢ ﺑﻄﻮل اﻷﻧﺎة واﻟﻨﺼﺎﺋﺢ واﻹرﺷﺎد
ً
وﻣﺄﺳﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ واﻟﺼﺪق ،ﻓﻤﻦ ﺗﺮﺑﻰ ﻋﲆ اﻟﺨري ﻗﺎم ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ ﺣﻖ ﻗﻴﺎم ﻣﻜﺮﻣً ﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ،
ﻣﻤﺎﺗﻪ ،واﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻓﻤﻦ أراد أن ﻳﺤﻴﺎ ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻳﺠﺐ أن
ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﴩ ،وﻳﺴري ﺑﺤﺴﺐ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ،ﻓﺈذا أﺧ ﱠﻞ ﺑﴚء ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺨﺎﴎﻳﻦ.
ﻗﻴﻞ» :وﻣﻦ ﻳﺸﺎﺑﻪ أﺑﺎه ﻓﻤﺎ ﻇﻠﻢ «.ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ دﻟﻴﻞ ﻋﲆ اﺗﺒﺎع اﻷوﻻد أﺛﺮ واﻟﺪﻳﻬﻢ ﺻﻼﺣً ﺎ
أو ﻃﻼﺣً ﺎ ،وﻗﻴﻞ» :ربﱢ اﻟﻮﻟﺪ ﻋﲆ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﷲ؛ ﻓﻤﺘﻰ ﺷﺎخ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ «.وذﻟﻚ ﺑﺮﻫﺎن ﻋﲆ
رﺳﻮخ اﻟﱰﺑﻴﺔ ﰲ اﻷﺣﺪاث؛ ﻓﻔﻲ ﺣﺴﻦ اﻟﱰﺑﻴﺔ ﺳﻌﺎدة اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ واﻷوﻻد ﻣﻌً ﺎ .وﻳﺠﺐ ﻋﲆ
ً
ﻃﺮﻳﻘﺎ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ أن ﻳﻨﻈﺮوا إﱃ ﻃﺮق أوﻻدﻫﻢ ،وأن ﻳﻨﺼﺤﻮﻫﻢ وﻳﻨﺬروﻫﻢ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺴﻠﻜﻮا
ﻣﻌﻮﺟﺔ ،وﻻ ﻳﻨﻬﻤﻜﻮا ﰲ اﻟﺸﻬﻮات ،وﻻ ﻳﺘﻮرﻃﻮا ﺣﺒٍّﺎ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻏﺮورﻫﺎ ،ﺑﻞ ﻳﺘﻘﺼﻮن ﻫﺬه
اﻟﺸﺠﺮة ﰲ ﺻﻐﺮﻫﺎ ،ﻓﻜﻢ ﻣﻦ اﻷوﻻد ﻳﺘﻌﻠﻤﻮن اﻟﻘﺬف واﻟﺸﺘﺎﺋﻢ واﻟﻜﻼم اﻟﻘﺒﻴﺢ ﻗﺒﻞ أن
ﻳﺘﻔﻮﻫﻮا ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺤﺎت ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﲆ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ أﻧﻬﻢ ﻣﺴﺌﻮﻟﻮن ﰲ أوﻻدﻫﻢ ﻋﻨﺪ ﷲ ،وﻋﻨﺪ
اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻷﻟﻔﺔ ﻣﻌً ﺎ؛ ﻓﺈﻧﻤﺎ اﻷوﻻد ﻟﻶﺧﺮة وﻟﻮﻃﻨﻬﻢ وﻷﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﺗﻬﻢ.
ﻓﺈذا ﻓﻄﻦ اﻵﺑﺎء إﱃ ﺗﻬﺬﻳﺐ أوﻻدﻫﻢ ﰲ ﺻﻐﺮﻫﻢ ارﺗﺎﺣﻮا وأراﺣﻮا ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺨري
ﻟﻠﻮاﻟﺪﻳﻦ أن ﻳُﺸﺪﱢدوا ﻋﲆ أوﻻدﻫﻢ ﰲ ﺻﻐﺮﻫﻢ ﻣﻦ أن ﻳﻄﻠﻘﻮا ﻟﻬﻢ اﻟﻌﻨﺎن ،ﻓﻴﻨﺪﻣﻮا وﻳﻮﻗﻌﻮا
أوﻻدﻫﻢ ﰲ ورﻃﺎت ﻋﻈﻴﻤﺔ.
ً
ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻳﺮى وﻟﺪه ﻋﻠﻴﻼ وﻻ ﻳﺒﺎدر إﱃ دﻓﻊ اﻷذى ﻋﻨﻪ ،أو ﺟﺮﻳﺤً ﺎ وﻻ ﻳﺴﻌﻰ
ﰲ ﻣﺪاواة ﻛﻠﻮﻣﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﻏريﺗﻬﻢ وﻋﻠﻞ أوﻻدﻫﻢ ﺟﺴﺪﻳﺔ ،ﻓﻜﻢ ﻳﻘﴤ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ
وذﻻ ،ﺑﻞ ﺷﻔﺎء ﰲ ﻣﺪاواة أﻣﺮاﺿﻬﻢ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ! ﻓﻤﻦ أﺣﺐ اﺑﻨﻪ أدﱠﺑﻪ ،ﻓﻠﻴﺲ اﻟﺘﺄدﻳﺐ إﻫﺎﻧﺔ ٍّ
ً
وﺧﻼﺻﺎ.
ﻓﻘﺪ ﻧﻬﻰ ﺗﻌﺎﱃ ﺷﻌﺒﻪ ﻋﻦ اﻻﻣﺘﺰاج ﺑﺎﻷﻣﻢ ﻟﻔﺴﺎدﻫﺎ ،وﺳﻦ ﻟﻪ ﻧﻮاﻣﻴﺲ اﻹﺻﻼح ﺣﺘﻰ
إﻧﻪ أذن ﺑﺄن ﻳﻨﻬﻮا ﰲ اﻟﱰﺑﻴﺔ وﻳﻬﻠﻚ ﺟﻴﻠﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أن ﻳﺪﺧﻠﻮا أرض املﻴﻌﺎد ﺑﻔﺴﺎد ﻣﴫ.
ﻓﻌﲆ املﺮأة اﻟﺮاﻏﺒﺔ ﰲ ﺗﺮﺑﻴﺔ أوﻻدﻫﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ واﻓﺮ ﻣﻦ اﻷدب ،وﺣﺒﺬا ﻟﻮ
ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻣﻌﺎرف وﺻﺎﺣﺒﺔ ﺗﺪﺑري؛ ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ ﺗﻬﺬﻳﺐ أوﻻدﻫﺎ وراﺣﺔ ﻗﺮﻳﻨﻬﺎ ،ﻓﻌﲆ املﺮأة
ﺗﺪﺑري املﻨﺰل ،ﻓﺘﺴﺎﻋﺪ ﻗﺮﻳﻨﻬﺎ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد ،ﻓﻜﻢ ﻣﻦ اﻣﺮأة ﻫﺪﻣﺖ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﺑﺴﻮء ﺗﺪﺑريﻫﺎ!
وﻛﻢ ﻣﻦ اﻣﺮأة أﺣﻴﺖ ﻣﻮات ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ﺑﺤﺴﻦ إدارﺗﻬﺎ! ﻓﻼ ﻓﺎﺋﺪة ﻟﻠﻐِ ﻨَﻰ ﻣﻊ اﻹﴎاف ،وﻻ
ﻟﻠﻤﺪاﺧﻴﻞ ﻣﻊ اﻟﺘﺒﺬﻳﺮ .وﻫﻲ ﺧﻼل إذا ﺗﺮﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷوﻻد زاد اﻟﺒﻼء ﺑﻼء ،وﻣﺎ ﻧﻔﻊ أﺑﻮ
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ إذا ﺳﻌﻰ وﺟﺪ وﺣﺮص وأﺣﺮز إذا ﻛﺎﻧﺖ املﺮأة ﺗﺒﺪد أﻣﻮاﻟﻪ ،وﺗﻔﺴﺪ ﺗﺮﺑﻴﺔ أوﻻده
ﺑﻌﺪم ﺗﻌﻘﻠﻬﺎ وﺗﺮوﻳﻬﺎ ،ﻓﻤﻦ رام اﻹﺻﻼح ﻋﻠﻢ اﻟﻔﺘﻴﺎت ،وﻏﺮس ﰲ ﻓﺆادﻫﻦ املﺒﺎدئ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ،
14
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
وزﻳﻦ ﻋﻘﻮﻟﻬﻦ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﺣﻤﻠﻬﻦ ﻋﲆ ﺣﺐ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،وهلل در ﻣﻦ ﻗﺎل» :ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻵداب
ﺑﺎﻟﻌﻘﻮد واﻟﻘﻼﺋﺪ واﻷﺳﺎور واﻟﺨﻮاﺗﻢ؛ ﻟﻜﺎن املﺎل إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻤﺪن«.
ﻓﺄﺷﻘﻰ اﻷﻣﻢ ﻣﻦ ﺣﺠﺐ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻷدب ،ﻓﺄول ﳾء ﻳﻘﺘﴤ ﻏﺮﺳﻪ ﰲ ﻓﺆاد
اﻟﻮﻟﺪ ﻣﻦ أﻧﺜﻰ وذﻛﺮ ﺣﺐ ﷲ ،وﺣﺐ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ،وﺣﺐ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،وﺣﺐ اﻟﻘﺮﻳﺐ .ﻓﻤﻦ رﺳﺨﺖ
ﰲ ﻓﺆاده ﻫﺬه املﺒﺎدئ ،وﺗﺮﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ أﻓﻠﺢ وﻣﺎل إﱃ اﻟﺸﻐﻞ ،وﻛﺪ واﺟﺘﻬﺪ ،وﻛﺎن أدﻳﺒًﺎ
ﺣﺴﻦ اﻟﺴﻠﻮك واﻟﺘﺪﺑري؛ ﻓﻔﻲ اﻟﺪرس واملﻄﺎﻟﻌﺔ واملﺠﺎﻟﺴﺔ واملﻌﺎﴍة ﺣﺴﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻟني
اﻟﺠﺎﻧﺐ ،وﻟﻄﻒ اﻷﺧﻼق ودﻣﺎﺛﺘﻬﺎ.
ﻫﺬا وﻻ ﺑﺪ ﻟﻜﻞ أﻧﺜﻰ أو ذﻛﺮ ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺔ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﻴﻤﺔ املﺮء ﻣﺎ ﻳﺤﺴﻨﻪ ،ﻓﻌﻠﻴﻪ
ﻣﺎﻻ وﺗﺠﱪه ﻋﲆ ﺑﺈﺣﻜﺎم ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ،وأن ﻳﺤﺮص ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻪ وﻳﺴﺘﺠﻴﺪﻫﺎ ،ﻓﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺗﻜﺴﺒﻪ ً
ﻧﺒﺬ اﻟﻜﺴﻞ ،وﻋﻠﻢ اﻟﺤﺴﺎب ﻳﻘﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ،وأﻋﻤﺎل اﻟﻴﺪ ﺗﺴﺎﻋﺪه ﻋﲆ ﺗﺮﺗﻴﺐ املﻌﻴﺸﺔ،
وﺛﻤﺮة اﻟﺴﻌﻲ اﻟﱰﺗﻴﺐ وﺣﺴﻦ اﻟﻨﻈﺎم.
أوﻟﻴﺲ اﻷﻟﻴﻖ ﺑﻨﺎ اﻟﺘﺨﻠﻖ ﺑﺎﻷﺧﻼق اﻟﺤﻤﻴﺪة ،وأن ﻧﺰدان ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف ،وﻧﻌﻜﻒ
ﻋﲆ اﻟﺸﻐﻞ واﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ أن ﻧﻤﴤ اﻷوﻗﺎت ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﺗﺤﺘﻪ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻘﺪح
واﻟﻄﻌﻦ واﻟﻨﻤﻴﻤﺔ واﻟﺜﻠﺐ واﻟﺘﻌﺼﺐ واﻹﻏﺮاض؟ ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻜﻮن ﻛﺎﻟﺮﻳﺎﺣني زﻫ ًﺮا و َزﻫﺎء
ﻻ ﻛﺎﻷرض اﻟﺒﻮر ﻗﺮﻃﺒًﺎ وﻋﻮﺳﺠً ﺎ«.
ﻫﻨﺎء ﻛﻮراﻧﻲ
15
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺧﻠﻴﻘﺎ ﺑﺄن ﺗﺤﻮم ﺣﻮﻟﻪ دواﺋﺮ ﺻﺎﺋﺒﻲ اﻷﻓﻜﺎر؛ ً اﻷﻫﻤﻴﺔ ،ﺟﺪﻳ ًﺮا ﺑﺄن ﻳُﻌﺎر ﻣﻌﻈﻢ اﻻﻋﺘﺒﺎر،
ﻟﺘﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﴍ ﻋﻮاﻗﺒﻪ اﻟﻮﺑﻴﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﻌﺒﺎد .أﺟﺎرﻧﺎ ﷲ ﻣﻨﻪ.
إذا ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﰲ أﺣﻮال ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ،ووﻗﻔﻨﺎ ﻋﲆ دﺧﺎﺋﻞ أﻣﻮرﻫﻢ؛ ﻧﺮى — ﺑﻌني
آﺳﻔﺔ — أن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺸﻘﺎء واﻟﺘﻌﺎﺳﺔ واﻵﻻم اﻟﺘﻲ ﻧﺼﺎدﻓﻬﺎ ﺻﺎدرة ﻋﻦ ﺟﻬﻞ اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺘﺨﺬن
ﻣﻘﺎم اﻟﺰوﺟﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ واﻟﻼزم ،ﻓﻴﺴﻮد ﰲ ﻣﺴﺎﻛﻨﻬﻦ اﻟﺨﺼﺎم
واﻟﺸﻘﺎق ،وﺗﻔﺮ اﻟﺮاﺣﺔ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻬﻦ ﻋﲆ ﺟﻨﺎح اﻟﴪﻋﺔ إﱃ ﻣﻘﺎم اﻟﺴﻼم ،وﺗﻜﻮن ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ ﻣﻊ
أزواﺟﻬﻦ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺣﻠﻘﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎملﺮارة واﻟﻮﻳﻼت ،ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ أﺟﺰاؤﻫﺎ ﺑﺎملﺼﺎﺋﺐ
واﻟﺘﻨﻬﺪات ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺑﻮﺳﻌﻬﻦ — ﻟﻮ دﺑﱠﺮن أو أردن — أن ﻳﺘﻘني ذﻟﻚ اﻟﺒﻼء اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي
ﻳﻔﺘﻚ ﺑﺒﻬﺠﺔ اﻟﺤﻴﺎة وروﻧﻘﻬﺎ.
وﻻ واﻗﻲ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺪاء اﻟﻌﻀﺎل ،اﻟﺬي ﻻ ﻣﻠﺠﺄ ﻣﻦ آﻻﻣﻪ ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة ،ﺳﻮى ﻋﻤﻞ اﻟﺰوﺟﺔ
ﺑﻤﺎ ﻳﻔﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺪﻳﻦ واﻷدب — ﺣﺘﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ — ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻧﺤﻮ َرﺟُ ﻠﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺰوﺟﺔ
اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﴍﻳﻜﺔ ﺣﻴﺎة اﻟﺮﺟﻞ ،ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﺄﻛﺪ ﺑﺄن ﻣﴪﺗﻬﺎ وﻣﴪة زوﺟﻬﺎ ﻳﺘﻮﻗﻔﺎن ﻋﲆ
ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻪ ،وﺧﺪﻣﺘﻬﺎ اﻷﻣﻴﻨﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺪور ﺑﺨﺪﻣﺘﻬﺎ ،وﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ
ﺑﻪ ﻳﻄﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮﻫﺎ .وﻳﺸﱰط ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻘﻠﺐ ﻓﺮح؛ إذ ﻻ أﺣﺐ إﱃ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺰوﺟﺔ
اﻟﺒﺸﻮﺷﺔ؛ ﻷن اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ ﺗﻨري وﺟﻬﻬﺎ وإن ﻳﻜﻦ ﻏري ﺟﻤﻴﻞ ،ﻓﺎﻟﻔﺘﺎة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﺼﻨﻊ ﺑﻌﺪ زواﺟﻬﺎ ﺣﻨﺠﺮة ﻛﺪرة ﻻ ﺗﻘﺪر أن ﺗُﻮﺟﱢ ﻪ ﻟﻮﻣً ﺎ إﻻ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ إذا ﻏﺎب رﺟﻠﻬﺎ
ﻛﺜريًا ﻋﻦ املﻨﺰل؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﻃﺒﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺮاﻫﺔ اﻟﻮﺟﻪ املﻨﻘﻠﺐ ،واﻟﺴﺤﻨﺔ اﻟﺸﻜﺴﺔ.
درﺳﺎ ﺟﻴﺪًا ﻟﺘﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴﻠﻮك ﻣﻌﻪ ﺑﺤﺴﺐ وﻋﲆ املﺮأة أن ﺗﺪرس ﻃﺒﺎع وأﺧﻼق رﺟﻠﻬﺎ ً
ﻣﺸﺘﻬﺎه؛ ﻷﻧﻬﺎ إن ﻓﻌﻠﺖ ذﻟﻚ ﻻ رﻳﺐ ﺗﺼﻴﺐ ﻟﺪﻳﻪ املﻨﺰﻟﺔ اﻷوﱃ ،واملﻘﺎم اﻷﺟﻞ؛ ﻓﺘﺼﺒﺢ
إرادﺗﻪ رﻫﻦ رﺿﺎﻫﺎ ،أو ﻣﻨﺎه ﺗﻠﺒﻴﺔ أﻣﺮﻫﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا ﻛﺎن ﺑﻌﻴﺪًا ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﴚء ﻻ
ﻳﺨﻔﻰ داﺧﻞ ﺟﺴﺪه اﻟﺒﴩي ،ذا ﻗﻠﺐ وﺣﴚ ﻻ ﻳﻠني .وﻣﻦ أﻫﻢ واﺟﺐ اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺬي ﻗﻠﻤﺎ
ﺗﻜﺜﺮت ﺑﻪ :املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﰲ اﻻﻋﺘﺪال ﰲ املﺄﻛﻞ واملﴩب واملﻠﺒﺲ؛ ﻟﺌﻼ ﺗُ َ
ﺒﺘﲆ
ً
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺣﻤﻼ ﻻ ﻳﻄﺎق ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻖ رﺟﻠﻬﺎ، ﺑﺪاء ﻳﺮﻣﻴﻬﺎ اﻟﻌﻤﺮ ﻋﲆ ﻓﺮاش اﻟﺴﻘﺎم ،ﻓﺘﻜﻮن ً
ﺿﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻟﺘﻜﻮن أﻧﻬﺎ ﺗﺨﴪ ﻣﺤﺒﺘﻪ اﻷوﱃ .وﻫﺬا أﻣﺮ ﺑﺪﻳﻬﻲ؛ إذ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﻘﱰن ﺑﺎملﺮأة ﻟﻴُﻤ ﱢﺮ َ
ﻗﺼﺪت ﺑﻬﺬا أن ﻳﺮاد اﻟﺮﺟﺎل ُ ﻋﻮﻧﻪ وﴍﻳﻜﺘﻪ ﰲ ﺣﻤﻞ أﺛﻘﺎل اﻟﺤﻴﺎة وﻣﺘﺎﻋﺒﻬﺎ اﻟﺠﻤﺔ .وﻣﺎ
ﻛﻼ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ أول واﺟﺐ اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺒﺬل ﻣﺴﺘﻄﺎﻋﻪ ﰲ ﺗﻄﺒﻴﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﻨﻮن ﺑﻨﺴﺎﺋﻬﻢ ،ﱠ
زوﺟﺘﻪ إذا ﻓﺎﺟﺄﻫﺎ ﻣﺮض أو ﺑﻼء ،ﺑﻞ ﻷُذ ﱢﻛﺮ املﺮأة ﺑﺄﻣﺮ رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﺎ ٍ
ﺑﺒﺎل ،ﻓﺘﺴﺘﻔﻴﺪ
ﻟﻼﺳﺘﻘﺒﺎل ٍّ
ﺣﻘﺎ واﺟﺒًﺎ.
16
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
إن واﺟﺐ اﻟﺰوﺟﺔ ﻧﺤﻮ رﺟﻠﻬﺎ ﻓﺮض ﻣﻘﺪس ُﺳ ﱠﻦ ِﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ اﻟﺨﺎﻟﻖ واﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﺈﻫﻤﺎﻟﻪ
ﻳﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺸﻘﺎء ﻣﺴﺘﻤﺮ؛ إذ إﻧﻬﺎ ﺗﺨﴪ ﻣﺤﺒﺔ زوﺟﻬﺎ وﺛﻘﺘﻪ ﺑﻬﺎ .وﻳﺎ ﻟﻌﻈﻢ اﻟﺨﺴﺎرة!
ﻓﻴﴫﻓﺎن ﺣﻴﺎﺗﻬﻤﺎ ﰲ ﺗﻌﴪ وﺗﻜﺪﻳﺮ ،ﺑﺨﻼف ﻣﺎ إذا ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻤﻄﻠﻮﺑﺎت ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﺑﺠﻬﺪ وأﻣﺎﻧﺔ؛
ﻓﺎﻟﺴﻌﺎدة ﺗﻈﻠﻬﺎ ﺑﺄﺟﻨﺤﺘﻬﺎ ،واﻟﱪﻛﺔ واﻟﺴﻼم ﻳﺄوﻳﺎن ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ،وﻛﻢ ﻗﺪ أﻃﻨﺐ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻜﺘﺒﺔ
ﰲ وﺻﻒ اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ،ورﻓﻌﻮا ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﺎ ،وأﻛﺜﺮوا ﻣﻦ ﻣﺪﺣﻬﺎ! وذﻟﻚ دﻻﻟﺔ ﻋﲆ ﺳﻤﻮ
ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وﻋﺰﻳﺰ ﻧﻔﻌﻬﺎ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻮﺟﻮد.
واﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺄﻓﻜﺎرﻫﺎ اﻟﻄﺎﻫﺮة اﻟﴩﻳﻔﺔ ،وﺑﺸﻌﻮرﻫﺎ اﻟﺨﻔﻲ
اﻟﻠﻄﻴﻒ ،وﺑﺄﺧﻼﻗﻬﺎ اﻟﺒﻬﺠﺔ اﻷﻧﻴﺴﺔ ،وﺑﺼﱪﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻋﺮﻳﻜﺘﻬﺎ اﻟﻠﻴﻨﺔ ،وﻋﻔﺘﻬﺎ اﻟﻨﻘﻴﺔ،
ﻓﱰاﻫﺎ ﻣﺮﺗﺪﻳﺔ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ واﻟﻠﻴﺎﻗﺔ ﺛﻮﺑًﺎ ،وﻣﻐﺘﺬﻳﺔ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺪود اﻻﻋﺘﺪال واﻻﻗﺘﺼﺎد.
ﺗﴪ ﻳﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﻜﺮه ِرﺟْ ﻠُﻬﺎ اﻟﺘﺒﺨﱰ ،ﻓﺘﻨﻬﺾ ﰲ اﻟﺼﺒﺢ ﺑﺎﻛ ًﺮا ﻣﺘﴪﺑﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﱡ
اﻟﻘﻮة واﻟﻨﺸﺎط ﻟﱰﺗﻴﺐ أﺷﻐﺎل اﻟﻨﻬﺎر ،واﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﻬﺎم ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ،ﻓﺘﻜﻮن ﻳﻨﺒﻮع ﺳﻌﺎدة رﺟﻠﻬﺎ،
وﻓﺨﺮ أوﻻدﻫﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻤﻌﻮن أﻧﺎﺷﻴﺪ ﻣﺪﺣﻬﺎ ،ﻓﻴﻬﻴﻤﻮن ﻃﺮﺑًﺎ ،وﻳﺰﻳﺪون ﻣﻦ إﻛﺮاﻣﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻋﻈﻴﻤً ﺎ.
ﻫﺬه ﻫﻲ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﺷﺄن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﺗﻘﺪم اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي أﴍف
ﻋﻤﻼ ،واﻟﺘﻲ ﻓﻮاﺋﺪﻫﺎ ﻻ ﺗﺤﴡ ،وآﺛﺎرﻫﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻘﴡ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﰲ ارﺗﻘﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ وأﺟﻞ ً
أﻛﺜﺮ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻹﻧﺬار واﻟﺘﻮﺑﻴﺦ ،وﺑﺪوﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻘﺪم ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺬﻛﻮ ًرا؛
وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ — ﻧﺤﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﺘﺪرج ﺳﻠﻢ املﻌﺎﱄ — ملﺜﻠﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪ ًة؛ ﻓﺈﻧﻲ أرى
اﻟﺒﻼد ﻇﻤﺄى ﻟﺘﺄﺛريﻫﺎ املﺤﻴﻲ ،وﻣﺂﺛﺮﻫﺎ اﻟﻐﺮاء .ﻓﺮﺟﺎﺋﻲ أن ﻳﺼﻴﺐ ﻣﻘﺎﱄ ﰲ ﻗﻠﻮب ﻧﺴﺎﺋﻨﺎ
ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ،ﻓﺘﺴﻤﻮ ﺑﻬﻦ اﻟﺒﻼد واﻟﻌﺒﺎد. ً
ﻓﻀﻼ ،وﻳﺜﻤﺮن ﺛﺮى ﺛﺮﻳٍّﺎ؛ ﻟﻴﺠﺘ ِﻨﺒ َْﻦ ﻧ ُ ْﻜ ًﺮا ،وﻳﺰددن
وﷲ وﻟﻴﻨﺎ ،وﺑﻪ ﻧﺘﻮﻓﻖ إﱃ ﺧري اﻷﺣﻮال«.
ﻣﺮﻳﻢ ﺧﺎﻟﺪ
وﻗﺎﻟﺖ ﺣﴬة اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻷدﻳﺒﺔ »ﻣﺮﻳﻢ ﺧﺎﻟﺪ« ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ» :وﺟﻮب ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت
ردٍّا ﻋﲆ ﻣﻌﱰض ﻫﺬا املﻘﺼﺪ«» :ﻻ أدري ﻣﺎ اﻟﺬي دﻓﻊ ﺑﺎ ُملﺘﻌﺮض إﱃ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ،وﻻ أﻋﻠﻢ
ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻐﺸﺎء اﻟﺬي ﻗﺎم أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻪ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻨﻈﺮ ﻣﻦ وراﺋﻪ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ
ﻳﻨﻜﺮﻫﺎ إﻻ ﻣﻦ أﻋﻤﺎه اﻟﺠﻬﻞ ،وﺧﻴﻢ ﻓﻮق رأﺳﻪ اﻟﻐﺮور ،وﻛﺄﻧﻲ ﺑﻪ وﻗﺪ رأى ُﻛ ٍّﻼ ﻳﺒﺪي رأﻳًﺎ
وﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻳَﻌِ ﱡﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﺴﻨﺎت وﻣﺴﺒﺒﺎت اﻟﻨﺠﺎح ﻛﻘﻮﻟﻪ» :ﻫﻞ ﺗﻘﺼﺪ أن ﺗﺮﺳﻞ اﺑﻨﺘﻚ
17
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﻠﻤﻜﺘﺐ …؟« أراد أن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﺒﺤﺚ ﰲ زواﻳﺎ دﻣﺎﻏﻪ ،وﻓﺘﺶ ﻣﺨﺒﺂت ﻗﺮﻳﺤﺘﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮ إﻻ أن
ﺗﻌ ﱡﻠﻤﻨﺎ ﺻﻮرة ﺧﺎرﺟﻴﺔ ،وﴐر ﻋﻈﻴﻢ ،ﻓﻬﻞ ﻳﻈﻦ أن اﻟﻌﻠﻢ ُﺧﻠﻖ ﻟﻠﺮﺟﻞ؟
ﻟﻌﻤﺮي إﻧﻪ ﰲ ﺿﻼل ﻣﺒني ،وﺧﻄﺄ ﻋﻈﻴﻢ ،وﻟﻨﻔﺮض أﻧﻨﺎ ﺳﻠﻤﻨﺎ اﻋﺘﻘﺎده وﺟﺎرﻳﻨﺎه ﻋﲆ
ﻗﺼﺪه ،ﺣﺴﺐ زﻋﻤﻪ ،أن اﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ اﻟﺒﻨﺎت ،ﺑﻞ ﻳُﻨﺘﺞ املﻀﺎر ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﻳﺎ ﺗﺮى؟ أﻳﺤﺴﺐ
أن أوﻟﻬﺎ اﻟﻨﻔﻘﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺬل ﻟﻮﺿﻌﻬﻦ ﰲ املﺪارس؟
ﺛﻢ إن املﺪارس ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺒﻨﺎت ﻣﻦ رﺗﺐ وﻃﺒﺎﺋﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺘﺪﺧﻞ اﻻﺑﻨﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻻ
ﺗﻌﺮف اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﲇ ،ﻓﺘﺴﺘﻨري ﺑﻌﺪﺋﺬٍ ،وﺗﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻓﺔ اﻟﻐرية ﻓﺘُﺠ ﱢﺮب أن ﺗﺠﺎري اﻟﺒﻨﺎت
اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻫﻦ أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ رﺗﺒﺔ وﻏﻨًﻰ ﺑﺎملﻼﺑﺲ واﻟﺰﻳﻨﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وﺗﻘﺘﺒﺲ ﻛﻞ ﻋﻮاﺋﺪﻫﻦ ﺣﺘﻰ
ﻳﺼﻌﺐ ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺮى اﻟﻔﺮق ﺑني اﻟﻐﻨﻴﺔ واﻟﻔﻘرية ،وﺗﺘﻤﺮن ﻋﲆ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ
ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻰ رﺟﻌﺖ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ ﺗﺮاﻫﺎ ﺷﺎﻣﺨﺔ ﺑﺄﻧﻔﻬﺎ ،ﻣﻌﺠﺒﺔ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻻ ﻳﻌﺠﺒﻬﺎ اﻟﻌﺠﺐ ،وﻻ
ﺗﻤﺎرس اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺒﻴﺘﻴﺔ ،ﻓﺘﺨﴪ واﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﺗﺤﺘﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن اﻷﺟﺪر ﺑﻬﺎ أن ﺗﺒﻘﻰ
ﰲ اﻟﺒﻴﺖ .ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﺣﺠﺔ املﻌﱰض ،ﻟﺘﻜﻦ.
وا أﺳﻔﺎه ﻋﲆ املﻌﱰض! ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أن ﻫﺬا اﻟﻐﻠﻂ ﻏري ﻻﺣﻖ ﺑﺎﻟﺒﻨﺎت ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺸﺒﺎن
ً
وأﻣﻴﺎﻻ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ً
أﻳﻀﺎ؛ ﻓﺈﻧﻲ أﻗ ﱡﺮ ﺑﻬﺬا اﻟﻐﻠﻂ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻋﻤﻮﻣﻴٍّﺎ ،أﻻ ﻳﻌﻠﻢ أن ﻟﻠﻨﺎس ﻃﺒﺎﺋﻊ
ﻓﺎﻟﺒﻌﺾ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ اﻹﴎاف واﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ،واﻟﺒﻌﺾ إﱃ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ،واﻟﺒﻌﺾ ﻟﻐﺮور
اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺷﻬﻮاﺗﻪ؛ ﻓﻼ ﺧﻮف ﻋﲆ اﺑﻨﺔ واﻗﻌﺔ ﺗﺤﺖ ﻇﺮوف ﻛﻬﺬه ،ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺎﺋﺸﺔ وﻣﻴﺎﻟﺔ
ﻟﻺﴎاف ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﻳﻌﻠﻖ ﰲ ذﻫﻨﻬﺎ أﺛﺮ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ،واﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ املﺪرﳼ،
ﻣﻴﻼ ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻷدب ،وﺗُﺪ ﱢرﺑﻬﺎ ﰲ
ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻮ ﻟﺰﻣﺖ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﻜﻔﻰ أن املﺪرﺳﺔ ﺗﺮﺑﻲ ﻓﻴﻬﺎ ً
أﻋﻤﺎل اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ املﺪرﺳﺔ ودﺧﻮﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺒﻴﺘﻴﺔ ،ﻻ
ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ أﻓﻜﺎر وﺗﻌﺐ ﺟﺰﻳﻞ ﻟﺘﺘﻌﻠﻢ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ؛ ﻓﻌﻠﻴﻚ أﻳﻬﺎ املﻌﺎرض أن ﺗﺘﺸﺠﻊ وﻻ ﺗﺨﺎف
ﻣﻦ ﻫﺬه املﻀﺎر ،ﺑﻞ أن ﺗﺼﻮب آﻣﺎﻟﻚ ﻟﻠﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت ،وﻻ ﺗﺤﺘﻘﺮ
ﻋﻤﻠﻬﻦ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺤﺘﻘﺮﻫﻦ ،وﻻ ﺗﻨﺲ أن املﺮأة ﻫﻲ املﺤﻮر اﻟﺬي ﺗﺪور ﻋﻠﻴﻪ أﺳﺒﺎب اﻟﻨﺠﺎح،
وﻫﻲ ﺳﺒﺐ اﻟﺘﻘﺪم واﻟﻔﻼح ،وﻫﻲ ﺣﺎﻓﻈﺔ ﻟﻠﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻣﺮآة اﻵداب اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ.
ﻻ ﻣﺸﺎﺣﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺒﻠﻎ اﻟﺮﺟﻞ أﺣﻴﺎﻧًﺎ؛ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﺗﻌﻮﻳﺪﻫﺎ ﻋﲆ إﻃﻼق
أﻋﻨﱠﺔ اﻷﻗﻼم ﰲ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ؛ ﻟﺘﺠﺘﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﺴﻠﻬﺎ اﻟﺸﻬﻲ ،وﺑﺬﻟﻚ
ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﳾء ،وﻳﻨﻄﻠﻖ ﻟﺴﺎن اﻷﺑﻜﻢ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﺒﻜﻢ اﻷﻟﺴﻨﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ
ﻄﺔ ﻋﻘﻠﻬﺎ وﺣﻘﻮﻗﻬﺎ. ﺑﺤ ﱠ
أﻣﺎ أﻧﺎ ،ﻓﻌﻨﺪي أن ﴏﻳﺮ أﻗﻼﻣﻨﺎ اﻟﺤﺎﴐة ﺳﻴﺪوي ﰲ ودﻳﺎن ﺳﻮرﻳﺎ ،وﻳﺆﺛﺮ ﰲ آذان
اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪات ﺑﺎﻟﺘﺤﻔﻆ ﰲ ﻛﻞ أﻣﺮ ﻳﺤﻂ ﺷﺄﻧﻨﺎ ،وﻣﻼزﻣﺔ اﻟﺨﻄﺔ
18
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﻗﺪرﻧﺎ وﻣﻘﺎﻣﻨﺎ .واﻋﻠﻤﻦ ﺑﺄن اﻷﻧﻈﺎر ﺗﺮاﻗﺒﻨﺎ ،واﻹﺻﻼﺣﺎت ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ،واملﺮأة ﻣﺮآة
اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻫﻴﻜﻠﻪ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻳﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻫﻮ ،ورﺟﺎؤﻧﺎ أن ﻧﻜﻮن ﻧﺤﻦ اﻟﺮاﺑﺤﺎت،
واملﻌﱰﺿﻮن اﻟﺨﺎﴎﻳﻦ.
وأﺧريًا ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺸﻜﺮ هلل ،وﻟﻮﻓﺮة اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺤﴬة اﻟﻌﻠﻴﺔ اﻟﺸﺎﻫﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺗﺮﻗﻲ اﻟﺒﻼد
واﻟﺮﻋﻴﺔ ،وأﻛﺜﺮ اﻵﺑﺎء اﻵن أدرﻛﻮا أﻫﻤﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻌﺾ أﻣ ًﺮا
ﻻزﻣً ﺎ ،ﻓﺄﻃﻠﻘﻮا ﻗﻴﻮدﻫﻦ ﺣﺘﻰ ﺑﺎدرن ﻋﲆ ﻧﺰر املﺴﺎﻋﺪة املﺒﺬوﻟﺔ ﻟﻬﻦ إﱃ ﻣﺠﺎراة اﻟﺮﺟﺎل«.
اﺳﺘريازﻫﺮي
وﻗﺎﻟﺖ ﺣﴬة اﻷدﻳﺒﺔ اﻵﻧﺴﺔ »اﺳﺘريازﻫﺮي« ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »اﻹﺣﺴﺎن اﻟﻜﺘﺎﺑﻲ«:
وﻣﺎذا ﻳﻔﻀﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻳﻜﺮس ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻨﴩ اﻵداب وإﻋﻼء ﻣﻨﺎرﻫﺎ؟ وأي ﺧﱪ ﻧﴩه
أﻃﻴﺐ ﻣﻤﻦ ﻳﺼﻞ ﺳﻮاد ﻟﻴﻠﻪ ﺑﺒﻴﺎض ﻧﻬﺎره ﺳﻌﻴًﺎ وراء ﻫﺪاﻳﺔ ﻏريه ﺳﺒﻞ املﻌﺮﻓﺔ ،ﻣﺴﺘﺠﻠﻴًﺎ
ﻛﺎﺷﻔﺎ ﻏﻮاﻣﻀﻬﺎ ،ﻻ ﻳﺄﺧﺬه ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻠﻞ ،وﻻ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﻛﻠﻞ؟ أﺟﻞ ،أﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه ً ﻋﻮﻳﺼﻬﺎ ﻟﻪ،
ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄ اﻟﻌﻠﻢ إﱃ اﻟﻴﻮم ،أﺷﻐﻠﻮا ﺟﻞ أوﻗﺎﺗﻬﻢ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ
ﺗﻌﻮد ﻋﲆ ﻋﻤﻮم اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﻊ ،وﺗﺪرأ ﻋﻨﻬﻢ املﻀﺎر .وﺑﻬﺬه اﻟﻮاﺳﻄﺔ ﻟﻢ ﺗﻘﴫ إﻓﺎداﺗﻬﻢ
ﻋﲆ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻋﺎﺷﻮا ﻣﻌﻪ ،أو اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻨﺘﴩة ﰲ
ُ
املﻌﺮﻓﺔ ﺳﻤﺎءﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻻﺑﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﺛﻮﺑًﺎ ﻗﺸﻴﺒًﺎ ﻻ ﺗﺒﻠﻴﻪ اﻷﻳﺎم ،وﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻛﻞ ﻗﻄﺮ ﻣﺪﱠت
ﻓﺨﻠﺪت أﺳﻤﺎؤﻫﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺧري أﺛﺮ .وﻣﻦ رﻏﺐ ﰲ أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎن ﺑﻪ ﻛﺮور اﻷﻋﻮامُ ،
اﻟﻜﺘﺎﺑﻲ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج أن ﻳﺠﻤﻊ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻟﻴﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻌﺎرﻓﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ
اﻟﻌﻠﻤﺎء ﰲ ﺳﺎﻟﻒ اﻷﻳﺎم ،ﺑﻞ ﺧﻮﻟﺘﻪ اﻟﺘﻘﺪﻣﺎت اﻟﻌﴫﻳﺔ ﻣﻘﺪرة ﻋﲆ وﺿﻊ أﻓﻜﺎره وﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ
ﰲ ﻛﺘﺎب ﻳﻨﴩه ﺑني املﻸ ،ﻓﺘﺘﻨﺎوﻟﻪ اﻷﻳﺪي ،وﻳﻘﻄﻒ أﺛﻤﺎره اﻟﻘﺎﴆ واﻟﺪاﻧﻲ ،وﻧﺮى ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ
ﻳﻘﻮم ﻣﻘﺎﻣﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻋﴫ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻓﻨﻲ املﺆﻟﻒ وﻟﻌﺒﺖ اﻟﺪﻳﺪان ﰲ ﺟﺴﺪه؛ ﺑﻘﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑني
أﻳﺪي اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻌﺪه ﻳﻐﺬون ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺑﻤﻮاده.
19
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻋﻠﻴﻪ ﻧﺮى اﻹﺣﺴﺎن اﻟﻜﺘﺎﺑﻲ آﻟﺔ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ املﺤﺴﻨﻮن ﻹذاﻋﺔ اﻵداب واﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ،
ﻓﺘﻐﻨﻲ اﻟﻄﻼب ﻋﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬة ،ﻓﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻬﻢ أﺣﻮاﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل إﱃ
ﻗﺎﺋﻼ» :ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻲ املﻌﺮﻓﺔ املﺪارس ،وﺟﺪوا ﻫﺬا اﻷﺳﺘﺎذ ﻳﻨﺎدي ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺠﻬﻮري ً
ً
ﺷﻔﻮﻗﺎ ﻣﺤﺒٍّﺎ وراﻏﺒﻲ اﻟﺘﻘﺪم؛ ﻓﻬﺎ أﻧﺎ أﺳﺘﻘﺒﻠﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﺮﺣﺐ واﻟﺴﻌﺔ ،وﺳﱰون ﻣﻨﻲ أﺳﺘﺎذًا
ً
ﺗﻌﻮﻳﻀﺎ ،ﻓﻼ أﺗﺮك ﻣﺤﺴﻨًﺎ ،أرﻏﺐ ﰲ ﺗﻘﺪﻣﻜﻢ ،وإﻋﻼء ﺷﺄﻧﻜﻢ ،ﻻ أﻃﻠﺐ ﻣﻨﻜﻢ أﺟ ًﺮا وﻻ
ﻇﻬﺮ ﻣﺨﺒﺂﺗﻪ ،ﻓﻼ ﻳﺄﺧﺬﻛﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻠﻞ، ﻏﺎﻣﻀﺎ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء أو ﺗﺤﺖ اﻟﺜﺮى إﻻ وأﺟْ ﻠُﻮه ﻟﻜﻢ ،وأ ُ ِ
ً
ﺑﻞ ﺛﺎﺑﺮوا ﻋﲆ ﺧﻄﺘﻜﻢ ،واﺟﺘﻬﺪوا ﺑﺎﻟﺜﺒﺎت ﻓﻴﻬﺎ؛ ﺗﺮوﻧﻨﻲ ﻃﻠﻖ املﺤﻴﺎ ﻻ أﺳﺄم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﺬر
ً
ﻣﻤﺜﻼ ﻃﺎ ﺳﻮﻳٍّﺎ ،وأﻋﺪ ﺷﻴﺨﻜﻢ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪم، ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻌﻞ أﻣﺮ .وﻫﺎ أﻧﺎ أﻫﺪي اﻟﺸﺎب ﻣﻨﻜﻢ ﴏا ً
ﻟﻪ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ:
ﻓﺄﻃﺎﻋﻮا دﻋﻮﺗﻪ ،ووﻟﺠﻮا ﺣﺪاﺋﻘﻪ اﻟﻨﺎﴐة ،وﻣﺮوﺟﻪ اﻟﺨﴬاء ،ﻓﺎﻗﺘﻄﻔﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ
ﻃﺎب ﻟﻬﻢ ،وﻋﺎدوا ﻇﺎﻓﺮﻳﻦ ،ﻓﻌﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺷﻌﺮوا ﺑﻔﻀﻞ وﻣﻨﺔ ﻣَ ﻦ أﺣﺴﻦ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﺘﺂﻟﻴﻔﻪ اﻟﺘﻲ
أﻧﺎرت ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ،ﻓﺎﻗﺘﺪوا ﺑﻪ ،وﺑﺪءوا ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻒ ﻋﲆ اﻟﻐري ﻣﺸﺎق اﻟﺪرس
ﺣﺴﻦ إﻟﻴﻬﻢ .وﻣَ ﻦ ﻳﺘﺄﻣﱠ ﻞ املﺘﺎﻋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪق ﺑﺎﻟﻌﻠﻤﺎء ﻻﻓﺄﺣﺴﻨُﻮا ﻛﻤﺎ أ ُ ِ
َ اﻟﺬي ﻟﺰﻣﻬﻢ،
ً
ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ إﻛﺮاﻣﻬﻢ وﺗﺒﺠﻴﻠﻬﻢ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻻﺿﻄﻬﺎدات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳُﺠﺎ َزى ﺑﻬﺎ
ﻣﻦ ﴏﱠ ح ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻢ ﻳﺪرﻛﻬﺎ زﻣﻼؤه ﰲ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻐﺎﺑﺮة ،وﻛﻔﻰ »ﺑﻐﻠﻴﻠﻮ« ﺑﺮﻫﺎﻧًﺎ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ
ﺻﺎدق ﻋﲆ ﻗﻮل »ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس« ﺑﻜﻮن اﻟﺸﻤﺲ ﺳﺎﻛﻨﺔ ،واﻷرض ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ؛ ﻧُﻔﻲ إﱃ ﺳﺠﻦ
ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ أﻫﻠﻪ وﺧﻼﻧﻪ ،وﻣﺎت ﻓﻴﻪ .وﻋﻠﻴﻪ »ﻓﻐﻠﻴﻠﻮ« ﻛﺎن أﺳري اﻻﻋﺘﺼﺎب
ﻛﻤﺎ ﻗﺎل »ﻣﻠﺘﻨﻲ« ،اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ،ﻋﻨﺪ ﻣﺤﺎﻣﺎﺗﻪ ﻋﻨﻪ :أﻻ إن أﺿﺪاده ﻟﻢ ﻳﻘﺪروا
ﻋﲆ ﺳﺠﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ أذاﻋﻬﺎ »ﻏﻠﻴﻠﻮ« ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻘﺪم اﻟﺸﻜﺮ هلل
ﺗﻌﺎﱃ ،اﻟﺬي أوﺟﺪﻧﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ اﻟﺤﻤﻴﺪي ﺗﺎج اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻐﺎﺑﺮة ،ﻓﻔﺴﺢ ﻓﻴﻪ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء
ﻣﺠﺎل ﺑﺚ ﺣﻘﺎﺋﻘﻬﻢ ﺑني اﻟﺸﻌﻮب؛ ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ أﻛﱪ ﻧﺼري ﻟﺘﻘﺪم اﻟﻌﻠﻮم ،وأﻋﻈﻢ ﻋﺎﺿﺪ
ﻟﻨﴩﻫﺎ!
وﻣﻤﺎ ﻣ ﱠﺮ ﻧﺮى أن اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﺘﻔﺰﻫﻢ وﻋﺪ ،أو ﻳﺮﻫﺒﻬﻢ وﻋﻴﺪ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺒﻠﻮن
املﻮت ﻓﺪاء ﻟﺤﻘﺎﺋﻘﻬﻢ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳُﺴﺎﻗﻮن ﻟﺘﻨﺎول ﴐوب اﻟﻌﺬاب ﻛﻤﻦ ﻳﺬﻫﺐ ﻟﻴﻨﺎل إﻛﻠﻴﻞ
اﻟﻈﻔﺮ ،وﻟﻮﻻ ذﻟﻚ َ
ﻻﻧﻔ ْ
ﻨﺖ املﻌﺮﻓﺔ وﻋ ﱠﻢ اﻟﻔﺴﺎد ،وإذا رﻏﺒﻮا ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﺗﻜﻮن ﻏﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ
ﺳﻮى ﻧﻔﻊ اﻟﻐري ،ﻓﻴﻨﻜﺮون ذاﺗﻬﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﺣﺴﺎن .وﻳﺆﻳﺪ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ »ﻣﻠﺘﻮن« ﻋﻨﺪﻣﺎ
20
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
ﻛﺎن ﻳُﺆ ﱢﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﻪ املﺴﻤﻰ »ﺑﺪﻓﺎع اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ« ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻧﺬره اﻷﻃﺒﺎء ﺑﺎﻟﻌﻤﻰ ،إن ﻟﻢ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ
اﻟﺪرس واﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ،ﻓﻘﺎل» :إن ﻛﺜريﻳﻦ ﻳﺒﺘﺎﻋﻮن اﻟﺨري اﻟﺼﻐري ﺑﺎﻟﴩ اﻟﻜﺒري .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺤﺴﺒﻲ
أن أﺑﺘﺎع اﻟﺨري اﻟﻜﺒري ﺑﺎﻟﴩ اﻟﺼﻐري «.ﺣﺎﺳﺒًﺎ ﻋﻤﻰ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﴍٍّا ﺻﻐريًا ﰲ ﺟﻨﺐ اﻟﺨري
اﻟﻜﺒري اﻟﺬي ﻫﻮ ﺧري ﺑﻼده.
وﻋﲆ اﻟﺮاﻏﺐ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎن ﻛﺘﺎﺑﻴٍّﺎ أن ﻻ ﻳﺮﻫﺐ ﰲ اﻟﺤﻖ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ ،ﺑﻞ ﻳُﺬﻳﻊ اﻟﺼﻮاب
ﻣﻨﺘﴫً ا ﻟﻪ ﺑﻜﻠﻴﺘﻪ ،وﻟﻮ ﺧﺎﻧﺘﻪ املﺴﻜﻮﻧﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،ﻣﺒﺘﻌﺪًا ﻋﻦ أن ﻳﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺸﺤً ﺎ ،وإذا
ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ أدى املﻌﺎرف ﺣﻖ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺮاﻋﻲ ذوق اﻟﺠﻤﻬﻮر
ﻣﺜﻼ ردﻋﻬﻢ ﻋﻦ ﻃﺮق أﻟﻔﻮﻫﺎ، ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮى ﻣﻨﻬﻢ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈذا أراد ً
ُﻈﻬﺮ وﺟﻮه املﻀﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﻣﻨﻬﺎ وﻫﻲ ﻣﴬة ﻟﻬﻢ ،ﻟﺒﻌﺪﻫﻢ ﻋﻦ اﻟﺘﻘﺪم؛ ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳ ِ
اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ؛ ﻟﻼﺑﺘﻌﺎد ﻋﻨﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﻟﻬﺠﺔ اﻷﻣﺮ ،ﺑﻞ ﻛﻤﺮﻳﺪ اﻹﺻﻼح ،وﻋﻠﻴﻬﻢ
ﺣﺴ ُﻦ اﻻﺧﺘﺒﺎر ،وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻗﺪ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻨﻬﻢ.
وﻗﺎﻟﺖ ﺣﴬة اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻷدﻳﺒﺔ »اﺳﺘري ﻫﻮري« — ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »اﻟﺮواﻳﺎت«،
اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺘﻬﺎ ﰲ دار املﺪرﺳﺔ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻤﺜﻴﻞ رواﻳﺔ »املﴪف«» :اﻟﺮواﻳﺎت — واﻟﻜﻞ
ﻳﻌﻠﻤﻮن — ﺣﻘﺎﺋﻖ ،ﻻ ﺑﻞ ﻓﻮاﺋﺪ ﻣﻠﺒﺴﺔ ﺑﻠﺒﺎس اﻟﻬﺰل ،وﻣﻨﺎﻓﻊ ُﻗﺪﱢﻣﺖ ﰲ ﻣﻌﺮض املﺠﻮن
ﺗﻠﺬ ﻟﻠﺴﺎﻣﻊ ،وﺗُﺨﻮﱢل ﻧﻈﺮه ﻗﻮة ﺗﺤﻜﻢ ﺑني ﺻﺤﻴﺢ اﻷﻣﻮر وﻓﺎﺳﺪﻫﺎ ،ﻓرياﻫﺎ ﺑﻌني اﻟﺨﱪة
وﻗﺪ أﻣﻴﻂ اﻟﻨﻘﺎب ﻋﻦ ﻣﺆداﻫﺎ ،وﻳﺴﱪ ﻏﻮر ﺗﺠﺎرب أﺧﺬت ﻗﺴﻤً ﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﻤﺎ
ﻳﻔﻮق اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺘﺤﻨﻜﻪ ﺑﻼ ﺗﻌﺐ وﻻ ﻛﺪ ،ورﺑﻤﺎ ﻋﻦ ﻏري ﻗﺼﺪ ﰲ ﻣﻌﺮض اﻟﻠﺬة اﻟﺘﻲ
ﻳﻨﺎﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺗﻤﺜﻴﻠﻬﺎ ﻓﺘﻔﻴﺪه ،وﺑﺎﻟﺤﺮي ﺗﺮﺑﻴﻪ ﺑﺎﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺮت ﻋﻠﻴﻪ ،وﻗﺪ
ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ:
وﻓﻮاﺋﺪﻫﺎ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ أن ﺗُﺤﴫ ﺑﺨﻄﺎب ﻳﺪوﻧﻪ ﻗﻠﻢ ﻋﺎﺟﺰة ﻧﻈريي ،وﻣﻘﺎﻟﺔ ﻳﺤﴫﻫﺎ
ﻣﺠﺎﻻ ﻓﻌﻤﻠﺖ ﺑﻘﻮل ﻣﻦ ﻗﺎل» :وإن وﺟﺪت ﻟﺴﺎﻧًﺎ
ً ﻳﺮاع ﻗﺎﴏة ﻣﺜﲇ ،ﺑﻴﺪ أﻧﻲ وﺟﺪت ﻟﻠﻜﻼم
ً
ﻗﺎﺋﻼ ﻓﻘﻞ«.
ﻓﺈذا ﺗﻤَ ﻌﱠ ﻨﱠﺎ ﰲ اﻟﺮواﻳﺎت ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ إﱃ ﻋﻬﺪﻧﺎ ﻫﺬا؛ ﻧﺮى أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﻮان ﻓﻀﺎﺋﻞ
اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻐﺎﺑﺮة أو أﺧﻼﻗﻬﺎ ،ﺑﺤﺴﺐ املﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ اﺑﺘﺪاء ﻋﻬﺪﻫﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻌﻘﺎب املﺠﺮﻣني وإﻋﺪام اﻷﴎى ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗُﻤﺜﻞ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻬﻴﺌﺔ ﺗﻘﺸﻌﺮ ﻣﻨﻬﺎ
21
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻷﺑﺪان ،وﺗﺸﻤﺌﺰ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻨﻔﻮس ،ﺑﺤﻴﺚ إن ﻣﻤﺜﻠﻴﻬﺎ ﻗﻠﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﻠﻌﺒﻮا دورﻫﻢ ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﰲ رواﻳﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻜﱪى.
ﺛﻢ ﺳﻤﺖ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﻹﻇﻬﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺻﺎرت ﻟﺘﺴﻠﻴﺔ
املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء إﱃ أن ﺗﺤﺴﻨﺖ أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ،وﺻﺎرت ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ إﺻﻼح ﻣﺎ ﻓﺴﺪ
ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺋﺪ واﻷﺧﻼق ،وﺑﻴﺎن ﻣﺼري ﺗﺎﺑﻌﻴﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺮدﻳﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺪر ﻛﺄس ﺻﻔﺎء
ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﺗﻌﺒﺚ ﺑﺮاﺣﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وإﻇﻬﺎر ﻣﺎ ﻟﻠﻔﻀﺎﺋﻞ ﻣﻦ املﺰاﻳﺎ اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻜﻲ
ﻧﻘﺘﺪي ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﻧﺤﺐ أن ﻳﻌﺰب ﻋﻦ ﺑﺎﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻓﺘﺨﱪ اﻟﺠﻤﻴﻊ
اﻟﺤﺎﴐ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن.
وﻫﻲ ﻣﻔﻴﺪة ﻟﺘﻼﻣﺬة املﺪارس ﺑﻤﺎ ﻟﻴﺲ دون ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﺎس ،ﺑﻞ أﺳﻤﻰ وأﺟﻞ؛ ﻷن
ﺗﺄﺛري اﻟﺤﻮادث ﰲ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻷﺣﺪاث ﻳﻔﻮق ﺑﻤﺮات ﺗﺄﺛري اﻟﻜﻼم املﺠﺮد ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذا راﺟﻊ ﻛﻞ
ﻣﻨﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻳﺮى ﺻﺤﺔ ﻗﻮﱄ ،وﻧﺎﻫﻴﻚ ﺑﺎﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺘﻨﻴﻬﺎ املﺸﺨﺼﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ
ﻋﺒﺎرات ﻳﻠﺘﻘﻄﻮﻧﻬﺎ ،وأﻣﺜﺎل ﻳﺤﻔﻈﻮﻧﻬﺎ ،وﺣﻜﻢ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻮﻧﻬﺎ ،ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻃﺮﻗﻮا ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﺘﺬﻛﺎر
ﻳﺮون ﻣﺎ اﻟﺬي وﻋﻮه ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر ،وﻻ ﺣﺎﺟﺔ أن ﻧﻘﻮل :إن وﻗﻮﻓﻬﻢ وﻫﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻦ
ﰲ ﻣﺤﻔﻞ ﺣﺎﻓﻞ ﻛﻬﺬا ﻳﺠﻌﻞ وﻗﻮﻓﻬﻢ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﻤﺎ ﺗﺮون ﻣﻨﻲ إﻻ ﺗﺼﻔﻴﻖ.
وﻟﻠﺮواﻳﺎت ﴍوط ﻟﻮ ﺗﻌﺪﺗﻬﺎ ﻟﺴﻘﻄﺖ ﻓﻮاﺋﺪﻫﺎ ،وﻋﺒﺚ ﺑﺎملﻘﺼﻮد ﻣﻨﻬﺎ ،ﻏري أﻧﻲ
أﴐب ﻋﻦ ﺗﻌﺪادﻫﺎ اﻵن .وﻟﺪﻳﻨﺎ رواﻳﺔ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺄوﺿﺢ ﻣﺎ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻪ ﻟﺴﺎن ،ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ
ﻣﻦ أﺣﺴﻦ املﻮاﺿﻴﻊ ،وﻣﺎدﺗﻬﺎ ﻣﻦ أﻏﺰر املﻮاد ،وﻣﻐﺰاﻫﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻐﺰى؛ ﻓﻬﻲ ﻗﺪ ﺧﺎﺿﺖ
ﺑﺤﺮ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﺜﺮ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻄﺖ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻔﺲ اﻟﺪرر ،وﺗﻘﻠﺪت ﺑﻬﺎ زﻳﻨﺔ وﺑﻬﺎء ،ﻓﺸﻜ ًﺮا ﻟﻨﺎﺳﺞ
ﺑُ ْﺮدﻫﺎ أﻓﺎض ﻓﺄﺟﺎد ،وملﺴﺎﻋﻲ رﺋﻴﺲ املﺪرﺳﺔ اﻟﻬﻤﺎم ،وﻣﺪﺣً ﺎ ﻟﻔﺘﻴﺔ ﻧﺠﺒﺎء أﺣﺴﻨﻮا اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ
وأﺟﺎدوا اﻹﻟﻘﺎء .ﻧﺴﺄل ﷲ داﺋﻤً ﺎ ﻧﻔﻌﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻧﺮاه؛ ﻓﻬﻮ املﺠﻴﺐ اﻟﺴﻤﻴﻊ«.
وﻗﺎﻟﺖ ﺣﴬة اﻷدﻳﺒﺔ »ﺳﺎرة ﻧﻮﻓﻞ« ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﺼﺤﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ املﻮدة«؛ اﻟ ﱢﺰي:
»ﻫﺮﻋﺖ ﻧﺴﺎء اﻟﻐﺮب إﱃ داﺋﺮة اﻟﺘﻔﻨﻦ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺒﻬﺎرج ،وأﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺰﺧﺎرف ،وأﺧﺬن ﺑﻤﻨﺎﻇﺮة
ﺑﻌﻀﻬﻦ ﰲ اﺧﱰاع اﻷزﻳﺎء ،واﻟﺘﻼﻋﺐ ﰲ ﺻﻮرﻫﺎ وأﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﺗﺒﺎﻫﻴًﺎ واﻓﺘﺨﺎ ًرا ،ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻦ
ﺑﻬﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻊ واﻟﱰﻛﻴﺐ ،وﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﻦ ﻳﻘﻮل:
وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻷزﻳﺎء ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻨﺎ ،ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﺎؤﻧﺎ وﺑﻨﺎﺗﻬﻦ ﻗﺎﻧﻌﺎت ﺑﻤﺎ
ورﺛﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﻌﻮاﺋﺪ ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﻴﺤﺔ املﺒﻨﻰ ،أو ﺳﻘﻴﻤﺔ املﺒﺪأ ،راﺿﻴﺎت ﺑﻤﺎ
22
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
ﻳﺨﺘﺎره رﺟﺎﻟﻬﻦ وآﺑﺎؤﻫﻦ ﻣﻦ اﻷزﻳﺎء وأﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ،واﻷﺛﻮاب وأﻟﻮاﻧﻬﺎ ،و ُﻛ ﱠﻦ ﺑﺤﺎﻟﺘﻬﻦ ﻫﺬه
ﻣُﻤﺘﱠﻌﺎت ﺑﺘﻤﺎم اﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ واﻟﻬﻨﺎء ،وﻛﻤﺎل اﻟﺼﺤﺔ واﻟﺼﻔﺎء.
ً
ﺿﻴﻔﺎ وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮﻧﺎ ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻇﺮة ﺑﺨﻴﻠﻬﺎ و َرﺟْ ﻠﻬﺎ ،ودﺧﻠﺖ ﺑﻼدﻧﺎ
ﻏري ﻣﺤﺘﺸﻢ ،واﺳﺘﻤﺎﻟﺖ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺒﻨﺎت إﱃ اﻷﺧﺬ ﺑﻨﺎﴏﻫﺎ ،ﻓﺘﻐريت اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷوﱃ
ﺑﻀﺪﻫﺎ ،واﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﻋﻮاﺋﺪﻧﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إﱃ ﻋﻜﺴﻬﺎ ،وارﺗﻔﻊ ﻋﻠﻢ »املﻮدة« — أي اﻟ ﱢﺰي اﻟﺠﺪﻳﺪ
— ﰲ رﺑﻮﻋﻨﺎ ﺣﺘﻰ راﺟﺖ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ ،وﻧﺎل ﻣﻦ أﻓﺌﺪﺗﻨﺎ ﺑﻐﻴﺘﻪ ،وﻣﺎ ﻛﺎن راﻓﻌﻪ إﻻ ﺑﻌﺾ
اﻟﻠﻮاﺗﻲ أﻏﻤﻀﻦ اﻟﺠﻔﻦ ﻋﻤﺎ ﻳﺘﺨﻠﻞ ﻫﺬه املﻮدة ﻣﻦ اﻹﴐار ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ،وأﻗﺪﻣﻦ
ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺘﱠﺸﺒﱡﻪ واﻟﺘﻤﺜﱡﻞ ﺑﺒﻨﺎت ﺟﻨﺴﻬﻦ اﻟﻐﺮﺑﻴﺎت إﱃ اﻻﻧﻘﻴﺎد ﻟﺤﻜﻢ اﻷزﻳﺎء اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﺘﻲ ﻟﻮ
ﻋﺮﺿﻨﺎﻫﺎ ﻋﲆ اﻷﻗﺪﻣني ﻟﻈﻨﻮﻫﺎ ﻣﻦ أﺛﻮاب اﻟﻬﺰل ،ﻛﺄﺛﻮاب املﺴﺎﺧﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺒﺴﻬﺎ اﻵن ﺑﻌﺾ
اﻟﻨﺴﺎء ﰲ أﻳﺎم املﺮاﻓﻊ؛ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻋﺪاد اﻟﺘﻘﺎﻃﻴﻊ واﻷﺷﻜﺎل ،وﻋﺪﻳﺪ اﻟﺼﻮر واﻷﻟﻮان .وﻟﻮ
ﺗﺼﻔﺢ ﻫﺬا اﻟﺒﻌﺾ ﻛﺘﺐ اﻟﺤﻜﻤﺔ وﻗﺎﻧﻮن اﻟﺼﺤﺔ ﻟﺤﻜﻤﻦ ﻋﲆ ﻧﻔﻮﺳﻬﻦ ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ ،وﻋﻠِﻤْ َﻦ
ﻛﻴﻒ ﺗﻮ ﱠرﻃﻦ ﺑﺄﻫﻮاﺋﻬﻦ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻤﺲ اﻟﻮاﺟﺐ املﻔﺮوض ﻋﻠﻴﻬﻦ ﰲ ﻧﻈﺎم اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ،
اﻟﺘﻲ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ﺳﻼﻣﺘﻬﺎ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي وﺻﻴﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ آﻓﺔ اﻷﻣﺮاض اﻟﻮراﺛﻴﺔ.
وﻣﻦ اﻟﺒﺪﻳﻬﻲ املﻘﺮر ﰲ اﻷذﻫﺎن أن اﻷﺛﻮاب اﻟﻀﻴﻘﺔ ﺟﺪٍّا ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ ﻋﺜﺮة ﻟﻠﺪورة
ً
ﻣﻌﺮﺿﺎ اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﰲ ﺟﺴﻢ ﻻﺑﺴﻬﺎ ،وﻣﺘﻰ اﺧﺘﻞ ﻧﻈﺎم ﻫﺬه اﻟﺪورة اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻛﺎن اﻟﺠﺴﻢ
ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض ،ﻓﻜﻴﻒ ﻟﻮ ﺷﺪت اﻟﻨﺴﺎء ﺧﺼﻮرﻫﻦ ﺑﻤﺸﺪ ﻣﻮﺳﻮ ٍم ﺑﻠﻐﺔ اﻹﻓﺮﻧﺞ
»ﺑﻜﻮرﺳﻴﻪ« أو »ﺑﻮﺳﻄﻮري« ﺣﺒﺎل ﻣﺘﻴﻨﺔ ،وأﺿﻼع ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﲆ اﺣﺘﻤﺎل ﻗﻮﺗﻬﺎ
اﻟﻀﺎﻏﻄﺔ ﺟﺴﻢ ،أو ﺿﻤﻤﻦ أرﺟﻠﻬﻦ وأﺻﺎﺑﻌﻬﻦ ﺑﺄﺣﺬﻳﺔ ﻻ ﻧﻘﺪر أن ﻧَﻔِ ﻴَﻬﺎ ﺣﻖ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ،
إﻻ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ ﺑﺎﻷﺣﺬﻳﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﺻﻐ ًﺮا وﻗﺎﻟﺒًﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻌﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﻳﺄﻛﻠﻦ ﺑﻠﺬة،
أو ﻳﻤﺸني ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺎت ﺑﺤُ ﱢﺮﻳﺔ ،ﺑﻞ ﻧﺮى اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﺎ ﻣﻊ ﻫﺬه املﻀﺎﻳﻘﺔ وذاك اﻷﴎ
ﻣﻤﺴﻜﺔ ﺑﺄذﻳﺎل ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة اﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﺻﺎﻏﺮة ﻷﺣﻜﺎﻣﻬﺎ اﻟﺼﺎرﻣﺔ ،ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ إﱃ ﻣﺎ ﺷﺎء
ﷲ.
وإذا ﺳﺄﻟﻨﺎ إﺣﺪى اﻟﻠﻮاﺗﻲ ُرﺑﱢني ﰲ ﻣﻬﺪ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ واﻵداب ،وﺗﺜﻘﻔﺖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻦ ﰲ ﻣﺪارس
اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﺮﻓﻦ أن اﻟﻜﻤﺎل إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻤﺤﺎﺳﻦ اﻷﻋﻤﺎل أن :أي اﻟﺜﻮﺑني اﻵﺗﻲ ذﻛﺮﻫﻤﺎ
أﺣﺴﻦ ﻧﻔﻌً ﺎ ،وأﻛﺜﺮ ﻓﺎﺋﺪة ،وأﻟﻄﻒ ﻣﻨﻈ ًﺮا ،أﺛﻮب ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻨﺴﻮج ﻣﻦ اﻟﺼﻮف ،أو ﻣﻦ
ﻛﻼ ﻣﻦ ﻓﺼﻮل اﻟﺴﻨﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ،وﻳﺠﺮ ﺑﺬﻳﻠﻪ ﻋﻨﻮان اﻟﻘﻄﻦ أو اﻟﺤﺮﻳﺮ أو اﻟﻜﺘﺎن ﻳﻮاﻓﻖ ٍّ
اﻟﻌﻔﺔ واﻟﻮﻗﺎر ،وﺳﻤﺎت اﻟﻄﻬﺎرة واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺤﻔﻆ ﺑﻮﺳﻌﻪ اﻟﻘﻠﻴﻞ راﺣﺔ املﺮأة وﺻﺤﺘﻬﺎ
ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة ،أو ﺛﻮب ﻣﻦ أﺛﻮاب اﻷزﻳﺎء اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻀﻮع ﻷﺣﻜﺎم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ
23
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﻓﻀﻼ ﻋﻤﺎ ﻳﻠﻬﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﴎاف واﻟﺘﺒﺬﻳﺮ؟ ﻟﻘﺎﻟﺖ: واﺳﺘﺒﺪاده،
ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ اﻟﻮﺟﺎﻫﺔ واﻟﺜﺮوة ،وﻻ ﻧﻨﻜﺮ ﻧﻌﻢ ،ﻧﻘ ِﺪ ُر أن ﻧﻠﻮﻣﻚ ،أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ،إذا ِ
ﻋﻠﻴﻚ ﺣﻜﻢ اﻟﴬورة اﻟﺘﻲ أﴍت إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻷﻧﻚ ﻣﻌﺬورة ﺑﻌﺪم اﻧﻔﺮادك ﻋﻦ زﻣﻴﻼﺗﻚ واﻻﻗﺘﺪاء
ﺑﺒﻨﺎت ﺟﻠﺪﺗﻚ ،ﻋﲆ أﻧﻨﺎ ﻧﻠﻮم وﻻ ﻧﻌﺬر ﺗﻠﻚ املﺮأة اﻟﻮﺟﻴﻬﺔ اﻟﻐﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺢ اﻟﺪﻫﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺑﻮاﺳﻊ اﻟﺨريات ،وﻏﺎﻳﺔ اﻟﻮﺟﺎﻫﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻨﺜﻦ ﻋﺰﻣً ﺎ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻇﺮة اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻫﻦ أﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ رﺗﺒﺔ
ﺣﺎﻻ وﺛﺮوة؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺎدرة أن ﺗﺠﻌﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻧﱪاس اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻟﻴﻘﺘﺪي ﺑﻬﺎ وﻣﻘﺎﻣً ﺎ ،وأﺿﻌﻒ ً
اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻫﻦ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﺰﻟﺔ ،وﻫﻜﺬا ﺗﻘﺘﺪي اﻟﺼﻐﺮى ﺑﺎﻟﻜﱪى ﺗﺪرﻳﺠً ﺎ؛ ﺣﺘﻰ
ﺗﺼﻞ إﱃ ﺣﻴﺚ املﻄﻠﻮب واملﻘﺼﻮد واملﺮﻏﻮب.
أﻣﺎ اﻵن ﻓﻨﺮى املﺴﺄﻟﺔ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ وﺟﻮﻫﻬﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪ ا ُملﺜْﺮﻳﺎت ﻣﻨﺎ اﻟﻠﻮاﺗﻲ
ﻟﺠﻤﻌﻴﺎت ﻳﺘﺴﺎﺑﻘﻦ إﱃ ﻣﻴﺪان املﻮدة ،وﻳﱪزن ﺑﺤﻠﻠﻬﻦ وﺣﻠﻴﻬﻦ ﺗﻴﻬً ﺎ ٍ َﻜﻦ ﻗﺪو ًة
ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳ ﱠ
وإﻋﺠﺎﺑًﺎ ،وﻳﺘﻔﺎﺧﺮن ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﺜﻮب ﺟﺪﻳﺪ إﻋﻼﻣً ﺎ ﺑﺒﺬﺧﻬﻦ وإﴎاﻓﻬﻦ ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ
َﺤﻤﻠﻬُ ﱠﻦ ﻋﲆ إﻗﺪاﻣﻬﻦ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻫﺬا ﻳﺠﺪد ﰲ ﻧﻔﻮس ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺴﺎء روح اﻟﻐرية واﻻﻗﺘﺪار ،وﻳ ِ
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﴐاره ﺑﺼﺤﺘﻬﻦ وراﺣﺘﻬﻦ. ً اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ا ُملﴬﱢ ﺑﺼﺎﻟﺤﻬﻦ املﺎدي واﻷدﺑﻲ،
ُﻌﺮب ﻋﻦ ﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ اﺳﺘﺌﺼﺎل وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ إﺣﺪى اﻟﺴﻴﺪات املﺜﺮﻳﺎت ﻣﺎ ﻳ ِ
»املﻮدة« وﻣﻀﺎرﻫﺎ اﻟﺼﺤﻴﺔ واملﺎدﻳﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻨﻲ أود ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ ﻓﺆادي أن أﺣﺬو
ﺣﺬو اﻟﺴﻴﺪات اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺎت ﰲ أزﻳﺎﺋﻬﻦ؛ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻄﺎﻓﺔ واﻟﻠﻴﺎﻗﺔ واﻟﻠﺒﺎﻗﺔ واﻟﺮاﺣﺔ ،ﻟﻜﻨﻲ
ﺨﻼن ﺑﴩف وﺟﺎﻫﺘﻲ وﺛﺮوﺗﻲ، أﺧﺎف أن أﻛﻮن اﻟﺒﺎدﺋﺔ ﻟﺌﻼ ﻳﻨﺴﺐ إﱄ ﱠ اﻟﺒﺨﻞ واﻟﺘﻘﺘري ا ُمل ﱠ
أو ﻳُﻈﻦ ﺑﻲ اﻟﻔﻘﺮ وﻋﺪم اﻻﻗﺘﺪار ﻋﲆ ﻣﺠﺎراة ﻧﺴﻴﺒﺘﻲ دﻋﺪ ،وﺣﺴﻴﺒﺘﻲ وﺻﺎﺣﺒﺘﻲ أﺳﻤﺎء،
َﻤﺲ اﻟﺘﻤﺪن ،وﻟﻜﻦ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻮﻫﻢ ،ﻋﲆ أﻧﻨﻲ وﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﺳﻠﻤﻰ .وﻫﺬا أﻣﺮ ﻳُﺰري ﺑﺎملﺠﺪ ،وﻳ ﱡ
ﻟﻜﻨﺖ — واﻳﻢ ﷲ — ﺛﺎﻧﻴﺔ ُ ﻟﻮ رأﻳﺖ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻣﺜﺎﱄ ﺗﻘﺪﱠﻣﺖ ﻗﺒﲇ إﱃ ﻧﺒﺬ أﺣﻜﺎم »املﻮدة«
ﻟﻬﺎ .وﷲ ﻋﻠﻴﻢ ﺑﺬات اﻟﺼﺪور.
ﻓﺈﱃ ذوات اﻷﺛﺮ واملﺂﺛﺮ ،ورﺑﺎت اﻟﻔﻀﻞ واملﺒﺎدئ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،أرﻓﻊ ﻋﺠﺎﻟﺘﻲ ﻫﺬه ﺑﻌﺪ
أن أﻟﺘﻤﺲ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزل ﻟﻄﻔﻬﻦ ﺣﻠﻤً ﺎ ،وﻣﻦ واﺳﻊ آداﺑﻬﻦ ﻋﻔﻮًا؛ ﻟﻌﲇ أﻓﻮز ﺑﻤﻦ ﺗﺤﻤﺪ ﻣﻦ
ﻫﺬﻳﻦ اﻷﻣﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻨﻘﺾ واﻹﺑﺮام ،واﻟﺘﻨﻜﻴﺖ واﻟﺘﺒﻜﻴﺖ؛ ﻷن اﻟﺘﻄﺮف ﺑ »املﻮدة«
ﻗﺪ أوﺻﻠﻨﺎ إﱃ ﻣﻨﺎزل ﻻ ﺗﺤﻤﺪ ﻋﻮاﻗﺒﻬﺎ ،واﻟﺘﺸﺒﻪ ﻳﻘﴤ ﺑني اﻷﺣﺴﺎب واﻷﻧﺴﺎب ،واﻷﻗﺮان
ﻏﺎل ﺣﺒٍّﺎ ﻟﻠﻤﺴﺎواة ﺑني املﻘ ﱢﻠﺪ واملﻘ ﱠﻠﺪ.واﻷﻣﺜﺎل ﺑﺄن ﻳﻨﻔﻘﻮا ﻛﻞ ٍ
24
ذﻛﺮ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﴏات املﺆﻟﻔﺔ
وﻛﻢ ﻣﻦ اﻣﺮأة ﺑﺎﻋﺖ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﲇ واﻟﻌﻘﺎر ،واﺑﺘﺎﻋﺖ ﺑﻘﻴﻤﺘﻪ ﻗﺒﻌﺎت وأﺛﻮاﺑًﺎ
وﻣﺮاوح إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﻮازم »املﻮدة« اﻟﻌﺎﺋﺪة ﺑﺨﺮاب ﺑﻼدﻧﺎ ،واملﻨﻔﻌﺔ ﻟﻐريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد
اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻖ ﻟﻨﺎ ﻟﺰوم ﻣﺎ ﻻ ﻳﻠﺰم! ﻓﻨﺘﻬﺎﻓﺖ إﱃ اﺑﺘﻴﺎﻋﻪ وﻻ ﺗﻬﺎﻓﺖ اﻟﺠﻴﺎع إﱃ اﻟﻘﺼﺎع ،ﺣﺎﻟﺔ
ﻛﻮﻧﻨﺎ ﻣﻮﺟﻮدﻳﻦ ﰲ ﻋﴫ ﻛﺜﺮت ﻓﻴﻪ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻹﻧﺴﺎن ،ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻣﻮارد اﻟﺮزق ،وﺳﺪت
أﺑﻮاب املﺼﺎﻟﺢ ﺗﺠﺎه وﺟﻮه أرﺑﺎﺑﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻀﻨﻚ املﺴﺘﺤﻮذ
ﻋﲆ أﻛﺜﺮ اﻟﺸﻌﻮب إﻻ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﺑﻌﺪم اﻻﻟﺘﻔﺎت إﱃ ﻣﻬﺎﻟﻚ اﻷزﻳﺎء.
ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﱰك اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ،وﻧﺘﻤﺴﻚ ﺑﺄﺣﺎﺳﻦ اﻟﻌﻮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﺘﻄﻔﻬﺎ
ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮع ﻋﻮاﺋﺪ اﻟﻐﺮﺑﻴني واﻟﴩﻗﻴني ،وﺣﺒﺬا ﻟﻮ اﻗﺘﺪﻳﻨﺎ ﺑﻌﻘﺎﺋﻞ ﻧﺴﺎء اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻻ
ﻳﻤﻠﻦ إﻻ إﱃ اﻟﺠﺪ واﻟﺼﺎﻟﺢ ،وﺣﺴﺒﻨﺎ ﺷﺎﻫﺪًا اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻧﺮاﻫﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻳ َِﺴﺤْ َﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ إﱃ
ً
ﺗﺒﺪﻳﻼ ﻟﻠﻬﻮاء ،واﺳﺘﻄﻼﻋً ﺎ ملﺎ ﰲ اﻟﻮﺟﻮه ﻣﻦ املﻨﺎﻇﺮ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﻦ ﻗﺎرة إﱃ ﻗﺎرة أﺧﺮى
واﻟﻐﺮاﺋﺐ واﻵﺛﺎر واﻟﻌﻮاﺋﺪ ،وﻫﻦ ﺑﻐﺎﻳﺔ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ﰲ ﻣﻼﺑﺴﻬﻦ وﺗﻘﻠﻴﺪاﺗﻬﻦ.
وﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻧﺮى واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﻻﺑﺴﺔ ذاك املﺸﺪ اﻟﺤﺪﻳﺪي ،اﻟﺬي ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻪ
»املﻮدة« ﻟﻀﻢ أﺿﻼع اﻟﺼﺪر ،وﺗﺮﻓﻴﻊ داﺋﺮة اﻟﺨﴫ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻻ ﺗﻄﻴﻘﻪ املﻌﺪة .واملﻌﺪة
ﺑﻴﺖ اﻟﺪاء ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ .وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ذﻟﻚ ،ﻳﺠﺪر ﺑﻨﺎ — ﻧﺤﻦ اﻟﴩﻗﻴﺎت — أن ﻧﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ
أدﻳﺒﺎت اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﻧﻘﺘﺪي ﺑﻔﺎﺿﻼﺗﻬﻦ ،وﻻ ﻧﺘﺠﺮع ﻛﺄس اﻟﴬر وﻧﺤﻦ ﻋﲆ ﻋﻠﻢ ﺑﺄن اﻟﺴﻢ
ﰲ اﻟﺪﺳﻢ ،وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﺤﺪ ﻣﻦ اﻵن ﻓﺼﺎﻋﺪًا ﻋﲆ ﻧﺒﺬ ﻛﻞ ﻋﺎدة ﻣﴬة ﺑﺄﺟﺴﺎﻣﻨﺎ
وﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ ،وﻧﻌﺮف ﻣﺎ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق ،وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺒﺎت ،ﻓﻬﻠ ﱠﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﺎت ﺳﻮرﻳﺎ
اﻷدﻳﺒﺎت ،ﻳﺎ ﻣﻦ ﺳﻄﻌﺖ ﺑ ُﻜ ﱠﻦ ﺷﻤﻮس ذوات اﻟﺨﺪور ،ﻓﻐﻨﻴﺘﻦ ﺑﺎﻟﻀﻴﺎء ﻋﻦ اﻟﺒﺪور ،إﱃ ﻧﴩ
ﻫﺬه املﺒﺎدئ ﰲ ﺟﺮاﺋﺪ اﻟﻮﻃﻦ وﻟﺴﺎن اﻟﺤﺎل ﻟﻜﻲ ﺗﺼري ﻋﻠﻨًﺎ ،وﻧﻔﻮز ﺑﺎﻷﻣﻨﻴﺔ ،وﻧﺴﺘﺄﺻﻞ
ﻣﻦ ﺑني ﻇﻬﺮاﻧﻴﻨﺎ آﻓﺔ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻐريﻧﺎ ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﻬﻤﻬﻢ ﻫﻤﻨﺎ ،وﻻ ﻳﴪﻫﻢ وﻓﺎﻗﻨﺎ .واﻟﺴﻼم«.
وﻟﻨﺒﺪأ اﻵن ﺑﴪد اﻟﱰاﺟﻢ ،وﷲ املﻌني ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ واﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.
25
اﳉﺰء اﻷول
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻗﺎل اﻟﻘﺮﻣﺎﻧﻲ :أﻋﻄﺎﻫﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻜﻤﺎل ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺪﻋﻰ ﺑﻪ ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻗﻮﻣﻬﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺒﻼﻏﺔ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻘﻬﺎ إﻟﻴﻪ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء
اﻟﻌﺮب .ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻟﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﺴﺖ ﺳﻨﻮات ،ودُﻓﻨﺖ ﺑﺎﻷﺑﻮاء.
ﻗﺎل ﻳﺎﻗﻮت ﰲ »ﻣﻌﺠﻤﻪ«:
وﻳﻘﺎل :إن أﺑﺎ ﻃﺎﻟﺐ زار أﺧﻮاﻟﻪ ﺑﻨﻲ اﻟﻨﺠﺎر ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،وﺣﻤﻞ ﻣﻌﻪ آﻣﻨﺔ أم رﺳﻮل
ً
ﻣﻨﴫﻓﺎ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻣﺎﺗﺖ آﻣﻨﺔ ﺑﺎﻷﺑﻮاء. ﷲ ﷺ ،ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻊ
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻞ ﺣﻲ ﻣﻴﺖ ،وﻛﻞ ﺟﺪﻳ ٍﺪ ﺑﺎل ،وﻛﻞ ﻛﺒري ﻳﻔﻨﻰ ،وأﻧﺎ ﻣﻴﺘﺔ وذﻛﺮي ٍ
ﺑﺎق.
وﺳﻠﻤﺖ روﺣﻬﺎ.
وﻗﻴﻞ :إن ﺑﻌﻀﻬﻢ رﺛﺎﻫﺎ ﺑﻬﺬه اﻷﺑﻴﺎت:
30
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﻛﺎﻧﺖ آﻣﻨﺔ ﻫﺬه ﺗﺤﺖ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ﻣﻌﺎﴏًا ﻟﻌﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﺟﺪ اﻟﻨﺒﻲ،
ﻓﻮﻟﺪت ﻷﻣﻴﺔ :اﻟﻌﺎص ،وأﺑﺎ اﻟﻌﺎص ،وأﺑﺎ اﻟﻌﻴﺺ ،واﻟﻌﻮﻳﺺ ،وﺻﻔﻴﺔ ،وﺗﻮﺑﺔ ،وأروى ﺑﻨﻲ
أﻣﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺳﻤﻮا ﺑﺎﻷﻋﻴﺎص ،وﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤً ﺎ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪه اﺑﻨﻪ أﺑﻮ
ﻋﻤﺮو ،وﻛﺎن أﻫﻞ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻳﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ :ﻳﺘﺰوج اﻟﺮﺟﻞ اﻣﺮأة أﺑﻴﻪ ﺑﻌﺪه ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ أﺑﺎ
ﻣﻌﻴﻂ ،ﻓﻜﺎن ﺑﻨﻮ أﻣﻴﺔ ﻣﻦ آﻣﻨﺔ إﺧﻮة أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ وﻋﻤﻮﻣﺘﻪ.
وﻗﻴﻞ :إن اﺑﻨﻬﺎ أﺑﺎ اﻟﻌﺎص زوﱠﺟﻬﺎ أﺧﺎه أﺑﺎ ﻋﻤﺮو ،وﻛﺎن ﻫﺬا ﻧﻜﺎﺣً ﺎ ﺗﻨﻜﺤﻪ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ،
ﻓﺄﻧﺰل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﺗﺤﺮﻳﻤﻪ :ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و ََﻻ ﺗَﻨﻜِﺤُ ﻮا ﻣَ ﺎ ﻧ َ َﻜﺢَ آﺑَﺎ ُؤ ُﻛﻢ ﻣﱢ َﻦ اﻟﻨ ﱢ َﺴﺎءِ إ ِ ﱠﻻ ﻣَ ﺎ
ﻓﺴﻤﻲ ﻧﻜﺎح املﻘﺖ. ﻴﻼ﴾ )اﻟﻨﺴﺎءُ (٢٢ : ﺎن َﻓﺎﺣِ َﺸ ًﺔ وَﻣَ ْﻘﺘًﺎ و ََﺳﺎءَ َﺳ ِﺒ ً َﻗ ْﺪ َﺳ َﻠ َ
ﻒ ۚ إِﻧ ﱠ ُﻪ َﻛ َ
وﻛﺎﻧﺖ آﻣﻨﺔ ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻄﺎﻋﺔ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻣﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺻﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واملﻨﻌﺔ،
وﻃﺎملﺎ اﻓﺘﺨﺮت ﻋﲆ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻌﺮب ﰲ ﻋﺰﻫﺎ ورﺟﺎﻟﻬﺎ.
31
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺰاﻫﺪات اﻟﻌﺎﺑﺪات املﻨﻘﻄﻌﺎت ﻟﻠﺘﺒﺘﻞ،
وﻛﺎن أﻛﺜﺮ زﻫﺎد زﻣﺎﻧﻬﺎ ﻳﱰددون ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳﺘﱪﻛﻮن ﺑﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺑﺸري ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث — رﴈ
ﷲ ﻋﻨﻪ — ﻳﺰورﻫﺎ .وﻣﺮض ﺑﺸري ﻣﺮة ﻓﻌﺎدﺗﻪ آﻣﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻠﺔ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻨﺪه إذ دﺧﻞ
اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ — رﴈ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻋﻨﻪ — ﻳﻌﻮده ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻨﻈﺮ إﱃ آﻣﻨﺔ ﻓﻘﺎل ﻟﺒﺸري:
ﻣﻦ ﻫﺬه؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﺑﺸري :ﻫﺬه آﻣﻨﺔ اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ،ﺑﻠﻐﻬﺎ ﻣﺮﴈ ﻓﺠﺎءت ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻠﺔ ﺗﻌﻮدﻧﻲ،
ﻓﻘﺎل أﺣﻤﺪ ﻟﺒﺸري :ﻓﺎﺳﺄﻟﻬﺎ أن ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻨﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺑﺸري :ادﻋﻲ ﷲ ﻟﻨﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﻟﻠﻬﻢ إن
ﺑﺸري ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث وأﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻳﺴﺘﺠريان ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ﻓﺄﺟﺮﻫﻤﺎ ﻳﺎ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤني،
ﻃﺮﺣﺖ ﱄ رﻗﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ :ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ رأﻳﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﻨﺎﺋﻢ أن ُ
ﻣﻜﺘﻮبٌ ﻓﻴﻬﺎ :ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ،ﻗﺪ ﻓﻌﻠﻨﺎ ذﻟﻚ وﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﺰﻳﺪ .رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ.
وﻟﺪت ﻫﺬه اﻟﺸﻬرية ﺑﺒﺎرﻳﺲ ﺳﻨﺔ ١٧٦٦م ،وﺗﻮﻟﺖ أﻣﻬﺎ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻬﻞ
ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﱰﺑﻴﺔ وﻣﺮاﻋﺎة ﺣﺎل اﻷوﻻد ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺰاﺟﻬﻢ وﻣﻴﻠﻬﻢ واﺗﺠﺎه ﻋﻮاﻃﻔﻬﻢ،
ﻓﺸﺪدت ﻋﲆ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،واﺗﺨﺬت اﻟﴫاﻣﺔ دﻳﺪﻧًﺎ ﰲ اﻟﱰﺑﻴﺔ واﻟﺘﺄدﻳﺐ؛ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻟﻢ
ﻳﻌﻠﻖ ﻗﻠﺐ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﻛﺎن ﻟﻜﻼﻣﻬﺎ وﻗﻊ ﻗﺒﻮل ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ .وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﺑني ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ
ﻣﻴﻼ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﺘﻌﻤﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ اﻟﻠﻌﺐ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﰲ املﺮاﺳﺢ ،وﺗﻤﻴﻞ إﱃ ذﻟﻚ ً
ﻣﻠﻮ ًﻛﺎ وﻣﻠﻜﺎت ﻣﻦ اﻟﻮرق ،وﺗﺸﺨﺺ ﻟﻬﺎ ﻣﻮاﻗﻊ ﻣﻦ ﻓﻜﺮﺗﻬﺎ ،وﺗﺘﻜﻠﻢ ﰲ اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﻋﻨﻬﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ أﻣﻬﺎ ﺗﻜﺮه املﺮاﺳﺢ واﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ،وﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻌﺐ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺼﻮر ﻏري ﻣُﺮاﻋﻴﺔ
ﻣﻴﻠﻬﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪ إﱃ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﺗﺨﺘﺒﺊ وﺗﻠﻌﺐ ﺧﻔﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻻ ﺗﻜﺎﺷﻔﻬﺎ ﺑﴚء ﻣﻤﺎ
ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
وأﻣﺎ أﺑﻮﻫﺎ :ﻓﻜﺎن أوﻓﺮ ﻣﻦ أﻣﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ وأﻛﺜﺮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﺑﻨﺘﻪ ،ﻓﻴﻼﻃﻔﻬﺎ
وﻳﻤﺎزﺣﻬﺎ وﻳﺤﺪﺛﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﻧﺲ إﻟﻴﻪ ،وﺗﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،وﻛﺎن ً
رﺟﻼ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،ووزﻳ ًﺮا ﻋﲆ
ﻣﺎﻟﻴﺔ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ« ،ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻣﻬﻴﺒًﺎ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﺼﻴﺖ واﻟﺴﻄﻮة واﻟﻨﻔﻮذ ،ﻳﺨﺘﻠﻒ
إﱃ ﺑﻴﺘﻪ ﻋﻈﻤﺎء ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻋﻠﻤﺎؤﻫﺎ وﺷﻌﺮاؤﻫﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ أﻣﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ وﻫﻲ ﺻﻐرية اﻟﺴﻦ
إﱃ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ،وﺗﺠﻠﺴﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﺮﳼ ﻣﺴﺘﺪﻳﺮ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ،وﺗﻮﺻﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣني إﱃ ﺣني
ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ﻟﺌﻼ ﺗﻜﻮن ﺣﺪﺑﺎء اﻟﻈﻬﺮ ﻣﺘﻰ ﻛﱪت ،ﻓﺘﺠﻠﺲ ﻫﻨﺎك ﺷﺎﺧﺼﺔ إﱃ
32
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
اﻟﺰوار ،وﺗﻠﺘﻘﻂ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ أﻓﻮاﻫﻬﻢ ،وﺗﺼﻐﻲ أﺗﻢ اﻹﺻﻐﺎء إﱃ أﺣﺎدﻳﺜﻬﻢ ،وﺗﺬوق
ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺮى اﻟﻨﺎﻇﺮ ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت وﺟﻬﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺪع ﻓﺎﺋﺪة ﺗﻔﻮﺗﻬﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﺗﺒﺘﻠﻊ
املﻌﺎﻧﻲ اﺑﺘﻼﻋً ﺎ ﻋﲆ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻬﺎ.
وﻛﺎﻧﻮا ﻛﻠﻬﻢ ﻳﺤﺪﺛﻮﻧﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺛﻮن ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ،وﻳﺒﺎﺣﺜﻮﻧﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ ،وﻳُﺤﺪﱢﺛﻮﻧﻬﺎ
ﻋﲆ درس ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﻠﻤﻪ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻨﻮن ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﻗﻮى ﻋﻘﻠﻬﺎ ً
ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻗﻠﻤﺎ ﺗﺪرﻛﻪ
اﻟﻌﻘﻮل ﰲ ﺳﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺠﺊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة ﺣﺘﻰ ﴍﻋﺖ ﰲ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ،واﺷﺘﺪ
ﺣﺒﻬﺎ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء واﻟﻌﻈﻤﺎء ،ﻓﻜﺎن ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻳﻨﺒﺾ ﺷﺪﻳﺪًا ﻋﻨﺪ رؤﻳﺘﻬﻢ ،وﺻﻴﺘﻬﻢ ﻳﺴﺘﻔﺰﻫﺎ إﱃ
ﻣﺠﺎراﺗﻬﻢ وﻣﺴﺎﺑﻘﺘﻬﻢ .وملﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺷﺎع ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ اﻵﻓﺎق ،واﻧﻄﻠﻘﺖ
اﻷﻟﺴﻨﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ .ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﺴﻔري أﺳﻮج ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،واﺳﻤﻪ »روﺳﺘﺎﻳﻞ« ،ﺳﻨﺔ ١٧٨٦م،
ﻓﺎﻧﻔﺘﺢ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎب اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺗﻌﺘﱪ ﻓﻠﺴﻔﺔ »ﺟﺎن ﺟﺎك روﺳﻮ«
اﻋﺘﺒﺎ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ.
وملﺎ اﺑﺘﺪأت اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻗﺪ أﻧﺠﺪ ﺣﺰب اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ﻣﺎﻟﺖ إﻟﻴﻬﺎ
ﺣﺎﺳﺒﺔ أﻧﻬﺎ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﺴﻌﺎدة ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻧﻌﻴﻤﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﺗﻔﺎﻗﻢ ﺧﻄﺒﻬﺎ ورأت ً
ﻓﻈﺎﺋﻌﻬﺎ ،وﻋﻠﻤﺖ أن أﺣﺴﻦ أﻫﻞ وﻃﻨﻬﺎ ﻳُﻘﺘﻠﻮن ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺮت ﻣﻨﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻫﻤﱠ ﻬﺎ ﺗﺨﻠﻴﺺ
اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪ وﻗﻌﻮا ﰲ ﺣﺒﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﻮت ،ﻓﺴﻌﺖ ﰲ ﻧﺠﺎة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﻠﻜﻴﺔ وﻓﺮارﻫﺎ إﱃ ﺑﻼد
ً
ﺷﺨﺼﺎ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺧﺎﺑﺖ ﻣﺴﻌً ﻰ ،ﻓﻌﻤﺪت إﱃ ﺗﺨﻠﻴﺺ ﻏريﻫﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺧ ﱠﻠﺼﺖ
ﻻ ﺗﺴﱰﻳﺢ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﻠﺺ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻗﺮﺑﺎء واﻷﺻﺪﻗﺎء ،وﺗﺨﺎﻃﺮ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ
ﻟﺨﻼص ﻏريﻫﺎ ﻣﺨﺎﻃﺮة أﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎس ً
ﺑﺄﺳﺎ.
واﺗﻔﻖ أن اﻟﺪول املﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﺿﻴﻘﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺜﻮرﻳﺔ ﺳﻨﺔ ١٧٩٢م ،ﻓﻘﺎل رﺟﺎل
ﻫﺬه اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ :ﻻ ﻧﺄﻣﻦ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻨﺎ إن ﻟﻢ ﻧﻘﺘﻞ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺿﻠﻊ ﻣﻊ املﻠﻜﻴﺔ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ،
ﻗﺘﻼ وﻧﻬﺒًﺎ .وﻛﺎن ملﺪام »روﺳﺘﺎﻳﻞ« أﺻﺪﻗﺎء ﻛﺜريون ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻓﺨﻠﺼﺖ ﻓﺎﺳﺘﺒﺎﺣﻮﻫﻢ ً
ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﻢ ﺣﻴﺎة ﻛﺜريﻳﻦ ،وﺑﻘﻲ رﺟﻞ اﺳﻤﻪ »دوﻣﻮﻧﺘﺴﻜﻴﻮ« ،ﻓﻌﺰﻣﺖ ﻋﲆ أن ﺗﺨﺮج ﺑﻪ ﻣﻦ
ﺑﺎرﻳﺲ ﻛﺨﺎدم ﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻘﻴﻬﺎ اﻟﺜﺎﺋﺮون ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺄﻧﺰﻟﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺒﻬﺎ ً
ﻛﺮﻫﺎ وذﻫﺒﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ
زﻋﻴﻤﻬﻢ ،ﻓﺎﺧﱰﻗﺖ اﻟﺼﻔﻮف ﻣﺮﺗﺠﻔﺔ ،واﻟﺴﻴﻮف واﻟﺒﻨﺎدق ﻗﺪ ﺳﺪت اﻵﻓﺎق ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ،
دوﺳﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺛﺒﺘﺖ ﻋﲆ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﺳﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﺗﺴﻤﻊ ﴏاخ اﻟﻘﺘﲆ، وﻟﻮ زﻟﺖ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻟﻘﺘﻠﺖ ً
ﺣﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﺎ ﻟﻘﻴﺖ وأﻧني املﻌﺬﺑني ،ﺣﺘﻰ أُﻃﻠﻖ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ِ
ﻓﺮ ً
ﺑﻠﻴﻐﺎ ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ املﻠﻜﺔ »ﻣﺎري أﻧﺘﻮاﻧﺖ«، ﻓﺪاء ﻧﻔﺲ ﺧ ﱠﻠﺼﺘﻬﺎ ﻣﻦ املﻮت ،وﻛﺘﺒﺖ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ً
ﻳﺄت ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪة املﻘﺼﻮدة ،ﻓﺠﺰﻋﺖ ﻋﲆ ﻗﺘﻠﻬﺎ ﺟﺰﻋً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا.وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ِ
33
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٧٩٧م ،ﻋﺎدت ﻣﻦ ﺳﻮﻳﴪا ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﻓﻮﻗﻊ اﻟﺨﻼف
ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني »ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﺑﻮﻧﺎﺑﺎرت«؛ ﻷﻧﻬﺎ أوﺟﺴﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﺴﻮء ﺑﻌﺪ ﺗﻌ ﱡﺮﻓﻬﺎ ﺑﻪ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﻗﺎﻟﺖ:
ﻓﺖ ﺑﻪ أﻋﺠﺒﻨﻲ ﺧﻠﻘﻪ وﻋﻘﻠﻪ وﻗﻠﺖ :إﻧﻪ ﻗﺪ اﻧﻔﺮد ﺑﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺪ اﻧﻔﺮد ﺑﻨﴫاﺗﻪ، إﻧﻲ ملﺎ ﺗﻌ ﱠﺮ ُ
وإﻧﻪ رﺟﻞ ﻣﻌﺘﺪل اﻟﻄﺒﺎع ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺠﺪ واﻟﻮﻗﺎر ﺑﻌﻜﺲ زﻋﻤﺎء اﻟﺜﻮرة ذوي اﻟﻄﺒﺎع اﻟﺼﻌﺒﺔ
اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﻜﻤﻮن ﻗﺒﻠﻪ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﻫﺪأ اﻟﺠﺄش ﻣﻦ إﻋﺠﺎﺑﻲ ﺑﻪ ،وﻋﺪت إﱃ ﻧﻔﴘ ،ﺷﻌﺮت
ﺑﻨﻔﻮر ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻨﻪ ملﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﻟﺴﻴﻒ اﻟﺒﺎرد املﺎﴈ ﻳﺠﻤﺪ ﺟﻤﻮدًا ﻋﲆ ﺣني ٍ
ﱠ
ﻳﺠﺮح ﺟﺮﺣً ﺎ ،وﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﻳﺤﺘﻘﺮ اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳُﻤﻠﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
وﺟﺎﻫﺮت ﺑﻤﻌﺎﻧﺪﺗﻪ ،ﻓﻜﻨﺖ ﺗﺮى ﻗﺎﻋﺘﻬﺎ ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺠﻤﺎﻫري اﻟﻨﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﻦ »ﺑﻮﻧﺎﺑﺎرت«،
اﻟﻨﺎﻗﻤني ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄوﺟﺲ »ﺑﻮﻧﺎﺑﺎرت« ﺧﻴﻔﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺣﺎول أن ﻳﺮﺷﻮﻫﺎ ﺑﺎملﺎل ﻟﱰﺟﻊ ﻋﻦ
ﻣﻌﺎﻧﺪﺗﻪ ،ﻓﻮﻋﺪﻫﺎ ﺑﺄن ﻳﺪﻓﻊ ﻟﻬﺎ ﻣﻠﻴﻮﻧﻲ ﻟرية ﻛﺎﻧﺎ ﻷﺑﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﺮﻓﻀﺖ ﻗﺒﻮل ﺗﻠﻚ
اﻟﺮﺷﻮة ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ »ﺟﻮزف ﺑﻮﻧﺎﺑﺎرت«» :ﻗﻮﱄ إذن :ﻣﺎذا ﺗﺸﺘﻬني؟« ﻗﺎﻟﺖ» :ﻻ أﺷﺘﻬﻲ
ﺷﻴﺌًﺎ ،وإن ﺳريي ﻫﺬا ٌ
ﻃﺒﻖ ملﺎ أﻋﺘﻘﺪه«.
ﴪ إﻻوﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ ﺳﻜﻦ ﺑﺎرﻳﺲ ﻣﺤﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة ،وﺗﺨﺎف اﻟﻨﻔﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺪٍّا ،وﻻ ﺗُ ﱡ
ﺑﻤﻌﺎﴍة اﻷدﺑﺎء ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﻔﻀﻞ واﻷﺻﺪﻗﺎء ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﺑﻮﻧﺎﺑﺎرت« ﻳﻌﻠﻢ ذﻟﻚ،
ﻓﻠﻤﺎ رأى إﴏارﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﺎداﺗﻪ أﺑﻰ إﻻ أن ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻨﻔﺎﻫﺎ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﻮﻳﴪا ،وﻟﻢ
ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﺒﻌﺎد ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻴﻠني ،وﺣﺮﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻓﻜﺎن
ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻻ ﺗﻄﺎق ،ﻓﻘﻀﺖ ﺑﺎﻗﻲ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻋﲆ ﻓﺮاق ﺑﺎرﻳﺲ ،وﺗﻮﻟﺖ ﺗﺮﺑﻴﺔ
أوﻻدﻫﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤﻬﻢ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﻬﺎر ،وﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﰲ أﺷﺪ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﺣﺰﻧًﺎ وﻛﺂﺑﺔ؛
وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن أوﻻدﻫﺎ ﻳﺤﺒﻮﻧﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻳﺨﺎﻃﺮون ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻤﺎ روى ذﻟﻚ
ﻛﺜريون ﻣﻦ املﺆرﺧني املﺸﻬﻮرﻳﻦ.
وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮت ﻣﺪام »روﺳﺘﺎﻳﻞ« ﺑﻤﺤﺎﻣﺪ ﻛﺜرية ﻇﻬﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﺮ ،وﻧﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻠﺤﻖ ،واﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﻣﻮر؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺬل ﺟﻬﺪﻫﺎ ﰲ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﻞ ﳾء،
وﻟﻮ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﻠﻔﻬﺎ ﻣﻦ املﺸﻘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل» :ﺟﻬﻞ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺤﻖ واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ أﻛﱪ دﻟﻴﻞ ﻋﲆ
اﻧﺤﻄﺎﻃﻬﻢ «.وﻗﺎﻟﺖ ﻋﻦ ﺑﻮﻧﺎﺑﺎرت» :إﻧﻲ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺎﻧﺤﻄﺎﻃﻪ ﻣﻨﺬ رأﻳﺘﻪ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ
اﻷﻣﻮر«.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ املﻮﺳﻴﻘﻰ وﺗﻠﻬﻮ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ أﺷﻐﺎل اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ،وﺗﺰﻳﺪ اﻟﺴﺎﻣﻌني ﻃﺮﺑًﺎ ﺑﺤﻼوة
ﺻﻮﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻴﻞ ﺷﺪﻳﺪ إﱃ اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ،وﻣﻮﻫﺒﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﻛﻞ
املﺮاﺳﺢ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺟﻴﺪًا ،وﺗﻌﻠﻤﺖ ﰲ ﻛﱪﻫﺎ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺘﻲ ﻓﺎﺗﻬﺎ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ﰲ ﺻﻐﺮﻫﺎ ،وﻣﻦ
34
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﺜﻘﻔﺎت ﻟﻠﻌﻘﻞ ،وأﺳﻬﻞ اﻟﺴﺒﻞ ملﻌﺮﻓﺔ أﺧﻼقأﻗﻮاﻟﻬﺎ :إن درس اﺻﻄﻼﺣﺎت اﻟﻠﻐﺔ أﺣﺴﻦ ا ُمل ﱢ
أﻫﻠﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ .وأﻋﻈ ُﻢ ﻣﺎ اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻪ ﻛﺘﺒُﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻎ ﻋﺪدﻫﺎ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩ ﻣﺠﻠﺪًا ﰲ ﻛﻞ
ﻓﻦ ﻣﺴﺘﻈﺮف ،ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻮﻫﺎ »ﻓﻮﻟﺘري اﻟﻨﺴﺎء«؛ ﻟﻜﺜﺮة املﺒﺎﺣﺚ اﻟﺘﻲ ﺑﺤﺜﺖ ﻓﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﻗﻀﺖ
ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ ﺛﻼث ﻏﺎﻳﺎت ﻣﻦ أﺳﻤﻰ اﻟﻐﺎﻳﺎت:
إﺣﺪاﻫﺎ :ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل ﻋﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ زﻣﺎﻧﻬﺎ.
واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ املﺆدﺑني ﮐ »دﻳﺪرو« و»دوﻟﺒﺎش« و»ﻛﻨﺪﻻك« وﻏريﻫﻢ،
ً
ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ زﻋﺰﻋﺖ أرﻛﺎن ﻓﻠﺴﻔﺘﻬﻢ.
واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﺑﺚ روح اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﺻﺪور ﻗﻮﻣﻬﺎ؛ إذ أﺑﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ أن اﻟﺤﺮﻳﺔ أﻋﻈﻢ ﴍط ﻟﺴﻼﻣﺔ
اﻵداب واﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﺿﻠﺔ ﺗﻘﻴﺔ ورﻋﺔ ﻏري ﻣﱰﻓﻀﺔ.
وﻣﺎﺗﺖ ﰲ ١٤ﺗﻤﻮز )ﻳﻮﻟﻴﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨١٧م ،ﺑﻌﺪ أن ﺟﺎﻟﺖ زﻣﺎﻧًﺎ ﰲ اﻟﻨﻤﺴﺎ وروﺳﻴﺎ
وأﺳﻮج وﺑﻼد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﱪﻫﻢ اﻋﺘﺒﺎ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ.
35
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻜﻠﻒ ﺑﺎﻟﺼﻴﺪ ،ﻓﺎﻛﺘﺴﺒﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﴎﻋﺔ ﰲ اﻟﻌﺪو ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻷﻗﻮﻳﺎء اﻟﴪﻳﻌﻲ اﻟﺠﺮي أن ﻳﺠﺎرﻳﻬﺎ ﰲ املﻴﺪان ،وﻗﺘﻠﺖ ﺑﺎﻟﻨﺸﺎب
ﺣﻴﺘني ﻛﺒريﺗني ﺗﺒﻌﺎﻫﺎ ﻟﻴﻘﺘﻼﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ذات ﺟﻤﺎل ﺑﺎﻫﺮ ﻓﺘﱠﺎن ،ﻓﻄﻠﺒﻬﺎ ﻛﺜريون ﻟﻼﻗﱰان
ﺑﻬﺎ ،وأﻟﺤﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﻗﺴﻤﺖ أن ﻻ ﺗﻘﱰن إﻻ ﺑﺎﻟﺬي ﻳﺴﺒﻘﻬﺎ ﰲ املﻴﺪان ،ﺑﴩط أن ﻳﻜﻮن
ﻋﺎرﻳًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻼح ،وﻳﻜﻮن ﺑﻴﺪﻫﺎ ﺣﺮﺑﺔ ﺗﴬﺑﻪ ﺑﻬﺎ إذا أدرﻛﺘﻪ ،ﻓﻬﻠﻚ ﺑﻤﺴﺎﺑﻘﺘﻬﺎ ﻛﺜريون
ﻣﻦ ﻃﻼﺑﻬﺎ ،وأﺗﺎﻫﺎ »إﺑﻮﻣﺎن« — وﻛﺎن ﻣﻦ املﻘﺮﺑني ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻬﻨﺔ واﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﻮﻗﺎﻳﺘﻬﺎ —
ﻓﺘﺴﺎﺑﻘﺎ وملﺎ وﺻﻼ إﱃ ﻧﺼﻒ املﻴﺪان أﺧﺬ »إﺑﻮﻣﺎن« ﺛﻼث ﺗﻔﺎﺣﺎت ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ
أﻋﻄﺘﻪ إﻳﺎﻫﺎ اﻟﻜﻬﻨﺔ املﺬﻛﻮرون ،ﻓﺮﻣﺎﻫﺎ ﻋﲆ اﻷرض ﺑﻌﻴﺎﻗﺔ وﻟﻴﺎﻗﺔ ،ﻓﺘﺸﺎﻏﻠﺖ »أﺗﺎﻻﻧﺘﺎ«
ﺑﻬﺎ ،ﻓﺘﻤﻜﻦ ِﻣﻦ ﺳﺒﻘﻬﺎ ،وﺗﻘﺮر ﻟﻪ اﻟﻔﻮز ﻓﺎﻗﱰن ﺑﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻏﻀﺐ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﻜﻬﻨﺔ؛
ﻷﻧﻬﻤﺎ دﻟﺴﺎ ﻫﻴﻜﻞ اﻟﺰﻫﺮة ﻓﻘﺘﻠﻮﻫﻤﺎ.
وﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﰲ »أﺗﺎﻻﻧﺘﺎ« ﻫﺬه ﻏري ذﻟﻚ ،وﻫﻮ أﻧﻬﺎ وﻟﺪت ﰲ »أرﻛﺎدﻳﺎ« ،وأﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ
»ﺑﺎﺳﻴﻮس« .ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻗﺪ ﻃﻠﺐ إﱃ ﻣﻌﺒﻮداﺗﻪ أن ﺗﺮزﻗﻪ وﻟﺪًا ذﻛ ًﺮا ،ﻓﻮﻟﺪت »أﺗﺎﻻﻧﺘﺎ«،
ﻓﺎﻏﺘﺎظ ﻣﻦ وﻻدﺗﻬﺎ وأﻟﻘﺎﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﱪﺗﻨﺒﺎﻧﻲ ،ﻓﺮﺿﻌﺖ ﻣﻦ دﺑﺔ وأﺧﺬت ﺗﻨﻤﻮ ﺣﺘﻰ
ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺒﻠﻎ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﲆ ﺑﻜﺎرﺗﻬﺎ ،وﺻﺎرت أﴎع اﻟﻨﺎس ﺟﺮﻳًﺎ ﻋﲆ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ،
ﻓﻐﻠﺒﺖ اﻟﺤﻴﺘني املﻘﺪم ذﻛﺮﻫﻤﺎ ،واﺷﱰﻛﺖ ﻣﻊ اﻷﺑﻄﺎل ﰲ ﻗﺘﻞ ﺧﻨﺰﻳﺮ ﻛﺎﻟﺒﺪون ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ
ﻣﻮاﻗﻊ ﰲ اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺒﻠﻴﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ رﴈ ﻋﻨﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ وأﻟﺢﱠ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺘﺰوج ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ
ﻣﺎ ﺗﻘﺪﱠم .وﻟﻌﻞ اﻟﺮواﻳﺔ اﻷوﱃ أﺻﺢ.
وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ٩٦١ﻟﻠﻤﻴﻼد ،رﺑﺘﻬﺎ أﻣﻬﺎ ﰲ »دﻳﺮ وﻟﺘﻮن« ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ »ﺳﻠﺰﻳﺮي« ،وملﺎ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺻﺎرت راﻫﺒﺔ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺜﻼث ﺳﻨني ُﻗﺘﻞ
أﺧﻮﻫﺎ »إدوارد« اﻟﺬي ﺧﻠﻒ أﺑﺎﻫﺎ ،وذﻟﻚ ﺑﺄﻣﺮ راﻳﺘﻪ »أﻟﻔﺮﻳﺪا« ،ﻓﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺎج املﻠﻚ
ﻓﺮﻓﻀﺘﻪ ﺑﺎﺗﻀﺎع ﻣﺴﻴﺤﻲ ،وآﺛﺮت ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﺘﻘﺮﻳﺔ اﻟﻔﻘﺮاء واﻷﻳﺘﺎم ﻋﲆ ﺗﺨﺖ
ا ُملﻠﻚ ،وﴏﻓﺖ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ إﱃ أن ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ٩٨٤م ،ودﻓﻨﺖ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﺳﺎن دﻧﻴﺲ«
اﻟﺘﻲ ﺑﻨﺘﻬﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﺗﻌﺘﱪﻫﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ .وﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﺬﻛﺎر ﰲ ١٦
أﻳﻠﻮل )ﺳﺒﺘﻤﱪ( ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ.
36
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
إن ﻫﺬه املﻐﻨﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﰲ املﺮاﺳﺢ ،وﺗﺨﺮﺟﺖ ﺑﴬوب اﻟﻐﻨﺎء ،وﺳﺎﻋﺪﻫﺎ
اﻟﺤﻆ ﺑﺤﺴﻦ ﺻﻮﺗﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺬي ﺟﺬب إﻟﻴﻬﺎ اﻷﻧﻈﺎر ،وملﺎ آﻧﺴﺖ رﺷﺪﻫﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ
اﻟﺸﻬﺮة ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻐﻨﻴﺎت اﻹﻓﺮﻧﺞ ،وزادت ﺷﻬﺮة ﰲ ﺑﻼدﻫﺎ ﻋﲆ ﺷﻬﺮة
ﻣﻐﻨﻴﺎت اﻟﺨﻠﻔﺎء ﰲ ﻣﺪة اﻟﻌﺒﺎﺳﻴني واﻷﻣﻮﻳني ،وﻧﺎﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﻣﺎ ﻳﺒﻠﻎ دﺧﻠﻪ اﻟﺴﻨﻮي
املﻠﻴﻮن ﻓﺮﻧﻚ ،وﻗﺪ ﺣﺎزت ﺟﻤﻠﺔ »ﻧﻴﺎﺷني« اﻓﺘﺨﺎر ﻣﻦ ﻣﻠﻮك أوروﺑﺎ وﻣﻠﻜﺎﺗﻬﺎ ،واﻟﺬي زاد
اﻓﺘﺨﺎرﻫﺎ ﺗﴩف ﻣﻠﻮك أوروﺑﺎ ﺑﻮﺿﻊ إﻣﻀﺎءاﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺮوﺣﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺮوﺣﺔ
ﻓﺮﻳﺪة ﰲ ﻧﻮﻋﻬﺎ وﺑﻼ ﻣﺜﻴﻞ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻓﺈن ﺟﻤﻴﻊ املﻠﻮك واملﻌﺎﴏﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﻛﺘﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺨﻂ
أﻗﻮاﻻ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ،واﻟﺮﺿﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻜﺘﺐ اﻟﻘﻴﴫ اﻟﺮوﳼ» :ﻻ ﳾءً أﻳﺪﻳﻬﻢ
ﻳُﺴ ﱢﻜﻦ ﻣﺜﻞ ﻏﻨﺎﺋﻚ«.
وﻛﺘﺐ إﻣﱪاﻃﻮر أملﺎﻧﻴﺎ» :إﱃ ﺑﻠﺒﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻷزﻣﺎن «.وﻛﺘﺒﺖ املﻠﻜﺔ »ﺧﺮﺳﺘﻴﺎن« ﰲ
إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ» :ﻣﻠﻜﺔ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﺄن ﺗﺤﺴﺒﻚ ﰲ ﺟﻤﻠﺔ رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ «.وﻛﺘﺒﺖ »ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ« ﻣﻠﻜﺔ إﻧﻜﻠﱰا:
»إذا ﺻﺪﻗﺖ ﻛﻠﻤﺎت املﻠﻚ ﻟﻴﺎر اﻟﻘﺎﺋﻞ» :إن اﻟﺼﻮت اﻟﻌﺬب ﻣﻮﻫﺒﺔ« ﺗﻜﻮﻧني أﻧﺖ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ
إدﻳﻠﻨﻪ أﻏﻨﻰ اﻟﻨﺴﺎء «.واﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻨﻤﺴﺎوي واملﻠﻜﺔ »إﻳﺰاﺑﻼ« وﺿﻌﺎ إﻣﻀﺎءﻫﻤﺎ ً
أﻳﻀﺎ،
وﻛﺘﺒﺖ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺒﻠﺠﻴﻚ ﺻﻮرة املﴩع اﻷول ﻟﻸﻏﻨﻴﺔ اﻟﺸﻬرية ،ﺛﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ وﺳﻂ املﺮوﺣﺔ
ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت» :أﻣﺪ إﻟﻴﻚ ﻳﺪي ﻳﺎ ﻣﻠﻴﻜﺔ اﻟﻄﺮب «.ﻣﺬﻳﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻹﻣﻀﺎء» :ﺑﱰس« رﺋﻴﺲ
اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ .إن ﻫﺬا اﻻﻓﺘﺨﺎر وﻫﺬا اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻢ ﻳﻨﻠﻪ أﺣﺪ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻣﺎ ذﻟﻚ
إﻻ ﻟﺤﺴﻦ اﻵداب ﻣﻦ ﻫﺬه املﺮأة اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺟﺬﺑﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﻠﻮب أﻛﱪ أﻫﻞ اﻷرض.
ﻫﻲ زوﺟﺔ »ﺑﻮﻟﻴﻠﻴﻨﻜﻴﻮس« .اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻤﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﺰوﺟﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻧﻬﺰام اﻟﺮؤﺳﺎء اﻟﺴﺒﻌﺔ
أﻣﺎم »ﻃﻴﻮه« ،ﻋﺎﺻﻤﺔ املﴫﻳني اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ذﻫﺒﺖ ﻣﻊ »اﻧﺘﻴﻘﻮﻧﺔ« اﻣﺮأة أﺧﻴﻬﺎ ﻟﺘﻘﺪم ﻟﺰوﺟﻬﺎ
اﻟﻮاﺟﺒﺎت اﻷﺧريةُ ،
ﻓﻘﺘﻠﺖ ﺑﺄﻣﺮ »ﻛﺮﻳﻮن« ،ﻣﻠﻚ ذاك اﻟﺰﻣﺎن ،وﻣﺎﺗﺖ ﺻﺎﺑﺮ ًة ﺣﺒٍّﺎ ﰲ زوﺟﻬﺎ؛
ﻟﻜﻲ ﺗﻠﺤﻘﻪ ﰲ ﺣﻔﺮﺗﻪ.
37
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أرﻳﺎ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ
ﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮت ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ،وذﻟﻚ أن اﺑﻦ زوﺟﻬﺎ دﺧﻞ ﰲ ﻣﺆاﻣﺮة ﺿﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،ﻓﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ
ﺑﺄن ﻳﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻠﻜﻲ ﺗﺸﺠﻌﻪ أﺧﺬت ﺧﻨﺠ ًﺮا وﻃﻌﻨﺖ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻧﺎوﻟﺘﻪ إﻳﺎه وﻗﺎﻟﺖ:
ﺧﺬه؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳُﺆﻟﻢ ،ﻓﻔﻌﻞ ﻣﺜﻠﻬﺎ وﻣﺎﺗﺎ ﻣﻌً ﺎ.
ﻓﻬﺬه — ﻟﻌﻤﺮي — ﻫﻲ املﺤﺒﺔ اﻟﺰاﺋﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﴤ إﱃ اﻟﻬﻼك ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﻨﺴﺎء
ً
ﺧﺼﻮﺻﺎ.
أرﺳﻼن ﺧﺎﺗﻮن
ﻫﻲ ﺧﺪﻳﺠﺔ اﺑﻨﺔ داود أﺧﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن »ﻃﻐﺮﻟﺒﻚ« اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻲ .ﺗﺰوﺟﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺄﻣﺮ
ﷲ اﻟﻌﺒﺎﳼ ﺳﻨﺔ ٤٤٨ﻫﺠﺮﻳﺔ ،ﺛﻢ ملﺎ وﻗﻌﺖ اﻟﻮﺣﺸﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ أﺧﺬﻫﺎ »ﻃﻐﺮﻟﺒﻚ« ﺑﺼﺤﺒﺘﻪ
إﱃ اﻟﺮي ﺳﻨﺔ ٤٥٥ﻫ ،ﺛﻢ أﻋﻴﺪت إﱃ ﺑﻐﺪاد ﺳﻨﺔ ٤٥٩ﻫ ،واﺳﺘﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﻮزﻳﺮ ﻓﺨﺮ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻦ
ﺟﻬري ﻋﲆ ﺑُﻌﺪ ﻓﺮﺳﺦ.
وﻫﻲ اﻟﺘﻲ دﻋﺘﻬﺎ اﻣﺮأة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻠﻚ ﺷﺎه ﰲ ﺗﺰوﻳﺞ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﻘﺘﺪي ﻣﻦ ﻏري
اﺷﱰاط املﻬﺮ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺰزت واﺷﱰﻃﺖ ﺣﻤﻞ ﻣﻬﺮﻫﺎ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،ﻓﺄﺷﺎرت
38
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻋﻠﻴﻬﺎ أرﺳﻼن ﺧﺎﺗﻮن ﺑﺄن ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻟﻪ ﺑﺪون اﺷﱰاط ﻣﻬﺮ ،ﻓﻮﺛﻘﺖ ﺑﻜﻼﻣﻬﺎ ،وﻓﻌﻠﺖ ﻣﺎ
ً
ﻣﺤﺒﺔ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء ،وﻟﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ أوﻗﺎف أرادت .وﻛﺎﻧﺖ ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻜﺮﻳﻤﺎت ﱢ
اﻟﺨريات،
ﻋﲆ ﻣﺤﻼت ﺧريﻳﺔ ،ﻣﺜﻞ :ﺟﻮاﻣﻊ ،وﺗﻜﺎﻳﺎ ،وﺑﻴﻤﺎرﺳﺘﺎﻧﺎت ،وﻣﺪارس وﺧﻼﻓﻬﺎ ﰲ ﺑﻐﺪاد
وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
أرﺳﻮﻻ اﻟﻌﺬراء
ﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ أﻣري ﻣﺴﻴﺤﻲ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،وﻗﺪ
اﺧﺘﻠﻔﻮا ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﺳﺘﺸﻬﺎدﻫﺎ ،ﻓﻘﻴﻞ :ﺳﻨﺔ ٢٣٧ﺑﻌﺪ املﻴﻼد ،وﻗﻴﻞ٣٨٣ :م ،وﻗﻴﻞ :ﺳﻨﺔ
٥٤١م .وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ ﻗﻴﻞ :إن أﻣريًا ﻃﻠﺐ أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ؛ ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻋﲆ ﺑﻴﺖ
أﺑﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﴍﱢ ه ،ﻟﻜﻨﻬﺎ اﺷﱰﻃﺖ أن ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ،وإﺣﺪى ﻋﴩة ﺳﻔﻴﻨﺔ،
وﻋﴩ رﻓﻴﻘﺎت ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻷﴍاف ،وﻟﻬﺎ وﻟﻜﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ١٠٠٠ﻋﺬراء ،ﻓﻠﻤﺎ أُﻋﻄﻴﺖ
ذﻟﻚ أﺧﺬت ﺗﺪرس ﻣﻌﻬﻦ ﻓﻦ ﺳﻠﻚ اﻟﺒﺤﺎر .وملﺎ دﻧﺎ وﻗﺖ زﻓﺎﻓﻬﺎ ﺗﴬﻋﻦ إﱃ ﷲ ،ﻓﺄرﺳﻞ
ﻓﺠﺄة ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻗﺬﻓﺖ ﺳﻔﻨﻬﺎ إﱃ ﻣﺼﺐ ﻧﻬﺮ »اﻟﺮﻳﻦ« ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎك إﱃ »ﺑﺎزل« ،ﻓﱰﻛﻦ اﻟﺴﻔﻦ
وﻣﻀني ﻣﺎﺷﻴﺎت إﱃ روﻣﻴﺔ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻦ راﺟﻌﺎت ﺻﺎدﻓﻦ ﰲ »ﻛﻮﻟﻮﻧﻴﺎ« ً
ﺟﻴﺸﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻮﺗﻴني،
ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﻦ أﻣري اﻟﺠﻴﺶ دﻋﺎﻫﻦ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﴬن أﻋﺠﺒﺘﻪ »أرﺳﻮﻻ« ،ﻓﻄﻠﺐ أن ﻳﻘﱰن ﺑﻬﺎ،
ﻓﺄﺑﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻬﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﺗﺮﻛﻮﻫﻦ واﻧﴫﻓﻮا ،ﻓﻮارى أﻫﻞ »ﻛﻮﻟﻮﻧﻴﺎ« أﺷﻼءﻫﻦ
ﰲ اﻟﱰاب ،وأﻗﻴﻢ ﻟﺘﺬﻛﺎرﻫﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻌﺒ ٌﺪ ﻣﺨﺼﻮص إﱃ اﻵن .ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ذﻟﻚ املﻌﺒﺪ
ﻣﺠﻤﻮع ﻋﻈﺎم ﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﻋﻈﺎم »أرﺳﻮﻻ« ورﻓﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ،وﺟُ ﻌﻞ »ﻷرﺳﻮﻻ« ﻋﻴﺪ ﰲ ٢١ت
اﻷول )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ.
ﺗﺰوﺟﺖ ﺑ »ﻟﻴﺴﻴﻤﺎﺧﻮس« ﻣﻠﻚ ﺗﺮاﻗﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻃﻠﻖ اﻣﺮأﺗﻪ ﻷﺟﻠﻬﺎ ،ﻓﺤﺎوﻟﺖ »أرﺳﻴﻨﻮي« أن
ﻳﻜﻮن ا ُملﻠﻚ ﻟﻮﻟﺪﻫﺎ ﺑﻌﺪه ،ﻓﺴﻌﺖ ﺑﻘﺘﻞ »أﻏﺎﺗﻮﻛﻠﻴﺲ« اﺑﻦ زوﺟﻬﺎ ،وﻫﺮﺑﺖ اﻣﺮأﺗﻪ ﺑﺄوﻻدﻫﺎ
إﱃ ﺳﻮرﻳﺎ ﻣﻠﺘﺠﺌﺔ إﱃ »ﺳﻠﻮﻗﺲ« ،وﻃﻠﺒﺖ إﻟﻴﻪ أن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺜﺄرﻫﺎ ،ﻓﻨﺸﺄت ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺣﺮب
ﺑني ﻣﻠﻚ ﺗﺮاﻗﺔ وﻣﻠﻚ ﺳﻮرﻳﺎ ﻗﺘﻞ ﺑﻬﺎ »ﻟﻴﺴﻴﻤﺎﺧﻮس« ﺳﻨﺔ ٢٨١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﻓﻤﻀﺖ
»أرﺳﻴﻨﻮي« إﱃ »ﻛﺴﻨﺪرﻳﻪ« ﻣﻦ ﻣﺪن »ﻣﻜﺪوﻧﻴﺔ« ،وﺑﻘﻴﺖ ﻫﻲ وأوﻻدﻫﺎ ﻣﺪة ﺗﺤﺖ ﻇﻞ
اﻷﻣﺎن.
39
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
َ
»ﺳريوﺗﻮس ﺳﻠﻮﻗﺲ« واﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ »ﻣﻜﺪوﻧﻴﺔ« ﺳﻨﺔ ٢٨٠ق.م؛ ُ
»ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس« ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺘﻞ
ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺰواج ﺑ »أرﺳﻴﻨﻮي« ﻟﻴﻘﺘﻞ أوﻻد »ﻟﻴﺴﻴﻤﺎﺧﻮس«.
ﻓﻠﻤﺎ أﺟﺎﺑﺘﻪ إﱃ اﻟﺰواج واﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ ﻛﺴﻨﺪرﻳﺔ ،ﻗﺘﻞ اﻷوﻻد ﺑني ﻳﺪي أﻣﻬﻢ ،ﻓﻬﺮﺑﺖ
ﻫﻲ إﱃ ﺗﺮاﻗﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﻣﴫ ،ﻓﻘﺒﻠﻬﺎ »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس ﻓﻼذ« ﺑﺎﻹﻛﺮام ،ﺛﻢ ﺗﺰوج ﺑﻬﺎ.
40
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﺗﺰوﺟﺖ »زﻳﻨﻮن« اﻟﺬي ﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﺳﻨﺔ ٤٧٤ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﺳﺎءﻫﺎ ﻣﺎ ﺑﺪا ﻣﻦ
ﻓﻮاﺣﺶ زوﺟﻬﺎ وﺧﻄﺌﻪ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ دﻓﻨﺘﻪ ﰲ اﻷرض ﺣﻴٍّﺎ وﻫﻮ ﺳﻜﺮان ،وﺗﺰوﺟﺖ
»أﻧﺴﻄﺎس« وأﺟﻠﺴﺘﻪ ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ً
ﺑﺪﻻ ﻋﻨﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٥١٥ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﻟﻬﺎ
ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺂﺛﺮ ﰲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ.
اﺳﻤﻬﺎ »أ ُ ْردوﺟﺎ« — ﺑﻀﻢ اﻟﻬﻤﺰة ،وإﺳﻜﺎن اﻟﺮاء ،وﺿﻢ اﻟﺪال املﻬﻤﻠﺔ ،وﺟﻴﻢ وأﻟﻒ —
و»أورد« ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﻢ :املﺤﻠﺔ ،وﺳﻤﻴﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻮﻻدﺗﻬﺎ ﰲ املﺤﻠﺔ ،وﻫﻲ اﺑﻨﺔ اﻷﻣري اﻟﻜﺒري »ﻋﻴﴗ«
ﺑﻴﻚ أﻣري اﻷﻟﻮس — ﺑﻀﻢ اﻟﻬﻤﺰة واﻟﻼم — وﻣﻌﻨﺎه :أﻣري اﻷﻣﺮاء.
ﻗﺎل اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ ﰲ »رﺣﻠﺘﻪ«:
ملﺎ ﻣﺮرت ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺒﻼد و ُزرت اﻟﺴﻠﻄﺎن أوزﺑﻚ واﻣﺮأﺗﻪ ووزراءه ،وﻛﺎن ذﻟﻚ اﻷﻣري
ﺣﻴٍّﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺘﺰوج ﺑﺒﻨﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎن »آﻳﺖ ﻛﺠﺠﻚ« .واﺑﻨﺔ »أردوﺟﺎ ﺧﺎﺗﻮن« ﻣﻦ
أﻓﻀﻞ اﻟﺨﻮاﺗني وأﻟﻄﻔﻬﻦ ﺷﻤﺎﺋﻞ وأﺷﻔﻘﻬﻦ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺜﺖ إﱄ ﱠ ملﺎ رأت ﺑﻴﺘﻲ
ﻋﲆ اﻟﺘﻞ ﻋﻨﺪ ﺟﻮار املﺤﻠﺔ .وملﺎ دﺧﻠﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺧﻠﻘﻬﺎ ،وﻛﺮم ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﻣﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻣﺮت ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ﻓﺄﻛﻠﻨﺎ ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ،ودﻋﺖ ﺑﺎﻟﴩاب ﻓﴩب
أﺻﺤﺎﺑﻨﺎ ،وﺳﺄﻟﺖ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻨﺎ ﻓﺄﺟﺒﻨﺎﻫﺎ ،واﻧﴫﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ وﻧﺤﻦ ﺷﺎﻛﺮون
ﻣﻌﺮوﻓﻬﺎ.
وﻟﻬﺎ ﻣﺂﺛﺮ وﺧريات دارة ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺟﺪ وﺗﻜﺎﻳﺎ وﻣﺪارس ﰲ ﺑﻼدﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻣُﻘ ﱠﺮﺑﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﺘﻘ ﱡﺮب أﺑﻴﻬﺎ ﻣﻨﻪ ،وﻣﺴﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻨﺪه.
ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﻠﻚ »ﻃﻮاﻟﺲ« ،وﻫﻲ ﺑﻼد واﺳﻌﺔ ﻣﺠﺎورة ﻟﺒﻼد اﻟﺼني .ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻳﻔﺘﺢ
اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ،وﻳﻀﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻣﻦ أوﻻده ،وملﺎ ﻓﺘﺢ »ﻛﻴﻠﻮﻛﺮى« وﺿﻊ اﺑﻨﺘﻪ »أورﺟﺎ«؛
ﻟﻌﻠﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮب ،وإﻗﺪاﻣﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﻫﻮال.
41
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﺣﴬوا ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ :ﻫﻞ ﺑﻘﻲ أﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ ﻟﻢ ﻳﺤﴬ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺎﺧﻮرة:
ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ رﺟﻞ واﺣﺪ ﺑ َْﺨﴚ — وﻫﻮ اﻟﻘﺎﴈ ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﻢ ،وﺑ َْﺨﴚ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة،
وﺳﻜﻮن اﻟﺨﺎء وﻛﴪ اﻟﺸني املﻌﺠﻤﺘني — وﻫﻮ ﻻ ﻳﺄﻛﻞ ﻃﻌﺎﻣﻜﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ادﻋﻮه ،ﻓﺠﺎء
ﺟﻨﺎدرﺗﻬﺎ وأﺻﺤﺎب اﻟﻨﺎﺧﻮرة ﻓﻘﺎﻟﻮا :أﺟﺐ املﻠﻜﺔ ،ﻓﺄﺗﻴﺘﻬﺎ وﻫﻲ ﺑﻤﺠﻠﺴﻬﺎ اﻷﻋﻈﻢ وﺑني
ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻧﺴﻮة ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻦ اﻷزﻣﱠ ﺔ ﻳﻌﺮﺿﻦ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻘﻮاﻋﺪ ،وﻫﻦ وزﻳﺮاﺗﻬﺎ،
وﻗﺪ ﺟﻠﺴﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﴪﻳﺮ ﻋﲆ ﻛﺮاﳼ اﻟﺼﻨﺪل ،وﻋﻠﻴﻪ ﺻﻔﺎﺋﺢ اﻟﺬﻫﺐ ،وﺑﺎملﺠﻠﺲ ﻣﺴﺎﻃﺐ
أوان ذﻫﺐ ﻛﺜرية ﻣﻦ ﻛﺒﺎر وﺻﻐﺎر ﻛﺎﻟﺨﻮاﺑﻲ واﻟﻘﻼل واﻟﻴﻮاﻗﻴﻞ،ﺧﺸﺐ ﻣﻨﻘﻮش ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ٍ
ﺑﴩاب ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺮ ﻣﺨﻠﻮط ﺑﺎﻷﻓﺎوﻳﻪ ﻳﴩﺑﻮﻧﻪ ﺑﻌﺪ ٍ أﺧﱪﻧﻲ اﻟﻨﺎﺧﻮرة أﻧﻬﺎ ﻣﻤﻠﻮءة
اﻟﻄﻌﺎم ،وأﻧﻪ ﻋَ ِﻄﺮ اﻟﺮاﺋﺤﺔ ،ﺣﻠﻮ املﻄﻌﻢ ،ﻳﻔﺮح وﻳﻄﻴﺐ اﻟﻨﻜﻬﺔ وﻳﻬﻀﻢ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻠﻤﺖ ﻋﲆ املﻠﻜﺔ ﻗﺎﻟﺖ ﱄ ﺑﺎﻟﱰﻛﻴﺔ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه :ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻟﻚ ،ﻛﻴﻒ أﻧﺖ؟ وأﺟﻠﺴﺘﻨﻲ
ً
وﻗﺮﻃﺎﺳﺎ، ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﺒﻌﺾ ﺧﺪﻣﻬﺎ :آﺗﻨﻲ دواة
ﻓﺄﺗﻰ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ:
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﺗﻨﴬي ﺗﻨﻜﺮى ﻧﺎم — وﺗﻨﴬي ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺘﺎء
اﻟﻔﻮﻗﻴﺔ ،وﺳﻜﻮن اﻟﻨﻮن ،وﻓﺘﺢ اﻟﻀﺎد ،وراء وﻳﺎء — وﻧﺎم — ﺑﻨﻮن وأﻟﻒ
وﻣﻴﻢ — وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ اﺳﻢ ﷲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺟﻴﺪ ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻣﻦ أي اﻟﺒﻼد ﻗﺪﻣﺖ،
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺑﻼد اﻟﻔﻠﻔﻞ؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ
ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد وأﺧﺒﺎرﻫﺎ ،ﻓﺄﺟﺒﺘﻬﺎ .ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ ﺑﺪ أن أﻏﺰوﻫﺎ وآﺧﺬﻫﺎ ﻟﻨﻔﴘ؛ ﻓﺈﻧﻲ
ﺑﺄﺛﻮاب وﺣﻤﻞ
ٍ ﻳﻌﺠﺒﻨﻲ ﻛﺜﺮة ﻣﺎﻟﻬﺎ وﻋﺴﺎﻛﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :اﻓﻌﲇ .وأﻣَ ْ
ﺮت ﱄ
ﻓﻴﻠني ﻣﻦ اﻷرز ،وﺑﺠﺎﻣﻮﺳﺘني ،وﻋﴩﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻀﺄن ،وأرﺑﻌﺔ أرﻃﺎل ﺟﻼب،
وأرﺑﻌﺔ ﻣﺮﻃﺒﺎﻧﺎت ،وﻫﻲ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ واﻟﻔﻠﻔﻞ واﻟﻠﻴﻤﻮن واﻟﻀﺒﺎ.
ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻤﻠﻮح ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻟﻠﺒﺤﺮ.
42
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﻟﻬﺬه املﻠﻜﺔ ﻏﺎرات ووﻗﺎﺋﻊ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻊ ﻣﻠﻮك اﻟﻬﻨﺪ وﻣﻠﻮك اﻟﺼني ﻣﻦ املﺴﻠﻤني وﻋﺒﺪة
اﻷوﺛﺎن ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﻮﰲ واﻟﺪﻫﺎ وإﺧﻮﺗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ،
وﻣﻠﻜﺖ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﻠﻚ أﺑﻴﻬﺎ ،وأﺧريًا ُﻗﺘﻠﺖ ﺑﻔﺮاﺷﻬﺎ ﺑﺪﺳﻴﺴﺔ أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﺼني ،واﻧﻘﺮض
ﻣﻠﻜﻬﺎ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ.
أرﺑﻼي املﺆﻟﻔﺔ
ﻣﺪام »دو أرﺑﻼي« ﻣﺆﻟﻔﺔ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٧٥٢م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٨٤٠م ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ
ﺣﺪاﺛﺘﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻟﻜﻼم ﺟﺒﺎﻧﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ملﺎ ﻛﱪت ﻫﺬب اﻟﻌﻠﻢ أﺧﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ ﺳﻨﺔ ١٧٧٨م
ﻗﺼﺔ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﱪاﻋﺘﻬﺎ وﻃﻮل ﺑﺎﻋﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ،ﺛﻢ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﺪة رواﻳﺎت ﻏريﻫﺎ ،واﺗﺨﺬﺗﻬﺎ
املﻠﻜﺔ ﻟﺨﺪﻣﺘﻬﺎ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ.
وﺑﻌﺪ أن ﺧﺪﻣﺖ ٥ﺳﻨﻮات ،أﻟﺠﺄﻫﺎ ﺿﻌﻒ ﺟﺴﻤﻬﺎ إﱃ اﻻﺳﺘﻌﻔﺎء ،واﻗﱰﻧﺖ ﺳﻨﺔ
ﺑﺮﺟﻞ ﻓﺮﻧﴘ ،واﺳﺘﻤﺮت ﻋﲆ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﺣﺘﻰ إن ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ زادت ﺟﺪٍّا ،وﺑﻘﻴﺖ ٍ ١٧٩٣م
ﻃﺒﻌﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ واﻧﺘﴩت ﰲ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣرياﺛًﺎ ﻟﻮرﺛﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻏﻨﺘﻬﻢ ﻏﻨًﻰ ﻓﺎﺋﻖ اﻟﺤﺪ ،و ُ
ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ.
43
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ذوي اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺪراﻳﺔ ﺑﺎﻷﻣﻮر اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻗﻮرش،
ﻣﻠﻚ ﻓﺎرس ،ملﺎ ﻫﺎﺟﻢ ﺑﻼد اﻟﻴﻮﻧﺎن اﺷﱰﻛﺖ ﻣﻌﻪ ،ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻪ ،وأﺧﺬت ﻣﻌﻬﺎ
أﺳﻄﻮﻻ ﻣُﺆ ﱠﻟ ًﻔﺎ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﺳﻔﻦ.
ً
واﺷﺘﻬﺮت ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﺎﻟﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ ﰲ ﻣﻌﺮﻛﺔ »ﺳﻼﻣﻴﺲ« اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺸﺒﺖ
ﺳﻨﺔ ٤٨٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،وذُﻛﺮ ﰲ رواﻳﺔ — ﻣﺸﻜﻮك ﰲ ﺻﺤﺘﻬﺎ — أﻧﻬﺎ ﺷﻐﻔﺖ ﺑﺤﺐ ﺷﺎب
ﻣﻦ »أﺑﻴﺬوس« اﺳﻤﻪ »ورداﻧﻮس« ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺎرﻛﻬﺎ ﰲ ﺣﺒﻬﺎ ،ﻓﺴﻤﻠﺖ ﻋﻴﻨﻴﻪ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ
ﻧﺪﻣﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﲆ ﻗﺴﺎوﺗﻬﺎ ،واﺳﺘﺸﺎرت املﻌﺒﻮدات ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻔﻌﻞ ﻛﻔﺎرة ﻋﻦ ذﻧﺒﻬﺎ،
ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ :ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﺗﻄﺮح ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻦ ﻣﻨﺤﺮ ﺟﺰﻳﺮة »ﻟﻮﻛﺎرﻳﺎ« ،ﻓﻔﻌﻠﺖ
ذﻟﻚ وﻣﺎﺗﺖ ﻏﺮﻳﻘﺔ.
وﻫﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﷲ اﻟﻌﺒﺎﳼ .ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ وﻟﺪ اﻟﻘﺎﺋﻢ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﻟﻪ وﻟﺪ ﺳﻮى أﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﻫﺬا ،وﺗﻮﰲ ﰲ ﺣﻴﺎة أﺑﻴﻪ وﻟﻢ ﻳﻌﻘﺐ ،ﻓﺤﺰن اﻟﻘﺎﺋﻢ ﰲ
أواﺧﺮ أﻳﺎﻣﻪ ﺣﺰﻧًﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،واﻧﻘﻄﻊ أﻣﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻘﺒﻪ ،وﻇﻨﻮا أن دوﻟﺔ
اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻘﺎدري ﻗﺪ اﻧﻘﺮﺿﺖ ،وﻛﺎن أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻳﺨﺘﻠﻒ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺠﺎرﻳﺔ ،ﻓﺎﺗﻔﻖ أﻧﻬﺎ
ﺣﻤﻠﺖ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى اﻟﻨﺎس ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،وﻣﺎ أﻟ ﱠﻢ ﺑﺎﻟﻘﺎﺋﻢ ﻣﻦ اﻟﻬﻢ واﻟﺤﺰن ،أﻋﻠﻨﺖ ﺣﻤﻠﻬﺎ
ﻓﺘﻌﻠﻘﺖ آﻣﺎل اﻟﻨﺎس ﺑﻬﺎ ،وﺗﻮﺟﻬﺖ اﻷﻓﻜﺎر إﻟﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ وﻟﺪت ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻣﻮﻻﻫﺎ ﺑﺴﺘﺔ
ﻃﺎ ،وﻓﺮح اﻟﻨﺎس ﻟﺒﻘﺎء اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ .وﻫﺬا ﻫﻮ أﺷﻬﺮ ﻏﻼﻣً ﺎ ،ﻓﻔﺮح اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﺮﺣً ﺎ ﻣﻔﺮ ً
اﻟﺬي ﻟُ ﱢﻘﺐ ﺑﺎملﻘﺘﺪر ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮه ﻣﺎ ﺟﺎء ﰲ ﺗﺎرﻳﺨﻪ .وأرﺟﻮان ﻫﺬه أم وﻟﺪ أرﻣﻴﻨﺔ ﺗﺪﻋﻰ
ﻗﺮة اﻟﻌني ،وأدرﻛﺖ ﺧﻼﻓﺔ اﺑﻨﻪ املﺴﺘﻈﻬﺮ ﺑﺎهلل ،وﺧﻼﻓﺔ اﺑﻦ اﺑﻨﻪ املﺴﱰﺷﺪ ﺑﺎهلل.
أروى اﺑﻨﺔ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ ﻋﻤﺔ رﺳﻮل ﷲ ﷺ .ذﻛﺮﻫﺎ أﺑﻮ
ﺟﻌﻔﺮ ﰲ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،وذﻛﺮ ً
أﻳﻀﺎ أﺧﺘﻬﺎ ﻋﺎﺗﻜﺔ اﺑﻨﺔ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ،ﻗﺎل ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ
ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺘﻴﻤﻲ :ملﺎ أﺳﻠﻢ ﻃﻠﻴﺐ ﺑﻦ ﻋﻤري دﺧﻞ ﻋﲆ أﻣﻪ أروى ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﻓﻘﺎل
44
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻟﻬﺎ :ﻗﺪ أﺳﻠﻤﺖ وﺗﺒﻌﺖ ﻣﺤﻤﺪًا ،أوَﺗﺘﺒﻌﻴﻨﻪ؛ ﻓﻘﺪ أﺳﻠﻢ أﺧﻮك ﺣﻤﺰة؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﻈ ُﺮ ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ
أﺧﻮاﺗﻲ ﺛﻢ أﻛﻮن ﻣﺜﻠﻬﻦ.
ﻗﺎل :ﻓﻘﻠﺖ :إﻧﻲ أﺳﺄﻟﻚ ﺑﺎهلل إﻻ أﺗﻴﺘﻪ وﺳﻠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﺻﺪﻗﺘﻪ ،وﺷﻬﺪت أن ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ،
ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺈﻧﻲ أﺷﻬﺪ أن ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ ،ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل ﷲ .ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌ ُﺪ ﺗﻌﻀﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ
وﺗﻌﻴﻨﻪ ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﺎ ،وﺗﺤﺾ اﺑﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﴫﺗﻪ واﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄﻣﺮه .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮات اﻷدﻳﺒﺎت
واملﺘﻜﻠﻤﺎت ﰲ اﻟﻌﺮب.
وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﺗﺮﺛﻲ واﻟﺪﻫﺎ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﻣﻊ ﺑﺎﻗﻲ أﺧﻮاﺗﻬﺎ ﺣني ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﻦ ذﻟﻚ ﻗﺒﻞ
ﻣﻮﺗﻪ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻗﻮﺗﻬﻦ ﰲ اﻟﺮﺛﺎء:
ﻋ ﻠ ﻰ ﺳ ﻤ ﺢ ﺳ ﺠ ﻴ ﺘ ﻪ اﻟ ﺤ ﻴ ﺎء ﺑ ﻜ ﺖ ﻋ ﻴ ﻨ ﻲ وﺣ ﻖ ﻟ ﻬ ﺎ اﻟ ﺒ ﻜ ﺎء
ﻛ ﺮﻳ ﻢ اﻟ َﺨ ﻴْ ﻢ ﺷ ﻴ ﻤ ﺘ ﻪ اﻟ ﻌ ﻼء ﻋ ﻠ ﻰ ﺳ ﻬ ﻞ اﻟ ﺨ ﻠ ﻴ ﻘ ﺔ أﺑ ﻄ ﺤ ﻲ
أﺑ ﻴ ﻚ اﻟ ﺨ ﻴ ﺮ ﻟ ﻴ ﺲ ﻟ ﻪ ﻛ ﻔ ﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺎض ﺷﻴﺒﺔ ذي اﻟﻤﻌﺎﻟﻲ
أﻏ ﺮ ﻛ ﺄن ﻏ ﺮﺗ ﻪ ﺿ ﻴ ﺎء ﻃ ﻮﻳ ﻞ اﻟ ﺒ ﺎع أﻣ ﻠ ﺲ ﺷ ﻴ ﻈ ﻤ ﻲ
ﻟ ﻪ اﻟ ﻤ ﺠ ﺪ اﻟ ﻤ ﻘ ﺪﱠم واﻟ ﺜ ﻨ ﺎء أﻗ ﺐ اﻟ ﻜ ﺸ ﺢ أورع ذو ﻓ ﻀ ﻮل
ﻗ ﺪﻳ ﻢ اﻟ ﻤ ﺠ ﺪ ﻟ ﻴ ﺲ ﻟ ﻪ ﺧ ﻔ ﺎء أﺑ ﻲ اﻟ ﻀ ﻴ ﻢ أﺑ ﻠ ﺞ ﻫ ﺒ ﺮزي
وﻓ ﻴ ﺼ ﻠ ﻬ ﺎ إذا اﻟ ﺘ ﻤ ﺲ اﻟ ﻘ ﻀ ﺎء وﻣ ﻌ ﻘ ﻞ ﻣ ﺎﻟ ﻚ ورﺑ ﻴ ﻊ ﻓ ﻬ ﺮ
ﺄﺳ ﺎ ﺣ ﻴ ﻦ ﺗ ﻨ ﺴ ﻜ ﺐ اﻟ ﺪﻣ ﺎء وﺑ ً وﻛ ﺎن ﻫ ﻮ اﻟ ﻔ ﺘ ﻰ ﻛ ﺮﻣً ﺎ وﺟ ﻮدًا
ﻛ ﺄن ﻗ ﻠ ﻮب أﻛ ﺜ ﺮﻫ ﻢ ﻫ ﻮاء إذا ﻫ ﺎب اﻟ ﻜ ﻤ ﺎة اﻟ ﻤ ﻮت ﺣ ﺘ ﻰ
ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﺣ ﻴ ﻦ ﺗ ﺒ ﺼ ﺮه اﻟ ﺒ ﻬ ﺎء ﻣ ﻀ ﻰ ﻗ ﺪﻣً ﺎ ﺑ ﺬي رأي ﻣ ﺼ ﻴ ﺐ
وﻗﺪ أﺳﻨﺖ وﻣﺎﺗﺖ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ،ودﻓﻨﺖ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﻛﺮام.
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻳﺪة زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﺑﻠﻴﻐﺔ ﻋﴫﻫﺎ وأواﻧﻬﺎ ،إذا ﺧﻄﺒﺖ أﻋﺠﺰت ،وإن ﺗﻜﻠﻤﺖ أوﺟﺰت،
وﻻ ﻏﺮو ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﺒﻼﻏﺔ وﻣﻌﺪن اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺤﺼﺎﻓﺔ.
45
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ وﻓﺪت ﻋﲆ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ملﺎ وﱄ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺠﻮ ًزا ﻛﺒرية،
ً
وأﻫﻼ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻛﻨﺖ ﺑﻌﺪﻧﺎ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ اﺑﻦ أﺧﻲ، ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻗﺎل :ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ
ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮت ﻳﺪ اﻟﻨﻌﻤﺔ ،وأﺳﺄت ﻻﺑﻦ ﻋﻤﻚ اﻟﺼﺤﺒﺔ ،وﺗﺴﻤﻴﺖ ﺑﻐري اﺳﻤﻚ ،وأﺧﺬت ﻏري ﺣﻘﻚ
ﻣﻦ ﻏري دﻳﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﻚ وﻻ ﻣﻦ آﺑﺎﺋﻚ ،وﻻ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﰲ اﻹﺳﻼم ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﻔﺮﺗﻢ ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ،
ﻓﺄﺗﻌﺲ ﷲ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺠﺪود ،وأﴐع ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺨﺪود ،ورد اﻟﺤﻖ إﱃ أﻫﻠﻪ وﻟﻮ ﻛﺮه املﴩﻛﻮن،
وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺘﻨﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﻠﻴﺎ ،وﻧﺒﻴﻨﺎ ﷺ ﻫﻮ املﻨﺼﻮر ،ﻓﻮﻟﻴﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،وﺗﺤﺘﺠﻮن
ﺑﻘﺮاﺑﺘﻜﻢ ﻣﻦ رﺳﻮل ﷲ وﻧﺤﻦ أﻗﺮب إﻟﻴﻪ ﻣﻨﻜﻢ ،وأوﱃ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ،ﻓﻜﻨﺎ ﻓﻴﻜﻢ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺑﻨﻲ
إﴎاﺋﻴﻞ ﰲ آل ﻓﺮﻋﻮن ،وﻛﺎن ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ — رﺣﻤﻪ ﷲ — ﺑﻌﺪ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻫﺎرون
ﻣﻦ ﻣﻮﳻ ،ﻓﻐﺎﻳﺘﻨﺎ اﻟﺠﻨﺔ ،وﻏﺎﻳﺘﻜﻢ اﻟﻨﺎر ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص :ﻛﻔﻰ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻌﺠﻮز
اﻟﻀﺎﻟﺔ ،وأﻗﴫي ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻚ ﻣﻊ ذﻫﺎب ﻋﻘﻠﻚ؛ إذ ﻻ ﺗﺠﻮز ﺷﻬﺎدﺗﻚ وﺣﺪك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :وأﻧﺖ
ﺑﻐﻲ ﺑﻤﻜﺔ ،وآﺧﺬﻫﻦ ﻟﻸﺟﺮة ،ادﱠﻋﺎك ﺧﻤﺴﺔ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﺒﺎﻏﻴﺔ ،ﺗﺘﻜﻠﻢ وأﻣﻚ ﻛﺎﻧﺖ أﺷﻬﺮ اﻣﺮأة ﱟ
ﻓﺴﺌﻠﺖ أﻣﻚ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻛﻠﻬﻢ أﺗﺎﻧﻲ ،ﻓﺎﻧﻈﺮوا أﺷﺒﻬﻬﻢ ﺑﻪ ﻓﺄﻟﺤﻘﻮه ﺑﻪ، ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶُ ،
ﻓﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻚ ﺷﺒﻪ اﻟﻌﺎص ﺑﻦ واﺋﻞ ﻓﻠﺤﻘﺖ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻣﺮوان :ﻛﻔﻰ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻌﺠﻮز ،وأﻗﴫي
ملﺎ ﺟﺌﺖ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :وأﻧﺖ ً
أﻳﻀﺎ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﺰرﻗﺎء ﺗﺘﻜﻠﻢ .ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
وﷲ ﻣﺎ ﺟ ﱠﺮأ ﻋﲇ ﱠ ﻫﺆﻻء ﻏريك؛ ﻓﺈن أﻣﻚ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﰲ ﻗﺘﻞ ﺣﻤﺰة:
ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻋﻔﺎ ﷲ ﻋﻤﺎ ﺳﻠﻒ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ ،ﻫﺎت ﺣﺎﺟﺘﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﱄ إﻟﻴﻚ ﺣﺎﺟﺔ.
وﺧﺮﺟﺖ ﻋﻨﻪ ،وﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻬﺎ اﻟﺘﻔﺖ ﻣﻌﺎوﻳﺔ إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻪ وﻗﺎل ﻟﻬﻢ :وﷲ ﻟﱧ ﻛ ﱠﻠﻤﻬﺎ ﻛ ﱡﻞ
ﻣَ ﻦ ﰲ ﻣﺠﻠﴘ ﻷﺟﺎﺑﺖ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺠﻮاب ﺧﻼف اﻵﺧﺮ ﺑﺪون ﺗﻮﻗﻒ.
وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ أﺻﻌﺐ ﰲ اﻟﻜﻼم ﻣﻦ رﺟﺎل ﻏريﻫﻦ ،وأﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺠﺎﺋﺰة
ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻤﻘﺎﻣﻬﺎ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻣﻜﺮﻣﺔ ﺑني ﻗﻮﻣﻬﺎ إﱃ أن ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺑﺨﻼﻓﺔ ﻣﻌﺎوﻳﺔ.
46
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
47
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﱃ ﺟﺪراﻧﻪ ﺗﺠﺪﻫﺎ ﻣﺮﺻﻌﺔ ﺑﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻌﻈﺎم ،وأﻣﺎم ﺑﺎﺑﻪ رواق رﻓﻴﻊ اﻟﻌﻤﺎد،
وﻋﲆ اﻟﺒﺎب أﺳﺠﺎف اﻷرﺟﻮان ،وﺑﺠﺎﻧﺒﻪ أﻓﺎرﻳﺰ ﻣﻦ املﺮﻣﺮ اﻷﺻﻔﺮ ،وﻛﻮى اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺸﺒﻜﺔ
ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻘﻀﺒﺎن اﻟﻨﺤﺎس ﻋﲆ أﺷﻜﺎل وﴐوب ﺷﺘﻰ ،وأرﺿﻪ ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ
اﻷﺷﻜﺎل ،وﻋﻠﻴﻬﺎ أراﺋﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻣﺰ واﻷرﺟﻮان أﻫﺪاﺑﻬﺎ ﻣﻄﺮزة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ.
وﰲ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﺜﻤني ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﺪروج ﻣﻦ اﻟﺮق واﻟﺤﻠﻔﺎء ،ﻓﻠﻮ ﻧﻈﺮ
اﻟﻘﺎرئ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح إﱃ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻳﺮى »أﺳﺒﺎﺳﻴﺎ« ﻗﺪ ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻋﲆ درج ﻣﻦ
املﺮﻣﺮ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻣﺸﺖ ﰲ اﻟﺼﺤﻦ ،وﺧﺮﺟﺖ إﱃ اﻟﺮواق اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﻄﻞ ﻋﲆ ﺑﺴﺘﺎن
اﻟﺒﻴﺖ؛ ﻟﺘﺴﺘﻨﺸﻖ ﻧﺴﻴﻢ اﻟﺼﺒﺎح ﻣُﻀﻤﱠ ًﺨﺎ ﺑﺄرﻳﺞ اﻷزﻫﺎر واﻟﺮﻳﺎﺣني ،وﺧﺮج »ﺑﺮﻛﻠﻴﺲ«
ﻣﺎش ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ،وﺗﺠﺎذﺑﺎ أﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .وﻫﻲ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻟﻘﺎﻣﺔ،وﻫﻮ ٍ
ﻣﻤﺸﻮﻗﺔ اﻟﻘﺪ ،ﺟﻌﺪة اﻟﺸﻌﺮ ﺷﻘﺮاؤه ،ﻧﺠﻼء اﻟﻌﻴﻨني ﺣﻮراؤﻫﻤﺎ ،ﺷﻤﺎء اﻷﻧﻒ ،ﺻﻐرية
اﻷذﻧني ،ﺣﻤﺮاء اﻟﻮﺟﻨﺘني واﻟﺸﻔﺘني.
ﻻﺑﺴﺔ رداء أﺑﻴﺾ ﻋﲆ ردﻧﻴﻪ أﺑﺎزﻳﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻓﻮﻗﻪ رداء ﻗﺼري ﻣﻦ اﻷرﺟﻮان،
ﺑﻞ أردان أذﻳﺎﻟﻪ ﻣﻄﺮزة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﻋﲆ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ رداء ﺛﺎﻟﺚ ﻣﺴﺪول ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ً
ﺳﺪﻻ ،واﻟﻨﺴﻴﻢ
ﻳﻌﺒﺚ ﺑﻪ ﰲ ذﻫﺎﺑﻬﺎ وإﻳﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﺘﺨﺎﻟﻬﺎ ﻣَ ﻠ ًﻜﺎ ﻧﺎﴍً ا ﺟﻨﺎﺣﻴﻪ ﻟﻠﻄريان ،وﰲ أﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ﺧﻮاﺗﻢ
اﻟﺬﻫﺐ ﻣﺮﺻﻌﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ »أﺳﺒﺎﺳﻴﺎ« ﻣﻦ رﺑﺎت اﻟﻐﻨﺞ واﻟﺪﻻل اﻟﻠﻮاﺗﻲ
ﻳﺒﺎﻫني ﺑﺎﻟﺤﲇ واﻟﺤﻠﻞ ،ﺑﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺤﺠﺔ املﺮﺑني ﻣﻊ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﺤﻜﻤﺎء .وﻛﺎن ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻫﺬا
ﻧﺎدﻳًﺎ ﺗﺘﻘﺎﻃﺮ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ورﺟﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؛ ﻛﺴﻘﺮاط وأﻓﻼﻃﻮن وﻏريﻫﻤﺎ ،ﻓﺘﺒﺎﺣﺜﻬﻢ
ﰲ أﺳﻤﺎء املﻮاﺿﻴﻊ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻛ ﱠﻞ ﻋﺼﺐ اﻟﺪﻣﺎغ ﻣﻨﻬﺎ وﻣﻨﻬﻢ أدارت
ﴏﻓﺎ ،ﻓﺘﺴﻜﺮﻫﻢ ﺑﻌﺬوﺑﺔ ﻛﻼﻣﻬﺎ ً أزﻣﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﱃ اﻟﻔﻜﺎﻫﺎت واﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﻛﻤﺎ أﺳﻜﺮﺗﻬﻢ ﺑﺴﻤﻮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ .وﻛﺎن ﺳﻘﺮاط اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﻌﱰف ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﺸﻬﺪ ﺑﺄﻧﻬﺎ
ﻫﺬﺑﺖ أﺧﻼﻗﻪ ،وﻛﻤﱠ ﻠﺖ ﻣﻌﺎرﻓﻪ ،و»ﺑﺮﻛﻠﻴﺲ« زوﺟﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﺴﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﻬﺮﺗﻪ ﰲ
اﻟﺨﻄﺎﺑﺔ ،وﻗﺎل :إﻧﻪ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺒﻼﻏﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ.
وﻛﺎن ﻧﺴﺎء أﺛﻴﻨﺎ ﻳﱰددن ﻋﲆ ﺑﻴﺘﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ وﻳﺘﻌﻠﻤﻦ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ واﻟﻠﺒﺎﻗﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻛﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﺒﻨﺎء واﻟﻨﻘﺶ ﰲ أوج ﻣﺠﺪﻫﺎ ،ﻓﻌﻀﺪﺗﻬﺎ »أﺳﺒﺎﺳﻴﺎ« ﺑﻴﻤﻴﻨﻬﺎ،
وﺳﻌﺖ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﰲ رﻓﻊ ﺷﺄن ذوﻳﻬﺎ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﺛﻴﻨﻴﺎت ،وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ
ﺗﺤﺴﺐ زوﺟﺔ ﴍﻋﻴﺔ ﻟ »ﺑﺮﻛﻠﻴﺲ«؛ ﻷن ﴍﻳﻌﺔ أﺛﻴﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺮم ﻋﲆ اﻷﺛﻴﻨﻴني اﺗﺨﺎذ
48
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
اﻟﺰوﺟﺎت ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ ،إﻻ أن ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ املﻔﺮط ،وﺳﻤﻮ ﻋﻘﻠﻬﺎ ،وﻏﺰارة ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ،وﻛﺜﺮة
ﻃﻮﻳﻼ .واﻟﺤﺴﺪ — وﻗﺎك ﷲ ﻣﻨﻪ ً ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ ،أﻟﺠﻤﺖ أﻟﺴﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﻄﻌﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ زﻣﺎﻧًﺎ
— ﻋﺪو أﻟﺪ ﻻ ﻳﺒﻬﺮه اﻟﺠﻤﺎل ،وﻻ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ،ﻓﻨﻔﺦ ﰲ آذان ﺑﻌﺾ ذوﻳﻪ ﻓﻘﺎﻣﻮا
ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺗﻬﻤﻮﻫﺎ ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر اﻷﺛﻴﻨﻴﺎت ،وﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﺤﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻃﻌﻨﻮا ﰲ ﻋﺮﺿﻬﺎ ،واﺗﻬﻤﻮا
ﻣﻌﻬﺎ »آﺗﻜﻔﻮراس« اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ،و»ﻓﻴﺪﻳﺎس« اﻟﻨﻘﺎش ،ﻓﻘﺘﻠﻮا أﺣﺪﻫﻤﺎ ،وﻧﻔﻮا اﻵﺧﺮ ﻧﻔﻴٍّﺎ
ﻣﺆﺑﺪًا ،وﺣﺎﻣﻰ »ﺑﺮﻛﻠﻴﺲ« ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺑﻜﻞ ﺟﻬﺪه ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ إﻧﻘﺎذﻫﻤﺎ.
وملﺎ وﺻﻞ اﻟﺪور إﱃ »أﺳﺒﺎﺳﻴﺎ« ،ﺻﺎر ﻛﻠﻪ أﻟﺴﻨﺔ وﺑﻼﻏﺔ ،ﻓﺪاﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﻣﺠﻤﻊ
»أرﻧﻮس ﺑﺎﻏﻮس« ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﻓﺼﺢ أﻫﻞ زﻣﺎﻧﻪ ﻟﺴﺎﻧًﺎ ،وأﺛﺒﺘﻬﻢ ﺟﻨﺎﻧًﺎ ،وأﻗﻮاﻫﻢ ﺣﺠﺔ ،وملﺎ
ﻋﺠﺰ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻋﻦ أﻗﻮال إرﺑﻪ ،داﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺪﻣﻮع ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ أﻧﻘﺬﻫﺎ ﻣﻦ املﻮت
ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺿﻌﺎف اﻟﻌﺰاﺋﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻔﻴﺾ دﻣﻮﻋﻬﻢ ﻋﻨﺪ أﺧﻒ اﻟﻨﻜﺒﺎت ،وﻻ ﻛﺎن
ﻣﻦ املﺘﻌﻠﻘني ﺑﺤﺒﺎل اﻟﻬﻮى املﻨﻘﺎدﻳﻦ ﺑﺰﻣﺎم اﻟﺸﻬﻮات؛ ﻓﺈﻧﻪ ملﺎ ﻓﺸﺎ اﻟﻮﺑﺎء واﺧﺘﻄﻒ اﺑﻨﺘﻪ
اﻟﺒﻜﺮ وأﺧﺘﻪ وﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ أﻗﺎرﺑﻪ ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﻜﺒﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﺑﺼﺪر أرﺣﺐ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺪ ،وﺻﱪ
أﻏﺰر ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻜﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ دﻣﻌﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ملﺎ رأى اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻣﻬﺎﻧﺔ ﺑﺈﻫﺎﻧﺔ زوﺟﺘﻪ،
واﻟﻌﻔﺔ واﻟﻄﻬﺎرة ﻣﻬﺘﻮﻛﺔ أﺳﺘﺎرﻫﻤﺎ ﻇﻠﻤً ﺎ وﻋﺪواﻧًﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ،وﻛﺬا ملﺎ اﺧﺘﻄﻔﺖ
أﻳﺪي املﻨﻮن اﺑﻨﺘﻪ اﻟﺼﻐﺮى ،وﺣﻤﻞ إﻛﻠﻴﻞ اﻟﻔﺮﻫﺮ ﻟﻴﻜﻠﻞ ﺑﻪ ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ ﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﻔﻘﺔ
اﻷﺑﻮﻳﺔ ﻓﻔﺎﺿﺖ دﻣﻮﻋﻪ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻨﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻻدة »أﺳﺒﺎﺳﻴﺎ« ﺑ »ﻣﻠﺘﻴﻮس« ﺳﻨﺔ ٤٧٠ﻗﺒﻞ
املﻴﻼد ،واﻗﱰن ﺑﻬﺎ »ﺑﺮﻛﻠﻴﺲ« ﺑﻌﺪ أن ﻫﺠﺮ زوﺟﺘﻪ اﻷوﱃ ،واﻧﻘﺎد إﻟﻴﻬﺎ أﺷﺪ اﻻﻧﻘﻴﺎد ﺣﺘﻰ
ﻗﺎل »أرﺳﺘﻮﻓﺎﻳﻨﺲ« :إﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻋﲆ إﺛﺎرة ﺣﺮب »ﺳﺎﻣﻮس« و»ﺑﻠﻮﻳﻮﻣﺘﺒﺴﻮس«،
وﻟﻜﻦ »ﻓﻠﻮﻃﺮﺧﺲ« املﺆرخ اﻟﺜﻘﺔ ﻧﻔﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺘﻬﻤﺔ ،وﺗﻮﰲ »ﺑﺮﻛﻠﻴﺲ« ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﻮن،
رﺟﻼ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر ،ﻓﺼﺎر ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫري أﺛﻴﻨﺎ وﺧﻄﺒﺎﺋﻬﺎ. ﻓﺘﺰوﺟﺖ »أﺳﺒﺎﺳﻴﺎ« ﺑﻌﺪه ً
49
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﻜﻒ ﻟﺴﺪ املﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ وﺑﺬﺧﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﻔﺮدت ﰲ ِ أن املﺒﻠﻎ ﻟﻢ
»واﻟﺴﻦ« ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ وﻃﺎﻓﺖ أوروﺑﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻓﺘﻴﺔ ﻧﴬة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻏﻨﻴﺔ ،ﻓﻘﻮﺑﻠﺖ ﰲ
اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ زارﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻜﺮﻳﻢ واﻟﺘﻌﻈﻴﻢ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺗﻘﺘﻀﻴﻬﻤﺎ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ أﺑﺖ اﻟﺰواج
ﻣﻊ أن ﺧﺎﻃﺒﻴﻬﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﻫﺎﱄ اﻟﺮﻓﻌﺔ واﻟﺸﺄن .وﺑﻌﺪ أن زارت أﻛﱪ ﻋﻮاﺻﻢ أوروﺑﺎ ﻻح
ﻣﺮﻛﺰ ﻋﻈﻴﻢ ،ﻓﺴﺎرت إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻀﻊ ٍ ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﰲ اﻟﴩق ﻋﲆ
ﺳﻨني ،واﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺳﺒﺐ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﺎ ،ﻓﺬﻫﺐ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﱃ أﻧﻪ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﲆ
ذﻟﻚ ﺣﺰﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﺟﻨﺮال إﻧﻜﻠﻴﺰي ﺷﺎب ﻗﺘﻞ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒﻪ ،ﻓﺄﺛﱠﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮﺗﻪ ﺗﺄﺛريًا
ﺷﺪﻳﺪًا ،ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﻄﺐْ ﻟﻬﺎ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﻌﺪه ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ،وذﻫﺐ آﺧﺮون إﱃ أن اﻟﺬي ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﲆ
ذﻟﻚ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻈﺎﺋﻢ اﻷﻣﻮر ،وﺣﺐ اﻟﺸﻬﺮة.
ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻗﺎﺻﺪة ﺳﻮرﻳﺎ ﺳﻨﺔ ١٨١٠م ﰲ ﺳﻔﻴﻨﺔ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻛﺎن
ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺴﻢ ﻛﺒري ﻣﻦ ﺛﺮوﺗﻬﺎ ،وأﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﲇ واﻟﺘﺤﻒ ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ إﱃ
»ﺟﻮن ﻣﻜﺮي« ﺗﺠﺎه ﺟﺰﻳﺮة »رودس« ﺻﺪﻣﺖ ﺻﺨ ًﺮا ،ﻓﺘﺤﻄﻤﺖ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﻌﺾ أﻣﻴﺎل
ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ ،وﻏﺮﻗﺖ أﻣﺘﻌﺔ »إﺳﺘري ﺳﺘﻨﻬﻮب« وأﻣﻮاﻟﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻨﺞُ ﻫﻲ ﻣﻦ املﻮت إﻻ ﺑﻌﺪ
ﻋﻨﺎءٍ ﺷﺪﻳﺪ ،ﻓﺤﻤﻠﺖ ﻋﲆ ﻟﻮح اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ إﱃ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻐرية ﻗﻔﺮة ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ ٢٤ﺳﺎﻋﺔ ﻟﻢ
ﺗﺬق ﻃﻌﺎﻣً ﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻘﺬ وﻻ ﻣﺠري ،إﻻ أن ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺻﻴﺎدي »ﻣﺮﻣﻮرﻳﺰا« وﺟﺪوﻫﺎ
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﰲ أﺛﻨﺎء ﺗﻔﺘﻴﺸﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،ﻓﺴﺎروا ﺑﻬﺎ إﱃ »رودس«.
وﻫﻨﺎك أﺧﱪت ﻗﻨﺼﻞ إﻧﻜﻠﱰا ﻓﺠﻤﻌﺖ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﺘﺎع ،وﺑﺎﻋﺖ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ
ﺗﺤﻔﺎ ﻧﻔﻴﺴﺔ وﻫﺪاﻳﺎ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲأﻣﻼﻛﻬﺎ ﺑﺄﺑﺨﺲ اﻷﺛﻤﺎن ،ورﻛﺒﺖ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻣﻸﺗﻬﺎ ً
ﻋﺰﻣﺖ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺎدﻓﻬﺎ ﰲ ﻣﺴريﻫﺎ ﻧﻮء .وأﺗﺖ اﻟﻼذﻗﻴﺔ ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻫﻨﺎك
وﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻋﺮﻓﺖ ﻋﺎدات اﻷﻫﺎﱄ وﻃﺒﺎﻋﻬﻢ ،وﺟﻬﺰت ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻛﺒرية ،وﺣﻤﻠﺖ
إﱃ اﻟﺒﺪو ﻫﺪاﻳﺎ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﻋﲆ ﻇﻬﻮر اﻟﺠﻤﺎل ،وﻃﺎﻓﺖ أﻧﺤﺎء ﺳﻮرﻳﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﺰارت اﻟﻘﺪس،
ودﻣﺸﻖ ،وﺣﻤﺺ ،وﺑﻌﻠﺒﻚ ،وﺗﺪﻣﺮ .وملﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ ﺗﺪﻣﺮ اﺟﺘﻤﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺜريون ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ
اﻟﺒﺪو وﻣ ﱠﻜﻨﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺎن ﻋﺪدﻫﻢ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﻦ ٤٠إﱃ ً ٥٠
أﻟﻔﺎ،
وﻛﺎﻧﻮا ﻛﻠﻬﻢ ﻳﺘﻌﺠﺒﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وﻟﻄﻔﻬﺎ وأﺑﻬﺘﻬﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﻮﻫﺎ ﻣﻠﻜﺔ ﻟﺘﺪﻣﺮ ،وﻋﺎﻫﺪوﻫﺎ ﻋﲆ
أن ﺟﻤﻴﻊ اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﺰوروا »ﺑﻌﻠﺒﻚ« وﺗﺪﻣﺮ آﻣﻨني
ﻋﲆ أرواﺣﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺑﴩط أن ﻳﺪﻓﻊ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﴐﻳﺒﺔ ﻗﺪرﻫﺎ أﻟﻒ ﻗﺮش.
واﺳﺘﻤﺮت ﺗﻠﻚ املﻌﺎﻫﺪة ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻳُﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ،وﻋﻨﺪ رﺟﻮﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺪﻣﺮ ﻋﺰﻣﺖ ﻗﺒﻴﻠﺔ
ﻗﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو ﻋﺪوﱠة ﻟﺘﺪﻣﺮ اﻟﺘﻌﺪي ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻏري أن أﺣﺪ ﺣﺸﻤﻬﺎ أﻧﺒﺄﻫﺎ ﰲ اﻟﺤﺎل ﺑﻮﻗﻮﻋﻬﺎ
50
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻟﻴﻼ ،وﻛﺎن ﺧﻴﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻮد اﻟﺨﻴﻞ ،ﻓﺎﺟﺘﺎزت ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺠﺴﻴﻢ ،ﻓﺄﺧﺬت ﰲ اﻟﺴري ً
ﰲ ﻣﺪة ٢٤ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﺑﺬﻟﻚ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻫﻲ وﻣﻦ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎة ،وأﺗﺖ دﻣﺸﻖ
وأﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻬ ًﺮا ﻋﻨﺪ اﻟﻮاﱄ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ﻗﺪ ﱠ
وﺻﺎه ﺑﺈﻛﺮاﻣﻬﺎ
ﻃﻮﻳﻼ ﰲ اﻟﻄﻮاف واﻟﺠﻮﻻن ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﴩﻗﻴﺔ ،وأذﻫﻞ اﻷﻫﺎﱄ ﻣﺎ ً وإﻋﺰازﻫﺎ ،وﴏﻓﺖ زﻣﺎﻧًﺎ
ﺷﺎﻫﺪوه ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ وﻏﻨﺎﻫﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻌﺎﻣﻠﻮﻧﻬﺎ ﻛﻤﻠﻜﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺗﺤﺎول ﺑﺤﺬاﻗﺘﻬﺎ أن
ﺗﻀﺎﻫﻲ »زﻳﻨﻮﺑﻴﺎ« ،ﻣﻠﻜﺔ اﻟﴩق ،ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ.
وﺳﻨﺔ ١٨١٣م ،اﺳﺘﻮﻃﻨﺖ دﻳﺮ اﻟﻘﺪﻳﺲ إﻟﻴﺎس املﻬﺠﻮر ،اﻟﻮاﻗﻊ ﰲ ﺟﻮار ﻗﺮﻳﺔ ﻋﲆ
ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺻﻴﺪا ،ﻓﺒﻨﺖ ﻫﻨﺎك ﻋﺪة ﺑﻴﻮت ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺴﻮر أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻷﺳﻮار اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗُﺒﻨﻰ ﰲ اﻟﻘﺮون املﺘﻮﺳﻄﺔ ،وأﻧﺸﺄت ﻫﻨﺎك ﺑﺴﺘﺎﻧًﺎ ﻋﲆ ﻧﺴﻖ اﻟﺒﺴﺎﺗني اﻟﱰﻛﻴﺔ ،ﻓﻐﺮﺳﺖ ﻓﻴﻪ
اﻷزﻫﺎر واﻷﺷﺠﺎر واﻟﻔﺎﻛﻬﺔ وﻛﺮوﻣً ﺎ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﻛﺸﻮ ًﻛﺎ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش واﻟﺼﻮر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ،
وﺟﻌﻠﺖ ﻟﻠﻤﺎء ﻗﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﻮرات وﺳﻂ ﺑﻼط ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ﻣﺰﻳﻦ
أﻳﻀﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ أﺷﺠﺎر اﻟﱪﺗﻘﺎل واﻟﺘني واﻷﺗﺮاج املﻠﺘﻔﺔ ﺗﺰﻳﺪ ذﻟﻚ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻨﻘﻮش ً
ﺟﻤﺎﻻ وﻧﺰﻫﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻤﻜﺚ ذﻟﻚ اﻟﺪﻳﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺣﺼﻨًﺎ وﻣﻠﺠﺄ ﻳﻠﺘﺠﺊ إﻟﻴﻪ املﻈﻠﻮﻣﻮن ً
ﻓﺘُﺠريﻫﻢ ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻫﻨﺎك ﻋﺪة ﺳﻨني ﰲ أﺑﻬﺔ ﴍﻗﻴﺔ ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﱰاﺟﻤﺔ ﺳﻮرﻳني وأوروﺑﻴني،
وﺣﺎﺷﻴﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻟﺴﻮد ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺲ ﻟﺒﺲ أﻣري ،وﺗﺘﻘﻠﺪ
ﺪﺧﻦ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻋﻼﺋﻖ ﺣﺒﻴﺔ وﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻊ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﱄ ،وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﺎﺷﺎ ،واﻷﻣري اﻟﺴﻼح ،وﺗُ ﱢ
ﺑﺸري اﻟﺸﻬﺎﺑﻲ ﺣﺎﻛﻢ ﻟﺒﻨﺎن ،واﻟﺸﻴﺦ ﺑﺸري ﺟﺎن ﺑﻼط ،وﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﺒﺪو ﰲ ﺑﺮاري ﺳﻮرﻳﺎ
وﺑﻐﺪاد.
ً
ﺛﻢ اﺗﺨﺬت ﻟﻬﺎ ﻣﺴﻜﻨﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ أﺧﺬﺗﻪ ﻣﻦ رﺟﻞ دﻣﺸﻘﻲ ﻣﺴﻴﺤﻲ ﻏﻨﻲ واﻗﻊ ﻋﲆ
ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻳﻌﺮف ﺑﻈﺮف ﺟﻮن ،ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﻗﺮﻳﺔ »ﺟﻮن« اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ملﺪﻳﺮﻳﺔ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺨﺮوب ﻣﻦ ٍ
ﺟﺒﻞ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ٨أﻣﻴﺎل ﻣﻦ ﺻﻴﺪا ،ووﺳﻌﺖ داﺋﺮة ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﺣﻮﻟﻪ
ﺟﻨﻴﻨﺔ وﺳﻮ ًرا ،وﺑﻘﻴﺖ ﻓﻴﻪ إﱃ أن ﺗﻮﻓﻴﺖ .ﺛﻢ أﺧﺬت ﺛﺮوﺗﻬﺎ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﺘﻨﺎﻗﺺ ﻟﻌﺪم اﻧﺘﻈﺎم
ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻏﻴﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﺒﻠﻎ دﺧﻠﻬﺎ اﻟﺴﻨﻮي ١٣٠
ﻛﺎف ﻟﺴﺪ املﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ،ﻏري و ٤٠أﻟﻒ ﻓﺮﻧﻚ ،وﻛﺎن ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻏري ٍ
أﻧﻪ ﻣﺎت ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺤﺒﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ وﺗﺮﻛﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،وﺧﻤﺪت ﻣﺤﺒﺔ اﻷﻫﺎﱄ
ﻣﻮﻗﻮﻓﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ،ﻓﺄﻣﺴﺖ ﻣﻨﻔﺮدة ،وﻗﻠﺖً ﻟﻬﺎ؛ ﻷن ﺗﻮاﻓﺪﻫﺎ ﻛﺎن
ﻋﻼﺋﻘﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس.
وﻟﻜﻦ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ﻣﺎ ﻳﺪﻫﺶ اﻟﺨﻮاﻃﺮ وﻳﺤري اﻟﻌﻘﻮل؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺻﱪت
وﺗﺠﻠﺪت وﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﺎ اﻟﺒﺘﺔ أن ﺗﺮﺟﻊ ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ أﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺘﺄﺳﻒ ﻋﲆ
51
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﺎ ﻓﺎت ،وﻻ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ،وﻟﻢ ﻳﺤﺰﻧﻬﺎ ﺗﺮك ﺧﻼﻧﻬﺎ وﺛﺮوﺗﻬﺎ وﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ،
ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ وﺣﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻏري ﻛﺘﺐ وﻻ ﺟﺮاﺋﺪ وﻻ رﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ أوروﺑﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺻﺪﻳﻖ
ﻳﺆاﻧﺴﻬﺎ ،وﻻ ﺳﻤري ﻳﺠﺎﻟﺴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺑﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاري اﻟﺴﻮد ،وﻋﺒﻴﺪ ﺳﻮد
ﺻﻐﺎر اﻟﺴﻦ ،وﺑﻀﻌﺔ ﻓﻼﺣني ﺳﻮرﻳني ﻳﻌﺘﻨﻮن ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ وﺧﻴﻠﻬﺎ ،وﻳﺴﻬﺮون ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﻄﻮارق.
وﻗﺪ ﺗﺤﻘﻘﺖ أن ﻣﺎ اﻣﺘﺎزت ﻣﻦ اﻟﺼﱪ واﻟﻌﺰم واﻟﺤﺰم ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻧﺎﺷﺌًﺎ ﻋﻦ ﻃﺒﺎﻋﻬﺎ
ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻋﻦ ﻣﺒﺎدﺋﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ املﺆذﻧﺔ ﺑﺎﻟﺸﻄﻂ ،وﻛﺎن ﰲ ﺗﻠﻚ املﺒﺎدئ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ أﻧﻬﺎ
ﺟﻤﻌﺖ ﺑني اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ وﻋﻮاﺋﺪ ﴍﻗﻴﺔ ﺧﺮاﻓﻴﺔ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻏﺮاﺋﺐ ﻓﻦ اﻟﺘﻨﺠﻴﻢ وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ.
وﻗﺼﺎرى اﻟﻜﻼم أﻧﻬﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﺷﻬﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﰲ اﻟﴩق ،وزﻫﺪت أوروﺑﺎ ﻛﻠﻬﺎ،
وﻛﺎن اﻷﻫﺎﱄ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﺖ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ .وأﻣﺎ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻓﺘﻌﺮف ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑ »ﻻري
ﺳﺘﻨﻬﻮب«.
وملﺎ ﻋﺰم إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﺎﺷﺎ ﻋﲆ ﻓﺘﺢ ﺳﻮرﻳﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٣٣م ،اﺿﻄﺮه اﻷﻣﺮ إﱃ أن ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ
أن ﺗﻜﻮن ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎدة ،وﻳﻘﺎل :إن ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎر ﻋﻜﺎ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ آوت ﻣﺌني ﻣﻦ اﻟﻔﺎرﻳﻦ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺎﻃﻰ ﻓﻦ اﻟﺘﻨﺠﻴﻢ وﻏريه ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﴪﻳﺔ ،واﺳﺘﻤﺴﻜﺖ ﺑﺒﻌﺾ ﻋﻘﺎﺋﺪ دﻳﻨﻴﺔ
ﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪل ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻤﺎﺗﻬﺎ .وﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ أن ﻋﻘﻠﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺨ ُﻞ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼل
ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر أﻧﻬﺎ رﺑﺖ ﺣﺠﺮﺗني ﰲ إﺳﻄﺒﻞ؛ ﻟﱰﻛﺐ املﺴﻴﺢ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﺠﻴﺌﻪ إﱃ
اﻷرض ،وﺗﺮﻛﺐ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻣﺮاﻓﻘﺔ ﻟﻪ إﱃ اﻟﻘﺪس .وﰲ اﻟﺴﻨني اﻷﺧرية ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ
ﺑﻠﻎ أﻫﻠﻬﺎ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ وإﴎاﻓﻬﺎ ،ﻓﻘﻄﻌﻮا ﻋﻨﻬﺎ اﻹﻣﺪادات املﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﱰاﻛﻤﺖ
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺪﻳﻮن اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﱰﺿﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ﺑﺴﻌﻲ رﺟﻞ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟﻠﻘﻤﺠﻲ ،ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ وﻟﻢ
ﺗﻘﺪر ﻋﲆ وﻓﺎﺋﻬﺎ ،وﻫﻜﺬا اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺴﺒﻮن أن ﰲ اﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ رﺑﺤً ﺎ ﻟﻬﻢ آل اﻷﻣﺮ إﱃ
ﺧﺴﺎرﺗﻬﻢ.
وﻳﻘﺎل :إن ﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺗﻬﺎ املﺎﻟﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻷﻣري ﺑﺸري اﻟﺸﻬﺎﺑﻲ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼف
واﻟﻀﻐﻴﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف اﻟﺬي أوﻗﻌﻬﺎ ﰲ ﻣﺮض ﻋﻀﺎل ﻗﻀﺖ ﺑﻪ
ﻧﺤﺒﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺣﺎل وﻓﺎﺗﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ ،ﺑﻞ أﺣﺎط ﺑﻬﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﺪاﻣﻬﺎ
ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻨﻬﺒﻮا ﺑﻴﺘﻬﺎ ﺣﺎملﺎ أدرﻛﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ .وﻋﻨﺪ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺣﴬ ﻗﻨﺼﻞ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻣﻦ
ً
ﻗﺼﺼﺎ ﻛﺜرية ﺑريوت ﻷﺟﻞ دﻓﻨﻬﺎ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﺒﺴﺘﺎن املﺠﺎور ﻟﺪارﻫﺎ .وﻗﺪ روى اﻷﻫﺎﱄ ﻋﻨﻬﺎ
ﻏﺮﻳﺒﺔ ﺗﻜﺎد أن ﺗﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺨﺮاﻓﺎت ﻻ ﻳﻮﺛﻖ ﺑﻬﺎ ،وﻛﺘﺐ اﻟﺪﻛﺘﻮر »ﻣﺮﻳﻮن« ،اﻟﺬي ﺑﻘﻲ
ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺑﻀﻊ ﺳﻨني ﻃﺒﻴﺒًﺎ ،ﻟﻬﺎ ﺳرية ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺠﻠﺪات رواﻳﺔ ﻋﻨﻬﺎ،
وﻗﺼﺔ أﺳﻔﺎرﻫﺎ ﰲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺠﻠﺪات ﻃﺒﻌﺖ ﺑﺎﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﻤﺪة ﻗﺼرية.
52
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﻗﺪ زارﻫﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎح اﻷوروﺑﻴني ،وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ »دو ﻻﻣﺮﺗني« ،اﻟﺸﺎﻋﺮ
اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي املﺸﻬﻮر؛ ﻓﺈﻧﻪ ملﺎ ﻛﺎن ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٣٢م ﻳﻄﻮف ﰲ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ،وﻳﺘﻔﺮج
ﻋﲆ ﺑﻠﺪاﻧﻬﺎ وﻣﻨﺎﻇﺮﻫﺎ ،رﻏﺐ ﰲ زﻳﺎرة ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺗﻮن ،إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ أﺻﻌﺐ
اﻷﻣﻮر ﻋﲆ اﻹﻓﺮﻧﺞ أن ﻳﻘﺎﺑﻠﻮﻫﺎ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ وﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ذوي ﻗﺮاﺑﺘﻬﺎ ،ﻓﺒﻌﺚ
إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻊ رﺳﻮﻟﻪ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻵﺗﻴﺔ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ:
ﺳﻴﺪﺗﻲ ،ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺢ ﻣﺜﻠﻚ ﰲ اﻟﴩق ،وﻏﺮﻳﺐ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻳﺎر ﺟﺎءﻫﺎ ﻟﻴﺘﺄﻣﻞ ﰲ
ﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وآﺛﺎرﻫﺎ وأﻋﻤﺎل ﷲ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ وﺻﻞ إﱃ ﺳﻮرﻳﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة ﻣﻊ
ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ وﻫﻮ ﻳﺤﺴﺐ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻣﺮأة ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ
اﻟﴩق اﻟﺬي ﺟﺎءه زاﺋ ًﺮا ﻣﻦ أﺟﻤﻞ أﻳﺎم ﺳﻴﺎﺣﺘﻪ وأﻟﺬﻫﺎ ،ﻓﺈذا ﺷﺌﺖ أن ﺗﻘﺎﺑﻠﻴﻨﻲ
ﻓﺎذﻛﺮي ﱄ اﻟﻴﻮم املﻼﺋﻢ ﻟﺬﻟﻚ ،وﻗﻮﱄ ﱄ :أﻳﻨﺒﻐﻲ أن أﺗﻮﺟﻪ وﺣﺪي ،أو ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ
أن أﺳري إﻟﻴﻚ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻧﻲ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻣﺜﲇ ﻛﻞ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺘﴩف ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺘﻚ.
وأرﺟﻮ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ أن ﻻ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﻄﻠﺐ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﺘﻜﻠﻔﻚ ﻣﺎ ﻳﺰﻋﺠﻚ ﰲ ﻋﺰﻟﺘﻚ؛
ﻓﺈﻧﻨﻲ أﻋﺮف ﻣﻦ ﻧﻔﴘ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،وﻣﺤﺎﺳﻦ اﻻﻧﻔﺮاد؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﻮءﻧﻲ
اﻟﺒﺘﺔ رﻓﻀﻚ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻲ ،ﺑﻞ أﺗﻠﻘﻰ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗري واﻻﺣﱰام إﱃ آﺧﺮه.
وﰲ ٣٠أﻳﻠﻮل )ﺳﺒﺘﻤﱪ( ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﺳﺎر إﻟﻴﻪ ﻃﺒﻴﺒﻬﺎ ،ودﻋﺎه إﱃ ﺟﻮن ،ﻓﺬﻫﺐ
ﻣﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر »ﻟﻴﻮزدي« واملﺴﻴﻮ »ﺑﺮﺳﻴﻔﺎل« ،وملﺎ وﺻﻠﻮا ﻧﺰل ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻻ
ﻧﻮاﻓﺬ ﻟﻬﺎ ،وﻻ أﺛﺎث ﻓﻴﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﺣﺎل وﺻﻮﻟﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﺎﺑﻞ
اﻟﻨﺎس ﻗﺒﻞ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺎن اﻟﻮﻗﺖ أﺗﺎه ﻏﻼم أﺳﻮد وأدﺧﻠﻪ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ،
ﻗﺎل :وﻛﺎن اﻟﻈﻼم ﻗﺪ أﺳﺒﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻳﻠﻪ ﻓﻠﻢ أﺗﻤﻜﻦ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻦ أن أﺗﺒني ﻫﻴﺌﺘﻬﺎ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ
املﺆذﻧﺔ ﺑﺎﻟﻬﻴﺒﺔ واﻟﺠﻼل ،وذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺼﺒﻴﺢ ،ﻓﻨﻬﻀﺖ وﻫﻲ ﰲ زي اﻟﴩﻗﻴني،
ُ
ﻓﺄﻣﻌﻨﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻈﺮ ،وإذا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻄﻒ املﻌﺎﻧﻲ ودﻧﺖ ﻣﻨﻲ ،وﻣﺪت إﱄ ﱠ ﻳﺪﻫﺎ ﻣُﺴ ﱢﻠﻤﺔ ﻋﲇ،
اﻟﺴﻨﻮن ﻣﺤﻮه. ﻣﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﱡ
ﻧﻌﻢ ،إن ﻧﻀﺎرة اﻟﻮﺟﻪ واﻟﻠﻮن واﻟﺮوﻧﻖ ﺗﻤﴤ ﻣﻊ اﻟﻔﺘﻮﱠة ،إﻻ أﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﺎل
ﰲ اﻟﻘﺪ وﻫﻴﺌﺔ اﻟﻮﺟﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﺠﻼل ،وﻃﺮأ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻘﻠﺒﺎت ﺑﺎﺧﺘﻼف أزﻣﺎن اﻟﺤﻴﺎة
ﻻ ﻳﺰول ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .وﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻋﲆ »ﻻري ﺳﺘﻨﻬﻮب« ،وﻛﺎن ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ﻋﻤﺎﻣﺔ ﺑﻴﻀﺎء ،وﻋﲆ
ﺟﺒﻬﺘﻬﺎ ﻋﺼﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن أرﺟﻮاﻧﻴﺔ اﻟﻠﻮن ﻃﺮﻓﺎﻫﺎ ﻣﺮﺳﻼن ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ ،وﻋﲆ ﺑﺪﻧﻬﺎ
ﺷﺎل ﻣﻦ اﻟﻜﺸﻤري اﻷﺻﻔﺮ ،وﻓﺴﺘﺎن ﺗﺮﻛﻲ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻷﺑﻴﺾُ ،ﻛﻤﱠ ﺎه ﻣﺘﺪﻟﻴﺎن وﻫﻮ
53
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﺸﻘﻮق ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪر ،ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﻓﺴﺘﺎن آﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﺴﺞ اﻟﻔﺮس ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﻪ أزﻫﺎر
ﺗﻜﺎد أن ﺗﺼﻞ إﱃ ﻋﻨﻘﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﺨﺮز ﻣﻦ اﻟﻠﺆﻟﺆ ،وﻛﺎن ﰲ رﺟﻠﻴﻬﺎ
ُﺧ ﱠﻔﺎن ﺗﺮﻛﻴﺎن أﺻﻔﺮان ،وﻫﻲ ﺗُﺤﺴﻦ ﻟﺒﺲ ذﻟﻚ ﺟﻤﻴﻌﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻌﻮدﺗﻪ ﻣﻦ ﺻﻐﺮﻫﺎ.
وﺑﻌﺪ اﻟﺴﻼم ﻗﺎﻟﺖ ﱄ :ﻗﺪ أﺗﻴﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﺑﻌﻴﺪ ،وﻛﻠﻔﺖ ﻣﺸﺎق اﻟﺴﻔﺮ ﻟﱰى ﻧﺎﺳﻜﺔ،
ﻓﺄﻫﻼ ﺑﻚ ،وإﻧﻨﻲ ﻗﻠﻤﺎ ﻳﺰورﻧﻲ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻓرياﻧﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ واﺣﺪ أو اﺛﻨﺎن ﰲ اﻷﻛﺜﺮ، ً
ووددت أن أﻋﺮف إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻳﺤﺐ ﷲ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻻﻧﻔﺮاد ،وذﻟﻚ ُ ﻏري أن ﻣﻜﺘﻮﺑﻚ أﻋﺠﺒﻨﻲ،
أﻳﻀﺎ أن ﻳﺠﻤﻌﻨﺎ ﻣﺘﺤﺎﺑني .وإﻧﻨﺎ ﻧﺘﻮاﻓﻖ ﰲ املﴩب ،وﻳﴪﻧﻲ اﻵن ﻧﻔﺲ ﻣﺎ أﺣﺒﻪ ،وﻻح ً
أﻧﻲ ﻟﻢ أﺧﻄﺊ ﰲ ﻇﻨﻲ ،وﻗﺪ ﺗﻮﺳﻤﺖ ﻓﻴﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ رأﻳﺘﻚ أﻣﻮ ًرا ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أن ﻻ أﻧﺪم ﻋﲆ
رﻏﺒﺘﻲ ﰲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻚ ،وﻧﺎﻫﻴﻚ أﻧﻨﻲ ملﺎ ﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﻗﺪﻣﻴﻚ وأﻧﺖ داﺧﻞ ﺧﺎﻟﺠﺘﻨﻲ ﻧﻔﺲ ﺗﻠﻚ
ً
ﺻﺪﻳﻘﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،وﻛﻴﻒ اﻟﺨﻮاﻃﺮ ،ﻓﺎﺟﻠﺲ ودﻋﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث؛ ﻷﻧﻚ ﻗﺪ ﴏت ﱄ
رﺟﻼ ﻻ ﺗﻌﺮﻓني اﺳﻤﻪ وﻻ ﺳريﺗﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،إﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف ﺣﺎﻟﻚ ً ﺗُﴩﱢﻓني ﺑﻬﺬا اﻟﻠﻘﺐ
ﻗﺪام ﷲ ،وﻻ ﺗﺤﺴﺒﻨﻲ ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻴﻨﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ؛ ﻷن ﺻﺪري ﻗﺪ اﻧﴩح ﻟﻚ،
ﻓﻼ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺧﻔﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﺷﻴﺌًﺎ وﻗﺪ ﻧﺸﺄ ﰲ اﻟﴩق ﻋﻠﻢ ﺿﺎع اﻵن ﰲ ﺑﻼدﻛﻢ ،ﻏري أﻧﻪ ﻟﻢ
ﻳﺰل ﺑﺎﻗﻴًﺎ إﱃ اﻵن ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﴩﻗﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ وأﺗﻘﻨﺘﻪ؛ ﻓﺈﻧﻨﻲ أرﺻﺪ اﻟﻜﻮاﻛﺐ وأدرك
أﴎارﻫﺎ ،ﻓﻜﻞ ﻣﻨﺎ ُو ِﻟﺪ ٍ
ﻟﻨﺎر ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨريان اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺖ أﻣﺮ وﻻدﺗﻨﺎ ،وﺗﺄﺛريﻫﺎ
إﻣﺎ ﺣﺴﻦ وإﻣﺎ رديء ،وﻫﻮ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ وﺟﺒﺎﻫﻨﺎ وﻫﻴﺌﺘﻨﺎ ،وأﺳﺎرﻳﺮ أﻳﺪﻳﻨﺎ ،وﺷﻜﻞ
أرﺟﻠﻨﺎ ،وﺣﺮﻛﺎﺗﻨﺎ ،وﻣﺸﻴﻨﺎ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻋﺮﻓﺘﻚ ﺣﻖ املﻌﺮﻓﺔ ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻣﻌً ﺎ ﻣﻨﺬ ﻗﺮن ﻛﺎﻣﻞ ،ﻣﻊ أﻧﻨﻲ
ﻟﻢ أرك إﻻ ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ.
ﻣﻬﻼ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،إﻧﻨﻲ ﻻ أﻧﻜﺮ ﻣﺎ أﺟﻬﻞ ،وﻻ أﺛﺒﺖ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻘﻠﺖ ﺑﺎﺳﻤً ﺎً :
املﻨﻈﻮرة وﻏري املﻨﻈﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎذب ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺷﻴﺎء ،أو ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻛﺎﺋﻨﺎت
ﻛﺎﻹﻧﺴﺎن دوﻧﻪ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﻜﱪى ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ ﻛﺎﺋﻨﺎت أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻛﺎﻟﻜﻮاﻛﺐ واملﻼﺋﻜﺔ ،إﻻ
أﻧﻨﻲ أﺣﺘﺎج إﱃ وﺣﻴﻬﻢ ﻷﻋﺮف ﻧﻔﴘ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻓﺴﺎد وﺳﻘﻢ وﺷﻘﺎوة.
وأﻣﺎ أﴎار ﻣﺴﺘﻘﺒﲇ ،ﻓﺄﺣﺐﱡ أن ﻻ أﻋﺮﻓﻬﺎ ،وﻋﻨﺪي أﻧﻨﻲ أﺟﺎزف ﻋﲆ ﷲ اﻟﺬي أﺧﻔﺎﻫﺎ
ُﻮﺿﺤﻬﺎ ﱄ ،ﻓﺄﻣﺮ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﻴﺪ ﷲ ،وإﻧﻲ ﻻ أﻋﺘﻘﺪ إﻻ ﻓﻴﻪ،ﻋﻨﻲ إذا ﻃﻠﺒﺖ إﱃ ﻣﺨﻠﻮق أن ﻳ ﱢ
وﰲ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﱄ وﻟﻬﺬا ،ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻚ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄرى أﻧﻚ ﺧﻠﻘﺖ
ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﺠﻢ ﺳﻌﻴﺪة ،ﻗﺎدرة ،ﺻﺎﻟﺤﺔ ،ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﺎت وﻫﻲ ﺗﺸﻮﻗﻚ
إﱃ ﻏﺎﻳﺔ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﻛﺎﺷﻔﻚ ﺑﻬﺎ اﻵن إذا ﺷﺌﺖ ذﻟﻚ .وﻗﺪ أرﺳﻠﻚ ﷲ إﱄ ﱠ ﻷﻧري ﻋﻘﻠﻚ ،وأﻧﺖ
ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺴﻨﺖ ﻧﻮاﻳﺎﻫﻢ ،وﻃﺎﺑﺖ ﴎﻳﺮﺗﻬﻢ ،وﻳﺴﺘﻨﻔﺬ ﻣﻨﻚ ﷲ ﺑﺈﻧﻔﺎذ اﻷﻋﻤﺎل
اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس .وﻫﺬا ﺟﻮاب ٍ
ﻛﺎف.
54
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﺑﻌﺪ أن أﻃﺎﻻ اﻟﺠﺪال ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :وﻫﻞ ﺗﺮى ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ودﻳﻨﻪ وﻣﻌﴩه
ﻣﻮح وﻓﺎةٍ ،وﻫﻮﻛﺎﻣﻞ اﻻﻧﺘﻈﺎم ،وﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ٍ
ً
ﻣﻮاﻓﻘﺎ ﻟﻚ ﰲ ذﻟﻚ ،وأن اﻟﻌﺎﻟﻢ ً
ﺷﻮﻗﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻼ ﺗﺮى أﺣﺪًا املﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻈﺮه وﺗﻄري
أﺟﻤﻊ ﻣﺤﺘﺎج إﱃ اﻹﺻﻼح .وإﻧﻲ أﺗﻮﻗﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ﻗﺪوم ﻣﺼﻠﺢ ﻳُﻘﻮﱢم املﺴﺎﻟﻚ،
وﻳﺮﺷﺪ اﻟﻨﺎس إﱃ ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﻴﻞ؛ ﻓﺈن ﻛﺎن ذﻟﻚ املﺼﻠﺢ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻴﻪ ﻣﺴﻴﺤً ﺎ؛ ﻓﻬﺬا أﻧﺘﻈﺮه
ﻣﺜﻠﻚ ،وأرﺟﻮ أن ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻌﺪ أﻣﺪ وﺟﻴﺰ.
وأﻃﺎﻟﺖ اﻟﻜﻼم ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب وﻗﺎﻟﺖ ﱄ :اﻋﺘﻘﺪ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎء .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻌﻨﺪي أﻧﻚ رﺟﻞ ﻣﻦ
اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮﻫﻢ ،وﻗﺪ أرﺳﻠﺘﻚ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ إﱄ ﱠ ،وﺳﻴﻜﻮن ﻟﻚ دﺧﻞ ﻛﺒري ﰲ اﻟﻌﻤﻞ املﺰﻣﻊ
ﺣﺪوﺛﻪ ،وﺳﱰﺟﻊ أوروﺑﺎ ،إﻻ أن أوروﺑﺎ ﻗﺪ ﻣﴣ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﺑﻘﻲ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ وﺣﺪﻫﺎ أن ﺗﻘﻮم
ﺑﻌﻤﻞ ﻋﻈﻴﻢ ،وﺳﺘﺸﱰك ﻓﻴﻪ ،وﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﺑﻌﺪ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ — إن ﺷﺌﺖ —
أذﻛﺮ ﻟﻚ ﰲ ﻫﺬا املﺴﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺳﺘﺸري أﻧﺠﻤﻚ ،وﻟﻢ أﻋﺮف إﱃ اﻵن أﺳﻤﺎءﻫﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ
رأﻳﺖ ﻣﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ،ﻓﻬﻲ أرﺑﻌﺔ أو ﺧﻤﺴﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ ،وﻻ ﺷﻚ أن ﻋﻄﺎرد
ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﻬﺐ اﻟﻌﻘﻞ ﻧﻮ ًرا ،واﻟﻠﺴﺎن ﻃﻼﻗﺔ وﻃﻼوة ،وأﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ؛ ﻷن ﰲ
ﻋﻴﻨﻴﻚ واﻟﻘﺴﻢ اﻷﻋﲆ ﻣﻦ وﺟﻬﻚ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ ذﻟﻚ.
إﱃ أن ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺎﺷﻜﺮ ﷲ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻨﻌﻤﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻗﻠﻤﺎ وﻟﺪ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺠﻢ،
وﻧﺪر ﻣﻦ ﻛﺎن ﻧﺠﻤﻪ ﺳﻌﻴﺪًا ،وإذا ﻛﺎن ﺳﻌﻴﺪًا ﻓﻘﻠﻤﺎ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﻋﻴﻞ ﻧﺠﻢ آﺧﺮ ﺧﺒﻴﺚ
ﻳﻘﺎرﻧﻪ ،أﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮت ﻧﺠﻮﻣﻚ وأﺟﻤﻌﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﲆ أن ﺗﺨﺪﻣﻚ ،وﻫﻲ ﺗﺘﻌﺎون ﻋﲆ ذﻟﻚ،
ﻓﻤﺎ اﺳﻤﻚ؟ ﻓﺬﻛﺮت ﻟﻬﺎ اﺳﻤﻲ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﺬه أول ﻣﺮة ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻪ .ﺛﻢ ذﻛﺮت ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻧﻈﻤﺘﻪ
ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ،وأن اﺳﻤﻲ ﻣﺸﻬﻮر ﻋﻨﺪ أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﰲ أوروﺑﺎ ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﺟﺘﻴﺎز
اﻟﺒﺤﻮر واﻟﺠﺒﺎل ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ إﱃ اﻟﴩق ،ﻗﺎﻟﺖ :ﺳﻴﺎن ﻋﻨﺪي ﻛﻮﻧﻚ ﺷﺎﻋ ًﺮا أو ﻏري ﺷﺎﻋﺮ؛
ﻓﺈﻧﻨﻲ أﺣﺒﻚ ،وﱄ ﻓﻴﻚ أﻣﻞ أﺗﺤﻘﻖ أﻧﻨﺎ ﺳﻮف ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺈﻧﻚ ﺳﱰﺟﻊ إﱃ اﻟﻐﺮب ،وﻟﻜﻦ
ُ
ﺗﺤﻘﻘﺖ ذﻟﻚ اﻵن. ﻻ ﺗﻠﺒﺚ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮد إﱃ اﻟﴩق؛ ﻓﺈﻧﻪ وﻃﻨﻚ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ووﻃﻦ آﺑﺎﺋﻚ ،وﻗﺪ
أﺷﺒَﻪ ﺑﺮﺟﻞ رﺟﻞ ﻋﺮﺑﻲ .وﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﺘﺤﺎدث ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻋﺒﺪ ﻓﺎﻧﻈﺮ إﱃ رﺟﻠﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ْ
أﺳﻮد ﻓﺨ ﱠﺮ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﺳﺎﺟﺪًا أﻣﺎﻣﻬﺎ وﻳﺪاه ﻋﲆ رأﺳﻪ ،وﺧﺎﻃﺒﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻟﻢ أﻓﻬﻤﻬﺎ،
ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ وﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ُﻫﻴﱢﺊ ﻟﻚ اﻟﻄﻌﺎم؛ ﻓﺎذﻫﺐ ﻓ ُﻜ ْﻞ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻼ أواﻛﻞ أﺣﺪًا؛ ﻷن ﻋﻴﺸﺘﻲ
ﻋﻴﺸﺔ ﻧﺴﻜﻴﺔ ،ﻓﺄﻏﺘﺬي ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ واﻟﺜﻤﺎر ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺣﺲ ﺑﺎﻟﺠﻮع ،وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﱄ أن أ ُ ِ
ﻛﺮه
ﺿﻴﻔﻲ ﻋﲆ ﻣﺠﺎراﺗﻲ.
وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﺎوﻟﺔ اﻟﻄﻌﺎم اﺳﺘﺪﻋﺘﻨﻲ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﴬت وﺟﺪﺗﻬﺎ ﺗﺪﺧﻦ
ﺑﻘﻀﻴﺐ ﻃﻮﻳﻞ ،واﺳﺘﺤﴬت ﱄ ﻗﻀﻴﺒًﺎ ﻷدﺧﻦ ً
أﻳﻀﺎ ،ﻗﺎل :وﻛﻨﺖ ﻗﺪ رأﻳﺖ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﺎء
55
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ُﺪﺧ ﱠﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ أﺳﺘﻐﺮب ذﻟﻚ — وﻛﺎن اﻟﺪﺧﺎن ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ اﻟﴩق وأﻇﺮﻓﻬﻦ ﻳ ﱢ
ُ
وأﻃﻠﺖ اﻟﻠﻄﻴﻔﺘني ﻋﲆ ﺷﻜﻞ أﻋﻤﺪة ﻓﺘﻌﻄﺮت ﺑﻪ اﻟﻐﺮﻓﺔ — وأﻗﻤﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﰲ أﻣﻮرﻫﺎ،
ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻔ ﱡﻜﺮ ﻓﺘﺒني ﱄ أﻧﻬﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﺎﺣﺮات اﻟﻘﺪﻳﻤﺎت املﺸﻬﻮرات ،وﻫﻲ أﺷﺒﻪ ﺑ »ﺳريﺳﻪ«
ﻣﻌﺒﻮدة اﻷﻗﺪﻣني ،وأن ﻋﻘﺎﺋﺪﻫﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﻣﻀﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻘﺘﻄﻔﺔ ﺑﺤﺬق ﻣﻦ أدﻳﺎن
ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺟﻤﻌﺖ ﺑني أﴎار »اﻟﺪروز ،وﺗﺴﻠﻴﻢ املﺴﻠﻤني واﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ اﻟﻘﺪر ،واﻧﺘﻈﺎر
اﻟﻴﻬﻮد ﻣﺠﻲء املﺴﻴﺢ ،وﻋﺒﺎدة اﻟﻨﺼﺎرى ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ ،وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ وآداﺑﻪ ،وزد ﻋﲆ ذﻟﻚ
اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺒﻌﻴﺪة اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﻓﻜﺮ ﻣﺸﻐﻮف ﺑﺎﻟﴩق ،وﻣﺘﻮﻗﺪ ﺑﻄﻮل اﻟﻌﺰﻟﺔ
واﻻﻧﻔﺮاد ،وﺑﻌﺾ إﻳﻀﺎﺣﺎت أوﺿﺤﻬﺎ ﻟﻬﺎ املﻨﺠﻤﻮن اﻟﻌﺮﺑﻴﻮن ،ﻓﺈذا ﺗﺼﻮرت ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ
اﻧﺠﲆ ﻟﻚ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﴪ اﻟﻌﻈﻴﻢ املﺴﺘﻐﺮب اﻟﺬي ﻳﺆﺛﺮ ﰲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺟﻨﻮﻧًﺎ؛
ﻟﻴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﺒﺤﺚ وإﻣﻌﺎن اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ.
واﻟﺤﻖ أوﱃ أن ﻳﻘﺎل :إن ﻫﺬه املﺮأة ﻏري ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ؛ ﻓﺈن ﻟﻠﺠﻨﻮن أﻣﺎرات واﺿﺤﺔ ﺗﻈﻬﺮ
ﰲ اﻟﻌﻴﻨني ،وﻟﻴﺲ ﻟﻪ أﺛﺮ اﻟﺒﺘﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻟﺤﺎظ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ،وﻳﻈﻬﺮ اﻟﺠﻨﻮن ً
أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﻜﻼم؛
ﻄﺎ .أﻣﺎ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ﻓﺴﺎﻣﻲ اﺧﺘﻼﻻ وﺷﻄ ً
ً ﻓﺈن ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﱰى ﻓﻴﻪ
املﻌﺎﻧﻲ ،رﻣﺰي ،ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ ،ﻣﺮﺗﺒﻂُ ،ﻣﺘﱠﺴﻖ ﻗﻮي .وﰲ ﻣﺬﻫﺒﻲ أن ﺟﻨﻮﻧﻬﺎ اﺧﺘﻴﺎري ،وأﻧﻬﺎ
ﺗﻌﺮف ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﻖ املﻌﺮﻓﺔ ،وﻟﻬﺎ أﺳﺒﺎب ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻈﺎﻫﺮت ﺑﻪ .وﻣﺎ
أﺧﺬ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ املﺠﺎورة ﻟﻠﺠﺒﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺣﺬﻗﻬﺎ وﺑﺮاﻋﺘﻬﺎ ﻳﺪل دﻻﻟﺔ واﺿﺤﺔ
ﻋﲆ أن ﻣﺎ ﺗُﺮﺟَ ُﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮن إﻧﻤﺎ ﻫﻮ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﺒﻠﻮغ ﺑﻌﺾ ﻣﺂرب ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن ﺳﻜﺎن
أرض أﺟﺮﻳﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ،وﻛﺜﺮت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﺨﻮر واﻟﱪاري ،وﺗﻠﻮﻧﺖ ﺗﺼﻮراﺗﻬﻢ ﺑﺄﻟﻮان
ﺟﻮﱢﻫﻢ ﻻ ﻳﺼﻴﺨﻮن ﺳﻤﻌً ﺎ إﻻ إﱃ ﻛﻼم ﻧﺒﻲ ،أو إﱃ ﻛﻼم ﻣﻦ ﻛﺎن ﮐ »ﻻري ﺳﺘﻨﻬﻮب«؛ ﻓﺈﻧﻬﻢ
ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ ﻓﻦ اﻟﺘﻨﺠﻴﻢ واﻟﻨﺒﻮﱠات واﻟﻮﺣﻲ وﻣﺎ أﺷﺒﻪ .وﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ اﻟ »ﻻري« املﺬﻛﻮرة ذﻟﻚ،
واﺗﻀﺤﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ملﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﺤﺬق ،وﻟﻜﻦ رﺑﻤﺎ ﺳﺎﻗﺘﻬﺎ اﻟﻘﻮة املﺬﻛﻮرة —
ﻣﺬﻫﺐ وﺿﻌﺘﻪ ﻟﻐريﻫﺎ.
ٍ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﰲ أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ — إﱃ اﻻﻫﺘﺪاء إﱃ
وﺑﻌﺪ أن ﺟﺎﻟﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﺼﻮرات ﰲ ﻓﻜﺮي ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻻ أﻟﻮﻣﻚ إﻻ ﻋﲆ أﻣﺮ واﺣﺪ ،وﻫﻮ
ﻣﺮﻛﺰ ﻛﺎن ﰲ ﻃﺎﻗﺘﻚ أن ﺗﺼﲇ ٍ أﻧﻚ ﺣﺴﺒﺖ ﻟﻠﺤﻮادث ﺣﺴﺎﺑًﺎ ،ﻓﻌﺎﻗﻚ ذﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ
إﻟﻴﻪ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ :إﻧﻚ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻛﻤﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪ اﻋﺘﻘﺎدًا ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﰲ اﻹرادة اﻟﺒﴩﻳﺔ ،وﻳﺸﻚ ﰲ ﻓﻌﻞ
اﻟﻘﺪر ،ﻓﻘﻮﺗﻲ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻐري ،ﻏري أﻧﻨﻲ أﻧﺘﻈﺮ ﺳﻨﻮح اﻟﻔﺮﺻﺔ وﻻ أﺟ ﱡﺪ ﰲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ،وﻗﺪ
أﻣﺴﻴﺖ وﺣﺪي ﻣﻬﺠﻮرة ﺑني ﻫﺬه اﻟﺼﺨﻮر اﻟﻘﻔﺮة ،ﻋُ ﺮﺿﺔ ملﻔﺎﺟﺊ ﺟﺴﻮر ﻳﻄﺮق ﻣﻨﺰﱄ
ﻓﻴﻨﻬﺐ أﻣﺘﻌﺘﻲ ،وﺣﻮﱄ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺪم اﻟﺨﺎﺋﻨني ،واﻟﻌﺒﻴﺪ اﻟﻜﻨﻮدﻳﻦ ،وﻫﻢ ﻳﻨﻬﺒﻮﻧﻬﺎ ﰲ
56
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻳﺘﻬﺪدون ﺣﻴﺎﺗﻲ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﰲ املﺪة اﻷﺧرية ﻟﻢ ﻳُﻨﺠﻨﻲ ﻣﻦ املﻮت اﻷﺣﻤﺮ إﻻ ﻫﺬا
اﻟﺨﻨﺠﺮ — وأرﺗﻪ إﻳﺎه — اﻟﺬي اﺿﻄﺮﻧﻲ اﻷﻣﺮ إﱃ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻷدﻓﻊ ﻋﻨﻲ ﻋﺒﺪًا أﺳﻮد ﻟﺌﻴﻤً ﺎ
ُرﺑﱢﻲ ﰲ ﺑﻴﺘﻲ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺮاﻧﻲ ﺳﻌﻴﺪة ﺑﻘﻮﱄ :ﷲ ﻛﺮﻳﻢ ،وأﺗﻮﻗﻊ املﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺬي أﺧﱪك ﺑﻪ،
وﻳﺎ ﺣﺒﺬا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﻘﻘﻪ ﻣﺜﲇ.
وﺑﻌﺪ أن ﺗﺒﺎﺣﺜﻨﺎ ﻛﺜريًا ،وﴍﺑﻨﺎ اﻟﻘﻬﻮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻛﻞ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺮة،
ﻗﺎﻟﺖ ﱄ :ﻫﻠﻢ ،ﻓﺈﻧﻲ ﺳﺄﺳري ﺑﻚ إﱃ ﻣﻜﺎن ﻣﻘﺪس ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻪ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ،وﻫﻮ ﺑﺴﺘﺎﻧﻲ،
ﻓﺪﺧﻠﻨﺎه وﺟﻠﺴﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﴪوري اﻟﻔﺆاد؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﺒﺴﺎﺗني اﻟﴩﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﻬﺎ ،وﻛﻨﺎ
ﻣﻦ وﻗﺖ إﱃ آﺧﺮ ﻧﺠﻠﺲ ﰲ اﻟﻜﺸﻮك ﺑﺮاﺣﺔ ،وﻧﺘﺤﺪث ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ اﻷول ،ﻓﻠﺒﺜﻨﺎ ﻣﺪة ﻋﲆ
ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ وﻗﺎﻟﺖ :إذا ﻛﺎن اﻟﻘﺪر ﻗﺪ ﺳﺎﻗﻚ إﱃ ﻫﺬا املﻜﺎن ،وﻣﺎ ﺑني ﻧﺠﻤﻴﻨﺎ
ﻣﻦ اﻻﺗﻔﺎق ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺷﻔﺘﻚ ﺑﺄﻣﻮر أﺧﻔﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻟﺒﴩ ،ﻓﺴﺄرﻳﻚ
ﺑﻌﻴﻨﻚ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ إﻻ أﻧﺎ وأﺗﺒﺎﻋﻲ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻫﺎ
اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﴩﻗﻴﻮن ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻋﺪﻳﺪة ﰲ ﻧﺒﻮﱠاﺗﻬﻢ.
ﺣﻮش ﺻﻐري ،ﻓﻮﻗﻊ ﻧﻈﺮي ﻋﲆ ٍ ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ ﺑﺎﺑًﺎ ﻣﻦ أﺑﻮاب اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻳﴩف ﻋﲆ
ُ
ﺣﺠﺮﺗني ﻋﺮﺑﻴﺘني ﺟﻤﻴﻠﺘني ﻣﻦ أﻃﻴﺐ أﺻﻞ ،وأﻛﻤﻞ ﺷﻜﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﱄ :ﻫﻴﺎ ﺑﻨﺎ ﻓﺄرﻳﻚ ﻫﺬه
ا ُملﻬﺮة اﻟﻜﻤﻴﺖ؛ أﻟﻢ ﺗﺘﺤﻔﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻜﺘﻮب ﻋﻦ املﻬﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺮﻛﺒﻬﺎ
املﺴﻴﺢ »وﺳﺘﻮﻟﻪ ﻣﴪﺟﺔ« ،ﻓﺄﻣﻌﻨﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻈﺮ ،ﻓﺮأﻳﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﺮاﺋﺐ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﻮي
ً
ﺗﺠﻮﻳﻔﺎ ذﻟﻚ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻋﻨﺪ ﻗﻮم ﻟﻢ ﻳﺰح ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺠﻬﻞ ﺳﺘﺎرﺗﻪ؛ ﻷن ﻟﻬﺎ ﰲ ﻣﻜﺎن املﻨﻜﺒني
ﻋﻤﻴﻘﺎ واﺳﻌً ﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﴪج ،وﺷﻴﺌًﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺮﻛﺎﺑني ﰲ ﻣﻜﺎن رﻛﻮﺑﻬﺎ ﻣﻦ دون ﴎج ﺻﻨﺎﻋﻲ. ً
أﺣﺴﺖ ﺑﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﻨﺰﻟﺔ واﻻﻋﺘﺒﺎر ﻋﻨﺪ »ﻻري ﺳﺘﻨﻬﻮب« وﻻح ﱄ أن ﺗﻠﻚ املﻬﺮة ﱠ
وﻋﺒﻴﺪﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺮﻛﺐ اﻟﺒﺘﺔ ،وﻗﺪ ﻋﻬﺪت ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ
ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،وﻻ ﻳﻔﺎرﻗﺎﻧﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ،وﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻬﺮةإﱃ ﺳﺎﺋﺴني ﻋﺮﺑﻴني ﻳﺴﻬﺮان ﻋﻠﻴﻬﺎ ً
أﺧﺮى ﺑﻴﻀﺎء أﺟﻤﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺸﺎرﻛﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﻨﺰﻟﺔ ﻋﻨﺪ اﻟ »ﻻري« املﺬﻛﻮرة ،وﻫﻲ
ﻛﺄﺧﺘﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﻛﺒﻬﺎ أﺣﺪ ،وﻓﻬﻤﺖ ﻣﻦ ﻛﻼم ﻣﻀﻴﻔﺘﻲ أﻧﻪ وإن ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ املﻬﺮة اﻟﺒﻴﻀﺎء
ﻗﺪاﺳﺔ ﻓﻬﻮ ﴎي ،وﻫﻲ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻘﻞ ﱄ ذﻟﻚ ً
ﻗﻮﻻ ً دون ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ املﻬﺮة اﻟﻜﻤﻴﺖ
ﴏﻳﺤً ﺎ ،اﺳﺘﻨﺘﺠﺖ ﻣﻨﻪ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﻛﺒﻬﺎ ﻫﻲ ﺣني ﺗﺴري ﺑﺠﺎﻧﺐ املﺴﻴﺢ إﱃ أورﺷﻠﻴﻢ.
ﺛﻢ أﻣﺮت اﻟﺴﺎﺋﺴني أن ﻳُﺨﺮﺟﺎ اﻟﺤﺠﺮﺗني إﱃ ﻣﺮج ﺧﺎرج اﻟﺴﻮر ﻓﻔﻌﻼ ،وﺑﻌﺪ أن
أﻃﻠﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗﺄﻣﻠﺖ ﰲ ﻣﺤﺎﺳﻨﻬﻤﺎ ،رﺟﻌﺖ إﱃ اﻟﺪار وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺈﻟﺤﺎح أن ﺗﺄذن
ملﺴﻴﻮ »ﺑﺮﺳﻴﻔﺎل« ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﺻﺪﻳﻘﻲ وﺗﺒﻌﻨﻲ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻨﻲ ،وأﻗﺎم ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح
57
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺻﺪور اﻹذن ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺒﺨﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻨﻲ إﱃ ﻃﻠﺒﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﱰدد
ﻣﺪة ،ودﺧﻠﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻟﻨﴫف ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻴﻠﺘﻨﺎ ،ﻓﺄﻗﻤﻨﺎ ﻧﺪﺧﻦ وﻧﴩب اﻟﻘﻬﻮة ،وﺑﻌﺪ
ﻣﺒﺎﺣﺜﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ دارت ﺑﻴﻨﻨﺎ ﰲ أﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وﻧﻈﺎم اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ،اﻧﺘﻘﻠﺖ أﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ أﻣﻮر
ﻣﺰﺣﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗَﻨَﺒﱡﺌﻬﺎ.
ﻗﺎل :وأردت أن أﺧﺘﱪﻫﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺤني أو ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻲ ﻣﺮوا ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ
١٥ﺳﻨﺔ ،ﻓﺄدﻫﺸﻨﻲ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻋﻦ اﺛﻨني ﻣﻨﻬﻢ؛ ﻷﻧﻨﻲ رأﻳﺘﻬﺎ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﻛﻞ اﻹﺻﺎﺑﺔ،
وﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ اﻟﻌﺠﺎب أﻧﻬﺎ وﺻﻔﺖ ﺑﺤﺬق وﺑﻼﻏﺔ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ واﺣﺪًا ﻣﻦ ذﻳﻨﻚ اﻻﺛﻨني
ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﻪ ﺣﻖ املﻌﺮﻓﺔ ،ﻣﻊ أن ﻣﻦ أﺻﻌﺐ اﻷﻣﻮر أن ﻳﻌﺮف إﻧﺴﺎن ﻃﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ أول وﻫﻠﺔ؛
ﻷن ﻇﻮاﻫﺮه ﺗﺆذن ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺗﺎﻣﺔ ،وﻳﺨﺪع أﺑﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻻﻧﺨﺪاع .وﻣﻤﺎ أذﻫﻠﻨﻲ ً
أﻳﻀﺎ
ﻗﻮة ذاﻛﺮﺗﻬﺎ؛ ﻷن اﻟﺴﺎﺋﺢ املﺬﻛﻮر ﻟﻢ ﻳﴫف ﻋﻨﺪﻫﺎ إﻻ ﺳﺎﻋﺘني ،وﻣﴣ ﺑني زﻳﺎرﺗﻲ ﻟﻬﺎ
وزﻳﺎرﺗﻪ ١٦ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﻼ ﺟﺮم أن اﻟﻌﺰﻟﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﻗﻮى اﻟﻨﻔﺲ وﺗﻘﻮﻳﻬﺎ .وﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ
ذﻟﻚ اﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﻘﺪﻳﺴﻮن وأﻛﺎﺑﺮ رﺟﺎل اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﺸﻌﺮاء ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻄﻠﺒﻮن اﻟﱪاري واﻟﻘﻔﺎر،
وﻳﻌﺘﺰﻟﻮن اﻟﻨﺎس وﻫﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ.
ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﻦ ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت وﻋﻦ ﻣﻮاﺿﻴﻊ أﺧﺮى ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺗﺎﻣﺔ ،وﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ
إﱃ أن ﻣﴣ أﻛﺜﺮ اﻟﻠﻴﻞ ،ﻗﺎل :وملﺎ ﺣﺎن اﻻﻓﱰاق ﻇﻬﺮ اﻟﺤﺰن واﻟﻜﺪر ﻋﲆ وﺟﻬﻴﻨﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﱄ :ﻻ ﺗﻮدﱢﻋﻨﻲ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﺳﻨﻠﺘﻘﻲ ﻣﺮا ًرا ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،وﻧﻠﺘﻘﻲ ﻛﺜريًا ﰲ ﺳﻴﺎﺣﺎت أُﺧﺮ ﻟﻢ
ﺗﺨﻄﺮ ﻟﻚ ﺑﺒﺎل ﺑﻌﺪُ ،ﻓﺎذﻫﺐ واﺳﱰح ،واذ ُﻛﺮ أﻧﻚ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﰲ ﻗﻔﺎر ﻟﺒﻨﺎن ،ﺛﻢ ﻣﺪت إﱄ ﱠ
ﻳﺪﻫﺎ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻳﺪي ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﲆ ﻋﺎدة اﻟﻌﺮب ﻣﻮدﻋً ﺎ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺧﺎﺗﻤﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻨﺎ.
ﻫﺬا ﻣﻠﺨﺺ ﻣﺎ دار ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني »ﻻﻣﺮﺗني« ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ،واملﻘﺎم ﻳﻀﻴﻖ دون ﻣﺎ ذﻛﺮه
ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ .أﻣﺎ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﰲ »ﺟﻮن« ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ اﻟﺬي ﻣﺎت ﺑﻌﺪﻫﺎ
ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ إﱃ اﺑﻦ ﻟﻪ وﺣﻴﺪ ﻣﺴﻠﻢ ،ﺛﻢ أﻓﴣ ﺑﻪ اﻷﻣﺮ إﱃ أن ﺷﻨﻖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﺄﺧﺬت
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن ﻳﺆﺧﺬ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻨﻬﺎ .وﻫﻜﺬا ً اﻣﺮأﺗﻪ ﺗﺒﻴﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻴﻌﻪ ﻣﻦ أدوات اﻟﺒﻨﺎء
ﻋﺠﻠﺖ ﺧﺮاب ﺗﻠﻚ اﻟﺪار اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ أﻣﺴﺖ اﻵن ﺧﺎوﻳﺔ ﻋﲆ ﻋﺮوﺷﻬﺎ ،ﻳﺄوي إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﻮم،
وﻳﻨﻌﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻐﺮاب ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻜﺎد آﺛﺎر اﻟﴬﻳﺢ اﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻟﻬﺎ ﺗُﻤﺤﻰ.
وﻫﻜﺬا ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﺘﻠﻚ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﻀﺎﻫﻲ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﴩق وﻻ ﻷﻋﻤﺎﻟﻬﺎ أﺛﺮ ﰲ
ﺑﻄﻮن اﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﺖ ذﻛﺮﻫﺎ؛ ﻟﻴﻜﻮن ﻋﱪة ملﻦ ﻳﻌﺘﱪ ،وﺗﺬﻛﺮة ﻷوﱄ اﻷﻟﺒﺎب.
58
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
59
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺑ ﱢﺮه ﺑﺄﺑﻴﻪ وﺑﻲ ،اﻟﻠﻬﻢ ﻗﺪ ﺳﻠﻤﺘﻪ ﻷﻣﺮك ﻓﻴﻪ ،ورﺿﻴﺖ ﺑﻤﺎ ﻗﻀﻴﺖ ،ﻓﺄﺛﺒﻨﻲ ﻓﻴﻪ ﺛﻮاب
اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ اﻟﺸﺎﻛﺮﻳﻦ ،ﻓﺘﻨﺎول ﻳﺪﻫﺎ ﻟﻴُﻘﺒﻠﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﺬا وداع ﻓﻼ ﺗﺒﻌﺪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﺟﺌﺖ
ﻣﻮدﻋً ﺎ ﻷﻧﻲ أرى ﻫﺬا آﺧﺮ أﻳﺎﻣﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :اﻣﺾ ﻋﲆ ﺑﺼريﺗﻚ ،وادن ﻣﻨﻲ ﺣﺘﻰ أودﻋﻚ ،ﻓﺪﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻌﺎﻧﻘﺘﻪ وﻗﺒﻠﺘﻪ،
ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺪرع ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻫﺬا ﺻﻨﻴﻊ ﻣَ ﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ؟ ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻟﺒﺴﺘُﻪ إﻻ
ﻷﺷ ﱠﺪ ﻣﺘﻨﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻪ ﻻ ﻳﺸﺪ ﻣﺘﻨﻲ .ﻓﻨﺰﻋﻬﺎ ،ﺛﻢ درج ملﺘﻪ ،وﺷ ﱠﺪ أﺳﻔﻞ ﻗﻤﻴﺼﻪ وﺟﺒﺘﻪ
ﺗﺤﺖ أﺛﻨﺎء اﻟﴪاوﻳﻞ ،وأدﺧﻞ أﺳﻔﻠﻬﺎ ﺗﺤﺖ املﻨﻄﻘﺔ ،وأﻣﻪ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ :اﻟﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻚ ﻣُﺸﻤﱠ ﺮة،
ﻓﺨﺮج وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻣﺮﺗﺠ ًﺰا:
ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺗﺼﱪ إن ﺷﺎء ﷲ .أﺑﻮك أﺑﻮ ﺑﻜﺮ واﻟﺰﺑري ،وأﻣﻚ ﺻﻔﻴﺔ اﺑﻨﺔ ﻋﺒﺪ
املﻄﻠﺐ ،ﺛﻢ ﺣﻤﻞ ﻋﲆ اﻟﻘﻮم وﻗﺎﺗﻞ ﺣﺘﻰ ُﻗﺘﻞ وﺻﻠﺐ ،وﻃﻠﺒﺘﻪ أﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎج ﻓﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ
إﻋﻄﺎءه ،ﻓﻜﺘﺒﺖ ﻟﻌﺒﺪ املﻠﻚ ،ﻓﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻐﺴﻠﺘﻪ ودﻓﻨﺘﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺑﻌﺪه ً
ﻗﻠﻴﻼ ،وﻣﺎﺗﺖ
ﺑﻌﺪﻣﺎ أﴐﱠ ت ،وذﻟﻚ ﰲ ﺳﻨﺔ ٧٣ﻫﺠﺮﻳﺔ.
وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ زوﺟﻬﺎ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ﺣني ﻗﺘﻠﻪ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﺟﺮﻣﻮز املﺠﺎﺷﻌﻲ وﻫﻮ
ﻣﻨﴫف ﻣﻦ وﻗﻌﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﺑﻮادي اﻟﺴﺒﺎع:
60
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﺑﻦ ﻋﻴﺎش ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻗﺎل :دﺧﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﻌﺾ ﺑﻴﻮت أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ إﻣﺎ ﻟﻌﻴﺎدة ﻣﺮﻳﺾ
أو ﻟﻐري ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ أﺳﻤﺎء اﻟﺘﻤﻴﻤﻴﺔ — وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻜﻨﻰ أم اﻟﺠﻼس ،وﻫﻲ أم ﻋﻴﺎش
ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،أﻻ ﺗﻮﺻﻨﻲ؟ ﻗﺎل» :اﺋﺘﻲ إﱃ أﺧﺘﻚ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﺒني أن ﺗﺄﺗﻲ
إﻟﻴﻚ «.ﺛﻢ أﺗﻰ ﺑﺼﺒﻲ ﻣﻦ وﻟﺪ ﻋﻴﺎش ﺑﻪ ﻣﺮض ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺮﻗﻲ اﻟﺼﺒﻲ وﻳﺘﻔﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺟﻌﻞ
اﻟﺼﺒﻲ ﻳﺘﻔﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،وﺟﻌﻞ ﺑﻌﺾ أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻳﻨﻬﻰ اﻟﺼﺒﻲ ،وﻗﺎل أﺑﻮ ﻋﻤﺮ —
ذﻛﺮ ﻧﺴﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم — وﻗﺎل» :ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮات :ﻫﺎﺟﺮت ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ﻋﻴﺎش ﺑﻦ أﺑﻲ
رﺑﻴﻌﺔ إﱃ أرض اﻟﺤﺒﺸﺔ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻴﺎش ،ﺛﻢ ﻫﺎﺟﺮت إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وﺗﻜﻨﻰ
روت ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،وروى ﻋﻨﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻴﺎش وﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌني، ْ أم اﻟﺠﻼس،
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب«.
61
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫﺠﺮﺗﺎن :إﱃ أرض اﻟﺤﺒﺸﺔ وأرض املﺪﻳﻨﺔ «.ﻗﺎل ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ رﻓﺎﻋﺔ اﻟﺰرﻗﻲ:
ِ ﻓﻘﺎل» :ﻟﻜﻢ
إن أﺳﻤﺎء اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻴﺲ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ :إن وﻟﺪ ﺟﻌﻔﺮ ﺗﴪع إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻌني؛ أﻓﺄﺳﱰﻗﻲ
ﻟﻬﻢ؟ ﻗﺎل» :ﻧﻌﻢ «.وﻗﺪ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﲇ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ.
62
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻷﺷﻬﻞ .ﻫﻲ رﺳﻮل اﻟﻨﺴﺎء إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ .روى ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ أﻧﻬﺎ
أﺗﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ وﻫﻮ ﺑني أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺑﺄﺑﻲ وأﻣﻲ أﻧﺖ ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،أﻧﺎ واﻓﺪة اﻟﻨﺴﺎء
إﻟﻴﻚ .إن ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﺑﻌﺜﻚ إﱃ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻛﺎﻓﺔ ،ﻓﺂﻣﻨﺎ ﺑﻚ وﺑﺈﻟﻬﻚ ،وإﻧﺎ ﻣﻌﴩ
اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺤﺼﻮرات ﻣﻘﺼﻮرات ﻗﻮاﻋﺪ ﺑﻴﻮﺗﻜﻢ ،وﻣﻘﺘﴣ ﺷﻬﻮاﺗﻜﻢ ،وﺣﺎﻣﻼت أوﻻدﻛﻢ،
وإﻧﻜﻢ ﻣﻌﺎﴍ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻀﻠﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﺠُ ﻤﻊ واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ،وﻋﻴﺎدة املﺮﴇ ،وﺷﻬﻮد اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ،
واﻟﺤﺞ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺞ ،وأﻓﻀﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻬﺎد ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — وإن أﺣﺪﻛﻢ إذا
ﺧﺮج ﺣﺎﺟٍّ ﺎ ﻣﻌﺘﻤ ًﺮا أو ﻣﺠﺎﻫﺪًا ﺣﻔﻈﻨﺎ ﻟﻜﻢ أﻣﻮاﻟﻜﻢ ،وﻏﺰﻟﻨﺎ أﺛﻮاﺑﻜﻢ ،ورﺑﻴﻨﺎ ﻟﻜﻢ أوﻻدﻛﻢ،
أﻓﻤﺎ ﻧﺸﺎرﻛﻜﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻷﺟﺮ واﻟﺨري؟
ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻮﺟﻬﻪ ﻛﻠﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل» :ﻫﻞ ﺳﻤﻌﺘﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻣﺮأة ﻗﻂ
أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻣﺴﺄﻟﺘﻬﺎ ﰲ أﻣﺮ دﻳﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه؟« ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،ﻣﺎ ﻇﻨﻨﺎ أن اﻣﺮأة
ﺗﻬﺘﺪي إﱃ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎل» :اﻓﻬﻤﻲ أﻳﺘﻬﺎ املﺮأة ،وأَﻋﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻚ
ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،أن ﺣﺴﻦ ﺗﺒﻌﻞ املﺮأة ﻟﺰوﺟﻬﺎ ،وﻃﻠﺒﻬﺎ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ ،واﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﻮاﻓﻘﺘﻪ ﻳﻌﺪل ذﻟﻚ
ﻛﻠﻪ «.ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ وﻫﻲ ﺗﻬﻠﻞ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﱃ ﻧﺴﺎء ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،وﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻣﺎ
ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﻔﺮﺣﻦ وآﻣﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﻦ .وﺳﻤﻴﺖ املﱰﺟَ ﻤﺔ» :رﺳﻮل ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب
إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ«.
63
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﰲ ﺷﻮﺷﻦ اﻟﻘﴫ ﻣﻦ اﻟﻜﺒري إﱃ اﻟﺼﻐري وﻟﻴﻤﺔ ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم ،وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ملﺎ ﻃﺎب
ﻗﻠﺒﻪ أرﺳﻞ إﱃ »وﺷﺘﻰ« املﻠﻜﺔ زوﺟﺘﻪ أن ﺗﺄﺗﻲ أﻣﺎﻣﻪ ﺑﺘﺎج املﻠﻚ ﻟريى اﻟﺸﻌﻮب واﻟﺮؤﺳﺎء
ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺴﻨﺔ املﻨﻈﺮ ،ﻓﺄﺑﺖ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺣﺴﺐ أﻣﺮ املﻠﻚ ،ﻓﺎﻏﺘﺎظ ﺟﺪٍّا واﺷﺘﻌﻞ
ﻏﻀﺒﻪ ،وﻗﺎل ملﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎرﻓني ﺑﺎﻷزﻣﺔ :ﻣﺎذا ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎملﻠﻜﺔ »وﺷﺘﻰ«؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺧﺎﻟﻔﺖ
أواﻣﺮي؟ ﻓﻘﺎل أﺣﺪﻫﻢ :ﻟﻴﺲ إﱃ املﻠﻚ وﺣﺪه أﺳﺎءت ،ﺑﻞ إﺳﺎءﺗﻬﺎ ﻋﻤﺖ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺮؤﺳﺎء
وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺬﻳﻦ ﰲ ﻛﻞ ﺑﻠﺪان املﻠﻚ ،وﺳﻮف ﻳﺒﻠﻎ ﺧﱪﻫﺎ إﱃ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﺘﻰ
ﻳﺤﺘﻘﺮن أزواﺟﻬﻦ ﰲ أﻋﻴﻨﻬﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺎل :إن املﻠﻚ »أﺣﺸﻮﻳﺮوش« أﻣﺮ أن ﻳﺆﺗﻰ ﺑﺎملﻠﻜﺔ
ﺗﺄت ،ﻓﺈن رأى املﻠﻚ ﻓﻠﻴﻜﺘﺐ أﻣ ًﺮا ﻣﻦ ﻋﻨﺪه أن ﻻ ﺗﺄﺗﻲ »وﺷﺘﻰ« »وﺷﺘﻰ« إﱃ أﻣﺎﻣﻪ ﻓﻠﻢ ِ
ً
ﻣﻄﻠﻘﺎ ،وﻟﻴﻌﻂ ﻣﻠﻜﻬﺎ ملﻦ ﻫﻲ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺮأى املﻠﻚ واﻟﺮؤﺳﺎء ذﻟﻚ ﺻﻮاﺑًﺎ ،ﻓﺄرﺳﻞ أﻣﺎﻣﻪ
ُﻛﺘﺒًﺎ إﱃ ﻛﻞ ﺑﻠﺪاﻧﻪ ﻳﺨﱪﻫﻢ ﺑﺬﻟﻚ.
وﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺧﻤﺪ ﻏﻀﺐ املﻠﻚ »أﺣﺸﻮﻳﺮوش« ﻗﻴﻞ ﻟﻪ :ﻓﻠﻴﻄﻠﺐ املﻠﻚ ﻓﺘﻴﺎت ﻋﺬارى
ُﻌني ﻋﻠﻴﻬﻦﺣﺴﻨﺎت املﻨﻈﺮ ،وﻳﻮﻛﻞ وﻛﻼء ﰲ ﻛﻞ ﺑﻼده ﻟﻴﺠﻤﻌﻮﻫﻦ ﺑﺸﻮﺷﻦ اﻟﻘﴫ ،وﻳ ﱢ
ﺧﺼﻴٍّﺎ ،وﻳﺮﺗﺐ ﻟﻬﻦ ﻟﻮازﻣﻬﻦ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺘﺠﻦ إﻟﻴﻪ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻨﻬﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﻓﻘﻪ
وﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﻣﻜﺎن »وﺷﺘﻰ« ،ﻓﺮأى ذﻟﻚ ﺣﺴﻨًﺎ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺠﻤﻊ اﻟﺒﻨﺎت ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻊ ﻋﻨﺪه ﻣﻨﻬﻦ
ﳾء ﻛﺜري ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ »ﻣﺮدﺧﺎي« ﻣﺮﺑﻲ »إﺳﺘري« أﻣﺮ املﻠﻚ وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻓﺘﻴﺎت ﻛﺜريات
إﱃ ﺷﻮﺷﻦ اﻟﻘﴫ ،أﺧﺬ »إﺳﺘري« إﱃ ﺑﻴﺖ املﻠﻚ وﺳ ﱠﻠﻤﻬﺎ إﱃ ﺣﺎرس اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮﻫﺎ
ﻄﺮﻫﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻧﻘﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﺎرس اﺳﺘﺤﺴﻨﻬﺎ ،وﻧﺎﻟﺖ ﻧﻌﻤﺔ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﺒﺎدرﻫﺎ ﺑﺄدﻫﺎن ﻋ ﱠ
أﺣﺴﻦ ﻣﻜﺎن ﰲ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻟﻢ ﺗُﺨﱪ »إﺳﺘري« ﻋﻦ ﺷﻌﺒﻬﺎ وﺟﻨﺴﻬﺎ؛ ﻷن »ﻣﺮدﺧﺎي«
أوﺻﺎﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،واﺳﺘﻤﺮت »إﺳﺘري« ﻣﻘﻴﻤﺔ إﱃ أن ﺑﻠﻐﺖ ﻧﻮﺑﺘﻬﺎ ﻟﻠﺪﺧﻮل إﱃ املﻠﻚ ﺑﻌﺪ أن
ﻗﺎﻣﺖ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﺷﻬ ًﺮا؛ ﻷﻧﻪ ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻤﻞ أﻳﺎم ﺗﻌﻄﺮﻫﻦ :ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﺑﺰﻳﺖ املﺮ،
وﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﺑﺎﻟﻄﻴﺎب ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻧﻈﺮﻫﺎ أﺣﺒﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺴﺎء ،ووﺟﺪت
ﻧﻌﻤﺔ وإﺣﺴﺎﻧًﺎ أﻣﺎﻣﻪ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺬارى ،ﻓﻮﺿﻊ اﻟﺘﺎج ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ،وﻣﻠﻜﻬﺎ ﻣﻜﺎن
»وﺷﺘﻰ« ،وﻋﻤﻞ وﻟﻴﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ رؤﺳﺎﺋﻪ وﻋﺒﻴﺪه ،ودﻋﺎﻫﺎ وﻟﻴﻤﺔ »إﺳﺘري« ،وأﻋﻄﻰ
ﻋﻄﺎﻳﺎ ﺣﺴﺐ ﻛﺮم املﻠﻮك.
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺑﻴﻨﻤﺎ »ﻣﺮدﺧﺎي« ﺟﺎﻟﺲ ﰲ ﺑﺎب املﻠﻚ إذ ﻋﻠﻢ ﺑﻔﺘﻴني ورﺋﻴﺲ اﻟﺨﺼﻴﺎن
ﰲ دار املﻠﻚ أرادا أن ﻳﻐﺘﺎﻻه ،ﻓﻌﻠﻢ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ »ﻣﺮدﺧﺎي« ،ﻓﺄﺧﱪ »إﺳﺘري« ،وﻫﻲ أﺧﱪت
املﻠﻚ ﺑﺎﺳﻢ »ﻣﺮدﺧﺎي« ،ﻓﻔﺤﺺ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ ﻓﻮﺟﺪه ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺼﻠﺒﻬﻤﺎ ،ﻓﺼﻠﺐ ﻛﻞ
ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﺧﺸﺒﺔ ،وازداد اﻋﺘﺒﺎر »ﻣﺮدﺧﺎي« ﰲ ﻋﻴﻨﻲ املﻠﻚ ،وﻗﺮﺑﻪ ﻣﻨﻪ ﻗﺮﺑًﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ .وﺑﻌﺪ
64
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ﻗﺪﱠم املﻠﻚ »أﺣﺸﻮﻳﺮوش« وزﻳﺮه »ﻫﺎﻣﺎن« ،وﺟﻌﻞ ﻛﺮﺳﻴﻪ ﻓﻮق ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺮؤﺳﺎء
اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ ﺑﺒﺎب املﺴﺠﺪ ﻳﺴﺠﺪ ﻟ »ﻫﺎﻣﺎن« ،ﻛﻤﺎ أوﴅ ﺑﻪ املﻠﻚ.
وأﻣﺎ »ﻣﺮدﺧﺎي« ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺠﺪ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻋﺒﻴﺪ املﻠﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺒﺎﺑﻪ ﻟ »ﻣﺮدﺧﺎي« :ملﺎذا
ﺗﺘﻌﺪى أﻣﺮ املﻠﻚ وﻟﻢ ﺗﺴﺠﺪ ﻟ »ﻫﺎﻣﺎن« ،ﻓﻘﺎل :ﻻ أﺳﺠﺪ ﻟﻐري املﻠﻚ ،وإﻧﻲ أﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ
ﺗﻌﻠﻤﻮن ،ﻓﺄﺧﱪوا »ﻫﺎﻣﺎن« ﺑﺬﻟﻚ ،وأﻋﻠﻤﻮه ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻬﻮدي ،وملﺎ رأى »ﻫﺎﻣﺎن« ذﻟﻚ اﻣﺘﻸ
وأﴎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ إﻫﻼك »ﻣﺮدﺧﺎي« وﺷﻌﺒﻪ ،وملﺎ أﻣﻜﻨﺘﻪ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻗﺎل ﻟﻠﻤﻠﻚ :إﻧﻪ ﱠ ﻏﻀﺒًﺎ،
ﻣﻮﺟﻮد ﺷﻌﺐ ﻣﺘﺸﺘﺖ وﻣﺘﻔﺮق ﺑني اﻟﺸﻌﻮب ﰲ ﻛﻞ ﺑﻼد ﻣﻤﻠﻜﺘﻚ ،وﺳﻨﺘﻬﻢ ﻣﻐﺎﻳﺮة ﻟﺠﻤﻴﻊ
اﻟﺸﻌﻮب ،وﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﺴﻨﻦ املﻠﻚ ،ﻓﻼ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎملﻠﻚ ﺗﺮﻛﻬﻢ ،ﻓﺈذا رأى املﻠﻚ ﻓﻠﻴﻜﺘﺐ
ﻄﻰ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻣﺎﱄ ﺑﺄن ﻳﺒﺎدوا وأﻧﺎ أزن ﻋﴩة آﻻف وزن ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ﺗُﻌ َ
اﻟﺨﺎص ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ املﻠﻚ ﻛﻼﻣﻪ ﻧﺰع اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻦ ﻳﺪه وأﻋﻄﺎه ﻟ »ﻫﺎﻣﺎن« وﻗﺎل ﻟﻪ :اﻟﻔﻀﺔ
أﻳﻀﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺎ ﺗُﺮﻳﺪ ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﻰ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب، ﻗﺪ أﻋﻄﻴﺖ ﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﺰﻳﻨﺔ املﻠﻜﻴﺔ ،واﻟﺸﻌﺐ ً
وﻛﺘﺐ إﱃ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻤﺎل اﻟﺒﻼد ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺈﺑﺎدة ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻴﻬﻮد ﻣﻦ اﻟﻄﻔﻞ إﱃ اﻟﺸﻴﺦ ،وأن
ﻳﺴﻠﺒﻮا أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻏﻨﻴﻤﺔ ،وﺧﺘﻢ اﻟﻜﺘﺐ ﺑﺨﺘﻢ املﻠﻚ ،وﺳﻠﻤﻬﺎ إﱃ اﻟﺴﻌﺎة ،وﺧﺮﺟﺖ ﺑﻬﺎ ،وملﺎ
ﺷﻖ ﺛﻴﺎﺑﻪ ،وﻟﺒﺲ ﻣﺴﺤً ﺎ ﺑﺮﻣﺎد ،وﺧﺮج إﱃ وﺳﻂ املﺪﻳﻨﺔ، ﻋﻠﻢ »ﻣﺮدﺧﺎي« ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋُ ﻤﻞ ﱠ
وﴏخ ﴏﺧﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﺟﺎء إﱃ ﺑﺎب املﻠﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﺣﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻬﻮد ،وﺻﻴﺎح
وﺑﻜﺎء وﻧﺤﻴﺐ.
ﻓﻠﻤﺎ رأى ﺟﻮاري »إﺳﺘري« ذﻟﻚ دﺧﻠﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأﺧﱪﻧﻬﺎ ،ﻓﺎﻏﺘﻤﺖ ﻏﻤٍّ ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وأرﺳﻠﺖ
ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﻟ »ﻣﺮدﺧﺎي« ﻷﺟﻞ ﻧﺰع ﻣﺴﺤﻪ ﻋﻨﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ ،ﻓﺪﻋﺖ »إﺳﺘري« واﺣﺪًا ﻣﻦ ﺧﺪاﻣﻬﺎ
وأﻣﺮﺗﻪ أن ﻳﺬﻫﺐ إﱃ »ﻣﺮدﺧﺎي« وﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﺒﺐ ،ﻓﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎدم إﻟﻴﻪ وأﺧﱪه »ﻣﺮدﺧﺎي«
ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻪ ،وأﻋﻄﺎه ﺻﻮرة اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺻﺪرت ﻣﻦ املﻠﻚ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺠﻬﺎت ﻟﻜﻲ ﻳﺮﻳﻬﺎ
ﻟ »إﺳﺘري« ،وﻳﺨﱪﻫﺎ وﻳﻮﺻﻴﻬﺎ أن ﺗﺪﺧﻞ إﱃ املﻠﻚ وﺗﺘﴬع إﻟﻴﻪ وﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ
ﺷﻌﺒﻬﺎ ،ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺨﺎدم إﱃ »إﺳﺘري« وأﺧﱪﻫﺎ ﺑﻜﻼم »ﻣﺮدﺧﺎي« ،ﻓﺄﻣﺮت اﻟﺨﺎدم ﺑﺄن ﻳﺮﺟﻊ
إﻟﻴﻪ وﻳﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄن ﻛﻞ ﻋﺒﻴﺪ املﻠﻚ وﺷﻌﻮب ﺑﻼده ﻳﻌﻠﻤﻮن أن ﻛﻞ ﺷﺨﺺ دﺧﻞ إﱃ املﻠﻚ
ﺑﺎﻟﺪار اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﺑﺪون إذن ﻟﻢ ﻳﻨﺞ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ،إﻻ اﻟﺬي ﻳﻤﺪ إﻟﻴﻪ املﻠﻚ ﻗﻀﻴﺐ اﻟﺬﻫﺐ ﻓﻴﺤﻴﺎ،
ﻓﺄﺧﱪه اﻟﺨﺎدم ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﺧﱪ »إﺳﺘري« ﺑﺄﻧﻚ ﻻ ﺗﻔﺘﻜﺮي ﰲ ﻧﻔﺴﻚ أﻧﻚ ﺗﻨﺠني ﰲ
ﺳﻜﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻜﻮن اﻟﻔﺮج واﻟﻨﺠﺎة ﻟﻠﻴﻬﻮد ﻣﻦ ﱢ ﺑﻴﺖ املﻠﻚ ﻣﻦ دون اﻟﻴﻬﻮد .إﻧﻚ إن
ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،وأﻣﺎ أﻧﺖ وﺑﻴﺖ أﺑﻴﻚ ﻓﺘﺒﺎدون ،ﻓﻘﺎﻟﺖ »إﺳﺘري« ﻟﻠﺨﺎدم :أﺧﱪ »ﻣﺮدﺧﺎي« ﺑﺄن
ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻴﻬﻮد املﻮﺟﻮدﻳﻦ ﰲ ﺷﻮﺷﻦ اﻟﻘﴫ وﻳﺼﻮﻣﻮا ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻲ ،وﻻ ﻳﺄﻛﻠﻮا وﻻ ﻳﴩﺑﻮا
65
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﻳﻀﺎ أﺻﻮم ﻛﺬﻟﻚ ،وﻫﻜﺬا أدﺧﻞ ﻋﲆ املﻠﻚ ،وﻟﻌﻞ ﷲ أن ﻳﻤﺪ ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،وأﻧﺎ ً
ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ً
إﱄ ﱠ ﻳﺪ املﺴﺎﻋﺪة.
ﻓﺎﻧﴫف »ﻣﺮدﺧﺎي« وﻋﻤﻞ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ أوﺻﺘﻪ ﺑﻪ »إﺳﺘري« ،وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻟﺒﺴﺖ »إﺳﺘري« ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﻣﻠﻜﻴﺔ ،ووﻗﻔﺖ ﰲ دار ﺑﻴﺖ املﻠﻚ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ املﻠﻚ وﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ
ﻋﲆ ﻛﺮﳼ ﻣﻠﻜﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى »إﺳﺘري« واﻗﻔﺔ ﻣﺪ ﻟﻬﺎ ﻗﻀﻴﺐ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺬي ﺑﻴﺪه ،ﻓﺪﻧﺖ وملﺴﺖ
رأس اﻟﻘﻀﻴﺐ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ املﻠﻚ :ﻣﺎ ﻟﻚ »إﺳﺘري«؟ وﻣﺎ ﻫﻲ ِﻃ ْﻠﺒَﺘُﻚ؟ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺼﻒ ﻣﻤﻠﻜﺘﻲ
ِ
ﻓﻠﻴﺄت وﻣﻌﻪ »ﻫﺎﻣﺎن« اﻟﻴﻮم إﱃ اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ، ﺗُﻌﻄﻰ ﻟﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إذا رأى املﻠﻚ
ﻓﻘﺎل املﻠﻚ :أﴎﻋﻮا ﺑ »ﻫﺎﻣﺎن« ﺗﻨﻔﻴﺬًا ﻟﻜﻼم »إﺳﺘري« ،ﻓﺤﴬوا ﺑﻪ ،وأﺗﻰ املﻠﻚ و»ﻫﺎﻣﺎن«
إﱃ اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ »إﺳﺘري« ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ املﻠﻚ ﻋﻨﺪ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ :ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺆاﻟﻚ ،وﻣﺎ ﻫﻲ
ﻃﻠﺒﺘﻚ ،ﻓﺘُﻌﻄﻰ ﻟﻚِ ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :إن ﺳﺆاﱄ أن ﻳﺄﺗﻲ املﻠﻚ و»ﻫﺎﻣﺎن« إﱃ اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻤﻠﻬﺎ
ﻟﻜﻤﺎ ﻏﺪًا ،وﻫﻨﺎك أﻃﻠﺐ ﻃﻠﺒﻲ ،ﻓﺨﺮج »ﻫﺎﻣﺎن« ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻓﺮﺣً ﺎ.
وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺟﺎء املﻠﻚ و»ﻫﺎﻣﺎن« ﻋﻨﺪ »إﺳﺘري« ،ﻓﻘﺎل املﻠﻚ ﻟ »إﺳﺘري« :ﻣﺎ ﻫﻮ
ﺳﺆاﻟﻚ ﻳﺎ »إﺳﺘري«؟ وﻣﺎ ﻫﻲ ﻃﻠﺒﺘﻚ؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ :إن ﻛﻨﺖ ﻗﺪ وﺟﺪت ﻧﻌﻤﺔ ﰲ ﻋني املﻠﻚ،
ﻓﻴﻌﻄﻲ ﱄ املﻠﻚ ﻃﻠﺒﺘﻲ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺷﻌﺒﻲ؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﺻﺎر ﺑﻴﻌﻨﺎ أﻧﺎ وﺷﻌﺒﻲ ﻟﻠﻬﻼك واﻟﻘﺘﻞ،
ﺳﻜﺖ ،ﻣﻊ أن اﻟﻌﺪ ﱠو ﻻ ﻳﻌﺮض ﻋﻦ ﺧﺴﺎرة املﻠﻚ. ﱡ وﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺑﻌﺘﻨﺎ ﻋﺒﻴﺪًا وإﻣﺎء ﻟﻜﻨﺖ
ﻓﻘﺎل ﻟ »إﺳﺘري« :ﻣﻦ ﻫﻮ وأﻳﻦ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﺎﴎ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﻋﲆ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻫﻜﺬا؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻫﻮ رﺟﻞ ﺧﺼﻢ وﻋﺪو ،ﻫﺬا »ﻫﺎﻣﺎن« اﻟﺮديء اﻟﺨﺒﻴﺚ .ﻓﺎرﺗﺎع »ﻫﺎﻣﺎن« أﻣﺎم املﻠﻚ واملﻠﻜﺔ،
ﻓﻘﺎم املﻠﻚ ﺑﻐﻴﻈﻪ ﻋﻦ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ إﱃ ﺟﻨﺔ اﻟﻘﴫ ،ووﻗﻒ »ﻫﺎﻣﺎن« ﻟﻨﻔﺴﻪ أﻣﺎم »إﺳﺘري«
املﻠﻜﺔ؛ ﻷﻧﻪ رأى أن اﻟﴩ ﻗﺪ أﻋﻴﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ املﻠﻚ .وملﺎ رﺟﻊ املﻠﻚ ﻣﻦ ﺟﻨﺔ اﻟﻘﴫ
إﱃ ﺑﻴﺖ ﴍب اﻟﺨﻤﺮ و»ﻫﺎﻣﺎن« ﻣﺘﻮاﻗﻊ ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ »إﺳﺘري« ﻋﻠﻴﻪ ،ﻗﺎل:
أﻳﻀﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﲆ املﻠﻜﺔ ﻣﻌﻲ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ؟! وأﻣﺮ ﺑﺼﻠﺒﻪ ،ﻓﺼﻠﺒﻮه ﻋﲆ ﺧﺸﺒﺔ ارﺗﻔﺎﻋﻬﺎ وﻫﻞ ً
ﺧﻤﺴﻮن ذراﻋً ﺎ ،ﺛﻢ ﺳﻜﻦ ﻏﻀﺐ املﻠﻚ.
وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم أﻋﻄﻰ املﻠﻚ ﻟ »إﺳﺘري« ﺑﻴﺖ »ﻫﺎﻣﺎن« ،وأﺗﻰ »ﻣﺮدﺧﺎي« أﻣﺎم املﻠﻚ؛
ﻷن »إﺳﺘري« أﺧﱪﺗﻪ ،ﻓﻨﺰع املﻠﻚ ﺧﺎﺗﻤﻪ اﻟﺬي أﺧﺬه ﻣﻦ »ﻫﺎﻣﺎن« وأﻋﻄﺎه ﻟ »ﻣﺮدﺧﺎي«،
وأﻗﺎﻣﺖ »إﺳﺘري« و»ﻣﺮدﺧﺎي« ﰲ ﺑﻴﺖ »ﻫﺎﻣﺎن« ،ﺛﻢ ﻋﺎدت »إﺳﺘري« وﺳﻘﻄﺖ ﻋﻨﺪ رﺟﲇ
املﻠﻚ وﺗﴬﻋﺖ إﻟﻴﻪ أن ﻳﺰﻳﻞ ﴍ »ﻫﺎﻣﺎن« اﻟﺬي دﺑﱠﺮه ﻋﲆ اﻟﻴﻬﻮد ،ﻓﺄﺟﺎب ﻃﻠﺒﻬﺎ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ
وﻟ »ﻣﺮدﺧﺎي« :اﻛﺘﺒﺎ أﻧﺘﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺴﻦ ﰲ أﻋﻴﻨﻜﻤﺎ ﺑﺎﺳﻢ املﻠﻚ ،واﺧﺘﻤﺎه ﺑﺨﺘﻤﻲ؛ ﻷن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
أوﻻ ﻻ ﺗُﺮدﱡ .ﻓﺪﻋﺎ ﻛﺘﺎب املﻠﻚ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ وﻛﺘﺐ ﺣﺴﺒﻤﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ »ﻣﺮدﺧﺎي«، اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ً
66
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﺧﺘﻢ ﻋﻠﻴﻪ املﻠﻚ ،وأرﺳﻞ إﱃ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺎت ،وﺧﺮج »ﻣﺮدﺧﺎي« ﻣﻦ أﻣﺎم املﻠﻚ ﺑﻠﺒﺎس ﻣﻠﻜﻲ
وﺗﺎج ﻣﻦ ذﻫﺐ .وﻛﺎن اﻟﻴﻮم ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻬﻮد ﻳﻮم ﺑﻬﺠﺔ وﻓﺮح ،وﺻﺎر ﻋﻴﺪًا ﻳﻌﻴﺪون ﻓﻴﻪ ،وﻫﻮ
اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ آذار ﰲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ.
وﻫﻲ زوﺟﺔ إﺳﻜﻨﺪر ،ﻣﻠﻚ ﻳﻬﻮذا ،ﻣﻠﻜﺖ وﺣﺪﻫﺎ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﰲ ﻣﺪة ﻗﴫ
اﺑﻨﻬﺎ »ﻫﺮﻓﺎﻧﻮس اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،وﻗﺪ ارﺗﻜﺐ اﻟﻔﺮﻳﺴﻴﻮن ﰲ ﻋﻬﺪﻫﺎ ﻣﻈﺎﻟﻢ ﻛﺜرية .وﻗﺪ ذﻛﺮﻫﺎ اﺑﻦ
ﺧﻠﺪون ﻓﻘﺎل» :وأوﴅ إﺳﻜﻨﺪر اﻣﺮأﺗﻪ اﻹﺳﻜﻨﺪرة ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻪ ﺑﻜﺘﻤﺎن ﻣﻮﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺢ
اﻟﺤﺼﻦ — وﻫﻮ ﺣﺼﻦ ﻛﺎن ﺧﺮج ﻟﺤﺼﺎره وﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون اﺳﻤﻪ — وﺗﺴري ﺑﺸﻠﻮه
إﱃ اﻟﻘﺪس ﻓﺘﺪﻓﻨﻪ ﻓﻴﻪ ،وﺗﺼﺎﻧﻊ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴني ﻋﲆ وﻟﺪﻫﺎ »ﻫﺮﻓﺎﻧﻮس اﻟﺜﺎﻧﻲ« ﻓﺘُﻤ ﱢﻠﻜﻪ؛ ﻷن
اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻣﻴﻞ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ذﻟﻚ ،واﺳﺘﺪﻋﺖ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻧﺎﻓ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴني ،وﺟﻤﻌﺘﻬﻢ وﻗﺪﻣﺘﻬﻢ
ﻟﻠﻤﺸﻮرة ،واﺳﺘﺒﺪت ﺑﺎملﻠﻚ.
وﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﺑﻨﺎن ﻣﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪر :اﺳﻢ اﻷﻛﱪ ﻣﻨﻬﻤﺎ »ﻫﺮﻓﺎﻧﻮس« ،واﻵﺧﺮ »أرﺳﺘﻴﻠﻮس«،
وﻛﺎﻧﺎ ﺻﻐريﻳﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﻮت أﺑﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﱪا ﻋﻴﻨﺖ »ﻫﺮﻓﺎﻧﻮس« ﻟﻠﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ ،وﻗﺪﻣﺖ
»أرﺳﺘﻴﻠﻮس« ﻋﲆ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ واﻟﺤﺮوب ،وﺿﻤﺖ إﻟﻴﻪ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴني ،وأﺧﺬت اﻟﺮﻫﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ
اﻷﻣﻢ ،وﺳﺄﻟﻬﺎ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﻮن ﰲ اﻷﺧﺬ ﺑﺜﺄرﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﻳني ،وﻛﺎﻧﻮا ً
ﺧﻠﻘﺎ ﻛﺜريًا ،وﺟﺎء اﻟﻘﺮاﻳﻮن
إﱃ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻳﻨﺬروﻧﻪ ذﻟﻚ ،وإﻧﻪ إذا ﻓﻌﻞ ﺑﻬﻢ ذﻟﻚ وﻗﺪ ﻛﺎﻧﻮا ً
ﺳﻴﻔﺎ ﻷﺑﻴﻪ اﻹﺳﻜﻨﺪر
ﻓﻘﺪ ﺗﺤﺪث اﻟﻨﻔﺮة ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس ،وﺳﺄﻟﻮه أن ﻳﻠﺘﻤﺲ إذﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ اﻟﻘﺪس
واﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴني ،ﻓﺄذﻧﺖ ﻟﻪ رﻏﺒﺔ ﰲ اﻧﻘﻄﺎع اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وﺧﺮج ﻣﻌﻪ وﺟﻮه اﻟﻌﺴﻜﺮ ،ﺛﻢ
ﻣﺎﺗﺖ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻟﺘﺴﻊ ﺳﻨني ﻣﻦ دوﻟﺘﻬﺎ ،وﻳﻘﺎل :إن ﻇﻬﻮر ﻋﻴﴗ — ﺻﻠﻮات ﷲ ﻋﻠﻴﻪ —
ﻛﺎن ﰲ أﻳﺎﻣﻬﺎ.
وﻓﻴﻤﺎ ذﻛﺮه اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ﰲ آﺧﺮ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ :إن ﻇﻬﻮر اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ ﻛﺎن ﰲ أﻳﺎم
اﻹﺳﻜﻨﺪرة ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ املﺆرﺧﻮن املﺤﻘﻘﻮن .واﻟﺼﺤﻴﺢ أﻧﻬﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ٧١أو
ﺳﻨﺔ ٧٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد.
67
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
أﺧﻮاﻻ ﻣﻦ ﻛﻠﺐ ﺣﻮﱠل ﻣﺎﻟﻪ إﻟﻴﻬﻢ ﺧﺸﻴﺔ اﻟﺘﻠﻒ ،ﻓﺄﻗﺎم وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻬﺎ أن ﻟﻪ
ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺛﻢ ﺧﺮج ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻓﺮس وﻗﺪ ﺻﺤﺐ ﴍاﺑًﺎ ،ﻓﺎﺷﺘﺪ اﻟﺤﺮ وﻇﻬﺮت ﻟﻪ دوﺣﺔ،
ﻓﻘﺼﺪﻫﺎ وﻧﺰل ﺗﺤﺘﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ ﺣﺘﻰ ﺑﺎن ﻟﻪ ﺷﺨﺺ ﻋﻠﻴﻪ درع أﺻﻔﺮ وﻋﻤﺎﻣﺔ ﺳﻮداء
ﻳﻄﺮد ﺳﺨﻠﺔ وأﺗﺎﻧًﺎ ،ﻓﻘﺘﻠﻬﻤﺎ وﻗﺼﺪ اﻟﺪوﺣﺔ ،وﻧﺰل ﺑﻬﺎ ﻓﺤﺎدﺛﻪ ،ﻓﻮﺟﺪ ﰲ أﻟﻔﺎﻇﻪ ﻋﺬوﺑﺔ
ﻻ ﺗﻘﺪر ،وﺧﻠﺐ ﻋﻘﻠﻪ ،ﻓﺪﻋﺎه إﱃ اﻟﴩاب ﻓﴩب ،وﻗﺎم ﻟﻴﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺷﺄن ﻓﺮﺳﻪ ﻓﺘﺰﺣﺰح
اﻟﺪرع ﻋﻦ ﺛﺪي ﻛﺤﻖ اﻟﻌﺎج ،ﻓﻘﺎل :اﻣﺮأة أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻌﻔﺎف ،ﺣﺴﻨﺔ
اﻷﺧﻼق واملﻔﺎﻛﻬﺔ ،ﻓﻌﻠﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ وﺳﺄﻟﻬﺎ اﻟﺰﻳﺎرة ،ﻓﺬﻛﺮت أن ﻟﻬﺎ إﺧﻮة ﴍﺳﺔ
وأﺑًﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﺛﻢ ﻣﻀﺖ وﻻزم اﻟﻮﺳﺎد ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺛﻢ ﺷﻜﻰ إﱃ أﺣﺪ أﺻﺤﺎﺑﻪ ،ﻓﺄﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ
أن ﻳﺨﻄﺒﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ ،وﻣﴣ ﻣﻌﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻻ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ ،ﻓﺄﺣﺴﻦ ﻣﻠﻘﺎﻫﻤﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻗﺪ أﺗﻴﺘﻚ
ﺧﺎﻃﺒًﺎ ،ﻗﺎل :ﻓﻮق اﻟﻜﻔﺎءة .وزوﱠﺟﻪ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺒﻨﻰ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻴﻠﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺪ ﺟﺎء ﺻﺎﺣﺒﻪ
ﻓﻘﺎل :ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺘﻚ؟ وﻛﻴﻒ وﺟﺪت ﺻﺎﺣﺒﺘﻚ؟ ﻗﺎل :أﺑﺪت ﱄ ﻛﺜريًا ﻣﻤﺎ أﺧﻔﺘﻪ ﻋﻨﻲ
ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ،وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺸﺪت:
ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻓ ﺘ ﻰ ﺑ ﻌ ﺪ اﻟ ﺼ ﺪﻳ ﻖ ﻳ ﺮﻳ ﺪ ﻛ ﺘ ﻤ ﺖ اﻟ ﻬ ﻮى إﻧ ﻲ رأﻳ ﺘ ﻚ ﺟ ﺎزﻋً ﺎ
ﻳ ﻀ ﻴ ﺮ ﺑ ﻬ ﺎ ﺑ ﺮح اﻟ ﻬ ﻮى ﻓ ﺘ ﻌ ﻮد ﻄ ﺮﺣ ﻨ ﻲ أو ﺗ ﻘ ﻮل ﻓ ﺘ ﻴ ﺔ ﻓ ﺈن ﺗ ﱠ
ﻣ ﻦ اﻟ ﻮﺟ ﺪ ﺑ ﺮحٌ ﻓ ﺎﻋ ﻠ ﻤ ﱠﻦ ﺷ ﺪﻳ ﺪ ﻓﻮ ﱠرﻳﺖ ﻋﻤﺎ ﺑﻲ وﻓﻲ اﻟﻜﺒﺪ واﻟﺤﺸﺎ
68
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ ﺣﺼﻦ ﺑﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ اﻟﻔﺰارﻳﺔ .ﻗﺪ اﺳﺘﻮدﻋﻬﺎ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ اﻟﻄﻔﻴﻞ درﻋﻪ ﰲ ﻳﻮم اﻟﺮﻗﻢ،
ﻓﺄدﺗﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وذﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﺷﻌﺮه اﻟﺬي ﻫﺠﺎ ﻓﻴﻪ ﺑﻨﻲ ﻏﻄﻔﺎن إذ ﻗﺎل:
وﻫﻲ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻗﺘﴫﻧﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا املﻘﺪار .ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﻧﺎﺑﻐﺔ ﺑﻨﻲ ذﺑﻴﺎن ﻳﻠﻮﻣﻪ ﻋﲆ ﺗﻌﺮﻳﺾ
ﻋﻘﺎﺋﻠﻬﻢ ﰲ ﺷﻌﺮه ﻓﻘﺎل:
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎﻗﻼت اﻟﺤﻜﻴﻤﺎت اﻷدﻳﺒﺎت اﻟﻮﻟﻮدات ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻲ أوﻻدﻫﺎ ﺑﺄﺳﻤﺎء
اﻟﻮﺣﻮش اﻟﻀﺎرﻳﺔ ،ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ واﺋﻞ ﺑﻦ ﺳﺎﻗﻂ ،ﻓﺮآﻫﺎ ﻣﻨﻔﺮدة ﰲ ﺧﺒﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻬ ﱠﻢ ﺑﻬﺎ
أﺳﺒُﻌﻲ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ أرى ﺳﻮاك ﰲ اﻟﻮادي ،ﻓﺼﺎﺣﺖ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻟﱧ ﻫﻤﻤﺖ ﺑﻲ ﻷدﻋﻮن ْ
ﺑﺒﻨﻴﻬﺎ :ﻳﺎ ﻛﻠﺐ ،ﻳﺎ ذﺋﺐ ،ﻳﺎ دب ،ﻳﺎ ﴎﺣﺎن ،ﻳﺎ ﺳﺒﻊ ،ﻳﺎ ﺿﺒﻊ ،ﻳﺎ ﻧﻤﺮ ،ﻓﺠﺎءوا ﻳﺘﻌﺎدون
ﺑﺎﻟﺴﻴﻮف — ﻓﻘﺎل واﺋﻞ :ﻣﺎ ﻫﺬا إﻻ وادي اﻟﺴﺒﺎع .ﻓﻠﺰم ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ذﻟﻚ اﻟﻮادي —
ُ
ﻓﺄﺣﺒﺒﺖ أن ﺗﻜﺮﻣﻮه ،ﻓﺄﻛﺮﻣﻮه إﻛﺮاﻣً ﺎ وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﺷﺄﻧﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻪ ﻧﺰل ﺑﻨﺎ ﺿﻴﻒ،
زاﺋﺪًا ،واﻧﴫف وﻫﻮ ﻳﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ذرﻳﺘﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺣﻀﻮر ﺑﺪﻳﻬﺘﻬﺎ ﻟﺘﺤﻤﻞ اﻟﻌﺬر اﻟﺬي أﺑﺪﺗﻪ
ﻷوﻻدﻫﺎ.
69
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﺳﻤﺎء اﻟﻌﺎﻣﺮﻳﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ ﻇﺮﻳﻔﺔ أدﻳﺒﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﻋﺬﺑﺔ املﻨﻄﻖ ،ﺳﻠﺴﺔ اﻷﻟﻔﺎظ ،ﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر راﺋﻘﺔ،
وﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺷﺎﺋﻘﺔ ،وﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻄﻮﻟﺔ ﺗﻤﺪح ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻠﻔﺎء زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﻧﺜﺮ ﻣﻨﺴﺠﻢ ﻟﻄﻴﻒ اﻟﻌﺒﺎرة،
ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ أرﺳﻠﺘﻬﺎ إﱃ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ ،اﻟﺘﻲ ﻧﻤﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﻨﺴﺒﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﺮي،
وﺗﺴﺄﻟﻪ رﻓﻊ اﻟﴬﻳﺒﺔ ﻋﻦ دارﻫﺎ ،واﻻﻋﺘﻘﺎل ﻋﻦ ﻣﺎﻟﻬﺎ ،وﰲ آﺧﺮﻫﺎ ﻗﺼﻴﺪة أوﻟﻬﺎ:
وﻣﻨﻬﺎ:
70
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻓﺮﻋﻮن ﺑﻘﺘﻞ ﻛﻞ ﻏﻼم ﻳﻮﻟﺪ ﰲ ذاك اﻟﻌﺎم ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،وﻛﺎن ﰲ دار ﻓﺮﻋﻮن ﺑﺴﺘﺎن
ﻓﻴﻪ ﻧﻬﺮ ﻛﺒري ،ﻓﺨﺮﺟﺖ اﻟﺠﻮاري إﻟﻴﻪ ذات ﻳﻮم ﻟﻴﻐﺘﺴﻠﻦ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻮﺟﺪن ﺗﺎﺑﻮﺗًﺎ ﻓﺄﺧﺬﻧﻪ،
وﻇﻨﻦ أن ﻓﻴﻪ ً
ﻣﺎﻻ ،ﻓﺤﻤﻠﻨﻪ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﺣﺘﻰ أدﺧﻠﻨﻪ إﱃ آﺳﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺘﺤﺘﻪ رأت ﻓﻴﻪ ﻏﻼﻣً ﺎ،
ﻓﺄﻟﻘﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺮﺣﻤﺘﻪ آﺳﻴﺔ وأﺣﺒﺘﻪ ﺣﺒٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺬﺑﱠﺎﺣني أن ﰲ
دار املﻠﻚ ﻏﻼﻣً ﺎ اﺳﺘﺄذﻧﻮه ﺑﺄن ﻳﺪﺧﻠﻮا داره وﻳﺬﺑﺤﻮا اﻟﻐﻼم ﺗﻨﻔﻴﺬًا ﻷﻣﺮه ،ﻓﺄذن ﻟﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ،
ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﻋﲆ آﺳﻴﺔ ﺑﺸﻔﺎرﻫﻢ ﻟﻴﺬﺑﺤﻮا اﻟﻐﻼم ،ﻓﻘﺎﻟﺖ آﺳﻴﺔ ﻟﻠﺬﺑﱠﺎﺣني :اﻧﴫﻓﻮا؛ ﻓﺈن ﻫﺬا
ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،ﻓﺈن أﺗﻰ ﻓﺮﻋﻮن اﺳﺘﻮﻫﺒﺘﻪ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺈن وﻫﺒﻪ ﱄ ﻛﻨﺘﻢ أﺣﺴﻨﺘﻢ ،وإن
أﻣﺮﻛﻢ ﺑﺬﺑﺤﻪ ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
ﺛﻢ إﻧﻬﺎ أﺗﺖ ﺑﻪ إﱃ ﻓﺮﻋﻮن وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻟﻴﺲ ﱄ وﻻ ﻟﻚ وﻟﺪ ،ﻓﻼ ﺗﻘﺘﻠﻮا ﻫﺬا ﻋﴗ أن
ﻳﻨﻔﻌﻨﺎ ،ﻓﺴﻤﺢ ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ أن ﺗﺮﺑﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ آﻣﻨﺖ آﺳﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻤﺘﻪ ﻣﻮﳻ ،وأﺣﴬت املﺮاﺿﻊ،
ﻓﺠﻌﻞ ﻛﻠﻤﺎ أﺧﺬﺗﻪ اﻣﺮأة ﻣﻨﻬﻦ ﻟﱰﺿﻌﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﺛﺪﻳﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ أﺷﻔﻘﺖ آﺳﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻤﻨﻊ
ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ ﻓﻴﻤﻮت ،ﻓﺄﻣﺮت ﺑﺈﺧﺮاﺟﻪ إﱃ اﻟﺴﻮق ﺗﺮﺟﻮ أن ﻳﺼﻴﺐ اﻣﺮأة ﻳﺮﺿﻌﻮه ﻣﻦ ﺛﺪﻳﻬﺎ،
إﱃ أن أﺗﺖ أﻣﻪ وأﻋﻄﺘﻪ ﺛﺪﻳﻬﺎ ﻓﺮﺿﻊ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ اﻟﺒﺸري إﱃ آﺳﻴﺔ ﻳﺒﴩﻫﺎ ﺑﺄﻧﻪ وﺟﺪ
ﻻﺑﻨﻬﺎ اﻣﺮأة ﻣﺮﺿﻌﺔ ،ﻓﺄﻣﺮت ﺑﺈﺣﻀﺎرﻫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :اﻣﻜﺜﻲ ﻋﻨﺪي ﻟﱰﺿﻌﻲ اﺑﻨﻲ ﻫﺬا؛
ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻢ أﺣﺐ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺜﻞ ﺣﺒﻪ ﻗﻂ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أدع ﺑﻴﺘﻲ ووﻟﺪي ﻓﻴﻀﻴﻊ؛
ِ
ﻓﻌﻠﺖ، ﻓﺈن ﻃﺎﺑﺖ ﻧﻔﺴﻚ أن ﺗﻌﻄﻴﻨﻴﻪ ﻓﺄذﻫﺐ ﺑﻪ إﱃ ﺑﻴﺘﻲ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻣﻌﻲ وﻻ أوﱄ ﻟﻪ إﻻ ﺧريًا
وإﻻ ﻓﺈﻧﻲ ﻏري ﺗﺎرﻛﺔ ﺑﻴﺘﻲ ،ﻓﺄﻋﻄﺘﻬﺎ إﻳﺎه ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻪ ورﺟﻌﺖ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺮﻋﺮع ﻗﺎﻟﺖ
آﺳﻴﺔ ﻷم ﻣﻮﳻ :أﺣﺐ أن ﺗﺮﻳﻨﻲ اﺑﻨﻲ ،ﻓﻮﻋﺪﺗﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺗﺮﻳﻬﺎ إﻳﺎه ﻓﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﺨﻮاﺻﻬﺎ
وﺟﻮارﻳﻬﺎ :ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻜﻦ أﺣﺪ إﻻ اﺳﺘﻘﺒﻞ اﺑﻨﻲ ﺑﻬﺪﻳﺔ وﻣﻜﺮﻣﺔ ،ﻓﺈﻧﻲ ﺑﺎﻋﺜﺔ ﺑﺄﻣﻴﻨﺔ ﺗﺤﴢ
ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﻛﻞ ﻗﻬﺮﻣﺎﻧﺔ ﻣﻨﻜﻦ.
ﻓﻠﻢ ﺗﺰل اﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﺘﺤﻒ ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻣﻦ وﻗﺖ أن ﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﻴﺖ أﻣﻪ إﱃ أن دﺧﻞ
ﻋﲆ آﺳﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻛﺮﻣﺘﻪ وﻓﺮﺣﺖ ﺑﻪ وأﻋﺠﺒﻬﺎ ﻣﺎ رأت ﻣﻦ ﺣﺴﻦ أﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ،
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :اﻧﻄﻠﻘﻲ ﺑﻪ إﱃ ﻓﺮﻋﻮن ﻟﻴﻜﺮﻣﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﻛﺮﻣﻪ ووﺿﻌﻪ ﰲ ﺣﺠﺮه،
ﻓﺘﻨﺎول اﻟﻐﻼم ﻟﺤﻴﺔ ﻓﺮﻋﻮن ﺣﺘﻰ ﺟﺬﺑﻬﺎ وﻧﺘﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺷﻌريات ،ﻓﻐﻀﺐ ﻏﻀﺒًﺎ
ﺷﺪﻳﺪًا ،وﺧﺎف ﻣﻨﻪ وﻗﺎل :ﻫﺬا ﻋﺪوي املﻄﻠﻮب ،ﻓﺄرﺳﻞ اﻟﺬﺑﺎﺣني ﻟﻴﺬﺑﺤﻮه ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ
آﺳﻴﺔ ،ﻓﺠﺎءت ﺗﺴﻌﻰ إﱃ ﻓﺮﻋﻮن وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﺎ ﺑﺪا ﻟﻚ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺬي وﻫﺒﺘﻪ ﱄ؟
ﻓﺄﺧﱪﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺻﺒﻲ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ ،وإﻧﻤﺎ ﺻﻨﻊ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺻﺒﺎه ،وأﻧﺎ
أﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻨﻚ أﻣ ًﺮا ﻧﻌﺮف ﺑﻪ اﻟﺤﻖ ،وأﺿﻊ ﻟﻪ ﺣﻠﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻴﺎﻗﻮت ،وأﺿﻊ
71
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﻪ ﺟﻤ ًﺮا؛ ﻓﺈن أﺧﺬ اﻟﻴﺎﻗﻮت ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻘﻞ ﻓﺎذﺑﺤﻪ ،وإن أﺧﺬ اﻟﺠﻤﺮ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﺻﺒﻲ ،ﺛﻢ
وﺿﻌﺖ ﻟﻪ ﻃﺸﺘًﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻴﺎﻗﻮت ،وﻃﺸﺘًﺎ آﺧﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﻤﺮ ،ﻓﻤﺪ اﻟﻐﻼم ﻳﺪه إﱃ اﻟﺠﻮﻫﺮ
ﻟﻴﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺰاﻏﺖ ﻋﻴﻨﻪ إﱃ اﻟﺠﻤﺮ ﻓﻘﺒﺾ ﻋﲆ ﺟﻤﺮة ووﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﻓﻤﻪ ،ﻓﺠﺎءت ﻋﲆ
ﱠ
ﻓﻜﻒ ﻋﻦ ﻗﺘﻠﻪ. ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻓﺄﺣﺮﻗﺘﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ آﺳﻴﺔ :أﻻ ﺗﺮى إﱃ ﻓﻌﻠﻪ ،وأﻧﻪ ﺻﺒﻲ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺘﻄﻠﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﻮة ﰲ ﻗﴫ ﻓﺮﻋﻮن إذ ﻧﻈﺮت إﱃ املﺎﺷﻄﺔ اﻣﺮأة »ﺣﺰﻗﻴﻞ«
ﺗُﻌﺬب وﺗُﻘﺘﻞ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ إذ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺮﻋﻮن وﺟﻌﻞ ﻳﺨﱪﻫﺎ ﺑﺨﱪ املﺎﺷﻄﺔ اﻣﺮأة
»ﺣﺰﻗﻴﻞ« وﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ آﺳﻴﺔ :اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻚ ﻳﺎ ﻓﺮﻋﻮن ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻟﻌﻠﻚ ﻗﺪ اﻋﱰاك
اﻟﺠﻨﻮن اﻟﺬي اﻋﱰى ﺻﺎﺣﺒﺘﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ اﻋﱰاﻧﻲ ﺟﻨﻮن ،وﻟﻜﻨﻲ آﻣﻨﺖ ﺑﺎهلل رﺑﻲ ورﺑﻚ
ورب اﻟﻌﺎملني ،ﻓﺪﻋﺎ ﻓﺮﻋﻮن أﻣﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إن اﺑﻨﺘﻚ ﻗﺪ أﺧﺬﻫﺎ اﻟﺠﻨﻮن اﻟﺬي أﺧﺬ املﺎﺷﻄﺔ،
ﺛﻢ إﻧﻪ أﻗﺴﻢ ﻟﺘﺬوﻗﻦ املﻮت أو ﻟﺘﻜﻔﺮن ﺑﺈﻟﻬﻬﺎ ،ﻓﺨﻠﺖ ﺑﻬﺎ أﻣﻬﺎ وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻓﺮﻋﻮن
ﻓﻴﻤﺎ أراد ،ﻓﺄﺑﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ أن أﻛﻔﺮ ﺑﺎهلل؟ ﻓﻼ وﷲ ﻣﺎ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ أﺑﺪًا ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻬﺎ
ﻓﺮﻋﻮن ﻓ ُﻤﺪﱠت ﺑني أرﺑﻌﺔ أوﺗﺎد ،ﺛﻢ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗُﻌﺬب ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ وﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﻔﱰ ﻋﻦ ذﻛﺮ
ﷲ وﻫﻲ ﺗﻘﻮلَ ﴿ :ربﱢ اﺑ ِْﻦ ِﱄ ﻋِ ﻨ َﺪ َك ﺑَﻴْﺘًﺎ ِﰲ ا ْﻟﺠَ ﻨ ﱠ ِﺔ َوﻧَﺠﱢ ﻨِﻲ ِﻣﻦ ﻓِ ْﺮﻋَ ﻮ َْن وَﻋَ ﻤَ ﻠ ِِﻪ﴾ )اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ:
.(١١رﺣﻤﻬﺎ ﷲ رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ.
ﻓﺘﻌﺠﺐ اﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﺎ أﺗﺖ ﺑﻪ ﻣﻊ ﻋﺠﺰ اﺑﻦ ﻋﻤﺎر ،وﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺈذا ﻫﻲ
ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﺄﻋﺠﺒﺘﻪ ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ :أذات ﺑﻌﻞ أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ .ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ووﻟﺪت
ﻟﻪ أوﻻده املﻠﻮك اﻟﻨﺠﺒﺎء.
72
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وملﺎ ﻗﺎل اﻟﻮزﻳﺮ اﺑﻦ ﻋﻤﺎر ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﻼﻣﻴﺔ اﻟﺸﻬرية ﰲ املﻌﺘﻤﺪ واﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ؛ أﻏﺮت
املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻪ ،واﻟﻘﺼﻴﺪة أوﻟﻬﺎ:
ﻓﻘﺎل:
ﻣﻮﻻي أﻳﻦ ﺟ ُ
ﺎﻫﻨﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻘﺪ ُﻫﻨ ﱠﺎ ُﻫﻨﺎ
ﺻ ﻴﱠ ﺮﻧ ﺎ إﻟ ﻰ ﻫ ﻨ ﺎ ﻗ ﻠ ُﺖ ﻟ ﻬ ﺎ :إﻟ ﻬُ ﻨ ﺎ
73
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﻓﺮوﺳﻴﻨﻲ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ
وﻟﺪت ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻟﻨﺤﻮ ﺳﻨﺔ ٤١٣ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ،وﺗﺮﺑﺖ ﻫﻲ ﻋﲆ
اﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺘﻘﻮى ،وﻧﺬرت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻠﺒﺘﻮﻟﻴﺔ ،وأﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ زوﺟً ﺎ ﻟﻬﺎ أﻳٍّﺎ ﻛﺎن ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ
ﻣﺒﻠﻎ اﻟﻨﺴﺎء أراد أﺑﻮﻫﺎ أن ﻳﺰوﺟﻬﺎ ﺑﺄﺣﺪ أﻗﺮﺑﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻳﻘﻨﺖ ذﻟﻚ ﻟﺒﺴﺖ ﺛﻮب رﺟﻞ وﻓﺮت
ﻣﻦ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ ،وﻟﺠﺄت إﱃ أﺣﺪ اﻟﻨ ﱡ ﱠﺴﺎك ،ﺛﻢ ﻣﻀﺖ إﱃ أﺣﺪ اﻷدﻳﺮة وﺳﻤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ »زﻣﺮد«،
ﻓﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﺮﻫﺒﺎن وﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا أﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﺄﺧﺬ أﺑﻮﻫﺎ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﺪﻳﺮ وأﺧﱪ اﻟﺮﺋﻴﺲ
ﺑﺎﻟﺨﱪ وﻫﻲ ﺣﺎﴐة ﺗﺴﻤﻊ ﺑﺪون أن ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ وﻻ اﻟﺮﺋﻴﺲ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺨﺎف أن ﺗُﻌﺮف،
وﻋﲆ اﻟﺨﺼﻮص أن أﺑﺎﻫﺎ ﺗﺮدد ﻛﺜريًا إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺪﻳﺮ ،وﻛﺎن ﻳﺸﻜﻮ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ أﻣﺮه ،واﺳﺘﻤﺮت
ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ١٨ﺳﻨﺔ ،وﻗﻴﻞ ٣٠ :ﺳﻨﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺼﻼة واﻟﺼﻮم واﻟﺘﻘﺸﻔﺎت
واﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺤﺎرة ،ﺣﺘﻰ ﻣﺮﺿﺖ وﻋﺮﻓﺖ أن أﺟﻠﻬﺎ ﻗﺪ اﻗﱰب ،ﻓﺪﻋﺖ واﻟﺪﻫﺎ وﻛﺸﻔﺖ ﻟﻪ
أﻣﺮﻫﺎ ،وﺗﻮﺳﻠﺖ إﻟﻴﻪ أن ﻳﻔﺮح ﺑﺬﻟﻚ ،ﺛﻢ ﺗﻮﻓﻴﺖ.
74
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ً
ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮاء ﺛﻮرة »أﻟﻜﺴﻴﺲ« املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﺸﺒﺎب، إﱃ اﻟﺒﻼط ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻬﻨﺄ ﺑﺎملﻠﻚ
وﻫﻮ اﺑﻦ أﺧﻲ »أﻟﻜﺴﻴﺲ« اﻹﻣﱪاﻃﻮر؛ ﻓﺈﻧﻪ ﺛﺎر ﻋﲆ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺑﻌﺪ ﺧﺬﻻﻧﻪ ﰲ ﺣﺮب
اﻟﺒﻠﻐﺎرﻳني ،واﺳﺘﻨﺠﺪ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﻓﺄﺗﺖ ملﺴﺎﻋﺪﺗﻪ .وملﺎ اﺳﺘﻮﱃ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﻮن ﰲ
اﻟﺤﺮب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻫﺮﺑﺖ »أﻓﺮوﺳﻴﻨﻲ« وﻃﺎﻓﺖ ﻣﺪة ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ
ﰲ آﺳﻴﺎ ،ﺛﻢ ُﻗﺒﺾ ﻋﲆ زوﺟﻬﺎ وﺣُ ﺒﺲ ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻣﻨﻔﺮدة ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٢١٠م إﱃ أن ﺗﻮﻓﻴﺖ
ﺳﻨﺔ ١٢١٥م.
»أﺛﻠﻴﺎ« اﺑﻨﺔ اﻟﻜﻮﻧﺖ »ﺑﻮﺛﻮن« اﻟﻔﺮﻧﺠﻲ ،ﻗﺎﺋﺪ »ﺑﺘﻮدﺳﻴﻮس اﻟﻜﺒري« ،زوﱠﺟﻬﺎ »أﻃﺮوﺑﻴﻮس«
اﻟﺨﺮﺟﺒﻲ ﺑﺎﻹﻣﱪاﻃﻮر »أرﻛﺎدﻳﻮس« ،وﺑﺎﺳﻢ »أرﻛﺎدﻳﻮس« ﻣ َﻠﻚ ﻛﻼﻫﻤﺎ .وملﺎ ﺳﻘﻂ
»أﻃﺮوﺑﻴﻮس« ﻣﻦ املﻠﻚ ﺣﻜﻤﺖ »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ« ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ﺑني اﻟﻨﺎس ،وﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ رﺷﻮة اﻟﺒﺘﺔ
ﻛﻌﺎدة ﻣﻠﻮك ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن .وملﺎ ﻧﻔﺖ اﻟﻘﺪﻳﺲ »ﻳﻮﺣﻨﺎ ﻓﻢ اﻟﺬﻫﺐ« ﺳﻨﺔ ٤٠٣م ﻷﻧﻪ وﻋﻆ
أﺷﻬﺮ ﺛﻢ ﻧﻔﺘﻪ
ٍ ﱠ
وﺷﻐﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺐ ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻋﻦ زﻳﻨﺔ اﻟﻨﺴﺎء ،وأﺑﻄﻞ زﻫﻮﻫﻦ،
ﺳﻨﺔ ٤٠٤م؛ ﻷﻧﻪ وﺑﱠﺦ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻘﻮة ﻋﲆ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ﻏري اﻟﻼﺋﻘﺔ ﻋﻨﺪ ﻧُﺼﺐ
ﺗﻤﺜﺎل »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ« ،ﺛﻢ ﺗﻮﻓﻴﺖ »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ« وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ وﻟﺪت ﻟ »أرﻛﺎدﻳﻮس« »ﺗﻴﻮرﺳﻴﻮس
اﻟﺜﺎﻧﻲ«.
اﻣﺮأة »ﺗﻴﻮدﺳﻴﻮس اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،ﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﻤﺪت وﺗﺰوﺟﺖ »أﺛﻴﻨﺎس« ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ
ﻗﺪ ﻋ ﱠﻠﻤﻬﺎ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واملﻌﺎرف واﻵداب ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻮق ذﻟﻚ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،وملﺎ رآﻫﺎ
درﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺠﺪ ﺣﺮﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﻣرياﺛﻪ؛ ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﻜﻔﺎﻳﺘﻬﺎ ﰲ ﺗﺤﺼﻴﻞٍ أﺑﻮﻫﺎ ﰲ
أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ،ﻓﺘﻮﺟﻬﺖ إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﺗﻄﻠﺐ ﺣﻘﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﺑﻠﻜريﻳﻮس«،
ﻓﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻬﺎ وﺣﺴﻦ ﺗﴫﻓﻬﺎ ،وزوﱠﺟﻬﺎ ﺑﺄﺧﻴﻪ »ﺗﻴﻮدوﺳﻴﻮس« ﺳﻨﺔ ٤٢١م ،ﻓﻠﻢ ﺗﻬﻤﻞ
وﻧﺸﻄﺘﻬﺎ ،ﻓﺎزدﺣﻤﺖ ﻋﲆ ﺑﺎﺑﻬﺎ أﻗﺪام اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وأﺣﺒﻬﺎ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﻠﻮم ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑﻬﺎ ﱠ
ﻳﻘﺎل ﻟﻪ» :ﻳﻮﻟﻨﺒﻮس« ،ﻓﻘﺘﻠﻪ »ﺗﻴﻮدوﺳﻴﻮس« ﻏرية؛ إذ رأى ﻛﺜﺮة اﺗﺼﺎﻟﻪ ﺑﻬﺎ ،وأﺳﻘﻂ
ﻣﻨﺰﻟﺔ »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ« ،ﻓﻄﻠﺒﺖ اﻟﺮﺣﻴﻞ إﱃ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس ،ﻓﺄذن ﻟﻬﺎ ،وأﺗﺒﻌﻬﺎ املﻠﻚ ﺑﺎﻟ ﱡﺮﻗﺒﺎء،
75
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأﻣﺮ واﱄ أورﺷﻠﻴﻢ ﺑﻘﺘﻞ »ﺧﻮري« و»ﺷﻤﺎس« ﻛﺎﻧﺎ ﻳﱰددان إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻐﻀﺒﺖ »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ«
واﺳﺘﺤﻘﺎق ﻣﻠﻜﻲ.
ٍ ٍ
ﴍف وﻗﺘﻠﺖ اﻟﻮاﱄ ،ﻓﻨﺰع ﻋﻨﻬﺎ املﻠ ُﻚ ﻛ ﱠﻞ
وﻛﺎﻧﺖ »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ« ﻗﺪ ﺗﺒﻌﺖ رأي »أوﻃﻨﺠﺎ« ،ﻏري أﻧﻬﺎ ارﺗﺪت ﺑﺈرﺷﺎدات اﻟﻘﺪﻳﺲ
»أﻓﺘﻴﻤﻮس«.
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﺄورﺷﻠﻴﻢ ﺳﻨﺔ ٤٦٠م ﺑﻌﺪ أن ﺑﺮأت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻗﺴﺎم ﻣﻦ اﻟﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ اﺗﻬﻤﻬﺎ
ﺑﻬﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺳﺴﺖ أدﻳﺮة وﻛﻨﺎﺋﺲ ،وأﻟﻔﺖ ﻋﺪة ﺗﺂﻟﻴﻒ .وﻛﺘَﺐ ﺳرية ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ
»ﻓﻠﻴﻔﻮر« املﺆرخ اﻟﺸﻬري.
دﻋﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎملﻠﻚ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٠٦٧م؛ ﻟﺘﺜﺒﺖ ﻷوﻻدﻫﺎ ﺣﻖ املﻠﻚ ،وأراد ﺑﻌﺾ
ﻛﱪاء اﻟﺪوﻟﺔ أن ﻳﺨﻠﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،ﻓﺤﻜﻤﺖ ﺑﻘﺘﻠﻪ ،ﻏري أﻧﻬﺎ ملﺎ رأﺗﻪ ﺧﻠﺐ ﻟﺒﱠﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ
ﻏﻀﺖ ﻋﻨﻪ ،وﺟﻌﻠﺘﻪ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﻴﻮش املﴩق ،ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﺘﻪ ﺳﻨﺔ ١٠٦٨م ،ﺑﻌﺪ أن اﺣﺘﺎﻟﺖ ﻋﲆ ﱠ
اﻟﺒﻄﺮﻳﺮك »ﻛﺴﻴﻔﻴﻨﻮس« وأﺧﺬت ﻣﻨﻪ ﺻ ٍّﻜﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺗﻌﻬﺪت ﻓﻴﻪ ﻟﺰوﺟﻬﺎ اﻷول أﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﺘﺰوج ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻃﻮل ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وملﺎ ﺗﻮﱃ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﺑﻨﻬﺎ »ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ« ،ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﻨني
ﻣﻦ زواﺟﻬﺎ ،ﺣﺒﺴﻬﺎ ﰲ دﻳﺮ .وﻛﺎﻧﺖ »أﻓﺬوﻛﺴﻴﺎ« ﻗﺪ ﺗﻀﻠﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم ،وأﻟﻔﺖ ﺗﺂﻟﻴﻒ
ﻣﻌﺘﱪة ،ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺂﻟﻴﻒ ﰲ ﻧﺴﺐ املﻌﺒﻮدات واﻷﺑﻄﺎل ﻣﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ،وﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﻟﻄﻴﻒ
ﺟﺪٍّا ،وﻛﺘﺎب ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺘﺎب ﰲ ﺷﻐﻞ اﻷﻣريات ،وﻛﺘﺎب ﰲ ﻋﻴﺸﺔ اﻟﺮﻫﺒﺎﻧﻴﺔ ،إﱃ
ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺪت ﻟﻬﺎ ذﻛ ًﺮا ﰲ ﺑﻄﻮن اﻷوراق.
76
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
77
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
78
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺣﺪث ﻣﺎ أﻓﴣ إﱃ ﻗﺘﻞ أﻣﻬﺎ ،ﻓﴫح ﺑﺄﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ ﻏري
ﴍﻋﻴﺔ ،وﺗﺒﺪل ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺑﺎﻻﺣﺘﻘﺎر ،وﺗﻌﻠﻤﺖ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ
ً
ﻣﺆﻟﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺎﻧﻴﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ واﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮﻟﻴﺔ واﻟﻔﻠﻤﻨﻜﻴﺔ ،وﺗﺮﺟﻤﺖ
إﱃ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺟﻌﻠﺘﻪ ﺗﻘﺪﻣﺔ ﻟﺮاﺑﺘﻬﺎ ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺳﻮاه ﻣﻦ
اﻟﻌﻠﻮم ،وﺷﺎرﻛﺖ أﺧﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﺪروس اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺎﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ رﺟﻞ ﻣﻦ أوﻓﺮ أﻫﻞ إﻧﻜﻠﱰا ﻋﻠﻤً ﺎ،
وأوﺳﻌﻬﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ.
وملﺎ ﺗﻮﰲ »ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻣﻦ« ﰲ ﺳﻨﺔ ١٥٤٧م ،أوﴅ ﺑﺎملﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻻﺑﻨﺘﻪ »ﻣﺎري«
ُﻨﺎﻇﺮ ًة
وﻟ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،وﻋني ﻟ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻣﺮﺗﺒًﺎ واﻓ ًﺮا ،وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﺤﺴﺒﻮﻧﻬﺎ ﻣ ِ
ﻷﺧﺘﻬﺎ »ﻣﺎري« ،ورﺋﻴﺴﺔ ﻟﻠﺤﺰب اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ »ﻣﺎري« رﺋﻴﺴﺔ ﻟﻠﺤﺰب
اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ.
وﺳﻨﺔ ١٥٥٤م ،ﺗﺰوﺟﺖ »ﻣﺎري« ﺑ »ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،ﻣﻠﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وأﻣﺴﺖ ﺗُﺆﻣﱢ ﻞ أن
ﺗﺮزق ﻣﻨﻪ وﻟﺪًا ﻳﺮث املﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ،وﻛﺎن »ﻓﻴﻠﻴﺐ« ﻳﻌﺎﻣﻞ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ ،وﻳﻈﻬﺮ
ﻟﻬﺎ اﻟﻮداد ،وﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟﺼﺪاﻗﺔ واملﺤﺒﺔ ﺑني اﻷﺧﺘني ﰲ اﻷﺷﻬﺮ اﻷﺧرية ﻣﻦ ﺣﻴﺎة »ﻣﺎري«،
وملﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻣﺎري ﺳﻨﺔ ١٥٥٨م ،ﺧﻠﻔﺘﻬﺎ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﻣﻦ دون ﻣﻤﺎﻧﻊ،
وﺑﻌﺪ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﺟﻠﻮﺳﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﺨﺖ أﺑﻄﻠﺖ اﻟﺼﻠﻮات اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﻨﻴﺴﺘﻬﺎ
اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ،وأﺑﺖ ﰲ أول اﻷﻣﺮ أن ﺗﻠﻘﺐ ﺑﺮﺋﻴﺴﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ،وﺳﻤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ
واﻟﻴﺔ ﻟﻬﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ أﻧﻔﺬت ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ أﺧريًا ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎرض ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ.
وﻛﺎن اﻟﻘﻮم ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻳﺪﻋﻮن ﻟ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« ،ﻣﻠﻜﺔ ﺳﻜﻮﺗﻠﻨﺪا ،ﺑﺤﻖ اﻟﺘﻤﻠﻚ ﻋﲆ
إﻧﻜﻠﱰا .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺪﻋﻮى ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ردﻳﺌﺔ وﺗﺴﻮق إﱃ اﻟﺤﺮب ،وأﺧﺬت
»أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﰲ أﻣﻮر ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ،وﻧﺠﺢ اﻟﺤﺰب اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ.
وﺣﺎول اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﺑﻴﻮس اﻟﺮاﺑﻊ« أن ﻳﺮد املﻠﻜﺔ إﱃ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ،ﻓﺤﺒﻂ ﺳﻌﻴﻪ ،وأرﺟﻌﺖ
ﻗﻴﻤﺔ املﺴﻜﻮﻛﺎت اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻨﺔ ١٥٦٠م ،ﻓﻨﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻹﺻﻼح
ﺧري ﻋﻈﻴﻢ ،وﻧﺠﺎح ﻟﻠﺒﻼد ،وأرﺳﻠﺖ إﱃ اﻟﻬﻮﻏﻨﻮ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني أﻣﺪادًا ﻣﻦ املﺎل واﻟﺴﻼح
ﴎا ،وملﺎ ﻃﻠﺒﺖ »ﻣﺎري« ،ﻣﻠﻜﺔ ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا، أﻳﻀﺎ ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ اﻟﻔﻠﻤﻨﻚ ٍّ واﻟﺮﺟﺎل ،وأﻣﺪت ً
أن ﻳُﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ أن ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺑﺄﻣﺎن ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ إﱃ ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ﻟﻢ ﺗﺠﺒﻬﺎ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« إﱃ ﻃﻠﺒﻬﺎ،
وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﺣﺎوﻟﺖ إﻟﻘﺎء اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
وﺳﻨﺔ ١٥٦٣م ،ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ أن ﺗﺘﺰوج؛ ﻷن ﻣﺴﺄﻟﺔ إرث املﻠﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﻬﻢ
رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ،وﺧﻄﺒﻬﺎ ﻛﺜريون ﻣﻦ إﻧﻜﻠﱰا واﻟﺒﻠﺪان اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ اﻟﺬﻳﻦ
79
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
رﻏﺒﻮا ﰲ اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ »ﻫﻨﺮي ﻓﺘﺰاﻻن« ،ﺛﺎﻣﻦ ﻋﴩ أرﻻت أرﻧﺪل وآﺧﺮﻫﻢ ،وﻃﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ
ﻓﺄﺑﺖ وﻟﻢ ﺗﱪم املﺴﺄﻟﺔ ،وﺧﻄﺒﻬﺎ »ﺷﺎرل ْ أﻳﻀﺎ أن ﺗﻌﱰف ﺑ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« وﻟﻴﺔ ﻟﻠﻌﻬﺪ، ً
اﻟﺘﺎﺳﻊ« ،ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺒﻪ إﱃ ﺳﺆاﻟﻪ .وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ رﻏﺒﻮا ﰲ اﻻﻗﱰان اﻷرﺷﻴﺪوق
ﺤﺒﺔ اﻷرﺷﻴﺪوق ﺗﻨﻤﻮ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻴﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ،»ﻛﺎرﻟﻮس« ،اﺑﻦ إﻣﱪاﻃﻮر أملﺎﻧﻴﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣَ ُ
وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻴﻮﻣً ﺎ اﻗﱰان املﻠﻜﺔ ﺑﺤﺒﻴﺒﻬﺎ.
وﺳﺎء »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﺗﺰوج »دارﻧﲇ« ﺑ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« ،وﺗﻜﺪر اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ
وﻻدة وﻟﺪ ﻟﻬﻤﺎ؛ ﻷن ذﻟﻚ دل ﻋﲆ أن ا ُملﻠﻚ ﺳﻴﻨﺘﻘﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌ ُﺪ إﱃ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ .وﰲ ﺗﻠﻚ
اﻷﺛﻨﺎء ﺣﺪﺛﺖ ﻗﻼﻗﻞ داﺧﻠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،واﺷﺘﺪت املﺼﺎﻋﺐ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ؛ ﻷن ﻗﺒﻮل
املﻀﻄﻬﺪﻳﻦ اﻟﻔﺎرﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﻤﻨﻚ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا وﺗﺄﻣﻴﻨﻬﻢ ﻋﲆ أرواﺣﻬﻢ ﺳﺎء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﺄﻫﻴﻨﺖ
اﻟﺮاﻳﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ ﺧﻠﻴﺞ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺳﻔريﻫﺎ ﰲ ﻣﺪرﻳﺪ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﺖ املﻠﻜﺔ ﻋﲆ ﻣﺎل
ﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﰲ ﺳﻔﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﺠﺄت إﱃ ﻣﺮاﻓﺊ إﻧﻜﻠﱰا .وملﺎ ﺣﺠﺰ اﻟﻔﻠﻤﻨﻜﻴﻮن
أﻣﻼك اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﰲ اﻟﻔﻠﻤﻨﻚ وﺳﺠﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ،أﻟﻘﺖ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ ﻛﻞ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل املﻘﻴﻤني ﰲ
رأﺳﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ ﺑﻜﱪﻳﺎء أﻳﻀﺎ ،وﺧﺎﻃﺒﺖ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ ذﻟﻚ ً إﻧﻜﻠﱰا ،وﻋﲆ ﺳﻔري دوﻟﺘﻬﻢ ً
وﺗﻬﺪدﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮب .وﻛﺎن دوق »ﻧﺮﻓﻠﻚ« ﻗﺪ اﻧﺤﺎز إﱃ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« وﺗﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺤﺬرﺗﻪ
»أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ أﻟﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺒﺾ وﺳﺠﻨﺘﻪ.
وﺳﻨﺔ ١٥٦٩م ،ﺣﺪﺛﺖ اﻟﺜﻮرة اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳﺔ »أرﱄ« و»ﺳﺘﻤﻮرﻻﻧﺪ«
و»ﻧﻮرﺛﻤﱪﻻﻧﺪ« اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني ،ﻓﺄﺧﻤﺪﻫﺎ »أرل ﺳﻜﺲ« ﰲ اﻟﺤﺎل ،وﻗﺘﻞ ٨٠٠ﻣﻦ اﻟﻌﺼﺎة.
وﺳﻨﺔ ١٥٧٠م ،ﺣﺮم اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﺑﻴﻮس اﻟﺨﺎﻣﺲ« املﻠﻜﺔ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،وﻋﻠﻖ رﺟ ٌﻞ ﻣﻦ
اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ — اﺳﻤﻪ »ﻓﻠﺘﻮن« — ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮم ﻋﲆ ﺑﺎب ﻗﴫ اﻷﺳﻘﻔﻴﺔ ﰲ ﻟﻨﺪن ،ﻓﻘﺒﺾ
ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺘﻞ ﺻﱪًا ،وﺑﻌﺪ أن ﺣﺒﻂ ﻣﺴﻌﻰ اﻟﻘﻮم ﰲ ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻷرﺷﻴﺪوق
»ﻛﺎرﻟﻮس« ،ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺘﺰوج ﺑﺪوق »أﻧﺠﻮ« ،اﻟﺬي ﺻﺎر ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ،
وﺳﻤﻲ »ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻟﺚ« ،وﻛﺎن آﺧﺮ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ .ﻗﺎﻟﻮا :ﻓﻠﻤﺎ أﻟﻘﻴﺖ املﺴﺄﻟﺔ ﻋﲆ دﻳﻮان
املﺸﻮرة ﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻀﺎء :إن اﻟﺪوق ﻻ ﻳﻼﺋﻢ املﻠﻜﺔ؛ ﻷﻧﻪ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻨٍّﺎ — وﻛﺎن
ﻋﻤﺮه ٢٠ﺳﻨﺔ وﻋﻤﺮﻫﺎ ٣٧ﺳﻨﺔ — ﻓﺄﻏﻀﺒﻬﺎ ذﻟﻚ ﺟﺪٍّا.
وﻳﺴﺘﺪل ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ وﻣﺎ أﺷﺒﻬﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺮاﻋﻲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺨﻠﻮص ﰲ ﻣﺜﻞ
ﻈﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮى أﺣﺪًا ﻣﻦ ﺧﺎﻃﺒﻴﻬﺎ ﻳﺘﺰوج ﺑﻐريﻫﺎ، ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ،وأﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﺘﺎظ ﻏﻴ ً
ﺑﻌﺪ أن ﻳﻴﺄس ﻣﻨﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ »ﺳﺴﻴﻞ« ﻟﻮرد »ﺑﻮرﻟﻴﻎ« وزﻳ ًﺮا ﻟﻬﺎ ،ووﺟﻬﺖ إﻟﻴﻪ ﻧﻈﺎرة
اﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ،وإﱃ اﻟﺴري »ﺗﻮﻣﺎس ﺳﻤﻴﺚ« ﻣﺴﺘﺸﺎرﻳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺣﺼﻞ ﻟ »ﻫﺎﺗﻮن« أﻫﻤﻴﺔ ﻛﱪى؛
80
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻷن املﻠﻜﺔ أﺣﺒﺘﻪ ﻛﺜريًا ﻟﻜﻤﺎل ﺻﻔﺎﺗﻪ وﺟﻤﺎﻟﻪ ،واﺗﻬﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎس أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺸﻘﻪ ،وﺣﺒٍّﺎ ﺑﻨﻔﻌﻪ
ﻧﺰﻋﺖ ﻣﻦ أﺳﻘﻒ ﻟﻬﺎ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻷوﻗﺎف وﺑﻌﺜﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﰲ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﻄﺮ ﻏﺎﻳﺔ ﰲ
اﻟﺨﺸﻮﻧﺔ.
وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻜﻼم ﻋﻦ اﻗﱰاﻧﻬﺎ ﺑﺪوق »أﻧﺠﻮ« ،ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻣﻪ أن ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﺄﺧﻴﻪ
واﻟﺨﻠﻖ ،ﺛﻢ اﻧﻘﻄﻌﺖ ُ »أﻟﻨﺴﻮن« ،وﻛﺎن أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﺛﻨﺘني وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،ﻗﺒﻴﺢ َ
اﻟﺨﻠﻖ
املﺮاﺳﻼت ﺑني »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« و»أﻧﺠﻮ« ،ﻓﻄﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻣﻜﺴﻴﻤﻴﻠﻴﺎن اﻟﺜﺎﻧﻲ« أن
ﺑﻌﻼ ﻟﻬﺎ ،ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻌﻤﺮ أﻛﱪ ﻣﻦ أﻣﻪ ،وﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ ﺗﺘﺨﺬ اﺑﻨﻪ »رودﻟﻒ« ً
ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﺪوق »أﻧﺠﻮ« ،وأﻇﻬﺮت أﻧﻬﺎ ﻋﺪﻟﺖً »ﻫﻨﺮي دي ﻧﻮارة« ،إﻻ أن ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻛﺎن ﻟﻢ ﻳﺰل
ﻛﻼ ﻣﻦ »ﻧﺮﻓﻠﻚ« ﻋﻨﻪ ﻷﺳﺒﺎب دﻳﻨﻴﺔ .وﺣﺎول »ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ« أن ﻳﻘﺘﻠﻬﺎ ﻓﻮاﻃﺄ ﻋﲆ ذﻟﻚ ٍّ
وﻗﺘﻞ »ﻧﺮﻓﻠﻚ« و»ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« ،ﺛﻢ اﺳﺘﺆﻧﻒ و»ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« ،ﻓ ُﻜﺸﻔﺖ املﺆاﻣﺮة ُ
اﻟﻜﻼم ﻋﻦ اﻗﱰاﻧﻬﺎ ﺑ »أﻟﻨﺴﻮن« أﺧﻲ دوق »أﻧﺠﻮ« ،وأﺻﺪر املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ﻗﺮا ًرا ﺑﻘﺘﻞ
»ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻠﻢ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﺑﺬﻟﻚ .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﺣﺪﺛﺖ ﻣﻠﺤﻤﺔ »ﺳﻨﺖ
ﺑﺮﺛﻠﻤﺎوس« ﺳﻨﺔ ١٥٧٢م ،ﻓﺎﺷﺘﺪ ﻏﻴﻆ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ وﻫﺎﺟﻮا ﻋﲆ »ﻣﺎري« وﻃﻠﺒﻮا ﻗﺘﻠﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ
رأﺳﺎ ،ﺑﻞ ﻗﺒﻠﺖ ﺑﺘﺴﻠﻴﻤﻬﺎ إﱃ اﻟﺴﻜﻮﺗﻼﻧﺪﻳني اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﺗﺠﺒﻬﻢ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« إﱃ ذﻟﻚ ً
اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻬﻢ ﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻬﺎ ﺣﺎملﺎ ﻳﻘﺒﻀﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ.
وﺳﻨﺔ ١٥٧٥م ،ﻃﻠﺐ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﻮن إﱃ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« أن ﺗﻤﻠﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا
ﻳﻌﺘﱪوﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ »ﻓﻴﻠﻴﺒﺎدوﻫﻴﻨﻮ« ،ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺒﻬﻢ إﱃ ذﻟﻚ وﻻ ﺳﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻗﺒﻠﺖ ﺳﻨﺔ
ﻃﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺑﻬﺎ أن ﺗﺴﱰﺟﻊ ﻣﺎ ١٥٧٨م أن ﺗﻤﺪﻫﻢ ﺑﺎملﺎل واﻟﺮﺟﺎل ،واﺷﱰﻃﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﴍو ً
ﺗﻨﻔﻘﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﺣﺪث ﰲ أﻳﺮﻟﻨﺪا ﻣﺎ أﺗﻌﺒﻬﺎ وأﻗﻠﻘﻬﺎ .وﻛﺎن اﻷﻳﺮﻟﻨﺪﻳﻮن ﻳﺴﻤﻮن اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ
أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﻠﻮرد »ﻣﻨﺘﺠﻮى« ﻫﻨﺎك :ﺣﺮب اﻟﺴﺎﺣﺮة؛ اﺳﺘﻬﺰاء ﺑﺎملﻠﻜﺔ .وﺗﻜﺎﺛﺮت املﺆاﻣﺮات
ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻣﺤﻮرﻫﺎ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت« ،وﻛﺎن ﻟﻠﻴﺴﻮﻋﻴني ﻳﺪ ﻗﻮﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺛﺒﺘﺖ ﻣﺪاﺧﻠﺔ
وﻗﺘﻞ ،وﺳﺠﻦ ﻛﺜريون ﻛﺮه ﻋﲆ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ إﻧﻜﻠﱰا ُ»ﻣﻨﺪوزا« ،ﺳﻔري إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﰲ إﺣﺪاﻫﺎ ،ﻓﺄ ُ ِ
ﻣﻦ املﺘﺂﻣﺮﻳﻦ.
أﻣﺎ »ﻓﻴﻠﻴﺐ ﻫﻮرد أرل أرﻧﺪل« واﺑﻦ دوق »ﻧﺮﻓﻠﻚ« ،ﻓﺤُ ﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ،وﺑﻌﺪ أن ﺣﺒﺲ
ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﺎت ﰲ اﻟﺴﺠﻦ ،وأﻟﻒ »ﻟﻴﺴﱰ« ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻟﻮﻗﺎﻳﺔ املﻠﻜﺔ ﻣﻤﻦ ﺳﻤﺎﻫﻢ ﺑﺎملﺘﺂﻣﺮﻳﻦ
اﻟﺜﺎﻧﻮﻳني ،وأﺛﺒﺖ املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ذﻟﻚ ﺑﻘﺮار أﺻﺪره ،وﻋﺰم ﻋﲆ ﻗﺘﻞ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارت«؛ إذ
ﺳﻌﺖ ﰲ ﻗﺘﻞ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،ﺛﻢ ﻛﺸﻔﺖ ﻣﺆاﻣﺮة ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳﺔ »أﻧﺜﻮﻧﻲ ﺑﺎﺑﻨﻔﺘﻮن« ﻛﺎن ﰲ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﺗﺠﺮ ﻧﻴﺘﻬﺎ ﻗﺘﻞ املﻠﻜﺔ وإﺧﻼء ﺳﺒﻴﻞ »ﻣﺎري« ،ﻓﻌﺎد ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻮﻳﻞ ﻋﲆ »ﻣﺎري« ً
81
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
اﺧﺘﻼﻓﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،ﻏري أﻧﻪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻧﻔﻌً ﺎ ،ﻓﺠﺮت ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻬﺎ ،واﺧﺘﻠﻒ اﻟﻘﻀﺎة ﰲ ذﻟﻚ
وﻗﺘﻠﺖ ﰲ »ﻓﻮﻧﺮﻧﻔﺎي« ﰲ ٨ﺷﺒﺎط )ﻓﱪاﻳﺮ( ﺳﻨﺔ ١٥٨٧م ،ﻓﺤﺰﻧﺖ ﺑﺎﻻﺷﱰاك ﰲ املﺆاﻣﺮةُ ،
ﻋﻠﻴﻬﺎ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻇﺎﻫ ًﺮا ﺣﺰﻧًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا .وﻗﺪ ﺗﻘﺮر ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌ ُﺪ واﺗﻀﺢ ﺟﻠﻴٍّﺎ أن ﺗﻮﻗﻴﻌﻬﺎ ﻋﲆ
اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺼﺎدر ﺑﻘﺘﻞ »ﻣﺎري« ﻛﺎن ﻣﺤﺾ ﺗﺰوﻳﺮ.
وﻣﻤﺎ ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻪ أﻧﻬﺎ أُرﺳﻠﺖ إﱃ ﻗﻠﻌﺔ »ﻓﻮﻧﺮﻧﻔﺎي« ﻣﻦ دون ﻋﻠﻤﻬﺎ وﻻ أﻣﺮﻫﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ أﺣﻮال ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،إﻻ أن اﻟﺒﺎﺑﺎ وﻣﻠﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ
ﻛﺎﻧﺎ ﻣﻦ أﻋﺪاء »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« اﻷﻟﺪاء ﻳﺮﻏﺒﺎن ﰲ ﺗﻨﻜﻴﻠﻬﺎ وﻗﻬﺮﻫﺎ ،ﻓﺤﺮﻣﻬﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﺳﻜﺴﺘﻮس
اﻟﺨﺎﻣﺲ« ،وﺷﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺮﺑًﺎ ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ،وادﱠﻋﻰ »ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ﺑﺘﺎج املﻠﻚ ،وﺑﻨَﻰ دﻋﻮاه ﻋﲆ
أﻧﻪ وارث ﴍﻋﻲ ﻟﺒﻴﺖ »ﻻﻧﻜﺴﱰ« ،ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ اﺑﻨﺘﻲ »ﺟﻮن أف ﻏﻮﻧﺖ« اﻟﻠﺘني ﻣﻠﻜﺘﺎ
»ﺑﺮﺗﻐﺎل« و»ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ« ،وﺗﺠﻬﺰ ﺟﻬﺎ ًرا ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ ،ووﻋﺪه اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪات
ﻛﺜرية ﴍﻃﻴﺔ.
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،أﻏﺎر »دراك« ﻋﲆ ﺳﻮاﺣﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﻌﺎث ﻓﻴﻬﺎ وﻧﻬﺐ ﺳﻔﻨﻬﺎ ،وﻫﺠﻢ
ﻋﲆ ﻣﻴﻨﺎء »ﻗﺎدس« ،ﻓﺄﻟﺤﻖ ﺑﺴﻔﻨﻬﺎ ﴐ ًرا ﻛﺒريًا ،وﺗﻬﻴﱠﺄ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﺑﴪﻋﺔ ملﻼﻗﺎة ﻋﺴﻜﺮ
»ﻓﻴﻠﻴﺐ« ،ﻓﻨﺰﻋﻮا اﻟﺸﻘﺎق ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،واﺗﺤﺪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ واﻟﺒﻴﻮرﺗﻴﺎﻧﺔ وﺑﺎﻗﻲ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻜﺎﻧﻮا
ﻣﺆﻟﻔﺎ ﻣﻦ ١٨٠ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة اﻟﻠﻮرد »ﻫﻮرد أف أﻓﻨﻐﺎم«، أﺳﻄﻮﻻ ً
ً ﻳﺪًا واﺣﺪة ،وﺟﻬﺰوا
وﻗﻴﺎدة »دراك« و»ﻓﺮوﺑﻴﴩ« و»ﻫﻮﻛﻨﺲ« ،وﺟﻤﻌﻮا ﺟﻴﺸني ﻣﺆﻟﻔني ﻣﻦ ٦٠أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ.
أﻣﺎ اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮﱄ ﻓﺴﺎر ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ ٢٩أﻳﺎر )ﻣﺎرس( ﺳﻨﺔ ١٥٨٨م ﻟﻐﺰو
إﻧﻜﻠﱰا ،وﻟﻜﻦ ﻫﺒﺖ زوﺑﻌﺔ ﺷﺪﻳﺪة أﻛﺮﻫﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻮع ،وﻟﻢ ﻳﻠﺘﻖ اﻷﺳﻄﻮﻻن إﻻ ﰲ ﺷﻬﺮ
ً
ﺳﺠﺎﻻ ﻣﺪة ﺗﻤﻮز )ﻳﻮﻟﻴﻮ( ،ﻓﺘﻘﺎﺗﻼ ﻗﺮب ﺳﺎﺣﻞ إﻧﻜﻠﱰا ،وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻤﺮت اﻟﺤﺮب ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ
ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم اﻧﻜﴪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮن وﺗﺒﺪد ﺷﻤﻠﻬﻢ.
ﺟﻴﺸﺎ ﻟﺘﺨﻠﻴﺺ اﻟﱪﺗﻐﺎل ﻣﻦ أﻳﺪي اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل، وﺳﻨﺔ ١٥٨٩م ،أرﺳﻠﺖ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ً
ﻓﺸﻼ ﻣﻊ أﻧﻪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ووﺻﻞ إﱃ ﺿﻮاﺣﻲ »ﻟﺒﺴﺒﻮن« ،وأﻣﺪت »ﻫﻨﺮي ً ﻓﺼﺎدف
اﻟﺮاﺑﻊ« ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺎملﺎل واﻟﺮﺟﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺤﺎرب إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ واﻻﺗﺤﺎد املﺸﻬﻮر ﺑني ﺳﻨﺔ
١٥٩٠م ،وﺳﻨﺔ ١٥٩١م .وﺳﻨﺔ ١٥٩٣م ،اﻟﺘﺄم املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ،وﺑﻌﺪ ﻣﺸﺎﺣﺔ ﺟﺮت ﻟﻪ ﻣﻊ
ﺧﻀﻊ ﻟﻬﺎ ،وﺳﺎء »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻋﺰم »ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ« ﻋﲆ ﺗﺮك املﺬﻫﺐ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ، املﻠﻜﺔ َ
و ُﻛﺸﻔﺖ ﻣﺆاﻣﺮة ﻋﻘﺪﻫﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ أرادوا أن ﻳﺪﺳﻮا إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺴﻢ ﰲ ﴍاب أو ﻏريه ،وﻗﺘﻠﺖ
»رودرﻳﺎ« »ﻏﻮﻟﻮﺑﺲ« — وﻫﻮ ﺑﻬﻮري إﺳﺒﺎﻧﻴﻮﱄ اﻷﺻﻞ ﻛﺎن ﰲ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﻋﺪة ﺳﻨني —
وذﻟﻚ ﻻﺷﱰاﻛﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺆاﻣﺮة .وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻤﺖ اﻻﺿﻄﻬﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ إﻧﻜﻠﱰا ﻛﻠﻬﺎ،
وﻗﺘﻞ ﻛﺜريون ﻣﻦ وﺟﻮه اﻟﺒﻴﻮرﺗﻴﺎﻧﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮب ﻣﻊ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﲆ ﻗﺪ ٍم وﺳﺎق.
82
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﺳﻨﺔ ١٥٩٦م ،ﻓﺘﺢ »ﻗﺎدس« أﺳﻄﻮل وﺟﻴﺶ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺎن ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة »ﻫﻮرد أف
أﻓﻨﻐﺎم« و»أﺳﻜﺲ« .وﻛﺎن »أﺳﻜﺲ« ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﻛﺜﺮ أﻫﻞ إﻧﻜﻠﱰا ﻧﻔﻮذًا وﺳﻄﻮة ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻘﴫ
ﻋﻘﻠﻪ وﺳﻮء ﺗﺪﺑريه ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮﻛﺰه وﻻ اﻋﺘﺒﺎر املﻠﻜﺔ ﻟﻪ ﺑﺄﻗﻞ ﻧﻔﻊ ،وﻛﺜﺮت اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ
دراﻳﺔ — ً
آﻟﺔ ً ﰲ اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ ،ﻓﺄﻣﴗ »أﺳﻜﺲ« — وﻫﻮ أﻛﺮم رﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ وأﻗﻠﻬﻢ
ﰲ أﻳﺪي أﻫﻞ اﻟﻐﺎﻳﺎت واملﻄﺎﻣﻊ ،وأرﺳﻞ »أﺳﻜﺲ« ملﺤﺎﴏة اﻹﺳﺒﺎﻧﻴني ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ .وﰲ
اﻷﻗﻴﺎﻧﻮس اﻷﺗﻠﻨﺘﻴﻜﻲ :أن »ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ﺣﺎول أن ﻳﺠﻌﻞ اﺑﻨﺘﻪ ﻣﻠﻜﺔ ﻹﻧﻜﻠﱰا ،ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻌﻞ
ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﺄﻏﻀﺐ ذﻟﻚ املﻠﻜﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن رﺿﻴﺖ ﻋﻨﻪ ،وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﻘﺎوﻣﺔ »ﺑﻮرﻟﻴﻎ«
وﻣﻀﺎدﺗﻪ إﱃ أن ﻋﺮف »ﺑﻮرﻟﻴﻎ« املﺬﻛﻮر أن ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻣﻠﻚ ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ﻣﺮاﺳﻠﺔ.
وملﺎ ﻋﺰم »ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ« ﻋﲆ ﻋﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ورأى أن ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﻐﻴﻆ
»أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،ﻋﺮض ﻋﲆ إﻧﻜﻠﱰا وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻋﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ ،وﺗﻮﺳﻂ اﻟﺨﻼف ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻓﺼﺎدق
»ﺑﻮرﻟﻴﻎ« ﻋﲆ ذﻟﻚ وﺧﺎﻟﻔﻪ »أﺳﻜﺲ« ،وﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﻦ اﻟﻮزراء ﻋﻘﺪﺗﻪ املﻠﻜﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﰲ
ٍ
ﺑﺎﺳﺘﺨﻔﺎف ،ﻓﺼﻔﻌﺘﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :اذﻫﺐ ،ﻻ ﻣﺼﺎﻟﺢ أﻳﺮﻟﻨﺪا ،ﺣﻮﱠل »أﺳﻜﺲ« ﻗﻔﺎه ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ
ﺳ ﱠﻠﻤﻚ ﷲ .ﻓﺄﻏﻠﻆ ﻟﻬﺎ »إرل أﺳﻜﺲ« اﻟﻜﻼم ،وﻫﺎج وﻣﺎج وﺧﺮج ﻣﻦ املﺠﻠﺲ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن
ﻗﻮم ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﻣﺼﺎﻟﺤﺘﻬﻤﺎ ﺗﻮﰲ »ﺑﻮرﻟﻴﻎ« ﰲ ٤آب )أﻏﺴﻄﺲ( ﺳﻨﺔ ١٥٩٨م.
وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﺘﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﺗﻮﰲ »ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،ﻓﺮﺟﻊ »أﺳﻜﺲ« إﱃ اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ،
وﺑﻌﺪ ﻣﺪة وﺟﻴﺰة اﻧﺘﺨﺐ ﻟﻮردًا واﻟﻴًﺎ ﻟ »أﻳﺮﻟﻨﺪا« ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﰲ ﺣﺎل ﺗﻌﻴﺴﺔ،
وﻟﻢ ﻳُﻮﺟﱠ ﻪ إﻟﻴﻪ ذﻟﻚ املﻨﺼﺐ ﻋﻦ ﺣﺐﱟ ،ﺑﻞ ﻋﻦ ﻏﻴﻆ ،وﺳﻌَ ﻰ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ أﻋﺪاؤه املﺪﺑﺮون ﻋﲆ
ﻫﻼﻛﻪ ،وﻛﺎن ﻫﻮ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻻ ﻣﻦ املﻀﻄﻠﻌني ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ اﻷﻫﺎﱄ ،وﻣﻦ أﻫﻞ
اﻟﴩف ﻻ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺤﺮب ،ﻓﺤﺒﻄﺖ ﻣﺴﺎﻋﻴﻪ ﰲ »أﻳﺮﻟﻨﺪا« ،ﻓﺮﺟﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ دون إذن،
وﺳﻠﻚ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻬﻮر واﻟﺸﻄﻂ ،ﻓﻜﺎن ﻛﺎﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﲆ ﺣﺘﻔﻪ ﺑﻈﻠﻔﻪ ،ﻓﺴﻴﻖ إﱃ دﻛﺔ املﺠﺮﻣني،
ُ
ﻓﻘﺘﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٦٠١م.
وأﻣﴗ اﻟﺴري »روﺑﺮت ﺳﺴﻴﻞ ﺑﻦ ﺑﻮرﻟﻴﻎ« أﻛﺜﺮ وزراء »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻧﻔﻮذًا ،وﻛﺎن
ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻣﻠﻚ ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ﻣﺮاﺳﻠﺔ ،وﻃﻠﺒﺖ املﻠﻜﺔ أن »ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ« ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻳﺰورﻫﺎ
ﰲ »دوﻓﺮ«؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ »ﻛﺎﱄ« ،إﻻ أﻧﻪ أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻔريه »ﻣﺴﻴﻮ دي روﺳﻨﻲ« ،ﻓﻘﺎﺑﻠﺘﻪ،
ودار ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻬﻢ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﰲ أول اﻷﻣﺮ ﻋﻦ ﻣﻠﻚ ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إﻧﻪ
ﺳﻴﺨﻠﻔﻬﺎ ﰲ املﻠﻚ وﻳﺼري ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻛﻠﻬﺎ .وﻫﻲ أول ﻣﻦ ﻟﻘﺐ ﺑﻬﺬا اﻟﻠﻘﺐ.
ﺛﻢ أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ »ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ« ﺳﻔﺎرة أﺧﺮى ،ﻓﺄﺣﺴﻨﺖ ﻣﻠﺘﻘﺎﻫﺎ .وﻛﺎن آﺧﺮ اﺟﺘﻤﺎﻋﺎت
املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ﰲ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﰲ ﺷﻬﺮ ﺗﴩﻳﻦ اﻷول )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ﺳﻨﺔ ١٦٠١م ،ﻓﻘﺎوﻣﺖ اﻻﻣﺘﻴﺎزات
83
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺒﻼ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺷﺪﻳﺪة ،وﻟﻜﻦ إذ رأت أن ﻣﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ ﻟﻪ ﻻ اﻟﺠﺎﺋﺰة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻣﻨﺤﺘﻬﺎ ً
ﺗﺠﺪي ﻧﻔﻌً ﺎ ﻋﺪَﻟﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻮﺟﻪ ﻻ ﻳُﻤﺲ ﻓﻴﻪ ﴍﻓﻬﺎ.
وﰲ أواﺋﻞ ﺳﻨﺔ ١٦٠٣م ،ورد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺸﻜﻴﺎت ﺷﺘﻰ ،ﻓﺎﻋﺘﻠﺖ ﻟﺬﻟﻚ ﺻﺤﺘﻬﺎ ،إﻻ أن
ﺳﺒﺐ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﻫﻮ أﻧﻪ أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻧﺰل ﰲ »رﺷﺘﻤﻨﺪ« ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،ودﻓﻨﺖ ﰲ ٢٨ﻧﻴﺴﺎن
ﻫﺬا .وإن اﻟﺤﻮادث اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﰲ ﻋﻬﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺤﻮادث اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﰲ إﻧﻜﻠﱰا،
واﻟﻌﴫ اﻟ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎﺗﻲ« ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻫﻮ ﻣﻦ أزﻫﻰ اﻷﻋﴫ وأزﻫﺮﻫﺎ ،وﻗﺪ ﺟﻌﻞ
ﻟﻪ رﺟﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺤﺮب واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻜﺜريون اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺒﻐﻮا ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ
اﻟﺤﺬق واﻟﺪراﻳﺔ ﻣﻘﺎﻣً ﺎ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوزه ﻋﴫ اﻟﺒﺘﺔ ،واﻟﺤﻮادث املﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ
ﺟﺮت ﰲ ﺣﻴﺎة »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻣﻘﺮرة ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﻳﺘﺪاﻓﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﺛﻨﺎن .أﻣﺎ أوﺻﺎﻓﻬﺎ ﻓﻘﺪ اﺧﺘﻠﻒ
ﻓﻴﻬﺎ املﺆرﺧﻮن.
وﻫﺬه ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺎ ذﻛﺮه ﻋﻨﻬﺎ »ﻓﺮوﻳﺪ« ﰲ آﺧﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻗﺎل:
إن ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﻣﻦ أول اﻷﻣﺮ ﻛﺎن ﻣﺘﻌﺒًﺎ ﺟﺪٍّا ،وﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑ »ﻟﺒﺴﱰ« ﺗﻌﻠﻖ ﻣﺸﺌﻮم أو
ﻏري ﻣُﺮﺗﱠﺐ ﺟﻌَ ﻠﻬﺎ ﺗﻜﺮه اﻟﺰواج ،وﻣﺎ ﺣﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻴﺄس زاد أﻃﻮارﻫﺎ ﻏﺮاﺑﺔ،
وﻟﻢ ﺗﺘﺤﺰب ﻟﻺﺻﻼح ﻋﻦ ﻃﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮ ،ﺑﻞ ﻇﺮوف زﻣﺎﻧﻬﺎ ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ،
ﻓﺎﺿﻄﺮﺗﻬﺎ إﱃ وﻗﺎﻳﺔ اﻷراﺗﻘﺔ واﻟﻌﺼﺎة ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺻﺎﻟﺢ ﰲ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ،
وﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﻢ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﴬورة ﺣﺎل ﺧﻀﻮﻋﻬﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻣﺎ
ﺑﺪا ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﱰدد ﻧﺸﺄ ﻋﻦ ﺣﻤﻠﻬﺎ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﻠﻮك ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻜﺮه املﺴري
ﻓﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎذﻗﺔ ﺟﺪٍّا ﺗﺪرك دﻗﺎﺋﻖ اﻷﻣﻮر ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻬﺘﻢ ﻛﺜريًا ﺑﺎﻷﻣﻮر
اﻟﺨﻄرية .وﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻋﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻠﻄﺒﻊ اﻟﺒﴩي ﻗﻮة
وﺛﺒﺎﺗًﺎ ،ﻏري أﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺻﻔﺔ أدﺑﻴﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪٍّا ،وﻫﻲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻤﺮت
ﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ ﻋﺎﻛﻔﺔ ﻋﲆ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻢ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻌﻘﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺮاء ذﻟﻚ ﺧﻠﻞ ،وﻻ
ﻫﺎﻟﻬﺎ أﻣﺮ اﻟﻘﺴﺎوة ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻘﺮ اﻟﺘﻨﻌﻢ واﻟﺤﻠﻢ ﰲ ﻏري ﻣﻮﺿﻌﻬﻤﺎ ،وﺗﺤﺐ
ﺑﺄﺷﻐﺎل ﺻﻌﺒﺔ ،وﺗﺴﻠﻚ ﻣﺴﻠﻚ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ، ٍ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ﰲ املﻌﻴﺸﺔ ،وﺗﻘﻮم
وﻣﻊ أن ﻏﺮورﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺣ ﱢﺪ ﻟﻢ ﻳﺤ ُﻞ ﻟﻬﺎ اﻟﺘﻤ ﱡﻠﻖ اﻟﺒﺘﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ إذا ﺳﻤﻌﺖ ﻏريﻫﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻜﺬب ﻻ ﺗﻨﻔﺮ ﻣﻨﻪ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻫﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ ارﺗﻜﺎب
اﻟﻜﺬب ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜرية اﻟﺪﻫﺎء واﻟﺤﻴﻞ ،ﻻ ﺗﻠﻮح ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺨﺎﺗﻞ وﺗﺨﺎدع،
ً
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺒﺘﺔ ﻣﺎ وﻛﺎﻧﺖ إذا وﻋﺪت ﺑﴩﻓﻬﺎ ﺗﻨﴗ ﻣﺎ وﻋﺪت ﺑﻪ،
84
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻳﺪل ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﴩف ،وﻻﻏﱰارﻫﺎ ﺑﺪراﻳﺘﻬﺎ وﻓﻬﻤﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻘﻮم ﺑﺘﻐريات
ﻳﺴﺪدﻫﺎ إﻟﻴﻬﺎ »ﺑﻮرﻟﻴﻎ« ﻣﻦ دون أن ﺗﻠﺤﻖ ﴐ ًرا ﺑﺎملﻤﻠﻜﺔ وﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻌً ﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪل ﻋﻦ
ﻣﻘﺎوﻣﺔ أو ﻣﻀﺎدة إﻻ ﺑﻌﺪ وﻗﻮﻋﻬﺎ ﰲ املﺸﺎﻛﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺬاﻗﺔ »ﺑﻮرﻟﻴﻎ« املﺬﻛﻮر وﺣﺬاﻗﺔ
»وﻟﺴﻨﻔﻬﺎم« ﻣﻤﺎ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺘﺨﻠﻴﺼﻬﻤﺎ ﻣﻨﻬﺎ .واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ
إﻧﻜﻠﱰا ﰲ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ رﺟﺎﻟﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻦ رأﻳﻬﺎ أن
ﺗﻀﻌﻔﻬﺎ وﺗﻮﻫﻨﻬﺎ ،ﻣﻊ أن اﻷﻣﻮر ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺘﴤ ﻋﺰﻣً ﺎ وﺣﺰﻣً ﺎ وإﺟﻤﺎﻋً ﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺮﻛﺐ ﰲ إﺑﺮام
اﻷﻣﻮر ﻣﺘﻦ اﻟﺸﻄﻂ واﻟﻌﺠﻠﺔ ،وﻧﺴﺒﻮا ذﻟﻚ إﱃ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻃﺎملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺣﻤﻴﺪة،
ﺣﻼ ﻣﺮﺿﻴًﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻘﻂ. ﻓﺮﺑﺤﺖ ﺑﺬﻟﻚ وﻗﺘًﺎ .وأﻋﻘﺪ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﻠﻪ ٍّ
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ أن ﺗﻤﻠﻚ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ إﱃ ﺣني وﻓﺎﺗﻬﺎ ،ﺗﺎرﻛﺔ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﺣﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺮض
ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﺸﺎﻛﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻏﺐ ﻛﻞ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ أن ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ .واﻟﺮأﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻣﻠﺖ ﺑﻬﺎ
املﺘﺂﻣﺮﻳﻦ ﻫﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳُﺒﺎرﻫﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ إﱃ اﻵن ،وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني أﺑﻴﻬﺎ
ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﺑﻮن ﻋﻈﻴﻢ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻗﺐ رؤﺳﺎء املﺘﺂﻣﺮﻳﻦ وﻳﻌﻔﻮ ﻋﻦ أﺗﺒﺎﻋﻬﻢ.
أﻣﺎ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻓﻘﻠﻤﺎ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ إﻣﻀﺎء أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ ﺑﻌﺾ
اﻷﴍاف ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺨﻨﻖ ﻓﻼﺣﻲ »ﻳﻮرﻛﺸري« ﻋﴩات ،ﺑﻤﻮﺟﺐ
اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺤﺮﺑﻲ ،ﻣﻦ دون أن ﻳﺆاﺧﺬﻫﺎ ﺿﻤريﻫﺎ ﰲ ذﻟﻚ .واﻟﺤﺎﺻﻞ أﻧﻬﺎ ﻃﺎملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎرﻣﺔ
ﻋﻨﺪ وﺟﻮد اﻟﺤﻠﻢ ،وﺣﻠﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪ وﺟﻮد اﻟﴫاﻣﺔ ،وﺳﺒﺐ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ وﺳﻼﻣﺘﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻧﻘﺴﺎم
أﻋﺪاﺋﻬﺎ وﺿﻌﻔﻬﻢ ،ﻻ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ وﺛﺒﺎت ﻋﺰﻣﻬﺎ«.
85
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﻨﻌﻢ ﻓﻴﻪ املﻠﻚ ﰲ »ﺑﻮن رﺗريو« ،ﻓﺄﺧﺬت وﻟﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻳﺪه وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﻤﻠﻚ :ﺳﻴﺪي ،إن ﻫﺬا
اﻟﻐﻼم وﻟﺪﻧﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﺳﻴﻜﻮن أﻓﻘﺮ إﻧﺴﺎن ﰲ أوروﺑﺎ إن ﻟﻢ ﺗﻌﺰل ﺟﻼﻟﺘﻜﻢ ﰲ اﻟﺤﺎل وزﻳ ًﺮا
ﺳﺎق إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ إﱃ اﻟﺨﺮاب ،ﻓﻨﻔﻰ »أوﻟﻴﻔﺎرز« ،ودﺑﺖ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻣﺆﻗﺘًﺎ ﰲ ﻋﺮوق »ﻓﻴﻠﻴﺐ« .أﻣﺎ
»أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻓﻘﻄﻌﺖ ﻛﻞ ﻋﻼﺋﻘﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ أﻣﺴﻮا أﻟﺪ أﻋﺪاء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻗﺒﻀﺖ
ﻋﲆ زﻣﺎم املﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺪﻫﺎ ،وأﺧﺬ »ﻓﻴﻠﻴﺐ« ﻳﺤﺎول ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻋﺴﺎﻛﺮه اﺳﱰﺟﺎع ﻣﺎ ﺧﴪه
ﻣﻦ ﺑﻼده ،ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺎدف ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ،وأﺑﺪت »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﰲ إدارة ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺒﻼد ﺣﻜﻤﺔ وﻣﺤﺒﺔ
ﻟﻮﻃﻨﻬﺎ ،وو ﱠَﻓﻘﺖ ﺑني اﻷﺣﺰاب ﺑﺈﻧﺬاراﺗﻬﺎ وﻓﺼﺎﺣﺘﻬﺎ ،وﺑﺎﻋﺖ ﺣُ ﱢﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﻠﻠﺖ ﻣﺼﺎرﻳﻒ
ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻛﺜريًا ﻣﺴﺎﻋﺪ ًة ﻟﻠﺨﺰﻳﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺣﺴﺐ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل وﻓﺎﺗﻬﺎ ﻣﺼﻴﺒﺔ وﻃﻨﻴﺔ ،وﺣﺰﻧﻮا
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺰﻧًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا.
86
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
رﺟﺎل »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺧﺎﻟني ﻋﻦ اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ واﻟﺪراﻳﺔ ،واﺳﺘﻮت ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺒﻄﻞ
واﻟﺸﻬﻮات ،وﺑﺪا ﻣﻨﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ دل ﻋﲆ ﺷﺪة ﻗﺴﺎوة وﺗﻮﺣﺶ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮا ًرا ﺣﻠﻴﻤﺔ،
رﺟﺎﻻ روﺳﻴني ﻣﻦ اﻷﻓﺎﺿﻞ وأﻫﻞ ً وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺮﻳﻤﺔ اﻷﺧﻼق ،وﻗﺪ َر ﱠﻗ ْﺖ إﱃ املﻨﺎﺻﺐ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ
اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﻋﻴﻨﺖ »ﺑﻄﺮس« اﺑﻦ أﺧﺘﻬﺎ »ﺣﻨﺔ روﺷﻴﺲ ﻫﻠﺴﺘني ﻏﱰب« املﺘﻮﻓﺎة وﻟﻴٍّﺎ ﻟﻠﻌﻬﺪ.
واﻧﺘﴫت ﰲ ﺣﺮب ﺟﺮت ﻟﻬﺎ ﻣﻊ أﺳﻮج ،واﻧﺘﻬﺖ ﺑﻤﻌﺎﻫﺪة ﺻﻠﺢ اﻧﻌﻘﺪ ﰲ »آﺑﻮ«
ﺳﻨﺔ ١٧٤٣م ،ﺛﻢ ﻛﺸﻔﺖ ﻣﺆاﻣﺮة أﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﻟﻘﺖ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ املﺘﺂﻣﺮﻳﻦ ،وﻗﺎﺻﺼﺘﻬﻢ
ﻗﺼﺎﺻﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وأﻣﺪت »ﻣﺎرﻳﺎ ﺗﺮﻳﺰا« ﺑﺠﻴﺶ ملﺤﺎرﺑﺔ »ﻓﺮدرﻳﻚ اﻟﻜﺒري« ،ﻓﺴﺎﻋﺪت ﺑﺬﻟﻚ ً
ﻋﲆ ﻋﻘﺪ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﺻﻠﺢ ﰲ »أﻛﺲ ﻻﺷﺎﺑﻴﻞ« ﺳﻨﺔ ١٧٤٨م ،ﺛﻢ ﺣﺮﻛﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ »ﺷﻮﻓﺎﻟﻮف«
و»ﺑﺴﺘﻮزف« ﺿﺪ ﺑﺮوﺳﻴﺎ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺳﺎءﻫﺎ اﺳﺘﻬﺰاء وﻗﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻬﺎ ،ﻓﺤﺎﻟﻔﺖ
اﻟﻨﻤﺴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﺤﺮب املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺤﺮب اﻟﺴﻨني اﻟﺴﺒﻌﺔ ،وﻗﺎﻣﺖ ﻋﺴﺎﻛﺮﻫﺎ ﺗﺤﺖ
إﻣﺮة »ﺳﻮﺗﻴﻜﻮف« و»ﺑﻮﺗﻮرﻟني« و»أﺑﺮاﻛﺴني« ،وﻓﺮ »ﻣﻮر« ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺟ ﱠﺮت وﻳﻼت ﻛﺜرية ﻋﲆ
ﺑﺮوﺳﻴﺎ ،ﻓﺎﻧﺘﴫوا ﰲ ﻣﻮﻗﻌﺘﻲ »ﻏﺮوس ﻳﺎﻏﺮﻧﺪرف« و»ﻛﻮرﻧﺴﺪرف« ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ ،واﺳﺘﻮﻟﻮا
ﻋﲆ »ﻛﻠﱪغ« ،وﺣﻠﻮا ﰲ ﻧﻔﺲ ﺑﺮﻟني.
وملﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﺗﺨﻠﺺ ﻓﺮدرﻳﻚ ﻣﻦ ﻋﺪوة ﻗﻮﻳﺔ ،وﺗﺮﺟﻰ أن ﻳﻠﻘﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪة
ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﺎ »ﺑﻄﺮس اﻟﺜﺎﻟﺚ« .أﻣﺎ اﻟﻔﺴﺎد اﻟﺬي وﻗﻊ ﰲ ﺑﻼﻃﻬﺎ ﻓﺎﺳﺘﻤﺮ ﻓﻴﻪ إﱃ وﻓﺎﺗﻬﺎ،
وﻛﺎن »راز« و»ﻣﻮﻓﺴﻜﻲ« ﰲ اﻷﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺰق املﺠﻬﻮﱄ اﻟﺤﺴﺐ واﻟﻨﺴﺐ ،ﻓﺠﻌﻠﺘﻪ ﻣﻦ
ﺑﻌﺾ ﺣﺸﻤﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻧﺪﻳﻤﻬﺎ ،ووﺟﻬﺖ إﻟﻴﻪ رﺗﺒﺔ ﻓﻠﺪ ﻣﺎرﺷﺎل ،واﺗﺨﺬﺗﻪ ﻟﻬﺎ ً
ﺑﻌﻼ ﰲ
اﻟﴪ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ أب ﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ أوﻻدﻫﺎ.
وﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﻄرية اﻟﺘﻲ ﺗُﺬﻛﺮ ﺑﻬﺎ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ املﺪرﺳﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﰲ
ﻣﻮﺳﻜﻮ ،وأﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن املﺴﺘﻄﺮﻓﺔ ﰲ »ﺑﻄﺮس ﺑﺮج« .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ ﻧﴩ اﻟﻔﻨﻮن
املﺬﻛﻮرة ،وﺟﺮى ﻟﻬﺎ ﻣﻊ »ﻓﻮﻟﺘري« املﺸﻬﻮر ﻣﺮاﺳﻠﺔ ﻣ ﱠﻜﻨﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ املﻮاد
اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﺎرﻳﺦ أﺑﻴﻬﺎ.
87
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ .وملﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺼﺎة ﺑﻮﻫﻴﻤﻴﺎ ﺳﻨﺔ ١٦١٩م أن ﻳﺘﻤﻠﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ،
أﻟﺤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺈﺟﺎﺑﺘﻬﻢ إﱃ ذﻟﻚ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إن ﻛﻨﺖ ﺗﺨﴙ أن ﺗﺼري ﻣﻠ ًﻜﺎ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﺰوﺟﺖ
اﺑﻨﺔ ﻣﻠﻚ؟ ﺛﻢ دﺧﻠﺖ »ﺑﺮاغ« وﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﺑﺄﺑﻬﺔ ،ﻏري أن ﻣﺪة ﻣﻠﻜﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻄﻞ؛
ﻷن ﺟﻨﻮد اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺗﻘﺪﻣﺖ إﱃ أﻣﻼك »ﻓﺮدرﻳﻚ« اﻷﺻﻠﻴﺔ وأﻏﺎرت ﻋﲆ ﺑﻮﻫﻴﻤﻴﺎ ً
أﻳﻀﺎ.
ﻛﻼ ﻣﻦ »ﻓﺮدرﻳﻚ« وزوﺟﺘﻪ املﻠﻜﺔ وﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻌﺔ »ﺑﺮاغ« ﺳﻨﺔ ١٦٢٠م ،اﺿﻄﺮ اﻷﻣﺮ ٍّ
إﱃ اﻟﻔﺮار ،ﻓﺄﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻤﻪ »ﻣﻮرﻳﺲ دوﻧﺎﺳﻮﰲ ﻫﺎغ« ،ووﻟﺪت ﻫﻨﺎك أﻛﺜﺮ أوﻻدﻫﺎ ،وﻣﻦ
ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ اﻟﱪﻧﺲ »روﺑﺮت« املﺸﻬﻮر ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ .أﻣﺎ ﺻﻐﺮى
أوﻻدﻫﺎ ﻓﺼﺎرت أﻣرية ﻣﻨﺘﺨﺒﺔ ﻟ »ﻫﺎﻧﻮﻓﺮ« ،وﻫﻲ ﺟﺪة اﻟﺒﻴﺖ املﻠﻜﻲ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي اﻟﺤﺎﱄ.
وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٦٣٠م ﺑﻌﺪ وﻻدة »ﺷﺎرل اﻟﺜﺎﻧﻲ« اﺑﻦ أﺧﻴﻬﺎ ،ورﺟﻌﺖ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« إﱃ
إﻧﻜﻠﱰا ﺳﻨﺔ ١٦٦٠م ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻧﺤﻮ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﰲ ﺑﻴﺖ اﻟﻠﻮرد »ﻛﺮاﻓﻦ« ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ
وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٦٣٨م ،وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻮدة ﻋﻈﻴﻤﺔ .وﻗﺪ ﺗﻐﺰل اﻟﺴري »ﻫﻨﺮي وﺗﻮن«
ﺑﻤﺤﺎﺳﻨﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ أﺷﻌﺎره.
أﻟﻴﻨﻮرا رﻏﻮﻳﺎﻧﻪ
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ »وﻟﻴﻢ اﻟﻌﺎﴍ« آﺧﺮ دوﻗﺎت »أﻛﻮﻧﻴﺎﻧﻴﺎ« ووارﺛﺘﻪ .وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١١٢٢م ،وﰲ
ﺳﻨﺔ ١٥ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺗﺰوﺟﺖ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺜﺎﻣﻦ« ،ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ دوﻗﻴﺔ »ﻏﻮﻳﺎﻧﻪ«
و»ﻏﺴﻜﻮﻧﻴﺎ« و»ﺳﻨﺘﻮﻧﺞ« و»ﺑﻮاﻧﻮ« و»ﺑﻴﺎرن« ﻣﻬ ًﺮا ﻟﻬﺎ ،إﻻ أن ﻃﻴﺸﻬﺎ وﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺨﻼﻋﺔ
88
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
واملﻼﻫﻲ ﺳﺎء »ﻟﻮﻳﺲ« زوﺟﻬﺎ ،واﺷﺘﺪ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺻﺤﺒﺘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١١٤٧م ،ﻓﺎﺳﺘﺄذن ﻣﺠﻤﻊ »ﺑﻮﺟﻨﴘ« ﰲ ﻃﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﺴﻤﺢ ﻟﻪ
ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻄﻠﻘﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١١٥٢م .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﺘﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ،ﺗﺰوﱠﺟﺖ »ﻫﻨﺮي ﻧﻼﻧﺘﺎﺟﻨﺖ« ،ﻛﻮﻧﺖ
»آﻧﺠﻮ« و»روف ﺑﻮرﻣﻨﺪﻳﺎ« ،اﻟﺬي ﺻﺎر ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻹﻧﻜﻠﱰا وﺳﻤﻲ »ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ«
ﺳﻨﺔ ١١٥٤م ،ﻓﺎﻧﺘﻘﻠﺖ ﺑﺬﻟﻚ وﻻﻳﺎت »أﻛﻮﻧﻴﺎﻧﻴﺎ« إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ،إﻻ أن زواﺟﻬﺎ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﺧريًا ﻣﻦ اﻷول؛ ﻷن ﻧﺴﺎء اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ ﺣﺴﺪﻧﻬﺎ ﻛﺜريًا ،وﻗﺘﻠﺖ »روزﻣﻨﺪا« إﺣﺪاﻫﻦ ،وأﻟﻘﺖ
اﻟﺮﻋﺐ ﰲ ﻗﻠﻮب أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ املﻠﻜﻲ ،وﺣﺮﻛﺖ اﻟﺒﻨني ﻋﲆ آﺑﺎﺋﻬﻢ ،ﻓﻤ ﱠﻞ »ﻫﻨﺮي« ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﺎ
ﻓﺴﺠﻨﻬﺎ ﰲ دﻳﺮ ﺳﻨﺔ ١١٧٣م ،ﻓﻠﻢ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺳﺠﻨﻬﺎ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﻠﺲ اﺑﻨﻬﺎ »رﺗﴩد«،
ا ُملﻠﻘﺐ ﺑﻘﻠﺐ اﻷﺳﺪ ،ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١١٨٩م ،وﻋُ ﻬﺪت إﻟﻴﻬﺎ إدارة املﻤﻠﻜﺔ ﻣﺪة
ﻏﻴﺎب »رﺗﴩد« املﺬﻛﻮر ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ،وﺑﻌﺪ رﺟﻮﻋﻪ إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ﺑﻤﺪة وﺟﻴﺰة
دﺧﻠﺖ دﻳﺮ »ﻓﻮﻧﺘﻔﺮو« ،وﺑﻘﻴﺖ ﻓﻴﻪ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ ﺳﻨﺔ ١٢٠٣م.
أﻟﻴﻨﻮرا روﻏﻮزﻣﺎن
اﻣﺮأة إﺳﺒﺎﻧﻴﻮﻟﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌﺘﱪ ﰲ زﻣﺎﻧﻬﺎ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﺎء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻋﺸﻘﻬﺎ »أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺤﺎدي
ﻋﴩ« ،ﻣﻠﻚ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ« ،ا ُملﻠﻘﺐ ﺑﺎملﻨﺘﻘﻢ ،واﺳﺘﻌﺮت ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﻧريان اﻟﻐﺮام ،ﻓﻐﺎب ﻋﻦ اﻟﻬﺪى
واﻓﺘﻀﺢ ﻓﻴﻬﺎ اﻓﺘﻀﺎح اﻟﻌﺎﺷﻘني ،وﺧﻠﻊ اﻟﻌﺬار ،وﺗﺼﺎﻣﻢ ﻋﻦ ﻛﻼم اﻟﻌﺎذﻟني ،وﻛﺎن ﻳﻌﺎﻣﻠﻬﺎ
ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ زوﺟﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤﻲ ﰲ ﻫﻮاﻫﺎ ،وﻻ ﻳﺨﴙ ﻟﻮم ﻻﺋﻢ .وﻟﻮﻻ أﺳﺒﺎب ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ
ﺟﺪٍّا ﻟﻄﻠﻖ زوﺟﺘﻪ اﻟﱪﺗﻐﺎﻟﻴﺔ ،واﺗﺨﺬﻫﺎ ﻟﻪ زوﺟﺔ ً
ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻏري أن »أﻟﻴﻨﻮرا« ﻟﻢ ﺗﻜﻦ دون
املﻠﻜﺔ إﻻ ﰲ اﻟﻠﻘﺐ ﻓﻘﻂ ،واﺳﺘﻤﺮت ٢٠ﺳﻨﺔ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻗﻠﺐ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ،ووﻟﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﺗﻮءﻣﺎن:
أﺣﺪﻫﻤﺎ »ﻫﻨﺮي روﺗﺮﺗﺴﺘﺎﻣﺎر« ،اﻟﺬي ﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ،واﻵﺧﺮ »ﻓﺮدرﻳﻚ« رﺋﻴﺲ
»ﻛﺎﻓﻠريﻳﻪ ﻣﺎر ﻳﻮﺣﻨﺎ« .وملﺎ ﺗﻮﰲ املﻠﻚ ﺳﻨﺔ ١٣٥٠م ،أرادت املﻠﻜﺔ أن ﺗﻨﺘﻘﻢ ﻣﻦ ﻋﺸﻴﻘﺘﻪ،
ﻓﺄﻟﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺒﺾ ﰲ »إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ« ﺳﻨﺔ ١٣٥١م ،وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ وﻟﺪاﻫﺎ ﻣﻦ إﻧﻘﺎذﻫﺎ ،ﻣﻊ
ﺧﻨﻘﺎ ﰲ ﻗﴫ املﻠﻜﺔ ﻋﲆ ﻣﺮأًى ﻣﻨﻬﺎ وﻣِﻦ
ﻓﻘﺘﻠﺖ ًأﻧﻬﻤﺎ ﺑﺬﻻ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻣﺎ ﰲ وﺳﻌﻬﻤﺎُ ،
وﻟﺪﻫﺎ »ﺑﻄﺮس« ا ُمل ﱠﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻌﺎس.
89
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻏﻨﻴٍّﺎ ،إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن دوﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﴩف ،وأﻛﱪ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻨٍّﺎ.
ﺳﺎر ﺑﻬﺎ إﱃ ﺑﻼط »ﻟﻴﺴﺒﻮن« ،وملﺎ رآﻫﺎ »ﻓﺮدﻳﻨﻨﺪو اﻷول« َأﴎه ﺣﺴﻨُﻬﺎ ودﻻﻟُﻬﺎ ،وﺣﺮﻣﻪ
ﺣﺒﱡﻬﺎ ﻟﺬﻳﺬ املﻨﺎم ،ﻓﺄﺧﺬ ﻳﻼﻃﻔﻬﺎ وﻳﻐﺎزﻟﻬﺎ وﻳﺆاﻧﺴﻬﺎ ،وﻃﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﻋﺸﻴﻘﺔ
ﻓﺄﺑﺖ ،ﻓﺤﻤَ ﻞ زوﺟﻬﺎ ﻋﲆ أن ﻳُﻄ ﱢﻠﻘﻬﺎ ،واﺗﺨﺬﻫﺎ ﻟﻪ زوﺟﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻊ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻪ وﺑني
ْ
ﺑﻨﺖ ﻣﻠﻚ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ« ﻣﻦ اﻟﻌﻼﺋﻖ ،ﻓﻨﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺛﻮرة ﰲ »ﻟﻴﺴﺒﻮن« ،وﻟﻜﻨﻬﺎ أﺧﻤﺪت ﰲ
اﻟﺤﺎل ،وﺟﻌﻠﺖ »أﻟﻴﻨﻮرا« ﻣﻠﻜﺔ ﺳﻨﺔ ١٣٧١م.
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﱪﻳﺎء واﻟﻄﻤﻊ ،ﻓﻮﺟﻬﺖ إﱃ ذوي ﻗﺮاﺑﺘﻬﺎ أﺳﻤﻰ
املﻨﺎﺻﺐ ،وﺧﺸﻴﺖ أن ﻳﻘﻊ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني أﺧﺘﻬﺎ زوﺟﺔ »أﻻﻧﻔﻨﻚ دون ﺟﻮان« ﻣﻨﺎزﻋﺔ ﻋﲆ
أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻗﻲ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ،وﻏﻤﺮتﺗﺨﺖ املﻠﻚ ،ﻓﺤﻤﻠﺖ »دون ﺟﻮان« املﺬﻛﻮر ﻋﲆ ﻗﺘﻠﻬﺎ ،وﻗﺘﻠﺖ ً
املﺘﺤﺰﺑني ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻄﺎﻳﺎ واﻷﻣﻮال ،ﺛﻢ ﺟﻌﻠﺖ »اﻟﺪون ﺟﻮان أﻧﺪﻳﺮو« — ﻣﻦ أﻋﻴﺎن »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ«
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻠﻮزارة ،ووﺟﻬﺖ إﻟﻴﻪ ﻟﻘﺐ ﻛﻮﻧﺖ »أورﻳﻦ« ،وذﻟﻚ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ً —
زوﺟﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﻬﺎ »ﻓريدﻧﻨﺪو« ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻪ وﻛﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﻠﻚ ،ﻓﺄﴍﻛﺖ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ املﺬﻛﻮر ﰲ إدارة
ُ
ﻳﺼﻒ ﻟﻬﻤﺎ؛ ﻷن اﻟ »دون ﺟﻮان« أراد أن ﻳﻨﺰع اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻳﺪﻫﺎ، املﻤﻠﻜﺔ ،إﻻ أن اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ
ﻓﺪﺧﻞ ﻗﴫﻫﺎ وﻗﺘﻞ »أﻧﺪﻳﺮو« ﰲ ﺣﻀﻨﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٣٨٣م.
وﺗﻔﺎﻗﻢ ﻏﻴﻆ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ ،ﻓﺨﺎﻓﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ »ﻟﻴﺴﺒﻮن« ،وﻟﻢ
ﺗﺰل ﺳﺎﺋﺮة إﱃ أن وﺻﻠﺖ إﱃ »ﺷﻨﱰﻳﻦ« ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺖ ﺻﻬﺮﻫﺎ »ﻓﺮدﻳﻨﻨﺪو« ،ﻣﻠﻚ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ«،
وﺗﺨ ﱠﻠﺖ ﻟﻪ ﻋﻦ ا ُملﻠﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺆﻣﱢ ﻞ أن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺜﺄرﻫﺎ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن »ﻟﻴﺴﺒﻮن« ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
أﻳﻀﺎ ﺧﴚ ﻋﻮاﻗﺐ ﺧﺒﺜﻬﺎ وﻃﻤﻌﻬﺎ ،ﻓﺤﺒﺴﻬﺎ ﰲ دﻳﺮ »ﺗﻮردﻳﺰ ﺗﺒﻐﻀﻬﻢ ﺟﺪٍّا ،إﻻ أﻧﻪ ﻫﻮ ً
ﺑﻼس« ﻗﺮب ﺑﻼد اﻟﻮﻟﻴﺪ ،ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﺳﻨﺔ ١٤٠٥م ﺑﻌﺪ أن ﻣ ﱠﺰق اﻟﺤﺰن ﻓﺆادﻫﺎ.
اﺷﺘﻬﺮت ﺑﺸﺪة اﻧﺘﻘﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻣﺮأة ﺷﻘﻴﻖ زوﺟﻬﺎ »أرداﻧﻴﺖ« ،وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻗﺪ ﻋﺸﻘﻬﺎ،
وﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﺎدة ﻣﻠﻮك ﻓﺎرس أن ﻳﻤﻨﺤﻮا زوﺟﺎﺗﻬﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت أي ﳾء ﻃﻠﺒﻨﻪ،
ﻓﺎﻧﺘﻬﺰت »أﻣﺴﱰﻳﺲ« ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺻﺔ وﻃﻠﺒﺖ أن ﺗُﺪﻓﻊ إﻟﻴﻬﺎ »أرداﻧﻴﺖ« ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ إﱃ ذﻟﻚ،
ﻓﻘﻄﻌﺖ أﻧﻔﻬﺎ وأذﻧﻴﻬﺎ وﺣﺎﺟﺒﻴﻬﺎ وﻟﺴﺎﻧﻬﺎ وﺛﺪﻳﻴﻬﺎ ،وﻃﺮﺣﺖ ﺷﻠﻮﻫﺎ ﻟﻠﻜﻼب ،ﻓﺘﺤﺮك
اﻟﻐﻴﻆ ﰲ ﻗﻠﺐ زوﺟﻬﺎ »ﻣﺎﺳﺴﺘﺲ« ،وﻋﺰم ﻋﲆ أن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺜﺄرﻫﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻤﻬﻠﻪ »أﻣﺴﱰﻳﺲ«،
90
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﺑﻞ أﻧﻔﺬت إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻪ ،وﻟﻜﻲ ﺗﺆدي ﻟﻶﻟﻬﺔ ﺷﻜﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ أوﻟﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺠﺎح ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ
اﻟﻔﻈﻴﻌﺔ ،ﻗ ﱠﺮﺑﺖ ﻟﻬﺎ ١٤ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻣﻦ أﴍاف ﻓﺎرس أﻣﺮت ﺑﺈﺣﺮاﻗﻬﻢ أﺣﻴﺎء .اﻧﻈﺮ إﱃ ﻫﺬه
اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻜﱪﻳﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أول ﺧﺮاب ﻣﻠﻚ »دارا« ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻛﻤﺎ أراﻧﺎه اﻟﺘﺎرﻳﺦ.
ُﻈﻦ أﻧﻬﺎ أﺳﺴﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ »أﻣﺴﱰﻳﺲ« واﻣﺮأة »دﻳﻮﻳﻨﺴﻴﻮس« ﻃﺎﻏﻴﺔ ﻫﺮﻗﻠﻴﺔ اﻟﺒﻄﺶ ،ﻳ ﱡ
املﺴﻤﺎة اﻵن أﻣﺼﱰا أو ﱠ
ﺣﺴﻨﺘﻬﺎ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ املﻠﻚ »دارﻳﻮس« ﻻ اﺑﻨﺔ أﺧﻴﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ
ذات ﺟﻤﺎل ﻓﺎﺋﻖ ،وﻋﻘﻞ راﺋﻖ ،ﺣﺘﻰ ﺳﻠﺒﺖ ﻋﻘﻮل اﻟﻴﻮﻧﺎن ﺑﺤﺴﻦ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ،وﺗﺪﺑري
أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ أﻟﺪ أﻋﺪاﺋﻬﻢ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ وﻫﻢ راﺿﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ إن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻛﺎن
ﻳﻌﻈﻤﻬﺎ ﻣﺜﻞ املﻌﺒﻮدات.
91
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأﻣﺎ ﺧﺼﺎﻟﻬﺎ اﻟﺤﻤﻴﺪة وأﻓﻌﺎﻟﻬﺎ املﺤﻤﻮدة ﻓﺤﺪﱢث وﻻ ﺣﺮج؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺤﻮذت
ﻋﲆ ﻗﻠﻮب ﻗﻮﻣﻬﺎ ،واﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﲆ ﻋﻘﻮل ﻋﺸريﺗﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻟني اﻟﺠﺎﻧﺐ ،ووداﻋﺔ اﻷﺧﻼق،
واﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﲆ املﺴﺎﻛني ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺎﻳﺎ واﻟﻠﻄﻒ ﺑﻬﻢ .وﺷﺎﻫِ ﺪُﻧﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﱠملﺎ ﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻳﺤﺎرب
ﺗﺤﺖ أﺳﻮار ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺑﻠﻐﺘﺎ« ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﻪ املﺸﻬﻮرة وﺷﻬﺎﻣﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻜﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﻣﻦ
ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﺗﻮاﳼ ﻣﻦ أﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﺠﺮوح ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ،وﺗُﺴ ﱢﻠﻴﻪ ﺑﺎﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺘﻲ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺑﻪ
ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻘﺎم ﻋﲆ ﻗﺪم اﻟﺼﺤﺔ ،وﺷﺎرﻛﻬﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ واﻟﺸﻔﺎء.
وملﺎ ﻋﻤﻞ ﻋﻘﺪ اﻟﺴﻠﻢ ،واﻧﻘﺸﻌﺖ ﺳﺤﺐ اﻟﺤﺮب ،ﻋﺎدت إﱃ ﻣﻘﺮ وﺣﺪﺗﻬﺎ ،وﻣﺮﻛﺰ
ﻋﺰﻟﺘﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻗﴫ اﻟﺴﻤﺎﺋﻴﺔ ،ﻟﺘﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﺤﺰن واﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﻨﺘﻬﺎ ،وﺗﻘﻄﻊ
ﺣﺒﻞ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻤﻮاﺻﻠﺔ اﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر ﰲ املﻄﺎﻟﻌﺔ.
وإﻟﻴﻬﺎ ﺗﻨﺴﺐ اﻵن ﻧﻬﻀﺔ أﻫﻞ روﻣﺎﻧﻴﺎ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم اﻷدﺑﻴﺔ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﰲ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻨﻬﺎ،
وﻃﺎملﺎ ﺷﺪت أذن اﻟﺸﺎﻋﺮ املﺸﻬﻮر »إﺳﻜﻨﺪر ﺑﺎﺷﻴﲇ« ،اﻟﺬي ﻫﻮ اﻵن ﻣﻌﺘﻤﺪ روﻣﺎﻧﻴﺎ ﰲ
ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻣﺪت إﻟﻴﻪ ﻳﺪ املﺴﺎﻋﺪة ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واملﺆاﺛﺮة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ .وﻣﺆﻟﻔﺎت املﱰﺟﻤﺔ
ﻋﺪﻳﺪة ،ﻛﺜرية اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ واﻻﺧﺘﻼف ،ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺜﺮ وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺷﻌﺮ ،وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮ ﻓﻀﻠﻬﺎ
ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻋﻠﻤﺎء ﻫﺬه اﻟﺪﻳﺎر ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺮﺟﻢ
اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺸﻬري »ﻟﻮﻳﺰ أوﻟﻴﺎك« ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﻮاﻧﻪ» :ﺧﻄﺮات أﻓﻜﺎر ﻣﻠﻜﺔ« ،وﺗﺮﺟﻢ اﻟﻜﺎﺗﺐ
»ﺳﺎل« ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﺤﻮادﺛﻴﺔ.
وﻣﻤﻦ ﺗﺼﺪى إﱃ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﻴﺎة ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﺔ ﺟﻨﺎب اﻟﺒﺎرون
»ﻫﻜﻠﺮج« .وﻗﺪ ﻃﺒﻊ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺮات ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ
»ﻫﺮدﻟﱪق« ﺳﻨﺔ ١٨٨٩م ،وﺟﻨﺎب املﺴﻴﻮ »ﻣﻴﺖ ﻛﺮﻣﻨﱰ« ﻃﺒﻌﻪ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ »ﻳﺮﺳﻠﻮ« ﺳﻨﺔ
أﻳﻀﺎ ﺑﻘﻠﻢ املﺴﻴﻮ »ﴎﺟﻲ« ،ﻃﺒﻊ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺳﻨﺔ ١٨٨٢م ،وﻣﻔﺼﻞ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ً
١٨٩٠م ،وﻟﻢ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﻠﻜﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬه املﻠﻜﺔ.
92
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﻫﻲ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ،ﻟﺒﻴﺒﺔ ،ﻓﺼﻴﺤﺔ ،أدﻳﺒﺔ ،ذات ﺣﺴﻦ وﺟﻤﺎل ،وأدب وﻛﻤﺎل ،ﻟﻬﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻃﻨﺎﻧﺔ،
وﻣﻮﺷﺤﺎت رﻧﺎﻧﺔ ،ذﻛﺮﻫﺎ ﺻﺎﺣﺐ املﻐﺮب وﻗﺎل :إﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺎﺋﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ .ﻓﻤﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ
ﻗﻮﻟﻬﺎ:
ﺑ ﺤ ﻴ ﻠ ﺔ ﻓ ﺎﺳ ﻤ ﻊ إﻟ ﻰ ﻧ ﺼ ﺤ ﻲ اﻟ ﺸ ﻴ ﺐ ﻻ ﻳ ﻨ ﺠ ﻊ ﻓ ﻴ ﻪ اﻟ ﺼ ﺒ ﺎ
ﻳﺒﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ﻛﻤﺎ ﻳﻀﺤﻲ ﻓﻼ ﺗﻜﻦ أﺟﻬﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻮرى
وﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
ﺑ ﻪ اﻟ ﺸ ﻮاﻫ ﺪ واﻋ ﺬرﻧ ﻲ وﻻ ﺗَ ﻠ ِﻢ اﻓﻬ ْﻢ ﻣﻄﺎرح أﺣﻮاﻟﻲ وﻣﺎ ﺣ َﻜﻤ ْﺖ
ﺷ ﺮ اﻟ ﻤ ﻌ ﺎذﻳ ﺮ ﻣ ﺎ ﻳ ﺤ ﺘ ﺎج ﻟ ﻠ ﻜ ﻠ ِﻢ ﺬر أُﺑ ﻴﱢ ﻨ ﻪ
وﻻ ﺗ ﻜ ﻠ ﻨ ﻲ إﻟ ﻰ ﻋُ ٍ
أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﻣﺘﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻜﺮم وﻛ ﻞ ﻣ ﺎ ﺟ ﺌ ﺘ ﻪ ﻣ ﻦ زﻟ ﺔ ﻓ ﺒ ﻤ ﺎ
93
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أم اﻟﻜﺮام
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ املﻌﺘﺼﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺎد ،ﻣﻠﻚ املﺮﻳﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ وﺗﻘﻮل اﻟﻌﺮوض ،وﻟﻬﺎ اﻟﺒﺎع
اﻟﻄﻮﻳﻞ ﺑﺎملﻮﺷﺤﺎت اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ،وﻗﺪ اﻓﺘﺨﺮت ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب.
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸﻘﺖ اﻟﻔﺘﻰ املﺸﻬﻮر ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل ﻣﻦ داﻧﻴﺔ املﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺴﻤﺴﺎر ،وﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻪ
املﻮﺷﺤﺎت ،وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻓﻴﻪ:
ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻦ أﺑﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﴐة اﻟﻨﺎدرة ،ﴎﻳﻌﺔ اﻟﺘﻤﺜﻞ ،ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻬﻢ واﻟﻌﻘﻞ،
وﱄ َ أﺑﻮﻫﺎ اﻟﻘﻀﺎء ﰲ املﺮﻳﺔ ،دﺧﻞ داره ﻣﺮة وﻋﻴﻨﺎه ﺗﺬرﻓﺎن وﺟﺪًا
وﻟﻬﺎ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﰲ اﻟﻘﺒﻮرِ .
ملﻔﺎرﻗﺔ وﻃﻨﻪ ،ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ ﺗﻤﺜﻠﻪ:
94
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
95
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫﻲ ﺣﻠﻴﻠﺔ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻓﺼﺤﺎء ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب وأﺣﺴﻨﻬﻦ
وﺟﻤﺎﻻ ،وأﺛﺒﺘﻬﻦ ﺟﻨﺎﻧًﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ،وأﻛﺜﺮ أﺷﻌﺎرﻫﺎ رﺛﺎء ﻋﲆ وﻟﺪﻳﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺎ
ً أدﺑًﺎ
ﺻﻐريﻳﻦ ،اﺳﻢ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،واﻵﺧﺮ ﻗﺜﻢ .ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺎز ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺤﻜﻴﻢ اﻟﺤﻜﻤني
ﺑﺠﻴﺶ ،وأﻣﺮﻫﻤﺎ أن ﻳﻘﺘﻼ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻦ ٍ ﺑﻌﺚ ﺑﺎﻟﻀﺤﺎك ﺑﻦ ﻗﻴﺲ وﺑﴪ ﺑﻦ أرﻃﺄة
ﺷﻴﻌﺔ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎل واﻟﺤﺮم ،ﻓﺬﻫﺐ ﺑﴪ إﱃ اﻟﻴﻤﻦ — وﻛﺎن ﻋﺒﻴﺪ ﷲ
ً
ﻋﺎﻣﻼ ﻫﻨﺎك — ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪه أﻏﺎر ﻋﲆ ﺑﻴﺘﻪ ،ﻓﻌﺜﺮ ﺑﻮﻟﺪﻳﻪ املﺬﻛﻮرﻳﻦ ﻓﺬﺑﺤﻬﻤﺎ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس
ﺑﺸﻔﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻪ ،ﻓﺠﺰﻋﺖ أﻣﻬﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺟﺰﻋً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﺧﺎﻟﻂ ﻋﻘﻠﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻤﻢ،
داع ،وﻻ ﺗُﻘﺒﻞ ﻋﲆ ﻧﺼﺢ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻘﺖ ﺗﻄﻮف ﻓﺼﺎرت ﻻ ﺗﻌﻘﻞ وﻻ ﺗﻌﻲ وﻻ ﺗُﺼﻐﻲ إﱃ ﻗﻮل ٍ
اﻷﺣﻴﺎء وﺗﻘﺼﺪ املﻨﺘﺪﻳﺎت ﰲ املﻮاﺳﻢ ،وﺣﻴﺜﻤﺎ رأت ﻣﺠﺘﻤﻌً ﺎ رﻓﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﻘﻄﻌﻪ اﻟﺒﻜﺎء،
وﺗﻨﺸﺪ ﻣﺮاﺛﻲ ﻳﺮق ﻟﻬﺎ اﻟﺠﻠﻤﻮد ،وﻣﻦ ﻣﺮاﺛﻴﻬﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
96
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻓﻜﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺗﻨﻔﻄﺮ ﺻﻔﺎة ﻗﻠﺒﻪ رﺛﻮًا
ﻳﻤﺎﻧﻲ ذو ﻧﻔﺲ أﺑﻴﺔ وﻧﺨﻮة ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ ،ﻓﺬﻫﺐ إﱃ ﺑﴪ وﺗﻠﻄﻒ ﺑﺎﻟﺘﺰﻟﻒ ﱞ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﻤﻌﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ
إﻟﻴﻪ ﺣﺘﻰ وﺛﻖ ﺑﻪ ،ﻓﺨﺮج ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﻮﻟﺪﻳﻪ إﱃ وادي أوﻃﺎس وﻗﺘﻠﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ ﻓ ﱠﺮ وأﻧﺸﺪ:
ﺷﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر وﻻ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺎ ﺑﺴﺮ ﺑﺴﺮ ﺑﻨﻲ أرﻃﺎة ﻣﺎ ﻃﻠﻌﺖ
ﻋﻴﻦ اﻟﻬُ ﺪى وﺻﻤﺎم اﻷﺳﻮق اﻟﻘﺎﺳﻲ ﺧ ﻴ ﺮ ﻣ ﻦ اﻟ ﻬ ﺎﺷ ﻤ ﻴ ﻴ ﻦ اﻟ ﻠ ﺬﻳ ﻦ ﻫ ﻤ ﺎ
ﺗﺒﻜﻲ وﺗﻨﺸﺪ ﻣَ ﻦ أﺛﻜﻠ َﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس أردت إﻟ ﻰ ﻃ ﻔ َﻠ ْﻲ ُﻣ ﻮ ﱠﻟ ﻬ ﺔ
َ ﻣ ﺎذا
ﻣ ﻦ ﺻ ﺎﺣ ﺒ ﻴ ﻚ ﻗ ﻨ ﺎﺗ ﻲ ﻳ ﻮم أوﻃ ﺎس أﻣ ﺎ ﻗ ﺘ ﻠ ﺘ ﻬ ﻤ ﺎ ﻇ ﻠ ﻤً ﺎ ﻓ ﻘ ﺪ ﺷ ﺮﻗ ﺖ
أ ﱡم اﻟ ﺼ ﺒ ﻴ ﻴ ﻦ أو ذاق اﺑ ُﻦ ﻋ ﺒ ﺎس ﺎﺷ َﺮبْ ﺑﻜﺄﺳﻬﻤﺎ ﺛﻜ ًﻼ ﻛﻤﺎ َﺷ ِﺮﺑ ْﺖ ﻓ ْ
وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ملﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻗﺘﻞ »ﺑﴪ« اﻟﺼﺒﻴني ﺟﺰع ﻟﺬﻟﻚ ﺟﺰﻋً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا،
ودﻋﺎ ﻋﲆ »ﺑﴪ« ﺑﻘﻮﻟﻪ :اﻟﻠﻬﻢ اﺳﻠﺒﻪ دﻳﻨﻪ ،وﻻ ﺗﺨﺮﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻠﺐ ﻋﻘﻠﻪ.
ﻓﺄﺻﺎﺑﻪ ذﻟﻚ وﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ،وﻛﺎن ﻳﻬﺬي ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ وﻳﻄﻠﺒﻪ ،ﻓﻴﺆﺗﻰ ﺑﺴﻴﻒ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،وﻳﺠﻌﻞ
ﺑني ﻳﺪﻳﻪ زق ﻣﻨﻔﻮخ ،ﻓﻼ ﻳﺰال ﻳﴬﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺄم.
وﻗﻴﻞ :دﺧﻞ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﲆ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن وﻋﻨﺪه ﺑﴪ ﺑﻦ أرﻃﺄة،
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ :أﻧﺖ ﻗﺎﺗﻞ اﻟﺼﺒﻴني أﻳﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،أﻧﺎ ﻗﺎﺗﻠﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻋﺒﻴﺪ ﷲ:
ﻟﻮددت أن اﻷرض ﻛﺎﻧﺖ أﺛﺒﺘﺘﻨﻲ ﻋﻨﺪك.
ﻗﺎل :ﻓﻘﺪ أﺛﺒَﺘَﺘْﻚ اﻵن ﻋﻨﺪي ،ﻓﻘﺎﻣﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻋﺒﻴﺪ ﷲ :أﻻ ﺳﻴﻒ! ﻓﻘﺎل ﻟﻪ »ﺑﴪ« :ﻫﺎك
ﺳﻴﻔﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻫﻮى ﻋﺒﻴﺪ ﷲ إﱃ اﻟﺴﻴﻒ ﻟﻴﺘﻨﺎوﻟﻪ أﺧﺬه ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟ »ﺑﴪ« :أﺧﺰاك
ﺷﻴﺨﺎ ،ﻗﺪ ﻛﱪت وذﻫﺐ ﻋﻘﻠﻚ ،وذاك رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ وﻗﺪ وﺗﺮﺗﻪ وﻗﺘﻠﺖ اﺑﻨﻴﻪ، ً ﷲ
ﺗﺪﻓﻊ إﻟﻴﻪ ﺳﻴﻔﻚ .إﻧﻚ ﻟﻐﺎﻓﻞ ﻋﻦ ﻗﻠﻮب ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ .وﷲ ﻟﻮ ﺗﻤ ﱠﻜﻦ ﻣﻨﻪ ﻟﺒﺪَأ ﺑﻲ ﻗﺒﻠﻚ ،ﻗﺎل
وﻛﻨﺖ أُﺛﻨ ﱢ َﻲ ﺑﻪ.
ُ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ :أﺟﻞ وﷲ،
97
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
98
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﴎت إﻟﻴﻚ ،ﻓﺄﻧﺎ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ أﻧﻴﻖ ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻚ رﻓﻴﻖ، ُ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﰲ ﺧري وﻋﺎﻓﻴﺔ ﺣﺘﻰ
ﻗﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﺑﺤﺴﻦ ﻧﻴﺘﻲ ﻇﻔﺮت ﺑﻜﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻳﻌﻴﺬك ﷲ ﻣﻦ دﺣﺾ
املﻘﺎل وﻣﺎ ﺗﺨﴙ ﻋﺎﻗﺒﺘﻪ ،ﻗﺎل :ﻟﻴﺲ ﻫﺬا أردﻧﺎ .أﺧﱪﻳﻨﻲ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻛﻼﻣﻚ إذ ُﻗﺘﻞ ﻋﻤﺎر
ﺑﻦ ﻳﺎﴎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻢ أﻛﻦ زوﱠرﺗﻪ ﻗﺒ ُﻞ وﻻ روﻳﺘﻪ ﺑﻌﺪُ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎت ﻧﻔﺜﻬﺎ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻋﻨﺪ
ُ
ﻓﻌﻠﺖ ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﱃ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ ﻓﻘﺎل :أﻳﻜﻢ ً
ﻣﻘﺎﻻ ﻏري ذﻟﻚ اﻟﺼﺪﻣﺔ؛ ﻓﺈن أﺣﺒﺒﺖ أن أُﺣﺪﱢﺛﻚ
ﻳﺤﻔﻆ ﻛﻼﻣﻬﺎ؟ ﻓﻘﺎل رﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ :أﻧﺎ أﺣﻔﻆ ﺑﻌﺾ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻗﺎل :ﻫﺎت،
ﻗﺎل :ﻛﺄﻧﻲ ﺑﻬﺎ ﺑني ﺑﺮدﻳﻦ زاﺋﺮﻳﻦ ﻛﺜﻴﻔﻲ اﻟﻨﺴﻴﺞ وﻫﻲ ﻋﲆ ﺟﻤﻞ أرﻣﻚ ،وﺑﻴﺪﻫﺎ ﺳﻮط
ﻣﻨﺘﴩ اﻟﻀﻔرية ،وﻫﻲ ﻛﺎﻟﻔﺤﻞ ﻳﻬﺪر ﰲ ﺷﻘﺸﻘﺘﻪ ﺗﻘﻮل» :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،اﺗﻘﻮا رﺑﻜﻢ؛
إن زﻟﺰﻟﺔ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﳾء ﻋﻈﻴﻢ .إن ﷲ ﻗﺪ أوﺿﺢ ﻟﻜﻢ اﻟﺤﻖ ،وأﺑﺎن اﻟﺪﻟﻴﻞ ،وﺑني اﻟﺴﺒﻴﻞ،
ورﻓﻊ اﻟﻌﻠﻢ ،وﻟﻢ ﻳﺪﻋﻜﻢ ﰲ ﻋﻤﻴﺎء ﻣﺪﻟﻬﻤﺔ ،ﻓﺄﻳﻦ ﺗﺮﻳﺪون — رﺣﻤﻜﻢ ﷲ؟ أﻓﺮا ًرا ﻋﻦ أﻣري
املﺆﻣﻨني ،أم ﻓﺮا ًرا ﻣﻦ اﻟﺰﺣﻒ ،أم رﻏﺒﺔ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ،أم ارﺗﺪادًا ﻋﻦ اﻟﺤﻖ؟ أﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘﻢ ﷲ
ﻳﻦ َوﻧَﺒْﻠُ َﻮ أ َ ْﺧﺒَﺎ َر ُﻛﻢْ﴾ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮلَ ﴿ :و َﻟﻨَﺒْﻠُ َﻮﻧ ﱠ ُﻜ ْﻢ ﺣَ ﺘﱠ ٰﻰ ﻧَﻌْ َﻠ َﻢ ا ْﻟﻤُﺠَ ﺎﻫِ ﺪ َ
ِﻳﻦ ِﻣﻨ ُﻜ ْﻢ و ﱠ
َاﻟﺼﺎ ِﺑ ِﺮ َ
)ﻣﺤﻤﺪ(٣١ :؟
ﺛﻢ رﻓﻌﺖ رأﺳﻬﺎ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء وﻫﻲ ﺗﻘﻮل :اﻟﻠﻬﻢ ﻗﺪ ﻋﻴﻞ اﻟﺼﱪ ،وﺿﻌﻒ اﻟﻴﻘني،
واﻧﺘﴩت اﻟﺮﻏﺒﺔ ،وﺑﻴﺪك ﻳﺎ رب أزﻣﱠ ﺔ اﻟﻘﻠﻮب؛ ﻓﺎﺟﻤﻊ اﻟﻠﻬﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﻘﻮى ،وأ ﱢﻟﻒ
اﻟﻘﻠﻮب ﻋﲆ اﻟﻬﺪى ،واردد اﻟﺤﻖ إﱃ أﻫﻠﻪ .ﻫﻠﻤﱡ ﻮا — رﺣﻤﻜﻢ ﷲ — إﱃ اﻹﻣﺎم اﻟﻌﺎدل،
واﻟﺮﴈ اﻟﺘﻘﻲ ،واﻟﺼﺪﻳﻖ اﻷﻛﱪ .إﻧﻬﺎ إﺣﻦ ﺑﺪرﻳﺔ ،وأﺣﻘﺎد ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ ،وﺳﺒﺒﻬﺎ واﺛﺐ ﺣني
اﻟﻐﻔﻠﺔ؛ ﻟﻴﺪرك ﺛﺎرات ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺎﺗﻠﻮا أﺋﻤﺔ اﻟﻜﻔﺮ إﻧﻬﻢ ﻻ إﻳﻤﺎن ﻟﻬﻢ
ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻨﺘﻬﻮن .ﺻﱪًا ،ﻳﺎ ﻣﻌﺎﴍ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ واﻷﻧﺼﺎر ،ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﲆ ﺑﺼرية ﻣﻦ رﺑﻜﻢ ،وﺛﺒﺎت
ﻣﻦ دﻳﻨﻜﻢ ،ﻓﻜﺄﻧﻲ ﺑﻜﻢ ﻏﺪًا وﻗﺪ ﻟﻘﻴﺘﻢ أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ﻛﺤُ ﻤُﺮ ﻣﺴﺘﻨﻔﺮة ،ﻓﺮت ﻣﻦ ﻗﺴﻮرة ،ﻻ
ﺗﺪري أﻳٍّﺎ ﻳﺴﻠﻚ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺠﺎج اﻷرض ،ﺑﺎﻋﻮا اﻵﺧﺮة ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ،واﺷﱰوا اﻟﻀﻼﻟﺔ ﺑﺎﻟﻬﺪى،
ﻗﻠﻴﻞ ﻟﻴﺼﺒﺤﻦ ﻧﺎدﻣني ﺣني ﺗﺤﻞ ﺑﻬﻢ اﻟﻨﺪاﻣﺔ ،ﻓﻴﻄﻠﺒﻮن اﻹﻗﺎﻟﺔ ،وﻻت ﺣني ﻣﻨﺎص. وﻋﻤﺎ ٍ
إن ﻣﻦ ﺿﻞ — وﷲ — ﻋﻦ اﻟﺤﻖ وﻗﻊ ﰲ اﻟﺒﺎﻃﻞ .أﻻ إن أوﻟﻴﺎء ﷲ اﺳﺘﺼﻐﺮوا
ﻋﻤﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺮﻓﻀﻮﻫﺎ ،واﺳﺘﻄﺎﺑﻮا اﻵﺧﺮة ﻓﺴﻌﻮا ﻟﻬﺎ ،ﻓﺎهلل ﷲ ،أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺒﻄﻞ
اﻟﺤﻘﻮق ،وﺗﻌﻄﻞ اﻟﺤﺪود ،وﺗﻘﻮى ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن ،ﻓﺈﱃ أﻳﻦ ﺗﺮﻳﺪون — رﺣﻤﻜﻢ ﷲ — ﻋﻦ
اﺑﻦ ﻋﻢ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﺻﻬﺮه وأﺑﻲ ﺳﺒﻄﻴﻪ ،ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺘﻪ ،وﺗﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻧﺒﻌﺘﻪ ،وﺟﻌﻠﻪ
ﺻﲆ واﻟﻨﺎس ﺑﺎب دﻳﻨﻪ ،وأﺑﺎن ﺑﺒﻐﻀﻪ املﻨﺎﻓﻘني .وﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﻣﻔﺮق اﻟﻬﺎم وﻣﻜﴪ اﻷﺻﻨﺎم ﱠ
ﻣﴩﻛﻮن ،وأﻃﺎع واﻟﻨﺎس ﻛﺎرﻫﻮن ،ﻓﻠﻢ ﻳﺰل ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ ﻣﺒﺎرزﻳﻪ ،وأﻓﻨﻰ أﻫﻞ أﺣﺪ،
99
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻫﺰم اﻷﺣﺰاب ،وﻗﺘﻞ ﷲ ﺑﻪ أﻫﻞ ﺧﻴﱪ ،وﻓ ﱠﺮق ﺑﻪ ﺟﻤﻊ أﻫﻮاﺋﻬﻢ .ﻓﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ وﻗﺎﺋﻊ زرﻋﺖ
ً
وﺷﻘﺎﻗﺎ ،وزادت املﺆﻣﻨني إﻳﻤﺎﻧًﺎ .ﻗﺪ اﺟﺘﻬﺪت ﰲ اﻟﻘﻮل ،وﺑﺎﻟﻐﺖ ﰲ ﰲ اﻟﻘﻠﻮب ً
ﻧﻔﺎﻗﺎ ورد ًة
اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ .وﺑﺎهلل اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ .واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻜﻢ ورﺣﻤﺔ ﷲ.
أردت ﺑﻬﺬا اﻟﻜﻼم إﻻ ﻗﺘﲇ ،وﻟﻮ ﻗﺘﻠﺘُﻚ ﻣﺎ ﺣﺮﺟﺖ ِ ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻳﺎ أم اﻟﺨري ،ﻣﺎ
ﰲ ذﻟﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻣﺎ ﻳﺴﻮءﻧﻲ أن ﻳﺠﺮي ﻗﺘﲇ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻣﻦ ﻳﺴﻌﺪﻧﻲ ﷲ ﺑﺸﻘﺎﺋﻪ ،ﻗﺎل:
ﻫﻴﻬﺎت ،ﻳﺎ ﻛﺜرية اﻟﻔﻀﻮل ،ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟني ﰲ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن — رﺣﻤﻪ ﷲ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﻣﺎ
ﻋﺴﺎﻧﻲ أن أﻗﻮل ﰲ ﻋﺜﻤﺎن ،اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ اﻟﻨﺎس وﻫﻢ ﺑﻪ راﺿﻮن ،وﻗﺘﻠﻮه وﻫﻢ ﻟﻪ ﻛﺎرﻫﻮن،
ﻗﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻳﺎ أم اﻟﺨري ،ﻫﺬا ﺛﻨﺎؤك اﻟﺬي ﺗُﺜﻨني؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻜﻦ — وﷲ ﻳﺸﻬﺪ وﻛﻔﻰ ﺑﺎهلل
ً
ﺳﺎﺑﻘﺎ إﱃ اﻟﺨري ،وإﻧﻪ ﻟﺮﻓﻴﻊ اﻟﺪرﺟﺔ ﻏﺪًا، ً
ﻧﻘﺼﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﺷﻬﻴﺪًا — ﻣﺎ أردت ﺑﻌﺜﻤﺎن
ﻗﺎل :وﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟني ﰲ اﻟﺰﺑري؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﻣﺎ أﻗﻮل ﰲ اﺑﻦ ﻋﻤﺔ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﺣﻮارﻳﻪ وﻗﺪ ﺷﻬﺪ
ً
ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﻟﻪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ؟! وأﻧﺎ أﺳﺄﻟﻚ — ﺑﺤﻖ ﷲ — ﻳﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻓﺈن
أﻧﻚ أﺣﻠﻤﻬﺎ أن ﺗﻌﺎﻓﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺴﺎﺋﻞ ،وﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻤﺎ ﺷﺌﺖ ﻣﻦ ﻏريﻫﺎ ،ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ وﻧﻌﻤﺔ
ﻋني ،ﻗﺪ ﻋﻔﻴﺘﻚ ﻣﻨﻬﺎ.
ﺛﻢ أﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺠﺎﺋﺰة رﻓﻴﻌﺔ وردﱠﻫﺎ ﻣﻜﺮﻣﺔ إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ ﰲ ﻋ ﱟﺰ إﱃ أن ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ.
100
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻧﻔﺴﻚُ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،إﻧﻲ ﻓﻜﺮت ﰲ أﻣﺮك وﺳﻌﺔ ﻣﻠﻜﻚ ،وﻗﺪ ﻣﻠﻜﺖ
اﻣﺮأ ًة واﺣﺪة؛ ﻓﺈن ﻣﺮﺿﺖ ﻣﺮﺿﺖ ،وإن ﻏﺎﺑﺖ ﻏﺒﺖ ،وﺣﺮﻣﺖ ﻧﻔﺴﻚ اﻟﺘﻠﺬذ
واﺳﺘﻄﺮاف اﻟﺠﻮاري ،وﻣﻌﺮﻓﺔ أﺧﺒﺎرﻫﻦ وﺣﺎﻻﺗﻬﻦ ،واﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ ﻣﻨﻬﻦ،
ﻓﺈن ﻣﻨﻬﻦ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﻐﻴﺪاء ،واﻟﻐﻀﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،واﻟﻌﻘﻴﻘﺔ اﻷدﻣﺎء،
ﱡ
ﺗﻔﺘﻦ ﺑﻤﺤﺎدﺛﺘﻬﻦ، واﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﺴﻤﺮاء ،واﻟﱪﺑﺮﻳﺔ اﻟﻌﺠﺰاء ،ﻣﻦ ﻣﻮﻟﺪات املﺪﻳﻨﺔ،
وﺗﻠﺬﱡ ﺑﺨﻠﻮﺗﻬﻦ ،وأﻳﻦ أﻣري املﺆﻣﻨني ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻷﺣﺮار ،واﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻦ،
وﺣﺴﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻨﻬﻦ؟ وﻟﻮ رأﻳﺖ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،واﻟﺴﻤﺮاء
اﻟﻠﻌﺴﺎء ،واﻟﺼﻔﺮاء اﻟﻌﺠﺰاء ،واملﻮﻟﺪات ﻣﻦ اﻟﺒﴫﻳﺎت واﻟﻜﻮﻓﻴﺎت ذوات اﻷﻟﺴﻦ
اﻟﻌﺬﺑﺔ ،واﻟﻘﺪود املﻬﻔﻬﻔﺔ ،واﻷوﺳﺎط املﺨﴫة ،واﻷﺻﺪاغ املﻈﺮﻓﻨﺔ ،واﻟﻌﻴﻮن
املﻜﺤﻠﺔ ،واﻟﺜﺪي املﺤﻘﻘﺔ ،وﺣﺴﻦ زﻳﻬﻦ وزﻳﻨﺘﻬﻦ وﺷﻜﻠﻬﻦ؛ ﻟﺮأﻳﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﺣﺴﻨًﺎ.
وﺟﻌﻞ ﺧﺎﻟﺪ ﻳﺠﻴﺪ ﰲ اﻟﻮﺻﻒ ،وﻳﺠﺪ ﰲ اﻹﻃﻨﺎب ﺑﺤﻼوة ﻟﻔﻈﻪ ،وﺟﻮدة وﺻﻔﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﻂ ﻛﻼ ٌم ﻓﺮغ ﻛﻼﻣﻪ ﻗﺎل ﻟﻪ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس :وﻳﺤﻚ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺪ ،ﻣﺎ ﺣ ﱠﻚ ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ — وﷲ — ﻗ ﱡ
أﺣﺴﻦ ﻣﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻨﻚ؛ ﻓﺄﻋِ ْﺪ ﻋﲇ ﱠ ﻛﻼﻣﻚ ﻓﻘﺪ وﻗﻊ ﻣﻨﻲ.
ﻓﺄﻋﺎد ﻋﻠﻴﻪ ﺧﺎﻟﺪ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ اﻷول ،ﺛﻢ اﻧﴫف وﺑﻘﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻣﻔﻜ ًﺮا ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻤﻊ
ﻣﻨﻪ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ أم ﺳﻠﻤﺔ اﻣﺮأﺗﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﻣﻔﻜ ًﺮا ﻣﻐﻤﻮﻣً ﺎ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻲ ﻷﻧﻜﺮك ﻳﺎ أﻣري
املﺆﻣﻨني ،ﻓﻬﻞ ﺣﺪث أﻣﺮ ﺗﻜﺮﻫﻪ ،أو أﺗﺎك ﺧﱪ ﻓﺎرﺗﻌﺖ ﻣﻨﻪ؟ ﻗﺎل :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﳾء،
ﻠﺖﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻤﺎ ﻗﺼﺘﻚ أﺧﱪﻧﻲ ﻋﻨﻬﺎ؟ ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﱪﻫﺎ ﺑﻤﻘﺎﻟﺔ ﺧﺎﻟﺪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﻤﺎ ُﻗ َ
ﻻﺑﻦ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ؟ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﺳﺒﺤﺎن ﷲ ،ﻳﻨﺼﺤﻨﻲ وﺗﺸﺘﻤﻴﻪ؟ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﻣﻐﻀﺒﺔ،
وأرﺳﻠﺖ إﱃ ﺧﺎﻟﺪ ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﺨﺪم وﻣﻌﻬﻢ اﻟﻌﴢ ،وأﻣﺮﺗﻬﻢ أن ﻻ ﻳﱰﻛﻮا ﻣﻨﻪ ﻋﻀﻮًا
ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ،ﻗﺎل ﺧﺎﻟﺪ :ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻣﻨﺰﱄ وأﻧﺎ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﴪور ﺑﻤﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ أﻣري املﺆﻣﻨني
أن ﺻﻠﺘﻪ ﺳﺘﺄﺗﻴﻨﻲ ،ﻓﻠﻢ أﻟﺒﺚ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر أوﻟﺌﻚ اﻟﺨﺪم وإﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﻤﺎ أﻟﻘﻴﺖ إﻟﻴﻪ ،وﻟﻢ أﺷ ﱠﻚ ﱠ
وأﻧﺎ ﻗﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﺑﺎب داري ،ﻓﻠﻤﺎ رأﻳﺘﻬﻢ ﻗﺪ أﻗﺒﻠﻮا ﻧﺤﻮي أﻳﻘﻨﺖ ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﺰة واﺻﻠﺔ ،ﺣﺘﻰ
وﻗﻔﻮا ﻋﲇ ﱠ ﻓﺴﺄﻟﻮا ﻋﻨﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻫﺎ أﻧﺎ ذا ﺧﺎﻟﺪ ،ﻓﺒﺎدر إﱄ ﱠ أﺣﺪﻫﻢ ﺑﻬﺮاوة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻪ.
101
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ُ
ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻣﻨﺰﱄ وأﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب ﻋﲇ ﱠ واﺳﺘﱰت ،وﻣﻜﺜﺖ أﻳﺎﻣً ﺎ ُ
وﺛﺒﺖ ﻓﻠﻤﺎ أﻫﻮى ﺑﻬﺎ إﱄ ﱠ
ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل ﻻ أﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﻨﺰﱄ ،ووﻗﻊ ﰲ ﺧﻠﺪي أﻧﻲ أوﺗﻴﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أم ﺳﻠﻤﺔ ،وﻃﻠﺒﻨﻲ
أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻃﻠﺒًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﻠﻢ أﺷﻌﺮ ذات ﻳﻮم إﻻ ﺑﻘﻮم ﻗﺪ ﻫﺠﻤﻮا ﻋﲇ ﱠ وﻗﺎﻟﻮا :أﺟﺐ
ﻓﺮﻛﺒﺖ وﻟﻴﺲ ﻋﲇ ﱠ ﻟﺤﻢ وﻻ دم .ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻪ أوﻣﺄ إﱄ ﱠ ُ ُ
ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ ﺑﺎملﻮت، أﻣري املﺆﻣﻨني،
ُ
ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ،وﻧﻈﺮت ﻓﺈذا ﺧﻠﻒ ﻇﻬﺮي ﺑﺎب ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺘﻮر ﻗﺪ أرﺧﻴﺖ ،وﺣﺮﻛﺔ ﺧﻠﻔﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل:
ﻋﻠﻴﻼ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﻘﺎل :وﻳﺤﻚ ،إﻧﻚ وﺻﻔﺖ ﱄﻛﻨﺖ ً ﺛﻼث! ﻗﻠﺖُ :
ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺪ ،ﻟﻢ أرك ﻣﻨﺬ ٍ
ﰲ آﺧﺮ دﺧﻠﺔ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺠﻮاري ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﺮق ﺳﻤﻌﻲ ﻗﻂ ﻛﻼ ٌم أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄﻋﺪه
ﻋﲇﱠ.
ﱠ
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،أﻋﻠﻤﺘﻚ أن اﻟﻌﺮب اﺷﺘﻘﺖ اﺳﻢ اﻟﴬة ﻣﻦ اﻟﴬﱢ ،وأن
أﺣﺪﻫﻢ ﻣﺎ ﺗﺰوج ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء أﻛﺜﺮ ﻣﻦ واﺣﺪة إﻻ ﻛﺎن ﰲ ﺟﻬﺪ ،ﻓﻘﺎل :وﻳﺤﻚ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا
ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻗﻠﺖ :ﺑﲆ وﷲ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،وأﺧﱪﺗﻚ أن اﻟﺜﻼث ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻛﺄﻧﻬﻦ ﰲ ﻗﺪر
ﻳﻐﲇ ﻋﻠﻴﻬﻦ ،ﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس :ﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺘﻲ ﻣﻦ رﺳﻮل ﷲ ﷺ إن ﻛﻨﺖ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻨﻚ
ﻫﺬا ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻚ اﻷول! ﻗﺎل :وأﺧﱪﺗﻚ أن اﻷرﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﴍﱞ ﴏﻳﺢ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﻦ؛ ﻳُﺸﻴﺒﻨﻪ
وﻳُﻬﺮﻣﻨﻪ وﻳُﺴﻘﻤﻨﻪ ،ﻗﺎل :وﻳﻠﻚ! وﷲ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻣﻨﻚ وﻻ ﻣﻦ ﻏريك ﻗﺒﻞ ﻫﺬا
اﻟﻮﻗﺖ! ﻗﺎل ﺧﺎﻟﺪ :ﺑﲆ وﷲ ،ﻗﺎل :وﻳﻠﻚ! أﺗﻜﺬﺑﻨﻲ؟ ﻗﺎل :أوَﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻘﺘﻠﻨﻲ؟ ﻗﺎلُ :ﻣ ﱠﺮ ﰲ
ﺣﺪﻳﺜﻚ ،ﻗﺎل :وأﺧﱪﺗﻚ أن أﺑﻜﺎر اﻟﺠﻮاري رﺟﺎل وﻟﻜﻦ ﻻ ﺧﴢ ﻟﻬﻦ ،ﻗﺎل ﺧﺎﻟﺪ :ﻓﺴﻤﻌﺖ
اﻟﻀﺤﻚ ﻣﻦ وراء اﻟﺴﱰ ،ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،وأﺧﱪﺗﻚ أن ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰوم رﻳﺤﺎﻧﺔ ﻗﺮﻳﺶ ،وأﻧﺖ ﻋﻨﺪك
رﻳﺤﺎﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺎﺣني وأﻧﺖ ﺗﻄﻤﺢ ﺑﻌﻴﻨﻚ إﱃ ﺣﺮاﺋﺮ اﻟﻨﺴﺎء وﻏريﻫﻦ ﻣﻦ اﻹﻣﺎء ،ﻗﺎل ﺧﺎﻟﺪ:
ﻓﻘﻴﻞ ﱄ ﻣﻦ وراء اﻟﺴﱰ :ﺻﺪﻗﺖ وﷲ ﻳﺎ ﻋﻤﺎه ،ﺑﻬﺬا ﺣﺪﱠﺛﺖ أﻣري املﺆﻣﻨني ،وﻟﻜﻨﻪ ﺑﺪﱠل
وﻏري وﻧﻄﻖ ﺑﻤﺎ ﰲ ﺿﻤريه ﻋﻦ ﻟﺴﺎﻧﻚ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس :ﻣﺎ ﻟﻚ — ﻗﺎﺗﻠﻚ ﷲ وأﺧﺰاك ﱠ
وﻓﻌﻞ ﺑﻚ وﻓﻌﻞ؟ ﻗﺎل :ﻓﱰﻛﺘﻪ وﺧﺮﺟﺖ وﻫﻮ ﻳﺸﺘ ُﻢ وﻗﺪ أﻳﻘﻨﺖ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﻣﻨﺰﱄ
وﴏْت أُﻓ ﱢﻜﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺼﻞ ،ﻓﻤﺎ أﺷﻌﺮ إﻻ ورﺳﻞ أم ﺳﻠﻤﺔ ﻗﺪ ﺻﺎروا إﱄ ﱠ أﺧﺬت راﺣﺘﻲِ ،
وﻣﻌﻬﻢ ﻋﴩة آﻻف درﻫﻢ وﺗﺨﺖ وﺑﺮذون وﻏﻼم ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﺎ واﻧﴫﻓﻮا ،وﺑﻘﻴﺖ أم ﺳﻠﻤﺔ
ﺗﻮﻓﺎه ﷲ وﻫﻲ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻗﻠﺒﻪ. ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻔﺎح إﱃ أن ﱠ
102
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮات اﻟﻌﺮب املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﺎﻷدب اﻟﻼﺋﻲ ﻟﻬﻦ اﻟﻴﺪ اﻟﻄﻮﱃ ﺑﺎﻟﻨﻈﻢ واﻟﻨﺜﺮ ﻣﻊ
رﻗﺔ املﻌﻨﻰ ،ودﻗﺔ املﺒﻨﻰ ،واﻟﺤﻤﺎﺳﺔ اﻟﺰاﺋﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴫ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﻤﺎﺳﺔ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻧﺎﻫﻴﻚ ﻣﺎ
ﻗﺎﻟﺘﻪ ﰲ ﻣﺪح آل اﻟﺒﻴﺖ ،وﺗﺤﺮﻳﺾ آل ﻣﺬﺣﺞ ﻋﲆ ﻧﴫﺗﻬﻢ ،وﻗﺪ وﻓﺪت ﻋﲆ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻛﻤﺎ
ﻗﺎل ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺬاﻓﺔ ،ﻗﺎل :إن ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ وﻫﻮ واﱄ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺒﺲ ﻏﻼﻣً ﺎ ﻟﻴﺲ
ﰲ ﺟﻨﺎﻳﺔ ﺟﻨﺎﻫﺎ ،ﻓﺄﺗﺘﻪ ﺟﺪة اﻟﻐﻼم — وﻫﻲ أم ﺳﻨﺎن اﺑﻨﺔ ﺟﺸﻤﺔ املﺬﺣﺠﻴﺔ — ﻓﻜﻠﻤﺘﻪ ﰲ
اﻟﻐﻼم ،ﻓﺄﻏﻠﻆ ﻟﻬﺎ ﻣﺮوان ،ﻓﺨﺮﺟﺖ إﱃ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺎﻧﺘﺴﺒﺖ ،ﻓﻌﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﺎ :ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﻳﺎ اﺑﻨﺔ ﺟﺸﻤﺔ ،ﻣﺎ أﻗﺪﻣﻚ أرﺿﻨﺎ وﻗﺪ ﻋﻬﺪﺗﻚ ﺗﺸﺘﻤﻴﻨﺎ وﺗﺤﻀني ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻋﺪوﻧﺎ؟
ً
أﺧﻼﻗﺎ ﻃﺎﻫﺮة ،وأﺣﻼﻣً ﺎ واﻓﺮة ،وﻻ ﻳﺠﻬﻠﻮن ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻢ ،وﻻ ٍ
ﻣﻨﺎف ﻗﺎﻟﺖ :إن ﻟﺒﻨﻲ ﻋﺒﺪ
ﻋﻔﻮ .وإن أوﱃ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﺗﺒﺎع ﻣﺎ ﱠ
ﺳﻦ آﺑﺎؤه ﻷﻧﺖ، ﻳﺴﻔﻬﻮن ﺑﻌﺪ ﺣﻠﻢ ،وﻻ ﻳﻨﺘﻘﻤﻮن ﺑﻌﺪ ٍ
ﻗﺎل :ﺻﺪﻗﺖ .ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻗﻮﻟﻚ:
واﻟ ﻠ ﻴ ﻞ ﻳ ﺼ ﺪر ﺑ ﺎﻟ ﻬ ﻤ ﻮم وﻳ ﻮرد ﻋ ﺰب اﻟ ﺮﻗ ﺎد ﻓ ﻤ ﻘ ﻠ ﺘ ﻲ ﻻ ﺗ ﺮﻗ ﺪ
إن اﻟ ﻌ ﺪ ﱠو ﻵل أﺣ ﻤ ﺪ ﻳ ﻘ ﺼ ﺪ ﻳ ﺎ آل ﻣ ﺬﺣ ﺞ ﻻ ﻣ ﻘ ﺎم ﻓ ﺸ ﻤ ﺮوا
وﺳﻂ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﻜﻮاﻛﺐ أﺳﻌﺪ ﻫ ﺬا ﻋ ﻠ ﱞﻲ ﻛ ﺎﻟ ﻬ ﻼل ﺗ ﺤ ﱡﻔ ﻪ
إن ﻳ ﻬ ﺪﻛ ﻢ ﺑ ﺎﻟ ﻨ ﻮر ﻣ ﻨ ﻪ ﺗ ﻬ ﺘ ﺪوا ﺧ ﻴ ﺮ اﻟ ﺨ ﻼﺋ ﻖ واﺑ ﻦ ﻋ ﻢ ﻣ ﺤ ﻤ ﺪ
واﻟ ﻨ ﺼ ﺮ ﻓ ﻮق ﻟ ﻮاﺋ ﻪ ﻣ ﺎ ﻳ ﻔ ﻘ ﺪ؟ ﻣﺎ زال ﻣﺬ ﺷﻬﺮ اﻟﺤﺮوب ﻣﻈ ﱠﻔ ًﺮا
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻟﺴﺎن ﺻﺪق ،وﻗﻮل ﺣﻖ ،وﻟﱧ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﻇﻨﻨﺎ ﻓﺤﻈﻚ اﻷوﻓﺮ.
وﷲ ﻣﺎ أورﺛﻚ اﻟﺸﻨﺂن ﰲ ﻗﻠﻮب اﻟﺴﺎﻣﻌني إﻻ ﻫﺆﻻء ،ﻓﺎدﺣﺾ ﻣﻘﺎﻟﺘﻬﻢ ،وأﺑﻌﺪ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ.
إﻧﻚ إن ﻓﻌﻠﺖ ذﻟﻚ ﺗﺰد ْد ﻣﻦ ﷲ ﻗﺮﺑًﺎ ،وﻣﻦ املﺆﻣﻨني ﺣﺒٍّﺎ.
103
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل :وإﻧﻚ ﺗﻘﻮﻟني ذﻟﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﺳﺒﺤﺎن ﷲ ،وﷲ ﻣﺎ ﻣﺜﻠﻚ ﻣﺪح ﺑﺒﺎﻃﻞ ،وﻻ أﻋﺘﺬر إﻟﻴﻪ
ﺑﻜﺬب ،وإﻧﻚ ﻟﺘﻌﻠﻢ ذﻟﻚ ﻣﻦ رأﻳﻨﺎ وﺿﻤري ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ .ﻛﺎن — وﷲ — ﻋﲇ ﱞ أﺣﺐ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻨﻚ،
وأﻧﺖ أﺣﺐ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻏريك.
ﻗﺎل :ﻓﻤَ ْﻦ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻦ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ وﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،ﻗﺎل :وﺑ َﻢ اﺳﺘﺤﻘﻘﺖ
ذﻟﻚ ﻋﻨﺪك؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﺴﻌﺔ ﺣﻠﻤﻚ وﻛﺮﻳﻢ ﻋﻔﻮك ،ﻗﺎل :إﻧﻬﻤﺎ ﻳﻄﻤﻌﺎن ﰲ ذﻟﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻤﺎ —
وﷲ — ﻣﻦ اﻟﺮأي ﻋﲆ ﻏري ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻌﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن — رﺣﻤﻪ ﷲ — ﻗﺎل :وﷲ ﻟﻘﺪ
ﻗﺎرﺑﺖ ،ﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،إن ﻣﺮوان ﺗَﺒَﻨ ﱠ َﻚ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺗَﺒَﻨ ﱡ َﻚ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ
اﻟﱪاح؛ ﻻ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻌﺪل ،وﻻ ﻳﻘﴤ ﺑﺴﻨﺔ ،ﻳﺘﺒﻊ ﻋﺜﺮات املﺴﻠﻤني ،وﻳﻜﺸﻒ ﻋﻮرات املﺆﻣﻨني.
أﺧﺸﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ،وأﻟﻘﻤﺘُﻪ أﻣ ﱠﺮ ﻣﻦ َ وﻛﻨﺖ .ﻓﺄﺳﻤﻌﺘُﻪ
ِ ﺣﺒﺲ اﺑﻦ اﺑﻨﻲ ﻓﺄﺗﻴﺘُﻪ ﻓﻘﺎلِ :
ﻛﻨﺖ
اﻟﺼﱪ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ ﻧﻔﴘ ﺑﺎملﻼﻣﺔ ،وﻗﻠﺖ :ﻟﻢ ﻻ أﴏف ذﻟﻚ إﱃ ﻣﻦ ﻫﻮ أوﱃ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ
ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄﺗﻴﺘُﻚ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ﻟﺘﻜﻮن ﰲ أﻣﺮي ﻧﺎﻇ ًﺮا ،وﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺪﻳًﺎ.
ﻗﺎل :ﺻﺪﻗﺖ .ﻻ أﺳﺄﻟﻚ ﻋﻦ ذﻧﺒﻪ واﻟﻘﻴﺎم ﺑﺤﺠﺘﻪ ،اﻛﺘﺒﻮا ﻟﻬﺎ ﺑﺈﻃﻼﻗﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري
املﺆﻣﻨني ،وأﻧﱠﻰ ﱄ ﺑﺎﻟﺮﺟﻌﺔ وﻗﺪ ﻧﻔﺪ زادي ،وﻛ ﱠﻠﺖ راﺣﻠﺘﻲ؟ ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺮاﺣﻠﺔ وﺧﻤﺴﺔ آﻻف
درﻫﻢ ،واﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻗﻮﻣﻬﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻪ ،وﻛﺎن ﻣﻔﺘﻮﻧًﺎ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء وأﺣﺴﻨﻬﻦ وأﻓﻀﻠﻬﻦ
ً
ﺧﺼﺎﻻ ،وﻛﺎن ملﺎ ﺣﴬﺗﻪ اﻟﻮﻓﺎة ﺟﻌﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﻳﺒﻜﻲ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إﻧﻲ ﻣﻨﺸﺪك أﺑﻴﺎت
أﺳﺄﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﺗﺼﻨﻌني ﺑﻌﺪي ،وأﻋﺰم ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﺼﺪﻗﻴﻨﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﻞ ،ﻓﻮﷲ ﻻ أﻛﺬﺑﻚ.
ﻓﺄﻧﺸﺪ:
104
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ:
ﺧﻔﺘﻪ ﻳﺎ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﻦ أم ﻋﻘﺒ ْﻪ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﻨﺎ اﻟﺬي ﺗﻘﻮل وﻣﺎ ﻗﺪ
ﺮاث أﻗ ﻮﻟ ﻬ ﺎ وﺑ ﻨ ﺪﺑ ْﻪ
وﻣ ٍ ﺳﻮف أﺑﻜﻴﻚ ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ ﺷﺠﻮًا
ﻓﻘﺎل:
ﻓﻠﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ اﻷﻳﺎم وﻛﺜﺮ إﻟﺤﺎح اﻟﻨﺎس أﺟﺎﺑﺖ اﻟﺨﺎﻃﺐ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ُز ﱠﻓﺖ
ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺎءﻫﺎ ﻏﺴﺎن ﰲ اﻟﻨﻮم ﻓﺄﻧﺸﺪ:
ﻓﺎﻧﺘﻬﺒﺖ ﻣﺮﻋﻮﺑﺔ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ دﻫﺎك؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﺗﺮك
ﻏﺴﺎن ﱄ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة أرﺑًﺎ ،وﻻ ﰲ اﻟﴪور رﻏﺒﺔ ،أﺗﺎﻧﻲ ﰲ املﻨﺎم ﻓﺄﻧﺸﺪﻧﻲ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ،ﺛﻢ
ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺮددﻫﺎ وﺗﺒﻜﻲ ،ﻓﺸﺎﻏﻠﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻏﻔﻠﻦ ﻋﻨﻬﺎ أﺧﺬت ﺷﻔﺮة ﻓﺬﺑﺤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ووﻓﺖ ﻟﺰوﺟﻬﺎ.
105
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﺘﺤﻤﺴﺎت ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،وﻛﻼﻣﻬﺎ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻬﻴﺠﺎن ﺑني اﻟﻌﺮب ،ﻗﻴﻞ:
إﻧﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺘﻞ ﺑﻌﺾ رﺟﺎل ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﺗﺤﺮﺿﻬﻢ ﻋﲆ أﺧﺬ ﺛﺄره ،وﺗﻮﺑﺨﻬﻢ ﻋﲆ ﺗﻐﺎﻓﻠﻬﻢ
ﻋﻨﻪ:
ﺑ ﻌ ﺪ اﺑ ﻦ ﺳ ﻌ ﺪ وﻣ ﻦ ﻟ ﻠ ﻀ ﻤ ﺮ اﻟ ﻘ ﻮد ﻣ ﻦ ﻟ ﻠ ﺨ ﺼ ﻮم إذا ﺟ ﱠﺪ اﻟ ﻀ ﺠ ﺎج ﺑ ﻬ ﻢ
ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻊ ﻣﻦ ﻧﻮاﺻﻲ اﻟﻨﺎس ﻣﺸﻬﻮد وﻣ ﺸ ﻬ ﺪ ﻗ ﺪ ﻛ ﻔ ﻴ ﺖ اﻟ ﻐ ﺎﺋ ﺒ ﻴ ﻦ ﺑ ﻪ
ﻋ ﻨ ﺪ اﻟ ﺤ ﻔ ﺎظ وﻗ ﻠ ﺐ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﺬؤود ﻓ ﱠﺮﺟ ﺘ ﻪ ﺑ ﻠ ﺴ ﺎن ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﻠ ﺘ ﺒ ﺲ
ﻫ ﺰ اﺑ ﻦ ﺳ ﻌ ﺪ ﻗ ﻨ ﺎة ﺻ ﻠ ﺒ ﺔ اﻟ ﻌ ﻮد إذا ﻗ ﻨ ﺎة اﻣ ﺮئ أزرى ﺑ ﻬ ﺎ ﺧ ﻮر
أﻣﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﺑﻨﺔ رﺳﻮل ﷲ ﷺ .وُﻟﺪت ﻗﺒﻞ وﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ .ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب إﱃ أﺑﻴﻬﺎ
ﻋﲇ ،ﻓﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﺻﻐرية ،ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮ :زوﺟﻨﻴﻬﺎ ﻳﺎ أﺑﺎ اﻟﺤﺴﻦ؛ ﻓﺈﻧﻲ أرﺻﺪ ﻣﻦ ﻛﺮاﻣﺘﻬﺎ ﻣﺎ
ﻟﻢ ﻳﺮﺻﺪه أﺣﺪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﻋﲇ :أﻧﺎ أﺑﻌﺜﻬﺎ إﻟﻴﻚ ،ﻓﺈن رﺿﻴﺘﻬﺎ ﻓﻘﺪ زوﺟﺘﻜﻬﺎ ،ﻓﺒﻌﺜﻬﺎ إﻟﻴﻪ
ﺑﱪْده ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻗﻮﱄ ﻟﻪ :ﻫﺬا ُ
اﻟﱪد اﻟﺬي ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ذﻟﻚ ﻟﻌﻤﺮ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻗﻮﱄ ُ
رﺿﻴﺖ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻚ ،ووﺿﻊ ﻳﺪه ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬا؟ ﻟﻮﻻ أﻧﻚ أﻣري ُ ﻟﻪ :ﻗﺪ
املﺆﻣﻨني ﻟﻜﴪت أﻧﻔﻚ! ﺛﻢ ﺟﺎءت أﺑﺎﻫﺎ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﺑﻌﺜﺘﻨﻲ إﱃ ﺷﻴﺦ ﺳﻮء ،ﻗﺎل :ﻳﺎ
ﺑﻨﻴﺔ ،إﻧﻪ زوﺟﻚ.
106
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻓﺠﺎء ﻋﻤﺮ ﻓﺠﻠﺲ إﱃ املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﺮوﺿﺔ ،وﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻬﺎ املﻬﺎﺟﺮون اﻷوﻟﻮن،
ﻓﻘﺎل :ارﻓﺌﻮﻧﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﺑﻤﺎذا ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني؟ ﻗﺎل :ﺗﺰوﺟﺖ أم ﻛﻠﺜﻮم ﺑﻨﺖ ﻋﲇ؛ ﺳﻤﻌﺖ
رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻳﻘﻮل» :ﻛﻞ ﺳﺒﺐ وﻧﺴﺐ وﺻﻬﺮ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ إﻻ ﺳﺒﺒﻲ وﻧﺴﺒﻲ
وﺻﻬﺮي «.وﻛﺎن ﱄ ﺑﻪ ﷺ اﻟﻨﺴﺐ واﻟﺴﺒﺐ ،ﻓﺄردت أن أﺟﻤﻊ إﻟﻴﻪ اﻟﺼﻬﺮ ،ﱠ
ﻓﺮﻓﺌُﻮه،
ﻣﻬﺮ أرﺑﻌني ً
أﻟﻔﺎ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ زﻳﺪًا ورﻗﻴﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ أم ﻛﻠﺜﻮم واﺑﻨﻬﺎ زﻳﺪ ﰲ ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻋﲆ ٍ
وﻗﺖ واﺣﺪ — وﻛﺎن زﻳﺪ ﻗﺪ أﺻﻴﺐ ﰲ ﺣﺮب ﻛﺎﻧﺖ ﺑني ﺑﻨﻲ ﻋﺪي ﺧﺮج ﻟﻴﺼﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﻢ،
ﻓﴬﺑﻪ رﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻓﺸﺠﱠ ﻪ وﴏَﻋﻪ ،ﻓﻌﺎش أﻳﺎﻣً ﺎ ﺛﻢ ﻣﺎت ﻫﻮ وأﻣﻪ ،وﺻﲆ
ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ،وﻗﺪﻣﻪ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ — وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ،وملﺎ
ُﻗﺘﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻤ ُﺮ ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﻋﻮن ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ.
وﻗﻴﻞ :ملﺎ ﺗﺄﻳﻤﺖ أم ﻛﻠﺜﻮم ﺑﻨﺖ ﻋﲇ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴني
أﺧﻮاﻫﺎ ﻓﻘﺎﻻ ﻟﻬﺎ :إﻧﻚ ﻣﻤﱠ ﻦ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺳﻴﺪة ﻧﺴﺎء املﺴﻠﻤني ،وﺑﻨﺖ ﺳﻴﺪﺗﻬﻦ ،وإﻧﻚ وﷲ إن
أردت أن ﺗﺼﻴﺒﻲ ﺑﻨﻔﺴﻚ ً
ﻣﺎﻻ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ِ ِ
أﻣﻜﻨﺖ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻣﻦ ُرﻣﱠ ﺘﻚ ﻟﻨﻜﺤﻚ ﺑﻌﺾ أﻳﺘﺎﻣﻪ ،وﻟﱧ
ﻻ ﺗﺼﻴﺒﻴﻨﻪ ،ﻓﻮﷲ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺎ ﺣﺘﻰ ﻃﻠﻊ ﻋﲇ ﱞ ﻳﺘﻜﺊ ﻋﲆ ﻋﺼﺎ ،ﻓﺠﻠﺲ ﻓﺤﻤﺪ ﷲ وأﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ،
وذﻛﺮ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﻢ ﻣﻦ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﻗﺎل :ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺘﻢ ﻣﻨﺰﻟﺘﻜﻢ ﻋﻨﺪي ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،وآﺛﺮﺗﻜﻢ
ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ وﻟﺪي ملﻜﺎﻧﻜﻢ ﻣﻦ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،وﻗﺮاﺑﺘﻜﻢ ﻋﻨﻪ.
ﻗﺎﻟﻮا :ﺻﺪﻗﺖ — رﺣﻤﻚ ﷲ — ﻓﺠﺰاك ﷲ ﻋﻨﺎ ﺧريًا ،ﻓﻘﺎل :أي ﺑُﻨﻴﱠﺔ ،إن ﷲ — ﻋﺰ
وﺟﻞ — ﻗﺪ ﺟﻌﻞ أﻣﺮك ﺑﻴﺪك ،وأﻧﺎ أﺣﺐ أن ﺗﺠﻌﻠﻴﻪ ﺑﻴﺪي ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أي ِ
أﺑﺖ ،إﻧﻲ اﻣﺮأة
أرﻏﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺴﺎء ،وأﺣﺐﱡ أن أﺻﻴﺐ ﻣﻤﺎ ﺗﺼﻴﺐ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وأﻧﺎ أرﻳﺪ
أن أﻧﻈﺮ ﰲ أﻣﺮ ﻧﻔﴘ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ ﻳﺎ ﺑﻨﻴﺔ ،ﻣﺎ ﻫﺬا ﻣﻦ رأﻳﻚ ،وﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ رأي ﻫﺬﻳﻦ .ﺛﻢ
ﻗﺎم ﻓﻘﺎل :وﷲ ﻻ أﻛﻠﻢ ً
رﺟﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ أو ﺗﻔﻌﻠني ،ﻓﺄﺧﺬا ﺑﺜﻴﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻻ :اﺟﻠﺲ ﻳﺎ أﺑﺎﻧﺎ ،ﻓﻮﷲ
ﻣﺎ ﻋﲆ ﻫﺠﺮﺗﻚ ﻣﻦ ﺻﱪ.
ﻓﻘﺎﻻ ﻟﻬﺎ :اﺟﻌﲇ أﻣﺮك ﺑﻴﺪه ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ ،ﻗﺎل :ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ زوﱠﺟﺘﻚ ﻣﻦ ﻋﻮن ﺑﻦ
ﺟﻌﻔﺮ ،وإﻧﻪ ﻟﻐﻼم .وﺑﻌﺚ ﻟﻬﺎ ﺑﺄرﺑﻌﺔ آﻻف درﻫﻢ ،وأدﺧﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻣﻌﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت
ﻗﺘﻴﻼ ﰲ وﻗﻌﺔ ﻛﺮﺑﻼء وﻫﻲ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴني ،ورﺟﻌﺖ ﻣﻊ اﻟﺴﺒﺎﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق إﱃ ﻋﻨﻬﺎ ً
اﻟﺸﺎم ،ﺛﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وذﻟﻚ ﰲ ﻗﺼﺔ ﻣﺸﻬﻮرة ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ.
107
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﺳﻠﻤﺖ وﻫﺎﺟﺮت وﺑﺎﻳﻌﺖ اﻟﺮﺳﻮل ﷺ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺠﺮﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٧ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﺗﺰوﺟﻬﺎ زﻳﺪ
ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ،ﻓﻘﺘﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﻳﻮم ﻣﺆﺗﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﻬﺎ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ زﻳﻨﺐ ،وﻃﻠﻘﻬﺎ
ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮف ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ وأﺣﻤﺪ وﻏريﻫﻤﺎ ،وﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ
ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻋﻨﺪه .وﻛﺎﻧﺖ أول ﻣﻬﺎﺟﺮة ﻣﻦ ﻣﻜﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ.
ﻗﻴﻞ :ﻣﺸﺖ ﻋﲆ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وملﺎ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﲆ املﻬﺎﺟﺮة أﺗﻰ أﺧﻮاﻫﺎ
ﺎت َﻓ َﻼ ﺗَ ْﺮ ِﺟﻌُ ُ
ﻮﻫ ﱠﻦ إ ِ َﱃ ُﻮﻫ ﱠﻦ ُﻣ ْﺆ ِﻣﻨ َ ٍ ﻋﻤﺎرة واﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﻄﻠﺒﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ اﻵﻳﺔَ :
﴿ﻓ ِﺈ ْن ﻋَ ﻠِﻤْ ﺘُﻤ ُ
ا ْﻟ ُﻜ ﱠﻔ ِﺎر﴾ )املﻤﺘﺤﻨﺔ .(١٠ :وﻛﺎﻧﺖ أم ﻛﻠﺜﻮم أﺧﺖ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ﻷﻣﻪ ،وﻗﺪ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ
ﻮﻫ ﱠﻦ ۖ ﷲ ُ أَﻋْ َﻠ ُﻢ ِﺑ ِﺈﻳﻤَ ﺎﻧ ِِﻬ ﱠﻦ﴾ات َﻓﺎﻣْ ﺘَﺤِ ﻨ ُ ُ
ﺎﺟ َﺮ ٍ ﴿ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ ا ﱠﻟﺬ َ
ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا إِذَا ﺟَ ﺎءَ ُﻛ ُﻢ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ َ ُ
ﺎت ﻣُﻬَ ِ
)املﻤﺘﺤﻨﺔ (١٠ :إﱃ آﺧﺮﻫﺎ.
108
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وملﺎ ﻧُﻌﻲ ﻋﻤﺮو إﱃ أﺧﺘﻪ أم ﻛﻠﺜﻮم ﺳﺄﻟﺖ :ﻣَ ﻦ ﻗﺎﺗﻠﻪ؟ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ :ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻢ ﻳﺄت ﻳﻮﻣﻪ إﻻ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻛﻒء ﻛﺮﻳﻢ ،وأﻧﺸﺪت:
وأﻧﺸﺪت ً
أﻳﻀﺎ:
ﻟ ﻜ ﻨ ﺖ أﺑ ﻜ ﻲ ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ آﺧ ﺮ اﻷﺑ ِﺪ ﻟ ﻮ ﻛ ﺎن ﻗ ﺎﺗ ﻞ ﻋ ﻤ ﺮو ﻏ ﻴ ﺮ ﻗ ﺎﺗ ﻠ ﻪ
ﻣ ﻦ ﻛ ﺎن ﻳ ﺪﻋ ﻲ أﺑ ﻮه ﺑ ﻴ ﻀ ﺔ اﻟ ﺒ ﻠ ِﺪ ﻟ ﻜ ﻦ ﻗ ﺎﺗ ﻠ ﻪ ﻣ ﻦ ﻻ ﻳ ﻌ ﺎب ﺑ ﻪ
إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻤﻴﺖ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺤﺴ ِﺪ ﻣﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﻓﻲ ذراﻫﺎ وﻫﻲ ﺻﺎﻋﺪة
ﻣ ﻜ ﺎرم اﻟ ﺪﻳ ﻦ واﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ ﺑ ﻼ ﻟ ﺪدِ ﻗ ﻮم أﺑ ﻰ اﻟ ﻠ ﻪ إﻻ أن ﻳ ﻜ ﻮن ﻟ ﻬ ﻢ
ﺑ ﻜ ﺎء ﻣ ﻌ ﻮﻟ ﺔ ﺣ ﱠﺮى ﻋ ﻠ ﻰ وﻟ ﺪ ﻳ ﺎ أم ﻛ ﻠ ﺜ ﻮم اﺑ ﻜ ﻴ ﻪ وﻻ ﺗ ﺪﻋ ﻲ
وملﺎ ﺑﻠﻐﺖ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻋﻠﻢ وﻓﻮر ﻋﻘﻠﻬﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﻣﺎﺋﻠﺔ إﱃ اﻹﺳﻼم ،ﻓﺪﻋﺎﻫﺎ إﱃ
ذﻟﻚ ،ﻓﻠﺒﱠﺖ ﻃﻠﺒﻪ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳﻮم ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ إﱃ أن ﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ.
109
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
أﻣﻮاﻻ ﺟﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﺴﻌﻰ ﺑﻬﺎ أﻋﺪاؤﻫﺎ إﱃ ﺑﻦ املﺘﻮﻛﻞ ،وأﻛﺜﺮت ﻣﻦ اﻟﻨﺜﺎر واﻟﺪﻋﻮات ،وﺧﴪت
ﱠ
املﻘﺘﺪر وﻗﺎﻟﻮا :إﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺳﻌﺖ ﻷﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﰲ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﺣﻠﻔﺖ ﻟﻪ اﻟﻘﻮاد ،وﻛﺜﺮ اﻟﻘﻮل
ً
أﻣﻮاﻻ ﺟﺴﻴﻤﺔ ،وﺟﻮاﻫﺮ ﻧﻔﻴﺴﺔ. ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﻘﺘﺪر وأﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻘﻴﻠﺔ ﻗﻮﻣﻬﺎ ،ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ ﻛﻠﻤﺘﻬﺎ ،وﻛﺎن وﻟﺪﻫﺎ ﻧﺪﺑﺔ — ﻳﻜﻨﻰ أﺑﺎ ﻗﺮاﻓﺔ
— ﻗﺪ ﻗﺘﻠﻪ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ زﻫري اﻟﻌﺒﴘ ﰲ ﺣﺮب داﺣﺲ واﻟﻐﱪاء ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ وﺗﻠﻮم زوﺟﻬﺎ
ﺑﻘﺒﻮل اﻟﺪﻳﺔ:
110
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
111
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﻃﻮﻳﻼ؛ ﻷن اﻟﻔﺴﻖ واﻟﻔﻮاﺣﺶ واﻟﻠﺬات أﺿﻨﺘﻪ ،ﻓﻤﺎت ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺠﺎﻫﻞ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ زﻣﺎﻧًﺎ
ﻳﺎﻓﻌً ﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،ﻓﺎﺿﻄﺮت إذ ذاك إﱃ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ
»ﺳﻴﺒﻮدوﻧﺲ« اﻟﺠﺒﺎن اﻟﺒﺨﻴﻞ ،ﻓﺜﺎر اﻟﻔﻮﺛﻴﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻧﻔﻮﻫﺎ إﱃ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻐرية ﰲ ﺑﺤرية
»ﺑﻮﻟﻴﺴﻨﺎ« ،وﻫﻨﺎك ﻗﺘﻠﻮﻫﺎ ﺳﻨﺔ ٥٣٨ق.م ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم ً
ﺧﻨﻘﺎ ،وﻫﻜﺬا اﻧﺘﻬﺖ ﺣﻴﺎة ﻫﺬه املﻠﻜﺔ
اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ.
أﻣﻬﺎ زﻳﻨﺐ اﺑﻨﺔ رﺳﻮل ﷲ ﷺ .وﻟﺪت ﻋﲆ ﻋﻬﺪ ﺟﺪﻫﺎ ﷺ ،وﻛﺎن ﻳﺤﺒﻬﺎ وﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﰲ
اﻟﺼﻼة ،وﻛﺎن إذا رﻛﻊ أو ﺳﺠﺪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ،وإذا ﻗﺎم ﺣﻤﻠﻬﺎ.
و ُروي ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ أن رﺳﻮل ﷲ ﷺ أﻫﺪﻳﺖ ﻟﻪ ﻫﺪﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻼدة ﻣﻦ ﺟﺰع ﻓﻘﺎل:
»ﻷدﻓﻌﻨﻬﺎ إﱃ أﺣﺐ أﻫﲇ إﱄ ﱠ «.ﻓﺪﻋﺎ أﻣﺎﻣﺔ اﺑﻨﺔ زﻳﻨﺐ ﻓﻌﻠﻘﻬﺎ ﰲ ﻋﻨﻘﻬﺎ .وملﺎ ﻛﱪت أﻣﺎﻣﺔ
ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ أوﺻﺖ ﻋﻠﻴٍّﺎ أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ،
ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮام؛ ﻷن أﺑﺎﻫﺎ ﻗﺪ أوﺻﺎه ﺑﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟُ ﺮح ﻋﲇ
ﺧﺎف أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻓﺄﻣﺮ املﻐرية ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ
ﺑﻌﺪه ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﰲ ﻋﲇ وﻗﻀﺖ اﻟﻌﺪة ﺗﺰوﺟﻬﺎ املﻐرية ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻳﺤﻴﻰ ،وﺑﻪ ﻛﺎن ﻳﻜﻨﻰ،
ﻓﻬﻠﻜﺖ ﻋﻨﺪ املﻐرية.
أﻣﻬﺎ ﺳﻠﻤﻰ ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻴﺲ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺼﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲇ وﺟﻌﻔﺮ وزﻳﺪ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ —
ملﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ وﺳﺄﻟﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني أن ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻌﻞ ،ﻓﺎﺟﺘﺎز ﺑﻬﺎ
ﻋﲇ ﱞ ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ،ﻓﻄﻠﺐ ﺟﻌﻔﺮ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻨﺪه؛ ﻷن ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ أﺳﻤﺎء اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻴﺲ ﻋﻨﺪه ،وﻃﻠﺒﻬﺎ
زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻨﺪه؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﺪ آﺧﻰ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﻘﴣ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ
ﷺ ﻟﺠﻌﻔﺮ؛ ﻷن ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪه ،ﺛﻢ زوﺟﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ﻣﻦ ﺳﻠﻤﺔ اﺑﻦ أم ﺳﻠﻤﺔ ،وﺳﻤﺎﻫﺎ
اﻟﻮاﻗﺪي ﻋﻤﺎرة ،وأﺧﻮاﻫﺎ ﻷﻣﻬﺎ ﻋﺒ ُﺪ ﷲ وﻋﺒ ُﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﺑﻨﺎ ﺷﺪاد ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﻴﺎت
املﺤﺪﺛﺎت اﻟﻼﺗﻲ أﺧﺬ ﻋﻨﻬﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫري املﺤﺪﺛني.
112
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
أﻣﺎﻣﺔ املﺮﻳﺪﻳﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮات ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب ،إﻻ أن ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻗﻠﻴﻞ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ وﻗﺘﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﻳﺠﻤﻊ
اﻟﺸﻌﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﺎﺑﻴﺔ ﻣﺤﺪﱠﺛﺔ أﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ املﺤﺪﺛني.
وﻣﻤﺎ ﻳﺮوى ﻋﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ملﺎ ﻗﺘﻞ ﺳﺎﻟ ُﻢ ﺑ ُﻦ ﻋﻤري أﺑﺎ ﻋﺘﻴﻚ — أﺣﺪ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﺮو
ﺑﻦ ﻋﻮف — وﻛﺎن ﻣﻦ املﻨﺎﻓﻘني وﻇﻬﺮ ﻧﻔﺎﻗﻪ ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :ﻣﻦ ﱄ ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﺨﺒﻴﺚ؟« ﻓﺨﺮج إﻟﻴﻪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﻤري ﻓﻘﺘﻠﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﰲ ذﻟﻚ:
أﺑﻮﻫﺎ ذو اﻷﺻﺒﻊ اﻟﻌﺪواﻧﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻔﺎرس املﺸﻬﻮر .ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺎﻣﺔ ﺷﺎﻋﺮة ﻣﺸﻬﻮرة ﻳُﺸﺎر
إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻨﺎن ،أﺧﺬت اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺸﻌﺮ ﻋﻦ واﻟﺪﻫﺎ وﻫﻲ أﺻﻐﺮ أوﻻده ،وﻛﺎن ﻳﺤﺒﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔ
ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وملﺤﺒﺘﻪ أﺣﺒﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﺒﻴﻠﺘﻬﺎ ،وﻟﻬﺎ ﻳﻘﻮل ورأﺗﻪ ﻗﺪ ﻧﻬﺾ وﺳﻘﻂ وﺗﻮﻛﺄ ﻋﲆ
اﻟﻌﺼﺎ ﻓﺒﻜﺖ ﻓﻘﺎل:
113
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟ ﺤ ﻈ ﻨ ﺎ ﻳ ﺠ ﺮﺣ ﻜ ﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﺨ ﺪود ﻟ ﺤ ﺎﻇ ﻜ ﻢ ﺗ ﺠ ﺮﺣ ﻨ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﺤ ﺸ ﺎ
ﻓﻤﺎ اﻟﺬي أوﺟﺐ ﺟﺮح اﻟﺼﺪود؟ ﺟ ﺮح ﺑ ﺠ ﺮح ﻓ ﺎﺟ ﻌ ﻠ ﻮا ذا ﺑ ﺬا
114
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
115
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻫﻲ ﺗﻬﺪﻳﻬﻦ ملﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺤﺮب ورﺟﻊ املﺴﻠﻤﻮن ﻣﻨﺼﻮرﻳﻦ ،ﻓﻨﺎﻟﺖ ﺑﺬﻟﻚ
رﺿﺎ رﺑﻬﺎ وﻣﺪح ﻗﻮﻣﻬﺎ.
ﻓﻘﺎل اﻷﺣﻮص:
وملﺎ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﻮص ﻣﻦ ذﻛﺮﻫﺎ ﺟﺎءت ﻣﺘﻨﻘﺒﺔ ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﻗﻮﻣﻪ
اﺑﺘﻌﺖ ﻣﻨﻚ ﺷﻴﺌًﺎ،
ُ اﻗﺾ ﺛﻤﻦ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺘﻲ اﺑﺘﻌﺘﻬﺎ ﻣﻨﻲ ،ﻗﺎل :ﻣﺎ
وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪِ :
116
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻓﺄﻇﻬﺮت ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻗﺪ وﺿﻌﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺑﻜﺖ وﺷﻜﺖ ﺣﺎﺟﺔ وﻓﺎﻗﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻗﻮم ﻛ ﱢﻠﻤﻮه ،ﻓﻼﻣﻪ
ﻗﻮﻣﻪ وﻗﺎﻟﻮا :اﻗﺾ املﺮأة ﺣﻘﻬﺎ ،ﻓﺤﻠﻒ أﻧﻪ ﻣﺎ رآﻫﺎ ﻗﻂ وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﻜﺸﻔﺖ ﻋﻦ وﺟﻬﻬﺎ
وﻗﺎﻟﺖ :وﻳﺤﻚ! أﻣﺎ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ؟ ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺤﻠﻒ أﻧﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ وﻻ رآﻫﺎ ﻗﻂ ،ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﻔﺎض
ﻗﻮﻟﻬﺎ وﻗﻮﻟﻪ ،واﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس وﻛﺜﺮوا وﺳﻤﻌﻮا ﻣﺎ دار ،وﻛﺜﺮ ﻟﻐﻄﻬﻢ وأﻗﻮاﻟﻬﻢ؛ ﻗﺎﻣﺖ ﺛﻢ
ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،اﺳﻜﺘﻮا .ﻓﺴﻜﺖ اﻟﻨﺎس ،ﺛﻢ أﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺪو ﷲ ،ﺻﺪﻗﺖ
وﷲ ،ﻣﺎ ﱄ ﻋﻠﻴﻚ ﺣﻖ ،وﻻ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ،وﻗﺪ ﺣﻠﻔﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ وأﻧﺖ ﺻﺎدق ،وأﻧﺎ أم ﺟﻌﻔﺮ،
َ
وﻗﻠﺖ ﱄ وأﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺮﻧﻲ وأﻧﺖ ﺗﻘﻮل :ﻗﻠﺖ ﻷم ﺟﻌﻔﺮ ،وﻗﺎﻟﺖ ﱄ أم ﺟﻌﻔﺮ؛ ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ُ
ﻗﻠﺖ ﻟﻚ
إﻻ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ .ﻓﺨﺠﻞ اﻷﺣﻮص واﻧﻜﴪ ﻋﻦ ذﻟﻚ وﺑﺮﺋﺖ ﻋﻨﺪﻫﻢ.
ﻣ ﻦ ﻫ ﻼك ﻓ ﻬ ﻠ ﻚ ﻃ ﺎف ﻳ ﺒ ﻐ ﻲ ﻧ ﺠ ﻮة
أي ﺷ ﻲء ﻗ ﺘ ﻠ ﻚ ﻟ ﻴ ﺖ ﺷ ﻌ ﺮي ﺿ ﻠ ﺔ
أم ﻋ ﺪو ﺧ ﺘ ﻠ ﻚ؟ أﻣ ﺮﻳ ﺾ ﻟ ﻢ ﺗ ﻌ ﺪ
ﻏﺎل ﻓﻲ اﻟﺪﻫﺮ اﻟﺴﻠﻚ؟ أم ﺗ ﻮﻟ ﻲ ﻣ ﺎرد
117
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
ٍ
ﻣﺮاث وأﺷﻌﺎر ﻛﺜرية ﻏري ذﻟﻚ. وﻟﻬﺎ
أﻣﻴﻤﺔ اﺑﻨﺔ ﺧﻠﻒ ﺑﻦ أﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﺑﻴﺎﺿﺔ ﺑﻦ ﺳﺒﻴﻊ ﺑﻦ ﺟﻌﺜﻤﺔ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻣﻠﻴﺢ
ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ اﻟﺨﺰاﻋﻴﺔ.
وﻫﻲ ﻋﻤﺔ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ ا ُمل ﱠﻠﻘﺐ ﻃﻠﺤﺔ اﻟﻄﻠﺤﺎت ،وﻫﻲ زوﺟﺔ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ
ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص .ﻫﺎﺟﺮت ﻣﻌﻪ إﱃ أرض اﻟﺤﺒﺸﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘﺎت إﱃ اﻹﺳﻼم.
وﻗﻴﻞ :اﺳﻤﻬﺎ أﻣﻴﻨﺔ ،وﻗﻴﻞ :ﻫﻤﻴﻨﺔ ،ووﻟﺪت ﺑﺎﻟﺤﺒﺸﺔ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ،وأﻣﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﺎﻟﺪ،
وﻟﻬﺎ ﺻﺤﺒﺔ ﺣﺴﻨﺔ ،وﻋﴩة ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ورﺟﻌﺖ ﻣﻊ ﻣَ ﻦ رﺟﻊ ﻣﻦ ﻣﻬﺎﺟﺮي اﻟﺤﺒﺸﺔ إﱃ
املﺪﻳﻨﺔ.
118
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وأﻣﻬﺎ ﺗﻔﺨﺮ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ دوس ﺑﻦ ﻛﻼب ،ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻣﺠﺪ أﺛﻴﻞ ،وﺑﻴﺖ أﺻﻴﻞ ،وﺑﺎع
ﻃﻮﻳﻞ .ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺣﺎرﺛﺔ ﺑﻦ اﻷوﻗﺺ اﻟﺴﻠﻤﻲ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ،وﻗﺘﻞ أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن
ﺑﻦ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ أﺧﺎﻫﺎ ﰲ ﻳﻮم ﻋﻜﺎظ ﻣﻦ ﺣﺮب اﻟﻔﺠﺎر .وﻛﺎن ﻳﻌ ﱡﺪ أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن
وإﺧﻮﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺑﺲ ،وﻫﻲ اﻷﺳﺪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ أﻣﻴﻤﺔ ﺗﺮﺛﻴﻪ وﺗﺮﺛﻲ ﻣَ ﻦ ُﻗﺘﻞ ﰲ ﺣﺮب اﻟﻔﺠﺎر
ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ:
119
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
120
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
121
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺧﻄﺮ ﻟﻪ أن ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ ﻳﺴري ،ﻓﺄﻣﺮ ﻋﺴﻜﺮه ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع ﻟﻴﺠﻤﻊ ﴐﻳﺒﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺄﺑﺖ اﻟﻌﺴﻜﺮ
أن ﺗﺮﺟﻊ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻌﺎد ﺑﴩذﻣﺔ ﻳﺴرية ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺎذا ﻳﻄﻠﺐ ،ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ
ﻈﺎ وﻫﺠﻤﻮا ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻦ ﻣﻌﻪ،ﺑﺠﻤﻊ اﻟﺠﻠﻮد واﻟﻌﺴﻞ واملﺎل ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ذﻟﻚ اﺣﺘﺪوا ﻏﻴ ً
وأﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻤﺴﻜﻮه وأﺣﻨﻮا ﺷﺠﺮﺗني ورﺑﻄﻮه ﺑﻄﺮﻓﻴﻬﻤﺎ وﺗﺮﻛﻮﻫﻤﺎ ،ﻓﺮﺟﻌﺘﺎ إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ؛
ﻓﺘﻤﺰق اﻷﻣري إرﺑًﺎ إرﺑًﺎ ،وﻣﺎت ﺷﻬﻴﺪ اﻟﻄﻤﻊ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺘﻠﻪ »اﻟﺪرﻳﻔﻠﻴﺎن« اﻧﺘﺨﺒﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﻋﴩﻳﻦ
رﺟﻼ وأرﺳﻠﻮﻫﻢ إﱃ اﻣﺮأة »إﻳﻔﻮر« ﻳﻄﻠﺒﻮن إﻟﻴﻬﺎ أن ﺗﺘﺰوج أﻣريﻫﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻰ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺮﺳﻞ ً
ﺳﺄﻟﺘﻬﻢ :ﻣﺎذا ﻳﻄﻠﺒﻮن؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﻮا :إﻧﻨﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎ زوﺟﻚ ﻷﻧﻪ ﺧﺮب أرﺿﻨﺎ ،واﻵن ﻧﻄﻠﺐ أن ﺗﻘﺒﲇ
أﻣريﻧﺎ زوﺟً ﺎ ﻟﻚ.
ﻈﻤﻜﻢ ﰲ أﻋني ﺷﻌﺒﻲ؛ ُ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺣﺴﻨًﺎ ﺗﻘﻮﻟﻮن .أﺟﻴﺐ ﻃﻠﺒﻜﻢ ،وإﻧﻤﺎ أرﻳﺪ أن أﻋ ﱢ
ﻓﺎرﺟﻌﻮا إﱃ ﺳﻔﻴﻨﺘﻜﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺄﺗﻴﻜﻢ رﺳﲇ اﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻬﻢ أن ﻳﺤﻤﻠﻮﻛﻢ ﻋﲆ أﻛﺘﺎﻓﻬﻢ ،وﺑﻌﺪ
ﺧﻨﺪﻗﺎ وراء ﻗﴫﻫﺎ ،وأرﺳﻠﺖ ُرﺳﻠﻬﺎ وأﻣﺮﺗﻬﻢ ً اﻧﴫاف اﻟﺮﺳﻞ أﻣﺮت »أوﻟﻐﺎ« أن ﻳﺤﻔﺮوا
أن ﻳﺤﻤﻠﻮﻫﻢ وﻳﻄﺮﺣﻮﻫﻢ ﰲ اﻟﺤﻔﺮة .ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻰ رﺳﻞ »أوﻟﻐﺎ« إﻟﻴﻬﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ أوﻟﺌﻚ :ﻻ
ﻧﺬﻫﺐ ﻣﺸﺎة ،وﻻ ﻧﻤﺘﻄﻲ ﺻﻬﻮات اﻟﺠﻴﺎد ،وﻻ ﻧﺮﻛﺐ اﻟﻌﺠﻼت؛ اﺣﻤﻠﻮﻧﺎ ﻋﲆ أﻛﺘﺎﻓﻜﻢ.
ﻓﺄﺟﺎﺑﻮا ﻃﻠﺒﻬﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﻮا اﻟﻘﴫ ﻃﺮﺣﻮﻫﻢ ﰲ اﻟﺤﻔﺮة ا ُملﻌﺪة ﻟﻬﻢ وواروﻫﻢ اﻟﱰاب،
وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أرﺳﻠﺖ »أوﻟﻐﺎ« ﺗﻘﻮل ﻟﻬﻢ :إذا ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺮﻏﺒﻮن ﺣﻘﻴﻘﺔ أن أﻛﻮن اﻣﺮأة ﻷﻣريﻛﻢ
ﻓﺄرﺳﻠﻮا رؤﺳﺎء ﻗﻮﻣﻜﻢ ﻷﺣﴬ ﻣﻌﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻮا أﻣﺮﺗﻬﻢ أن ﻳﻐﺘﺴﻠﻮا ﰲ اﻟﺤﻤﺎم.
ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﻮه أﻣﺮت ﺑﺈﺣﺮاﻗﻪ ،ﻓﻤﺎﺗﻮا ﻋﻦ ﺑﻜﺮة أﺑﻴﻬﻢ ،وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ أرﺳﻠﺖ ﺗﻘﻮل
»ﻟﻠﺪرﻳﻔﻠﻴﺎن« :اﺳﺘﻌﺪوا ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﱄ ،وﻫﻴﺌﻮا املﴩوﺑﺎت ﻋﲆ ﻗﱪ زوﺟﻲ؛ ﻓﺈﻧﻲ ﻋﺎزﻣﺔ ﻋﲆ
أن أﺑﻜﻲ ﻫﻨﺎك ،وﻣﻦ ﺛﻢ أﺗﺰوج ﺑﺄﻣريﻛﻢ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻮا ﻃﻠﺒﻬﺎ .وملﺎ ﻗﺪﻣﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﺳﺄﻟﻮﻫﺎ :أﻳﻦ
رﺟﺎﻟﻨﺎ؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﻢ :ﺳﻴﺤﴬون ﻣﻊ ﻋﺴﻜﺮ زوﺟﻲ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أوملﺖ وﻟﻴﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻟﻌﺒﺖ اﻟﺨﻤﻮر ﰲ رءوس »اﻟﺪرﻳﻔﻠﻴﺎن« ﺑﻄﺶ ﺑﻬﻢ رﺟﺎل »أوﻟﻐﺎ« ،وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻤﺴﺔ
آﻻف رﺟﻞ ،ورﺟﻌﺖ ﻋﲆ اﻷﻋﻘﺎب إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﺎ .وﺑﻌﺪ ﻣﴤ ﺳﻨﺔ ﺟﻤﻌﺖ ﻋﺴﻜ ًﺮا ،وأﺧﺬت
اﺑﻨﻬﺎ ،وﻏﺰت »اﻟﺪرﻳﻔﻠﻴﺎن« ،وﺣﺎﴏت ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﻢ.
ً
وملﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺪر أن ﺗﺄﺧﺬﻫﺎ أرﺳﻠﺖ ﺗﻘﻮل ﻟﻬﻢ :أﻋﺎزﻣﻮن أن ﺗﻤﻮﺗﻮا ﺟﻮﻋً ﺎ وﻋﻄﺸﺎ؟
اﺟﻤﻌﻮا ﱄ ﺟﺰﻳﺔ وأﻧﺎ أرﺣﻞ ﻋﻨﻜﻢ ،وأﻧﺎ أﻃﻠﺐ ﻣﻨﻜﻢ ﺟﺰﻳﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ؛ وﻫﻲ :ﺛﻼث ﺣﻤﺎﻣﺎت
وﺣﺎﻻ ﺟﻤﻌﻮا املﻄﻠﻮب وأرﺳﻠﻮه ﻋﲆ ً ﻓﴪوا ﴎو ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ،وﺛﻼث ﻋﺼﺎﻓري ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ،ﱡ
ﺟﻨﺎح اﻟﴪﻋﺔ ،ﻓﺄﻣﺮت »أوﻟﻐﺎ« ﻋﺴﺎﻛﺮﻫﺎ ﺑﺄن ﻳﺮﺑﻄﻮا ﺑﺄذﻧﺎﺑﻬﺎ ً
ﺧﺮﻗﺎ ﻣﻠﻮﺛﺔ ﺑﻤﻮاد ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ،
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻟﻬﻢ اﻟﻈﻼم ﻳﺸﻌﻠﻮن اﻟﺨﺮق وﻳﻄﻠﻘﻮن اﻟﺤﻤﺎم واﻟﻌﺼﺎﻓري .ﻓﻔﻌﻠﻮا ذﻟﻚ،
122
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
َ
اﻟﺒﻴﻮت ،وﻓﺮا ًرا ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﻖ ﻫﺮب ﺳﻜﺎن املﺪﻳﻨﺔ، ورﺟﻊ ﻛﻞ ﻃري إﱃ ﻋﺸﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﻬﻤﺖ اﻟﻨﺎ ُر
ﻓﻼﻗﺘﻬﻢ »أوﻟﻐﺎ« ﺑﻌﺴﻜﺮﻫﺎ وﻓ ﱠﺮﻗﺘﻬﻢ أﻳﺪي »ﺳﺒﺄ« ،وﻧﻬﺒﺖ أرﺿﻬﻢ ،ودوﺧﺖ ﻋﺪة ﻗﺒﺎﺋﻞ،
وﴐﺑﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،ورﺟﻌﺖ إﱃ »ﻛﻴﻴﻒ« ﺛﻢ ﺳﺎﻓﺮت إﱃ »ﻧﻮﻓﻮﻏﻮدود«،
ﻓﺎﺳﺘﻤﺎﻟﺖ ﺑﺤﻜﻤﺘﻬﺎ ﻛﻞ اﻟﻘﻠﻮب.
وﺳﻨﺔ ٦٥٥م ،ﺳ ﱠﻠﻤﺖ زﻣﺎم املﻠﻚ ﻻﺑﻨﻬﺎ املﺬﻛﻮر ،وﺗﻔﺮﻏﺖ ﻷﻣﻮر اﻟﻌﺒﺎدة ،ﻓﺎﻋﺘﻨﻘﺖ
املﺬﻫﺐ املﺴﻴﺤﻲ ،وﻋﻤﱠ ﺪﻫﺎ ﰲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ املﺬﻛﻮرة اﻟﺒﻄﺮﻳﺮك ﺑﺤﻀﻮر
اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻗﺴﻄﻨﻄني ﺑﻮرﻓريو ﺟﻴﻨﻴﺘﻮس« ،وﺣﺎوﻟﺖ إﻗﻨﺎع اﺑﻨﻬﺎ ﺑﺎﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ
ﻳﻐﻦ اﺟﺘﻬﺎدﻫﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻣﺎﺗﺖ ﺳﻨﺔ ٩٦٨م ،ﻓﺄﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺟﺪٍّا ،واﺣﱰﻣﻬﺎ اﻟﺮوس
اﺣﱰام ﻗﺪﻳﺴﺔ .وﰲ أﻳﺎﻣﻬﺎ ذاع اﺳﻢ روﺳﻴﺎ ﰲ اﻷﻗﻄﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ.
أوملﺒﻴﺎس اﺑﻨﺔ ﻧﻴﻮ ﺑﺘﻮﻟﻴﻤﺲ ﻣﻠﻚ أﺑريوس واﻣﺮأة ﻓﻴﻠﺒﺲ املﻜﺪوﻧﻲ وأم إﺳﻜﻨﺪر اﻟﻜﺒري.
اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻜﺜﺮة ﻗﺒﺎﺋﺤﻬﺎ ،وﺗﺴﻠﻴﻤﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ ﺷﻬﻮاﺗﻬﺎ ،ﻓﻬﺠَ ﺮﻫﺎ »ﻓﻴﻠﺒﺲ« ،ﻓﻤﻀﺖ
ودﺳﺖ إﱃ زوﺟﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﻗﺘﻠﻪ وﻫﻮ ﰲ »ﺑﻮﺳﺎﻧﻴﺎس« ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ »ﻣﻜﺪوﻧﻴﺎ«إﱃ »أﺑريوس« ،ﱠ
وأﻋﻠﻨﺖ ﻓﺮﺣﻬﺎ ﺑﻘﺘﻞ زوﺟﻬﺎ.
واﺣﺘﻔﻠﺖ ﺑﺠﻨﺎزة »ﺑﻮﺳﺎﻧﻴﺎس« ﻗﺎﺗﻠﻪ ﺑﻼ وﺟﻞ وﻻ ﺧﺠﻞ ،وملﺎ ﻣﻠﻚ اﺑﻨﻬﺎ اﻹﺳﻜﻨﺪر
ﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﺸﺎرﻛﻪ ﰲ املﻠﻚ ،ﻏري أن ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺣﺎﻟﺖ دون ﻣﻄﺎﻣﻌﻬﺎ .وملﺎ ﻣﺎت إﺳﻜﻨﺪر
ﻃﻤﻌﺖ ﰲ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ املﻤﻠﻜﺔ ،ﻏري أن ﺛﺒﺎت »أﻧﺘﻴﺒﺎﺗﺮ« وزﻳﺮه اﺿﻄﺮﻫﺎ إﱃ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ
»أﺑريوس« ،ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻬﺎ »ﺑﻮﻟﻴﺴريﺧﻮن« اﻟﺬي ﺧﻠﻒ »إﻧﺘﻴﺒﺎﺗﺮ« ﱠ
وﻟﻘﺒﻬﺎ ﻧﺎﺋﺒﺔ املﻠﻚ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺒﺚ
أن ﻗﺘﻠﺖ »أدﺧﻴﺪوس« — وﻫﻮ اﺑﻦ »ﻓﻴﻠﺒﺲ« ﻣﻦ اﻣﺮأة أﺧﺮى — وﻋﺪدًا ﻛﺜريًا ﻣﻦ أﻋﻮاﻧﻪ،
ﻣﺜﺎﻻ ﻟﺴﻔﻚ دم ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪر ،وﻗﺘﻠﺖ »ﻧﻴﻜﺎﻧﻮر« — أﺧﻲ »ﻛﺎﺳﻨﺪروس« — ً ﻓﻜﺎﻧﺖ
ﻓﺄﺗﻰ إﻟﻴﻬﺎ »ﻛﺎﺳﻨﺪروس« وﺣﺎﴏﻫﺎ ﰲ »ﺑﺪﻧﺎ« ،وﺣﴫ ﻣﻌﻬﺎ ﺣﻔﻴﺪﻫﺎ »إﺳﻜﻨﺪر أﻳﻔﻮس«
أﻣﻼ ﰲ ﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻷﻣﺔ ﻟﻬﺎ إذا رأوه ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ أﺣﺪ،اﺑﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻷﻛﱪ؛ ً
ﻓﺎﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﴪ »ﻛﺎﺳﻨﺪروس« أن ﻳﻘﺘﻠﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻫﻲ أم ﺳﻴﺪه ،ﻓﻮﻛﻞ ﺑﻘﺘﻠﻬﺎ
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﺎﺑﻄﺔ املﻜﺪوﻧﻴني ،ﻏري أن ﻫﻴﺒﺘﻬﺎ وﺗﺬﻛﺮﻫﻢ ﻣﺠﺪ اﺑﻨﻬﺎ ﻣﻨﻌﺎﻫﻢ ﻋﻦ إﺗﻤﺎم
اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﺪﻋﺎ »ﻛﺎﺳﻨﺪروس« اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﺖ »أوملﺒﻴﺎس« أﺑﻨﺎءﻫﻢ وأﻗﺮﺑﺎءﻫﻢ ،ﻓﺬﺑﺤﻮﻫﺎ ﺑﺪون
ﺗﺮدد ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ٣١٧ﻗﺒﻞ املﺴﻴﺢ.
123
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺳﻠﺴﺒﻴﻼ ،ودار ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﻮ أﻛﻮاﺑًﺎ ﻛﺎن ﻣﺰاﺟﻬﺎً ﻓﺈن اﻟﺪﻫﺮ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻘﺎﻫﺎ
وﻇﻞ ﻣﻤﺪود ،ﻋﺎﺿﻬﺎ ﺑﺎﻟﺰﻗﻮم واﻟﻐﺴﻠني، ٍ وﻃﻠﺢ ﻣﻨﻀﻮد،ٍ ﺳﺪر ﻣﺨﻀﻮد،ٍ ً
زﻧﺠﺒﻴﻼ ﰲ
وﻫﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﻋﲆ ﻋﻠﻴني إﱃ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﺎﻓﻠني ،ﻓﻐﺎدرﻫﺎ ﺳﻤﻮم وﺣﻤﻴﻢ ،وﻇﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻮم
ﻻ ﺑﺎر ٍد وﻻ ﻛﺮﻳﻢ ،وذﻟﻚ أن زوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﺣﺎﻟﻔﻪ اﻟﻨﴫ ﰲ ﻣﻌﺮﻛﺔ »ﺳﺎدﺑﺮوك« وأﻣﻞ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻷﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﺑﺎﻟﻔﺘﺢ املﺒني ،واﻟﻔﻮز املﻜني ،ﺧﺎﻟﻔﻪ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ املﻌﺎرك،
ﻓﻘﻬﺮه أﻋﺪاؤه ،أي ﻗﻬﺮ وﻛﴪه ﻣﺴﺎﺟﻠﻮه ،أي ُﻛﴪ ،ﺣﺘﻰ إذا زاﻏﺖ اﻷﺑﺼﺎر ،وﺑﻠﻐﺖ
اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ ،دﺧﻞ إﱃ اﻻﺳﺘﺌﻤﺎن ﺑﻌﺪ واﻗﻌﺔ »ﺳﻴﺪان« اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﰲ أرﺑﻌﺔ أﻳﻠﻮل
ﻋﺎم ١٨٧٠م ،ﻓﺎﺧﱰط ﺣﺴﺎﻣﻪ وﺳ ﱠﻠﻤﻪ إﱃ املﻠﻚ »ﻏﻠﻴﻮم« ﻋﺪوه اﻷﻟﺪ ،ﻣﻜﺘﻔﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﴫ
أﻟﻔﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﺸﻪ ،وﻣﺎ ﺑﺮح ﻣﺄﺳﻮ ًرا ﰲ »ﻓﺎﺳﺘﺎﻓﺎﻟﻴﺎ« ﻣﻦ ﺑﻼد اﻷملﺎن ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻷﴎ ﻣﻊ ﺛﻤﺎﻧني ً
ﺣﻤﻴﺖ ﻟﻈﻰ اﻟﺤﺮب ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني.
ﻳﺄت ﺣني ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﺣﺘﻰ أﻟ ﱠﻢ ﺑﻪ داء ﰲ املﺜﺎﻧﺔ ﻋﻴﺎء ذﻫﺐ ﺑﻪ إﱃ دار اﻟﻔﻨﺎء، ﺛﻢ ﻟﻢ ِ
ً
ﺑﻌﺪ أن أذاﻗﻪ ﺻﻨﻮف اﻟﻮﻳﻞ وأﻓﺎﻧني اﻟﱪﺣﺎء ،ﺗﺎرﻛﺎ وراءه املﺴﻜﻴﻨﺔ »أوﺟني« ﻋﲆ ﻓﺮاش
124
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻣﻦ اﻟﻘﺘﺎد ،ووﺳﺎدة ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻀﺎء .وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻬﺬا اﻟﺪﻫ ُﺮ اﻟﻈﺎﻟ ُﻢ ﺣﺘﻰ ﻧﻜﻠﻬﺎ ﰲ وﺣﻴﺪﻫﺎ
وﺑﻘﻴﺔ آﻣﺎﻟﻬﺎ اﻟﱪﻧﺲ »أﻣريﺑﺎل« ﺷﻬﻴﺪًا ﰲ ﺑﻼد »اﻟﻔﺮوﻟﻮس« اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﻣﻄﻌﻮﻧًﺎ ﺑﺄﺳﻨﺔ
أﻣﺔ ﺑﺮﺑﺮﻳﺔ وﻫﻮ ﻳﺎﻓﻊ ﰲ ﻧﻀﺎرة اﻟﻌﻤﺮ ،ورﻳﻌﺎن اﻟﺸﺒﺎب .وﺑﻘﻴﺖ ﺑﻌﺪه ﻛﺎﻟﻐﺰاﻟﺔ اﻟﻨﺎﻓﺮة
ﻣﻦ ُز ُرود ﺟﺰﻋً ﺎ ﻋﲆ ﺧِ ْﺸﻔﻬﺎ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺗﻨﺜﺮ ﻵﻟﺊ اﻟﺪﻣﻊ ﻋﲆ ﻳﻮاﻗﻴﺖ اﻟﺨﺪود ،وﺗﻐﺮس ﻋﻘﻴﻖ
اﻟﺸﻔﺎه ﺑﱪد اﻟﺜﻐﺮ اﻟﱪود ،وﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻳﻘﻮل :ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺖ ﻳﺎ دﻫﺮ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺮﻳٍّﺎ ،ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻣﺖ
ﻗﺒﻞ ﻫﺬا وﻛﻨﺖ ﻧﺴﻴٍّﺎ ﻣﻨﺴﻴٍّﺎ ،ﺗﺤﺎول اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺎﻟﺼﱪ ﻋﲆ ﻣﺎ اﻧﺘﺎﺑﺘﻬﺎ ﺑﻪ اﻷﻳﺎم ،وﻫﻮ ﺑﻌﻴﺪ
ﻋﻨﻬﺎ ﺑُﻌﺪ املﺴﺠﺪ اﻷﻗﴡ ﻋﻦ املﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام .وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ إﱃ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم.
وﻟﺪت ﰲ أﺛﻴﻨﺎ ﺳﻨﺔ ٧٥٣م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة »ﻟﺴﻴﻮس« ﺳﻨﺔ ٨٠٣م ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ
واﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﺎﺧﺘﺎرﻫﺎ »ﻗﺴﻄﻨﻄني ﻛﻮﻳﺮدﻧﻴﻤﻮس« زوﺟﺔ ﻻﺑﻨﻪ املﻌﺮوف ﺑ »ﻻون« اﻟﺮاﺑﻊ،
ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻪ ﻛﻞ اﻻﺳﺘﻴﻼء .وملﺎ ﻣﺎت ﻋﻬﺪ إﻟﻴﻬﺎ وﺻﺎﻳﺔ اﺑﻨﻪ »ﻗﺴﻄﻨﻄني اﻟﺨﺎﻣﺲ«
ﺳﻨﺔ ٧٨٠م ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺑﺄﻋﺒﺎء املﻠﻚ ﺣﻖ اﻟﻘﻴﺎم ،ﺣﺘﻰ إذا ﺳﺎﻋﺪﻫﺎ اﻟﻘﺪر ،وﺧﺪﻣﻬﺎ اﻟﺴﻌﺪ،
ﺑﻄﺮت واﺳﺘﻜﱪت وداﺧﻠﻬﺎ اﻟﻄﻤﻊ ،ﻓﻌﻘﺪت ﻣﻊ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ ﺻﻠﺤً ﺎ ﻏري ﻣﻮاﻓﻖ ﻻﻧﺘﻔﺎﻋﻬﺎ
ﺑﻪ.
وﺳﻨﺔ ٧٨٧م ،ﻋﻘﺪت ﻣﺠﻤﻌً ﺎ ﰲ »ﻧﻴﻘﻴﺔ« أﻣﺮت ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺒﺎدة اﻷﻳﻘﻮﻧﺎت ،وأﻟﻐﺖ اﻧﺸﻘﺎق
اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رﺷﺪ اﺑﻨﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٧٩٠م ﻧﻔﺎﻫﺎ وﻫﺠﺮﻫﺎ ﰲ ﻗﴫ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺨﻠﺼﺖ
ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،واﺗﺼﻞ ﺑﻬﺎ اﻷﻣﺮ ﻟﻜﻲ ﺗﺴﺘﺒﺪ ﺑﺎملﻤﻠﻜﺔ ،إﱃ أن ﺳﻤﻠﺖ ﻋﻴﻨﻲ اﺑﻨﻬﺎ
ﺑﻼ ﺧﻮف وﻻ ﺧﺠﻞ .وﻟﻜﻲ ﺗُﻨﴘ اﻟﻨﺎس ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻈﻴﻊ ﴍﻋﺖ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﻋﻈﻴﻤﺔ ،ﻓﻘﻴﻞ:
إﻧﻬﺎ ﻋﺮﺿﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ »ﺷﺎرملﺎن« ﻟﻴﺘﺰوﺟﻬﺎ ،أو ﻗﺒﻠﺖ ﺑﺎﻷﻗﻞ أن ﺗُﺰوﱢج إﺣﺪى ﺑﻨﺎﺗﻬﺎ
ﺑﺄﺣﺪ أوﻻده ،ﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻢ ذﻟﻚ ﺣﺠﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﻧﻴﻘﻴﻔﻮرس« ،ﺧﺎزﻧﻬﺎ اﻷﻛﱪ ،ﺳﻨﺔ ٨٠٢م،
وﻧﻔﺎﻫﺎ إﱃ ﺟﺰﻳﺮة »ﻟﺴﻴﻮس« ،ﻓﺤﻂ ﺑﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ ﻫﻨﺎك ﺣﺘﻰ اﺣﺘﺎﺟﺖ أن ﺗﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻏﺰل
ﻳﺪﻫﺎ ،وﻫﻨﺎك ﻣﺎﺗﺖ ﺳﻨﺔ ٨٠٣م ،ﻓﺘﺄﺛﺮ اﻟﻴﻮﻧﺎن ملﺼﺎﺋﺒﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﻗﺪﻳﺴﺔ ،وأﻗﺎﻣﻮا ﻋﻴﺪ
ﺗﺬﻛﺎر ﻟﻬﺎ ﰲ ١٥آب ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ،واﺳﻤﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻛﺘﺐ اﻟﻌﺮب »أرﻳﻨﻲ«.
125
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
126
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
ﻣﺮض ،ووﻗﻊ »ﻓﺮدﻳﻨﻨﺪو« ﻋﲆ ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج ﰲ »ﴎﻓريا« ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ٍ اﻷرﻏﻮاﻧﻲ ﺑﺠﻮاب
١٤٦٩م ،وﺿﻤﻦ ﻟﻌﺮوﺳﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ املﻠﻜﻴﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﰲ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ« و»ﻻون« ،ﻓﺄﻧﻔﺬ
»ﻫﻨﺮي« ﰲ اﻟﺤﺎل ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻹﻟﻘﺎء اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ ﺷﻘﻴﻘﺘﻪ ،ﻓﻬﺮﺑﺖ إﱃ ﺑﻼد
اﻟﻮﻟﻴﺪ ،وأرﺳﻠﺖ إﱃ »ﻓﺮدﻳﻨﻨﺪو« ﺗﺤﺜﻪ ﻋﲆ أن ﻳﻮاﻓﻴﻬﺎ ﺑﴪﻋﺔ ﻹﺗﻤﺎم اﻟﺰواج ،ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ
»ﻓﺮدﻳﻨﻨﺪو« ﻣﻦ أن ﻳﺴري ﺑﺨﻔﺮ؛ ﻷن أﺑﺎه ﻛﺎن ﻳﺤﺎرب ﻋﺼﺎة »ﻗﻄﺎﻟﻮﻧﻴﺎ« ،وﻛﺎن ﺑﻴﺖ املﺎل
ﻓﺎرﻏﺎ ،ﻓﻠﺒﺲ ﺛﻮب ﺧﺎدم وﺳﺎر ﻣﺘﻨﻜ ًﺮا ﻣﻊ ﺳﺘﺔ رﻓﻘﺎء اﺳﺘﺄﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ً
اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺎﻣﻬﻢ »ﻫﻨﺮي« ملﻨﻌﻪ املﺮور ،وﺧﺮج ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﺰي ﻻﺋﻖ ،ﻓﺄﻏﺬوا اﻟﺴري إﱃ
ﺑﻼد اﻟﻮﻟﻴﺪ ،وﺗﺰوج »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﺳﻨﺔ ١٤٦٩م.
ﻓﺄﻋﻠﻦ »ﻫﻨﺮي« أن أﺧﺘﻪ أﺿﺎﻋﺖ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮرت ﻟﻬﺎ ﺑﻤﻮﺟﺐ املﻌﺎﻫﺪة،
وﺟﻌﻞ »ﺟﻮاﻧﺎ« وﻟﻴﺔ ﻋﻬﺪه ،ﻓﺎﻧﻘﺴﻤﺖ اﻟﺒﻼد إﱃ ﻗﺴﻤني ﻛﺒريﻳﻦ ﻣﺘﺤﺎرﺑني ،وﻋﻀﺪت
ﻓﺮﻧﺴﺎ املﻠﻚ ،ﻏري أن »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﻜﻤﺘﻬﺎ وﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ ﺗﺴﺘﻤﻴﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﻫﺎﱄ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ«
ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ،وﺗﻜﺘﺴﺐ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ وأﻣﺎﻧﺘﻬﻢ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٤٧٤م ،ﺗﻮﰲ »ﻫﻨﺮي« ،وﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣني ﻣﻦ وﻓﺎﺗﻪ أﻗﻴﻤﺖ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﻣﻠﻜﺔ ﰲ
»ﺳريوﻓﻴﺎ« ،ﻓﺄﻗﺴﻢ ﻟﻬﺎ ﻛﺜريون ﻣﻦ اﻷﴍاف ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ،إﻻ أن ﺣﺰب »ﺟﻮاﻧﺎ« ﻛﺎن ﻗﻮﻳٍّﺎ ،ﻓﻠﻢ
ﺗﻌﱰف اﻟﺒﻼد ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎملﻠﻜﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ ﺣﺮب ﺟﺮت ﻟﻬﺎ ﻣﻊ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ،ﻣﻠﻚ اﻟﱪﺗﻐﺎل ،وﻛﺎن ﻗﺪ
ﺧﻄﺐ »ﺟﻮاﻧﺎ«.
وﻣﻦ ﺛﻢ ﴍﻋﺖ ﰲ أﻋﻤﺎل ﺗﺤﲆ ﺑﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﺄﺻﻠﺤﺖ ﻗﻮاﻧني اﻟﺒﻼد ،وأدارت
املﻠﻜﺔ اﻟﺸﺌﻮن اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ،وﻋﻀﺪت اﻵداب واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ،وﺑﺬﻟﺖ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﰲ ﺗﻐﻴري ﺗﴫﻓﺎت
زوﺟﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﻨﺔ اﻟﻘﺴﺎوة واﻟﺨﺪاع .وﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ روح اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺮت
ﻇﺎ إﱃ اﻵن ﰲ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎرب ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﻠﺒﺲ درﻋً ﺎ — ﻟﻢ ﻳﺰل ﻣﺤﻔﻮ ً
ﻣﺪرﻳﺪ — ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎوم اﻟﻘﺴﺎوة اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻧﺤﻮ اﻷﻣﺔ
املﺬﻛﻮرة ،وﻟﻢ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﻄﺮد اﻟﻴﻬﻮد ﻣﻦ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ« ،وﻻ ﺳﻠﻤﺖ — ﻋﲆ ﻏري إرادﺗﻬﺎ — ﺑﺈﺟﺮاء
اﻟﻔﺤﺺ اﻟﺪﻳﻨﻲ إﻻ ﻻﻋﺘﻘﺎدﻫﺎ أن ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وزادﻫﺎ ﺷﻬﺮة
ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ »ﻛﺮﺳﺘﻮﻓﻮرس ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس« ،ﻓﺎﺗﺢ أﻣريﻛﺎ ،ﻋﲆ إﻧﻔﺎذ ﻣﻘﺎﺻﺪه؛ ﻓﺈن اﻷﺳﻄﻮل
اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻒ ﺑﻪ أﻣريﻛﺎ ﺟُ ﻬﱢ ﺰ ﻋﲆ ﻧﻔﻘﺘﻬﺎ ،وﺿﺎدﱠت اﺳﱰﻗﺎق اﻟﻬﻨﻮد اﻷﻣﺮﻳﻜﺎن.
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻞ اﻷﴎى اﻟﺬﻳﻦ أرﺳﻠﻬﻢ إﻟﻴﻬﺎ »ﻛﺮﺳﺘﻮﻓﻮرس« املﺬﻛﻮر ،أﻣﺮت ﺑﺈرﺟﺎﻋﻬﻢ
إﱃ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﺑﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل »ﻛﺴﻴﻤﻨﺲ« أﺻﻠﺤﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺎت ،وﺑﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﺖ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ
ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﺛﺎﺑﺘًﺎ راﻫﻨًﺎ ﻛﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﺳﻨﺘﻪ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ املﺎل وﻻ ﻋﻠﻮ املﺮﺗﺒﺔ
127
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﺸﻔﻌﺎن ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺑﺎملﺬﻧﺒني ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺳﻴﻒ اﻟﻌﺪل ﻳﻌﻠﻮ رﻗﺎب املﺠﺮﻣني ﻣﻦ اﻷﻛﺎﺑﺮ واﻷﺻﺎﻏﺮ
واﻹﻛﻠريوس ﻋﲆ ﺣﺪ ﺳﻮاء ،وﻛﺎﻧﺖ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑني ﻋﻘﻞ اﻟﺮﺟﺎل وﻣﺤﺎﺳﻦ اﻟﻨﺴﺎء،
وﻓﻀﺎﺋﻞ ﻧﺎﴐة ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﻨﻈري ،ﻓﺒﺎﺗﺖ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ ﻟﻠﻤﺆرﺧني ﰲ اﻷﻋﴫ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ،
واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل اﻵن ﻳﺤﺒﻮن ذﻛﺮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺤﺒﻮن ﺷﺨﺼﻬﺎ.
ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﺪون »ﻛﺎرﻟﻮس« واﻟﺪون »ﺑﺪرو ﺟريون« أﻣﺎ املﻮت اﻟﻔﺠﺎﺋﻲ اﻟﺬي أﺻﺎب ٍّ
وأﺧﻴﻬﺎ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ،ﻓﻠﻢ ﻳﻮﻗﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻗﻞ ﺷﺒﻬﺔ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻧﺎﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ رﺑﺢ ﻋﻈﻴﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺤﺐ زوﺟﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻻ ﻳﻌﱰﻳﻪ ﻓﺘﻮر اﻟﺒﺘﺔ ،ﻏري أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ داﺋﻤً ﺎ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮاﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﺰﻳﻦ ﻛﻞ أﻋﻤﺎل ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺟﻤﺎل ُﺧﻠﻘﻬﺎ ﻳﻌﺎدل ﺣﺴﻦ َﺧﻠﻘﻬﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎﻓﻴﺔ اﻟﻠﻮن ،ذات ﻋﻴﻨني زرﻗﺎوﻳﻦ ،وﺷﻌﺮ أﺳﻤﺮ .ووﻟﺪ ﻟﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ أوﻻد؛ وﻫﻢ:
ً
ﻓﺎﺿﻼ ﺗﻮﰲ ﺳﻨﺔ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﺖ »ﻋﻤﻨﻮﺋﻴﻞ« ،ﻣﻠﻚ اﻟﱪﺗﻐﺎل ،و»ﺟﻮان« وﻛﺎن أﻣريًا
١٤٩٧م وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ٢٠ﺳﻨﺔ ،و»ﺟﻮاﻧﺎ« اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﺖ »ﻓﻴﻠﻴﺐ« أرﺷﻴﺪوق »أوﺳﱰﻳﺎ«،
ووﻟﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻛﺎرﻟﻮس اﻟﺨﺎﻣﺲ« ،و»ﻣﺎرﻳﺎ« اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﺖ »ﻋﻤﻨﻮﺋﻴﻞ« ﺑﻌﺪ
وﻓﺎة أﺧﺘﻬﺎ ،و»ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ« زوﺟﺔ »ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻣﻦ« ﻣﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰا.
128
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٣٩م ،ﻋﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ ﺑني اﻟﺠﻨﺮال »ﻣﺎروﻛﻲ« اﻟﻜﺎرﻟﻮﳼ ،واﻟﺠﻨﺮال
»إﺳﱪﺗريو« اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ ،وﻫﺮب اﻟﺪون »ﻛﺎرﻟﻮس« إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب ﻛﺎﻧﺖ املﻠﻜﺔ
اﻟﻨﺎﺋﺒﺔ ﺗﱰدد ﺑني ﺣﺰب املﺤﺎﻓﻈني أو املﻌﺘﺪﻟني وﺣﺰب اﻟﺤﺮﻳﺔ .أﻣﺎ وزارة »ﻣﻨﺪﻳﺰاﺑﺎل«
ﻓﻐريت اﻟﻨﻈﺎم ،ووﺳﻌﺖ داﺋﺮة ﻗﺎﻧﻮن اﻻﻧﺘﺨﺎب ،وﻗﺎﻣﺖ ﺑﺈﺻﻼﺣﺎت أﺧﺮى ﻏري أن دﻳﻮان
املﺸﻮرة اﻟﻜﺒري ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻃﻠﺐ إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﺗﻘﺮر ﺳﻨﺔ ١٨١٢م ،ﻓﺤﺼﻞ
ﻋﻠﻴﻪ أﺧريًا ﺛﻮرة ﺣﺪﺛﺖ ﰲ »ﻣﺪرﻳﺪ« ﺳﻨﺔ ١٨٣٧م.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٣٩م ،ﺣﺪﺛﺖ ﺛﻮرﺗﺎن ﰲ »ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺎ« و»ﻣﺪرﻳﺪ« ﻓﺄﻛﺮﻫﺖ أم املﻠﻜﺔ ﻋﲆ
اﻟﻔﺮار إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ.
ً
وﻛﻴﻼ ﻟﻠﻤﻠﻚ، وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٤٠م ،ﺗﻮﱃ »إﺳﱪﺗريو« زﻣﺎم اﻟﺒﻼد ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٤١م ﺟُ ﻌﻞ
ﻏري أن أﺻﺪﻗﺎء »ﻛﺮﺳﺘﻴﻨﺎ« واملﺤﺎﻓﻈني ﺛﺎروا ﻋﻠﻴﻪ واﺿﻄﺮوه إﱃ اﻻﺳﺘﻌﻔﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ املﻠﻜﺔ
ﻗﺪ ﻧﺎﻫﺰت ﺳﻦ اﻟﺮﺷﺎد ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ ١١ﺷﻬ ًﺮا ﻟﺒﻠﻮﻏﻬﺎ اﻟﺴﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ،ﻓﴬب ﻋﻨﻬﺎ
املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ﺻﻔﺤً ﺎ وأﺟﻠﺴﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﰲ ١٠ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻧﻮﻓﻤﱪ( ﺳﻨﺔ
١٨٤٣م.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٤٤م ،وﺟﻬﺖ رﻳﺎﺳﺔ اﻟﻮزارة إﱃ اﻟﺠﻨﺮال »زﻓﺎﻳﺰ« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﻮﱃ
رﻳﺎﺳﺔ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ،وﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ُﻏري اﻟﻨﻈﺎم ﺗﻐﻴريًا ﻏري ﻣﻮاﻓﻖ ﻷﻫﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٤٦م ،ﺗﺰوﺟﺖ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﺑﺎﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ اﻟﺪون »ﻓﺮﻧﺸﺴﻜﻮ دواﺳﺒﺲ« ً
وﻓﻘﺎ
ملﺸﻮرة املﻠﻚ »ﻟﻮﻳﺲ ﻓﻴﻠﻴﺐ« ،وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ زوﺟﺖ أﺧﺘﻬﺎ »ﻣﺎرﻳﺎ ﻓﺮدﻳﻴﻨﺪ ﻟﻮﻳﺰا« ﺑﺪوق
»ﻣﻨﻴﻨﺴﻴﺎ« ،ﻏري أن زواج املﻠﻜﺔ أدى إﱃ ﺗﺄوﻳﻼت ﻣﺴﺘﻬﺠﻨﺔ ،ووﻗﻊ اﻟﺨﻼف ﺑني اﻟﺰوﺟني،
وﻛﺜﺮت اﻹﺷﺎﻋﺎت ،ﻓﺬﻫﺐ ﻗﻮم إﱃ أن املﻠﻚ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺌًﺎ ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ ،وﻛﺎن آﺧﺮون ﻳﺘﻬﻤﻮن املﻠﻜﺔ
ﺑﺨﻴﺎﻧﺔ زوﺟﻬﺎ .وﻋﻘﺪت »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ اﻟﻨﻤﺴﺎ وﺑﺮوﺳﻴﺎ.
ﺟﻴﺸﺎ ملﺴﺎﻋﺪة اﻟﺒﺎﺑﺎ ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٢م ،ﺣﺎول ﺑﻌﻀﻬﻢ ً وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٤٩م ،أﻧﻔﺬت
ﻗﺘﻠﻬﺎ ،ﻓﺤﻤﻠﻬﺎ اﻟﺤﺰب املﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﻓﺾ املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ،واﺗﺨﺎذ وﺳﺎﺋﻞ ﻣﺸﺪدة ،وﻧﻔﻲ
ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻨﺮاﻟﻴﺔ اﻟﺤﺰب اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٤م ،ﻗﺎم اﻟﺠﻨﺮال »ﻟﻮدوﻧﻞ« واﻟﺠﻨﺮال »دﻟﴚ« ﺑﺜﻮرة ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ وﻣﺪﻧﻴﺔ
ﰲ »ﻣﺪرﻳﺪ« ،وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺤﻠﻴﺔ ،ﻓﻬﺮﺑﺖ أﻣﺎم املﻠﻜﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ .أﻣﺎ
ً
ﻣﺠﻠﺴﺎ ﻋﺎﻟﻴًﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ،وأﺑﺎﺣﺖ ﺑﻴﻊ اﻷوﻗﺎف. »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﻓﴫﺣﺖ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ اﻟﺘﺎم ،وﻓﺘﺤﺖ
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٦م ،ﺣﺎول »أودوﻧﻞ« أﺧﺬ اﻟﻘﻮة ﺑﺎﻟﺒﻄﺶ ،وأﺧﻤﺪت املﻠﻜﺔ ﺛﻮرات
ﺣﺪﺛﺖ ﰲ ﺟﻨﻮب إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﺘﻮﻃﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ،وأﻋﺎدت اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﺗﻘﺮر ﺳﻨﺔ ١٨٤٥م،
ﻓﺄدى إﱃ ﻧﻬﺞ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻀﺎدة ﻷﻫﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ.
129
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ ﺳﻘﻮط وزارة »ﺗﺮﻓﺎﻳﺰ« ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ،وﻗﻴﺎم وزارة أﺧﺮى
ﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﺤﺰب اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ ،وذﻟﻚ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٧م ،وﺗﻮﱃ »أودوﻧﻞ« ﻗﻴﺎدة اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﺘﻲ
أﻧﻔﺬت ملﺤﺎرﺑﺔ ﻣﺮاﻛﺶ ،ﻓﺎﺳﺘﻈﻬﺮ ﻋﲆ املﺮاﻛﺸﻴني واﻧﺘﻬﺖ اﻟﺤﺮب ﺳﻨﺔ ١٨٦٠م.
ﺟﻴﺸﺎ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدةﺛﻢ ﺗﺪاﺧﻠﺖ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﻣﻊ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ أﻣﻮر املﻜﺴﻴﻚ ،وأرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ً
اﻟﺠﻨﺮال »ﺑﺮﻳﻢ« ﺳﻨﺔ ١٨٦١م ،إﻻ أن اﻟﺠﻨﺮال املﺬﻛﻮر ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻗﴫ ﺣﺒﻞ املﺪاﺧﻠﺔ،
وﺣﺎوﻟﺖ املﻠﻜﺔ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ »ﺳﻨﺘﻮد« و»ﻣﻨﻔﻮ« و»ﺑريو« و»ﺷﻴﲇ« ﻓﻔﺸﻠﺖ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٦٦م ،اﺳﺘﻌﻔﻰ وزراؤﻫﺎ ،ﻓﺎﺿﻄﺮ اﻷﻣﺮ إﱃ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺒﻄﻞ ﻧﻈﺎم ﺳﻨﺔ
١٨٦١م ،اﻟﺬي ﺑﻤﻮﺟﺒﻪ ﺿﻤﺖ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ »دوﻣﻴﻨﻴﻜﺎ« إﱃ املﻠﻜﺔ ،وﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻣﺮت
ﺑﺒﻴﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻼك املﺨﺘﺼﺔ ﺑﺄﻓﺮاد اﻟﺒﻴﺖ املﺬﻛﻮر ،وﴏﻓﺖ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﰲ أﻣﻮر ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻟﻸﻣﺔ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٦٦م ،ﺣﻤﻠﻬﺎ اﻹﻛﻠريوس واﻟﻮزارة اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻟﻔﺖ ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳﺔ
»ﺗﺮﻓﺎﻳﺰ« ﻋﲆ إﺑﻄﺎل ﺣﺮﻳﺔ املﻄﺒﻮﻋﺎت ،وﺟﻌﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﰲ أﻳﺪي ﺧﺪَﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ،
ﻓﺤﺪﺛﺖ ﺛﻮرات ﺗﻮﱃ ﻗﻴﺎدة ﺑﻌﻀﻬﺎ »ﺑﺮﻳﻢ« ،وذﻟﻚ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ واﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ .وﻛﺎن
اﻟﺜﺎﺋﺮون ﻣﻨﺘﴩﻳﻦ ﰲ ﺟﻬﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،ﻏري أن ﻣﺴﺎﻋﻴﻬﻢ ﻫﺒﻄﺖ ﻟﻌﺪم اﻧﺘﻈﺎﻣﻬﻢ.
وﺧﻠﻒ »ﺗﺮﻓﺎﻳﺰ« ﰲ رﻳﺎﺳﺔ اﻟﻮزارة »ﻏﻨﺰاﻟﺰ ﺑﺮاﻓﻮ« ،ﻓﻀﺎ ﱠد أﻫﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﻠﻔﻪ،
ﻏري أﻧﻪ ﺳﻨﺔ ١٨٦٨م اﺑﺘﺪأت اﻟﺜﻮرة ﰲ ﻗﺎدس ،ﻓﺎﻧﺘﴩت ﰲ اﻟﺤﺎل ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻧﺸﺄ
ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺮار املﻠﻜﺔ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﻊ أوﻻدﻫﺎ وﻋﺸﻴﻘﻬﺎ »ﻣﺮﻓﻮري« ،وﻗﺴﻴﺴﻬﺎ »ﻛﻼرﻳﺖ« ،ﻓﻘﺪﱠم
ﻟﻬﺎ »ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﻗﴫ »ﺑﻮﻓﺎه« ،ﺻﺪﱠرت ﻣﻨﻪ إﻋﻼﻧًﺎ إﱃ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮﱄ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ
ﺑﻪ اﻟﺤﺠﺔ ﻋﲆ اﻟﺜﻮرة.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٦٨مُ ،ﴏح ﰲ »ﻣﺪرﻳﺪ« ﺑﺨﻠﻌﻬﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻃﻨﺖ »ﺑﺎرﻳﺲ« ،ﻏري أﻧﻬﺎ أﻗﺎﻣﺖ
ﻣﺪة ﰲ »ﺟﻨﻴﻔﺎ« ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﺑني ﻓﺮﻧﺴﺎ وﺟﺮﻣﺎﻧﻴﺎ.
وﰲ ٢٥ﺣﺰﻳﺮان )ﻳﻮﻧﻴﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨٧٠م ،ﺗﻨﺎزﻟﺖ ﻋﻦ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﻻﺑﻨﻬﺎ »أﻟﻔﻮﻧﺲ«،
ﻓﺴﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ »أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ« ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ.
130
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
١٣٢٦م ،إﻻ أن ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ »روﺟﺮ ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ« أﻫﻠﻚ »إدوارد اﻟﺜﺎﻧﻲ« ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ أن
أذاﻗﻪ اﻟﻌﺬاب ،ﻓﺎﻏﺘﺎظ اﺑﻨﻬﺎ وﺧﻠﻊ ﻧريﻫﺎ ،وأﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ »ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ« ﺳﻨﺔ ١٣٣٠م.
أﻣﺎ ﻫﻲ ،ﻓﺤﺒﺴﻬﺎ ﰲ ﺳﺠﻦ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ٢٨ﺳﻨﺔ .وﻗﺪ زﻋﻢ »إدوارد اﻟﺜﺎﻟﺚ«
ﺣﻘﺎ ﰲ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ؛ ﻷن »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« املﺬﻛﻮرة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ املﻠﻜﻲ وﺣﻠﻔﺎؤه أن ﻟﻬﻢ ٍّ
اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ملﺎ ﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﺨﻼف اﻟﺬي وﻗﻊ ﺑني أﺧﻴﻬﺎ
وزوﺟﻬﺎ ،رأت ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ اﻟﻬﺎرﺑني وﻫﻢ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب »أرل ﻟﻨﻜﺴﱰ« ،وﻛﺎن
ﻃﺎ ﺷﺎب اﺳﻤﻪ »روﺟﺮ ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ« ،ﻓﺠﻤﻌﺘﻬﻢ إﻟﻴﻬﺎ وﻗﺮ رأﻳﻬﻢ ﻋﲆ ﺧﻠﻊ أﻛﺜﺮﻫﻢ إﻗﺪاﻣً ﺎ وﻧﺸﺎ ً
»إدوارد«.
وﰲ ﺷﻬﺮ أﻳﻠﻮل )ﺳﺒﺘﻤﱪ( ﺳﻨﺔ ١٣٢٦م ،وﺻﻠﺖ املﻠﻜﺔ إﱃ ﺳﺎﺣﻞ »ﺳﻔﻠﻚ« ﺑﻌﺴﺎﻛﺮ
أﺟﻨﺒﻴﺔ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ٣٠٠٠ﻣﻘﺎﺗﻞ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة »روﺟﺮ ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ« و»ﺟﻮن ﻣﻨﻬﻴﻨﻮ« ،ﻓﺄﴎع
ملﻼﻗﺎﺗﻬﺎ أﻛﺎﺑﺮ اﻷﴍاف واﻟﻘﺴﻮس ،واﺳﺘﻨﺠﺪ »إدوارد« ﺑﺮﻋﺎﻳﺎه ،ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺠﺪه أﺣﺪ ،ﻓﻔﺮ
ﻫﺎرﺑًﺎ إﱃ ﺗﺨﻮم »وﻟﺲ« ،ﻓﺎﻗﺘﻔﺖ املﻠﻜﺔ أﺛﺮه وﻗﺒﻀﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ دﻳﺮ »ﻧﻴﺖ« ﻣﻦ »ﻛﻮﻧﺘﻴﻪ
ﻛﻼﻣﺮﻏﺎن« ،وأرﺳﻠﺘﻪ إﱃ ﻗﻠﻌﺔ »ﻛﺒﺘﻠﻮرس« .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء أﻟﻘﻲ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ »ﻫﺪﻟﻮد
ﺧﻨﻘﺎ ،واﺟﺘﻤﻊ املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ﺑﺄﻣﺮ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« و»ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ« ﻓﺄﺻﺪر ﻗﺮا ًرا ﺳﻨﴪ« وﻗﺘﻞ ً
ﰲ ﺷﻬﺮ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٣٢٧م ﻳﺆذن ﺑﺴﻘﻮط »إدوارد أف ﻛﺮﻧﺎرﻓﻮن« ،وﻧﻘﻠﻪ إﱃ ﻗﻠﻌﺔ
»ﺑريﻛﲇ« ،وﻛﺎن ﺣﺮﺳﻪ ﻣﻦ اﻷوﺑﺎش ﻓﺒﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ أن وﺟﺪ ﰲ ٣١أﻳﻠﻮل ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح
ﻣﻠﻘﻰ ﻣﻴﺘًﺎ ﻋﲆ ﻓﺮاﺷﻪ .وﻛﺎن ﻗﺪ ُﺳﻤﻊ ﴏاخ وأﻧني ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻪ ،وﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﺟﺜﺘﻪ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻬﺎ ً
ﻗﺘﻼ ذرﻳﻌً ﺎ ،واملﻈﻨﻮن أن أﻣﻌﺎءه أُﺣﺮﻗﺖ ﺑﺤﺪﻳﺪ ﻣﺤﻤﱠ ﻰ
اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﺪل ذﻟﻚ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ ً
ﺑﺎﻟﻨﺎر.
وملﺎ ﺑﻠﻎ »إدوارد اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،أﺧﺬﺗﻪ واﻟﺪﺗﻪ املﻠﻜﺔ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ«
املﺬﻛﻮرة إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻟﺒﺜﺖ ﻣﻠﻜﻴﺔ »ﺷﺎرل اﻟﺮاﺑﻊ« ﰲ وﻻﻳﺘﻲ »ﻏﻴﻨﺎ« و»ﻧﺒﺘﻴﻮ« اﻟﻠﺘني وﻫﺒﻪ
إﻳﺎﻫﻤﺎ أﺑﻮه »إدوارد اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،وﻫﻨﺎك ﻋﻘﺪت املﻠﻜﺔ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﺑني »إدوارد« وﺑني »ﻓﻴﻠﻴﺐ«
ﻋﻘﺪ زواج ،ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﰲ ٢٤ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٣٢٨م .وملﺎ أﴎ »إدوارد اﻟﺜﺎﻧﻲ« وﺳﻤﻲ »إدوارد
اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻹﻧﻜﻠﱰا ،أﻣﺮت املﻠﻜﺔ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﺑﺘﻌﻴني أرﺑﻌﺔ أﺳﺎﻗﻔﺔ وﻋﴩة أﴍاف ﻟﻜﻲ
ﻳﻘﺮروا وﻛﺎﻟﺔ املﻠﻚ ،وﻛﺎن أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺣﺰﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺮروا ﻟﻬﺎ وﻟ »ﻣﻮرﺗﻴﻤﺮ« — اﻟﺬي ﺻﺎر
آل »ﻣﺮﻧﺶ« — ﺣﻖ إدارة املﻤﻠﻜﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء.
ﻓﻘﴣ »روﺑﺮت ﺗﺮوﺳﻞ« ﴍوط اﻟﻬﺪﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻣﻤﻠﻜﺔ إﻧﻜﻠﱰا ،وأﻧﻔﺬ
ﺟﻴﺸﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة »رﻧﺪوﻟﻒ« و»زﻏﻼس« ،ﻓﺤﻤﻠﻮا ﰲ ﻛﺘﻴﺒﺔ »ﻛﻤﱪﻻﻧﺔ« ،وأﻟﻘﻮا ً
131
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﺮاب واﻟﺪﻣﺎر ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« وﻟﺪﻫﺎ »إدوارد« إﱃ »اﻧﺸﻴﻤﺎل« ﺑﺠﻴﺶ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ
اﻷرﺑﻌني أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ .وﻫﻨﺎك ﺣﺼﻞ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني اﻷﺳﻜﻮﺗﺴﻴني وﺟﺮى ﻟﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻮﻗﻌﺘﺎن،
وﻫﻢ ﰲ ﻣﺮاﻛﺰ ﻣﻨﻴﻌﺔ ﺟﺪٍّا ،ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﺑﻜﻰ ملﺎ رأى
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻳﺴرية ﻗﺪ اﺳﺘﻈﻬﺮوا ﻋﻠﻴﻪ وأﻧﻬﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب املﺸﺌﻮﻣﺔ ،ﻓﻌﻘﺪ ﻣﻌﺎﻫﺪة اﻋﱰف ﻓﻴﻬﺎ
ﺑﺎﺳﺘﻘﻼل »أﺳﻜﻮﺗﺴﻴﺎ« ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .وﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ أﻟﻘﺖ املﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻋﲆ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« و»ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ«،
وﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﻏﺎﻇﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻬﻤﺎ ﺿﺪ »أرل أف ﻛﻮﻧﺖ« ،ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﺳﻌﻴﺎ ﰲ ﻗﺘﻠﻪ ﻟﺨﻴﺎﻧﺔ
ﻛﱪى اﺗﻬﻤﺎه ﺑﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٣٣٠م.
وﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،اﺳﺘﺒﺪ »إدوارد« ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ ،وﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺔ أﻣﻪ وﻣﺤﺒﻴﻬﺎ ،وﻗﺘﻞ
»ﻣﺮﺗﻴﻤﺮ« ﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﺑﺪت ﻣﻨﻪ ،وأﻣﺎ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺤﺒﺴﻬﺎ ﻃﻮل ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﻗﴫ »رﺷﺘﻨﻎ«
ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم.
وﻫﻲ اﺑﻨﺔ دوق »ﺑﺎﺑﺎرﻳﺎ« .وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٣٧١م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٤٣٥م .ﺗﺰوﺟﺖ »ﺷﺎرل
ﺟﻦ ﺳﻨﺔ ١٣٩٢م ﺟُ ﻌﻠﺖ رﺋﻴﺴﺔ ملﺠﻠﺲ اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ املﻠﻜﻴﺔ، اﻟﺴﺎدس« ﺳﻨﺔ ١٣٨٥م ،ﻓﻠﻤﺎ ﱠ
وﻛﺎن ﻣﻦ أﻋﻀﺎﺋﻪ دوق »أورﻟﻴﺎن« أﺧﻮ املﻠﻚ ،و»ﺟﺎن« دوق »ﺑﻮرﻏﻮﻧﻴﺎ« ا ُمل ﱠﻠﻘﺐ ﺑﻌﺪﻳﻢ
اﻟﺨﻮف؛ ﻓﺤﺼﻞ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻷﻣريﻳﻦ ﻣﻨﺎﻇﺮة ﺷﺪﻳﺪة ﻧﺸﺄ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺨﺼﺎم اﻟﺬي ﺟﺮى ﺑني
اﻟﺒﻮرﻏﻮﻧﻴني واﻷرﻣﻨﻴﺎﻛﻴني ،وﻛﺎﻧﺖ »إﻳﺰاﺑﻴﻼ« ﺗﻤﻴﻞ إﱃ دوق »أورﻟﻴﺎن«.
وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﻼﺋﻖ ﺣﺒﻴﺔ ،ﻓﺄﺿﻤﺮ ﻟﻬﺎ دوق »ﺑﻮرﻏﻮﻧﻴﺎ« اﻟﴩ ،وﻗﺘﻞ
رﻏﺒﺔ ﰲ اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻐﻤﻬﺎ اﻷﻣﺮ ﺟﺪٍّا ،وﻟﻜﻨﻬﺎ رﺿﻴﺖ ﺑﻤﻌﺎﻫﺪة ً ﺧﺼﻤﻪ ﺳﻨﺔ ١٤٠٧م
اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻟﺘﺤﻔﻆ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن .وملﺎ ﻗﺘﻞ دوق »ﺑﻮرﻏﻮﻧﻴﺎ« ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻨﺔ ١٤١٩م ،واﻃﺄت
ﻣﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ املﻠﻚ ﻧﻔﺲ اﺑﻨﻬﺎ ﺣﺎر ً
ﺧﻠﻔﻪ »ﻓﻴﻠﻴﺐ ﻟﻮﺑﻮن« ﻋﲆ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻴَ ٍﺪ أﺟﻨﺒﻴﺔِ ،
»ﺷﺎرل اﻟﺴﺎﺑﻊ« ،ووﻗﻌﺖ ﻋﲆ ﻣﻌﺎﻫﺪة »ﺗﺮوا« اﻟﺘﻲ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ وﺟﻪ ﺗﺨﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ إﱃ »ﻫﻨﺮي
اﻟﺨﺎﻣﺲ« ،ﻣﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰا ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٤٢٠م ،وﻗﻠﺖ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة »ﺷﺎرل اﻟﺴﺎدس«
و»ﻫﻨﺮي اﻟﺨﺎﻣﺲ« ﺳﻨﺔ ١٤٢٢م ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﰲ اﻷﺣﻜﺎم ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٤٣٥م ،ﺗﻮﻓﻴﺖ
ﻣﺼﺤﻮﺑﺔ ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر اﻟﺸﻌﺐ ﻏري ﻣﺄﺳﻮف ﻋﻠﻴﻬﺎ.
132
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
أملﺲ
املﻐﻨﻴﺔ اﻟﺸﻬرية اﻟﺘﻲ ﻓﺎﻗﺖ ﻛﺎﻓﺔ أرﺑﺎب اﻷﻟﺤﺎن وآﻻت اﻟﻄﺮب ،وﺣﺎزت ﺷﻬﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻻ
أﻣﻮاﻻ ﻛﺜرية ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ ﻓﻴﻬﺎ :إﻧﻬﺎ ﺳﻠﺒﺖ أﻣﻮال اﻟﻘﻄﺮ املﴫي ً ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ
ﺑﺮﻗﺔ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ،وﺣﻼوة ﺻﻮﺗﻬﺎ اﻟﺸﺎﺟﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺔ رﺟﻞ ﻓﻘري ﻳﺘﻌﺎﻃﻰ ﺻﻨﻌﺔ اﻟﺼﺒﺎﻏﺔ،
وﻛﺎن ﻇﻬﻮرﻫﺎ ﰲ أواﺧﺮ أﻳﺎم ﺳﻌﻴﺪ ﺑﺎﺷﺎ وأواﺋﻞ ﺣﻜﻢ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﺎﺷﺎ اﻟﺨﺪﻳﻮي ،وﻛﺎﻧﺖ
ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺳﺎﺋﺪة ﻋﲆ ﻣﻐﻨﻴﺎت ﻣﴫ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ »ﺳﺎﻛﻨﺔ« املﻐﻨﻴﺔ اﻟﺸﻬرية ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ
أﺳﻨﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ »أملﺲ« ﺻﻐرية ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز — ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻨﻲ — اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ِﺳ ِﻨﻴﱢﻬﺎ،
وﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ »ﺳﻜﻴﻨﺔ« ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ ﻣﺒﺎدئ ﻇﻬﻮرﻫﺎ ﻟﻘﺒﺖ ﺑﺎﺳﻢ »أملﺲ« ،وﻗﺪ
ﻏﻠﺐ ﻋﲆ اﻻﺳﻢ اﻷﺻﲇ ،ﻓﺸﻬﺮت ﺑﻪ ،وﰲ أول ﻇﻬﻮرﻫﺎ ﻗﺪ ﻃﻠﺒﺖ إﺣﺪى ﺳﻴﺪات اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ
اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ ﺟﻤﻠﺔ ﺑﻨﺎت ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻷﻫﺎﱄ ﺣﺴﻨﺎت اﻷﺻﻮات ﻷﺟﻞ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻦ اﻷﻟﺤﺎن ،ﻓﺠﺎءﺗﻬﺎ
إﺣﺪى أﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻃﻠﺒﺖ ،وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻦ »أملﺲ« ،ﻓﺎﺧﺘﱪت أﺻﻮات اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻠﻢ ﻳﺮق ﻟﻬﺎ
ﺳﻮى ﺻﻮت املﱰﺟَ ﻤﺔ ،ﻓﻄﻠﺒﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﺎﻣﺘﻨﻌﺖ ،واﻋﺘﺬرت أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﺪر ﻋﲆ
ﺗﺮك واﻟﺪﻫﺎ اﻟﻔﻘري ،ﻓﻘﺒﻠﺖ ﻋﺬرﻫﺎ ﺑﻜﻞ أﺳﻒ ،وأﻧﻌﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد واﻧﴫﻓﺖ،
ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺷﺘﻬﺮت ﺑني ﺳﻴﺪات ﻣﴫ وذواﺗﻬﺎ ،ﻓﻜﺜﺮ ﻃﻠﺒﻬﺎ وﺗﺤﺪث ﺑﺬﻛﺮﻫﺎ اﻟﺮﺟﺎل
واﻟﻨﺴﺎء.
وملﺎ رأت »ﺳﺎﻛﻨﺔ« املﻐﻨﻴﺔ ذﻟﻚ ﺧﺎﻓﺖ ﻋﲆ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ وﺷﻬﺮﺗﻬﺎ أن ﺗﺴﱰﻫﺎ »أملﺲ« ﺑﻤﺎ
ﻣﻨﺤﻬﺎ ﷲ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺼﻮت ،ورﻗﺔ اﻟﺼﻨﻌﺔ ،ﻓﻀﻤﺘﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺻﺎرت ﻣﻦ ﺿﻤﻦ أﺗﺒﺎﻋﻬﺎ،
ﻓﺼﺎر اﻻﻟﺘﻔﺎت اﻟﻜﲇ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ووﻻة اﻷﻣﻮر ﻟﺠﻬﺔ »أملﺲ« ،وﺻﺎرت »ﺳﺎﻛﻨﺔ« ﻻ ﻳُﻌﺒﺄ ﺑﻬﺎ،
ﻓﺪاﺧﻠﻬﺎ اﻟﺤﺴﺪ واﻟﺤﻘﺪ ،ﻓﺴﺎءت ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ .وملﺎ رأت املﱰﺟَ ﻤﺔ ذﻟﻚ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻨﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ
وﻛﱪ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وﻃﻠﺒﻬﺎ وﻻة ﻣﴫ وذواﺗﻬﺎ ،وﺗُﺮﻛﺖ »ﺳﺎﻛﻨﺔ« وﻧُﴘ ﻟﻬﺎ ﺗﺨﺘًﺎ ﺧﺼﻮﺻﻴٍّﺎُ ،
أﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﺰاد اﻟﺤﻘﺪ واﻟﺤﺴﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻐﻨني وﻣﻐﻨﻴﺎت ﻣﴫ .وﻛﺎن ﻋﺒﺪه اﻟﺤﻤﻮﱄ
املﻐﻨﻲ اﻟﺸﻬري ﻫﻮ املﺸﻬﻮر ﺑني اﻟﺮﺟﺎل ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﺄﺧﺬه اﻟﺨﻮف ﻋﲆ ﺷﻬﺮﺗﻪ ،وارﺗﻌﺐ
ﻣﻦ إﻃﻔﺎء اﺳﻤﻪ ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻟ »ﺳﺎﻛﻨﺔ« ،ﻓﺄﻇﻬﺮ ﻟ »أملﺲ« ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ اﻟﻌﺪاوة ،ووﻗﻊ
ﺳﺎﻣﺮ
ٍ ً
روﻧﻘﺎ ﺟﻤﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﰲ اﻟﺨﻼف ﺣﺘﻰ ﺻﺎر إذا أراد أن ﻳﺰﻳﻦ أﻓﺮاﺣﻪ وﻳﺠﻌﻞ ﻟﻬﺎ
واﺣﺪ ،ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺼﻨﻌﺔ ،ورﻗﺔ اﻟﺼﻮت ،ﻓﻴﻄﺮب اﻟﺴﺎﻣﻌﻮن
وﻳﺼﺢﱡ ﻓﻴﻬﻢ املﺜﻞ اﻟﺴﺎﺋﺮ» :ﺗﺸﺎﺣﻨﺖ املﺮاﻛﺒﻴﺔ ﺑﺴﻌﺪ اﻟﺮﻛﺎب«.
وملﺎ رأى ذﻟﻚ ﻋﺒﺪه اﻟﺤﻤﻮﱄ ،وأن اﻷﻫﺎﱄ ﻣﺘﺠﻬﺔ أﻓﻜﺎرﻫﺎ إﱃ ﺟﻬﺔ »أملﺲ« ،وﻛﺜﺮ
ﻣﺎدﺣﻮﻫﺎ ،وﻗﻞ اﻻﻟﺘﻔﺎت إﱃ ﺟﻬﺘﻪ ،ﻋﻤﺪ إﱃ اﻟﺤﻴﻠﺔ واملﻜﺮ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﻬﻢ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﻨﺴﺎء ،وأﻇﻬﺮ
133
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﻬﺎ اﻟﺤﺐ واﻟﻮد اﻟﺬي ﻻ ﻳُﺸﻚ ﻓﻴﻪ ،وﻃﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ اﻻﻗﱰان ،وﺑﺬل ﺟﻬﺪه ﰲ إﺗﻘﺎن اﻟﺤﻴﻠﺔ
ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻠﺖ اﻗﱰاﻧﻬﺎ ﺑﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﺮﺟﻞ إﻳﺮاﻧﻲ واﻧﻔﺼﻠﺖ ﻣﻨﻪ — ﻻ أﻋﻠﻢ
إن ﻛﺎن ﺑﻤﻮت أو ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة.
وملﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻋﺒﺪه ﻛﺎن آﺧﺮ اﻟﻌﻬﺪ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻤﻨﻌﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻐﻨﺎء وﺗﻘﺪم ﻫﻮ ،ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻟﻪ
ﺷﻬﺮﺗﻪ اﻷوﱃ؛ إذ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻏريه ﰲ اﻟﻘﻄﺮ املﴫي ،وأﺳﻒ اﻷﻫﺎﱄ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺎب ﺳﻨﺎء
»أملﺲ« ﻋﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ،وﺣﺰن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﻗﱰان.
وملﺎ ﺻﺎرت ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻤﻪ ﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﻟﻪ ﻛﻞ ﻣﺎﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜﻪ ،ﻓﻔﺘﺢ ﻣﺤﻞ ﺗﺠﺎرة ،وﺣﻴﺚ
ﻣﴪﻓﺎ ﰲ ﺑﺬل اﻷﻣﻮال ﻟﻢ ﺗﺪم ﺗﺠﺎرﺗﻪ إﻻ ً
ﻗﻠﻴﻼ ،ﻓﻘﻔﻞ ﻣﺤﻠﻪ اﻟﺘﺠﺎري. ً إﻧﻪ ﻛﺎن
وﻛﺎﻧﺖ املﱰﺟَ ﻤﺔ ﺣﻤﻠﺖ ﻣﻨﻪ وﻟﻢ ﺗﻠﺪ ،ﺑﻞ ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ ﺑﺤﻤﻠﻬﺎ وﻫﻲ ﰲ ﻧﻀﺎرة اﻟﺸﺒﺎب،
وﻋﻨﻔﻮان اﻟﺼﺒﺎ ،ﻓﺄﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﴫﻳﻮن ﻛﻞ اﻷﺳﻒ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻳﻮم ﻣﺸﻬﻮد ﺟﻤﻊ أﻛﺎﺑﺮ
ﻣﴫ وأﺻﺎﻏﺮﻫﺎ ،واﺣﺘﻔﻞ ﺑﻤﺸﻬﺪﻫﺎ ﺗﻘﻠﻪ أﻋﻨﺎق اﻟﺮﺟﺎل ،وﺗﺴﻘﻰ اﻷرض ﺑﺄﻧﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻊ
املﺪرار.
وﺣﺰن ﻋﺒﺪه ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺰن اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﺣﺎﻗﻪ اﻟﻨﺪم ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﺮط ﻣﻨﻪ ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ
ﺑﺎﻟﻘﺴﻮة؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻣﻠﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻓﻈﺎﻇﺔ وﻫﺠﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻘﺼﺪ ﺧﺴﺎرة
أﻣﻮاﻟﻬﺎ ،ﻓريﻛﺐ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺗﻘﻠﻬﺎ اﻟﺨﻴﻞ اﻟﺠﻴﺎد ﻣﻦ ﺧﻴﻠﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻳﺤﻤﻼﻧﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﻮع،
وﺧﴪت اﻟﺘﺠﺎرة ﻣﺎ ﻳﻨﻮف ﻋﻦ اﻟﺜﻼﺛني أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ،وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ﻏري
ﻣﺎ ﻋﺎﻣﻠﻬﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻬﺠﺮ واﻹﻋﺮاض ،ﻓﻠﺤِ ﻘﻬﺎ اﻟﻐ ﱡﻢ وﻧﺪﻣﺖ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ اﻟﻨﺪم ،ﺣﺘﻰ
ﻗﻴﻞ :إن ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻣﻮﺗﻬﺎ ملﺎ ﻟﺤﻘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺪر.
ﻓﺄﺛﺮ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﰲ ﻋﺒﺪه ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﺎ ،وﺛﺎﺑﺮ ﻋﲆ اﻟﺤﺰن ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻏﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺑﺄﻟﺤﺎن ﻣﺤﺰﻧﺔ ﻧﺬﻛﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﺳﺘﺌﻨﺎس ،وﻫﻲ: ٍ
ﻣﺬﻫﺐ
وﻣﺮ اﻟﺤﺎل ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺘﺶ أﺻﺎﻓﻲ ﺷﺮﺑﺖ اﻟﺼﺒﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺼﺎﻓﻲ
ﻋﺪﻣﺖ اﻟﻮﺻﻞ آه ﻳﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻲ ﻳ ﻐ ﻴ ﺐ اﻟ ﻨ ﻮم وأﻓ ﻜ ﺎري ﺗ ﻮاﻓ ﻲ
دور
وزاد ﺑﻲ اﻟﺤﺎل ﻳﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﺴﻼﻣﻪ ﻳ ﻘ ﻀ ﻲ ﻟ ﻮم ﻳ ﻜ ﻔ ﺎﻧ ﻲ ﻣ ﻼﻣ ﻪ
ﻋﺪﻣﺖ اﻟﻮﺻﻞ آه ﻳﺎ وﻋﺪي ﻋﻠﻲ ﻣ ﻀ ﺖ ﺑ ﻬ ﺠ ﺔ ﻓ ﺆادي ﻳ ﺎ ﻧ ﺪاﻣ ﻪ
134
ﺣﺮف اﻷﻟﻒ
دور
وﻟ ﻜ ﻦ ﻟ ﻠ ﻘ ﻀ ﺎ ﺳ ﻤ ﻌً ﺎ وﻃ ﺎﻋ ﻪ ﻋ ﻠ ﻰ ﻋ ﻴ ﻨ ﻲ ﺑ ﻌ ﺎد اﻟ ﺤ ﻠ ﻮ ﺳ ﺎﻋ ﻪ
ﻋﺪﻣﺖ اﻟﻮﺻﻞ آه ﻳﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻲ ﻷن اﻟ ﺮوح ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ وداﻋ ﻪ
دور
وﺻ ﺮت اﻟ ﻴ ﻮم ﻣ ﻦ وﻟ ﻬ ﻲ ﻣ ﻮﻟ ﻊ زﻣ ﺎن اﻷﻧ ﺲ راح ﻋ ﻨ ﻲ وودﱠع
ﻋﺪﻣﺖ اﻟﻮﺻﻞ آه ﻳﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻲ وﺑ ﻌ ﺪ اﻟ ﻬ ﺠ ﺮ ﻫ ﻮ اﻟ ﺼ ﺒ ﺮ ﻳ ﻨ ﻔ ﻊ
135
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء اﳌﻮﺣﺪة
ﻫﻲ اﻣﺮأة ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻓﻜﺮ ﺛﺎﻗﺐ ،وﺟﻤﺎل ﺑﺎرع ،أﴎﻫﺎ ﻟﺼﻮص اﻟﺒﺤﺮ ﺳﻨﺔ
١٥٨٠م وﻫﻲ ﺳﺎﺋﺮة ﻣﻊ أﺑﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ إﱃ »ﻛﻮرﻓﻮ« ،ﻓﺴﻴﻘﺖ إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ،
وﺻﺎرت ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮاري اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﻬﺎ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ ،وأﺧﺬ ﺣﺒﱡﻬﺎ
ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﻗﻠﺒﻪ ،ﻓﻨﻔﺬت ﻛﻠﻤﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﺳﻄﻮة ﻋﺠﻴﺒﺔ ﰲ أﻳﺎم اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ
اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺴﺘﺸريﻫﺎ ﰲ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،ﻏري أن ﺣﻔﻴﺪﻫﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن أﺣﻤﺪ ﱠ
ﺗﻐري ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺳﻨﺔ ١٦٠٣ﻟﻠﻤﻴﻼد ،ووﺿﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﴪاﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ.
ﻫﻲ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﺒﺎ ﺑﻦ ﺛﻌﻠﺒﺔ ﺑﻦ ﻟﻬﻮذ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻷﺻﺐ ﺑﻦ ﺣﺮ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻧﺴﺒﻬﺎ
ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺬرة .ﻫﺎم ﺑﻬﺎ وذﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﺷﻌﺮه ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ
ﻣﻌﻤﺮ ،ﻓﻌُ ﺮف ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻻ ﻳُﻌﺮف إﻻ ﺑﺠﻤﻴﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ .ﺗﺰوﺟﻬﺎ رﺟﻞ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻧﺒﻴﻪ ﺑﻦ
اﻷﺳﻮد ،وﺑﻘﻲ ﺟﻤﻴﻞ ﻳﱰدد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻼ رﻳﺒﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،وأﻛﻤﻠﻬﻦ أدﺑًﺎ
وﻇﺮﻓﺎ ،وأﻃﻴﺒﻬﻦ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ،وﻟﻬﺎ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻞ ﻧﻮادر وأﺷﻌﺎر وﻣﻐﺎزﻻت ﻛﺜرية ،ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺴﺘﻮرة ً
ﺑﺎﻟﻌﻔﺔ واﻷدب ،ﻓﻤﻨﻬﺎ أن ﺳﺒﺐ ﻣﺎ ﻋﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻞ أﻧﻪ أﻗﺒﻞ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﺈﺑﻠﻪ ﺣﺘﻰ أوردﻫﺎ
وادﻳًﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﺑﻐﻴﺾ ،ﻓﺎﺿﻄﺠﻊ وأرﺳﻞ إﺑﻠﻪ ﺗﺮﻋﻰ وأﻫﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻮادي،
ﻓﻨﻔﺮﺗﻬﻦ ﺑﺜﻴﻨﺔ — أيﻓﺼﺎل ﻟﻪ ﺑﺮوك ،ﱠ
ٍ ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ وﺟﺎرة ﻟﻬﺎ واردﺗني املﺎء ،ﻓﻤ ﱠﺮﺗﺎ ﻋﲆ
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﺘﺰﻳﻦ وﻳﺠﺘﻤﻌﻦ ،وﻳﺪﻧﻮ ﺑﻌﻀﻬﻦﱠ وﺧﺮﺟﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﰲ ﻳﻮم ﻋﻴﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء إذ ذاك
ﻟﺒﻌﺾ ،وﻳﺒﺪون ﻟﻠﺮﺟﺎل ﰲ ﻛﻞ ﻋﻴﺪ ،ﻓﺠﺎء ﺟﻤﻴﻞ ﻓﻮﻗﻒ ﻋﲆ ﺑﺜﻴﻨﺔ وأﺧﺘﻬﺎ أم اﻟﺤﺴني
ﻟﻄﻴﻔﺎ ،ﻓﻘﻌﺪ ﻣﻌﻬﻦ ﺛﻢ اﻧﴫف ،وﻛﺎن ﻣﻌﻪً ﰲ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﺐ ،ﻓﺮأى ﻣﻨﻬﻦ ﻣﻨﻈ ًﺮا
ﻓﺘﻴﺎن ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﺐ ،ﻓﻌﻠﻢ أن اﻟﻘﻮم ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﰲ ﻧﻈﺮه ﺣﺐﱠ ﺑﺜﻴﻨﺔ ووﺟﺪوا ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺮاح
وﻫﻮ ﻳﻘﻮل:
ً
ﺟﻤﻴﻼ ﺷﺒﱠﺐ ﺑﻬﺎ ﺣﻠﻔﺖ ﺑﺎهلل أن ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﺧﻠﻮة إﻻ ﺧﺮﺟﺖ وملﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ أن
إﻟﻴﻪ وﻻ ﺗﺘﻮارى ﻣﻨﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻏﻔﻼت اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻴﺘﺤﺪث ﻣﻌﻬﺎ وﻣﻊ أﺧﻮاﺗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ
أﺻﻼﻓﺎ — أي ﻏﻴﺎرى — ﻓﺮﺻﺪوه ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﻧﺤﻮً ﻧﻤﻰ إﱃ رﺟﺎﻟﻬﺎ أﻧﻪ ﻳﺘﺤﺪث إﻟﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﻮا
رﺟﻼ ،وﺟﺎء ﻋﲆ اﻟﺼﻬﺒﺎء ﻧﺎﻗﺘﻪ ﺣﺘﻰ وﻗﻒ ﺑﺒﺜﻴﻨﺔ وأم اﻟﺤﺴني وﻫﻤﺎ ً ﻣﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﻋﴩ
ﺗﺤﺪﺛﺎﻧﻪ ،وﻫﻮ ﻳﻨﺸﺪﻫﻤﺎ ﻗﻮﻟﻪ:
ُﻫﻮيﱠ اﻟ َﻘﻄﺎ ﺗﺠﺘﺰن ﺑﻄﻦ دﻓﻴﻦ ﺣﻠﻔﺖ ﺑﺮب اﻟﺮاﻗﺼﺎت إﻟﻰ ِﻣﻨ ًﻰ
ﺳ ﻠ ﻴ ﻤ ﻰ وﻻ أم اﻟ ﺤ ﺴ ﻴ ﻦ ﻟ ﺤ ﻴ ﻦ ﻟﻘﺪ ﻇﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﻠﺐ أن ﻟﻴﺲ ﻻﻗﻴًﺎ
وﻫ ﻤ ﻮا ﺑ ﻘ ﺘ ﻠ ﻲ ﻳ ﺎ ﺑ ﺜ ﻴ ﻦ ﻟ ﻘ ﻮﻧ ﻲ ﻓﻠﻴﺖ رﺟ ًﺎﻻ ﻓﻴﻚ ﻗﺪ ﻧﺬروا دﻣﻲ
138
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل إذ وﺛﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻮم ،ﻓﺄﻃﻠﻖ ﻋﻨﺎن اﻟﻨﺎﻗﺔ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻦ
ﺟﻤﻴﻼ ﻳﻮﻣً ﺎ أن ﻳﻠﺘﻘﻴﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ املﻮاﺿﻊ ﻓﺄﺗﻰ ﻟﻮﻋﺪﻫﺎ ،وﺟﺎء ً ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻛﺎﻟﺴﻬﻢ .ووﻋﺪت
أﻋﺮاﺑﻲ ﻳﺴﺘﻀﻴﻒ اﻟﻘﻮم ﻓﺄﻧﺰﻟﻮه وﻗﺮوه ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :ﻗﺪ رأﻳﺖ ﰲ ﺑﻄﻦ ﻫﺬا اﻟﻮادي ﺛﻼﺛﺔ
ﻧﻔﺮ ﻣﺘﻔﺮﻗني ﻣﺘﻮارﻳﻦ ﰲ اﻟﺸﺠﺮ ،وأﻧﺎ ﺧﺎﺋﻒ ﻋﻠﻴﻜﻢ أن ﻳﺴﻠﺒﻮا ﺑﻌﺾ إﺑﻠﻜﻢ ،ﻓﻌﺮﻓﻮا أﻧﻪ
ﺟﻤﻴﻞ وﺻﺎﺣﺒﺎه ،ﻓﺤﺮﺳﻮا ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻣﻨﻌﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻮﻋﺪه ،ﻓﻠﻤﺎ أﺳﻔﺮ اﻟﺼﺒﺢ اﻧﴫف
ﻛﺌﻴﺒًﺎ ﺳﻴﺊ اﻟﻈﻦ ﺑﻬﺎ ،ورﺟﻊ إﱃ أﻫﻠﻪ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻧﺴﺎء اﻟﺤﻲ ﻳُﻘ ﱢﺮﻋﻨﻪ ﺑﺬﻟﻚ وﻳ َُﻘﻠﻦ ﻟﻪ :إﻧﻤﺎ
ﺣﺼﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﺎﻃﻞ واﻟﻜﺬب واﻟﻐﺪر ،وﻏريﻫﺎ أوﱃ ﺑﻮﺻﻠﻚ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن ﻏريك ﻳﺤﻈﻰ
ﺑﻮﺻﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﰲ ذﻟﻚ:
ﺑ ﺎﻟ ﺠ ﺪ ﺗ ﺨ ﻠ ﻄ ﻪ ﺑ ﻘ ﻮل اﻟ ﻬ ﺎزل ﻓ ﻠ ﺮب ﻋ ﺎرﺿ ﺔ ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ وﺻ ﻠ ﻬ ﺎ
ﺣ ﺒ ﻲ ﺑ ﺜ ﻴ ﻨ ﺔ ﻋ ﻦ وﺻ ﺎﻟ ﻚ ﺷ ﺎﻏ ﻠ ﻲ ﻓ ﺄﺟ ﺒ ﺘ ﻬ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﻘ ﻮل ﺑ ﻌ ﺪ ﺗ ﺴ ﺘ ﺮ
ﻓ ﻀ ًﻼ وﺻ ﻠ ﺘ ﻚ أو أﺗ ﺘ ﻚ رﺳ ﺎﺋ ﻠ ﻲ ﻟ ﻮ ﻛ ﺎن ﻓ ﻲ ﺻ ﺪري ﻛ ﻘ ﺪر ﻗ ﻼﻣ ﺔ
ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﻓﻲ اﺟﺘﻨﺎب اﻟﺒﺎﻃﻞ؟ وﻳ ﻘ ﻠ ﻦ إﻧ ﱠ َﻚ ﻗ ﺪ رﺿ ﻴ ﺖ ﺑ ﺒ ﺎﻃ ٍﻞ
أﺷ ﻬ ﻰ إﻟ ﱠﻲ ﻣ ﻦ اﻟ ﺒ ﻐ ﻴ ﺾ اﻟ ﺒ ﺎذل! وﻟ ﺒ ﺎﻃ ﻞ ﻣ ﻤ ﻦ أﺣ ﺐ ﺣ ﺪﻳ ﺜ ﻪ
وإذا ﻫ ﻮﻳ ﺖ ﻓ ﻤ ﺎ ﻫ ﻮاي ﺑ ﺰاﺋ ﻞ ﻟ ﻴ ﺰﻟ ﻦ ﻋ ﻨ ﻚ ﻫ ﻮاي ﺛ ﻢ ﻳ ﺼ ﻠ ﻨ ﻨ ﻲ
وﺧ ﺬي ﺑ ﺤ ﻈ ﻚ ﻣ ﻦ ﻛ ﺮﻳ ﻢ واﺻ ﻞ أﺑ ﺜ ﻴ ﻦ إﻧ ﻚ ﻗ ﺪ ﻣ ﻠ ﻜ ﺖ ﻓ ﺎﺳ ﺠ ﺤ ﻲ
وﻣﻨﻬﺎ:
وﻣﻨﻬﺎ:
139
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﻃﻮﻳﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ واﻟﺘﻘﺖ ﺑﺠﻤﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﻃﻮل ﺗﻬﺎﺟﺮ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﺪﺗﻪ ،ﻓﺘﻌﺎﺗﺒﺎ
ﻟﻪ :وﻳﺤﻚ ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ! أﺗﺰﻋﻢ أﻧﻚ ﺗﻬﻮاﻧﻲ وأﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
ً
ﻃﻮﻳﻼ وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ وﻳﻨﺘﺤﺐ ،ﺛﻢ رﻓﻊ رأﺳﻪ وﻗﺎل :ﺑﻞ أﻧﺎ اﻟﻘﺎﺋﻞ: ﻓﺄﻃﺮق
ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻳﺤﻚ ،ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻚ ﻋﲆ ﻫﺬا املﻌﻨﻰ؟ أوﻟﻴﺲ ﰲ ﺳﻌﺔ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻣﺎ ﻛﻔﺎﻧﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ؟
ً
ﺟﻤﻴﻼ ﻋﻨﺪﻫﺎ وﺳﻌﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻮاري ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺑﻬﺎ إﱃ أﺑﻴﻬﺎ وأﺧﻴﻬﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻤﺎ :إن
ﺟﺎﻟﺴﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺤﺪﺛﻬﺎ وﻳﺸﻜﻮ إﻟﻴﻬﺎ وﺟﺪه ﺑﻬﺎً اﻟﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﺄﺗﻴﺎﻫﺎ ﻣﺸﺘﻤﻠني ﺳﻴﻔﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﺮأﻳﺎه
وﺷﻮﻗﻪ ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،أرأﻳﺖ ودي ﻟﻚ ،وﺷﻐﻔﻲ ﺑﻚ ،أﻻ ﺗﺠﺰﻳﻨﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻤﺎذا؟
ﻗﺎل :ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﺑني املﺘﺤﺎﺑني ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ ،أﻫﺬا ﺗﺒﻐﻲ؟! وﷲ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪي
ﺗﻌﺮﻳﻀﺎ ﺑﺮﻳﺒﺔ ﻻ رأﻳﺖ وﺟﻬﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ أﺑﺪًا .ﻓﻀﺤﻚ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻬﺎ ً ﺑﻌﻴﺪًا ﻣﻨﻪ ،وﻟﱧ ﻋﺎودت
ُ
ﻟﻌﻠﻤﺖ ُ
ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻚ ﺗﺠﻴﺒﻴﻨﻲ إﻟﻴﻪ وﻗﺎل :وﷲ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻫﺬا إﻻ ﻷﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻋﻨﺪك ﻓﻴﻪ ،وﻟﻮ
140
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
أﻧﻚ ﺗﺤﺒني ﻏريي ،وﻟﻮ رأﻳﺖ ﻣﻨﻚ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻋﻠﻴﻪ ﻟﴬﺑﺘﻚ ﺑﺴﻴﻔﻲ ﻫﺬا ﻣﺎ اﺳﺘﻤﺴﻚ ﰲ ﻳﺪي،
أو ﻫﺠﺮﺗﻚ إن اﺳﺘﻄﻌﺖ إﱃ اﻷﺑﺪ ،أوَﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﻮﱄ:
ﻓﻘﺎل أﺑﻮﻫﺎ ﻷﺧﻴﻬﺎ :ﻗﻢ ﺑﻨﺎ؛ ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻴﻮم أن ﻧﻤﻨﻊ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻟﻘﺎﺋﻬﺎ،
ﻓﺎﻧﴫﻓﺎ وﺗﺮﻛﺎﻫﻤﺎ ،وﻗﺎل ﺟﻤﻴﻞ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻷﺣﺪ أﺗﺮاﺑﻪ :ﻫﻞ ﻟﻚ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻲ ﻋﲆ ﻟﻘﺎء ﺑﺜﻴﻨﺔ،
ﻓﻤﴣ ﻣﻌﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﻤﻦ ﻟﻪ ﰲ اﻟﻮادي ،وأرﺳﻞ ﻣﻌﻪ ﺧﺎﺗﻤﻪ إﱃ راﻋﻲ ﺑﺜﻴﻨﺔ ودﻓﻌﻪ إﻟﻴﻪ،
ً
ﻃﻮﻳﻼ ﺣﺘﻰ ﻓﻤﴣ ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻋﺎد ﺑﻤﻮﻋﺪ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﱠ
ﺟﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﺟﺎءﺗﻪ ﻓﺘﺤﺪﱠﺛﺎ
أﺻﺒﺤﺎ ،ﺛﻢ ودﱠﻋﻬﺎ ورﻛﺐ ﻧﺎﻗﺘﻪ وﻫﻲ ﺑﺎرﻛﺔ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺑﺜﻴﻨﺔ :ادن ﻣﻨﻲ ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ ،ﻓﺪﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ
وﻗﺎل:
141
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل :ذﻟﻚ اﻟﺼﻮاب ،ﻓﺄرﺳﻠﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺬﻫﺐ ،وﻗﺎل :اﻧﺘﻈﺮﻧﻲ ﺣﺘﻰ أﻋﻮد ،ﺛﻢ ﺳﺎر ﺣﺘﻰ
أﻧﺎخ ﺑﻬﻢ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ أﺑﻮﻫﺎ :ﻣﺎ ردﱠك ﻳﺎ ُﻛ ﱢﺜري؟ ﻗﺎل :ﺛﻼث أﺑﻴﺎت ﻋﺮﺿﺖ ﱄ ﻓﺄﺣﺒﺒﺖ أن
أﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ ،ﻗﺎل :ﻫﺎﺗﻬﺎ ،ﻗﺎل ُﻛ ﱢﺜري :ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ وﺑﺜﻴﻨﺔ ﺗﺴﻤﻊ ﻣﻦ وراء اﻟﺨﺪر:
ﻓﴬﺑﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺻﺪرﻫﺎ وﻗﺎﻟﺖ :اﺧﺴﺄ اﺧﺴﺄ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮﻫﺎ :ﻣﻬﻴﻢ ﻳﺎ ﺑﺜﻴﻨﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻠﺐ
ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ إذا ﻧﺎم اﻟﻨﺎس ﻣﻦ وراء ﻫﺬه اﻟﺮاﺑﻴﺔ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ اﻟﺠﺎرﻳﺔ وﻗﺎﻟﺖ :أﺑﻐﻴﻨﺎ ﻣﻦ
اﻟﺪوﻣﺎت ﺣﻄﺒًﺎ ﻟﻨﺬﺑﺢ ﻟ ُﻜ ﱢﺜري ﺷﺎة وﻧﺴﻮﱢﻳﻬﺎ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻛﺜري :أﻧﺎ أﻋﺠﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﺧﺮج وراح
إﱃ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﺄﺧﱪه ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻞ :املﻮﻋﺪ اﻟﺪوﻣﺎت ﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﺎم اﻟﻨﺎس .وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻗﺪ
ﻗﺎﻟﺖ ﻷﺧﺘﻬﺎ أم اﻟﺤﺴني ،وﻟﻴﲆ وﻧﺠﻴﺎ ﺑﻨﺎت ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ :إﻧﻲ ﻗﺪ رأﻳﺖ ﰲ ﻧﺤﻮ ﻧﺸﻴﺪ ﻛﺜري أن
ﺟﻤﻴﻼ ﻣﻌﻪ — وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﻧﺴﺖ إﻟﻴﻬﻦ ،واﻃﻤﺄﻧﺖ ﺑﻬﻦ ،وﻛﺎﺷﻔﺘﻬﻦ ﺑﺄﴎارﻫﺎ — ﻓﺨﺮﺟﻦ ً
ﻣﻌﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺟﻤﻴﻞ وﻛﺜري ﺧﺮﺟﺎ ﺣﺘﻰ أﺗﻴﺎ اﻟﺪوﻣﺎت — اﺳﻢ ﻣﺤﻞ — وﺟﺎءت ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻣﻦ
ً
ﻣﺠﻠﺴﺎ ﻗﻂ أﺣﺴﻦ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺮﺣﻮا ﺣﺘﻰ ﺑﺮق اﻟﺼﺒﺢ ،ﻓﻜﺎن ﻛﺜري ﻳﻘﻮل :ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻋﻤﺮي
ﻣﻦ ذﻟﻚ املﺠﻠﺲ ،وﻻ ﻣﺜﻞ ﻋﻠﻢ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻀﻤري اﻵﺧﺮ ،وﻟﻢ أدر أﻳﻬﻤﺎ ﻛﺎن أﻓﻬﻢ.
وملﺎ ﻧَﺬَ َر أﻫﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ دم ﺟﻤﻴﻞ وأﻫﺪره ﻟﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﺿﺎﻗﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺠﻤﻴﻞ ،ﻓﻜﺎن
ﻳﺼﻌﺪ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﻛﺜﻴﺐ رﻣﻞ وﻳﺘﻨﺴﻢ اﻟﺮﻳﺢ ﻣﻦ ﻧﺤﻮ ﺣﻲ ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻳﻘﻮل:
142
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
واﺟﺘﻤﻊ ﻛﺜري ﺑﺠﻤﻴﻞ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ ،أﺗﺮى ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻘﻮﻟﻚ:
ﻟ ﺪﻳ ﻚ ﺣ ﺪﻳ ﺚ أو إﻟ ﻴ ﻚ رﺳ ﻮل ﻳ ﻘ ﻴ ﻚ ﺟ ﻤ ﻴ ﻞ ﻛ ﻞ ﺳ ﻮء أﻣ ﺎﻟ ﻪ
ﻣ ﺤ ﺎﺳ ﻦ ﺷ ﻌ ﺮ ذﻛ ﺮﻫ ﻦ ﻳ ﻄ ﻮل وﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺒﻲ ﻟﻜﻢ وﺻﺒﺎﺑﺘﻲ
ﻫﺒﻮب اﻟﺼﺒﺎ ﻳﺎ ﺑﺜﻦ ﻛﻴﻒ أﻗﻮل ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﻮﻟﻲ رﺿﺎك ﻓﻌﻠﻤﻲ
وﻻ زال ﻋ ﻨ ﻬ ﺎ واﻟ ﺨ ﻴ ﺎل ﻳ ﺰول؟ ﻓﻤﺎ ﻏﺎب ﻋﻦ ﻋﻴﻨﻲ ﺧﻴﺎﻟﻚ ﻟﺤﻈﺔ
143
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻻ :ﺗﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺪأ اﻟﻄﻠﺐ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻌﺚ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺘﺰورك وﺗﻘﴤ ﻣﻦ ﻟﻘﺎﺋﻬﺎ
وﻃ ًﺮا ،وﺗﻨﴫف ﺳﻠﻴﻤً ﺎ.
ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ اﻵن ﻓﺎﺑﻌﺜﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﻳﻨﺬرﻫﺎ ،ﻓﺄﺗﻴﺎه ﺑﺮاﻋﻴﺔ ﻟﻬﻤﺎ وﻗﺎﻻ ﻟﻪ :ﻗﻞ ﺑﺤﺎﺟﺘﻚ،
ﻓﻘﺎل :ادﺧﲇ إﻟﻴﻬﺎ وﻗﻮﱄ ﻟﻬﺎ :إﻧﻲ أردت اﻗﺘﻨﺎص ﻇﺒﻲ ﻓﺤﺬﱠره ذﻟﻚ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻋﺘﻮروه
ﻣﻦ اﻟﻘﻨﺎص ،ﻓﻔﺎﺗﻨﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻤﻀﺖ ﻓﺄﻋﻠﻤﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ،ﻓﻌﺮﻓﺖ ﻗﺼﺘﻪ ،وﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻬﺎ
ﻓﻔﻬﻤﺘﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺨﺮج ﻟﺰﻳﺎرﺗﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ورﺻﺪوﻫﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﱪح ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ،وﻣﻀﻮا
ﻳﻘﺘﻔﻮن أﺛﺮه ،ﻓﻮﺟﺪوا ﻧﺎﻗﺘﻪ ،ﻓﻌﺮﻓﻮا أﻧﻪ ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻬﻢ ،وﰲ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل ﺟﻤﻴﻞ:
وﻗﺎل:
وملﺎ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﺮﻫﻂ ﺑﺜﻴﻨﺔ اﻟﺤﻴﻞ اﺋﺘﻤﻨﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺠﻮ ًزا ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺜﻘﻮن ﺑﻬﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أم
ﻣﻨﻈﻮر ،ﻓﺠﺎءﻫﺎ ﺟﻤﻴﻞ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أرﻳﻨﻲ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ وﷲ ﻻ أﻓﻌﻞ وﻗﺪ اﺋﺘﻤﻨﻮﻧﻲ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ وﷲ ﻻ أﴐﻧﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :املﴬة وﷲ ﰲ أن أرﻳﻜﻬﺎ .ﻓﺨﺮج ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ
وﻫﻮ ﻳﻘﻮل:
ﻮر
ﺑ ﺎﻟ ﺤ ﺠ ﺮ ﻳ ﻮم ﺟ ﻠ ﺘ ﻬ ﺎ أم ﻣ ﻨ ﻈ ٍ ﻣﺎ أﻧﺲ ﻻ أﻧﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﺳﻠﻔﺖ
ﻮر
إﻟ ﱠﻲ ﻣ ﻦ ﺳ ﺎﻗ ﻂ اﻷوراق ﻣ ﺴ ﺘ ٍ وﻻ اﺳ ﺘ ﻼﺑ ﺘ ﻬ ﺎ ﺧ ً
ﺮﺳ ﺎ ﺟ ﺒ ﺎﺋ ﺮﻫ ﺎ
144
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﻛﺎن إﻻ ﻗﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻴﻬﻢ ﻫﺬان اﻟﺒﻴﺘﺎن ،ﻓﺘﻌﻠﻘﻮا ﺑﺄم ﻣﻨﻈﻮر ،ﻓﺤﻠﻔﺖ
ﻟﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﻳﻤني ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮا ﻣﻨﻬﺎ ،وﻋﺎﻗﺒﻮﻫﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ .ﻫﻜﺬا رواه ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ ﻋﻦ اﻟﺰﺑري
ﺑﻦ ﺑﻜﺎر.
وﰲ رواﻳﺔ أﺧﺮى أن ً
رﺟﻼ أﻧﺸﺪ ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري اﻟﺒﻴﺖ اﻷول ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺘني املﺬﻛﻮرﻳﻦ،
ﻓﻘﺎل ﻣﺼﻌﺐ :ﻟﻮددت أﻧﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﻛﻴﻒ ﺟﻠﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :إن أم ﻣﻨﻈﻮر ﻫﺬه ﺣﻴﱠﺔ ،ﻓﻜﺘﺐ
ﰲ ﺣﻤﻠﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﻣُﻜﺮﻣﺔ ،ﻓﺤُ ﻤﻠﺖ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﺧﱪﻳﻨﻲ ﻋﻦ ﻗﻮل ﺟﻤﻴﻞ:
ﻮر
ﺑ ﺎﻟ ﺤ ﺠ ﺮ ﻳ ﻮم ﺟ ﻠ ﺘ ﻬ ﺎ أم ﻣ ﻨ ﻈ ٍ ﻣﺎ أﻧﺲ ﻻ أﻧﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﺳﻠﻔﺖ
ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺠﻠﻮة؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻟﺒﺴﺘﻬﺎ ﻗﻼدة ﺑﻠﺢ وﻣﺨﻨﻘﺔ ﺑﻠﺢ ﰲ وﺳﻄﻬﺎ ﺗﻔﺎﺣﺔ،
وﺿﻔﺮت ﺷﻌﺮﻫﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ ﰲ ﻓﺮﻗﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮة ،وﻣ ﱠﺮ ﺑﻨﺎ ﺟﻤﻴﻞ راﻛﺒًﺎ ﻋﲆ ﻧﺎﻗﺘﻪ،
ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤﺆﺧﺮ ﻋﻴﻨﻪ وﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻏﺎب ﻋﻨﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﺼﻌﺐ :ﻓﺈﻧﻲ
أﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻚ إﻻ ﺟﻠﻮت ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺟﻠﻮت ﺑﺜﻴﻨﺔ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ،ورﻛﺐ ﻣﺼﻌﺐ
ﻧﺎﻗﺘﻪ وﺟﻌﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻤﺆﺧﺮ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺟﻤﻴﻞ وﻳﺴري ﺣﺘﻰ ﻏﺎب ﻋﻨﻬﻤﺎ،
ﺛﻢ رﺟﻊ.
راع ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺤﻲ ،ﻓﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺿﻴﻔﺎن وﺟﺎء ﺟﻤﻴﻞ إﱃ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻟﻴﻠﺔ وﻗﺪ ﺗﺰﻳﱠﺎ ﺑﺰي ٍ
ﻟﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﺘﺒﺬ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﺟﻠﺲ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ :ﻣﻦ أﻧﺖ؟ ﻓﻘﺎل :ﻣﺴﻜني ﻣﻜﺎﺗﺐ ،ﱠ
ﻓﻌﺸ ْﺖ ﺿﻴﻔﺎﻧﻬﺎ
وﻋﺸﺘﻪ وﺣﺪه ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﻫﻲ وﺟﺎرﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﺠﺎه اﻟﻨﺎر ﺗﺼﻄﻠﻴﺎن ،واﺿﻄﺠﻊ اﻟﻘﻮم ﻣﻨﺘﺤني، ﱠ
ﻓﻘﺎل ﺟﻤﻴﻞ:
145
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ورﺻﺪﻫﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﰲ ﻧﺠﻊ ﻟﺒﻨﻲ ﻋﺬرة ﺣﺘﻰ إذا ﺻﺎدف ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ وﻫﻲ ﻣﺎرة ﻣﻊ أﺗﺮاﺑﻬﺎ
ﰲ ﻟﻴﻠﺔ ﻇﻠﻤﺎء ذات رﻋﻮد وأﻣﻄﺎر ﻓﺤﺬﻓﻬﺎ ﺑﺤﺼﺎة ،ﻓﺄﺻﺎﺑﺖ ﺑﻌﺾ أﺗﺮاﺑﻬﺎ ﻓﻔﺰﻋﺖ وﻗﺎﻟﺖ:
وﷲ ﻣﺎ ﺣﺬﻓﻨﻲ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ إﻻ اﻟﺠﻦ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﺜﻴﻨﺔ — وﻗﺪ ﻓﻄﻨﺖ :اﻧﴫﰲ إﱃ
ﻣﻨﺰﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻧﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﻨﻮم ،ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ وﺑﻘﻲ ﻣﻊ ﺑﺜﻴﻨﺔ أم اﻟﺤﺴني وأم ﻣﻨﻈﻮر ،ﻓﻘﺎﻣﺖ
ﻃﻮﻳﻼ ،ﺛﻢ اﺿﻄﺠﻊ واﺿﻄﺠﻌﺖ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ، ً إﱃ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﺄﺧﺬﺗﻪ إﱃ اﻟﺨﺒﺎء ﻣﻌﻬﺎ وﺗﺤﺪﺛﺎ
ﻓﺬﻫﺐ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﻨﻮم ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺎ وﺟﺎءﻫﺎ ﻏﻼم زوﺟﻬﺎ ﺑﺼﺒﻮح ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ ﺑﻌﺚ ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ
زوﺟﻬﺎ — ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺗﻮارﻳﺦ اﻟﻌﺮب أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﰲ وﻗﺘﻨﺎ
ﻫﺬا ﺑﺄن اﻟﺰوج ﻻ ﻳﺮﻗﺪ وزوﺟﺘﻪ ﰲ ﻣﺤﻞ واﺣﺪ ،ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﰲ ﻣﺤﻞ.
ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﻧﺎﺋﻤﺔ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﴣ ﻟﻮﺟﻬﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﱪ ﺳﻴﺪه ،ﻓﺮأﺗﻪ ﻟﻴﲆ واﻟﺼﺒﻮح ﻣﻌﻪ
— وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺧﱪ ﺑﺜﻴﻨﺔ وﺟﻤﻴﻞ — ﻓﺎﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻪ ،وﺑﻌﺜﺖ
ً
وﺟﻤﻴﻼ ،ﻓﺠﺎءت اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻨﺒﻬﺘﻬﻤﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺒﻴﻨﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺑﺠﺎرﻳﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﺣﺬﱢري ﺑﺜﻴﻨﺔ
اﻟﺼﺒﺢ ﻗﺪ أﺿﺎء واﻟﻨﺎس ﻣﻨﺘﴩﻳﻦ ارﺗﺎﻋﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ ،ﻧﻔﺴﻚ ﻧﻔﺴﻚ؛ ﻓﻘﺪ ﺟﺎءﻧﻲ
ﻏﻼم زوﺟﻲ ﺑﺼﺒﻮﺣﻲ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ ﻓﺮآﻧﺎ ﻧﺎﺋﻤني ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ وﻫﻮ ﻏري ﻣﻜﱰث ملﺎ ﺧﻮﻓﺘﻪ ﻣﻨﻪ:
ﻓﺄﻗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻠﻘﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺤﺖ اﻟﻨﻀﺪ وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻤﺎ أﺳﺄﻟﻚ ذﻟﻚ ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ
ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻚ ،ﻓﻔﻌﻞ ﻣﺎ أﻣﺮﺗﻪ ﺑﻪ ،وﻧﺎﻣﺖ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ وأﺿﺠﻌﺖ أم اﻟﺤﺴنيﻣﻦ اﻟﻔﻀﻴﺤﺔ ﻻ ً
إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،وذﻫﺒﺖ ﺧﺎدﻣﺔ ﻟﻴﲆ وأﺧﱪﺗﻬﺎ اﻟﺨﱪ ،ﻓﱰﻛﺖ اﻟﻌﺒﺪ ﻳﻤﴤ إﱃ ﺳﻴﺪه ،ﻓﻤﴣ
ﺟﻤﻴﻼ ﻣﻊ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﰲ ﻓﺮاش واﺣﺪ ﻣﻀﻄﺠﻌً ﺎ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ،ً واﻟﺼﺒﻮح ﻣﻌﻪ وﻗﺎل :إﻧﻲ رأﻳﺖ
ﻓﻤﴣ إﱃ أﺧﻴﻬﺎ وأﺑﻴﻬﺎ وأﺧﱪﻫﻢ اﻟﺨﱪ ،وأﺧﺬﻫﻤﺎ وأﺗﻰ ﺑﻬﻤﺎ إﱃ ﺧﺒﺎء ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻫﻲ ﻧﺎﺋﻤﺔ،
ﻓﻜﺸﻔﻮا ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺜﻮب ﻓﺈذا أم اﻟﺤﺴني إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﻧﺎﺋﻤﺔ ،ﻓﺨﺠﻞ زوﺟﻬﺎ وﺳﺐﱠ ﻋﺒﺪه ،وﻗﺎﻟﺖ
ﻟﻴﲆ ﻷﺧﻴﻬﺎ وأﺑﻴﻬﺎ :ﻗﺒﱠﺤﻜﻤﺎ ﷲ؛ أﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﻔﻀﺤﺎن ﻓﺘﺎﺗﻜﻤﺎ ،وﻳﻠﻘﺎﻛﻤﺎ ﻫﺬا اﻷﻋﻮر
ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻗﺒﻴﺢ — ﻗﺒﱠﺤﻪ ﷲ وﻗﺒﱠﺤﻜﻤﺎ ﻣﻌﻪ؟ وﺟﻌﻼ ﻳﺴﺒﱠﺎن زوﺟﻬﺎ وﻳﻘﻮﻻن ﻟﻪ ﻛﻞ ﻗﻮل
ﻗﺒﻴﺢ.
146
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
وملﺎ اﺷﺘﻬﺮت ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺑﺤﺐ ﺟﻤﻴﻞ إﻳﺎﻫﺎ اﻋﱰﺿﻪ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻗﻄﻨﺔ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﺐ — وﻫﻮ
ﱠ
وﻛﻒ ً
ﺟﻤﻴﻼ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ،وﺗﻄﺎوﻻ ﻓﻐﻠﺒﻪ ﺟﻤﻴﻞ، ﻣﻦ رﻫﻄﻬﺎ اﻷﻗﺮﺑني — ﻓﻬﺠﺎه ،وﺑﻠﻎ ذﻟﻚ
ﻋﻨﻪ اﺑﻦ ﻗﻄﻨﺔ ،واﻋﱰﺿﻪ ﻋﻤري ﺑﻦ رﻣﻞ — رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﺐ — ً
أﻳﻀﺎ ،وإﻳﺎه ﻋﻨﻰ
ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ:
ﻗﺎل :ﻓﺎﺳﺘﻌﺪوا ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ رﺑﻌﻲ — وﻛﺎن اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻋﲆ ﺑﻼد ﻋﺬرة — وﻗﺎﻟﻮا:
ﻳﻬﺠﻮﻧﺎ وﻳﻐﴙ ﺑﻴﻮﺗﻨﺎ ،وﻳﻨﺴﺐ ﺑﻨﺴﺎﺋﻨﺎ ،ﻓﺄﺑﺎﺣﻬﻢ دﻣﻪ ،و ُ
ﻃﻠﺐ ﻓﻬﺮب ،وﻏﻀﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺜﻴﻨﺔ
ﻟﻬﺠﺎﺋﻪ أﻫﻠﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻓﻘﺎل ﺟﻤﻴﻞ:
ﻳ ﺪ وﻣ ﻤ ﺮ اﻟ ﻌ ﻘ ﺪﺗ ﻴ ﻦ وﺛ ﻴ ﻖ وﻣ ﺎ ﺻ ﺎﺋ ﺐ ﻣ ﻦ ﻧ ﺎﺋ ﻞ ﻗ ﺬﻓ ﺖ ﺑ ﻪ
147
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻨ ﺄي ﻣ ﺸ ﺘ ﺎق إﻟ ﱠﻲ وﺷ ﺎﺋ ﻖ أﻟ ﱠﻢ ﺧ ﻴ ﺎل ﻣ ﻦ ﺑ ﺜ ﻴ ﻨ ﺔ ﻃ ﺎرق
إﻟ ﱠﻲ ودوﻧ ﻲ اﻷﺷ ﻌ ﺮون وﻋ ﺎﻓ ﻖ ﺳﺮت ﻣﻦ ﺗﻼع اﻟﺤﺠﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﻠﺼﺖ
ﺗ ﻘ ﱡﻞ ﺑ ﻪ أرداﻓ ﻬ ﺎ واﻟ ﻤ ﺮاﻓ ﻖ ﻛ ﱠ
ﺄن ﻓ ﺘ ﻴ ﺖ اﻟ ﻤ ﺴ ﻚ ﺧ ﺎﻟ ﻂ ﻧ ﺸ ﺮﻫ ﺎ
وﻳ ﻐ ﺪو ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﺣ ﻀ ﻨ ﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﺗ ﻌ ﺎﻧ ﻖ ﺗ ﻘ ﻮم إذا ﻗ ﺎﻣ ﺖ ﺑ ﻪ ﻋ ﻦ ﻓ ﺮاﺷ ﻬ ﺎ
وﻟﻢ ﻳﺰل ﰲ اﻟﻴﻤﻦ إﱃ أن ﻋُ ﺰل ذﻟﻚ اﻟﻮاﱄ واﻧﺘﻘﻞ أﻫﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ إﱃ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺸﺎم ،ﻓﺮﺟﻊ
إﻟﻴﻬﻢ ،ﻓﺸﻜﺎ أﻛﺎﺑﺮ اﻟﺤﻲ إﱃ أﺑﻴﻪ — وﻛﺎن ذا ﻣﺎل وﻓﻀﻞ وﻗﺪر ﰲ أﻫﻠﻪ — ﻓﻨﺎﺷﺪوه
ﷲ واﻟﺮﺣﻢ ،وﺳﺄﻟﻮه ﻛﻒ اﺑﻨﻪ ﻋﻦ ﻓﺘﺎﺗﻬﻢ وﻋﻦ ﺗﺸﺒﱡﺒﻪ ﺑﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﻔﻀﺤﻬﻢ ﺑﻪ ﺑني اﻟﻨﺎس،
ﻓﻮﻋﺪﻫﻢ ﻛﻔﻪ وﻣﻨﻌﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ،ﺛﻢ اﻧﴫﻓﻮا ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻪ وﻗﺎل ﻟﻪ :ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻰ أﻧﺖ أﻋﻤﻰ
ﺑﻤﻌﺰل ﺗﻐ ﱡﺮك ﺑﺄﻗﻮاﻟﻬﺎ
ٍ ﰲ ﺿﻼﻟﻚ ،أﻻ ﺗﺄﻧﻒ ﻣﻦ أن ﺗﺘﻌﻠﻖ ﰲ ذات ﺑﻌﻞ ﻳﺨﻠﻮ ﺑﻬﺎ وأﻧﺖ ﻋﻨﻬﺎ
وﺧﺪاﻋﻬﺎ ،وﺗُﺮﻳﻚ اﻟﺼﻔﺎء واملﻮدة وﻫﻲ ﻣﻀﻤﺮة ﻟﺒﻌﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻀﻤﺮه اﻟﺤﺮة ملﻦ ﻣﻠﻜﻬﺎ ،ﻓﻴﻜﻮن
ﺗﻌﻠﻴﻼ وﻏﺮو ًرا ،ﻓﺈذا اﻧﴫﻓﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﺎدت إﱃ ﺑﻌﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ املﺒﺬوﻟﺔ؟ إن ﻫﺬاً ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻟﻚ
ﻟﺬل وﺿﻴﻢ ،وﻣﺎ أﻋﺮف أﺧﻴﺐ ﺳﻬﻤً ﺎ ،وﻻ أﺿﻴﻊ ﻋﻤ ًﺮا ﻣﻨﻚ؛ ﻓﺄﻧﺸﺪك ﷲ إﻻ ﻛﻔﻔﺖ وﺗﺄﻣﻠﺖ ﰲ
ُ
ﻟﺒﺬﻟﺖ ﻣﺎ أﻣﻠﻜﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا أﻣﺮ أﻣﺮك؛ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ أن ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﺣﻖ ،وﻟﻮ ﻛﺎن إﻟﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻞ
ﻗﺪ ﻓﺎت ،واﺳﺘﺒ ﱠﺪ ﺑﻪ ﻣﻦ ُﻗﺪﱢر ﻟﻪ ،وﰲ اﻟﻨﺴﺎء ﻋِ ﻮض ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻞ :اﻟﺮأي ﻣﺎ رأﻳﺖ ،واﻟﻘﻮل
ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻞ رأﻳﺖ ﻗﺒﲇ أﺣﺪًا ﻗﺪر أن ﻳﺪﻓﻊ ﻫﻮاه ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻪ ،أو ﻣﻠﻚ أن ﻳﺴﲇ ﻧﻔﺴﻪ،
أو اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺎ ُﻗﴤ ﻋﻠﻴﻪ .وﷲ ﻟﻮ ﻗﺪرت أن أﻣﺤﻮ ذﻛﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ ،أو أزﻳﻞ
148
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
أﻓ ﻖ ﻓ ﺎﻟ ﺘ ﻌ ﺰي ﻋ ﻦ ﺑ ﺜ ﻴ ﻨ ﺔ أﺟ ﻤ ﻞ أﻻ ﻣ ﻦ ﻟ ﻘ ﻠ ﺐ ﻻ ﻳ ﻤ ﻞ ﻓ ﻴ ﺬﻫ ﻞ
وأﻧ ﺖ ﺑ ﻬ ﺎ ﺣ ﺘ ﻰ اﻟ ﻤ ﻤ ﺎت ﻣ ﻮﻛ ﻞ ﺳ ﻼ ﻛ ﻞ ذي ود ﻋ ﻠ ﻤ ﺖ ﻣ ﻜ ﺎﻧ ﻪ
وﻻ ﻫ ﻜ ﺬا ﻓ ﻴ ﻤ ﺎ ﻣ ﻀ ﻰ ﻛ ﻨ ﺖ ﺗ ﻔ ﻌ ﻞ ﻓ ﻤ ﺎ ﻫ ﻜ ﺬا أﺣ ﺒ ﺒ ﺖ ﻣ ﻦ ﻛ ﺎن ﻗ ﺒ ﻠ ﻬ ﺎ
وإن ﻛ ﻨ ﺖ ﺗ ﻬ ﻮاﻫ ﺎ ﺗَ ِﻀ ﱡﻦ وﺗ ﺒ ﺨ ﻞ ﻓ ﻴ ﺎ ﻗ ﻠ ﺐ دع ذﻛ ﺮى ﺑ ﺜ ﻴ ﻨ ﺔ إﻧ ﻬ ﺎ
إن ﻟ ﻢ ﻳُ ﻘ ﱠﺪ ُر اﻟ ﻨ ﱠ ﻴْ ُﻞ أﻣْ ﺜ َ ﻞ و َﻟ ْﻠ ﻴَ ُ
ﺄس ْ وﻗ ﺪ أﻳ ﺄﺳ ﺖ ﻣ ﻦ ﻧ ﻴ ﻠ ﻬ ﺎ وﺗ ﺠ ﻬ ﻤ ﺖ
وأﺑ ﺨ ﻞ ﺑ ﻬ ﺎ ﻣ ﺴ ﺌ ﻮﻟ ﺔ ﺣ ﻴ ﻦ ﺗ ﺴ ﺄل وإﻻ ﻓ ﺴ ﻠ ﻬ ﺎ ﻧ ﺎﺋ ًﻼ ﻗ ﺒ ﻞ ﺑَ ﻴْ ﻨ ﻬ ﺎ
وﻗ ﺪ ﺟ ﺪ ﺣ ﺒ ﻞ اﻟ ﻮﺻ ﻞ ﻣ ﻤ ﻦ ﺗ ﺆﻣ ﻞ وﺻ ﻠ ﻬ ﺎ ﺑَ ﻌ َﺪ ﺑُ ﻌ ﺪﻫ ﺎ
وﻛ ﻴ ﻒ ﺗ ﺮﺟﱢ ﻲ ْ
ﻓ ﻜ ﻦ ﺣ ﺎزﻣً ﺎ واﻟ ﺤ ﺎزم اﻟ ﻤ ﺘ ﺤ ﻮل وإن اﻟ ﺘ ﻲ أﺣ ﺒ ﺒ ﺖ ﻗ ﺪ ﺣ ﻴ ﻞ دوﻧ ﻬ ﺎ
وﻓ ﻲ اﻷرض ﻋ ﻤ ﻦ ﻻ ﻳ ﻮاﺗ ﻴ ﻚ ﻣ ﻌ ﺰل ﻓﻔﻲ اﻟﻴﺄس ﻣﺎ ﻳﺴﻠﻲ وﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﺧﻠﺔ
وﻣ ﺎ ﻻ ﻳ ﺮى ﻣ ﻦ ﻏ ﺎﺋ ﺐ اﻟ ﻮﺟ ﺪ أﻓ ﻀ ﻞ ﺑ ﺪا ﻛ ﻠ ﻒ ﻣ ﻨ ﻲ ﺑ ﻬ ﺎ ﻓ ﺘ ﺜ ﺎﻗ ﻠ ﺖ
ﻋ ﻔ ﺎﻫ ﺎ ﻟ ﻜ ﻢ أو ﻣ ﺬﻧ ﺒً ﺎ ﻳ ﺘ ﻨ ﺼ ﻞ ﻫ ﺒ ﻴ ﻨ ﻲ ﺑ ﺮﻳ ﺌً ﺎ ﻧ ﻠ ﺘ ﻪ ﺑ ﻈ ﻼﻣ ﺔ
وﻣ ﺎ ﺗ ﺤ ﺘ ﻪ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ ﻧ ًﻘ ﺎ ﻳ ﺘ ﻬ ﻴ ﻞ ﻓ ﺘ ﺎة ﻣ ﻦ اﻟ ﻤ ﱠﺮان ﻣ ﺎ ﻓ ﻮق ﺣ ﻘ ﻮﻫ ﺎ
واﻟﺘﻘﻰ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻌﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ ،ﻗﻢ ﺑﻨﺎ ﻧﺬﻫﺐ إﱃ زﻳﺎرة ﺑﺜﻴﻨﺔ.
ﻗﺎل :ﻗﺪ أﻫﺪر ﻟﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن دﻣﻲ إن وﺟﺪوﻧﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ،وﻫﺎﺗﻴﻚ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ؛ ﻓﺎذﻫﺐ إﻟﻴﻬﺎ،
ﻓﺄﺗﺎﻫﺎ ﻋﻤﺮ ﺣﺘﻰ وﻗﻒ ﻋﲆ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ،أﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ،ﻓﺄﻋْ ﻠِﻤﻲ ﺑﺜﻴﻨﺔ
ﻣﻜﺎﻧﻲ ،ﻓﺄﻋﻠﻤﺘﻬﺎ ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﰲ ﻣﺒﺎذﻟﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻳﺎ ﻋﻤﺮ ﻻ أﻛﻮن ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻚ اﻟﻼﺗﻲ
ﻳﺰﻋﻤﻦ أن ﻗﺪ ﻗﺘﻠﻬﻦ اﻟﻮﺟ ُﺪ ﺑﻚ ،ﻓﺎﻧﻜﴪ ﻋﻤﺮ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﻗﻮل ﺟﻤﻴﻞ:
149
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﻪ اﺳﺘﻤﲆ ﻣﻨﻚ ﻓﻤﺎ أﻓﻠﺢ ،وﻗﺪ ﻗﻴﻞ :ارﺑﻂ اﻟﺤﻤﺎر ﻣﻊ اﻟﻔﺮس؛ ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻢ
ﻣﻦ ﺟﺮﻳﻪ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ ،ﻓﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ واﻧﴫف.
ﻟﻴﻼ ﻋﲆ ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻗﺪ وﺟﺪ وملﺎ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﺠﻤﻴﻞ اﻟﺤﻴﻞ وأراد اﻟﺨﺮوج إﱃ اﻟﺸﺎم ،ﻫﺠﻢ ً
ﻏﻔﻠﺔ ﰲ اﻟﺤﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻫﻠﻜﺘﻨﻲ وﷲ ،وأﻫﻠﻜﺖ ﻧﻔﺴﻚ ،وﻳﺤﻚ أﻣﺎ ﺗﺨﺎف؟! ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ:
ً
ﻃﻮﻳﻼ ﺛﻢ ودﱠﻋﻬﺎ وﻗﺎل :ﻳﺎ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،ﻣﺎ ﻫﺬا وﺟﻬﻲ إﱃ اﻟﺸﺎم ،وإﻧﻤﺎ ﺟﺌﺘُﻚ ﻣُﻮدﱢﻋً ﺎ ،ﻓﺤﺎدﺛﻬﺎ
ْ
وﺑﻜﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎل وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ: ً
ﻃﻮﻳﻼ أراﻧﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ،وﺑﻜﻰ ﺑﻜﺎءًا
وﺧﺮج إﱃ اﻟﺸﺎم وﻃﺎل ﻏﻴﺎﺑﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺪم وﺑﻠﻎ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺧﱪه ،ﻓﺮاﺳﻠﺘﻪ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ
ﻧﺴﺎء اﻟﺤﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﺷﻮﻗﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ووﺟﺪﻫﺎ ﺑﻪ ،وﻃﻠﺒﻬﺎ ﻟﻠﺤﻴﻠﺔ ﰲ ﻟﻘﺎﺋﻪ ،وواﻋﺪﺗﻪ ملﻮﺿﻊ
ﻳﻠﺘﻘﻴﺎن ﻓﻴﻪ ،ﻓﺴﺎر إﻟﻴﻬﺎ وﺣﺪﱠﺛﻬﺎ ،ﱠ
وﺑﺚ إﻟﻴﻬﺎ أﺷﻮاﻗﻪ ،وأﺧﱪﻫﺎ ﺧﱪه ﺑﻌﺪﻫﺎ .وﻗﺪ ﻛﺎن أﻫﻠﻬﺎ
رﺻﺪوﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻓﻘﺪوﻫﺎ ﺗﺒﻌﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ وأﺧﻮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻫﺠﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﻮﺛﺐ ﺟﻤﻴﻞ واﻧﺘﴣ
ﺳﻴﻔﻪ وﺷ ﱠﺪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﺗﻘﻴﺎه ﺑﺎﻟﻬﺮب ،وﻧﺎﺷﺪﺗﻪ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺑﺎهلل إﻻ اﻧﴫف ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إن أﻗﻤﺖ
أﻧﺖ ،وﻟﻴﺼﻨﻌﻮا ﺑﻲواﻣﺾ ِ
ِ ﻓﻀﺤﺘﻨﻲ ،وﻟﻌﻞ اﻟﺤﻲ أن ﻳﻠﺤﻘﻮا ﺑﻚ ،ﻓﺄﺑﻰ وﻗﺎل :أﻧﺎ ﻣﻘﻴﻢٌ،
ﻣﺎ أﺣﺒﻮا ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﺗﻨﺸﺪه ﺣﺘﻰ اﻧﴫف .وﻗﺪ ﻫﺠﺮﺗﻪ واﻧﻘﻄﻊ اﻟﺘﻼﻗﻲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﺪة ،وﰲ
ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل:
150
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ َروْق :إﻧﻚ ﻟﻌﺎﺟﺰ ﺿﻌﻴﻒ ﰲ اﺳﺘﻜﺎﻧﺘﻚ ﻟﻬﺬه املﺮأة ،وﺗﺮﻛﻚ اﻻﺳﺘﺒﺪال ﺑﻬﺎ ﻣﻊ
ﻛﺜﺮة اﻟﻨﺴﺎء ووﺟﻮد ﻣﻦ ﻫﻮ أﺟﻤﻞ ﻣﻨﻬﺎ ،وإﻧﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﺑني ﻓﺠﻮر أرﻓﻌﻚ ﻋﻨﻪ ،أو ذ ﱟل ﻻ أﺣﺒﻪ
ﻟﻚ ،أو ﻛﻤَ ٍﺪ ﻳﺆدﻳﻚ إﱃ اﻟﺘﻠﻒ ،أو ﻣﺨﺎﻃﺮة ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻟﻘﻮﻣﻬﺎ إن ﺗﻌﺬرت ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺪ إﻋﺬارﻫﻢ
ﴏﻓﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻏﻠﺒﺖ ﻫﻮاك ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗﺠﺮﻋﺖ ﻣﺮارة اﻟﺤﺰم ،وﺗﺼﱪ ﻧﻔﺴﻚ َ إﻟﻴﻚ .وإن
ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻃﺎﺋﻌﺔ أو ﻛﺎرﻫﺔ؛ أﻟ ِْﻔ َﺖ ذﻟﻚ وﺳ َﻠ َ
ﻮت.
151
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺒﻜﻰ ﺟﻤﻴﻞ وﻗﺎل :ﻳﺎ أﺧﻲ ،ﻟﻮ ﻣﻠﻜﺖ اﺧﺘﻴﺎري ﻟﻜﺎن ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﺻﻮاﺑًﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻣﻠﻚ
ﱄ اﺧﺘﻴﺎ ًرا ،وﻻ أﻧﺎ إﻻ ﻛﺎﻷﺳري ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻧﻔﻌً ﺎ ،وﻗﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﻷﻣﺮ أﺳﺄﻟﻚ أن ﻻ ﺗﻜﺪر ﻣﺎ
رﺟﻮﺗﻪ ﻋﻨﺪك ﻓﻴﻪ ﺑﻠﻮم ،وأن ﺗﺤﻤﻞ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻚ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻲ.
ﻟﻴﻼ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺨﺮج ﻣﻊ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻓﺈن ﻛﻨﺖ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻬﻠ ًﻜﺎ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﺎﻋﻤﻞ ﻋﲆ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ً
ﴎا ،وﱄ أخ ﻣﻦ رﻫﻂ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺑﻨﺎت ﻋﻢ ﻟﻬﺎ إﱃ ﻣﻠﻌﺐ ﻟﻬﻦ ،ﻓﺄﺟﻲء ﻣﻌﻚ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ٍّ
اﻷﺣﺐ ﻧﺄوي ﻋﻨﺪه ﻧﻬﺎ ًرا ،ﻓﺄﺳﺄﻟﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻚ ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻓﺘﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪه أﻳﺎﻣً ﺎ ﻧﻬﺎرك ،وﺗﺠﺘﻤﻊ
ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ إﱃ أن ﺗﻘﴤ أرﺑﻚ .ﻓﺸﻜﺮه ،وﻣﴣ روق إﱃ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻣﻦ رﻫﻂ ﺑﺜﻴﻨﺔ
ﻓﺄﺧﱪه اﻟﺨﱪ ،واﺳﺘﻌﻬﺪه ﻛﺘﻤﺎﻧﻪ ،وﺳﺄﻟﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺘﻨﻲ ﺑﺈﺣﺪى
اﻟﻌﻈﺎﺋﻢ ،وﻳﺤﻚ! إن ﰲ ﻫﺬا ﻣﻌﺎداﺗﻲ اﻟﺤﻲ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إن ﻓﻄﻦ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ أﺗﺤﺮز ﰲ أﻣﺮه
ﻣﻦ أن ﻳﻈﻬﺮ ،ﻓﻮاﻋﺪه ﰲ ذﻟﻚ ،وﻣﴣ إﱃ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﺄﺧﱪه ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﺄﺗﻴﺎ اﻟﺮﺟﻞ ً
ﻟﻴﻼ ﻓﺄﻗﺎﻣﺎ
ﻋﻨﺪه ،وأرﺳﻞ إﱃ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺑﻮﻟﻴﺪة ﻟﻪ ﺑﺨﺎﺗﻢ ﺟﻤﻴﻞ ،ﻓﺪﻓﻌﺘْﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﻋﺮﻓﺖ ﻓﺘﺒﻌﺘﻬﺎ
وﺟﺎءﺗﻪ ،ﻓﺘﺤﺪﺛﺎ ﻟﻴﻠﺘﻬﻤﺎ ،وأﻗﺎم ﺑﻤﻮﺿﻌﻪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﺛﻢ ودﱠﻋﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻋﻦ ﻏري ً
ﻗﲆ
— وﷲ — وﻻ ﻣﻠﻞ ﻳﺎ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻛﺎن وداﻋﻲ ﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻗﺪ ﺗﺬﻣﻤﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻜﺮﻳﻢ،
وﺗﻌﺮﻳﻀﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻘﻮﻣﻪ ،وﻗﺪ أﻗﻤﺖ ﻋﻨﺪه ﺛﻼﺛًﺎ ،وﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ .ﺛﻢ اﻧﴫف وﻗﺎل ﰲ
ﻋﺬل َروْق ﻟﻪ:
ﺣ ﺒ ﻴ ﺐ إﻟ ﻴ ﻪ ﻓ ﻲ ﻣ ﻼﻣ ﺘ ﻪ رﺷ ﺪي ﻟ ﻘ ﺪ ﻻﻣ ﻨ ﻲ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ أخ ذو ﻗ ﺮاﺑ ﺔ
ﺑ ﺒ ﺜ ﻨ َ َﺔ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ ﻗ ﺪ ﺗ ﻌ ﻴ ﺪ وﻗ ﺪ ﺗ ﺒ ﺪي وﻗ ﺎل أﻓ ﻖ ﺣ ﺘ ﻰ ﻣ ﺘ ﻰ أﻧ ﺖ ﻫ ﺎﺋ ﻢ
ﻋ ﻠ ﱠﻲ وﻫ ﻞ ﻓ ﻴ ﻤ ﺎ ﻗ ﻀ ﻰ اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﻦ رد ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻪ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ ﻗ ﻀ ﻰ اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﺎ ﺗ ﺮى
ﻓ ﻘ ﺪ ﺟ ﺌ ﺘ ﻪ ﻣ ﺎ ﻛ ﺎن ﻣ ﻨ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ ﻋ ﻤ ﺪ ﻓ ﺈن ﻳ ﻚ رﺷ ﺪًا ﺣ ﺒ ﻬ ﺎ أو ﻏ ﻮاﻳ ﺔ
وﻟ ﻴ ﺲ ﻟ ﻤ ﻦ ﻟ ﻢ ﻳ ﻮف ﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﻦ ﻋ ﻬ ﺪ ﻟ ﻘ ﺪ ﻟ ﺞ ﻣ ﻴ ﺜ ﺎق ﻣ ﻦ اﻟ ﻠ ﻪ ﺑ ﻴ ﻨ ﻨ ﺎ
وﻻ ﻟ ﻲ ﻋ ﻠ ﻢ ﺑ ﺎﻟ ﺬي ﻓ ﻌ ﻠ ﺖ ﺑ ﻌ ﺪي ﻓ ﻼ وأﺑ ﻴ ﻬ ﺎ اﻟ ﺨ ﻴ ﺮ ﻣ ﺎ ﺧ ﻨ ﺖ ﻋ ﻬ ﺪﻫ ﺎ
ﻋ ﻠ ﱠﻲ وﻣ ﺎ زاﻟ ﺖ ﻣ ﻮدﺗ ﻬ ﺎ ﻋ ﻨ ﺪي وﻣ ﺎ زادﻫ ﺎ اﻟ ﻮاﺷ ﻮن إﻻ ﻛ ﺮاﻣ ﺔ
ﻛﺤﺎﻟﻲ أم أﺣﺒﺒﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺣﺪي؟ أﻓ ﻲ اﻟ ﻨ ﺎس أﻣ ﺜ ﺎﻟ ﻲ أﺣ ﺐ ﻓ ﺤ ﺎﻟ ﻬ ﻢ
ﻟﻘﻴﺖ ﺑﻬ ﺎ أم ﻟﻢ ﻳﺠ ﺪ أﺣﺪ وﺟﺪي؟ وﻫﻞ ﻫﻜﺬا ﻳﻠﻘﻰ اﻟﻤﺤﺒﻮن ﻣﺜﻞ ﻣﺎ
152
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻗﻴﻞ :وﻗﻊ ﺑني ﺑﺜﻴﻨﺔ وﺟﻤﻴﻞ ﻫﺠْ ٌﺮ ﰲ ﻏرية — ﻛﺎن ﻏﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺘﻰ ﻛﺎن ﻳﺘﺤﺪث
إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻬﺎ — ﻓﻜﺎن ﺟﻤﻴﻞ ﻳﺘﺤﺪث إﱃ ﻏريﻫﺎ ،ﻓﻴﺸﻖ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻋﲆ ﺟﻤﻴﻞ،
وﺟﻌﻞ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﻜﺮه أن ﻳﺒﺪي ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺷﺄﻧﻪ ،ﻓﺪﺧﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻗﺪ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ
اﻷﻣﺮ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﺟﺎءت إﱃ اﻟﺒﻴﺖ وﻟﻢ ﺗﱪز ﻟﻪ،
ﻓﺠﺰع ﻟﺬﻟﻚ وﺟﻌﻞ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﻄﺎﻟﻊ ﺻﺎﺣﺒﻪ وﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻞ ﻛﻞ ﻣﺒﻠﻎ؛
ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
وﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺎﺟﺎت إﻟﻴﻚ ﻛﻤﺎ ﻫﻴﺎ ﻟﻘﺪ ﺧﻔﺖ أن ﻳﻐﺘﺎﻟﻨﻲ اﻟﻤﻮت ﻋﻨﻮة
ﻟ ﻘ ﻴ ﺘ ﻚ ﻳ ﻮﻣً ﺎ أن أﺑ ﺜ ﻚ ﻣ ﺎ ﺑ ﻴ ﺎ وإﻧ ﻲ ﻟ ﺘ ﺜ ﻨ ﻴ ﻨ ﻲ اﻟ ﺤ ﻔ ﻴ ﻈ ﺔ ﻛ ﻠ ﻤ ﺎ
أﻇ ﻞ إذا ﻟ ﻢ أُﺳ َﻖ رﻳ ﻘ ﻚ ﺻ ﺎدﻳ ﺎ؟ أﻟ ﻢ ﺗ ﻌ ﻠ ﻤ ﻲ ﻳ ﺎ ﻋَ ﺬﺑ َﺔ اﻟ ﱢﺮﻳ ﻖ أﻧ ﻨ ﻲ
ﱠ
ﻓﺮﻗﺖ ﻟﻪ ﺑﺜﻴﻨﺔ وﻗﺎﻟﺖ ملﻮﻻة ﻟﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻬﺎ :ﻣﺎ أﺣﺴﻦ اﻟﺼﺪق ﺑﺄﻫﻠﻪ! ﺛﻢ اﺻﻄﻠﺤﺎ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻧﺸﺪﻧﻲ ﻗﻮﻟﻚ:
153
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺟﻤﻴﻼ ملﺎ ﺣﴬﺗﻪ اﻟﻮﻓﺎة ﺑﻤﴫ ﻗﺎل :إﻧﻪ دﻋﺎه ﻓﻘﺎل :ﻫﻞً روي ﻋﻦ رﺟﻞ ﻛﺎن ﺷﺎﻫﺪ
ً
ﻟﻚ ﰲ أن أﻋﻄﻴﻚ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺧﻠﻔﻪ ﻋﲆ أن ﺗﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌﺎ أﻋﻬﺪه إﻟﻴﻚ؟ ﻗﺎل :ﻓﻘﻠﺖ :اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻌﻢ،
ﻣﺖ ﻓﺨﺬْ ﺣُ ﱠﻠﺘﻲ ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﰲ ﻋَ ﻴﺒَﺘﻲ ﻓﺎﻋﺰﻟﻬﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﻛﻞ ﳾء ﺳﻮاﻫﺎ ﻟﻚ،
ﻗﺎل :إذا أﻧﺎ ﱡ
وارﺣﻞ إﱃ رﻫﻂ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﺐ ﻣﻦ ﻋﺬرة — وﻫﻢ رﻫﻂ ﺑﺜﻴﻨﺔ — ﻓﺈذا ﴏت إﻟﻴﻬﻢ ﻓﺎرﺗﺤﻞ
وﺻﺢْ ﺑﻬﺬه اﻷﺑﻴﺎت
ﴍف ٍِ ﻧﺎﻗﺘﻲ ﻫﺬه وارﻛﺒﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻟﺒﺲ ﺣُ ﱠﻠﺘﻲ ﻫﺬه واﺷﻘﻘﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻋ ُﻞ ﻋﲆ
وﺧﻼك ذَمﱞ .ﺛﻢ أﻧﺸﺪﻧﻲ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت:
َ
ﻗﺎل :ﻓﻠﻤﺎ ﻗﴣ ووارﻳﺘﻪ أﺗﻴﺖ رﻫﻂ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻣﺎ أﻣﺮﻧﻲ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻞ ،ﻓﻤﺎ اﺳﺘﺘﻤﺖ
اﻷﺑﻴﺎت ﺣﺘﻰ ﺑﺮزت إﱄ ﱠ اﻣﺮأة ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﻧﺴﻮة ﻗﺪ ﻓﺮﻋﺘﻬﻦ ً
ﻃﻮﻻ ،وﺑﺮزت أﻣﺎﻣﻬﻦ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺑﺪر ﻗﺪ
ً
ﺻﺎدﻗﺎ ﻟﻘﺪ ﺑﺮز ﰲ دﺟﻨﺔ وﻫﻲ ﺗﺘﻌﺜﺮ ﰲ ﻣﺮﻃﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ أﺗﺘﻨﻲ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻫﺬا ،وﷲ ﻟﱧ ﻛﻨﺖ
ﻗﺘﻠﺘﻨﻲ ،وﻟﱧ ﻛﻨﺖ ﻛﺎذﺑًﺎ ﻟﻘﺪ ﻓﻀﺤﺘﻨﻲ ،ﻗﻠﺖ :وﷲ ﻣﺎ أﻧﺎ إﻻ ﺻﺎدق ،وأﺧﺮﺟﺖ ﺣﻠﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ
رأﺗﻬﺎ ﺻﺎﺣﺖ ﺑﺄﻋﲆ ﺻﻮﺗﻬﺎ ،وﺻ ﱠﻜﺖ وﺟﻬﻬﺎ ،واﺟﺘﻤﻊ ﻧﺴﺎء اﻟﺤﻲ ﻳﺒﻜني ﻣﻌﻬﺎ وﻳﻨﺪﺑﻨﻪ
ﺣﺘﻰ ﺻﻌﻘﺖ ،ﻓﻤﻜﺜﺖ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ وﻫﻲ ﺗﻘﻮل:
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻛﺮرت ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻣﻦ ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ ﺑﻤﻮت ﺟﻤﻴﻞ،
وﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﻛﺜرية ،وﻟﻮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻮى ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﻟﻜﻔﺎﻫﺎ ﺷﻬﺮة وﻓﺨ ًﺮا،
وﻫﻤﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ — ﻫﻲ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ أﺷﻌﺎره:
154
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
وﺻﻞ ِﺷﻌْ ﺮﻫﺎ ﻷﺑﻴﻬﺎ وﻫﻮ ﺑﺄﻏﻤﺎت واﻗ ٌﻊ ﰲ ِﴍاك اﻟﻜﺮوب واﻷزﻣﺎت ُ ﱠ
ﴎ ﻫﻮ ﻓﻠﻤﺎ َ
وأﻣﻬﺎ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﺎ ،ورأﻳﺎ أن ذﻟﻚ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ أﻣﻨﻴﺎﺗﻬﺎ؛ إذ ﻋﻠﻤﺎ ﻣﺎ آل إﻟﻴﻪ أﻣﺮﻫﺎ ،وﺟﱪ
ﻛﴪﻫﺎ ،إذ ذاك أﺧﻒ اﻟﴬرﻳﻦ ،وإن ﻛﺎن اﻟﻜﺮب ﻗﺪ ﺳﱰ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺣﺠﺎب ،وأﺷﻬﺪ ﻋﲆ
ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﻘﺪ إﻧﻜﺎﺣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎب املﺬﻛﻮر ،وﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﻛﺘﺎﺑﻪ:
155
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأﺧﺒﺎر املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﺗﺬﻳﺐ اﻷﻛﺒﺎد ،وﻗﺪ أﴐﺑﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺧﻮف اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ املﻮﺿﻮع.
وﻟﻬﺎ ﻛﺮاﻣﺎت وﻣﻨﺎﻗﺐ وأﺣﻮال ﻇﺎﻫﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﺪﻳﻦ وﻋﻠﻢ اﻟﴩﻳﻌﺔ
ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ رﻓﻴﻌﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ — ﺳﻨﺔ ٨٩٠ﻫﺠﺮﻳﺔ.
156
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﺑﺬل املﻐﻨﻴﺔ
ﱢﻴﺖ ﺑﺎﻟﺒﴫة ،وﻫﻲ ﻣﻦ املﺘﻘﺪﻣﺎت املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﻜﺜﺮة اﻟﺮواﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﻮﻟﺪات املﺪﻳﻨﺔُ .رﺑ ْ
ﻟﻸﻏﺎﻧﻲ ،ﻗﻴﻞ :ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻨﻲ ﺛﻼﺛني أﻟﻒ ﺻﻮت ،وﻟﻬﺎ ﻛﺘﺎب ﰲ اﻷﻏﺎﻧﻲ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ١٢
أﻟﻒ ﺻﻮت ،وﻛﺎﻧﺖ ﻇﺮﻳﻔﺔ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻟﻄﻴﻔﺔ املﺤﺎﴐة ،وأﺧﺬت ﻋﻦ أﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻮﱃ ﻓﺎﺋﺪ،
ورﺣﻤﺎﻧﺔ ،وﻓﻠﻴﺢ ،واﺑﻦ ﺟﺎﻣﻊ ،وإﺑﺮاﻫﻴﻢ املﻮﺻﲇ وﻃﺒﻘﺘﻬﻢ ،وﻗﺮأت ﻋﲆ ﺟﺤﻈﺔ اﻟﱪﻣﻜﻲ،
واﺷﱰاﻫﺎ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻬﺎدي ،ﻓﻮﺻﻔﺖ ملﺤﻤﺪ اﻷﻣني ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ ،ﻓﺒﻌﺚ إﱃ ﺟﻌﻔﺮ
ﻳﺴﺄﻟﻪ أن ﻳُﺮﻳَﻪ إﻳﺎﻫﺎ ﻓﺄﺑَﻰ ،ﻓﺰاره ﻣﺤﻤﺪ إﱃ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﺴﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﺜﻠﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﺠﻌﻔﺮ:
ﻳﺎ أﺧﻲ ،ﺑﻌﻨﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺎرﻳﺔ.
ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﻣﺜﲇ ﻻ ﻳﺒﻴﻊ ﺟﺎرﻳﺔ ،ﻗﺎل :ﻓﻬﺒﻬﺎ ﱄ ،ﻗﺎل :ﻫﻲ ﻣﺪﺑﺮة ﻣﻨﺰﱄ ،ﻓﺎﺣﺘﺎل
ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺘﻰ أﺳﻜﺮه ،وأﻣﺮ ﺑﺒﺬل ﻓﺤُ ﻤﻠﺖ ﻣﻌﻪ إﱃ اﻟﺤﺮاﻗﺔ واﻧﴫف ﺑﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﺒﻪ
ﺟﻌﻔﺮ ﺳﺄل ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺄُﺧﱪ ﺑﺨﱪﻫﺎ ﻓﺴﻜﺖ ،ﻓﺒﻌﺚ إﻟﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ ﻓﺠﺎءه وﺑﺬل ﺟﺎﻟﺴﺔ،
ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أراد ﺟﻌﻔﺮ أن ﻳﻨﴫف ﻗﺎل ﻣﺤﻤﺪ :أوﻗﺮوا ﺣﺮاﻗﺔ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ دراﻫﻢ
ﻓﺄوﻗﺮت .ﻗﻴﻞ :ﻛﺎن ﻣﺒﻠﻎ املﺎل أﻟﻒ أﻟﻒ درﻫﻢ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺑﺬل ﰲ دار ﻣﺤﻤﺪ إﱃ أن ُﻗﺘﻞ ،ﺛﻢ
ﺧﺮﺟﺖ ،ﻓﻜﺎن وﻟﺪ ﺟﻌﻔﺮ ووﻟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﺪﱠﻋﻮن وﻻءﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎﺗﺖ ورﺛﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ
اﻷﻣني.
وﻗﻴﻞ :وﻫﺐ ﻟﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻫﺮ ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻢ ﻳﻤﻠﻚ أﺣﺪ ﻣﺜﻠﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺨﺮج ﻣﻨﻪ
اﻟﴚء ﺑﻌﺪ اﻟﴚء ﻓﺘﺒﻴﻌﻪ ﺑﺎملﺎل اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻌﺘﻤﺪﻫﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء
إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ أن ﺗﺘﺰوج.
وﻗﺪ رﻏﺐ إﻟﻴﻬﺎ وﺟﻮه اﻟﻘﻮاد واﻟﻜﺘﺎب واﻟﻬﺎﺷﻤﻴني ،وﻛﺎن ﻳﻬﻮاﻫﺎ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم
َ
وﻳﺘﻮاﰱ ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ وﻳﻜﺘﻢ ذﻟﻚ ،وﻫﺠﺮﺗﻪ ﻣﺪة ﻓﺎﺳﱰﺿﺎﻫﺎ ،وﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻬﺪي ﻳُﻌ ﱢ
ﻈﻤﻬﺎ
ﺗﻐري ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺳﺘﻐﻨﺎءً ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺴﺎرت إﻟﻴﻪ ﻓﺪَﻋَ ﺖ ﺑﻌﻮ ٍد وﻏﻨﱠﺖ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ واﺣﺪة،
وإﻳﻘﺎع واﺣﺪ ،وأﺻﺒﻊ واﺣﺪة ﻣﺎﺋﺔ ﺻﻮت — ﻟﻢ ﻳﻌﺮف إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻮﺗًﺎ واﺣﺪًا — ﺛﻢ
وﺿﻌﺖ اﻟﻌﻮد واﻧﴫﻓﺖ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺪﺧﻞ داره ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻃﺎل ﻃﻠﺒﻪ ﻟﻬﺎ ،وﺗﴬﻋﻪ إﻟﻴﻬﺎ
ﰲ اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻪ.
وﻗﻴﻞ :إن إﺳﺤﺎق ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ املﻮﺻﲇ ﺧﺎﻟﻒ ﺑﺬ َل ﰲ ﻧﺴﺒﺔ ﺻﻮت ﻏﻨﺘﻪ ﺑﺤﴬة
املﺄﻣﻮن ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﻋﻨﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ ﻏﻨﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﺻﻮات وﺳﺄﻟﺖ إﺳﺤﺎق ﻋﻦ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ
ﻳﻌﺮﻓﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ،ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻫﻲ ﻷﺑﻴﻪ ،أﺧﺬﺗُﻬﺎ ِﻣﻦ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﺮف
ﻏﻨﺎء أﺑﻴﻪ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﺮف ﻏﻨﺎء ﻏريه؟ ﻓﺎﺷﺘﺪ ذﻟﻚ ﻋﲆ إﺳﺤﺎق ﺣﺘﻰ ُر ِؤي ﰲ وﺟﻬﻪ.
157
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟ ﻢ ﻳ ﺒ َﻖ ﻓ ﻲ ﻛ ﻔ ﱠﻲ ﻏ ﻴ ﺮ اﻟ ﺘ ﺬﻛ ﺮ ﻫ ﻨ ﻴ ﺌً ﺎ ﻟ ﻚ اﻟ ﻤ ﺎل اﻟ ﺬي ﻗ ﺪ ﺣ ﻮﻳ ﺘ ﻪ
ﺎن اﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐُ أ َ َو ا ْﻛ ﺜ ﺮي
أﻗ ﱢﻠ ﻲ ﻓ َﻘ ْﺪ ﺑ َ أﻗ ﻮل ﻟ ﻨ ﻔ ﺴ ﻲ رﻫ ﻦ ﻏ ﱟﻢ وﻛ ﺮﺑ ﺔ
وﻟﻢ ﺗﺠﺪي ﺷﻴﺌًﺎ ﺳﻮى اﻟﺼﺒﺮ ﻓﺎﺻﺒﺮي إذا ﻟ ﻢ ﻳ ﻜ ﻦ ﻟ ﻸﻣ ﺮ ﻋ ﻨ ﺪي ﺣ ﻴ ﻠ ﺔ
ﻳﻔﺮﻗﻨﺎ ﺷﻲء ﺳﻮى اﻟﻤﻮت ﻓﺎﺻﺒﺮي ﻓﻠﻮﻻ ﻗﻌﻮد اﻟﺪﻫﺮ ﺑﻲ ﻋﻨﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
أﻧ ﺎﺟ ﻲ ﺑ ﻪ ﻗ ﻠ ﺒً ﺎ ﻃ ﻮﻳ ﻞ اﻟ ﺘ ﻔ ﻜ ﺮ أروح ﺑ ﻬ ﱟﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﻔ ﺆاد ﻣ ﺒ ﱢﺮح
وﻻ وﺻ ﻞ إﻻ أن ﻳ ﺸ ﺎء اﺑ ﻦ ﻣ ﻌ ﻤ ﺮ ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ ﺳ ﻼم ﻻ زﻳ ﺎرة ﺑ ﻴ ﻨ ﻨ ﺎ
ﷲﻻ ُ
ﻛﻨﺖ ﺳﺒﺒًﺎ راﺷﺪﻳﻦ ،ﻓﻮ ِ
ِ ﺷﺌﺖ؛ ﺧﺬﻫﺎ وﻟﻚ املﺎل ،ﻓﺎﻧ ْ َ ِ
ﴫﻓﺎ ُ ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ :ﻗﺪ
ﻟﻔﺮﻗﺔ ﻣُﺤﺒﱠني — اﻧﻈﺮ إﱃ ﻛﺮم ﻫﺬا اﻷﻣري — وﺑﻘﻴﺖ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﻻﻫﺎ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ وﻫﻤﺎ ﰲ
ﻧﻌﻤﺔ وأﻣﺎن ،وﻗﺪ أﻋﺎد ﷲ ﻟﻬﻤﺎ ﺳﻌﺪﻫﻤﺎ ،وﺑﻘﻴﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺣني اﺷﱰاﻫﺎ.
ﺑﺮﺑﺎرة اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺬراء ذات ﺷﻬﺮة ﻣﻌﺘﱪة ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﻧﺎﻟﺖ إﻛﻠﻴﻞ
اﻟﺸﻬﺎدة ﰲ »إﻟﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺲ« ﺳﻨﺔ ١٣٠٦ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﰲ »ﻧﻴﻘﻮﻣﺪﻳﺎ« ﻣﻦ »ﺑﺸﻴﻨﻴﺎ« ﺳﻨﺔ ١٢٣٥م،
وإﻧﻬﺎ وﻟﺪت ﰲ »إﻟﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺲ« ﻣﻦ ﻣﴫ ﻣﻦ أﺑﻮﻳﻦ وﺛﻨﻴني ،وإن أﺑﺎﻫﺎ ﺣﺒﺴﻬﺎ ﰲ ﺑﺮج ً
ﺧﻮﻓﺎ
ﻣﻦ أن ﺗﺆﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺒﺎرع ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺤﺒﺲ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻮﻋﻆ »أورﻳﺠﺎﻧﻮس«،
ً
ﻃﺎﻟﺒﺔ ﻣﻨﻪ أن ﻳُﻌ ﱢﻠﻤﻬﺎ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﺗﻼﻣﻴﺬه ﻓﻌ ﱠﻠﻤﻬﺎ ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ
اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ وﻋﻤﱠ ﺪﻫﺎ.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ملﺎ ﺑﻠﻎ أﺑﺎﻫﺎ ذﻟﻚ ﺳ ﱠﻠﻤﻬﺎ إﱃ اﻟﻮاﱄ ،ﻓﻌﺬﺑﻬﺎ ﻋﺬاﺑًﺎ ﻣﱪﺣً ﺎ ،ﻓﺘﻬﻴﺄ ﻟﻬﺎ اﻟﻬﺮب
إﱃ أﺣﺪ اﻟﺠﺒﺎل ،ﻓﺠﺪ ﰲ ﻃﻠﺒﻬﺎ واﻟﺪُﻫﺎ إﱃ أن أدرﻛﻬﺎ ،ﻓﺎﺣﺘ ﱠﺰ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ رأﺳﻬﺎ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ
158
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ً
ﻗﺼﺎﺻﺎ ﻟﻪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ اﺗﺨﺬت ﻣﺤﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﻤﻼﺣني ﰲ أﺻﻴﺐ وﻫﻮ راﺟﻊ ﺑﺼﺎﻋﻘﺔ ﻣﺎت ﺑﻬﺎ
اﻟﻨﻮء وﻟﻠﻄﺒﺠﻴﺔ .وﺗُﺼﻮﱠر ﻏﺎﻟﺒًﺎ وﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ﺑﺮج ،وﻟﻬﺎ ﻋﻴﺪ ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺑﻪ ﰲ ٤ﻛﺎﻧﻮن اﻷول،
وﻣﻦ ﻋﺎدة أﻫﺎﱄ اﻟﴩق أن ﻳﺘﺨﺬوا ﻟﻴﻠﺔ ﻋﻴﺪﻫﺎ ﺣﻠﻮﻳﺎت ﻣﻦ ﻗﻄﺎﺋﻒ وﻋﻮﱠاﻣﺎت وﻧﺤﻮﻫﺎ ،وأن
ﻳﻄﻮﻓﻮا ﻋﲆ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﺴﺎﺧﺮ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ أوﻻد ورﺟﺎل ﻗﺪ ﻏريوا زﻳﻬﻢ ،وﺻﺒﻐﻮا وﺟﻮﻫﻬﻢ
ﺑﺎﻟﺴﻮاد ،وﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﺻﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺬﻛﺎر ﺳﻌﻲ أﺑﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ
ً
أﺻﻼ ﻟﺼﺒﻎ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﴩط ﻣﻦ اﻟﺴﻮدان ،ﻓﻴﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﴩط ﰲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﱡ ﻣﻦ ﱡ
ﺑﺎﻟﺴﻮاد.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ وأﻋﻘﻞ ﻧﺴﺎء زﻣﺎﻧﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﺔ رأي ﺻﺎﺋﺐ ،وﻓﻜﺮ ﺛﺎﻗﺐ .وملﺎ ﺗﺰوﱠج
»ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻷول« ﺑ »أوردﻳﻔﻲ« ﺑﻨﺖ ﻣﻠﻚ ﺳﻮرﻳﺎ ﺗﻮﺟﱠ ﻬﺖ ﰲ ﻣﻮﻛﺒﻬﺎ »ﺑﺮﻧﻴﻘﺔ« ،وﻛﺎن
ﻟﻬﺎ اﺣﺘﻔﺎل ﻋﻈﻴﻢ ،وﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وﻣﻬﺎرﺗﻬﺎ وإﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ﺗﺰوﱠج ﺑﻬﺎ »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس« وﺻﺎرت
زوﺟﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻟﻪ ،وأﻗﻨﻌﺘﻪ ﺑﺄن ﻳﺠﻌﻞ اﺑﻨﻬﺎ »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس ﻓﻴﻼزﻟﻔﻮس« ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﻪ دون اﺑﻦ
آﺧﺮ ﻟﻪ أﻛﱪ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ »أوردﻳﻔﻲ« ،وﻗﺪ ﺷﻬَ ﺮ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ وﻓﻀﻠﻬﺎ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ »ﺟﻠﻮﺗﺮﺧﻮس«
و»ﺷﻴﻮﻛﺮأﺗﻮس« ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﻗﴣ ﺑﻬﺎ ﺑﺈﻛﺮاﻣﺎت إﻟﻬﻴﺔ.
املﻠﻘﺐ »ﻓﻴﻼزﻟﻔﻮس« وزوﺟﺔ »أﻧﻄﻴﻮﺧﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،ﻣﻠﻚ ﺳﻮرﻳﺎ املﻠﻘﺐ ﺑ »ﺗﻮس«؛ ﻓﺈن
»أﻧﻄﻴﻮﺧﺲ« ﻋﻘﺪ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﺳﻨﺔ ٢٩٤ﻗﺒﻞ املﻴﻼد َﻗ ِﺒﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ أن ﻳﻄﻠﻖ زوﺟﺘﻪ »ﻟﺒﻮدﻳﻜﺔ«
وﻳﺘﺰوج »ﺑﺮﻧﻴﻘﺔ« ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﻮت »ﻓﻴﻼزﻟﻔﻮس« ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﺘني؛ أرﺟﻊ »أﻧﻄﻴﻮﺧﺲ«
»ﻟﺒﻮدﻳﻜﺔ« وﻃﻠﻖ »ﺑﺮﻧﻴﻘﺔ« ﰲ دورﻫﺎ ،وﻟﻜﻦ »ﻟﺒﻮدﻳﻜﺔ« ﻟﻢ ﺗﺮﻛﻦ إﱃ »أﻧﻄﻴﻮﺧﺲ« ﱠ
ﻓﺪﺳﺖ
إﻟﻴﻪ ﺳﻤٍّ ﺎ ﻣﺎت ﺑﻪ ،وﻫﺮﺑﺖ »ﺑﺮﻧﻴﻘﺔ« ﻣﻦ وﺟﻪ »ﻟﺒﻮدﻳﻜﺔ« إﱃ دﻓﻨَﻰ ،ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻊ اﺑﻨﻬﺎ
وأﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻗﻮ ٌم ﻣﻦ ﺣﺰب »ﻟﺒﻮدﻳﻜﺔ«.
159
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫﻲ زوﺟﺔ »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻟﺜﺎﻟﺚ« ،ﻣﻠﻚ ﻣﴫ املﻠﻘﺐ »أﻓﺮﺟﻴﺘﺲ« ،وﻋﺬﺑﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس«
ﻫﺬا ،وﻣﺎت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻘﻠﻴﻞ .وأﻣﺎ أﻣﻬﺎ ﻓﻜﺎﻧﺖ راﻏﺒﺔ ﺟﺪٍّا ﻋﻦ اﺗﺨﺎذ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﻳﻦ ﻻﺑﻨﺘﻬﺎ،
وﻟﻜﻲ ﺗﻤﻨﻊ ﺗﺰوﻳﺠﻬﺎ ﺑﻪ ﻋﺮﺿﺘﻬﺎ ﻋﲆ »دﻳﻤﱰﻳﻮس ﺑﻮﻟﻴﻮرﺳﺘﺲ« ،وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ وﺻﻮل
»دﻳﻤﱰﻳﻮس« إﱃ اﻟﻘريوان ﻟﻴﺘﱠﺨﺬﻫﺎ زوﺟﺔ ﻋﻠﻖ ﻗﻠﺐ أﻣﻬﺎ ﺑﻪ ،ﻓﻐﺎظ »ﺑﺮﻧﻴﻘﺔ« ﺗﻔﻀﻴﻞ
»دﻳﻤﱰﻳﻮس« ﻷﻣﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﻌﺖ ﰲ ﻗﺘﻠﻪ وﻫﻮ ﻋﲆ ذراﻋﻲ املﻠﻜﺔ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ذﻫﺒﺖ إﱃ ﻣﴫ
ﻟﻨﺬر ﻛﺎﻧﺖ
وﺗﺰوﺟﺖ ﺑ »أﻓﺮﺟﻴﺘﺲ« ،وﻋﻨﺪ رﺟﻮع زوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻔﺮه إﱃ ﺳﻮرﻳﺎ ،وإﻳﻔﺎء ٍ
ﻧﺬرﺗﻪ ﻗﺪﱠﻣﺖ ﺷﻌﺮﻫﺎ إﱃ اﻟﺰﻫﺮة .وملﺎ ﻋﻠﻢ »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻟﺮاﺑﻊ« ،املﻠﻘﺐ ﺑ »ﻓﻴﻠﻮﺑﺎﺗﺮ« ،ﻫﺬه
اﻟﺘﻘﺪﻣﺔ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﺘﻠﺖ ،وذﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺟﻠﻮﺳﻪ ﻋﲆ ﴎﻳﺮ املﻠﻚ.
املﻠﻘﺐ ﺑ »أﻓﻠﻴﺘﺲ« وﻫﻲ أﻛﱪ أﺧﺖ ﻟ »ﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮا« املﺸﻬﻮرة .ﻧﻮدي ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﻣﻠﻜﺔ ﻋﻨﺪ
ري ﻣﻦ دم ﻣﻠﻜﻲ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ ﺧﻠﻊ أﺑﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٥٨ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ أن ﺗﺘﺰوج ﺑﺄﻣ ٍ
إﱃ ﺳﻮرﻳﺎ ﰲ ﻃﻠﺐ »ﺳﻠﻮﻗﺲ ﻛﺒﺒﻮﺳﺎﻛﺘﺲ« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺪﱠﻋﻲ أﻧﻪ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﺴﻠﻮﻗﻴني
املﻠﻜﻴﺔ ،وملﺎ وﺟﺪت ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺎءة أﻣﺮت ﺑﺨﻨﻘﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻳﺎ ٍم ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﺖ
ﺑ »أرﺧﻴﻼوس« ﻣﻦ »ﻛﻮﻣﻮﻧﺎ« ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺪﱠﻋﻲ أﻧﻪ اﺑﻦ »ﻣﱰﻳﺪاﺗﺲ أوﺑﺎﺗﻮر« .وإن »أﻓﻠﻮس
ﻏﺎﺑﻴﻨﻮس« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﺎول رد »أﻓﻠﻴﺘﺲ« إﱃ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﺣﺎرﺑﻬﺎ ﻓﻜﴪﻫﺎ ﻫﻲ وزوﺟﻬﺎ
ﰲ ﺛﻼث ﻣﻌﺎرك ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ ﺳﻨﺔ ٥٥ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،وﻗﺘﻞ »أرﺧﻴﻼوس« .وأول أﻋﻤﺎل »أﻓﻠﻴﺘﺲ«
ﺑﻌﺪ ﺟﻠﻮﺳﻪ ﻋﲆ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ أﻧﻪ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﺑﻨﺘﻪ املﺬﻛﻮرة.
160
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﺑﺮﻳﺠﻴﺘﺎ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ
وﻟﺪت ﰲ »أﺳﻮج« ﺳﻨﺔ ١٣٠٢ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ »روﻣﻴﺔ« ﰲ ٢٣ﺗﻤﻮز ﺳﻨﺔ ١٣٧٣م،
وﻳﻈﻦ أﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ »ﺑﺮﺟﺮ« — وﻫﻮ ﺑﺮﻧﺲ أﺳﻮﺟﻲ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﻣﻠﻮك اﻟﻐﻄﻴﻂ — وملﺎ ﻛﺎن
ﻋﻤﺮﻫﺎ ١٦ﺳﻨﺔ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑ »أوﻟﻐﻮ« ،ﻓﻜﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أوﻻد ،واﻟﻜﺒرية ﻣﻨﻬﻢ ﺟﻌﻠﺖ ﰲ
درج اﻟﻘﺪﻳﺴني اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ »ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ« اﻷﺳﻮﺟﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻧﺬر اﻟﻮاﻟﺪان ﱠ
اﻟﻌﻔﺔ ،وﺑﻨﻴﺎ
ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺧريﻳﺔ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺨﺪﻣﺎن ﻓﻴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻬﻤﺎ ،وﺳﺎﻓﺮا ﻟﺰﻳﺎرة »ﺳﻨﺘﻴﺎﻏﻮري ﻛﻮﻣﺒﺴﺘﻼ«،
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ راﺟﻌني ﻋﺰم »أوﻟﻐﻮ« ﻋﲆ دﺧﻮل دﻳﺮي »اﻟﻔﺴﱰي« ،وﺗﻮﰲ ﺳﻨﺔ ١٣٤٤م،
وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻗﺴﻤﺖ زوﺟﺘﻪ اﻷﻣﻼك ﺑني أوﻻدﻫﺎ ،وﺑﻨﺖ دﻳ ًﺮا ﻛﺒريًا ﰲ »روﺳﺘﻴﻨﺎ« ﺟﻌﻠﺖ ﻓﻴﻪ
٢٥راﻫﺒًﺎ ،وﺳﺘني راﻫﺒﺔ ،وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻗﺎﻧﻮن ﻣﺎر »أوﻏﺴﻄﻨﻴﻮس« ،ﻓﴫﻓﺖ ﻫﻨﺎك ﺳﻨﺘني
ً
ﻣﻨﺰﻻ ﻟﻠﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ واﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻔﺮدة ﻻ ﺗﻘﺎﺑﻞ أﺣﺪًا ،ﺛﻢ ذﻫﺒﺖ إﱃ روﻣﻴﺔ ﻓﺒﻨﺖ ﻫﻨﺎك
اﻷﺳﻮﺟﻴني.
وذﻫﺒﺖ إﱃ أورﺷﻠﻴﻢ ﻟﺰﻳﺎرة اﻷﻣﺎﻛﻦ املﻘﺪﺳﺔ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ روﻣﻴﺔ ﻓﺜﺒﺘﻬﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎ
»ﺑﻮﻧﻴﻔﺎﺷﻴﻮس اﻟﺘﺎﺳﻊ« ﺳﻨﺔ ١٣٩١م ،واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻳﻨﺔ ﺗُﻌﻴﱢﺪ ﻟﻬﺎ ﰲ ٨ﺗﴩﻳﻦ اﻷول.
161
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ — وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻻة ﻟﺒﻌﺾ ﺑﻨﻲ ﻫﻼل ،وﻗﻴﻞ :ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻮﻻة ﻷﺑﻲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﺤﺶ ،وﻗﻴﻞ :ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻻة أﻧﺎس ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻓﻜﺎﺗﺒﻮﻫﺎ ﺛﻢ ﺑﺎﻋﻮﻫﺎ
ﻣﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ،ﻓﺄﻋﺘﻘﺘﻬﺎ ،وملﺎ أرادت ﻋﺎﺋﺸﺔ أن ﺗﺸﱰي ﺑﺮﻳﺮة اﺷﱰﻃﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻮﻻء ،ﻓﻘﺎل
اﻟﻨﺒﻲ ﷺ» :اﻟﻮﻻء ملﻦ أﻋﻄﻰ اﻟﺜﻤﻦ «.أو »ملﻦ وﱄ اﻟﻨﻌﻤﺔ «.وﻛﺎن اﺳﻢ زوﺟﻬﺎ ﻣﻐﻴﺜًﺎ وﻛﺎن
ﻓﺨريﻫﺎ رﺳﻮ ُل ﷲ ﻓﺎﺧﺘﺎرت ﻓﺮاﻗﻪ ،وﻛﺎن ﻳﺤﺒﱡﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻤﴚ ﰲ ﻃﺮق املﺪﻳﻨﺔ وﻫﻮ ﻣﻮﱃ ﱠً
ﻳﺒﻜﻲ ،واﺳﺘﺸﻔﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺮﺳﻮل ﷲ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺗﺄﻣﺮ؟ ﻗﺎل» :ﺑﻞ أﺷﻔﻊ «.ﻗﺎﻟﺖ:
اﻟﻨﺒﻲ ﻋﺪﱠة ﺑﺮﻳﺮة ﺣني ﻓﺎرﻗﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻋﺪة املﻄﻠﻘﺔ.
ﱡ ﻓﻼ أرﻳﺪه ،وﻛﺎن ﻋﺒﺪًا ،وﻗﺪ ﺟﻌﻞ
وروي ﻋﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان أﻧﻪ ﻗﺎل :ﻛﻨﺖ أﺟﺎﻟﺲ ﺑﺮﻳﺮة ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل
ﺧﺼﺎﻻ ،وإﻧﱠﻚ ﻟﺨﻠﻴﻖ أن ﺗﲇ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؛ ﻓﺈن وﻟﻴﺘﻪ ﻓﺎﺣﺬر
ً ﱄ :ﻳﺎ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ،إﻧﻲ أرى ﻓﻴﻚ
اﻟﺪﻣﺎء ،ﻓﺈﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻳﻘﻮل» :إن اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺪﻓﻊ ﻋﻦ ﺑﺎب اﻟﺠﻨﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻨﻈﺮ
إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤﻞء ﻣﺤﺠﻤﺔ ﻣﻦ دم ﻳﺮﻳﻘﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻐري ﺣﻖ«.
ﻈﻢ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وﺣﺠﺖ ﺳﻨﺔ ٧٧٠م ﺑﺘﺠﻤﻞ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺔ ﻣﻮﻟﺪة ،ﻓﻠﻤﺎ أﻗﻴﻢ اﺑﻨﻬﺎ ﰲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﴫ ﻋ ُ
ﻛﺜري ،وﺑﺮج زاﺋﺪ ،وﻋﲆ ﻣﺤﻔﺘﻬﺎ اﻟﻌﺼﺎﺋﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ،واﻟﻜﺌﻮﺳﺎت ﺗﺪق ﻣﻌﻬﺎ ،وﻣﻌﻬﺎ ﻣﺎ
ﻳﺠﻞ وﺻﻔﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻄﺎر ﺟﻤﺎل ﻣﺤﻤﻠﺔ ﻣﺨﺎﺋﺮ ،ﻗﺪ زرع ﻓﻴﻪ اﻟﺒﻘﻞ واﻟﺨﴬاوات ،وﻋﻨﺪ
ﻗﺪوﻣﻬﺎ ﺧﺮج اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻌﺴﺎﻛﺮه إﱃ ﻟﻘﺎﺋﻬﺎ ،وﺳﺎر إﱃ اﻟﺒﻮﻳﺐ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻣﻌﻬﺎ ،وﺳﺎر
ﺑﺮﻛﺎﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﱃ ﻣﴫ.
ﺧرية ﻋﻔﻴﻔﺔ ﻟﻬﺎ ﺑ ﱞﺮ ﻛﺜري وﻣﴫوف ،ﺗﺤﺪث اﻟﻨﺎس ﺑﺤﺠﺘﻬﺎ ﻋﺪة ﺳﻨني ملﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﱢ
ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺸﺎﻫﺪ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ .وﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻋﺘﻘﺎد ﰲ أﻫﻞ اﻟﺨري،
162
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
وﻣﺤﺒﺔ ﰲ اﻟﺼﺎﻟﺤني .وﻣﻦ ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ :املﺪرﺳﺔ املﺸﻬﻮرة ﺑﻤﺪرﺳﺔ أم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﺎرج ﺑﺎب
زوﻳﻠﺔ ﺑﻘﺮب اﻟﻘﻠﻌﺔ ﺑﻤﴫ — ﻳﻌﺮف ﺧﻄﻬﺎ اﻵن ﺑﺨﻂ اﻟﺘﺒﺎﻧﺔ — وﻛﺎن ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ﻣﻘﱪة
ً
ودرﺳﺎ ﻟﻠﺤﻨﻔﻴﺔ، أﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﺳﺒﻌني وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ،وﻋﻤﻠﺖ ﺑﻬﺎ ً
درﺳﺎ ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻴﺔ،
وﻋﲆ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﺣﻮض ﻣﺎء ﻟﻠﺴﺒﻴﻞ ،وﻫﻲ ﻣﻦ املﺪارس اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ،وﻓﻴﻬﺎ دﻓﻦ املﻠﻚ اﻷﴍف ﺑﻌﺪ
ﻗﺘﻠﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻣﺪة ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ واملﺪرﺳﻮن ﻳﺪرﺳﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻠﻮم ،ﺣﺘﻰ
ﺻﺎرت أﺧريًا ﺟﺎﻣﻌً ﺎ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ أﺣﺪ وﻻة ﻣﴫ ،وﻫﻮ ﻣﻘﺎم اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻵن.
وﺗﻮﻓﻴﺖ اﻟﺴﺖ املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٧٧٤ﻫﺠﺮﻳﺔ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﻤﺪرﺳﺘﻬﺎ املﺬﻛﻮرة ،واﺗﻔﻖ
ﺣني ﻣﺎﺗﺖ أﻧﻪ أﻧﺸﺪ اﻷدﻳﺐ ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ اﻷﻋﺮج ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني:
ﻓﻜﺎن ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ،وﻏﺮق اﻟﺤﺎﺋﻞ ﻳﻮﺳﻒ ﰲ ﺷﻬﺮ ﻣﺤﺮم ﺳﻨﺔ ٧٧٥ﻫ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮات اﻷدﻳﺒﺎت ذوات املﻌﺎﻧﻲ اﻟﺮاﺋﻘﺔ ،واﻷﻟﻔﺎظ املﻮزوﻧﺔ املﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ،رﺛﺖ
أﺑﺎﻫﺎ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﰲ ﺣﺎل ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻊ أﺧﻮاﺗﻬﺎ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻃﻠﺒﻪ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ:
163
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺗﺬاﻛﺮوا ﺑﺨﻞ ﻣﺰﻳﺪ أﺑﻲ إﺳﺤﺎق ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ — وﻛﺎن ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ اﺑﻦ ﻣﺼﻌﺐ
— ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺎ آﺧﺬ ﻣﻨﻪ درﻫﻤً ﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻣﻮﻻﻫﺎ :إن ﻓﻌﻠﺖ ﺟﻌﻠﺘﻚ ﺣﺮة ،وﻛﺴﻮﺗُﻚ ﺛﻮب وﳾ،
وأوملﺖ ﻟﻚ ﻳﻮﻣً ﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ارﻓﻊ اﻟﻐرية ،ﻓﻘﺎل :إن رﻓﻊ رﺟﻠﻴﻚ ﻟﻢ أﻗﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﺨﺮج اﺑﻦ
ﻣﺼﻌﺐ ﻓﺮآه ﰲ ﻣﺴﺠﺪ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻳﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎق ،أﻣﺎ ﺗﺤﺐ أن ﺗﺮى »ﺑﺼﻴﺺ«
ﺟﺎرﻳﺔ اﺑﻦ ﻧﻔﻴﺲ؟ ﻓﻘﺎل :اﻣﺮأﺗﻲ ﻃﺎﻟﻖ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﷲ ﺳﺎﺧ ً
ﻄﺎ ﻋﲇ ﱠ ﻓﻴﻬﺎ ،وإن ﻟﻢ أﻛﻦ
أﺳﺄﻟﻪ أن ﻳُﺮﻳﻨﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ﻓﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ.
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :اﻟﻴﻮم إذا ﺻﻠﻴﺖ اﻟﻌﴫ ﻓﻮاﻓﻨﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،ﻗﺎل :اﻣﺮأﺗﻲ ﻃﺎﻟﻖ إن ﺑﺮﺣﺖ ﻣﻦ
ُ
ﻓﺪﺧﻠﺖ املﺴﺠﺪ ﻫﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻲء ﺻﻼة اﻟﻌﴫ ،ﻗﺎل :ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ ﰲ ﺣﻮاﺋﺠﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﴫ،
ﻓﻮﺟﺪﺗُﻪ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺄﺧﺬﺗُﻪ ﺑﻴﺪه وأﺗﻴﺘُﻬﻢ ﺑﻪ ،ﻓﺄﻛﻠﻮا وﴍﺑﻮا وﺗﺴﺎﻛﺮ اﻟﻘﻮم وﺗﻨﺎوﻣﻮا ،ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ
»ﺑﺼﻴﺺ« ﻋﲆ ﻣﺰﻳﺪ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻳﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎق ،ﻛﺄن ﻧﻔﺴﻚ ﺗﺸﺘﻬﻲ أن أﻏﻨﻴﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ:
ﻓﻘﺎل :اﻣﺮأﺗﻲ ﻃﺎﻟﻖ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺗﻌﻠﻤني ﻣﺎ ﰲ اﻟﻠﻮح املﺤﻔﻮظ ،ﻗﺎل :ﻓﻐﻨﱠﺘﻪ ،ﺛﻢ
ﺳﻜﺘﺖ ﺳﺎﻋﺔ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎق ،ﻛﺄن ﻧﻔﺴﻚ ﺗﺸﺘﻬﻲ أن ﺗﻘﻮم ﻓﺘﺠﻠﺲ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻲ
وﺗﻘﺮﺻﻨﻲ ﻗﺮﺻﺎت وأﻏﻨﻴﻚ:
164
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻓﻘﺎل :اﻣﺮأﺗﻲ ﻃﺎﻟﻖ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺗﻌﻠﻤني ﻣﺎ ﰲ اﻷرﺣﺎم ،وﻣﺎ ﺗﻜﺴﺐ اﻷﻧﻔﺲ ﻏﺪًا،
وﺑﺄي أرض ﺗﻤﻮت ،ﻓﻐﻨﱠﺘﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﺮح اﻟﺨﻔﺎء ،أﻧﺎ أﻋﻠﻢ أﻧﻚ ﺗﺸﺘﻬﻲ أن ﺗُﻘﺒﱢﻠﻨﻲ وأﻏﻨﻴﻚ
ﻫﺰﺟً ﺎ:
ﻂ ﻣﻦ ﻓﻘﺎل :أﻧﺖ ﻧﺒﻴﺔ ﻣﺮﺳﻠﺔ .ﻓﻘﺒﱠﻠﻬﺎ وﻏﻨﱠﺘﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎق ،أرأﻳﺖ أﺳﻘ َ
ﻫﺆﻻء ﻳﺪﻋﻮﻧﻚ وﻳُﺨﺮﺟﻮﻧﻨﻲ إﻟﻴﻚ وﻻ ﻳﺸﱰون رﻳﺤﺎﻧًﺎ ﺑﺪرﻫﻢ؟ ﻳﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎق ،ﻫﻠﻢ درﻫﻤً ﺎ
أﺷﱰي ﺑﻪ رﻳﺤﺎﻧًﺎ ،ﻓﻮﺛﺐ وﺻﺎح :وا ﺣﺮﺑﺎه! أي زاﻧﻴﺔ ،أﺧﻄﺄت اﺳﺘﻚ اﻟﺤﻔﺮة .اﻧﻘﻄﻊ
— وﷲ — ﻋﻨﻚ اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻮﺣﻰ إﻟﻴﻚ .وﻏﻄﻐﻂ اﻟﻘﻮم وﻋﻠﻤﻮا أن ﺣﻴﻠﺘﻬﺎ ﻟﻢ
ﺗﻨﻔﺬ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ﺧﺮج وﻟﻢ ﻳﻌﺪ إﻟﻴﻬﻢ ،وأﻋﺎد اﻟﻘﻮم ﻣﺠﻠﺴﻬﻢ ،ﻓﻜﺎن أﻛﺜﺮ ﺷﻐﻠﻬﻢ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ
ﻣﺰﻳﺪ واﻟﻀﺤﻚ ﻣﻨﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ »ﺑﺼﻴﺺ« ﰲ ﻋﺰ وإﻗﺒﺎل ﻣﺪة ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﺘﻔﻨﻦ ﰲ ﴐوب
اﻷﻟﺤﺎن ﺣﺘﻰ ﻓﺎﻗﺖ أﻫﻞ زﻣﺎﻧﻬﺎ.
165
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ ﺧﺮج ﻣﺮة ﻓﻮﺟﺪ ﺣﻴﺘني ﺳﻮداء وﺑﻴﻀﺎء ﺗﻘﺘﺘﻼن ،وﻗﺪ ﻇﻔﺮت اﻟﺴﻮداء ﻋﲆ
اﻟﺒﻴﻀﺎء ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﺴﻮداء ،وﺣﻤﻞ اﻟﺒﻴﻀﺎء وﺻﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎء ﺣﺘﻰ أﻓﺎﻗﺖ ،ﻓﺄﻃﻠﻘﻬﺎ
وﻋﺎد إﱃ داره ﻓﺠﻠﺲ ﻣﻨﻔﺮدًا ،وإذا ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﺷﺎب ﺟﻤﻴﻞ ﻓﺬﻋﺮ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻻ ﺗﺨﻒ ،أﻧﺎ
اﻟﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺠﻴﺘﻬﺎ ،وإﻧﻲ ﻣُﻜﺎﻓِ ﺌُﻚ ﺑﺎملﺎل أو ﻋﻠﻢ اﻟﻄﺐ.
ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ املﺎل ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﱄ ﺑﻪ ،وأﻣﺎ اﻟﻄﺐ ﻓﻘﺒﻴﺢ ﺑﺎملﻠﻮك ،وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺘﺎر إن ﻛﺎن
ﻟﻚ اﺑﻨﺔ أن أﺧﻄﺒﻬﺎ إﻟﻴﻚ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﺑﴩط أن ﻻ ﻳﻐري ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﺗﻌﻤﻠﻪ ،ﻓﺈذا ﻏري ﻋﻠﻴﻬﺎ
أﻳﻀﺎ أن ﻳﻌﻄﻴﻪ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﺎ ﺑني ﻳﱪﻳﻦ إﱃ ﻋﺪن ﻓﺄذﻋﻦ ﻟﺬﻟﻚ ،ﺛﻢ ﻓﺎرﻗﺘﻪ ،وﴍط ً
ﺗﺰوج ﺑﺎﻟﺠﻨﻴﺔ ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻏﻼﻣً ﺎ وأﻟﻘﺘﻪ ﰲ اﻟﻨﺎر ،ﻓﺠﺰع ﻟﺬﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺳﻜﺖ ﻟﻠﴩط ،ﺛﻢ
وﻟﺪت ﺟﺎرﻳﺔ ﻓﺄﻟﻘﺘﻬﺎ إﱃ ﻛﻠﺒﻪ ،ﻓﻌﻈﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻣﺮ وﻟﻜﻨﻪ ﺻﱪ ،ﺛﻢ ﻋﴡ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺾ
أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﺠﻤﻊ ﻋﺴﻜﺮه ﻓﺴﺎر ﻟﻴﻘﺎﺗﻠﻪ وﻫﻲ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺻﺎروا ﰲ ﻣﻔﺎزة رأى ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ
ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺰاد ﻳﺨﻠﻂ ﺑﺎﻟﱰاب ،واملﺎء ﻳﻨﺼﺐ ﻣﻦ أﻓﻮاه اﻟﻘﺮب ،ﻓﺄﻳﻘﻦ ﺑﺎﻟﻬﻼك ،وﻋﻠﻢ أﻧﻪ
ﻓﻌﻞ اﻟﺠﻦ ﺑﺄﻣﺮ زوﺟﻪ ،ﻓﻀﺎق ذرﻋً ﺎ ﻋﻦ ﺣﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮر ،ﻓﺄﺗﻰ وﺟﻠﺲ أﻣﺎﻣﻬﺎ وأوﻣﺄ إﱃ
اﻷرض وﻗﺎل :ﻳﺎ أرض ،ﺻﱪت ﻟﻚ ﻋﲆ إﺣﺮاق اﺑﻨﻲ وإﻃﻌﺎم اﺑﻨﺘﻲ ﻟﻠﻜﻠﺐ ،ﺛﻢ اﻵن ﻓﺠﻌﺘﻨﺎ
ﺑﺎﻟﺰاد واملﺎء ﺣﺘﻰ أﴍﻓﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﻬﻼك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻟﻮ ﺻﱪت ﻟﻜﺎن ﺧريًا ﻟﻚ؛ ﻓﺈن ﻋﺪوك
ﺧﺪع وزﻳﺮك ﻓﺠﻌﻞ اﻟﺴﻢ ﰲ اﻟﺰاد واملﺎء ،وﺗﺤﻘﻴﻖ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﴍب ﳾء ﻣﻦ املﺎء
اﻟﻔﺎﺿﻞ ،ﻓﺄﻣﺮ وزﻳﺮه ﺑﺎﻟﴩب ،ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ ،ﻓﻘﺘﻠﻪ ،ﺛﻢ د ﱠﻟﺘﻪ ﻋﲆ ﻧﺒﻊ وﻣرية ﻳﻤﺘﺎرﻫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
وأﻣﺎ اﺑﻨﻚ ﻓﻘﺪ ﺳﻠﻤﺘﻪ إﱃ ﺣﺎﺿﻨﺔ ﺗﺮﺑﻴﻪ وﻗﺪ ﻣﺎت ،وأﻣﺎ اﺑﻨﺘﻚ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔ ،وإذا ﺑﺠﻮﻳﺮﻳﺔ
ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻷرض وﻫﻲ ﺑﻠﻘﻴﺲ ،وﻓﺎرﻗﺘﻪ زوﺟﺘﻪ ،وﺳﺎر إﱃ ﻋﺪوه ﻓﻈﻔﺮ ﺑﻪ ،وﻓﻮﱠض
إﻟﻴﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ املﻠﻚ ﻓﻤﻠﻜﺖ ﺑﻌﺪه.
وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ ﻣﺎت ﺑﻼ وﺻﻴﺔ ،ﻓﺎﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ،واﻓﱰﻗﻮا ﻓﺮﻗﺘني :ﻓﺮﻗﺔ ﺑﺎﻳﻌﺘﻬﺎ،
ً
ﻓﺎﺳﻘﺎ ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻪ ً
ﻓﺎﺣﺸﺎ ﺧﺒﻴﺜًﺎ وﻓﺮﻗﺔ ﺑﺎﻳﻌﺖ اﺑﻦ أخ أﺑﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﺎء اﻟﺴرية ﰲ اﻟﺮﻋﻴﺔ ،وﻛﺎن
ﻋﻦ ﺑﻨﺖ ﺟﻤﻴﻠﺔ إﻻ أﺣﴬﻫﺎ وﻫﺘﻜﻬﺎ ،ﻓﺄراد ﻗﻮﻣﻪ ﺧﻠﻌﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪروا ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ﺑﻠﻘﻴﺲ ذﻟﻚ
أﺧﺬﺗﻬﺎ اﻟﻐرية وﻗﺪ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﻀﻮر إﻟﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﺑﻞ اﺣﴬ أﻧﺖ ﻋﻨﺪي ،وأﻋﺪت ﻟﻪ
رﺟﻠني ﻳﻘﺘﻼﻧﻪ إذا دﺧﻞ ﻗﴫﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﴬ ﻗﺘﻼه ،ﻓﺄﺣﴬت وزراءه ووﺑﺨﺘﻬﻢ وﻗﺎﻟﺖ:
ﻗﺘﻴﻼ وﻗﺎﻟﺖ :اﺧﺘﺎرواأﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﻳﺄﻧﻒ ﻟﻜﺮﻳﻤﺘﻪ وﻛﺮاﺋﻢ ﻋﺸريﺗﻪ ،ﺛﻢ أرﺗﻬﻢ إﻳﺎه ً
رﺟﻼ ﺗُﻤ ﱢﻠﻜﻮﻧﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻻ ﻧﺮﴇ ﺑﻐريك.ً
وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ ﻫﻲ ﻋﺮﺿﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻣﻨﻌﻨﻲ إﻻ اﻟﻴﺄس ﻣﻨﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ أرﻏﺐ
ﻋﻨﻚ ﻓﺈﻧﻚ ﻛﻔﺆ ﻛﺮﻳﻢ ،ﻓﺎﺟﻤﻊ رﺟﺎل ﻗﻮﻣﻲ واﺧﻄﺒﻨﻲ إﻟﻴﻬﻢ ،ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﺴﺄﻟﻮﻫﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﺪ
166
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﺳﻘﺘْﻪ اﻟﺨﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﺳﻜﺮ ﻓﺤ ﱠﺰت رأﺳﻪ واﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ،وأﻣﺮت أﺟﺒﺖ ،ﻓﻠﻤﺎ زﻓﺖ إﻟﻴﻪ َ ْ
أن ﺗُﻌ ﱢﻠﻖ رأﺳﻪ ﻋﲆ ﺑﺎب دارﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى اﻟﻨﺎس ذﻟﻚ ﻋﻠﻤﻮا اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻓﻤﻠﻜﻮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻗﺎل
ﻗﻮم :إن أﺑﺎﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﺑﻞ وزﻳﺮ ﻣﻠﻚ ،وﻛﺎن املﻠﻚ ﻗﺒﻴﺤً ﺎ — ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ذﻛﺮه —
ﻓﻘﺘﻠﺘﻪ ﺑﻠﻘﻴﺲ ﻓﻤﻠﻜﻮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻌﻈﻢ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وﻛﺜﺮ ﺟﻨﺪﻫﺎ ،واﺗﺴﻊ ﻧﻄﺎق ﻣﻠﻜﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ
ﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :إﻧﻪ ﻛﺎن ﺗﺤﺖ ﻳﺪﻫﺎ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﻠﻚ ،ﻛﻞ ﻣﻠﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ ﻛﻮرة ،وﻟﻪ ٤٠٠٠٠
ﻣﻘﺎﺗﻞ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ٣٠٠وزﻳﺮ ﻳُﺪﺑﱢﺮون ُﻣ ْﻠﻜﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ١٢ﻗﺎﺋﺪًا ﻳﻘﻮد ﻛﻞ واﺣﺪ ١٢أﻟﻒ
ﻣﻘﺎﺗﻞ ،وﺑﺎﻟﻎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ.
وأﻣﺎ ﻋﺮﺷﻬﺎ اﻟﻮارد ذﻛﺮه ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻘﻴﻞ :ﻛﺎن ﴎﻳ ًﺮا ﺿﺨﻤً ﺎ ﻣﻦ
ذﻫﺐ وﻓﻀﺔ ﻣﺮﺻﻌﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮاﻫﺮ اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ،وﻛﺎن ﰲ ﺟﻮف ﺳﺒﻌﺔ ﺑﻴﻮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ أﻏﻼق،
ﻛﻞ ﺑﻴﺖ داﺧﻞ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻮ ﰲ آﺧﺮﻫﺎ.
وﻗﻴﻞ :ﻛﺎن ﻣﻘﺪﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻣﻨﻀﺪًا ﺑﺎﻟﻴﺎﻗﻮت اﻷﺣﻤﺮ واﻟﺰﻣﺮد اﻷﺧﴬ ،وﻣﺆﺧﺮه
ﻣﻜﻠﻼ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺠﻮاﻫﺮ واﻟﻶﻟﺊ ،وﻟﻪ أرﺑﻊ ﻗﻮاﺋﻢ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﻳﺎﻗﻮت أﺣﻤﺮ ،وﻗﺎﺋﻤﺔ ً ﻣﻦ ﻓﻀﺔ
ﻣﻦ ﻳﺎﻗﻮت أﺻﻔﺮ ،وﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ زﺑﺮﺟﺪ أﺧﴬ ،وﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ در أﺑﻴﺾ ،وﺻﻔﺎﺋﺢ اﻟﴪﻳﺮ ﻣﻦ
ذﻫﺐ ،وﻗﻴﻞ :أﻧﻔﻘﺖ ﺑﻠﻘﻴﺲ ﻋﲆ اﻟﻜﻮة اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺘﺴﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ
أوﻗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ.
ﻗﺎل اﺑﻦ اﻷﺛري :ﻗﺪ ﺗﻮاﻃﺌﻮا ﻋﲆ اﻟﻜﺬب واﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻌﻘﻮل اﻟﺠﻬﺎل ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺪﻗﻮا املﺤﺎل؛
ﻷن أوﺻﺎف ﻋﺮﺷﻬﺎ وﻋﺪد ﺟﻴﻮﺷﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﺪﻳﻘﻬﺎ.
وأﻣﺎ ﺳﺒﺐ ﻣﺠﻴﺌﻬﺎ إﱃ ﺳﻠﻴﻤﺎن وإﺳﻼﻣﻬﺎ ﻋﲆ ﻳﺪه ،ﻓﺮوي أن ﺳﻠﻴﻤﺎن رأى ﻳﻮﻣً ﺎ رﻫﺠً ﺎ
ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺒﺪأ ﺑﴚء ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺴﺄل ﻋﻨﻪ ،ﻓﺴﺄل ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﻫﺞ
﴿ﻗﺎ َل ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ ا ْﻟﻤَ َﻸ ُ أَﻳﱡ ُﻜ ْﻢ ﻳَﺄْﺗِﻴﻨِﻲ ِﺑﻌَ ْﺮ ِﺷﻬَ ﺎ َﻗﺒْ َﻞ أَن ﻳَﺄْﺗُﻮﻧِﻲ
ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻫﻮ ﻋﺮش ﺑﻠﻘﻴﺲ ،ﻓﻘﺎلَ :
ﻳﺖ ﻣﱢ َﻦ ا ْﻟ ِﺠ ﱢﻦ أَﻧَﺎ آﺗِﻴ َﻚ ِﺑ ِﻪ َﻗﺒْ َﻞ أَن ﺗَ ُﻘﻮ َم ِﻣﻦ ﻣﱠ َﻘ ِﺎﻣ َﻚ ۖ َوإِﻧﱢﻲ ﻋَ َﻠﻴْ ِﻪ َﻟ َﻘ ِﻮيﱞ
ني * َﻗﺎ َل ﻋِ ْﻔ ِﺮ ٌ ﻣ ُْﺴﻠ ِِﻤ َ
َ
ني﴾ )اﻟﻨﻤﻞ (٣٩-٣٨ :ﻗﺎل :أرﻳﺪ أﴎع ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل آﺻﻒ ﺑﻦ ﺑﺮﺧﻴﺎ﴿ :أﻧَﺎ آﺗِﻴ َﻚ أ َ ِﻣ ٌ
ﻃ ْﺮ ُﻓ َﻚ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ ،(٤٠ :وﻗﻴﻞ :إن أﺣﺪ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻗﺎل ﻟﺴﻠﻴﻤﺎن: ِﺑ ِﻪ َﻗﺒْ َﻞ أَن ﻳَ ْﺮﺗَ ﱠﺪ إ ِ َﻟﻴْ َﻚ َ
أﻧﺖ أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﱃ ﷲ ،ﻓﻠﻮ ﻃﻠﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻷﺣﴬه ﺑﺄﴎع ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ،ﻓﺼﲆ ﺳﻠﻴﻤﺎن وإذا
ﺑﺎﻷرض اﻧﺸﻘﺖ وﻇﻬﺮ اﻟﻌﺮش ﻳﺘﻸﻷ ،وﻗﻴﻞ :إن ﺳﻠﻴﻤﺎن ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﻐﺎزﻳﻪ اﺣﺘﺎج إﱃ املﺎء
ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻓﻄﻠﺐ اﻟﻬﺪﻫﺪ ﻓﻠﻢ ﻳﺮه.
167
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻓﻨﻈﺮ ﻟريى ﻣﻦ أﻳﻦ ﻧﻔﺬت إﻟﻴﻪ؛ ﻷن اﻟﻄري ﻛﺎﻧﺖ
﴿ﻷُﻋَ ﺬﱢﺑَﻨ ﱠ ُﻪ ﻋَ ﺬَاﺑًﺎ َﺷﺪِﻳﺪًا أ َ ْو َﻷَذْﺑَﺤَ ﻨ ﱠ ُﻪ أ َ ْو َﻟﻴَﺄ ْ ِﺗﻴَﻨﱢﻲ ً
ﻓﺎرﻏﺎ ﻓﻘﺎلَ : ﺗﻈﻠﻪ ﻓﺮأى ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻬﺪﻫﺪ
ني﴾ )اﻟﻨﻤﻞ.(٢١ : ﺎن ﻣﱡ ِﺒ ٍ
ﻄ ٍِﺑ ُﺴ ْﻠ َ
وﻛﺎن اﻟﻬﺪﻫﺪ ﻗﺪ ﻣ ﱠﺮ ﻋﲆ ﻗﴫ ﺑﻠﻘﻴﺲ ﻓﺮأى ﺑﺴﺘﺎﻧًﺎ ﻟﻬﺎ ﺧﻠﻒ اﻟﻘﴫ ،ﻓﻤﺎل إﱃ
اﻟﺨﴬة ﻓﺮأى ﻫﺪﻫﺪًا ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﻳﻦ أﻧﺖ ﻣﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن؟ وﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﻫﻨﺎ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :وﻣَ ﻦ
ﺳﻠﻴﻤﺎن؟ ﻓﺬﻛﺮ ﻟﻪ ﺣﺎﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل :وأﻳﻦ أﻧﺖ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،واﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻷﻧﻴﻘﺔ،
واﻟﻘﺼﻮر اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ،واﻟﺮﻳﺎض اﻟﺒﻬﺠﺔ؟ ﻓﻘﺎل :وملﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎل :ﻫﻮ ﻟﺒﻠﻘﻴﺲ ﺻﺎﺣﺒﺔ
اﻟﻌﺮش اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ووﺻﻒ ﻟﻪ ﻋﺮﺷﻬﺎ ،ﻓﺄﺗﻰ اﻟﻬﺪﻫﺪ إﱃ ﺳﻠﻴﻤﺎن وأﺧﱪه ﺑﺨﱪه ،ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻬﺎ
ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻛﺘﺎﺑًﺎ وﻗﺎل ﻟﻪ﴿ :اذْ َﻫﺐ ﺑﱢ ِﻜﺘَﺎ ِﺑﻲ ٰ َﻫﺬَا َﻓﺄ َ ْﻟﻘِ ْﻪ إ ِ َﻟﻴ ِْﻬﻢْ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ (٢٨ :ﻓﻮاﻓﺎﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ،
ني﴾ )اﻟﻨﻤﻞ: ﷲ اﻟ ﱠﺮﺣْ ﻤٰ َ ِﻦ اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻴ ِﻢ * أ َ ﱠﻻ ﺗَﻌْ ﻠُﻮا ﻋَ َﲇ ﱠ وَأْﺗُﻮﻧِﻲ ﻣ ُْﺴﻠ ِِﻤ َ
وإذا ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﴿ ِﺑ ْﺴ ِﻢ ِ
ﻈ ِﺮي ﻣَ ﺎذَا ،(٣١-٣٠ﻓﻘﺎل ﻗﻮﻣﻬﺎ﴿ :ﻧَﺤْ ُﻦ أُوﻟُﻮ ُﻗ ﱠﻮ ٍة وَأُوﻟُﻮ ﺑَﺄ ْ ٍس َﺷﺪِﻳ ٍﺪ و َْاﻷَﻣْ ُﺮ إ ِ َﻟﻴْﻚِ َﻓﺎﻧ ُ
ﻳﻦ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ.(٣٣ : ﺗَﺄْﻣ ُِﺮ َ
ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻲ ﻣﺮﺳﻠﺔ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻬﺪﻳﺔ؛ ﻓﺈن ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﻨﺤﻦ أﻋﺰ ﻣﻨﻪ
وأﻗﻮى ،وإن ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﻧﺒﻲ ﻣﻦ ﷲ ،وإﻧﻲ أﻣﺘﺤﻨﻪ ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ وﺟﻬﺖ إﻟﻴﻪ اﻟﻬﺪﻳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻏﻼم ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺛﻴﺎب اﻟﺠﻮاري وﺣﻠﻴﻬﻦ ،وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﲆ زي اﻟﻐﻠﻤﺎن ،ﻛﻠﻬﻢ
ﻣﻜﻠﻼ ﺑﺎﻟﻴﺎﻗﻮت ً ﻋﲆ ﴎوج اﻟﺬﻫﺐ واﻟﺨﻴﻞ املﻮﺳﻮﻣﺔ ،وأﻟﻒ ﻟﺒﻨﺔ ﻣﻦ ذﻫﺐ وﻓﻀﺔ ،وﺗﺎﺟً ﺎ
واملﺴﻚ واﻟﻌﻨﱪ ،وﺣُ ٍّﻘﺎ ﻓﻴﻪ درة ﻳﺘﻴﻤﺔ ،وﺧﺮزة ﻣﺜﻘﻮﺑﺔ ﻣﻌﻮﺟﺔ اﻟﺜﻘﺐ ،وأرﺳﻠﺘﻬﺎ ﻣﻊ أﴍاف
رﺟﺎﻟﻬﺎ :املﻨﺬر ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ،وآﺧﺮ ذي رأي وﻋﻘﻞ ،وﻗﺎﻟﺖ :إن ﻛﺎن ﻧﺒﻴٍّﺎ ﻣﻴﺰ ﺑني اﻟﻐﻠﻤﺎن
واﻟﺠﻮاري ،وﺛﻘﺐ اﻟﺪرة ﺛﻘﺒًﺎ ﻣﺴﺘﻮﻳًﺎ ،وﺳﻠﻚ ﰲ اﻟﺨﺮزة ﺧﻴ ً
ﻄﺎ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﻤﻨﺬر :إن ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻚ ﻏﻀﺒًﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﻠﻚ ،ﻓﻼ ﻳﻬﻮﻟﻨﻚ أﻣﺮه ،وإن رأﻳﺖ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻓﻬﻮ ﻧﺒﻲ ،ﻓﺄﻋ َﻠﻢ ﷲ ُ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺠﻦ ﻓﴬﺑﻮا ﻟﺒﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ، ً
ً
ﻣﴩﻓﺎ: ﻄﺎوﻓﺮﺷﺖ ﰲ ﻣﻴﺪان ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﻃﻮﻟﻪ ﺳﺒﻌﺔ ﻓﺮاﺳﺦ ،وﺟﻌﻠﻮا ﺣﻮل املﻴﺪان ﺣﺎﺋ ً
ﴍﻓﺔ ﻣﻦ ذﻫﺐ ،وﴍﻓﺔ ﻣﻦ ﻓﻀﺔ ،وأﻣﺮ ﺑﺄﺣﺴﻦ اﻟﺪواب ﰲ اﻟﱪ واﻟﺒﺤﺮ أن ﻳﺮﺑﻄﻮﻫﺎ ﻋﻦ
ﻳﻤني املﻴﺪان وﻳﺴﺎره ﻋﲆ اﻟﻠﺒﻦ ،وأﻣﺮ ﺑﺄوﻻد اﻟﺠﻦ ﻓﺄﻗﻴﻤﻮا ﻋﲆ اﻟﻴﻤني واﻟﻴﺴﺎر ،ﺛﻢ ﻗﻌﺪ
ً
ﺻﻔﻮﻓﺎ ﻋﲆ ﻛﺮﺳﻴﻪ واﻟﻜﺮاﳼ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ وﻳﺴﺎره ،واﺻﻄﻔﺖ اﻟﺸﻴﺎﻃني واﻟﺠﻦ واﻹﻧﺲ
ﻓﺮاﺳﺦ ،واﻟﻮﺣﺶ واﻟﺴﺒﺎع واﻟﻄﻴﻮر واﻟﻬﻮام ﻛﺬﻟﻚ.
ﻓﻠﻤﺎ دﻧﺎ اﻟﻘﻮم ﻣﻨﻬﻢ ﻧﻈﺮوا ﻓﺮأوا اﻟﺪوابﱠ ﺗﺮوث ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ،ﻓﺮﻣﻮا ﺑﻤﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ،
ﺎل َﻓﻤَ ﺎ آﺗَﺎﻧ َِﻲ ﷲ ُ َﺧ ْريٌ ﺑﻮﺟﻪ ﻃﻠﻴﻖ ،ﺛﻢ ﻗﺎل﴿ :أَﺗُ ِﻤﺪﱡوﻧ َ ِﻦ ِﺑﻤَ ٍ ٍ ﻓﻠﻤﺎ وﻗﻔﻮا ﺑني أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ
168
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻣﱢ ﻤﱠ ﺎ آﺗَﺎ ُﻛﻢ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ ،(٣٦ :ﺛﻢ ﻗﺎل :أﻳﻦ اﻟﺤُ ﱡﻖ اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻛﺬا وﻛﺬا؟ ﻓﻘﺪﻣﻮه ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﺄﻣﺮ
اﻷرﺿﺔ ﻓﺄﺧﺬت ﺷﻌﺮة وﻧﻔﺬت ﰲ اﻟﺪرة ،وأﻣﺮ دودة ﺑﻴﻀﺎء وﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺧﻴ ً
ﻄﺎ ﺑﻔﻴﻬﺎ ﻓﻤ ﱠﺮت
ﰲ ﺛﻘﺐ اﻟﺨﺮزة ،ﺛﻢ دﻋﺎ ﺑﺎملﺎء وأﻣﺮ اﻟﻐﻠﻤﺎن واﻟﺠﻮاري أن ﻳﻐﺴﻠﻮا أﻳﺪﻳﻬﻢ ووﺟﻮﻫﻬﻢ،
ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺗﺄﺧﺬ املﺎء ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻓﺘﺠﻌﻠﻪ ﰲ اﻷﺧﺮى وﺗﴬب ﺑﻪ وﺟﻬﻬﺎ ،واﻟﻐﻼم ﻛﺎن
ﻳﺄﺧﺬه ﻳﴬب ﺑﻪ وﺟﻬﻪ ،ﺛﻢ رد اﻟﻬﺪﻳﺔ ،ﻓﺮﺟﻊ اﻟﻘﻮم وأﺧﱪوﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪوا ،ﻓﻌﻠﻤﺖ أﻧﻪ
ﻧﺒﻲ وأرادت اﻟﺸﺨﻮص إﻟﻴﻪ ﰲ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ أﻟﻒ ﻓﻴﻞ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻗﺎل ﺣﻴﻨﺌﺬٍ :ﻣَ ﻦ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﻌﺮﺷﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﻮﻧﻲ ﻣﺴﻠﻤني؟
ﻓﺄُﺗ َِﻲ ﺑﻪ — ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم .وﻛﺎن ﺑني ﺳﻠﻴﻤﺎن واﻟﻌﺮش ﻣﺴرية ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻟﻠﻤ ُِﺠﺪﱢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻦ
أﻧﻬﺎ آﺗﻴﺔ ،وأن ﺳﻠﻴﻤﺎن رﺑﻤﺎ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻓﺘﻔﴚ ﻟﻪ أﺧﺒﺎر اﻟﺠﻦ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وأﻧﻬﺎ إذا
وﻟﺪت وﻟﺪًا اﻧﺘﻘﻞ املﻠﻚ إﻟﻴﻪ ﻓﻼ ﻳﻨﻔﻜﻮن ﻣﻦ ﺗﺴﺨري ﺳﻠﻴﻤﺎن ووﻟﺪه ،أﺳﺎءوا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮل
وﻗﺒﱠﺤﻮﻫﺎ ﻟﻪ وﻗﺎﻟﻮا :إﻧﻬﺎ ﻏري ﻋﺎﻗﻠﺔ وﻻ ﺗﻤﻴﺰ ،وإن رﺟﻠﻴﻬﺎ ﻛﺤﺎﻓﺮ اﻟﻔﺮس ،وﻫﻲ ﺷﻌﺮاء
ﺗﺒﺪﻳﻼ ﰲ اﻟﺠﻮاﻫﺮ ﺣﺘﻰ ً اﻟﺴﺎﻗني ،ﻓﺄراد ﺳﻠﻴﻤﺎن أن ﻳﻤﺘﺤﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻨ ﱠﻜﺮ ﻋﺮﺷﻬﺎ ﺑﺄن ﺟﻌﻞ
ﻳﻨﻈﺮ ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻓﻪ ،وأﻣﺮ أن ﻳُﺒﻨﻰ ﻟﻪ ﴏح ﻣﻦ زﺟﺎج ،وأﺟﺮى ﺗﺤﺘﻪ املﺎء ،وﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
دواب اﻟﺒﺤﺮ ،ﺣﺘﻰ إذا رأﺗﻪ ﺣﺴﺒﺘﻪ ﻣﺎء ﻓﺘﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺳﺎﻗﻴﻬﺎ؛ ﻓﻴﺘﺤﻘﻖ اﻷﻣﺮ.
وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ ﺑﻨﻰ اﻟﴫح ﻣﻦ ﻗﻮارﻳﺮ زﺟﺎج أﺧﴬ ،وﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻃﻮاﺑﻖ ﻣﻦ ﻗﻮارﻳﺮ زﺟﺎج
أﺑﻴﺾ ،وﺗﺤﺖ اﻟﻄﻮاﺑﻖ ﺻﻮر دواب ،ﻓﺼﺎر ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺒﺤﺮ ،وﺟﻠﺲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﲆ ﴎﻳﺮ ﰲ
ﺻﺪر املﻜﺎن ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﺑﻠﻘﻴﺲ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﺎ﴿ :أ َ ٰ َﻫ َﻜﺬَا ﻋَ ْﺮ ُﺷﻚِ ۖ َﻗﺎ َﻟ ْﺖ َﻛﺄَﻧ ﱠ ُﻪ ُﻫﻮَ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ،(٤٢ :
وﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﰲ ﺣﺼﻮن وﻋﻨﺪه ﺟﻨﻮد ﺗﺤﻔﻈﻪ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺟﺎء ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻋﺮﻓﺘﻪ ،وﻟﻜﻦ
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ً ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺬب ،وﻟﻢ ﺗﻘﻞ :ﻻ ً ﺷﺒﱠﻬﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺷﺒﻬﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻘﻞ :ﻧﻌﻢ
اﻟﴫحَ ۖ َﻓ َﻠﻤﱠ ﺎ َرأَﺗْ ُﻪ ﺣَ ِﺴﺒَﺘْ ُﻪ ﻟُﺠﱠ ﺔً ُ
اﻟﺘﻨﻜﻴﺖ ،ﻓﻌﻠﻢ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻛﻤﺎل ﻋﻘﻠﻬﺎ ،ﺛﻢ ﴿ﻗِ ﻴ َﻞ َﻟﻬَ ﺎ ادْﺧ ِﲇ ﱠ ْ
َو َﻛ َﺸ َﻔ ْﺖ ﻋَ ﻦ َﺳ َﺎﻗﻴْﻬَ ﺎ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ (٤٤ :ﻟﺘﺨﻮﺿﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻗﺎﻟﺖ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ :إن ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن
أﻫﻮن ﻋﲇ ﱠ ﻣﻦ ﻫﺬا .ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﴏَف ﻧﻈﺮه ﻋﻨﻬﺎ َ
﴿ﻗﺎ َل إِﻧ ﱠ ُﻪ َ ﻳﻐﺮﻗﻨﻲ ،وﻛﺎن اﻟﻘﺘﻞ
ﻇ َﻠﻤْ ُﺖ ﻧَﻔ ِﴘ﴾ )اﻟﻨﻤﻞ ،(٤٤ :ﺛﻢ دﻋﺎﻫﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن ْ ﴏحٌ ﻣﱡ ﻤَ ﱠﺮ ٌد ﻣﱢ ﻦ َﻗﻮ َِارﻳ َﺮ ۗ ﻗﺎ َﻟ ْﺖ َربﱢ إِﻧﱢﻲ َ
َ َ ْ
إﱃ اﻹﺳﻼم ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ،ﻓﺄراد أن ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ و َﻛ ِﺮه ﻛﺜﺮة ﺷﻌﺮ ﺳﺎﻗﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﺄل ﻋﻦ ﳾء ﻳﺰﻳﻠﻪ
وﻻ ﻳﴬ اﻟﺠﺴﺪ ،ﻓﻌﻤﻠﺖ ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺎﻃني اﻟﻨﻮرة ،وأﺷﺎروا ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم.
ﻗﻴﻞ :ﻓﻜﺎن أول ﻇﻬﻮر اﻟﻨﻮرة ،ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ وأﺣﺒﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وردﱠﻫﺎ إﱃ ُﻣ ْﻠﻜﻬﺎ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ،
وﻛﺎن ﻳﺰورﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ﻣﺮة ،ﻓﻴﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻏﻼﻣً ﺎ ﺳﻤﺎه داود،
وﻣﺎت ﰲ ﺣﻴﺎة ﺳﻠﻴﻤﺎن.
169
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻴﻞ :أﻣﺮﻫﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن أن ﺗﺘﺰوج ﺑﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻓﺄﻧﻔﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل :ﻻ ﻳﻜﻮن ﰲ
اﻹﺳﻼم إﻻ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑُ ﱞﺪ ﻓﺰوﺟﻨﻲ ذا ﺗﺒﻊ ،ﻣﻠﻚ ﻫﻤﺬان ،ﻓﺰوﱠﺟﻪ ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ ردﻫﺎ
إﱃ اﻟﻴﻤﻦ ،وﺳﻠﻂ زوﺟﻬﺎ ﻋﲆ املﻠﻚ ،وأﻣﺮ اﻟﺠﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻴﻤﻦ ﺑﻄﺎﻋﺘﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻤﻠﻬﻢ ذو
ﺗﺒﻊ ﰲ ﺑﻨﺎء ﻋﺪة ﻗﺼﻮر ﺣﺼﻴﻨﺔ؛ ﻣﻨﻬﺎ» :ﺻﻠﺨني« ،وﻗﻴﻞ» :ﺳﻠﺠني« ،و»ﻣﺮاوح« و»ﻗﻠﻴﻮن«
و»ﻫﻨﻴﺪة« و»ﺑﻨﻮن« ،وﻗﴫ »ﻏﻤﺪان« أﺷﻬﺮﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻟﻢ ﻳ ُِﻄﻊ اﻟﺠﻦ ذا ﺗﺒﻊ،
ﻓﺎﻧﻘﴣ ﻣﻠﻜﻪ وﻣﻠﻚ ﺑﻠﻘﻴﺲ ﺑﻤﻮت ﺳﻠﻴﻤﺎن ،وﻗﻴﻞ :إن ﺑﻠﻘﻴﺲ ﻣﺎﺗﺖ ﻗﺒﻞ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﺎﻟﺸﺎم،
وإﻧﻪ دﻓﻨﻬﺎ ﺑﺘﺪﻣﺮ وأﺧﻔﻰ ﻗﱪﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس.
ﺑﻜﺎرة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻹﻗﺪام واﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ،واﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﺜﺮ
واﻟﺨﻄﺎﺑﺔ .ﺣﴬت ﻣﻊ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺣﺮب ﺻﻔني ،وﻟﻬﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻘﺎﻻت ﺣﻤﺎﺳﻴﺔ
ﺟﻌﻠﺖ ﻛ ﱠﻞ ﻣَ ﻦ ﺳﻤﻌﻬﺎ ﻳُﻘﺪم ﻋﲆ اﻟﻬﻼك ﺑﺪون ﻣﺒﺎﻻة ﺑﺎﻟﻌﻮاﻗﺐ .وﻗﺪ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﻌﺎوﻳﺔ
ﻳﻮﻣً ﺎ وﻫﻮ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺳﻨﱠﺖ وﻏﴚ ﺑﴫﻫﺎ وﺿﻌﻔﺖ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﺗﺮﺗﻌﺶ ﺑني
ﺧﺎدﻣني ﻟﻬﺎ ،ﻓﺴﻠﻤﺖ وﺟﻠﺴﺖ ،ﻓﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ اﻟﺴﻼم وﻗﺎل :ﻛﻴﻒ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﺑﺨري ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻗﺎل :ﻏريك اﻟﺪﻫﺮ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ذو ﻏِ َري؛ ﻣﻦ ﻋﺎش ﻛﱪ ،وﻣﻦ
ﻣﺎت ﻓﻘﺪ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص :ﻫﻲ وﷲ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني:
ﺳﻴ ًﻔﺎ ﺣﺴﺎﻣً ﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاب دﻓﻴﻨ ًﺎ ﻳﺎ زﻳﺪ دوﻧﻚ ﻓﺎﺣﺘﻔﺮ ﻣﻦ دارﻧﺎ
ﻓ ﺎﻟ ﻴ ﻮم أﺑ ﺮزه اﻟ ﺰﻣ ﺎن ﻣ ﺼ ﻮﻧ ًﺎ ﻗ ﺪ ﻛ ﻨ ﺖ أذﺧ ﺮه ﻟ ﻴ ﻮم ﻛ ﺮﻳ ﻬ ﺔ
170
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﺛﻢ ﺳﻜﺘﻮا ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻛﻼﻣﻚ أﻏﴙ ﺑﴫي ،وﻗﴫ ﺣﺠﺘﻲ ،أﻧﺎ وﷲ ﻗﺎﺋﻠﺔ
ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ،وﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻨﻲ أﻛﺜﺮ ،ﻓﻀﺤﻚ وﻗﺎل :ﻟﻴﺲ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺑ ﱢﺮك؛ اذﻛﺮي
ﺣﺎﺟﺘﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻣﺎ اﻵن ﻓﻼ ،واﻧﴫﻓﺖ ،ﻓﻮﺟﱠ ﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﺠﺎﺋﺰة ﺳﻨﻴﺔ.
171
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
172
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﺧﺠﻼ ،وملﺎ ﻛﺎن »ﻋﻮﻟﺲ« ﰲ ﺣﺼﺎر ﺗﺮوادة أﺣﺎط ﺑﻬﺎ ﻋﺸﺎق ﻛﺜريون أﻟﺤﻮاً وﺟﻬﻬﺎ ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ
ً
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺈﺟﺎﺑﺔ ﻃﻠﺒﻬﻢ ،ﻓﺨﺪﻋﺘﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :إﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻤﻞ ﻛﻔﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺴﺠﻪ ﻟﻌﻤﻬﺎ
اﻟﺸﻴﺦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﺮ رأﻳﻬﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻞ ً
ﻟﻴﻼ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺴﺠﻪ ﻧﻬﺎ ًرا ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺮف
ﻋﺸﺎﻗﻬﺎ ﺑﻤﻜﻴﺪﺗﻬﺎ ﻛﺎن »ﻋﻮﻟﺲ« ﻗﺪ رﺟﻊ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎب ٢٠ﺳﻨﺔ ،ﻓﻘﺘﻠﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ.
وﻗﺪ أﺷﺎع ﺑﻌﺾ املﻀﺎدﻳﻦ ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ وﻟﺪت ﺑﻨﺘًﺎ ﻣﻦ ﻋﺸﺎﻗﻬﺎ ،ﻓﻄﻠﻘﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻋﻨﺪ
رﺟﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﺗﺮوادة ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻋﻨﺪ ذاك إﱃ »إﺳﱪﻃﺔ« ،وﻣﻨﻬﺎ إﱃ »ﻣﻨﺘﻴﻨﺎ« .وﻗﺪ اﺳﺘﺪل ﻗﻮم
ﺑﺰﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ.
ٍ ﻋﲆ ﻗﱪﻫﺎ ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ
ﻣﻦ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ واﺋﻞ وﻓﺪت ﻣﻊ أﺑﻴﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ﻓﺒﺎﻳﻊ اﻟﺮﺟﺎل وﺻﺎﻓﺤﻬﻢ ،وﺑﺎﻳﻊ اﻟﻨﺴﺎء
ُ
رﺟﻌﺖ وﻟﻢ ﻳﺼﺎﻓﺤﻬﻦ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻨﻈﺮ إﱄ ﱠ ودﻋﺎﻧﻲ ،وﻣﺴﺢ رأﳼ ودﻋﺎ ﱄ وﻟﻮﻟﺪي ،وملﺎ
وﺗﺰوﺟﺖ ﻛﺜﺮت ﻋﲇ ﱠ اﻷوﻻد واﻣﺘﻸ املﻨﺰل ،وﺧﺸﻴﺖ اﻟﻔﻘﺮ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻌﻴﺎل ،وﻛﺎن ﻋﺪدُ
رﺟﻼ ،وﻋﴩون اﻣﺮأة ،ﻓﺎﺳﺘﺸﻬﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﴩون ﰲ اﻟﺠﻬﺎد ﺑني أوﻻدي ﺳﺘني وﻟﺪًا :أرﺑﻌﻮن ً
ﻳﺪي اﻟﻨﺒﻲ ﷺ واﻟﺼﺤﺎﺑﺔ .وﻟﻢ ﻳُﻌ َﻠﻢ ﺑﺎﻣﺮأة وﻟﺪت ﺳﺘني وﻟﺪًا ﻏري ﻫﺬه ،ﻓﺴﺒﺤﺎن اﻟﺨﺎﻟﻖ
اﻟﺮازق.
ﻫﻲ أم ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ .ﻛﺎن ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻰ اﻵن ﺑﺒﻼد »ﻛﻤﱪدج« و»ﺳﻘﻮﻟﻚ« و»ﻧﻮرﻓﻮﻟﻚ«
و»ﻫﺮدﻓﺮد« .ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ ٦٢ﺑﻌﺪ املﺴﻴﺢ ،وملﺎ ﺗﻮﰲ زوﺟﻬﺎ »ﺑﺮاﺳﻮﺗﻐﻮس« ،ﻣﻠﻚ
ً
ورﺛﺔ ﻟﺜﺮوﺗﻪ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺄﻣﻞ أﻧﻪ »أﻻﻳﺴﻴﻨﻪ« ،ﺟﻌﻞ اﺑﻨﺘﻴﻪ ﻣﻊ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻧريون«
ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺤﻔﻆ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ وﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﻳﺎت اﻟﻐﺰاة ،وﻟﻜﻦ ﺣﺎملﺎ ﻣﺎت أﺧﺬ ﻗﺎﺋﺪ املﺎﺋﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ
ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ،وﺟُ ﻠﺪت املﻠﻜﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺟﻬﺎ ًرا ﻟﺬﻧﺐ ﺣﻘﻴﻘﻲ أو وﻫﻤﻲ ،وﺗﺮﻛﺖ ﺑﻨﺎﺗﻬﺎ ﻟﺸﻬﻮة
اﻟﻌﺒﻴﺪ ،ﻓﺎﺳﺘﻐﻨﻤﺖ »ﺑﻮدﻳﺴﻴﺎ« ﻓﺮﺻﺔ ﻏﻴﺎب »ﺳﻮﻳﺘﻮﻧﻴﻮس ﺑﺎوﻟﻴﻨﻮس« ،اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ،
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ ﻣﻦ إﻧﻜﻠﱰا ،وﺟﻤﻌﺖ ﻛﻞ اﻟﻘﻮة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺷﻴﻌﺘﻬﺎ اﻟﱪاﺑﺮة وﺛﺎرت
ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﻟﻨﺪن اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،وﻗﺘﻠﺖ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺴﺘﻌﻤﺮة واﻷﻣﺎﻛﻦ
أﻟﻔﺎ — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ — ﻣﻦ اﻟﺮوﻣﺎن واﻟﺘﺠﺎر واﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺎن ،وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ املﺠﺎورة ﻟﻬﺎ ﺳﺒﻌني ً
رﻋﺎﻳﺎ املﻠﻜﺔ.
173
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺒﺎدر »ﺳﻮﻳﺘﻮﻧﻴﻮس« إﱃ ﻣﺤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ،وﻛﺎن ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة ﻣﻠﻜﺔ »أﻻﻳﺴﻴﻨﻪ«
أﻟﻔﺎ ،ﺣﺎل ﻛﻮن ١٢٠أﻟﻒ ﺟﻨﺪي ،وﻛﺎن ﻋﺪدﻫﻢ ﻳﺘﺰاﻳﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻮا ً ٢٣٠
»ﺳﻮﻳﺘﻮﻧﻴﻮس« ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺎد ًرا أن ﻳﺄﺗﻲ إﱃ ﻣﻴﺪان اﻟﻘﺘﺎل ﺑﻌﴩة آﻻف ﺟﻨﺪي ،ﻓﺎﻧﺘﺸﺒﺖ
ﻧريان اﻟﻘﺘﺎل ،وأﻇﻬﺮت »ﺑﻮدﻳﺴﻴﺎ« ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وملﺎ ﻗﻬﺮت اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ املﻨﺘﻈﻤﺔ
ﻋﺴﺎﻛﺮﻫﺎ أﺧﺬت ﺳﻤٍّ ﺎ واﺑﺘﻠﻌﺘﻪ ﻓﻤﺎﺗﺖ ﺑﻪ .وأﻣﺎ اﻟﻐﺎﻟﺒﻮن ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻔﻮا ﻋﻦ ﳾء ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻗﻌﻄﻮا
اﻷوﻻد واﻟﺪواب واﻟﻜﻼب ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إرﺑًﺎ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ذُﺑﺢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﺛﻤﺎﻧﻮن أﻟﻒ ﺑﺮﻳﺘﻮﻧﻲ،
وأﻣﺎ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﻳُﻘﺘﻞ ﻣﻨﻬﻢ إﻻ ٤٠٠ﺷﺨﺺ ،وﺟﺮح َ
ﺑﻘﺪْرﻫﻢ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ اﻟﱰك واﻟﻔﺮس ،وﻣﻠﻜﺖ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ »ﺷﻬﺮﻳﺎر ﺑﻦ أﺑﺮوﻳﺰ«،
وأﺻﻠﺤﺖ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ واﻟﺠﺴﻮر ،وردﱠت ﺧﺸﺒﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ إﱃ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ،وملﺎ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ
اﻟﴪﻳﺮ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻴﺲ ﺑﺒﻄﺶ اﻟﺮﺟﻞ ﺗﺪوخ اﻟﺒﻼد ،وﻻ ﺑﻤﻜﺎﻳﺪﻫﻢ ﻳﻨﺎل اﻟﻈﻔﺮ ،وإﻧﻤﺎ ذﻟﻚ
ﺑﻌﻮن ﷲ وﻗﺪرﺗﻪ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﺳﺒﻌﺔ أﺷﻬﺮ ،وﻳﻘﺎل :إن »ﻓريوز ﺑﻦ رﺳﺘﻢ« ﺻﺎﺣﺐ ﺧﺮاﺳﺎن
ﴎا ﰲ ﻟﻴﻠﺔ
ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ أن ﺗﺘﺰوج ﻋﻼﻧﻴﺔ ،وواﻋﺪﺗﻪ أن ﻳﻘﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ٍّ
ﻋﻴﱠﻨﺘﻬﺎ ﻟﻪ ،ﻓﺠﺎءﻫﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻘﺘﻠﺘﻪ ،ﻓﺴﺎر إﻟﻴﻬﺎ رﺳﺘﻢ ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ .وذﻟﻚ ﺑﺨﱪ ﻃﻮﻳﻞ ﰲ
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﺮس.
174
ﺣﺮف اﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة
ﻟﻬﺎ ﺟ ﱠﺪﺗُﻬﺎ :ﺳﲇ ﺳﻴﺪك؛ ﻓﻘﺪ أﻣﺮك أن ﺗﺴﺄﻟﻴﻪ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻬﺪي،
ْ
ﻓﻌﻠﺖ ،وﺳﺄﻟﺘﻪ اﻹذن ﻟﺰﺑﻴﺪة ﰲ اﻟﺤﺞ ،ﻓﺄذِ ن ﻟﻬﺎ ،وﺑﻨﻰ ﺑﻬﺎ ﰲ ﻟﻴﻠﺘﻪ ،وأوﻗﺪوا ﰲ ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ
ً
ﺟﺰﻳﻼ ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﺷﻤﻌﺔ ﻋﻨﱪ وزﻧﻬﺎ أرﺑﻌني ﻣﻨٍّﺎ .وأﻧﻔﻖ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﲆ املﺄﻣﻮن ً
ﻣﺎﻻ
أﻗﺎم ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺴﻦ ﺗﺴﻌﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻳﻌﺪ ﻟﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم وﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻌﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن
إﻟﻴﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻣﺒﻠﻎ اﻟﻨﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻤﺴني أﻟﻒ أﻟﻒ درﻫﻢ ،وأﻣﺮ ﻟﻪ املﺄﻣﻮن ﻋﻨﺪ ﻣﻨﴫﻓﻪ
ﺑﻌﴩة آﻻف أﻟﻒ درﻫﻢ ،وأﻗﻄﻌﻪ ﻓﻢ اﻟﺼﻠﺢ — املﺬﻛﻮرة — ﻓﺠﻠﺲ اﻟﺤﺴﻦ وﻓ ﱠﺮق املﺎل
ﻋﲆ ﻗﻮاده وﺣﺸﻤﻪ وﻋﺴﻜﺮه.
وﻗﻴﻞ :اﺣﺘﻔﻞ أﺑﻮﻫﺎ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ ،وﻋﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﻻﺋﻢ واﻷﻓﺮاح ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪ ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ﻋﴫ
ﻣﻦ اﻷﻋﴫ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻧﺜﺮ ﻋﲆ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴني واﻟﻘﻮاد واﻟﻮﺟﻮه ﺑﻨﺎدق ﻣﺴﻚ ﻓﻴﻬﺎ رﻗﺎع ﺑﺄﺳﻤﺎء
ﺿﻴﺎع وﺟﻮار ودوابﱠ وﻏري ذﻟﻚ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺒُﻨﺪﻗﺔ إذا وﻗﻌﺖ ﺑﻴﺪ رﺟﻞ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻓﻴﻘﺮأ ﻣﺎ ﰲ ٍ
اﻟﺮﻗﻌﺔ ،ﻓﺈذا ﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ذﻫﺐ إﱃ اﻟﻮﻛﻴﻞ املﺮﺻﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻴﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻴﻪ وﻳﺴﺘﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ
ﻧﺜﺮ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﺪﻧﺎﻧري واﻟﺪراﻫﻢ ،وﻧﻮاﻓﺞ املﺴﻚ وﺑﻴﺾ اﻟﻌﻨﱪ ﻋﲆ املﺄﻣﻮن وﻗﻮاده
وﺟﻤﻴﻊ أﺻﺤﺎﺑﻪ وأﺟﻨﺎده وأﺗﺒﺎﻋﻪ — وﻛﺎﻧﻮا ً
ﺧﻠﻘﺎ ﻻ ﻳُﺤﺼﻮن — وﻋﲆ اﻟﺤﻤﱠ ﺎﻟني واملﻜﺎرﻳﺔ
واملﻼﺣني وﻛﻞ ﻣﻦ ﺿﻤﱠ ﻪ ﻋﺴﻜﺮه ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﻣﻦ ﻳﺸﱰي ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ أو ﻟﺪاﺑﺘﻪ،
وﻗﺪ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﺨﻄﺒﺎء ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻓﺎف أﺷﻴﺎء ﻛﺜرية .وﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻈﺮف ﰲ ذﻟﻚ ﻗﻮل
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎزم اﻟﺒﺎﻫﲇ:
وﺑﻘﻴﺖ »ﺑﻮران« ﻋﻨﺪ املﺄﻣﻮن إﱃ أن ﺗﻮﰲ ﺳﻨﺔ ٢١٨ﻫ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻫﻲ ﺳﻨﺔ ٢٧١ﻫ،
وﻋﻤﺮﻫﺎ ٨٠ﺳﻨﺔ.
175
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﺘﻰ زار أﺣ ٌﺪ املﻠ َﻚ ﻳﻠﺰم أن ﻳﺰور أزواﺟﻪ وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ وأﻛﺎﺑﺮ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ،ﻓﺪﺧﻠﻨﺎ ﻋﲆ
ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺗﻮن وﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪة ﻋﲆ ﴎﻳﺮ ﻣﺮﺻﻊ ،ﻗﻮاﺋﻤﻪ ﻓﻀﺔ ،وﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻧﺤﻮ
ﻣﺎﺋﺔ ﺟﺎرﻳﺔ :روﻣﻴﺎت ،وﺗﺮﻛﻴﺎت ،وﻧﻮﺑﻴﺎت ،ﻣﻨﻬﻦ ﻗﺎﺋﻤﺎت وﻗﺎﻋﺪات ،واﻟﻔﺘﻴﺎت
ْ
ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻨﺎ وﻣَ ﻘﺪَﻣﻨﺎ ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ،واﻟﺤُ ﺠﱠ ﺎب ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺮوم.
ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ ﻛﺎن ﰲ ﻳﺪﻫﺎ رﻗﺔ ﻣﻨﻬﺎ
ٍ وﻋﻦ ﺑُﻌﺪ أوﻃﺎﻧﻨﺎ ،وﺑﻜﺖ وﻣﺴﺤﺖ وﺟﻬﻬﺎ
وﺷﻔﻘﺔ ،وأﻣﺮت ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ﻓﺄﺣﴬ وأﻛﻠﻨﺎ ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ .وملﺎ أردﻧﺎ اﻻﻧﴫاف ﻗﺎﻟﺖ:
ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻌﻮا ﻋﻨﺎ ،وﺗﺮددوا ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﻃﺎﻟﺒﻮﻧﺎ ﺑﺤﻮاﺋﺠﻜﻢ ،وأﻇﻬﺮت ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق،
وﺧﺒﺰ ﻛﺜري وﺳﻤﻦ وﻏﻨﻢ ودراﻫﻢ ،وﻛﺴﻮة ﺟﻴﺪة ،وﺛﻼث ٍ وﺑﻌﺜﺖ ﰲ أﺛﺮﻧﺎ ﺑﻄﻌﺎ ٍم
ﻣﻦ ﺟﻴﺎد اﻟﺨﻴﻞ ،وﻋﴩة ﻣﻦ ﺳﻮاﻫﺎ — ﻗﺎل :وﺑﻘﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺗﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن
»أوزﺑﻚ« ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ وﻫﻲ ﺗﺘﻔﻘﺪﻧﺎ ﺑﺨرياﺗﻬﺎ وﻣﱪاﺗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺼﺪت اﻟﺬﻫﺎب
إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻛﺎن ذﻫﺎﺑﻬﺎ ﻷﺟﻞ زﻳﺎرة أﻫﻠﻬﺎ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻫﻨﺎك
وﻟﻢ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﺰوﺟﻬﺎ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ.
176
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
ﺗﺤﻔﺔ اﻟﺰاﻫﺪة
ﻫﻲ ﺟﺎرﻳﺔ ﻟﺒﻌﺾ ﺗﺠﺎر ﺑﻐﺪاد ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎرﻋﺔ ﰲ اﻟﺠﻤﺎل ﺗﺤﺴﻦ ﺻﻨﻌﺔ اﻟﻌﻮد ،وﻛﺎن ﺳﻴﺪﻫﺎ
ﴏف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎﻟﻪ ،وزاد ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ وﺗﻬﺬﻳﺒﻬﺎ ،وﻛﺎن ﴍاؤﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﴩﻳﻦ أﻟﻒ درﻫﻢ،
وﻏﺎﻳﺘﻪ اﻟﺮﺑﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺛﻤﻨﻬﺎ؛ ﻟﺤﺴﻦ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ،وﻛﻤﺎل أدﺑﻬﺎ واﺳﺘﻘﺎﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ
ﻳﻮﻣً ﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ واﻟﻌﻮد ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ وﻫﻲ ﺗﻐﻨﻲ وﺗﻘﻮل:
ﺛﻢ ﻛﴪت اﻟﻌﻮد وﻗﺎﻣﺖ وﺑﻜﺖ واﻧﺘﺤﺒﺖ ،ﻓﺎﺗﻬﻤﻬﺎ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﺑﻤﺤﺒﺔ إﻧﺴﺎن ،ﻓﺎﺳﺘﻘﴡ
ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ أﺛ ًﺮا ،ﻓﺤﺎر ﺳﻴﺪﻫﺎ ﰲ أﻣﺮه ،وﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺳﻠﻮى ﻋﻦ اﻻﻛﺘﺌﺎب واﻟﻬﻴﺎم،
وﻗﻴﺎم اﻟﻠﻴﻞ ،وﻣﻨﺎﺷﺪة اﻷﺷﻌﺎر ،وﻃﻮل اﻟﺘﺬﻛﺎر ،وﺗﺸﺘﺖ اﻷﻓﻜﺎر ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻤﺎ أﺻﺎﺑﻬﺎ
ﻓﺄﻧﺸﺪت ﺗﻘﻮل:
وملﺎ أﻋﻴﺘﻪ اﻟﺤﻴﻞ ذﻫﺐ ﺑﻬﺎ إﱃ املﺎرﺳﺘﺎن راﺟﻴًﺎ أن ﺗُﺸﻔﻰ ﻣﻤﺎ أﺻﺎﺑﻬﺎ ،وملﺎ دﺧﻠﺖ
اﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎن أودﻋﻮﻫﺎ ﰲ ﺣﺠﺮة ﻣﻐﻠﻮﻟﺔ اﻟﻴﺪﻳﻦ ﻣﻘﻴﺪة اﻟﺮﺟﻠني ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ذﻟﻚ ﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎء
ﻣ ٍّﺮا وأﻧﺸﺪت ﺗﻘﻮل:
وﻳﺮوى ﻋﻦ اﻟﴪي اﻟﺴﻘﻄﻲ أﻧﻪ ﻗﺎل :دﺧﻠﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﺗﺤﻔﺔ ﰲ املﺎرﺳﺘﺎن ﻓﻮﺟﺪﺗﻬﺎ
أﻧﴬ اﻟﻨﺎس وﺟﻬً ﺎ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ أﻃﻤﺎر ﺣﺴﻨﺔ ،ﻓﺸﻤﻤﺖ ﻣﻨﻬﺎ راﺋﺤﺔ ﻋﻄﺮﻳﺔ وﻫﻲ ﺗﻔﻮح ﺷﺬاﻫﺎ
اﻟﻘﻴﱢﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻘﺎل :ﻫﻲ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻗﺪ اﺧﺘﻞ ﻋﻘﻠﻬﺎ، ﻓﺴﺄﻟﺖ َ
ُ إﱃ ﺧﺎرج املﺎرﺳﺘﺎن،
ْ
اﻏﺮورﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪت: ﺳﻤ ْ
ﻌﺖ ﻛﻼﻣَ ﻪ ﻓﺤﺒَﺴﻬﺎ ﻣﻮﻻﻫﺎ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻨﺼﻠﺢ ،ﻓﻠﻤﺎ ِ
أﻧ ﺎ ﺳ ﻜ ﺮاﻧ ﺔ وﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﺻ ﺎﺣ ﻲ ﻣ ﻌ ﺸ ﺮ اﻟ ﻨ ﺎس ﻣ ﺎ ﺟُ ﻨ ﻨ ُﺖ وﻟ ﻜ ﻦ
ﻏﻴﺮ ﺟﻬﺪي ﻓﻲ ﺣﺒﻪ واﻓﺘﻀﺎﺣﻲ أﻏ ﻠ ﻠ ﺘ ﻢ ﻳ ﺪي وﻟ ﻢ ِ
آت ذﻧ ﺒً ﺎ
ﻟ ﺴ ﺖ أﺑ ﻐ ﻲ ﻋ ﻦ ﺑ ﺎﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﺑ ﺮاح أﻧ ﺎ ﻣ ﻔ ﺘ ﻮﻧ ﺔ ﺑ ﺤ ﺐ ﺣ ﺒ ﻴ ﺐ
وﻓﺴﺎدي اﻟﺬي زﻋﻤﺘﻢ ﺻﻼﺣﻲ ﻓﺼﻼﺣﻲ اﻟﺬي زﻋﻤﺘﻢ ﻓﺴﺎدي
وارﺗ ﻀ ﺎه ﻟ ﻨ ﻔ ﺴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺟ ﻨ ﺎح ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣَ ﻦ أﺣﺐﱠ ﻣﻮﻟﻰ اﻟﻤﻮاﻟﻲ
ﻗﺎل اﻟﴪي :ﻓﺴﻤﻌﺖ ﻣﺎ أﻗﻠﻘﻨﻲ وأﺷﺠﺎﻧﻲ ،وأﺣﺮﻗﻨﻲ وأﺑﻜﺎﻧﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت دﻣﻮﻋﻲ
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﴎي ،ﻫﺬا ﺑﻜﺎؤك ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻟﻮ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﺣﻖ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ؟ ﺛﻢ أﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ،
ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎﻗﺖ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻘﻮل:
178
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﴪي :ﻳﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ،ﺳﻤﻌﺘﻚ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ املﺤﺒﺔ ،ﻓﻠﻤﻦ ﺗﺤﺒني؟ ﻗﺎﻟﺖ :ملﻦ ﺗﻌ ﱠﺮف
إﻟﻴﻨﺎ ﺑﻨﻌﻤﺎﺋﻪ ،وﺟﺎد ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺠﺰﻳﻞ ﻋﻄﺎﺋﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻗﺮﻳﺐ إﱃ اﻟﻘﻠﻮب ،ﻣﺠﻴﺐ ﻟﻄﻠﺐ املﺤﺒﻮب،
ﺳﻤﻴﻊ ﻋﻠﻴﻢ ،ﺑﺪﻳﻊ ﺣﻜﻴﻢ ،ﺟﻮاد ﻛﺮﻳﻢ ،ﻏﻔﻮر رﺣﻴﻢ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺄت ﺗﻘﻮل:
ﻗﺎل اﻟﴪي :ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ إذا ﺑﺴﻴﺪﻫﺎ أﻗﺒﻞ ﻓﻘﺎل ﻟﻠﻘﻴﻢ :أﻳﻦ ﺗﺤﻔﺔ؟ ﻗﺎل :ﻫﻲ
ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﴪي اﻟﺴﻘﻄﻲ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — ﻓﻔﺮح ﺳﻴﺪﻫﺎ ودﺧﻞ وﺳﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ
ﻈﻤﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﴪي :ﻫﻲ أوﱃ ﺑﺎﻟﺘﻌﻈﻴﻢ ﻣﻨﻲ ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﺗﻜﺮﻫﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﺒﺴﺘﻬﺎ وﻋ ﱠ
ﻫﺎ ﻫﻨﺎ؟ ﻓﻘﺎل :أﻣﻮر ﻛﺜرية ،وﺟﻌﻞ ﻳﻌﺪد ﻟﻪ ﺧﺼﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﴪي :ﻋﲇ ﱠ اﻟﺜﻤﻦ وأزﻳﺪ،
ﻓﺼﺎح ﺳﻴﺪﻫﺎ :وا ﻓﻘﺮاه! ﻣﻦ أﻳﻦ ﻟﻚ ﺛﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺎرﻳﺔ وأﻧﺖ رﺟﻞ ﻓﻘري؟! ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻻ
رأﻓﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺠﻞ ،دﻋﻬﺎ ﰲ املﺎرﺳﺘﺎن ﺣﺘﻰ آﺗﻲ ﺑﺜﻤﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ذﻫﺐ ﺑﺎﻛﻲ اﻟﻌني ً
ﻃﺮق ﺑﺎب أﺣﻤﺪ ﺑﻦ املﺜﻨﻰ ،ﻓﺄﺧﱪه اﻟﺨﱪ ،ﻓﺪﻓﻊ ﻟﻪ ﺛﻤﻨﻬﺎ وﻣﺜﻠﻪ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺪ أﻗﺒﻞ
إﱃ املﺎرﺳﺘﺎن ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻗﺪ ﺟﺌﺘُﻚ ﺑﺜﻤﻦ اﻟﺠﺎرﻳﺔ وﻣﺜﻠﻪ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻻ وﷲ ،ﻟﻮ أﻋﻄﻴﺘﻨﻲ
اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﺖ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﺣﺮة ﻟﻮﺟﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ .ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ ﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﻣ ٍّﺮا وأﻧﺸﺄت
ﺗﻘﻮل:
179
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﻣﻜﺜﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﺪة وﻫﻲ ﺑني اﻟﺨﻮف واﻟﺮﺟﺎء إﱃ أن ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ ﺑﻤﻜﺔ املﻜﺮﻣﺔ،
وﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ املﺎرﺳﺘﺎن ﺳﺄل اﻟﴪي اﻟﺴﻘﻄﻲ ﻣﻮﻻﻫﺎ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻋﺘﻘﻪ ﻟﻬﺎ وﻋﺪم
ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺸﺪدًا ﻋﲆ ﻟﺰوم اﺳﺘﻼم اﻟﺜﻤﻦ إن وﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﺪﻓﻌﻪ إﻟﻴﻪ ،وملﺎ
ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ ازدراه واﺳﺘﻬﺰأ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻇﺎﻧٍّﺎ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﻣﻮﱃ اﻟﺠﺎرﻳﺔ:
إﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻨﻪ ذﻟﻚ راﺟﻊ ﺻﻮاﺑﻪ وﻗﺎل :إن اﻟﴪي اﻟﺴﻘﻄﻲ ﻣﻊ ﺿﻴﻖ ذات ﻳﺪﻳﻪ،
وﻋﺪم اﻗﺘﺪاره ﻋﲆ ﺛﻤﻦ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﺗﻌﻬﱠ ﺪ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﺤﴬ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،وﻻ ﺑﺪ ذﻟﻚ أن ﻳﻜﻮن
ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺨري ،وﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺑﺄﻛﺮم ﻣﻨﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻲ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ ﻋﻤﻞ اﻟﺨري ﺑﺪون أن ﻳﺤﺼﻞ
ﱄ ﴐر ،وﻏﻠﺐ ﻋﲇ ﱠ اﻟﻜﺮم ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ،وأرﺟﻮك اﻟﺪﻋﺎء ،ﻓﺪﻋﺎ ﻟﻪ اﻟﴪي ﺑﺈﺻﻼح
ﺣﺎﻟﻪ ،وﺑﺰﻳﺎدة اﻟﱪﻛﺔ ﰲ ﻣﺎﻟﻪ ،وﺗﺼﺪق ﺑﺜﻤﻦ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺬي اﺳﺘﺤﴬه ﻣﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ املﺜﻨﻰ
املﺎر ذﻛﺮه.
ﺗﺬﻛﺎرﺑﺎي ﺧﺎﺗﻮن
ﱡ
وأﺧﺼﻬﻦ ﻫﻲ اﺑﻨﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮ »ﺑﻴﱪس« .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻴﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ،ﻣﺤﺒﺔ ﻟﻠﺨري ،ﻣُﻘ ﱢﺮﺑﺔ ﻟﻠﻔﻘﺮاء،
ﻃﺎ وﺳﻤﺘﻪ ﺑﺮﺑﺎط اﻟﺒﻐﺪادﻳﺔ، ﻟﻬﻦ ﺑﻨ َ ْﺖ ﻟﻬﻦ رﺑﺎ ً
اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﱠ
وﺻﻔﻪ املﻘﺮﻳﺰي ﺑﻘﻮﻟﻪ :إن ﻫﺬا اﻟﺮﺑﺎط ﺑﺪاﺧﻞ اﻟﺪرب اﻷﺻﻔﺮ ﺗﺠﺎه ﺧﺎﻧﻘﺎه »ﺑﻴﱪس«؛
ﺣﻴﺚ ﻛﺎن املﺘﺠﺮ ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻳﻘﻮل :رواق اﻟﺒﻐﺪادﻳﺔ .وﻫﺬا اﻟﺮﺑﺎط ﺑﻨﺘﻪ اﻟﺴﺖ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ
»ﺗﺬﻛﺎرﺑﺎي ﺧﺎﺗﻮن« ،اﺑﻨﺔ املﻠﻚ اﻟﻈﺎﻫﺮ »ﺑﻴﱪس« ،ﰲ ﺳﻨﺔ ٦٨٤ﻫ ،ﻟﻠﺸﻴﺨﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ زﻳﻨﺐ
اﺑﻨﺔ أﺑﻲ اﻟﱪﻛﺎت املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺒﻨﺖ اﻟﺒﻐﺪادﻳﺔ ،ﻓﺄﻧﺰﻟﺘﻬﺎ ﺑﻪ وﻣﻌﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺨريات ،وﻣﺎ ﺑﺮح
إﱃ وﻗﺘﻨﺎ ﻫﺬا — أي وﻗﺖ املﻘﺮﻳﺰي — ﻳﻌﺮف ﺳﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﺨري ،وﻟﻪ داﺋﻤً ﺎ ﺷﻴﺨﺔ
ﺗﻌﻆ اﻟﻨﺴﺎء وﺗﺬﻛﺮﻫﻦ وﺗﻔﻘﻬﻬﻦ .وآﺧﺮ ﻣﻦ أدرﻛﻨﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻴﺨﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﺳﻴﺪة ﻧﺴﺎء
زﻣﺎﻧﻬﺎ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺒﻐﺪادﻳﺔ .ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ٧١٤ﻫ ،ﰲ ذي اﻟﺤﺠﺔ ،وﻗﺪ
180
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
أﻧﺎﻓﺖ ﻋﲆ اﻟﺜﻤﺎﻧني ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻘﻴﻬﺔ واﻓﺮة اﻟﻌﻠﻢ ،زاﻫﺪة ،ﻗﺎﻧﻌﺔ ﺑﺎﻟﻴﺴري ،ﻋﺎﺑﺪة ،واﻋﻈﺔ،
ﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﻊ واﻟﺘﺬﻛري ،ذات إﺧﻼص وﺧﺸﻴﺔ وأﻣﺮ ﺑﺎملﻌﺮوف.
اﻧﺘﻔﻊ ﺑﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻧﺴﺎء دﻣﺸﻖ وﻣﴫ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻗﺒﻮل زاﺋﺪ ،ووﻗﻊ ﰲ اﻟﻨﻔﻮس،
وﺻﺎر ﺑﻌ ُﺪ ﻛ ﱡﻞ ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﻤﺸﻴﺨﺔ ﻫﺬا اﻟﺮﺑﺎط ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﺒﻐﺪادﻳﺔ .أﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻋﺪة
ﻟﺜﻤﺎن ﺑﻘني ﻣﻦ ﺟﻤﺎدى اﻵﺧﺮة ﺳﻨﺔ ٍ ﺳﻨني ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ
َ
ﻳﺘﺰوﺟﻦ أو ﻘﻦ أو ُﻫ َ
ﺠﺮن ،ﺣﺘﻰ ﻃ ﱢﻠ َ٧٩٦ﻫ ،وأدرﻛﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺮﺑﺎط ،وﺗﻮدع ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ُ
ﻳﺮﺟﻌﻦ إﱃ أزواﺟﻬﻦ؛ ﺻﻴﺎﻧﺔ ﻟﻬﻦ ملﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﻀﺒﻂ ،وﻏﺎﻳﺔ اﻻﺣﱰاز ،واملﻮاﻇﺒﺔ َ
ﻋﲆ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﻌﺒﺎدات.
ﺛﻢ ملﺎ ﻓﺴﺪت اﻷﺣﻮال ﰲ ﻋﻬﺪ ﺣﺪوث املﺤﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ٨٠٦ﻫ ،ﺗﻼﺷﺖ أﻣﻮر ﻫﺬا
اﻟﺮﺑﺎط ،وﻣﻨﻊ ﻣﺠﺎوروه ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻨﺴﺎء املﺘﻌﺒﺪات ﻓﻴﻪ .وﻫﺬا اﻟﺮﺑﺎط ﻗﺪ زال ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ،
وﺑﻨﻲ ﰲ ﻣﺤﻠﻪ اﻵن اﻟﺤﻮاﻧﻴﺖ املﺘﺴﻌﺔ ﻋﲆ ﺑﺎب اﻟﺪرب اﻷﺻﻔﺮ.
181
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻬﻮ أﺣﻖ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﺒﻠﻎ اﻟﺨﱪ »أرﺳﻼن« ،واﻟﺪة اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺘﺄﺛﺮت ﻣﻦ ذﻟﻚ وأرﺳﻠﺖ إﱃ
»ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« ﺗﻘﻮل :إن ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﴩف واﻟﻔﺨﺮ ﺑﺎﻻﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻟﻢ
ﻳﺤﺼﻞ ﻷﺣ ٍﺪ ﻏريﻫﺎ ،وﻛﻠﻬﻢ ﻋﺒﻴﺪه وﺧﺪﻣﻪ ،وﻣﺜﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻻ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﺎل ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ إﱃ
ذﻟﻚ ،وﴍﻃﺖ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺤﻤﻞ املﻌﺠﱠ ﻞ ﺧﻤﺴني أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻪ ﴎﻳﺔ وﻻ
ﻓﺄﺟﻴﺒﺖ إﱃ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﻋﻄﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺪه ،ﻓﻌﺎد ْ زوﺟﺔ ﻏريﻫﺎ ،وﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺒﻴﺘﻪ إﻻ ﻋﻨﺪﻫﺎ،
ﻓﺨﺮ اﻟﺪوﻟﺔ إﱃ ﺑﻐﺪاد.
ﺟﻤﻼ ﻣﺠﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﺒﺎجً وﰲ ﻣُﺤ ﱠﺮم ﻧﻘﻞ ﺟﻬﺎزﻫﺎ إﱃ دار اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺔ وﺛﻼﺛني
اﻟﺮوﻣﻲ ،وﻛﺎن أﻛﺜﺮ اﻷﺣﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ،وﺛﻼث ﻋﻤﺎرﻳﺎت ،وﻋﲆ أرﺑﻌﺔ وﺳﺘني ً
ﺑﻐﻼ
ﻣﺠﻠﻠﺔ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺪﻳﺒﺎج املﻠﻜﻲ وأﺟﺮاﺳﻬﺎ وﻗﻼﺋﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ،وﻛﺎن ﻋﲆ ﺳﺘﺔ ﻣﻨﻬﺎ
ﺻﻨﺪوﻗﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﺔ ﻻ ﻳُﻘﺪﱠر ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻫﺮ واﻟﺤﲇ ،وﺑني ﻳﺪي اﻟﺒﻐﺎل ﺛﻼث ً اﺛﻨﺎ ﻋﴩ
ﻓﺮﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻞ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ،ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮاﻛﺐ اﻟﺬﻫﺐ ﻣﺮﺻﻌﺔ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺠﻮاﻫﺮ ،وﻣﻦ وﺛﻼﺛﻮن ً
ﻋﻈﻴﻢ إﻛﺴري اﻟﺬﻫﺐ .وﺳﺎر ﺑني ﻳﺪي اﻟﺠﻬﺎز ﺳﻌﺪ اﻟﺪوﻟﺔ »ﻛﻮﻫﺮاﺋني« واﻷﻣري »ﺑﺮﺳﻖ«
وﻏريﻫﻤﺎ .وﻧﺜﺮ أﻫﻞ ﻧﻬﺮ ﻣﻌﲆ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺪﻧﺎﻧري واﻟﺜﻴﺎب .وﻛﺎن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد
ﻣﺘﺼﻴﺪًا ،ﺛﻢ أرﺳﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮزﻳﺮ أﺑﺎ ﺷﺠﺎع إﱃ »ﺗﺮﻛﺔ ﺧﺎﺗﻮن« وﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ
ﻣﻮﻛﺐ ،وﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺸﺎﻋﻞ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﰲ اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻏﺮﻓﺔ إﻻ وﻗﺪ ﺷﻌﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻤﻌﺔ واﻻﺛﻨﺘﺎن،
وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وأرﺳﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻊ »ﻇﻔﺮ« ﺧﺎدﻣﻪ ﱠ
ﻣﺤﻔﺔ ﻟﻢ ﻳُ َﺮ ﻣﺜﻠﻬﺎ.
وﻗﺎل اﻟﻮزﻳﺮ ملﺎ وﺻﻞ ﻟ »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« :إن ﺳﻴﺪﻧﺎ وﻣﻮﻻﻧﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ﻳﻘﻮل:
إن ﷲ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ أن ﺗﺆدوا اﻷﻣﺎﻧﺎت إﱃ أﻫﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ أذن ﰲ ﻧﻘﻞ اﻟﻮدﻳﻌﺔ إﱃ داره ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ
ﺑﺎﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ ،وﺣﴬ ﻧﻈﺎم املﻠﻚ ﻓﻤﻦ دوﻧﻪ دوﻟﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﻊ
واملﺸﺎﻋﻞ ﳾء ﻛﺜري ،وﺟﺎء ﻧﺴﺎء اﻷﻣﺮاء واﻟﻜﺒﺎر وﻣﻦ دوﻧﻬﻢ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﻣﻨﻔﺮدة ﰲ
ﺟﻤﺎﻋﺘﻬﺎ وﺗﺠﻤﱡ ﻠﻬﺎ ،وﺑني أﻳﺪﻳﻬﻦ اﻟﺸﻤﻮع املﻮﻛﺒﻴﺎت واملﺸﺎﻋﻞ ﻳﺤﻤﻞ ذﻟﻚ ﺟﻤﻴﻌﻪ اﻟﻔﺮﺳﺎن،
ﺛﻢ ﺟﺎءت اﻟﺨﺎﺗﻮن اﺑﻨﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﰲ ﻣﺤﻔﺔ ﻣﺠﻠﻠﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﺠﻮاﻫﺮ
أﻛﺜﺮ ﳾء ،وﻗﺪ أﺣﺎط ﺑﺎملﺤﻔﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك ﺑﺎملﺮاﻛﺐ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ،وﺳﺎرت إﱃ دار
اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺘﻬﻢ ﻣﺸﻬﻮدة ﻟﻢ ﻳُ َﺮ ﺑﺒﻐﺪاد ﻣﺜﻠﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺪ أﺣﴬ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﻣﺮاء اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،وﺧﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ،وﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻟﻪ
اﻟﺨ َﻠﻊ إﱃ »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« وإﱃ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﻮاﺗني ،وﻋﺎد اﻟﺴﻠﻄﺎن ذﻛﺮ ﰲ اﻟﻌﺴﻜﺮ ،وأرﺳﻞ ُ
ﻣﻦ اﻟﺼﻴﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﺑﻌﺪﻣﺎ ﻣﻜﺜﺖ ﻣﺪة ﰲ دار اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ووﻟﺪت ﻣﻨﻪ وﻟﺪًا ﻟﻢ ﻳﻄﺐ ﻟﻬﺎ
املﻘﺎم ﻣﻌﻪ ،ﻓﺄﺧﱪت واﻟﺪﺗﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻫﻲ أرﺳﻠﺖ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺗﻄﻠﺐ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﻃﻠﺒًﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ.
182
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﻛﺜﺮ اﻻﻃﺮاح ﻟﻬﺎ واﻹﻋﺮاض ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺄذن ﻟﻬﺎ ﰲ املﺴري ،ﻓﺴﺎرت ﰲ
رﺑﻴﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ ٤٨٢ﻫ ،وﺳﺎر ﻣﻌﻬﺎ اﺑﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ املﻘﺘﺪي ﺑﺄﻣﺮ
ﷲ ،وﻣﻌﻬﻤﺎ ﺳﺎﺋﺮ أرﺑﺎب اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻣﴙ ﻣﻊ ﻣﺤﻔﺘﻬﺎ ﺳﻌ ُﺪ اﻟﺪوﻟﺔ »ﻛﻮﻫﺮاﺋني« ،وﺧ َﺪ ُم دار
اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻛﺎﺑﺮ ،وﺧﺮج اﻟﻮزﻳﺮ وﺷﻴﻌﻬﻢ إﱃ اﻟﻨﻬﺮوان وﻋﺎد ،وﺳﺎرت اﻟﺨﺎﺗﻮن إﱃ أﺻﺒﻬﺎن،
ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ذي اﻟﻘﻌﺪة وﺗﻮﻓﻴﺖ ،وﺟﻠﺲ اﻟﻮزﻳﺮ ﺑﺒﻐﺪاد ﻟﻠﻌﺰاء ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم ،وأﻛﺜﺮ
اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﺮاﺛﻴﻬﺎ ﺑﺒﻐﺪاد وﺑﻌﺴﻜﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن.
وﺳﺎر »ﻣﻠﻜﺸﺎه« ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ ﻧﻈﺎم املﻠﻚ إﱃ ﺑﻐﺪاد ﰲ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن
ﺳﻨﺔ ٤٨٥م ﻓﻠﻘﻴﻪ وزﻳﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻤﻴﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻦ ﺟﻬري ،واﺗﻔﻖ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﺮج إﱃ
ﻣﺮﻳﻀﺎ ،وأﻧﺸﺐ املﻮت أﻇﻔﺎره ﻓﻴﻪ ،وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻣﺮﺿﻪ أﻧﻪ أﻛﻞ ً اﻟﺼﻴﺪ وﻋﺎد ﺛﺎﻟﺚ ﺷﻮال
ﻟﺤﻢ ﺻﻴﺪ ﻓﺤ ﱠﻢ واﻓﺘﺼﺪ وﻟﻢ ﻳﴫ إﺧﺮاج اﻟﺪم ،ﻓﺜﻘﻞ ﻣﺮﺿﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻤﺘﻪ ﻣﺤﺮﻗﺔ؛ ﻓﺘﻮﰲ
ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ ﻣﻦ ﺷﻮال ﺳﻨﺔ ٤٨٥ﻫ.
وملﺎ ﺛﻘﻞ ﻧﻘﻞ أرﺑﺎب اﻟﺪوﻟﺔ أﻣﻮاﻟﻬﻢ إﱃ ﺣﺮﻳﻢ دار اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وملﺎ ﺗﻮﰲ ﺳﱰت زوﺟﺘﻪ
»ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« ﻣﻮﺗﻪ وﻛﺘﻤﺘﻪ ،وأﻋﺎدت ﺟﻌﻔﺮ اﺑﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ اﺑﻨﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن إﱃ أﺑﻴﻪ
ﴎا، ً
ﻣﺤﻤﻮﻻ ،وﺑﺬﻟﺖ اﻷﻣﻮال ﻟﻸﻣﺮاء ٍّ املﻘﺘﺪي ﺑﺄﻣﺮ ﷲ ،وﺳﺎرت إﱃ ﺑﻐﺪاد واﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻌﻬﺎ
واﺳﺘﺤﻠﻔﺘﻬﻢ ﻻﺑﻨﻬﺎ ﻣﺤﻤﻮد ،وﻛﺎن ﺗﺎج املﻠﻚ ﻳﺘﻮﱃ ذﻟﻚ ﻟﻬﺎ ،وأرﺳﻠﺖ ﻗﻮام اﻟﺪوﻟﺔ »ﻛﺮﺑﻮﻗﺎ«
إﱃ أﺻﺒﻬﺎن ﺑﺨﺎﺗﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺰل ﻣﺴﺘﺤﻔﻆ اﻟﻘﻠﻌﺔ وﺗﺴﻠﻤﻬﺎ ،وأﻇﻬﺮ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن
أﻣﺮه ﺑﺬﻟﻚ ،وﻟﻢ ﻳُﺴﻤﻊ ﺑﺴﻠﻄﺎن ﻣﺜﻠﻪ ،وﻟﻢ ﻳُﺼ ﱢﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪ ،وﻟﻢ ﻳﻠﻄﻢ ﻋﻠﻴﻪ وﺟﻪ.
وﻛﺎن ﻣﻮﻟﺪه ﺳﻨﺔ ٤٧٦ﻫ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺎس ﺻﻮرة وﻣﻌﻨﻰ ،وﺧﻄﺐ ﻟﻪ ﻣﻦ
ﺣﺪود اﻟﺼني إﱃ آﺧﺮ اﻟﺸﺎم ﻣﻦ أﻗﴡ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﰲ اﻟﺸﻤﺎل إﱃ آﺧﺮ ﺑﻼد اﻟﻴﻤﻦ ،وﺣﻤﻞ
إﻟﻴﻪ ﻣﻠﻮك اﻟﺮوم اﻟﺠﺰﻳﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻔﺘﻪ ﻣﻄﻠﺐ ،واﻧﻘﻀﺖ أﻳﺎﻣﻪ ﻋﲆ أﻣﻦ ﻋﺎم ،وﺳﻜﻮن ﺷﺎﻣﻞ،
وﻋﺪل ﻣﻄﺮد ،وﻣﺎ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﺎﺗﺤﺎده ﻣﻊ »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« ،وﻋﺪم إﺗﻴﺎﻧﻪ أﻣ ًﺮا إﻻ ﺑﺮأﻳﻬﺎ
وﻣﺸﻮرﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ دان ﻟﻬﻤﺎ اﻟﻌﺒﺎدُ ،وذ ﱠﻟﺖ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻬﻤﺎ اﻟﺒﻼد.
وملﺎ ﻣﺎت »ﻣﻠﻜﺸﺎه« وﻓﻌﻠﺖ زوﺟﺘﻪ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ،أرﺳﻠﺖ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﻘﺘﺪي ﰲ أﻣﺮ
اﻟﺨﻄﺒﺔ ﺑﺄن ﻳﺨﻄﺐ ﻟﻮﻟﺪﻫﺎ ﻣﺤﻤﻮد ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ ﺑﴩط أن ﻳﻜﻮن اﺳﻢ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻟﻮﻟﺪﻫﺎ،
واﻟﺨﻄﺒﺔ ﻟﻪ ،وﻳﻜﻮن ﻣﺪﻳﺮ زﻋﺎﻣﺔ اﻟﺠﻴﻮش اﻷﻣري »أﻧﺰ« ،ﻳﺼﺪر ﻋﻦ رأي ﺗﺎج اﻟﺪﻳﻦ ،وﻫﻮ
اﻟﺬي ﻳﺪﺑﺮ اﻷﻣﺮ ﺑني ﻳﺪي »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءت رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إﱃ »ﺧﺎﺗﻮن« ﺑﺬﻟﻚ
اﻣﺘﻨﻌﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﻟﻪ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ :إن وﻟﺪك ﺻﻐري وﻻ ﻳﺠﻴﺰ اﻟﴩع وﻻﻳﺘﻪ ،وﻛﺎن ﻣﺨﺎﻃﺒﻬﺎ
اﻟﻐﺮاﻧﻲ ،ﻓﺄذﻋﻨﺖ ﻟﻪ وأﺟﺎﺑﺘﻪ إﻟﻴﻪ ،وﻟُ ﱢﻘﺐ ﻧﺎﴏ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﺪﻳﻦ ،وأرﺳﻠﺖ »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن«
183
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﱃ أﺻﺒﻬﺎن ﰲ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ »ﺑﺮﻛﻴﺎرق« ،أﻛﱪ أوﻻد اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﺧﻴﻔﺔ أن ﻳﻨﺎزع وﻟﺪﻫﺎ ﰲ
اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،ﻓﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ.
َ
ﻓﻠﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻮت »ﻣﻠﻜﺸﺎه« وﺛﺒ َِﺖ املﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻋﲆ ﺳﻼح ﻛﺎن ﻟﻨﻈﺎم املﻠﻚ
ﺑﺄﺻﺒﻬﺎن ﻓﺄﺧﺬوه ،وﺳﺎروا ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪ وأﺧﺮﺟﻮا »ﺑﺮﻛﻴﺎرق« ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺲ وﻣ ﱠﻠﻜﻮه ﺑﺄﺻﺒﻬﺎن،
وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻪ زﺑﻴﺪة ﺑﻨﺖ ﻳﺎﻗﻮﺗﻲ ﺑﻨﺖ ﻋﻢ »ﻣﻠﻜﺸﺎه« ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻋﲆ وﻟﺪﻫﺎ ﻣﻦ »ﺗﺮﻛﺎن
ﺧﺎﺗﻮن« أم ﻣﺤﻤﻮد ،ﻓﺄﺗﺎﻫﺎ اﻟﻔﺮج ﺑﺎملﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ،وﺳﺎرت »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد
إﱃ أﺻﺒﻬﺎن ،ﻓﻄﺎﻟﺐ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﺗﺎج املﻠﻚ ﺑﺎﻷﻣﻮال ﻓﻮﻋﺪﻫﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﻮا إﱃ ﻗﻠﻌﺔ »ﺑﺮﺟني«
ﺻﻌﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻴُﻨﺰل اﻷﻣﻮال ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﴡ ﻋﲆ »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« وﻟﻢ ﻳﻨﺰل
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﻜﺮ ،ﻓﺴﺎروا ﻋﻨﻪ وﻧﻬﺒﻮا ﺧﺰاﺋﻨﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوا ﺑﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،وملﺎ وﺻﻠﺖ »ﺗﺮﻛﺎن ً
ﺧﺎﺗﻮن« إﱃ أﺻﺒﻬﺎن ﻟﺤﻘﻬﺎ ﺗﺎج املﻠﻚ واﻋﺘﺬر ﻟﻬﺎ ﺑﺄن ﻣﺴﺘﺤﻔﻆ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﺣﺒﺴﻪ ،وأﻧﻪ ﻫﺮب
ﻣﻨﻪ إﻟﻴﻬﺎَ ،
ﻓﻘ ِﺒ َﻠﺖ ﻋﺬره.
وأﻣﺎ »ﺑﺮﻛﻴﺎرق« ﻓﺈﻧﻪ ملﺎ ﻗﺎرﺑﺖ »ﺗﺮﻛﺎن ﺧﺎﺗﻮن« واﺑﻨﻬﺎ ﻣﺤﻤﻮد أﺻﺒﻬﺎن ﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ
ﻫﻮ وﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ،وﺳﺎروا ﻧﺤﻮ اﻟﺮي ،ﻓﻠﻘﻴﻬﻢ »أرﻏﺶ« اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ ﰲ ﻋﺴﺎﻛﺮه،
وﺻﺎروا ﻳﺪًا واﺣﺪة ،ﻓﻠﻤﺎ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺣﺎﴏوا ﻗﻠﻌﺔ »ﻃﱪق« وأﺧﺬوﻫﺎ ﻋﻨﻮة ،وﺳريت »ﺗﺮﻛﺎن
ﺧﺎﺗﻮن« اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ إﱃ ﻗﺘﺎل »ﺑﺮﻛﻴﺎرق« ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻰ اﻟﻌﺴﻜﺮان ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ »ﺑﺮوﺟﺮد« ،ﻓﺎﺟﺘﺎز
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء واﻟﺬﻳﻦ ﰲ ﻋﺴﺎﻛﺮ »ﺧﺎﺗﻮن« إﱃ »ﺑﺮﻛﻴﺎرق«؛ ﻣﻨﻬﻢ :اﻷﻣري »ﻳﻠﱪد«
و»ﻛﻤﺸﺘﻜني اﻟﺠﺎﻧﺪار« وﻏريﻫﻤﺎ ،ﻓﻘﻮي ﺑﻬﻢ ،وﺟﺮت اﻟﺤﺮب ﺑﻴﻨﻬﻢ .وآﺧﺮ ذي اﻟﺤﺠﺔ
اﺷﺘﺪ اﻟﻘﺘﺎل ،ﻓﺎﻧﻬﺰم ﻋﺴﻜﺮ »ﺧﺎﺗﻮن« وﻋﺎدوا إﱃ أﺻﺒﻬﺎن ،وﺻﺎر »ﺑﺮﻛﻴﺎرق« ﰲ أﺛﺮﻫﻢ،
ﻓﺤﴫﻫﺎ ﺑﺄﺻﺒﻬﺎن.
وﻛﺎن ﺗﺎج املﻠﻚ ﰲ ﻋﺴﻜﺮ »ﺧﺎﺗﻮن« وﺷﻬﺪ اﻟﻮﻗﻌﺔ ،ﻓﻬﺮب إﱃ ﻧﻮاﺣﻲ »ﺑﺮوﺟﺮد«،
ﻓﺄﺧﺬ وﺣﻤﻞ إﱃ ﻋﺴﻜﺮ »ﺑﺮﻛﻴﺎرق« وﻫﻮ ﻳﺤﺎﴏ أﺻﺒﻬﺎن ،وﻛﺎن ﻳﻌﺮف ﻛﻔﺎءﺗﻪ ،ﻓﺄراد أن
ﻳﺴﺘﻮزره ،ﻓﴩع ﺗﺎج املﻠﻚ ﰲ إﺻﻼح ﻛﺒﺎر اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ،وﻓ ﱠﺮق ﻓﻴﻬﻢ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ﺳﻮى
اﻟﻌﺮوض ،ﻓﺰال ﻣﺎ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﺜﻤﺎن ،ﻧﺎﺋﺐ ﻧﻈﺎم املﻠﻚ ،اﻟﺨﱪ ﺳﺎءه ،ﻓﻮﺿﻊ
اﻟﻐﻠﻤﺎن اﻷﺻﺎﻏﺮ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ،وأن ﻻ ﻳﻘﻨﻌﻮا إﻻ ﺑﻘﺘﻞ ﻗﺎﺗﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﻢ ،ﻓﻔﻌﻠﻮا ،ﻓﺎﻧﻔﺴﺦ
ﻣﺎ دﺑﱠﺮه ﺗﺎج املﻠﻚ ،وﻫﺠﻢ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺘﻠﻮه ،وﻓﺼﻠﻮه أﺟﺰاء ،وﻛﺎن ﻗﺘﻠﻪ ﰲ ﻣﺤﺮم
ﻄﻰﺳﻨﺔ ٤٨٦ﻫ ،وﺣﻤﻞ إﱃ ﺑﻐﺪاد أﺣﺪ أﺻﺎﺑﻌﻪ ،وﻛﺎن ﻛﺜري اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ،ﺟﻢ املﻨﺎﻗﺐ ،وإﻧﻤﺎ ﻏ ﱠ
ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺤﺎﺳﻨﻪ ﻣﻤﺎﻷﺗﻪ ﻋﲆ ﻗﺘﻞ ﻧﻈﺎم املﻠﻚ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﺑﻨﻰ ﺗﺮﺑﺔ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻲ إﺳﺤﺎق
اﻟﺸريازي ،وﻋﻤﻞ املﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻲ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،ورﺗﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ اﻟﺸﺎﳾ ،وﻛﺎن ﻋﻤﺮه
ﺣني ﻗﺘﻞ ﺳﺒﻌً ﺎ وأرﺑﻌني ﺳﻨﺔ.
184
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
185
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ذﻛﺮﻫﺎ اﻟﺤﺎﻓﻆ اﻟﺴﻠﻔﻲ ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻘﻪ وأﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأﺧﺬت ﻋﻨﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺜﻐﺮ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ،
وﻓﺎﻗﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻴﻪ ،وﻟﻬﺎ زﻳﺎدة ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﺒﺎع اﻟ ﱡ
ﻄ َ
ﻮﱃ ﰲ اﻟﺸﻌﺮ واﻷدب ،وﻟﻄﺎﺋﻔﻬﺎ اﻷدﺑﻴﺔ
ﺮﺣﺖ ﻗﺪﻣﻪ ،ﻓﻘﻄﻌﺖ ﺟﺎرﻳﺔﻣﻊ اﻟﺤﺎﻓﻆ املﺬﻛﻮر ﻛﺜرية؛ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺎ ٍّرا ﺑﻤﻨﺰﻟﻪ ﻓﻌﺜﺮ ﻓﺠُ ْ
ﻣﻦ اﻟﺪار ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻤﺎرﻫﺎ وﻋﺼﺒﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺪﻣﻪ ،ﻓﺄﻧﺸﺄت ﺗﻘﻴﺔ ﺗﻘﻮل:
ﻋ ً
ﻮﺿ ﺎ ﻋ ﻦ ﺧ ﻤ ﺎر ﺗ ﻠ ﻚ اﻟ ﻮﻟ ﻴ ﺪ ْه ﻟﻮ وﺟﺪت اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺟﺪت ﺑﺨﺪي
ﺳﻠﻜﺖ دﻫﺮﻫﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺤﻤﻴﺪهْ؟ ﻛ ﻴ ﻒ ﻟ ﻲ أن أﻗ ﺒ ﻞ اﻟ ﻴ ﻮم رﺟ ًﻼ
وﻣﻦ ﻏﺮاﺋﺒﻬﺎ ﰲ اﻷدب أﻧﻬﺎ ﻣﺪﺣﺖ املﻠﻚ املﻈﻔﺮ ﺑﻦ أﺧﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ
ﺑﻘﺼﻴﺪة ﺧﻤﺮﻳﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻣﻤﺎزﺣً ﺎ :أﺗﻌﺮف اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ِﻣﻦ ِﺻﺒﺎﻫﺎ؟ ﻓﺒﻠﻐﻬﺎ ذﻟﻚ
ﻓﻨﻈﻤﺖ ﻗﺼﻴﺪة أﺧﺮى ﺣﺮﺑﻴﺔ وﺻﻔﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺮب وﻣﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ أﺣﺴﻦ وﺻﻒ ،وﺑﻌﺜﺘﻬﺎ
إﻟﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ :ﻋﻠﻤﻲ ﺑﻬﺬا ﻛﻌﻠﻤﻲ ﺑﺬاك .وﻫﻲ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻣﻦ اﻟﻬﺠﺮة.
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ اﻟﴩﻳﺪ ﺑﻦ رﻳﺎح ﺑﻦ ﻳﻘﻈﺔ ﺑﻦ ﻋﺼﻴﺔ ﺑﻦ ﺧﻔﺎف ﺑﻦ اﻣﺮئ
اﻟﻘﻴﺲ ﺑﻦ ﺑﻬﺜﺔ ،وﻗﻴﻞ :ﺗﻬﺒﺔ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﺑﻦ ﺣﻔﺼﺔ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ
ﻋﻴﻼن ﺑﻦ ﻣﴬ ،وﺗﻜﻨﻰ أم ﻋﻤﺮو ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺨﻨﺴﺎء ﻟﻘﺐ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﻈﺒﻴﺔ ،وﻛﺎن
درﻳﺪ ﺑﻦ اﻟﺼﻤﺔ رآﻫﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻫﻲ ﺗﻬﻨﺄ ً
ﺟﻤﻼ ﻓﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
وﺧﻄﺒﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ أﺑﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ أﺑﻮﻫﺎ :ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ ﻳﺎ أﺑﺎ ﻗﺮة ،إﻧﻚ ﻟﻜﺮﻳﻢ ﻻ ﻳﻄﻌﻦ
ﰲ ﺣﺴﺒﻪ ،واﻟﻴﺪ ﻻ ﺗﺮ ﱡد ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻬﺬا املﺮأة ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻐريﻫﺎ ،وإﻧﻤﺎ
أذﻛﺮك ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻗﺎل :ﻳﺎ ﺧﻨﺴﺎء ،أﺗﺎك ﻓﺎرس ﻫﻮازن وﺳﻴﺪ ﺑﻨﻲ ﺟﺸﻢ »درﻳﺪ
ً
ﺗﺎرﻛﺔ ﺑﻦ اﻟﺼﻤﺔ« ﻳَﺨﻄﺒُﻚ ،وﻫﻮ ﻣﻤﻦ ﺗﻌﻠﻤني .ودرﻳﺪ ﻳﺴﻤﻊ ﻗﻮﻟﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﺑﺖ ،أﺗﺮاﻧﻲ
186
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
ً
وﻧﺎﻛﺤﺔ ﺷﻴﺦ ﺑﻨﻲ ﺟﺸﻢ ،ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻴﻮم أو ﻏﺪًا ،وأﻧﺸﺄت ﺗﻘﻮل: ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻮاﱄ اﻟﺮﻣﺎح
ﻓﺨﺮج إﻟﻴﻪ أﺑﻮﻫﺎ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﺑﺎ ﻗﺮة ،ﻗﺪ اﻣﺘﻨﻌﺖ ،وﻟﻌﻠﻬﺎ أن ﺗﺠﻴﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪُ ،ﻓﻘﺎل
درﻳﺪ :ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺎ دار ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ ،واﻧﴫف ﻏﻀﺒﺎن وﻗﺎل ﻳﻬﺠﻮ اﻟﺨﻨﺴﺎء:
ﻋﻔﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻓﺒﻄﻦ ﺧﺮس ﻟﻤﻦ ﻃﻠﻞ ﺑﺬات اﻟﺨﻤﺲ أﻣﺲ
ﺗﻸﻷ ﺑﺮﻗ ﻬ ﺎ أو ﺿ ﻮء ﺷ ﻤﺲ أﺷ ﺒ ﻬ ﻬ ﺎ ﻏ ﻤ ﺎﻣ ﺔ ﻳ ﻮم دﺟ ﻦ
وﻫﻲ ﻃﻮﻳﻠﺔ أﴐﺑﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻠﺨﻨﺴﺎء :أﻻ ﺗﺠﻴﺒﻴﻨﻪ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ أﺟﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ أن
أرده وأﻫﺠﻮه .وملﺎ ردت درﻳﺪًا ﺧﻄﺒﻬﺎ رواﺣﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺴﻠﻤﻲ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ،
ﺛﻢ ﺧﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮداس ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺎﻣﺮ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻳﺰﻳﺪ وﻣﻌﺎوﻳﺔ ،وﺑﻨﺘًﺎ اﺳﻤﻬﺎ ﻋﻤﺮة.
ﺣﻜﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻪ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ زﻓﺎف ﻋﻤﺮة ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻬﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻣﻠﺘﻔﺔ ﺑﻜﺴﺎء أﺣﻤﺮ
ﻈﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﻘﺎل اﻟﻘﻮم :ﻳﺎ ﻋﻤﺮة ،أﻻ ﺗﺤﺮﺷﺖ ﺑﺄﻣﻚ، وﻗﺪ ﻫﺮﻣﺖ وﻫﻲ ﺗﻠﺤﻆ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﻟﺤ ً
ﻓﺈﻧﻬﺎ اﻵن ﺗﻌﺮف ﺑﻌﺾ ﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﻴﻪ .ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻋﻤﺮة ﺗﺮﻳﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻮﻃﺄت ﻋﲆ ﻗﺪﻣﻬﺎ وﻃﺄة
أوﺟﻌﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ وﻗﺪ اﻏﺘﺎﻇﺖ :ﺣﺴﻦ إﻟﻴﻚ ﻳﺎ ﺣﻨﻔﺎء ﻛﺄﻧﻚ ﺗﻄﺌني أﻣﺔ ورﻫﺎء ،أﻧﺎ ُ
ﻛﻨﺖ
ورﺳﺎ ،وذﻟﻚ زﻣﺎن إذ ﻛﻨﺖ ﻓﺘﺎة أﻋﺠﺐ اﻟﻔﺘﻴﺎن ،ﻻ أذﻳﺐ اﻟﺸﺤﻢ، ﻋﺮﺳﺎ ،وأﻃﻴﺐ ًأﻛﺮم ﻣﻨﻚ ً
وﻻ أرﻋﻰ اﻟﺒﻬﻢ ،ﻛﺎملﻬﺮة اﻟﺼﻨﻊ ﻻ ﻣﻀﺎﻋﺔ وﻻ ﻋﻨﺪ ﻣﻀﻴﻊ .ﻓﻀﺤﻚ اﻟﻘﻮم ﻣﻦ ﻏﻴﻈﻬﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺷﻮاﻋﺮ اﻟﻌﺮب املﻌﱰف ﻟﻬﻦ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪم ،وﻫﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺸﻌﺮاء ،وأﻛﺜﺮ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﰲ رﺛﺎء أﺧﻮﻳﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ وﺻﺨﺮ .وﻛﺎن ﻣﻌﺎوﻳﺔ أﺧﺎﻫﺎ
ﻷﻣﻬﺎ وأﺑﻴﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺻﺨﺮ أﺧﺎﻫﺎ ﻷﺑﻴﻬﺎ ،وأﺣﺒﻬﻤﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،واﺳﺘﺤﻖ ﺻﺨﺮ ذﻟﻚ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻷﻧﻪ
ﻇﺎ ﰲ اﻟﻌﺸرية، ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪم واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،ﻣﺤﻈﻮ ً ً
ﻣﻮﺻﻮﻓﺎ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ،ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﺑﺎﻟﺠﻮد، ﻛﺎن
ً
ﻃﻮﻳﻼ ﺗﺒﻜﻴﻪ وﺗﺮﺛﻴﻪ، ُ
وأﺟﻤﻞ رﺟﻞ ﰲ اﻟﻌﺮب ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺘﻞ ﺟﻠﺴﺖ اﻟﺨﻨﺴﺎء ﻋﲆ ﻗﱪه زﻣﺎﻧًﺎ
وﻓﻴﻪ ﺟﻞ ﻣﺮاﺛﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ أول أﻣﺮﻫﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﺒﻴﺘني أو اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ أﺧﻮﻫﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ
وﺻﺨﺮ .وﻗﺪ أﺟﻤﻊ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻣﺮأة ﻗﺒﻠﻬﺎ وﻻ ﺑﻌﺪﻫﺎ أﺷﻌﺮ ﻣﻨﻬﺎ.
187
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻴﻞ ﻟﺠﺮﻳﺮ :ﻣَ ﻦ أﺷﻌﺮ اﻟﻨﺎس؟ ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻟﻮﻻ ﻫﺬه اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ،ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺨﻨﺴﺎء ،وﻗﺎل
ﺑﺸﺎر :ﻟﻢ ﺗﻘﻞ اﻣﺮأة ﻗﻂ ﺷﻌ ًﺮا إﻻ ﺗﺒني اﻟﻀﻌﻒ ﰲ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :أوﻛﺬﻟﻚ اﻟﺨﻨﺴﺎء؟
ﻗﺎل :ﺗﻠﻚ ﻓﻮق اﻟﺮﺟﺎل .وﻛﺎن اﻷﺻﻤﻌﻲ ﻳﻘﺪم ﻟﻴﻠﺔ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﻗﺎل املﱪد :ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻨﺴﺎء وﻟﻴﲆ ﻓﺎﺋﻘﺘني ﰲ أﺷﻌﺎرﻫﻤﺎ ،ﻣﺘﻘﺪﻣﺘني ﻷﻛﺜﺮ اﻟﻔﺤﻮل،
وﻛﺎن اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎﻧﻲ ﻳﺠﻠﺲ ﻟﻠﺸﻌﺮاء ﰲ ﺳﻮق ﻋﻜﺎظ وﺗﺄﺗﻴﻪ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﺘﻨﺸﺪه أﺷﻌﺎرﻫﺎ،
ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ اﻟﺨﻨﺴﺎء ﰲ ﺑﻌﺾ املﻮاﺳﻢ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﰲ أﺧﻴﻬﺎ ﺻﺨﺮ ،ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ
ﺷﻌﺮﻫﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :اذﻫﺒﻲ ﻓﺄﻧﺖ أﺷﻌﺮ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ذا ﺛﺪﻳني ،وﻟﻮﻻ ﻫﺬا اﻷﻋﻤﻰ أﻧﺸﺪﻧﻲ ﻗﺒﻠﻚ
— ﻳﻌﻨﻲ اﻷﻋﴙ — ﻟﻔﻀﻠﺘﻚ ﻋﲆ ﺷﻌﺮاء ﻫﺬا املﻮﺳﻢ؛ ﻓﺈﻧﻚ أﺷﻌﺮ اﻹﻧﺲ واﻟﺠﻦ ،وﻛﺎن
ﻣﻤﻦ ﻋﺮض ﺷﻌﺮه ﰲ ذﻟﻚ املﻮﺳﻢ ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ،ﻓﻐﻀﺐ وﻗﺎل :أﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﻣﻨﻚ وﻣﻨﻬﺎ،
ﻓﻘﺎل :ﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﻇﻨﻨﺖ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﱃ اﻟﺨﻨﺴﺎء ،وﻗﺎل :ﻳﺎ ﺧﻨﺎس ،ﺧﺎﻃﺒﻴﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ
إﻟﻴﻪ اﻟﺨﻨﺴﺎء وﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ أﺟﻮد ﺑﻴﺖ ﰲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻚ ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﺘﻬﺎ ً
آﻧﻔﺎ؟ ﻗﺎل ﻗﻮﱄ ﻓﻴﻬﺎ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺿﻌﻔﺖ اﻓﺘﺨﺎرك وأﻧﺪرﺗﻪ ﰲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻮاﺿﻊ ﰲ ﺑﻴﺘﻚ ﻫﺬا ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﻠﺖ ﻟﻨﺎ:
اﻟﺠﻔﻨﺎت ،واﻟﺠﻔﻨﺎت ﻣﺎ دون اﻟﻐﺮ ،وﻟﻮ ﻗﻠﺖ :اﻟﺠﻔﺎن ﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ ،وﻗﻠﺖ :اﻟﻐﺮ ،واﻟﻐﺮة:
ﺑﻴﺎض ﰲ اﻟﺠﺒﻬﺔ ،وﻟﻮ ﻗﻠﺖ :اﻟﺒﻴﺾ ﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ ،وﻗﻠﺖ :ﻳﻠﻤﻌﻦ ،واﻟﻠﻤﻊ :ﳾء ﻳﺄﺗﻲ
ﺑﻌﺪ ﳾء ،وﻟﻮ ﻗﻠﺖ :ﻳﴩﻗﻦ ﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ؛ ﻷن اﻹﴍاق أدوم ﻣﻦ اﻟﻠﻤﻌﺎن ،وﻗﻠﺖ :ﺑﺎﻟﻀﺤﻰ،
إﻃﺮاﻗﺎ ،وﻗﻠﺖ :أﺳﻴﺎف ،واﻷﺳﻴﺎف ﻣﺎ دون اﻟﻌﴩة ،وﻟﻮ ً وﻟﻮ ﻗﻠﺖ :ﺑﺎﻟﺪﺟﻰ ،ﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ
ً
ﺳﻴﻮﻓﺎ ﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ ،وﻗﻠﺖ :ﻳﻘﻄﺮن ،وﻟﻮ ﻗﻠﺖ :ﻳﺴﻠﻦ ﻟﻜﺎن أﻛﺜﺮ ،وﻗﻠﺖ :دﻣً ﺎ ،واﻟﺪﻣﺎء ﻗﻠﺖ:
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺪم.
ﻓﺴﻜﺖ ﺣﺴﺎن وﻟﻢ ﻳﺮد ﺟﻮاﺑًﺎ ،وﻛﺎن ﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﻇﻬﻮر اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪﻣﺖ اﻟﺨﻨﺴﺎء
ﻋﲆ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﺄﺳﻠﻤﺖ ،واﺳﺘﻨﺸﺪﻫﺎ ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ ،ﻓﺄﻋﺠﺐ ﺑﺸﻌﺮﻫﺎ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل» :ﻫﻴﻪ ﻳﺎ
ﺧﻨﺴﺎء «.ﺛﻢ اﻧﴫﻓﺖ.
وﻗﻴﻞ :إن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺳﺄﻟﻬﺎ :ﻣﺎ أﻗﺮح ﻣﺂﻗﻲ ﻋﻴﻨﻴﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻜﺎﺋﻲ ﻋﲆ اﻟﺴﺎدات
ﻣﻦ ﻣﴬ ،ﻗﺎل :ﻳﺎ ﺧﻨﺴﺎء ،إﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﻨﺎر ،ﻗﺎﻟﺖ :ذاك أﻃﻮل ﻟﻌﻮﻳﲇ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،إﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺑﻜﻲ
ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺜﺄر ،وأﻧﺎ اﻟﻴﻮم أﺑﻜﻲ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ أﻗﺒﻠﺖ ﰲ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺣﺎﺟﱠ ًﺔ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ
ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺑﺰي اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،ﻓﻘﺎم إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﰲ أﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻫﻲ
ﻛﻤﺎ و ُِﺻ َﻔ ْﺖ ﻟﻪ ﻓﻌﺬَﻟﻬﺎ ووﻋﻈﻬﺎ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إن اﻟﺬي ﺗﺼﻨﻌني ﻟﻴﺲ ﺻﻨﻊ اﻹﺳﻼم ،وإن
188
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺒﻜني ﻫﻠﻜﻮا ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،وﻫﻢ أﻋﻀﺎء اﻟﻠﻬﻴﺐ وﺣﺸﻮ ﺟﻬﻨﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﺳﻤﻊ ﻣﻨﻲ ﻣﺎ
ﻫﺎت ،ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﰲ أﺧﻮﻳﻬﺎ ،ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ أﻗﻮل ﰲ ﻋﺬﻟﻚ إﻳﺎي وﻟﻮﻣﻚ ﱄ ،ﻓﻘﺎلِ :
ﺑﻼﻏﺘﻬﺎ وﻗﺎل :دﻋﻮﻫﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﺣﺰﻳﻨﺔ أﺑﺪًا.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ أﺗﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﻨﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ وﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺼﺪار وﻫﻲ ﻣﺤﻠﻮﻗﺔ اﻟﺮأس ﺗﺪب ﻣﻦ
اﻟﻜﱪ ﻋﲆ ﻋﺼﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻋﺎﺋﺸﺔ :أﺧﻨﺎس؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﺒﻴﻚ ﻳﺎ أﻣﺎه ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺗﻠﺒﺴني اﻟﺼﺪار
وﻗﺪ ﻧُﻬﻲ ﻋﻨﻪ ﰲ اﻹﺳﻼم؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﺑﻨﻬﻴﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ اﻟﺬي ﺑﻠﻎ ﺑﻚ ﻣﺎ أرى؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻣﻮت أﺧﻲ ﺻﺨﺮ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻣﺎ دﻋﺎك إﱃ ﻫﺬا إﻻ ﺻﻨﺎﺋﻊ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻠﻪ ،ﻓﺼﻔﻴﻬﺎ ﱄ،
ً
ﻣﺘﻼﻓﺎ ﻳﻘﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﻘﺪاح ،ﻓﺄﺗﻠﻒ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،إن ﻟﺸﻌﺎري ﺳﺒﺒًﺎ ،وذﻟﻚ أن زوﺟﻲ ﻛﺎن ً
رﺟﻼ
ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻴﻨﺎ ﻋﲆ ﻏري ﳾء ،ﻓﺄراد أن ﻳﺴﺎﻓﺮ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ :أﻗﻢ وأﻧﺎ آﺗﻲ أﺧﻲ ﺻﺨ ًﺮا
ﻓﺄﺳﺄﻟﻪ ،ﻓﺄﺗﻴﺘﻪ ﻓﺸﻜﻮت إﻟﻴﻪ ﺣﺎﻟﻨﺎ وﻗﻠﺔ ذات أﻳﺪﻳﻨﺎ ،ﻓﺸﺎﻃﺮﻧﻲ ﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ زوﺟﻲ
ﻓﻘﺎﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﻘﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻨﺎ ﳾء ،ﻓﻌﺪت إﻟﻴﻪ ﰲ اﻟﻌﺎم املﻘﺒﻞ أﺷﻜﻮ إﻟﻴﻪ ﺣﺎﻟﺘﻪ ،ﻓﺼﺎر
ﱄ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ﻓﺄﺗﻠﻔﻪ زوﺟﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ أو ﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﺧﻠﺖ ﺑﺼﺨﺮ اﻣﺮأﺗﻪ ﻓﻌﺬﻟﺘﻪ
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :إن زوﺟﻬﺎ ﻣﻘﺎﻣﺮ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﳾء؛ ﻓﺈن ﻛﺎن وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺻﻠﺘﻬﺎ ﻓﺄﻋﻄﻬﺎ
ﺧﻤﺲ ﻣﺎﻟﻚ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻠﻒ ،واﻟﺨري ﻓﻴﻪ واﻟﴩ ﺳﻴﺎن ،ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل ﻻﻣﺮأﺗﻪ:
ﺛﻢ ﺷﻄﺮ ﻣﺎﻟﻪ ﻓﺄﻋﻄﺎﻧﻲ أﻓﻀﻞ ﺷﻄﺮﻳﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻫﻠﻚ اﺗﺨﺬت ﻫﺬا اﻟﺼﺪار .وﷲ ﻻ أﺧﻠﻒ
ﻇﻨﻪ وﻻ أﻛﺬب ﻗﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ.
وﻛﺎن ﻟﻠﺨﻨﺴﺎء أرﺑﻌﺔ ﺑﻨني ،ﻓﻠﻤﺎ ﴐب اﻟﺒﺤﺚ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺑﻔﺘﺢ ﻓﺎرس ،ﺻﺎرت
ﻣﻌﻬﻢ وﻫﻢ رﺟﺎل ،وﺣﴬت وﻗﻌﺔ اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٦ﻫﺠﺮﻳﺔ وﺳﻨﺔ ٦٣٨ﻣﻴﻼدﻳﺔ،
وأوﺻﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،إﻧﻜﻢ أﺳﻠﻤﺘﻢ ﻃﺎﺋﻌني ،وﻫﺎﺟﺮﺗﻢ ﻣﺨﺘﺎرﻳﻦ ،وﷲ اﻟﺬي
ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﻫﻮ إﻧﻜﻢ ﻟﺒﻨﻮ رﺟﻞ واﺣﺪ ،ﻛﻤﺎ إﻧﻜﻢ ﺑﻨﻮ اﻣﺮأة واﺣﺪة ،ﻣﺎ ﻫﺠﻨﺖ ﺣﺴﺒﻜﻢ ،وﻻ
ﻏريت ﻧﺴﺒﻜﻢ ،واﻋﻠﻤﻮا أن اﻟﺪار اﻵﺧﺮة ﺧري ﻣﻦ اﻟﺪار اﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﴿ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ ا ﱠﻟﺬ َ
ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ْ
اﺻ ِﱪُوا
ﻮن﴾ )آل ﻋﻤﺮان ،(٢٠٠ :ﻓﺈذا رأﻳﺘﻢ اﻟﺤﺮب ﻗﺪ ﻄﻮا وَاﺗﱠ ُﻘﻮا ﷲ َ َﻟﻌَ ﱠﻠ ُﻜ ْﻢ ﺗُ ْﻔﻠِﺤُ َ
َﺻﺎ ِﺑ ُﺮوا َو َرا ِﺑ ُ
و َ
ﺷﻤﺮت ﻋﻦ ﺳﺎﻗﻬﺎ ،وﺟﻠﻠﺖ ﻧﺎ ًرا ﻋﲆ أرواﻗﻬﺎ ،ﻓﺘﻴﻤﻤﻮا وﻃﻴﺴﻬﺎ ،وﺟﺎﻟﺪوا رﺳﻴﺴﻬﺎ؛ ﺗﻈﻔﺮوا
ﺑﺎﻟﻐﻨﻢ واﻟﻜﺮاﻣﺔ ﰲ دار اﻟﺨﻠﺪ واملﻘﺎﻣﺔ.
189
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ أﺿﺎء ﻟﻬﻢ اﻟﺼﺒﺢ ﺑﺎﻛﺮوا إﱃ ﻣﺮاﻛﺰﻫﻢ ،ﻓﺘﻘﺪﻣﻮا واﺣﺪًا ﺑﻌﺪ واﺣﺪ ﻳﻨﺸﺪون
أراﺟﻴﺰ ﻳﺬﻛﺮون ﻓﻴﻬﺎ وﺻﻴﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﻟﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻮا ﻋﻦ آﺧﺮﻫﻢ ،ﻓﺒﻠﻎ اﻟﺨﱪ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
اﻟﺤﻤﺪ هلل اﻟﺬي ﴍﻓﻨﻲ ﺑﻘﺘﻠﻬﻢ ،وأرﺟﻮ ﻣﻦ رﺑﻲ أن ﻳﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﻬﻢ ﰲ ﻣﺴﺘﻘﺮ اﻟﺮﺣﻤﺔ .وﻛﺎن
ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ أرزاق ﺑﻨﻴﻬﺎ اﻷرﺑﻌﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎﺋﺔ درﻫﻢ ﺣﺘﻰ ُﻗﺒﺾ.
وأﺧﺒﺎر اﻟﺨﻨﺴﺎء ﻛﺜرية ،وﻫﻲ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ أن ﺗُﺬﻛﺮ ،وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ أﺧﻮﻳﻬﺎ
ﻣﻌﺎوﻳﺔ وﺻﺨﺮ وأﺑﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮو:
وﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ أﺧﻮﻳﻬﺎ:
إذا ﻃﺮﻗﺖ إﺣﺪى اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺑﺪاﻫﻴﻪ أﻻ ﻻ أرى ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺎوﻳﻪ
وﺗ ﺨ ﺮج ﻣ ﻦ ﺳ ﺮ اﻟ ﻨ ﺠ ﱢﻲ ﻋ ﻼﻧ ﻴ ﻪ ﺑﺪاﻫﻴﺔ ﻳﺼﻐﻲ اﻟﻜﻼب ﺣﺴﻴﺴﻬﺎ
إذا ﻣ ﺎ ﻋ ﻠ ﺘ ﻪ ﺟ ﻬ ﺮة وﻋ ﻼﻧ ﻴ ﻪ أﻻ ﻻ أرى ﻛﺎﻟﻔﺎرس اﻟﻮرد ﻓ ً
ﺎرﺳﺎ
إذا ﺷﻤﺮت ﻋﻦ ﺳﺎﻗﻬﺎ وﻫﻲ ذاﻛﻴﻪ وﻛ ﺎن ﻟ ﺰاز اﻟ ﺤ ﺮب ﻋ ﻨ ﺪ ﺷ ﺒ ﻮﺑ ﻬ ﺎ
ﻋ ﻠ ﻰ ﺣ ﺪث اﻷﻳ ﺎم إﻻ ﻛ ﻤ ﺎ ﻫ ﻴ ﻪ ﺑ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ وﻣ ﺎ ﺗ ﺒ ﻠ ﻰ ﻧ ﻀ ﺎر وﻣ ﺎ ﺗ ﺮى
ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ ﺑ ﺤ ﺰن ﻣ ﺎ دﻋ ﺎ اﻟ ﻠ ﻪ داﻋ ﻴ ﻪ ﻓﺄﻗﺴﻤﺖ ﻻ ﻳﻨﻔﻚ دﻣﻌﻲ وﻋﻮﻟﺘﻲ
190
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
وﻗﻮﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ ﻓﻴﻪ ،وﻛﺎن ﻣﻘﺘﻠﻪ ﰲ ﺑﻨﻲ ﻣﺮة:
ﻟ ﻘ ﺪ أﺧ ﻀ ﻞ اﻟ ﺪﻣ ﻊ ﺳ ﺮﺑ ﺎﻟ ﻬ ﺎ أﻻ ﻣ ﺎ ﻟ ﻌ ﻴ ﻨ ﻚ أم ﻣ ﺎ ﻟ ﻬ ﺎ
ـ ﺪ ﺣ ﻠ ﺖ ﺑ ﻪ اﻷرض أﺛ ﻘ ﺎﻟ ﻬ ﺎ أﺑﻌﺪ اﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﻣﻦ آل اﻟﺸﺮﻳـ
وأﺳ ﺄل ﻧ ﺎﺋ ﺤ ﺔ ﻣ ﺎ ﻟ ﻬ ﺎ وأﻗ ﺴ ﻤ ﺖ آﺳ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ ﻫ ﺎﻟ ﻚ
ﻓ ﺈﻣ ﺎ ﻋ ﻠ ﻴ ﻬ ﺎ وإﻣ ﺎ ﻟ ﻬ ﺎ ﺳ ﺄﺣ ﻤ ﻞ ﻧ ﻔ ﺴ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ آﻟ ﺔ
س ﻳ ﻮم اﻟ ﻜ ﺮﻳ ﻬ ﺔ أﺑ ﻘ ﻰ ﻟ ﻬ ﺎ ﻧ ﻬ ﻴ ﻦ اﻟ ﻨ ﻔ ﻮس وﻫ ﻮن اﻟ ﻨ ﻔ ﻮ
ﻋ ﻠ ﻴ ﻬ ﺎ اﻟ ﻤ ﻀ ﺎﻋ ﻒ أﻗ ﺘ ﺎﻟ ﻬ ﺎ ورﺟ ﺮاﺟ ﺔ ﻓ ﻮﻗ ﻬ ﺎ ﺑ ﻴ ﻀ ﻬ ﺎ
ـﺮ ﺗﺮﻣﻲ اﻟﺴﺤﺎب وﻳﺮﻣﻰ ﻟﻬﺎ ﻛﻜﺮ ﻓﺌﺔ اﻟﻐﻴﺚ ذات اﻟﺼﺒﻴـ
ن ﺗ ﺒ ﻘ ﻰ وﻳ ﻬ ﻠ ﻚ ﻣ ﻦ ﻗ ﺎﻟ ﻬ ﺎ وﻗ ﺎﻓ ﻴ ﺔ ﻣ ﺜ ﻞ ﺣ ﺪ اﻟ ﺴ ﻨ ﺎ
وﻟ ﻢ ﻳ ﻨ ﻄ ﻖ اﻟ ﻨ ﺎس أﻣ ﺜ ﺎﻟ ﻬ ﺎ ﻧ ﻄ ﻘ ﺖ اﺑ ﻦ ﻋ ﻤ ﺮو ﻓ ﺴ ﻬ ﻠ ﺘ ﻬ ﺎ
ﻓ ﻘ ﺪ ﻛ ﺎن ﻳ ﻜ ﺜ ﺮ ﺗ ﻘ ﺘ ﺎﻟ ﻬ ﺎ ﻓ ﺈن ﺗ ﻚ ﻣ ﺮة أودت ﺑ ﻪ
وﺟ ﻠ ﻠ ﺖ اﻟ ﺸ ﻤ ﺲ إﺟ ﻼﻟ ﻬ ﺎ ﺗ ﺰول اﻟ ﻜ ﻮاﻛ ﺐ ﻣ ﻦ ﻓ ﻘ ﺪه
وأﻣﺎ ﻣﺮاﺛﻴﻬﺎ ﰲ أﺧﻴﻬﺎ ﺻﺨﺮ ﻓﻜﺜرية ﺟﺪٍّا — ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ — وأﺷﻬﺮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺎت:
وﻗﻮﻟﻬﺎ:
191
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻗﻮﻟﻬﺎ:
192
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺲ اﻷﻛﺎﺑﺮ اﻟﺬﻳﻦ ورﺛﻮا املﺠﺪ ﻛﺎﺑ ًﺮا ﻋﻦ ﻛﺎﺑﺮ ،ﺗﺰوﱠﺟﺖ ﺑﺎملﻠﻚ زﻫري
ً
وإﺟﻼﻻ وإﻛﺮاﻣً ﺎ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ ﺟﻤﻠﺔ ً
ﴍﻓﺎ وﻣﻘﺎﻣً ﺎ، اﻟﻌﺒﴘ ﻋﲆ ﻣﺤﺒﺔ ووﻓﺎق ،وزادت ﺑﻪ
أوﻻد ﻧﺠﺒﺎء ،ﻣﻨﻬﻢ :ﻗﻴﺲ وﻣﺎﻟﻚ اﺑﻨﺎ زﻫري ،وزوﺟﻬﺎ زﻫري ﻣَ ﻠِﻚ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺲ ،وﻟﻬﺎ رﺛﺎء ﻗﻠﻴﻞ
ﰲ وﻟﺪﻫﺎ ﻣﺎﻟﻚ — ﻗﺘﻠﻪ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ ﺑﺪر — وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
193
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ ذات ﺣﺴﻦ وﺟﻤﺎل ،وﺑﻬﺎء وﻛﻤﺎل ،وأدب ﻣﺎ ﻟﻪ ﻣﺜﺎل .ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻐﻨﺎء ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت
أﺣﺴﻦ املﻐﻨني واملﻐﻨﻴﺎت ،وﺳﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺻﻮﺗﻬﺎ ،وﺣﺪﱠة ذﻫﻨﻬﺎ ،وﺷﺪة اﺳﺘﺤﻀﺎرﻫﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﻠﻒ إﱃ اﻷﻣري ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ وﺗﺮﺗﺎح ملﻨﺎدﻣﺘﻪ ،وﻫﻮ ﻳﺸﺘﺎق ﻟﺴﻤﺎع
ﺻﻮﺗﻬﺎ.
وﻗﻴﻞ :إن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺟﻠﺲ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ أﻧﺴﻪ — وﻛﺎن ﻋﻨﺪه ﺻﺪﻳﻘﻪ
اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﺎﻟﻮت ،وﻛﺎن أﺧﺺ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ — ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻻ ﺑﺪ ﻟﻨﺎ ﰲ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا
ﻣﻦ ﺛﺎﻟﺚ ﻧﻄﻴﺐ ﺑﻤﻌﺎﴍﺗﻪ ،وﻧﻠﺘﺬ ﺑﺼﺤﺒﺘﻪ وﻣﺆاﻧﺴﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﺴﻤﻊ ﺻﻮت ﺗﻨﻮﺳﺔ ،ﻓﻤﻦ
ﺗُﺮى أن ﻳﻜﻮن ﻃﺎﻫﺮ اﻷﻋﺮاق ﻏري دﻧﺲ اﻷﺧﻼق؟ ﻓﺄﻋﻤﻞ ﻓﻜﺮه اﻟﺤﺴﻦ وأﻣﻌﻦ ﻧﻈﺮه وﻗﺎل:
أﻳﻬﺎ اﻷﻣري ،ﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﱄ رﺟﻞ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﰲ ﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻪ ﻛﻠﻔﺔ ،ﻗﺪ ﺧﻼ ﻣﻦ إﺑﺮام املﺠﺎﻟﺴﺔ،
وﺑﺮئ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ املﺆاﻧﺴﺔ ،ﺧﻔﻴﻒ اﻟﻮﻗﻔﺔ إذا أﺣﺒﺒﺖ ،ﴎﻳﻊ اﻟﻮﺛﺒﺔ إذا أﻣﺮت ،ﻗﺎل :وﻣﻦ
ذاك؟ ﻗﺎل :ﻣﺎن املﻮﺳﻮس ،ﻗﺎل :أﺣﺴﻨﺖ وﷲ ،ﻓﺘﻘﺪم إﱃ أﺻﺤﺎب اﻷرﺑﺎع ﺑﻄﻠﺒﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن
ﺑﺄﴎع ﻣﻦ أن اﻗﺘﻨﺼﻪ ﺻﺎﺣﺐ رﺑﻊ اﻟﻜﺮخ ﻓﺴﺎر ﺑﻪ إﱃ ﺑﺎب اﻷﻣري ،ﻓﺄُدﺧِ ﻞ اﻟﺤﻤﺎم وأﺧﺬ
ﻧﻈﺎﻓﺎ ،ﺛﻢ أدﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎل :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ أﻣري ،ﻓﻘﺎل :ﻋﻠﻴﻚ ً ﻣﻦ ﺷﻌﺮه ،وأُﻟ ِﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑًﺎ
ﺗﻮﻗﺎن ﻣﻨﺎ إﻟﻴﻚ ،وﻣﻨﺎزﻋﺔ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻧﺤﻮك؟ ﻓﻘﺎلٍ اﻟﺴﻼم ﻳﺎ ﻣﺎن ،أﻟﻢ ﻳﺄن أن ﺗﺰورﻧﺎ ﻋﲆ ﺣني
ﻣﺎن :اﻟﺸﻮق ﺷﺪﻳﺪ ،واملﺰار ﺑﻌﻴﺪ ،واﻟﺤﺠﺎب ﻋﺘﻴﺪ ،واﻟﺒﻮاب ﻓﻆ ﻋﻨﻴﺪ ،وﻟﻮ ﺳﻬﻞ اﻹذن
ﻟﺴﻬﻠﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺰﻳﺎرة ،ﻗﺎل :ﻟﻘﺪ أﻟﻄﻔﺖ ﰲ اﻻﺳﺘﺌﺬان ،ﻓﻼ ﺗﻤﻨﻊ ﰲ أي وﻗﺖ ﺟﺌﺖ ﻣﻦ ﻟﻴﻞ
أو ﻧﻬﺎر ،ﺛﻢ أذن ﻟﻪ ﻓﺠﻠﺲ ،ﺛﻢ دﻋﺎ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ﻓﺄﻛﻞ ،ﺛﻢ ﻏﺴﻞ ﻳﺪﻳﻪ وأﺧﺬ ﻣﺠﻠﺴﻪ .وﻛﺎن
ﺣﴬت ،ﻓﻜﺎن أول ﻣﺎ ﻏﻨﱠﺖ:
ْ ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺪ ﺗﺸﻮﱠق إﱃ اﻟﺴﻤﺎع ﻣﻦ ﺗﻨﻮﺳﺔ ﺟﺎرﻳﺔ اﺑﻨﺔ املﻬﺪي ،ﻓﺄ ُ
ﺑﻤﻘﻠﺔ ﻣﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺪ واﻟﻀ ﱢﺪ أﻗﻤ ُﺖ أﻧﺎﺟﻲ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﺪﻣﻊ ﺣﺎﺋﺮ
ﻋﻠﻰ ﻇﺎﻟﻢ ﻗﺪ ﻟﺞﱠ ﻓﻲ اﻟﻬﺠﺮ واﻟﺒﻌﺪ وﻟ ﻢ ﻳ ﻌ ﺪﻧ ﻲ ﻫ ﺬا اﻷﻣ ﻴ ﺮ ﺑ ﻌ ﺰه
194
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻐﻨﻴﻪ ،ﻓﺮق ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻟﻪ وﻗﺎل :أﻋﺎﺷﻖ أﻧﺖ ﻳﺎ ﻣﺎن؟ ﻗﺎل :ﻓﺎﺳﺘﺤﻴﺎ،
وﻏﻤﺰه اﺑﻦ ﻃﺎﻟﻮت أن ﻻ ﻳﺒﻮح ﻟﻪ ﺑﴚء ﻓﻴﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﺑﻞ ﻫﻠﻊ وﻃﺮب — أﻋﺰ
ﷲ اﻷﻣري — وﺷﻮق ﻛﺎن ﻛﺎﻣﻨًﺎ ﻓﻈﻬﺮ ،وﻫﻞ ﺑﻌﺪ املﺸﻴﺐ ﻣﻦ ﺻﺒﻮة؟ ﺛﻢ اﻗﱰح ﻣﺤﻤﺪ ﻋﲆ
ﺗﻨﻮﺳﺔ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻣﻦ ﺷﻌﺮ أﺑﻲ اﻟﻌﺘﺎﻫﻴﺔ:
ﻗ ﻠ ﺖ ﻳ ﺎ رﻳ ﺢ ﺑ ﻠ ﻐ ﻴ ﻬ ﺎ اﻟ ﺴ ﻼﻣ ﺎ ﺣ ﺠ ﺒ ﻮﻫ ﺎ ﻋ ﻦ اﻟ ﺮﻳ ﺎح ﻷﻧ ﻲ
ﻣ ﻨ ﻌ ﻮﻫ ﺎ ﻳ ﻮم اﻟ ﺮﺣ ﻴ ﻞ اﻟ ﻜ ﻼﻣ ﺎ ﻟﻮ رﺿﻮا ﺑﺎﻟﺤﺠﺎب ﻫﺎن وﻟﻜﻦ
ﻓﻐﻨﱠﺘﻪ ﻓﻄﺮب ﻣﺤﻤﺪ ،ﺛﻢ دﻋﺎ ﺑﺮﻃﻞ ﻓﴩﺑﻪ ﻓﻘﺎل ﻣﺎن :ﻣﺎ ﻋﲆ ﻗﺎﺋﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻟﻮ
زاد ﻓﻴﻪ:
ً
ﺗﻐﻠﻐﻼ ﻋﲆ ﻛﺒﺪ اﻟﻈﻤﺂن ﻣﻦ زﻻل املﺎء، ﻓﻜﺎن أﺑﻌﺚ ﻟﻠﺼﺒﺎﺑﺔ ﺑني اﻷﺣﺸﺎء ،وأﻟﻄﻒ
ﻣﻊ ﺣﺴﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻧﻈﺎﻣﻪ واﻧﺘﻬﺎﺋﻪ إﱃ ﻏﺎﻳﺔ ﺗﻤﺎﻣﻪ ،ﻗﺎل ﻣﺤﻤﺪ :أﺣﺴﻨﺖ وﷲ ﻳﺎ ﻣﺎن ،ﺛﻢ
أﻣﺮ ﺗﻨﻮﺳﺔ ﺑﺈﻟﺤﺎﻗﻬﺎ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﺑﺎﻷوﻟني ﻓﻔﻌﻠﺖ ،ﺛﻢ ﻏﻨﱠﺖ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﻣﻦ ﺷﻌﺮ أﺑﻲ
ﻧﻮاس:
وﻋ ﻠ ﻰ ذي ﺻ ﺒ ﺎﺑ ﺔ ﻓ ﺄﻗ ﻴ ﻤ ﺎ ﻳ ﺎ ﺧ ﻠ ﻴ ﻠ ﱠﻲ ﺳ ﺎﻋ ﺔ ﻻ ﺗ ﺮﻳ ﻤ ﺎ
ﻓﻀﺢ اﻟﺪﻣﻊ ﺳ ﱠﺮﻧﺎ اﻟﻤﻜﺘﻮﻣﺎ ﻣ ﺎ ﻣ ﺮرﻧ ﺎ ﺑ ﺪار زﻳ ﻨ ﺐ إﻻ
ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻘﺎل »ﻣﺎن« :ﻟﻮﻻ رﻫﺒﺔ اﻟﺘﻌﺪي ﻷﺿﻔﺖ إﱃ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﺑﻴﺘني
ﻻ ﻳﺮدان ﻋﲆ ﺳﻤﻊ ذي ﻟﺐﱟ إﻻ ﺻﺪ اﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻪ ﻟﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻣﺤﻤﺪ :اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻪ
ﺣﺎﺋﻠﺔ دون ﻛﻞ رﻫﺒﺔ ،ﻓﻬﺎت ﻣﺎ ﻋﻨﺪك ،ﻓﻘﺎل:
195
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل ﻣﺎن:
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺗﻨﻮﺳﺔ :وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻳﺎ ﻣﺎن ﺷﻜﺮك ،ﻓﺴﺎﻋﺪك دﻫﺮك ،وﻋﻄﻒ ﻋﻠﻴﻚ إﻟﻔﻚ،
وﻗﺎرﻧﻚ ﴎورك ،وﻓﺎرﻗﻚ ﻣﺤﺬورك ،وﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻳﺪﻳﻢ ﻟﻨﺎ اﻟﴪور ﺑﺒﻘﺎء ﻣﻦ ﺑﺒﻘﺎﺋﻪ اﺟﺘﻤﻊ
ﺷﻤﻠﻨﺎ ،ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
زاﻧ ﻪ اﻟ ﻐ ﺮ اﻟ ﺒ ﻬ ﺎﻟ ﻴ ﻞ ﻣ ﻠ ﻚ ﻋ ﺰ اﻟ ﻨ ﻈ ﻴ ﺮ ﻟ ﻪ
ﻋ ﺮﻓ ﻪ ﻟ ﻠ ﻨ ﺎس ﻣ ﺒ ﺬول ﻃ ﺎﻫ ﺮيﱞ ﻓ ﻲ ﻣ ﺮﻛ ﺒ ﻪ
ﻣﻊ ﻫﺒﻮب اﻟﺮﻳﺢ ﻣﻄﻠﻮل دم ﻣﻦ ﻳﺸﻘﻰ ﺑﺼﺎرﻣﻪ
196
ﺣﺮف اﻟﺘﺎء
ﻓﻘﺎل ﻣﺤﻤﺪ :وﺟﺐ ﺟﺰاؤك ﻟﺸﻜﺮك ﻋﲆ ﻏري ﻧﻌﻤﺔ ﺳﻠﻔﺖ ﻣﻨﺎ إﻟﻴﻚ ،ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ اﺑﻦ
ﻃﺎﻟﻮت ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﻫﺬا ،ﻟﻴﺲ ﺧﺴﺎﺳﺔ ﺛﻮب املﺮء واﺗﻀﺎع املﻨﻈﺮ وﻧﺒ ﱡﻮ اﻟﻌني ﺑﻤ ٍ
ُﺬﻫﺐ ﺟﻮﻫ َﺮ
اﻷدب ا ُملﺮ ﱠﻛﺐ ﻓﻴﻪ ،وهلل د ﱡر ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺪوس ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
ﻓﺄﻧﺎ أﺳﺘﻮدﻋﻜﻢ ﷲ ،ﺛﻢ اﻧﴫف ،ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﺼﻠﺔ ﺳﻨﻴﺔ ،ﻗﺎل اﺑﻦ
ﻃﺎﻟﻮت :ﻓﻤﺎ رأﻳﺖ أﺣﺪًا أﺣﴬ ذﻫﻨًﺎ ﻣﻨﻪ إذ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ :ﻋ ﱠ
ﻄﻒ ﻋﻠﻴﻚ إ ْﻟﻔﻚ ،ﻓﻴﻨﻔﻴﻬﺎ
ﺑﻘﻮﻟﻪ» :ﻟﻴﺲ ﱄ إﻟﻒ ﻓﻴﻘﻄﻌﻨﻲ «.اﻟﺒﻴﺖ ،ﻗﺎل :وﻟﻢ ﻳﺰل ﻣﺤﻤﺪ ﻣُﺠﺮﻳًﺎ ﻋﻠﻴﻪ ً
رزﻗﺎ ﺳﻨﻴٍّﺎ
إﱃ أن ﻣﺎت ،وﺑﻘﻴﺖ ﺗﻨﻮﺳﺔ ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ ﰲ ﻣﻨﺰل ﻋﻠﻴﺔ اﺑﻨﺔ املﻬﺪي إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﻋﻤﱠ ﺮت وﻟﻢ ﻳﺘﻐري ﳾء ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ.
197
ﺣﺮف اﻟﺜﺎء
ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻜﻤﺎل ،واﻟﻠﻄﺎﻓﺔ ٍ وﻟﺪت ﻋﲆ ﻋﻬﺪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ
واﻷدب ،وﻋﺰة اﻟﻨﻔﺲ ،وﻛﺎن ﻳﴬب ﺑﻬﺎ املﺜﻞ ﰲ اﻟﺠﻤﺎل ﺑني ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎ
ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻷﻧﻈﺎر ،وﺗﻬﻮي إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب ﺑﺎﻷﺑﺼﺎر .وﻛﺎن ﻣﺮ ًة ﺳﻬ ُﻞ
ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺜﻤﺔ ﻣﺎ ٍّرا ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺮأى ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻳﻄﺎرد ﺛﺒﻴﺘﺔ ﺑﻨﻈﺮه ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ:
أﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬا وأﻧﺖ ﺻﺎﺣﺐ رﺳﻮل ﷲ ﷺ؟ ﻓﻘﺎل :ﻧﻌﻢ ،إﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻳﻘﻮل:
»إذا أﻟﻘﻰ ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﰲ ﻗﻠﺐ رﺟﻞ ﺧﻄﺒﺔ اﻣﺮأة؛ ﻓﻼ ﺑﺄس أن ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ «.وﻣﻦ
ذﻟﻚ ﻳﺘﻀﺢ أن ﻣﻦ أراد اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻓﻠﻪ أن ﻳﻨﻈﺮ ﻣﺨﻄﻮﺑﺘﻪ ﻗﺒﻞ زواﺟﻪ ﺑﻬﺎ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺛﺒﻴﺘﺔ
ﻣﺤﻂ أﻧﻈﺎر ﺷﺒﺎن اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺰوﺟﺖ وﻫﻲ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻌﻔﺔ واﻟﺼﻴﺎﻧﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻤﺪد إﻟﻴﻬﺎ
أﺣﺪ ﻳﺪه ﺑﺴﻮء ،وﻟﻬﺎ ﺻﺤﺒﺔ ﺣﺴﻨﺔ وأﺣﺎدﻳﺚ ﻧﺒﻮﻳﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮات اﻟﻌﺮب وﻛﺮﻣﺎﺋﻬﻦ اﻟﻼﺗﻲ ﻳﴬب ﺑﻬﻦ املﺜﻞ ،وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻛﺮﻳﻤً ﺎ ﻟﻢ
ﻳﻮﺟﺪ أﻛﺮم ﻣﻨﻪ ﰲ زﻣﺎﻧﻪ.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ أﺗﺎه أﺧﻮ اﻣﺮأﺗﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﺄﻋﻄﺎه ﺑﻌريًا ﻣﻦ إﺑﻠﻪ وﻗﺎل ﻻﻣﺮأﺗﻪ :ﻫﺎﺗﻲ ً
ﺣﺒﻼ ﻳﻘﺮن
ﺣﺒﻼ ،ﺛﻢ أﻋﻄﺎه ﺛﺎﻟﺜًﺎ ﻓﻘﺎل:
ﺑﻪ ﻣﺎ أﻋﻄﻴﻨﺎه إﱃ ﺑﻌريه ،ﺛﻢ أﻋﻄﺎه ﺑﻌريًا آﺧﺮ ،وﻗﺎل :ﻫﺎﺗﻲ ً
ﺣﺒﻼ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻋﻨﺪي ﺣﺒﻞ ،ﻓﻘﺎل :ﻋﲇ ﱠ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻋﻠﻴﻚ اﻟﺤﺒﺎل ،ﻓﺮﻣﺖ إﻟﻴﻪ ﻫﺎﺗﻲ ً
ﺣﺒﻼ ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ ،ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:ﺧﻤﺎرﻫﺎ وﻗﺎﻟﺖ :اﺟﻌﻠﻪ ً
ﻟ ﻜ ﱢﻞ ﺑ ﻌ ﻴ ٍﺮ ﺟ ﺎء ﻃ ﺎﻟ ﺒُ ﻪ ﺣ ﺒ ﻼ ﻻ ﺗ ﻌ ﺬﻟ ﻴ ﻨ ﻲ ﻓ ﻲ اﻟ ﻌ ﻄ ﺎء وﻳ ﺴ ﺮي
إذا ﺷﺒﻌ ْﺖ ﻣﻦ روض أوﻃﺎﻧﻬﺎ ﺑﻘﻼ ﻓ ﺈﻧ ﱢ ﻲ ﻻ ﺗ ﺒ ﻜ ﻲ ﻋ ﻠ ﱠﻲ إﻓ ﺎﻟُ ﻬ ﺎ
وﻻ ﻣ ﺜ ﻞ أﻳ ﺎم اﻟ ﺤ ﻘ ﻮق ﻟ ﻬ ﺎ ﺳ ﺒ ﻼ ﻓ ﻠ ﻢ أ َر ﻣ ﺜ ﻞ اﻹﺑ ﻞ ﻣ ًﺎﻻ ﻟ ﻤ ﻘ ﺘ ٍﻦ
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻓﻮ ًرا:
200
ﺣﺮف اﻟﺜﺎء
رﺣﻴﻠﻨﺎ ﺻﻮﺗًﺎ وﺻﻴﺎﺣً ﺎ ﻋﲆ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ اﺳﻤُﻬﺎ اﺳ ُﻢ ﻧﺠﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻗﺪ ﺳﻘﻂ ﻋﲇ ﱠ
اﺳﻤﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮ :اﻟﺜﱡﺮﻳﺎ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﺑﻠﻎ ﻋﻤﺮ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﻋﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻮﺟﱠ ﻪ ﻓﺮﺳﻪ
ﻃﺮﻳﻖ ﻛﺪاء — وﻫﻲ أﺣﺴﻦ اﻟﻄﺮق َ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ إﱃ اﻟﻄﺎﺋﻒ ﻳُﺮﻛﻀﻪ ﻣﻞء ﻓﺮوﺟﻪ ،وﺳﻠﻚ
َ
وﺗﺘﺸﻮﱠف ،ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﺳﻠﻴﻤﺔ، وأﻗﺮﺑﻬﺎ — ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ إﱃ اﻟﺜﺮﻳﺎ ،وﻗﺪ ﺗﻮﻗﻌﺘﻪ وﻫﻲ ﺗﺘﺸﻮق ﻟﻪ
وﻣﻌﻬﺎ أﺧﺘﺎﻫﺎ رﺿﻴﺎ وأم ﻋﺜﻤﺎن ،ﻓﺄﺧﱪﻫﺎ اﻟﺨﱪ ،ﻓﻀﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :وﷲ أﻧﺎ أﻣﺮﺗﻬﻢ ﻷﺧﺘﱪَ
ﻣﺎ ﱄ ﻋﻨﺪك ﰲ ذﻟﻚ! ﻓﻘﺎل ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ:
أن ﻳ ﺘ َﻜ ﱠﻠ ﻤ ﺎ
وﺑ ﻴﱠ ﻦ ﻟ ﻮ ﻳَ ْﺴ ِﻄ ﻴ ُﻊ ْ ﺗﺸ ﱠﻜﻲ اﻟﻜﻤﻴ ُﺖ اﻟﺠﺮيَ ﻟﻤﱠ ﺎ ﺟَ ﻬﺪﺗُﻪ
ﻓ ﻬ ﺎن ﻋ ﻠ ﱠﻲ أن ﺗ ﻜ ﱠﻞ وﺗ ﺴ ﺄﻣ ﺎ إن أ َ ْﻟ َﻖ ﻟ ﻠ ﻌ ﻴ ِﻦ ُﻗ ﱠﺮ ًة
ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻪْ :
وأُوﺻ ﻲ ﺑ ﻪ أن ﻻ ﻳُ ﻬ ﺎن وﻳُ ﻜ ﺮﻣ ﺎ ﻟ ﺬﻟ ﻚ أُدﻧ ﻲ دون ﺧ ﻴ ٍﻞ رﺑ ﺎﻃ ﻪ
إن اﻟ ﻠ ُﻪ ﺳ ﱠﻠ ﻤ ﺎ َ ﻋﺪﻣﺖ إذن و َْﻓﺮي وﻓﺎرﻗﺖ ﻣﻬﺠﺘﻲ
ﻟ ﺌ ﻦ ﻟ ﻢ أﻗِ ْﻞ ﻗ ﺮﻧ ً ﺎ ِ
َ
ﻣﺴﻠﻤﺔ :أﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﺮﻳﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻒ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻦ ُ
ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺑ ُﻦ إﺑﺮاﻫﻴ َﻢ أﻳﻮبَ َ وﺳﺄل
رﺑﻴﻌﺔ؟ ﻓﻘﺎل :وﻓﻮق اﻟﺼﻔﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ وﷲ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ:
201
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺑﻠﻐﺖ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺜﺮﻳﺎ — ﺑ ﱠﻠﻐﺘﻬﺎ إﻳﺎﻫﺎ أم ﻧﻮﻓﻞ — ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﻪ ﻟﻮﻗﺎحٌ ﺻﻨﻊ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ،
ﻠﻤﺖ ﻟﻪ ﻷرد ﱠﱠن ﻣﻦ ﺷﺄْوه ،وﻷﺛﻨ ﱠ
ني ﻣﻦ ﻋِ ﻨﺎﻧﻪ ،وﻷﻋﺮﻓﻨﱠﻪ ﻧﻔﺴﻪ .وﻫﺠﺮت ﻋﻤ َﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ وﻟﱧ َﺳ ُ
ﻫﺠﺮﺗﻪ ﻗﺎل ﰲ ذﻟﻚ:
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﺑﻦ ﻋﺘﻴﻖ ﻗﻮﻟﻪ» :ﻣﻦ رﺳﻮﱄ إﱃ اﻟﺜﺮﻳﺎ ﻓﺈﻧﻲ «.ﻗﺎل :إﻳﺎي أراد ،وﺑﻲ ﻧﻮﱠه،
ﺻﻠِﺢُ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ وﻧﻬَ ﺾ .ﻗﺎل ﺑﻼل ﻣﻮﱃ اﺑﻦ أﺑﻲ أﻛﻼ ﺣﺘﻰ أﺷﺨﺺ ﻓﺄ ُ ْ
ﻻ ﺟﺮم وﷲ ﻻ أذوق ً
أﺑﻖ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻚ؛ ﻓﺈن ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﻟﻴﺲ ﻋﺘﻴﻖ :ﻓﺮﻛﺐ ورﻛﺒﺖ ﻣﻌﻪ ،ﻓﺴﺎر ﺳريًا ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﻘﻠﺖِ :
ﻳﻔﻮﺗﻚ ،ﻓﻘﺎل :وﻳﺤﻚ!
ﻟﻴﻼ ﻏري ﻣﺤﺮﻣني، وﻣﺎ ﺣﻼوة اﻟﺪﻧﻴﺎ إن ﺗﻢ اﻟﺼﺪع ﺑني ﻋﻤﺮ واﻟﺜﺮﻳﺎ! ﻓﻘﺪﻣﺎ ﻣﻜﺔ ً
ﻓﺪق ﻋﲆ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﺑﻪ ،ﻓﺨﺮج إﻟﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ وﻟﻢ ﻳﻨﺰل ﻋﻦ راﺣﻠﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ارﻛﺐْ أُﺻﻠِﺢ
ﺑﻴﻨﻚ وﺑني اﻟﺜﺮﻳﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ رﺳﻮﻟﻚ اﻟﺬي ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻨﻪ ،ﻓﺮﻛﺐ ﻣﻌﻪ وﻗﺪﻣﻮا اﻟﻄﺎﺋﻒ ،وﻗﺪ ﻛﺎن
ﻋﻤﺮ أرﴇ أم ﻧﻮﻓﻞ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﻪ اﻟﺤﻴﻞ ﻹﺻﻼﺣﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ
ً
ﻣﻌﱰﻓﺎ ﻟﻚ ﺑﺬﻧﺐ ﻟﻢ ﻳَﺠْ ﻨِﻪ ﻟﻠﺜﺮﻳﺎ :ﻫﺬا ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﺟﺸﻤﻨﻲ املﺴري ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ إﻟﻴﻚ ،ﻓﺠﺌﺘﻚ ﺑﻪ
ﻣﻌﺘﺬ ًرا ﻣﻦ إﺳﺎءﺗﻪ إﻟﻴﻚ ،ﻓﺪﻋﻴﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺪاد واﻟﱰداد؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮن
ﻣﺎ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮن .ﻓﺼﺎﻟﺤﺘﻪ أﺣﺴﻦ ﺻﻠﺢ وأﺗﻤﻪ وأﺟﻤﻠﻪ ،ورﺟﻌﻮا إﱃ ﻣﻜﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺰﻟﻬﺎ اﺑﻦ
أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ ﺣﺘﻰ رﺣﻞ ،وزاد ﻋﻤﺮ ﰲ أﺑﻴﺎﺗﻪ ﻓﻘﺎل:
ﻣ ﻬ ﺠ ﺘ ﻲ ﻣ ﺎ ﻟ ﻘ ﺎﺗ ﻠ ﻲ ﻣ ﻦ ﻣ ﺘ ﺎب أرﻫ ﻘ ﺖ أم ﻧ ﻮﻓ ﻞ إذ دﻋ ﺘ ﻬ ﺎ
ﻣﻦ دﻋﺎﻧﻲ؟ ﻗﺎﻟﺖ أﺑﻮ اﻟﺨﻄﺎب ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أﺟﻴﺒﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
202
ﺣﺮف اﻟﺜﺎء
وﻛﺎﻧﺖ أم ﻧﻮﻓﻞ دﻋﺘﻬﺎ ﻻﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ ،وﻟﻮ دﻋﺘﻬﺎ ﻟﻌﻤﺮ ﻣﺎ أﺟﺎﺑﺖ.
وأﺗﻰ ﻋﻤﺮ اﻟﺜﺮﻳﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻣﻌﻪ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻪ ﻛﺎن ﻳﺼﺎﺣﺒﻪ وﻳﺘﻮﺻﻞ ﺑﺬﻛﺮه ﰲ اﻟﺸﻌﺮ،
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺸﻔﺖ اﻟﺜﺮﻳﺎ اﻟﺴﱰ وأرادت اﻟﺨﺮوج إﻟﻴﻪ رأت ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﺮﺟﻌﺖ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إﻧﻪ ﻟﻴﺲ
ﻣﻤﻦ أﺣﺘﺸﻤﻪ وﻻ أﺧﻔﻲ ﻋﻨﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ،واﺳﺘﻠﻘﻰ ﻓﻀﺤﻚ — وﻛﺎن اﻟﻨﺴﺎء إذ ذاك ﻳﺘﺨﺘﻤﻦ
ﰲ أﺻﺎﺑﻌﻬﻦ اﻟﻌﴩة — ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﻓﴬﺑﺘﻪ ﺑﻈﺎﻫﺮ ﻛﻔﻬﺎ ،ﻓﺄﺻﺎﺑﺖ اﻟﺨﻮاﺗﻢ ﺛﻨﻴﺘﻴﻪ
َني وﻛﺎدت أن ﺗﻘﻠﻌﻬﻤﺎ ،ﻓﻌﺎﻟﺠﻬﻤﺎ ﻓﺸﻔﻴﺘﺎ واﺳﻮدﱠﺗﺎ ،وﻛﺎن ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﻤﺎ ،وﻳﻌﺪﱡه أﺛ ًﺮااﻟﻌُ ْﻠﻴَﻴ ْ ِ
ﻋﺰﻳ ًﺰا ﻋﻨﺪه.
وواﻋﺪت اﻟﺜﺮﻳﺎ ﻋﻤﺮ أن ﺗﺰوره ،ﻓﺠﺎءت ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ذﻛﺮﺗﻪ ،ﻓﺼﺎدﻓﺖ أﺧﺎه اﻟﺤﺎرث
ﻗﺪ ﻃﺮﻗﻪ وأﻗﺎم ﻋﻨﺪه ،ووﺟﱠ ﻪ ﺑﻪ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ وﻧﺎم ﻣﻜﺎﻧﻪ وﻏﻄﻰ وﺟﻬﻪ ﺑﺜﻮب ،ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻌﺮ
ﻓﻠﺴﺖ ﺑﺎﻟﻔﺎﺳﻖ. ُ إﻻ ﺑﺎﻟﺜﺮﻳﺎ ﻗﺪ أﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺗُﻘﺒﱢﻠﻪ ،ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ وﺟﻌﻞ ﻳﻘﻮل :اﻋﺰﺑﻲ ﻋﻨﻲ؛
أﺧﺰاﻛﻤﺎ ﷲ .ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ اﻧﴫﻓﺖ ،ورﺟﻊ ﻋﻤﺮ ﻓﺄﺧﱪه اﻟﺤﺎرث ﺑﺨﱪﻫﺎ ،ﻓﺎﻏﺘ ﱠﻢ ملﺎ
ﻓﺎﺗﻪ ﻣﻨﻬﺎ وﻗﺎل :أﻣﺎ وﷲ ﻻ ﺗﻤﺴﻚ اﻟﻨﺎر أﺑﺪًا وﻗﺪ أﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ! ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺎرث :ﻋﻠﻴﻚ
وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻌﻨﺔ ﷲ.
وﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﻣﺮوان ،وﻛﺎن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ أﺧﺮﺟﻪ ﻣﺴﻌﺪة
أﻣﺮ ﻋ َﺮض ﻟﻪ ،وﺗﺰوﺟﺖ اﻟﺜﺮﻳﺎ وﻫﻮ ﻏﺎﺋﺐ ،ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻊ وﺟﺪﻫﺎ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ — واﱄ اﻟﻴﻤﻦ — ﰲ ٍ
ﻧﻘﻠﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم إﱃ اﻟﺸﺎم ،ﻓﺄﺗﻰ املﻨﺰل اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ وﺳﺄل ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺄُﺧﱪ أﻧﻬﺎ رﺣﻠﺖ
ﻣﻦ ﻳﻮﻣﺌﺬٍ ،ﻓﺨﺮج ﰲ أﺛﺮﻫﺎ ﻓﻠﺤﻘﻬﺎ ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺘني — وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﻬﺎﺟﺮﺗﻪ ﻷﻣﺮ أﻧﻜﺮﺗﻪ
ﻋﻠﻴﻪ — ﻓﻠﻤﺎ أدرﻛﻬﻢ ﻧﺰل ﻋﻦ ﻓﺮﺳﻪ ودﻓﻌﻪ إﱃ ﻏﻼﻣﻪ ،وﻣﴙ ﻣﺘﻨﻜ ًﺮا ﺣﺘﻰ ﻣ ﱠﺮ ﺑﺎﻟﺨﻴﻤﺔ،
ﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺳﺄﻟﺘﻪ ﻓﻌﺮﻓﺘﻪ اﻟﺜﺮﻳﺎ وأﺛﺒﺘﺖ ﺣﺮﻛﺘﻪ وﻣﺸﻴﺘﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﺤﺎﺿﻨﺘﻬﺎ :ﻛ ﱢﻠﻤﻴﻪ .ﻓﺴ ﱠﻠ ْ
ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻪ ،وﻋﺎﺗﺒﺘﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺜﺮﻳﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻓﺎﻋﺘﺬر وﺑﻜﻰ ،ﻓﺒﻜﺖ اﻟﺜﺮﻳﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻴﺲ ﻫﺬا
ً
ﻃﻮﻳﻼ ،وﻗﺎم وﻗﺖ اﻟﻌﺘﺎب ﻣﻊ وﺷﻚ اﻟﺮﺣﻴﻞ ،ﻓﺤﺎدﺛﻬﺎ إﱃ ﻃﻠﻮع اﻟﻔﺠﺮ ،ﺛﻢ ودﱠﻋﻬﺎ وﺑﻜﻴﺎ
ﻓﺮﻛﺐ ﻓﺮﺳﻪ ووﻗﻒ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ وﻫﻢ ﻳﺮﺣﻠﻮن ،ﺛﻢ أﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﴫه ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺑﻮا ،وأﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
ﻋ ﻦ ﺣ ﺎل ﻣ ﻦ ﺣ ﻠ ﻪ ﺑ ﺎﻷﻣ ﺲ ﻣ ﺎ ﻓ ﻌ ﻼ ﻳ ﺎ ﺻ ﺎﺣ ﺒ ﻲ ﻗ ﻔ ﺎ ﻧ ﺴ ﺘ ﺨ ﺒ ﺮ اﻟ ﻄ ﻠ ﻼ
إن اﻟ ﺨ ﻠ ﻴ ﻂ أﺟ ﺪوا اﻟ ﺒ ﻴ ﻦ ﻓ ﺎﺣ ﺘ ﻤ ﻼ ﻓ ﻘ ﺎل ﺑ ﺎﻷﻣ ﺲ ﻟ ﻤ ﺎ أن وﻗ ﻔ ﺖ ﺑ ﻪ:
ﻓﻲ اﻟﻔﺠﺮ ﻳﺤﺘﺚ ﺣﺎدي ﻋﻴﺴﻬﻢ رﺣﻼ وﺧ ﺎدﻋ ﺘ ﻚ اﻟ ﻨ ﻮى ﻟ ﻤ ﺎ رأﻳ ﺘ ﻬ ﻢ
203
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫ ﻮاﺗ ﻒ اﻟ ﺒ ﻴ ﻦ واﺳ ﺘ ﻮﻟ ﺖ ﺑ ﻬ ﻢ أﺻ ﻼ ﻟ ﻤ ﺎ وﻗ ﻔ ﻨ ﺎ ﻧ ﺤ ﻴ ﻴ ﻬ ﻢ وﻗ ﺪ ﺻ ﺮﺧ ﺖ
ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﻪ ﻟ ﻮﻣ ﻴ ﻪ ﻓ ﻲ ﺑ ﻌ ﺾ اﻟ ﺬي ﻓ ﻌ ﻼ ﺻ ﺪﱠت ﺑ ﻌ ﺎدًا وﻗ ﺎﻟ ﺖ ﻟ ﻠ ﺘ ﻲ ﻣ ﻌ ﻬ ﺎ
ﻣ ﺎذا ﻳ ﻘ ﻮل وﻻ ﺗ ﻌ ﻴ ﻲ ﺑ ﻪ ﺟ ﺪﻻ وﺣ ﺪﱢﺛ ﻴ ﻪ ﺑ ﻤ ﺎ ﺣُ ﺪﱢﺛ ﺖ واﺳ ﺘ ﻤ ﻌ ﻲ
ﻓ ﻴ ﻨ ﺎ ﻟ ﺪﻳ ﻪ إﻟ ﻴ ﻨ ﺎ ﻛ ﻠ ﻪ ﻧ ﻘ ﻼ ﺣ ﺘ ﻰ ﺗ ﺮي أن ﻣ ﺎ ﻗ ﺎل اﻟ ﻮﺷ ﺎة ﻟ ﻪ
ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺘﺒﺔ أن ﺗﺨﻄﺊ اﻟﺮﺟﻼ وﻋ ﱢﺮﻓ ﻴ ﻪ ﺑ ﻪ ﻛ ﺎﻟ ﻬ ﺰل واﺣ ﺘ ﻔ ﻈ ﻲ
وإن أﺗ ﻰ اﻟ ﺬﻧ ﺐ ﻣ ﻤ ﻦ ﻳ ﻜ ﺮه اﻟ ﻌ ﺬﻻ ﻓ ﺈن ﻋ ﻬ ﺪي ﺑ ﻪ ،واﻟ ﻠ ﻪ ﻳ ﺤ ﻔ ﻈ ﻪ
ﻣ ﺎ آب ﻣ ﻌ ﺘ ﺎﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﻋ ﻨ ﺪﻧ ﺎ ﺟ ﺬﻻ ﻟ ﻮ ﻋ ﻨ ﺪﻧ ﺎ اﻋ ﺘ ﻴ ﺐ أو ﻧ ﻴ ﻠ ﺖ ﻧ ﻘ ﻴ ﺼ ﺘ ﻪ
وﻟﻴﺲ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ذي اﻟﻠﺐ ﻣﻦ ﻫﺰﻻ ﻗﻠﺖ اﺳﻤﻌﻲ ﻓﻠﻘﺪ أﺑﻠﻐﺖ ﻓﻲ ﻟﻄﻒ
وﻗ ﺪ أرى أﻧ ﻬ ﺎ ﻟ ﻦ ﺗ ﻌ ﺪم اﻟ ﻌ ﻠ ﻼ ﻫ ﺬا أرادت ﺑ ﻪ ﺑ ﺨ ًﻼ ﻷﻋ ﺬرﻫ ﺎ
وﻻ اﻟ ﻔ ﺆاد ﻓ ﺆادًا ﻏ ﻴ ﺮ أن ﻋ ﻘ ﻼ ﻣ ﺎ ﺳ ﻤ ﻲ اﻟ ﻘ ﻠ ﺐ إﻻ ﻣ ﻦ ﺗ ﻘ ﻠ ﺒ ﻪ
ﻓ ﻤ ﺎ ﻋ ﺘ ﺒ ﺖ ﺑ ﻪ إذ ﺟ ﺎءﻧ ﻲ ﺗ ﺒ ﻼ أﻣ ﺎ اﻟ ﺤ ﺪﻳ ﺚ اﻟ ﺬي ﻗ ﺎﻟ ﺖ أﺗ ﻴ ﺖ ﺑ ﻪ
ﻣ ﻘ ﺎﻟ ﺔ اﻟ ﻜ ﺎﺷ ﺢ اﻟ ﻮاﺷ ﻲ إذا ﻣ ﺤ ﻼ ﻣ ﺎ إن أﻃ ﻌ ﺖ ﺑ ﻬ ﺎ ﺑ ﺎﻟ ﻐ ﻴ ﺐ ﻗ ﺪ ﻋ ﻠ ﻤ ﺖ
وﻗ ﺪ ﻳ ﺮى أﻧ ﻪ ﻗ ﺪ ﻏ ﱠﺮﻧ ﻲ زﻟ ﻼ إﻧ ﻲ ﻷرﺟ ﻌ ﻪ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ ﺑ ﺴ ﺨ ﻄ ﺘ ﻪ
204
ﺣﺮف اﻟﺜﺎء
ﱠ
وﺣﺴﻨﻪ ،وﺑﻌﺚ ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأﺗﻪ ﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﺷﺪﻳﺪًا ﺛﻢ وﻛﺘﺒﻪ ﰲ ﻗﻮﻫﻴﺔ وﺷﻨﱠﻔﻪ
ﺗﻤﺜﻠﺖ:
أﻣ ﺪ ﺑ ﻜ ﺎﻓ ﻮر وﻣ ﺴ ﻚ وﻋ ﻨ ﺒ ﺮ أﺗ ﺎﻧ ﻲ ﻛ ﺘ ﺎب ﻟ ﻢ ﻳ ﺮ اﻟ ﻨ ﺎس ﻣ ﺜ ﻠ ﻪ
ﺎف وﺟﻮﻫﺮ ﺑﻌﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﻴﺎﻗﻮت ﺻ ٍ وﻗ ﺮﻃ ﺎﺳ ﺔ ﻗ ﻮﻫ ﻴ ﺔ ورﺑ ﺎﻃ ﺔ
ﻟﻘﺪ ﻃﺎل ﺗﻬﻴﺎﻣﻲ ﺑﻜﻢ وﺗﺬﻛﺮي وﻓ ﻲ ﺻ ﺪره ﻣ ﻨ ﻲ إﻟ ﻴ ﻚ ﺗ ﺤ ﻴ ﺔ
ﺻﺐﱟ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن ﻣﺴﻌﺮ إﻟﻰ ﻫﺎﺋ ٍﻢ َ وﻋ ﻨ ﻮاﻧ ﻪ ﻣ ﻦ ﻣ ﺴ ﺘ ﻬ ﺎم ﻓ ﺆاده
وملﺎ ﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ ﺳﻬﻴﻞ ﺧﺮﺟﺖ إﱃ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ،وﻫﻮ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ ،ﰲ ﻗﻀﺎء
دﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻨﺪ أم اﻟﺒﻨني ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﻣﺮوان إذ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ
ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ ﻫﺬه؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﻟﺜﺮﻳﺎ ﺟﺎءﺗﻨﻲ أﻃﻠﺐ إﻟﻴﻚ ﻗﻀﺎء دﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺣﻮاﺋﺞ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄﻗﺒﻞ
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻓﻘﺎل :أﺗﺮوﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﺷﻴﺌًﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻳﺮﺣﻤﻪ ﷲ
ً
ﻋﻔﻴﻔﺎ ،أروي ﻗﻮﻟﻪ: ﻛﺎن
ـ ﻦ رﺟ ﻊ اﻟ ﺴ ﻼم أو ﻟ ﻮ أﺟ ﺎﺑ ﺎ ﻣ ﺎ ﻋ ﻠ ﻰ اﻟﺮﺳ ﻢ ﺑ ﺎﻟ ﺒ ﻠ ﻴ ﻴ ﻦ ﻟ ﻮ ﺑﻴ ـ
ﺋ ﻒ أﻣ ﺴ ﻰ ﻣ ﻦ اﻷﻧ ﻴ ﺲ ﻳ ﺒ ﺎﺑ ﺎ ﻓ ﺈﻟ ﻰ ﻗ ﺼ ﺮ ذي اﻟ ﻌ ﺸ ﻴ ﺮة ﻓ ﺎﻟ ﻄ ﺎ
ـﺪﻫﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻤﺎت أﻧﺴﻰ اﻟﺮﺑﺎﺑﺎ إذ ﻓﺆادي ﻳﻬﻮى اﻟﺮﺑﺎب وإﻧﻲ اﻟـ
ﻇ ﺎﻫ ﺮي اﻟ ﻌ ﻴ ﺶ ﻧ ﻌ ﻤ ﺔ وﺷ ﺒ ﺎﺑ ﺎ وﺑ ﻤ ﺎ ﻗ ﺪ أرى ﺑ ﻪ ﺣ ﻲ ﺻ ﺪق
ﺣ ﺎﻓ ﻈ ﺎت ﻋ ﻨ ﺪ اﻟ ﻬ ﻮى اﻷﺣ ﺴ ﺎﺑ ﺎ وﺣ ﺴ ﺎﻧ ً ﺎ ﺟ ﻮارﻳً ﺎ ﺧ ﻔ ﺮات
ـ ﺒ ﻌ ﻦ ﻳ ﺒ ﻐ ﻴ ﻦ ﺑ ﺎﻟ ﺒ ﻬ ﺎم اﻟ ﻈ ﺮاﺑ ﺎ ﻻ ﻳ ﻜ ﺜ ﺮن ﻓ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪﻳ ﺚ وﻻ ﻳ ﺘ ـ
ْ
واﻧﴫﻓﺖ ﺑﻤﺎ أرادت ،ﻓﻠﻤﺎ ﺧﻼ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﺄم اﻟﺒﻨني ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :هلل د ﱡر ﻓﻘﴣ ﺣﻮاﺋﺠﻬﺎ
اﻟﺜﺮﻳﺎ ،أﺗﺪرﻳﻦ ﻣﺎ أرادت ﺑﺈﻧﺸﺎدﻫﺎ ﻣﺎ أﻧﺸﺪﺗﻨﻲ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﻋﻤﺮ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ،ﻗﺎل :إﻧﻲ ملﺎ
ﻋ ﱠﺮ ُ
ﺿﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﻪ ﻋ ﱠﺮﺿﺖ ﱄ ﺑﺄن أﻣﻲ أﻋﺮاﺑﻴﺔ ،وأم اﻟﻮﻟﻴﺪ وﺳﻠﻴﻤﺎن وﻻدة ﺑﻨﺖ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ
ﺟﺰي ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ زﻫري ﺑﻦ ﺟﺬﻳﻤﺔ اﻟﻌﺒﴘ .ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎﺗﺖ اﻟﺜﺮﻳﺎ أﺗﻰ اﻟﻐﺮﻳﺾ املﻐﻨﻲ
205
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﱃ ﻛﺜري ﺑﻦ ﻛﺜري اﻟﺴﻬﻤﻲ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻗ ْﻞ أﺑﻴﺎت ﺷﻌﺮ أﻧُﺢْ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺜﺮﻳﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﻫﺬﻳﻦ
اﻟﺒﻴﺘني:
أﻣ ﻦ رﻣ ﺪ ﺑ ﻜ ﻴ ﺖ ﻓ ﺘ ﻜ ﺤ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ أﻻ ﻳ ﺎ ﻋ ﻴ ﻦ ﻣ ﺎ ﻟ ﻚ ﺗ ﺪﻣ ﻌ ﻴ ﻨ ﺎ
ﻓﺸﺠﻮك ﻣﺜﻠﻪ أﺑﻜﻰ اﻟﻌﻴﻮﻧﺎ؟ أ َ َم اﻧ ْ ِﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﺗﺒﻜﻴﻦ َﺷﺠﻮًا
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ »أﻛﺎﺳﻴﻮس« اﻟﻘﱪﴆ ،ﺣﺎرس اﻷدﺑﺎب ﰲ املﻠﻌﺐ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت أﺑﻮﻫﺎ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻊ
ﻓﻘﺮ ﻳُﺮﺛﻰ ﻟﻬﺎ ،وﺟﻤﻴﻌﻬﻦ ﺻﻐريات ﰲ اﻟﺴﻦ أﺧﺘﻴﻬﺎ »ﻛﻮﻣﻴﺘﻮ« و»أﻧﺴﻄﺎﺳﻴﺎ« ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ٍ
ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز ﻋﻤﺮ اﻟﻜﱪى ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺛﻴﻮدورا« ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺣﺴﻨﺎء ﻓﻘرية ،ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪ
ﺳﺒﻴﻼ ﻟﻠﻜﺴﺐ إﻻ اﻻﻧﺨﺮاط ﰲ ﺳﻠﻚ املﻤﺜﻼت ،ﻓﺄﻋﺠﺒﺖ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﻬﺎرﺗﻬﺎ ،واﺗﺨﺬت ﺧﻼﻧًﺎ ً
وﺑﺪﱠﻟﺖ أﺣﺒﺔ ﻟﺘﻌﻴﺶ ﰲ راﺣﺔ وﻫﻨﺎء.
ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺑﻼد »ﺑﺎﻓﻼﻏﻮﻧﻴﺎ« ،ﻓﺤﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺼري اﻣﺮأة ﻣﻠﻚ ﻗﻮي ،ﻓﻌﺎدت
إﱃ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻣﴪﻋﺔ وﺗﺎﺑﺖ ،واﺗﺨﺬت ﻟﻬﺎ ﺑﻴﺘًﺎ ﻋﺎﺷﺖ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﱪ واﻟﻄﻬﺎرة واﻟﺘﻘﻮى،
ﺗﺸﺘﻐﻞ اﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر ﺑﺄﺷﻐﺎل ﻳﺪوﻳﺔ؛ ﻟﺘﻌﻴﺶ وﺗﺴﺎﻋﺪ املﺴﺎﻛني ،ﻓﻌﻠﻢ ﺑﻬﺎ »ﺑﻮﺳﺘﻴﻨﺎن«
وﻧﻈﺮﻫﺎ ،ﻓﺘﻴﱠﻤﻪ ﻫﻮاﻫﺎ وﺷﻐﻔﻪ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺒﺎﻫﺮ ،وأﻋﺠﺒﻪ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ وﻋﻔﺘﻬﺎ ،ﻓﺎﻗﱰن ﺑﻬﺎ ﻋﲆ
رﻏﻢ ﻣﻀﺎدة أﻣﻪ وﻧﺴﺒﺎﺋﻪ واﻟﴩاﺋﻊ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻈﺮ ﻋﲆ اﻟﴩﻳﻒ أن ﻳﻘﱰن ﺑﻌﺒﻴﺪه،
أو ﻣﻤﺜﻠﺔ ،أو ﻏﺮﻳﺒﺔ ،وأﻏﺮى ﻋﻤﻪ »ﺑﺴﺘني« ﻋﲆ إﺻﺪار أﻣﺮ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻳﺒﻄﻠﻪ ،وﻳﻔﺘﺢ
ﺳﺒﻴﻼ ﻟﺘﻮﺑﺔ ﺑﻨﺎت اﻟﻬﻮى ،وأﻣﻠﻬﻦ ﺑﺎﻻرﺗﻘﺎء إﱃ أﻋﲆ اﻟﺪرﺟﺎت وذروة املﺠﺪ واﻟﻔﺨﺎر.ً
وملﺎ ﺗﻮﱃ »ﺑﻮﺳﺘﻴﻨﺎن« اﻟﻌﺮش ﺷﺎرك اﻣﺮأﺗﻪ ﺑﺎملﻠﻚ ،وأﺟﻠﺴﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﺮﺷﻪ ،ووﺿﻊ
اﻟﺘﺎج اﻟﻘﻴﴫي ﻋﲆ ﻫﺎﻣﺘﻪ وﻫﺎﻣﺔ »ﺛﻴﻮدورا« املﻤﺜﻠﺔ ﺑﻨﺖ »أﻛﺎﺳﻴﻮس« ﺣﺎرس اﻷدﺑﺎب.
وﻟﻢ ﺗﻨﺞ ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﺑﺘﻮﺑﺘﻬﺎ ﻣﻦ َﻫﺠْ ﻮ اﻟﻌﺎملني ،ﻓﺮﺷﻘﺘﻬﺎ أﻟﺴﻨﺔ املﺒﻐﻀني املﻀﺎدﻳﻦ ﺑﺴﻬﺎم
أوان ،ﻓﻬﺠﺮت ﻟﺬﻟﻚ
اﻻﺣﺘﻘﺎر واﻟﺘﻨﺪﻳﺪ ،وﺟﻬﺪوا ﰲ ﺗﺬﻛريﻫﺎ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ اﻷوﱃ وﻧﻜﺎﻳﺘﻬﺎ ﺑﻜﻞ ٍ
ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ،وﻋﺎﺷﺖ ﺑﻘﺼﻮرﻫﺎ وﺟﻨﺎﻧﻬﺎ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﲆ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﻮﺳﻔﻮر ،واﻋﺘﺰﻟﺖ
ً
ﻣﺮﻳﻀﺎ ،ﻓﺒﺬﻟﺖ ﺟﻬﺪﻫﺎ اﻟﻨﺎس ،واﻧﺘﻘﻤﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ،وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﰲ اﺑﺘﺪاء ﻣﻠﻜﻬﺎ
ﰲ ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال ﻟﻴﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻬﺎ ﻋﺰﻳﺰة ﺑﻌﺪه ﻣﻜﺮﻣﺔ.
206
ﺣﺮف اﻟﺜﺎء
أﻋﻤﺎﻻ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﱪورةً واﻟﺤﻖ ﻳﻘﺎل :إن »ﺛﻴﻮدورا« ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ذﻛﻴﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ أﺗﺖ
ﻣﺸﻜﻮرة ،وﺳﺎﻋﺪت زوﺟﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أﺷﺪ املﺴﺎﻋﺪة ﺑﺂراﺋﻬﺎ وﺣﻜﻤﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﻌﺐ
اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ أﺑﻐﻀﻬﺎ ﻻﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﺬﻫﺐ »أﻓﺘﻴﺲ« وﻣﻀﺎدﺗﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ.
وﰲ ﺣﺰﻳﺮان ﺳﻨﺔ ٥٤٨م ﻣﺎﺗﺖ ﺑﻌﻠﺔ ردﻳﺌﺔ ﻛﺴﺖ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﺑﺜﻮ ًرا ،ﻓﺘﻜﻮن ﻣﺪة ﻣﻠﻜﻬﺎ
٢٢ﺳﻨﺔ.
وﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺴﺪﻳﺪة ﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ وﻗﺖ اﻟﺜﻮرة املﺸﻬﻮرة اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﰲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ
ﰲ أﻳﺎم ﻣﻠﻚ »ﺑﻮﺳﺘﻴﻨﺎن« ،وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ املﻠﻚ واﻟﻮزراء واﻟﻌﻈﻤﺎء ﺣﺎﺋﺮﻳﻦ ﻣﻀﻄﺮﺑني ﻳﺮﺟﻮن
ﺧﻼﺻﺎ ،ﻓﻨﻬﻀﺖ املﻠﻜﺔ »ﺛﻴﻮدورا« وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻨﻲ أﺣﺘﻘﺮ اﻟﻔﺮار إﻻ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ً ﺑﺎﻟﻬﺮب
واﻟﺴﻼم ،ﻓﺈﱃ املﻮت ﻣﺼري اﻹﻧﺴﺎن ،وﺣﻴﺎة اﻷﻣﺮاء املﺎﻟﻜني ﻛﺎﻟﻌﺪم ﺑﻌﺪ ﻓﻘﺪﻫﻢ اﻟﻌﺰ
واملﻠﻚ ،ﻓﺄﻃﻠﺐ إﱃ ﷲ أن ﻻ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﻳﻮﻣً ﺎ واﺣﺪًا ﻋﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎج وأدوات اﻟﺰﻳﻨﺔ املﻠﻜﻴﺔ،
ﺑﻞ ﻳﻤﻴﺘﻨﻲ ﻗﺒﻞ ﺧﻠﻌﻲ وﺳﻘﻮﻃﻲ ﻋﻦ ﻣﻨﺼﺔ اﻟﻔﺨﺮ واملﺠﺪ .وإذا اﻋﺘﻤﺪت أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ﻋﲆ
اﻟﻬﺮب ،ﻓﺠﻤﻴﻊ وﺳﺎﺋﻠﻪ ﻣﻴﺴﻮرة ﻟﻚ :ﻓﻬﺬه ﺧﺰاﺋﻨﻚ ﻣﻸى ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ واﻟﺠﻮاﻫﺮ ،وﻫﺬا اﻟﺒﺤﺮ
ﻒ ﻣﻦ ﻳﻮم ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻪ ﻋﻴﺸﺔ دﻧﻴﺌﺔ ﻣ َ
ُﺤﺘﻘﺮة ﰲ املﻨﻔﻰ. ﻣﻐﻄﻰ ﺑﺎﻟﺴﻔﻦ املﻮاﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ َﺧ ْ
أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻨﺎﻫﺠﺔ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﻘﺪﻣﺎء اﻟﻘﺎﺋﻠني :إن اﻟﻌﺮش ﴐﻳﺢ ﻣﺠﺪ .وأﺣﻴﺖ ﻫﺬه املﺮأة
ﺑﻜﻼﻣﻬﺎ وﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ﺷﺠﺎﻋﺔ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺮﻓﺾ اﻟﻔﺮار ،وﻋﺎد إﱃ اﻟﺘﻔﻜري واﻟﺘﺪﺑري ،ﻓﺘﻴﴪت ﻟﻪ
وﺳﺎﺋﻞ إﻗﻨﺎع اﻷﻗﻮام ﺑﺨﻄﺌﻬﻢ ،ﻓﺄذﻋﻨﻮا إﻟﻴﻪ ﺧﺎﺿﻌني ،وﺑﺨﻀﻮﻋﻬﻢ ذل اﻵﺧﺮون ،ﻓﺘﻤﻜﻨﺖ
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﻬﺮﻫﻢ ،وراق اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻠﻤﻠﻚ »ﺑﻮﺳﺘﻴﻨﺎن« ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺸﻮرة ﻫﺬه اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ وﺣﺴﻦ
آراﺋﻬﺎ.
207
ﺣﺮف اﳉﻴﻢ
ﺟﺎن دارك
وﺗُﺴﻤﻰ »ﻻﺑﻮﺳﻞ« ،وﺗُﻌﺮف ﺑﺎﻟﺴﻴﺪة »أورﻳﺎن« .ﻫﻲ ﻓﺘﺎة ﻓﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻴﺔ اﻟﺒﴩة،
ﻣﻬﻔﻬﻔﺔ اﻟﻘﻮام ،دﻋﺠﺎء اﻟﻌﻴﻨني ،ذات ﺷﻌﺮ ﻓﺎﺣﻢ ﻣﺴﱰﺳﻞ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ ،ﻳﻠﻮح ﻋﲆ ﻣﺤﻴﺎﻫﺎ
اﻟﺼﺒﻴﺢ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﻠﻄﻒ واﻟﺪﻋﺔ ،وﺗﺒﺪو ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻳﻠﻬﺎ أﻣﺎرات ﻣَ ﻀﺎء اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ ،وﺑُﻌﺪ
اﻟﻬﻤﱠ ﺔ ،وﺛﺒﺎت اﻟﺠﺄش ،وﻟﻄﺎملﺎ اﻣﺘﻄﺖ اﻟﻔﺮس ﻓﺴﺎﺑﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﻏري ﻣﴪج وﻻ ﻣﺸﻜﻮم ِ
ﺑني اﻟﺮﺷﺪ ،وأﻓﻌﺎل داﺋﺮة ﻋﲆ ﻣﺤﻮر اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺟﺮاء ًة وﻓﺮوﺳﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ذات ﻛﻼم ﺑﺎﻟﻎ ﱢ
واﻟﺼﻼح.
راع ﻳﺪﻋﻰ
وﻟﺪت ﰲ »دوﻣﺮﻣﻲ« ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ »ﻟﻮرس« ﺳﻨﺔ ١٤١١ﻟﻠﻤﻴﻼد ،ﻣﻦ ٍ
»ﺟﺎن« ،وﻛﺎن ﻗﺪ رﺑﱠﺎه اﻟﻔﻘﺮ وﻫ ﱠﺬﺑﻪ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﻨﺸﺄت ﻛﺜرية اﻟﻬﻮاﺟﺲ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .وملﺎ ﺑﻠﻐﺖ
اﻟﺨﻤﺲ ﺳﻨﻮات أﺧﺬت ﺗﺮى ﰲ ﻫﺠﻌﺘﻬﺎ رؤﻳﺎ ﻋﻠﻮﻳﺔ ،زاﻋﻤﺔ أن املﻼﺋﻜﺔ واﻷوﻟﻴﺎء ﺗﺘﺠﲆ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻤﻈﻬﺮ ﻧﻮراﻧﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻧﺲ أﺑﻮﻫﺎ ﻣﻨﻬﺎ ذﻟﻚ أراﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻮة واﻟﻌﻨﻒ ﻣﺎ ﺣﺪا ﺑﻬﺎ
إﱃ اﻟﻔﺮار واﻻﻧﻄﻮاء إﱃ أرﻣﻠﺔ ﻣﻦ رﺑﺎت اﻟﻔﻨﺎدق ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﰲ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ زﻣﻨًﺎ ﺗﺒﺬل ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ
اﻹﺧﻼص ﰲ اﻟﺴﻌﻲ ،واﻹﻗﺪام ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ،واﻟﻌﻔﺎف ﰲ املﺴﻠﻚ ﻣﺎ ﺗُﺬﻛﺮ ﺑﻪ ﻓﺘُﺸﻜﺮ ،ﺛﻢ ﻋﺎدت
إﱃ أﺑﻴﻬﺎ زﻣﺎن إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﲆ ﺷﻔﺎ ﺣﻔﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،واﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻳﺬﻳﻘﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮوﺑﻬﻢ
ﴐﻳﻊ اﻟﻮﻳﻞ املﻤﺰوج ﺑﺎﻟﺸﻨﺎر.
وﻛﺎن ﻗﺪ ﻣ ﱠﺮ ﺑﻘﺮﻳﺘﻬﺎ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء ﻓﺎﻛﺘﺴﺤﻮﻫﺎ ،واﺳﺘﺎﻓﻮا أﻣﻮاﻟﻬﺎ ﻓﺎﻗﺘﺴﻤﻮﻫﺎ،
وﺗﺮﻛﻮﻫﺎ ﺧﺎوﻳﺔ ﻋﲆ ﻋﺮوﺷﻬﺎ ﻳﻨﺪﺑﻬﺎ ﻟﺴﺎن اﻟﺨﺮاب ،وﻳﺄوي إﱃ أﻃﻼﻟﻬﺎ اﻟﺒﻮم واﻟﻐﺮاب،
ﻓﺼﺪﱠع ﻓﺆادﻫﺎ اﻟﺸﻔﺎف ذ ﱡل ﻗﻮﻣﻬﺎ وﺑﻮارﻫﻢ واﻧﻜﺴﺎرﻫﻢ ﻟﻠﻌﺪو املﻔﴤ إﱃ دﻣﺎرﻫﻢ،
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻌﺎودﺗﻬﺎ اﻷﺣﻼم واﻟﺮؤﻳﺎ ،وزﻋﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﻣﺄﻣﻮرة ﺑﺎﻹﻟﻬﺎم ﺑﺈﻧﻘﺎذﻫﻢ وﺑﻼدﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻬﻠﻜﺔ
واملﻌﺮة ،واﻧﺘﺸﺎل ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﻮة اﻟﺤﻴﻒ واملﴬة.
وﺑﻌﺪ ﺗﺮددٍ وإﻋﻤﺎل روﻳﺔ ﺳﺎرت إﱃ »ﺷﺎرل« ،ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وذﻟﻚ ﰲ ﺷﻬﺮ ﺷﺒﺎط ﺳﻨﺔ
ﻓﺮﺳﺨﺎ ﰲ أﻗﻄﺎر ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﺪﺑﺎﺑﺔ ً ١٤٢٩ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﻘﻄﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ ١٥٠
اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،وﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎملﻜﺎره واﻷﻫﻮال ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻟﻮزﻳﻦ«؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻴﻢ املﻠﻚ ،ﻓﺘﺰﻳ ْﱠﺖ
ﺑﺰي ﻓﺎرس ،وﻋﻠﺖ ﺟﻮادﻫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻘ ﱠﻠﺪت ﺣﺴﺎﻣً ﺎ ﺑﺘﺎ ًرا ،واﺧﱰﻗﺖ ﺗﻠﻚ املﻬﺎﻣﻪ ﺣﺘﻰ إذا
أﴍﻓﺖ ﻋﲆ ﻣﻘﺮ املﻠﻚ ﺑﻌﺜﺖ ﺗُﻨﺒﱢﺌﻪ ﺑﻘﺪوﻣﻬﺎ ،وﺗُﺨﱪه ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻨﻘﺬة اﻟﻌﺮش ،وراﻓﻌﺔ
اﻟﺤﺼﺎر ﻋﻦ »أوﻟﻴﺎن« ،وأﻧﻬﺎ ﺳﺘُﻤﻬﱢ ﺪ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﺘﻮﻳﺠﻪ ﰲ »رام« ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﺸري ﺑﺬﻟﻚ
اﻟﻨﺒﺄ اﺑﺘﺴﻢ ذَ ْرﻳًﺎ ﻋﻦ ﻗﻠﺐ ﻣﺸﺤﻮن ﺑﺎﻟﻐﻴﻆ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻤﺮ ﻣﻊ وزراﺋﻪ ﰲ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم،
ﻓﻜﺎن ﻓﺮﻳﻖ ﻳﺴﺨﺮ ﻣﻨﻬﺎ وﻳﻀﺤﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻓﺮﻳﻖ ﻳﺬود ﻋﻨﻬﺎ وﻳﺮى إﻟﻘﺎء املﻘﺎﻟﻴﺪ إﻟﻴﻬﺎ،
واملﻠﻚ ﺑني ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺰب ﻻ إﱃ ﻫﺆﻻء وﻻ إﱃ ﻫﺆﻻء ،ﺣﺘﻰ أﺳﻔﺮ اﻟﺮأي ﻋﻦ ﻟﻘﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻠﺒﺲ
املﻠﻚ ﺛﻴﺎب أﺣﺪ أﺗﺒﺎﻋﻪ ،وأﻟﺒﺴﻪ ﺛﻮﺑﻪ املﻠﻜﻲ اﺧﺘﺒﺎ ًرا ﻷﻣﺮﻫﺎ ،ﺛﻢ أذن ﻟﻬﺎ ﻓﺠﺎءت ﺗﺨﱰق
ذرب
ﺻﻔﻮف اﻟﺤﺸﻢ واﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ﺣﺘﻰ وﻗﻔﺖ ﺑﺈزاﺋﻪ ،ﻓﺎﻧﺤﻨﺖ ﺟﺎﺛﻴﺔ ﻟﺪﻳﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻪ :ﺑﻠﺴﺎن ٍ
ﺣﻴﻴﺖ وﺣﺒﻴﺖ أﻳﻬﺎ املﻠﻚ اﻟﺤﻠﻴﻢ؟
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﺧﻄﺄت؛ ﻓﺈن املﻠﻚ ﻫﻮ ذاك ،ﻣﺸريًا إﱃ ﻣﻦ أﻟﺒﺴﻪ ﺛﻮﺑﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ املﻠﻚ إﻻ
أﻧﺖ ،وﻣﺎ أﻧﺖ إﻻ املﻠﻚ ،وإﻧﻲ ملﺄﻣﻮرة أﻧﺎ اﻟﻌﺬراء املﺴﻜﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻷﻣني ﺑﺸﺪ أزرك،
واﻟﺪأب ﻷﺳﺒﺎب ﻧﴫك ،وﻣﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﺳﻮل إﻻ اﻟﺒﻼغ .ﻓﺨﻼ ﺑﻬﺎ املﻠﻚ ﺣﻴﻨًﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ،ﺛﻢ
ﻧﺎﺟﻰ وزراءه ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :ﻟﻘﺪ أﺣﺎﻃﺖ — ﻟﻌﻤﺮ ﷲ — ﺑﻤﺎ ﰲ ﴎاﺋﺮي ،وأدرﻛﺖ ﻣﻤﺎ ﻻ
ﻳﺪرﻛﻪ ﺑﻌﺪ ﷲ إﻻ ﺿﻤﺎﺋﺮي ،وإﻧﻲ ﻻ أﺷﻚ أن أﻛﻮن ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﺛﻘﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺄس ﻣﻦ
اﻟﺘﺄﻧﱢﻲ رﻳﺜﻤﺎ ﺗﻤﺘﺤﻦ.
ﺑﺮﻫﻂ ﻣﻦ ﻣﻬﺮة اﻷﻃﺒﺎء وأﺳﺎﻃني اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺣﺎوﻟﻮا أن ﻳﻔﻘﺮوﻫﺎ ﺑﻤﺴﺎﺋﻞ ٍ ﺛﻢ أﺗﺎﻫﺎ
ﻣﺸﻜﻼت وﻏﻮاﻣﺾ ،ﺣﺘﻰ إذا أﻋﻴﺘﻬﻢ اﻟﺤﻴﻞ وﻋﺎدوا ﺑﺎﻟﺨﻴﺒﺔ واﻟﻔﺸﻞ ﻋﺰزﻫﺎ املﻠﻚ ﺑﻜﺘﻴﺒﺔ
ﻣﻦ ﺧﻮاص ﻓﺮﺳﺎﻧﻪ ،ﻓﱪزت أﻣﺎم اﻟﺠﻴﺶ ﺷﺎﻛﺔ اﻟﺴﻼح ،ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﺑﻴﺪﻫﺎ رﻣﺤً ﺎ وﺑﺎﻷﺧﺮى
راﻳﺔ ،وأﺧﺬت ﺗﻌﺪو ﻋﲆ ﺟﻮادﻫﺎ ﻣﺘﻔﻨﻨﺔ ﰲ أﻧﻮاع اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺳﺤﺮت اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﻓﻬﺘﻔﻮا
ﺗﺮﺣﻴﺒًﺎ ﺑﻬﺎ ،واﺳﺘﺤﺴﺎﻧًﺎ ﻟﻬﺎ ،وﺗﻌﺠﱡ ﺒًﺎ ﻣﻨﻬﺎ.
ﺛﻢ ﺻﺎرت ﺑﺠﻴﺸﻬﺎ ﺗﻨﻬﺐ اﻷرض ﻫﻤﻠﺠﺔ وﺧﺒﺒًﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﰲ »أورﻟﻴﺎن«،
وإذا ﺑﺄرواح اﻟﻘﻮم ﺗﻜﺎد ﺗﺒﻠﻎ اﻟﱰاﻗﻲ ،واﻟﻌﺪو ﻣﺤﻴﻂ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ إﺣﺎﻃﺔ اﻟﻬﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪر ،وأﻫﻠﻬﺎ
ﰲ ﺷﺪة ﻣﻦ ﺿﻴﻖ اﻟﺨﻨﺎق ،ﻓﺄﻣﺮت ﺑﺎدئ ﺑﺪأة ﺑﺘﻄﻬري اﻟﻌﺴﻜﺮ ﻣﻦ ﻋﻮاﻫﺮ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺣﻀﺖ
210
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
211
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﺳﺘﻜﻤﺎل ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ .ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ازدادوا ﺑﻬﺎ اﻋﺘﻘﺎدًا ،وﻋﻠﻘﻮا ﻋﲆ ﺑﺴﺎﻟﺘﻬﺎ
ﻃﻮاﻻ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮون ﺣﻮل راﻳﺘﻬﺎ أرواﺣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاش اﻟﱪاق .ﻓﺴﺎءﻫﺎ ً وإﻗﺪاﻣﻬﺎ ً
آﻣﺎﻻ
اﻣﺘﻨﺎع املﻠﻚ ،وﻋﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻜﺂﺑﺔ واﻟﺤﺰن ،وﻓﺎرﻗﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺮﺷﺪ واﻟﻨﺸﺎط،
وذﻫﺒﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻤﻴﺔ واﻟﺒﺴﺎﻟﺔ ،واﻧﻘﻄﻌﺖ ﻋﻨﻬﺎ أﺣﻼﻣﻬﺎ اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ
أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ رﻫﻴﻨﺔ اﻟﺤرية واﻟﻔﺸﻞ ،وأﻗﻮاﻟﻬﺎ ﻗﺮﻳﻨﺔ اﻟﻮﻫﻢ واﻟﺮﻛﺎك ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺮى أﺑﺪًا ﺣﺎﺋﺮة
اﻟﻨﻔﺲ ،داﺋﻤﺔ اﻟﺒﻜﺎء.
وملﺎ ﻟﻢ ﻳُﺠْ ﺪِﻫﺎ اﻹﻟﺤﺎح ﻧﻔﻌً ﺎ اﺳﺘﻌﺎدت ﻣﻦ ﻣﻌﺒﺪ »رام« ﺳﻼﺣﻬﺎ ،وﺑﺮزت ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ
ﴍﺑﻮا ﺑُﻐﻀﻬﺎ ،وأﺿﻤﺮوا ﻟﻬﺎ زي اﻷﺑﻄﺎل ،ﻏري أن ﻛﱪاء اﻟﻘﺎدة وأﻣﺮاء اﻟﺠﻴﺶ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ أ ُ ْ ِ
اﻟﺤﺴﺪ واﻟﻀﻐﻴﻨﺔ ،ﻓﺼﺎروا ﻳُﺸﻨﱢﻌﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳ ُِﺴﻴﺌﻮن ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ،وﻳُﻐ ُﺮون اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻋﲆ
ﻧﺒﺬ ﻃﺎﻋﺘﻬﺎ ،وﻳ ﱢُﻠﻘﺒﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻷﻟﻘﺎب املﺴﺘﻬﺠﻨﺔ ،وﻳﺘﱠﻬﻤﻮﻧﻬﺎ ﺑﻬﺘﻚ ﺣﺠﺎﺑﻬﺎ ،وﻳﻔﻀﺤﻮﻧﻬﺎ أﻣﺎم
اﻟﻌﻤﻮم ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺮدﻫﻢ أﻗﺒﺢ اﻟﺮد ،وﻻ ﺗﺠﺎﻟﺲ إﻻ ﺣﺮاﺋﺮ اﻟﻨﺴﺎء وﻣﺼﻮﻧﺎت اﻷﺑﻜﺎر ،وﻻ
ﻣﺤﻼ ﻟﻠﻮم واﻟﻘﺬف. ﺗﻨﺎم إﻻ ﻣﻊ اﻣﺮأة ﺗﺨﻔﺮﻫﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ أﺣﺪ ﻓﻴﻬﺎ ٍّ
ﺳﻔﻜﺖ ﺑﻴﺪﻫﺎ د َم أﺣﺪ ،ﺛﻢ أﺷﺎرت ﻋﲆ وﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﺟﺮﺣﺖ ﺟﺮاﺣﺎت ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻛﻮﻧﻬﺎ َ
املﻠﻚ ﺑﺎﻟﺸﺨﻮص إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﻟﻴﺴﺘﺨﻠﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،ﻓﺴﺎر و»ﺟﺎن دارك« ﺳﺎﺋﺮة ﰲ
رﻛﺎﺑﻪ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺑﻠﻐﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺷﻖ اﻷﻧﻔﺲ أﻣﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻬﺠﻮم ﻋﲆ »ﻗﻮﻳﻮرﺳﻨﺖ أوﺗﺮى«؛ ﺣﻴﺚ
ﻳﻘﻴﻢ اﻷﻋﺪاء ،ﻓﺄﺛﺨﻨﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺟﺮاﺣً ﺎ ،وﴏﻋﺖ ﴏﻋﺎت ،وملﺎ اﺳﺘﻌﺎدت رﺷﺪﻫﺎ
ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻌ ﱠﻠﻘﺖ درﻋﻬﺎ وﺳﺄﻟﺖ املﻠﻚ اﻻﻧﴫاف ،ﻓﺄﺑﻰ ووﻋﺪﻫﺎ ﺑﺈﻋﻔﺎء ﻗﺮﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﴬاﺋﺐ،
وﻣﻨﺤﻬﺎ رﺗﺒﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻌﺎودت اﻟﺨﺪﻣﺔ ﻣﺮﻏﻤﺔ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٤٣٠م ،اﻧﺘﺪﺑﻬﺎ املﻠﻚ إﱃ إﺟﻼء اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻋﻦ »ﻛﻮﺑﻴني« ،ﻓﺴﺎرت ﻣﺘﺪرﻋﺔ
ﻓﴫﻋﺖ ﺤﺎﴏﻳﻦ ﺧﺬﻟﻬﺎ أﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻓ ُﺮﻣﻴﺖ ﺑﺴﻬﻢ ُ ﺑﺎﻹﻗﺪام ،ﺑﻴﺪ أﻧﻬﺎ ملﺎ أرادت اﻹﻳﻘﺎع ﺑﺎ ُمل ِ
واﺳﺘﺴﻠﻤﺖ إﱃ اﻷﻣري »ﻓﻨﺪوم« .وذﻟﻚ ﰲ ٢٤أﻳﺎر ﺳﻨﺔ ١٤٣٠م ،ﻓﺬاع ﺧﱪ أﴎﻫﺎ ﰲ
ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻘﺎع ،وأﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎس ﻟﺮؤﻳﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺑﻴﻌﺖ ﻟﻺﻧﻜﻠﻴﺰ ،وﺧﺬﻟﻬﺎ املﻠﻚ »ﺷﺎرل« ﺟﺎﺣﺪًا
أﺻﻞ ،وﺧﺎض اﻟﻨﺎس ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ،وﻛﺎن أﻫﻞ ٍ ﱠ
وﺧﺴﺔ ﺟﻤﻴﻠﻬﺎ ،ﻛﺎﻓ ًﺮا ﻧﻌﻤﺘﻬﺎ ،ﻟﺆﻣً ﺎ ﻣﻨﻪ
ﺑﺎرﻳﺲ ﻳُﺸﺪﱢدون ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﻜري ،وﻳُﻐﺮون اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻋﲆ إﺗﻼﻓﻬﺎ ،ﻓﻠﺒﺜﺖ ﻣﺴﺠﻮﻧﺔ ﰲ ﻗﻠﻌﺔ
»ﺟﺎن دو ﻟﻜﺴﻨﱪغ« ﺣﺘﻰ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮى ﰲ ١٣ﺷﺒﺎط ﺳﻨﺔ ١٤٣١م ،ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳﺔ
ﻓﺴ ْ
ﻴﻘﺖ إﱃ »ﻛﻮﺷﻮن ﻣﱰﻧﻪ ﺑﻮﻓﻪ« — ﻣﻦ ﺻﻨﺎﺋﻊ »ﻫﻨﺮي اﻟﺴﺎدس« ﻋﺎﻣﻞ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ — ِ
َت ﰲ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺛﺒﺎﺗًﺎ ﻋﺠﻴﺒًﺎ ،ودﻓﺎﻋً ﺎ ﻣ ُْﻔﺤﻤً ﺎ ،ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﺣﻜﻤﻮا املﺤﻜﻤﺔ ﺳﺖ ﻋﴩة ﻣﺮة أﺑﺪ ْ
أﺧريًا ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺒﺘﺪﻋﺔ ﺳﺎﺣﺮة ،وﺑﺄن ﺗﺠﺎزى ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ اﻷﺑﺪي ،ﻣﻘﺼﻮ ًرا ُﻗﻮﺗَﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﺒﺰ
212
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
واملﺎء ،ﺛﻢ أرﻏﻤﻮﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﻠﻒ ﺑﺄن ﻻ ﺗﺮﺗﺪي ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﺒﺎس اﻟﺮﺟﺎل ،ﺛﻢ ﻧﺼﺒﻮا ﻟﻬﺎ ﴍ ًﻛﺎ
ﺑﺄن ﺑﺪﱠﻟﻮا ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ً
ﻟﻴﻼ ﺑﺜﻴﺎب رﺟﻞ.
ﻓﻠﻤﺎ أرادت ﺗﺮك ﻓﺮاﺷﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺳﻮى ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻴﺎب ،ﻓﻠﺒﺴﺘﻬﺎ ﻣﻀﻄﺮة ،ﻓﻬﻮﺟﻤﺖ
ﺑﺜﺒﺎت وإﺟﻼل: ٍ وﺳﻴﻘﺖ إﱃ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﺰي ،ﻓﺤﻜﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺣﺎﻧﺜﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻹﺣﺮاق ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
إﻧﻨﻲ أﺳﺘﺄﻧﻒ ﺣﻜﻤﻚ إﱃ ﻋﺮش اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ملﺎ أُﺧﺮﺟﺖ إﱃ ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻮﻗﺪت
اﻟﻨﺎر ﺧﺎرت ﻗﻮاﻫﺎ ،ﻓﺄﻧﱠﺖ ﻣُﺘﺄوﱢﻫﺔ ،وملﺎ ﺣﻤﻲ اﻟﻮﻃﻴﺲ وﻟﻌﻠﻊ ﻟﺴﺎن اﻟﻠﻬﻴﺐ ﻓﻴﻪ ﺟﻌﻠﺖ
وﺣري اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل »ﺑﻮﻓﻮر« ،ﻓﺤﻮل وﺟﻬﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﺄ ًملﺎ ﺗﺪﻋﻮ وﺗﺒﺘﻬﻞ ﺑﻠﺴﺎن أﺑﻜﻰ أﻋﺪاءﻫﺎ ،ﱠ
واﻟﺪﻣﻮع ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ ﻣﺂﻗﻴﻪ ﻛﺎﻟﺴﻮاﻗﻲ .وﻗﺪ ﺗﻢ ﻫﺬا املﺸﻬﺪ اﻷﺛﻴﻢ ﰲ ٢١أﻳﺎر ١٤٣٠م ،ﰲ
ﺳﺎﺣﺔ ﺗﺴﻤﻰ »ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺒﻜﺮ« ،وذرى رﻣﺎدﻫﺎ ﺑﺎﻟﻬﻮاء ﻓﻮق ﻧﻬﺮ اﻟﺴني ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﴩﻳﻦ
ﻋﺎﻣً ﺎ ﻧﻘﺾ ﻣﻄﺮان ﺑﺎرﻳﺲ وﻣﻄﺮان »رام« ﻫﺬا اﻟﺤﻜﻢ وأﺛﺒﺘﺎ ﺑﺮاءﺗﻬﺎ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٢٠م ،أﻗﻴﻢ ﻟﻬﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﰲ ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ »دوﻣﺮﻣﻲ« ،وآﺧﺮ ﰲ ﻣﺤﻞ إﺣﺮاﻗﻬﺎ
»دون« ،ﺛﻢ آﺧﺮ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ وﻫﻮ أﺟﻤﻞ ﺗﻤﺎﺛﻴﻠﻬﺎ.
ﺗﻤﺜﺎﻻ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﻢ وﻫﻢ ﻳﻌﻴﺪون ﺗﺬﻛﺎرﻫﺎ ً وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥١م ،ﻧﺼﺐ ﻟﻬﺎ أﻫﻞ »أورﻟﻴﺎن«
ﰲ ٨أﻳﺎر ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻗﺪ ﻋﺎب اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم »ﻓﻮﻟﻴﺚ« ﺑﻘﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ أودﻋﻬﺎ ذم »ﺟﺎن
دارك« ،وﺗﺴﻮﻳﺪ ﺻﺤﻴﻔﺘﻬﺎ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺴﺐ اﻟﻈﺎﻟﻢ واﻟﻘﺬف اﻟﻐﺎدر ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﺮب ذﻟﻚ
ﻣﻤﻦ أوﻗﻒ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﲆ ﺗﻘﻮﻳﺾ ﻋُ ﻤُﺪ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ،وﺗﺰﻳﻴﻒ أوﻟﻴﺎﺋﻬﺎ ،وﻗﺪ أﻟﻒ ﻛﺘﺒﺔ اﻹﻓﺮﻧﺞ
ﺑﻤﻮﺿﻮع ﻗﺼﺘﻬﺎ ﻋﺪة رواﻳﺎت ﻣﺤﺰﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮع املﻌﺮوف ﺑ »اﻟﱰاﺟﻴﺪي« ،أي اﻟﻔﺎﺟﻌﺔ،
وﻫﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﺬﻳﺐ ﺗﻤﺜﻴﻠﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب ،وﻳﺸﻖ املﺮاﺋﺮ .ﻓﻴﺎ ﻗﺎﺗﻞ ﷲ اﻹﻧﺴﺎن! إﻧﻪ ﻟﻜﺎﻓﺮ.
وﻟﻴﺘﻨﺎ ﻻ ﻧﺮى ﻣﻤﻦ ﻧﺮى أﺣﺪا ﻟﻴﺖ اﻟﺴﺒﺎع ﻟﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﺎورة
واﻟﻨﺎس ﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎدٍ ﺷ ﱡﺮﻫﻢ أﺑﺪا إن اﻟﺴﺒﺎع ﻟﺘﻬﺪى ﻋﻦ ﻓﺮاﺋﺴﻬﺎ
213
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻘﻴﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ ُﻣ ﱠﺮة ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ وراءك ﻳﺎ ﺟﻠﻴﻠﺔ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺛﻜﻞ اﻟﻌﺪد ،وﺣﺰن اﻷﺑﺪ ،وﻓﻘﺪ
ﻒ ﺣﻠﻴﻞ ،وﻗﺘﻞ أﺧﻲ ﻋﻦ ﻗﻠﻴﻞ ،وﺑني ذﻟﻚ ﻏﺮس اﻷﺣﻘﺎد ،وﺗﻔﺘﺖ اﻷﻛﺒﺎد ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أوَﻳ ُﻜ ﱡ
ذﻟﻚ ﻛﺮ ُم اﻟﺼﻔﺢ وإﻏﻼءُ اﻟﺪﻳﺎت؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺟﻠﻴﻠﺔ :أﻣﻨﻴﺔ ﻣﺨﺪوع ورب اﻟﻜﻌﺒﺔ ،أﺑﺎﻟﺒُﺪن ﺗ َﺪ ُع
ﻟﻚ ﺗﻐﻠﺐ دم رﺑﱢﻬﺎ!
ﻗﺎل :وملﺎ رﺣﻠﺖ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻗﺎﻟﺖ أﺧﺖ »ﻛﻠﻴﺐ« :رﺣﻠﺔ املﻌﺘﺪي وﻓﺮاق اﻟﺸﺎﻣﺖ ،وﻳ ٌﻞ ﻏﺪًا
ﺸﻤﺖ اﻟﺤُ ﱠﺮة ﺑﻬﺘﻚ ﺳﱰﻫﺎ، ﻵل ﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﻜ ﱠﺮة ﺑﻌﺪ اﻟﻜ ﱠﺮة ،ﻓﺒﻠﻎ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻛﻴﻒ ﺗَ ُ
وﺗﺮﻗﺐ وﺗﺮﻫﺎ؟ أﺳﻌﺪ ﷲ ﺧريًا أﺧﺘﻲ ،أﻓﻼ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻔﺮة اﻟﺤﻴﺎة وﺧﻮف اﻻﻋﺘﺪاء ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪت ﱡ
ﺗﻘﻮل:
ﺗ ﻌ ﺠ ﻠ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﻮم ﺣ ﺘ ﻰ ﺗ ﺴ ﺄﻟ ﻲ ﻳ ﺎ ﺑ ﻨ ﺔ اﻷﻗ ﻮام إن ﻟ ﻤ ﺖ ﻓ ﻼ
ﻳ ﻮﺟ ﺐ اﻟ ﻠ ﻮم ﻓ ﻠ ﻮﻣ ﻲ واﻋ ﺬﻟ ﻲ ﻓ ﺈذا أﻧ ﺖ ﺗ ﺒ ﻴ ﻨ ﺖ اﻟ ﺬي
ﺷ َﻐ ﻒ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﻓ ﺎﻓ ﻌ ﻠ ﻲ إن ﺗﻜﻦ أﺧ ُﺖ اﻣﺮئ ﻟﻴﻤ ْﺖ ﻋﻠﻰ
ﺣﺴﺮﺗﻲ ﻋﻤﺎ اﻧﺠﻠﻰ أو ﻳﻨﺠﻠﻲ ﺟ ﱠﻞ ﻋ ﻨ ﺪي ﻓ ﻌ ﻞ ﺟ ﺴ ﺎس ﻓ ﻴ ﺎ
ﺪن أﺟ ﻠ ﻲﻗ ﺎﻃ ﻊ ﻇ ﻬ ﺮي و ُﻣ ٍ ﻓ ﻌ ﻞ ﺟ ﺴ ﺎس ﻋ ﻠ ﻰ وﺟ ﺪي ﺑ ﻪ
أﺧ ﺘ ﻬ ﺎ ﻓ ﺄﻧ ﻔ ﻘ ﺄت ﻟ ﻢ أﺣ ﻔ ﻞ ﻟ ﻮ ﺑ ﻌ ﻴ ﻦ ﻓ ﺪﱠﻳ ﺖ ﻋ ﻴ ﻨ ً ﺎ ﺳ ﻮى
ﺗ ﺤ ﻤ ﻞ اﻷم أذى ﻣ ﺎ ﺗ ﻔ ﺘ ﻠ ﻲ ﺗ ﺤﻤ ﻞ اﻟ ﻌ ﻴ ﻦ أذى اﻟ ﻌﻴ ﻦ ﻛ ﻤ ﺎ
ﺳ ﻘ ﻒ ﺑ ﻴ ﺘ ﻲ ﺟ ﻤ ﻴ ﻌً ﺎ ﻣ ﻦ ﻋ ﻞ ﻳ ﺎ ﻗ ﺘ ﻴ ًﻼ ﻗ ﻮض اﻟ ﺪﻫ ﺮ ﺑ ﻪ
واﻧ ﺜ ﻨ ﻰ ﻓ ﻲ ﻫ ﺪم ﺑ ﻴ ﺘ ﻲ اﻷول ﻫ ﺪم اﻟ ﺒ ﻴ ﺖ اﻟ ﺬي اﺳ ﺘ ﺤ ﺪﺛ ﺘ ﻪ
رﻣﻴﺔ اﻟﻤﺼﻤﻲ ﺑﻪ اﻟﻤﺴﺘﺄﺻﻞ ورﻣ ﺎﻧ ﻲ ﻗ ﺘ ﻠ ﻪ ﻣ ﻦ ﻛ ﺜ ﺐ
ﺧ ﺼ ﻨ ﻲ اﻟ ﺪﻫ ﺮ ﺑ ﺮزء ﻣ ﻌ ﻀ ﻞ ﻳ ﺎ ﻧ ﺴ ﺎﺋ ﻲ دوﻧ ﻜ ﻦ اﻟ ﻴ ﻮم ﻗ ﺪ
ﻈ ﻰ ﻣ ﻦ أﺳ ﻔ ﻞ ﻣ ﻦ وراﺋ ﻲ وﻟ ً ﻈﻰ ﺧﺼﻨﻲ ﻗﺘﻞ ﻛﻠﻴﺐ ﺑﻠ ً
داﺋ ﻤً ﺎ ﻳ ﺒ ﻜ ﻲ ﻟ ﻴ ﻮم ﻳ ﻨ ﺠ ﻠ ﻲ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻳﺒﻜﻲ ﻟﻴﻮﻣﻴﻦ ﻛﻤﻦ
درﻛ ﻲ اﻟ ﺜ ﺄر ﻟ ﺜ ﻜ ﻞ اﻟ ﻤ ﺜ ﻜ ﻞ ﻳ ﺸ ﺘ ﻔ ﻲ اﻟ ﻤ ﺪرك ﺑ ﺎﻟ ﺜ ﺄر وﻓ ﻲ
در ًرا ﻣ ﻨ ﻪ ﺑ ﺮﻣ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﺤ ﻠ ﻲ ﻟ ﻴ ﺘ ﻪ ﻛ ﺎن رﻣ ﻰ ﻓ ﺎﺣ ﺘ ﻠ ﺒ ﻮا
وﻟ ﻌ ﻞ اﻟ ﻠ ﻪ أن ﻳ ﺮﺗ ﺎح ﻟ ﻲ إﻧ ﻨ ﻲ ﻗ ﺎﺗ ﻠ ﺔ ﻣ ﻘ ﺘ ﻮﻟ ﺔ
214
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
ﺟﻤﻴﻠﺔ اﻟﺨﺰرﺟﻴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑني أﺟﻞ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻐﻨﺎء واﻟﺠﻤﺎل وأﺳﻤﻰ ﻣﺮاﺗﺐ اﻟﻌﻔﺎف واﻟﻜﻤﺎل،
وﻗﻮرة اﻟﺴﻤﺖ ،رﺧﻴﻤﺔ اﻟﺼﻮت ،ﺑﻬﻴﺔ اﻟﺸﺎرة ،ﻓﺘﺎﻧﺔ املﻼﻣﺢ ،رزﻳﻨﺔ اﻟﺤﺼﺎة ،ﻋﺬﺑﺔ اﻟﻜﻼم،
وﺟﻴﺰة اﻟﻌﺒﺎرة .أﺟﻤﻊ ﻣﺠﻴﺪو ﻋﴫﻫﺎ — ﻣﺜﻞ :اﻟﻐﺮﻳﺾ ،واﺑﻦ ﴎﻳﺞ ،واﺑﻦ ﻣﺤﺮز ،وﻣﻌﺒﺪ
ﺑﻦ ﺟﺎﻣﻊ ،وﺣﻴﺎﺑﺔ ،واﺑﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ،وﺳﻼﻣﺔ ،وزﻣني ،وﺧﻠﻴﺪة ،وﻋﻘﻴﻠﺔ اﻟﻌﻘﻴﻘﻴﺔ — ﻋﲆ ﻛﻮﻧﻬﺎ
ُﺠﲆ ﻣﻀﻤﺎر اﻟﺴﺒﻖ ﻓﻴﻪ ً
ﴍﻗﺎ وﻏﺮﺑًﺎ ﺑني اﻹﻧﺲ واﻟﺠﻦ. إﻣﺎم ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ،وﻣ ﱠ
وﻛﺎن ﻣﻌﺒﺪ ﻳﻘﻮل :ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﺤﻦ ﻣُﻐﻨﱢني ،وﻟﻄﺎملﺎ ﺗﺤﺎﻛﻢ ﻟﺪﻳﻬﺎ
أوﻟﻮ اﻟﻔﻦ املﺠﻴﺪون ﻣﻦ ﻣﻜﻴني وﻣﺪﻧﻴني وﺑﴫﻳني ،ﻓﻘﻀﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻗﻀﺎء آﺧﺬًا ﺑﻨﺎﺻﻴﺔ
اﻹﻧﺼﺎف ،ﻣﺄﻣﻮﻧًﺎ ﺑﻪ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺤﻴﻒ واﻹﺟﺤﺎف ،ﻗﻴﻞ :ﺣﺠﺖ ذات ﺳﻨﺔ ﻓﺨﺮج إﱃ ﻟﻘﺎﺋﻬﺎ
ﻛﱪاء ﻣﻜﺔ وﺳﺎداﺗﻬﺎ ،وﻣﺸﺎﻫري ﻣﻐﻨﻴﻬﺎ وﻗﻴﻨﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻜﺜﺮ اﻟﺰﺣﺎم ،وازدﺣﻤﺖ ﰲ أرﺟﺎء اﻟﺤﺮم
واﻟﺘﻔﺖ اﻟﺴﺎق ﻋﲆ اﻟﺴﺎق ،ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻮم اﻟﺘﻼق ،وملﺎ اﻧﻘﴣ اﻟﺤﺞ اﻗﱰح ﻋﻠﻴﻬﺎ ﱠ اﻷﻗﺪام،
اﻷﻣﺮاء ،وﻋﻘﺪ ﻣﺠﻠﺲ ﻟﻠﻐﻨﺎء ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻳﺎ ذوي اﻟﻔﻀﻞ ﻷﺧﻠﻂ اﻟﺠﺪ ﺑﺎﻟﻬﺰل.
ﺛﻢ ﻋﺎدت إﱃ ﻳﺜﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﴎاﺗﻬﺎ وأﴍاﻓﻬﺎ ﻳﺘﻘﺪﻣﻬﻢ اﻷﻃﻔﺎل
واﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺻﺤﺒﻬﺎ ﻗﻮم ﻣﻦ ﻏﺮر ﻣﻜﺔ وأﻋﻴﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻠﺖ دارﻫﺎ أﺗﺎﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ
ﻣﻬﻨﺌني ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ واﻹﻳﻨﺎس ،ﻓﻐﺼﺖ اﻟﺴﺎﺣﺎت واﻟﺴﻄﻮح ﺑﺘﺨﻠﻴﻂ اﻟﻨﺎس ،واﺻﻄﻒ املﻐﻨﻮن
وﺷﺪَت ﻋﻼ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﺿﺠﻴﺞ ﻳﻨﻄﺢ ﻋﻨﺎن ﻃﺒﻘﺘني ﻣﺘﻨﺎوﺣﺘني ،ﻓﻜﺎن ﻛﻠﻤﺎ دﻣﺪﻣﺖ َ
اﻟﺴﻤﺎء ،وأذن اﻟﺴﻤﻊ ﺻﻤﺎء ،اﻟﻜﻞ ﻳﻘﻮل :ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ وﻻ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا ،ﺛﻢ اﻗﱰﺣﺖ ﻋﲆ
املﻐﻨني أن ﻳﻬﺬﺑﻮا ﺷﻔﻌً ﺎ ووﺗ ًﺮا ،ﻓﻔﻌﻠﻮا ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻜ ﱟﻞ أﻏﻼﻃﻪ ،وﺗﺮﻳﻪ وﺟﻪ اﻹﺻﺎﺑﺔ
ً
ﻃﺮﻳﻘﺎ ،ﺣﺘﻰ أﺑﻬﺘﺖ اﻟﻨﺎس ﻋﺠﺒًﺎ ،وﺣريﺗﻬﻢ وأﺑﻜﺘﻬﻢ ﻃﺮﺑًﺎ وﺻﺒﺎﺑﺔ ،ﻓﺎﻧﴫﻓﻮا ﻣﻦ اﻟﻄﺮب
ﻳﻘﻮﻟﻮن :اﻟﻠﻬﻢ ﻏﻔ ًﺮا .ﻓﺴﺒﺤﺎن ﻣﻦ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﻏﺎﻳﺔ .إﻧﻪ وﱄ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ.
215
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑ ﻤ ﻄ ﻠ ﺒ ﻬ ﺎ وﻣ ﻄ ﻠ ﺒ ﻬ ﺎ ﻋ ﺴ ﻴ ﺮ أﻟ ﻢ ﺗ ﺮ أﻧ ﻨ ﻲ أﻓ ﻨ ﻴ ﺖ ﻋ ﻤ ﺮي
ﻳُ ﻘ ﱢﺮﺑ ﻨ ﻲ وأﻋ ﻴ ﺘ ﻨ ﻲ اﻷﻣ ﻮر ﻓ ﻠ ﻤ ﺎ ﻟ ﻢ أﺟ ﺪ ﺳ ﺒ ﺒً ﺎ إﻟ ﻴ ﻬ ﺎ
ﻓ ﻴ ﺠ ﻤ ﻌ ﻨ ﻲ وإﻳ ﺎﻫ ﺎ اﻟ ﻤ ﺴ ﻴ ﺮ ﺣﺠﺠﺖ وﻗﻠﺖ ﻗﺪ ﺣﺠﺖ ﺟﻨﺎن
وﻗﺪ أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﺑﻮ ﻧﻮاس ﺣني ﻋﺎد ﻣﻦ ﺣﺠﻪ ﺑﻬﺬه اﻷﺑﻴﺎت:
216
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
وﻏﻀﺒﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺟﻨﺎن ﻣﻦ ﻛﻼم ﻛ ﱠﻠﻤﻬﺎ ﺑﻪ ،ﻓﺄرﺳﻞ ﻳﻌﺘﺬر إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻠﺮﺳﻮل :ﻗﻞ ﻟﻪ
ﻻ ﺑﺮح اﻟﻬﺠﺮان رﺑﻌﻚ ،وﻻ ﺑﻠﻐﺖ أﻣﻠﻚ ﻣﻦ أﺣﺒﺘﻚ ،ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺮﺳﻮل إﻟﻴﻪ ،ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺟﻮاﺑﻬﺎ
ﻓﻠﻢ ﻳﺨﱪه ،ﻓﻘﺎل:
ﻧ ﻄ ﻘ ﺖ ﺑ ﻪ ﻋ ﻠ ﻰ وﺟ ﻪ ﺟ ﻤ ﻴ ﻞ ﻓ ﺪﻳ ﺘ ﻚ ﻓ ﻴ َﻢ ﻋ ﺘ ﺒُ ﻚ ﻣ ﻦ ﻛ ﻼم
ﻓﻠﻴﺲ إﻟﻰ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ؟ وﻗ ﻮﻟ ﻚ ﻟ ﻠ ﺮﺳ ﻮل ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ ﻏ ﻴ ﺮي
وﺣ ﺎل ﻣ ﺎ ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﻗ ﺒ ﻮل ﻓ ﻘ ﺪ ﺟ ﺎء اﻟ ﺮﺳ ﻮل ﻟ ﻪ اﻧ ﻜ ﺴ ﺎر
ﺗ ﺒ ﻴﱠ ﻦ ذاك ﻓ ﻲ وﺟ ﻪ اﻟ ﺮﺳ ﻮل وﻟ ﻮ ردت ﺟ ﻨ ﺎن ﻣ ﺮ ﱠد ﺧ ﻴ ﺮ
آﻣ ﻞ ﻟ ﻢ ﺗ ﻘ ﻄ ﺮ اﻟ ﺴ ﻤ ﺎء دﻣ ﺎ ﺟ ﻨ ﺎن إن ﺟ ﺪت ﻳ ﺎ ﻣ ﻨ ﺎي ﺑ ﻤ ﺎ
ﻣ ﻨ ﻌ ﻚ أﺻ ﺒ ﺢ ﻓ ﻲ ﻗ ﻔ ﺮة رﻣ ﻤ ﺎ وإن ﺗ ﻤ ﺎدى وﻻ ﺗ ﻤ ﺎدﻳ ﺖ ﻓ ﻲ
ـ ﻤ ﺎﺿ ﻴ ﻦ واﻟ ﻐ ﺎﺑ ﺮﻳ ﻦ ﻣ ﺎ ﻧ ﺪﻣ ﺎ ﻋﻠﻘﺖ ﻣَ ﻦ ﻟﻮ أﺗﻰ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺲ اﻟـ
و ﱠﻟ ﺪ ﻓ ﻴ ﻪ ﻓ ﺘ ﻮره ﺳ ﻘ ﻤ ﺎ ﻟ ﻮ ﻧ ﻈ ﺮت ﻋ ﻴ ﻨ ﻪ إﻟ ﻰ ﺣ ﺠ ﺮ
217
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﺟﺎﻟﺴﺎ إذ ﻣﺮت ﺑﻨﺎ اﻣﺮأة ﻣﻤﻦ ﻳﺪاﺧﻞ اﻟﺜﻘﻔﻴني وﻗﺎل اﻟﺠﻤﺎز :ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ أﺑﻲ ﻧﻮاس
ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﻨﺎن وأﻟﺤَ ﻒ ﰲ املﺴﺄﻟﺔ ﻓﺎﺳﺘﻘﴡ ،ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺧﱪﻫﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺗﻘﻮل
ﻟﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻬﺎ — ﻣﻦ ﻏري أن ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻲ أﺳﻤﻊ :وﻳﺤﻚ! ﻗﺪ آذاﻧﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ وأﺑﺮﻣﻨﻲ وأﺣﺮج
ﺻﺪري ،وﺿﻴﻖ ﻋﲇ ﱠ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺤﺪة ﻧﻈﺮه وﺗﻬﺘﻜﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻟﻬﺞ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺬﻛﺮه واﻟﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
ﻛﺜﺮة ﻓﻌﻠﻪ ﻟﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ رﺣﻤﺘﻪ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ،ﻓﻔﺮح أﺑﻮ ﻧﻮاس ﺑﺬﻟﻚ،
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ املﺮأة أﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﻪ ﻗ ﻞ وأﻋ ﺪ ﻳ ﺎ ﻃ ﻴ ﺐ اﻟ ﺨ ﺒ ﺮ ﻳ ﺎ ذا اﻟ ﺬي ﻋ ﻦ ﺟ ﻨ ﺎن ﻇ ﻞ ﻳ ﺨ ﺒ ﺮﻧ ﺎ
أراه ﻣ ﻦ ﺣ ﻴ ﺜ ﻤ ﺎ أﻗ ﺒ ﻠ ﺖ ﻓ ﻲ أﺛ ﺮي ﻗ ﺎل اﺷ ﺘ ﻜ ﺘ ﻚ وﻗ ﺎﻟ ﺖ ﻣ ﺎ اﺑ ﺘ ﻠ ﻴ ﺖ ﺑ ﻪ
ﺣ ﺘ ﻰ ﻟ ﻴ ﺨ ﺠ ﻠ ﻨ ﻲ ﻣ ﻦ ﺣ ﺪﱠة اﻟ ﻨ ﻈ ﺮ وﻳ ﻌ ﻤ ﻞ اﻟ ﻄ ﺮف ﻧ ﺤ ﻮي إن ﻣ ﺮرت ﺑ ﻪ
ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺨﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻨﻄﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﺮ وإن وﻗ ﻔ ُﺖ ﻟ ﻪ ﻛ ﻴ ﻤ ﺎ ﻳُ ﻜ ﱢﻠ ﻤ ﻨ ﻲ
ﺣ ﺘ ﻰ ﻟ ﻘ ﺪ ﺻ ﺎر ﻣ ﻦ ﻫ ﻤ ﻲ وﻣ ﻦ وﻃ ﺮي ﻣ ﺎ زال ﻳ ﻔ ﻌ ﻞ ﺑ ﻲ ﻫ ﺬا وﻳ ﺪﻣ ﻨ ﻪ
وﻗﻴﻞ :أرﺳﻠﺖ ﺟﻨﺎن ﺗﻘﻮل ﻷﺑﻲ ﻧﻮاس :ﻗﺪ ﺷﻬﺮﺗﻨﻲ؛ ﻓﺎﻗﻄﻊ زﻳﺎرﺗﻚ ﻋﻨﻲ أﻳﺎﻣً ﺎ
ﻟﻴﻨﻘﻄﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺎﻟﺔ ،ﻓﻔﻌﻞ وﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ:
218
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
وﻗﻴﻞ :ﺑﻠﻐﻪ أن اﻣﺮأة ذﻛﺮت ﻟﺠﻨﺎن ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺸﺘﻤﺘﻪ ﺟﻨﺎن وﺗﻨﻘﺼﺘﻪ وذﻛﺮﺗﻪ أﻗﺒﺢ
اﻟﺬﻛﺮ ،ﻓﻘﺎل ﰲ ذﻟﻚ:
ﻓﺒﻠﻐﻬﺎ ذﻟﻚ ﻓﻬﺠﺮﺗﻪ وأﻃﺎﻟﺖ ﻫﺠﺮه ،ﻓﺮآﻫﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﰲ ﻣﻨﺎﻣﻪ وأﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺻﺎﻟﺤﺘﻪ ،ﻓﻜﺘﺐ
إﻟﻴﻬﺎ:
ﻋ ﺎد ﻟ ﻨ ﺎ اﻟ ﻮﺻ ﻞ ﻛ ﻤ ﺎ ﻛ ﺎﻧ ﺎ إذا اﻟ ﺘ ﻘ ﻰ ﻓ ﻲ اﻟ ﻨ ﻮم ﻃ ﻴ ﻔ ﺎﻧ ﺎ
ﻧ ﺸ ﻘ ﻰ وﻳ ﻠ ﺘ ﺬ ﺧ ﻴ ﺎﻻﻧ ﺎ ﻳ ﺎ ﻗ ﺮة اﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﻓ ﻤ ﺎ ﺑ ﺎﻟ ﻨ ﺎ
أﺗ ﻤ ﻤ ﺖ إﺣ ﺴ ﺎﻧ ﻚ ﻳ ﻘ ﻈ ﺎﻧ ﺎ ﻟﻮ ﺷﺌﺖ إذا أﺣﺴﻨﺖ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﺮى
وأﺻ ﺒ ﺤ ﺎ ﻏ ﻀ ﺒ ﻰ وﻏ ﻀ ﺒ ﺎﻧ ﺎ ﻳ ﺎ ﻋ ﺎﺷ ﻘ ﻴ ﻦ اﺻ ﻄ ﻠ ﺤ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﻜ ﺮى
ورﺑ ﻤ ﺎ ﺗ ﺼ ﺪق أﺣ ﻴ ﺎﻧ ﺎ ﻛ ﺬﻟ ﻚ اﻷﺣ ﻼم ﻏ ﺪارة
وﻗﻴﻞ :رآﻫﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ دﻳﺎر ﺛﻘﻴﻒ ﻓﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﻛﺮه ،ﻓﻐﻀﺐ وﻫﺠﺮﻫﺎ ﻣﺪة ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ
إﻟﻴﻪ ﺗُﺼﺎﻟﺤﻪ ﻓﺮدﱠه وﻟﻢ ﻳﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ،ﻓﺮآﻫﺎ ﰲ اﻟﻨﻮم ﺗﻄﻠﺐ ﺻﻠﺤﻪ ﻓﻘﺎل:
219
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓ ﻜ ﻢ ﻫ ﺬا أﻣ ﺎ ﻫ ﺬا ﺑ ﻔ ﺎن؟ أﻛ ﻞ اﻟ ﺪﻫ ﺮ ﻗ ﻠ ﺖ ﻟ ﻬ ﺎ وﻗ ﺎﻟ ﺖ
إذا ﺣ ﺪﺛ ﺖ ﻋ ﻨ ﻬ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﺒ ﻴ ﺎن ﺟ ﻌ ﻠ ﺖ اﻟ ﻨ ﺎس ﻛ ﻠ ﻬ ﻢ ﺳ ﻮاء
ﺳ ﻮاء واﻷﺑ ﺎﻋ ﺪ ﻛ ﺎﻷداﻧ ﻲ ﻋ ﺪوك ﻛ ﺎﻟ ﺼ ﺪﻳ ﻖ وذا ﻛ ﻬ ﺬا
ﻋ ﺠ ﺎﺋ ﺒ ﻪ أﺗ ﻴ ﺘ ﻬ ﻢ ﺑ ﺸ ﺄن إذا ﺣ ﺪﱠﺛ ﺖ ﻋ ﻦ ﺷ ﺄن ﺗ ﻮاﻟ ﺖ
ﻋﻠﻤﻨﺎ إذ ﻛﻨﻴﺖ ﻣﻦ أﻧﺖ ﻋﺎﻧﻲ ﻓﻠﻮ ﻣﻮﱠﻫﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ أﺧﺮى
ً
ﻣﺮﺗﺠﻼ: ورآﻫﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻣﺄﺗﻢ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﺗﻨﺪﺑﻪ ﺑﺎﻛﻴﺔ وﻫﻲ ﻣﺨﻀﺒﺔ ﻓﻘﺎل
ودﺧﻞ ﻋﲆ أﺑﻲ ﻧﻮاس ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﻌﻮدوﻧﻪ وﻫﻮ ﻣﺮﻳﺾ ،ﻓﻮﺟﺪوا ﺑﻪ ﺧﻔﺔ ،ﻗﺎﻟﻮا:
ﻓﺎﻧﺒﺴﻂ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ أﻳﻦ ﺟﺌﺘﻢ؟ ﻓﻘﻠﻨﺎ :ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺟﻨﺎن ،ﻓﻘﺎل :أوَﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻠﺔ؟ ﻗﻠﻨﺎ:
ﻧﻌﻢ ،وﻗﺪ ﻋﻮﻓﻴﺖ اﻵن ،ﻓﻘﺎل :وﷲ أﻧﻜﺮت ﻋﻠﺘﻲ ﻫﺬه وﻟﻢ أﻋﺮف ﻟﻬﺎ ﺳﺒﺒًﺎ ﻏري أﻧﻲ ﺗﻮﻫﻤﺖ
أن ذﻟﻚ ﻟﻌﻠﺔ ﻧﺎﻟﺖ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ أﺣﺐ ،وﻟﻘﺪ وﺟﺪت ﰲ ﻳﻮﻣﻲ ﻫﺬا راﺣﺔ ،ﻓﻔﺮﺣﺖ ﻃﻤﻌً ﺎ أن
ﻳﻜﻮن ﷲ ﻋﺎﻓﺎه ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺒﲇ ،ﺛﻢ دﻋﺎ ﺑﺪواة وﻛﺘﺐ إﱃ ﺟﻨﺎن:
220
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
ﻋ ﺎﻓ ﺎﻧ ﻲ اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ ﺣ ﻴ ﻦ ﻋ ﺎﻓ ﺎك وﺧ ﺼ ﻠ ﺔ ﻗ ﻤ ﺖ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﺘ ﻬ ﻢ
ﻫ ﺬا وذاك وﻓ ﻲ ﻫ ﺬي وﻓ ﻲ ذاك ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ اﻧﻘﻀﺖ ﻧﻔﺴﻲ وﻧﻔﺴﻚ ﻓﻲ
وﻗﻴﻞ :إن أﺑﺎ ﻧﻮاس ﺣﺎول ﻣﺮا ًرا أن ﻳﺘﺰوج ﺑﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﻨﻞ ذﻟﻚ ،وﺗﻮﰲ ﻗﺒﻠﻬﺎ ،وﺑﻘﻴﺖ
ﻫﻲ ﰲ ﻣﻨﺰل ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ ﺑﻌﺪ أﺑﻲ ﻧﻮاس ﺑﻤﺪة ﻗﻠﻴﻠﺔ ،وﻳﻘﺎل :إن
ﺳﺒﺐ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺣﺰﻧﻬﺎ ﻋﲆ أﺑﻲ ﻧﻮاس ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻪ.
221
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻐﺎب ﻣﻌﺒﺪًا؛ ﺣﻤﺪًا هلل ﻋﲆ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ وﺷﻜ ًﺮا ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺰال ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ﻋِ ْﱪة
ﻟﻠﻤﺎرﻳﻦ وذﻛﺮى.
ﻗﺪ ُﺷﻴﱢﺪ ﻓﻴﻪ أﺧريًا ﻣﺬﺑﺢ ﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻼﺻﺔ ﻣﺎ ﻛﺎن ،وﴐﻳﺢ دﻓﻦ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ
اﻹﻓﺮﻧﺞ املﻬ ﱠﻢ ﻣﻦ ﺣﻮادث »ﺟﻨﻔﻴﺎف« املﺠﻴﺪة ﺷﻌ ًﺮا ،وأ ﱠﻟﻒ ِ اﻟﻌﺮوﺳﺎن ،وﻗﺪ ﻧﻈﻢ ﺑﻠﻐﺎء
َﻛﺘَﺒَﺘُﻬﻢ ﰲ أﻧﺒﺎﺋﻬﺎ رواﻳﺎت ﺗﱰَى ،ﻋُ ﱢﺮﺑﺖ إﺣﺪاﻫﺎ وﻃﺒﻌﺖ وﻧﴩت ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ،وﻫﻲ ﻋﲆ ﻋﻼﺗﻬﺎ
ﺎن﴾ )اﻟﺮﺣﻤﻦ: ﺗﺜري اﻷﺷﺠﺎن ،وﺗﻬﻴﺞ اﻷﺣﺰان ،وﺗﺘﻠﻮ ﻋﲆ ﻗﺎرﺋﻬﺎ ﴿ ُﻛ ﱡﻞ ﻣَ ْﻦ ﻋَ َﻠﻴْﻬَ ﺎ َﻓ ٍ
.(٢٦
ﺟﻨﻔﻴﺎف اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ
ﺳﻤﻴﺖ ﻣﺤﺎﻣﻴﺔ ﻟﺒﺎرﻳﺲ .وﻟﺪت ﰲ ﺑﻠﺪة »ﺗﻨﴩ« ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ ٤٢٢ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ
ﺑﺎرﻳﺲ ﺳﻨﺔ ٥١٢م ،ﺣﺴﺐ أﺷﻬﺮ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻛﺎن أﺑﻮاﻫﺎ »ﺳﻔريوس« و»ﺟريوﻧﺘﻴﺎ« ﻓﻘريﻳﻦ
ﺟﺪٍّا ،وﻛﺎن ﻋﻤﻠﻬﺎ وﻫﻲ ﺻﻐرية أن ﺗﺮﻋﻰ املﺎﺷﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﻤﺔ ﺟﺒﻞ »ﻓﺎﻟﺮﻳﺎن« ﺣﻘﻞ ﻳﺪﻋﻰ
ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺒﻊ وﻣﻐﺎرة ﻋﻨﺪ ﺣﻀﻴﻀﻪ .وملﺎ ﻛﺎن ﻋﻤﺮﻫﺎ ١٥ﺳﻨﺔ أﻗﺎﻣﻬﺎ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ
اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ »ﺟﺮﻣﺎﻧﻮس اﻷوﺳﱰي«.
وﻗﺪ ﻧﺒﱠﺄت ﺳﻨﺔ ٤٤٩م ﺑﻤﻬﺎﺟﻤﺔ اﻟﻬﻮﻧﺔ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة »أﻃﻴﻼ« ،وملﺎ ﺗﻬﺪد ﻫﺬا اﻟﻘﺎﺋﺪ
ﺳﻨﺔ ٤٥١م أن ﻳﻬﺎﺟﻢ ﺑﺎرﻳﺲ ﻳﻘﺎل :إن ﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ وﺑﺮاﻋﺘﻬﺎ ﺧﻠﺼﺖ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﰲ أﺛﻨﺎء
ﺣﺼﺎر اﻟﻔﺮﻧﻜﺔ ﻟﺒﺎرﻳﺲ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة »ﻛﻠﻮﻓﻴﺲ« ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻘﻮﱢي اﻷﻫﺎﱄ وﺗﺸﺠﻌﻬﻢ ،واﺗﺨﺬت
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻹدﺧﺎل املﺌﻮﻧﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وملﺎ أُﺧﺬت ﺑﺎرﻳﺲ ﺧ ﱠﻠﺼﺘﻬﺎ ﺷﻔﺎﻋﺔ »ﺟﻨﻔﻴﺎف« ﻣﻦ
اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،وﻛﺎن »ﻛﻠﻮﻓﻴﺲ« ﻳﻌﺘﱪﻫﺎ .وﻗﺪ دﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺴني
»ﺑﻄﺮس« و»ﺑﻮﻟﺲ« اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻴﺎﻫﺎ .وﻗﺪ ﺳﻤﻴﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻊ اﻟﺪﻳﺮ املﺠﺎور ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ،
وﺗﺎﺑﻮﺗﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ »ﺳﺎن أﻟﺪا« ﺟﻌﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ﺗﺎﺑﻮﺗًﺎ
ﻃﻮﻳﻼ ﻣﻠﺠﺄ أﻫﻞ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻗﺪ أرﺳﻞ إﱃ دار اﻟﴬب ﺳﻨﺔ ً أﻛﱪ وأﺛﻤﻦ ،وﻛﺎن ﻳﺤﺴﺐ زﻣﺎﻧًﺎ
١٣٩١م ،وأﺣﺮﻗﺖ اﻟﺬﺧﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ.
222
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
ﺟﻬﺎن
واﻟﺪة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻠﻚ »دﻫﲇ« ﰲ ﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ ،وأم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﺪﻋﻰ املﺨﺪوﻣﺔ
»ﺟﻬﺎن« ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﻨﺴﺎء ،ﻛﺜرية اﻟﺼﺪﻗﺎت ،ﻋﻤﺮت زواﻳﺎ ﻛﺜرية ،وﺟﻌﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ
اﻟﻄﻌﺎم ﻟﻠﻮارد واﻟﺼﺎدر ،وﻫﻲ ﻣﻜﻔﻮﻓﺔ اﻟﺒﴫ .وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ أﻧﻪ ملﺎ ﻣﻠﻚ اﺑﻨﻬﺎ ﺟﺎء إﻟﻴﻬﺎ
ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﻮاﺗني وﺑﻨﺎت املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء ﰲ أﺣﺴﻦ زيﱟ وﻫﻲ ﻋﲆ ﴎﻳﺮ اﻟﺬﻫﺐ املﺮﺻﻊ
ﺑﺎﻟﺠﻮاﻫﺮ ،ﻓﺨﺪﻣﻦ ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻣﻦ ﺷﺪة ﻓﺮﺣﻬﺎ ﺑﻮﻟﺪﻫﺎ ذﻫﺐ ﺑﴫﻫﺎ ﻟﻠﺤني،
223
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻋﻮﻟﺠﺖ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻌﻼج ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻔﻊ .ووﻟﺪﻫﺎ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس ﺑ ٍّﺮا ﺑﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺑﺮه أﻧﻬﺎ ﺳﺎﻓﺮت ﻣﻌﻪ
ﻓﻘﺪِم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺑ ُﻤﺪﱠة ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﺧﺮج ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ وﺗﺮﺟﱠ ﻞ ﻋﻦ ﻓﺮﺳﻪ وﻗﺒﱠﻞ ﻣﺮة َ
رﺟﻠﻬﺎ وﻫﻲ ﰲ املﺤﻔﺔ ﺑﻤﺮأى ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌني.
ﻗﺎل اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ ﰲ »رﺣﻠﺘﻪ«:
إﻧﻨﺎ ملﺎ اﻧﴫﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ املﺬﻛﻮر ﺧﺮج اﻟﻮزﻳﺮ وﻧﺤﻦ ﻣﻌﻪ
إﱃ ﺑﺎب اﻟﴫف ،وﻫﻢ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑﺎب اﻟﺤﺮم ،وﻫﻨﺎﻟﻚ ﺳﻜﻨﻰ املﺨﺪوﻣﺔ »ﺟﻬﺎن«،
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻧﺰﻟﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺪواب وﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻗﺪ أﺗﻰ ﺑﻬﺪﻳﺔ ﻋﲆ ﻗﺪر
ﺣﺎﻟﻪ ،ودﺧﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻗﺎﴈ ﻗﻀﺎة املﻤﺎﻟﻚ ،ﻛﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﱪﻫﺎن ،ﻓﺨﺪم اﻟﻮزﻳﺮ
واﻟﻘﺎﴈ ﻋﻨﺪ ﺑﺎﺑﻬﺎ ،وﺧﺪﻣﻨﺎ ﻛﺨﺪﻣﺘﻬﻢ ،وﻛﺘﺐ ﻛﺎﺗﺐ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻫﺪاﻳﺎﻧﺎ ،ﺛﻢ ﺧﺮج
ﴎا ﺛﻢ ﻋﺎدوا إﱃ اﻟﻘﴫ.
ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻴﺎن ﺟﻤﺎﻋﺔ ،وﺗﻘﺪم ﻛﺒﺎرﻫﻢ إﱃ اﻟﻮزﻳﺮ ﻓﻜﻠﻤﻮه ٍّ
ﺛﻢ رﺟﻌﻮا إﱃ اﻟﻮزﻳﺮ ،ﺛﻢ ﻋﺎدوا إﱃ اﻟﻘﴫ وﻧﺤﻦ وﻗﻮف ،ﺛﻢ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﰲ
اﻟﺴﺒﻨﻲ — ﺑﻀﻢ اﻟﺴني، ﺑﻘﻼل ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﱡٍ ﺳﻘﻴﻒ ﻫﻨﺎﻟﻚ ،ﺛﻢ أﺗﻮا ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم وأﺗﻮا
واﻟﻴﺎء آﺧﺮ اﻟﺤﺮوف — وﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﻗﺪور ،وﻟﻬﺎ ﻣﺮاﻓﻊ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ
ﻃ ُﺴﻮت وأﺑﺎرﻳﻖ ﻛﻠﻬﺎ ذﻫﺐ، ﺑﺄﻗﺪاح و ُ
ٍ اﻟﺴﺒُﻚ — ﺑﻀﻢ اﻟﺴني واﻟﺒﺎء املﻮﺣﺪة — وأﺗﻮا ﱡ
وﺟﻌﻠﻮا اﻟﻄﻌﺎم ﺳﻤﺎﻃني ،وﻋﲆ ﻛﻞ ﺳﻤﺎط ﺻﻔﺎن ،وﻳﻜﻮن ﰲ رأس اﻟﺼﻒ ﻛﺒري اﻟﻘﻮم
اﻟﻮاردﻳﻦ ،وملﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻟﻠﻄﻌﺎم ﺧﺪم اﻟﺤﺠﺎب واﻟﻨﻘﺒﺎء ،وﺧﺪﻣﻨﺎ ﻟﺨﺪﻣﺘﻬﻢ.
ﺛﻢ أﺗﻮا ﺑﺎﻟﴩﺑﺔ ﻓﴩﺑﻨﺎ ،وﻗﺎل اﻟﺤﺠﺎب :ﺑﺎﺳﻢ ﷲ ،ووﻗﻒ اﻟﻮزﻳﺮ ووﻗﻔﻨﺎ ﻣﻌﻪ ،ﺛﻢ
أﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻘﴫ ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﻏري ﻣﺨﻴﻄﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ وﻛﺘﺎن وﻗﻄﻦ ،ﻓﺄﻋﻄﻲ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ
ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ أﺗﻮا ﺑﺘﻴﻔﻮر ذﻫﺐ ﻓﻴﻪ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ،وﺗﻴﻔﻮر ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﻼب ،وﺗﻴﻔﻮر
ﺛﺎﻟﺚ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺒﻨﻮل .وﻣﻦ ﻋﺎدﺗﻬﻢ أن اﻟﺬي ﻳﺨﺮج ﻟﻪ ذﻟﻚ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﺘﻴﻔﻮر ﺑﻴﺪه وﻳﺠﻌﻠﻪ ﻋﲆ
ﻛﺎﻫﻠﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺨﺪم ﺑﻴﺪه اﻷﺧﺮى إﱃ اﻷرض ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﺘﻴﻔﻮر ﺑﻴﺪه ﻗﺼ َﺪ أن ﻳُﻌ ﱢﻠﻤﻨﻲ
ُ
ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻛﻔﻌﻠﻪ. إﻳﻨﺎﺳﺎ ﻣﻨﻪ وﺗﻮاﺿﻌً ﺎ وﻣﱪﱠة — ﺟﺰاه ﷲ ﺧريًا —
ً ﻛﻴﻒ أﻓﻌﻞ
ﺛﻢ اﻧﴫﻓﻨﺎ إﱃ اﻟﺪار ا ُملﻌﺪﱠة ﻟﻨﺰوﻟﻨﺎ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ »دﻫﲇ« ،وﺑﻤﻘﺮﺑ ٍﺔ ﻣﻦ »دروازة« ،وﺑﻌﺪ
وﺻﻮﻟﻨﺎ ﺑﻌﺜﺖ ﻟﻨﺎ اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻊ ﺟﺰار وﻃﺤﺎن ،وأﻣﺮﺗﻬﻤﺎ أن ﻳﻌﻄﻮﻧﺎ ﻣﻘﺪا ًرا ﻣﻌﻴﻨًﺎ
ﻛﻞ ﻳﻮم ،وذﻟﻚ ﻣﺪة إﻗﺎﻣﺘﻨﺎ ﰲ ﺑﻼدﻫﺎ ،وﻛﺎن وزن اﻟﻠﺤﻢ ﺑﻤﻘﺪار وزن اﻟﺪﻗﻴﻖ ،وﻣﻜﺜﻨﺎ
ﻧﺴﺘﻠﻢ ﺿﻴﺎﻓﺘﻬﺎ إﱃ أن اﻧﴫﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﺎ ،وﻟﻢ أر ﻣﺜﻠﻬﺎ ﰲ ﻧﺴﺎء املﻠﻮك ملﺎ ﺣﻮﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺰ
واﻟﺠﺎه واﻟﻜﺮم اﻟﻌﺪﻳﻢ املﺜﺎل«.
224
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
225
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ ،وﻇﻬﺮ ﺗﺄﺛريﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻗﺪ ازداد اﻟﻨﻔﻮر ﺑﻴﻨﻬﺎ
وﺑني زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺤﺼﻠﺖ ﻋﲆ أﻣﺮ ﻳﺆذن ﻟﻬﺎ ﺑﱰﻛﻪ ،وﻳﻮﻟﺠﻬﺎ إدارة أﻣﻮرﻫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﺗﺮﺑﻴﺔ
أوﻻدﻫﺎ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺟﻌﻠﺖ »ﺗﻮﻫﺎن« ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻻﺟﺘﻤﺎع أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ،واﻋﺘﻨﺖ ﺑﱰﺑﻴﺔ أوﻻدﻫﺎ.
وﺳﻨﺔ ١٨٣٨م ،ﴏﻓﺖ اﻟﺸﺘﺎء ﰲ ﺟﺰﻳﺮة »ﻣﻴﻮرﻗﺔ« ﺣﻴﺚ راﻓﻘﻬﺎ »ﺷﻮﺑﻦ« ،ﻣﻌﻠﻢ
اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ﺳﻨﺔ ١٨٤٧م ،ﺣني اﺿﻄﺮﺗﻬﺎ ﺛﻮرة ﺳﻨﺔ ١٨٤٨م أن ﺗﻌﻮد
ﺛﺎﻧﻴًﺎ إﱃ ﻣﻴﺪان اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﻋﻀﺪت ﺑﻜﺘﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ
»ﻟﺪوروﻟﻦ« ،وﻛﺎن ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻋﻀﻮًا ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ املﺆﻗﺘﺔ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ »ﺗﻮﻫﺎن«.
وﺳﻨﺔ ١٨٥٤م ،ﻧﴩت ﰲ ﺟﺮﻳﺪة »ﺟﺮس« ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ
اﻟﺤﻮادث اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻠﺘﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻷﻓﻜﺎرﻫﺎ وﺣﺎﺳﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻧﴩت ﻧﺤﻮ ٦٠رواﻳﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ
ﻛﺘﺐ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻧﺒﺬ ﰲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ،وﻟﻬﺎ ﺗﺂﻟﻴﻒ أﺧﺮى ﻛﺜرية ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺎت اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ.
226
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
ﺑ »ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن« وﻣﻄﺎﻟﻌﺔ رﺳﺎﺋﻠﻬﺎ اﻷﻧﻴﻘﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﰲ أﺣﺴﻦ املﺪارس ،ودرﺳﺖ ﻛﻞ اﻟﻔﻨﻮن،
درﺳﺎ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ،ﻣﺎ ﻋﺪا املﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﺮﻗﺺ ،وأﻣﺎ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺪرس ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ً
وﺗﻮﻗﺪ ذﻫﻨﻬﺎ ،وﺷﺪة ﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺪراﺳﺔ. ﱡ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻓﺎﻛﺘﺴﺒﺘﻪ اﻛﺘﺴﺎﺑًﺎ ﺑﺠﺪﻫﺎ واﺟﺘﻬﺎدﻫﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﴬب اﻟﻐﻴﺜﺎر ﺑﺤﺬاﻗﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،وﺗﻐﻨﻲ ﺑﺼﻮت رﺧﻴﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ اﻟﻘﻠﻮب،
وإذا ﻗﺮأت أﺛﺮت ﰲ ﻋﻘﻮل اﻟﺴﺎﻣﻌني وﺳﺤﺮﺗﻬﻢ ﺑﺤﺴﻦ ﺑﻴﺎﻧﻬﺎ ورﻗﺔ ﻛﻼﻣﻬﺎ.
وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻤﺤﺒﺔ اﻷزﻫﺎر ود ْرس ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺒﺎت واﻟﺮﻗﺺ ،وﺑﺮﻋﺖ ﰲ اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ وﺳﺎﺋﺮ
ﺧﺎﺻﺎ ،وﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺎﻫﻲ ﺑﺤﺴﻦ ٍّ ﻓﻨﻮن اﻟﻨﺴﺎء ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺄﻣﺮ املﻠﺒﺲ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ
ﻗﻮاﻣﻬﺎ وﺟﻤﺎل ﻣﺤﻴﺎﻫﺎ ﺷﺄن ﻛﺜريات ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺪﻳﻘﺘﻬﺎ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﰲ اﻟﺼﻐﺮ
إﺣﺪى اﻟﺒﻨﺎت اﻟﺤﺒﺸﻴﺎت اﻟﻠﻮن ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﻜﻮﻧﺖ »ﺗﺸﺎوي« ،واﻟﺪ »ﺟﻮزﻓني« ،ﻗﺒﻞ
اﻗﱰاﻧﻪ اﻟﴩﻋﻲ ،وﻫﻲ أﻛﱪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺴﻨﺘني ،وﻟﻢ ﺗﻔﺎرﻗﻬﺎ ﻟﻔﺮط ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ وﺗﻌ ﱡﻠﻘﻬﺎ ﺑﻬﺎ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻤﺎ ذاﻫﺒﺘﺎن ﻟﻠﻨﺰﻫﺔ ذات ﻳﻮم وﺟﺪﺗﺎ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﺣﻮل اﻣﺮأة ﺳﻮداء
ﻃﺎﻋﻨﺔ ﰲ اﻟﺴﻦ ،ﺗﺰﻋﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﺮاﻣﺎت اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻨﺒﱢﺌﻮن ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ ،ﻓﻮﻗﻔﺖ »ﺟﻮزﻓني«
ﻣﻊ اﻟﺒﻨﺎت ،ودﻧﺖ إﱃ املﺮأة وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ أن ﺗُﻨﺒﱢﺌﻬﺎ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ أﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﺒﻀﺖ املﺮأة ﻋﲆ ﻳﺪﻫﺎ
ﻃﻠﻌﺖ ﻋﲆ ﳾء ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﲇ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ املﺮأة ﻟﻬﺎ :ﻧﻌﻢ، وﻫ ﱠﺰﺗﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ »ﺟﻮزﻓني« :أﻇﻨﻚ ا ﱠ
ﻗﺎﻟﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻣﺒﺘﺴﻤﺔ :ﻫﻞ ﺗﺼﻴﺒﻨﻲ اﻟﺴﻌﺎدة أو اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ املﺮأة :اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ،
ﺛﻢ ﺳﻜﺘﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﺛﻢ ﺗﺘﻠﻮﻫﺎ اﻟﺴﻌﺎدة ،ﻓﻘﺎﻟﺖ »ﺟﻮزﻓني« :أﻇﻨﻚ ﻏﻠﻄﺖ ﻓﺎﻧﻈﺮي ﺛﺎﻧﻴﺔ،
ﻓﺮﻓﻌﺖ املﺮأة ﻧﻈﺮﻫﺎ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء وﻋﻼﻣﺎت اﻟﻜﺪر ﺗﻠﻮح ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﻳﺴﻮغ ﱄ أن
أﻗﻮل أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﺈﻟﺤﺎح أن ﺗُﻨﺒﱢﺌﻬﺎ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ املﺮأة:
أﺧﺎف أن ﻻ ﺗﺼﺪﻗﻴﻨﻲ ،ﻓﺄﻟﺤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﻚ ﺗﺘﺰوﺟني ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐ ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﻤﴤ
إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت زوﺟﻚ ،وﻟﻜﻨﻚ ﺳﺘﺼريﻳﻦ ﻣﻠﻜﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﺪة ﺳﻨني ،ﺛﻢ ﺗﻤﻮﺗني ﰲ
ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ وﺳﻂ اﺿﻄﺮاﺑﺎت أﻫﻠﻴﺔ.ً
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﻫﺎﺟﺮ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻋﺎﺋﻠﺔ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺳﻜﻨﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﻴﺖ ﻋﻤﺔ
»ﺟﻮزﻓني« ،وﺑني أﻓﺮاد ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺷﺎب اﺳﻤﻪ »وﻟﻴﻢ« ﻳﻘﺎرب ﻋﻤﺮه ﻋﻤﺮ »ﺟﻮزﻓني«،
ﻓﺄﺣﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻵﺧﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر أﻫﻠﻬﻤﺎ ﻳﻠﻤﺤﻮن إﱃ ذﻟﻚ ،وﻇﻨﻮا أﻧﻬﻤﺎ ﺳﻴﺘﺰوﺟﺎن ﻋﻨﺪ
ﻷﺳﺒﺎب ﻗﻀﺖ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺸﻖ ٍ ﺑﻠﻮﻏﻬﻤﺎ ﺳﻦ اﻟﺮﺷﺪ ،إﻻ أن اﻟﻔﺘﻰ ﻋﺎد إﱃ ﺑﻼده ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮاق »ﺟﻮزﻓني« ،وﺷﻌﺮ أن ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻨﻐﺼﺔ ،ﻓﺘﻌﺎﻫﺪ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﲆ املﺤﺒﺔ واﻟﺜﺒﺎت ﻋﲆ
املﻮدة إﱃ ﺣني اﻟﻠﻘﺎء.
وﻛﺎن ﻋﻤﺮ »ﺟﻮزﻓني« وﻗﺘﺌ ٍﺬ أرﺑﻊ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،وﻫﻲ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺒﻬﺎء واﻟﺠﻤﺎل ،أﺳﻴﻠﺔ
رﺟﻼ ﻓﺮﻧﺴﺎوﻳٍّﺎ ﻳﻠﻘﺐ ﺑ »اﻟﻜﻮﻧﺖ ﻓﻴﺲ ً اﻟﺨﺪ ،ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ اﻟﻘﺪ ،واﺗﻔﻖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤني أن
227
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
228
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
وﻛﺎن »وﻟﻴﻢ« ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة ﻳﱰﻗﺐ اﻟﻔﺮص ﻟرياﻫﺎ وﻟﻮ ﻣﺮة ،ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻞ ﻣﺮاﻣﻪ ،ﻓﻴﺌﺲ
ﻣﻨﻬﺎ وﻗﻄﻊ اﻟﺮﺟﺎء ﻣﻦ اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ ،ﻓﺘﺰوج ﺑﻔﺘﺎة ﻏﻨﻴﺔ ﻗﴣ وإﻳﺎﻫﺎ ﺣﻴﺎة ﺗﻌﻴﺴﺔ.
وﺳﻤﺢ ﻟﻪ أن ﻳﻜ ﱢﻠﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ،وملﺎ رأتأﻣﺎ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻓﻘﺼﺪﻫﺎ إﱃ اﻟﺪﻳﺮُ ،
أﻧﻪ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻬﺎ إﻻ اﻻﻗﱰان ﺑﻪ ،ﺣﺴﺐ رﻏﺒﺔ ﻋﻤﺘﻬﺎ وزوﺟﻬﺎ ،وأن »وﻟﻴﻢ« ﺗﺰوج ﺑﻐريﻫﺎ،
ﻃﻠﺒﺖ اﻟﺮﺟﻮع ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺮ واﻗﱰﻧﺖ ﺑﺎﻟﻘﺴﻴﺲ ﻛﻮﻧﺖ »إﺳﻜﻨﺪر ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« املﺬﻛﻮر وﻟﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﻌﻤﺮ ﺳﺖ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ زواﺟﻬﺎ ﻣُﺆ ﱠﻟﻔﺔ ﻣﻦ أﻋﲆ ﻃﺒﻘﺔ
ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء واﻷﴍاف ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺮﴈ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺮﻗﺔ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ،وﺟﻮدة أﺧﻼﻗﻬﺎ.
أﻣﺎ زوﺟﻬﺎ ﻓﻜﺎن ﻣﻌﺠﺒًﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻋ ﱠﺮﻓﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ وﺑﺎملﻠﻜﺔ »ﻣﺎري أﻧﺘﻮاﻧﺖ«
ﻫﻨﺎك ﰲ ﻗﴫ »ﻓﺮﺳﺎﻟﻴﺔ« .وﻗﻀﺖ »ﻣﺎري أﻧﺘﻮاﻧﺖ« و»ﺟﻮزﻓني اﻷوﱃ« — اﺑﻨﺔ »ﻣﺎرﻳﺎ
ﺗﺮﻳﺰا« إﻣﱪاﻃﻮرة اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﻗﻴﺎﴏة »أﺳﺘﻮرﻳﺎ« — وﻗﺪ أﺗﺖ ﻣﻦ وﺳﻂ اﻟﺒﻼط
اﻟﻨﻤﺴﻮي ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻠﻜﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ وزﻳﻨﺔ اﻟﺒﻼط اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ »ﺟﻮزﻓني« اﺑﻨﺔ رﺟﻞ
ﱢﻴﺖ ﺑني اﻟﺰﻧﻮج .وﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻈﻦ ﻣﺰارع ﻣﻮﻟﻮدة ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻗﺪ ُرﺑ ْ
ﻂ إﱃ أﺳﻔﻞ درﻛﺎت اﻟﺬل وﺗﻘﺘﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ، ﺑﺒﺎل أن »ﻣﺎري أﻧﺘﻮاﻧﺖ« ﺗﻨﺤ ﱡأو ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻪ ٍ
و»ﺟﻮزﻓني« ﺗﺴﺘﻮي ﻋﲆ ﻋﺮش ﻟﻢ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎﴏة ﰲ أﻳﺎﻣﻬﻢ؟
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺑﺪأت اﻟﺜﻮرة وﻋ ﱠﻢ اﻟﻜﻔﺮ واﻹﻟﺤﺎد ﺑﻼد ﻓﺮﻧﺴﺎ ،واﺳﺘﺨﻔﻮا ﺑﺎﻟﺪﻳﺎﻧﺔ
املﺴﻴﺤﻴﺔ ،ﻓﻜﺜﺮ اﻟﻔﺴﺎد وزاد اﻟﺒﻼء ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻠﺰواج اﻟﴩﻋﻲ أﻗﻞ اﺣﱰام ،ﺑﻞ ﺷﺎع اﻟﻄﻼق
إﱃ درﺟﺔ ﻣﺴﺘﻬﺠﻨﺔ .وملﺎ رأت »ﺟﻮزﻓني« أن زوﺟﻬﺎ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ وﻻ
ﻛﱪﻳﺮاﻋﻲ ﺣﺮﻣﺔ اﻵداب ،وﻗﺪ ﺗﻠﻄﺦ ﺑﺎملﻔﺎﺳﺪ ﻋﲆ أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻘﺪه ﻓﻴﻪ؛ ُ
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﻈﻪ ﻣﻨﻬﺎ.ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻣﺮ وأﻇﻬﺮت ﻟﻪ ﻛﺪرﻫﺎ ﺑﻠﻄﻴﻒ اﻟﻌﺒﺎرة ً
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٧٨٠م ،وﻟﺪت اﺑﻨﺔ وﺳﻤﱠ ﺘﻬﺎ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ،ﻓﺤﺒﺒﺖ وﻻدﺗﻬﺎ »ﺟﻮزﻓني« إﱃ
زوﺟﻬﺎ ،وملﺎ ﻛﺎن »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ اﻷوﺻﺎف ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎف واﻟﻄﻬﺎرة
إﻻ اﺳﻤﻬﻤﺎ ،ﻛﺎن ﻳﻠﻮم »ﺟﻮزﻓني« ﻹﻧﻜﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻮء ﺗﴫﻓﻪ ،ﺣﺎﺳﺒًﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺣﻖ ﰲ
اﻟﻜﻼم ﻣﻌﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ﻣﺎ دام ﻳﻌﺎﻣﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ واملﻌﺮوف ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺟﻮزﻓني ﺗﺮى
ﻳﻮﻣً ﺎ ﺳﻌﻴﺪًا ،وزادت ﺗﻌﺎﺳﺘﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ،وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺳﻠﻮٍّا ﺳﻮى اﺑﻨﺘﻬﺎ اﻟﺼﻐرية.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٧٨٣م ،وﻟﺪت اﺑﻨًﺎ وﺳﻤﺘﻪ »أﻳﻮﺟني« ،ﻓﺼﺎر ﻟﻬﺎ وﻟﺪان ﺗﻌ ﱠﺰت ﺑﻬﻤﺎ ﻋﻦ
ﻋﺎﻛﻔﺎ ﻋﲆ املﻨﻜﺮات ،وﻣﻤﺎ زاد »ﺟﻮزﻓني« ﻏﻴ ً
ﻈﺎ ﻓﺴﺎد املﺮأة ً ﺟﻔﺎء واﻟﺪﻫﻤﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺰل
اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻴﻬﺎ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺟﺎءت ﻣﺮة إﱃ »ﺟﻮزﻓني« وﻫﻲ ﻏري ﻋﺎملﺔ أﻧﻬﺎ ﻋﺸﻴﻘﺘﻪ،
وأرﺗﻬﺎ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ذﻛﺮﺗﻬﺎ ﺑﻤﺤﺒﺔ »وﻟﻴﻢ« ﻟﻬﺎ ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﻜﻠﻤﻬﺎ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ
229
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮﺗﻬﺎ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ رﺳﺎﻟﺔ إﱃ ﻋﻤﻬﺎ وﻋﻤﺘﻬﺎ ذﻛﺮت ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻮﻻ اﻷوﻻد ﻟﱰﻛﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ
إﱃ اﻷﺑﺪ ،وأن واﺟﺒﺎﺗﻬﺎ ﺗﻘﴤ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺴﻠﻮ »وﻟﻴﻢ« ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ملﺎ زوﱠﺟﺎﻫﺎ ﺑﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﺗﻌﻴﺴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻵن .إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم.
ﻓﺎﺧﺘﻠﺴﺖ ﺗﻠﻚ املﺤﺘﺎﻟﺔ اﻟﻜﺘﺎب وارﺗﺪت ﻟ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻣ َُﱪ ً
ﻫﻨﺔ ﻟﻪ أن ﺑني »وﻟﻴﻢ«
و»ﺟﻮزﻓني« ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻓﻜﺮه »ﺟﻮزﻓني« ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ً
ﻛﺮﻫﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﺣﺎوﻟﺖ أن
ﺗﱪئ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻤﺎ اﺗﻬﻤﻬﺎ ﺑﻪ ﻇﻠﻤً ﺎ وﻋﺪواﻧًﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳُﺼﻎ إﻟﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻃﺮدﻫﺎ وأﺧﺬ اﺑﻨﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ،
وﻃﻠﺐ ﻣﻦ املﺠﻠﺲ ﻃﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﺬت اﺑﻨﺘﻬﺎ وذﻫﺒﺖ إﱃ دﻳﺮ ﻫﻨﺎك ﻟﺘﻘﴤ ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن
رﻳﺜﻤﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻬﺎ .وﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺪة ﻗﻀﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ وﻣﺮارة اﻟﻌﻴﺶ ،واﻟﻘﻠﻖ اﻟﺬي ﻣﺎ
ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺰﻳﺪ! ﻋﲆ أن املﺠﻠﺲ ﺑ ﱠﺮأﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ اﺗﱡﻬﻤﺖ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻃﺎﻟﺖ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ
ً
اﻧﻔﺼﺎﻻ. اﻟﺰﻣﺎن ،وﺣﻜﻢ ﻋﲆ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« أن ﻳﻘﻮم ﺑﻨﻔﻘﺘﻬﺎ وﻧﻔﻘﺔ اﺑﻨﺘﻬﺎ ،وأن ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻪ
وﺣﺪث ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أﻧﻬﺎ ﺗﻠﻘﺖ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻬﺎ وﻋﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ »ﻣﺮﺗﻴﻨﻴﻜﻮ« ﻳﺴﺄﻻﻧﻬﺎ
ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﺄﺧﺬت اﺑﻨﺘﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ وﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ ﻫﻨﺎك ،ﻓﻘﺎﺑﻼﻫﺎ ﺑﺎملﺤﺒﺔ واﻹﻋﺰاز،
وﻗﻀﺖ ﺛﻼث ﺳﻨني ﰲ »ﻣﺮﺗﻴﻨﻴﻜﻮ« ﻣﻐﻤﻮﻣﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻻ ﺳﻠﻮى ﻟﻬﺎ ﺳﻮى املﻄﺎﻟﻌﺔ وﺗﻌﻠﻴﻢ
اﺑﻨﺘﻬﺎ ،واﻟﺘﺼﺪﱡق ﻋﲆ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﻓﺘﻜﺎر ﺑﻮﻟﺪﻫﺎ وﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻬﺎ ﻣﻊ
ً
ﻧﺎدﺑﺔ ﺗﻌﺲ ﺣﻈﻬﺎ وﺳﻮء ﺣﺎﻟﻬﺎ. زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺘﺬﻫﺐ إﱃ اﻷﻣﺎﻛﻦ املﻨﻔﺮدة وﺗﺒﻜﻲ ﺑﻜﺎء ﻣ ٍّﺮا
ً
ﻣﺤﺎوﻻ ﻧﺴﻴﺎن اﻣﺮأﺗﻪ أﻣﺎ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻓﺎﻧﻐﻤﺲ ﰲ اﻟﴪور ،واﻧﻬﻤﻚ ﰲ اﻟﺸﻬﻮات
واﺑﻨﺘﻪ ،ﻓﺠﻠﺐ ذﻟﻚ ﻟﻪ ﻋﺎ ًرا ،وﻛﺜﺮ ﺗﺤﺪﱡث اﻟﻨﺎس ﺑﺄﻣﺮه ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﻀﻐﺔ ﰲ اﻷﻓﻮاه ،وﻟﻢ
ﻳﺮ ﻣﻦ ﻳﻤﺪﺣﻪ ﻋﲆ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،ﻓﺘﺬﻛﺮ زوﺟﺘﻪ اﻷﻣﻴﻨﺔ وﺣﻨﻮﻫﺎ وﻛﻤﺎﻟﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﻨﺪم ﻋﲆ
ﻗﺴﻮﺗﻪ وﺳﻮء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ ﻟﻬﺎ ،وأﺣﺐ أن ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ ﺛﺎﻧﻴًﺎ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻬﺎ ﻣُﻈﻬ ًﺮا أﺳﻔﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ
ﻓﺮط ﻣﻨﻪ ﰲ املﺎﴈ ،واﻋﺪًا أن ﻳﺴﻠﻚ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺎملﺤﺒﺔ واﻷﻣﺎﻧﺔ ،وﻻ ﻳﻌﻮد ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ إﱃ ﻣﺎ
ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ،ﻣﺆﻛﺪًا ﻟﻬﺎ اﺣﱰاﻣﻪ ﻟﺼﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﴩﻳﻔﺔ ،راﺟﻴًﺎ أن ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ ﻣﻊ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﻟﺘﺠﻤﻊ
ﺷﻤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﺸﺘﺘﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ اﻃﻠﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﲆ رﺳﺎﻟﺔ زوﺟﻬﺎ ﺟﺬﺑﻬﺎ اﻟﻮﺟﺪ واﻟﺸﻮق إﱃ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺒﻌﻴﺪ
ﻋﻨﻬﺎ ،وﺗﺼﻮرت أﻧﻬﺎ ﺳﺘﻀﻤﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﺑﺘﻬﺠﺖ ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺘﺼﻮر واﻟﻔﻜﺮ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﻗﺪ ﻧﺴﻴﺖ اﻷﺗﻌﺎب واﻷﺣﺰان اﻟﺘﻲ ﻗﺎﺳﺘﻬﺎ ،ﻓﺬﻛﺮت أﻣﺮﻫﺎ ﻷﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ،وأﻇﻬﺮت ﻟﻬﻢ أﻧﻪ
ﻟﻮﻻ ﺷﻮﻗﻬﺎ إﱃ وﻟﺪﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﱰك اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻃﻮل ﻋﻤﺮﻫﺎ ،ﻓﺄﻟﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺻﺪﻗﺎؤﻫﺎ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء
ﻓﻠﻢ ﺗﺮض ،ﺑﻞ ودﻋﺘﻬﻢ ورﺟﻌﺖ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وملﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﺎﺑﻠﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﺑﺎﻟﱰﺣﺎب،
وﻛﺎن ﻗﺪ اﺧﺘﱪ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻌﻴﺸﺔ اﻷﻫﻠﻴﺔ ،واملﺤﺒﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮة اﻟﻨﻘﻴﺔ ،وﻓﺮﺣﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﺰوﺟﻬﺎ
230
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
َ
وﺗﻨﺎﺳﻴَﺎ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻌﻴﺴﺔ املﺎﺿﻴﺔ، واﺑﻨﻬﺎ ،وﴎ زوﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﺟﺘﻤﺎع اﻟﺸﻤﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻔﺮق،
وﺻﻤﱠ ﻤﺎ ﻋﲆ املﻌﻴﺸﺔ ﺑﺎﻟﺼﻔﺎء واﻟﺴﻌﺎدة.
وﻟﻜﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﰲ اﻟﻨﺎس ُﻗ ﱠﻠﺐ ،ﻓﺈن ﺻﻔﺎءﻫﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻄﻞ ملﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻋﻨﺪ
ﺷﺒﻮب ﻧﺎر اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺒﻼد ﻛﺎﻧﺖ وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻗﺎﻋﺪة ،واملﻠﻚ واملﻠﻜﺔ ﻛﺎﻧﺎ ﰲ
اﻟﺴﺠﻦ ،وﻛﺎن »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﰲ اﺑﺘﺪاء اﻟﺜﻮرة ﻣﻦ أﺷﺪ أﻧﺼﺎر ﺣﺰب اﻟﺤﺮﻳﺔ ،واﻧﺘﺨﺐ ﻣﻌﺘﻤﺪًا
ﻟﻠﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺤﺰب ،ﻓﻜﺎن ﻟﻪ إملﺎم ﺑﻜﻞ ﻣﺘﻌﻠﻘﺎﺗﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻧﺤﻞ ﻋﻘﺪ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ
ﻓﺮﺟﻊ إﱃ اﻟﺠﻴﺶ ،وملﺎ اﻧﺘﻈﻤﺖ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﺗﻔﺎق اﻷﻣﺔ اﻧﻀﻢ إﱃ ﻋﻀﻮﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ،
ً
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﺮﺗني. واﻧﺘﺨﺐ
واﻧﻘﺴﻤﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ إﱃ ﺣﺰﺑني ،ﺣﺰب ﻣﺆﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﻮام ،وآﺧﺮ ﻣﻦ
رﺟﻼ ﻗﺎﺳﻴًﺎ ﻳﺪﻋﻰ ً اﻷﴍاف ،وﻗﻮي ﺣﺰب اﻟﻌﻮام ﻋﲆ ﺣﺰب اﻷﴍاف ،وﻛﺎن ﻗﺎﺋﺪه
»دوﺑﺴري« ،ﻓﻘﺒﻀﻮا ﻋﲆ ﺟﻤﻬﻮر ﻏﻔري ﻣﻦ ﺣﺰب اﻷﴍاف وأودﻋﻮﻫﻢ اﻟﺴﺠﻦ ﻟﻴﻘﺘﻠﻮﻫﻢ
ﺑﻌﺪ املﺤﺎﻛﻤﺔ ،وﻛﺎن ﰲ اﻟﺠﻤﻠﺔ »ﺟﻮزﻓني« وزوﺟﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻗﺒﻀﻮا ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺑﻌﻨﻒ وﺳﺎﻗﻮﻫﻤﺎ
ﻣﻜﺎن ﻣﻈﻠﻢ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻵﺧﺮ ،وﻟﻢ ﻳﺮﺛﻮا ﻟﺤﺎﻟﺔ وﻟﺪﻳﻬﻤﺎ ٍ إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،ووﺿﻌﻮا ٍّ
ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﰲ
اﻟﺼﻐريﻳﻦ .وﻛﺎن ﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ُﺳﺠﻨﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻴﻪ أﺗﺘﻬﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ
اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻳُﺨﱪوﻧﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺳﻴﺠﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳﺤﻀﻮﻧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻬﺮب وﻃﻠﺐ اﻟﻨﺠﺎة.
ﻓﻠﻤﺎ اﻃﻠﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﲆ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﰲ أﻣﺮ ﻧﺠﺎﺗﻬﺎ وﻧﺠﺎة أوﻻدﻫﺎ
أﻳﻀﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺮ ﺑﺎﺑًﺎ ﻟﻠﻬﺮب ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﺮع اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺎرﺟﻲ واﻟﻀﻮﺿﺎء أﻣﺎﻣﻪ، ً
ﻓﻔﻬﻤﺖ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ وأﴎﻋﺖ إﱃ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﻮﻟﺪان ﻧﺎﺋﻤني ﻓﻴﻬﺎ ،ودﻧ َ ْﺖ ﻣﻨﻬﻤﺎ وﻫﻤﺎ
ﻧﺎﺋﻤﺎن واﻟﺪﻣﻮع ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻋﲆ وﺟﻨﺘﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻛﺒﱠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ وﻗﺒﱠﻠﺘﻬﻤﺎ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻮداع ،وﺧﺮﺟﺖ
ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻓﺔ وأﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب؛ ﻟﺌﻼ ﻳﺴﺘﻴﻘﻈﺎ ،ودﺧﻠﺖ ﻏﺮﻓﺔ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ،ﻓﺮأت ﻓﻴﻬﺎ ﻋُ ﺼﺒﺔ ﻣﻦ
اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ا ُمل َﺴ ﱠﻠﺤﺔ ،ﻓﺄﻏﻠﻈﻮا ﻟﻬﺎ اﻟﻜﻼم ،ﺛﻢ ﺳﻠﺒﻮا ﻣﺎ ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ وﺳﺎﻗﻮﻫﺎ إﱃ اﻟﺴﺠﻦ اﻟﺬي
أﺷﻬﺮ ﻗﻠﻴﻠﺔ.
ٍ ﻗﺘﻞ ﻓﻴﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ آﻻف ﺷﺨﺺ ﻣﻨﺬ
أﻣﺎ اﻟﻮﻟﺪان ،ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻴﻘﻈﺎ ووﺟﺪا أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﻣﻨﻔﺮدﻳﻦ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻊ اﻟﺨﺪم ﺳﺄﻻ ﻋﻦ
أﻣﻬﻤﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻤﺎ واﺣﺪ أﻧﻪ ﻗﺪ ُﻗﺒﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأُﺧﺬت إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻓﺒﻜﻴﺎ واﻧﺘﺤﺒﺎ ،وﻃﻠﺒﺎ
أن ﻳﺬﻫﺒﺎ إﱃ اﻟﺴﺠﻦ وﻳﻘﻴﻤﺎ ﻣﻊ أﺑﻴﻬﻤﺎ وأﻣﻬﻤﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﻤﺎ ﻋﻤﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺴﺠﻦ
»ﺟﻮزﻓني« أﺧﺬﺗﻬﻤﺎ إﻟﻴﻬﺎ.
أﻣﺎ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« و»ﺟﻮزﻓني« ﻓﻜﺎن ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﰲ ﺳﺠﻦ ﻣﻈﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﺠﻮن اﻟﻘﺘﲆ ،وﻗﺪ
ﺗﻠﻄﺦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﺂﺛﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺠﻮن ،وﻛﺎﻧﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﻜﺎن ﻋﻦ اﻻﻓﺘﻜﺎر واﻟﺒﻜﺎء
231
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻬﻤﺎ ،وﻣﺎ ﺳﻴﺌﻮل إﻟﻴﻪ أﻣﺮﻫﻤﺎ ،وﻣﺎ آل إﻟﻴﻪ ﺑﻴﺘﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮاب ،وﻳﺘﺸﻮﻗﺎن
إﱃ اﺳﺘﻤﺎع ﳾء ﻋﻦ وﻟﺪﻳﻬﻤﺎ وأﺣﻮاﻟﻬﻤﺎ .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ إذ وﺻﻠﺖ اﻷﺧﺒﺎر إﱃ
»ﺟﻮزﻓني« ﻋﻦ أﻣﺮ ﺳﻼﻣﺘﻬﻤﺎ ،ﻓﻔﺮح ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺴﺎرة.
وأﻣﺎ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻓﻠﻢ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺴﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ .وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺤﺎدث اﻟﻬﺎﺋﻞ ﻫﻮ اﻟﻌﺎﺻﻒ
اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻻﻗﺘﻪ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ﺑﺤﺮ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺠﺎج .أﻣﺎ اﻟﺴﺠﻦ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ
»ﺟﻮزﻓني« ﻣﺴﺠﻮﻧﺔ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻜﺎن دﻳﺮ »اﻟﻜﺮﻣﻠﻴني« ،وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺑﻜﻮﻧﻪ ﻣﴪح
اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻌﺪوان ،وﻛﺎن ﻣﺘﺴﻌً ﺎ وﻓﻴﻪ ﻋﺪة ﻏﺮف ،وﻟﻪ أﴎاب ﻣﻈﻠﻤﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ وﺟﺪ داﺧﻞ
ﺟﺪراﻧﻪ ﻋﴩة آﻻف ﻣﺴﺠﻮن ﰲ وﻗﺖ واﺣﺪ ،وﻛﺎن ﻛﻞ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣ ً
ُﻠﻄﺨﺎ
ﺑﺪﻣﺎء اﻟﻘﺘﲆ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء اﻟﻬﺎﺋﺠﻮن ﻳﺠ ﱡﺮون اﻟﻨﺎس إﱃ
اﻟﺴﺠﻮن ﺑﺎملﺌﺎت واﻷﻟﻮف ،وﻛﺎن ﻛﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻬﻨﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﻘﻮا أﻣﺎم ﻣﺬﺑﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
ﻟﻼﺳﺘﻬﺰاء ﺑﺮﺳﻮم اﻟﺪﻳﻦ ،وﻫﻨﺎك ﻗﺘﻠﻮﻫﻢ.
وﻛﺎن ﰲ ﺳﺠﻮن ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﺴﺠﻮن ،وﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺑﺮﻳﺎء
ﻳﻨﺘﻈﺮون ﺳﺎﻋﺔ ﻗﺘﻠﻬﻢ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻬﻢ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻮﻗﺔ اﻟﻨﺎس وﺟﻬﺎﻟﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ
ﻣﻦ أﴍاف ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻣُﻬﺬﱠﺑﻴﻬﺎ .أﻣﺎ ﺳﺠﻦ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻜﺎن ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻫﺬا اﻟﺪﻳﺮ ﻣﻊ ﻣﺎﺋﺔ
ﻧﻔﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن ﺑني ﻫﺆﻻء اﻟﺮﻓﺎق وﺳﺘني ً
وﻫﻲ ﻣﻮﻗﻨﺔ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺎل زوﺟﻬﺎ ﺳﻮء ،وراﺟﻴﺔ أﻧﻬﻤﺎ ﺳﻴﺨﺮﺟﺎن ﻗﺮﻳﺒًﺎ وﻳﺮﺟﻌﺎن إﱃ ﺑﻴﺘﻬﻤﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺘﺐ إﱃ زوﺟﻬﺎ وأوﻻدﻫﺎ ﺗﺸﺠﻌﻬﻢ ،وﺗﺸﺪ ﻋﺰاﺋﻤﻬﻢ ،وﺗﺠﺬب ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ
إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺤﺴﻦ أﺧﻼﻗﻬﺎ ،ورﻗﺔ ﺷﻤﺎﺋﻠﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻠﻜﺖ ﻗﻠﻮب املﺴﺠﻮﻧني ﰲ زﻣﻦ ﻗﺼري،
ﻓﺎﺧﺘﺎروﻫﺎ ﻟﺘﻘﺮأ ﻟﻬﻢ اﻟﺠﺮﻳﺪة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ؛ ملﻬﺎرﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﺮاءة وﻛﻮﻧﻬﺎ ذات ﺻﻮت رﺧﻴﻢ ﻳﺄﺧﺬ
ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ اﻟﻘﻠﻮب ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮون اﻟﻌﺠﻼت ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ اﻟﺴﺠﻦ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﺎملﺴﺠﻮﻧني املﺴﻮﻗني
إﱃ اﻟﺬﺑﺢ ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﻓﺎﻟﺒﻌﺾ ﻳﺮﻳﻦ رﺟﺎﻟﻬﻦ ،واﻟﺒﻌﺾ أوﻻدﻫﻦ وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻋﺰاء ﻋﻨﺪﻫﻢ،
ﻓﻴﻘﻌﻦ ﻋﲆ اﻷرض ﻓﺎﻗﺪات اﻟﺸﻌﻮر.
وﰲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺣﻠﻤﺖ »ﺟﻮزﻓني« أﻧﻬﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ وﺟﻠﺴﺖ ﻣﻊ
زوﺟﻬﺎ وأوﻻدﻫﺎ ،ﻓﺴﻤﻌﺖ ﻣﻨﺎدﻳًﺎ ﻳﻨﺎدﻳﻬﺎ ﻟﻠﺤﻀﻮر أﻣﺎم اﻟﺤﻜﺎم ،ﻓﺘﺄﻛﺪت ﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻗﺮب
أﺟﻠﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻻ را ﱠد ﻟﻠﻌﺪو ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺪة اﻟﻌﺪﻳﻤﺔ اﻟﺸﻔﻘﺔ واﻟﺮﺣﻤﺔ ،وأن ﺧﺪاع
ﻫﺬه املﺤﺎﻛﻤﺔ ﻟﻴﺲ إﻻ اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﱃ ﻹﻋﺪام ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻫﺎ إﻻ املﺬﺑﺤﺔ ،ﻓﺴﻘﻄﺖ
آﻣﺎﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﻼص ﻣﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﺮﺟﺎء إﱃ اﻟﺤﻀﻴﺾ واﻟﻴﺄس ،وﺟﺬﺑﻬﺎ اﻟﻮﺟﺪ إﱃ زوﺟﻬﺎ
وأوﻻدﻫﺎ ،وﻏﻠﺐ إﱃ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﺣﻨ ﱡﻮ املﺮأة ﻋﲆ ﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ رﺟﻌﺖ إﱃ ﻧﻔﺴﻬﺎ واﺳﺘﻌﺪت
232
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
إﱃ املﺤﺎﻛﻤﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻬﺪووء واﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،ﺛﻢ ﺳﻴﻘﺖ ﻣﻦ ﺳﺠﻨﻬﺎ إﱃ دار املﺤﻜﻤﺔ
أﻳﻀﺎ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮوا ﻧﻮﺑﺘﻬﻢا ُملﻠﻄﺨﺔ ﺑﺪﻣﺎء اﻟﻘﺘﲆ ،وأدﺧﻠﺖ إﺣﺪى ﻏﺮﻓﻬﺎ ﻫﻲ وآﺧﺮون ً
ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ إﻣﺎ اﻟﺤﻴﺎة وإﻣﺎ املﻮت اﻟﻌﺎﺟﻞ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺟﺎﻟﺴﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻧﻮﺑﺘﻬﺎ إذ ﻓﺘﺢ ﺑﺎب ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ
املﻘﺎﺑﻠﺔ ،ودﺧﻞ ﻣﻨﻪ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ املﺘﺴﻠﺤﺔ وﻣﻌﻬﻢ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﴎى ،وﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ أﺗﻮا
ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ آﺧﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻴﻮن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺤﺪﻗﺔ ﺑﻬﻢ وﻫﻢ داﺧﻠﻮن واﺣﺪًا ﺑﻌﺪ آﺧﺮ،
ً
ﻣﻬﺰوﻻ ذﻛﺮﻫﺎ ﺑﺰوﺟﻬﺎ ،ﻓﺄﻋﺎدت اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ واﻟﺘﻘﺖ اﻟﻌني وﻧﻈﺮت »ﺟﻮزﻓني« ﻓﺮأت ً
رﺟﻼ
ﺑﺎﻟﻌني ﻓﻌﺮف ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻵﺧﺮ ،ورﻛﺾ ورﻛﻀﺖ ﻣﴪﻋني ،وﺗﺬﻛﺮ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ
ﻋﺪم أﻫﻠﻴﺘﻪ ﻟﻜﺮم أﺧﻼق »ﺟﻮزﻓني« وﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻪ ،ﻓﺤﻨﻰ رأﺳﻪ املﻨﺼﺪع ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻬﺎ ،وﺑﻜﻰ
ﺑﻜﺎء اﻟﻨﺪاﻣﺔ واﻟﺘﻮﺑﺔ ،ﻓﺒﻌﺪ أن ﻗﻀﻴﺎ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ أﺗﻰ اﻟﺠﻨﻮد وﺟﺮوا
»ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« إﱃ املﺤﻜﻤﺔ — وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﺮة اﻷﺧرية اﻟﺘﻲ رأى ﻓﻴﻬﺎ »ﺟﻮزﻓني« ورأﺗﻪ —
ﺛﻢ أرﺟﻌﻮه إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،وﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﳾء إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﴍاف واﻷﻛﺎﺑﺮ ،وﻋﲆ ذﻟﻚ
اﺳﺘﺤﻖ املﻮت.
أﻳﻀﺎ ﺳﻮى أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأةﺛﻢ أدﺧﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ﻧﻮﺑﺘﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﳾء ً
رﺟﻞ ﻣﻦ اﻷﴍاف وﺻﺎﺣﺒﺔ »ﻣﺎري أﻧﺘﻮاﻧﺖ« ،وﻛﺎﻧﺖ ذات اﻣﺘﻴﺎزات ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﴫ
أﻳﻀﺎ ،ﻓ ُﺮدﱠت إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﴚء املﻠﻜﻲ ،وﻋﲆ ذﻟﻚ اﺳﺘﺤﻘﺖ اﻟﺬﺑﺢ ﻫﻲ ً
ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬي ﺻﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻻ ﻋﲆ زوﺟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ واﺛﻘﺔ أﻧﻬﻤﺎ ﺳﻴﺨﺮﺟﺎن ﻗﺮﻳﺒًﺎ؛ إذ ﻟﻢ
ﻳﺪر ﰲ ﺧﻠﺪﻫﺎ أﻧﻪ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺑﺎملﻮت ﻣﻦ ﻏري أن ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ارﺗﻜﺎب ﺟﺮﻳﻤﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا
ﻳﺄﺗﻮن إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ﺑﺠﺮﻳﺪة أﺳﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺼﻴﺒﻬﻢ اﻟﺬﺑﺢ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺘﺎﱄ،
وﺣﺪث ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ »ﺟﻮزﻓني« وزوﺟﻬﺎ ﺑﺄﻳﺎ ٍم ﻗﻠﻴﻠﺔ ﰲ ﻣﺴﺎء أرﺑﻌﺔ وﻋﴩﻳﻦ ﻳﻮﻟﻴﻮ ﺳﻨﺔ
١٧٩٤م ،أن »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« رأى اﺳﻤﻪ ﺑني أﺳﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﺴﺎﻗﻮن إﱃ اﻟﺬﺑﺢ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح.
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ذﻟﻚ وﺗﺬﻛﺮ »ﺟﻮزﻓني« وأوﻻده ﺣﺰن وﻋ ﱠﺰت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻟﻜﻨﻪ ﺗﺠﻠﺪ
واﺳﺘﻌﺪ ﻟﻠﺬﺑﺢ ،ﺛﻢ أﺧﺬ ﻳﻜﺘﺐ رﺳﺎﻟﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« ﻣ ُْﻔﻌﻤﺔ ﺑﻌﻮاﻃﻒ املﺤﺒﺔ ،وأﻛﺪ
ﻟﻬﺎ اﻋﺘﻘﺎده اﻟﻘﻠﺒﻲ ﺑﻄﻬﺎرﺗﻬﺎ وﺳﻤﻮ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ،وﺷﻜﺮﻫﺎ ﻣﺮا ًرا ﻷﺟﻞ ﻣﺴﺎﻣﺤﺘﻬﺎ إﻳﺎه اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ
ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻣﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺬﻧﺒًﺎ؛ ﺣﻴﺚ رﺟﻊ وﻃﻠﺐ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ،وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ
أن ﺗﺮﺑﻲ وﻟﺪﻳﻬﺎ وﺗﻌﻠﻤﻬﻤﺎ ﻣﺤﺒﺔ أﺑﻴﻬﻤﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻘﻰ ذﻛﺮه ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ وﻣﺤﺒﺘﻪ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻤﺎ
وﻗﺼﻮا ﺷﻌﺮه ،ﻟﻜﻴﻼ ﻳﺒﻘﻰ ﳾء ﱡ ﺑﻌﺪ املﻤﺎت ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ أﺗﻰ اﻟﺠﻼدون
ﻣﻌﺎرض ﻟﻠﺴﻴﻒ ﻋﻨﺪ ﻗﻄﻊ رأﺳﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻂ ﺧﺼﻠﺔ ﺿﻔرية ﻣﻨﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ إﱃ »ﺟﻮزﻓني«
233
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻘﺴﺎة ،وﻟﻢ ﻳﺴﻤﺤﻮا ﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻪ اﺷﱰى ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻀﻊ ﺗﺬﻛﺎ ًرا أﺧريًا ،ﻓﻤﻨﻌﻪ اﻟﺠﻼدون ُ
ﺷﻌﺮات وأرﺳﻠﻬﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.
وﰲ اﻟﻐﺪاة ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺠﻼت املﺬﻧﺒني واﻗﻔﺔ ﻋﲆ ﺑﺎب اﻟﺴﺠﻦ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺣﻜﻢ ﰲ ذﻟﻚ
اﻟﻴﻮم ﺑﺈﻋﺪام ﻋﺪد ﻛﺜري ﻣﻦ املﺴﺠﻮﻧني ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺠﻼت ﻣﺎرة ﰲ أﺳﻮاق ﺑﺎرﻳﺲ
ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﺎﻷﺑﺮﻳﺎء املﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻴﻮن اﻟﺸﻌﺐ ﺷﺎﺧﺼﺔ إﻟﻴﻬﻢ وﻗﺪ اﺷﻤﺄ ﱠز ْت ﻣﻦ
ﻫﺬه املﻈﺎﻟﻢ ،وملﺎ وﺻﻠﻮا إﱃ املﻜﺎن املﻌني ﻟﻘﺘﻠﻬﻢ ﻗﺘﻠﻮﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺑﻼ ﺷﻔﻘﺔ ،ﺣﺘﻰ إذا
أﻓﻀﺖ اﻟﻨﻮﺑﺔ إﱃ »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ﺻﻌﺪ إﱃ املﺬﺑﺤﺔ وﻫﻮ راﺑﻂ اﻟﺠﺄش ،ﺛﺎﺑﺖ اﻟﺠﻨﺎن ،ﻓﴬﺑﻮه
ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﴐﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ.
أﻣﺎ ﺟﻮزﻓني ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻮﻗﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﺳﻴﻘﻊ ﻋﲆ ﺑﻌﻠﻬﺎ ،وﻻ ﻋﺎرﻓﺔ ﺑﴚء ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وملﺎ
أﺗﺖ ﺟﺮﻳﺪة اﻷﺧﺒﺎر اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ إﱃ اﻟﺴﺠﻦ اﺟﺘﻬﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻌﺎملﺎت ﺑﺬﻟﻚ أن ﻳُﺨﻔﻴﻨﻬﺎ
ﻋﻨﻬﺎ ،أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻠﻢ ﺗﻨﻔﻚ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺠﺮﻳﺪة ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻠﻤﺘﻬﺎ ،وأول ﳾء ﺣﻮل ﻧﻈﺮﻫﺎ إﻟﻴﻪ
أﺳﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ،ﻓﻠﻤﺎ وﺟﺪت اﺳﻢ زوﺟﻬﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺳﻘﻄﺖ إﱃ اﻷرض ﻛﻤﻴﺘﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻣﺪة
ﻓﺎﻗﺪة اﻟﺤﻮاس ،وملﺎ اﺳﺘﻔﺎﻗﺖ ﴏﺧﺖ ﰲ وﺳﻂ ﺣﺰﻧﻬﺎ :آه! ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ،أﻣﺘﻨﻲ أﻣﺘﻨﻲ؛ ﻷﻧﻪ
ﻻ ﺳﻼم إﻻ ﰲ اﻟﻘﱪ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ أﺻﺪﻗﺎؤﻫﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ وﺟﻌﻠﻮا ﻳﻌﺰوﻧﻬﺎ وﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻬﺎ اﻟﺤﺮص ﻋﲆ
ﺳﺒﻴﻼ ،وﻻ ﻏﻤﺾ ﻟﻬﺎ ﺟﻔﻦ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ.ً ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﻮﻟﺪﻳﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﻠﺴﻠﻮى
وملﺎ ﺑﺰغ اﻟﻔﺠﺮ أﺗﻰ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ اﻟﻘﺴﺎة اﻟﻌﺪﻳﻤﻲ اﻟﺸﻔﻘﺔ إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ﺑﺎﻷﺧﺒﺎر
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺮح »ﺟﻮزﻓني« ﻟﻮﻻ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻮﻟﺪﻳﻬﺎ وﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑﻬﻤﺎ ،وﻛﺎن ﻣﺂل ﺗﻠﻚ اﻷﺧﺒﺎر
أﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﻘﺘﻞ ،ﻓﺠﺎء اﻟﺠﻼدون وﻗﺼﻮا ﺷﻌﺮﻫﺎ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻠﻘﻀﺎء أﻧﻬﻢ اﺳﺘﺎﻗﻮﻫﺎ ﻫﻲ ً
املﱪم ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻪ ﺑﺎملﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :إﻧﻚ ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺟني إﱃ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻴﻤﺎ
ﺑﻌﺪ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ أﺻﺪﻗﺎؤﻫﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ وﻃﻔﻘﻮا ﻳﺒﻜﻮن وﻳﻨﻮﺣﻮن.
أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻜﺎﻧﺖ راﺑﻄﺔ اﻟﺠﺄش ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﳾء ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺤﺰن واﻟﺨﻮف واﻟﺮﻋﺐ،
وملﺎ رأت أﺻﺪﻗﺎءﻫﺎ وﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﻐﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻴﻬﻢ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ :ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻜﻢ
ﺗﻨﻮﺣﻮن وﺗﺒﻜﻮن ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﻗﺘﻞ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻨﻮن ،ﺑﻞ إﻧﻨﻲ ﺳﺄﺻري ﻣﻠﻜﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ؛ ﻷن ذﻟﻚ
ً
وﻋﻮﻳﻼ ،ﻇﺎﻧني ﻣﻜﺘﻮب ﱄ ﰲ ﺻﺤﻒ اﻟﺤﻮادث ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ذﻟﻚ ازدادوا ﺑﻜﺎء
أﻧﻬﺎ أﺻﻴﺒﺖ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن ،وﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ إﺣﺪى اﻟﺴﻴﺪات وﻗﺎﻟﺖ :إذن ملﺎذا ﻻ ﺗﻬﻴﺌني اﻟﺤﻮاﳾ
ﺻﺪﻗﺖ ،ﻓﺈﻧﻚ أﻧﺖ ﺗﻜﻮﻧني وﺻﻴﻔﺘﻲ ﰲ اﻟﻘﴫ. ِ واﻟﺤﺸﻢ ﻟﻘﴫك؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ »ﺟﻮزﻓني«:
وﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺪ إذ .و ﱠملﺎ أرﺧﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﺳﺪوﻟﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﺴﺠﻦ ﺷﻤﻞ اﻟﻬﺪوء واﻟﺴﻜﻮن
داﺧﻠﻪ ،ﺛﻢ ﺑﺰﻏﺖ ﺷﻤﺲ اﻟﻈﻬرية ﰲ وﺳﻂ ﻗﺘﺎم اﻟﻠﻴﻞ ،وﻋﻼ ﻫﺘﺎف اﻟﻔﺮح واﻟﴪور ﺑني
234
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
املﺴﺠﻮﻧني ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،ووﻗﻊ ﻛﺜريون ﻋﲆ اﻷرض ﻓﺎﻗﺪي اﻟﺸﻌﻮر ﻏري ﻣﺼﺪﻗني ﺑﻤﺎ
ﺳﻤﻌﻮه ﻣﻦ اﻟﺒﴩى ،وذﻟﻚ أن »دوﺑﺴري« اﻟﻘﺎﳼ اﻟﻘﻠﺐ ﻛﺎن ﻗﺪ أُﻣﺴﻚ وﻗﺘﻞ وﻗﺎم ﺣﻜﺎم
آﺧﺮون ،وﻓﺘﺤﻮا أﺑﻮاب اﻟﺴﺠﻮن اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﻷﴎى ،وأﻃﻠﻘﻮا ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ.
رﺟﻼ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ »ﺗﺎﻟﻴﺎن« ﻣﻦ املﻘﺘﺪرﻳﻦً أﻣﺎ ﺳﺒﺐ إﻣﺴﺎك »دوﺑﺴري« وﻗﺘﻠﻪ ،ﻓﻬﻮ أن
ﻣﻊ ذوي اﻟﺠﺎه واﻟﺴﻄﻮة ﻛﺎن ﻳﺤﺐ ﻣﺪام »ﻓﺎﻧﺸﺎي« ،وﻫﻲ ﺳﻴﺪة ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺴﺠﻮﻧﺔ ﻣﻊ »ﺟﻮزﻓني« ،وﻛﺎن ﻳﺬﻫﺐ ﻛﻞ ﻳﻮم إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ﻟرياﻫﺎ ،ﻓﺤﺪث ذات ﻳﻮم أﻧﻪ
ﴎا ،وأﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺮﺑﺖ ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ذﻟﻚ اﻧﺘﻈﺮت وﻗﺖ ﺣﻀﻮر »ﺗﺎﻟﻴﺎن« اﺗﱠﺼﻞ ﺑﻬﺎ ٍّ
إﱃ دار اﻟﺴﺠﻦ ،وملﺎ ﺣﴬ اﻗﱰﺑﺖ ﻫﻲ و»ﺟﻮزﻓني« ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة اﻟﺴﺠﻦ املﺸﺒﻜﺔ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ
ورﻣﺖ ورﻗﺔ ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ »ﻛﺮﻣﺐ« ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ :ﻗﺪ دﻧﺖ ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻲ ،واملﻮت ﻣﺆﻛﺪ ،ﻓﺈذا ﻛﻨﺖ
ﺗﺤﺒﻨﻲ — ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل — ﻓﺎﺑﺬل ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻪ ﻹﻧﻘﺎذي وإﻧﻘﺎذ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺛﻢ ﺟﻌﻠﺘﺎ ﺗﺸريان
إﻟﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻬﻢ ﻗﺼﺪﻫﻤﺎ ،واﻟﺘﻘﻂ اﻟﻮرﻗﺔ املﻠﻔﻮﻓﺔ ﻣﻦ اﻷرض ،وملﺎ ﻗﺮأﻫﺎ ﺛﺎر ﺛﺎﺋﺮه ،وﻧﺒﺾ
ﺣﺎﻻ إﱃ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ وﺟﻌﻞ ﻳﻬﻴﺠﻬﻢ ﺿﺪ »دوﺑﺴري« وأﺗﺒﺎﻋﻪ ،وﻛﺎن اﻟﺸﻌﺐ ﻧﺎﺑﻀﻪ ،وذﻫﺐ ً
ﻗﺪ ﻣ ﱠﻞ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻟﻢ »دوﺑﺴري« ،ﻓﻮاﻓﻘﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺰب ﻛﺒري ﻣﻨﻬﻢ ،وأﺛﺎروا ﺛﻮرة ﻋﻈﻴﻤﺔ
ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻋﲆ »دوﺑﺴري« ،ﻓﺪارت اﻟﺪاﺋﺮة ﻋﻠﻴﻪ وﻋﲆ أﺗﺒﺎﻋﻪ ،ﻓﻘﺒﻀﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻗﺘﻠﻮﻫﻢ،
وﺧﻠﺼﻮا اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ﻇﻠﻤﻬﻢ وﻋﺪواﻧﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻓﺘﺤﻮا أﺑﻮاب اﻟﺴﺠﻮن ،وأﺧﺮﺟﻮا ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺬﻳﻦ
ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻴﻬﺎ ،وﻋﺪدﻫﻢ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﺴﺠﻮن ،ﻓﺄي ﻗﻠﻢ أو أي ﻟﺴﺎن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن
ﻳﻌﱪ ﻋﻤﺎ ﺷﻤﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني ﻣﻦ اﻟﻔﺮح واﻻﺑﺘﻬﺎج ملﺎ اﻧﺘﴩت اﻷﺧﺒﺎر ﰲ اﻟﺒﻼد ﺑﺈﻋﺪام
ذﻟﻚ اﻟﻈﺎﻟﻢ اﻟﻐﺸﻮم ،وإﻧﻘﺎذ أﺣﺒﺎﺋﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺪه ،وﺗﺨﻠﺼﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﻬﺬه اﻟﻮاﺳﻄﺔ ﻣﻦ
ﺳﺠﻨﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻛﺜريﻳﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﻇﻼم اﻟﺴﺠﻦ إﻻ إﱃ ﻋﺎﻟﻢ أﺷﺪ ﻇﻼﻣً ﺎ ،وأﻛﺜﻒ
ﻏﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻓﺈن زوﺟﻬﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ،وﺑﻴﺘﻬﺎ ﻗﺪ ﻧﻬﺐ ،وأﻣﻼﻛﻬﺎ اﻏﺘﺎﻟﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،وﻛﺜريون ﻣﻦ
أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ﻗﺪ ﻫﻠﻜﻮا ،ﻓﺄﻣﺴﺖ وﻫﻲ أرﻣﻠﺔ ﻓﻘرية ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﳾء ،وﻻ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ
ﻋﻤﻼ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺑﻪ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﻌﺎﺷﻬﺎ وﺗﻄﻠﺐ ﻣﻌﻮﻧﺘﻪ ،وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﺘﻌﺎﻃﻰ ً
وﻣﻌﺎش وﻟﺪﻳﻬﺎ .اﻟﺴﺒﺐ ﺗﻮﻗﻒ اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻜﺜرية ،ﻓﻠﻢ ﺗﺮ ﺑﺪٍّا ﻫﻲ ووﻟﺪاﻫﺎ ﻣﻦ
ﺑﺴﻂ ﻛﻒ اﻟﺴﺆال ،وﻛﺎن ﻣﺎ ﺗﺠﺸﻤﺘﻪ ﰲ ﻫﺬه املﺪة ﻣﻦ أﻣ ﱢﺮ ﻣﺎ ذاﻗﺖ ،وأﺻﻌﺐ ﻣﺎ ﻻﻗﺖ ﰲ
ﻛﻞ أﻳﺎم ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﺪرﺟﺔ ﺗﺮﻗﺖ »ﺟﻮزﻓني« إﱃ أﺳﻤﻰ درﺟﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أﺣﺪًا ﻣﻦ
اﻟﻨﺎس أن ﻳﺘﺼﻮرﻫﺎ وﻻ ﰲ ﻣﻨﺎﻣﻪ.
ﻗﻠﻨﺎ :إن »دوﺑﺴري« ﻗﺘﻞ وﻗﺎم ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺣﻜﺎم آﺧﺮون ،وﻓﺘﺤﻮا أﺑﻮاب اﻟﺴﺠﻮن ﻟﻸﴎى،
إﻻ أن دم اﻟﻘﺘﲆ ﻟﻢ ﻳﺰل ﺟﺎرﻳًﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن؛ ﻷن ﻫﺆﻻء اﻟﺤﻜﺎم ﻗﺼﺪوا ﻗﻄﻊ ﺷﺄﻓﺔ اﻷﴍاف
235
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺠﺮون اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻘﺘﻞ ذﻛﻮ ًرا وإﻧﺎﺛًﺎ ،ﻛﺒﺎ ًرا وﺻﻐﺎ ًرا ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا
ﻳﺬﻫﺒﻮن إﱃ املﺪارس وﻳﺠﺮون ﺗﻼﻣﺬﺗﻬﺎ ﺻﺒﻴﺎﻧًﺎ وﺑﻨﺎت وﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻬﻢ .ﻓﻠﻤﺎ رأت »ﺟﻮزﻓني«
ذﻟﻚ ارﺗﻌﺪت ﻓﺮاﺋﺼﻬﺎ ﺟﺰﻋً ﺎ ﻋﲆ اﺑﻨﻬﺎ ،وﺣﺎوﻟﺖ إﺧﻔﺎءه ،ﻓﺄرﺳﻠﺘﻪ إﱃ أﺣﺪ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ،
وﻇﻞ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪه ﺑﻤﻬﻨﺔ ﻋﺪة أﺷﻬﺮ ،وﻫﻮ ﻓﺮح ﺑﺬﻟﻚ.
أﻣﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻠﻢ ﺗﺒﻖ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،وﺣﺎﺷﺎ ﻟﺴﻴﺪة ﻛﺒرية اﻟﻨﻔﺲ ،ﻛﺮﻳﻤﺔ اﻷﺧﻼق،
ﺣﻤﻴﺪة اﻟﺴﺠﺎﻳﺎ ﻣﺜﻞ »ﺟﻮزﻓني« أن ﺗﱰك ﺑني ﺟﻤﺎﻋﺎت اﻟﺒﴩ وﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺗﻔﺘﺢ
ﺻﺪور املﻨﺎزل ،وﺗﻌﻄﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ،ﻓﺈن ﻛﻞ أﺣﺪ ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ أﻧﻪ ﻳﻨﺎل ً
ﴍﻓﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ
ﺑﻤﺼﺎﺣﺒﺘﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﺗﺪﻋﻰ »دوﻣﻴﻠني« — وﻫﻲ ﺳﻴﺪة ﻋﻈﻴﻤﺔ ذات ﻣرياث ﻋﻈﻴﻢ،
وﻗﺪ اﺗﻔﻖ ﺧﻼﺻﻬﺎ وﺧﻼص أﻣﻮاﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮر ﻓﺮﻧﺴﺎ — ﻓﻬﺬه دﻋﺖ »ﺟﻮزﻓني« إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ،
وﺑﺬﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺪام »ﻓﺎﻧﺸﺎي« ،وﻫﻲ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺼﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ
وﻋﺪدًا ﻛﺒريًا ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻜﺘﺎﺑﺘﻬﺎ إﱃ »ﺗﺎﻟﻴﺎن« ﻋﲆ ورﻗﺔ املﻠﻔﻮف ،وﻛﺎن ﺑﻌﺪ ﺧﻼﺻﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ
أﻳﻀﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻋﺰ ﺻﺪﻳﻘﺎت »ﺟﻮزﻓني« ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺬل ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ اﻗﱰﻧﺖ ﺑ »ﺗﺎﻟﻴﺎن« ،وﻫﻲ ً
ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﻣﻊ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻏريﻫﺎ.
ﺛﻢ إن ﺟﻮزﻓني ﻗﺎﻣﺖ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺤﻘﻮﻗﻬﺎ ﻣﻊ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﺗﻔﺎق اﻷﻣﺔ ،وﻫﻲ اﺳﱰﺟﺎع
أﻣﻼﻛﻬﺎ املﺤﺠﻮزة ،وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻳﺪ »ﺗﺎﻟﻴﺎن« ،ﻓﻨﺠﺢ ﻣﺴﻌﺎﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ وأﺗﻌﺎب
ﺟﺴﻴﻤﺔ ،واﺳﱰﺟﻌﺖ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ أﻣﻼﻛﻬﺎ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺮﺟﻌﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺛﺎﻧﻴﺔ إﱃ
ﺑﻴﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎص ،وﺟﻤﻌﺖ إﻟﻴﻬﺎ وﻟﺪﻳﻬﺎ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« و»أﻳﻮﺟني« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺄﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ
املﺨﻠﺼني ،وﺻﻔﺖ ﻟﻬﺎ اﻷﻳﺎم وﺳﺎملﺘﻬﺎ اﻟﻠﻴﺎﱄ روﻳﺪًا ،وﺣﺪث ذات ﻳﻮم أﻧﻬﺎ دﻋﺖ اﺑﻨﻬﺎ إﱃ
ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ وأﻋﻄﺘﻪ ﺻﻮرة أﺑﻴﻪ املﻘﺘﻮل وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﺧﺬ ﻫﺬه ﻳﺎ وﻟﺪي إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻚ ،واﺟﻌﻠﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ
ﺗﺄﻣﻠﻚ ،وﻧﻤﻮذج ﺣﻴﺎﺗﻚ اﻟﺪاﺋﻢ؛ ﻓﺈن ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻛﺎن أول ﻣﺤﺒﻮب ﺑني اﻟﻨﺎس ،وﻟﻮ ﺑﻘﻲ ﺣﻴٍّﺎ
ﻟﻜﺎن أﺣﺴﻦ واﻟﺪ ،ﻓﺄﺧﺬ »أﻳﻮﺟني« اﻟﺼﻮرة ﻣﻦ أﻣﻪ وﺧﺮج وﻫﻮ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ واﻟﺪﻣﻮع ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ
ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ .ﺛﻢ ﻋﺎد ﰲ املﺴﺎء إﱃ واﻟﺪﺗﻪ وﺑﺼﺤﺒﺘﻪ ﺳﺘﺔ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ،وﻗﺪ وﺿﻌﻮا ﻋﲆ
ﺑﻴﻀﺎ وﺳﻮدًا ﻋﲆ ﻣﺜﺎل ﺻﻮرة »ﺑﻮاﻫﺮﻧﻲ« ،ﻓﻨﻈﺮ »أﻳﻮﺟني« إﱃ أﻣﻪ وﻗﺎل: أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ ﴍاﺋﻂ ً
اﻧﻈﺮي ﻳﺎ أﻣﺎه ،إﱃ ﻣﺆﺳﴘ ﻧﻈﺎم ﺟﺪﻳﺪ ﰲ اﻟﻔﺮاﺳﺔ ،وﻫﺬا ﻗﺪﻳﺴﻨﺎ اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻟﻨﺎ ،وأﺷﺎر إﱃ
ﺻﻮرة واﻟﺪه ،وﻫﺆﻻء ﻫﻢ أﻋﻀﺎؤﻫﺎ اﻷوﻟﻮن.
ﺛﻢ ﻋ ﱠﺮﻓﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ وﻗﺎل :إن اﺳﻢ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﻧﻈﺎم املﺤﺒﺔ اﻟﺒﻨﻮﻳﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﻨﺖ
ﺗﺤﺒني أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺷﺎﻫﺪة ﻋﲆ اﻓﺘﺘﺎﺣﻬﺎ ﻓﺎدﺧﲇ املﺠﻠﺲ اﻟﺼﻐري ﻣﻊ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﺒﺎن ،ﻓﺪﺧﻠﺖ
ً
ﺟﻤﻴﻼ ﺑﺄﻛﺎﻟﻴﻞ اﻟﻮرد واﻟﻐﺎر ،وﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ »ﺟﻮزﻓني« ﻣﻌﻬﻢ وإذا ﺟﺪران اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺗﺰﻳﻴﻨًﺎ
236
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
237
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
238
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
وﻟﻢ ﻳﺬق ﰲ أﻳﺎﻣﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﻓﺮاح اﻟﺸﺒﺎن وﻣﴪاﺗﻬﺎ؛ ﻷن رﻏﺒﺘﻪ ﰲ ﺣﺐ اﻻرﺗﻘﺎء ﻏﻠﺒﺖ
ﻋﲆ ﻛﻞ ﳾء ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪه ﻣﻊ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﳾء أﺳﻌﺪ وأﺑﻬﺞ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ
ﻛﺎن ﻳﻘﻀﻴﻬﺎ وﺣﺪه ﻣﻊ »ﺟﻮزﻓني« ،إﻣﺎ ﺑﺎﻷﺣﺎدﻳﺚ املﻔﻴﺪة ،وإﻣﺎ ﺑﺎملﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﻬﺎ ورﻏﺒﺘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺰداد ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻴﻮﻣً ﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﻨﺴﺎء ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﺗﻌﺪ ﰲ
ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﻠﻤﺎ ﻳﺤﱰم ﻫﺬا اﻟﺠﻨﺲ وﻳﻘﻮل» :إن ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﻻ ﻳﻘﺴﻦ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء املﺨﻠﺼني ً ﺑﺠﻮزﻓني «.وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻌﺘﺎدًا أن ﻳﺮى ﰲ ﺑﻴﺖ »ﺟﻮزﻓني«
اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺒﻮﻧﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ،وﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ﺗﺮﻗﻴﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ.
أﻣﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﻜﺎن ذا ﻋﻮاﻃﻒ ﻗﻮﻳﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺣﺒﻪ ﻟﻼرﺗﻘﺎء واﻻرﺗﻔﺎع ﻛﺎن أﻗﻮى.
وأﻣﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﺎﻧﻌﺔ ﺑﺨﻠﻮص ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﻬﺎ ،وﺷﺪة ﻏﺮاﻣﻪ ﺑﻬﺎ ،وﻣﺎ زاﻻ ﻳﻈﻬﺮان
اﻟﺤﺐ واﻟﺘﻮدد ﻟﺒﻌﻀﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ آذار )ﻣﺎرس( ﺳﻨﺔ ١٧٩٦ﻟﻠﻤﻴﻼد ،ﻓﺎﻗﱰن
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑ »ﺟﻮزﻓني«.
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﺗﻮﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﻴﺎدة اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﰲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،ﻓﱰك ﻋﺮوﺳﻪ
ﺑﺘﻌﺐ وﻻ ﺑﺠﻮع ٍ ﺑﻌﺪ زﻓﺎﻓﻪ ﺑﺎﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وأﴎع إﱃ اﻟﺠﻴﺶ وﻛﺎن ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ
ﻳﻤﺾ ﻋﲆ ﺗﻮﻟﻴﺘﻪ ﻗﻴﺎدة اﻟﺠﻴﺶ ﺧﻤﺴﺔ وﻻ ﻧﻌﺎس وﻫﻮ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ ﺟﻮاده ﻧﻬﺎ ًرا ً
وﻟﻴﻼ .وﻟﻢ ِ
ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺣﺘﻰ أﺣﺮز اﻟﻐﻠﺒﺔ ﰲ ﺳﺖ وﻗﺎﺋﻊ ،وﻏﻨﻢ إﺣﺪى وﻋﴩﻳﻦ راﻳﺔ ،وﺧﻤﺴﺔ وﺧﻤﺴني
ﻣﺪﻓﻌً ﺎ ،وﻋﺪة أﻣﺎﻛﻦ ﺣﺼﻴﻨﺔ وأﻏﻨﻰ ﺟﻬﺎت أرض »ﺑﻴﺎرﻣﻮﻧﺖ« ،وأﴎ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ أﻟﻒ
أﺳري ،وﻗﺘﻞ وﺟﺮح ﻋﴩة آﻻف ﺟﻨﺪي ،وﻃﺮد اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳني ﻣﻦ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وأرﺟﻌﻬﻢ إﱃ
ﺑﻼدﻫﻢ ،ﻓﺈن إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻣﻘﺴﻮﻣﺔ إﱃ ﻋﺪة ﻣﻤﺎﻟﻚ ووﻻﻳﺎت ﺻﻐرية ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ،
أﻛﺜﺮﻫﺎ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻠﻨﻤﺴﺎ.
وملﺎ ﻋﻠﻤﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﺎﻧﺘﺼﺎر زوﺟﻬﺎ أﺗﺖ إﻟﻴﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﺸﺎرﻛﻪ ﰲ أﻓﺮاﺣﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻗﴫ
»ﻣﻨﺘﺒﻠﻮ« ﰲ »ﻣﻴﻼن« ﻣﺴﻜﻨًﺎ ﻟﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﻀﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻫﻨﺎك ﻋﺪة ﻣﻦ اﻟﺸﻬﻮر ﰲ ﺳﻌﺎد ٍة
ورﺧﺎء ،ﻓﻜﺎن ﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻌﺪات اﻟﺜﺮوة واﻟﻐﻨﻰ .ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أرﻣﻠﺔ ﻓﻘرية أﺻﺒﺤﺖ زوﺟﺔ
ﻗﺎﺋﺪ ﻇﺎﻓﺮ ﻗﺪ ﻃﺒﻘﺖ ﺷﻬﺮﺗﻪ آﻓﺎق أوروﺑﺎ ،وﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺳرية ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎملﻮت
وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺎﻷﴍاف واﻷﻣﺮاء ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﰲ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﻴﻼﻧﻲ ،وﻗﺪ
ﻗﺎل »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ذات ﻣﺮة ﻣﺸريًا إﱃ ذﻟﻚ» :إﻧﻨﻲ ﺗﺴﻠﻄﺖ ﻋﲆ املﻤﺎﻟﻚ ،وأﻣﺎ ﺟﻮزﻓني ﻓﻘﺪ
ﺗﺴﻠﻄﺖ ﻋﲆ اﻟﻘﻠﻮب«.
وملﺎ أﺧﻀﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻛﻞ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﴐب ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﴬاﺋﺐ ،ووﺿﻊ ﻟﻬﺎ اﻟﻨﻈﺎﻣﺎت
اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ،وﻋﻘﺪ اﻟﻌﻬﻮد ﻣﻊ دوﻟﻬﺎ ،وﺗﻘﺪﱠم إﱃ ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻨﻤﺴﺎ ﰲ أراﺿﻴﻬﺎ ﻓﺎﻧﺘﴫ ﻫﻨﺎك
239
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
أﻳﻀﺎ اﻧﺘﺼﺎ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻓﺘﺢ أﻛﺜﺮ ﻣﺪﻧﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻃﻠﺒﺖ دوﻟﺔ اﻟﻨﻤﺴﺎ اﻟﺼﻠﺢ ﻓﻌﻘﺪ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
ﻣﻌﻬﺎ ﺻﻠﺤً ﺎ ﻋﺎد ﻋﲆ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺎﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻤﻴﻤﺔ ،ﺛﻢ ﻗﻔﻞ راﺟﻌً ﺎ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﺗﺎر ًﻛﺎ »ﺟﻮزﻓني«
وأوﻻدﻫﺎ ﰲ »ﻣﻴﻼن« ﻟﻜﻲ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﻪ اﻧﻘﻴﺎدﻫﻢ إﻟﻴﻪ ﺑﺄﻧﺴﻬﺎ وﺑﺸﺎﺷﺘﻬﺎ ،وﺣﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ،
ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻮﻫﻢ ﻏﺎﻟﺒًﺎ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﺗﻔﺘﺢ أﻧﺪﻳﺘﻬﺎ ﻟﻬﻢ ،ﻓﻌﺪﱠﻫﺎ أﻫﻞ »ﻣﻴﻼن« ﻣﻠﻜﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ،
وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺐ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺒﺄ ﺑﺎﻟﺘﻌﺐ إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﺰوﺟﻬﺎ ،وﺣﺒٍّﺎ ﻟﻪ،
وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ وﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻗﺪ ﻗﺎل ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ »إﻧﻪ ﻣﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ
ﰲ ﻛﻞ دﻗﻴﻘﺔ ﺳﻌﻴﺪة ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﲆ وﺟﻪ ﻫﺬه اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ«.
وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ أﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﺒﺎرﻳﺲ ﺗﺴﻬﺮ ﻋﲆ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﻤﻬﻮر،
أﻳﻀﺎ ﰲ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ ﻣﺼﻠﺤﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﺗﺆﻳﺪ ﺳﻄﻮﺗﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣ ً
ُﻌﺠﺒﺔ ﺑﺘﻘﺪﻣﱡ ﻪ، وﺗﺠﻬﺪ ً
راﻏﺒﺔ ﰲ ازدﻳﺎد ﺷﻮﻛﺘﻪ ،وﻣﻊ أن ﺣﺎﺷﻴﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء واﻷﴍاف ،ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻣﻲ ﻟﻢ
ﻳﺸﻌﺮ أﻧﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻨﻪ ،وﻻ اﻟﻔﻘري أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴﻪ ،ﺑﻞ ﺷﻌﺮوا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺑﻘﺮﺑﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ،
ً
ﺻﺪﻳﻘﺎ أﻗﺎم ﻋﲆ واﻟﺘﻔﺎﺗﻬﺎ إﻟﻴﻬﻢ ،اﻟﻔﻘري ﻛﺎﻟﻐﻨﻲ ،واﻟﺼﻌﻠﻮك ﻛﺎﻷﻣري ،وﻛﺎﻧﺖ إذا ﺻﺎدﻗﺖ
ﺻﺪاﻗﺘﻬﺎ ﻣﺪى اﻟﻌﻤﺮ ،واﻟﺬي ﻣﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻮاﻫﺎ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،وﺧﻠﻮص ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ،وﺳﻬﻮﻟﺔ
اﻻﻗﱰاب ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻮﻻ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﻟ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﺎ أوﺻﻠﺘﻪ ﺑﺴﺎﻟﺘﻪ إﱃ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻞ
إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« رﻓﻴﻘﺘﻪ وﻣﻌﻴﻨﺘﻪ ﻛﺎن ﻇﺎﻓ ًﺮا ﻣﻨﺼﻮ ًرا ،وملﺎ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻛﴪ
وﺧﺬل.
وﻧﺼﻔﺎ ﰲ »ﻣﻴﻼن« ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺣﻴﺚ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«. ً وأﻗﺎﻣﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺳﻨﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻜﻮﻣﺔ »اﻟﺪﻳﺮﻛﺘﻮار« ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄرادت أن ﺗﺒﻌﺪه ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻌﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻘﻠﺪ
ﻗﻴﺎدة اﻷﺳﻄﻮل املﻌني ﺑﻐﺰو اﻷﺳﺎﻛﻞ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻓﺬﻫﺐ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺘﻌﻬﺪ أﺣﻮال ﺗﻠﻚ
اﻷﺳﺎﻛﻞ ،وﻗﴣ ﻋﴩة أﻳﺎم ﺛﻢ رﺟﻊ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ وﻗﺎل» :إن اﻟﻨﺠﺎح ﻏري ﻣﺆﻛﺪ«.
وﻟﻜﻨﻪ أﺑﺪى ﻟﻬﻢ رأﻳًﺎ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺪﻳﺎر املﴫﻳﺔ واﻟﺴﻮرﻳﺔ ﻟﺘﻜﻮن ﺑﺎﺑًﺎ ﻟﻠﻬﻨﺪ ،ﺛﻢ ﻳﺘﻘﺪم إﱃ
ﺿﺒﺎط ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴنيٍ ﻓﺘﺢ اﻟﻬﻨﺪ وﻃﺮد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﺠﻨﻴﺪ ﻋﺴﺎﻛﺮ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ،وﺟﻌْ ﻞ
ﺣﺎﻻ ،ﻻ رﻏﺒﺔ ﰲ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﻠﺪان ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻔﺮﺣﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺮأي ،وأﺟﺎﺑﺖ ﻃﻠﺒﻪ ً
ﰲ إﺑﻌﺎد »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻋﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻣﺘﻮﻗﻌني أن ﻳﻬﻠﻚ وﻳﺘﺨﻠﺼﻮا ﻣﻨﻪ؛ ﻷﻧﻬﻢ أﻣﺴﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ
ﺧﺎﺋﻔني ﺳﻄﻮﺗﻪ ،ﻓﺠﻬﺰت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ وﻋﴩﻳﻦ ﺑﺎرﺟﺔ ،وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻟﻨﻘﻞ
ﻣﻬﻤﺎت اﻟﺤﺮب ،وأرﺑﻌني أﻟﻒ ﺟﻨﺪي.
وﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻣﻦ أﻳﺎر )ﻣﺎﻳﻮ( ﺳﻨﺔ ١٧٩٨م ﻛﺎن ﰲ ﻣﻴﻨﺎء »ﻃﻮﻟﻮن« ﻃﺎﻟﺒًﺎ
اﻟﺪﻳﺎر اﻟﴩﻗﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻗﺪ راﻓﻘﺘﻪ إﱃ »ﻃﻮﻟﻮن« ،وﻗﺪ رﻏﺒﺖ ﻛﻞ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ
240
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
اﻟﺬﻫﺎب ﻣﻌﻪ إﱃ ﻣﴫ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ،ووﻋﺪﻫﺎ أﻧﻪ إذا ﻧﺠﺢ ﻳﺒﻌﺚ ﻟﻴﺄﺧﺬﻫﺎ ،وملﺎ
أﻗﻠﻌﻮا ﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« واﻗﻔﺔ ﰲ ﴍﻓﺔ اﻟﺒﻴﺖ وﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻣﻐﺮورﻗﺘﺎن ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،ﻣﺤﺪﻗﺘﺎن
ﺑﺬﻟﻚ املﻨﻈﺮ اﻟﺒﻬﻴﺞ املﺤﺰن ،ﺛﻢ ﺣﻮﱠﻟﺖ ﻋﻴﻨﻬﺎ وﺗﻔﺮﺳﺖ ﰲ املﺮﻛﺐ اﻟﻜﺒري اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻳﻨﻘﻞ زوﺟﻬﺎ واﺑﻨﻬﺎ ﺳﺎﺋ ًﺮا ﺑﻬﻤﺎ وﺳﻂ املﺨﺎﻃﺮ ،وﺻﺎر املﺮﻛﺐ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ وﻳﺼﻐﺮ أﻛﺜﺮ
ﻓﺄﻛﺜﺮ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﻰ أﺧريًا ﺑني ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻧﻔﺮادﻫﺎ
ووﺣﺪﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﺒﻞ ذﻫﺎﺑﻪ إﱃ ﻣﴫ ﻗﺪ ﻋني »ﺑﻠﻮﻣﺒﻴﺎ« ﻣﺴﻜﻨًﺎ ﻟ »ﺟﻮزﻓني«
رﻳﺜﻤﺎ ﻳُﺮﺳﻞ ﰲ ﻃﻠﺒﻬﺎ.
وملﺎ رأت »ﺟﻮزﻓني« أﻧﻬﺎ ﻣﻨﻔﺮدة أرﺳﻠﺖ ﻓﻄﻠﺒﺖ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﻣﻦ املﺪرﺳﺔ ﻟﺘﻘﻴﻢ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺪة
ﺑُﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ زوﺟﻬﺎ واﺑﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﻣﻞ أﻧﻪ ﺣﺎملﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻼد ﻣﴫ ﻳﻨﺠﺰ وﻋﺪه ﻟﻬﺎ وﻳﻨﻘﻠﻬﺎ
إﱃ وادي اﻟﻨﻴﻞ ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ زﻣﺎن ﻃﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺘﺄﻫﺐ ﻟﻠﺴﻔﺮ ،ﻓﻌﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ
ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎرﺟﺔ املﺴﻤﺎة »ﺑﻮﻣﻮﻧﺎ« ﻟﺘﻌﱪ ﺑﻬﺎ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ إﱃ ﻣﴫ ،وﻟﻜﻦ اﺗﻔﻖ
ﰲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎﻟﺴﺔ وإﺑﺮﺗﻬﺎ ﰲ ﻳﺪﻫﺎ ،وﺣﻮﻟﻬﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات
ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ واﺑﻨﺘﻬﺎ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ،ﻓﺨﺮﺟﺖ إﺣﺪى اﻟﺴﻴﺪات إﱃ اﻟﴩﻓﺔ ﺧﺎرﺟً ﺎ ،ﻓﺄﺑﴫت
ﻛﻠﺒًﺎ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﺎ ٍّرا ﰲ اﻟﺰﻗﺎق ،ودﻋﺘﻬُ ﱠﻦ َﻟريَﻳﻨَﻪ ﻓﱰاﻛﻀﻦ إﱃ اﻟﴩﻓﺔ ،وملﺎ وﺻﻠﻦ إﻟﻴﻬﺎ ﻫﺒﻄﺖ
ﺑﻬﻦ إﱃ اﻷرض وأﻟﻘﺘﻬﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻓﺎﺿﻄﺮ ﻛﺜري ﻣﻨﻬﻦ إﱃ ﻣﻼزﻣﺔ اﻟﻔﺮاش ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﰲ
ﺟﻤﻠﺘﻬﻦ »ﺟﻮزﻓني« ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺪة أﺷﻬﺮ ﻣﺎ أﻣﻜﻨﻬﺎ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ ،وﻟﻜﻦ
ﻈ ِﻤﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻧﺠﺘﻬﺎ ﻣﻦ أﺧﺮى أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺒﺎرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ِﻣﻦ ﻋِ َ
ﻗﺪ أرﺳﻠﻬﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻟﺘﺄﺧﺬﻫﺎ إﱃ ﻣﴫ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أُﺧﺬت ﰲ اﻟﺒﺤﺮ وأُرﺳﻠﺖ إﱃ ﻟﻨﺪن.
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﻤﺎ وﻗﻊ ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻟﺤﻀﻮر ﺑﻌ ُﺪ إﱃ ﻣﴫ
ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺸﱰي ﻣﺴﻜﻨًﺎ ﺧﺎرﺟً ﺎ ﻋﻦ ﺑﺎرﻳﺲ وﺗﻨﺘﻘﻞ إﻟﻴﻪ ،وأﻧﻪ إذا ﻟﻢ ﻳَﻌُ ﻘﻪ ﻋﺎﺋﻖ
ﺟﻤﻴﻼ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﴩة أﻣﻴﺎل ﻋﻦ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﺧﻤﺴﺔ ً ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ،ﻓﺎﺷﱰت »ﺟﻮزﻓني« ﻗﴫًا
أﻣﻴﺎل ﻋﻦ »ﻓﺎرﺳﺎﻟﻴﺎ« اﺳﻤﻪ »ﻣﻠﻤﺎزون« ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ رﻳﺎل ،وأﺿﺎﻓﺖ إﻟﻴﻪ أراﴈ واﺳﻌﺔ
ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺎت ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻟﻌﺔ ﺑﻪ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻳﴩف ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ املﻨﺎﻇﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .وملﺎ ﺣﴬ
ﴎ ﺑﻪ ﻫﻮ ً
أﻳﻀﺎ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺣﺐ املﺴﺎﻛﻦ إﻟﻴﻬﻤﺎ. »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ُ ﱠ
وﰲ أول ﻓﺼﻞ اﻟﺨﺮﻳﻒ أﺧﺬت »ﺟﻮزﻓني« ﺗﺘﻌﺎﰱ ﻣﻤﺎ أﺻﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﱰﻛﺖ »ﺑﻠﻮم ﺑﻴﺎر«
ﻏﺎﺻﺎ ﺑﺎﻷﴍاف واﻷدﺑﺎء، وأﺗﺖ إﱃ »ﻣﻠﻤﺎزون« ﻣﻊ اﺑﻨﺘﻬﺎ وﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات ،وﻛﺎن ﺑﻴﺘﻬﺎ ٍّ
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺘﺐ إﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﰲ اﻟﻘﴫ ،ﺣﺘﻰ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور
ُﴪ ﺑﺄﺧﺒﺎرﻫﺎ ،وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﺠﺘﻬﺪ ﰲ ﺗﻮﺛﻴﻖ رﺑﺎﻃﺎت املﺤﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني زوﱠارﻫﺎ ،ﻓﻴ ﱡ
241
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
واملﻮدة ﺑﻴﻨﻪ وﺑني أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،وأن ﺗﺒﺬل ﺟﻬﺪﻫﺎ ﰲ ﻣﺼﺎدﻗﺔ آﺧﺮﻳﻦ ﻏريﻫﻢ .وﻛﺎن
ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﺄﺛري ﻋﻈﻴﻢ ﰲ أﻋﻀﺎء »اﻟﺪﻳﺮﻛﺘﻮار« ،وﻗﺪ ﺧﻠﺼﺖ ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻖ ،وردت
إﱃ ﻛﺜريﻳﻦ آﺧﺮﻳﻦ اﻷﻣﻼك اﻟﺘﻲ أُﺧﺬت ﻣﻨﻬﻢ.
وملﺎ رأى اﻟﺒﻌﺾ ﺗﺄﺛري »ﺟﻮزﻓني« ﰲ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أرادوا أن ﻳﺤﻮﻟﻮا ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻟﻐﺎﻳﺎت
ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻤﻠﻮا ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻔﺲ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﻟﻪ
أﺻﺪﻗﺎء ،وﻧﺴﺒﻮا إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺨﻔﺔ واﻟﻄﻴﺶ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺆﻻء اﻷﻋﺪاء ﺗﺄﺛري ﻋﻈﻴﻢ ﰲ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«،
ﻓﺠﻌﻠﻮا ﻳﻮﺳﻮﺳﻮن ﰲ ﺻﺪره وﻳﻬﻴﺠﻮﻧﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﺛﺮ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻟﺤﺪﱢة ﻣﺰاﺟﻪ ،وﻗﺎم ﻣﻦ
ﻓﻮره ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﺿﻤﱠ ﻨﻬﺎ ﻗﻮارص اﻟﻜﻠﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻃﻠﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺄﺛﺮت ﺗﺄﺛ ًﺮا
رﻗﻴﻘﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻪ ﻧﻈري ﰲ اﻟﺨﻠﻮص واﻟﺮﻗﺔ — ً ً
ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻗﺎﻣﺖ ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑًﺎ
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ وﺻﻔﺎء ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻳﻈﻬﺮان ﰲ ﺧﻼل ﻛﻞ ﺳﻄﺮ ﻣﻦ ﺳﻄﻮره — وﻟﻜﻦ ﺣﺠﺰت
ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﻤﺴﺎﻋﻲ املﺤﺘﺎﻟني ،ﻓﻠﻢ ﺗﺼﻞ إﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻛﺎﻧﺖ املﺮاﻛﺐ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ
وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ،وﻗﺪ ﻣﻨﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﺮاﺳﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻟﺠﻴﻮش ﰲ ﻣﴫ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﺼﻞ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« أﺧﺒﺎر ﺳﻴﺌﺔ ﻋﻦ أﺣﻮال اﻟﺠﻴﻮش ﰲ ﻣﴫ ،وﻣﺮة
ﻗﻠﻖ وﺑﻠﺒﺎل ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺎف داﺋﻤً ﺎ
وﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ أن زوﺟﻬﺎ ﻣﺎت ،ﻓﺎﺷﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻬﺎ ،وأﻣﺴﺖ ﰲ ٍ
ﻣﺤﻤﻮﻻ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺴﻌﻲ املﻔﺴﺪﻳﻦ واﻟﻮﺷﺎة، ً أن زوﺟﻬﺎ رﺑﻤﺎ ﻳﱰك ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ رﺟﻮﻋﻪ،
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﺒﺬل ﻏﺎﻳﺔ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺌﻮل إﱃ ﺧريه وﻧﺠﺎﺣﻪ ،ﻣﻊ أن ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻛﺎن
ﺗﻌﺒًﺎ ،وﺧﺎﻃﺮﻫﺎ ﻣﻜﺴﻮ ًرا.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺣﺴﺐ ﻋﺎدﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺴﲇ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻷزﻫﺎر واﻟﺮﻳﺎﺣني ،ﻓﺘﻘﴤ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﺑﻨﺘﻬﺎ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﰲ
اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ،وﻣﻌﻮﻟﻬﺎ وﻣﺮﺷﺘﻬﺎ ﰲ ﻳﺪﻫﺎ ،ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﴤ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻛﺒريًا ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ﰲ زﻳﺎرة
ﻛﻔﻬﺎ داﺋﻤً ﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣً ﺎ ﻟﺴﺪ ﻋﻮز املﺤﺘﺎﺟني ،ﻓﺘﺘﺼﺪق ﻋﻠﻴﻬﻢ،ﺑﻴﻮت اﻟﻔﻼﺣني ﺣﻮاﻟﻴﻬﺎ ،وﻛﺎن ﱡ
وﺗﻔﺮح ﻷﻓﺮاﺣﻬﻢ ،وﺗﺤﺰن ﻷﺣﺰاﻧﻬﻢ.
ﱢﺟﺖ إﻣﱪاﻃﻮرة ﻋﲆ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﺑﺘﻬﺞ ﻫﺆﻻء اﻟﻔﻼﺣﻮن اﺑﺘﻬﺎﺟً ﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،ودﻋﻮاوملﺎ ﺗُﻮ ْ
ﻟﻬﺎ ﺑﻄﻮل اﻟﺒﻘﺎء ،وﺣﺴﺒﻮﻫﺎ ﻣﻦ أﺟﺪر اﻟﻨﺴﺎء ﺑﻬﺬا املﻘﺎم .وﻫﻜﺬا ﻗﻀﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﺪة
أﺷﻬﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﰲ اﻟﺠَ ﻮَﻻن ﺑني ﻫﺆﻻء اﻟﻔﻼﺣني ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﴫ ﺑني اﻷﴍاف واﻷﻣﺮاء
ﰲ اﻧﺘﻈﺎر اﺳﺘﻤﺎع اﻷﺧﺒﺎر ﻣﻦ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«.
وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﺑﺘﺪأت ﺳﻨﺔ ١٧٩٩ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،ﻓﻼح أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺑَﺪْأﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ ﺷﺆم ﻋﲆ
ﻓﺮﻧﺴﺎ؛ ﻓﺈن اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺗﻌﺒﻮا ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻟﻢ اﻟﺜﻮرة ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﺷﻐﺎل واﻗﻔﺔ،
242
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
واﻟﺠﻮع ﻋﺎﻣٍّ ﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد ،وﻛﺎن اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﻮن ﻗﺪ دﺧﻠﻮا إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،وأوﻗﻌﻮا ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني
ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻼت ﺑني اﻟﺠﻴﻮش ﰲ ﻣﴫ وﺑني ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ،وأﺧﺒﺎر
ﻣﻮت »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ذاﺋﻌﺔ ﰲ ﻛﻞ اﻟﺒﻼد .وأﻣﺎ ﺣﻜﻮﻣﺔ »اﻟﺪﻳﺮﻛﺘﻮار« ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺆﻟﻔﺔ وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻣﻦ
ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺪ ﻧﺸﺌﻮا ﰲ ﻏﻀﻮن اﻟﺜﻮرة ﻣﻦ ﺑني ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ،واﺳﺘﻠﻤﻮا زﻣﺎم اﻟﺤﻜﻢ ،وﻛﺎﻧﻮا
ﻗﺴﺎة ﻇﺎملني ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل واﻹﻧﺼﺎف ،وﻛﺎن اﻟﺸﻌﺐ ﻗﺪ ﺳﺌﻢ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻛﺮه
اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،وﺗﻤﻨﻰ ﻣﺪ ﻳﺪ ﻗﻮﻳﺔ ﻹﺻﻼح اﻷﺣﻮال اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وإرﺟﺎع اﻟﺤﻜﻢ
واﻟﻨﻈﺎم إﱃ اﻟﺒﻼد.
وﰲ ﻣﺴﺎء اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ،دﻋﺎ رﺋﻴﺲ »اﻟﺪﻳﺮﻛﺘﻮار«
إﱃ ﺑﻴﺘﻪ أﻛﺎﺑﺮ ﺑﺎرﻳﺲ ووﺟﻬﺎءﻫﺎ — وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ﺟﻤﻠﺔ املﺪﻋﻮﻳﻦ — وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ
ﺟﺎﻟﺴﻮن ﻋﲆ املﺎﺋﺪة ﻋﻨﺪ ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ إذ وﺻﻠﺖ رﺳﺎﻟﺔ ﺑﺮﻗﻴﺔ إﱃ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺣﺎوﻳﺔ أﺧﺒﺎر
وﺻﻮل »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ »ﻓﺮﻳﺠﻲ« — وﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻐرية ﻋﲆ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ
— ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ذﻟﻚ أﴎﻋﺖ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،ورﻛﺒﺖ ﻣﺮﻛﺒﻬﺎ ،وﺳﺎرت ﻣﴪﻋﺔ
ُﺴﻤﻌﻮه اﻟﺘﱡﻬﻢ ملﻼﻗﺎة زوﺟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ راﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻪ اﻷﻋﺪاء وﻳ ِ
وﻟﻴﻼ ﺑﻼ أﻛﻞ وﻻ ﻧﻮم ،ﺣﺘﻰ إذا وﺻﻠﺖ إﱃ »ﻟﻴﻮن« ً واﻟﻮﺷﺎﻳﺎت اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ،ﻓﺴﺎرت ﻧﻬﺎ ًرا
أﺧﱪت أن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺗﺮك املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻣني ،ﻓﺴﺎءﻫﺎ ذﻟﻚ ﻛﺜريًا ،وﺟﻌﻠﺖ
أﺧﻤﺎﺳﺎ ﻷﺳﺪاس وﺗﻘﻮل» :ﻣﺎ ﻋﴗ أن ﻳﻘﻮل اﻷﻋﺪاء ﻋﻨﻲ إذا وﺻﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ ً ﺗﴬب
ﺑﺎرﻳﺲ وﻟﻢ ﻳﺠﺪﻧﻲ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ«.
وﻛﺎن ﻣﻦ أﺧﺺ ﻫﺆﻻء اﻷﻋﺪاء إﺧﻮة »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﻧﺴﺎؤﻫﻢ ،وذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ملﺎ رأوا اﻟﻨﺠﺎح
اﻟﺬي وﺻﻞ إﻟﻴﻪ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﺘﺄﺛري ﺟﻮزﻓني ﻓﻴﻪ ،وأن زﻣﺎم اﻷﻣﻮر ﺳﻴﺼﺒﺢ ﰲ ﻗﺒﻀﺔ
ﻳﺪه ﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ ،وﻳﻜﻮن ﻫﻮ اﻟﺤﺎﻛﻢ املﻄﻠﻖ ﺣﺴﺪوه ،وﺣﺎوﻟﻮا أن ﻳﻘﻔﻮا ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ،ﻓﻠﻢ
ﻳﺠﺪوا ﺳﻮى إﻟﻘﺎء اﻟﺒُﻐﺾ واﻟﻔﺴﺎد ﺑﻴﻨﻪ وﺑني »ﺟﻮزﻓني« .وملﺎ وﺻﻞ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ اﻟﻌﺎﴍ
ﻣﻦ ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )أﻛﺘﻮﺑﺮ( اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺣﻮاﻟﻴﻪ ،وﺻﺎروا ﻳﺸﻜﻮن إﻟﻴﻪ أﻋﻤﺎل »ﺟﻮزﻓني«،
وﻳﻨﺴﺒﻮن إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺨﻔﺔ واﻟﻄﻴﺶ واﻹﴎاف وﻋﺪم اﻻﻓﺘﻜﺎر ﺑﻪ وﻏري ذﻟﻚ.
ﻋﺎل» :إﻧﻨﻲ ﻷﻃﻠﻘﻨﻬﺎ «.ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ٍ
ﺑﺼﻮت ٍ ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ذﻟﻚ ﻫﺎج ﻏﻀﺒﻪ وﻗﺎل
إﻟﻴﻪ أﺣﺪ اﻟﺤﻀﻮر وﻗﺎل ﻟﻪ :اﻵن ﺗﺄﺗﻴﻚ ﻣﻌﺘﺬرة ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﺎ اﻟﻔﺼﻴﺢ ،وﻛﻼﻣﻬﺎ اﻟﻌﺬب ،ﻓﺘﺼﻔﺢ
ﻋﻨﻬﺎ وﺗﻌﻮدان إﱃ ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄﺟﺎب »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﻫﻮ ﻳﺘﻤﴙ ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔ ذﻫﺎﺑًﺎ وإﻳﺎﺑًﺎ:
»ﻟﻦ أﺻﻔﺢ ﻋﻨﻬﺎ وأﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ،وﻟﻮﻻ ﺧﻮف اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻨﺰﻋﺖ ﻫﺬا اﻟﻘﻠﺐ وأﻟﻘﻴﺘﻪ ﰲ اﻟﻨﺎر«.
وﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ﻋﺰم »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أن ﻳﻼﻗﻲ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﻌﺪ ﻏﻴﺎﺑﻪ ﻋﻨﻬﺎ زﻫﺎء ﺳﻨﺔ وﻧﺼﻒ ﻣﻦ
اﻟﺰﻣﺎن.
243
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ وﺻﻮﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ وﺻﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ،وﻛﺎن
»أﻳﻮﺟني« ﻳﻨﺘﻈﺮ وﺻﻮﻟﻬﺎ ﺑﻔﺎرغ ﺻﱪ ،وملﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻻﻗﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﺪار اﻟﺴﻔﲆ ،ﺛﻢ ﺻﻌﺪ
ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻊ ً ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﻌﻠﻮي ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻣﺠﺘﻤﻊ أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«، أﺧﻴﻪ ﻳﻮﺳﻒ ،ﻓﺄﺧﺬت »ﺟﻮزﻓني« ﺗﺮﺗﺠﻒ وﻫﻲ ﺻﺎﻋﺪة ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻢ ً
وملﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ اﻟﺒﺎب رآﻫﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﺒﻞ أن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻐﻀﺒًﺎ وﻗﺎل
ﻟﻬﺎ» :ارﺟﻌﻲ ً
ﺣﺎﻻ إﱃ ﻣﻠﻤﺎزون«.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ذﻟﻚ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻦ اﻟﺮﺷﺪ ،وأوﺷﻜﺖ أن ﺗﺴﻘﻂ إﱃ اﻷرض
ﻓﺄﻣﺴﻜﻬﺎ اﺑﻨﻬﺎ ،وذﻫﺐ ﺑﻬﺎ إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ وﻫﻮ ﰲ ﺣﺎل اﻟﻜﺪر اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ
ﺳﻤﻊ ﺻﻮت »أﻳﻮﺟني« وأﻣﻪ وأﺧﺘﻪ ﻧﺎزﻟني ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻢ ﻗﺎﺻﺪﻳﻦ اﻟﺬﻫﺎب ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إﱃ ﺣﺘﻰ ِ
»ﻣﻠﻤﺎزون« ،ﻓﻠﻤﺎ ﺷﻌﺮ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﻨﺰوﻟﻬﻢ أﴎع ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻪ ،وﺻﺎر ﻳﻜﻠﻢ »أﻳﻮﺟني« وﻳﻠﺢ
ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع — وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻮﻗﻌً ﺎ ﻫﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﰲ »ﺟﻮزﻓني« — وﻛﺎن ﻗﻠﺒﻪ
ﻟﻢ ﻳﺰل ﻳﺤﺒﻬﺎ ،وﻃﻠﺐ رﺟﻮﻋﻬﺎ ،وملﺎ وﺟﺪﻫﺎ ﺗﺎرﻛﺔ اﻟﺒﻴﺖ وذاﻫﺒﺔ أراد إرﺟﺎﻋﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ أﻧ َ َﻔﺘﻪ
ﻣﻨﻌﺘﻪ ﻣﻦ أن ﻳﺪﻋﻮﻫﺎ ﴏﻳﺤً ﺎ وﻳﺮﺟﻌﻬﺎ ،ﻓﺼﺎر ﻳﻜﻠﻢ »أﻳﻮﺟني« وﻳﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع،
ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ أن ﻳﺮﺟﻊ ﺑﺄﻣﻪ وأﺧﺘﻪ ،وملﺎ رﺟﻌﻮا ﻟﻢ ﻳﻜﻠﻢ أﺣ ٌﺪ ﻣﻨﻬﻢ اﻵﺧﺮ ،ﺑﻞ دﺧﻠﺖ
»ﺟﻮزﻓني« ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ وﻃﺮﺣﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﻌﺪ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ،ودﺧﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻏﺮﻓﺘﻪ ً
أﻳﻀﺎ،
وﺑﻘﻴﺎ ﻳﻮﻣني ﻟﻢ ﻳﺮ أﺣﺪﻫﻤﺎ اﻵﺧﺮ ،وأﺧﺬت ﻣﺤﺒﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﺮﺟﻊ ﺗﺪرﻳﺠً ﺎ
ﰲ ﻫﺬه املﺪة .وﻟﻢ ﻳﺄت اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺣﺘﻰ ﻏﻠﺐ ﺣﺒﻪ ﻋﲆ ﻛﱪﻳﺎﺋﻪ ،ﻓﻘﺎم ودﺧﻞ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ،
ﻓﺮآﻫﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺪة ورﺳﺎﺋﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« املﺮﺳﻠﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻋﲆ
ﺑﺼﻮت ﺧﻔﻴﻒ» :ﻳﺎ ﺟﻮزﻓني «.ﻓﺮﻓﻌﺖ ٍ املﺎﺋﺪة ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﻗﻒ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﺛﻢ ﻧﺎدى
وﻧﻐﻤﺔ ﺣﻨﻮﻧﺔ ﺟﺮﺣﺖ ٍ ﺑﺼﻮت َﻛﺌ ِِﺐ،
ٍ »ﺟﻮزﻓني« رأﺳﻬﺎ وﻗﺪ ﻏﺴﻞ اﻟﺪﻣﻊ وﺟﻬﻬﺎ ،وأﺟﺎﺑﺖ
ﻗﻠﺒﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻨﺴﻬﺎ ﻛﻞ أﻳﺎم ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﻤﺪ ﻳﺪه إﻟﻴﻬﺎ ،وﻣﺪت ﻳﺪﻫﺎ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ ﺣﻨﺖ رأﺳﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ
وﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻗﻀﻴﺎ ﺑﻀﻌﺔ ﺳﺎﻋﺎت ﰲ إﻳﻀﺎح اﻷﻣﻮر ،وإزاﻟﺔ اﻟﺸﻜﻮك ،وﻣﻦ ﺛﻢ
ُﻐريه ﻋﻨﻬﺎ. ﻋﺎدت ﺛﻘﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« اﻷوﱃ ﺑ »ﺟﻮزﻓني« ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﳾء ﻳ ﱢ
وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« و»ﺟﻮزﻓني« ﻣﻘﻴﻤني وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﰲ »دي ﺷﻨﱰاﻳﻦ« ،وﻛﺎﻧﺖ أﻧﺪﻳﺘﻬﻤﺎ
داﺋﻤً ﺎ ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻘﻮاد واﻷدﺑﺎء واﻷﴍاف ﺷﺄن أﻧﺪﻳﺔ املﻠﻮك واﻟﻌﻈﻤﺎء وﻫﻢ ﻳﺘﺒﺎﺣﺜﻮن ﰲ
أﺣﻮال اﻟﺒﻼد وﻛﻴﻔﻴﺔ إﺻﻼﺣﻬﺎ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن :إﻧﻪ ﻻ رﺟﺎء ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ إﻻ إذا ﻣﺪ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺪه.
وﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﺷﻬﺮ ﻋﲆ رﺟﻮﻋﻪ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﺣﺘﻰ اﻧﻘﻠﺒﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وأﺑﺪﻟﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ
املﺪﻳﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﻨﺎﺻﻞ وﺧﻤﺴﺔ وﻋﴩﻳﻦ
244
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
أﻳﻀﺎ .وملﺎ أﺧﺬ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻋﲆ ﻋﻀﻮًا ،و»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أﺣﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻗﻨﺎﺻﻞ ورﺋﻴﺴﻬﻢ ً
ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻬﺪ ﻫﺬه اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺘﻲ دﻋﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﻳ َُﻔﻪ ﻷﺣﺪ اﻟﺒﺘﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ذﻫﺐ ً
أوﻻ إﱃ
أوﻻ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻬﺎﻧﻲ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺧﱪ اﻵﺧﺮﻳﻦ. »ﺟﻮزﻓني« وأﺧﱪﻫﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﻓﻤﻬﺎ ً
وﰲ اﻟﻐﺪ ،اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻗﻨﺎﺻﻞ وﺟﻤﻬﻮر ﻛﺒري ﻣﻦ وﺟﻬﺎء ﺑﺎرﻳﺲ وأﻛﺎﺑﺮﻫﺎ ،وأﻋﻠﻦ
أن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺳﻴﻜﻮن اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻷول ﰲ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻘﺒﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ ذﻟﻚ ،ودﻋﻮا ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﴫ،
وﻟﻢ ﻳﺴﻔﻚ ﻧﻘﻄﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻐري .وﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ اﻷﻋﻈﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﺗﺄﺛري
»ﺟﻮزﻓني« اﻟﻘﻮي ﰲ أﻫﺎﱄ ﺑﺎرﻳﺲ ﻣﺪة ﻏﻴﺎب »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ ﻣﴫ ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﻈﻢ ﻣﺴﺎﻋﺪة »ﺟﻮزﻓني« ﻟﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؛ ﻓﺸﻜﺮﻫﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ.
وﰲ ﻏﺪ ذﻟﻚ ﻧﻘﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« و»ﺟﻮزﻓني« ﻣﻦ »دي ﺷﻨﱰاﻳﻦ« إﱃ »ﻟﻮﻛﺰﻣﱪج«،
وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ﻋﺘﺒﺔ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« .وﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻣﻦ ﺷﺒﺎط )ﻓﱪاﻳﺮ( ﺳﻨﺔ
ﺑﻤﻮﻛﺐ ﻋﻈﻴﻢ .ﻛﺎن اﻧﺘﻘﺎﻟﻪ إﻟﻴﻪ ﺗﺒ ﱡﻮ َؤه ﺗَ ْﺨﺖ
ٍ ١٨٠٠م ،اﻧﺘﻘﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي«
ﻣﺮﻛﺐ ﺧﺎص ﺑﻬﺎ، ٍ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﰲ ﻣﺴﺎء ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻧﻔﺴﻪ ،اﻧﺘﻘﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ً
أﻳﻀﺎ ﰲ
وملﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« وﺟﺪت زوﺟﻬﺎ ﺑني ﺳﻔﺮاء اﻟﺪول وﻋﻈﻤﺎء املﻤﻠﻜﺔ وأﴍاﻓﻬﺎ،
ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻋ ﱠﺮﻓﻬﺎ ﺑﻬﻢ ،ﻓﺘﻠﻘﺎﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺈﺟﻼل واﺣﱰام ﻳﻠﻴﻘﺎن ﺑﻤﻠﻜﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ
اﻟﺸﺄن ،وﻛﺎن ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﺤﻮ ﺛﻼث وﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،وﻗﺪ زادﺗﻬﺎ
ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ أن ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻨﻀﺎرة ﺻﺒﺎﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ ً ً
وﺟﻤﺎﻻ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﻮن ﺣُ ﺴﻨًﺎ
اﻟﻘﻮام ،وﺿﺎﺣﺔ اﻟﺤﺴﻦ ،ذات ﻋﻴﻨني زرﻗﺎوﻳﻦ ،وﻣُﺤﻴﺎ ﺗﻘﺮأ ﻋﻠﻴﻪ آﻳﺎت اﻟﻠﻄﻒ واﻟﻜﻤﺎل،
وﻛﺄن ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻬﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺗﻌﺎب واﻷﺣﺰان ﻗﺪ زاد اﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ووﺳﻊ
ﻧﻄﺎق ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ،وﺛﻘﻒ ﻋﻘﻠﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ أوج ﻋﺰﻫﺎ ،وإﻳﻨﺎع ﻣﺠﺪﻫﺎ ،وﻃﺎرت
ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ﻛﻤﺎ ﻃﺎرت ﺷﻬﺮة »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤني.
ﻏريوا ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻮﻗﺖ إﱃ أﺳﺎﺑﻴﻊ ،وأﺑﻄﻠﻮا ﺣﻔﻆ اﻵﺣﺎد، وﻛﺎن رﺟﺎل اﻟﺜﻮرة وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻗﺪ ﱠ
إﻻ أﻧﻬﻢ ﺟﻌﻠﻮا ﻳﻮﻣً ﺎ واﺣﺪًا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﴩة أﻳﺎم ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺎء اﻷﻋﻤﺎل ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
ﻳﻘﴤ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻫﻮ و»ﺟﻮزﻓني« ﰲ »ﻣﻠﻤﺎزون« ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺳﻌﺪ أﻳﺎﻣﻬﻤﺎ؛ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺳﺌﻤﺎ
ﻣﻦ ﻋﻴﺸﺔ اﻟﺒﻼط وازدﺣﺎﻣﻪ ،وﻛﺜﺮة ﺗﻜﻠﻔﺎﺗﻪ ورﺳﻤﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﺈذا أﺗﺖ ﺳﺎﻋﺔ رﺟﻮﻋﻬﻤﺎ إﱃ
»اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ذﻛﺮ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ذﻟﻚ ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﺘﻨﻬﺪا .وﻛﺎن اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﻮن ﰲ ﻣﺪة ﻏﻴﺎب
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ ﻣﴫ ﻗﺪ رﺟﻌﻮا إﱃ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﻃﺮدوا اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻣﻼك اﻟﺘﻲ ﻛﺎن
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﺪ رﻓﻊ ﻓﻴﻬﺎ راﻳﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺴﻦ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أﺣﻮال اﻟﺒﻼد اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ وﺟﱠ ﻪ أﻓﻜﺎره إﱃ اﻟﺠﻴﻮش املﻬﺰوﻣﺔ اﻟﺘﻲ
ﻛﺎن ﻗﺪ أوﺻﻠﻬﺎ اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﻮن إﱃ اﻷﻟﺐ ،ﻓﺄﺧﱪ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﺄﻓﻜﺎره وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إن ذﻫﺎﺑﻪ
245
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻃﻮﻳﻼ ،ﻓﻮدﻋﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ أﻳﺎر )ﻣﺎﻳﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨٠٠م ﰲ ً ﴐوري ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻐﻴﺐ
»اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« .وﰲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻤﻮز )ﻳﻮﻟﻴﻮ( ﻋﺎد إﻟﻴﻬﺎ ﻇﺎﻓ ًﺮا ﻣﻨﺼﻮ ًرا ،ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ ﻫﺬه
املﺪة اﻟﻮﺟﻴﺰة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺰد ﻋﲆ اﻟﺸﻬﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﻃﺮد اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳني ،وزﻳﻨﻮا املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻌﺪ
أﺧﺮى ،وإﻇﻬﺎ ًرا ﻟﻔﺮﺣﻬﻢ وﺣﺒﻬﻢ ﻟﻪ ﻛﺎﻧﻮا ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﺠﺪوﻧﻪ ﻳﺘﺠﻤﻬﺮون وﻳﺪﻋﻮن ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﴫ.
وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻗﺪ ﻗﻀﺖ ﻫﺬه املﺪة ﻣﻦ ﻏﻴﺎب »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ »ﻣﻠﻤﺎزون« ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻜﺎﺗﺒﻪ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،وﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ وﻫﻮ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ ﺟﻮاده ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ وﻫﻮ
ﰲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺘﺎل ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺎن ﻳﻤﲇ ﻋﲆ ﻛﺎﺗﺒﻪ ﻣﻦ وﺳﻂ املﻌﺮﻛﺔ وﻃﺒﻮل اﻟﺤﺮب ﺗﻘﺮع،
وﺟﺜﺚ اﻟﻘﺘﲆ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻜﺘﺐ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻮﺟﻴﺰة اﻟﺘﻲ ﻳﻠﻘﻨﻪ إﻳﺎﻫﺎ ،وﻳﺮﺳﻠﻬﺎ إﱃ
»ﺟﻮزﻓني«.
ﻓﻬﺬه اﻻﻟﺘﻔﺎﺗﺎت ﻣﻦ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷوﻗﺎت اﻟﺤﺮﺟﺔ ﺗﻤﺜﻞ
أﺑﻬﺞ ﺻﻮرة ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ إﻳﺎﻫﺎ ،وﺗﺆﻛﺪ ﺳﻤﻮ أﺧﻼق »ﺟﻮزﻓني« وآداﺑﻬﺎ ،وإﻻ ﻟﻢ
ً
وﺧﺼﻮﺻﺎ ً
ﻓﺮﺿﺎ واﺟﺒًﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻳﻜﻦ رﺟﻞ ﻧﻈري »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺤﺴﺐ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ
ﰲ أﺣﺮج أوﻗﺎﺗﻪ ،وﻗﻀﺖ »ﺟﻮزﻓني« أﻛﺜﺮ ﻣﺪة ﻏﻴﺎب »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ إﺻﻼح اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ
ُﴪ ﺑﺈﺻﻼﺣﻬﺎ .وملﺎ رﺟﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب ﺻﺎرا ﻳﻘﻀﻴﺎن ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻦ أن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳ َ ﱡ
ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﰲ »ﻣﻠﻤﺎزون« أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻘﻀﻴﺎن ﻓﻴﻪ ً
ﻗﺒﻼ.
وﻓﺘﺤﺎ اﻷﻧﺪﻳﺔ ﻟﻠﺰوار ﻛﻤﺎ ﰲ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ،وﻛﺎن ﻟﻬﺬه اﻷوﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴣ ﻓﻴﻪ
ﺷﻬﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺑﻬﺞ أوﻗﺎﺗﻬﻤﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻘﻀﻴﺎن ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ املﻼﻫﻲ
واﻷﻟﻌﺎب اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ،وﻳﺸﺎرﻛﻬﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ وﻟﺪا »ﺟﻮزﻓني« وﺑﻌﺾ اﻷﺻﺪﻗﺎء اﻟﺨﺼﻮﺻﻴني ﻣﻦ
ﻣﻠﻮك وﻣﻠﻜﺎت وأﻣﺮاء وأﴍاف ،وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻮاد املﺸﻬﻮرﻳﻦ واﻟﻀﺒﺎط املﻤﻴﺰﻳﻦ ،وﻟﻜﻦ
»ﺟﻮزﻓني« ﻟﻢ ﺗﻐﻔﻞ ﰲ وﺳﻂ ﻫﺬه اﻷﻓﺮاح واﻟﻠﺬات ﻋﻦ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﱃ
ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن ﰲ ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ،وﺧﺼﺼﺖ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻌﻴﻨًﺎ
ﻣﻦ دﺧﻠﻬﺎ ملﺴﺎﻋﺪة املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗُﺘﱠﻬﻢ ﺑﺎﻹﴎاف.
وﺑﻌﺪ ﺗﺒﻮﱡء »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،أﻣﺮ ﺑﺮﺟﻮع املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ إﱃ أوﻃﺎﻧﻬﻢ ،وﺑﺬل
ﻏﺎﻳﺔ ﺟﻬﺪه ﰲ إرﺟﺎع أﻣﻼﻛﻬﻢ املﺤﺠﻮزة ،وﻻ ﺷﻚ أﻧﻪ وﺟﺪ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﻛﺜرية ﻣﻦ ﺟﻬﺎت
ﺑﻌﺾ اﻷراﻣﻞ واﻷﻳﺘﺎم اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻬﻢ ﻣﻦ املﺎل ،وأﺻﺒﺤﻮا ﻓﻘﺮاء ﻣﺴﺎﻛني ﻟﻴﺲ
ﺼﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺼﺼﻬﻢ اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ،ﻓﺘﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﻢ، ﻟﻬﻢ ﳾء ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺄﺗﻮن إﱃ »ﺟﻮزﻓني« وﻳ َُﻘ ﱡ
وﺗﺮﺛﻲ ﻷﺣﻮاﻟﻬﻢ ،وﺗﻤﺪﻫﻢ ﺑﺎملﺴﺎﻋﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤً ﺎ ﺗﻔﻲ ﺑﻮﻋﺪﻫﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺷﺄن
اﻟﻜﺮﻳﻢ.
246
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
وﻛﺎن ﻋﻤﺮ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻧﺤﻮ ﺛﻤﺎن ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،وﻋﻤﺮ »ﻟﻮﻳﺲ« — أﺣﺪ إﺧﻮة
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« — أرﺑﻌً ﺎ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،ﻓﺎﺗﻔﻖ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« و»ﺟﻮزﻓني« ﻋﲆ أن ﻳﺰوﺟﺎ
»ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﺑ »ﻟﻮﻳﺲ« .وﻛﺎن »ﻟﻮﻳﺲ« ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻋﺎ ًملﺎ ﻛﺜري اﻟﺘﺄﻣﻞ ،ﻗﻠﻴﻞ اﻟﻜﻼم ﻣﺜﻞ أﺧﻴﻪ
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻛﺎن ﰲ ﻛﻞ ﳾء أﺷﺒﻪ ﺳﺎﺋﺮ إﺧﻮﺗﻪ ﺑﻪ ،وملﺎ ﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ
ﻳﺤﺎرب اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳني ﺗﻌﺮف »ﻟﻮﻳﺲ« ﺑﻔﺘﺎة ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ أﺣﺪ املﻠﻮك اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﻓﺄﺣﺒﻬﺎ وﺗﻌ ﱠﻠﻖ
ُﴪ ﺑﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺧﺎف أن اﻗﱰاﻧﻬﻤﺎ رﺑﻤﺎ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ رﺟﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﻋﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳ ﱠ
ﻳﴬﱡ ﺑﻪ ،ﻓﺄﺑﻌﺪ »ﻟﻮﻳﺲ« ﻣﻊ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻋﻦ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺮﺟﻮﻋﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺰوﺟﺖ
اﻟﻔﺘﺎة.
ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻊ »ﻟﻮﻳﺲ« وﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﺗﺰوﺟﺖ ﺗﻜﺪر ﻛﺪ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻜﺪر ﺻﻔﻮ أوﻗﺎﺗﻪ
وﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻄﻴﺐ ﻟﻪ .أﻣﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﺸﻌﺮ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﺮح اﻟﺒﺎﻟﻎ ﰲ ﻗﻠﺐ أﺧﻴﻪ ،وﻛﺎن
داﺋﻤً ﺎ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﰲ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ ،وأراد أن ﻳﻨﺴﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ،ﻓﻌﺰم أن ﻳﺰوﺟﻪ ﺑ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ«،
أوﻻ ،ﻏري أﻧﻪ ﻗﺒﻞ أﺧريًا ،وﻛﺬا »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﻟﻢ ﺗﺮﻏﺐ ﻣﻦ أول وﻟﻜﻦ »ﻟﻮﻳﺲ« ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ذﻟﻚ ً
اﻷﻣﺮ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ أﺣﺪ اﻟﻘﻮاد ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء راﺑﻬﺎ املﻘﺮﺑني ،وﻛﺎن ﻳﺘﻜﻞ ﻋﻠﻴﻪ
ﺑﻌﻼ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻘﻮاد ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻏﱰت أﺧريًا ﺑﻤﻮاﻋﻴﺪ راﺑﻬﺎ ،وﻗﺒﻠﺖ أن ﻳﻜﻮن »ﻟﻮﻳﺲ« ً
ﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻗﻀﻴﺎ ﺑﻌﺪ اﻗﱰاﻧﻬﻤﺎ ﺣﻴﺎة ﺗﻌﻴﺴﺔ؛ إذ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﺤﺐ اﻵﺧﺮ ،وﰲ ﺳﺎﻋﺔ
زﻓﺎﻓﻬﻤﺎ ﻻﺣﻆ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﴐﻳﻦ أﺛﺮ اﻟﻐﻢ ﻋﲆ وﺟﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺮوﺳني ،وﻟﻢ ﺗﺨﻒ ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ
ﺗﻌﺎﺳﺘﻬﻤﺎ اﻟﺘﻲ أدت إﱃ اﻧﻔﺼﺎل أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ.
أﻣﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﺮاﻓﻘﺖ ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن ﺳﻨﺔ ١٨٠٢م ﻋﻨﺪ ﻃﻮاﻓﻪ ﺑﺒﻌﺾ ﺟﻬﺎت املﻤﻠﻜﺔ،
أﻳﻀﺎ ﰲ ذﻫﺎﺑﻪ إﱃ »ﻟﻴﻮن« ﻷﺟﻞ ﻣﻼﻗﺎة ﻧﻮاب إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺜﻤﺎ ذﻫﺒﺖ ﺗﺪﻫﺶ وراﻓﻘﺘﻪ ً
اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﻤﺰاﻳﺎﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﺗﺄﺛريﻫﺎ ﰲ زوﺟﻬﺎ وﰲ ﻛﻞ ﻣَ ﻦ ﻋﺮﻓﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ رﺟﻌﺖ ﻫﻲ
أﻓﺮاح
ٍ و»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ ﻗﴫﻫﻤﺎ املﺤﺒﻮب ﰲ »ﻣﻠﻤﺎزون« ،وﻗﻀﻴﺎ ﻫﻨﺎك ﻋﺪة أﺳﺎﺑﻴﻊ ﰲ
وﴎور ﻻ ﻳﻮﺻﻒ ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﱃ اﻟﺠﻮﻻن ﰲ أﻃﺮاف املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻻﺳﺘﻄﻼع أﺣﻮال ﺗﻠﻚ
اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ،وﻛﺎن اﻟﺸﻌﺐ ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮح واﻟﱰﺣﺎب ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻳﺜﻨﻮن ﻋﲆ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
ﻣﺰﻳﺪ اﻟﺜﻨﺎء ﻹﺧﻤﺎد ﻧريان اﻟﺜﻮرة ،وإرﺟﺎع اﻟﻨﻈﺎم إﱃ املﻤﻠﻜﺔ ،وﺗﻮﻃﻴﺪ اﻟﺴﻼم ﻓﻴﻬﺎ.
وﻛﺎن ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺗﻮﺟﻪ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺘﺴﻠﻴﻤﻪ ﺻﻮﻟﺠﺎن ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ أﻗﺮب وﻗﺖ،
وملﺎ رﺟﻊ ﻣﻦ ﺳﻔﺮه اﺳﺘﻠﻢ ﻗﴫ اﻟﻘﺪﻳﺲ »ﻛﻠﻮد« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﺧﻄﻮة أﺧﺮى إﱃ ﻋﺮش
»اﻟﺒﻮرﺑﻮن«؛ ﻓﺈن اﻟﺸﻌﺐ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻣﻞ ﻣﻦ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ،وأﺣﺐ اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﺒﻬﺠﺔ
واﻷﺑﻬﺔ املﻠﻜﻴﺔ ،ﻓﺠﺪد ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ،وﺟﻌﻞ »ﺟﻮزﻓني« وأرﺑﻊ ﺳﻴﺪات ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻪ،
ً
ﻗﻨﺼﻼ ﻛﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ. وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺳﻤﻲ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
247
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎذﻟﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﻟﺘﻘﻨﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﻮﺟﻮد ﷲ،
وﺑﺈرﺟﺎع اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ إﱃ اﻟﺒﻼد؛ ﻷن اﻟﻜﻔﺮ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻣﺪ أﻋﺮاﻗﻪ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ و»ﺟﻮزﻓني«
ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮف ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ذوات اﻟﺘﻘﻰ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﻗﺪ رأت اﻟﻜﻔﺮ وﺗﻌﺎﺳﺔ اﻟﺒﻼد اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ رﻓﺾ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ ،واﻷﺗﻌﺎب اﻷﻫﻠﻴﺔ املﺴﺒﺒﺔ
ﻋﻦ ﻋﺪم اﻋﺘﺒﺎر اﻟﺰواج اﻋﺘﺒﺎ ًرا دﻳﻨﻴٍّﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﺰ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ واﻗﺘﺪاره ﻋﲆ
ردع اﻟﺸﻌﺐ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﴩ ،وﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ ﻋﻤﻞ اﻟﺨري ،ﻓﺎﻗﺘﻨﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﻜﻼﻣﻬﺎ ،وأﻋﻠﻦ
إرﺟﺎع اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ إﱃ اﻟﺒﻼد ،وﰲ ﻏﺪ ﺻﺪور اﻹﻋﻼﻧﺎت أﻗﻴﻤﺖ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ املﺮة
اﻷوﱃ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﻧﻮﺗﺮدام« وأرﺟﻌﺖ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ إﱃ املﻤﻠﻜﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺪة
ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻛﺜﺮت اﻹﺷﺎﻋﺎت ﰲ ﺷﺄن ﺗﺘﻮﻳﺞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻋﲆ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻛﺎن ﻛﺜريون
راﻏﺒني ﰲ ذﻟﻚ.
أﻣﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﻌﺪ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ؛ ﻷﻧﻬﺎ رأت اﺣﺘﻴﺎج »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ
وﻟﺪ ﻳﺨﻠﻔﻪ إذا ﺗﻮج ﻣﻠ ًﻜﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻊ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﻠﺤﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄن ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ وﻳﺘﺰوج ﺑﻐريﻫﺎ
ﻣﻦ اﻷﴎة املﻠﻜﻴﺔ ﻗﺎﺋﻠني :إن ﻣﺼﺎﻟﺢ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﺴﺘﻠﺰم أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ اﺑﻦ ﻳﺨﻠﻔﻪ ﰲ املﻠﻚ ،وﻗﺪ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺄﻛﺪة ﺷﺪة ﻣﺤﺒﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻟﻬﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ إﻧﻔﺎذ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؛ ﻷﻧﻬﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﺪى »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺗﻘﺪﻣﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺗﻀﺤﻴﺘﻬﺎ ﻷﺟﻞ ﻣﺠﺪه وﺗﻘﺪﻣﻪ
ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ.
ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻣﻊ رﺟﻞ آﺧﺮ ﻣﻦ ً وﰲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم دﺧﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻏﺮﻓﺔ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ
ً
أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﺘﺤﺪث ﻣﻌﻪ ﰲ اﻷﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﺟﻠﺴﺖ ﻗﻠﻴﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻗﻨﺼﻼ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ،ﻓﻀﺤﻚ ً إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺮﻏﺐ اﻟﺒﺘﺔ ﰲ ﺗﺘﻮﻳﺞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻠ ًﻜﺎ ،ﺑﻞ ﺗﻔﻀﻞ ﺑﻘﺎءه
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﻗﺎل» :ملﺎذا ﻫﺬا اﻟﺠﻨﻮن ﻳﺎ ﺟﻮزﻓني؟ إﱃ ﻣﺘﻰ ﺗﺼﺪﻗني ﻛﻼم ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ؟«
وﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺎل أﺣﺪ أﻣﺎم »ﺟﻮزﻓني« إﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن إﻣﱪاﻃﻮرة ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ،
ﺗﺠﻴﺐ أﻧﻬﺎ ﻣﻜﺘﻔﻴﺔ أن ﺗﻜﻮن اﻣﺮأة اﻟﻘﻨﺼﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﻘﻂ.
وﰲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ )ﻣﺎﻳﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨٠٤م ،ﻗﺮر املﺠﻠﺲ اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ أن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺳﻴﻜﻮن
إﻣﱪاﻃﻮر ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وأرﺳﻞ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮ إﱃ ﻛﻞ ﺟﻬﺎت ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻓﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻴﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني
وﻧﺼﻒ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ ،وﻟﻢ ﻳﺰد ﻋﺪد املﻀﺎدﻳﻦ ﻋﲆ أﻟﻔني وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ.
وﰲ ﻏﺪ ﺗﺒﻮﱡء »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺗﺨﺖ إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺻﻨَﻊ اﺣﺘﻔﺎﻻ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﰲ
ً
»اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ﻟﻜﻞ اﻟﻌﻈﻤﺎء واﻷﴍاف ،وﺑ َﺮزت ﺑﻴﻨﻬﻢ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ذﻟﻚ اﻻﺣﺘﻔﺎل إﻣﱪاﻃﻮرة
ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺨﺎوف ﺑﻌﺾ املﺘﻮﺣﻴﺎت ﻧﺰﻋﺖ ﻛﻞ أﻓﺮاح ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻜﺪ
248
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
أﻳﻀﺎ أن اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﺳﺘﺪوم ﰲ أﴎة ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ إﻇﻬﺎر ﻏﻤﻬﺎ وﺣﺰﻧﻬﺎ؛ وذﻟﻚ ﻷن املﺠﻠﺲ ﻗﺮر ً
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻗﺪ ﺣﴬ ذﻟﻚ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﻋﺪد ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ أﻛﺎﺑﺮ أوروﺑﺎ وﻋﻈﻤﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻮﺟﺪت
»ﺟﻮزﻓني« ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﰲ درﺟﺔ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﻋﻈﻢ ﻣﻠﻜﺎت أوروﺑﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺷﻬﺮة
زوﺟﻬﺎ ﻗﺪ ﻋﻤﺖ ﻛﻞ أوروﺑﺎ ،وﻗﻮﺗﻪ ﻗﺪ ﻓﺎﻗﺖ أﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﺎ.
وﰲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ املﺬﻛﻮرة ،ﺣﴬ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻣﻦ روﻣﻴﺔ
ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻮﱢﺟﻬﻤﺎ إﻣﱪاﻃﻮ ًرا وإﻣﱪاﻃﻮرة ﻋﲆ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﻧﻮﺗﺮدام« ،وﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ
ﻫﺬا اﻟﴩف أﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك أوروﺑﺎ ﻗﺒﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻨﺬ ﻋﴩة ﻗﺮون ،وﻛﺎن اﻟﻬﻮاء ﰲ ذﻟﻚ
راﺋﻘﺎ ،واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺄﻓﺨﺮ اﻟﺰﻳﻦ واﻟﻌﺠﻼت أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺗﻠﻤﻊ ﺑﻌﺪد ﺧﻴﻮﻟﻬﺎ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔاﻟﻴﻮم ً
واﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ،واﻟﻘﻮاد واﻷﺑﻄﺎل ﰲ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ املﻮﺷﺎة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ.
وملﺎ ﻛﺎن وﻗﺖ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ دﺧﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ ﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﻃﻠﺲ اﻷﺑﻴﺾ ﻣﻮﺷﺎة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ،
وﻣﻮﺷﺤﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮز اﻟﺬﻫﺒﻲ ،وﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،وﻣﺸﻤﻞ ﻋﲆ املﺨﻤﻞ اﻟﻘﺮﻣﺰي
ﻣﺒﻄﻦ ﺑﺎﻷﻃﻠﺲ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻓﺮو اﻟﻘﺎﻗﻢ ﻋﲆ أﻛﺘﺎﻓﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﲇ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ﺗﺎﺟني؛ اﻟﻮاﺣﺪ
ﻷﺟﻞ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ وﻟﺘﻀﻌﻪ ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ﰲ اﺣﺘﻔﺎﻻت املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،واﻵﺧﺮ ﻷﺟﻞ
ﺑﺎﻗﻲ اﻷوﻗﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ،وﻣﻨﻄﻘﺔ ً
أﻳﻀﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺘﺎج اﻷول ،ﻓﻜﺎن ﻟﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﺮوع ذﻫﺒﻴﺔ ،أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ اﻟﻨﺨﻞ ،واﻷرﺑﻌﺔ
اﻷﺧﺮى ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ورق اﻟﺮﻳﺤﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺎرة اﻷملﺎس اﻟﱪﻟﻨﺘﻴﺔ ﻣﻨﺜﻮرة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻨﻘﻂ
اﻟﻨﺪى وﻗﺪ أﺣﺎﻃﺖ ﺑﻬﺎ ﺣﻠﻖ ذﻫﺒﻴﺔ ﻣﺮﺻﻌﺔ ﺑﺤﺠﺎرة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺮد واﻟﺠﻤﺸﺖ ،واﻟﺘﺎج اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻣﻔﺼﻼ ﺑﺤﺠﺎرة أملﺎس ،وﻣﻦ اﻷﻣﺎم ﻋﺪة ً ﻛﺎن ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻟﻠﺆﻟﺆ،
ﺣﺠﺎرة ﻣﻦ أملﺎس ﺑﻠﻎ وزن واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ وﺗﺴﻌﺔ وأرﺑﻌني ﻗﻤﺤﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ املﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ
اﻟﺬﻫﺐ اﻷﺑﺮﻳﺰ ،وﻗﺪ رﺻﻌﺖ ﺑﺘﺴﻌﺔ وﺛﻼﺛني ﺣﺠ ًﺮا ﻣﻦ املﺎس اﻟﻔﻠﻤﻨﻜﻲ املﻠﻮن.
أﻣﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﺪﺧﻞ ﰲ ﺣﻠﺔ ﻣﻦ املﺨﻤﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﻣﻮﺷﺎة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﻣﺰرورة ﺑﺤﺠﺎرة
ُﺮﺻﻌني ﺑﺤﺠﺎرة أملﺎس أملﺎس ،وﺟﺒﺔ وﻣﺸﻤﻞ ﻣﻦ املﺨﻤﻞ اﻟﻘﺮﻣﺰي ﻣﻮﺷﻴني ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﻣ ﱠ
أﻳﻀﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺮﻛﺒﺔ املﻠﻜﻴﺔ ﻋﲆ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻹﺗﻘﺎن واﻟﺠﻤﺎل؛ ﻓﺈن أﻟﻮاﺣﻬﺎ ً
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻨﻘﻲ؛ وﻳﺠﺮﻫﺎ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ رءوس ﺧﻴﻞ ﺣﻤﺮ اﻷﻟﻮان .وﻛﺎﻧﺖ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني
»اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« و»ﻧﻮﺗﺮدام« ﻧﺤﻮ ﻣﻴﻞ وﻧﺼﻒ ،وﻛﺎن ﻋﴩة آﻻف ﺧﻴﺎل ﰲ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ
ﻣﻼزﻣني اﻟﻌﺠﻼت ،وﺑﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻮاﻓﺬ واﻟﺴﻄﻮح وﴍف
ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ،وﻛﺎﻧﺖ املﻮﺳﻴﻘﻰ ﱠ اﻟﺒﻴﻮت املﻄﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﻣ ﱠﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﻮﻛﺐ
ﺗﺼﺪح ﺑﺄﻟﺤﺎﻧﻬﺎ املﻄﺮﺑﺔ ،واملﺪاﻓﻊ ﺗﴬب ﰲ اﻟﻬﻮاء ،وﻋﴩات اﻷﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﺗﻬﺘﻒ
ﻣﻌً ﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻴﻞ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ.
249
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎن اﻟﻌﺮش ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﻧﻮﺗﺮدام« ﻣﻐﻄﻰ ﺑﺄﻏﻄﻴﺔ ﻣﻦ املﺨﻤﻞ اﻟﻘﺮﻣﺰي ،وﻋﻠﻴﻪ ﻣﻘﻌﺪ
أﻳﻀﺎ ﻳﺮﻗﻰ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﺛﻨﺘني وﻋﴩﻳﻦ درﺟﺔ ﻣﺴﺘﺪﻳﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﻟﺠﻮخ ﻣﻦ املﺨﻤﻞ ً
اﻷزرق ،وﻣﺤﻼة ﺑﺎﻟﺨﺮز اﻟﺬﻫﺒﻲ ،ﻓﺠﻠﺲ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﺠﺎﻧﺐ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﲆ اﻟﻌﺮش،
ووﻗﻒ ﻛﺒﺎر اﻟﻘﻮاد ﻋﲆ اﻟﺪرج ،ﺛﻢ اﺑﺘﺪأ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ وﻃﺎﻟﺖ ﻣﺪﺗﻪ أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺘﺨﻠﻠﻪ املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ .وملﺎ أزف اﻟﻮﻗﺖ ﻷن ﻳﻀﻊ اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﺘﺎج ﻋﲆ رأس »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
أﺧﺬه ﺑﻴﺪه واﻗﱰب إﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﻀﻌﻪ ﻋﲆ رأﺳﻪ أﺧﺬه »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻦ ﻳﺪه،
ووﺿﻌﻪ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ رأﺳﻪ ،ﺛﻢ ﻧﺰﻋﻪ ﻋﻦ رأﺳﻪ ووﺿﻌﻪ ﻋﲆ رأس »ﺟﻮزﻓني« ،ﺛﻢ ﻧﺰﻋﻪ
ﺣﺎﻻ ﻟﺜﻘﻠﻪ ،ووﺿﻌﻪ ﻋﲆ ﻣﺴﻨ ٍﺪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ،وﺗﻮﱠﺟﻬﺎ ﺑﺂﺧﺮ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻪ ،ﺛﻢ ﺟﺜﺖ ﻋﻦ رأﺳﻬﺎ ً
»ﺟﻮزﻓني« واﻟﺘﺎج ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ،وﻳﺪاﻫﺎ ﻣﻜﺘﻮﻓﺘﺎن ،وﺻ ﱠﻠﺖ هلل ،واﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ زوﺟﻬﺎ اﻟﺘﻔﺎﺗﺔ
ﻋﱪت ﻋﻦ ﺷﻜﺮﻫﺎ وﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻪ ،وﺑﻘﻲ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺘﺬﻛﺮ ﻫﺬه اﻻﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ﻛﻞ أﻳﺎﻣﻪ. ﱠ
وﻗﺖ اﻻﻧﴫاف ارﺗﺠﻞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺧﻄﺒﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ املﻘﺎم، ُ فوأز َ
وملﺎ ﺗ ﱠﻢ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ِ
ذﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ أن ﻧﺴﻠﻪ ﺳﻴﺠﻠﺲ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﺮش ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،ﻓﺄﺛﱠﺮ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﺗﺄﺛريًا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ
ﺧﺼﻮﺻﺎ ملﺎ ﺗَﻌْ ﻬَ ﺪه ﰲ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« واﻟﺸﻌﺐ
ً ﰲ »ﺟﻮزﻓني« ،وﻧﺸﺐ ﻛﺤﺮﺑﺔ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ،
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ وﻟﺪ .وملﺎ ﻋﺎدت إﱃ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ﻛﺎن اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ً
أﻳﻀﺎ ،ودﺧﻠﺖ ﻗﺪ أرﺧﻰ ﺳﺪوﻟﻪ ،وأﺳﻮاق املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻷﻧﻮار ،و»اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ﻳﺘﻸﻷ ﺑﻬﺎ ً
»ﺟﻮزﻓني« ﻣﺨﺪﻋﻬﺎ وﺟﺜﺖ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻴﻬﺎ ،وﻃﻠﺒﺖ اﻹرﺷﺎد ﻣﻦ ﻣﻠﻚ املﻠﻮك واﻟﺪﻣﻮع ﻣﻨﺴﺠﻤﺔ
ﻋﲆ ﺧﺪﻳﻬﺎ.
أﻣﺎ أﻫﺎﱄ ﺑﺎرﻳﺲ ﻓﺨﺼﺼﻮا اﻟﺸﻬﺮ اﻷول ﻣﻦ ﺗﺘﻮﻳﺞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« و»ﺟﻮزﻓني« ﺑﻜﻞ
أﻧﻮاع اﻷﻓﺮاح واملﻼﻫﻲ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﺗﺰﻳﻦ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﺎﻷﻧﻮار .وﰲ ﺻﺒﺎح أﺣﺪ
اﻷﻳﺎم ،دﺧﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« إﺣﺪى ﻏﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﻮﺟﺪت ﻧﺎﺻﻠﺔ ذﻫﺒﻴﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ أدواﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ
اﻟﺬﻫﺐ ً
أﻳﻀﺎ ،وﻗﺪ أﻫﺪاﻫﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺠﻠﺲ ﺑﻠﺪﻳﺔ ﺑﺎرﻳﺲ.
وﰲ ﻣﺴﺎء ﺗﺘﻮﻳﺠﻬﻤﺎ أﻃﻠﻖ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻨﻄﺎدًا ﻛﺒريًا ﰲ اﻟﺠﻮ ﻛﺎن ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ
اﻟﺘﺎج املﻠﻜﻲ ،ﻓﺒﻘﻲ ﻣﺪة ﻇﺎﻫ ًﺮا ﻓﻮق ﺑﺎرﻳﺲ ،ﺛﻢ ﺳﺎر ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻨﻮب.
وﰲ ﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،وﻗﻊ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ روﻣﻴﺔ — وﻫﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﻴﻞ ﻋﻦ
ﺑﺎرﻳﺲ — ﺛﻢ ﺣﺪث ﻋﲆ أﺛﺮ ﺗﺘﻮﻳﺞ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أن ﻣﺪﻳﺮي ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻛﺘﺒﻮا إﱃ
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« — وﻛﺎن وﻗﺘﺌ ٍﺬ رﺋﻴﺴﻬﻢ — ﻳﻄﻠﺒﻮن إﻟﻴﻪ أن ﻳﺮاﻓﻘﻬﻢ إﱃ »ﻣﻴﻼﻧﻮ« وﻳﺘﻮج ﻣﻠ ًﻜﺎ
ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ إذ ﻛﺎن ﻫﻮ املﻨﻘﺬ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ أﻳﺪي أﻋﺪاﺋﻬﻢ اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳني .وﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﻮاﺋﺪ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻐري أن ﻳُﻌﻠِﻢ أﺣﺪًا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﻔﻲ ﻣﺴﺎء ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ،ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺎد اﻻﺑﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻷﺧﻴﻪ
250
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
»ﻟﻮﻳﺲ« ،أﻣﺮ ﺑﺈﻋﺪاد اﻟﺨﻴﻞ ﻟﻠﺴﻔﺮ إﱃ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﺮاﻓﻘﺘﻪ
»ﺟﻮزﻓني« ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻔﺮ ،وﻛﺎﻧﺎ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﺼﻼن ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻤﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﱰﺣﺎب ،وﻳﺰﻳﻦ ﻟﻬﻤﺎ
املﺪن ،وﻳﺪﻋﻮ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﴫ.
وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺣﺎﺻﻠﺔ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أن ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ أﺳﻌﺪ اﻟﺒﴩ،
ﻟﻮﻻ أﻣﺮ واﺣﺪ ،وﻫﻮ ﻋﺪم وﺟﻮد وﻟﺪ ﻟ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ملﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻧﺴﻴﺖ
ﻏﻤﱠ ﻬﺎ ،وﻗﻀﺖ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻋﺪة أﻳﺎم ﺑﻐﺒﻄﺔ وﻫﻨﺎء .وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﺑﻴﻮس اﻟﺴﺎﺑﻊ«
ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦﺻﺪاﻗﺔ ﻗﻮﻳﺔ ،وﻗﺪ راﻓﻘﻬﻤﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ إﱃ »ﺗﻮرﻳﻦ« ،وملﺎ اﻓﱰق ﻋﻨﻬﺎ أﻫﺪت إﻟﻴﻪ ً
ﻓﺨﺎر »ﺳﺎﻓﺮاس« ،وﻣﻦ »ﺗﻮرﻳﻦ« أﺧﺬﻫﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ ﺳﺎﺣﺔ »ﻣﺎرﻧﻔﻮ« ﺣﻴﺚ ﻧﺸﺒﺖ
أﻋﻈﻢ وﻗﺎﺋﻌﻪ ،وﻫﻨﺎك ﻟﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻪ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ،ووﻗﻒ ﰲ وﺳﻂ ﺛﻼﺛني أﻟﻒ ﺟﻨﺪي ،وﻣﺜﱠﻞ ﻟﻬﺎ
واﻗﻌﺔ اﻟﻘﺘﺎل.
وﰲ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻣﻦ ﻣﺎﻳﻮ ﺳﻨﺔ ١٨٠٥م ،دﺧﻼ ﻣﻴﻼﻧﻮ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ،واﻟﻔﺮح
واﻟﻄﺮب ﻗﺎﺋﻤني ﻓﻴﻬﺎ .وﰲ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺗﻮج »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻠ ًﻜﺎ
ﻋﲆ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﻣﻴﻼن« ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻔﺎل أﻗﻞ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ
»ﻧﻮﺗﺮدام« ،واﻟﺬي زاد ﻫﺬه اﻟﺤﻔﻠﺔ ﻋﻈﻤﺔ وأﺑﻬﺔ أﻧﻪ أُﺣﴬ ﻟ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« — ﺳﻮى اﻟﺘﺎج
ا ُملﻌَ ﺪ ﻟﺘﺘﻮﻳﺠﻪ — ﺗﺎج »ﺷﺎرملﺎن« اﻟﺤﺪﻳﺪي ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺎج ﻗﺪ ﻋﻼ رأس املﻠﻮك ﻣﻨﺬ
أﻳﺎم »ﺷﺎرملﺎن« ﻣﻦ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ.
أﻳﻀﺎ — ﻛﻤﺎ ﰲ »ﻧﻮﺗﺮدام« — ﻟﻢ ﻳﺪع أﺣﺪًا ﻳﻀﻌﻪ ﻋﲆ رأﺳﻪ ،ﺑﻞ وﺿﻌﻪ ﻫﻮ وﻫﻨﺎ ً
أﻳﻀﺎ ،وأﻗﺎﻣﺎ ﻣﺪة ﺷﻬﺮ ﰲ »ﻣﻴﻼﻧﻮ« ،وذﻫﺒﺎ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻮﱠج »ﺟﻮزﻓني« ﻫﻮ ً
»ﺟﻨﻮا« ،ﺛﻢ رﺟﻌﺎ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ .وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﺪ أﻋﻄﻰ »ﺟﻮزﻓني« ﻻﺋﺤﺔ ﻋﻦ ﺳﻔﺮﻫﻤﺎ،
وﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻘﻔﺎن ﻓﻴﻬﺎ ،واﻟﺨﻄﺐ واﻷﺟﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﺨﻄﺒﻬﺎ وﻳﺠﻴﺐ ﺑﻬﺎ،
واﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ،واملﺒﺎﻟﻎ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻨﻔﻘﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني«
ﺗﻘﴤ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﰲ درس ﻫﺬه املﺜﺎﻻت ،وﻗﺪ أﻇﻬﺮ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ﰲ
ﻫﺬا اﻟﺴﻔﺮ ﻣﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ واﻷﻧﺲ ،وﻛﺎﻧﺎ داﺋﻤً ﺎ ﻣﴪورﻳﻦ.
أﴎ أﺳﻔﺎرﻫﺎ ﻣﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«، وذﻛﺮت »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻫﺬا اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ ﱢ
وﻛﺎﻧﺎ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﺼﻼن ﻳﺘﻠﻘﺎﻫﻤﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﱰﺣﺎب ،وﻳﻘﻴﻢ ﻟﻬﻤﺎ اﻷﻓﺮاح ،وﻳﻮﻟﻢ اﻟﻮﻻﺋﻢ .وﺑﻌﺪ
وﺻﻮﻟﻬﻤﺎ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﺑﻤﺪ ٍة وﺟﻴﺰة ﺳﻤﻌﺎ أن ﻗﺼﺪ »أﻳﻮﺟني« اﺑﻦ »ﺟﻮزﻓني« اﻻﻗﱰان ﺑﺎﺑﻨﺔ
ﻣﻠﻚ »ﺑﺎﻓﺎرﻳﺎ« ،ﻓﺬﻫﺒﺎ إﱃ »ﻣﻴﻮﻧﺦ« ﻟﻴﺤﴬا اﻟﺰﻓﺎف ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﺎﺑﻨﻬﺎ ،وﻓﺮﺣﺖ
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻛﻞ ﳾء ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎك إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ً ﻟﻪ ﺑﻌﺮوﺳﻪ،
ﺑﺠﻤﻬﻮر ﻛﺒري ﻣﻦ أﻣﺮاء »ﺟﺮﻣﺎﻧﻴﺎ« وأﻣرياﺗﻬﺎ.
ٍ ﻣﺸﻴﻌني
251
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﰲ ذروة ﻣﻦ املﺠﺪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ أن ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ
ﻷﺣﺪ اﻟﺒﴩ ،ﻓﺈن ﻛﻞ أوروﺑﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﻲ زوﺟﻬﺎ ،واﺑﻨﺘﻬﺎ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﻜﺔ
»ﻫﻮﻻﻧﺪا« ،واﺑﻨﻬﺎ »أﻳﻮﺟني« ﻛﺎن ﻧﺎﺋﺐ ﻣﻠﻚ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وﺻﻬﺮ ﻣﻠﻚ »ﺑﺎﻓﺎرﻳﺎ« .وﻛﺎن ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن
ﻗﺪ ﻧﺰع ﻣﻦ ﻓ ْﻜ ِﺮه ﻃﻼﻗﻬﺎ ،وﻗﺮر أن اﺑﻦ أﺧﻴﻪ »ﻟﻮﻳﺲ ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن اﻷﻛﱪ« ﺳﻴﻜﻮن وارث
ﻣﻠﻜﻪ ،ﻓﺰاﻟﺖ ﻛﻞ اﻻرﺗﺒﺎﻛﺎت ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ .وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« داﺋﻤً ﺎ ﻣﻌﺠﺒًﺎ
ﺑ »ﺟﻮزﻓني« ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل ﰲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷوﻗﺎت» :إﻧﻪ ﻻ ﻧﻈري ﻟﻬﺎ ﺑني ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ«.
أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻨﴗ املﺤﺘﺎﺟني واﻟﺤﺰاﻧﻰ ﻣﻊ ﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ واﻟﺴﺆدد،
ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤً ﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪة ملﺴﺎﻋﺪة ﻛﻞ ﻣﻦ ﻃﻠﺐ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ،ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺑﻤﺎﻟﻬﺎ أو ﺑﻜﻼﻣﻬﺎ،
ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻬﻢ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﺎﻟﺘﺒﺬﻳﺮ واﻹﴎاف ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ ﻣﺮاﻓﻘﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ أﺳﻔﺎره،
أﻳﻀﺎ ﻛﺎن ﻳﺮﻏﺐ ﻣﺮاﻓﻘﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻮﺛﻖ ﺑﻪ .وﻣﺮة وﻋﺪﻫﺎ وﻫﻮ ً
ﴎا ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺈﻋﺪاد ﻟﻮازم ﺑﻤﺮاﻓﻘﺘﻪ ﰲ إﺣﺪى ﺳﻔﺮاﺗﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻷﺣﻮال أﺣﻮﺟﺘﻪ إﱃ اﻟﺬﻫﺎب ٍّ
اﻟﺴﻔﺮ.
وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻷوﱃ ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ — وﻫﻮ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻇﻦ أن »ﺟﻮزﻓني« ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻪ
ﻣﺴﺘﻐﺮﻗﺔ ﰲ اﻟﻨﻮم — ﻗﺼﺪ اﻟﺬﻫﺎب ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﱃ اﻟﻌﺠﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني«
ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺈﻋﺪاد ﻟﻮازﻣﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺎل ،وذﻫﺒﺎ ﻣﻌً ﺎ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﺄﺧﻀﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺗﺤﺖ ﻃﺎﻋﺘﻪ ،وﻣﻸﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،ووﱃ أﺧﺎه »ﻟﻮﻳﺲ« ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ
ﻃﻮﻳﻼ ﺣﺘﻰ أﺗﺘﻪ اﻷﺧﺒﺎر أن اﻹﺳﺒﺎﻧﻴني ﻃﺮدوا أﺧﺎه ً ﻗﻔﻞ راﺟﻌً ﺎ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ
ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺑﻤﺴﺎﻋﻲ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،وﻗﺘﻠﻮا ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني اﻟﻘﺎﻃﻨني ﻫﻨﺎك ،ﻓﺮﺟﻊ
أﻳﻀﺎ ﻃﻠﺒﺖ »ﺟﻮزﻓني« اﻹﺗﻴﺎن ﻣﻌﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻣﴪﻋً ﺎ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ .وﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ً
ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،ﺑﻞ دﺧﻞ ﻣﺪرﻳﺪ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺒﻼد ،وأرﺟﻊ أﺧﺎه إﱃ ﻣﻘﺎﻣﻪ ،وﺛﺒﺖ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻴﻬﺎ،
ورﺟﻊ ﺛﺎﻧﻴًﺎ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ آﻣﺎل »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« و»ﺟﻮزﻓني« ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﻣري اﻟﺼﻐري اﺑﻦ
»ﻟﻮﻳﺲ« و»ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ،وﺷﺎع ﰲ ﻛﻞ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻫﻮﻟﻨﺪا أﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن ﺻﺎﺣﺐ املﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﻪ.
وﻟﻜﻦ ﰲ رﺑﻴﻊ ﺳﻨﺔ ١٨٠٧م ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺤﺎرب »ﺑﺮوﺳﻴﺎ« وﻫﻮ ﻣﻨﺘﴫ
ٍ
ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻧﺘﺼﺎ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،أﺻﺎب اﻟﻮﻟﺪ داء اﻟﺨﻨﺎق ،وﻣﺎت ﰲ
ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ،ﻓﺤﺰﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻟﻔﻘﺪه ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،ورﺟﻌﺖ إﱃ ﻣﺨﺎوﻓﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛
ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﺗﻌﺮف رﻏﺒﺘﻪ ﰲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ وارث ﻳﱰك املﻠﻚ ﻟﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻓﺮاﺋﺼﻬﺎ ﺗﺮﺗﻌﺪ ﻛﻠﻤﺎ اﻓﺘﻜﺮت ﻣﺮارة ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺄس اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﻋﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺑﻘﻴﺖ
ﻣﺪة ﺛﻼث أﻳﺎ ٍم ﻣﻨﻔﺮدة ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﻼ أﻛﻞ وﻻ ﻧﻮم ﺗﺴﻜﺐ اﻟﺪﻣﻮع ﻋﲆ ﻋﻈﻢ ﻣﺼﻴﺒﺘﻬﺎ.
252
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
أﻣﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻫﺬه اﻷﺧﺒﺎر املﺤﺰﻧﺔ ﻛﺎن ﰲ أوج اﻧﺘﺼﺎره؛ إذ
ﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﻬﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻋﺪاﺋﻪ ،وأﺧﻀﻊ »ﺑﺮوﺳﻴﺎ« ﺗﺤﺖ ﻃﺎﻋﺘﻪ ،وﻛﺎن ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻠﻮك أوروﺑﺎ
ﻣﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻹﺗﻤﺎم أواﻣﺮه ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻫﺬه اﻷﺧﺒﺎر ﺟﻠﺲ ﺳﺎﻛﺘًﺎ ،وارﺗﻔﻖ ﺑﻴﺪه ﻋﲆ وﺟﻬﻪ،
وﺳ ِﻤﻊ وﻫﻮ ﰲ ﺣﺰﻧﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﻔﺴﻪ املﺮة ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى» :ملﻦ أﺗﺮك ﻛﻞ ﻫﺬا؟« وﻛﺎن ُ
ﻳﺘﻨﺎزع أﻓﻜﺎره ﻋﺎﻣﻼن ﻗﻮﻳﺎن :ﻣﺤﺒﺔ »ﺟﻮزﻓني« ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻣﺤﺒﺔ املﺠﺪ واﺷﺘﻬﺎء أن
ﻳﻜﻮن ﻟﻪ وﻟﺪ ﻳﺮث اﺳﻤﻪ وﺷﻬﺮﺗﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ.
وﺑﻘﻲ ﻣﺪة ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل وﻫﻮ ﻻ ﻳﺬوق ﻃﻌﺎﻣً ﺎ وﻻ ﻳﻐﻤﺾ ﻟﻪ ﺟﻔﻦ ،وﻟﻜﻦ رﻏﺒﺘﻪ ﰲ
ﻛﺴﺐ املﺠﺪ ،واﻋﺘﻘﺎده أﻧﻪ أوﺻﻞ ﻓﺮﻧﺴﺎ إﱃ درﺟﺔ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻷرض،
ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﻳﺮﺛﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﻠﻪ ﺟﻌﻼه ﻳﻀﺤﻲ ﺑﻜﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻪ وراﺣﺘﻪ ،وﻳﻔﻘﺪ ﺳﻼﻣﺔ
اﻟﺬوق ،وﻳﺤﻞ ﻗﻮى رﺑﻂ املﺤﺒﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﻌﺮف زوﺟﻬﺎ ﺟﻴﺪًا ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﺨﻮف
واﻟﺮﻋﺐ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻗﺪوﻣﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﴤ أﻛﺜﺮ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮح واﻟﺒﻜﺎء .وﻛﺎن أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺜرية
ﻳﺼﺪر ﰲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻛﻼم ﰲ ﺷﺄن ﻃﻼﻗﻬﺎ واﻗﱰان »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺑﺈﺣﺪى ﺑﻨﺎت اﻷﴎة املﻠﻜﻴﺔ.
وﰲ ﺗﴩﻳﻦ اﻷول )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ﺳﻨﺔ ١٨٠٧م ،رﺟﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻦ »ﻓﻴﻴﻨﺎ« ﻓﺴﻠﻢ ﻋﲆ
ﻗﻠﻘﺎ ﰲ ﻓﻜﺮه ،وأﻧﻪ ﻛﺎن»ﺟﻮزﻓني« ﺑﻤﺰﻳﺪ اﻟﻠﻄﺎﻓﺔ .أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻼﺣﻈﺖ ﰲ اﻟﺤﺎل أﻧﻪ ﻛﺎن ً
ﴎا ،ﻓﻼﺣﻆ رﺟﺎل اﻟﺒﻼط ذﻟﻚ، ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﻬﺬه املﺴﺄﻟﺔ ،وﻛﺜريًا ﻛﺎن ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﻮزراﺋﻪ ٍّ
وﻛﺎﻧﻮا ﻗﻠﻴﲇ اﻟﻜﻼم ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻻ ﻳﻜﺜﺮ أن ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱃ اﻣﺮأﺗﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺧﺎف أﻧﻪ إذا
اﻟﺘﻔﺖ إﱃ اﻟﺘﻲ أﺣﺒﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﺘﻐري ﻓﻜﺮه ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻗﻠﻘﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﻘﺒﻴﻞ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﺟﺘﻬﺪت ﰲ إﺧﻔﺎء ﻋﻮاﻃﻔﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻼﺣﻆ ﺣﺮﻛﺎت »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﺳﻜﻨﺎﺗﻪ،
ﻓﱰى ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم أﻣ ًﺮا ﺟﺪﻳﺪًا ﻳﺆﻛﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺎﻓﻪ.
أﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻜﺎن ﻳﺘﺠﻨﺒﻬﺎ وﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻗﻔﻞ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ﺑني ﻏﺮﻓﺘﻪ وﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ،وﻛﺎن
ﻗﻠﻴﻼ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﺨﺪﻋﻬﺎ ،وإذا أراد ذﻟﻚ ﻗﺮع اﻟﺒﺎب ،ﻛﻞ ذﻟﻚ وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺮت ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ً
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻤﻊ وﻗﻊ أﻗﺪام »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺗﺮﺗﺠﻒ
آت إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﺧﺒﺎر املﺨﻴﻔﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻘﺪر أن ﺗﺼﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﺎب ﺑﻐري وﺗﻈﻦ أﻧﻪ ٍ
أن ﺗﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ أو ﺑﴚء آﺧﺮ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﴣ ﻛﻼ ﺷﻬﺮي ﺗﴩﻳﻦ اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ »أﻛﺘﻮﺑﺮ
وﻧﻮﻓﻤﱪ« وﻟﻢ ﻳﻜﻠﻢ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« »ﺟﻮزﻓني« ﺑﴚء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ املﺬاﻛﺮة
ﻣﻊ وزراﺋﻪ ﰲ أﻣﺮ اﻟﺰواج اﻟﺠﺪﻳﺪ واﻷﴎة اﻟﺘﻲ ﻳﺼﺎﻫﺮﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺼﻌﺐ ﻣﻔﺎﺗﺤﺘﻬﺎ
ﺑﻬﺬا اﻟﺸﺄن ،ﻏري أن ﻫﺬه اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻟﻢ ﺗُﻐري ﻣﻘﺎﺻﺪه اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺒﺘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺷﻬﺮﺗﻪ وﺳﻠﻄﺘﻪ
ﴍﻓﺎ ﻟﻬﺎ أن ﺗﻌﻄﻲ ﻣﻦ ﻋﻈﻴﻤﺘني إﱃ ﺣﺪ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ أﴎة ﰲ أوروﺑﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﺴﺐ ً
253
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أوﻻ أن ﻳﺄﺧﺬ زوﺟﺔ ﻣﻦ أﴎة »اﻟﱪﺑﻮن«؛ ﺑﻨﺎﺗﻬﺎ زوﺟﺔ ﻟ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،ﻓﺄﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ وزراؤه ً
ﻷﻧﻬﻢ اﻓﺘﻜﺮوا أﻧﻪ إذا ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻳﺮﴈ ﺣﺰب املﻠﻜﻴﺔ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻳﻜﻮن ﻣﻠﻜﻪ أﺛﺒﺖ ﺑﻬﺬه
اﻟﻮاﺳﻄﺔ.
ﺛﻢ أﺷﺎروا ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺄﺧﺬ ﺳﻴﺪة ﺳﻜﺴﻮﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻇﻨﻮا ﺑﻌﺪ ﻃﻮل اﻟﺘﺄﻣﻞ أن ﻳﻜﻮن
اﻷﻧﺴﺐ أن ﻳﺼﺎﻫﺮ ﺟﻼﻟﺔ ﻣﻠﻚ »روﺳﻴﺎ« ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ أن ﺟﺮى ﻛﻼم ﺑني اﻟﺒﻼﻃني ﰲ ذﻟﻚ
ﻗ ﱠﺮ اﻟﺮأي أن ﻳﺄﺧﺬ »ﻣﺎرﻳﺎ ﻟﻮﻳﺰا« اﺑﻨﺔ إﻣﱪاﻃﻮرة اﻟﻨﻤﺴﺎ ،وﻛﺎن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ آن
ﻟ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أن ﻳﺨﱪ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺎﺻﺪًا أن ﻳﻔﻌﻠﻪ ،وﻛﺎن ﰲ اﻟﻴﻮم اﻷﺧري ﻣﻦ
ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻧﻮﻓﻤﱪ( ﺳﻨﺔ ١٨٠٩م ،دﺧﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮر واﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻌﺸﻴﺎ وﻟﻢ
ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻌﻬﻤﺎ أﺣﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﻨﻬﺎر ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﺗﺴﻜﺐ اﻟﺪﻣﻮع ﺑﻐﺰارة
ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺮﻓﺖ أن ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻛﺎن ﻳﻮﻣﻬﺎ املﺤﺰن ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ملﺎ أﺗﺖ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻌﺸﺎء ﻏﺴﻠﺖ
ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ودﺧﻠﺖ ﻏﺮﻓﺔ املﺎﺋﺪة ،وﺑﺬﻟﺖ ﻏﺎﻳﺔ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﻀﺒﻂ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ،وﻟﺬﻟﻚ
ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎﴎ أن ﺗﻔﺘﺢ ﻓﻤﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة.
ٍ
ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة ،ﻓﻜﺎن ﺣﻮل أﻣﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﻜﺎن ﺗﺎﺋﻬً ﺎ ﰲ ﺑﺤﺮ اﻷﻓﻜﺎر وﻟﻢ ﻳﻜﻠﻤﻬﺎ
ﺗﻠﻚ املﺎﺋﺪة ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺳﻜﻮت ﺗﺎم ،وﻟﻢ ﻳﺬق أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﻮاع اﻟﻄﻌﺎم ﺗﺘﺒﺪل
ﺗﻤﺲ ،وﻛﺎن اﺻﻔﺮار املﻮت ﻋﲆ وﺟﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ .وملﺎ اﻧﺘﻬﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻌﺸﺎء ﴏف ﺑﻐري أن ﱠ
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« اﻟﺨﺪم ،ﺛﻢ ﻧﻬﺾ وأﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب ﺑﻴﺪه ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ و»ﺟﻮزﻓني« ،ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺗﺖ ﺗﻠﻚ
اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻫﺎﻟﻌً ﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺎﻗﱰب »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ »ﺟﻮزﻓني« وأﺧﺬ ﻳﺪﻫﺎ
ﺑﺼﻮت ﻣﻨﻘﻄﻊ» :ﻳﺎ ﺟﻮزﻓني ،ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ﺟﻮزﻓني ،أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني ﻛﻴﻒ أﺣﺒﺒﺘﻚ، ٍ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ
وأﻧﻲ ﻟﻚ وﺣﺪك ﺷﺎﻛﺮ ﻋﲆ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻚ ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﲆ اﻷرض.
واﻵن أﺧﱪك أن واﺟﺒﺎﺗﻲ أﻗﻮى ﻣﻦ إرادﺗﻲ ،وأن ﻋﻮاﻃﻔﻲ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻧﺤﻮك ﻳﺠﺐ أن ﺗﺨﻀﻊ
ملﺼﻠﺤﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ«.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ »ﺟﻮزﻓني« ذﻟﻚ ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،وﻧﻀﺐ اﻟﺪم ﰲ ﻋﺮوﻗﻬﺎ ،ووﻗﻌﺖ ﻋﲆ اﻷرض
ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ذﻟﻚ ﻓﺘﺢ ً
ﺣﺎﻻ اﻟﺒﺎب وﻧﺎدى ﻣَ ﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪه ،ﻓﺄﺗﻰ إﻟﻴﻪ
أﻳﻀﺎ اﻟﻜﻮﻧﺖ »ﺑﻮﻣﻮن« ،ﻓﺄوﻣﺄﺣﺎﻻ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﺪم ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻓﺔ املﺠﺎورة ،وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ً ً
إﻟﻴﻪ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﻫﻮ ﻣﺮﺗﺠﻒ ووﺟﻬﻪ ﻣﻤﺘﻘﻊ ﺑﺄن ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻋﲆ ﻳﺪه إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ،وأﺧﺬ ﻫﻮ
اﻟﺴ ﱠﻠﻢ ﺳ ﱠﻠﻢ املﺼﺒﺎح إﱃ أﺣﺪ اﻟﺨﺪم وﺳﺎﻋﺪ
ﻣﺼﺒﺎﺣً ﺎ ﺑﻴﺪه وذﻫﺐ أﻣﺎﻣﻪ ،وﻟﻜﻦ ﱠملﺎ وﺻﻞ إﱃ ﱡ
اﻟﻜﻮﻧﺖ ﰲ ﺣﻤﻠﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل ﰲ ﻏﺸﻴﻬﺎ» :آه! ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ؛ ﻷﻧﻚ ﻻ ﺗﺤﺐ
ﻗﺘﲇ«.
254
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
255
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﻜﻮن ﱄ أوﻻد ﻣﻨﻬﺎ .وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺪاﻋﻲ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺄﺷﺪ ﻋﻮاﻃﻒ
ﻗﻠﺒﻲ ،وﻣﺮاﻋﺎة ﻣﺼﺎﻟﺢ رﻋﻴﺘﻲ ،وﻃ َﻠ ِﺐ اﻧﻔﺼﺎﻟﻨﺎ .وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ اﻵن اﻷرﺑﻌني ﻣﻦ
ﻃﻮﻳﻼ ﺑﻌﺪُ ،وأن أﺣﺘﻀﻦ ﰲ أﻓﻜﺎري اﻷوﻻد اﻟﺬﻳﻦ ﺗﴪ ً اﻟﻌﻤﺮ ،وآﻣﻞ أن أﻋﻴﺶ
اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺄن ﺗﺒﺎرﻛﻨﻲ ﺑﻬﻢ .وﷲ وﺣﺪه ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻢ ﻛﻠﻒ ﻗﻠﺒﻲ ﻫﺬا املﻘﺼﺪ ،وﻟﻜﻦ
ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺰﻳ ًﺰا ﻋﲇ ﱠ إﻻ وأﻧﺎ أﺿﺤﻴﻪ ﻃﺎﺋﻌً ﺎ ﻣﺨﺘﺎ ًرا ملﺼﻠﺤﺔ
ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻟﻴﺲ ﱄ ﺳﺒﺐ أﺷﻜﻮ ﻣﻨﻪ ،وﻻ ﳾء أﻗﻮﻟﻪ ﺳﻮى ﻣﺪح ﻣﺤﺒﺔ اﻣﺮأﺗﻲ
املﺤﺒﻮﺑﺔ وﺣُ ﻨُﻮﱢﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ زﻳﻨﺖ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،ﻓﻴﺒﻘﻰ ذﻛﺮﻫﺎ
ﻣﻨﻘﻮﺷﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت ﻗﻠﺒﻲ إﱃ اﻷﺑﺪ ،وأﻧﺎ ﺑﻴﺪي ﺗﻮﱠﺟﺘﻬﺎ إﻣﱪاﻃﻮرة .ﺳﺘﺒﻘﻰ ً
ً
ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺑﻌﻮاﻃﻔﻲ إﻣﱪاﻃﻮرة ﰲ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺮﺗﺒﺔ .وأﺣﺐ ﻓﻮق ﻛﻞ ذﻟﻚ أن ﻻ ﺗَ ُﺸ ﱠﻚ
ﻣﻦ ﻧﺤﻮﻫﺎ ،وﻻ ﺗﻌﺘﱪﻧﻲ إﻻ أﻋﺰ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻬﺎ.
ﺑﺼﻮت ﻣﻨﻘﻄﻊ وﻋﻴﻨني ﻣﻐﺮورﻗﺘني ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع» :إﻧﻲ أﺟﻴﺐ ﻋﲆ ٍ ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ »ﺟﻮزﻓني«
ﺣﺎﺋﻼ دون ﻣﺴرية ً ﻣﺂل ﻛﻼم اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻧﻔﺼﺎﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل؛ ﻷن اﺟﺘﻤﺎﻋﻨﺎ ﻛﺎن
ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪم وﺟﻮد ﻣَ ﻦ ﻳﺴﻮس ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﻈﻴﻢ،
اﻟﺬي أﻗﺎﻣﺘﻪ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﻄﻔﺊ ﴍر اﻟﺜﻮرة املﺨﻴﻔﺔ ،وﻳﺮﺟﻊ املﺬﺑﺢ واﻟﻌﺮش واﻟﻬﻴﺌﺔ
اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻻ ﻳﻐري ﻋﻮاﻃﻒ ﻗﻠﺒﻲ ،ﺑﻞ ﺳﻴﺠﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﰲ ﱠ أﺣﺴﻦ
ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻟﻪ ،وأﻧﺎ أﻋﻠﻢ ﻣﺎذا ﻛ ﱠﻠﻒ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻗﻠﺐ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،وﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ اﻻﺛﻨني
ﻧﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﺬه اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺿﺤﻴﻨﺎﻫﺎ ﻷﺟﻞ ﺧري املﻤﻠﻜﺔ ،وأﺷﻌﺮ أﻧني اﻟﺘﻌﻈﻴﻢ واملﺠﺪ
ﺑﺈﻳﺮادي ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻲ أﻋﻈﻢ ﺑﺮﻫﺎن ﻋﲆ ﻣﺤﺒﺘﻲ«.
ﻫﺬا ﻣﺎ أﻇﻬﺮﺗﻪ »ﺟﻮزﻓني« ﺟﻬﺎ ًرا ،وأﻣﺎ ﰲ اﻟﺨﻔﺎء ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻠﺤﺰن واﻟﻜﺂﺑﺔ،
وﻗﻀﺖ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء واﻟﻨﺤﻴﺐ ﺣﺘﻰ ﻗﺎرﺑﺖ اﻟﻌﻤﻰ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺤﺰن.
وﰲ اﻟﻴﻮم املﻌني ﻹﻧﻬﺎء ﻧﻈﺎم اﻻﻧﻔﺼﺎل اﺟﺘﻤﻊ املﺤﻔﻞ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻧﺎدي اﻹﻣﱪاﻃﻮر
اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻴﺸﻬﺪوا ﺗﻤﺎم ﻧﻈﺎم اﻻﻧﻔﺼﺎل ،ﻓﺪﺧﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺑﺤﻠﺘﻪ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﺻﻔﺮار املﻮت
ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ،وﻋﻼﻣﺎت اﻟﻴﺄس واﻟﻘﻨﻮط ﺗﻠﻮح ﻋﻠﻴﻪ ،واﺳﺘﻨﺪ إﱃ أﺣﺪ اﻷﻋﻤﺪة ﻣﻜﺘﻮف اﻟﻴﺪﻳﻦ
ﻏﺎﺋﺼﺎ ﰲ ﺑﺤﻮر اﻻﻓﺘﻜﺎر ﻛﺎﻟﺼﻨﻢ ﻻ ﻳﺒﺪي ﺣﺮا ًﻛﺎ ،وﻛﺎن ﰲ ً ﻻ ﻳﻔﻮه ﺑﻜﻠﻤﺔ ،وﺑﻘﻲ ﺑﺮﻫﺔ
وﺳﻂ اﻟﻨﺎدي ﻣﺎﺋﺪة ﺟﻤﻴﻠﺔ وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ أدوات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻹﺑﺮﻳﺰ ،أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻛﺮﳼ
ﺺ إﱃ أﻋﺪ ﻟ »ﺟﻮزﻓني« ،وﻛﺎن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﴐﻳﻦ ﺻﺎﻣﺘني ﻻ ﻳﻔﻮﻫﻮن ﺑﻜﻠﻤﺔ ،وﻛﻠﻬﻢ ﺷﺎﺧِ ٌ
املﺎﺋﺪة وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮون إﱃ ﻣﺬﺑﺤﺔ أو ﻣﺸﻨﻘﺔ ﻣُﻌ ﱠﻠﻘﺔ ،ﻓﻔﻲ وﺳﻂ ﻫﺬا ُﻓﺘﺢ ﺑﺎبٌ
ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ املﻨﺘﺪى ،ودﺧﻠﺖ ﻣﻨﻪ »ﺟﻮزﻓني« ﻣﺴﺘﻨﺪة إﱃ ﻳﺪ اﺑﻨﺘﻬﺎ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« واﺻﻔﺮار
256
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
املﻮت ﻳﻠﻮح ﻋﲆ وﺟﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،وملﺎ دﺧﻼ ﻏﻠﺐ اﻟﺒﻜﺎء ﻋﲆ »ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ،وﻟﻢ ﺗﻨﻔﻚ ﻋﻦ
ذﻟﻚ ﻛﻞ ﻣﺪة اﻻﺟﺘﻤﺎع.
إﺟﻼﻻ ﻟﻬﺎ ،وﺗﺴﺎﻗﻄﺖ اﻟﻌﱪات ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ً وملﺎ دﺧﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻧﻬﺾ اﻟﺠﻤﻴﻊ
ﻟﺸﺪة ﺗﺄﺛﱡﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮﻫﺎ .أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﺘﻘﺪﻣﺖ ﺑﺤﺮﻛﺎﺗﻬﺎ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ إﱃ املﻜﺎن املﻌﺪ ﻟﻬﺎ،
وارﺗﻔﻘﺖ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ،وأﺻﻐﺖ إﱃ ﻗﺮاءة ﻧﻈﺎم اﻻﻧﻔﺼﺎل واﻟﺪﻣﻮع ﺗُﺴﻜﺐ ﻣﻦ
ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑ ٍﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻗﺮاءة اﻟﻨﻈﺎم ﺣﺴﻤﺖ ً ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،وﻛﺎن اﺑﻨﻬﺎ »أﻳﻮﺟني«
»ﺟﻮزﻓني« دﻣﻮﻋﻬﺎ ،واﻧﺘﺼﺒﺖ واﻗﻔﺔ ،وأﺧﺬت ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻬﺪ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﺑﺼﻮﺗﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻖ
اﻟﻌﺬب اﻻﻋﺘﻴﺎدي ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ وأﺧﺬت ﻗﻠﻤً ﺎ ﱠ
ووﻗﻌﺖ اﺳﻤﻬﺎ ﺑﻔ ﱢﻚ أﻣﺘﻦ ُرﺑﻂ املﺤﺒﺔ واﻟﻮداد
اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻘﻞ اﻟﺒﴩي أن ﻳﺘﺼﻮرﻫﺎ ،أو ﻟﻠﻘﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ أن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻨﺪت
ﺛﺎﻧﻴﺔ إﱃ ﻳﺪ اﺑﻨﺘﻬﺎ ،وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ املﻜﺎن ،أﻣﺎ »أﻳﻮﺟني« ﻓﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻷرض ﻣُﻐﻤً ﻰ ﻋﻠﻴﻪ.
أﻣﺎ ﺷﺪة ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم وآﻻﻣﻪ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻋﲆ »ﺟﻮزﻓني« وﻫﻲ ﰲ وﺳﻂ
ﺗﻮﻫﺎﻧﻬﺎ ﰲ ﺑﺤﻮر اﻷﺣﺰان ﻣﺎ ﻛﺎن آﻟﻢ وأﺷﺪ ﻋﺬاﺑًﺎ ﻣﻦ اﻷول ،وﻫﻮ وداع ﻣﻦ ﻛﺎن زوﺟﻬﺎ
اﻟﻮداع اﻷﺧري ،ﻓﺎﻧﺘﻈﺮت ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ وﻫﻲ ﺣﺰﻳﻨﺔ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻜﺴﻮرة اﻟﺨﺎﻃﺮ ﻻ ﺗﻔﻮه ﺑﻜﻠﻤﺔ،
ﻗﻠﻘﺎ ﻛﺌﻴﺒًﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺟﺮى ،ورﻣﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﲆ ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺎن اﻟﻮﻗﺖ أﺗﻰ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻪ ً
ﻓﺮاﺷﻪ.
وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ُﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ﺑني ﻏﺮﻓﺘﻪ وﻏﺮﻓﺔ »ﺟﻮزﻓني« ،ودﺧﻠﺖ ﻫﻲ
ﻣﻨﻪ وﻫﻲ ﺗﺮﺗﺠﻒ وﻋﻴﻨﺎﻫﺎ وارﻣﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء ،وﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﺴﺪول ﻋﲆ أﻛﺘﺎﻓﻬﺎ ،وﻋﻼﻣﺎت
اﻟﺤﺰن واﻟﻐﻢ اﻟﺸﺪﻳﺪﻳﻦ ﺗﻠﻮح ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ،ﻓﺘﻘﺪﻣﺖ إﱃ وﺳﻂ اﻟﻐﺮﻓﺔ ودﻧﺖ ﻣﻦ ﴎﻳﺮ
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،ﺛﻢ وﻗﻔﺖ ﺑﻐﺘﺔ وﻏﻄﺖ وﺟﻬﻬﺎ ﺑﻴﺪﻳﻬﺎ ،وﺻﺎرت ﺗﺒﻜﻲ ﺑﻜﺎء ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻛﺎن ذﻟﻚ
ﻷﻧﻬﺎ اﻓﺘﻜﺮت ﺣﻴﻨﺌﺬ أﻧﻪ ﻻ ﺣﻖ ﻟﻬﺎ ﺑﻌ ُﺪ ﰲ اﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﻏﺮﻓﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻟﻜﻦ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ
ﱠﻣﺖ إﻟﻴﻪ وﻃﺮﺣﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ،وﻏﻤﺮﺗﻪ ﺣﺎﻻ ﺗﻬﻴﺠﺖ وأﻧ ْ َﺴﺘْﻬﺎ ﻛ ﱠﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﺘَﻘﺪ ْ
اﻟﺸﺪﻳﺪة ﻟﻪ ً
ﺑﻴﺪﻫﺎ ،وﺻﺎرت ﺗﺪﻋﻮه ﺑﺎﻛﻴﺔ ﻣﻨﺘﺤﺒﺔ ،ﻓﺘﻬﻴﺠﺖ ﻋﻮاﻃﻒ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﺟﻌﻞ ﻳﺆﻛﺪ ﻟﻬﺎ
ﻣﺤﺒﺘﻪ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ وﻳﻨﺘﺤﺐ ،وﻳﺜﺒﺖ ﻟﻬﺎ أﻧﻪ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﻛﺬﻟﻚ إﱃ ﻳﻮم
ﻣﻮﺗﻪ ،واﺟﺘﻬﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﻠﻴﻬﺎ وﻳﻌﺰي ﻗﻠﺒﻬﺎ ،وﺑﻘﻴﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺮﻫﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ
»ﺟﻮزﻓني« وودﻋﺖ زوﺟﻬﺎ اﻟﺬي أﺣﺒﺘﻪ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﻨني اﻟﻮداع اﻷﺧري ،واﻓﱰﻗﺖ ﻋﻨﻪ إﱃ
اﻷﺑﺪ.
وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ودﱠﻋﺖ »ﺟﻮزﻓني« اﻟﺒﻼط وأﻫﻠﻪ ،وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة اﺟﺘﻤﻊ
ﻛﻞ ﺣﺎﺷﻴﺔ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ﻋﲆ أﻋﲆ اﻟﺴﻼﻟﻢ ،وﰲ اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ واملﻤﺎﳾ؛ ﻟريوا اﻓﱰاق ﺳﻴﺪﺗﻬﻢ
257
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ
ٍ املﺤﺒﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ زﻳﻨﺔ ذﻟﻚ اﻟﻘﴫ وﺑﻬﺠﺘﻪ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻋﲆ اﻟﺴﻼﻟﻢ ﻣﻐﻄﺎة
رأﺳﻬﺎ إﱃ ﻗﺪﻣﻬﺎ ،واﻟﺪﻣﻮع ﻣﻞء ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،ﻓﺼﺎرت ﺗﻠﻮح ﺑﻤﻨﺪﻳﻠﻬﺎ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻮداع ﻟﻸﺻﺪﻗﺎء
اﻟﺒﺎﻛني ﺣﻮﻟﻬﺎ إﱃ أن وﺻﻠﺖ إﱃ اﻟﺒﺎب ،وﻫﻨﺎك وﺟﺪت ﻋﺠﻠﺔ ﻣﻄﺒﻘﺔ ﺑﺎﺳﺘﻨﻈﺎرﻫﺎ ﻳﺠ ﱡﺮﻫﺎ
ﺳﺘﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻮل اﻟﺠﻴﺎد ،ﻓﺪﺧﻠﺘﻬﺎ وﺳﺎرت ﺑﻬﺎ ،وﺗﺮﻛﺖ وراءﻫﺎ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« إﱃ اﻷﺑﺪ.
ﻔﻀﻠﻪ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ ﻗﺼﻮر أﻣﺎ ﻣﺤﻞ إﻗﺎﻣﺘﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻜﺎن ﻗﴫ »ﻣﻠﻤﺎزون« اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗُ ﱢ
اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻗﻀﺖ ﻓﻴﻪ ﻫﻲ و»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« أﺳﻌﺪ أوﻗﺎﺗﻬﻤﺎ ،ﻓﺈن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻛﺎن
ﻳﻌﺮف ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﴫ ،وﻗﺪ أﻋﻄﺎﻫﺎ إﻳﺎه ﻟﻜﻲ ﺗﻘﴤ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻗﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻗﺪ
أﺟﺮى ﻋﻠﻴﻬﺎ راﺗﺒًﺎ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﻗﺪره ﺳﺘﺔ آﻻف رﻳﺎل ،وأﺑﻘﻰ ﻟﻬﺎ اﺳﻤﻬﺎ وﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻫﻨﺎك ،وﻣﻜﺜﺖ
»ﺟﻮزﻓني« ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻴﺶ املﻠﻮك ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺷﻌﺐ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻣُﻌﺘﱪة
وﻣُﻜ ﱠﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ أﻫﺎﱄ أوروﺑﺎ ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺰورﻫﺎ — ﻏﺎﻟﺒًﺎ — وﻳﺴﺘﺸريﻫﺎ ﰲ
أﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﻗﺪ أدرك اﻟﻨﺎس أن اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺮﴈ اﻹﻣﱪاﻃﻮر وﻳﻜﻮن ِﻣﻦ املﻘﺮﺑني إﻟﻴﻪ ﻫﻮ
اﻟﺬي ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« وﻳُﺤﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ وإﻛﺮاﻣﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻢ أﺻﺒﺢ ﻗﴫ »ﻣﻠﻤﺎزون«
ﻣﺤﻞ اﺟﺘﻤﺎع ﻛﻞ أﻋﻀﺎء ﺑﻼط »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،ﻳﺄﺗﻮن إﻟﻴﻪ داﺋﻤً ﺎ ﺑﺤﻠﻠﻬﻢ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ املﻠﻮﻛﻴﺔ،
ﻧﻔﺴﺎ ﻟﻴُﻔﻄﺮوا ﻣﻌﻬﺎ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻮ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻋﴩة أو اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ً
وﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ﻗﺒﻞ اﻟﻈﻬﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤ ﱡﺮ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻴﻊ إﱃ ﻏﺮﻓﺔ املﺎﺋﺪة
ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ املﺪﻋﻮﱡون ﺣﺴﺐ ُرﺗﺒﻬﻢ وﻣَ ﻘﺎﻣﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺮز اﺛﻨﺘني ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﺠﻠﻮس ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ
وﻋﻦ ﻳﺴﺎرﻫﺎ ،وﻳﻘﻒ وﻗﺖ اﻟﻄﻌﺎم ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺪم وراءﻫﺎ ،وﺧﺎدم واﺣﺪ وراء ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ
املﺪﻋﻮﻳﻦ ،وﺳﺒﻌﺔ أﻓﻮاج ﻣﻦ ُرﺗَﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺨﺪﻣﻮن ﻋﲆ املﺎﺋﺪة .أﻣﺎ ﻣﺪة اﻟﻔﻄﻮر ﻓﻠﻢ
ﺗﻜﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع اﻟﺴﺎﻋﺔ إﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺪر ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﻄﻮر ﻣﻊ ﺳﻴﺪاﺗﻬﺎ
وﺿﻴﻮﻓﻬﺎ إﱃ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺘﺤﻒ.
أﻣﺎ أوﻗﺎت »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗُﻘﴣ ﰲ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻊ املﺴﺎﻛني ﺣﻮاﻟﻴﻬﺎ ،واملﻄﺎﻟﻌﺔ،
ﻏﺎﺻﺎ ﺑﻬﻢ ،وﻛﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« واﺳﺘﻘﺒﺎل أﻋﻀﺎء ﺑﻼط »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،ﻓﺈن ﻣُﻨﺘﺪاﻫﺎ ﻛﺎن داﺋﻤً ﺎ ٍّ
داﺋﻤً ﺎ ﻳﺰورﻫﺎ ،وﻳﻘﴤ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺳﺎﻋﺎت ﻛﺜرية ﻳﺘﻤﴙ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ ،أو ﰲ ﻣﺤﻞ
آﺧﺮ آﺧﺬًا ﺑﻴﺪﻫﺎ ،وﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ وﺳﻌﻪ ﻛﻲ ﻳُﻌﻮﱢض ﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ،وﻋﻦ
ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻳﺤﺒﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة،ً اﻟﺤﺰن واﻟﻐﻢ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺳﺒﺒﻬﻤﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻗﻴًﺎ
وﻣﺤﺒﺘﻪ واﻋﺘﺒﺎره ﻟﻬﺎ ﻳﺰدادان ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻴﻮﻣً ﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﻘﴤ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻋﲆ وﺗرية واﺣﺪة ،ﻓﺘﻨﺰل ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم اﻟﺴﺎﻋﺔ
اﻟﻌﺎﴍة ﺻﺒﺎﺣً ﺎ إﱃ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل وﺗﺴﺘﻘﺒﻞ ُزوﱠارﻫﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﻋﻴﺎن ﺑﺎرﻳﺲ،
258
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺒﻌﺾ اﻷﻣﻮر ا ُملﺴ ﱢﻠﻴﺔ ﻣﺜﻞ :اﻟﺼﻮر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،واﻟﻨﻘﻮش اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،واﻟﺘﺤﻒ
اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ،واﻟﺬي ﻛﺎن ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻳﺬﻫﺐ ﻣﻊ »ﺟﻮزﻓني« ﻻﺳﺘﻤﺎع ﺗﻼوة ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺐ
املﻔﻴﺪة ِﻣﻦ ا ُملﻮ ﱠﻛﻞ ﻋﲆ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻀﻮن اﻟﻮﻗﺖ ﰲ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ،
ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ أرﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺟﻴﺎد اﻟﺨﻴﻞ ،ﻓﱰﻛﺐ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﺘﺄﺗﻲ إذ ذاك ﺛﻼث ﻋﺠﻼت ﻳﺠ ﱡﺮ ٍّ
واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﺬﻫﺐ ﻣﻊ اﺛﻨﺘني ﻣﻦ ﺧﺎدﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺎت وﺑﻌﺾ اﻷﺻﺪﻗﺎء ،وﺗﻘﴤ
ﻣﻘﺪار ﺳﺎﻋﺘني ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ اﻟﺘﻨﺰه ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ اﻟﺠَ ﻮَﻻن ﺑني ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ واﻟﺘﺤﺪث
ﻣﻌﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺗﺮﺟﻊ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ إﱃ اﻟﻘﴫ ،وﻳﺬﻫﺐ ﻛﻞ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ وﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء إﱃ
اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻌﺸﺎء.
ﺿﻴﻔﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻀﻮن اﻟﻮﻗﺖً وﻛﺎن ﻳﺘﻌﴙ ﻋﲆ املﺎﺋﺪة ﻣﺎ ﺑني اﺛﻨﻲ ﻋﴩ وﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ
ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺸﺎء ﺑﺎملﺆاﻧﺴﺔ واﻷﻟﻌﺎب املﺨﺘﻠﻔﺔ إﱃ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻘﺪم
اﻟﺤﻠﻮاء واﻟﺸﺎي ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻻﻧﴫاف.
وﰲ ﺷﻬﺮ آذار )ﻣﺎرس( ﺳﻨﺔ ١٨١٠م ،وﺻﻠﺖ »ﻣﺎرﻳﺎ ﻟﻮﻳﺰا« إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﺟﺮى
ً
ﺣﺎﻓﻼ ﺟﺪٍّا .وﺑﻌﺪ اﻹﻛﻠﻴﻞ دوﱠت اﺣﺘﻔﺎل إﻛﻠﻴﻠﻬﺎ ﻋﲆ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ »ﺳﻨﺖ ﻛﻠﻮد« ،وﻛﺎن
ﺑﺎرﻳﺲ ﺑﺄﺻﻮات اﻟﻄﺮب ،ﻓﺄﺧﺬ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻋﺮوﺳﻪ إﱃ »اﻟﺘﻮﺑﻠﻤﺮي« ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺧﺮﺟﺖ
»ﺟﻮزﻓني« ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ أﺻﻮات املﺪاﻓﻊ ،وﻗﺮع اﻷﺟﺮاس ،واﺑﺘﻬﺎﻻت اﻟﺸﻌﺐ
ﺛﻘﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا ﻋﲆ ﻗﻠﺐ »ﺟﻮزﻓني« ،واﺟﺘﻬﺪت ﰲ إﺧﻔﺎء ﺣﺰﻧﻬﺎ وﻏﻤﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺜًﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ
ذﻟﻚ؛ ﻓﺈن اﺻﻔﺮار وﺟﻬﻬﺎ واﻏﺮﻳﺮاق ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﻳُﺨﻔﻴﺎ أﻣﺮﻫﺎ.
أﻣﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻓﺒﻘﻲ ﻳﻜﺎﺗﺒﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻤﻨﻊ ﻏرية »ﻣﺎرﻳﺎ ﻟﻮﻳﺰا« زﻳﺎرﺗﻪ ﻟﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ
اﻗﱰاﻧﻬﻤﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ُو ِﻟﺪ ﻣﻠ ٌﻚ ﻟﺮوﻣﻴﺔ ،وﰲ ﻧﻔﺲ املﺴﺎء اﻟﺬي وﺻﻞ ﺑﻪ ﻫﺬا اﻟﺨﱪ إﱃ
»ﺟﻮزﻓني« ﻛﺘﺒﺖ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ إﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﺗُﻬﻨﱢﺌﻪ ﺑﺎملﻮﻟﻮد ،وﻫﺬه ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ:
ﺳﻴﺪي ،ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺻﻮت اﻣﺮأة ﺿﻌﻴﻔﺔ أن ﻳﺼﻞ أذﻧﻴﻚ ﰲ وﺳﻂ اﻟﺘﻬﺎﻧﻲ اﻟﻜﺜرية
اﻵﺗﻴﺔ إﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺎت أوروﺑﺎ وﻣﺪن ﻓﺮﻧﺴﺎ وأﻓﺮاد ﺟﻴﺸﻚ؟ وﻫﻞ ﺗﺘﻨﺎزل ﻟﻺﺻﻐﺎء
إﱃ اﻟﺘﻲ ﻃﺎملﺎ ﺳﻠﺖ أﺣﺰاﻧﻚ ،وﺧﻔﻔﺖ أوﺟﺎﻋﻚ ،ﻓﺘﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻚ ﻋﻦ اﻟﻔﺮح اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﺑﻪ
ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻛﻞ أﻣﺎﻧﻴﻚ ،أو ﺗﺘﺠﺎﴎ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻌ ُﺪ اﻣﺮأﺗﻚ أن ﺗﻬﻨﺌﻚ ﺑﺄﻧﻚ ﴏت واﻟﺪًا .ﻧﻌﻢ
دﻟﻴﻼ ،وأﻧﺎ أﻋﺮف ﻗﻠﺒﻚ وﻻ أﻇﻠﻤﻚ ﻛﻤﺎ أﻧﻚ أﻧﺖ ﺳﻴﺪي ،ﻻ ﺷﻚ أن ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ إﱃ اﻟﻘﻠﺐ ً
أﻳﻀﺎ ﺗﻌﺮف ﻗﻠﺒﻲ .وإﻧﻨﻲ أﻗﺪر أن أﺣﺲ ﻣﻌﻚ ﻛﻤﺎ أﻧﻚ أﻧﺖ اﻵن ﺗﺤﺲ ﻣﻌﻲ ،وﻧﺤﻦ اﻵن ً
ﻣﺸﱰﻛﺎن ﺑﺘﻠﻚ املﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق ﻛﻞ ﳾء وإن ﻛﻨﺎ ﻣﻔﱰﻗني.
ﻛﻨﺖ أﺷﺘﻬﻲ أن أﺳﻤﻊ ﻣﻨﻚ أﻧﺖ ﻣﻴﻼد ﻣﻠﻚ روﻣﻴﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺻﻮات املﺪاﻓﻊ أو واﱄ
املﻘﺎﻃﻌﺔ ،ﻏري أﻧﻲ أﻋﻠﻢ أن واﺟﺒﺎﺗﻚ اﻷوﱃ ﻫﻲ ﻟﻠﻤﻤﻠﻜﺔ وﻟﺴﻔﺮاء اﻟﺪول اﻷﺟﺎﻧﺐ وﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻚ،
259
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻋﲆ اﻟﺨﺼﻮص ﻟﻸﻣرية اﻟﺴﻌﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺑ ﱠﻠﻐﺘﻚ أﻋﻈﻢ أﻣﺎﻧﻴﻚ .ﻧﻌﻢ ،إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﺪر أن ﺗﻜﻮن
ﻣﺤﺒﺔ ﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻲ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ إﺗﻤﺎم ﺳﻌﺎدﺗﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻲ؛ إذ وﻟﺪت ﻫﺬا اﻟﻮﻟﺪ
ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻖ اﻷول ﻟﻌﻮاﻃﻔﻚ اﻷوﱃ وﻟﻜﻞ اﻋﺘﻨﺎﺋﻚ .وأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﻢ أﻛﻦ إﻻ
رﻓﻴﻘﺔ ﻟﻚ ﰲ أﻳﺎم اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻼ أﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﻓﺆادك إﻻ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﺟﺪٍّا ﻋﻦ املﻜﺎن
اﻟﺬي ﺗﺤﻠﻪ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة »ﻟﻮﻳﺰا« ،وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ أؤﻣﻠﻪ اﻵن أن ﺗﺄﺧﺬ ﻗﻠﻤﻚ وﺗﺘﺤﺎدث ً
ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻊ
أﻋ ﱢﺰ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻗﺒﻠﻤﺎ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺳﻬﺮك ﺑﺠﺎﻧﺐ ﴎﻳﺮ اﻣﺮأﺗﻚ ،وﻻ ﻗﺒﻠﻤﺎ ﺗﺘﻌﺐ
ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻘﺔ وﻟﺪك .وﻫﺎ أﻧﺎ ذا ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎر.
أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻴﺘﻌﺬر ﻋﲇ ﱠ اﻹﺑﻄﺎء ﰲ إﺧﺒﺎرك ﺑﺄﻧﻲ أﻓﺮح ﻟﻔﺮﺣﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﰲ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺸﻚ ﰲ ﺧﻠﻮص ﻣﺤﺒﺘﻲ وﺻﺪق ﻛﻼﻣﻲ ،وأﻧﺎ آﺳﻔﺔ ﻋﲆ ﳾء واﺣﺪ ،وﻫﻮ
ﺑني ﻟﻚ ﻣﻘﺪار ﺣﺒﻲ ﻟﻚ ،وأﻧﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻦ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻣﺎ ﺑﻪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻷ ُ ﱢ
ﺻﺤﺔ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة .ﺳﺄﺗﺠﺎﴎ أن أﺗﻜﻞ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ﺑﻘﺪر أﻣﲇ ﺑﻚ أن أﺳﻤﻊ ﻣﻨﻚ ﻋﻦ
ﺣﺼﻠﺖ دوام اﻻﺳﻢ اﻟﴩﻳﻒ اﻟﺬي أﻧﺖ ﺗﻤﺜﻠﻪ .وإن »أﻳﻮﺟني« ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﱠ
ﻣﻔﺼﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻣﻨﻚ أﺷﺘﻬﻲ أن أﺳﻤﻊ إذا ﻛﺎن اﺑﻨﻚ ً و»ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﺳﻴﻜﺘﺒﺎن ﱄ
ﺣﺴﻨًﺎ ،أو إذا ﻛﺎن ﻳﺸﺒﻬﻚ ،أو إذا ﻛﺎن ﻳﺆذن ﱄ ﰲ رؤﻳﺘﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺎ .وﺑﺎﻻﺧﺘﺼﺎر إﻧﻲ أﻧﺘﻈﺮ
ﻣﻨﻚ ﺛﻘﺔ ﻏري ﻣﺤﺪودة ،وﻋﲆ ذﻟﻚ — ﺳﻴﺪي — ﱄ ﺣﻘﻮق ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻏري املﺤﺪودة
اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻐري ﻣﺎ دﻣﺖ ﺣﻴﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﻬﺖ ﺟﻮزﻓني ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ أرﺳﻠﺘﻬﺎ إﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﺘﺢ
اﻟﺒﺎب ﻟﱰﺳﻞ رﺳﺎﻟﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ وﻗﻒ أﻣﺎﻣﻬﺎ رﺳﻮل »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وﺑﻴﺪه رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻨﻪ ﻳﺒﴩﻫﺎ
ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎملﻮﻟﻮد ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﻣﻨﻪ وذﻫﺒﺖ ﺑﻬﺎ إﱃ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻨﺎﻣﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ
رﺟﻌﺖ إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ وﻗﺪ اﺣﻤ ﱠﺮت ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء ،ورﺳﺎﻟﺔ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻠﻄﺨﺔ
ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،ﻓﺪﻓﻌﺖ إﱃ رﺳﻮل اﻹﻣﱪاﻃﻮر رﺳﺎﻟﺔ أﺧﺮى ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ ﺟﻮاﺑًﺎ ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮر
ﻋﻼﻣﺔ ﻋﲆ اﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻗﻴﻤﺔً دﺑﻮﺳﺎ ﻣﻦ أملﺎس وأﻟﻒ رﻳﺎل ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ً ﻋﲆ رﺳﺎﻟﺘﻪ ،وأﻋﻄﺘﻪ
اﻟﺒﴩى اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ أن ﴏﻓﺖ اﻟﺮﺳﻮل أﺧﺬت رﺳﺎﻟﺔ اﻹﻣﱪاﻃﻮر وﺗﻠﺘﻬﺎ ﻋﲆ
أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ اﻟﺤﺎﴐﻳﻦ.
وﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ زﻳﺎرة »ﺟﻮزﻓني« ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺎﻷول،
ودﺑﺮ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻤﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻮﻟﺪ ﻋﲆ ﻳﺪﻳﻪ ﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺮاه ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ املﴬب
املﻠﻮﻛﻲ ﻗﺮب ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻗﺪ ذﻛﺮت »ﺟﻮزﻓني« ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ إﺣﺪى رﺳﺎﺋﻠﻬﺎ إﱃ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن«
ﺣﺎﻣﻼ وﻟﺪه ﻋﲆ ﻳﺪﻳﻪ ﻛﺎﻧﺖ أﺳﻌﺪ ﻣﺎ ﻻﻗﺘﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ً أن ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ رأﺗﻪ ﻓﻴﻬﺎ
ﻛﺎﻧﺖ أوﺿﺢ ﻋﻼﻣﺔ أﻇﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺤﺒﺘﻪ اﻷﻛﻴﺪة ﻟﻬﺎ.
260
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
أﻣﺎ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎم »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ »ﻣﻠﻤﺎزون« ﻗﺒﻞ اﻧﻔﺼﺎﻟﻪ ﻋﻦ »ﺟﻮزﻓني«
ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،وﻛﺎن ﻣﻔﺘﺎﺣﻬﺎ ﻣﻊ »ﺟﻮزﻓني« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ وﺗﻨﺰع
اﻟﻐﺒﺎر ﻋﻦ أدواﺗﻬﺎ وأﺛﺎﺛﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺴﻤﺢ اﻟﺒﺘﺔ ﺑﺘﻐﻴري ﳾء أو ﻧﻘﻞ ﳾء ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ
أول ﻣﺪة إﺗﻴﺎﻧﻬﺎ إﱃ »ﻣﻠﻤﺎزون« ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻛﺌﻴﺒﺔ ،وﻋﻼﻣﺎت اﻟﻜﺪر واﻟﻐﻢ ﺗﻠﻮح ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ﻋﲆ
اﻟﺪوام ،ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﺎ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻗﴫ »ﻧﺎﻓﺎر« اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮاﻟﻴﻪ ﻣﻨﺘﺰﻫﺎت ﻓﺴﻴﺤﺔ ﺗﺠﺮي
ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎر اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ،وﺗُﻐ ﱢﺮد ﰲ أﺷﺠﺎرﻫﺎ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.
وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻘﴫ أﺣﺪ اﻟﻘﺼﻮر املﻠﻜﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ ﰲ وﺳﻂ ﻏﺎﺑﺔ »إﻓﺮي« اﻟﺸﻬرية،
ﻗﻠﻴﻼ ﰲ ﻣﺪة اﻟﺜﻮرة ،ﻓﺄﻋﻄﻰ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« »ﺟﻮزﻓني« ٣٠٠أﻟﻒ رﻳﺎل وﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﻌﻄﻞ ً
وﺣﺴﻨﺖ ﻓﻴﻪ أﺷﻴﺎء ﻛﺜرية ﺣﺴﺐ ذوﻗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﱠ ﻟﱰﻣﻴﻤﻪ وإﺻﻼﺣﻪ ،ﻓﺮﻣﻤﺘﻪ وأﺻﻠﺤﺘﻪ
ﻛﺠﻨﺔ ﻋﺪن ،وﺻﺎرت ﺗﻔﻀﻠﻪ ﻋﲆ »ﻣﻠﻤﺎزون« ،وﺑﻌﺪ أن ﻧﻘﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﺄﻳﺎ ٍم ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻛﺘﺒﺖ إﱃ
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻵﺗﻴﺔ:
ﺳﻴﺪي ،ﺗﴩﻓﺖ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻚ اﻟﻌﺰﻳﺰة اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ إﱄ ﱠ ﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮم اﻟﺬي
ﺗﺮﻛﺖ ﻓﻴﻪ »ﺳﻨﺖ ﻛﻠﻮد« ،وﻗﺪ ﺑﺎدرت إﱃ إﺟﺎﺑﺘﻚ ﻋﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﻮاﺿﻴﻊ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ
اﻟﺤﺒﻴﺔ .واﻟﺤﻖ أن ﻫﺬه املﻮاﺿﻴﻊ ﺗﺪﻫﺸﻨﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أدﻫﺸﻨﻲ ﻏري ﴎﻋﺘﻬﺎ،
ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﱄ ﻫﻨﺎ ﺳﻮى ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،ﻓﺘﺄﻛﺪت ﻓﻴﻬﺎ أن ﻣﺤﺒﺘﻚ ﱄ ﺗﻄﻠﺐ
ﺗﺴﻠﻴﺘﻲ وﺗﻌﺰﻳﺘﻲ ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﻔﺼﻼن اﻻﻧﻔﺼﺎل اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ ﻟﺮاﺣﺘﻨﺎ ﻛﻠﻴﻨﺎ ،وﻳﻘﻴﻨﻲ أن ﺣﺴﻦ اﻋﺘﻨﺎﺋﻚ ﺑﻲ واﻟﺘﻔﺎﺗﻚ إﱄ ﱠ ﻳﺘﺒﻌﺎﻧﻲ
ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺖ وﻳﻌﺰﻳﺎﻧﻲ.
واﻵن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﱄ ﳾء أﺷﺘﻬﻴﻪ ﺑﻌﺪ اﺧﺘﻴﺎر ﻣﺤﺒﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﱰﻛﺔ ،وآﻻم ﻣﺤﺒﺔ
ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻌ ُﺪ ﻣﺸﱰﻛﺔ ،وﺑﻌﺪ اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻜﻞ اﻟﴪور املﻤﻜﻦ ﻟﻠﻘﻮة ﻏري املﺘﻨﺎﻫﻴﺔ أن
ﺗﻤﻨﺤﻪ ،وﺑﻌﺪ أن ﻧﻠﺖ ﻛﻞ اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﻨﻈﺮي إﱃ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي أﺣﺒﻪ ﻓﻮق ﺟﻤﻴﻊ
اﻟﻨﺎس .ﻧﻌﻢ ،إﻧﻨﻲ ﻻ أﺷﺘﻬﻲ ﺷﻴﺌًﺎ ﺳﻮى اﻟﺴﻜﻮن واﻟﺮاﺣﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻓﺈﻧﻲ اﻵن
ﻻ أرى أن ﱄ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ دواﻋﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﺳﻮى ﻋﻮاﻃﻔﻲ اﻟﺤﺒﻴﺔ ﻧﺤﻮك وﻣﺤﺒﺘﻲ
ﻷوﻻدي .واﻷﻣﻞ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﻓﻌﻞ ﺑﻌ ُﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨري ﻳﺌﻮل إﱃ راﺣﺘﻚ
وﺳﻌﺎدﺗﻚ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﺄﺳﻒ ﻣﻌﻲ ﻷﻧﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﺒﻼط — اﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ أﻧﻚ
ً
ُﺤﺎﻃﺔ ﺑﺄﺣﺒﺎء أﻋﺰاء ،وﺣﺮﻳﺔ ﺗﻈﻦ أﻧﻲ أﺗﺤﴪ ﻋﻠﻴﻪ — ﻓﺈﻧﻲ ﻫﻨﺎ ﰲ »ﻧﺎﻓﺎر« ﻣ
ﻻﺗﱢﺒﺎع أﻣﻴﺎﱄ ﰲ اﻟﻔﻨﻮن ،وإﻧﻲ أﺟﺪ ﻧﻔﴘ أﺣﺴﻦ ﻣﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﰲ أي ﻣﻜﺎن آﺧﺮ.
261
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻋﻨﺪي ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜريُ ﻟﻠﻌﻤﻞ؛ ﻷﻧﻲ أرى ﺣﻮاﱄ ﻋﺎﻣﻼت اﻟﺨﺮاﺋﺐ اﻟﺘﻲ أﺣﺪﺛﺘﻬﺎ
اﻟﺜﻮرة اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وﺳﺄﺑﺬل ﻗﺼﺎرى ﺟﻬﺪي ﻷزﻳﻞ آﺛﺎرﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻨﺎء ،ﻛﻤﺎ أن
ﺳﻌﺎدﺗﻚ ﻋ ﱠﻠﻤﺖ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻨﺴﻮﻫﺎ .وإﺻﻼح ﻫﺬه اﻟﺨﺮاﺋﺐ وﻣﺴﺎﻋﺪة املﺴﺎﻛني
ﻳﴪاﻧﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻤ ﱡﻠﻖ ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻼط وﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮوﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻨﱡﻊ واﻟﺘﻜ ﱡﻠﻒ.ﺣﻮﱄ ﱠ
ً
إﻧﻲ أﺧﱪﺗﻚ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ أﻋﻀﺎء ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺧﱪك ﻣﺎ ﺑﻪ
اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺳﻴﺎدة املﻄﺮان »ﺑﻮرﻟﻴﺎﻳﺮﻓﺎﻧﻲ« :ﻛﻞ ﻳﻮم أﺗﻌﻠﻢ ﻣﻨﻪ أﻣﻮ ًرا ﺟﺪﻳﺪة
ﺗﺠﻌﻞ اﻋﺘﺒﺎر اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﻘﺮن ﻋﻤﻞ اﻟﺨري ﺑﺎﻟﺴرية املﻤﺪوﺣﺔ ﻳﻌﻈﻢ ﰲ ﻋﻴﻨﻲ،
وﺳﺄﺗﻜﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ ﺻﺪﻗﺎﺗﻲ ﰲ »إﻓﺮي« .وملﺎ ﻛﺎن ﻫﻮ ﺳﻴﻮزﻋﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء
ﻛﻨﺖ ﻋﲆ ﺛﻘﺔ أﻧﻬﺎ ﺳﺘُﻮ ﱠزع ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﺴﻮاء.
ُ
ﺳﻴﺪي ،إﻧﻲ ﻻ أﻗﺪر أن أﻗﻮم ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻚ ﻷﺟﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺘﻌﺘﻨﻲ
ﺑﻬﺎ ﰲ اﻧﺘﺨﺎب أﻋﻀﺎء ﺑﻴﺘﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻳﺪون ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﺑﻬﺠﺔ ﻋﻴﴚ اﻟﺒﻴﺘﻴﺔ،
وﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﻳﺤﴪﻧﻲ اﻟﺒﺘﺔ ﺳﻮى ﳾء واﺣﺪ ،وﻫﻮ رﺳﻤﻴﺔ اﻟﻠﺒﺎس ﻫﻨﺎ ﰲ اﻟﱪﻳﺔ،
ﻟﻘﺐ ﺑﴩﻳﻔﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻲ ﺗُﻮﱢﺟﺖ إﻣﱪاﻃﻮرة ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ،ﺑﻞ إﱃ أن ﺗﻘﻮل :وإﻧﻲ اﻵن أ ُ ﱠ
ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺨﺘﺎرﺗﻚ ،وﻟﻴﺲ ﱄ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻦ دون ذﻟﻚ .وﺣﺴﺒﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﺨﺮ ﻟﺘﺨﻠﻴﺪ
ﻗﺒﻼ ،وﻳﴪﻧﻲ ﻣﻨﻬﻢ اﺳﻤﻲ .أﻣﺎ ُزوﱠاري ﰲ ﻫﺬه املﺪة املﺘﺄﺧﺮة ،ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ً
إﻋﺠﺎﺑﻬﻢ واﻓﺘﺨﺎرﻫﻢ ﺑ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« .وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈﻧﻲ أﺟﺪ ﻧﻔﴘ ﻛﺄﻧﻲ ﰲ ﺑﻴﺘﻲ
ﺗﻨﺲ ﺻﺎﺣﺒﺘﻚ ،واذﻛﺮ ﻟﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ أﻧﻚ ﺣﺎﻓﻆ ﻟﻬﺎوأﻧﺎ ﰲ وﺳﻂ ﻫﺬا اﻟﻐﺎب .ﻻ َ
ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻚ ﻟﺘﻨﺘﻌﺶ روﺣﻬﺎ ﺑﻪ ،وﻛﺮر ﻟﻬﺎ اﻟﻜﻼم ﻋﻦ ﺳﻌﺎدﺗﻚ ،وﺗﺄﻛﺪ
أن ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺳﻼم ،ﻛﻤﺎ أن املﺎﴈ ﻛﺎن ﻣﺸﺌﻮﻣً ﺎ ﺑﺎﻷﺣﺰان
واﻷﻛﺪار.
وﻗﺒﻞ ذﻫﺎب »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« إﱃ ﺳﺎﺣﺎت »روﺳﻴﺎ« املﻬﻠﻜﺔ ذﻫﺐ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« وﻗﴣ
ﻣﻌﻬﺎ ﺳﺎﻋﺘني ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﰲ اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ ﻳﺤﺎدﺛﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻣﺎﻣﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﺤﺬره
ﻣﻦ ﻣﺒﺎﴍة ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻄري ،وﻟﻜﻦ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎح أﻗﻨﻌﺘﻬﺎ وﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﺗُﺴ ﱢﻠﻢ ﻣﻌﻪ.
وﰲ اﻟﺨﺘﺎم ﻗﺒﻞ ﻳﺪﻫﺎ وﻧﻬﺾ ﻟﻠﺬﻫﺎب ،ﻓﺮاﻓﻘﺘﻪ إﱃ اﻟﻌﺠﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻦ
اﻟﺰﻣﻦ ﺣﺘﻰ رﺟﻊ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻣﻦ »ﻣﻮﺳﻜﻮ« ﻓﻮﺟﺪ أن ﻛﻞ أوروﺑﺎ ﻣﺘﺠﻨﺪة ﻋﻠﻴﻪ ،وﻣﺘﻘﺪﻣﺔ
ﻧﺤﻮ ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ ،ﻓﺬﻫﺐ ﰲ وﺳﻂ ﻫﺬه املﺨﺎﻃﺮ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« وﻃﻠﺐ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻫﺬه املﻮاﺟﻬﺔ اﻷﺧرية .وﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎرة اﻷﺧرية اﻟﻘﺼرية ﺷﺨﺺ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺮﻫﺔ ﺳﺎﻛﺘًﺎ
وﻋﻼﻣﺎت اﻟﺤﺰن ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻳﺎ ﺟﻮزﻓني ،إﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﻌﻴﺪًا ﻛﺄﺳﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﺎش
262
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
ﻋﲆ وﺟﻪ اﻷرض ،وﻟﻜﻨﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أرى ﻋﻮاﺻﻒ ﺗﺘﺠﻤﻊ ﻓﻮق رأﳼ ﻟﻴﺲ ﱄ
ﰲ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻮاﺳﻊ أﺣﺪ إﻻ أﻧﺖ اﻟﺘﻲ أﻟﺘﻔﺖ إﻟﻴﻬﺎ وأﺳﱰﻳﺢ.
ﻄﺮ أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ وﰲ أﻋﻈﻢ ﻫﺬه اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت واﻻﻧﺰﻋﺎﺟﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳُﺴ ﱠ
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﴩ ،ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎر »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« داﺋﻤً ﺎ ﻋﻨﺪ »ﺟﻮزﻓني« رﻓﻴﻘﺔ ﺻﺒﺎه ،وﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ
إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﻘﺮﻳ ًﺮا ،وﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻮادث اﻟﺠﺎرﻳﺔ ،وﻳﺨﱪﻫﺎ ﻋﻦ أﺣﻮاﻟﻪ واﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ
ﻛﺘﺒﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮوب .وﻣﻦ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻘﺘﺎل ﻛﺎن أﻟﻄﻒ وأرق ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻟﻬﺎ ﰲ
ﺣﻴﺎﺗﻪ؛ ﻓﺈن املﺼﺎﺋﺐ واﻟﻨﻜﺒﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ دﻣﱠ ﺜﺖ أﺧﻼﻗﻪ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم املﻀﻄﺮﺑﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﺎرب اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺠﺮارة ،وﻛﺎن ﻋﺮﺷﻪ آﺧﺬًا ﰲ اﻟﺘﻘﻠﻘﻞ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻴﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ
رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﻨﻌﺶ روﺣﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻮاﻏﻠﻪ ﻋﻈﻴﻤﺔ.
أﻣﺎ اﻟﺠﻴﻮش املﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ آﺧﺬة ﰲ اﻻﻗﱰاب ﻣﻦ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻛﺎﻧﺖ »ﺟﻮزﻓني«
ﻣﻬﻤﻮﻣﺔ ﻣﻐﻤﻮﻣﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺣﻞ ﺑ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ وﻛﻞ ﺳﻴﺪاﺗﻬﺎ ﰲ »ﻣﻠﻤﺎزون«
ﻳﻘﻀني أﻛﺜﺮ أوﻗﺎﺗﻬﻦ ﰲ إﻋﺪاد ﺧﻴﻮط اﻟﻜﺘﺎن ﻟﻠﺠﺮﺣﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻠﺌﻮا املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت .وأﺧريًا ملﺎ
اﻗﱰﺑﺖ ﺟﻴﻮش اﻟﺪول املﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻦ »ﻣﻠﻤﺎزون« ،وﺻﺎر ﺑﻘﺎء »ﺟﻮزﻓني« ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻷﻣﻮر
اﻟﺨﻄرية ،رﻛﺒﺖ ﻋﺠﻠﺘﻬﺎ وﺳﺎرت إﱃ »ﻧﺎﻓﺎر« ،وذﻋﺮت ﻣﻦ أﺻﻮات اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﺛﻼث ﻣﺮات
ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻏري ﺑﻌﻴﺪة ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻌﺖ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛني ً
ﻣﻴﻼ
ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ اﻧﻜﴪت ﻋﺠﻠﺘﻬﺎ ،وﰲ ﻧﻔﺲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ رأت أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺎﻟﺔ أﺗﺖ
ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻓﻈﻨﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ اﻷﻋﺪاء ،وﻣﻦ ﺷﺪة ﺧﻮﻓﻬﺎ ﺗﺮﻛﺖ ﻋﺠﻠﺘﻬﺎ وﺻﺎرت ﺗﺮﻛﺾ ﻣﻊ
ﺳﻴﺪاﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل ،وﻛﺎن املﻄﺮ ﻳﻬﻄﻞ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ.
ﴎن ﻣﺴﺎﻓﺔ أدرﻛﻦ ﻏﻠﻄﻬﻦ ووﺟﺪن أن ﻫﺆﻻء اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﺎوﻳﻮن ،وﺑﻌﺪ وﺑﻌﺪ أن ِ ْ
أن أﺻﻠﺤﺖ اﻟﻌﺠﻠﺔ رﻛﺒﺖ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،وﻫﻜﺬا وﺻﻠﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ إﱃ »ﻧﺎﻓﺎر« ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺳﺎﻛﺘﺔ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻻ ﺗﻔﻮه ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ.
وﺑﻌﺪ أن أﻗﺎﻣﺖ ﻋﺪة أﻳﺎم ﰲ »ﻧﺎﻓﺎر« ﻗﻠﻘﺔ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ اﻟﺒﺎل ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻷﺧﺒﺎر ﻋﻦ
»ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »إﺳﻜﻨﺪر« ،إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﺮوس ،ﺧﻔﺮاء ﻳﺤﺮﺳﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ
اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻷن ﻣﺌﺎت اﻷﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﻨﺘﴩة ﰲ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت،
وﻗﺪ أﻟﻘﺖ اﻟﺮﻋﺐ ﰲ ﻗﻠﻮب ﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﺣﻲ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻮزﻓني ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﻐﻤﻮﻣﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ملﺎ أﻟ ﱠﻢ ﺑ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﴤ ﻛﻞ أوﻗﺎﺗﻬﺎ
إﻣﺎ ﺑﺎﻟﻜﻼم ﻋﻨﻪ ،وإﻣﺎ ﺑﺘﻼوة رﺳﺎﺋﻠﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ،وﻳﺨﱪﻫﺎ ﺑﺄﺣﻮال
اﻟﺤﺮب ،وﺑﻔﺮاره ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﱃ آﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻷن
263
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ املﺤﺘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﻟﺌﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻤﺴﻜﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ .وآﺧﺮ رﺳﺎﻟﺔ وﺻﻠﺖ
إﻟﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ اﻷﺧرية ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ »ﺑﺮﻳﺎن« ،ﻳﺨﱪﻫﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﻪ ،وﺑﺎﻟﻌﺼﺒﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ
اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻟﻪ ،وأرﺳﻞ ﰲ ﻛﺘﺎب آﺧﺮ ﻳﻘﻮل:
إﻧﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺬﻛﺮ أﻳﺎم ﺷﺒﺎﺑﻲ ،وأﻗﺎﺑﻞ ﺳﻼم ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻋﲇ ﱠ ﺑﺎﻷﺗﻌﺎب
واملﺨﺎوف اﻟﺘﻲ أﺗﺠﺮﻋﻬﺎ اﻵن أﻛﺮه اﻟﺤﻴﺎة .وﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﱄ ﻣﺮا ًرا ﻛﺜرية أﻧﻨﻲ ﻃﻠﺒﺖ
ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻻ ﻳﺠﺐ أن أﺧﺎﻓﻪ اﻵن ،وأﻧﺎ أرى ﻣﻮﺗﻲ اﻵن ﻳﻜﻮن ﺑﺮﻛﺔ،
ٍ املﻮت
وﻟﻜﻨﻲ أرﻳﺪ ﺛﺎﻧﻴﺔ أن أرى ﺟﻮزﻓني.
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« ﻟﻢ ﺗﻘﻄﻊ اﻷﻣﻞ ﻣﻦ ﻧﺠﺎح »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ،ﺑﻞ
أﻣﱠ ﻠﺖ أن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺗﻮَﺟﱠ ﻪ ﻳُﻼﻗﻲ اﻟﻨﴫ واﻟﻨﺠﺎح ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻔﻮز أﺧريًا ،وﻟﻮ
ﻛﺎن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﺘﻘﻬﻘ ًﺮا ،وﻛﺎن ذﻟﻚ رﺟﺎءﻫﺎ إﱃ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻵﺗﻴﺔ:
ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ﺟﻮزﻓني ،ﻛﺘﺒﺖ إﻟﻴﻚ ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﻬﺮ ،وﻟﻜﻦ رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ
ﺳﺎق وﻗﺪم ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن إﺑﻄﺎﻟﻪ ﻣﻤﻜﻨًﺎ ،وﻳﻨﺒﻐﻲٍ ﻛﺘﺎﺑﻲ إﻟﻴﻚ .اﻟﻘﺘﺎل ﻗﺎﺋﻢ ﻋﲆ
ﺗﺠﺪﻳﺪ املﻔﺎوﺿﺎت واملﺮاﺳﻼت اﻵن ،وﻗﺪ دﺑﺮت ﻛﻞ أﻣﻮري ،وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬه
ً
ﺳﺎﺑﻘﺎ ،وﻗﺪ رﺛﻴﺖ وﻗﺘﺌ ٍﺬ اﻟﺘﺬﻛﺮة ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻚ ،وﻻ أﺣﺘﺎج أن أﻛﺮر ﻣﺎ ذﻛﺮت ﻟﻚ
ﻟﺤﺎﻟﺘﻲ ،وأﻣﺎ اﻵن ﻓﺈﻧﻲ أُﻫﻨﱢﺊ ﻧﻔﴘ ﻷﺟﻠﻬﺎ .إن رأﳼ وﻗﻠﺒﻲ ﻗﺪ ﺗﺨﻠﺼﺎ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ
ﻋﻈﻴﻢ .ﺳﻘﻄﺘﻲ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻟﻜﻦ رﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﻔﻴﺪة ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺒﻌﺾ ،وﺳﺄﺑﺪل
اﻟﻘﻠﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﰲ ﺗﻘﻬﻘﺮي ،وﺳﻴﻜﻮن ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻠﻜﻲ ﻏﺮﻳﺒًﺎ .اﻟﻌﺎﻟﻢ إﱃ اﻵن ﻟﻢ
ﻳﺮﻧﻲ ﻛﻤﺎ أﻧﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺄرﻳﻬﻢ ﻧﻔﴘ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .إن ﻋﻨﺪي ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻷﻣﻮر أرﻳﺪ
إﻇﻬﺎرﻫﺎ ،ﻟﻘﺪ َأﻓ ْﻀ ُﺖ اﻟﻨﻌﻢ واﻟﺨريات ﻋﲆ ﻣﻼﻳني ﻣﻦ املﺴﺎﻛني ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻓﻌﻞ
ﻫﺆﻻء ﱄ؟ إﻧﻬﻢ ﺧﺎﻧﻮﻧﻲ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إﻻ »أﻳﻮﺟني« اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻘﻚ وﻳﺴﺘﺤﻘﻨﻲ .واﻵن
أﻳﻀﺎ ﻣُﺴ ﱢﻠﻢ ،وﻻ ﺗﻨﴘ اﻟﺬي
أﺳﺘﻮدﻋﻚ ﷲ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ﺟﻮزﻓني ،ﺳ ﱢﻠﻤﻲ ﻛﻤﺎ أﻧﻲ ً
ً
ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻳﺎ ﺟﻮزﻓني. ﻻ ﻳﻨﺴﺎك وﻟﻦ ﻳﻨﺴﺎك ﻣﺪى اﻟﻌﻤﺮ ،أﺳﺘﻮدﻋﻚ ﷲ
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﱃ »ﺟﻮزﻓني« ﺗﻜﺪﱠرت ﻛﺪ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﺳﻜﺒﺖ دﻣﻮﻋً ﺎ ﻏﺰﻳﺮة
ﻗﻠﻴﻼ ﻗﺎﻟﺖ» :ﻻ ﻳﺠﺐ أن أﺑﻘﻰ ﻫﻨﺎ؛ ﻓﺈن ﺣﻀﻮري ﻻزم ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮر. ﺣﺘﻰ إذا ﺳﻜﻦ روﻋﻬﺎ ً
ﻧﻌﻢ ،إن ذﻟﻚ ﻣﻦ واﺟﺒﺎت »ﻣﺎرﻳﺎ ﻟﻮﻳﺰا« أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ واﺟﺒﺎﺗﻲ ،وﻟﻜﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮر
264
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
أﺗﺨﲆ ﻋﻨﻪ .ﻧﻌﻢ ،إﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ ﻏﻨًﻰ ﻋﻨﻲ ﰲ أوﻗﺎت ﺳﻌﺎدﺗﻪ ،وأﻣﺎ اﻵن ﱠ وﺣﺪه وﻻ ﻳﺠﺐ أن
ﻓﻼ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﰲ اﻧﺘﻈﺎري«.
ﻗﻠﻴﻼ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ املﻮﻛﻞ ﻋﲆ ﺑﻴﺘﻬﺎ وملﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﺳﻜﺘﺖ وﺗﺄﻣﻠﺖ ً
ذﻫﺒﺖ ،ورﺑﻤﺎ ﻳﻀﻄﺮ أن ﻳﻐري ﻣﻘﺎﺻﺪه ُ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ» :رﺑﻤﺎ أُﻋﻮﱢق اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻋﻦ أﻋﻤﺎﻟﻪ إذا
ﻷﺟﲇ .أﻧﺖ ﺳﺘﻘﻴﻢ ﻣﻌﻲ ﻫﻨﺎ ﺣﺘﻰ أﺳﺘﺨﱪ ﻣﻦ املﻠﻮك املﺘﺤﺎﻟﻔني؛ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺳﻴﺤﱰﻣﻮن املﺮأة
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺔ ﻟ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن««.
ﻧﻌﻢ ،إن املﻠﻮك املﺘﺤﺎﻟﻔني ذﻛﺮوا »ﺟﻮزﻓني« وﻋﺮﻓﻮﻫﺎ ،ﻓﺈن ﺳﻤﻮ ﺗﴫﻓﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻃﻼق
ً
واﻧﺪﻫﺎﺷﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ املﻠﻮك املﺘﺤﺎﻟﻔﻮن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻟﻬﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻣﻸ أوروﺑﺎ ﺣرية
ﻳﻈﻬﺮون ﺷﻌﺎﺋﺮ اﺣﱰاﻣﻬﻢ ،وﻃﻠﺒﻮا ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﺮﺟﻊ إﱃ »ﻣﻠﻤﺎزون« ،ووﻛﻠﻮا ﻋﺪدًا واﻓ ًﺮا ﻣﻦ
اﻟﺤﺮاس ﺑﻮﻗﺎﻳﺘﻬﺎ ،وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﻣﻨﺘﺪاﻫﺎ ﻣﺰدﺣﻤً ﺎ ﺑﺎملﻠﻮك واﻷﴍاف اﻟﺬﻳﻦ أﺗﻮا
ﻟﻴﻘﺪﻣﻮا ﻟﻬﺎ اﻻﺣﱰام ﻋﲆ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ اﻟﻜﺜرية ،وأول ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن اﻹﻣﱪاﻃﻮر »إﺳﻜﻨﺪر«،
إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﺮوس ،ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺎل ﻋﻨﺪ أول ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻟﻬﺎ» :ﻳﺎ ﺳﻴﺪة ،إﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻠﺘﻬﺒًﺎ ﺑﻨﺎر اﻟﺸﻮق
ملﻌﺮﻓﺘﻚ ،ﻓﺈﻧﻲ ﻣﻦ ﻳﻮم دﺧﻠﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ اﺳﻤﻚ ﻳﺬﻛﺮ إﻻ ﺑﺎﻟﱪﻛﺔ ،وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﺧﱪ
أﻋﻤﺎﻟﻚ املﻼﺋﻜﻴﺔ ﻣﻦ أﺣﻘﺮ اﻟﺒﻴﻮت إﱃ أﻋﻈﻢ اﻟﻘﺼﻮر ،وﻳﴪﻧﻲ أن أﻗﺪم ﻟﺠﻼﻟﺘﻚ اﺣﱰاﻣﺎت
اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺘﻲ أﻧﺎ ﺣﺎﻣﻠﻬﺎ«.
أﻣﺎ »ﻣﺎرﻳﺎ ﻟﻮﻳﺰا« ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻔﻜﺮة إﻻ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﻗﺪ أﺑﺖ أن ﺗﺼﺤﺐ »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﰲ
اﻧﺤﻄﺎﻃﻪ ،وأﻣﺎ »ﺟﻮزﻓني« ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ رﺳﺎﻟﺔ ﺗﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ:
إﻧﻲ أﻗﺪر أن أﺗﺼﻮر اﻵن ﻣﻘﺪار ﻣﺼﻴﺒﺔ اﻧﻔﻜﺎك اﺗﺤﺎدﻧﺎ اﻟﺬي ﻓﻜﺘﻪ اﻟﴩﻳﻌﺔ،
ُ
ﻟﺴﺖ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻟﻚ ،وﻣَ ﻦ ﻻ ﻳﺤﺰن وﻳﻘﻄﺮ وإﻧﻲ اﻵن أﻧﺪب ﺣﻈﻲ وﻳﺸﻖ ﻋﲇ ﱠ أﻧﻨﻲ
ﻗﻠﺒﻪ دﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮل ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻫﺬا ﻣﻘﺪارﻫﺎ؟ آه ﻳﺎ ﺳﻴﺪي! ﺣﺒﺬا ﻟﻮ ﻛﺎن ﺑﻮﺳﻌﻲ
أن أﻃري إﻟﻴﻚ وأؤﻛﺪ ﻟﻚ أن اﻟﺒﻌﺪ ﻻ ﻳُﻐري إﻻ ذوي اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺴﺨﻴﻔﺔ ،وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
أن ﻳﻼﳾ ﻣﺤﺒﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ زادت املﺼﺎﺋﺐ ﻗﻮﺗﻬﺎ.
ﻟﻘﺪ أوﺷﻜﺖ أن أﺗﺮك ﻓﺮﻧﺴﺎ وأﺗﺒﻊ ﺧﻄﻮاﺗﻚ ،وأﺧﺼﺺ ﻟﻚ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺣﻴﺎة
أﻧﺖ زﻳﻨﺘُﻬﺎ ،ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ أﻧﻲ أﻧﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﻢ واﺟﺒﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻚ؛ ﻟﻜﻨﺖ
أذﻫﺐ إﱃ ذﻟﻚ املﻜﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﺳﻌﺎدﺗﻲ ،وأﺳﻠﻴﻚ ﰲ وﺣﺪﺗﻚ وﺗﻌﺎﺳﺘﻚ.
ﺣﺎﻻ ،وأﻣﺎ اﻵن ﻓﺄﺳﺘﻮدﻋﻚ ﷲ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي؛ ﻷﻧﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﻗﻞ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة وأﻧﺎ أذﻫﺐ ً
ﻗﻠﻴﻼ ﺟﺪٍّا ،وﻋﻮاﻃﻔﻲ ﺑﻌﺪ اﻵن ﻻ ﺗﱪﻫﻦ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﻜﻼم ،ﺑﻞ زدت ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻛﺎن ً
ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،وأرﺟﻮ أن ﺗُﺴ ﱢﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻷﻧﻪ ﴐوري.
265
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺑﻌﺪ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﺄﻳﺎ ٍم ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺗﻨﺎول اﻹﻣﱪاﻃﻮر »إﺳﻜﻨﺪر« وﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎب
اﻷﻟﻘﺎب واﻟﺮﺗﺐ ﻃﻌﺎﻣً ﺎ ﻣﻊ »ﺟﻮزﻓني« ،وﰲ أول املﺴﺎء ﺧﺮج اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﻨﻮر اﻟﺸﻔﻖ إﱃ
ﺧﺎرج وﺧﺮﺟﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻣﻌﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﻣﻨﺤﺮﻓﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻷﺣﺰان واﻷﻛﺪار، ٍ
ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺰﻛﺎم ﺷﺪﻳﺪ ،وﺟﻌﻞ ﻳﺰداد ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻴﻮﻣً ﺎ ،وﺗﻨﺤﻂ ﻣﻌﻪ ﺻﺤﺘﻬﺎ وﻗﻮﺗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ
ﺣﻜﻢ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﺑﺪﻧ ﱢﻮ أﺟﻠﻬﺎ ،وﻛﺎن وﻟﺪاﻫﺎ »أﻳﻮﺟني« و»ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﻻ ﻳﻔﺎرﻗﺎﻧﻬﺎ ً
ﻟﻴﻼ وﻻ
ﺑﻔﺮح وﴎور ،وﺳﺄﻟﺖ ﺣﻀﻮر ٍ ﻧﻬﺎ ًرا ،وأﺧﱪاﻫﺎ ﺑﻜﻼم اﻟﻄﺒﻴﺐ ،ﻓﺘﻠﻘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﴩى
ﻗﺴﻴﺲ ﻓﺤﴬ ،وأﺗﻢ اﻟﻔﺮوض اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺛﻢ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »إﺳﻜﻨﺪر« ﻓﺮأى وﻟﺪﻳﻬﺎ
»أﻳﻮﺟني« و»ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﺟﺎﺛﻴني ﻋﻨﺪ ﻓﺮاﺷﻬﺎ وﻗﺪ ﻏﺴﻠﺘﻬﻤﺎ اﻟﺪﻣﻮع ،ﻓﺄوﻣﺄت »ﺟﻮزﻓني«
إﱃ اﻹﻣﱪاﻃﻮر أن ﻳﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻗﱰب ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ وﻷوﻻدﻫﺎ» :ﻛﻨﺖ داﺋﻤً ﺎ أﺷﺘﻬﻲ ﺳﻌﺎدة
ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ ﻃﺎﻗﺘﻲ ﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ،وﻫﺎ أﻧﺎ ذا أﻗﻮل ﻟﻜﻢ ﰲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻷﺧرية ﻣﻦ
ً
ﻣﻄﻠﻘﺎ اﻧﺴﻜﺎب دﻣﻌﺔ ﺣﻴﺎﺗﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﺤﺎﴐون اﻵن :إن اﻣﺮأة »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن اﻷول« ﻟﻢ ﺗﺴﺒﺐ
واﺣﺪة ﻣﻦ ﻋني واﺣﺪة«.
ﺛﻢ ﻃﻠﺒﺖ ﺻﻮرة اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،ﻓﻠﻤﺎ أﺣﴬوﻫﺎ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻴﻬﺎ وﻋﻼﻣﺎت اﻟﺮﻗﺔ واملﺤﺒﺔ
ﺗﻠﻮح ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬﺗﻬﺎ وﻗﺮﺑﺘﻬﺎ إﱃ ﺻﺪرﻫﺎ ،ووﺿﻌﺖ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻓﻮﻗﻬﺎ وﺻ ﱠﻠﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
»اﻟﻠﻬﻢ اﺣﺮس اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻣﺪة ﺑﻘﺎﺋﻪ ﰲ ﺻﺤﺮاء ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ .وا أﺳﻔﺎه! إﻧﻪ ارﺗﻜﺐ ﻏﻠﻄﺎت
ﻓﺎﺣﺸﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﻮض ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺂﻻ ٍم ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وأﻧﺖ وﺣﺪك أﻳﻬﺎ اﻹﻟﻪ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻗﻠﺒﻪ،
واﺻﻎ إﱃ ﺗﴬﻋﻲِ وﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﻴﺎل ﺷﺪﻳﺪة إﱃ ﺻﻼح أﺷﻴﺎء ﻛﺜرية؛ ﻓﺘﻨﺎزل
اﻷﺧري ،واﺟﻌﻞ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﺻﻮرة زوﺟﻲ ﺗﺸﻬﺪ أن رﻏﺒﺘﻲ وﺻﻼﺗﻲ اﻷﺧرية ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻷﺟﻠﻪ
وﻷﺟﻞ أوﻻدي«.
وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ أﻳﺎر )ﻣﺎﻳﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨١٤م ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ
ﻗﺪ ﻗﺎرﺑﺖ اﻟﻐﺮوب ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺑﻌﺾ أﺷﻌﺘﻬﺎ املﺬﻫﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ ﻏﺮﻓﺔ »ﺟﻮزﻓني« املﻔﺘﻮﺣﺔ،
وﻛﺎن اﻟﻨﺴﻴﻢ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻳﺘﻼﻋﺐ ﺑﺎﻷﺷﺠﺎر واﻟﻄﻴﻮر ﺗﻐﺮد ﻓﻴﻬﺎ .وﺑني ﺣﻔﻴﻒ اﻷﺷﺠﺎر
وﺗﻐﺮﻳﺪ اﻟﻄﻴﻮر أﻟﻘﺖ »ﺟﻮزﻓني« ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﺻﻮرة »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« وأﺳﻠﻤﺖ اﻟﺮوح ،ﻓﻠﻤﺎ رأى
اﻹﻣﱪاﻃﻮر »إﺳﻜﻨﺪر« أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻓﺎرﻗﺖ اﻟﺮوح ﻗﺎل واﻟﺪﻣﻮع ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ» :ﻟﻴﺴﺖ
ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺘﻬﺎ ﻓﺮﻧﺴﺎ »ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺨري ،وﻣﻼك اﻟﺼﻼح« ،وﻛﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ
ﻋﺮﻓﻮا »ﺟﻮزﻓني« ﻻ ﻳﻨﺴﻮﻧﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺎﺗﺖ وﺗﺮﻛﺖ اﻷﺳﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻷوﻻدﻫﺎ وﻷﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ
وﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ«.
وﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺑﺄرﺑﻌﺔ أﻳﺎم اﺣﺘُﻔﻞ ﺑﺠﻨﺎزﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺣﺰﻳﺮان )ﻳﻮﻧﻴﻮ(
ﻋﻨﺪ اﻟﻈﻬرية ،ﻓﺄﺧﺬوﻫﺎ ﻣﻦ »ﻣﻠﻤﺎزون« إﱃ »روﻳﻞ« وواروﻫﺎ ﺑﺎﻟﱰاب ﰲ دار اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،وﻗﺪ
266
ﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ
ﺷﻬﺪ اﺣﺘﻔﺎل اﻟﺠﻨﺎزة أﻋﻈﻢ ﻣﻠﻮك أوروﺑﺎ وأﴍاﻓﻬﺎ .وﺑﻌﺪ ﺗﻤﺎم ﻛﻞ اﻟﻮاﺟﺒﺎت ورﺟﻮع
اﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﺑﻘﻲ وﻟﺪاﻫﺎ »أﻳﻮﺟني« و»ﻫﻮرﺗﻨﺲ« ﻫﻨﺎك ،ﺛﻢ ﺟﺜﻮا ﻋﲆ ﻗﱪﻫﺎ ،وﺑﻘﻴﺎ ﺑﺮﻫﺔ
ﻳﻤﺰﺟﺎن اﻟﺼﻼة ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،وﻗﺪ ﺟﺎء أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﴩﻳﻦ أﻟﻒ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ وﺷﺎﻫﺪوا
ﺟﺜﺘﻬﺎ ،وﺑﻘﻮا ﻳﱰدﱠدون ﻋﻠﻴﻬﺎ أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ ﻗﺒﻞ دﻓﻨﻬﺎ.
وﻗﺪ أﻗﺎم وﻟﺪاﻫﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧُﺼﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم اﻷﺑﻴﺾ ﻣﺜﻼﻫﺎ ﺑﻪ ،وﻫﻲ ﻻﺑﺴﺔ اﻟﺤﻠﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗُﻮﱢﺟﺖ ﻓﻴﻬﺎ وﻗﺪ ﺟﺜﺖ ﻟﻠﺘﺘﻮﻳﺞ ،وأﻗﺎﻣﺎه ﻓﻮق ﻗﱪﻫﺎ ،وﻛﺘﺒﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت:
267
ﺣﺮف اﳊﺎء
ﻫﻲ ﺑﻨﺖ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺑﺪر اﻟﻌﺮاﺋﻲ واﻟﻐﺪاﻧﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﺸﻬﻮرات ﺑﺎﻟﺤﻤﺎس واﻻﻓﺘﺨﺎر،
ٍ
وﻣﺮاث ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ: وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺣﺴﻨﺔ،
ﻫﻲ ﻣﻮﻟﺪة ﻣﺪﻧﻴﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺒﻴﺤﺔ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻣﻠﻴﺤﺔ اﻟﻨﺎدرة ،ﻟﻄﻴﻔﺔ املﺤﺎﴐة ،ﺧﻔﻴﻔﺔ اﻟﺮوح،
ﻏﺮدة اﻟﺼﻮت ،ﺷﺠﻴﺔ اﻟﻐﻨﺎء ،ﺿﺎرﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﻮد .أﺧﺬت أﺻﻮاﺗﻬﺎ ﻋﻦ اﺑﻦ ﴎﻳﺞ واﺑﻦ ﻣﺤﺮز
وﻣﺎﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻐﺮﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻜﻠﻒ ﺑﻬﻦ ،ﻓﻬﺎم ﺑﻬﺎ وﻻ ﻫﻴﺎم ﻗﻴﺲ ﺑﻠﻴﲆ،
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻋﻠﻘﻬﺎ وﻻ ﻋﻠﻮق أﺑﻲ ﻧﻮاس ﺑﺠﻨﺎن ،ﻓﺘﻬﺘﻚ وﺧﻠﻊ ﻋﺬاره ،واﻧﻘﻄﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻴﻠﻪ وﻧﻬﺎره ،ﺗﺎر ًﻛﺎ
ﺑني أﻳﺪﻳﻬﺎ أزﻣﺔ دﻳﻨﻪ ودﻧﻴﺎه ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻌﺰل ﻣﻦ ﺗﺸﺎء وﺗﻮﱄ ﻣﻦ ﺗﺸﺎء ،وﺗﺤﻮل ﺑﻴﻨﻪ وﺑني
اﻟﺼﻮم واﻟﺼﻼة ،ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻬﺮ أﻣﺮه وﺳﺎء ذﻛﺮه.
وﻟﻮﻗﺎﺋﻌﻪ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻜﺎﻫﺎت وﻧﻮادر ﺗﺮﻛﻨﺎﻫﺎ ﻟﻜﺜﺮة ﺗﺪاوﻟﻬﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس .ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻧﺰل
ﻣﻌﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﺒﻴﺖ رأس — وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺮى اﻟﺸﺎم — ﻓﻘﺎل :زﻋﻢ اﻟﺴﻠﻒ أن اﻟﺪﻫﺮ ﻻ
آﻓﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻐﻼﻣﻪ :وﻳﺤﻚ، ﻛﺎﻣﻼ ،وﻣﺎذا ﻋﲇ ﱠ ﻟﻮ ﻏﺎدرت ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻧﺠﻤً ﺎ ً
ً ﻳﺼﻔﻮ ﻷﺣﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ
ﻻ ﺗﻤﻜﻦ أﺣﺪًا ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﺑﺒﺎﺑﻲ ،وﻻ ﺗﺪع إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻳﺨﺮق ﺣﺠﺎﺑﻲ ،ﺛﻢ ﺧﻼ ﺑﺤﺒﺎﺑﺔ وﻣﺎ ﺑﺮح
ﺑﻄﺒﻖ رﻣﺎن ﻛﺄﻧﻪٍ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ ﻟﻬﻮ وﻃﺮب ،وﻫﺰل وﻟﻌﺐ ،ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻘﺎم ﻗﺴﻄﺎس اﻟﻨﻬﺎر ،ﻓﺪﻋﺎ
ﺷﻌﻠﺔ ﻧﺎر ،أو ﻳﺎﻗﻮت ﺗﺤﺘﻪ ﺑﻼر ،أو ﺣﺐ آس ﻏﺎص ﺑﺎﻟﺠﻠﻨﺎر ،ﻓﴩﻗﺖ ﺣﺒﺎﺑﺔ ﺑﺤﺒﺔ ﻣﻨﻪ
ذﻫﺒﺖ ﺑﺮوﺣﻬﺎ إﱃ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﺪم ،ﻓﺼﺎح ﻳﺰﻳﺪ ﺻﻴﺤﺔ اﻷﻟﻢ ،وﻃﺎرت ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﺛﺮﻫﺎ ﺷﻌﺎﻋً ﺎ،
وﻃﻔﻖ ﻳﻌﺾ أﻧﺎﻣﻠﻪ ﺟﺰﻋً ﺎ واﻟﺘﻴﺎﻋً ﺎ ،وﻣﺎ ﻓﺘﺊ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ وﻳﻨﻮح وﻫﻮ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﺷﻮك اﻟﻘﺘﺎد،
ﺣﺘﻰ ﺳﻄﻊ رﻳﺤﻬﺎ وأدرﻛﻬﺎ اﻟﻔﺴﺎد ،ﻓﺄودﻋﻮﻫﺎ اﻟﺜﺮى ﺣﺘﻒ أﻧﻔﻪ وﻫﻮ ﻳﺪﻣﻲ ﺑﺜﻨﺎﻳﺎه ﺑﺎﻃﻦ
ﻛﻔﻪ ،وﻣﺎ زال ﻳﺬري ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﻌﱪات ،وﻳﺮدد اﻷﻧني واﻟﺤﴪات ،ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﻪ ﻣﻨﻴﺘﻪ ﺑﻌﺪ
أﺳﺒﻮﻋني وﻫﻮ ﻣﻌﺎﻧﻖ ﴐﻳﺤﻬﺎ ،ﻓﺪُﻓﻦ ﺣﺬاءﻫﺎ وﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻪ ﻳﻘﻮل:
ﻓﻜﻦ ﺣﺠ ًﺮا ﻣﻦ ﻳﺎﺑﺲ اﻟﺼﺨﺮ ﺟﻠﻤﺪا إذا أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻌﺸﻖ وﻟﻢ ﺗﺪر ﻣﺎ اﻟﻬﻮى
وإن ﻻم ﻓ ﻴ ﻪ ذو اﻟ ﺸ ﻨ ﺎن وﻓ ﻨ ﱠ ﺪا ﻓ ﻤ ﺎ اﻟ ﻌ ﻴ ﺶ إﻻ ﻣ ﺎ ﺗ ﻠ ﺬ وﺗ ﺸ ﺘ ﻬ ﻲ
270
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﴍاء ﺣﺒﺎﺑﺔ أن ﻳﺰﻳﺪ ﻗﺪ ﺣﺞ أﻳﺎم أﺧﻴﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ،ﻓﺎﺷﱰى ﺣﺒﺎﺑﺔ ﺑﺄرﺑﻌﺔ
آﻻف دﻳﻨﺎر ،وﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ .وﻗﺎل ﺳﻠﻴﻤﺎن :ﻟﻘﺪ ﻫﻤﻤﺖ أن أﺣﺠﺮ ﻋﲆ ﻳﺰﻳﺪ ،ﻓﺮدﱠﻫﺎ
ﻳﺰﻳﺪ ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻣﴫ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻓﻀﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﱃ ﻳﺰﻳﺪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ اﻣﺮأﺗﻪ ﺳﻌﺪة:
ﻫﻞ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﳾء ﺗﺘﻤﻨﺎه؟ ﻗﺎل :ﺣﺒﺎﺑﺔ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ ﻓﺎﺷﱰﺗﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺻﻴﻐﺘﻬﺎ وأﻟﺒﺴﺘﻬﺎ
وأﺗﺖ ﺑﻬﺎ ﻳﺰﻳﺪ ،ﻓﺄﺟﻠﺴﺘﻬﺎ ﻣﻦ وراء اﻟﺴﱰ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻫﻞ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ
ﳾء ﺗﺘﻤﻨﺎه؟ ﻗﺎل :ﻗﺪ أﻋ َﻠﻤﺘُﻚ ،ﻓﺮﻓﻌﺖ اﻟﺴﱰ وﻗﺎﻟﺖ :ﻫﺬه ﺣﺒﺎﺑﺔ ،وﻗﺎﻣﺖ وﺗﺮﻛﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪه،
ﻓﺤﻈﻴﺖ ﺳﻌﺪة ﻋﻨﺪه وأﻛﺮﻣﻬﺎ ،وﺳﻌﺪة ﻫﺬه ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن .ﻗﻴﻞ :وﻏﻨﺖ
ﺣﺒﺎﺑﺔ ﻳﻮﻣً ﺎ:
ﱠ
ﻷﻃرين ،ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻓﺄﻫﻮى ﻟﻴﻄري ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،إن ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻚ ﺣﺎﺟﺔ ،ﻓﻘﺎل :وﷲ
ﻋﲆ ﻣَ ﻦ ﺗﺨﻠﻒ اﻷﻣﺔ واملﻠﻚ؟ ﻗﺎل :ﻋﻠﻴﻚ وﷲ ،ﺛﻢ ﻗﺒﱠﻞ ﻳﺪﻫﺎ .ﻓﺨﺮج ﺑﻌﺾ ﺧﺪﻣﻪ وﻫﻮ
ﻳﻘﻮل :ﺳﺨﻨﺖ ﻋﻴﻨﻚ ﻓﻤﺎ أﺳﺨﻔﻚ!
ﻣﻦ أدﻳﺒﺎت اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ وﺷﺎﻋﺮات ﻫﺬا اﻟﻌﴫ .وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٢٦٢ﻫﺠﺮﻳﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻫﺮﺳﻚ«،
وﻫﻲ ﻧﺎدرة زﻣﺎﻧﻬﺎ .ﺣﺎزت ﻣﻦ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻵداب اﻟﺠﺰء اﻷﻋﻈﻢ ،وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر راﺋﻘﺔ،
وﻣﻌﺎن ﻓﺎﺋﻘﺔ ،وﻣﻦ ﺑﺪﻳﻊ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﺎ وﺟَ ﺪﺗُﻪ ﰲ ﻛﺘﺎب ﻣﺸﺎﻫري اﻟﻨﺴﺎء ملﺤﻤﺪ أﻓﻨﺪي ذﻫﻨﻲ
ٍ
ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ﻓﺄدرﺟﺘﻪ ﺑﺤﺮوﻓﻪ:
271
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻣ ﻴ ﺪﻣ ﺮﺣ ﻤ ﺖ ﻗ ﻠ ﻤ ﻖ ﻋ ﺒ ﺜ ﺪرﺳ ﻨ ﺪن اي ﻛ ﺎﻓ ﺮ
ﺳﻨﻲ ﺑﻲ ذﻳﻦ دﻳﻤﺸﻠﺮدي ازﻟﺪن ﺑﻮﻗﺪر آﻳﻤﺎﻧﻚ
ﺣﺒﻴﺒﻪ ﻳﻰ دوادرددن ﺧﻼص أوﻟﻤﻘﺪه ﻣﺸﻜﺪر
اﻣ ﻴ ﺪا ﻳ ﺘ ﻤ ﺰ اﺳ ﻴ ﺮدرد أوﻻﻧ ﻠ ﺮ ﻏ ﻴ ﺮى درﻣ ﺎﻧ ﻚ
272
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
ﻋﻤﺮﻫﺎ ٥٨ﺳﻨﺔ .ودﻓﻨﺖ ﺑﺒﺸﺎﻣﻮن وﺧﻠﻔﺖ أوﻻدﻫﺎ اﻷرﺑﻌﺔ؛ وﻫﻢ :اﻷﻣري ﻣﻨﺼﻮر ،واﻷﻣري
أﺣﻤﺪ ،واﻷﻣري ﺣﻴﺪر ،واﻷﻣري أﻣني .وﻛﺎﻧﺖ اﻋﺘﻨﺖ ﺑﱰﺑﻴﺘﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت زوﺟﻬﺎ اﻋﺘﻨﺎءً ﺗﺎﻣٍّ ﺎ
ﺣﺘﻰ ﻧﺒﻐﻮا ﺑني اﻷﻣﺮاء اﻟﺸﻬﺎﺑﻴني.
ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻋﻘﻞ ﺛﺎﻗﺐ ،وﻓﻜﺮ ﺻﺎﺋﺐ ،ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ رؤﺳﺎء ﻗﺒﻴﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮأي ،وﻳﺸﺎوروﻧﻬﺎ ﰲ
ﻣﻬﺎم اﻷﻣﻮر .وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻬﻴﺔ اﻟﻄﻠﻌﺔ ،ﺣﺴﻨﺔ اﻟﻬﻴﺌﺔ ،ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ أﺷﻌﺎر راﺋﻘﺔ ،وﻣﻘﺎﻻت ﻓﺎﺋﻘﺔ.
وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﺑﺪر ﻗﺘﻞ ﰲ ﺣﺮب داﺣﺲ واﻟﻐﱪاء ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺮﻫﺎن املﺸﻬﻮر — ﻗﺘﻠﻪ
ﺟﻨﻴﺪب أﺣﺪ ﺑﻨﻲ رواﺣﺔ — ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ:
ﻋ ﻘ ﻴ ﺮة ﻗ ﻮم إن ﺟ ﺮى ﻓ ﺮﺳ ﺎن ﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﻴ ﻨ ً ﺎ ﻣ ﻦ رأى ﻣ ﺜ ﻞ ﻣ ﺎﻟ ﻚ
وﻟ ﻴ ﺘ ﻬ ﻤ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳ ﺮﺳ ﻼ ﻟ ﺮﻫ ﺎن ﻓ ﻠ ﻴ ﺘ ﻬ ﻤ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳ ﺸ ﺮﺑ ﺎ ﻗ ﻂ ﻗ ﻄ ﺮة
ﻓ ﺄي ﻗ ﺘ ﻴ ﻞ ﻛ ﺎن ﻓ ﻲ ﻏ ﻄ ﻔ ﺎن؟ أﺣ ﺮﺑ ﻪ أﻣ ﺲ اﻟ ﺠ ﻨ ﻴ ﺪب ﻧ ﺪرة
أو اﻟﺮس ﻓﺎﺑﻜﻲ أﻧﺖ ﻓﺎرس ﻛﻨﻌﺎن إذا ﺳ ﺠ ﻌ ﺖ ﺑ ﺎﻟ ﺮﻗ ﻤ ﺘ ﻴ ﻦ ﺣ ﻤ ﺎﻣ ﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻛﺮﻣﺎء اﻟﻨﺴﺎء املﺸﺎر إﻟﻴﻬﻦ ﰲ ذاك اﻟﺰﻣﺎن وﺷﺎﻋﺮاﺗﻬﻦ املﻮﺻﻮﻓﺎت ،وﻟﻘﺒﺖ
ﺑﺎﻟﻌﻮراء ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ذات ﺣﻮل ﰲ ﻋﻴﻨﻬﺎ .وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
273
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ وﻗﻒ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﺳﺘﺤﺴﻨﻪ ،وأﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺈﺟﺮاء ﻣﺮﺗﺐ ،وﻛﺘﺐ إﱃ ﻋﺎﻣﻠﻪ
ﻋﲆ »أﻟﺒرية« ﻓﺠﻬﺰﻫﺎ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﺟﻬﺎز.
274
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﻳﺤﻜﻰ أﻧﻬﺎ وﻓﺪت ﻋﲆ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﺘﺸﻜﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻟﺒﻴﺪ ،واﱄ
»أﻟﺒرية« ،وﻛﺎن اﻟﺤﻜﻢ ﻗﺪ وﻗﻊ ﻟﻬﺎ ﺑﺨﻂ ﻳﺪه ﺗﺤﺮﻳﺮ أﻣﻼﻛﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻔﺪﻫﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ إﱃ اﻹﻣﺎم
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﺑﻔﻨﺎﺋﻪ ،وﺗﻠﻄﻔﺖ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻧﺴﺎﺋﻪ ﺣﺘﻰ أوﺻﻠﺘﻬﺎ إﻟﻴﻪ وﻫﻮ ﰲ ﺣﺎل
ﻃﺮب وﴎور ،ﻓﺎﻧﺘﺴﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻓﻌﺮﻓﻬﺎ وﻋﺮف أﺑﺎﻫﺎ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪت:
وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﺪة ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ وﻫﻲ ﻣﻐﻤﻮرة ﺑﺨرياﺗﻬﺎ ،وﻣﺸﻬﻮرة ﺑﺎﻟﺠﻮد واﻟﻜﺮم
واﻷدب واﻟﺤﻜﻢ.
275
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
رﻗﺖ وﻛﺜﺮوض ﻓﻀﻠِﻬﺎ أرﻳﺞ ،وﺣﺪاﺋﻖ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻬﺎ وأدﺑﻬﺎ ﺑﻬﻴﺞ ،وﺷﺎﻋﺮة ﱠ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﺿﻠﺔَ ،ر ُ
اﺧﱰاﻋﻬﺎ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﻲ وإﺑﺪاﻋﻬﺎ ،ﺗﺴﱰق اﻟﻘﻠﻮب ﺑﺄﻟﻔﺎﻇﻬﺎ اﻟﺰاﻫﺮة ،وﺗﺴﻜﺮ اﻟﻌﻘﻮل ﺑﻤﻌﺎﻧﻴﻬﺎ
اﻟﺴﺎﺣﺮة .ﺗﻨﻈﻢ ﻓﺘﺄﺗﻲ ﺑﻜﻞ ﻋﺠﻴﺒﺔ ،وﺗﺸﻨﻒ اﻷﺳﻤﺎع ﺑﻜﻞ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،وﺗﻨﺜﺮ ﻓﺘﻔﺘﺾ أﺑﻜﺎر
اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺑﻨﻈﺮﻫﺎ اﻟﺜﺎﻗﺐ ،وﺗﺠﲇ ﻏﻴﺎﻫﺐ املﺸﻜﻼت ﺑﻔﻜﺮﻫﺎ اﻟﺼﺎﺋﺐ .ﻫﻲ ﻣﻦ وادي اﻟﺤﺠﺎرة
ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺎﺋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ،وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ:
وﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
276
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وأﺷﺎرت ﺑﺬﻟﻚ إﱃ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﻨﺪ املﻮﺣﺪﻳﻦ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻜﺘﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن
ﺑﻴﺪه ﺑﺨﻂ ﻏﻠﻴﻆ ﰲ رأس املﻨﺸﻮر اﻟﺤﻤﺪ هلل وﺣﺪه .وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﻐﺰل:
ووﻟﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ أﺑﻮ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ،ﻣﻠﻚ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﺗﻐري ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻋﲆ أﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ
ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺣﺘﻰ أدى ﱡ
ﺗﻐريه ﻋﻠﻴﻪ أن ﻗﺘﻠﻪ .وﻃﻠﺐ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻤﻄﻠﺘﻪ ﻗﺪر
ﺷﻬﺮﻳﻦ ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ:
277
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
واﻟ ﻠ ﻴ ﻞ أرﺧ ﻰ ﻇ ﻼﻣ ﻪ ﻟ ﻮ ﻗ ﺪ ﺑ ﺼ ﺮت ﺑ ﺤ ﺎﻟ ﻲ
إذ ﺗ ﺴ ﺘ ﺮﻳ ﺢ اﻟ ﺤ ﻤ ﺎﻣ ﻪ أﻧ ﻮح ﺷ ً
ﻮﻗ ﺎ ووﺟ ﺪًا
ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐ ﻏ ﺮاﻣ ﻪ ﺻ ﺐ أﻃ ﺎل ﻫ ﻮاه
وﻻ ﻳ ﺮد ﺳ ﻼﻣ ﻪ ﻟﻤﻦ ﻳﺘﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻓ ﺎﻟ ﻴ ﺄس ﻳ ﺜ ﻨ ﻲ زﻣ ﺎﻣ ﻪ إذ ﻟ ﻢ ﺗ ﻨ ﻴ ﻠ ﻲ أرﻳ ﺤ ﻲ
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺗﻘﻮل:
ووﺟﻬﺖ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻣﻊ ﻣﻮﺻﻞ أﺑﻴﺎﺗﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻟﻌﻨﺘﻪ وﺳﺒﺘﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻟﻌﻦ ﷲ املﺮﺳﻞ
واملﺮﺳﻮل ،ﻓﻤﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻌﻜﻤﺎ ﺧري ،وﻻ ﺑﺮؤﻳﺘﻜﻤﺎ ﺣﺎﺟﺔ ،واﻧﴫف ﺑﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺬﻻن ،وملﺎ
أﻃﺎل ﻋﲆ أﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ وﻫﻮ ﻗﻠﻖ ﻻﻧﺘﻈﺎره ﻗﺎل ﻟﻪ :ﻣﺎ وراءك ﻳﺎ ﻋﺼﺎم؟ ﻗﺎل :ﻣﺎ ﻳﻜﻮن
وراء ﻣﻦ وﺟﻬﻪ ﺧﻠﻖ إﱃ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﺗﺎرﻛﺔ .اﻗﺮأ اﻷﺑﻴﺎت ﺗﻌﻠﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ اﻷﺑﻴﺎت ﻗﺎل ﻟﻠﺮﺳﻮل:
ﴎ ﺑﻨﺎ،ﻣﺎ أﺳﺨﻒ ﻋﻘﻠﻚ وأﺟﻬﻠﻚ! إﻧﻬﺎ وﻋﺪﺗﻨﻲ ﻟﻠﻘﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﰲ »ﺟﻨﺖ« املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﻜﻤﺎﻣﺔْ ِ .
ﻓﺒﺎدرا إﱃ اﻟﻜﻤﺎﻣﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن إﻻ ﻗﻠﻴﻞ وإذا ﺑﻬﺎ ﻗﺪ وﺻﻠﺖ ،وأراد ﻋﺘﺒﻬﺎ ﻓﺄﻧﺸﺪت:
278
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﺟﻠﺴﺎ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﺣﺎﻟﺔ ،وإذا ﺑﺮﻗﻌﺔ اﻟﻜﻨﺪي اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻷﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ وﻓﻴﻬﺎ:
ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻊ إﻟﻴﻪ اﻟﺮﺳﻮل وﺟﺪه ﻗﺪ وﻗﻊ ﺑﻤﺘﻤﻮرة اﻟﻨﺠﺎﺳﺔ وﺻﺎر ﻫﺘﻜﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ
اﻷﺑﻴﺎت ﻗﺎل ﻟﻠﺮﺳﻮل :ارﺟﻊ وأﻋﻠﻤﻬﻤﺎ ﺑﺤﺎﱄ ،ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺮﺳﻮل وأﺧﱪﻫﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻜﺎد أن
ارﺗﺠﺎﻻ ﻛﻞ واﺣﺪ ﺑﻴﺘًﺎ ،واﺑﺘﺪأ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻓﻘﺎل:
ً ﻳﻐﴙ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ ،وﻛﺘﺒﺎ إﻟﻴﻪ
279
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﻣﻘﺒﻮﻻ ﻟﺪﻳﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﻧﴫف ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻰ ،وﺑﻘﻴﺎ ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺘﻪ اﻟﺮﻗﻌﺔ ﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ
ﻳﻮﻣﻬﻤﺎ ﻳﻨﺘﻬﺒﺎن اﻟﻠﺬات ،وﻳﺘﻌﺎﻃﻴﺎن املﴪات ﺑﺪون رﻳﺒﺔ ﺗﻘﻊ ﻣﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺣﺘﻰ آن أوان
اﻻﻧﴫاف ،ﻓﺎﻧﴫﻓﺎ وﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﻪ ﻧﺤﻮ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻧﻌﻄﺎف .وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ:
وﻗﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻴﺎت:
وﻗﻮﻟﻬﺎ:
280
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﻗﺎل اﺑﻦ رﺣﺒﺔ :ﺣﻔﺼﺔ ﻣﻦ أﴍاف ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،رﺧﻴﻤﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،رﻗﻴﻘﺔ اﻟﻨﻈﻢ واﻟﻨﺜﺮ.
ْ
وﻛﺘﺒﺖ ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻴﻪ: وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﻴﺪ أﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ،ﻣﻠﻚ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،ﺗُﻬﻨﱢﺌﻪ ﺑﻴﻮم ﻋﻴﺪ
وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ أﻋﻴﺎن ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻟﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﺨﻄﻬﺎ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻬﺎ:
ﻏﻀﻲ ﺟﻔﻮﻧﻚ ﻋﻤﺎ ﺧﻄﻪ ﻗﻠﻤﻲ ﻳﺎ رﺑﺔ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻞ ﻳﺎ رﺑﺔ اﻟﻜﺮم
ﻻ ﺗﺤﻔﻠﻲ ﺑﺮديء اﻟﺨﻂ واﻟﻜﻠﻢ ﺗَﺼ ﱠﻔ ﺤ ﻴ ﻪ ﺑ ﻠ ﺤ ﻆ اﻟ ﻮ ﱢد ُﻣ ﻨ ْﻌ ﻤ ﺔ
واﺗﻔﻖ أﻧﻪ ﺑﺎت أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ ﺑﺴﺘﺎن ﺑﺤﻮز ﻣﺆﻣﻞ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﻴﺖ ﺑﻪ اﻟﺮوض
اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻣﻦ ﻃﻴﺐ اﻟﻨﻔﺤﺔ واﻟﻨﻀﺎرة ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺎن اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻗﺎل أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ — وﻛﺎن ﻳﻬﻮاﻫﺎ
ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ:
ﻋ ﺸ ﻴ ﺔ واراﻧ ﺎ ﺑ ﺤ ﻮز ﻣ ﺆﻣ ﻞ رﻋ ﻰ اﻟ ﻠ ﻪ ﻟ ﻴ ًﻼ ﻟ ﻢ ﻳ ﺮح ﺑ ﻤ ﺬﻣ ﻢ
إذا ﻧ ﻔ ﺤ ﺖ ﻫ ﺒ ﺖ ﺑ ﺮﻳ ﺎ اﻟ ﻘ ﺮﻧ ﻔ ﻞ وﻗ ﺪ ﺧ ﻔ ﻘ ﺖ ﻣ ﻦ ﻧ ﺤ ﻮ ﻧ ﺠ ﺪ أرﻳ ﺠ ﺔ
ﻗﻀﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺤﺎن ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺪول وﻏ ﱠﺮد ﻗ ﻤ ﺮي ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﺪوح واﻧ ﺜ ﻨ ﻰ
ﻋ ﻨ ﺎق وﺿ ﻢ وارﺗ ﺸ ﺎف ﻣ ﻘ ﺒ ﻞ ﻳﺮى اﻟﺮوض ﻣﺴﺮو ًرا ﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺑﺪا ﻟﻪ
281
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺘﺐ ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﻓﱰاق ﻟﺘﺠﻴﺒﻪ ﻋﲆ ﻋﺎدﺗﻬﺎ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻗﺎل أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ :أﻗﺴﻢ ﻣﺎ رأﻳﺖ وﻻ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻤﺜﻞ ﺣﻔﺼﺔ ،وﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ
دﻟﻴﻼ ﻋﲆ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻋﺰﻣﻲ ،وﺑﺮ ﻗﺴﻤﻲ ،أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻣﻨﺰﱄ ﻣﻊ ﻣﻦ أﺣﺐ أن أﺟﻌﻠﻪ ً
راﺣﺔ ﺳﻤﺤﺖ ﺑﻬﺎ ﻏﻔﻼت اﻷﻳﺎم ،ﻓﻠﻢ أﺷﻌﺮ إﻻ ﺑﺎﻟﺒﺎب ٍ أﺧﻠﻮ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻷﺟﻮاد اﻟﻜﺮام ﻋﲆ
ﻳﴬب ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﺗﻨﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﻀﺎرب ،ﻓﻮﺟﺪت اﻣﺮأة ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ادﻓﻌﻲ ﻟﺴﻴﺪك ﻫﺬه اﻟﺮﻗﻌﺔ ،ﻓﺠﺎءت ﺑﺮﻗﻌﺔ ﻓﻴﻬﺎ:
ﻗﺎل :ﻓﻌﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺣﻔﺼﺔ ،وﻗﻤﺖ ﻣﺒﺎد ًرا ﻟﻠﺒﺎب ،وﻗﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳُﻘﺎﺑَﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻳﺸﻔﻊ
ﻃﻠﺐ ﰲ وﻗﺖ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻷﻧﺲ ٍ وﺗﻔﻀﻠُﻪ ﺑﺰﻳﺎر ٍة ِﻣﻦ دون
ﱡ ﻟﻪ ﺣﺴﻨﻪ وآداﺑﻪ واﻟﻐﺮا ُم ﺑﻪ،
ﺑﻪ ،وﻓﻀﻠﻨﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﺰﻣﺎن ،وﻻ ﻟﻘﻴﴫ وﻻ ﻟﻜﴪى أﻧﻮﴍوان .وﺑﻘﻴﺖ
ٍ
ﺑﻤﺮاث ﻛﺜرية ﻟﻢ ﻳُﺮ ﺣﻔﺼﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ وداد أﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ إﱃ أن ﻧﻜﺐ وﻗﺘﻞ ،وﻗﺪ رﺛﺘﻪ
ﻣﺜﻠﻬﺎ ،وﻟﻜﻮن ﻗﺘْ ِﻞ أﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﴩﻫﺎ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺑﻌﺪه ﻣﺪة
282
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
ﻃﻮﻳﻠﺔ وﻫﻲ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ إﱃ املﴪات ،وﻻ ﺗﺄﻟﻒ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت ،ﺣﺘﻰ دﻋﺎﻫﺎ داﻋﻲ
املﻨﻮن ﻓﻠﺒﱠﺖ وﻫﻲ ذات ﺷﺠﻮن.
ﺣﻠﻴﻤﺔ اﻟﺤﴬﻳﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺲ املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ واﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﻟﻬﺎ ﺷﻌﺮ راﺋﻖ ،وروى ﻟﻬﺎ
اﻟﺰﺑري ﺑﻦ ﺑﻜﺎر ﻣﻦ أﺑﻴﺎت رﺛﺎء ﰲ زوﺟﻬﺎ:
283
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﴫت ﺑﻲ ﻗﺎﻟﺖ :أي وﷲ ﻫﻮ ،وﺑﻜﺖ ملﺎ أﻧﺎ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺒﱠﻠﺖ ﻗﺪﻣﻲ وﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻮ
ﻟﻔﻌﻠﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻗﴫ ﰲ ﺧﻼﺻﻚ ،ودوﻧﻚ ﻫﺬه اﻟﻨﻔﻘﺔ ورﺳﻮﱄ ُ اﺳﺘﻄﻌﺖ أن أﻗﻴﻚ ﺑﻨﻔﴘ
ﻳﺄﺗﻴﻚ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺮج ﷲ ﻋﻨﻚ ،ودﻓﻌﺖ إﱄ ﱠ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ دﻳﻨﺎر وﺛﻴﺎﺑًﺎ وﻃﻴﺒًﺎ
وﻃﻌﺎﻣً ﺎ ،واﻧﴫﻓﺖ وﻗﺪ أﴐﻣﺖ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻧﺎ ًرا ﻗﺪﺣﺘﻬﺎ اﻟﻨﻈﺮة اﻷوﱃ ،ﻓﺄﻧﺸﺪت:
وﻟﻢ ﻳﺰل رﺳﻮﻟﻬﺎ ﻳﻌﺎودﻧﻲ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎن وﻣﻼﻃﻔﺔ اﻟﺴﺠﺎن إﱃ أن ﺧﺮﺟﺖ وﻋﻈﻢ أﻣﺮي
ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺨﻄﺒﺘُﻬﺎ ،ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ أﺑﻮﻫﺎ ،ﻓﻜﺎن ﺳﺠﻦ ﻫﻮاﻫﺎ أﻋﻈﻢ ﻋﲇ ﱠ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻓﻠﻢ أر
إﻻ أن أﺗﻴﺖ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻘﺘﺪر ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﰲ ﺿﻴﻌﺘﻪ ،ﻓﺮﻛﺐ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻠﻢ
ﻳﻔﺎرﻗﻪ ﺣﺘﻰ زوﱠﺟﻨﻲ ﺑﻬﺎ ،وﺑﻘﻴﻨﺎ ﻣﺘﻤﺘﻌني ﺑﻨﻌﻴﻢ ﻋﻴﺸﻨﺎ إﱃ أن ﺗﻮﻓﻴﺖ ،وأﺻﺎﺑﻨﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ
اﻟﺤﺰن واﻟﺸﺠﻮن ،وﻻﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﻛﺜرية ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﱄ ﱠ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ.
ﻣﻦ وادي أﺷﻦ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻫﻲ ﺧﻨﺴﺎء املﻐﺮب وﺷﺎﻋﺮة اﻷﻧﺪﻟﺲ ،أدﻳﺒﺔ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﻏﺮﻳﺒﺔ
أواﻧﻬﺎ .ﻛﺎن اﻷدب ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﺿﻬﺎ ،وزﻫﺮة ﻣﻦ روﺿﻬﺎ ،ﻟﻬﺎ املﻨﻄﻖ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺷﺎﻫﺪًا
ﺑﻔﻀﻞ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ،وﻳﻔﺘﺢ ﻋﲆ اﻟﺒﻠﻐﺎء أﺑﻮاب اﻟﻌﺠﺰ ،وﻳﺴﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺻﺪور اﻟﺨﻄﺐ،
ﻓﺈن أوﺟﺰت أﻋﺠﺰت ﺑﺎملﻘﺎل ،وإن أﻃﺎﻟﺖ ﻛﺎﺛﺮت اﻟﻐﻴﺚ اﻟﻬﻄﺎل ،ﻣﻊ ﻣﻄﺎرﺣﺔ ﺗﺬﻫﺐ ﰲ
اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺤﻜﻢ ،وأﺧﻼق ﺗﺤﺪﱢث ﻋﻦ ﻟﻄﻒ اﻟﺰﻫﺮ ﻏﺐ اﻟﺪﻳﻢ ،ﻣﺮﻣﻰ اﻟﱰﻧﻢ ﺑﺬﻛﺮﻫﺎ
املﺘﻌﻄﺮ ﺑﻨﴩ ﺣﻤﺪﻫﺎ وﺷﻜﺮﻫﺎ ،واﻟﻨﺴﻴﻢ ﻧ ﱠﻢ ﺑﻤﺮآﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ،واﻟﺼﺒﺢ ﻳﴩق ﺑﻨﻮر
اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺸﺎرق.
284
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
روت ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻓﺎﺿﻞ ورووا ﻋﻨﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﻢ :اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻼﻣﺔ ،اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺤﱪ اﻟﻔﻬﺎﻣﺔ،
أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﱪاق .وﻣﻦ ﻋﺠﻴﺐ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
واﻟﺒﻌﺾ ﻳﺰﻋﻢ أن ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻟﺒﻬﺠﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﺤﻤﺪة أﺛﺒﺖ وأﺷﻬﺮ
— وﷲ أﻋﻠﻢ.
وﺧﺮﺟﺖ ﺣﻤﺪة ﻣﺮة ﻟﻠﻮادي ﻣﻊ ﺣﺒﻴﺒﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺮأت اﻷزﻫﺎر ﰲ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﺗﺘﻸﻷ ﻛﺄﻧﻬﺎ
ﻧﺠﻮم ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﻣﻦ ﻛﺒﺪ اﻟﺴﻤﺎء ،واملﺎء ﰲ اﻟﻨﻬﺮ ﻳﺘﻤﺎوج ﻛﺄﻧﻪ ﻗﻄﻊ ﻣﻦ ﻟﺠني ﺗﺮﻣﻘﻪ ﻋﻴﻮن
ذﻛﺎء ،ﻓﺄﻋﺠﺒﻬﺎ ذﻟﻚ املﻨﻈﺮ اﻟﺒﻬﺞ ،وأﺣﺒﺖ أن ﺗﺨﻮض ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻨﻬﺮ إﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﱰوﻳﺢ اﻟﻨﻔﺲ،
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻟﺨﻠﻮه ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﱠ
ﻓﻨﻀﺖ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺜﻴﺎب وﻋﺎﻣﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ً
285
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻼت ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب ،وأﻋﻠﻤﻬﻦ ﺑﻔﻨﻮن اﻷدب ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻷول ﻟﻠﻬﺠﺮة
ُرﺑﱢﻴﺖ ﰲ ﺣﺠﺮ أﺑﻴﻬﺎ ﻣﻊ أﺧﺘﻴﻬﺎ :ﻫﻨﺪ وﻋﻤﺮة ،ﻓﻨﺸﺄت ﻫﻲ ﻋﲆ ﻋ ﱢﺰ اﻟﻨﻔﺲ ،وﺻﺎرت ﻻ ﻳُﺮى
ﺑﺮﺟﻞ ورأت ﻓﻴﻪ ﻋﻴﺒًﺎ ﺗﻬﺠﻮه
ٍ ﻗﺮﻳﻦ ﻳﻮاﻓﻘﻬﺎ .وﻣﻦ ﻋﺰة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺰوﺟﺖ
ٍ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ
ْ
ﺧﺎﻓﺖ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ اﻟﻌﺮبُ ،وﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ملﺎ ﻗﺪم ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ،ﺣﺘﻰ
وال ﻋﲆ ﺣﻤﺺ — ﻋﲆ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان — وﻫﻮ إذ ذاك ﺑﺪﻣﺸﻖ واﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ ﺑﺸري ٍ
ﻓﺨﻄﺒﻬﺎ اﻟﺤﺎرث ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ ،ﻓﺰوﱠﺟﻪ ﺑﻬﺎ وﻟﻢ ﺗﻤﻜﺚ ﻣﻌﻪ ﻏري ﻗﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ أﺳﺎء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ:
وملﺎ اﺳﺘﺤﻜﻤﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ اﻟﻨﻔﺮة ﻃﻠﻘﻬﺎ اﻟﺤﺎرث ،ﻓﺨﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ روح ﺑﻦ زﻧﺒﺎع ،وﻋﻠﻴﻪ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺎﻣﺔ اﻟﻜﱪى ،ﻗﺎل ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ :إن ﻗﻮﻟﻬﺎ» :أﺣﺐ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻟﻴﻪ «.ﺗﻌﻨﻲ
اﻟﺠﺎﻟﻴﺔ :أﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎز ،وﻛﺎن أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ﻳُﺴﻤﱡ ﻮﻧﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺠﻠﻮن ﻋﻦ ﺑﻼدﻫﻢ
إﱃ اﻟﺸﺎم ،وملﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻗﺎل :ﻟﻮﻻ أﻧﻬﺎ ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻜﻬﻮل ﻋﲆ اﻟﺸﺒﺎن ﻟﻌﺎﻗﺒﺘﻬﺎ ،ﻗﺎل
ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺷﺒﺔ :ملﺎ ﺗﺰوﺟﻬﺎ روحُ ﺑﻦ زﻧﺒﺎع ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﻗﻮﻣﻪ ﺑﻨﻲ ﺟﺬام وﻗﺪ
286
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻋﻨﺪه ﻓﻼﻣﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻫﻞ أرى إﻻ ﺟﺬام ،ﻓﻮﷲ ﻣﺎ أﺣﺐ اﻟﺤﻼل ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻜﻴﻒ
ﺑﺎﻟﺤﺮام؟ وﻗﺎﻟﺖ ﺗﻬﺠﻮه:
ﻓﻘﺎل روح:
واﺟﺘﻤﻌﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﻤﺠﻠﺲ ﻓﺼﺎرت ﺗﻬﺰأ ﺑﻪ ،وﺗﻀﺤﻚ ﻋﻠﻴﻪ ،ووﻗﻌﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮة ﻛﺎن
اﻟﺒﺎدئ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻮ ﺑﻘﻮﻟﻪ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ﻓﻘﺎل:
ﻓﻘﺎﻟﺖ:
287
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل روح:
أﺗ ﺎن ﻓ ﺒ ﺎﻟ ﺖ ﻋ ﻨ ﺪ ﺟ ﺤ ﻔ ﻠ ﻪ اﻟ ﺒ ﻐ ﻞ ﻓ ﻤ ﺎ ﺑ ﺎل ﻣ ﻬ ﺮ راﺋ ﻊ ﻋ ﺮﺿ ﺖ ﻟ ﻪ
ﻛﻤﺎ رﺑﺨﺖ ﻗﻤﺮاء ﻓﻲ دﻣﺚ اﻟﺴﻬﻞ إذا ﻫ ﻮ و ﱠﻟ ﻰ ﺟ ﺎﻧ ﺒً ﺎ رﺑ ﺨ ﺖ ﻟ ﻪ
وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻓﻘﺎل:
ﻓ ﻠ ﻴ ﺲ اﻟ ﺨ ﻼﻋ ﺔ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎﻟ ﻴ ﻪ إن ﻳ ﻜ ﻦ اﻟ ﺨ ﻠ ﻊ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎﻟ ﻜ ﻢ
ﻒ ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻤ ﺎﺿ ﻴ ﻪ ﻓ ﺄُ ﱞ
ف وﺗُ ﱞ وإن ﻛﺎن ﻣﻦ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻣﺜﻠﻜﻢ
ـﻪ ﻣﻦ ذات ﺑﻌﻞ وﻣﻦ ﺟﺎرﻳﻪ وﻣﺎ إن ﺑ َﺮى اﻟﻠﻪ ﻓﺎﺳﺘﺒﻘﻴﻨـ
وﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻷﻋُ ﺼﺮ اﻟﺨﺎﻟﻴﻪ ﺷ ﺒ ﻴ ﻬً ﺎ ﺑ ﻚ اﻟ ﻴ ﻮم ﻓ ﻴ ﻤ ﻦ ﺑ ﻘ ﻲ
وﺑ ﻌ ﺪًا ﻷﻋ ﻈ ﻤ ﻚ اﻟ ﺒ ﺎﻟ ﻴ ﻪ ﻓ ﺒ ﻌ ﺪًا ﻟ ﻤ ﺤ ﻴ ﺎك إذ ﻣ ﺎ ﺣ ﻴ ﻴ ﺖ
وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺣﻤﻴﺪة ﻳﻮﻣً ﺎ — وﻛﺎن أﺳﻮد ﺿﺨﻤً ﺎ :ﻛﻴﻒ ﺗﺴﻮد وﻓﻴﻚ ﺛﻼث ﺧﺼﺎل؟ أﻧﺖ
ﻣﻦ ﺟﺬام ،وأﻧﺖ ﺟﺒﺎن ،وأﻧﺖ ﻏﻴﻮر.
288
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ ﺟﺬام ﻓﺄﻧﺎ ﰲ أروﻣﺘﻬﺎ ،وﺑﺤﺴﺐ اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﻜﻮن ﰲ أروﻣﺔ ﻗﻮﻣﻪ ،وأﻣﺎ
ْت ﺑﺈﺣﺪاﻫﻤﺎ ،وأﻣﺎ اﻟﻐرية ﻓﻬﻮ أﻣﺮاﻟﺠﺒﻦ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﱄ ﻧﻔﺲ واﺣﺪة ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﱄ ﻧﻔﺴﺎن ﻟﺠُ ﺪ ُ
ٌ
ﻟﺤﻘﻴﻖ ﺑﺎﻟﻐرية ﻋﲆ املﺮأة ﻣﺜﻠﻚ اﻟﺤﻤﻘﺎء اﻟﻮرﻫﺎء ﻻ ﻻ أﺣﺐ أن أُﺷﺎ َرك ﻓﻴﻪ ،وإن املﺮء
ﻳﺄﻣﻦ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﻏريه ﻓﺘﻘﺪﱠﻣﻪ ﰲ ﺣﺠﺮه .وﻛﺎن روح ﻳﺘﻨﺎزع ﻣﻌﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﻤﺜﻞ
ﻫﺬه املﻨﺎﻓﺴﺎت ﻓﻈﻬﺮت ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﻌﻪ ﱠإﻻ أن ﻗﺎل :اﻟﻠﻬﻢ إن ﺑﻘﻴﺖ ﺑﻌﺪي ﻓﺎﺑْﺘَﻠِﻬﺎ
ﺑﺒﻌﻞ ﻳﻠﻄﻢ وﺟﻬﻬﺎ ،وﻳﻤﻸ ﺣﺠﺮﻫﺎ ﻗﻴﺌًﺎ ،ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪه اﻟﻔﻴﺾ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ ٍ
ﺟﻤﻴﻼ ﻳﺼﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﴩاب ﻓﺄﺣﺒﱠﺘﻪ ،ﻓﻜﺎن رﺑﻤﺎ أﺻﺎب ﻣﻦ اﻟﴩاب ً أﺑﻲ ﻋﻘﻴﻞ ،وﻛﺎن ﺷﺎﺑٍّﺎ
ﻣُﺴﻜ ًﺮا ﻓﻴﻠﻄﻢ وﺟﻬﻬﺎ وﻳﻘﻲء ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ،ﻓﺘﻘﻮل :ﻳﺮﺣﻢ ﷲ أﺑﺎ زرﻋﺔ ﻗﺪ أﺟﻴﺒﺖ دﻋﻮﺗﻪ ﰲ ﱠ.
ﻓﻴﻀﺎ ﻫﻮ أﻧﻬﺎ ملﺎ ﺧﻠﻌﺖ ﻣﻦ روح ﺑﻦ زﻧﺒﺎع ﺑﻘﻴﺖ زﻣﻨًﺎ ﻋﺰﺑًﺎ
وﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ زواﺟﻬﺎ ً
ﻻ ﻳﻘﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ أﻗﺮاﻧﻬﺎ؛ ﻧﻈ ًﺮا ملﺎ اﺷﺘﻬﺮت ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺰة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺑﻤﺎ
أن آداﺑﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻬﻮرة ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻛﺎن اﻷدﺑﺎء ﻳﺘﻤﻨﻮن اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ ،وﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ
ذﻟﻚ ﺗﺴ ﱡﻠﻂ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ أزواﺟﻬﺎ ،إﱃ أن ﻗﻴﺾ ﷲ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﺾ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ املﺬﻛﻮر،
رﺟﻼً وﻟﺠﻤﺎﻟﻪ وأدﺑﻪ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻪ ،وﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ ﺗﻬﺘﱡﻜﻪ وﺧﻼﻋﺘﻪ ،وملﺎ اﺗﺼﻠﺖ ﺑﻪ رأت ﻣﻨﻪ
ﺑﺨﻼف ﻣﺎ رأت ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺳﻮء ﺧﻠﻖ ،وزﻳﺎدة ﺗﻬﺘﻚ ،وإدﻣﺎن ﻋﲆ ﴍب املﺴﻜﺮات،
ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻳُﻬﻴﻨﻬﺎ وﻳﻠﻄﻢ وﺟﻬﻬﺎ وﻳﻘﻲء ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ،وﻫﻨﺎك ﻫﺠﺮﺗﻪ وﻗ َﻠﺘْﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ
اﻷﺷﻌﺎر اﻟﻬﺠﺎﺋﻴﺔ ،وأﻇﻬﺮت ﻣﺴﺎوﻳﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻋﱪ ًة ﻟﻐريه .وﻣﻦ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
إﻻ ﺳ ﻼﺣ ﻚ ﺑ ﻴ ﻦ اﻟ ﺒ ﺎب واﻟ ِ
ﺪار ﺳﻤﻴﺖ ﻓﻴ ًﻀﺎ وﻣﺎ ﺷﻲء ﺗﻔﻴﺾ ﺑﻪ
ﺳﻘﻰ اﻹﻟﻪ ﺻﺪاه اﻷوﻃﻒ اﻟﺴﺎري ﻓ ﺘ ﻠ ﻚ دﻋ ﻮة روح اﻟ ﺨ ﻴ ﺮ أﻋ ﺮﻓ ﻬ ﺎ
وﻗﺎﻟﺖ:
وﻗﺎﻟﺖ:
ﻟ ﻜ ﻦ ﻓ ﻴ ًﻀ ﺎ ﻟ ﻨ ﺎ ﺑ ﺎﻟ ﻘ ﻲء ﻓ ﻴ ﺎض وﻟ ﻴ ﺲ ﻓ ﻴ ﺾ ﺑ ﻔ ﻴ ﺎض اﻟ ﻌ ﻄ ﺎء ﻟ ﻨ ﺎ
وﻓﻲ اﻟﺤﺮوب ﻫﻴﻮب اﻟﺼﺪر ﺣﻴﺎض ﻟ ﻴ ﺚ اﻟ ﻠ ﻴ ﻮث ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ ﺑ ﺎﺳ ﻞ ﺷ ﺮس
289
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ووﻟﺪت ﻣﻦ ﻓﻴﺾ اﺑﻨﺔ ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺠﺎج أم
أﺑﺎن ﺑﻨﺖ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ ﺑﺸري ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺣﻤﻴﺪة ﻟﻠﺤﺠﺎج:
ﺛﻢ ﻗﺪﻣﺖ ﺣﻤﻴﺪة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﺑﻨﺘﻬﺎ زاﺋﺮة ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎج :ﻳﺎ ﺣﻤﻴﺪة ،إﻧﻲ ﻛﻨﺖ
ﱡ
ﺳﺄﻛﻒ ﺣﺘﻰ أﺗﺤﻤﻞ ﻣﺰاﺣﻚ ﻣﺪة ،وأﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺈﻧﻲ ﺑﺎﻟﻌﺮاق وﻫﻢ ﻗﻮم ﺳﻮء ﻓﺈﻳﺎك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
أرﺣﻞ .وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎة ﺣﻤﻴﺪة ﺑﺎﻟﺸﺎم ﺑﺂﺧﺮ وﻻﻳﺔ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان.
ﺣﻨﺔ أﻟﱪت
ﻫﻲ »دو أﻟﱪت« ﻣﻠﻜﺔ ﻧﻮارة ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﻟﺪت ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ »ﺑﻮ« ﺳﻨﺔ ١٥٢٨م،
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺳﻨﺔ ١٥٧٢م .ﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺔ وﺣﻴﺪة ﻟ »ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،ﻣﻠﻚ ﻧﻮارة ،ﻣﻦ
زوﺟﺘﻪ »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ دو أﻧﻔﻮﻟﻴﻢ« ،ﺷﻘﻴﻘﺔ »ﻓﺮاﻧﺴﻮا اﻷول«ُ .ز ﱠﻓﺖ ﰲ ١٥ﺗﻤﻮز )ﻳﻮﻟﻴﻮ( ﺳﻨﺔ
١٥٤٠م وﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ١٢ﺳﻨﺔ .ﺗﺰوﺟﻬﺎ »ﻏﻴﻠﻴﻮم« دوق »ﻛﻠﻴﻖ« و»ﺟﻮﻟﻴﻪ« ،وﻛﺎن ذﻟﻚ
ﻋﲆ ﻏري إرادﺗﻬﺎ وإرادة أﺑﻮﻳﻬﺎ ،ﻓﺄﺑﻄﻞ اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﻫﺬا اﻟﺰواج.
وﺳﻨﺔ ١٥٤٨م ،ﺗﺰوﺟﺖ ﺑ »أﻧﺘﻮان دو ﺑﻮرﺑﻮن« ،دوق »ﻗﻨﺪوم« ،وﺟﻠﺴﺖ ﻣﻌﻪ ﻋﲆ
اﻟﺴ ْﻔﲆ« و»ﺑرين« ﻋﻨﺪ وﻓﺎة أﺑﻴﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ وﺣﺬﻗﻬﺎ،ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ﰲ »ﻧﻮارة ﱡ
واﺗﺒﻌﺖ ﻣﺬﻫﺐ »ﻛﻠﻔﻴﻨﻮس« .وﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٥٦٢م ،ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﲆ أﻣﻼﻛﻬﺎ وﻟﻢ
ﺗﺒﺎل ﺑﺪﺳﺎﺋﺲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وروﻣﻴﺔ ووﻋﻴﺪﻫﻤﺎ. ِ
وﺳﻨﺔ ١٥٦٧م ،أﻋﻠﻨﺖ أن ﻣﺬﻫﺐ »ﻛﻠﻔﻴﻨﻮس« ﻫﻮ املﺬﻫﺐ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﰲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ،
واﻧﻀﻤﺖ ﺳﻨﺔ ١٥٦٩م ﻣﻊ وﻟﺪﻳﻬﺎ »ﻫﻨﺮي« و»ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ« إﱃ ﻛﻮﻟﻮﻧﻲ ﰲ »ﻻروﺷﻴﻞ« ،وﻛﺎﻧﺖ
ﰲ رﻳﺎﺳﺔ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻬﻮ ﻟ »ﻫﻮﻏﻨﻮ« ،وﺑﻌﺪ أن ﻗﺘﻞ »ﺑﺮﻧﺲ ﻛﻮﻧﺪي« ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﱪ ﺳﻨﺪًا
وﺣﻴﺪًا ﻟﻠﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ .وﻗﺪ ﺑﺎﻟﻎ »أوﺑﻴﻨﻲ« وﻏريه ﻣﻦ املﺆﻟﻔني ﰲ ﻣﺪﻳﺤﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﺴﻄﻮة ﻋﲆ اﻟﺠﻨﻮد ﺑ »ﻫﻮﻏﻨﻮ« ،وﺳﻠﻤﺖ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺰواج اﺑﻨﻬﺎ »ﻫﻨﺮي« — ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ
290
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﻟﺪت ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ ١٨٠٧م ،وﻫﻲ اﺑﻨﺔ اﻷﻣريال »دﻏﺒﻲ« .ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﺄرل »أﻟﻨﱪو« ﺳﻨﺔ
١٨٢٤م.
وﺳﻨﺔ ١٨٣٠م ،ﻫﺠﺮت زوﺟﻬﺎ وﻫﺮﺑﺖ إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﻊ اﻟﱪﻧﺲ »ﻓﻠﻜﺲ ﺷﻮرﻧريغ«،
وﻛﺎن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺳﻔريًا ﻟﻠﻨﻤﺴﺎ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ،ﻓﺼﺪر ﻗﺮار ﻣﻦ املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﺑﻄﻼﻗﻬﺎ
ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺪم ﻟﻬﺎ ﺣﺐ ﻋﺎﺷﻘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﺗﺮﻛﻬﺎ وﺷﺄﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺪة وﺟﻴﺰة ،ﻏري أن
املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ﻋني ﻟﻬﺎ ﺑﻘﺮاره اﻟﺼﺎدر ﺑﻄﻼﻗﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒًﺎ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ واﻓ ًﺮا ،ﻓﴫﻓﺖ ﻋﺪة ﺳﻨني ﰲ
ﻃ ﱢﻠﻘﺖ ،وﺻﺎرت إﱃ اﻟﴩق إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﻏريﻫﺎ ﰲ رﻏ ٍﺪ واﻧﴩاح ،وﺗﺰوﺟﺖ ﻛﻮﻧﺘًﺎ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴٍّﺎ ،ﺛﻢ ُ
ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﺠﻮل ﻓﻴﻪ .ﻗﻴﻞ :وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺮة ﻣﻦ ﺗﺪﻣﺮ إﱃ دﻣﺸﻖ راﻓﻘﻬﺎ ﺷﻴﺦ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو
ٌ
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ — اﺳﻤﻪ ﻣﺠﻮل — ﻣﻊ ﻗﻮم ﻣﻦ ﻋﺮﺑﻪ ﻟﺤﺮاﺳﺘﻬﺎ ،ﻓﺄﻏﺎر ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻫﻢ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ
اﻟﺒﺪو ﻗﺎﺻﺪﻳﻦ ﻏﺰوﻫﻢ ،ﻓﺼﺪﱠﻫﻢ ﻣﺠﻮل ﺑﺒﺴﺎﻟﺔ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﺣﺒﱠﺘﻪ ﻟﺒﺴﺎﻟﺘﻪ وأﻣﺎﻧﺘﻪ،
وﻃﺮح ﻧﻔﺴﻪ ﰲ اﻟﺨﻄﺮ ﺣﺒٍّﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﺪاﻓﻌﺔ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﻓﺎﺗﺨﺬﺗﻪ زوﺟً ﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺒﺪو،
وﺑﻘﻴﺖ ﻫﻲ ﻋﲆ ﻣﺬﻫﺒﻬﺎ ﺗﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،وﻫﻮ ﻋﲆ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﺛﻢ اﺷﱰت
ﻇﺮﻳﻔﺎ ﺗﴫف ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻨﺔ ﺑﻌﻴﺸﺔ ﺣﴬﻳﺔ. ً ﰲ دﻣﺸﻖ ﺑﺴﺘﺎﻧًﺎ ﺑَﻨ َ ْﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﻴﺘًﺎ
ٍ
ﺑﻌﻴﺸﺔ اﻟﺸﻌْ ﺮ ﻟﺰوﺟﻬﺎ املﺬﻛﻮر ﺑني ﻋﺮﺑﻪوأﻣﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻓﺘﴫﻓﻪ ﰲ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ ﱠ
ﻣﺮﺿﻴﺔ .وذﻛﺮ ﻣﺴﱰ »ﻳﺮﻳﻢ« ﰲ رﺣﻠﺘﻪ املﻌﻨﻮﻧﺔ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﻟﻠﺴﻜﻨﻰ ﰲ اﻟﺨﻴﻤﺔ ﺑﺎﻷرض
املﻘﺪﺳﺔ؛ إذ زارﻫﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٥٥م .وﻗﺪ ﻃﺒﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﰲ »ﻧﻴﻮﻳﻮرك« ﻣﻦ أﻣريﻛﺎ ﺳﻨﺔ
١٨٥٧م ،وﺑﻬﺎ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻻ ﻣﺤﻞ ﻟﻬﺎ ﻫﻨﺎ .وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﺳريﺗﻬﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ ،وﻻ ﺑﺪ أن
اﻟﺬﻳﻦ وﻗﻔﻮا ﻋﲆ ﺧﱪﻫﺎ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻬﺎ.
291
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
292
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
ﺣﺰب اﻟﺴﻮرﻳني اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أﻗﺪر رﺟﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وأﺣﺬق اﻟﻜﺘﺎب،
ووﻛﻞ ﺣﺰب اﻟﻬﻮﻳﻔﺮ ﻗﺒﻞ ﺳﻘﻮﻃﻪ ﺑﻤﻘﺎوﻣﺘﻬﻢ اﻟﻼﻫﻮﺗﻲ »ﺳﺎﺳﻴﻔﻤﺮﺑﻞ«؛ ﻷﻧﻪ ﴏﱠ ح ﰲ
وﻋﻈﻪ ﺑﺄن ﺣﻖ املﻠﻮك ﻫﻮ ﻣﻦ ﷲ .واﻧﺘﴫ اﻟﺴﻮرﻳﻮن ﰲ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻓﺄﻗﻴﻤﺖ
وزارة ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳﺔ »ﻫﺮﱄ« ،وﺻﺎرت »ﻣﺎﺷﺎم« ،اﺑﻨﺔ أﺣﺪ ﺗﺠﺎر ﻟﻨﺪن ،ﻧﺪﻳﻤﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ
وﻣﺪﺑﺮة ﻟﺒﻼﻃﻬﺎ ،ﻓﻌﺰﻣﻮا ﻋﲆ ﻋﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ ،وأﻫﻤﻠﻮا اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺤﺮب ،وﺗﺮﻛﻮا ﺣﻠﻔﺎء
إﻧﻜﻠﱰا ﰲ ﻣﻌﺎﻫﺪة »أﴎﺧﺖ« اﻟﺘﻲ وﻗﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ »أﻧﻴﺴﻴﺎن« ﺳﻨﺔ ١٧١٣م.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻮزارة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﺘﻔﻘﺔ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﻘﺮر أن ﻳﻜﻮن ﺗﺎج إﻧﻜﻠﱰا ﺑﻌﺪ ﻣﻮت
ﺣﻨﺔ ﺑﺪون ﻋﻘﺐ ﻟ »ﺳﻮﻗﻴﺎ« ،أﻛﱪ ﺑﻨﺎت »ﺟﻤﺲ اﻷول« ،وﺣﺎول ﺟﻤﺎﻋﺔ أن ﻳﻤﺮروا ذﻟﻚ
ﻷﺧﻴﻬﺎ اﺑﻦ »ﺟﻤﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،ﻓﺴﺎءت املﻠﻜﺔ أﻋﻤﺎل وزراﺋﻬﺎ واﺧﺘﻼﻓﺎﺗﻬﻢ ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻓﺠﺄة .وإذا
ﻛﺎن ﻣﻮﺗﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن أﻛﻤﻞ »ﺑﻠﻮﻟﻔﱪوك« ﺗﺪاﺑريه ،ﻓﻘﺪ ﻧﺸﺄ ﻋﻨﻪ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺳﻼﻟﺘﻪ ﺑﺮوﺗﺴﺘﻨﺘﻴﻨﺔ
ﻹﻧﻜﻠﱰا ﺑﺴﻼم .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﻨﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺤﺰم ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ودﻳﻌﺔ ،واﻣﺘﺎز ﻣﻠﻜﻬﺎ ﺑﺤﺮوب
ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻧﺘﴫت ﻓﻴﻬﺎ إﻧﻜﻠﱰا .وﻗﺪ أُﻃﻠﻖ ﻋﲆ أﻳﺎم ُﻣ ْﻠﻜﻬﺎ اﺳﻢ اﻟﻌﴫ اﻷوﻏﺴﻄﻲ ﻟﻶداب
اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺗﺰﻳﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ ﺑﻜﺘﺎﺑﺎت أدﻳﺒﻮن وﺑﻮب وﺳﻮﻗﻒ ورﻳﻔﻮار .وﺟﺮاﺋﺪ ﻣﺸﻬﻮرة
ﺑﺘﻠﻚ اﻷﻳﺎم.
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ »ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﻣﻠﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ .وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٦٠١م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٦٦٦م .ﺗﺰوﺟﻬﺎ
»ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ« ﺳﻨﺔ ١٦١٥م ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ٢٢ﺳﻨﺔ ﻻ ﺗﻠﺪ.
وروى ﺑﻌﺾ املﺆرﺧني أﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻫﺠﺮﻫﺎ زوﺟﻬﺎ »ﻟﻮﻳﺲ« اﺧﱰﻋﺖ إﻃﺎ ًرا ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻠﺒﺴﻪ ﺗﺤﺖ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ﻟﺘﺴﱰ ﺑﻬﺎ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﻦ املﻠﻚ إﱃ أن وﻟﺪت ﻟﻪ ذﻛ ًﺮا ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎن زوﺟﻬﺎ
ﻳﴘء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ وﻳﻌﺬﺑﻬﺎ.
وﻳﻘﺎل :إن اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل »رﺷﻠﻴﻮ« ﻛﺎن ﻳﻬﻴﺞ املﻠﻚ إﱃ ﻛﺮﻫﻬﺎ وﻣﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﺎﺗﻔﻘﺖ ﻣﻊ
ﺣﻤﺎﺗﻬﺎ »ﻣﺎري دي ﻣﻮﻟﻴﴘ« ﻋﲆ ﻋﺰﻟﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺒﻂ ﻣﺴﻌﺎﻫﺎ؛ ﻷن »رﺷﻠﻴﻮ« ﻛﺎن ذا ﺳﻄﻮة
وﺣﺬق ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﺗﻬﻤﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻔﻘﺔ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ ﻣﻠﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ودوق »ﻟﻮران«
وإﻧﻜﻠﱰا وﻛﻞ أﻋﺪاء ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺨﺎﺋﻨني ﰲ اﻟﺒﻼط ﻋﲆ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺿﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﺿﺪ ﻣﺼﻠﺤﺔ
اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل املﺬﻛﻮر ،وأﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﺸﺎب اﻟﺘﻌﻴﺲ »ﻫﻨﺮي روﺗﻠﱪ ﻓﻴﺪﺑﺮﻧﺲ ﻛﺎﻧﻲ« ﰲ
ﻣﺆاﻣﺮﺗﻪ ،وﺗﻨﻘﺎد إﻟﻴﻪ اﻧﻘﻴﺎدًا أﻋﻤﻰ.
293
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺄﻣﺮ املﻠﻚ ﺑﺘﻔﺘﻴﺶ ﻋﺮق ﻗﴫ املﻘﺎل »دوﻏﺮاس« اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺣﻤﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﴫ ورﺟﻌﺖ إﱃ املﻠﻚ ﻗﺪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﺒﻼط ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺣﻨﺔ ً
اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ ﰲ اﻟﻠﻮﻓﺮ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﻏﻀﺐ زوﺟﻬﺎ وﺗﻀﺎده ،ﺛﻢ ﺷﺎع ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ
ﺣﻤﻠﻬﺎ ﺑ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ« ﺳﻨﺔ ١٦٣٨م.
ووﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٦٤٠م »ﻓﻴﻠﻴﺐ« ،دوق »دورﻟﻴﺎن« ،وﺑﻌﺪ ﻣﻮت زوﺟﻬﺎ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻋﴩ« ﺳﻨﺔ ١٦٤٣م ،أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﱪملﺎن — رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ إرادﺗﻪ — ﻧﺎﺋﺒﺔ ﻋﻦ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺮاﺑﻊ
ﻋﴩ« ﻣﺪة ﻗﴫه ،ﻓﻜﺎن اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل »ﻣﺎزارﻳﻦ« ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺘﺰوﺟً ﺎ
ﴎا ،ﻓﺘﺰﻳﻨﺖ اﻷﻳﺎم اﻷوﱃ ﻣﻦ ﻧﻴﺎﺑﺘﻬﺎ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎرات اﻟﱪﻧﺲ »ﻛﻮﻧﺪي« ،وﻟﻜﻦ ْ
رﻓﻌَ ﻬﺎ ملﻘﺎم ﺑﻬﺎ ٍّ
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻠﻮزارة ﻫﻴﱠﺞ ﺑﻌﺾ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﻮﻧﺪي ،وﺑﻌﺾ ﻋﻴﺎل ﻣﻦ ً اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل »ﻓﺮارﻳﻞ« وﺟَ ﻌْ ﻠﻪ
اﻟﺴﻼﻟﺔ املﻠﻜﻴﺔ ،وآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻴﺎل ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﴩﻳﻔﺔ ،ﻓﻨﺸﺄت ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﺪﻋﻰ ﺣﺮب اﻟﻔﺮﻧﺪة؛ أي ﺣﺮب اﻟﻘﻼع ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺪﺑﱢﺮ ﻣﻠﻜﻬﺎ ﺑﺈدارة ﺟﻴﺪة.
294
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﴏﻓﺖ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﰲ اﻟﻘﴫ ﻗﺒﻞ ﺗﺰوﺟﻪ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة داﺋﻤً ﺎ
ﻣﻊ »ﻫﻨﺮي« ،وﺟَ ﻌَ ﻠﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺗﺰوﱡﺟﻪ ﺑﻬﺎ ﺑﺒﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻣﺮﻛﻴﺰة »ﺑﻤﱪوك« ،وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ أﺣﻴﻠﺖ
ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻃﻼق »ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ« إﱃ ﻣﺠﻠﺲ »ﻛﺎﻧﱰﻳﱪي« اﻷﻛﻠريﻳﻜﻲ ،وﺣﻜﻢ »ﻛﺮاﻧﻤﺮ« ﰲ أول ﺷﻬﺮ
أﻳﺎر ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﺑﻔﺴﺎد ﺗﺰوج املﻠﻚ ﺑ »ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ« ﻣﻦ أوﻟﻪ ،وأن ﺣﻨﺔ ﻫﻲ اﻣﺮأﺗﻪ اﻟﴩﻋﻴﺔ.
وﰲ أول ﺣﺰﻳﺮان أﻗﻴﻢ ﺗﺘﻮﻳﺠﻬﺎ ﺑﺎﺣﺘﻔﺎل ﻋﻈﻴﻢ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ وﻟﺪت
اﻟﱪﻧﺴﻴﺲ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﱠﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌ ُﺪ ﺑﺄﺧﺒﺎر ُﻣ ْﻠﻜﻬﺎ ،وملﺎ اﺑﺘﺪأ
»ﻫﻨﺮي« ﺑﻜﺮﻫﻬﺎ وﻳﻤﻴﻞ إﱃ »ﺟني ﺳﻴﻤﻮر« ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻣ ًﺮا ﺻﻌﺒًﺎ اﻟﺤﻜ ُﻢ ﻋﲆ ﺣﻨﱠﺔ ﺑﺎرﺗﻜﺎب
أﻣﻮر ُﻣﻨْﻜﺮة ،ﻓﺄﻗﻴﻤﺖ ﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻮردات — ﻛﺎن واﻟﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ — ﻟﻠﻔﺤﺺ ﻋﻦ ٍ
ﺳريﺗﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٥٣٦م ،ﻓﻘﺮرت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺠﻨﺔ أﻧﻬﺎ أﺗﺖ املﻨﻜﺮات ﻣﻊ »ﺑﺮﻳﺮﺗﻦ« و»ﻧﺮس«
و»رﺳﺘﻦ« ﻣﻦ اﻟﺤﺸﻢ اﻟﺨﺎص ،و»ﺳﻤﻴﺘﻦ« ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ املﻠﻚ ،وﺣﺘﻰ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﻠﻮرد
»رﺗﺸﻔﺮد« ،ﻓﺄرﺳﻞ املﻠﻚ ﻛﻞ املﺘﻬﻤني إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،وﺣُ ﻮﻛﻤﺖ ﺣﻨﱠﺔ أﻣﺎم ﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء
ﺗﺤﺖ رﻳﺎﺳﺔ ﻋﻤﻬﺎ دوق »ﺗﺮﻓﻠﻚ« ،ﻓﺜﺒﺖ أﻧﻬﺎ ﻣﺬﻧﺒﺔ ،وﻛﺎن ِﻣﻤﱠ ﻦ أﺛﺒﺘﻪ إﻗﺮار »ﺳﻤﻴﺘﻦ«،
ﻣﻊ أﻧﻬﺎ أﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﺠﺔ ﻣﻊ ﺑﺎﻗﻲ املﺴﺠﻮﻧني ﻋﲆ ﺑﺮاءﺗﻬﺎ ،وﺣﻜﻢ ﺑﻔﺴﺎد ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻟ »ﻫﻨﺮي
اﻟﺜﺎﻣﻦ« وأﺑﻄﻠﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺣﻜﻢ ﺑﻔﺴﺎد ﺗﺰوج »ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ« ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻘﴤ ﺳﺎﻋﺎت ﺳﺠﻨﻬﺎ ﺑني
وﻗﺘِﻞﺑﺠﻼل ﻣَ َﻠﻜﻲ ،وأﻣﺎ »ﺳﻤﻴﺘﻦ« ﻓﻌُ ﱢﻠﻖ ُ
ٍ ﻄﻊ رأﺳﻬﺎاﻟﺴﻜﻴﻨﺔ واﻟﻘﻠﻖ ،وﻛﺎن ﺗَ َﴫﱡﻓﻬﺎ ﻋﻨﺪ َﻗ ْ
ﻓﻘﻄﻌﺖ رءوﺳﻬﻢ.ﺧﻨ ْ ًﻘﺎ ،وأﻣﺎ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺒﺎﻗﻮن املﺘﻬﻤﻮن ُ
وﻟﺪت ﰲ »ﺗﻨﺴﺖ« ﺳﻨﺔ ١٤٧٦م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﻗﻠﻌﺔ »ﺑﻠﻮى« ﺳﻨﺔ ١٥١٤م .ﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺔ
ً
ووﻟﻴﺔ ﻟﻌﻬﺪه .أﻋﻄﺎﻫﺎ أﺑﻮﻫﺎ دوﻗﻴﺔ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻣﻬ ًﺮا »ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ اﻟﺜﺎﻣﻦ« دوق ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ،
ملﺎ ﺗﺰوﺟﺖ »ﺷﺎرل اﻟﺜﺎﻣﻦ« اﺑﻦ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ« ﺳﻨﺔ ١٤٩١م ،ﻓﺼﺎرت اﻟﺪوﻗﻴﺔ
املﺬﻛﻮرة ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ أﻣﻼك ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﻛﺎن ﻗﺪ ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ املﻠﻚ »ﻣﻜﺴﻴﻤﻴﻠﻴﺎن ﻣﻦ
»أﺳﺘﻮرﻳﺎ« ،وﻟﻜﻦ ﺣﻞ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﺒﺔ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ« وزوﱠﺟﻬﺎ ﻻﺑﻨﻪ ،ووﺳﻊ ﺑﺬل
ﰲ ذﻟﻚ أﻣﻼﻛﻪ .وﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت »ﺷﺎرل اﻟﺜﺎﻣﻦ« ﺑﺨﻠﻔﻪ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ« ﺳﻨﺔ
١٤٩٨م ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﺳﻄﻮة ﻗﻮﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ وﻋﲆ ﻛﻞ رﺟﺎل اﻟﺒﻼط ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﺪوة ﻟﻠﻔﻀﻴﻠﺔ
واﻻﺟﺘﻬﺎد ﰲ أﺷﻐﺎﻟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻳﺮ املﻤﻠﻜﺔ ﺣﻖ اﻹدارة ﻣﺪة ﻏﻴﺎب زوﺟﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ
ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﺿﺪ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ.
295
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻫﻲ اﺑﻨﺔ »ﺷﺎرل« دوق »ﻛﻠريﻳﺎ« ،وﺣﻔﻴﺪة »روﺑﺮت أﻧﺠﻮ« .وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٣٢٧م ،وﻗﺘﻠﺖ
ﰲ ﺣﺼﻦ »ﻣﻮرو« ﰲ وﻻﻳﺔ »ﺑﺎﺳﻴﻠﻴﻜﺎﻧﺎ« ﰲ ٢٢أﻳﺎر ﺳﻨﺔ ١٣٨٢م .ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻳﺤﺎول أن
ﻳﺠﻌﻞ اﺗﺤﺎدًا ﺑني ﻓﺮﻋﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ »أﻧﺠﻮ« ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻰ »ﺑﺘﺨﺖ ﻧﺎﺑﲇ« ،ﺑﺘﺰوﻳﺠﻪ ﺣﻨﺔ
ﻫﺬه ﰲ ﺳﻦ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﺑﺎﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ »أﻧﺪرو« املﺠﺮي ،إﻻ أن ﺗﺪﺑريه ﻟﻢ ﻳﺄت ﺑﺎﻟﻐﺮض
ﺑﻐﻀﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻛﺎن اﻟﺤﺰﺑﺎن ً املﻘﺼﻮد؛ ﻷﻧﻪ ملﺎ ﻛﱪ اﻟﺰوﺟﺎن ﻛﺎن ﻳﺒﻐﺾ أﺣﺪﻫﻤﺎ اﻵﺧﺮ
املﺘﻀﺎدان ﻣﻦ أﻗﺎرﺑﻬﻤﺎ ﻳُﻬﻴﺠﺎن داﺋﻤً ﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﺳﺔ .وﺗﻮﰲ اﻟﺪوق »ﺷﺎرل« ﻗﺒﻞ أﺑﻴﻪ
»روﺑﺮت«؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﻔﺖ ﺣﻨﺔ أﺑﺎﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﺳﻨﺔ ١٣٤٣م ،ﻓﺎﻧﻘﺴﻢ ﺑﻼﻃﻬﺎ ﺑﴪﻋﺔ إﱃ
ﺣﺰﺑني :ﺣﺰب ﻣﻌﻬﺎ ،وﺣﺰب ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺒﻘﻲ اﻟﺨﺼﺎم ﻣﺪة ﺳﻨﺘني ،إﱃ أن اﻧﺘﻬﺖ ﺳﻨﺔ
١٣٤٥م ﺑﺄن ﻗﺘَﻞ املﻠ َﻚ ﻗﻮ ٌم ﻣﻦ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ أﺧﺮﺟﻮه ﺑﺤﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﺪﻋﻪ ،وﻋﻠﻘﻮه ﰲ ﻣَ ﻤْ ًﴙ
ﻣﻦ ﻣﻤﺎﳾ اﻟﻘﴫ .وﻗﺪ اﺗﻬﻤﺖ ﺣﻨﺔ ﺑﺎﻻﺷﱰاك ﰲ ﺗﻠﻚ املﺆاﻣﺮة واﻟﺴﻌﻲ ،وﺗﺪﺑري ﻛﻞ ﻣﺎ
ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ .واﻟﻈﺎﻫﺮ أﻧﻬﺎ ﻏري ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﻬﻤﺔ.
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺬﻫﺒﻲ اﻟﺬي ُﺧﻨﻖ ﺑﻪ زوﺟﻬﺎ »أﻧﺪرو« ﻓﻼ
ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ املﺒﺎﻟﻐﺔ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﺗﺰوﺟﺖ ﻣﻦ دون ﺣﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﻟﻮﻳﺲ دو
ﺛﺎرﻧﺘﻮ« ،وﻫﻮ أﺣﺪ أﻗﺎرﺑﻬﺎ ،وﻳُﻈﻦ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ .وإذ ﻛﺎن »ﻟﻮﻳﺲ« اﻟﻜﺒري ،ﺻﺎﺣﺐ
»ﻫﻨﻜﺮﻳﺎ« ،ﻳﻄﻠﺐ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻸﺧﺬ ﺑﺜﺄر أﺧﻴﻪ ،اﺗﺨﺬ ذﻟﻚ ﺣﺠﺔ وأﻏﺎر ﺳﻨﺔ ١٣٤٧م ﻋﲆ
اﻷراﴈ اﻟﻨﺎﺑﻮﻟﻴﺔ ،وإذ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻨﺔ ﻏري ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻫﺮﺑﺖ إﱃ »أﻓﺒﻨﻴﻮن« ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﻮﻃﻨًﺎ ﻟﻠﺘﺎﺑﻮت ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻫﻨﺎك إذ أُﺣﴬت أﻣﺎم ﻣﺠﻠﺲ ﺣ ﱟﺮ أﻗ ﱠﺮت ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﻗﺎﺗﻠﺔ
زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺘﺨﻠﺼﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎص ﺑﻘﺒﻮﻟﻬﺎ ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ »أﻓﺒﻨﻴﻮن« إﱃ اﻟﻜﺮﳼ املﻘﺪس ﻣﻠ ًﻜﺎ
ﻣﺆﺑﺪًا ،ﺑﴩط دﻓﻊ ﺛﻤﺎﻧني أﻟﻒ ﻓﻠﻮرﻳﻨﻲ ذﻫﺒًﺎ ،وإﻋﻼن اﻟﺒﺎﺑﺎ رﺳﻤﻴٍّﺎ ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﺑُ ﱢﺮﺋَ ْﺖ ،وﺗَﺜﺒ َﱠﺖ
زواﺟﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ.
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء رﺟﻊ ﻣﻠﻚ »ﻫﻨﻜﺮﻳﺎ« ﻋﻦ »ﻧﺎﺑﲇ« ﺗﺎر ًﻛﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺧﺮﺟﺖ
ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﺑﺘﻮﺳﻂ اﻟﺒﺎﺑﺎ ،ﺛﻢ إن »ﻟﻮﻳﺲ دو ﺛﺎرﻧﺘﻮ« ﺗﻮﰲ ﺳﻨﺔ ١٣٦٢م ،ﻓﺘﺰوﱠﺟﺖ
ﺣﻨﺔ ﺳﻨﺔ ١٣٦٣م »ﺑﺠﻤﺴﻴﺲ« اﻷراﻏﻮﻧﻲ ،ﻣﻠﻚ »ﻧﻴﻮرﻗﻪ« ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﺾ إﻻ ﻗﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ
ﺗﺮﻛﻬﺎ ورﺟﻊ إﱃ ﺑﻴﺘﻪ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﺗﻮﰲ ﻫﻨﺎك ﺳﻨﺔ ١٣٧٦م ،ﻓﺘﺰوﺟﺖ ﺑﺰوج راﺑﻊ ،وﻫﻮ
»أوﻧﻮ ﺑﺮﺗﺴﻮﻳﻚ« ،ﻓﻐﺎﻇﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺪوق »ﺷﺎرك دورﻧﺴﻮا« اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺘﻪ ﺗﺪﱠﻋﻲ وراﺛﺔ
اﻟﺘﺨﺖ.
296
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
وﻟﺪت ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ ١٣٧٠م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٤٣٥م .ﺗﺰوﺟﺖ وﻫﻲ ﺻﻐرية ﺑ »وﻟﻴﻢ« ،ﻣﻠﻚ
»أﺳﺘﻮرﻳﺎ« ،وﺗﺮﻣﻠﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﺪة ﺳﻨني ،وﺧﻠﻔﺖ أﺧﺎﻫﺎ »ﻻوس ﻻس« ﺳﻨﺔ ١٤١٤م ﺑﻌﺪ
ﻣﻮت زوﺟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني »ﻛﻨﺖ ﺳﺎزوﻧﻔﻠﻮا ﻟﻮﺑﻮ« اﺗﺼﺎل ﴎي ،وﻗﺪ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﲆ
ذﻟﻚ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻌﺪ ﻣﻮت زوﺟﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺤﺎول ﺳﱰه ،ﻓﺈﻧﻬﺎ وﺟﻬﺖ إﱃ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ املﺬﻛﻮر
ﻓﻌﻼ ،إﻻ أن أﺻﺪﻗﺎءﻫﺎ أﻗﻨﻌﻮﻫﺎ أﺧريًا ﺑﺄنأﻋﲆ املﺄﻣﻮرﻳﺎت ،وﺟﻌﻠﺖ ﻣﺼﺎﻟﺢ املﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺪه ً
ﺗﺘﺰوج ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺎﺧﺘﺎرت »ﺟﺎﻛﻮي دوﻳﻮروﻟﻮن ﻛﻨﺖ ﻻﻣﺮش« زوﺟً ﺎ ﻟﻬﺎ ،إﻻ أن ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻟﻢ
ﻈﻒ اﻟﺒﻼط ﻣﻦ ﻟﺘﻐري ﺳريﺗﻬﺎ ذات اﻟﺨﻼﻋﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻃﻠﻊ زوﺟﻬﺎ ﻋﲆ ﺧﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ﻧ ﱠﻳﻜﻦ واﺳﻄﺔ ﱡ
ﻣﻜﺎن ﻣﻨﻔﺮد.
ٍ ﻛﻞ أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ،وﻗﻄﻊ رأس ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ ﺟﻬﺎ ًرا ،وأرﺳﻠﻬﺎ إﱃ
ﺛﻢ إﻧﻪ ﺻﺎﻟﺤﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ﻇﺎﻫﺮة ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﺣﺎملﺎ رﺟﻌﺖ إﱃ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﰲ اﻟﺒﻼط
ﻧﺠﺤﺖ ﺑﺤﻴﻠﺔ ﰲ ﺳﺠﻦ زوﺟﻬﺎ ﰲ إﺣﺪى ﻗﻼع »ﻧﺎﺑﲇ« ،وﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﺠﻦ إﻻ
ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،وﻋﻨﺪ ﺧﺮوﺟﻪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ودﺧﻞ دﻳ ًﺮا ﰲ »ﺑﺮﻏﻮﻧﻴﺎ« ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ اﺑﺘﺪأت ﺳﻠﻄﺔ
املﻘﺮﺑني إﻟﻴﻬﺎ ﰲ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﺒﻼد.
ﺣﻴﻞ وﻣﻜﺎﺋﺪ ،وذﻟﻚ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻜﺎن ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻠﻜﻬﺎ ﻣﺪة ﺑﻀﻊ ﺳﻨني ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ٍ
اﻟﺬي ﻟﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ املﻤﻜﺔ اﻟﺬي ﻧﺸﺄ ﻋﻨﻪ ﺗﻨﺎﺣﺮات داﺋﻤﺔ ﰲ اﻟﺒﻼط ،وﺛﻮرات ﰲ اﻟﺒﻼد .وﻣﻤﺎ
زاد ﺧﺼﺎم اﻷﺣﺰاب ﻗﻮة اﻟﻨﺰاع اﻟﺬي ﺟﺮى ﺑني »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺜﺎﻟﺚ أﻧﺠﻮ« و»أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ دو
أراﻏﻮن« اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺪﻋﻴﺎن ﺣﻖ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
297
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
298
ﺣﺮف اﻟﺤﺎء
اﻟﻄﺒﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎم ﰲ ﺳﻠﻚ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت ﻛﺎن ﻧﻔﻌﻪ ﻣﻌﻨﻮﻳٍّﺎ ﻻ ﻣﺎدﻳٍّﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻳُﺮﺛﻰ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ ،وﻟﻢ ﺗﺰد أﺟﺮﺗﻬﺎ ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻄﺐ ﻋﻦ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻓﺮﻧﻚ ﰲ
ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻔﻴﻔﺔ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻃﺎﻫﺮة اﻟﺴرية ٍ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ
واﻟﴪﻳﺮة؛ ﻷن اﻟﻌﻠﻢ ﻳﻌﺼﻢ ذوﻳﻪ ﻋﻦ ارﺗﻜﺎب اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٧٦٥م ،ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﺰﻳﺪ راﺗﺒﻬﺎ وﺗﺠﻌﻠﻪ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻓﺮﻧﻚ ﰲ
اﻟﺴﻨﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗُﺠﺒﻬﺎ إﱃ ﻃﻠﺒﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ أﺣﺪ أرﺑﺎب اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﻫﻮ اﻟﻜﻮﻧﺖ »أﻧﻮزي« ،أﺑﺎح
ﻟﻬﺎ أن ﺗﻘﻴﻢ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ آﻛﻠﺔ ﺷﺎرﺑﺔ ،ﺑﴩط أن ﺗﻌﻄﻴﻪ ﺑﺪل ذﻟﻚ ﻛﻞ ﻛﺘﺒﻬﺎ واﺳﺘﺤﻀﺎراﺗﻬﺎ
اﻟﺘﴩﻳﺤﻴﺔ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻋﻨﺪه؛ ﻷن اﻟﻔﻘﺮ ﻛﺎن ﻗﺪ أذﻟﻬﺎ.
وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻮﻧﺖ أﻛﺮم ﻣﺜﻮاﻫﺎ ،وأﺑﻘﻰ ﻟﻬﺎ ﻛﺘﺒﻬﺎ واﺳﺘﺤﻀﺎراﺗﻬﺎ ،ﻓﻮﻫﺒﻬﺎ ﻟﻠﻤﺠﻤﻊ
اﻟﻌﻠﻤﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻫﻲ إﱃ ﻳﻮﻣﻨﺎ ،وﻓﻴﻬﺎ اﻷﺟﺰاء اﻟﺼﻐرية ﻣﻦ ﺟﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﺎﻷوﻋﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗُﺮى ﺑﺎﻟﻌني ،وﻫﻲ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻀﺒﻂ واﻹﺣﻜﺎم.
وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻐريﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫري اﻷرض ،وإذا ﺗﻌﺒﺖ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺗﺮﺗﺎح ﺑﻤﺰاوﻟﺔ آﺧﺮ،
ﻓﺼﻨﻌﺖ أوﻗﺎت اﻟﺮاﺣﺔ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻛﺜرية ﻟﺰوﺟﻬﺎ وﻟﻨﻔﺴﻬﺎ وﻟﺒﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ،وﻣﺜﻠﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ
وأﺧﺬت ﺗُﴩﱢ ح اﻟﺪﻣﺎغ .وﻣﻤﺎ ﻳﻜﺎد ﻳﻔﻮق اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ أن ﻫﺬه املﺮأة ْ ﻗﺎﺑﻀﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ،
اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺳﻠﺖ إﱃ ﺣﻜﻮﻣﺔ »ﺑﻮﻟﻮﻧﻴﺔ« ﻟﻜﻲ ﻳﺰﻳﺪ راﺗﺒﻬﺎ اﻟﺴﻨﻮي ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻓﺮﻧﻚ وﻟﻢ
ﺑﺮاﺗﺐ ﻛﺒري
ٍ ﺗﺠﺒﻬﺎ إﱃ ﻃﻠﺒﻬﺎ ،ﻋُ ﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮا ًرا ﻛﺜرية أن ﺗﺄﺗﻲ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻟﻮﻧﺪرة«
ﺟﺪٍّا ،وأرﺳﻠﺖ إﻣﱪاﻃﻮرة روﺳﻴﺎ ﺗﺪﻋﻮﻫﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،ووﻋﺪﺗﻬﺎ أن ﺗﻌﻄﻴﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻃﻠﺒﺖ ،وأرﺳﻠﺖ
ﻣﺪرﺳﺔ »ﻣﻴﻼن« ﺗﺪﻋﻮﻫﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻓﻮﺿﺖ إﻟﻴﻬﺎ أن ﺗﺨﺘﺎر اﻷﺟﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪﻫﺎ ،وﺗﺸﱰط
اﻟﴩوط اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺎرﻫﺎ ،وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪارس أﺧﺮى ﻧﻔﺲ ﻫﺬا اﻟﻄﻠﺐ.
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ﻛﻞ ﻫﺆﻻء أﻧﻬﺎ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﺒﻘﺎء ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ »ﺑﻮﻟﻮﻧﻴﺔ« ﻋﲆ ﻣﺎ ﺳﻮاﻫﺎ ،وأرﺳﻠﺖ
ﻛﺎﻣﻼ ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﴩﻳﺤﻴﺔ ،وﴍﺣً ﺎ ﻛﺎﻓﻴًﺎ واﻓﻴًﺎ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ، ً ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋً ﺎ
وﻟﺒﺜﺖ ﺑني اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ واملﺤﺎﺑﺮ واﻟﺪرس واﻟﺘﺪرﻳﺲ إﱃ أن واﻓﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٧٧٤م وﻟﻬﺎ
ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ٦٨ﺳﻨﺔ.
299
ﺣﺮف اﳋﺎء
ﻣﻦ اﻟﺸﺎم ،ﻓﻨﺰل ﰲ ﻇﻞ ﺷﺠﺮة ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﻣﻌﺔ راﻫﺐ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺮاﻫﺐ ملﻴﴪة :ﻣﻦ
ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ؟ ﻓﻘﺎل :رﺟﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻧﺰل ﺗﺤﺖ ﻫﺬه اﻟﺸﺠﺮة إﻻ ﻧﺒﻲ ،ﺛﻢ ﺑﺎع
اﻟﺮﺳﻮل واﺷﱰى وﻋﺎد وﻗﺪ رﺑﺢ ﺿﻌﻒ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺮﺑﺢ ﻏريه ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺑﻤﺮ اﻟﻈﻬﺮان ﺗﻘﺪم
اﻟﺮﺳﻮل ﷺ وأﺧﱪ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ ،ﺛﻢ ﻗﺪم ﻣﻴﴪة وﻗﺪ أﺣﺐ اﻟﻨﺒﻲ ،وأﺧﱪﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻊ
ﻣﻦ اﻟﺮاﻫﺐ ،ﻓﺄﺿﻌﻔﺖ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﷺ ﻣﺎ وﻋﺪﺗﻪ وﻗﺪ رأت رﺑﺤً ﺎ واﻓ ًﺮا ،وﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﺣﺎذﻗﺔ
وﴍﻓﺎ ،وﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻬﺎً ﻋﺎﻗﻠﺔ ﴍﻳﻔﺔ ﻣﻦ أوﺳﺎط ﻧﺴﺎء ﻗﺮﻳﺶ ﻧﺴﺒًﺎ ،وأﻛﺜﺮﻫﻦ ً
ﻣﺎﻻ
ﻳﺘﻤﻨﻰ أن ﻳﺘﺰوج ﺑﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪروا ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ أرﺳﻠﺖ وﻋﺮﺿﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄﺗﻰ ﻣﻊ أﻋﻤﺎﻣﻪ إﱃ أﺑﻴﻬﺎ ﺧﻮﻳﻠﺪ وﺧﻄﺒﻬﺎ إﻟﻴﻪ.
ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﻬﺎ وﻛﺎن ﻋﻤﺮه إذ ذاك ٢٥ﺳﻨﺔ ،وﻋﻤﺮﻫﺎ ٤٠ﺳﻨﺔ ،وﻗﻴﻞ :ﺧﻤﺴﺔ وأرﺑﻌﻮن،
وﻗﻴﻞ :ﻏري ذﻟﻚ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ أوﻻده ﻛﻠﻬﻢ إﻻ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،وﻗﻴﻞ :اﻟﺬي زوﱠﺟﻬﺎ ﻋﻤﱡ ﻬﺎ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ
أﺳﺪ؛ ﻷن أﺑﺎﻫﺎ ﻣﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺠﺎر .وملﺎ اﺑﺘﺪأ اﻟﻮﺣﻲ ﻳﺒﺪو ﻟﻠﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺟﱪﻳﻞ ﻛﺎن
ﻣﺘﺨﻮﻓﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وأﺧﱪ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺑﴩْ ﻓﻠﻦ ﻳﺨﺰﻳﻚ ﷲ أﺑﺪًا؛ إﻧﻚ ﻟﺘﺼﻞ اﻟﺮﺣﻢ، ً
وﺗﺼﺪق اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﺗﺆدي اﻷﻣﺎﻧﺔ ،وﺗﺤﻤﻞ اﻟﻜ ﱠﻞ ،وﺗﻘﻮي اﻟﻀﻌﻴﻒ ،وﺗﻌني ﻋﲆ ﻧﻮاﺋﺐ اﻟﺤﻖ.
ﺗﻨﴫ وﻗﺮأ اﻟﻜﺘﺐ ،وﺳﻤﻊ ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺑﻪ إﱃ اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ ورﻗﺔ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﱠ
ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺘﻮراة واﻹﻧﺠﻴﻞ ،ﻓﺄﻋﻠﻤﺘﻪ ﺑﺸﺄﻧﻪ ،وﺳﺄﻟﺘﻪ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﻌﻢ،
أﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺨﱪﻧﻲ ﺑﺼﺎﺣﺒﻚ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻴﻚ إذا ﺟﺎءك؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺠﺎءه ﺟﱪاﺋﻴﻞ
ﻓﺄﻋﻠﻤﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗ ْﻢ ﻓﺎﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﻓﺨﺬي اﻟﻴﴪى ،ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻞ ﺗﺮاه؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ،
ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺘﺤﻮل ﻋﲆ ﻓﺨﺬي اﻟﻴﻤﻨﻰ ،ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻞ ﺗﺮاه؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺧﻤﺎرﻫﺎ ﺛﻢ
أﺛﺒﺖ وأَﺑ ِْﴩ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻠﻚ وﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺸﻴﻄﺎن.
ْ ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻞ ﺗﺮاه؟ ﻓﻘﺎل :ﻻ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﻌﻢ،
ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺧﺪﻳﺠﺔ أول ﻣﻦ آﻣﻦ ﺑﻪ وﺻﺪﻗﻪ.
ﱠ
وملﺎ ﻋﻠﻤﻪ ﺟﱪﻳﻞ اﻟﻮﺿﻮء واﻟﺼﻼة أﺗﻰ إﱃ ﺧﺪﻳﺠﺔ وﻋﻠﻤﻬﺎ ذﻟﻚ ،ﻓﺘﻮﺿﺄت ﻛﻮﺿﻮﺋﻪ،
وﺻﻠﺖ ﻛﺼﻼﺗﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ٢٤ﺳﻨﺔ وأﺷﻬ ًﺮا ،وﻟﻢ ﻳﺘﺰوج ﻋﻠﻴﻬﺎ،
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﻬﺠﺮة ﺑﺜﻼث ﺳﻨني ﺑﻌﺪ وﻓﺎة أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﻗﻴﻞ :ﺑﺨﻤﺴﺔ
وﺧﻤﺴني ﻳﻮﻣً ﺎ وﻋﻤﺮﻫﺎ ﺧﻤﺲ وﺳﺘﻮن ﺳﻨﺔ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﻮن ،وﺣﺰن اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻧﺰل
ﰲ ﺣﻔﺮﺗﻬﺎ ،وﻋﻈﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ املﺼﻴﺒﺔ ﺑﻮﻓﺎة أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺛﻢ وﻓﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺎ ﻣﻦ أﺷﺪ املﻌﻀﺪﻳﻦ
ﻟﻪ .وﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﻨني ﻣﻦ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺗﺰوج ﺑﻌﺎﺋﺸﺔ ،وﻗﻴﻞ :ﺑﺴﻮدة ﺑﻨﺖ زﻣﻌﺔ.
وروي أﻧﻪ ﻗﺎل» :أﻓﻀﻞ ﻧﺴﺎء اﻟﺠﻨﺔ :ﺧﺪﻳﺠﺔ ،وﻓﺎﻃﻤﺔ ،وﻣﺮﻳﻢ ﺑﻨﺖ ﻋﻤﺮان ،وآﺳﻴﺔ
اﻣﺮأة ﻓﺮﻋﻮن «.وﻗﻴﻞ :إن ﻣﻌﺎوﻳﺔ اﺷﱰى املﻨﺰل اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ ﺧﺪﻳﺠﺔ وﺟﻌﻠﻪ ﻣﺴﺠﺪًا.
302
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
وﻗﺎل اﺑﻦ اﻟﻮردي :ملﺎ ﺑُﻌﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ دﺧﻞ ﻋﲆ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﻓﺤﻜﻰ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ رأى ﻓﻘﺎﻟﺖ:
»أﺑﴩ؛ ﻓﻮاﻟﺬي ﻧﻔﺲ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺑﻴﺪه إﻧﻲ ﻷرﺟﻮ أن ﺗﻜﻮن ﻧﺒﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ «.ﺛﻢ أﺗﺖ ﺧﺪﻳﺠﺔ
ً
ﺷﻴﺨﺎ ﻛﺒريًا، اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ ورﻗﺔ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ أﺳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰى ﺑﻦ ﻗﴢ ،وﻛﺎن
وﺗﻨﴫ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،وﻛﺘﺐ ﰲ اﻟﺘﻮراة واﻹﻧﺠﻴﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ ذﻛﺮت ﺧﺪﻳﺠﺔ أﻣﺮ ﱠ وﻛﺎن ﻗﺪ ﻋَ ِﻤﻲ
ﺟﱪﻳﻞ وﻣﺎ رأى ﻣﻴﴪة ﻗﺎل ورﻗﺔ :إﻧﻪ ﻟﻴﺄﺗﻴﻪ اﻟﻨﺎﻣﻮس اﻷﻛﱪ ،وﻫﺬا اﻟﻨﺎﻣﻮس اﻟﺬي أﻧﺰل
ﻋﲆ ﻣﻮﳻ .ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ أﻛﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺬﻋً ﺎ ﺣني ﻳﺨﺮﺟﻪ ﻗﻮﻣﻪ ،ﻓﺄﺧﱪت اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل
ﺟﻲ ﻫﻢ؟« ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺳﺄﻟﺘﻪ ذﻟﻚ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻟﻢ ﻳﺄت أﺣ ٌﺪ ﻗﻂ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﷺ» :أ َوﻣ ِ
ُﺨﺮ ﱠ
رأﻳﺖ أن ﺗُﺮﺳﻠﻴﻪ
ِ إﻻ ﻋُ ﻮدي وأُوذي ،وإن ﻳﺪرﻛﻨﻲ ﻳﻮﻣﻪ أﻧﴫه ﻧﴫًا ﻣﺆز ًرا ﰲ ذﻟﻚ ،وإن
ﱄ ﻓﺄﺧﱪه ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﻗﺎل أﺑﻴﺎﺗًﺎ ﻣﻨﻬﺎ:
وملﺎ اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ أﺑﻴﺎﺗﻪ ﻗﺎل :أرﺳﲇ ﱄ ﻣﺤﻤﺪًا؛ ﻓﺈﻧﻲ ﻣﺨﱪه ﺑﻤﺎ أرﻳﺪ ،وملﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ
اﻟﻨﺒﻲ ﷺ أﺧﱪه ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﺨﺪﻳﺠﺔ وأﻧﺸﺪ:
303
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣ ﻤ ﺎ ﻳ ﺴ ﻠ ﻢ ﻣ ﺎ ﺣ ﻮﻟ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟ ﺸ ﺠ ﺮ ﺛ ﻢ اﺳ ﺘ ﻤ ﺮ وﻛ ﺎد اﻟ ﺨ ﻮف ﻳ ﺬﻋ ﺮﻧ ﻲ
304
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
وإن اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻴﻔﺘﺨﺮن ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه املﻠﻜﺔ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻧﺤﻮ أﻟﻔﻲ ﺟﺰﻳﺮة ﻣﻦ
ﺟﺰاﺋﺮ اﻟﻬﻨﻮد ،اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻷرﺑﻌني ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني.
وﺑﻘﻴﺖ ﻣﺎﻟﻜﺘﻬﺎ ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻹﻧﺼﺎف ،وﻗﺪ ﻃﺎل ﻣﻠﻜﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺜﻼﺛني
ﺳﻨﺔ ،وﰲ ﻣﺪﺗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰاﺋﺮﻫﺎ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺮوﻧﻖ واﻟﺒﻬﺎء ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﺨريات واﻷرزاق واﻷﻣﻦ،
وﻛﺎن ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻫﺎﱄ ﻣﻜﺒني ﻋﲆ اﻷﺷﻐﺎل ،ﻣﻠﺘﻔﺘني ﻟﻸﻋﻤﺎل ،ﻣﺤﺎﻓﻈني ﻋﲆ ﺟﺰاﺋﺮﻫﻢ ﻣﻦ
اﻷﻋﺪاء ،وﺑﺎرﺗﺒﺎﻃﻬﻢ ﻫﺬا ﻛﺎﻧﻮا ﻣُﻬﺎﺑني ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻮن أﺣﺪًا ﻣﻦ ﻋﺪوﻫﻢ ﺳﺎﺣﺘﻬﻢ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ
ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ وأﻫﻞ ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ راﺿﻮن ﻋﻨﻬﺎ ،آﺳﻔﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ. ذﻟﻚ إﱃ أن ﱠ
إذا ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻬﻢ ﺳﻮﻗﺔ ﻟﻴﺲ ﻧﻌﺮف ﻓﺒﻴﻨﺎ ﻧﺴﻮس اﻟﻨﺎس واﻷﻣﺮ أﻣﺮﻧﺎ
ﺗ ﻘ ﻠ ﺐ ﺗ ﺎرات ﺑ ﻨ ﺎ وﺗ ﺼ ﺮف ﻓ ﺄف ﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ ﻻ ﻳ ﺪوم ﻧ ﻌ ﻴ ﻤ ﻬ ﺎ
305
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل ﺳﻌﺪ :ﻗﺎﺗﻞ ﷲ ﻋﺪي ﺑﻦ زﻳﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ واﻗﻔﺔ ﺑني ﻳﺪي ﺳﻌﺪ إذ دﺧﻞ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻣﻌﺪﻳﻜﺮب ،وﻛﺎن زوﱠا ًرا ﻷﺑﻴﻬﺎ ﰲ
ﻓﺄذﻫﺐ ﺑﺠﻮدات َ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﺎل :أﻧﺖ ﺧﺮﻗﺎء؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ َ
دﻫﻤﻚ
ﺷﻴﻤﻚ ،أﻳﻦ ﺗﺘﺎﺑﻊ ﻧﻌﻤﺘﻚ وﺳﻄﻮات ﻧﻘﻤﺘﻚ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﻤﺮو ،إن ﻟﻠﺪﻫﺮ ﻋﺜﺮات وﻋﱪات
ﺗﺘﻌﺜﺮ ﺑﺎملﻠﻮك وأﺑﻨﺎﺋﻬﻢ؛ ﻓﺘﺨﻔﻀﻬﻢ ﺑﻌﺪ رﻓﻌﺔ ،وﺗﻔﺮدﻫﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﻌﺔ ،وﺗﺬﻟﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺰ .إن
ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮه ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣ ﱠﻞ ﺑﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻨﻜﺮه.
ﻓﺄﻛﺮﻣﻬﺎ ﺳﻌﺪ وأﺣﺴﻦ ﺟﺎﺋﺰﺗﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أرادت ﻓﺮاﻗﻪ ﻗﺎﻟﺖ :ﺣَ ﻲ أﺧﺘﻚ ﺑﺘﺤﻴﺎت ﻣﻠﻮﻛﻨﺎ.
ﻧﻌﻤﺔ إﻻ ﺟﻌﻠﻚ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﺮدﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ،ﻓﻠﻘﻴﻬﺎ ً ﺻﺎﻟﺢ
ٍ ﻻ ﻧﺰع ﷲ ﻣﻦ ﻋﺒ ٍﺪ
ﻧﺴﺎء املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﻚ اﻷﻣري؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻛﺮم وﺟﻬﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻜﺮم اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﺮﻳﻢ.
وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
ﺑﻬﻢ ﻛﻨﺖ أﻋﻄﻲ ﻣﺎ أﺷﺎء وأﻣﻨ ُﻊ ﻃﻮى اﻟﺪﻫﺮ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻦ أﺣﺒﺔ
306
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
ﻣﻠﻜﺖ ﺑﻌﺪ أﺑﻴﻬﺎ »ﺑﻬﻤﻦ« .ﻣ ﱠﻠﻜﻮﻫﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﰲ أﺑﻴﻬﺎ ،وﻟﻌﻘﻠﻬﺎ وﻓﺮوﺳﻴﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُ ﱠﻠﻘﺐ
ﺑ »ﻧﻬﺮزاد« ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻣﻠﻜﺖ ﻷﻧﻬﺎ ﺣني ﺣﻤﻠﺖ ﻣﻦ »دارا اﻷﻛﱪ« ﺳﺄﻟﺘﻪ أن ﻳﻌﻘﺪ اﻟﺘﺎج ﻟﻪ
ﺣﻤﻼ ﰲ ﺑﻄﻨﻬﺎ .وﻛﺎن »ﺳﺎﺳﺎن ً ﰲ ﺑﻄﻨﻬﺎ وﻳﺆﺛﺮه ﺑﺎ ُملﻠﻚ ،ﻓﻔﻌﻞ »ﺑﻬﻤﻦ« وﻋﻘﺪ اﻟﺘﺎج ﻋﻠﻴﻪ
رﺟﻼ ﻳﺘﺼﻨﻊ ﻟﻠﻤﻠﻚ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى ﻓﻌﻞ أﺑﻴﻪ ﻟﺤﻖ ﺑﺈﺻﻄﺨﺮ وﺗﺰﻫﺪ وﻟﺤﻖ ﺑﺮءوس ﺑﻦ ﺑﻬﻤﻦ« ً
اﻟﺠﺒﺎل ،وﻫﻠﻚ »ﺑﻬﻤﻦ« و»دارا« ﰲ ﺑﻄﻦ أﻣﻪ ،ﻓﻤ ﱠﻠﻜﻮﻫﺎ ووﺿﻌﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻬﺎ،
ﻓﺄﻧﻔﺖ ﻣﻦ إﻇﻬﺎر ذﻟﻚ ،وﺟﻌﻠﺘﻪ ﰲ ﺗﺎﺑﻮت ،وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻌﻪ ﺟﻮاﻫﺮ وأﺟﺮﺗﻪ ﰲ ﻧﻬﺮ املﻜﺮ
ﻣﻦ إﺻﻄﺨﺮ ،وﺳﺎر اﻟﺘﺎﺑﻮت إﱃ ﻃﺤﺎن ﻣﻦ أﻫﻞ إﺻﻄﺨﺮ ﻓﻔﺮح ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮ،
ﻓﺤﻀﻨﺘﻪ اﻣﺮأﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻇﻬﺮ أﻣﺮه ﺣني ﺷﺐﱠ ،ﻓﺄﻗﺮت »ﺧﻤﺎﻧﻲ« ﺑﺈﺳﺎءﺗﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻜﺎﻣﻞ اﻣﺘُﺤﻦ
ﻓﻮﺟﺪ ﻋﲆ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﺑﻨﺎء املﻠﻮك ،ﻓﺤﻮﱠﻟﺖ اﻟﺘﺎج إﻟﻴﻪ وﺳﺎرت إﱃ ﻓﺎرس وﺑَﻨَﺖ
ﻣﺪﻳﻨﺔ إﺻﻄﺨﺮ .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أوﺗﻴﺖ ﻇﻔ ًﺮا ،وﻏﺰت اﻟﺮوم وﺷﻐﻠﺖ اﻷﻋﺪاء ﻋﻦ ﺗﻄ ﱡﺮق ﺑﻼدﻫﺎ،
ﱠ
وﺧﻔﻔﺖ ﻋﻦ رﻋﻴﺘﻬﺎ اﻟﺨﺮاج ،وﻛﺎن ﻣُﻠ ُﻜﻬﺎ ﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ.
وﻫﻲ أﺧﺖ ﴐار ﺑﻦ اﻷزور .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺠﻤﺎل ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ إﱃ
اﻟﺸﺎم ﺣني ﻓﺘﺤﻬﺎ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻮق اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺒﺴﺎﻟﺔ،
وﻟﻬﺎ وﻗﺎﺋﻊ ﻣﺸﻬﻮرة ﻻ ﻳﺴﻌﻬﺎ املﻘﺎم إذا أﺣﺒﺒﻨﺎ إﻳﺮادﻫﺎ ،وﻟﻜﻨﺎ ﻧﻘﺘﴫ ﻋﲆ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻗﺎل اﻟﻮاﻗﺪي ﰲ »ﻓﺘﻮح اﻟﺸﺎم« :إﻧﻪ ملﺎ أﴎ ﴐار ﺑﻦ اﻷزور ﰲ وﻗﻌﺔ أﺟﻨﺎدﻳﻦ ﺗﻮﺟﻪ
ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻄﻠﻴﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺶ ﻟﺨﻼﺻﻪ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إذ ﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﺎرس ﻋﲆ
ﻓﺮس ﻃﻮﻳﻞ وﺑﻴﺪه رﻣﺢ ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺒني ﻣﻨﻪ إﻻ اﻟﺤُ ﺪُق ،وﻗﺪ ِﺳﻴﻖ أﻣﺎﻣﻪ اﻟﻨﺎس ﻛﺄﻧﻪ ﻧﺎر،
ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮه ﺧﺎﻟﺪ ﻗﺎل :ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﺎرس ،واﻳﻢ ﷲ ،إﻧﻪ ﻟﻔﺎرس .ﺛﻢ اﺗﺒﻌﻪ ﺧﺎﻟﺪ
واﻟﻨﺎس ،وﺳﺎر إﱃ أن أدرك املﴩﻛني وﻗﺪ ﺣﻤﻞ ﻋﲆ ﻋﺴﺎﻛﺮ اﻟﺮوم ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻨﺎر املﺤﺮﻗﺔ،
ﻓﺰﻋﺰع ﻛﺘﺎﺋﺒﻬﻢ ،وﺣﻄﻢ ﻣﻮاﻛﺒﻬﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ إﻻ ﺟﻮﻟﺔ ﺟﺎﺋﻞ ﺣﺘﻰ ﺧﺮج وﺳﻨﺎﻧﻪ ﻣﻠﻄﺦ
307
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﺑﻄﺎﻻ ،وﻗﺪ ﻋﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﻬﻼك ﺛﺎﻧﻴﺔ واﺧﱰق اﻟﻘﻮم ﻏري ً ً
رﺟﺎﻻ وﺟﻨﺪل ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ،وﻗﺪ ﻗﺘﻞ
ﻣﻜﱰث ،وﻛﺜﺮ ﻗﻠﻖ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ وﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﻫﻮ ،وﻣﻨﻬﻢ راﻓﻊ ﺑﻦ ﻋﻤرية وﻣﻦ ﻣﻌﻪ.
ﻇﻨﻮا أﻧﻪ ﺧﺎﻟﺪ وﻗﺎﻟﻮا :ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﺤﻤﻼت إﻻ ﻟﺨﺎﻟﺪ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻋﲆ ذﻟﻚ إذ أﴍف
ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻤﻦ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ راﻓﻊ :ﻣَ ﻦ اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﺗﻘﺪﱠم أﻣﺎﻣﻚ؛ ﻓﻠﻘﺪ ﺑﺬل ﻧﻔﺴﻪ وﻣﻬﺠﺘﻪ؟
ﻓﻘﺎل ﺧﺎﻟﺪ :وﷲ إﻧﻨﻲ أﺷﺪ إﻧﻜﺎ ًرا ﻣﻨﻚ ،أﻋﺠﺒﻨﻲ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻪ وﻣﻦ ﺷﻤﺎﺋﻠﻪ.
ً
وﺷﻤﺎﻻ ،ﻓﻘﺎل ﻓﻘﺎل راﻓﻊ :أﻳﻬﺎ اﻷﻣري ،إﻧﻪ ﻣﻨﻐﻤﺲ ﰲ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺮوم وﻳﻄﻌﻦ ﻳﻤﻴﻨًﺎ
ﺧﺎﻟﺪ :ﻣﻌﺎﴍ املﺴﻠﻤني ،اﺣﻤﻠﻮا ﺑﺄﺟﻤﻌﻜﻢ وﺳﺎﻋﺪوا املﺤﺎﻣﻲ ﻋﻦ دﻳﻦ ﷲ ،ﻓﺄﻃﻠﻘﻮا اﻷﻋﻨﺔ،
وﻗﻮﻣﻮا اﻷﺳﻨﺔ ،وﺧﺎﻟﺪ أﻣﺎﻣﻬﻢ ،إذ ﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﻔﺎرس وﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ ﻛﺄﻧﻪ ﺷﻌﻠﺔ ﻧﺎر،
واﻟﺨﻴﻞ ﰲ أﺛﺮه ،وﻛﻠﻤﺎ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻪ اﻟﺮوم ﻟﻮى ﻋﻠﻴﻬﻢ وﺟﻨﺪل ،ﻓﻌﻨﺪ ذﻟﻚ ﺣﻤﻞ ﺧﺎﻟﺪ وﻣﻦ
ﻣﻌﻪ ،ووﺻﻞ اﻟﻔﺎرس املﺬﻛﻮر إﱃ ﺟﻴﺶ املﺴﻠﻤني ،ﻓﺘﺄﻣﱠ ﻠﻮه ورأوه ﻗﺪ ﺗﺨﻀﺐ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء،
ﻓﺼﺎح ﺧﺎﻟﺪ واملﺴﻠﻤﻮن :هلل د ﱡرك ﻣﻦ ﻓﺎرس ﺑﺬل ﻣﻬﺠﺘﻪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ،وأﻇﻬﺮ ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ
ﻋﲆ اﻷﻋﺪاء .اﻛﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻋﻦ اﺳﻤﻚ وارﻓﻊ ﻟﺜﺎﻣﻚ ،ﻓﻤﺎل ﻋﻨﻬﻢ وﻟﻢ ﻳﺨﺎﻃﺒﻬﻢ ،واﻧﻐﻤﺲ
ﰲ اﻟﺮوم ،ﻓﺘﺼﺎﻳﺤﺖ اﻟﺮوم ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻛﺬﻟﻚ املﺴﻠﻤﻮن وﻗﺎﻟﻮا :أﻳﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻜﺮﻳﻢ،
أﻣريﻧﺎ ﻳﺨﺎﻃﺒﻚ وأﻧﺖ ﺗُﻌﺮض ﻋﻨﻪ! أ َ ْ
ﻇ ِﻬﺮ ﻟﻨﺎ اﺳﻤﻚ ﻟﻨﺰداد ﺗﻌﻈﻴﻤً ﺎ .ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﱠد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟﻮاﺑًﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺳﺎر إﻟﻴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻗﺎل :وﻳﺤﻚ ،ﻟﻘﺪ ﺷﻐﻠﺖ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس وﻗﻠﺒﻲ
ﺑﻔﻌﻠﻚ ،ﻣَ ﻦ أﻧﺖ؟ ﻓﻠﻤﺎ أﻟﺢﱠ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﺎﻟﺪ ﺧﺎﻃﺒﻪ اﻟﻔﺎرس ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻟﺜﺎﻣﻪ ﻗﺎل :إﻧﻨﻲ أﻳﻬﺎ
اﻷﻣري ﻟﻢ أﻋﺮض ﻋﻨﻚ إﻻ ﺣﻴﺎء ﻣﻨﻚ؛ ﻷﻧﻚ أﻣري ﺟﻠﻴﻞ ،وأﻧﺎ ﻣﻦ ذوات اﻟﺨﺪور ،وﺑﻨﺎت
اﻟﺴﺘﻮر ،وإﻧﻤﺎ ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻧﻲ ﻣﺤﺮﻗﺔ اﻟﻜﺒﺪ ،زاﺋﺪة اﻟﻜﻤﺪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣَ ﻦ أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
أﻧﺎ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ اﻷزور أﺧﺖ ﴐار املﺄﺳﻮر ﺑﻴﺪ املﴩﻛني ،وإﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻊ ﺑﻨﺎت اﻟﻌﺮب،
وﻗﺪ أﺗﺎﻧﻲ اﻟﺴﺎﻋﻲ ﺑﺄن ﴐا ًرا أﺳريٌ ،ﻓﺮﻛﺒﺖ وﻓﻌﻠﺖ ﻣﺎ رأﻳﺖ ،وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺣﻤﻞ املﺴﻠﻤﻮن
وﺣﻤﻠﺖ ﺧﻮﻟﺔ ،وﻋﻈﻢ ﻋﲆ اﻟﺮوم ﻣﺎ ﻧﺰل ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ اﻷزور وﻗﺎﻟﻮا :إن ﻛﺎن اﻟﻘﻮم
ﻛﻠﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﺎرس ﻓﻤﺎ ﻟﻨﺎ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ.
وﺷﻤﺎﻻ وﻫﻲ ﻻ ﺗﻄﻠﺐ إﻻ أﺧﺎﻫﺎ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﺮى ً وأﻣﺎ ﺧﻮﻟﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺠﻮل ﻳﻤﻴﻨًﺎ
ﻟﻪ أﺛ ًﺮا ،وﻻ وﻗﻌﺖ ﻟﻪ ﻋﲆ ﺧﱪ ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺴﺄل ﻋﻨﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺒﻬﺎ أﺣﺪ ،وﻟﻢ ﺗﺮ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني
ﻗﺘﻴﻼ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻳﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﺷﺪﻳﺪًا وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻳُﺨﱪﻫﺎ أﻧﻪ ﻧﻈﺮه أو رآه أﺳريًا أو ً
ﺗﻘﻮل :ﻳﺎ ﺑﻦ أﻣﻲ ،ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﰲ أي اﻟﺒﻴﺪاء ﻃﺮﺣﻮك ،أم ﺑﺄي ﺳﻨﺎن ﻃﻌﻨﻮك ،أم ﺑﺄي
ﺣﺴﺎم ﻗﺘﻠﻮك؟ ﻳﺎ أﺧﻲ ،أﺧﺘﻚ ﻟﻚ اﻟﻔﺪاء ﻟﻮ أﻧﻲ أراك أﻧﻘﺬﺗﻚ ﻣﻦ أﻳﺪي اﻷﻋﺪاء .ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي
أﺗﺮى أﻧﻲ أراك ﺑﻌﺪﻫﺎ أﺑﺪًا ،ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ أﻣﻲ ﰲ ﻗﻠﺐ أﺧﺘﻚ ﺟﻤﺮة ﻻ ﻳﺨﻤﺪ ﻟﻬﻴﺒﻬﺎ،
308
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
وﻻ ﻳﻄﻔﺄ ﺳﻌريﻫﺎ .ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي أﻟﺤﻘﺖ ﺑﺄﺑﻴﻚ املﻘﺘﻮل ﺑني ﻳﺪي اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ﻓﻌﻠﻴﻚ ﻣﻨﻲ
اﻟﺴﻼم إﱃ ﻳﻮم اﻟﻠﻘﺎء.
أﻳﻀﺎ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻦ ﻓﺒﻜﻰ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ وﻧﻴﺎﺣﻬﺎ .وﻣﻦ وﻗﺎﺋﻌﻬﺎ ً
ﺑﺴﺎﻟﺘﻬﺎ ﻳﻮم أﴎ اﻟﻨﺴﻮة ﰲ وﻗﻌﺔ »ﺻﺤﻮرا« ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺸﺎم ،وﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ اﻟﻨﺴﺎء وﻗﺎﻣﺖ
ﻓﻴﻬﻦ ﺧﻄﻴﺒﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ املﺄﺳﻮرات ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺑﻨﺎت ﺣﻤري وﺑَﻘﻴﱠﺔ ﺗُﺒﱠﻊ ،أﺗﺮﺿني
ﻷﻧﻔﺴﻜﻦ ﻋﻠﻮج اﻟﺮوم ،وﻳﻜﻮن أوﻻدﻛﻦ ﻋﺒﻴﺪًا ﻷﻫﻞ اﻟﴩك؟! ﻓﺄﻳﻦ ﺷﺠﺎﻋﺘﻜﻦ وﺑﺮاﻋﺘﻜﻦ
ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ ذﻟﻚ،
ٍ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﻬﺎ ﻋﻨﻜﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب وﻣﺤﺎﴐ اﻟﺤﴬ؟ وإﻧﻲ أراﻛﻦ
وإﻧﻲ أرى اﻟﻘﺘﻞ ﻋﻠﻴﻜﻦ أﻫﻮن ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﺒﺎب ،وﻣﺎ ﻧﺰل ﻋﻠﻴﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺮوم.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻋﻔﺮاء ﺑﻨﺖ ﻏﻔﺎر اﻟﺤﻤريﻳﺔ :ﺻﺪﻗﺖ وﷲ ﻳﺎ ﺑﻨﺖ اﻷزور ،ﻧﺤﻦ ﰲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ
وﺻﻔﺖ ،ﻟﻨﺎ املﺸﺎﻫﺪ اﻟﻌﻈﺎم ،واملﻮاﻗﻒ اﻟﺠﺴﺎم ،ووﷲ ﻟﻘﺪ ِ ِ
ذﻛﺮت ،وﰲ اﻟﱪاﻋﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﻤﺎ
اﻋﺘﺪﻧﺎ رﻛﻮب اﻟﺨﻴﻞ وﻫﺠﻮم اﻟﻠﻴﻞ ،ﻏري أن اﻟﺴﻴﻒ ﻳﺤﺴﻦ ﻓﻌﻠﻪ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ،وإﻧﻤﺎ
دﻫﻤﻨﺎ اﻟﻌﺪو ﻋﲆ ﺣني ﻏﻔﻠﺔ ،وﻣﺎ ﻧﺤﻦ إﻻ ﻛﺎﻟﻐﻨﻢ ﺑﺪون ﺳﻼح.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺧﻮﻟﺔ :ﻳﺎ ﺑﻨﺎت اﻟﺘﺒﺎﺑﻌﺔ ،ﺧﺬوا أﻋﻤﺪة اﻟﺨﻴﺎم وأوﺗﺎد اﻷﻃﻨﺎب ،وﻧﺤﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ
ﻫﺆﻻء اﻟﻠﺌﺎم؛ ﻓﻠﻌﻞ ﷲ ﻳﻨﴫﻧﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻨﺴﱰﻳﺢ ﻣﻦ ﻣَ ﻌ ﱠﺮة اﻟﻌﺮب.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﻔﺮاء ﺑﻨﺖ ﻏﻔﺎر :وﷲ ﻣﺎ دﻋﻮت إﻻ ﻣﺎ ﻫﻮ أﺣﺐ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻤﺎ ذﻛﺮت ،ﺛﻢ ﺗﻨﺎوﻟﺖ
ﻛﻞ واﺣﺪة ﻋﻤﻮدًا ﻣﻦ أﻋﻤﺪة اﻟﺨﻴﺎم وﺻﺤﻦ ﺻﻴﺤﺔ واﺣﺪة ،وأﻟﻘﺖ ﺧﻮﻟﺔ ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻘﻬﺎ
ﻋﻤﻮدًا ،وﺳﻌﺖ ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﻋﻔﺮاء أم أﺑﺎن ﺑﻨﺖ ﻋﺘﺒﺔ ،وﻣﺴﻠﻤﺔ ﺑﻨﺖ زارع ،وﻟﺒﻨﻰ وﻣﺰروﻋﺔ
ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻠﻮق ،وﺳﻠﻤﺔ اﺑﻨﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن ،وﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻء ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ ﺧﻮﻟﺔ :ﻻ ﻳﻨﻔﻚ ﺑﻌﻀﻜﻦ ﻋﻦ
ﺑﻌﺾ ،وﻛﻦ ﻛﺎﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺪاﺋﺮة ،وﻻ ﺗﺘﻔﺮﻗﻦ ﻓﺘﻤﻠﻜﻦ ﻓﻴﻘﻊ ﺑﻜﻦ اﻟﺘﺸﺘﻴﺖ ،واﺣﻄﻤﻦ رﻣﺎح
اﻟﻘﻮم واﻛﴪن ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ ،وﻫﺠﻤﺖ ﺧﻮﻟﺔ وﻫﺠﻢ اﻟﻨﺴﺎء وراءﻫﺎ ،وﻗﺎﺗﻠﻦ ً
ﻗﺘﺎﻻ ﺷﺪﻳﺪًا ﺣﺘﻰ
اﺳﺘﺨﻠﺼﺖ اﻟﻨﺴﻮة ﻣﻦ أﻳﺪي اﻟﺮوم ،وﺧﺮﺟﺖ وﻫﻲ ﺗﻘﻮل:
309
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﺑﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﺎ هلل وإﻧﺎ إﻟﻴﻪ راﺟﻌﻮن ،ﻓﻮﷲ ﻷﺧﺬﻧﺎ ﺑﺜﺄره إن ﺷﺎء ﷲ ﺗﻌﺎﱃ .وملﺎ
زﺣﻔﺖ ﻋﺴﺎﻛﺮ اﻹﺳﻼم إﱃ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﻷﺟﻞ ﺧﻼص ﴐار ﺳﺎرت ﻣﻌﻬﻢ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻟﻬﻦ
أﴎى ،وﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻦ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ اﻷزور وﻫﻲ ﺗﻨﺸﺪ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﺮاﺛﻲ املﺒﻜﻴﺎت:
310
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
وملﺎ أﴎ ﴐار املﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﰲ وﻗﻌﺔ »دﻳﺮ املﺴﻴﺢ« ﻣﻦ أرض اﻟﺒﻬﻨﺴﺎ ،وﺳﺎر املﺴﻴﺐ
وراﻓﻊ وﺟﻤﺎﻋﺘﻬﻤﺎ ﰲ ﻃﻠﺒﻪ ﺗﻬ ﱠﻠﻠﺖ ﻓﺮﺣً ﺎ ،وأﴎﻋﺖ ﰲ ﻟﺒﺲ ﺳﻼﺣﻬﺎ ،وأﺗﺖ إﱃ ﺧﺎﻟﺪ
ﺗﺴﺘﺄذﻧﻪ ﰲ املﺴري ﻣﻌﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻤﺎ ﺧﺎﻟﺪ :أﻧﺘﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﺎن ﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ وﺑﺮاﻋﺘﻬﺎ ،ﻓﺨﺬاﻫﺎ
ﻣﻌﻜﻤﺎ ،ﻓﻘﺎﻻ :اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ ﺳﺎروا ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻮا ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻛﻤﻨﻮا ﻗﺒﻞ ﻣﺮور
اﻟﻘﻮم ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻛﺎﻣﻨﻮن وإذا ﺑﺎﻟﻘﻮم ﻗﺪ أﺗﻮا ﻣُﺤﺪﻗني ﺑﴬار وﻫﻮ ﻣﺘﺄﻟﻢ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﻓﻪ ،وﻫﻮ
ﻳﻨﺸﺪ وﻳﻘﻮل:
أﺳ ﻴ ﺮ رﻫ ﻴ ﻦ ﻣ ﻮﺛ ﻖ اﻟ ﻴ ﺪ ﺑ ﺎﻟ ﻘ ﻴ ﺪ أﻻ ﺑ ﻠ ﻐ ﻮا ﻗ ﻮﻣ ﻲ وﺧ ﻮﻟ ﺔ أﻧ ﻨ ﻲ
وﻳﺎ دﻣﻊ ﻋﻴﻨﻲ ﻛﻦ ﻣﻌﻴﻨ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺪي ﻓ ﻴ ﺎ ﻗ ﻠ ﺐ ﻣ ﺖ ﻫ ﻤٍّ ﺎ وﺣ ﺰﻧ ًﺎ وﺣ ﺴ ﺮة
ﻷﻟ ﺰم ﻣ ﺎ ﻛ ﻨ ﺎ ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟ ﻌ ﻬ ﺪ ﻓ ﻠ ﻮ أن أﻗ ﻮاﻣ ﻲ وﺧ ﻮﻟ ﺔ ﻋ ﻨ ﺪﻧ ﺎ
وﻗﺎﺋﻢ ﺣﺪ اﻟﻌﻀﺐ ﻗﺪ ﻣﻠﻜﺖ ﻳﺪي وﻟ ﻮ أﻧ ﻨ ﻲ ﻓ ﻮق اﻟ ﻤ ﺠ ﻤ ﻞ راﻛ ﺒً ﺎ
وأﺳﻘﻴﺘﻬﻢ وﺳﻂ اﻟﻮﻏﻰ أﻋﻈﻢ اﻟﻜﺪ ﻷذﻟ ﻠ ﺖ ﺟ ﻤ ﻊ اﻟ ﺮوم إذﻻل ﻧ ﻘ ﻤ ﺔ
وﻗ ِﺒﻞ ﺗﴬﻋﻚ ،أﻧﺎ ﺧﻮﻟﺔ ،ﺛﻢ ﻛﱪت ﻓﻨﺎدﺗﻪ ﺧﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﻤﻨﻬﺎ :ﻗﺪ أﺟﺎب ﷲ دﻋﺎءك َ
وﺣﻤﻠﺖ ،وﻛﱪ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮ وﺣﻤﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺧﻠﺼﻮا ﴐا ًرا ﻣﻦ اﻷﴎ .ووﻗﺎﺋﻌﻬﺎ ﻛﺜرية ،وﻗﺪ
ﻃﻮﻳﻼ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﰲ أواﺧﺮ ﺧﻼﻓﺔً أﺑﻠﺖ ﺑﻼء ﺣﺴﻨًﺎ ﰲ ﻓﺘﻮح اﻟﺸﺎم وﻣﴫ ،وﻋﻤﺮت
ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن .ﻓﻌﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﻳﺄﺳﻒ اﻟﺪﻫﺮ .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ.
311
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎن ﺳﺒﺐ زواﺟﻬﺎ ﺑﻪ أﻧﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﺎﺛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ زوﺟﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ
ﺟﻌﻠﺖ أﻣﺮﻫﺎ ﺑﻴﺪ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﺘﺰوﱠﺟﻬﺎ ،ﻓﺒﻠﻎ ﻣﻨﻈﻮر ﺑﻦ زﺑﺎن ذﻟﻚ
ﻓﻘﺎل :أﻣﺜﲇ ﻳُﻔﺘﺎت ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﺑﻨﺘﻪ؟
ﺛﻢ ﻗﺪم املﺪﻳﻨﺔ ورﻛﺰ راﻳﺔ ﰲ ﻣﺴﺠﺪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﻗﻴﴘ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ إﻻ دﺧﻞ
ُﺬﻫﺐ ﺑﻚ ،ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ اﻟﺤﺴ ُﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ وﻟﻴﺲ ﻣﺜﻠﻪ أﺣﺪ؟ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ،
ﺗﺤﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﻴﻞ ملﻨﻈﻮر :أﻳﻦ ﻳ َ
وﺑﻠﻎ اﻟﺤﺴﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺎل :ﺷﺄﻧﻚ ﺑﻬﺎ .ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ وﺧﺮج ﺑﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻘﺒﺎء ﺟﻌﻠﺖ ﺧﻮﻟﺔ
ﺗُﻨﺪﱢﻣﻪ وﺗﻘﻮل ﻟﻪ :اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ ﺳﻴ ُﺪ ﺷﺒﺎب أﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ! ﻓﻘﺎل :اﻟﺒﺜﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ؛ ﻓﺈن ﻛﺎن
ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻓﻴﻚ ﺣﺎﺟﺔ ﺳﻴﻠﺤﻘﻨﺎ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،ﻓﻠﺤﻘﻪ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴني واﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ واﺑﻦ ﻋﺒﺎس،
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﻮا ﻗﺎﺑﻠﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﻢ ،ﺛﻢ أرﺟﻌﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﺘﺰوﱠﺟﻬﺎ ورﺟﻌﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ .وﰲ
ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل ﺟﺒري اﻟﻌﺒﴘ:
وﺑﻘﻴﺖ ﺧﻮﻟﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ ﺣﺘﻰ أﺳﻨﱠﺖ ،وﻗﺪ ﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻜﺸﻔﺖ ﻗﻨﺎﻋﻬﺎ
وﺑﺮزت ﻟﻠﺮﺟﺎل وﺻﺎرت ﺗُﺠﺎﻟﺴﻬﻢ.
ُ
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :أوَﺑﻘﻲ ﻗﺎل ﻣﻌﺒﺪ :ﺟﺌﺘﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ أﻃﺎﻟﺒﻬﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻏﻨﻴﻨﻲ ﻳﺎ ﻣﻌﺒﺪ،
ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﳾء؟ ﻗﺎﻟﺖ :اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺸﺘﻬﻲ ﻛﻞ ﳾء ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻮت ،ﻓﻐﻨﻴﺘﻬﺎ ﻟﺤﻨﻲ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻗﺎﻟﻪ
ﺑﻌﺾ ﺑﻨﻲ ﻓﺰارة — وﻛﺎن ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﻜﺤﻬﺎ إﻳﺎه أﺑﻮﻫﺎ — وﻫﻮ:
312
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
ﻓﻄﺮﺑﺖ ﺧﻮﻟﺔ وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﺎ ﻋﺒﺪ ﺑﻨﻲ ﻗﻄﻦ ،أﻧﺎ وﷲ ﻳﻮﻣﺌﺬ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر املﻮﻗﺪة ﰲ
اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻘﺮة.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺗﺰوﱠﺟﺖ ﺑﻌﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺤﺴﻦ ،وﻗﺪ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﻮار
زوﺟﺔ اﻟﻔﺮزدق ﻣﺴﺘﺸﻔﻌﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺸﻔﻌﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ .وﰲ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﻟﻔﺮزدق:
وﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ إذ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻮارﻳﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻋ ﱠﺰ ﷲ اﻟﺴﻴﺪة،
ﺑﺎﻟﺒﺎب اﻣﺮأة ذات ﺟﻤﺎل وﺧﻠﻘﺔ ﺣﺴﻨﺔ ،وﻟﻴﺲ وراء ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﺤﺎل ﻏﺎﻳﺔ،
ﺗﺴﺘﺄذن ﰲ اﻟﺪﺧﻮل ﻋﻠﻴﻚ ،وﻗﺪ ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﺳﻤﻬﺎ ﻓﺎﻣﺘﻨﻌﺖ أن ﺗﺨﱪﻧﻲ ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ اﻟﺨﻴﺰران
إﱃ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس — وﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ :ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟني ﰲ
أﻣﺮﻫﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أدﺧﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻓﺎﺋﺪة أو ﺛﻮاب ،ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻣﺮأة ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء
ﻻ ﺗﺘﻮارى ﺑﴚء ،ﻓﻮﻗﻔﺖ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻋﻀﺎدﺗﻲ اﻟﺒﺎب ،ﺛﻢ ﺳﻠﻤﺖ ﻣﺘﻀﺎﺋﻠﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ ﻣﺰﻧﺔ
ﺑﻨﺖ ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣﻮي.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺨﻴﺰران :ﻻ ﺣﻴﺎك ﷲ وﻻ ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ؛ ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ هلل اﻟﺬي أزال ﻧﻌﻤﺘﻚ ،وﻫﺘﻚ
ﺳﱰك وأذ ﱠﻟﻚ .أﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻳﺎ ﻋﺪوة ﷲ ﺣني أﺗﺎك ﻋﺠﺎﺋﺰ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ ﻳﺴﺄﻟﻨﻚ أن ﺗﻜﻠﻤﻲ ﺻﺎﺣﺒﻚ
ِ
وأﻣﺮت ﰲ اﻹذن ﰲ دﻓﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻓﻮﺛﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻦ وأﺳﻤﻌﺘﻬﻦ ﻣﺎ ﻻ ﺳﻤﻌﻦ ﻗﺒ ُﻞ،
313
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺄُﺧﺮﺟﻦ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ،ﻓﻀﺤﻜﺖ ﻣﺰﻧﺔ ﻗﻬﻘﻬﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﻼ ﺻﻮت ﺿﺤﻜﻬﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ
ﺑﻨﺖ اﻟﻌﻢ ،أي ﳾء أﻋﺠﺒﻚ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺻﻨﻴﻊ ﷲ ﺑﻲ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻮق ﺣﺘﻰ أردت أن ﺗﺘﺄﳼ ﺑﻲ
ً
ﻋﺮﻳﺎﻧﺔ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ً
ﺟﺎﺋﻌﺔ ً
ذﻟﻴﻠﺔ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﺄﺳ َﻠﻤﻨﻲ ﷲ ُ ﻟﻚ
ُ ُ
ﻓﻌﻠﺖ ﺑﻨﺴﺎﺋﻚ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ؟ وﷲ إﻧﻲ
ﻣﻘﺪار ﺷﻜﺮك هلل ﺗﻌﺎﱃ ﻋﲆ ﻣﺎ أوﻻك ﺑﻲ! ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ،ﺛﻢ و ﱠﻟﺖ ﻣُﴪﻋﺔ ،ﻓﻨﻬﻀﺖ
إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺨﻴﺰران ﻟﺘُﻌﺎﻧﻘﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻴﺲ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﻊ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
اﻟﺨﻴﺰران ﻟﻬﺎ :ﻓﺎﻟﺤﻤﺎم إذن ،وأﻣﺮت ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﻮارﻳﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﻣﻌﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﻤﺎم.
ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎم واﻓﺘﻬﺎ اﻟﺨﻠﻊ واﻟﻄﻴﺐ ،ﻓﺄﺧﺬت ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب ﻣﺎ أرادت ﺛﻢ
ﺗﻄﻴﺒﺖ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻌﺎﻧﻘﺘﻬﺎ اﻟﺨﻴﺰران وأﺟﻠﺴﺘﻬﺎ ﰲ املﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ أﻣري
املﺆﻣﻨني املﻬﺪي ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺨﻴﺰران :ﻫﻞ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻣﺎ ﻓﻴﻜﻦ أﺣﻮج ﻣﻨﻲ
ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﺄﻛﻞ ﻏري ﻣﺤﺘﺸﻤﺔ إﱃ أن اﻛﺘﻔﺖ ،ﺛﻢ ﻏﺴﻠﻦ أﻳﺪﻳﻬﻦ، ْ إﻟﻴﻪ ﻓﻌﺠﱢ ﻠﻮه ،ﻓﺄُﺗﻲ ﺑﺎملﺎﺋﺪة،
وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺨﻴﺰران :ﻣﻦ وراءك ﻣﻤﻦ ﺗﻌﻨني ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﺧﺎرج ﻫﺬه اﻟﺪار ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻲ
وﺑﻴﻨﻪ ﻧﺴﺐ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻫﻜﺬا ﻓﻘﻮﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﺘﺎري ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻣﻘﺼﻮرة ﻣﻦ
ﻣﻘﺎﺻريﻧﺎ ،وﺗُﺤﻮﱢﱄ ﻟﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟني إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻻ ﻧﻔﱰق إﱃ املﻮت.
ﻓﻘﺎﻣﺖ ودارت ﺑﻬﺎ ﰲ املﻘﺎﺻري ،ﻓﺎﺧﺘﺎرت أوﺳﻌﻬﺎ وأﻧﺰﻫﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﱪح ﺣﺘﻰ ﺣﻮﱠﻟﺖ
إﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮش واﻟﻜﺴﻮة ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ وﺧﺮﺟﺖ ﻋﻨﻬﺎ.
ﻣﺴﻬﺎ اﻟﴬﱡ ،وﻟﻴﺲ ﻳﻐﺴﻞ ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺨﻴﺰران :ﻫﺬه املﺮأة ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ وﻗﺪ ﱠ
ﻣﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ إﻻ املﺎل ،ﻓﺎﺣﻤﻠﻮا إﻟﻴﻬﺎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ ،ﻓﺤُ ﻤﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ،وﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ واﰱ
املﻬﺪي ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺨﱪ ،ﻓﺤﺪﺛﺘﻪ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ وﻣﺎ ﻟﻘﻴﺘﻬﺎ ﺑﻪ ،ﻓﻮﺛﺐ ﻣﻐﻀﺒًﺎ وﻗﺎل ﻟﻠﺨﻴﺰران:
ﻫﺬا ﻣﻘﺪار ﺷﻜﺮ ﷲ ﻋﲆ ﻧﻌﻤﻪ وﻗﺪ أﻣﻜﻨﻚ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺮأة ﻣﻊ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ،
ُ
ﻟﺤﻠﻔﺖ أن ﻻ أﻛﻠﻤﻚ أﺑﺪًا ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻗﺪ اﻋﺘﺬرت ﻓﻮﷲ ﻟﻮﻻ ﻣَ ﺤ ﱡﻠﻚ ﺑﻘﻠﺒﻲ
وﻓﻌﻠﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺬا وﻛﺬا ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ املﻬﺪي ذﻟﻚ ﻗﺎل ﻟﺨﺎدم ﻛﺎن ﻣﻌﻪ :اﺣﻤﻞ ُ ْ
ورﺿﻴﺖ إﻟﻴﻬﺎ
رت ﰲ ﻋﻤﺮي إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺑﺪرة ،وادﺧﻞ إﻟﻴﻬﺎ وأﺑﻠﻐﻬﺎ ﻣﻨﻲ اﻟﺴﻼم ،وﻗﻞ ﻟﻬﺎ :وﷲ ﻣﺎ ُﴎ ُ
ﻛﴪوري اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ وﺟَ ﺐ ﻋﲆ أﻣري املﺆﻣﻨني إﻛﺮاﻣُﻚ ،وﻟﻮﻻ اﺣﺘﺸﺎﻣُﻚ ﻟﺤﴬ إﻟﻴﻚ ﻣﺴﻠﻤً ﺎ
ﻋﻠﻴﻚ ،وﻗﺎﺿﻴًﺎ ﻟﺤﻘﻚ.
ﻓﻤﴣ اﻟﺨﺎدم ﺑﺎملﺎل واﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر وﺳﻠﻤﺖ ﻋﲆ املﻬﺪي ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ،
وﺷﻜﺮت ﺻﻨﻴﻌﻪ ،وﺑﺎﻟﻐﺖ ﰲ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺰران ،وﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻋﲆ أﻣري املﺆﻣﻨني ﺣﺸﻤﺔ؛
أﻧﺎ ﰲ ﻋﺪاد ﺣُ ﺮﻣﻪ.
314
ﺣﺮف اﻟﺨﺎء
315
ﺣﺮف اﻟﺪال
دارﻣﻴﺔ اﻟﺤﺠﻮﻧﻴﺔ
ً
ﺳﺆاﻻ إﻻ ﺟﺎوﺑﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،ﺑﻠﻴﻐﺔ اﻟﺒﻴﺎن ،ﻏري ﻫﻴﺎﺑﺔ ﰲ املﻘﺎل ،ﻻ ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ أﺣﺪ
ﺑﺄﺣﺴﻦ ﺟﻮاب ،وأﻗﻨﻊ ﺧﻄﺎب ،ﻗﺎل أﺑﻮ ﺳﻬﻞ اﻟﺘﻤﻴﻤﻲ :ملﺎ ﺣﺞ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺳﺄل ﻋﻦ اﻣﺮأة
ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻛﻨﺎﻧﺔ ﺗﻨﺰل ﺑﺎﻟﺤﺠﻮﻧﻴﺔ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :دارﻣﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻮداء ﻛﺜرية اﻟﻠﺤﻢ ،ﻓﺄُﺧﱪ
ﺑﺴﻼﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﺒﻌﺚ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺠﻲء ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻚ ﻳﺎ اﺑﻨﺔ ﺣﺎم؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﺴﺖ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﺣﺎم،
ُ
ﺑﻌﺜﺖ إﻟﻴﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻛﻨﺎﻧﺔ وأﻧﺖ ﻃﻠﺒﺘﻨﻲ ،ﻗﺎل :ﺻﺪﻗﺖ ،أﺗﺪرﻳﻦ ملﺎ
ِ
أﺣﺒﺒﺖ ﻋﻠﻴٍّﺎ وأﺑﻐﻀﺘﻨﻲ ،وواﻟﻴﺘﻪ وﻋﺎدﻳﺘﻨﻲ؟ اﻟﻐﻴﺐ إﻻ ﷲ ،ﻗﺎل :ﺑﻌﺜﺖ إﻟﻴﻚ أﺳﺄﻟﻚ ﻋﻼ َم
ﻗﺎﻟﺖ :أوَﺗﻌﻔﻴﻨﻲ ،ﻗﺎل :ﻻ أﻋﻔﻴﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻣﺎ إذا أﺑﻴﺖ ﻓﺈﻧﻲ أﺣﺒﺒﺖ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻋﺪﻟﻪ ﰲ اﻟﺮﻋﻴﺔ،
وﻗﺴﻤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺴﻮﻳﺔ ،وأﺑﻐﻀﺘﻚ ﻋﲆ ﻗﺘﺎل ﻣَ ﻦ ﻫﻮ أوﱃ ﻣﻨﻚ ﺑﺎﻷﻣﺮ ،وﻃﻠﺒﻚ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﺑﻪ
ﺣﻖ ،وواﻟﻴﺖ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻋﻘﺪ ﻟﻪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻣﻦ اﻟﻮﻻء ،وﺣﺒﻪ املﺴﺎﻛني ،وإﻋﻈﺎﻣﻪ
ﻷﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ،وﻋﺎدﻳﺘﻚ ﻋﲆ ﺳﻔﻜﻚ اﻟﺪﻣﺎء ،وﺟﻮرك ﰲ اﻟﻘﻀﺎء ،وﺣﻜﻤﻚ ﺑﺎﻟﻬﻮى.
ﻗﺎل :ﻓﻠﺬﻟﻚ اﻧﺘﻔﺦ ﺑﻄﻨﻚ ،وﻋﻈﻢ ﺛﺪﻳﺎك ،ورﺑﺖ ﻋﺠﻴﺰﺗﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻫﺬا! ﺑﻬﻨﺪ وﷲ
ﻛﺎن ﻳﴬب املﺜﻞ ﰲ ذﻟﻚ ﻷﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن وﻫﻨﺪ ،ﻗﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻳﺎ ﻫﺬه! ارﺑﻌﻲ؛ ﻓﺈﻧﺎ ﻟﻢ ﻧﻘﻞ
إﻻ ﺧريًا ،إﻧﻪ إذا اﻧﺘﻔﺦ ﺑﻄﻦ املﺮأة ﺗﻢ ﺧﻠﻖ وﻟﺪﻫﺎ ،وإذا ﻋﻈﻢ ﺛﺪﻳﺎﻫﺎ ﺗﺮوي رﺿﻴﻌﻬﺎ ،وإذا
ﻋﻈﻤﺖ ﻋﺠﻴﺰﺗﻬﺎ رزن ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ رﺟﻌﺖ وﺳﻜﻦ ﻏﻀﺒﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﻫﺬه! ﻫﻞ رأﻳﺖ ﻋﻠﻴٍّﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻧﻌﻢ رأﻳﺘﻪ ،ﻗﺎل :ﻓﻜﻴﻒ رأﻳﺘِﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :رأﻳﺘﻪ وﷲ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﻨﻪ املﻠﻚ اﻟﺬي ﻓﺘﻨﻚ ،وﻟﻢ ﺗﺸﻐﻠﻪ
اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻐﻠﺘﻚ ،ﻗﺎل :ﻓﻬﻞ ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ وﷲ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺠﻠﻮ اﻟﻘﻠﻮب ﻣﻦ
اﻟﻌﻤﻰ ﻛﻤﺎ ﻳﺠﻠﻮ اﻟﺰﻳﺖ اﻟﺼﺪأ ﻣﻦ اﻟﻄﺴﺖ.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل :ﺻﺪﻗﺖ ،ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ :أوَﺗﻔﻌﻞ إذا ﺳﺄﻟﺘﻚ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ:
ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﺎﻗﺔ ﺣﻤﺮاء ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻠﻬﺎ وراﻋﻴﻬﺎ ،ﻗﺎل :ﻣﺎذا ﺗﺼﻨﻌني ﺑﻬﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻏﺬو
ﺑﺄﻟﺒﺎﻧﻬﺎ اﻟﺼﻐﺎر ،وأﺳﺘﺤﻴﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺒﺎر ،وأﻛﺘﺴﺐ ﺑﻬﺎ املﻜﺎرم ،وأﺻﻠﺢ ﺑﻬﺎ ﺑني اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ،
ﻗﺎل :ﻓﺈن أﻋﻄﻴﺘﻚ ذﻟﻚ ﻓﻬﻞ أﺣﻞ ﻋﻨﺪك ﻣﺤﻞ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺳﺒﺤﺎن ﷲ أو
دوﻧﻪ ،ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻳﻘﻮل:
ﺛﻢ ﻗﺎل :أﻣﺎ وﷲ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻋﲇ ﺣﻴٍّﺎ ﻣﺎ أﻋﻄﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ وﷲ وﻻ وﺑﺮة
واﺣﺪة ﻣﻦ ﻣﺎل املﺴﻠﻤني ،ﺛﻢ أﺧﺬﺗﻬﺎ واﻧﴫﻓﺖ.
أﺳﻦ،ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺪس ،وﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻪ ،وﻛﺎن ﻋﻤﺮو ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﱠ
ﴍﻓﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﺗﻮﻟﻊ ﺑﻪ وﺗﺆذﻳﻪ وﺗﺴﻤﻌﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﺮه وﺗﻬﺠﻮهﻣﺎﻻ ،وأﻋﻈﻤﻬﻢ ً وﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﻗﻮﻣﻪ ً
ﺣﺘﻰ ﻃﻠﻘﻬﺎ ،ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ ﻋﻤري ﺑﻦ ﻣﻌﺒﺪ ﺑﻦ زرارة ،وﻛﺎﻧﺖ »دﺧﺘﻨﻮس«
ﺷﺎﻋﺮة ﻟﻬﺎ ﺷﻌﺮ ﻛﺜري ،ﻣﻨﻪ ﻫﺠﻮ وﻣﺪﻳﺢ ورﺛﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ذات ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﺣﻜﻤﺔ
ﻏﺮﻳﺒﺔ ،ورأي ﺻﺎﺋﺐ ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻟﻘﻴﻂ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ رأﻳﻬﺎ ،وﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﰲ ﻏﺰواﺗﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﻬﺪﻳﻪ
إﱃ اﻟﺼﻮاب ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻄﺄ.
وﻛﺎن أﺧﺬﻫﺎ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻳﻮم »ﺷﻌﺐ ﺟﺒﻠﺔ« ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻋﺎﻣﺮ وﻋﺒﺲ ،وﻛﺎن وﺟﺪ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ
ﴍﻳﻔﺎ ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻟﺼﺤﺒﺔ ،ﻓﺄﺑﻰ ﻣﺤﺘﺠٍّ ﺎً ﻛﺮب ﺑﻦ ﺻﻔﻮان ﺑﻦ اﻟﺤﺒﺎب اﻟﺴﻌﺪي ،وﻛﺎن
ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ إﺑﻞ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻻ أدﻋﻚ ﺗﺬﻫﺐ ﻓﺘﺨﱪ ﺑﻲ اﻟﻘﻮم ،ﻓﺤﻠﻒ ﻟﻪ أن ﻻ ﻳﺨﱪﻫﻢ،
ﺛﻢ ﺳﺎر ﻋﻨﻬﻢ وﻫﻮ ﻣﻐﻀﺐ ،ﻓﻠﻤﺎ دﻧﺎ ﻣﻨﻬﻢ أﺧﺬ ﺧﺮﻗﺔ وﴏﱠ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻨﻈﻠﺔ وﺗﺮاﺑًﺎ وﺷﻮ ًﻛﺎ،
وﺧﺮﻗﺘني ﻣﻦ ﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﺧﺮﻗﺔ ﺣﻤﺮاء ،وﻋﴩة أﺣﺠﺎر ﺳﻮد ،ﺛﻢ رﻣﻰ ﺑﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﻘﻮن وﻟﻢ
ﻳﺘﻜﻠﻢ ،ﻓﻮﺻﻠﺖ إﱃ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ زﻫري اﻟﻌﺒﴘ ،ﻓﻘﺎل :ﻫﺬا ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﷲ ﺑﻨﺎ .ﻫﺬا رﺟﻞ ﻗﺪ
أُﺧﺬ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻬﺪ أن ﻻ ﻳﻜﻠﻤﻜﻢ ،ﻓﺄﺧﱪﻛﻢ أن أﻋﺪاءﻛﻢ ﻗﺪ ﻏﺰوﻛﻢ ،وﻫﻢ ﺑﻨﻮ ﺣﻨﻈﻠﺔ ،وﺻﺎﺣﺐ
ﺑﻦ زرارة ،وﻗﺒﻴﻠﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﻴﻤﻦ ،وﰲ ﻋﴩة أﻳﺎم ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻋﻨﺪﻛﻢ ،ﻓﺨﺬوا ﺣﺬرﻛﻢ ،وملﺎ ﻋﺎد
ﻛﺮب ﺑﻦ ﺻﻔﻮان ﻗﺎل ﻟﻪ ﻟﻘﻴﻂ :ﻗﺪ أﻧﺬرت اﻟﻘﻮم ،ﻓﺄﻋﺎد اﻟﺤﻠﻒ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻠﻢ أﺣﺪًا ،ﻓﺄﻃﻠﻘﻪ،
318
ﺣﺮف اﻟﺪال
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ »دﺧﺘﻨﻮس« :ردﻧﻲ إﱃ أﻫﲇ وﻻ ﺗُﻌﺮﺿﻨﻲ ﻟﻌﺒﺲ وﻋﺎﻣﺮ؛ ﻓﻘﺪ أﻧﺬرﻫﻢ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ،
ﻓﺎﺳﺘﺤﻤﻘﻬﺎ وﺳﺎءه ﻛﻼﻣﻬﺎ ،وردﻫﺎ وﺳﺎر إﱃ ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ وﻋﺒﺲ وﺗﺤﺎرﺑﺎ ،واﻧﻜﴪ ﻗﻮﻣﻪ،
وأﺑﲆ ﺑﻼء ﺣﺴﻨًﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﺪك اﻟﺠﺮف ﺑﻔﺮﺳﻪ ،ﻓﻬﺠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﱰة ﻓﻄﻌﻨﻪ ،وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺗﺬﻛﺮ
اﺑﻨﺘﻪ »دﺧﺘﻨﻮس« ﻓﻘﺎل:
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
319
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ٍ
ﻣﺮاث ﻛﺜرية ﻟﻢ ﻧﻌﺜﺮ إﻻ ﻋﲆ ﻫﺬه ﻣﻨﻬﺎ. وﻟﻬﺎ
320
ﺣﺮف اﻟﺪال
ﻗﺎل املﻘﺮﻳﺰي :وﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﺋﻂ اﻟﻌﺠﻮز ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻛﺜرية ﰲ ﺑﻼد اﻟﺼﻌﻴﺪ ،وﻫﻮ ﻣﺒﻨﻲ
ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ اﻟﻜﺒﺎر.
دﻟﻴﻠﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ
321
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺗ ﺤ ﻴ ﺮت ﺑ ﻴ ﻦ وﻋ ﺪ ﻣ ﻄ ﻞ ﻳ ﺎ دﻧ ﺎﻧ ﻴ ﺮ ﻗ ﺪ ﺗ ﻨ ﻜ ﺮ ﻋ ﻘ ﻠ ﻲ
ﻓﺎﻗﺘﻠﻴﻨﻲ إن ﻛﻨﺖ ﺗﻬﻮﻳﻦ ﻗﺘﻠﻲ ﺷ ﻐ ﻔ ﻲ ﺷ ﺎﻓ ﻌ ﻲ إﻟ ﻴ ﻚ وإﻻ
ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﺎﺟ ًﻼ ﺑﻚ ﺷﻤﻠﻲ ﻣﺎ أﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻳﺎ أﺧﺖ إن ﻟﻢ
322
ﺣﺮف اﻟﺪال
ﻓﻜﺎن ﻛﺎﻟﻜﺎﺗﺐ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت املﺎء ،وﻣﺎت وﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻟﻌﻠﺘﻪ ﻣﻦ دواء ،وأﻗﺎﻣﺖ ﻋﲆ اﻟﻮﻓﺎء
ملﻮﻻﻫﺎ ،وأﺻﺎﺑﺘﻬﺎ ﻋﻠﺔ اﻟﺠﻮع اﻟﻜﻠﺒﻲ وﻫﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﱪاﻣﻜﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺼﱪ ﻋﻦ اﻷﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ
واﺣﺪة ،ﻓﻜﺎن ﻳﺤﻴﻰ ﻳﺘﺼﺪق ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻣﻦ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ﺑﺄﻟﻒ دﻳﻨﺎر؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﻻ ﺗﺼﻮﻣﻪ.
وﺣُ ﻜﻲ أن اﻟﺮﺷﻴﺪ دﻋﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﻜﺒﺔ اﻟﱪاﻣﻜﺔ وأﻣﺮﻫﺎ أن ﺗﻐﻨﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري
ﻓﺼﻔِ ﻌﺖ وأﻗﻴﻤﺖ ﻋﲆﺑﺼ ْﻔﻌﻬﺎُ ،
املﺆﻣﻨني ،آﻟﻴﺖ أن ﻻ أﻏﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺳﻴﺪي أﺑﺪًا ،ﻓﻐﻀﺐ وأﻣﺮ َ
رﺟﻠﻴﻬﺎ ،وأﻋﻄﻴﺖ اﻟﻌﻮد ﻓﺄﺧﺬﺗﻪ وﻫﻲ ﺗﺒﻜﻲ أﺣﺮ ﺑﻜﺎء ،وﻏﻨﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﻔﺘﺖ اﻟﺠﻠﻤﻮد ﺣﺰﻧًﺎ،
ﱠ
ﻓﺮق ﻟﻬﺎ اﻟﺮﺷﻴﺪ وأﻣﺮ ﺑﺈﻃﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ.
323
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﻧﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ املﺰارع واملﺮاﻋﻲ ،وﻻ أرى إﻻ أن أﺧﺮب إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻴﺄﺳﻮا ﻣﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻓﺮﻗﺖ
أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻓﺨﺮﺑﻮا اﻟﺒﻼد ،وﻫﺪﻣﻮا اﻟﺤﺼﻮن ،وﻧﻬﺒﻮا اﻷﻣﻮال ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮب ﺣﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﻼد
ﻟﻘﻴﻪ ﺟ ﱞﻢ ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوم ﻳﺸﻜﻮن إﻟﻴﻪ ﻇﻠﻢ اﻟﻜﺎﻫﻨﺔ ،ﻓﺴﺎر إﱃ »ﻓﺎﻧﻴﺲ« ،ﻓﻠﻘﻴﻪ أﻫﻠﻬﺎ
ﻋﺎﻣﻼ ،ﻓﺴﺎر إﱃ ﻗﻌﺼﺔ ﻓﺄﻃﺎﻋﻪ ﻣﻦ ﺑﻬﺎ ،واﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ ً ﺑﺎﻷﻣﻮال واﻟﻄﺎﻋﺔ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ
وﻋﲆ »ﻗﺴﻄﻴﻠﺔ« ،وﻧﻔﺬ أﻣﺮه ،وﺑﻠﻎ اﻟﻜﺎﻫﻨﺔ ﻗﺪوﻣﻪ ،ﻓﺄﺣﴬت وﻟﺪﻳﻬﺎ وﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ
وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ :إﻧﻲ ﻣﻘﺘﻮﻟﺔ ﻫﺬه املﺮة ،ﻓﺎﻣﻀﻮا إﱃ ﺣﺴﺎن وﺧﺬوا ﻷﻧﻔﺴﻜﻢ ﻣﻨﻪ أﻣﺎﻧًﺎ ،ﻓﺴﺎروا
ﻗﺘﺎﻻ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﺎﻧﻬﺰم اﻟﱪﺑﺮ ُ
وﻗﺘﻠﻮا إﻟﻴﻪ وﺑﻘﻮا ﻣﻌﻪ ،وﺳﺎر ﺣﺴﺎن ﻧﺤﻮﻫﺎ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻮا واﻗﺘﺘﻠﻮا ً
ﻓﻘﺘﻠﺖ ،ﺛﻢ اﺳﺘﺄﻣﻦ اﻟﱪﺑﺮ إﱃ ﺣﺴﺎن ﻓﺄﻣﱠ ﻨﻬﻢ ،وﴍط ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺘﻼ ذرﻳﻌً ﺎ ،وأُدرﻛﺖ اﻟﻜﺎﻫﻨﺔ ُ
ً
أن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺴﻜﺮ ﻣﻊ املﺴﻠﻤني ﻋﺪﺗﻬﻢ اﺛﻨﺎ ﻋﴩ ً
أﻟﻔﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻮا ،ﻓﺠﻌﻞ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﺴﻜﺮ
أﺣﺪ اﺑﻨﻲ اﻟﻜﺎﻫﻨﺔ املﺬﻛﻮرﻳﻦ.
324
ﺣﺮف اﻟﺪال
ً
ﺟﻤﻴﻼ ﻟﻜﺘﺒﺔ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻳﺒﻨﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ راﻳﺎﺗﻬﻢ املﻔﺠﻌﺔ .وﻗﺪ ﻋﺜﺮ املﺘﺄﺧﺮون ﻋﲆ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ
ﺗﻤﺜﺎل ﻟ »دﻳﺪون« ﻣﻨﺤﻮت ﺑﻴﺪ »ﻛريﻳﻦ« اﻟﺸﻬري ،ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻣﺤﻔﻮظ اﻵن ﺑﺪار اﻵﺛﺎر ﰲ
ﻟﻨﺪن.
325
ﺣﺮف اﻟﺬال
ذات اﻟﺨﺎل
ﻫﻲ ﰲ اﻷﺻﻞ ﻟﻘﺮﻳﻦ ﻣﻮﱃ اﻟﻌﺒﺎﺳﺔ ﺑﻨﺖ املﻬﺪي ،وﻳﻜﻨﻰ ﺑﺄﺑﻲ اﻟﺨﻄﺎب ،وﻛﺎن ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ
أﺷﻌﺎر ﻛﺜرية ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ:
ٍ إﺑﺮاﻫﻴﻢ املﻮﺻﲇ ،وﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ
ـﺒﺖ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻟﻌﻞ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﺎ ﺑﺎل ﺷﻤﺲ أﺑﻲ اﻟﺨﻄﺎب ﻗﺪ ﺣﺠـ
ﻋ ﺎدت ﻋ ﻠ ﱠﻲ ﺑ ﺼ ﺮ ﺑ ﻌ ﺪ ﻣ ﺎ ﺟ ﻨ ﺒ ﺖ أو ﻻ ﻓ ﻤ ﺎ ﺑ ﺎل رﻳ ٍﺢ ﻛ ﻨ ُﺖ آﻧ ﺴ ﻬ ﺎ
ﻏ ﺮﻳ ﺮة ﺑ ﻔ ﺆادي اﻟ ﻴ ﻮم ﻗ ﺪ ﻟ ﻌ ﺒ ﺖ إﻟ ﻴ ﻚ أﺷ ﻜ ﻮ أﺑ ﺎ اﻟ ﺨ ﻄ ﺎب ﺟ ﺎرﻳ ﺔ
ﻳ ﺎ ﻟ ﻴ ﺘ ﻬ ﺎ ﻗ ﺮﺑ ﺖ ﻣ ﻨ ﻲ وﻣ ﺎ ﺑ ﻌ ﺪت وأﻧ ﺖ ﻗ ﻴ ﻤ ﻬ ﺎ ﻓ ﺎﻧ ﻈ ﺮ ﻟ ﻌ ﺎﺷ ﻘ ﻬ ﺎ
وﻣﺎ زال ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮ وﻳﻐﻨﻲ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺷﻬﺮﻫﺎ ﺑﺸﻌﺮه وﻏﻨﺎﺋﻪ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺮﺷﻴﺪ
ﺧﱪﻫﺎ ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ ﺑﺴﺒﻌني أﻟﻒ درﻫﻢ.
ودﻋﺖ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻮﻋﺪﻫﺎ أن ﻳﺼري إﻟﻴﻬﺎ ،وﺧﺮج ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﻓﺎﻋﱰﺿﺘﻪ ﺟﺎرﻳﺔ أﺧﺮى،
ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ أن ﻳﺪﺧﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺪﺧﻞ وأﻗﺎم ﻋﻨﺪﻫﺎ ،ﻓﺸﻖ ذﻟﻚ ﻋﲆ »ذات اﻟﺨﺎل« وﻗﺎﻟﺖ :وﷲ
ﻷﻃﻠﺒﻦ ﻟﻪ ﺷﻴﺌًﺎ أﻏﻴﻈﻪ ﺑﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺴﺎء وﺟﻬً ﺎ ،وﻟﻬﺎ ﺧﺎل ﻋﲆ ﺧﺪﻫﺎ ﻓﻘﻄﻌﺘﻪ،
وﺑﻠﻎ ذﻟﻚ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻓﺸﻖ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺑﻠﻎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻌﻪ وﻗﺎل ﻟﻠﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ:
اﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺑﺎﻟﺒﺎب ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء؟ ﻓﻘﺎل :رأﻳﺖ اﻵن اﻷﺣﻨﻒ ،ﻓﻘﺎل :أدﺧﻠﻪ ،ﻓﻌ ﱠﺮﻓﻪ اﻟﺮﺷﻴﺪ
اﻟﺨﱪ وﻗﺎل :اﻋﻤﻞ ﰲ ﻫﺬا ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﻨﻰ رﺳﻤﻪ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل:
ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻢ اﻟﺨﺎ ُل ﻓﺈن ﻳﻚ ﻗﻄﻊ اﻟﺨﺎل ﻟﻤﺎ ﺗﻌﻄﻔﺖ
ﻓﻨﻬﺾ اﻟﺮﺷﻴﺪ إﱃ »ذات اﻟﺨﺎل« ﻣﴪﻋً ﺎ ﻣﺴﱰﺿﻴًﺎ ،وﺟﻌﻞ ﻟﻬﺎ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﺳﺒﺒًﺎ،
وأﻣﺮ ﻟﻠﻌﺒﺎس ﺑﺄﻟﻔﻲ دﻳﻨﺎر ،وأﻣﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ املﻮﺻﲇ ﻓﻐﻨﱠﺎه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ.
وﻏﻀﺐ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻗﺎل ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻪ :أﻳﻜﻢ ﻳﺄﺧﺬ »ذات اﻟﺨﺎل« ﺣﺘﻰ أﻫﺒﻬﺎ
ﻟﻪ ،ﻓﺒ ﱠﻜﺮ ﺣﻤﻮﻳﻪ اﻟﻮﺻﻴﻒ ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﻮﻫﺒَﻬﺎ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل إﺑﺮاﻫﻴﻢ:
ﺛﻢ اﺷﺘﺎﻗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻓﻘﺎل ﻟﺤﻤﻮﻳﻪ :وﻳﻠﻚ ﻳﺎ ﺣﻤﻮﻳﻪ! وﻫﺒﻨﺎ ﻟﻚ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻋﲆ
أن ﺗﺴﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ وﺣﺪك! ﻗﺎل :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨنيُ ،ﻣ ْﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺄﻣﺮك ،ﻗﺎل :ﻧﺤﻦ ﻋﻨﺪك ﻏﺪًا،
ﻓﻤﴣ ﻓﺎﺳﺘﻌ ﱠﺪ ﻟﺬﻟﻚ واﺳﺘﺄﺟﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮﻫﺮ ﺑني زﻳﻨﺔ وﻋﻘﻮد ﺛﻤﻨﻬﺎ اﺛﻨﺎ ﻋﴩ
أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،ﻓﺄﺧﺮﺟﻬﺎ إﱃ اﻟﺮﺷﻴﺪ وﻫﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رآه أﻧﻜﺮه ﻓﻘﺎل :وﻳﻠﻚ ﻳﺎ ﺣﻤﻮﻳﻪ! ﻣﻦ
ﻋﻤﻼ ﺗﻜﺴﺐ ﻓﻴﻪ ﻣﺜﻠﻪ ،وﻻ وﺻﻞ إﻟﻴﻚ ﻣﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺪر؟! ﻓﺼﺪﻗﻪ أﻳﻦ ﻟﻚ ﻫﺬا وﻣﺎ وﻟﻴﺘﻚ ً
ﺣﴬت ،واﺷﱰى اﻟﺠﻮﻫﺮ ﻣﻨﻬﻢ َ
ووﻫﺒَﻪ ْ ﻋﻦ أﻣﺮه ،ﻓﺒﻌﺚ اﻟﺮﺷﻴﺪ إﱃ أﺻﺤﺎب اﻟﺠﻮﻫﺮ ﻓﺄ ُ
ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺣﻠﻒ أن ﻻ ﺗﺴﺄﻟﻪ ﰲ ﻳﻮﻣﻪ ذﻟﻚ ﺣﺎﺟﺔ إﻻ ﻗﻀﺎﻫﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ أن ﻳﻮﱄ ﺣﻤﻮﻳﻪ اﻟﺤﺮب
واﻟﺨﺮاج ﺑﻔﺎرس ﺳﺒﻊ ﺳﻨني ،ﻓﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ،وﻛﺘﺐ ﻟﻪ ﻋﻬﺪه ﺑﻪ ،وﴍط ﻋﲆ وﱄ ﻋﻬﺪه أن
ﻳُﺘﻤﱠ ﻬﺎ ﻟﻪ إن ﻟﻢ ﺗﺘﻢ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻣﻀﻮا ﻳﻮﻣﻬﻢ ﰲ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ،وﻣﻦ ﻗﻮل إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ:
وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
328
ﺣﺮف اﻟﺬال
أﻳﻀﺎ .وﻟﻜﻦ ﻓﻠﻨﺬﻛﺮ اﻟﺴﺒﺐ ،وﻫﻮ أن إﺑﺮاﻫﻴﻢ املﻮﺻﲇ ﻟﻌﺐ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ً
ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻊ اﺑﻦ زﻳﺪان ﺻﺎﺣﺐ اﻟﱪاﻣﻜﺔ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ إﺳﺤﺎق ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮه :ﻣﺎ أﻓﺪت اﻟﻴﻮم؟
ﻓﻘﺎل :أﻋﻈﻢ ﻓﺎﺋﺪة؛ رﺟﻞ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻣﺎ أﻓﺨﻢ ﻛﻠﻤﺔ ﰲ اﻟﻔﻢ؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮه
ﻗﻠﺖ دﻧﻴﺎ ودﻳﻨًﺎ ،ﻓﺄﺧﺬ اﺑﻦ زﻳﺪان اﻟﺸﺎه ﻓﴬب ﺑﻪ رأس إﺑﺮاﻫﻴﻢ
أﺧﻄﺄت ،ﻫﻼ َ
َ إﺑﺮاﻫﻴﻢ:
وﻗﺎل :ﻳﺎ زﻧﺪﻳﻖ ،أﺗﻜﻔﺮ ﺑﺤﴬﺗﻲ؟ ﻓﺄﻣﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻏﻠﻤﺎﻧﻪ ﻓﴬﺑﻮا اﺑﻦ زﻳﺪان ﴐﺑًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا،
ﻓﺎﻧﴫف ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻪ إﱃ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ وﺣﺪﱠﺛﻪ اﻟﺨﱪ ،وﻋﻠﻢ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﻧﻪ ﻗﺪ أﺧﻄﺄ
وﺟﻨَﻰ ،ﻓﺮﻛﺐ إﱃ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﻓﺎﺳﺘﺠﺎر ﺑﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻫﺒﻪ اﻟﻔﻀﻞ ﻣﻦ ﺟﻌﻔﺮ ،ﻓﻮﻫﺒﻪ
ﻟﻪ ،ﻓﺎﻧﴫف وﻫﻮ ﻳﻘﻮل:
إذن ﻓﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﺴﻚ اﺑﻦ زﻳﺪان إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺐ ذات اﻟﺨﺎل ﻋﻨﺎﻧﻲ
إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪق ﻓﻲ ﺳﺮي وإﻋﻼﻧﻲ ﻓ ﺈن ﻫ ﺬي ﻳ ﻤ ﻴ ﻦ ﻣ ﺎ ﺣ ﻠ ﻔ ﺖ ﺑ ﻬ ﺎ
ﻛﺎﻧﺖ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ — ﺗﻘﻮم اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ إذا ﻣﴣ اﻟﺮﺑﻊ اﻷول ﺗﻘﻮل ﻟﻪ :ﻗﻢ ﻳﺎ
رﺑﺎح ﻟﻠﺼﻼة ،ﻓﻼ ﻳﻘﻮم ،ﻓﺘﻘﻮم ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻴﻪ وﺗﻘﻮل ﻟﻪ :ﻗﻢ ﻳﺎ رﺑﺎح ،ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻢ ،ﻓﺘﻘﻮم اﻟﺮﺑﻊ
َ
اﻵﺧﺮ ،ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻴﻪ وﺗﻘﻮل :ﻗﻢ ﻳﺎ رﺑﺎح ،ﻓﻼ ﻳﻘﻮم ،ﻓﺘﻘﻮم اﻟﺮﺑﻊ اﻵﺧِ ﺮ إﱃ ﺗﻤﺎم اﻟﻠﻴﻞ ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻴﻪ
329
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺗﻘﻮل :ﻗﻢ ﻳﺎ رﺑﺎح ،ﻗﺪ ﻣﴣ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﻠﻴﻞ وأﻧﺖ ﻧﺎﺋﻢ ،ﻓﻠﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻣﻦ ﻏﺮﻧﻲ ﺑﻚ ﻳﺎ
رﺑﺎح؛ ﻣﺎ أﻧﺖ إﻻ ﺟﺒﺎر ﻋﻨﻴﺪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬ ﺗﺒﻨﺔ ﻣﻦ اﻷرض وﺗﻘﻮل :وﷲ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ أﻫﻮن ﻋﲇ ﱠ ﻣﻦ ﻫﺬه ،وﻛﺎﻧﺖ إذا
ْ
وﻟﺒﺴﺖ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻘﻮل ﻟﺰوﺟﻬﺎ :أﻟﻚ ﺣﺎﺟﺔ؟ ﻓﺈن ﻗﺎل :ﻻ ،ﻧﺰﻋﺖ ْ
ﺗﻄﻴﺒﺖ ﺻ ﱠﻠﺖ اﻟﻌﺸﺎء
ﺛﻴﺎب زﻳﻨﺘﻬﺎ وﺻ ﱠﻠﺖ اﻟﻔﺠﺮ .رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ.
330
ﺣﺮف اﻟﺮاء
راﺣﺎب اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ
اﻣﺮأة ﻣﺸﻬﻮرة ﻣﻦ »أرﻳﺤﺎء« ﻗﺒﻠﺖ ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ اﻟﺠﺎﺳﻮﺳني اﻟﻠﺬﻳﻦ أرﺳﻠﻬﻤﺎ »ﻳﺸﻮع« ﻟﻴﺠﺴﺎ
اﻷرضْ ،
وأﺧﺒَﺄﺗْﻬﻤﺎ ﻋﻦ أﺑﻨﺎء ﺑﻠﺪﺗﻬﺎ ،وأﻧﻘﺬﺗﻬﻤﺎ ﺑﺤﻴﻠﺔ — ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺬﻛﻮر ﰲ »اﻹﺻﺤﺎح
اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﻳﺸﻮع« — ﻏري ﻣﻄﻴﻌﺔ ﻷﻣﺮ املﻠﻚ؛ ﻓﻜﻮﻓﺌﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺈﻧﻘﺎذﻫﺎ ﻫﻲ وﻛﻞ
ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺘﺢ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﻮن املﺪﻳﻨﺔ .وﻣﻦ اﻻﺗﻔﺎق أن ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻛﺎن ﻣﺒﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻮر،
ﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻣﺰ ﺑﺎﻟﻄﺎق ،ﻓﻴﻜﻮن ﻋﻼﻣﺔ ﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،ﺛﻢﻓﺄﻣﺮﻫﺎ اﻟﺠﺎﺳﻮﺳﺎن أن ﺗﺮﺑﻂ ﺧﻴ ً
ﺻﺎرت ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ زوﺟﺔ ﻟﺴﻠﻤﻮن وﺟﺪة ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ ،وﻗﺼﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺠﺎﺳﻮﺳني إﱃ ﻏري ذﻟﻚ
ﻣﻦ أﺧﺒﺎرﻫﺎ ﻣﺬﻛﻮرة ﰲ »اﻹﺻﺤﺎح اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺴﺎدس ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﻳﺸﻮع« ،وذُ ْ
ﻛﺮت ً
أﻳﻀﺎ ﰲ
إﻧﺠﻴﻞ »ﻣﺘﱠﻰ« واﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﱃ اﻟﻌﱪاﻧﻴني ورﺳﺎﻟﺔ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺮﺳﻮل.
ﻫﻲ زوﺟﺔ ﻳﻌﻘﻮب وأم ﻳﻮﺳﻒ وﺑﻨﻴﺎﻣني .ﻗﺼﺘﻬﺎ وردت ﰲ »اﻹﺻﺤﺎح ﺗﺴﻌﺔ وﻋﴩﻳﻦ« إﱃ
»اﻹﺻﺤﺎح ﺛﻼﺛﺔ وﺛﻼﺛني« ،وﰲ »اﻹﺻﺤﺎح ﺧﻤﺴﺔ وﺛﻼﺛني ﻣﻦ ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ« .وﻣﺎ ﺟﺮى
ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻳﻌﻘﻮب ﻫﻮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺬ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻬﺎ ،ﻓﺈن ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ واﻟﺤﺐ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺬي
أوﻻ ﻋﲆ ﺑﱤ »ﺣﺎران« ،ﺣني ﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﺎدة أﻫﻞ ﻛﺎن ﻟﻴﻌﻘﻮب ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺣني اﻟﺘﻘﻴﺎ ً
اﻟﺒﺎدﻳﺔ وأﺧﱪﻫﺎ ﺑﺄﻧﻪ اﺑ ُﻦ رﻓﻘﺔ ،واﻟﺨﺪﻣﺔ املﺴﺘﻄﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﺪم ﺑﻬﺎ أﺑﺎﻫﺎ ﺑﺼﱪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ
اﻟﺴﺒﻊ ﺳﻨني ﻋﻨﺪه ﻛﺄﻧﻬﺎ أﻳﺎم ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺻﺒﺎ ﺑﻬﺎ ،واﺗﺨﺎذه إﻳﺎﻫﺎ زوﺟﺔ أﺧريًا ﻋﻮض أﺧﺘﻬﺎ
»ﻟﺒﺘﺔ« ،وﻣﻮﺗﻬﺎ ﻋﻨﺪ وﻻدﺗﻬﺎ اﺑﻨًﺎ ﺛﺎﻧﻴًﺎ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻗﺼﺘﻬﺎ اﻋﺘﺒﺎ ًرا وﻟﺬة.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وملﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ دﻓﻨﺖ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻖ »أﻓﺮاﺗﺔ« — أي ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ — وأﻗﺎم ﻳﻌﻘﻮب ﻧُﺼﺒًﺎ ﻋﲆ
ﻗﱪﻫﺎ ،وﻫﻮ أول ﻧﺼﺐ ﻋﲆ ﻗﱪ ﻣﺬﻛﻮر ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ ﻷن أﻫﺎﱄ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺎن ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎدﺗﻬﻢ إﱃ
ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﰲ أﻳﺎم »ﺻﻤﻮاﺋﻴﻞ« ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أن ﻳﺘﺨﺬوا املﻘﺎﺑﺮ ﻣﺪاﻓﻦ ﻟﻬﻢ ،وﻛﺎن ﻣﻮﻗﻊ ﻗﱪﻫﺎ
و»ﺷﺎول« — ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ اﻟﻌﺪد اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ »اﻹﺻﺤﺎح اﻟﻌﺎﴍ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﺻﻤﻮاﺋﻴﻞ
اﻷول« — وﻗﺪ وﺻﻔﻬﺎ »إرﻣﻴﺎ« اﻟﻨﺒﻲ ﺑﻌﺒﺎرات ﻣﺆﺛﺮة ﺟﺪٍّا» :راﺣﻴﻞ« املﺪﻓﻮﻧﺔ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﲆ
ﻓﻘﺪ ﺑَﻨِﻴﻬﺎ؛ وذﻟﻚ ﻷن ﺟﻤﺎﻫري املﺴﺒﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﻘﻮا إﱃ ﺑﺎﺑﻞ اﺟﺘﺎزوا ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻗﱪﻫﺎ.
وﻗﺪ أﺷﺎر إﱃ ذﻟﻚ »ﻣﺘﻰ اﻹﻧﺠﻴﲇ« ﻋﻨﺪ ﻗﺘﻞ »ﻫريوس« اﻷﻃﻔﺎل ﰲ ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ .وأﻣﺎ
ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺮاﻣﺔ اﻟﻮارد ذﻛﺮﻫﺎ ﻫﻨﺎك ،ﻓﻬﻮ ﻣﻦ املﺴﺎﺋﻞ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﺪ ﺟﻐﺮاﻓﻴﻲ
ﻗﻠﻴﻼ ﻋﻦ »أﻓﺮاﺗﺔ« ﰲ ﺗﺨﻢ ﻓﻠﺴﻄني ،وﻟﻜﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﻗﱪ »راﺣﻴﻞ« ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻖ ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ ﺑﻌﻴﺪ ً
ﺑﻨﻴﺎﻣني ﻟﻢ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ اﺧﺘﻼف ،وﻫﻮ ﻋﲆ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ ﻣﻴﻠني إﱃ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ أورﺷﻠﻴﻢ ،وﻧﺤﻮ ﻣﻴﻞ
إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﺰورﻫﺎ اﻟﻴﻬﻮد واملﺴﻠﻤﻮن واملﺴﻴﺤﻴﻮن
ً
وﺻﻔﺎ ﺗﱪ ًﻛﺎ ﺑﻪ ،وزاره اﻟﺴﺎﺋﺢ »ﻣﺘﺪرﻳﻞ« ﺳﻨﺔ ١٦٩٧م ،ووﺻﻔﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر »روﺑﻨﺼﻦ«
ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻣﻠﺨﺼﻪ ﻣﺎ وﺻﻔﻪ ﺑﻪ اﻟﺴﺎﺋﺤﻮن اﻟﴩﻗﻴﻮن ،ﻗﺎل :ﻫﻮ ﻣﺰار إﺳﻼﻣﻲ أو ﻣﺪﻓﻦ
ﺷﺨﺺ ﻣﻘﺪس ،ﺣﻘري ،ﻣﺮﺑﻊ ،ﻣﺒﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة وﻟﻪ ﻗﺒﺔ ،وداﺧﻠﻪ ﻗﱪ أﺷﺒﻪ ﺑﻘﺒﻮر املﺴﻠﻤني
املﺄﻟﻮﻓﺔ ،وﻛﻠﻪ ﻣُﻄني ﺑﺎﻟﻄني ﻣﻦ ﺧﺎرج ،وﻣﻨﻈﺮ اﻟﺒﻨﺎء ﻻ ﻳﺪل ﻋﲆ أﻧﻪ ﻗﺪﻳﻢ.
وﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك إﻻ ﺷﺒﻪ ﻫﺮم ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة .وأﻣﺎ اﻵن ﻓﻬﻮ ﻣُﻬْ ﻤَ ﻞ
وآﺧﺬ ﰲ اﻟﺴﻘﻮط ،ﻋﲆ أن اﻟﺴﺎﺋﺤني ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺰوروﻧﻪ ،وﺟﺪراﻧﻪ ﻣﻐﻄﺎة
ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻣﻦ ﻋﺪة ﻟﻐﺎت ،وﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻋﱪاﻧﻲ .واﺗﻔﺎق اﻟﻌﻤﻮم ﻋﲆ أن ذﻟﻚ املﻘﺎم ﻫﻮ ﻗﱪ
»راﺣﻴﻞ« ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻻﻋﱰاض ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻷن ﻣﺎ ورد ﰲ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ﻳﻌﻀﺪه ﻣﻦ ﻛﻞ وﺟﻪ.
أﻳﻀﺎ ﻛﺜريون ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﺤني ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ٣٣٣ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وذﻟﻚ »إﻳﺮوﺗﺒﻤﻮس« وﻏريه وﻗﺪ ذﻛﺮه ً
ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ.
332
ﺣﺮف اﻟﺮاء
ﺗﻤﺾ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺄذﻧﺖ املﻠﻚ ﰲ اﻻﻋﺘﺰال إﱃ ﺑﻌﺾ اﻷدﻳﺮة ،ﻓﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ، ﻓﻠﻢ ِ
ً ً
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻨﻬﺎ وﻟﺪ ،وأﻗﻄﻌﻬﺎ أرﺿﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ إذا أرادت ،ﻓﺄﺗﺖ أوﻻ إﱃ »ﺑﻮاﺗﻴﻪ« ،ﺛﻢ
اﻧﺘﻘﻠﺖ ﺳﻨﺔ ٥٤٤م ،ملﺎ ﻗﺎﻃﻌﻬﺎ ،ﻓﺎﺷﺘﻬﺮت ﰲ »أﻛﻮﺗﻴﺎﻧﻴﺎ« ﺑﻔﻀﻴﻠﺘﻬﺎ وﺗﻘﻮاﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺎﻃﺮ
إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس وأﺷﻬْ ُﺮ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ٥٥٩م ،أﻧﺸﺄت دﻳ ًﺮا ﰲ »ﺑﻮاﺗﻴﻪ« ﻋﲆ اﺳﻢ اﻟﺼﻠﻴﺐ ،وذﻟﻚ ﻷن اﻹﻣﱪاﻃﻮر
»ﺑﻮﺗﻴﻨﻮس« ﻛﺎن ﻗﺪ أﻫﺪى إﻟﻴﻬﺎ ﻫﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺒﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ،ﺛﻢ ﺑﻨﺖ
ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻋﲆ اﺳﻢ اﻟﻌﺬراء ،وأﻗﺎﻣﺖ ﺗﻤﺎرس اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ وأﻋﻤﺎل اﻟﻘﺪاﺳﺔ واﻟﺘﻘﺸﻒ واﻟﺰﻫﺪ إﱃ
أن ﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ١٣آب )أﻏﺴﻄﺲ( ﺳﻨﺔ ٥٨٧م ،ودﻓﻨﺖ ﺗﺤﺖ اﻟﺨﻮرس ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ
ﺑﻨﺘﻬﺎ ،وﻧﺴﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻌﻞ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻛﺜرية ،وﻧﻘﻠﺖ ﺟﺜﺘﻬﺎ إﱃ »دﻳﺠﻮن« ﻋﻨﺪ اﻛﺘﺴﺎح اﻟﻌﺮب
»أﻛﻮﺗﻴﺎﻧﻴﺎ« ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ،ﺛﻢ أﻋﻴﺪت إﱃ »ﺑﻮاﺗﻴﻪ« ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ.
وﻗﻴﻞ :ملﺎ ﻓﺘﺢ ﻗﱪﻫﺎ ﺳﻨﺔ ١٤١٢م ﻛﺎن ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺑﺎﻗﻴًﺎ ﻟﻢ ﻳﺒ َﻞ ،وﺑﻘﻲ ﻫﻨﺎك إﱃ ﺳﻨﺔ
١٥٦٢م ،ﺛﻢ ﺗﻼﳽ وﺗﻔﺮﻗﺖ أﺟﺰاؤه ﰲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .وﻟﻬﺎ ﻋﻴﺪ ﰲ ١٣آب املﺬﻛﻮر.
وﻛﺘﺐ ﻛﺜريون ﻣﻦ اﻵﺑﺎء ﺳريﺗﻬﺎ ،وﻧﻈﻤﻮا ﻋﲆ اﺳﻤﻬﺎ ﻗﻄﻌً ﺎ ﻛﺜرية ﻟﻠﱰﺗﻴﻞ ،وﺣﻔﻈﺖ ﻣﻦ
ﺧﻂ ﻳﺪﻫﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﺜﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ إﱃ ﻛﻞ أﺳﺎﻗﻔﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ وﺻﻴﺔ
»رادﻏﻨﺪة«.
333
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
334
ﺣﺮف اﻟﺮاء
ﻓﺤﻔﻈﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ ﺣﻔﻈﻪ ،ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻴﺎب وﴏﻓﻬﺎ ،وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ
ﺗﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﺸﻮارع.
وﻇﻬﺮت »راﺣﻴﻞ« أول ﻣﺮة ﰲ املﺮﺳﺢ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ﰲ ١٢ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٨٣٨م ،وﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﰲ املﺮﺳﺢ ﺳﻮى أرﺑﻌﺔ أو ﺧﻤﺴﺔ أﺷﺨﺎص ﻋﲆ اﻟﻜﺮاﳼ وﺑﻌﺾ اﻟﻴﻬﻮد ﰲ أﻋﲆ
اﻟﺘﻴﺎﺗﺮو ،وﻫﺆﻻء ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ أﺗﻮا ﻟﻴﺴﻤﻌﻮا اﺑﻨﺔ ﻣﻠﺘﻬﻢ .وﻗﺪ وﺻﻒ اﻟﺪﻛﺘﻮر »ﻓﺮون« ﺗﻠﻚ
ﻗﻠﻴﻼ ﺷﺄن أﻳﺎم اﻟﺼﻴﻒ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ :ذﻫﺒﺖ ذات ﻳﻮ ٍم ﻣﺴﺎءً ﻟﻠﺘﻨ ﱡﺰه ،وﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺣﺎ ٍّرا ً
ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ املﺮﺳﺢ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي وإذا ﰲ ﻣﺤﻞ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻓﺘﺎة ﺟﺪﻳﺪة ،وﻗﺪ رأﻳﺖ ﻋﲆ وﺟﻪ
ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺤﺬق واﻟﺬﻛﺎء ،ﺣﺘﻰ إن ﻛﻞ ﻟﻔﺘﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺟﺪﻳﺪ ،إﱃ
أن ﻗﺎل :وﻣﺎ إﺧﺎل أﺣﺪًا ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء ﻳﺠﻬﻞ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻣﻸ ذﻛﺮﻫﺎ اﻷﺳﻤﺎع — أﻻ وﻫﻲ
»راﺣﻴﻞ« املﻤﺜﻠﺔ اﻟﺸﻬرية — وﻟﻢ ﻳﺄت آﺧﺮ )أﻏﺴﻄﺲ( ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻣﻸ ﺻﻴﺘﻬﺎ
ﺑﺎرﻳﺲ ،وأﻃﻨﺐ ﺑﻤﺪﺣﻬﺎ ﻛﺜريون ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻷﻗﻼم ،ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ »ﺟﻮﻟﺠﺎﻧﻦ« اﻟﺸﻬري.
وﰲ ﻣﺪة ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﺗﻮﺟﺖ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ،وأﺷﻐﻠﺖ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺳﻮاﻫﺎ
ﻣﻦ ﻣﻤﺜﻼت ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،واﻋﺘﱪﻫﺎ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ﻏﺎﻳﺔ اﻻﻋﺘﺒﺎر ،ﻓﻜﺎﻧﺖ واﺳﻄﺔ ﻋﻘﺪ
ﺟﻤﻌﻴﺎﺗﻬﻢ وزﻫﺮﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻋﻮات ﺗﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﻮب ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻛﺘﺒﺖ إﱃ أﺣﺪ
ً
ﻣﻤﺜﻼ ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﻟﺪى أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ﺗﻘﻮل :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﺄﺧﺬ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﰲ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ إذا ﻛﺎن
اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮزراء ﺗﱰدد ﻋﲆ اﻟﺘﻴﺎﺗﺮو ﻟﺴﻤﺎﻋﻬﺎ ،واملﻠﻚ »ﻟﻮﻳﺲ ﻓﻴﻠﻴﺐ«
أﺗﻰ اﻟﺘﻴﺎﺗﺮو ﻣﺮات ﻋﺪﻳﺪة إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﺧﻼف ﻋﺎدﺗﻪ .وﻟﻢ ﻳُﻨﺴﻬﺎ اﻟﻨﺠﺎح أﻫﻠﻬﺎ،
ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮدﱡﻫﻢ ﻛﺜريًا ،وﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻤﻠﻮءة ﻣﻦ املﺤﺒﺔ واﻟﺤﻨﻮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮد أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ
ً
ﻫﺎﺋﻼ ﻣﻦ املﺎل. اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻛﺜريًا ،وﺑﻠﻐﻬﺎ ذات ﻳﻮم وﻓﺎة أﺣﺪﻫﻢ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ إﱃ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ً
ﻣﺒﻠﻐﺎ
وﻗﺪ أﺣﻴﺖ ﺑﺘﻤﺜﻴﻠﻬﺎ اﻟﻌﻮاﺋﺪ واملﻨﺎﻇﺮ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ واﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ زواﻳﺎ اﻟﻨﺴﻴﺎن ،وﻗﺪ وﺻﻔﻬﺎ »إﺳﻜﻨﺪر دوﻣﺎس« ،اﻟﺮاوي اﻟﺸﻬري ،ﺑﺄﻧﻬﺎ ذات
ﺳﻠﻄﺎن ﻗﻮي ﻋﲆ ﻋﻘﻮل اﻟﺴﺎﻣﻌني ،ﻓﺘﺆﺛﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﺣﺮﻛﺎﺗﻬﺎ وﻧﻈﺮاﺗﻬﺎ وﺻﻮﺗﻬﺎ ا ُملﺸﺠﻲ ﺣﺘﻰ
ﻛﺎﻧﻮا ﻳَﻤَ ﱡﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﱰة ﺑني اﻟﻔﺼﻮل .وذﻫﺒﺖ »راﺣﻴﻞ« ﺳﻨﺔ ١٨٤٠م إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ،ﻓﺄﻃﻨﺒﺖ
اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﺑﻤﺪﺣﻬﺎ ،ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺮﻳﺪة »اﻟﺘﻴﻤﺲ« اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﺖ» :إن ﺗﺄﺛريﻫﺎ ﰲ اﻟﻌﻘﻮل اﺑﺘﺪأ ﻣﻦ أول
ﻋﺒﺎرة ﻟﻔﻈﺘﻬﺎ«.
وذﻛﺮ أﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﴬوا ﻫﻨﺎك أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻬﺮ أﻣﺎﻣﻬﻢ ﺑﺠﻤﻴﻊ املﻈﺎﻫﺮ ،وﺗﺒني ﻟﻬﻢ
اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ﺑﻜﻞ أوﺻﺎﻓﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻈﻬﺮ ﺗﺎرة ﺑﺰي اﻟﻘﺘﻠﺔ ،ﻓﺘﺒﺪو ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ﻋﻼﻣﺎت
ً
ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻓﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻐﻀﺐ واﻟﴩ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺸﻚ اﻟﻨﺎﻇﺮ أﻧﻬﺎ ﻗﺎﺗﻠﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻤﺜﻞ دو ًرا
335
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻨﺴﺎء ،وﺗُﻈﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﺔ واﻟﻠﻄﻒ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﺐ اﻷﻟﺒﺎب ،وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﺎﻟﺤﺎﴐﻳﻦ
ﻛﺄﻧﻬﻢ آﻟﺔ ﰲ ﻳﺪﻫﺎ .وﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ ﺛﺒﺎﺗﻬﺎ وﻋﺰﻣﻬﺎ ﻣﺎ أﻇﻬﺮﺗﻪ ﰲ ﺗﻤﺜﻴﻞ رواﻳﺔ »ﺑﺎﻳﺰﻳﺪ«،
ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺜﻠﺘﻬﺎ أول ﻣﺮة ﰲ ) ٢٣ﻧﻮﻓﻤﱪ( ﺳﻨﺔ ١٨٣٨م ،وﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﻓﻌﺎدت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ،وﰲ
ﺻﻘﻊ وﻧﺎدٍ ،
ٍ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻧﴩت اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﺨﱪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻗﺎم اﻻﻧﺘﻘﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﻄﻒ ﺣﻜﻤﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ وملﺎ رأت ذﻟﻚ ﺳﺎرت إﱃ ﺻﺪﻳﻘﻬﺎ »ﺟﺎﻧﻦ« — اﻟﺬي ﻣﺮ ذﻛﺮه — ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗُﻠ ﱢ
وﺑني ﻟﻬﺎ ﻏﻠﻄﻬﺎ ،وﻧﺼﺤﻬﺎ أن ﻻ ﺗُﻘﺪِم ﻋﲆ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻄﻒ ﱠ ﻗﻠﻴﻼ ،ﻓﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﻠُ ٍ
وﻟﻮ ً
ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إﻧﻲ ﺳﺄﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﻌ ُﺪ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ أﻫﻞ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻣﺜﻠﺘﻬﺎ
— ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ — ﻓﻨﺠﺤﺖ اﻟﻨﺠﺎح اﻟﺘﺎم ﺣﺘﻰ أذﻫﻠﺖ اﻟﺤﺎﴐﻳﻦ.
وﻛﺎن »أﻟﻔﺮدﻣﻴﺴﺖ« ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ املﺸﻬﱢ ﺮﻳﻦ ﻟﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻤﺪﺣﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ،وﻳﺤﺚ
اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻷﺧﺬ ﺑﻴﺪﻫﺎ وﺗﻨﺸﻴﻄﻬﺎ .ﺣُ ﻜﻲ أﻧﻪ ﺻﺎدﻓﻬﺎ ذات ﻟﻴﻠﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻴﺎﺗﺮو
اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ،ﻓﺪﻋﺘﻪ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻷﺻﺪﻗﺎء إﱃ اﻟﻌﺸﺎء ،ﻗﺎل :ملﺎ وﺻﻠﻮا إﱃ اﻟﺒﻴﺖ ﻧﻈﺮت إﱃ
ﻳﺪﻳﻬﺎ ﻓﺮأت أﻧﻬﺎ ﻧﺴﻴﺖ أﺳﺎورﻫﺎ وﺧﻮاﺗﻤﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﻴﺎﺗﺮو ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ ﺧﺎدﻣﺘﻬﺎ ﺗﺠﻲء ﺑﻬﺎ
إﻟﻴﻬﺎ ،وملﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ ﻏري ﻫﺬه اﻟﺨﺎدﻣﺔ ،ﻗﺎﻣﺖ ﻫﻲ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ وذﻫﺒﺖ إﱃ املﻄﺒﺦ،
ﺛﻢ ﻋﺎدت ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ووﺿﻌﺖ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺻﺤﻨًﺎ ﻣﻦ املﺮق وﺑﻌﺾ اﻟﻠﺤﻢ املﺸﻮي ،وﻃﻠﺒﺖ
إﻟﻴﻨﺎ أن ﻧﺄﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻮن اﻟﻜﺒرية؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺤﻮن اﻟﺼﻐرية ﰲ اﻟﺨﺰاﻧﺔ واملﻔﺘﺎح ﻣﻊ
اﻟﺨﺎدﻣﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻫﻲ ﻋﲆ اﻟﻌﺸﺎء ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ اﻷوﱃ وﻣﺎ ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ
اﻟﻔﻘﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻬﺎ وأﺧﻮاﺗﻬﺎ ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻴﻬﺎ ﺷﺰ ًرا ،وﻳﺸريون إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺴﻜﺖ.
أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﻢ أﻧﻪ ﻻ ﻋﻴﺐ ﰲ اﻟﻔﻘﺮ ،ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ﺗﻔﺨﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻧﺸﺄت ﻣﻦ ﺣﺎل ﻛﻬﺬه،
ووﺻﻠﺖ إﱃ ﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﺠﺪﱢﻫﺎ .وﺑﻌﺪ اﻟﻌﺸﺎء ذﻫﺐ اﻷﺻﺪﻗﺎء وﺑﻘﻴﺖ أﻧﺎ وﺣﺪي،
رأﻳﺖ أﻧﻬﺎ ﺗﻔﻬﻤﻬﺎ ﺟﻴﺪًا ،وداﻣﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻣﴣ ُ ﻓﺄﺧﺬت ﺗﻘﺮأ ﱄ أﺷﻌﺎر »راﺳني« ،وﻗﺪ
ﺣﺎﻻ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ واﻟﺪﻣﻮع ﻣﻞء ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ورﺟﻊ أﺑﻮﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ اﻧﺘﻬﺮﻫﺎ وأﻣﺮﻫﺎ أن ﺗﻨﺎم ً
ﻗﻨﺪﻳﻼ وأﺿﻌﻪ ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻲ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﺣﺘﻰ ً ﻋﻴﻨﻬﺎ ،وﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺗﻘﻮل وﻫﻲ ذاﻫﺒﺔ :ﺳﺄﺷﱰي
ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ أﺣﺪ ﻣﻦ املﻄﺎﻟﻌﺔ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ ﻣﻦ اﺟﺘﻬﺎدﻫﺎ وﺛﺒﺎﺗﻬﺎ.
وذﻛﺮ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ أﻧﻪ ﺗﻐﺪى ﻋﻨﺪﻫﺎ ذات ﻳﻮم ،وﻛﺎن ﻋﲆ اﻟﻐﺪاء ﻋﺪة ﻣﻦ اﻷﺻﺤﺎب،
ﻓﻨﻈﺮ أﺣﺪﻫﻢ إﱃ ﻳﺪﻫﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ أﺟﻤﻞ ﺧﺎﺗﻤﻚ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إذا ﻛﺎن ﻗﺪ أﻋﺠﺒﻚ ﻓﺴﺄﺿﻌﻪ
أﻟﻔﺎ ،وﻫﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺗﺤﺖ املﺰاﻳﺪة ،ﻓﺪﻓﻊ أﺣﺪ اﻟﺤﻀﻮر ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻓﺮﻧﻚ ،ودﻓﻊ اﻵﺧﺮ ً
ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ وﻗﺎﻟﺖ ﱄ :وأﻧﺖ ﻛﻢ ﺗﺪﻓﻊ؟ ﻓﺄﺟﺒﺘﻬﺎ :إﻧﻲ أدﻓﻊ ﻣﺤﺒﺘﻲ ،ﻓﺮﻣﺖ
ﺑﺎﻟﺨﺎﺗﻢ إﱄ ﱠ وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ إﺗﻤﺎم وﻋﺪي ﺑﻨﻈﻢ دور ﻛﺎﻧﺖ ﻃﻠﺒﺘﻪ ﻣﻨﻲ.
336
ﺣﺮف اﻟﺮاء
راﺑﻌﺔ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ
ﻫﻲ زوﺟﺔ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﺤﻮاري .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪات اﻟﺰاﻫﺪات ،وﻛﺎن ﻓﻀﻠﻬﺎ ﻻ ﻳﻘﺪر،
وﻛﺮاﻣﺎﺗﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻜﺮ.
ﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﺤﻮاري :ﻛﺎﻧﺖ راﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ أﺣﻮال ﺷﺘﻰ ،ﻓﻤﺮة ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺐ،
وﻣﺮة ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻧﺲ ،وﻣﺮة ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺨﻮف ،ﻓﺴﻤﻌﺘﻬﺎ ﰲ ﺣﺎل اﻟﺤﺐ ﺗﻘﻮل:
وﻣ ﺎ ﻟ ﺴ ﻮاه ﻓ ﻲ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻧ ﺼ ﻴ ﺐ ﺣ ﺒ ﻴ ﺐ ﻟ ﻴ ﺲ ﻳ ﻌ ﺪﻟ ﻪ ﺣ ﺒ ﻴ ﺐ
وﻟ ﻜ ﻦ ﻋ ﻦ ﻓ ﺆادي ﻣ ﺎ ﻳ ﻐ ﻴ ﺐ ﺣﺒﻴﺐ ﻏﺎب ﻋﻦ ﺑﺼﺮي وﺷﺨﺼﻲ
337
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل :ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﺮة — وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻠﻴﻞ :ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻳﻘﻮم اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ﻏريك ،ﻗﺎﻟﺖ:
ﺳﺒﺤﺎن ﷲ ،ﻣﺜﻠﻚ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻬﺬا! إﻧﻤﺎ أﻗﻮم إذا ﻧﻮدﻳﺖ ،ﻗﺎل :ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﲆ املﺎﺋﺪة ﰲ وﻗﺖ
ﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :دﻋﻴﻨﺎ ﻧﺘﻬﻨﱠﺎ ﺑﻄﻌﺎﻣﻨﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻴﺲ أﻧﺎ وأﻧﺖ ﻣﻤﻦ
ﻳﻨﻐﺺ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻨﺪ ذﻛﺮ اﻵﺧﺮة ،وﻗﺎﻟﺖ :ﻟﺴﺖ أﺣﺒﻚ ﺣﺐ اﻷزواج ،إﻧﻤﺎ أﺣﺒﻚ ﺣﺐ
وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻄﻌﻤﻨﻲ اﻟﻄﻌﺎم
ْ ُ
ﻓﺘﺰوﺟﺖ، ُ
ﻓﺬﻫﺒﺖ اﻹﺧﻮان ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﺰوﺟﻬﺎ :اذﻫﺐْ ﻓﺘﺰوﱠجْ ،ﻗﺎل:
وﺗﻘﻮل :اذﻫﺐ ﻷﻫﻠﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ إذا ﻃﺒﺨﺖ ﻗﺪ ًرا ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻧﻀﺠﺖ إﻻ
ﺑﺎﻟﺘﺴﺒﻴﺢ .وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ﻋﺒﺎدﺗﻬﺎ إﱃ أن ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ.
اﻟﺴﺖ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ اﻟﻌﺎرﻓﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ زوﺟﺔ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ أم اﻟﺴﻴﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﺳﺖ
اﻟﻔﻘﺮاء؛ راﺑﻌﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﻴﻤﺔ اﻟﺼﺪر ،ﻧﻘﻴﺔ اﻟﻘﻠﺐ ،ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺟﺎذﺑﺔ ،وﺣﺰن
داﺋﻢ ،وﻻ ﺗﺄﺧﺬﻫﺎ ﰲ ﷲ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ ،ﻛﺎﻧﺖ ذات ﺳرية ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وأوﺻﺎف ﺣﻤﻴﺪة،
ﺳﻤﺎﻫﺎ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ :ﺳﺖ اﻟﻔﻘﺮاء ،وﻛﻨﱠﺎﻫﺎ أم اﻟﻔﻘﺮاء ،وﻳﻘﻮل :ﻃﺎﻋﺘﻚ ﻋﲆ
اﻟﻔﻘﺮاء واﺟﺒﺔ .ﺑﻜﺖ ﺑني ﻳﺪي اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ ﻣﺮة وﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻴﻒ ﺣﺎﱄ ﺑﻌﺪك؛ أﺑﻘﻰ
أﻧﺎ وﺣﻴﺪة وﻳﻐﻠﻖ ﺑﺎب املﴪة واﻻﺑﺘﻬﺎج ﰲ وﺟﻬﻲ؟ ﻓﻘﺎل — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ:
أﻫﻞ املﻤﻠﻜﺔ ﻳﺤﺒﻮﻧﻚ ،وﻗﻮﻟﻚ ﻣﺴﻤﻮع ،واﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻗﻴﺔ ،ﻓﺎﻧﻘﺎد أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ
اﻷﺣﻤﺪي ﻟﻬﺎ ﻣﺪة ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ ﻋﲆ ﴐﻳﺢ زوﺟﻬﺎ وﺗُﻜ ﱢﻠﻤﻪ وﺗﻨﺘﻈﺮ
338
ﺣﺮف اﻟﺮاء
اﻟﺠﻮاب ﻣﻨﻪ ،ﻓﻴﺄﺗﻴﻬﺎ ﺷﺒﻴﻪ اﻟﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﺠﻮاب ،وﻣﺎ أﻛﺮم أﺣﺪ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ
ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ إﻻ وﻫﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎرﻓﺔ ﺑﻪ .ﺳﺄﻟﺖ رﺑﻬﺎ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ املﻮت،
ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﻌﺎﴍ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﺷﻮال ﺳﻨﺔ ٦١٣ﻫ ،ودُﻓﻨﺖ ﰲ
اﻟﻘﺒﺔ املﺒﺎرﻛﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٣٥ﻫ .ذﻛﺮه اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي ﰲ »ﺷﺬور اﻟﻌﻘﻮد« ،وﻗﺎل ﻏريه:
ﺳﻨﺔ ١٨٥ﻫ .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ .وﻗﱪﻫﺎ ﻳﺰار ،وﻫﻮ ﺑﻈﺎﻫﺮ اﻟﻘﺪس ﻣﻦ ﴍﻗﻴﻪ ﻋﲆ رأس ﺟﺒﻞ
ﻳﺴﻤﻰ اﻟﻄﻮر .وذﻛﺮ اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي ﰲ ﻛﺘﺎب »ﺻﻔﻮة اﻟﺼﻔﻮة« ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺔ راﺑﻌﺔ املﺬﻛﻮرة
339
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﺈﺳﻨﺎدٍ ﻟﻪ ﻣﺘﺼﻞ إﱃ ﻋﺒﺪة ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﺷﻮال ،ﻗﺎل اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي :وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺧﻴﺎر إﻣﺎء ﷲ
ﺗﻌﺎﱃ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺪم راﺑﻌﺔ .ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺎﻧﺖ راﺑﻌﺔ ﺗﺼﲇ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ،ﻓﺈذا ﻃﻠﻊ اﻟﻔﺠﺮ ﻫﺠﻌﺖ
ﰲ ﻣﺼﻼﻫﺎ ﻫﺠﻌﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻔﺮ اﻟﻔﺠﺮ ،ﻓﻜﻨﺖ أﺳﻤﻌﻬﺎ ﺗﻘﻮل إذا وﺛﺒﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﻗﺪﻫﺎ
وﻫﻲ ﻓﺰﻋﺔ» :ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ،ﻛﻢ ﺗﻨﺎﻣني! وإﱃ ﻛﻢ ﺗﻨﺎﻣني؟! ﻳﻮﺷﻚ أن ﺗﻨﺎﻣﻲ ﻧﻮﻣﺔ ﻻ ﺗﻘﻮﻣني
ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﻟﴫﺧﺔ ﻳﻮم اﻟﻨﺸﻮر«.
وﻛﺎن ذﻟﻚ دأﺑﻬﺎ دﻫﺮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ ،وملﺎ ﺣﴬﺗﻬﺎ اﻟﻮﻓﺎة دﻋﺘﻨﻲ وﻗﺎﻟﺖ» :ﻳﺎ ﻋﺒﺪة،
ﻻ ﺗﺆذﻧﻲ ﺑﻤﻮﺗﻲ أﺣﺪًا ،وﻛﻔﻨﻴﻨﻲ ﰲ ﺟﺒﺘﻲ ﻫﺬه «.وﻫﻲ ﺟﺒﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﻓﻴﻬﺎ
إذا ﻫﺪأت اﻟﻌﻴﻮن ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻜﻔﻨﺘُﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺔ وﰲ ﺧﻤﺎر ﻣﻦ ﺻﻮف ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺴﻪ ،ﺛﻢ
رأﻳﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﺔ أو ﻧﺤﻮﻫﺎ ﰲ ﻣﻨﺎﻣﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻠﺔ اﺳﺘﱪق ﺧﴬاء ،وﺧﻤﺎر ﻣﻦ ﺳﻨﺪس
أﺧﴬ ﻟﻢ أر ﺷﻴﺌًﺎ ﻗﻂ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ راﺑﻌﺔ ،ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﺎﻟﺠﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻔﻨﺎك ﻓﻴﻬﺎ
واﻟﺨﻤﺎر اﻟﺼﻮف؟ ﻗﺎﻟﺖ» :إن ﷲ ﻧﺰﻋﻪ ﻋﻨﻲ ،وأﺑﺪﻟﺖ ﺑﻪ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﻨﻪ ﻋﲇﱠ ،ﻓﻄﻮﻳﺖ أﻛﻔﺎﻧﻲ
وﺧﺘﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ورﻓﻌﺖ ﰲ ﻋﻠﻴني ﻟﻴﻜﻤﻞ ﱄ ﺑﻬﺎ ﺛﻮاﺑﻬﺎ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ«.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻟﻬﺬا ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻤﻠني أﻳﺎم اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ» :وﻣﺎ ﻫﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ ﻛﺮاﻣﺔ
ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﻷوﻟﻴﺎﺋﻪ «.ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻋﺒﻴﺪة ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﻛﻼب؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ» :ﻫﻴﻬﺎت
ﻫﻴﻬﺎت ،ﺳﺒﻘﺘﻨﺎ وﷲ إﱃ اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﻌﻼ «.ﻓﻘﻠﺖ :وﺑ َﻢ وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس أﻛﱪ ﻣﻨﻬﺎ؟
ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺒﺎﱄ ﻋﲆ أي ﺣﺎل أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ أو أﻣﺴﺖ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻓﻤﺎ ﻓﻌﻞ
أﺑﻮ ﻣﺎﻟﻚ — أﻋﻨﻲ ﺿﻴﻐﻤً ﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ» :ﻳﺰور ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﻣﺘﻰ ﺷﺎء «.ﻗﻠﺖ :ﻓﻤﺎ ﻓﻌﻞ
ﻋﻄ َﻲ وﷲ ﻓﻮق ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳُﺆﻣﱢ ﻞ «.ﻗﻠﺖ :ﻓﻤﺮﻳﻨﻲ ٍ
ﺑﺄﻣﺮ ﺑﴩ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮر؟ ﻗﺎﻟﺖ» :ﺑﺦ ﺑﺦ ،أ ُ ِ
أﺗﻘ ﱠﺮب ﺑﻪ ﻣﻦ ﷲ ﻋﺰ ﺟﻞ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻜﺜﺮة ذﻛﺮه؛ ﻳﻮﺷﻚ أن ﺗﻐﺘﺒﻄﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ ﻗﱪك.
رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
وﻛﺎن اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي ﺗﻮﻓﻴﺖ زوﺟﺘﻪ ﻓﺄراد زوﺟﺔ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ ﻋﻦ راﺑﻌﺔ اﻟﻌﺪوﻳﺔ،
ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺨﻄﺒﻬﺎ ،ﻓﺮدﺗﻪ وﻗﺎﻟﺖ:
340
ﺣﺮف اﻟﺮاء
341
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
342
ﺣﺮف اﻟﺮاء
343
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ذﻫ ٍﺐ وزﻧﻬﺎ ﻧﺼﻒ وﺣﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺮﻏﺖ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﴩب أن اﻟﺮﺟﻞ أﺧﺬ ﺣﺰﻣﺔ َ
أﻧﺖ؟ﺷﺎﻗﻞ ،وأﻋﻄﺎﻫﺎ إﻳﺎﻫﺎ ﻣﻊ ﺳﻮارﻳﻦ وزﻧﻬﻤﺎ ﻋﴩة ﺷﻮاﻗﻞ ذﻫﺐ ،وﻗﺎل :ﺑﻨﺖ ﻣَ ﻦ ِ
أﺧﱪﻳﻨﻲ ،وﻫﻞ ﻋﻨﺪ أﺑﻴﻚ ﻣﻜﺎن ﻟﻨﺎ ﻟﻨﺒﻴﺖ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻧﺎ ﺑﻨﺖ »ﺑﺘﻮﺋﻴﻞ« اﺑﻦ ﻣﻠﻜﺔ وﻋﻨﺪﻧﺎ
ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ ﻣﻦ اﻟﻘِ َﺮى ،ﻓﺨ ﱠﺮ اﻟﺮﺟﻞ وﺳﺠﺪ هلل ﺗﻌﺎﱃ وﻗﺎل :ﺗﺒﺎرك ﷲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ
ﻟﻄﻔﻪ وﺣﻘﻪ ﻋﻦ ﺳﻴﺪي؛ إذ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻫﺪاﻧﻲ إﱃ ﺑﻴﺖ إﺧﻮة ﺳﻴﺪي ،ﻓﺮﻛﻀﺖ
اﻟﻔﺘﺎة وأﺧﱪت أﺑﻮﻳﻬﺎ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ،ﻓﺠﺎء »ﻻﺑﺎن« أﺧﻮﻫﺎ إﱃ اﻟﺮﺟﻞ وﻫﻮ واﻗﻒ ﻋﻨﺪ
اﻟﺠﻤﺎل ﻋﲆ اﻟﻌني ﻓﻘﺎل :ادﺧﻞ ﻳﺎ ﻣﺒﺎرك ،ملﺎذا ﺗﻘﻒ ﺧﺎرﺟً ﺎ وأﻧﺎ ﻗﺪ ﻫﻴﺄت اﻟﺒﻴﺖ وﻣﻜﺎﻧًﺎ
ً
وﻋﻠﻔﺎ ﻟﻠﺠﻤﺎل ،وﻣﺎء ﻟﻐﺴﻞ ﻟﻠﺠﻤﺎل؟ ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﻴﺖ وﺣ ﱠﻞ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﻞ ،ﻓﺄ ُ ِ
ﻋﻄﻲ ﺗﺒﻨًﺎ
رﺟﻠﻴﻪ وأرﺟﻞ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻌﻪ ،ووﺿﻊ أﻣﺎﻣﻪ اﻟﻄﻌﺎم ﻟﻴﺄﻛﻞ ﻓﻘﺎل :ﻻ آﻛﻞ ﺣﺘﻰ أﺗﻜﻠﻢ
ﻛﻼﻣﻲ ،ﻓﻘﺎل :ﺗﻜﻠﻢ ،ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻋﺒﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،وإن ﷲ ﻗﺪ أﻛﺮم ﻣﻮﻻي ﺟﺪٍّا ،ﻓﺼﺎر ﻋﻈﻴﻤً ﺎ،
وﺟﻤﺎﻻ وﺣﻤريًا ،ووﻟﺪت ﺳﺎرة اﻣﺮأﺗﻪً وأﻋﻄﺎه ﻏﻨﻤً ﺎ وﺑﻘ ًﺮا وﻓﻀﺔ وذﻫﺒًﺎ ،وﻋﺒﻴﺪًا وإﻣﺎء،
وﻟﺪًا ﻟﻪ أﻋﻄﺎه ﻛﻞ ﻣﺎﻟﻪ ،واﺳﺘﺤﻠﻔﻨﻲ ﺳﻴﺪي ﺑﻘﻮﻟﻪ ﱄ :ﻻ ﺗﺄﺧﺬ زوﺟﺔ ﻻﺑﻨﻲ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت
اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﻴني اﻟﺬﻳﻦ أﻧﺎ ﺳﺎﻛﻦ ﰲ أرﺿﻬﻢ ،ﺑﻞ ﺗﺬﻫﺐ إﱃ ﺑﻴﺖ أﺑﻲ وﻋﺸريﺗﻲ وﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﻢ
زوﺟﺔ ﻟﻮﻟﺪي.
ﺛﻢ ﻗﺺ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻪ ﻣﻊ رﻓﻘﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌني ،ﺛﻢ ﻗﺎل :إﻧﻲ أﺣﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي ﻫﺪاﻧﻲ
ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ وأﻣﺎﻧﺔ ﻣﻊ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ أﻣني ﻵﺧﺬ اﺑﻨﺔ أخ ﺳﻴﺪي ﻻﺑﻨﻪ .واﻵن إن ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺼﻨﻌﻮن
ﺷﻤﺎﻻ ،ﻓﺄﺟﺎب »ﻻﺑﺎن« و»ﺑﺘﻮﺋﻴﻞ« ً ﺳﻴﺪي ﻓﺄﻋﻄﻮﻧﻲ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺖ وإﻻ ﻓﺄﻧﴫف ﻳﻤﻴﻨًﺎ أو
وﻗﺎﻻ :ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ ﺧﺮج اﻷﻣﺮ؛ ﻻ ﻧﻘﺪر أن ﻧﻜﻠﻤﻚ ﺑﴩﱟ أو ﺑﺨري .ﻫﺬه رﻓﻘﺔ أﻣﺎﻣﻚ ﺧﺬﻫﺎ
واذﻫﺐ؛ ﻓﻠﺘﻜﻦ زوﺟﺔ ﻻﺑﻦ ﺳﻴﺪك ﻛﻤﺎ أﻣﺮ ﷲ ،ﻓﺴﺠﺪ اﻟﻌﺒﺪ ﻟﻸرض وأﺧﺮج ﻓﻀﺔ وذﻫﺒًﺎ
ﺗﺤﻔﺎ ﻷﺧﻴﻬﺎ وأﻣﻬﺎ ،وﺳﺄﻟﻮﻫﺎ :ﻫﻞ ﺗﺬﻫﺒني ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ؟ وﺛﻴﺎﺑًﺎ وأﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﺮﻓﻘﺔ ،وأﻋﻄﻰ ً
ﻗﺎﻟﺖ :أذﻫﺐ .ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ وﻣﴣ ،وﺳﺎرت ﻣﻌﻬﺎ ﺣﺎﺿﻨﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ودﱠﻋﻮا رﻓﻘﺔ وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ:
أﻧﺖ ﺑﻨﺘﻨﺎ وأﺧﺘﻨﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪت ﻋﻨﺎ.
وﺟﺎء ﰲ اﻟﺘﻮراة ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎد ﻣﻨﻪ أن إﺳﺤﺎق أﺣﺐ رﻓﻘﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﺻﻨﻴﻌﺔ
ﻃﺎﺋﻌﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ .وملﺎ ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺴﻊ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ وﻫﻲ ﻋﺎﻗﺮ ﺻﲆ إﺳﺤﺎق هلل ودﻋﺎه ﻷﺟﻠﻬﺎ؛
ﻓﺤﺒﻠﺖ وﻛﺎن ﰲ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﺗﻮءﻣﺎن ،وأﺣﺒﺖ رﻓﻘﺔ ﻳﻌﻘﻮب وﻟﺪﻫﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وملﺎ ﺻﺎر إﺳﺤﺎق
ﻣﺤﻔﻮﻓﺎ ﺑﺨﻄﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل زوﺟﺘﻪ رﻓﻘﺔ .ﻛﻤﺎ ً ﻫﺮﻣً ﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻋﺔ إﱃ اﻷرض اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺑﺎت
ﺳﻤﻌﺖ إﺳﺤﺎق ﻳﻘﻮل ﻟﻌﻴﺼﻮ ﺑُﻜﺮ ًة :اﺋﺘﻨﻲ ﺑﻌﻨﺰ واﺻﻨﻊ ﱄ أﻃﻌﻤﺔ ﻵﻛﻞ وأدﻋﻮ ﻟﻚ ﻗﺒﻞ
وﻓﺎﺗﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻴﻌﻘﻮب :اذﻫﺐ إﱃ اﻟﻐﻨﻢ وﺧﺬ ﱄ ﻣﻦ ﻫﻨﺎك ﺟﺪﻳني ﻣﻦ املﻌﺰ ﻓﺎﺻﻨﻌﻬﻤﺎ
344
ﺣﺮف اﻟﺮاء
أﻃﻌﻤﺔ ﻷﺑﻴﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺐ ،ﻓﺘُﺤﴬﻫﺎ إﻟﻴﻪ ﻟﻴﺄﻛﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻚ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻪ ،ﻓﻘﺎل :إن ﻋﻴﺼﻮ
ﺟﺴﻨﻲ ﻓﺄﺟْ ﻠﺐُ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ﻟﻌﻨﺔ ﻻ ﺑﺮﻛﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻟﻌﻨﺘﻚ ﻋﲇ ﱠ ﻳﺎ أﻣﻠﺲ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﱠ ُ أﺷﻌ ُﺮ وأﻧﺎ
اﺑﻨﻲ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﻟﺒﺴﺘﻪ ﺛﻴﺎب ﻋﻴﺼﻮ اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وأﻟﺒﺴﺖ ﻳﺪﻳﻪ وﻣﻼﺳﺔ ﻋﻨﻘﻪ ﺟﻠﻮد ﺟﺪي
املﻌﺰ؛ ﻓﻨﺎل ﻳﻌﻘﻮب اﻟﱪﻛﺔ.
ﺧﱪت رﻓﻘﺔ ﺑﺄن ﻋﻴﺼﻮ ﺗﻮﻋﱠ ﺪ ﻳﻌﻘﻮب ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة أﺑﻴﻪ؛ ﻟﻐﻴﻈﻪ ﻣﻨﻪ ﻷﻧﻪ ْ ﻓﻠﻤﺎ أ ُ
ﺳﺒﻘﻪ إﱃ ﺑﺮﻛﺔ أﺑﻴﻪ ،دﻋﺖ ﻳﻌﻘﻮب إﻟﻴﻬﺎ وأﺧﱪﺗﻪ ﺑﺘﻮﻋﱡ ﺪ أﺧﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻓﺎﻵن ﻳﺎ ﺑﻨﻲ
اﺳﻤﻊ ﻟﻘﻮﱄ ،وﻗﻢ اﻫﺮب إﱃ أﺧﻲ »ﻻﺑﺎن« إﱃ »ﺣﺎران« ،وأﻗﻢ »ﻋﻨﺪه« أﻳﺎﻣً ﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺗﺪ
ﺳﺨﻂ أﺧﻴﻚ وﻳﻨﴗ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖ ﺑﻪ ،ﺛﻢ أُرﺳ ُﻞ ﻓﺂﺧﺬك ﻣﻦ ﻫﻨﺎك ﻟﺌﻼ أﻋْ ﺪَﻣﻜﻤﺎ ﰲ ﻳﻮم واﺣﺪ،
وﻗﺎﻟﺖ ﻹﺳﺤﺎق :ﻣﻠﻠﺖ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑﻨﺎت »ﺣﺚ« ،إن ﻛﺎن ﻳﻌﻘﻮب ﻳﺄﺧﺬ زوﺟﺘﻪ ﻣﻦ
»ﺣﺚ« ،ﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻷرض ،ﻓﻠﻤﺎ زال ﺣﻴﱠﺎه وﺳﺎر ﺑﺮﺿﺎ أﺑﻴﻪ إﱃ »ﻓﺰان أران«.
وﻟﻢ ﺗُﺬ َﻛﺮ رﻓﻘﺔ ﻋﻨﺪ ﻋَ ﻮْد ﻳﻌﻘﻮب إﱃ أﺑﻴﻪ ،وﻻ ذُﻛِﺮ دﻓﻨﻬﺎ.
وﻟﺪت ﻟﻪ ﻣﻦ أم ﺣﺒﻴﺐ اﻟﺼﻬﺒﺎء اﻟﺘﻐﻠﺒﻴﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺳﺒﻲ اﻟﺬرﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ أﻏﺎر ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﺎﻟﺪ
ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻌني اﻟﺘﻤﺮ ،ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ ﻋﲇ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — واﺳﺘﺤﻈﻰ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄوﻟﺪﻫﺎ ﻋﻤ ًﺮا
ورﻗﻴﺔ ا ُملﻮﻣَ ﻰ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻌﻤﺮو اﻷﻛﱪ ﺷﻘﻴﻖ رﻗﻴﺔ .وﰲ اﻟﻔﺼﻮل املﻬﻤﺔ ﻛﺎﻧﺎ ﺗﻮءﻣني ،وﻋﻤﱠ ﺮ
ﺧﻤﺴﺎ وﺛﻤﺎﻧني ﺳﻨﺔ ،وﺣﺎز ﻧﺼﻒ ﻣرياث ﻋﲇ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — وذﻟﻚ أن ً ﻋﻤﺮ ٌو ﻫﺬا
ﱢ
ﺑﺎﻟﻄﻒ ﻓﻮرﺛﻬﻢ. ُ
أﺧﻮاﺗﻪ أﺷﻘﺎءه — وﻫﻢ :ﻋﺒﺪ ﷲ وﺟﻌﻔﺮ وﻋﺜﻤﺎن — ﻗﺘﻠﻮا ﻣﻊ اﻟﺤﺴني
وﰲ اﻟﺒﺎب اﻟﻌﺎﴍ ﻣﻦ »املﻨﻦ« ﻟﻠﺸﻌﺮاﻧﻲ ﻗﺎل:
345
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ ،ﺑﻞ أﻧﺖ زوﺟﺘﻨﻲ اﻣﺮأ ً ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ ﺣﺴﻴﺒًﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺴﺘﺄﻣﺮﻧﻲ ﰲ ﻧﻔﴘ ،وأﻧﺸﺪت:
ﻓﻜﻒ ﻋﻨﻬﺎ وﻋﺬرﻫﺎ .ورﺟﻊ ﻋﺪي إﱃ أﻳﺎد ﻓﻜﺎن ﻓﻴﻬﻢ ،ﻓﺨﺮج ﻣﻌﻪ ﻓﺘﻴﺔ ﻳﻮﻣً ﺎﱠ
ﻓﺘﻜﴪ ﻓﻤﺎت ،وﺣﻤﻠﺖ رﻗﺎش ﻓﻮﻟﺪت ﱠ ﻣﺘﺼﻴﺪﻳﻦ ،ﻓﺮﻣﻰ ﺑﻪ ﻓﺘﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني ﺟﺒﻠني
346
ﺣﺮف اﻟﺮاء
ﻏﻼﻣً ﺎ ،ﻓﺴﻤﺘﻪ ﻋﻤ ًﺮا ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺮﻋﺮع وﺷﺐﱠ أﻟﺒﺴﺘﻪ وﻋﻄﺮﺗﻪ وأزا َرﺗْﻪ ﺧﺎ َﻟﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ رآه أﺣﺒﻪ
وﺟﻌﻠﻪ ﻣﻊ وﻟﺪه.
وﺧﺮج ﺟﺬﻳﻤﺔ ﻣﺘﺒﺪﻳًﺎ ﺑﺄﻫﻠﻪ ووﻟﺪه ﰲ ﺳﻨﺔ ﺧﺼﺒﺔ ،ﻓﺄﻗﺎم ﰲ روﺿﺔ ذات زﻫﺮ وﺛﻤﺮ،
ﻓﺨﺮج وﻟﺪُه وﻋﻤﺮ ٌو ﻣﻌﻬﻢ ﻳﺠﺘﻨﻮن اﻟﻜﻤﺄة ،ﻓﻜﺎﻧﻮا إذا أﺻﺎﺑﻮا ﻛﻤﺄة ﺟﻴﺪة أﻛﻠﻮﻫﺎ ،وإذا
أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻋﻤﺮو ﺧﺒﱠﺄﻫﺎ ،ﻓﺎﻧﴫﻓﻮا إﱃ ﺟﺬﻳﻤﺔ ﻳﺘﻌﺎدون وﻋﻤﺮو ﻳﻘﻮل:
347
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺧﻄﺐ رﻣﻠﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺰﺑري ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﺤﺠﺎج ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﻮﻫﺐ وﻗﺎل :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ
أراك أن ﺗﺨﻄﺐ إﱃ آل اﻟﺰﺑري ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺎورﻧﻲ ،وﻛﻴﻒ ﺧﻄﺒﺖ إﱃ ﻗﻮم ﻟﻴﺴﻮا ُﻛ ْﻔﺌًﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ
ﻗﺎل ﺟﺪك ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،وﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎرﻋﻮا أﺑﺎك ﻋﲆ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ورﻣﻮه ﺑﻜﻞ ﻗﺒﻴﺤﺔ ،وﺷﻬﺪوا ﻋﻠﻴﻪ
ﻃﻮﻳﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻪ :ﻟﻮﻻ أﻧﻚ رﺳﻮل واﻟﺮﺳﻮل ﻻ ً وﻋﲆ ﺟﺪك ﺑﺎﻟﻀﻼﻟﺔ؟ ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺧﺎﻟﺪ
ﻳُﻌﺎﻗﺐ ﻟﻘﻄﻌﺘﻚ إرﺑًﺎ إرﺑًﺎ ،ﺛﻢ ﻃﺮﺣﺘﻚ ﻋﲆ ﺑﺎب ﺻﺎﺣﺒﻚ ،ﻗﻞ ﻟﻪ :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أرى أن اﻷﻣﻮر
ﺑﻠﻐﺖ ﺑﻚ إﱃ أن أﺷﺎورك ﰲ ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻨﺴﺎء.
وأﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﱄ :ﻗﺎرﻋﻮا أﺑﺎك وﺷﻬﺪوا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻜﻞ ﻗﺒﻴﺢ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻗﺮﻳﺶ ﻳُﻘﺎرع ﺑﻌﻀﻬﺎ
ﺑﻌﻀﺎ ،ﻓﺈذا أﻗﺮ ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — اﻟﺤﻖ ﻗﺮاره ﻛﺎن ﺗﻘﺎﻃﻌﻬﻢ وﺗﺰاﺣﻤﻬﻢ ﻋﲆ ﻗﺪر ً
أﺣﻼﻣﻬﻢ وﻓﻀﻠﻬﻢ.
وأﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ :إﻧﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﺑﺄﻛﻔﺎء؛ ﻓﻘﺎﺗﻠﻚ ﷲ ﻳﺎ ﺣﺠﺎج ،ﻣﺎ أﻗﻞ ﻋﻠﻤﻚ ﺑﺄﻧﺴﺎب ﻗﺮﻳﺶ؛
أﻳﻜﻮن اﻟﻌﻮام ُﻛ ْﻔﺌًﺎ ﻟﻌﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﺘﺰوﺟﻪ ﺻﻔﻴﺔ ،وﺑﺘﺰوج رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺧﺪﻳﺠﺔ
أﻫﻼ ﻷﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ،ﻓﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ ﻓﺄﻋﻠﻤﻪ .وﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺧﺎﻟﺪ ﻓﻴﻬﺎ:ﺑﻨﺖ ﺧﻮﻳﻠﺪ ،وﻻ ﺗﺮاﻫﻢ ً
348
ﺣﺮف اﻟﺮاء
روﻻﻧﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ
وﻟﺪت ﻫﺬه اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﰲ ١٧آذار )ﻣﺎرس( ﻋﺎم ١٧٥٤م ﻣﻦ أﺑﻮﻳﻦ ﻓﻘريي اﻟﺤﺎل ،ﻣﺨﺘﻠﻔﻲ
اﻷﺧﻼق واﻵراء ،وﻛﺎﻧﺖ أﻣﻬﺎ دﻣﺜﺔ اﻷﺧﻼق ،ﻟﻴﻨﺔ اﻟﻌﺮﻳﻜﺔ ،ﻗﺎﻧﻌﺔ ﺑﻬﺒﺎت اﻟﺒﺎري ﺗﻌﺎﱃ،
وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻃﻤﱠ ﺎﻋً ﺎ ،ﺳﻴﺊ اﻟﻄﺒﺎع ،ﻛﺜري اﻟﺘﺬﻣﺮ واﻟﺤﻘﺪ ﻋﲆ املﻜﺎرم واﻷﴍاف ،زاﻋﻤً ﺎ أﻧﻬﻢ
ﻋﻠﺔ ﺗﻌﺎﺳﺘﻪ وﺳﺒﺐ ﻓﻘﺮه؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳُﻨﺪﱢد ﺑﻬﻢ ﻛﻜﺜريﻳﻦ ﻏريه ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني.
وﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻗﺒﻞ ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ،وﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﺎملﻄﺎﻟﻌﺔ ﺣني ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﻷﺑﻮﻳﻬﺎ ﻃﺎﻗﺔ ﻋﲆ اﺑﺘﻴﺎع اﻟﻜﺘﺐ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄرﺳﻼﻫﺎ إﱃ دﻳﺮ ﻣﻦ اﻷدﻳﺮة ﻟﺘﻘﺘﺒﺲ اﻟﻌﻠﻮم ﻋﻦ
راﻫﺒﺎﺗﻪ ،ﻓﺄﻇﻬﺮت ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎﺑﺔ واﻟﱪاﻋﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻋﻠﻢ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻓﺨ ًﺮا ملﻌﻠﻤﺎﺗﻬﺎ،
وﻗﺪوة ﻟﺮﻓﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ،وأﺟﺎدت ﰲ املﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ،وﻃﺎﻟﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ
اﻟﺘﻮارﻳﺦ ودواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺮﺣﻼت ،واملﻘﺎﻻت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻔﻜﺎﻫﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ،
وﺑﺎﻟﻐﺖ ﰲ اﺳﺘﻘﺼﺎء أﺣﻮال اﻟﻴﻮﻧﺎن واﻟﺮوﻣﺎن اﻟﻘﺪﻣﺎء ،واﺷﺘﺪ ﻣﻴﻠﻬﺎ إﻟﻴﻬﻢ.
349
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻴﻞ :إن أﺑﺎﻫﺎ وﺟَ ﺪَﻫﺎ ذات ﻳﻮم ﻣﻨﺨﺮﻃﺔ ﰲ اﻟﺒﻜﺎء ﻣﻦ أﺟﻞ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗُﻮﻟﺪ روﻣﺎﻧﻴﺔ،
وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺼﻮر أﻣﺎﻣﻬﺎ اﻟﻴﻮﻧﺎن ﰲ ﺳﻠﻄﺘﻬﻢ ،واﻟﺮوﻣﺎن ﰲ أوﺟﻪ ﻋﻈﻤﺘﻬﻢ ،وﺗﻘﺎﺑﻞ
ﺑني أﺣﻮال ذﻳﻨﻚ اﻟﺸﻌﺒني اﻟﻌﻈﻴﻤني وأﺣﻮال ﺑﻼدﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﻓﺮﻃﺖ ﰲ املﻼﻫﻲ
واﻟﱰﻗﻲ ،وﺗﻬﺎﻓﺘﺖ ﻋﲆ اﻟﺒﺎﻃﻞ ،ﻓﺘﻨﻔﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻷﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ اﻧﻐﻤﺲ ﻓﻴﻬﺎ أﻛﺎﺑﺮ
ﻗﻮﻣﻬﺎ ،وﺗﺘﻤﻨﻰ أن ﻳﺴﻮد اﻹﻧﺼﺎف ،وﻳﺴﻦ ﺑﻬﺎ اﻟﴩاﺋﻊ اﻟﻌﺎدﻟﺔ أﺑﻨﺎء وﻃﻨﻬﺎ.
واﻟﻈﺎﻫﺮ أن ذﻟﻚ رﺳﺦ ﰲ ذاﻛﺮﺗﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻇﻔﺎرﻫﺎ؛ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻳﻠﻘﻲ
ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻋﻦ املﻠﻮك واﻷﴍاف وﻫﻮ ﻳﺠﻮل ﺑﻬﺎ ﰲ ﺷﻮارع ﺑﺎرﻳﺲ،
وﻳﺮﻳﻬﺎ ﻗﺼﻮرﻫﺎ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ،وﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﻔﺎﺧﺮة ،وأﴍاف املﺪﻳﻨﺔ وﺳﻴﺪاﺗﻬﺎ ﺧﺎرﺟني إﱃ
املﺘﻨﺰﻫﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﻋﺠﻼﺗﻬﻢ املﺬﻫﺒﺔ ﺑﺎﻟﺨﺪم واﻟﺤﺸﻢ ،ﻻﻫني ﺑﺎﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻔﺎرﻏﺔ،
وﺧﻴﻮﻟﻬﻢ ﺗﺪوس املﺴﺎﻛني واﻟﺒﺎﺋﺴني وﻫﻢ ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮن ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :اﻧﻈﺮي ﻳﺎ اﺑﻨﺘﻲ ،أﻳﻦ
اﻟﻌﺪل واﻹﻧﺼﺎف؟ أﻳﻦ اﻵﺧﺬون ﺑﻨﺎﴏ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻴﻘﺘﺼﻮا ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﱪاﺑﺮة اﻟﻘﺴﺎة؟
أﻻ ﺗﺮﻳﻦ أﻧﻬﻢ ﻳﺘﻮﺳﺪون اﻟﺤﺮﻳﺮ واﻟﺪﻳﺒﺎج ،وﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﺎﻟﱰف واﻟﺸﻌﺐ ﻏﺎرق ﰲ ﺑﺤﺎر
اﻟﻬﻤﻮم ،وﻣﺤﺎط ﺑﺎﻷﺗﻌﺎب ،ﻳﺼﻞ اﻟﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر ﰲ اﻟﻜﺪر واﻟﻜﺪح ﻟﻴﺤﺼﻞ اﻟﺨريﻳﺔ اﻟﺘﻲ
ﻳﺘﻤﻨﻊ ﺑﻬﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺘﺎة؟
وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ املﺪرﺳﺔ وﻫﻲ ﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﴩة ،ﻓﺠﻌﻠﺖ أﻣﻬﺎ ﺗﻤﺮﻧﻬﺎ ﻋﲆ أﺷﻐﺎل اﻟﺒﻴﺖ
ﻓﺘﺨﻀﻊ ﻷواﻣﺮﻫﺎ ﺧﻀﻮﻋً ﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،ﻋﻠﻤً ﺎ ﻣﻨﻬﺎ أن اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺒﻴﺘﻴﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ واﺟﺒﺎت املﺮأة،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺘﺎع ﻟﻮازم ﺑﻴﺘﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺄﻛﺮﻣﻬﺎ اﻟﺒﺎﺋﻌﻮن ﻟﻨﺒﺎﻫﺘﻬﺎ ورزاﻧﺘﻬﺎ .وملﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺳﻦ
اﻟﺰواج ﺗﻘﺎﻃﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻄﻼب ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺞ ،ﻓﺮﻓﻀﺖ ﻃﻠﺒﻬﻢ ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻮاﻟﺪﻳﻬﺎ :إن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
واﻟﴩاﺋﻊ ﻗﺪ اﺗﻔﻘﺖ ﻋﲆ وﺟﻮب ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﲆ املﺮأة ،ﻓﺄﺧﺠﻞ أن أﺧﺘﺎر ﻣﻦ ﻻ ﻳﻜﻮن
أﻫﻼ ﻟﻬﺬا املﻘﺎم اﻟﺴﺎﻣﻲ .وﺣﺪث أن أﺣﺪ اﻷﴍاف دﺧﻞ ﻣﺨﺰن أﺑﻴﻬﺎ ورأى إﻧﺸﺎءاﺗﻬﺎ ً
ﻓﺪﻫﺶ ﻣﻦ ﺑﺮاﻋﺔ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ،وراﻋﻪ إﺗﻘﺎن ﻗﺮﻳﺤﺘﻬﺎ ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻳﺤﺜﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ
اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻟﺬﻟﻚ ﺑﺄﺑﻴﺎت ﺷﺎﺋﻘﺔ دﻗﻴﻘﺔ املﻌﻨﻰ أﻇﻬﺮت ﻓﻴﻬﺎ املﻮاﻧﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮل دون
وﺻﻮل املﺮأة إﱃ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ املﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ.
وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﺟﺮت املﻜﺎﺗﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﴩﻳﻒ اﺑﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻄﻴﺶ
ْ
ﻓﺄﺑﺖ. واﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ،ﻓﺄراد أن ﻳﺰوﺟﻪ ﺑﻬﺎ ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻨﻪ أن ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ وﻋﺰﻣﻬﺎ ﻳﻬﺪﻳﺎﻧﻪ ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﻴﻞ؛
وﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﴍة اﻷﴍاف؛ رﻏﺒﺔ ﰲ اﻻﻃﻼع ﻋﲆ ﺷﺌﻮﻧﻬﻢ،
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺒﺲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻋﻮاﺋﺪﻫﻢ اﻟﻘﺒﻴﺤﺔ ،وﻻ ﺷﺎرﻛﺘﻬﻢ ﰲ آراﺋﻬﻢ ،ﺑﻞ زادت ﺑﻬﻢ
اﺣﺘﻘﺎ ًرا؛ إذ ﻛﺎن دأﺑﻬﻢ اﻟﻄﺮب واملﻼﻫﻲ ،وﻫﻤﻬﻢ اﻟﺘﺄﻧﻖ ﺑﺎﻟﺰﻳﻨﺔ واملﻼﺑﺲ.
350
ﺣﺮف اﻟﺮاء
وﰲ ٤ﺷﺒﺎط )ﻓﱪاﻳﺮ( ﺳﻨﺔ ١٧٨٠م ،ﺗﺰوﺟﺖ ﺑ »روﻻﻧﺪ« ،أﺣﺪ ﻣﻔﺘﴚ املﻌﺎﻣﻞ ﰲ
رﺟﻼ ﻣﻦ ذوي اﻟﻮﺟﺎﻫﺔ واﻟﱪاﻋﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم ،ﺟﺎﻣﻌً ﺎ ﺑني اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻟﻴﻮن« — وﻛﺎن ً
واملﻜﺎرم ،ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ واملﺂﺛﺮ ،وﻟﻪ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﺗﺪل ﻋﲆ ﺟﻮدة ﻋﻘﻠﻪ — ﻓﺄﻗﺎﻣﺎ
ﺳﻨﺔ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻼ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ »إﻣﺒﺎن« ،ﺛﻢ رﺟﻌﺎ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ »ﻟﻴﻮن« ﺣﻴﺚ ﻗﻀﺖ أﺳﻌﺪ
أﻳﺎم ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وأﻇﻬﺮت ﻣﻨﺎﻗﺐ املﺮأة اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﺮﺗﺒﺖ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻮال ،وﻋﻜﻔﺖ
ﻋﲆ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﺑﻨﺘﻬﺎ وﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ إذا اﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ ﻣﺼﻴﻒ زوﺟﻬﺎ ﰲ»ﻟﺒﻼﺗﺒﻴﻪ«
ﺗﺨﺼﺺ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ﻟﺰﻳﺎرة املﺮﴇ واملﺴﺎﻛني املﺠﺎورﻳﻦ ﻟﻬﺎ ،وﺗﻌﺎﻟﺠﻬﻢ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ؛
ﻟﻌﺪم وﺟﻮد ﻃﺒﻴﺐ ﻳﻌﺎﻟﺠﻬﻢ ،ﻓﺄﺣﺒﻮﻫﺎ ﻣﺤﺒﺔ ﺗﻔﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎﺋﻞ
واﻟﻔﻮاﺿﻞ.
وﻟﻬﺎ ﻋﲆ زوﺟﻬﺎ اﻟﻔﻀﻞ اﻷﻋﻈﻢ ،ﻗﺎل أﺣﺪ أﺻﺤﺎﺑﻪ :ﻻ أرى ﺑني املﺤﺪﺛني ﻣﻦ ﻳﺸﺎﺑﻪ
ﻛﺎﻧﻮن اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ »روﻻﻧﺪ« .واﻟﺤﻖ أن ﻳﻘﺎل» :روﻻﻧﺪ« ﻣﺪﻳﻮن ﻻﻣﺮأﺗﻪ ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﻪ
وﻣﻌﺎرﻓﻪ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺨﺬة أﻓﻜﺎره؛ وﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻠﺢ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ؛
وﺗﻘﻮﱢم ﺑﺮاﻫﻴﻨﻪ ﺑﻐﺰارة ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ،وﻗﻮة ﺑﻴﺎﻧﻬﺎ ،واﺗﱢﻘﺎد ﺗﺼﻮراﺗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻃﺎر ﺻﻴﺘﻪ ﰲ
ﺑﻼﻏﺔ اﻹﻧﺸﺎء وﻗﻮة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ.
وملﺎ ﺑﻠﻐﻬﺎ ﻧﺒﺄ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﺗﻠﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﱰﺣﺎب ،زﻋﻤً ﺎ ﻣﻨﻬﺎ أن اﻟﺜﻮرة أﻗﺮب ﻃﺮﻳﻖ
ﻟﺴﻌﺎدة ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وأﺣﺴﻦ ﺑﴩى ﺑﺘﺒﺪﻳﻞ أﺣﻮال ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻷﻳﺎم ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺒﺬﻟﺖ ﻛﻞ ﻗﻮاﻫﺎ
ﰲ ﺗﺤﺮﻳﻚ اﻟﺨﻮاﻃﺮ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻤﺾ ﻃﻮﻳﻞ اﻟﺰﻣﺎن ﺣﺘﻰ أﴐﻣﺖ ﻧﺎر اﻟﻐرية واﻟﺤﻤﺎﺳﺔ
ﰲ ﻗﻠﻮب أﻫﻞ وﻃﻨﻬﺎ ،وﺣﺮﻛﺖ زوﺟﻬﺎ وأﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻓﺄداروا دوﻻب اﻟﺜﻮرة ﺑﻤﺪﻳﻨﺘﻬﻢ »ﻟﻴﻮن«،
وﻋ ﱠﻠﻖ آﻣﺎل اﻟﺸﻌﺐ »روﻻﻧﺪ« واﻣﺮأﺗﻪ ﺑﺨﻠﻊ ﻏ ﱢﻞ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻦ أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ ،ﻓﻮﻗﻒ ﻟﻬﻤﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ
اﻷﴍاف ﺑﺎملﺮﺻﺎد ،ووﺿﻌﻮا ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﻌﻴﻮن ،ﻓﻤﺎ ﺛﻨﺎﻫﻤﺎ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﺰﻣﻬﻤﺎ ،وزاد اﻟﻨﺎس
ﺣﺒٍّﺎ ﰲ »روﻻﻧﺪ« ،ﻓﺎﺧﺘﺎروه ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻟﻴﻮن« ﰲ ﻣﺠﻤﻊ اﻷﻣﺔ اﻟﺬي اﺳﺘﺪﻋﺎه »ﻟﻮﻳﺲ
اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ« ﰲ ﺑﺎدئ اﻟﺜﻮرة ،ﻓﺘﻮﺟﻪ ﻫﻮ واﻣﺮأﺗﻪ ﰲ ٢٠ﺷﺒﺎط )ﻓﱪاﻳﺮ( ﺳﻨﺔ ١٧٩١م
إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻛﺘﺒﺖ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ« ﻣﻘﺎﻟﺔ ﰲ أﺣﻮال ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻛﺎن ﻟﻬﺎ وﻗﻊ ﻋﻈﻴﻢ.
وﰲ آذار )ﻣﺎرس( ﺳﻨﺔ ١٧٩٢م ،اﻧﺘﺨﺐ زوﺟﻬﺎ وزﻳ ًﺮا ﻟﻠﺪاﺧﻠﻴﺔ ،وأﻋﺪ ﻟﺴﻜﻨﻪ ﻗﴫًا
ً
ﻣﻔﺮوﺷﺎ ﻣﺸﻴﺪًا ﺑﺎﻷﺛﺎث اﻟﻔﺎﺧﺮ ،وﻣُﺰﻳﱠﻨًﺎ ﺑﺎﻟﺰﻳﻨﺔ اﻟﺒﻬﻴﺔ ،ﻓﺪﺧﻠﺘﻪ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ« وﻛﺄﻧﻬﺎ
ﻃﻠﺐ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ أن ﻳُﺸري ﻋﲆ املﻠﻚ ﺑﺈﻋﻼن اﻟﺤﺮب ﻋﲆ ُﺧﻠﻘﺖ ﻟﻪ وﻟﻢ ﻳ َ
ُﺒﻦ إﻻ ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ملﺎ ُ
املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ وﺣﻠﻔﺎﺋﻬﻢ ،ﻛﺘﺒﺖ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻗﻮي اﻟﺤﺠﺔ ،ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺘﺄﺛري ،ﺣﺘﻰ دﻫﺶ
زوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺮاءﺗﻬﺎ وﻗﻮة أدﻟﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ ﺧﻠﻊ »روﻻﻧﺪ« ﻋﻦ وﻇﻴﻔﺘﻪ؛ وﻟﺬﻟﻚ
351
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﺷﺎرت اﻣﺮأﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﺮض ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻋﲆ املﺠﻤﻊ ﻟﺘﻌﻠﻢ اﻷﻣﺔ ﺳﺒﺐ ﺧﻠﻌﻪ ،ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﻌُ ﱠﺪ
ﻧﺴﺨﺎ ﻋﺪﻳﺪة ﰲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء املﻤﻠﻜﺔ ،ﻓﻬﺎﺟﺖ ً ﺿﺤﻴﺔ ﻟﺤﺐ اﻟﻮﻃﻦ ،ﺛﻢ ُ
ﻃﺒﻊ اﻟﻜﺘﺎب ووزع
اﻷﻣﺔ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﺰم املﻠﻚ أن ﻳُﺮﺟﻌَ ﻪ إﱃ ﻣﻨﺼﺒﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ زوﺟﺘﻪ ﺳﺒﺐ ﺧﻠﻌﻪ ﺛﻢ
ﻧﺼﺒﻪ ﺛﺎﻧﻴًﺎ.
واﺗﻔﻖ أن اﻟﺠﺎﻛﻮﻳني اﺟﺘﻬﺪوا أﻳﺎم ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﻠﻜﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ أن ﻳﻬﻴﺠﻮا اﻟﺸﻌﺐ
دﺧﻼ ﰲ املﻜﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ ﺗﺨﻠﻴﺺ ﻟﻴﻨﺘﻘﻤﻮا ﻣﻦ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ«؛ ﺑﺪﻋﻮى أن ﻟﻬﺎ ً
املﻠﻚ وإرﺟﺎﻋﻪ إﱃ ﻋﺮش ا ُمل ْﻠﻚ ،وﺗﻜﻠﻒ ﺑﺈﺗﻤﺎم ذﻟﻚ رﺟﻞ ﻟﺌﻴﻢ ﻳﺴﻤﻰ »أﺷﻴﻞ ﻓﻴﺎرد« ،ﻓﺄﻇﻬﺮ
ﺣﺰم »اﻟﺠريوﻧﺪﻳني« وﻫﻮ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﺎﻃﻨًﺎ أن ﻳﺘﺠﺴﺲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ،وﻳﺪﺑﺮ ﻋﲆ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ«
ﻣﻜﻴﺪة ،ﻓﻜﺎن ﻣﺤﺬ ًرا ﺣﺬرﻫﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄوﺟﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﻔﺔ وأﺑﻌﺪﺗﻪ ﻋﻨﻬﺎ اﺣﺘﻘﺎ ًرا واﺳﺘﺼﻐﺎ ًرا،
وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺢ ﺑﺎﺗﻬﺎﻣﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻊ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻔﻮذ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ
وﻏريﻫﺎ ﻣﺮاﺳﻠﺔ ﴎﻳﺔ واﺗﻔﺎق ﻋﲆ إﻧﻘﺎذ املﻠﻚ ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺎﻫﺎ دﻳﻮان »اﻟﻜﻮﻧﻘﺎﺗﺴﻴﻮن« ملﺮاﻓﻌﺔ
ﻏﺎﺻﺎ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻫري وﻫﻢ ﻳﺤﺘﺪﻣﻮن ٍّ ﺧﺼﻤﻬﺎ ،واملﺪاﻓﻌﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ املﺤﻔﻞ وﻛﺎن
ﻈﺎ ،وﻗﺪ ﻋﻼ ﻟﻐﻄﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﻠﺴﺖ ﺳﻜﺘﺖ اﻟﻀﻮﺿﺎء ،وأﺣﺪﻗﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﻧﻈﺎر ،ﻓﺪاﻓﻌﺖ ﻋﻦ ﻏﻴ ً
ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻋﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ دﻓﺎع أﻫﻞ اﻟﺤﻖ واﻟﺸﻴﻤﺔ واﻟﺸﻬﺎﻣﺔ ،ﻓﱪﱠأت ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﻠﻌﺜﻢ ﻟﺴﺎن
ﺧﺼﻤﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ﻓﺮﺟﻊ ﺑﺼﻔﻘﺔ ﺧﺎﴎة ،وأﺷﺎر اﻟﺮﺋﻴﺲ أن ﻳُﻈﻬﺮ اﻷﻋﻀﺎءُ ﻋﻼﻣﺎت
اﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻬﻨﺄﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﺻﻔﻘﻮا ﻟﻬﺎ اﺳﺘﺤﺴﺎﻧًﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ أﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻘﻢ ﻋﲆ
أﻋﺪاﺋﻬﺎ »ﻛﺪاﻧﺘﻮن« و»ﻣﺎرات« و»روﺑﺲ ﺑري«.
أﻣﺎ »روﺑﺲ ﺑري« ﻫﺬا ،ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﺧ ﱠﻠﺼﺖ ﺣﻴﺎﺗَﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ملﺎ ﺛﺎر اﻟﺸﻌﺐ وأراد ﻗﺘﻠﻪ
ﺣﻨﻘﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻔﺮ ﻣﺬﻋﻮ ًرا وﻗﺼﺪ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ« وزوﺟﻬﺎ ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ،وﺧﺒﺄﺗﻪ ﰲ ً
ﺑﻴﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻌﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﺧﻼﺻﻪ ﺑﺼﺪﻳﻖ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺴﻄﻮة ،ﻓﱪﱠأه ﻗﺒﻞ ﺻﺪور
اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ »روﺑﺲ ﺑري« إﻻ أﻧﻪ ﻗﺎﺑﻞ اﻹﺣﺴﺎن ﺑﺎﻹﺳﺎءة ،ﻓﺼﺎر أﺷﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠني
ﻋﲆ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ« وﻗﺘﻠﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎل »ﻻﻣﺮﺗني« اﻟﺸﻬري ﰲ ﺻﺪد ذﻟﻚ» :ﻻ ﺷﻚ أن ﻣﺪام
»روﻻﻧﺪ« ذﻛﺮت ﰲ ﺳﺠﻨﻬﺎ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺼﺖ ﺣﻴﺎة »روﺑﺲ ﺑري« ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻫﻮ
أﻳﻀﺎ ذﻛﺮﻫﺎ وﻫﻮ ﰲ أﻋﲆ ﻣﺠﺪه وﻗﻮﺗﻪ ،ﻓﻼ رﻳﺐ أن ذﻛﺮﻫﺎ ﻟﻪ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ أﺷﻜﻰ ﻣﻦ وﻗﻮع ً
اﻟﺴﻬﺎم«.
وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻣﺎ أﻟﻢ ﺑﺤﺰب اﻟﺠريوﻧﺪﻳني ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﺼﻴﺒﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺜﻮرة ،ﻓﻔﻲ
٣١أﻳﺎر ﺳﻨﺔ ١٧٩٣م ،أُودﻋﺖ ﻣﺪام »روﻻﻧﺪ« اﻟﺴﺠﻦ ،ﻓﺼﱪت ﻋﲆ ﻣﺸﺎﻗﻪ ﻛﻤﺎ ﺻﱪت
ﺷﻐﻼً ﺟﺎﻋﻠﺔ ﻟﻜﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎرً وﺛﺒﺘﺖ ﻋﲆ اﻷﻫﻮال ،ورﺗﺒﺖ أﺣﻮال ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﺎ ﻓﻴﻪ
352
ﺣﺮف اﻟﺮاء
ﺧﺼﻮﺻﻴٍّﺎ ،ﻓﻌﻴﻨﺖ وﻗﺘًﺎ ﻟﺪرس اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وآﺧﺮ ﻹﻧﺸﺎء ﻣﻘﺎﻻت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،وآﺧﺮ
ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﻤﻬﺎ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻗﻠﻮب املﺴﺠﻮﻧني وﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻐﺾ ﻋﻦ
ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ املﺎل.
وﰲ ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻓﺴﻴﻘﺖ ﻟﻠﺬﺑﺢ ﻣﻜﺘﻮﻓﺔ اﻟﻴﺪﻳﻦ
وﻋﻼﻣﺎت اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﺗﻠﻮح ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺻﺎرت ﺑﻤﺮأى ﻣﻦ ﺗﻤﺜﺎل اﻟﺤﺮﻳﺔ ،وﻛﺎن
ﻣﻨﺼﻮﺑًﺎ ﺣﻴﺚ املﺴﻠﺔ املﴫﻳﺔ اﻟﻴﻮم ،اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،ﻛﻢ ﻣﻦ ذﻧﺐ
ﻳﺮﺗﻜﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﺳﻤﻚ اﻟﻴﻮم ،أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،اﻧﻈﺮي ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻼﻋﺒﻮن ﺑﺎﺳﻤﻚ .وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ
وﴐﺑﺖ وﻗﺮﻃﺎﺳﺎ ﻟﺘﺨﻂ ﻣﺎ ﺟﺎل ﰲ ﺧﺎﻃﺮﻫﺎ وﻫﻲ أﻣﺎم اﻟﺠﻼد ،ﻓﻠﻢ ﺗُﻌ َ
ﻄﻬُ ﻤﺎُ ، ً ﻃﻠﺒﺖ ﻗﻠﻤً ﺎ
ﻋﻨﻘﻬﺎ وﻫﻲ ﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺳﺒﺐ اﻧﺘﺤﺎر زوﺟﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻋُ ﺮف
ﻣﻦ ورﻗﺔ وﺟﺪت ﰲ ﺟﻴﺒﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ،وﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ :ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﱄ ﺻﱪ ﻋﲆ اﻟﺒﻘﺎء ﺑﻌﺪ ﻣﻮت
اﻣﺮأﺗﻲ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻠﻮث ﺑﺎﻵﺛﺎم.
ﻫﻲ ﺑﻨﺖ إﻓﺮاﻳﻢ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮب ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت،
اﻟﻄﺎﺋﻌﺎت ﻷزواﺟﻬﻦ ،وﻗﺪ اﺗﺼﻔﺖ ﻣﻦ دون اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﺼﱪ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻋﲆ ﺑﻼء زوﺟﻬﺎ أﻳﻮب
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم؛ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ ﻣﺎل وﻻ وﻟﺪ وﻻ ﺻﺪﻳﻖ ،وﻻ أﺣﺪ ﻳ َْﻘﺮﺑُﻪ ﻏريﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ
ﺻﱪت ﻣﻌﻪ ﻋﲆ ﻣﻀﺾ ذاك اﻟﺒﻼء اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺄل وﺗﺄﺗﻴﻪ ﺑﻄﻌﺎم وﴍاب ،وﻳﺒﻴﺘﺎن
ﻳﺤﻤﺪان ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ ،وﻳﺮﺟﻮان ﻣﻨﻪ ﻋﻔﻮًا ﻋﲆ ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼء ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ
ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎم وﻫﻲ ﺗﺴﺄل ﻛﻌﺎدﺗﻬﺎ ،إذ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ إﺑﻠﻴﺲ ﰲ ﺻﻮرة رﺟﻞ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﻳﻦ ﺑﻌﻠﻚ
ﻳﺎ أﻣﺔ ﷲ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻮ ذاك ﻳَﺤ ﱡﻚ ُﻗ ُﺮوﺣﻪ ،وﺗﱰدد اﻟﺪﻳﺪان ﰲ ﺟﺴﺪه.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻃﻤﻊ أن ﺗﻜﻮن ﻛﻠﻤﺔ ﺟﺰع ،ﻓﻮﺳﻮس ﻟﻬﺎ وذ ﱠﻛﺮﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ
ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻴﻢ واملﺎل ،وذ ﱠﻛﺮﻫﺎ ﺟﻤﺎل أﻳﻮب وﺷﺒﺎﺑﻪ وﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻴﻪ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ اﻟﴬ ،وأن ذﻟﻚ
ﻓﴫﺧﺖ ،ﻓﻠﻤﺎ ﴏَ ﺧﺖ ﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺟﺰﻋﺖ ،ﻓﺄﺗﻰ ﺑﺴﺨﻠﺔ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ: ْ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ أﺑﺪًا،
ﻟﻴﺬﺑﺢ أﻳﻮب ﻫﺬه ﱄ وﺳﻴﱪأ ،ﻓﺠﺎءت ﺗﴫخ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻳﻮب ،إﱃ ﻣﺘﻰ ﻳﻌﺬﺑﻚ رﺑﻚ وﻻ
ﻳﺮﺣﻤﻚ؟ أﻳﻦ املﺎل؟ أﻳﻦ املﺎﺷﻴﺔ؟ أﻳﻦ اﻟﻮﻟﺪ؟ أﻳﻦ اﻟﺼﺪﻳﻖ؟ أﻳﻦ ﺛﻮﺑﻚ اﻟﺤﴪ ﻗﺪ ﺗﻐري
وﺻﺎر ﻣﺜﻞ اﻟﺮﻣﺎد؟ وأﻳﻦ ﺟﺴﻤﻚ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺬي ﻗﺪ ﺑﲇ ﻳﱰدد ﻓﻴﻪ اﻟﺪود؟ اذﺑﺢ ﻫﺬه اﻟﺴﻠﺨﺔ
واﺳﱰح.
353
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ أﻳﻮب :أﺗﺎك ﻋﺪو ﷲ ﻓﻨﻔﺦ ﻓﻴﻚ ﻓﺄﺟﺒﺘِﻪ ،أرأﻳﺖ ﻣﺎ ﺗﺒﻜني ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺎ
ﻓﻴﻪ ﻣﻦ املﺎل واﻟﻮﻟﺪ واﻟﺼﺤﺔ ،ﻣَ ﻦ أﻧْﻌَ ﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﷲ ،ﻗﺎل :ﻓﻜﻢ ﻣﺘﱠﻌﻨﺎ ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﺛﻤﺎﻧني ﺳﻨﺔ ،ﻗﺎل :ﻓﻤﻨﺬ ﻛﻢ اﺑﺘﻼﻧﺎ ﷲ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻊ ﺳﻨني ،ﻗﺎل :وﻳﻠﻚ ،وﷲ ﻣﺎ ﻋﺪﻟﺖ
وﻻ أﻧﺼﻔﺖ رﺑﻚ! أﻻ ﺻﱪت ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻼء اﻟﺬي اﺑﺘﻼﻧﺎ ﺑﻪ رﺑﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﰲ اﻟﺮﺧﺎء .وﷲ
ﻟﱧ ﺷﻔﺎﻧﻲ ﷲ ﻷﺟﻠﺪﻧﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻠﺪة ﻛﻤﺎ أﻣﺮﺗﻨﻲ أن أذﺑﺢ ﻟﻐري ﷲ .ﻃﻌﺎﻣﻚ وﴍاﺑﻚ اﻟﺬي
ﺗﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﻪ ﻋﲇ ﱠ ﺣﺮام ﻻ أذوق ﻣﻤﺎ ﺗﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ إذ ﻗﻠﺖ ﻫﺬا ،ﻓﺎﻏﺮﺑﻲ ﻋﻨﻲ ﻻ أراك،
ﻓﻄﺮدﻫﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ رأى أﻳﻮب اﻣﺮأﺗﻪ وﻗﺪ ﻃﺮدﻫﺎ وﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪه ﻃﻌﺎم وﻻ ﴍاب وﻻ ﺻﺪﻳﻖ؛ ﺧ ﱠﺮ هلل
ﻧﺖاﻟﴬ﴾ )اﻷﻧﺒﻴﺎء ،(٨٣ :ﺛﻢ رد اﻷﻣﺮ إﱃ رﺑﻪ ﻓﻘﺎل﴿ :وَأ َ َﺳﺎﺟﺪًا وﻗﺎل :ربﱢ ﴿أَﻧﱢﻲ ﻣَ ﱠﺴﻨ َِﻲ ﱡ ﱡ
ني﴾ )اﻷﻧﺒﻴﺎء ،(٨٣ :ﻓﺄوﺣﻰ ﷲ إﻟﻴﻪ أن ارﻛﺾ ﺑﺮﺟﻠﻚ ،ﻓﺮﻛﺾ ﻓﻨﺒﻌﺖ ﻋني أ َ ْرﺣَ ُﻢ اﻟ ﱠﺮاﺣِ ِﻤ َ
ﻣﺎء ﻓﺎﻏﺘﺴﻞ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ داﺋﻪ ﳾء ﻇﺎﻫﺮ إﻻ ﺳﻘﻂ ﺑﺄﺛﺮه ،وأذﻫﺐ ﷲ ﻋﻨﻪ ﻛﻞ أﻟﻢ وداء
وﻛﻞ ﺳﻘﻢ ،وﻋﺎد ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺒﺎﺑﻪ وﺟﻤﺎﻟﻪ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻛﺎن ،وأﻓﻀﻞ ﻣﻤﺎ ﻣﴣ ،وﺟﻌﻞ ﻳﻠﺘﻔﺖ
وﺷﻤﺎﻻ ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻞ ووﻟﺪ وﻣﺎل إﻻ وﻗﺪ ﺿﺎﻋﻔﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ،ﻓﺨﺮج ً ﻳﻤﻴﻨًﺎ
ﺣﺘﻰ ﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﻣﻜﺎن ﻣﴩف.
ﺛﻢ إن »رﺣﻤﺔ« ﻗﺎﻟﺖ :أرأﻳﺖ إن ﻛﺎن ﻗﺪ ﻃﺮدﻧﻲ ،إﱃ ﻣَ ﻦ أﻛﻠﻪ؟ أأدﻋﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت
وﻋﻄﺸﺎ وﻳﻀﻴﻊ ﻓﺘﺄﻛﻠﻪ اﻟﺴﺒﺎع؟ ﻓﻮﷲ ﻷرﺟﻌﻦ إﻟﻴﻪ .ﺛﻢ رﺟﻌﺖ ﻓﻼ ﻛﻨﺎﺳﺔ ﺗﺮى، ً ﺟﻮﻋً ﺎ
وﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ،وإذا ﻫﻲ ﻗﺪ ﺗﻐريت ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﻄﻮف ﺣﻮل ﻫﺬه اﻟﻜﻨﺎﺳﺔ
وﺗﺒﻜﻲ ،وذﻟﻚ ﺑﻤﺮأى ﻣﻦ أﻳﻮب ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﻳﻮب ﻓﺪﻋﺎﻫﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﻳﺎ أﻣﺔ
ﷲ؟ ﻓﺒﻜﺖ ،وﻗﺎﻟﺖ :أردت ذﻟﻚ املﺒﺘﲆ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻨﺒﻮذًا ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﺎﺳﺔ ﻻ أدري أﺿﺎع
أم ﻣﺎذا ُﻓﻌﻞ ﺑﻪ؟ ﻓﻘﺎل أﻳﻮب ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم :ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻚ؟ ﻓﺒﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻌﲇ ،ﻓﻬﻞ رأﻳﺘﻪ؟
ﻓﻘﺎل :وﻫﻞ ﺗﻌﺮﻓﻴﻨﻪ إذا رأﻳﺘﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﻫﻞ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﲆ أﺣﺪ رآه؟ ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻨﻈﺮ
إﻟﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ :أﻣﺎ إﻧﻪ أﺷﺒﻪ ﺧﻠﻖ ﷲ ﺑﻚ إذ ﻛﺎن ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ،ﻗﺎل :ﻓﺄﻧﺎ أﻳﻮب ،أﻣﺮﺗﻨﻲ أن أذﺑﺢ
ﻹﺑﻠﻴﺲ ،ﻓﺈﻧﻲ أﻃﻌﺖ ﷲ وﻋﺼﻴﺖ اﻟﺸﻴﻄﺎن ،ﻓﺮد ﻋﲇ ﱠ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﻦ ،ﻓﺎﻋﺘﻨﻘﺘﻪ ،ﻓﻘﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻣﺎ
ﻓﺎرﻗﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺎق ﺣﺘﻰ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ املﺎل واﻟﻮﻟﺪ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﺮأ أﻳﻮب أراد أن ﻳﱪ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﺑﺄن ﻳﺠﻠﺪ »رﺣﻤﺔ« ،ﻓﺄﻣﺮه ﷲ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ
ﻟﻄﺎﻓﺎ وﻳﴬﺑﻬﺎ ﴐﺑﺔ واﺣﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و َُﺧﺬْ ً ً
ﺧﻔﺎﻓﺎ اﻟﺸﺠﺮ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﺎﺋﺔ ﻗﻀﻴﺐ
ِﺑﻴَ ِﺪ َك ِﺿ ْﻐﺜًﺎ َﻓ ْ ِ
ﺎﴐب ﺑﱢ ِﻪ و ََﻻ ﺗَﺤْ ﻨ َ ْﺚ﴾ )ص.(٤٤ :
354
ﺣﺮف اﻟﺮاء
وﻗﻴﻞ :ﻛﺎﻧﺖ »رﺣﻤﺔ« ﺗﻜﺴﺐ ﻟﻪ ﻣﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﺘﺒﻴﻌﻪ وﺗﺠﻴﺌﻪ ﺑﻘﻮﺗﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻃﺎل
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﻼء وﺳﺌﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ أﺣﺪ ،اﻟﺘﻤﺴﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺗﻄﻌﻤﻪ ﻓﻤﺎ
وﺟﺪت ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﺠﺰت ﻗﺮﻧًﺎ ﻣﻦ رأﺳﻬﺎ ﻓﺒﺎﻋﺘﻪ ﺑﺮﻏﻴﻒ ،ﻓﺄﺗﺘﻪ ﺑﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﻳﻦ ﻗﺮﻧﻚ؟
ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ اﻟﺨﱪ ،ﻓﺤﺰن ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺷﻜﺮ ﺻﻨﻴﻌﻬﺎ.
355
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وإذا ﺑﺎﻟﻨﺴﻮة ﻗﺪ أﻗﺒﻠﻦ وﻟﻢ ﻳﺮ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻴﻬﻦ ،ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻪ :ﻣﺎ ﻇﻨﻚ ﺑﻄﺎﻟﺒﺔ وﺻﺎﻟﻚ؟
ﻓﻘﺎل :وأﻳﻦ ﻫﻲ؟ ﻗﻠﻦ ﻟﻪ :ﻣﴣ ﺑﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ إﱃ اﻟﺴﻤﺎوة ،ﻓﺄﻧﺸﺪ:
وﺗﻮﺟﻪ إﱃ أﺑﻴﻬﺎ ﻫﻮ وﺻﺎﺣﺐ ﻟﻪ ،ﻓﺄﻛﺮم وﻓﺎدﺗﻬﻤﺎ وﺳﺄﻟﻬﻤﺎ ﻋﻦ أﻣﺮﻫﻤﺎ وﻗﺎل :اذﻛﺮا
ﺣﺎﺟﺘﻜﻤﺎ ،ﻓﺄﺧﱪاه ﺑﺨﻄﺒﺔ ﻋﺘﺒﺔ إﱃ اﺑﻨﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل :ذﻟﻚ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺪﺧﻞ وأﺧﱪﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ
وﺷﻜﺮت ﻟﻪ ﻋﺘﺒﺔ ،ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ ﻧﻤﻰ إﱄ ﱠ أﻣﺮك ﻣﻌﻪ ،وأﻗﺴﻢ ﻻ أزوﺟﻚ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إن اﻷﻧﺼﺎر
ِ
أﴍت ﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﺮدون ردٍّا ﻗﺒﻴﺤً ﺎ ،ﻓﺈن ﻛﺎن وﻻ ﺑﺪ ﻓﺎﻏﻠﻆ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﻬﺮ ،ﻓﻘﺎل :ﻧِﻌْ َﻢ ﻣﺎ
ﺧﺮج ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ أﺟﺒﺖ وﻟﻜﻦ ﻋﲆ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،وﺧﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﻣﺎﺋﺔ ﺛﻮب ﻣﻦ
َ
أﺟﺒﺖ؟ اﻷﺑﺮاد واﻟﺨﺰ ،وﺧﻤﺴﺔ أﻗﺮاص ﻣﻦ اﻟﻌﻨﱪ ،ﻓﻀﻤﻨﺎ ذﻟﻚ وﻗﺎﻻ ﻟﻪ :إذا أﺣﴬﻧﺎﻫﺎ ﻟﻚ
ﻗﺎل :أﺟﺒﺖ ،ﻓﺄﺣﴬوا ﻟﻪ ذﻟﻚ ﻓﺄوﻟﻢ أرﺑﻌني ﻳﻮﻣً ﺎ .ﺛﻢ أﺧﺬﻫﺎ وﻣﴣ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎرب املﺪﻳﻨﺔ
ﺧﺮج ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻴﻞ ﻛﺜرية ،ﻓﻘﺎﺗﻞ ﻋﺘﺒﺔ ﺣﺘﻰ ُﻗﺘﻞ ،ﻓﺤني ﻋﻠﻤﺖ رﻳﺎ ﺑﻤﻮﺗﻪ ﺟﺎءت وﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً
ﻣ ٍّﺮا ﺣﺘﻰ أﺑﻜﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﺎن ﺣﺎﴐً ا ،وأﻧﺸﺪت:
أﻋ ﻠ ﻞ ﻧ ﻔ ﺴ ﻲ أﻧ ﻬ ﺎ ﺑ ﻚ ﻻﺣ ﻘ ﺔ ﺗ ﺼ ﺒ ﺮت ﻻ أﻧ ﻲ ﺻ ﺒ ﺮت وإﻧ ﻤ ﺎ
أﻣ ﺎﻣ ﻚ ﻣ ﻦ دون اﻟ ﺒ ﺮﻳ ﺔ ﺳ ﺎﺑ ﻘ ﺔ وﻟﻮ أﻧﺼﻔﺖ روﺣﻲ ﻟﻜﺎﻧﺖ إﻟﻰ اﻟﺮدى
ﺧ ﻠ ﻴ ًﻼ وﻻ ﻧ ﻔ ﺲ ﻟ ﻨ ﻔ ﺴ ﻲ ﻣ ﻮاﻓ ﻘ ﺔ ﻓ ﻤ ﺎ أﺣ ﺪ ﺑ ﻌ ﺪي وﺑ ﻌ ﺪك ﻣ ﻨ ﺼ ﻒ
ﺛﻢ ﺷﻬﻘﺖ ﺷﻬﻘﺔ ﻓﻤﺎﺗﺖ ،ﻓﻮاروﻫﻤﺎ اﻟﱰاب ﰲ ﻗﱪ واﺣﺪ ،ﻓﻨﺒﺖ ﻋﲆ ﻗﱪﻫﻤﺎ ﺷﺠﺮة،
ﻓﺴﻤﻮﻫﺎ ﺷﺠﺮة اﻟﻌﺮوﺳني.
وﻣﻦ ﻗﻮل ﻋﺘﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ:
356
ﺣﺮف اﻟﺮاء
وﻗﻮﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
ﺑﻪ ﺑﺎرﺣﺎت اﻟﺼﻴﻒ ﺑﺪءً ورﺟﱠ ﻌﺎ أﻣﻦ ذﻛﺮ دار ﺑﺎﻟﺮﻗﺎﺷﻴﻦ أﻋﺼﻔﺖ
ﻣ ﺰارك ﻣ ﻦ رﻳ ﺎ وﺳ ﻌ ﻴ ﺎﻛ ﻤ ﺎ ﻣ ﻌ ﺎ ﺣ ﻨ ﻨ ﺖ إﻟ ﻰ رﻳ ﺎ وﻧ ﻔ ﺴ ﻚ ﺑ ﺎﻋ ﺪت
وﻳﺠﺰع إن داﻋﻲ اﻟﺼﺒﺎﺑﺔ أﺳﻤﻌﺎ ﻓﻤﺎ ﺣﺴﻦ أن ﻳﺄﺗﻲ اﻷﻣﺮ ﻃﺎﺋﻌً ﺎ
وﻟﻢ ﺗﺮ ﺷﻌﺒﻲ ﺻﺎﺣﺒﻴﻦ ﺗﻘﻄﻌﺎ ﻛ ﺄﻧ ﻚ ﻟ ﻢ ﺗ ﺴ ﻤ ﻊ وداع ﻣ ﻔ ﺎرق
ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﻠﻢ أﺳﺒﻠﺘﺎ ﻣﻌﺎ ﺑﻜﺖ ﻋﻴﻨﻲ اﻟﻴﻤﻨﻰ ﻓﻠﻤﺎ زﺟﺮﺗﻬﺎ
وﺣﺎﻟﺖ ﺑﻨﺎت اﻟﺸﻮق ﺗﺤﺘﻲ ﻧﺰﻋﺎ وﻟ ﻤ ﺎ رأﻳ ﺖ اﻟ ﺒ ﺸ ﺮ أﻋ ﺮض دوﻧ ﻨ ﺎ
رﺟﻌﺖ ﻣﻦ اﻹﺻﻐﺎء أﻟﻮي وأﺟﺰﻋﺎ ﺗﻠﻔﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻲ ﺣﺘﻰ وﺟﺪﺗﻨﻲ
ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺪي ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ أن ﺗﺼﺪﱠﻋﺎ وأذﻛ ﺮ أﻳ ﺎم اﻟ ﺤ ﻤ ﻰ ﺛ ﻢ أﻧ ﺜ ﻨ ﻲ
357
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺪ ﺳﻤﻊ اﻣﺮأة ﺗﻨﺎدي اﺑﻨﺘﻬﺎ :ﻳﺎ رﻳﺎ ،ﻓﺴﻘﻂ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺎﺣﺘﻤﻠﻮه إﱃ ﺑﺴﺘﺎن
ﻫﻨﺎك وأﺿﺠﻌﻮه ،ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق أﻧﺸﺪ:
وﻟﻢ ﻳﺰل ﻳﺮددﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﴤ ﻋﻠﻴﻪ ،وملﺎ وﺻﻞ ﺧﱪه داﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺪ ﻣﺎ أﻣﺴﻜﺖ
ﻣﻌﻪ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﴩاب ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺒﻜﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ .وﻣﻦ ﻟﻄﻴﻒ ﺷﻌﺮه ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ:
358
ﺣﺮف اﻟﺮاء
ﻫﻲ أﺧﺖ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺠﻼن ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ اﻟﻬﺬﱄ .ﻗﺘﻠﻪ ﺑﻨﻮ ﻓﻬﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻏﺰواﺗﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ أﺧﺘﻪ
ﺗﺮﺛﻴﻪ:
وﻛﺎﻧﺖ رﻳﻄﺔ ﻫﺬه ﻣﻦ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﺎﻷدب واﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ،ﻟﻢ
ٍ
ﻣﺮاث ﻏري ً
ﻣﻨﻄﻘﺎ ،وأﻟﻄﻒ ﺷﺎرة .ﻟﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻳﻜﻦ ﰲ زﻣﺎﻧﻬﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺳرية ،وأﻋﺬب
ﻫﺬه ،وﻟﻢ ﺗﻤﻜﺚ زﻣﻨًﺎ ﺑﻌﺪ أﺧﻴﻬﺎ؛ وذﻟﻚ ﻟﺤﺰﻧﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ.
359
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻣﻮت اﻟﺮﺷﻴﺪ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻴﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺂﺑﺔ واﻟﺬل وﺧﻔﺾ اﻟﺠﻨﺎح؛ وذﻟﻚ ملﺎ وﻗﻊ ﺑني اﻷﻣني
واملﺄﻣﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ وﻟﺪﻫﺎ اﻷﻣني ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء .وﻗﺪ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻠﻤﺄﻣﻮن
ﺑﺄﺑﻴﺎت ﺗﺮﺛﻲ ﺑﻬﺎ ﺳﻮء ﺣﺎﻟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻘﺪ وﻟﺪﻫﺎ؛ وﻫﻲ:
وأﻓ ﻀ ﻞ ﺳ ﺎ ٍم ﻓ ﻮق أﻋ ﻮاد ﻣ ﻨ ﺒ ﺮ ﻟ ﺨ ﻴ ﺮ إﻣ ﺎم ﻗ ﺎم ﻣ ﻦ ﺧ ﻴ ﺮ ﻋ ﻨ ﺼ ﺮ
وﻟ ﻠ ﻤ ﻠ ﻚ اﻟ ﻤ ﺄﻣ ﻮن ﻣ ﻦ أم ﺟ ﻌ ﻔ ﺮ ﻟ ﻮارث ﻋ ﻠ ﻢ اﻷوﻟ ﻴ ﻦ وﻓ ﻬ ﻤ ﻬ ﻢ
إﻟﻴﻚ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻣﻦ ﺟﻔﻮن وﻣﺤﺠﺮ ﻛ ﺘ ﺒ ﺖ وﻋ ﻴ ﻨ ﻲ ﻣ ﺴ ﺘ ﻬ ﻞ دﻣ ﻮﻋ ﻬ ﺎ
وأرق ﻋﻴﻨﻲ ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﺗﻔﻜﺮي وﻗ ﺪ ﻣ ﺴ ﻨ ﻲ ﺿ ﻴ ﺮ وذل ﻛ ﺂﺑ ﺔ
ﻓ ﺄﻣ ﺮي ﻋ ﻈ ﻴ ﻢ ﻣ ﻨ ﻜ ﺮ ﻋ ﻨ ﺪ ﻣ ﻨ ﻜ ﺮ وﻫ ﻤ ﺖ ﻟ ﻤ ﺎ ﻻﻗ ﻴ ﺖ ﺑ ﻌ ﺪ ﻣ ﺼ ﺎﺑ ﻪ
إﻟ ﻴ ﻚ ﺷ ﻜ ﺎة اﻟ ﻤ ﺴ ﺘ ﻀ ﻴ ﺮ اﻟ ﻤ ﻘ ﻬ ﺮ ﺳ ﺄﺷ ﻜ ﻮ اﻟ ﺬي ﻻﻗ ﻴ ﺘ ﻪ ﺑ ﻌ ﺪ ﻓ ﻘ ﺪه
ﻓ ﺄﻧ ﺖ ﻟ ﺒ ﻴ ﺘ ﻲ ﺧ ﻴ ﺮ رب ﻣ ﻌ ﻤ ﺮ وأرﺟﻮ ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻣﺮ ﺑﻲ ﻣﺬ ﻓﻘﺪﺗﻪ
ﻓ ﻤ ﺎ ﻃ ﺎﻫ ٌﺮ ﻓ ﻴ ﻤ ﺎ أﺗ ﻰ ﺑ ﻤ ﻄ ﻬ ﺮ أﺗ ﻰ ﻃ ﺎﻫ ﺮ ،ﻻ ﻃ ﻬ ﺮ اﻟ ﻠ ﻪ ﻃ ﺎﻫ ًﺮا
وذﻟﻚ ﻷن ﻃﺎﻫﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﺤﺮب اﻷﻣني وﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻗﺘﻠﻪ.
وأﻧ ﻬ ﺐَ أﻣ ﻮاﻟ ﻲ وأﺧ ﺮبَ دُوري ﻓﺄﺧﺮﺟﻨﻲ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ اﻟﻮﺟﻪ ﺣﺎﺳ ًﺮا
وﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﻲ ﻣﻦ ﻧﺎﻗﺺ اﻟﺨﻠﻖ أﻋﻮر ﻳ ﻌ ﺰ ﻋ ﻠ ﻰ ﻫ ﺎرون ﻣ ﺎ ﻗ ﺪ ﻟ ﻘ ﻴ ﺘ ﻪ
ﺻﺒ ُ
ﺮت ﻷﻣ ﺮ ﻣ ﻦ ﻗ ﺪﻳ ﺮ ُﻣ ﻘ ﺪر ﻓ ﺈن ﻛ ﺎن ﻣ ﺎ أﺑ ﺪى ﺑ ﺄﻣ ﺮ أﻣ ﺮﺗ ﻪ
ﻓ ﺪﻳ ﺘ ﻚ ﻣ ﻦ ذي ﺣ ﺮﻣ ﺔ ﻣ ﺘ ﺬﻛ ﺮ ﺗ ﺬﻛ ﺮ أﻣ ﻴ ﺮ اﻟ ﻤ ﺆﻣ ﻨ ﻴ ﻦ ﻗ ﺮاﺑ ﺘ ﻲ
362
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأﻫﺎ املﺄﻣﻮن ﺑﻜﻰ وﻗﺎل :أﻧﺎ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﺑﺜﺄر أﺧﻲ ،ﻗﺘَﻞ ﷲ َﻗﺘَ َﻠﺘﻪ .ﺛﻢ إن املﺄﻣﻮن
ﻋﻄﻒ ﻋﲆ زﺑﻴﺪة ﻓﺠﻌﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﰲ ﻗﴫ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وأﻗﺎم ﻟﻬﺎ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ واﻟﺨﺪم واﻟﺠﻮاري،
وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﴐة ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻪ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ُز ﱠﻓﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﻬﺎ ﺑﻮران ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴﻦ ،وﻃﻠﺒﺖ ﻟﻬﺎ
ﺑﻮران ﻣﻨﻪ اﻹذن ﺑﺎﻟﺤﺞ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ إﱃ ﻃﻠﺒﻬﺎ ،وأﻟﺒﺴﺖ ﺑﻮران ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ ﻣﻼﺑﺴﻬﺎ.
وأﻣﺎ ﺣﺠﺘﻬﺎ املﺸﻬﻮرة ﻓﻘﻴﻞ :أﻧﻔﻘﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﺑﻨﺎء املﺴﺎﺟﺪ واﻟﺼﺪﻗﺎت أﻟﻒ أﻟﻒ
وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،وأﺟﺮت املﺎء ﻣﻦ دﺟﻠﺔ إﱃ ﻋﺮﻓﺎت ،ﺛﻢ إﱃ ﻣﻜﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﻘﺖ أﻫﻠﻬﺎ —
ﻛﻤﺎ ﻣﺮ .وﻫﺬه ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ ﻓﺎملﺎء اﻟﺬي أﺟﺮﺗﻪ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ دﺟﻠﺔ .ﻗﻴﻞ :وأﺟﺮت
ﻧﺒﻊ اﻟﻌﺮﻋﺎر ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﻟﺒﻨﺎن إﱃ ﺑريوت ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﱃ وادي املﻜﻠﺲ ،ﻓﺒﻨﻮا ﻟﻪ ﻃﺒﻘﺎت
ﻗﻨﺎﻃﺮ ﺣﺘﻰ ﺟﺮى املﺎء ﻓﻮﻗﻬﺎ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ اﻵﺧﺮ وﺗﻄﺮق إﱃ ﺑريوت؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻣﺮت ﻣﻦ
ﻗﻠﻴﻼ ،وإﱃ اﻵن ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺬه اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ :ﻗﻨﺎﻃﺮ زﺑﻴﺪة. ﻫﻨﺎك ﰲ ﺣﺠﺘﻬﺎ املﺬﻛﻮرة ﻓﻮﺟﺪت املﺎء ً
واﻷرﺟﺢ أن ﺑﺎﻧﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ زﻧﻮﺑﻴﺔ ،ﻣﻠﻜﺔ ﺗﺪﻣﺮ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ زﺑﻴﺪة
أﻳﻀﺎ .وﻟﻬﺎ آﺛﺎر ﻛﺜرية ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﺗﺪﻋﻰ اﻟﺰﺑﻴﺪﻳﺔ — ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻧ ُ ْ
ﺴﺒﺖ إﻟﻴﻬﺎ — ﻣﻨﻬﺎ ِﺑ ْﺮﻛﺔ ﰲ ً
ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻜﺔ ﺑني اﻟﻌﻘﻴﻖ واﻟﻌﺬﻳﺐ ،ﺑﻬﺎ ﻗﴫ وﻣﺴﺠﺪ ﻋﻤﺮﺗﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻬﺎ ،وﻣﺤﻼت ﺑﺒﻐﺪاد
أﻳﻀﺎ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،وﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎﻟﻬﺎ وﺳﻌﺔ ﻧﻔﻘﺘﻬﺎ ﴐب املﺜﻞ اﻟﺤﺮﻳﺮي ﺑﻘﻮﻟﻪ» :ﻟﻮ ﻣﺸﻬﻮرة ً
ﺣﺒﺘﻚ ﺷريﻳﻦ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ،وزﺑﻴﺪة ﺑﻤﺎﻟﻬﺎ«.
وﻣﻤﺎ ﻳُﺤﻜﻰ ﻋﻦ ﺣﻠﻤﻬﺎ وﺣﺴﻦ أﺧﻼﻗﻬﺎ وﻓﻬﻤﻬﺎ ،أن أﺣﺪ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﺪﺣﻬﺎ ﺑﻘﺼﻴﺪة
ﻳﻘﻮل ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ:
اﻟﺨﺪَم ﺑﴬﺑﻪ وﻃﺮده — وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺧﻠﻒ اﻟﺴﺘﺎرة ﺗﺴﻤﻌﻪ — ﻓﻘﺎﻟﺖ :دﻋﻮه؛ ﻓﻬ ﱠﻢ َ
ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳ ُِﺮ ْد إﻻ ﺧريًا ،وﻟﻜﻨﻪ أﺧﻄﺄ اﻟﺼﻮاب ،ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺷﻤﺎﻟﻚ أﻧﺪى ﻣﻦ ﻳﻤني ﻏريك،
وﻗﻔﺎك أﺣﺴﻦ ﻣﻦ وﺟﻪ ﺳﻮاك ،ﻓﻈﻦ أن اﻟﺬي ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻘﺒﻴﻞ .أﻋْ ُ
ﻄﻮه ﻣﺎ أﻣﱠ ﻞ،
وﻧﺒﱢﻬﻮه ﻋﲆ ﻣﺎ أﻫﻤَ ﻞ .وأﺧﺒﺎرﻫﺎ ﻛﺜرية ،ﻣﻨﻬﺎ :أﻧﻪ ﺣﺼﻞ ﺟﻔﺎء ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني املﺄﻣﻮن ﻳﻮﻣً ﺎ،
ﻄﻔﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل:ﻓﻮﺟﻬﺖ إﱃ أﺑﻲ اﻟﻌﺘﺎﻫﻴﺔ ﺗُﻌﻠﻤﻪ ﺑﺬﻟﻚ وﺗﺄﻣﺮه ﺑﺄن ﻳﻘﻮل أﺑﻴﺎﺗًﺎ ﺗُﻌ ﱢ
363
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ املﺄﻣﻮن ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﺣﺴﻦ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ﻋﻨﺪه ،وأﺣﺴﻦ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺑﻜﻰ وﻗﺎم ﻣﻦ
وﻗﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وأﻛﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﺒﱠﻠﺖ ﻳﺪﻳﻪ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﺟﻔﻮﺗﻚ ﺗﻌﻤﺪًا ،وﻟﻜﻦ ُﺷﻐﻠﺖ ﻋﻨﻚ ﺑﻤﺎ
ﺣﺴﻦ رأﻳﻚ ﻟﻢ ﻳﻮﺣﺸﻨﻲ ﺷﻐﻠﻚ ،وأﺗ ﱠﻢ ﻳﻮﻣﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ إﻏﻔﺎﻟﻪ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،إذا ُ
ﻋﻨﺪﻫﺎ.
ﻗﺎل اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ رﺑﺎح :ﻛﺎن ﻣﺨﺎرق املﻐﻨﻲ ﻳﻬﻮى ﺟﺎرﻳﺔ ﻷم ﺟﻌﻔﺮ ﻳﻘﺎل
ﻟﻬﺎ :ﻧﻬﺎر ،وﻳﺴﱰ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻣﻮﻻﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻬﺎ ذﻟﻚ ،ﻓﺄ َ َ
ﻗﺼﺘْﻪ وﻣﻨﻌﺘﻪ ﻋﻦ املﺮور ﺑﺒﺎﺑﻬﺎ،
ً
إﺟﻼﻻ ﻷم وﻛﺎن ﺑﻬﺎ ﻛﻠ ًِﻔﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻪ اﻟﺨﱪ أن أم ﺟﻌﻔﺮ ﻋﻠﻤﺖ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﻗﻄﻌﻬﺎ وﺗﺠﺎﻓﺎﻫﺎ
ﺟﻌﻔﺮ ،وﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺴﻠﻮ ﻋﻨﻬﺎ ،وﺑﻘﻲ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺿﺎق ذرﻋﻪ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ذات ﻟﻴﻠﺔ
راﻛﺐ ﰲ زﻻل ،وﻗﺪ اﻧﴫف ﻣﻦ دار املﺄﻣﻮن وأم ﺟﻌﻔﺮ ،وﻛﺎن ﻳﴩف ﻋﲆ دﺟﻠﺔ ،إذ ﺟﺎز
ﺑﻤﺴﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ وﻣﺮأى اﻧﺪﻓﻊ ﻳﻐﻨﻲ:
ٍ دارﻫﺎ ،ﻓﺮأى اﻟﺸﻤﻊ ﻳُﺰﻫﺮ ﻓﻴﻬﺎ ،وملﺎ ﺻﺎر
ﻓﻘﺎﻟﺖ أم ﺟﻌﻔﺮ :ﻣﺨﺎرق وﷲ ،ردﱡوه ،ﻓﺼﺎﺣﻮا ﺑﻪ :ﻗﺪﱢم ،ﻓﻘﺪم ،وأﻣﺮه اﻟﺨﺪم
ﺑﺎﻟﺼﻌﻮد ﻓﺼﻌﺪ ،وأﻣﺮت ﻟﻪ أم ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻜﺮﳼ وﺻﻴﻨﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻴﺬ ،ﻓﴩب وﺧﻠﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ،
وأﻣﺮت اﻟﺠﻮاري ﻓﻐﻨﻴﻨﻪ ،ﺛﻢ ﴐﺑﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻐﻨﻰ ،وﻛﺎن أول ﻣﺎ ﻏﻨﻰ ﺑﻪ:
364
ﺣﺮف اﻟﺰاي
وملﺎ اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ ﻏﻨﺎﺋﻪ اﻧﺪﻓﻌﺖ ﻧﻬﺎر ﻓﻐﻨﱠﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺒﺎﻳﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﻗﺼﺪﻫﺎ إﺟﺎﺑﺘﻪ ﻋﻦ
ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻋ ﱠﺮض ﻟﻬﺎ ﺑﻪ:
ﻓﻔﻄﻨﺖ أم ﺟﻌﻔﺮ أﻧﻬﺎ ﺧﺎﻃﺒﺖ ﺑﻤﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻀﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺑﺄﻣﻠﺢ ﻣﻤﺎ
ﺻﻨﻌﺘﻤﺎ ،ووﻫﺒﺘﻬﺎ ﻟﻪ.
وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ أﺑﻮ اﻟﻌﺘﺎﻫﻴﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻗﺎل :ملﺎ ﺟﻠﺲ اﻷﻣني ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ أﻧﺸﺪت أﺑﻴﺎﺗًﺎ
ﻫﻲ:
إﻧ ﻤ ﺎ أﻧ ﺖ رﺣ ﻤ ﺔ ﻟ ﻠ ﺮﻋ ﻴ ﻪ ﻳ ﺎ اﺑ ﻦ ﻋ ﻢ اﻟ ﻨﺒ ﻲ ﺧﻴ ﺮ اﻟ ﺒﺮﻳ ﻪ
ﺑ ﻠ ﺒ ﺎب اﻟ ﺨ ﻼﻓ ﺔ اﻟ ﻬ ﺎﺷ ﻤ ﻴ ﻪ ﻳﺎ أﻣﻴﻦ اﻟﻬﺪى اﻷﻣﻴﻦ اﻟﻤﺼﻔﻰ
ـ ﺮ وﻛ ﻒ ﺑ ﺎﻟ ﻤ ﻜ ﺮﻣ ﺎت ﻧ ﺪﻳ ﻪ ﻟ ﻚ ﻧ ﻔ ﺲ أﻣ ﺎرة ﻟ ﻚ ﺑ ﺎﻟ ﺨ ﻴ ـ
ـ ﻠ ﺖ ﻟ ﻠ ﻤ ﺴ ﻠ ﻤ ﻴ ﻦ ﻧ ﻔ ﺲ ﻗ ﻮﻳ ﻪ إن ﻧﻔ ًﺴﺎ ﺗﺤﻤﻠﺖ ﻣﻨﻚ ﻣﺎ ﺣﻤـ
وﺑﻌﺪ ﻓﺮاﻏﻪ ﻣﻦ اﻷﺑﻴﺎت ذﻫﺐ ﻷم ﺟﻌﻔﺮ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻧﺸﺪﻧﻲ ﻣﺎ أﻧﺸﺪت أﻣري املﺆﻣﻨني،
ﻓﺄﻧﺸﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﻦ ﻫﺬا ﻣﻦ ﻣﺪاﺋﺤﻚ ﰲ املﻬﺪي واﻟﺮﺷﻴﺪ؟ ﻓﻐﻀﺐ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أﻧﺸﺪت
أﻣري املﺆﻣﻨني ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻤﻠﺢ وأﻧﺎ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻓﻴﻪ:
365
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ :ﻛﺎن املﺄﻣﻮن ﻳُﻮﺟﱢ ﻪ إﱃ أم ﺟﻌﻔﺮ زﺑﻴﺪة ﰲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ
دﻳﻨﺎر ﺟُ ُﺪدًا ،وأﻟﻒ أﻟﻒ درﻫﻢ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻌﻄﻲ أﺑﺎ اﻟﻌﺘﺎﻫﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ دﻳﻨﺎر وأﻟﻒ درﻫﻢ،
ﻓﺄﻏﻔﻠﺘﻪ ﺳﻨﺔ ،ﻓﺮﻓﻊ رﻗﻌﺔ إﱃ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ وﻗﺎل ﻟﻪ :ﺿﻌﻬﺎ ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ،ﻓﻮﺿﻌﻬﺎ،
وﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﺎ وﷲ أﻏﻔﻠﻨﺎه ،ﻓﻮﺟﱠ ﻬﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﻳﺪي اﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ املﺬﻛﻮر .وﻟﻬﺎ
أﺧﺒﺎر ﻛﺜرية ﺧﻼف ﻫﺬه ،وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﺒﻐﺪاد ﰲ ﺟﻤﺎدى اﻷوﱃ ﺳﻨﺔ ٢١٦ﻫﺠﺮﻳﺔ.
رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
زﺑﻴﺪة اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ أﺳﻌﺪ ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺰة اﻟﺤﻨﻴﻔﻴﺔ .ذﻛﺮﻫﺎ املﺮادي ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ
ﻣﺸﺎﻫري أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻟﻠﻬﺠﺮة وﻗﺎل :ﻫﻲ أم اﻟﻔﻄﻨﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮة املﺸﻬﻮرة،
وﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺪﻳﻮان ،اﻷدﻳﺒﺔ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ،اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ اﻟﺤﺎذﻗﺔ.
وﻟﺪت ﺑﺎﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ،وﻧﺸﺄت ﺑﻜﻨﻒ واﻟﺪﻫﺎ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم املﻮﱃ أﺳﻌﺪ ،ﻣﻔﺘﻲ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﻗﺮأت اﻟﻘﺮآن ،واﺷﺘﻐﻠﺖ ﺑﺄﺧﺬ اﻟﻔﻨﻮن ،وﻗﺮأت اﻟﻔﻘﻪ واﻟﻠﻐﺔ واﻵداب ،وﻧﻈﻤﺖ
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻔﺎرﳼ واﻟﱰﻛﻲ ،وﺗﻌﻠﻘﺖ ﻋﲆ اﻷدب ،واﺷﺘﻬﺮ ذﻛﺮﻫﺎ ،وﺷﺎع ﺻﻴﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺨﱰع ﻛﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺒﺘﻜﺮ ﺗﺤﺎر ﺑﻪ اﻷﻟﺒﺎب ،واﻣﺘﺪﺣﺖ ﺳﻼﻃني وﻗﺘﻬﺎ ووزراءه ،واﺷﺘﻐﻠﺖ
ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻜﺘﺐ ،واﺗﺼﻞ ﺑﻬﺎ املﻮﱃ اﻟﺮﺋﻴﺲ ،ودروﻳﺶ ﻋﺒﺪ ﷲ ،ﻧﻘﻴﺐ اﻷﴍاف وﻗﺎﺋﺪ
اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ،وﺗﻨﺎﻓﺲ اﻟﻨﺎس ﺑﺸﻌﺮﻫﺎ وﺗﺪاوﻟﺘﻪ اﻷﻳﺪي .وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﰲ ذي اﻟﻘﻌﺪة ﺳﻨﺔ
١١٩٤م.
366
ﺣﺮف اﻟﺰاي
367
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺿﻌﻔﺖ ﻳﺪاه ﺳﻘﻄﺘﺎ ﻓﻘﻄﺮ ﻣﻦ دﻣﻪ ﺧﺎرج اﻟﻄﺸﺖ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ ﺗُﻀﻴﱢﻌﻮا دم املﻠﻚ ،ﻓﻘﺎل
ﺟﺬﻳﻤﺔ :دﻋﻮا دﻣً ﺎ ﺿﻴﱠﻌﻪ أﻫﻠُﻪ ،ﺛﻢ ﻫﻠﻚ ﺟﺬﻳﻤﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺤﺎل.
أرﺿﺎ ﺑﻌﻴﺪة ،وﻗﺪوأﻣﺎ ﻗﺼري ﻓﻘﺪ ﺟﺮت ﺑﻪ اﻟﻌﺼﺎ إﱃ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ،وﻗﺪ ﻗﻄﻌﺖ ً
ﺳﻘﻄﺖ ﺑﻪ ﻣﻴﺘﺔ ﻓﺪﻓﻨﻬﺎ وﺑﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻨﺎء ،وﺳﺎر ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻋﲆ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺪي وﻗﺎل ﻟﻪ:
ﺗﻬﻴﱠﺄ وﻻ ﺗَ ِﻄ ﱠﻞ دم ﺧﺎﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل :وﻛﻴﻒ ﱄ ﺑﻬﺎ وﻫﻲ أﻣﻨﻊ ﻣﻦ ﻋﻘﺎب اﻟﺠﻮ؟
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺰﺑﺎء ﻗﺪ ﺳﺄﻟﺖ ﻛﻬﻨﺘﻬﺎ ﻋﻦ أﻣﺮﻫﺎ وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻮﺗﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :ﻧﺮى ﻗﺘﻠﻚ ﻳﻜﻮن
ﻓﺤﺬرت ﻋﻤ ًﺮا ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،واﺗﺨﺬت ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﴎﺑًﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ْ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺪي،
إﱃ ﺣﺼﻦ ﻟﻬﺎ داﺧﻞ ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻓﺎﺟﺄﻫﺎ أﻣﺮ دﺧﻠﺖ اﻟﴪب وﻣﻀﺖ إﱃ اﻟﺤﺼﻦ،
ﺑﺮﺟﻞ ﻣُﺼﻮﱢر ﺣﺎذق ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ وأرﺳﻠﺘﻪ إﱃ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺪي ﻣﺘﻨﻜ ًﺮا ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: ٍ ﺛﻢ دﻋﺖ
ً
وﻣﺘﻔﻀﻼ ،وﻣﺘﻨﻜ ًﺮا وﻣﺘﺴﻠﺤً ﺎ ﺑﻬﻴﺌﺘﻪ وﻟﺒﺴﺘﻪ وﻟﻮﻧﻪ ،وذﻟﻚ ﺣﺘﻰ إذا ً
وﺟﺎﻟﺴﺎ ﺻﻮﱢره ﻗﺎﺋﻤً ﺎ
رأﺗﻪ ﰲ أﻳﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻌﺮﻓﻪ ،ﻓﻔﻌﻞ ا ُملﺼﻮﱢر ﻣﺎ أﻣﺮﺗﻪ ﺑﻪ ،وأﺗﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻮر.
وأﻣﺎ ﻗﺼري ﻓﻘﺎل ﻟﻌﻤﺮو :اﺟﺪع أﻧﻔﻲ ،واﴐب ﻇﻬﺮي ،ودﻋﻨﻲ وإﻳﺎﻫﺎ ،ﻓﻔﻌﻞ ﺑﻪ
ﻋﻤﺮو ذﻟﻚ ،وﺧﺮج ﻗﺼري ﺣﺘﻰ ﻗﺪم ﻋﲆ اﻟﺰﺑﺎء ﻓﺄُدﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ أﺟﺪع ﻗﺎﻟﺖ:
ﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﺟﺪع ﻗﺼري أﻧﻔﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ اﻟﺬي أراه ﺑﻚ ﻳﺎ ﻗﺼري؟ ﻗﺎل :زﻋﻢ ﻋﻤﺮو أﻧﻲ
ُ
ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ إﻟﻴﻚ وﻗﺪ ﻏﺪرت ﺑﺨﺎﻟﻪ ،وزﻳﻨﺖ ﻟﻪ املﺴري إﻟﻴﻚ ،وﻣﺎﻷﺗُﻚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻔﻌﻞ ﺑﻲ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﻦ،
ورأت ﻣﺎ أﻋﺠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺰﻣﻪْ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻲ ﻻ أﻛﻮن ﻣﻊ أﺣﺪ ﻫﻮ أﺛﻘﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﻚ ،ﻓﺄﻛ َﺮﻣَ ﺘْﻪ،
ُ
وﺣﺬﻗﻪ ودراﻳﺘﻪ وﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﺄﻣﻮر املﻠﻚ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺮف أﻧﻬﺎ ﻗﺪ وﺛﻘﺖ ﺑﻪ ﻗﺎل :إن ﱄ ﺑﺎﻟﻌﺮاق
أﻣﻮاﻻ ﻛﺜرية ،وﱄ ﺑﻬﺎ ﻃﺮاﺋﻒ وﻋﻄﺮ ،ﻓﺎﺑﻌﺜﻴﻨﻲ ﻷﺣﻤﻞ ﻣﺎﱄ وأﺣﻤﻞ إﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻃﺮاﺋﻔﻬﺎ وﻣﻦ ً
ﺻﻨﻮف ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ،ﻓﺘﺼﻴﺒني أرﺑﺎﺣً ﺎ وﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻤﻠﻮك ﻏﻨًﻰ ﻋﻨﻪ،
أﻣﻮاﻻ ،وﺟﻬﺰت ﻣﻌﻪ اﻟﺪوابﱠ ،ﻓﺴﺎر ﺣﺘﻰ ﻗﺪم اﻟﻌﺮاق وأﺗﻰ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ً ﻓﺄذﻧﺘﻪ ودﻓﻌﺖ إﻟﻴﻪ
ﻋﺪي ﻣﺨﺘﻔﻴًﺎ وأﺧﱪه اﻟﺨﱪ.
وﻗﺎل :ﺟﻬﺰﻧﻲ ﺑﺼﻨﻮف اﻟﺒﺰ واﻟﻄﺮف ﻟﻌﻞ ﷲ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﺑﺎء ﻓﺘﺼﻴﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺛﺄرك،
ﻓﺄﻋﻄﺎه ﻣﺎ ﻃﻠﺐ ،وﻋﺎد ﺑﻪ إﱃ اﻟﺰﺑﺎء ،ﻓﺄﻋﺠﺒﻬﺎ ذﻟﻚ ﻛﺜريًا ،وزادت ﺑﻘﺼري ﺛﻘﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺟﻬﺰﺗﻪ
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺟﻬﺰﺗﻪ ﰲ املﺮة اﻷوﱃ ،ﻓﺴﺎر إﱃ اﻟﻌﺮاق وﻟﻢ ﻳﺪع ﻃﺮﻓﺔ إﻻ َﻗﺪِم ﺑﻬﺎ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻨﻪ ،ﺛﻢ ﻋﺎد اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ وﻗﺎل ﻟﻌﻤﺮو :اﺟﻤﻊ ﱄ ﺛﻘﺎت أﺻﺤﺎﺑﻚ وﺟﻨﺪك،
وﻫﻴﺊ ﻟﻬﻢ اﻟﻐﺮاﺋﺮ — وﻫﻲ ﻛﺎﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ،ﻛﺎن ﻫﻮ أول ﻣﻦ اﺧﱰﻋﻬﺎ — ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻬﻴﱠﺄت ﺟﻌﻞ
ﻛﻞ رﺟﻠني ﰲ ﻏﺮارﺗني ﻋﲆ ﻇﻬﺮ ﺑﻌري ،وﺟﻌﻞ ﻣﻌﻘﺪ رءوﺳﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻨﻬﻤﺎ ،وﻗﺎل ﻟﻌﻤﺮو:
إذا وﺻﻠﻨﺎ أﻗﻤﺘﻚ ﻋﲆ ﺑﺎب اﻟﴪب ،ﺛﻢ أﺧﺮﺟﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺮ ﻓﺼﺎﺣﻮا ﺑﺄﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ،
368
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻓﻤﻦ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ ﻗﺎﺗﻠﻮه ،وإن أﻗﺒﻠﺖ ﻫﻲ إﱃ ﴎﺑﻬﺎ ﻗﺘﻠﺘﻬﺎ أﻧﺖ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗ ﱠﻢ ذﻟﻚ ،ﺳﺎر ﻗﺼري ﻣﺠﺪٍّا
وﺑﴩﻫﺎ ﺑﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﺣﻤﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﺎل واﻟﺘﺤﻒ واﻟﺜﻴﺎب ،وﻛﺎن ﺣﺘﻰ إذا ﻗﺮب ﺳﺒﻖ إﻟﻴﻬﺎ ﱠ
املﺴري ﰲ اﻟﻠﻴﻞ ،وﻳﻜﻤﻦ ﰲ اﻟﻨﻬﺎر ﻟﺮاﺣﺔ اﻟﻘﻮم ،ﻓﺄﴍﻓﺖ اﻟﺰﺑﺎء ﻣﻦ ﻗﴫﻫﺎ وأﺑﴫت اﻹﺑﻞ
ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻷﺣﻤﺎل ﺗﺴري اﻟﻬﻮﻳﻨﺎ ،وﺗﻜﺎد ﻗﻮاﺋﻤﻬﺎ ﺗﺴﻮخ ﰲ اﻷرض ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻗﺼري:
أﺟﻨ ً
ﺪﻻ ﻳﺤﻤﻠﻦ أم ﺣﺪﻳﺪا؟ ﻣﺎ ﻟﻠﺠﻤﺎل ﻣﺸﻴﻬﺎ وﺋﻴﺪًا
أم اﻟﺮﺟﺎل ﺟﺜﻤً ﺎ ﻗﻌﻮدا؟ أم ﺻﺮﻓﺎﻧ ًﺎ ﺗ ِﺎر ًزا ﺷﺪﻳﺪًا
ﺛﻢ دﺧﻠﺖ اﻹﺑﻞ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﺳﻄﺘﻬﺎ أﻧﻴﺨﺖ وﺧﺮج اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺮ ،ودﺧﻞ
ﻋﻤﺮو ﻋﲆ ﺑﺎب اﻟﴪب ،ﺛﻢ وﺿﻌﻮا اﻟﺴﻴﻒ ﰲ أﻫﻞ اﻟﺒﻠﺪ ،وأﻗﺒﻠﺖ اﻟﺰﺑﺎء ﺗﺮﻳﺪ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ
ﻓﻤﺼﺖ ﺳﻤٍّ ﺎ ﻛﺎن ﺑﺨﺎﺗﻤﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻴﺪي ﻻ
ﱠ اﻟﴪب ،ﻓﻠﻤﺎ أﺑﴫت ﻋﻤ ًﺮا ﻋﺮﻓﺘﻪ ﺑﺎﻟﺼﻮرة،
ﺑﻴﺪ ﻋﻤﺮو ،وﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﻋﻤﺮو ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ ،وأﺻﺎب ﻣﺎ أﺻﺎب ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،ﺛﻢ رﺟﻊ إﱃ
اﻟﻌﺮاق وﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﴎﻳﺮ املﻠﻚ ﺑﻌﺪ ﺧﺎﻟﻪ ﺟﺬﻳﻤﺔ.
369
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
370
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻧﻌﻢ ،وﷲ ﻟﻘﺪ ﴎرت ﺑﺎﻟﺨﱪ ،ﻓﺄﻧﱠﻰ ﱄ ﺑﺘﺼﺪﻳﻖ اﻟﻔﻌﻞ ،ﻓﻀﺤﻚ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :وﷲ ﻟﻮﻓﺎؤﻛﻢ
ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ أﻋﺠﺐ ِﻣﻦ ﺣﺒﻜﻢ ﻟﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ .اذﻛﺮي ﺣﺎﺟﺘﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،آﻟﻴﺖ
ُ
أﻋﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ أﺑﺪًا ،ﺛﻢ اﻧﴫﻓﺖ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أرﺳﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ أن ﻻ أﺳﺄل أﻣريًا
ﺟﺎﺋﺰﺗﻬﺎ.
ﻫﻲ أﺧﺖ رﻳﺎح ﺑﻦ ﻣﺮة .ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎدة اﻟﺒﴫ ﻟﻴﺲ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻷرض أﺑﴫ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻟﻴﺎل ،ﻓﻠﻤﺎ أﻏﺎر ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻬﺎ املﻠﻚ ﺣﺴﺎن ،أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻴﻤﻦ،
ﺛﻼث ٍﺗﺒﴫ اﻟﺮاﻛﺐ ﻋﲆ ﻣﺴرية ِ
وﻛﺎن أﺧﻮﻫﺎ ﻣﻊ اﻟﻘﻮم — وذﻟﻚ ﰲ ﺧﱪ ﻃﻮﻳﻞ — وﺣني ﻗﺮﺑﻮا ﻣﻦ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﺣﺬرﻫﻢ رﻳﺎح
ﻣﻦ أﺧﺘﻪ ،وأﺧﱪﻫﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ اﻟﺮاﻛﺐ ﻣﻦ ﻣﺴرية ﻛﺬا ً
ﻣﻴﻼ ،وأﻣﺮﻫﻢ أن ﻳﻘﻠﻌﻮا اﻟﺸﺠﺮ،
وﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻳﺤﻤﻞ أﻣﺎﻣﻪ ﺷﺠﺮة ،ﻓﻔﻌﻠﻮا ﺛﻢ ﺳﺎروا ،وملﺎ أﴍﻓﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮﻫﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ
ﺟﺪﻳﺲ ،ﻟﻘﺪ ﺳﺎرت إﻟﻴﻜﻢ اﻟﺸﺠﺮ ،ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ذاك؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﺷﺠﺎر ﻳﺴري وراءﻫﺎ ﳾء،
ﻛﺘﻔﺎ ،أو ﻳﺨﺼﻒ ً
ﻧﻌﻼ ،ﻓﻜﺬﺑﻮﻫﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ رﺟﻼ ﻣﻦ وراء ﺷﺠﺮة ﻳﻨﻬﺶ ً وإﻧﻲ ﻷرى ً
ذﻛﺮت ،ﻓﻐﻔﻠﻮا ﻋﻦ أﺧﺬ أﻫﺒﺔ اﻟﺤﺮب .ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ ﺗﻘﻮل اﻟﺰرﻗﺎء ﻟﺠﺪﻳﺲ ﺗﺤﺬرﻫﻢ:
ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﻟﻬﺎ ،وﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﻠﻚ ﺣﺴﺎن ﺑﺤﻤري ﻓﺄﻓﻨﺎﻫﻢ وﺷﺘﺖ ﺷﻤﻠﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﻓﺮغ ﺣﺴﺎن ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺲ دﻋﺎ ﺑﺎﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺮة ﻓﺄﻣَ ﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻨُﺰﻋﺖ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ،ﻓﺈذا ﻫﻲ داﺧﻠﻬﺎ
ُ
ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺤﻞ ﻋﺮوق ﺳﻮد ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺣﺠﺮ أﺳﻮد — ﻳﻘﺎل ﻟﻪِ :
اﻹﺛﻤﺪ —
ً
ﻛﺤﻼ .وأﻣﺮ املﻠﻚ ﺑﻪ ،ﻓﻨﺸﺐ إﱃ ﺑﴫي .وﻛﺎﻧﺖ أول ﻣﻦ اﻛﺘﺤﻞ ﺑﻪ ،ﻓﺎﺗﺨﺬوه ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ
ﻠﺒﺖ ﻋﲆ ﺑﺎب ﺧﻴﻤﺘﻬﺎ — وﻫﻮ اﺳﻢ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﻳﺲ ﻣﻘﻴﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ — ﻓﺼ ْﺑﺎﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ُ
وﺳﻤﱢ ﻴﺖ اﻟﺰرﻗﺎء املﺬﻛﻮرة ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ.
371
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
372
ﺣﺮف اﻟﺰاي
373
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻠﻜﺖ ﻳﺪاي ﻣﻠﻜﻚ وﻃﻮع ﻳﻤﻴﻨﻚ ،ﻗﺎل :إذن ﻓﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﺬري ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑني ﻳﺪي رﺑﻲ
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ارﺗﻜﺎب املﻌﺼﻴﺔ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻗﺘﻞ ﺳﻴﺪي اﻟﺬي أﺣﺴﻦ إﱄ ﱠ .وﺑﻌﺪ ً إذ أﻛﻮن
ﻫﺬه املﺤﺎورة اﻟﺘﻔﺖ ﻳﻮﺳﻒ إﱃ ﺻﻨﻢ داﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ وﻋﻠﻴﻪ ﺳﱰ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ملﺎذا ﺳﱰت ﻫﺬا
اﻟﺼﻨﻢ؟
اﺳﺘﺤﻴﺖ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻘﺎل :إذا ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﺤني ﻣﻦ ﻫﺬا وﻫﻮ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ وﻻ ﻳﺮى ،وﻻ ُ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻳﻨﻔﻊ وﻻ ﻳﴬ ،ﻓﻜﻴﻒ أﻧﺎ ﻻ أﺧﺎف ﻣﻦ رﺑﻲ؟ وﻗﺎم وﺑﺎدر ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﺒﺎب ﻣﻦ ﻏري أن
ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺳﺒﺐ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب ،وﻗﺪ ﺷﻬﺪ اﻟﺤﻖ ﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ:
اﻟﺴﻮءَ وَا ْﻟ َﻔﺤْ َﺸﺎءَ ۚ إِﻧ ﱠ ُﻪ ِﻣ ْﻦ ﻋِ ﺒَﺎدِ ﻧَﺎ ا ْﻟﻤ ْ َ
ني﴾ )ﻳﻮﺳﻒ.(٢٤ : ُﺨ َﻠ ِﺼ َ ف ﻋَ ﻨ ْ ُﻪ ﱡ
ﴫ َ ﴿ َﻛ ٰﺬ ِﻟ َﻚ ِﻟﻨ َ ْ ِ
وملﺎ رأﺗﻪ ﻓ ﱠﺮ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺒﺎب أدرﻛﺘﻪ وﺟﺬﺑﺖ ﻗﻤﻴﺼﻪ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ،ﻓﺘﻤﺰق اﻟﻘﻤﻴﺺ ،وواﻓﻖ
ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أن اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣ ﱠﺮ ﺑﺎﻟﺒﺎب ﻳﺮﻳﺪ ﻗﻀﺎء ﺑﻌﺾ ﺣﻮاﺋﺠﻪ؛ ﻓﺈذا ﺑﻮﺟﺒﺔ ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ،ﻓﺈذا
ﺑﺎﻟﺒﺎب ﻳﺤﻤﻞ وﻳﺴﺎق ،ﻓﺪﻓﻊ اﻟﺒﺎب وﻗﺎل :ﻣَ ﻦ؟ ﻓﺈذا ﻳﻮﺳﻒ ﻣﻘﺪود اﻟﺜﻮب ﺑﺎﻛﻲ اﻟﻌني،
وإذا زﻟﻴﺨﺎ ﻧﺎﴍة اﻟﺸﻌﺮ ،ﻣﺤﻤﺮة اﻟﻮﺟﻪ ،ﺑﺎﻛﻴﺔ اﻟﻌني ،ﻓﻘﺎل اﻟﻌﺰﻳﺰ :ﻓﻴﻢ أﻧﺘﻤﺎ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ
زﻟﻴﺨﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﻏﻼﻣﻚ اﻟﻌﱪاﻧﻲ اﻟﺬي اﺋﺘﻤﻨﺘﻪ ﻋﲆ أﻫﻠﻚ ،وﻣﻨﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻔﻀﻠﻚ ،وأﺣﻠﻠﺘﻪ
ﻣﺤﻞ وﻟﺪك ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺄﻫﻠﻚ اﻟﺴﻮء.
ﻓﺄﻗﺒﻞ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻋﲆ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻮﺟﻬﻪ وﻗﺎل :ﻳﺎ ﻳﻮﺳﻒ ،ﻫﺬا ﺟﺰاﺋﻲ ﻣﻨﻚ ،اﺋﺘﻤﻨﺘﻚ ﻋﲆ
أﻫﲇ ،وأﺣﻠﻠﺘﻚ ﻣﺤﻞ اﻷوﻻد املﻜﺮﻣني ،ورﺟﻮت اﻟﺨري واﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻚ ،ﻓﴫت ﺗﺨﻮﻧﻨﻲ ﰲ
أﻫﲇ ،ﻓﻘﺎل ﻳﻮﺳﻒ :ﻣﻌﺎذ ﷲ أن أﺧﻮﻧﻚ ﰲ أﻫﻠﻚ وأرﴇ ﺑﺬﻟﻚ! ﺑﻞ ﻫﻲ راودﺗﻨﻲ ﻋﻦ ﻧﻔﴘ،
ﻓﻮﻗﻒ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﺘﺤريًا ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺗﺎرة ،وإﻟﻴﻪ أﺧﺮى ،ﻓﻘﺎل ﻳﻮﺳﻒ :إن ﱄ ﺷﺎﻫﺪًا ﻳﺸﻬﺪ
ﺑﱪاءﺗﻲ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻌﺰﻳﺰ :ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺎﻫﺪ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻜﻤﺎ أﺣﺪ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ؟ ﻓﻘﺎل :اﻧﻈﺮ ﻫﺬا
اﻟﻘﻤﻴﺺ ﻛﻴﻒ ُﻗ ﱠﺪ ﻣﻦ ُدﺑُﺮ ،ﻓﻠﻮ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ املﺮاود ﻟﻜﺎن اﻟﻘﻤﻴﺺ ُﻗ ﱠﺪ ﻣﻦ ُﻗﺒُﻞ ،وﻫﺬا ﺑﺮﻫﺎن
ﻣﺤﺴﻮس ﻋﲆ ذﻟﻚ .وﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﺑﻦ ﻋﻢ ﻟﺰﻟﻴﺨﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻫﺬا اﻟﺪﻟﻴﻞ وﺟﺪه ﻗﺎﻃﻌً ﺎ
ﻓﻘﺎل :اﻧﻈﺮ إﱃ ﻗﻤﻴﺼﻪ إن ﻛﺎن ﻗ ﱠﺪ ﻣﻦ ُﻗﺒُﻞ ﻓﺼﺪﻗﺖ وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﻜﺎذﺑني ،وإن ﻛﺎن ﻗﻤﻴﺼﻪ
ﻗ ﱠﺪ ﻣﻦ ُدﺑُﺮ ﻓﻜﺬﺑﺖ وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺼﺎدﻗني ،ﻓﻨﻈﺮ اﻟﻌﺰﻳﺰ إﱃ اﻟﻘﻤﻴﺺ ﻓﻮﺟﺪه ﻗ ﱠﺪ ﻣﻦ ُدﺑُﺮ،
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻛﻴﺪﻛﻦ ،إن ﻛﻴﺪﻛﻦ ﻋﻈﻴﻢ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻴﻮﺳﻒ :اﻛﺘﻢ ﻫﺬا وﻻ ﺗﺒﺢ ﺑﻪ
ﻷﺣﺪ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :اﺳﺘﻐﻔﺮي ﻟﺬﻧﺒﻚ؛ إﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺎﻃﺌني ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻬﺎ واﻧﴫف.
وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻴﻮﺳﻒ :ﻗﺪ ﻓﻀﺤﺘﻨﻲ وﷲ؛ ﻷﺳﻠﻤﻨﻚ ﻟﻠﻤﻌﺬﺑني ﻳُﻌﺬﱢﺑﻮﻧﻚ ﺣﺘﻰ
ﻟﻐﺮﺑﺘﻲ ﻓﺎهلل ﺣﺴﺒﻲ وﻧﻌﻢ ﻛﻨﺖ اﺣﺘَ َﻘ ْﺮﺗِﻨﻲ ُ ﻳﻨﺴ ﱠﻞ ﺟﺴﻤُﻚ ﻛﻤﺎ ﺳﻠﻠﺖ ﺟﺴﻤﻲ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إن ِ
اﻟﻮﻛﻴﻞ .واﺷﺘﻐﻠﺖ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﻜﻠﻔﻬﺎ ﺑﻪ ،وﺷﺎع اﻟﺨﱪ ﺑﻤﴫ أن اﻣﺮأة اﻟﻌﺰﻳﺰ راودت ﻓﺘﺎﻫﺎ
374
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺷﻐﻔﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ .وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ ﻧﺴﺎء املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء واﻟﻘﺎدة ﻣﺮ ًة وﺗﺬاﻛﺮن أﻣﺮﻫﺎ
ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﺤﻨﻪ وﻗﻠﻦ :إﻧﻬﺎ ﰲ ﺿﻼل ﻣﺒني ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ زﻟﻴﺨﺎ ،وﻋﻈﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄرادت أن ﺗُ ﱢﺒني
ﻋُ ﺬرﻫﺎ ﻟﻬﻦ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺼﻨﻌﺖ ﻟﻬﻦ ﺻﻨﻴﻌً ﺎ ،وأرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻬﻦ ﺗﺪﻋﻮﻫﻦ ﻟﻀﻴﺎﻓﺘﻬﺎ ،وﻫﻴﱠﺄت ﻟﻬﻦ
ﻣﺠﻠﺲ أﻧﺲ ،وأوﺟﺪت ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﻌﺪات اﻟﻄﺮب ،وﻛﻦ ﻋﴩ ﻧﺴﻮة ﻣﻦ ﻧﺴﺎء املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء،
وﻋﴩ ﺑﻨﺎت أﺑﻜﺎر ﻣﻦ ﺑﻨﺎت املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﺎوﻟﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻜﻞ واﺣﺪة
ﻣﻨﻬﻦ ﺻﺤﻔﺔ ﻣﻦ ﻋﺴﻞ وأﺗﺮﺟﺔ وﺳﻜﻴﻨًﺎ ﺣﺎدٍّا ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ :ﻣﺎ ﺣﻘﻲ ﻋﻠﻴﻜﻦ؟ ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ:
أﻧﺖ ﺳﻴﺪﺗﻨﺎ وﻛﺒريﺗﻨﺎ واملﻄﺎﻋﺔ ﻓﻴﻨﺎ ،ﻧﺴﻤﻊ ﻟﻚ وﻧﻄﻴﻊ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ :ﺑﺤﻘﻲ ﻋﻠﻴﻜﻦ إذا
ﻄﻌﺘﻦ ﻟﻪ ﻣﻤﺎ ﰲ أﻳﺪﻳﻜﻦ وأﻋﻄﻴﺘﻨﱠﻪ ﻳﺄﻛﻞ ،ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ :ﺣﺒٍّﺎ ﺧﺮج ﻋﻠﻴﻜﻦ ﻓﺘﺎي ﻳﻮﺳﻒ إﻻ ﻣﺎ ﻗ ﱠ
وﻛﺮاﻣﺔ.
ﻓﱰﻛﺘﻬﻦ وذﻫﺒﺖ إﱃ ﻳﻮﺳﻒ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻳﺎ ﻳﻮﺳﻒ ،أﻃﻌﻨﻲ اﻟﻴﻮم واﻋﺼﻨﻲ أﺑﺪًا،
ﻗﺎل :أﻣﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﺳﺨﻂ رﺑﻲ ﻓﻼ أﺑﺎﱄ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :دﻋﻨﻲ ﺣﺘﻰ أزﻳﻨﻚ وإن ﻛﻨﺖ
ﻓﺮﺻﻌﺖ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﺑﺎﻟﺪر واﻟﻴﺎﻗﻮت ،وﻛﻠﻠﺖ ﺟﺒﻴﻨﻪ ﺑﺎﻟﺠﻮﻫﺮ، ﱠ ﻣُﺰﻳﱠﻨًﺎ ،ﻗﺎل :اﺻﻨﻌﻲ ﻣﺎ ﺑﺪا ﻟﻚ،
ﻣﻨﺪﻳﻼ ﻣﻦً وأﻟﺒﺴﺘﻪ ﻗﺒﺎء أﺧﴬ ،وﻣﻨﻄﻘﺘﻪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ذﻫﺐ أﺣﻤﺮ ،ووﺿﻌﺖ ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻘﻪ
وﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ ذﻫﺐ ﰲ ﻳﺪه ،وﻗﺎﻟﺖ :اﺧﺮج ﻋﻠﻴﻬﻦ ،ﻓﻠﻮ رأﻳﻦ ﻣﻨﻚ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻟﺬﻫﺒﻦ ً اﻟﺴﻨﺪس،
ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻦ ،وﻟﱰﻛﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﴩاب َوﻟُﻤْ َﻦ أﻧﻔﺴﻬﻦ ﻛﻤﺎ ﻟُﻤْ ﻨﻨﻲ.
ﻄﻌﻦ ﰲ اﻷﺗﺮج ،ﻓﻠﻤﺎ رأﻳﻨﻪ ﻇﻨﻦ أﻧﻪ ﺻﻨﻢ زﻟﻴﺨﺎ اﻟﺬي ﻓﺨﺮج ﻋﻠﻴﻬﻦ وﻫﻦ ﻗﻌﻮد ﻳﻘ ﱠ
ﺗﻌﺒﺪه ،و ُﻛ ﱠﻦ ﻳﺴﻤﻌﻦ ﺑﻪ وﻳﺤﺒﺒﻦ أن ﻳﻨﻈﺮن إﻟﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﺪا ﻟﻬﻦ ﻳﻮﺳﻒ أﻛﱪﻧﻪ وﴏن
وأﻣﻌﻦ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻦ إﱃ ﱠ ﺷﺒﻪ اﻟﺴﻜﺎرى واﻟﺤﻴﺎرى ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﺗﻌﺠﺒﻬﻦ ﻣﻦ ﺑﻬﺎﺋﻪ وﻛﻤﺎﻟﻪ،
ﻄﻌﻦ ﻣﺎ ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻦ ﻛﻤﺎ ﴍﻃﺖ زﻟﻴﺨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻦ ،ﻓﴫن ﻳﻘﻄﻌﻦ ﺣﺴﻨﻪ وﺟﻤﺎﻟﻪ ،و ُرﻣْ ﻦ أن ﻳُﻘ ﱢ
أﻳﺪﻳﻬﻦ ،وﺻﺎرت اﻟﺪﻣﺎء ﺗﺴﻴﻞ ﰲ ﺣﺠﻮرﻫﻦ وﻻ ﻳﺠﺪن أﻟﻢ اﻟﻘﻄﻊ ،وﻻ ﺣﺪة اﻟﺴﻜﺎﻛني ،وﻻ
وﻗﻮع اﻟﺪم ﻋﲆ اﻷﺟﺴﺎم ،وﻳﻮﺳﻒ ﻳﻘﻮل :وﻳﺤﻜﻦ! ﻣﺎذا ﺗﺼﻨﻌﻦ ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻦ إﻧﻤﺎ أﻧﺎ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ
ﻋﺒﻴﺪ رﺑﻲ؟ وزﻟﻴﺨﺎ ﺗﻀﺤﻚ ﻣﻤﺎ ﺗﺮاه ﻣﻨﻬﻦ ﻣﻦ ﺗﻘﻄﻴﻊ أﻳﺪﻳﻬﻦ ،وذﻫﺎب ﻋﻘﻮﻟﻬﻦ ،وأﻣﺮﺗﻪ
ﺑﺎﻻﻧﴫاف ،ﻓﻠﻤﺎ ﻏﺎب ﻋﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﻦ رﺟﻌﻦ إﱃ ﺣﺴﻬﻦ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ زﻟﻴﺨﺎ :وﻳﺤﻜﻦ ﻣﻦ
ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة ﻓﻌﻠﺘﻦ ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻦ ﻫﺬا ،وأﻧﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻊ ﺳﻨني أﻗﺎﳼ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ أﻗﺎﳼ ،وأﺧﺪﻣﻪ
ﻋﲆ أﻃﺮاف اﻟﺒﻨﺎن وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌريﻧﻲ ﻃﺮﻓﻪ ،وﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي ،ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ :ﺣﺎﺷﺎ هلل ،ﻣﺎ ﻫﺬا
ﺑﴩً ا؛ إن ﻫﺬا إﻻ ﻣﻠﻚ ﻛﺮﻳﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻓﻌﻠﺘﻨﻪ ﺑﺄﻧﻔﺴﻜﻦ؟ ﻓﻠﻤﺎ رأﻳﻦ ﻣﺎ
ﺮن ﻣﺎ ﻟُﻤْ ﻨَﻬﺎ ﺑﻪ. ﻧﺰل ﺑﻬﻦ أدرﻛﻬﻦ اﻟﺨﺠﻞ وذ َﻛ َ
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ :ﻫﺬا اﻟﺬي ملﺘﻨﻨﻲ ﻓﻴﻪ ،وﻟﻘﺪ راودﺗﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺎﺳﺘﻌﺼﻢ وأﺑﻰ ،وﻟﱧ
ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ آﻣﺮه ﻷﺳﺠﻨﻨﻪ وأﻋﺬﺑﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﺎﻏﺮﻳﻦ .وﻗﺪ أﻗﺮت ﻟﻬﻦ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ
375
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﻜﻮﻧﻬﻦ ﻋﺬﱠاﻟﻬﺎ ،ورأﺗﻬﻦ وﻗﻌﻦ ﺑﻤﺎ وﻗﻌﺖ ﺑﻪ ،ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ :إﻧﻚ ملﻌﺬورة ،ﻓﻤُﺮﻳﻨﺎ أن ﻧُﻜ ﱢﻠﻤﻪ
ﺑﺸﺄﻧﻚ؛ ﻋﺴﺎه أن ﻳﻄﻴﻊ وﻳﺴﻤﻊ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻮﺑﺨﻪ ﻣﻦ إﻋﺮاض ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﺄذﻧﺖ ﻟﻬﻦ ﺑﺎﻟﺨﻠﻮة
ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ أن ﻳُﻤِ ﻠﻨﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ إذا ﺧ َﻠ ْﺖ ﺑﻪ ﺗﺪﻋﻮه إﱃ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﺸﻜﻮ
ﴏن إﻟﻴﻪ وﺟﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻳﻮﺳﻒ :ﻳﺎ رﺑﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ واﺣﺪة وﻟﻢ أﻗﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﻌﻨﺎﻳﺘﻚ ،وﻗﺪ ِ ْ
ف ﻋَ ﻨﱢﻲ َﻛﻴْﺪ َُﻫ ﱠﻦ أ َ ْ
ﺻﺐُ إ ِ َﻟﻴ ِْﻬ ﱠﻦ اﻟﺴﺠْ ُﻦ أَﺣَ ﺐﱡ إ ِ َﱄ ﱠ ِﻣﻤﱠ ﺎ ﻳَﺪْﻋُ ﻮﻧَﻨِﻲ إ ِ َﻟﻴْ ِﻪ ۖ َوإ ِ ﱠﻻ ﺗَ ْ ِ
ﴫ ْ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﴿ َربﱢ ﱢ
ني﴾ )ﻳﻮﺳﻒ.(٣٣ : وَأ َ ُﻛﻦ ﻣﱢ َﻦ ا ْﻟﺠَ ﺎﻫِ ِﻠ َ
وملﺎ رأﻳﻦ أن ﻻ ﺣﻴﻠﺔ ﻟﻬﻦ ﺑﺎﺳﺘﻤﺎﻟﺘﻪ ﻗﻠﻦ ﻟﻬﺎ :اﻓﻌﲇ ﻣﺎ ﺑﺪا ﻟﻚ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻄﺎوﻟﺘﻪ ﻣﺪة ﻣﻦ
اﻟﺰﻣﻦ ،وملﺎ ﻳﺌﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﺰوﺟﻬﺎ :إن ﻫﺬا اﻟﻐﻼم ﻓﻀﺤﻨﻲ ﺑني اﻟﻨﺎس ،وﻧ ﱠﻜﺲ رأﳼ ﺑني
ﻧﻈﺮاﺋﻲ ،وﻗﺪ ﺷﺎع ﺧﱪي وﺧﱪه ﰲ ﻣﴫ ،وﻻ ﺑﺮاءة ﱄ ﻋﻨﺪﻫﻢ إﻻ أن أﺣﺒﺴﻪ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ،
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ زوﺟﻬﺎ :ﻻ ﻳﺤﺒﺴﻪ إﻻ املﻠﻚ اﻟﺮﻳﺎن ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ .وﻛﺎن ﻣﺮاده أن ﻳَﺨ ُﺮج أﻣ ُﺮه ﻣﻦ
ﻳﺪﻫﺎ؛ ﻷﻧﻪ إذا ﻛﺎن أﻣﺮه ﺑﻴﺪﻫﺎ رﺑﻤﺎ ﺣﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ وأﺧﺮﺟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ
ﻟﺒﺴﺖ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وزﻳﻨﺘﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺎﺟﻬﺎ ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ،وﺧﺮﺟﺖ ﺣﺘﻰ أﺗﺖ إﱃ اﻟﺮﻳﺎن ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ
— وﻛﺎن ﰲ ﺑﻴﺘﻪ اﻷﻋﻈﻢ ،وﻫﻮ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻨﺤﺎس ﻓﻴﻪ اﻟﺰﺧﺎرف ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺠﻮاﻫﺮ
واملﻌﺎدن ،وﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﰲ أﻋﲆ اﻟﺒﺎب ﺣﺘﻰ إذا دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪ ﻳﺮاه ﻗﺒﻞ دﺧﻮﻟﻪ ،ﻓﺈن ﺷﺎء
أذن ﻟﻪ ،وإﻻ ﻳﻨﴫف.
وملﺎ رأى زﻟﻴﺨﺎ ﻣﻘﺒﻠﺔ أذن ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ،وأﻣﺮ اﻟﻐﻠﻤﺎن ﺑﻔﺘﺢ اﻷﺑﻮاب أﻣﺎﻣﻬﺎ — وﻛﺎﻧﺖ
ذات ﻗﺪر ﻋﻈﻴﻢ ﻋﻨﺪه ،ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت املﻠﻮك — وملﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ املﻠﻚ
ﺧﺮت ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪة ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ املﻠﻚ :ارﻓﻌﻲ رأﺳﻚ؛ ﻓﺄﻧﺖ املﻘﺮﺑﺔ املﺮﺿﻴﺔ ،وﺣﺎﺟﺘﻚ ﻋﻨﺪي
ﻣﻘﻀﻴﺔ ،ﻓﺮﻓﻌﺖ رأﺳﻬﺎ إﻟﻴﻪ وأﺧﺬت ﰲ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،دام ﻟﻚ اﻟﻌﺰ واﻟﺒﻘﺎء،
وأﻟﺒﺴﺖ ﺛﻮب اﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﺮﺧﺎء ،ﻟﻢ ﺗﺰل ﱄ ﻣﻜﺮﻣً ﺎ ،وﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺘﻲ ﻣﴪﻋً ﺎ .وإن ﻋﺒﺪي
اﻟﻌﱪاﻧﻲ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﴡ ﻋﲇﱠ ،وأُﺣﺐﱡ أن ﺗﺄذن ﱄ ﺑﺤﺒﺴﻪ ﰲ ﺳﺠﻦ املﺠﺮﻣني ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺄدب
وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣني ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻗﺪ أﺟﺒﺘُﻚ ،وﺟﻌﻠﺖ أﻣﺮ اﻟﺴﺠﻦ ﺑﻴﺪك ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻲ ﻓﺄﻃﻠﻘﻲ ﻣﻦ
ﺷﺌﺖ ،واﺣﺒﴘ ﻣﻦ ﺷﺌﺖ ،ﻓﺄﺧﺬت إذﻧﻪ ورﺟﻌﺖ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ،وأﻣﺮت ﺑﺈﺣﻀﺎر اﻟﺤﺪادﻳﻦ
إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻤﺜﻠﻮا ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ :إﻧﻲ أرﻳﺪ أن ﺗﺼﻨﻌﻮا ﱄ ﻗﻴﺪًا ﻣﺤﻜﻤً ﺎ ﻟﻌﺒﺪي ﻳﻮﺳﻒ
اﻟﻌﱪاﻧﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :أﻳﺘﻬﺎ املﻠﻜﺔ املﻄﺎﻋﺔ ﰲ أﻣﺮﻫﺎ ،اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﰲ ﻗﻮﻣﻬﺎ ،إﻧﺎ ﻧﺮى ﺑﺪﻧًﺎ ﻧﺎﻋﻤً ﺎ،
أﻧﻴﻘﺎ ،وإﻧﻪ ُرﺑﱢﻲ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،وﻋﺎﻓﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻘﻮى ﻋﲆ رﻗﻴﻘﺎ ،ووﺟﻬً ﺎ ً ً ً
وﺳﺎﻗﺎ
ﺣﻤﻞ اﻟﻘﻴﺪ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺜﻘﻴﻞ؟
376
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﻴﺪوه وﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻜﻢ ،ﻓﻘﺎل ﻳﻮﺳﻒ :اﻓﻌﻠﻮا ﻣﺎ أﻣ َﺮﺗْﻜﻢ ﺑﻪ؛ ﻓﺈﻧﻲ ﻣﻦ أﻫﻞ
ﺑﻴﺖ اﻟﺒﻼء ،ﻓﻘﻴﺪوه وﺣﻤﻠﻮه ﻋﲆ اﻷﻛﺘﺎف ،واﻧﻄﻠﻘﻮا ﺑﻪ إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،وﺗﺴﺎﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ
ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺣﺘﻰ ﻏﺼﺖ اﻟﻄﺮﻗﺎت ،وﺻﺎروا ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻴﻪ وﻳﻘﻮﻟﻮن :إﻧﻪ
ﻋﴡ ﺳﻴﺪﺗﻪ املﻠﻜﺔ ،وﻫﻮ ﻣُﻨ ﱢﻜ ٌﺲ رأﺳﻪ وﻳﻘﻮل :ﻫﺬا ﺧري ﻣﻦ ﻋﺼﻴﺎن رب اﻟﻌﺎملني ،ﻓﻠﻤﺎ
وﺻﻠﻮا ﺑﻪ إﱃ ﺑﺎب اﻟﺴﺠﻦ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻠﺴﺠﺎن :ﺧﺬْ ﻫﺬا؛ ﻓﺈن ﺳﻴﺪﺗﻪ ﻏﻀﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻣﺮت أن
ﻳُﺴﺠﻦ ﰲ ﺳﺠﻦ املﺠﺮﻣني ،ﻓﺄدﺧﻠﻪ اﻟﺴﺠﺎن إﱃ اﻟﺴﺠﻦ ،ووﺿﻌﻪ ﺑني أﺻﺤﺎب اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ
واﻟﺠﻨﺎﻳﺎت ،ودﺧﻞ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻋﲆ زﻟﻴﺨﺎ وﻗﺎل :ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﻴﻮﺳﻒ؟
ُ
أﻗﺴﻤﺖ ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﻴﱠﺪﺗﻪ وﺣﺒﺴﺘُﻪ — وﻛﺎن ﻣﺮادﻫﺎ أن ﺗﺨﺮﺟﻪ ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐ — ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ:
ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎملﻠﻚ اﻟﺮﻳﺎن ورأﺳﻪ إﻻ ﻣﺎ أﺑﻘﻴﺖ ﻳﻮﺳﻒ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ ﻣﺎ دام املﻠﻚ ﺣﻴٍّﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ
إﻻ إﺑﺮار اﻟﻘﺴﻢ ،وأدرﻛﻬﺎ اﻟﻨﺪم ،وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻋﺬ ًرا ﺗُﺨﺮﺟﻪ ﺑﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻌﺪ إذا ﺟﻦ اﻟﻠﻴﻞ
إﱃ أﻋﲆ ﻗﴫﻫﺎ وﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﺟﻬﺔ اﻟﺴﺠﻦ وﺗﺒﻜﻲ وﺗﻘﻮل :ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻳﻮﺳﻒ ،ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي أﻧﺎﺋﻢ
أﻧﺖ أم ﻳﻘﻈﺎن ،أﺟﺎﺋﻊ أﻧﺖ أم ﻋﻄﺸﺎن ،وﺗﺒﻘﻰ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﻨﺤﻴﺐ واﻟﺒﻜﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻔﺠﺮ
ً
وﺷﻮﻗﺎ إﻟﻴﻪ ،وﻗﺪ أﻧﺤﻠﻬﺎ اﻟﻐﺮام ،وﺧﺎﻟﻄﻬﺎ اﻟﻬﻴﺎم ،وداﺧﻠﻬﺎ اﻟﺴﻘﺎم، اﻟﺼﺒﺢ وﺟْ ﺪًا ﻋﻠﻴﻪ،
وﻫﺠﺮﻫﺎ املﻨﺎم ،وﺗﻌﺬر ﻋﲆ ﻧﺎﻋﺘﻬﺎ إﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ،وداﻣﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻻ ﺗﺸﻜﻮ إﻻ ﺑﺬﻛﺮه ،وﻻ ﺗﺴﺄل
إﻻ ﻋﻦ أﻣﺮه ﻣﺪة اﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ أذن ﷲ ﻟﻴﻮﺳﻒ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻛﻤﺎ ﺟﺎء
ﰲ ﻗﺼﺘﻪ.
وﻟﻢ ﻳﺸﺄ اﻟﺨﺮوج إﻻ ﺑﻌﺪ ﺑﺮاءة ﺳﺎﺣﺘﻪ ،ﻓﺠﺎء املﻠﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﻮة اﻟﻼﺗﻲ ﻗﻄﻌﻦ أﻳﺪﻳﻬﻦ
وﺳﺄﻟﻬﻦ ﻋﻦ ذﻧﺐ ﻳﻮﺳﻒ ،ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻣﺎ ﺧﻄﺒﻜﻦ إذ راودﺗﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ؟ وﻛﻴﻒ دﻋﻮﺗﻨﱠﻪ
إﱃ اﻟﻔﺎﺣﺸﺔ؟ ﻓﺄﻗﺮرن ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ وﻗﻠﻦ :ﺣﺎﺷﺎ هلل ،ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﻮء ،وﻻ ﻛﺎﻧﺖ رﻏﺒﺔ
ﻓﻴﻨﺎ وﻻ دﻋﻮة ﻟﻠﺰﻧﺎ ،وإﻧﻪ ﻟﱪيء اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻃﺎﻫﺮ اﻟﺬﻳﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ زﻟﻴﺨﺎ :ﻫﺬا وﻗﺖ ﺑﻴﺎن اﻟﺤﻖ
واﺿﻤﺤﻼل اﻟﺒﺎﻃﻞ .إن ﻣﺮاد ﺣﺒﻴﺒﻲ إﻗﺮاري؛ ﻓﺄﻧﺎ أﻗ ﱡﺮ ﺑﺬﻧﺒﻲ .اﻵن ﺣﺼﺤﺺ اﻟﺤﻖ ،أﻧﺎ
راودﺗﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ وإﻧﻪ ملﻦ اﻟﺼﺎدﻗني.
وملﺎ ﻇﻬﺮت ﺑﺮاءة ﻳﻮﺳﻒ ،وﺗﺒﻮﱠأ ا ُملﻠﻚ ،وﺣﺼﻞ اﻟﻘﺤﻂ ﰲ ﻣﴫ ،ﻧﴘ زﻟﻴﺨﺎ وﻟﻢ
ﻳﻔﺘﻜﺮ ﺑﻬﺎ ﻟﻜﺜﺮة أﺷﻐﺎﻟﻪ ،وﻗﺪ ﻣﺎت اﻟﻌﺰﻳﺰ زوﺟﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻟﻜﺜﺮة إﴎاﻓﻬﺎ ﻧﻔﺪت أﻣﻮاﻟﻬﺎ،
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ أﻳﺎم اﻟﻘﺤﻂ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﺑﻤﴫ ﰲ ﻣﺪة ﻳﻮﺳﻒ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﺷﻴﺌًﺎ، ً
ً
وﻣﺪﱠت ﻳﺪﻫﺎ ﻟﻠﺴﺆال ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ :ﻟﻮ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻠﺼﺪﱢﻳﻖ ﻟﺮﺣﻤﻚ وأﻋﻄﺎك ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس
ﻳُﻐﻨﻴﻚ.
وﻗﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ آﺧﺮﻳﻦ :ﻻ ﺗﻔﻌﲇ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻚ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ املﺮاودة ،وﻃﻮل
اﻟﺴﺠﻦ ،واملﺨﺎﻟﻔﺔ ،ﻓﻴُﴘء إﻟﻴﻚ وﻳﻌﺎﻗﺒﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺎ أﻋﻠﻢ ﺑﺤﺒﻴﺒﻲ ﻣﻨﻜﻢ؛ إن ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ
377
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺼﻔﺢ واﻻﺣﺘﻤﺎل ،واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ واﻻﺑﺘﻬﺎل ،ﺛﻢ ﻧﻬﻀﺖ ﺣﺘﻰ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ رﺑﻮة ﺑﻄﺮﻳﻘﻪ ،وﻛﺎن
ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻳﻮم ﻳﺮﻛﺐ ﻓﻴﻪ ﰲ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ،وﻛﺎن ﻳﺮﻛﺐ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺎء دوﻟﺘﻪ ووزراﺋﻪ وﻗﻮاده
وأﺣﺴﺖ ﺑﻪ ﻗﺎﻣﺖ وﻧﺎدت ﺑﺄﻋﲆ ﱠ وأرﺑﺎب ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﻧﺤﻮ املﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻧﻔﺲ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻗﺒﻞ ﻳﻮﺳﻒ
ﺻﻮﺗﻬﺎ :ﺳﺒﺤﺎن ﻣﻦ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻣﻠﻮ ًﻛﺎ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ،وﺟﻌﻞ املﻠﻮك ﻋﺒﻴﺪًا ﺑﺎملﻌﺼﻴﺔ ،ﻓﺄﻣﺴﻚ
اﻟﻌﻨﺎن وﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﻫﻲ واﻗﻔﺔ ﰲ ذﻟﻚ املﻜﺎن ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣَ ﻦ أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ
أﺧﺪﻣﻚ دﻫ ًﺮا ،وأُرﺟﱢ ﻞ ﺟﻤﱠ ﺘﻚ ،وﻛﺎن ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻗﺪ ذﻗﺖ وﺑﺎﻟﻪ ،وﻟﻘﻴﺖ
وﴏت أﺳﺄل اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻲ ،ﻓﻤﻨﻬﻢ ُ ﻧﻜﺎﻟﻪ ،وﺗﻐريت — ﻛﻤﺎ ﺗﺮى — أﺣﻮاﱄ،
ﻣَ ﻦ ﻳﺮﺣﻤﻨﻲ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻳُﻌﺮض ﻋﻨﻲ .وﻫﺬا ﺟﺰاء ﻣَ ﻦ ﺧﺎﻟﻒ ﻣﻮﻻه واﺗﺒﻊ ﻫﻮاه.
إﺷﻔﺎﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻫﻞ ﺑﻘﻲ ﺑﻘﻠﺒﻚ ﳾء ً ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﺑﻜﻰ
ﻣﻤﺎ ﻛﺎن؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻟﻨﻈﺮة ﻓﻴﻚ أﺣﺐ إﱄ ﱠ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﺎوﻟﻨﻲ ﻃﺮف
ﺳﻮﻃﻚ ،ﻓﻨﺎوﻟﻬﺎ إﻳﱠﺎه ﻓﻮﺿﻌﺘﻪ ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻓﺄﺣﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺎﻧﺘﻔﺎض ﻳﺪه ﻣﻊ اﻟﺴﻮط ﻣﻦ
ﺷﺪة اﻧﺘﻔﺎض ﻗﻠﺒﻬﺎ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ أﺻﺎب ﻗﻠﺒﻚ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻳﻮﺳﻒ ،ﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﺎ :اذﻫﺒﻲ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻚ ،وإﻧﺎ ﺳﻨﻨﻈﺮ ﰲ أﻣﺮك ،ﺛﻢ ذﻫﺐ ﺑﺎﻛﻴًﺎ ،وﺑﻌﺪ وﺻﻮﻟﻪ إﱃ ﻣﺴﺘﻘﺮه
رﺳﻮﻻ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﻘﻮل ﻟﻚ املﻠﻚ إن ﻛﻨﺖ أﻳﻤً ﺎ ﺗﺰوﺟﻨﺎك ،وإن ﻛﻨﺖ ذات ﺑﻌﻞ ً أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ
أﻏﻨﻴﻨﺎك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻠﺮﺳﻮل :إﻟﻴﻚ ﻋﻨﻲ؛ ﻓﺈن املﻠﻚ أﻋﺮف ﺑﺎهلل ﻣﻦ أن ﻳﺴﺘﻬﺰئ ﺑﻲ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ
ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱄ ﱠ أﻳﺎم ﺷﺒﺎﺑﻲ وﺟﻤﺎﱄ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﱄ ﱠ اﻵن؟ وﻟﻢ ﺗﺼﺪق ﻗﻮﻟﻪ ،ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺮﺳﻮل
وأﺧﱪ اﻟﺼﺪﱢﻳﻖ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ وذﻛﺮت ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،ﻓﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻏري واﺛﻘﺔ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮل.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻷﺳﺒﻮع اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣ ﱠﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻤﻮﻛﺒﻪ ،ﻓﺮآﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ رآﻫﺎ
رﺳﻞ ﺑﻪ إﻟﻴﻚ،ﺑﻬﺎ أول ﻣﺮة ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﰲ اﻷول ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﻟﻢ ﻳُﺒﻠﻐﻚ رﺳﻮﱄ ﻣﺎ أ ُ ِ
ﻓﻤﺎ ﺗﺮﻳﻦ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻟﻢ أﻗﻞ إن ﻧﻈﺮة إﻟﻴﻚ أﺣﺐ إﱄ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ .ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ
ذﻟﻚ أﻣﺮ ﺑﺤﻤﻠﻬﺎ إﱃ ﻗﴫه ،وأﺣﴬ اﻟﺸﻬﻮد وﺗﺰوﺟﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ُز ﱠﻓﺖ ﻋﻠﻴﻪ وأُدﺧﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻧﻈﺮ
ً
إﺷﻔﺎﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﻛﺮﻣﻬﺎ إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،ورﺗﱠﺐ ﻟﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﻳﻘﻮم ﺑﺄودﻫﺎ ،وﻟﻢ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺰاد
ﻳﻤﺾ زﻣ ٌﻦ ﺣﺘﻰ ﻋﺎد إﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وروﻧﻘﻬﺎ وﺑﻬﺎؤﻫﺎ وﻛﻤﺎﻟﻬﺎ ،وذﻟﻚ ِﻣﻦ ُﴎورﻫﺎ ﺑﻤﺎ ِ
ﺣﻼ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮام ،واﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ دﻧﻴﺎ إﱃ أﺧﺮى ﺑﻘﺪرة املﻠﻚ اﻟﻌﻼم. ﻧﺎﻟﺖ ﻣﻦ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ ٍّ
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻃﻠﺒﺖ إﻟﻴﻪ أن ﻳﺪﻋﻮ ﷲ أن ﻳﺮد ﻟﻬﺎ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﻔﻌﻞ ،وﻫﻨﺎﻟﻚ ﺗﺬﻛﺮت املﻨﺎم
اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ رأﺗﻪ ﻗﺒﻞ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻘﻄﻔري ،ﻓﺮأت أن ﺗﻔﺴريه ﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﺑﺰواﺟﻬﺎ ﺑﻴﻮﺳﻒ ،وأن
ﻟﺒﺴﺖ ﺗﺎج ﻣﴫ ﰲ ﻣﺪﺗﻪ ،وﺻﺎرت ﻣﻠﻜﺔ ﻛﻌﺎدة زﻣﺎﻧﻬﻢ .وملﺎ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﺳﻒ وﺟﺪﻫﺎ
ﺑﻜ ًﺮا ،ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻌﻠني ﺣني راودﺗﻨﻲ ﻋﻦ ﻧﻔﴘ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ
378
ﺣﺮف اﻟﺰاي
اﻟﺼﺪﻳﻖ ،اﻋﺬرﻧﻲ وﻻ ﺗﻠﻤﻨﻲ؛ ﻓﺈن ﷲ ﻛﺴﺎك ﺣﻠﺔ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺒﻬﺎء واﻟﻜﻤﺎل ،وﻛﺎن زوﺟﻲ
ﻋﻨﻴﻨًﺎ ﻻ ﻳﻘﺮب اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﻐﻠﺐ ﻋﲇ ﱠ ﺣﺐ اﻟﺸﻬﻮة ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ.
و ﱠملﺎ أﺗﺎﻫﺎ وﻟﺪت ﻟﻪ »إﻓﺮاﻳﻢ« وﺑﻌﺪه »ﻣﻨﺸﺎ« ،وذﻟﻚ ﰲ ﻣﺪة أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،وﻟﻢ ﺗﻠﺪ ﻟﻪ
ﺧﻼﻓﻬﻤﺎ ﻣﺪة ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ.
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ »ﻗﺴﻄﻨﻄني اﻟﺘﺎﺳﻊ«ُ .ز ﱠﻓﺖ إﱃ »روﻣﺎﻧﻮس اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﺳﻨﺔ ١٠٢٨م ،ﺛﻢ ﻋﺸﻘﺖ
ً
ﺻﺎﺋﻐﺎ ﻳﺪﻋﻰ »ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ« ،وﻫﻮ »ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ اﻟﺮاﺑﻊ« اﻟﺒﺎﻓﻼﻏﻮﻧﻲ ،ﻓﺄﻫﻠﻜﺖ زوﺟﻬﺎ وﺗﺰوﱠﺟﺘﻪ،
ﻓﺮﻗﻲ ﺗﺨﺖ املﻠﻚ ،وﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن أﺳﺎء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ،ﻓﺎﺗﻔﻘﺖ ﻣﻊ أﺧﻴﻪ — وﻋﲆ رواﻳﺔ اﺑﻦ
أﺧﻴﻪ — ﻳﻮﺣﻨﺎ ا ُمل ﱠﻠﻘﺐ ِﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ »ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ« ،وﺧﻠﻌﺎه ،ورﻗﻲ »ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ« ﺗﺨﺖ
أﻳﻀﺎ ،ﻓﺄﺛﺎرت ﻫﻴﺠﺎﻧًﺎ ﰲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ وﺧﻠﻌﺖ املﻠﻚ ﺳﻨﺔ ١٠٣٥م ،ﻓﺄﺳﺎء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ً
»ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ«َ ،
ورﻗ ْﺖ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻊ أﺧﺘﻬﺎ »ﺗﻴﻮدورا« ﻓﺘﺰوﱠﺟﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺴﺘني ﻣﻦ
ﻋﻤﺮﻫﺎ »ﻗﺴﻄﻨﻄني اﻟﻌﺎﴍ ﻣﻮﻧﻮﻣﺎﺧﻮس« ﺳﻨﺔ ،١٠٤٢ﻓﺼﻔﺎ ﻟﻬﺎ اﻟﺠﻮ وﺣﻜﻤﺖ ﻛﻴﻒ
ﺷﺎءت إﱃ أن ﻫﻠﻜﺖ ﺳﻨﺔ ١٠٥٢ﻣﻴﻼدﻳﺔ.
379
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﻪ أﺳﻮارﻫﺎ ﻋﻨﻮة ،ﻓﺄﻋﻤﻞ ﰲ أﻫﻠﻬﺎ اﻟﺴﻴﻒ ،وﰲ ﻗﺼﻮرﻫﺎ اﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ،ﺣﺘﻰ ﻏﺎدروﻫﺎ ﻗﺎﻋً ﺎ
ً
ﺻﻔﺼﻔﺎ ﻳﺄوي إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﻮم واﻟﻘﻄﺎ ،ﻧﺎدﺑﺔ ﺳﺎﻟﻒ ﻣﺠﺪﻫﺎ املﺬﻛﻮر ،وﻗﺪﻳﻢ ﻋﺰﻫﺎ املﺄﺛﻮر.
وأﻣﺎ »زﻧﻮﺑﻴﺎ« ﻓﺄﴎﻫﺎ »أورﻟﻴﺎن« وﻗﺎدﻫﺎ إﱃ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺮوﻣﺎن ذﻟﻴﻠﺔ ﺻﺎﻏﺮة ،ﺣﻴﺜﻤﺎ
دﺧﻠﻬﺎ ﺑﻤﻮﻛﺐ ﺣﺎﻓﻞ وﻫﻲ ﺗﺮﺳﻒ ﺑﻘﻴﻮدﻫﺎ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ أﻣﺎم اﻟﻌﻮاﺟﻞ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻋﺎم ٢٧٢
ﻟﻠﻤﻴﻼد .ﻓﺴﺒﺤﺎن اﻟﺤﻲ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣَ ﻦ ﻻ ﻋﺎﺻ َﻢ ﻣﻦ ﻳﺪﻳﻪ وﻻ واﻗﻲ.
وأﻣﺎ ﺗﺪﻣﺮ ﻓﻬﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ذات آﺛﺎر ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺨﻞ ،وﻳﺴﻤﻴﻬﺎ
ﻣﻴﻼ ﻋﻦ ﺣﻤﺺ اﻷﻗﺪﻣﻮن »ﺑﺎملريى« ،واﻗﻌﺔ ﺑني ﻧﻬﺮي اﻟﻔﺮات ،واﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺗﺒﻌﺪ ﻧﺤﻮ ً ٩٠
ﻣﻴﻼ ﻋﻦ دﻣﺸﻖ إﱃ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﴩﻗﻲ. إﱃ اﻟﴩق ،وً ١٥٠
ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺎﺳﻢ ﺗﺪﻣﺮ ﺑﻨﺖ ﺣﺴﺎن اﻟﺘﻲ ﺑﻨﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﰲ أﻳﺎﻣﻬﺎ ،واﻟﺼﺤﻴﺢ:
أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء ﺳﻠﻴﻤﺎن — ﻛﻤﺎ ورد ﰲ اﻟﺘﻮراة — وﻗﺪ زﻋﻢ اﻟﻌﺮب أن اﻟﺠﻦ ﺑﻨﻮﻫﺎ ﻟﻪ ،وﻋﲆ
ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ:
وﻟﻢ ﺗﻨﻞ ﺗﺪﻣﺮ ﻋ ٍّﺰا ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻧﺎﻟﺘﻪ ﰲ ﻣﺪة »زﻧﻮﺑﻴﺎ« ،وﻟﻢ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ روﻧﻘﻬﺎ اﻷﺻﲇ
أﺑﺪًا ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﺧﺮاﺋﺐ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﻳﺄوي إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﻮم واﻟﻐﺮﺑﺎن.
380
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﺳﻨﺔ وﻋﴩ ﺳﻨني ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻠﻘﺔ درﺳﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺨﻤﺴني ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ
ﺑﺎﻣﺮأة ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﺘﺤﺖ ﺣﻠﻘﺔ درس واﺟﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﻃﻼب ﻣﺜﻞ ﻃﻼب ﺣﻠﻘﺔ درﺳﻬﺎ.
اﻟﺴﻨﱠﺔ .ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻓﻆ اﺑﻦ ﺣﺠﺮ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻓﺎﺿﻞ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻟﻬﺎ اﻟﻴﺪ اﻟﻄﻮﱃ ﰲ ﻋﻠﻮم ﱡ
وأﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﺎﻓﻆ اﺑﻦ ﺣﺠﺮ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ،وﻟﻬﺎ رﺳﺎﺋﻞ ﰲ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺴﻨﺔ اﺳﺘﻨﺪ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء.
زﻳﻨﺐ املﺮﻳﺔ
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ أﺣﺪ ﻣﺸﺎﻫري اﻟﻌﺮب .وﻟﺪت ﺑﺎملﺮﻳﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻟﻢ ﻧﻘﻒ ﻋﲆ ﺗﺎرﻳﺦ
وﻻدﺗﻬﺎ واﺳﻢ أﺑﻴﻬﺎ ،واﻟﺬي وﺻﻞ إﻟﻴﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ذات ﺣﺴﻦ وﺟﻤﺎل ،وﺑﻬﺎء وﻛﻤﺎل ،وأدب
وﻇﺮف ،وﺗﻬﺬﻳﺐ وﻟﻄﻒ ،رﻗﻴﻘﺔ املﻌﺎﻧﻲ ،ﺟﺰﻟﺔ اﻷﻟﻔﺎظ ،ﺣﺎﴐة اﻟﻨﺎدرة ،ﻟﻬﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﺪﻳﻊ.
ﺟﺎﻟﺴﺖ اﻷدﺑﺎء ،وﺳﺎﺟﻠﺖ اﻟﺸﻌﺮاء ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻨﺎن ﰲ ذﻟﻚ اﻷوان .وﻣﻦ
ﺷﻌﺮﻫﺎ:
ً
ﻣﺄﺳﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ذوي اﻷدب وأﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ. وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﺎملﺮﻳﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻋﺎﻗﻼت ذاك اﻟﻌﴫ وأﻃﻮﻋﻬﻦ ﻷزواﺟﻬﻦ ،وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ اﻟﻘﺎﴈ ﴍﻳﺢ ﻛﻤﺎ
روى ﻋﻨﻪ اﻟﺸﻌﺒﻲ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺎل :ﻗﺎل ﱄ ﴍﻳﺢ :ﻳﺎ ﺷﻌﺒﻲ ،ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻨﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ؛ ﻓﺈﻧﻬﻦ
اﻟﻨﺴﺎء ،ﻗﻠﺖ :وﻛﻴﻒ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎل :اﻧﴫﻓﺖ ﻣﻦ ﺟﻨﺎزة ذات ﻳﻮم ﻇﻬ ًﺮا ﻓﻤﺮرت ﺑﺪور ﺑﻨﻲ
ﺗﻤﻴﻢ ،ﻓﺈذا اﻣﺮأة ﺟﺎﻟﺴﺔ ﰲ ﺳﻘﻴﻔﺔ ﻋﲆ وﺳﺎدة ،وﰲ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺒﺪر ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ
اﻟﺪاﺟﻴﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﻴﺖ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﱄ :أي اﻟﴩاب أﻋﺠﺐ إﻟﻴﻚ؛ اﻟﻨﺒﻴﺬ أم اﻟﻠﺒﻦ أم املﺎء؟ ﻗﻠﺖ :أي
381
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ُ
ﻧﻈﺮت إﱃ ُ
ﴍﺑﺖ ذﻟﻚ ﺗﻴﴪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﺳﻘﻮا اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺒﻨًﺎ ﻓﺈﻧﻲ إﺧﺎﻟﻪ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ
اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﺄﻋﺠﺒﺘﻨﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﻦ ﻫﺬه؟ ﻗﺎﻟﺖ :اﺑﻨﺘﻲ ،ﻗﻠﺖ :وﻣﻤﻦ؟ ﻗﺎﻟﺖ :زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺣﺪﻳﺮ
إﺣﺪى ﻧﺴﺎء ﺗﻤﻴﻢ ،ﺛﻢ إﺣﺪى ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﺣﻨﻈﻠﺔ ،ﺛﻢ إﺣﺪى ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﻃﻬﻴﺔ.
ﻗﻠﺖ :أﻓﺎرﻏﺔ أم ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻞ ﻓﺎرﻏﺔ ،ﻗﻠﺖ :أﺗﺰوﺟﻴﻨﻴﻬﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،إن ﻛﻨﺖ
ﻛﻔﺌًﺎ ،ﻟﻬﺎ ﻋﻢ ﻓﺎﻗﺼﺪه .ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻋﻤﻬﺎ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﺑﺎ أﻣﻴﺔ ،ﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟ ﻗﻠﺖ :إﻟﻴﻚ،
ِﺮت ﱄ ﺑﻨﺖ أﺧﻴﻚ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺣﺪﻳﺮ ،ﻗﺎل :ﻣﺎ ﺑﻲ ﻋﻨﻚ رﻏﺒﺔ ،وﻻ ﻗﺎل :وﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻗﻠﺖ :ذُﻛ ْ
ﺑﻚ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻘﴫ ،وإﻧﻚ ﻟﻨﻬﺰة ،وزوﱠﺟﻨﻲ ﺑﻬﺎ وﺑﺎرك اﻟﻘﻮم ﱄ ،ﺛﻢ ﻧﻬﻀﻨﺎ ،ﻓﻤﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﻣﻨﺰﱄ
ﺣﺘﻰ ﻧﺪﻣﺖ ﻓﻘﻠﺖ :ﺗﺰوﱠﺟﺖ إﱃ أﻏﻠﻆ اﻟﻌﺮب وأﺟﻔﺎﻫﺎ ،ﻓﻬﻤﻤﺖ ﺑﻄﻼﻗﻬﺎ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ :أﺟﻤﻌﻬﺎ
ُ
ﻓﺄﻗﻤﺖ أﻳﺎﻣً ﺎ ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻧﺴﺎؤﻫﺎ ﻳُﻬﺎدﻳﻨﻬﺎ. إﱄ ﱠ؛ ﻓﺈن رأﻳﺖ ﻣﺎ أﺣﺐ وإﻻ ﻃﻠﻘﺘﻬﺎ،
ﻓﻠﻤﺎ أﺟﻠﺴﺖ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ أُﺧﲇ ﱄ اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ ﻫﺬه ،إن ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ إذا دﺧﻠﺖ املﺮأة ﻋﲆ
اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺼﲇ وﺗﺼﲇ رﻛﻌﺘني ،وﻳﺴﺄﻻ ﷲ ﺧري ﻟﻴﻠﺘﻬﻤﺎ ،وﻳﺘﻌﻮذا ﺑﺎهلل ﻣﻦ ﴍﻫﺎ ،ﻓﻘﻤﺖ
اﻟﺘﻔﺖ ﻓﺈذا ﻫﻲ ﺧﻠﻔﻲ ،ﻓﺼﻠﻴﺖ ﻓﺈذا ﻫﻲ ﻋﲆ اﻟﻔﺮاش ،ﻓﻤﺪدت ﻳﺪي ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻋﲆ ﱡ أﺻﲇ ﺛﻢ
ﻣﻨﻴﺖ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إن اﻟﺤﻤﺪ هلل وﺣﺪه ،أﺣﻤﺪه وأﺳﺘﻌﻴﻨﻪ، ُ رﺳﻠﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ :إﺣﺪى اﻟﺪواﻫﻲ
ﴎت ﺳريًا ﻗﻂ أﺷﺪ ﻋﲇ ﱠ ﻣﻨﻪ ،وأﻧﺖ رﺟﻞ ﻏﺮﻳﺐ ﻻ أﻋﺮف ُ إﻧﻲ اﻣﺮأة ﻋﺮﺑﻴﺔ ،وﻻ وﷲ ﻣﺎ
أﺧﻼﻗﻚ ،ﻓﺤﺪﱢﺛﻨﻲ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﺐ ﻓﺂﺗﻴﻪ ،وﻣﺎ ﺗﻜﺮه ﻓﺄﻧﺰﺟﺮ ﻋﻨﻪ.
ﻓﻘﻠﺖ :اﻟﺤﻤﺪ هلل ،وﺻﲆ ﷲ ﻋﲆ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻗﺪﻣﺖ ﺧري ﻣﻘﺪم ﻋﲆ أﻫﻞ دار زوﺟﻚ ،ﺳﻴﺪ
رﺟﺎﻟﻬﻢ ،وأﻧﺖ ﺳﻴﺪة ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ .أﺣﺐ ﻛﺬا ،وأﻛﺮه ﻛﺬا ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺧﱪﻧﻲ ﻋﻦ أﺧﺘﺎﻧﻚ؛ أﺗﺤﺐ
ُ
وأﻗﻤﺖ ﻓﺒﺖ ﺑﺄﻧﻌﻢ ﻟﻴﻠﺔ،ﻗﺎض ،وﻣﺎ أﺣﺐ أن ﺗﻤﻠﻮﻧﻲ ،ﻗﺎل :ﱡ أن ﻳَ ُﺰوروك؟ ﻓﻘﻠﺖ :إﻧﻲ رﺟﻞ ٍ
ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ إﱃ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻘﻀﺎء ،ﻓﻜﻨﺖ ﻻ أرى ﻳﻮﻣً ﺎ إﻻ ﻫﻮ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺬي
دﺧﻠﺖ ﻣﻨﺰﱄ ،ﻓﺈذا ﻋﺠﻮز ﺗﺄﻣﺮ وﺗﻨﻬﻰ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ ُ ﻗﺒﻠﻪ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن ﻋﻨﺪ رأس اﻟﺤﻮل
زﻳﻨﺐ ،ﻣَ ﻦ ﻫﺬه؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :واﻟﺪﺗﻲ ،ﻗﻠﺖ :ﺣﻴﺎك ﷲ ﺑﺎﻟﺴﻼم ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺑﺎ أﻣﻴﺔ ،ﻛﻴﻒ أﻧﺖ
وﺣﺎﻟﻚ؟ ﻗﻠﺖ :ﺑﺨري واﻟﺤﻤﺪ هلل ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻴﻒ زوﺟﺘﻚ؟ ﻗﻠﺖ :ﻛﺨري اﻣﺮأة ،ﻗﺎﻟﺖ :إن املﺮأة
ﺧﻠﻘﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺣﺎﻟني :إذا ﺣﻈﻴﺖ ﻋﻨﺪ زوﺟﻬﺎ ،وإذا وﻟﺪت ﻏﻼﻣً ﺎ، ﻻ ﺗُﺮى ﰲ ﺣﺎل أﺳﻮأ ً
ﻓﺎﻟﺴﻮط ،ﻓﺈن اﻟﺮﺟﺎل وﷲ ﻣﺎ ﺟﺎزت إﱃ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﴍ ﻣﻦ اﻟﻮرﻫﺎء ﱠ ﻓﺈن راﺑﻚ ﻣﻨﻬﺎ رﻳﺐٌ
املﺘﺪﻟﻠﺔ.
382
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻗﻠﺖ :أﺷﻬﺪ أﻧﻬﺎ ﺑﻨﺘﻚ ﻗﺪ ﻛﻔﺘﻨﺎ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،وأﺣﺴﻨﺖ اﻷدب ،ﻗﺎل :ﻓﻜﺎﻧﺖ ﰲ ﻛﻞ ﺣﻮل
ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﻓﺘﺬﻛﺮ ﻫﺬا ﺛﻢ ﺗﻨﴫف ،ﻗﺎل ﴍﻳﺢ :ﻓﻤﺎ ﻏﻀﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻂ إﻻ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻛﻨﺖ
ﻟﻬﺎ ﻇﺎ ًملﺎ ﻓﻴﻬﺎ؛ وذﻟﻚ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ إﻣﺎم ﻗﻮﻣﻲ ،ﻓﺴﻤﻌﺖ اﻹﻗﺎﻣﺔ وﻗﺪ رﻛﻌﺖ رﻛﻌﺘﻲ اﻟﻔﺠﺮ،
ﻓﺄﻛﻔﺄت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻧﺎء ،ﻓﻠﻤﺎ ُ
ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب ﻗﻠﺖ :ﻳﺎ ُ ﻓﺄﺑﴫت ﻋﻘﺮﺑًﺎ ،ﻓﻌﺠﻠﺖ ﻋﻦ ﻗﺘﻠﻬﺎ،
ُ
ﻓﺠﺌﺖ ﻓﺈذا زﻳﻨﺐ ،ﻻ ﺗﺤﺮﻛﻲ اﻹﻧﺎء ﺣﺘﻰ أﺟﻲء ،ﻓﻌَ ِﺠﻠﺖ ﻓﺤ ﱠﺮﻛﺖ اﻹﻧﺎء ﻓﴬَ ﺑﺘْﻬﺎ اﻟﻌﻘﺮب،
ﻫﻲ ﺗﻠﻮﱠى ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﺎ ﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﺴﻌﺘﻨﻲ اﻟﻌﻘﺮبُ ،ﻓﺒﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻛﺎن ﻏﻀﺒﻲ ﻟﺘﻌﺠﻴﻠﻬﺎ
رﻓﻌﻪ ،وﻛﺎن ﱄ ﺟﺎر ﻳﴬب زوﺟﺘﻪ ﻓﻘﻠﺖ ﰲ ذﻟﻚ:
383
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺪُﻋﻲ زﻳ ٌﺪ ِﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﺑﺎﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ .وﻛﺎﻧﺖ زﻳﻨﺐ ﻗﺼرية ،ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﺻﻨﺎع اﻟﻴﺪﻳﻦ ،ﺻﻮاﻣﺔ
ﻗﻮاﻣﺔ ،ﺗﺸﺘﻐﻞ وﺗﺘﺼﺪق ﻣﻦ ﺷﻐﻞ ﻳﺪﻫﺎ.
وﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻳﺮﺣﻢ ﷲ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺟﺤﺶ! ﻟﻘﺪ ﻧﺎﻟﺖ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﴩف اﻟﺬي
ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﴍف؛ إن ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — زوﱠﺟﻬﺎ ﺑﻨﺒﻴﻪ ،وﻧﻄﻖ ﺑﻪ اﻟﻘﺮآن ،وإن اﻟﺮﺳﻮل ﻗﺎل
ﻓﺒﴩﻫﺎ ﺑﴪﻋﺔ ﻟﺤﻮﻗﻬﺎ ﺑﻪ ،وﻫﻲ ﻟﺤﻮﻗﺎ ﺑﻲ أﻃﻮﻟﻜﻦ ﻳﺪًا «.ﱠ
ً ﻟﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﺣﻮﻟﻪ» :أﴎﻋﻜﻦ
زوﺟﺘﻪ ﰲ اﻟﺠﻨﺔ ،وذﻟﻚ ﻷﻧﻬﺎ أول ﻣﻦ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻪ ﺑﻌﺪه ،وﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻄﻮل اﻟﻴﺪ ﻛﺜﺮة
اﻟﺼﺪﻗﺔ.
وﻗﺎل ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب» :إن زﻳﻨﺐ أواﻫﺔ «.أي ﺧﺎﺷﻌﺔ ﻣﺘﺼﺪﻋﺔ .وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ،٢٠
وﻗﻴﻞ ٢١ :ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﻛﺎن ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺣني ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ٣٥ﺳﻨﺔ.
اﻣﺮأة ﻳﻬﻮدﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﱪ ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺔ ﺳﻼم ﺑﻦ ﻣﺸﻜﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﰲ ﺧﻴﱪ أﻫﺪت
ﻟﻪ ﺷﺎة ﻣﺼﻠﻴﺔ ﻣﺴﻤﻮﻣﺔ ،ﻓﻮﺿﻌﺘﻬﺎ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻣﻀﻐﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻐﻬﺎ وﻣﻌﻪ ﺑﺸري ﺑﻦ
اﻟﱪاء ﺑﻦ ﻣﻌﺮور ،ﻓﺄﻛﻞ ﺑﺸري ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ» :إن ﻫﺬه اﻟﺸﺎة ﺗﺨﱪﻧﻲ أﻧﻬﺎ ﻣﺴﻤﻮﻣﺔ«.
ﺛﻢ دﻋﺎ املﺮأة ﻓﺎﻋﱰﻓﺖ ،ﻓﻘﺎل» :ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻚ ﻋﲆ ذﻟﻚ؟«
ﻓﺴﻴُﺨﱪ ،وإن ﻛﺎن ُ
ﻓﻘﻠﺖ :إن ﻛﺎن ﻧﺒﻴٍّﺎ َ ﻒ ﻋﻠﻴﻚ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻲ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳ َْﺨ َ
ﻣﻠ ًﻜﺎ اﺳﱰﺣﻨﺎ ﻣﻨﻪ.
ﻓﺘﺠﺎوز ﻋﻨﻬﺎ وﻣﺎت ﺑﺸري ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻛﻠﺔ .أﻣﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻠﻢ ﻳُﺆﺛﱢﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻢ إﻻ ﺗﺄﺛريًا
ﺧﻔﻴﻔﺎ ،ﻓﺤﺠﻢ ﺑني ﻛﺘﻔﻴﻪ وﻗﺎل ﰲ ﻣﺮﺿﻪ اﻟﺬي ﻣﺎت ﻓﻴﻪ» :ﻫﺬا وإﻧﻲ وﺟﺪت اﻧﻘﻄﺎع ً
أﺑﻬﺮي ﻣﻦ أﻛﻠﺔ ﺧﻴﱪ«.
ﻓﻜﺎن املﺴﻠﻤﻮن ﻳﺮون أﻧﻪ ﻣﺎت ﺷﻬﻴﺪًا ﻣﻊ ﻛﺮاﻣﺔ اﻟﻨﺒﻮة ،وادﻋﻰ ورﺛﺔ ﺑﺸري ﻋﲆ
زﻳﻨﺐ ُ
ﻓﻘﺘﻠﺖ.
ﻟﺒﺴﺖ اﻟﺨﺸﻦ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب ،وﺗﺮﻛﺖ اﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﴩاب ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أرﺧﺖ اﻟﺤﺠﺎب
وﺗﻤﻠﺖ ﺑﻌﺒﺎدة املﻠﻚ اﻟﻮﻫﺎب ،وﻗﻨﻌﺖ ﺑﺪون اﻟﻴﺴري ﻣﻊ اﻟﻘﺪرة ،وﻟﺰﻣﺖ ﺣﻨني أﺑﻴﻬﺎ ،وﺗﺒﻌﺖ
أﺛﺮ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬل واﻻﻧﻜﺴﺎر ،واﻟﺴﻜﻴﻨﺔ واﻻﻓﺘﻘﺎر.
384
ﺣﺮف اﻟﺰاي
رﺟﻼ ،واﻟﻨﺎس ﻳﻈﻨﻮن أﻧﻬﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — ﻳﻘﻮل :ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﻠﻘﺖ ً
ﺧﻠﻘﺖ اﻣﺮأة ،وﻗﺎل اﻟﺴﻴﺪ ﻋﻤﺮ اﻟﻔﺎروﺛﻲ :ﻛﻨﺖ ذات ﻳﻮم ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ ،ﻓﺄﻇﻬﺮﻧﻲ ﻋﲆ
ﻛﺜري ﻣﻦ أﴎاره ،ﺛﻢ أﺧﺬﻧﻲ ﺑﻴﺪه ودﺧﻞ ﺑﻴﺘﻪ ﻋﲆ راﺑﻌﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﺳ ﱢﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺧﺪﻣﻬﺎ
واﺳﺄﻟﻬﺎ أن ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻚ ،ﻓﺠﺎءت زﻳﻨﺐ ﻓﻘﺒﱠﻞ رأﺳﻬﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل ﱄ :أي ﻋﻤﺮ ،ﺳ ﱢﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺧﺪﻣﻬﺎ
واﺳﺄﻟﻬﺎ أن ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻚ وﻟﺬرﻳﺘﻚ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ذﻟﻚ.
ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ :اﻷوﱃ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺄﻣﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ واﻟﺘﻌﻈﻴﻢ ﻟﺮاﺑﻌﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ أﻛﱪ ﺳﻨٍّﺎ،
ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﱄ ﱠ اﻟﺴﻴ ُﺪ أﺣﻤﺪ — ﻗﺪس ﷲ ﴎه اﻟﻌﺰﻳﺰ — وﻗﺎل ﱄ :أي ﻋﻤﺮ ،إن ﷲ وﻋﺪﻧﻲ أن
ﻳﺤﻴﻲ ﺑﻬﺎ اﻵﺛﺎر ،وﻳُﻌﻤﱢ ﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺪﻳﺎر ،ﻓﻘﺎﻟﺖ زﻳﻨﺐ :أي ﺳﻴﺪي ،ﺗﻌﻴﺶ أﻧﺖ وﻳﻌﻴﺶ اﻟﺴﻴﺪ
ﺻﺎﻟﺢ ،وﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﷲ ﻓﺪاءك ،وﻳﺤﻴﻲ ﷲ ﺑﻚ اﻵﺛﺎر ،ﻓﻘﺎل :ﺑﻞ ﻓﻴﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي،
أأﻧﺎ أﻗﻌﺪ وأُﺣﺪﱢث اﻟﻨﺎس وأﺟﻠﺲ ﻣﻌﻬﻢ ﰲ املﺠﺎﻟﺲ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ زﻳﻨﺐ ،ﻻ ،وﻟﻜﻦ ذرﻳﺘﻚ
ﻳﺒﻘﻮن إﱃ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.
إﻻ أن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﻔﺎء أورد ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑﻐري ﻫﺬا اﻟﻨﺴﻖ .ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﺑﻨﺖ
ﻃﻮﻳﻼ ،اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻌﻴﺪ ،واﻟﻄﺮﻳﻖً ﻗﻠﻴﻼ وﻧﺴﱰﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻌﻘﻮب :ﻗﺪ ﻗﺎﻟﺖ ﱄ زﻳﻨﺐ :ﻧﺘﻌﺐ ً
ﻃﻮﻳﻞ ،واﻟﺠﺴﺪ ﺿﻌﻴﻒ ،واﻟﺰاد ﻗﻠﻴﻞ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﺑ ﱞﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﻔﺮ .ﻟﻮ ﻧﺪرﻛﻪ ﻗﺒﻞ أن
ﻳﺪرﻛﻨﺎ ،وﻧﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻟﻜﺎن ﺧريًا ﻟﻨﺎ.
ﻗﺎل اﻟﺰﺑﺮﺟﺪي :ﺣﻔﻈﺖ اﻟﻘﺮآن وﺗﻔﻘﻬﺖ وﺳﻤﻌﺖ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻲ
اﻟﺒﺪر اﻷﻧﺼﺎري اﻟﻮاﺳﻄﻲ ،وأﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ أوﻻدﻫﺎ اﻷﺋﻤﺔ اﻷﻋﻼم ،وﺳﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻜﺒري
ﻋﻤﺮ أﺑﻮ اﻟﻔﺮج اﻟﻔﺎروﺛﻲ اﻟﻜﺎزروﻧﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻟﻘﺪر ،رﻓﻴﻌﺔ املﻨﺰﻟﺔ .أﻗﺒ َﻞ ﻋﲆ زروع
أﻫﻞ واﺳﻂ وأم ﻋﺒﻴﺪة ﺟﻴﺶ اﻟﺠﺮاد ،ﻓﺎﻟﺘﺠﺄ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺘﻘﻨﻌﺖ وﺻﻌﺪت اﻟﺴﻄﺢ
وﻗﺎﻟﺖ :إﻟﻬﻲ ﻋﺒﻴﺪك ﺳﺎﻗﻬﻢ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ إﱄ ﱠ ،وأﻧﺖ اﻟﺬي أﻟﻘﻴﺖ ذﻟﻚ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،وإﻧﻲ أﻗ ﱡﻞ
ﻣﻦ أن أﺳﺄﻟﻚ ﻟﺬﻧﻮﺑﻲ وﺳﻮاد وﺟﻬﻲ ،وأﻧﺖ أﻛﺮم ﻣﻦ أن ﺗَ ُﺮ ﱠد ا ُملﻨﻜﴪﻳﻦ ﻳﺎ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤني.
ﻓﺰ ﱠم اﻟﺠﺮاد زﻣﱠ ﺔ واﺣﺪة وﻛﺄﻧﻪ إﺑﻞ ﺳﺎﻗﻬﺎ رﻋﺎﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻪ ﺟﺮادة واﺣﺪة.
ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﺑﺄم ﻋﺒﻴﺪة ،ودُﻓﻨﺖ ﺑﺎملﺸﻬﺪ اﻷﺣﻤﺪي املﺒﺎرك .رﴈ ﷲ
ﻋﻨﻬﺎ.
385
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫﻲ أﻛﱪ أوﻻده .وﻟﺪت وﻟﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺛﻼﺛﻮن ﺳﻨﺔ ،وﻣﺎﺗﺖ ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎن ﻟﻠﻬﺠﺮة ﰲ ﺣﻴﺎة
أﺑﻴﻬﺎ وأﻣﻬﺎ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻮﻳﻠﺪ ﺑﻦ أﺳﺪ ،وﻗﺪ ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻛﱪ ﺑﻨﺎﺗﻪ ،وﻟﻴﺲ ﺑﴚء،
إﻧﻤﺎ اﻻﺧﺘﻼف ﺑني اﻟﻘﺎﺳﻢ وزﻳﻨﺐ؛ أﻳﻬﻤﺎ ُوﻟِﺪ ﻗﺒﻞ اﻵﺧﺮ ،ﻓﻘﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺎﻟﻨ ﱠ َﺴﺐ:
ﻄﺎ املﻠﻘﺐ أول وﻟﺪ ُو ِﻟﺪ ﻟﻪ اﻟﻘﺎﺳﻢ ،ﺛﻢ زﻳﻨﺐ ،وﻫﺎﺟﺮت ﺑﻌﺪ وﻗﻌﺔ ﺑﺪر ،وﻗﺪ ﺗﺰوﺟﺖ ﻟﻘﻴ ً
ﺑﺄﺑﻲ اﻟﻌﺎص ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،ووﻟﺪت ﻣﻨﻪ ﻏﻼﻣً ﺎ اﺳﻤﻪ ﻋﲇ ،ﻓﺘﻮﰲ وﻗﺪ ﻧﺎﻫﺰ اﻻﺣﺘﻼم ،وﻛﺎن
أﻳﻀﺎ ﺑﻨﺘًﺎ اﺳﻤﻬﺎ أﻣﺎﻣﺔ .وأﺳﻠﻢ أﺑﻮ اﻟﻌﺎص وﻛﺎن ردﻳﻒ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ ً
اﻹﺳﻼم ﻗﺪ ﻓ ﱠﺮق ﺑني زﻳﻨﺐ وﺑني أﺑﻲ اﻟﻌﺎص ،إﻻ أن رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳُﻔ ﱢﺮق
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﻜﺔ ﻟﻌﺪم ﻗﻮة اﻹﺳﻼم ﺑﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ،وﻗﻴﻞ :إن أﺑﺎ اﻟﻌﺎص ﱠملﺎ أﺳﻠﻢ ر ﱠد ﻋﻠﻴﻪ رﺳﻮل
ﺑﻨﻜﺎح ﺟﺪﻳﺪ.
ٍ ﷲ ﷺ زﻳﻨﺐ ،ﻓﻘﻴﻞ :ﺑﺎﻟﻨﻜﺎح اﻷول ،وﻗﻴﻞ :ردﻫﺎ
وﺗﻮﻓﻴﺖ زﻳﻨﺐ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﻧﺰل رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﰲ ﻗﱪﻫﺎ وﻫﻮ
ﴎي ﻋﻨﻪ وﻗﺎل» :ﻛﻨﺖ ذﻛﺮت ﺿﻌﻔﻬﺎ ﻓﺴﺄﻟﺖ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ أن ﻣﻬﻤﻮم ﻣﺤﺰون ،ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج ُ ﱢ
ﻳﺨﻔﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺿﻤﱠ ﻪ ﻓﻔﻌﻞ وﻫﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ «.ﺛﻢ ﺗﻮﰲ ﺑﻌﺪﻫﺎ زوﺟﻬﺎ أﺑﻮ اﻟﻌﺎص.
وﻗﺎل آﺧﺮون :إن زﻳﻨﺐ وﻟﺪت ﰲ ﺳﻨﺔ ﺛﻼﺛني ﻣﻦ ﻣﻮﻟﺪه ﷺ ،وأدرﻛﺖ اﻹﺳﻼم
وأﺳﻠﻤﺖ وﻫﺎﺟﺮت ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻳﺤﺒﻬﺎ ،وﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ اﺑﻦ ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ أﺑﻮ اﻟﻌﺎص ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،ﻓﻔ ﱠﺮق
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ اﻹﺳﻼم ،ﺛﻢ ﱠملﺎ أﺳﻠﻢ زوﺟﻬﺎ ﺟﻤﻊ ﷺ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :وﻟﻢ ﻳُﻔﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ
أول اﻟﺒﻌﺜﺔ ﻷن ﺗﺤﺮﻳﻢ ﻧﻜﺎح املﴩك ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﺔ إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﻬﺠﺮة.
وﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ — ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﻓﺮق ﺑني زﻳﻨﺐ وﺑني أﺑﻲ
اﻟﻌﺎص ،إﻻ أن رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳﻔﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻐﻠﻮﺑًﺎ ﺑﻤﻜﺔ،
ﻣﺮاﻫﻘﺎ ،وأﻣﺎ أﻣﺎﻣﺔ ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻋﲇً ووﻟﺪت زﻳﻨﺐ ﻷﺑﻲ اﻟﻌﺎص ﻋﻠﻴٍّﺎ وأُﻣﺎﻣﺔ؛ ﻓﺄﻣﺎ ﻋﲇ ﱞ ﻓﻤﺎت
ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﻌﺪ ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،ﺑﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،وﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﻋﲇ ﱟ املﻐري ُة ﺑﻦ
ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ،ﺑﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﲇ .وﻛﺎن رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻳﺤﺐ أُﻣﺎﻣﺔ ،وﻫﻲ
اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﻼة ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻘﻪ ،ﻓﺈذا رﻛﻊ وﺿﻌﻬﺎ ،وإذا رﻓﻊ رأﺳﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻮد
أﻋﺎدﻫﺎ.
وملﺎ أﴎ أﺑﻮ اﻟﻌﺎص ﰲ وﻗﻌﺔ ﺑﺪر ،وﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﻜﻔﺎر ،أرﺳﻠﺖ زﻳﻨﺐ ﰲ ﻓﺪاﺋﻪ اﻟﺮﺑﻴ َﻊ
ﺑﻤﺎل دﻓﻌﺘﻪ إﻟﻴﻪ ،ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻼدة ﻟﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻬﺎ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﻗﺪ أدﺧﻠﺘﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ أﺑﻲ اﻟﻌﺎص،
ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :إن رأﻳﺘﻢ أن ﺗﻄﻠﻘﻮا ﻟﻬﺎ أﺳريﻫﺎ ،وﺗﺮدوا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺬي ﻟﻬﺎ ﻓﺎﻓﻌﻠﻮا«.
386
ﺣﺮف اﻟﺰاي
ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻢ .وﻛﺎن أﺑﻮ اﻟﻌﺎص ﻣﺼﺎﺣﺒًﺎ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻣﺼﺎﻓﻴًﺎ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﺑﻰ أن ﻳُﻄ ﱢﻠﻖ
زﻳﻨﺐ ملﺎ أﻣَ ﺮه املﴩﻛﻮن أن ﻳُﻄ ﱢﻠﻘﻬﺎ ،ﻓﺸﻜﺮ ﻟﻪ ﺻﻨﻴﻌﻪ.
وملﺎ أﻃﻠﻘﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻣﻦ اﻷﴎ ﴍَط ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺮﺳﻞ زﻳﻨﺐ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻌﺎد إﱃ ﻣﻜﺔ
وأرﺳﻠﻬﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ؛ ﻓﻠﻬﺬا ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :ﺣﺪﱠﺛﻨﻲ ﻓﺼﺪﻗﻨﻲ ،ووﻋﺪﻧﻲ ﻓﻮﰱ«.
وﻟﻢ ﺗﺰل زﻳﻨﺐ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ وأﺑﻮ اﻟﻌﺎص ﺑﻤﻜﺔ ﻋﲆ ﴍﻛﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻔﺘﺢ ﺧﺮج
ﺑﺘﺠﺎرة إﱃ اﻟﺸﺎم وﻣﻌﻪ أﻣﻮال ﻣﻦ أﻣﻮال ﻗﺮﻳﺶ ،وﻣﻌﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎد ﻟﻘﻴﺘﻪ ﴎﻳﺔ
ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ أﻣريﻫﻢ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ،ﻓﺄﺧﺬ املﺴﻠﻤﻮن ﻣﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌري ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ،وأﴎوا
ﻟﻴﻼ ﻓﺪﺧﻞ ﻋﲆ زﻳﻨﺐ ،ﻓﺎﺳﺘﺠﺎر ﺑﻬﺎ أﻧﺎﺳﺎ وﻫﺮب أﺑﻮ اﻟﻌﺎص ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،ﺛﻢ أﺗﻰ املﺪﻳﻨﺔ ً ً
ﻓﺄﺟﺎرﺗﻪ.
أﺟﺮت أﺑﺎ اﻟﻌﺎصُ ﻓﻠﻤﺎ ﺻﲆ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ اﻟﺼﺒﺢ ﺻﺎﺣﺖ زﻳﻨﺐ :أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،إﻧﻲ ﻗﺪ
ُ
ﺳﻤﻌﺖ؟« ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳ ﱠﻠﻢ رﺳﻮل ﷲ ﷺ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس وﻗﺎل» :ﻫﻞ ﺳﻤﻌﺘﻢ ﻣﺎ
ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺘﻢ «.وﻗﺎل» :ﻳﺠري ﻋﲆ ُ ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل» :واﻟﺬي ﻧﻔﴘ ﺑﻴﺪه ﻣﺎ
املﺴﻠﻤني أدﻧﺎﻫﻢ« ،ﺛﻢ دﺧﻞ ﻋﲆ اﺑﻨﺘﻪ ﻓﻘﺎل» :أﻛﺮﻣﻲ ﻣﺜﻮاه ،وﻻ ﻳﺨﻠﺺ إﻟﻴﻚ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﻻ
ﺗﺤﻠني ﻟﻪ «.ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﺎء ﰲ ﻃﻠﺐ ﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﺠﻤﻊ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺗﻠﻚ اﻟﴪﻳﺔ وﻗﺎل» :إن
ﻣﺎﻻ ،وﻫﻮ ﻣﻤﺎ أﻓﺎء ﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ،وأﻧﺎ أُﺣﺐﱡ أنﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﻋﻠﻤﺘﻢ ،وﻗﺪ أﺻﺒﺘﻢ ﻟﻪ ً
ﺗُﺤﺴﻨﻮا وﺗﺮدوا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺬي ﻟﻪ؛ ﻓﺈن أﺑﻴﺘﻢ ﻓﺄﻧﺘﻢ أﺣﻖ«.
ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﺑﻞ ﻧﺮدﱡه ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺮدوا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎﻟﻪ أﺟﻤﻊ ،ﻓﻌﺎد إﱃ ﻣﻜﺔ وأدى إﱃ اﻟﻨﺎس أﻣﻮاﻟﻬﻢ،
ﺛﻢ أﺳﻠﻢ وﺣﺴﻦ إﺳﻼﻣﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺪم إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ورد ﻋﻠﻴﻪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ اﺑﻨﺘﻪ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﻣﻌﻪ
ﺛﻤﺎن ﻣﻦ اﻟﻬﺠﺮة.
ٍ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ
387
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﻟﺤﻮﻗﺎ ﺑﻲ أﻃﻮﻟﻜﻦ ﻳﺪًا «.ﻓﻜﺎن ﻧﺴﺎء وﻗﺎل اﺑﻦ ﻣﻨﺪه :إن اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎل» :أﴎﻋﻜﻦ
اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺘﺬارﻋﻦ أﻳﺘﻬﻦ أﻃﻮل ﻳﺪًا ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ زﻳﻨﺐ ﻋﻠﻤﻦ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻃﻮﻟﻬﻦ ﻳﺪًا ﰲ اﻟﺨري،
ً
ﻟﺤﻮﻗﺎ «.وﻫﺬه ﺳﺒﻘﺘﻪ ،إﻧﻤﺎ أراد أول ﻧﺴﺎﺋﻪ ﺗﻤﻮت وﻫﺬا وﻫﻢ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﷺ ﻗﺎل» :أﴎﻋﻜﻦ
ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ،وﻗﺪ ﺗﻘﺪم ﰲ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺟﺤﺶ ،وﻫﻮ ﻟﻬﺎ أﺷﺒﻪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜرية اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻣﻦ
ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻫﺎ ،وﻫﻲ أول ﻧﺴﺎﺋﻪ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻌﺪه ،وﷲ أﻋﻠﻢ.
وﻫﻲ أم ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﺰام .أﺳﻠﻤﺖ وﺑﻘﻴﺖ إﱃ أن ﻗﺘﻞ اﺑﻨﻬﺎ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﺗﺮﺛﻴﻪ وﺗﺮﺛﻲ اﻟﺰﺑري أﺧﺎﻫﺎ:
ﻋ ﻠ ﻰ رﺟ ﻞ ﻃ ﻠ ﻖ اﻟ ﻴ ﺪﻳ ﻦ ﻛ ﺮﻳ ﻢ أﻋ ﻴ ﻨ ﱠﻲ ﺟُ ﻮدا ﺑ ﺎﻟ ﺪﻣ ﻮع ﻓ ﺄﺷ ﺮﻋ ﺎ
وذي ﺧ ﻠ ﺔ ﻣ ﻨ ﺎ وﺣ ﻤ ﻞ ﻳ ﺘ ﻴ ﻢ زﺑ ﻴ ﺮ وﻋ ﺒ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ ﻳ ﺪﻋ ﻲ ﻟ ﺤ ﺎدث
وﺻ ﺎﺣ ﺒ ﻪ ﻓ ﺎﺳ ﺘ ﺒ ﺸ ﺮوا ﺑ ﺠ ﺤ ﻴ ﻢ ﻗ ﺘ ﻠ ﺘ ﻢ ﺣ ﻮاري اﻟ ﻨ ﺒ ﻲ وﺻ ﻬ ﺮه
وﺟ ﺎدت ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﻋ ﺒ ﺮﺗ ﻲ ﺑ ﺴ ﺠ ﻮم وﻗ ﺪ ﻫ ﺪﻧ ﻲ ﻗ ﺘ ﻞ اﺑ ﻦ ﻋ ﻔ ﺎن ﻗ ﺒ ﻠ ﻪ
ﻓ ﻤ ﺎذا ﺗ ﺼ ﻠ ﻲ ﺑ ﻌ ﺪه وﺗ ﺼ ﻮﻣ ﻲ وأﻳ ﻘ ﻨ ﺖ أن اﻟ ﺪﻳ ﻦ أﺻ ﺒ ﺢ ﻣ ﺪﺑ ًﺮا
أﺻﻴﺐ اﺑﻦ أروى واﺑﻦ أم ﺣﻜﻴﻢ؟ وﻛﻴﻒ ﺑﻨﺎ أم ﻛﻴﻒ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﺪﻣﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ،أدﻳﺒﺔ ،ﺟﺮﻳﺌﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﻮل واﻟﻔﻌﻞ ،ذات ﺷﻬﺎﻣﺔ ،زاﺋﺪة اﻟﺠﺪ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ
ﻣﻴﻞ ﻛﲇ إﱃ ﻋﺜﻤﺎن وأﺣﺰاﺑﻪ ،وﻃﺎملﺎ ﻫﻴﺠﺖ اﻟﻌﺮب ﻋﲆ ﺣﺮب ﻋﲇﱟ ،وﻗﺪ ﺣﴬت وﻗﻌﺔ
اﻟﺠﻤﻞ وﻟﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ.
اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ اﻹﻣﺎم ﻋﲇ — ﻛﺮم ﷲ وﺟﻬﻪ — ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ،وأﻣﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺰﻫﺮاء
ﺑﻨﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﻬﻲ ﺷﻘﻴﻘﺔ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴني ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم .ﺗﺰوﺟﻬﺎ اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ
ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻄﻴﺎر ذو اﻟﺠﻨﺎﺣني اﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ ﻋﻠﻴٍّﺎ ،وﻋﻮﻧًﺎ — وﻳﺪﻋﻰ
ً
وﻋﺒﺎﺳﺎ ،وﻣﺤﻤﺪًا ،وأم ﻛﻠﺜﻮم. ﺑﺎﻷﻛﱪ —
388
ﺣﺮف اﻟﺰاي
وﺣﴬت ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴني ﺑﻜﺮﺑﻼء .ذﻛﺮ اﺑﻦ اﻷﻧﺒﺎري أﻧﻬﺎ ملﺎ ُﻗﺘﻞ أﺧﻮﻫﺎ اﻟﺤﺴني
أﺧﺮﺟﺖ رأﺳﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺎء وأﻧﺸﺪت راﻓﻌﺔ ﺻﻮﺗﻬﺎ:
ﻟﻜﻦ ﰲ »ﻛﺎﻣﻞ اﺑﻦ اﻷﺛري« أن ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻻﺑﻨﺔ ﻋﻘﻴﻞ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ،وﰲ »ﻧﻮر
اﻷﺑﺼﺎر« ﻋﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ اﻷﺳﺪي ﻗﺎل :دﺧﻠﻨﺎ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﺳﺘني ،ﻓﺼﺎدﻓﺖ ﻣﻨﴫف
ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني — ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم — ﺑﺎﻟﺪرﺑﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺑﻼء إﱃ اﺑﻦ زﻳﺎد ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ،ورأﻳﺖ
ﻧﺴﺎء اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻗﻴﺎﻣً ﺎ ﻳﻨﺪﺑﻦ ﻣﺘﻬﺘﻜﺎت اﻟﺠﻴﻮب ،وﺳﻤﻌﺖ ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني ﻳﻘﻮل :ﻳﺎ
أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،إﻧﻜﻢ ﺗﺒﻜﻮن ﻋﻠﻴﻨﺎ ،ﻓﻤَ ﻦ ﻗﺘﻠﻨﺎ؟ ورأﻳﺖ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﻋﲇ ﻓﻠﻢ أر وﷲ ﺧﻔﺮة
أﻧﻄﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻨﺰع ﻋﻦ ﻟﺴﺎن أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﺄوﻣﺄت إﱃ اﻟﻨﺎس أن اﺳﻜﺘﻮا ،ﻓﺴﻜﺘﺖ
اﻷﻧﻔﺎس ،وﻫﺪأت اﻷﺟﺮاس ،ﻓﻘﺎﻟﺖ» :اﻟﺤﻤﺪ هلل رب اﻟﻌﺎملني ،واﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﲆ ﺳﻴﺪ
املﺮﺳﻠني .أﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻳﺎ أﻫﻞ ﻛﻮﻓﺔ اﻟﺨﺘﻞ واﻟﺨﺬل ،أﺗﺒﻜﻮن؟ ﻓﻼ ﺳﻜﻨﺖ اﻟﻌﱪة وﻻ ﻫﺪأت
ً
دﺧﻼ اﻟﺮﻧﺔ .إﻧﻤﺎ ﻣﺜﻠﻜﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻀﺖ ﻏﺰﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻗﻮة أﻧﻜﺎﺛًﺎ ،ﺗﺘﺨﺬون أﻳﻤﺎﻧﻜﻢ
ﺑﻴﻨﻜﻢ ،أﻻ وإن ﻓﻴﻜﻢ اﻟﺼﻠﻒ واﻟﻀﻌﻒ وداء اﻟﺼﺪر اﻟﺸﻨﻒ ،وﻣﻠﻖ اﻷﻣﺔ ،وﺣﺠﺰ اﻷﻋﺪاء
ﻛﻤﺮﻋﻰ ﻋﲆ دﻣﻨﺔ ،أو ﻛﻔﻀﺔ ﻋﲆ ﻣﻠﺤﻮدة ،أﻻ ﺳﺎء ﻣﺎ ﺗﺰرون .أي وﷲ ،ﺗﺪﺣﻀﻮن ﻗﺘﻞ
ﺳﻠﻴﻞ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﻮة ،وﻣﻌﺪن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،وﻣﺪار ﺣﺠﺘﻜﻢ ،وﻣﻨﺎر ﻣﺤﺠﱠ ﺘﻜﻢ ،وﺳﻴﺪ ﺷﺒﺎب أﻫﻞ
اﻟﺠﻨﺔ .وﻳﻠﻜﻢ ﻳﺎ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،أﻻ ﺳﺎء ﻣﺎ ﺳﻮﻟﺖ ﻟﻜﻢ أﻧﻔﺴﻜﻢ أن ﺳﺨﻂ ﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ،وﰲ
اﻟﻌﺬاب أﻧﺘﻢ ﺧﺎﻟﺪون ،أﺗﺪرون أي ﻛﺒﺪ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﺮﻳﺘﻢ؟ وأي دم ﻟﻪ ﺳﻔﺘﻜﻢ؟ وأي
ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻟﻪ أﺑﺮزﺗﻢ؟ ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺘﻢ ﺷﻴﺌًﺎ إدٍّا ،ﺗﻜﺎد اﻟﺴﻤﺎوات ﻳﺘﻔﻄﺮن ﻣﻨﻪ ،وﺗﻨﺸﻖ اﻷرض،
وﺗﺨﺮ اﻟﺠﺒﺎل ﻫﺪٍّا ،وﻟﻘﺪ أﺗﻴﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﺧﺮﻗﺎء ﺷﻮﻫﺎء ﻃﻼع اﻷرض .أﻓﻌﺠﺒﺘﻢ إن أﻣﻄﺮت
اﻟﺴﻤﺎء دﻣً ﺎ؟ ﻓﻠﻌﺬاب اﻵﺧﺮة أﺧﺰى ،وأﻧﺘﻢ ﻻ ﺗﻨﴫون؛ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺨﻔﻨﱠﻜﻢ املﻬﻞ ،ﻓﻼ ﻳﺤﻘﺮه
اﻟﺒﺪار ،وﻻ ﻳﺨﺎف ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻮت اﻟﺜﺄر .ﻛﻼ إن رﺑﻲ ورﺑﻜﻢ ﻟﺒﺎملﺮﺻﺎد «.ﺛﻢ ﺳﺎرت ،ﻗﺎل :ﻓﺮأﻳﺖ
ﺷﻴﺨﺎ ﻗﺪ دﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﺣﺘﻰً اﻟﻨﺎس ﺣﻴﺎرى واﺿﻌﻲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﲆ أﻓﻮاﻫﻬﻢ ،ورأﻳﺖ
اﺧﻀﻠﺖ ﻟﺤﻴﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺘﻢ وأﻣﻲ؛ ﻛﻬﻮﻟﻜﻢ ﺧري اﻟﻜﻬﻮل ،وﺷﺒﺎﺑﻜﻢ ﺧري اﻟﺸﺒﺎب،
وﻧﺴﻠﻜﻢ ﻻ ﻳﺒﻮر وﻻ ﻳﺨﺰى أﺑﺪًا.
389
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﰲ »ﻛﺎﻣﻞ اﺑﻦ اﻷﺛري« أﻧﻬﺎ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺤﺴني وﻫﻮ ﰲ ﻛﺮﺑﻼء ﻗﺒﻞ ﻣﺸﻬﺪه ﻳﻘﻮل:
ﻓﺄﻋﺎدﻫﺎ ﻣﺮﺗني أو ﺛﻼﺛًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻟﻢ ﺗﻤﻠﻚ ﻧﻔﺴﻬﺎ أن وﺛﺒﺖ ﺗﺠﺮ ﰲ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ
اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻴﻪ وﻧﺎدت» :وا ﺛﻜﻼه ،ﻟﻴﺖ املﻮت أﻋﺪﻣﻨﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮم ،ﻣﺎﺗﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ أﻣﻲ ،وﻋﲇ
أﺑﻲ ،واﻟﺤﺴني أﺧﻲ ،ﻳﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ املﺎﴈ وﺛﻤﺎل اﻟﺒﺎﻗﻲ «.ﻓﺬﻫﺐ ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﻗﺎل :أﺧﻴﺔ ﻻ
ﻳﺬﻫﺒﻦ ﺣﻠﻤﻚ اﻟﺸﻴﻄﺎن! ﻗﺎﻟﺖ» :ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺖ وأﻣﻲ ،واﺳﺘﻘﺘﻠﺖ ،ﻧﻔﴘ ﻟﻨﻔﺴﻚ اﻟﻔﺪاء «.ﻓﺮدد
ﻏﺼﺘﻪ وذرﻓﺖ ﻋﻴﻨﺎه ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻟﻮ ﺗﺮك اﻟﻘﻄﺎ ﻟﻨﺎم ،ﻓﻠﻄﻤﺖ وﺟﻬﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ» :وا وﻳﻠﺘﺎه،
أﻓﺘﻐﺼﺒﻚ ﻧﻔﺴﻚ اﻏﺘﺼﺎﺑًﺎ؛ ﻓﺬﻟﻚ أﻗﺮح ﻟﻘﻠﺒﻲ ،وأﺷﺪ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ «.ﺛﻢ ﻟﻄﻤﺖ وﺟﻬﻬﺎ ،وﺷﻘﺖ
ﺟﻴﺒﻬﺎ ،وﺧ ﱠﺮت ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎم إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴني ﻓﺼﺐﱠ املﺎء ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ وﻗﺎل :اﺗﻘﻲ ﷲ،
وﺗﻌﺰي ﺑﻌﺰاء ﷲ ،واﻋﻠﻤﻲ أن أﻫﻞ اﻷرض ﻳﻤﻮﺗﻮن ،وأﻫﻞ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﻳﺒﻘﻮن ،وأن ﻛﻞ ﳾء
ﻫﺎﻟﻚ إﻻ وﺟﻪ ﷲ .أﺑﻲ ﺧري ﻣﻨﻲ ،وأﻣﻲ ﺧري ﻣﻨﻲ ،وأﺧﻲ ﺧري ﻣﻨﻲ ،وﱄ وﻟﻬﻢ وﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ
ﺑﺮﺳﻮل ﷲ أﺳﻮة ﺣﺴﻨﺔ ،ﻓﻌ ﱠﺰاﻫﺎ ﺑﻬﺬا وﻧﺤﻮه.
وملﺎ ﺣﻤﻠﻮا اﻟﺴﺒﺎﻳﺎ إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ اﺟﺘﺎزوا ﺑﻬﻦ ﻋﲆ اﻟﺤﺴني وأﺻﺤﺎﺑﻪ ﴏﻋﻰ ،ﻓﻠﻄﻤﻦ
ﺧﺪودﻫﻦ ،وﺻﺎﺣﺖ زﻳﻨﺐ أﺧﺘﻪ» :ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪاه ،ﺻﲆ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﺴﻤﺎء .ﻫﺬا اﻟﺤﺴني
ﺑﺎﻟﻌﺮاء ،ﻣﺰﻣﻞ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ،ﻣﻘﻄﻊ اﻷﻋﻀﺎء ،وﺑﻨﺎﺗﻚ ﺳﺒﺎﻳﺎ ،وذرﻳﺘﻚ ﻣﻘﺘﻠﺔ ﺗﺴﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ
اﻟﺼﺒﺎ «.ﻓﺄﺑﻜﺖ ﻛﻞ ﻋﺪو وﺻﺪﻳﻖ.
ﻓﻠﻤﺎ أدﺧﻠﻮﻫﻢ ﻋﲆ اﺑﻦ زﻳﺎد ﻟﺒﺴﺖ أرذل ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وﺗﻨﻜﺮت ،وﺣﻔﺖ ﺑﻬﺎ إﻣﺎؤﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل
ﻋﺒﻴﺪ ﷲ :ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ؟ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻠﻤﻪ ،ﻓﻘﺎل ذﻟﻚ ﺛﻼﺛًﺎ وﻫﻲ ﻻ ﺗﻜﻠﻤﻪ ،ﻓﻘﺎل ﺑﻌﺾ
إﻣﺎﺋﻬﺎ :ﻫﺬه زﻳﻨﺐ اﺑﻨﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﺑﻦ زﻳﺎد — ﻟﻌﻨﻪ ﷲ :اﻟﺤﻤﺪ هلل اﻟﺬي ﻓﻀﺤﻜﻢ
وﻗﺘﻠﻜﻢ وأﻛﺬب أﺣﺪوﺛﺘﻜﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ» :اﻟﺤﻤﺪ هلل اﻟﺬي أﻛﺮﻣﻨﺎ ﺑﻤﺤﻤﺪ وﻃﻬﺮﻧﺎ ﺗﻄﻬريًا ،ﻻ ﻛﻤﺎ
ﺗﻘﻮل ،إﻧﻤﺎ ﻳﻔﺘﻀﺢ اﻟﻔﺎﺳﻖ ،وﻳﻜﺬب اﻟﻔﺎﺟﺮ «.ﻓﻘﺎل :ﻛﻴﻒ رأﻳﺖ ﺻﻨﻊ ﷲ ﺑﺄﻫﻞ ﺑﻴﺘﻚ؟
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻘﺘﻞ ﻓﱪزوا إﱃ ﻣﻀﺎﺟﻌﻬﻢ ،وﺳﻴﺠﻤﻊ ﷲ ﺑﻴﻨﻚ وﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﺘﺨﺘﺼﻤﻮن
ﻋﻨﺪه «.ﻓﻐﻀﺐ اﺑﻦ زﻳﺎد وﻗﺎل :ﻗﺪ ُﺷﻔﻲ ﻏﻴﻈﻲ ﻣﻦ ﻃﺎﻏﻴﺘﻚ واﻟﻌﺼﺎة ا َمل َﺮدة ﻣﻦ أﻫﻞ
ﺑﻴﺘﻚ ،ﻓﺒﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ» :ﻟﻌﻤﺮي ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻠﺖ ﻛﻬﲇ ،وأﺑﺮزت أﻫﲇ ،وﻗﻄﻌﺖ ﻓﺮﻋﻲ ،واﺟﺘﺜﺜﺖ
390
ﺣﺮف اﻟﺰاي
أﺻﲇ؛ ﻓﺈن ﻳﺸﻔﻚ ﻫﺬا ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻔﻴﺖ «.ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻫﺬه ﺷﺠﺎﻋﺔ .ﻟﻌﻤﺮي ﻟﻘﺪ ﻛﺎن أﺑﻮك
ﺷﺠﺎﻋً ﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ» :ﻣﺎ ﻟﻠﻤﺮأة واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ«.
ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮ اﺑﻦ زﻳﺎد إﱃ ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني ﻗﺎل :ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟ ﻗﺎل :ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني ،ﻗﺎل:
أﻳﻀﺎأوَﻟﻢ ﻳُﻘﺘﻞ ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني؟ ﻓﺴﻜﺖ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻟﻚ ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ؟ ﻓﻘﺎل :ﻛﺎن ﱄ أخ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ً
ﻋﲇ ﻓﻘﺘﻠﻪ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻘﺎل اﻟﻠﻌني اﺑﻦ زﻳﺎد :إن ﷲ ﻗﺘﻠﻪ ،ﻓﺴﻜﺖ ﻋﲇ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻟﻚ ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ؟
ﺎن ِﻟﻨ َ ْﻔ ٍﺲ أَن ﺗَﻤ َ
ُﻮت إ ِ ﱠﻻ ِﺑ ِﺈذْ ِن ﷲِ﴾ )آل ﻋﻤﺮان: ﻓﻘﺎل :ﷲ ﻳﺘﻮﰱ اﻷﻧﻔﺲ ﺣني ﻣﻮﺗﻬﺎ ﴿وَﻣَ ﺎ َﻛ َ
،(١٤٥ﻓﻘﺎل :أﻧﺖ وﷲ ﻣﻨﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﺮﺟﻞ :وﻳﺤﻚ! اﻧﻈﺮ ﻫﺬا ﻫﻞ أدرك .إﻧﻲ ﻷﺣﺴﺒﻪ
رﺟﻼ ،ﻓﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﻣﺮي ﺑﻦ ﻣﻌﺎذ اﻷﺣﻤﺮ ﻓﻘﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺪ أدرك ،ﻗﺎل :اﻗﺘﻠﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻋﲇ :ﻣَ ﻦ ً
ﻳﺘﻮ ﱠﻛﻞ ﺑﻬﺬه اﻟﻨﺴﻮة؟ وﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻪ زﻳﻨﺐ ﻓﻘﺎﻟﺖ» :ﻳﺎ اﺑﻦ زﻳﺎد ،ﺣﺴﺒُﻚ ﻣﻨﺎ .أﻣﺎ روﻳﺖ ﻣﻦ
دﻣﺎﺋﻨﺎ؟ وﻫﻞ أﺑﻘﻴﺖ ﻣﻨﺎ أﺣﺪًا؟« واﻋﺘﻨﻘﺘﻪ وﻗﺎﻟﺖ» :أﺳﺄﻟﻚ ﺑﺎهلل إن ﻛﻨﺖ ﻣﺆﻣﻨًﺎ إن ﻗﺘﻠﺘﻪ أن
ﺗﻘﺘﻠﻨﻲ ﻣﻌﻪ«.
رﺟﻼ ﺗﻘﻴٍّﺎً وﻗﺎل ﻋﲇ :ﻳﺎ اﺑﻦ زﻳﺎد ،إن ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻚ وﺑﻴﻨﻬﻦ ﻗﺮاﺑﺔ ﻓﺎﺑﻌﺚ ﻣﻌﻬﻦ
ﻳﺼﺤﺒﻬﻦ ﺑﺼﺤﺒﺔ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻋﺠﺒًﺎ ﻟﻠﺮﺣﻢ ،وﷲ إﻧﻲ ﻷﻇﻨﻬﺎ ودﱠت
ﻟﻮ أﻧﻲ ﻗﺘﻠﺘﻪ أن أﻗﺘﻠﻬﺎ ﻣﻌﻪ! دﻋﻮا اﻟﻐﻼم ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻊ ﻧﺴﺎﺋﻪ .وملﺎ دﺧﻠﻦ اﻟﺸﺎم ﻋﲆ ﻳﺰﻳﺪ
ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ واﻟﺮأس ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﺟﻌﻠﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ وﺳﻜﻴﻨﺔ اﺑﻨﺘﺎ اﻟﺤﺴني ﺗﺘﻄﺎوﻻن ﻟﺘﻨﻈﺮا إﱃ
اﻟﺮأس ،وﺟﻌﻞ ﻳﺰﻳﺪ ﻳﺘﻄﺎول ﻟﻴﺴﱰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﻳﻦ اﻟﺮأس ِﺻﺤْ ﻦ ،ﻓﺼﺎﺣﺖ ﻧﺴﺎء ﻳﺰﻳﺪ،
ووﻟﻮﻟﺖ ﺑﻨﺎت ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ — وﻛﺎﻧﺖ أﻛﱪ ﻣﻦ ﺳﻜﻴﻨﺔ :ﺑﻨﺎت رﺳﻮل ﷲ ﷺ
ﻛﺎرﻫﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻣﺎ ﺗﺮك ﻟﻨﺎ ﺧﺮص، ً ﺳﺒﺎﻳﺎ ﻳﺰﻳﺪ؟ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ اﺑﻨﺔ أﺧﻲ ،أﻧﺎ ﻟﻬﺬا ﻛﻨﺖ
ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ أﺗﻰ إﻟﻴﻜﻦ أﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ أﺧﺬ ﻣﻨﻜﻦ ،ﻓﻘﺎم رﺟﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ﻓﻘﺎل :ﻫﺐْ ﱄ ﻫﺬه
— ﻳﻌﻨﻲ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني — ﻓﺄﺧﺬت ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺛﻴﺎب زﻳﻨﺐ وﴏﺧﺖ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ زﻳﻨﺐ:
»ﻛﺬﺑﺖ وﻟﺆﻣﺖ ،ﻣﺎ ذﻟﻚ ﻟﻚ وﻻ ﻟﻪ «.ﻓﻐﻀﺐ ﻳﺰﻳﺪ وﻗﺎل :وﷲ إن ذﻟﻚ ﱄ ،وﻟﻮ ﺷﺌﺖ أن
أﻓﻌﻠﻪ ﻟﻔﻌﻠﺘﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ» :ﻛﻼ وﷲ ،ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﷲ ﻟﻚ إﻻ أن ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﻠﺘﻨﺎ ،وﺗﺪﻳﻦ ﺑﻐري
اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻮك
ِ دﻳﻨﻨﺎ «.ﻓﻐﻀﺐ ﻳﺰﻳﺪ واﺳﺘﻄﺎر ﺛﻢ ﻗﺎل :إﻳﺎي ﺗﺴﺘﻘﺒﻠني ﺑﻬﺬا ،إﻧﻤﺎ ﺧﺮج ﻣﻦ
اﻫﺘﺪﻳﺖ أﻧﺖ وأﺑﻮك وﺟﺪك «.ﻗﺎل: َ وأﺧﻮك ،ﻗﺎﻟﺖ زﻳﻨﺐ» :ﺑﺪﻳﻦ ﷲ ودﻳﻦ أﺑﻲ وأﺧﻲ وﺟﺪي
ﻛﺬﺑﺖ ﻳﺎ ﻋﺪوة ﷲ ،ﻗﺎﻟﺖ» :أﻧﺖ أﻣري ﺗﺸﺘﻢ ﻇﻠﻤً ﺎ ،وﺗﻘﻬﺮ ﺑﺴﻠﻄﺎﻧﻚ «.ﻓﺎﺳﺘﺤﻰ وﺳﻜﺖ.
وﻋﲆ اﺧﺘﻼف اﻟﺮواﻳﺎت أن ﻟﻠﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ — ﻣﻘﺎﻣني؛ أﺣﺪﻫﻤﺎ
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺸﻴﻌﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻤﴫ ،وﻫﻮ ً ﺑﺪﻣﺸﻖ ،وﻫﻮ ﻣﻘﺼﻮد ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺎت،
أﺷﻬﺮ ﻣﻦ اﻷول ،وﻟﻬﺎ أوﻗﺎف وإﻳﺮاد زاﺋﺪ ﻣﻦ دﻳﻮان ﻋﻤﻮم اﻷوﻗﺎف املﴫﻳﺔ ،وﻟﻬﺎ ﻣﺴﺠﺪ ﰲ
391
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﴫ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺜﻠﻪ ،ﻗﺪ ذﻛﺮ أوﺻﺎﻓﻪ اﻷﻣري ﻋﲇ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺒﺎرك ﰲ ﺧﻄﻄﻪ املﺴﻤﺎة ﺑﺎﻟﺨﻄﻂ
اﻟﺘﻮﻓﻴﻘﻴﺔ .وﻟﻜﻮن أوﺻﺎﻓﻪ ﺟﺎءت ﻣﺴﻬﺒﺔ اﻗﺘﴫﻧﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻣُﻨﻮﱢﻫني ﻋﲆ ﻣﺤﻞ وﺟﻮدﻫﺎ.
ﻫﻲ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﺳﻤﺮة ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﺻﻌﺼﻌﺔ ،واﻟﻄﺜﺮﻳﺔ أﻣﻬﺎُ .ﻗﺘﻞ أﺧﻮﻫﺎ
ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ اﻟﻄﺜﺮﻳﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ املﺸﻬﻮر ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﺳﻨﺔ ١٢٦ﻫﺠﺮﻳﺔ ،املﻮاﻓﻘﺔ ﻟﺴﻨﺔ
٧٤٤ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،ﻗﺘﻠﻪ ﺑﻨﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ أﺧﺘﻪ ﺗﺮﺛﻴﻪ:
وﻛﺎﻧﺖ زﻳﻨﺐ ذات ﺟﻤﺎل وأدب وﻛﻤﺎل ،ﺷﺎﻋﺮة ﻣﺸﻬﻮرة ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻔﻀﻞ
ٍ
ﻣﺮاث ﻛﺜرية ﰲ أﺧﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﻧﻌﺜﺮ واﻷدب ،ﻣﺘﺠﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮب ،وﻟﻬﺎ
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻵن.
392
ﺣﺮف اﻟﺰاي
393
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
394
ﺣﺮف اﻟﺰاي
وﻛﺎن أﺧﻮﻫﺎ ﻗﺪ ﻗﻞ ﻣﺎﻟﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻌني ﻏريه ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وملﺎ دﻧ َ ْﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ
أوﺻﺖ ﻟﻪ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻬﺎ وﻋﻘﺎراﺗﻬﺎ.
ﻗﺎل أﻫﻞ اﻻﻃﻼع ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺣﺎﻟﻬﺎ :إﻧﻬﺎ أﺻﻴﺒﺖ ﺑﴚء ﻣﻦ اﺧﺘﻼل اﻟﺸﻌﻮر ﻗﺒﻞ
ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺑﻤﺪة .وﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة اﻫﺘﻢ اﻟﱪﻧﺲ ﺣﻠﻴﻢ ﺑﺎﺷﺎ ﺑﺘﺤﻮﻳﺮ اﻟﻮﻗﻔﻴﺎت ،وﺣﴫ ﻗﺴﻤﻬﺎ
اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻴﻪ وﰲ أوﻻده ،واﺳﺘﻐﻞ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ إﱃ أن ﺗﻮﰲ ﰲ ﺳﻨﺔ .١٣١٢
وﺣﻴﻨﺌﺬ ﻗﺎم ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس وﺣﺮك أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻘﻮق ﺑﺎملﻄﺎﻟﺒﺔ ،وﻻ ﻳﺰال اﻟﻨﺰاع ﻓﻴﻬﺎ
إﱃ اﻵن.
395
ﺣﺮف اﻟﺴﲔ
وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،وﺑ ﱢُﴩ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﺳريزﻗﻪ ﷲ ﺑﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺳﺎرة ،وﻗﺪ ﻛﺎن ،وﺣﻤﻠﺖ ﺳﺎرة
ﺑﺈﺳﺤﺎق.
ﺣﻤﻠﺖ ﻫﺎﺟﺮ ﺑﺈﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻓﻮﺿﻌﺘﺎ ﻣﻌً ﺎ ،وﺷﺐﱠ اﻟﻐﻼﻣﺎن ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻤﺎ ْ ْ
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻴﻞ:
ﻳﺘﻨﺎﺿﻼن ذات ﻳﻮم ،وﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺳﺎﺑَﻖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﺴﺒﻖ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ،
ْ
ﻓﻐﻀﺒﺖ وﻗﺎﻟﺖ: ﻓﺄﺧﺬه ﻓﺄﺟﻠﺴﻪ ﰲ ﺣﺠﺮه ،وأﺟﻠﺲ إﺳﺤﺎق إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،وﺳﺎرة ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ
ْ
وﻋﻤﺪت إﱃ اﺑﻨﻲ ﻓﺄﺟﻠﺴﺘﻪ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻚ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻋﻤﺪت إﱃ اﺑﻦ اﻷﻣﺔ ﻓﺄﺟﻠﺴﺘﻪ ﰲ ﺣﺠﺮك،
أﺧﺬﻫﺎ ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﻐرية ،ﻓﺤﻠﻔﺖ ﻟﺘﻘﻄﻌﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﺘُ ﱠ
ﻐرين ﺧﻠﻘﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ
ﺛﺎب إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻘﻠﻬﺎ ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل إﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼمْ :
اﺧﻔِ ﻀﻴﻬﺎ واﺛﻘﺒﻲ أذﻧﻬﺎ،
ﻓﻔﻌﻠﺖ ذﻟﻚ ،ﻓﺼﺎرت ُﺳﻨﱠﺔ ﰲ اﻟﻨﺴﺎء.
ﺛﻢ إن إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ وإﺳﺤﺎق — ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم — اﻗﺘﺘﻼ ذات ﻳﻮم ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﺼﺒﻴﺎن،
ﻓﻐﻀﺒﺖ ﺳﺎرة ﻋﲆ ﻫﺎﺟﺮ وﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺗﺴﺎﻛﻨﻨﻲ ﰲ ﺑﻠﺪ ،وأﻣﺮت إﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم —
أن ﻳﻌﺰﻟﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺄوﺣﻰ ﷲ إﻟﻴﻪ أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﻤﺎ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻓﺬﻫﺐ ﺑﻬﻤﺎ.
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﺎرة وﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻣﺎﺋﺔ واﺛﻨﺘﺎن وﻋﴩون ﺳﻨﺔ ،وﻗﻴﻞ :ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺒﻊ
وﻋﴩون ﺑﺎﻟﺸﺎم ،ﺑﻘﺮﻳﺔ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة ﺑﺄرض ﻛﻨﻌﺎن ﰲ ﺟريون ،ﰲ ﻣﺰرﻋﺔ اﺷﱰاﻫﺎ إﺑﺮاﻫﻴﻢ
— ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ود ْ
ُﻓﻨﺖ ﺑﻬﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻳﻬﻮد ﻳﺜﺮب ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻗﺮﻳﻈﺔ ،ﻗﻴﻞ :إن أﺑﺎ ﺟﺒﻠﺔ ،أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻴﻤﻦ ،ﻗﺼﺪ املﺪﻳﻨﺔ
ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،وﻛﺎن أﻫﻠﻬﺎ ﻳﻬﻮد ،وﺑﻠﻐﻪ ﻋﻦ ﻣﻠﻜﻬﻢ أﻣﻮر ﻓﺎﺣﺸﺔ ،ﻓﺄوﻗﻊ ﰲ اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺬي
ﺣﺮض ،وﻫﻮ وادٍ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻋﻨﺪ أُﺣﺪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺳﺎرة اﻟﻘﺮﻇﻴﺔ — وﻫﻲ ﻣﻨﻬﻢ — ﺗﺬﻛﺮ ذﻟﻚ
وﺗﺮﺛﻲ ﻣَ ﻦ ُﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻬﺎ:
398
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﻫﻲ زوﺟﺔ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ — ﻳﺘﺼﻞ ﻧﺴﺒﻪ إﱃ ﺛﻘﻴﻒ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ زوﺟﻬﺎ وﻗﻮﻣﻬﺎ،
ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ ملﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﻜﺎن واﻟﻔﻀﻞ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ملﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم اﻟﻔﺠﺎر اﻟﺮاﺑﻊ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ
— وﻫﻮ ﻳﻮم ﻋﻜﺎظ — ودارت اﻟﺪاﺋﺮة ﻋﲆ ﺑﻨﻲ ﻗﻴﺲ ،واﻧﺘﴫ زوﺟﻬﺎ وﺣﺮب ﺑﻦ أﻣﻴﺔ ﻋﲆ
أﻋﺪاﺋﻬﻢ ،ﻓﺮآﻫﺎ ﺗﺒﻜﻲ ﺣني ﺗﺪاﻋﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻳﺒﻜﻴﻚ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ملﺎ ﻳﺼﺎب ﻏﺪًا ﻣﻦ
ﻗﻮﻣﻲ.
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ — وﻛﺎن ﻣﺴﻌﻮد ﻗﺪ ﴐب ﻋﲆ اﻣﺮأﺗﻪ ﺳﺒﻴﻌﺔ ﺧﺒﺎء :ﻣَ ﻦ دﺧﻞ ﺧﺒﺎءك ﻣﻦ
ﻗﺮﻳﺶ ﻓﻬﻮ آﻣﻦ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﻪ ﻗﻄﻌً ﺎ ﻟﻴﺘﺴﻊ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ ﺗﺘﺠﺎوزي ﰲ ﺧﺒﺎﺋﻚ؛ ﻓﺈﻧﻲ
ﻻ أُﻣﴤ إﻻ ﻣﻦ أﺣﺎط ﺑﻪ اﻟﺨﺒﺎء ،ﻓﺄﺣﻔﻈﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻣﺎ وﷲ إﻧﻲ ﻷﻇﻦ أﻧﻚ ﺗﻮد أن ﻟﻮ
زدت ﰲ ﺗﻮﺳﻌﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﻬﺰﻣﺖ ﻗﻴﺲ دﺧﻠﻮا ﺧﺒﺎءﻫﺎ ﻣﺴﺘﺠريﻳﻦ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﺟﺎر ﻟﻬﺎ ﺣﺮب ﺑﻦ
ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺄﻃﻨﺎب ﺧﺒﺎﺋﻚ أو دار ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻬﻮ آﻣﻦ ،ﻓﻨﺎدت ﺑﺬﻟﻚ أﻣﻴﺔ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﻋﻤﺔ ،ﻣﻦ ﱠ
ﻓﺎﺳﺘﺪارت ﻗﻴﺲ ﺑﺨﺒﺎﺋﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺜﺮوا ﺟﺪٍّا ،ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ أﺣﺪ ﻻ ﻧﺠﺎة ﻋﻨﺪه إﻻ دا َر ﺑﺨﺒﺎﺋﻬﺎ؛
ﻓﻘﻴﻞ ﻟﺬﻟﻚ املﻮﺿﻊ :ﻣﺪار ﻗﻴﺲ ،وﻛﺎن ﻳﴬب ﺑﻪ املﺜﻞ.
وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻦ ﻣﻌﺘﺐ ﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻌﻪ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺑﻨﻮه ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻌﺔ؛ وﻫﻢ :ﻋﺮوة
وﻟﻮﺣﺔ وﻧﻮﻳﺮة واﻷﺳﻮد ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺪورون وﻫﻢ ﻏﻠﻤﺎن ﰲ ﻗﻴﺲ ﻳﺄﺧﺬون ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ إﱃ ﺧﺒﺎء
أﻣﻬﻢ ﻟﻴُﺠريوﻫﻢ ﻛﻤﺎ أﻣﺮﺗﻬﻢ أﻣﻬﻢ أن ﻳﻔﻌﻠﻮا ،ﻓﺨﺮج وﻫﺐ ﺑﻦ ﻣﻌﺘﺐ ﺣﺘﻰ وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ
رﺟﻼ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻛﻨﺎﻧﺔ ،ﻓﻨﺎدت وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻃﻨﺐ ﻣﻦ أﻃﻨﺎب ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ إﻻ رﺑﻄﺖ ﺑﻪ ً
ً
رﺟﻼ ﺑﺄﻋﲆ ﺻﻮﺗﻬﺎ أن وﻫﺒًﺎ ﻳﺤﻠﻒ أن ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻃﻨﺐ ﻣﻦ أﻃﻨﺎب ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ إﻻ رﺑﻂ ﺑﻪ
ﻫﺰﻣﺖ ﻟﺠﺌﻮا إﱃ ﺧﺒﺎﺋﻬﺎ ﻓﺄﺟﺎرﻫﻢ ﺣﺮب ﺑﻦ أﻣﻴﺔ. ْ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻛﻨﺎﻧﺔ ،ﻓﺎﻟﺠﺪ اﻟﺠﺪ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﺳﺖ اﻟﻮزراء
ﻟﻘﺐ ﺣﻔﻴﺪة اﻟﻌﻼﻣﺔ وﺟﻴﻪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﺒﲇ .وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ٦٢٤ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ٧١٧ﻫ،
وﻫﻲ ﻣُﺤﺪﱢﺛﺔ ﻣﺸﻬﻮرة أﺧﺬت ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻨﺪ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻋﻦ أﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ
اﻟﺰﺑﻴﺪي ،وﻗﺮأت ﻋﲆ أﺑﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻤﺎ رواه ﺻﻼح اﻟﺼﻔﺪي ﻣُﺤﺪﱢﺛﺔ
ﻋﴫﻫﺎ ،واﺳﺘﻘﺪﻣﺖ إﱃ ﻣﴫ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻷﻣري ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ أرﻏﻮن ،واﻟﻘﺎﴈ
ﻛﺮﻳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ،ودرﺳﺖ اﻟﺒﺨﺎري ﻣﺮا ًرا ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ ،وروى ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫري اﻟﻌﻠﻤﺎء.
399
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺳﺖ اﻟﻜﺮام
ﺑﻨﺖ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ ،أﺧﺖ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﲇ ﻣﻬﺬب اﻟﺪوﻟﺔ ،واﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ
اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻣﻤﻬﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ،واﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ،أﺑﻨﺎء ﻋﺜﻤﺎن — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ .ﻛﺎﻧﺖ وارﺛﺔ
ﻣﺤﻤﺪﻳﺔ ،ووﻟﻴﺔ ﻋﻠﻮﻳﺔ ،ذات أﺧﻼق ﻫﺎﺷﻤﻴﺔ ،وﻃﺒﺎع ﻣﺼﻄﻔﻮﻳﺔ ،وأﻃﻮار ﻓﺎﻃﻤﻴﺔ .ﻋﺪﱠﻫﺎ
ﺧﺎﻟﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻜﺒري ﺳﻠﻄﺎن اﻷوﻟﻴﺎء ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — ﰲ
ﻃﺒﻘﺎت ذﻛﺮﻫﺎ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻼل — ﻗﺪس ﴎه — ﰲ »ﺟﻼء اﻟﺼﺪا«.
ﻗﺎل ﻋﻨﺪ ذﻛﺮﻫﺎ :اﻟﺴﺖ اﻟﺴﻌﻴﺪة اﻟﺤﻤﻴﺪة اﻟﺸﻬرية ذات اﻟﺴرية اﻟﺤﻤﻴﺪة ،واﻷوﺻﺎف
اﻟﺴﺪﻳﺪة ،ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺎت ،واملﻘﺎﻣﺎت اﻟﺜﺎﺑﺘﺎت ،واملﻜﺎﺷﻔﺎت اﻟﺼﺎدﻗﺔ ،وﻟﻴﺔ ﷲ
املﻠﻚ اﻟﻘﺪﻳﺮ ،ﺑﻨﺖ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺜﻤﺎن ﻣﻦ أﺧﺖ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺒري املﺴﻤﺎة ﺑﺴﺖ اﻟﻜﺮام — ﻧﻮر
ﷲ ﻣﻀﺠﻌﻬﺎ ،وﻋﻄﺮ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻣﻬﺠﻌﻬﺎ — ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺣﻴﺎءً وإﻳﻤﺎﻧًﺎ وإﻳﻘﺎﻧًﺎ،
ذات أﴎار ﻣﺨﻔﻴﺔ ،وأﺣﻮال ﻣﺮﺿﻴﺔ ،ﺗﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ،ﻗﻨﻌﺖ ﻣﻦ
ُ
وﺗﺒﻴﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﺪون ،وﻣﺎ وﺟﺪ ﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﷲ ﺳﻜﻮن ،ﺗﻨﻔﻖ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم
ﻃﺎوﻳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻘﻀﺎء ﷲ ﺗﻌﺎﱃ وﻗﺪره راﺿﻴﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ذات ﺷﻮق وﺣﻨني ،وﺣﺰن وأﻧني وأرق ،وﻟﺒﺎﺳﻬﺎ اﻟﺼﻮف اﻟﺨﺸﻦ اﻟﻘﺼري.
ﺗﻄﺤﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻮ ﻏﺒﺎر اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ .وﻛﺎن ﺧﺎﻟﻬﺎ ﻳُﻘ ﱢﺮﺑﻬﺎ وﻳُﺪﻧﻴﻬﺎ ﻣﻨﻪ ،وﺑﻐﺮاﺋﺐ
اﻷﻣﻮر واﻷﴎار ﻳﴪﻫﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻓﻈﺔ ﻟﻠﻌﻬﻮد ،وﺑﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﺼﻔﻬﺎ وﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﻹﺧﻮﺗﻬﺎ
وﻳﻘﻮل :اﻟﺤﻖ ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻳﺮﴇ ﻟﺮﺿﺎﻫﺎ ،وﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :أي ﻛﺮام وﺻﻞ ﷲ ﺟﻨﺎﺣﻚ ﺑﻪ
ﺑﻜﺮﻣﻪ .ﻧُﻘِ ﻞ أﻧﻬﺎ ﰲ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻌﺪ أﻣﺎم ﺧﺎﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺮة ،ﻓﺮأى ذﻟﻚ أﺧﻮﻫﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ
اﻟﺴﻼم ،ﻓﻨﻘﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﻣﺎ ﺗﺮﺿﻮن أن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻜﻢ ﻧﺴﺎء ﻟﻬﻦ ﻣﻘﺎم اﻟﺮﺟﺎل .وﻛﺎﻧﺖ
— ﻗﺪس ﷲ ﴎﻫﺎ — ﺗﻘﻮل :ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻘﺒﻮل واﻟﺘﻮﻓﻴﻖ املﻮاﻇﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺨريات ،واملﺪاوﻣﺔ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎ دام رﻣﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ،وإن أﻫﻞ اﻟﻘﺒﻮل ﺟﻌﻠﻮا اﻟﺼﺪق ﻣﻄﻴﺘﻬﻢ ،واﻟﺘﴬع إﱃ
ﷲ ﺗﻌﺎﱃ دﻳﺪﻧﻬﻢ ،ووﺻﻠﻮا ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻔﺎت إﱃ واﻫﺐ اﻟﻌﻄﻴﺎت ،ﻗﺎل اﻟﺰﺑري :ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ
٥٦٠ﻫ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﻤﺸﻬﺪ أم ﻋﺒﻴﺪة ﺑﺒﻐﺪاد — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ.
400
ﺣﺮف اﻟﺴني
401
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺎﻛﻢ وﻫﻮ ﺻﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻨﺎﻫﺰ اﻟﺤﻠﻢ ،وﺑﺎﻳﻊ ﻟﻪ اﻟﻨﺎس ،وﻟُﻘﺐ ﺑﺎﻟﻈﺎﻫﺮ ﻹﻋﺰاز دﻳﻦ
ﷲ ،وأﻧﻔﺬت اﻟﻜﺘﺐ إﱃ اﻟﺒﻼد ﺑﺄن اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻪ ،وﰲ اﻟﻐﺪ ﺣﴬ اﺑﻦ داوس ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ ﺳﺖ املﻠﻚ
وﻣﻌﻪ ﻗﻮاده ،ﻓﺄﻣﺮت ﺧﺎدﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ أن ﻳﴬﺑﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻓﻘﺘﻠﻪ وﻫﻮ ﻳﻨﺎدي :ﻳﺎ ﻟﺜﺄر اﻟﺤﺎﻛﻢ،
ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ اﺛﻨﺎن ،وﻗﺎﻣﺖ ﺳﺖ املﻠﻚ ﺗُﺪﺑﱢﺮ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺪة أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات وﻫﻲ ﺗﻌﺪل ﺑني
اﻟﺮﻋﻴﺔ وﺗﻨﺼﻒ املﻈﻠﻮﻣني ،ﺣﺘﻰ أﺣﺒﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻫﺎﱄ ،وﺗﻤﻨﻮا أن ﻣﺪﺗﻬﺎ ﺗﺪوم .وﺗﻮﻓﻴﺖ
ﺳﻨﺔ ٤١٥ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﻗﺪ ﺣﺰن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ أﻫﻞ ﻣﴫ ،وﺗﻤﻨﻮا ﺑﻘﺎءﻫﺎ ﺗﺪﺑﺮ املﻤﻠﻜﺔ ﺣﺘﻰ
ﻳﻜﱪ اﺑﻦ أﺧﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ هلل ﰲ ﺣﻜﻤﻪ إرادة.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎﻗﻼت اﻟﺤﻜﻴﻤﺎت ذوات اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺒﻼﻏﺔ وأﺻﺎﻟﺔ اﻟﺮأي ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ
ﻗﺎدت أﻛﺎﺑﺮ ﻗﻮﻣﻬﺎ إﱃ رأﻳﻬﺎ ،وﺗﺤﺖ ﻃﺎﻋﺘﻬﺎ ،ورﻛﺒﺖ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ﰲ ﻋﺴﺎﻛﺮ ﺟﺮارة ،وملﺎ
أﻗﺒﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻗﺎﺻﺪة املﺪﻳﻨﺔ ملﺤﺎرﺑﺔ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ وادﱠﻋﺖ اﻟﻨﺒﻮة ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ورﻫﻄﻬﺎ ﰲ
أﺧﻮاﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻐﻠﺐ ﺗﻘﻮد أﻓﻨﺎء رﺑﻴﻌﺔ ،وﺟﺎء ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻬﺬﻳﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻐﻠﺐ —
وﻛﺎن ﻧﴫاﻧﻴٍّﺎ ﻓﱰك دﻳﻨﻪ وﺗﺒﻌﻬﺎ — وﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻫﻼل ﰲ اﻟﻨﻤﺮ ،وزﻳﺎد ﺑﻦ ﺑﻼل ﰲ إﻳﺎد،
واﻟﺴﻠﻴﻞ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﰲ ﺷﻴﺒﺎن ،ﻓﺄﺗﺎﻫﻢ أﻣﺮ أﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻻﺧﺘﻼﻓﻬﻢ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺳﺠﺎح ﺗﺮﻳﺪ ﻏﺰو أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ إﱃ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﻮﻳﺮة ﺗﻄﻠﺐ املﻮادﻋﺔ،
ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ وردﱠﻫﺎ ﻋﻦ ﻏﺰوﻫﺎ ،وﺣﻤَ ﻠﻬﺎ ﻋﲆ أﺣﻴﺎء ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ وﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ
ﺑﻨﻲ ﻳﺮﺑﻮع ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻓﻬﻮ ﻟﻜﻢ ،وﻫﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻄﺎرد ﺑﻦ ﺣﺎﺟﺐ ،وﺳﺎدة ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻣﺎﻟﻚ
وﺣﻨﻈﻠﺔ إﱃ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﻨﱪ ،وﻛﺮﻫﻮا ﻣﺎ ﺻﻨﻊ وﻛﻴﻊ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أودﻋﻬﺎ ،وﻫﺮب ﻣﻨﻬﺎ أﺷﺒﺎﻫﻬﻢ
ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻳﺮﺑﻮع وﻛﺮﻫﻮا ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﻮﻳﺮة ،واﺟﺘﻤﻊ ﻣﺎﻟﻚ ووﻛﻴﻊ وﺳﺠﺎح ﻓﺴﺠﻌﺖ
ﻟﻬﻢ ﺳﺠﺎح وﻗﺎﻟﺖ :أﻋﺪوا اﻟﺮﻛﺎب ،واﺳﺘﻌﺪوا ﻟﻠﻨﻬﺎب ،ﺛﻢ أﻏريوا ﻋﲆ اﻟﺮﺑﺎب ،ﻓﻠﻴﺲ دوﻧﻬﻢ
ﻓﻘﺘﻞ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻗﺘﲆ ﻛﺜرية ،وأﴎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺣﺠﺎب ،ﻓﺴﺎروا إﻟﻴﻬﻢ ﻓﻠﻘﻴﻬﻢ ﺿﺒﺔ وﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎةُ ،
ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ،ﺛﻢ ﺗﺼﺎﻟﺤﻮا ،وﻗﺎل ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﻋﺎﺻﻢ ﺷﻌ ًﺮا أﻇﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﻧﺪﻣﻪ ﻋﲆ ﺗﺨﻠﻔﻪ ﻋﻦ أﺑﻲ
ﺑﻜﺮ ﺑﺼﺪﻗﺘﻪ ،ﺛﻢ ﺳﺎرت ﺳﺠﺎح ﰲ ﺟﻨﻮد اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻨﺒﺎج ،ﻓﺄﻏﺎر ﻋﻠﻴﻬﻢ أوس
ﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ اﻟﺠﻬﻤﻲ ﰲ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﺮو ،ﻓﺄﴎ اﻟﻬﺬﻳﻞ وﻋﻘﺒﺔ ،ﺛﻢ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﲆ أن ﻳﻄﻠﻖ أﴎى
ﺳﺠﺎح وﻻ ﻳﻄﺄ أرض أوس وﻣﻦ ﻣﻌﻪ.
402
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﺳﺠﺎح ﰲ اﻟﺠﻨﻮد وﻗﺼﺪت اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ وﻗﺎﻟﺖ :ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﺎﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ،وزﻓﻮا زﻓﻴﻒ
اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻏﺰوة ﴏاﻣﺔ ،ﻻ ﻳﻠﺤﻘﻜﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣﻼﻣﺔ.
إن ﻫﻮ ُﺷﻐِ ﻞ ﺑﻬﺎ ﺗﻐ ﱡﻠﺐ ﺛﻤﺎﻣﺔ
ﻓﻘﺼﺪت ﺑﻨﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ،ﻓﺨﺎف ْ
وﴍﺣﺒﻴﻞ ﺑﻦ ﺣﺴﻨﺔ واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﻫﺠﺮ ،وﻫﻲ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ،ﻓﺄﻫﺪى ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ أرﺳﻞ
إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺴﺘﺄﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﻣﱠ ﻨﺘﻪ ،ﻓﺠﺎءﻫﺎ ﰲ أرﺑﻌني ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ،ﻓﻘﺎل
ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ :ﻟﻨﺎ ﻧﺼﻒ اﻷرض وﻟﻘﺮﻳﺶ ﻧﺼﻔﻬﺎ ﻟﻮ ﻋﺪﻟﺖ ،وﻗﺪ رد ﷲ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺬي
ردت ﻗﺮﻳﺶ .وﻛﺎن ﻣﻤﱠ ﺎ ﴍَ ع ﻟﻬﻢ أن ﻣَ ﻦ أﺻﺎب وﻟﺪًا واﺣﺪًا ذﻛ ًﺮا ﻻ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﺘﻰ
ﻳﻤﻮت ذﻟﻚ اﻟﻮﻟﺪ ،ﻓﻴﻄﻠﺐ اﻟﻮاﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻴﺐ اﺑﻨًﺎ ﺛﻢ ﻳﻤﺴﻚ.
وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ ﺗﺤﺼﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :اﻧﺰل ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﺑﻌﺪي أﺻﺤﺎﺑﻚ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ،وﻗﺪ
ﴐب ﻟﻬﺎ ﻗﺒﺔ وﺟﻤﱠ ﺮﻫﺎ ﻟﺘﺰﻛﻮ ﺑﻄﻴﺐ اﻟﺮﻳﺢ واﺟﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﺎ أوﺣﻰ إﻟﻴﻚ رﺑﻚ؟
ﻓﻘﺎل :أﻟﻢ ﺗﺮي إﱃ رﺑﻚ ﻛﻴﻒ ﻓﻌﻞ ﺑﺎﻟﺤُ ﺒﲆ ،أﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺴﻤﺔ ﺗﺴﻌﻰ ،ﺑني ﺻﻔﺎق وﺣَ ًﺸﺎ،
أن أﺗﺰوﱠﺟﻚ وآﻛﻞ ﺑﻘﻮﻣﻲ وﻗﻮﻣﻚ اﻟﻌﺮبَ ،ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :أﺷﻬﺪ أﻧﻚ ﻧﺒﻲ! ﻗﺎل :ﻫﻞ ﻟﻚ ْ
ﺑﺠﻮاﺑﻬﺎ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﻋﻨﺪه ﺛﻼﺛًﺎ ﺛﻢ اﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻗﻮﻣﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻋﻨﺪك؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺎن
ﺣﻖ ﻓﺘﺒﻌﺘُﻪ وﺗﺰوﺟﺘُﻪ ،ﻗﺎﻟﻮا :ﻫﻞ أﺻﺪﻗﻚ ﺷﻴﺌًﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ،ﻗﺎﻟﻮا :ﻓﺎرﺟﻌﻲ ﻓﺎﻃﻠﺒﻲ ﻋﲆ ﱟ
اﻟﺼﺪاق ،ﻓﺮﺟﻌﺖ.
ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ أﻏﻠﻖ ﺑﺎب اﻟﺤﺼﻦ ،وﻗﺎل :ﻣﺎ ﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﺻﺪﻗﻨﻲ ،ﻗﺎل :ﻣَ ﻦ ﻣﺆذﻧﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﺷﺒﻴﺐ ﺑﻦ رﺑﻌﻲ اﻟﺮﻳﺎﺣﻲ ،ﻓﺪﻋﺎه وﻗﺎل ﻟﻪ :ﻧﺎدِ ﰲ أﺻﺤﺎﺑﻚ أن ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ رﺳﻮل ﷲ ﻗﺪ
وﺿﻊ ﻋﻨﻜﻢ ﺻﻼﺗني ﻣﻤﺎ ﺟﺎءﻛﻢ ﺑﻪ ﻣﺤﻤﺪ؛ ﺻﻼة اﻟﻔﺠﺮ وﺻﻼة اﻟﻌﺸﺎء اﻵﺧﺮة ،ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ
وﻣﻌﻬﺎ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ،ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻄﺎرد ﺑﻦ ﺣﺎﺟﺐ ،وﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻷﻳﻬﻢ ،وﻏﻴﻼن ﺑﻦ ﺧﺮﺷﺔ ،وﺷﺒﻴﺐ
ﺑﻦ رﺑﻌﻲ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻄﺎرد ﺑﻦ ﺣﺎﺟﺐ:
وﺻﺎﻟﺤﻬﺎ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﻋﲆ ﻏﻼت اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﺳﻨﺔ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﻨﺼﻒ ،وﺗﱰك ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬ
ً
ﻫﺬﻳﻼ وﻋﻘﺒﺔ وزﻳﺎدًا ﻷﺧﺬ اﻟﻨﺼﻒ ،ﻓﺄﺧﺬت اﻟﻨﺼﻒ واﻧﴫﻓﺖ إﱃ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،وﺧﻠﻔﺖ
َ
ﻓﺎرﻓ ﱡﻀﻮا ،ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ ﺳﺠﺎح ﰲ ﺗﻐﻠﺐ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،ﻓﻠﻢ ﻳُﻔﺎﺟﺌﻬﻢ إﻻ دُﻧ ﱡﻮ ﺧﺎﻟﺪ إﻟﻴﻬﻢ
ﺣﺘﻰ ﻧﻘﻠﻬﻢ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻋﺎم املﺠﺎﻋﺔ ،وﺟﺎءت ﻣﻌﻬﻢ ،وﺣﺴﻦ إﺳﻼﻣﻬﻢ وإﺳﻼﻣﻬﺎ ،واﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ
اﻟﺒﴫة وﻣﺎﺗﺖ ﺑﻬﺎ ،وﺻﲆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻤﺮة ﺑﻦ ﺟﻨﺪب وﻫﻮ ﻋﲆ اﻟﺒﴫة ملﻌﺎوﻳﺔ ،ﻗﺒﻞ ﻗﺪوم
403
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ زﻳﺎد ﻣﻦ ﺧﺮاﺳﺎن ووﻻﻳﺘﻪ اﻟﺒﴫة ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ملﺎ ُﻗﺘﻞ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﺳﺎرت إﱃ
أﺧﻮاﻟﻬﺎ ﺗﻐﻠﺐ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺮة ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻋﻨﺪﻫﻢ وﻟﻢ ﻳُﺴﻤﻊ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻛﺮ.
ﴎى ﺧﺎﻧﻢ
ﺷﺎﻋﺮة ﺗﺮﻛﻴﺔ ﻣﺸﻬﻮرة وﻟﺪت ﰲ دﻳﺎر ﺑﻜﺮ ﺳﻨﺔ ١٨١٤ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،و ١٢٣٠ﻫﺠﺮﻳﺔ .أﺗﺖ
ﺑﻐﺪاد وزارت ﻣﺪاﻓﻦ اﻷوﻟﻴﺎء ورﺟﻌﺖ إﱃ دﻳﺎر ﺑﻜﺮ ،ﺛﻢ ﺷﺨﺼﺖ إﱃ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ وﺗﻮﻓﻴﺖ
ﻓﻴﻬﺎ .وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﺷﺎﺋﻘﺔ ،وﻣﻨﻈﻮﻣﺎت راﺋﻘﺔ ،ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ،أﻋﺮﺿﻨﺎ
ﻋﻦ إﻳﺮاد ﳾء ﻣﻨﻬﺎ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮع ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب.
ﻓﻘﻠﺖ :ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻓﺄﺟﺐ ،ﻗﺎل :ﻗﺪ اﻧﻘﻄﻌﺖ؛ ﻓﺄﺟﺐ أﻧﺖ ،ﻓﻘﻠﺖ وﻟﻢ ﻳﺤﴬﻧﻲ ﻏريه:
واﻧﴫﻓﻨﺎ ﻓﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮﻳﻨﺎ إﻻ وﺟﺎرﻳﺔ ﺗﻘﻮل :أﺟﺐ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛ ﱠﻠﻤﺘﻚ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺌﺖ
إﻟﻴﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺖ املﺠﻴﺐ ،ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻤﺎ أﻗﴫ ﺟﻮاﺑﻚ؟ ﻗﻠﺖ :ﻟﻢ ﻳﺤﴬﻧﻲ ﻏريه،
404
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ ﷲ أﺣﺐ إﱄ ﱠ ﻣَ ﻦ اﻟﺬي ﻣﻌﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻋﲇ ﱠ أن أﺣﴬه إﻟﻴﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻴﻬﺎت،
ﻓﻀﻤﻨﺘُﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ،ورﺟﻌﺖ ﻓﺮأﻳﺘﻪ ﰲ ﻣﻨﺰﱄ ﻓﺄﺧﱪﻧﻲ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ﻛﺎملﻜﺎﺷﻒ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ:
ﻗﺪ ﺿﻤﻨﺖ ﻟﻬﺎ ﺣﻀﻮرك اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ.
ﻃﻴﱢﺐ ُ
وﻓﺮش ،ﻓﺠﻠﺴﺎ ﻓﺘﻌﺎﺗﺒﺎ ،ﻓﺄﻧﺸﺪت ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻀﻴﻨﺎ ،ﻓﺈذا ﺑﺎملﺠﻠﺲ ﻗﺪ ُ
أﺑﻴﺎت ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺪﻣﻴﻨﺔ:
ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ:
ﱠ
ﻓﻜﻒ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪت: ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ وﻗﺎﻟﺖ :أﻻ ﺗﺴﻤﻊ؟ ﻓﻐﻤﺰﺗﻪ
ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ:
405
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ:
وملﺎ أﻧﺸﺪ :ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻧﻬﻰ اﻟﻨﻔﺲ … اﻟﺒﻴﺖ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :وﻛﻨﺖ ﺗﻔﻌﻞ؟ ﻣﺎ ﻓﻴﻚ ﺧري
ﺑﻌﺪﻫﺎ! واﻓﱰﻗﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻜﻌﺐ :ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ إﻧﻚ ﻻ ﺗﻔﻲ ﺑﻀﻤﺎﻧﻚ ،وﻟﻜﻦ إذا ﻛﺎن ﱠ
اﻟﺴﺤَ ﺮ
ﻓﺎﺋﺘﻨﻲ ،ﻗﺎل ﻛﻌﺐ :ﻓﺠﺌﺖ ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺼﻴﺎح ،ﻓﺴﺄﻟﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺨﱪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺣني ﺧﺮﺟﺘﻤﺎ
ﺟﻌﻠﺖ ﰲ ﻋﻨﻘﻬﺎ أﻧﺸﻮﻃﺔ وﺧﻨﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﻠﺤﻘﻨﺎﻫﺎ ﻓﺨﻠﺼﻨﺎﻫﺎ ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﺤﺎدﺛﻨﺎ
ﻓﻠﺰم ﻗﱪﻫﺎ ،ﻓﺠﺎءﺗﻪ ﰲ
وﺗﻔﺘﻜﺮ ﻓﺘﻘﻮل :إﻧﻪ ﻟﻘﺎﳼ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺛﻢ ﺷﻬﻘﺖ ﻓﻤﺎﺗﺖ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺸﺎب ِ
اﻟﻨﻮم ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﱠ
ﻫﻼ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،ﻓﻤﺎت ﻣﻦ وﻗﺘﻪ.
ﺳﻌﺪى اﻷﺳﺪﻳﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺬﺑﺔ ﺷﺎﻋﺮة ﻓﺼﻴﺤﺔ .ﻋﻠِﻘﻬﺎ ﻓﺘًﻰ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻓﻤﻨﻌﻪ أﺑﻮه أن ﻳﺘﺰوﱠج إﻻ ﺑﺄرﻓﻊ
ﻣﻨﻬﺎ ،وأﺑﻰ اﻟﻐﻼم إﻻ ﻫﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻳﺲ أﺑﻮﻫﺎ زوﱠﺟﻬﺎ ﻣﻦ رﺟﻞ آﺧﺮ ،ﻓﺎﺷﺘ ﱠﺪ وﺟْ ُﺪ اﻟﻐﻼم ﺑﻬﺎ،
وﻟﻘﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﺄﻧﺸﺪ:
406
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﻓﻘﺪ أوﺿﺤﺖ ﻟﻪ أﻧﻬﺎ ﻫﺎﻟﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ ﺑﻌﺸﻘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺪ ﺟﺎء ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﻣﻴﺘﺔ،
ﻓﺎﺣﺘﻤﻠﻬﺎ إﱃ ِﺷﻌْ ٍﺐ ﺑﺬُ َرى ٍ
ﺟﺒﻞ — ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻋﺮﻓﺎت — ﻣﻠﺘﺰﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻤﺎت واﺧﺘﻔﻰ أﻣﺮﻫﻤﺎ
ﺷﺨﺼﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﺒﻞ ﻳﻘﻮل: ً ﺣﻮﻻ ،ﺣﺘﻰ ﻣﺮ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻓﺴﻤﻊ ً
ﺎن ﺑ ﺎﻟ ﻮﻓ ﺎء اﻟ ﺼ ﺎﻓ ﻲ
ﺎن ذوا اﻟﺘﺼﺎﻓﻲ اﻟ ﺬاﻫ ﺒ ِ
إﻧﺎ اﻟﻜﺮﻳﻤ ِ
ﺪر وﻣﻦ إﺧﻼف واﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻟﻘﻴ ُﺖ ﻓﻲ ﺗﻄﻮاﻓﻲ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻏ ٍ
ِﻣﻦ ﻣﻴﺘﻴ ِﻦ ﻓﻲ ذُرى أﻋﺮاف
407
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪي ﺗﺤﺐﱡ اﻟﺴﺘﺮ ﻓﺎﺳﺘﺘﺮ ﻗ ﺎﻟ ﺖ وأﺑ ﺜ ﺜ ﺘ ﻬ ﺎ ِﺳ ﱢﺮي وﺑُ ﺤ ُﺖ ﺑ ﻪ:
ﻄﻰ ﻫﻮاك وﻣﺎ أﻟ َﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﺑﺼﺮي
ﻏ ﱠ أﻟﺴﺖ ﺗﺒﺼﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ؟ ﻓﻘﻠ ُﺖ ﻟﻬﺎ:
ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ.
ٍ وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﺗﺤﺐ اﻟﻬﺰل واﻟﻠﻬﻮ واﻟﻄﺮب ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺬق ﻋﲆ
ﺣُ ﻜﻲ أﻧﻬﺎ ﺣﴬت ﻣﺄﺗﻤً ﺎ ﻓﻴﻪ ﺑﻨﺖ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺑﻨﺖ ﻋﺜﻤﺎن :أﻧﺎ ﺑﻨﺖ
اﻟﺸﻬﻴﺪ ،ﻓﺴﻜﺘﺖ ﺣﺘﻰ إذا أذن املﺆذن وﻗﺎل :أﺷﻬﺪ أن ﻣﺤﻤﺪًا رﺳﻮل ﷲ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﺳﻜﻴﻨﺔ:
ﻫﺬا أﺑﻲ أم أﺑﻮك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺑﻨﺖ ﻋﺜﻤﺎن :ﻻ أﻓﺨﺮ ﻋﻠﻴﻜﻢ أﺑﺪًا .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻲء ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ
إﱃ املﺴﺠﺪ ﻓﺘﻘﻮم ﺑﺈزاء اﺑﻦ ﻣﻄري ،ﻓﺈذا ﺷﺘﻢ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﺷﺘﻤﺘﻪ ﻫﻲ وﺟﻮارﻳﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺄﻣﺮ
408
ﺣﺮف اﻟﺴني
اﻟﺤﺎرث أن ﻳﴬب ﺟﻮارﻳﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻋﻔﻴﻔﺔ ﺗﺠﺎﻟﺲ اﻷﺟ ﱠﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ،وﺗﺠﻤﻊ
إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ،وﻛﺎﻧﺖ ﻇﺮﻳﻔﺔ ﻣ ﱠﺰاﺣﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺎس ﺷﻌ ًﺮا ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻔﻒ
ً
ﺗﺼﻔﻴﻔﺎ ﻟﻢ ﻳُﺮ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ. ﺟُ ﻤﱠ ﺘﻬﺎ
ﺷﺎﻣﻲ ﻓﺎﺑﻌﺚ إﻟﻴﻨﺎ
ﱞ وﺣُ ﻜﻲ أﻧﻬﺎ أرﺳﻠﺖ ﻣﺮة إﱃ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﴩط أن دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ
وﺧﺮﺟﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻮارﻳﻬﺎ وﺑﻴﺪﻫﺎ ﺑﺮﻏﻮث ْ ﺑﺎﻟﴩط ،ﻓﺮﻛﺐ وأﺗﻰ ،وأﻣﺮت ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب،
وﻗﺎﻟﺖ :ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻣﻲ اﻟﺬي ﺷﻜﻮﻧﺎه ،ﻓﻠﻤﺎ رأى اﻟﴩﻃﻲ ذﻟﻚ ﺣﺼﻞ ﻟﻪ اﻟﺨﺠﻞ وذﻫﺐ ﻫﻮ
اﺗﺨﺬت أﺷﻌﺐ اﻟﻄﻤﺎع ﻣﺴﺎﻣ ًﺮا ﻟﻬﺎ ﻟﻴُﻤﺎزﺣﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺪ ﱡر ْ ورﺟﺎﻟﻪ ﺑﺨﺠﻠﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ،وﺗﻨﴩح ﻷﺧﺒﺎره املﻀﺤﻜﺔ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻟﻬﺎ ﺳﻠﻌﺔ ﰲ أﺳﻔﻞ ﻋﻴﻨﻬﺎ
ﺣﺘﻰ ﻛﱪت ،ﺛﻢ أﺧﺬت وﺟﻬﻬﺎ ،وﻋﻈﻢ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻛﺎن »دراﻗﻴﺲ« اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻣﻨﻘﻄﻌً ﺎ إﻟﻴﻬﺎ وﰲ
َﻤﺴﻚ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ﺣﺘﻰ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻻ ﺗﺮى ﻣﺎ وﻗﻌﺖ ﻓﻴﻪ؟ ﻓﻘﺎل :أﺗﺼﱪﻳﻦ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳ ﱡ
وﺷﻖ ﺟﻠﺪ وﺟﻬﻬﺎ أﺟﻤَ ﻊ ،وﺳﻠﺦ اﻟﻠﺤﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﱠ أﻋﺎﻟِﺠَ ﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺄﺿﺠَ ﻌﻬﺎ
ﻇﻬﺮت اﻟﻌﺮوق ،وﻛﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﳾء ﺗﺤﺖ اﻟﺤﺪﻗﺔ ،ﻓﺮﻓﻊ اﻟﺤﺪﻗﺔ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻧﺎﺣﻴﺔ،
ﺛﻢ ﺳ ﱠﻞ ﻋﺮوق اﻟﺴﻠﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ وأﺧﺮﺟﻬﺎ ،ور ﱠد اﻟﻌني إﱃ ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ،وﺳﻜﻴﻨﺔ ﻣﻀﺠﻌﺔ ﻻ
ﺗﺘﺤﺮك وﻻ ﺗﱧ ﺣﺘﻰ ﻓﺮغ وﺑﺮﺋﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﺑﻘﻲ أﺛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺰازة ﰲ ﻣﺆﺧﺮ ﻋﻴﻨﻬﺎ.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ اﺟﺘﻤﻊ ﰲ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺟﺮﻳﺮ واﻟﻔﺮزدق ،و ُﻛ ﱢﺜري ﻋﺰة ،وﺟﻤﻴﻞ
ﺻﺎﺣﺐ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،وﻧﺼﻴﺐ ،ﻓﻤﻜﺜﻮا أﻳﺎﻣً ﺎ ،ﺛﻢ أذﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻓﺪﺧﻠﻮا ،ﻓﻘﻌﺪت ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺮاﻫﻢ وﻻ
ﻳﺮوﻧﻬﺎ ،وﺗﺴﻤﻊ ﻛﻼﻣﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻟﻬﺎ وﺿﻴﺌﺔ ﻗﺪ روت اﻷﺷﻌﺎر واﻷﺣﺎدﻳﺚ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﻜﻢ اﻟﻔﺮزدق؟ ﻓﻘﺎل :ﻫﺎ أﻧﺎ ذا ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
ْ
واﻟﺤﻖ ﺑﺄﻫﻠﻚ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻤﺎ دﻋﺎك إﱃ إﻓﺸﺎء اﻟﴪ؟ ﺧﺬْ ﻫﺬه اﻷﻟﻒ دﻳﻨﺎر
دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﻮﻻﺗﻬﺎ وﺧﺮﺟﺖ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﻜﻢ ﺟﺮﻳﺮ؟ ﻗﺎل :ﻫﺎ أﻧﺎ ذا ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
409
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟ ﻮﺻ ﻠ ﺖ ذاك وﻛ ﺎن ﻏ ﻴ ﺮ ذﻣ ﺎم ﻟ ﻮ ﻛ ﺎن ﻋ ﻬ ﺪك ﻛ ﺎﻟ ﺬي ﺣ ﺪﺛ ﺘ ﻨ ﺎ
ﺑ ﺤ ﺒ ﺎل ﻻ ﺻ ﻠ ﻒ وﻻ ﻟ ﻮام إﻧ ﻲ أواﺻ ﻞ ﻣ ﻦ أردت وﺻ ﺎﻟ ﻪ
ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :أوَﻻ أﺧﺬت ﺑﻴﺪﻫﺎ وﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل ملﺜﻠﻬﺎ؟ أﻧﺖ ﻋﻔﻴﻒ وﻓﻴﻚ
ﺿﻌﻒُ .ﺧﺬْ ﻫﺬه اﻷﻟﻒ واﻟﺤﻖ ﺑﺄﻫﻠﻚ ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﻮﻻﺗﻬﺎ وﺧﺮﺟﺖ وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻜﻢ ُﻛﺜري؟
ﻗﺎل :أﻧﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ﻣﻠﺤﺖ وﺷﻜﻠﺖ .ﺧﺬ ﻫﺬه اﻷﻟﻒ دﻳﻨﺎر واذﻫﺐ ﻷﻫﻠﻚ ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ
وﺧﺮﺟﺖ وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻜﻢ ﻧﺼﻴﺐ؟ ﻗﺎل :أﻧﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :رﺑﻴﺘﻨﺎ ﺻﻐﺎ ًرا ،وﻣﺪﺣﺘﻨﺎ ﻛﺒﺎ ًراُ ،ﺧﺬْ ﻫﺬه اﻷﻟﻒ دﻳﻨﺎر واﻟﺤﻖ ﺑﺄﻫﻠﻚ،
ﺛﻢ دﺧﻠﺖ وﺧﺮﺟﺖ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﺠﻤﻴﻞ :ﻣﻮﻻﺗﻲ ﺗﻘﺮﺋﻚ اﻟﺴﻼم وﺗﻘﻮل ﻟﻚ :ﻣﺎ ُ
زﻟﺖ ﻣﺸﺘﺎﻗﺔ
ﻟﺮؤﻳﺘﻚ ﻣﺬ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﻮﻟﻚ:
ﺑﻮادي اﻟﻘﺮى إﻧﻲ إذن ﻟﺴﻌﻴ ُﺪ أﻻ ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻫﻞ أﺑﻴﺘﻦ ﻟﻴﻠﺔ
وﻛ ﻞ ﻗ ﺘ ﻴ ﻞ ﻋ ﻨ ﺪﻫ ﻦ ﺷ ﻬ ﻴ ُﺪ ﻟ ﻜ ﻞ ﺣ ﺪﻳ ﺚ ﺑ ﻴ ﻨ ﻬ ﻦ ﺑ ﺸ ﺎﺷ ﺔ
ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﺑﺸﺎﺷﺔ ،وﻗﺘﻼﻧﺎ ﺷﻬﺪاء .ﺧﺬ ﻫﺬه اﻷﻟﻒ دﻳﻨﺎر واﻟﺤﻖ ﺑﺄﻫﻠﻚ.
وروﻳﺖ ﻋﻦ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻗﺼﺔ أﺧﺮى ﻧﺤﻮ ﻫﺬه ﻇﻬﺮت ﺑﻬﺎ ﺣﺬاﻗﺘﻬﺎ واﻧﺘﻘﺎدﻫﺎ ﻋﲆ أﻓﺤﻞ
اﻟﺸﻌﺮاء ،وﻛﺎن ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن ملﺎ ﺗﺰوج ﺑﻬﺎ ﻋﺘَﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﺧﺮج إﱃ ﻣﺎل ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﻷﺷﻌﺐ :إن اﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن ﺧﺮج ﻋﺎﺗﺒًﺎ ﻋﲇﱠ ،ﻓﺎﻋﻠﻢ ﱄ ﺣﺎﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أذﻫﺐ
اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺎ أﻋﻄﻴﻚ ﺛﻼﺛني دﻳﻨﺎ ًرا ،ﻗﺎل أﺷﻌﺐ :ﻓﺄﺗﻴﺘﻪ ً
ﻟﻴﻼ ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻟﺪار ،ﻓﻘﺎل:
410
ﺣﺮف اﻟﺴني
اﻧﻈﺮوا ﻣﻦ ﰲ اﻟﺪار ،ﻓﺄﺗﻮه ﻓﻘﺎﻟﻮا :أﺷﻌﺐ ،ﻓﻨﺰل ﻋﻦ ﻓﺮﺷﻪ إﱃ اﻷرض ،ﻓﻘﺎل :أﺷﻴﻌﺐ؟
ْ
ﺗﺬﻛﺮت َ
أﺗﺬﻛﺮت ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻚ؟ ﻗﻠﺖ :أرﺳﻠﺘﻨﻲ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻷﻋﻠﻢ ﺧﱪك،
ﻣﻨﻚ ،وأﻧﺎ أﻋﻠﻢ أﻧﻚ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ ﺣني ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻦ ﻓﺮﺷﻚ إﱃ اﻷرض ،ﻗﺎل :دﻋﻨﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا وﻏﻨﻨﻲ:
ﻗﺎل :ﻓﻐﻨﻴﺘﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻄﺮب ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻏﻨﻨﻲ — وﻳﺤﻚ — ﻏري ﻫﺬا؛ ﻓﺈن أﺻﺒﺖ ﻣﺎ ﰲ
ﻧﻔﴘ ﻓﻠﻚ ﺣﻠﺘﻲ ﻫﺬه وﻗﺪ اﺷﱰﻳﺘﻬﺎ — ً
آﻧﻔﺎ — ﺑﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ دﻳﻨﺎر ،ﻓﻐﻨﻴﺘﻪ:
ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻋﺪوت ﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﴘ ،ﺧﺬ اﻟﺤُ ﱠﻠﺔ ،ﻗﺎل :ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﺎ ورﺟﻌﺖ إﱃ ﺳﻜﻴﻨﺔ ،ﻓﻘﺼﻴﺖ
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وأﻳﻦ اﻟﺤﻠﺔ؟ ﻗﻠﺖ :ﻣﻌﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :وأﻧﺖ اﻵن ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻠﺒﺴﻬﺎ؟ ﻻ وﷲ
ﻓﻘﻠﺖ :ﻗﺪ أﻋﻄﺎﻧﻴﻬﺎ ،ﻓﺄي ﳾ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﻣﻨﻲ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺎ أﺷﱰﻳﻬﺎ ﻣﻨﻚ ،ﻓﺒﻌﺘﻬﺎ ُ وﻻ ﻛﺮاﻣﺔ،
إﻳﺎﻫﺎ ﺑﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ دﻳﻨﺎر.
وﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :ﻛﺎن اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﻗﺪ أﺻﺎﺑﺘﻪ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ،وآﱃ ﻳﻤﻴﻨًﺎ أن ﻻ ﻳﻐﻨﻲ،
وﻧﺴﻚ وﻟﺰم املﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام ﺣﺘﻰ ﻋُ ﻮﰲ ،ﺛﻢ ﺧﺮج ﻓﺄﺗﻰ املﺪﻳﻨﺔ وﻧﺰل ﻋﲆ ﺑﻌﺾ إﺧﻮاﻧﻪ
ﺣﻮﻻ ﺛﻢ أراد اﻟﺸﺨﻮص إﱃ ﻣﻜﺔ ،وﺑﻠﻎ ذﻟﻚ ً ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻨﺴﻚ واﻟﻘﺮاءة ،ﻓﺄﻗﺎم ﰲ املﺪﻳﻨﺔ
ﺳﻜﻴﻨﺔ ،ﻓﺎﻏﺘﻤﺖ ﻟﺬﻟﻚ ﻏﻤٍّ ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﺿﺎق ﺑﻪ ذرﻋﻬﺎ ،وﻛﺎن أﺷﻌﺐ ﻳﺨﺪﻣﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﻧﺲ
ﺑﻤﻀﺎﺣﻜﺘﻪ وﻧﻮادره ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻷﺷﻌﺐ :وﻳﻠﻚ! إن اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﺷﺎﺧﺺ ،وﻗﺪ دﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﺬ
ﺣﻮل وﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﻏﻨﺎﺋﻪ ً
ﻗﻠﻴﻼ وﻻ ﻛﺜريًا ،وﻳﻌ ﱡﺰ ﻋﲇ ﱠ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﻴﻒ اﻟﺤﻴﻠﺔ ﰲ اﻻﺳﺘﻤﺎع ﻣﻨﻪ
وﻟﻮ ﺻﻮﺗًﺎ واﺣﺪًا؟
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ أﺷﻌﺐ :ﺟﻌﻠﺖ ﻓﺪاك وأﻧﱠﻰ ﻟﻚ ﺑﺬﻟﻚ واﻟﺮﺟﻞ اﻟﻴﻮم زاﻫﺪ وﻻ ﺣﻴﻠﺔ ﻓﻴﻪ؟!
ﻓﺎرﻓﻌﻲ ﻃﻤﻌﻚ ،واﻣﺴﺤﻲ ﺑﻮزك ﺗﻨﻔﻌﻚ ﺣﻼوة ﻓﻤﻚ ،ﻓﺄﻣَ ﺮت ﺑﻌﺾ ﺟﻮارﻳﻬﺎ ﻓﻮﻃﱧ ﺑﻄﻨﻪ
ﻓﺴﺤﺐﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﺨﺮج أﻣﻌﺎؤه ،وﺧﻨﻘﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت ﻧﻔﺴﻪ أن ﺗﺘﻠﻒ ،ﺛﻢ أﻣﺮت ﺑﻪ ُ
ﻋﻨﻴﻔﺎ ،ﻓﺨﺮج ﻋﲆ أﺳﻮأ اﻟﺤﺎﻻت ،واﻏﺘ ﱠﻢ أﺷﻌﺐً ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﺣﺘﻰ أﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺪار إﺧﺮاﺟً ﺎ
ﻏﻤٍّ ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻧﺪم ﻋﲆ ﻣﻤﺎزﺣﺘﻬﺎ ﰲ وﻗﺖ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﺗﻰ ﻣﻨﺰل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ً
ﻟﻴﻼ
411
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻄﺮﻗﻪ ،ﻓﻘﻴﻞ :ﻣﻦ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎل :أﺷﻌﺐ ،ﻓﻔﺘﺤﻮا ﻟﻪ ،ﻓﺮأى ﻋﲆ وﺟﻬﻪ وﻟﺤﻴﺘﻪ اﻟﱰاب واﻟﺪم
ﺳﺎﺋﻼ ﻣﻦ أﻧﻔﻪ وﺟﺒﻬﺘﻪ ﻋﲆ ﻟﺤﻴﺘﻪ ،وﺛﻴﺎﺑﻪ ﻣﻤﺰﻗﺔ ،وﺑﻄﻨﻪ وﺻﺪره وﺣﻠﻘﻪ ﻗﺪ ﻋﴫﻫﺎ ً
اﻟﺪوس واﻟﺨﻨﻖ ،وﻣﺎت اﻟﺪم ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻨﻈﺮ اﺑﻦ ﴎﻳﺞ إﱃ ﻣﻨﻈﺮ ﻓﻈﻴﻊ ﻫﺎﻟﻪ وراﻋﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ:
ﻓﻘﺺ اﻟﻘﺼﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :إﻧﺎ هلل وإﻧﺎ إﻟﻴﻪ راﺟﻌﻮن ،ﻣﺎذا ﻧﺰل ﱠ ﻣﺎ ﻫﺬا؟ وﻳﺤﻚ!
ﱠ
ﺗﻌﻮدن إﱃ ﻫﺬه أﺑﺪًا. ﺑﻚ؟ واﻟﺤﻤﺪ هلل اﻟﺬي ﺳ ﱠﻠﻢ ﻧﻔﺴﻚ .ﻻ
ﻗﺎل أﺷﻌﺐ :ﻓﺪﻳﺘﻚ ،ﻫﻲ ﻣﻮﻻﺗﻲ وﻻ ﺑﺪ ﱄ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻟﻚ ﺣﻴﻠﺔ ﰲ أن ﺗﺴري إﻟﻴﻬﺎ
وﺗﻐﻨﻴﻬﺎ ﻓﻴﻜﻮن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﺮﺿﺎﻫﺎ ﻋﻨﻲ؟ ﻗﺎل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :ﻛﻼ ،وﷲ ﻻ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ أﺑﺪًا ﺑﻌﺪ
ورﻓﻌﺖ رزﻗﻲ ،وﺗﺮﻛﺘْﻨﻲ ﺣريان ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﻳﻘﺒﻠﻨﻲ ْ ْ
ﻗﻄﻌﺖ أﻣﲇ، أن ﺗﺮﻛﺘﻪ ،ﻗﺎل أﺷﻌﺐ :ﻗﺪ
أﺣﺪ ،وﻫﻲ ﺳﺎﺧﻄﺔ ﻋﲇﱠ ،ﻓﺎهلل ﷲ ﰲ ﱠ وأﻧﺎ أﻧﺸﺪُك ﷲ أﻻ ﺗﺤﻤﱠ ﻠﺖ ﻫﺬا اﻹﺛﻢ ﰲ ﱠ ،ﻓﺄﺑﻰ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻓﻠﻤﺎ رأى أﺷﻌﺐ أن ﻋﺰم اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﻗﺪ ﺗ ﱠﻢ ﻋﲆ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻗﺎل ﰲ ﻧﻔﺴﻪ :ﻻ ﺣﻴﻠﺔ ﱄ
وﻫﺬا ﺧﺎرج ،وإن ﺧﺮج ﻫﻠﻜﺖ ،ﻓﴫخ ﴏﺧﺔ ﻓﺘﺤﺖ آذان أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻧﺒﱠﻪ اﻟﺠريان
اﻟﻨﺎس ﻣﺎ اﻟﻘﺼﺔ ﻋﻨﺪ ُﺧﻔﻮت ُ َﺪر
ﺮﺷﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺳﻜﺖ ﻓﻠﻢ ﻳ ِ ﻣﻦ رﻗﺎدﻫﻢ ،وأﻗﺎم اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ُﻓ ِ
ﴪ ﻣﻌﻲ اﻟﺼﻮت ﺑﻌﺪ أن راﻋﻬﻢ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :وﻳﻠﻚ! ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﻗﺎل :ﻟﱧ ﻟﻢ ﺗَ ْ
إﻟﻴﻬﺎ ﻷﴏﺧﻦ ﴏﺧﺔ أﺧﺮى ﻻ ﻳﺒﻘﻰ أﺣﺪ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ إﻻ ﺻﺎر ﺑﺎﻟﺒﺎب ،ﺛﻢ ﻷﻓﺘﺤﻨﱠﻪ وﻷ ُ ِرﻳﻨﱠﻬﻢ
ﻣﺎ ﺑﻲ ،وﻷﻋﻠِﻤﻨﱠﻬﻢ أﻧﻚ أردت أن ﺗﻔﻌﻞ ﻛﺬا وﻛﺬا ﺑﻔﻼن — ﻳﻌﻨﻲ ﻏﻼﻣً ﺎ ﻛﺎن اﺑﻦ ﴎﻳﺞ
ﺼﺖ اﻟﻐﻼم ﻣﻦ ﻳﺪك ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب وﻣﴣ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ﺑﻲ ﻫﺬا ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﺑﻪ — ﻓﻤﻨﻌﺘُﻚ وﺧ ﱠﻠ ُ
أﻇﻬﺮت اﻟﻨﱡﺴﻚ واﻟﻘﺮاءة ﻟﺘﻈﻔﺮ ﺑﺤﺎﺟﺘﻚ ﻣﻨﻪ — وﻛﺎن أﻫﻞ ﻣﻜﺔ َ ً
وﺗﺄﺳﻔﺎ ،وأﻧﻚ إﻧﻤﺎ ﻈﺎ ﻏﻴ ً
واملﺪﻳﻨﺔ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺣﺎﻟﻪ ﻣﻌﻪ — ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :اﻋﺰبْ — أﺧﺰاك ﷲ!
وإﻻ ﻓﻤﺎ أﻣﻠﻚ ﺻﺪﻗﺔ واﻣﺮأﺗﻲ ﻃﺎﻟﻖ ﺛﻼﺛًﺎ ،وﻫﻮ ﻗﺎل أﺷﻌﺐ :وﷲ اﻟﺬي ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﻫﻮ ،ﱠ
ﻧﺤري ﰲ ﻣﻘﺎم إﺑﺮاﻫﻴﻢ واﻟﻜﻌﺒﺔ وﺑﻴﺖ اﻟﻨﺎر ،واﻟﻘﱪ ﻗﱪ أﺑﻲ رﻏﺎل ،إن ﻟﻢ ﺗﻨﻬﺾ ﻣﻌﻲ
ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى اﺑﻦ ﴎﻳﺞ اﻟﺠ ﱠﺪ ﻣﻨﻪ ﻗﺎل ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ :وﻳﺤﻚ! ﻷﻓﻌﻠﻦ ﻣﺎ ُﱠ ﰲ ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻫﺬة
أﻣﺎ ﺗﺮى ﻣﺎ وﻗﻌﻨﺎ ﻓﻴﻪ — وﻛﺎن ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﺬي ﻧﺰل ﻋﻨﺪه ﻧﺎﺳ ًﻜﺎ؟ ﻓﻘﺎل :ﻻ أدري ﻣﺎ أﻗﻮل
ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺰل ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺨﺒﻴﺚ؟ وﺗﺬﻣﻢ اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﺻﺎﺣﺐ املﻨﺰل ﻓﻘﺎل ﻷﺷﻌﺐ:
اﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﻘﺎل :رﺟﲇ ﻋﲆ رﺟﻠﻚ ،ﻓﺨﺮﺟﺎ.
ﱧ ﻟﻢﻓﻠﻤﺎ ﺻﺎرا ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺎل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﻷﺷﻌﺐ :اﻣﺾ ﻋﻨﻲ ،ﻗﺎل :وﷲ ﻟ ْ
وﻷﻗﻮﻟﻦ إﻧﻚ أﺧﺬت ﻣﻨﻲ ﺳﻮا ًرا ﻣﻦ ﱠ ﻷﺻﻴﺤﻦ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﱠ ﺗﻔﻌ ْﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ
وﻓﻌﻠﺖ ﺑﻲ ﻫﺬا َ ﴎا ،وإﻧﻚ ﻛﺎﺑﺮﺗﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ وﺟﺤﺪﺗﻨﻲ ذﻫﺐ ﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻋﲆ أن ﺗﺠﻴﺌﻬﺎ ﻟﺘُﻐﻨﱢﻴﻬﺎ ٍّ
اﻟﻔﻌﻞ ،ﻓﻮﻗﻊ اﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﺣﻴﻠﺔ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﻓﻘﺎل :اﻣﺾ ﻻ ﺑﺎر َك ﷲ ﻓﻴﻚ ،ﻓﻤﴣ ﻣﻌﻪ،
412
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﻓﻠﻤﺎ ﺻﺎر إﱃ ﺑﺎب ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻗﺮع اﻟﺒﺎب ﻓﻘﻴﻞ :ﻣَ ﻦ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎل :أﺷﻌﺐ ﻗﺪ ﺟﺎء ﺑﺎﺑﻦ ﴎﻳﺞ،
ﻓﻔﺘِﺢ اﻟﺒﺎبُ ﻟﻬﻤﺎ ودﺧﻼ إﱃ ﺣﺠﺮة ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ دار ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻓﺠﻠﺴﺎ ﺳﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ أذن ﻟﻬﻤﺎ ُ
ﻓﺪﺧﻼ إﱃ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺒﻴﺪ ،ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺠﻔﺎء؟ ﻗﺎل :ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ — ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺖ — ﻣﺎ ﻛﺎن
ﻣﻨﻲ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺟﻞ.
وﻗﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﺑﻪ أﺷﻌﺐ ،ﻓﻀﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻘﺪ أذﻫﺐ ﻣﺎ ﻛﺎن ﱠ ﻓﺘﺤﺪﱠﺛﺎ ﺳﺎﻋﺔ
ﰲ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻣﺮت ﻷﺷﻌﺐ ﺑﻌﴩﻳﻦ دﻳﻨﺎ ًرا وﻛﺴﻮة ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :أﺗﺄذﻧني —
ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وأﻳﻦ؟ ﻗﺎل :إﱃ املﻨﺰل ،ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ ﺟﺪي إن ﺑﺮﺣﺖ ﻣﻦ داري ﺛﻼﺛًﺎ،
ﻐﻦ إن ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ داري ﺷﻬ ًﺮا ،وﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ ﺟﺪي إن أﻗﻤﺖ وﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ ﺟﺪي إن أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗُ ﱢ
ُ
ﺣﻨﺜﺖ ﰲ ﰲ داري ﺷﻬ ًﺮا إن ﻟﻢ أﴐﺑﻚ ﻟﻜﻞ ﻳﻮم ﺗﻘﻴﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﴩًا ،وﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ ﺟﺪي إن
ﻳﻤﻴﻨﻲ أو َﺷ ﱠﻔ ُ
ﻌﺖ ﻓﻴﻚ أﺣﺪًا ،ﻓﻘﺎل ﻋﺒﻴﺪ :وا ﺳﺨﻨﺔ ﻋﻴﻨﺎه! وا ذﻫﺎب دﻳﻨﺎه! وا ﻓﻀﻴﺤﺘﺎه!
ﺛﻢ اﻧﺪﻓﻊ ﻳﻐﻨﻲ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ :ﻓﻬﻞ ﻋﻨﺪك ﻳﺎ ﻋﺒﻴﺪ ﻣﻦ ﺻﱪ؟ ﺛﻢ أﺧﺮﺟﺖ دﻣﻠﺠً ﺎ ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻛﺎن ﰲ
ُ
أﻗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻚ إﻻ ﻣﺎ أدﺧﻠﺘﻪ ﰲ ﻳﺪك، ً
ﻣﺜﻘﺎﻻ ﻓ َﺮ ْ
ﻣﺖ ﺑﻪ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻋﻀﺪﻫﺎ وزﻧُﻪ أرﺑﻌﻮن
ﻓﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻷﺷﻌﺐ :اذﻫﺐ إﱃ ﻋﺰة املﻴﻼء ﻓﺄﻗﺮﺋﻬﺎ ﻣﻨﻲ اﻟﺴﻼم ،وأﻋﻠﻤﻬﺎ أن ﻋﺒﻴﺪًا
ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻓﻠﺘﺄﺗﻨﺎ ﻣﺘﻔﻀﻠﺔ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎرة ،ﻓﺄﺗﺎﻫﺎ أﺷﻌﺐ ﻓﺄﻋﻠﻤﻬﺎ ،ﻓﺄﴎﻋﺖ املﺠﻲء ،ﻓﺘﺤﺪﱠﺛﻮا ﺑﺎﻗﻲ
أﻣﺮت ﻋﺒﻴﺪًا وأﺷﻌﺐ ﻓﺨ َﺮﺟﺎ ﻓﻨﺎﻣﺎ ﰲ ﺣﺠﺮة ﻣﻮاﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻫﻴﺊ ﻟﻬﻢ ْ ﻟﻴﻠﺘﻬﻢ ،ﺛﻢ
ﻏﺪاؤﻫﻢ ،وأذﻧﺖ ﻻﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﻓﺪﺧﻞ ﻓﺘﻐﺪى ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻊ أﺷﻌﺐ وﻣﻮاﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﻌﺪت ﻫﻲ
رأﻳﺖ أن ﺗُﻐﻨﱢﻴﻨﺎ ﻓﺎﻓﻌﲇ،
ﻣﻊ ﻋﺰة وﺧﺎﺻﺔ ﺟﻮارﻳﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ اﻟﻐﺪاء ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺰ ،إن ِ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :أي وﻋﻴﺸﻚ ،ﻓﺘﻐﻨﱠﺖ ﻟﺤﻨﻬﺎ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻋﻨﱰة اﻟﻌﺒﴘ:
413
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :أﺣﺴﻨﺖ وﷲ ﻳﺎ ﻋﺰة .وأﺧﺮﺟﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﺪﻣﻠﺞ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﻳﺪﻫﺎ
ﻫﺎت ﻏﻨﱢﻨَﺎ ،ﻓﻘﺎل :ﺣﺴﺒُﻚ ْ
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻌﺒﻴﺪِ : ْ
ﻓﻔﻌﻠﺖ ،ﺛﻢ ﺻريي ﻫﺬا ﰲ ﻳﺪك،ﻓﺮﻣَ ﺘْﻪ ﻟﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﱢ
ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻐﻨﻴﻨﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻟﺤﻨًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى اﺑﻦ ﴎﻳﺞ أﻧﻪ ﻻ
ِ ﻣﺎ
ﻳﻘﺪر ﻋﲆ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺄﻟﻪ ﻏﻨﱠﻰ:
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻌﺰة ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻏﻨﱢﻲ ،ﻓﻐﻨﱠﺖ ﻟﺤﻨﻬﺎ ﰲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ:
ﻗﺎل اﺑﻦ ﴎﻳﺞ :وﷲ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻗﻂ ﺣﺴﻨًﺎ وﻻ ﻃﻴﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻻﺑﻦ ﴎﻳﺞ:
ﻫﺎت ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻊ ﻳﻐﻨﻲ:
ﺷﻔﻌﻨﺎك وﻟﻢ ﻧﺮدﱠك ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﻤﻴﻨﻲﻓﻘﺎﻟﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ :ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﺎ أردت ﺑﻬﺬا ،وﻗﺪ ﱠ
ِ
اﻧﴫﻓﺖ، ِ
أﻗﻤﺖ أو ِ
ﺷﺌﺖ ﻋﲆ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،ﻓﺎذﻫﺐ ﰲ ﺣﻔﻆ ﷲ وﻛﻼءﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻌﺰة :إذا
ودﻋﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﺤُ ﱠﻠﺔ ،وﻻﺑﻦ ﴎﻳﺞ ﺑﻤِ ﺜﻠِﻬﺎ ،واﻧﴫﻓﺖ ،وأﻗﺎم ﻋﺒﻴﺪ ﺣﺘﻰ اﻧﻘﻀﺖ ﻟﻴﻠﺘﻪ واﻧﴫف، ْ
ﻓﻤﴣ ﻣﻦ وﺟﻬﻪ إﱃ ﻣﻜﺔ راﺟﻌً ﺎ.
واﺟﺘﻤﻊ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻧﺴﻮة ﻋﻨﺪ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني — ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم — وﻫﻦ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ،
ﻓﺬﻛﺮن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ وﺷﻌﺮه وﻇﺮﻓﻪ ،وﺣﺴﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ وﺣﺪﻳﺜﻪ ،وﺗﺸﻮ َ
ﱠﻗﻦ إﻟﻴﻪ َ
ً
رﺳﻮﻻ وﻫﻮ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺑﻤﻜﺔ ،ووﻋﺪﺗﻪ وﺗﻤﻨﻴﻨﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ :أﻧﺎ آﺗﻲ ﻟ ُﻜ ﱠﻦ ﺑﻪ ،ﻓﺒﻌﺜﺖ إﻟﻴﻪ
أن ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﻮرﻳﻦ ﰲ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﻤﱠ ﺘﻬﺎ ﻟﻪ ،ﻓﻮاﻓﺎﻫﺎ ﻋﲆ رواﺣﻠﻪ وﻣﻌﻪ اﻟﻐﺮﻳﺾ ،ﻓﺤﺪﺛﻬﻦ
414
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﺣﺘﻰ واﰱ اﻟﻔﺠﺮ وﺣﺎن اﻧﴫاﻓﻬﻦ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻦ :إﻧﻲ وﷲ ﻣﺸﺘﺎق إﱃ زﻳﺎرة ﻗﱪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ
واﻟﺼﻼة ﰲ ﻣﺴﺠﺪه ،وﻟﻜﻦ ﻻ أﺧﻠﻂ ﺑﺰﻳﺎرﺗﻜﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﺛﻢ اﻧﴫف إﱃ ﻣﻜﺔ وﻗﺎل:
ﻗﺎل :واﻧﴫف ﻋﻤﺮ واﻟﻐﺮﻳﺾ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻤﻜﺔ ﻗﺎل ﻋﻤﺮ :ﻳﺎ ﻏﺮﻳﺾ ،إﻧﻲ أرﻳﺪ
أن أﺧﱪك ﺑﴚء ﻳﺘﻌﺠﻞ ﻟﻚ ﻧﻔﻌﻪ ،وﻳﺒﻘﻰ ﻟﻚ ذﻛﺮه ،ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﻓﻴﻪ؟ ﻗﺎل :اﻓﻌ ْﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ
ﻗﻠﺖ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ُﻛﻨﱠﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌ ًﺮا ،ﻓﺎﻣﺾ ﺑﻪ إﱃ
ﺷﺌﺖ ،وﻣﺎ أﻧﺖ أﻫﻠﻪ ،ﻗﺎل :إﻧﻲ ﻗﺪ َُ
ُ
وﺟﻬﺖ ﺑﻚ ﻓﻴﻪ ﻗﺎﺻﺪًا. اﻟﻨﺴﻮة ﻓﺄﻧﺸﺪﻫﻦ ذﻟﻚ ،وأﺧﱪﻫﻦ أﻧﻲ
ُ
ﺟﻌﻠﺖ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺤﻤﻞ اﻟﻐﺮﻳﺾ اﻟﺸﻌﺮ ورﺟﻊ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﺼﺪ ﺳﻜﻴﻨﺔ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ:
ﻓﺪاك ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ وﻣﻮﻻﺗﻲ ،إن أﺑﺎ ﺧﻄﺎب — أﺑﻘﺎه ﷲ — وﺟﱠ ﻬﻨﻲ إﻟﻴﻚِ ﻗﺎﺻﺪًا ،ﻗﺎﻟﺖ:
أوَﻟﻴﺲ ﰲ ﺧري وﴎور ﺗﺮﻛﺘﻪ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :وﻓِﻴ َﻢ وﺟﱠ ﻬﻚ أﺑﻮ اﻟﺨﻄﺎب — ﺣﻔﻈﻪ ﷲ؟
ﻗﺎل :ﺟﻌﻠﺖ ﻓﺪاك ،إن اﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﺣﻤﱠ ﻠﻨﻲ ﺷﻌ ًﺮا وأﻣﺮﻧﻲ أن أﻧﺸﺪك إﻳﺎه ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻬﺎﺗﻪ،
ﻬﺖ ﻓﺄﻧﺸﺪﻫﺎ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﺘﻤﺎﻣﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻴﺎ وﻳﺤﻪ! ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻻ ﻳﺮﺣﻞ ﰲ ﻏﺪه! ﻓﻮﺟﱠ ْ
ﻌﺘﻬﻦ وأﻧﺸﺪﺗﻬﻦ اﻟﺸﻌﺮ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﻐﺮﻳﺾ :ﻫﻞ ﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ؟ ﻗﺎل :ﻗﺪ ﱠ إﱃ اﻟﻨﺴﻮة ﻓﺠﻤَ
َ
وأﺣﺴﻦ َ
أﺣﺴﻨﺖ وﷲ ﻏﻨﱠﻴﺘُﻪ اﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻬﺎﺗﻪ ،ﻓﻐﻨﱠﺎه اﻟﻐﺮﻳﺾ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺳﻜﻴﻨﺔ:
اﺑ ُﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ،ﻟﻮﻻ أﻧﻚ ﺳﺒﻘﺖ ﻓﻐﻨﻴﺘﻪ ﻋﻤﺮ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻷﺣﺴﻨﱠﺎ ﺟﺎﺋﺰﺗﻚ .ﻳﺎ ﺑﻨﺎﻧﺔ ،أﻋﻄﻪ ﺑﻜﻞ
ﺑﻴﺖ أﻟﻒ درﻫﻢ ،ﻓﺄﺧﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﻨﺎﻧﺔ أرﺑﻌﺔ آﻻف ﻓﺪﻓﻌﺘﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺳﻜﻴﻨﺔ :ﻟﻮ زادﻧﺎ
ﻋﻤﺮ ﻟﺰدﺗﻚ.
وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎة اﻟﺴﻴﺪة ﺳﻜﻴﻨﺔ ﺑﻤﻜﺔ ﰲ رﺑﻴﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ ١٢٦ﻫ ،وﻗﻴﻞ :ﺳﻨﺔ ١١٧ﻫ
ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻮ اﻷرﺟﺢ.
415
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻧﺖ َﻓ ِﺘﻴ ًﱠﺔ ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻣﺘﻮﻗﺪة اﻟﺠﻨﺎن ،ﻓﺎﺿﻠﺔ ﻋﺎملﺔ .أﺑﻮﻫﺎ أﺣﺪ املﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﰲ اﻟﻌﺠﻢ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﺑﻤﺠﺘﻬﺪ آﺧﺮ .ﻃ ﱠﻠﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ﻋﲆ ﺧﻼف ﺣﻜﻢ ﴍﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼم،
اﻟﺴﻴﱢ َﺪ »ﻋﲇ ﻣﺤﻤﺪ« ﺗﻠﻤﻴﺬ اﻟﺸﻴﺦ أﺣﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﺪﻳﻦ اﻷﺣﺴﺎﺋﻲ ،اﻟﺬي ﻣﺰج اﻟﺘﺼﻮف وَأَﻣَ ْﺖ ﱠ
واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎﻟﴩﻳﻌﺔ ،وﺗﺴﻤﻰ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﲇ — املﺬﻛﻮر — ﺑﺎﻟﺒﺎﺑﻲ ،وﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﺗﺴﻤﱠ ﺖ ﺑﻪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮة اﻟﻌني ﺗُﻜﺎﺗﺒﻪ وﻳﻜﺎﺗﺒﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻳُﺨﺎﻃﺒﻬﺎ ﰲ ﻣﻜﺎﺗﺒﺎﺗﻪ ﺑ »ﻗﺮة اﻟﻌني« ،ﻓﻠُ ﱢﻘﺒﺖ
ﺑﺬﻟﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻨﺎﻇﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻀﻼء ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ اﻟﻮﺟﻪ ﺑﺪون ﺣﺠﺎب.
ﺟﻴﺸﺎ وﻗﺎدﺗﻪﺛﻢ ملﺎ وﻗﻌﺖ املﺤﺎرﺑﺔ ﺑني اﻟﺒﺎﺑﻴني وﻋﺴﺎﻛﺮ اﻟﺪوﻟﺔ ﰲ ﻣﺎزﻧﺪران ﺟﻴﱠﺸﺖ ً
ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ اﻟﻮﺟﻪ ،وﺳﺎرت أﻣﺎﻣﻪ ﻃﺎﻟﺒﺔ إﻋﺎﻧﺘﻬﻢ ،وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺎﻣﺖ ﰲ اﻟﻨﺎس ﺧﻄﻴﺒﺔ
ﺴﺨﺖ ،وإن أﺣﻜﺎم اﻟﴩﻳﻌﺔ ْ وﻗﺎﻟﺖ» :أﻳﻦ أﺣﻜﺎم اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻷوﱃ — أﻋﻨﻲ املﺤﻤﺪﻳﺔ؟ ﻗﺪ ﻧ ُ
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻨﺎ؛ ﻓﻨﺤﻦ اﻵن ﰲ زﻣﻦ ﻻ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻓﻴﻪ ﺑﴚء«.
ﻓﻮﻗﻊ اﻟﻬﺮج واملﺮج ،وﻓﻌﻞ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺸﺘﻬﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ،ﺛﻢ ﻗﺒﺾ
ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻟﺒﺴﺖ اﻟﱪﻗﻊ ﺟﱪًا ،وﺣُ ﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗُﺤ َﺮق ﺣﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺠﻼد ﺧﻨَﻘﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن
ﺗﺸﺘﻌﻞ اﻟﻨﺎر ﺑﺎﻟﺤﻄﺐ اﻟﺬي أُﻋ ﱠﺪ ﻹﺣﺮاﻗﻬﺎ.
ﻫﻲ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻛﻨﺎﻧﺔ ،وﺗﻜﻨﻰ أم وﻫﺐ ،وﻛﺎن ﻋﺮوة ﺑﻦ اﻟﻮرد ﻗﺪ أﻏﺎر ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺄﺻﺎﺑﻬﺎ
ﻣﻨﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻜ ًﺮا ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ واﺗﺨﺬﻫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،ﻓﻤﻜﺜﺖ ﻋﻨﺪه ﺑﻀﻊ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ
َ
ﺣﺠﺠﺖ ﺑﻲ ﻓﺄ ُﻣ ﱠﺮ ﻋﲆ أﻫﲇ وﻟﺪًا وﻫﻮ ﻻ ﻳﺸﻚ ﰲ أﻧﻬﺎ أرﻏﺐ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻪ ،وﻫﻲ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ :ﻟﻮ
وأراﻫﻢ ،ﻓﺤﺞﱠ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﺗﻰ إﱃ ﻣﻜﺔ ﺛﻢ أﺗﻰ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ .وﻛﺎن ﻳﺨﺎﻟﻂ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻳﺜﺮب ﺑﻨﻲ
اﻟﻨﻀري ،وﻛﺎن ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻳﺨﺎﻟﻄﻮن ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻀري ،ﻓﺄﺗﻮﻫﻢ وﻫﻮ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ ﺳﻠﻤﻰ :إﻧﻪ
ﺧﺎرج ﺑﻲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺤﺮام ،ﻓﺘﻌﺎﻟﻮا إﻟﻴﻪ وأﺧﱪوه أﻧﻜﻢ ﻻ ﺗﺤﺒﻮن أن ﺗﻜﻮن
اﻣﺮأة ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻌﺮوﻓﺔ اﻟﻨﺴﺐ ﻣَ ﺴﺒﻴﱠﺔ ،واﻓﺘﺪوﻧﻲ ﻣﻨﻪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى أﻧﻲ أﻓﺎرﻗﻪ وﻻ أﺧﺘﺎر
ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪًا ،ﻓﺄﺗﻮه ﻓﺴﻘﻮه اﻟﴩاب ،ﻓﻠﻤﺎ ﺛﻤﻞ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ :ﻓﺎدﻧﺎ ﺑﺼﺎﺣﺒﺘﻨﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ وﺳﻴﻄﺔ
اﻟﻨﺴﺐ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ،وإﻧﻪ ﻋﺎ ٌر ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺒﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﺻﺎرت إﻟﻴﻨﺎ وأردت ﻣﻌﺎودﺗﻬﺎ
ﻓﺎﺧﻄﺒﻬﺎ إﻟﻴﻨﺎ؛ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻨﻜﺤﻚ.
416
ﺣﺮف اﻟﺴني
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :ذﻟﻚ ﻟﻜﻢ ،وﻟﻜﻦ ﱄ اﻟﴩط ﻓﻴﻬﺎ أن ﺗﺨريوﻫﺎ؛ ﻓﺈن اﺧﺘﺎرﺗﻨﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ
ﻣﻌﻲ إﱃ وﻟﺪﻫﺎ ،وإن اﺧﺘﺎرﺗﻜﻢ اﻧﻄﻠﻘﺘﻢ ﺑﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﻮا :ذﻟﻚ ﻟﻚ ،ﻗﺎل :دﻋﻮﻧﻲ أﻟﻬﻮ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻴﻠﺔ
وأﻓﺎدﻳﻬﺎ ﻏﺪًا.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺪ ﺟﺎءوه ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﻓﺪاﺋﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ :ﻗﺪ ﻓﺎدﻳﺘﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺎرﺣﺔ،
وﺷﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻤﻦ ﺣﴬ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ اﻻﻣﺘﻨﺎع وﻓﺎداﻫﺎ.
ﺧريوﻫﺎ ﻓﺎﺧﺘﺎرت ﻗﻮﻣﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺮوة ،أﻣﺎ إﻧﻲ ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺎدوه ﺑﻬﺎ ﱠ
أﻗﻮل ﻓﻴﻚ — وإن ﻓﺎرﻗﺘُﻚ — اﻟﺤﻖ .وﷲ ﻣﺎ أﻋﻠﻢ اﻣﺮأة ﻣﻦ اﻟﻌﺮب أﻟﻘﺖ ﺳﱰﻫﺎ ﻋﲆ ﺑ ٍ
َﻌﻞ
ﻓﺤﺸﺎ ،وأﺟﻮد ﻳﺪًا ،وأﺣﻤﻰ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﷲ إﻧﻚ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ً ً
ﻃﺮﻓﺎ ،وأﻗﻞ ﺧري ﻣﻨﻚ ،وأﻏﺾ
ﻟﻀﺤﻮك وﻗﻮر ،ﻛﺴﻮب ﻣﺪﺑﺮ ،ﺧﻔﻴﻒ ﻋﲆ ﻣﺘﻦ اﻟﻔﺮاش ،ﺛﻘﻴﻞ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﻌﺪو ،ﻃﻮﻳﻞ
اﻟﻌﻤﺎد ،ﻛﺜري اﻟﺮﻣﺎد ،راﴈ اﻷﻫﻞ واﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﻣﺎ ﻣﺮ ﻋﲇ ﱠ ﻳﻮم ﻣﻨﺬ ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪك إﻻ واملﻮت
ﻓﻴﻪ أﺣﺐ إﱄ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﺑني ﻗﻮﻣﻚ؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺷﺄ أن أﺳﻤﻊ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻚ ﺗﻘﻮل:
ﻗﺎﻟﺖ أﻣﺔ ﻋﺮوة ﻛﺬا وﻛﺬا إﻻ ﺳﻤﻌﺘﻪ ،ووﷲ ﻻ أﻧﻈﺮ ﰲ وﺟﻪ ﻏﻄﻔﺎﻧﻴﺔ أﺑﺪًا؛ ﻓﺎرﺟﻊ راﺷﺪًا
إﱃ وﻟﺪك وأﺣﺴﻦ إﻟﻴﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻓﺎرﻗﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻋﺮوة ﰲ ذﻟﻚ:
ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻬﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻷﻳﺎم :ﻳﺎ ﺳﻠﻤﻰ ،أﺛﻨﻲ ﻋﲇ ﱠ ﻛﻤﺎ
أﺛﻨﻴﺖ ﻋﲆ ﻋﺮوة — وﻛﺎن ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ اﺷﺘﻬﺮ — ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻻ ﺗُﻜ ﱢﻠﻔﻨﻲ ذﻟﻚ؛ ﻓﺈن ﻗﻠﺖ
ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻟﺘﺄﺗني ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﻗﻮﻣﻲُ اﻟﺤﻖ أﻏﻀﺒﺘﻚ ،وإﻻ واﻟﻼت واﻟﻌُ ﱠﺰى ﻻ أﻛﺬب ،ﻓﻘﺎل:
ﻓﻠﺘﺜﻨني ﻋﲇ ﱠ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤني.
ْ
وأﻗﺒﻠﺖ ،ﻓﺮﻣﺎﻫﺎ اﻟﻘﻮم ﺑﺄﺑﺼﺎرﻫﻢ ،ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻗﺎﻟﺖ: وﺧﺮج ﻓﺠﻠﺲ ﰲ ﻧﺪيﱢ اﻟﻘﻮم
ْ
أﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ إن ُ
أﻧﻌﻤﻮا ﺻﺒﺎﺣً ﺎ .إن ﻫﺬا ﻋ َﺰم ﻋﲇ ﱠ أن أﺛﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺎ أﻋﻠﻢ ،ﺛﻢ
ﺷﻤﻠﺘﻚ ﻻﻟﺘﺤﺎف ،وإن ﴍﺑﻚ ﻻﺷﺘﻔﺎف ،وإﻧﻚ ﻟﺘﻨﺎم ﻟﻴﻠﺔ ﺗﺨﺎف ،وﺗﺸﺒﻊ ﻟﻴﻠﺔ ﺗﻀﺎف ،وﻣﺎ
417
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺗﺮﴈ اﻷﻫﻞ وﻻ اﻟﺠﺎر ،ﺛﻢ اﻧﴫﻓﺖ ﻋﻨﻪ ﻓﻼﻣﻪ ﻗﻮﻣﻪ وﻗﺎﻟﻮا :ﻣﺎ ﻛﺎن أﻏﻨﺎك ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل
ﻣﻨﻬﺎ.
ﺳﻼﻣﺔ اﻟﻘﺲ
ﻫﻲ ﺟﺎرﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺴﻬﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮف اﻟﺰﻫﺮي ،ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ
وﻏﻠﺒﺖ ﻋﲆ أﻣﺮه. ْ ﺑﺜﻼﺛﺔ آﻻف دﻳﻨﺎر ،ﻓﺄﻋﺠﺐ ﺑﻬﺎ
وﺳﺒﺐ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﺳﻼﻣﺔ اﻟﻘﺲ :أن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﻤﺎرة — أﺣﺪ
ﺑﻨﻲ ﺟﺸﻢ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ ﺑﻜﺮ ،وﻛﺎن ﻓﻘﻴﻬً ﺎ ﻋﺎﺑﺪًا ﻣﺠﺘﻬﺪًا ﰲ اﻟﻌﺒﺎدة ،وﻛﺎن ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﻘﺲ
ﻟﻌﺒﺎدﺗﻪ — ﻣ ﱠﺮ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﻤﻨﺰل ﻣﻮﻻﻫﺎ ،ﻓﺴﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ ﻓﻮﻗﻒ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻓﺮآه ﻣﻮﻻﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ:
ﻫﻞ ﻟﻚ أن ﺗﻨﻈﺮ وﺗﺴﻤﻊ؟ ﻓﺄﺑﻰ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﻧﺎ أﻗﻌﺪﻫﺎ ﺑﻤﻜﺎن ﻻ ﺗﺮاﻫﺎ وﺗﺴﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ،
ﻓﺪﺧﻞ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻐﻨﺘﻪ ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ ﻏﻨﺎؤﻫﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺮﺟﻬﺎ ﻣﻮﻻﻫﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺸﻐﻒ ﺑﻬﺎ وأﺣﺒﻬﺎ وأﺣﺒﺘﻪ
ﺟﻤﻴﻼ — وﻛﺜﺮ ﺗﺮدده ﻋﲆ ﻣﻨﺰل ﻣﻮﻻﻫﺎ. ً ﻫﻲ ً
أﻳﻀﺎ — وﻛﺎن ﺷﺎﺑٍّﺎ
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﺧﻠﻮة :أﻧﺎ وﷲ أﺣﺒﻚ ،ﻗﺎل :وأﻧﺎ وﷲ أﺣﺒﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺣﺐ أن أُﻗﺒﱢﻠﻚ،
ﻗﺎل :وأﻧﺎ وﷲ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺣﺐﱡ أن أﺿﻊ ﺑﻄﻨﻲ ﻋﲆ ﺑﻄﻨﻚ ،ﻗﺎل :وأﻧﺎ وﷲ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻤﺎ
ني﴾ )اﻟﺰﺧﺮف: ﻀﻬُ ْﻢ ِﻟﺒَﻌْ ٍﺾ ﻋَ ُﺪ ﱞو إ ِ ﱠﻻ ا ْﻟ ُﻤﺘﱠﻘِ َ﴿اﻷَﺧِ ﱠﻼءُ ﻳَﻮْﻣَ ِﺌ ٍﺬ ﺑَﻌْ ُﻳﻤﻨﻌﻚ؟ ﻗﺎل :ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃْ :
(٦٧وأﻧﺎ أﻛﺮه أن ﺗﺌُﻮل ﺧ ﱠﻠﺘﻨﺎ إﱃ ﻋﺪاوة ،ﺛﻢ ﻗﺎم واﻧﴫف ﻋﻨﻬﺎ وﻋﺎد إﱃ ﻋﺒﺎدﺗﻪ ،وﻟﻪ
ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻌﺎر؛ ﻣﻨﻬﺎ:
وﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ:
وﻫﻞ أﻧﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻦ ﺳﻼﻣﺔ ﻣﻘﺼﺮ؟ أﻻ ﻗﻞ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﻠﺐ ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﺒﺼﺮ؟
ﺟ ﻠ ﻴ ﺲ ﻟ ﺴ ﻠ ﻤ ﻰ ﻛ ﻠ ﻤ ﺎ ﻋ ﺞ ﻣ ﺰﻫ ﺮ أﻻ ﻟﻴﺖ أﻧﻲ ﺣﻴﺚ ﺳﺎرت ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻮى
ﻳ ﻄ ﻴ ﺮ إﻟ ﻴ ﻬ ﺎ ﻗ ﻠ ﺒ ﻪ ﺣ ﻴ ﻦ ﻳ ﻨ ﻈ ﺮ إذا أﺧﺬت ﻓﻲ اﻟﺼﻮت ﻛﺎد ﺟﻠﻴﺴﻬﺎ
418
ﺣﺮف اﻟﺴني
وﻛﺎﻧﺖ أﺧﺬت اﻟﻐﻨﺎء ﻋﻦ ﻣﻌﺒﺪ ،وﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻨﻪ ﺟﻤﻠﺔ أﺻﻮات ،وﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ وﻳﻘﺪﻣﻬﺎ
ﻋﲆ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻟﺪات املﺪﻳﻨﺔ؛ وﻟﺬﻟﻚ ملﺎ ﻣﺎت ﻋﻈﻢ ﻣﻮﺗﻪ ﻋﻨﺪﻫﺎ ،ﻓﺠﺎءت ﰲ ﻣﺸﻬﺪه
وﺻﺎرت ﺗُﻔ ﱢﺮق اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﻗﺮﺑﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﺶ وﻗﺪ أﴐب اﻟﻨﺎس ﻋﻨﻪ ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ
أﺧﺬت ﺑﻌﻤﻮد اﻟﴪﻳﺮ وﻫﻲ ﺗﺒﻜﻲ وﺗﻘﻮل:
ﻛ ﺄﺧ ﻲ اﻟ ﺪاء اﻟ ﻮﺟ ﻴ ﻊ ﻗ ﺪ ﻟ ﻌ ﻤ ﺮي ﺑ ﺖ ﻟ ﻴ ﻠ ﻲ
ﺑﺎت أدﻧﻰ ﻣﻦ ﺿﺠﻴﻌﻲ وﻧ ﺠ ﻲ اﻟ ﻬ ﻢ ﻣ ﻨ ﻲ
ﺧ ﺎﻟ ﻴً ﺎ ﻓ ﺎﺿ ﺖ دﻣ ﻮﻋ ﻲ ﻛ ﻠ ﻤ ﺎ أﺑ ﺼ ﺮت رﺑ ﻌً ﺎ
ن ﻟﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻀﻴﻊ ﻗﺪ ﺧﻼ ﻣﻦ ﺳﻴﺪ ﻛﺎ
أو ﻫ ﻤ ﻤ ﻨ ﺎ ﺑ ﺨ ﺸ ﻮع ﻻ ﺗ ﻠ ﻤ ﻨ ﺎ إن ﺧ ﺸ ﻌ ﻨ ﺎ
وﻛﺎن ﻳﺰﻳﺪ أﻣﺮ ﻣﻌﺒﺪًا أن ﻳُﻌ ﱢﻠﻤﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ،ﻓﻌ ﱠﻠﻤﻬﺎ إﻳﱠﺎه ،ﻓﻨﺪﺑﺘﻪ ﺑﻪ ﻳﻮﻣﺌﺬٍ .وﻛﺎﻧﺖ
ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮات وﻣﺤﺎورات وﻣﺠﺎﻟﺲ أﻧﺲ ﻣﻊ ﺣﺒﺎﺑﺔ وﻳﺰﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻷﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء
واملﻠﻮك ،وﻟﻢ ﻳﺼﻞ أﺣﺪ إﱃ ﻣﺎ وﺻﻠﻮا إﻟﻴﻪ.
419
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻔﺨﺮ ،ﺑﻞ ﺟﻤﺤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ اﻟﻐﺎرة ،ﻓﺄﺛﺎرﺗﻬﺎ ﺷﻌﻮاء ﻋﲆ ﻣﴫ ،ﻓﺎﻟﺤﺒﺸﺔ ،ﻓﻔﻠﺴﻄني،
ﻓﺎﻟﻬﻨﺪ ،ﻓﺎﻧﺘﴫت ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻏﺰواﺗﻬﺎ إﻻ ﰲ اﻟﻬﻨﺪ؛ ﻓﺈن أﻓﻴﺎﻟﻬﺎ ﻗﺪ أﻟﻘﺖ اﻟﺮﻋﺐ ﰲ ﻗﻠﻮب
اﻟﻌﺴﻜﺮ وﻟﻢ ﺗﻄﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ.
وملﺎ ﺑﻠﻐﻬﺎ ﺧﱪ »أﻓﻴﻞ« ﻣﻠﻚ اﻟﻬﻨﺪ ارﺗﺎﺑﺖ وﺧﺎﻓﺖ ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎر اﻟﻬﻨﻮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وإذ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻗﻮة ﺗﻀﺎﻫﻴﻬﺎ اﺟﺘﻬﺪت أن ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺒﻠﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﺣﺘﻴﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﺄﻣﺮت
ﻗﻮاد اﻟﻌﺴﻜﺮ ﺑﺬﺑﺢ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﺑﻘﺮة ﻣﻦ ذوات اﻟﻠﻮن اﻷﺳﻤﺮ ،وأن ﻳﺴﻠﺨﻮﻫﺎ وﻳ ﱢ
ُﻔﺼﻠﻮا
ﺟﻠﻮدﻫﺎ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ اﻷﻓﻴﺎل وﻳُﻠﺒﺴﻮﻫﺎ ﻟﻠﺠﻤﺎل ،ﻓﺎﻣﺘﺜﻠﻮا ﻣﺎ أﻣﺮت ،وﻓﻌﻠﻮا ﻣﺎ ذﻛﺮت ،وﻋﲆ
ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة أﻧﺰﻟﺘﻬﺎ إﱃ ﻣﻴﺪان اﻟﺤﺮب ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﺮﻋﺐ ﰲ ﻗﻠﻮب اﻷﻋﺪاء ﺑﺈﻇﻬﺎرﻫﺎ ﻟﻬﻢ
اﺳﺘﻌﺪاداﺗﻬﺎ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ،وﺷﻮﻛﺘﻬﺎ اﻟﻘﻮﻳﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﺸﺐ اﻟﻘﺘﺎل ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني اﻧﻌﻄﻒ ﻣﻠﻚ اﻟﻬﻨﺪ ﺑﺄﻓﻴﺎﻟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﲆ ﻋﺴﺎﻛﺮ
اﻷﺷﻮرﻳني ،وﺗﻘﺪﻣﺖ املﻠﻜﺔ »ﺳﻤرياﻣﻴﺲ« ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ وﻓﺮﺳﺎﻧﻬﺎ وﺟﻠﻮد ﺛرياﻧﻬﺎ ،وملﺎ اﻗﱰن
اﻟﻌﺴﻜﺮان واﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻴﺸﺎن اﻧﻜﺸﻔﺖ ﻟﻠﻬﻨﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﻠﺔ ،وﺗﺤﻘﻖ ﻋﻨﺪﻫﻢ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ
ﻋﻨﺪ اﻷﻋﺪاء أﻓﻴﺎل ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﻢ ،وإن ﻣﺎ ﻳُﺮى إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﻴﻠﺔ وﺧﺪاع ،ﻓﺘﺸﺠﻌﻮا وﻫﺠﻤﻮا ﻋﲆ
ﺻﻔﻮف اﻷﺷﻮرﻳني ﻫﺠﻤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﺘﻬﻢ املﻠﻜﺔ »ﺳﻤرياﻣﻴﺲ« ﺑﺮﺟﺎﻟﻬﺎ وأﺑﻄﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﺎﺷﺘﺪ
اﻟﻘﺘﺎل وﻋﻈﻤﺖ اﻷﻫﻮال ،ودﺧﻠﺖ أﻓﻴﺎل اﻟﻬﻨﻮد ﺑني ﺻﻔﻮف اﻷﺷﻮرﻳني ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺨﻄﻒ
اﻟﺮﺟﺎل ﻋﻦ ﺧﻴﻮﻟﻬﺎ وﺗﺪوﺳﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻟﺒﺜﺖ اﻟﺠﻤﺎل املﺼﻄﻨﻌﺔ أن وﻟﺖ اﻷدﺑﺎر ،وﻃﻠﺒﺖ
اﻟﻨﺠﺎة واﻟﻔﺮار ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ إﻻ ﺑﺮﻫﺔ ﻳﺴرية ﺣﺘﻰ اﻧﻜﴪ ﺟﻴﺶ اﻷﺷﻮرﻳني ،واﻧﺘﴫت اﻟﻬﻨﻮد
اﻧﺘﺼﺎ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻛﺴﺒﺖ ﻏﻨﺎﺋﻢ ﺟﺴﻴﻤﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ املﻠﻜﺔ »ﺳﻤرياﻣﻴﺲ« ﻗﺪ اﻧﺠﺮﺣﺖ ﺟﺮﺣً ﺎ ً
ﺑﻠﻴﻐﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺎزت ﺑﺎﻟﻬﺰﻳﻤﺔ؛ ﺑﺴﺒﺐ
ﺧﻔﺔ ﻓﺮﺳﻬﺎ ،ورﺟﻌﺖ إﱃ ﺑﻼدﻫﺎ ﻣﺪﺣﻮرة ﺻﺎﻏﺮة.
وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤني زﻫﺪت ﰲ ﻣﺘﺎع اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻣﺎﻟﺖ إﱃ اﻟﺨﻤﻮل ،ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﺴري اﺑﻨﻬﺎ
»ﺗﻴﺘﺎس« ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ٢٠٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﻓﺄﻧﺰﻟﻬﺎ اﻷﺷﻮرﻳﻮن ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻹﻟﻪ ،وأﻗﺎﻣﻮا ﻟﻬﺎ
ﺻﻮ ًرا ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﺑﻬﻴﺌﺔ ﺣﻤﺎﻣﺔ ،زﻋﻤً ﺎ ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻬﺎ ﻧﻘﻠﺖ ﻋﻘﺐ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﺑﺠﺴﻢ ﺣﻤﺎﻣﺔ ،وﻫﻲ ﰲ
ﻛﻞ ﺣﺎل ﻓﺨﺮ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﴫ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وﻧﻮر ﻣﺸﻜﺎﺗﻪ.
420
ﺣﺮف اﻟﺴني
421
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻣﺎت اﻟﺮأس وﺑﱰ اﻟﺬﱠﻧَﺐ؛ ﻓ َﺪ ْع ﻋﻨﻚ ﺗﺬﻛﺎر ﻣﺎ ﻗﺪ ﻧﴘ ،ﻗﺎل:
ﻫﻴﻬﺎت! ﻟﻴﺲ ﻣﺜﻞ ﻣﻘﺎم أﺧﻴﻚ ﻳُﻨﴗ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﺻﺪﻗﺖ وﷲ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻣﺎ ﻛﺎن أﺧﻲ
ﺧﻔﻲ املﻘﺎم ،ذﻟﻴﻞ املﻜﺎن ،وﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺨﻨﺴﺎء:
وﺑﺎهلل أﺳﺄل أﻣري املﺆﻣﻨني إﻋﻔﺎﺋﻲ ﻣﻤﺎ اﺳﺘﻌﻔﻴﺘﻪ ،ﻗﺎل :ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ ،ﻓﻘﻮﱄ ﺣﺎﺟﺘﻚ،
ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻚ ﻟﻠﻨﺎس ﺳﻴﺪ ،وﻷﻣﻮرﻫﻢ ﻣُﻘ ﱠﻠﺪ ،وﷲ ﺳﺎﺋﻠﻚ ﻋﻤﺎ اﻓﱰض ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﺣﻘﻨﺎ ،وﻻ ﺗﺰال
ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻳﻨﻬﺾ ﺑﻌﺰك ،وﻳﺒﺴﻂ ﺑﺴﻠﻄﺎﻧﻚ ،ﻓﻴﺤﺼﺪﻧﺎ ﺣﺼﺎد اﻟﺴﻨﺒﻞ ،وﻳﺴﻮﻣﻨﺎ
اﻟﺨﺴﻒ ،وﻳﺴﺄﻟﻨﺎ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ .ﻫﺬا اﺑﻦ أرﻃﺄة ﻗﺪم ﺑﻼدي ،وﻗﺘﻞ رﺟﺎﱄ ،وأﺧﺬ ﻣﺎﱄ ،وﻟﻮﻻ
اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻜﺎن ﻓﻴﻨﺎ ﻋ ﱞﺰ وﻣﻨﻌﺔ ،ﻓﺈﻣﺎ ﻋﺰﻟﺘﻪ ﻓﺸﻜﺮﻧﺎك ،وإﻣﺎ ﻻ ﻓﻌﺮﻓﻨﺎك ،ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ:
إﻳﺎي ﺗﻬﺪدﻳﻦ ﺑﻘﻮﻣﻚ؟! وﷲ ﻟﻘﺪ ﻫﻤﻤﺖ أن أردك إﻟﻴﻪ ﻋﲆ ﻗﺘﺐ أﴍس ﻓﻴﻨﻔﺬ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻴﻚ،
ﻓﺴﻜﺘﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻗﺎل :وﻣَ ﻦ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ — رﺣﻤﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ — ﻗﺎل :ﻣﺎ أرى ﻋﻠﻴﻚ
رﺟﻞ ﱠ
وﻻه ﺻﺪﻗﺎﺗﻨﺎ ،ﻓﻜﺎن ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑﻴﻨﻪ ﻣﺎ ﺑني اﻟﻐﺚ ٍ ﻣﻨﻪ أﺛﺮ! ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﲆ ،أﺗﻴﺘُﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ
422
ﺣﺮف اﻟﺴني
واﻟﺴﻤني ،ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻗﺎﺋﻤً ﺎ ﻳﺼﲇ ﻓﺎﻧﻔﺘﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺮأﻓﺔ وﺗﻌﻄﻒ :أﻟﻚ ﺣﺎﺟﺔ؟
ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺧﱪ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﺒﻜﻰ ﺛﻢ رﻓﻊ ﻳﺪه إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻘﺎل :اﻟﻠﻬﻢ إﻧﻲ ﻟﻢ آﻣﺮﻫﻢ ﺑﻈﻠﻢ
ﺧﻠﻘﻚ ،وﻻ ﺗَ ْﺮك ﺣﻘﻚ ،ﺛﻢ أﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﻴﺒﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﺟﻠﺪ ﻣﻦ ﺟﺮاب ﻓﻜﺘﺐ ﻓﻴﻪ:
﴿ﻗ ْﺪ ﺟَ ﺎءَﺗْ ُﻜﻢ ﺑَﻴﱢﻨ َ ٌﺔ ﻣﱢ ﻦ ﱠرﺑﱢ ُﻜ ْﻢ ۖ َﻓﺄَو ُْﻓﻮا ا ْﻟ َﻜﻴْ َﻞ وَا ْﻟ ِﻤﻴ َﺰ َ
ان ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ َ
ﺻ َﻼﺣِ ﻬَ ﺎ ۚ ٰذَ ِﻟ ُﻜ ْﻢ َﺧ ْريٌ
ﺎس أ َ ْﺷﻴَﺎء َُﻫ ْﻢ و ََﻻ ﺗُ ْﻔ ِﺴﺪُوا ِﰲ ْاﻷ َ ْر ِض ﺑَﻌْ َﺪ إ ِ ْ و ََﻻ ﺗَﺒ َْﺨ ُﺴﻮا اﻟﻨ ﱠ َ
ﻴﻆ﴾ )اﻷﻧﻌﺎم: ني﴾ )اﻷﻋﺮاف﴿ ،(٨٥ :وَﻣَ ﺎ أَﻧَﺎ ﻋَ َﻠﻴْ ُﻜﻢ ِﺑﺤَ ﻔِ ٍ ﱠﻟ ُﻜ ْﻢ إِن ُﻛﻨﺘُﻢ ﻣﱡ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ
.(١٠٤إذا أﺗﺎك ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻓﺎﺣﺘﻔﻆ ﺑﻤﺎ ﰲ ﻳﺪﻳﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻳﻘﺒﻀﻪ ﻣﻨﻚ،
واﻟﺴﻼم.
ﻓﻌﺰﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :اﻛﺘﺒﻮا ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﺼﺎف ﻟﻬﺎ ،واﻟﻌﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﱄ ﺧﺎﺻﺔ أم
ً
ﺷﺎﻣﻼ ﻟﻘﻮﻣﻲ ﻋﺎﻣﺔ؟ ﻗﺎل :وﻣﺎ أﻧﺖ وﻏريك؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻲ وﷲ اﻟﻔﺤﺸﺎء واﻟﻠﺆم .إن ﻛﺎن ً
ﻋﺪﻻ
ﱠ
وإﻻ ﻳﺴﻌﻨﻲ ﻣﺎ ﻳﺴﻊ ﻗﻮﻣﻲ ،ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﺟ ﱠﺮأﻛﻢ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ وﻏ ﱠﺮﻛﻢ ﻗﻮﻟﻪ:
ﻟﻘﻠﺖ ﻟﻬﻤﺪان ادﺧﻠﻲ ﺑﺴﻼم ﻓﻠﻮ ﻛﻨﺖ ﺑﻮاﺑًﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب ﺟﻨﺔ
وﻗﻮﻟﻪ:
ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻳﻬﻮذا ،وﻗﺪ ذ ﱠﻛﺮت ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﰲ اﻟﺘﻮراة ﺑﻤﺎ ﰲ ﺳﻔﺮ »داﻧﻴﺎل« — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم
— أﻧﻪ ملﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻣﻠﻚ ﺑﻮاﻛﻴﻢ ﻗﺪم »ﺑﺨﺘﻨﴫ« ﻣﻠﻚ ﺑﺎﺑﻞ إﱃ أورﺷﻠﻴﻢ
وﺳﻠﻤﻬﺎ ﷲ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ.
ﺛﻢ ﻧﺰل ﰲ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس ،وملﺎ اﺳﺘﻘﺮت آراؤﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻟﻨﺎﻣﻮﺳﻴﺔ املﻮﺳﻮﻳﺔ
ﺣ ﱠﻜﻢ ﺷﺨﺼني ﻗﺎﺿﻴني ﻋُ ﺮﻓﺎ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺰﻫﺪ ﰲ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻳَﺤ ُﻜﻤﺎن ﰲ اﻟﺸﻌﺐ،
423
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻳﺄوﻳﺎن إﱃ ﺑﻴﺖ ﺑﻮاﻛﻴﻢ املﻠﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻮﺳﻦ ﰲ أرﻓﻊ رﺗﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺤﺴﻦ وﺑﻬﺠﺔ
املﻨﻈﺮ واﻟﺼﻼح؛ ﻷن واﻟﺪﻳﻬﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﺻﺪﱢﻳﻘني ﰲ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ.
وﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﻨﺰل إﱃ ﺑﺴﺘﺎﻧﻬﺎ ﻟﻠﻨﺰﻫﺔ ،ﻓﺮآﻫﺎ اﻟﻘﺎﺿﻴﺎن ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﺷﺘﻐﻼ
ﺑﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ،وﻛﺘَﻢ ﻛ ﱞﻞ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎر ﻣﻦ ﻳﻮم
ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﺮ ﻗﺎل ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ :ﻗﺪ اﺷﺘﺪ اﻟﺤﺮ؛ ﻓﻠﻴﺬﻫﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻴﺴﱰﻳﺢ ،وﺧ َﺮﺟﺎ
ﻣ ِ
ُﻀﻤﺮي اﻟﻌﻮد رﺟﺎء اﻟﻈﻔﺮ ﺑﺎﻟﺠﺎرﻳﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ اﻟﺘﻘﻴﺎ ﻓﺤﺺ ﻛﻞ ﻋﻦ ﻋﻮد اﻵﺧﺮ ،ﻓﺄﻇﻬﺮا ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﺒﻬﺎ ،واﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ،
ﻓﻌﺰﻣﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﻤﻮم وﻗﺪ اﺳﺘﺨﻔﻴﺎ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ اﻟﺠﺎرﻳﺘنيْ وإﻧﻬﺎ دﺧﻠﺖ ﻣﻊ ﺟﺎرﻳﺘني اﻟﺒﺴﺘﺎن
ﻟﺘﺄﺗﻴﺎﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻬﺎ ،ﻓﻈﻬﺮ اﻟﻘﺎﺿﻴﺎن وأﻏﻠﻘﺎ اﻷﺑﻮاب وﻗﺎﻻ ﻟﻬﺎ :ﻟﱧ ﻟﻢ ﺗﺠﻴﺒﻴﻨﺎ وإﻻ
ﻗﻠﻨﺎ :إﻧﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﻣﻌﻚ ﺷﺎﺑٍّﺎ ،وﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ أرﺳﻠﺖ اﻟﺠﺎرﻳﺘني .وأﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني ﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﻣﻦ
وﴏﺧﺖ ﻓﴫخ اﻟﻘﺎﺿﻴﺎن ،وﻣﴣ ْ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،ﻗﺎﻟﺖ ﺳﻮﺳﻦ :وﷲ ﻻ أﻏﻀﺐ رﺑﻲ أﺑﺪًا،
أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ،وﺟﺎء اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻓﺄﺧﱪاﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﺒﻘﻮا ﻣﺒﻬﻮﺗني؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻮءًا.
ﺛﻢ أﺗﻰ »ﺑﻮاﻛﻴﻢ« ﻓﺄﻋﻠﻤﻮه ﺑﺎﻷﻣﺮ ،وأﻧﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺪرا ﻋﲆ ﻣﺴﻚ اﻟﺸﺎب ،ﻓﺠﻤﻊ اﻟﺸﻌﺐ
وﺗﻘﺪم اﻟﺸﻴﺨﺎن ﻓﻜﺸﻔﺎ ﻋﻦ ﺳﻮﺳﻦ وﻗﺎﻻ :ﻧﺸﻬﺪ ﻋﲆ ﻫﺬه أﻧﻬﺎ دﺧﻠﺖ اﻟﺒﺴﺘﺎن وﻣﻌﻬﺎ
ﺟﺎرﻳﺘﺎن ﻓﺄرﺳﻠﺘﻬﻤﺎ وأﻏﻠﻘﺖ اﻷﺑﻮاب ،ﻓﺠﺎء ﺣﺪث ﻣﻦ وراء ﺷﺠﺮة ﻓﻀﺎﺟﻌﻬﺎ ،ﻓﺤني رأﻳﻨﺎ
املﻌﺼﻴﺔ ِﺻﺤْ ﻨﺎ ﻓﺎﻧﻔﻠﺖ اﻟﺸﺎبﱡ ،ﻓﺒﻜﺖ ﺳﻮﺳﻦ ورﻓﻌﺖ ﻃﺮﻓﻬﺎ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﷲ،
ﻳﺎ داﺋﻢ ،ﻳﺎ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻔﻴﺎت ،أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻬﻤﺎ ﻛﺬﺑﺎ ﻋﲇﱠ.
ﺛﻢ أﻗﺎﻣﺎﻫﺎ ﻟﻠﻘﺘﻞ ،وﻛﺎن »داﻧﻴﺎل« — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻋﻤﺮه ﺛﻼث ﻋﴩة ﺳﻨﺔ،
ﻓﺠﺎء وﺻﺎح ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻗﻔﻮا؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﺑﻤﺎ ُر ْ
ﻣﻴﺖ ﺑﻪ ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل
ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ :ﻣﻦ أي ﺷﺠﺮة ﺟﺎء اﻟﺤﺪث؟ ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة ﺑﻄﻢ ،ﻓﻘﺎل :ﻛﺬﺑﺖ ،وﻫﺬا
أﺧﺮه وﻗﺪﱠم اﻵﺧﺮ وﻗﺎل ﻟﻪِ :ﻣﻦ ﺗﺤﺖ أي ﺷﺠﺮة ﻣﻼك ﷲ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﻜﺬب ،ﺛﻢ ﱠ
ﺟﺎء اﻟﺤﺪث؟ ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة زﻳﺖ ،ﻓﻘﺎل :ﻛﺬﺑﺖ ،وأﻗﺎﻣﻬﻤﺎ ﻓﻨُﴩا وﻧﺰﻟﺖ ﻧﺎر
ﻓﺄﺣﺮﻗﺘﻬﻤﺎ .ﺗﺄﻣﱠ ﻞ .وﺣﻔﻆ ﷲ اﻟﺪم اﻟﺰﻛﻲ ،وﻋﻈﻢ أﻣﺮ داﻧﻴﺎل — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم.
424
اﳉﺰء اﻟﺜﺎﲏ
ﺣﺮف اﻟﺸﲔ
ﺷﺠﺮة اﻟﺪر
ﻫﻲ املﻠﻜﺔ ﻋﺼﻤﺖ اﻟﺪﻳﻦ أم ﺧﻠﻴﻞ ﺷﺠﺮة اﻟﺪر ،ﻣﺤﻈﻴﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻲ
اﻟﻔﺘﻮح أﻳﻮب ،وأم وﻟﺪه اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﻠﻴﻞ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﻋﺎﻗﻠﺔ ﻣﻬﺬﺑﺔ ﺧﺒرية ﺑﺎﻷﻣﻮر ،وﻛﺎن ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮأي املﻠ ُﻚ اﻟﺼﺎﻟﺢ
أﻳﻮب ،وﻳﺴﺘﺸريﻫﺎ ﰲ ﻣﻬﻤﺎت اﻷﻣﻮر.
وﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ أﻧﻪ ملﺎ ﻣﺎت املﻠﻚ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﻳﻦ أﻳﻮب ﺑﻨﺎﺣﻴﺔ املﻨﺼﻮرة ﰲ ﻗﺘﺎل
اﻟﻔﺮﻧﺞ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﻷﻣﺮ ،وﻛﺘﻤﺖ ﻣﻮﺗﻪ ،واﺳﺘﺪﻋﺖ اﺑﻨﻪ »ﺗﻮران ﺷﺎه« ﻣﻦ ﺣﺼﻦ »ﻛﻴﻔﺎ«
وﺳ ﱠﻠﻤﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر ،وﺗﺴﻠﻄﻦ ﺑﻘﻠﻌﺔ دﻣﺸﻖ ﰲ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ ٦٤٧ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﻗﺪم
إﱃ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ وأﻋﻠﻦ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺑﻤﻮت اﻟﺼﺎﻟﺢ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻳﺘﻔﻮه ﺑﻤﻮﺗﻪ ،ﺑﻞ
ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﻮر ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻬﺎ ،واﻟﺨﺪﻣﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﻫﻠﻴﺰ ،واﻟﺴﻤﺎط ﻳﻤﺪ ،وﺷﺠﺮة اﻟﺪر ﺗﺪﺑﺮ أﻣﻮر
اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺗُﻮﻫِ ﻢ اﻟﻜﺎﻓﺔ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺮﻳﺾ ﻣﺎ ﻷﺣﺪ إﻟﻴﻪ وﺻﻮل.
ﺛﻢ أﺳﺎء اﻟﺴﻠﻄﺎن »ﺗﻮران ﺷﺎه« ﺗﺪﺑري ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺘﻠﻪ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﺒﻌني ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ
وﻻﻳﺘﻪ ،وﺑﻤﻮﺗﻪ اﻧﻘﻀﺖ دوﻟﺔ ﺑﻨﻲ أﻳﻮب ﻣﻦ ﻣﴫ ،ﺛﻢ اﺟﺘﻤﻊ املﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻋﲆ أن
ﻳﻘﻴﻤﻮا ﺑﻌﺪه ﰲ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻣﺤﻈﻴﺔ أﺳﺘﺎذﻫﻢ ﺷﺠﺮة اﻟﺪر ،ﻓﺄﻗﺎﻣﻮﻫﺎ وﺣﻠﻔﻮا ﻟﻬﺎ ﰲ ﻋﺎﴍ
ﺻﻔﺮ ،ورﺗﺒﻮا ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ أﻳﺒﻚ اﻟﱰﻛﻤﺎﻧﻲ ﻣﻘﺪم اﻟﻌﺴﻜﺮ ،ﻓﺴﺎر إﱃ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺠﺒﻞ وأﻧﻬﻰ ذﻟﻚ
إﱃ ﺷﺠﺮة اﻟﺪر ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺑﺘﺪﺑري املﻤﻠﻜﺔ ،وﻋﻤﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﺑﻤﺎ ﻣﺜﺎﻟﻪ :واﻟﺪة ﺧﻠﻴﻞ ،وﻧﻘﺶ
ﻋﲆ اﻟﺴﻜﺔ اﺳﻤﻬﺎ ،وﻣﺜﺎﻟﻪ املﺴﺘﻌﺼﻤﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ ﻣﻠﻜﺔ املﺴﻠﻤني ،واﻟﺪة املﻨﺼﻮر ﺧﻠﻴﻞ
ﺧﻠﻴﻔﺔ أﻣري املﺆﻣﻨني ،وﺧﻠﻌﺖ ﻋﲆ املﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،وأﻧﻔﻘﺖ ﻓﻴﻬﻢ اﻷﻣﻮال ،وﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ
أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ﻋﲆ ﺳﻠﻄﻨﺘﻬﺎ ،وﻃﻠﺒﻮا املﻠﻚ اﻟﻨﺎﴏ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻮﺳﻒ ،ﺻﺎﺣﺐ ﺣﻠﺐ ،ﻓﺴﺎر
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﱃ دﻣﺸﻖ وﻣﻠﻜﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﺰﻋﺞ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﺗﺰوج اﻷﻣري ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ أﻳﺒﻚ اﻟﱰﻛﻤﺎﻧﻲ
ﺑﺸﺠﺮة اﻟﺪر ،وﻧﺰﻟﺖ ﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﺗﻬﺎ ﺛﻤﺎﻧني ﻳﻮﻣً ﺎ.
وﻣﻦ ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺬي ﺑﻨﺘﻪ ﺑﺨﻂ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﻤﴫ ﺑﻘﺮب ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺴﻴﺪة ﺳﻜﻴﻨﺔ
ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ — ودﻓﻨﺖ ﻓﻴﻪ ﺣني ﻣﻮﺗﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻣﻘﺎم اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻟﻐﺎﻳﺔ
وﻣﺒﺎن ﺧريﻳﺔ ﺑﻤﴫ وﺧﻼﻓﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﺗﻤ ﱠﻠﻜﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ٍ اﻵن ،وﻟﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺂﺛﺮ
ﻓﻄﺮب ﺣﺘﻰ ﻛﺎد أن ﻳﺸﻖ ﺛﻮﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻫﺒﻲ ﱄ اﻟﻴﻮم ﻧﻔﺴﻚ ،ﻓﺼﻌﺪت ﺑﻪ
ﺑﺨﻤﺮ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ املﻮﺟﻮد ،وﻋﺎف املﺘﻮﻛﻞ
ٍ إﱃ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﴩﻓﺔ ﻋﲆ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ،وﺟﺎء اﻟﺮاﻫﺐ
ﻃﻌﺎﻣﻬﻢ ﻓﺎﺳﺘﺤﴬ أﻃﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ،ﻓﻠﻤﺎ أﺧﺬ ﻣﻨﻪ اﻟﴩاب أﺣﴬ آﻟﺔ وﻏﻨﱠﺖ:
428
ﺣﺮف اﻟﺸني
ْ
ﻓﺄﺳﻠﻤﺖ وﺗﺰوﺟﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﻈﻰ اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻨﺪه. ﻓﺄرﻏﺒﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ
ﺷﻌﻮاﻧﺔ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻔﱰ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ» :وﷲ ﻟﻮددت أن أﺑﻜﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻘﻄﻊ
دﻣﻮﻋﻲ ،ﺛﻢ أﺑﻜﻲ دﻣً ﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﺟﺎرﺣﺔ ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻲ ﻓﻴﻬﺎ دم «.وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل» :ﻣﻦ
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺒﻜﺎء ﻓﻠريﺣﻢ اﻟﺒﺎﻛني؛ ﻓﺈن اﻟﺒﺎﻛﻲ إﻧﻤﺎ ﻳﺒﻜﻲ ملﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻣﺎ ﺟﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ،
وﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﺎﺋﺮ إﻟﻴﻪ «.وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻜﻲ وﺗﻘﻮل» :إﻟﻬﻲ ،إﻧﻚ ﻟﺘﻌﻠﻢ أن اﻟﻌﻄﺸﺎن ﻣﻦ ﺣﺒﱢﻚ ﻻ
ﻳﺮوى أﺑﺪًا«.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺪﻣﻬﺎ ﺗﻘﻮل :ﻣﻦ ﻣﻨﺬ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻋﲇ ﻧﻈﺮ ﺷﻌﻮاﻧﺔ ﻣﺎ ﻣﻠﺖ ﻗﻂ إﱃ اﻟﺪﻧﻴﺎ
ﺑﱪﻛﺘﻬﺎ ،وﻻ اﺳﺘﺼﻐﺮت ﰲ ﻋﻴﻨﻲ أﺣﺪًا ﻣﻦ املﺴﻠﻤني .وﻛﺎن اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس — رﴈ
ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ — ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ وﻳﱰدد إﻟﻴﻬﺎ وﻳﺴﺄﻟﻬﺎ اﻟﺪﻋﺎء.
اﻟﺸﻠﺒﻴﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ
اﺳﻢ ﻏﻠﺐ ﻋﲆ املﱰﺟَ ﻤﺔ؛ ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﺑﻠﺪﻫﺎ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ .ﻛﺎﻧﺖ أدﻳﺒﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ ﺷﺎﻋﺮة ﻧﺎﺛﺮة واﺷﺘﻬﺮ
ﺻﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ وﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺎﻟﺲ املﻠﻮك ،وﺗﻨﺎﻇﺮ اﻟﺸﻌﺮاء ،وﻟﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ
ﻗﺼﺎﺋﺪ وﻣﻘﻄﻌﺎت ،وﻟﻢ ﻳﺠﻤﻊ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺑﺪﻳﻮان ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌﻴﺎن .وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺖ
ﺑﻪ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻌﻘﻮب املﻨﺼﻮر ﺗﺘﻈﻠﻢ ﻣﻦ وﻻة ﺑﻼدﻫﺎ وﺻﺎﺣﺐ ﺧﺮاﺟﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
429
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻴﻘﺎل :إﻧﻬﺎ أﻟﻘﻴﺖ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﲆ ﻣﺼﲆ املﻨﺼﻮر ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﴣ اﻟﺼﻼة وﺗﺼﻔﺤﻬﺎ
ﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻘﻀﻴﺔ ،ﻓﻮﻗﻒ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ وأﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺼﻠﺔ ،وﻛﺸﻒ ﻇﻼﻣﺘﻬﺎ ﺑﻌﺰل ذﻟﻚ
اﻟﻮاﱄ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻛﺎﺑﺮ املﺤﺪﺛﺎت اﻟﺼﺎدﻗﺎت ﺑﺎﻟﺮواﻳﺔ .ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﺨﻂ اﻟﺠﻴﺪ ،وأﺧﺬت اﻟﻌﻠﻢ
ﻋﻦ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء وأﺟﺎزوﻫﺎ إﺟﺎزة ﻟﻢ ﺗﺴﺒﻖ ﻟﻐريﻫﺎ ،وأﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺜريون ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ
اﻟﻨﱠﻔﺲ اﻟﻌﺎﱄ ،أﻟﺤﻘﺖ ﻓﻴﻪ اﻷﺻﺎﻏﺮ ﺑﺎﻷﻛﺎﺑﺮ ،وﻣﻤﻦ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻨﻬﻢ :أﺑﻮ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻄﱪاﻧﻲ،
وﻓﺨﺮ اﻹﺳﻼم اﻟﺸﺎﺷﺎﻧﻲ ،وﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ أﻓﺎﺿﻞ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وأ ﱠﻟﻔﺖ ﺟﻤﻠﺔ رﺳﺎﺋﻞ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ
واﻟﻔﻘﻪ واﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ،وﻣﺂﺛﺮﻫﺎ ﻛﺜرية ﰲ أﺻﻨﺎف اﻟﻌﻠﻮم ،وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﺒﻐﺪاد ﺳﻨﺔ ٥٧٤
ﻫﺠﺮﻳﺔ.
ﺷﻮﻛﺎر ﻗﺎﺿﻦ
ﻫﻲ ﻣﻌﺘﻮﻗﺔ املﺮﺣﻮم ﻋﺜﻤﺎن »ﻛﺘﺨﺪا اﻟﻘﺎزد ﻏﲇ« وزوﺟﺔ املﺮﺣﻮم إﺑﺮاﻫﻴﻢ »ﻛﺘﺨﺪا اﻟﻘﺎزد
ﻏﲇ« .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻴﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻟﺠﺮﻛﺲ املﺘﺄدﺑﺎت املﻄﻴﻌﺎت ﻷزواﺟﻬﻦ ،اﻟﺼﺎدﻗﺎت
ﰲ ﺧﺪﻣﺘﻬﻦ ،وﻟﻬﺎ ﻣﺂﺛﺮ ﻋﻈﻴﻤﺔ وإدرارات ﺟﺴﻴﻤﺔ ،ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﺤﺴﻨﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء واملﺴﺎﻛني،
ﻗﺎﺿﻴﺔ ﻟﺤﻮاﺋﺞ املﺤﺘﺎﺟني.
ﻓﻤﻦ ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ :اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي ﺑﻨﺘﻪ ﺑﻘﺮاﻓﺔ ﻣﴫ اﻟﺼﻐﺮى؛ إﻏﺎﺛﺔ ﻟﻠﻨﺎس وﻗﺖ املﻮاﺳﻢ،
أوﻗﺎﻓﺎ ﻳﴫف ﻣﻦ رﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻫﻮ ﻣﻨﻘﻮش ﻣﻦ أﻋﻼه ﺑﺮﻗﻢ ﺳﻨﺔ ١١٧٠ﻫ. ً ووﻗﻔﺖ ﻟﻪ
وﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻋﺎﻣﺮ إﱃ اﻵن ،وﻳُﻤﻸ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﻨﻴﻞ ﻋﲆ ﻃﺮف دﻳﻮان اﻷوﻗﺎف املﴫﻳﺔ.
ْ
وﻗﻔﺖ ﺟﻤﻴﻊ املﻜﺎن وﰲ ﺣﺠﺔ وﻗﻔﻴﺘﻪ املﺆرﺧﺔ ﺳﻨﺔ ١١٨٥ﻫ :أن اﻟﺴﺖ »ﺷﻮﻛﺎر« املﺬﻛﻮرة
ﺑﺨﻂ اﻷزﺑﻜﻴﺔ ﺑﺪرب ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺴﻨﺒﺎﻃﻲ وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني
ﺑﻮﻻق واﻟﻘﴫ اﻟﻌﻴﻨﻲ املﻌﺮوﻓﺔ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﺑﻐﻴﻂ اﻟﺒﺤﺮ.
وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺮزﻗﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑﻨﺎﺣﻴﺔ دﻳﺮك ﺑﺎملﻨﻮﻓﻴﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺮزﻗﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑﻨﺎﺣﻴﺔ ﻃﻤﻮﻳﻪ
ﺑﺎﻟﺠﻴﺰة ،وﺟﻤﻴﻊ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺜﻤﺎﻧﻲ وأرﺑﻊ ﻋﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺮﺗﺐ ﻋﻠﻮﻓﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ املﻜﺎن اﻟﻜﺎﺋﻦ
ﺑﺎﻟﻜﻌﻜﻴني ﺗﺠﺎه ﺣﻤﺎم اﻟﺠﺒﻴﲇ.
430
ﺣﺮف اﻟﺸني
وﺟﻤﻴﻊ ﻋﻠﻮ ﺑﻌﺾ ﻃﺒﻘﺎت ﻣﻦ وﻛﺎﻟﺔ املﻠﺢ ،وﺟﻤﻴﻊ املﻜﺎن ﺑﺨﻂ اﻟﻜﺮاﺳني ﺑني
اﻟﺤﻴﻀﺎن ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺨﺮﻧﻮﺑﻲ ،وﺟﻤﻴﻊ املﻜﺎن اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﺨﻂ اﻟﺸﻮﱠاﺋني ﺑﺪاﺧﻞ
ﻋﻄﻔﺔ اﻟﻔﺎﻛﻬﺎﻧﻲ.
وﺟﻤﻴﻊ املﻜﺎن اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﺎﻟﺨﻂ املﺬﻛﻮر ﰲ اﻟﻌﻄﻔﺔ املﺘﻮﺻﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺒﺎب ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻔﺎﻛﻬﺎﻧﻲ
اﻟﴩﻗﻲ ،وﻣﻄﺒﺦ اﻟﺴﻜﺮ ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﻧﻮﺗني اﻟﻜﺎﺋﻨني ﺗﺠﺎه ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻔﺎﻛﻬﺎﻧﻲ ،وﺟﻤﻴﻊ ﺳﺖ
ﻗﺮارﻳﻂ ﻣﻦ اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑﺨﻂ ﻗﻨﻄﺮة املﻮﺳﻜﻲ ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﻧﻮﺗني اﻟﻜﺎﺋﻨني ﺑﺎﻟﺪرب
اﻷﺣﻤﺮ.
وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﻧﻮت اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﺎﻟﺨﻂ املﺬﻛﻮر ﺗﺠﺎه ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺼﺔ اﻟﺘﻲ
ﻃﺎ ﰲ اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑﺨﻂ اﻟﺒﻨﺪﻗﺎﻧﻴني. ﻗﺪرﻫﺎ ﺛﻼﺛﺔ وﻋﴩون ﻗريا ً
وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺼﺔ اﻟﺘﻲ َﻗﺪْرﻫﺎ ﻧﺼﻒ ﻗرياط وﺳﺪس ﻗرياط ﰲ ﻛﺎﻣﻞ أراﴈ ﻧﺎﺣﻴﺔ
اﻷرﺟﻨﻮس وﺗﻮاﺑﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻬﻨﺴﺎوﻳﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ ﺛﻼﺛﺔ ﺣﻮاﻧﻴﺖ ﻛﺎﺋﻨﺔ ﺑﺨﻂ ﺑﺎب اﻟﺰﻫﻮﻣﺔ.
وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮﺗﺐ اﻟﻌﻠﻮﻓﺔ — وﻫﻮ ﺛﻼﺛﺔ وﺳﺘﻮن ﻋﺜﻤﺎﻧﻴٍّﺎ — وﴍﻃﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻧﻈﺮ وﻗﻔﻬﺎ
ﻫﺬا ،وﻣِﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻸوﻻد واﻟﻌﺘﻘﺎء ،وأن ﻳﴫف ﰲ ﺛﻤﻦ ﻣﺎء ﻋﺬب ﻳﺼﺐ ﰲ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻧﺸﺎء
ﻧﺼﻔﺎ ﻓﻀﺔ — اﻟﻨﺼﻒ اﻟﻔﻀﺔ ً اﻟﻮاﻗﻔﺔ :ﰲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ أرﺑﻌﺔ آﻻف وﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴﻮن
ﻗﺮﺷﺎ ،أو ﻛﻞ أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﻠﻴﻢ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﺎرة ،وﻛﻞ أرﺑﻌني ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪرﻫﻢ ﻓﻀﺔ ،أﻋﻨﻲ ً
ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﺔ املﴫﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻞ أﻟﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪﻳﻨﺎر ﻣﴫي — وﰲ ﺛﻤﻦ ﺣﺒﺎل وﺑﺨﻮر وﻏريه
ً
ﻧﺼﻔﺎ ،وﻟﻐﻔري ﻧﺼﻔﺎ ﻓﻀﺔ ،وﻟﻠﻤﺰﻣﻼﺗﻲ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ وﻋﴩون ً ﻣﺎﺋﺘﺎن وﺧﻤﺴﻮن
ﻧﺼﻔﺎ ﻓﻀﺔ ،وأﺟﺮة ﻣﻠﺌﻪ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻧﺼﻒ ،وﴍﻃﺖ ً اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ وﺳﺘﻮن
أﻳﻀﺎ أن ﻳُﴫف ﰲ ﺛﻤﻦ ﻣﺎء ﻳﺼﺐ ﰲ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﺨﻂ اﻟﺨﺮﻧﻮﺑﻲ :أﻟﻒ وﻣﺎﺋﺘﺎ ً
ﻧﺼﻔﺎ ،وأﺟﺮة اﻟﻨﺰح وﺛﻤﻦ اﻟﻘﻠﻞ واﻟﺒﺨﻮر ﻣﺎﺋﺘﺎن ً ﻧﺼﻒ ،وﻟﻠﻤﺰﻣﻼﺗﻲ ﺑﻪ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ وﺳﺘﻮن
ً
ﻧﺼﻔﺎ ،وﺛﻤﻦ زﻳﺖ وﻗﻨﺎدﻳﻞ ﺑﻤﻘﺎم اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺨﺮﻧﻮﺑﻲ ﻣﺎﺋﺔ وﺛﻤﺎﻧﻮن ﻧﺼﻔﺎ ،وأن ً وأرﺑﻌﻮن
ﻧﺼﻔﺎ ،وﰲ ﺛﻤﻦ ً ﻳﴫف ﰲ ﺛﻤﻦ ﻣﺎء ﻳﺼﺐ ﰲ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي ﺑﺎﻟﺸﻮاﺋني ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ :اﺛﻨﺎ ﻋﴩ
ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻟﻴﻮم اﻟﻌﻴﺪ ﺗُﻔ ﱠﺮق ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء :ﺛﻼﺛﻮن رﻳﺎل ﺣﺠﺮ أﺑﻮ ﻃﺎﻗﺔ ،وﻟﺴﺒﻌﺔ ﻗﺮاء ﻳﻘﺮءون
ﻣﻦ أول رﺟﺐ ﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﻴﺪ اﻟﻔﻄﺮ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ :أرﺑﻌﻮن دﻳﻨﺎ ًرا ذﻫﺒًﺎ زر ﻣﺤﺒﻮب.
وﻟﻨﺎﻇﺮ اﻟﻮﻗﻒ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﺛﻼﺛﻮن دﻳﻨﺎ ًرا ،وﻟﻠﻨﺎﻇﺮ اﻟﺤﺴﺒﻲ ﻋﴩة دﻧﺎﻧري ،وﻟﻠﻤﺒﺎﴍ ﻣﺜﻠﻪ،
واﻟﺠﺎﺑﻲ ﻛﺬﻟﻚ ،وأن ﻳﴫف ﰲ وﺟﻮه اﻟﺨري ﻋﲆ ﺗﺮﺑﺘﻬﺎ ﰲ أﻳﺎم اﻟﺠﻤﻌﺔ واﻟﻌﻴﺪﻳﻦ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ
ﻋﴩة دﻧﺎﻧري ذﻫﺒًﺎ ،وﻟﻠﱰﺑﻲ ﻋﴩة رﻳﺎﻻت ﺣﺠﺮ أﺑﻮ ﻃﺎﻗﺔ ،وﻟﺴﺒﻌﺔ ﻗﺮاء ﺑﺎﻟﺤﺮم املﻜﻲ
أﻳﻀﺎ .د ﱡر ﻫﺬه اﻟﻮاﻗﻔﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺪع ﺑﺎﺑًﺎ ﻟﻠﺨري إﻻ ﻓﺘﺤﺘﻪ، ﻋﴩة رﻳﺎﻻت أﺑﻮ ﻃﺎﻗﺔ ً
ﻓﺮﺣﻤﻬﺎ ﷲ رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ ،وأﻛﺜﺮ ﷲ ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ.
431
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟﺪت ﰲ ﺳﻨﺔ ١٢٦٠ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﻫﻲ ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻵن ﻋﲆ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻟﻬﺬه ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ وﻗﺎﺋﻊ
ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء ،وﺗﻌﺘﱪ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ املﺴﺘﻐﺮﺑﺔ — ﻗﺪ أﺧﱪﺗﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ إﺣﺪى اﻟﺴﻴﺪات
املﻮﺛﻮق ﺑﻘﻮﻟﻬﻦ — وﻟﻐﺮاﺑﺔ ﻫﺬه اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ أﺣﺒﺒﺖ درﺟﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ ﻟﻜﻲ ﺗﺨﻠﺪ ﻟﻬﺬه
املﱰﺟﻤﺔ ذﻛ ًﺮا ﻣﺪى اﻷﻋﺼﺎر ،وﻫﻮ أﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺑﻮﻻق« ﻣﴫ رﺟﻞ »ﻗﺒﻮدان« ﻳﻘﺎل
ﻟﻪ :ﺳﻌﻴﺪ »ﻗﺒﻮدان« ،وﻛﺎن ﻗﺪ اﻗﱰن ﺑﻔﺘﺎة اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺨﺪوﻣﺔ ،ﺷﻘﻴﻘﺔ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ
— أﺣﺪ رؤﺳﺎء اﻟﺒﺤﺮ ﰲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﴫﻳﺔ — ﻓﺮزق ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻌﻴﺪ »ﻗﺒﻮدان« ﺑﻨﺘًﺎ ،ﻓﺴﻤﺎﻫﺎ
ﴍﻓﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻤﻜﺚ ﰲ ﺣﺠﺮ واﻟﺪﻫﺎ ﺳﻮى ﺛﻤﺎن ﺳﻨﻮات ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﺎه ﷲ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ
١٢٦٨ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﰲ ﺣﺮب اﻟﻘﺮم اﻷﺧرية.
ٍ
ﺣﺴﻨﺔ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻬﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺒﻨﺖ ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺮﻗﺔ واﻟﻠﻄﻒ ،وﻗﺪ ُرﺑﻴﺖ ﻋﲆ ﻣﺒﺎدئ َ
واﻟﺪﺗﻬﺎ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻷﺷﻐﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻪ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺗﻄﺮﻳﺰ
وﻏريه ﺣﺘﻰ ﻓﺎﻗﺖ ﺑﻨﺎت ﻋﴫﻫﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻄﻴﻌﺔ ﻟﻮاﻟﺪﺗﻬﺎ ،ﻣﻨﻘﺎدة ﻟﻜﻼﻣﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ
اﻟﻮاﻟﺪة ﺗﺤﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺿﻠﻮع اﻟﺮأﻓﺔ واﻟﺤﻨﻮ إﱃ أن ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ﺳﻨﻴﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ
ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »إزﻣري« اﻣﺮأة ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ املﻘﺎم ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻣﻨﺴﺤﺒًﺎ ﻣﻦ ﺑﻠﺪه ،وﻟﻢ
ً
اﻋﺘﺪاﻻ ،وﻣﺎ ﺟﻤﺎﻻ ،واﻟﻐﺼﻦ ً ﺗﻌﻠﻢ أﻳﻦ ذﻫﺐ ،وﺗﺮك ﻟﻬﺎ وﻟﺪًا ﺻﻐريًا ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻀﺎﻫﻲ اﻟﺒﺪر
زاﻟﺖ ﻣﻨﺘﻈﺮة ﺗﺮﺑﻲ وﻟﺪﻫﺎ إﱃ أن ﻓﺮغ ﻣﻨﻬﺎ املﺎل املﺪﺧﺮ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﺎت ﺑﻪ ﻫﻲ
ووﻟﺪﻫﺎ.
وﻗﺪ ﺗﻮاﺗﺮت اﻷﺧﺒﺎر ﻋﻦ وﺟﻮد زوﺟﻬﺎ ﰲ ﻣﴫ ،ﻓﺄﺧﺬت وﻟﺪﻫﺎ — وﻛﺎن ﰲ ﺳﻦ
اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ﺳﻨﻴﻪ — وﺣﴬت ﺑﻪ إﱃ ﻣﴫ ﻟﺘﺒﺤﺚ ﻋﻦ واﻟﺪه ﻛﻤﺎ ﺧﻠﺪ ﰲ ﻓﻜﺮﻫﺎ،
وﻗﺪ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺎﻷﻣﺮ املﻘﺪور ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺨﺪوﻣﺔ ،ﻓﺘﻠﻘﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﺣﺐ واﻟﺴﻌﺔ ،وﻓﺘﺤﺖ ﻟﻬﺎ
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ أﻋﻈﻢ ﻣﺤﻞ ،وﻛ ﱠﻠﻤﺖ ﺷﻘﻴﻘﻬﺎ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﰲ أﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﺒﺤﺚ ﻋﻦ ً ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ
زوﺟﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻟﻪ ﺧﱪًا.
وملﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪه أﺧﺬ اﻟﻐﻼم وﺳ ﱠﻠﻤﻪ إﱃ إﺣﺪى املﺪارس اﻷﻣريﻳﺔ ،وﻛﺎن راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﻋﺪﻳﻢ
اﻟﻮﻟﺪ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺰوج أﺑﺪًا إﱃ أن ﺑﻠﻎ اﻟﺜﻤﺎﻧني ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﴍﻓﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ
ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ،وﻛﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎل ﰲ ﺳﻦ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﴩة ،وﻛﺎﻧﺖ ﴍﻓﻴﺔ رﺑﻌﺔ
اﻟﻘﻮام ،ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻣﺴﺘﺪﻳﺮة اﻟﻮﺟﻪ ،واﺳﻌﺔ اﻟﻌﻴﻮن ،ﻣﻘﺮوﻧﺔ اﻟﺤﻮاﺟﺐ ،ﻗﻤﺤﻴﺔ اﻟﻠﻮن
ﺟﺬاﺑﺔ ،ﺧﻔﻴﻔﺔ اﻟﺮوح ،ﺳﻮداء اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻌﻴﻮن ،ﺗﺨﻠﺐ ﻟﺐ ﻣﻦ ﻳﺮاﻫﺎ.
432
ﺣﺮف اﻟﺸني
وأﻣﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎل ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻃﻮﻳﻞ اﻟﻘﻮام ،ﻧﺤﻴﻞ اﻟﺠﺴﻢ ،أﺑﻴﺾ اﻟﻠﻮن ،أﺷﻘﺮ اﻟﺸﻌﺮ،
أزرق اﻟﻌﻴﻮن ،ﻣﺴﺘﺪﻳﺮ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻳﻤﻴﻞ دﻣﻪ إﱃ اﻟﺨﻔﺔ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻗﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ أن
ﻳﺴﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺠﺎذب.
وملﺎ دﺧﻞ إﱃ ﻣﻨﺰل ﺳﻌﻴﺪ »ﻗﺒﻮدان« ﺻﺎرت ﴍﻓﻴﺔ ﺗﻌﺘﻨﻲ ﺑﺄﻣﺮه ﻛﻞ اﻻﻋﺘﻨﺎء ﻣﻦ
ﻣﻠﺒﺲ وﻣﺄﻛﻞ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻪ ،وﺟﻤﻴﻊ ﺳﺪ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌني
اﻻﺳﺘﻐﺮاب ،وﺗﻔﻜﺮ ﰲ أﻣﺮﻫﺎ واﻧﺸﻐﺎﻟﻬﺎ ﺑﺄﻣﺮ ﻫﺬا اﻟﻐﻼم ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺮاﺟﻊ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻈﻨﻮن
أﻫﻼ ﻷن ﺗﺤﺒﻪ ﺑﻨﺖ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ، ﰲ اﺑﻨﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺮى أن اﻟﻐﻼم ﺻﻐري ﺟﺪٍّا ﻟﻴﺲ ً
وﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻤﻦ ﻳﺤﺐ وﻫﻮ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻦ.
وملﺎ دﺧﻞ املﺪرﺳﺔ وﺑَﻌُ ﺪ ﻋﻦ ﴍﻓﻴﺔ ﻛﺜﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻓﻜﺎر ،وﺻﺎرت ﺗﺤﺐ اﻟﺨﻠﻮة
ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗُﻀﻴﻊ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﺑﺪون أن ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﴚء ﻳﻌﻮد ﻧﻔﻌﻪ ﻋﲆ اﻟﻐﻼم ،ﻣﺜﻞ
ﺧﻴﺎﻃﺔ ﻣﻠﺒﻮس وﻏريه ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻪ .وﻛﺎن ﻻ ﻳﺄﺗﻲ إﻻ ﰲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺟﻤﻌﺔ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ أﺻﻮل
املﺪارس اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﻄﺮ املﴫي ،وﻛﺎﻧﺖ ﴍﻓﻴﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻴﻌﺎد ﻣﺠﻴﺌﻪ ﻛﻠﻴٍّﺎ ﰲ اﻷﻋﻴﺎد.
ﻄﺎب ،وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻬﺎ ﺗﺤﺐ أن ﺗﺰوﺟﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ﺗﻜﺎﺛﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ُ
اﻟﺨ ﱠ
ﺤﺴﻨﻪوﺣﻴﺪﺗﻬﺎ ،وﺗﻔﺮح ﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺟﺎءﻫﺎ ﺧﺎﻃﺐ ﺗﻌﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﻟﺪﺗﻬﺎ وﺗُ ﱢ
ﰲ ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﺎ ذﻟﻚ ،وﻻ ﺗﺠﻴﺒﻬﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء واﻟﻨﺤﻴﺐ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﺻﺎرت ﻻ
ﺗﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﻳﻔﺎﺗﺤﻬﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ،ﻓﻜﺪﱠر ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻫﺬا واﻟﺪﺗﻬﺎ ،وﻇﻨﱠﺖ أن اﻟﺬي ﻳﻐﺮﻳﻬﺎ ﻋﲆ
ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﻫﻲ أم اﻟﻐﻼم ،ﻓﻜ ﱠﻠﻤﺘﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺨﺼﻮص وأﻏﻠﻈﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻮل ﺣﺘﻰ أﺧﺮﺟﺘﻬﺎ ﻣﻦ
ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ.
وملﺎ ﺧﺮﺟﺖ زاد وﺟﺪ ﴍﻓﻴﺔ ،وﺧﺎﻓﺖ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺮم ﻣﻦ رؤﻳﺔ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ ،ﻓﺤﺰﻧﺖ اﻟﺤﺰن
اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ ﺣﺮﻣﺖ اﻟﻨﻮم واﻟﻄﻌﺎم ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﰲ أﻓﻜﺎر اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻟﺤرية إﱃ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ
اﻟﺠﻤﻌﺔ ،ﻓﺤﴬ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎل ﻋﲆ ﺣﺴﺐ اﻟﻌﺎدة ،وملﺎ ﺑﻠﻐﻪ أن واﻟﺪﺗﻪ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ املﻨﺰل
ﴍب ﺣﺐ اﻟﺒﻨﺖ ﻣﻦ أﻳﻀﺎ ﻗﺪ أ ُ ِ
وﺗﻮﺟﱠ ﻬﺖ إﱃ ﻣﻨﺰل راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ اﻏﺘ ﱠﻢ ﻟﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن اﻟﻐﻼم ً
ﺣني ﻃﻔﻮﻟﻴﺘﻪ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻧﻤﺎ ﺳﻨﻪ ﻳﻨﻤﻮ ﺣﺒﻬﺎ ﻣﻌﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﺠﺪﻫﺎ ﺣﻘرية
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﴍﻓﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺻﺎر ﻳﺠﺘﻬﺪ ﰲ اﻻﺳﺘﺤﺼﺎل ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻷن ﺗﺠﻌﻠﻪ ً
أﻫﻼ
ﻟﻬﺎ.
ﻳﻤﺾ زﻣﻦ ﻳﺴري إﻻ وﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﺪرﺳﺔ املﺒﺘﺪﻳﺎن ودﺧﻞ املﺪرﺳﺔ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ وﻟﻢ ِ
ﺑﻮاﺳﻄﺔ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ،وﺑﻌﺪ ﻣﴤ ﻣﺪة ﺗﻮﰱ ﷲ واﻟﺪﺗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺨﺪوﻣﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ اﻟﺒﻨﺖ ﰲ
ﺣﺠﺮ ﺧﺎﻟﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﺑﻨﺘﻪ ،وﺻﺎرت ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ اﻟﺨﻄﺎب ﻣﻨﻪ ﻓﻴﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﺗﻘﺒﻞ،
ﻳﺪر ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﻋﻦ اﻻﻗﱰان.
ﻓﺎﺣﺘﺎر ﰲ أﻣﺮﻫﺎ ،وﻟﻢ ِ
433
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎن ﻛﻤﺎل ﻟﻢ ﻳﺰل ﰲ ﻣﻨﺰل راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﻊ واﻟﺪﺗﻪ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺣني ﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ
ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺨﺪوﻣﺔ دﺧﻠﺖ إﱃ ﻣﻨﺰل اﻟﺒﺎﺷﺎ املﺸﺎر إﻟﻴﻪ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻋﻨﺪه إﱃ أن اﻧﻀﻤﺖ
اﻟﺒﻨﺖ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺼﺎروا ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ واﺣﺪ ،وﻛﺎن اﻟﺒﺎﺷﺎ ﻻ ﻳﻈﻦ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻮﻗﻒ
ﻣﻦ ﴍﻓﻴﺔ ﺣﺎﺻﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬا اﻟﻐﻼم؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺮى أن ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻮﻧًﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺜﺮوة
أﻳﻀﺎ .وأﻣﺎ اﻟﻨﺴﺐ ﻓﻬﻮ وإن ﻛﺎن ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻧﺴﺒﻪ إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺮى ﰲ ﺧﻼل ﻃﺒﺎع واﻟﺴﻦ ً
اﻟﻐﻼم ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ ﺻﺤﺔ ﻧﺴﺒﻪ ،وأﻧﻪ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ ﻃﻴﺐ ،وأﻧﻪ ﴍﻳﻒ اﻟﻨﻔﺲ أﺑﻴﱡﻬﺎ.
وملﺎ ﻃﺎل أﻣﺮ ﴍﻓﻴﺔ ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﺰواج ﺧﺎف اﻟﺒﺎﺷﺎ أن ﻳﺘﻮﻓﺎه ﷲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺰوج
ﻫﺬه اﻟﺒﻨﺖ اﻟﻴﺘﻴﻤﺔ ،ﻓﺸﻜﺎ ذﻟﻚ إﱃ ﺑﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ وﻗﺎل ﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﻜﻠﻒ ﻗﺮﻳﻨﺘﻪ — ﻷﻧﻬﺎ
ﻛﻮاﻟﺪﺗﻬﺎ — أن ﺗﺴﺄﻟﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ،وﺗﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﺳﺒﺐ اﻣﺘﻨﺎﻋﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺰواج ،ﻓﻔﻌﻞ اﻟﺒﺎﺷﺎ املﺸﺎر
إﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﻛ ﱠﻠﻔﻪ ﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ،وﻗﺪ ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻗﺮﻳﻨﺘﻪ ﻓﺄﻇﻬﺮت ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﺪر ﻋﲆ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ
ﻣﻴﻼ ﻛﻠﻴٍّﺎ إﱃ ﺟﻬﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎل ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺘﺠﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺪة أﻧﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؛ ﺣﻴﺚ إن ﻟﻬﺎ ً
ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﻗﱰان ﺑﻐري ﻫﺬا اﻟﻐﻼم ،وأﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﺪر ﻋﲆ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ إﺣﺴﺎﺳﺎﺗﻬﺎ اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ،
ﻓﺄﺧﱪت زوﺟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ.
وﻛﺎن ﻛﻤﺎل ﰲ ذاك اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ رﺗﺒﺔ ﻣﻼزم ،وﺻﺎر ﻟﻪ ﺟﺮاءة ﻋﲆ ﻃﻠﺐ
ﴍﻓﻴﺔ ،ﻓﺘﻘﺪم إﱃ اﻟﺒﺎﺷﺎ املﺸﺎر إﻟﻴﻪ واﻟﺘﻤﺲ ﻣﻨﻪ أن ﻳﻜﻠﻢ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﰲ أﻣﺮ ﴍﻓﻴﺔ ،وأن
ﻳُﻨﻌﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺎ ،وأن ﻳﻘﺒﻠﻪ ﻋﺒﺪًا ﻟﻪ ﻣﺎ دام ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ﻫﻮ ﻏﺮس
ﻧﻌﻤﺘﻪ ،ﻓﺘﻘﺪﱠم إﻟﻴﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ،وأﺧﱪه أﻧﻪ اﺧﺘﱪ أﻣﺮ ﴍﻓﻴﺔ ﺑﻠﺴﺎن زوﺟﺘﻪ
ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﻐﻼم ،وﻫﺬا ﺳﺒﺐ اﻣﺘﻨﺎﻋﻬﺎ ﻋﻦ اﻻﻗﱰان ﺑﻐريه.
وملﺎ ﺳﻤﻊ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﻫﺬا اﻟﺨﱪ اﺳﺘﻌﻈﻤﻪ وﻗﺎل :ﻫﺬا ﳾء ﻻ ﻳﻜﻮن أﺑﺪًا؛ ﻷن اﻟﻐﻼم
ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ أزوﺟﻪ ﺑﻨﺖ أﺧﺘﻲ وأﻧﺎ ﻣﺮﺑﻴﻪ ﺑﻨﻮع اﻟﺜﻮاب وﻫﻮ ﻓﻘري؛ وﻻ ﻳﻘﺪر
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻓﺘﺢ املﺤﻞ وﻣﺼﺎرﻳﻔﻪ ،ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺠﻬﻮل ً ﻋﲆ أداء املﻬﺮ وﻻ ﻣﴫوف ﻧﻔﺴﻪ،
اﻷﺻﻞ؟!
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻓﺄﻣﺎ ﻛﻮﻧﻪ ﻓﻘريًا؛ ﻓﺴﻮف ﻳﺘﻘﺪم ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ،وﻳﺴﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ اﻟﺮﺗﺐ ﺣﺘﻰ
ﻳﺼري ﺑﺪرﺟﺘﻨﺎ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﻨﺎ ﰲ اﺑﺘﺪاء أﻣﺮﻧﺎ ﻓﻘﺮاء ،وﻛﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ راﺗﺒﻪ ﻣﺎﺋﺔ
وﺧﻤﺴني درﻫﻤً ﺎ ،ﻓﺎﺟﺘﻬﺪﻧﺎ إﱃ أن اﺳﺘﺤﺼﻠﻨﺎ ﻋﲆ أرﻓﻊ اﻟﺮﺗﺐ اﻟﻼﺋﻘﺔ ﺑﻤﺜﻠﻨﺎ ،وﻫﺎ ﻫﻮ
ﻣﺠﺘﻬﺪ ً
أﻳﻀﺎ.
أﻳﻀﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ أﺻﻠﻨﺎ؛ ﻷن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻻ وأﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺠﻬﻮل اﻷﺻﻞ ،ﻓﻨﺤﻦ ً
ﻳﻌﻠﻢ أﺻﻞ ﻧﻔﺴﻪ وﻻ ﻣﻦ ﻫﻢ أﻫﻠﻪ؛ ﻓﻤَ ﻦ ﻫﻮ ﺟﺮﻛﴘ ،وﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺮﱄ ،وﻣﻦ ﻫﻮ ﻛﺮﻳﺪﱄ ،وﻗﺪ
434
ﺣﺮف اﻟﺸني
أﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻼدﻧﺎ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎذا ﻳﺌﻮل أﻣﺮﻧﺎ إﻟﻴﻪ ،وﻫﺎ ﻧﺤﻦ — واﻟﺤﻤﺪ هلل — ﻗﺪ ﴏﻧﺎ ﻣﻦ
ﺧﻮاص رﺟﺎل اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﴫﻳﺔ .وﻟﻢ ﻳﺰل ﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﻧﻌﻢ ﻟﻪ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﺑﻌﺪ اﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﺟﻤﻠﺔ
ﺳﻨني ،وﻋﻘﺪ ﻟﻠﻐﻼم ﻋﲆ ﴍﻓﻴﺔ ،وﴍﻋﻮا ﰲ أﻣﺮ اﻟﺠﻬﺎز وﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻠﻔﺮح وﻛﺄن ﴍﻓﻴﺔ ﰲ
ذاك اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ أُﺣ ِﻴ َﻲ ُ
ﻣﻴﺖ آﻣﺎﻟﻬﺎ ،وأدﻫﺸﻬﺎ اﻟﻔﺮح اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟﻜﻮن.
وﻟﻜﻨﻬﺎ — وا أﺳﻔﺎه — ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ ﺑﺈﺗﻤﺎم ﺗﻠﻚ اﻷﻓﺮاح ﺣﺘﻰ ﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺑﺠﻴﻮﺷﻪ اﻟﺠﺒﺎرة ،وﺻﺪﻣﻬﺎ ﺻﺪﻣﺔ ﺗﺰول ﻣﻦ ﻫﻮﻟﻬﺎ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺮاﺳﻴﺎت ،وﻳﺬوب ﻟﻬﺎ اﻟﺤﺠﺮ
اﻟﺠﻠﻤﻮد.
وذﻟﻚ أﻧﻪ ملﺎ ﺑﻘﻲ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻔﺮح أﺳﺒﻮع واﺣﺪ ﺣُ ﱠﻢ اﻟﻐﻼمُ ،ووﻗﻊ رﻫني اﻟﻔﺮاش ،وﻟﻢ
ﻒ ﻏﺼﻦ ﺷﺒﺎﺑﻪ اﻟﻨﴬ ،واﻧﺰوى وﻗ ِﺼ َﺗﻮﻓﺎه ﷲُ ،
ﻳﻤﻜﺚ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻮى أﻳﺎم ﻗﻼﺋﻞ ﺣﺘﻰ ﱠ
ﺟﻤﺎﻟﻪ ﺗﺤﺖ أﻃﺒﺎق اﻟﺜﺮى .ﺳﺒﺤﺎن اﻟﺤﻲ اﻟﺒﺎﻗﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻮت.
ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ اﻟﺮاﺋﻲ إﱃ ﺣﺎل ﴍﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺠﺰ اﻟﻘﻠﻢ ﻋﻦ وﺻﻒ ﺣﺎﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﺻﺎرت إﻟﻴﻪ
ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﻜﺪر ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ دﺧﻠﺖ إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﱠ ﺘﻬﺎ ﺑﻴﺖ اﻷﺣﺰان ،وأﺳﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ
اﻟﺴﺘﻮر ،وﺻﺎرت ﺗﻨﺪب ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ وﺗﺒﻜﻴﻪ إﱃ اﻵن ،وﺗﻮﰲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺧﺎﻟﻬﺎ راﺋﻒ ﺑﺎﺷﺎ ،وﻟﻢ
ﺗﺰل إﱃ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﺗﺤﺖ أﻃﺒﺎق اﻟﺤﺰن ﺗﻄﻠﺐ املﻮت؛ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﺑﺤﺒﻴﺒﻬﺎ ﰲ
اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ .وﻟﻬﺎ ﻣﺴﺠﻮﻧﺔ ﰲ ﺑﻴﺖ ﺣﺰﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﺜﻼﺛني
ﺳﻨﺔ ،وﻗ ﱠﻞ ﻣَ ﻦ ﻳﺼﱪ ﻋﲆ ﻫﺬا املﺼﺎب!
435
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأﻇﺮﻓﻬﻦ — ﻓﻔﻮض إﻟﻴﻬﺎ أﻣﺮه ،وﻫﺠﺮ ﻧﺴﺎءه وﺟﻮارﻳﻪ ،وﻋﺎﻫﺪﻫﺎ أن ﻻ ﺗُﻤ ﱢﻜﻦ ﻣﻨﻬﺎ
أﺣﺪًا ﺑﻌﺪه ،وﺑﻨﻰ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﴫ املﻌﺮوف ﺑﻘﴫ ﺷريﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﺮاق .ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺘﻞ »ﺷريوﻳﻪ« أﺑﺎه
»أﺑﺮوﻳﺰ« راودﻫﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺎﻣﺘﻨﻌﺖ ،ﻓﻀﻴﻖ ﻋﻠﻬﺎ واﺳﺘﺄﺻﻠﻬﺎ ورﻣﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺰﻧﺎ وﺗﻬﺪدﻫﺎ
ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ إن ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻓﻌﻞ ﻋﲆ ﺛﻼث ﴍاﺋﻂ ،ﻗﺎل :ﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺗﺴﻠﻢ إﱄ ﱠ ﻗﺘﻠﺔ
زوﺟﻲ ﺣﺘﻰ أﻗﺘﻠﻬﻢ ،وﺗﺼﻌﺪ املﻨﱪ وﺗُﱪﱢﺋﻨﻲ ﻣﻤﺎ ﻗﺬﻓﺘﻨﻲ ﺑﻪ ،وﺗﻔﺘﺢ ﱄ ﺗﺎوس أﺑﻴﻚ؛ ﻓﺈن
ﻟﻪ ﻋﻨﺪي ودﻳﻌﺔ ﻋﺎﻫﺪﻧﻲ إن ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻌﺪه رددﺗﻬﺎ إﻟﻴﻪ.
ﻓﺪﻓﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﺘﻠﺔ أﺑﻴﻪ ﻓﻘﺘﻠﺘﻬﻢ ،وﺑ ﱠﺮأﻫﺎ ،ﻗﻴﻞ :وﻓﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﺗﺎوس أﺑﻴﻪ وﺑﻌﺚ اﻟﺨﺎدم
ﻓﺼﺎ ﻣﺴﻤﻮﻣً ﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ، وﻣﺼﺖ ٍّ
ﱠ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﺠﺎءت إﱃ »أﺑﺮوﻳﺰ« ﻓﻌﺎﻧﻘﺘﻪ
وأﺑﻄﺄت ﻋﲆ اﻟﺨﺪم ﻓﺼﺎﺣﻮا ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻠﻤﻬﻢ ،ﻓﺪﺧﻠﻮا ﻓﻮﺟﺪوﻫﺎ ﻣﻌﺎﻧﻘﺔ ﻟ »أﺑﺮوﻳﺰ« ﻣﻴﺘﺔ!
ﻓﻬﺬه ﻣﻤﻦ ﻳﻔﺘﺨﺮ ﻟﻬﻦ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء.
436
ﺣﺮف اﻟﺼﺎد
ﺗﺮى ،وﻻ آﻣﻨﻪ أن ﻳَﺪ ﱠل ﻋﲆ ﻋﻮراﺗﻨﺎ ﻣَ ﻦ وراءﻧﺎ ِﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد؛ ﻓﺎﻧﺰل إﻟﻴﻪ ﻓﺎﻗﺘﻠﻪ« ﻓﻘﺎل» :ﻳﻐﻔﺮ
ﷲ ﻟﻚ ﻳﺎ اﺑﻨﺔ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ،وﷲ ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﺼﺎﺣﺐ ﻫﺬا« ﻗﺎﻟﺖ ﺻﻔﻴﺔ» :ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎل
ذﻟﻚ وﻟﻢ أ َر ﻋﻨﺪه ﺷﻴﺌًﺎ اﺣﺘﺠﺰت وأﺧﺬت ﻋﻤﻮدًا ،وﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻦ إﻟﻴﻪ ﻓﴬﺑﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻮد
ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﺘﻪ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ اﻟﺤﺼﻦ ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ ﺣﺴﺎن ،اﻧﺰل ﻓﺎﺳﻠﺒﻪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ
ﺳﻠﺒﻪ إﻻ أﻧﻪ رﺟﻞ «.ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﱄ ﺑﺴﻠﺒﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﻳﺎ اﺑﻨﺔ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ «.وﻫﻲ أول اﻣﺮأة ﻗﺘﻠﺖ
رﺟﻼ ﻣﻦ املﴩﻛني. ً
وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ﻓﺼﻴﺤﺔ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﻘﻮل واﻟﻔﻌﻞ واﻟﴩف ،واﻟﺤﺴﺐ
واﻟﻨﺴﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣني ﻣﺎت أﺑﻮﻫﺎ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺟﻤﻌﺖ أﺧﻮاﺗﻬﺎ وﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ وﴏن
ﻳﺮﺛﻴﻨﻪ ﺑﻘﺼﺎﺋﺪَ؛ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻦ ﺑﻘﺪر ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﺻﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺗﺮﺛﻴﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
ﻋ ﻠ ﻰ رﺟ ﻞ ﺑ ﻘ ﺎرﻋ ﺔ اﻟ ﺼ ﻌ ﻴ ﺪ أرﻗ ﺖ ﻟ ﺼ ﻮت ﻧ ﺎﺋ ﺤ ﺔ ﺑ ﻠ ﻴ ﻞ
ﻋ ﻠ ﻰ ﺧ ﺪي ﻛ ﻤ ﻨ ﺤ ﺪر اﻟ ﻔ ﺮﻳ ﺪ ﻓ ﻔ ﺎﺿ ﺖ ﻋ ﻨ ﺪ ذﻟ ﻜ ﻢ دﻣ ﻮﻋ ﻲ
ﻟﻪ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻤﺒﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻋ ﻠ ﻰ رﺟ ﻞ ﻛ ﺮﻳ ﻢ ﻏ ﻴ ﺮ وﻏ ﻞ
أﺑ ﻴ ﻚ اﻟ ﺨ ﻴ ﺮ وارث ﻛ ﻞ ﺟ ﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺎض ﺷﻴﺒﺔ ذي اﻟﻤﻌﺎﻟﻲ
وﻻ ﺷ ﺤ ﺐ اﻟ ﻤ ﻘ ﺎم وﻻ ﺳ ﻨ ﻴ ﺪ ﺻﺪوق ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻜﺲ
ﻣ ﻄ ﺎع ﻓ ﻲ ﻋ ﺸ ﻴ ﺮﺗ ﻪ ﺣ ﻤ ﻴ ﺪ ﻃ ﻮﻳ ﻞ اﻟ ﺒ ﺎع أروع ﺷ ﻴ ﻈ ﻤ ﻲ
وﻏﻴﺚ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺠﺮود رﻓ ﻴ ﻊ اﻟ ﺒ ﻴ ﺖ أﺑ ﻠ ﺞ ذي ﻓ ﻀ ﻮل
ﻳ ﺮوق ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻤ ﺴ ﻮد واﻟ ﺤ ﺴ ﻮد ﻛ ﺮﻳ ﻢ اﻟ ﺠ ﺪ ﻟ ﻴ ﺲ ﺑ ﺬي وﺿ ﻮم
ﺧ ﻀ ﺎرﻣ ﺔ ﻣ ﻼوﺛ ﺔ أﺳ ﻮد ﻋ ﻈ ﻴ ﻢ اﻟ ﺤ ﻠ ﻢ ﻣ ﻦ ﻧ ﻔ ﺮ ﻛ ﺮام
وﻟ ﻜ ﻦ ﻻ ﺳ ﺒ ﻴ ﻞ إﻟ ﻰ اﻟ ﺨ ﻠ ﻮد ﻓ ﻠ ﻮ ﺧ ﻠ ﺪ اﻣ ﺮؤ ﻟ ﻘ ﺪﻳ ﻢ ﻣ ﺠ ﺪ
ﻟ ﻔ ﻀ ﻞ اﻟﻤ ﺠ ﺪ واﻟ ﺤ ﺴ ﺐ اﻟﺘ ﻠﻴ ﺪ ﻟ ﻜ ﺎن ﻣ ﺨ ﻠ ﺪًا أﺧ ﺮى اﻟ ﻠ ﻴ ﺎﻟ ﻲ
438
ﺣﺮف اﻟﺼﺎد
وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﺤﻤﺎس:
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﺘﺤﻤﺴﺎت اﻟﻼﺋﻲ إذا ﻗﻠﻦ ﺗﻘﻮم اﻟﻌﺮب ملﻘﺎﻟﻬﻦ ،وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر؛ ﻣﻨﻬﺎ :ﻣﺎ
ﻗﺎﻟﺘﻪ رﺛﺎءً ﰲ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ ﺟﺴﺎس ﺑﻦ ﻣﺮة ،وﻛﺎن ﺳﻴﺪ ﻗﻮﻣﻪ ﻓﻘﺘﻞ ﻳﻮم اﻟﻜﻼب ،وﻗﺘﻠﻮا ﺑﻪ
ﻋﺒﺪ ﻳﻐﻮث؛ وﻫﻮ:
أﺑﻮﻫﺎ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف .ﻛﺎﻧﺖ أدﻳﺒﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ،
ذات ﺟﻤﺎل وﻛﻤﺎل وﻓﺼﺎﺣﺔ ،ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﺎل ،وﻟﻬﺎ ﺣﺴﺐ ﻳﻨﺘﻬﻲ إﱃ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف ،وﺷﻌﺮ
راﺋﻖ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﲆ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺒﻼﻏﺔ .ﻗﺪ ﺣﴬت ﻳﻮم ﺑﺪر و َرﺛ َ ْﺖ أﻫﻞ اﻟﻘﻠﻴﺐ اﻟﺬﻳﻦ أﺻﻴﺒﻮا ﺑﻪ
ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ:
ﺣ ﺪ اﻟ ﻨ ﻬ ﺎر وﻗ ﺮن اﻟ ﺸ ﻤ ﺲ ﻟ ﻢ ﻳ ﻌ ﺪ ﻳ ﺎ ﻣَ ﻦ ﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﻗ ﺬاﻫ ﺎ ﻋ ﺎﺋ ﺮ اﻟ ﺮﻣ ﺪ
ﻗ ﺪ أﺣ ﺮزﺗ ﻬ ﻢ ﻣ ﻨ ﺎﻳ ﺎﻫ ﻢ إﻟ ﻰ أﻣ ﺪ أﺧ ﺒ ﺮت أن ﺳ ﺮاة اﻷﻛ ﺮﻣ ﻴ ﻦ ﻣ ﻌً ﺎ
ﺗ ﻌ ﻄ ﻒ ﻏ ﺪاة إذن أم ﻋ ﻠ ﻰ وﻟ ﺪ وﻗ ﱠﺮ ﺑ ﺎﻟ ﻘ ﻮم أﺻ ﺤ ﺎب اﻟ ﺮﻛ ﺎب وﻟ ﻢ
وإن ﺑ ﻜ ﻴ ﺖ ﻓ ﻤ ﺎ ﺗ ﺒ ﻜ ﻴ ﻦ ﻣ ﻦ ﺑ ﻌ ﺪ ﻗ ﻮﻣ ﻲ ﺻ ﻔ ﻲ وﻻ ﺗ ﻨ ﺴ ﻲ ﻗ ﺮاﺑ ﺘ ﻬ ﻢ
ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﺴﻤﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﻴﺮ ذي ﻋﻤﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﺳﻘﻮف ﺳﻤﺎء اﻟﺒﻴﺖ ﻓﺎﻧﻘﺼﻔﺖ
439
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
440
ﺣﺮف اﻟﺼﺎد
روى أﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ أن رﺳﻮل ﷲ ﷺ ملﺎ اﻓﺘﺘﺢ ﺧﻴﱪ وﺟﻤﻊ اﻟﺴﺒﻲ أﺗﺎه دﺣﻴﺔ ﺑﻦ
ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻓﻘﺎل :أﻋﻄﻨﻲ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﻲ ،ﻓﻘﺎل» :اذﻫﺐ ﻓﺨﺬ ﺟﺎرﻳﺔ «.ﻓﺬﻫﺐ ﻓﺄﺧﺬ ﺻﻔﻴﺔ،
ﻗﻴﻞ :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،إﻧﻬﺎ ﺳﻴﺪة ﻗﺮﻳﻈﺔ واﻟﻨﻀري ،ﻣﺎ ﺗﺼﻠﺢ إﻻ ﻟﻚ! ﻓﻘﺎل ﻟﻪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ:
»ﺧﺬ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﻲ ﻏريﻫﺎ «.وأﺧﺬﻫﺎ رﺳﻮل ﷲ ﷺ واﺻﻄﻔﺎﻫﺎ وﺣﺠﺒﻬﺎ ،وأﻋﺘﻘﻬﺎ
وﺗﺰوﺟﻬﺎ ،وﻗﺴﻢ ﻟﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﻗﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﻼء اﻟﻨﺴﺎء.
وﻋﻦ إﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﻳﺴﺎر أﻧﻪ ﻗﺎل :ملﺎ اﻓﺘﺘﺢ رﺳﻮل ﷲ ﷺ اﻟﻘﻤﻮص ،ﺣﺼﻦ اﺑﻦ أﺑﻲ
اﻟﺤﻘﻴﻖ ،أُﺗِﻲ ﺑﺼﻔﻴﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻴﻲ وﻣﻌﻬﺎ اﺑﻨﺔ ﻋ ﱟﻢ ﻟﻬﺎ ،ﺟﺎء ﺑﻬﻤﺎ ﺑﻼل ،ﻓﻤ ﱠﺮ ﺑﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﻗﺘﲆ ﻣﻦ
ﻗﺘﲆ ﻳﻬﻮد ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻣﻊ ﺻﻔﻴﺔ ﺻ ﱠﻜﺖ وﺟﻬﻬﺎ وﺻﺎﺣﺖ وﺣَ ﺜ َ ْﺖ اﻟﱰاب ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ،
ﻄﻰﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :اﻋﺰﺑﻮا ﻫﺬه اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﺔ ﻋﻨﻲ «.وأﻣﺮ ﺑﺼﻔﻴﺔ ﻓﺤﻴﺰت ﺧﻠﻔﻪ ،وﻏ ﱠ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻮﺑﻪ ،ﻓﻌﺮف اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﻗﺪ اﺻﻄﻔﺎﻫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻟﺒﻼل ﺣني رأى
ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ﻣﺎ رأى» :ﻳﺎ ﺑﻼل ،أﻧﺰﻋﺖ ﻣﻨﻚ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺮ ﺑﺎﻣﺮأﺗني ﻋﲆ ﻗﺘﻼﻫﻤﺎ؟!«
وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻔﻴﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ رأت أن ﻗﻤ ًﺮا وﻗﻊ ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ،ﻓﺬﻛﺮﺗﻪ ﻷﺑﻴﻬﺎ ،ﻓﴬب وﺟﻬﻬﺎ
ﴐﺑﺔ أﺛﱠﺮت ﻓﻴﻪ وﻗﺎل :إﻧﱠﻚ ﻟﺘﻤﺪﻳﻦ ﻋﻨﻘﻚ إﱃ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻚ اﻟﻌﺮب! ﻓﻠﻢ ﻳﺰل اﻷﺛﺮ
ﰲ وﺟﻬﻬﺎ ﺣﺘﻰ أُﺗِﻲ ﺑﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ اﻟﺨﱪ.
وﻋﻦ أﻧﺲ :أن رﺳﻮل ﷲ ﷺ أﻋﺘﻖ ﺻﻔﻴﺔ وﺟﻌﻞ ﻋﺘﻘﻬﺎ ﺻﺪاﻗﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ ﺻﻔﻴﺔ ﺑﻨﺖ
ﺣﻴﻲ :دﺧﻞ ﻋﲇ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺣﻔﺼﺔ وﻋﺎﺋﺸﺔ ﻛﻼم ،ﻓﺬﻛﺮت ذﻟﻚ ﻟﺮﺳﻮل
ﻗﻠﺖ :وﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮﻧﺎن ﺧريًا ﻣﻨﻲ وزوﺟﻲ ﻣﺤﻤﺪ ،وأﺑﻲ ﻫﺎرون ،وﻋﻤﻲ ﷲ ﷺ ﻓﻘﺎل» :أﻻ ِ
ﻣﻮﯨﴗ؟!« وﻛﺎن ﺑﻠﻐﻬﺎ أﻧﻬﻤﺎ ﻗﺎﻟﺘﺎ :ﻧﺤﻦ أﻛﺮم ﻋﲆ رﺳﻮل ﷲ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻧﺤﻦ أزواج رﺳﻮل
ﷲ ،وﺑﻨﺎت ﻋﻤﻪ.
وﻋﻦ ﺻﻔﻴﺔ أن اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺣﺞ ﺑﻨﺴﺎﺋﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺮك ﺑﺼﻔﻴﺔ
ﺧﱪ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻤﺴﺢ دﻣﻮﻋﻬﺎ ﺑﻴﺪه ،وﺟﻌﻠﺖ ﻓﺒﻜﺖ وﺟﺎء رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺣني أ ُ ِْ ﺟﻤﻠﻬﺎ،
ﺗﺰداد ﺑﻜﺎءً وﻫﻮ ﻳﻨﻬﺎﻫﺎ ،ﻓﻨﺰل رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺑﺎﻟﻨﺎس ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﺮواح ﻗﺎل ﻟﺰﻳﻨﺐ
ﺟﻤﻼ «.وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻛﺜﺮﻫﻦ ﻇﻬ ًﺮا ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ أﻓﻘﺮ ً ﺑﻨﺖ ﺟﺤﺶ» :ﻳﺎ زﻳﻨﺐ ،أﻓﻘﺮي أﺧﺘﻚ
ﻳﻬﻮدﻳﺘﻚ؟! ﻓﻐﻀﺐ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺣني ﺳﻤﻊ ذﻟﻚ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳُﻜ ﱢﻠﻤﻬﺎ أﻳﺎم ِﻣﻨًﻰ ﺣﺘﻰ ﻗﺪم ﻣﻜﺔ،
ْ
وﻳﺌﺴﺖ ﻣﻨﻪ، َﻘﺴﻢ ﻟﻬﺎ،وﰲ ﺳﻔﺮه ﺣﺘﻰ رﺟﻊ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ وﻣﺤﺮم وﺻﻔﺮ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺄﺗﻬﺎ وﻟﻢ ﻳ ِ
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺷﻬﺮ رﺑﻴﻊ اﻷول دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ﻇ ﱠﻠﻪ ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﺬا ﻇﻞ رﺟﻞ ،وﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﲇ
إﻻ رﺳﻮل ﷲ ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،ﻣﺎ أﺻﻨﻊ؟ ﻗﺎل :وﻛﺎﻧﺖ
441
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﺗَ ْﺨﺒَ ُﺆﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﻼﻧﺔ ﻟﻚ ،ﻗﺎل :ﻓﻤﴙ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ إﱃ ﴎﻳﺮﻫﺎ —
وﻛﺎن ﻗﺪ ُرﻓِﻊ — ﻓﻮﺿﻌﻪ ﺑﻴﺪه ،ورﴈ ﻋﻦ أﻫﻠﻪ.
ً
ﻣﻌﺘﻜﻔﺎ وروى ﻋﻨﻬﺎ ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني ﻗﺎﻟﺖ :ﺟﺌﺖ إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ أﺗﺤﺪث ﻋﻨﺪه وﻛﺎن
ﰲ املﺴﺠﺪ ،ﻓﻘﺎم ﻣﻌﻲ ﻳُﺒﻠﻐﻨﻲ ﺑﻴﺘﻲ ،ﻓﻠﻘﻴﻪ رﺟﻼن ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻠﻤﺎ رأﻳﺎ رﺳﻮل
ﷲ ﷺ رﺟﻌﺎ ،ﻓﻘﺎل» :ﺗﻌﺎﻟﻴﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺻﻔﻴﺔ «.ﻓﻘﺎﻻ :ﻧﻌﻮذ ﺑﺎهلل ،ﺳﺒﺤﺎن ﷲ ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ!
ﻓﻘﺎل» :إن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻟﻴﺠﺮي ﻣﻦ اﺑﻦ آدم ﻣﺠﺮى اﻟﺪم «.وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ﺳﺖ وﺛﻼﺛني ،وﻗﻴﻞ:
ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺴني .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
442
ﺣﺮف اﻟﺼﺎد
اﻷﻣﺎﺟﺪ داود أﻏﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺪاﺋﻢ ،املﺘﻮﱄ ﻋﲆ وﻗﻒ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﴩﻳﻒ ﺑﺠﻬﺔ اﻟﺤﺒﺎﻧﻴﺔ ،اﻟﺬي
ﺑﻨﺎه املﺮﺣﻮم ﻋﺜﻤﺎن أﻏﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ،ﻓﻘﺎل ذﻟﻚ اﻟﻮﻛﻴﻞ ﰲ اﻟﺪﻋﻮى :إن ﻋﺜﻤﺎن املﺬﻛﻮر
ﻫﻮ ﻋﺒﺪ وﻣﻤﻠﻮك ﻣﻮﻛﻠﺘﻲ املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ،وإﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺄذوﻧًﺎ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﺠﺎﻣﻊ وﻻ ﺑﺈﻳﻘﺎف ﺑﻠﺪه
املﻠﻚ ﻟﻪ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺰاوﻳﺔ ﺗﻤﻴﻢ ﻣﻦ وﻻﻳﺔ ﻣﻨﻮف املﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﲆ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻓﺪان ،وﻻ ﺑﺈﻳﻘﺎف
املﻨﺰل املﻤﻠﻮك ﻟﻪ ﺑﻄﺮﻳﻖ »ﺑﻮﻻق« ﻗﺮب ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺪوادار املﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ أرﺑﻌﺔ ﻣﺨﺎزن وﺑﻴﺖ
وﻗﻬﻮة ،واﺛﻨني وﺛﻼﺛني دﻛﺎﻧًﺎ ،وﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﺧﺰاﻧﺔ ،وﺧﻤﺲ ﻃﻮاﺣني ،وإﺻﻄﺒﻞ ،وﺧﻤﺲ
آﺑﺎر ﻋﺬﺑﺔ املﺎء ،وﻣﺪﺑﻎ ﺑﻘﺮ ،وﻣﺪﺑﻎ ﻏﻨﻢ ،وﻣﺴﻠﺦ ﺑﻘﺮ؛ ﻓﺬﻟﻚ اﻹﻳﻘﺎف ﻏري ﺻﺤﻴﺢ ،وأرﻳﺪ
ﺿﺒﻄﻪ ملﻮﻛﻠﺘﻲ املﻠﻜﺔ املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ وﺳﺎﺋﺮ أﻣﻮاﻟﻪ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻣﻤﻠﻮﻛﻬﺎ.
وأﺑﺮز ﻓﺘﻮى ﻣﻦ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼم ﺑﺄن اﻹﻳﻘﺎف املﺬﻛﻮر ﻏري ﴍﻋﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﻮرﺗﻬﺎ:
ﺗﻤ ﱠﻠﻚ ﻋﻤﺮو ﻋﺒﺪ ﻫﻨﺪ أﻣﻼ ًﻛﺎ ،وﺑﻨﻰ ﺟﺎﻣﻌً ﺎ ،ووﻗﻒ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻮﰲ ﻗﺒﻞ ﻋﺘﻘﻪ؛ ﻓﻬﻞ ﻟﻬﻨﺪ
أن ﻻ ﺗﻘﺒﻞ وﻗﻒ ﻋﺒﺪﻫﺎ ﻋﻤﺮو ،وأن ﺗﺘﻤﻠﻚ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎﺗﻪ ،ﻓﺄﺟﻴﺐ ﺑﺄن وﻗﻒ ﻋﻤﺮو ﻏري
ﺻﺤﻴﺢ ،وأن ﻟﺴﻴﺪﺗﻪ ﺿﺒﻂ ﺟﻤﻴﻊ أﻣﻼﻛﻪ ﻛﺴﺎﺋﺮ أﻣﻮاﻟﻪ.
ﺛﻢ ﺳﺌﻞ ﺣﴬة داود أﻏﺎ املﺘﻮﱄ املﺬﻛﻮر ،ﻓﺄﺟﺎب ﺑﺄن املﺮﺣﻮم ﻋﺜﻤﺎن أﻏﺎ ﻣﻌﺘﻮق ﻗﺒﻞ
وﻓﺎﺗﻪ ،وأﻧﻪ ﺑﻨﻰ اﻟﺠﺎﻣﻊ ووﻗﻒ اﻟﺒﻠﺪ وﻏريﻫﺎ ﺑﺈذن ﻣﻌﺘﻘﺘﻪ اﻟﺴﺖ ﺻﻔﻴﺔ وﺣﺴﻦ رﺿﺎﻫﺎ،
املﺘﻮﰱ ،وأﻧﻜﺮ إذﻧﻬﺎ ﻟﻪ ﰲ ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ووﻗﻒ ﺗﻠﻚﱠ ﻓﺄﻧﻜﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻮﻛﻴﻞ املﺬﻛﻮر َ
ﻋﺘﻖ
ﻄﻠﺒﺖ اﻟﺒﻴﻨﺔ ﻣﻦ داود أﻏﺎ ،ﻓﻌﺠﺰ ﻋﻦ إﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ،وﻃﻠﺐ ﺗﺤﻠﻴﻔﻬﺎ اﻟﻴﻤني اﻟﴩﻋﻲ، اﻷوﻗﺎف ،ﻓ ُ
ﻓﺄرﺳﻞ اﻟﻘﺎﴈ ﻋﺪﻟني إﱃ ﺣﴬة املﻠﻜﺔ ﻟﺘﺤﻠﻴﻔﻬﺎ.
ﺛﻢ رﺟﻊ املﻨﺪوﺑﺎن وأﺧﱪا اﻟﻘﺎﴈ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺣﻠﻔﺖ اﻟﻴﻤني اﻟﴩﻋﻴﺔ ﺑﺤﻀﻮر املﺘﻮﱄ ﻋﲆ
ﻃﺒﻖ دﻋﻮاﻫﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺤﻜﻢ اﻟﻘﺎﴈ ﺑﺄن اﻟﺠﺎﻣﻊ واﻟﻘﺮﻳﺔ وﺟﻤﻴﻊ اﻷﺻﻘﺎع ﻫﻲ ﻣﻠﻚ ﻟﻬﺎ،
ووﻗﻔﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ ،وﻧﺒﱠﻪ ﻋﲆ داود أﻏﺎ ﺑﺮﻓﻊ ﻳﺪه .وﺗﺤﺮر ﰲ أواﺧﺮ ﺷﻮال ﺳﻨﺔ ١١٠١ﻫﺠﺮﻳﺔ.
اﻟﻘﺮى واﻟﻀﻴﺎع واﻷﺻﻘﺎع واملﺰارع واﻟﺮﺑﺎع وﺑﻌﺪ أن دﺧﻠﺖ ﻫﺬه املﻮﻗﻮﻓﺎت ﻣﻦ ُ
وﻗﻔﺎ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﴍﻋﻴٍّﺎ ﻣﺆﺑﺪًا ﻣﺨﻠﺪًا ﺑﺤﺪودﻫﺎ، ﰲ ﻣﻠﻚ املﻠﻜﺔ وﺗﴫﻓﺎﺗﻬﺎ ،ﺟﺪدت وﻗﻔﻬﺎ ً
وﺟﻌﻠﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻷوﻗﺎف ﻟﻔﺨﺮ اﻟﺨﻮاص ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق أﻏﺎ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻨﺎن ،اﻷﻣري ﺑﺪار
اﻟﺴﻌﺎدة ،وأﻃﻠﻘﺖ ﻟﻪ اﻟﺘﴫف ﰲ املﻮﻇﻔني ﺑﺎﻟﻌﺰل واﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻟﻪ ﻋﴩﻳﻦ ﻗﻄﻌﺔ،
وﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻻ ﻳﺨﺮج اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ أﻏﻮات دار اﻟﺴﻌﺎدة ،واﺷﱰﻃﺖ أن اﻟﻨﺎﻇﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ
ً
ﻋﻔﻴﻔﺎ ،ﻣﺎﻫ ًﺮا ﰲ رﺟﻼ أﻣﻴﻨًﺎ دﻳﻨًﺎ
ً ﺗﻘﺮﻳﺮات املﻮﻇﻔني ،وأن ﻳﺮﺗﺐ ﻟﻀﺒﻂ اﻟﺮﻳﻊ وﴏﻓﻪ
اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺤﺴﺎب ،ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻋﴩون ﻗﻄﻌﺔ ،وﻟﻜﺎﺗﺐ أﻣني ﻃﺎﻫﺮ ﻳﻘﻴﺪ ﻛﻞ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪﻓﱰ ﻛﻞ
وﻟﺠﺎب ﻣﺘﺼﻒ ﺑﺘﻠﻚ وﻟﻪ اﻗﺘﺪار ﻋﲆ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ،وﻻ ﻳﱰك ﺑﺬﻣﺔ أﺣﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ٍ ﻳﻮم ﺧﻤﺲ ﻗﻄﻊ،
443
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻦ ﺣﻘﻮق اﻟﻮﻗﻒ ،وﻻ ﻳﺤﺘﺎل ﺑﺤﻴﻠﺔ ﰲ أﺧﺬ ﺣﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﻮق اﻟﻮﻗﻒ ،ﻛﻞ ﻳﻮم ﺧﻤﺲ ﻗﻄﻊ،
وﻟﻮاﻋﻆ ﺻﺎﻟﺢ ﻋﺎﻟﻢ ورع ،ﻓﻘﻴﻪ ﺑﻤﺬﻫﺐ اﻟﻨﻌﻤﺎن ،ﻋﺎرف ﺑﺄﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن ،ﻳﻌﻆ اﻟﻨﺎس ﰲ
اﻟﺠُ ﻤﻊ واملﻮاﺳﻢ ،وﻳﺨﺘﻢ اﻟﻮﻋﻆ ﺑﺎﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻷرواح اﻷﻧﺒﻴﺎء واملﺮﺳﻠني واﻷوﻟﻴﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤني،
وﻷرواح اﻟﺴﻼﻃني املﺎﺿني ،ﻣﻊ اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﺑﺪوام دوﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻟﺤﴬة اﻟﻮاﻗﻔﺔ
اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎزدﻳﺎد اﻟﻌﻤﺮ ،ووﻓﻮر اﻟﺸﻮﻛﺔ ،وﻟﺴﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني ﺑﺤﺼﻮل املﺮام ،ﻛﻞ ﻳﻮم ﺧﻤﺲ
ﻗﻄﻊ.
واﺷﱰﻃﺖ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺨﻄﻴﺐ ﻋﺎ ًملﺎ ﻣُﺠ ﱢﻮدًا زاﻫﺪًا ،ﻛﺮﻳﻢ اﻷﺧﻼق ،ﺣﺴﻦ اﻟﻔﻌﺎل،
ﻳﺨﻄﺐ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ ﻣﻨﻮال اﻟﴩع اﻟﴩﻳﻒ ﰲ اﻟﺠﻤﻊ واﻷﻋﻴﺎد ﺧﻄﺒﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻷﻳﺎم واﻟﻔﺼﻮل،
وﺗﻮاﻓﻖ اﻟﻄﺒﺎع ،وﻟﻴﺲ ﻟﻪ أن ﻳُﻨﻴﺐ ﻋﻨﻪ أﺣﺪًا ﺑﺪون ﻋﺬر ﴍﻋﻲ ،وﻟﻪ ﺧﻤﺲ ﻗﻄﻊ،
وأن ﻳُﺮﺗﱠﺐ إﻣﺎﻣﺎن ﻋﺎملﺎن ،ﻋﺎﻣﻼن ﺑﻌﻠﻤﻬﻤﺎ ،ﻟﻬﻤﺎ وﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﺘﺠﻮﻳﺪ ورﺳﻮم اﻟﻘﺮاءات
واﻟﺮواﻳﺎت ،وﻗﺪرة ﻋﲆ آداب اﻹﻣﺎﻣﺔ ،ﻳﺘﻨﺎوﺑﺎن اﻹﻣﺎﻣﺔ ﰲ أوﻗﺎت اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ﻋﲆ
ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،وﻻ ﻳُﻨﻴﺒﺎن أﺣﺪًا ﺑﺪون ﻋﺬر ﴍﻋﻲ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺧﻤﺲ ﻗﻄﻊ ،وأن
ﻳُﺮﺗﱠﺐ أرﺑﻌﺔ ﻣﺆذﻧني ﻋﺎرﻓني ﺑﻌﻠﻢ املﻴﻘﺎت ،أﺻﺤﺎب ﻋﻔﺔ ودﻳﺎﻧﺔ ،وأﺻﻮات ﺣﺴﻨﺔ ،وأﺧﻼق
ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ ،ﻳﺘﻨﺎوﺑﻮن اﻷذان ﻋﲆ املﻨﺎرة اﺛﻨني اﺛﻨني ،وﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﰲ أذان ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ،
وﻳﻘﺮءون اﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺑﺎﻟﺘﻬﻠﻴﻞ واﻟﺘﻜﺒري ،وﰲ اﻟﺜﻠﺚ اﻷﺧري ﻣﻦ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ
ﻗﺮب اﻟﺼﺒﺢ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻋﲆ املﻨﺎرة وﻳﺮﻓﻌﻮن أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺴﺒﻴﺢ واﻟﺘﺤﻤﻴﺪ واﻟﺪﻋﺎء ،وﻟﻜﻞ
ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﻴﻮم ﺛﻼث ﻗﻄﻊ ،وأن ﻳﺮﺗﺐ ﻣﻮﻗﺖ ﺻﺎﻟﺢ أﻣني ﻋﺎرف ﺑﺎملﻴﻘﺎت ﻳﺤﴬ ﰲ ﻛﻞ
وﻗﺖ ﻳُﻌْ ﻠِﻢ املﺆذﻧني ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻊ اﻻﺣﱰاس اﻟﺘﺎم ،وﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺘﺎن.
وﻳﺮﺗﺐ ﻋﴩة ﻣﻦ ﺣﻤﻠﺔ اﻟﻘﺮآن ﻳﻘﺮأ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﴩًا ﰲ ﻣﺤﻔﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻗﺒﻞ ﺻﻼة
اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وأﺗﻘﻨﻬﻢ ﻟﻠﻘﺮاءة ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﺪء واﻟﺨﺘﻢ ،وﻟﻪ اﻟﻌﺰل ﻓﻴﻬﻢ واﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺑﺎﻻﻣﺘﺤﺎن ﻋﲆ
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺤﻖ ،وﻟﻪ ﺧﺎﺻﺔ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺘﺎن ،وﻟﻜﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻗﻄﻌﺔ واﺣﺪة ،وﺑﻌﺪ
ﺧﺘﻢ اﻟﻘﺮاءة ﻳﻨﺸﺪ رﺟﻞ ﺣﺴﻦ اﻟﺼﻮت ،ﻋﺎرف ﺑﺎملﻮﺳﻴﻘﻰ ،ﻗﺼﻴﺪة ﻧﺒﻮﻳﺔ ،وﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم
ﻗﻄﻌﺘﺎن.
وﻳﺮﺗﺐ ﻗﺎرئ ﺣﺴﻦ اﻟﺼﻮت ﻳﻘﺮأ ﻋﲆ اﻟﻜﺮﳼ اﻟﺬي ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺳﻮرة »ﻳﺲ« ﺑﻌﺪ
ﺻﻼة اﻟﺼﺒﺢ ،وﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺘﺎن ،وآﺧﺮ ﻳﻘﺮأ ﺳﻮرة »ﻋﻢ« ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻌﴫ ،وآﺧﺮ
ﻳﻘﺮأ ﺳﻮرة »ﺗﺒﺎرك« ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻌﺸﺎء ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﻄﻌﺔ واﺣﺪة ،وﻳﺮﺗﺐ رﺟﻼن ﻟﻐﻠﻖ
ﻟﻴﻼ وﻓﺘﺤﻬﺎ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ،ﻣﻊ املﻼﺣﻈﺔ واﻟﺘﻌﻬﺪ ﻟﻠﺠﺎﻣﻊ ﺑﺎﻟﺘﻨﻈﻴﻒ أﺑﻮاب اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺷﺒﺎﺑﻴﻜﻪ ً
وﻧﺤﻮه ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﻄﻌﺘﺎن.
444
ﺣﺮف اﻟﺼﺎد
وﻳﺮﺗﺐ رﺟﻞ ﻧﻈﻴﻒ ﻧﺰه ﻟﺘﺒﺨري اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﻼ ﺗﺒﺬﻳﺮ وﻻ ﺗﻘﺘري ،وﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺔ
واﺣﺪة ،وﻟﴩاء اﻟﺒﺨﻮر ﻗﻄﻌﺘﺎن ،ورﺟﻞ أﻣني ﻟﺤﻔﻆ املﺼﺎﺣﻒ اﻟﴩﻳﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ،
وﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺔ ،ورﺟﻞ زاﻫﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺮاﻗﺒًﺎ ،وﻟﻪ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺔ واﺣﺪة.
وﻗﺎدان ﺻﺎﻟﺤﺎن ﻳﺤﻔﻈﺎن اﻟﺸﻤﻮع واﻟﻘﻨﺎدﻳﻞ ،وﻳﺘﻌﻬﺪان ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ،ﻟﻺﻳﻘﺎد وﻳﺮﺗﺐ ﱠ
واﻹﻃﻔﺎء ﺑﺎﻷوﻗﺎت املﻌﻠﻮﻣﺔ ،ﻣﻊ اﻻﺣﱰاس اﻟﺘﺎم ﻣﻦ ﺗﻠﻮﻳﺚ اﻟﺤﴫ واﻟﺒﺴﻂ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ
ﻗﻄﻌﺘﺎن.
وﻳﺮﺗﺐ رﺟﻼن ﻗﻮﻳﺎن ﺑﺮﺳﻢ اﻟﻔﺮش واﻟﻜﻨﺲ واﻟﺘﻨﻈﻴﻒ ﰲ داﺧﻞ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،واﺛﻨﺎن
ﺑﺮﺳﻢ ﺗﻨﻈﻴﻒ املﻴﻀﺄة واﻷﺧﻠﻴﺔ ﻣﻊ ﻋﺪم اﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ،وﻟﻜﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻷرﺑﻌﺔ ﻗﻄﻌﺔ واﺣﺪة.
وﻳﺮﺗﺐ رﺟﻼن ﻋﺎرﻓﺎن ﺑﻐﺮس اﻷﺷﺠﺎر واﻟﺮﻳﺎﺣني وإﺻﻼﺣﻬﺎ وﺳﻘﻴﻬﺎ ﺑﺮﺳﻢ ﺧﺪﻣﺔ
اﻟﺒﺴﺘﺎن اﻟﻜﺎﺋﻦ أﻣﺎم اﻟﺠﺎﻣﻊ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم ﻗﻄﻌﺘﺎن.
وﻳﺮﺗﺐ رﺟﻼن ﻗﻮﻳﺎن ﺑﺮﺳﻢ ﺳﻘﻲ اﻷﺷﺠﺎر ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم ﺛﻼث ﻗﻄﻊ ،وﻳﺮﺗﺐ
رﺟﻞ ﻣﺎﻫﺮ ﰲ اﻟﺘﻌﻤري واﻟﱰﻣﻴﻢ ﻳﺘﻮﱃ إﺻﻼح ﻣﺎ ﻳُﺤﺘﺎج إﱃ إﺻﻼﺣﻪ.
وﻧﺼﺖ اﻟﻮاﻗﻔﺔ املﺬﻛﻮرة ﻋﲆ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺷﺨﺺ ﻗﺎرئ ﰲ ﻣﺴﺠﺪ املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة ﻳﺘﻠﻮ ﻛﻞ
ﺻﺒﺎح ﺳﻮرة »ﻳﺲ« وﻳﺪﻋﻮ ﻟﻬﺎ ،وﻋﲆ ﺗﺮﺗﻴﺐ رﺟﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻗﱪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺑﻼل ،ﻣﺆذن
رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،اﻟﺬي ﺑﺎﻟﺸﺎم ،ﻣﻦ إﻳﻘﺎد اﻟﻘﻨﺎدﻳﻞ وﻏﻠﻖ اﻷﺑﻮاب وﻓﺘﺤﻬﺎ وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،وأن
ﺗُﺮﺳﻞ إﱃ اﻟﻘﱪ املﺬﻛﻮر ﺷﻤﻌﺘﺎن ﻣﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪري ﺧﻤﺴﺔ أوﻗﺎت ،وﻣﺜﻞ ذﻟﻚ إﱃ ﺣﺮم ﻣﻜﺔ
املﴩﻓﺔ ،وﻣﺜﻠﻪ إﱃ اﻟﺮوﺿﺔ املﻄﻬﺮة ،ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ أﻓﻀﻞ اﻟﺼﻼة وأزﻛﻰ اﻟﺘﺤﻴﺎت.
445
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
ﻛﺎﻧﺖ ذات ﺟﻤﺎل ﺑﺎرع وﻋﻘﻞ وأدب ﻳﻔﻮق أﻫﻞ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﺗﺮﺟﺢ ﻋﲆ أﻗﺮاﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻈﺮف
أخ ﻳﻘﺎل ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ» :أﻟﻔﻮﻧﺲ«، واﻟﺮﻗﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻠﻤﻠﻚ املﻬﺮﺟﺎن ،ﻣﻠﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،اﺑﻨﺎ ٍ
واﻵﺧﺮ» :دون ﻟﻮزرﻳﻖ« ،ﻓﺘﻮﰲ واﻟﺪﻫﻤﺎ وﺗﺮﻛﻬﻤﺎ ﺗﺤﺖ ﻛﻔﺎﻟﺔ ﻋﻤﻬﻤﺎ املﻠﻚ املﻬﺮﺟﺎن ،ﻓﻀﻢ
اﻷﻛﱪ إﻟﻴﻪ ،وﻋﻬﺪ ﺑﺎﻵﺧﺮ — وﻫﻮ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« — إﱃ اﻟﻮزﻳﺮ واﻟﺪ ﺿﻴﺎء ،وﻛﺎن ﻟﻠﻤﻠﻚ أﺧﺖ
ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ» :ﺑﻮران« ،ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ ﻋﻦ ﺑﻨﺖ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ» :ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ،ﻓﺄﺧﺬ ﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﺘﺄدﻳﺒﻬﺎ ،وأﻗﺎم
ﻟﻬﺎ اﻟﺨﺪم اﻟﻜﺜري واملﺆدﺑني ﻣﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ،وﻛﺎن ﻟﻠﻮزﻳﺮ »ﻓﺮﻧﺎن« ﻗﴫ ﰲ ﺿﻮاﺣﻲ
»ﺑﻠﺮﻣﺔ« ،ﺣﺎﴐة اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﺄﺧﺬ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« إﻟﻴﻪ وأﺣﺴﻦ ﺗﺄدﻳﺒﻪ ،وﺗﻮﺳﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء
واﻟﻨﺒﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻪ ﻋﲆ اﺳﺘﻤﺮار اﻟﺘﺤﻔﻆ ﺑﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺿﻴﺎء أﺻﻐﺮ ﻣﻦ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﺑﺴﻨﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺸﺄت ﺿﻴﺎء ﻣﻌﻪ ،وﺻﺎرت ﻫﻲ ﰲ ﺻﺒﺎﻫﺎ ،وﺻﺎر ﻫﻮ ﰲ ﺻﺒﺎه ،وﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ
ﺣﺐ ﻛﺄﺷﺪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ،وﻋﻤﻼ اﻟﺠﻬﺪ ﻛﻠﻪ ﻋﲆ أن ﻻ ﻳﺪﻋﺎ اﻟﻮزﻳﺮ ﻳﻔﻄﻦ ﻟﴚء ﻣﻦ أﻣﻮرﻫﻤﺎ،
ﺣﺘﻰ اﺗﻔﻖ أن اﻟﻮزﻳﺮ ﺳﺎﻓﺮ ﺑﺄﻣﺮ املﻠﻚ ﻳﺠﻮل ﰲ أﻧﺤﺎء املﻤﻠﻜﺔ؛ ﻟﻴﺘﻔﻘﺪ أﺣﻮال اﻟﺮﻋﻴﺔ ورد
املﻈﺎﻟﻢ إﱃ أﻫﻠﻬﺎ ،ﻓﺎﻏﺘﻨﻢ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﻓﺮﺻﺔ ﻏﻴﺎﺑﻪ ،وأﺧﺬ ﰲ ﻓﺘﺢ ﺑﺎب ﰲ اﻟﺠﺪار اﻟﺬي
ﻣﺎﻻ ﻛﺜريًا ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺴﻦﻛﺎن ﻗﺎﺋﻤً ﺎ ﺑني ﻣﻘﺼﻮرﺗﻪ وﻣﻘﺼﻮرة ﺿﻴﺎء ،وﺟﺎء ﺑﻨﺠﺎر ودﻓﻊ ﻟﻪ ً
ﻋﻤﻠﻪ ،وﻳﺒﻘﻲ اﻟﴪ ﻣﻜﺘﺘﻤً ﺎ ﰲ ﺻﺪره ،ﻓﺎﺗﺨﺬه ﺑني اﻟﺮﺳﻮم اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﴚ اﻟﺠﺪار ﻋﲆ
إﺣﻜﺎم ﻟﻴﺲ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن أﺻﺢ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ،ﺑﺤﻴﺚ إذا أﻏﻠﻖ ﻟﻢ ﻳﻔﻄﻦ اﻟﺮاﺋﻲ أن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺠﺪار
ﺑﺎﺑًﺎ؛ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮش واﻟﺘﺨﺎرﻳﻢ.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﴎا؛ أﺻﺒﺢ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻘﻖ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﺑﻐﻴﺘﻪ ﻓﻴﻤﺎ أراد ﻣﻦ وﺻﻮﻟﻪ إﻟﻴﻬﺎ ٍّ
أﻛﺜﺮ اﻷﻳﺎم ،وﻳﺒﻴﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ وﺗﻘﺒﻴﻞ وﻣﻼﻋﺒﺔ ﻟﻴﺲ ﻏري؛ ﻷﻧﻬﺎ ﴍﻃﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺣني
أذﻧﺖ ﻟﻪ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺤﺎﺋﻂ أﻧﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ملﺒﺎدﻟﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻘﻂ ﻻ ﻟﴚء ﻏري ذﻟﻚ!
ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎم رآﻫﺎ ﺿﻴﻘﺔ اﻟﺼﺪر ،ﺣﺰﻳﻨﺔ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻓﺎﻧﻜﻤﺶ ﻟﺬﻟﻚ
وﺳﺄل ﻗﻬﺮﻣﺎﻧﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أوﺟﺐ ﻛﺪرﻫﺎ وﻛﺂﺑﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي أن
املﻠﻚ ﻋﻤﻚ اﻧﻄﺮح ﻋﲆ ﻓﺮاش املﻮت ،ﻓﻘﺪﱠرت أﻧﻚ إذا ﺗﻮﺳﺪت املﻠﻚ وﺻﺎر إﻟﻴﻚ أﻣﺮ اﻷﻣﺔ
ﻓﻘﺪ أﺷﻐﻠﻚ اﻟﻌﺰ واﻟﻨﻌﻴﻢ ،وأﺳﻜﺮﺗﻚ اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻘﺪرة ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻄﻦ ﻟﻬﺎ ،واﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻬﻮدك
إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺪﻋﻬﺎ ﺗﺨﺘﻢ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻋﲆ ﺑﻨﺖ اﻟﻮزﻳﺮ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،ﻛﺄﻧﻲ
أرى اﻟﻜﺪر ﻣﺮﺳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ وﺟﻬﻚ اﻟﻔﺘﺎن ،ﻓﺒﺎهلل إﻻ ﺻﺪﻗﺘﻨﻲ.
ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﻫﻴﺞ اﻟﺸﻮق ﺑﻜﺎﻫﺎ ،واﻏﺮورﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،وﻛﺎد ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ اﻟﻜﻼم،
ﻗﻠﻴﻼ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﳾء ﻳﻮﺟﺐ ﱄ اﻟﻜﺪر ﻏري أن — ﻳﺎ ﺳﻴﺪي وأﻣري اﻟﻨﺎس — ﻓﺴﻜﺘﺖ ً
ﺗﺒﻮأت اﻷرﻳﻜﺔ ﻣﻮﺿﻌَ ﻪ أﺷﻐﻠﻚ أﻣﺮ اﻷﻣﺔ دوﻧﻲ،َ ﻋﻤﱠ ﻚ املﻬﺮﺟﺎن ﻗﺪ اﺣﺘﴬﺗﻪ اﻟﻮﻓﺎة ،ﻓﺈذا
وﴏﻓﻚ اﻗﺘﺪارك ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮ إﱄ ﱠ؛ ﻷﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻦ اﻷﻣﺮاء أﻧﻬﻢ إذا راﻣﻮا ﺣﺎل وﻻﻳﺔ ﻋﻬﺪﻫﻢ
أﺷﻴﺎء ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻧﺎﻟﻮﻫﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻐﻀﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺟﻠﻮﺳﻬﻢ ﻋﲆ أرﻳﻜﺔ املﻠﻚ ،وإﻧﻲ
آﻣﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻃﺎﻟﻌﻲ أن ﻻ ﻳﺨﻮن ﻟﻮ أﻣﻨﺖ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻚ ﻋﲆ وﻓﺎﺋﻚ ﺑﺤﻖ اﻟﻮداد ،ﻓﻠﻢ ْ
ﺳﻌﺎدﺗﻲ ﺑﻚ.
إن ً
رﺣﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪة املِ َﻼح ،ﱠ ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻛﺎدت ﺗﻨﻔﻄﺮ ﻣﺮارﺗﻪ
ً
ﺗَﻤ ﱡﻜﻦ اﻟﻴﺄس ﻣﻨﻚ ﻋﲆ ﻏري ﻣﻮﺟﺐ ملِ ﻤﱠ ﺎ ﻳُﻔﺘﱢ ُﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻚ ،وإن ﺗﺼﻮرك اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ
ﰲ ﱠ ﺑﴫف ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻦ ﺣﺒﻚ ملِ ﻤﱠ ﺎ ﻳﺰﻳﻞ ذل اﻟﻌﺸﻖ وﻳﺠﺮح ﺧﺎﻃﺮي ،وﻟﻜﻦ رﺟﺎﺋﻲ إﻟﻴﻚ أن
ﺗﴫﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺰن ،وﺗﻌﻠﻤﻲ أن ﺳﻌﺎدﺗﻲ وﻓﺨﺮي ﻻ ﻳﺘﻤﱠ ﺎن إﻻ ﺑﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ اﻷﻣري،
ﻻ ﻳﺒﻌﺪ أﻧﻚ إذا ﻋﻠﻮت اﻟﴪﻳﺮ ﻃﻠﺐ إﻟﻴﻚ اﻟﻮزراء واﻷﴍاف أن ﺗﺘﺄﻫﻞ ﺑﺄﻣرية ﻣﻦ ﺑﻨﺎت
املﻠﻮك؛ ﻟﺘﺰﻳﺪ ﻋﻈﻤﺘﻚ اﻓﺘﺨﺎ ًرا وﻣﺠﺪًا ،رﺑﻤﺎ ﺧﺎﻧﻨﻲ دﻫﺮي ﺑﺄن ﻳﺠﻌﻠﻚ ﻣﺠﻴﺒًﺎ ملﺴﺎﺋﻠﻬﻢ،
ﻓﺎﻧﺘﻔﺾ ﻋﺮق اﻟﺤﺪة ﺑني ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻗﺎلِ :ﻟ َﻢ ﺗﺠﻠﺒني اﻟﻜﺪر واﻟﻘﻨﻮط ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻋﲆ
ﻏري ﻃﺎﺋﻞ؟! ﻓﺈﻧﻲ أﻗﺴﻢ ﺑﺎهلل أﻧﻲ إذا وُﻟﻴﺖ املﻠﻚ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻚ ﻋﲆ ﻣﺤﴬ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء
واملﻠﻮك.
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺿﻴﺎء ﻗﺴﻤﻪ ﻫﺪأ روﻋﻬﺎ ،واﻃﻤﺄﻧﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وأﺧﺬا ﻳﺘﺠﺎذﺑﺎن أذﻳﺎل
املﺬاﻛﺮة ﻋﻦ ﻣﺮض املﻠﻚ املﻬﺮﺟﺎن ،وﻛﺎن ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻛﻼم »أﻟﻔﻮﻧﺲ« أﻧﻪ ﺗﻜﺪﱠر ﻟﻮﻓﺎة ﻋﻤﻪ؛
ُﴪ ﻣﻦ وﻓﺎة ﻣﻠﻚ ﻳُﻮرﺛﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻊ أن أﻣريًا ﻏريه ﻛﺎن ﻳ ﱡ
448
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
ﺛﺄر ،ﻓﺒﺎﺗﺖ ﺿﻴﺎء ﺑﻌﺪ ﻗﺴﻢ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﺑﻮﻓﺎء ﻋﻬﺪه إﻟﻴﻬﺎ ﰲ راﺣﺔ وأﻣﻦ ودﻋﺔ ،وﻫﻲ ﻟﻢ
ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺨﻄﺐ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﺪق ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى؛ ﻓﺈن وزﻳﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻲ املﻌﺮوف
ﺑ »املﺮﻛﻴﺲ« ﻗﺪ ﻛﺎن رآﻫﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻳﺎم ﻓﻔﺘﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻋﻘﻠﻪ ،وﺧﻄﺒﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ ﻓﻮﻋﺪه
ﻓﺄﺧﺮ اﻟﺰﻓﺎف إﱃ أﺟﻞ ﻣﺴﻤﻰ ،وأﻣﺮ اﻟﻮزﻳﺮ ﺑﺄن ﻳﺰوﺟﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ اﺗﻔﻖ أن املﻠﻚ ﻣﺮض ﱠ
»ﻓﺮﻧﺎن« ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ أن ﻻ ﻳُﻌﻠﻤﻮا »أﻟﻔﻮﻧﺲ« وﻻ اﺑﻨﺘﻪ ﺑﴚء ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﺻﺒﺎح ﻳﻮم ﺟﺎءه اﻟﻮزﻳﺮ وﻣﻌﻪ اﺑﻨﺘﻪ ﺿﻴﺎء ،وﻗﺎل ﻟﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻼم:
ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،إن اﻟﺨﱪ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﺘﻪ إﻟﻴﻚ ﻳﻜﺪر ﺻﻔﻮ ﺧﺎﻃﺮك ،وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺸﺎرة اﻟﺘﻲ أﺗﺒﻌﻪ ﺑﻬﺎ
ﺗﴪ ﺧﺎﻃﺮك ،وﺗﺮﻓﻊ ﻣﻘﺎﻣﻚ.
ﻓﺎﻋﻠﻢ — أﻳﺪك ﷲ — أن املﻬﺮﺟﺎن ﻋﻤﻚ ﻗﺪ ﻣﺎت ،وأوﴅ إﻟﻴﻚ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ ﺑﻌﺪه ،ﻓﻬﻨﺌﺖ
ﺑﺎﻟﻌﻄﻴﺔ ،وﺧﻔﻖ ﻟﻮاء ﺳﻌﺪك ﻋﲆ أﻧﺤﺎء ﺑﻼدك ﻣﻨﺼﻮ ًرا ،وأن اﻷﴍاف واﻷﻣﺮاء واﻟﻘﻮاد
ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺑﺒﺎﺑﻚ؛ ﻟﻴﻘﺪﻣﻮا ﻟﺠﻼﻟﺘﻚ ﺧﺎﻟﺺ اﻟﺘﻬﻨﺌﺔ ﺑﻤﺎ أﻋﻄﺎك ﷲ .ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﻪ ﻟﻢ
ﻳﺨﺎﻣﺮ اﻟﺘﻌﺠﺐ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺎ ًملﺎ ﺑﻤﺮض ﻋﻤﻪ ودﻧ ﱢﻮ أﺟﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺸﻬﺮ وأﻳﺎم،
وإﻧﻤﺎ ﺻﺎر ﺻﺪره ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎع ﻛﻼﻣﻪ ﻣﻴﺪاﻧًﺎ ﺗﺘﺴﺎﺑﻖ ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر ،وﺗﻀﻄﺮب ﻓﻴﻪ اﻟﺨﻮاﻃﺮ،
ﻓﻔﻜﺮ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻳﺎ أﺑﺖ ،إﻧﻲ أﺗﺨﺬك وزﻳ ًﺮا ﱄ أﻋﺘﻤﺪ ﰲ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﺣﺴﻦ آراﺋﻚ املﺒﺎرﻛﺔ؛
ﻷﻧﻲ رأﻳﺘﻬﺎ ﺗﺤﺴﻢ اﻟﻨﻮازل ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﻜﺎﻛني ﰲ ﻣﻔﺎﺻﻞ اﻟﺨﻄﻮب ،وﻳﻜﻮن ﻟﻜﻼﻣﻚ ﻧﻔﻮذ
ﻛﺄﺑﻠﻎ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻷﻳﺎم ﻋﻤﻲ — رﺣﻤﻪ ﷲ — ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺪة ﻫﻨﺎك ،ووﺿﻊ ﺧﺘﻤﻪ
ﻋﲆ ﻗﺮﻃﺎس وﺳﻠﻤﻪ إﱃ ﺿﻴﺎء ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،ﺧﺬي ﻫﺬا اﻟﻘﺮﻃﺎس واﻛﺘﺒﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ
راض ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﺋني ،وأن ﻋﺸﻘﻚ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻨﻲ أردت ﻓﻮق اﻟﺨﺘﻢ ،وﻫﻮ ﻳﺪ ﱡﻟﻚ ﻋﲆ أﻧﻲ ٍ
ً
ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ وﻻ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ »ﻓﺮﻧﺎن« ﻛﻼﻣﻪ أﺧﺬه اﻟﻌﺠﺐ
ﻣﻨﻪ؛ ﻟﻐﻔﻠﺘﻪ ﻋﻦ إدراك ﻋﺸﻘﻬﻤﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،وﺳﻠﻤﺖ اﺑﻨﺘﻪ اﻟﻘﺮﻃﺎس إﻟﻴﻪ وﻗﺪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﻤﻠﻚ
— وﰲ وﺟﻨﺘﻴﻬﺎ اﺣﻤﺮار اﻟﺨﺠﻞ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،إﻧﻲ أﻗﺘﺒﻞ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻄﺮ ﺟﻼﻟﺔ املﻠﻚ ﻋﲇ
ﺧﱪﻫﺎ ﺑﺸﻜﺮ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ ﱄ أب ﻻ أﻋﺰم ﻋﲆ أﻣﺮ إﻻ ﺑﻤﺸﻴﺌﺘﻪ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺳﻠﻢ اﻟﺮﻗﻌﺔ
إﻟﻴﻪ وﻫﻮ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ودراﻳﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻮزﻳﺮ ﻟﻠﻤﻠﻚ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،إﻧﻲ أﻛﺘﺐ
ﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﻗﻌﺔ ﻣﺎ ﺗﺴﻮﻣﻨﻲ ﺷﻜ ًﺮا ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪُ.
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :اﻛﺘﺐ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ أردت أﻳﻬﺎ اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻔﺎﺿﻞ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻄﻴﻒ اﻟﻨﻈﺮ ،وﻟﻜﻦ أﴎع
اﻵن إﱃ »ﺑﻠﺮﻣﺔ« وﺧﺬ ﻣﺒﺎﻳﻌﺔ اﻟﺠﻨﺪ واﻷﻣﺮاء ،وﺑ ﱢﻠﻐﻬﻢ ﺳﻼﻣﻲ وﻗﻞ ﻟﻬﻢ :إﻧﻲ أﺳري إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻌﺪ
وﺻﻮﻟﻚ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎد ﻳﺘﻢ ﻛﻼﻣﻪ أن اﻧﴫف اﻟﻮزﻳﺮ واﺑﻨﺘﻪ ورﻛﺒﺎ اﻟﻌﺮﺑﺔ إﱃ »ﺑﻠﺮﻣﺔ«،
أﻣﻴﺎﻻ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻘﴫ.ً وﻫﻲ ﺗﺒﻌﺪ
449
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأﻣﺎ املﻠﻚ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻌﺪ اﻧﴫاف اﻟﻮزﻳﺮ ﺑﺴﺎﻋﺔ رﻛﺐ ﺟﻮاده وﻗﺼﺪ ﻣﺪﻳﻨﺔ
»ﺑﻠﺮﻣﺔ«؛ ﻟﻴﻨﺰل ﻣﻦ ﻗﴫ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ وﺑﺎﻟﻪ ﻣﺸﻐﻮل ﺑﺎﻟﻌﺸﻖ ،ﻓﻠﻤﺎ رآه اﻟﻨﺎس ارﺗﻔﻊ ﻓﻴﻬﻢ
اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻪ وأﺻﻮات اﻟﻔﺮح واﻟﴪور ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﰲ اﻟﻘﴫ ،ﻓﺮأى »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ﺑﻨﺖ
»ﺑﻮران« ﻋﻤﺘﻪ ﰲ ﺛﻴﺎب اﻟﺴﻮاد ،ﻓﻌ ﱠﺰاﻫﺎ وﻋ ﱠﺰﺗﻪ ،ﺛﻢ ارﺗﻔﻊ ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ ،وﺟﻠﺴﺖ ﻫﻲ ﻋﲆ
ﻛﺮﳼ دوﻧﻪ وﻗﺪ ﻇﻬﺮ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺒﻪ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ؛ ﻣﻊ أن اﻟﻌﺪاوة ﺑني أﻣﻬﺎ وأﺑﻴﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺷﺪ
ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ اﻷﻣﺮاء واﻟﻘﻮاد ﻋﲆ ﻛﺮاﳼ ووﺳﺎﺋﺪ زﻳﻨﺖ ﻟﻬﻢ ،وﻗﺎم ﻓﻴﻬﻢ »ﻓﺮﻧﺎن«
اﻟﻮزﻳﺮ ﺧﻄﻴﺒًﺎ ،وﺗﻼ وﺻﻴﺔ املﻬﺮﺟﺎن إﻟﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮل ﰲ ﺑﻌﻀﻬﺎ :إﻧﻪ ملﺎ ﻟﻢ ﻳﺮزﻗﻨﻲ ﷲ وﻟﺪًا ﻳﲇ
املﻠﻚ ﺑﻌﺪي؛ ﻓﺈﻧﻲ أﺟﻌﻠﻪ أرﺑًﺎ إﱃ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« اﺑﻦ أﺧﻲ ،ﻋﲆ ﴍط أن ﻳﻘﱰن ﺑ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ«
اﺑﻨﺔ أﺧﺘﻲ؛ ﻓﺈن أﺑﻰ ذﻟﻚ ﻓﻴﺼري املﻠﻚ إﱃ أﺧﻴﻪ »دون ﻟﻮزرﻳﻖ« ﻋﲆ اﻟﴩط ﻋﻴﻨﻪ .وﻫﺬه
وﺻﻴﺘﻲ إﱃ اﻷﻣﺮاء واﻟﻘﻮاد.
ﻓﻠﻤﺎ وﻋﻰ »أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﻣﺎ ﰲ وﺻﻴﺔ ﻋﻤﻪ ﻛﺎد ﻳﻨﺨﻠﻊ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﻢ واﻟﻬﻢ واﻟﻜﺪر ،وﻣﺎ
ﻟﺒﺚ اﻟﻮزﻳﺮ أن أﺗﺒﻊ ﺗﻼوة اﻟﻮﺻﻴﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻟﻠﺤﻀﻮر :أﻳﻬﺎ اﻷﻣﺮاء ،إﻧﻪ ملﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺟﻼﻟﺔ املﻠﻚ
زف »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« إﻟﻴﻪ ﻟﻢ ﻳﱰدد ﺳﺎﻋﺔ ﰲ ﻗﺒﻮل ذﻟﻚ! ﻓﺎزداد ﻏﻢ ﻣﺮام ﻋﻤﻪ املﻬﺮﺟﺎن ﻣﻦ ﱢ
»أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﺣﺘﻰ ﺑﺎن اﻟﻜﺪر ﰲ وﺟﻬﻪ وﻗﺎل ﻟﻠﻮزﻳﺮ :وﻟﻜﻦ اذﻛﺮ ﻳﺎ »ﺑﻬﺮام« اﻟﻘﺮﻃﺎس اﻟﺬي
ﺳ ﱠﻠﻤﺘﻪ إﱃ اﺑﻨﺘﻚ ﺿﻴﺎء ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ اﻟﻮزﻳﺮ — وﻗﺪ رﻓﻌﻪ ﻋﲆ ﻣﺸﻬﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء :ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﰲ
ﻫﺬا اﻟﻘﺮﻃﺎس ﻫﻮ وﻋﺪك ﺑﺄن ﺗﻘﱰن ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻋﻤﺘﻚ ،وﺗﺘﻤﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ذﻛﺮ ﰲ وﺻﻴﺔ ﻋﻤﻚ ،ﺛﻢ
ﻓﴪوا ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﻋﻮاﻃﻒ املﻠﻚ ،وارﺗﻔﻌﺖ ﻓﺘﺤﻪ وﻗﺮأه ﻋﲆ ﻣﺴﻤﻊ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء واﻷﻋﻴﺎن ُ ،ﱡ
أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻟﻪ وﻫﻢ ﻏﺎﻓﻠﻮن ﻋﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻔ ﱠﺮق ﺟﻤﻌﻬﻢ إﻻ ً
ﻗﻠﻴﻼ،
ﺗﺒﺚ إﻟﻴﻪ ﻫﻴﺎﻣﻬﺎ ﺑﻪ ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺷﺪة اﺿﻄﺮاب وﺗﺒﺎﻋﺪت »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ ﱡ
ﻋﻘﻠﻪ ،ﻗﺎل ﻟﻠﻮزﻳﺮ »ﻓﺮﻧﺎن« :أﻧﺖ ﺧﻨﺘﻨﻲ وﺣﻖ اﻟﺴﻤﺎء! وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻜﺘﺐ
ﰲ اﻟﻘﺮﻃﺎس ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻻﺗﻔﺎق واﻟﻌﻬﻮد ﺑﻴﻨﻲ وﺑني اﺑﻨﺘﻚ.
ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻮزﻳﺮ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﺗﻤﻌﻦ ﰲ اﻷﻣﺮ؛ ﻓﺈن أﻧﺖ ﺧﺎﻟﻔﺖ وﺻﻴﺔ ﻋﻤﻚ املﻬﺮﺟﺎن
ﻓﻘﺪ ﺑﺨﺴﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﺣﻘﻬﺎ ،وأﺿﻌﺖ املﻠﻚ ﻣﻦ ﺑني ﻳﺪﻳﻚ .ﻗﺎل ﻫﺬا واﺑﺘﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ
ﺟﻮاﺑﻪ ،ﻓﻐﻀﺐ املﻠﻚ ﻏﻀﺒًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﺑﺎت ﺑني اﻋﺘﻤﺎدﻳﻦ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ.
ﻓﺈﻣﺎ أن ﻳﻌﺘﺰل ﻋﻦ املﻠﻚ ،وإﻣﺎ أن ﻳﻘﱰن ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻋﻤﺘﻪ ،ﻓﻔﻜﺮ ﰲ ذﻟﻚ ﺑﺮﻫﺔ ﻓﻮﻗﻊ ﰲ
ذﻫﻨﻪ أن زﻓﺎﻓﻪ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻋﻤﺘﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ ﺑﱪاءة ﻣﻦ ﻟﺪن اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ أو ﺷﻬﺮﻳﻦ،
وأﻧﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة ﻳﻮﱄ املﺮاﺗﺐ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻳﺄﻣﻦ ﺧﻴﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء واﻟﻘﻮاد ،ﺣﺘﻰ إذا ﻧﻔﺬ
اﻟﻮﺻﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻔﻘﻮا ﻋﲆ ﺧﻠﻌﻪ ،وﺑﺎت أﻣﺮ اﻷﻣﺔ ﰲ ﻳﺪه.
450
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
ﻓﻠﻤﺎ وﻗﻊ ﻫﺬا اﻟﺮأي ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻜﻦ روﻋﻪ ،واﻃﻤﺄﻧﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺣﻘﻖ ﺑﻐﻴﺘﻪ ﺑﻤﺎ أراد
ﻣﻦ اﻻﻗﱰان ﺑﻀﻴﺎء ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻄﻠﻊ أﺣﺪًا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻳﺨﺎﺑﺮ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ«
ﺑﺎﻟﻜﻼم اﻟﻠﻄﻴﻒ ،وﻳﺴﺒﻚ ﻛﻼم »ﺑﻬﺮام« ﰲ أﻧﻪ ﻳُﺤﺐﱡ اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ؛ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻬﺐ أﻋﺎﺻري
اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻗﺒﻞ ﺗﺪارﻛﻪ إﻳﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﻠﺔ.
وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﻜﺪ اﻟﺤﻆ أﻧﻪ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺤﺪث »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« وﻳَﻌ ُﺪ ﺑﺎﻗﱰاﻧﻬﺎ ﺑﻪ؛ إذ دﺧﻠﺖ
ﺿﻴﺎء ﻣﻊ أﺑﻴﻬﺎ وﻗﺪ وﻗﻊ ﻛﻼﻣﻪ ﰲ أذﻧﻬﺎ ،ﻓﺎﺻﻔ ﱠﺮ ﻟﻮﻧُﻬﺎ ،واﺳﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﳾء ﺷﺒﻴﻪ
ﺑﺎﻟﻐﻤﺎﺋﻢ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ ﺑﺤﴬة »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« :ﻳﺎ ﺑﻨﻴﺔ ،ﻗﺪﱢﻣﻲ اﺣﱰاﻣﻚ إﱃ ﻣﻠﻜﺘﻚ ،وادﻋﻲ
ﻓﺘﺄﻛﺪت ﻣﻦ ﻛﻼم أﺑﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ ْ ﷲ أن ﻳﻄﻴﻞ ﻋﻤﺮﻫﺎ ،وﻳﺠﻌﻞ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻌﺪ ﻣُﻘﺒﻠﺔ،
ﻛﻼم املﻠﻚ ،وأﺧﺬﺗﻬﺎ رﺟﻔﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺣﻴﻠﺔ ﰲ إﺧﻔﺎﺋﻬﺎ.
ﻓﺄﻣﺎ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ﻓﻈﻨﺖ أن اﺿﻄﺮاﺑﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﻋﺰة املﻠﻚ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﺮه ﻗﺒﻞ
ذﻟﻚ ،وأﻣﺎ املﻠﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺮف ﺳﺒﺐ أملﻬﺎ وﻛﺪرﻫﺎ؛ ملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ وﻗﻮع وﻋﺪه اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻪ ﰲ أذﻧﻬﺎ،
وﺻﺎر ﺑﻨﻔﺴﻪ اﻻﺿﻄﺮاب ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺻﺎر ﺑﻬﺎ ،وأﺣﺐ ﻟﻮ ﻣﻜﻨﺘﻪ اﻟﻈﺮوف ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﺎ
ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺑﺄن وﻋﺪه ﻟ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﻴﻠﺔ ﻣﻨﻪ ﻻ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﺑﻮدﱢﻫﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﴎا ﻣﻌﻬﺎ؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻴﻮن اﻷﻋﻴﺎن ﻣﺘﺠﻬﺔ إﻟﻴﻪ .ﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﺤﺪﱡث ٍّ
املﻠﻚ.
ﻣﻨﻘﺒﻀﺎ إﱃ اﻟﻴﺄس؛ ﺻﺎرً وأﻣﺎ ﺿﻴﺎء ﻓﺈن أﺑﺎﻫﺎ ملﺎ أﻧﺲ ﺟﺰﻋﻬﺎ وﻗﻨﻮﻃﻬﺎ ،ورأى املﻠﻚ
ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر إﱃ ﻗﴫه وﻗﺪ أﻋﻠﻤﻬﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺰوﺟﻬﺎ إﱃ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻪ
ﺑﻠﻎ اﻟﺤﺰن ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ووﻗﻒ اﻟﺪم ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﺑني ﻳﺪي أﺑﻴﻬﺎ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻗﺪ
ﺿﻌﻔﺖ ﻗﻮاﻫﺎ ،وﺗﻐري ﻟﻮﻧﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻬﺎ املﻴﺖ املﺪرج ﰲ ﻛﻔﻨﻪ ،ﻓﺮق ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺗﺪارﻛﻬﺎ
ﺑﻤﺎء اﻟﻮرد ﺣﺘﻰ أﻓﺎﻗﺖ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﺑﺘﺎه اﻟﺸﻔﻴﻖ ،ﻳﺨﺠﻠﻨﻲ أﻧﻲ أﻃﻠﻌﺘﻚ ﻋﲆ اﺷﺘﻐﺎل ﻗﻠﺒﻲ
ﺑﻬﻮى املﻠﻚ ،وﻟﻜﻦ املﻮت اﻟﺬي ﻳﻮاﻓﻴﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﺳريﻓﻊ ﻋﻨﻚ أﻛﺪا ًرا ﺟﻠﺒﺘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ اﺑﻨﺔ
ﻣﻨﻜﻮدة اﻟﺤﻆ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ ﺗﻘﻨﻄﻲ ﻳﺎ ﺑﻨﻴﺔ ،ﻓﻤﺎ اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﺬي أزوﱢﺟُ ﻚِ ﻣﻨﻪ إﻻ أﻋﻈﻢ رﺟﻞ
ﰲ اﻟﺪوﻟﺔ ،وأﺟﻠﻪ ﺧﻄ ًﺮا.
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺻﺪﻗﺖ ﻳﺎ أﺑﺖ ،وإﻧﻲ أﻗ ﱡﺮ ﺑﻔﻀﻠﻪ وﻛﺮم أﺧﻼﻗﻪ وﺳﺠﺎﻳﺎه ،ﻏري أن املﻠﻚ ﻛﺎن
ﻋﻠﻤﺖ اﻟﻴﻮم ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻚ وﺑﻴﻨﻪ ،وأﻧﺎ ُ ً
ﻋﺮوﺳﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻟﻘﺪ ﻳﺆﻣﻠﻨﻲ ﺑﺄن أﻛﻮن ﻟﻪ
ﻻ أﻋﺬﺑﻚ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻗﺪ ﻗﺎم ﺑني اﻟﻮﻋﺪ وإﻧﺠﺎزه ﻣﺎﻧﻊ ﻻ ﻳﻘﻮَى ا َملﻠ ُﻚ ﻋﲆ
إزاﻟﺘﻪ إﻻ ﺑﺨﴪان املﻠﻚ ﻣﻦ ﻳﺪه؛ ﻓﺎﻋﻤﲇ ﻋﲆ ﴏف آﻣﺎﻟﻚ ،وﻛﻔﻜﻔﻲ دﻣﻮﻋﻚ ،ﺣﺘﻰ ﻻ
ﻳﻘﺎل ﰲ دار املﻠﻚ :إن ﺣﺒﻪ ﻗﺪ ﻋﻠﻖ ﻓﺆادك ،وﻻ ﺗﺆﻣﲇ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺘﺨﺬك زوﺟﺔ ﻟﻪ؛ إذ إﻧﻪ اﺷﱰى
451
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﻚ املﻠﻚ واﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،واﻋﻠﻤﻲ ﺑﺄﻧﻲ وﻋﺪت اﻟﻮزﻳﺮ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﺑﺄن أزوﺟﻪ ﻣﻨﻚ ،ﻓﺎﻧﺠﺰي
وﻋﺪي إﻟﻴﻪ ،وﻻ ﺗﺨﻴﺒﻲ أﺑًﺎ ﻳﺘﻘﺪم إﻟﻴﻚ ﺑﺎﻟﴬاﻋﺔ واﻟﻄﻠﺐ .ﻗﺎل ﻫﺬا واﻧﴫف إﱃ ﻣﺠﻠﺴﻪ
وﻫﻮ ﻣﺆﻣﻞ ﺑﺄﻧﻬﺎ إذا ﻓﻜﺮت ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻄﻖ ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﺒﱠﺖ ﻃﻠﺒﻪ ،ورﺿﻴﺖ ﺑﺄن ﺗﺼري زوﺟﺔ
ﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« اﻟﻮزﻳﺮ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺧﻼ املﻜﺎن ﻟﻀﻴﺎء أﺳﺒﻠﺖ اﻟﺪﻣﻊ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻬﺎ ،وﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻴﺄس ،وﺧﺎﻣﺮﻫﺎ ﻛﻤﺪ
ﻻ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻪ اﻟﻠﺴﺎن؛ ملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻘﻬﺎ ﺧﻴﺎﻧﺔ املﻠﻚ ﺑﺪﻟﻴﻞ اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻓﻤﻪ،
وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ إﻛﺮاه أﺑﻴﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« اﻟﺬي ﻻ ﺗَﻘﺪِر أن ﺗﺤﺒﻪ ،ﻓﻈﻨﱠﺖ
أن املﻮت ﻻ ﻳﺒﻌﺪ أن ﻳُﻔﺎﺟﺌﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﺻﺎﺣﺖ :ﺗﺒٍّﺎ ﻟﻚ أﻳﺘﻬﺎ اﻵﻣﺎل اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻠﺖ ﻧﻔﴘ
ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻟﻘﺘﻨﻲ ﰲ وﻫﺪة اﻷﻟﻢ واﻟﺤﴪات ،وأﻧﺖ أﻳﻬﺎ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺨﺎﺋﻦِ ،ﻟ َﻢ ﻋَ ﻠ َ
ِﻘﺖ اﻣﺮأة
ﻏريي ﺑﻌﺪ ﺗﻘﺪﱡﻣﻚ إﱄ ﱠ ﺑﺎﻟﻘﺴﻢ واﻟﻌﻬﺪ؟! ﻓﻼ ﻫﻨﱠﺎك ﷲ ﺑﻬﺬا املﻠﻚ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻻ ﺑﻮرﻛﺖ ﺑﻬﺬا
وﻟﺘﻜﻦ ﻟﺤﻈﺎت »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« إﻟﻴﻚ ً
ﺣﻨﻘﺎ ْ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺬي ﺛﻠﻤﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻴﻤني ﺑﻌﺪ ﺗﻮﺛﻴﻘﻬﺎ إﱄ ﱠ،
ﻛﺴ ﱟﻢ ﻗﺘﺎل ﻳﻨﺤﺪر إﱃ ﺟﻮﻓﻚ ﻓﻴﺤﺮﻗﻪ؛ ﻟﻴﺒﺪﻟﻚ ﷲ ﺑﻨﻌﻤﺘﻚ ﺷﻘﺎء ﻣﺜﻞ ﻋﻠﻴﻚ ،وﻟﻴﻜﻦ رﻳﻘﻬﺎ ُ
اﻟﺸﻘﺎء اﻟﺬي أذوق ﻣﺮارﺗﻪ .واﻋﻠﻢ أﻳﻬﺎ اﻟﺨﺎﺋﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إن دﻳﻨﻲ ﻻ ﻳﺤﻞ ﱄ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﴘ
ﺑﻴﺪي؛ ﻓﺈﻧﻲ ﺳﺄﻧﺘﻘﻢ ﻣﻦ ﻧﻔﴘ ﺑﺄن أﺗﺰوج ﺑﺎﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« اﻟﺬي ﻻ أﺣﺒﻪ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن
ﻋﺸﻘﻲ ﺑﺎﻗﻴًﺎ ﰲ ﻓﺆادك أﺳﻔﺖ وﺗﺤﺮﻗﺖ ﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻧﻔﴘ إﱃ رﺟﻞ ﻏريك ،وإن ﻛﺎن ذﻛﺮي ﻗﺪ
ﺑﺮح ﻣﻦ ﺧﺎﻃﺮك؛ ﻓﺄﻛﻮن ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻤﺖ ﻣﻦ ﻧﻔﴘ ﻷﺟﻞ أﻧﻬﺎ أﺷﻐﻠﺖ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﺤﺐ
رﺟﻞ ﺧﺎﺋﻦ ﻣﺜﻠﻚ.
ﻗﺎﻟﺖ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم واﻟﺪﻣﻊ ﻳﺠﺮي ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻬﺎ ،وﻫﻲ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻨﻮط ﻟﻢ ﺗﻨﻔﻚ ﻋﻨﻬﺎ
اﻟﻨﻬﺎر وﻻ اﻟﻠﻴﻞ ﺑﻄﻮﻟﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ وﻋﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻋﺎزﻣﺔ ﻋﲆ اﻻﻗﱰان
ﴎا ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﴫ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ،ﻓﺎﻏﺘﻨﻢ ﻫﺬه اﻟﻔﺮﺻﺔ أن ﺟﺎء ﺑﻪ وزوﱠﺟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ٍّ
رﺣﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ إذ ﻟﻢ ﻳﻜﻔﻬﺎ ﻣﺼﺎﺑًﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻓﻘﺪت املﻠﻚ ً ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﺗﺴﺘﺒﻜﻲ اﻟﺤﺠﺮ
وﺟﻔﺎﻫﺎ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ اﻟﺮﻓﻴﻖ ،وﺗﺰوﺟﺖ ﺑﺮﺟﻞ ﻻ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﻜﺘﻢ
ﺣﺰﻧﻬﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﺤﴬة ﻫﺬا اﻟﺰوج اﻟﺬي ﻫﺎم ﺑﺤﺴﻨﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻣﺎ زال ﺟﺎﺛﻴًﺎ إﱃ اﻷرض
ﺑني ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ إﱃ آﺧﺮ اﻟﻨﻬﺎر ،ﻏري ﺗﺎرك ﻟﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻧﻔﺮاد ﻣﺎ ﺣﺎق ﺑﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﺒﻼء.
ﻓﻠﻤﺎ أﻗﺒﻞ اﻟﻠﻴﻞ ودﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻬﺮﻣﺎﻧﺘﻬﺎ وزﻳﱠﻨﺘﻬﺎ ﻟﺪﺧﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﺎﻣﺮﻫﺎ ﻳﺄس ﻋﻈﻴﻢ
ﻟﻢ ﻳﺴﻌﻬﺎ ﻛﺘﻤﺎﻧﻪ ﺑﺤﻀﻮره ،ﻓﺘﻘ ﱠﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺘﺬﻟﻞ وﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻛﺪرﻫﺎ ،ﻓﺤﺎوﻟﺖ إﺧﻔﺎء
اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ :إن ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻨﻘﺒﻀﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻴﺲ ﻏري ،ﻓﺰم ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺮﻗﺪ ﰲ
452
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
اﻟﴪﻳﺮ ،ﻓﺄﺑﺖ إﻻ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ املﻘﻌﺪ ،وأﺧﺬت ﺗﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ دﻣﻮﻋً ﺎ ﻛﺜرية،
ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺠﺒًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وأﺗﺎه أن ِﻣﻦ ﺟﻔﺎﺋﻬﺎ إﻳﺎه ﻷﻣ ًﺮا ﻳﺨﻮن ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻠﻴﻖ
ﻗﻠﻘﺎ ،وأﻋﻤﻞ ﻋﲆ أن ﻳﺒﻘﻲ اﺿﻄﺮاﺑﻪ ﻛﺎﻣﻨًﺎ ﰲ ﺻﺪره.ﺑﴩﻓﻪ وﻋﺮﺿﻪ ،ﻓﺒﺎت ﺟﺰﻋً ﺎ ً
ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،ﻗﻮﻣﻲ إﱃ ﻣﻀﺠﻌﻚ ،وﺧﺬي راﺣﺔ ﻟﺠﺴﻤﻚ ،واﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻟﻌﻘﻠﻚ ،وإن
ُ
ﻓﻌﻠﺖ ذﻟﻚ؛ إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﺨﺎﻃﺮك. ﻛﻨﺖ ﺗﺮوﻣني آ ُﻣ ُﺮ اﻟﻘﻬﺮﻣﺎﻧﺎت ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم ﺑني ﻳﺪﻳﻚ ﻟﺨﺪﻣﺘﻚ
ﻓﻘﺎﻟﺖ — وﻗﺪ اﻃﻤﺄﻧﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ وذﻫﺐ ﺧﻮﻓﻬﺎ ووﺟﻠﻬﺎ :إﻧﻲ ﻻ أرى ﻟﺰوﻣً ﺎ ﻟﻘﻴﺎﻣﻬﻦ
ﺑني ﻳﺪي ،وﻟﻜﻦ أرﻗﺪ ﰲ اﻟﴪﻳﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ،وﻳﺮوق ﻣﺎ ﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ .وﻛﺎن
اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﺘﺴﻬﺪًا ﻣﻦ ﺷﺪة ﺟﺰﻋﻪ وﻫﻮ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺿﻴﺎء
ﺑﺄن ﻟﻬﺎ ﺣﺒﻴﺒًﺎ ﻗﺪ ﻫﺎم ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﺤﺒﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻣَ ﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺒﻴﺐ؛ أﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ؟ أو ﻣﻤﻦ ﻫﻮ
أﺧﻔﺾ ﰲ ﻣﺮاﺗﺐ اﻟﺪوﻟﺔ؟ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻠﻢ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻪ رأى ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺰواج أﺷﻘﻰ اﻟﻌﺎملني،
وﻣﺎ زال ﻳﺮدد ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﰲ ﻧﻔﺴﻪ إﱃ ُﻫ ُﺪ ﱢو اﻟﻠﻴﻞ اﻵﺧﺮ ،وإذا ﺑﻘﺮﻗﻌﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻗﺪ ﻃﺮﻗﺖ
أذﻧﻪ ،وﺗﻼﻫﺎ وطء أﻗﺪام ﺧﻔﻴﻔﺔ ﰲ املﻘﺼﻮرة ،ﻓﻈﻦ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ أن ذﻟﻚ ﻳﱰاءى ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻮﻫﻢ؛
ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب وﻗﻔﻠﻪ ﺑﻴﺪه ﺑﻌﺪ اﻧﴫاف اﻟﻘﻬﺮﻣﺎﻧﺎت ،ﻏري أﻧﻪ أزاح ﺳﺘﺎر
اﻟﴪﻳﺮ ﻟريى ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ.
ﻓﺈذا ﺑﺎملﻘﺼﻮرة ﺳﻮﱠدﻫﺎ اﻟﻈﻼم؛ ﻷن اﻟﴪاج اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻮﻗﺪًا ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪ اﻧﻄﻔﺄ ،ﻓﺒﻘﻲ ﰲ
ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻣﻜﺘﺌﺒًﺎ ،وإذا ﺑﺼﻮت ﻣﻨﺨﻔﺾ ﺣﻨﻮن ﻳﻨﺎدي :ﻳﺎ ﺿﻴﺎء ،ﻓﻮﺛﺐ ﻣﻦ ﻓﺮاﺷﻪ ﻣﺬﻋﻮ ًرا،
وﺑﺎدر إﱃ ﺳﻴﻔﻪ ،وﺗﻘﺪم إﱃ ﺟﻬﺔ املﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻣﻨﻪ ﺳﻤﻊ اﻟﺼﻮت ﻟﻴﻤﺰق ﺻﺪر اﻟﺤﺴﻮد
اﻟﺬي أراد أن ﻳﻔﻮز ﺑﺎﻟﻠﺬة ﻋﲆ ﻣﺸﻬﺪ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺈذا ﺑﺴﻴﻒ ﺻﻠﺖ ﻗﺪ ﻟﻄﻢ ﺳﻴﻔﻪ ،ﻓﻮﺛﺐ ،ﻓﺸﻌﺮ
ﻣﺎ ﺑني ﻇﻼم اﻟﻠﻴﻞ ﺑﺮﺟﻞ ﻳﻬﺮب ﻣﻦ وﺟﻬﻪ ،ﻓﻠﺤﻘﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻒ ﻟﻪ ﻋﲆ أﺛﺮ،
ﻓﺘﻌﺠﺐ ووﻗﻒ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺻﺎﻏﻴًﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺒﺘﺔ ،ﻓﱰاﺟﻊ وﺟﺤﺪ ﻣﻮﺿﻌﻪ ،ﻓﻈﻦ أن
ذﻟﻚ ﺳﺤﺮ ﻣﺒني.
ﻣﻘﻔﻮﻻ ،ﻓﺰاد ﻋﺠﺒﻪ وﻇﻦ أن ﻏﺮﻳﻤﻪ ﻳﻜﻮن ﻣﺨﺘﺒﺌﺎً
ً ﺛﻢ ﺗﻘﺪم إﱃ ﺟﻬﺔ اﻟﺒﺎب ﻓﻮﺟﺪه
ﰲ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﻦ املﻘﺼﻮرة ﻓﻔﺘﺤﻬﺎ ووﻗﻒ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻟﺌﻼ ﻳﻔﺮ اﻟﻐﺮﻳﻢ ﻣﻦ وﺟﻬﻪ ،وﺻﺎح ﺑﺨﺪﻣﻪ
وﻏﻠﻤﺎﻧﻪ ملﻼﻗﺎﺗﻪ ،ﻓﺒﺎدر ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﴪج واﻟﺸﻤﻮع ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،ﻓﺘﻨﺎول ﺷﻤﻌﺔ ﻣﻨﻮرة
وﻗ َﻠﺐ املﻘﺼﻮرة ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻔﺘﻴﺶ وﺳﻴﻔﻪ ﰲ ﻳﺪه ﺻﻠﺖ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮ أﺣﺪًا ،وﻻ رأى ﻣﻨﻔﺬًا ﻓﻴﻪ
ﻟﻠﺪﺧﻮل وﻻ ﻟﻠﺨﺮوج ،ﻓﺘﺤري ﺗﺤريًا ﺷﺪﻳﺪًا وﻛﺎد ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻘﻠﻪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب ،ﻓﺮام أن ﻳﺴﺄل
ﺿﻴﺎء ﻋﻦ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻔﻜﺮ أﻧﻬﺎ وإن ﻋﺮﻓﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺗﺨﻔﻲ ﻋﻠﻴﻪ أﻣﺮه ،ﻓﻌﺰم ﻋﲆ
أن ﻳﻔﺎوض أﺑﺎﻫﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،وﺳﺎر إﻟﻴﻪ وﻗﺪ ﴏف اﻟﻐﻠﻤﺎن إﱃ ﻣﻮاﺿﻌﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ :إﻧﻪ
ﺳﻤﻊ ﻗﺮﻗﻌﺔ ﻋﲆ ﺣني ﻻ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ.
453
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻘﺒﻼ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب ﻟريى ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ ً ﻓﻠﻤﺎ ﺻﺎر ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻮزﻳﺮ رآه
اﻟﻀﺠﺔ واﻟﴫاخ ،ﻓﺄﺧﱪه ﺑﺎﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﻮ ًرا وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ ﻟﺸﺪة اﺿﻄﺮاﺑﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﻪ
ﺗﻌﺠﺐ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻌﺠﺐ ،واﺳﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺪر ﻋﻈﻴﻢ ،وﻋﺮف ﰲ ﻧﻔﺴﻪ أن اﻟﺪاﺧﻞ إﱃ اﺑﻨﺘﻪ
ﻟﻴﺲ ﻫﻮ إﻻ املﻠﻚ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻄﻠﻊ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﻤﻞ ﺑﻌﻜﺲ ذﻟﻚ
ﻋﲆ ﺗﻬﺪﺋﺔ ﺟﺄﺷﻪ ،وﺗﺴﻜني روﻋﻪ ،وإﻗﻨﺎﻋﻪ ﺑﺄن ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺑﺄﻣﺮ واﻗﻌﻲ ،وإﻧﻤﺎ
ﻫﻮ ﺧﻴﺎل ﻳﺰور ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻐرية ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺎق ،ﻓﺈذا رأوا ﻏري ﳾء ﻇﻨﻮه ﺷﻴﺌًﺎ.
وأﻛﺪ ﻟﻪ ﺑﺄن ﻗﻠﻖ اﺑﻨﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﺧﻮف وﺧﺠﻞ ﺧﺎﻣﺮ ﻓﺆادﻫﺎ ﺑﺘﺰوﻳﺠﻬﺎ ﻣﻦ
رﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺑﻪ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﻛﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺒﻜﻲ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻦ اﻷﴍاف اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻻ ﺗﻤﻴﻞ ﻗﻠﻮﺑﻬﻦ إﱃ رﺟﺎﻟﻬﻦ إﻻ ﺑﻌﺪ املﺆاﻟﻔﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،ﺛﻢ إﻧﻪ ﺣﺾ
ﻋﲆ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﻬﺎ ،وأن ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ وﻳﻨﻔﻲ ﻣﺎ أﺗﺎه ﻣﻦ اﻷوﻫﺎم واﻷﻓﻜﺎر ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺒﻪ
اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﺑﴚء ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻷﺣﺪ ﺳﺒﺒني :ﻓﺈﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن اﻗﺘﻨﻊ ﺑﺄن ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ وﺷﻌﺮ ﺑﻪ
ﻗﻠﻘﺎ ،وإﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن أﴐب ﻋﻦ اﻟﺮد ﻋﲆ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ وﻫﻤً ﺎ ﺗﺮاءى ﻟﻪ ﻋﲆ ﺣني ﻛﺎن ﺑﺎﻟُﻪ ً
»ﺑﻬﺮام« ﻋﲆ ﺣني ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ إﻗﻨﺎﻋﻪ ﺑﻜﻼﻣﻪ ﻓﺎﺋﺪة ،ﻓﻌﺎد إﱃ ﴎﻳﺮه ﻃﻠﺒًﺎ ﻹراﺣﺔ
ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻨﻮم ﺑﻌﺪ ﺷﺪة ﻣﺎ ﻗﺎﺳﺎه .ﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮه.
أﻣﺎ ﺿﻴﺎء ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ وطء اﻷﻗﺪام ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔ وﻣﻨﺎداة اﻟﺰاﺋﺮ إﻳﺎﻫﺎ؛ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻪ املﻠﻚ
ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﺘﻌﺠﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻌﺠﺐ ملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮه أن ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ وﻳﺠﻠﺲ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻋﲆ ﺣني
وﻋﺪ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ﺑﺄن ﻳﺘﺰوج ﺑﻬﺎ وﻳُﺠﺎﻟﺴﻬﺎ وﻳُﻠﺒﺴﻬﺎ ﺗﺎج املﻠﻚ ،ﻓﺪاﺧﻞ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺮاﻣﻪ ﻫﺬا
ﴎا ﰲ اﻟﻠﻴﻞ إﻫﺎﻧﺔ أﺧﺮى ﺗﺘﻬﻢ ﴍﻓﻬﺎ ،إﱃ آﺧﺮ ﻣﺎ ﻏﻴﻆ ﺷﺪﻳﺪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺣﺴﺒﺖ دﺧﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ٍّ
ﻓ ﱠﻜﺮت ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﻈﻨﻮن.
وأﻣﺎ املﻠﻚ ﺑﻌﺪ أن اﻧﴫﻓﺖ ﺿﻴﺎء ﻣﻦ ﺣﴬﺗﻪ ﻳﻮم ﺟﻠﻮﺳﻪ ﻋﲆ املﻠﻚ وﻫﻲ ﺗﻈﻦ ﺑﻪ
أﻧﻪ أﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﺧﻴﺎﻧﺔ ،ﻓﻬﺎم ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺤﺒﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻷﻳﺎم اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ،ورام أن ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ
ﻟﻴُﻔﺼﺢ ﻟﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﺧﺒﱠﺄه ﰲ ﺿﻤريه ،وأﺧﺬ ﰲ اﻟﺤﻴﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻷﺟﻞ اﻟﺘﻤ ﱡﻜﻦ ﻣﻦ اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ،
ﻏري أن اﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ووﻓﻮد اﻷﻣﺮاء ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺘﻬﻨﺌﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﱰك ﻟﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻤﺴري إﱃ
ﻗﴫﻫﺎ ﻗﺒﻞ آﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺒﺴﺘﺎن وﻓﺘﺢ ﺑﺎﺑًﺎ ﴎﻳٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﴫ ﺑﻤﻔﺘﺎح ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﰲ
ﺟﻴﺒﻪ ،ﺛﻢ ﻃﻠﻊ إﱃ املﻘﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ُرﺑﱢﻲ ﻓﻴﻬﺎ ودﺧﻞ ﻣﻘﺼﻮرة ﺿﻴﺎء ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ﻓﺘﺤﻪ
ﰲ اﻟﺤﺎﺋﻂ.
ﺳﻴﻔﻪ ﺗﻌﺠﺐ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ رﺟﻼ وﻗﺪ ﻟﻄﻢ ُ
ﺳﻴﻔﻪ َ ﻓﻠﻤﺎ رأى ﻋﻨﺪﻫﺎ ً
ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺘﺰوﻳﺠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ،وﻛﺎد أن ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،وﻳﺄﻣﺮ ﻟﺤﻴﻨﻪ
454
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
ﻒ وأﺳ َ
ﺑﻘﺘﻞ اﻟﺸﻘﻲ اﻟﺬي ﺗﻄﺎول ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺮﻓﻊ اﻟﺴﻴﻒ ،ﻟﻮﻻ أن ﺣﺒﱠﻪ ﻟﻀﻴﺎء ﻣﻨَﻌﻪ ﺻﻮﻧًﺎ ﻟﻬﺎِ ،
ﻟﻮﻗﻮع ﻫﺬا اﻷﻣﺮ.
وﻗﺪ ﻋﺰم ﻋﲆ اﻟﻌﻮدة ﻣﻦ اﻟﻐﺪ ﻟريى ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ إﻫﺎﻧﺔ ﴍﻓﻪ ،وﻋﺮض
ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﺘﻬﻠﻜﺔ ،وذﻟﻞ ﻋﺸﻘﻪ وﻏﺮاﻣﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﻟﺬﻟﻚ أﺳﻬﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮوج إﱃ اﻟﺼﻴﺪ،
ﻓﻠﻤﺎ ﻃﻠﻊ اﻟﻨﻬﺎر أﻣﺮ ﺟﻨﺪه وأﺗﺒﺎﻋﻪ ﺑﺄن ﻳﺠﻬﺰوا ﻟﻪ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺮﻛﺐ إﱃ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻘﺼﺪ
وﺑﺪأ ﰲ ﻣﺰاوﻟﺔ اﻟﻘﻨﺺ ﺑﺎﺟﺘﻬﺎد ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﺠﻤﺎﻋﺘﻪ ﻣﺠﺎل ﻷن ﻳﻔﻄﻨﻮا ملﻘﺼﺪه ﻣﻦ
اﻟﺤﻴﻠﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ اﺷﺘﻐﻞ ﻛﻠﻬﻢ ﺑﺎﻟﺼﻴﺪ وﻟﺤﻘﻮا اﻟﻜﻼب اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎرد اﻟﻐﺰﻻن واملﻬﺎ؛ رﻛﺐ ﺟﻮاده
وﺳﺎر إﱃ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻘﴫ وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻀﻞ ﰲ ﻣﺴريه؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف اﻟﻄﺮق واملﻨﺎﻓﺬ إﻟﻴﻪ،
وﻟﻢ ﻳﺴﻌﻪ اﺻﻄﺒﺎره إﻻ أﻧﻪ ﻳﺮﻛﺾ ﻓﺮﺳﻪ ﻣﻞء ﻣﺮوﺟﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻄﻊ املﺴﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﴎا ،رأى ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻣﻮﺿﻮع ﻋﺸﻘﻪ وآﻣﺎﻟﻪ وﻫﻮ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ اﻟﺤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺪﻫﺎ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﺎ ٍّ
ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة ﻋﲆ ﺑﺎب اﻟﻘﴫ اﻣﺮأﺗني ﺗﺘﺤﺪﺛﺎن ،ﻓﺨﻔﻘﺖ أﺣﺸﺎؤه؛ ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄﻧﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء
اﻟﻘﴫ ،ﺛﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺘﺎ أن اﻟﺘﻔﺘﺘﺎ إﻟﻴﻪ؛ ﻟﺴﻤﺎﻋﻬﻤﺎ ﻃﺮق أ ُرﺟُ ﻞ اﻟﻔﺮس ،ﻓﺘﺤﻘﻘﻬﻤﺎ وإذا ﻫﻤﺎ
ﺿﻴﺎء وﻗﻬﺮﻣﺎﻧﺔ ﻟﻬﺎ أﻣﻴﻨﺔ ﻗﺪ ﺻﺤﺒﺘﻬﺎ؛ ﻟﺘﺒﺚ إﻟﻴﻬﺎ ﺷﻜﻮاﻫﺎ وأﺣﺰاﻧﻬﺎ ،ﻓﱰﺟﻞ ﻋﻦ ﺟﻮاده
وﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﻴﺔ واﻹﻛﺮام ،ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﻣﺘﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن ،ﱠ
ﻓﺮق ﻗﻠﺒُﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،ﻛﻔﻜﻔﻲ دﻣﻌﻚ ،وأذﻫﺒﻲ اﻟﺤﺰن ﻋﻨﻚ؛ ﻓﺈن ﻇﻮاﻫﺮ أﻣﺮي وإن ﻟﻢ
ﺗﻘﻢ ﺑﱪاءﺗﻲ ﻟﺪﻳﻚ ،ﻓﻔﻲ ﻧﻔﴘ ﻋﺰم ﻋﲆ اﻻﻗﱰان ﺑﻚ ﻻ أﻧﻔﻚ ﻋﻨﻪ وﻟﻮ ﺧﴪت اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ
أﺗﻘﻠﺐ ﻓﻴﻬﺎ .ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻪ ﺧﻨﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﱪة وﻟﻢ ﻳﺄﺗﻬﺎ اﻟﻜﻼم ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎدﻳﻦ
ﰲ اﻷﺣﺰان ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ وﻻ ﺗﻌﺘﻨني ﺑﻤﻠﻚ ﻳﺒﻴﻊ ﻣﻠﻜﻪ ﺣﺘﻰ ﻳَﻨْﻌ َﻢ ﺑﻚ؟! ﻓﻐﺼﺒﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ
اﻟﻨﻄﻖ وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺎم دون اﻗﱰاﻧﻚ ﺑﻲ ﻣﺎﻧﻊ ﻻ ﺗﻘﻮى ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ،
ﻻ ﺗُﺴﻤﻌﻴﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻳُﻤ ﱢﺰق ﻛﺒﺪي ،ﻓﺄﻧﺎ وﷲ ﻷﻗﻠﺒﻦ اﻟﺒﻼد وأﺻﺒﻐﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪم
وﻻ أُﻓﻘِ ُﺪ ﻧﻔﴘ ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻗﱰان ﺑﻚ!
ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،إن اﻗﺘﺪارك وﻋﻈﻤﺘﻚ ﻻ ﻳﻨﻔﻌﺎﻧﻚ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻤﺎ أﻧﺎ اﻟﻴﻮم
اﻟﻴﺄس ﻗﻠﺒﻪُ إﻻ اﻣﺮأة اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« اﻟﻮزﻳﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻏﺎب ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب ،وﻣ ﱠﺰق
وﻫ ْﺖ ﻗﻮاه واﺻﻔ ﱠﺮ ،ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎﻟﻘﺘﻴﻞوأوﻗﻌﻪ ﰲ ﻏﻤﺎء ،ورﺟﻊ إﱃ وراء ﺑﺎرﺗﺠﺎف وﻗﺪ َ
ُﻈﻬﺮ ﻣﺒﻠﻎ ﻳﺄﺳﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻋﲆ ﺷﺠﺮة ﻛﺎﻧﺖ وراءه ،وﻟﺒﺚ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻌني آﺳﻔﺔ إﱃ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﻟﻴ ِ
اﻟﺨﻄﺐ اﻟﺠﺴﻴﻢ واﻟﺒﻼء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺘﻪ وﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤني ﺗﺴﺘﺒﻜﻲ اﻟﺤﻤﺎم رﺣﻤﺔً
ﺑﺎﻟﻌﺎﺷﻘني ،ﺛﻢ إﻧﻪ رﻓﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻘﻮة وﺷﺠﺎﻋﺔ وﻗﺎل وﻫﻮ ﻳﺘﻨﻬﺪ :ﻳﺎ ﺿﻴﺎء ،ﻛﻴﻒ ﻓﻌﻠﺖ
ذﻟﻚ؟! ﻟﻘﺪ أﻫﻠﻜﺘﻨﻲ وأﻫﻠﻜﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺰن.
455
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
456
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
زوﺟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ »ﻓﺮﻧﺎن« ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺄﻣﺮ املﻠﻚ أﺑﻰ إﻻ أن ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺤﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻞ ،ﺣﺘﻰ
إذا ﻣﺜﻞ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﻗﺎل ﻟﻪ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ اﻟﺸﻔﻴﻖ اﻟﻌﺎدل ،إن ﻋﺒﺪك »ﻓﺮﻧﺎن« ﺟﺎء ﻳﺸﺘﻜﻲ ﻣﻨﻚ
إﻟﻴﻚ ،ﻓﺄي ذﻧﺐ اﻗﱰف ﺻﻬﺮه ﺣﺘﻰ ﺣﻞ ﺑﻪ ﺳﺨﻄﻚ ،وﻟﺰﻣﻪ اﻟﻌﺎر ﺑﻤﺎ أﻣﺮت ﺑﻪ رﺋﻴﺲ
ﴍﻃﺘﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ؟! ﻓﻘﺎل :اﻋﻠﻢ أﻳﻬﺎ اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﺼﺎدق أن ﻟﺪي ﺑﻴﻨﺎت ﺗﺜﺒﺖ ﺑﺄن
ﻣﻴﺎﻻ ﻣﻊ أﺧﻲ »دون ﻟﻮزرﻳﻖ« ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺒﺎﻳﻌﻪ ﻟﺼﻬﺮك ﻳﺪًا ﰲ ﻓِ ﺘَﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻻ أﻇﻨﻪ إﻻ ً
وﻳﺨﻠﻌﻨﻲ ،ﻓﺮدد اﻟﻮزﻳﺮ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ :ﻟﻪ ﻳﺪ ﰲ ﻓﺘﻦ اﻟﺪوﻟﺔ وﻳﺨﻠﻊ وﻳﺒﺎﻳﻊ! ﺛﻢ رﻓﻊ رأﺳﻪ
وﻗﺎل :ﻻ ،وأﻳﺪ ﷲ ﺟﻼﻟﺔ املﻠﻚ ،إن اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻮدﻫﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ آﱄ ،وﻛﻔﻰ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن
اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﺻﻬ ًﺮا ﱄ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻔﻲ ﻋﻨﻪ ﻫﺬه اﻟﺘﻬﻤﺔ ،وﻟﻜﻦ أراك ﻗﺪ ﻗﺒﻀﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻐﺎﻳﺔ
ﴎﻳﺔ ﻣﻨﻚ!
ﻓﻘﺎل املﻠﻚ :ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻚ ﺗﻜﻠﻤﻨﻲ ﻋﻦ ﴎي؛ ﻓﺈﻧﻲ أﺑﻴﺢ ﺑﻪ إﻟﻴﻚ ،ﻓﺎﻋﻠﻢ أن اﻟﻄﺮﻳﻖ
وﺑﺎﻻ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﺣﺮﻣﺘﻨﻲ ﻟﺬة ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ أﺣﻘﺮ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ًرا، اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﺗﻬﺎ ﺑﺤﻘﻲ ﺟﻠﺒﺖ ﻋﲇ ً
واﻋﻠﻢ ﺑﺄﻧﻲ ﻻ أﺗﺰوج ﺑ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻲ ،ﻓﺮﺟﻒ اﻟﻮزﻳﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﻗﺎل :ﻻ ﻳﺼﺢ أﻳﻬﺎ
املﻠﻚ أن ﻻ ﺗﺘﺰوج ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن واﻋﺪﺗﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ ﻣﺤﴬ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء واﻟﻘﻮاد ،ﻓﻘﺎل :ﻟﻴﺲ
اﻟﺬﻧﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻋﲇ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ واﻗﻊ ﻋﻠﻴﻚ؛ ملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ إﻛﺮاﻫﻚ إﻳﺎي ﻋﲆ وﻋﺪﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ
ﺣني ﻻ رﻏﺒﺔ ﱄ ﻓﻴﻪ وﻻ إﻣﻜﺎن ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺘﻚ اﻟﻘﺮﻃﺎس اﻟﺬي ﺳ ﱠﻠﻤﺘﻪ إﱃ اﺑﻨﺘﻚ ﺑﺎﺳﻢ
»ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ﻻ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺗﺰوﻳﺠﻚ إﻳﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻋﻨﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ
ﻓﺮﺿﻨﺎ أن ﻃﺎﻋﺘﻚ ﻣﻨﻬﺎ واﺟﺒﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن أﻏﻨﺎك أن ﺗﻔﻴﺪﻧﻲ ﺑﻮﻋﺪ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﱄ ﻋﲆ إﻧﺠﺎزه .أﻻ
ﺗﺬﻛﺮ أن »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« إﻧﻤﺎ ﻫﻲ اﺑﻨﺔ »ﺑﻮران« اﻟﺘﻲ أﻫﺪرت دم أﺑﻲ ﻇﻠﻤً ﺎ وﻋﺪواﻧًﺎ؟! أﺗﺮى ﰲ
اﻹﻣﻜﺎن أن أﺟﺘﻤﻊ وإﻳﺎﻫﺎ ﻋﲆ ﻓﺮاش واﺣﺪ؟! ﻻ وﷲ ،وﻟﻜﻨﻚ ﺗﺮى ﺻﻘﻠﻴﺔ رﻣﺎدًا ،وﺳﻜﺎﻧﻬﺎ
دوارس ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن أُﻧﺠﺰ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« وﻋﺪي ﺑﺎﻗﱰاﻧﻲ ﺑﻬﺎ. َ رﻣﻤً ﺎ ،وﻣﺘﺎﻋﻬﺎ ﻧﻘﺎ ًرا ،وﻣﻌﺎملﻬﺎ
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻮزﻳﺮ ﻛﻼﻣﻪ ﺧﺎف اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ وﻗﺎل :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،اﺧﻔﺾ ﻋﻠﻴﻚ ﻏﻀﺒﻚ،
وﻻ أﻇﻦ أن ﺣﺒﱠﻚ ﻟﺮﻋﻴﺘﻚ ﻳﺪﻋﻚ أن ﺗﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل ،وﻋﺸﻘﻚ ﻻﺑﻨﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻚ ﻋﲆ أﻋﻤﺎل
اﻟﻌﺸﺎق ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأﻧﺎ إﻧﻤﺎ ﺻﺎﻫﺮت اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﻟﻜﻲ أﺟﻌﻠﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﻴﺪك املﻘﺮﺑني ،ﻓﻘﺎل
املﻠﻚ :إن ﻣﺼﺎﻫﺮﺗﻚ إﻳﺎه ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ملﺎ أﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ واﻻﺿﻄﺮاب ،ﻓ ِﻠ َﻢ ﺗﻮ ﱠﻛﻠﺖ ﺑﺄﻣﻮري
ﺼﻦ رﻋﺎﻳﺘﻬﺎ وﻻ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ؟! أﻓﺮأﻳﺖ ﰲ ﱠ ﺟﺒﻨًﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ أﻗﻬﺮ ﻣﻦ ﻧﺎوأﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﲆ ﺣني ﻟﻢ ﺗَ ُ
اﻷﻣﺮاء واﻟﺠﻨﺪ إذا أﺛﺎروا اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﲇ؟! أم رأﻳﺖ أن املﻠﻮك ﻻ ﺣﻖ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻨﻌﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻨﻌﻢ ﺑﻪ
ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس؟! ﻓﺈن ﻛﺎن رأﻳﻚ ﻫﺬا وأﻧﻲ أﻛﻮن ﻋﺒﺪًا؛ ﻓﺨﺬ ﻫﺬا املﻠﻚ اﻟﺬي أردت أن ﺗُﺒﻘﻴَﻪ
ﻋﻤﻠﺖ ﻣﻦ ﺟ ْﻠﺐ اﻟﻐ ﱢﻢ واﻟﻴﺄس ﻋﲇﱠ! ﻓﻘﺎل اﻟﻮزﻳﺮ :أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ أن املﻠﻚ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻚ ﱄ ﺑﻤﺎ ِ
إﻻ ﺑﺎﻗﱰاﻧﻚ ﻣﻊ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ«.
457
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل :ﺑﺄي ﺣﻖ ﻛﺘﺐ ﻋﻤﻲ وﺻﻴﺘﻪ ﻛﺬﻟﻚ؟! ﻓﻬﻞ اﺷﱰط ﻋﻠﻴﻪ أﺧﻮه »ﻛﺎرﻟﻮس« ﺑﻤﺜﻞ
ﻫﺬه اﻟﴩوط ﺣني ﺧﻠﻒ ﻟﻪ املﻠﻚ؟! وﻟﻜﻦ ﻟﺘﻌﻠﻢ أن وﺻﻴﺘﻪ ﺗﻔﺴريﻫﺎ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ،وأﻧﻲ ﻻ
أﻋﺰم ﻋﲆ اﻻﻗﱰان ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻋﻤﻲ ﺣﺘﻰ إذا أﺑﺪى أﺧﻲ إﺷﺎرة ﺛﻮرة ﻋﻠﻮﺗﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ،وأن ﻓﻜﺮﺗﻪ
]…[ 1وإﻻ ﻓﻜﺎن أﺣﻖ ﺑﺎملﻠﻚ ﻣﻨﻲ.
ﻳﺒﻖ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ أن ﻳُﻘﺒﱢ َﻞ اﻷرض ﺑني ﻳﺪي ﺳﻴﺪه، ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻮزﻳﺮ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﻢ َ
وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺻﻬﺮه ،ﻓﻮﻋﺪه ﺑﺬﻟﻚ ،وأﻣﺮه ﺑﺄن ﻳﺴري إﱃ ﻗﴫه وﻳﻨﺘﻈﺮ رﺟﻮع
اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﺑﻌﺪه ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺧﻼ ﻟﻪ املﻜﺎن رﺟﻊ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﺰم ﻋﲆ إﺑﻘﺎء
اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﰲ اﻟﺴﺠﻦ إﱃ ﻏ ِﺪ اﻟﻴﻮ ِم ﻟﻴﺰو َر زوﺟﺘﻪ ُﺧ ً
ﻔﻴﺔ!
وأﻣﺎ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﻓﺈﻧﻪ ملﺎ ﻗﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﴩﻃﺔ وﻃﻠﺲ ﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻒ ﻋﻠﻴﻪ
ﻄﻊ ﻓﺆاده ﺣﴪة ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ ،وﺻﺎر ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻄﻤﺢ ﻟﻠﻐرية ﺗﺘﻘﻠﺐ ﺑﻪَ ،
وﺗﻘ ﱠ
وﻧﺪﻣً ﺎ ،وﻋﺰم ﻋﲆ أن ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ اﻹﻓﺮاج ﻋﻨﻪ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﻗﺪﱠر أن املﻠﻚ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺠﺘﻤﻊ
ﺑﺰوﺟﺘﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ رام أن ﻳﺪﻫﻤﻬﻤﺎ ﺑﻐﺘﺔ ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻦ أﻣري اﻟﺤﺒﺲ أن ﻳﻄﻠﻘﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ
اﻟﻠﻴﻠﺔ ،ﻋﲆ اﻟﻮﻋﺪ ﺑﺄن ﻳﻌﻮد ﰲ اﻟﺼﺒﺎح إﱃ ﻣﺤﺒﺴﻪ؛ ﻓﻠﺒﺎه ﻟﺬﻟﻚ ملﻮد ٍة ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻟﻌﻠﻤﻪ
ﺑﺄن »ﻓﺮﻧﺎن« ﱠ
ﺗﺸﻔﻊ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ املﻠﻚ ﻓﻮﻋﺪه ﺑﺎﻹﻓﺮاج ﻋﻨﻪ.
ﻓﺮﺳﺎ ﻛﺮﻳﻤً ﺎ ﻟﻴﺬﻫﺐ إﱃ ﻗﴫ زوﺟﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻞ وزاد اﻷﻣري ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻗﺪﱠم إﻟﻴﻪ ً
إﱃ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻓﺘﺢ ﺑﺎﺑًﺎ ﴎﻳٍّﺎ ﺑﻤﻔﺘﺎح ﻛﺎن ﰲ ﺟﻴﺒﻪ ،وﻃﻠﻊ إﱃ اﻟﻘﴫ واﺧﺘﺒﺄ ﰲ ﻣﻘﺼﻮرة
ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﻘﺼﻮرة زوﺟﺘﻪ دون أن ﻳﺮاه أﺣﺪ ،ووﻗﻒ وراء اﻟﺒﺎب ﻟريى ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ،ﺣﺘﻰ
إذا ﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗًﺎ ﺑﺎدر إﱃ املﻘﺼﻮرة ﺑﺴﻴﻔﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﱠإﻻ أن ﻣﺮت ﻣﻦ ﻫﻨﺎك
ﻗﻬﺮﻣﺎﻧﺔ ﺿﻴﺎء وﺻﺎرت إﱃ ﻣﺨﺪﻋﻬﺎ ﻟﻠﺮﻗﺎد .ﻫﺬا ﻣﺎ رآه ﻣﻦ وراء اﻟﺒﺎب ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ.
وأﻣﺎ ﺿﻴﺎء ﻓﺈﻧﻬﺎ ملﺎ ﺑﻠﻐﻬﺎ ﻗﺒﺾ رﺋﻴﺲ اﻟﴩﻃﺔ ﻋﲆ زوﺟﻬﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن املﻠﻚ أﻣﺮ ﺑﺬﻟﻚ
ﻟﻜﻲ ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺮاه ،وﻗﺪﱠرت أﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﺮج ﻋﻨﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻛﺪ ﻟﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ
أن املﻠﻚ وﻋﺪه ﺑﺄن ﻳﻔﺮج ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ رﺟﻮﻋﻪ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﻓﺒﺎﺗﺖ وﻫﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮ دﺧﻮل املﻠﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻟﺘﻠﻮﻣﻪ ﻋﲆ ﺣﺒﺲ زوﺟﻬﺎ ،وﺗُﺨﻮﱢﻓﻪ اﻟﻌﻮاﻗﺐ اﻟﻮﺧﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ،وإذا ﺑﻪ ﻗﺪ ﻓﺘﺢ
اﻟﺒﺎب — وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ اﻧﴫاف اﻟﻘﻬﺮﻣﺎﻧﺔ — واﻧﻄﺮح ﺑني ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ،
ﻻ ﺗﻘﴤ ﻋﲇ ﺑﺎﻟﴩﱢ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﻤﻌﻲ اﻋﺘﺬاري؛ ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻢ أﺣﺠﺰ ﻋﲆ زوﺟﻚ إﻻ ﻟﺘﻜﻮن ﱄ
ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎع ﺑﻚ ،وإﻇﻬﺎر اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻚ ،ﻓﺈذا ﻓ ﱠﺮﺟﺖ ﻋﻨﻪ ﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﱄ وﺳﻴﻠﺔ إﱃ ذﻟﻚ.
1ﻫﻜﺬا ﺑﺎﻷﺻﻞ.
458
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
ﻓﺄﻗﻮل ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إن ﺣﺮﻣﺎﻧﻚ ﺣﺒٍّﺎ ﱄ وﻓِﻘﺪاﻧﻚ ﻣﻦ ﺑني ﻳﺪي ﻗﺪ أﺣﺪث ﺑﻲ أ ًملﺎ ﻻ ﻳﻌﱪ
ﻋﻨﻪ اﻟﻠﺴﺎن ،ﻓﺪﻋﻴﻨﻲ أﺧﻔﻒ ﻫﺬا اﻷﻟﻢ ﺑﺘﺄﻛﻴﺪي ﻟﻚ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺧﻦ ﻋﻬﻮدي إﻟﻴﻚ ﰲ ﳾء ﻣﻦ
ﺳﻴﺎﺳﺔ أﻛﺮﻫﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻮك — ﺳﺎﻣﺤﻪً اﻷﺷﻴﺎء ،وأﻧﻲ إﻧﻤﺎ وﻋﺪت »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ« ﺑﺎﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ
رﺿﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﴘ ،وإﻻ ﻓﺈن أﻋﻤﺎﱄ ﰲ اﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺘﱠﻤ ﱡﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺰوﱡج ﺑﻚ ﷲ—ﻻ ً
دوﻧﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﺤﻆ وﻧﻜﺪ اﻟﻄﺎﻟﻊ أﻧﻚ ﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻚ إﱃ ﻫﺬا اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ،وﺟﻌﻠﺖ
ﻳﺄس ﻓﻬﻤﺘﻪ ﻣﻨﻪ ﱄ وﻟﻚ ﺣﺰﻧًﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﻚ آﺧﺮ اﻟﺪﻫﺮ .ﻗﺎل ﻫﺬا اﻟﻜﻼم وﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ٌ
وﴎت ﻣﻨﻪ ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻟﺘﺤﻘﻘﻬﺎ ﻋﺸﻖ املﻠﻚ ﻟﻬﺎ. ﺿﻴﺎء ُ ،ﱠ
ﺛﻢ ﻓﻄﻨﺖ ﻟﺘﺰوﺟﻬﺎ ﺑ »املﺮﻛﻴﺲ« وﻓِﻘﺪاﻧﻬﺎ ﻫﻨﺎء اﻟﻮﺻﺎل ﻣﻦ املﻠﻚ ،ﻓﺘﻘﻄﻌﺖ ﺣﺰﻧًﺎ
وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،إن ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ — ﺑﻌﺪ ﺣﻜﻢ اﻟﺰﻣﺎن ﺑﺘﻔﺮﻳﻖ ﺷﻤﻠﻨﺎ — أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺨﻨﻲ ﰲ
ﻋﻬﻮدي ملﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﺆادي ﻋﲆ ﻋﻼﺗﻪ وﺻﺒًﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻃﺎﻟﻌﻲ أﺑَﻰ ﱠإﻻ أن ﻳﻜﻮن ﻧﻜﺪًا؛ ﻓﻈﻨﻨﺖ أﻧﻚ
ﻧﺴﻴﺘﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺟﻠﻮﺳﻚ ﻋﲆ أرﻳﻜﺔ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ إذا أﻣﺮﻧﻲ أﺑﻲ ﺑﺄن أﺗﻘﺒﻞ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ«
زوﺟً ﺎ ﻟﻢ أﺧﺎﻟﻔﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻜﺎن ﻣَ ﺜَﲇ ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﲆ ﺣﺘْﻔﻪ ﺑﻈﻠﻔﻪ ،واﻟﻮﻳﻞ ﱄ ﻋﲆ ﻣﺎ
ﻛﺎن ﻣﻨﻲ ﻣﺬ ﺧﻨﺖ اﻟﻴﻤني ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻛﻴﺪﻫﺎ إﻟﻴﻚ! ﻓﺎﻧﺘﻘﻢ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻣﻨﻲ ﺑﺄن ﺗﻬﺠﺮﻧﻲ وﺗﺮﻓﻊ
ذﻛﺮي ﻣﻦ ﺧﺎﻃﺮك ،ﻓﻘﺎل ﺑﺼﻮت ]…[ 2 :ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻘﺪرﺗﻲ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ أن أﻫﺠُ ﺮ ﻫﻮاك ،وﻻ
ﺗﻌﺬﻟﻴﻨﻲ ﻋﲆ ذﻟﻚ؛ ﻓﺈن اﻟﻌﺬل ﻳﻮﻟﻌﻨﻲ وﻳﺰﻳﺪﻧﻲ ﺟﻮًى!
ﻓﻘﺎﻟﺖ وﻫﻲ ﺗﺘﻨﻬﺪ :وﻟﻜﻨﻲ أرى ﻣﻦ اﻟﺴﺪاد أن ﺗﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل :وﻫﻞ ﰲ
اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ أﻧﺖ أن ﺗﺮﻓﻌﻲ ذﻛﺮ ﻋِ ْﺸﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﻃﺮك؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ أﻇﻦ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ أﺑﺬ ُل
ْ
وﻋﻠﻘﺖ ﺑﻚ ﻣﺤﺒﺘﻪ اﻟﻮﺳ َﻊ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﻗﺎﺳﻴﺔ اﻟﻘﻠﺐ ،أﺗُﻌﺮﺿني ﻋﻦ ﻣُﺤﺐﱟ ﻗﺘﻠﻪ ﻫﻮاك،
أﻳﺎم اﻟﺼﺒﺎ ﺑﻤﺠﺮد ﻋﺰم ﺗﻌﺰﻣني ﻋﻠﻴﻪ؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ املﺬ ﱠﻟﺔ :أﺗﻈﻦ ﺑﺄﻧﻲ أرﴇ
ً
ﻋﺎﺷﻘﺎ؟! ﻻ وﺣﻴﺎﺗﻚ؛ ﻓﺈن اﻟﻘﺪر إذ ﻟﻢ ﻳُﻘﺪﱢر ﱄ ﺑﺄن أﻛﻮن ﻣﻠﻜﺔ ،ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺑﺄن ﺗﻜﻮن ﱄ اﻟﻴﻮم
ﻟﻢ ﻳُﻘﺪﱢر ﻋﲇ أن أﺧﻮن زوﺟﻲ ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﻘﺪر واﻟﻔﺨﺎﻣﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﺘﻚ؛ ﻷن
أﻳﻀﺎ ﻛﻤﺎ داﻧﺖ ﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،وإﻧﻲ أﺣﻠﻒ ﻋﻠﻴﻚ داﻧﺖ ﻟﻬﻢ املﻠﻮك ً
ْ أﺟﺪادك ﻫﻢ أﺟﺪاده ،وﻗﺪ
ﺑﺎﻷﻳﻤﺎن أن ﺗﻨﴫف ﻋﻨﻲ وﻻ ﺗﺬل ﻋﺮﴈ وﴍﰲ.
ﻓﺼﺎح املﻠﻚ :ﻳﺎ ﻟﻠﺠﻔﺎء واﻟﻘﺴﻮة! أﻣﺎ ﻛﻔﻰ ﺑﻲ ﺣﺰﻧًﺎ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ زوﺟﺔ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ«
ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺎﻣﻠﻴﻨﻲ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﻔﺎء ،وﺗﺤﺮﻣﻴﻨﻲ ﻣﻦ رؤﻳﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺳﻠﻮة ﱄ ﻏريﻫﺎ؟! ﻓﺒﻜﺖ
459
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺷﻮﻗﺎ إﻟﻴﻚ ،وﺗﺤﺪث ﺧﻔﻘﺎﻧًﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﺑﺬا ﻗﻀﺖ اﻷﻳﺎم ،ﻓﺎﻧﴫف ﻋﻨﻲ؛ ﻓﺈن رؤﻳﺘﻚ ﺗﻬﻴﺠﻨﻲ ً
ﰲ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﺘﺬ ﱡﻛﺮي أﻳﺎم اﻟﺼﺒﺎ ،ﻛﻤﺎ أن أﺣﺸﺎﺋﻲ ﺗﻀﻄﺮب اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ﻗ ﱠﻞ أن ﻳﻜﻮن ﰲ اﻟﻌﺎﺷﻘني
ﻣﺜﻠﻪ ﻋﻨﺪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﺑﺄﺣﺒﺎﺑﻬﻢ ،ﻓﺎذﻫﺐ وﺧ ﱢﻠﺺ ﴍﰲ ﻣﻦ املﺤﺎرﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﺞ ﻓﺆادي.
ﻗﺎﻟﺖ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم وأﺧﺬت ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻗﻠﺒﺖ ﺷﻤﻌﺔ ﻣﻨﻮرة ﻛﺎﻧﺖ وراءﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺪة
ﻣﻦ ﻏري أن ﺗﻔﻄﻦ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﺘﻬﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ وﺳﺎرت إﱃ ﻣﻘﺼﻮرة اﻟﻘﻬﺮﻣﺎﻧﺔ ﻟﺘُﺸﻌﻠﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ
ً
ﻣﺘﺒﺎدﻻ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻌﺮض ﻋﻦ ﺣﺒﻪ ﻟﻴﺒﻘﻰ اﻟﺤﺐ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﺎدت أﻟﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﻠﻚ ﺑﺄن ﻻ ﺗُ ِ
اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« ﻛﻼﻣﻪ اﺗﻘﺪت ﺑﻪ ﻧﺎر اﻟﻐرية ،ووﺛﺐ إﱃ املﻘﺼﻮرة ﻏﻀﺒًﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي
ﺻﻠﺖ :أﻳﻬﺎ اﻟﻈﺎﻟﻢ اﻟﻐﺎﺷﻢ ،ﻻ ﺗﻈﻦ أﻳﻬﺎ ٌ ﻋﺎدت ﻓﻴﻪ زوﺟﺘﻪ ،وﻗﺎل ﻟﻠﻤﻠﻚ — واﻟﺴﻴﻒ ﰲ ﻳﺪه
اﻟﺨﺎﺋﻦ أﻧﻚ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺘﻤﻴﻢ ﻣﺮﻏﻮﺑﻚ ﻋﲆ أﺳﻬﻞ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺣﺴﺒﺖ .ﻗﺎل ﻫﺬا وﺗﻮاﺛﺒﺎ
ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ،ووﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﴏاع ﻟﻢ ﻳﻄﻞ ﻛﺜريًا ﻟﺸﺪة ﺣﺪﺗﻬﻤﺎ ﻓﻴﻪ؛ ﻷن اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ«
ﻗﺪ ﺗﺨﻮﱠف ﻣﻦ أن ﻳُﺒﺎدر »ﻓﺮﻧﺎن« وأﻋﻮاﻧﻪ — ﻟﺸﺪة ﴏاخ زوﺟﺘﻪ — ﻓﻴﻨﻘﺬ املﻠﻚ ﻣﻦ ﺑني
ﻋﺠﻞ ،واﺣﺘ ﱠﺪ ﺣﺘﻰ ﻏﺎب ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب ،ﻓﻮﺛﺐ وﺛﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة ٍ ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﺮام أن ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ
ﺑﺎدره املﻠﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻄﻌﻨﺔ ﻓﴫﻋﻪ ﻋﲆ اﻷرض ﻳﺨﺘﺒﻂ ﺑﺪﻣﻪ.
ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ زوﺟﺘﻪ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﺮأﻓﺔ ،وﺑﺎدرت إﻟﻴﻪ ملﻼﻗﺎة
ﺣﻨﻘﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻓ ﱠﻜﺮ ﺑﺄﻧﻪ إذا ﻣﺎت ﺟﺮاﺣﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻋِ ﻮَض أن ﻳَﺸ ُﻜﺮﻫﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺣﻨﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ً
ﺣﻤَ ﻠﻬﺎ املﻠﻚ إﱃ ﻗﴫه وﺑﺎت ﻣﻌﻬﺎ ﰲ ﻫﻨﺎء وﻧﻌﻴﻢ ،ﻓﺎﺷﺘﺪت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻐرية ﺣﺘﻰ ﺟﻤﻊ ﻗﻮاه
ورﻓﻊ اﻟﺴﻴﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑﻴﺪه وﻃﻌﻨﻬﺎ ﺑﻪ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل :ﻣﻮﺗﻲ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺨﺎﺋﻨﺔ اﻟﺘﻲ
َ
وأﻧﺖ أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ﻻ ﺗﻔﺮحْ ﻟﻢ ﺗﺤﻔﻆ ﻋﻬﻮدًا أﻗﺴﻤﺖ ﺑﺎهلل ﰲ ﺑﻴﻌﺘﻪ املﻘﺪﺳﺔ ﻋﲆ ﺗﻮﻛﻴﺪﻫﺎ إﱄ ﱠ،
ﺑﻤﻮﺗﻲ وﻣُﺼﺎﺑﻲ؛ ﻷﻧﻚ ﻻ ﺗﻬﻨﺄ ﺑﺎملﻠﻚ ﺑﻌﺪي .ﻗﺎل ﻫﺬا وﺳ ﱠﻠﻢ روﺣﻪ ،ﻋﲆ ﺣني ﻟﻢ ﺗﺰل ﺳﻤﺎت
اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ،وﻗﺪ وﻗﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ زوﺟﺘﻪ واﻣﺘﺰج دﻣﻬﺎ ﺑﺪﻣﻪ.
وأﻣﺎ املﻠﻚ ﻓﺈﻧﻪ ملﺎ ﻃﻌﻦ اﻟ »ﻣﺮﻛﻴﺲ« زوﺟﺘﻪ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ وﻗﺖ ملﺪارﻛﺔ اﻷﻣﺮ أﻇﻠﻤﺖ
ﻈﻢ اﻟﺤﺰن واﻷﻟﻢ ،ﻓﺒﺎدر إﻟﻴﻬﺎ ملﻼﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﻤﺜﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ وﺟﻬﻪ ،وﻛﺎد ﻳﻘﻊ ﻋﲆ اﻷرض ﻣﻦ ﻋِ َ
ﻣﺎ ﺗﻼﻓﺖ ﻫﻲ زوﺟﻬﺎ ،ﻋﲆ ﺣني ﻣﺎ أﺳﺎء ﻣﺠﺎزاﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺑﺼﻮت ﺿﻌﻴﻒ :أﻳﻬﺎ
املﻠﻚ اﻟﺤﺒﻴﺐ ،إن ﺗﺪارﻛﻚ أﻣﺮي اﻵن ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﻤﺰﻳﻖ ﺻﺪري ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﺛﻤﺮة؛
ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﻠﻜﻚ ﻣﻌﻈﻤً ﺎ ﻣﺒﺎر ًﻛﺎ ﺑﻌﺪي ،وﻟﻴﻜﻦ اﻟﺴﻌﺪ ﺧﺎدﻣً ﺎ ﻟﻚ.
ﺛﻢ إن أﺑﺎﻫﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﴏاﺧﻬﺎ ﻓﺪﺧﻞ املﻘﺼﻮرة ورأى ﺗﻠﻚ املﺸﺎﻫِ َﺪ أﻣﺎﻣﻪ ،ﻓﻮﺟﻢ
ﺣﺰﻳﻨًﺎ ﻻ ﻳُﺒﺪي ﺣﺮﻛﺔ ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻄﻦ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻴﻪ ﻟﻘﺪوﻣﻪ ،ﻓﺄﻛﻤﻠﺖ ﻛﻼﻣﻬﺎ إﱃ املﻠﻚ
وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻲ أودﻋﻚ أﻳﻬﺎ املﻠﻚ وأﺳﺘﻮدﻋﻚ ﷲ ،وأرﺟﻮ أن ﺗُﺮدﱢد ذﻛﺮي ﰲ ﺧﺎﻃﺮك؛ ﻷن
460
ﺣﺮف اﻟﻀﺎد
ودادي ﻟﻚ وﻣﺎ ﻟﺤﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼء ﻟﻴﺠﺮاﻧﻚ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وأﻣﲇ ﻣﻨﻚ أﻧﻚ ﻻ ﺗﺤﻨﻖ ﻋﲆ أﺑﻲ ،ﺑﻞ
ﺗﻜﺎﻓﺌﻪ ﻋﲆ أﻣﺎﻧﺘﻪ ﻟﻚ ،وﺗﺤﻔﻈﻪ ﻟﻚ ،وﺗُﻌ ﱢﺰﻳﻪ ﺑﻲ ﻋﲆ ﻗﺘﲇ ،وﺗُﻌ ﱢﺮﻓﻪ ﻃﻬﺎرﺗﻲ وﻋﺰة ﻧﻔﴘ.
وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أوﺻﻴﻚ ﺑﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ ﻫﺬا وﺳ ﱠﻠﻤﺖ روﺣﻬﺎ ،ﻓﻮﺟﻢ املﻠﻚ ﺳﺎﻋﺔ ﻻ ﻳُﺒﺪي ﺣﺮﻛﺔ وﻻ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺤﺮف؛ ﻟﺸﺪة
ﺣُ ﺰﻧﻪ ،ﺛﻢ رﻓﻊ ﻃﺮﻓﻪ إﱃ وزﻳﺮه وﻗﺎل ﻟﻪ :اﻧﻈﺮ أﻳﻬﺎ اﻟﻮزﻳﺮ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻳﺪاك ،وﻣﺎ دﺑﺮت ﻣﻦ
اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻟﺜﺒﺎت املﻠﻚ ﱄ! ﻛﻴﻒ ﺳﺎءت اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻣﺼريًا؟! ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺒﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻜﻠﻤﺔ؛ ﻟﻌﻈﻢ وﻗﻮع
اﻟﺒﻠﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ.
وأﻧﺎ ﻻ أﺗﻌﺮض اﻵن ﻟﺬﻛﺮ اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻠﺴﺎن ،وأﻛﺘﻔﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ
ً
ﻋﻮﻳﻼ ﻛﺜريًا ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻘﻮل :إﻧﻪ ملﺎ رﺟﻊ املﻠﻚ ووزﻳﺮه إﱃ ﻋﻘﻠﻬﻤﺎ ﺑﻜﻴﺎ وأﻋﻮﻻ
ﺣﺎﻟﺘﻬﻤﺎ ﺗﻔﺘﺖ اﻷﻛﺒﺎد ،وﺗﺬﻳﺐ اﻟﺠﻤﺎد .وﺑﻘﻲ اﻟﺤﺰن ﰲ ﻗﻠﺐ املﻠﻚ ﺳﻨني ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﻗﺪ ﺣﻔﻆ
ذﻛﺮ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﺳﺎﺋﺮ أﻳﺎم ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ ﻃﺎﻗﺔ ﻋﲆ اﻻﻗﱰان ﺑ »ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ«،
ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ أﺧﻮه »دون ﻟﻮزرﻳﻖ« ،وأﺛﺎر ﻣﻌﻬﺎ ﻓﺘﻨﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد ملﺎ ﺣﺪﺛﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ وﺻﻮل
ا ُمل ْﻠﻚ إﻟﻴﻪ؛ اﺗﺒﺎﻋً ﺎ ﻟﻮﺻﻴﺔ ﻋﻤﻪ املﻬﺮﺟﺎن ،ﻏري أن اﻟﺪاﺋﺮة دارت ﻋﻠﻴﻪ ،وداﻧﺖ اﻟﺒﻼد ﻷﺧﻴﻪ
»أﻟﻔﻮﻧﺲ« وﺧﻀﻊ ﻟﻪ اﻟﻘﻮاد واﻷﻣﺮاء .أﻣﺎ »ﻓﺮﻧﺎن« ﻓﺈن اﻟﺤﺰن واﻷﺳﻒ املﺘﺴﺒﺐ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ
اﻟﺨﻄﻮب ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ أﻟﺠﺄه إﱃ ﻣﺒﺎرﺣﺔ أوﻃﺎﻧﻪ .ﻓﺴﺒﺤﺎن ﻣﻐري اﻷﺣﻮال.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء اﻷﻧﺼﺎر اﻟﺘﻘﻴﺎت اﻟﻨﻘﻴﺎت اﻟﻌﺎﺑﺪات ،اﻟﻼﺗﻲ ﻟﻬﻦ ﺻﺤﺒﺔ ﺣﺴﻨﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ
ﷺ ،وروت ﻋﻨﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وأﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌني ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،ﺣﻠﻮة
اﻟﻌﺒﺎرة؛ إذا ﺣﺪﱠﺛﺖ وﻋﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب ،وﺗﻔﺘﺤﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻵذان .وﻛﺎﻧﺖ ﻣُﻘ ﱠﺮﺑﺔ ﺑني اﻷﻧﺼﺎر،
ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﻴﻊ؛ ﻟﺘﻘﻮاﻫﺎ وﻋﻔﺎﻓﻬﺎ وﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ،ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻔﺎﺋﻖ .وﻗﺪ ﻫﻮﻳﻬﺎ ُزﻓﺮ ﺑﻦ
اﻟﺤﺎرث اﻟﻜﻼﺑﻲ وﺗﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﺘﻔﺖ إﻟﻴﻪ ،وﻗﺪ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌ ًﺮا أوﻟﻪ:
وﻫﻲ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻟﻢ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﲆ ﺑﺎﻗﻴﻬﺎ .وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑني أﻫﻠﻬﺎ اﻷﻧﺼﺎر وﻫﻲ ﰲ ﻋﺰ وإﻗﺒﺎل.
461
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ُ
ﺿﺒﺎﻋﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺰﺑري
اﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ،اﺑﻨﺔ ﻋﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ .ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺔ املﻘﺪاد ﺑﻦ
ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ — ُﻗﺘﻞ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻞ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﺸﺔ — وﻛﺮﻳﻤﺔ. ْ ﻋﻤﺮو اﻟﻜﻨﺪي
ُ
وﻋﺎﺋﺸﺔ وﻋﺮو ُة واﻷﻋﺮجُ . ٌ
وأﻧﺲ َ
ﺿﺒﺎﻋﺔ :اﺑ ُﻦ ﻋﺒﺎس وﺟﺎﺑ ٌﺮ روى ﻋﻦ
وﻗﻴﻞ :إن ﺿﺒﺎﻋﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺰﺑري أﺗﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،إﻧﻲ أرﻳﺪ اﻟﺤﺞ؛
أﻓﺄﺷﱰط؟ ﻗﺎل» :ﻧﻌﻢ« ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻴﻒ أﻗﻮل؟ ﻗﺎل» :ﻗﻮﱄ ﻟﺒﻴﻚ اﻟﻠﻬﻢ ﻟﺒﻴﻚ ،ﻟﺒﻴﻚ ﻣﺤﲇ ﻣﻦ
اﻷرض ﺣﻴﺚ ﺗﺤﺒﺴﻨﻲ «.ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻛﻤﺎ أﻣﺮﻫﺎ ،وﺣﺪﱠﺛﺖ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ وﺧﻼﻓﻪ ،وروَى ﻋﻨﻬﺎ
ٌ
ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌني ً
أﻳﻀﺎ.
462
ﺣﺮف اﻟﻄﺎء
ﻫﻲ اﻟ »ﺧﻮﻧﺪة« اﻟﻜﱪى زوﺟﺔ املﻠﻚ اﻟﻨﺎﴏ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ،وأم اﺑﻨﻪ اﻷﻣري »أﻧﻮك«.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ إﻣﺎﺋﻪ ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ وﺗﺰوﺟﻬﺎ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ أﺧﺖ اﻷﻣري »آﻗﺒﻐﺎ« ﻋﺒﺪ اﻟﻮاﺣﺪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﺤﺴﻦ رأت ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺮه ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ﻣﻠﻮك اﻟﱰك ﺑﻤﴫ،
وﻟﻢ ﻳﺪم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﲆ ﻣﺤﺒﺔ اﻣﺮأ ٍة ﺳﻮاﻫﺎ وﺳﻮى ﻃﻮﻟﺒﺎي اﻟﻨﺎﴏﻳﺔ ،وﺣﺞ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺎﴈ
ﻛﺮﻳﻢ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺒري واﺣﺘﻔﻞ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ ،وﺣﻤﻞ ﻟﻬﺎ اﻟﺒﻘﻮل ﰲ ﻣﺤﺎﺋﺮ ﻃني ﻋﲆ ﻇﻬﻮر اﻟﺠﻤﺎل،
وأﺧﺬ ﻟﻬﺎ اﻷﺑﻘﺎر اﻟﺤﺎﻟﺒﺔ ﻓﺴﺎرت ﻣﻌﻬﺎ ﻃﻮل اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻷﺟﻞ اﻟﻠﺒﻦ اﻟﻄﺮي وﻋﻤﻞ اﻟﺠﺒﻦ.
وﻛﺎن ﻳﻠﻘﻰ ﻟﻬﺎ اﻟﺠﺒﻦ ﰲ اﻟﻐﺪاء واﻟﻌﺸﺎء ،وإذا ﻛﺎن اﻟﺒﻘﻞ واﻟﺠﺒﻦ ﺑﻬﺬه املﺜﺎﺑﺔ وﻫﻤﺎ
أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﻞ ،ﻓﻤﺎ ﻋﺴﺎه ﻳﻜﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟! وﻛﺎن اﻟﻘﺎﴈ وأﻣري املﺠﻠﺲ وﻋﺪة ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء
رﺟﺎﻻ ﺑني ﻳﺪي ﻣﺤﻔﺘﻬﺎ ،وﻳُﻘﺒﱢﻠﻮن اﻷرض ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺣﺞﱠ ﺑﻬﺎ اﻷﻣري »ﺑﺸﺘﺎك« ﺳﻨﺔ ً ﻳﻤﺸﻮن
٧٣٩ﻫ.
واﺳﺘﻤﺮت ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت اﻟﺴﻠﻄﺎن إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ ﺳﻨﺔ ٧٤٩ﻫ — أﻳﺎم اﻟﻮﺑﺎء —
ﻋﻦ أﻟﻒ ﺟﺎرﻳﺔ ،وﺛﻤﺎﻧني ﺧﺎدﻣً ﺎ ﺧﺼﻴٍّﺎ ،وأﻣﻮال ﻛﺜرية ﺟﺪٍّا ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻔﻴﻔﺔ ﻃﺎﻫﺮة ﻛﺜرية
اﻟﺨري واﻟﺼﺪﻗﺎت واملﻌﺮوف .ﺟﻬﺰت ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻮارﻳﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻋﲆ ﻗﱪ اﺑﻨﻬﺎ ﺑﻘﺒﺔ املﺪرﺳﺔ
ووﻗﻔﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ً
وﻗﻔﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺧﺒ ًﺰا ﻳُﻔ ﱠﺮق ﻋﲆ ْ اﻟﻨﺎﴏﻳﺔ ﺑني اﻟﻘﴫﻳﻦ ﻗ ﱠﺮاء،
اﻟﻔﻘﺮاء ،ودﻓﻨﺖ ﺑﻬﺬه اﻟﺨﺎﻧﻘﺎه — وﻫﻲ ﻣﻦ أﻋﻤﺮ اﻷﻣﺎﻛﻦ إﱃ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻃﻮﻟﺒﺎي اﻟﻨﺎﴏﻳﺔ
ﻃﻮﻟﺒﺎي ﻫﺬه ﻫﻲ ﻣﻦ ذرﻳﺔ »ﺟﻨﻜﺰﺧﺎن« .ﺗﺰوﺟﻬﺎ املﻠﻚ اﻟﻨﺎﴏ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ،وملﺎ
ﺟﺎءت ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﺎ إﱃ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﰲ ﺷﻬﺮ رﺑﻴﻊ أول ﺳﻨﺔ ٧٢٠ﻫ وﻃﻠﻌﺖ ﻣﻦ املﺮﻛﺐ،
ﻤﻠﺖ ﰲ ﻣﺤﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﺠﻞ وﺟ ﱠﺮﻫﺎ املﻤﺎﻟﻴﻚ إﱃ دار اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ، ﺣُ ْ
وﺑﻌﺚ اﻟﺴﻠﻄﺎن إﱃ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﻋِ ﺪﱠة ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎب ،وﺛﻤﺎﻧﻲ ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﺤﺮم ،وﻧﺰﻟﺖ ﰲ
اﻟﺤﺮاﻗﺔ ،ﻓﻮﺻﻠﺖ إﱃ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻳﻮم اﻻﺛﻨني اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ رﺑﻴﻊ اﻷول —
املﺬﻛﻮر — وﻓﺮش ﻟﻬﺎ ﺑﺎملﻨﺎﻇﺮ ﰲ املﻴﺪان دﻫﻠﻴﺰ أﻃﻠﺲ ﻣﻌﺪﻧﻲ ،وﻣﺪ ﻟﻬﺎ ﺳﻤﺎط ،ﺛﻢ ﻋﻘﺪ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮم اﻻﺛﻨني ٦رﺑﻴﻊ اﻵﺧﺮ ﻋﲆ ﺛﻼﺛني أﻟﻒ دﻳﻨﺎر.
وﺑﻘﻴﺖ ﻋﻨﺪه ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻣﺤﻈﻴﺔ ﻟﺪﻳﻪ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻣﺎل إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻜﻠﻴﺎﺗﻪ وﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ،
وﺳﻠﻤﻬﺎ أﻣﻮر داره ،واﻋﺘﻤﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ ﺣﺴﺒﻬﺎ وﻧﺴﺒﻬﺎ ،وﻫﻲ َ
وﻓ ْﺖ ﻟﻪ ﺑﻤﺎ اﺋﺘﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ،
ﻣﺪارس وﻣﺼﺎﻧ َﻊ
َ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺨري واﺟﺘﻨﺎب اﻟﴩ ،وﻟﻬﺎ ﻣﺂﺛﺮ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ
وﻣﺴﺎﺟ َﺪ وﻏ ِ
ري ذﻟﻚ.
ﻄ ْﻐ ِﲇ« — ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻄﺎء املﻬﻤﻠﺔ اﻷوﱃ ،وإﺳﻜﺎن اﻟﻴﺎء آﺧﺮ اﻟﺤﺮوف ،وﺿﻢ
ﻃﻴْ ُ
إن » َ
اﻟﻄﺎء اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،وإﺳﻜﺎن اﻟﻐني املﻌﺠﻤﺔ ،وﻛﴪ اﻟﻼم ،وﻳﺎء ﻣﺪ — ﻫﻲ أﺣﻈﻰ
ﻧﺴﺎء ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻨﺪه ،وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺒﻴﺖ أﻛﺜﺮ ﻟﻴﺎﻟﻴﻪ ،وﻳﻌﻈﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺑﺴﺒﺐ
ﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ﻟﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أﺧﱪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎرﻓني ﺑﺄﺧﺒﺎر ﻫﺬه املﻠﻜﺔ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﺤﺒﻬﺎ
ملﻮاﻓﻘﺘﻬﺎ ﻟﻄﺒﺎﻋﻪ.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﻳﺬﻛﺮ أن ا ُملﻠﻚ زال ﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم
— ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ! وملﺎ ﻋﺎد إﻟﻴﻪ ﻣﻠﻜﻪ أﻣﺮ أن ﺗﻮﺿﻊ ﺑﺼﺤﺮاء ﻻ ﻋﻤﺎرة ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ ﺑﺼﺤﺮاء
»ﻗﻔﺠﻖ« ،وﺗﺰوﺟﺖ ﻫﻨﺎك وﺗﻨﺎﺳﻠﺖ!
وﻣﻦ ذرﻳﺘﻬﺎ ﻫﺬه »اﻟﺨﺎﺗﻮن« ،ﻗﺎل :وﰲ ﻏﺪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن دﺧﻠﺖ إﱃ ﻫﺬه
اﻟﺨﺎﺗﻮن وﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪة ﻓﻴﻤﺎ ﺑني ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻛﺄﻧﻬﻦ ﺧﺎدﻣﺎت ﻟﻬﺎ ،وﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ
ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴني ﺟﺎرﻳﺔ ﺻﻐﺎ ًرا ﻳﺴﻤﻮن اﻟﺒﻨﺎت ،وﺑني أﻳﺪﻳﻬﻦ ﻃﻴﺎﻓري اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻣﻤﻠﻮءة
464
ﺣﺮف اﻟﻄﺎء
وﻫﻦ ﻳﻨﻘﻴﻨﻪ ،وﺑني ﻳﺪي اﻟﺨﺎﺗﻮن ﺻﻴﻨﻴﺔ ذﻫﺐ ﻣﻤﻠﻮءة ﻣﻨﻪ وﻫﻲ ﺗﻨﻘﻴﻪ، ﱠ ﺑﺤﺐ املﻠﻮك
ﻓﺴ ﱠﻠﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﺎن ﰲ ﺟﻤﻠﺔ أﺻﺤﺎﺑﻲ ﻗﺎرئ اﻟﻘﺮآن ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ املﴫﻳني ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺴﻨﺔ
ٍ
ﺧﻔﺎف، ٍ
ﻟﻄﺎف ﺧﺸﺐ
ٍ وﺻﻮت ﻃﻴﺐ ،ﻓﻘﺮأ ،ﺛﻢ أﻣﺮت أن ﻳُﺆﺗﻰ ﺑﺎﻟﻘﻤﺰ ،ﻓﺄُﺗﻲ ﺑﻪ ﰲ أﻗﺪاح
ﻓﺄﺧﺬت اﻟﻘﺪح ﺑﻴﺪﻫﺎ وﻧﺎوﻟﺘﻨﻲ إﻳﺎه — وﺗﻠﻚ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻜﺮاﻣﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ — وﻟﻢ أﻛﻦ ﴍﺑﺖ
اﻟﻘﻤﺰ ﻗﺒﻠﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ إﻻ ﻗﺒﻮﻟﻪ ،وذﻗﺘﻪ — وﻻ ﺧري ﻓﻴﻪ — ودﻓﻌﺘُﻪ ﻷﺣﺪ أﺻﺤﺎﺑﻲ،
وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﺜري ﻣﻦ ﺣﺎل ﺳﻔﺮﻧﺎ ﻓﺄﺟﺒﻨﺎﻫﺎ ،ﺛﻢ اﻧﴫﻓﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ.
وﻛﺎن اﺑﺘﺪاؤﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﻷﺟﻞ ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ املﻠﻚ ،وأن ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎﻗﻼت
اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺴﻠﺒﻦ أﻟﺒﺎب اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺤﺴﻦ آداﺑﻬﻦ وﺗﺪاﺑريﻫﻦ ،وﻗﺪ ﻣﻠﻜﺖ ﻋﻘﻞ ذﻟﻚ املﻠﻚ ﺣﺘﻰ
ﺻﺎر ﻻ ﻳﻘﻄﻊ رأﻳًﺎ وﻻ ﱡ
ﻳﺒﺖ أﻣ ًﺮا إﻻ ﺑﻤﺸﻮرﺗﻬﺎ.
وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﻌﺪودات املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺨريات واملﱪات ،وﻟﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺂﺛﺮ ﰲ
ﺑﻼدﻫﺎ ،ﻣﺜﻞ ﻣﺴﺎﺟﺪ وﻣﺪارس وﻣﺎرﺳﺘﺎﻧﺎت وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺨريات ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻗﺒﻞ
زوﺟﻬﺎ؛ ﻓﺄﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺎزﺗﻬﺎ أﺷﻬﺮ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ.
465
ﺣﺮف اﻟﻈﺎء
وﻟﺰم اﻟﻮﺳﺎد وﻗﻄﻊ اﻟﺰاد ،ﻓﻠﻤﺎ أﻋﻴﺘﻪ اﻟﺤﻴﻠﺔ أﺧﱪ واﻟﺪﺗﻪ ﺑﺤﺎﻟﻪ ،ﻓﻤﻀﺖ إﻟﻴﻬﺎ
وأﻋﻠﻤﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ،وﻗﺒﱠﻠﺖ رﺟﻠﻴﻬﺎ ﻋﲆ أن ﺗﺰوره ﻓﻌﴗ أن ﻳﺸﻔﻰ وﻟﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إن
أﻣﺴﻜﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸﻔﻰ! وﺟ ﱠﺰت ﻟﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎاﻟﻮﺷﺎة ﻛﺜريون ،وﻟﻜﻦ ﺧﺬي ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺈن َ
ﻣﻦ َﺷﻌْ ﺮﻫﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ذﻫﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﻪ ﺟﻌﻞ ﻳﻨﺘﺸﻘﻪ ﻓﱰاﺟﻌﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ،ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻬﻰ ﻣﺎ
ﻓﻘﺪﱢم إﻟﻴﻪ ﻓﺘﻨﺎوﻟﻪ وﻗﺎم ،ﻓﻜﺎن ﻳﺄﺗﻲ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ اﻷﺑﻴﺎت ﻓﻴﺴﺎرﻗﻬﺎ اﻟﻨﻈﺮ وﺗﺨﺎﻟﺴﻪ ﻳﺄﻛﻞُ ،
أﻳﻀﺎ ،إﱃ أن ﻓﻄﻦ أﻫﻠﻬﺎ ﻓﻌﻮﱠﻟﻮا ﻋﲆ ﻗﺘﻠﻪ ،وﺑ َﻠﻐﻪ ﻓﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﻴﻤﻦ .وﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ اﺷﺘﺪﻫﻲ ً
َ
ﻓﺴﻘﻂ ﻣﻨﻪ اﻟﺸﻌْ ﺮ وﺟﻌﻠﻪ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﻓﻴﺴﱰﻳﺢ ،ﻓﺨﺮج ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﺒﻌﺾ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ﺷﻮﻗﻪ ﻗﺒﱠﻞ ﱠ
اﻟﺸﻌْ ﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻳﺲ ﻣﻨﻪ ﻋﺰم ﻋﲆ اﻟﻌﻮد ﻓﻀﻌﻒ ،ﻓﻘﺎل :دﻋﻮﻧﻲ؛ ﻓﺈﻧﻲ أرﺟﻮ أن أﻇﻔﺮ أو ﱠ
َ
ﺣﺎذﻳﺖ ﻣﻮﺿ َﻊ ﻛﺬا ﻓﺼﺤِ ﺒﻪ ﻏﻼمٌَ ،
وأﺧﺬ ﻳُﻌ ﱢﻠﻤﻪ أﺑﻴﺎت ،وﻫﻲ ﻫﺬه ،وﻗﺎل ﻟﻪ :إذا أﻣﻮت! َ
ﻓﺄﻧ ْ ِﺸﺪ:
وﻣﴣ اﻟﻐﻼم ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ املﻜﺎن ورﻓﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﺑﺎﻷﺑﻴﺎت ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻟﻪ ﻇﺮﻳﻔﺔ وأﻧﺸﺪت
ﺗﻘﻮل:
468
ﺣﺮف اﻟﻈﺎء
ﺛﻢ رﺟﻊ اﻟﺼﺒﻲ ﻓﺄﻧﺸﺪ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻐﴚ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ أﻓﺎق وﻫﻮ ﻳﻨﺸﺪ:
ﻓﻴﺎ ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻣﺎ ﺑﻨﻮ اﻟﻌﻢ ﺻﻨﻊ أﻇﻦ ﻫﻮى اﻟﺨﻮد اﻟﻐﺮﻳﺮة ﻗﺎﺗﻠﻲ
ﺗﺮاﻛﻲ دﻣﻲ ﻫﺪ ًرا وﺧﺎب اﻟﻤﻀﻴﻊ أراﻫ ﻢ ،وﻟ ﻠ ﺮﺣ ﻤ ﻦ د ﱡر ﺻ ﻨ ﻴ ﻌ ﻬ ﻢ
وﻗﺪ ُز ﱠﻓﺖ ﻇﺮﻳﻔﺔ إﱃ رﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﺛﻌﻠﺐ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑ َﻠﻐﻪ اﻟﺨﱪ اﺿﻄﺮب ﺳﺎﻋﺔ
ﻣﻴﺖ! ﻓﻠﺰﻣﺖ ﻇﺮﻳﻔﺔ اﻟﺒﻜﺎء أﻳﺎﻣً ﺎ وﻟﻢ ﺗُﻤ ﱢﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ
ٌ وﻏﴚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺤُ ﱢﺮك ﻓﺈذا ﻫﻮ
ﻧﻔﺴﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻟﻴﻠﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ،ﻓﺘﺒﻌﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﺖ إﱃ
اﻟﻨﻬﺮ ﻓﺄﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺄﺧﺮﺟﻬﺎ وﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ ﺣﺮاك ﺛﻢ ﺣﻤﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺨﻴﻤﺔ.
رﻣﻘﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻘﻪ ﻛﻼﻣﻬﺎ ،ﻓﺄﺷﺎرت أن ﻓﻠﻤﺎ أﺻﺒﺢ ﺟﺎءت أﻣﻬﺎ ﻓﻮﺟﺪت ﺑﻬﺎ ً
ُﻓﻨﺖ ﺑﺠﺎﻧﺐ زرﻋﺔ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﻘﻠﺖ إﱃ ﺗﺴﻘﻰ املﺎء ،ﻓﺴﻘﻮﻫﺎ ﻓﻘﻀﺖ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ود ْ
ﻣﺤﻞ ﻣﺪﻓﻨﻪ!
469
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎرﺿﻬﺎ ﺧﻠﻴﺞ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮو وﺛَﺒ َْﺖ ﻣﻦ املﺎء ﺳﻠﺤﻔﺎة ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻋﲆ
اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﲆ ﻇﻬﺮﻫﺎ ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺮﻳﺪ اﻻﻧﻘﻼب ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ،ﻓﺘﺴﺘﻌني ﺑﺬﻧﺒﻬﺎ وﺗﺤﺜﻮ اﻟﱰاب
ﻋﲆ ﺑﻄﻨﻬﺎ وﺟﻨﺒﻬﺎ وﺗﻘﺬف ﺑﺎﻟﺒﻮل ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻬﺎ ﻇﺮﻳﻔﺔ ﺟﻠﺴﺖ إﱃ اﻷرض.
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎدت اﻟﺴﻠﺤﻔﺎة إﱃ املﺎء ﻣﻀﺖ إﱃ أن دﺧﻠﺖ ﻋﲆ املﻠﻚ ﻋﻤﺮو ﰲ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ،ﺣني
ﻳﺘﻜﻔﺄ ﻣﻦ ﻏري رﻳﺢ ،ﻓﻐﺪت ﺣﺘﻰ دﺧﻠﺖ ﱠ اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎر ﰲ ﺳﺎﻋﺔ ﺷﺪﻳﺪ ﺣﺮﻫﺎ ،ﻓﺈذا اﻟﺸﺠﺮ
ﻋﲆ ﻋﻤﺮو وﻣﻌﻪ ﺟﺎرﻳﺘﺎن ﻋﲆ اﻟﻔﺮاش.
ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ اﺳﺘﺤﻴﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وأﻣﺮ اﻟﺠﺎرﻳﺘني ﻓﻨﺰﻟﺘﺎ ﻋﻦ اﻟﻔﺮاش ،وﻗﺎل :ﻫﻠﻤﻲ ﻳﺎ ﻇﺮﻳﻔﺔ
إﱃ اﻟﻔﺮاش واﺟﻠﴘ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻲ ،ﻓﺘﻜﻬﻨﺖ وﻗﺎﻟﺖ :واﻟﻨﻮر واﻟﻈﻠﻤﺎء ،واﻷرض واﻟﺴﻤﺎء ،إن
اﻟﺸﺠﺮ ﻟﻬﺎﻟﻚ ،وﺳﻴﻌﻮد املﺎء ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺪﻫﺮ اﻟﺴﺎﻟﻒ.
ﻗﺎل ﻋﻤﺮو :ﻣَ ﻦ أﺧﱪك ﺑﻬﺬا؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﺧﱪﺗﻨﻲ املﻨﺎﺟﺬ ﺑﺴﻨني ﺷﺪاﺋﺪ ،ﻳﻘﻄﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮاﻟﺪ
ﺳﻠﺤﻔﺎ ﺗﺠﺮف اﻟﱰابً اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻗﺎل :ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟني؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻗﻮل ﻗﻮل اﻟﻨﺪﻣﺎن ً
ﻟﻬﻔﺎ ،ﻗﺪ رأﻳﺖ
ﻗﺬﻓﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻓﺈذا اﻟﺸﺠﺮ ﻳﺘﻜﻔﺄ ،ﻗﺎل ﻋﻤﺮو :ﻣﺘﻰ ﺗﺮﻳﻦ ﺟﺮﻓﺎ ،وﺗﻘﺬف ﺑﺎﻟﺒﻮل ً ً
ذﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻲ داﻫﻴﺔ ﻛﺒرية وﻣﺼﺎﺋﺐ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻷﻣﻮر ﺟﺴﻴﻤﺔ.
ﻗﺎل :وﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻗﺎﻟﺖ :إن ﱄ اﻟﻮﻳﻞ ،وﻣﺎ ﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻴﻞ ،ﻓﲇ وﻟﻚ اﻟﻮﻳﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻲء
ﺑﻪ اﻟﺴﻴﻞ! ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻋﻤﺮو ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ اﻟﻔﺮاش وﻗﺎل :ﻣﺎ ﻫﺬا ﻳﺎ ﻇﺮﻳﻔﺔ؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻮ ﺧﻄﺐ
ﺟﻠﻴﻞ ،وﺣﺰن ﻃﻮﻳﻞ ،وﺧﻠﻒ ﻗﻠﻴﻞ ،واﻟﻘﻠﻴﻞ ﺧري ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻪ ،ﻗﺎل :وﻣﺎ ﻋﻼﻣﺔ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﺗﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﺴﺪ ،ﻓﺈذا رأﻳﺖ ﺟﺮذًا ﻳﻜﺜﺮ ﰲ اﻟﺴﺪ اﻟﺤﻔﺮ ،وﻳﻘﻠﺐ ﺑﺮﺣﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺼﺨﺮ،
ﻓﺎﻋﻠﻢ أن اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺣﴬ ،وأﻧﻪ ﻗﺪ وﻗﻊ اﻷﻣﺮ.
ﻗﺎل :وﻣﺎ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻘﻊ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﻋﻴﺪ ﷲ ﻧﺰل ،وﺑﺎﻃﻞ ﺑﻄﻞ ،وﻧﻜﺎل ﺑﻨﺎ ﻧﺰل،
ُ
ﻳﺤﺮﺳﻪ ،ﻓﺈذا اﻟﺠﺮذ ﻳﻘﻠﺐ ﺑﺮﺟﻠﻴﻪ ﻓﺘﻌﻤﱠ ﺪه ﻳﺎ ﻋﻤﺮو ﻓﻠﻴﻜﻦ اﻟﺜﻜﻞ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﻋﻤﺮو إﱃ اﻟﺴﺪ
رﺟﻼ ،ﻓﺮﺟﻊ إﱃ ﻇﺮﻳﻔﺔ ﻓﺄﺧﱪﻫﺎ اﻟﺨﱪ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل: ﺻﺨﺮة ﻣﺎ ﻳﻘﻠﺒﻬﺎ ﺧﻤﺴﻮن ً
470
ﺣﺮف اﻟﻈﺎء
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻇﺮﻳﻔﺔ :إن ﻋﻼﻣﺎت ﻣﺎ ذﻛﺮت ﻟﻚ أن ﺗﺠﻠﺲ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻚ ﺑني اﻟﺠﻨﺘني ،ﺛﻢ
ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺰﺟﺎﺟﺔ ﻓﺘﻮﺿﻊ ﺑني ﻳﺪﻳﻚ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺘﻤﺘﻠﺊ ﺑني ﻳﺪﻳﻚ ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻟﺒﻄﺤﺎء ﻣﻦ ﺳﻬﻠﺔ
اﻟﻮادي ورﻣﻠﻪ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﺠﻨﺎن ﻣﻈﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺷﻤﺲ وﻻ رﻳﺢ.
ﻗﻠﻴﻼ ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت ﻣﻦ ﺗﺮاب ﻓﺄﻣﺮ ﻋﻤﺮو ﺑﺰﺟﺎﺟﺔ ﻓﻮﺿﻌﺖ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻤﻜﺚ إﻻ ً
اﻟﺒﻄﺤﺎء ،ﻓﺬﻫﺐ املﻠﻚ إﱃ ﻇﺮﻳﻔﺔ ﻓﺄﺧﱪﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺘﻰ ﺗﺮﻳﻦ ﻫﻼك اﻟﺴﺪ؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻚ وﺑني اﻟﺴﺒﻌني ﺳﻨﺔ! ﻗﺎل :ﻓﻔﻲ أﻳﻬﺎ ﻳﻜﻮن؟
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ذﻟﻚ إﻻ ﷲ ،وﻟﻮ ﻋﻠﻤﻪ أﺣﺪ ﻟﻌﻠﻤﺘﻪ ،وﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻚ وﺑني
اﻟﺴﺒﻌني ﺳﻨﺔ — وأﻇﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ — إﻻ ﻇﻨﻨﺖ ﻫﻼﻛﻚ ﰲ ﻏﺪﻫﺎ ،أو ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ.
ﻓﻜﺎن ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ،وﺣﺼﻞ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﰲ ﺧﱪ ﻃﻮﻳﻞ.
471
ﺣﺮف اﻟﻌﲔ
اﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺤﺎﻓﺔ اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ .ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺑﻤﻜﺔ وﻫﻲ ﺑﻨﺖ ﺳﺖ ﺳﻨني ،وﻗﻴﻞ :ﺳﺒﻊ،
ودﺧﻞ ﺑﻬﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ وﻫﻲ ﺑﻨﺖ ﺗﺴﻊ ،وﻗﻴﻞ :ﻋﴩ .وﻛﺎن ﻣﻮﻟﺪﻫﺎ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﱡﺒُﻮﱠة،
وأﻣﻬﺎ أم روﻣﺎن ﺑﻨﺖ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﻮﻳﻤﺮ ،وﻛﺎن ﺻﺪاﻗﻬﺎ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ درﻫﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ أﺣﺐ ﻧﺴﺎﺋﻪ
إﻟﻴﻪ ،وﻛﻨﻴﺘﻬﺎ أم ﻋﺒﺪ ﷲ؛ ﻛﻨﻴﺖ ﺑﺎﺑﻦ أﺧﺘﻬﺎ أﺳﻤﺎء ،وروت ﻋﺎﺋﺸﺔ أﻟﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ وﻣﺎﺋﺘﻲ
ﺣﺪﻳﺚ وﻋﴩة أﺣﺎدﻳﺚ.
وﻟﻬﺎ ﺧﻄﺐ ووﻗﺎﺋﻊ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ وﻗﻌﺔ اﻟﺠﻤﻞ املﺸﻬﻮرة ﰲ اﻹﺳﻼم؛ وذﻟﻚ
أن ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺧﺮﺟﺖ إﱃ ﻣﻜﺔ وﻋﺜﻤﺎن ﻣﺤﺼﻮر ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﺗﺮﻳﺪ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﺑﺮف ﻟﻘﻴﻬﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ أﺧﻮاﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻴﺚ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﻬﻴﻢ؟
ﻗﺎل :ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎن وﺑﻘﻮا ﺛﻤﺎﻧﻲ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﺛﻢ ﺻﻨﻌﻮا ﻣﺎذا؟ ﻗﺎل :اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻋﲆ ﺑﻴﻌﺔ ﻋﲇ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﺬه اﻧﻄﺒﻘﺖ ﻋﲆ ﻫﺬه ،إن ﺗ ﱠﻢ اﻷﻣﺮ ﻟﺼﺎﺣﺒﻚ ردﱡوﻧﻲ .ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻣﻜﺔ وﻫﻲ
ﺒﻦ ﺑﺪﻣﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :وﻟِﻢَ ،إن أول ﻣﻦ أﻣﺎل ﺗﻘﻮل :ﻗﺘﻞ وﷲ ﻋﺜﻤﺎ ُن ﻣﻈﻠﻮﻣً ﺎ ،وﷲ ﻷﻃﻠُ ﱠ
ً
ﻧﻌﺜﻼ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ! ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻬﻢ اﺳﺘﺘﺎﺑﻮه ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻮه، ﺣﺮﻓﻪ ِ
ﻷﻧﺖ؟! وﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻮﻟني :اﻗﺘﻠﻮا
وﻗﺪ ﻗﻠﺖ وﻗﺎﻟﻮا ،وﻗﻮﱄ اﻷﺧري ﺧري ﻣﻦ ﻗﻮﱄ اﻷول ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ:
وﻣ ﻨ ﻚ اﻟ ﺮﻳ ﺎح وﻣ ﻨ ﻚ اﻟ ﻤ ﻄ ﺮ ﻓ ﻤ ﻨ ﻚ اﻟ ﺒ ﺪاء وﻣ ﻨ ﻚ اﻟ ﻐ ﻴ ﺮ
وﻗ ﻠ ﺖ ﻟ ﻨ ﺎ :إﻧ ﻪ ﻗ ﺪ ﻛ ﻔ ﺮ وأﻧ ﺖ أﻣ ﺮت ﺑ ﻘ ﺘ ﻞ اﻹﻣ ﺎم
وﻗ ﺎﺗ ﻠ ﻪ ﻋ ﻨ ﺪَﻧ ﺎ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ ﻓ ﻬ ﺒ ﻨ ﺎ أﻃ ﻌ ﻨ ﺎك ﻓ ﻲ ﻗ ﺘ ﻠ ﻪ
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻓﻘﺼﺪت اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ
اﻟﻨﺎس ،إن اﻟﻐﻮﻏﺎء ﻣﻦ أﻫﻞ اﻷﻣﺼﺎر وأﻫﻞ املﻴﺎه وﻋﺒﻴﺪ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ
َﺛﺖ ﺳﻨﱡﻪ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻌﻤﻞ أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻗﺒﻠﻪ، املﻘﺘﻮل ﻇﻠﻤً ﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وﻧﻘﻤﻮا ﻋﻠﻴﻪ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﺪ ْ
وﻣﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻰ ﺣﻤﺎﻫﺎ ﻟﻬﻢ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﻬﻢ وﻧﺰع ﻟﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﺣﺠﺔ وﻻ ﻋﺬ ًرا
ﺑﺎدروا ﺑﺎﻟﻌﺪوان ،ﻓﺴﻔﻜﻮا اﻟﺪم اﻟﺤﺮام ،واﺳﺘﺤﻠﻮا اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺤﺮام ،واﻟﺸﻬﺮ اﻟﺤﺮام ،وأﺧﺬوا
املﺎل اﻟﺤﺮام .وﷲ ،ﻷﺻﺒﻊ ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎن ﺧري ﻣﻦ ﻃﺒﺎق اﻷرض أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ،ووﷲ ﻟﻮ أن اﻟﺬي
اﻋﺘﺪوا ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺎن ذﻧﺒًﺎ ﻟﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﻠﺺ اﻟﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﺧﺒﺜﻪ ،أو اﻟﺜﻮب ﻣﻦ درﻧﻪ،
أﻣﺎﺻﻮه ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺎص اﻟﺜﻮب ﺑﺎملﺎء — أي ﻳﻐﺴﻞ — ﻓﻘﺎل ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ اﻟﺤﴬﻣﻲ —
وﻛﺎن ﻋﺎﻣﻞ ﻋﺜﻤﺎن ﻋﲆ ﻣﻜﺔ :ﻫﺎ أﻧﺎ أول ﻃﺎﻟﺐ ،ﻓﻜﺎن أول ﻣﺠﻴﺐ ،وﺗﺒﻌﻪ ﺑﻨﻮ أﻣﻴﺔ ﻋﲆ
ذﻟﻚ ،وﺑﺬا ﺻﺎرت اﻟﺤﺮب ﺑﺨﱪ ﻃﻮﻳﻞ ﻳﺨﺮﺟﻨﺎ ﻋﻦ املﻮﺿﻮع وروده.
وﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻬﻢ املﺮﺑﺪ ،واﺟﺘﻤﻊ اﻟﻘﻮم وﺧﺮج أﻫﻞ اﻟﺒﴫة وﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ
ﻤﺖ — وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺼﻮت — ﻓﺤﻤﺪت ﷲ ﻋﺎﻣﻼ ﻋﲆ اﻟﺒﴫة — ﻓﺘﻜ ﱠﻠ ْ ً ﺣﻨﻴﻒ — وﻛﺎن
وﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺠﻨﻮن ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎن وﻳُ َﺰوﱢرون ﻋﲆ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﻓﻴﺴﺘﺸريوﻧﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ
ﻳﺨﱪوﻧﺎ ﻋﻨﻬﻢ ،ﻓﻨﻨﻈﺮ ﰲ ذﻟﻚ ﻓﻨ َ ِﺠﺪه ﺑَﺮﻳٍّﺎ ﺗﻘﻴٍّﺎ وﻓﻴٍّﺎ ،وﻧﺠﺪﻫﻢ ﻓﺠﺮة ﻏﺪرة ﻛﺬﺑﺔ ،وﻫﻢ
ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﻏري ﻣﺎ ﻳُﻈﻬﺮون ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻮوا ﻛﺎﺛَﺮوه؛ ﻓﺘﺤﻮا ﻋﻠﻴﻪ داره ،واﺳﺘُﺤ ﱠﻞ اﻟﺪ ُم اﻟﺤﺮام،
واﻟﺸﻬ ُﺮ اﻟﺤﺮام ،واﻟﺒﻠ ُﺪ اﻟﺤﺮام ،ﺑﻼ ِﺗ َﺮ ٍة وﻻ ﻏﺪر .أﻻ إن ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ،وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻜﻢ ﻏريه،
ﺎب ِﻳﻦ أُوﺗُﻮا ﻧ َ ِﺼﻴﺒًﺎ ﻣﱢ َﻦ ا ْﻟ ِﻜﺘَ ِ
أت ﴿أ َ َﻟ ْﻢ ﺗَ َﺮ إ ِ َﱃ ا ﱠﻟﺬ َ
أﺧﺬ ﻗﺘﻠﺔ ﻋﺜﻤﺎن ،وإﻗﺎﻣﺔ ﻛﺘﺎب ﷲ ،وﻗ َﺮ ْ
ﺎب ﷲِ﴾ )آل ﻋﻤﺮان (٢٣ :اﻵﻳﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ اﻟﻜﻼم ،ﺻﺤﻴﺤﺔ املﻨﻄﻖ، ﻳُﺪْﻋَ ﻮ َْن إ ِ َﱃ ٰ ِﻛﺘَ ِ
ﻓﻬﺎﺟَ ﺖ اﻟﺴﺎﻣﻌني.
أﻳﻀﺎ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻞ :أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،ﺻﻪ ﺻﻪ؛ إن ﱄ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺣﻖ اﻷﻣﻮﻣﺔ وﺣﺮﻣﺔ وﻗﺎﻟﺖ ً
املﻮﻋﻈﺔ ،ﻻ ﻳﺘﻬﻤﻨﻲ إﻻ ﻣَ ﻦ ﻋﴡ رﺑﻪ .ﻣﺎت رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺑني َﺳﺤْ ِﺮي وﻧَﺤْ ﺮي ،وأﻧﺎ
إﺣﺪى ﻧﺴﺎﺋﻪ ﰲ اﻟﺠﻨﺔ ،ﻟﻪ ادﺧﺮﻧﻲ رﺑﻲ وﺳ ﱠﻠﻤﻨﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﻀﺎﻋﺔ ،وﺑﻲ ﻣﻴﱠﺰ ﺑني ﻣﻨﺎﻓﻘﻜﻢ
رﺧﺺ ﷲ ﻟﻜﻢ ﰲ ﺻﻌﻴﺪ اﻷﺑﻮاء ،ﺛﻢ أﺑﻲ ﺛﺎﻟﺚ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ املﺆﻣﻨني ،وﺛﺎﻧﻲ وﻣﺆﻣﻨﻜﻢ ،وﺑﻲ ﱠ
ﺻﺪﻳﻘﺎ .ﻣﴣ رﺳﻮل ﷲ ﷺ راﺿﻴًﺎ ﻋﻨﻪ ،وﻃﻮﱠﻗﻪ ﻃﻮق ً اﺛﻨني ﷲ ﺛﺎﻟﺜﻬﻤﺎ ،وأول ﻣَ ﻦ ُﺳﻤﱢ ﻲ
474
ﺣﺮف اﻟﻌني
اﻹﻣﺎﻣﺔ ،ﺛﻢ اﺿﻄﺮب ﺣﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻤﺴﻚ أﺑﻲ ﺑﻄﺮﻓﻴﻪ ،ورﺗﻖ ﻟﻜﻢ ﻓﺘﻖ اﻟﻨﻔﺎق ،وأﻏﺎض
ﻧﺒﻊ اﻟﺮدة ،وأﻃﻔﺄ ﻣﺎ ﺣﺶ ﻳﻬﻮد وأﻧﺘﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﺟﺤﻆ اﻟﻌﻴﻮن ﺗﻨﻈﺮون اﻟﻐﺪرة ،وﺗﺴﻤﻌﻮن
اﻟﺼﻴﺤﺔ ،ﻓﺮأب اﻟﺜﺄي ،وأوذم اﻟﻌﻄﻠﺔ ،واﻧﺘﺎش ﻣﻦ املﻬﻮاة ،واﺟﺘﺤﻰ دﻓني اﻟﺪاء ﺣﺘﻰ أﻋﻄﻦ
اﻟﻮارد ،وأورد اﻟﺼﺎدر ،وﻋﻞ اﻟﻨﺎﻫﻞ ،ﻓﻘﺒﻀﻪ ﷲ واﻃﺌًﺎ ﻋﲆ ﻫﺎﻣﺎت اﻟﻨﻔﺎق ،ﻣﺬﻛﻴًﺎ ﻧﺎر
ً
رﺟﻼ ﻣﺮﻋﻴٍّﺎ إذا رﻛﻦ إﻟﻴﻪ اﻟﺤﺮب ﻟﻠﻤﴩﻛني ،واﻧﺘﻈﻤﺖ ﺑﻀﺎﻋﺘﻜﻢ ﺑﺤﺒﻠﻪ ،ﺛﻢ وﱃ أﻣﺮﻛﻢ
ﺑﻌﻴﺪًا ﻣﺎ ﺑني اﻟﻼﺑﺘني ﻋﺮوﻛﻪ ﻟﻸذن ﺑﺠﻨﺴﻪ ،ﺻﻔﻮﺣً ﺎ ﻋﻦ أذاة اﻟﺠﺎﻫﻠني ،ﻳﻘﻈﺎن اﻟﻠﻴﻞ ﰲ
ﻧﴫة اﻹﺳﻼم ،ﻓﺴﻠﻚ ﻣﺴﻠﻚ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ؛ ﻓﻔﺮق ﺷﻤﻞ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وﺟﻤﻊ أﻋﻀﺎدﻫﺎ ﺟﻤﻊ اﻟﻘﺮآن،
ﻃﺌ ُﻜﻤﻮﻫﺎ .أﻗﻮلوأﻧﺎ ﻧﺼﺐ املﺴﺄﻟﺔ ﻋﻦ ﻣﺴريي ﻫﺬا ﻟﻢ أﻟﺘﻤﺲ إﺛﻤً ﺎ ،وﻟﻢ أدﻟﺲ ﻓﺘﻨﺔ أو ﱢ
وﻋﺪﻻ وإﻋﺬا ًرا وإﻧﺬا ًرا ،وأﺳﺄل ﷲ أن ﻳﺼﲇ ﻋﲆ ﻣﺤﻤﺪ ،وأن ﻳﺨﻠﻔﻪ ﻓﻴﻜﻢ ً ً
ﺻﺪﻗﺎ ﻗﻮﱄ ﻫﺬا
ﺑﺄﻓﻀﻞ ﺧﻼﻓﺔ املﺮﺳﻠني.
وﻗﺎل اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ :ملﺎ ﻗﺘﻞ أﺑﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﻤﴫ ﺟﺎء ﻋﻤﻲ
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﺎﺣﺘﻤﻠﻨﻲ أﻧﺎ وأﺧﺘًﺎ ﱄ ﻣﻦ ﻣﴫ ،ﻓﻘﺪم ﺑﻨﺎ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺒﻌﺜﺖ إﻟﻴﻨﺎ
ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﺎﺣﺘُﻤﻠﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺰل ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ رأﻳﺖ واﻟﺪة ﻗﻂ وﻻ واﻟﺪًا أﺑﺮ ﻣﻨﻬﺎ،
ﻓﻠﻢ ﻧﺰل ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺜﺖ إﱃ ﻋﻤﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ.
ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﻓﺤﻤﺪت ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — وأﺛﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻤﺎ رأﻳﺖ ﻣﺘﻜﻠﻤً ﺎ
ً
ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻋﻨﻲ وﻻ ﻣﺘﻜﻠﻤﺔ ﻗﺒﻠﻬﺎ وﻻ ﺑﻌﺪﻫﺎ أﺑﻠﻎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﺧﻲ ،إﻧﻲ ﻟﻢ أزل أراك
ﺗﻄﺎوﻻ ﻋﻠﻴﻚ وﻻ ﺗﻬﻤﺔ ﻟﻚ ﻓﻴﻬﻤﺎ وﻻ ً ﻣﻨﺬ ﻗﺒﻀﺖ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻨﻴني ﻣﻨﻚ ،ووﷲ ﻣﺎ ﻗﺒﻀﺘﻬﻤﺎ
رﺟﻼ ذا ﻧﺴﺎء ،وﻛﺎﻧﺎ ﺻﺒﻴني ﻻ ﻳﻜﻔﻴﺎن ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﺷﻴﺌﺎ؛ً ً ﻟﴚء ﺗﻜﺮﻫﻪ ،وﻟﻜﻨﻚ ﻛﻨﺖ
ﻳﺘﻘﺬرن ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﺢ أﻣﺮ اﻟﺼﺒﻴﺎن ،ﻓﻜﻨﺖ أﻟﻄﻒ ﻟﺬﻟﻚﱠ ﻓﺨﺸﻴﺖ أن ﻳﺮى ﻧﺴﺎؤك ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺎ
وأﺣﻖ ﻟﻮﻻﻳﺘﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻗﻮﻳﺎ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ وﺷﺒﱠﺎ وﻋﺮﻓﺎ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻴﺎن ،ﻓﻬﺎ ﻫﻤﺎ ﻫﺬان ،ﻓﻀﻤﱠ ﻬﻤﺎ
إﻟﻴﻚ ،و ُﻛ ْﻦ ﻟﻬﻤﺎ ﻛﺤﺠﻴﺔ ﺑﻦ املﴬب أﺧﻲ ﻛﻨﺪة؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻪ أخ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻣﻌﺪان ،ﻓﻤﺎت
وﺗﺮك ﺻﺒﻴﺔ ﺻﻐﺎ ًرا ﰲ ﺣﺠﺮ أﺧﻴﻪ ،ﻓﻜﺎن أﺑﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﻬﻢ ،وأﻋﻄﻔﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻛﺎن ﻳُﺆﺛﺮﻫﻢ
ﻋﲆ ﺻﺒﻴﺎﻧﻪ ،ﻓﻤﻜﺚ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ.
ﺛﻢ إﻧﻪ ﻋﺮض ﻟﻪ ﺳﻔﺮ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺑﺪٍّا ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ﻓﻴﻪ ،ﻓﺨﺮج وأوﴅ ﺑﻬﻢ اﻣﺮأﺗﻪ —
وﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى ﺑﻨﺎت ﻋﻤﻪ ،وﻛﺎن ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :زﻳﻨﺐ — ﻓﻘﺎل :اﺻﻨﻌﻲ ﺑﺒﻨﻲ أﺧﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ
ﱠ
وﺗﻐريت، أﺻﻨﻊ ﺑﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻣﴣ ﻟﻮﺟﻬﻪ ﻓﻐﺎب ﺷﻬ ًﺮا ،ﺛﻢ رﺟﻊ وﻗﺪ ﺳﺎءت ﺣﺎل اﻟﺼﺒﻴﺎن
ﺑﻨﻲ ِﺳﻤﺎﻧًﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ﻛﻨﺖ أواﳼ ﻓﻘﺎل :وﻳﻠﻚ! ﻣﺎ ﱄ أرى ﺑﻨﻲ ﻣﻌﺪان ﻣﻬﺎزﻳﻞ ،وأرى ﱠ
ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺜﻮن وﻳﻠﻌﺒﻮن ،ﻓﺨﻼ ﺑﺎﻟﺼﺒﻴﺎن ﻓﻘﺎل :ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ زﻳﻨﺐ ﺗﺼﻨﻊ
475
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﻜﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﺳﻴﺌﺔ ،ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻄﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻮت إﻻ ﻣﻞء ﻫﺬا اﻟﻘﺪح ﻣﻦ ﻟﺒﻦ ،وأ َروه ﻗﺪﺣً ﺎ
ﺻﻐريًا ،ﻓﻐﻀﺐ ﻋﲆ اﻣﺮأﺗﻪ ﻏﻀﺒًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا وﺗﺮﻛﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا راح راﻋﻴًﺎ إﺑﻠﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﻤﺎ:
اذﻫﺒﺎ ﻓﺄﻧﺘﻤﺎ وإﺑﻠﻜﻤﺎ ﻟﺒﻨﻲ ﻣﻌﺪان ،ﻓﻐﻀﺒﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ زﻳﻨﺐ وﻫﺠﺮﺗﻪ ،وﴐﺑﺖ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻨﻬﺎ
ً
ﻏﺒﻮﻗﺎ أﺑﺪًا! وﻗﺎل ﰲ ذﻟﻚ: ﺣﺠﺎﺑًﺎ ،ﻓﻘﺎل :وﷲ ﻻ ﺗﺬوﻗني ﻣﻨﻬﺎ ﺻﺒﻮﺣً ﺎ وﻻ
وﻟ ﻂ اﻟ ﺤ ﺠ ﺎب ﺑ ﻴ ﻨ ﻨ ﺎ واﻟ ﺘ ﺠ ﻨ ﺐ ﻟ ﺠ ﺠ ﻨ ﺎ وﻟ ﺠ ﺖ ﻫ ﺬه ﻓ ﻲ اﻟ ﺘ ﻐ ﻀ ﺐ
ﻟ ﺘ ﻘ ﺘ ﻠ ﻨ ﻲ وﺷ ﱠﺪ ﻣ ﺎ ﺣ ﺐ زﻳ ﻨ ﺐ وﺧ ﻄ ﺖ ﺑ ﻔ ﺮدي إﺛ ﻤ ﺪ ﺟ ﻔ ﻦ ﻋ ﻴ ﻨ ﻬ ﺎ
ﻓ ﻠ ﻮﻣ ﻲ ﺣ ﻴ ﺎﺗ ﻲ ﻣ ﺎ ﺑ ﺪا ﻟ ﻚ واﻏ ﻀ ﺒ ﻲ ﺗ ﻠ ﻮم ﻋ ﻠ ﻰ ﻣ ﺎل ﺷ ﻔ ﺎﻧ ﻲ ﻣ ﻜ ﺎﻧ ﻪ
وﺣ ﻖ ﻟ ﻬ ﻢ ﻣ ﻨ ﻲ ورب اﻟ ﻤ ﺤ ﺼ ﺐ رﺣ ﻤ ﺖ ﺑ ﻨ ﻲ ﻣ ﻌ ﺪان إذ ﻗ ﻞ ﻣ ﺎﻟ ﻬ ﻢ
ﻫ ﺪاﻳ ﺎ ﻟ ﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ﻛ ﻞ ﻗ ﻌ ﺐ ﻣ ﺸ ﻌ ﺐ وﻛ ﺎن اﻟ ﻴ ﺘ ﺎﻣ ﻰ ﻻ ﻳ ﺴ ﺪ اﺧ ﺘ ﻼﻟ ﻬ ﻢ
ﺳ ﺄﺟ ﻌ ﻞ ﺑ ﻴ ﺘ ﻲ ﺑ ﻴ ﺖ آﺧ ﺮ ﻣ ﻐ ﺮب ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻌ ﺒ ﺪﻳ ﻨ ﺎ أرﻳ ﺤ ﺎ ﻋ ﻠ ﻴ ﻬ ﻢ
ﻫ ﻮ اﻟ ﻴ ﻮم أوﻟ ﻰ ﻣ ﻨ ﻜ ﻢ ﺑ ﺎﻟ ﺘ ﻜ ﺴ ﺐ وﻗ ﻠ ﺖ ﺧ ﺬوﻫ ﺎ واﻋ ﻠ ﻤ ﻮا أن ﻋ ﻤ ﻜ ﻢ
وإن ﻳ ﺸ ﺮﺑ ﻮا رﻧ ًﻘ ﺎ إﻟ ﻰ ﺣ ﻴ ﻦ ﻣ ﻜ ﺴ ﺐ ﻋ ﻴ ﺎﻟ ﻲ أﺣ ﻖ أن ﻳ ﻨ ﺎﻟ ﻮا ﺧ ﺼ ﺎﺻ ﺔ
ﺣ ﺮﻳ ﺒً ﺎ ﻵﺳ ﺎﻧ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ ﻛ ﻞ ﻣ ﻮﻛ ﺐ أﺣ ﺎﺑ ﻲ ﺑ ﻬ ﺎ ﻣَ ﻦ ﻟ ﻮ ﻗ ﺼ ﺪت ﻟ ﻤ ﺎﻟ ﻪ
ﻳﺠﺒﻨﻲ وإن أﻏﻀﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻴﻒ ﻳﻐﻀﺐ أﺧ ﻲ واﻟ ﺬي إن أدﻋ ﻪ ﻟ ﻌ ﻈ ﻴ ﻤ ﺔ
ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ زﻳﻨﺐ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﺧﺮﺟﺖ ﺣﺘﻰ أﺗﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄﺳﻠﻤﺖ؛ وذﻟﻚ ﰲ
َ
املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻄﻠﺐ زﻳﻨﺐ أن ﺗﺮ ﱠد ﻋﻠﻴﻪ — وﻛﺎن ﻧﴫاﻧﻴٍّﺎ ﻓﻘﺪِم ﺣﺠﻴﺔ وﻻﻳﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎبَ ،
— وﻧﺰل ﺑﺎﻟﺰﺑري ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ﻓﺄﺧﱪه ﺑﻘﺼﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :إﻳﺎك وأن ﻳﺒﻠُ َﻎ ﻫﺬا ﻋﻨﻚ ﻋﻤﺮ ﻓﺘﻠﻘﻰ
ﻣﻨﻪ أذًى! واﻧﺘﴩ ﺧﱪُ ﺣﺠﻴﺔ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ وﻋُ ﻠِﻢ ﻓﻴ َﻢ ﻛﺎن ﻣﻘﺪﻣُﻪ ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ ﻋﻤﺮ ﻓﻘﺎل ﻟﻠﺰﺑري:
ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ ﻗﺼﺔ ﺿﻴﻔﻚ ،وﻟﻘﺪ ﻫﻤﻤﺖ ﺑﻪ ﻟﻮﻻ ﺗﺤ ﱡﺮﻣﻪ ﺑﺎﻟﻨﺰول ﻋﻠﻴﻚ ،ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺰﺑري إﱃ ﺣﺠﻴﺔ
ﻓﺄﻋﻠﻤﻪ ﻗﻮل ﻋﻤﺮ ،ﻓﻤﺪﺣﻪ ﺑﺄﺑﻴﺎﺗﻪ اﻵﺗﻲ أوﻟﻬﺎ» :إن اﻟﺰﺑري ﺑﻦ ﻋﻮام ﺗﺪارﻛﻨﻲ«.
آﻳﺴﺎ ﻣﻦ زﻳﻨﺐَ ﻛﺌﻴﺒًﺎ ﺣﺰﻳﻨًﺎ ،ﻓﻘﺎل ﰲ ذﻟﻚ:
ﺛﻢ اﻧﴫف ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﻣﺘﻮﺟﻬً ﺎ إﱃ ﺑﻠﺪه ً
476
ﺣﺮف اﻟﻌني
وأﻧﺎ — وﷲ ﻳﺎ أﺧﻲ — ﺧﺸﻴﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ؛ ﻟﺌﻼ ﻳﺼﻴﺒﻚ ﻣﻊ ﻧﺴﺎﺋﻚ ﻣﺎ
أﺻﺎب ﺣﺠﻴﺔ وزﻳﻨﺐ ،وأﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ﻛﱪا وﺻﺎرا ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ أن ﻳﺪﻓﻌﺎ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﺗﻌﺪﻳﺎت
ﻏريﻫﻤﺎ ،ﻓﺄﺧﺬﻫﻤﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﻟﻴﻪ وﻫﻮ ﻳﺜﻨﻲ ﻋﲆ ﻋﺎﺋﺸﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ أﻓﺼﺢ أﻫﻞ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وأﺣﻔﻈﻬﻢ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚْ ،
روت ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺮواة ﻣﻦ
اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎن ﻣﴪوق إذا روى ﻋﻨﻬﺎ ﻳﻘﻮل :ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ اﻟﺼﺪﻳﻘﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺼﺪﻳﻖ،
اﻟﱪﻳﺌﺔ ا ُملﱪﱠأة ،وﻛﺎن أﻛﺎﺑﺮ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻔﺮاﺋﺾ.
وﻗﺎل ﻋﻄﺎء ﺑﻦ أﺑﻲ أرﺑﺎح :ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻣﻦ أﻓﻘﻪ اﻟﻨﺎس ،وأﺣﺴﻦ اﻟﻨﺎس رأﻳًﺎ ﰲ
َ
ﻋﺎﺋﺸﺔ ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻗﺎل ﻋﺮوة :ﻣﺎ رأﻳﺖ أﺣﺪًا أﻋﻠﻢ ﺑﻔﻘﻪ وﻻ ﺑﻄﺐ وﻻ ﺑﺸﻌﺮ ﻣﻦ
ﻓﻀﻼ وﻋﻠﻮ ﻣﺠﺪ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻧﺰل ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ً َ
ﻟﻌﺎﺋﺸﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ إﻻ ﻗﺼﺔ اﻹﻓﻚ ﻟﻜﻔﻰ ﺑﻬﺎ
اﻟﻘﺮآن ﻣﺎ ﻳﺘﲆ إﱃ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ .وﻟﻮﻻ ﺧﻮف اﻟﺘﻄﻮﻳﻞ ﻟﺬﻛﺮﻧﺎ اﻟﻘﺼﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ،وﻫﻲ أﺷﻬﺮ
ﻣﻦ أن ﺗﺬﻛﺮ .وﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻋﻨﺪ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻘﺎل ﻳﺮﺛﻲ اﺑﻨﺘﻪ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻟﻜﻦ ﻟﺴﺖ أﻧﺖ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﴪوق :أﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻚ ﻫﺬا وﻗﺪ
ِﱪ ُه ِﻣﻨْﻬُ ْﻢ َﻟ ُﻪ ﻋَ ﺬَابٌ ﻋَ ِﻈﻴﻢٌ﴾ )اﻟﻨﻮر(١١ :؟! ﻗﺎﻟﺖ:
ﻗﺎل ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :وَا ﱠﻟﺬِي ﺗَﻮ ﱠَﱃ ٰ ﻛ ْ َ
أﻣﺎ ﺗﺮاه ﰲ ﻋﺬاب ﻋﻈﻴﻢ؛ ﻗﺪ ذﻫﺐ ﺑﴫه؟! وﺑﺎﻗﻲ اﻷﺑﻴﺎت:
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺳﻨﺔ ﺳﺒﻊ وﺧﻤﺴني ،وﻗﻴﻞ :ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎن وﺧﻤﺴني ﻟﻠﻬﺠﺮة ،ﻟﻴﻠﺔ
ﻟﻴﻼ ،ﻓﺪﻓﻨﺖ وﺻﲆاﻟﺜﻼﺛﺎء ،ﻟﺴﺒﻊ ﻋﴩة ﻟﻴﻠﺔ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن .وأﻣﺮت أن ﺗﺪﻓﻦ ﺑﺎﻟﺒﻘﻴﻊ ً
ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة ،وﻧﺰل ﻗﱪﻫﺎ ﺧﻤﺴﺔ :ﻋﺒﺪ ﷲ وﻋﺮوة اﺑﻨﺎ اﻟﺰﺑري ،واﻟﻘﺎﺳﻢ وﻋﺒﺪ ﷲ اﺑﻨﺎ
اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻛﺎن ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺛﻤﺎن ﻋﴩةﱡ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،وملﺎ ﺗﻮﰲ
ﺳﻨﺔ.
477
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﻣﻌﺪ ﺑﻦ ﺗﻴﻢ.
وأﻣﻬﺎ أم ﻛﻠﺜﻮم ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ،وﺧﺎﻟﺘﻬﺎ ﻋﺎﺋﺸﺔ أم املﺆﻣﻨني ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ أﺷﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺎﺋﺸﺔ أم املﺆﻣﻨني ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ ،ﻓﺰوﺟﺘﻬﺎ ﺑﺎﺑﻦ أﺧﻴﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ
اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ،وﻛﺎن اﺑﻦ ﺧﺎل ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺪ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ
أزواﺟﻬﺎ ﺳﻮاه ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻋﻤﺮان — وﺑﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻨﻰ — وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،وأﺑﺎ ﺑﻜﺮ ،وﻃﻠﺤﺔ،
وﻧﻔﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﻬﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻋﻘﺐ .وﻛﺎن اﺑﻨﻬﺎ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ
أﺟﻮد ﻗﺮﻳﺶ ،وﺗﻮﰲ ﻋﺒﺪ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪه ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﻓﺄﻣﻬﺮﻫﺎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ
أﻟﻒ درﻫﻢ ،وأﻫﺪى ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﻻ ﺗﺴﱰ وﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ! ﻓﻌﺎﺗﺒﻬﺎ ﻣﺼﻌﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
إن ﷲ — ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﱃ — وﺳﻤﻨﻲ ﺑﻤﻴﺴﻢ ﺟﻤﺎل أﺣﺒﺒﺖ أن ﻳﺮاه اﻟﻨﺎس وﻳﻌﺮﻓﻮا ﻓﻀﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺳﱰَه ،ووﷲ ﻣﺎ ﰲ ﱠ وﺻﻤﺔ ﻳﻘﺪر أن ﻳﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﻬﺎ أﺣﺪ ،وﻃﺎﻟﺖ ﻣﺮاﺟﻌﺔ
ﻣﺼﻌﺐ إﻳﺎﻫﺎ ﰲ ذﻟﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﴍﺳﺔ اﻟﺨﻠﻖ — وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺴﺎء ﺗﻤﻴﻢ ﻫﻦ أﴍس ﺧﻠﻖ ﷲ،
وأﺣﻈﺎﻫﻦ ﻋﻨﺪ أزواﺟﻬﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺴني ﺑﻦ ﻋﲇ أم إﺳﺤﺎق ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﻓﻜﺎن ﻳﻘﻮل:
وﷲ ﻟﺮﺑﻤﺎ ﺣﻤﻠﺖ ووﺿﻌﺖ وﻫﻲ ﻣﺼﺎرﻣﺔ ﱄ ﻻ ﺗُﻜ ﱢﻠﻤﻨﻲ — وﻧﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﻌﺐ
وﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺗﻜﻠﻤﻨﻲ أﺑﺪًا ،وﻗﻌﺪت ﰲ ﻏﺮﻓﺔ وﻫﻴﱠﺄت ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳُﺼﻠﺤﻬﺎ ،ﻓﺠﻬﺪ ﻣﺼﻌﺐ أن
ﺗُﻜ ﱢﻠﻤﻪ ﻓﺄﺑ َْﺖ.
ﻓﺒﻌﺚ إﻟﻴﻬﺎ اﺑﻦ ﻗﻴﺲ اﻟﺮﻗﻴﺎت ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻛﻼﻣﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻴﻨﻲ؟ ﻓﻘﺎل :ﻫﺎ ﻫﻨﺎ
اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻘﻴﻪ أﻫﻞ اﻟﻌﺮاق ﻓﺎﺳﺘﻔﺘﻴﻪ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺑﴚء ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
أﻳﺤﻠﻨﻲ وﻳﺨﺮج ﺧﺎﺋﺒًﺎ؟! ﻓﺄﻣﺮت ﻟﻪ ﺑﺄرﺑﻌﺔ آﻻف درﻫﻢ ،وﻗﺎل اﺑﻦ ﻗﻴﺲ اﻟﺮﻗﻴﺎت ملﺎ رآﻫﺎ:
478
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺰة املﻴﻼء ﻣﻦ أﻇﺮف اﻟﻨﺎس وأﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻣﻮر اﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎن ﻳﺄﻟﻔﻬﺎ اﻷﴍاف
وأرﺑﺎب املﺮوءات وﻏريﻫﻢ ،ﻓﺄﺗﺎﻫﺎ ﻣﺼﻌﺐُ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري وﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ
وﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻓﻘﺎﻟﻮا :إﻧﺎ ﺧﻄﺒﻨﺎ ﻓﺎﻧﻈﺮي ﻟﻨﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ملﺼﻌﺐ :وﻣَ ﻦ ﺧﻄﺒﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ
أﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ؟ ﻓﻘﺎل :ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﺄﻧﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ أﺣﻴﺤﺔ؟ ﻗﺎل :ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﺑﻨﺖ ﻋﺜﻤﺎن ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺄﻧﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﺼﺪﻳﻖ؟ ﻗﺎل :أم اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻨﺖ زﻛﺮﻳﺎ ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ،ﻫﺎﺗﻲ ﻣﻨﻘﲇ — ﺗﻌﻨﻲ ﺧﻔﻴﻬﺎ — ﻓﻠﺒﺴﺘﻬﻤﺎ وﺧﺮﺟﺖ وﻣﻌﻬﺎ ﺧﺎدم
ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻓﺘﺬاﻛﺮوا
ٍ ﻟﻬﺎ ،وﻣﻀﺖ ﻓﺒﺪأت ﺑﻌﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﺪﻳﺘُﻚ ،ﻛﻨﺎ ﰲ ﻣﺄدﺑﺔ
أدر ﻛﻴﻒ أﺻﻔﻚ — ﻓﺪﻳﺘُﻚ — ﻓﺄﻟﻘﻲ ﺛﻴﺎﺑﻚ ،ﻓﻔﻌَ ْ
ﻠﺖ، ﺟﻤﺎل اﻟﻨﺴﺎء وﺧﻠﻘﻬﻦ ﻓﺬﻛﺮوك ،ﻓﻠﻢ ِ
وأدﺑﺮت ،ﻓﺎرﺗﺞﱠ ﻛ ﱡﻞ ﳾء ﻣﻨﻬﺎ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻋﺰة :ﺧﺬي ﺛﻮﺑﻚ — ﻓﺪﻳﺘﻚ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻮء
ْ ْ
وأﻗﺒﻠﺖ
وﺑﻘﻴﺖ ﺣﺎﺟﺘﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺰة :وﻣﺎ ﻫﻲ — ﺑﻨﻔﴘ ْ ِ
ﻗﻀﻴﺖ ﺣﺎﺟﺘﻚ — ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻗﺪ
أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺗﻐﻨﻴﻨﻲ ﺻﻮﺗًﺎ ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻐﻨﻲ:
ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﻘﺒﻠﺖ ﻣﺎ ﺑني ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،ودﻋﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﴩة أﺛﻮاب ،وﺑﻄﺮاﺋﻒ ﻣﻦ أﻧﻮاع
اﻟﻔﻀﺔ وﻏري ذﻟﻚ ،ودﻓﻌﺘﻪ إﱃ ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ ،ﻓﺤﻤﻠﺘﻪ وأﺗﺖ اﻟﻨﺴﻮة ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ؛ ﺗﻘﻮل ذﻟﻚ
ﻟﻬﻦ ،ﺣﺘﻰ أﺗﺖ اﻟﻘﻮم ﰲ اﻟﺴﻘﻴﻔﺔ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ ،أﻣﺎ
ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﻼ وﷲ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﻘﺒﻠﺔ وﻣﺪﺑﺮة ،ﻣﺤﻄﻮﻃﺔ املﺘﻨني ،ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻟﻌﺠﻴﺰة ،ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ
اﻟﱰاﺋﺐ ،ﻧﻘﻴﺔ اﻟﺜﻐﺮ وﺻﻔﺤﺔ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻓﺮﻋﺎء اﻟﺸﻌﺮ ،ﻟﻔﺎء اﻟﻔﺨﺬﻳﻦ ،ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ اﻟﺼﺪر ،ﺧﻤﻴﺼﺔ
اﻟﺒﻄﻦ ،ذات ﻋﻜﻦ ،ﺿﺨﻤﺔ اﻟﴪة ،ﻣﴪوﻟﺔ اﻟﺴﺎق ،ﻳﺮﺗﺞ ﻣﺎ ﺑني أﻋﻼﻫﺎ إﱃ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ،وﻓﻴﻬﺎ
ﻋﻴﺒﺎن؛ أﻣﺎ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﻴﻮارﻳﻪ اﻟﺨﻤﺎر ،وأﻣﺎ اﻵﺧﺮ ﻓﻴﻮارﻳﻪ اﻟﺨﻒ :ﻋﻈﻢ اﻟﻘﺪم ،واﻷُذن ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻛﺬﻟﻚ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺰة :وأﻣﺎ أﻧﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ أﺣﻴﺤﺔ ،ﻓﺈﻧﻲ وﷲ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﺜﻞ ﺧﻠﻖ ﻋﺎﺋﺸﺔ
ً
إﻓﺮاﻏﺎ ،وﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻮﺟﻪ ردة، ﺑﻨﺖ ﻋﺜﻤﺎن ﻻﻣﺮأة ﻗﻂ؛ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻴﺐ ،وﷲ ﻟﻜﺄﻧﻤﺎ أﻓﺮﻏﺖ
ٍ
ﺑﻮﺟﻪ ﺗﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻪ. ُ
أﴍت ﻋﻠﻴﻚ وإن اﺳﺘﴩﺗﻨﻲ
479
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأﻣﺎ أﻧﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﺼﺪﻳﻖ ،ﻓﻮﷲ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﺜﻞ أم اﻟﻘﺎﺳﻢ؛ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﻮط ﺑﺎﻧﺔ ﺗﻨﺜﻨﻲ،
وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﺪل ﻋﻨﺎن ،أو ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﺸﻒ ﻳﻨﺜﻨﻲ ﻋﲆ رﻣﻞ ﻟﻮ ﺷﺌﺖ أن ﺗﻌﻘﺪ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﻟﻔﻌﻠﺖ،
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺷﺤﻨﺔ اﻟﺼﺪر وأﻧﺖ ﻋﺮﻳﺾ اﻟﺼﺪر ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻗﺒﻴﺤً ﺎ .ﻻ وﷲ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻸ
ﻛﻞ ﳾء ﻣﺜﻠﻪ ،ﻓﻮﺻﻠﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء وﺗﺰوﺟﻮﻫﻦ.
وﻛﺎن ﻣﺼﻌﺐ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﺘﻼح ﻳﻨﺎﻟﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﻜﻞ ﻣﺸﻘﺔ ،ﻓﺸﻜﺎ ذﻟﻚ إﱃ اﺑﻦ
إن أذﻧﺖ ﱄ ،ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،اﻓﻌ ْﻞ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ أﻓﻀﻞ ﻓﺮوة ﻛﺎﺗﺒﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﻧﺎ أﻛﻔﻴﻚ ﻫﺬا ْ
ﻟﻴﻼ وﻣﻌﻪ أﺳﻮدان ،ﻓﺎﺳﺘﺄذن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﳾء ﻧﻠﺘُﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﺄﺗﺎﻫﺎ ً
اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻓﺮوة؟! ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺄدﺧﻠﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻸﺳﻮدﻳﻦ :اﺣﻔﺮا ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺑﱤًا ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﻟﻪ ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ :وﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﺑﺎﻟﺒﱤ؟! ﻗﺎل :ﺷﺆم ﻣﻮﻻﺗﻚ ،أﻣﺮﻧﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﺎﺟﺮ أن أدﻓﻨﻬﺎ ﺣﻴﺔ
وﻫﻮ أﺳﻔ ُﻚ ﺧﻠﻖ ﷲ ﻟﺪم ﺣﺮام ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻓﺄﻧﻈﺮﻧﻲ أذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ،ﻗﺎل :ﻫﻴﻬﺎت! ﻻ
ﺳﺒﻴﻞ إﱃ ذﻟﻚ ،وﻗﺎل ﻟﻸﺳﻮدﻳﻦ :اﺣﻔﺮا.
ﺑﻜﺖ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻓﺮوة ،إﻧﻚ ﻟﻘﺎﺗﲇ ﻣﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﺪ ،ﻗﺎل: ْ ﻓﻠﻤﺎ رأت اﻟﺠﺪ ﻣﻨﻪ
ﻧﻌﻢ ،وإﻧﻲ ﻷﻋﻠﻢ أن ﷲ ﺳﻴﺠﺰﻳﻪ ﺑﻌﺪك ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺪ ﻏﻀﺐ وﻫﻮ ﻛﺎﻓﺮ اﻟﻐﻀﺐ! ﻗﺎﻟﺖ :وﰲ
ﻇﻦ أﻧﻚ ﺗُﺒﻐﻀﻴﻨﻪ وﺗﺘﻄﻠﻌني إﱃ ﻏريه؛ ﻓﻘﺪ أي ﳾء ﻏﻀﺒﻪ؟ ﻗﺎل :ﰲ اﻣﺘﻨﺎﻋﻚ ﻋﻨﻪ ،وﻗﺪ ﱠ
ﺟﻦ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺸﺪك ﷲ إﻻ ﻋﺎودﺗﻪ ،ﻗﺎل :إﻧﻲ أﺧﺎف أن ﻳﻘﺘﻠﻨﻲ ،ﻓﺒﻜﺖ وﺑﻜﻰ ﺟﻮارﻳﻬﺎ، ﱠ
رﻗﻘﺖ ﻟﻚ ،وﺣ َﻠﻒ أﻧﻪ ﻳُﻐ ﱢﺮر ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻓﻤﺎ أﻗﻮل؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺗﻀﻤﻦ ُ ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ
ﻋﻨﻲ أﻧﻲ ﻻ أﻋﻮد أﺑﺪًا ،ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﱄ ﻋﻨﺪك؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﻴﺎم ﺑﺤﻘﻚ ﻣﺎ ﻋﺸﺖ ،ﻗﺎل :ﻓﺄﻋﻄﻴﻨﻲ
املﻮاﺛﻴﻖ ،ﻓﺄﻋﻄﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻸﺳﻮدﻳﻦ :ﻣﻜﺎﻧﻜﻤﺎ ،وأﺗﻰ ﻣﺼﻌﺒًﺎ ﻓﺄﺧﱪه ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :اﺳﺘﻮﺛ ِْﻖ
ﻓﻔﻌﻠﺖ وﺻﻠﺤﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ُملﺼﻌَ ٍﺐ. ْ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻷﻳﻤﺎن،
ودﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺼﻌﺐ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻫﻲ ﻧﺎﺋﻤﺔ ﻣﺘﺼﺒﺤﺔ وﻣﻌﻪ ﺛﻤﺎن ﻟﺆﻟﺆات ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻋﴩون
أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،ﻓﺄﻧﺒﻬﻬﺎ وﻧﺜَﺮ اﻟﻠﺆﻟﺆ ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻧﻮﻣﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﺐﱠ إﱄ ﱠ ﻣﻦ ﻫﺬا
ﱠ
وﺷﻖ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﻠﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ وﺻﺎرﻣﺖ ﻣُﺼﻌﺒًﺎ ﻣ ﱠﺮ ًة ﻓﻄﺎﻟﺖ ﻣﺼﺎرﻣﺘُﻬﺎ ﻟﻪ،
ْ اﻟﻠﺆﻟﺆ ،ﻗﺎل:
ملﺼﻌﺐ ﺣﺮب ﻓﺨﺮج إﻟﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﻋﺎد وﻗﺪ ﻇﻔﺮ ،ﻓﺸ َﻜ ْﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻣﺼﺎرﻣﺘﻪ إﱃ ﻣﻮﻻة ﻟﻬﺎ
ﻤﺴﺢ اﻟﱰاب ﻋﻦ وﺟﻌﻠﺖ ﺗَ َ
ْ ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﻵن ﻳﺼﻠﺢ أن ﺗﺨﺮﺟﻲ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻓﻬﻨﱠﺄﺗﻪ ﺑﺎﻟﻔﺘﺢ
وﺟﻬﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﺼﻌﺐ :إﻧﻲ أﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ راﺋﺤﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻬﻮ — وﷲ —
ﻋﻨﺪي أﻃﻴﺐ ﻣﻦ رﻳﺢ املﺴﻚ!
480
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻗﺎل اﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ :ﻛﺎن ﻣﺼﻌﺐ ﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس إﻋﺠﺎﺑًﺎ ﺑﻌﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ْ
دﻋﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻧﺴﻮة ً
وﺟﻤﺎﻻ وﻫﻴﺌﺔ ،وﻣﺘﺎﻧﺔ وﻋﻔﺔ ،وإﻧﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺷﺒﻴﻪ ﰲ زﻣﺎﻧﻬﺎ ﺣﺴﻨًﺎ ودﻣﺎﺛﺔ،
ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ،ﻓﻠﻤﺎ ِﺟﺌْﻨﻬﺎ أﺟﻠﺴﺘﻬﻦ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﻗﺪ ﻧﻀﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﻳﺤﺎن واﻟﻔﻮاﻛﻪ واﻟﻄﻴﺐ
املﺠﻤﺮ ،وﺧﻠﻌﺖ ﻋﲆ ﻛﻞ اﻣﺮأة ﻣﻨﻬﻦ ﺧﻠﻌﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﳾ واﻟﺨﺰ وﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ،ودﻋﺖ ﻋﺰة
املﻴﻼء ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ وأﺿﻌﻔﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻌﺰة :ﻫﺎﺗﻲ ﻳﺎ ﻋﺰة ﻓﻐﻨﻴﻨﺎ ،ﻓﻐﻨﺖ:
وﻛﺎن ﻣﺼﻌﺐ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻨﻬﻦ وﻣﻌﻪ إﺧﻮان ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎم ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ ﺣﺘﻰ دﻧﺎ ﻣﻨﻬﻦ واﻟﺴﺘﻮر
وﺻﻔﺖ ،ﻓﺒﺎرك ﷲ ﻓﻴﻚ ﻳﺎ ﻋﺰة! ِ ﻣﺴﺒﻠﺔ ،ﻓﺼﺎح :ﻳﺎ ﻫﺬه ،إﻧﺎ ﻗﺪ ذُﻗﻨﺎه ﻓﻮﺟَ ﺪﻧﺎه ﻋﲆ ﻣﺎ
ﺛﻢ أرﺳﻞ إﱃ ﻋﺎﺋﺸﺔ :أﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻨﺎ إﻟﻴﻚ ﻣﻊ ﻣَ ﻦ ﻋﻨﺪك ،وأﻣﺎ ﻋﺰة ﻓﺘﺄذﻧني ﻟﻬﺎ
ﻠﺖ وﻏﻨﱠﺘﻪ ﻣﺮا ًرا ،وﻛﺎد ﻣﺼﻌﺐ أن ﻳﺬﻫﺐ ﻋﻘﻠﻪ أن ﺗُﻐﻨﱢﻴﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﺛﻢ ﺗﻌﻮد إﻟﻴﻚ ،ﻓﻔﻌَ ْ
ﻓﺮﺣً ﺎ وﴎو ًرا ،وأﻣﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮد إﱃ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ،وﻗﻀﻮا ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﺣﺎل!
وملﺎ ُﻗﺘﻞ ﻣﺼﻌﺐ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﻋُ ﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ اﻟﺘﻤﻴﻤﻲ ،ﻓﺤﻤﻞ
ُ
دﺧﻠﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻴﻠﺔ .وأﻣﺮ ﺑﺎملﺎل إﻟﻴﻬﺎ أﻟﻒ أﻟﻒ درﻫﻢ وﻗﺎل ملﻮﻻﺗﻬﺎ :ﻟﻚ ﻋﲇ ﱠ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر إن
ﻄﻲ ﺑﺎﻟﺜﻴﺎب ،وﺧﺮﺟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ ملﻮﻻﺗﻬﺎ :أﻫﺬا ﻓﺮش أم ﻓﺤُ ﻤﻞ ﻓﺄُﻟﻘﻲ ﰲ اﻟﺪار ُ
وﻏ ﱢ
ﻤﺖ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﻮﻻﺗﻬﺎ :أَﺟﺰاءُ ﻓﺘﺒﺴ ْ
ﱠ ﺛﻴﺎب؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :اﻧﻈﺮي إﻟﻴﻪ ،ﻓﻨﻈﺮت ﻓﺈذا ﻫﻮ ﻣﺎل،
ﱠ
أﺗﺰﻳﻦ ﻟﻪ ﻣَ ﻦ ﺣﻤﻞ ﻫﺬا أن ﻳﺒﻴﺖ ﻋ َﺰﺑًﺎ؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ وﷲ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺠﻮز دﺧﻮﻟﻪ إﻻ ﺑﻌ َﺪ أن
وأﺳﺘﻌﺪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻴﻢ ذا؟! ﻓﻮﺟﻬﻚ وﷲ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ زﻳﻨﺔ ،وﻣﺎ ﺗﻤﺪﻳﻦ ﻳﺪك إﱃ ﻃﻴﺐ أو
ﺛﻴﺎب أو ﺣﲇ أو ﻓﺮش إﻻ وﻫﻮ ﻋﻨﺪك ،وﻗﺪ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﺄذﻧﻲ ﻟﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :اﻓﻌﲇ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ
ﻗﺒﻠﺖ ،ﻓﺠﺎءﻫﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺸﺎء اﻷﺧرية ،وﻗﺎﻟﺖ ﺣني دﺧﻞ ﺑﻬﺎ: ْ إﻟﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖُ :ﻗ ْﻢ ﺑﻨﺎ ﻓﻘﺪ
وﻛﺎﻧﺖ رﻣﻠﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ زوﺟﺔ ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ ،وملﺎ ﺗﺰوﱠج
ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ رﻣﻠﺔ ملﻮﻻة ﻟﻌﺎﺋﺸﺔ :أرﻳﻨﻲ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻣﺘﺠﺮدة وﻟﻚ أﻟﻔﺎ درﻫﻢ ،ﻓﺄﺧﱪت ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﺈﻧﻲ أﺗﺠﺮد ﻓﺄﻋﻠﻤﻴﻬﺎ وﻻ ﺗُﻌ ﱢﺮﻓﻴﻬﺎ أﻧﻲ أﻋﻠﻢ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻐﺘﺴﻞ
481
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
482
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﻘﺎل :إن ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻋﻨﺪي ،ﻓﺄﺳﻤﺮوا ﻋﻨﺪي اﻟﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﺤﴬوا ،ﻓﻤﺎ ﺗﺬاﻛﺮوا ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر
اﻟﻌﺮب وأﺷﻌﺎرﻫﺎ وأﻳﺎﻣﻬﺎ إﻻ أﻓﺎﺿﺖ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻴﻪ ،وﻣﺎ ﻃﻠﻊ ﻧﺠﻢ وﻻ ﻏﺎر إﻻ ﺳﻤﱠ ﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﺎ ﻫﺸﺎم :أﻣﺎ اﻷول ﻓﻼ ﻧﻜﺮه ،وأﻣﺎ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ﻟﻚ؟! ﻗﺎﻟﺖ :أﺧﺬﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﺧﺎﻟﺘﻲ
ﻋﺎﺋﺸﺔ ،ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ وردﱠﻫﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ.
وملﺎ ﺗﺄﻳﻤﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻴﻢ ﺑﻤﻜﺔ ﺳﻨﺔ وﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﺳﻨﺔ ،ﺗﺨﺮج إﱃ ﻣﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﻒ
وﻗﴫ ﻟﻬﺎ ﻓﺘﺘﻨﺰه ،وﺗﺠﻠﺲ ﺑﺎﻟﻌﺸﻴﺎت ﻓﺘﺘﻨﺎﺿﻞ ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ اﻟﺮﻣﺎة ،ﻓﻤ ﱠﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻤريي
اﻟﺸﺎﻋﺮ ،ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻋﻨﻪ ﻓﻨُﺴﺐ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ملﺎ أﺗﻮﻫﺎ ﺑﻪ :أﻧﺸﺪﻧﻲ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﰲ زﻳﻨﺐ ،ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ
وﻗﺎل :اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻲ وﻗﺪ ﺻﺎرت ﻋﻈﺎﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻴﺔ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻚ ،ﻓﺄﻧﺸﺪﻫﺎ ﻗﻮﻟﻪ:
ﻳ ﻠ ﺒ ﻴ ﻦ ﻟ ﻠ ﺮﺣ ﻤ ﻦ ﻣ ﻌ ﺘ ﻤ ﺮات ﻧ ﺰﻟ ﻦ ﺑ ﻔ ﺦ ﺛ ﻢ رﺣ ﻦ ﻋ ﺸ ﻴ ﺔ
وﻳ ﺨ ﺮﺟ ﻦ ﺷ ﻄ ﺮ اﻟ ﻠ ﻴ ﻞ ﻣ ﻌ ﺘ ﺠ ﺮات ﻳ ﺨ ﺒ ﺌ ﻦ أﻃ ﺮاف اﻷﻛ ﻒ ﻣ ﻦ اﻟ ﺘ ﻘ ﻰ
وﻛ ﻦ ﻣ ﻦ أن ﻳ ﻠ ﻘ ﻴ ﻨ ﻪ ﺣ ﺬرات وﻟ ﻤ ﺎ رأت رﻛ ﺐ اﻟ ﻨ ﻤ ﻴ ﺮي أﻋ ﺮﺿ ﺖ
ﺑ ﻪ زﻳ ﻨ ﺐ ﻓ ﻲ ﻧ ﺴ ﻮة ﺧ ﻔ ﺮات ﺗﻀﻮﱠع ﻣﺴ ًﻜﺎ ﺑﻄﻦ ﻧﻌﻤﺎن أن ﻣﺸﺖ
ﺟﻤﻴﻼ؛ ذﻛﺮ أﻧﻲ إذا ﺻﺒﱠﺤﺖ زوﺟً ﺎ ﺑﻮﺟﻬﻲ ﻏﺪا ﺑﻜﻮاﻛﺐ ً ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻣﺎ ذﻛﺮ إﻻ
اﻟﻄﻠﻖ ،وأﻧﻲ ﻏﺪوت ﻣﻊ أﻣري ﺗﺰوﱠﺟﻨﻲ إﱃ اﻟﴩق؛ أﻋﻄﻮه أﻟﻒ درﻫﻢ ،واﻛﺴﻮه ﺣُ ﱠﻠﺘني ،وﻻ
ﺗَﻌُ ﺪ ﻹﺗﻴﺎﻧﻨﺎ ﻳﺎ ﻧﻤريي.
وﻗﺎل أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة ﻟﻌﺎﺋﺸﺔ ﻳﻮﻣً ﺎ :ﻣﺎ رأﻳﺖ ﺷﻴﺌًﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻚ إﻻ ﻣﻌﺎوﻳﺔ أول ﻳﻮم ﺧﻄﺐ
ﻋﲆ ﻣﻨﱪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ .ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻷﻧﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻘﺮة ﰲ ﻋني املﻘﺮور.
483
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺘﺐ أﺑﺎن ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ إﱃ أﺧﻴﻪ ﻳﺤﻴﻰ ﻳﺨﻄﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﻟﻴﺤﻴﻰ :ﻣﺎ أﻧﺰل أﺧﺎك أﻳﻠﺔ؟ ﻗﺎل :أراد اﻟﻌﺰﻟﺔ ،ﻗﺎﻟﺖ :اﻛﺘﺐ إﱃ أﺧﻴﻚ:
ﻣ ﻘ ﻴ ﻤً ﺎ ﻋ ﻠ ﱠﻲ اﻟ ﻬ ﻢ أﺣ ﻼم ﻧ ﺎﺋ ﻢ ﻳ ﻘ ﻮﻟ ﻮن ﻃ ﱢﻠ ﻘ ﻬ ﺎ ﻷﺻ ﺒ ﺢ ﺛ ﺎوﻳً ﺎ
ﻟﻬﻢ زﻟﻔﺔ ﻋﻨﺪي ﻹﺣﺪى اﻟﻌﻈﺎﺋﻢ وإن ﻓ ﺮاﻗ ﻲ أﻫ ﻞ ﺑ ﻴ ﺖ أﺣ ﺒ ﻬ ﻢ
ﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :أذن املﺆذن ﻳﻮﻣً ﺎ وﺧﺮج اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ إﱃ اﻟﺼﻼة ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻪ
ﻋﺎﺋﺸﺔ اﺑﻨﺔ ﻃﻠﺤﺔ أﻧﻪ ﺑﻘﻲ ﻋﲇ ﳾء ﻣﻦ ﻃﻮاﰲ ﻟﻢ أُﺗﻤﱠ ﻪ ،ﻓﻘﻌﺪ وأﻣﺮ املﺆذﻧني ﱡ
ﻓﻜﻔﻮا ﻋﻦ
اﻹﻗﺎﻣﺔ ،وﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻳﺼﻴﺤﻮن ﺣﺘﻰ ﻓ َﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻃﻮاﻓﻬﺎ ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان،
ﻓﻌﺰﻟﻪ ﱠ
ووﱃ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ أﺳﻴﺪ ،وﻛﺘﺐ إﱃ اﻟﺤﺎرث :وﻳﻠﻚ! أﺗﺮﻛﺖ
ﺗﻘﺾ ﻃﻮاﻓﻬﺎ إﱃ اﻟﻔﺠﺮ ملﺎ ﱠ
ﻛﱪت ،وﻗﺎل اﻟﺼﻼة ﻟﻌﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ؟! ﻓﻘﺎل :وﷲ ﻟﻮ ﻟﻢ ِ
ﰲ ذﻟﻚ:
ﻣ ﺮﺣ ﺒً ﺎ إن رﺿ ﻴ ﺖ ﻋ ﻨ ﺎ وأﻫ ﻼ ﻟ ﻢ أرﺣ ﺐ ﺑ ﺄن ﺳ ﺨ ﻄ ﺖ وﻟ ﻜ ﻦ
ر ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ اﻧ ﺜ ﻨ ﻰ اﻟ ﺠ ﻤ ﺎل وﺣ ﻼ إن وﺟ ﻬً ﺎ رأﻳ ﺖ ﻟ ﻴ ﻠ ﺔ اﻟ ﺒ ﺪ
ن ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل اﺳﺘﻬﻼ وﺟﻬﻬﺎ اﻟﻮﺟﻪ ﻟﻮ ﻳﺴﻴﻞ ﺑﻪ اﻟﻤﺰ
ﻟ ﺠ ﻤ ًﺎﻻ ﻓ ﻌ ﻤً ﺎ وﺧ ﻠ ًﻘ ﺎ رﻓ ﻼ إن ﻋ ﻨ ﺪ اﻟ ﻄ ﻮاف ﺣ ﻴ ﻦ أﺗ ﺘ ﻪ
ﺪت ﻟ ﻬ ﱠﻦ اﺿ ﻤ ﺤ ﱠﻼﻓ ﺈذا ﻣ ﺎ ﺑ ْ و ُﻛﺴﻴ َﻦ اﻟﺠَ ﻤﺎ َل إن ﻏِ ﺒْ َﻦ ﻋﻨﻬﺎ
وملﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ — وﻫﻮ أﻣري ﻋﲆ ﻣﻜﺔ :إﻧﻲ
ِ
أذﻧﺖ — وﻛﺎن اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻐﺮﻳﺾ — ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إﻧﺎ أرﻳﺪ اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ،ﻓﺈذا ﱠ
ﺧﻒ ﻋﻠﻴﻚ
ﺣُ ُﺮم ،ﻓﺈذا أﺣﻠﻠﻨﺎ أذﻧﺎك ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣ ﱠﻠﺖ ﴎت ﻋﲆ ﺑﻐﻼﺗﻬﺎ ،وﻟﺤﻘﻬﺎ اﻟﻐﺮﻳﺾ ﺑﻌﺴﻔﺎن وﻣﻌﻪ
ﻛﺘﺎب اﻟﺤﺎرث إﻟﻴﻬﺎ وﻓﻴﻪ ﻗﻮﻟﻪ:
484
ﺣﺮف اﻟﻌني
َ
أﺣﺪﺛﺖ ُ
اﻟﺤﺎرث ﺑﺎﻃ َﻠﻪ! ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﻐﺮﻳﺾ :ﻫﻞ ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأت اﻟﻜﺘﺎب ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻳﺪع
ﺷﻴﺌًﺎ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺎﺳﻤﻌﻲ ،ﺛﻢ اﻧﺪﻓﻊ ﻳﻐﻨﻲ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ :وﷲ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎ
إﻻ ﺳﺪدًا ،وﻻ أردﻧﺎ إﻻ أن ﻧﺸﱰي ﻟﺴﺎﻧﻪ ،وأﺗﻰ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﺮ ﻛﻠﻪ ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻨﺘﻪ وأﻣﺮت ﻟﻪ
ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ وأﺛﻮاب ،وﻗﺎﻟﺖ :زدﻧﻲ ،ﻓﻐﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﻗﻮل اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻳﺎ ﻏﺮﻳﺾ ،ﺑﺤﻘﻲ ﻋﻠﻴﻚ ،أﻫﻮ أﻣﺮك أن ﺗﻐﻨﻴﻨﻲ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ؟
ﻓﻘﺎل :ﻻ وﺣﻴﺎﺗﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ،ﻓﺄﻣﺮت ﻟﻪ ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻏﻨﻨﻲ ﰲ ﺷﻌﺮ
ﻏريه ،ﻓﻐﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﻗﻮل اﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ:
ﻓﻀﺤﻜﺖ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :وأﻧﺖ ﻳﺎ ﻏﺮﻳﺾ؛ ﻓﺄﻧﻌﻢ ﷲ ﺑﻚ ﻋﻴﻨًﺎ ،وأﻧﻌﻢ ﺑﺎﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ
ﻋﻴﻨًﺎ ،ﻟﻘﺪ ﺗﻠﻄﻔﺖ ﺣﺘﻰ أدﻳﺖ إﻟﻴﻨﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،وإن وﻓﺎءك ﻟﻪ ملﺎ ﻳﺰﻳﺪﻧﺎ رﻏﺒﺔ ﻓﻴﻚ وﺛﻘﺔ
َ
اﻟﻐﺮﻳﺾ أن ﻳﻐﻨﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ،وﻗﺎل ﻟﻪ ﻋﻤﺮ :إن أﺑﻠﻐﺘﻬﺎ ﻫﺬه ﺑﻚ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻋﻤﺮ ﺳﺄل
ﰲ ﻏﻨﺎء ﻓﻠﻚ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ ،ﻓﻮﰱ ﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،وأﻣﺮت ﻟﻪ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ
أﺧﺮى.
485
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ اﻧﴫف اﻟﻐﺮﻳﺾ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻠﻘﻲ ﻋﺎﺗﻜﺔ ﺑﻨﺖ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،زوﺟﺔ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ
ﺑﻦ ﻣﺮوان ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺣﺠﱠ ﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺟﻮارﻳﻬﺎ :ﻫﺬا اﻟﻐﺮﻳﺾ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻦ:
ُ
دﺧﻠﺖ ﻓﺮدﱠت ﻋﲇ ﱠ وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺨﱪ، ﻋﲇ ﱠ ﺑﻪ ،ﻓﺠﻲء ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻗﺎل اﻟﻐﺮﻳﺾ :ﻓﻠﻤﺎ ﺳ ﱠﻠ ُ
ﻤﺖ
ﺼﺘُﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻏﻨﱢﻨﻲ ﺑﻤﺎ ﻏﻨﻴﺘَﻬﺎ ﺑﻪ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ،ﻓﻠﻢ أرﻫﺎ ﱡ
ﺗﻬﺶ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﻐﻨﱠﻴﺘُﻬﺎ ﺼ ْ َ
ﻓﻘ َ
ﺿﺎ ﻟﻬﺎ وﻣُﺬ ﱢﻛ ًﺮا ﺑﻨﻔﴘ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻣﺮة ﺑﻦ ﻣﺤﻜﺎن اﻟﺴﻌﺪي ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻣﺮأﺗﻪ وﻗﺪ ﻧﺰل ﺑﻪ ﻣُﻌ ﱢﺮ ً
أﺿﻴﺎف:
ﻗﺎل :ﻓﻘﺎﻟﺖ وﻫﻲ ﻣﺒﺘﺴﻤﺔ :ﻗﺪ وﺟﺐ ﺣﻘﻚ ﻳﺎ ﻏﺮﻳﺾ ،ﻓﻐﻨﱢﻨﻲ ،ﻓﻐﻨﻴﺘﻬﺎ:
ﺑ ﺴ ﺮاﺗ ﻨ ﺎ ووﻗ ﺮت ﻓ ﻲ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ ﻳ ﺎ دﻫ ﺮ ﻗ ﺪ أﻛ ﺜ ﺮت ﻓ ﺠ ﻌ ﺘ ﻨ ﺎ
ﻳﺎ دﻫﺮ ﻣﺎ أﻧﺼﻔﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ وﺳ ﻠ ﺒ ﺘ ﻨ ﺎ ﻣ ﺎ ﻟ ﺴ ﺖ ﻣ ﺨ ﻠ ﻔ ﻪ
ﻣﺎ ﻃﺎش ﻋﻨﺪ ﺣﻔﻴﻈﺔ ﺳﻬﻤﻲ ﻟ ﻮ ﻛ ﺎن ﻟ ﻲ ﻗ ﺮن أﻧ ﺎﺿ ﻠ ﻪ
ﺮزت ﺳﻬﻤَ ﻚ ﻓﺎ ْﻟ ُﻪ ﻋﻦ ﺳﻬﻤﻲ
أﺣْ َ ﻒ ﻗﻠ ُﺖ ﻟﻪﻟﻮ ﻛﺎن ﻳﻌﻄﻲ اﻟﻨ ﱠﺼ َ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻄﻴﻚ اﻟﻨﺼﻒ ،وﻻ ﻧﻀﻴﻊ ﺳﻬﻤﻚ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﻧﺠﺰل ﻟﻚ ﻗﺴﻤﻚ ،وأﻣﺮت ﻟﻪ
ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ ،وﺛﻴﺎب ﻋﺪﻧﻴﺔ وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻟﻄﺎف ،ﻗﺎل :وأﺗﻴﺖ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ
ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ وﻗﺼﺼﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﺄﻣﺮ ﱄ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ أﻣﺮﺗﺎ ﱄ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻓﺄﺗﻴﺖ اﺑﻦ أﺑﻲ
رﺑﻴﻌﺔ وأﻋﻠﻤﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﺟﺮى ،ﻓﺄﻣﺮ ﱄ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﺎ اﻧﴫف أﺣﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻮﺳﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ
اﻧﴫﻓﺖ :ﺑﻨﻈﺮة ﻣﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ،وﻧﻈﺮة ﻣﻦ ﻋﺎﺗﻜﺔ ﺑﻨﺖ ﻳﺰﻳﺪ؛ وﻫﻤﺎ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﺎء ﻋﺎملﻬﻤﺎ ،وﺑﻤﺎ
أﻣ َﺮﺗﺎ ﱄ ،وﺑﺎملﻨﺰﻟﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎرث — وﻫﻮ أﻣري ﻣﻜﺔ — واﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ،وﻣﺎ أﺟﺎزاﻧﻲ ﺑﻪ
ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ املﺎل.
وﻗﺪ ﻗﺪم ﻗﺎدم إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﲆ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﻦ أﻳﻦ
أﻗﺒﻞ اﻟﺮﺟﻞ؟ ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻷﻋﺮاﺑﻲ؟ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺎ أرادت ،ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎد إﱃ
ﻣﻜﺔ دﺧﻞ ﻋﲆ اﻟﺤﺎرث ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻣﻦ أﻳﻦ؟ ﻗﺎل :ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻗﺎل :ﻓﻬﻞ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :ﻓﻔﻲ ﻣﺎذا ﺳﺄﻟﺘﻚ؟ ﻗﺎل :ﻗﺎﻟﺖ ﱄ :ﻣﺎ ﻓﻌﻞ اﻷﻋﺮاﺑﻲ؟ ﻗﺎل ﻟﻪ
486
ﺣﺮف اﻟﻌني
اﻟﺤﺎرث :ﻓﻌُ ْﺪ إﻟﻴﻬﺎ وﻟﻚ ﻫﺬه اﻟﺮاﺣﻠﺔ واﻟﺤﻠﺔ وﻧﻔﻘﺘﻚ ﻟﻄﺮﻳﻘﻚ ،وادْﻓ ْﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺮﻗﻌﺔ،
وﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ:
وﻟﻘﻲ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻤﻜﺔ وﻫﻲ ﺗﺴري ﻋﲆ ﺑﻐﻠﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻗﻔﻲ
ْ
ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻓﺄﻧﺸﺪﻫﺎ: ﺣﺘﻰ أﺳﻤﻌﻚ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻓﻴﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ :أوَﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﻓﺎﺳﻖ؟! ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ،
أن ﺗﺸﺘﺮي ﻣﻴﺘًﺎ ﻻ ﺗﺮﻫﺒﻲ ﺣﺮﺟﺎ؟ ﻳﺎ رﺑﺔ اﻟﺒﻐﻠﺔ اﻟﺸﻬﺒﺎء ﻫﻞ ﻟﻚ ﻓﻲ
ﻓ ﻤ ﺎ ﺗ ﺮى ﻟ ﻚ ﻓ ﻴ ﻤ ﺎ ﻋ ﻨ ﺪﻧ ﺎ ﺧ ﺮﺟ ﺎ ﻗﺎﻟﺖِ :ﺑﺪَا ِﺋ َﻚ ﻣ ْﺖ أو ﻋِ ْﺶ ﺗُﻌﺎ ِﻟﺠﻪ
ﻓ ﺈن ﺑَ ﻌُ ﺪﻧ ﺎ ﻓ ﻘ ﺪ ﻋ ﻨ ﱠﻴ ﺘَ ﻨ َﺎ ﺣ ﺠ ﺠ ﺎ ﻈ ﺎ ﻧ ُﻌ ﺎ ِﻟ ﺠ ﻪ
ﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺣﻤﻠﺘﻨﺎ ﻏﻴ ً
أ َﻛﻠ َﺖ َﻟﺤﻤَ ﻚ ِﻣﻦ ﻏ ﱟﻲ وﻣﺎ ﻧﻀﺠﺎ اﺳﻄﻴﻊ ﻣﻤﱠ ﺎ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ َﻟ َﻮ ْ
ﻣﺎ ﻣﺞ ﺣﺒﻚ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ وﻻ ﻧﻬﺠﺎ ﻓﻘﻠﺖ :ﻻ واﻟﺬي ﺣﺞ اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻟﻪ
ﻣ ﺬ ﺑ ﺎن ﻣ ﻨ ﺰﻟ ﻜ ﻢ ﻣ ﻨ ﺎ وﻻ ﺛ ﻠ ﺠ ﺎ وﻻ رأى اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻳﺴﺮ ﺑﻪ
ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ذﻧﺐ أﺑﺎ اﻟﺨﻄﺎب ﻣﺨﺘﻠﺠﺎ ﺿ ﻨ ﺖ ﺑ ﻨ ﺎﺋ ﻠ ﻬ ﺎ ﻋ ﻨ ﻪ ﻓ ﻘ ﺪ ﺗ ﺮﻛ ﺖ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ ورب اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻣﺎ ﻋﻨﱠﻴﺘَﻨﺎ ﻃﺮﻓﺔ ﻋني ﻗﻂ ،ﺛﻢ أﻃﻠﻘﺖ ﻋﻨﺎن ﺑﻐﻠﺘﻬﺎ وﺳﺎرت،
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﻀﺖ ﺣﺠﱠ ﻬﺎ واﻧﴫﻓﺖ إﱃ ً وﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﺪارﻳﻪ وﺗﺮﻓﻖ ﺑﻪ؛
املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻘﺎل ﰲ ذﻟﻚ:
487
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻣﻦ أﺷﻌﺎره ً
أﻳﻀﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ أوﻟﻬﺎ:
ﻣ ﺴ ﺘ ﻜ ﻴ ﻨ ً ﺎ ﻗ ﺪ ﺷ ﱠﻔ ﻪ ﻣ ﺎ أﺟ ﻨ ﺎ ﻣ ﻦ ﻟ ﻘ ﻠ ﺐ أﻣ ﺴ ﻰ رﻫ ﻴ ﻨ ً ﺎ ُﻣ ﻌَ ﻨ ﱠ ﻰ
ﻧ ﺎزح اﻟ ﺪار ﺑ ﺎﻟ ﻤ ﺪﻳ ﻨ ﺔ ﻋ ﻨ ﺎ ﺼﺎإﺛﺮ ﺷﺨﺺ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺪت ذاك ﺷﺨ ً
وﻛ ﺜ ﻴ ﺮ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ اﻟ ﻘ ﻠ ﻴ ﻞ اﻟ ﻤ ﻬ ﻨ ﱠ ﺎ ﻟ ﻴ ﺖ ﺣ ﻈ ﻲ ﻛ ﻄ ﺮﻓ ﺔ اﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ
وﻧﻘﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ ﻗﺎل :ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻳﻄﻮف ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ إذ رأى ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ — وﻛﺎﻧﺖ أﺟﻤﻞ أﻫﻞ دﻫﺮﻫﺎ — وﻫﻲ ﺗﺮﻳﺪ اﻟﺮﻛﻦ ﺗﺴﺘﻠﻤﻪ ،ﻓﺒﻬﺖ ملﺎ رآﻫﺎ
ورأﺗﻪ ،وﻋﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ وﻗﻌﺖ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﺒﻌﺜﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﺠﺎرﻳﺔ ﻟﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﻗﻮﱄ ﻟﻪ :اﺗﻖ ﷲ،
وﻻ ﺗﻘﻞ ﻫﺠ ًﺮا؛ ﻓﺈن ﻫﺬا ﻣﻘﺎم ﻻ ﺑﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻤﺎ رأﻳﺖ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻠﺠﺎرﻳﺔ :أﻗﺮﺋﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم وﻗﻮﱄ
ﻟﻬﺎ :اﺑﻦ ﻋﻤﻚ ﻻ ﻳﻘﻮل إﻻ ﺧريًا ،وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻌﺎ ًرا ﻛﺜرية ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ ﻓﺘﻴﺎن ﺑﻨﻲ ﺗﻴﻢ؛ أﺑﻠﻐﻬﻢ إﻳﱠﺎه ﻓﺘًﻰ ﻣﻨﻬﻢ وﻗﺎل
ﻟﻬﻢ :ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﺗﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺮة ،ﻫﺎ وﷲ ﻟﻴﻘﺬﻓﻦ ﺑﻨﻮ ﻣﺨﺰوم ﺑﻨﺎﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻈﺎﺋﻢ وﺗﻐﻔﻠﻮن! ﻓﻤﴙ
وﻟﺪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ووﻟﺪ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ إﱃ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻓﺄﻋﻠﻤﻮه ﺑﺬﻟﻚ ،وأﺧﱪوه ﺑﻤﺎ
ﺑﻠﻐﻬﻢ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :وﷲ ﻻ أذﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﺷﻌﺮ أﺑﺪًا ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ وﻛﻨﱠﻰ ﻋﻦ اﺳﻤﻬﺎ ﰲ
ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ أوﻟﻬﺎ:
488
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻟﻢ ﻳﺰل ﻋﻤﺮ ﻳﺘﺸﺒﺐ ﺑﻌﺎﺋﺸﺔ أﻳﺎم اﻟﺤﺞ ،وﻳﻄﻮف ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻳﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺗﻜﺮه
أن ﻳﺮى وﺟﻬﻬﺎ ﺣﺘﻰ واﻓﻘﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﺮﻣﻲ اﻟﺠﻤﺎر ﺳﺎﻓﺮة ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻣﺎ وﷲ ﻟﻘﺪ
ُ
ﻛﻨﺖ ﻟﻬﺬا ﻣﻨﻚ ﻛﺎرﻫﺔ ﻳﺎ ﻓﺎﺳﻖ ،ﻓﻘﺎل:
وملﺎ ﺣﺠﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ﺟﺎءﺗﻬﺎ اﻟﺜﺮﻳﺎ وأﺧﻮاﺗﻬﺎ وﻧﺴﺎء أﻫﻞ ﻣﻜﺔ اﻟﻘﺮﺷﻴﺎت
وﻏريﻫﻦ ،وﻛﺎن اﻟﻐﺮﻳﺾ ﻓﻴﻤﻦ ﺟﺎء ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻨﺴﻮة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺄﻣﺮت ﻟﻬﻦ ﺑﻜﺴﻮة وأﻟﻄﺎف
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﻋﺪﺗﻬﺎ ملﻦ ﻳَﺠﻴﺌُﻬﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﺨﺮج ﻛﻞ واﺣﺪة وﻣﻌﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ وﻣﻌﻬﺎ ﻣﺎ أﻣﺮت ﺑﻪ
ْ
ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻮﻟﻴﺎﺗﻪ ﻣﻊ ﺟﻮارﻳﻬﻦ اﻟﺨﻠﻊ واﻷﻟﻄﺎف ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻋﺎﺋﺸﺔ ،واﻟﻐﺮﻳﺾ ﺑﺎﻟﺒﺎب ،ﺣﺘﻰ
ْ
وذﻫﺒﺖ ﻋﻦ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ! ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ أﻧﺎ اﻟﻐﺮﻳﺾ :ﻓﺄﻳﻦ ﻧﺼﻴﺒﻲ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ؟ ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻪ :أﻏﻔﻠﻨﺎك
ﺑﺒﺎرح ﻣﻦ ﺑﺎﺑﻬﺎ أو آﺧﺬ ﺑﺤﻈﻲ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻛﺮام ،واﻧﺪﻓﻊ ﻳﻐﻨﻲ ﺑﺸﻌﺮ ﺟﻤﻴﻞ:
ٍ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻳﻠﻜﻢ! ﻫﺬا ﻣﻮﱃ اﻟﻌﻴﻼت ﺑﺎﻟﺒﺎب ﻳﺬﻛﺮ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻫﺎﺗﻮه .ﻓﺪﺧﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ
ْ
دﻋﺖ ﻟﻪ ﺑﺄﺷﻴﺎء أﻣﺮت ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إن أﻧﺖ ﺿﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﻣﻜﺎﻧﻚ ،ﺛﻢ
ﻏﻨﱠﻴﺘﻨﻲ ﺻﻮﺗًﺎ ﰲ ﻧﻔﴘ ﻓﻠﻚ ﻛﺬا وﻛﺬا — ﳾء ﺳﻤﱠ ﺘﻪ ﻟﻪ — ﻓﻐﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻛﺜري:
489
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﺎ ﻋﺪوت ﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﴘ! ووﺻﻠﺘﻪ ﻓﺄﺟﺰﻟﺖ ،ﻗﺎل إﺳﺤﺎق :ﻓﻘﻠﺖ ﻷﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ:
ﻋﻠﻤﺖ ﺣﺪﻳﺚ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني؟ وﻟﻢ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﻐﺮﻳﺾ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻧﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ َ وﻫﻞ
أﻧﻪ ﻗﺎل :دﺧﻠﺖ ﻣﺴﺠﺪًا ﻓﺈذا أﻧﺎ ﺑﻤﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﻋﲆ ﴎﻳﺮ ﺟﺎﻟﺲ ،واﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪه،
ﻓﺴﻠﻤﺖ ﺛﻢ ذﻫﺒﺖ ﻷﻧﴫف ﻓﻘﺎل ﱄ :اد ُن ﻣﻨﻲ ﻳﺎ ﺷﻌﺒﻲ ،ﻓﺪﻧﻮت ﺣﺘﻰ وﺿﻌﺖ ﻳﺪي
ﻗﻠﻴﻼ ﺛﻢ ﻧﻬﺾ ﻓﺘﻮﺟﱠ ﻪ ﻧﺤﻮ دار ﻣﻮﳻ ﻗﻤﺖ ﻓﺎﺗﺒﻌﻨﻲ ،ﻓﺠﻠﺲ ً ُ ﻋﲆ ﻣﺮاﻓﻘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :إذا
ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﻓﺘَﺒﻌﺘُﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ ﰲ اﻟﺪار اﻟﺘَ َﻔ َﺖ إﱄ ﱠ ﻓﻘﺎل :ادﺧ ْﻞ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻣﻌﻪ ﻓﺈذا ﺣَ ﺠَ ﻠﺔ
ودﺧﻞ اﻟﺤَ ﺠَ ﻠﺔ ﻓﺴﻤﻌﺖ ﺣﺮﻛﺔ ،ﻓﻜﺮﻫﺖ اﻟﺠﻠﻮس وﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻧﻲ رأﻳﺘﻬﺎ ﻟﺒﻌﺾ اﻷﻣﺮاء ،ﻓﻘﻤﺖ َ
ﺧﺮﺟﺖ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺷﻌﺒﻲ ،إن اﻷﻣري ﻳﺄ ُﻣ ُﺮك أن ﺗﺠﻠﺲ، ْ ﺑﺎﻻﻧﴫاف ،ﻓﺈذا ﺑﺠﺎرﻳﺔ ﻗﺪ
اﻟﺴﺠُ ﻒ ﻒ اﻟﺤَ ﺠَ ﻠﺔ ﻓﺈذا أﻧﺎ ﺑﻤﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ،و ُرﻓﻊ ﱡ ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﲆ وﺳﺎدة و ُرﻓﻊ ُﺳﺠُ ُ
اﻵﺧﺮ ﻓﺈذا أﻧﺎ ﺑﻌﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ،ﻗﺎل :ﻓﻠﻢ أر زوﺟً ﺎ ﻗﻂ ﻛﺎن أﺟﻤﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ :ﻣﺼﻌﺐ
وﻋﺎﺋﺸﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻣﺼﻌﺐ :ﻳﺎ ﺷﻌﺒﻲ ،ﻫﻞ ﺗﻌﺮف ﻫﺬه؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،أﺻﻠﺢ ﷲ اﻷﻣري ،ﻗﺎل:
وﻣﻦ ﻫﻲ؟ ﻗﻠﺖ :ﺳﻴﺪة ﻧﺴﺎء املﺴﻠﻤني ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ ،ﻗﺎل :ﻻ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه ﻟﻴﲆ اﻟﺘﻲ
ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ» :وﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﻦ ﻟﻴﲆ ﻟﺪن ﻃ ﱠﺮ ﺷﺎرﺑﻲ« — اﻟﺒﻴﺘني املﺘﻘﺪم ذﻛﺮﻫﻤﺎ —
ﻓﻘ ُ
ﻤﺖ. ﻓﻘﻢُْ ،
ﺛﻢ ﻗﺎل :إذا ﺷﺌﺖ ُ
ﻤﺖ ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻧﻲ رﺣﺖ وإذا ﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ ﻋﲆ ﴎﻳﺮه ﰲ املﺴﺠﺪ ،ﻓﺴ ﱠﻠ ُ ُ ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﴚ
ﻓﺄﺻﻐﻰ إﱄ ﱠ ﻓﻘﺎل :ﻫﻞ رأﻳﺖ َ ﻗﺎل ﱄ :ا ْد ُن ﻣﻨﱢﻲ ،ﻓﺪﻧﻮت ﺣﺘﻰ وﺿﻌﺖ ﻳﺪي ﻋﲆ ﻣﺮاﻓﻘﻪ،
ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﻂ؟ ﻗﻠﺖ :ﻻ وﷲ ،ﻗﺎل :أﻓﺘﺪري ِﻟ َﻢ أدﺧﻠﻨﺎك؟ ﻗﻠﺖ :ﻻ ،ﻗﺎل :ﻟﺘُﺤﺪ َ
ﱢث
ﺑﻤﺎ رأﻳﺖ!
ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ أن ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ ﰲ ذاك اﻟﻌﴫ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻄﺒﺎع اﻟﻐﺮﺑﻴني ﰲ ﻋﴫﻧﺎ
ُﻈﻬﺮوا ﻟﻠﻨﺴﺎء أدﻧﻰ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻞ؛ ﻫﺬا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺴﺎء ،ﻻ ﻛﺮﺟﺎﻟﻨﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺎﻓﻮن أن ﻳ ِ
ﻏرية ﻋﻠﻴﻬﻦ ،وﻳﺰﻋﻤﻮن أن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻌﺰ اﻷﻛﱪ .رﺟﻌﻨﺎ إﱃ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ :ﻗﺎل :ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ
إﱃ ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻓﺮوة ﻓﻘﺎل :أﻋﻄﻪ ﻋﴩة آﻻف درﻫﻢ وﺛﻼﺛني ﺛﻮﺑًﺎ ،ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ اﻧﴫف
ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ أﺣ ٌﺪ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ اﻧﴫف ﺑﻪ؛ ﺑﻌﴩة آﻻف درﻫﻢ ،وﺑﻤﺜﻞ ﻛﺎرة اﻟﻘﺼﺎر ﺛﻴﺎﺑًﺎ ،وﺑﻨﻈﺮة
ﻣﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﻠﺤﺔ!
490
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻻ ﺑ ﺮﺣ ﺖ ﻣ ﻌ ﺎﻟ ﻴ ﻪ ﺗ ﺰﻳ ﺪ أراك اﻟ ﻠ ﻪ ﻓ ﻴ ﻪ ﻣ ﺎ ﺗ ﺮﻳ ﺪ
ﺗ ﺆﻣ ﻠ ﻪ وﻃ ﺎﻟ ﻌ ﻪ ﺳ ﻌ ﻴ ﺪ ﻓ ﻘ ﺪ د ﱠﻟ ﺖ ﻣ ﺨ ﺎﻳ ﻠ ﻪ ﻋ ﻠ ﻰ ﻣ ﺎ
ـﺤﺴﺎم ﻟﻪ وأﺷﺮﻗﺖ اﻟﺒﻨﻮد ﺗﺸﻮﱠﻗﺖ اﻟﺠﻴﺎد ﻟﻪ وﻫﺰ اﻟـ
إﻟ ﻰ اﻟ ﻌ ﻠ ﻴ ﺎ ﺿ ﺮاﻏ ﻤ ﺔ أﺳ ﻮد وﻛﻴﻒ ﻳَﺨﻴﺐُ ِﺷﺒْﻞ ﻗﺪ ﻧ َﻤﺘْﻪ
ﻣ ﻦ اﻟ ﻌ ﻠ ﻴ ﺎ ﻛ ﻮاﻛ ﺒ ﻪ اﻟ ﺠ ﻨ ﻮد ﻓﺴﻮف ﻧﺮاه ﺑﺪ ًرا ﻓﻲ ﺳﻤﺎء
زﻛﺎ اﻷﺑﻨ ﺎء ﻣﻨﻜ ﻢ واﻟ ﺠﺪود ﻓ ﺄﻧ ﺘ ﻢ آل ﻋ ﺎﻣ ﺮ ﺧ ﻴ ﺮ آل
491
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
َ
وﺷﻴ ُﺨﻜﻢ ﻟﺪَى ﺣ ٍ
ﺮب وﻟﻴﺪ رأي ﻛ َﺸ ﻴ ٍﺦ
وﻟ ﻴ ﺪﻛ ﻢ ﻟ ﺪَى ٍ
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎملﺔ ﻋﺎﻣﻠﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺗﻌ ﱠﻠﻤﺖ اﻟﻨﺤﻮ واﻟﴫف واﻟﺒﻴﺎن واﻟﻌﺮوض واﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻓﺘﺤﺖ
ﺣﻠﻘﺔ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ .ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻦ زوﺟﻬﺎ اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﺴﻨﻲ ،وﻋﻦ اﻹﻣﺎم اﺑﻦ اﻟﺨﺒﺎز،
واملﺮداوي ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻤﺎ ﺣﺪﱠﺛﺖ واﻧﺘﻔﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﻌﺎرﻓﻬﺎ وﻋﻠﻮﻣﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻓﺎﻗﺖ أﻫﻞ
زﻣﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻤً ﺎ وأدﺑًﺎ وﻣﻌﺎﴍة وﻋﻔﺔ.
اﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﺠﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ املﻘﺪﳼ ،اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ
اﻟﺤﻨﺒﻠﻴﺔ.
ﺳﻴﺪة املﺤﺪﺛني ﺑﺪﻣﺸﻖ .ﺳﻤﻌﺖ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري ﻋﲆ ﺣﺎﻓﻆ اﻟﻌﴫ املﻌﺮوف
ﺑﺎﻟﺤﺠﺎر ،وروى ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺤﺎﻓﻆ اﺑﻦ ﺣﺠﺮ ،وﻗﺮأ ﻋﻠﻴﻬﺎ ُﻛﺘﺒًﺎ ﻋﺪﻳﺪة ،واﻧﻔﺮدت ﰲ آﺧﺮ ﻋﻤﺮﻫﺎ
ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻬﻠﺔ ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﻠﻮم ،ﻟﻴﻨﺔ اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ .وﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ أن ﺳﺖ
اﻟﻮزراء ﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺣﺪﱠث ﻋﻦ اﻟﺰﺑﻴﺪي ﺑﺎﻟﺴﻤﺎع ،ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺣﺪﱠث ﻋﻦ
ﺻﺎﺣﺒﻪ اﺑﻦ اﻟﺤﺠﺎر ﺑﺎﻟﺴﻤﺎع ً
أﻳﻀﺎ ،وﺑني وﻓﺎﺗﻬﻤﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ!
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻫﺬه ﺑﺪﻣﺸﻖ ﺳﻨﺔ ٨١٦ﻫ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ .رﺣﻤﺔ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
492
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ،ﻓﺎﺿﻠﺔ أدﻳﺒﺔ ،ﻟﺒﻴﺒﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ ،وﻛﺎن ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل ملﺤﺔ
ﺟﻤﱠ ﻠﻬﺎ اﻷدب ،وﺣ ﱠﻠﺘﻬﺎ ﺑﻼﻏﺔ اﻟﻌﺮب ،ﻓﺠﻌﻠﺘﻬﺎ ﺑُﻐﻴﺔ وﻣُﻨﻴﺔ اﻟﺮاﻏﺒني .واﻟﺬي أﺟﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ
اﻟﻌﺎرﻓﻮن أن ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻫﺬه ﺑني املﻮﻟﺪﻳﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﺨﻨﺴﺎء ﺑني اﻟﺠﺎﻫﻠني ،وﻗﺪ وﺻﻔﻬﺎ
ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﴘ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻓﺎﺿﻠﺔ اﻟﺰﻣﺎن ،وﺣﻠﻴﻔﺔ اﻷدب ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ووﺻﻔﻬﺎ ﻏريه ﻣﻦ
اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻋﻼم ﺑﺄﻧﻬﺎ رﺑﺔ اﻟﻔﻀﻞ واﻷدب ،وﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﴩف واﻟﻨﺴﺐ.
وﻗﺪ ﺣﴬت اﻟﻔﻘﻪ واﻟﻨﺤﻮ واﻟﻌﺮوض ﻋﲆ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻳﺦ ﻋﴫﻫﺎ؛ ﻣﺜﻞ :ﺟﻤﺎل
اﻟﺤﻖ واﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﺤﻮراﻧﻲ ،واﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻴﻲ اﻟﺪﻳﻦ اﻷرﻣﻮي ،وﻗﺪ أﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ
ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻋﻼم ،وﻗﺪ اﻧﺘﻔﻊ ﺑﻬﺎ ﺧﻠﻖ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻟﺒني ،وﻟﻬﺎ دﻳﻮان ﺷﻌﺮ ﺑﺪﻳﻊ ﰲ
املﺪاﺋﺢ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻛﻠﻪ ﻟﻄﺎﺋﻒ.
وﻣﻦ ﺗﺂﻟﻴﻔﻬﺎ» :ﻣﻮﻟﺪ ﺟﻠﻴﻞ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﷺ« اﺷﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﻓﺮاﺋﺪ اﻟﻨﻈﻢ واﻟﻨﺜﺮ ،وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ
ﻗﻮﻟُﻬﺎ ﰲ ﺟﴪ اﻟﴩﻳﻌﺔ — ملﺎ ﺑﻨَﺎه املﻠ ُﻚ اﻟﻈﺎﻫ ُﺮ ﺑﺮﻗﻮق — ﺑﻴﺘني ﻫﺪَﻣﺎ ﻛﺜريًا ﻣﻤﺎ ﺷﻴﱠﺪه
ﻓﺤﻮل اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮت ،وﻫﻤﺎ:
وﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻣﻦ رأى ﺳﺤﺮ ﺑﻼﻏﺘﻬﺎ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ رأى ﻫﺎروت وﻣﺎروت .وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ
اﻟﺒﺪﻳﻊ ﰲ اﻟﻐﺰل ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻣﻦ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ اﻟﺒﺪﻳﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎرت ﺑﺬﻛﺮﻫﺎ اﻟﺮﻛﺒﺎن ،وﻓﺎﻗﺖ ﺑﻤﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻋﲆ
اﻟﺼﻔﻲ واﺑﻦ ﺣﺠﺔ وﺳﺎﺋﺮ أﻫﻞ اﻟﺒﺪﻳﻊ وذوي اﻟﻌﺮﻓﺎن ،وﻟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﴍح ﺑﺪﻳﻊ ﺳﻤﱠ ﺘﻪ ﺑﺎﻟﻔﺘﺢ
املﺒني ﰲ ﻣﺪح اﻷﻣني ،ﻧﻈﻤﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﻮال ﺑﺪﻳﻌﻴﺔ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﺣﺠﺔ ﻣﻊ ﻋﺪم ﺗﺴﻤﻴﺔ
اﻟﻨﻮع؛ ﺗﻤﺴ ًﻜﺎ ﺑﻄﻼﻗﺔ اﻷﻟﻔﺎظ ،واﻧﺴﺠﺎم اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وﴍﺣﺘﻬﺎ ﺑﴩح ﻣﺨﺘﴫ أﺳﻔﺮت ﻓﻴﻪ
ﻋﻦ ﻟﺴﺎن اﻟﺒﻴﺎن ﺑﻘﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ واﻹﻣﻜﺎن .وﻧﺤﻦ ﻧﻮرد ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻫﺬا اﻟﴩح ﺑﺤﺮوﻓﻬﺎ؛ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ
493
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻦ ﺣﺴﻦ املﻌﺎﻧﻲ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،وﻧﺄﺗﻲ ﻋﲆ إﻳﺮاد اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﺑﺪون ﴍح؛ وذﻟﻚ إﻇﻬﺎ ًرا
ﻟﻔﻀﻞ ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ وﻋﻠ ﱢﻮ ﻫﻤﱠ ﺘﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ:
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ
اﻟﺤﻤﺪ هلل ﻣﺤﲇ ﺟﻴﺎد اﻷﻓﻬﺎم ﺑﻌﻘﻮد ﻣﺪح اﻟﺸﻔﻴﻊ ،وﻣﺠﲇ ﺳﻼﻣﺔ اﻷذواق
ﺑﻤﻜﺮر ذﻛﺮه اﻟﺮﻓﻴﻊ ،وﻣﺮﺻﻊ ﺗﻴﺠﺎن اﻟﺒﻴﺎن ﺑﺠﻮاﻫﺮ ﺳريﺗﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ ،وﻣﺰﻳﻦ
ﺳﻤﺎء اﻟﺒﻼﻏﺔ ﺑﺰواﻫﺮ ﻣﻌﺠﺰه اﻷﺳﻨﻰ ،وﻣﻌﺠﺰ اﻟﻌﻘﻮل ﻋﻦ إدراك ﻛﻨﻪ ﺻﻔﺎﺗﻪ،
وﻣﺆﻳﺲ اﻷﻓﻜﺎر ﻣﻦ إﺣﺼﺎء ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ وآﻳﺎﺗﻪ ،وﺑﺎﻋﺚ اﻟﺮﺳﻞ ﻣﻘﺮرﻳﻦ ﻟﻌﻈﻴﻢ
ﻗﺪره ،وﻣﻨﺰل اﻟﻜﺘﺐ ﻣﺒﻴﻨﺔ ﻟﺮﻓﻴﻊ ذﻛﺮه ،وﻣﻌﻄﺮ أرﺟﺎء اﻟﻮﺟﻮد ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ﻋﲆ
ﺧﻠﻘﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻣﴩع أﻟﻮﻳﺔ اﻟﺘﺨﺼﻴﺺ ﻟﻪ ﺑﻜﺮاﺋﻢ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ،وﺟﻼﺋﻞ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ،
وﻣﻄﻠﻖ أﻟﺴﻨﺔ اﻹﻃﻨﺎب ﰲ ﴍﻓﻪ املﻄﻠﻖ املﻔﺮد ،وﻣﻔﺮده ﺑﻜﻤﺎل اﻻﺻﻄﻔﺎء ،ﻓﻤﺎ
ﻟﻜﻤﺎﻟﻪ ﻣﺜﻞ وﻻ ﺣﺪ ،ﺣﻤﺪًا ﻳﺠﻤﻊ ﱄ ﺑني اﻷﻣﺎﻧﻲ واﻷﻣﺎن ،وﻳﻘﺘﴤ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ
ﻣﱪات اﻟﺸﻬﻮد واﻟﻌﻴﺎن ،وأﺷﻬﺪ أن ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ وﺣﺪه ﻻ ﴍﻳﻚ ﻟﻪ ،ﺷﻬﺎدة
ﺷﺎﻓﻌﺔ ﺑﺎﺗﺼﺎل املﺪد ،ﻛﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻮد ﰲ ﺟﻨﺎت اﻟﻌﺮﻓﺎن إﱃ اﻷﺑﺪ.
وأﺷﻬﺪ أن ﺳﻴﺪ أﻋﻴﺎن اﻟﻜﻮﻧني ،وﻋني ﺣﻴﺎة اﻟﺪارﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪًا ﻋﺒﺪُه ورﺳﻮﻟُﻪ،
وﺣﺒﻴﺒُﻪ وﺧﻠﻴﻠُﻪ ﷺ ،ﺻﻼة ﺗﺼﻠﻨﻲ وذرﻳﺘﻲ وأﺣﺒﺎﺋﻲ ﰲ ﻛﻞ ﻧﻔﺲ ﺑﻨﻔﺎﺋﺲ
ﺻﻼﺗﻪ ،وﺗﻘﺘﴤ دوام اﻟﺒﺴﻂ ﺑﺘﻮاﱄ إﻣﺪاداﺗﻪ ،وﺗﺸﻔﻊ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺮاﺣﻢ اﻟﻘﺒﻮل،
وﺗُﺴﻌﻔﻨﺎ ﺑﻜﺮاﺋﻢ اﻟﻮﺻﻮل ﺻﻼة ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻟﻬﺎ ﻣﺪد ،وﻻ ﻳﻨﻘﴤ ﻟﻬﺎ أﻣﺪ ،وﻋﲆ
ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺒﻴﺎء واملﺮﺳﻠني ،وﻋﲆ آﻟﻪ وﺻﺤﺒﻪ أﺟﻤﻌني ،وﻋﲆ آل ﻛ ﱟﻞ ،وﺻﺤﺐ ﻛ ﱟﻞ،
وﺳﺎﺋﺮ اﻟﺼﺎﻟﺤني ،وﺳ ﱢﻠﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤً ﺎ ،وﻛ ﱢﺮم ﺗﻜﺮﻳﻤً ﺎ.
وﺑﻌﺪ ،ﻓﻬﺬه ﻗﺼﻴﺪة ﺻﺎدرة ﻋﻦ ذات ﻗﻨﺎع ،ﺷﺎﻫﺪة ﺑﺴﻼﻣﺔ اﻟﻄﺒﺎع ،ﻣﻨﻘﺤﺔ
ﺑﺤﺴﻦ اﻟﺒﻴﺎن ،ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ أﺳﺎس ﺗﻘﻮى ﻣﻦ ﷲ ورﺿﻮان ،ﺳﺎﻓﺮة ﻋﻦ وﺟﻮد
اﻟﺒﺪﻳﻊ ،ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﺪح اﻟﺤﺒﻴﺐ اﻟﺸﻔﻴﻊ ،ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻷﻧﻮاع ،ﻣﴩﻗﺔ
اﻟﻄﻮاﻟﻊ ﰲ أﻓﻖ اﻹﺑﺪاع ،ﻣﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑني اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻨﺒﻮﻳﺎت ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺬي
ُ
اﺳﺘﺨﺮت ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻫﻮ ﻋﻤﺪة أﻫﻞ اﻹﺷﺎرات ﺑﺎﻟﻔﺘﺢ املﺒني ﰲ ﻣﺪح اﻷﻣني،
ﺑﻌﺪ ﺗﻤﺎم ﻧﻈﻤﻬﺎ ،وﺛﺒﻮت اﺳﻤﻬﺎ ،ﰲ ﳾء ﻳﺮوق اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻣﻮارده ،وﺗﻌﻈﻢ ﻋﻨﺪ
املﺴﺘﻔﻴﺪ ﻓﻮاﺋﺪه ،وﻫﻮ أن أذﻛﺮ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﺣﺪ اﻟﻨﻮع اﻟﺬي ﺑﻨﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ واﻓﺮ
ﺷﺎﻫﺪه؛ ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳُﻔﺘَ َﻘﺮ إﻟﻴﻪ ،وأﻧﺤﻮ ﰲ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﺧﺘﺼﺎر ،وﻻ أﺧ ﱡﻞ
ﺑﻮاﺟﺐ ،وأُﻧﺒﱢﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ؛ ﻗﺼﺪ اﻟﻨﻔﻊ اﻟﻄﺎﻟﺐ ،واملﺴﺌﻮل ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺎح
494
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﺑﺘﺄﺳﻴﺴﻬﺎ ﻋﲆ ﻗﻮاﻋﺪ أذن ﷲ أن ﺗﺮﻓﻊ ،وﻣﻦ ﻣﺜﺒﺖ رﻓﻌﻬﺎ ﺑﻮﺟﺎﻫﺔ ﻣﺪح اﻟﻮﺟﻴﻪ
ُﺼﲇ وﻳُﺴ ﱢﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﻮﺟﻬﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ،ووﺳﻴﻠﺔ ﱄ املﺸﻔﻊ ،أن ﻳ ﱢ
وﻟﻮاﻟﺪي وﻟﺬرﻳﺘﻲ وﻷﺣﺒﺎﺋﻲ وملﻦ واﻻﻧﻲ ﺧريًا إﱃ وﻓﻮر اﻟﺤﻆ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ،
وأن ﻳُﻨﻴﻠﻨﺎ ﺑﻮﺟﺎﻫﺔ املﻤﺪوح ﻟﺪﻳﻪ ،وﺑﺤﻘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻵﻣﺎل ،وﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻨﺎ
ﺑﺎل ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺋﺢ اﻟﻮﺻﺎل ،وﻣﺒﺎ ﱢر اﻻﺗﺼﺎل ،ودوام اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ واﻵﻣﺎل ،وﺷﻤﻮل ﻋﲆ ٍ
اﻟﻌﻔﻮ واﻟﺮﺿﻮان .إﻧﱠﻪ ﺟﻮاد ﻛﺮﻳﻢ رءوف رﺣﻴﻢ ،وﻣِﻦ ﷲ أﺳﺘﻤﺪ ،وﻋﻠﻴﻪ أﻋﺘﻤﺪ،
وﻣﺎ ﺗﻮﻓﻴﻘﻲ إﻻ ﺑﺎهلل ،ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻮﻛﻠﺖ وإﻟﻴﻪ أﻧﻴﺐ.
ﺑﺮاﻋﺔ املﻄﻠﻊ
أﺻ ﺒ ﺤ ﺖ ﻓ ﻲ زﻣ ﺮة اﻟ ﻌ ﺸ ﺎق ﻛ ﺎﻟ ﻌ ﻠ ﻢ ﻓ ﻲ ﺣ ﺴ ﻦ ﻣ ﻄ ﻠ ﻊ أﻗ ﻤ ﺎر ﺑ ﺬي ﺳ ﻠ ﻢ
اﻟﺠﻨﺎس املﺬﻳﻞ واﻟﺘﺎم
ﺬل ﻓ ﻴ ﻪ ﻣ ﺘ ﻬ ﻢ
واﻟ ﺠ ﺎر ﺟ ﺎر ﺑ ﻌ ٍ أﻗ ﻮل واﻟ ﺪﻣ ﻊ ﺟ ٍﺎر ﺟ ﺎرح ُﻣ َﻘ ﻠ ﻲ
اﻟﺠﻨﺎس املﺤﺮف
وﻟ ﻢ أﺟ ﺪ روح ﺑ ﺸ ﺮى ﻣ ﻨ ﻬ ﻢ ﺑ ﻬ ﻢ ﻳﺎ ﻟﻠﻬﻮى ﻓﻲ اﻟﻬﻮى روح ﺳﻤﺤﺖ ﺑﻬﺎ
اﻟﺠﻨﺎس ا ُملﺸﻮﱠش
ﻟ ﻔ ﻘ ﺖ ﺻ ﺒ ًﺮا ﻓ ﻠ ﻢ ﻳُ ﺠْ ِﺪ ﻟ ﻤ ﻨ ﻊ دﻣ ﻲ وﻓ ﻲ ﺑ ﻜ ﺎﺋ ﻲ ﻟ ﺤ ﺎل ﺣ ﺎل ﻣ ﻦ ﻋ ﺪم
اﻟﺠﻨﺎس ا ُملﺮ ﱠﻛﺐ
وﺟ ﺌ ﺖ ﺳ ﻠ ﻌً ﺎ ﻓ َﺴ ْﻞ ﻋ ﻦ أﻫ ﻠ ﻬ ﺎ اﻟ ﻘ ﺪم ﻳ ﺎ ﺳ ﻌ ﺪ إن أﺑ ﺼ ﺮت ﻋ ﻴ ﻨ ﺎك ﻛ ﺎﻇ ﻤ ﺔ
اﻟﺠﻨﺎس املﺼﺤﻒ واملﻄﻠﻖ
ﻃ ﻮﻳ ﻠ ﻊ ﺣ ﻴ ﻬ ﻢ واﻧ ْ ﺰل ﺑ ﺤ ﻴ ﻬ ﻢ ﻓ ﺜ َ ﱠﻢ أﻗ ﻤ ﺎ ُر ﺗَ ﱟﻢ ﻃ ﺎﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﻋ ﻠ ﻰ
اﻟﺠﻨﺎس املﺨﺎﻟﻒ
وإن ﻫ ﻤ ﻮ ﺑ ﺎﻟ ﺘ ﻨ ﺎﺋ ﻲ أوﺟ ﺒ ﻮا أﻟ ﻤ ﻲ أﺣ ﺒ ﺔ ﻟ ﻢ ﻳ ﺰاﻟ ﻮا ﻣ ﻨ ﺘ ﻬ ﻰ أﻣ ﻠ ﻲ
اﻟﺠﻨﺎس اﻟﻼﺣﻖ
دﻻﻻ ﻓ ﻨ َ ﻰ َ
ﺻ ﺒ ﺮي ﻓ ﻴ ﺎ ﺳ ﻘ ﻤ ﻲ! زادوا ً ﻋَ ﻠ ﻮا ﻛ ﻤ ًﺎﻻ ﺟَ ﻠ ﻮا ﺣ ﺴ ﻨ ً ﺎ َﺳ ﺒ ﻮا أﻣ ﻤً ﺎ
495
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺠﻨﺎس اﻟﻠﻔﻈﻲ
وﺛ َ ﱠﻢ ﺳ ﺮ َ
وﺿ ﻨ ﻲ ﻓ ﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺷ ﻴ ﻤ ﻲ أﺣ ﺴ ﻨ ﺖ ﻇ ﻨ ﻲ وإن ﻫ ﻢ ﺣ ﺎوﻟ ﻮا ﺗ ﻠ ﻔ ﻲ
اﻟﺠﻨﺎس املﻌﻨﻮي
ﻋ ﺎﻧ ﻰ اﻟ ﻐ ﺮام إﻟ ﻰ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻷﺟ ﻠ ﻬ ﻢ اﻟ ﻴَ ﺤْ ﻤ ﺪي وأﺑ ﻮ ﺗ ﻤ ﺎم ﻛ ﻞ ﺷ ﺞ
املﻨﺎﻗﻀﺔ
وأﺷ ﺮق اﻟ ﺒ ﺪ ُر ﺗَ ﻤٍّ ﺎ َﺳ ﻠ ﺦ َﺷ ﻬ ﺮﻫ ﻢ اﺳﻠُﻬُ ﻢ ﻗﻠ ُﺖ :إن ﻫﺒﱠﺖ ﺻﺒﺎ ﺷﺠ ًﺮا
ﻗﻴﻞ ْ
اﻟﺮﺟﻮع
ﺑﻞ ﻋﻦ ﺳﻠﻮى رﺟﻮﻋﻲ ﺻﺎر ﻣﻦ ﻟﺰﻣﻲ ﻣ ﺎ ﻟ ﻲ رﺟ ﻮع ﻋ ﻦ اﻷﺷ ﺠ ﺎن ﻓ ﻲ وﻟ ﻬ ﻲ
اﻻﺳﺘﺪراك
ﻟ ﻜ ﻦ ﻋ ﻠ ﻰ ﺗ ﻠ ﻔ ﻲ ﻣ ﻦ ﻓ ﺮط ﻋ ﺸ ﻘ ﻬ ﻢ رﺟ ﻮﺗ ﻬ ﻢ ﻳ ﻌ ﻄ ﻔ ﻮا ﻓ ﻀ ًﻼ وﻗ ﺪ ﻋ ﻄ ﻔ ﻮا
املﻄﺎﺑﻘﺔ
ﺷ ً
ﻮﻗ ﺎ وﻋ ﱠﺰ اﻟ ﻜ َﺮى وﺟ ﺪًا ﻓ ﻠ ﻢ أﻧ ﻢ ﻫ ﺎن اﻟ ﺴ ﻬ ﺎد ﻏ ﺮاﻣً ﺎ ﻓ ﻴ ﻪ أﻗ ﻠ ﻘ ﻨ ﻲ
اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ
ﻣ ﻦ اﻟ ﻤ ﺤ ﺎل وﺟ ﻮد اﻟ ﺼ ﻴ ﺪ ﻓ ﻲ اﻷﺟ ﻢ وﻋ ﺎذل رام ﺳ ﻠ ﻮاﻧ ﻲ ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻪ
اﻹﺑﻬﺎم
ﺑ ﺮﺣ ﺖ أﺳ ﻌ ﻰ ﺑ ﻼ ﺣ ﺪ إﻟ ﻰ اﻟ ﻨ ﻌ ﻢ ﻋ ﺬﻟ ﺘ ﻨ ﻲ وادﱠﻋ ﻴ ﺖ اﻟ ﻨ ﺼ ﺢ ﻓ ﻴ ﻪ ﻓ ﻼ
اﻻﺳﺘﻌﺎرة
وﺳ ﻂ اﻟ ﺤ ﺸ ﺎ وﻋ ﻴ ﻮن اﻟ ﺪﻣ ﻊ ﻛ ﺎﻟ ﺪﻳ ﻢ؟ ﻛ ﻴ ﻒ اﻟ ﺴ ﻠ ﱡﻮ وﻧ ﺎ ُر اﻟ ﺤ ﺐ ﻣ ﻮﻗ ﺪة
اﻷرداف
وﻟ ﻲ رﺳ ﻮم ﺑ ﻐ ﻴ ﺮ اﻟ ﺴ ﻘ ﻢ ﻟ ﻢ ﺗ ﺴ ﻢ وﻟ ﻲ ﺟ ﻔ ﻮن ﺑ ﻐ ﻴ ﺮ اﻟ ﺴ ﻬ ﺪ ﻣ ﺎ اﻛ ﺘ ﺤ ﻠ ﺖ
اﻻﻓﺘﺘﺎن
ﺗ ﻠ ﻚ اﻟ ِﻈ ﺒَ ﺎ ﻗ ﺪ أذﻟ ﺘ ﻨ ﻲ ﻟ ﻌ ﺰﻫ ﻢ ﺗ ﻬ ﺎﺑ ﻨ ﻲ اﻷُﺳ ُﺪ ﻓ ﻲ آﺟ ﺎﻣ ﻬ ﺎ و ُ
ﻇﺒﺎ
496
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﻨﻈري
وأوﻣ ﺾ اﻟ ﺒ ﺮق ﻣ ﻦ ﺗ ﻠ ﻘ ﺎء ﻣ ﺒ ﺘ ﺴ ﻢ أ َ ْزروا ﺑﺸﻤﺲ اﻟ ﱡﻀﺤﻰ واﻟﺒﺪر ﺣﻴﻦ ﺑَﺪوا
ﻋﺘﺎب املﺮء ﻧﻔﺴﻪ
ﻮت ُﻣ ﺤ ﺘَ ِﺸ ﻢ
ﻓ ﺎﻟ ﻘ ﺼ ُﺪ أو َﻟ ﻰ ﻓ ُﻤ ﻮﺗ ﻲ ﻣ َ ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ،ﻣﺎذا اﻟﻮﻧﻰ؟ ِﺟﺪﱢي ﻓﺈن ﻳﺼﻠﻮا
املﻐﺎﻳﺮة
ﻣ ﻦ اﻟ ﻠ ﻮاﺣ ﻲ وﻳُ ﻠ ﺠ ﻴ ﻨ ﻲ ﻟ ُﺸ ْﻜ ِﺮﻫ ﻢ ﻟ ِﺬ ْﻛ ِﺮﻫ ﻢ ﺻ ﺎر َﺳ ﻤْ ُﻊ اﻟ ﻌَ ِ
ﺬل ﻳُ ﻄ ﺮﺑ ﻨ ﻲ
ﺳﻼﻣﺔ اﻻﺧﱰاع
إﻻ ﺧ ﻠ ﻴ ٌﻊ ﺻ ﺒَ ﺎ ِﻣ ﺜ ْ ﻠ ﻲ إﻟ ﻰ اﻟ ﻌَ ﺪم ﺑ َﻠ ﻐ ﺖ ﻓ ﻲ اﻟ ﻌِ ﺸ ﻖ ﻣَ ﺮﻣً ﻰ ﻟ ﻴ ﺲ ﻳُﺪرﻛ ﻪ
اﻟﺘﻮﺷﻴﻊ
ﺑ ﺤ ﻜ ﻤ ﻲ اﻟ ﻔ ﺎﺿ ﺤ ﻴ ﻦ اﻟ ﺪﻣ ﻊ واﻟ ﺴ ﻘ ﻢ ﻛ ﺘ ﻤ ﺖ ﺣ ﺎﻟ ﻲ وﻳ ﺄﺑ ﻰ ﻛ ﺘ ﻤ ﻪ ﺷ ﺠ ﻨ ﻲ
املﺮاﺟﻌﺔ
ﻗﺎﻟﻮا :اﻧﺜﻨﻲ ،ﻗﻠﺖ :ﻋﻬﺪي ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻔﺼﻢ ﻗﺎﻟﻮا :ارﻋﻮي ،ﻗﻠﺖ :ﻗﻠﺒﻲ ﻣﺎ ﻳﻄﺎوﻋﻨﻲ
اﻟﻘﻮل ﺑﺎملﻮﺟﺐ
ﻗﺎﻟﻮا :ﻳﺌﺴﺖ ،ﻓﻘﻠﺖ :اﻟﺒﺮء ﻓﻲ ﺳﻘﻤﻲ ﻗﺎﻟﻮا :ﺳﻠﻮت ،ﻓﻘﻠﺖ :اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻲ ﻛﻠﻔﻲ
اﻟﺘﻬﻜﻢ
إذا ﺑ ﺪا اﻟ ﺼ ﺒ ﺢ ﻣ ﺎ ﻏ ﻄ ﻰ ﻏ ﺸ ﺎ اﻟ ﱡ
ﻈ َﻠ ﻢ ﻳ ﺎ ﻋ ﺎذﻟ ﻲ أﻧ ﺖ ﻣ ﻌ ﺬور ﻓ ﺴ ﻮف ﺗ ﺮى
املﻮارﺑﺔ
إﻟ ﻰ اﻟ ﺴ ﻠ ﱢﻮ وﻣ ﺎ اﻟ ﺴ ﻠ ﻮا ُن ﻣ ﻦ ﺷ ﻴ ﻤ ﻲ ﺬﻻ وﻳ ﺨ ﺸ ﻰ أن ﺗُ ﺠ ﱢﺮﺑ ﻪ
أﺑ ﺮﻣ ﺖ ﻋ ً
ﴐب املﺜﻞ
ﺗ ﺮى ﺑ ﻌ ﻴ ﻨ ﻚ وﺟ ﻪ اﻟ ﻨ ﱡﺼ ﺢ ﻓ ﻲ ﻛ ﻠ ﻤ ﻲ أﺟ ِﺮ اﻷﻣ ﻮر ﻋ ﻠ ﻰ أذﻻﻟ ﻬ ﺎ ﻓ ﻌ ﺴ ﻰ
اﻟﻨﺰاﻫﺔ
إذ أﻧ ﺖ ﻋ ﻨ ﺪي ﻣ ﻌ ﺪود ﻣ ﻦ اﻟ ﻨ ﻌ ﻢ ﻋ ﻦ ذم ﻣ ﺜ ﻠ ﻚ ﺗ ﺒ ﻴ ﺎﻧ ﻲ أﻧ ﺰﻫ ﻪ
497
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺗﺠﺎﻫﻞ اﻟﻌﺎرف
أﻏ ﺎب رﺷ ﺪك أم ﺿ ﺮب ﻣ ﻦ اﻟ ﱠﻠ ﻤَ ِﻢ؟ اﻟﺠﻬﻞ أﻏﻮاك أم ﻓﻲ اﻟﻄﺮف ﻣﻨﻚ ﻋﻤً ﻰ
اﻟﻬﺰل اﻟﺬي ﻳﺮاد ﺑﻪ اﻟﺠﺪ
ﻣ ﻨ ﻲ إﻟ ﻴ ﻚ ﻓ ﺴ ﻤ ﻌ ﻲ ﻋ ﻨ ﻚ ﻓ ﻲ ﺻ ﻤ ﻢ أﺗ ﻌ ﺒ ﺖ ﻧ ﻔ ﺴ ﻚ ﻓ ﻲ ﻋ ﺬﻟ ﻲ وﻣ ﻌ ﺬرة
اﻟﺒﺴﻂ
إﻻ ﻛ ﻤ ﺎ ﺷ ﺎء وﺟ ﺪي ﺣ ﺎﻓ ً
ﻈ ﺎ ذﻣ ﻤ ﻲ اﻋﺬل وﻋﻨﻒ وﻗﻞ ﻣﺎ اﺳﻄﻌﺖ ﻻ ﺗﺮﻧﻲ
اﻟﺘﻮرﻳﺔ
ﺟ ﻤ ﻴ ُﻊ ﻣ ﺎ ﻣ ﱠﺮ ﻣ ﻦ ﺣ ﺎﻻت ﻋ ﺸ ﻘ ﻬ ﻢ ﺗ ﺴ ﻮﻣ ﻨ ﻲ اﻟ ﺼ ﺒ ﺮ ﻋ ﻤ ﻦ ﻟ ﻲ ﺣَ َﻼ ِﺑ ِﻬ ﻢ
اﻟﺘﺼﺪﻳﺮ
ﺷ ﺎﻫ ﺪﺗ ﻪ واﺳ ﺘ ﻄ ﻌ ﺖ اﻟ ﻠ ﻮم ﺑ ﻌ ُﺪ ﻟُ ِﻢ ﻟ ﻢ ﻳ ﺎ ﻋ ﺬوﻟ ﻲ وﺷ ﺎﻫ ﺪ ﺣ ﺴ ﻨ ﻬ ﻢ ﻓ ﺈذا
ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺑﺎﻻﻧﻌﻜﺎس
ﻣ ﻦ اﻟ ﻤ ﻼم وﺣ ﺸ ﻴ ﻪ ﺑ ﻮﺻ ﻔ ﻬ ﻢ أﻧ ﱠ ﻰ أﻧ ﺎ ﻋ ﱢﺮﻓ ﻦ ﻓ ﱢﺮع َﻟ ﻨ َ ﺎ ﻧ َ ﺒَ ﺄ ً
498
ﺣﺮف اﻟﻌني
499
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺘﴩﻳﻊ
ﻓ ﻼ ﺟ ﻔ ﺎ ﺑ ﻌ ﺪﻣ ﺎ ﺟ ﺎدوا ﺑ ﻮﺻ ﻠ ﻬ ﻢ ﻗ ﺎﻟ ﻮا ﻓ ﻘ ﺪ راق ﻋ ﻴ ﺶ اﻟ ﻤ ﺴ ﺘ ﻬ ﺎم ﺑ ﻬ ﻢ
اﻻﻟﺘﻔﺎت
واﻓ ﺮح وﻻ ﺗ ﻠ ﺘ ﻔ ﺖ ﻋ ﻨ ﻬ ﻢ ﻟ ﻐ ﻴ ﺮﻫ ﻢ ﺣ ﱡﻠ ﻮا ﺑ ﻘ ﻠ ﺒ ﻲ ﻓ ﻴ ﺎ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﺗ ﻬ ﱠﻦ ﺑ ﻬ ﻢ
اﻻﺣﱰاس
إﻟ ﻰ اﻟ ﻄ ﻠ ﻮل اﻟ ﺘ ﻲ ﺗ ﺴ ﻤ ﻮ ِﺑ ِﺈ ْﺳ ِﻤ ِﻬ ﻢ ﻗ ﺪ ﻃ ﺎل ﺷ ﻮﻗ ﻲ وﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻣ ﻨ ﺰل ﻟ ﻬ ﻢ
ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﻠﻔﻆ ﺑﺎﻟﻠﻔﻆ
ﻗ ﺒ ﻞ اﻟ ﻮﻓ ﺎة؟ وﻫ ﻞ ﺷ ﻤ ﻠ ﻲ ﺑ ﻤ ﻠ ﺘ ﺌ ﻢ؟ ﻓ ﻠ ﻴ ﺖ ﺷ ﻌ ﺮي ﻫ ﻞ ﺣ ﺎﻟ ﻲ ﺑ ﻤ ﻨ ﺘ ﻈ ﻢ
اﻟﺘﻜﺮار
ﻇ ﻨ ﻮن ﺳ ﱢﺮي ﺣ ﺪﻳ ﺜ ً ﺎ ﻏ ﻴ ﺮ ُﻣ ﺘﱠ ﻬ ﻢ ﻧ ﻌ ﻢ ﻧ ﻌ ﻢ ﺣ ﺪﺛ ﺘ ﻨ ﻲ و َْﻫ َﻲ ﺻ ﺎدﻗ ﺔ
املﻨﺎﺳﺒﺔ
ﻋ ﻦ ﻣ ﻨ ﱢ ﻬ ﻢ ﻋ ﻦ وﻓ ﺎﻫ ﻢ ﻧ َ ﻴ ﻞ ﺑ ﱢﺮﻫ ﻢ ﻋ ﻦ ﺟ ﻮدﻫ ﻢ ﻋ ﻦ ﻧ َﺪاﻫ ﻢ ﻋ ﻦ ﻓ ﻮاﺿ ﻠ ﻬ ﻢ
ﺣﺴﻦ اﻟﻨﺴﻖ
ﺣ ﺘ ﻢ وﻣ ﻮردﻫ ﻢ ﻏ ﻨ ﻢ ﻟ ﻜ ﻞ ﻇ ﻤ ﻲ ﺳ ﺎدوا ﻓ ﺠ ﻮدﻫ ﻢ ﺟ ﱞﻢ وﺑ ﺬﻟ ﻬ ﻢ
اﻹﻳﺠﺎز
ﻟ ﻚ اﻷﻣ ﺎﻧ ﻲ وﺟ ﺌ ﺖ اﻟ ﺤ ﱠﻲ ﻋ ﻦ أﻟ ﻢ ﻳ ﺎ ﺳ ﻌ ﺪ إن ﺳ ﺎﻋَ ﺪ اﻹﺳ ﻌ ﺎد واﺟ ﺘ ﻤ ﻌ ﺖ
اﻟﺘﺘﻤﻴﻢ
ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻌ ﻘ ﻴ ﻖ ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﺠ ﺮﻋ ﺎء ﻣ ﻦ أﺿ ﻢ ﻋ ﱢﺮج ﻋ ﻠ ﻰ ﻗ ﺎﻋ ﺔ اﻟ ﻮﻋ ﺴ ﺎء ُﻣ ﻨ ْ ﻌ ﻄ ًﻔ ﺎ
اﻟﺘﺠﺮﻳﺪ
ﻟ ﺪى اﻟ ﻤ ﻘ ﺎم وﻗ ﺒ ﻞ ﻣ ﻮﻃ ﺊ اﻟ ﻘ ﺪم واﻗ ﺼ ﺪ ُﻣ ﺼ ٍّﻠ ﻰ ﺑ ﻪ ﺑ ﺎب اﻟ ﺴ ﻼم وﻗ ﻒ
اﻟﺘﻤﻜني
ﺳ ﻼ اﻟ ﺴ ﻠ ﻮ وﻋ ﺎﻧ ﻰ وﺟ ﺪه ﺑ ﻬ ﻢ ﻓ ﻠ ﻲ ﻓ ﺆاد ﺑ ﺬاك اﻟ ﺤ ﻲ ﻣ ﺮﺗ ﻬ ﻦ
500
ﺣﺮف اﻟﻌني
اﻟﺤﺬف
ﺗ ﻌ ﻠ ﻮ اﻟ ﻤ ﻌ ﺎﻟ ﻢ ﻣ ﻦ ﺳ ﻜ ﺎﻧ ﻬ ﺎ اﻟ ﻘ ﺪم ﻧ ﺎﺷ ﺪﺗ ﻪ اﻟ ﻠ ﻪ واﻷﻧ ﻮار ﻣ ﺸ ﺮﻗ ﺔ
اﻻﻗﺘﺒﺎس
أﻗ ﺒ ﻞ وﻻ ﺗ ﺨ ﻒ اﻟ ﻮاﺷ ﻴ ﻦ ﺑ ﺎﻟ ﻜ ﻠ ﻢ اﺋ ﺖ اﻟ ﻜ ﺮﻳ ﻢ وﻫ ﺬا ﻃ ﻮر ﺣ ﻀ ﺮﺗ ﻬ ﻢ
اﻟﻨﻮادر
وﻻ ﺗ ﺪع ﻣ ﻨ ﻚ ﺟ ﺰأ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﻘ ﺘ ﺴ ﻢ وﺷ ﺎﻫ ﺪ اﻟ ﺤ ﺴ ﻦ واﻹﺣ ﺴ ﺎن ﺟُ ْﺰ ُؤﻫ ﻢ
اﻟﻜﻨﺎﻳﺔ
ﻧ ﺼ ﺢ اﻟ ﻠ ﻮاﺣ ﻲ وﻣ ﺎ ﺻ ﺎﻏ ﻮا ﺑ ﻨ ﻄ ﻘ ﻬ ﻢ وﻻ ﻳ ﺼ ﺪك ﻋ ﻦ ﺑ ﺬل اﻟ ﻮﺟ ﻮه ﻟ ﻬ ﻢ
املﺨﻠﺺ
أﻣﱡ ﻮا ﺣِ ﻤَ ﻰ ﺧ ﻴ ﺮ َﺧ ْﻠ ﻖ اﻟ ﻠ ﻪ ﻛ ﻠ ﻬ ﻢ ﻫ ﻢ اﻟ ﻤ ﻔ ﺎﻟ ﻴ ﺲ ﻣ ﺎ ذاﻗ ﻮا اﻟ ﻐ ﺮام وﻻ
اﻹﻃﺮاء
ـ ﺰﻫ ﺮاء ﺟ ﺪ أﻣ ﻴ ﺮي ﻓ ﺘ ﻴ ﺔ اﻟ ﻜ ﺮم ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ اﺑﻦ ﻟﻠﺬﺑﻴﺢ أﺑﻮ اﻟـ
اﻟﺘﻜﺮار
ـ ﻦ اﻟ ﻮاﻓ ﺮ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ اﺑ ﻦ اﻟ ﻮاﻓ ﺮ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ اﻟ ﻮاﻓ ﺮ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ اﺑ ﻦ اﻟ ﻮاﻓ ﺮ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ اﺑ ـ
اﻟﺘﻜﻤﻴﻞ
ﻣ ﻦ اﺧ ﺘ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻗ ﺒ ﻞ اﻟ ﻠ ﻮح واﻟ ﻘ ﻠ ﻢ اﻟﻤﺮﺗﻀﻰ اﻟﻤﺠﺘﺒﻰ اﻟﻤﺨﺼﻮص أﺣﻤﺪ
اﻟﱰﺗﻴﺐ
ﻋ ﻘ ًﻼ وﻧ ﻘ ًﻼ ﻓ ﻠ ﻢ ﻧ َ ْﺮﺗَ ﺐ وﻟ ﻢ ﻧ َ ِﻬ ِﻢ ﺧ ﻴ ﺮ اﻟ ﻨ ﺒ ﻴ ﻴ ﻦ واﻟ ﺒ ﺮﻫ ﺎن ﻣ ﺘ ﻀ ﺢ
اﻟﺘﺴﻤﻴﻂ
أﻋ ﻼﻫ ﻢ ﻗ ﺮﺑً ﺎ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎرئ اﻟ ﻨ ﺴ ﻢ أﺳ ﻨ ﺎﻫ ﻢ ﻧ ﺴ ﺒً ﺎ أزﻛ ﺎﻫ ﻢ ﺣ ﺴ ﺒً ﺎ
اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ
وﻏ ﻴ ﺮه ﺑ ﺎﻷﺳ ﺎﻣ ﻲ ﺿ ﻤ ﻦ ﻛ ﺘ ﺒ ﻬ ﻢ ﻃ ﻪ اﻟ ﻤ ﻨ ﺎدى ﺑ ﺄﻟ ﻘ ﺎب اﻟ ﻌ ﻼ ﺷ ً
ﺮﻓ ﺎ
501
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
املﻤﺎﺛﻠﺔ
ﻋ ﻤ ﺖ ﻫ ﺪاﻳ ﺘ ﻪ ﻟ ﻠ ﺨ ﻠ ﻖ ﺑ ﺎﻟ ﻨ ﻌ ﻢ ﻋ ﺰت ﺟ ﻼﻟ ﺘ ﻪ ﺟ ﻠ ﺖ ﻣ ﻜ ﺎﻧ ﺘ ﻪ
اﻻﻋﱰاض
ﻓ ﻲ ﻣ ﺪﺣ ﻪ ﻣ ﺤ ﻜ ﻢ اﻵﻳ ﺎت ﻣ ﻦ ﺣ ﻜ ﻢ أﻋ ﻈ ﻢ ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﻧ ﺒ ﱟﻲ ُﻣ ْﺮ َﺳ ٍﻞ ﻧ ﺰﻟ ﺖ
اﻹﻳﺪاع
ﻣ ﻦ ﻗ ﺎب ﻗ ﻮﺳ ﻴ ﻦ ﻟ ﻢ ﺗ ﺪرك وﻟ ﻢ ﺗ ﺮم ﻳُ ﻨ ﺒ ﻲ ُﻣ َﻔ ﱠ
ﺼ ِﻠ ﻬ ﺎ ﻋ ﻦ ﻋ ﱢﺰ ﻣ ﺮﺗ ﺒ ﺔ
اﻹﺷﺎرة
أوﺣ ﻰ وﺧ ﱠ
ﺼ ﺼ ﻪ ﺑ ﺎﻟ ﻤ ﻨ ﺘ ﻬ ﻰ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ ﺗ ﺒ ﺎرك اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﻦ أوﺣ ﻰ إﻟ ﻴ ﻪ ﺑ ﻤ ﺎ
اﻟﺘﻔﺴري
ﺑ ﺮؤﻳ ﺔ اﻟ ﻠ ﻪ ﺑ ﺎﻹﻳ ﻨ ﺎس ﺑ ﺎﻟ ﻜ ﻠ ﻢ ﺑ ﺮﺗ ﺒ ﺔ اﻟ ﻘ ﺎب ﺑ ﺎﻷدﻧ ﻰ ﺑ ﺤ ﻈ ﻮﺗ ﻪ
اﻟﺘﻮﺷﻴﺢ
ﻓ ﻴ ﻤ ﺎ ﺣ ﻮاه ﻣ ﻦ اﻟ ﺘ ﺨ ﺼ ﻴ ﺺ واﻟ ﻜ ﺮم دﻧ ﺎ وﻧ ﺎل ﻓ ﻼ ﺛ ﺎن ﻳ ﺸ ﺎرﻛ ﻪ
اﻟﻌﻨﻮان
ﻗ ﺪﻣً ﺎ وآدم ﻃ ﻴ ﻨ ً ﺎ ﺑ ﻌ ُﺪ َﻟ ْﻢ ﻳَ ُﻘ ِﻢ أﺗ ﻰ وﻛ ﺎن ﻧ ﺒ ﻴٍّ ﺎ ﻋ ﻨ ﺪ ﺧ ﺎﻟ ﻘ ﻪ
اﻟﺘﺴﻬﻴﻢ
وﻻ ﻳ ﺮى ﻏ ﻴ ﺮه ﻓ ﻲ اﻟ ﻜ ﺸ ﻒ ﻟ ﻠ ﻐ ﻤ ﻢ ذو اﻟﺠﺎه ﺣﻴﺚ ﻳﻀﻢ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺤﺸﺮﻫﻢ
ﺣﴫ اﻟﺠﺰﺋﻲ وإﻟﺤﺎﻗﻪ ﺑﺎﻟﻜﲇ
ﺗ ﺴ ﻴ ﺮ ﺗ ﺤ ﺖ ﻟ ﻮاه ﻳ ﻮم ﺣ ﺸ ﺮﻫ ﻢ ذو اﻟ ﻤ ﺠ ﺪ ﺣ ﻴ ﺚ أﻫ ﻴ ﻞ اﻟ ﻤ ﺠ ﺪ ﻗ ﺎﻃ ﺒ ﺔ
اﻻﻛﺘﻔﺎء
ﺑُ ﺸ َﺮى ﻟ ُﻤ ﻘ ﺘ ﺒ ٍﺲ ﻣ ﻨ ﻪ ﺑ ﻜ ﻞ ﺟ ﻢ ذو اﻟ ﻤ ﻌ ﺠ ﺰات اﻟ ﺘ ﻲ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ اﻟ ﻜ ﺘ ﺎب ﻓ ﻴ ﺎ
اﻟﺘﻮﻟﻴﺪ
ﻣ ﺒ ﺪﱢل وﻫ ﻮ ﺣ ﺒ ﻞ اﻟ ﻠ ﻪ ﻓ ﺎﻋ ﺘَ ِﺼ ﻢ ﻳ ﺘ ﻠ ﻰ وﻳ ﺤ ﻠ ﻮ وﻻ ﻳ ﺒ ﻠ ﻰ وﻟ ﻴ ﺲ ﻟ ﻪ
502
ﺣﺮف اﻟﻌني
اﻟﺘﻔﺼﻴﻞ
ﻣ ﻦ ﺣ ﺼ ﺮ ﻣ ﻌ ﺠ ﺰ ﻃ ﻪ اﻟ ﻄ ﺎﻫ ﺮ اﻟ ﺸ ﻴ ﻢ ﻗ ﻞ ﻟ ﻠ ﺬي ﻳ ﻨ ﺘ ﻬ ﻲ ﻋ ﻤ ﺎ ﻳ ﺤ ﺎوﻟ ﻪ
املﻮارد
وﻛ ﻢ ﻣ ﺤ ﺎ ﻣ ﺤ ﻨ ﺔ رﻳ ﻖ ﻟ ﻪ ﺑ ﻔ ﻢ! ﻛ ﻢ أﻋ ﻘ ﺒ ﺖ راﺣ ﺔ ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﻤ ﺲ راﺣ ﺘ ﻪ
اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ
ﺑ ﻌ ﺪ اﻷﻓ ﻮل وﻫ ﺬا ُﺷ ﱠﻖ ﻓ ﻲ اﻟ ﻈ ﻠ ﻢ واﻟ ﻨ ﱠ ﻴﱢ ﺮان أﻃ ﺎﻋ ﺎه ﻓ ﺘ ﻠ ﻚ ﺑَ ﺪَت
اﻟﺠﻤﻊ ﻣﻊ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ
ﻛ ﻔ ﻴ ﻪ ﻣ ﺮدود ﻫ ﺬا ﻣ ﻌ ﺪم اﻟ ﻌ ﺪم واﻟ ﻤ ﺎء ﻣ ﻦ إﺻ ﺒ ﻌ ﻴ ﻪ ﻓ ﺎض ﻓ ﻴ َﺾ ﻧ ﺪًى
اﻟﺠﻤﻊ
ﻓ ﻲ اﻟ َﺨ ْﻠ ﻖ واﻟ ُﺨ ﻠُ ﻖ واﻹﺣ ﻜ ﺎم واﻟ ﺤ ﻜ ﻢ ﻓ ﺮﻳ ﺪ ﺣُ ﺴ ٍﻦ ﺗَ ﺴ ﺎﻣَ ﻰ ﻋ ﻦ ُﻣ ﻤ ﺎ ِﺛ ﻠ ﻪ
اﻟﻘﻠﺐ
ﻣ ﻦ ﻧ ﻮره وﺿ ﻴ ﺎء اﻟ ﺸ ﻤ ﺲ ﻓ ﺎﻋ ﺘ ﻠ ﻢ ﺑ ﺪر اﻟ ﻜ ﻤ ﺎل ﻛ ﻤ ﺎل اﻟ ﺒ ﺪر ﻣ ﻜ ﺘ ﺴ ﺐ
ﺗﻨﺴﻴﻖ اﻟﺼﻔﺎت
ﻫ ﺎد ﺳ ﺮاج ﻣ ﻨ ﻴ ﺮ ﺻ ﻔ ﻮة اﻟ ﻘ ﺪم أﻋ ﻈ ﻢ ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﻧ ﺒ ﻲ ﺳ ﻴ ﺪ ﺳ ﻨ ﺪ
اﻟﺘﺸﻄري
ﺑ ﺎﻟ ﺒ ﱢﺮ ُﻣ ﻌ ﺘ ِﺼ ٌﻢ ﺑ ﺎﻟ ﺒ ﱢﺮ ﻣ ﻠ ﺘ ﺰم ﺑ ﺎﻟ ﺤ ﻖ ﻣ ﺸ ﺘ ﻐ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟ ﺨ ﻠ ﻖ ﻣ ﻜ ﺘ ﻤ ﻞ
اﻟﺴﺠﻊ
ﻳ ﺴ ﻤ ﻮ ﺑ ﻤ ﺒ ﺘ ﺴ ﻢ ﻛ ﺎﻟ ﺪر ﻣ ﻨ ﺘ ﻈ ﻢ ﻟ ﻠ ﺒ ﺬل ﻣ ﻐ ﺘ ﻨ ﻢ ﺑ ﺎﻟ ﺒ ﺸ ﺮ ﻣ ﺘ ﺴ ﻢ
اﻟﱰﺻﻴﻊ
ﻣ ﺤ ﻤ ﺪ اﻷﻣ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟ ﺘ ﺒ ﻴ ﺎن ﻣ ﻦ ﺣ ﻜ ﻢ ﻣ ﻤ ﺠ ﺪ اﻟ ﺬﻛ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟ ﻔ ﺮﻗ ﺎن ﺑ ﺎﻟ ﺤ ﻜ ﻢ
ﻒ واﻟﻨ ﱠ ْﴩ
اﻟ ﱠﻠ ﱡ
ﻫ ﺬا ﺑ ﺪﻳ ﻊ وﻫ ﺬي آﻳ ﺔ اﻷﻣ ﻢ ﺟ ﻤ ﺎل ﺻ ﻮرﺗ ﻪ ﻋ ﻨ ﻮان ﺳ ﻴ ﺮﺗ ﻪ
503
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻹﻏﺮاق
ﻓ ﻲ ﺣ ﺼ ﺮ أوﺻ ﺎﻓ ﻪ ﺿ ﺎﻗ ﺎ ﺑ ﺒ ﻌ ﻀ ﻬ ﻢ وﻟ ﻮ ﻏ ﺪا اﻟ ﺒ ﺤ ﺮ ﺣِ ﺒ ًﺮا واﻟ َﻔ ﻀ ﺎ ً
ورﻗ ﺎ
اﻟﻐﻠﻮ
إذا ﺗ ﻜ ﱠﺮر ﻳُ ﺤْ ﻴ ﻰ ﺑ ﺎﻟ َﻲ اﻟ ﺮﻣ ﻢ وذﻛ ﺮه ﻛ ﺎد ﻟ ﻮﻻ ﺳ ﻨ ﺔ ﺳ ﺒ ﻘ ﺖ
املﺒﺎﻟﻐﺔ
ﻓ ﻲ وﺻ ﻔ ﻪ وﻗ ﺼ ﻮر اﻟ ﻌ ﻘ ﻞ ﻛ ﺎﻟ ﻌ ﻠ ﻢ ﻋ ﻼ ﻣ ﻦ اﻟ ﻤ ﺜ ﻞ ﻓ ﺎﻟ ﺘ ﺸ ﺒ ﻴ ﻪ ﻣ ﻤ ﺘ ﻨ ﻊ
اﻻﺗﺴﺎع
وﻛ ﻞ ﺣ ﺴ ﻨ ﻰ ﻓ ﻤ ﻦ إﺣ ﺴ ﺎﻧ ﻪ اﻟ ﻌ ﻤ ﻢ إذ ﻛ ﻞ ﺣ ﺴ ﻦ ﻣ ﻔ ﺎض ﻣ ﻦ ﻣ ﺤ ﺎﺳ ﻨ ﻪ
اﻻﺗﻔﺎق
ﻓ ﻲ اﻟ ﺬﻛ ﺮ ﻣ ﻦ ﻣ ﺪﺣ ﻪ ﻓ ﻲ ﻧ ﻮن واﻟ ﻘ ﻠ ﻢ ﻣ ﺤ ﻤ ﺪ اﺳ ﻤ ﻪ ﻧ ﻌ ﺖ ﻟ ﺠ ﻤ ﻠ ﺔ ﻣ ﺎ
اﻟﺠﻤﻊ ﻣﻊ اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ
واﻟ ﻮﺟ ﻪ ﻛ ﺎﻟ ﺒ ﺪر ﻳ ﺠ ﻠ ﻮ ﺣ ﺎﻟ ﻚ اﻟ ﻈ ﻠ ﻢ ﻋ ﻼه ﻛ ﺎﻟ ﺸ ﻤ ﺲ ﻻ ﻳ ﺨ ﻔ ﻰ ﻋ ﻠ ﻰ ﺑ ﺼ ﺮ
اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ
ﻛ ﺎﻟ ﺒ ﺪر ﺣ ﺎﺷ ﺎ ﺗ ﻌ ﺎﻟ ﻰ ﻛ ﺎﻣ ﻞ اﻟ ﻌ ﻈ ﻢ ﻟ ﻮ ﻛ ﺎن ﺛ َ ﱠﻢ ﻣ ﻨ ﻴ ﻞ ﻗ ﻠ ﺖ ﻃ ﻠ ﻌ ﺘ ﻪ
اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ
ﻳ ﻬ ﻤ ﻲ وﻏ ﻴ ﺚ ﻧ ﺪاه ﻻ ﻳ ﺰال ﻫ ﻤ ﻲ ﻗ ﺎﻟ ﻮا ﻫ ﻮ اﻟ ﻐ ﻴ ﺚ ﻗ ﻠ ﺖ اﻟ ﻐ ﻴ ﺚ آوﻧ ﺔ
ﺻﺤﺔ اﻷﻗﺴﺎم
ﻓ ﻲ ﺣ ﺒ ﻪ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﻤ ﻨ ﻮح وﻣ ﻐ ﺘ ﻨ ﻢ ﻳ ﻌ ﻄ ﻰ اﻟ ﻌ ﻔ ﺎة أﻣ ﺎﻧ ﻴ ﻬ ﻢ ﻓ ﻠ ﺴ ﺖ ﺗ ﺮى
اﻹﴍاك
ﻧ ﻮر اﻟ ﻘ ﺮآن ﻗ ﺮآﻧ ً ﺎ ﻣ ﻦ ﻟ ﺪن ﺣ ﻜ ﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﻨ ﻮر ﻻح ﻋ ﻼه ﻻ ﻧ ﻈ ﻴ ﺮ ﻟ ﻪ
اﻟﺘﻠﻤﺢ
ﺑ ﺸ ﻄ ﺮه ﺑ ﻌ ﺾ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ ﺳ ﻴ ﺪ اﻷﻣ ﻢ ﺣ ﺎز اﻟ ﺠ ﻤ ﺎل ﻓ ﻤ ﺎ ﻓ ﻲ ﺣُ ْﺴ ﻦ ُﻣ ﺘﱠ ِﺼ ٍﻒ
504
ﺣﺮف اﻟﻌني
املﺬﻫﺐ اﻟﻜﻼﻣﻲ
ﻟ ﻠ ﻌ ﺎﻟ ﻤ ﻴ ﻦ ﺑ ﺈﻳ ﺠ ﺎد ﻣ ﻦ اﻟ ﻌ ﺪم ﻫ ﻮ اﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐ ﻣ ﻦ اﻟ ﺮﺣ ﻤ ﻦ رﺣ ﻤ ﺘ ﻪ
اﻻﻟﺘﺰام
ﻓ ﻲ ﺣ ﺒﱢ ﻪ ﺑ ﺎﻟ ﺘﱠ ﻔ ﺎﻧ ﻲ ﺻ ﺎر ﻣ ﻦ ﻟ ﺰﻣ ﻲ ﻏ ﻮث اﻟ ﻮرى ﻛ ﻌ ﺒ ﺔ اﻵﻣ ﺎل ﻣ ﻠ ﺘ ﺰﻣ ﻲ
اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ
وﻟ ﻢ ﺗ ﺰل ﺑ ﺎﻟ ﺼ ﻔ ﺎ ﺗَ ﺴ ﻌَ ﻰ ﻟ ﻪ ﻗ ﺪﻣ ﻲ ﺟ ﺮدت ﺣ ﺠﱢ ﻲ ﻟ ﻪ ﻣ ﻦ ﻛ ﻞ ﻣ ﻔ ﺴ ﺪة
اﻟﱰدﻳﺪ
ﻧ ﻴ ﻞ اﻟ ﻮﻓ ﺎء وروﱠاﻧ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟ ﻨ ﻌ ﻢ ﺑ ﺤ ﺮ اﻟ ﻮﻓ ﺎء دﻋ ﺎﻧ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﻮﻓ ﺎء إﻟ ﻰ
اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ
ﻋ ﻤﱠ ﻦ ﺟ ﻼ ﻏ ﻤ ﻤ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﻌَ ْﺰم واﻟ ِﻬ ﻤَ ﻢ ﺑ ﻠ ﻐ ﺖ ﻣ ﺎ ُرﻣ ﺘُ ﻪ ﻣ ﻨ ﻬ ﻢ ﻓ ﻠ ﻢ أرم
اﻹﻳﻀﺎح
ﺣﺎزوا ﻋﻼ اﻟﻔﻀﻞ ﻣﻦ ﻓﺎزوا ﺑﺴﺒﻘﻬﻢ وأ ُ ْﻓ ِﺮ ُد ُه ﺑ ﺎﻟ ﻤ ﺪح واﺳ ﺘ ﺜ ﻨ ﻲ ﺑ ﻤ ﺪﺣ ﻚ ﻣ ﻦ
اﻻﺳﺘﺘﺒﺎع
واﻟ ﺤ ﺎﻓ ﻈ ﻮ اﻟ ﺠ ﺎر ﺣ ﻔ ﻆ اﻟ ﻌ ﻬ ﺪ واﻟ ﺬﻣ ﻢ اﻟ ﺒ ﺎذﻟ ﻮ اﻟ ﻨ ﻔ ﺲ ﺑ ﺬل اﻟ ﻤ ﺎل ﻣ ﻦ ﻳ ﺪﻫ ﻢ
اﻟﺴﻠﺐ واﻹﻳﺠﺎب
وﻳ ﺴ ﻠ ﺒ ﻮا ﺿ ﺮر اﻹﻣ ﻼق ﺑ ﺎﻟ ﻜ ﺮم ﻻ ﻳ ﺴ ﻠ ﺒ ﻮن ﺑ ﻔ ﻀ ﻞ اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﺎ وﻫ ﺒ ﻮا
اﻟﺘﺪﺑﻴﺞ
ﺧ ﻀ ﺮ اﻟ ﻤ ﺮاﺑ ﻊ ﺑ ﻴ ﺾ اﻟ ﻔ ﻌ ﻞ واﻟ ﺸ ﻴ ﻢ ﺳ ﻮد اﻟ ﻮﻗ ﺎﺋ ﻊ ﺣ ﻤ ﺮ اﻟ ﺒ ﻴ ﺾ ﻓ ﻲ ﺣ ﺮب
ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺷﻴﺌني ﺑﺸﻴﺌني
ﺑ ﺪور ﺗ ﱟﻢ ﺑ ﺪت ﻓ ﻲ ﺣِ ﻨ ْ ﺪِس اﻟ ﻈ ﻠ ﻢ ﻛ ﺄﻧ ﱠ ﻬ ﻢ ﻓ ﻲ ﻋ ﺠ ﺎج اﻟ ﻨ ﻘ ﻊ ﺣ ﻴ ﻦ ﺑ ﺪوا
اﻟﺘﻨﻜﻴﺖ
وﻫﻲ اﻟﻤﻮاﺿﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺌﺼﺎل ﻛﻞ ﻋﻢ ﻟ ﻠ ﺠ ﻤ ﻊ ﻓ ﻠ ﻮا وﻣ ﺎ ﻓ ﱠﻠ ﺖ ﻋ ﺰاﺋ ُﻤ ﻬ ﻢ
505
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
املﺴﺎواة
ﻓ ﻲ أ ُ ْﻓ ﻖ ِﻣ ﱠﻠ ﺘ ﻪ اﻟ ﺒ ﻴ ﻀ ﺎ ﻳ ﻬ ﺪﻳ ﻬ ﻢ ﻫ ﻢ اﻟ ﻨ ﺠ ﻮم ﻓ ﻤ ﺎ أﺳ ﻨ َ ﻰ ﻣ ﻄ ﺎﻟ ﻌ ﻬ ﻢ
ﻧﻔﻲ اﻟﴚء ﺑﺈﻳﺠﺎﺑﻪ
وﻻ ﻳ ﺸ ﻴ ﻦ اﻟ ﻨ ﻘ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﻢ واﻟ ﱠﻠ ﻤ ﻢ ﻻ ﻳ ﻤ ﺰج اﻟ ﺸ ﻚ ﻣ ﻨ ﻬ ﻢ ﺻ ﻔ ﻮ ﻣ ﻌ ﺘ ﻘ ﺪ
ﺟﻤﻊ املﺆﺗﻠﻒ واملﺨﺘﻠﻒ
ﻓ ﻴ ﻪ ﺧ ﻠ ﻴ ﻔ ﺘ ﻪ اﻟ ﺼ ﺪﻳ ﻖ ذو اﻟ ﻘ ﺪم ﺑ ﺎﻟ ﺴ ﺒ ﻖ ﻓ ﺎزوا ﺑ ﺘ ﺨ ﺼ ﻴ ﺺ ﺗ ﻘ ﺪﻣ ﻬ ﻢ
املﺪح ﰲ ﻣﻌﺮض اﻟﺬم
وﻓ ﺪ وﻻ ﻳ ﺒ ﺨ ﻠ ﻮا ﺑ ﺎﻟ ﺮﻓ ﺪ ﻓ ﻲ اﻟ ﻌ ﺪم ﻻ ﻋ ﻴ ﺐ ﻓ ﻴ ﻬ ﻢ ﺳ ﻮى أن ﻻ ﻳ ﻀ ﺎم ﻟ ﻬ ﻢ
اﻻزدواج
ِأﻣ ﻨ ْ ُﺖ ﺧ ﻮﻓ ﻲ وﻧ ﺠﱠ ﺎﻧ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟ ﻨ ﻘ ﻢ ﻃ ﻪ اﻟ ﺬي إن أﺧ ﻒ ذﻧ ﺒ ﻲ وﻟ ﺬْ ُت ﺑ ﻪ
اﻟﺘﴫﻳﻊ
إﻻ وﺑ ﱠﻠ ﻐ ﻨ ﻲ ﻓ ﻮق اﻟ ﺬي أرم وﻻ ﻃ ﻤ ﺤ ﺖ إﻟ ﻰ ﺷ ﻲء ﻣ ﻦ اﻟ ﻜ ﺮم
اﻟﻔﺮاﺋﺪ
ﻟ ﻲ ﻓ ﻴ ﻪ وﺑ ُﻞ ﻋَ ﻄ ﺎ ﻣ ﻦ دﻳ ﻤ ﺔ اﻟ ﻨ ﻌ ﻢ ﻣ ﺎ ﻫ ﺒ ﺖ اﻟ ﺮﻳ ﺢ إﻻ ﺷ ﻤ ﺖ ﺑ ﺮق وﻓ ﺎ
ﺑﺮاﻋﺔ املﻄﻠﺐ
وأﻧ ﺖ أﻛ ﺮم ﻣ ﺪﻋ ﱟﻮ إﻟ ﻰ اﻟ ﻜ ﺮم ﻳ ﺎ أﻛ ﺮم اﻟ ﺮﺳ ﻞ ﺳ ﺆﻟ ﻲ ﻓ ﻴ ﻚ ﻏ ﻴ ﺮ ﺧ ٍﻒ
اﻟﻌﻘﺪ
أﺣ ﺒ ﺎﺑ ﻪ ﻓ ﻬ ﻨ ﺎﺋ ﻲ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﻨ ﺤ ﺴ ﻢ ﺣ ﺴ ﺒ ﻲ ﺑ ﺤ ﺒ ﻚ أن اﻟ ﻤ ﺮء ﻳ ﺤ ﺸ ﺮ ﻣ ﻊ
ﺣﺴﻦ اﻟﺨﺘﺎم
ﻓ ﻴ ﻪ وﺣ ﺴ ﻦ اﻣ ﺘ ﺪاﺣ ﻲ ﻓ ﻴ ﻚ ﻣ ﺨ ﺘ ﺘ ﻤ ﻲ ﻣ ﺪﺣ ﺖ ﻣ ﺠ ﺪك واﻹﺧ ﻼص ﻣ ﻠ ﺘ ﺰﻣ ﻲ
506
ﺣﺮف اﻟﻌني
أﻧ ﺎ ﻷﻫ ﻞ اﻟ ﻌ ﻠ ﻢ ﻛ ﺎﻟ ﺨ ﺎدﻣ ﻪ ﻗ ﺎﻟ ﺖ ﻟ ﻜ ﻢ ﺳ ﺘ ﻜ ﻢ اﻟ ﻌ ﺎﻟ ﻤ ﻪ
ﻋ ﻦ اﻟ ﺘ ﻲ ﻗ ﺪ ﻧ ﻜ ﺤ ﺖ ﻧ ﺎﺋ ﻤ ﻪ أﻧ ﻘ ﻞ ﻣ ﺎ ﻗ ﺎﻟ ﻮا وﻣ ﺎ أﺧ ﺒ ﺮوا
ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻲ ﻧﻜﺤﻬﺎ ﻋﺎﻟﻤﻪ اﻟ ﺸ ﺎﻓ ﻌ ﻲ ﻗ ﺎل :ﻟ ﻬ ﺎ أﺟ ﺮﻫ ﺎ
ﻣ ﺄﺟ ﻮرة ﻓ ﻲ ذاك ﻻ آﺛ ﻤ ﻪ واﻟ ﻤ ﺎﻟ ﻜ ﻲ ﻗ ﺎل :أﻧ ﺎ ﻓ ﺘ ﻮﺗ ﻲ:
ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﻠﻴﻞ وﻫﻲ ﺣﺎﻟﻤﻪ واﻟ ﺤ ﻨ ﻔ ﻲ ﻗ ﺎل :أﺗ ﻰ رزﻗ ﻬ ﺎ
ﻓ ﻲ ﻫ ﺬه اﻟ ﻨ ﻜ ﺤ ﺔ ﻛ ﺎﻵﺛ ﻤ ﻪ واﻟ ﺤﻨﺒ ﻠ ﻲ ﻗ ﺎل :أﻧ ﺎ ﻓﺘﻮﺗ ﻲ:
ﻻﻧﺘَﻬ َﻀ ْﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﻗﺎﺋﻤﻪ ﻟ ﻮ ﻟ ﻢ ﻳَ ُﻜ ﻦ ﻟ ﺬﱠ ﻟ ﻬ ﺎ َ
ﻃ ﻌْ ُﻤ ﻪ
507
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﺄم ﻋﺒﻴﺪة ﰲ ﺑﻐﺪاد ﺳﻨﺔ ٦٣٥ﻫ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﻤﺸﻬﺪﻫﺎ املﺒﺎرك — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ.
أدﻳﺒﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ ،ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ ،ﺑﺎرﻋﺔ ﺑﺎﻫﺮة ،ﺷﺎﻋﺮة ﻧﺎﺛﺮة ،رﺿﻌﺖ أﻓﺎوﻳﻖ اﻷدب وﻫﻲ
ﺗﻀ ﱡﻠﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺎت اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وﻓﺎﻗﺖ ﻋﲆ ﰲ ﻣﻬﺪ اﻟﻄﻔﻮﻟﻴﺔ ،وﺗﺤ ﱠﻠﺖ ﺑﺤﲆ ﻟﻐﺎت اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ َ
ﻓﺼﺎﺣﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ ﺳﻦ اﻟﺮﺷﺎد ،وﺻﺎرت ﻧﺪرة زﻣﺎﻧﻬﺎ ﺑني أﻫﻞ اﻹﻧﺸﺎء واﻹﻧﺸﺎد، ً أﻗﺮاﻧﻬﺎ
ﻣﺠﺎﻻ ،وﻗﺪ أﺧﻨَﺴﺖ اﻟﺨﻨﺴﺎء وأﻧْﺴﺘْﻬﺎ ﺻﺨ ًﺮا،ً ﻣﻘﺎﻻ ،وﻟﻢ ﺗﱰك ﻟﻸﺧﻴﻠﻴﺔ ً وﻟﻢ ﺗﺪع ﱠ
ﻟﻮﻻدة
وﺳﺎرت ﰲ ﻣﻀﻤﺎر أدﺑﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﴫ.
ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب ﰲ ﻣﴫ — اﻟﻘﺎﻫﺮة — ﻋﲆ أﺳﺎﺗﺬة أﻓﺎﺿﻞ ﺑني أﺑﻮﻳﻬﺎ ،وﻛﺎن
أﻛﺜﺮ ﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺤﻮ واﻟﻌﺮوض ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﰲ اﻟﺸﻌﺮ ﺣﺪٍّا ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء
ﻋﴫﻫﺎ.
وﻟﺪت ﺳﻨﺔ ١٢٥٦ﻫ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة .واﻟﺪﺗﻬﺎ ﺟﺮﻛﺴﻴﺔ اﻷﺻﻞ ،ﻣﻌﺘﻮﻗﺔ واﻟﺪﻫﺎ
إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﺎﺷﺎ ﺗﻴﻤﻮر .وملﺎ اﻧﻄﻮى ﺑﺴﺎط ﻣﻬﺪﻫﺎ ،وﻓ ﱠﺮﻗﺖ ﺑني أﺑﻴﻬﺎ وﺟﺪﻫﺎ ،ﺑﺎدرت
واﻟﺪﺗﻬﺎ إﱃ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ﻓﻦ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ،واﺳﺘﺤﴬت ﻟﻬﺎ آﻻت اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎرﻫﺎ ﻏري
ﻣﺘﺠﻬﺔ ﻟﺘﻠﻚ؛ ﺑﻞ ﺟﻞ ﻣﺮﻏﻮﺑﻬﺎ ﺗﻌ ﱡﻠﻢ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻗﺪ ﻋُ ﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا املﻴﻞ ﻣﻦ اﺋﺘﻼﻓﻬﺎ
ﻣﻊ ﻛﺘﺎب واﻟﺪﻫﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻬﺎ ﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻣﻊ اﻟﻜﺘﺎب وﺗُﺠﱪﻫﺎ ﻋﲆ ﺗﻌﻠﻢ
اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﺗﺰداد ﻫﻲ ﻧﻔﻮ ًرا ﻣﻦ ﻃﻠﺐ واﻟﺪﺗﻬﺎ.
وملﺎ رأى واﻟﺪﻫﺎ ﺗﻠﻚ املﺤﺎورات ﺗﻔ ﱠﺮس ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺠﺎﺑﺔ وﻗﺎل ﻟﻮاﻟﺪﺗﻬﺎ :دﻋﻴﻬﺎ؛ ﻓﺈن ﻣﻴﻠﻬﺎ
إﱃ اﻟﻘﺮاءة أﻗﺮب ،وأﺣﴬ ﻟﻬﺎ اﺛﻨني ﻣﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬة؛ أﺣﺪﻫﻤﺎ :ﻳﺪﻋﻰ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﻓﻨﺪي ﻣﺆﻧﺲ،
ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ اﻟﻘﺮآن واﻟﺨﻂ واﻟﻔﻘﻪ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻳﺪﻋﻰ ﺧﻠﻴﻞ أﻓﻨﺪي رﺟﺎﺋﻲ ،ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﻋﻠﻢ
اﻟﴫف واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ.
وﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻘﺮآن اﻟﴩﻳﻒ ﺗﺎﻗﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻜﺘﺐ اﻷدﺑﻴﺔ — وأﺧﺼﻬﺎ
اﻟﺪواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ — ﺣﺘﻰ ﺗ َﺮﺑ ْﱠﺖ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺘﺼﻮرات ملﻌﺎﻧﻲ اﻟﺘﺸﺒﻴﻬﺎت اﻟﻐﺰﻟﻴﺔ
ﺑﻤﻌﺎن ﻣﺒﺘﻜﺮة ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻘﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻏريﻫﺎ؛ رأى واﻟﺪﻫﺎ
ٍ وﺧﻼﻓﻬﺎ ،وملﺎ ﺻﺎرت ﻗﺮﻳﺤﺘﻬﺎ ﺗﺠﻮد
أن ﻳﺴﺘﺤﴬ ﻟﻬﺎ أﺳﺎﺗﺬة ﻋﺮوﺿﻴني ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻷدﻳﺒﺎت ،وﻗﺒﻞ إﺗﻤﺎم ذﻟﻚ ﺻﺎر زواﺟﻬﺎ
ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﴩﻳﻒ ﻣﺤﻤﻮد ﺑﻚ اﻹﺳﻼﻣﺒﻮﱄ ،اﺑﻦ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ أﻓﻨﺪي اﻹﺳﻼﻣﺒﻮﱄ ،ﻛﺎﺗﺐ
ﺳﺎﺑﻘﺎ .وذﻟﻚ ﻛﺎن ﰲ ﺳﻨﺔ ١٢٧١ﻫﺠﺮﻳﺔ. ً دﻳﻮان ﻫﻤﺎﻳﻮﻧﻲ ﺑﺎﻵﺳﺘﺎﻧﺔ
508
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻫﻨﺎﻟﻚ اﻗﺘﴫت ﻋﻦ املﻄﺎﻟﻌﺔ وإﻧﺸﺎد اﻷﺷﻌﺎر ،واﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ ﺗﺪﺑري املﻨﺰل وﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻪ،
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ُرزﻗﺖ ﺑﺎﻷوﻻد واﻟﺒﻨﺎت ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻛﱪت ﻟﻬﺎ ﺑﻨﺖ ﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ ً
ﺗﻮﺣﻴﺪة ،ﻓﺄﻟﻘﺖ إﻟﻴﻬﺎ زﻣﺎم ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ .وﻛﺎن ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ﺗﻮﰲ واﻟﺪﻫﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٢٨٩ﻫ،
وزوﺟﻬﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٢٩٢ﻫ ،وﺻﺎرت ﺣﺎﻛﻤﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺄﺣﴬت ﻟﻬﺎ اﺛﻨﺘني ﻟﻬﻤﺎ إملﺎم ﺑﺎﻟﻨﺤﻮ
واﻟﻌﺮوض؛ إﺣﺪاﻫﻤﺎ :ﺗﺪﻋﻰ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻷزﻫﺮﻳﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﺳﺘﻴﺘﺔ اﻟﻄﺒﻼوﻳﺔ ،وﺻﺎرت ﺗﺄﺧﺬ
ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﻨﺤﻮ واﻟﻌﺮوض ﺣﺘﻰ ﺑﺮﻋﺖ وأﺗﻘﻨﺖ ﺑﺤﻮره ،وأﺣﺴﻨﺖ اﻟﺸﻌﺮ ،وﺻﺎرت ﺗﻨﺸﺪ
اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ املﻄﻮﻟﺔ واﻷزﺟﺎل املﺘﻨﻮﻋﺔ ،واملﻮﺷﺤﺎت اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻘﻬﺎ أﺣﺪ إﱃ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ،
وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ ﺛﻼﺛﺔ دواوﻳﻦ ﺑﺎﻟﺜﻼث ﻟﻐﺎت :اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،واﻟﱰﻛﻴﺔ ،واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ.
وﻗﺒﻞ أن ﺗﴩع ﰲ ﻃﺒﻌﻬﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻛﺮﻳﻤﺘﻬﺎ ﺗﻮﺣﻴﺪة وﻫﻲ ﰲ ﺳﻦ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ
ﻋﻤﺮﻫﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ اﻟﺤﺰن واﻷﺳﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣُﺪﺑﱢﺮة ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ،
وﻟﻢ ﺗﺤﻮﺟﻬﺎ ﻷﺣﺪ ﺳﻮاﻫﺎ ،وﻫﻨﺎك ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻌﺮوض واﻟﻌﻠﻮم ،وﺟﻌﻠﺖ دﻳﺪﻧﻬﺎ اﻟﺮﺛﺎء
واﻟﻌﺪﻳﺪ واﻟﻨﻮح ﻣﺪة ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﺣﺘﻰ أﺻﺎﺑﻬﺎ َرﻣَ ُﺪ اﻟﻌﻴﻮن ،وﻫﻨﺎﻟﻚ ﻛﺜﺮت ﻟﻮاﺣﻴﻬﺎ
وﻋﻮاذﻟﻬﺎ ﻣﻦ أوﻻدﻫﺎ وﺻﻮﻳﺤﺒﺎﺗﻬﺎ ،وﻧَﻬﻮﻫﺎ ﻟﺘُﻘﻠِﻊ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻫﻲ ﻓﻴﻪ.
وأﺧريًا ﺳﻤﻌﺖ ﻗﻮل اﻟﻨﺎﺻﺤني ،وﻗ ﱠﻠﻠﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء واﻟﻨﻮح ﺣﺘﻰ ﺷﻔﺎﻫﺎ
ﷲ ﻣﻦ ﻣﺮض اﻟﻌﻴﻮن ،ﻓﺠﻤﻌﺖ ﻣﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﻣﻦ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ،ﻓﻮﺟﺪت ﺑﻌﻀﻪ ،واﻟﺒﺎﻗﻲ ﺗﻔ ﱠﺮق
ﻣﺪة ﺣﺰﻧﻬﺎ ،ﻓﺠﺎء ﻣﻨﻪ دﻳﻮان ﺑﺎﻟﱰﻛﻲ ﺳﻤﱠ ﺘﻪ »ﺷﻜﻮﻓﺔ« ،وﻫﻮ ﺗﺤﺖ اﻟﻄﺒﻊ اﻵن ﺑﺎﻵﺳﺘﺎﻧﺔ
ﻃﺒﻊ وﻧُﴩ وﻛﺎن ﻟﻪ وﻗﻊ ﻋﻈﻴﻢ ﰲ اﻟﻌﻠﻴﺔ ،ودﻳﻮان ﻋﺮﺑﻲ ﺳﻤﺘﻪ »ﺣﻠﻴﺔ اﻟﻄﺮاز« ،وﻗﺪ ُ
اﻟﻨﻔﻮس ،وﻗﺒﻮل زاﺋﺪ ﻋﻨﺪ أﻫﻞ اﻷدب ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ رأت ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ
ﻃﺒﻊ وﻧُﴩ ً
أﻳﻀﺎ. ﻓﺄ ﱠﻟﻔﺖ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﺳﻤﺘﻪ »ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻷﺣﻮال« ،ﻓﺠﺎء ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﰲ ﺑﺎﺑﻪ ،وﻗﺪ ُ
وملﺎ اﻧﺘﴩت ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ املﺬﻛﻮرة ﺳﺎرت ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ اﻟﺮﻛﺒﺎن إﱃ أﻗﴡ اﻟﻌُ ﻤﺮان ،وﻃﺎر
ﺻﻴﺘﻬﺎ ﰲ اﻵﻓﺎق ،ووردت إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺘﻘﺎرﻳﻆ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺒﺬ أدﻳﺐ ،وﻟﻮذﻋﻲ أرﻳﺐ.
وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ورد ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎرﻳﻆ ﻣﻜﺘﻮب ﰲ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ املﺬﻛﻮرة ،اﻟﺘﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا
اﻟﺘﻘﺮﻳﻆ اﻵﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪة وردة اﻟﻴﺎزﺟﻲ ،اﻟﺬي أﺑﺪﻋﺖ ﻓﻴﻪ؛ ﻟﺮﻗﺔ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ،ﻋﲆ دﻳﻮان
»ﺣﻠﻴﺔ اﻟﻄﺮاز« ،وﻫﺬا ﻧﺼﻪ:
ﺳﻴﺪﺗﻲ وﻣﻮﻻﺗﻲ ،إﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺗﴩﻓﺖ ﺑﺎﻃﻼﻋﻲ ﻋﲆ ﺣﻠﻴﺔ ﻃﺮازﻛﻢ اﻟﺘﻲ ﱠ
ﺗﺤﲆ ﺑﻬﺎ
ﺟﻴﺪ اﻟﻌﴫ ،وأﺧﺠﻠﺖ ﺑﺴﺒﻚ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺧﻨﺴﺎء ﺻﺨﺮ ،أﻻ وﻫﻲ اﻟﺪرة اﻟﻴﺘﻴﻤﺔ
ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﴫ ﻧﻈﻢ اﻟﺪ ﱢر ﻋﻨﻬﺎ ،وﺷﻨﱠﻔﺖ
َ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ِ
ﺗﺄت ﻓﺤﻮل اﻟﺸﻌﺮاء
509
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﺤﺴﻦ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﻣﺴﺎﻣﻌﻨﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻏﺪا ﻳﺤﺴﺪﻫﺎ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﺒﴫ ،وﺳﺎرت ﰲ آﻓﺎﻗﻨﺎ
ﻣﺴري اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ.
وﻟﻘﺪ ﺗﻄﻔﻠﺖ — ﻣﻊ اﻋﱰاﰲ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ واﻟﺘﻘﺼري — ﺑﺘﻘﺮﻳﻆ ﻟﻬﺎ وﺟﻴﺰ ﺣﻘري،
ﻓﻜﻨﺖ ﻛﻤﻦ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺑﺎﻟﻀﻴﺎء ،أو ﺑﺎﻟﺴﻤﻮ ﻟﻠﻘﺒﺔ اﻟﺰرﻗﺎء ،راﺟﻴﺔ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻜﻢ
ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺑﺎﻹﻏﻀﺎء ،وﻻ زﻟﺘﻢ ﻟﻠﻔﻀﻞ ﻣﻨﺎ ًرا ﻳﺴﻄﻊ ،وﺑني اﻷدﺑﺎء ﰲ املﻘﺎم اﻷرﻓﻊ،
ﺑﻤَ ﱢﻦ ﷲ وﻛﺮﻣﻪ:
510
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻟﻌﻤﺮي إﻧﻪ ﻛﺘﺎب ﺣﻮى ﺑﺪاﺋﻊ املﻨﺜﻮر واملﻨﻈﻮم ،وﺗﺤﲆ ﻣﻦ درر اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ
ﻓﺄﺧﺠﻠﺖ ﻟﺪﻳﻪ دراري اﻟﻨﺠﻮم ،وﻗﺪ ﺗﻄﻔﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﻘﺎﻣﻜﻢ اﻟﻌﺎﱄ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﻮاب
ﻧﺎﻃﻘﺎ ﺑﺘﻘﺼريي ،وﺿﻤﻨﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺪح ﺳﺠﺎﻳﺎﻛﻢ اﻟﻐﺮاء وﻣﺎ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﺪى ﻣﻜﺎرﻣﻜﻢ ً
ﰲ ﻗﺒﻮل ﻣﻌﺎذﻳﺮي ،ﻻ زﻟﺘﻢ ﻟﻠﻔﻀﻞ ﻣﻌﺪﻧًﺎ وذﺧ ًﺮا ،وﻟﻸدب ﻛﻨ ًﺰا وﻓﺨ ًﺮا:
511
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻣﻦ إﻧﺸﺎء املﱰﺟﻤﺔ ﻧﺜ ًﺮا ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﻣﺮة ،وﻧُﴩ ﰲ ﺟﺮﻳﺪة اﻵداب ،ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ املﻮاﻓﻖ
٩ﺟﻤﺎدى اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٣٠٦ﻫﺠﺮﻳﺔ ،ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻋﴫ املﻌﺎرف«؛ وﻫﻲ:
ﻻ ﺗﺼﻠﺢ اﻟﻌﺎﺋﻼت إﻻ ﺑﱰﺑﻴﺔ اﻟﺒﻨﺎت
أﻫﻼ ملﺠﺎل املﻘﺎل ﰲ ﻫﺬا املﻀﻤﺎر ،وﻣﻌﱰﻓﺔ ﺑﻘﴫ اﻟﻴﺪ إﻧﻲ وإن ﻛﻨﺖ ﻟﺴﺖ ً
ﻋﻦ ﻗﺒﺾ زﻣﺎم املﻨﺎل؛ ﻻﻋﺘﻜﺎﰲ ﺑﺨﻴﻤﺔ اﻹزار ،ﻟﻜﻨﻲ أرى ﻣﻦ ﺧﻼل أﻃﺮاﻓﻪ
أن ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﱰﺑﻴﺔ ﻇﺮف اﻟﻜﻨﻮز ،وﺑﺤﺪود ﻣﺴﺎﻟﻚ اﻟﺘﺄدﻳﺐ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻛﻞ ﺟﻮﻫﺮ
ﻣﻜﻨﻮز؛ ﻓﺎﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲆ ﻛﻞ ذي ﻧﻔﺲ ﻛﺮﻳﻤﺔ أن ﻳﻤﻴﻞ ﻛﻞ املﻴﻞ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺒﻞ
اﻟﻔﺨﻴﻤﺔ ،وﻳﺤﺚ ﻛﻞ ﻋﺰﻳﺰ ﻟﻪ أن ﻳﺮﺗﻊ ﰲ ﻣﺮاﺗﻌﻬﺎ اﻟﻘﻮﻳﻤﺔ؛ ﻟﻴﺤﻈﻰ ﺑﺘﻠﻚ
اﻟﺠﻮاﻫﺮ اﻟﻴﺘﻴﻤﺔ ،ﻣﻊ أﻧﻲ أرى اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻻ ﺗﻨﻈﺮ إﻻ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ
ﱠ
ﻟﻌﻀﺖ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻓﺘﺨﺺ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻟﻮ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱃ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﻬﺎ وﺗﻔﻘﺪﺗﻪ
أﻧﺎﻣﻞ اﻟﻨﺪم ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓ ﱠﺮﻃﺖ ،ووﺟﺪت ﺑﺎﻻﻟﺘﻔﺎت إﱃ ﺣﻜﻢ ﺑﺎرئ اﻟﻨﺴﻤﺎت ،وﻣﻮﺟﺪ
املﺨﻠﻮﻗﺎت ،وﻫﻲ املﺼﺎﻧﻊ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ،واملﺒﺎﻧﻲ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺻريورة
ﻣﺪار ﻋﻤﺮان ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﲆ اﻟﺰوﺟني.
وﻟﻮ أﻣﻜﻦ اﻻﻧﻔﺮاد؛ ﻟﺨﺺ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﴎار أﺣﺪﻫﻤﺎ دون اﻵﺧﺮ ،وﻫﻮ اﻷﻓﻀﻞ،
وﻟﻢ ﻳﻔﻘﺮه إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ دوﻧﻪ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺘﺄﻣﻞ ﰲ َﻫﻴ َ
ُﻮﱃ ﻫﺬا اﻟﻜﻮن ﻣﻮﺟﺒًﺎ ﻋﲆ
اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺮﺟﻮﻟﻴﺔ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺘﺄدﻳﺐ اﻟﺒﻨﺎت وﺗﻬﺬﻳﺐ اﻟﻌﺎﺋﻼت؛ ﻷن ﺛﻤﺮة اﻟﺴﺆدد
راﺟﻌﺔ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ إﻧﻪ ﻋﻘﺪ أﻣﺮ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺄدﻫﺸﻪ ،ﻓﻠﻤﺘﻪ اﻟﺰوﺟﺔ ﺑﺄﻃﺮاف
ﺑﻨﺎﻧﻬﺎ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ،وأﺧﻤﺪت ﺟﺬوة وﻟﻮﻋﻪ ﺑﺘﺪاﺑريﻫﺎ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺠﺘﻬﺪ
512
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﰲ أن ﻳﻜﺘﻢ ﻓﻀﻠﻬﺎ ﺑني أﻓﺮاد اﻟﻬﻴﺌﺔ ،وﻳﺤﺬر ﻣﻦ إﻋﻼﻧﻪ؛ ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﻘﺎل :ﻫﻲ
ذات ﻣﻌﻠﻮﻣﻴﺔ ،ﻓﻴﻜﺪر ﻋﻴﺸﻪ اﻟﺼﺎﰲ .وﻫﺬا ﺑﺨﻼف اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ؛ ﻓﺎﻷﺳﻒ ﺛﻢ
ﺗﻤﺾ ﻓﺤﺼﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﺴﻖ اﻟﺒﺪﻳﻊ ،وﻟﻢ ﺗﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻷﺳﻒ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ ﻟﻢ ِ
ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﴩف اﻟﺮﻓﻴﻊ ،واﻟﻌﺠﺐ ﺛﻢ اﻟﻌﺠﺐ ﻋﲆ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﺸﻐﻒ
ﺑﺘﺰﻳني ﻓﺘﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺤﲇ ﻣﺴﺘﻌﺎر ،وﺗﺴﺘﻌني ﻋﲆ إﻇﻬﺎر ﺟﻤﺎﻟﻬﻦ ﺑﺰﺧﺮف املﻌﺎدن
واﻷﺣﺠﺎر ،وﺗﺘﺨﻴﻞ أﻧﻬﺎ زادﺗﻬﻦ ﺑﺴﻄﺔ ﰲ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺪﻻل ،واﻟﺤﺎل أﻧﻬﺎ أﻟﻘﺖ
ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ﰲ أﺧﺪود اﻟﻮﺑﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺴﺘﻌﺎرات إﻻ
اﻟﻌﺠﺐ واﻟﻐﺮور املﺆدي ﺑﻬﻦ إﱃ ﺳﺎﺣﺔ املﺒﺎﻫﺎة واﻟﻔﺠﻮر؛ وذﻟﻚ ﻟﻜﻒ ﺑﺼريﺗﻬﻦ
ﻋﻦ اﻹدراك ،وﻋﺪم ﻋﻠﻤﻬﻦ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ اﻷﺣﻮال ،وﻋﻮاﻗﺐ اﻷﻣﻮر.
وﺗ ﻮﺷ ﺤ ﺖ ﺑ ﺨ ﻤ ﺎر ﺟ ﻬ ﻞ أﺳ ﻮد ﻗ ﺪ زﻳ ﻨ ﺖ ﺑ ﺎﻟ ﺪر ﻏ ﺮة ﺟ ﺒ ﻬ ﺔ
واﻟﺠﻬﻞ ﻳﻄﻤﺲ ﻛﻞ ﻓﻀﻞ أﻣﺠﺪ وﺗﻄﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﻌﻘﺪ ﺗﺒﻬﺞ ﺟﻴﺪﻫﺎ
ﻓﻠﻮ اﺟﺘﻬﺪت اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟ ﱠﺮﺟُ ﻠﻴﺔ ﰲ ﺣﺴﻦ ﺳﻠﻮﻛﻬﻦ ﺑﺎﻟﱰﺑﻴﺔ ،وﺟﺬﺑﺘﻬﻦ ﺑﺸﻮاﻫﺪ
املﺪﻧﻴﺔ إﱃ ﻃﺮف اﻻﻃﻼع ﻟﺘﺘﻮﺟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎﻧﻴﺎت ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺋﻬﺎ ﺑﻴﻮاﻗﻴﺖ املﻌﻠﻮﻣﻴﺔ،
وﺗﻘﻠﺪت ﺑﻶﻟﺊ اﻟﺘﻔﻘﻪ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺷﺒﱠﺖ أﻟﻔﺖ ﺧﻄﻮاﺗﻬﺎ ﰲ ﻃﺮق اﻹدراك ،وأدرﻛﺖ
ﻣﺰﻳﺔ ﺣﻠﻴﻬﺎ اﻷﺻﻴﻞ ﻓﺰادﺗﻪ ﺟﻼء ،وﻓﻄﻨﺖ ﺑﻐﻼء ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻓﺄوﻗﺮﺗﻪ ﺑﻬﺎء وﺳﻨﺎء،
واﺳﺘﻐﻨﺖ ﺑﻠﻤﻌﺔ ﴍﻓﻪ ﻋﻦ أرﻓﻊ ﺟﻮﻫﺮ ﻗﻤﺎش ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻠﺒﺴﻬﺎ ﺛﻮﺑًﺎ ﻣﻦ
اﻟﺸﺎش:
ﻳﺴﻤﻮ ﺑﻬﺎ ﻗﺪر اﻟﻮﺿﻴﻊ وﻳﺸﺮف إن اﻟﻌﻠﻮم ﻷﺻﻞ اﻟﻔﺨﺮ ﺟﻮﻫﺮة
ﻣ ﻦ ﺣ ﺎزﻫ ﺎ ﺑ ﻴ ﻦ اﻷﻧ ﺎم ﻣ ﺸ ﺮف ﻓﻮﺟﻮدﻫﺎ ﻓﻲ درج ﻣﻬﺠﺔ ﻓﺎﺿﻞ
ﻓﺄﺳﺘﻮﻫﺒﻜﻢ اﻟﻌﻔﻮ ﻳﺎ أرﺑﺎب اﻟﻌﻘﻮل ﻋﻤﺎ ﺳﺄﻗﻮل :ﻧﺤﻦ — ﻣﻌﺎﴍ ا ُمل َﺨﺪﱠرات
— أدرى ﻣﻨﻜﻢ ﺑﻨﺸﺄة اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ ﺑﻨني وﺑﻨﺎت؛ إذ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن اﻟﻄﻔﻞ ﺣﻴﺜﻤﺎ
أوﻻ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،ﺛﻢ ﻫﺠﻊ ﺑﺮﻫﺔ ﻟﻔﺘﻮره ﻣﻤﺎ ﻻﻗﺎه ﻣﻦ ﺻﺎر ﻋﲆ ﻛﻒ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﺎدر ً
اﻟﺘﻌﺐ؛ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ إﻃﻼق ﺻﻮﺗﻪ ﰲ اﻟﺼﻴﺎح اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﺒﻖ ﻟﻪ ،ﺛﻢ ﻳﻨﺘﺒﻪ
وﺷﻤﺎﻻ ،ﻓﺎﺗﺤً ﺎ ﻓﺎه ﻟﻄﻠﺐ اﻟﻐﺬاء ،ﻓﱰﺿﻌﻪ أﻣﻪ ،ﻓﻴﻨﺎم ﻋﲆً ﻣﺤﺮ ًﻛﺎ ﺟﻴﺪه ﻳﻤﻴﻨًﺎ
أﺛﺮ اﻟﺸﺒﻊ ،ﻓﱰى ﻣﻨﻪ ﺑﺴﻴﻤﺎت ﺧﻔﻴﻔﺔ ﰲ أﺛﻨﺎء ﻧﻮﻣﻪ .وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﲆ أن دﻧﻴﺎﻧﺎ
دار ﻫﻢ ،وﻣﺤﻞ أﺣﺰان وﻏﻢ ،ﻛﺜرية اﻟﺠﻔﺎء ،ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻟﺼﻔﺎء.
513
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺈذا أﺧﺬ اﻟﻄﻔﻞ ﰲ اﻟﻨﻤﻮ وﺑﻠﻎ ﺧﻤﺴﺔ أﺷﻬﺮ ﻛﺎﻧﺖ أول ﻓﻄﻨﺘﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ
أﻣﻪ ﺛﻢ أﺑﻴﻪ ،وﺗﻨﺎول اﻟﴚء ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻣﻨﻪ ﻹﻳﺼﺎﻟﻪ إﱃ ﻓﻴﻪ ،ﻓ َﻠ ُﻜﻢ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﰲ
ﻣﺒﻨﻰ ﻫﺬه اﻹﺷﺎرة اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ،واﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ،ﺛﻢ ﻛﻠﻤﺎ اﺷﺘﺪت أﻋﺼﺎﺑﻪ وﻗﻮﻳﺖ
أﻋﻀﺎؤه ﻋﻼ ﺻﻴﺎﺣﻪ ،ﻓﺘﺒﺎدره اﻟﻮاﻟﺪة ﺑﺄﻟﺤﺎن ﻣُﻌﺪﱠة إﻟﻴﻪ ،ﻓﻴُﺼﻐﻲ ﻟﺴﻤﺎع ﺗﻠﻚ
اﻷﻟﺤﺎن ،وإذا ﺿﺎق ﺻﺪره ﻣﻦ أﻟﻢ ﻋﺎﻟﺠﺘﻪ ﺑﻜﻞ ﺣﻨﺎن ،وﺣﻤﻠﺘﻪ ودارت ﺑﻪ ﻣﻦ
ﻣﻜﺎن إﱃ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻴﻔﺮج ﻛﺮﺑﻪ ،وﻳﺘﻠﻄﻒ أملﻪ وﻫﻮ ﻳﻈﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﻠﻄﻒ واﻟﺘﺴﻜني
ﺑﻘﺪرﺗﻬﺎ ،وﺗﺒﻴﺖ ﰲ ﻗﻠﻖ وﺿﻨﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺈذا ﻋﻮﰲ أﺗﻰ إﻟﻴﻪ اﻟﻮاﻟﺪ ﺑﻤﺎ
ﻳﺒﻬﺠﻪ وﺗﻘﺮ ﺑﻪ ﻋﻴﻨﻪ ،ﺣﺴﺐ ﻗﺪرﺗﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﱪ وﺗﺮﻋﺮع وﻃﻤﺤﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﴩاﺳﺔ
اﻟﻄﻔﻠﻴﺔ اﺧﱰﻋﺖ ﻟﻪ أﻣﻪ ﻣﺎ ﻳﻠﻬﻴﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﺧﻮﱠﻓﺘﻪ ﺑﻤﺨﱰﻋﺎت اﻷﺳﻤﺎء؛ ﻣﻨﻬﺎ
ﻣﺎ ﻳﺘﺨﻴﻞ ﺑﻪ إرﻫﺎﺑًﺎ ،وإذا ﺻﺎح ذﻛﺮﺗﻪ ﺑﻪ ،وإذا ﺗﺸﻴﻄﻦ ﻧﺎدت ﺑﻪ إﻟﻴﻪ؛ ﻓﻴﺴﻜﺖ
اﻟﻄﻔﻞ ،وﺗﺎرة ﺗﺬﻛﺮ ﻟﻪ أﺑﺎه وﺗﻮﺟﺲ ﺑﻪ ﻣﻨﻪ ﴍٍّا ،ﻓﺘﻮﻗﻊ ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ
اﻟﺮﻋﺐ ،ﻓﻴﺴﺘﻌﻈﻢ ﻗﺪرﺗﻪ ،وﻳُﻜﱪه ﰲ ﻋﻴﻨﻪ ،وﻳﺠﻌﻞ ﻫﻴﺒﺘﻪ إﻧﺴﺎن ﻗﻠﺒﻪ ،وﻣﺮﻛﺰ
ذاﺗﻪ.
ﻓﻴﺎ ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻣﺎذا ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﻣﺮ ﻫﺬه اﻟﻔﻘرية إﱃ اﻟﻌﻠﻮم وﻫﻲ ﺧﺎوﻳﺔ
اﻟﻮﻓﺎض ﻋﻤﺎ ﺗﺴﺘﺤﻘﻪ؟! إن ﰲ ذﻟﻚ ﻟﺤﻜﻤً ﺎ:
وﻛﻴﻒ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﺸﻔﻘﺔ اﻟﻮاﻟﺪﻳﺔ ﺑﺈﺳﺎءة املﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻮ ﻋﻨﻴﺖ رﺟﺎﻟﻨﺎ
— ﻣﻌﺎﴍ اﻟﴩﻗﻴني — ﺑﱰﺑﻴﺔ ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ،وأﺟﻤﻌﺖ ﻋﲆ ﺗﻠﻘني اﻟﻌﻠﻮم ﻟﻬﻦ
ﺑﻤﻘﺪار ﺷﻔﻘﺘﻬﻢ؛ ﻟﻨﺎﻟﺖ أرﻓﻊ ﻣﺠﺪ ،وأﻫﻨﺄ ﺟﺪ ،وﻟﻌﻮﺿﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻋﻦ ذﻟﻚ
اﻟﻘﻠﻖ ﺑﺮاﺣﺔ اﻟﻌﺮﻓﺎن ،وأوﺳﻌﺖ ﺑﺴﻮاﻋﺪ ﻣﻌﻠﻮﻣﻴﺘﻬﻦ ﻣﻀﻴﻖ اﻟﺴﻠﻮك إﱃ ﺳﺎﺣﺔ
اﻹذﻋﺎن ،وﻗﺎﻣﺖ ﺑﻮاﺟﺒﺎت اﻟﺘﺪﺑري ،وﻫﻤﺖ ﺑﻮﻗﺎﻳﺔ أﺳﺎس ﺣﻠﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻣري؛
ﻷن ﺗﺨ ﱡﺮبَ اﻟﺪﱡور ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻄﺎع أﻫﻠﻬﺎ ﻃﺒﻴﻌﻲ؛ واﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻴﺲ ﺑﻀﺎ ﱟر؛ إﻧﻤﺎ ُﻫﺪم
ﺳﻘﻒ اﻟﴩف ﺑﴫﴏ اﻟﺠﻬﻞ ﻣﻊ وﺟﻮد اﻟﺪﻳﺎر ﻫﻮ اﻟﻌﺎر؛ ﺑﻞ اﻟﻨﺎر .وﻣﻦ
املﺴﺘﻐﺮﺑﺎت أن ﻳُﻔ ﱢﺮط اﻟﻐﺎرس ﰲ ﺗﻤﻬﻴﺪ اﻷﺻﻞ ،وﻳﺄﺳﻒ ﻋﲆ اﻋﻮﺟﺎج اﻟﻔﺮع،
ﻫﻮ املﺆدﱢي ﺑﻪ ،ﻓﻠﻮ أروت اﻟﺮﺟﺎل ﻏﺮاﺋﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮارة املﻌﺮﻓﺔ واﻟﻌﺮﻓﺎن ﻻﺗﻜﺄت
514
ﺣﺮف اﻟﻌني
515
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻫﺪﻳًﺎ ﻟﺠﻌﻠﺖ ﻗﺮﺑﺎﻧﻪ أﺑﻌﺪ ،أو رام أﻋﻈﻢ رﺷﻮة وﻫﺒﺖ إﻟﻴﻪ وﺟﺪًا ﻟﻢ أﺟﺪ ﻟﻪ ﺣﺪٍّا،
وذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ْأﻗﺒَﻞ ﻛﺘﺎﺑﻜﻢ ﻣﻦ ﺳﻤﺎء املﻌﺎﻧﻲ ﺑﻌﺒﻘﺮي اﻟﺨﻄﺎب ،وﻧﻘﺸﺖ رﻗﺔ
أرﻗﺎم زﺑﺪة ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻋﲆ ﺻﺤﺎف اﻟﺼﺪر ،ﻓﻨﻄﻖ اﻟﺠﻨﺎن ﻗﺒﻞ اﻟﻠﺴﺎن ﺑﺎﻟﱰﺣﺎب،
وﻻدة إﻻ ﺑﺤﺮوف ﻫﺠﺎﻳﺘﻪ ،وﻣﺎ ﺗﻐﺰل ﻗﻴﺲ إﻻ ﺑﺄﻟﻔﺎظ در ﻛﺘﺎب ﻣﺎ ﻧﻄﻘﺖ ﱠ
ﻛﺎدت ﺗُﺪاﻧﻲ ﺑﺮاﻋﺔ ﺑﺪاﻳﺘﻪ ،ﻗﺪ أﺳﺲ ﺑﺸري ﻳﺮاﻋﻪ ﺑﺨﻼﺻﺔ ﺗﺄﺛري ﻣﺂﻟﻪ ﺣﺪﻳﻘﺔ
اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻮد ،وﺳﻘﻰ ﻋﺼري ﻣﺪاده ﻏﺮاﺋﺲ ﺻﺪق ﺗﻔﱰ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻏﺮام ووﺟﺪ ،وﻗﺪ
ﻋَ ﱠﻦ ﱄ أن أﺗﺘﻮج ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺳﻄﺖ ﰲ ﻓﺘﺢ ﺑﺎب ﻳﺎﻧﻌﺔ اﻟﻮداد ،وأﻧﺎﻟﺘﻨﻲ
ﻧﺸﻴﻖ ﺗﻔﺎﺣﺎت وردت ﻫﻲ ﻻﻧﺘﻌﺎش اﻟﺮوح ﻋني املﺮاد ،ﻓﺄﻣﲇ أن ﻻ ﺗﺒﺨﲇ ﻋﲇ
ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻌﺎﻃﺮة ﻣﺎ ﻫﺐ اﻟﺼﺒﺎ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻚ ﻻ ﺗﱪﺣني ﻣﻦ ﺑﺎﱄ ﻣﺎ ﻻح ﻛﻮﻛﺐ ،ﻻ زال
ﺳﻨﺎ ﻋﺮﻓﺎﻧﻚ ﻻﺋﺤً ﺎ ﺑﺘﻴﺠﺎن اﻟﺮﺑﺎ ،وذﻛﺎء ﺑﻬﺎﺋﻚ ﻳُﺒﺪي ﺳﻼ َم ﻣَ ﻦ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﺣﺒﻜﻢ
ِ
وﺻﺒًﺎ.
وﻣﻦ ﻣﺮاﺳﻼﺗﻬﺎ ﻟﻠﺴﻴﺪة وردة املﺬﻛﻮرة ً
أﻳﻀﺎ:
اﺳﺘﻬﻞ ﺑﺮاﻋﺔ ﺳﻼم ﺣﻤﻞ اﻟﺸﻮق رﺳﺎﻟﺘﻪ ،وﺗﻘﻠﺪ اﻟﺸﻔﻖ ﻣﺎ ﻧﺸﻘﺖ ﻧﺎﺷﻘﺔ ﻋﺮف
اﻟﻮداد ﻛﻔﺎﻟﺘﻪ ،وﻟﻮ رﺿﻴﺖ املﺠﺎل ﰲ ﺻﺪق املﻘﺎل ﻟﻨﻄﻖ ﺑﺨﺎﻟﺺ اﻟﻮﻓﺎء ﻣﺪا ُد
ﻓﺾ ﺧﺘﺎم ﻣﻈﺮوﻓﻪ ،وﻟﻌﻤﺮي ﻗﺪ ﺣﺮوﻓﻪ ،وأﻗﺎم ﺑﺄداء اﻟﺘﺤﻴﺔ اﻟﻌﺎﻃﺮة ﻗﺒﻞ ﱢ
ﺗﻮﺟﺘﻪ أزاﻫﺮ اﻟﺜﻨﺎء ﺑﻶﻟﺊ ﻏ ﱠﺮاء ،وﻛﻠﻠﺘﻪ زواﻫﺮ اﻟﻮﻓﺎء ﻣﻦ ﺧﺎﻟﺺ اﻟﻮداد إﱃ
ﺣﴬة ﻣﻦ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﱰوح اﻷﺳﻤﺎع ﺑﻨﺴﻴﻢ أﻧﺒﺎﺋﻬﺎ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ وﻣﺴﺎء ،وﺗﺸﻮق
ً
ﺷﻮﻗﺎ إﱃ ً
أﻃﺮاﻓﺎ وإﻧﺎء .وﻣﻤﺎ زادﻧﻲ اﻷرواح إﱃ اﺳﺘﻄﻼع ﺑﺪر إﻧﺴﺎﻧﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ
ﺷﻮق ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺷﺐ ﻓﻴﻪ ﻃﻔﻞ اﻟﺸﻔﻖ ﻋﻦ اﻟﻄﻮق ،اﺟﺘﻼﺋﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻮرد
اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ،وﻧﺎﻓﺠﺔ اﻷدب املِ ْﺴﻜﻴﱠﺔ .ﻓﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﻘﺔ رﻣﻘﺘﻬﺎ أﺣﺪاق اﻷذﻫﺎن
ْ
ﻓﺜﻤﻠﺖ ﻃﺮﺑًﺎ وﴎو ًرا. ﻓﺎﻗﺘﺒﺴﺖ ﻧ َ ْﻮ ًرا وﻧُﻮ ًرا ،واﻧﺘﺸﻘﺘﻬﺎ ﻣﺴﺎم اﻵذان
وﻣﻨﺬ ﴎﺣﺖ ﰲ أرﺟﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﻴﺎﻧﻌﺔ إﻧﺴﺎن اﻟﻌﻴﻮن ،وﴍﺣﺖ ﺑﺄﻓﻜﺎر اﻟﺒﺼرية
أﴎار ذﻟﻚ اﻟﺪر املﺼﻮن ،ﻟﻢ أزل ﺑني ﻃﺮب أﺗﻮﺷﺢ ﺑﻮﺷﺎﺣﻪ ،وأدب أﺗﻌﺠﺐ
ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﺧﺘﺘﺎﻣﻪ واﻓﺘﺘﺎﺣﻪ ،وﺟﻌﻠﺖ أﻏﺎزل ﻣﻦ ﻧﺮﺟﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮوﺿﺔ ﻋﻴﻮﻧًﺎ
ﻣﻠﻜﺖ ﻣﻨﻲ اﻟﺤﻮاس ،وأﻫﴫ ﻣﻦ ﻏﺼﻮن أﻟﻔﺎﺗﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻤﺸﻮق أﻫﻴﻒ ﻣﻴﺎس،
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺷﻮﻛﺔ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ،وأن ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺑﺠﻤﻴﻞ اﻻﻟﺘﻔﺎت وأﺗﺄدب ﰲ ﺣﴬة وردﻫﺎ ً
اﻟﻐﺾ ﻗﺪ أﻟﻘﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻟﺜﺮى، ﱢ ﺿﺎﺣﻜﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﻴﺲ ﺟﻤﺎﻧﻪ ،وإذا ﺑﺎﻟﻴﺎﺳﻤني
516
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻧﺎدى ﺑﻠﺴﺎن اﻹﻓﺼﺎح :ﻫﻞ ﻟﻬﺬه اﻟﻨﴬة ﻧﻈرية ﻳﺎ ﺗﺮى؟ ﻓﺄﺷﺎر املﻨﺜﻮر ﺑﻜﻔﺔ
اﻟﺨﻀﻴﺐ أن ﻻ ﻧﻈري ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻐﺎدة ،وﻧﻄﻖ اﻟﺰﻧﺒﻖ ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺒﻴﺎن :ﻻ ﺗﻜﺘﻤﻮا
اﻟﺸﻬﺎدة ،ﻓﻌﻨﺪ ذﻟﻚ ﺻﻔﻖ اﻟﻄري ﺑﺄﻛﻒ اﻷﺟﻨﺤﺔ وﺑﴩ ،وﺟﺮى املﺎء ﻹذاﻋﺔ
ﻧﺒﺄ اﻟﴪور ،ﻓﻌﺜﺮ ﺑﺬﻳﻞ اﻟﻨﺴﻴﻢ وﺗﻜﴪ ،وﺗﻤﺎﻳﻠﺖ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ املﻮرﻗﺔ ﻟﺴﻤﺎع ﻫﺬا
اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وأﺧﺬت ﻧﺴﻤﺎﺗﻬﺎ اﻟﻌﺎﻃﺮة ﰲ اﻟﺴري اﻟﺤﺜﻴﺚ إذاﻋﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺒﺸﺎﺋﺮ ﰲ
اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ،وﻧﴩً ا ﻟﻬﺬه اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺳﺎرت ﻣﺴري املﺜﻞ اﻟﺴﺎﺋﺮ ،ﻓﻘﻠﺖ ﺑﻠﺴﺎن
اﻟﺼﺎدق اﻷﻣني ،ﺑﻌﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬا اﻟﻨﺒﺄ اﻟﻴﻘني :ﻫﻜﺬا ﻫﻜﺬا ﺗﻜﻮن اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﱠ
وإﻻ،
وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﺘُﻜﺘﺐ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ وﺗُﻤﲆ:
ﻓﺘﺤﻤﻞ ﻋﻨﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﺗﺤﻴﺔ إﱃ رﺑﺔ ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ،واﴍح ﻟﺪﻳﻬﺎ
ﺣﺪﻳﺚ ﺷﻐﻔﻲ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ اﻟﺒﺎﻫﺮ ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،واﻋﺘﺬر ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻫﺬا؛ ﻓﻘﺪ ﺟﺎء
ﻳﻤﴚ ﻋﲆ اﺳﺘﺤﻴﺎء ،وﻛﻠﻤﺎ ﺣ ﱠﺮﺿﻪ اﻟﺸﻮق ﻋﲆ اﻟﻘﺪوم ﻳُﺒﻄﺌﻪ اﻟﺤﻴﺎء ،وﻛﻴﻒ
ً
ﻣﻘﺎﻻ ﻟﻘﺎﺋﻞ؟ ﻓﻜﺄﻧﻲ إﻧﻤﺎ أﻫﺪي وﻗﺪ ﺣ ﱠﻞ ﰲ ﻣﻨﺒﻊ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ واملﻘﺎم اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺪع
اﻟﺜﻤﺮ إﱃ ﻫﺠﺮ ،وأﻣﻨﺢ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺨﻀﻢ ﺑﺎملﻄﺮ .أدام ﷲ ﻣﻌﺎﱄ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﴬة،
وزادﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﺣﺎل ﺑﻬﺠﺔ وﻧﴬة ،ﻣﺎ ﻻح ﺟﺒني ﻫﻼل ،وﺑﻠﻎ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻜﻤﺎل.
وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﺑ ﻌ ﺼ ﻤ ﺘ ﻲ أﺳ ﻤ ﻮ ﻋ ﻠ ﻰ أﺗ ﺮاﺑ ﻲ ﺑ ﻴ ﺪ اﻟ ﻌ ﻔ ﺎف أﺻ ﻮن ﻋ ﱠﺰ ﺣ ﺠ ﺎﺑ ﻲ
ﻧ ﻘ ﺎدة ﻗ ﺪ ﻛ ﻤ ﻠ ﺖ آداﺑ ﻲ وﺑ ﻔ ﻜ ﺮة وﻗ ﺎدة وﻗ ﺮﻳ ﺤ ﺔ
ﻗ ﺒ ﻠ ﻲ ذوات اﻟ ﺨ ﺪر واﻷﺣ ﺴ ﺎب وﻟ ﻘ ﺪ ﻧ ﻈ ﻤ ﺖ اﻟ ﺸ ﻌ ﺮ ﺳ ﻴ ﻤ ﺔ ﻣ ﻌ ﺸ ﺮ
ﻳَ ﻬ ﻮَى ﺑ ﻼﻏ ﺔ ﻣ ﻨ ﻄ ﻖ وﻛ ﺘ ﺎب ﻣ ﺎ ﻗ ﻠ ﺘ ﻪ إﻻ ﻓ ﻜ ﺎﻫ ﺔ ﻧ ﺎﻃ ﻖ
وﺑ ﻔ ﻄ ﻨ ﺘ ﻲ أﻋ ﻄ ﻴ ﺖ ﻓ ﺼ ﻞ ﺧ ﻄ ﺎﺑ ﻲ ﻓ ﺒ ﻨ ﻴﱠ ﺔ اﻟ ﻤ ﻬ ﺪي وﻟ ﻴ ﻠ ﻰ ﻗ ﺪوﺗ ﻲ
ﻧ ﺴ ﺞ اﻟ ﻌُ ﻼ ﻟ ﻌ ﻮاﻧ ﺲ وﻛ ﻌ ﺎب ﻟ ﻠ ﻪ َد ﱡر ﻛ ﻮاﻋ ﺐ ﻧ ﺴ ﺒ ﻮا ﻟ ﻬ ﺎ
ـﺨﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﺻﺨﺮ وﺟﻮب ﺻﻌﺎب وﺧﺼﺼﻦ ﺑﺎﻟ ﱡﺪ ﱢر اﻟﺜﻤﻴﻦ وﻫﺎﻣﺖ اﻟـ ُ
وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻧ َ ْﻘﺶ اﻟ ِﻤﺪَاد ﺧِ ﻀﺎﺑﻲ ﻓ ﺠ ﻌ ﻠ ﺖ ِﻣ ْﺮآﺗ ﻲ ﺟ ﺒ ﻴ ﻦ دﻓ ﺎﺗ ﺮي
ﻂ أو إﻫ ﺎب ﺷ ﺒ ﺎﺑ ﻲ! ﺑ ﻌِ ﺬار ﺧ ﱟ ﻛﻢ زﺧﺮﻓﺖ وﺟﻨﺎت ِﻃ ْﺮ ِﺳﻲ أﻧ ْ ُﻤﻠﻲ
517
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻮﻟﻬﺎ وﻗﺪ ﱠ
ﺗﻮﺳﻠﺖ ﺑﺎملﻘﺎم اﻟﻨﺒﻮي ﷺ:
ﺿﻢ أم ﻧ ﺴ ﻤ ﺔ ﻫ ﺎﺟَ ﺖ اﻷﺷ ﻮاق ﻣ ﻦ إ ِ َ أﻋﻦ وﻣﻴ ٍﺾ ﺳ َﺮى ﻓﻲ ﺣِ ﻨ ْﺪِس اﻟﻈﻠﻢ
وﺷ ﺎﻗ ﻨ ﻲ ﻧ ﺤ ﻮ أﺣ ﺒ ﺎﺑ ﻲ ﺑ ﺬي ﺳ ﻠ ﻢ ﻓ ﺠ ﺪﱠدت ﻟ ﻲ ﻋ ﻬ ﺪًا ﺑ ﺎﻟ ﻐ ﺮام ﻣ ﻀ ﻰ
ﻣ ﻦ ﻛ ﻨ ﺖ أﻋ ﻬ ﺪ ﻓ ﻲ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻣ ﻦ اﻟ ﻘ ﺪم دﻋ ﺎ ﻓ ﺆادي ﻣ ﻦ ﺑ ﻌ ﺪ اﻟ ﺴ ﻠ ﱢﻮ إﻟ ﻰ
ﻳ ﻤ ﺤ ﻮ وﻳ ﺜ ﺒ ﺖ ﻣ ﺎ ﻳ ﻬ ﻮاه ﻣ ﻦ ﻋ ﺪﻣ ﻲ وﻫ ﺎﺟ ﻨ ﻲ ﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐ ﻋ ﺸ ﻖ ﻣ ﻨ ﻈ ﺮه
ﺣ ﺒ ﻲ ﻟ ﻪ ﻓ ﻌ ﺬاﺑ ﻲ ﻓ ﻴ ﻪ ﻛ ﺎﻟ ﻨ ﻌ ﻢ ﻳ ﻤ ﺤ ﻮ ﺳ ﻠ ﻮﱢي ﻛ ﻤ ﺎ ﻳ ﻤ ﺤ ﻮ إﺳ ﺎءﺗ ﻪ
ﺬﻻ وﻟ ﻢ أرم َف ﻟ ﻬ ﻢ ﻋ ً وﻟ ﻢ أُو ﱢ رام اﻟ ﻮﺷ ﺎة ﺳ ﻠ ﻮﱢي ﻋ ﻦ ﻣ ﺤ ﺒ ﺘ ﻪ
وﺷ ﺎﻫ ﺪ اﻟ ﻌ ﺸ ﻖ ﻓ ﻲ اﻟ ﻌ ﺸ ﺎق ﻛ ﺎﻟ ﻌ ﻠ ﻢ ﻛﻴﻒ اﺳﺘﻨﺎر اﻟﺠﻮى ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ
ﺑ ﻴ ﻦ اﻟ ﻔ ﺮاغ وﻗ ﻠ ﺒ ﻲ َﻓ ﻬْ َﻮ ُﻣ ﺘ ﻬ ﻤ ﻲ ﺮﺿ ﺎ ﻋ ﻨ ﻲ وﻣ ﻌ ﺘ ً
ﺮﺿ ﺎ ﻓ ﻴ ﺎ ﻟ ﻪ ُﻣ ﻌ ً
وﻣ ﺎ ﻟ ﻘ ﻴ ُﺖ ﻣ ﻦ اﻵﻻم واﻟ ﺴ ﻘ ﻢ ﺣﺴﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ﻣﺎ أﻓﻀﻰ إﻟﻰ ﺗﻠﻔﻲ
وﻗ ﻠ ﺖ ﻳ ﺎ ﻧ ﻔ ﺲ ﺧ ﱢﻠ ﻲ ﺑ ﺎﻋ ﺚ اﻟ ﻨ ﺪم إﻧ ﻲ رددت ﻋ ﻨ ﺎﻧ ﻲ ﻋ ﻦ ﻏ ﻮاﻳ ﺘ ﻪ
518
ﺣﺮف اﻟﻌني
519
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وا زﻟﺘﻲ ﻳﻮم وﺿﻊ اﻟﻘﺴﻂ وا ﻧ َﺪَﻣﻲ ﻳﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ أرﺗﺠﻲ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺪدي
ﻟ ﻮﻻك ﻣ ﺎ أﺑ ﺮز اﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﻌ ﺪم ﻓ ﺎﺷ ﻔ ﻊ ﺑ ﺤ ﺐ اﻟ ﺬي أﻧ ﺖ اﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐ ﻟ ﻪ
أدوار دﻫ ﺮ وﻣ ﺎ وﻟ ﺖ ﺑ ﻤ ﺨ ﺘ ﺘ ﻢ ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ أزﻛ ﻰ ﺻ ﻼة اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﺎ اﻓ ﺘ ﺘ ﺤ ﺖ
وﻗﻮﻟﻬﺎ ً
ﻏﺰﻻ:
أﻃ ﺎﻟ ﺖ ﻓ ﻲ دﺟ ﻰ ﻟ ﻴ ﻠ ﻲ أﻧ ﻴ ﻨ ﻲ وﻟ ﻴ ﻠ ﻰ ﻣ ﺎ ﻛ ﻔ ﺎﻫ ﺎ اﻟ ﻬ ﺠ ﺮ ﺣ ﺘ ﻰ
أﺑﺎﺣﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮى ﻋﺮﺿﻲ ودﻳﻨﻲ و َﻛ ﱠﻞ ﺗ ﺠ ﱡﻠ ﺪي ﺑ ﺎﻟ ﺼ ﺒ ﺮ ﻟ ﻤ ﺎ
ﻛ ﺬا ﺧ ﻂ اﻟ ﻴ ﺮاع ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﺠ ﺒ ﻴ ﻦ ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻬ ﺎ :ارﺣ ﻤ ﻲ اﻷﻣ ﱠﻲ ﻗ ﺎﻟ ﺖ:
وﻫﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ﻳﺎ أﻣﻲ ارﺣﻤﻴﻨﻲ؟ ﻓ ﺪع ﻗ ﻠ ﻖ اﻟ ﺼ ﻐ ﺎر وﻛ ﻦ ﺻ ﺒ ﻮ ًرا
وﻗﺎﻟﺖ ﰲ ﺗﺸﻄريﻫﻤﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻗﺎﻟﺖ ﰲ ذﻟﻚ ً
أﻳﻀﺎ:
أذاﻋ ﺖ ﺑ ﻌ ﺪ ﻛ ﺘ ﻤ ﺎن ﺷ ﺠ ﻮﻧ ﻲ وﻟ ﻴ ﻠ ﻰ ﻣ ﺎ ﻛ ﻔ ﺎﻫ ﺎ اﻟ ﻬ ﺠ ﺮ ﺣ ﺘ ﻰ
أﺑﺎﺣﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮى ﻋﺮﺿﻲ ودﻳﻨﻲ وﺣ ﻴ ﻦ ﺗ ﺒ ﻴﱠ ﻨ ْﺖ آﻳ ﺎت وَﺟْ ﺪي
ﺟﻨﻨﺖ وﻓﻲ اﻟﻬﻮى ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻨﻮن ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻬ ﺎ :ارﺣ ﻤ ﻲ اﻷﻣ ﻲ ﻗ ﺎﻟ ﺖ:
وﻫﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ﻳﺎ أﻣﻲ ارﺣﻤﻴﻨﻲ؟ وﻫ ﺒ ﻨ ﻲ ﻛ ﻨ ﺖ أﻣ ﻚ ﻛ ﻴ ﻒ أﺣ ﻨ ﻮ
520
ﺣﺮف اﻟﻌني
إﻟ ﻴ ﻚ ﻣ ﻌ ﻨ ﻔ ﻲ ﻳ ﻜ ﻔ ﻴ ﻚ إﻓ ﺘ ﺎ ﺟ ﻬ ﻠ ﺖ ﺻ ﺒ ﺎﺑ ﺘ ﻲ أم ﻫ ﻞ ﻋ ﺮﻓ ﺘ ﺎ
ﻓ ﻼ أﻗ ﻮى ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ وأﻧ ﺖ أﻧ ﺘ ﺎ وﻟ ﻴ ﻠ ﻰ ﻣ ﺎ ﻛ ﻔ ﺎﻫ ﺎ اﻟ ﻬ ﺠ ﺮ ﺣ ﺘ ﻰ
أﺑﺎﺣﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮى ﻋﺮﺿﻲ ودﻳﻨﻲ
وإن ﻋ ﺜ ﺮ اﻟ ﻤ ﺘ ﻴ ﻢ ﻣ ﺎ أﻗ ﺎﻟ ﺖ ﺑ ﺮوض ﺟ ﻤ ﺎﻟ ﻬ ﺎ أﻣ ﺖ وﻗ ﺎﻟ ﺖ
ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻬ ﺎ :ارﺣ ﻤ ﻲ اﻷﻣ ﻲ ﻗ ﺎﻟ ﺖ: وﻛ ﻢ ﺻ ﺪﱠت وﻓ ﻲ ﻫ ﺠ ﺮي أﻃ ﺎﻟ ﺖ
وﻫﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ﻳﺎ أﻣﻲ ارﺣﻤﻴﻨﻲ؟
وﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﻤﺮﻳﺎت:
521
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
522
ﺣﺮف اﻟﻌني
523
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗ ﺒ ﺮي ﻟ ﺌ ﻼ ﻳ ﺤ ﺰن اﻟ ﻤ ﻘ ﺒ ﻮر أﻣ ﺎه ﻻ ﺗ ﻨ ﺴ ﻲ ﺑ ﺤ ﻖ ﺑ ﻨ ﻮﺗ ﻲ
ﻓ ﺴ ﻮاك ﻣَ ﻦ ﻟ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﺤ ﻨ ﻴ ﻦ ﻳ ﺰور ورﺟ ﺎء ﻋ ﻔ ﻮ أو ﺗ ﻼوة ُﻣ ﻨ َﺰل
ﻫ ﻮ راﺣ ﻢ ﺑ ﱞﺮ ﺑ ﻨ ﺎ وﻏ ﻔ ﻮر ﻓ ﻠ ﻌ ﱠﻠ ﻤ ﺎ أﺣ ﻈ ﻰ ﺑ ﺮﺣ ﻤ ﺔ ﺧ ﺎﻟ ﻖ
واﻟ ﺪﻫ ﺮ ﻣ ﻦ ﺑ ﻌ ﺪ اﻟ ﺠ ﻮار ﻳ ﺠ ﻮر ﻓ ﺄﺟ ﺒ ﺘ ﻬ ﺎ واﻟ ﺪﻣ ﻊ ﻳ ﺤ ﺒ ﺲ ﻣ ﻨ ﻄ ﻘ ﻲ
ﻗ ﺪ زال ﺻ ﻔ ﻮ ﺷ ﺄﻧ ﻪ اﻟ ﺘ ﻜ ﺪﻳ ﺮ ﺑ ﻨ ﺘ ﺎه ﻳ ﺎ ﻛ ﺒ ﺪي وﻟ ﻮﻋ ﺔ ﻣ ﻬ ﺠ ﺘ ﻲ
ﺣ ﺰن ﻋ ﻠ ﻴ ﻚ وﺣ ﺴ ﺮة وزﻓ ﻴ ﺮ ﻻ ﺗ ﻮﺻ ﻲ ﺛ ﻜ ﻠ ﻰ ﻗ ﺪ أذاب ﻓ ﺆادﻫ ﺎ
ﻣ ﺬ ﻏ ﺎب إﻧ ﺴ ﺎن وﻓ ﺎرق ﻧ ﻮر ﻗ ﺴ ﻤً ﺎ ﺑ ﻐ ﺾ ﻧ ﻮاﻇ ﺮي وﺗ ﻠ ﻬ ﻔ ﻲ
ﻓ ﺤ ﺮﻣ ﺖ ﻃ ﻴ ﺐ ﺷ ﺬاه وﻫ ﻮ ﻋ ﻄ ﻴ ﺮ وﺑ ﻘ ﺒ ﻠ ﺘ ﻲ ﺛ ﻐ ًﺮا ﺗ ﻘ ﱠﻀ ﻲ ﻧ ﺤ ﺒ ﻪ
ﻣ ﺎ ﻏ ﱠﺮدت ﻓ ﻮق اﻟ ﻐ ﺼ ﻮن ﻃ ﻴ ﻮر واﻟ ﻠ ﻪ ﻻ أﺳ ﻠ ﻮ اﻟ ﺘ ﻼوة واﻟ ﺪﻋ ﺎ
واﻟ ﻘ ﺪ ﻣ ﻨ ﻚ ﻟ ﺪى اﻟ ﺜ ﺮى ﻣ ﺪﺛ ﻮر ﻛ ﱠﻼ وﻻ أﻧ ﺴ ﻰ زﻓ ﻴ ﺮ ﺗ ﻮﺟ ﻌ ﻲ
ﻟ ﻮ ﻏ ﺎب ﻋ ﻨ ﻲ ﺳ ﺎءﻧ ﻲ اﻟ ﺘ ﺄﺧ ﻴ ﺮ إﻧ ﻲ أﻟ ﻔ ﺖ اﻟ ﺤ ﺰن ﺣ ﺘ ﻰ إﻧ ﻨ ﻲ
ﻛ ﻴ ﻒ اﻟ ﺘ ﺼ ﺒ ﺮ واﻟ ﺒ ﻌ ﺎد دﻫ ﻮر ﻗ ﺪ ﻛ ﻨ ﺖ ﻻ أرﺿ ﻰ اﻟ ﺘ ﺒ ﺎﻋ ﺪ ﺑ ﺮﻫ ﺔ
ﺑ ﺮﻳ ﺎض ﺧ ﻠ ٍﺪ زﻳﱠ ﻨ ﺘ ﻬ ﺎ اﻟ ﺤ ﻮر أﺑ ﻜ ﻴ ﻚ ﺣ ﺘ ﻰ ﻧ ﻠ ﺘ ﻘ ﻲ ﻓ ﻲ ﺟ ﻨ ﺔ
ﻋ ﻴ ﺸ ﻲ وﺻ ﺒ ﺮي واﻹﻟ ﻪ ﺧ ﺒ ﻴ ﺮ إن ﻗ ﻴ ﻞ ﻋ ﺎﺋ ﺸ ﺔ أﻗ ﻮل ﻟ ﻘ ﺪ ﻓ ﻨ ﻰ
ﻗ ﺪ ﻏ ﺎب ﺑ ﺪر ﺟ ﻤ ﺎﻟ ﻬ ﺎ اﻟ ﻤ ﺴ ﺘ ﻮر وﻟ ﻬ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ ﺗ ﻮﺣ ﻴ ﺪة اﻟ ﺤ ﺴ ﻦ اﻟ ﺘ ﻲ
راض وﺑ ﺎكٍ ﺷ ﺎﻛ ﺮ وﻏ ﻔ ﻮر ٍ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ وﺟ ﻔ ﻨ ﻲ واﻟ ﻠ ﺴ ﺎن وﺧ ﺎﻟ ﻘ ﻲ
ﻣ ﺎ زﻳ ﻨ ﺖ ﻟ ﻚ ﻏ ﺮﻓ ﺔ وﻗ ﺼ ﻮر ُﻣ ﺘﱢ ﻌ ﺖ ﺑ ﺎﻟ ﺮﺿ ﻮان ﻓ ﻲ ﺧ ﻠ ﺪ اﻟ ﺮﺿ ﺎ
دار اﻟ ﺴ ﻼم ﻓ ﺴ ﻌ ﻴ ﻜ ﻢ ﻣ ﺸ ﻜ ﻮر وﺳ ﻤ ﻌ ﺖ ﻗ ﻮل اﻟ ﺤ ﻖ ﻟ ﻠ ﻘ ﻮم ادﺧ ﻠ ﻮا
ﻻ ﻋ ﻴ ﺶ إﻻ ﻋ ﻴ ﺸ ﻪ اﻟ ﻤ ﺒ ﺮور ﻫ ﺬا اﻟ ﻨ ﻌ ﻴ ﻢ ﺑ ﻪ اﻷﺣ ﺒ ﺔ ﺗ ﻠ ﺘ ﻘ ﻲ
ﺗ ﻮﺣ ﻴ ﺪة زﻓ ﺖ وﻣ ﻌ ﻬ ﺎ اﻟ ﺤ ﻮر وﻟ ﻚ اﻟ ﻬ ﻨ ﺎء ﻓ ﺼ ﺪق ﺗ ﺎرﻳ ﺨ ﻲ ﺑ ﺪا
وﻗﻮﻟﻬﺎ ً
ﻏﺰﻻ:
ﺑ ﺪر اﻟ ﻤ ﺤ ﺎﺳ ﻦ ﻣ ﺬ ﻇ ﻬ ﺮ ﻣ ﻠ ﻚ اﻟ ﻔ ﺆاد وﻗ ﺪ ﻫ ﺠ ﺮ
ﻳ ﺴ ﺒ ﻲ اﻟ ﻤ ﺘ ﻴ ﻢ ﺑ ﺎﻟ ﺤَ ﻮَر ﻋ ﺬب اﻟ ﺮﺿ ﺎب ﻣ ﻬ ﻔ ﻬ ﻒ
إﻻ اﻟ ﺨ ﻀ ﻮع ﻟ ﻤ ﺎ أﻣ ﺮ ﻣﺎ ﺣﻴﻠﺘﻲ ﻓﻲ ﺣﺒﻪ
ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺤﺐ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺮ؟ ﻣَ ﻦ ﻣ ﻨ ﺠ ﺪي وﺟ ﻔ ﻮﻧ ﻪ
وا ﻃﻮل ﺷﺠﻮي ﺑﺎﻟﺨﻔﺮ! وا ﺣ ﻴ ﺮﺗ ﻲ ﻓ ﻲ ﺣ ﺒ ﻪ!
524
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﺟ ﻔ ﻦ ﺗ ﻌ ﺬب ﺑ ﺎﻟ ﺴ ﻬ ﺮ أﺷ ﻜ ﻮ اﻟ ﻐ ﺮام وﻳ ﺸ ﺘ ﻜ ﻲ
أﺣﺮﻗﺖ ﺟﺴﻤﻲ ﺑﺎﻟﺸﺮر ﻳﺎ ﻗﻠﺐ ﺣﺴﺒﻚ ﻣﺎ ﺟﺮى
ﻟ ﻢ ذا وأﻧ ﺖ ﻟ ﻪ ﻣ ﻘ ﺮ؟ رام اﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐ ﻟ ﻚ اﻟ ﻀ ﻨ ﻰ
ﻣﺎ ﻟﻠﺸﺠﻲ ﻣﻨﻪ ﻣﻔﺮ ﻟ ﻜ ﻦ ﺗ ﻌ ﺬﻳ ﺐ اﻟ ﻬ ﻮى
ﻧ ﺎﻫ ﻴ ﻚ ﻣ ﻦ ﻏ ﺼ ﻦ ﺧ ﻄ ﺮ ﻗ ﺎﺑ ﻠ ﺘُ ﻪ ُﻣ ﺘَ ﺜ ﻨ ﻴً ﺎ
ﻛ ﺎﻟ ﺒ ﺪر ﻟ ﻤ ﺎ أن ﺳ ﻔ ﺮ وأﺗ ﻴ ﺘ ﻪ ﻣ ﺘ ﺒ ﺴ ﻤً ﺎ
ﻓ ﺎﺣ ﻜ ﻢ وﻧ ﻔ ﺬ ﻣ ﺎ أﻣ ﺮ ﻳ ﺎ ﺑ ﺪر ﺣ ﻜ ﻤ ﻚ اﻟ ﻬ ﻮى
أﺻ ﻠ ﻰ ﺳ ﻌ ﻴ ًﺮا ﻓ ﻲ ﺳ ﻘ ﺮ أﻟ ِﻖ اﻟ ﻮﺷ ﺎح وﺧ ﻠ ﻨ ﻲ
وﻷﻧ ﺖ أوﻟ ﻰ ﻣ ﻦ ﻋ ﺬر وﻋ ﻦ اﻟ ﻌ ﺬار ﻓ ﻼ ﺗ ﺴ ﻞ
واﺳ ﺘ ﺮ ﺑ ﻄ ﱠﺮﺗ ﻚ اﻟ ﻐ ﺮر ودع اﻟ ﻈ ﻼم ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻀ ﻴ ﺎ
ﻳ ﻔ ﺘ ﱡﺮ ﻋ ﻦ ﻏ ﺎﻟ ﻲ اﻟ ﺪرر ﺳ ﺎﻣ ﺖ ﺑ ﻬ ﺎ اﻟ ﺜ ﻐ ﺮ اﻟ ﺬي
ﺗ ﻴ ﻬً ﺎ ﺑ ﺠ ﻴ ﺪك واﻟ ﻄ ﺮر واﺻﺪع ﺑﺤﺴﻨﻚ واﻓﺘﺨﺮ
ﺗ ﺒ ﺪو وﻳ ﺴ ﺘ ﺤ ﻲ اﻟ ﻘ ﻤ ﺮ ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ ﺗﺨﺠﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻏﺰﻻ ً
أﻳﻀﺎ: وﻗﻮﻟﻬﺎ ً
ﺑ ﺪر ﺗ ﻜ ﻨ ﻰ ﺑ ﺎﻟ ﺮﺷ ﺎ ﻣ ﻠ ﻚ اﻟ ﻔ ﺆاد وﻗ ﺪ رﺷ ﻰ
ﻳﺴﺒﻲ اﻟﺸﺠ ﱠﻲ إذا ﻣﺸﻰ ﻋﺬب اﻟﺮﺿﺎب ﻣﻬﻔﻬﻒ
إﻻ ﺳ ﻌ ﻴ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟ ﺤ ﺸ ﺎ ﻣﺎ ﺣﻴﻠﺘﻲ ﻓﻲ ﺣﺒﻪ
وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺨﻤﺴﺔ:
525
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻟﺖ اﺳﺘﻐﺎﺛﺔ:
526
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻗﻮﻟﻬﺎ:
527
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
528
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻋﺎﺋﺪة املﺪﻳﻨﺔ
أم وﻟﺪ ﺣﺒﻴﺐ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ املﺮواﻧﻲ .ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﺣﺎﻟﻜﺔ اﻟﻠﻮن ،ﺗﺮوي ﻋﻦ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ
أﻧﺲ إﻣﺎم دار اﻟﻬﺠﺮة وﻏريه ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة .وﻫﺒﻬﺎ ﻣﺤﻤ ُﺪ ﺑ ُﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ
ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان اﻟﺤﺒﻴﺐَ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ املﺮواﻧﻲ ،ﻓﻘﺪم ﺑﻬﺎ إﱃ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﻗﺪ أﻋﺠﺐ
ﺑﻌﻠﻤﻬﺎ وﻓﻬﻤﻬﺎ وﻓﺮط ذﻛﺎﺋﻬﺎ ،واﺗﱠﺨﺬﻫﺎ ﻟﻔﺮاﺷﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﻨﺪه ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ إﱃ أن ﱠ
ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ
ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
529
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
530
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻗﺎل :ﻓﻐﺪوت ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ رؤﻳﺎ ﻋﺎﺗﻜﺔ وأﻧﺎ ﺣﺪﻳ ٌﺪ ﻣُﻐﻀﺐٌ أرى ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻨﻲ ﻣﻨﻪ
أﻣﺮ أﺣﺐ أن أدرﻛﻪ ﻣﻨﻪ ،ﻗﺎل :ﻓﺪﺧﻠﺖ املﺴﺠﺪ ﻓﺮأﻳﺘﻪ .وﷲ إﻧﻲ ﻷﻣﴚ ﻧﺤﻮه اﻟﻌﺮﺿﻨﺔ
ً
ﺧﻔﻴﻔﺎ ،ﺣﺪﻳﺪ اﻟﻮﺟﻪ ،ﺣﺪﻳﺪ اﻟﻠﺴﺎن ،ﺣﺪﻳﺪ ﻟﻴﻌﻮد ﻟﺒﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﺄُوﻗﻊ ﺑﻪ — وﻛﺎن ً
رﺟﻼ
اﻟﻨﻈﺮ — إذ ﺧﺮج ﻧﺤﻮ ﺑﺎب املﺴﺠﺪ ﻳﺸﺘﺪﱡ ،ﻗﺎل :ﻗﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ :ﻣﺎ ﻟﻪ ﻟﻌﻨﻪ ﷲ؟! أﻛﻞ
ﺻﻮت ﺿﻤﻀﻢ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو اﻟﻐﻔﺎري َ ﻫﺬا ً
ﻓﺮﻗﺎ أن أﺷﺎﺗﻤﻪ؟! ﻓﺈذا ﻫﻮ ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﻣﺎ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ
وﻫﻮ ﻳﴫخ ﺑﺒﻄﻦ اﻟﻮادي :ﻳﺎ ﻣﻌﴩ ﻗﺮﻳﺶ ،اﻟﻠﻄﻴﻤﺔ! أﻣﻮاﻟﻜﻢ ﻣﻊ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ﺑﻦ ﺣﺮب
َ
اﻟﻐﻮث ،ﻗﺎل :ﻓﺸﻐﻠﻨﻲ ﻋﻨﻪ َ
اﻟﻐﻮث ﻗﺪ ﻋﺮض ﻟﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﰲ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻻ أرى أن ﺗﺪرﻛﻮﻫﺎ،
وﺷﻐﻠﻪ ﻋﻨﻲ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻣﻦ اﻷﻣﺮ.
ﻗﺎل :ﻓﺘﺠﻬﺰ اﻟﻨﺎس ِﴎاﻋً ﺎ وﻗﺎﻟﻮا :ﻻ ﻳﻈﻦ ﻣﺤﻤﺪ وأﺻﺤﺎﺑﻪ أن ﻳﻜﻮن ﻛﻌري اﺑﻦ
ﻛﻼ وﷲ ﻟﻴﻌﻠﻤﻦ ﻏري ذﻟﻚ! ﻓﻜﺎﻧﻮا ﺑني رﺟﻠني :إﻣﺎ ﺧﺎرج ،وإﻣﺎ ﺑﺎﻋﺚ ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺤﴬﻣﻲ ،ﱠ
رﺟﻼ ،وأرﻏﺒﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺨﻠﻒ ﻣﻦ أﴍاﻓﻬﺎ أﺣﺪ إﻻ أﺑﻮ ﻟﻬﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺗﺨ ﱠﻠﻒ ً
ﻓﺒﻌﺚ ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﻌﺎﴆ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺑﻦ املﻐرية .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ وﻗﻌﺔ ﺑﺪر ،وﺧﱪﻫﺎ ﻣﺸﻬﻮر.
وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﺗﺮﺛﻲ أﺑﺎﻫﺎ ﻣﻊ إﺧﻮﺗﻬﺎ ﰲ ﺣﺎل ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺣني ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ذﻟﻚ:
وﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ:
وﻟ ﻴ ﻜ ﻒ ﻣ ﻦ ﺷ ﱟﺮ ﺳ ﻤ ﺎﻋ ﻪ ﺳ ﺎﺋ ﻞ ﺑ ﻨ ﺎ ﻓ ﻲ ﻗ ﻮﻣ ﻨ ﺎ
ﺎق ﺷ ﻨ ﺎﻋ ﻪﻓﻲ ﻣﺠﻤﻊ ﺑ ٍ ﻗ ﻴ ًﺴ ﺎ وﻣ ﺎ ﺟ ﻤ ﻌ ﻮا ﻟ ﻨ ﺎ
واﻟ ﻜ ﺒ ﺶ ﻣ ﻠ ﺘ ﻤ ﻊ ﻗ ﻨ ﺎﻋ ﻪ ﻓ ﻴ ﻪ اﻟ ﺴ ﻨ ﻮر واﻟ ﻘ ﻨ ﺎ
531
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﻛﺜرية ﻏري ﻫﺬه ﻟﻢ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻌﺪم ورودﻫﺎ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ،وﻗﺪ أﻋﻄﻴﺖ ﺷﻄﺮ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﻌﺸﻘﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ
ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ وﻛﻠﻒ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺎد أن ﻳﻄري ﻋﻘﻠﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺰوج ﺑﻬﺎ أﻗﺎم ﺳﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﺸﺘﻐﻞ
ﺑﺴﻮاﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﺟﻤﻌﺔ وﻫﻮ ﻣﻌﻬﺎ؛ إذ ﻓﺎﺗﺘﻪ اﻟﺼﻼة وﻫﻮ ﻻ ﻳﺪري! وﺟﺎء أﺑﻮه
ﻓﻮﺟﺪه ﻋﻨﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﺟﻤﻌﺖ؟ ﻓﻘﺎل :وﻫﻞ ﺻﲆ اﻟﻨﺎس؟! ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ أﻟﻬﺘﻚ ﻋﻦ اﻟﺼﻼة،
واﻋﺘﺰﻟﺖ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻠﻴﻞ ﻗﻠﻖ ً
ﻗﻠﻘﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻓﺄﻧﺸﺪ: ْ ﻃ ﱢﻠ ْﻘﻬﺎ ،ﻓ َ
ﻄ ﱠﻠﻘﻬﺎ،
532
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﻋﻤ ُﺮ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻔﺘﻰ ﻋﻠﻴٍّﺎ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﻓﺘﻰ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮد اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ إﱃ أﻫﻠﻪ
ﱪ ﻣَ ْﻘﺘًﺎ ﻋِ ﻨ َﺪ
وﺗﺘﺰوج ،ﻓﻔﻌَ ﻠﺖ ،ﻓﺬ ﱠﻛﺮﻫﺎ ﻋﲇ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ» :ﻓﺂﻟﻴﺖ ﻻ ﺗﻨﻔﻚ« اﻟﺒﻴﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎلَ ﴿ :ﻛ ُ َ
ﻮن﴾ )اﻟﺼﻒ ،(٣ :ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪه اﻟﺰﺑري ،وﺑﻌﺪه اﻟﺤﺴني ﺑﻦ ﷲ أَن ﺗَ ُﻘﻮﻟُﻮا ﻣَ ﺎ َﻻ ﺗَ ْﻔﻌَ ﻠُ َ
ِ
ﻋﲇ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺣﺘﻰ ﻗﺎل ﻋﻤﺮ :ﻣﻦ أراد اﻟﺸﻬﺎدة ﻓﻠﻴﺘﺰوج ﻋﺎﺗﻜﺔ ،وﺧﻄﺒﻬﺎ ﻋﲇ
ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﻲ ﻷﺿﻦ ﺑﻚ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﻞ! وﺧﻄﺒﻬﺎ ﻣﺮوان ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺴني ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺨﺬة
ﺣﻤً ﺎ ﺑﻌﺪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ .وﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺗﻜﺔ ﺗﺮﺛﻲ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب:
ﻻ ﺗ ﻤ ﱢﻠ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ اﻹﻣ ﺎم اﻟ ﻨ ﺤ ﻴ ﺐ ﻋ ﻴ ُﻦ ﺟ ﻮدي ﺑ ﻌ ﺒ ﺮة وﻧ ﺤ ﻴ ﺐ
ـ ﻠ ﻢ ﻳ ﻮم اﻟ ﻬ ﻴ ﺎج واﻟ ﺘ ﻠ ﺒ ﻴ ﺐ ﻓﺠﻌﺘﻨﻲ اﻟﻤﻨﻮن ﺑﺎﻟﻔﺎرس اﻟﻤﻌـ
ـ ﺮ ﻏ ﻴ ﺎث اﻟ ﻤ ﻨ ﺘ ﺎب واﻟ ﺤ ﺮوب ﻋﺼﻤﺔ اﻟﻨﺎس واﻟﻤﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻫـ
ﻗ ﺪ ﺳ ﻘ ﺘ ﻪ اﻟ ﻤ ﻨ ﻮن ﻛ ﺄس ﺷ ﻌ ﻮب ﻗ ﻞ ﻷﻫ ﻞ اﻟ ﻀ ﺮاء واﻟ ﺒ ﺆس ﻣ ﻮﺗ ﻮا
وﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
533
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻲ اﻟﺰﺑري وﺗﺨﺎﻃﺐ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﺟﺮﻣﻮز اﻟﺬي ﻗﺘﻠﻪ ﻏﺪ ًرا ﻋﻨﺪ رﺟﻮﻋﻪ ﻣﻦ
ﺣﺮب اﻟﺠﻤﻞ:
ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺤﺴﻦ أﻋﺠﻮﺑﺔ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﰲ اﻷدب ﻧﺎدرة أﻗﺮاﻧﻬﺎ .ﺗﻌ ﱠﻠﻤﺖ اﻟﻐﻨﺎء وﴐوﺑﻪ ،وﻟﻬﺎ
ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ أﻟﺤﺎن ،وﻛﺎن ﻳﺨﺘﻠﻒ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﻐﻨﻴﺎت ﻣﻜﺔ واملﺪﻳﻨﺔ ﻓﺘﺤﺴﻦ ﺻﻠﺘﻬﻦ
وﺗﺠﻴﺰﻫﻦ ،وﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻦ أن ﻻ ﻳﻘﻄﻌﻦ ﻋﻨﻬﺎ.
534
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻨني ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ واملﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﺄذﻧﺖ ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ أن ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺤﺞ ،ﻓﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺘﺠﻬﺰت ﺑﺠﻬﺎز ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻢ ﻳُ َﺮ ﻣﺜﻠﻪ ،وﺳﺎرت ﻋﲆ اﻟﱪ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ورﻛﺒﻬﺎ
املﻄﺎﻳﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ملﻜﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺬي ﻃﻮى ،ﻓﻤﺮ ﺑﻬﺎ وﻫﺐ اﻟﺠﻤﺤﻲ — املﻌﺮوف ﺑﺄﺑﻲ دﻫﺒﻞ
ً
ﺟﻤﻴﻼ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳُﺴﺎرﻗﻬﺎ اﻟﻨﻈﺮ وﺟَ ﻤَ ﺮات اﻟﻮَﺟْ ﺪ ﺗﺘﺄﺟﺞ ﺟﻠﻴﻼَ ،ﻏﻴ َْﺴﺎﻧﻴٍّﺎ
ً — وﻛﺎن ﺷﺎﻋ ًﺮا
ﺑﻔﺆاده ﻗﺎذﻓﺔ ﺑﺎﻟﴩر ،وﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻫﺠريًا واﻟﺠﻮاري راﻓﻌﺎت ﻋﻨﻬﺎ اﻷﺳﺘﺎر ،ﻓﻔﻄﻨﺖ ﻟﻪ،
ﻓﺬﻋﺮﺗﻪ وﺷﺘﻤﺘﻪ ﻛﺜريًا ،ﺛﻢ أﻣَ ﺮت ﺑﺎﻟﺴﺠﻮف ،ﻓﺤﺠﺐ ﺑﻈﻼﻣﻬﺎ ﺷﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر ،ﻓﻘﺎل:
535
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻔﺸﺎ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻓﺼﱪ ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ
اﻟﻨﺎس ﻳﺴﻠﻤﻮن وﻳﻨﴫﻓﻮن ،وﻛﺎن ﻓﻴﻬﻢ وﻫﺐ ،ﻓﻠﻤﺎ أزﻣﻊ اﻟﺮﺟﻮع ﻧﺎداه ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺣﺘﻰ إذا
ﺧﻼ ﻟﻬﻤﺎ اﻟﺠﻮ ﻗﺎل :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺐ أن ﰲ ﻗﺮﻳﺶ أﺷﻌﺮ ﻣﻨﻚ؛ ﺗﻘﻮل:
أم ﺑﺮاﻧﻲ اﻟﺒﺎري ﻗﺼﻴﺮ اﻟﺠﻔﻮن ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ِأﻣﻦ ﻫﻮًى ﻃﺎر ﻧﻮﻣﻲ
وﷲ إن ﻓﺘﺎة أﺑﻮﻫﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،وﺟﺪﻫﺎ أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن ،وﺟﺪﺗﻬﺎ ﻫﻨﺪ ﺑﻨﺖ ﻋﺘﺒﺔ َﻟ َﻜﻤَ ﺎ ذﻛﺮت،
وأي ﳾء زدت ﰲ ﻗﺪرﻫﺎ ،وﻟﻘﺪ أﺳﺄت ﺑﻘﻮﻟﻚ :ﺛﻢ ﺧﺎﴏﺗﻬﺎ! ﻓﻘﺎل :وﷲ ﻟﻢ أﻗﻞ ﻫﺬا ،وإﻧﻤﺎ
ﻗﻴﻞ ﻋﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ ،ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :أﻣﺎ ﻣﻨﱢﻲ ﻓﻠﻴﻬﺪأ روﻋﻚ؛ ﻷﻧﻲ ﻋﻠﻴﻢ ﺑﻌﻔﺎف ﻓﺘﺎﺗﻲ ،وإﻧﻪ
ﻣﻐﺘﻔﺮ ﻟﻔﺘﻴﺎن اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺘﺸﺒﻴﺐ ﺑﻤﻦ أرادوا ،وﻟﻜﻨﻲ أﻛﺮه ﻟﻚ ﺟﻮار أﺧﻴﻬﺎ ﻳﺰﻳﺪ؛ ﻓﺈن ﻟﻪ
ﺳﻮرة اﻟﺸﺒﺎب ،وأﻧﻔﺔ املﻠﻮك .ﻓﺤَ ﺬِر وﻫﺐٌ ورﺣﻞ إﱃ ﻣﻜﺔ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ
إذا ﺑﺨﴢ ﻳﻘﻮل ﻟﻪ :ﻟﻘﺪ ﺳﻘﻂ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني إﱃ ﻋﺎﺗﻜﺔ اﻟﻴﻮم ﻛﺘﺎبٌ أﺑﻜﺘﻬﺎ ﺗﻼوﺗﻪ ﺑﻤﺎ
أﺻﺎرﻫﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ،ﻓﻘﺎل :ﻋﲇ ﺑﻪ ﺑﺄﻟﻄﻒ ﺣﻴﻠﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ أوﺗﻴﻪ ﻗﺮأ ﻓﻴﻪ:
ﻟ ﺬي ﺻ ﺒ ﻮة زﻟ ﻔ ﻰ ﻟ ﺪﻳ ﻚ وﻻ ﻳ ﺮﻗ ﻰ أﻋ ﺎﺗ ﻚ ﻫ ﱠﻼ إذ ﺑ ﺨ ﻠ ﺖ ﻓ ﻼ ﺗ ﺮى
وﺳ ﻜ ﻨ ﺖ ﻋ ﻴ ﻨ ً ﺎ ﻻ ﺗ ﻤ ﱡﻞ وﻻ ﺗ ﺮﻗ ﺎ رددت ﻓ ﺆادًا ﻗ ﺪ ﺗ ﻮﻟ ﻰ ﺑ ﻪ اﻟ ﻬ ﻮى
وﻟ ﻢ أر ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻣ ﻨ ﻚ ﺟ ﻮدًا وﻻ ﺻ ﺪﻗ ﺎ وﻟﻜﻦ ﺧﻠﻌﺖ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻮﻋﺪ واﻟﻤﻨﻰ
ﺻﺮﻳﻌً ﺎ ﺑﺄرض اﻟﺸﺎم ذا ﺳﻘﻢ ُﻣﻠ ًﻘﻰ أﺗ ﻨ ﺴ ﻴ ﻦ أﻳ ﺎﻣ ﻲ ﺑ ﺮﺑ ﻌ ﻚ ﻣ ﺪﻧ ًﻔ ﺎ
وأدﻋ ﻮ ﻟ ﺪاﺋ ﻲ ﺑ ﺎﻟ ﺸ ﺮاب ﻓ ﻤ ﺎ أُﺳ َﻘ ﻰ وﻟ ﻴ ﺲ ﺻ ﺪﻳ ﻖ ﻳ ﺮﺗ ﻀ ﻲ ﻟ ﻮﺻ ﻴ ﺔ
ﻓﻄﻮل ﻧﻬﺎري ﺟﺎﻟ ًﺴﺎ أرﻗﺐ اﻟﻄﺮﻗﺎ وأﻛ ﺒ ﺮ ﻫ ﻤ ﻲ أن أرى ﻟ ﻚ ﻣ ﺮﺳ ًﻼ
ﻓﺄﺷﻜﻮ اﻟﺬي ﺑﻲ ﻣﻦ ﻫﻮاك وﻣﺎ أﻟﻘﻰ ﻓﻮا ﻛﺒﺪي إذ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﻣﻨﻚ ﻣﺠﻠﺲ
وﻳ ﺰداد ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻛ ﻞ ﻳ ﻮم ﻟ ﻜ ﻢ ﻋ ﺸ ﻘ ﺎ رأﻳ ﺘ ﻚ ﺗ ﺰدادﻳ ﻦ ﻟ ﻠ ﺼ ﺐﱢ ﻏ ﻠ ﻈ ﺔ
536
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻣﻄﺮﻗﺎ ﻛﺌﻴﺒًﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﺠﻼه اﻷﻣﺮ ﻓﻘﺎل :ﻫﻮ ﻧﺒﺄ ﻳﻘﻠﻖ ً ﻓﺒﻌﺚ إﱃ ﻳﺰﻳﺪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء وﺟﺪه
ﻓﻴﻤﺮض ﻓﻴﺤري؛ إن ﻫﺬا اﻟﻔﺎﺳﻖ اﻟﻘﺮﳾ ﻛﺘﺐ إﱃ أﺧﺘﻚ ﺑﻬﺬه اﻷﺑﻴﺎت ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﺑﺎﻛﻴﺔ
ﺣﺘﻰ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻗﺎل ﻳﺰﻳﺪ :اﻟﺨﻄﺐ دون ﻣﺎ ﺗﺘﻮﻫﻢ؛ ﻋَ ﺒ ٌﺪ ﻟﻨﺎ ﻳﺮﺻﺪه وﻳﻘﺘﻠﻪ! ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ:
ﻳﺎ ﻳﺰﻳﺪ ،وﷲ إن ﺗﻘﺘ ْﻞ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ ﻫﺬا ﺣﺎﻟُﻪ ﺻﺪﱠق اﻟﻨﺎس ﻣﻘﺎ َﻟﻪ ،ﻗﺎل :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،إﻧﻪ
ﻧﻈﻢ أﺑﻴﺎﺗًﺎ ﻏري ﻫﺬه وﺗﻨﺎﺷﺪﻫﺎ ا َمل ﱢﻜﻴﱡﻮن ،ﻓﺴﺎرت ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺘﻨﻲ ﻓﺄوﺟﻌﺘﻨﻲ وﺣﻤﻠﺘﻨﻲ ﻋﲆ
ُ
أﴍت ،ﻓﻘﺎل :وﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻓﺄﻧﺸﺪ: ﻣﺎ
ﻓﻬﻤﺖ املﻌﻨﻰ؛ ﻷﻧﻲ أراه ﻳﺸﻜﻮ اﻟﺤﺮﻣﺎن ،ﻓﺎﻟﺨﻄﺐ ﻓﻴﻪ ﻳﺴري، ُ ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻗﺪ وﷲ
ﺛﻢ ﺣﺞﱠ ﻋﺎﻣﺌﺬ ﻟﻠﺴﺒﺐ ﻋﻴﻨﻪ ،وملﺎ اﻧﻘﻀﺖ املﻨﺎﺳﻚ دﻋﺎ ﺑﺄﴍاف ﻗﺮﻳﺶ وﺷﻌﺮاﺋﻬﻢ وأﺟﺰل
ﻄﺎ ﻋﻠﻴﻚﻟﻬﻢ اﻟﺼﻼت .ﻓﻠﻤﺎ أزﻣﻊ وﻫﺐٌ اﻻﻧﴫاف ﻗﺎل :إﻳﻪ ﻳﺎ وﻫﺐ ،ﻣﺎ ﱄ أرى ﻳﺰﻳﺪ ﺳﺎﺧ ً
ﰲ ﻗﻮارﻳﺾ ﺗﺄﺗﻴﻪ ﻋﻨﻚ وﺷﻌﺮ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻪ؟! ﻓﺒﺪأ أﺑﻮ دﻫﺒﻞ ﻳﻄﻴﻞ اﻻﻋﺘﺬار وﻳﺤﻠﻒ أﻧﻪ
ﺑﺄس ﻋﻠﻴﻚ وﻣﺎ ﻳﴬﱡ ك ذﻟﻚ ،ﻓﺄيﱡ ﺑﻨﺎت ﻋﻤﱢ ﻚ أﺣﺐﱡ إﻟﻴﻚ، ﻣﻜﺬوب ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻻ َ
ووﻫﺒﺘُﻚ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر.
ﻗﺎل :ﻓﻼﻧﺔ ،ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ زوﱠﺟﺘﻚ ﺑﻬﺎ وأﻣْ ﻬَ ﺮﺗﻬﺎ ﺑﺄﻟﻔﻲ دﻳﻨﺎرَ ،
ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻮﻓﺎﻫﺎ ﻗﺎل :إن رأى أﻣري املﺆﻣﻨني أن ﻳﻌﻔﻮ ﻋﻤﺎ ﻣﴣ ،ﻓﺈن ﻧﻄﻘﺖ ﺑﺒﻴﺖ ﰲ
ﻓﴪ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ووﻋﺪه ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻓﻘﺪ أﺑﺤﺖ ﺑﻪ دﻣﻲ ،وأﻣﺎ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻲ ﻓﻬﻲ ﻃﺎﻟﻖ ﺑﺘﺎﺗًﺎ! ُ ﱠ
ﺑﺈدرار اﻟﺼﻠﺔ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌ ًﺮا ،ووﰱ ﺑﻮﻋﺪه ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﺎﺗﻜﺔ ﻣﻐﺮﻣﺔ ﺑﻪ إﱃ
أن ﻣﺎﺗﺖ.
537
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
رﺿﻴﺖ؟ ﻗﺎل :ﺣﻜﻤﻚ ،ﻓﺄﺗﻰ ﻋﻤﺮ إﱃ ﺑﺎﺑﻬﺎ وﺟﻌﻞ ﻳﺘﺒﺎﻛﻰ ْ ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﱄ ﻋﻨﺪك إن
وأرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم ،ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﺣﺎﺿﻨﺘﻬﺎ وﻣﻮاﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﻠﻦ :ﻣﺎ ﻟﻚ؟ ﻗﺎل :ﻓﺰﻋﺖ إﱃ
ﻋﺎﺗﻜﺔ ورﺟﻮﺗﻬﺎ وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﻣري املﺆﻣﻨني ﻣﻌﺎوﻳﺔ وﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪه ،ﻗﻠﻦ :وﻣﺎ
ﻟﻚ؟! ﻗﺎل :اﺑﻨﺎي — ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﱄ ﻏريﻫﻤﺎ — ﻗﺘَﻞ أﺣﺪُﻫﻤﺎ ﺻﺎﺣﺒَﻪ.
ﻋﻔﻮت ،ﻗﺎل :ﻻ أُﻋﻮﱢد
ُ ﻓﻘﺎل أﻣري املﺆﻣﻨني :أﻧﺎ ﻗﺎﺗ ُﻞ اﻵﺧﺮ ﺑﻪ ،ﻓﻘﻠﺖ :أﻧﺎ اﻟﻮﱄ ﱡ وﻗﺪ
ﻓﺮﺟﻮت أن ﻳﻨﺠﻲ ﷲ اﺑﻨﻲ ﻫﺬا ﻋﲆ ﻳﺪﻫﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺬ َﻛ ْﺮن ُ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة،
ذﻟﻚ ﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻛﻴﻒ أﺻﻨﻊ ﻣﻊ ﻏﻀﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ وﻣﺎ أﻇﻬﺮت ﻟﻪ؟! ﻗﻠﻦ :إذن وﷲ ﻳﻘﺘﻞ،
ﻓﻠﻢ ﻳﺰﻟﻦ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ دﻋﺖ ﺑﺜﻴﺎﺑﻬﺎ ﻓﻠﺒﺴﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب ،ﻓﺄﻗﺒﻞ ﺣﺪﻳﺞ اﻟﺨﴢ
ﻗﺎل :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻫﺬه ﻋﺎﺗﻜﺔ ﻗﺪ أﻗﺒﻠﺖ ،ﻗﺎل :وﻳﻠﻚ! ﻣﺎ ﺗﻘﻮل؟! ﻗﺎل :ﻗﺪ وﷲ ﻃﻠﻌﺖ،
ﺟﺌﺖ؛ إن أﺣﺪ ﺑﻨﻴﻪَ ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ وﺳ ﱠﻠﻤﺖ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﱠد ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻣﺎ وﷲ ﻟﻮﻻ ﻋﻤ ُﺮ ﻣﺎ
ﻓﺄردت ﻗﺘﻞ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻮ اﻟﻮﱄ ﱡ وﻗﺪ ﻋﻔﺎ! ﻗﺎل :إﻧﻲ أﻛﺮه أن أُﻋﻮﱢد َ ﺗﻌﺪى ﻋﲆ اﻵﺧﺮ ﻓﻘﺘﻠﻪ
اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺸﺪك ﷲ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ أﻣري
أﺧﺬت ﺑﺮﺟﻠﻪ ﻓﻘﺒﱠﻠﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل :ﻫﻮ ﻟﻚ، ْ املﺆﻣﻨني ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،وﻗﺪ ﻃﺮق ﺑﺎﺑﻲ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﺑﻪ ﺣﺘﻰ
وﻟﻢ ﻳﱪﺣﺎ ﺣﺘﻰ اﺻﻄﻠﺤﺎ ،ﺛﻢ راح ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺑﻼل إﱃ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻓﻘﺎل :ﻛﻴﻒ رأﻳﺖ؟ ﻗﺎل:
ﻓﻬﺎت ﺣﺎﺟﺘﻚ ،ﻗﺎل :ﻣﺰرﻋﺔ ﺑﻌﺪﱠﺗﻬﺎ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وأﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،وﻓﺮاﺋﺾ ﻟﻮﻟﺪي ِ رأﻳﻨﺎ أﺛﺮك،
وأﻫﲇ ،ﻗﺎل :ذﻟﻚ ﻟﻚ؟ ﺛﻢ اﻧﺪﻓﻊ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﺑﺸﻌﺮ ﻛﺜري» :وإﻧﻲ ﻷرﻋﻰ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻣﻦ
ﺟﻼﻟﻬﺎ«.
وﻟﻌﺎﺗﻜﺔ ﻫﺬه ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﺸﻌﺮاء ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﻜﺎه ﻧﺼﻴﺐٌ ﻗﺎل :إﻧﻪ ﺧﺮج ﻫﻮ و ُﻛ ﱢﺜري
واﻷﺣﻮص ﻏﺐﱠ ﻳﻮم أﻣﻄﺮت ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﻘﺎل :ﻫﻞ ﻟﻜﻢ ﰲ أن ﻧﺮﻛﺐ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻓﻨﺴري ﺣﺘﻰ
ﻧﺄﺗﻲ اﻟﻌﻘﻴﻖ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺮﻛﺒﻮا أﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺪواب ،وﻟﺒﺴﻮا أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻘﺪرون
ﻳﺘﺼﻔﺤﻮن اﻷﻣﺎﻛﻦ ﺣﺘﻰ ﱠ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب ،وﺗﻨﻜﺮوا ﺛﻢ ﺳﺎروا ﺣﺘﻰ أﺗﻮا اﻟﻌﻘﻴﻖ ،ﻓﺠﻌﻠﻮا
رﻓﻊ ﻟﻬﻢ ﺳﻮاد ﻋﻈﻴﻢ ،ﻓﺄﻣﱡ ﻮه ﺣﺘﻰ أﺗﻮه ،ﻓﺈذا وﺻﺎﺋﻒ وﺧﺪم وﻧﺴﺎء ﺑﺎرزات ،ﻓﺴﺄﻟﻨﻬﻢ
أن ﻳﻨﺰﻟﻮا ﻓﻨﺰﻟﻮا ،ودﺧﻠﺖ اﻣﺮأة ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﺎﺳﺘﺄذﻧﺖ ﻟﻬﻢ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺟﺎءت املﺮأة
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ادﺧﻠﻮا ،ﻓﺪﺧﻠﻮا ﻋﲆ اﻣﺮأة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺑﺮزة ﻋﲆ ﻓﺮش ﻟﻬﺎ! ﻓﺮﺣﺒﺖ وﺣﻴﱠﺖ ،وإذا ﻛﺮاﳼ
ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ،ﻓﺠﻠﺴﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﺻﻒ واﺣﺪ؛ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻋﲆ ﻛﺮﳼ.
538
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﻘﺎﻟﺖ :إن أﺣﺒﺒﺘﻢ أن ﻧﺪﻋﻮ ﺑﺼﺒﻲ ﻟﻨﺎ ﻓﻨَﻌ ُﺮ َك أُذﻧَﻪ وﻧُﺼﻴﱢﺤَ ﻪ ﻓﻌﻠﻨﺎ ،وإن ﺷﺌﺘﻢ ﺑﺪأﻧﺎ
ني ﺑﺎﻟﺼﺒﻲ وﻟﻦ ﻳﻔﻮﺗﻨﺎ اﻟﻐﺪاء ،ﻓﺄوﻣﺄت ﺑﻴﺪﻫﺎ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺪم، ﺑﺎﻟﻐﺪاء؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﺑﻞ ﺗَﺪْﻋِ َ
ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ ﻛﻠﻤﺢ اﻟﺒﴫ ﺣﺘﻰ ﺟﺎءت ﺟﺎرﻳﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻄﺮف ﻗﺪ ﺳﱰت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻪ،
ﻓﻜﺸﻔﻮه ﻋﻨﻬﺎ ،وإذا ﺟﺎرﻳﺔ ذات ﺟﻤﺎل ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﻣﻮﻻﺗﻬﺎ ،ﻓﺮﺣﺒﺖ ﺑﻬﻢ وﺣﻴﱠﺘﻬﻢ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﻮﻻﺗﻬﺎ :ﺧﺬي — َوﻳْﺤَ ﻚ — ﻣﻦ ﻗﻮل ﻧُﺼﻴﺐ — ﻋﺎﰱ ﷲ ﻧﺼﻴﺒًﺎ:
وﻫﻞ ﻣﺜﻞ أﻳﺎم ﺑﻤﻨﻘﻄﻊ اﻟﺴﻌﺪ أﻻ ﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻦ اﻟ ُﻤﻔ ﱢﺮق ﻣﻦ ﺑﺪ
ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ ﻋﺎد ﻣﺎ ﺗﻌﻴﺪ وﻻ ﺗﺒﺪي ﺗ ﻤ ﻨ ﻴ ﺖ أﻳ ﺎﻣ ﻲ أوﻟ ﺌ ﻚ واﻟ ﻤ ﻨ ﻰ
ﻓﻐﻨﱠﺘﻪ ،ﻓﺠﺎءت ﺑﻪ ﻛﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﺑﺄﺣﲆ ﻟﻔﻆ ،وأﺷﺠﻰ ﺻﻮت ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﺧﺬي
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻗﻮل ﻧﺼﻴﺐ — ﻋﺎﻓﺎه ﷲ:ً
ﻗﺎل :ﻓﺠﺎءت ﺑﻪ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ اﻷول ،ﻓﻜﺪت أﻃري ﴎو ًرا ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :وﻳﺤﻚ! ﺧﺬي ً
أﻳﻀﺎ
ﻗﻮﻟﻪ:
وﻫ ﻞ ﻃ ﺎﺋ ﻒ ﻣ ﻦ ﻧ ﺎﺋ ﻢ ﻣ ﺘ ﻤ ﺘ ﻊ ﻓ ﻴ ﺎ ﻟ ﻚ ﻣ ﻦ ﻟ ﻴ ﻞ ﺗ ﻤ ﺘ ﻌ ﺖ ﻃ ﻮﻟ ﻪ
وﻟ ﻮ ﻧ ﺎﺋ ﻤً ﺎ ﻣ ﺴ ﺘ ﻌ ﺘ ﺐ أو ﻣ ﻮدع ﻧ ﻌ ﻢ إن ذا ﺷ ﺠ ﻮ ﻣ ﺘ ﻰ ﻳ ﻠ ﻖ ﺷ ﺠ ﻮه
ﻣ ﻦ اﻟ ﻨ ﺎس ﻓ ﻲ ﺻ ﺪر ﺑ ﻬ ﺎ ﻳ ﺘ ﺼ ﺪع ﻟ ﻪ ﺣ ﺎﺟ ﺔ ﻗ ﺪ ﻃ ﺎﻟ ﻤ ﺎ ﻗ ﺪ أﺳ ﱠﺮﻫ ﺎ
ﻳ ﻜ ﻮن ﻟ ﻬ ﺎ ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻫ ﺮ ﻣ ﻨ ﺰع ﺗ ﺤ ﻤ ﻠ ﻬ ﺎ ﻃ ﻮل اﻟ ﺰﻣ ﺎن ﻟ ﻌ ﻠ ﻬ ﺎ
ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺬي اﻟﺤﻠﻢ ﺗﻘﺮع وﻗﺪ ﻗﺮﻋﺖ ﻓﻲ أﻣﺮ ﻋﻤﺮو ﻟﻲ اﻟﻌﺼﺎ
539
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل ﻧﺼﻴﺐ :ﻓﺠﺎءﻧﻲ وﷲ ﳾء ﺣريﻧﻲ وأذﻫﻠﻨﻲ ﻃﺮﺑًﺎ؛ ﻟﺤﺴﻦ اﻟﻐﻨﺎء ،وﴎو ًرا
ﺑﺎﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ ﻟﺸﻌﺮي ،وﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺼﻨﻌﺔ وﺟﻮدﺗﻬﺎ وإﺣﻜﺎﻣﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ:
ﺧﺬي ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻗﺎل ﻧﺼﻴﺐ :ﻓﻮﷲ ﻟﻘﺪ زﻫﻮت ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ زﻫﻮًا ﺧﻴﻞ ﱄ أﻧﻲ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ،وأن اﻟﺨﻼﻓﺔ
ﱄ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﺣﺴﺒﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻴﺔ ،ﻫﺎت اﻟﻄﻌﺎم ﻳﺎ ﻏﻼم ،ﻓﻮﺛﺐ اﻷﺣﻮص وﻛﺜري وﻗﺎﻻ :وﷲ ﻻ
ﻧﻄﻌﻢ ﻟﻚ ﻃﻌﺎﻣً ﺎ ،وﻻ ﻧﺠﻠﺲ ﻟﻚ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ؛ ﻓﻘﺪ أﺳﺄت ﻋﴩﺗﻨﺎ ،واﺳﺘﺨﻔﻔﺖ ﺑﻨﺎ ،وﻗﺪﻣﺖ
ﺷﻌﺮ ﻫﺬا ﻋﲆ ﺷﻌﺮﻧﺎ ،وأﺳﻤﻌﺖ اﻟﻐﻨﺎء ﻓﻴﻪ ،وإن ﰲ أﺷﻌﺎرﻧﺎ ملﺎ ﻳﻔﻀﻞ ﺷﻌﺮه ،وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛ ﱡﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻲ ،ﻓﺄي ﺷﻌﺮﻛﻤﺎ أﻓﻀﻞ
ٍ اﻟﻐﻨﺎء ﻣﺎ ﻫﻮ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬا ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻋﲆ
ﻣﻦ ﺷﻌﺮه؟ َأﻗﻮﻟُﻚ ﻳﺎ أﺣﻮص:
ﻓﺨﺮﺟﺎ ﻣﻐﻀﺒني ،وﺑﻘﻲ ﻧﺼﻴﺐ ﻓﺘﻐﺪى ﻋﻨﺪﻫﺎ ،وأﻣﺮت ﻟﻪ ﺑﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ دﻳﻨﺎر وﺣﻠﺘني
وﻃﻴﺐ ،ﺛﻢ دﻓﻌﺖ ﻟﻪ ﻣﺎﺋﺘﻲ دﻳﻨﺎر وﻗﺎﻟﺖ :ادﻓﻌﻬﺎ إﱃ ﺻﺎﺣﺒﻴﻚ؛ ﻓﺈن ﻗﺒﻼﻫﺎ وإﻻ ﻓﻬﻲ
رﻓﻴﻘﻲ ،ﻓﻌﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻧﺼﻴﺒﻬﻤﺎ ،ﻓﺄﺑﻴﺎ أن
ﱠ ﻟﻚ ،ﻗﺎل ﻧﺼﻴﺐ :ﻓﺬﻫﺒﺖ ﺑﺎﻟﺒﺪرة ﺣﺘﻰ ُ
أﺗﻴﺖ
ﻳﺄﺧﺬاه ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻪ ﻟﻨﻔﴘ وﺑﻠﻐﻬﺎ اﻟﺨﱪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺣﺴﻨًﺎ وﷲ ﻓﻌﻠﺖ .وﺑﻘﻲ ﻛﺜري واﻷﺣﻮص
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺑﺄﺳﻬﺎ وﺳﻄﻮﺗﻬﺎ،ً ﻳﱰﻗﺒﺎن ﻟﻬﺎ اﻟﻔﺮص ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺠﻮاﻫﺎ ﺑﴚء ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪرا ﻋﻠﻴﻬﺎ؛
540
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻣﺪارا ًة ﻟﻬﺎ ،وأﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻣُﻜ ﱠﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ،وﰲ ﺧﻼﻓﺔ وﻟﺪﻫﺎ ً
أﻳﻀﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ
ﰲ آﺧﺮ ﺧﻼﻓﺔ وﻟﺪﻫﺎ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﻌﺔ واﻹﻛﺮام.
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ﻣﺠﻴﺪة ،وﺷﻌﺮﻫﺎ ﻗﻠﻴﻞ ،ﻗﻴﻞ :إن ﺑﻨﻲ ﻣﺤﺎرب ﻏﺰت ﻃﻴﺌًﺎ وﻓﺘﻜﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﻟﻐﻴﺎب
ُﴎاﺗﻬﻢ ،ورﺟﻌﺖ ﻏﺎﻧﻤﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﺎﺻﻴﺔ ﺗﻨﺪب ﻗﻮﻣﻬﺎ وﺗﻬﺠﻮ ﻣﺤﺎرﺑًﺎ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ:
ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻋﻘﻞ وأدب ،وﻓﺼﺎﺣﺔ وﻛﻴﺎﺳﺔ ،وﺻﻮت ﺣﺴﻦ ،وﻣﻨﻄﻖ ﻋﺬب ،وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻋﺸﻖ
ﺑﺸﺎر ﻟﻬﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺠﻠﺲ ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :اﻟﱪدان ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ذات ﻳﻮم
وﻛﺎن اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺤﴬﻧﻪ؛ إذ ﺳﻤﻊ ﻛﻼم اﻣﺮأة أﺷﺠﺎه ﻧﻐﻤُﻬﺎ وﺣُ ﺴ ُﻦ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ،ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻐﻼﻣﻪ
ﻤﺖ ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣَ ﻦ ﻫﻲ وأﻋﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﺈذا اﻧﻘﴣ املﺠﻠﺲ ﻓﻘﺎل :إﻧﻲ ﻗﺪ ﻋﻠﻘﺖ اﻣﺮأة ،ﻓﺈذا ﺗﻜ ﱠﻠ ْ
واﻧﴫف أﻫﻠﻪ ﻓﺎﺗﺒﻌﻬﺎ ،وأَﻋْ ﻠِﻤْ ﻬﺎ أﻧﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﺤﺐﱞ ،وأَﻧ ْ ِﺸﺪْﻫﺎ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ،وﻋ ﱢﺮﻓﻬﺎ أﻧﻲ ُﻗ ْﻠﺘﻬﺎ
ﻓﻴﻬﺎ:
اﻷذن ﻛﺎﻟﻌﻴﻦ ﺗﻮﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﻤﻦ ﻻ ﺗﺮى ﺗﻬﺬي ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﻢ
ﻳ ﻠ ﻘ ﻰ ﺑ ﻠ ﻘ ﻴ ﺎﻧ ﻬ ﺎ روﺣً ﺎ ورﻳ ﺤ ﺎﻧ ً ﺎ ﻣ ﺎ ﻛ ﻨ ﺖ أول ﻣ ﺸ ﻐ ﻮف ﺑ ﺠ ﺎرﻳ ﺔ
واﻷذن ﺗ ﻌ ﺸ ﻖ ﻗ ﺒ ﻞ اﻟ ﻌ ﻴ ﻦ أﺣ ﻴ ﺎﻧ ًﺎ ﻳﺎ ﻗﻮم أذﻧﻲ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺤﻲ ﻋﺎﺷﻘﺔ
541
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻬﺸﺖ ﻟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰوره ﻣﻊ ﻧﺴﻮة ﻳﺼﺤﺒﻨﻬﺎ ﻓﻴﺄﻛﻠﻦ ﻋﻨﺪه ﻓﺄﺑﻠﻐﻬﺎ اﻟﻐﻼم اﻷﺑﻴﺎت ،ﱠ
وﻳﴩﺑﻦ وﻳﻨﴫﻓﻦ ،ﺑﻌﺪ أن ﻳُﺤﺪﺛﻬﺎ وﻳُﻨﺸﺪﻫﺎ ،وﻻ ﺗُ ِ
ﻄﻤﻌﻪ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻣﻤﺎ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻓ ﺄﺿ ﺤ ﻰ ﺑ ﻪ ﻣ ﻦ ﺣ ﺒ ﻬ ﺎ أﺛ ﺮ ﻗ ﺎﻟ ﺖ ﻋ ﻘ ﻴ ﻞ ﺑ ﻦ ﻛ ﻌ ﺐ إذ ﺗ ﻌ ﻠ ﻘ ﻬ ﺎ
إن اﻟ ﻔ ﺆاد ﻳ ﺮى ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳ ﺮ اﻟ ﺒ ﺼ ﺮ أﻧ ﱠﻰ وﻟ ﻢ ﺗ َﺮﻫ ﺎ ﺗ ﻬ ﺬي ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻬ ﻢ
ﻟﻢ ﻳﻘﺾ وردًا وﻻ ﻳﺮﺟﻰ ﻟﻪ ﺻﺪر أﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﺤﺎﺋﻢ اﻟﺤ ﱠﺮان ﻣﺠﺘﻨﺒًﺎ
وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ — وﻫﻮ أﺟﻮد ﻣﺎ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
ﻗ ﻠ ﻮﺑ ﻬ ﻢ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ ﻣ ﺨ ﺎﻟ ﻔ ﺔ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻳ ﺰﻫ ﺪﻧ ﻲ ﻓ ﻲ ﺣ ﺐ ﻋ ﺒ ﺪة ﻣ ﻌ ﺸ ﺮ
ﻓﺒﺎﻟﻘﻠﺐ ﻻ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﻳﺒﺼﺮ ذو اﻟﺤﺐ ﻓﻘﻠﺖ دﻋﻮا ﻗﻠﺒﻲ وﻣﺎ اﺧﺘﺎر وارﺗﻀﻰ
وﻻ ﺗ ﺴ ﻤ ﻊ اﻷذﻧ ﺎن إﻻ ﻣ ﻦ اﻟ ﻘ ﻠ ﺐ ﻓﻤﺎ ﺗﺒﺼﺮ اﻟﻌﻴﻨﺎن ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻬﻮى
وأﻟ ﻒ ﺑﻴ ﻦ اﻟ ﻌ ﺸ ﻖ واﻟ ﻌ ﺎﺷ ﻖ اﻟ ﺼﺐ وﻣﺎ اﻟﺤﺴﻦ إﻻ ﻛﻞ ﺣﺴﻦ دﻋﺎ اﻟﺼﺒﺎ
وﺟﺎءﺗﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻊ ﺧﻤﺲ ﻧﺴﻮة ﻗﺪ ﻣﺎت ﻹﺣﺪاﻫﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻳﺴﺄﻟﻨﻪ أن ﻳﻘﻮل ﺷﻌ ًﺮا ﻳَﻨ ُ َ
ﺤﻦ
ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻪ ،ﻓﻮاﻓﻴﻨﻪ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻪ املﺴﻤﻰ ﺑ »اﻟﱪدان« — وﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺠﻠﺲ ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻐﺪاة
ﻳﺴﻤﻴﻪ »اﻟﱪدان« ،وآﺧﺮ ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ ﻋﺸﻴﺔ ﻳﺴﻤﻴﻪ »اﻟﺮﻗﻴﻖ« ،ﻓﺎﺳﺘﺄذَ ﱠن ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄذِ َن
ﻟﻬﻦ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﻦ ﻧﻈﺮن إﱃ اﻟﻨﺒﻴﺬ ﻣﺼﻔﻰ ﰲ ﻗﻨﺎﻧﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ إﺣﺪاﻫﻦ :ﻫﻮ ﺧﻤﺮ ،وﻗﺎﻟﺖ
اﻷﺧﺮى :ﻫﻮ زﺑﻴﺐ وﻋﺴﻞ ،وﻗﺎﻟﺖ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﻫﻮ ﻧﻘﻴﻊ زﺑﻴﺐ ،ﻓﻘﺎل :ﻟﺴﺖ ﺑﻘﺎﺋﻞ َﻟ ُﻜ ﱠﻦ ً
ﺣﺮﻓﺎ أو
ﺗﻄﻌﻤﻦ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣﻲ ،وﺗﴩﺑﻦ ﻣﻦ ﴍاﺑﻲ! ﻓﺄﻣﺴﻜﻦ ﺳﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ إﺣﺪاﻫﻦ :ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻜﻦ
ﻣﻦ ذﻟﻚ؟! ﻓﺄﻗﻤﻦ ﻳﻮﻣﻬﻦ وأﻛﻠﻦ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣﻪ وﴍﺑﻦ ﻣﻦ ﴍاﺑﻪ ،وأﺧﺬن ﻣﻦ ﺷﻌﺮه ،وﺑﻠﻎ
ذﻟﻚ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي ﻓﻌﺎﺑﻪ ،ﻓﺒﻠﻎ ﺑﺸﺎ ًرا ﻛﻼﻣﻪ — وﻛﺎن ﺑﺸﺎر ﻳﻠﻘﺐ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي
ﺑﺎﻟﻘﺲ — ﻓﻘﺎل:
542
ﺣﺮف اﻟﻌني
أﻫﺪاﻫﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﺠﺎﻫﺪ اﻟﻌﺎﻣﺮي ،وﻛﺎﻧﺖ أدﻳﺒﺔ ،ﻇﺮﻳﻔﺔ ،ﻛﺎﺗﺒﺔ ،ذاﻛﺮة ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ ،ﻓﺼﻴﺤﺔ،
وأﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻌﺮوض.
ً
ﺟﻤﻴﻼ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﺪاﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﰲ ﻋﺎم اﻟﺨﻤﺴني واﻷرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ .وﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻬﺎ ذﻛ ًﺮا
ﻃﻮﻳﻼ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﻪ اﻷﺟﻴﺎل ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ. ً وﻓﺨ ًﺮا
ﻋﺮﻳﺐ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻐﻨﻴﺔ ﻣﺤﺴﻨﺔ ،وﺷﺎﻋﺮة ﺻﺎﻟﺤﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﻴﺤﺔ اﻟﺨﻂ واملﺬﻫﺐ ﰲ اﻟﻜﻼم،
وﻧﻬﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل واﻟﻈﺮف وﺣﺴﻦ اﻟﺼﻮرة ،وﺟﻮدة اﻟﴬب ،وإﺗﻘﺎن اﻟﺼﻨﻌﺔ،
واملﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻨﻐﻢ واﻷوﺗﺎر ،واﻟﺮواﻳﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮ واﻷدب .ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮاﺋﻬﺎ ،وﻻ
ﱠ
وﺳﻼﻣﺔ رؤي ﰲ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻴﺎن اﻟﺤﺠﺎزﻳﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺎت — ﻣﺜﻞ :ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻋﺰة املﻴﻼء،
اﻟﺰرﻗﺎء ،وﻣﻦ ﺟﺮى ﻣﺠﺮاﻫﻦ ﻋﲆ ﻗﻠﺔ ﻋﺪدﻫﻦ — ﻧﻈريٌ ﻟﻬﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻨﺎﻫﺎ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻦ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻜﻮن ملﺜﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮاري
اﻟﺨﻠﻔﺎء وﻣﻦ ﻧﺸﺄ ﰲ ﻗﺼﻮر اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻏﺬي ﺑﺮﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺶ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪاﻧﻴﻪ ﻋﻴﺶ اﻟﺤﺠﺎز
واﻟﻨﺶء ﺑني اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﻌﺮب اﻟﺠﻔﺎة ،وﻣﻦ ﻏﻠﻆ ﻃﺒﻌﻪ .وﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻣَ ﻦ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج
ﻣﻊ ﺷﻬﺎدﺗﻪ إﱃ ﻏريه.
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﻟﻌﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ،ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺮاﻛﺐ اﻟﺮﺷﻴﺪ ،وﻫﻮ اﻟﺬي رﺑﱠﺎﻫﺎ وأدﺑﻬﺎ
وﻋ ﱠﻠﻤﻬﺎ اﻟﻐﻨﺎء .وﻧﻘﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺴني ﺧﺎل املﻌﺘﺼﻢ أﻧﻬﺎ
اﺑﻨﺔ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ اﻟﱪﻣﻜﻲ ،وأن اﻟﱪاﻣﻜﺔ ملﺎ اﻧﺘﻬﺒﻮا ُﴎﻗﺖ وﻫﻲ ﺻﻐرية.
وﻗﻴﻞ :إن أم ﻋﺮﻳﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻰ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻴﱢﻤﺔ ﻷم ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ
ﺧﺎﻟﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺒﻴﺔ ﻧﻈﻴﻔﺔ ،ﻓﺮآﻫﺎ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﻓﻬﻮﻳﻬﺎ ،وﺳﺄل أم ﻋﺒﺪ ﷲ أن ﺗﺰوﺟﻪ
ﺑﻬﺎ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺨﱪ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﻓﺄﻧﻜﺮه وﻗﺎل ﻟﻪ :أﺗﺘﺰوج ﻣﻦ ﻻ ﻳُﻌ َﺮف ﻟﻬﺎ أم
ﴎا اﺷﱰ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﺎرﻳﺔ ْ
وأﺧ ِﺮﺟْ ﻬﺎ! ﻓﺄﺧﺮﺟﻬﺎ إﱃ دار ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺑﺎب اﻷﻧﺒﺎر ٍّ ِ وﻻ أب؟!
543
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ،ووﻛﻞ ﺑﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻳﱰدد إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻓﻮﻟﺪت ﻋﺮﻳﺐ ﰲ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﺛﻤﺎﻧني
وﻣﺎﺋﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺳﻨﻮﻫﺎ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ ﺳﺘٍّﺎ وﺗﺴﻌني ﺳﻨﺔ.
وﻗﻴﻞ :إن أم ﻋﺮﻳﺐ ﻣﺎﺗﺖ ﰲ ﺣﻴﺎة ﺟﻌﻔﺮ ،ﻓﺪﻓﻌﻬﺎ إﱃ اﻣﺮأة ﻧﴫاﻧﻴﺔ وﺟﻌﻠﻬﺎ داﻳﺔ
ﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺪﺛﺖ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﺑﺎﻟﱪاﻣﻜﺔ ﺑﺎﻋﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﺒﺲ ،ﻓﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﻦ املﺮاﻛﺒﻲ ،وﻗﻴﻞ :إن
اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻛﺎن ﻳﻘﻮل :ﻛﻨﺖ إذا ﻧﻈﺮت إﱃ ﻗﺪﻣﻲ ﻋﺮﻳﺐ ﺷﺒﻬﺘﻬﻤﺎ ﺑﻘﺪﻣﻲ ﺟﻌﻔﺮ
ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ،ﻗﺎل :وﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﻳﺤﻜﻲ أن ﺑﻼﻏﺘﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ذﻛﺮت ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻘﺎل :ﻓﻤﺎ
ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﻫﻲ ﺑﻨﺖ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ؟!
وروى أﺑﻮ اﻟﻔﺮج اﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ أﻧﻪ ﻗﺎل :ﻗﺎل ﱄ أﺑﻲ :ﻣﺎ رأﻳﺖ
اﻣﺮأة أﴐب ﻣﻦ ﻋﺮﻳﺐ ،وﻻ أﺣﺴﻦ ﺻﻨﻌﺔ ،وﻻ أﺣﺴﻦ وﺟﻬً ﺎ ،وﻻ أﺧﻒ روﺣً ﺎ ،وﻻ أﺣﺴﻦ
ﺧﻄﺎﺑًﺎ ،وﻻ أﴎع ﺟﻮاﺑًﺎ ،وﻻ أﻟﻌﺐ ﺑﺎﻟﺸﻄﺮﻧﺞ واﻟﻨﺮد ،وﻻ أﺟﻤﻊ ﻟﺨﺼﻠﺔ ﺣﺴﻨﺔ ﻟﻢ أر
ﻣﺜﻠﻬﺎ ﰲ اﻣﺮأة ﻏريﻫﺎ ،ﻗﺎل ﺣﻤﺎد :ﻓﺬﻛﺮت ذﻟﻚ ﻟﻴﺤﻴﻰ ﺑﻦ أﻛﺜﻢ ﰲ ﺣﻴﺎة أﺑﻲ ،ﻓﻘﺎل :ﺻﺪق
أﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻗﻠﺖ :أﻓﺴﻤﻌﺘﻬﺎ؟! ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻫﻨﺎك — ﻳﻌﻨﻲ ﰲ دار املﺄﻣﻮن —
ﻗﻠﺖ :أﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ أﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﰲ اﻟﺤﺬق؟ ﻓﻘﺎل ﻳﺤﻴﻰ :ﻫﺬه ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺠﻮاب ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ
أﺑﻴﻚ؛ ﻓﻬﻮ أﻋﻠﻢ ﻣﻨﻲ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﱪت ﺑﺬﻟﻚ أﺑﻲ ﻓﻀﺤﻚ ﺛﻢ ﻗﺎل :أﻣﺎ اﺳﺘﺤﻴﺖ ﻣﻦ ﻗﺎﴈ
اﻟﻘﻀﺎة أن ﺗﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا.
وأﺧﱪ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻹﺳﺤﺎق ﺻﻨﺎﺟﺔ وﻛﺎن ﻣﻌﺠﺒًﺎ ﺑﻬﺎ ،واﺷﺘﻬﺎﻫﺎ املﻌﺘﺼﻢ
ﰲ ﺧﻼﻓﺔ املﺄﻣﻮن ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ذات ﻳﻮم ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻪ إذ أﺗﺎه إﻧﺴﺎن ﻳﺪق اﻟﺒﺎب ٍّ
دﻗﺎ ﺷﺪﻳﺪًا،
ﻗﺎل :ﻓﻘﻠﺖ :اﻧﻈﺮوا اﻧﻈﺮوا ﻣﻦ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا :رﺳﻮل أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﻘﻠﺖ :ذﻫﺐ ﺻﻨﺎﺟﺘﻲ،
ﺗﺠﺪه ذ َﻛﺮﻫﺎ ﻟﻪ ذاﻛ ٌﺮ ﻓﺒﻌﺚ إﱄ ﱠ ﻓﻴﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻣﴣ ﺑﻲ اﻟﺮﺳﻮل اﻧﺘﻬﻴﺖ إﱃ اﻟﺒﺎب وأﻧﺎ ﻣﺴﺨﻦ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻓﺴ ﱠﻠﻤﺖ ﻓﺮ ﱠد ﻋﲇ ﱠ
ﻓﺴﻜﻨﺖ ،ﻓﻘﺎل ﱄ ﻋﻦ ﺻﻮت ،وﻗﺎل: ُ ﺗﻐري وﺟﻬﻲ ،ﻓﻘﺎل ﱄ :اﺳﻜﻦ، اﻟﺴﻼم ،وﻧﻈﺮ إﱃ ﱡ
أﺗﺪري ملﻦ ﻫﻮ؟ ﻓﻘﻠﺖ :أﺳﻤﻌﻪ ،ﺛﻢ أﺧﱪ أﻣري املﺆﻣﻨني إن ﺷﺎء ﷲ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ
وراء اﻟﺴﺘﺎرة ﻓﻐﻨﺘﻪ وﴐﺑﺖ ،ﻓﺈذا ﻗﺪ ﺷﺒﻬﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻓﻘﻠﺖ :زدﻧﻲ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻮدًا آﺧﺮ؛ ﻓﺈﻧﻪ
أﺛﺒﺖ ﱄ ،ﻓﺰادﻧﻲ ﻋﻮدًا آﺧﺮ ﻓﻘﻠﺖ :ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻣﺤﺪث ﻻﻣﺮأة ﺿﺎرﺑﺔ ،ﻗﺎل :ﻣﻦ أﻳﻦ؟ ﻗﻠﺖ:
ذﻟﻚ ،ﻗﻠﺖ :ملﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻟﻴﻨﻪ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻪ ﻣﺤﺪث ﻣﻦ ﻏﻨﺎء اﻟﻨﺴﺎء ،وملﺎ رأﻳﺖ ﺟﻮدة ﻣﻘﺎﻃﻌﻪ
ﻋﻠﻤﺖ أن ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻗﺪ ﺣﻔﻈﺖ ﻣﻘﺎﻃﻌﻪ وأﺟﺰاءه ،ﺛﻢ ﻃﻠﺒﺖ ﻋﻮدًا آﺧﺮ ﻓﻠﻢ أﺷﻚ ،ﻓﻘﺎل:
ﺻﺪﻗﺖ ،اﻟﻐﻨﺎء ﻟﻌﺮﻳﺐ .وﻗﺎل ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻋﲇ :أﻣﺮﻧﻲ املﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﷲ أن أﺟﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ اﻟﺬي
544
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﺻﻨﻌﺘﻪ ،ﻓﺄﺧﺬت ﻣﻨﻬﺎ دﻓﺎﺗﺮﻫﺎ وﺻﺤﻔﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻨﺎءﻫﺎ ،ﻓﻜﺘﺒﺘﻪ ﻓﻜﺎن
أﻟﻒ ﺻﻮت .وﺳﺄل اﺑﻦ ﺧﺮداذﺑﻪ ﻋﺮﻳﺐ ﻋﻦ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ أﻟﻒ
ﺻﻮت .وﻧﻘﻞ اﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ أﻧﻪ ﺟﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ ﻣﻦ دﻳﻮاﻧﻲ اﺑﻦ املﻌﺘﺰ
وأﺑﻲ اﻟﻌﺒﻴﺲ ﺑﻦ ﺣﻤﺪون ،وﻣﺎ أﺧﺬه ﻋﻦ ﺑﺪﻋﺔ ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﺑﻞ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﺒﻌﺾ ،ﻓﻜﺎن ً
أﻟﻔﺎ
وﻣﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴﺔ وﻋﴩﻳﻦ ﺻﻮﺗًﺎ.
ودﺧﻞ اﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﻋﲆ املﻌﺘﺰ وﻫﻮ ﻳﴩب وﻋﺮﻳﺐ ﺗﻐﻨﻲ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻳﺎ اﺑﻦ ﻫﺸﺎمَ ،ﻏ ﱢﻦ،
ﺒﺖ ﻋﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﻣُﺬ ﻗﺘﻞ ﺳﻴﺪي املﺘﻮﻛﻞ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻋﺮﻳﺐ :ﻗﺪ وﷲ أﺣﺴﻨﺖ ﺣﻴﺚ ﻓﻘﺎل :ﺗُ ُ
ﺗﺒﺖ؛ ﻓﺈن ﻏﻨﺎءك ﻛﺎن ﻗﻠﻴﻞ املﻌﻨﻰ ﻻ ﻣﺘﻘﻦ وﻻ ﺻﺤﻴﺢ وﻻ ﻃﺮﻳﺐ! ﻓﺄﺿﺤﻜﺖ أﻫﻞ املﺠﻠﺲ
ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺨﺠﻞ ،ﻓﻜﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺒﺴﻂ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻓﻴﻬﺎ وﻳﻌﻴﺐ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ وﻳﻘﻮل :ﻫﻲ أﻟﻒ
ﺻﻮت ﰲ اﻟﻌﺪد ،وﺻﻮت واﺣﺪ ﰲ املﻌﻨﻰ ،وﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﻗﻮل أﺑﻲ دﻟﻒ ﰲ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺣﻴﺚ
ﻳﻘﻮل:
ﻗﺎل اﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ :وﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل؛ إﻧﻬﺎ ﻟﺼﻨﻌﺔ ﺷﺒﻬﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺼﻨﻌﺔ اﻷواﺋﻞ،
وﺟﻮدت وﺑﺮزت؛ ﻣﻨﻬﺎ :أأن ﺳﻜﻨﺖ ﻧﻔﴘ وﻗﻞ ﻋﻮﻳﻠﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ :ﻳﻘﻮل ﻫﻤﻲ ﻳﻮم ودﻋﺘﻬﺎ،
ً
اﻧﺘﺼﺎﻓﺎ ﻛﺎن ﻧﺎﴏﻛﻢ ،وﻋﺪد ﻟﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ أﺻﻮات ﰲ اﻷﻏﺎﻧﻲ ﻻ ﻟﺰوم ﻟﺬﻛﺮﻫﺎ وﻣﻨﻬﺎ :إذا أردت
ﻫﻨﺎ ،وﻗﻴﻞ :إن ﻣﻮﱃ ﻋﺮﻳﺐ ﺧﺮج إﱃ اﻟﺒﴫة وأدﺑﻬﺎ وﺧﺮﺟﻬﺎ ،وﻋ ﱠﻠﻤﻬﺎ اﻟﺨﻂ واﻟﻨﺤﻮ
واﻟﺸﻌﺮ واﻟﻐﻨﺎء ،ﻓﱪﻋﺖ ﰲ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ،وﺗﺰاﻳﺪت ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻛﺎن ملﻮﻻﻫﺎ ﺻﺪﻳﻖ
ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﺣﺎﺗﻢ ﺑﻦ ﻋﺪي ،ﻣﻦ ﻗﻮاد ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻌﺠﻴﻒ ﻋﲆ دﻳﻮان
اﻟﻔﺮض ،ﻓﻜﺎن ﻣﻮﻻﻫﺎ ﻳﺪﻋﻮه ﻛﺜريًا وﻳﺨﺎﻟﻄﻪ ،ﺛﻢ رﻛﺒﻪ دﻳﻦ ﻓﺎﺳﺘﱰ ﻋﻨﺪه ،ﻓﻤﺪ ﻋﻴﻨﻪ إﱃ
ﻋﺮﻳﺐ ﻓﻜﺎﺗﺒﻬﺎ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ املﻮاﺻﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻋﺸﻘﺘﻪ ﻋﺮﻳﺐ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﺗﺤﺘﺎل ﺣﺘﻰ
اﺗﺨﺬت ُﺳ ﱠﻠﻤً ﺎ ﻣﻦ ﻋﻘﺐ ،وﻗﻴﻞ :ﻣﻦ ﺧﻴﻮط ﻏﻼظ وﺳﱰﺗﻪ ،ﺣﺘﻰ إذ ﻫﻤﱠ ﺖ ﺑﺎﻟﻬﺮب إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ
اﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﻨﺰل ﻣﻮﻻﻫﺎ ﺑﻤﺪة ،وﻗﺪ أﻋﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻮﺿﻌً ﺎ؛ ﻟﻔﺖ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﰲ ﻓﺮاﺷﻬﺎ
ﻫﺮﺑﺖ ،ﻓﻤﻀﺖ إﻟﻴﻪ ﻓﻤﻜﺜﺖ ﻋﻨﺪهْ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ،ودﺛﺮﺗﻬﺎ ﺑﺪﺛﺎرﻫﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺴﻮرت ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺣﺘﻰ
زﻣﺎﻧًﺎ.
545
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ملﺎ ﺻﺎرت ﻋﻨﺪه ﺑﻌﺚ إﱃ ﻣﻮﻻﻫﺎ ﻳﺴﺘﻌري ﻣﻨﻪ ﻋﻮدًا ﺗُﻐﻨﱢﻴﻪ ﺑﻪ ،ﻓﺄﻋﺎره
ﻋﻮدَﻫﺎ وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪه ،وﻻ ﻳﺘﻬﻤﻪ ﺑﴚء ﻣﻦ أﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻴﴗ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ
إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ املﺮاﻛﺒﻲ — وﻫﻮ ﻋﻴﴗ ﺑﻦ زﻳﻨﺐ — ﻳﻬﺠﻮ أﺑﺎه وﻳ ﱢ
ُﻌريه ﺑﻬﺎ! وﻛﺎن ﻛﺜريًا ﻣﺎ
ﻳﻬﺠﻮه:
ﻓ ﻌ ﻠ ﺖ ﻓ ﻌ ًﻼ ﻋ ﺠ ﻴ ﺒ ﺎ ﻗ ﺎﺗ ﻞ اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺮﻳ ﺒً ﺎ
ﻣ ﺮﻛ ﺒً ﺎ ﺻ ﻌ ﺒً ﺎ ﻣ ﻬ ﻮﺑ ﺎ داج
رﻛ ﺒ ﺖ واﻟ ﻠ ﻴ ﻞ ٍ
ـ ﻢ أو ﻣ ﻨ ﻪ ﻗ ﺮﻳ ﺒ ﺎ ﻓﺎرﺗﻘﺖ ﻣﺘﺼ ًﻼ ﺑﺎﻟﻨﺠـ
أﻗ ﺼ ﺪ اﻟ ﻨ ﻮم اﻟ ﺮﻗ ﻴ ﺒ ﺎ ﺻ ﺒ ﺮت ﺣ ﺘ ﻰ إذا ﻣ ﺎ
ﻫ ﺎﻟ ﻜ ﻲ ﻻ ﺗ ﺴ ﺘ ﺮﻳ ﺒ ﺎ ﻣ ﺜ ﻠ ﺖ ﺑ ﻴ ﻦ ﺣ ﺸ ﺎﻳ ﺎ
دي ﻟ ﻢ ﻳ ﻠ ﻒ ﻣ ﺠ ﻴ ﺒ ﺎ ﺧ ﻠ ًﻔ ﺎ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ إذا ﻧ ﻮ
ف ﻗ ﻀ ﻴ ﺒً ﺎ وﻛ ﺜ ﻴ ﺒ ﺎ وﻣﻀﺖ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ اﻟﺨﻮ
ـ ﺖ ﻋ ﻠ ﻴ ﻬ ﺎ أن ﺗ ﺬوﺑ ﺎ ﻣ ﺤ ﺔ ﻟ ﻮ ﺣ ﺮﻛ ﺖ ﺧ ﻔ ـ
ﻓ ﺘ ﻠ ﻘ ﺎﻫ ﺎ ﺣ ﺒ ﻴ ﺒ ﺎ ﻓ ﺘ ﺪﻟ ﺖ ﻟ ﻤ ﺤ ﺐ
ـ ﻴ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ ﻧ ﺼ ﻴ ﺒ ﺎ ﺬﻻ ﻗﺪ ﻧﺎل ﻓﻲ اﻟﺪﻧـ ﺟ ً
ـ ﺤ ﺮ ﻋ ﻴ ﻨ ﺎه اﻟ ﻘ ﻠ ﻮﺑ ﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻈﺒﻲ اﻟﺬي ﺗﺴـ
ﺑ ﻌ ﻀ ﻪ ﺣ ﺴ ﻨ ًﺎ وﻃ ﻴ ﺒ ﺎ واﻟ ﺬي ﻳ ﺄﻛ ﻞ ﺑ ﻌ ًﻀ ﺎ
ﻓ ﻠ ﻘ ﺪ أﻃ ﻌ ﻤ ﺖ ذﻳ ﺒ ﺎ ﻛ ﻨ ﺖ ﻧ ﻬ ﺒً ﺎ ﻟ ﺬﺋ ﺎب
ﻳ ﻚ راﻋ ﻴ ﻬ ﺎ ﻟ ﺒ ﻴ ﺒ ﺎ وﻛ ﺬا اﻟ ﺸ ﺎة إذا ﻟ ﻢ
ﻋ ﻰ إذا ﻛ ﺎن ﺧ ﺼ ﻴ ﺒ ﺎ ﻻ ﻳُ ﺒ ﺎﻟ ﻲ وﺑَ ﺄ اﻟ ﻤ ﺮ
ﻛ ﺸ ﺨ ﺎن ﺣ ﺮﻳ ﺒ ﺎ ﻓ ﻠ ﻘ ﺪ أﺻ ﺒ ﺢ ﻋ ﺒ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ
وﻗ ﺪ ﺷ ﻖ اﻟ ﺠ ﻴ ﻮﺑ ﺎ ﻗﺪ ﻟﻌﻤﺮي ﻟﻄﻢ اﻟﻮﺟﻪ
ﺑ ﻠ ﺖ اﻟ ﺸ ﻌ ﺮ اﻟ ﺨ ﻀ ﻴ ﺒ ﺎ وﺟ ﺮت ﻣ ﻨ ﻪ دﻣ ﻮع
وأﺧﱪ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﻠﺘﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻬﺮﺑﺖ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻨﺪ أﻗﻮام ﻋﺮﻓﺘﻬﻢ
ﺑﺒﻐﺪاد ﻣﺘﺴﱰة ﻣﺘﺨﻔﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم اﺟﺘﺎز اﺑﻦ أخ ﻟﻠﻤﺮاﻛﺒﻲ ﺑﺒﺴﺘﺎن ﻛﺎﻧﺖ
ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﻗﻮم ﺗﻐﻨﻲ ،ﻓﺴﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ ﻓﻌﺮﻓﻪ ،ﻓﺒﻌﺚ إﱃ ﻋﻤﻪ ﻣﻦ وﻗﺘﻪ وأﻗﺎم ﻫﻮ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ ،ﻓﻠﻢ
ﻳﱪح ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﻋﻤﱡ ﻪ ،ﻓ َﻠﺒﱠﺒﻬﺎ وأﺧﺬﻫﺎ ﻓﴬﺑﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻘﺮﻋﺔ وﻫﻲ ﺗﺼﻴﺢ :ﻳﺎ ﻫﺬا ،أﻧﺎ ﻟﺴﺖ
أﺻﱪ ﻋﻠﻴﻚ اﻣﺮأة ﺣﺮة ،إن ﻛﻨﺖ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻓﺒﻌﻨﻲ ،ﻟﺴﺖ أﺻﱪ ﻋﲆ اﻟﻀﻴﻘﺔ! ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ
546
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻏ ٍﺪ ﻧَﺪِم ﻋﲆ ﻓﻌﻠﻪ ،وﺳﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﺒﻞ رأﺳﻬﺎ ورﺟﻠﻬﺎ ،ووﻫﺐ ﻟﻬﺎ ﻋﴩة آﻻف درﻫﻢ ،ﺛﻢ ﺑﻠﻎ
ﻣﺤﻤﺪًا اﻷﻣني َ
ﺧﱪﻫﺎ ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻪ.
ﻗﺎل :وﻛﺎن ﺧﱪﻫﺎ ﺳﻘﻂ إﱃ ﻣﺤﻤﺪ ﰲ ﺣﻴﺎة أﺑﻴﻪ ،ﻓﻄﻠﺒﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺒﻪ إﱃ ﻣﺎ ﺳﺄل،
وﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺧﺎدﻣً ﺎ ﻋﻨﺪه ،ﻓﺎﺿﻄﻐﻦ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ وﱄ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺟﺎء
املﺮاﻛﺒﻲ ﻟﻴُﻘﺒﱢﻞ ﻳﺪه ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻤﻨﻌﻪ ودﻓﻌﻪ ،ﻓﻔﻌﻞ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻛﺮي ﻓﴬﺑﻪ املﺮاﻛﺒﻲ وﻗﺎل ﻟﻪ:
أﺗﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﻳﺪ ﺳﻴﺪي أن أُﻗﺒﱢﻠﻬﺎ؟! ﻓﺠﺎء اﻟﺸﺎﻛﺮي ملﺎ ﻧﺰل ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺸﻜﺎه ،ﻓﺪﻋﺎ ﻣﺤﻤﺪ
ﺑﺎملﺮاﻛﺒﻲ وأﻣﺮ ﺑﴬب ﻋﻨﻘﻪ ،ﻓﺴﺄل ﰲ أﻣﺮه ﻓﺄﻋﻔﺎه وﺣﺒﺴﻪ ،وﻃﺎﻟﺒﻪ ﺑﺨﻤﺴﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ
درﻫﻢ ﻣﻤﺎ اﻗﺘﻄﻌﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﻜﺮاع ،وﺑﻌﺚ ﻓﺄﺧﺬ ﻋﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻣﻊ ﺧﺪم ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻪ،
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺘﻞ ﻣﺤﻤﺪ ﻫﺮﺑﺖ إﱃ املﺮاﻛﺒﻲ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪه ،ﻗﺎل :وأﻧﺸﺪﻧﻲ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻨﺎ ﻟﺤﺎﺗﻢ
ﺑﻦ ﻋﺪي اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪه ملﺎ ﻫﺮﺑﺖ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻣﻠﺘﻪ ﻓﻬﺮﺑﺖ ﻣﻨﻪ ،وﻫﻲ أﺑﻴﺎت ﻫﺬان ﻣﻨﻬﺎ:
وﻗﺪ ذﻛﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ رواﻳﺔ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﻫﺬه ،وﻫﻲ أﻧﻬﺎ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻦ دار ﻣﻮﻻﻫﺎ املﺮاﻛﺒﻲ إﱃ
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ اﻟﺨﺎﻗﺎﻧﻲ املﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺨﺸﻦ ،أﺣﺪ ﻗﻮاد ﺧﺮاﺳﺎن ،ﻗﺎل :وﻛﺎن أﺷﻘﺮ أﺻﻬﺐ
اﻟﺸﻌﺮ أزرق ،وﻓﻴﻪ ﺗﻘﻮل ﻋﺮﻳﺐ — وﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺰج ورﻣﻞ ﻣﻦ رواﻳﺘﻲ اﻟﻬﺸﺎﻣﻲ وأﺑﻲ
اﻟﻌﺒﺎس:
وﻗﻴﻞ :إن اﺑﻦ املﺪﺑﺮ ﻗﺎل :ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻊ املﺄﻣﻮن إﱃ أرض اﻟﺮوم أﻃﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ اﻷﺣﺪاث
ﻣﻦ اﻟﺮزق ،ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺴري ﻣﻊ اﻟﻌﺴﻜﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﺔ رأﻳﻨﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮم ﰲ
اﻟﻌﻤﺎرﻳﺎت ﻋﲆ اﻟﺠﻤﺎزات — وﻛﻨﺎ رﻓﻘﺔ وﻛﻨﺎ أﺗﺮاﺑًﺎ — ﻓﻘﺎل ﱄ أﺣﺪﻫﻢ :ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ﻫﺬه
اﻟﺠﻤﺎزات ﻋﺮﻳﺐ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻣَ ﻦ ﻳﺮاﻫﻨﻨﻲ أﻣﺮ ﰲ ﺟﻨﺒﺎت ﻫﺬه اﻟﻌﻤﺎرﻳﺎت؟ وأﻧﺸﺪ أﺑﻴﺎت ﻋﻴﴗ
ﺑﻦ زﻳﻨﺐ:
ﻓﻌﻠﺖ ﻓﻌ ًﻼ ﻋﺠﻴﺒﺎ ﻗ ﺎﺗ ﻞ اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺮﻳ ﺒً ﺎ
547
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺮاﻫﻨﻨﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ وﻋﺪل اﻟﺮﻫﻨﺎن ،وﴎت إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﻓﺄﻧﺸﺪت اﻷﺑﻴﺎت راﻓﻌً ﺎ ﺻﻮﺗﻲ
ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﺗﻤﻤﺘﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻣﺮأة ﻗﺪ أﺧﺮﺟﺖ رأﺳﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻓﺘﻰ ،أﻧﺴﻴﺖ أﺟﻮد اﻟﺸﻌﺮ
وأﻃﻴﺒﻪ؟! أﻧﺴﻴﺖ ﻗﻮﻟﻪ:
ُ
ﻓﻌﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﻋﺮﻳﺐ وﺑﺎدرت إﱃ أﺻﺤﺎﺑﻲ؛ اذﻫﺐْ ُ
ﻓﺨﺬْ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻐﺖ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ أﻟﻘﺖ اﻟﺴﺠﻒ،
ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺮوه ﻳﻠﺤﻘﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺪم.
وﻗﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺷﺒﺔ :ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻤﺮاﻛﺒﻲ ﺟﺎرﻳﺔ — ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﻈﻠﻮﻣﺔ — ﺟﻤﻴﻠﺔ اﻟﻮﺟﻪ،
ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺤﺴﻦ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺒﻌﺚ ﺑﻬﺎ ﻣﻊ ﻋﺮﻳﺐ إﱃ اﻟﺤﻤﺎم ،أو إﱃ ﻣﻦ ﺗﺰوره ﻣﻦ أﻫﻠﻪ وﻣﻌﺎرﻓﻪ،
ﻓﻜﺎﻧﺖ رﺑﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻣﻌﻬﺎ إﱃ اﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء:
أﻗ ﺎﻣ ﻮك اﻟ ﺮﻗ ﻴ ﺐ ﻋ ﻠ ﻰ ﻋ ﺮﻳ ﺐ ﻟ ﻘ ﺪ ﻇ ﻠ ﻤ ﻮك ﻳ ﺎ ﻣ ﻈ ﻠ ﻮم ﻟ ﻤ ﺎ
ﻟ ﻤ ﺎ أﺧ ﻠ ﻮك أﻧ ﺖ ﻣ ﻦ اﻟ ﺮﻗ ﻴ ﺐ وﻟ ﻮ أوﻟ ﻮك إﻧ ﺼ ًﺎﻓ ﺎ وﻋ ً
ﺪﻻ
ﻓﻜﻴﻒ وأﻧﺖ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻤﺮﻳﺐ؟ أﺗﻨﻬﻴﻦ اﻟﻤﺮﻳﺐ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ؟
ﻟ ﺪﻳ ﻚ وأﻧ ﺖ ﺟ ﺎﻟ ﺒ ﺔ اﻟ ﺬﻧ ﻮب؟ وﻛ ﻴ ﻒ ﻳ ﺠ ﺎﻧ ﺐ اﻟ ﺠ ﺎﻧ ﻲ ذﻧ ﻮﺑً ﺎ
ﻓ ﻤ ﺎ رﻗ ﺒ ﻮك أﻧ ﺖ ﻣ ﻦ اﻟ ﻘ ﻠ ﻮب ﻓ ﺈن ﻳ ﺴ ﺘ ﺮﻗ ﺒ ﻮك ﻋ ﻠ ﻰ ﻏ ﺮﻳ ﺐ
وأﺧﱪ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻪ ملﺎ ﻧﻤﻰ ﺧﱪ ﻋﺮﻳﺐ إﱃ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣني ﺑﻌﺚ ﰲ إﺣﻀﺎرﻫﺎ وإﺣﻀﺎر
ﻣﻮﻻﻫﺎ ،ﻓﺄُﺣْ ِﴬ ،وﻏﻨﱠﺖ ﺑﺤﴬة إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻬﺪي ﺗﻘﻮل:
َ
ﺳﻤﻌﺖ؟ ﻗﺎل :ﻳﺎ ﻓﻄﺮب ﻣﺤﻤﺪ واﺳﺘﻌﺎد اﻟﺼﻮت ﻣﺮا ًرا وﻗﺎل ﻹﺑﺮاﻫﻴﻢ :ﻳﺎ ﻋﻢ ،ﻛﻴﻒ
ﺳﻴﺪي ،ﺳﻤﻌﺖ ﺣﺴﻨًﺎ ،وإن ﺗﻄﺎوﻟﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﻳﺎم وﺳﻜﻦ روﻋﻬﺎ ازداد ﻏﻨﺎؤﻫﺎ ﺣﺴﻨًﺎ ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻠﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﻴﻊ :ﺧﺬﻫﺎ إﻟﻴﻚ وﺳﺎوم ﺑﻬﺎ ،ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﺎﺷﺘﻂ ﻣﻮﻻﻫﺎ ﰲ اﻟﺴﻮم ،ﺛﻢ أوﺟﺒﻬﺎ
ﻟﻪ ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،واﻧﺘﻘﺾ أﻣﺮ ﻣﺤﻤﺪ وﺷﻐﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺄﻣﺮ ملﻮﻻﻫﺎ ﺑﺜﻤﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ،
ﺑﻌﺪ أن اﻓﺘﻀﻬﺎ ،ﻓﺮﺟﻌﺖ إﱃ ﻣﻮﻻﻫﺎ ،ﺛﻢ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻨﻪ إﱃ ﺣﺎﺗﻢ ﺑﻦ ﻋﺪي.
548
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﻣﻮﻻﻫﺎ إﱃ اﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﻋﻨﺪه ﺣﺘﻰ ﻗﺪم املﺄﻣﻮن ﺑﻐﺪاد،
ﻓﺘﻈﻠﻢ إﻟﻴﻪ املﺮاﻛﺒﻲ ﻣﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺈﺣﻀﺎره ﻓﺄﺣﴬ ،ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺄﻧﻜﺮ،
ﻛﺬﺑﺖ؛ ﻗﺪ ﺳﻘﻂ إﱄ ﱠ ﺧﱪُك ،وأﻣﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﴩﻃﺔ أن ﻳُﺠ ﱢﺮده ﰲ ﻣﺠﻠﺲ َ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ املﺄﻣﻮن:
اﻟﴩﻃﺔ وﻳﻀﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻴﺎط ﺣﺘﻰ ﻳﺮدﻫﺎ ،ﻓﺄﺧﺬه وﺑﻠﻐﻬﺎ اﻟﺨﱪ ،ﻓﺮﻛﺒﺖ ﺣﻤﺎ َر ُﻣ َﻜ ٍﺎر
وﺟﺎءت وﻗﺪ ﺟُ ﱢﺮد ﻟﻴﴬب وﻫﻲ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ اﻟﻮﺟﻪ وﻫﻲ ﺗﺼﻴﺢ :أﻧﺎ ﻋﺮﻳﺐ ،إن ﻛﻨﺖ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ
ﻓﻠﻴﺒﻌﻨﻲ ،وإن ﻛﻨﺖ ﺣﺮة ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻪ ﻋﲇﱠ ،ﻓﺮﻓﻊ ﺧﱪﻫﺎ إﱃ املﺄﻣﻮن ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺘﻌﺪﻳﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪ
ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﻦ زﻳﺎد اﻟﻘﺎﴈ ،ﻓﻌﺪﻟﺖ ﻋﻨﺪه ،وﺗﻘﺪم إﻟﻴﻪ املﺮاﻛﺒﻲ ﻣﻄﺎﻟﺒًﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﻪ اﻟﺒﻴﻨﺔ ﻋﲆ
ﻃﻮﻟﺒﺖ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳُﻄﺎﻟﺐ ﺑﻪ أﺣ ٌﺪ ﰲ رﻗﻴﻖ ،وﻻ ُ ﻣﻠﻜﻪ إﻳﺎﻫﺎ ،ﻓﻌﺎد ﻣﺘﻈﻠﻤً ﺎ إﱃ املﺄﻣﻮن وﻗﺎل :ﻗﺪ
ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ﻳﺪ ﻣﻦ اﺑﺘﺎع ﻋﺒﺪًا أو أﻣﺔ ،وﺗﻈﻠﻤﺖ إﻟﻴﻪ زﺑﻴﺪة وﻗﺎﻟﺖِ :ﻣﻦ أﻏﻠﻆ ﻣﺎ ﺟﺮى
ﻋﲇ ﱠ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻨﻲ ﻫﺠﻮم املﺮاﻛﺒﻲ ﻋﲆ داري وأﺧﺬه ﻋﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻓﻘﺎل املﺮاﻛﺒﻲ :إﻧﻲ أﺧﺬت ﻣﻠﻜﻲ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺪﻧﻲ اﻟﺜﻤﻦ! ﻓﺄﻣﺮ املﺄﻣﻮن ﺑﺪﻓﻌﻬﺎ إﱃ
وﻻه اﻟﻘﻀﺎء ﺑﺎﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﴩﻗﻲ — ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﻮاﻗﺪي — وﻛﺎن ﻗﺪ ﱠ
ﺑﻦ زﻳﺎد ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺒﻴﻌﻬﺎ ﺳﺎذﺟﺔ ،ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ املﺄﻣﻮن ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﺑﻪ ﻛﻞ
ﻣﺬﻫﺐ ً
ﻣﻴﻼ إﻟﻴﻬﺎ وﺣﺒٍّﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ملﺎ ﻣﺎت املﺄﻣﻮن ﺑﻴﻌﺖ ﰲ ﻣرياﺛﻪ ،وﻟﻢ ﻳُﺒَ ْﻊ ﻟﻪ ﻋﺒ ٌﺪ
أﻣﺔ ﻏريﻫﺎ ،ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ املﻌﺘﺼﻢ ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ ،ﺛﻢ أﻋﺘﻘﻬﺎ؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻮﻻﺗﻪ. وﻻ ٌ
وذﻛﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻬﺎ ملﺎ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻦ دار ﻣﺤﻤﺪ ملﺎ ُﻗﺘﻞ ﺗﺪ ﱠﻟﺖ ﻣﻦ ﻗﴫ اﻟﺨﻠﺪ ﺑﺤﺒﻞ إﱃ
اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻫﺮﺑﺖ إﱃ ﺣﺎﺗﻢ ﺑﻦ ﻋﺪي ،وﻗﻴﻞ :إن املﺄﻣﻮن اﺷﱰاﻫﺎ ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف دﻳﻨﺎر ،ودﻋﺎ
ﻓﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،وﻗﺎل :ﻟﻮﻻ أﻧﻲ ﺣﻠﻔﺖ أن ﻻ أﺷﱰي ﻣﻤﻠﻮ ًﻛﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ َ
أﺿﻌﺎﻓﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺜﻤﻦ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ! ورﻣﻰ إﻟﻴﻪ ً ﻋﻤﻼ ﺗﻜﺴﺐ ﻓﻴﻪﻫﺬا ﻟﺰدﺗﻚ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺳﺄوﻟﻴﻚ ً
ﺑﺨﺎﺗﻤني ﻣﻦ ﻳﺎﻗﻮت أﺣﻤﺮ ﻗﻴﻤﺘﻬﻤﺎ أﻟﻔﺎ دﻳﻨﺎر ،وﺧﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻠﻌﺔ ﺳﻨﻴﺔ ،ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي،
إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﻔﻊ اﻷﺣﻴﺎء ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا ،وأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺈﻧﻲ ﻣﻴﺖ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻲ،
وﺧﺮج ﻋﻦ ﺣﴬﺗﻪ ﻓﺎﺧﺘﻠﻂ وﺗﻐري ﻋﻘﻠﻪ وﻣﺎت ﺑﻌﺪ أرﺑﻌني ﻳﻮﻣً ﺎ!
وﻗﻴﻞ :إن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ رﺑﺎح ﻛﺎن ﻳﺘﻮﱃ ﻧﻔﻘﺎت املﺄﻣﻮن ،ﻓﻮﺻﻒ ﻟﻪ إﺳﺤﺎق ﺑﻦ
إﺑﺮاﻫﻴﻢ املﻮﺻﲇ ﻋﺮﻳﺐ ،ﻓﺄﻣﺮه أن ﻳﺸﱰﻳﻬﺎ ،ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ ،ﻗﺎل :ﻓﺄﻣﺮﻧﻲ
املﺄﻣﻮن ﺑﺤﻤﻠﻬﺎ ،وأن أﺣﻤﻞ ﻹﺳﺤﺎق ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ أﺧﺮى ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ذﻟﻚ ،وﻟﻢ أدر ﻛﻴﻒ
أﺛﺒﺘﻬﺎ ،ﻓﺤﻜﻴﺖ ﰲ اﻟﺪﻳﻮان أن املﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺧﺮﺟﺖ ﰲ ﺛﻤﻦ ﺟﻮﻫﺮة ،واملﺎﺋﺔ أﻟﻒ اﻷﺧﺮى
أﺧﺮﺟﺖ ﻟﺼﺎﺋﻐﻬﺎ ودﻻﻟﻬﺎ! ﻓﺠﺎء اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﻣﺮوان إﱃ املﺄﻣﻮن وﻗﺪ رأى ذﻟﻚ ﻓﺄﻧﻜﺮه،
وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﻠﺖ :ﻧﻌﻢ؛ ﻫﻮ ﻣﺎ رأﻳﺖ ،ﻓﺴﺄل املﺄﻣﻮن ﻋﻦ ذﻟﻚ وﻗﺎل :أوﺟﺐ ﻟﺪﻻل وﺻﺎﺋﻎ
549
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ُ
ودﻧﻮت إﻟﻴﻪ وأﺧﱪﺗﻪ املﺎل ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ؟! وﻏﻠﻆ اﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﺄﻧ َﻜﺮﻫﺎ املﺄﻣﻮن ،ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ،
اﻟﺬي ﺧﺮج ﰲ ﺛﻤﻦ ﻋﺮﻳﺐ وﺻﻠﺔ إﺳﺤﺎق وﻗﻠﺖ :أﻳﻤﺎ أﺻﻮب ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني؛ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ،
ﻣﻐﻦ وﺛﻤﻦ ﻣﻐﻨﻴﺔ؟! ﻓﻀﺤﻚ املﺄﻣﻮن وﻗﺎل :اﻟﺬي أو أﺛﺒﺖ ﰲ اﻟﺪﻳﻮان أﻧﻬﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﰲ ﺻﻠﺔ ﱟ
ﻓﻌﻠﺖ أﺻﻮب ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻠﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﻣﺮوان :ﻳﺎ ﻧﺒﻄﻲ ،ﻻ ﺗﻌﱰض ﻋﲆ ﻛﺎﺗﺒﻲ ﻫﺬا ﰲ ﳾء.
وﻗﻴﻞ :إن ﻋﺮﻳﺐ ملﺎ ﺻﺎرت ﰲ دار املﺄﻣﻮن اﺣﺘﺎﻟﺖ ﺣﺘﻰ واﺻﻠﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸﻘﺘﻪ وﻛﺎﺗﺒﺘﻪ ،ﺛﻢ اﺣﺘﺎﻟﺖ ﰲ اﻟﺨﺮوج إﻟﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻘﺎه ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻗﺖ
ﺣﺘﻰ ﺣﺒﻠﺖ ﻣﻨﻪ ووﻟﺪت ﺑﻨﺘًﺎ ،وﺑﻠﻎ ذﻟﻚ املﺄﻣﻮن ﻓﺰوﱠﺟﻪ إﻳﺎﻫﺎ .وأﺧﱪ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻪ ملﺎ وﻗﻒ
املﺄﻣﻮن ﻋﲆ ﺧﱪﻫﺎ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ أﻣﺮ ﺑﺈﻟﺒﺎﺳﻬﺎ ﺟﺒﺔ ﺻﻮف ،وﺧﺘﻢ زﻳﻘﻬﺎ وﺣﺒﺴﻬﺎ
ﰲ ﻛﻨﻴﻒ ﻣﻈﻠﻢ ﺷﻬ ًﺮا ﻻ ﺗﺮى اﻟﻀﻮء ،ﻳﺪﺧﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﺧﺒﺰ وﻣﻠﺢ وﻣﺎء ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﰲ ﻛﻞ
ﻓﺮق ﻟﻬﺎ وأﻣَ ﺮ ﺑﺈﺧﺮاﺟﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب وأﺧﺮﺟﺖ ﻟﻢ ﺗﺘﻜ ﱠﻠﻢ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺣﺘﻰ
ﻳﻮم ،ﺛﻢ ذﻛﺮﻫﺎ ﱠ
اﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻐﻨﻲ:
ﻟ ﺮأﻳ ﺖ أﺣ ﺴ ﻦ ﻋ ﺎﺗ ﺐ ﻳ ﺘ ﻌ ﺘ ﺐ ﻟ ﻮ ﻛ ﺎن ﻳ ﻘ ﺪر أن ﻳ ﺒ ﺜ ﻚ ﻣ ﺎ ﺑ ﻪ
ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺠﺐ ﻻ ﻳﺤﺠﺐ ﺣﺠﺒﻮه ﻋﻦ ﺑﺼﺮي ﻓﻤﺜﻞ ﺷﺨﺼﻪ
ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ املﺄﻣﻮن ﻓﻌﺠﺐ ﻣﻨﻬﺎ وﻗﺎل :ﻟﻦ ﺗﺼﻠﺢ ﻫﺬه أﺑﺪًا! ﻓﺰوﱠﺟﻬﺎ إﻳﺎه.
وذﻛﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ أن املﺄﻣﻮن اﺻﻄﺒﺢ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻣﻌﻪ ﻧﺪﻣﺎؤه ،وﻓﻴﻬﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ
ﺣﺎﻣﺪ ،وﺟﻤﺎﻋﺔ املﻐﻨني ،وﻋﺮﻳﺐ ﻣﻌﻪ ﻋﲆ ﻣﺼﻼه ،ﻓﺄوﻣﺄ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻘﺒﻠﺔ
ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻐﻨﻲ اﺑﺘﺪاء:
ﺗﺮﻳﺪ ﺑﻐﻨﺎﺋﻬﺎ ﺟﻮاب ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ﺑﺄن ﺗﻘﻮل ﻟﻪ :ﻃﻌﻨﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ املﺄﻣﻮن:
أﻣﺴﻜﻲ ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ،ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﺪﻣﺎء ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ ﻓﻴﻜﻢ أوﻣﺄ إﱃ ﻋﺮﻳﺐ ﺑﻘﺒﻠﺔ؟! وﷲ ﻟﱧ
ﻷﴐﺑﻦ ﻋُ َ
ﻨﻘﻪ ،ﻓﻘﺎم ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني أوﻣﺄت إﻟﻴﻬﺎ، ﱠ ﻟﻢ ﻳﺼﺪﻗﻨﻲ
واﻟﻌﻔﻮ أﻗﺮب ﻟﻠﺘﻘﻮى ،ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ ﻋﻔﻮت ،ﻓﻘﺎل :ﻛﻴﻒ اﺳﺘﺪل أﻣري املﺆﻣﻨني ﻋﲆ ذﻟﻚ؟!
550
ﺣﺮف اﻟﻌني
ُ
ﻓﻌﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﺘﺪئ ﺑﻬﺬا اﻟﺼﻮت ﻗﺎل :اﺑﺘﺪأت ﺻﻮﺗًﺎ وﻫﻲ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ اﺑﺘﺪاء إﻻ ملﻌﻨًﻰ،
إﻻ ﻟﴚء أوﻣﺊ ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﴍط ﻫﺬا املﻮﺿﻊ إﻻ إﻳﻤﺎء ﺑﻘﺒﻠﺔ ،ﻓﻌﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ
أﺟﺎﺑﺖ ﺑﻄﻌﻨﺔ .وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﰲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ:
وأﺧﱪ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺸﻖ أﺑﺎ ﻋﻴﴗ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ ،وروى ﻏريه أﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻋﺸﻘﺖ
أﺣﺪًا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ أﺻﻔﺘﻪ املﺤﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء وأوﻻدﻫﻢ ﺳﻮاه ،وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﴬب املﺜﻞ إﻻ
ﺑﺤﺴﻦ وﺟﻪ أﺑﻲ ﻋﻴﴗ وﺣُ ﺴﻦ ﻏﻨﺎﺋﻪ.
ﴎا ،ﻓﻮﺟﱠ ﻪ ﺑﻪ
وروي أن ﻋﺮﻳﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺸﻖ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ املﻨﺬري اﻟﺨﺎدم وﺗﺰوﺟﺘﻪ ٍّ
املﺘﻮﻛﻞ إﱃ ﻣﻜﺎن ﺑﻌﻴﺪ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ﻗﺎل :ﻓﻐﻨﺘﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑني ﻳﺪي املﺘﻮﻛﻞ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺎده ﻣﺮا ًرا وﴍب ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ! ودﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ
إﺣﺪى ﺟﻮاري املﺘﻮﻛﻞ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﺗﻌﺎﱄ إﱄ ،ﻓﺠﺎءت ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﺒﱢﲇ ﻫﺬا املﻮﺿﻊ ﻣﻨﻲ ﻓﺈﻧﻚ
ﻓﻔﻌﻠﺖ ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻗﺎﻟﺖ:ْ ﺗﺠﺪﻳﻦ رﻳﺢ اﻟﺠﻨﺔ ،وأوﻣﺄت إﱃ ﺻﺪﻏﻬﺎ
ﻗﺒﱠﻠﻨﻲ ﺻﺎﻟﺢ املﻨﺬري ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻊ!
وﻗﺎل ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺣﻤﺪون :إن ﻋﺮﻳﺐ زارت ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ذات ﻳﻮم وﺟﻠﺴﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ
ﻟﻠﻤﻨﺎدﻣﺔ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺒﺚ ﺷﻮﻗﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻳﻌﺎﺗﺒﻬﺎ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ أﺷﻴﺎء ﻓﻌﻠﺘﻬﺎ وﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :ﻓﻌﻠﺖ
ﻛﺬا وﻛﺬا ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻫﺬا ،أرأﻳﺖ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ؟! ﺛﻢ أﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺎﻟﺖ:
اﻟﻔﻀﻮل؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺎلودع ُ
ﻳﺎ ﻋﺎﺟﺰ ،دَﻋْ ﻨﺎ اﻵن ﰲ اﻧﴩاﺣﻨﺎ ،وإذا ﻛﺎن اﻟﻐﺪ ﻓﺎﻛﺘُﺐْ ﱄ ﺑﻌﺘﺎﺑﻚ ِ
اﻟﺸﺎﻋﺮ:
551
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل إﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﻛﻨﺪاﺟﻴﻖ :ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﺗﻮﻟﻊ ﺑﻲ وأﻧﺎ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺴﻦ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﱄ ﻳﻮﻣً ﺎ:
ُ
ﻓﺎﺳﺘﺄﻧﻔﺖ ﻃﻌﺎﻣً ﺎ ﻳﺎ إﺳﺤﺎق ،ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ أن ﻋﻨﺪك دﻋﻮ ًة؛ ﻓﺎﺑﻌﺚ إﱄ ﱠ ﺑﻨﺼﻴﺒﻲ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻗﺎل:
وأرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺜريًا ،ﻓﺄﻗﺒﻞ رﺳﻮﱄ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﴪﻋً ﺎ ﻓﻘﺎل ﱄ :ملﺎ ﺑﻠﻐﺖ
ُ ﻛﺜريًا
ﻓﺖ ﺧﱪي أﻣﺮت ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ﻓﺄﻧﻬﺐ ،وﻗﺪ وﺟﱠ ﻬﺖ إﻟﻴﻚ ﺑﺮﺳﻮل ﻣﻌﻲ ،وﻫﺎ ﻫﻮ إﱃ ﺑﺎﺑﻬﺎ وﻋ َﺮ ْ
وﻇﻨﻨﺖ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﴫت ﻓﻌﲇ ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺨﺎدم وﻣﻌﻪ ُ ﰲ اﻟﺒﺎب ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ ﱠ
ﺗﺤريت
ﳾء ﻣﺸﺪود ﰲ ﻣﻨﺪﻳﻞ ورﻗﻌﺔ ،ﻓﻘﺮأت اﻟﺮﻗﻌﺔ ﻓﺈذا ﻓﻴﻬﺎ:
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ،ﻳﺎ ﻋﺠﻤﻲ ،ﻳﺎ ﻏﺒﻲ ،أﻇﻨﻨﺖ أﻧﻲ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك ووﺣﴚ
اﻟﺠﻨﺪ ﻓﺒﻌﺜﺖ إﱄ ﱠ ﺑﺨﺒﺰ وﻟﺤﻢ وﺣﻠﻮاء؟! ﷲ املﺴﺘﻌﺎن ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﻓﺪﺗﻚ ﻧﻔﴘ! ﻗﺪ
وﺟﱠ ﻬﺖ إﻟﻴﻚ زﻟﺔ ﻣﻦ ﺣﴬﺗﻲ ،ﻓﺘﻌ ﱠﻠﻢ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق وﻧﺤﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻓﻌﺎل،
وﻻ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ أﺧﻼق اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ اﻟﻈﺮف ،ﻓﻴﺰداد اﻟﻌﻴﺐ واﻟﻌﺘﺐ ﻋﻠﻴﻚ إن ﺷﺎء ﷲ.
ﻓﻜﺸﻔﺖ املﻨﺪﻳﻞ ﻓﺈذا ﻓﻴﻪ ﻃﺒﻖ وﻣﻜﺒﺔ ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻣﻨﺴﻮج ﻋﲆ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ،
وﻓﻴﻪ زﺑﺪﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻔﺘﺎن ﻣﻦ رﻗﺎق وﻗﺪ ﻋﺼﺒﺖ ﻃﺮﻓﻴﻬﻤﺎ ،وﻓﻴﻬﻤﺎ ﻗﻄﻌﺘﺎن ﻣﻦ
ﺻﺪر دﺟﺎج ﻣﺸﻮي ،وﺑﻘﻞ وﻃﻠﻊ وﻣﻠﺢ ،ﺛﻢ اﻧﴫف رﺳﻮﻟﻬﺎ.
وﻋﻦ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻗﺎل :أﻣﺮﻧﻲ املﺄﻣﻮن أﻧﺎ وﺳﺎﺋﺮ املﻐﻨني ﰲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﺎﱄ أن ﻧﺼري إﻟﻴﻪ
ﺑﻜﺮة ﻟﻴﺼﻄﺒﺢ ،ﻓﻐﺪوﻧﺎ ،وﻟﻘﻴﻨﻲ املﺮاﻛﺒﻲ ﻣﻮﱃ ﻋﺮﻳﺐ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ — وﻫﻲ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻋﻨﺪه
— ﻓﻘﺎل ﱄ :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻈﺎﻟﻢ املﻌﺘﺪي ،أﻣﺎ ﺗﺮق وﺗﺮﺣﻢ وﺗﺴﺘﺤﻲ! ﻋﺮﻳﺐ ﻫﺎﺋﻤﺔ ﺑﻚ
ُ
وﻣﻀﻴﺖ ﻣﻌﻪ ،ﻓﺤني وﺗﺤﺐ أن ﺗﺮاك! ﻗﺎل ﻋﻠﻮﻳﺔ :أم اﻟﺨﻼﻓﺔ زاﻧﻴﺔ إن ﺗﺮﻛﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﺑﻬﺎ!
دﺧﻠﺖ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ :اﺳﺘﻮﺛﻖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب؛ ﻓﺈﻧﻲ أﻋﺮف ﺧﻠﻖ ﷲ ﺑﻔﻀﻮل اﻟﺒﻮاﺑني واﻟﺤﺠﺎب!
ﻓﺪﺧﻠﺖ وإذا ﻋﺮﻳﺐ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻋﲆ ﻛﺮﳼ ﻳﻄﺒﺦ ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺛﻼث ﻗﺪور ﻓﺠﻠﺴﻨﺎ وأﺣﴬ
اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﺄﻛﻠﻨﺎ ودﻋﻮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻨﺒﻴﺬ ﻓﺠﻠﺴﻨﺎ ﻧﴩب ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﺑﺎ اﻟﺤﺴﻦ ،ﺻﻨﻌﺖ اﻟﺒﺎرﺣﺔ
ﺻﻮﺗًﺎ ﰲ ﺷﻌﺮ ﻷﺑﻲ اﻟﻌﺘﺎﻫﻴﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ :وﻣﺎ ﻫﻮ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
وﻗﺎﻟﺖ ﱄ :ﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻓﻴﻪ ﳾء ،ﻓﻠﻢ ﻧﺰل ﻧﻜﺮره وﻧﺮدده أﻧﺎ وﻫﻲ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻮى ،ﺛﻢ
ﺟﺎء ﺣﺠﱠ ﺎب املﺄﻣﻮن ﻓﻜﴪوا ﺑﺎب املﺮاﻛﺒﻲ واﺳﺘﺨﺮﺟﻮﻧﻲ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﲆ املﺄﻣﻮن ،ﻓﻠﻤﺎ رأﻳﺘﻪ
أﻗﺒﻠﺖ أﻣﴚ إﻟﻴﻪ ﺑﺮﻗﺺ وﺗﺼﻔﻴﻖ وأﻧﺎ أﻏﻨﻲ اﻟﺼﻮت ،ﻓﺴﻤﻊ ﻫﻮ وﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮه،
552
ﺣﺮف اﻟﻌني
واﺳﺘﻈﺮﻓﻮه وﻃﺮﺑﻮا ﻣﻨﻪ ﺟﺪٍّا ،وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ اﻟﺨﱪ ،ﻓﻘﺎل ﱄ :اد ُن ﻣﻨﻲ وردده ،ﻓﺮددﺗﻪ
ﺳﺒﻊ ﻣﺮات ،ﻓﻘﺎل ﱄ ﰲ آﺧﺮ ﻣﺮة :ﻳﺎ ﻋﻠﻮﻳﺔ ،ﺧﺬ اﻟﺨﻼﻓﺔ وأﻋﻄﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺎﺣﺐ!
ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ زرزور :ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻋﺮﻳﺐ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻨﺖ ﰲ أﻳﺎم ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻨﺔ أرﺑﻊ ﻋﴩة
ﺳﻨﺔ ،وﻛﻨﺖ أﺻﻮغ اﻟﻐﻨﺎء وأﻧﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺴﻦ ،ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺳﻢ :وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﺗﻜﺎﻳﺪ اﻟﻮاﺛﻖ
ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺼﻮﻏﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﺤﺎن ،وﺗﺼﻮغ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻟﺤﻨًﺎ ﻓﻴﻜﻮن أﺟﻮد ﻣﻦ ﻟﺤﻨﻪ؛
ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ:
ﻓﻜﺎن ﻟﺤﻨﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﺧﻔﻴﻒ ﺛﻘﻴﻞ ،وﻟﺤﻦ اﻟﻮاﺛﻖ رﻣﻞ ،وﻟﺤﻨﻬﺎ أﺟﻮد ﻣﻦ ﻟﺤﻨﻪ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻫﻮ:
ﺣﺴﺒﻲ ﺑﺮﺑﻲ وﻻ أﺷﻜﻮ إﻟﻰ أﺣﺪ أﺷﻜﻮ إﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ أﻟﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﻤﺪ
ﻓ ﻲ ﻇ ﻠ ﻪ ﺑ ﺪﻧ ﻮي ﻣ ﻨ ﻚ ﻳ ﺎ ﺳ ﻨ ﺪي أﻳﻦ اﻟﺰﻣﺎم اﻟﺬي ﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻧﺎﻋﻤﺔ
ﻓﻘﺪ ﻛﺤﻠﺖ ﺟﻔﻮن اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﺴﻬﺪ وأﺳ ﺄل اﻟ ﻠ ﻪ ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻣ ﻨ ﻚ ﻳ ﻔ ﺮﺣ ﻨ ﻲ
ﻓﻜﺎن ﻟﺤﻨﻬﺎ وﻟﺤﻦ اﻟﻮاﺛﻖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﻴﻞ اﻷول ،وﻟﺤﻨﻬﺎ أﺟﻮد ﻣﻦ ﻟﺤﻨﻪ.
ﻗﺎل اﺑﻦ املﻌﺘﺰ :وﻛﺎن ﺳﺒﺐ اﻧﺤﺮاف اﻟﻮاﺛﻖ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻴﺎدﻫﺎ إﻳﺎه ،وﺳﺒﺐ اﻧﺤﺮاف
املﻌﺘﺼﻢ ﻋﻨﻬﺎ أﻧﻪ وﺟﺪ ﻟﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑًﺎ إﱃ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ املﺄﻣﻮن ﰲ ﺑﻼد اﻟﺮوم ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ :اﻗﺘﻞ
أﻧﺖ اﻟﻌﻠﺞ ﺣﺘﻰ أﻗﺘﻞ أﻧﺎ اﻷﻋﻮر اﻟﻠﻴﲇ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ — ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻮاﺛﻖ — وﻛﺎن ﻳﺴﻬﺮ اﻟﻠﻴﻞ ،وﻛﺎن
املﻌﺘﺼﻢ اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ ﺑﺒﻐﺪاد.
وﻗﺎل ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ :ﺗﻤﺎرى ﺧﺎﱄ أﺑﻮ ﻋﲇ ﻣﻊ املﺄﻣﻮن ﰲ ﺻﻮت ،ﻓﻘﺎل
املﺄﻣﻮن :أﻳﻦ ﻋﺮﻳﺐ؟ ﻓﺠﺎءت وﻫﻲ ﻣﺤﻤﻮﻣﺔ ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺼﻮت ،ﻓﻮ ﱠﻟﺖ ﻟﺘﺠﻲء ﺑﻌﻮ ٍد ﻓﻘﺎل
ْ
ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻏﻨﱢﻴﻪ ﺑﻐري ﻋﻮد ،ﻓﺎﻋﺘﻤﺪت ﻋﲆ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻟﻌﺪم ﻗﻮﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻔﻌﻮل اﻟﺤﻤﻰ وﻏﻨﱠﺖ،
ﻋﻘﺮب ﻓﺮأﻳﺘﻬﺎ ﻗﺪ ﻟﺴﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﺮﺗني أو ﺛﻼﺛًﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻧﺤﺖ ﻳﺪﻫﺎ وﻻ ﺳﻜﺘﺖ ﺣﺘﻰ أﻓﺮﻏﺖ
اﻟﺼﻮت ،ﺛﻢ ﺳﻘﻄﺖ وﻗﺪ ﻏﴚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﻗﻴﻤﺖ ﻣﻦ ﺣﴬة املﺄﻣﻮن وﻫﻮ ﻻ ﻳﻜﺎد أن ﻳﻤﻠﻚ
ً
وﻓﺮﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﻴﻞ :إن املﺄﻣﻮن ﻛﺎن ﻳﺤﺒﻬﺎ اﻟﺤﺐ املﻔﺮط ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳُﻘﺒﱢﻞ ﻧﻔﺴﻪ ً
أﺳﻔﺎ
ً
اﻧﺤﺮاﻓﺎ ﻋﻨﻪ ﰲ ﳾء ﻣﺎ! ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ وﻳُﻤ ﱢﺮغ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺨﺪود إذا رأى ﻣﻨﻬﺎ
553
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ اﻟﻔﺮات :ﻗﺎﻟﺖ ﱄ ﺗﺤﻔﺔ — ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﺮﻳﺐ :ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﺗﺠﺪ
ً
ﻣﺜﻘﺎﻻ ﻣﺴ ًﻜﺎ وﻋﻨﱪًا ،وﺗﻐﺴﻠﻪ ﰲ رأﺳﻬﺎ ﺑﺮدًا ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻐﻠﻒ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﻜﺎن اﻟﻐﺴﻠﺔ ﺑﺴﺘني
ُ
ﻘﺴﻢ اﻟﺠﻮاري ﻏﺴﺎﻟﺔ رأﺳﻬﺎ ُ
ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻌﺔ إﱃ اﻟﺠﻤﻌﺔ ،ﻓﺈذا ﻏﺴﻠﺘﻪ أﻋﺎدﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ،وﺗ ﱢ
ﺑﺎﻟﻘﻮارﻳﺮ ،وﻣﺎ ﺗﴪﺣﻪ ﻣﻨﻪ ﺑﺎملﻴﺰان!
ُ
دﺧﻠﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻋﺮﻳﺐ ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﻠﺴﻨﺎ وروي ﻋﻦ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ أﻧﻪ ﻗﺎل:
ﻫﻄﻠﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻷﻣﻄﺎر ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻗ ْﻢ ﻋﻨﺪي اﻟﻴﻮم ﺣﺘﻰ أﻏﻨﱢﻴﻚ أﻧﺎ وﺟﻮاريﱠ ،واﺑﻌﺚ إﱃ
أﺣﺒﺒﺖ ﻣﻦ إﺧﻮاﻧﻚ ،ﻗﺎل :ﻓﺄﻣﺮت ﺑﺪواﺑﻲ ﻓﺮدت وﺟﻠﺴﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ ﺧﱪﻧﺎ َ ﻣﻦ
ﺑﺎﻷﻣﺲ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،وﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻐﻨﻴﻨﺎ ،وأي ﳾء اﺳﺘﺤﺴﻨﱠﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء؟ ﻓﺄﺧﱪﺗﻬﺎ
أن ﺻﻮت اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻛﺎن ﻟﺤﻨًﺎ ﺻﻨﻌﻪ ﺑﻨﺎن ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻣﺎ ﻫﻮ؟ ﻓﺄﺧﱪﺗﻬﺎ أﻧﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت:
ً
رﺳﻮﻻ إﱃ ﺑﻨﺎن ﻓﺤﴬ ﻣﻦ وﻗﺘﻪ وﻗﺪ ﺑﻠﺘﻪ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺄﻣﺮت ﺑﺨﻠﻊ ﻣﻼﺑﺴﻪ ﻗﺎل :ﻓﻮﺟﻬﺖ
ُ
وأﻟﺒﺴﺘﻪ ﻣﻼﺑﺲ ﻓﺎﺧﺮة ،وﻗﺪﱢم ﻟﻪ ﻃﻌﺎم ﻓﺄﻛﻞ وﺟﻠﺲ ﻳﴩب ﻣﻌﻨﺎ ،وﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮت
ً
وﻗﺮﻃﺎﺳﺎ وﻛﺘﺒﺖ: ﻓﻐﻨﱠﺎه ﻣﺮا ًرا ،ﻓﺄﺧﺬت دواة
554
ﺣﺮف اﻟﻌني
وأرﺳﻠﺘﻬﺎ ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ اﺑﻦ املﺪﺑﺮ وﻛﺘﺐ ﺗﺤﺖ ﻛﻞ ﺣﺮف ﻫﻜﺬا» :ﻟﻴﺖ ،ﻣﺎذا ،أرﺟﻮ «.ووﺟﻪ
ﺻﻔﻘﺖ وﻗﺎﻟﺖ :أأﺗﺮك ﻫﺆﻻء وأﻗﻌﺪ ﻋﻨﺪﻛﻢ؟! ﻻ وﷲ إذا ﺗﺮﻛﻨﻲ ﷲ ﻣﻦ ﺑﺎﻟﺮﻗﻌﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻬﺎ ﱠ
ﻳﺪﻳﻪ! وﻟﻜﻨﻲ أﺧﻠﻒ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺑﻌﺾ ﺟﻮاري ﻳَ ْﻜﻔِ ﻴﻨَﻜﻢ وأﻗﻮم إﻟﻴﻬﻢ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ،وأﺧﺬت ﻣﻌﻬﺎ
ﺑﻌﺾ ﺟﻮارﻳﻬﺎ ،وﺗﺮﻛﺖ ﺑﻌﻀﻬﻦ واﻧﴫﻓﺖ.
وﻋﺘﺐ املﺄﻣﻮن ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻋﺮﻳﺐ ﻓﻬﺠﺮﻫﺎ أﻳﺎﻣً ﺎ ،ﺛﻢ اﻋﺘﻠﺖ ﻓﻌﺎدﻫﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻛﻴﻒ
وﺟﺪت ﻃﻌﻢ اﻟﻬﺠﺮ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻟﻮﻻ ﻣﺮارة اﻟﻬﺠﺮ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺖ ﺣﻼوة اﻟﻮﺻﻞ، ِ
َ
ﻋﺎﻗﺒﺔ اﻟﺮﺿﺎ ،ﻗﺎل :ﻓﺨﺮج املﺄﻣﻮن إﱃ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ ﻓﺤﺪﺛﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﺣَ ِﻤﺪ
ِ وﻣَ ﻦ ذ ﱠم ﺑﺪءَ
ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :أﺗﺮى ﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﻦ ﻛﻼم اﻟﻨﻈﺎم ،أﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺒريًا؟!
وﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ داود :ﺟﺮى ﺑني ﻋﺮﻳﺐ واملﺄﻣﻮن ﻛﻼم ،ﻓﻜﻠﻤﻬﺎ املﺄﻣﻮن ﰲ ﳾء
ﻏﻀﺒﺖ ﻣﻨﻪ؛ ﻓﻬﺠﺮﺗﻪ أﻳﺎﻣً ﺎ ،ﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ داود :ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﺣﻤﺪ ،اﻗﺾ
ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﻠﻤﺘﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﱄ ﰲ ﻗﻀﺎﺋﻪ ودﺧﻮﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ،
وأﻧﺸﺄت ﺗﻘﻮل:
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ املﺄﻣﻮن ذﻟﻚ دﺧﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ واﺻﻄﻠﺤﺎ ،ﻗﺎل ﺣﻤﺪون :ﻛﻨﺖ ﺣﺎﴐً ا
ﰲ ﻣﺠﻠﺲ املﺄﻣﻮن ﺑﺒﻼد اﻟﺮوم ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻌﺸﺎء اﻷﺧرية ﰲ ﻟﻴﻠﺔ ﻇﻠﻤﺎء ذات رﻋﻮد وﺑﺮوق
ﻓﻘﺎل ﱄ :ارﻛﺐ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﺮس اﻟﻨﻮﺑﺔ وﴎ إﱃ ﻋﺴﻜﺮ أﺑﻲ إﺳﺤﺎق — ﻳﻌﻨﻲ املﻌﺘﺼﻢ —
ُ
ﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺣﺎﻓﺮ داﺑﺔ، ُ
وﻣﻀﻴﺖ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ أﻧﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إذ ﻓﺄ ﱢد إﻟﻴﻪ رﺳﺎﻟﺘﻲ ،ﻗﺎل :ﻓﺮﻛﺒﺖ
ٌ
ﺑﺎرﻗﺔ ْ
وﺑﺮﻗﺖ أﺗﻮﻗﺎه ﺣﺘﻰ ﺻ ﱠﻚ رﻛﺎﺑﻲ ﰲ رﻛﺎب ﺗﻠﻚ اﻟﺪاﺑﺔ، ﻓﺮﻫﺒﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﺟﻌﻠﺖ ﱠ
ﻓﺘﺄﻣﻠﺖ وﺟﻪ اﻟﺮاﻛﺐ وإذا ﻫﻲ ﻋﺮﻳﺐ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻋﺮﻳﺐ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،أﻧﺖ ﺣﻤﺪون؟ ﻗﻠﺖ: ُ
ِ
ﺻﻨﻌﺖ أﺗﻴﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ،ﻗﻠﺖ :وﻣﺎ ﻧﻌﻢ ،ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ِ
ﻋﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﺳﺆاﻟﻚ ﻫﺬا؛ أﺗﺮى أن ﻋﺮﻳﺐ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﴬب اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ ﻣﺜﻞ ُ ﻋﻨﺪه؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ني ﻋﻨﺪَه؟! ﺧﺮﺟﺖ ﻷﺻﲇ ﻛﻨﺖ ﺗﺼﻨﻌ َ
ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺘﺰور ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ وﺗﻘﻮل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎذا ِ
ﻣﻌﻪ اﻟﱰاوﻳﺢ أو ﻷدرس ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻪ! ﻳﺎ أﺣﻤﻖ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻷزور ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺰاور
املﺤﺒﻮن ،وﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻣﻦ ﻋﺘﺎب وﺻﻠﺢ ،وﻏﻀﺐ ورﺿﺎ ،وﺷﻜﻮى ﻏﺮام وﺑﺚ أﺷﻮاق وﻣﺎ
أﺷﺒﻪ! ﻓﺄﺧﺠﻠﺘﻨﻲ وﻏﺎﻇﺘﻨﻲ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ املﺄﻣﻮن ﺑﻌﺪ أداء اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،وأﺧﺬﻧﺎ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ
555
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﺗﻌﺮﻳﻀﺎ وﺗﻨﺎﺷﺪﻧﺎ اﻷﺷﻌﺎر ،وﻫﻤﻤﺖ وﷲ أن أﺧﱪه ﺧﱪﻫﺎ ،ﺛﻢ رﻫﺒﺘﻪ ﻓﻘﻠﺖ :أﻗﺪم ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ
ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﺄﻧﺸﺪﺗُﻪ:
ﻗﺎل :ﻓﻘﺎل ﱄ املﺄﻣﻮن :اﺧﻔﺾ ﺻﻮﺗﻚ ﻟﺌﻼ ﺗﺴﻤﻌﻚ ﻋﺮﻳﺐ ﻓﺘﻐﻀﺐ وﺗﻈﻦ أﻧﻨﺎ ﰲ
ﺧﱪه ﺑﻪ ،واﺧﺘﺎر ﷲ ﱄ اﻟﺴﻼﻣﺔ. أردت أن أ ُ ِ
ُ ُ
أﻣﺴﻜﺖ ﻋﻤﺎ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ! ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ
وﻗﺎل اﻟﻴﺰﻳﺪي :ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻊ املﺄﻣﻮن إﱃ ﺑﻼد اﻟﺮوم ﻓﺮأﻳﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﰲ ﻫﻮدج ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻨﻲ
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻳﺰﻳﺪي ،أﻧﺸﺪﻧﻲ ﺷﻌ ًﺮا ُﻗﻠﺘَﻪ ﺣﺘﻰ أﺻﻨﻊ ﻓﻴﻪ ﻟﺤﻨًﺎ ،ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻬﺎ:
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ذﻟﻚ ذرﻓﺖ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ واﻋﺘﺬرت ،وﻋﺎﺗﺒﺘﻪ واﺻﻄﻠﺤﺎ وﻋﺎدا إﱃ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ
ﻣﻦ ﺻﺪق املﻮدة وﺣﺴﻦ املﻌﺎﴍة.
556
ﺣﺮف اﻟﻌني
ُ
وﻛﻨﺖ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻲ أﻃﻠﺐ اﻷﻋﺮاب وﻗﺎل اﺑﻦ املﺮاﻛﺒﻲ :ﻗﺎﻟﺖ ﱄ ﻋﺮﻳﺐ :ﺣﺞﱠ ﺑﻲ أﺑﻮك
ﻓﺄﺳﺘﻨﺸﺪﻫﻢ اﻷﺷﻌﺎر ،وأﻛﺘﺐ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻨﻮادر وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أﺳﻤﻌﻪ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻮﻗﻒ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺷﻴﺦ
ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب ﻳﺴﺄل ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺸﺪﺗﻪ ﻓﺄﻧﺸﺪﻧﻲ:
ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻨﺘﻪ وﻟﻢ أﻛﻦ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﻗﻠﺖ :ﻓﺄﻧﺸﺪﻧﻲ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﻘﺎل ﱄ :ﻫﻮ
ﻳﺘﻴﻢ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻨﺖ ﻗﻮﻟﻪ وﺑﺮرﺗﻪ ،وﺣﻔﻈﺖ اﻟﺒﻴﺖ وﻏﻨﱠﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﺻﻮﺗًﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﻴﻞ اﻷول،
ً
ﺿﻌﻴﻔﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻋﺸﻴٍّﺎ ﻗﺎل ﱄ :ﻣﺎ ﻛﺎن وﻣﻮﻻي ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن
أﺣﺴﻦ ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي أﻧﺸﺪك إﻳﺎه اﻷﻋﺮاﺑﻲ وﻗﺎل ﻟﻚ :إﻧﻪ ﻳﺘﻴﻢ ،أﻧﺸﺪﻳﻨﻴﻪ إن ِ
ﻛﻨﺖ ﺣﻔﻈﺘِﻪ
ﻏﻨﻴﺖ ﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻏﻨﱠﻴﺘﻪ ﻟﻪ ﻓﻮﻫﺐ ﱄ أﻟﻒ درﻫﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ،وﻓﺮح ُ ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ وأﻋﻠﻤﺘﻪ أﻧﻲ
ﺑﺎﻟﺼﻮت ﻓﺮﺣً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا.
وﻗﺎل ﻣﻴﻤﻮن ﺑﻦ ﻫﺎرون :إﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ املﺄﻣﻮن وﻋﻨﺪﻫﻢ أﺑﻮ ﻋﻴﴗ،
وﻋﲇ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ،وﺑﺪﻋﺔ ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﺮﻳﺐ ،وﺗﺤﻔﺔ ،وﻫﻤﺎ ﺗﻐﻨﻴﺎن اﻟﺼﻮت ،ﻓﺬﻛﺮ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ
أن اﻟﺼﻮت ﻟﻐري ﻋﺮﻳﺐ ،وذﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺪﱠﻋﻴﻪ وﻛﺎﺑَﺮ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎم ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ املﺄﻣﻮن ﻓﻜﺘﺐ
رﻗﻌﺔ إﱃ ﻋﺮﻳﺐ وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ أﻣﺮ اﻟﺼﻮت ،وأن ﺗﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ
إﻟﻴﻪ ﺑﺨﻄﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺒﺴﻤﻠﺔ:
أﻧﺎ املﺴﻜني وﺣﻴﺪة ﻓﺮﻳﺪة ﺑﻐري ﻣﺆﻧﺲ وأﻧﺘﻢ ﻓﻴﻤﺎ أﻧﺘﻢ ﻓﻴﻪ ،وﻗﺪ أﺧﺬﺗﻢ أﻧﴘ وﻣﻦ
ﻛﺎن ﻳﻠﻬﻴﻨﻲ — ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺟﺎرﻳﺘﻴﻬﺎ ﺗﺤﻔﺔ وﺑﺪﻋﺔ — ﻓﺄﻧﺘﻢ ﰲ اﻟﻘﺼﻒ واﻟﻌﺰف وأﻧﺎ ﰲ
وﺳﺄﻟﺖ — ﻣ ﱠﺪ ﷲ ﰲ ﻋﻤﺮك — ﻋﻤﺎ اﻋﱰض ﻓﻴﻪ ﻓﻼن َ ﺧﻼف ذﻟﻚ .ﻫﻨﺎﻛﻢ ﷲ وأﺑﻘﺎﻛﻢ،
ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ،واﻟﻘﺼﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺬا .وذﻛﺮت اﻟﻘﺼﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﻣﻊ اﻷﻋﺮاﺑﻲ ،وملﺎ وﺻﻞ
اﻟﺠﻮاب إﱃ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ املﺄﻣﻮن ﻗﺮأه وﺿﺤﻚ ،ﺛﻢ رﻣﻰ ﺑﻪ إﱃ أﺑﻲ ﻋﻴﴗ وﻗﺎل :اﻗﺮأ ،وﻛﺎن
ﻋﲇ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻓﺄراد أن ﻳﺴﺘﻠﺐ اﻟﺮﻗﻌﺔ ،ﻓﻤﻨﻌﺘﻪ وﻗﻤﺖ إﱃ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻗﺮأﺗﻬﺎ ،ﻓﺄﻧﻜﺮ
ً
ﻣﺒﻐﻀﺎ ﻟﻬﺎ. ذﻟﻚ وﻗﺎل :ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﻓﻮارﻳﻨﺎ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﻪ؛ ﻟﺌﻼ ﺗﻘﻊ ﻋﺮﺑﺪة ،وﻛﺎن
557
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﺮات ﻋﻦ أﺑﻴﻪ :إﻧﻪ ﻗﺎل :ﻛﻨﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ املﺄﻣﻮن ﻧﴩب
وﻋﺮﻳﺐ ﺣﺎﴐ ٌة إذ ﻏﻨﱠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك:
ﻣﻦ وﺟﻪ ذاك اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ اﻟﻼﺋﺢ ﻳﺎ ﺑﺪر إﻧﻚ ﻗﺪ ﻛﺴﻴﺖ ﻣﺸﺎﺑﻬً ﺎ
ﺑ ﺎق ﻋ ﻠ ﻰ اﻷﻳ ﺎم ﻟ ﻴ ﺲ ﺑ ﺒ ﺎرح وأراك ﺗﻤﺼﺢ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎق وﺣﺴﻨﻬﺎ
وﺻﻔﻘﺖ وﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻷرض أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻏريي، ﱠ ﻓﻀﺤﻜﺖ ﻋﺮﻳﺐ
ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪر أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻮم ﻋﲆ ﻣﺴﺎءﻟﺘﻬﺎ ﻋﻨﻪ ﻏريي ،ﻓﺴﺄﻟﺘُﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺎ أﺧﱪﻛﻢ ﺑﻘﺼﺘﻪ،
وﻟﻮﻻ أن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﺼﺔ ﻗﺪ ﻣﺎت ملﺎ أﺧﱪﺗﻜﻢ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻮ أن أﺑﺎ ﻣﺤﻠﻢ وﻓﺪ ﺑﻐﺪاد ﻓﻨﺰل
ﺑﻘﺮب دار ﺻﺎﻟﺢ املﺴﻜني ﰲ ﺧﺎن ﻫﻨﺎك ،ﻓﺎﻃﻠﻌﺖ أم ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻨﺔ ﺻﺎﻟﺢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﺄﻋﺠﺒﻬﺎ
ﺟﻤﺎﻟﻪ ورﻗﺘﻪ ،ﻓﻮﻟﻌﺖ ﺑﻪ وأﺣﺒﺘﻪ ﺣﺒٍّﺎ ﻣﻔﺮ ً
ﻃﺎ ،وأرادت اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻠﺔ ﺑﺄن
ﻣﺎﻻ ،وﺗُﻌﻠﻤﻪ أﻧﻬﺎ ﰲ اﺣﺘﻴﺎج ،وأﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﺗﺮده إﻟﻴﻪ ،ﻓﺒﻌﺚ
وﺟﱠ ﻬﺖ إﻟﻴﻪ ﺗﻘﱰض ﻣﻨﻪ ً
إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﴩة آﻻف درﻫﻢ ،وﺣﻠﻒ أﻧﻪ ﻟﻮ ﻣﻠﻚ ﻏريﻫﺎ ﻟﺒﻌﺚ ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻨﺖ ذﻟﻚ ﻣﻨﻪ
واﺗﺼﻠﺖ املﻮدة ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻛﺎن اﻟﻘﺮض ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻠﻮﺻﻠﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺪﺧﻞ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ً
ﻟﻴﻼ ،وﻛﻨﺖ
أﻧﺎ أﻏﻨﻲ ﻟﻬﻢ ،ﻓﴩﺑﻨﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﰲ اﻟﻘﻤﺮ وﺟﻌﻞ أﺑﻮ ﻣﺤﻠﻢ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ دﻋﺎ ﺑﺪواة وﻗﺮﻃﺎس
وﻛﺘﺐ:
ﻣﻦ وﺟﻪ أم ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻨﺔ ﺻﺎﻟﺢ ﻳﺎ ﺑﺪر إﻧﻚ ﻗﺪ ﻛﺴﻴﺖ ﻣﺸﺎﺑﻬً ﺎ
ُ
ﻓﻔﻌﻠﺖ ،واﺳﺘﺤﺴﻨﺎه وﴍﺑﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ أم ﻣﺤﻤﺪ واﻟﺒﻴﺖ اﻵﺧﺮ وﻗﺎل ﱄ :ﻏﻨﱢﻲ ﻓﻴﻪ،
ﰲ آﺧﺮ املﺠﻠﺲ :ﻳﺎ أﺧﺘﻲ ،ﻗﺪ ﺗﻨﺒﱠﻠﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ،إﻻ أﻧﻪ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﻋﲇ ﻓﻀﻴﺤﺔ إﱃ آﺧﺮ
اﻟﺪﻫﺮ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﻣﺤﻠﻢ :وأﻧﺎ أ ُ ﱢ
ﻏريه ،ﻓﺠﻌﻞ ﻣﻜﺎن :أم ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻨﺔ ﺻﺎﻟﺢ »ذاك املﺴﺘﻨري
ﻏريه ،وأﺧﺬه اﻟﻨﺎس ﻋﻨﻲ ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أم ﻣﺤﻤﺪ ﺣﻴﱠﺔ ملﺎ أﺧﱪﺗﻜﻢ اﻟﻼﺋﺢ« ،وﻏﻨﻴﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﱠ
ﺑﺎﻟﺨﱪ!
وﻛﺘﺒﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﻳﻮﻣً ﺎ إﱃ اﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ﺗﺴﺘﺰﻳﺮه ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ :إﻧﻲ أﺧﺎف ﻋﲆ ﻧﻔﴘ!
ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ:
558
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﻠﻤﺎ ا ﱠ
ﻃﻠﻊ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺘني ذرﻓﺖ ﻋﻴﻨﺎه وﺳﻌﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺴﺘﺴﻤﺤً ﺎ وﻣﺴﺘﺠﺪﻳًﺎ ﻋﻔﻮﻫﺎ ﻋﻤﺎ
وﻗﻊ ﻣﻨﻪ .وﻗﺪ ﺗﻤﺖ أﺧﺒﺎر ﻋﺮﻳﺐ.
ﻋﺰة املﻴﻼء
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺰة ﻣﻮﻻة ﻟﻸﻧﺼﺎر ،وﻣﺴﻜﻨﻬﺎ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻲ أﻗﺪم ﻣﻦ ﻏﻨﻰ اﻟﻐﻨﺎء املﻮﻗﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء
ﺑﺎﻟﺤﺠﺎز ،وﻣﺎﺗﺖ ﻗﺒﻞ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء وﺟﻬً ﺎ ،وأﺣﺴﻨﻬﻦ ﺟﺴﻤً ﺎ ،وﺳﻤﻴﺖ
ﴐﺑًﺎ ﺑﻌﻮد ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻐﻨﺎء ﻻ املﻴﻼء ﻟﺘﻤﺎﻳﻠﻬﺎ ﰲ ﻣﺸﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﱠ ﻦ أﺣﺴﻦ َ ْ
ﻳﻌﻴﻴﻬﺎ أداؤه وﻻ ﺻﻨﻌﺘﻪ وﻻ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻨﻲ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺼﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﺜﻞ ﺳريﻳﻦ
وزرﻧﺐ وﺧﻮﻟﺔ واﻟﺮﺑﺎب وﺳﻠﻤﻰ وراﺋﻘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ راﺋﻘﺔ أﺳﺘﺎذﺗﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪم ﻧﺸﻴﻂ وﺳﺎﺋﺐ
ﺧﺎﺛﺮ املﺪﻳﻨﺔ ﻏﻨﻴﺎ أﻏﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ،ﻓﻠﻘﻨﺖ ﻋﺰة ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻧﻐﻤً ﺎ ،وأﻟﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ أﻟﺤﺎﻧًﺎ ﻋﺠﻴﺒﺔ؛
ﻓﻬﻲ أول ﻣﻦ ﻓﺘﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء وﺣ ﱠﺮض ﻧﺴﺎءﻫﻢ ورﺟﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ .وﻛﺎن ﻣﺸﺎﻳﺦ أﻫﻞ
املﺪﻳﻨﺔ إذا ذﻛﺮوا ﻋﺰة ﻗﺎﻟﻮا :هلل درﻫﺎ! ﻣﺎ ﻛﺎن أﺣﺴﻦ ﻏﻨﺎءﻫﺎ ،وأرق ﺻﻮﺗﻬﺎ ،وأﻧﺪى ﺣﻠﻘﻬﺎ،
وأﺣﺴﻦ ﴐﺑﻬﺎ ﺑﺎملﺰاﻫﺮ واملﻌﺎزف وﺳﺎﺋﺮ املﻼﻫﻲ ،وأﺟﻤﻞ وﺟﻬﻬﺎ ،وأﻇﺮف ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ،وأﻗﺮب
ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ،وأﻛﺮم ﺧﻠﻘﻬﺎ ،وأﺳﺨﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وأﺣﺴﻦ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ!
ﻒ ﻋﺰة :ﻫﻲ ﺳﻴﺪة ﻣﻦ ﻏﻨﱠﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻊ ﺟﻤﺎل ﺑﺎرع ،وﺧﻠﻖ وﻗﺎل ﻃﻮﻳﺲ ﻳ َِﺼ ُ
ﻓﺎﺿﻞ ،وإﺳﻼم ﻻ ﻳﺸﻮﺑﻪ دﻧﺲ؛ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺨري وﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ،وﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﻮء وﻫﻲ
ﺟﻠﻮﺳﺎ ﻋﺎﻣٍّ ﺎ
ً ﻣﺠﺎﻧﺒﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻨﺎﻫﻴﻚ ﻣﺎ ﻛﺎن أﻧﺒﻠﻬﺎ وأﻧﺒﻞ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ! ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻛﺎﻧﺖ إذا ﺟﻠﺴﺖ
ﻓﻜﺄن اﻟﻄري ﻋﲆ رءوس أﻫﻞ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻜﻠﻢ أو ﺗﺤﺮك ﻧﻘﺮ رأﺳﻪ.
ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻼم :ﻓﻤﺎ ﻇﻨﻚ ﺑﻤﻦ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ ﻃﻮﻳﺲ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل؟! وﻣَ ﻦ ذا اﻟﺬي ﺳﻠﻢ ﻣﻦ
ﻟﺴﺎن ﻃﻮﻳﺲ؟!
559
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل ﻣﻌﺒﺪ :إﻧﻪ أﺗﻰ ﻋﺰة ﻳﻮﻣً ﺎ وﻫﻲ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻴﻠﺔ وﻗﺪ أﺳﻨﱠﺖ وﻫﻲ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﻌﺰﻓﺔ
ﰲ ﺷﻌﺮ اﺑﻦ اﻹﻃﻨﺎﺑﺔ:
ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﺴﺎﻣﻌﻮن ﻗﻂ ﺑﴚء أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻗﺎل ﻣﻌﺒﺪ :ﻫﺬا ﻏﻨﺎؤﻫﺎ وﻗﺪ
أﺳﻨﱠﺖ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻬﺎ وﻫﻲ ﺷﺎﺑﺔ؟! وﻗﺎل ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺣﺴﺎن اﻷﻧﺼﺎري :ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺰة ﻣﻮﻻة ﻟﻨﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻔﻴﻔﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻛﺎن ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ واﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ وﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ
ﻳﻐﺸﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ﻓﺘُﻐﻨﱢﻴﻬﻢ ،وﻏﻨﱠﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻟﺤﻨًﺎ ﻟﻬﺎ ﰲ ﳾء ﻣﻦ ﺷﻌﺮه،
ﻓﺸﻖ ﺛﻴﺎﺑﻪ وﺻﺎح ﺻﻴﺤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺻﻌﻖ ﻣﻌﻬﺎ! ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻟﻐريك اﻟﺠﻬﻞ ﻳﺎ أﺑﺎ ﱠ
اﻟﺨﻄﺎب! ﻗﺎل :إﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ وﷲ ﻣﺎ ﻟﻢ أﻣﻠﻚ ﻣﻌﻪ ﻧﻔﴘ وﻻ ﻋﻘﲇ! وﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ
ﻣﻌﺠﺒًﺎ ﺑﻌﺰة املﻴﻼء ،وﻛﺎن ﻳُﻘﺪﱢﻣﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ ﻗﻴﺎن املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺎن زﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﺧﺘﻦ اﺑﻨﺘﻪ
ﻓﺄوﻟﻢ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ إﻟﻴﻪ املﻬﺎﺟﺮون واﻷﻧﺼﺎر وﻋﺎﻣﺔ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ،وﺣﴬ ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ وﻗﺪ
ﻒ ﻳﻮﻣﺌﺬٍ ،وأﻗﺒﻠﺖ املﻴﻼء وﻫﻲ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺷﺎﺑﱠﺔ ﻓﻮ ُِﺿﻊ ﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ﻣﺰﻫﺮ ،ﻓﴬﺑﺖ ﺑﻪ ﺛﻢ ُﻛ ﱠ
ﺗﻐﻨﱠﺖ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ أول ﻣﺎ اﺑﺘﺪأت ﺑﻪ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺣﺴﺎن ﻗﻮﻟﻪ:
ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﻤﻲ ﺟﻮد وواﺑﻞ ﻓﻼ زال ﻗﺒﺮ ﺑﻴﻦ ﺑﺼﺮى وﺟﻠﻖ
وﺣﺴﺎن ﻳﺒﻜﻲ واﺑﻨﻪ ﻳﻮﻣﺊ إﻟﻴﻬﺎ أن ﺗﺰﻳﺪ ،ﻓﺈذا زادت ﺑﻜﻰ ﺣﺴﺎن ،وﻗﺎل ﺧﺎرﺟﺔ ﺑﻦ
زﻳﺪ :ﻓﻠﻤﺎ ﻃﺎل ﺟﻠﻮس ﺣﺴﺎن ﺛﻘﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺠﻠﺴﻪ ،ﻓﺄوﻣﺄ اﺑﻨﻪ إﱃ ﻋﺰة ﻓﻐﻨﱠﺖ:
ﻓﺒﻜﻰ ﺣﺴﺎن ﺣﺘﻰ ﺳﺪر ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻫﺬا ﻋﻤﻞ اﻟﻔﺎﺳﻖ — ﻳﻌﻨﻲ اﺑﻨﻪ — أﻣﺎ ﻟﻘﺪ ﻛﺮﻫﺘﻢ
ﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻲ؛ ﻓﻘﺒﺢ ﷲ ﻣﺠﻠﺴﻜﻢ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻴﻮم! وﻗﺎم ﻓﺎﻧﴫف.
وﻗﺎل ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ :ﻛﺎن رﺟﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﺎﺳﻚ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻘﻪ،
وﻛﺎن ﻳﻐﴙ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ،ﻓﺴﻤﻊ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻐﻨﻴﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻨﺨﺎﺳني ﺗﻐﻨﻲ:
560
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﺸﻐﻒ ﺑﻬﺎ وﻫﺎم وﺗﺮك ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻣﴙ إﻟﻴﻪ ﻋﻄﺎء وﻃﺎوس ﻓﻼﻣﺎه ،ﻓﻜﺎن
ﺟﻮاﺑﻪ ﻟﻬﻤﺎ أن ﺗﻤﺜﻞ ﺑﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ:
وﺑﻠﻎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺧﱪه ﻓﺒﻌَ ﺚ إﱃ اﻟﻨﺨﺎس ،ﻓﺎﻋﱰض اﻟﺠﺎرﻳﺔ وﺳﻤﻊ ﻏﻨﺎءﻫﺎ
ﺑﻬﺬا اﻟﺼﻮت وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﻤﱠ ﻦ أﺧﺬﺗﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻦ ﻋﺰة املﻴﻼء ،ﻓﺎﺑﺘﺎﻋﻬﺎ ﺑﺄرﺑﻌني أﻟﻒ درﻫﻢ،
ﺛﻢ ﺑﻌﺚ إﱃ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺧﱪه ،ﻓﺄﻋﻠﻤﻪ إﻳﺎه وﺻﺪﻗﻪ ﻋﻨﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﺗﺤﺐ أن ﺗﺴﻤﻊ
ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻣﻤﻦ أﺧﺬﺗﻪ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎرﻳﺔ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻌﺰة وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻏﻨﱢﻴﻪ إﻳﺎه.
ﻓﻐﻨﱠﺘﻪ ،ﻓﺼﻌﻖ اﻟﺮﺟﻞ وﺧ ﱠﺮ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ :أﺛﻤﻨﺎ ﻓﻴﻪ! املﺎء املﺎء ،ﻓﻨﻀﺢ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق ﻗﺎل ﻟﻪ :أﻛﻞ ﻫﺬا
ﺑﻠﻎ ﺑﻚ ﻋﺸﻘﻬﺎ؟ ﻗﺎل :وﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻋﻠﻴﻚ أﻛﺜﺮ ،ﻗﺎل :أﻓﺘﺤﺐ أن ﺗﺴﻤﻌﻪ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻗﺎل :ﻗﺪ رأﻳﺖ
ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻨﻲ ﺣني ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻏريﻫﺎ وأﻧﺎ ﻻ أﺣﺒﻬﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﺣﺎﱄ إن ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻨﻬﺎ وأﻧﺎ ﻻ
َأﻋﺮف ﻏريﻫﺎ؟!أﻗﺪر ﻋﲆ ﻣﻠﻜﻬﺎ؟! ﻗﺎل :أﻓﺘﻌﺮﻓﻬﺎ إن رأﻳﺘﻬﺎ؟ ﻗﺎل :أو ِ
ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﺄﺧﺮﺟﺖ وﻗﺎل :ﺧﺬﻫﺎ ﻓﻬﻲ ﻟﻚ ،وﷲ ﻣﺎ ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ ﻗﻂ إﻻ ﻋﻦ ﻋ َﺮض،
ﻓﻘﺒﱠﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺪﻳﻪ ورﺟﻠﻴﻪ وﻗﺎل ﻟﻪ :أﻧﻤﺖ ﻋﻴﻨﻲ ،وأﺣﻴﻴﺖ ﻧﻔﴘ ،وﺗﺮﻛﺘﻨﻲ أﻋﻴﺶ ﺑني
ﻗﻮﻣﻲ ،ورددت إﱄ ﻋﻘﲇ! ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ أرﴇ أن أﻋﻄﻴﻜﻬﺎ ﻫﻜﺬا .ﻳﺎ ﻏﻼم ،اﺣﻤﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺜﻞ
ﺛﻤﻨﻬﺎ؛ ﻟﻜﻲ ﻻ ﺗﻬﺘ ﱠﻢ ﺑﻪ وﻳﻬﺘ ﱠﻢ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ واﻧﴫف ﺷﺎﻛ ًﺮا.
وﻛﺎن اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ ﻣﻌﺠﺒًﺎ ﺑﻌﺰة املﻴﻼء ،ﻓﺄﺗﻰ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﻓﻘﺎل
ﻟﻪ :ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺖ وأﻣﻲ ،ﻫﻞ ﻟﻚ ﰲ ﻋﺰة ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻘﺖ إﻟﻴﻬﺎ؟! ﻗﺎل :ﻻ ،أﻧﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﺸﻐﻮل ،ﻓﻘﺎل:
ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺖ وأﻣﻲ ،إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺸﻂ إﻻ ﺑﺤﻀﻮرك ،ﻓﺄﻗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻚ إﻻ ﺳﺎﻋﺪﺗﻨﻲ وﺗﺮﻛﺖ ﺷﻐﻠﻚ،
ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﺄﺗﻴﺎﻫﺎ ورﺳﻮل اﻷﻣري ﻋﲆ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :دﻋﻲ اﻟﻐﻨﺎء؛ ﻓﻘﺪ ﺿﺞ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﻚ
ﻓﺘﻨﺖ رﺟﺎ َﻟﻬﻢ وﻧﺴﺎءَﻫﻢ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ :ارﺟﻊ إﱃ ﺻﺎﺣﺒﻚ ﻓﻘﻞ ﻟﻪ ﻋﻨﻲ: ِ وﻗﺎﻟﻮا:
ﻧﺎدﻳﺖ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ أﻳﻤﺎ رﺟﻞ أو اﻣﺮأة ﻓﺘﻨﺖ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺰة إﻻ ﻛﺸﻒ ﻧﻔﺴﻪ َ أﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻚ إﻻ
ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻟﺘﻌﺮﻓﻪ وﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ وﻟﻚ أﻣﺮه ،ﻓﻨﺎدى اﻟﺮﺳﻮل ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻤﺎ أﻇﻬﺮ أﺣﺪ ﻧﻔﺴﻪ ،ودﺧﻞ
ﺳﻤﻌﺖ ﻓﻐﻨﱢﻴﻨﺎ ،ﻓﻐﻨﱠﺘﻬﻤﺎ:
ِ اﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ إﻟﻴﻬﺎ واﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ ﻣﻌﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ ﻳَﻬُ ﻮﻟﻨﱠﻚ ﻣﺎ
561
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺎﻫﺘﺰ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ ﻃﺮﺑًﺎ ،ﻓﻘﺎل اﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ :ﻣﺎ أراﻧﻲ أدرك رﻛﺎﺑﻚ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻤﻌﺖ
ً
ﻣﺄﺳﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻣﻦ ﻋﺰة .وﺑﻘﻴﺖ ﻋﺰة ﰲ ﻋ ﱟﺰ وإﻗﺒﺎل وﻧﻌﻤﺔ واﻓﺮة ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ
ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗﻬﺎ ورأى ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ!
ﻫﻲ ﻋﺰة ﺑﻨﺖ ﺣُ ﻤﻴﻞ ﺑﻦ ﺣﻔﺺ ﺑﻦ إﻳﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰى .ﻳﺘﱠﺼﻞ ﻧﺴﺒﻬﺎ إﱃ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف.
ﺒﺖ ﻧُﻬﻮدُﻫﺎ. ً
ﺟﺎرﻳﺔ ﻗﺪ َﻛﻌَ ْ ﻋﻠﻘﻬﺎ ُﻛﺜ َ ﱢري
وﻛﺎن ﺳﺒﺐ دﺧﻮل اﻟﻬﻮى ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ أن ﻛﺜريًا ﻣ ﱠﺮ ﺑﻐﻨ ٍﻢ ﻟﻪ ﺗﺮد املﺎء ﻋﲆ ﻧﺴﻮة ﻣﻦ ﺿﻤﺮة
ﻛﺒﺸﺎ ﱠ
ﻟﻬﻦ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻨﻈﺮﻫﺎ ﻧﻈﺮة ﺑﻮادي اﻟﺨﺒﺖ ،ﻓﺄرﺳﻠﻦ ﻟﻪ ﻋﺰة ﺑﺪرﻳﻬﻤﺎت ﺗﺸﱰي ﺑﻬﺎ ً
ُ
أﺧﺬت ﺣﻘﻲ، ُ
رﺟﻌﺖ ﻣُﺘﺄﻣﱢ ﻞ ،ﻓﺪاﺧﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ،ﻓﺮ ﱠد اﻟﺪراﻫﻢ وأﻋﻄﺎﻫﺎ اﻟﻜﺒﺶ وﻗﺎل :إن
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎد ﺳﺄﻟﻨﻪ ذﻟﻚ ﻓﻘﺎل :ﻻ أﻗﺘﴤ إﻻ ﻣﻦ ﻋﺰة ،ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻪ :ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻔﺎءة؛ ﻓﺎﺧﱰ
إﺣﺪاﻧﺎ ،ﻓﺄﺑﻰ وأﻧﺸﺪ:
ﻓﺠﻌﻠﻦ ﻳﱪزﻧﻬﺎ ﻟﻪ ﻛﺎرﻫﺔ ،ﺛﻢ داﺧﻠﻬﺎ ﻣﺎ داﺧﻠﻪ ،وملﺎ اﺷﺘﺪت ﺣﺎﻟﺘﻪ أﻧﺸﺪ:
ﻗ ﻠ ﻮﺑ ﻬ ﻢ ﻓ ﻴ ﻬ ﺎ ﻣ ﺨ ﺎﻟ ﻔ ﺔ ﻗ ﻠ ﺒ ﻲ ﻳ ﺰﻫ ﺪﻧ ﻲ ﻓ ﻲ ﺣ ﺐ ﻋ ﺰة ﻣ ﻌ ﺸ ﺮ
ﻓ ﺒ ﺎﻟ ﻘ ﻠ ﺐ ﻻ ﺑ ﺎﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﻳ ﻨ ﻈ ﺮ ذو اﻟ ﻠ ﺐ ﻓﻘﻠﺖ دﻋﻮا ﻗﻠﺒﻲ وﻣﺎ اﺧﺘﺎر وارﺗﻀﻰ
وﻻ ﺗ ﺴ ﻤ ﻊ اﻷذﻧ ﺎن إﻻ ﻣ ﻦ اﻟ ﻘ ﻠ ﺐ وﻣﺎ ﺗﺒﺼﺮ اﻟﻌﻴﻨﺎن ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻬﻮى
ودﺧﻠﺖ ﻋﺰة ﻋﲆ أم اﻟﺒﻨني ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﻣﻄﻠﺘﻪ ﻛﺜريًا
إذ ﻗﺎل:
562
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻣﻦ ﻏﺮﻳﺐ اﻻﺗﻔﺎق أن ﻛﺜريًا ﻛﺎن ﻟﻪ ﻏﻼم ﻳﺘﱠﺠﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ،ﻓﺄﻋﻄﻰ اﻟﻨﺴﺎء إﱃ أﺟﻞ،
ْ
ﺣﴬت ﰲ ﻧﺴﺎء :أﻣﺎ آن أن ﺗﻔﻲ ﻓﻠﻤﺎ اﻗﺘﴣ ﻣﺎﻟﻪ ﻣﻨﻬﻦ ﻣﺎﻃﻠﺘﻪ ﻋﺰة ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻗﺪ
ﻛﺮاﻣﺔ ،ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ اﻟﻮﻓﺎء! ﻓﻘﺎل :ﺻﺪق ﻣﻮﻻي ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل» :ﻗﴣ ﻛﻞ ً ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪك؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ذي دﻳﻦ« اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﻘﻠﻦ ﻟﻪ :أﺗﺪري ﻣﻦ ﻫﻲ ﻏﺮﻳﻤﺘﻚ؟ ﻓﻘﺎل :ﻻ أدري ،ﻗﻠﻦ :ﻫﻲ وﷲ ﻋﺰة،
ﺪﻛﻦ ﻋﲇ ﱠ أﻧﻬﺎ ﰲ ﺣﻞ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ ،وﻣﴣ ﻓﺄﺧﱪ ﻣﻮﻻه ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻓﻘﺎل :وأﻧﺖ ﺣﺮ ﻓﻘﺎل :أ ُ ْﺷ ِﻬ ﱠ
وﻣﺎ ﻋﻨﺪك ﻟﻚ — وﻛﺎن اﻟﺬي ﻋﻨﺪه أﻟﻒ دﻳﻨﺎر — وأﻧﺸﺪ:
ودﺧﻠﺖ ﻋﺰة ﻋﲆ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﺗﺮوﻳﻦ ﻗﻮل ُﻛ ﱢﺜري:
ﺼ ﱢﻢ ﻟﻮ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺼﻢ ز ﱠﻟﺖ ﻣﻦ اﻟ ﱡ ﻛﺄﻧﻲ أﻧﺎدي ﺻﺨﺮة ﺣﻴ ﻦ أﻋﺮﺿ ْﺖ
ﻓ ﻤ ﻦ ﻣ ﱠﻞ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ ذﻟ ﻚ اﻟ ﻮﺻ ﻞ ﻣ ﱠﻠ ﺖ ﺻ ﻔ ﻮﺣً ﺎ ﻓ ﻤ ﺎ ﺗ ﻠ ﻘ ﺎك إﻻ ﺑ ﺨ ﻴ ﻠ ﺔ
ﻓﻀﺤﻚ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
واﺗﻔﻖ أن ﻋﺰة ﺧﺮﺟﺖ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،وﻛﺎن ُﻛ ﱢﺜري ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌري ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ
أﺛﻨﺎء اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣ ﱠﺮت ﺑﺠﻤﻞ ﻟﻪ ،ﻓﺴﻠﻤﺖ ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻞ ،ﻓﺒﻠﻎ ﻛﺜريًا ذﻟﻚ ،ﻓﺠﺎء إﱃ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﺤ ﱠﻠﻪ
وأﻃﻠﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻞ وأﻧﺸﺪ:
563
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ اﺗﻔﻖ أن زوﺟﻬﺎ أﻣﺮﻫﺎ أن ﺗﺴﺘﻌﻄﻲ ﺳﻤﻨًﺎ ،ﻓﻠﻘﻴﻬﺎ ﻛﺜري ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺑﺤﺎﺟﺘﻬﺎ،
ﻓﺄﺧﺮج إداوة ﺳﻤﻦ وﺟﻌﻞ ﻳﺴﻜﺐ ﰲ إﻧﺎء ﻋﺰة وﻫﻤﺎ ﻳﺘﺤﺪﺛﺎن ،ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺣﺘﻰ ﻏﺮﻗﺖ
أرﺟﻠﻬﻤﺎ! ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻌﺖ أﻧﻜﺮ زوﺟﻬﺎ ﻛﺜﺮة اﻟﺴﻤﻦ ،وأﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ،ﻓﺤﻠﻒ ﻟﻴﴬﺑﻨﻬﺎ
ْ
ﻓﻔﻌﻠﺖ ،ﻓﺄﻧﺸﺪ ﻛﺜري: أو ﻟﺘﺨﺮﺟﻦ ﻓﺘﺸﺘﻢ ﻛﺜريًا ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ،
ﻫﻮاﺋﻲ وﻟﻜﻦ ﻟﻠﻤﻠﻴﻚ اﺳﺘﺬﻟﺖ ﻳُﻜ ﱢﻠﻔﻬﺎ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ ﺷﺘﻤﻲ وﻣﺎ ﺑﻬﺎ
ﻟﻌﺰة ﻣﻦ أﻋﺮاﺿﻨﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﺤﻠﺖ ﻫ ﻨ ﻴ ﺌًﺎ ﻣ ﺮﻳ ﺌًﺎ ﻏ ﻴ ﺮ داء ﻣ ﺨ ﺎﻣ ﺮ
ودﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﻳﱪي ﺳﻬﺎﻣً ﺎ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﻳﱪي ﺳﺎﻋﺪﺗﻪ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ َ
وﻣﺴﺤﺖ
اﻟﺪ َم ﺑﺜﻮﺑﻬﺎ.
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻋﺰة ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ وﻣﺎﺋﺔ ،ورﺛﺎﻫﺎ ُﻛ ﱢﺜريٌ ﺑﺄﺑﻴﺎت؛ وﻣﻨﻬﺎ — وﻗﺪ ﺳﺄل ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ
أن ﻳﺮﺷﺪه إﱃ ﻗﱪ ﻋﺰة ،ﻓﻠﻤﺎ وﻗﻒ ﻋﻠﻴﻪ أﻧﺸﺪ:
ﻟ ﻌ ﺰة ﻋ ﻴ ﺮ آذﻧ ﺖ ﺑ ﺮﺣ ﻴ ﻞ ﻛ ﻔ ﻰ ﺣ ﺰﻧ ًﺎ ﻟ ﻠ ﻌ ﻴ ﻦ أن رد ﻃ ﺮﻓ ﻬ ﺎ
ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ اﻟ ﺒ ﻜ ﺎ أﺷ ﻔ ﻰ إذن ﻟ ﻐ ﻠ ﻴ ﻠ ﻲ وﻗﺎﻟﻮا ﻧﺄت ﻓﺎﺧﺘﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﺒﻜﺎ
أﻗ ﺎﺗ ﻠ ﺘ ﻲ ﻟ ﻴ ﻠ ﻲ ﺑ ﻐ ﻴ ﺮ ﻗ ﺘ ﻴ ﻞ ﺗ ﻮﻟ ﻴ ﺖ ﻣ ﺤ ﺰوﻧ ً ﺎ ُ
وﻗ ﻠ ﺖ ﻟ ﺼ ﺎﺣ ﺒ ﻲ
ﻓ ﺄوﺣ ﺶ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ اﻟ ﺨ ﻴ ﻒ ﺑ ﻌ ﺪ ﺣ ﻠ ﻮل ﻟ ﻌ ﺰة إذ ﻣ ﺎ ﺣ ﱠﻞ ﺑ ﺎﻟ ﺨ ﻴ ﻒ أﻫ ﻠ ﻬ ﺎ
564
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺗﻘﻮل:
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ ﻣﺎ ﰲ اﻟﺮﻗﻌﺔ وﺗﻨﺸﻖ رﻳﺤﻬﺎ — وﻛﺎﻧﺖ أﻋﻄﺮ أﻫﻞ زﻣﺎﻧﻬﺎ — ﻏﴚ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈذا
ﺻﺒ َْﺖ إﻟﻴﻪ!
ﻫﻮ ﻣﻴﺖ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻚ ﻟﻮ أﺟﺒﺘﻪ زورة؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺧﺸﻴﺖ أن ﻳﻘﺎلَ :
وﻟﻜﻨﻲ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﻧﻔﴘ وﻻﺣﻘﺔ ﺑﻪ ﻗﺮﻳﺒًﺎ! ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻌﺮوا ﺑﻬﺎ إﻻ وﻫﻲ ﻣﻴﺘﺔ.
565
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺣني وﺻﻞ اﻟﺤﻲ أﺧﺬه اﻟﻬﺬﻳﺎن واﻟﻘﻠﻖ ،وأﻗﺎم أﻳﺎﻣً ﺎ ﻻ ﻳﺘﻨﺎول ﻗﻮﺗًﺎ ﺣﺘﻰ ﱠ
ﺷﻔﺖ
ﻋﻈﺎﻣﻪ وﻟﻢ ﻳﺨﱪ ﺑﴪه أﺣﺪًا ،وإﻧﻪ ﺗﻤ ﱠﺮض ﺑني أﻫﻠﻪ زﻣﺎﻧًﺎ ،وملﺎ ﻳﺌﺲ ﻣﻦ اﻟﺸﻔﺎء وﻋﻠﻢ
اﻟﻀﺠﺮ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ :اﺣﺘﻤﻠﻮﻧﻲ إﱃ اﻟﺒﻠﻘﺎء؛ ﻓﺈﻧﻲ أرﺟﻮ اﻟﺸﻔﺎء.
ﻓﻠﻤﺎ ﺣ ﱠﻞ ﺑﻬﺎ وﺟﻌﻞ ﻳُﺴﺎرق ﻋﻔﺮاء اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﻣﺮورﻫﺎ ﻋﺎودﺗﻪ اﻟﺼﺤﺔ ،ﻓﺄﻗﺎم ﻛﺬﻟﻚ
إﱃ أن ﻟﻘﻴﻪ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ﻋﺬرة ﻓﺴ ﱠﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻣﴗ دﺧﻞ اﻟﻌﺬري ﻋﲆ زوج ﻋﻔﺮاء وﻗﺎل
ﻓﻀﺤﻜﻢ ﺑﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻳﺘﺸﺒﺐ ﺑﻜﻢ ،ﻓﻘﺎل :ﻣَ ﻦ ﺗﻌﻨﻲ؟! ﻟﻪ :ﻣﺘﻰ ﻗﺪم ﻫﺬا اﻟﻜﻠﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ ،ﻓﻘﺪ َ
ُ
ﻋﻠﻤﺖ ﺑﻘﺪوﻣﻪ. ﻗﺎل :ﻋﺮوة ،ﻗﺎل :أﻧﺖ أﺣﻖ ﺑﻤﺎ وﺻﻔﺖ ،وﷲ ﻣﺎ
566
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻣﺘﺼﻔﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎدة وﻣﺤﺎﺳﻦ اﻷﺧﻼق ﰲ ﻗﻮﻣﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺻﺒﺢ ﺟﻌﻞ ً وﻛﺎن زوج ﻋﻔﺮاء
ﻳﺘﺼﻔﺢ اﻷﻣﻜﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻘﻲ ﻋﺮوة ﻓﻌﺎﺗﺒﻪ ،وأﻗﺴﻢ أن ﻻ ﻳﻨﺰل إﻻ ﻋﻨﺪه ،ﻓﻮﻋَ ﺪه ذﻟﻚَ ،
ﻓﺬﻫﺐ
ﻄﻤَ ﺌﻨٍّﺎ.
ُﻣ ْ
وأﻣﺎ ﻋﺮوة ،ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺰم أن ﻻ ﻳﺒﻴﺖ اﻟﻠﻴﻞ وﻗﺪ ﻋﻠﻤﻮا ﺑﻪ ،ﻓﺨﺮج ﻓﻌﺎوده املﺮض ﻓﺘﻮﰲ
ﺑﻮادي اﻟﻘﺮى دون ﻣﻨﺎزل ﻗﻮﻣﻪ ،وملﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻔﺮاء وﻓﺎﺗﻪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﺰوﺟﻬﺎ :ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻚ
وﺑﻴﻨﻲ وﺑني اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻢ ،وﻣﺎ ﻋﻨﺪي ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺪ ،وأن ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻟﺤَ َﺴ ِﻦ اﻟﺠﻤﻴﻞ؛ ﻓﻬﻞ
ْ
ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺣﺘﻰ ﺗﺄذن ﱄ أن أﺧﺮج إﱃ ﻗﱪه ﻓﺄﻧﺪﺑﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ أﻧﻪ ﻗﴣ! ﻗﺎل :ذﻟﻚ إﻟﻴﻚ!
ً
ﻃﻮﻳﻼ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪت: أﺗﺖ ﻗﱪه ﻓﺘﻤ ﱠﺮﻏﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﺑ َﻜ ْﺖ
ﺪت ﻣﻴﺘﺔ! ﻓﺪﻓﻨﺖ إﱃ وملﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ أﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﱪ ﻓﺤُ ﱢﺮﻛﺖ ﻓﻮ ُِﺟ ْ
ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﻓﻨَﺒَﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﱪﻳﻦ ﺷﺠﺮﺗﺎن ،ﺣﺘﻰ إذا ﺻﺎرﺗﺎ ﻋﲆ ﺣﺪ ﻗﺎﻣﺔ اﻟﺘﻔﺘﺎ! ﻓﻜﺎﻧﺖ املﺎرة
ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻤﺎ وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﻦ أي ﴐب ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎت ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ أﻧﺸﺪ ﻓﻴﻬﻤﺎ اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻤﻦ
ذﻟﻚ ﻗﻮل اﻟﺸﻬﺎب ﻣﺤﻤﻮد:
ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻃﻒ ﺣﻴﺚ اﻟﺮﻧﺪ واﻟﻐﺎر ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺳﺮﺣﺔ اﻟﻮادي إذا ﺧﻄﺮت
ﻋ ﻠ ﻰ ﻣ ﻌ ﺎﻧ ﻘ ﺔ اﻷﻏ ﺼ ﺎن ﻣ ﻦ ﻋ ﺎر ﻓﻌﺎﻧﻘﻴﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺼﺐ اﻟﻜﺌﻴﺐ ﻓﻤﺎ
567
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻣﻨﻬﺎ:
ٍ
أﻧﻴﻘﺔ .وﻗﺪ وﻣﻌﺎن
ٍ وﻫﻲ ﺗﺴﻌﺔ وﺳﺒﻌﻮن ﺑﻴﺘًﺎ ﻗﺪ ﺿﻤﱠ ﻨﻬﺎ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺣﺎﻟﻪ ﺑﺄﻟﻔﺎظ رﻗﻴﻘﺔ،
ﺗﺮﻛﻨﺎﻫﺎ ﻟﺸﻬﺮﺗﻬﺎ ،وﺧﻮف اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ املﻮﺿﻮع.
ﻋﻘﻴﻠﺔ اﺑﻨﺔ أﺑﻲ اﻟﻨﺠﺎد ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ املﻨﺬر ﺑﻦ ﻣﺎء اﻟﺴﻤﺎء ،ﻣﻠﻚ اﻟﻌﺮب املﺸﻬﻮر ،وﺟﺪﱡﻫﺎ
اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺨﻮرﻧﻖ.
وﻫﻲ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب ،وأﻋﻠﻤﻬﻦ ﺑﺎﻷدب وأﺣﻮال اﻟﻌﺮب أﻳﺎﻣً ﺎ ووﻗﺎﺋﻊَ .ﺗﻌﻠﻘﻬﺎ
ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن املﺬﻛﻮر ،وﻛﺎن رﺑﱠﺎه ﻋﻤﱡ ﻪ أﺑﻮ اﻟﻨﺠﺎد ﺑﻌﺪ وﻓﺎة واﻟﺪ ﻛﻌﺐ،
ﻓﺸﻐﻒ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺮو واﺷﺘﺪ وﻟﻮﻋﻪ وزاد ﻏﺮاﻣﻪ ،ﻓﺨﻄﺒﻬﺎ إﱃ ﻋﻤﻪ ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﻬ ًﺮا ﻳﻌﺠﺰ
ﻋﻨﻪ ،ﻓﺄﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﺨﺮوج إﱃ أﺑﺮوﻳﺰ ﺑﻦ ﻛﴪى؛ ملﺎ ﻛﺎن ﺑني ﺟﺪودﻫﻤﺎ
ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻠﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ذﻫﺐ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣ ﱠﺮ ﺑﻌﺮاف ﻓﺒﺎت ﻋﻨﺪه ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻠﻢ ﻣﻨﻪ اﻷﻣﺮ ﻓﺄﺧﱪه
ﺳﺎع ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﺪرك ،ﻓﻌﺎد ﻓﻮﺟﺪ ﻋﻤﱠ ﻪ ﻗﺪ زوج اﻟﻌﻘﻴﻠﺔ ﻟﻔﺰاريﱟ ،ﻓﻬﺎم ﻋﲆ وﺟﻬﻪ إﱃ أﻧﻪ ٍ
اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ.
568
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻨﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﺰاري ،وﻛﺎن ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻮق ﻟﻌﻤﺮو أﺿﻌﺎف ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻟﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ
ﺗﺸﺪ اﻟﻔﺰاري إذا ﺟﻦ اﻟﻠﻴﻞ إﱃ ﻛﴪ اﻟﺒﻴﺖ وﺗﺒﻴﺖ ﰲ اﻟﺨﺪر ،ﻓﺈذا أﺻﺒﺢ اﻟﺼﺒﺢ ﺗُﻄﻠﻘﻪ
ﻓﻴﺴﺘﺤﻲ أن ﻳﺨﱪ اﻟﻌﺮب ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺄﻗﺎم ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺤﺎل ﺳﺒﻌني ﻟﻴﻠﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮ ﺗﻮﺑﻴﺦ اﻟﻌﺮب
ﻟﻪ واﺧﺘﻼف ﻇﻨﻮﻧﻬﻢ ﻓﻴﻪ؛ ﺧﺮج ﻓﻼ ﻳُﺪ َرى أﻳﻦ ذﻫﺐ ،وأﻗﺎﻣﺖ اﻟﻌﻘﻴﻠﺔ ﺑﺒﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ ﻻ
ﺗﺘﻨﺎول إﻻ اﻷﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻤﺴﻚ اﻟﺮﻣﻖ ،ودأﺑﻬﺎ اﻟﺒﻜﺎء ﻋﲆ ﻋﻤﺮو ،وﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ؛
ُﺘﻤﺴ ًﻜﺎ ﺑﺤﺒﻞ ﻋﻠﻖ ﻓﻮق رأﺳﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺎء إﱃ
ﺷﺎﺧﺼﺎ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﻣ ﱢ
ً ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻻ ﻳُﺮى إﻻ
اﻟﺼﺒﺎح وﻫﻮ ﻳﻨﺸﺪ:
ٍّ
ﻏﺎﺻﺎ ﺑﺎﻟﻀﺤﻚ ﻣﺴﺘﺒﴩًا ،ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ أﻳﺎم دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻓﻮﺟﺪه
ﻓﻘﺎل:
ﺛﻢ ﺷﻬﻖ ﺷﻬﻘﺔ ﻓﺎﺿﺖ ﻧﻔﺴﻪ! ﻗﺎل اﻟﻔﺮزدق :ﺧﺮﺟﺖ ﰲ ﻃﻠﺐ ﻏﻼم ﱄ أﺑﻖ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﴏت ﻋﲆ ﻣﺎء ﻟﺒﻨﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺟﺎءت اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻷﻣﻄﺎر ،ﻓﻠﺠﺄت إﱃ ﺑﻴﺖ ﻫﻨﺎك ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﱄ
ﺟﺎرﻳﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﻓﺤﻴﱠﺖ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻤﱠ ﻦ اﻟﺮﺟﻞ؟ ﻗﻠﺖ :ﺗﻤﻴﻤﻲ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻦ أﻳﻬﺎ ﻗﺒﻴﻠﺔ؟
ﻗﻠﺖ :ﻣﻦ ﻧﻬﺸﻞ ﺑﻦ ﻏﺎﻟﺐ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إذن أﻧﺘﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻜﻢ اﻟﻔﺮزدق:
569
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل :ﻓﺄﻋﺠﺒﺘﻨﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ذﻟﻚ ﻣﻨﻲ ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻦ ﺗﺆمﱡ؟ ﻗﻠﺖ :اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ،ﻓﺘﻨﻔﺴﺖ اﻟﺼﻌﺪاء
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
ُ
ﻓﻘﻠﺖ :أذات ﺧﺪر أم ذات ﺑﻌﻞ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ُ
ﻓﺄﻧﺴﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺎل:
ﺛﻢ ﺷﻬﻘﺖ ﺷﻬﻘﺖ ﻓﻤﺎﺗﺖ! ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺈذا ﻫﻲ اﻟﻌﻘﻴﻠﺔ ،وﺿﺒﻂ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻣﺎﺗﺖ
ﻓﻴﻪ ﻓﻮﺟﺪ ﻣﻮت ﻋﻤﺮو ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ً
أﻳﻀﺎ!
570
ﺣﺮف اﻟﻌني
571
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻓﺒﻠﻎ اﻟﺮﺷﻴﺪ ذﻟﻚ ﻓﺤﻠﻒ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺬﻛﺮه ،ﺛﻢ ﺗﺴﻤﱠ ﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ وﻫﻲ ﺗﻘﺮأ
اﻟﻘﺮآن ﰲ آﺧﺮ ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃَ :
﴿ﻓ ِﺈن ﱠﻟ ْﻢ ﻳ ُِﺼﺒْﻬَ ﺎ وَا ِﺑ ٌﻞ﴾ )اﻟﺒﻘﺮة:
(٢٦٥ﻓﻤﺎ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺮﺷﻴﺪ وﻗﺒﱠﻞ رأﺳﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻗﺪ وﻫﺒﺘﻚ ٍّ
ﻃﻼ
وﻻ ﻣﻨﻌﺘﻚ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻋﻒ اﻟﻨﺎس؛ ﻛﺎﻧﺖ إذا ﻃﻬﺮت ﻻزﻣﺖ املﺤﺮاب ،وإذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻃﺎﻫ ًﺮا ﻏﻨﱠﺖ،
وملﺎ ﺧﺮج اﻟﺮﺷﻴﺪ إﱃ اﻟﺮي أﺧﺬﻫﺎ ﻣﻌﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ املﺮج ﻧﻈﻤﺖ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻏﻨﺖ ﺑﻬﻤﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺮﺷﻴﺪ اﻟﺼﻮت ﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ اﺷﺘﺎﻗﺖ إﱃ اﻟﻌﺮاق وأﻫﻠﻬﺎ ﻓﺄﻣﺮ
ﺑﺮدﻫﺎ .وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
572
ﺣﺮف اﻟﻌني
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
آﺧ ﺬ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ ﺛ ﻢ أﻋ ﻄ ﻴ ﻬ ﺎ ﺧ ﻠ ﻮت ﺑ ﺎﻟ ﺮاح أﻧ ﺎﺟ ﻴ ﻬ ﺎ
أرﺿﺎه أن ﻳﺸﺮﻛﻨﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺎدﻣﺘﻬﺎ إذ ﻟﻢ أﺟﺪ ﺻﺎﺣﺒًﺎ
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
أﻧ ﺼ ﻒ اﻟ ﻤ ﻌ ﺸ ﻮق ﻓ ﻴ ﻪ ﻟ ﺴ ﻤ ﺞ ﺑُ ﻨ ﻲ اﻟ ﺤ ﺐ ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﺠ ﻮر ﻓ ﻠ ﻮ
ﻋ ﺎﺷ ﻖ ﻳُﺤ ﺴ ﻦ ﺗ ﺄﻟ ﻴ ﻒ اﻟ ﺤ ﺠ ﺞ ﻟﻴﺲ ﻳُﺴﺘﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﻬﻮى
ﻫ ﻮ ﺧ ﻴ ﺮ ﻣ ﻦ ﻛ ﺜ ﻴ ﺮ ﻗ ﺪ ﻣ ﺰج ﺼﺎ وﻗ ﻠ ﻴ ﻞ اﻟ ﺤ ﺐ ﺻ ً
ﺮﻓ ﺎ ﺧ ﺎﻟ ً
وﻗﺎﻟﺖ ﻋﺮﻳﺐ املﻐﻨﻴﺔ :أﺣﺴﻦ ﻳﻮم ﻣ ﱠﺮ ﺑﻲ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ وأﻃﻴﺒﻪ ﻳﻮم اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ
إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻬﺪي وأﺧﺘﻪ ﻋﻠﻴﺔ وﻋﻨﺪﻫﻢ ﻳﻌﻘﻮب ،وﻛﺎن أﺣﺬق اﻟﻨﺎس ﺑﺎملﺰﻣﺎر ،ﻓﺒﺪأت ﻋﻠﻴﺔ
ﻓﻐﻨﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﰲ ﺷﻌﺮﻫﺎ وأﺧﻮﻫﺎ ﻳﻌﻘﻮب ﻳﺰﻣﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
573
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻂ ،وأﻋﻠﻢ أﻧﻲ ﻻ أﺳﻤﻊ ﻣﺜﻠﻪ أﺑﺪًا.
574
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﻘﺺ اﻟﺨﱪ، ﱠ اﻟﻌﺮاﻗﻲ اﻟﺸﺎ َم وﺟﺪ ﻳﺰﻳﺪ ﻗﺪ ﻣﺎت ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺑﻤﻌﺎوﻳﺔ وﻟﺪه،
ﱡ ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ
وﻛﺎن ﺻﺎﻟﺤً ﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :اﺧﺮج ﻋﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺮﻳﻨﻲ وﺟﻬﻚ ،ﻓﺨﺮج اﻟﻌﺮاﻗﻲ وﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﺎل
ﻟﻠﺠﺎرﻳﺔ :أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻚ وإﻧﻤﺎ أﺧﺬﺗﻚ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺎﺳﺘَ َﱰ ْت ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﻟﻬﺎ وﺟﻬً ﺎ.
ﴏت ﱄ ،وﻟﻜﻦ ﻓﺎﺳﺘﱰي؛ ﻓﺈﻧﻲ ِ ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﻪ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻣﺎ ﻗﺎل ﺟﺎء إﻟﻴﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻗﺪ
ﻣُﻌﻴﺪُك إﱃ ﻣﻮﻻك ،ﺛﻢ رﺣﻞ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻋﲆ اﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻼﻗﻴﺎ أﺧﱪه ﺑﺎﻟﻘﻀﻴﺔ،
وأﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﺎﺟ ًﺮا ،وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻣﻄﻠﻮﺑﻪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻟﻴﺰﻳﺪ ،وإﻧﻪ ﺣني رآه ﻗﺪ ﻫﻠﻚ ﻟﻢ ﻳ َﺮ ﻧﻔﺴﻪ
ً
أﻫﻼ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄﻋﺎدﻫﺎ إﻟﻴﻪ وﻟﻢ ﻳ َﺮ ﻟﻬﺎ وﺟﻬً ﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬﻫﺎ ﻓﺴﻠﻤﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻼﻗﻴﺎ وﺗﻌﺎﻧﻘﺎ ﺧ ﱠﺮا
ﻣﻐﺸﻴني ﺳﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ أدﺧﻠﻬﺎ ورﻓﻊ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر أﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪه ،ووﻫﺐ ﻟﻪ
املﺎل واﻧﴫف ،وأﻗﺎﻣﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻋ ﱟﺰ وإﻗﺒﺎل.
ﺳﻴﺪ ﺑﻨﻲ ﺟﺸﻢ اﻟﺬي ﻗﺘﻞ ﻳﻮم ﺣﻨني ﰲ ﺣﺮب اﻹﺳﻼم .ﻗﺘﻠﻪ ﻋﺒﺪ رﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ رﻓﻴﻊ ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎن
ﻟﻠﻬﺠﺮة و٦٣٠م.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب ا ُملﺘﻘﺪﻣﺎت ﺑﺎملﻨﺰﻟﺔ ،اﻟﻨﺎﺑﻐﺎت ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻷدب ،اﻟﻌﺎملﺎت
ﺑﺄﺷﻌﺎر ورواﻳﺎت اﻟﻌﺮب ،ﻟﻬﺎ اﻟﻴﺪ اﻟﻄﻮﱃ ﰲ اﻟﻜﺮم واﻟﺸﻌﺮ املﺤﻜﻢ ،وﻣﻦ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ
رﺛﺎء ﰲ أﺑﻴﻬﺎ درﻳﺪ املﺬﻛﻮر ،وﺗﻨﻌﻰ إﱃ ﺑﻨﻲ ﺳﻠﻴﻢ إﺣﺴﺎن درﻳﺪ إﻟﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ:
ﺎق
ﺑﻴﻄﻦ ﺳﻤﻴﺮة ﺟﻴﺶ اﻟﻌﺘ ِ ﻟﻌﻤﺮك ﻣﺎ ﺧﺸﻴﺖ ﻋﻠﻰ درﻳﺪ
وﻋ ﻘ ﺘ ﻬ ﻢ ﺑ ﻤ ﺎ ﻓ ﻌ ﻠ ﻮا ﻋ ﻘ ِ
ﺎق ﺟ ﺰى ﻋ ﻨ ﻪ اﻹﻟ ﻪ ﺑ ﻨ ﻲ ﺳ ﻠ ﻴ ﻢ
دﻣ ﺎء ﺧ ﻴ ﺎرﻫ ﻢ ﻳ ﻮم اﻟ ﺘ ﻼﻗ ﻲ وأﺳ ﻘ ﺎﻧ ﺎ إذا ﻋ ﺪﻧ ﺎ إﻟ ﻴ ﻬ ﻢ
وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ اﻟﺘﺮاﻗﻲ ﻓ ﺮبﱠ ﻋ ﻈ ﻴ ﻤ ﺔ داﻓ ﻌ ﺖ ﻋ ﻨ ﻬ ﻢ
وأﺧﺮى ﻗﺪ ﻓﻜﻜﺖ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﺎق وربﱠ ﻛ ﺮﻳ ﻤ ﺔ أﻋ ﺘ ﻘ ﺖ ﻣ ﻨ ﻬ ﻢ
أﺟ ﺒ ﺖ وﻗ ﺪ دﻋ ﺎك ﺑ ﻼ رﻣ ﺎق وربﱠ ُﻣ ﻨ ﻮﱢه ﺑ ﻚ ﻣ ﻦ ﺳ ﻠ ﻴ ﻢ
وﻫ ﻤٍّ ﺎ ﻣ ﺎع ﻣ ﻨ ﻪ ﻣ ﺦ ﺳ ﺎق ﻓ ﻜ ﺎن ﺟ ﺰاؤﻧ ﺎ ﻣ ﻨ ﻬ ﻢ ﻋ ﻘ ً
ﻮﻗ ﺎ
ﻓ ﺬي ﺑ ﻘ ﺮ إﻟ ﻰ ﻓ ﻴ ﻒ اﻟ ﻨ ﻬ ﺎق ﻋ ﻔ ﺖ آﺛ ﺎر ﺧ ﻴ ﻠ ﻚ ﺑ ﻌ ﺪ أﻳ ٍﻦ
575
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻓﻈﻞ دﻣﻌﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﺑﺎل ﻳﻨﺤﺪر ﻗﺎﻟﻮا ﻗﺘﻠﻨﺎ درﻳﺪًا ﻗﻠﺖ ﻗﺪ ﺻﺪﻗﻮا
رأت ﺳ ﻠ ﻴ ﻢ وﻛ ﻌ ﺐ ﻛ ﻴ ﻒ ﺗ ﺄﺗ ﻤ ﺮ ﻟ ﻮﻻ اﻟ ﺬي ﻗ ﻬ ﺮ اﻷﻗ ﻮام ﻛ ﻠ ﻬ ﻢ
ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻘﺮت ﻧﻮاﻫﻢ ﺟﺤﻔﻞ ذﻓﺮ إذن ﻟ ﺼ ﺒﱠ ﺤ ﻬ ﻢ ﻏ ﺒٍّ ﺎ وﻇ ﺎﻫ ﺮة
576
ﺣﺮف اﻟﻌني
ً
ﻣﺮداﺳﺎ — وﻛﺎن ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :اﻟﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﺳﺨﺎﺋﻪ ﻛﺄﻧﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻋﻤﺮة ً
أﻳﻀﺎ ﺗﺮﺛﻲ أﺑﺎﻫﺎ
ﻓﻴﺾ اﻟﺒﺤﺮ:
ﻣ ﺼ ﺎرخ ﻓ ﻴ ﻬ ﻢ ﻋ ﱞﺰ وﻣ ﺮﺗ ﻐ ﺐ ﻟ ﻘ ﺪ أراﻧ ﺎ وﻓ ﻴ ﻨ ﺎ ﺳ ﺎﻣ ﺮ ﻟ ﺠ ﺐ
وﻳ ﺮﻗ ﻊ اﻟ ﺨ ﺮق ﻗ ﺪ أﻋ ﻴ ﺎ ﻓ ﻴ ﺮﺗ ﺌ ﺐ ﻻ ﻳ ﺮﻗ ﻊ اﻟ ﻨ ﺎس ﻓ ﺘ ًﻘ ﺎ ﻇ ﻞ ﻳ ﻔ ﺘ ﻘ ﻪ
إﻧ ﺎ ﻛ ﺬﻟ ﻚ ﻓ ﻴ ﻨ ﺎ ﺗ ﻮﺟ ﺪ اﻟ ﺸ ﻬ ﺐ واﻟﻔﻴﺾ ﻓﻴﻨﺎ ﺷﻬﺎب ﻳﺴﺘﻀﺎء ﺑﻪ
ﺟﻮل ﻓﻮارﺳﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﺤﺮ ﺗﻀﻄﺮب إذ ﻧ ﺤ ﻦ ﺑ ﺎﻹﺛ ﻢ ﻧ ﺮﻋ ﺎه وﻧ ﺴ ﻜ ﻨ ﻪ
ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻴﻮل إﻟﻰ ﺳﻌﺮ إذا رﻛﺒﻮا ﻛﺄن ﻣﻠﻘﻰ اﻟﻤﺴﺎﺣﻲ ﻣﻦ ﺳﻨﺎﺑﻜﻬﺎ
ﻳ ﻔ ﻨ ﻰ ﺿ ﻐ ﻴ ﻨ ﺘ ﻪ اﻟ ﺘ ﻌ ﺪاء واﻟ ﺨ ﺒ ﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺬﻟﻮل وﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻌﺘﺮض
577
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋﻤﺮة اﻟﺨﺜﻌﻤﻴﺔ
ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ ﺧﺜﻌﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮات اﻷدﻳﺒﺎت املﺘﺤﻤﺴﺎت ،وﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﻘﺒﻮل ،وﻟﻬﺎ رﺛﺎء ﰲ
أﺧﻮﻳﻦ ﻟﻬﺎ ُﻗﺘﻼ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﺰوات:
وﻫ ﻞ ﺟ ﺰع أن ﻗ ﻠ ﺖ وا ﺑ ﺄﺑ ﺎﻫ ﻤ ﺎ ﻟ ﻘ ﺪ زﻋ ﻤ ﻮا أﻧ ﻲ ﺟ ﺰﻋ ﺖ ﻋ ﻠ ﻴ ﻬ ﻤ ﺎ
إذا ﺧ ﺎف ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻧ ﺒ ﻮة ﻓ ﺪﻋ ﺎﻫ ﻤ ﺎ ﻫﻤﺎ أﺧﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ﻣﻦ ﻻ أﺧﺎ ﻟﻪ
ﺷﺤﻴﺤﺎن ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﻳﻠﺒﺴﺎن اﻟﻤﺠﺪ أﺣﺴﻦ ﻟﺒﺴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺴﻨﺔ اﻹﺷﺎرة ،ﺟﻤﻴﻠﺔ املﻨﻈﺮ ،ﻟﻄﻴﻔﺔ املﺨﱪ ،ﻋﻔﻴﻔﺔ ،دﻳﻨﺔ ،ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﺎﻟﺼﺪق
واﻟﺼﺪاﻗﺔ ،وﻋُ ﺮﻓﺖ ﺑني أﺧﻮاﺗﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﺎﻧﺔ وﺣﻔﻆ اﻟﻌﻬﺪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﺒﱠﺖ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﺎملﺨﺘﺎر ﺑﻦ
ﻓﻘﺘﻠﺖ ﻣﻌﻪ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺮ أﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﺜﻘﻔﻲ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻣﻌﻪ ﻟﺤني ﻗﺘﻠﻪ ُ
واﻷدب ،وﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻃﻴﻊ ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﺗﺨﺎﻃﺐ ﺑﻪ أﺧﺎﻫﺎ أﺑﺎن ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن،
وﺗﻠﻮﻣﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ زواج أﺧﺘﻬﺎ ﺣﻤﻴﺪة ﺑﺮوح ﺑﻦ زﻧﺒﺎع — وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺟﺬام:
578
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﺘﻠﺖ ﻋﻤﺮة ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ زوﺟﻬﺎ املﺨﺘﺎر ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﺜﻘﻔﻲ ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ُ
وﻗ ْ
ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻻﺑﻦ اﻷﺛري :أن ﻣﺼﻌﺒًﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺘﻞ املﺨﺘﺎر دﻋﺎ أم ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻨﺖ ﺳﻤﺮة
ﺑﻦ ﺟﻨﺪب اﻣﺮأﺗﻪ وﻋﻤﺮة ﻫﺬه ،ﻓﺄﺣﴬﻫﻤﺎ وﺳﺄﻟﻬﻤﺎ ﻋﻦ املﺨﺘﺎر ،ﻓﻘﺎﻟﺖ أم ﺛﺎﺑﺖ :ﻧﻘﻮل
ﻓﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻚ أﻧﺖ ،ﻓﺄﻃﻠﻘﻬﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻋﻤﺮة :رﺣﻤﻪ ﷲ ﻛﺎن ﻋﺒﺪًا هلل ﺻﺎﻟﺤً ﺎ ،ﻓﺤﺒﺴﻬﺎ وﻛﺘﺐ
إﱃ أﺧﻴﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري أﻧﻬﺎ ﺗﺰﻋﻢ أﻧﻪ ﻧﺒﻲ ،ﻓﺄﻣﺮه ﺑﻘﺘﻠﻬﺎ ً
ﻟﻴﻼ ﺑني اﻟﻜﻮﻓﺔ واﻟﺤرية.
ﻗﺘﻠﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﴩط :ﴐﺑﻬﺎ ﺛﻼث ﴐﺑﺎت ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ وﻫﻲ ﺗﻘﻮل :ﻳﺎ أﺑﺘﺎه ،ﻳﺎ ﻋﱰﺗﺎه ،ﻓﺮﻓﻊ
ﻄﻢ اﻟﻘﺎﺗﻞ وﻗﺎل :ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﺰاﻧﻴﺔ ،ﻋﺬﱠﺑﺘﻬﺎ .ﺛﻢ ﺗﺸﺤﻄﺖ ﻓﻤﺎﺗﺖ ،ﻓﺘﻌﻠﻖ اﻟﴩﻃﻲ رﺟﻞ ﻳﺪه ﻓﻠ َ
ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ وﺣﻤﻠﻪ إﱃ ﻣﺼﻌﺐ ،ﻓﻘﺎل :ﺧ ﱡﻠﻮه ﻓﻘﺪ رأى أﻣ ًﺮا ﻓﻈﻴﻌً ﺎ .ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ
املﺨﺰوﻣﻲ ﰲ ذﻟﻚ:
579
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
َ
واﺑﻨﺔ ﺳﻤﺮة ،اﻣﺮأﺗﻪ وروى ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻏﺎﻧﻲ أن ﻣﺼﻌﺒًﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺘﻞ املﺨﺘﺎر أﺧﺬ ﻋﻤﺮة
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،وأﻣﺮﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﱪاءة ﻣﻦ املﺨﺘﺎر .أﻣﺎ ﺑﻨﺖ ﺳﻤﺮة ﻓﱪﺋﺖ ﻣﻨﻪ ،وأﺑﺖ ذﻟﻚ ﻋﻤﺮة ،ﻓﻜﺘﺐ
ﺑﻪ ﻣﺼﻌﺐ إﱃ أﺧﻴﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ:
ﻓﻘ ْ
ﺘﻠﺖ. ﻓﺤﻔﺮ ﻟﻬﺎ ﺣﻔرية وأﻗﻴﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ ُ
إن أﺑ َْﺖ أن ﺗﱪأ ﻣﻨﻪ ﻓﺎﻗﺘﻠﻬﺎ! ﻓﺄﺑ َْﺖ َ
ﻓ ﻲ آﺧ ﺮ اﻟ ﻠ ﻴ ﻞ ﻟ ﻤ ﺎ ﺑ ﻠ ﻬ ﺎ اﻟ ﺴ ﺤ ﺮ ﻣ ﺤ ﺒ ﻮﺑ ﺔ ﺳ ﻤ ﻌ ﺖ ﺻ ﻮﺗ ﻲ ﻓ ﺄرﻗ ﻬ ﺎ
واﻟ ﺤ ﻠ ﻲ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ ﻋ ﻠ ﻰ ﻟ ﺒ ﺎﺗ ﻬ ﺎ ﺣ ﺼ ﺮ ﺗ ﺜﻨ ﻲ ﻋ ﻠ ﻰ ﻓ ﺨ ﺬﻫ ﺎ ﻣﺜ ﻨ ﻰ ﻣ ﻌ ﺼ ﻔ ﺮة
ﻓ ﺪﻣ ﻌ ﻬ ﺎ ﻟ ﻄ ﺮوق اﻟ ﺼ ﻮت ﻣ ﻨ ﺤ ﺪر ﻟﻢ ﻳﺤﺠﺐ اﻟﺼﻮت أﺟﺮاس وﻻ ﻏﻠﻖ
أوﺟ ﻬ ﻬ ﺎ ﻋ ﻨ ﺪه أﺑ ﻬ ﻰ أم اﻟ ﻘ ﻤ ﺮ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻨﺼﻒ ﻣﺎ ﻳﺪري ﻣﻀﺎﺟﻌﻬﺎ
ﻳ ﻜ ﺎد ﻣ ﻦ رﻗ ﺔ ﻟ ﻠ ﻤ ﺸ ﻲ ﻳ ﻨ ﻔ ﻄ ﺮ ﻟ ﻮ ﺧ ﻠ ﻴ ﺖ ﻟ ﻤ ﺸ ﺖ ﻧ ﺤ ﻮي ﻋ ﻠ ﻰ ﻗ ﺪم
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺼﻮت ﺧﺮج ﻓﺰﻋً ﺎ ﻳﺘﻔﻬﻤﻪ ،ﻓﺠﺎء إﱃ ﻋﻮان ﻓﺮآﻫﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺔ
اﻷﺑﻴﺎت! وﻛﺎﻧﺖ ﻳﻘﻈﺎﻧﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻓﻄﻨﺖ ﺑﻪ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻓﺴﻜﻦ ﻣﺎ ﺑﻪ وﻗﺎل :ﻗﺪ راﻋﻚ ﺻﻮﺗﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺻﺎدف ﻣﻨﻲ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﺤﻠﻒ
ﻟﻴﻘﺘﻠﻨﻪ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ ﻋﺒﺪًا ﻳﺤﺬره وﻗﺎﻟﺖ :إن ﻟﺤﻘﺘﻪ ﻓﻠﻚ دﻳﺘُﻪ وأﻧﺖ ﺣ ﱞﺮ ،ﻓﺴﺒَﻖ رﺳﻮ ُل ﺳﻠﻴﻤﺎن
580
ﺣﺮف اﻟﻌني
ﻓﺠﺎءوا ﺑﻪ ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :وإﻧﻚ ملﺠﱰئ؟! ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻓﺎرﺳﻚ ﻓﺎﺳﺘﺒﻘﻨﻲ ،ﻓﻘﺎل :ﻻ
ﻓﺨﴢ!أﻗﺘﻠﻚ ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﻪ ُ
وﺑﻘﻴﺖ ﻋﻮان ﻋﻨﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ إﱃ أن ﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ وآ َﻟ ْﺖ إﱃ ﺧﻠﻔﻪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،ﺛﺒﺘﺔ اﻟﺠﻨﺎن ،ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﻔﻨﻮن اﻷدب ،ورواﻳﺔ ﰲ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺮب .ﻟﻬﺎ
ﺷﻌﺮ ﻗﻠﻴﻞ ،وأﻏﻠﺒﻪ رﺛﺎء ﰲ أﺧﻴﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﻴﻊ ﺣني ُﻗﺘﻞ ﰲ ﻳﻮم ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﻌﺮب ،ﻣﻨﻪ
ﻗﻮﻟﻬﺎ:
581
ﺣﺮف اﻟﻐﲔ
ﻫﻲ ﺟﺎرﻳﺔ أﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﻣﺘﺄدﺑﺔ ﻣﺘﺨ ﱢﺮﺟﺔ ﰲ ﻓﻨﻮن اﻟﻐﻨﺎء ،ﻟﻬﺎ ﺻﻮت ﺣﺴﻦ وﺻﻨﻌﺔ ﺟﻴﺪة
ﺑﺎﻷﺻﻮات ،وﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﻏﻨﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ أﺻﻮات ﻋﺮﻳﺐ وإﺳﺤﺎق وﻣﻌﺒﺪ.
وﻗﻴﻞ :إن ﺳﺒﺐ وﺻﻮﻟﻬﺎ إﱃ املﻌﺘﺼﻢ ﺑﻦ ﺻﻤﺎدح ﻫﻮ أﻧﻬﺎ ملﺎ أدﱠﺑﻬﺎ وﺧ ﱠﺮﺟﻬﺎ ﺳﻴﺪﻫﺎ
ﻗﺪم ﺑﻬﺎ إﱃ املﻌﺘﺼﻢ ،ﻓﺄراد اﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻏﺎﻳﺔ املﻨﻰ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ:
أﺟﻴﺰي:
ﻓﻘﺎﻟﺖ:
اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻐﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻟﻢ أﻗﻒ ﻋﲆ اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﻗﺎل ﺻﺎﺣﺐ »ﻧﻔﺢ اﻟﻄﻴﺐ« :إن ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺐ ﻫﻮ ﻧﺴﺒﺔ إﱃ
ﺑﻠﺪة ﻣﻦ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻫﻲ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﺈﻗﻠﻴﻢ املﺮﻳﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺎﺋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ذات
ﻇﺮف وأدب وﺟﻤﺎل ،وﻟﻄﻒ وﺑﻬﺎء وﻛﻤﺎل ،ﻋﺎملﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮوض وﴐوﺑﻪ ،واﻟﺸﻌﺮ ورواﻳﺘﻪ،
ﻓﻤﻦ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻴﺎت:
وﻳﻘﺎل :إن ﻟﻬﺎ ﻗﺼﺎﺋ َﺪ وأﺷﻌﺎ ًرا ﻏري ﻫﺬه ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮات املﻮﺻﻮﻓﺎت ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ.
584
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﺎﺧﺘﺔ اﺑﻨﺔ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ،ﺑﻨﺖ
ﻋﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ وأﺧﺖ ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ،أﻣﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ أﺳﺪ ،واﺧﺘﻠﻒ ﰲ اﺳﻤﻬﺎ ﻓﻘﻴﻞ:
ﻫﻨﺪ ،وﻗﻴﻞ :ﻓﺎﻃﻤﺔ ،وﻗﻴﻞ :ﻓﺎﺧﺘﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺖ ﻫﺒرية ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺎﺋﺬ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان ﺑﻦ ﻣﺨﺰوم املﺨﺰوﻣﻲ .أﺳﻠﻤﺖ ﻋﺎم
اﻟﻔﺘﺢ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺳﻠﻤﺖ وﻓﺘﺢ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻣﻜﺔ؛ ﻫﺮب ﻫﺒرية إﱃ ﻧﺠﺮان وﻗﺎل ﺣني ﻓﺮ
ﻣﻌﺘﺬ ًرا ﻣﻦ ﻓﺮاره:
ﻗﺎل ﺧﻠﻒ اﻷﺣﻤﺮ :أﺑﻴﺎت ﻫﺒرية ﰲ اﻻﻋﺘﺬار ﺧري ﻣﻦ ﻗﻮل اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ — ﻳﻌﻨﻲ
ﻗﻮﻟﻪ:
وﻗﺎل اﻷﺻﻤﻌﻲ :أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﰲ اﻻﻋﺘﺬار ﻣﻦ اﻟﻔﺮار ﻗﻮل اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ،وﻗﺎل
اﺑﻦ إﺳﺤﺎق :إن ﻫﺒرية أﻗﺎم ﺑﻨﺠﺮان ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻪ إﺳﻼم أم ﻫﺎﻧﺊ — وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻪ — ﻗﺎل
أﺑﻴﺎﺗًﺎ ﻣﻨﻬﺎ:
وﻫﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا .ووﻟﺪت أم ﻫﺎﻧﺊ ﻟﻬﺒرية ﻋﻤ ًﺮا — وﺑﻪ ﻛﺎن ﻳﻜﻨﻰ ﻫﺒرية — وﻫﺎﻧﺌًﺎ
وﻳﻮﺳﻒ وﺟﻌﺪة.
وﻗﻴﻞ :ﻣﺎ أﺧﱪ أﺣﺪ أﻧﻪ رأى اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﺼﲇ اﻟﻀﺤﻰ إﻻ أم ﻫﺎﻧﺊ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺣﺪﱠﺛﺖ أن
رﺳﻮل ﷲ ﷺ دﺧﻞ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻳﻮم ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ ﻓﺎﻏﺘﺴﻞ ،ﻓﺴﺒﺢ ﺛﻤﺎﻧﻲ رﻛﻌﺎت ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﺻﲆ
ﺻﻼة أﺧﻒ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻏري أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ اﻟﺮﻛﻮع واﻟﺴﺠﻮد.
) (2ﻓﺎرﻋﺔ اﺑﻨﺔ أﺑﻲ اﻟﺼﻠﺖ اﻟﺜﻘﻔﻴﺔ أﺧﺖ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﺼﻠﺖ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أدﻳﺒﺎت اﻟﻌﺮب اﻟﺸﺎﻋﺮات اﻟﻌﺎﻗﻼت اﻟﺠﻤﻴﻼت اﻟﻬﻴﺌﺔ واملﻨﻈﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ
اﻟﺼﺤﺎﺑﻴﺎت املﺤﺪﺛﺎت اﻟﺼﺎدﻗﺎت ﰲ اﻟﺮواﻳﺔ .أﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌني.
ملﺎ ﻣﺎت أﻣﻴﺔ ﻗﺪﻣﺖ ﻋﲆ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ وﻓﺎة أﺧﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﻲ رأﻳﺖ
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ راﻗﺪ إذ أﺗﺎه رﺟﻼن ﻓﻜﺸﻄﺎ ﺳﻘﻒ اﻟﺒﻴﺖ وﻧﺰﻻ ،ﻓﻘﻌﺪ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻨﺪ رأﺳﻪ واﻵﺧﺮ
ﻋﻨﺪ رﺟﻠﻴﻪ! ﻓﻘﺎل اﻟﺬي ﻋﻨﺪ رﺟﻠﻴﻪ ﻟﻠﺬي ﻋﻨﺪ رأﺳﻪ :أَوَﻋﻰ؟ ﻗﺎل اﻟﺬي ﻋﻨﺪ رأﺳﻪ ﻟﻠﺬي
ﻋﻨﺪ رﺟﻠﻴﻪ :وﻋَ ﻰ ،ﻗﺎل :أزﻛﺎ؟ ﻗﺎل :زﻛﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺎل :ﺧري أرﻳﺪ ﺑﻲ ،ﺛﻢ
ﻗﻄﺮت ﻋﻴﻨﻪ ﺛﻢ ﻏﴚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق ﻗﺎل:
586
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓ ﻲ ﻗ ﻼل اﻟ ﺠ ﺒ ﺎل أرﻋ ﻰ اﻟ ﻮﻋ ﻮﻻ ﻟ ﻴ ﺘ ﻨ ﻲ ﻛ ﻨ ﺖ ﻗ ﺒ ﻞ ﻣ ﺎ ﻗ ﺪ ﺑ ﺪا ﻟ ﻲ
ﻏ ﻮﻟ ﺔ اﻟ ﺪﻫ ﺮ إن ﻟ ﻠ ﺪﻫ ﺮ ﻏ ﻮﻻ اﺟﻌﻞ اﻟﻤﻮت ﻧﺼﺐ ﻋﻴﻨﻴﻚ واﺣﺬر
ﻓ ﻴ ﻪ ﺷ ﻴ ﺐ اﻟ ﺼ ﻐ ﺎر ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﺛ ﻘ ﻴ ﻼ إن ﻳ ﻮم اﻟ ﺤ ﺴ ﺎب ﻳ ﻮم ﻋ ﻈ ﻴ ﻢ
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :ﻓﻤﺎ أﻃﻴﺒﻪ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ! ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﺎهلل أﻋﻴﺪﻳﻪ «.ﻓﺄﻋﺎدت ﻋﻠﻴﻪ
ﺷﻌﺮ أﺧﻴﻬﺎ ،وأﻧﺸﺪت ﺷﻌ ًﺮا ﺟﻴﺪًا ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ﻓﻼ ﺷﻲء أﻋﻠﻰ ﻣﻨﻚ ﺟﺪٍّا وأﻣﺠﺪ ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ واﻟﻨﻌﻤﺎء واﻟﻔﻀﻞ رﺑﻨﺎ
ﻟ ﻌ ﺰﺗ ﻪ ﺗ ﻌ ﻨ ﻮ اﻟ ﻮﺟ ﻮه وﺗ ﺴ ﺠ ﺪ ﻣﻠﻴﻚ ﻋﻠﻰ ﻋﺮش اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻬﻴﻤﻦ
وﻫﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺣﺘﻰ أﺗﺖ ﻋﲆ آﺧﺮﻫﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ أﻧﺸﺪﺗﻪ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ:
وﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ:
ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻋ ﻠ ﻰ ﻏ ﺮة ﻳُ ﻮاﻓ ﻘ ﻬ ﺎ ﻳ ﻮﺷ ﻚ ﻣَ ﻦ ﻓ ﱠﺮ ِﻣ ﻦ ﻣ ﻨ ﻴ ﺘ ﻪ
ﻟﻠﻤﻮت ﻛﺄس واﻟﻤﺮء ذاﺋﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﻏﺒﻄﺔ ﻳﻤﺖ ﻫﺮﻣً ﺎ
587
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻮﻟﻪ:
ﻓﻘﺎل ﷺ» :ﻛﺎن ﻣﺜﻞ أﺧﻴﻚ ﻛﻤﺜﻞ اﻟﺬي آﺗﺎه ﷲ آﻳﺎﺗﻪ ﻓﺎﻧﺴﻠﺦ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺄﺗﺒﻌﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن
وﻛﻔﺮ ﻗﻠﺒُﻪ «.ﻓﺄﻧﺰل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻓﻴﻪ﴿ :وَاﺗْ ُﻞ ﻋَ َﻠﻴ ِْﻬ ْﻢ ﻧَﺒَﺄ َ ا ﱠﻟﺬِي
ﻓﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻐﺎوﻳﻦ .آﻣﻦ ﺷﻌﺮه َ
آﺗَﻴْﻨَﺎ ُه آﻳَﺎ ِﺗﻨَﺎ﴾ )اﻷﻋﺮاف (١٧٥ :اﻵﻳﺔ.
وﺑﻘﻴﺖ ﻓﺎرﻋﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﻌﺪودات ﺑﺎﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ،املﻘﺪﻣﺎت ﻋﻨﺪ
اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ.
588
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
اﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ،أم ﻋﲇ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ وأم إﺧﻮﺗﻪ ﻃﺎﻟﺐ
وﻋﻘﻴﻞ وﺟﻌﻔﺮ .ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﻬﺠﺮة .وﻟﻴﺲ ﺑﴚء؛ واﻟﺼﺤﻴﺢ أﻧﻬﺎ ﻫﺎﺟﺮت إﱃ
املﺪﻳﻨﺔ وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻬﺎ.
ْ
وﻫﺎﺟﺮت إﱃ املﺪﻳﻨﺔ وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻬﺎ. ْ
أﺳﻠﻤﺖ ﻗﺎل اﻟﺸﻌﺒﻲ :أم ﻋﲇ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ أﺳﺪ
وﻗﺎل ﻋﲇ ﻷﻣﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ أﺳﺪ :أﻛﻔﻲ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺳﻘﺎﻳﺔ املﺎء واﻟﺬﻫﺎب
ﰲ اﻟﺤﺎﺟﺔ ،وﺗﻜﻔﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ اﻟﻄﺤﻦ واﻟﻌﺠﻦ .وﻫﺬا ﻳﺪل ﻋﲆ ﻫﺠﺮﺗﻬﺎ؛ ﻷن ﻋﻠﻴٍّﺎ إﻧﻤﺎ
ﺗﺰوج ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ.
ْ
وﻟﺪت ﻗﺎل اﻟﺰﻫﺮي :ﻫﻲ أول ﻫﺎﺷﻤﻴﺔ وﻟﺪت ﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ،وﻫﻲ ً
أﻳﻀﺎ أول ﻫﺎﺷﻤﻴﺔ
ﺧﻠﻴﻔﺔ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﻟﺪت اﻟﺤﺴﻦ ،ﺛﻢ زﺑﻴﺪة اﻣﺮأة اﻟﺮﺷﻴﺪ وﻟﺪت
ﺗﺼﻒ ﻟﻬﻢ اﻟﺨﻼﻓﺔ؛ ﻓﺄﻣﺎ ﻋﲇ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ُ ﱠ
ﻏريﻫﻦ ،ﺛﻢ إن ﻫﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻟﻢ اﻷﻣني .ﻻ ﻧﻌﻠﻢ
ُ
اﺿﻄﺮاب اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻴﻪ إﱃ أن ﻗﺘﻞ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﻬﻮر ،وأﻣﺎ اﻟﺤﺴﻦ واﻷﻣني ﻓﺨﻠﻌﺎ.
وﻗﻴﻞ :إن رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻛﻔﻦ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ أﺳﺪ ﰲ ﻗﻤﻴﺼﻪ ،واﺿﻄﺠﻊ ﰲ ﻗﱪﻫﺎ،
وﺟﺰاﻫﺎ ﺧريًا ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :ﻣﺎ رأﻳﻨﺎك ﺻﻨﻌﺖ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖ ﺑﻬﺬه؟! ﻗﺎل» :إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﺑﻌﺪ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ أﺑﺮ ﺑﻲ ﻣﻨﻬﺎ ،إﻧﻤﺎ أﻟﺒﺴﺘﻬﺎ ﻗﻤﻴﴢ ﻟﺘُﻜﴗ ﻣﻦ ﺣﻠﻞ اﻟﺠﻨﺔ ،واﺿﻄﺠﻌﺖ ﰲ
ﻗﱪﻫﺎ ﻟﻴﻬﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺬاب اﻟﻘﱪ«.
ﻗﺎل اﻟﺰﺑري :اﻧﻘﺮض وﻟﺪ أﺳﺪ ﺑﻦ ﻫﺎﺷﻢ إﻻ ﻣﻦ اﺑﻨﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ أﺳﺪ .وﻓﺎﻃﻤﺔ ﻫﺬه
ﻟﻬﺎ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﻣﺸﻬﻮرة ،وﻣﺂﺛﺮ ﻣﺸﻜﻮرة ﻣﺬﻛﻮرة ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻟﺸﻬﺮﺗﻬﺎ وﻛﺜﺮة ﺗﺪاوﻟﻬﺎ
اﻛﺘﻔﻴﻨﺎ ﺑﺬﻛﺮ ﻫﺬا اﻟﻴﺴري ﻣﻨﻬﺎ.
ﻗﺮﻳﺶ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﺨﻤﺲ ﺳﻨني ،وﻫﻲ أﺻﻐﺮ ﺑﻨﺎﺗﻪ ﷺ ،وأﻣﻬﺎ ٌ وﻟﺪت ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻨﻲ
ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻮﻳﻠﺪ ،وﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﷺ إذ ذاك اﺑﻦ ﺧﻤﺲ وﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ.
وﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺤﺒﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ أوﻻده اﻟﻄﺎﻫﺮﻳﻦ وﺑﻨﺎﺗﻪ اﻟﴩﻳﻔﺎت .ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻋﲇ ﺑﻦ
أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم ﰲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﺑﻨﻰ ﺑﻬﺎ ﰲ ذي
اﻟﺤﺠﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ املﺬﻛﻮرة.
589
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
روي ﻋﻦ أﻧﺲ أﻧﻪ ﻗﺎل :ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﻐﺸﻴﻪ اﻟﻮﺣﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق ﻗﺎل» :ﻳﺎ
أﻧﺲ ،أﺗﺪري ﻣﺎ ﺟﺎءﻧﻲ ﺑﻪ ﺟﱪﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺮش — ﻋﺰ وﺟﻞ وﻋﻼ؟«
ﻗﻠﺖ :ﺑﺄﺑﻲ أﻧﺖ وأﻣﻲ ،ﻣﺎ ﺟﺎءك ﺑﻪ ﺟﱪﻳﻞ؟ ﻗﺎل» :ﻗﺎل ﱄ :إن ﷲ — ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﱃ —
ﻳﺄﻣﺮك أن ﺗﺰوج ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﲇ؛ ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ وادُع ﱄ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ وﻋﻤﺮ وﻋﺜﻤﺎن وﻃﻠﺤﺔ واﻟﺰﺑري
ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﺪﻋﻮﺗُﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺧﺬوا ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﻢ ﻗﺎل ﷺ» :اﻟﺤﻤﺪ ُ وﺑﻌﺪﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر «.ﻗﺎل:
هلل املﺤﻤﻮد ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ ،املﻌﺒﻮد ﺑﻘﺪرﺗﻪ ،املﻄﺎع ﺑﺴﻠﻄﺎﻧﻪ ،املﻬﺮوب إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﻪ ،اﻟﻨﺎﻓﺬ أﻣﺮه
ﰲ أرﺿﻪ وﺳﻤﺎﺋﻪ ،اﻟﺬي ﺧﻠﻖ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﻘﺪرﺗﻪ ،وﻣﻴﺰﻫﻢ ﺑﺄﺣﻜﺎﻣﻪ ،وأﻋﺰﻫﻢ ﺑﺪﻳﻨﻪ ،وأﻛﺮﻣﻬﻢ
ً
ﻣﻔﱰﺿﺎ ،وﺣﻜﻤً ﺎ ﺑﻨﺒﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪ .إن ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﺟﻌﻞ ا ُملﺼﺎﻫﺮة ﻧﺴﺒًﺎ ً
ﻻﺣﻘﺎ ،وأﻣ ًﺮا
ﻋﺎدﻻ ،وﺧريًا ﺟﺎﻣﻌً ﺎ .أوﺷﺞ ﺑﻬﺎ اﻷرﺣﺎم ،وأﻟﺰﻣﻬﺎ اﻷﻧﺎم؛ ﻓﻘﺎل ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :و َُﻫ َﻮ ً
ﺎن َرﺑﱡ َﻚ َﻗﺪِﻳ ًﺮا﴾ )اﻟﻔﺮﻗﺎن .(٥٤ :وأﻣﺮا ﱠﻟﺬِي َﺧ َﻠ َﻖ ِﻣ َﻦ ا ْﻟﻤَ ﺎءِ ﺑ ََﴩًا َﻓﺠَ ﻌَ َﻠ ُﻪ ﻧ َ َﺴﺒًﺎ و َِﺻﻬْ ًﺮا ۗ َو َﻛ َ
ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻳﺠﺮي إﱃ ﻗﻀﺎﺋﻪ ،وﻗﻀﺎؤه ﻳﺠﺮي إﱃ ﻗﺪره ،وﻟﻜﻞ ﻗﻀﺎء ﻗﺪر ،وﻟﻜﻞ ﻗﺪر أﺟﻞ،
وﻟﻜﻞ أﺟﻞ ﻛﺘﺎب ،ﻳﻤﺤﻮ ﷲ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء وﻳﺜﺒﺖ وﻋﻨﺪه أم اﻟﻜﺘﺎب.
ﺛﻢ إن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ أﻣﺮﻧﻲ أن أزوج ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﲇ ،وأﺷﻬﺪﻛﻢ أﻧﻲ زوﺟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﻦ
اﻟﺴﻨﱠﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ،واﻟﻔﺮﻳﻀﺔ اﻟﻮاﺟﺒﺔ، ﻋﲇ ﻋﲆ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﺜﻘﺎل ﻓﻀﺔ ،إن رﴈ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ ﱡ
ﻓﺠﻤﻊ ﷲ ﺷﻤﻠﻬﻤﺎ ،وﺑﺎرك ﻟﻬﻤﺎ ،وأﻃﺎب ﻧﺴﻠﻬﻤﺎ ،وﺟﻌﻞ ﻧﺴﻠﻬﻤﺎ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﻣﻌﺎدن
اﻟﺤﻜﻤﺔ ،وأﻣﻦ اﻷﻣﺔ .أﻗﻮل ﻗﻮﱄ ﻫﺬا وأﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ ﱄ وﻟﻜﻢ «.ﻗﺎل :وﻛﺎن ﻋﲇ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم
ﻏﺎﺋﺒًﺎ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﺮﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻗﺪ ﺑﻌﺜﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﻟﻨﺎ ﺑﻄﺒﻖ ﻓﻴﻪ ﺗﻤﺮ ﻓﻮﺿﻊ ﺑني أﻳﺪﻳﻨﺎ،
ﻓﻘﺎل :اﻧﺘﻬﺒﻮا ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ إذ أﻗﺒﻞ ﻋﲇ ﱞ ﻓﺘﺒﺴﻢ إﻟﻴﻪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﻗﺎل» :ﻳﺎ ﻋﲇ،
إن ﷲ أﻣﺮﻧﻲ أن أُزوﱢﺟﻚ ﻓﺎﻃﻤﺔ ،وإﻧﻲ زوﱠﺟﺘﻜﻬﺎ ﻋﲆ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﺜﻘﺎل ﻓﻀﺔ«.
ﻓﻘﺎل ﻋﲇ :رﺿﻴﺖ ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،ﺛﻢ إن ﻋﻠﻴٍّﺎ ﺧ ﱠﺮ ﺳﺎﺟﺪًا ﺷﻜ ًﺮا هلل ،ﻓﻠﻤﺎ رﻓﻊ رأﺳﻪ
ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل ﷺ» :ﺑﺎرك ﷲ ﻟﻜﻤﺎ وﻋﻠﻴﻜﻤﺎ ،وأﺳﻌﺪ ﺟﺪﻛﻤﺎ ،وأﺧﺮج ﻣﻨﻜﻤﺎ اﻟﻜﺜري اﻟﻄﻴﺐ«.
ﻗﺎل أﻧﺲ :وﷲ ﻟﻘﺪ أﺧﺮج ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﻜﺜري اﻟﻄﻴﺐ.
وﰲ املﺴﻨﺪ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ :أﻗﺒﻠﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺗﻤﴚ ﻛﺄن ﻣﺸﻴﺘﻬﺎ ﻣﺸﻴﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ﻓﻘﺎل
وأﴎ ﻟﻬﺎ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻓﺒ َﻜ ْﺖ ،ﻓﻘﻠﺖ: ﱠ رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﺎﺑﻨﺘﻲ «.ﺛﻢ أﺟﻠﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ
ْ
ﻓﻀﺤﻜﺖ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﺎ أﴎ ﻟﻬﺎ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ً
أﻳﻀﺎ اﺳﺘﺨﻠﺼﻚ رﺳﻮل ﷲ ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ ﺛﻢ ﺗﺒﻜني؟! ﺛﻢ ﱠ
رأﻳﺖ ﻛﺎﻟﻴﻮم ﻓﺮﺣً ﺎ أﻗﺮب ﻣﻦ ﺣﺰن! ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﻓﴚ ﴎ
رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺒﺾ ﷺ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﴎ إﱄ ﱠ »أن ﺟﱪﻳﻞ ﻛﺎن ﻳﻌﺎرﺿﻨﻲ
ﺣﴬ ﺑﺎﻟﻘﺮآن ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻣﺮة ،وإﻧﻪ ﻋﺎرﺿﻨﻲ ﺑﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﻣﺮﺗني؛ وﻻ أراه إﻻ ﻗﺪ َ
590
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ً
ﻟﺤﻮﻗﺎ ﺑﻲ ،وﻧﻌﻢ اﻟﺴﻠﻒ أﻧﺎ ﻟﻚ «.ﻓﺒﻜﻴﺖ ﻓﻘﺎل» :أﻻ ﺗﺮﺿني أﺟﲇ ،وأﻧﻚ أول أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ
أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺳﻴﺪة ﻧﺴﺎء ﻫﺬه اﻷﻣﺔ «.ﻓﻀﺤﻜﺖ ﻟﺬﻟﻚ .وﻟﻢ ﺗﻀﺤﻚ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم ﺑﻌﺪ
وﻓﺎة أﺑﻴﻬﺎ.
ﻗﺎل ﰲ اﻟﺠﻤﺎن :روي أن ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ أﻋﻄﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺻﺪﻗﺔ ﺑﻌﺪ
وﻓﺎة رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :اﻣﴤ إﱃ اﻟﺴﻮق ﺑﻬﺎ وﻗﻮﱄ :ﻣﻦ ﻳﻘﺒﻞ ﺻﺪﻗﺔ ﺑﻨﺖ رﺳﻮل
ﷲ ﷺ؟ ﻓﻤَ ﻦ ﻗ ِﺒ َﻠﻬﺎ ﻓﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﻪ ،ﻓﻤﻀﺖ اﻟﺠﺎرﻳﺔ إﱃ اﻟﺴﻮق وﻗﺎﻟﺖ :ﻣَ ﻦ ﻳﻘﺒﻞ ﺻﺪﻗﺔ ﺑﻨﺖ
رﺳﻮل ﷲ ﷺ؟
ﻓﻘﺎل رﺟﻞ ﻣﻐﺮﺑﻲ :أﻧﺎ ﻣﻮﺿﻊ ﺻﺪﻗﺔ آل ﺑﻴﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﺄﻋﻄﺘﻪ اﻟﺼﺪﻗﺔ
وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﺟﺐ ﺑﻨﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻧﻌﻢ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺒﺎب ﺳﺄﻟﺘﻪ :ﻣﻦ أﻧﺖ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :أﻧﺎ رﺟﻞ ﻣﻐﺮﺑﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪِ :ﻣﻦ أيﱢ
املﻐﺮب؟
ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ اﻟﱪﺑﺮ ،ﻓﺒﻜﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ وﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺎل ﱄ واﻟﺪي رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :ﻟﻜﻞ ﻧﺒﻲ
ﺣﻮاري ،وﺣﻮاري ذرﻳﺘﻲ اﻟﱪﺑﺮ ،ﺳﻴُﻘﺘﻞ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴني وﻳﻔﺮ أوﻻدﻫﻤﺎ إﱃ املﻐﺮب ﻓﻼ
ﻳﺄوﻳﻬﻤﺎ إﻻ اﻟﱪﺑﺮ ،ﻓﻴﺎ ﺷﺆم ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺑﻬﻢ ذﻟﻚ! وﻃﻮﺑﻰ ملﻦ أﻛﺮﻣﻬﻢ وأﻋﺰﻫﻢ!«
وﻋﻦ ﻋﲇ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻗﺎل :إن ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ رﺳﻮل ﷲ ﺻﺎرت إﱃ ﻗﱪ أﺑﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ
ووﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﺑﻜﺖ ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻟﻘﱪ ﻓﺠﻌﻠﺘﻪ ﻋﲆ ﻋﻴﻨﻬﺎ ووﺟﻬﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺄت
ﺗﻘﻮل:
591
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟﺜﻼث ﺧﻠﻮن ﻣﻦ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ إﺣﺪى ﻋﴩة ٍ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺜﻼﺛﺎء
ﱠ ً
ﺛﻤﺎن وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﺒﻘﻴﻊ ﻟﻴﻼ ،وﺻﲆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﲇ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم، ﻟﻠﻬﺠﺮة وﻫﻲ ﺑﻨﺖ ٍ
ْ
ﻟﺒﺜﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة وﻗﻴﻞ :ﺻﲆ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻧﺰل ﰲ ﻗﱪﻫﺎ ﻫﻮ واﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس ،وﻗﻴﻞ:
اﻟﻨﺒﻲ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ،وﻗﺎل ﻋﺮوة ﺑﻦ اﻟﺰﺑري وﻋﺎﺋﺸﺔ :ﻟﺒﺜﺖ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ،
وﻣﺜﻠﻪ ﻋﻦ اﺑﻦ ﺷﻬﺎب اﻟﺰﻫﺮي ،وﻫﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ.
روي أن ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ملﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ وﻓﺮغ ﻣﻦ ﺟﻬﺎزﻫﺎ وﻣﻦ دﻓﻨﻬﺎ رﺟﻊ إﱃ
اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﺣﺶ ﻓﻴﻪ وﺟﺰع ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﺰﻋً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﺛﻢ أﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
وﻛﺎن ﻳﺰور ﻗﱪﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﻓﺄﻗﺒﻞ ذات ﻳﻮم ﻓﺎﻧﻜﺐﱠ ﻋﲆ اﻟﻘﱪ وﺑﻜﻰ ﺑﻜﺎءً ﻣ ٍّﺮا
وأﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
وأﻣﺎ أوﻻدﻫﺎ :ﻓﺎﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴني واملﺤﺴﻦ — وﻫﺬا ﻣﺎت ﺻﻐريًا — وأم ﻛﻠﺜﻮم وزﻳﻨﺐ،
وزاد اﻟﻠﻴﺚ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ :رﻗﻴﺔ — وﻣﺎﺗﺖ ﺻﻐرية ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ — وﻟﻢ ﻳﺘﺰوج ﻋﲇ ﱞ ﻋﲆ ﻓﺎﻃﻤﺔ،
وﻛﺎﻧﺖ أول أزواﺟﻪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم .ﻧﻔﻌﻨﺎ ﷲ ﺑﻬﻤﺎ .آﻣني.
592
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
593
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﱃ أن دﺧﻠﻮا املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني ﻷﺧﺘﻬﺎ ﺳﻜﻴﻨﺔ :ﻗﺪ أﺣﺴﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ
إﻟﻴﻨﺎ؛ ﻓﻬﻞ ﻟﻚ أن ﺗﺼﻠﻴﻪ ﺑﴚء؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﺎ ﻧﺼﻠﻪ ﺑﻪ إﻻ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﺤﲇ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺎﻓﻌﲇ ،ﻓﺄﺧﺮﺟﺖ ﻟﻪ ﺳﻮارﻳﻦ ودﻣﻠﺠني وﺑﻌﺜﺘﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﻬﻤﺎ ،ﻓﺮدﱠﻫﻤﺎ وﻗﺎل:
ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺬي ﺻﻨﻌﺘﻪ رﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻜﺎن ﰲ ﻫﺬا ﻛﻔﺎﻳﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ وﷲ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ إﻻ هلل،
وﻟﻘﺮاﺑﺘﻜﻢ ﻣﻦ رﺳﻮل ﷲ ﷺ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ أﻛﱪ ﺳﻨٍّﺎ ﻣﻦ أﺧﺘﻬﺎ ﺳﻜﻴﻨﺔ ،ﻗﺎل ﺻﺎﺣﺐ »ﻧﻮر اﻷﺑﺼﺎر« ﻋﻦ اﻟﻘﻄﺐ
اﻟﺸﻌﺮاﻧﻲ :إن اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺑﻨﺖ اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴني اﻟﺴﺒﻂ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﺪرب اﻷﺣﻤﺮ
ﺑﻤﴫ.
وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﺟﻬﻮري اﻟﻜﺒري :إن اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﺧﻠﻒ
اﻟﺪرب اﻷﺣﻤﺮ ﰲ زﻗﺎق ﻳُﻌﺮف ﺑﺰﻗﺎق ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﰲ ﻣﺴﺠﺪ ﺟﻠﻴﻞ ،وﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻋﻈﻴﻢ
وﻋﻠﻴﻪ املﻬﺎﺑﺔ واﻟﺠﻼل.
وﰲ رﺣﻠﺔ اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻼم ﻋﲆ ﻏﺰة ﻣﺎ ﻧﺼﻪ» :وﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا املﺴﺠﺪ
ﻣﻐﺎرة ﻓﻴﻬﺎ ﻗﱪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني ﺑﻦ ﻋﲇ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — وﺑﺄﻋﲆ اﻟﻘﱪ وأﺳﻔﻠﻪ
ﻟﻮﺣﺎن ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ،ﰲ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻜﺘﻮب ﻣﻨﻘﻮش ﺑﺨﻂ ﺑﺪﻳﻊ:
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ،هلل اﻟﻌﺰة واﻟﺒﻘﺎء ،وﻟﻪ ﻣﺎ ذرأ وﺑﺮأ ،وﻋﲆ ﺧﻠﻘﻪ ﻛﺘﺐ
اﻟﻔﻨﺎء ،وﰲ رﺳﻮل ﷲ ﷺ أﺳﻮة .ﻫﺬا ﻗﱪ أم ﺳﻠﻤﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني ﻋﻠﻴﻪ
اﻟﺴﻼم.
وﰲ اﻟﻠﻮح اﻵﺧﺮ ﻣﻨﻘﻮش ﺻﻨﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻬﻞ اﻟﻨﻘﺎش ﺑﻤﴫ ،وﺗﺤﺖ ذﻟﻚ
ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت:
وﻣﻦ ﻛﻼم ﻓﺎﻃﻤﺔ — ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم :وﷲ ﻣﺎ ﻧﺎل أﺣﺪ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺴﻔﻪ ﺑﺴﻔﻬﻬﻢ ﺷﻴﺌًﺎ
وﻻ أدرﻛﻮا ﻣﻦ ﻟﺬاﺗﻬﻢ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ وﻗﺪ ﻧﺎﻟﻪ أﻫﻞ املﺮوءات؛ ﻓﺎﺳﺘﱰوا ﺑﺠﻤﻴﻞ ﺳﱰ ﷲ.
594
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﻗﻴﻞ :إن ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ اﻟﺼﻐﺮى ،وإﻧﻬﺎ ﺗﺨﻠﻔﺖ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺠﺎء ﻏﺮاب وﺗﻤ ﱠﺮغ
ﰲ دم اﻟﺤﺴني ﰲ ﻛﺮﺑﻼء وﻃﺎر ﺣﺘﻰ وﻗﻊ ﻋﲆ ﺟﺪار ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺼﻐﺮى ،ﻓﺮﻓﻌﺖ ﻃﺮﻓﻬﺎ
وﻧﻈﺮت إﻟﻴﻪ وﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﺷﺪﻳﺪًا ،وأﻧﺸﺄت اﻷﺑﻴﺎت املﺬﻛﻮرة.
وﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :ملﺎ ُز ﱠﻓﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴني ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم إﱃ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ
ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ﻋﺎرﺿﻬﺎ ﻣﻮﳻ ﺷﻬﻮات ﻓﻘﺎل:
ﻋﴩ وﻣﺎﺋﺔ ﻟﻠﻬﺠﺮة ،ودﻓﻨﺖ ﰲ املﺴﺠﺪ ٍ وﺗﻮﻓﻴﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ
املﻌﺮوف ﺑﻬﺎ اﻵن اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺪرب اﻷﺣﻤﺮ ﺑﻤﴫ املﺎ ﱢر ذﻛ ُﺮه ،وﻣﺴﺠﺪﻫﺎ ﻣﻘﺎم اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ،
وﻟﻪ أوﻗﺎف دا ﱠرة ﻣﻦ دﻳﻮان اﻷوﻗﺎف ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻵن ،وﻟﻬﺎ ﻣﻮﻟﺪ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ،وﺣﴬة ﰲ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع
ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ رﺟﺎل اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،واﻷذﻛﺎر واﻟﺼﻠﻮات ﺗﻘﺎم ﻣﻦ املﺴﺎء إﱃ اﻟﺼﺒﺎح.
595
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻣﴣ ﻓﺰوﱠﺟﻪ أﺑﻮه ﺑﺂﻣﻨﺔ ﺑﻨﺖ وﻫﺐ، َ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أﻧﺎ ﻣﻊ أﺑﻲ ﻓﻼ أﻗﺪر أن أﻓﺎرﻗﻪ،
ﻓﺄﻗﺎم ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ،ﺛﻢ اﻧﴫف ﻓﻤ ﱠﺮ ﺑﺎﻟﺨﺜﻌﻤﻴﺔ ﻓﺪَﻋﺘْﻪ ُ
ﻧﻔﺴﻪ إﱃ ﻣﺎ دﻋﺘﻪ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ:
أردت؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻓﺘﻰ ،ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﺼﺎﺣﺒﺔ رﻳﺒﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ رأﻳﺖ ﰲ وﺟﻬﻚ ِ ﻫﻞ ﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ِ
ﻛﻨﺖ
َ
ﺻﻨﻌﺖ ﺑﻌﺪي؟! ﻗﺎل: ﻧﻮ ًرا ﻓﺄردت أن ﻳﻜﻮن ﱄ ،ﻓﺄﺑﻰ ﷲ إﻻ أن ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺣﻴﺚ أراد ،ﻓﻤﺎ
زوﱠﺟﻨﻲ أﺑﻲ آﻣﻨﺔ اﺑﻨﺔ وﻫﺐ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻣ ﱟﺮ ﺣني ذاك:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ ﰲ ذﻟﻚ:
596
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وإﻣ ﺎ ﻳ ﺪ ﻣ ﺒ ﺴ ﻮﻃ ﺔ ﺑ ﺒ ﻨ ﺎن ﺳ ﻴ ﻜ ﻔ ﻴ ﻜ ﻪ إﻣ ﺎ ﻳ ﺪ ُﻣ ْﻘ ﻔ ﻌ ﱠﻠ ﺔ
ﺣ ﻮت ﻣ ﻨ ﻪ ﻓ ﺨ ًﺮا ﻣ ﺎ ﻟ ﺬﻟ ﻚ ﺛ ﺎﻧ ﻲ وﻟ ﻤ ﺎ ﺣ ﻮت ﻣ ﻨ ﻪ أﻣ ﻴ ﻨ ﺔ ﻣ ﺎ ﺣ ﻮت
ﻓﺎﻧﴫف ﻋﺒﺪ ﷲ وﺑﻘﻴﺖ ﻫﻲ ﰲ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ وﻟﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ وﺗﺮﺑﻰ وﻛﱪ وﻧﺰل ﻋﻠﻴﻪ
اﻟﻮﺣﻲ ،ﻓﻮﻓﺪت ﻋﻠﻴﻪ وأﺳﻠﻤﺖ ﻋﲆ ﻳﺪﻳﻪ ،وﻣﺎﺗﺖ ﰲ ﻣﺪﺗﻪ .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ.
ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ أﺣﺪ ﺳﺎدات اﻟﻌﺮب ،ﺗﺰوج ﺑﺨﺎﻟﺪة ﺑﻨﺖ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ
ﻣﻦ ﻓﺼﺤﺎء اﻟﻌﺮب وﺷﺎﻋﺮات اﻟﻨﺴﺎء ،وأﺷﻌﺎرﻫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻢ واﻷﻣﺜﺎل،
وأﻛﺜﺮﻫﺎ رﺛﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺮب ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺑﺄﺷﻌﺎرﻫﺎ ،وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺠ ﱠﺮاح زوﺟﻬﺎ:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
597
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
598
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻋﺼﺎه ﻋﻦ ﻋﺎﺗﻘﻪ «.وأﻣﺮﻫﺎ ﺑﺄﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ زﻳﺪ ﻓﺘﺰوﱠﺟﺘﻪ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻋﲆ أﺧﻴﻬﺎ
اﻟﻀﺤﺎك ﺑﻦ ﻗﻴﺲ — وﻛﺎن أﻣريًا ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب — ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺑﻘﺪوﻣﻬﺎ
أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺗﻘﺎﻃﺮوا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،وﻗﺪ ﺣﺪﱠﺛﺘﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ
ﷺ .روى ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺟﻤﻠﺔ أﺣﺎدﻳﺚ.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ملﺎ ﻗﺘﻞ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب اﺟﺘﻤﻊ أﻫﻞ اﻟﺸﻮرى ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﻗﻀﻮا ﻣﺂرﺑﻬﻢ
ﰲ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﺎﻃﻼﻋﻬﺎ ،وأﺧﺬوا رأﻳﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ .وﻗﺪ روت ﺟﻤﻠﺔ أﺣﺎدﻳﺚ رواﻫﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ
اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ.
ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﻌﺒﺸﻤﻴﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰوﺟﺖ ﺳﺎ ًملﺎ ﻣﻮﱃ ﺣﺬﻳﻔﺔ — زوﱠﺟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻋﻤﻬﺎ أﺑﻮ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ — وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻦ املﻬﺎﺟﺮات اﻷُوَل ،وﻣﻦ أﻓﻀﻞ أﻳﺎﻣﻰ ﻗﺮﻳﺶ؛ ﻟﻬﺎ ﻋﻘﻞ وﻛﻤﺎل ،وﻓﻀﻞ وﺟﻤﺎل .وملﺎ ُﻗﺘﻞ
ﻋﻨﻬﺎ ﺳﺎﻟﻢ ﻳﻮم اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪه اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺑﻦ املﻐرية املﺨﺰوﻣﻲ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺸﺎم ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺠﺒﺎب ﻣﻦ ﺛﻴﺎب اﻟﺨﺰ ،ﺛﻢ ﺗﺄﺗﺰر ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ :أﻣﺎ ﻳُﻐﻨﻴﻚ ﻫﺬا ﻋﻦ
اﻹزار؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻹزار .وﻗﺪ روت ﺟﻤﻠﺔ أﺣﺎدﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ
ﷺ رواﻫﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ.
أﺳﻠﻤﺖ ﻳﻮم اﻟﻔﺘﺢ ،وﺑﺎﻳﻌﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،وﻫﻲ زوج اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺑﻦ املﻐرية
املﺨﺰوﻣﻲ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﱠﻪ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪه ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب .وﻗﺪ وﻟﺪت ﻟﻠﺤﺎرث ﺑﻦ ﻫﺸﺎم:
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ وأم ﺣﻜﻴﻢ ،وﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ اﻟﺤﺎرث إﱃ اﻟﺸﺎم .وﻗﺪ اﺳﺘﺸﺎرﻫﺎ أﺧﻮﻫﺎ
ﺧﺎﻟﺪ ﰲ ﺑﻌﺾ أﻣﻮره؛ وذﻟﻚ ﻟﻮﻓﺮة ﻋﻘﻠﻬﺎ ،وﺣﺴﻦ ﺗﺪﺑريﻫﺎ .وملﺎ ﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ زوﺟﻬﺎ اﻟﺤﺎرث
ﻋﺎدت إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﻌﺪ رﺟﻮﻋﻬﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ.
وروي ﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ أﺣﺎدﻳﺚ رواﻫﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ.
599
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
600
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﰲ زوﺟﻬﺎ ﰲ ﺑﻼد اﻟﺤﺒﺸﺔ ﻗﺪﻣﺖ ﻫﻲ واﺑﻨﺎﻫﺎ املﺬﻛﻮران إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﰲ إﺣﺪى
اﻟﺴﻔﻴﻨﺘني اﻟﻠﺘني ﻗﺪﻣﺘﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺸﺔ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ملﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻣﻦ أرض اﻟﺤﺒﺸﺔ وﻓﺪت
إﱃ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ وﻣﻌﻬﺎ اﺑﻨﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ ،ﻫﺬا اﺑﻦ أﺧﻴﻚ ﺣﺎﻃﺐ ،وﻗﺪ أﺻﺎﺑﻪ ﻫﺬا
اﻟﺤﺮق ﻣﻦ اﻟﻨﺎر؛ ﻓﺎدع ﷲ ﻟﻪ ،ﻓﺪﻋﺎ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎء ﻓﺸﻔﻲ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وأدﻳﺒﺔ ﻋﴫﻫﺎ وأواﻧﻬﺎ ،ذات ﺟﻤﺎل راﺋﻖ ،وﺣﺴﻦ ﻓﺎﺋﻖ ،ودﻳﻦ
وورع ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ إﻟﻴﻪ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ .ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻷﻣﻮي ﻗﺒﻞ
أن ﻳﺘﻮﱃ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﻐﻤﺮﻫﺎ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻪ ،وأﻗﻨﻌﻬﺎ ﺑﻨﻮاﻟﻪ ،وﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﺄﻗ ﱠﻞ ﻣﻨﻪ ً
ﻣﺎﻻ ،وﻗﺪ ﻋﺎﺷﺎ
ﰲ ﻣﺒﺪﺋﻬﻤﺎ ﻋﻴﺸﺔ اﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ واﻟﺘﻨﻌﻢ ،وملﺎ آﻟﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﱃ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ رأى أن
ﻋﺒﺄﻫﺎ ﺛﻘﻴﻞ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﺎﺗﻘﻪ.
وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻪ ﻗﺎل ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ :إن أردت ﺻﺤﺒﺘﻲ ﻓ ُﺮدﱢي ﻣﺎ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ ﻣﺎل وﺣﲇ
وﺟﻮاﻫ َﺮ إﱃ ﺑﻴﺖ ﻣﺎل املﺴﻠﻤني؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻬﻢ ،وإﻧﻲ ﻻ أﺟﺘﻤﻊ أﻧﺎ وأﻧﺖ وﻫﻮ ﰲ ﺑﻴﺖ واﺣﺪ،
ﻓﺮدﱠﺗﻪ ﺟﻤﻴﻌﻪ وﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﺧﻼل إﺑﺮة.
وﺑﻘﻴﺖ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻋﻴﺸﺔ اﻟﺘﻘﺸﻒ واﻟﻀﻴﻖ ﻣﻊ اﺗﺴﺎع اﻟﺨﻼﻓﺔ واملﻠﻚ إﱃ أن ﻣﺎت ،ﻓﻠﻤﺎ
اﻧﺘﻘﻠﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﱃ أﺧﻴﻬﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إن ﻋﻤﺮ ﻗﺪ ﻇﻠﻤﻚ ﰲ ﻣﺎﻟﻚِ ! وإﻧﻲ
رددﺗﻪ إﻟﻴﻚ ﻓﺨﺬﻳﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻼ وﷲ ﻻ آﺧﺬه؛ ﻓﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﻃﻴﻌﻪ ﺣﻴٍّﺎ وأﻋﺼﻴﻪ ﻣﻴﺘًﺎ ،ﻓﺄﺧﺬه
ﻳﺰﻳﺪ وﻓﺮﻗﻪ ﻋﲆ أﻫﻠﻪ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ زﻫﺪ وﻋﺒﺎدة وورع ﺣﺘﻰ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﺰوﺟﻬﺎ
ﻋﻤﺮ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ.
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﺑﻨﺔ اﻟﺸﻴﺦ اﻹﻣﺎم املﻘﺮئ املﺤﺪث ﺟﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ
اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﷲ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳﻢ اﻷﻧﺼﺎري اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎملﺎت اﻟﻌﺎﻗﻼت املﺤﺪﺛﺎت اﻟﺼﺎدﻗﺎت ﰲ اﻟﺮواﻳﺔ .أﺧﺬت اﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ واﻟﺪﻫﺎ وﻋﻦ أﺟﻼء ﻋﴫﻫﺎ ،وﻗﺪ أﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺟﻤﻠﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻔﺪي وﺧﻼﻓﻪ،
وأﺟﺎزﻫﺎ ﻣﻌﻈﻢ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻟﻠﻬﺠﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺎم واﻟﻌﺮاق واﻟﺤﺠﺎز وﻓﺎرس وﻏريﻫﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ وﻻدﺗﻬﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ٦٢٠ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺳﻨﺔ ٧٠٨ﻫ ،وﻛﺎﻧﺖ ذات ﺛﺮوة واﻓﺮة
601
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺧريات وﻣﱪات وﻣﺪارس وﺑﻴﻤﺎرﺳﺘﺎﻧﺎت وﺗﻜﺎﻳﺎ ،وأوﻗﻔﺖ ﻟﺘﻠﻚ
ً
أوﻗﺎﻓﺎ ،ورﺗﺒﺖ ملﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ رواﺗﺐ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻫﺖ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻬﺎ اﻟﺨريﻳﺔ أﻋﺎﻇﻢ املﺤﻼت اﻟﺨريﻳﺔ
رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ﻋﴫﻫﺎ .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة ﻣﺠﻴﺪة ،وﻓﺼﻴﺤﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ،ﻟﻬﺎ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻄﻮﻟﺔ ،وأﺷﻌﺎر ﻟﻄﻴﻔﺔ ،وﻧﺜﺮ ﺟﻤﻴﻞ،
ﻋﺎﴏت اﻟﺼﻔﺪي ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ .وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻷﻣﺎﺛﻞ واﻷدﺑﺎء
اﻷﻓﺎﺿﻞ ،وﻗﺪ أﺟﺎزﻫﺎ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻨﻬﻢ ،وروى ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺜري ً
أﻳﻀﺎ.
وﻗﺪ راﺳﻠﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻗﺎﴈ اﻟﻘﻀﺎة ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻓﻀﻞ ﷲ ﺑﻘﺼﻴﺪة ﻏﺮاء
ﻧﺤﻮ ﺳﺒﻌﺔ وﻋﴩﻳﻦ ﺑﻴﺘًﺎ وﻣﻄﻠﻌﻬﺎ:
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ املﱰﺟَ ﻤﺔ ﺑﻘﺼﻴﺪة ﻋﲆ وزﻧﻬﺎ وﻗﺎﻓﻴﺘﻬﺎ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﺑﻴﺘًﺎ ،ﻟﻢ ﻧﻌﺜﺮ
ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﻋﲆ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني؛ وﻫﻤﺎ:
وﻣﻌﺎﻧﻲ
َ ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة إﱃ ﻗﺎﴈ اﻟﻘﻀﺎة وﺟﺪﻫﺎ ﻛﻠﻬﺎ أﻟﻔﺎ ً
ﻇﺎ دُرﻳﱠﺔ،
ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ،أﻛﱪ ﻣﺨﺎﻃﺒﺘﻬﺎ ،وأﺧﺬﻫﺎ ﺑﻌني اﻟﻜﻤﺎل ،وﻟﻢ ﻳُﺨﺎﻃﺒﻬﺎ إﻻ ﺑﻤﺎ ﻳُﻮاﻓﻖ ﻣﻘﺎم اﻟﻌﻠﻤﺎء
اﻷﻋﻼم .وﺑﻘﻴﺖ ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖ وﺣﴬ ﻣﺸﻬﺪﻫﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻷﻋﻴﺎن
واﻟﺤﻜﺎم .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
602
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻴﻬﺎت اﻟﻌﺎملﺎت ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺤﺪﻳﺚ ،أﺧﺬت اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء،
وأﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺜريون ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺣﻠﻘﺔ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ،وﻗﺪ أﺟﺎزﻫﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻘﻮم ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻦ اﻟﺰﻫﺪ واﻟﻮرع ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ،ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻔﺨﺮ اﻷﻧﺎم اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻋﻼء اﻟﺪﻳﻦ
ً
ﻃﻮﻳﻼ ،وﻗﺪ أﻟﻔﺖ املﺆﻟﻔﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة ﰲ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺤﺪﻳﺚ، اﻟﻘﺎﺷﺎﻧﻲ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻋﻨﺪه زﻣﻨًﺎ
واﻧﺘﴩت ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ ﺑني اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻷﻓﺎﺿﻞ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎﴏة ﻟﻠﻤﻠﻚ اﻟﻌﺎدل ﻧﻮر اﻟﺪﻳﻦ
اﻟﺸﻬﻴﺪ ،وﻃﺎملﺎ اﺳﺘﺸﺎرﻫﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ أﻣﻮره اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ،وأﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ املﺴﺎﺋﻞ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ،
وﻛﺎن داﺋﻤً ﺎ ﻳُﻨﻌﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻳﻌﻀﺪ ﻣﺴﻌﺎﻫﺎ.
وﻗﺪ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﻠﺐ ،ودﻓﻨﺖ ﰲ ﻣﻘﱪة ﻣﻦ ﻗﺒﻮر اﻟﺼﺎﻟﺤني ،وﻗﱪﻫﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﺸﻬﻮر
ﺑﻘﱪ املﺮأة وزوﺟﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ دﻓﻨﺖ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ذوي اﻟﺰﻫﺪ واﻟﻮرع وﻻﺑﺴﺎت املﺴﻮح ،ﺣﺠﱠ ﺖ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺮار ﻣﻦ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس إﱃ
ﻣﻜﺔ وﻫﻲ ﻣﺎﺷﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎﴏة ﻟﺬي اﻟﻨﻮن املﴫي وأﺑﻲ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺒﺴﻄﺎﻣﻲ،
وﻛﺎن ذو اﻟﻨﻮن املﴫي — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — ﻳﻘﻮل :ﻓﺎﻃﻤﺔ أﺳﺘﺎذﺗﻲ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺮاﻗﺐ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﻛﻞ ﺣﺎل؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﺤﺪر ﰲ ﻛﻞ ﻣﻴﺪان،
وﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻜﻞ ﻟﺴﺎن ،وﻣﻦ راﻗﺐ ﷲ ﰲ ﻛﻞ ﺣﺎل أﺧﺮﺳﻪ إﻻ ﻋﻦ اﻟﺼﺪق ،وأﻟﺰﻣﻪ اﻟﺤﻴﺎء ﻣﻨﻪ،
واﻹﺧﻼص ﻟﻪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :ﻣﻦ ﻋﻤﻞ هلل ﻋﲆ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﷲ إﻳﺎه ﻓﻬﻮ ﻣﺨﻠﺺ .وﻛﺎن أﺑﻮ ﻳﺰﻳﺪ
اﻟﺒﺴﻄﺎﻣﻲ ﻳﻘﻮل ﻋﻨﻬﺎ :ﻣﺎ رأﻳﺖ اﻣﺮأة ﻣﺜﻞ ﻓﺎﻃﻤﺔ! ﻣﺎ ﺧﱪﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺎم إﻻ ﻛﺎن اﻟﺨﱪ ﻟﻬﺎ
ﻋﻴﺎﻧًﺎ.
ﻣﺎﺗﺖ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻤﺮة ﺑﻤﻜﺔ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث وﻋﴩﻳﻦ وﻣﺎﺋﺘني.
603
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟﺺ اﻹﻳﻤﺎن واﻟﺒﺮ واﻟﺘﻘﻮى ﻧﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻮى وﻧﺤﺸﺮ ﻓﻲ ﻏﺪ
ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﺄم ﻋﺒﻴﺪة ﺳﻨﺔ ﺗﺴﻊ وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎملﺸﻬﺪ اﻷﺣﻤﺪي — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ.
وﺗﻠﻘﺐ ﻣﻠﻜﺔ ،ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ اﻟﺰﺑﺮﺟﺪي اﻟﻜﺒري — ُﻗﺪس ﴎه — ﺣني ذﻛﺮﻫﺎ :اﻟﺴﻴﺪة
ﻓﺎﻃﻤﺔ أﺧﺖ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺼﻴﺎد ﺑﻦ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ — ﻗﺪس ﷲ ﴎه — اﻟﻌﺰﻳﺰ
ﻳﻠﻘﺒﻬﺎ أﻫﻞ ﺑﻴﺘﻬﻢ ﻣﻠﻜﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻋﺎرﻓﺔ ﻋﺎملﺔ ﻋﺎﺑﺪة ﺧﺎﺷﻌﺔ ،ﺣﺠﱠ ﺖ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ
ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﺼﻴﺎد اﻟﺸﻬري ﺳﻨﺔ ﺛﻼث وأرﺑﻌني وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ،وزارت ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ،
ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻤﺜﻠﺖ أﻣﺎم ﻗﱪ ﺟﺪﻫﺎ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم — ﻗﺎﻟﺖ:
604
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﺛﻢ ﻏﴚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺮﻓﻌﻮﻫﺎ إﱃ ﻣﺤﻠﻬﺎ ،ﻓﻤﺎﺗﺖ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺣﺮم اﻟﻨﺒﻲ
ﷺ ،وﻣﺮﻗﺪﻫﺎ املﺒﺎرك ﻣﻌﺮوف ﻳﺰار ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ وﻳﺘﱪك ﺑﻪ .رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ.
وﻫﻲ ﺣﻔﻴﺪة اﻟﻐﻮث اﻷﻛﱪ ﺳﻴﺪ اﻷوﻟﻴﺎء اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ —
ﻣﻦ ﺑﻨﺘﻪ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﻌﺎرﻓﺔ ﺑﺎهلل اﻟﴩﻳﻔﺔ زﻳﻨﺐ ،وواﻟﺪﻫﺎ اﻟﻘﻄﺐ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ
اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻢ أﺟﻤﻌني.
605
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
واﻟﺬي ﻳﺮى ﺗﻔﺮﻏﻬﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﻳﻈﻦ أﻧﻬﺎ أﻫﻤﻠﺖ أﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻠﻤﺨﺪﱠرات ﻣﻦ
اﻷﺷﻐﺎل املﻨﺰﻟﻴﺔ ،ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻬﻤﻞ دوام اﻟﺘﻘﺪم ﰲ اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﻤﺨﺪرات ،وﻗﺪ
ﺗﻔﺮدت ﺑﺬﻟﻚ ﺑني ﻣﺜﻴﻼﺗﻬﺎ وﻓﺎﻗﺖ ﻛﺜريات ﻣﻦ ﻗﺮﻳﻨﺎﺗﻬﺎ.
واﻓﺘﺘﺤﺖ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎﺟً ﺎ ﺧﺼﻮﺻﻴٍّﺎ ﰲ اﻹﻧﺸﺎءات اﻟﻜﻼﻣﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺪر ﻋﲆ
اﻟﺘﻔﺮغ ﻟﻨﴩ اﻵﺛﺎر ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﻬﺎ ﰲ أول اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺸﺌﻮن اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺤﺼﻮل
ﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﻨﺴﺎء؛ ﻛﺘﺪﺑري املﻨﺰل وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻷوﻻد .وملﺎ ﻋﻤﺖ اﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ
وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ،واﺑﺘﺪأت ﺑﻌﺾ ً اﻟﺤﻤﻴﺪي إﱃ ﻋﻤﻮم املﻤﺎﻟﻚ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ،
ا ُملﺨﺪﱠرات اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻧﴩ اﻵﺛﺎر ،واﻻﺷﱰاك ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ وﻏريﻫﺎ ،اﺑﺘﺪرت املﱰﺟَ ﻤﺔ
أن ﺗﺴﺎﺑﻖ ﻫﺎﺗﻴﻚ ا ُملﺨﺪﱠرات ،ﻓﱰﺟﻤﺖ رواﻳﺔ »دوﻻﻧﺘﻪ« — ﺗﺄﻟﻴﻒ »ﺟﻮرج أدﻧﺎ« ،أﺣﺪ
ﻣﺸﺎﻫري أدﺑﺎء اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني — ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ إﱃ اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وﺳﻤﱠ ﺘﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ »ﻣﺮام«،
وأﺑﺪﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ اﻹﺑﺪاع ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻷﺳﻠﻮب واﻟﺴﻴﺎق .وﻫﻲ أول آﺛﺎر ﺑﺮاﻋﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺿﻨﺖ
ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺬﻛﺮه ،ﺑﻞ أﺧﻔﺘﻪ ﺻﻮﻧًﺎ واﺣﺘﺠﺎﺑًﺎ ،واﻧﺘﻈﺮت أﻗﻮال أدﺑﺎء اﻟﻌﴫ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ
ﻳﺘﻜﺎﻣﻞ ﻧﴩﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮت ﻋﻼﺋﻢ اﺳﺘﺤﺴﺎن اﻷدﺑﺎء ﻟﻠﻄﺮاز اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺟﺮت ﻋﻠﻴﻪ ﰲ
ﻋﺒﺎراﺗﻬﺎ .وﻗﺪ اﺣﺘﻔﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻼﻣﺔ أﺣﻤﺪ ﻣﺪﺣﺖ أﻓﻨﺪي ،ﻣﺤﺮر ﺟﺮﻧﺎل »ﺗﺮﺟﻤﺎن ﺣﻘﻴﻘﺖ«
اﻟﱰﻛﻲ اﻟﻌﺒﺎرة ،وﻛﺘﺐ ﺟﻤﻠﺔ ﻓﺼﻮل ﻋﻨﻬﺎ ،وﺷﻮﱠﻗﻬﺎ إﱃ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻌﻠﻮم واﻵداب.
وﻛﺜﺮ اﻟﻜﻼم ﺑني أدﺑﺎء اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني ﻋﻦ ﺳﻴﺎق ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﺨﻔﺎء اﺳﻢ
ﻣﱰﺟﻤﺘﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻀﺪﻫﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺪﺣﺖ أﻓﻨﺪي وأﻣﺜﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻓﻀﻼء اﻷﺗﺮاك ،وأﻇﻬﺮوا ﻟﻬﻢ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺣﺎﻟﻬﺎ.
وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ﺗﻌﻀﻴﺪ وﺗﻨﺸﻴﻂ ﻣﺪﺣﺖ أﻓﻨﺪي ﻟﻬﺎ أﻇﻬﺮت اﺳﻤﻬﺎ ،واﺑﺘﺪأت املﺒﺎﺣﺜﺎت
اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻨﻪ ،وﺻﺎرت ﺗﻜﺘﺐ املﻘﺎﻻت اﻟﻌﺪﻳﺪة وﺗﺮﺳﻠﻬﺎ ﺗﺤﺖ إﻣﻀﺎﺋﻬﺎ
ﻓﺘُﻨﴩ ﰲ »ﺗﺮﺟﻤﺎن ﺣﻘﻴﻘﺖ« ،وﺑﺬﻟﻚ اﺷﺘﻬﺮت ﺑني اﻷدﺑﺎء اﺷﺘﻬﺎ ًرا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ.
وملﺎ ﺷﺎع ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ اﻵﻓﺎق وﺳﻤﻌﺖ ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺎء اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺴﺎﺋﺤﺎت؛ ﴏن أول ﻣﺎ ﻳﺮدن
رن ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ
ﺼﺪن ﻣﻨﺎزل اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺎت املﺘﺼﻔﺎت ﺑﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،وﻳَ ُﺰ َ َ ﻋﲆ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ﻳ َْﻘ
ﺪن ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺎﺿﻠﺔ أدﻳﺒﺔ. وﻳُﺬاﻛِﺮﻧَﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف واﻟﻔﻨﻮن؛ ﻓﻴ َِﺠ َ
وﻗﺪ ﺟﺮت ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺪات اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺴﺎﺋﺤﺎت ﻣﺤﺎورات ﻣﻬﻤﺔ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ
ﰲ رﺳﺎﻟﺔ وﺳﻤﺘﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ »ﻧﺴﺎء اﻹﺳﻼم« ،وﻗﺪ ﻧﴩت ﰲ ﺟﺮﻳﺪة »ﺗﺮﺟﻤﺎن ﺣﻘﻴﻘﺖ« ﺳﻨﺔ
١٨٩٢إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ،وﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﺮﻳﺪة ﺛﻤﺮات اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻊ ﰲ ﺑريوت ﻣﻦ اﻟﱰﻛﻴﺔ
إﱃ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺮﺟﻤﺖ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﱃ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ واﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺑﻠﻐﺖ ﺣﺪﻫﺎ ﻣﻦ
اﻻﺷﺘﻬﺎر.
606
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﺑﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺟﺎءت أﺣﺴﻦ ﻣﻘﺎﻟﺔ أﻧﺸﺌﺖ ﻣﻦ ذوات اﻟﻘﻨﺎع؛ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻼﻏﺔ
واﻹﺑﺪاع؛ رأﻳﺖ أن أدرﺟﻬﺎ ﻋﻘﻴﺐ ﻫﺬه اﻟﱰﺟﻤﺔ ،وإن ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻮل؛ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺪة،
وأﺛ ًﺮا ﻟﻬﺬه اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ.
وﻟﻠﻤﱰﺟﻤﺔ رواﻳﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﺳﻤﺘﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ »ﻣﺤﺎﴐات« ،ﻧﴩﺗﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻬﺎ
اﻟﱰﻛﻲ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﰲ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ.
وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈن املﱰﺟﻤﺔ ﻗﺪ ﺗﻔﻨﻨﺖ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻛ ﱠﻞ
اﻟﺘﻔﻨﻦ ،وﻣﺰﺟﺖ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﴩﻗﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻣﻦ ﻣﻔﺎﺧﺮ املﺨﺪﱠرات ِ
اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻀﺎﻫﻬﺎ أﺣ ٌﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﴩﻗﻴﺎت واﻟﻐﺮﺑﻴﺎت .وﻫﻲ اﻵن ﻣﻘﻴﻤﺔ ﺑﺎﻵﺳﺘﺎﻧﺔ
ووﺳﻊ ﷲ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف ﻋﲆ ﺟﻨﺴﻨﺎ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ .وﻫﺎ اﻟﻌﻠﻴﺔ — ﻛﺜﺮ ﷲ ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ،ﱠ
ﻫﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ املﻮﻋﻮد ﺑﺄدراﺟﻬﺎ؛ ﻗﺎﻟﺖ:
ملﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﻮع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﺪﻧﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،وﻣﺤﺘﺎﺟً ﺎ إﱃ اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻌﺎﺿﺪ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻪ
اﻟﺒﻌﺾ ،ﺗﻤ ﱠﻜﻦ ﰲ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ رواﺑﻂ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ،وﺑﺴﻂ ﺑﺴﺎط املﺪﻧﻴﺔ ،واﺳﺘﻜﻤﺎل
أﻳﻀﺎ ،وﻋﲆ ﻫﺬا ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ اﻟﴬورﻳﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ اﺳﺘﺤﺼﺎل ﺣﻮاﺋﺠﻪ اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ ً
اﻟﻮﺟﻪ ﻇﻬﺮ اﺧﺘﻼف ﰲ اﻟﻠﻐﺎت ﰲ أي اﻷﻃﺮاف ،وﻧﺸﺄ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﰲ اﻟﻌﺮف واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻳﺨﺎﻟﻒ
ﺑﻌﻀﺎ ،وﻗﺪ أدى اﺧﺘﻼف اﻟﻠﺴﺎن واملﻜﺎن إﱃ إﻳﺠﺎد ﻣﺒﺎﻳﻨﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺑني املِ ﻠﻞ واﻷﻗﻮام، ﺑﻌﻀﻪ ً
ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ أﺧﺬ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻪ املِ ﻠﻞ ﻳﻌﻴﺶ ﰲ ﻋﺎملﻪ اﻟﺼﻐري ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺰﻟﺔ
واﻻﻧﻔﺮاد ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﺣﻮاﻟﻪ ﺳﻮاه.
أﺟﻞ ،إن املِ ﻠﻞ املﺬﻛﻮرة ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺧﻠﻮٍّا ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻂ املﻮاﺻﻼت ﻛﺎﻟﻘﻮاﻓﻞ واﻟﺴﻔﻦ ،إﻻ
أﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻷﺳﻔﺎر اﻟﱪﻳﺔ واﻟﺒﺤﺮﻳﺔ وﻗﻠﺔ اﻟﻮاردات ،ﻛﺎن أﻫﺎﱄ اﻟﺒﻼد اﻟﺒﻌﻴﺪة
ﻏري واﻗﻔني ﺗﻤﺎم اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ أﺣﻮال ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻨﻮع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،وﻛﺎن إذا ﻇﻬﺮ
ﺣﺎدث ﰲ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ أوروﺑﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ! وﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺮ
أﻳﻀﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﺤﻮادث اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﺮور زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ! اﻟﺒﻼد اﻷوروﺑﻴﺔ ً
وملﺎ أﻧﺸﺌﺖ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻛﺜﺮت اﻟﻮاردات ،وﺣﺼﻠﺖ اﻟﴪﻋﺔ واﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﰲ اﻟﻨﻘﻞ
واﻟﺤﺮﻛﺔ ،وﻗﺪ ازدادت ﻫﺬه اﻟﴪﻋﺔ واﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﰲ اﻷﺳﻔﺎر واﻟﺴﻴﺎﺣﺎت زﻳﺎدة ﺗﺬﻛﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ
اﻟﻄﺮق اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ،ﺛﻢ اﺧﱰع اﻟﺘﻠﻐﺮاف ﻓﻜﺎن واﺳﻄﺔ ﻟﻠﻤﺨﺎﺑﺮات ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻫﺬه اﻟﴪﻋﺔ ﰲ
اﻷﺳﻔﺎر ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺤﻮادث اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗُﻌ َﻠﻢ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺒﻌﻴﺪة إﻻ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ،ﺻﺎر ﻳﻤﻜﻦ
اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺧﻼل ﺳﺎﻋﺔ واﺣﺪة ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟﻢ دﺧﻞ ﰲ ﻃﻮر ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺨﺘﻠﻒ
ﻋﻦ اﻟﻄﺮز اﻷول.
607
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻋﲆ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻷوروﺑﻴني املﺸﺘﻐﻠني ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﻴﺎء ،وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ
اﺑﺘﺪءوا ﰲ ﺑﺬل اﻟﺠﻬﺪ رﻏﺒﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻻﻃﻼع ﻋﲆ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎت أﺣﻮاﻟﻨﺎ ،ﻗﺪ ﺗﺒني ﱄ ﰲ
ﺧﻼل املﺤﺎورات اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﺑﻴﻨﻲ وﺑني ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء اﻷوروﺑﻴﺎت ﻣﻦ ﻣﻌﺘﱪي اﻟﺴﻮاح،
ُﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﺘﻌﺠﺐأن ﻇﻨﻮن اﻹﻓﺮﻧﺞ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻨﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺨﻄﺄ واﻟﻮﻫﻢ ﰲ ﺻﻮرة ﻣ ِ
ﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻫﺬه اﻷﺧﺒﺎر اﻟﻜﺎذﺑﺔ ﻣﻦ املﺮﻣﻰ إﻟﻴﻬﻦ ﺗﻌﺠﺒﺖ ﺗﻌﺠﺒًﺎ
ﻳﻀﺎﻫﻲ اﺳﺘﻐﺮاﺑﻬﻦ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻘﻴﻨﻪ ﻣﻦ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﻔﺎﺳﺪة املﻐﻠﻮﻃﺔ ،وﻇﻨﻨﺖ أﻧﻬﻦ إﻧﻤﺎ ﻳﺠﱧ
ﻋﻦ ﻏريﻧﺎ ﻣﻦ املِ ﻠﻞ.
وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﺎﺋﺤﺎت إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﺪرج ﰲ اﻵﺛﺎر
اﻷوروﺑﻴﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،وﻋﲆ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل ﻓﺈن ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻴﺎﺣﺎت املﺬﻛﻮرة
ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﺣﻮال ،وإﻧﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﺪرﺟﺎﺗﻬﺎ ﺗﺸﺒﻪ
اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﲆ ﻃﺮز اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،ﻓﻬﺬه اﻷوﻫﺎم واﻟﺨﻄﻴﺌﺎت
ﻛﻴﻒ ﻧﺸﺄت ﻳﺎ ﺗﺮى؟ وﻫﻞ ﻫﻲ ﻣﻨﺒﻌﺜﺔ ﻋﻦ أﻏﺮاض اﻷوروﺑﻴني اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ؟ ﻛﻼ ،إن
اﻟﺴﻮاح املﻌﺘﱪﻳﻦ ﻳﺒﺬﻟﻮن ﻗﺼﺎرى ﺟﻬﺪﻫﻢ ،وﻳﻨﻔﻘﻮن ﻧﻘﻮدﻫﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ
اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ املﻨﺘﴩة ﰲ آﻓﺎق وأﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻟﻴﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻬﻢ واﻃﻼﻋﻬﻢ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻦ
أﻓﺮاد ﻣﻮاﻃﻨﻴﻬﻢ ،ﻓﻴﺠﺐ — واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه — أن ﻧﻔﺘﺶ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﻮر ﻋﻨﺪﻧﺎ؛ إذ إﻧﻪ
ِﺲ ﻗﺒﺎﺋﺤﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻓﻴﻘﻬﺎ ﻋﲆ ﻗﺒﺎﺋﺢ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺒﺎت ﻛﻤﺎل اﻟﺘﺤﺮي ﻋﻦ ﻗﺼﻮر اﻟﺬات ،وﻣَ ﻦ ﻳَﻘ ْ
ﻏريه ﻳﻜﻦ ﻻ ﺷﻚ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺤﻖ واﻟﺼﻮاب ،وﻳﻔﺰ ﺑﺮﻓﻌﺔ اﻟﻘﺪر وﻋﻠﻮ اﻟﺠﻨﺎب.
ﻣﻌﻠﻮم أن اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ أﻓﻜﺎر اﻷﻫﺎﱄ وﻋﺎداﺗﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ وﻻ ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﺘﺠﻮل
ﰲ أﺳﻮاق اﻟﺒﻠﺪ وﻃﺮﻗﻪ ،وﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﻮاﻗﻔﻪ املﺸﻬﻮرة ،وإﻧﻤﺎ ﻷﺟﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ أﺣﻮال إﺣﺪى
املﻠﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻳﺠﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﺎﻟﺬﻛﻮر واﻹﻧﺎث ،واﻷﺧﺬ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﺄﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ .وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ً
ﻣﺴﺘﺤﻴﻼ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻛﺜريًا اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﺘﺤﺠﺒﺎت ﻛﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﻦ
ﻳﻮﺟﺪ ﺑني ﻫﺆﻻء اﻟﺴﻮاح ﻧﺴﺎءٌ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻣﻌﺎرﻓﻬﻦ ﻋﻦ ﻣﻌﺎرف اﻟﺮﺟﺎل؛ ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﻦ
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ أﺣﻮال ﻧﺴﺎء املﺴﻠﻤني اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﻤﺰﻳﺪ اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ،ﻟﻜﻦ أن ﻳﻄﻠﻊ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺴﻮاح ً
أﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﻬﻤﻦ ﺑﻤﺠﺮد دﺧﻮﻟﻬﻦ ﻋﲆ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻻ ﻳﻔﻬﻤﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎرﻓﺎت ً
ﻟﻐﺘﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻛﺎﻟﺨﺮس ،وﻳﻜﺘﻔني ﺑﺘﺒﺎدل اﻟﻨﻈﺮات.
أﺟﻞ ،إن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻳﻌﺮﻓﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ،
ﻋﲆ أن ﻗﺴﻤً ﺎ ﻛﺒريًا ﻣﻨﻬﻦ ﻗﺪ ﺗﺮﺑني ﺗﺮﺑﻴﺔ إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﴏﻓﺔ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ املﺮﺑﻴﺎت اﻷوروﺑﻴﺎت
املﻌﺮوﻓﺎت ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺴﺘﻴﻨﻮﺗﺮﻳﺲ« ،ﻓﺘﻌﻠﻤﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻻ ﻷﺟﻞ اﻛﺘﺴﺎب املﻌﺎرف
608
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻣﺤﻀﺎ! وملﺎ ﻛﻦ ﺟﺎﻫﻼت ﻟﻸﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ، ً واﻟﻌﻠﻢ ،وإﻧﻤﺎ رﻏﺒﺔ ﻣﻨﻬﻦ ﰲ أن ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ إﻓﺮﻧﺠﻴﺎت
و ُﻛ ﱠﻦ ﻗﺪ ﻧﺒﺬن ﻋﺎدﺗﻬﻦ املﻠﻴﱠﺔ ﻇﻬﺮﻳٍّﺎ وﻋﺸﻦ ﻋﻴﺸﺔ إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ؛ ﻛﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﻦ واﻷﺧﺬ
ﺑﺄﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﻦ ﻧﻈري ﻣﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻌﻴﺎل اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﰲ »ﺑﻚ أوﻏﲇ« — ﻗﺴﻢ ﻣﻦ دار
اﻟﺴﻌﺎدة ﻳﺴﻜﻨﻪ اﻹﻓﺮﻧﺞ — ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣُﺤﺎدِ ﺛُﻬﻦ ﻓﺎﺋﺪ ًة ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﻦ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻋﲆ اﻹﻃﻼق.
وﻫﺎﺗﻪ اﻟﻌﻴﺎل اﻟﺴﺎﻟﻜﺔ ﻣﺴﻠﻚ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ إذا رﻏﺐ إﻟﻴﻬﻦ أﺣﺪ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ املﻌﻠﻮﻣﺎت
املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺄﺻﻮل املﻌﻴﺸﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻧَﺒَﺬْﻧَﻪ ﻧَﺒْﺬ اﻟﻨﻮاة ،ﺳ َﻜﺘْ َﻦ ﻋﻦ ﺑﻴﺎن اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ
وﻃﻬﺎرة اﻟﺪﻳﻦ املﺒني اﻹﺳﻼﻣﻲ — ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﻦ ﻗﻠﻴﻼت اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ — وأﺧﺬن ﰲ اﻟﻜﻼم
ﺑﺤﺪة وﺷﺪة ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﺤﺠﺎب ،زاﻋﻤﺎت أن اﻟﻌﺎدات املﻠﻴﺔ ﻣﻘﺘﺒﺴﺔ ﻋﻦ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ.
ﻓﻴﻜﻦ ﺳﺒﺒًﺎ ملﻔﱰﻳﺎت وإﺳﻨﺎدات ﺑﻌﺾ ﱠ وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻳﺒﺤﺜﻦ ﻋﻦ أﺷﻴﺎء ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻬﻦ ﺑﻬﺎ،
اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ املﻄﻬﺮ اﻟﺬي اﺳﺘﻨﺮﻧﺎ ﺑﻤﺸﻜﺎﺗﻪ ،وﺗﴩﻓﻨﺎ ﺑﺂﻳﺎﺗﻪ.
واﻟﻐﺎﻟﺐ أن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻗﺪﻣﻦ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺘﻨﺎ ﻣﻦ أوروﺑﺎ ﺑﻘﺼﺪ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻗﺪ أدرﻛﻦ
ﻫﺬه اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ؛ ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻛﺜريات اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﺎﻟﻌﻴﺎل اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﺴﺎﺑﻖ واﻷﺻﻮل اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ.
أﻳﻀﺎ ،ﺑﺤﺴﺐ أﻓﺮادﻫﻢ ،ﻳﻌﺘﻘﺪون أن ﰲ وإﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺎل اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ً
ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف إﺛﻤً ﺎ! ﺣﺘﻰ إﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﻌﺼﺒﻮن ﻓﻘﻂ ﺑﺄﻣﺮ ﺗﻌ ﱡﻠﻤﻬﻦ اﻟﻠﻐﺔ
أﻳﻀﺎ ﰲ ﺗﺪرﻳﺲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﻠﺰوم اﻟﴬوري! اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،ﺑﻞ ﻳﺘﻌﺼﺒﻮن ً
واﻟﺤﻖ ﻳﻘﺎل :إن ﻫﺆﻻء ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﺎ ﺑﻠﻎ إﻟﻴﻪ اﻷزواج املﻄﻬﺮات ،واﻟﺒﻨﺎت اﻟﺰاﻛﻴﺎت،
ﻛﻦ ﰲ ﺻﺪر اﻹﺳﻼم ﻣﻦ رﻓﻴﻊ اﻟﺪرﺟﺎت ﰲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻀﻞ. وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﺎملﺎت اﻷدﻳﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﱠ
وﻣﻊ أن ﻛﺸﻒ وﺟﻮه اﻟﻨﺴﺎء ﻏري ﻣﺤﺮم ﴍﻋً ﺎ ،وإﻧﻤﺎ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻦ أن ﻳﺴﱰن
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻨﺎ ﻳﺤﺠﺒﻦ وﺟﻮﻫﻬﻦ ﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻹﻳﺠﺎب اﻟﴩﻋﻲ، ً ﺷﻌﻮرﻫﻦ؛ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺮى
وﻳﻜﺸﻔﻦ ﺷﻌﻮرﻫﻦ! واﻟﺤﺎﺻﻞ أن اﻟﺤﺪ اﻟﻮﺳﻂ ﻣﻔﻘﻮد ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻨﺎ أﻣﻮاج اﻟﺤرية
ﰲ ﻋﺒﺎب اﻟﺘﻴﻪ ،ﻓﻼ ﻧﺪري إﱃ أﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻧﺴري ،واﻟﺤﺎل أن اﻹﻓﺮاط واﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﰲ ﻛﻞ ﳾء
ﻣ ُِﴬ وﻣﺬﻣﻮم ،واﻻﻋﺘﺪال ﻣﺸﻜﻮر ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال؛ ﻓﺈن ﺧري اﻷﻣﻮر أوﺳﻄﻬﺎ.
ﻓﺒﻨﺎء ﻋﲆ ذﻟﻚ ،ﻳﻠﺰم ﻋﲆ اﻟﺴﻮاح ﻛﻲ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﺣﻮال أن
ﻳﺠﺘﻤﻌﻮا وﻳﺘﺒﺎﺣﺜﻮا ﻣﻊ اﻟﻌﻴﺎل اﻟﻌﺎرﻓﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،اﻟﻌﺎﺋﺸﺔ ﻋﲆ ﻣﻘﺘﴣ اﻷﺻﻮل
اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وأﻓﻜﺎرﻫﺎ وﻋﺎدﺗﻬﺎ املﻠﻴﺔ .ﻧﻌﻢ؛ إن
ﺗﻤﻴﻴﺰ ذﻟﻚ ﻣﺸﻜﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻐﺮﺑﺎء؛ إذ إن اﻷﺟﺎﻧﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺰﻟﻮن ﰲ ﻓﻨﺎدق »ﺑﻚ أوﻏﲇ«
609
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﻄﺮﺣﻮن ﻋﲆ اﻟﱰاﺟﻤﺔ — اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺤﻴﻄﻮن ﻋﻠﻤً ﺎ ﺑﻤﺎ ﺧﺮج ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﻫﺬا املﺤﻞ — أﺳﺌﻠﺔ
ﺑﻘﺼﺪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﺒﺎء ،ﻓﻴﺄﺧﺬ ﻫﺆﻻء اﻟﱰاﺟﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﺿﻄﺮارﻫﻢ ﻟﺘﺄدﻳﺔ
اﻟﺠﻮاب ﰲ إﻟﻘﺎء ﻛﻠﻤﺎت ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ! ﻓﻴﻬﺮﻓﻮن ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ،وﺗﺼﺒﺢ أﺣﻮاﻟﻨﺎ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ
ﻟﻠﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ.
وﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﻌﻠﻮﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻧﺎم أن اﻷوروﺑﻴني ﻻ ﻳﻌﱰﺿﻮن ﺑﴚء ﻋﲆ أﺣﻜﺎﻣﻨﺎ
اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ املﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ واﻟﻌﻘﻞ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﺨﻴﻠﻮن وﻳﻈﻨﻮن أن ﻧﺴﺎء املﺴﻠﻤني ﻣﻈﻠﻮﻣﺎت
ﻣﻌﺬورات؛ ﻓﻴﻄﻠﻘﻮن أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻠﻮم آﺧﺬات اﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب.
ﺑﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﰲ ﺧﻼل ﻣﺤﺎوراﺗﻲ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﺎﺋﺤﺎت املﻌﺘﱪات ﻗﺪ اﻃﻠﻌﺖ ﻋﲆ أوﻫﺎم
اﻷوروﺑﻴني وﻓﺴﺎد ﻇﻨﻮﻧﻬﻢ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻨﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻌﻨﻲ أن أﺳﱰ اﺳﺘﻐﺮاﺑﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﰲ ﺧﻔﺎﻳﺎ
اﻟﻘﻠﺐ ،رأﻳﺖ ﻧﻔﴘ ﻣﻀﻄﺮة إﱃ ﺑﻴﺎن ﻣﺎ دار ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﰲ املﺤﺎورات املﺬﻛﻮرة
ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ اﻵﺗﻲ:
املﺤﺎورة اﻷوﱃ
ﰲ ﻳﻮم ﻣﻦ أﻳﺎم ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﴩﻳﻒ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ؛ أي ﺳﻨﺔ ١٣٠٨ﻫﺠﺮﻳﺔ ،أ ُ ِ
ﺧﱪْﻧﺎ
أن ﻋﻘﻴﻠﺔ أوروﺑﻴﺔ ﺗﺪﻋﻰ »ﻣﺪام ف «.وراﻫﺒﺔ زاﻫﺪة ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺮﻏﺒﺎن ﰲ املﺠﻲء إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ
ملﺸﺎﻫﺪة ﻃﻌﺎم اﻹﻓﻄﺎر .وﺑُﻌﻴﺪ اﻟﻌﴫ أﻗﺒﻠﺘﺎ ﻋﲆ املﻨﺰل ،وأﺧﺬﺗﺎ ﺗﺘﻨﺰﻫﺎن ﰲ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ
اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﺮور ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ أرﺳﻠﺘﺎ ﺗﺨﱪاﻧﺎ أﻧﻬﻤﺎ داﺧﻠﺘﺎن إﱃ املﻨﺰل .وملﺎ
ُ
ذﻫﺒﺖ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻤﺎ ﰲ ﺑﺎب ﻛﺎﻧﺖ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﱰﺟﻤﺔ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻣﻔﻮﺿﺔ ﻟﻌﻬﺪة ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺟﺰة؛
اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺗﺼﺤﺒﻨﻲ ﺟﺎرﻳﺘﺎن؛ ﻟﺘﺤﻤﻼ رداء وﻣﻈﻠﺔ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﺰاﺋﺮﺗني.
وﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻬﻤﺎ رﺣﺒﺖ ﺑﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ املﺼﺎﻓﺤﺔ ﺑﺎﻷﻳﺪي ،ﺛﻢ إن
»ﻣﺪام ف «.ﻣﺪت ﻳﺪﻫﺎ إﱃ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺤﺒﻨﻲ — وﻫﻲ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﺨﺪﻣﺔ
رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ — ﻟﺘﺼﺎﻓﺤﻬﺎ .أﻣﺎ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﺎوﻟﺖ املﻈﻠﺔ ﻣﻦ ﻳﺪ املﻮﻣﻰ
إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،واﻧﺴﺤﺒﺖ إﱃ اﻟﻮراء ،وأﺧﺬت اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ رداءﻳﻬﻤﺎ وﺑﺮﻧﻴﻄﺘﻴﻬﻤﺎ ودﺧﻠﺖ
ﺑﻬﻤﺎ إﱃ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﻀﻴﻮف ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﺪﱠﻣﺖ ﻟﻬﻤﺎ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺒﻴﺖ وأﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وﻋﺮﻓﺘﻬﻤﺎ
ﺑﻬﻦ ﻋﲆ ﻣﻘﺘﴣ اﻷﺻﻮل اﻟﺠﺎرﻳﺔ.
أﻣﺎ »ﻣﺪام ف «.ﻓﻬﻲ اﻣﺮأة ﺑني اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻼﺛني إﱃ اﻷرﺑﻌني ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،واﻟﺮاﻫﺒﺔ
ﺑني اﻷرﺑﻌني إﱃ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻷرﺑﻌني ﻣﻦ ِﺳﻨ ﱢِﻲ اﻟﺤﻴﺎة .وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن »ﻣﺪام ف «.املﻮﻣﻰ
إﻟﻴﻬﺎ وزوﺟﻬﺎ واﻟﺮاﻫﺒﺔ ً
أﻳﻀﺎ ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻮا إﱃ دار اﻟﺴﻌﺎدة ﻗﺒﻞ ﻫﺬه املﺪة .وﺑﻌﺪ أن أﻛﺮﻣﻨﺎﻫﻤﺎ
610
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﺑﺎﻟﺤﻠﻮى واﻟﻘﻬﻮة ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﱰﻛﻲ ،ﻃﻠﺒﺖ »ﻣﺪام ف «.أن ﺗﺘﻔﺮج ﻋﲆ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻔﺮوﺷﺔ ﻋﲆ
اﻷﺻﻮل اﻟﱰﻛﻴﺔ ،ﻓﺄدﺧﻠﻨﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ ،و ﱠملﺎ ﻟﻢ ﺗَ َﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻏري ﻣﻘﻌﺪ ﺑﺴﻴﻂ أﺧﺬﺗﻬﺎ اﻟﺤرية
وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ أن أﻃﻮف ﺑﻬﺎ إذا أﻣﻜﻦ ﰲ اﻟﻐﺮف اﻷﺧﺮى ،ﻓﺘﻜﻮن ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻻﻣﺘﻨﺎن ،ﻓﻘﻠﺖ
ﺣﺎﻻ ﰲ إﻧﻔﺎذ رﻏﺒﺘﻬﺎ .وﰲ ﺧﻼل ذﻟﻚ أﺷﺎرت »ﻣﺪام ﻟﻬﺎ :إن ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪﻧﺎ ﻣﻨﺔ ،وﺳﺎرﻋﺖ ً
ف «.إﱃ رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم اﻟﻮاﻗﻔﺔ أﻣﺎﻣﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :أﺛﻨﺎء دﺧﻮﻟﻨﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻳﺪي ﻟﻬﺬه اﻟﺴﻴﺪة ﻓﻠﻢ
ﺗﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ أﺧﺬت ﻣﻦ ﻳﺪي املﻈﻠﺔ .واﻵن أراﻫﺎ واﻗﻔﺔ ﻋﲆ اﻷﻗﺪام ﻻ ﺗﺠﻠﺲ ﻣﻌﻨﺎ ،ﻓﻤﺎ
اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ؟!
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻷﻧﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ أﻳﺘﻬﺎ املﺪام.
ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻣﺎ ﺷﺄن اﻟﺒﻨﺎت اﻟﻼﺗﻲ ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻬﺎ.
أﻳﻀﺎ. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻫﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ً
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺣﺴﻦ ﺟﺪٍّا ،وﻟﻜﻦ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة أرى ﰲ أذﻧﻴﻬﺎ أﻗﺮا ً
ﻃﺎ ،وﰲ ﻳﺪﻫﺎ ﺧﺎﺗﻤً ﺎ ،وﻋﲆ
ﻗﺒﻼ أﻧﻬﺎ ﺳﻴﺪة ،واﻵن ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ، وﺳﻠﺴﺎﻻ ،وﻗﺪ ﻇﻨﻨﺖ ً ً ﺻﺪرﻫﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ
ﻓﺄﺧﺬﺗﻨﻲ اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ ﺗﻤﻴﺰﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﲇ ﻋﻦ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاري ،ﻓﻤﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ؟! وأرى
أن ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻮاﻗﻔﺔ ﰲ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻻ ﺗﻨﻘﻞ ﻏري ﻗﺮط ﰲ أذﻧﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺮط ﻟﻴﺲ
وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺤﻮي ﻏريه ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺤﲇ ،واﻟﺠﺎرﻳﺔ ً ﺑﺬي ﻗﻴﻤﺔ ﻛﺬاك اﻟﻘﺮط،
ً
وﺳﻠﺴﺎﻻ ﻻ ﻏري؟! ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إن اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻮاﻗﻔﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ
اﻟﺘﻲ ﻇﻨﻨﺖ أﻧﻬﺎ ﺳﻴﺪة إﻧﻤﺎ ﻫﻲ رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم ﰲ ﻫﺬا املﻨﺰل — أﻋﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻣﺪﻳﺮة
ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﺠﻮاري — ﻓﻬﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻬﻦ ﻛﻴﻒ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻦ أن ﻳﺨﻄﻦ أﻟﺒﺴﺘﻬﻦ ،وﻳﴪﺣﻦ
ﺷﻌﻮرﻫﻦ ،وﻳﻘﻤﻦ ﺑﺄﻣﻮرﻫﻦ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ؛ ﻷﻧﻬﻦ ﺳﺎذﺟﺎت ﻏﺒﻴﺎت ،وﻻ ﺗﺰال رﺋﻴﺴﺔ ﻋﻠﻴﻬﻦ
ﺣﺘﻰ ﻳﴫن ﻗﺎدرات ﻋﲆ إﺟﺮاء ذﻟﻚ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﺑﻤﻘﺎم اﻟﻮاﻟﺪة ﻟﻬﻦ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ
ﻗﻠﻴﻼ ،وﺳﻴﺪة املﻨﺰل ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺘﺒﻌﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄﻣﺮ ﻧﻈﺎﻓﺘﻬﻦ وﻃﻬﺎرﺗﻬﻦ؛ ﻋﺪدﻫﻦ ،ﻛﺜريًا ﻛﺎن أم ً
ﻓﻬﻲ املﺮﺟﻊ املﺴﺌﻮل ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ وﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﺗﺮﺑﻮ ﻋﲆ ﺧﺪﻣﺔ ﻏريﻫﺎ ﻓﻘﺪ أﻋﻄﺎﻫﺎ
ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻫﺬه اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ.
وأﻣﺎ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻘﺪ ﺟﻠﺒﺖ إﱃ ﻫﺬا املﻨﺰل وﻫﻲ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ،
وﺣﺘﻰ اﻵن ﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺨﺪﻣﺔ وﻋﻤﻞ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،وﻫﻲ اﻵن ﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ﺳﻨﻬﺎ،
ً
وﻋﻤﻼ .ورﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻏري ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﺗﺤﻤﻞ ﺧﺪﻣﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﺮﻳﻨﻬﺎ اﻵن ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺪم ذوات اﻟﺪراﻳﺔ واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﰲ ﻋﻬﺪ رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻠﻬﺎ ،ﻓﻨﺎﻟﺖ ﺑﻤﻬﺎرﺗﻬﺎ ﻫﺬه املﺮﺗﺒﺔ ،وﺻﺎرت رﺋﻴﺴﺔ ﻟﻠﺨﺪم ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ
611
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻬﺎﺗﻪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺼﻐرية ،وﻋﲆ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻵن ﻓﺼﺎﻋﺪًا ﺳﺘﻨﺘﻈﺮ اﻟﺨﺪﻣﺔ ﻣﻦ
ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺼﻐرية اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻋﻬﺪ ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن ﺳﺘﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ
أﺧﺬت ﻣﻨﺬ اﻵن ﰲ ﻣﺒﺎﴍة اﻟﺨﺪﻣﺔ.
وأﻣﺎ اﻟﻘﺮﻃﺎن اﻟﻠﺬان ﰲ أذﻧﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ اﺷﱰﺗﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺪراﻫﻢ اﻟﺘﻲ اﻗﺘﺼﺪﺗﻬﺎ وادﺧﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ
راﺗﺒﻬﺎ اﻟﺸﻬﺮي ،واﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﻠﺖ ﺑﺎﻟﺴﺆال ﻋﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﺣﺪﻳﺜﺔ اﻟﻌﻬﺪ ﰲ
ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻘﻢ إﻻ ﺑﻌﻤﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﻗﺪ ﻣ ﱠﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﱰى اﻟﺴﺎﻋﺔ واﻟﺴﻠﺴﺎل.
ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ،إن اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ أﺳﻤﻌﺘﻨﻴﻬﺎ ﻣﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﺤرية واﻻﺳﺘﻐﺮاب!
داع ﻹزﻋﺎﺟﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :اﺳﺄﱄ وﺳﺄﺗﻘﺪم إﻟﻴﻚ ﺑﻄﻠﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺼﻴﻼت إذا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻏري ٍ
ﻣﺎ ﺷﺌﺖ.
ً
ﻗﺎﻟﺖ :ذﻛﺮت ﰲ ﻋﺮض ﻛﻼﻣﻚ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻦ رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ؛ ﻓﺄﻳﻦ ﻣﺼريﻫﺎ
وﻣﻘﺮﻫﺎ اﻵن؟
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻫﻴﺄت ﺧﺎدﻣﺎت ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ
وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ َ
وأوﻓ ْﺖ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ زوﱠﺟﻨﺎﻫﺎ ،وﻟﻬﺎ اﻵن ﺛﻼﺛﺔ أوﻻد.
ﻗﺎﻟﺖ :وأﻳﻦ ﻫﻲ اﻵن؟
ﻗﻠﺖ :ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ذات ﺑﻌﻞ ﻫﻲ اﻵن ﰲ ﺑﻴﺖ زوﺟﻬﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻞ ﺗﺒﻘﻰ وﻇﻴﻔﺔ رﺋﺎﺳﺔ اﻟﺨﺪم ﰲ اﻷﻗﺪم؟
املﻨﺰل ﺗﻨﺘﺨﺐُ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﺠﺎرﻳﺎت اﻟﻼﺗﻲ ﺗﻬﺬﺑﻦ ﻋﲆ أﻳﺪي ِ ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻛﻼ ،إن ﺳﻴﺪ َة
رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم أﻛﺜﺮﻫﻦ ذﻛﺎء واﺳﺘﻌﺪادًا ،وﺗُﻌﻴﻨﻬﺎ رﺋﻴﺴﺔ ﻟﻠﺨﺪم ،وﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﻮاري ﻳﻨﻠﻦ
اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﺧﺪﻣﺘﻬﻦ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻦ رﺋﻴﺴﺎت ﻟﻠﺨﺪم واﻛﺘﺴﺎب ﻫﺬا اﻟﻌﻨﻮان
ﺑﻤﺠﺮد اﻟﻘﺪﻣﻴﺔ ،ﻋﲆ أن رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم ﻻ ﺗﻌﺎﻣﻠﻬﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺴﺎذﺟﺎت ،وﻻ ﺗﺄﺗﻴﻬﻦ ﺑﻜﻼم
اﻵﻣﺮ ،وإﻧﻤﺎ ﻣﺼﺪر إﺧﻄﺎراﺗﻬﺎ وﺗﻨﺒﻴﻬﺎﺗﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻖ املﺠﺎﻣﻠﺔ واﻟﻠﻄﻒ ،وﺗﻌﺎﻣﻠﻬﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ
ﺷﻘﻴﻘﺎت ﻟﻬﺎ.
ً
ﻗﺎﻟﺖ :ذﻛﺮت ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺮواﺗﺐ؛ ﻓﻬﻞ ﺗﺪﻓﻌﻮن راﺗﺒًﺎ ﻟﻠﺠﻮاري؟ ﻗﻠﺖ :ﻻ رﻳﺐ
ﰲ ذﻟﻚ ،ﻧﻌﻢ؛ إن ﺳﻴﺪ اﻟﺠﺎرﻳﺎت ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﺘﺴﻮﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﻦ ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺴﺔ وﺳﺎﺋﺮ
ﻧﻔﺴﺎ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ،وﻟﻜﻞ ﻧﻔﺲ ﻣﻴﻞ ورﻏﺒﺔ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ اﺷﺘﻬني ﻃﻌﺎﻣً ﺎ اﻟﺤﺎﺟﺎت ،ﻏري أن ﻟﻬﻦ ً
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ وﺟﻮد ذاك اﻟﻨﻬﺎر ﰲ اﻟﺒﻴﺖ ،ورﺑﻤﺎ ﻣﻠﻦ إﱃ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﻟﺒﺴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ
اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻟﻬﻦ ﺳﻴﺪﻫﻦ ،ﻓﻬﺬه اﻟﺮﻏﺎﺋﺐ واملﺸﺘﻬﻴﺎت ﻳﺄﺧﺬﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪراﻫﻢ اﻟﺘﻲ
ﻳﺪﺧﺮﻧﻬﺎ ﻣﻦ رواﺗﺒﻬﻦ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻟﻬﻦ رواﺗﺐ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ.
612
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
613
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﻢ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪة إﺳﺎرة املﺮﺑﻴﺎت أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ إذا ارﺗﻜﺐ ﺷﺨﺺ
ُﻜﻔﺮ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺈﻋﻄﺎء اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻗﺼﺪًا إﻓﺴﺎد ﺻﻮم ﻳﻮم واﺣﺪ ﻣﻦ ﺻﻴﺎﻣﻪُ ،ﻓﺮض ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳ ﱢ
ﻟﻌﺒﺪ واﺣﺪ ،وإذا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻓﺎﻟﻜﻔﺎرة ﺗﻜﻮن ﺑﺼﻴﺎﻣﻪ ﺳﺘني ﻳﻮﻣً ﺎ؛ ﻓﻴﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ
ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم أن إﻃﻼق ﺣﺮﻳﺔ ﻋﺒﺪ واﺣﺪ ﺗﻘﻮم ﻣﻘﺎم ﺻﻴﺎم ﺳﺘني ﻳﻮﻣً ﺎ ،وﻋﲆ ذﻟﻚ ﻛﺎن
ﻫﻨﺎك أﺳﺒﺎب ﴍﻋﻴﺔ وآداب ﻣﻠﻴﺔ ﺗﺠﱪ أﻫﻞ اﻹﺳﻼم ﻋﲆ ﻋﺘﻖ اﻟﻌﺒﺪ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﺣﺴﻦ ﺟﺪٍّا ،ﻏري أن اﻟﺨﺎدﻣﺔ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﻻ ﺗﺨﺪم ﰲ املﻨﺰل اﻟﺬي ﻻ ﺗﺮﺿﺎه .أﻣﺎ
اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻜﺮﻫﺔ ﻋﲆ اﻟﺒﻘﺎء ﰲ اﻟﺨﺪﻣﺔ وإن ﻳﻜﻦ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻇﺎ ًملﺎ؟!
ﻓﻘﻠﺖ :ملﺎذا؟ إن اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻏري ﻣﴪورة ﻣﻦ املﻨﺰل ،وﻛﺎﻧﺖ راﻏﺒﺔ ﰲ ﺗﺮﻛﻪ
ﻓﻴﻜﻔﻲ ﰲ ذﻟﻚ أن ﺗﻘﻮل :ﺑﻴﻌﻮﻧﻲ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺗﺒﺎع إﱃ ﻣَ ﻦ ﺗﺮﺿﺎه وﻳﻌﺠﺒﻬﺎ .وﻗﺪ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة
أﻧﻬﺎ ﻻ ﻳُﻤﻜﻦ أن ﺗُﺒﺎع إﱃ ﺷﺨﺺ ﻻ ﻳﻼﺋﻤﻬﺎ ،وأﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﴩﻋﻲ ،ﻓﺈن اﻟﻈﻠﻢ
واﻟﺠﻔﺎء ﻻ ﻳﺠﻮز إﺗﻴﺎﻧﻪ ﺑﺤﻖ اﻷﴎى ﻋﲆ وﺟﻪ اﻹﻃﻼق ،وﻋﻨﺪ ﻣﺮاﺟﻌﺔ املﺤﻜﻤﺔ ﰲ اﻷﻣﺮ
ﻓﺎﻟﻌﺪاﻟﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺠﺮاﻫﺎ ﻟﺪى اﻟﺤﺎﻛﻢ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻨﻬﻦ وﺑني اﻟﺨﺎدﻣﺎت؟!
ﻟﻠﺨﺪَﻣﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻘﺪر؛ ﻓﺈن اﻟﺨﺎدﻣﺔ ﺗﺘﻨﺎول ﻗﻠﺖ :ﻛﻼ ،أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،إﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﺑﻤﺪﻳﻮﻧني َ
راﺗﺒﻬﺎ اﻟﺸﻬﺮي ﻟﻴﺲ إﻻ ،وﰲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻻ ﻧﺤﺘﺎج ﺑﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻤﻨﺤﻬﺎ اﻹذن ﻓﺘﺬﻫﺐ إﱃ ﺣﻴﺚ
ﺷﺎءت ،وﻣﺘﻰ ﺻﺎرت ذات ﺑﻌﻞ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﻴﺊ ﺟﻬﺎزﻫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻔﻖ ﻣﻊ
زوﺟﻬﺎ ورﻏﺒﺖ ﰲ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻨﻪ؛ ﻓﻬﻲ ﺑﺬاﺗﻬﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺤﻞ ﻟﻬﺎ.
وأﻣﺎ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺘﻰ ﺻﺎرت زوﺟﺔ وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻌﻴﺶ
ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،ورﻏﺒﺖ ﰲ أن ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻪ؛ أﺗﺖ ﺗﻮٍّا إﱃ ﻣﻨﺰل ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻲ آﺗﻴﺔ إﱃ ﻣﻨﺰل
أﺑﻴﻬﺎ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ﺳﻴﺪﻫﺎ أن ﻳﺘﺤﺮى ﻟﻬﺎ ﻋﲆ زوج ﻣﻼﺋﻢ ﻓﻴﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻪ ﺗﻜﺮا ًرا،
واﻷﺳﻴﺎد ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﻟﻮن ﺣﻤﺎﻳﺔ أوﻻد ﺟﻮارﻳﻬﻢ ،وﻳﺴﺎﻋﺪوﻧﻬﻢ ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ وﺗﺪرﻳﺴﻬﻢ.
وﻛﻞ ﺟﺎرﻳﺔ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ﻇﻠﻤً ﺎ ﺗﺸﻜﻮ أﻣﺮﻫﺎ إﱃ ﺳﻴﺪﻫﺎ اﻟﺬي ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺈذا
ﺗﻮﰲ زوﺟﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﱰك ﻣرياﺛًﺎ ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻹدارﺗﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺄوﻻدﻫﺎ إﱃ ﻣﻨﺰل ﺳﻴﺪﻫﺎ؛ ﻧﻈري ﻫﺎﺗﻪ
اﻟﺠﺎرﻳﺔ املﻌﺘﻮﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻗﺎﺑﻀﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ وﻟﺪﻫﺎ اﻟﺼﻐري وﻃﺎﺋﻔﺔ ﺑﻪ
ﰲ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻋﺠﺰت اﻟﺠﺎرﻳﺔ املﻌﺘﻮﻗﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺈدارة ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ وﺟﺐ ﴍﻋً ﺎ
ﻋﲆ ﻣﻌﺘﻘﻬﺎ — أﻳٍّﺎ ﻛﺎن — أن ﻳﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذا اﻣﺘﻨﻊ أﻛﺮﻫﻪ اﻟﻘﺎﴈ ﻋﲆ ذﻟﻚ.
َ
اﻟﺤﺮﻳﺔ — وﺑﻌﻜﺲ اﻷﻣﺮ إذا ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﺑﻼ ﻋﻘﺐ ﻋﻦ ﺛﺮوة ﻃﺎﺋﻠﺔ ،ﻛﺎن ملﺎﻧﺤﻬﺎ
أﻳٍّﺎ ﻛﺎن — ﻧﺼﻴﺐٌ ﻣﻦ اﻹرث ،ﻓﻴﻨﺘﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺠﻮاري ﻣﻌﺪودات ﻣﻦ أﺧﺼﺎء اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ
614
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .وزﻳﺎدة ﻋﻤﺎ ﺗﻘﺪم أﻧﻨﺎ ﻧﺄﺗﻤﻦ اﻟﺠﻮاري ﻋﲆ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺧﺰاﺋﻨﻨﺎ ،وﻧﺴﻠﻤﻬﻦ إﻳﺎﻫﺎ ﻣﻊ
أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺄﺗﻤﻦ اﻟﺨﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ؛ ﻓﺈن اﻟﺠﻮاري ﻻ ﻳﺮﻛﺒﻦ ﻏﺎرب اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ؛ ﻷن ﺑني اﻟﺠﺎرﻳﺔ
وﺳﻴﺪﻫﺎ ﺻﻠﺔ وراﺑﻄﺔ ﻛﺒرية ﺑﻬﺬا املﻘﺪار ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﻮن ﻣﻮﻻﻫﺎ إﻻ
إذا ﻛﺎن اﻷوﻻد ﻳﺨﻮﻧﻮن واﻟﺪﻳﻬﻢ ،ﻓﺈذا ﻣﺮض ﺳﻴﺪﻫﺎ ﺑﺬﻟﺖ روﺣﻬﺎ وﻗﻠﺒﻬﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺧﺪﻣﺘﻪ؛
ﻣﺨﺎﻓﺔ أن ﺗﻔﻘﺪه ،وﻛﺎن ﻣﺜﻠﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﺜﻞ اﻷوﻻد اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺄﺧﺬﻫﻢ اﻟﺮﻋﺪة واملﺨﺎوف
ﻣﻦ ﻓﻘﺪ وﺿﻴﺎع أﻣﻬﻢ وأﺑﻴﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻫﻲ إذا أﺻﺎﺑﻬﺎ أﻟﻢ ﰲ اﻟﺮأس ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻋﲆ
ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻋﺎﻣﻠﺘﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻣﻊ أن ﻟﻠﺠﻮاري املﻌﺘﻮﻗﺎت ﻛﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ أﻳﻦ ﺷﱧ،
ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻔﻖ ﺣﺘﻰ اﻵن أن اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺗﺮﻛﺖ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺳﻴﺪﻫﺎ ،اﻟﻮاﺟﺒﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ املﻮت ،وﻋﺎدت
إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻴﻢ أﺑﻮﻫﺎ وذوو ﻗﺮﺑﺎه.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أن ذﻟﻚ ﻣﻨﺒﻌﺚ ﻋﻦ ﻧﻔﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ وأﻣﻬﺎ وذوي ﻗﺮﺑﺎﻫﺎ اﻟﺬﻳﻦ
ﺑﺎﻋﻮﻫﺎ؛ أﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟
ﻓﻘﻠﺖ :ﻋﻔﻮًا ،أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،ﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺈذا ﺳﻤﺤﺖ أﺗﻴﺘﻚ ﺑﺎﻹﻳﻀﺎح اﻟﻮاﰲ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! ﺗﻄﻠﺒني ﻣﻨﻲ اﻹذن ﻟﻺﻳﻀﺎح وأﻧﺎ أرﺟﻮه وأﺳﱰﺣﻤﻪ! إﻧﻨﻲ رأﻳﺖ
اﻷرﻗﺎء ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻋﻨﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺬي ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻨﻚ ﻋﻦ اﻷﴎى ﻫﻮ
ﻳُﺒﺎﻳﻦ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻓﻬﻤﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﺨﻂ املﺴﺘﻘﻴﻢ ،ﻓﻠﻮ ﺗﻤﺎﻫﻠﺖ ﰲ ﺑﻴﺎن اﻹﻳﻀﺎﺣﺎت ﻟﺮأﻳﺖ ﻣﻦ
ﺷﺎف ﻋﻨﻬﺎ؛ ﻓﺄرﺟﻮكٍ ﻛﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺮﺟﺎء إﻟﻴﻚ ﺑﺄن ﺗﻮاﻓﻴﻨﻲ ﺑﺒﻴﺎنﻧﻔﴘ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻨﻲ ً
أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة أن ﺗﻮاﺻﲇ اﻟﺤﺪﻳﺚ.
ﻗﻠﺖ :ﻻ ﻳﺨﻔﻰ أﻧﻪ ﻣﺘﻰ وﻟﺪ ﻟﻠﺠﺮاﻛﺴﺔ اﺑﻨﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻳﺄﺧﺬون ﰲ اﻟﺤﺪاء ﻟﻬﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﻨﺎم،
ﺳﺎﻟﻜني ﰲ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻌﻮﱢدون أوﻻدﻫﻢ ﻋﲆ أن ﻳﺴﻤﻌﻮﻫﻢ وﻫﻢ ﰲ دور
اﻟﻄﻔﻮﻟﻴﺔ اﺳﻢ رﺗﺒﺔ املﺎرﺷﺎل واﻟﺠﻨﺮال؛ ﻟﱰﺳﺦ ﰲ أذﻫﺎﻧﻬﻢ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﻣﻴﻞ إﱃ اﻻﻧﺨﺮاط
أﻳﻀﺎ ﻳﺴﻤﻌﻮن ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ اﻟﺠﻤﻴﻼت ﰲ دور اﻟﻄﻔﻮﻟﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﰲ اﻟﺠﻨﺪﻳﺔ ،واﻟﺠﺮاﻛﺴﺔ ً
اﻷﻗﻮال؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻠﻄﻔﻠﺔ :إﻧﻚ ﺗﺬﻫﺒني إﱃ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ﻓﺘﺼريﻳﻦ زوﺟﺔ أﺣﺪ اﻟﺒﺎﺷﻮات،
ﻓﻼ ﺗﻨﺴني أﻫﻠﻚ وذوي ﻗﺮﺑﺎك ،ﺑﻞ اﺟﺘﻬﺪي ﰲ إﻋﺎﻧﺘﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ إذا أدرﻛﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ ﻣﻌﻨﻰ
اﻟﻜﻼم ﻳﻤﻠﺌﻮن آذاﻧﻬﺎ ﺑﻤﺪاﺋﺢ ﺳﻌﺎدة وﺣﺴﻦ ﺣﺎل ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ وﻋﻤﺘﻬﺎ املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ،
ﻓﻴﺘﺠﺴﻢ املﻴﻞ ﰲ اﻟﻄﻔﻠﺔ ﺗﺠﺴﻤً ﺎ ﻛﺒريًا ،وﺗﺒﺘﺪئ أن ﺗﺴﺄل ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﺗﺬﻫﺐ
ﺑﻪ ﻟﺘﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة املﻮﻋﻮدة.
أﻣﺎ واﻟﺪاﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﻳﺒﺬﻻن روﺣﻬﻤﺎ وﻣﻄﻠﻖ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻤﺎ ﰲ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻬﺎ ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ
أﻧﻬﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وأﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﺗﺼري ﺑﻪ وﱄ ﻧﻌﻤﺘﻬﻤﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﺻﻞ اﻟﻔﺘﺎة إﱃ اﻟﺴﻦ اﻟﺬي
615
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺗﻌﺮف ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺨﺠﻞ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ واﻟﺪﻳﻬﺎ ،ﻓﺘﺄﺧﺬ ﰲ ﻣﺨﺎﺑﺮة اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﻼﺗﻲ
ﻳﻨﺒﺌﻨﻬﺎ ﻋﻦ املﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺬي ﻳﺒﺴﻢ ﻟﻬﺎ ،وﺗﺘﺬﻣﺮ ﻣﺸﺘﻜﻴﺔ ﻣﻦ اﻹﻫﻤﺎل اﻟﻮاﻗﻊ ﰲ إرﺳﺎﻟﻬﺎ.
وﻣﻦ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﺟﻠﻴٍّﺎ أﻳﺘﻬﺎ املﺪام أن ﻫﺬا اﻟﻮاﻟﺪ وﻫﺎﺗﻪ اﻟﻮاﻟﺪة ﻳﺮﺳﻼن اﺑﻨﺘﻬﻤﺎ
إﱃ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﺎ ﺑﻬﺎ ﺧﺎﻃﺒﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻮ اﻟﺨﺎﻃﺐ اﻟﺬي ﻳﻘﺒﻞ ﺑﻨﺘﻬﻤﺎ ﺑﻼ ﺟﻬﺎز ،ﻻ
وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ اﻟﺨﺎﻃﺐ اﻟﺬي ﻳﻬﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع اﻟﺤﲇ ً ﻳﻜﻠﻔﻬﻤﺎ ﻧﻔﻘﺎت،
واملﺠﻮﻫﺮات.
وأﻣﺎ اﻻﺑﻨﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ أﺑﻴﻬﺎ وأﻣﻬﺎ وذوي ﻗﺮﺑﺎﻫﺎ؛ ﻟﺘﺒﺤﺚ ﻟﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺴﻌﺎدة
واملﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺬي ﻳﻨﻈﺮوﻧﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻔﺼﻞ؟ إﻧﻬﺎ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ وﺑﺴﺎﻟﺔ ﺗﺪل
ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻃﺒﻬﻢ ﺑﻠﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻬﻢ» :إﻧﻨﻲ ﻻ أﺣﻤﻠﻜﻢ ﺛﻘﻠﺔ ﰲ إﻳﺠﺎد زوج ﱄ،
وإﻧﻤﺎ ﺳﺄﺟﺪه ﺑﻨﻔﴘ ،ﻓﺎﻧﻈﺮوا ﻛﻴﻒ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻓﻴﻜﻢ ﺣﻘﻮﻗﻜﻢ وﻋﻨﺎﻳﺘﻜﻢ ﺑﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ
ﻫﺬا اﻟﻄﻮل ،ﺑﺼﻮرة ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻈﻤﺔ وﻋﺰة اﻟﻨﻔﺲ«.
وﻣﺎ ﻳﻨﻄﻘﻬﺎ ﺑﻬﺬه اﻷﻗﻮال إﻻ اﻷﻣﻨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ املﻨﺼﻮب ﻣﺜﺎﻟﻪ ﰲ
املﺮآة ﺳﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ اﻟﺰوج اﻟﺬي ﺗﺮﻳﺪه ،واﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ .واملﻔﻬﻮم أﻳﺘﻬﺎ املﺪام
أﻧﻬﻢ إذا ﻟﻢ ﻳﺮﺳﻠﻮﻫﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﺪوة ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻬﺎ.
ﻛﻦ ﻣﺤﺮوﻣﺎت ﻣﻦ آﻣﺎل ﺛﻢ ﻧﺄﺗﻲ اﻵن ﻟﻠﺒﺤﺚ ﺑﺎﻟﻔﺘﻴﺎت ﻏري اﻟﺠﻤﻴﻼت ،ﻓﻬﺆﻻء ملﺎ ﱠ
أوﻟﺌﻚ اﻟﺠﻤﻴﻼت ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﻦ ﻟﻢ ﻳﻨﻠﻦ اﻷﻣﻨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺔ ﰲ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺮآة وﺟﻮﻫﻬﻦ ،ﺑﻴﻨﺎ
ﻳﻜﻦ ﻣﺄﻳﻮﺳﺎت ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺘﻬﻦ واﺿﻄﺮارﻫﻦ إﱃ ﴏف اﻟﻌﻤﺮ واﻟﺴﻌﻲ واﻻﻫﺘﻤﺎم واﻟﺨﺪﻣﺔ
ﰲ ﺑﻼدﻫﻦ؛ إذ ﺗﺘﻮارد ﻋﻠﻴﻬﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت أﻋﻤﺎﻣﻬﻦ وأﺧﻮاﻟﻬﻦ ﻏري اﻟﺠﻤﻴﻼت ﻣﺜﻠﻬﻦ
اﻟﻼﺗﻲ ذﻫﺒﻦ إﱃ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ،ﻓﻴﻘﺮأن ﰲ ﺳﻄﻮرﻫﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪ أﻧﻬﻦ ﻣﺘﻤﺘﻌﺎت ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ ،وأﻧﻬﻦ
ﻗﺪ ﺣﺼﻠﻦ ﻋﲆ اﻻﺳﱰاﺣﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ؛ ﻟﺘﻤﻠﺼﻬﻦ ﻣﻦ ﻋﺬاب اﻟﺨﺪﻣﺔ واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺤﺮث وﻓﻼﺣﺔ
اﻷراﴈ ،ﺛﻢ ﻳﺘﺒني ﻟﻬﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺧﺬﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ
ﻣﻨﺰﻻ؛ ﻣﻜﺎﻓﺄة ﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﺻﺪاﻗﺘﻬﺎ ،وزوﱠﺟﻬﺎ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻣﻼﺋﻢ ً ﺑﺨﺪﻣﺘﻬﺎ ﻗﺪ أﺧﺬ ﻟﻬﺎ ﺳﻴﺪﻫﺎ
ﻃﻔﻼ ﺗﺮﺳﻞ إﱃ أﻫﻠﻬﺎ ﺳﻼم ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﻠﻮﱢث أﺻﺎﺑﻊ ً ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻣﺘﻰ وﺿﻌﺖ
اﻟﻄﻔﻞ ﺑﺎﻟﺤﱪ وﺗﺮﺳﻤﻬﺎ ﰲ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻓﺘﻨﻮب ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻋﻦ إﻫﺪاء اﻟﺴﻼم ،وﻳﻈﻬﺮ
ﻟﻬﻦ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ أن اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺑﻌﺪ زواﺟﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺰل ﻣﺘﻤﺘﻌﺔ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺳﻴﺪﻫﺎ وﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﺑﻬﺎ،
ﻓﺘﻘﻊ ﻫﺬه اﻷﻧﺒﺎء ﰲ ﻗﻠﻮب اﻟﺒﻨﺎت ﻣﻮﻗﻌً ﺎ ﻋﺠﻴﺒًﺎ ،إﱃ ﺣﺪ أﻧﻬﻦ ﻳﻨﻔﺮن ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﻣﻨﺰﻟﻬﻦ
اﻟﺬي ﺷﺒﺒﻦ ﺑﻪ ،وﻳﺼري ﰲ ﻋﻴﻨﻬﻦ ﻇﻼﻣً ﺎ ،وﺗﺘﻮﻟﺪ ﻓﻴﻬﻦ اﻟﻜﺮاﻫﺔ ﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻟ ِْﻔﻨَﻬﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻟﺬﻳﺬة اﻟﻄﻌﻢ ﰲ أﻓﻮاﻫﻬﻦ!
616
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻳﺮﻳﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮدن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻘﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا ،وﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻫﺬه
اﻟﺨﻴﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺴﻢ ﰲ أذﻫﺎﻧﻬﻦ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻬﻦ ﻣﻦ ﻣﻴﻞ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﻴﺴﺘﻮﱄ ﻋﻠﻴﻬﻦ
اﻟﺨﻤﻮل واﻟﻜﺴﻞ ،وﻳﻌﺮﺿﻦ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﻧﻔﺴﻬﻦ ﻟﻺﻫﺎﻧﺔ واﻟﺘﻜﺪﻳﺮ ﻣﻦ أﻣﻬﺎﺗﻬﻦ وآﺑﺎﺋﻬﻦ ،أو
ﻳﺴﻤﻌﻦ ﻣﻨﻬﻦ ﻛﻼﻣً ﺎ أﻣ ﱠﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﱪ ،وأﺛﻘﻞ ﻣﻦ أﺗﻌﺎب اﻷﻋﻤﺎل ،ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻬﻢ ﻟﻬﻦ» :إن اﻟﺨﺒﺰ
ﻻ ﻳﺆﻛﻞ ﺑﺪون ﻋﻤﻞ «.وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺲ ﻛﺮاﻣﺘﻬﻦ ،ﻓﺘﺄﺧﺬ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ
أوﻻ إﱃ اﻟﺰرع ،ﺛﻢ إﱃ اﻟﺤﺼﺎد ،ﺛﻢ ﻟﺼﻨﻊ أن ﺗﻨﺎﺟﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ :أﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒًﺎ أن أﺿﻄﺮ ً
اﻟﺨﱪ ﻷﺟﻞ أن آﻛﻞ ﻟﻘﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم؟! ﻓﺈذا ذﻫﺒﺖ إﱃ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ﴏت ﻫﻨﺎك ﻣﺼﺎﺣﺒﺔ ﻷﺣﺪ
اﻷﻓﻨﺪﻳﺔ ،ﻓﻴﺄﺗﻴﻨﻲ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﻄﻌﺎم املﻄﺒﻮخ ،وﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ذﻟﻚ ﻻ أُﺳﺄل إﻻ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ املﻨﺰل،
ﻓﺈذا أﺻﺒﺤﺖ ﺳﻴﺪة أﻟﻴﺲ أﻧﻨﻲ أﻫﺘﻢ ﺑﺈدارة ﻣﻨﺰﱄ وﺗﺪﺑريه؟! أﻣﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﻤﺎ ﻫﻲ املﻜﺎﻓﺄة
اﻟﺘﻲ ﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن أراﻫﺎ ﺑﺈزاء ﻣﺎ أؤدﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ؟ ﻋﲆ أﻧﻨﻲ إذا ﺧﺪﻣﺖ أﺣﺪ اﻷﻓﻨﺪﻳﺔ
ﺣﺼﻠﺖ وﻻ رﻳﺐ ﻋﲆ املﻜﺎﻓﺄة ،ﺛﻢ أﺻري ﺣﺮة وأﺳﺘﺨﺪم اﻟﺨﺪم ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺻﺒﺢ ﺳﻴﺪة.
وﻋﲆ أﺛﺮ ﻫﺬه املﻨﺎﺟﺎة ﺗﺸﺘﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ،واﺷﺘﻐﺎل ﻓﻜﺮ
اﻟﻔﺘﻴﺎت ﺑﺘﺼﻮﱡر ﻫﺬه اﻟﺨﻴﺎﻻت ﻣﻊ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ أﻣﻬﺎ وأﺑﺎﻫﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺷﻜﺮﻫﺎ
اﻟﻨﻌﻤﺔ ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ﻻ ﺗﻮﺟﺐ اﻟﺘﺤﺴني اﻟﻜﲇ ،إﻻ أﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻨﻲ ﻟﻢ
آﺗﻚ ﺑﻬﺬه اﻹﻳﻀﺎﺣﺎت إﻻ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ واملﻌﻠﻮﻣﺎت ،وﺣﻴﺚ إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺗﻌﺮض ﻓﻴﻬﺎ
ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻋﲆ إﺻﺎﺑﺘﻬﺎ واﻟﻌﻜﺲ ،أﻃﻠﺐ ﻣﻨﻚ إذا ﻛﻨﺖ ﻻ ﺗﺮﻳﻦ ﻫﺬه اﻟﺨﻴﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺴﻢ ﰲ
ذﻫﻦ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺠﺮﻛﺴﻴﺔ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻟﺤﺐ وﻃﻨﻬﺎ وﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ،وﺗﺤﻤﻠﻴﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺐ اﻟﺬات اﻟﴫف؛
ﻓﴫﺣﻲ ﺑﻤﻼﺣﻈﺘﻚ املﻘﻨﻌﺔ.
ً
ﻟﻄﻴﻔﺎ ﺑﻬﺬا املﻘﺪار ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺎد ً
ﺗﻌﺮﻳﻔﺎ ﻗﺎﻟﺖ :أرى أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة أﻧﻚ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ
ً
رﻗﻴﻘﺎ؟! ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ً
ﻣﻴﺎﻻ إﱃ أن ﻳﻜﻮن
ﻛﻼ ،أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﺜﺮ ﺳﻮاد اﻷرﻗﺎء إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ؛ ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻳﺼﻴﺐ ﻗﻠﺖ :ﱠ
ﻧﻘﺼﺎ ﰲ ﻋﺪد ﺣﻤﺎﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻬﻢ ،وﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺗﻘﻞ ﻗﻮة اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ً
أﻳﻀﺎ! ً
وﺑﻴﻨﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻨﺘﺎن ﻧﺘﻀﺎﺣﻚ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﺗﺸﱰك
أﻳﻀﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ،ﺣﺴﺐ ﻣﺎ اﺳﺘﻔﻴﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺮآﻫﺎ. ﻣﻌﻨﺎ ﺑﺎملﺤﺎورة ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ ً
ً
اﻧﺘﺒﺎﻫﺎ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺻﻮرﺗﻪ اﻷوﱃ. أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ اﻧﺘﺒﻬﺖ ﻟﻜﻼم املﺪام
ﻓﻘﻠﺖ :إن املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﺘﻬﺎ ﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﺠﻮاري إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﻮاﻋﺪ
اﻟﴩﻋﻴﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،وﻋﲆ ﻋﺎدات وأﻓﻌﺎل اﻷﴎ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻋﻲ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﺮ
املﻘﺘﻀﻴﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وإﻻ ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﻪ املﻠﻴﺢ واﻟﻘﺒﻴﺢ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﻘﺒﻴﺢ ﰲ ﺑﻌﺾ
617
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻷﺷﻴﺎء ﻣﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ اﻟﺤﺴﻦ ،واﻟﻔﻄﺮة اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻣﻨﻬﻤﻜﺔ ﰲ ﺗﻐﻴري وﺗﺤﻮﻳﻞ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺤﺴﻨﺔ
إﱃ اﻟﻮﺟﻬﺔ اﻟﺮدﻳﺌﺔ ،ﻣﻴﺎﻟﺔ ﻣﻊ ﺳﻮء اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ،ﻓﺒﻨﺎء ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻨﻜﺮ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ أن ﻳﺘﺨﻠﻞ
ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻹﺳﺎرة أﻣﻮر ﺷﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﺢ؛ إذ إﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻮﺟﺪ ً
أﻳﻀﺎ آﺑﺎء ﻳﺒﻴﻌﻮن ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ
ﻳﻜﻦ ﻏري راﻏﺒﺎت ﰲ اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ أوﻛﺎرﻫﻦ؛ وذﻟﻚ ملﺠﺮد أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪوا ﻣﻦ ﺛﻤﻨﻬﻦ، اﻟﻼﺗﻲ ﱠ
ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك ﺳﺎدات ﻳﻌﺎﻣﻠﻮن اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻗﺪ اﺷﱰوﻫﺎ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺗﺨﺎﻟﻒ املﺮوءة
أﻳﻀﺎ إﱃ ﺷﺨﺺ اﻟﴩﻋﻴﺔ ،ﻓﺒﻌﺪ أن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻫﺎ ﺛﻼث ﺳﻨني أو ﺧﻤﺲ ﺳﻨني ﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻬﺎ ً
ﻣﻴﻼ ﰲ ذﻟﻚ إﱃ املﻨﻔﻌﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ. آﺧﺮ ﺗﻜﺮا ًرا؛ ً
أﻟﻴﺲ أن اﻟﻨﺎس ﻳﺴﻴﺌﻮن اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل وﻳﺨﺒﻄﻮن ﰲ ﻟﺠﺞ اﻟﺘﺄوﻳﻼت اﻟﻔﺎﺳﺪة ﻓﻴﻤﺎ
ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﺑﺄﻛﺜﺮ اﻟﻘﻮاﻧني ﻧﻔﻌً ﺎ ،وأﺷﺪ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻓﺎﺋﺪة وﺣﺴﻨًﺎ ﺗﺒﻌً ﺎ ﻷﻏﺮاﺿﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻴﺔ؟
ﱢ
واﻟﺘﺴﲇ أن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮن ﻫﺬا وأﻣﺎ ﺑﺤﺴﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺈن اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺐ اﻟﺘﺄﳼ
املﺬﻫﺐ ﰲ ﺳﻮء اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﴩﻳﻌﺔ ،وﺳﻮء ﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻌﺮف واﻟﻌﺎدات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻢ دون
اﻟﻄﻔﻴﻒ ،وﻫﺆﻻء ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻷﻧﻈﺎر واﻷﻓﻜﺎر اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﻌﺪودون ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﺘﺠﺎوز اﻟﺬﻳﻦ
ﺧﺮﺟﻮا ﻋﻦ اﻟﺤﻖ وداﺋﺮة املﺮوءة ،وﺗﻠﻄﺨﻮا ﺑﺎﻟﻌﺎر.
أﻣﺎ املﺪام ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻠﻘﺖ ﻫﺬه املﻼﺣﻈﺎت ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ،وﺑﻌﺪ أن اﻋﱰﻓﺖ أﻧﻪ
ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻄﺮأ ﻋﲆ املﺮوءة أﻣﻮر ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺑني اﻵﺑﺎء واﻷوﻻد واﻷزواج واﻹﺧﻮة ﰲ
أوروﺑﺎ ً
أﻳﻀﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ،إﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﺎل ﻣﻦ املﻄﺎﻋﻦ ﻋﲆ اﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﺠﻤﻴﻌﻪ ﻗﺪ ﻗﻴﻞ
ﰲ أوروﺑﺎ ،وﺳﻄﺮ ﰲ اﻷوراق ،وأﺻﺒﺢ ﻣﻌﻠﻮﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ،ﻏري أن املﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
أﺗﻴﺖ ﻋﲆ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﺎ وﺑﻴﺎﻧﻬﺎ؛ ﻓﻠﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺮﻗﻴﻖ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻨﻘﻂ اﻟﺘﻲ ِ
ﻣﻦ ﺟﺮاء ﺑﻴﺎﻧﻚ ﻣﻤﺘﻨﺔ ﺷﺎﻛﺮة ،ﻋﲆ أن ﱄ ﺷﻴﺌًﺎ آﺧﺮ أﺳﺄﻟﻚ إﻳﺎه؛ وﻫﻮ أﻧﻚ ﻗﺪ أﺣﺴﻨﺖ ﻛ ﱠﻞ
اﻹﺣﺴﺎن ﰲ ﺑﻴﺎن اﻵﻣﺎل واﻟﺮﻏﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺴﻢ ﰲ ﻣﺨﻴﻼت اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺠﺮﻛﺴﻴﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻳُﻔﺎرﻗﻦ آﺑﺎءﻫﻦ وأﻣﻬﺎﺗﻬﻦ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ رأﻳﻚ وﻗﻮﻟﻚ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﺒﻴﻌﻮن اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻟﻢ
ﻳﺒﻠﻐﻮا ﺑﻌ ُﺪ اﻟﺴﻦ اﻟﺬي ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻪ أن ﻳﻤﻴﺰوا ﻣﺮاﻛﺰﻫﻢ ،وﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻋﺮﻓﻮا ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻣﻦ أﺣﻮال اﻟﻌﺎﻟﻢ؟!
ﻗﻠﺖ :أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،إن ﻫﺆﻻء ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻮن ﺑﺄن ﺗﺼﺒﺢ ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ذات ﻳﻮم ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات،
وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﺸﻮﻗﻮن إﱃ ﺗﺰﻳﻨﻬﻦ ﺑﺤﲆ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﱰﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﺷﺄن املﺮأة وﺗُﻤ ﱢﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﺴﻴﺎدة ،وﻫﻢ ﻳُﺤﺒﱡﻮن أوﻻدﻫﻢ ﻣﺤﺒﺔ ﻛﻠﻴﺔ إﱃ درﺟﺔ أﻧﻬﻢ ﻳﺄﺑﻮن إﺑﻘﺎءﻫﻢ ﰲ ذﻟﻚ اﻻﺣﺘﻘﺎر
ﻟﺪﻳﻬﻢ؛ إذ ﺗﻌﻠﻤني ﻣﻦ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﱰون اﻟﺠﻮاري اﻟﺼﻐريات.
618
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أن ﻣﺠﺮد اﻟﺘﻔﻜﺮ ﰲ ﺑﻴﻌﻬﻦ ﻗﺪ أورث ﻓﺆادي دﻫﺸﺔ ﻫﺬا ﺣﺪﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ
إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﺪي ﻣﻦ ﻣﻴﻞ ﻷن أﻓﺘﻜﺮ ﻓﻴﻤﻦ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﱰوﻧﻬﻦ.
ﻗﻠﺖ :أﺗﻤﻨﻌﻚ ﻫﺬه اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ اﻹﺻﻐﺎء إﱃ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﻘﻴﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ اﻹﻳﻀﺎﺣﺎت؟ ﻗﺎﻟﺖ:
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻤﻦ ﻳﺸﱰون اﻟﺠﻮاري اﻟﺼﻐريات ﻫﻢ اﻟﻌﻘﻴﻤﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻨني ﻓﻴﺠﻌﻠﻮﻧﻬﻦ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ إن ً
أوﻻدﻫﻢ ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻳﺄﺧﺬون اﻟﺠﻤﻴﻼت ﻣﻨﻬﻦ ﻓﻴُﻬﻴﱢﺌﻮﻧﻬﻦ ﻟﻠﺴﻴﺎدة؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﻢ
ﻳﻌﻠﻤﻮﻧﻬﻦ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻳﺮﺑﻮﻧﻬﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺑﻨﺎت املﺪن اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ؛ ﻟﻴُﺼﺒﺤﻦ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ
ﺑﻤﻘﺎم اﻟﺴﻴﺪات .وﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈن ﺳﻴﺪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ أن ﺗُﺒﺎع ﺑﺨﻤﺴﻤﺎﺋﺔ
ﻟرية إﱃ أﻟﻒ ﻟرية ﻻ ﻳﻘﴫ ﰲ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻬﺎ ،واﻹﺣﺴﺎن إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻪ ﻳﺪ اﻹﻣﻜﺎن،
وأﻛﺜﺮ اﻟﻌﻴﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺸﱰي اﻟﺠﻮاري ﻟﻴﺘﺰوﺟﻮا ﺑﻬﻦ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻌﺾ اﻟﺬي أﴍت
أﻳﻀﺎ ﻳﺮﺑﻮن ﻫﺆﻻء اﻟﺒﻨﺎت اﻟﺼﻐريات ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ إﱃ أن ﻳﻜﱪن ﻓﻴ ﱠ
َﻜﻦ إﻟﻴﻪ ،واﻟﺒﻌﺾ ً
زوﺟﺎت ﻷوﻻدﻫﻢ ،وﻳﻮﺟﺪ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺼﻐريات ﺗﺄﺧﺬﻫﻦ اﻟﻌﻴﺎل اﻟﻜﺒرية ﻟﻴﻜﻦ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ
ﻣﺼﺎﺣﺒﺎت أو رﻓﻴﻘﺎت ﻷوﻻدﻫﺎ.
وﻟﻜﻞ ﻓﺘﺎة ﻣﻦ ذوي اﻟﺒﻴﻮﺗﺎت اﻟﻜﺒرية ﺟﺎرﻳﺔ ﺻﻐرية ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻦ ،ﻓﻬﺬه
اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺗﺘﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻊ ﺳﻴﺪﺗﻬﺎ ،وﺗﱰﺑﻰ اﻟﱰﺑﻴﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ ،وﻣﺘﻰ ﺗﺰوﺟﺖ اﻟﺴﻴﺪة
ﻳﻄﻠﻖ ﴎاح ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻔﻞ ﻓﻴﻪ ﺑﻌُ ْﺮﺳﻬﺎ .وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن ﺗﻬﺬﻳﺒﻬﺎ
ﻛﺴﻴﺪﺗﻬﺎ ﻳُﺆﻫﻠﻬﺎ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ زوج ﻣﻼﺋﻢ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻬﺬه ،أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،ﻫﻲ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ
ﺗﺒﻌﺚ ﻋﲆ ﺑﻴﻊ اﻟﺠﻮاري اﻟﺼﻐريات؛ ﻷن اﻟﺠﺮاﻛﺴﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺮون ﻣﻦ ﻫﺬه املﻌﺎﻣﻼت
اﻟﺤﺴﻨﺔ ﻳﺒﻴﻌﻮن ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺘﻴﺘﻤﻦ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة أﻣﻬﻦ ،ﻓﻴﻨﻘﻠﻨﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻀﻦ واﻟﺪﺗﻬﻦ
واﻟﺪات أُﺧ َﺮ ﻳﻌﺘﻨني ﺑﺨﱪﻫﻦ ،وﻳﺤﺼﻠﻦ ﰲ ﺟﺎﻧﺒﻬﻦ ﻋﲆ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺴﻌﺎدة.ٍ إﱃ أﺣﻀﺎن
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ أﺧﻔﻲ ﻋﻨﻚ أن اﻹﻳﻀﺎﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﻣﻨﻚ ﺗُﺨﻴﻞ ﱄ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ
آت إﱃ ﺗﺮﻛﻴﺎ ،وإﻧﻤﺎ أﺗﻴﺖ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﻐﻠﻂ إﱃ ﺑﻼد أﺧﺮى. ووﻋﻴﺘﻪ ً
ﻗﺒﻼ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ ِ
ﻗﻠﺖ :إن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻨﺤﴫ ﰲ ﻛﻮن اﻷوروﺑﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮن إﱃ دار اﻟﺴﻌﺎدة
ﻳﺬﻫﺒﻮن ﺗﻮٍّا إﱃ اﻟﻔﻨﺎدق ﰲ »ﺑﻚ أوﻏﲇ« ،ﻓﻴﴫﻓﻮن أوﻗﺎﺗﻬﻢ ﺑني أﻫﺎﱄ ﻫﺬا اﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ دار
اﻟﺴﻌﺎدة ﻟﻴﺲ إﻻ ،وﻳﺘﻤﻜﻨﻮن إﱃ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﺷﺌﻮﻧﻬﻢ .وأﻣﺎ ﺟﻬﺎت إﺳﺘﺎﻧﺒﻮل
وإﺳﻜﺪار وداﺧﻞ اﻟﺒﻮﻏﺎز ﻓﻼ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﻨﻬﺎ إﻻ اﻟﻄﺮق واﻷرﺻﻔﺔ ،وﻻ أﻛﺘﻤﻚ أن ﺻﻮر
املﻌﻴﺸﺔ ﻓﻴﻬﺎ وﻃﺮق أﺻﻮﻟﻬﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻣﺎﺛﻠﻬﺎ ﰲ »ﺑﻚ أوﻏﲇ« ،ﺑﻞ ﻟﻴﺲ
اﻟﱰاﺟﻤﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺨﺬوﻧﻬﻢ ﺑﺼﻔﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻗﻴﺎس ﻋﲆ وﺟﻪ اﻹﻃﻼق! وزﻳﺎدة ﻋﲆ ذﻟﻚ أن ﱠ
أدﻻء ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻤﺎ ﺧﺮج ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ »ﺑﻚ أوﻏﲇ« ،وملﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ
619
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﱃ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﺑﻤﺎ ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﻘﻠﻬﻢ وﻻ ﻳﻼﺋﻢ
أﻳﻀﺎ ﻳﻈﻨﻮن ﻛﻼﻣﻬﻢ أﻓﻜﺎرﻫﻢ ،وﺑﻌﺒﺎرة أوﺿﺢ :إﻧﻬﻢ ﻳﻬﺮﻓﻮن ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن! واﻟﺴﻮاح ً
ﺻﻮاﺑًﺎ ﻓﻴﻨﺰﻟﻮﻧﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ،وﻳﺴﻄﺮوﻧﻪ ﰲ ﻛﺘﺐ ﺳﻴﺎﺣﺘﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻨﺎ ﻧﻜﺎد ﻋﻨﺪ ﻗﺮاءة
ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ ﻧﺘﻮﻫﻢ وﻫﻤً ﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﰲ إﺣﺪى اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ!
وﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﺣﺒﺸﻴﺔ ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺬ رﺑﻴﺖ إﱃ أن ﺷﺒﺖ ﻋﲆ
ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺰﻳﻨﺔ واﻻﻧﺘﻈﺎم ،ﻛﺎﻧﺖ زﻳﻨﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﺟﺪٍّا ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻬﺎ املﺪام
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﺳﺘﻐﺮاب :ﻣﻦ ﺗﻜﻮن ﻫﺬه؟! أرى ﺣﻼﻫﺎ ﺗﻔﻮق ﺣﺴﻨًﺎ وإﺗﻘﺎﻧًﺎ ﻋﲆ ﺣﲇ رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺨﺪم
ﻋﻨﺪﻛﻢ؟!
ﻗﻠﺖ :إﻧﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ إﱃ أن ﻛﱪت ،أﻣﺎ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻓﻜﺜري ،ﻓﻠﻤﺎ
ﺣﺎن زﻣﻦ ﻋﺘﻘﻬﺎ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﺄﺑﺖ.
ﻗﺎﻟﺖ :ملﺎذا؟!
ﻗﻠﺖ :أﺑﺖ ذﻟﻚ؛ ﻣﺤﺘﺠﺔ أﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﺮى ﰲ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻫﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ
ﻣﺨرية ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺮﻏﺐ؛ أي إﻧﻨﺎ أﻋﻄﻴﻨﺎﻫﺎ ﺳﻨﺪًا ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه أن ﺗﻌﺘﻖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻨﺎﻫﺎ ﱠ
ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﺘﻰ ﺷﺎءت.
ﺛﻢ إن املﺪام ﻧﺎدت اﻟﺤﺒﺸﻴﺔ املﺬﻛﻮرة وأﺟﻠﺴﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻬﺎ وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻲ:
ملﺎذا ﺗﺄﺑني اﻟﻌﺘﻖ واﻟﺤﺮﻳﺔ؟! ﻓﱰﺟﻤﺖ ﺟﻮاب اﻟﺤﺒﺸﻴﺔ ﻟﻠﻤﺪام ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ؟! إﻧﻨﻲ ﻣﺘﻰ رأﻳﺖ زوﺟً ﺎ ﻣﻼﺋﻤً ﺎ ﱄ ﻓﺤﻴﻨﺌ ٍﺬ أﻋﺘﻖ ﻧﻔﴘ
ﺑﻨﻔﴘ ،ﻓﻌﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ املﺪام ﻋﻦ اﻟﺰوج اﻟﺬي ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ وﻛﻴﻒ ﺗﺤﺐ أن ﻳﻜﻮن.
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ اﻟﺤﺒﺸﻴﺔ :إﻧﻬﺎ إذا ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﲆ زوج ﻳﻄﻌﻤﻬﺎ ﻧﻈري اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﺘﻨﺎوﻟﻪ
ﰲ ﺑﻴﺖ ﺳﻴﺪﻫﺎ ،وﻳﻜﺴﻮﻫﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻜﺘﺴﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺴﺔ ،وﻻ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﰲ ﻣﻨﺰل ﻣﻮﻻﻫﺎ ﻓﻼ ﺗﺘﺰوج.
وﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ أُﻃﻠﻖ ﻣﺪﻓﻊ اﻹﻓﻄﺎر ،ﻓﺬﻫﺒﻨﺎ إﱃ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻄﻌﺎم وﺟﻠﺴﻨﺎ ﻋﲆ املﺎﺋﺪة .أﻣﺎ
املﺪام ﺑﻌﺪ أن أﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﺻﻴﻨﻴﺔ اﻹﻓﻄﺎر ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻘﺪ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ﻋﻨﺪﻧﺎ ً
أﻳﻀﺎ أن
ﻋﺮﻓﺎ واﺻﻄﻼﺣً ﺎ ﺑﻤﻘﺪﻣﺎت اﻟﻄﻌﺎم ﻳﻜﻮن ﻋﲆ املﺎﺋﺪة ﺑﻌﺾ أﺷﻜﺎل ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ً
أو اﻟﻨﻘﻮل »ﻫﻮردور«؛ ﻓﻴﻨﺘﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻋﻨﺪﻛﻢ ً
أﻳﻀﺎ!
ﻗﻠﺖ :أﺟﻞ ،إﻧﻬﺎ ﻋﺎدة ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺸﻬﺮ رﻣﻀﺎن ،وﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻠﻤﺎﺋﺪة اﻟﺘﻲ أﻧﺰﻟﺖ ﻋﲆ
ﺣﴬة ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم .أﻣﺎ اﻟﺮاﻫﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺼﻤﺖ املﻄﻠﻖ وﻟﻢ ﺗﺸﱰك
أﺻﻼ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻨﻲ ﻫﺬا ً ﻣﻌﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ؛ ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻤﺤﺎورﺗﻨﺎ
اﻟﺠﻮاب اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻣﺎ ﻫﻲ ﻣﺎﺋﺪة ﻋﻴﴗ اﻟﺘﻲ ﺗُﻘ ﱢﻠﺪوﻧﻬﺎ؟!
620
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﻠﺖ :ﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن اﻟﺤﻮارﻳني وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ أﺑﴫوا ﻟﺤﴬة ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم
أﻋﻤﺎﻻ ﻛﺜرية ﻣﻦ ﺧﻮارق اﻟﻌﺎدات؛ إﻻ أن ﺟﻤﻴﻊ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺠﺰات اﻷرﺿﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ً —
رﻏﺒﻮا ﰲ أن ﻳﺒﴫوا ﻣﻌﺠﺰة ﺳﻤﺎوﻳﺔ وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ» :ﻳﺎ ﻋﻴﴗ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ،أﻳﻨﺰل رﺑﻚ ﻋﻠﻴﻨﺎ
ﻣﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء؟« أﺟﺎﺑﻬﻢ ً
ﻗﺎﺋﻼ» :إذا ﻛﻨﺘﻢ ﻣﺆﻣﻨني ﻓﺎﺗﻘﻮا ﷲ «.ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ» :ﻧﺮﻳﺪ
أن ﻧﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻪ املﺎﺋﺪة ،وﺗﻄﻤﱧ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،وﻧﻌﻠﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻴﻘني أﻧﻚ ﻣﻦ اﻟﺼﺎدﻗني ،ﺛﻢ ﻧﻜﻮن
ﻋﲆ املﺎﺋﺪة املﺬﻛﻮرة ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻫﺪﻳﻦ «.ﻓﻘﺎل ﺣﴬة ﻋﻴﴗ» :ﻳﺎ رب ،أﻧﺰل ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺎﺋﺪة ﻣﻦ
اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻋﻴﺪًا ﻷوﻟﻨﺎ وآﺧﺮﻧﺎ ﻣﻨﻚ ،ﻋﲆ ﻧﺒﻮﺗﻲ «.ﻓﻘﺼﺔ املﺎﺋﺪة ﻣﺬﻛﻮرة ﰲ اﻟﻘﺮآن
اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ املﴩوح.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :ﻓﻬﻞ ﻧﺰﻟﺖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﺎﺋﺪة؟!
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻓﻘﺪ ذﻫﺐ املﻔﴪون إﱃ أﻧﻪ ﺑﻨﺎء ﻋﲆ دﻋﺎء ﺣﴬة ﻋﻴﴗ أﻧﺰﻟﺖ املﻼﺋﻜﺔ
ﻣﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﺋﺪة ﻣﻐﻄﺎة ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ ﻗﺪ ﻧﺰﻟﺖ ،ﻋﲆ ﺣني ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻃﺮﻓﻴﻬﺎ
اﻷﻋﲆ واﻷﺳﻔﻞ ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻧﺴﻴﺞ ،ﻓﺮﻓﻊ ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻏﻄﺎءﻫﺎ ﺑﻌﺪ أن
ﺷﻜﺮ اﻟﺤﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ .وﻗﺪ رأى اﻟﺤﻮارﻳﻮن ذﻟﻚ رأي اﻟﻌني؛ ﻓﻜﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺄﻛﻮﻻت
ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ .وﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﺮواﻳﺎت ﰲ أﺷﻜﺎل وأﻧﻮاع ﻫﺬه املﺄﻛﻮﻻت ،واﻟﺮواﻳﺔ املﺸﻬﻮرة ﺗﻔﻴﺪ
أﻧﻪ ﻗﺪ ﻛﺎن ﻋﲆ املﺎﺋﺪة املﺬﻛﻮرة ﺧﺒﺰ وﺳﻤﻚ وﺑﻌﺾ اﻟﺨﴬاوات ،وﺳﻤﻦ وﻋﺴﻞ وﺟﺒﻦ
وﻣﻘﺪدات ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺠﻤﻊ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء وﻧﺮﺗﺐ ﻣﺎﺋﺪة اﻹﻓﻄﺎر ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ ،وﺑﻌﺪ
اﻹﻓﻄﺎر ﻣﻨﻬﺎ — ﺗﱪ ًﻛﺎ — ﻧﺒﺪأ ﺑﻤﻨﺎوﻟﺔ ﻃﻌﺎم املﺴﺎء اﻷﺻﲇ.
وﻋﻘﻴﺐ ﻫﺬه املﺤﺎورة ﺗﻜﻠﻤﺖ اﻟﺰاﺋﺮﺗﺎن ﻋﻦ ﻃﻌﺎم اﻷﺗﺮاك ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻟﺪﻳﻬﻤﺎ ﺣﻠﻮى
ً
إﺟﻤﺎﻻ ﺻﺪر اﻟﺪﺟﺎج ﻣﻮﻗﻊ اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن اﻟﺘﺎم ،وأﺛﻨﺘﺎ ﻋﲆ ﻟﺬﺗﻬﺎ ،واﻋﱰﻓﺘﺎ ﺑﺄن اﻟﻄﻌﺎم —
— ﺧﻔﻴﻒ ﺟﺪٍّا ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺼﻴﺎم ،ﻓﺒﻌﺪﺋﺬ أﺣﺎﻃﺖ املﺪام ﻋﻠﻤً ﺎ أن اﻟﺼﻴﺎم
ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﺪم اﻷﻛﻞ واﻟﴩب ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺠﺮ إﱃ املﺴﺎء ،ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻠﺴﺎن رﻗﻴﻖ :إن اﻟﺼﻴﺎم
ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﺒﺎدة ﺻﻌﺒﺔ ﺟﺪٍّا! وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﱰف ﻧﺤﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ
ﺑﻘﺪر ﻫﺬه اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ!
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ :ﻟﻴﺲ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ أوﺗﻴﻨﺎه ﻣﻦ
اﻷﻟﻄﺎف اﻹﻟﻬﻴﺔ ،ﻻ ﺟﺮم أن اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت واﻟﺮﻳﺎﺿﺎت ﻋﻨﺪ املﺴﻴﺤﻴني ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺄﻗﻞ ﻛﻠﻔﺔ ﻣﻦ
اﻟﺼﻴﺎم ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻋﲆ ﺣني أن أرﺑﺎب اﻟﺰﻫﺪ واﻟﺘﻘﻮى ﰲ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻣﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء —
وﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ اﻧﻘﻄﻌﻮا إﻟﻴﻬﻤﺎ ،وﺗﺤﺮروا ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﺷﻴﺎء — ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺑﻨﺎدرﻳﻦ ،ﻧﺮى أﻧﻬﻢ
ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳُﻤِ ﱡﺮون ﻋﲆ ﺧﻮاﻃﺮﻫﻢ ﻗﻀﻴﺔ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻋﺮﺿﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ ﺣﺪ
اﻻﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎﻋﻬﻢ ﻋﻦ اﻻﻧﺘﻔﺎﻋﺎت واﻟﻠﺬات اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ،ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟني ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ؟!
621
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :أﻗﻮل إﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدات ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻄﻒ ﷲ
وإﺣﺴﺎﻧﻪ ﻳﻜﻮن ً
ﻗﻠﻴﻼ.
ﻗﻠﺖ :ﻻ رﻳﺐ ﰲ ذﻟﻚ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻗﺪ ورد اﻟﻨﺺ ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺤﻖ اﻟﺮﻫﺒﺎن؛
ﺣﻴﺚ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﺤﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ — ﺑﻘﻮﻟﻪِ :ﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﺪاوة ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني اﻟﻴﻬﻮد
واملﴩﻛﻮن ،وأﻗﺮب اﻟﻨﺎس ﻣﻮدة ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﻟﻮا :إﻧﺎ ﻧﺼﺎرى؛ وذﻟﻚ ﻷن ﻣﻨﻬﻢ
ﻗﺴﻴﺴني »ﻋﻠﻤﺎء« ورﻫﺒﺎﻧًﺎ »زﻫﺎدًا« ،وأﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻜﱪون وﻻ ﻳﺄﺑﻮن ﻗﺒﻮل اﻟﺤﻖ.
وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﻛﻞ ﻧﻬﻀﻨﺎ ﻋﻦ املﺎﺋﺪة وﴎﻧﺎ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ اﻟﻘﻬﻮة،
وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﻬﺔ أﺧﺬت أﺗﺮﺟﻢ ﺑني اﻟﺰاﺋﺮﺗني وﺑني ﺻﺎﺣﺒﺔ املﻨﺰل وأﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﺛﻢ إن املﺪام
ﻗﺒﻼ — ﺳﺎرت ﺑﺼﺤﺒﺔ ﺑﻌﺾ أﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻟﻠﺘﻔ ﱡﺮج — ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﻇﻬﺮﺗﻬﺎ ً
ﻋﲆ ﻏﺮف ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،وﻛﻨﺖ وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻣﺮاﻓﻘﺔ ﻟﻬﻢ ،وﻛﺎن ﰲ إﺣﺪى اﻟﻐﺮف واﺣﺪة ﺗﻘﺮأ ﺗﻔﺴري
املﻮاﻫﺐ ،وﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺮؤه وﻫﻲ ﻣﺴﺘﻮرة اﻟﺮأس ﺑﻜﻤﺎل اﻻﺣﱰام ،اﻟﺘﻔﺘﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ
إﱄ ﱠ وﻗﺎﻟﺖ ﺳﺎﺋﻠﺔ :ﻫﻞ إن ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة ﺗﻘﺮأ اﻟﻘﺮآن؟
ﻗﻠﺖ :ﺗﻘﺮأ ﺗﻔﺴريه ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ.
َ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :ﺑﺄي ﳾء ﺗﺘﻌﻠﻖ اﻵﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮؤﻫﺎ ﻳﺎ ﺗﺮى؟ ﻓﺴﺄﻟﺖ اﻟﻘﺎرﺋﺔ» :ﰲ أي
ﺳﻮرة ﺗﻘﺮﺋني؟« ﻗﺎﻟﺖ :ﰲ ﺳﻮرة »آل ﻋﻤﺮان«.
ﻓﻬﻤَ ﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ ﺟﻮاﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ.ﻓﻤﺎ ِ
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣَ ﻦ ﺗﻌﻨني ﺑﻌﻤﺮان؟!
ﻗﻠﺖ :ﻳﻮﺟﺪ ﺑﺎﺳﻢ ﻋﻤﺮان اﺛﻨﺎن؛ اﻷول :واﻟﺪ ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﻮﳻ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم —
واﻟﺜﺎﻧﻲ :واﻟﺪ ﺣﴬة ﻣﺮﻳﻢ ،واﻻﺛﻨﺎن ﻣﻦ ﺑﻴﻮت ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :ﺑﺄي ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ و َرد ﻫﻨﺎ ذﻛﺮ ﻋﻤﺮان؟
ﺣﺎﻣﻼ ،وﻗﺪ ﻧﺬرت اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬي ً ﻗﻠﺖ :إن ﻋﻤﺮان ﻗﺪ ﺗﻮﰲ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺘﻪ ﺣﻨﺔ
ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﻨﺪ ذوي اﻟﺒﻴﻮﺗﺎتٌ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎد ٌة
ْ ﺳﺘﻀﻌﻪ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ أﻣﻞ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﻀﻊ وﻟﺪًا أن ﻳُﻘﺪﱢﻣﻮا أوﻻدﻫﻢ اﻟﺬﻛﻮر ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس ،ﻓﺤﻨﺔ ً
ذﻛ ًﺮا ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺬرﺗﻪ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس ،وملﺎ وﺿﻌﺘﻬﺎ أﻧﺜﻰ ﺳﻤﺘﻬﺎ ﻣﺮﻳﻢ ،وﻣﻌﻨﺎه ﺑﺎﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ
»ﻋﺎﺑﺪة زاﻫﺪة« ،وﻟﻜﻦ ﺑﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻀﻊ ذﻛ ًﺮا أﺻﺒﺤﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻣﺘﺤﴪة وﻗﺎﻟﺖَ ﴿ :ربﱢ إِﻧﱢﻲ
َﺿﻌْ ﺘُﻬَ ﺎ أُﻧﺜ َ ٰﻰ﴾ )آل ﻋﻤﺮان.(٣٦ :
و َ
أﻣﺎ ﺟﻨﺎب اﻟﺤﻖ ﻓﻘﺪ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺑﻘﺒﻮل ﺣﺴﻦ ورﺑﱠﺎﻫﺎ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺣﺴﻨﺔ ،وملﺎ ﻋﺮﺿﺘﻬﺎ ﺣﻨﺔ
ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس ﻷﺟﻞ أن ﺗﻔﻲ ﺑﻨﺬرﻫﺎ ﺗﺴﺎﺑَﻖ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻷﺟﻞ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻨﺖ
622
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
إﻣﺎﻣﻬﻢ ،ووﻗﻌﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ املﻨﺎﻓﺴﺔ ،ﻓﺎﻗﱰﻋﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮﻋﺔ ﻟﺤﴬة
زﻛﺮﻳﺎ ،ﻓﺨﺼﺼﻮا ﻟﻬﺎ ﺣﺠﺮة ﰲ املﺴﺠﺪ ،وﺗﻌﻬﺪ ﺣﴬة زﻛﺮﻳﺎء ﺑﱰﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ
أﺗﺘﻪ اﻟﺒﴩى ﻣﻦ ﷲ أﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻴﻪ وﻟﺪ ﻳﻜﻮن اﺳﻤﻪ ﻳﺤﻴﻰ ،ﻋﲆ أن ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺳﻮرة
ﻣﻨﺴﻮﺑﺔ ملﺮﻳﻢ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺳﻮرة »ﻣﺮﻳﻢ« ،ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺺ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :أرﺟﻮ ﺗﻼوة ﻫﺬه اﻟﺴﻮرة ﻟﻨﺴﻤﻌﻬﺎ.
وﺣﻴﻨﺌﺬ ﻓﺘﺤﺖ ﺳﻮرة »ﻣﺮﻳﻢ« ،وﺻﺎر ﺗﻼوة اﻵﻳﺎت املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺤﴬة زﻛﺮﻳﺎ وﺣﴬة
ﻣﺮﻳﻢ وﺗﻔﺎﺳريﻫﺎ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺒﺎدرت ﺑﱰﺟﻤﺔ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ؛ ﻓﺄﻓﻬﻤﺘﻬﺎ أن ﺣﴬة ﻣﺮﻳﻢ
رأت ﺟﱪاﺋﻴﻞ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺑﺼﻮرة ﺑﴩ ،وأﻧﻪ ﻧﻔﺦ اﻟﺮوح ﰲ ﻃﻮق ﻗﻤﻴﺼﻬﺎ ،وﺑﻴﱠﻨﺖ
ﺗﻔﺼﻴﻼ أن ﺣﴬة ﻣﺮﻳﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻌﻼﺋﻢ وﺿﻊ اﻟﺤﻤﻞ ﺟﺎءت إﱃ ً ﻟﻬﺎ
َ
ﻨﺖ ﻧ ْﺴﻴًﺎ ﻣﱠ ِ
ﻨﺴﻴٍّﺎ﴾ َ َ َ َ
ﺟﺬع اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻗﺎﻟﺖ :ﺑﺄي وﺟﻪ أﻗﺎﺑﻞ ﻗﻮﻣﻲ؟! ﴿ﻳَﺎ ﻟﻴْﺘﻨِﻲ ِﻣ ﱡﺖ ﻗﺒْ َﻞ َﻫﺬا َو ُﻛ ُ
)ﻣﺮﻳﻢ ،(٢٣ :ﺛﻢ ﻛﻴﻒ ﺟﺎءﻫﺎ ﺟﱪاﺋﻴﻞ وواﺳﻬﺎ ،وﻛﻴﻒ ﺗﻜﻠﻢ ﺣﴬة ﻋﻴﴗ وﻫﻮ ﰲ املﻬﺪ،
وﻣﺎ ﻛﺪت أﻧﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺎن املﺄﺧﻮذ ﻋﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ واﻟﺘﻔﺎﺳري ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮت دﻻﺋﻞ
اﻟﺘﺄﺛري اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺮاﻫﺒﺔ وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻧﻜﻢ ﺗﻌﺘﻘﺪون أن ﺣﴬة ﻋﻴﴗ
وﻟﺪ ﺑﻼ أب؟! ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻛﻴﻒ وﻋﻨﺪﻧﺎ أن ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻳﻜﻮن ﻛﺎﻓ ًﺮا؟! ﻓﻨﺤﻦ
ﻻ ﻧﻔﺮق ﺑني أﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء ،ﻟﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ أن ﺳﺘﺔ ﻣﻨﻬﻢ — ﻳﻌﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪًا وﻋﻴﴗ وﻣﻮﳻ
وإﺑﺮاﻫﻴﻢ وﻧﻮﺣً ﺎ وآدم — ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم — ﻫﻢ أﻓﻀﻞ اﻷﻧﺒﻴﺎء؛ ﻓﺈن ﷲ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ
آدم ﻣﻦ ﺗﺮاب ﻻ ﻳﺮﺗﺎب أﺣﺪ ﰲ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺎد ًرا أن ﻳﺨﻠﻖ إﻧﺴﺎﻧًﺎ آﺧﺮ ﺑﻼ أب .وﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ
ﻋﻘﻼ وﻻ ﺣﻜﻤﺔ ً
أﻳﻀﺎ. اﺳﺘﺒﻌﺎده ﻻ ً
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :أﺗﻌﺘﻘﺪون أﻧﺘﻢ ﺑﺎﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻟﴩﻳﻔﺔ؟
ﻗﻠﺖ :أﺟﻞ ،ﻧﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺤﻖ — ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ — ﻗﺪ ﻧ ﱠﺰل ﻋﲆ ﺣﴬة ﻋﻴﴗ ﻛﺘﺎﺑًﺎ اﺳﻤﻪ
اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﴩﻳﻒ ،وﻗﺪ ورد ذﻛﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﰲ ﻋﺪ ِة ﻣﻮاﺿ َﻊ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،وذﻛﺮ ﰲ
اﻟﻘﺮآن ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺪرﺟﺎت اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﴩﻳﻒ ،وﻗﺪ ﴏح اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ :أن ﺣﴬة ﻋﻴﴗ —
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺑﴩ ﺑﻘﻮﻟﻪ :إﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻧﺒﻲ ﺑﻌﺪي ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :أﺣﻤﺪ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :ﻣﺎ املﻌﻨﻰ ﻣﻦ ذﻟﻚ؟ إﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ
ﻗﻠﺖ :ﻓﻠﻨﻨﻈﺮ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ واﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻣﻦ إﻧﺠﻴﻞ
ﻠﺖ ﻫﺬا وأﺧﺮﺟﺖ ﻧﺴﺨﺔ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ املﻜﺘﺒﺔ ،ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ ﻫﺬه ﻳﻮﺣﻨﺎُ .ﻗ ُ
اﻟﻔﺼﻮل اﻟﺜﻼﺛﺔ وﻗﺮأت اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﴩة واﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ،
واﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،واﻵﻳﺔ اﻷوﱃ واﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺜﺎﻣﻨﺔ
623
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
واﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﻌﺎﴍة واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﺠﻲء ﻧﺒﻲ ﺑﻌﺪ ﺣﴬة
ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :ﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬه اﻵﻳﺔ ﻣﻌﻨﻰ ﻳﺸري إﱃ ﻣﺠﻲء ﻧﺒﻲ ﺑﻌﺪ ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ
ً
دﻗﻴﻘﺎ ِ
ذﻫﺒﺖ إﻟﻴﻪ ،وملﺎ ﻛﺎن إﻧﺠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﻋﻴﴗ ،واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻗﺪ ﻓﴪﺗﻬﺎ ﺗﻔﺴريًا ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ
ﻛﺎن ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن أن ﻳﻔﻬﻤﻪ!
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،إن ﻓﻬﻢ إﻧﺠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻔﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺮاءﺗﻨﺎ
ﻟﻬﺬه اﻵﻳﺔ ﻳﺴﺘﻔﺎد ﰲ أﻳﺔ ﺣﺎﻟﺔ أﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻧﺒﻲ آﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ.
ﻗﺎﻟﺖ :واﻟﺬات اﻟﺬي ﻳﺸري ﺑﻪ أﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻗﺪ ورد ذﻛﺮه ﰲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ
»ﺑﺎرﻗﻠﻴﻂ« ،وﻣﻌﻨﺎه ﰲ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ »املﴬي«.
ﻗﻠﺖ :ﻧﺤﻦ ﻧﻈﻦ أن اﻟﺒﺎرﻗﻠﻴﻂ ﻣﺤﺮف ﻋﻦ »ﺑﺮﻳﻘﻠﻴﺖ«.
ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﻗﻂ ﺑﻜﻠﻤﺔ »ﺑﺮﻳﻘﻠﻴﺖ«!
ﻗﻠﺖ :أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ رأﻳﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،وأﺧﺮﺟﺖ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ
وﻗﺮأت اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﺼﻒ ،وأﴍت إﱃ ﺣﺎﺷﻴﺔ ُ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ املﻜﺘﺒﺔ،
املﱰﺟﻢ »ﻓﺎرﻣريﺳﻜﻲ« املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻫﺎ أﻧﺎ أﻧﻘﻠﻬﺎ ﺣﺮﻓﻴٍّﺎ ،وذﻛﺮﺗﻪ ﺣﺮﻓﻴٍّﺎ ،وﺻﺎر ﺗﻌﺮﻳﺒﻪ
ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:
إن ملﺤﻤﺪ ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني ﻋﺪة أﺳﻤﺎء ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻟﻨﻌﻮت وﺑﻌﺾ اﻟﺼﻔﺎت ،وﻫﻲ
ﺗﺒﻠﻎ ﻧﺤﻮ املﺎﺋﺔ ﻋﺪٍّا؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺴﻤﻰ أﺣﻤﺪ واملﻌﻈﻢ واملﺼﻄﻔﻰ واملﺨﺘﺎر وﻣﺤﻤﻮدًا
واملﺒﺠﻞ إﻟﺦ .ﻓﻜﻠﻤﺔ »ﻣﺎﻫﻮﻣﻴﺖ« املﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﺄﺧﻮذة ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ »املﺒﺠﻞ«،
وﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ آﺗﻴﺔ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻛﻠﻤﺔ أﺣﻤﺪ وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻫﻲ — أي ﻛﻠﻤﺔ أﺣﻤﺪ
— ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﺑﺎراﻗﻠﻴﻂ ﺑﺎﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ أي املﻌﻈﻢ؛ ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮن ﻳﺪﻋﻮن أن ﻳﺴﻮع
املﺴﻴﺢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — وﻋﺪ ﺑﻤﺠﻲء ﻣﺤﻤﺪ ،أﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺑﺮﻳﻜﻴﻠﺘﻮس
»إﻧﺠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨﺎ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ،«١١وأن اﻟﺒﺎرﻗﻠﻴﻂ ﺑﺎرا ﻛﻠﻴﻨﻮس اﻟﺬي ﻳﻔﴪ
ﺑﻨﺰول اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻟﻴﺲ إﻻ ﺗﻐريًا ﻋﻦ ﺑﺮﻳﻜﻴﻠﻨﻮس وﺗﺼﻮره ﺿﻌﻒ إﻳﻤﺎن
املﺴﻴﺤﻴني.
ﻗﺎﻟﺖ املﺪام :ﻗﺪ ﺗﻮﺳﻌﺘﻤﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ
ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻈﻬﺮ إﻻ ﰲ اﻵﺧﺮة!
624
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﻠﺖ :ﻻ ﺷﻚ وﻻ رﻳﺐ ،ﻏري أﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﻨﺬ اﻵن ﻻ ﻳﻤﺴﻨﺎ ﺧﻮف واﺿﻄﺮاب ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﻮﺟﻪ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق؛ ﻓﺈن ﺳﻴﺪﻧﺎ وﻧﺒﻴﻨﺎ ﷺ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ أﻣﺘﻪ ﺗﻌﺮف اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﺴﺎﻟﻔني —
ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻼم — وﺗﺼﺪﻗﻬﻢ ،وﻛﺄﻧﱠﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﴬﻧﺎ ﺗﻮﺟﻬﻬﻢ وﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻢ ﻷﺟﻠﻨﺎ.
وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ أذن املﺆذن ﻟﻠﻌﺸﺎء ،ﻓﻨﻬﺾ أﻫﻞ املﻨﺰل ﻷداء ﺻﻼة اﻟﱰاوﻳﺢ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ
ﺳﺄﻟﺖ اﻟﺰاﺋﺮﺗﺎن ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ذﻫﺎﺑﻬﻦ ،ﻓﺄﻧﺒﺄﺗﻬﻤﺎ أﻧﻬﻦ ذاﻫﺒﺎت ﻷداء اﻟﺼﻼة اﻟﺘﻲ ﻧﺆدﻳﻬﺎ ﰲ ِ
ﻟﻴﺎﱄ رﻣﻀﺎن.
ﻗﺎﻟﺖ املﺪام :أﻻ ﺗﺬﻫﺒني أﻧﺖ ﻷداء ﻫﺬه اﻟﺼﻼة؟
ﻗﻠﺖ :إن وﻇﻴﻔﺔ إﻛﺮام اﻟﻀﻴﻮف ﻣﻨﻮﻃﺔ ﺑﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ،وﺳﺄذﻫﺐ ﻟﺘﺄدﻳﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺤﴬ وﻧﺮى ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎدة؟
ﻗﻠﺖ :إذا رﻏﺒﺘﻤﺎ ﰲ ﺗﺤﻤﻞ املﺸﻘﺔ ﻓﻼ ﺑﺄس ﻣﻦ ذﻟﻚ .إن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎدات ﻋﻨﺪﻧﺎ
ﻏري ﻣﻤﻨﻮع ﻋﲆ أﺣﺪ أن ﻳﻨﻈﺮﻫﺎ ،ودﻳﻦ املﺴﻠﻤني ﻇﺎﻫﺮ ﻟﻠﻌﻴﺎن ،وﰲ ذﻟﻚ أﻗﻮال ﻣﺸﻬﻮرة.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻜﻮن ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻻﻣﺘﻨﺎن.
ﻓﻘﻠﺖ :ﺗﻔﻀﻼ ،وﴎت ﺑﻬﻤﺎ إﱃ ﻣﺤﻞ اﻟﻨﺴﺎء املﻔﺮوز ﻋﻦ ﻣﺤﻞ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻫﻨﺎك أﺧﺬﻧﺎ
ﰲ ﻣﺸﺎﻫﺪة وﻣﻌﺎﻳﻨﺔ اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺆدﻳﻦ اﻟﺼﻼة ﺟﻤﺎﻋﺔ ،وﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺴﺄﻻﻧﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺳﻮرة
اﻹﺧﻼص اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺮر ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺳﻼم ،ﻓﺄُﺗﺮﺟﻤﻬﺎ ﻟﻬﻤﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ املﺪام :ﻻ ﺟﺮم أن ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺮار ﻟﺴﻮرة »اﻹﺧﻼص« ﻟﻪ ﻗﺪر؛ ﻓﺈن ﺑﻬﺎ أﻟﻔﺎ ً
ﻇﺎ
ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮﺋﺖ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ؛ وﻫﻲ »رﺑﻨﺎ آﻣﻨﺎ« إﻟﺦ ،ﺑﻌﺪ ﺳﻮرة اﻹﺧﻼص ،ﰲ آﺧﺮ
ﺳﻼم اﻟﱰاوﻳﺢ ،رﻓﻊ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻳﺪﻳﻬﻦ إﱃ اﻟﻌﻼ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻨﻲ اﻟﺰاﺋﺮﺗﺎن ﺑﻘﻮﻟﻬﻤﺎ :ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﻘﺮؤه
املﺼﻠﻴﺎت.
ﻓﻘﻠﺖ :إﻧﻬﺎ آﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،وﻫﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻛﻼم اﻟﺤﻮارﻳني ،وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ» :ﻳﺎ رﺑﻨﺎ،
ﻗﺪ آﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي أﻧﺰﻟﺘﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،واﺗﺒﻌﻨﺎ اﻟﺮﺳﻮل »ﻋﻴﴗ« ،ﻓﺎﻛﺘﺒﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻫﺪﻳﻦ«.
وﻫﺬه اﻵﻳﺔ ﺗُﻘﺮأ ﻋﺎدة ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺻﻼة اﻟﱰاوﻳﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﰲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :ﻣﺎ ﻗﻮﻟﻜﻢ أﻧﺘﻢ ﰲ اﻟﺤﻮارﻳني؟
ﻗﻠﺖ :ﻫﺆﻻء ﻧﻌﻢ ﻣﻦ ﺧﻮاص أﺻﺤﺎب ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :أﺗﻘﻮﻟﻮن إن ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ اﺑﻦ ﷲ؟!
ﻛﻼ ،ﻧﻘﻮل إﻧﻪ ﻋﺒﺪ ﷲ ،وﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻷﻧﺒﻴﺎء.ﻗﻠﺖ :ﱠ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :أﻣﺎ ﺗﻌﺘﻘﺪون أﻧﻪ وﻟﺪ ﺑﻼ أب؟!
625
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺳﺎﺑﻘﺎ؛ إن اﻟﺤﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ — ﺧﻠﻘﻪ ﺑﻼ أب ﻋﲆ وﺟﻪ ً ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم
ﺧﺎرق ﻟﻠﻌﺎدة ،وﺧﻠﻖ آدم ﻣﻦ اﻟﱰاب ﺑﻼ أب وﻻ أم ،وﻗﺪ ﻋﱪ ﻋﻦ آدم أﻧﻪ اﺑﻦ ﷲ ﰲ آﺧﺮ
آﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ إﻧﺠﻴﻞ ﻟﻮﻗﺎ ،وورد اﻟﺘﴫﻳﺢ ﰲ اﻟﺘﻮراة ﺑﻌﺪ وﻗﻌﺔ ﻗﺎﺑﻴﻞ وﻫﺎﺑﻴﻞ
أن أوﻻد آدم ﻗﺪ اﻧﻘﺴﻤﻮا إﱃ ﻓﺮﻗﺘني ،ﻓﻜﺎﻧﻮا أﺑﻨﺎء ﷲ وأﺑﻨﺎء اﻟﺸﻴﻄﺎن .وﻟﻮ اﻗﺘﴣ أن
اﻟﺤﻖ — ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ — ﻟﻪ أبٌ ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ وﻟﺪ ﺑﻼ أب؛ ﻟﺰم ﻋﻦ ذﻟﻚ أن ﻳﺒﺤﺚ ﻟﻪ ﻋﻦ ﱡ ﻳﻜﻮن
أم ،وﻟﻮ ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻣﻠﻚ ﻟﺴﻘﻂ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ ﻋﻘﺎﺋﺪ املﻴﺘﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻬﺖ ﻋﻨﻬﺎ
اﻟﴩاﺋﻊ واﻟﴩﻳﻌﺔ املﻮﺳﻮﻳﺔ ً
أﻳﻀﺎ.
وﻟﻮ ﻛﺎن ﻳﻌﱪ ﻋﻦ ﷲ ﺑﻠﻔﻈﺔ أب ﻟﻜﺎن اﻟﻌﺒﻴﺪ املﺆﻣﻨﻮن واﻷﻋﺰاء ﻳﻘﺎل ﻟﻬﻢ :أﺑﻨﺎء ﷲ،
ﻻ ﺟﺮم أن ﻟﻜﻞ ﻣﻠﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻌﺒريات املﺠﺎزﻳﺔ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﷲ ﺑﺎﻷب ﻣﻦ
ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ املﺠﺎزي إذ ﻧﻬﺾ ﻟﻠﺘﻔﺘﻴﺶ ﻋﻦ اﻷﺑﻮة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻓﺤﺼﻞ اﻹﻳﻬﺎم ﻣﻦ ﺗﻌﺒري
اﻷب واﻻﺑﻦ ﺑﺎﻷﺑﻮة واﻟﺒﻨﻮة املﺎدﻳﺔ ،وﺑﺴﺒﺐ ذﻟﻚ ﻣُﻨﻊ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻫﺬه اﻟﺘﻌﺒريات ﰲ اﻟﴩﻳﻌﺔ
أﻳﻀﺎ ﻧﺴﻤﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ املﻜﺮﻣﺔ ﺑﻴﺖ ﷲ — ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺒﻴﺖ املﺤﱰم اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وإﻻ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ً
واملﴩف — ﻋﻨﺪ ﷲ .وذﻟﻚ ﻻ ﻳﻔﻴﺪ أن هلل ﺑﻴﺘًﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ؛ ﻓﺈن اﻟﺤﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ —
ﻣُﻨ ﱠﺰه ﻋﻦ املﻜﺎن ،ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻘﺎل ﻋﻨﺪﻧﺎ :ﻳﺪ ﷲ ،واملﺮاد ﺑﻬﺎ ﻗﺪرة ﷲ؛ ﻷن اﻟﺤﻖ — ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ
— ﻣﻨﺰه ﻋﻦ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ :أﺗﻌﺘﻘﺪون ﺑﺎﻧﺘﻘﺎل ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻌﺪ ﺻﻠﺒﻪ؟
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺑﺼﻌﻮده إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻻ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺑﺼﻠﺒﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل؟! إن اﻟﻴﻬﻮد ﻳﻘﻮﻟﻮن :ﻧﺤﻦ ﺻﻠﺒﻨﺎه ،وﻧﺤﻦ ﻧﻘﻮل :ﻧﻌﻢ،
إﻧﻬﻢ ﺻﻠﺒﻮه ،أﻟﻴﺲ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺟﺐ اﻟﻨﻈﺮ أن دﻳﻨًﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻳﻜﺬب اﻟﻄﺮﻓني؟!
ﻗﻠﺖ :ﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻋﻨﺪ املﺴﻴﺤﻴني ﻣﻦ رواﻳﺔ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ﻣﻦ
ﺗﺒﻊ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﻢ ﺗﻮٍّا ،وإﻧﻤﺎ أﺧﺬوا اﻟﴚء اﻟﺬي ﺳﻤﻌﻮه ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﻓﻘﺒﻠﻮه! ﻓﺎﻹﺳﻼﻣﻴﺔ —
واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه — ﻻ ﺗﺠﺮح رواﻳﺔ اﻟﻨﺼﺎرى ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﺠﺮح رواﻳﺔ اﻟﻴﻬﻮد؛
ﻷﻧﻪ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن اﻟﻴﻬﻮد أﺧﺬوا ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ً
ﻟﻴﻼ إﱃ أﺣﺪ اﻟﺒﻴﻮت ،وإذ
ذاك ﺗﻔﺮق اﻟﺤﻮارﻳﻮن ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﻢ ،ﻋﲆ أﻧﻪ وإن ﻛﺎن أﺣﺪﻫﻢ ﻗﺪ ذﻫﺐ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻪ
أﻳﻀﺎ ﻗﺪ ذﻫﺐ ﺑﺤﺎل ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ أدﺧﻠﻮا ﺣﴬة ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ ﻛﺎن ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻨﻪ ،إﻻ أن ﻫﺬا ً
ﻄﻠﻊ أﺣﺪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﰲ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ ،وﻟﻢ ﻳ ﱠ
آﺧﺮون ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻹﻋﺪام ،ﻓﻤﻦ اﺷﺘﺪاد اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻇﻦ أﻧﻬﻢ أﺧﺬوا ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم أﺷﺨﺎص َ
ﺷﺨﺼﺎ ُﺷﺒﱢﻪ ﺑﻪ ،واﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ رﻓﻊ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ — ً ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﴗ ،واﻟﺤﺎل أﻧﻬﻢ ﺻﻠﺒﻮا
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﻬﺬا ﻫﻮ اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﺑﻠﻐﻨﺎه.
626
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺗﻤﺖ اﻟﺼﻼة ،ﻓﺘﻘﺪﻣﺖ املﺮﻃﺒﺎت ﻋﲆ ﺟﺎري اﻟﻌﺎدة ،وأﺧﺬﻧﺎ ﰲ ﻣﺪاوﻟﺔ أﺣﺎدﻳﺚ
اﻟﻮداد وﺑﻌﺾ اﻟﻨﻮادر ،ﺛﻢ إن املﺪام أوﺿﺤﺖ ﻟﻨﺎ إذ ذاك أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﲆ املﻌﻠﻮﻣﺎت
اﻟﻼزﻣﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺣﺘﻬﺎ ،واﻃﻠﻌﺖ ﻋﲆ أﺷﻴﺎءَ ﻛﺜري ٍة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻬﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺸﻜﺮت ﻟﻨﺎ ﻛﻞ
اﻟﺸﻜﺮ وﺣﻤﺪت ﻣﺎ رأﺗﻪ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ اﻹﻛﺮام ﻟﻬﺎ ،واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻬﺎ ،واﺷﱰﻛﺖ اﻟﺮاﻫﺒﺔ ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ً
أﻳﻀﺎ
وداع ،وذﻫﺒﺘﺎ َ
أﺣﺴﻦ ٍ ﻣُﴫﱢﺣﺔ ﺑﺎﻣﺘﻨﺎﻧﻬﺎ وﴎورﻫﺎ ﻣﻤﺎ رأﺗﻪ ووﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ودﱠﻋﺘﺎﻧﺎ
ﻣﻤﺘﻨﺘني ﺷﺎﻛﺮﺗني.
املﺤﺎورة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ
ﺑﻌﺪ أﺳﺒﻮع واﺣﺪ ﻣﻦ اﺟﺘﻤﺎﻋﻨﺎ ﺑﺘﻴﻨﻚ اﻟﻀﻴﻔﺘني — ﻛﻤﺎ ﻓﺼﻠﻨﺎ ذﻟﻚ ﰲ املﺤﺎورة اﻷوﱃ —
ً
ﻣﻈﺮوﻓﺎ وﻗﺪ أﺧﺬت ﻛﺘﺎﺑًﺎ ،وملﺎ ﻓﻀﻀﺖ ﺧﺘﺎﻣﻪ وﺟﺪت ﺿﻤﻨﻪ رﻗﻌﺔ زﻳﺎرة ،وﻛﺘﺎﺑًﺎ آﺧﺮ
ﺧﻂ ﻋﲆ رﻗﻌﺔ اﻟﺰﻳﺎرة ﻛﻠﻤﺎت ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ أن ﻣﺮﺳﻠﺘﻬﺎ ﺗﻮد أن ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻗﺒﻮﻟﻬﺎ
ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ أم ﻻ ،وإذا أﻣﻜﻦ ﻓﻔﻲ أي وﻗﺖ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺰورﻧﺎ .وﺑﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺮف اﺳﻢ
املﺮﺳﻠﺔ املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻀﻀﺖ ﺧﺘﺎم اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﻌﺮﻓﺖ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ،وﻫﻲ ﻣﺪام
ﻣﻦ ﻣﻌﺘﱪي اﻟﺴﻮاح ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎءت ﻣﻨﺬ اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ إﱃ دار اﻟﺴﻌﺎدة ،واﺟﺘﻤﻌﺖ ﺑﻬﺎ ﰲ
ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،وﻗﺪ ذﻛﺮت ﺑﻜﺘﺎﺑﻬﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻨﺎ املﺎﴈ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :إن »ﻣﺪام ر — «.إﺣﺪى ﺣﺒﻴﺒﺎﺗﻬﺎ اﻷﻋﺰاء — ﻣﺘﻬﻴﺌﺔ ﻟﻠﺬﻫﺎب ﺑﺼﺤﺒﺔ زوﺟﻬﺎ
اﻟﺤﺮﻳﱠﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ
ملﺸﺎﻫﺪة دار اﻟﺴﻌﺎدة ،وإﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﻹﻳﻀﺎﺣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻋﻦ املﺤﺎل ِ
ﻗﺒﻼ إﻟﻴﻬﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﻛﺜرية اﻟﺸﻮق واملﻴﻞ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎعواﻟﻔﺮﺟﺔ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ذﻫﺒﺖ ً
ﻣﻊ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻤ ﱢﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻮز ﺑﻬﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ ،وإن ﻫﺬه
املﺪام ﻣﻦ اﻟﻌﺎملﺎت اﻟﻔﺎﺿﻼت اﻟﻼﺗﻲ ﻳﴪ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﻦ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ أوﺻﺘﻬﺎ أن ﺗﺬﻫﺐ إﱃ
ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﻋﲆ أﻣﻞ ﺗﺎ ﱟم ﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﻼﻗﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺤﺮﻳﺔ.
ﺛﻢ زادت ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺄن »ﻣﺪام ر «.وإن ﻛﺎﻧﺖ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ املﺤﺘﺪ واﻟﻨﺸﺄة ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻋﺎرﻓﺔ
ﺑﻌﺪة ﻟﻐﺎت ،وﻫﻲ ﺗﻌﺮف اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮف ﻟﻐﺘﻬﺎ ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﻌﻞ
ﻟﻨﺎ ﺛﻘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻬﺎ ،واﺧﺘﺘﻤﺖ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :إن »ﻣﺪام ر «.املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﺤَ ِﺮﻳﱠﺔ
ﺑﺄن ﺗﺪﻋﻰ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﺔ ،وإﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ ﻣﻐﺎﻻة ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .وﺣﻴﺚ إن اﻟﺸﺨﺺ
اﻟﺬي أﺣﴬ اﻟﻜﺘﺎب ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﰲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﺠﻮاب ،ﺑﻠﻐﺘﻪ أن ﻳﺨﱪ املﺪام املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ أن
ﺗﺘﻔﻀﻞ ﻟﺰﻳﺎرﺗﻨﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وأن ﺗﺆاﻧﺴﻨﺎ ﺑﻤﻨﺎوﻟﺔ ﻃﻌﺎم اﻹﻓﻄﺎر ﻣﻌﻨﺎ.
627
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﰲ اﻟﻴﻮم املﺬﻛﻮر وﻓﺪ ﻋﲆ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ ذوي ُﻗﺮﺑﺎﻧﺎ ﻟﻺﻓﻄﺎر؛ وذﻟﻚ ﺟﺮﻳًﺎ ﻋﲆ
اﻟﻌﺎدة املﺄﻟﻮﻓﺔ ﰲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ اﻟﺘﺰاور اﻟﺬي ﻳﺤﺼﻞ ﺑني اﻷﻫﻞ واﻷﻗﺮﺑﺎء ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ
ﺟﺎﻟﺴني ﰲ اﻟﻘﺎﻋﺔ ،ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎر ،دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
أُ ُ
ﻧﺒﺌﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج أن املﺪام ﻗﺪ أﺗﺖ ،وأﻧﻬﺎ ﻋﲆ أﻫﺒﺔ اﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار.
ﻧﻬﻀﺖ ﻣُﴪﻋﺔ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻀﻴﻔﺔ املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ ُ وﻣﺎ ﻛﺎدت ﺗﺘﻤﻢ ﻋﺒﺎرﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ
ﻛﻨﺖ أﻇﻦ ،ﻣﻤﺎ اﻗﺘﺒﺴﺘﻪ ﻣﻦ رواﻳﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻜﺘﺎب ،أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻗﺎﺑﻞ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﺔ ﻃﺎﻋﻨﺔ ﰲ
اﻟﺴﻦ ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى ﻏﻴﺪاء ﺣﺴﻨﺎء ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﺪام ﻣﺮﺗﺪﻳﺔ
ﺑﻠﺒﺎس ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺤﺴﻦ ،وﻣﻠﻘﻴﺔ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻬﺎ ﻛﺴﻮة ﺷﺘﻮﻳﺔ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻵﺧﺮ زي ،وﻻﺋﻘﺔ ﺑﺄﻋﻈﻢ
ﻌﺖ ﻗﺒﻌﺘﻬﺎ ﻋﻦ رأﺳﻬﺎ ،ﻓﺘﺠﲆ ﻟﻠﻌﻴﺎن ﺷﻌﺮﻫﺎ املﻌﻘﻮد اﻟﺰﻳﺎرات .وﻋﻨﺪ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻲ إﻳﺎﻫﺎ َ
رﻓ ْ
ﺑﻴﺪ أﻣﻬﺮ املﻮاﺷﻂ ،وﻛﺎن ﻣﺠﻤﻮﻋً ﺎ ﰲ أم رأﺳﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺴﺘﺠﻠﺐ اﻷﻧﻈﺎر.
ﻻ ﺟﺮم أن ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻜﺘﺎب ،اﻟﺴﺎﺑﻖ اﻹﻳﻤﺎء إﻟﻴﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻠﻨﻲ ﻋﲆ اﻻﻋﺘﻘﺎد
ﺑﺄن اﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺄراﻫﺎ ﰲ دار اﻟﺴﻌﺎدة ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﺴﻨﺎت ،اﻟﻼﺗﻲ
ﻻ ﺗﻬﻤﻬﻦ اﻟﺰﻳﻨﺔ وﻻ ﻳﻌﺘﻨني ﺑﺎﻷزﻳﺎء ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ »ﻣﺪام ر «.ﻋﻠﻤﺖ
أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻫﻼت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﺑﻴﱠﻀﺖ املﻄﺎﺣﻦ ﺷﻌﻮرﻫﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﺪ ﺗﻠﻘﺖ اﻟﻌﻠﻮم
واﻟﻔﻨﻮن ﻣﻨﺬ ﺳﻦ اﻟﺼﺒﺎ ﻋﻦ واﻟﺪﻫﺎ ،اﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﻦ ﻋﺸﺎق اﻟﻌﻠﻢ واملﻌﺎرف ،وأﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ
إﱃ اﻵن ﺻﺎرﻓﺔ ﻗﺼﺎرى ﺟﻬﺪﻫﺎ وﺟﺪﱢﻫﺎ إﱃ اﻗﺘﺒﺎس اﻵداب ،ﻓﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ اﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ
ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﴏﻓﺖ ﻣﻌﻈﻤﻪ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ،وﺑﻠﻐﺖ ﺷﺄوًا رﻓﻴﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ.
وﺛﺒﺖ ﻋﻨﺪي ﻣﻤﺎ رأﻳﺘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﻴﻞ واﻻﺟﺘﻬﺎد إﱃ اﻟﻮﻗﻮف واﻻﻃﻼع ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ
اﻷﺷﻴﺎء ،أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺘﻘﺪ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﱃ اﻟﺪرﺟﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ واملﻌﺮﻓﺔ ،وأن
ﻣﺎ ﺗﻌﺮﻓﻪ دون اﻟﻄﻔﻴﻒ ،وأن اﻟﻄﻮاﺣني ﻟﻦ ﺗﺒﻴﺾ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال ﻏري ﻣﺒﻴﺾ ،وﻻ
ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﻞ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ،وأﻧﻬﺎ ﺳﺘﴫف ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﰲ ﻃﻠﺐ املﻌﺎرف وﺗﺤﺼﻴﻞ
اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن ﻛﻤﺎ ﴏﻓﺘﻪ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣَ ِﺮﻳ ًﱠﺔ ﺑﺄن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ،
وأﻣﺎ إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ﻟﻠﺰﻳﻨﺔ ،وﺗﻐﺎﻟﻴﻬﺎ ﰲ اﻟﻜﺴﻮة وﺗﺮﺗﻴﺐ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ ﻷﺟﻞ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ
ﴍف اﺳﻤﻬﺎ وﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ ﺑني ﻗﺮﻳﻨﺎﺗﻬﺎ ،وﻟﻜﻲ ﻻ ﻳﻤﺰق ﻋﺮﺿﻬﺎ اﻟﻨﺎﻗﺪون ،وﻳﻨﺴﺒﻮا إﻟﻴﻬﺎ
اﻟﺨﺴﺔ واﻟﺒﺨﻞ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ.
واﻟﻐﺮﻳﺐ أن ﻫﺬه املﺪام ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﻦ ﻋﲆ اﻟﻜﱪ واﻟﻐﺮور؛
ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل وﻻ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ؛ ﺑﻞ ﻻ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻪ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮ
إﱃ ﺟﻤﺎل ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وأﺧﻼﻗﻬﺎ ،وأﻏﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺴﻨﺎء اﻟﺘﻲ ﻫﺎﻣﺖ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ وﺗﻴﱠﻤﻬﺎ
628
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻋﺸﻘﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ أدﻧﻰ ﻓﺮاغ ﻳﺴﻊ ﻏريه ،ﻗﺪ اﻗﱰﻧﺖ ﺑﺮﺟﻞ ﻫﻮ ﰲ ﺳﻦ واﻟﺪﻫﺎ؛
ﻘﺖ ﻓﻀﻠﻪ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺰوجُ اﻟﻌﺎ ِﻟ ُﻢ واﺳﻊ اﻟﺜﺮوة ،ﻓﺘﻤﻜﻨﺖ وﻋﺸ ْ
ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺪ ُﺳﻠﺒﺖ ﺑﻌﻠﻤﻪِ ،
ﺟﻤﻠﺔ أﺷﻴﺎءَ .وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ راﻏﺒﺔ ﰲ أن ِ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﻠﻮم ،ووﻗﻔﺖ ﻋﲆ
ﺗﴩك ﺣﺎﺳﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﺤﺎﺳﺔ اﻹدراك ،وأن ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺑﺄم رأﺳﻬﺎ ﻣﺎ درﺳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن ،وﻣﺎ
اﻃﻠﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ آداب وآﺛﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ ،أﺧﺬت ﺗﻄﻮف ﰲ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺼﻮرة
ﻻﺋﻘﺔ ﺑﻤﺮﻛﺰﻫﺎ؛ ﻗﺼ َﺪ اﻟﺘﺴﻮح واﻟﺘﻔﺮج ﻋﲆ آﺛﺎر اﻟﻜﻮن.
وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﺪام ﻧﺎﻗﻠﺔ ﻣﺮوﺣﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا ﻗﺪ ﺳﻠﻤﺘﻬﺎ ﻣﻊ رداﺋﻬﺎ إﱃ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ،وﻫﺬه
املﺮوﺣﺔ ﻣﻦ املﺮاوح ذات اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻠﻬﺎ أﻛﱪ املﺪاﻣﺎت ،ﻻ ﻷﺟﻞ رﻓﻊ اﻟﺤﺮ وﺗﺮﻃﻴﺐ
اﻟﻬﻮاء ،وﻟﻜﻦ ﻷﺟﻞ إﻇﻬﺎرﻫﺎ ﻟﻠﻨﺎس وﺑﻴﺎن ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ وﻏﻼء ﺳﻌﺮﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ وﻟﱧ ﻛﺎن اﻟﻬﻮاء
رﻃﺒًﺎ وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ! وملﺎ ﻛﺎن ﻫﻮاء ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻏري ﺣﺎر إﱃ ﺣﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك
ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﺳﺘﺨﺪام املﺮوﺣﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺸﺄ ﻫﺬه املﺪام أن ﺗﺒﻘﻴﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ،
ﻓﱰﻛﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﰲ اﻟﺨﺎرج .وﻗﺪ دل ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ دﻻﻟﺔ واﺿﺤﺔ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﻞ ﻫﺬه
املﺮوﺣﺔ ﺑﻘﺼﺪ اﻟﻔﺨﻔﺨﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﻘﺼﺪ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ ﺷﺄﻧﻬﺎ وﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﻟﻴﺲ إﻻ.
وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﺮﻗﺔ املﺠﺴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﻐﺮور ،وﻟﻢ ﺗﺨﺘﱪ
اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻜﱪ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎدﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﺛﺎر اﻟﺘﻮاﺿﻊ وﻣﺨﺎﻳﻞ أﻧﺲ اﻟﺠﺎﻧﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻜﻠﻢ
ﺑﺼﻮت ﻟﻄﻴﻒ ﻳﻘﻊ ﰲ أﻋﻤﺎق اﻟﻘﻠﺐ ،وﻳﺪﺧﻞ اﻵذان ﺑﻼ اﺳﺘﺌﺬان ،وﻛﺎن ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﻜﺴﺘﻨﺎﺋﻲ
ﺟﻤﺎﻻ وﻋﺬوﺑﺔ .أﻣﺎ أﻟﺒﺴﺘُﻬﺎ
ً اﻟﻨﺎدر ﰲ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ وﻋﻴﻨﺎﻫﺎ اﻟﺰرﻗﺎوان ﺗﺰﻳﺪان ﺳﻴﻤﺎﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ
ﻗﺒﻼ — ﺣﺴﻨﺔ ،وﻣﻦ آﺧﺮ زي ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ ﻠﺖ ًﻓﺼ ُ
ﻓﺈﻧﻬﺎ وإن ﻛﺎﻧﺖ — ﻛﻤﺎ ﱠ
اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻷزﻫﺎر وﻣﺎ ﻣﺎﺛﻞ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺒﻬﺮﺟﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸري إﱃ ﻧﺒﺎﻟﺘﻬﺎ
وﻛﻤﺎﻟﻬﺎ.
ﺑﻌﺪ أن ﻧﺰﻋﺖ رداءﻫﺎ وﻗﺒﻌﺘﻬﺎ ،وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﴎﺣﺖ ﺑﺠﻤﻠﺘﻬﺎ ﻧﻈﺮ اﻻﻧﺘﻘﺎد ،ﻗﺪ ُ
ﱠﻣﺖ ﻟﻬﺎ
ﺳﺎﻋﺪي وﻗﻠﺖ :أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،إن ﺟﻤﻌﻴﺘﻨﺎ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻠﻮٍّا ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل أُﻗﺪﱢم ﻟﻚ ﺳﺎﻋﺪي؛
ﻓﻌﺴﺎكِ أن ﺗﺘﻔﻀﲇ ﺑﻘﺒﻮﻟﻪ.
ﴩﻓﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪة اﻟﺘﻲ ْ
أﺛﻨﺖ ﻗﺎﻟﺖ :أﺷﻜﺮ ﻟﻚ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﻜﺎرم أﺧﻼﻗﻚ ،أﻓﻠﺴﺖ أﻧﺎ ُﻣﺘَ ً
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ »ﻣﺪام ج«.
ﻗﻠﺖ :إن اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻀﻴﻒ ﻓﺮض واﺟﺐ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲇ؛ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ملﺎ ﺗﻔﻀﻠﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ
ﻋﺒﺎرات اﻟﺸﻜﺮ واﻟﴩف اﻟﺬي أﴍت إﻟﻴﻪ؛ إن ﻫﻮ إﻻ إﺣﺴﺎ ٌن أ َ ْو َﻟﺘْﻨِﻴ ِﻪ »ﻣﺪام ج «.ﻋﲆ ﻏري
اﺳﺘﺤﻘﺎق.
629
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺑﻌﺪ أن أﺧﺬت املﺪام ﺑﺬراﻋﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﺼﺎﺣﺒﺔ املﻨﺰل وأﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ،
وﺳﺎﺋﺮ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻷﻗﺮﺑﺎء واﻷﻧﺴﺒﺎء ،ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻦ ﻋﲆ ﺣﺪة ،وﺗﺮﺟﻤﺖ ﻟﺼﺎﺣﺒﺔ
اﻟﺪار وأﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﺤﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻛ ﱠﻠﻔﺘﻬﺎ ﺑﻬﺎ »ﻣﺪام ج «.املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺑﻠﻐﺘُﻬﺎ ﺗﺸ ﱡﻜﺮ ﻛﻞ
ً
ﻛﺎﻣﻼ وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻟﻠﻤﺪام اﻟﻘﻬﻮة ،ﻓﴩﺑﺖ ﻓﻨﺠﺎﻧًﺎ
ﺗﺄﻟﻒ ُﴍْب اﻟﻘﻬﻮة ،وﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺬق إﱃ اﻵن ﻣﺜﻠﻬﺎ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﴍﺑﺖ اﻟﻔﻨﺠﺎن ﺑﺘﻤﺎﻣﻪ.
ﱠﻨﺖ ﻟﻬﺎ أن ﻟﻠﱰك ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻟﻄﺒﻴﺦ اﻟﻘﻬﻮة ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺑﻴ ُ
اﻹﻓﺮﻧﺞ ،وﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻃﺒﺨﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻧﺒﺄﺗﻬﺎ أن ﻗﻬﻮة اﻟﺒﻦ ﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻟﺘﺒﻎ؛ ﻓﺒﻤﻘﺪار
ﺗﻄﻮاﻓﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻤﻘﺪار ذﻟﻚ ﻳﻔﺴﺪ ﻃﻌﻤﻬﺎ ،وأن ﻫﺬه اﻟﻘﻬﻮة ﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻦ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻗﺪ
أُﺗِﻲ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﺸﺎم ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻋﺮﺑﺎن ﻏﺰة ،وﺟﻠﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻴﻨﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﺒﺤﺮ إﻻ ﻣﻦ
ﺑريوت إﱃ ﻫﻨﺎ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣُﺮﺟﱠ ﺤﺔ ﻋﲆ ﻏريﻫﺎ ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ املﺪام ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﰲ ﻋﺰم
اﻟﺴﻴﺪات املﻮﺟﻮدات ﻋﻨﺪﻧﺎ أن ﻳﺒﺘﻦ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ أم ﻻ ،ﻓﻘﻠﺖ :إن ﻣﻨﺎزل أﻛﺜﺮﻫﻦ
ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،ﻓﺴﻴﺬﻫﺒﻦ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ ،وأن ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ
ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ ،ﻓﻘﺪ اﺧﱰﻧﻬﺎ ﻟﻺﻓﻄﺎر ﻋﲆ ﻗﺼﺪ أن ﻳﺴﺘﻔﺪن ﺑﻞ ﻳﺘﻤﺘﻌﻦ ﺑﻠﻄﺎﻓﺔ ﻧﻮر
اﻟﻘﻤﺮ وﻗﺖ ﺗﻤﱢ ﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻨﻲ ﻋﲆ ﺣني ﻛﻨﺖ راﺿﻴﺔ ﺑﺄن أﺟﺘﻤﻊ ﺑﻌﺎﺋﻠﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ
ً
اﺗﻔﺎﻗﺎ ﺑﻌﺪة ﻋﺎﺋﻼت ﻗﺪ ﻣﻸ ﻓﺆادي ﴎو ًرا؛ ﻓﺄﻧﺎ أﺷﻜﺮ ﻟﻬﻦ اﺧﺘﻴﺎرﻫﻦ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻺﻓﻄﺎر
وﻣﺠﻴﺌﻬﻦ إﱃ ﻫﺬا املﻨﺰل؛ ﺣﻴﺚ أﺳﻌﺪﻧﻲ اﻟﺤﻆ ﺑﻤﺮآﻫﻦ.
ﻓﱰﺟﻤﺖ ﻛﻼم املﺪام ﻟﻬﻦ ،وﻧﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﻛﻼﻣﻬﻦ اﻟﺪال ﻋﲆ أﻧﻬﻦ ﻳﺸﻌﺮن ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﻌﺮ
ﺑﻪ ﻣﻦ املﴪة واﻻﻣﺘﻨﺎن ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إن اﻟﺴﻴﺪات ﻗﺪ ﺗﻮﻟﺘﻬﻦ اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ورﻗﺘﻬﺎ،
وإﻧﻬﻦ ﻟﻦ ﻳﻘﻨﻌﻦ ﺑﺒﻴﺎن ﻣﻨﺘﻬﻦ ﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺘﺄﺳﻔﻦ ﻟﻌﺪم ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻠﺴﺎن ملﺴﺎﻣﺮﺗﻬﺎ ﻣﺒﺎﴍة.
وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل :إﻧﻨﻲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﱰﺟﻤﺔ وﻧﻘﻞ ﻛﻼم اﻟﻔﺮﻳﻘني إﱃ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻣ ﱠﻜﻨﺖ
اﻷﻟﻔﺔ واﻟﺼﺤﺒﺔ ﺑني املﺪام وﺑني اﻟﺴﻴﺪات ،وﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﺮ ﻋﲆ ﻣﺠﻲء »ﻣﺪام ر «.إﱃ دار
اﻟﺴﻌﺎدة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﺳﺒﻮع واﺣﺪ؛ ﻓﻘﺪ ﺧﺼﺼﺖ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ واﺣﺪة ﻟﺘﻌﻠﻢ اﻟﱰﻛﻴﺔ،
ﻓﺤﻔﻈﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻔﺮدات ،وﺑﻴﻨﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﺮﺟﻢ ﻟﻬﺎ ﻛﻼم اﻟﺴﻴﺪات املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ ﰲ
ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﺠﻴﺐ ﺑﻠﻔﻈﺔ ﻧﻌﻢ أو ﻻ؛ إﺷﺎرة إﱃ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻬﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وﻛﻨﺖ
أﺗﺮﺟﻢ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﺒﺎرات ،وﻛﺎﻧﺖ املﻔﺮدات اﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﺘﻬﺎ ﰲ ﺧﻼل
ﻄﺮة ﰲ ﻣﺤﻔﻈﺘﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻛﺜرية ﺟﺪٍّا إﱃ ﺣﺪ ﻳﻮﺟﺐ اﻟﺘﻌﺠﺐ .وﻗﺪ أﻧﺒﺄﺗﻨﻲ أﻧﻬﺎ اﻷﺳﺒﻮع ﻣُﺴ ﱠ
ﻋﻨﺪ رﺟﻮﻋﻬﺎ إﱃ ﺑﻼدﻫﺎ ﻻ ﺗﻬﻤﻞ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﺳﺘﺴﺘﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﺪرس واملﻄﺎﻟﻌﺔ.
630
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻈﺎ ﺣﺴﻨًﺎ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻬﺎ اﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻣﻊ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻔﻆ املﻔﺮدات اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﻠﻤﺘﻬﺎ ﻟﻔ ً
أﻧﻬﺎ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ املﺤﺘﺪ واملﻮﻟﺪ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻜﻠﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻛﺈﺣﺪى اﻟﺒﺎرﻳﺴﻴﺎت.
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺬ دﺧﻮﻟﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﺗﻤﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ أﻳﱠﻤﺎ إﻣﻌﺎن ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ
اﻟﺴﻴﺪات ،ﻣﺘﻨﻘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻮاﺣﺪة إﱃ اﻷﺧﺮى ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻦ ﺑﻌني اﻟﺒﻠﻬﺎء
اﻟﺤﻤﻘﺎء ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻧﻈﺮة اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ واﻹﻣﻌﺎن .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻠﺖ ذﻟﻚ ﻋﻨﻬﺎ
ﻋﲆ رﻏﺒﺔ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻴﺪات اﻟﱰﻛﻴﺎت وﻃﺮﻳﻘﺔ زﻳﻨﺘﻬﻦ ،وﺑﻌﺪ ﻣﺪة اﻧﻘﻄﻌﺖ ﻋﻦ
اﻟﻜﻼم ﺗﻮٍّا ،وﺿﺎﻋﻔﺖ ﺗﺪﻗﻴﻘﻬﺎ وإﻣﻌﺎﻧﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﻮاﺗني ﻋﲆ ﺣﺪة ،ﺛﻢ ﻣﺎ ﻋﺘﱠ ْ
ﻤﺖ أن
ﻇﻬﺮت ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ آﺛﺎر اﻟﺘﻔﻜﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﺤﺎول اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ
ﻗﻠﻴﻼ ،ﻓﺒﺎﺣﺖ ﺷﻔﺘﺎﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﰲ ﺿﻤريﻫﺎ واﻟﺘﻔﺘﺖ ﳾء ﻳﺮاه ﻣﻤﺘﻨﻌً ﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻗﺮﻧﺖ ﺣﺎﺟﺒﻴﻬﺎ ً
إﱄ ﱠ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻟﻘﺪ ﺑﺬﻟﺖ ﺟﻬﺪي ﻫﺬه اﻟﻔﱰة ﻋﲆ أﻣﻞ أن أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻛﺸﻒ ﳾء ،ﻛﻨﺖ أدﱠﻋﻲ
اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻢ أﺗﻮﻓﻖ إﻟﻴﻪ ،وذﻫﺐ ذﻟﻚ اﻟﺘﻔﻜﺮ أدراﺟً ﺎ ،ﻓﺈﻧﻲ أﻟﺠﺄ إﱃ ﻣﺮوءﺗﻚ ﺑﺈزاﻟﺔ
ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﱄ ﻣﻦ اﻟﻴﺄس ﻋﲆ أﺛﺮ إﺧﻔﺎق ﻣﺴﻌﺎي ،وﻋﺴﺎك أن ﺗَ ُﻤﻨﱢﻲ ﺑﺈﻳﻀﺎح ﻳﻜﻮن ﱄ ﻣﻨﻪ
ﻣﺎ أرﺟﻮه ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮى.
ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﺮي أﻳﺘﻬﺎ املﺪام.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣَ ْﻦ ِﻣ ْﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﻴﺪات املﻮﺟﻮدات ﰲ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﴐة ﻟﻸﺧﺮى؟
ﻗﻠﺖ :ﻋﻔﻮًا أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،أﺗﺴﻤﺤني ﱄ ﻗﺒﻞ أن آﺗﻴﻚ ﺑﺎﻟﺒﻴﺎن ﻋﻤﺎ أﻣﺮت ﺑﻪ أن أﺳﺄﻟﻚ
ً
ﺳﺆاﻻ واﺣﺪًا؟
ﻗﺎﻟﺖ :ﺗﻔﻀﲇ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة.
ﻗﻠﺖ :ﻋﲆ أﻳﺔ ﺻﻮرة ﺗﺪﻋني ﻛﺸﻒ املﺴﺄﻟﺔ؟
ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﴐة ﻟﻸﺧﺮى؛ ﻓﻠﻘﺪ ﻣﺮ ﻋﲇ ﻫﻨﺎ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﺤﺮﻳﺖ ﺑﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻨﻈﺮ أن ٍّ
ﻋﻤﻦ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻬﻦ ﺑﻌني اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ واﻟﺒﻐﻀﺎء ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أ َ َر إﻻ أن ﻛﻞ واﺣﺪة
ﻣﻨﻬﻦ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ اﻷﺧﺮى ﺑﻌني اﻟﺤﺐ واﻟﺘﻮدد .ﻻ ﺟﺮم أن ﻓﻘﺪان اﻟﴬاﺋﺮ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺎﺗﻪ
اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻜﺒرية ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻠﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﻔﻜﺮ ﺑﺄن ذﻟﻚ ﻣﻤﺘﻨﻊ اﻹﻣﻜﺎن ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ؛ ﻟﻌﻠﻤﻲ أن
ﻋﺪم وﺟﻮد اﻟﴬاﺋﺮ ﻧﺎدر ﺑﺪرﺟﺔ ﻳﺸري ﺑﻬﺎ اﻟﺰوج إﱃ زوﺟﺘﻪ ﺑﺎﻟﺒﻨﺎن .أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ﺗﺄﺳﻔﺖ
إذ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻧﻈﺮي اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻇﻨﻪ ﻗﺪ ﺧﺪﻋﻨﻲ!
ﻗﻠﺖ :ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺊ ﻧﻈﺮك أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،وإﻧﻤﺎ أﻧﺖ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ،إﻻ أن اﻟﺠﻬﺔ
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﺎﻛﺴﺔ ملﺎ ﺗﻌﻠﻤني ﻋﲆ اﻟﺨﻂ املﺴﺘﻘﻴﻢ؛ ﻷن وﺟﻮد اﻟﴬاﺋﺮ ﻫﻮ ﻧﺎدر إﱃ درﺟﺔ
ﻳﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﺻﺎﺑﻊ.
631
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
632
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻷﺛﺎث واﻟﺮﻳﺎش ،وأن ﻻ ﻳﻜﻮن ﺛﻤﺖ ﺑﻮن وﻓﺮق ً ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ،
ﺑني أﻟﺒﺴﺘﻬﻦ وزﻳﻨﺘﻬﻦ ،وﰲ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ — ﻻ أزﻳﺪك ﻋﻠﻤً ﺎ ﺑﻤﺎ ﻫﻨﺎك — ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ املﺘﻌﴪ
ﺗﺬﻟﻴﻠﻬﺎ.
وملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ واﺟﺒﺎت اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻨﺪﻧﺎ أن ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺈدارة زوﺟﺘﻪ وﻃﻌﺎﻣﻬﺎ وﻛﺴﻮﺗﻬﺎ وﺳﺎﺋﺮ
ً
ﻓﻀﻼ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ،ﻛﺎن ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت ﻧﺎد ًرا ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﺗﻌﺬﱡر اﻟﻘﻴﺎم ﺑﴬورﻳﺎت واﺣﺪة،
ﻋﻦ ﻛﺜريات ﰲ ﻋﴫﻧﺎ اﻟﺤﺎﴐ .وزﻳﺎدة ﻋﻦ ذﻟﻚ ،أن املﺮأة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮى ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ﻋﻨﺎﻳﺔ
ﺑﺸﺌﻮﻧﻬﺎ وإدارﺗﻬﺎ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺬﻫﺐ إﱃ املﺤﻜﻤﺔ ،ﻓﺘﺸﻜﻮ ﻇﻼﻣﺘﻬﺎ ،واملﺤﻜﻤﺔ ﺗﺄﻣﺮ اﻟﺮﺟﻞ
أن ﻳﻨﻔﻖ ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺰوج ﻳﺼﺒﺢ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣُﺠﱪًا ﻋﲆ اﻣﺘﺜﺎل ﻫﺬه اﻷواﻣﺮ.
ﻗﺎﻟﺖ :إن اﻟﺮﺟﻞ املﺘﻤﻮل ﻳﻘﺘﺪر ﻋﲆ إدارة أرﺑﻊ زوﺟﺎت ،ﻓﻼ ﻳﻤﻨﻌﻪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻌﺪدﻫﻦ.
ﻗﻠﺖ :ﻛﻼ ،ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ؛ وﻟﻜﻦ ﻣﴩوط ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺴﺎوي ﺑني ﻛﻞ ﻣﻦ زوﺟﺎﺗﻪ،
وأن ﻻ ﻳﻤﻴﺰ إﺣﺪاﻫﻦ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ﺑﺎﻟﻌﻄﺎﻳﺎ واﻟﻬﺪاﻳﺎ ،وﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﺣﺒٍّﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ
ﺣﺒﻪ ﻟﻸﺧﺮى ،ﻓﺈذا ﺧﺎف أن ﻻ ﻳﻌﺪل ﺑﻴﻨﻬﻦ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﴍﻋً ﺎ اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﻮاﺣﺪة.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! إن املﺸﺎﻛﻞ ﻛﺜرية ،أﻟﻢ ﻳﻜﻦ أوﱃ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺼﺐ ووﺿﻊ ﻫﺬه املﺸﺎﻛﻞ
واﻟﻌﻘﺒﺎت ﻣﻨﻊ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؟!
ﻗﻠﺖ :ﻳﺎ أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺰوﺟﺔ ﻋﻘﻴﻤﺔ واﻟﺰوج راﻏﺒًﺎ ﰲ اﻟﺒﻨني ،أو ﻛﺎﻧﺖ
املﺮأة ﻣﺮﻳﻀﺔ واﻟﺰوج ﻳﻄﻠﺐ زوﺟﺔ؛ أﻓﻼ ﻳُﺴﺎﻋﺪ ﺑﺰوﺟﺔ أﺧﺮى؟!
ﻗﺎﻟﺖ :أﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻃﻼق؟ ﻓﺈن ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻏريﻫﺎ وﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﺰوﺟﺔ واﺣﺪة
ﻗﻠﺖ :إﻧﻨﺎ ﻧﴫف اﻟﻨﻈﺮ؛ ﻣﺮاﻋﺎة ﻟﺨﺎﻃﺮك ،ﻋﻤﺎ ﺗﻼﻗﻴﻪ املﺮأة اﻟﻌﻘﻴﻤﺔ ﻣﻦ املﺤﻨﺔ
واملﺸﻘﺔ إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ زوج آﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻧﺴﻤﺢ ﺑﻄﺮح اﻟﺰوﺟﺔ
املﺮﻳﻀﺔ ﰲ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ؟!
ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻨﻲ أواﻓﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻛﻮﻧﻪ ﺻﻮاﺑًﺎ ﻓﻘﻂ ،ﻣﺎذا ﺗﻘﻮﻟني ﻋﻦ
رﺟﻞ ﻳﺘﺰوج ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ ﻣﻊ أن ﻟﻪ وﻟﺪًا ،وﻣﻊ أن زوﺟﺘﻪ ﺣﺴﻨﺎء وﻣﺘﻤﺘﻌﺔ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﺻﺤﺔ؟!
ﻗﻠﺖ :أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،إن اﻟﺤﻤﺎم ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺄﻧﺜﻰ واﺣﺪة ،ﻋﲆ أن اﻟﺪﻳﻚ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﲆ ﻋﺪة
دﺟﺎﺟﺎت؛ أﻟﻴﺲ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺤﻴﻮان؟!
ﻗﺎﻟﺖ :أﻟﻴﺲ اﻟﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم أﻗﺮب إﱃ املﻼءﻣﺔ واﻟﺼﻮاب؟!
ﻗﻠﺖ :ﻻ ﺟﺮم أن ذﻟﻚ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺤﻖ ،واﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ ،إﻻ أن
اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﻼﻳني ﻣﻦ اﻷﻧﻔﺲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺎ أﺣﻜﺎم
ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻷي اﻷﺣﻮال ﺗﺪﻓﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ذوﻳﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ املﺤﺬورات ،وﺗُﻨﻴﻠﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺒﺘﻐﻮن ﻣﻦ املﴪات
633
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﻳﻀﺎ أﻧﻪ ﰲ ﺳﻮء اﺳﺘﻌﻤﺎل املﺴﺎﻋﺪة املﻤﻨﻮﺣﺔ ﰲ ﺗﻌﺪد واﻟﻄﻴﺒﺎت .وإﻧﻨﻲ ﻷﺣﻜﻢ ﻣﻌﻚ ً
اﻟﺰوﺟﺎت ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻟﻠﻨﺴﺎء ،ﻏري أن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻠﻦ ﻫﺬا اﻟﻈﻠﻢ واﻻﻋﺘﺴﺎف ﻟﻬﻦ
ﺣﻘﻮق ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻋﲆ ﺣﺪة ﺗﻨﻘﺬﻫﻦ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺠﻮر؛ ﻓﺎملﻨﻊ اﻟﻘﻄﻌﻲ ﰲ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت ﻗﺪ
أورث اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت املﺪﻧﻴﺔ أﴐا ًرا وﺧﺴﺎرات ﺷﻮﻫﺪت رأي اﻟﻌني.
وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ذﻟﻚ أن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻷوروﺑﻴني ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ أﺻﺒﺤﻮا ﺑﻼ
زوﺟﺎت ،وﻋﺪدًا ﻏﻔريًا ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺘْ َﻦ ﺑﻼ أزواج؛ ﻓﺎﺗﱠﺴﻊ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﺎدات اﻟﺴﻴﺌﺔ؛ أﻻ
وﻫﻲ ﻛﺜﺮة املﺴﻴﻜﺎت واﻟﺨﻠﻴﻼت ،ﻓﻠﻮ ﺷﺌﻨﺎ أن ﻧﻨﻘﺬ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺗﺄﺛﺮ اﻟﴬاﺋﺮ؛ أي ﻣﻦ أن
ﻟﻔﺘﺢ ﺧ ْﺮ ٌق أﻣ ﱡﺮ وأﻧﻜﻰ ﻣﻦ اﻟﺨﺮق اﻷول؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻳﻜﻮن ﻟﺮﺟﻞ واﺣﺪ ﺛﻨﺘﺎن أو ﺛﻼث ُ
ﻳﻈﻬﺮ إذ ذاك ﺳﻔﺎﻟﺔ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل املﻌﺼﻮﻣني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮن إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺼﻮرة ﻏري
ﺧﺠﻼ ﻳﻼزﻣﻬﻢ ً ﻣﴩوﻋﺔ ،وﻧﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ أﻛﺪار ﻟﻌﺪد ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،وأورﺛﻬﻢ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ
رﺟﻼ ﻛﺎن ﻗﻠﻴﻞ اﻟﻮﻓﺎء واﻗﱰن ﺑﺎﻣﺮأة ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻋﻼوة ﻃﻮل اﻟﻌﻤﺮ .ﻋﲆ أﻧﻪ إذا اﺗﻔﻖ ﻋﻨﺪﻧﺎ أن ً
ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ اﻟﺤﺴﻨﺎء اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ اﻟﺒﻨﻴﺔ ،أﻣﻜﻦ ﻟﻬﺎ أن ﺗُﻄ ﱠﻠﻖ ﻣﻨﻪ وﺗﻘﱰن ﺑﺰوج آﺧﺮ
ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ ،وﺗُﺠﺪﱢد ﺳﻌﺎدة ﺣﺎﻟﻬﺎ!
وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﰲ وﺳﻊ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻬﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ وﻣﺎ ﻳﺼريون إﻟﻴﻪ ﰲ ﻣﺆﺗﻨﻒ
اﻷﻳﺎم ،وﻣﺎ ﻳﺘﻘﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﺻﻨﻮف اﻟﴬ اﻟﺬي ﺗﺴﻮ ﱡد ﺑﻪ وﺟﻮﻫﻬﻢ ،أن ﻳﻤﺘﻨﻌﻮا ﻋﻦ
املﺠﻲء إﱃ اﻟﺪﻧﻴﺎ؟ إن املﺮأة املﺴﻠﻤﺔ ﺗﺤﺮم ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ أي اﻷﺣﻮال ،ﻋﲆ
أن أوﻟﺌﻚ املﺴﺎﻛني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮن أوﻻدًا ﻃﺒﻴﻌﻴني ﻣﺤﺮوﻣﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؛
ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺬﻟﻮا ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻲ واﻹﻗﺪام ،وﻣﻬﻤﺎ أﺟﻬﺪوا ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،وﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻐﻮا ﻣﻦ املﻌﺮﻓﺔ
ﻄﺔ ﻟﻮاﻟﺪﻳﻬﻢ ،وﻳﻀﻌﻮن واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺜﺮوة اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻓﺘﺨﺎر ﺑﻬﻢ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﺣ ﱠ
ﻣﻦ ﻗﺪرﻫﻢ ،وﻳﻮﺟﺒﻮن ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﺨﺠﻞ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺗﻘﺒﻞ ﰲ ﺗﺰوﻳﺞ إﺣﺪى ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ
ﺑﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ؛ إذ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻻ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻟﻪ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ اﻻﻧﺘﺴﺎب إﱃ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺒﻨﺎت وﻣﺼريﻫﻦ ﻓﻼ أرى ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻺﻓﺎﺿﺔ ﺑﻬﺬا املﻮﺿﻮع؛ ملﺎ أن ذﻟﻚ ﻣﻌﻠﻮم
ﻟﺪﻳﻚ؛ ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻣﺤﺮوﻣﺎت ﻣﻦ أن ﻳﺤﺒﺒﻦ وﻳﻜﻦ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎت؛ ﻷن ﻋﻼﻣﺔ »اﻟﻨﻘﻮﻟﺔ« ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﻋﲆ
ﺟﺒﺎﻫﻬﻦ ﺑﺼﻮرة ﻻ ﺗﻤﺤﻰ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق؛ ﻓﻤﺎ ذﻧﺐ ﻫﺆﻻء أﻳﺘﻬﺎ املﺪام؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أن ﻫﺆﻻء املﺴﺎﻛني ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻮا إﱃ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻏﺒﻮن ،ﺑﻞ ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﻻ ﻣﻨﺎص وﻻ ﻣﺨﺮج ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻏري راﺿني ﻋﻨﻬﺎ.
ﻗﻠﺖ :أﻣﺎ املﺮأة املﺴﻠﻤﺔ ﻓﺘﻜﻮن ﴐة ﺑﺮﺿﺎﻫﺎ ،وإذا أﺑ َْﺖ ذﻟﻚ ﻓﺘُﻄﻠﻖ وﺗﺬﻫﺐ إﱃ
ﱠ
زوج آﺧﺮ .واﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﻤﻨﻊ ﻣﺠﻲء أوﻻد اﻟﺰﻧﺎ إﱃ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻨﻌﺖ اﻟﺰﻧﺎ ﻗﻄﻌﻴٍّﺎ،
634
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وأﺟﺎزت ﻟﻠﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻮن ﺑﺰوﺟﺔ واﺣﺪة ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت ،وﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﺬﻟﻚ وﺿﻌﺖ
اﻟﻄﻼق ﺑﺤﻴﺚ إن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻻ ﻳﺮﻏﺒﻦ أن ﻳ ُﻜ ﱠﻦ ﴐاﺋﺮ ﻳﻤﻜﻨﻬﻦ أن ﻳﺒﺤﺜﻦ ﻋﻦ زوج
ﻳﺮﴇ ﺑﺰوﺟﺔ واﺣﺪة!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺖ ﻓﻴﻤﺎ روﻳﺖ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﻬﺔ ،ﻓﻼ أزﻳﺪ ﻋﲆ ﻟﻔﻈﺔ اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن ﺷﻴﺌًﺎ،
ﻗﻠﻴﻼ ،وﻧﺘﻜﻠﻢ ﻛﻠﻤﺎتوﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺠﺐ أن ﻧﺘﺪرج ﰲ ﻣﺮاﻗﻲ اﻟﻐرية ً
ﻷﺟﻞ ﺣﻤﺎﻳﺔ أﻫﻞ اﻟﻨﻮع .إن اﻟﺰوج واﻟﺰوﺟﺔ ﻫﻤﺎ ﺟﺴﻢ واﺣﺪ ،ﻓﺒﻴﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﻴﺸﺎ ﺑﺎﻟﺤﺐ
اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ دون أن ﻳﺘﺨﻠﻠﻪ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺸﺒﻬﺎت؛ إذ ﻧﺮى اﻟﺰوﺟﺔ املﺴﻜﻴﻨﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم،
ﺑﻞ ﰲ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻨﺎﺟﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻫﻞ إن زوﺟﻲ ﻳﺘﺰوج ﻋﲇ ﺑﺎﻣﺮأة أﺧﺮى؟« ﻓﺒﺤﻘﻚ
أﻳﺔ ﻟﺬة ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﺨﻮف واﻟﻘﻠﻖ واﻻﺿﻄﺮاب؟!
ﻗﻠﺖ :إذا و ُِﺟﺪ ﻧﺴﺎء ﻳﻔﺘﺨﺮن ﺑﻤﺤﺒﺔ أزواﺟﻬﻦ ،ﻓﻠﻴﺲ إﻻ ﻧﺴﺎء املﺴﻠﻤني أﻳﺘﻬﺎ املﺪام؛
إن ﺗﺰوج اﻟﺰوج ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﻗﺒﻀﺔ ﻳﺪه ،أي ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﱰﻛﻬﺎ ،ﻓﻴﻔﻴﺪ
ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺰوج؛ ﻷن املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ دﻟﻴﻞ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﺎم أﻋﻈﻢ ﻣﻦ
ﻫﺬا اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﲆ إﺛﺒﺎت ﺣﺐ اﻟﺰوج ووﻓﺎﺋﻪ ،واﻟﺮﺟﺎل ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﺗﺤﺖ ﻣﻨﱠﺔ اﻟﻨﺴﺎء
ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺑﺴﺒﺐ املﻬﺮ املﻌﻜﻮس؛ ﻟﻴﺘﺤﺎﺷﻮا اﻟﺰواج ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﺑﻞ ﺑﻌﻜﺲ ذﻟﻚ؛ ﻓﺈن
اﻟﺮﺟﻞ ﺣني اﻟﺰواج ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺪراﻫﻢ ﻟﺘﺠﻬﻴﺰ اﻟﺒﻨﺖ .وﻫﻨﺎك ﻗﺴﻢ ﻣﻦ املﺎل ﻳﺒﻘﻰ
دﻳﻨًﺎ ﺑﺬﻣﺘﻪ واﺟﺐ اﻷداء؛ وﻫﻮ املﻬﺮ املﺆﺟﻞ ،ﻓﺈذا وﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻃﻼق اﺳﺘﻮﻓﺖ املﺮأة دﻳﻨﻬﺎ
ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ ،واﺿﻄﺮﺗﻪ أن ﻳﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ وﻋﴩة أﻳﺎم ،ﺑﺤﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻖ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ زوج آﺧﺮ!
ﻗﺎﻟﺖ :ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ إﻧﻨﺎ وإن ﻛﻨﺎ ﻧﺪﻓﻊ اﻷﻣﻮال إﻻ أن اﻟﺮﺟﺎل راﻏﺒﻮن ﻓﻴﻨﺎ ﻛﻞ اﻟﺮﻏﺒﺔ.
ﻗﻠﺖ :إذا اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻧﺮى اﻟﺤﺮﻣﺔ واﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺆدﱠى ﻟﻠﻨﺴﺎء
ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪﻛﻢ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﻧﻮع ﻣﺎ أﻋﻈﻢ .ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻐﱰ ﺑﺎﻟﻈﻮاﻫﺮ،
ﻧﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ؛ ﻓﺈن اﻟﻨﺴﺎء ﰲ اﻹﺳﻼم ﻣﺤﱰﻣﺎت ﺑﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﻘﺮآن ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز
ﻟﻔﺮﻗﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺳﻴﱠﺎرة ﺻﻐرية ﻏري ﺧﻠﻴﻘﺔ ﺑﺎﻷَﻣْ ِﻨﻴﱠﺔ أن ﺗﺴﺘﺼﺤﺐ ﻣﻌﻬﺎ املﺼﺤﻒ اﻟﴩﻳﻒ
واﻟﻨﺴﺎء ،وأﻣﺎ اﻟﻔﺮق اﻟﻜﺒرية اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﺳﻼﻣﺘﻬﺎ ﻣﺄﻣﻮﻟﺔ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ؛ ﻓﺘﺴﺘﺼﺤﺐ
ﻣﻌﻬﺎ املﺼﺤﻒ اﻟﴩﻳﻒ واﻟﻨﺴﺎء ً
أﻳﻀﺎ.
ﻗﻠﻴﻼ اﻟﺘﻤﺴﺖ ﻣﻨﻲ أن أﺗﺮﺟﻢ ﻛﻼﻣﻬﺎ ،واﻟﺘﻔﺘﺖ أﻣﺎ املﺪام ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن أﻋﻤﻠﺖ اﻟﻔﻜﺮة ً
إﺟﻤﺎﻻ :ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﰲ اﻹﺳﻼم ﻳﺠﻮز ﻟﻠﺮﺟﺎل ﻣﺘﻰ أرادوا أن ﻳﻘﱰﻧﻮا ً إﱃ اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻬﻦ
ﺑﺰوﺟﺎت ﻋﻼوة ﻋﲆ زوﺟﺎﺗﻬﻢ ،أﻓﻠﻴﺲ ﻋﻨﺪﻛﻦ ﺧﻮف ﻣﻦ ذﻟﻚ؟!
635
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
636
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وملﺎ ﻛﺎن اﻟﺰﻧﺎ ﻣﻦ املﺤﺮﻣﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﰲ دﻳﻦ اﻹﺳﻼم ﻟﻢ ﺗُﺮا َع ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻜﻔﺎءة ﺗﻤﺎﻣً ﺎ،
وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ — أي أﻣﻞ وﺟﻮد اﻷﻛﻔﺎء — ﻟﻢ ﺗﱪح ﻣﻦ أذﻫﺎن املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ،
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻄﻤﱧ ﻗﻠﻮب املﺴﻠﻤني ﻋﲆ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻠﻦ ﻋﲆ اﻷﻛﻔﺎء ،ﻓﻬﺬا ﻫﻮ
اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﰲ ﺗﻜﺜري اﻟﺰوﺟﺎت املﻄﻬﺮات ﺑﻌﺪ اﻟﻬﺠﺮة اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ .وﻫﺎ أﻧﺎ ذا أورد ﻟﻚ
ﺑﻌﺾ أﻣﺜﻠﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن :إن أم ﺣﺒﻴﺒﺔ اﺑﻨﺔ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ،ﻣﻦ رؤﺳﺎء ﻗﺮﻳﺶ ،ﻛﺎﻧﺖ أول
ﻣﻦ آﻣﻦ ،ﻓﻬﺎﺟﺮت ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﻼد اﻟﺤﺒﺸﻴﺔ ،ﻓﺘﻮﻓﺎه ﷲ ﻫﻨﺎك ،وﻟﺒﺜﺖ ﻫﻲ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﰲ
ً
رﺋﻴﺴﺎ دﻳﻦ اﻹﺳﻼم ،وﺣﻴﺚ إن أﻛﺜﺮ رؤﺳﺎء ﻗﺮﻳﺶ ﻗﺘﻠﻮا ﰲ ﻏﺰوة ﺑﺪر ،ﺻﺎر أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن
ﻟﻘﺮﻳﺶ ﰲ ﻣﻜﺔ ،وﺑﻠﻎ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻗﺼﻮى ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮذ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻟﻴﻘﺎل :إﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﻟﻢ
ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺑﺠﻤﻠﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي ً ﻳﺄت رﺋﻴﺲ ﺻﺎﺣﺐ ﻧﻔﻮذ ﻛﺄﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺴﻮق
ﻳﺮﻳﺪه ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أم ﺣﺒﻴﺒﺔ راﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺬﻫﺒﺖ ﺗﻮٍّا إﱃ ﻣﻜﺔ ،ﻋﲆ أﻣﻞ أن ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ
ﻧﻔﻮذ واﻟﺪﻫﺎ وإﻗﺒﺎﻟﻪ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ.
ﻏري أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﻴﻌﻮن دﻳﻨﻬﻢ ﺑﺪﻧﻴﺎﻫﻢ؛ ﻓﺤﺎﻟﺔ ﻫﺎﺗﻪ املﺮأة املﺘﺪﻳﻨﺔ
اﻟﺼﺎﺑﺮة اﻟﺘﻲ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﰲ دﻳﺎر اﻟﻐﺮﺑﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﺠﻠﺒﺖ ﺷﻔﻘﺔ أﻫﻞ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ اﻷﻣﻮر
اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻻﻓﺘﻜﺎر ﺑﻤﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ ﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻮى ،وﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ
اﻹﺳﻼم أﻛﻔﺎء ﻟﻬﺎ إﻻ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ،وﻟﺬﻟﻚ أرﺳﻞ اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﻳﻢ ﷺ ﺳﻔريًا إﱃ اﻟﻨﺠﺎﳾ
أﻳﻀﺎ ﻋﻘﺪ ﻧﻜﺎﺣﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺒﺸﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻈﻬ ًﺮا رﻏﺒﺘﻪ ﰲ اﻻﻗﱰان ﺑﺄم ﺣﺒﻴﺒﺔ ،واﻟﻨﺠﺎﳾ ً
اﻷﻛﺮم ،وأرﺳﻠﻬﺎ ﺑﻜﻤﺎل اﻻﺣﱰام إﱃ املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة ،ﻓﺎﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻻ ﻳﺮدن أن ﻳﻜﻮن
ﻟﻬﻦ ﴐاﺋﺮ ،إﻻ أن اﻟﺰوﺟﺎت املﻄﻬﺮات — وﻋﲆ اﻟﺨﺼﻮص ﺣﴬة ﻋﺎﺋﺸﺔ زوﺟﺔ اﻟﻨﺒﻲ
ﻠﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻦ ﺗﻌﺪد زوﺟﺎت اﻟﻨﺒﻲ املﺤﺒﻮﺑﺔ ﻟﺪﻳﻪ ،واملﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻀﻞ — ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ُ
ﻳﻘ َ
ﺣﻖ ﻗﺪرﻫﺎ. ﷺ؛ ﻷﻧﻬﻦ ُﻛ ﱠﻦ ﻳُﻘﺪﱢرن ﻫﺬه املﺴﺎﺋﻞ املﻬﻤﺔ ﱠ
ﻛﺬﻟﻚ أﺑﻮ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﺑﺮة ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ﻛﺎن ﻣﻦ أول اﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا ،وﻣﻦ أﺻﺤﺎب
رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﻬﺎﺟﺮ ﻣﻊ زوﺟﺘﻪ أم ﺳﻠﻤﺔ إﱃ اﻟﺤﺒﺸﺔ ،ﺛﻢ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وﺗﻮﰲ ﻣﻦ ﺟُ ﺮح
أﺻﺎﺑﻪ ﰲ ﺣﺮب أُﺣﺪ ،ﻓﻈﻠﺖ أم ﺳﻠﻤﺔ أرﻣﻠﺔ ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﴍاف ﻗﺮﻳﺶ وﻣﻦ رﺑﺎت
اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل ﻃ َﻠﺒﻬﺎ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ وﻋﻤﺮ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻘﺒﻞ ،ﺛﻢ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﺣﴬة اﻟﻨﺒﻲ ﷺ
ﻓﺮﺿﻴﺖ ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ.
أﻳﻀﺎ ﺑﺰﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺟﺤﺶ ﻣُﻄ ﱠﻠﻘﺔ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﺰوج اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ ً
ﻣَ ﻌْ ﺘﻮﻗﻪ؛ ﻓﻬﺬا ﻣﺎ ﺑﻌﺚ املﻌﱰﺿني ﻋﲆ اﻻﻋﱰاض ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ .أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻨﻌﺘﱪ أﻣﺮ ﻫﺬا اﻟﺰواج
ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ ،واﻟﺮاﻏﺐ ﰲ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﻠﺰم أن ﻳﻜﻮن ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔ
ً
إﺟﻤﺎﻻ. ﺣﺎل زﻳﺪ وزﻳﻨﺐ
637
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﻣﺎ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻗﻀﺎﻋﺔ ،أُﺧﺬ أﺳريًا ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺻﻐريًا وﺑﻴﻊ ﰲ ﻣﻜﺔ،
ﻓﺎﺷﱰﺗﻪ ﺣﴬة ﺧﺪﻳﺠﺔ ووﻫﺒﺘﻪ إﱃ اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ ﻓﺄﻋﺘﻘﻪ وﺗﺒﻨﺎه ،وﻛﺎن اﻟﻨﺎس
ﻳُﺴﻤﱡ ﻮﻧﻪ ﺑﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا اﺑﺘﺪاء — وﻫﻢ :ﺧﺪﻳﺠﺔ ،وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ،
وزﻳﺪ ،وﻋﲇ — وﻛﺎن اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ ﻳﺴﺘﺨﺪم زﻳﺪًا ﰲ أﻫﻢ اﻷﺷﻐﺎل ،وﻳﻮﻟﻴﻪ ﻗﻴﺎدة
اﻟﺠﻴﺶ إﱃ أﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎن ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺠﻨﺪ.
وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل :إن زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ﻛﺎن ﻣﻈﻬ ًﺮا ﻟﺤﺴﻦ ﺗﻮﺟﻪ اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ،
وﻛﺎن ﻣﻦ أﻋﺎﻇﻢ املﻠﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﺰوﱠﺟﻪ اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﺧﺎﻟﺘﻪ؛ أي ﺑﺰﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ
أﻣﻴﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ املﻄﻠﺐ ،ﻏري أن زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ﻣﻊ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺮﺑﻲ اﻷﺻﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ.
ﺧﺼﻮﺻﺎ أوﻻد ﻋﺒﺪً أﻣﺎ ﺑﻨﺎت ﻗﺮﻳﺶ ﻓﻠﻢ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﻳﻌﺮﻓﻦ أﻛﻔﺎء ﻟﻬﻦ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ،
املﻄﻠﺐ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﺒﺤﺚ ﻟﻬﻦ ﻋﻦ اﻷﻛﻔﺎء ﰲ أﴍاف ﻗﺮﻳﺶ ،ﻋﲆ أن ﺣﴬة زﻳﻨﺐ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﴪورة ﻣﻦ زﻳﺪ ﻟﻮﺟﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺘﻜﺪرة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻔﺌًﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن زﻳﺪًا
أﻳﻀﺎ أﺧﺬ ﻳﻔﺘﻜﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺴﺄﻟﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ،ﻓﺤﻤﻞ أﻃﻮار زﻳﻨﺐ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﻜﱪ واﻟﻌﻈﻤﺔ ً
— وﻫﻮ أﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ — ﻓﺬﻫﺐ ذات ﻳﻮم إﱃ اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ ،وﺷﻜﺎ إﻟﻴﻪ
ﻣﺎ ﻳﺮاه ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ زﻳﻨﺐ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وأﻧْﺒَﺄه أﻧﻪ ﺳﻴُﻄ ﱢﻠﻘﻬﺎ؛ إذ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ
أﻧﻘﺬﻫﺎ ﻣﻦ زوج ﻏري ﻛﻒء ﻟﻬﺎ ،وﺧﻠﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ،ﻋﲆ أن اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ
ﻗﺎل ﻟﻪ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه :دع ﻋﻨﻚ ﻫﺬا اﻟﻔﻜﺮ وﺧﻒ ﷲَ؛ إن املﺮأة ﻻ ﺗﻄﻠﻖ ملﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء.
وﻣﻊ ﻫﺬا ،ﻓﺈن زﻳﺪًا ﻟﻮ ﻃ ﱠﻠﻘﻬﺎ ملﺎ أﻣﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻛﻔﺌًﺎ ملﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة اﻟﴩﻳﻔﺔ إﻻ
ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﷺ ،ﻓﻜﺎن ﻳَﻤ ﱡﺮ ﺑﺨﺎﻃﺮه اﻟﺮﻓﻴﻊ وﺟﻮب اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ ﺗﻄﻴﻴﺒًﺎ ﻟﺨﺎﻃﺮﻫﺎ
وإﺣﻘﺎﻗﺎ ،ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳُﻈﻬﺮ ذﻟﻚ؛ ﻷن اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﺨﺬ وﻟﺪًا ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ً
ﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻮﻟﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺰﻋﻤﻮن ،ﺑﻞ ﻳﻌﺘﻘﺪون أن ﻣﻦ ﻛﺎن
ﰲ ﻣﻘﺎم اﻷب ﻻ ﻳﺠﻮز ﻟﻪ أن ﻳﺘﺰوج ﺑﻤُﻄ ﱠﻠﻘﺔ ﻣَ ﻦ ﺗﺒﻨﱠﺎه ،ﻋﲆ أن اﻷﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ ملﺜﻞ ﻫﺬه
املﺴﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺎﺻﻞ اﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﺑﻮﺿﻌﻬﺎ إذ ذاك.
أﻣﺎ زﻳﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻌﺪ إذ أﻇﻬﺮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻋﻈﻤﺔ زﻳﻨﺐ ذﻫﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻄﻠﻘﻬﺎ،
وﺑﻌﺪ أن اﻧﻘﻀﺖ ﻋﺪﺗﻬﺎ ﻧﺰﻟﺖ اﻵﻳﺎت اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ ﰲ ﺑﻴﺎن اﻷﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ،
وﺑﻤﻮﺟﺐ ﻫﺬا اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺗﺰوج اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم ﷺ ،وﺻﺪر اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑني اﻷوﻻد
ﺑﺎﻟﺘﺒﻨﻲ وﺑني اﻷوﻻد اﻟﺤﻘﻴﻘﻴني ،وأن ﻳﻨﺘﺴﺐ أوﻟﺌﻚ إﱃ آﺑﺎﺋﻬﻢ ،وﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻳﺪﻋﻰ زﻳﺪ
ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﺎر ﻳﺪﻋﻰ ﺑﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻫﺬه اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻣﺘﺒﻌﺔ ً
أﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻷﻛﻔﺎء؟
638
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
أﻳﻀﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،إن اﻷﺻﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﻓﺮوع ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ ً
اﻷﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﻮن ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻟﻸﻣﺔ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ.
ﺛﻢ إن املﺪام أﺧﺬت ﺑﺄﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪات ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺄل ﻋﻦ أﺳﻤﺎء ﺑﻌﺾ
ﻣﺴﻤﻴﺎت ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ وﺗُﻘﻴﺪﻫﺎ ﰲ ﻣﺤﻔﻈﺘﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء ﺑﺮﻫﺔ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ
اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ وﻗﺎﻟﺖ :أﻻ ﺗﺸﺘﻜني ﻣﻦ إﺟﺒﺎرﻛﻦ ﻋﲆ اﻟﺘﺴﱰ واﻟﺤﺠﺎب ،وﻣﻦ ﺣﺮﻣﺎﻧﻜﻦ ﻣﻦ
ﻣﺼﺎﺣﺒﺔ اﻟﺮﺟﺎل؟!
ﻗﻠﺖ :أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،إن اﻟﺠﻮاب اﻟﺬي ﺳﺄﺟﻴﺐ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺳﺆاﻟﻚ ﻳﻨﻘﺴﻢ إﱃ ﻗﺴﻤني :اﻷول:
ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﴩﻋﻲ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺑﺎﻟﻌﺮف واﻟﻌﺎدة ﺑﻤﻘﺘﴣ إﻳﺠﺎب اﻟﺤﺎل واﻟﺰﻣﺎن ،وإﻟﻴﻚ
اﻟﺒﻴﺎن :إن ﺷﻌﻮر اﻟﻨﺴﺎء زﻳﻨﺔ ﻟﻬﻦ ،وداﻋﻴﺔ ﻻﺳﺘﺠﻼب اﻷﻧﻈﺎر ﻛﺜريًا ﺑﻨﺎء ﻋﲆ ذﻟﻚ ،ﻛﻤﺎ
أن املﻠﺔ املﻮﺳﻮﻳﺔ ﻗﺪ ﻣﻨﻌﺖ ﻣﻦ إراءة ﻫﺬه اﻟﺰﻳﻨﺔ املﺒﻬﺠﺔ ﻟﻠﺮﺟﻞ ،ﻫﻜﺬا اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ
ﻧﻬﺖ ﻋﻨﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :إذن ﻛﺎن ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻜﻦ أن ﺗﺴﱰن ﺷﻌﻮرﻛﻦ ﻓﻘﻂ! ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻲ رأﻳﺖ اﻟﻨﺴﺎء
املﺴﻠﻤﺎت ﰲ اﻷزﻗﺔ ﻳﺤﺘﺠﺒﻦ ﺗﻤﺎم اﻻﺣﺘﺠﺎب ﻏري ﻣﻜﺘﻔﻴﺎت ﺑﺴﱰ اﻟﺸﻌﻮر؟!
ﻛﺎف أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ،ﻋﲆ أن املﺮأة ﻳﺠﺐ أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﻗﻠﺖ :أﺟﻞ ،إن ﺳﱰ اﻟﺸﻌﺮ ٍ
ً
ﺳﺒﻴﻼ ﻹﻇﻬﺎر ﻛﻞ ﻃﺮف ﻣﻦ أﻟﺒﺴﺘﻬﺎ املﻜﺘﺴﻴﺔ ﺑﻬﺎ ،وأن ﺗﻜﻮن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﺑﻬﺎ
ﻗﻮاﻣﻬﺎ وﻛﺴﻤﻬﺎ؛ ﻓﺎﻟﻨﺴﺎء اﻟﱰﻛﻴﺎت اﻟﻼﺗﻲ ﺗﺮﻳﻨﻬﻦ اﻵن ﻳﻜﺘﺴني ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻜﺘﴘ اﻟﻨﺴﺎء
اﻷوروﺑﻴﺎت ،واﻟﺴﻴﺪات اﻟﻼﺗﻲ ﺗﺸﺎﻫﺪﻳﻨﻬﻦ ﰲ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻫﻦ اﻵن ﺑﺄﻟﺒﺴﺔ اﻟﺰﻳﺎرات،
ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻋﺮس أو وﻟﻴﻤﺔ اﻛﺘﺴني ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻜﺘﺴني أﻧﺘﻦ ﺑﻪ ﰲ اﻟﻠﻴﺎﱄ اﻟﺮاﻗﺼﺔ
وﰲ اﻟﻮﻻﺋﻢ ،ﻓﺈذا ﻟُﺒﺲ ﳾء ﻋﺎرض اﻟﺰﻳﻨﺔ ﻓﻮق ﻫﺬه اﻟﺒﻬﺮﺟﺎن وﺳﱰ اﻟﺮأس ﺑﺴﺘﺎر ﻓﻮق
ﻣﻮاﻓﻘﺎ ﻟﻠﴩﻳﻌﺔ .أﻣﺎ اﻟﻨﻘﺎب »ﻳﺎﺷﻤﻖ« واﻟﻐﻄﺎء املﺴﻤﻰ »ﻓﺮﺟﺔ ً ﱡ
ﺗﺴﱰًا اﻟﺸﻌﺮ ﻋُ ﱠﺪ ذﻟﻚ
وﺟﺎرﺷﺎف«؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻋﺎدات اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ اﺗﱡﺨﺬت ﻣﺆﺧ ًﺮا.
وﻣﺎ زال اﻟﻘﺮوﻳﺎت وﻧﺴﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﻳﻜﺘﻔني ﺑﺴﱰ اﻟﺮأس ﻓﻘﻂ؛ ﻷن ﻣﻼﺑﺴﻬﻦ ﺧﺎﻟﻴﺔ
ﻣﻦ ﴐوب اﻟﺰﻳﻨﺔ ،ﻓﻬﻦ واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه ﻳﺠﺎﻟﺴﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻳﺠﻠﻦ ﻣﻌﻬﻢ ،وﻳﺸﺎرﻛﻨﻬﻢ ﰲ
اﻷﺷﻐﺎل .وأذﻛﺮ ﻟﻚ ﻗﺒﻴﻠﺔ املﻠﺜﻤني اﻟﻀﺎرﺑﺔ ﰲ ﺻﺤﺎري أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وﻫﻲ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺸ ﱠﻜﻞ
ﻣﻨﻬﺎ دوﻟﺔ ﰲ ﺑﻼد املﻐﺮب ،وﻧﺴﺎء ﻫﺬه اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ إﱃ اﻵن ﻳﺠﻠﻦ ﺳﺎﻓﺮات اﻟﻮﺟﻮه .أﻣﺎ اﻟﺮﺟﺎل
ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﱰون وﺟﻮﻫﻬﻢ ،وﻫﺬه ﻋﺎدة ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻌﻮر اﻟﻨﺴﺎء املﺴﻠﻤني
ﻣﺴﺘﻮرة ،ﻓﺎﻟﻮﺟﻪ ﴍﻋً ﺎ ﻏري ﻣﺤﺮم ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈن اﻟﻨﺴﺎء ﻻ ﻳﻤﺘﻨﻌﻦ ﴍﻋً ﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺎدﺛﺔ اﻟﺮﺟﺎل
واﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻬﻢ إذا ﻛﺎﻧﺖ أﺟﺴﺎﻣﻬﻦ ﻣﺴﺘﻮرة ﺑﺎملﻼﺑﺲ ،وﻣﴬوب ﻋﲆ ﺷﻌﻮرﻫﻦ اﻟﺨﻤﺎر.
639
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
640
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻃﻮﻳﻼ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل ،إﻻ أن ﻓﺴﺎد اﻟﺰﻣﺎن ً ﻗﻠﺖ :إن ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺘﺴﱰ ﻇﻠﺖ وﻗﺘًﺎ
ﻗﺪ أﻓﺮﻏﻬﺎ ﰲ ﺻﻮر أﺧﺮى؛ ﻓﺎﻟﻌﺎدة ﻣﻨﻌﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل وﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻬﻢ.
وﺻﻔﺖ؛ ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﺗﺴﻤﺤﻮنِ ﻗﺎﻟﺖ :إذا ﻛﺎﻧﺖ أﺣﻜﺎم اﻟﺤﺠﺎب ﰲ دﻳﻦ اﻹﺳﻼم ﻛﻤﺎ
ﻟﻠﺮﺟﺎل ﺑﺮؤﻳﺔ اﻟﺒﻨﺎت اﻟﻼﺗﻲ ﺳﻴ ُﻜ ﱠﻦ ﻟﻬﻢ زوﺟﺎت؟!
وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﺑﻮﺳﻨﺔ؛ ﻓﺈن اﻟﺮﺟﺎل ﻻ ﻳﻘﱰﻧﻮن ً ﻗﻠﺖ :إن ﻫﻨﺎك أﻣﺎﻛﻦ ﺗﺠﻴﺰ ذﻟﻚ،
ﺑﺎﻟﺒﻨﺎت إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘني رواﺑﻂ املﺤﺒﺔ ،وﻫﺬه أﺻﺒﺤﺖ ﻋﺎدة ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وﰲ
ﻛﻞ ﻣﺤﻞ ﻳﺠﻮز ﴍﻋً ﺎ أن ﻳﺮى اﻟﺮﺟﻞ وﺟﻪ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻘﱰن ﺑﻬﺎ؛ ﺣﺘﻰ إن ﻧﺒﻴﻨﺎ ﷺ
ﻗﺎل» :اﻧﻈﺮوا وﺧﺬوا ﺧريﻫﻦ «.ﻟﻜﻦ ﻟﻜﻞ ﺑﻠﺪة ﻋﺎدة ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﻬﺎ؛ ﻓﺄﻫﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة ﻟﻦ
ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﻧﺒﺬ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ،واﻟﺨﺮوج ﻋﻦ داﺋﺮة اﻟﺤﺪ املﺮﺳﻮم ،وﺟﻤﻴﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدات
ﻻ ﻣﻦ املﺴﺎﺋﻞ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻬﺎ ﻋﺎدة ﻏري ﻣﻼﺋﻤﺔ؛ ﻓﺎﻟﻮاﺟﺐ ﺗﺮﻛﻬﺎ ،أﻟﻴﺲ أن اﻗﱰان اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺒﻨﺖ
ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ،واﻧﺘﻘﺎل اﻟﺒﻨﺖ إﱃ رﺟﻞ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ املﺸﺎﻛﻞ؟!
ﻗﻠﺖ :إن ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﺸﺎﻛﻞ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻓﻠﻮ ﻛﺎن ﰲ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻟﻨُﺒﺬ
ﻇﻬﺮﻳٍّﺎ ،ﻏري أﻧﻪ ﺑﻤﻘﺘﴣ املﺴﺎغ ﰲ دﻳﻨﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ إذا ﺣﺼﻞ اﺗﻔﺎق ﺑني ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﻔﺘﺎة واﻟﺸﺎب
أن ﻳﺮى ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻵﺧﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﺰواج.
ﻗﺎﻟﺖ :أﺗﻜﻔﻲ ﻧﻈﺮة واﺣﺪة؟! ﻻ ﺟﺮم أﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ أن ﻳﺠﺘﻤﻌﺎ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﺑﺒﻌﻀﻬﻤﺎ
ﻃﻮﻳﻼ ،وأن ﻳﺪرس ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻵﺧﺮ وأﺧﻼﻗﻪ ،وأﺣﺴﻦ ً ﺑﻌﻀﺎ ،وأن ﻳﺘﺴﺎﻣﺮا وﻗﺘًﺎً
ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻳﺘﺤﺎﺑﱠﺎ وﺗﺘﻤﻜﻦ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﻘﻮ ُد اﻟﺤﺐ؛ ﻟﻴﻌﻴﺸﺎ ﰲ اﻟﺰواج ﻋﻴﺸﺔ راﺿﻴﺔ.
ﻗﻠﺖ :ﰲ اﻋﺘﻘﺎدﻧﺎ أن اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ املﻔﻴﺪة ﰲ اﻷﻟﻔﺔ وﺣﺴﻦ اﻻﻣﺘﺰاج ﻟﻴﺴﺖ ﰲ ﳾء ﻣﻤﺎ
ذﻫﺒﺖ إﻟﻴﻪ؛ إن ﺛﻤﺎﻧني ﺑﻞ ﺗﺴﻌني ﰲ املﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻟﺰواج ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺎﺗﻪ اﻷﺻﻮل ﺗﺄﺗﻲ ِ
ﺑﺄﻓﻀﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻻﻣﺘﺰاج ،ﻣﻊ أن املﻨﺎﻛﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﰲ أوروﺑﺎ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ
ً
ﻋﺸﻘﺎ ﺑﻮﺟﻪ اﻟﺤﺐ واﻟﻌﺸﻖ ﻻ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻣﺘﺰاج ﺑني اﻟﺰوﺟني ،ﻓﺈن ﻛﺜريًا ﻣﻤﻦ ﺗﺰوﺟﻮا
وﻫﻴﺎﻣً ﺎ ﻗﺪ اﻧﻄﻔﺄت ﺟﺬوة ﺣﺒﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ أو ﺳﻨﺔ ﻣﻦ زواﺟﻬﻢ ،وأﺻﺒﺢ ﻋﺸﻘﻬﻢ
ﻫﺒﺎءً ﻣﻨﺜﻮ ًرا ،ﻛﺄن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺬﻛﻮ ًرا ،ﺛﻢ ﻛﺜريًا ﻣﺎ أدى ﺑﻬﻢ ذﻟﻚ إﱃ اﻻﻧﻔﺼﺎل
ﺑﻌﻀﺎ ،واﺿﻄﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻔﺮدًا. ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ً
ﻟﻜﻦ ﻛﺜريون اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻌﻮن وﻟﻌﻤﺮي إن اﻟﻌﺸﻖ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ أﻧﺪر ﻣﻦ اﻟﻨﺎدرْ ،
ً
ﻋﺸﻘﺎ ،وﻳﻈﻨﻮﻧﻪ إﻟﻴﻪ ،أﻟﻴﺲ أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﺪد ﻻ ﻳﺤﴡ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻴﺎن ﻳﺘﻮﻫﻤﻮن اﻟﻮﺳﺎوس
ﺣﺒٍّﺎ؛ ﻓﻴﺴﻘﻄﻮن ﰲ أوﺣﺎل اﻟﺨﻴﺎل؟! أﻟﻴﺲ أن ﻫﺬا اﻟﻈﻦ اﻟﺨﻴﺎﱄ ﻳﺼﻞ ﺑﻬﻢ إﱃ ﺣﺪ أﻧﻬﻢ
641
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
642
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻣﻨﻪ :أن ﺣﴬة ﻋﻴﴗ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻪ ﺻﺪق ﻋﲆ اﻟﺘﻮراة ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻊ اﻟﻄﻼق،
وﻗﺖ ذﻟﻚ ُﺳﺌﻞ ﺑﻤﺎ ﻣﻌﻨﺎه» :إذن ملﺎذا أذِ َن ﻣﻮﳻ ﺑﺎﻟﻄﻼق؟!« ﻓﺄﺟﺎب ﺣﴬة ﻋﻴﴗ» :إن
ﻣﻮﳻ إﻧﻤﺎ ﻛﺎن أذن ﺑﺎﻟﻄﻼق ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻗﺴﻮة ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ «.وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈن ﺣﴬة ﻋﻴﴗ
ﻣﻨﻊ اﻟﻄﻼق ﻟﻐري ﻋﻠﺔ اﻟﺰﻧﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﺟﻞ.
وﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ أﻃﻠﻘﺖ ﻣﺪاﻓﻊ اﻹﻓﻄﺎر ﻓﺬﻫﺒﻨﺎ إﱃ املﺎﺋﺪة .أﻣﺎ املﺪام ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﻨﺎول ﻣﻦ
ﻛﺎﻓﺔ أﻟﻮان اﻟﻄﻌﺎم ﺑﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺮه ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻋﻦ ذوﻗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺄﻟﻨﺎ ﻋﻦ أﺳﻤﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ
ً
ﺳﺎﺋﻠﺔ :إن اﻷرز ﻋﻨﺪ اﻷﺗﺮاك إﻧﻤﺎ ﻳُﻘﺪﱠم ﺻﺎر اﻟﻄﻌﺎم ﻋﲆ وﺷﻚ اﻟﺨﺘﺎم أﻗﺒﻞ اﻷرز؛ ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﰲ آﺧﺮ اﻟﻄﻌﺎم؛ وﻫﻮ دﻟﻴﻞ ﻋﲆ ﻧﻔﺎد اﻷﻟﻮان؟
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،إﻧﻪ ﻟﻜﻤﺎ أﴍت.
ﻗﺎﻟﺖ :إن إﺳﺘﺎﻧﺒﻮل ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻓﻬﺮﺳﺖ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،ﻛﻤﺎ إن ﻣﺎﺋﺪة اﻷﺗﺮاك ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ
ﻓﻬﺮﺳﺖ ﻟﻠﻄﻌﺎم؛ ﻓﻘﺪ أﻛﻠﺖ ﻋﲆ ﻫﺬه املﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﻃﻌﺎم ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ.
وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ إن ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ املﺪام ﻛﺎن ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ،وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻟﻬﺎ أﺳﻤﺎء اﻟﻄﻌﺎم إﺟﺎﺑﺔ
ﻣﺆﻟﻔﺎ ﰲ ذﻟﻚ املﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺴﻤﻚ ،وﻛﺎﻧﺎ ﻣﻄﺒﻮﺧني ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ ً ﻟﺴﺆاﻟﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن
اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ،وﻛﺎن ﺛﻢ دﺟﺎج ﺟﺮﻛﴘ وﻛﺸﻚ اﻟﻔﻘﺮاء املﻌﺮوف ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺷﻴﺦ
املﺤﴚ ،واﻟﺒﺎذﻧﺠﺎن ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ ،وﻛﻨﺖ أﺗﺮﺟﻢ ﻟﻠﺴﻴﺪات اﻟﻼﺗﻲ ﻋﲆ املﺎﺋﺪة ﻛﻼم املﺪام ،وﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﻌﺎم ﻗﺎﺋﻤﺔ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﻠﻮي ﻣﻦ املﻨﺰل وﻋﲆ ﻃﺮف اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ،
وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺑﺎب ﻛﺒري ﺑﻤﴫاﻋني ﻳﻔﺘﺤﺎن ﻋﲆ ﺟﻨﻴﻨﺘﻨﺎ ،ﻓﺒﻌﺪ إذ ﻧﻬﻀﻨﺎ ﻋﻦ املﺎﺋﺪة ﻟﻢ ﻧﻌُ ﺪ إﱃ
اﻟﻘﺎﻋﺔ ،وإﻧﻤﺎ أرﺳﻠﻨﺎ ﻛﺮﺳﻴني إﱃ اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب ا ُملﻄ ﱢﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻗﺼﺪ أن ﻧُﺮوﱢح أﻧﻔﺎﺳﻨﺎ
ﺑﻌﺒري اﻟﺰﻫﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻀﻮع ﻛﺄرﻳﺞ املﺴﻚ ،وﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ اﻟﻘﻬﻮة ﻫﻨﺎك وﻛﺎن اﻟﻘﻤﺮ ﺑﺪ ًرا —
ً
ﻟﻄﻴﻔﺎ أي ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﻳﺮﺳﻞ أﺷﻌﺘﻪ ﻓﻴﻨري ﻇﻠﻤﺎت اﻷرض — واﻟﻬﻮاء ﻛﺎن ً
ﻋﻠﻴﻼ
ﺟﺪٍّا.
وﺑﻌﺪ إذ اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﴍب اﻟﻘﻬﻮة ﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ ﻣﻨﺎوﻟﺔ اﻷذرع ،وﺗﻔﺮﻗﺖ ﺟﻤﻌﻴﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﰲ اﻟﺴﻦ ﰲ أﻃﺮاف اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺘﻤﻊ
أﺣﻴﺎﻧًﺎ ملﺒﺎدﻟﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﺛﻢ ﺗﻔﱰق ذﻫﺎﺑًﺎ وإﻳﺎﺑًﺎ .أﻣﺎ ﺟﻤﻌﻴﺘﻨﺎ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ
ﺧﻤﺲ؛ وﻫﻦ :املﺪام ،وﻫﺬه اﻟﻌﺎﺟﺰة ،وﺛﻼﺛﺔ أﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺟﻤﻌﻴﺘﻨﺎ ﻳﺘﻌﺎﻃني
ُﺪﺧﻦ ﺑﻌﺪ اﻹﻓﻄﺎر ﺑﻤﺰﻳﺪ اﻟﻠﺬة ،وﻛﺎﻧﺖ ﴍارات اﻟﺴﻴﻜﺎرات ﺗﴤء اﻟﺘﺪﺧني ﺑﺎﻟﺴﻴﻜﺎرات ،ﻳ ﱢ
وﺗﻠﻤﻊ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷزﻫﺎر واﻷﺷﺠﺎر ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﺼﺪف اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻨﺎﻫﺎ
املﺪام؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﺪدًا ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻷﻗﺎرب .وﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ املﺪام ﺗﻮد ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻪ.
643
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وملﺎ أﻋﻴﺎﻧﺎ اﻟﺴري ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻣني دﺧﻠﻨﺎ إﱃ ﻛﺸﻚ ﺣﺠﻢ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻣﺤﺎط ﻣﻦ أﻃﺮاﻓﻪ
ﺑﺎﻟﻨﻮاﻓﺬ واﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ ،وأﻟﻘﻴﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻋﺼﺎ اﻟﺘﺴﻴﺎر ،ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺨﻮاﺗني ودﺧﻠﻦ إﱃ ﻫﺬا
اﻟﻜﺸﻚ ،وأﺧﺬﻧﺎ ﻣﻌً ﺎ ﺑﺄﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻗﺪ ﺟﻠﺴﺖ املﺪام وﻫﺬه اﻟﻌﺎﺟﺰة ﺗﺠﺎه اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﰲ اﻟﻮﺳﻂ ،وﻛﺎﻧﺖ املﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺷﻼﻻت اﻟﺤﻮض اﻟﻜﺒري اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺈزاء
اﻟﻜﺸﻚ ﺗﻄﺮب اﻵذان ﺑﺄﺻﻮات ﺧﺮﻳﺮﻫﺎ وﺗﻜﴪﻫﺎ ،وﺣﺒﻮﺑﻬﺎ املﻨﺘﴩة ﰲ اﻟﺤﻮض ﻛﻘﻄﻊ
ً
ﺟﻤﻴﻼ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ. ﻟﻄﻴﻔﺎ ﺟﺪٍّا ،وﻛﺎن ﻣﺤﻞ ﺟﻠﻮﺳﻨﺎ وﻣﻮﻗﻌﻪ ً املﺎس ﺗُﻤﺜﱢﻞ ﻣﻨﻈ ًﺮا
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ واﻟﺤﻮض ﻛﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ وراء اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ، ً ﻓﺈﻧﻨﺎ
وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أدراك ﻣﺎ ﻫﻮ ذاك اﻟﺒﺤﺮ ،إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﱰاءى ﻟﻠﻌني ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻦ
ﺻﻔﺎﺋﺢ اﻟﻔﻀﺔ واﻟﻠﺠني ،ﺑﻤﺎ اﻧﺘﴩ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﻦ أﺿﻮاء اﻟﻨﻮر املﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ ﻗﻤﺮ اﻟﻠﻴﻞ ،ﺑﻞ
ً
وﺻﻔﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻠﻪ املﻘﺎم ،وﻛﺎن ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﺗﻐﺰﻟﺖ ﺑﻪ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻮﺻﻔﻮه ﺑﺄﺷﻌﺎرﻫﻢ
ﻋﻠﻴﻼ ﺑﺄرﺟﺎء اﻷزﻫﺎر ،وﻛﺎﻧﺖاﻟﻠﻴﻠﺔ ﺳﺎﻛﻨًﺎ ﻛﻞ اﻟﺴﻜﻮن ،واﻟﻬﻮاء ﻛﺎن ﻳﻬﺐ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﻓﻴﻌﻮد ً
ﺧﺎل ﻣﻦ اﻟﻜﺪورة ،ﻓﻜﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف أﻳﻦ ﻧﻮﺟﻪ اﻷﻧﻈﺎر ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺴﻤﺎء ﺻﺎﻓﻴﺔ واﻷﻓﻖ ٍ
اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ:
أﻧﻮﺟﻬﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺻﻔﻴﺤﺔ ﻣﻦ ﻟﺠني؟ أم ﻧﻮﺟﻬﻬﺎ إﱃ اﻷﺟﺮام اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻤﻊ وﺗﴤء ﰲ ذاك اﻟﻔﻀﺎء ﻋﻴﺎﻧًﺎ ﻛﻐﺎدة ﺣﺴﻨﺎء أﻟﻘﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺠﺎﺑﻬﺎ؟ أم
ﻧﻮﺟﻬﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﺪر املﻨري اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻔﻮق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺿﻴﺎءً وﻧﻮ ًرا وﻷﻷة؟ أم ﻧﻮﺟﻬﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﴡ
اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻤﻊ وﺗﱪق ﰲ اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻧﻌﻜﺎس ﻧﻮر اﻟﺒﺪر ،ﻓﺘﻤﺜﻞ دﻣﺎﻟﺞ ﻣﻦ
أملﺎس ﺗﻠﻤﻊ ﰲ زﻧﻮد اﻟﺤﺴﺎن؟! ﻻ ﺟﺮم أن ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻇﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤري املﺮء ﻓﻼ ﻳﻬﺘﺪي إﱃ
ً
ﺳﺒﻴﻼ. أﺣﺴﻨﻬﺎ
ﻋﲆ أن املﺪام ﻗﺪ وﺟﻬﺖ أﻧﻈﺎرﻫﺎ إﱃ اﻟﻌﻼء ﻓﺄرﺳﻠﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﰲ ﻓﻀﺎء اﻟﺴﻤﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺗﻮن اﻟﻌﺎملﺔ ﺑﻔﻦ اﻟﻬﻴﺌﺔ واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﻗﺪ ﻃﺒﻘﺖ دروﺳﻬﺎ ﻋﲆ ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻤﺎ
اﺳﺘﻔﺎدﺗﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ملﻌﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺒﻌﺪ ﺳﻜﻮت ﻣﺴﺘﻄﻴﻞ ﴏﻓﺘﻪ ﰲ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻫﺎﺗﻪ
املﻨﺎﻇﺮ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻫﻞ ﻟﻚ إملﺎم ﺑﻔﻦ اﻟﻬﻴﺌﺔ؟
ﻗﻠﺖ :ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪٍّا.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻤﻜﻦ ﻟﻚ أن ﺗﺮي ﻛﻮﻛﺐ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺸﻤﺎﱄ؟
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،إن رأس اﻟﺪب اﻷﺻﻐﺮ ﻳُ َﺮى ِﻣﻦ وراﺋﻨﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﺗﻔﺮﻳﺞ اﻷﺑﺮاج؟
ﻗﻠﺖ :إن اﻟﻘﻤﺮ ﺑﺪر وﻛﺜري اﻟﻠﻤﻌﺎن ،وﰲ ﻇﻨﻲ أن ذﻟﻚ ﻣﺘﻌﺬر ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﻋﻠﻤﻲ ﰲ ﻫﺬا
اﻟﻔﻦ ﻧﺎﻗﺺ ﺟﺪٍّا ،ﻓﻬﻞ ﻟﻚ أن ﺗﻠﺬي ﺳﻤﻌﻲ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﻔﺼﻴﻼت؟
644
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
645
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻦ ﺗﺄدﻳﺔ اﻟﺸﻜﺮ ،ﺑﻞ ﻟﻢ أﺗﺠ ﱠﺮأ أن أُﺑﺪﻳَﻪ؛ ﻓﺄﻧﺎ أﻫﻨﺌﻚ ﺑﻬﺬه املﻨﺰﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ،وأﺷﻜﺮ
ﻟﻚ ﻋﻨﺎﻳﺘﻚ؛ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻔﺪت ﺑﺂداﺑﻚ ﻛﺜريًا.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ أﻃﻮف اﻟﺠﻬﺎت وأذﻫﺐ إﱃ املﺮاﻗﺺ وﻟﻴﺎﱄ اﻟﻔﺮح واملﴪات ،وﻻ أﺣﺐ
اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ داﺋﺮة اﻟﻌﺎدات ،ﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﻨﻴﺔ إﻇﻬﺎر زﻳﻨﺘﻲ وﻋﺮض ﻧﻔﴘ ﻋﲆ اﻷﻧﻈﺎر ﻛﻤﺎ
ﺗﻔﻌﻞ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻻ أﻛﺘﴘ ﺑﺎﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻷﺛﻤﺎن ﺑﻘﺼﺪ اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻻﻓﺘﺨﺎر،
وإﻧﻤﺎ أﻟﺒﺴﻬﺎ ﻷﺟﻞ أن ﻳﻠﺘﺬ ﺳﻤﻌﻲ ﺑﺼﺪى اﻫﺘﺰاز أﻣﻮاﺟﻬﺎ وﺧﺸﻴﺸﻬﺎ ﰲ اﻟﻬﻮاء ،ﻣﺘﺨﺬة
ذﻟﻚ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﺧﺘﺒﺎر ﻟﺪروس اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﻴﺘﻬﺎ!
ﻣﺎذا أﻗﻮل ﻋﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﺧﻠﻮن إﱃ ﻗﺎﻋﺎت املﺮاﻗﺺ ﻓﺘﺄﺧﺬﻫﻢ ﻧﺸﺄة
اﻟﺤﻆ واﻟﴪور ﻣﻦ ﺿﻴﺎء اﻟﻘﻨﺎدﻳﻞ واﻟﺸﻤﻮع املﺘﻼﻟﺌﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﻦ ملﻌﺎن اﻟﺜﺮﻳﺎت وأﻧﻮارﻫﺎ
املﻨﻌﻜﺴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﻫﺬا اﻟﺤﻆ ،وﻻ ﻳﻔﻘﻬﻮن ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻴﺎء
اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺜﻬﻢ ﻋﲆ ﻫﺎﺗﻴﻚ املﴪات؟
ﻟﻌﻤﺮي إﻧﻬﻢ ﻟﻮ أﺣﺎﻃﻮا ﻋﻠﻤً ﺎ ﺑﻬﺎ ﻟﺘﻤﺜﻠﺖ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﷲ ﺑﺄﺟﲆ ﺑﻴﺎن ،وﻻزدادوا
اﻧﺪﻫﺎﺷﺎ ﺑﻘﺪرﺗﻪ وﻗﻮﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺣريت ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻻﻧﺸﻐﻠﻮا ﺑﺬﻛﺮه وﺗﺴﺒﻴﺤﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ً
ﻓﺮﻗﺎ ﺑني اﻟﺤﺠﺎرة املﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺻﻔﻬﺎ وﺑني ﺣﺠﺎرة اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ ﺑﺎملﻼﻫﻲ .ﻧﻌﻢ ،إﻧﻨﻲ أرى ً
اﻟﺜﺮﻳﺎت اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ،وﻋﻨﺪي أن ﻫﺬا اﻟﻔﺮق إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ اﻟﺤﺠﺎرة املﺎﺳﻴﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ
اﻧﻌﻜﺎس ﺿﻴﺎء اﻟﻘﻨﺎدﻳﻞ واﻟﺸﻤﻮع ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻠﻌﻴﺎن اﻷﻟﻮان اﻟﺴﺒﻊ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ
اﻟﺮﻗﺔ واﻟﻠﻄﻒ واﻟﻈﺮف ﻣﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﺒﻠﻮرﻳﺔ.
وﻳﺸﻬﺪ ﷲ أﻧﻨﻲ ﻻ أﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﻨﺴﺎء ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﻧﻈﺮة اﻟﺤﺎﺳﺪة ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﻦ ،اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ
ً
ﺟﻤﺎﻻ ،وﰲ ﻋﻦ ﻗﺼﻮرﻫﻦ ،اﻟﺮاﻏﺒﺔ ﰲ ﻛﺸﻒ ﻋﻴﻮﺑﻬﻦ ،ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أدﻗﻖ ﰲ أﻛﺜﺮﻫﻦ
أﺧﻼق أﻃﻮار اﻟﻔﺘﻴﺎت املﻌﺼﻮﻣﺎت؛ ﻷﻧﻘﺶ ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل وﻫﺎﺗﻪ اﻷﻃﻮار ﰲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻲ ،وأﺗﺨﺬ
اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺬي أرﺳﻤﻪ ﻗﺎﻋﺪة أﺗﺼﻮرﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ وﻗﺖ .إﻧﻨﻲ أدﺧﻞ إﱃ ﻗﺎﻋﺎت املﻴﺲ ﰲ املﺮاﻗﺺ
وأﺗﻔﺮج ﻋﲆ اﻷﻟﻌﺎب ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻷﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺑﺤﻮن وﻻ ﻟﺘﺄﺧﺬﻧﻲ اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﲆ ﻣﻦ ﻳﺨﴪون؛
ﻷﻧﻬﻢ إﻧﻤﺎ ﻳﺨﴪون أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﺑﻄﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮ ﻣﻨﻬﻢ ،ﺑﻞ أدﺧﻠﻬﺎ ﻷﻧﻈﺮ — ﻣﻊ اﻟﺘﻌﺠﺐ —
ً
ﺟﺰاﻓﺎ ﻋﲆ ﻣﺬاﺑﺢ ﺗﻼﻋﺐ ﻫﺬا املﻌﺪن اﻷﺻﻔﺮ ﺑﺎﻷﻟﺒﺎب ،واﺳﺘﻬﺰاءه ﺑﺄوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻪ
ﻛﺄن ﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ ،ﻣﻊ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮه إﻻ ﺑﺸﻖ اﻷﻧﻔﺲ ،ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮه إﻻ ﺑﻌﺮق ﺷﻬﻮاﺗﻬﻢ ْ
اﻟﺠﺒني ،ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮه إﻻ ﺑﺎملﺘﺎﻋﺐ واملﺸﻘﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮض اﻟﻌﻈﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﻠﺤﻢ ،ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮه إﻻ
ﺑﺈﻫﺮاق اﻟﺪﻣﺎء.
ﻓﻬﻢ ﻳﻠﻌﺒﻮن ﺑﻪ ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻠﻌﺐ ﺑﺄﻟﺒﺎﺑﻬﻢ وأرواﺣﻬﻢ وﴍﻓﻬﻢ ،أﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺒﺎت
اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻻﺳﺘﻐﺮاب أن أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻠﻔﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا
646
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
647
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻻ ﺟﺴﻢ ﻣﻮﺻﻮف؛ ﻓﺎﻟﺒﺼرية ﺗﺪرﻛﻬﺎ وﻻ ﺗﻨﻈﺮﻫﺎ اﻷﺑﺼﺎر ،وﺗﻌﺸﻘﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب ﻗﺒﻞ اﻷﻓﻜﺎر،
وﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺑﺎدﻳﺔ ﰲ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﻬﻴﺌﺎت ،ﻓﻬﻲ أﺑﺪًا ﻣﻤﺜﻠﺔ ﰲ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﻇﺎﻫﺮة ﰲ اﻷﺻﻮات .أﻣﺎ
ﻟﻄﺎﻓﺔ ﻛﻠﻤﺎت ﻫﺬه املﺪام وﺣﻼوة ﺻﻮﺗﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺘﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻊ ﻣﻼﺣﺔ وﺟﻬﻬﺎ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻔﻆ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺑﺼﻮت رﻗﻴﻖ ،وﻟﻬﺠﺔ ﻣﺆﺛﺮة ﺗﻔﻮق رﻗﺔ وﻟﻄﺎﻓﺔ اﻷﺻﻮات
اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪ ﻧﺸﻴﺪ اﻷﺷﻌﺎر.
ﺑﻨﺴﻴﺞ أﺳﻮ َد ﻳﺴﱰﺳﻞ ﻓﻮق ﻓﺮﻋﻬﺎ، ٍ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻬﺔ ا ُملﻌﺮاة ﻣﻦ ﻋﻨﻘﻬﺎ وﻳﺪﻳﻬﺎ ﻣﻐﻄﺎة
ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻀﻴﺎء املﻨﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺳﻤﺎء ذﻟﻚ اﻟﻠﻴﻞ؛ أﻋﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ اﻷﻟﻮان اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ
اﻟﺰرﻗﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﰲ ﺧﻼل اﺣﺘﺠﺎﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﻴﻮم ،وﻛﺎن ﺟﺴﻤﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺸﻔﺎف
ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻷﺳﻮد ﻛﺄﻧﻪ ﺻﻔﺎﺋﺢ ﻣﻦ اﻟﺜﻠﺞ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻨﺎﺻﻊ ،واﻟﺼﺪف املﴤء
اﻟﻠﻤﺎع .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺳﺎﺋﺤﺔ ﰲ ﻓﻀﺎء اﻟﺘﺼﻮر ﺑﻬﺬا اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻟﻌﺠﻴﺐ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ ا ُملﻮﻣَ ﻰ
إﻟﻴﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﺑﺄي ﳾء ﺗﻔﺘﻜﺮﻳﻦ؟ وملﺎذا أراك ﻣﻠﺘﺰﻣﺔ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺼﻤﺖ؟!
ﻓﻘﻠﺖ :إﻧﻨﻲ أﻓﺘﻜﺮ ﺑﻚ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻈﺮﻳﻦ ،ﻻ ﺟﺮم أﻧﻚ ﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﻴﺎء،
وأﻣﻌﻨﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻓﻌﺮﻓﺖ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ؛ ﻓﻔﻲ ﺣني أﻧﻚ أﺣﻄﺖ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻤً ﺎ ،ﻳﻘﺘﴤ ﺣﺘﻤً ﺎ
ﻃﻮﻳﻼ ﰲ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ املﺮآة؛ ﻷﺟﻞ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﺑﺠﻤﺎﻟﻚ وﻣﺤﺎﺳﻨﻚ؛ ﻷﻧﻚ ً أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﴏﻓﺖ وﻗﺘًﺎ
ﻟﺴﺖ ﺑﻤﺤﺘﺎﺟﺔ إﱃ ﻣﺜﺎل آﺧﺮ ﰲ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﺠﻤﺎل.
ﻗﺎﻟﺖ :أﺟﻞ ،إﻧﻲ ﻏري ﻧﺎﻛﺮة ،وأﻋﻠﻢ ﻗﺪر إﺣﺴﺎن ﺣﴬة اﻟﺨﺎﻟﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ —
ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ واملﻼﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﺼﻨﻲ ﺑﻬﺎ ،وﺷﺎﻛﺮة ﻫﺬا اﻹﺣﺴﺎن ،وﻟﺴﺖ ﻛﺒﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ
ﻳﺘﻈﺎﻫﺮن ﺑﺄﻧﻬﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻦ أﻧﻔﺴﻬﻦ :أﻫﻦ ﺟﻤﻴﻼت أم ﻻ؟! وﻫﻦ ﻳﻘﺼﺪن أن ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﻣﻌﺮوﻓﺎت
ﺟﻤﺎﻻ ،وﻻ أﺣﺴﺪ اﻟﻼﺗﻲ ﻫﻦ ﺟﻤﻴﻼت أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻲ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ أﻋﺮف ً ﺑﺄﻧﻬﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺴﺎء
أﻳﻀﺎ؛ ﻓﺎﻧﻈﺮي أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﻫﻞ ﺗﺮﻳﻦ ﺗﻨﺎﺳﺒًﺎ ﺑني ﻣﺎ أوﺗﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل وﺑني ﻗﺼﻮري ً
ﻫﺎﺗﻪ اﻷﻳﺪي واﻷﻗﺪام؟! إن ﻛﱪﻫﻤﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻘﺺ ﻣﺤﺾ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺑﺂﺳﻔﺔ ﻋﲆ ذﻟﻚ،
ﺑﻞ أﻧﺎ ﻣﻤﺘﻨﺔ؛ إذ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﻮر ﻟﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﺳﺘﻮﱃ ﻋﲇ اﻟﻐﺮور ،وﻟﻜﻨﺖ ﻻ
أدرك أن اﻟﻐﺮور ﻏري ﻻﺋﻖ ﺑﺎﻟﻌﺒﻴﺪ ،ﻋﲆ أن ﻗﺼﻮري ﻗﺪ ﻋ ﱠﺮﻓﻨﻲ أن اﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن
ﺑﻼ ﻗﺼﻮر ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻨﺎ اﻟﻐﺮور ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺺ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ﻻ أﺷﻜﻮ ﻣﻤﺎ أراه ﻣﻦ
اﻟﻨﻘﺺ ﰲ ﻳﺪي ورﺟﲇ؛ وذﻟﻚ ﻷﻛﻮن ﻋﲆ اﻟﺪوام ﻣﴪورة.
ﻻ ﺟﺮم أن املﺪام ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﺼﻮاب؛ ﻷن ﻳﺪﻳﻬﺎ ورﺟﻠﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺘﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻊ
ﻣﺠﻤﻮع ﺣﺴﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أﻋﻠﻢ إذا ﻛﺎن ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻜﻞ ﻋﺒﺪ أن ﻳﻨﻈﺮ ﻗﺼﻮره وﻳﻜﴪ ﻋﻈﻤﺘﻪ
وﻛﱪﻳﺎءه .أﻣﺎ إذا اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻊ ﻋﻠﻮ اﻷﺧﻼق؛ ﻓﻴﺘﻮﻟﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻧﺴﺎن ﻛﺎﻣﻞ ﻛﺎملﺪام
املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ.
648
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ املﺪام :وﰲ ﺣني أن اﻟﻨﺎس ﺗﺒﺪو ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻋﺠﺰﻫﻢ وﺿﻌﻔﻬﻢ ﻷﻋﻴﻨﻬﻢ ﺑﻜﺜري
ﻣﻦ اﻟﺪﻻﺋﻞ ،ﺗﺮاﻫﻢ ﻳﻨﺴﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻳﺠﱰﺋﻮن ﻋﲆ اﻟﻐﺮور ﻛﺄن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻷدﻟﺔ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻣﺬﻛﻮ ًرا ،ﻣﻊ أﻧﻨﺎ إذا ﺧﻔﻀﻨﺎ رءوﺳﻨﺎ إﱃ اﻷﺳﻔﻞ ،ورﻓﻌﻨﺎﻫﺎ إﱃ اﻷﻋﲆ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻋﻈﻤﺔ ﷲ
ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ ،وﺿﻌﻒ ذواﺗﻨﺎ .ﻧﺤﻦ ﻻ ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ أن ﻧﺘﻮﻏﻞ ﰲ أﻏﻮار ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ،وﻻ أن ﻧﺼﻌﺪ ﰲ
درﺟﺎت اﻷوج اﻷﻋﲆ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ واﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ املﻨﺎﻇﺮ واملﻈﺎﻫﺮ
اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﻮﻫﺎ ﻟﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎء؟ أﻟﻴﺴﺖ ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﺑﻠﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﺎ :إﻧﻜﻢ ﻋﺎﺟﺰون ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪة
أﻗﻤﺎري ،واﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻣﻌﺮﻓﺔ أﴎاري! ملﺎذا ﻻ ﻧﺘﺴﻮﱠح ﰲ اﻷﺟﺮام اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻬﻤﻨﺎ
ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺴﺘﻘﻞ؟! أﻟﻢ ﻧﻬﺘﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺜريًا؟أن ٍّ
ﺑﲆ؛ ﻟﻘﺪ اﺧﱰﻋﻨﺎ املﻨﻈﺎر؛ زﻋﻤً ﺎ ﻣﻨﺎ أﻧﻨﺎ ﺳﻨﻮﻓﻖ إﱃ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﺮام ،ﻓﺨﺎب
اﻟﻈﻦ وﻛﻨﺎ إذ ذاك ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻐﺮور ،وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻛﻞ اﻗﺘﺪارﻧﺎ أن ﺑﻠﻐﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺠﻬﻴﺪ
واﻟﺴﻌﻲ املﺘﻮاﺻﻞ ﻟﻠﺼﻌﻮد إﱃ ﻋﺪد ﻣﻌﻠﻮم ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻠﻮﻣﱰات .ﻫﺬا ﻣﺎ ﻓﻬﻤﻨﺎه ،وﻗﺪ ﻫﺒﻄﻨﺎ
ﻣﻦ ذاك اﻟﻌﻠﻮ ﺑﺼﻮرة ﻫﺎﺋﻠﺔ أرﺗﻨﺎ املﻮت ﻋﻴﺎﻧًﺎ ،وﺳﻤﻌﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺗﺨﺎﻃﺒﻨﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ
ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺠﻠﻞ :إﻧﻜﻢ ﻏري ﻣﺄذوﻧني أن ﺗﺼﻌﺪوا إﱃ أﻋﲆ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ،وأﻧﺘﻢ ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻘﻮا
ﻟﺘﻌﻴﺸﻮا ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﺎء ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﺗﻌﻮدوا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻴﺘﻢ ،وإﻣﺎ أن ﺗﺮﺿﻮا ﺑﺎملﻮت ﺻﺎﻏﺮﻳﻦ،
ﺣﺘﻰ إذا أﺧﺬ اﻟﺪم ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻣﻨﺎ ،ورأﻳﻨﺎ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل املﺪﻫﺸﺔ ،أﺟﱪﻧﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻮع،
أﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﺮور املﺤﺾ؟!
ﻗﻠﺖ :ﻟﻘﺪ ﻧﻄﻘﺖ ﺑﺎﻟﺼﻮاب ،ﻋﲆ أن ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻧﻈريك ﻣﻦ
ذوي اﻷﺧﻼق اﻟﺤﺴﻨﺔ واﻟﻌﻠﻢ اﻟﻮاﺳﻊ؛ إذ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﺛﻨﺎن أن اﻹﻧﺴﺎن أﻳﻨﻤﺎ وﺟﻪ اﻟﺘﻔﺎﺗﻪ،
وﰲ أي ﳾء ﺣﴫ ﻓﻜﺮه وﺗﺄﻣﱡ ﻠﻪ ﺗﺘﺠﲆ ﻟﻪ ﻋﻈﻤﺔ ﷲ ووﺣﺪاﻧﻴﺘﻪ ﻋﻴﺎﻧًﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﺗﺤﺴﺒني
أن أي اﻟﻨﺎس ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ذﻟﻚ ﺑﻬﺬا اﻟﻨﻈﺮ املﺠﺮد ،أو أﻧﻪ ﻳﴪ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﻟﻮن اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺼﺎﰲ،
وملﻌﺎن اﻟﻜﻮاﻛﺐ ،وﺳﻜﻮن اﻟﺒﺤﺮ ،وﻧﻮر اﻟﻘﻤﺮ ،وﺿﻴﺎء اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﻴﻜﺘﻔﻲ ﺑﻬﺬا اﻟﴪور ﻟﻴﺲ
إﻻ؟!
ﻻ ﺟﺮم أن اﻹﻧﺴﺎن ﻛﻴﻔﻤﺎ اﻟﺘﻔﺖ وأﻳﻨﻤﺎ وﺟﻪ ﻧﻈﺮه ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻟﺪى ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻋﻈﻤﺔ ﷲ
ووﺣﺪاﻧﻴﺘﻪ.
وﻟﻜﻦ أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني أن أﻛﺜﺮ ﻣﺬاﻫﺐ اﻟﻨﺼﺎرى ﻳﻌﺘﻘﺪون ﺑﺎﻟﺘﺜﻠﻴﺚ ،ﻓﻼ أدري ﻛﻴﻒ
ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﻓﻴﻖ ذﻟﻚ ﻣﻊ اﻟﻮﺣﺪاﻧﻴﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن املﺴﺎﺋﻞ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﺴﺘﻨﺪة إﱃ اﻟﺮواﻳﺔ ﻻ إﱃ أدﻟﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ .أﻣﺎ أﻧﺎ
ﻓﻘﺪ اﻓﺘﻜﺮت ﻛﺜريًا ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺜﻠﻴﺚ ﻓﻠﻢ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﻮﻓﻴﻘﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﻷﺟﻞ
ذﻟﻚ أﻋﺘﻘﺪ ﺑﻮﺣﺪاﻧﻴﺔ ﷲ.
649
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
650
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﻗﻠﺖ :إﻟﻴﻚ ﺑﻴﺎن اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ :إن املﺪة اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻣﻦ ﺧﻠﻘﺔ آدم — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ُ املﺪام
إﱃ ﻃﻮﻓﺎن ﻧﻮح — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ ١٦٥٦ﺳﻨﺔ،
وﺑﻤﻮﺟﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ٢٢٦٢ﺳﻨﺔ ،وﺑﻤﻮﺟﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﺔ ١٣٠٧ﺳﻨﻮات!
ً
ﻓﺎﺣﺸﺎ ﺟﺪٍّا؛ ﻛﺎن ﻳﺘﻌﺬر اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑني ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻨﺴﺦ، وملﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ واﻻﺧﺘﻼف
أﻳﻀﺎ ﻳﻈﻬﺮ أن ﻧﻮﺣً ﺎ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻛﺎن ﺣني اﻟﻄﻮﻓﺎن ﺑﺎﻟﻐﺎً وﺑﻤﻮﺟﺐ اﻟﻨﺴﺦ اﻟﺜﻼث ً
ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،وﺑﺤﺴﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﺔ ﻳﻠﺰم أن ﻳﻜﻮن ﻧﻮح — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم —
ﺑﺎﻟﻐﺎ ٢٢٣ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ! وﻫﺬا ﻣﺮدود ﺑﺎﻃﻞ ﺑﺎﺗﻔﺎق ﺣني وﻓﺎة آدم — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ً
أﻳﻀﺎ ﺗﻜﺬب ذﻟﻚ؛ ﻷن وﻻدة ﺣﴬة املﺆرﺧني ،واﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ً
ﻧﻮح ﺑﻤﻮﺟﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺪ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ واﺛﻨﺘني وﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ!
ﺛﻢ إن املﺪة ﻣﻦ اﻟﻄﻮﻓﺎن إﱃ وﻻدة إﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻫﻲ ٢٩٢ﺳﻨﺔ ﺑﻤﻘﺘﴣ
اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ ،و ١٠٧٢ﺑﻤﻮﺟﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،و ٩٤٢ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﺔ!
أﻳﻀﺎ ،وﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪم أﻋﻼه ﻳﻈﻬﺮ أﻧﻪ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ وﻫﺬا اﺧﺘﻼف ﻓﺎﺣﺶ ً
وﻻدة إﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻮﻓﺎن ﺑﻤﺎﺋﺘني واﺛﻨﺘني وﺗﺴﻌني ﺳﻨﺔ ،ﺣﺎﻟﺔ
ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﺎء ﻣﴫﺣً ﺎ ﰲ اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ :إن ﻧﻮﺣً ﺎ
— ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻗﺪ ﻋﺎش ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻮﻓﺎن ،ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ ﻳﻠﺰم أن
ﻳﻜﻮن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺣني وﻓﺎة ﺣﴬة ﻧﻮح ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺨﻤﺴني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه! وﻫﺬا ﺑﺎﻃﻞ ﺑﺎﺗﻔﺎق
أﻳﻀﺎ ﺗﻜﺬﺑﺎﻧﻪ؛ ﻷن وﻻدة ﺣﴬة إﺑﺮاﻫﻴﻢ — املﺆرﺧني ،واﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﺴﺎﻣﺮﻳﺔ ً
ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻷوﱃ — ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻧﻮح ﺑﺘﺴﻌﻤﺎﺋﺔ واﺛﻨﺘني وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ! وﺑﻤﻮﺟﺐ
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺨﻤﺴﻤﺎﺋﺔ واﺛﻨﺘني وﺗﺴﻌني ﺳﻨﺔ! وملﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﻌﻘﲇ وﺟﻮد اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ
ﰲ ﻛﻼم ﷲ ﻛﺎﻧﺖ آﻳﺎت اﻟﺘﻮراة اﻟﴩﻳﻔﺔ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻣﺤﺮﻓﺔ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ املﺪام :أﺟﻞ ،إﻧﻨﻲ أﻋﻠﻢ أن اﻟﻘﺮآن ﻗﺪ وﺻﻞ إﻟﻴﻜﻢ ﻛﻤﺎ ُﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﻧﺒﻴﻜﻢ دون أن
ﺗﻄﺮأ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻮارض.
ﻗﻠﺖ :ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ﻓﺈن املﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻟﻢ ﻳﺰﻳﺪوا ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﲆ ﻋﻘﺎﺋﺪﻧﺎ
ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟﺤﻜﻢ ،وﻧﺤﻦ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺰن ﻋﻘﺎﺋﺪﻧﺎ ﰲ ﻣﻴﺰان اﻟﺤﻜﻤﺔ ،أﻣﺎ ً اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ
اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻓﺈن أﺑﻮاب اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻘﻔﻠﺔ ﻋﻨﺪﻫﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ إن دﻳﻨﻜﻢ ﻣﻮاﻓﻖ ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻷدﻳﺎن اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ
ﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء — اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺮدﺗﻬﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺜﻠﻴﺚ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ — ﻗﺒﻮﻟﻪ واﻟﺘﺪﻳﻦ ﺑﻪ .وﻟﻘﺪ
ﺗﻮﺻﻠﺖ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻫﺬه اﻹﻳﻀﺎﺣﺎت اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﱃ ﺣﻞ إﺷﻜﺎل ﻛﻨﺖ ﻣﱰددة ﰲ ﺣﻠﻪ؛
651
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وذﻟﻚ أن املﺮﺳﻠني ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ ﺣني أﻧﻬﻢ أﻧﻔﻘﻮا ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ،وأﻟﻘﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ اﻟﺘﻬﺎﻟﻚ
واﻷﺧﻄﺎر رﻏﺒﺔ ﰲ دﻋﻮة اﻟﺨﻠﻖ إﱃ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺠﺤﻮا ﺗﻤﺎ َم اﻟﻨﺠﺎح ،وأﻣﺎ ﺣُ ﺠﱠ ﺎﺟُ ﻜﻢ
وﺗُﺠﱠ ﺎرﻛﻢ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ دﻋﻮة أﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﻨﺎس إﱃ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻤﺰﻳﺪ اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ
اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﻣﺮوا ﻓﻴﻬﺎ.
ﺳﺒﻴﻼ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ً وﻟﻘﺪ ﻃﺎملﺎ اﻓﺘﻜﺮت ﰲ ﴎ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ وﺣﻜﻤﺘﻪ ﻓﻠﻢ أﻫﺘ ِﺪ إﻟﻴﻪ
ﻓﻬﻤﺖ أن ﻟﻄﺎﻓﺔ دﻳﻨﻜﻢ وﺳﻬﻮﻟﺘﻪ واﻧﻄﺒﺎﻗﻪ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻗﺪ ﺣﻤﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﻋﲆ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺑﻬﺬه
ﺣﻘﻴﱠﺘِﻪ وﻻ ﻣﻄﻌﻦ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ .وﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ إن دﻳﻨﻜﻢ ﻻ ﻣﺮﻳﺔ ﰲ ﱢ
واﺣﺪة ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻧﻔﻮ ًرا ﻣﻨﻪ ،وﺗﻘﻮم ﺳﺪٍّا ﰲ وﺟﻪ ﺣُ ﺴﻨﻪ؛ أﻻ وﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺤﺠﺎب
ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺴﺎء؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺟﺪٍّا ﻋﲆ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ املﺴﻴﺤﻴني اﻟﺬﻳﻦ أﻟﻔﻮا اﻟﺤﺮﻳﺔ
وﻋﺪم اﻟﺘﺴﱰ أن ﻳﺮﺿﻮا ﺑﻪ ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﻫﺎﺗﻪ املﺴﺄﻟﺔ ﻷﺻﺒﺢ ﻋﺪد ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ
دﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤني.
اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ ٍ
ﻗﻠﺖ :ﻟﻘﺪ ﺑﻴﻨﺖ ﻟﻚ أن ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺤﺠﺎب ﰲ اﻟﴩﻳﻌﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺳﱰ اﻟﺸﻌﻮر.
ﻗﺎﻟﺖ :وﻫﺬا ﻻ ﻳﺮﺿﻮﻧﻪ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺘﻰ ﺻﺎروا ﻣﺴﻠﻤني أﺟﱪوا ﻋﲆ اﺗﺒﺎﻋﻪ.
ﻗﻠﺖ :إن املﺮأة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﱰ ﺷﻌﻮرﻫﺎ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺮﺗﻜﺐ إﺛﻤً ﺎ ،وأﺳﺎس
اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺣﺪاﻧﻴﺔ ﷲ — ﺗﻌﺎﱃ — وﻧﺒﻮة ﻣﺤﻤﺪ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم
— ﻓﺎﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﻘﺪ وﻳﺴﻠﻢ ﺑﻬﺎﺗني اﻟﻘﻀﻴﺘني ﻋﲆ أي دﻳﻦ وﻣﺬﻫﺐ ﻛﺎن؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﻠﻢ،
وﻻ ﴍط ﰲ ذﻟﻚ ﻛﻠﻴٍّﺎ .ﻧﻌﻢ ،إن ﻋﲆ املﺴﻠﻢ ﺑﻌﺾ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ إﻟﻬﻴﺔ؛ ﻛﺎﻟﺼﻼة واﻟﺼﻴﺎم ،وﻫﻲ
اﻟﻔﺮوض اﻟﺘﻲ أﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ — ]…[ 1وﻗﺘﻞ اﻟﻨﻔﺲ وارﺗﻜﺎب املﻌﺎﴆ،
وﻫﻲ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﻷن اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﺘﺜﻠﻮن أﻣﺮ ﷲ وﻻ ﻳﺠﺘﻨﺒﻮن ﻧﻬﻴﻪ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻦ
اﻟﻔﺎﺳﻘني ،وﻳﺴﺘﺤﻘﻮن ﰲ اﻵﺧﺮة اﻟﻌﺬاب.
وﻟﻜﻦ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن؛ إذ ﻳﻨﺎﻟﻮن ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﺟﻨﺔ اﻟﻨﻌﻴﻢ ،وﷲ إن ﺷﺎء
ﻋﻔﺎ ﻋﻨﻬﻢ ،وإن ﺷﺎء ﻋﺬﺑﻬﻢ ﺑﻘﺪر إﺛﻤﻬﻢ ،ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻬﻢ ﺟﻨﺘﻪ ،وﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﺑني ﷲ واﻟﻌﺒﺪ،
اﻟﻘﺴﺲ ،وﻟﻴﺴﻮا واملﺴﻠﻤﻮن ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن ﰲ اﺳﺘﺤﺼﺎل اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ آﺛﺎﻣﻬﻢ ﻛﺎﻟﻨﺼﺎرى إﱃ ُ
ﺣﺎﻻ إﱃ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻷداء اﻟﻌﺒﺎدة ﻧﻈري املﺴﻴﺤﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﺑﻤﺠﱪﻳﻦ ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺎب ً
ﻣﺠﱪﻳﻦ ﰲ ﻋﺒﺎدﺗﻬﻢ ﻟﻠﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﺈذا رﻏﺒﻮا ﰲ اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر اﻧﺴﺤﺒﻮا إﱃ
652
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
653
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻠﺖ :ﻓﺎﻟﺤﻖ ﻣﻌﻚ؛ ﻓﺎذﻫﺒﻲ وأﺗﻴﻨﺎ ﺑﻐﻄﺎءﻳﻦ؛ ﻷن ﺿﻴﻔﺘﻨﺎ املﺪام ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺑﺮدت أﻛﺜﺮ
ﻣﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إن ﻳﺪﻳﻬﺎ وﻋﻨﻘﻬﺎ ﻻ ﻳﺴﱰﻫﻤﺎ إﻻ ﺳﺘﺎر ﺷﻔﺎف.
أﻣﺎ املﺪام ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻋﲆ ﺻﻮت ﻣﺤﺎورﺗﻨﺎ ،ﻓﻬﺒﺖ ﻣﻦ ﺑﺤﺮاﺗﻬﺎ وأﺧﺬت ﺗﻠﺘﻔﺖ
ذات اﻟﻴﻤني وذات اﻟﺸﻤﺎل ﻓﻠﻢ ﺗﺮ ﻏري اﻟﺠﺎرﻳﺔ؛ إذ إن رﻓﻴﻘﺎﺗﻨﺎ ﻛﻦ ﺧﺮﺟﻦ وأﺑﻘﻴﻨﻨﺎ وﺣﺪﻧﺎ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻘﺪ ﺿﺎﻗﺖ ﺻﺪورﻫﻦ ﻣﻦ ﺳﻜﺮﺗﻨﺎ ﻓﺘﻔﺮﻗﻦ وﺗﺮﻛﻨﻨﺎ ﻣﻨﻔﺮدﺗني ،ﻓﻤﺎ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل
اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ؟! ﻻ ﺟﺮم أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻳﺮﴇ ﻋﻤﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺼﻤﺖ ،واﻟﺮاﻗﺪون ﻻ
ﻳﺮﻳﺪون أﺣﺪًا ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وﻗﺪ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺣﺎل اﻟﺮﻗﺎد ﺑﺤﺎﻟﺘﻨﺎ أوان املﻮت .وﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إن ﺣﺎﻟﺘﻨﺎ
اﻟﺤﺎﴐة ﺗﻤﺜﻞ ﺣﺎﻟﺔ املﻮت.
ﻗﻠﺖ :ﻫﻴﻬﺎت أﻳﺘﻬﺎ املﺪام أن ﻳﻜﻮن ﰲ اﻟﻨﻮم وﰲ املﻮت راﺣﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﻫﺎﺗﻪ
اﻟﻠﻴﻠﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎرﻧﺎ ﺳﺎﺋﺤﺔ ﰲ ﺑﺤﻮر اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻠﺬﻳﺬة.
أﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻘﺪ ذﻫﺒﺖ ﺑﺼﻔﺎء واﻧﴩاح ﻛﻞ ﻣﻨﺎ؛ ﻓﺈن ذﻛﺮ املﻮت اﻟﺬي ﺳﻴﻜﻮن
ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻋﻤﺮﻧﺎ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻨﺎه ﺧﺘﺎﻣً ﺎ ﻟﻔﺮﺣﻨﺎ وﴎورﻧﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،ﻋﲆ أن املﻮت اﻟﺬي ﻣﻊ
ﻛﻮﻧﻨﺎ ﻧﺮﻏﺐ أﺑﺪًا ﰲ أن ﻧﻬﺮب ﻣﻨﻪ ﻧﺮى أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﺘﻘﺮﺑني إﻟﻴﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻨﺎ ﻛﺜريًا ﰲ ﺗﻠﻚ
أﻳﻀﺎ ﻗﺪاﻟﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﺘﺠﲆ ﻟﻨﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮل ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺤﺎل :إﻳﺎﻛﻤﺎ أن ﺗﻨﺴﻴﺎﻧﻲ .وﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ً
ﻓﺎن،
ﺑﺪت ﻟﻨﺎ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،وﻇﻬﺮ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﺠﺰﻧﺎ؛ ﻓﺮأﻳﻨﺎ ﺑﻌني اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻛﻞ ﳾء ٍ
وﻻ داﺋﻢ إﻻ ﷲ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.
ﻓﻬﺬا اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺮﻫﻴﺐ ﻟﻢ ﻳُﻤ ﱢﻜﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ،ﻓﺨﺮﺟﻨﺎ ﻧﻔﺘﺶ ﻋﲆ رﻓﻴﻘﺎﺗﻨﺎ
ﻟﻨﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﻦ ،ﺛﻢ دﺧﻠﻨﺎ ﺟﻤﻠﺔ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﰲ ﺿﻤﻦ املﻨﺰل ،وﻗﺪ أﺛﺮت ﻓﻴﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر ﺗﺄﺛريًا
ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﴫﻧﺎ ﻧﺮﺟﻒ ﻣﻦ ﻫﻮﻟﻬﺎ ،وﻧﻨﺘﻔﺾ ﻣﻦ دﻫﺸﺘﻬﺎ ،وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء أُﺗِﻲ ﺑﺎملﱪدات
ﻓﻄﺎﻓﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻮاري ﻋﲆ اﻟﺰاﺋﺮات ،ﻏري أن املﺪام ﺗﺮددت ﰲ ﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ،وﻣﺬ ﻟﺤﻈﺖ ﻣﻨﻬﺎ
ﻗﻠﺖ :إﻧﻨﻲ راﻏﺒﺔ ﰲ ﻛﺄس ﻣﻦ اﻟﺸﺎي ،ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻏﺒني أﻳﺘﻬﺎ املﺪام أن ﻳﺄﺗﻮك ﺑﻜﺄس ﻣﻨﻪ؟
ﻗﺎﻟﺖ :هلل أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ،إﻧﻨﻲ أﺷﻜﺮ ﻟﻚ وأرﻏﺐ ﺑﺎﻟﺸﺎي ،وأرﺟﻮ أن ﻳﺆﺗﻰ إﱄ ﱠ ﺑﻜﺄس
ﻣﻨﻪ.
ُ
وﻣﺎ ﻣﺮ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ أﺗﻲ ﺑﺎﻟﺸﺎي املﻄﻠﻮب ،ﻓﴩﺑﻨﺎه ﻓﻌﺎودﺗﻨﺎ
اﻟﺤﺮارة ،وﺑﻌﺪ ﺟﻠﻮس ﻫﻨﻴﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ اﺗﺼﻞ ﺑﺎﻵذان ﺻﺪى ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﺴﺤﻮر،
ﻓﻬﺒﺖ املﺴﺎﻓﺮات ﻻﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﻘﻮارب.
أﻣﺎ املﺪام ﻓﺄوﺻﺖ أن ﻳﺄﺗﻮﻫﺎ ﺑﻌﺠﻠﺘﻬﺎ ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮارب راﺑﻀﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﺻﻴﻒ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﻴﺌﺘﻬﺎ أﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺗﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺠﻠﺔ؛ ﺗﻤﻜﻦ اﻟﺰاﺋﺮات ﻣﻦ رﻛﻮﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻲء اﻟﻌﺠﻠﺔ،
654
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﰲ وﺟﻬﺘﻬﺎ املﻘﺼﻮدة ،ﺛﻢ ﺟﺎء اﻟﻨﺒﺄ إﱃ املﺪام ﺑﺘﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺠﻠﺔ،
ﻓﻨﻬﻀﺖ ﻋﲆ أﻗﺪاﻣﻬﺎ وارﺗﺪت ﺛﻮﺑﻬﺎ وأﺧﺬت ﻣﺮوﺣﺘﻬﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وﻫﻲ ﻋﲆ ﻗﺪم
ﺟﺰﻳﻼ ملﺎ أوﻟﻴﺘﻴﻨﻲ ﻣﻦ املﻌﺮوف ﰲ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ً اﻟﺬﻫﺎب :إﻧﻨﻲ أﺷﻜﺮ ﻟﻚ ﺷﻜ ًﺮا
أن املﻘﺼﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺸﺎﻫﺪه اﻟﻌني ،وﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﻏري
املﻌﺮوﻓﺔ ،وﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﻣﻴﺎﻟﺔ إﱃ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ أﺣﻮال ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻫﻜﺬا ،ﻛﺎن ﻣﻦ أﺧﺺ آﻣﺎﱄ
ﻃﻠﻊ ﻋﲆ ﺗﺮﻛﻴﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ وأﻓﻜﺎرﻫﺎ وﻋﻘﺎﺋﺪﻫﺎ؛ وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ﴏﻓﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ وﻗﺘًﺎ أن أ ﱠ
ﻗﴫ ﰲ اﻟﻨﻔﻘﺎت ،وﻟﻜﻨﻨﻲ أﻗﻮل اﻟﺤﻖ :إن املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﱃ ﻃﻮﻳﻼ ،وﻟﻢ أ ُ ﱢ
ً
اﻵن ﻻ ﺗﻮازي ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﺬي وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻣﻤﺘﻨﺔ ﺟﺪٍّا.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إن إﻛﺮام اﻟﻀﻴﻒ ﻣﻠﺘﺰم ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻓﻤﻬﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ املﺸﻘﺔ ﻓﻤﺎ
ﻧﺤﺴﺒﻪ إﻻ ﻣﺤﺾ راﺣﺔ .ﻻ ﺟﺮم أن رﻏﺎﺋﺒﻚ ﻻ ﺗﺘﻌﺪى ﺣﺪ اﻟﻜﻼم ،وﻫﺬا ﺳﻬﻞ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﻴﺎ
ﺣﺒﺬا ﻟﻮ ﺗﻜﺮر ﻫﺬا اﻻﺟﺘﻤﺎع! وﻳﺎ ﺣﺒﺬا ﻟﻮ أﻣﻜﻦ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻛﺜريات ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻚ! ﻷن ﻣﺤﺎدﺛﺔ
ﻋﺎملﺔ وﻓﺎﺿﻠﺔ ﻧﻈريك إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﻄﺎﻟﻊ؛ وﻟﺬﻟﻚ أﻗﺪم ﻟﻚ ﺗﺸﻜﺮاﺗﻲ اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﻋﲆ
ﺗﺤﺼﻠﺖ ﺑﻬﺬه املﺪة اﻟﻮﺟﻴﺰة ﻋﲆ ﱠ ﻣﺎ أﻧ َ ْﻠ ِﺘﻨِﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻆ ﰲ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ ،وﻫﺎﺗﻪ اﻟﻌﺎﺟﺰة ﻗﺪ
ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻛﺜرية ﻛﺎن ﻳﻠﺰم أن أﻃﺎﻟﻊ ﻋﺪة ﻛﺘﺐ ﺣﺘﻰ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﺄﺑﺜﻚ
أﻳﺘﻬﺎ املﺪام ﺷﻜﺮي ،وأﻋﻠﻦ اﻣﺘﻨﺎﻧﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.
ﻗﺎﻟﺖ املﺪام :ﺳﻴﺒﻘﻰ أﺛﺮ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ وأﺛﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻚ ﺛﺎﻧﻴًﺎ ﰲ اﻟﺬﻫﻦ إﱃ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ.
ﻗﺎﻟﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎرة اﻷﺧرية ﺛﻢ ودﻋﺘﻨﻲ وذﻫﺒﺖ ﰲ ﻋﺠﻠﺘﻬﺎ.
ﻋﲆ أﻧﻨﻲ وإن ﻛﻨﺖ ﻻ أﻋﺮف ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﲆ اﻟﺬﻛﺮى ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻗﺪ
ﺷﻌﺮت ﺑﺘﺄﺛري ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ؛ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻻ أزال أﻫ ﱡﺰ ﺑﺬﻛﺮى ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ وأﻓﺘﻜﺮ ﺑﻤﺤﺎدﺛﺘﻨﺎ،
ﻏري أﻧﻨﻲ ﻟﻢ آﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻛﺘﺎﺑًﺎ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ذﻫﺒﺖ ﻟﻠﺘﺴﻮﱡح ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ،
وﺳﻤﻌﺖ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﻀﻊ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺣﺘﻬﺎ ،ﻓﻼ رﻳﺐ أن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺳﻴﻜﻮن ﻣﺠﻤﻌً ﺎ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ.
وﻫﺬا ﻣﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ إﺗﻤﺎم اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،وﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ اﻹﻟﻬﻲ.
املﺤﺎورة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ
إن ﺷﻬﺮ ﻣﺎرس »ﻧﻮار أو أﻳﺎر« ﺑﻐﺎﻳﺔ اﻟﻠﻄﻒ واﻟﻨﺸﺎط؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﺑني ﺣﺮ اﻟﺼﻴﻒ
وﺑﺮد اﻟﺸﺘﺎء ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﺣﺮه أﻗﻞ ﻣﻦ ﺣﺮ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺑﺮده أﺧﻒ ﻣﻦ ﺑﺮد اﻟﺸﺘﺎء ،ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ
ﻫﺬا اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺬي اﻧﺘﴩت ﺑﻪ اﻟﺮواﺋﺢ اﻟﺰﻛﻴﺔ ،وﺿﺎﻋﺖ أرواح اﻷزﻫﺎر املﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺔ
ﺻﺒﺎح ﻳﻮم ﻣﻨﻪ ﰲ إﺣﺪى ﻏﺮف اﻟﺒﺴﺘﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ ﻧﻮاﻓﺬ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ أﻟﻄﻒ
655
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺮواﺋﺢ اﻟﻌﻄﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺎ ِﺑﻪ املﺴﻚ .أﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺣﺴﻦ اﻟﻮﺻﻒ واﻟﺘﻤﺜﻴﻞ؛ ﻓﺸﺘﺎن
ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺋﺤﺔ وﺑني راﺋﺤﺔ املﺴﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗُﻮﺟﺐ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﴎو ًرا وﻟﺒﻌﻀﻬﻢ ﻛﺪ ًرا،
ﰲ ﺣني أن راﺋﺤﺔ اﻟﻮرد واﻟﻘﺮﻧﻔﻞ واﻟﻴﺎﺳﻤني وﻣﺎ ﻣﺎﺛﻞ ﻣﻦ اﻷزﻫﺎر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺘﴩة
ﰲ أرض اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ وﰲ ﺟﺪراﻧﻬﺎ ﻳﺘﻀﻮع ﻣﻨﻬﺎ أرﻳﺞ ﻳﻨﻌﺶ اﻷرواح ،ورواﺋﺢ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺘﻲ
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ اﻟﻐﺮﻓﺔ وأزﻫﺎرﻫﺎ اﻟﻨﺎﺻﻌﺔ اﻟﺒﻴﺎض ،ﻛﻞ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺮواﺋﺢ اﻟﺰﻛﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻔﻮق ﺑﻨﴩﻫﺎ ﻋﲆ راﺋﺤﺔ املﺴﻚ.
َ
وﻣﻊ ﻫﺬا ،ﻓﺈن راﺣﺔ ﻛﻞ ﻓﺼﻴﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺛ ﱠﻢ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ
ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،ﺣﺘﻰ إن راﺋﺤﺔ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼف أﺷﻜﺎﻟﻪ ﺑني
اﻷﺻﻔﺮ واﻷﺣﻤﺮ واﻷﺑﻴﺾ ،وﻫﻜﺬا ﻳﻘﺎل ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع اﻷزﻫﺎر ،وﰲ ذﻟﻚ ﺣﻜﻤﺔ ﺻﻤﺪاﻧﻴﺔ
ﺗﺪق ﻋﲆ اﻷﻓﻬﺎم .أﻣﺎ اﻟﺒﻼﺑﻞ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم املﺬﻛﻮر ﺗﻄﺮب اﻟﺠﻤﺎد ﺑﻨﻐﻤﺎﺗﻬﺎ
اﻟﺸﺠﻴﺔ ،وﺗُﻐ ﱢﺮد ﺗﻐﺮﻳﺪًا ﺗﺮﻗﺺ ﻟﻪ اﻟﻘﻠﻮب ﰲ اﻟﺼﺪور ،ﻓﱰدد ﺑﺄﺻﻮاﺗﻬﺎ املﻄﺮﺑﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻞ
ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺬي ﻳﻄﺎرح ﻣﻌﺸﻮﻗﺔ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺤﺐ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻟﻢ ﻳﻨﻞ ﻣﻨﻪ ﺟﻮاﺑًﺎ ﻇﻬﺮت ﰲ
ﻋﻨﻘﻪ إﺷﺎرات اﻟﺬل واﻻﻧﻜﺴﺎر.
وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل :إن رواﺋﺢ اﻷزﻫﺎر املﺘﻨﻮﻋﺔ ،وأﺻﻮات اﻟﺒﻼﺑﻞ ،وﻣﻨﺎﻇﺮ اﻷﺷﺠﺎر املﻨﺘﴩة
ﰲ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﱰك ﺑﻠﺬﺗﻬﺎ ﺣﺎﺳﺘﺎ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻨﻈﺮ.
وﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم وﺻﻔﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺟﺰة ﺟﺎﻟﺴﺔ ﺣﻮاﱄ ﻣﻨﻀﺪة ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ
اﺛﻨﺘﺎن ﻣﻦ ﺻﻮﻳﺤﺒﺎﺗﻲ ملﻨﺎوﻟﺔ ﻗﻬﻮة اﻟﺒﻦ ﺑﺎﻟﺤﻠﻴﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺗﺪﻋﻰ ص … ﺧﺎﻧﻢ.
ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ أﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺗﻌﺮف ً
ﺗﻔﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﻠﻐﺔ وﻟﻜﻦ ﺑﺒﻂء ،وﺗﺘﻜﻠﻢ وﻟﻜﻦ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،وﺗﻜﺘﺐ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ﺑﺪرﺟﺔ
ﺗﺘﻤﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻓﻜﺮﻫﺎ وإﻓﻬﺎم ﻣﺮادﻫﺎ ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺗﻀ ﱡﻠﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ
زﻳﺎدة ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﺸﺆه ﻣﺮﺑﻴﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ املﺤﺘﺪ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ
ﺗﻠﻘﺖ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻓﺄﺗﻘﻨﺘﻬﺎ ﻛﻞ اﻹﺗﻘﺎن.
وﻛﺎﻧﺖ أﺧﻼق ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺴﻴﺪة ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ أﺧﻼق اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ؛ إذ إن ﻟﻠﱰﺑﻴﺔ ﺗﺄﺛريًا ﻛﻠﻴٍّﺎ ﰲ
اﻷﺧﻼق ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﺰﻫﺔ ﻋﻦ ﺷﻮاﺋﺐ اﻟ ُﻜﻠﻔﺔ ،ﺗﺤﺐ اﻟﺼﺤﺔ ،وﺗﺄﻟﻒ اﻟﻌﺰﻟﺔ،
ﻛﻨﺖ ﻋﲆ ﺑﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎء ﻧﻴﺘﻬﺎ وﺣﺴﻦ ﻃﻮﻳﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ وﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻷزﻳﺎء ،وملﺎ ُ
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إﻧﻨﻲ ﺳﺄُﻋ ﱢﺮض ﺑﺬﻛﺮﻫﺎ ﰲ رﺳﺎﻟﺘﻲ، ﻇﺎﻫﺮة ﻟﻠﻌﻴﺎن ﻇﻬﻮر اﻟﺸﻤﺲ ﰲ راﺑﻌﺔ اﻟﻨﻬﺎر ُ
واﻟﺘﻤﺴﺖ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﺄذن ﱄ ﰲ ذﻟﻚ ﻓﻠﺒﱠﺖ ﻃﻠﺒﻲ ،وأﺟﺎﺑﺖ ﻣﺴﺌﻮﱄ ،وﴏﺣﺖ ﺑﺴﺬاﺟﺔ ﺗﺎﻣﺔ
أﺻﻼ ،ﺣﺘﻰ ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﴫﻳﺢ ﻋﲆ أن أﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ً أﻧﻪ ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ
ﺗﺤﺐ ﺑﻬﺎ أن آﺗﻲ ﻋﲆ ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.
656
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺟﻮاﺑًﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ :إﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﻳﻘني ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻟﻬﺎ؛ ﻓﻬﻲ واﺛﻘﺔ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن
ﻃﻌﻨﺖ ﻋﲇﱠ ،ﻓﻼ ﻳﺆﺛﺮ ِ أذﻣﻬﺎ أو أﻋﺮض ﰲ ذﻛﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺴﻮء ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :وﻫﺒﻲ أﻧﱠﻚِ ﻫﺠﻮﺗﻨﻲ أو
ذﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ؛ ملﺎ أﻧﻚ ﺳﺘﻜﺘﻤني اﺳﻤﻲ وﻻ ﺗﴫﺣني ﺑﻪ ،ﺑﻞ إن اﻻﻧﺘﻘﺎد ﻋﲇ أﺣﺴﺒﻪ
ﻣﻔﻴﺪًا ﺟﺪٍّا ﱄ؛ ملﺎ أﻧﻨﻲ أﺿﻄﺮ واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه إﱃ إﺻﻼح اﻟﻔﺎﺳﺪ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻲ وأﺧﻼﻗﻲ.
وأﻣﺎ رﻓﻴﻘﺘﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻜﺎن اﺳﻤﻬﺎ »ن .ﺧﺎﻧﻢ« ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤﺴﻦ ﻟﻐﺘﻬﺎ اﻟﱰﻛﻴﺔ ﺗﻜ ﱡﻠﻤً ﺎ
ﺤﺴﺐُ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻮق درﺟﺘﻬﺎ .وﻫﺬا اﻟﻮﻫﻢ وﻗﺮاءة وﻛﺘﺎﺑﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَ ِﺪ ﱡل ﺑﻌِ ْﻠ ِﻤﻬﺎ وﺗَ َ
ﻗﺪ ﺑﻌﺜﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ ﻓﻠﻢ ﺗﺘﻘﺪم ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪرﺟﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻋﲆ
أﻳﻀﺎ ﻣﻴﺎﻟﺔ إﱃ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻏريﻫﺎ ،راﻏﺒﺔ ﰲ ﻓﺎﺋﺪة أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ً
اﻟﺴﻮى ،وﻛﺎﻧﺖ ودودة راﺳﺨﺔ ﰲ اﻟﺼﺪاﻗﺔ ﻷﺣﺒﺎﺋﻬﺎ ،ﺗﻜﺮه اﻷزﻳﺎء إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﻄﺮ
ﻋﻨﺪ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﻮﻻﺋﻢ وﺟﻤﻌﻴﺎت اﻷﻓﺮاح أن ﺗﺠﺎري ﻏريﻫﺎ ﰲ اﻻﻛﺘﺴﺎء ﺑﺄﻟﺒﺴﺔ ﻋﲆ آﺧﺮ
ﻃﺮز ،وأﻣﺎ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺲ اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ .وﻫﺬه اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ﻫﻲ
ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺛﻮب ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﺛﻮب اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﻋﲆ أن ﻫﺬا اﻟﺜﻮب إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮف
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﺼﺢ أن ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ﺛﻮب ﺗﺮﻛﻲ ،إﻻ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة.
وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل :إن اﻟﺴﻴﺪة »ن« ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻷزﻳﺎء اﻟﱰﻛﻴﺔ ﰲ ﺣني أن اﻟﺴﻴﺪة »ص
…« ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻬﻮى وﻻ ﺗﺤﺐ ﺳﻮى اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص …« ﻛﺜرية املﻠﻞ واﻟﻀﺠﺮ ﰲ ذاك اﻟﺼﺒﺎح؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺪ اﺿﻄﺮت إﱃ
ﺗﺄﺧﺮ إﱃ ﻋﻤﻞ ﺛﻮب ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﺬﻫﺎب ﺑﻪ إﱃ أﺣﺪ اﻷﻓﺮاح ﻛ ﱠﻠﻔﻬﺎ ٣٥ﻟرية ،وﺣﻴﺚ إن اﻟﺰﻓﺎف ﱠ
ﻣﺴﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺑﻬﺎ إﱃ ﻋﻤﻞ ﺛﻮب آﺧﺮ؛ إذ إن اﻟﺜﻮب اﻷول ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻠﻔﺼﻞ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﱠ
وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻗﺼﺪت أن ﺗﻠﺒﺲ ﺛﻮب اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ ،اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺴﻪ ً املﺬﻛﻮر!
أﺻﻼ؛ ﻻﻣﺘﻨﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻣﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻃﺮأ ﻋﲆ اﻟﺰي ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻴري .وﻗﺪ ﴏﺣﺖ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة ً
ﺑﻀﺠﺮﻫﺎ وﻛﺪرﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻴريات املﺬﻛﻮرة ،وﻣﻦ ﻏﻼء اﻷﺳﻌﺎر ﰲ ﻗﻴﻢ اﻷﻗﻤﺸﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ
ﻟﺘﻐري اﻟﺰي اﻷولﺻﺎﺣﺒﺎت اﻷﺛﻮاب ،ذاﻛِﺮ ًة أﻧﻬﺎ اﺑﺘﺎﻋﺖ ذراع اﻟﺘﺨﺮﻳﻢ ﺑﺜﻼث ﻟريات ،وﻧﻈ ًﺮا ﱡ
ﻓﻘﺪ أﺣﻮﺟﻬﺎ اﻷﻣﺮ إﱃ ﻃﺮﺣﻪ ﰲ زاوﻳﺔ اﻹﻫﻤﺎل!
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص …« ﺗﺮوي أﺳﺒﺎب ﻛﺪرﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ املﺬﻛﻮر ،ﻏري أن اﻟﺴﻴﺪة »ن
…« اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺮه اﻷزﻳﺎء ﻗﺪ أدت ﺑﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﻳﺔ إﱃ اﻟﺤﺪة واﻻﻧﺘﻘﺎد ،ﻓﴫﱠﺣﺖ ﺑﻤﺎ
أورﺛﻬﺎ ﺑﻴﺎ ُن ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺪ ِة ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛﱡﺮ واﻟﻜﺪر ،ﺛﻢ ﻋﻘﺐ ذﻟﻚ ﺟﺮت املﺒﺎﺣﺜﺔ اﻵﺗﻲ ﺑﻴﺎﻧُﻬﺎ ﺑني
اﻟﺴﻴﺪﺗني؛ ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص …« :إﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ ﻗﺪ ازددت ﺳﻤﻨًﺎ ﺑﺤﻴﺚ إن
ﻣﺸﺪ اﻷﻟﺒﺴﺔ ﻗﺪ ﺿﺎق ﻋﲇ؛ ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺟﺪ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﻘﻤﺎش ﻷﺟﻞ ﺗﻮﺳﻴﻌﻪ ،وﻋﲆ
657
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻤﺎﺷﺎ ﺑﺴﻴﻂ اﻟﻠﻮن ﻟﻮﺟﺐ ﻣﺰﺟﻪ ﻻ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺼﺪر ،ﺑﻞ ً ﻛ ﱟﻞ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻟﻮ وﺿﻌﺖ ﻟﻪ
ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻃﺮاﻓﻪ.
ﻛﻼ ،ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﺗُﺤﻤﱢ ﲇ ﻧﻔﺴﻚ ﺛﻘﻠﺔ ﻟﻬﺬا اﻷﻣﺮ. ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﱠ
ﻗﺎﻟﺖ »ص« ﻟﻬﺎ :وملﺎذا؟!
ﻗﺎﻟﺖ :رﺑﻤﺎ ﻫﺰﻟﺖ إﱃ أن ﻳﺤﻞ اﻷﺟﻞ املﴬوب؛ ﻓﺤﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻚ املﺸﺪ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﺰم!
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :إﻧﻚ ﺗُﺤﻤﱢ ﻠﻴﻨﻲ ﻋﻨﺎء ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻜﺮ!
ﻛﻼ ،إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﺼﺪ ذﻟﻚ؛ وإﻧﻤﺎ أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗُﺤﻤﱢ ﻠني ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻨﺎء ،ﻓﻼ أﺧﻔﻲ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﱠ
ﻋﻨﻚ أﻧﻨﻲ ﺳﺄُدْﻋﻰ إﱃ ذاك اﻟﺰﻓﺎف ،وﻟﻜﻨﻨﻲ إذا رأﻳﺖ أﻧﻪ ﺳﻴﻄﻮل اﻷﺟﻞ ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻴﻪ؛
ﻓﺈﻧﻨﻲ أﺳﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻌﻨني ﺑﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟني أﻧﻚ ﻻ ﺗﺤﺒني أن ﺗﻜﺘﴘ ﰲ اﻷﻓﺮاح
ﻋﲆ ﻣﻘﺘﴣ أﺻﻮل اﻟﺰي؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ،ﻻ أﻗﺼﺪ ذﻟﻚ؛ وإﻧﻤﺎ ﻣﺘﻰ أردت أن أﺻﻨﻊ ﺛﻮﺑًﺎ آﺧﺬ اﻟﻘﻤﺎش إﱃ اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ
وأﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﺼﻨﻊ ﱄ ﺛﻮﺑًﺎ ﻣﻦ آﺧﺮ زي ،وﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ أﻛﺘﴘ ﺑﻬﺬا اﻟﺜﻮب.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺈذا ﺑﻄﻞ زي اﻟﺜﻮب اﻟﺬي ﺗﻜﻮﻧني ﻟﻢ ﺗﻜﺘﴘ ﺑﻪ؛ ﻓﻤﺎذا ﺗﺼﻨﻌني؟!
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أﻧﺎدي اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ وأﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﺤﻮﻟﻪ إﱃ اﻟﺰي اﻟﺠﺪﻳﺪ.
ً
ﺧﻤﺴﺎ وﺛﻼﺛني ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ أﻋﱰض ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وإﻧﻤﺎ أﺧﱪك أﻧﻨﻲ أﻧﻔﻘﺖ ﻋﲆ ﻫﺎﺗﻪ اﻷﺛﻮاب
ﻟرية ،وﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺘﻐﻴري اﻟﺬي ﻃﺮأ ﻋﲆ ﻛﺴﻤﻪ أﺻﺒﺢ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﺧﻤﺴﺔ أو ﺳﺘﺔ أذرع ﻣﻦ
ﻗﻤﺎش آﺧﺮ ،وﻣﻌﻠﻮم أن اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻌﺎﻃﻞ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ أن ﻳﻀﺎف ﻋﲆ اﻟﺠﻴﺪ ،وأﻗﻞ ﺛﻤﻦ ذراع
اﻟﻘﻤﺎش ﻫﻮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﻟرية إﱃ ﺛﻼث ﻟريات ،وﻳﻠﺰﻣﻪ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ذراﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﺮﻳﻢ ،ﻓﺈذا
ﻏﺮﺷﺎ ،وإذا أﺿﻴﻔﺖ إﻟﻴﻪﻏﺮﺷﺎ ﺑﻠﻎ ﺛﻤﻦ اﻷذرع ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ً ﻛﺎن اﻟﺬراع ﺑﺨﻤﺴني ً
ً
وﻧﺼﻔﺎ ،ﺛﻢ إن اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ أﺟﺮة اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ،وﻫﻲ ﺛﻼث ﻟريات؛ ﻛﺎن املﺠﻤﻮع ﺛﻼث ﻋﴩة ﻟرية
ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻀﻴﻒ إﱃ ذﻟﻚ ﻻ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻟريﺗني؛ ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻬﺎ أﻧﻔﻘﺖ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻮازم اﻟﻄﻔﻴﻔﺔ؛
ً
ﺟﺰاﻓﺎ؟! ً
وﻧﺼﻔﺎ ،أﻟﻴﺲ إن ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ذﻫﺒﺖ ﻓﺘﺼﺒﺢ اﻟﻨﻔﻘﺎت ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﻟرية
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إذن ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟني ﻋﻦ اﻟﺨﻤﺲ واﻟﺜﻼﺛني ﻟرية اﻷوﱃ؛ أﻟﻢ ﺗﺬﻫﺐ ﺟﺰاﻓﺎً
ً
أﻳﻀﺎ؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﺴﻨﺎ ﻧﺠﻮل ﻋﺮاة ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻻ أﻗﻮل ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﻮن ﻋﺮاة اﻷﺑﺪان ،وﻟﺴﺖ أﺗﺄﺳﻒ ﻋﲆ اﻟﺪراﻫﻢ
اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﻖ ﰲ ﻣﺸﱰى اﻷﻗﻤﺸﺔ ،وإﻧﻤﺎ أﺗﺄﺳﻒ ﻋﲆ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﴫف ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﺨﺎرﻳﻢ
658
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﻣﺎ ﻣﺎﺛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺰواﺋﺪ واﻷﻃﺮاف ،وﻋﲆ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ ﻟﻠﺨﻴﺎﻃﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻜﺎد ﺗﻮازي
ﻧﺼﻒ اﻟﺨﻤﺲ واﻟﺜﻼﺛني ﻟرية.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻣﺎ اﻟﻌﻤﻞ؟ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻠﺒﺲ اﻟﻘﻤﺎش ﻛﻤﺎ ﻫﻮ؟ أﻟﺴﺖ أﻧﺖ
ﺗﺨﻴﻄني أﺛﻮاﺑﻚ ً
أﻳﻀﺎ ﺛﻢ ﺗﻠﺒﺴﻴﻨﻬﺎ؟!
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻟﻘﺪ أﺗﻴﺖ ﺑﴚء ﻳﻤﻨﻊ ﴐر اﻷزﻳﺎء ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ؛ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻓﺼﻠﺖ ﺛﻮﺑًﺎ
ﻋﲆ اﻟﺰي اﻟﱰﻛﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﺜﻘﻴﻞ ﻻ ﻳﻀﻴﻖ وﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ اﻹﺑﺪال واﻟﺘﻐﻴري ،وﺟﻌﻠﺘﻪ
ﻄﺎ ﻻ زﺧﺮﻓﺔ ﻓﻴﻪ وﻻ زواﺋﺪ ،وﻗﺪ اﻗﺘﺼﺪت ﻣﻦ إﻫﻤﺎل اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ وزواﺋﺪ ﻋﺪة اﻷﺛﻮاب، ﺑﺴﻴ ً
واﺷﱰﻳﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ املﺎس اﻟﱪﻟﻨﺘﻲ؛ ﺑﺤﻴﺚ إﻧﻨﻲ ﻣﺘﻰ رﻏﺒﺖ ﰲ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻻ أﺧﴪ ﻣﻦ ﺛﻤﻨﻬﺎ
ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ وﺑﻤﺎ ﻣﺎﺛﻠﻬﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﺳﺘﻜﻮﻧني ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ!
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أﻧﺎ ﻻ أﻗﻮل إﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻴﻊ أن ﻳﻜﺘﺴﻮا ﺑﻤﺜﻞ ﻛﺴﻮﺗﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻮ
اﻛﺘﺴﻴﺖ ﺑﺎﻟﺜﻮب اﻟﺬي ﺗﻐري زﻳﱡﻪ اﻷول ﻟﻌ ﱠﺮﺿﺖ ﻧﻔﴘ ﻟﻠﻬﺰء واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻠﺴﻴﺪة »ص« :إن ذﻟﻚ ﻟﻴﺪﻫﺶ ﻛﺜريًا ،وﻟﺴﺖ ﺑﻤﻨﻔﺮدة ﻓﻴﻪ ،ﺑﻞ إن اﻷوروﺑﻴﺎت
أﻧﻔﺴﻬﻦ ﻳﺮﻳﻨﻪ ﻏﺮﻳﺒًﺎ؛ أﺗﺤﺴﺒني ﻣﺘﺎﻧﺔ أﻗﻤﺸﺘﻨﺎ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ورﺧﺺ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﻗﺒﻴﺤً ﺎ وﻧﺒﺘﺎع
ذراع اﻟﻘﻤﺎش اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ املﺰرﻛﺶ ﺑﺎﻟﻨﺤﺎس ﺑﻠريﺗني؟! ﻻ ﺗﻌﺠﺒﻨﺎ أﻗﻤﺸﺔ ﺣﻠﺐ واﻟﺸﺎم
وﺑﻐﺪاد ودﻳﺎر ﺑﻜﺮ — وﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ — ﻷن ذراﻋﻬﺎ ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز ﺛﻤﻨﻪ اﻟﺨﻤﺴني
ﻏﺮﺷﺎ .إن ﻛﻮن اﻟﻘﻤﺎش ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻋﻨﺎ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ أن ﻧﺨﻴﻄﻪ ﻋﲆ اﻟﻄﺮز اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ،أﻓﻼ ً
ﻳﻌﺠﺒﻚ ﻫﺬا اﻟﻘﻤﺎش اﻟﺬي ﺗﺮﻳﻨﻪ ﻋﲇ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺛﻮﺑني ﻃﻮﻟﻬﻤﺎ ﻋﴩون ذراﻋً ﺎ ،دﻓﻌﺖ
ﺛﻤﻨﻬﺎ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺠﻴﺪﻳﺎت؛ ﻓﻴﻜﻮن ﺛﻤﻦ اﻟﺬراع ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻏﺮوش .وﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻘﻤﺎش ﻣﻦ
أﻗﻤﺸﺔ أوروﺑﺎ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ ﻣﺸﱰى اﻟﺬراع ﻣﻨﻪ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﴩﻳﻦ ً
ﻏﺮﺷﺎ .وﻟﻘﻤﺎﺷﻨﺎ
ﻣﺰﻳﺔ أﺧﺮى؛ وﻫﻲ أﻧﻪ إذا ﺗﻠﻮث ﺑﴚء ﻓﻴﻤﻜﻦ ﻏﺴﻠﻪ وﻛﻴﱡﻪ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻌﻮد إﱃ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻷوﱃ!
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻻ ﺟﺮم ،ﻏري أن أﻗﻤﺸﺘﻨﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﺴﻖ واﺣﺪ؛ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻐﻴري
أزﻳﺎﺋﻬﺎ!
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :اﻹﻧﺼﺎف أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ،ﻟﻮ ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻟﻸﻗﻤﺸﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻧﺼﻒ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ
ﺗﺮق؛ ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ أن ﻧﺴﻌﻰ ﰲ أن ﺗُﺒﺎع اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﻟﱰﻗﺖ أﻗﻤﺸﺘﻨﺎ أﻳﻤﺎ ﱟ
أﻗﻤﺸﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﴐة؛ ﻟﻴﻤﻜﻦ إﻳﺠﺎد أﻟﻮان أﺧﺮى ،وأن ﻧﻬﺘﻢ ﺑﻬﺎ اﻫﺘﻤﺎﻣﻨﺎ ﺑﺎﻷﻗﻤﺸﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ؛
إذ ﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل :إﻧﻨﺎ ﻃﻠﺒﻨﺎ اﻟﻠﻮن اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻣﻦ اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﻧﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ،
وﻣﻌﻠﻮم أن ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ أﺧﺬت ﺗﻨﺴﺞ ﰲ اﻟﺒﻼد املﺤﺮوﺳﺔ اﻟﺸﺎﻫﺎﻧﻴﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻗﻤﺸﺔ؛
659
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻛﺎﻷﻃﻠﺲ واﻟﺨﺰ وﻏري ذﻟﻚ ،وﻫﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ .وﻫﺬه اﻷﻗﻤﺸﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﺤﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻮل ﰲ
أوروﺑﺎ؛ ﻓﻼ أدري ملﺎذا ﻧﺤﻦ ﻧﻨﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ .أﺗﻈﻨني أن اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻳﺮﺿﻮن وﻳﴪون ﺑﻤﺎ ﻧﻔﻌﻠﻪ
ﻃﺮق اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻟﻬﻢ؟! ﻛﻼ ،إﻧﻬﻢ ﻳﻌﻴﺒﻮن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،وﻟﻘﺪ ﻳﺨﺠﻠﻨﻲ ﻣﺎ وﻣﺎ ﻧﺴﻠﻜﻪ ﻣﻦ ُ
ﺗﻘﻮل ﻛﺜريات ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺎت ﻋﻦ ﻣﻴﻞ اﻷوروﺑﻴني إﱃ أﻗﻤﺸﺘﻨﺎ ،وﻧﻔﺮﺗﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ؛ إذ إن
ﻫﺎﺗﻪ اﻷﻗﻤﺸﺔ ﺗﺮﺳﻞ إﱃ أوروﺑﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻜﺘﴘ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق! ﻧﻌﻢ؛
إﻧﻨﺎ ﻣﻀﻄﺮون إﱃ اﻻﻛﺘﺴﺎء ﺑﺒﻌﺾ اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺎﺗﻪ اﻷﻟﺒﺴﺔ ﻫﻲ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ
اﻟﻔﺎﻧﻴﻼت واﻟﺠﻮارب واﻟﺸﻴﺖ واﻟﺒﺎﺗﺴﺘﺔ؛ ﻓﺈن ﺑﻼدﻧﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :أﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻜﺘﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻳﻌﺎدل اﻟﺸﻴﺖ »ﺑﺼﻤﺔ«؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻛﻼ ،إن اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﻜﺘﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺖ ﺷﻴﺌًﺎ؛ ﻓﺈن اﻟﻔﻘري ﻳﻤﻜﻨﻪ أن
ﻳﺸﱰي ذراع اﻟﺸﻴﺖ ﺑﺴﺘني ﺑﺎرة ،ﺛﻢ ﻳﺨﻴﻄﻪ ﺛﻮﺑًﺎ ﻓﻴﻠﺒﺴﻪ وﻳﻐﺴﻠﻪ ،وﻫﻠﻢ ﺟ ٍّﺮا .أﻣﺎ اﻷﻗﻤﺸﺔ
اﻟﻜﺘﺎﻧﻴﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ إذا ﻏﺴﻠﺖ ازدادت ﺧﺸﻮﻧﺔ ﻋﻦ اﻷول .اﻧﻈﺮي إﱃ ﻫﺬا اﻟﺠﻤﻊ
اﻟﺤﺎﴐ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺮﻳﻦ أن اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﻠﻴﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻜﺘﴘ ﺑﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺗﺴﺘﺔ،
ﻓﱰﺟﺤني اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﻜﺘﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ،أﻣﺎ أﻧﺖ ُ
َ وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻈﻔﺮ ﻟﻬﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻛﻼ ،إن أﻟﺒﺴﺘﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺗﺴﺘﺔ وﻻ أﻛﺘﴘ ﺑﻘﻤﺎش آﺧﺮ
ﻋﲆ اﻹﻃﻼق.
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إذن ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ أن ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺛﻢ ﺑﻐريه ،وأﻧﺎ ﻻ
أﻗﻮل إﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺤﺮم أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ املﺘﺎع اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻟﻜﻦ أرﻳﺪ أﻧﻪ ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ أن ﻧﺮوج
ﺑﻀﺎﺋﻌﻨﺎ وﻻ ﻧﻨﺒﺬﻫﺎ ﻇﻬﺮﻳٍّﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﺻﺪﻗﺖ ،ﻓﺈن اﻟﺸﻴﺖ أﻓﺎدﻧﺎ ﻛﺜريًا واﺳﺘﻨﻔﺪ أﻣﻮاﻟﻨﺎ ً
أﻳﻀﺎ.
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :أﺟﻞ إن اﻟﺸﻴﺖ واﻟﺒﺎﺗﺴﺘﺔ ﺗﺘﻮارد إﱃ ﺑﻼدﻧﺎ ﻣﻦ أوروﺑﺎ ﺑﻜﺜﺮة؛ ﻷن اﻟﺤﺎﺟﺔ
إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ،وﻻ ﺷﻚ أﻧﻪ إذا أردﻧﺎ أن ﻧﺤﺴﺐ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻼدﻧﺎ ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻫﺬه
اﻷﻗﻤﺸﺔ ﻧﺮاﻫﺎ ﻛﺜرية ﺟﺪٍّا وﻣﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﺤرية واﻟﺪﻫﺸﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إذن ﻋﺰﻣﺖ أن أﺷﱰي ﺑﺎﻟﺨﻤﺲ ﻋﴩة ﻟرية اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻧﻔﻘﻬﺎ ﻋﲆ
ً
ﻗﻤﺎﺷﺎ وﻃﻨﻴٍّﺎ وأﺧﻴﻄﻪ ﻋﲆ اﻟﺰي. إﺻﻼح ﺛﻮﺑﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻣﺎ املﺎﻧﻊ ﻣﻦ أن ﺗﺨﻴﻄﻴﻪ ﻋﲆ اﻟﻄﺮز اﻟﱰﻛﻲ.
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أي ﻃﺮز ﺗﻌﻨني؟ أﻣﺜﻞ ﺛﻮﺑﻚ اﻟﺬي ﺗﻠﺒﺴﻴﻨﻪ اﻵن — ﻳﻌﻨﻲ ﺛﻮب اﻟﻐﺮﻓﺔ
وﺛﻮب اﻟﺼﺒﺎح — ﻓﺈن ﻫﺬا ملﺎ أﻧﻪ ﻳﺴﻤﻰ اﻟﻌﻠﻮي أﻳﻘﺎل ﻋﻨﻪ :إﻧﻪ ﻃﺮز ﺗﺮﻛﻲ؟
ُﻜﺘﴗ ﺑﻪ ﰲ اﻟﻐﺮف؛ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إن ﺛﻮب اﻟﻐﺮﻓﺔ »روب دي ﺷﺎﻣﱪ« إﻧﻤﺎ ﻳ َ
ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻈﻬﻮر ﺑﻪ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس ،واﻟﻘﺼﺪ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺤﺼﻞ املﺮء ﻋﲆ راﺣﺘﻪ،
660
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﺛﻮب اﻟﺼﺒﺎح ﻳﻜﺘﴗ ﺑﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺮﺗﺎﺣً ﺎ ﰲ وﻗﺖ اﻟﺼﺒﺎح؛ أي إﻧﻪ ﺑﻌﻜﺲ
ﺛﻮب اﻟﻐﺮﻓﺔ .أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻠﺒﺲ أﻳٍّﺎ ﺷﺌﻨﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﺼﺪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﺮاﺣﺔ
ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷوﻗﺎت.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إن اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﻳﻤﻴﻞ ﻗﻠﺒﻬﺎ إﱃ اﻷزﻳﺎء اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﻓﺘﺨﻴﻄﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ،
وأﻧﺖ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﺗﻤﻴﻠني إﱃ اﻟﺰي اﻟﱰﻛﻲ وﻫﻜﺬا ﺗﻔﻌﻠني .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻸﻧﻨﻲ ﻻ أﻛﺮه اﻟﻄﺮزﻳﻦ
ﺗﺮﻳﻨﻨﻲ أﺧﻴﻄﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻋﲆ اﻟﺰي اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ،وأوﻗﺎﺗًﺎ ﻋﲆ اﻟﻄﺮز اﻟﱰﻛﻲ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﻤﻴﻞ
إﻟﻴﻪ ﻧﻔﴘ ،وﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ :إﻧﻪ ﺑﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺨﺮج ﻋﻦ ﻋﺎداﺗﻨﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻧﻌﺮض أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻠﻬﺰء،
ﻋﲆ أﻧﻪ ﻣﺘﻰ أردﻧﺎ أن ﻧﻜﺘﴘ ﻋﲆ اﻟﻄﺮز اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺜﻮب ﻣﻦ آﺧﺮ زي؛
ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻀﺤﻚ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺎت ،وﻻ ﺷﻚ أن ﺣﺮﻳﺘﻨﺎ ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﻜﺴﻮة إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻌﻤﺔ
ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ،واﻟﺨﻼﺻﺔ أﻗﻮل — وأرﺟﻮ أن ﻻ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻜﻤﺎ ﻣﻘﺎﱄ :إﻧﻨﻲ ﻻ أذﻫﺐ ﻣﺬﻫﺐ
إﺣﺪاﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ؛ ﻣﺎ أﻗﻴﺪ ﻧﻔﴘ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻘﻴﻴﺪًا ،وﻻ أرد ﺑﻌﺾ
اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺎﻫﺪ ﰲ اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ؛ ﺗﻌﺼﺒًﺎ ﻟﻠﻌﺎدات اﻟﱰﻛﻴﺔ؛ إذ إﻧﻪ ﻻ ﻳُﻨﻜﺮ أن
أﺧﺼﻬﺎ ﻣﻨ ْ ُﻊ ﺟ ﱢﺮ اﻷذﻳﺎل.
ﱡ اﻷزﻳﺎء ﻗﺪ أﺗﺖ ﺑﻔﺎﺋﺪة
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إن اﻷزﻳﺎء ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜريًا ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻋﲆ ﺣﺎل؛ ﻓﺒﻴﻨﺎ ﺗﻜﻮن ﻋﲆ
اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻔﻼﻧﻲ إذ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ ﻃﺮز آﺧﺮ ،وﺑﻴﻨﺎ ﺗﻜﻮن ﺿﻴﻘﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻮﻳﻦ إذ ﺗﻨﻔﺮج ﻋﻨﻬﻤﺎ،
أﻳﻀﺎ أن زي اﻷذﻳﺎل ً
ﻣﻄﻠﻘﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻳﻦ ً وﺑﻴﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ إذ ﺗﺘﻐري ﺗﻐريًا
ﻗﺪ ﻋﺎد ﺗﻜﺮا ًرا.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻧﺤﻦ ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﺒﻊ اﻷزﻳﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺠﺒﻨﺎ وﻧﺮﺿﺎﻫﺎ؛ ﻓﺎﻟﺘﻲ ﻧﺮاﻫﺎ ﻏري
ﻣﻼﺋﻤﺔ ﰲ ذاك اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ أن ﻧﻨﺒﺬﻫﺎ ﻇﻬﺮﻳٍّﺎ.
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺳﻴﺪة ﻣﺴﻨﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :آه ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎت ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن! أرى أﻧﻬﻦ
ُﴪﺣﻦ ﺷﻌﻮرﻫﻦ ً
أﻳﻀﺎ .وا أﺳﻔﺎه ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻻ ﻳﺰﻟﻦ ﻣﻜﺘﺴﻴﺎت ﺑﺄﻟﺒﺴﺔ اﻟﻨﻮم ﺣﺘﻰ إﻧﻬﻦ ﻟﻢ ﻳ ﱢ
ﻣﻦ ﻣﺴﻜﻴﻨﺎت! إﻧﻨﻲ ملﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺜﻠﻜﻦ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف املﺤﻞ اﻟﺬي أﻃﺆه.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :أﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺗﻔﺘﻜﺮﻳﻦ ﺑﺄي إﻧﺴﺎن؟
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﺠﻮز :ﻛﻼ ،ﻳﺎ روﺣﻲ ،ﻻ أﻗﺼﺪ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺖ ،وإﻧﻤﺎ ﻗﺼﺪت ﻓﻴﻤﺎ ذﻛﺮت
ﻣﺠﺮد املﺰاح ﻻ ﻏري .وﻟﻌﻤﺮي إﻧﻨﻲ إﱃ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻗﻒ ﰲ ﻣﺤﻞ ﻣﻌﻠﻮم ،ﺑﻞ
ً
رﻛﻀﺎ. ﻛﻨﺖ أﻟﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻲ وأﻃري
ُ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻫﻞ ﻟﻚ أن ﺗﻨﺒﺌﻴﻨﺎ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺴﻮﺗﻚ ﰲ أﻳﺎم ﺻﺒﺎك.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻬﻮض ﻣﻦ اﻟﺮﻗﺎد ﻛﻨﺖ أﻗﻒ أﻣﺎم املﺮآة ﻓﺄرﺑﻂ ﻋﺼﺎﺑﺘﻲ املﺴﻤﺎة
»ﺣﻮﻃﻮز« ،وأﻟﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﲆ اﻟﺼﺪر!
661
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻫﻞ ﻛﺎن اﻟﺜﻮب املﻔﺘﻮح ﻣﻦ اﻟﺼﺪر ﻣﻮﺟﻮدًا ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن؟!
إذن ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺖ أن ﻫﺬا اﻟﺰي ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﺰي اﻟﺪارج ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺴﺎﺑﻖ.
ً
ﺿﻴﻘﺎ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﺠﻮز :ﻻ ﺟﺮم؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣً ﺎ ﻋﲆ اﻟﺼﺪر ،وﻣﻦ ﺟﻬﺔ
ﻛﺜريًا .وا أﺳﻔﺎه ﻋﻠﻴﻜﻦ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻔﺘﻴﺎت ،إﻧﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﺮﻳﻦ ﺷﻴﺌًﺎ! ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ﻣﻦ ﻋﴫﻧﺎ
املﺎﴈ؟!
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :أﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ﻋﴫ ﺻﺒﺎك ﻋﺠﺎﺋﺰ ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ ذوﻗﻚ؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻴﻒ ﻻ؟ ﻓﺈن ﻋﺠﺎﺋﺰ ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ْﻦ ﻳﺮﺿﻴﻬﻦ ذوﻗﻨﺎ وزﻳﱡﻨﺎ.
ﻗﻠﺖ :ﻣﺎذا ﻛﻦ ﻳﻘﻠﻦ ﻋﻨﻪ؟ وﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺴﻮﺗﻬﻦ؟
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﺠﻮز :إن اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ املﺴﻤﺎة »ﺣﻮﻃﻮز« ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﺎﻣﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﻌﺠﺎﺋﺰ
ﻋﺼﺎﺋﺐ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﻬﻦ ﻳُﺴﻤﻴﻨﻬﺎ »ﻗﺎﻳﻖ ﺣﻮﻃﻮز« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺳﺒﻌﺔ أو ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ
ﻣﻨﺎدﻳﻞ ﻳﻌﻠﻮﻫﺎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ إﺑﺮة!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﺧﻄﺎﺑًﺎ إﱃ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة املﻴﺎﻟﺔ إﱃ اﻷزﻳﺎء اﻟﱰﻛﻴﺔ،
إﻧﻚ ﻣﺎ دﻣﺖ ﺷﺪﻳﺪة املﻴﻞ إﱃ ﻫﺬه اﻷزﻳﺎء؛ ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺑﻌﻤﻞ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ اﻷﻛﺴﺎم
اﻟﱰﻛﻴﺔ ﻛﻞ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ،وإﻻ ﻓﺄﻗﴫي ﻋﻦ اﻟﺘﻀﺠﺮ ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻛﺄﺛﻮاب اﻟﺼﺒﺎح
واﻟﻐﺮﻓﺔ واﻟﺠﺎﻛﺘﺔ إﻟﺦ!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إﻧﻨﻲ أرى راﺣﺔ ﰲ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻷﺛﻮاب اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ أﻛﺘﴘ
ﺑﻬﺎ ،وﻣﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ وﺿﻊ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﻤﺎل ﻋﲆ رأﳼ؟
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إذن أرﺟﻮك أن ﻻ ﺗﻌﱰﴈ ﻋﲆ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺒني ﻟﻚ أن
أﻳﻀﺎ ،ﻋﲆ أن اﻟﻔﺮق ﺑني اﻷزﻳﺎء ﺗﺘﻐري ﻣﻦ وﻗﺖ إﱃ آﺧﺮ ،وأن ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل ﻣﻮﺟﻮدة ﻋﻨﺪﻧﺎ ً
اﻟﺰﻣﺎﻧني أن اﻷﻟﺒﺴﺔ ﰲ املﺎﴈ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻐري ﻣﺮة ﰲ ﻛﻞ أرﺑﻌني أو ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ،أﻣﺎ اﻵن
ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺘﻐري ﰲ ﻛﻞ ﺳﺘﺔ ﺷﻬﻮر!
ﻓﻘﻠﺖ :أﺟﻞ ،إن ذﻟﻚ ﺗﺄﺛري اﻟﴪﻋﺔ ﰲ أزﻣﻨﺘﻨﺎ ،ﻓﺈن ﺳﻜﺎن اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻘﻠﺒﻮن أﺑﺪًا
ﻣﻦ ﺣﺎل إﱃ ﺣﺎل ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺒﻘﻰ أﻟﺒﺴﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﺣﺎل واﺣﺪة.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺈذن ﺻﺎر ﻳﺠﺐ أن ﻧﻠﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻨﺎ.
ﻗﻠﺖ :ﻓﻠﻴﺄﺗﻮا ﺑﺄﻟﺒﺴﺘﻚ إﱃ ﻫﻨﺎ.
وﺑﻌﺪ أن ﻗﻠﺖ ذﻟﻚ ﺟﺎءوا إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻟﺒﺴﺔ ،ﻓﺄﺧﺬت اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺗُﻠﺒﺴﻬﺎ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺮﺑﻂ رﺑﺎﻃﺎت املﺸﺪ ﻗﺎﻟﺖ :آه ،إﻧﻨﻲ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻟﻢ أﺗﻌﻮﱠد ﺗﺤﻤﱡ ﻞ ﻫﺬا املﺸﺪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻀﺎﻳﻘﻨﻲ
وﻳﺴﻠﺐ راﺣﺘﻲ ،ﻓﻜﻴﻒ أﻋﻤﻞ؟ ﻻ أدري!
662
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
663
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺠﺎرﻳﺔ :إن ﺳﻴﺪﺗﻲ ﺗﻜﺘﴘ ﺑﻴﺪﻫﺎ وﻻ ﺗﺤﺐ أن أﻟﺒﺴﻬﺎ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﺻﺤﻴﺢ أﻧﻬﺎ ﻣﺘﻌﻮدة ﻋﲆ ذﻟﻚ؟! ﻟﻌﻤﺮي إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف راﺣﺘﻬﺎ!
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن أﺗﺼﻮر ﺗﻌﺒًﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻻﺣﺘﻴﺎج إﱃ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﰲ أﻣﺮ اﻟﻠﺒﺲ!
وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻻﻗﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب أﻟﻮاﻧًﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺒﻨﺎت أﺣﻴﺎﻧًﺎ إﱄ وﻳﻄﻠﺒﻦ ﻣﻨﻲ
أن أﺳﻤﺢ ﻟﻬﻦ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻲ ﺑﻠﺒﺲ اﻟﺜﻴﺎب ،وﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻬﻦ ﻣﺮا ًرا :إﻧﻜﻦ إذا ﻛﻨﺘﻦ راﻏﺒﺎت
ﰲ راﺣﺘﻲ ﻓﺪﻋﻨﻨﻲ وﺷﺄﻧﻲ وﻻ ﺗﺘﻌﺮﺿﻦ ملﺴﺎﻋﺪﺗﻲ ،وﻣﺬ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺻﺒﺤﻦ ﻻ ﻳﺘﻌﺮﺿﻦ ﱄ
ﺑﴚء ﻣﻦ ذﻟﻚ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻴﻒ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌني أن ﺗﻌﻘﺪي رﺑﻂ املﺸﺪ؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻟﺒﺴﻪ ﻷول ﻣﺮة أﺿﻴﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻮراء إﱃ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ،وأﺗﺮﻛﻪ
ً
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻌﻘﻮدًا ﻫﻜﺬا ،ﻓﻼ ﻳﺒﻘﻰ إﻻ رﺑﻄﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺼﺪر وﺗﺰرﻳﺮه ،ﻓﺄﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﻨﻔﴘ،
وأﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني أﻧﻨﻲ ﻻ أﺳﺘﻌﻤﻞ املﺸﺪ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ؛ إذ ﻟﺴﺖ ﺑﻤﻴﺎﻟﺔ إﻟﻴﻪ ﻛﻞ املﻴﻞ ،وﻣﺘﻰ اﺳﺘﻌﻤﻠﺘﻪ
ﻷﺷﺪ ﻛﺜريًا.
ً
ﺗﴪﺣني ﺷﻌﺮك ﺑﻨﻔﺴﻚ أﻳﻀﺎ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮي ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺑﻴﺘﻲ ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺖ ﱢ
َ
أﺣﺴﻦ ﴪﺣﻪ ،واﻵن ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﻃﺮﻳﻘﺘﻬﺎ؛ ﻓﺼﺎرت ﺗُﺮﺗﱢﺐ ﺷﻌﺮي ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗُ ﱢ
ﺗﺮﺗﻴﺐ.
ٍ
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة؛ ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻠني؟
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻨﻲ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﻻﻗﻲ ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﺸﻘﺔ؛ ﻷﻧﻨﻲ ﻣﻴﺎﻟﺔ إﱃ اﻟﱰﺗﻴﺐ اﻟﺘﺎم،
وأوﻟﺌﻚ اﻟﺒﻨﺎت ﻻ ﻗﺪرة ﻟﻬﻦ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ.
وﺻﻒ اﻟﺸﻌﺮ ﻛﻞ اﻹﺣﺴﺎن ،ﺣﺘﻰ إﻧﻨﺎ ﱠ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺟﺎرﻳﺘﻲ :إن ﺳﻴﺪﺗﻲ ﺗﺤﺴﻦ ﺗﻨﻈﻴﻒ
ﻓﺮح ﻣﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻫﻲ ﰲ ﺗﴪﻳﺤﻨﺎ؛ إذ ﺗﺮى أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺤﺴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻜﻮن ﻣﺘﻬﻴﺌﺎت ﻟﻠﺬﻫﺎب إﱃ ٍ
ﺻﻨﻌﺘﻪ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻌﻤﺮي إن ذﻟﻚ ﺣﺴﻦ ﺟﺪٍّا ،ﻓﺈن أﻣﻜﻦ رﺗﱢﺒﻲ ﱄ ﺷﻌﺮي إﱃ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺘﺎة
ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ ﻣﻦ إﺣﻤﺎء املﻼﻗﻂ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :أﺗﺤﺒني أن أرﺗﺒﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣُﺮﺗﱠﺒًﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ؟
ﻓﺒﺎدرت ﰲ اﻟﺤﺎل إﱃ ﺟﻤﻊ اﻟﺸﻌﺮ وﺗﴪﻳﺤﻪ ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ :ﻗﺪ ﺗ ﱠﻢ املﻘﺼﻮ ُد ﻳﺎُ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ.
ﺳﻴﺪﺗﻲ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﺠﻠﺔ؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﺎذا ﻳﻬﻤﻚ اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل؟ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚ إﻻ أن
ﺗﻨﻈﺮي إذا ﻛﺎن أﺗﻰ ﺣﺴﺐ املﺮﻏﻮب أم ﻻ ،ﻓﺄﺧﺬت اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ وﻧﻈﺮت
664
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
إﻟﻴﻪ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻪ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻹﺗﻘﺎن .ﻏري أن زﻳﻨﺘﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ ﺗﻤﺖ؛ ﻷﻧﻬﺎ
ُ
ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻟﻜﻲ ﺑﺎملﻼﻗﻂ ،وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء دﺧﻠﺖ ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎملﻼﻗﻂ املﺤﻤﺎة،
إﱃ ﻏﺮﻓﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻷﻟﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻲ ،وﺑﻌﺪ أن ﻟﺒﺴﺘﻬﺎ ﻋﺪت إﱃ ﺣﻴﺚ اﻟﺴﻴﺪة »ص« ،ﻓﻮﺟﺪت أن
ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻜﻲ ﻟﻢ ِ
ﺗﻨﺘﻪ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! أراك ﻗﺪ ﻟﺒﺴﺖ ﺛﻴﺎﺑﻚ وزﻳﱠﻨﺖ ﺷﻌﺮك ﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﱰة.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ﻫﻨﺎك رﺳﻤً ﺎ؛ ﻓﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﺰي؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :وﺟﺪﺗﻪ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻨﺎدﻳﻖ واﻟﺪﺗﻲ ،ﻓﻬﻮ رﺳﻢ إﺣﺪى املﺪاﻣﺎت ﰲ اﻟﺰﻣﻦ
اﻟﻘﺪﻳﻢ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻔﺴﺘﺎن؟ أرى أﻧﻪ ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻨﻪ وﺑني املﴬب »اﻟﺨﻴﻤﺔ« .اﻧﻈﺮي إﱃ
ﻫﺬه اﻟﻌﺼﺒﺔ ،وأﻧﺖ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﺗﻌﺎﱄ وﺷﺎﻫﺪي زي ذاك اﻟﻌﴫ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أﺗﻘﺼﺪﻳﻦ أن أﺳﺘﻌﺠﻞ ﻟﻴﺤﱰق ﺟﺒﻴﻨﻲ؟
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إذا ﻛﻨﺖ ﻻ أﺻﻨﻊ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﺴﺘﺎن ،ﻓﺈﻧﻨﻲ أﻗﺪر أن أﺻﻨﻊ ﻧﻈري
ﻋﺼﺒﺘﻬﺎ .أﻧﺖ ﺗﺰﻳﻴﺖ ﺑﺎﻟﺰي اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وأﻧﺎ أﺗﺰﻳﱠﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﻢ ،أﻟﻴﺲ ﻛﻠﻪ ﻳﺤﺴﺐ زﻳٍّﺎ ﻓﻼ ﻓﺮق
ﺑني أن ﻳﻜﻮن ﺟﺪﻳﺪًا أو ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﱄ :ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ وﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ،أﻳﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪك ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ
اﻟﺒﻄﺎﻧﺔ اﻟﺴﻮداء وﳾء ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺐ؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﺑﻼ ﻛﺴﻞ ،أﺗﺸﻐﻠني ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻬﺬا اﻵن؟
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أن اﻟﺰﻫﻮر املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻫﻲ ﻣﺮﺟﺤﺔ ﻋﲆ اﻟﺰﻫﻮر املﻨﺘﴩة
ﰲ ﻫﺬا اﻟﺮﺳﻢ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﻣﺎﻧﻊ أن أﺟﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻨﻬﺎ .ﻗﺎﻟﺖ ذﻟﻚ
ً
ﻣﻤﺎﺛﻼ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وﺧﺮﺟﺖ إﱃ اﻟﺠﻨﻴﻨﺔ ﺛﻢ ﻋﺎدت ﺑﺎﻟﺰﻫﻮر اﻟﺘﻲ رﻏﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺼﻨﻌﺖ ﺷﻴﺌًﺎ
ﻟﺸﻜﻞ اﻟﻌﺼﺒﺔ املﺮﺳﻮﻣﺔ ﰲ اﻟﺮﺳﻢ ﺗﻌﺼﺒﺖ ﺑﻬﺎ ،وﻗﺪ اﺷﺘﻬﻴﻨﺎ أن أﺣﺪًا ﻳﺴﻤﻊ ﻗﻬﻘﻬﺘﻨﺎ إذ
ذاك.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻋﺠﺒًﺎ! ﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﻌﺼﺒﺔ ﰲ زﻣﻦ ﻋﺼﺒﺔ اﻟﻘﺎﻳﻖ اﻟﺬي
أﺷﺎرت إﻟﻴﻪ املﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﺗﺄﻣﻞ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ أدرك أﻧﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻣﺘﻌﺎﴏﺗني.
ﻗﻠﺖ :ﻳﺤﺘﻤﻞ ذﻟﻚ.
وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء أﻃﻠﺖ إﺣﺪى اﻟﺠﻮاري رأﺳﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻟﻘﺪ ﺟﺎءت اﻟﺴﻴﺪة
اﻟﻜﺒرية .أﻣﺎ اﻟﺴﻴﺪة »ن« ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺮﻓﻊ اﻟﻌﺼﺒﺔ ﻋﻦ رأﺳﻬﺎ؛ وﻟﺬﻟﻚ دﺧﻠﺖ
اﻟﺨﺰاﻧﺔ املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ﻟﺘﻌﻠﻖ اﻟﺜﻴﺎب ﻣﺤﺘﺠﺒﺔ ﻋﻦ أﻋني واﻟﺪﺗﻲ اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ
وﺧﺎﻃﺒﺘﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ :ﻟﻘﺪ ذﻫﺐ ﻋﻨﻲ أن أﺧﱪﻛﻦ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻔﺘﻴﺎت أﻧﻪ ﺟﺎءﻧﺎ أﻣﺲ ﺧﱪ ﻳﻔﻴﺪ
أﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻴﻨﺎ اﻟﻴﻮم زاﺋﺮات أﺟﻨﺒﻴﺎت ،وأﻧﻬﻦ ﻳﺮﺟﻮﻧﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻦ ﺑﺎﻷزﻳﺎء اﻟﱰﻛﻴﺔ.
665
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﰲ ذاك اﻟﻮﻗﺖ ،ﻇﻬﺮ وﺟﻪ اﻟﺴﻴﺪة »ن« وﻛﺸﻔﺖ اﻟﻌﺼﺒﺔ؛ ﻷن املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﻜﻦ
ﻣﻦ إﺧﻔﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﻓﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻖ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳُﺠﺪﻫﺎ ذﻟﻚ ﻧﻔﻌً ﺎ؛ ﺣﻴﺚ
ﻓﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺨﺰاﻧﺔ وﻇﻬﺮت اﻟﻌﺼﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎول إﺧﻔﺎءﻫﺎ ،ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﺟﻤﻴﻌﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﻬﻘﻬﺔ
ﺑﺤﻴﺚ اﺿﻄﺮت اﻟﺴﻴﺪة »ن« أن ﺗﻬﺮب إﱃ ﺧﺎرج اﻟﻐﺮﻓﺔ ،وملﺎ ﺳﻜﻨﺖ ﺿﻮﺿﺎة اﻟﻘﻬﻘﻬﺔ
ﺳﺄﻟﺘﻨﺎ اﻟﻮاﻟﺪة ﻋﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻀﺤﻚ ﻓﺄﻓﻬﻤﻨﺎﻫﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﻮاﻟﺪة :أﴎﻋﻦ ﺑﺎرﺗﺪاء ﻣﻼﺑﺴﻜﻦ؛ ﻓﺈن اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺮاﺑﻌﺔ.
ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! ﺗﺮى ﰲ أﻳﺔ ﺳﺎﻋﺔ ﻋﺰﻣﻦ ﻋﲆ املﺠﻲء؟
ُﻌني ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ .ﺛﻢ ﱠ
أﻧﻬﻦ ﻟﻢ ﻳ ﱢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻘﺪ أﻧﺒﺄن أﻧﻬﻦ ﻳﺤﴬن ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ﻋﲆ
ﺧﺮﺟﺖ ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« ﺗﺤﺐ اﻻﻛﺘﺴﺎء ﺑﺄﻟﺒﺴﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻠﻨﻘﻠﺔ،
وﻗﺪ ﻗﻀﺖ اﻟﴬورة أن أﺣﴬ رداء ﻟﻠﺴﻴﺪة »ص« ،ﻓﺄﺣﴬت ﺛﻮﺑني ﻣﻦ اﻷﺛﻮاب اﻟﱰﻛﻴﺔ؛
أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻠﺴﻴﺪة »ص« ،واﻵﺧﺮ ﱄ.
وﺑﻌﺪ أن ارﺗﺪﻳﻨﺎ ﺑﻬﻤﺎ وﺿﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻷزﻫﺎر املﻤﺎﺛﻠﺔ
ﻟﻠﻮن اﻷﺛﻮاب ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﺑﻴﺪي ،وملﺎ ﻣﺮرﻧﺎ ﻣﻦ أﻣﺎم املﺮآة رأﻳﺖ أن زﻳﻨﺔ اﻟﺴﻴﺪة
اﻋﱰﻓﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻷن املﺸﺪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺴﻪ ُ ً
وﺟﻤﺎﻻ ،وﻗﺪ »ص« ﺗﻔﻮق زﻳﻨﺘﻨﺎ ﺣﺴﻨًﺎ
ﻗﺪ زاد ﺑﺤﺴﻦ ﻛﺴﻤﻬﺎ ،ﻓﻈﻬﺮت ﺑﻤﻈﻬﺮ ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ ﺑﻤﻦ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻦ املﺸﺪات ،وﻗﺪ ﺗﺒني ﱄ
أن املﺸﺪ ﻳﺠﻌﻞ اﻧﺘﻈﺎﻣً ﺎ ﻛﻠﻴٍّﺎ ﻟﻸﻟﺒﺴﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻟﻸﻟﺒﺴﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أن وﺿﻊ
ً
روﻧﻘﺎ وﻟﻄﺎﻓﺔ. اﻷزﻫﺎر ﰲ ﻣﻔﺮق اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻮﺟﻪ
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إذا ﻛﺎن أﻋﺠﺒﻚ ﻫﺬا املﻈﻬﺮ؛ ﻓﻌﻠﻴﻚ أن ﺗﻔﺮﻗﻲ ﺷﻌﺮك ﻛﺸﻌﺮي،
وأن ﺗﻠﺒﴘ املﺸﺪ.
ً ً
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻧﻌﻢ ،إﻧﻨﻲ ﺳﺄﻟﺒﺲ املﺸﺪ ،وﻟﻜﻦ ﻓﺮق اﻟﺸﻌﺮ ﻳﺴﺘﻐﺮق وﻗﺘﺎ ﻃﻮﻳﻼ ،وﻟﻘﺪ
آن وﻗﺖ ﻣﻨﺎوﻟﺔ اﻟﻄﻌﺎم ،وﻛﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺎدﻣﺎت إﻟﻴﻨﺎ؛ أرى ﻣﻦ
املﻨﺎﺳﺐ أن ﻧﻜﻮن ﻋﲆ اﺳﺘﻌﺪاد ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻦ.
وﺑﻌﺪ ﻋﴩ دﻗﺎﺋﻖ ﻛﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻋﲆ ﻗﺪم اﻻﺳﺘﻌﺪاد ،ﻓﺪﻋﻮﻧﺎ إﱃ املﺎﺋﺪة ،وﺑﻌﺪ اﻟﻄﻌﺎم
ﻋﺪﻧﺎ إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻨﺎ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :هلل أﻧﺘﻦ ،إﻧﻪ ﻟﻮ وﺟﺪت ﻣﻌﻨﺎ اﻟﺴﻴﺪة »ق« ﻟﻜﺎن ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺴﻨﺎً
ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻟﻘﺪ ﻣﺮ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ وﻟﻢ ﻧﺮﻫﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إن اﻟﻈﻠﻢ اﻟﺬي ﺗﻼﻗﻴﻪ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ﻗﺪ ﺳﻠﺐ راﺣﺘﻬﺎ وﻣﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﺨﺮوج.
666
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ أن ﻳﻌﻴﺸﺎ ﻣﻌً ﺎ ،ﻋﲆ أﻧﻬﻤﺎ إذا اﻓﱰﻗﺎ زاﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ
ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ق« :إﻧﻨﻲ ﻻ أرﻳﺪك؛ ﻓﻠﻨﻔﱰق! أﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻪ ﻋﻦ
ﻗﻮﻟﻬﺎ أذن ﺻﻤﺎء.
ﻗﻠﺖ :ﻣﺎ ﻫﻲ أﺳﺒﺎب ﻋﺪم راﺣﺘﻬﻤﺎ؟!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إن اﻟﺮﺟﻞ ﺳﻴﺊ اﻷﺧﻼق ،وﻫﻮ ﻷﻗﻞ ﺳﺒﺐ ﻳﴬﺑﻬﺎ! وﻫﻲ ﻛﺜريًا
ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ أن ﻳﱰﻛﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ ،وﻫﻮ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :إﻧﻪ ﻳﻤﻮت وﻻ
ﻳﱰﻛﻬﺎ!
ﻗﻠﺖ :ﻓﺈذن ﻫﻮ ﻳﺤﺒﻬﺎ؟!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻟﻴﺘﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه املﺤﺒﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﺧﻼق ﻟﻪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻓﻘﻂ ﻳﻌﺎﻣﻞ اﻣﺮأﺗﻪ ﻫﺬه املﻌﺎﻣﻠﺔ،
ﺑﻞ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻊ اﻟﺨﺎدم واﻟﺨﺎدﻣﺔ ،وﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻪ ﻋﲆ ﻧﺒﺬ ﻫﺬه اﻷﺧﻼق اﻟﺴﻴﺌﺔ وﻻ ﻋﲆ ﺗﺮك
اﻣﺮأﺗﻪ!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إن زوﺟﺘﻪ ﻻ ﺗﻘﺒﻠﻪ؛ ﻓﻬﻞ ﺗﺠﱪ ﻋﲆ اﻟﺒﻘﺎء ﻣﻌﻪ؟
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :أﺟﻞ؛ إﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم املﺎﴈ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :إﻧﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن
ﻳﱰﻛﻬﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﺳﺘﻀﻄﺮ ﰲ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ إﱃ ﻣﺮاﺟﻌﺔ املﺤﻜﻤﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :إن اﻟﻄﻼق إﻧﻤﺎ ﻫﻮ راﺟﻊ ﻹرادة اﻟﺮﺟﺎل ﻻ ﻏري ،ﻓﺈذا ﻗﺼﺪوا أن ﻳﻄﻠﻘﻮا
ﻧﺴﺎءﻫﻢ أﻣﻜﻦ ﻟﻬﻢ ذﻟﻚ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة .أﻣﺎ املﺮأة ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ راﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﻄﻼق ﺗﻀﻄﺮ إﱃ
ﻣﺮاﺟﻌﺔ املﺤﻜﻤﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﱄ :وأﻧﺖ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻮﻟني ﻣﻨﺬ ﻣﺪة أن اﻷﻣﺮ ﻣﺸﻜﻞ ﻋﻨﺪ املﺴﻴﺤﻴني؛
ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﻨﻔﺼﻠﻮا ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﺰواج ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺠﱪ اﻟﺮﺟﻞ أو املﺮأة —
أي ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎن ﺳﻴﺊ اﻷﺧﻼق — أن ﻳﴫف ﻋﻤﺮه ﺑﺎﻟﻨﻜﺪ واﻟﻜﺮب ﺑﻌﺪ ﺟﻮاز اﻟﻄﻼق ،وإﻧﻨﺎ
ﺣﺎﻻ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﻄﻼق ﻋﻨﺪﻧﺎ؛ ﻓﺎﻧﻈﺮي ﻟﻨﺎ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻄﻼق! ﻧﺤﻦ أﺣﺴﻦ ً
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻏﺒني أن ﻳﻜﻮن؟
ﻗﺎﻟﺖ :أرﻏﺐ أن ﻳﻜﻮن ﰲ اﻷﻣﺮ ﻣﺴﺎواة ﺑني اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﻨﺴﺎء ﻳﻜﻦ
ﻛﺎﻟﺮﺟﺎل ﻗﺎدرات أن ﻳﻄﻠﻘﻦ رﺟﺎﻟﻬﻦ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ املﻮﺟﻮدة ﻋﻨﺪ اﻟﺮﺟﺎل.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻓﻴﺬﻫﺐ إﱃ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ وﻳﻌﻘﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻘﺪ ﻧﻜﺎﺣﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎذا ﺗﻘﺼﺪﻳﻦ ﺑﺬﻟﻚ؟
أزرق ﺗﻄﻠﻖ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ،واﻟﺴﻼم. َ ﻗﻠﺖ :إن املﺮأة ﻣﺘﻰ ﻟﺒﺴﺖ ﺛﻮﺑًﺎ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :أﺗﻘﻮﻟني ﺣﻘﻴﻘﺔ أم أﻧﺖ راﻏﺒﺔ ﰲ املﺰاح؟!
667
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :إذا ﻛﻨﺖ ﺗﺮﺗﺎﺑني ﰲ ﻗﻮﱄ ﻓﺎذﻫﺒﻲ إﱃ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﺗﺘﺄﻛﺪي ﻣﺎ ﻗﻠﺖ.
وﺿﺤﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ وزﻳﺪﻳﻨﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ! ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﱢ
ﻗﻠﺖ :إن املﺮأة ﰲ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﻋﻨﺪ زﻓﺎﻓﻬﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻌﻬﺎ ﺛﻮﺑًﺎ أزرق ،ﻓﻔﻲ أي وﻗﺖ أرادت
ﺗﺮك زوﺟﻬﺎ ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺜﻮب اﻷزرق؛ وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﺎرت ﻣﻄﻠﻘﺔ .وﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻣﻌﺘﱪة
ﰲ ﻋﺮف اﻟﺒﻠﺪة ً
أﻳﻀﺎ!
وأﻣﺎ املﺮأة اﻟﻔﻘرية اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﺛﻮﺑًﺎ أزرق؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻌريه ﻣﻦ اﻣﺮأة أﺧﺮى وﺗﻠﺒﺴﻪ،
وﻣﺘﻰ اﻧﺘﻬﺖ ﻣﻦ ﻏﺮﺿﻬﺎ ﺗﻌﻴﺪه إﱃ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﲆ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ؟!
ﻓﻘﻠﺖ :أﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﴩط ﻣﻮﺟﻮدة ﴍﻋً ﺎ؟ ﻓﺎﻟﻈﺎﻫﺮ أﻧﻬﻢ ﺣني اﻟﺰواج ﻳﺘﺰوﺟﻮن
ﺑﻬﺬا اﻟﴩط ﻓﻴﻌﻘﺪون ﻣﻘﺎوﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﺎﻫﺎ أن املﺮأة ﺗﻄﻠﻖ ﻣﺘﻰ ﻟﺒﺴﺖ ﺛﻮﺑًﺎ أزرق.
ﻗﺎﻟﺖ :اﻟﺬي أﻋﻠﻤﻪ أن اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﱰﻃﻦ ﻋﲆ رﺟﺎﻟﻬﻦ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺮﻏﺒﻨﻪ ،ﻓﺈذا ﻓﻌﻠﻮه
أﺻﺒﺤﻦ ﻃﺎﻟﻘﺎت ﻣﻨﻬﻢ ،ﻋﲆ أﻧﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟني اﻵن؟
ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻧﺴﺎء أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ أﻋﻘﻞ ﻣﻨﺎ ﻛﺜريًا؛ ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻣﺘﻰ ﺗﺰوﺟﻦ ﻳﻀﻌﻦ
ﻃﺎ وﻳﺘﺰوﺟﻦ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ،وﻟﻴﺲ ذﻟﻚ ﻣﻨﺤﴫًا ﺑﻨﺴﺎء أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﰲ ﻋﺸرية ﴍو ً
ﻃﺎ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻤﺮار، »ﻋﻨﺰة« ﻋﺎدة ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ؛ وﻫﻲ أن ﻳﺮﺑﻂ ﺳﺠﻒ ﰲ املﻀﺎرب وﻳﺒﻘﻰ ﻣﺮﺑﻮ ً
ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ املﺮأة راﻏﺒﺔ ﰲ ﺗﺮك زوﺟﻬﺎ ﺣ ﱠﻠﺖ رﺑﺎط اﻟﺴﺠﻒ — وﰲ ذﻟﻚ إﺷﺎرة إﱃ أﻧﻬﺎ
أﺻﺒﺤﺖ ﻃﺎﻟﻘﺔ ﻣﻨﻪ — وﻟﻌﺸرية اﻟﱰﻛﻤﺎن ا ُملﺴﻤﱠ ﺎة »ﺗﺤريﱄ« ﻋﺎدة أﺧﺮى ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ؛
وذﻟﻚ أن املﺮأة ﻣﺘﻰ أرﺳﻠﺖ ﺳﻔريًا إﱃ زوﺟﻬﺎ ﺗﺨﱪه ﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ أﻧﻬﺎ ﻧﻔﺮت ﻣﻨﻪ؛ ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ
ﺗﺼري ﻃﺎﻟﻘﺔ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﴩط.
ﻃﺎ ﺑﺜﻮب وردي ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻟﻌﻤﺮي إﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻜﺎح ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻟﻮ وﺿﻌﻮا ﴍ ً
أو أﻓﻼﻃﻮﻧﻲ ﻟﻜﺎن ذﻟﻚ ﺣﺴﻨًﺎ ﺟﺪٍّا.
ﻓﻘﻠﺖ :ﻟﻮ وﺿﻌﻮا ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻣَ ﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﺪد اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻨﺎ ﻧﻄﻠﻘﻬﻢ ﰲ ﻛﻞ
ﺷﻬﺮ؟
ﻗﻠﺖ :ﻷي ﺳﺒﺐ ،أﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻋﻘﻞ ﻳﻮازي ﻋﻘﻞ ﻧﺴﺎء أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ وﻧﺴﺎء اﻟﻌﺸرية؟
ﻗﻠﺖ :إن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺪ ﻋﻨﺪﻧﺎ اﻷﺳﺒﺎب ﻛﺜرية؛ إذ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن ﻧﺴﺎء اﻟﺨﺎرج
ﺗﺒﻖ ﻟﻬﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺟﺎت ،وﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﻦ ﻣﺘﻰ ﺷﺒﻌﺖ ﺑﻄﻮﻧﻬﻦ وﻟﺒﺴﻦ ﺛﻮﺑًﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ َ
ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﴐوب اﻟﻨﺰﻫﺔ واﻟﱰف ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺧﺬﻫﻦ اﻟﺤﺪة ﻣﻦ أزواﺟﻬﻦ إذا ﻣﻨﻌﻮﻫﻦ ﻋﻦ
اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﺤﺪاﺋﻖ واملﻨﺘﺪﻳﺎت.
668
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم؟ إن أﻛﺜﺮ رﺟﺎل اﻟﺨﺎرج واﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﻳﺘﺰوﺟﻮن ﻋﺪة ﻧﺴﺎء،
ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﺐ ﻳﺒﻌﺚ ﻋﲆ اﻟﺤﺪة واﻟﻜﺪر أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﺐ؟
ﻓﻘﻠﺖ :إﻧﻬﻦ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﻣﴪورات ﻣﻦ اﻟﴬاﺋﺮ ،وﻫﻦ اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺮﻏﺒﻦ ﰲ ﺗﺰوﻳﺞ رﺟﺎﻟﻬﻦ
ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻎ أزواﺟﻬﻢ أرﺑﻌً ﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮت اﻟﴬاﺋﺮ ﻗﻠﺖ ﻋﻨﻬﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ ،ﻓﺈذا أﺧﺬ اﻟﺮﺟﻞ
ﺧﻔ ْﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻧﺼﻒ اﻟﺨﺪﻣﺔ ،ﻓﺈذا اﻗﱰن ﺑﺜﺎﻟﺜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺜﱡﻠُﺚ،ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ اﻣﺮأة ﺛﺎﻧﻴﺔ ﱠ
وإذا أﺧﺬ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻫﺒﻄﺖ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ إﱃ اﻟﺮﺑﻊ .وﻫﺆﻻء اﻟﻨﺴﺎء املﺴﻜﻴﻨﺎت ﻳﺮﻏﺒﻦ ﰲ ﺗﺨﻔﻴﺾ
اﻟﺨﻤﺲ ﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ،وﻟﻜﻦ اﻟﴩﻳﻌﺔ ﻻ ﺗﺄذن ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻊ. ﺧﺪﻣﺘﻬﻦ إﱃ ُ
ﻗﺎﻟﺖ :إن ذﻟﻚ ﻟﻠﻌﺠﺐ! ﻷﺟﻞ اﻟﺨﺪﻣﺔ ﻳﻘﺒﻠﻦ اﻟﴬاﺋﺮ؟!
ﻗﻠﺖ :أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ،أﻋﻨﺪك ﻧﻈريﻫﻦ ﺣﻴﻮاﻧﺎت وﺑﻬﺎﺋﻢ وﺟﻤﺎل وﻣﻌﺎول ﻟﻨﻘﺐ اﻷرض؟
وﻫﻞ ﺗﻀﻄﺮﻳﻦ إﱃ ﺗﺤﻤﻴﻠﻬﺎ اﻷﺧﺸﺎب واﻷﻋﺸﺎب؟ أذﻫﺐ ﻋﻨﻚ ﻛﻴﻒ ﻧﺴﺘﺜﻘﻞ ﻋﻘﺺ اﻟﺸﻌﺮ
وﺗﴪﻳﺤﻪ ،وأﻧﱠﺎ ﻣﻔﺘﻘﺮات إﱃ أن ﻧﺴﺘﻤﺪ املﻌﻮﻧﺔ واملﺴﺎﻋﺪة ﻣﻦ اﻟﺠﻮاري؟
أﻳﻀﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻌﺠﺒﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ ﻻ أرﻳﺪ ﻫﺬه اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻤﻠﻨﻬﺎ ،وﻻ اﻟﴬاﺋﺮ ً
ﻋﺎداﺗﻬﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺜﻮب اﻷزرق.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :ﻟﻨﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺣﺴﻨًﺎ ﻫﻨﺎ ،وإﻻ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ رﻓﻴﻘﺘﻨﺎ:
إذا ﻟﺒﺲ اﻟﻨﺴﺎء ﺛﻮﺑﻬﻦ أﺑﴫن إﱃ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﻏري املﺘﺄﻫﻞ.
ﻣﺜﺎﻻ ملﺎ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪده؛ ﻓﻘﺪ اﺗﻔﻖ أن اﻣﺮأة ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﺖ :إﻧﻨﻲ أﻧﻘﻞ ﻟ ُﻜ ﱠﻦ ﻓﻘﺮة ﺗﻜﻮن ً
ﰲ أﺛﻨﺎء ﺑﺤﺜﻬﺎ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﻟﻪ ﺗﻘﻮل داﺋﻤً ﺎ» :آه ﻳﺎ ﺳﻴﺪي! إﻧﻨﻲ أﺳﺄل ﷲ أن
ﻳﻘﺒﺾ روﺣﻲ ﺑني ﻳﺪﻳﻚ؛ ﻓﺈﻧﻨﻲ أﻓﻀﻞ املﻮت ﻋﲆ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻨﻚ .وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻧﺒﻴﻬً ﺎ واﻗﻔﺎ
ﻋﲆ أﴎار اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وأﻣﺎ املﺮأة ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎﻫﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﺣﻮال
اﻟﺪﻧﻴﺎ.
ﻓﻔﻲ ذات ﻳﻮم ﺟﺎء اﻟﺮﺟﻞ إﱃ ﺑﻴﺘﻪ وﻛﺎن ﻣﻐﻤﻮﻣً ﺎ ﺟﺪٍّا ﺑﺤﻴﺚ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﲆ
ﻓﺘﺢ ﻓﻴﻪ واﻟﺘﻠﻔﻆ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﻓﺰوﺟﺘﻪ ﺣﻤَ ﻠﺖ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻧﺤﺮاف ﰲ ﺻﺤﺘﻪ ،وأﺧﺬت
ﺗﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻛﺪره .أﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ :إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﺤﺮف اﻟﺼﺤﺔ وإﻧﻤﺎ ﻃﺮأ ﻋﻠﻴﻪ
ﺣﺎدث ﻋﻈﻴﻢ ﻛﺪﱠره ﺟﺪٍّا ،وإن ﻫﺬا اﻟﺤﺎدث ﻣﻬﻢ إﱃ ﺣﺪ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﲆ ﺑﻴﺎﻧﻪ ،وﺑﻌﺪ إﻟﺤﺎح
ﻛﲇ ﻣﻦ املﺮأة ﻋﻘﺒﻪ ﺳﻜﻮت ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ أﺧريًا :آه ﻳﺎ زوﺟﺘﻲ املﺤﺒﻮﺑﺔ! أﻧﺖ
ﺗﻌﻠﻤني أﻧﻪ ﻟﺤ ﱢﺪ اﻵن ﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل ﻳُﻄ ﱢﻠﻘﻮن ﻧﺴﺎءﻫﻢ ،وﻟﻜﻦ و ُِﺿﻌﺖ اﻵن أﺻﻮل ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ
ﻣﻘﺘﻀﺎﻫﺎ أﻧﻪ ﻳﺠﻮز — ﻣﻦ اﻵن ﻓﺼﺎﻋﺪًا — ﻟﻠﻨﺴﺎء أن ﻳﻄﻠﻘﻦ رﺟﺎﻟﻬﻦ؛ ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﻨﻜﺮﻳﻦ
ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﻲ دون ﻏريي؛ ﻟﻢ ﻳﻜﻦً ﻋﲇ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻟﻚ ،وﺗﻌﻠﻤني أﻧﻪ ملﺎ ﻛﺎن ﻋﺪم اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻨﻚ
ﱄ أﻗﻞ ﻫﻢ وﻛﺪر ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ.
669
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺼﺪت أن ﺗﻄﻠﻘﻴﻨﻲ،ِ أﻣﺎ اﻵن ،ﻓﺈﻧﻨﻲ أﻓﺘﻜﺮ ﻣﺎذا ﻳﺤﻞ ﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﺮ واﻟﻨﻜﺪ ﻟﻮ
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻫﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ :أﻗﻠﻊ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻜﺮ وﻻ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻪ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺗﺮﻛﻚ وﻻ أﻃﻠﻘﻚ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ.
ْ
ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻴﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ: وﺑﻌﺪ أن ﻣﺮ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻃﻠﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﴍﺑﺔ ﻣﺎء،
ﻟﺴﺖ ﺑﻘﺎﺋﻤﺔ؛ ﻓﻘﻢ أﻧﺖ واﴍب ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ،ﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل ُ ﻋﻔﻮًا! أﻧﺎ
أن أﻗﻮم أﻧﺎ وأﻧﺖ ﻻ ﺗﻘﻮﻣني؟ إﻧﻨﻲ أﺷﺘﻐﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺢ إﱃ املﺴﺎء ﻷﺟﻞ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺤﺎﺟﺘﻚ
ورﻏﺎﺋﺒﻚ ،وﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ أﻻﻗﻲ ﻣﻦ املﺘﺎﻋﺐ ،ﺣﺘﻰ إذا أﺗﻴﺖ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ املﺸﻘﺎت أﻻ
ﻳﻠﺰم أن أرﺗﺎح ﻓﻴﻪ ً
ﻗﻠﻴﻼ؟!
أﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ :إن رﺟﻠﻴﻚ ﻏري ﻣﻜﺴﻮرﺗني؛ ﻓﻘﻢ واﴍب.
وﰲ ﺧﻼل ﻫﺬه املﺤﺎورة ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻏﻠﺒﺖ اﻟﺤﺪة ﻋﲆ املﺮأة ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻻ ﺗﺰدﻧﻲ ﻓﻮق
ﺳﻤﻌﻚ ﻣﻦ ﻓﻤﻲ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺤﺐ«. ﻃﺎﻗﺘﻲ؛ ﻓﺈﻧﻨﻲ أ ُ ِ
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إن ﻫﺎﺗﻪ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻗﺪ وُﺿﻌَ ْﺖ ﺑﻘﺼﺪ املﺰاح ﺑني اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء؛
وإﻧﻨﻲ أﺗﺄﺳﻒ ﻋﲆ ﻛﻼﻣﻚ اﻟﺬي ﻗﻠﺘﻪ.
أرو ﻣﺎ روﻳﺘﻚ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻧﻘﻠﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺎﻫﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣَ ﺜَﻞ ﻣﺎ ﺟﺮى
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :أﻧﺎ ﻟﻢ ِ
ﺑﺎﻟﻨﻘﻞ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ أن ﻧﻨﻜﺮ أن اﻟﻨﺴﺎء ﻫﻦ أﻗﻞ ﺻﱪًا وﺟﻠﺪًا ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل.
ﻋﻘﻼ وأﺷﺪ ﺻﱪًا ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ملﺎذا؟ إﻧﻪ ﻟﻴﻮﺟﺪ ﺑني اﻟﻨﺴﺎء ﻣَ ﻦ ﻫﻦ أﻛﺜﺮ ً
ً
ﺟﻬﻼ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء. أن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻫﻢ أدﻧﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ وأﻗﻞ ﺟﻠﺪًا ،وأﻋﻈﻢ
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻻ أﻧﻜﺮ ﺻﻮاب اﻟﻘﻮل ،وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺼﺪﻳﻘﺔ،
واﻻﻋﺘﺒﺎر ﰲ ﻛﻞ ﳾء ﻟﻸﻛﺜﺮﻳﺔ ،وﻫﻜﺬا ﺗﺼﺪر اﻷﺣﻜﺎم ،ﺣﺘﻰ إن اﻷوروﺑﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻠﻘﻮن
ﻋﻨﺎن اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﻨﺴﺎﺋﻬﻢ — ملﺎ أﻧﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن اﻟﻨﺴﺎء أدﻧﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل — ﻳﺴﻠﻤﻮن
املﻬﺮ اﻟﺬي ﻳﺨﺼﺼﻮﻧﻪ ﻛﺜﻤﻦ ﺟﻬﺎز ﻟﺒﻨﺎﺗﻬﻢ إﱃ اﻟﺮﺟﺎل وﻻ ﻳﺒﻘﻮﻧﻪ ﺑﺄﻳﺪي اﻟﻨﺴﺎء.
ﻗﺎﻟﺖ :وﻫﺬا ﻻ أرﻳﺪه ﺑﺄن أرى أﻣﻮاﱄ ﺑﻴﺪ زوﺟﻲ.
ﻗﻠﺖ :ﺣﻴﺚ إن اﻟﺮﺟﺎل ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺤﺴﻨﻮا إدارﺗﻬﺎ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ﻋﻨﺪﻫﻢ أن
ﻳﺴﻠﻤﻮﻫﺎ ﻟﻬﻢ.
ﻣﻴﻼ ﻣﻊ أﻫﻮاﺋﻪ ،واﺳﱰﺳﺎﻻ إﱃ إﻫﺎﻧﺘﻬﺎ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺈذا ﺧﻄﺮ ﻟﻠﺮﺟﻞ اﺑﺘﻼع أﻣﻮال زوﺟﺘﻪ ً
واﺣﺘﻘﺎ ًرا ﻟﻬﺎ؟
ﻗﻠﺖ :ﻫﺬا ﻣﺤﻮل ﻋﲆ ﻃﺎﻟﻌﻬﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻼ ،أﻧﺎ ﻻ أُﻣ ﱢﻜﻨﻪ أن ﻳﺨﻮﻧﻨﻲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ دراﻫﻤﻲ.
ﻗﻠﺖ :ﻣﺎذا ﺗﻌﻤﻠني؟
670
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
671
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻠﺖ :أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪات ،إن املﺪاﻣﺎت اﻟﻘﺎدﻣﺎت إﻟﻴﻨﺎ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﻋﺎرﻓﺎت ﺑﺄن ﻟﻨﺎ أﻟﺒﺴﺔ
إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﻣﺎ ُﻛ ﱠﻦ ﻃﻠﺒﻦ ﻣﻨﺎ أن ﻧﻜﺘﴘ ﺑﺄﻟﺒﺴﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ ،وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺨﺪم
ذوق ورﻏﺒﺔ اﻟﻀﻴﻒ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذوﻗﻨﺎ ورﻏﺎﺋﺒﻨﺎ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻬﺰل وﻧﻬﺬر ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ املﺪاﻣﺎت دﺧﻠﻦ إﱃ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻓﻨﻬﻀﻨﺎ
ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻦ ،وﺑﻌﺪ أن ﺣﻴﻴﻨﺎﻫﻦ ﺟﻠﺴﻨﺎ إﱃ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻬﻦ ،وﻗﺪ ﺗﺒني ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮﻫﻦ
أن إﺣﺪاﻫﻦ ذات ﺑﻌﻞ ،وﺗﺒﻠﻎ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ أو اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ِﺳﻨ ﱢِﻲ اﻟﻌﻤﺮ،
ﻣﻤﺸﻮﻗﺔ اﻟﻘﻮام ﻃﻮﻳﻠﺘﻪ ،ﺣﺴﻨﺔ اﻟﻜﺴﻢ ،زرﻗﺎء اﻟﻌﻴﻨني ،ﺷﻘﺮاء اﻟﺸﻌﺮ ،ﺑﻴﻀﺎء اﻟﺒﴩة،
ﺟﻤﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﻠﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ذات ﺧﺪر ﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﴩ أو اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺎﺗﺎن
اﻟﺼﺒﻴﺘﺎن ﺷﻘﻴﻘﺘني ،واﻟﺸﻘﻴﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﺎدﻟﺔ ﻟﻸوﱃ ﺑﺤﺴﻨﻬﺎ وﻟﻄﻔﻬﺎ .وﻣﻊ أن اﻟﺠﻤﺎل
ﺟﻤﻴﻼ ﻳﺮاه ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ؛ ً واﺣﺪ ﻻ أﻛﺜﺮ ،ﻏري أن أﻧﻮاﻋﻪ ﻣﺘﻌﺪدة ﺟﺪٍّا إﱃ ﺣﺪ أن ﻣﺎ ﻳﺮاه ﻫﺬا
ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻷﻣﻴﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﰲ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻔﻖ ﻋﲆ وﺟﻪ واﺣﺪ؛ وذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ
ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﰲ أﴎار اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .أﻻ ﺗﺮى أن ﻓﻼﻧًﺎ ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ اﻟﺤﺎﺟﺐ اﻷﺳﻮد واﻟﻌني اﻟﺴﻮداء،
وﻓﻼﻧًﺎ ﻳﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﺸﻌﺮ اﻷﺷﻘﺮ واﻟﻌني اﻟﺰرﻗﺎء ،وﻓﻼﻧًﺎ ﻳﻘﻒ ﺑني اﻟﺬوﻗني ﻓﻴﻌﺠﺒﻪ اﻟﺤﺪ
ﺟﻤﻴﻼ ﰲ ﻏري اﻟﺴﻤﻴﻨﺎت ،واﻵﺧﺮ ﻳﺤﺴﺐ اﻟﺠﻤﺎل ﻛﻞ ً اﻷوﺳﻂ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﻋني ،واﻟﺒﻌﺾ ﻻ ﻳﺮى
اﻟﺠﻤﺎل ﰲ اﻟﺮﻓﻴﻌﺎت اﻟﻬﺰﻳﻼت ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﻗﻮل ﻓﻼن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮى ذات ﺳﻤﻦ :آه ﻟﻮ
ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻞ ﺳﻤﻨًﺎ ﻣﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻵن! وﻗﻮل اﻵﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﻬﺰﻳﻠﺔ :ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ ﺳﻤﻨًﺎ ﻟﺒﻠﻐﺖ
أﻗﴡ درﺟﺎت اﻟﺠﻤﺎل؟!
ﻻ ﺟﺮم أن اﻟﻘﻮل ﺑﺠﻤﺎل ﻫﺬه وﻋﺪم ﺟﻤﺎل ﺗﻠﻚ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﻷﻣﺰﺟﺔ واﻷذواق ﻟﻴﺲ
ُﺨري ﰲ ﻣﻴﻠﻪ ورﻏﺒﺘﻪ ،ﻟﻪ أن ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣ ﱠ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎف ﰲ ﳾء .ﻧﻌﻢ ،إن ٍّ
ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻘﺒﺤﻪ اﻵﺧﺮ وﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻏري أﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺎﺳﺐ أن ﻳﻘﺎل :ﻫﺬا ﺟﻤﻴﻞ ،وذﻟﻚ ﻏري ﺟﻤﻴﻞ
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷﻣﻴﺎل واﻷذواق؛ ﻷن اﻟﺤﻖ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ — ﻗﺪ ﺑَ َﺮأ َ أﻫﻞ اﻟﺠﻤﺎل ﻋﲆ
أﻟﻮان وأﺷﻜﺎل ﺷﺘﻰ؛ ﻓﺈﻏﻤﺎض اﻟﻌني ﻋﻦ ﻗﺪرﺗﻪ وﺣﻜﻤﺘﻪ ﻏري ﻣﻮاﻓﻖ ﻟﻠﺤﻘﺎﻧﻴﺔ.
وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻐرية ﺟﻤﻴﻠﺔ اﻟﺼﻮرة إﻻ أن ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﻜﱪى ،وﻣﻊ
أﻧﻬﺎ أﻗﴫ ﻣﻦ ﺷﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺑﺄﺻﺒﻌني ،ﻏري أن ﻫﻴﻒ ﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ووﺟﻮد اﻷوﱃ أﻛﺜﺮ ﺳﻤﻨًﺎ ﻣﻨﻬﺎ
ﻳُﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌني أﻧﻬﻤﺎ ﻣﺘﺴﺎوﻳﺘﺎن ﻗﺪٍّا .وﻫﻲ — أي اﻟﺼﻐرية — ذات ﻋﻴﻨني زرﻗﺎوﻳﻦ ﻣﺎﺋﻠﺘني
إﱃ اﻻﺧﴬار ،وأﻫﺪاﺑﻬﻤﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺳﻮداء ،وﺣﺎﺟﺒﺎﻫﺎ ﻣﻌﺘﺪﻻن ﰲ اﻟﻮﺿﻊ واﻟﺮﺳﻢ ،ﻣﺘﻮﺳﻄﺎن
ﺑني اﻟﻘﴫ واﻟﻄﻮل ،وﺷﻌﺮﻫﻤﺎ أﺳﻮد ،وﺷﻌﺮ رأﺳﻬﺎ أﻛﻠﻒ »ﻛﺴﺘﻨﺎﺋﻲ« ،وﻫﻲ ﺑﻴﻀﺎء اﻟﻠﻮن
ﻛﺸﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻏري أن اﻟﻔﺮق ﺑني ﺑﻴﺎض اﻻﺛﻨﺘني :أن ﺑﻴﺎض اﻟﻜﱪى ﻣُﴩب ﺑﻠﻮن أﺣﻤﺮ ،ﻋﲆ
672
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ً
ﺷﻔﺎﻓﺎ ،وﻛﺎن ﺟﻤﺎل اﻟﻜﱪى ﻷول ﻧﻈﺮة ﺑﺎﻟﻌني ﺣني أن ﺑﻴﺎض اﻟﺼﻐﺮى ﻛﺎن ﻧﺎﺻﻌً ﺎ
اﻟﻨﺎﻇﺮة ،وأﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﺣﺪ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ:
واملﺒﺎﻳﻨﺔ املﻮﺟﻮدة ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﰲ اﻟﻬﻴﺌﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إن اﻷوﱃ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻘﺮاء اﻟﺠﻤﻠﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:
ﺳﻮداء ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺎﺟﺒني واﻟﻬﺪﺑني ،زرﻗﺎء اﻟﻌﻴﻨني ،ﻛﺴﺘﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻋﲆ ﻛﻮﻧﻬﻤﺎ ﺷﻘﻴﻘﺘني،
ﻻ ﺗﻌﺪ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﰲ ﺑﺎﺑﻬﺎ؛ ﻷن اﻷوﻻد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮن ﻣﻦ آﺑﺎء ﺷﻘﺮ وأﻣﻬﺎت ﺷﻘﺮ ﺗﻜﻮن ﻫﻴﺌﺎﺗﻬﻢ
ﻛﻬﻴﺌﺎت آﺑﺎﺋﻬﻢ وأﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ،وﻫﻜﺬا اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻦ أب أﺷﻘﺮ وواﻟﺪة ﺳﻮداء اﻟﻌﻴﻨني
واﻟﺤﺎﺟﺒني واﻟﺸﻌﺮ ،وﺑﺎﻟﻌﻜﺲ؛ ﻓﺈن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺸﺒﻪ اﻷب ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻳﺸﺒﻪ اﻷم ،ﻛﻤﺎ
ﺣﺼﻞ ﰲ ﻫﻴﺌﺔ ذات اﻟﺨﺪر املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﻫﻴﺌﺔ ﺷﻘﻴﻘﺘﻬﺎ.
وملﺎ زاﻳﻠﺘﺎ ﻇﻬﺮ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ رﻓﻌﺘﺎ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺛﻮب اﻟﺰﻳﺎرة اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎه ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ؛ ﻓﺘﺒﺪت
ﻟﻠﻌني أﻟﺒﺴﺘﻬﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻮرة ﺑﺎﻟﺜﻮب املﺬﻛﻮر ،وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا ،وﻛﺎﻧﺖ ذات
اﻟﺨﺪر ﺗﻠﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﺣﺮﻳﺮﻳﺔ ﺑﻴﻀﺎء ،وﻗﻤﺎﺷﻬﺎ ﺑﺴﻴﻂ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻻﺑﺴﺔ ﺛﻮﺑًﺎ ﻳﴬب
ﻄﺎ ً
أﻳﻀﺎ. ً
ﻇﺮﻳﻔﺎ وﺑﺴﻴ ً إﱃ ﻟﻮن اﻟﻔﻀﺔ
أﻳﻀﺎ ،وﻫﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻠﻨﺄت اﻵن ﻋﲆ وﺻﻒ اﻟﻀﻴﻔﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻨﺎ أﻧﻬﺎ ذات ﺧﺪر ً ِ
ﺣﺴﻨﺔ ﰲ وﻗﺘﻬﺎ .أﻣﺎ اﻵن ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻤﺴني ﻣﻦ ﺳﻨﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻣﻊ أن ﻣﺤﻴﺎﻫﺎ
وﺟﺴﻤﻬﺎ ﻗﺪ أﻗﺎﻟﻬﻤﺎ اﻟﻌﻤﺮ ﻣﻦ ﻋﺬاب اﻟﺰي واﻟﺰﻳﻨﺔ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤﻤﱢ ﻠﻬﻤﺎ ﻫﺬه املﺸﻘﺔ؛
ً
ﺑﻴﺎﺿﺎ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﱰﺗﻴﺐ وﻣﻨﺘﻬﻰ اﻻﻧﺘﻈﺎم. ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﻟﺒﺴﺘﻬﺎ وﺷﻌﺮﻫﺎ املﻤﺰوج
اﻟﻀﻴﻔﺎن واﻟﻮاﻟﺪة وﺳﺎﺋﺮ أﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﻓﻌﺮﻓﺘﻬﻦ ﺑﺎﻟﻮاﻟﺪة،وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ﰲ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻣﻊ ﱢ
وﺗﺒﺎدﻟﻦ ﻣﻌﻬﺎ رﺳﻢ اﻟﺴﻼم ﺑﺎﻹﺷﺎرة .وﻗﺪ ﻓﻬﻤﻨﺎ أن ذات اﻟﺨﺪر ا ُملﺴﻨﱠﺔ ﺗﻜﻮن ﺧﺎﻟﺔ
اﻟﺼﺒﻴﺘني اﻟﺸﻘﻴﻘﺘني.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﺗﺸﺎرك ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺟﺰة ﰲ اﻟﱰﺟﻤﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﻓﺄﺧﱪﺗﻨﺎ
اﻟﻀﻴﻔﺎت أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﺮ ﻋﲆ ﻣﺠﻴﺌﻬﻦ إﱃ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ إﻻ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم؛ ﴏﻓﻦ اﻟﻴﻮم اﻷول ﰲ
اﻟﺮاﺣﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺎء اﻟﺴﻔﺮ ،واﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ ﻗﺒﻮل زﻳﺎرة أﻗﺮﺑﺎﺋﻬﻦ وأﺣﺒﺎﺑﻬﻦ اﻟﺴﺎﻛﻨني ﰲ
دار اﻟﺴﻌﺎدة ،واﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﺘﻔﺮج ﻋﲆ أﺳﻮاق »ﺑﻚ أوﻏﲇ« وﻣﺨﺎزﻧﻬﺎ ،ﺑﺤﻴﺚ اﺗﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ
ﻛﻦ ﻳﻨﻈﺮن إﻟﻴﻨﺎ ﻛﺄﻧﻬﻦ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﱰك وﻧﺴﺎﺋﻬﻢ. إﻓﺎدﺗﻬﻦ أﻧﻬﻦ ﱠ
673
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﰲ ﺧﻼل ذﻟﻚ أﺧﺬت اﻟﺸﻘﻴﻘﺘﺎن ﺗﺘﻜﻠﻤﺎن ﻣﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ ﺧﻄﺎﺑًﺎ
ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻨﺎ؛
ٍ ﻟﻠﺴﻴﺪة »ص« :إﻟﻴﻚ؛ ﻟﻘﺪ ﺗﻢ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﺳﻴﺘﻜﻠﻤﺎن ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي
ﺳﺒﻴﻼ ﻳﺪرﻛﺎن أﻧﻚ ﺗﻔﻬﻤني اﻟﻠﺴﺎن املﺬﻛﻮر. ً وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻠﺰم أن ﻻ ﺗﺠﻌﲇ ﻟﻬﻤﺎ
ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻼ ،ﻻ أﺗﺮﻛﻬﻤﺎ ﻳﻔﻬﻤﺎن ،وﻟﻜﻦ أرى أﻧﻬﻤﺎ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﻤﺎن ﺑﺎﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ
ﻓﺨﺎﻟﺘﻬﻤﺎ ﻣﻠﺘﺰﻣﺔ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺼﻤﺖ؛ ﻓﺎﻟﻈﺎﻫﺮ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﻠﺴﺎن املﺬﻛﻮر.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻣﺎذا ﺗﻘﻮﻻن؟
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إﻧﻬﻤﺎ ﻗﺎﻟﺘﺎ :إﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮف املﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ .آه ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ! أﻟﻢ أﻗﻞ
ﻟﻚ إﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻠﺒﺲ ﻣﻦ آﺧﺮ زي ﺛﻢ ﻧﻈﻬﺮ أﻣﺎﻣﻬﻦ ،ﻓﻼ ﻧﺸﻚ أﻧﻬﻦ ﺳﻴﺤﺴﺒﻨﻨﺎ ﺟﺎﻫﻼت
ﻻ ﻧﺪرك ﺷﻴﺌًﺎ؟!
وﰲ ﺧﻼل ذﻟﻚ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻴﻨﺎ ذات اﻟﺒﻌﻞ ﻗﺎﺋﻠﺔ :إﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ رﺟﻮﻧﺎﻛﻦ أن ﺗﻜﺘﺴني أﻟﺒﺴﺔ
ﺗﺮﻛﻴﺔ؛ ﻓﻬﻞ ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻣﺎﻧﻊ ﻟﻮ أﻧﻜﻦ ﻗﺒﻠﺘُ ﱠﻦ رﺟﺎءﻧﺎ؟!
ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﱠ »ص« ﻗﺎﺋﻠﺔ ﺑﺤرية واﺳﺘﻐﺮاب» :ﻳﺎ ﻋﺠﺒًﺎ! أﻳﻮﺟﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه
اﻷﻟﺒﺴﺔ أﻟﺒﺴﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ؟« وﻛﺎدت ﺗُﴫﱢ ح ﻋﻦ ﻓﻜﺮﻫﺎ وﺗﻠﻔﻆ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﺎﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،إﻻ
ﻫﻤﺴﺎ ،وﻗﺪ ﻓﻄﻨﺖ إﱃ اﻟﺰاﺋﺮات؛ اﺟﺘﻬﺪت ﰲ ً أﻧﻬﺎ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻲ ،وﻛﺎن ﻛﻼﻣﻬﺎ
ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻜﻼم إﱃ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻣﺰﺟﺘﻪ ﺑﺎﻟﱰﻛﻴﺔ ،ﻓﺼﺎر ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻣﺮﻛﺒًﺎ ﻣﻦ ﺛﻼث ﻟﻐﺎت،
ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ أن ﻳﻔﻬﻤﻪ! وﻋﲆ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ اﻟﺰاﺋﺮات ﺑﺄن أﺣﺪًا ﻣﻨﺎ ﻳﻌﺮف اﻟﻠﺴﺎن
اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي .وﻛﺎن ﻫﻮ املﻄﻠﻮب.
ﻓﻘﻠﺖ :إن أﻟﺒﺴﺘﻨﺎ وأﻛﺴﺎﻣﻨﺎ ﻫﻲ ﺗﺮﻛﻴﺔ ﻣﺤﻀﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ﻻ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ اﻷﻛﺴﺎم اﻟﱰﻛﻴﺔ؛ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺮﻏﺐ ﰲ ﻣﺸﺎﻫﺪة
اﻷﻛﺴﺎم املﺬﻛﻮرة.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮن اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ﺗﺸريﻳﻦ إﻟﻴﻬﺎ؟
ﻗﺎﻟﺖ :أﻻ ﻳﻮﺟﺪ أﺛﻮاب ﻣﺬﻫﺒﺔ؟
ﻘﺼﺐ اﻟﺬي أﻋﺠﺒﻚ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﺖ إﱃ »ن .ﺧﺎﻧﻢ« :اذﻫﺒﻲ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ واﻟﺒﴘ ﺛﻮﺑﻲ ا ُمل ﱠ
ﺑﺮﻫﺔ وﺗﻌﺎﱄ ﺑﻪ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﱃ ذات اﻟﺒﻌﻞ وﻗﻠﺖ :إن اﻟﺴﻴﺪة ﺳﺘﻠﺒﺲ اﻟﺜﻮب املﺬﻫﺐ وﺗﺄﺗﻲ
ﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :أﺷﻜﺮﻛﻦ ﻛﻞ اﻟﺸﻜﺮ ،وﻟﻌﻤﺮي إﻧﻜﻦ ﻋﻨﻮان اﻟﺮﻗﺔ.
وﻣﺎ ﻣﺮ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻏري ﺑﺮﻫﺔ ﻗﺼرية ﺣﺘﻰ دﺧﻠﺖ »ن .ﺧﺎﻧﻢ« ﻣﻜﺘﺴﻴﺔ ﺑﺜﻮﺑﻲ املﺬﻫﺐ،
ﻏري أن زاﺋﺮاﺗﻨﺎ ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ﱠﻦ ﻣﻄﻤﺌﻨﺎت ﺗﻤﺎ َم اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن.
674
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ﻻ ،ﻟﻴﺲ ﻣﻘﺼﺪﻧﺎ ﻫﺬا ،وإﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ راﻏﺒﺎت ﰲ اﻷﻛﺴﺎم اﻟﱰﻛﻴﺔ
اﻟﴫﻓﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺨﺪر :ﻧﻌﻢ ،اﻟﺰي اﻟﱰﻛﻲ ،ﻣﺎ أﺟﻤﻠﻪ!
ﻓﻘﻠﺖ :أﻳﻤﻜﻨﻜﻤﺎ أن ﺗﻔﻬﻤﺎﻧﺎ ﻣﺎ ﻫﻲ اﻷﻛﺴﺎم اﻟﱰﻛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻏﺒﺎﻧﻬﺎ وﻗﺪ أﻋﺠﺒﺘﻜﻤﺎ؟
وﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﺷﻜﻠﻬﺎ؟
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :إﻧﻬﺎ ﺟﺎﻛﻴﺘﺔ — ﻧﻮع ﻣﻠﺒﻮس ﻳﺼﻞ ﻟﻠﺤﺰام ﻓﻘﻂ — ﻗﺼرية ﻣﻄﺮزة
ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﻗﻤﻴﺺ رﻓﻴﻊ ،وﴎوال ﻣﻘﺼﺐ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :اﻵن ﺗﺮﻳﻦ ﻫﺬا اﻟﺰي.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻣﺎذا ﺗﻘﻮﻟني؟! ﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﻤﻜﻨﻚ إﻳﺠﺎد ﻫﺬا اﻟﺰي واﻟﻈﻬﻮر ﺑﻪ؟!
ﻗﻠﺖ :اﻵن ﺗﻨﻈﺮﻳﻦ.
ُ
ﺷﺎﻫﺪت ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻣﺮأة وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻧﻬﻀﺖ ﻓﺄﺣﴬت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺮﺳﻮم — وﻗﺪ ُ
ﻛﻨﺖ
ﻣﻜﺘﺴﻴﺔ ﺑﺼﺪرة ﻣﻄﺮزة ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﴎوال ﻣﻘﺼﺐ ،ﻓﺄﺧﺬت رﺳﻤﻬﺎ — وﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ
املﺠﻤﻮﻋﺔ وﻋﺮﺿﺖ ﻋﲆ اﻟﺰاﺋﺮات اﻟﺮﺳﻢ املﺬﻛﻮر وﻗﻠﺖ :أﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺰي اﻟﺬي ﺗﻄﻠﺒﻴﻨﻪ؟
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ اﻟﺰاﺋﺮات اﻟﺜﻼث ﺑﺼﻮت واﺣﺪ :ﻧﻌﻢ ،ﻧﻌﻢ ،ﻫﺬا ﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وﻛﻨﺎ ﻧﻮد أن ﻧﺮاﻛﻦ
وأﻧﺘﻦ ﻣﻜﺘﺴﻴﺎت ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺰي.
ﻗﻠﺖ :أﻳﻦ رأﻳﺘﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺋﻲ ﻳﻠﺒﺴﻦ ﻫﺬه اﻷزﻳﺎء؟
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ﻟﻢ ﻧﺸﺎﻫﺪ املﻜﺘﺴﻴﺎت ﺑﻪ ﻋﻴﺎﻧًﺎ ،وإﻧﻤﺎ رأﻳﻦ رﺳﻤﻬﻦ ﰲ ﺑﺎرﻳﺰ.
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﻫﻨﺎ ً
أﻳﻀﺎ أن ﺗﺸﺎﻫﺪي أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
ﻳﺒﻖ ﺑني اﻟﻨﺴﺎء اﻟﱰﻛﻴﺎت ﻣﻦ ﻳﻜﺘﺴني ﺑﻬﺬا اﻟﺰي؟!ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ملﺎذا؟ َﻟ ْﻢ َ
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻛﻼ.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺨﺪر :وا أﺳﻔﺎه! إﻧﻪ ﻟﺰي ﺟﻤﻴﻞ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﺈذن ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺸﺎﻫﺪ
ﰲ دار اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ رﺑﺎت ﻫﺬا اﻟﺰي.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺸﺎﻫﺪن إﻻ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺮﺳﻢ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺨﺎﻟﺔ :ﻣﻦ ﻫﻲ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻫﺬا اﻟﺮﺳﻢ؟
ﻓﻘﻠﺖ :ﻻ أدري ،ﻟﻘﺪ رأﻳﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺄﺧﺬت رﺳﻤﻬﺎ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﻤﺜﻼت اﻟﺮواﻳﺎت.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺨﺎﻟﺔ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻬﺎ ﻛﻤﺎ أﴍت.
ﻓﻘﻠﺖ :إن ﻣﻤﺜﻼت اﻟﺮواﻳﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺟﻤﻴﻌﻬﻦ ﻣﺴﻴﺤﻴﺎت؛ ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻻ
ﺗﻜﻮن ﻫﺬه املﺮأة ﺗﺮﻛﻴﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ اﻣﺮأة ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ.
675
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :إﻧﻨﺎ ﰲ ﺑﺎرﻳﺰ ﻧﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﻮم ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ رﺳﻮم
اﻟﺴﻴﺪات اﻟﱰﻛﻴﺎت ،وﻧﺪﻗﻖ ﻛﺜريًا ﰲ زﻳﻨﺘﻬﻦ ووﺟﻮﻫﻬﻦ ،ﻓﺈذن ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺰﻳﻨﺔ
ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺰﻳﻨﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ ،وذوات ﻫﺎﺗﻪ اﻷزﻳﺎء ﻟﺴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات اﻟﱰﻛﻴﺎت.
ﻗﻠﺖ :أﺟﻞ ،ﻓﻜﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻷي اﻟﻨﺎس أن ﻳﺮﺗﺴﻢ ﺑﺎﻟﺰي اﻟﺬي ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ ،ﻫﻜﺬا
أﻳﻀﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء املﺴﻴﺤﻴﺎت ﻳﺮﺗﺴﻤﻦ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻷزﻳﺎء ،ﻏري أﻧﻨﻲ ﻻ أدري ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺰي ً
اﻟﺬي ﻳﻠﺒﺴﻨﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﻫﺪن ﰲ ﻫﺬا اﻟﺮﺳﻢ ﺗﺮﻳﻦ ﻋﲆ رأس ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻛﻮﻓﻴﺔ
ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻋﲆ ﻋﺎﺗﻘﻬﺎ ﺻﺪرة ﻣﻦ ﺻﺪرات ﻧﺴﺎء اﻷرﻧﺎءوط ،وﰲ رﺟﻠﻴﻬﺎ
ﴎوال ،واﻟﻜﺮﳼ املﻨﺰل ﺑﺎﻟﺼﺪف اﻟﺬي ﻋﲆ ﻗﺮب ﻣﻨﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﺸﺎم ،واﻟﻔﻨﺠﺎن
املﻮﺿﻮع ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺘﺎع اﻟﻬﻨﺪ ،واﻟﻨﺎرﺟﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﰲ ﻳﺪﻫﺎ ﻻ أﻋﺮف ﺣﻘﻴﻘﺔ ِﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل
ﺺ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء أﻳﺔ ﻣﻠﺔ ﻣﻦ املﻠﻞ .أﻣﺎ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻘﺼﻮص ﻋﲆ اﻟﺰي اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ،وﻗﺪ ُﻗ ﱠ
أﺳﻔﻞ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ اﻷوروﺑﻲ ،ﻓﺈذا أﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﻪ ﺣﻘﻘﺖ ذﻟﻚ.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺰي اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺰي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﻣﻦ اﻷزﻳﺎء اﻟﱰﻛﻴﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻮ زﻳٍّﺎ ﻣﻨﻪ آﺧﺮ ،ﻓﻠﻴﺲ إﻻ زﻳٍّﺎ ﻗﺪ ُر ﱢﻛﺐ ﻣﻦ ﻋﺪة أزﻳﺎء.
ﺛﻢ ﺟﺎءوا إﻟﻴﻨﺎ ﺑﺼﻴﻨﻴﺔ اﻟﻘﻬﻮة ﻋﲆ اﻟﻌﺎدة اﻟﱰﻛﻴﺔ وﻗﺪ وﺿﻊ اﻹﺑﺮﻳﻖ ﰲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ —
أو اﻟﺴﻨﺒﻞ — أو اﻟﻌﺎزﻗﻲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ املﴫﻳﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻐﻄﺎة ﺑﻤﻨﺪﻳﻞ ،ﻓﺄﻋﺠﺐ املﺴﺎﻓﺮات ﺑﻬﺎ ﻛﻞ
ﱠ
اﺳﺘﺤﺴﻦ ﻏﻄﺎء اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ اﻹﻋﺠﺎب واﺳﺘﺄذﻧﻨﺎ ﰲ ﻣﻌﺎﻳﻨﺔ ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺪة ،وﻗﺪ
ﻣﺰرﻛﺸﺎ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وﺳﺄﻟﻨﻨﺎ ﻋﻦ املﺤﻞ اﻟﺬي ﻳﺒﺎع ﺑﻪ أﺑﺎرﻳﻖ اﻟﻘﻬﻮة اﻟﻔﻀﻴﺔ ،ﻓﻬﺪﻳﺘﻬﻦ ً ﻛﺎن
َني ﻟﻨﺎ رﻏﺒﺘﻬﻦ ﰲ ﻣﺸﱰى اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وﻃﻠﺒﻦ إﻟﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﺮﻓﻬﻦ إﱃ ﺳﻮق اﻟﺼﺎﻏﺔ ،ﺛﻢ ﺑ ﱠ ﱠ
ﻋﻦ املﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻳﺒﺎع ﺑﻪ أﺣﺴﻨﻬﺎ ،ﻓﻌﺮﻓﺘﻬﻦ أن أﻗﻤﺸﺘﻨﺎ ﻣﺘﻨﻮﱠﻋﺔ ﺟﺪٍّا ،وأوﺻﻴﺘﻬﻦ أن
ﻳﺸﱰﻳﻦ ﻣﻦ أﻗﻤﺸﺔ ﺑﻮرﺳﺔ أو اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.
وﻗﺪ ﴏﻓﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻬﻤﻨﺎ أن اﻟﺸﻘﻴﻘﺘني ﻫﻤﺎ
ﺑﻨﺘﺎ ﺗﺎﺟﺮ ﻛﺜري اﻟﺜﺮوة ،وأن أﻣﻬﻤﺎ وأﺑﺎﻫﻤﺎ ﰲ ﺑﺎرﻳﺰ ،وأن اﻷﺧﺖ اﻟﻜﺒرية ﻣﺘﺄﻫﻠﺔ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻚ واﻟﺪﻫﺎ ،وأن ﺧﺎﻟﺘﻬﻤﺎ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻊ واﻟﺪﻳﻬﻤﺎ ،وأن ذات ﺳﻨﻮات ،وأن زوﺟﻬﺎ ً
اﻟﺒﻌﻞ ﺗﻘﻴﻢ ﰲ ﺑﻴﺖ زوﺟﻬﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« إﱃ اﻟﺨﺎﻟﺔ :ملﺎذا أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺘﺄﻫﲇ؟
ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﻧﺼﻴﺒﻲ!
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :أأﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺮﻏﺒﻲ ﰲ اﻟﺰواج؟!
ﻗﺎﻟﺖ :إن اﻟﺰواج ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ.
676
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
677
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :وا أﺳﻔﺎه! ﻣﺎ أﺻﻌﺐ ذﻟﻚ إذا وﺟﺪ اﻟﺤﺐ!
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻧﻌﻢ ،إﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﻪ ،وﻟﻜﻦ أﻳﺒﻘﻰ ﻣﻮﺟﺐ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻬﺬه املﺤﺒﺔ؟ إن
ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﻛﻮﻧﻪ وﻟﺪًا ﻣﻨﺒﻮذًا ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻷن ﺗﺒﻌﺜﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺮة ﻣﻨﻪ ،وﻻ ﻳﻠﺰم اﻟﺤﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا
اﻟﻨﻔﻮر!
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :وﻫﻞ أﻣﻜﻦ ﻟﻪ أن ﻳﺘﻨﺎﳻ ذاك ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ؟!
أﺳﻔﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وأﴏ ﻛﺜريًا ﻋﲆ اﻟﻔﺮار ﺑﻲ إﱃ ﺑﻠﺪ آﺧﺮﻗﺎﻟﺖ :ﻛﻼ ،إﻧﻪ ﺗﺄﺳﻒ ً
ﻗﺎﺋﻼ ﱄ :إﻧﻪ ﻻ ﻳﱰﻛﻨﻲ أن أﻓﺘﻘﺮ إﱃ أي ﻛﺎن ﻣﺎ داﻣﺖ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺒﻠﻪ. ﺣﻴﺚ ﻳﻘﱰن ﺑﻲ ً
أﻣﺎ أﻧﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أرﺿﺎه؟! ﻓﺈﻧﻨﻲ إذا ﻟﻢ أﻓﺘﻜﺮ ﺑﻨﻔﴘ ﻳﺠﺐ أن أﻓﺘﻜﺮ ﺑﺄوﻻدي؛
ﻷﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ وﺿﻌﺘﻬﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ أب ﻣﻨﺒﻮذ »ﻧﻔﻞ« ﺳﺄﺑﻘﻰ ﻣﺨﺠﻮﻟﺔ أﻣﺎﻣﻬﻢ
ﻃﻮل اﻟﻌﻤﺮ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻓﺘﻜﺮت ﺑﺄﻧﻨﻲ ﺳﺄﺗﺮك اﺳﻢ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إﱃ رﺟﻞ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻟﻪ
ﻋﺎﺋﻠﺔ وﻻ اﺳﻢ؛ ﻟﻜﻲ أﻓﺘﺨﺮ ﺑﺎﻻﻧﺘﺴﺎب إﻟﻴﻪ؛ رددﺗﻪ ﺧﺎﺋﺒًﺎ ،وأﺧﱪﺗﻪ أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻗﱰن ﺑﻪ،
رﺟﻼ ،ﻓﻠﺴﺖ ﺑﻤُﻜ ﱢﻠﻤﺘﻪ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق!
وأﻧﻨﻲ ﺻﻤﻤﺖ ﻋﲆ أن ﻻ أﻛﻠﻢ ً
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :ﻫﻞ ﺗﺰوج ﻫﺬا املﻨﻜﻮد اﻟﺤﻆ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﻮاك؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻢ أﻋﺪ أراه ﺑﻌﺪ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎدﺛﺔ؛ ﻷﻧﻪ زاﻳﻞ ﺑﺎرﻳﺰ ﻗﺎﺻﺪًا وﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،وﻻ أدري
ﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﺮى ﺑﻪ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪي ﻣﻬﺮ »دوﺗﺔ« ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪم ﱄ ﻃﺎﻟﺐ آﺧﺮ.
وﺑﻌﺪُ ،ﻓﺄﻧﺒﺌﻴﻨﻲ أﻧﺖ :أﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺑﻨﺎت ﻣﺘﻘﺪﻣﺎت ﰲ اﻟﺴﻦ ﺑﻼ زواج؟!
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻟﻮ دﻓﻊ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﺪراﻫﻢ ملﺎ وﺟﺪ واﺣﺪة ﻋﲆ اﻹﻃﻼق؛ ﻓﺈن اﻟﻘﺒﻴﺤﺎت
واﻟﻔﻘريات ﻻ ﻳﻜﻦ ﻗﻮاﻋﺪ ﰲ اﻟﺒﻴﻮت.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :إﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪﻛﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎل؛ أﻻ وﻫﻲ أن اﻟﺮﺟﺎل
ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻨﺴﺎء ﻛﺎﻟﺠﻮاري!
ﻗﻠﺖ :إن إدارة اﻟﺒﻴﺖ واﻹﻧﻔﺎق ﻋﲆ اﻟﺰوﺟﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﺮﺟﺎل،
واﻟﻨﺴﺎء ﻣﻬﻤﺎ ﻛﻦ ﻣﺜﺮﻳﺎت ﻓﻠﺴﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎت ﺑﺎﻹﻧﻔﺎق ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺖ .أﻣﺎ اﻟﺮﺟﻞ املﻘﺘﺪر ﻓﺈﻧﻪ
ﻳﺴﺘﺨﺪم ﰲ ﺑﻴﺘﻪ ﺧﺎدﻣﺔ وﻃﺒﺎﺧﺔ ،وإذا ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎوز ﻣﻘﺪرﺗﻪ ﺣﺪ ﺧﺪﻣﺔ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻓﺰوﺟﺘﻪ
ﻣﺮوء ًة ﺗﻘﻮ ُم ﺑﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﻴﺖ ،وإﻻ ﻓﺈن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺠﱪﻫﺎ ﴍﻋً ﺎ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻓﻘﺪ اﺗﻔﻖ
رﺟﻼ ﻣﻦ اﻷﺻﺤﺎب اﻟﻜﺮام ﺟﺎء إﱃ دار اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﺘﻈﻠﻤً ﺎ ﻣﺸﺘﻜﻴًﺎ ً ﰲ أﻳﺎم ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ أن
ﻣﻦ زوﺟﺘﻪ ،ﻓﻨﻈﺮ ﻋﻤﺮ ﺧﺎرﺟً ﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻣﻪ وﻫﻮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺤﺪة ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ» :أي ﳾء ﺣﺪث
ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني؟!« ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻘﻮﻟﻪ» :إن ﺣﺎل اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻌﻠﻮم ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ إﻳﻀﺎح؛
ﻓﺰوﺟﺘﻲ ﻗﺪ ﺳﺒﺒﺖ ﱄ ﻫﺬه اﻟﺤﺪة! وأﻧﺖ؛ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﻚ إﱃ ﻫﻨﺎ؟« ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ» :إﻧﻨﻲ أﺗﻴﺘﻚ
678
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻣﺤﻼ ﻟﻠﺸﻜﻮى!« ﻓﻘﺎل ٍّ ﻷﺷﻜﻮ إﻟﻴﻚ زوﺟﺘﻲ .أﻣﺎ وﻗﺪ رأﻳﺘﻚ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻓﻼ أرى
ﻟﻪ ﻋﻤﺮ» :ﺻﻪ ،ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺮﻓﻊ ﺻﻮﺗﻨﺎ؛ ﻓﺈن ﻧﺴﺎءﻧﺎ ﻳﻘﻤﻦ ﺑﺈدارة ﺑﻴﻮﺗﻨﺎ ﻣﻊ أن ذﻟﻚ
ﺧﺎرج ﻋﻦ وﻇﻴﻔﺘﻬﻦ ،وﻳﺮﺿﻌﻦ أوﻻدﻧﺎ وﻟﺴﻦ ﻣﻜﻠﻔﺎت ﺑﻪ ،ﻓﺈذا أﻇﻬﺮﻧﺎ ﻫﺬه املﺴﺎﺋﻞ ﻳﻨﺘﺞ
ﻋﻨﻬﺎ ﴐر ﻟﻨﺎ «.ﻓﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻚ ﺟﻠﻴٍّﺎ أن اﻟﻨﺴﺎء ﻏري ﻣﻄﺎﻟﺒﺎت وﻻ ﻣﻜﻠﻔﺎت
ﴍﻋً ﺎ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ.
ﺳﺆاﻻ :ﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻜﻢ أن اﻷزواج ﻋﻨﺪﻣﺎً ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :أﺣﺴﻨﺖ ،وإﻧﻨﻲ ﺳﺎﺋﻠﺔ ﻣﻨﻚ
ﻳﺪﺧﻠﻮن ﻋﲆ زوﺟﺎﺗﻬﻢ ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻬﻦ ﻳﻨﻈﺮون ﻣﻦ داﺧﻞ ﺑﺎب اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﻓﺈذا رأى اﻟﺰوج أن
زوﺟﺘﻪ وﺿﻌﺖ ﺧﻔﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﺒﺎب ﻳﺪﺧﻞ إﱃ اﻟﺪاﺧﻞ؛ ﺣﺴﺒﺎن أن ذﻟﻚ إﺷﺎرة ﻋﲆ اﻟﺴﻤﺎح
ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ،وإن ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮ اﻟﺨﻒ ﻓﻴﻌﻮد ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻰ؟!
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ :أﺣﺴﻨﺖ ،أن ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻂ املﺄﺧﻮذ ﻋﻦ
اﻟﻔﺮﺟﻴﺔ اﻟﺰرﻗﺎء .ﻗﺎﻟﺖ ذﻟﻚ وﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ ﻧﺤﻦ اﻻﺛﻨﺘﺎن ﻣﻦ ﺿﺒﻂ ﻗﻬﻘﻬﺘﻨﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺴﻴﺪة »ن« ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻔﺮﺟﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﺣﺎﻃﺖ ﻋﻠﻤً ﺎ
ﺑﻌﺒﺎرة اﻟﺨﻒ اﻟﺘﻲ أﺷﺎرت إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺰاﺋﺮة اﻟﺘﻔﺘﺖ إﱄ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻣﺎ اﻟﺬي ﻃﺮأ ﻋﻠﻴﻜﻤﺎ؟! ﻓﺄﻓﻬﻤﺘﻬﺎ
اﻟﻘﻀﻴﺔ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ اﺷﱰﻛﺖ ﻣﻌﻨﺎ ﺑﺎﻟﻀﺤﻚ ،وﻛﺎن دوي ﻗﻬﻘﻬﺘﻨﺎ ﻳﻤﻸ ﻓﻀﺎء اﻟﻘﺎﻋﺔ.
أﻣﺎ اﻟﺰاﺋﺮات ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﺮﺑﻦ ﻣﻨﺎ ذﻟﻚ ،وﻗﺪ ﻻﺣﻈﺖ اﺳﺘﻐﺮاﺑﻬﻦ ﻓﻘﻠﺖ :ﻋﻔﻮًا أﻳﺘﻬﺎ
اﻟﺰاﺋﺮات ،إﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻀﺤﻚ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻜﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﻗﺪ اﺗﻔﻖ أن ﺳﺒﻘﺖ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻋﺒﺎرة ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻜﻦ
ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻌﺒﺎرة ﺻﺪرت ﻣﻨﻜﻦ؛ ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ داﻋﻲ اﻟﻀﺤﻚ ،ﺛﻢ ﻧﻘﻠﺖ ﻟﻬﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ
اﻟﻔﺮﺟﻴﺔ اﻟﺰرﻗﺎء وﻗﻠﺖ :إﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﺄﺷﻴﺎء واﻗﻌﺔ ﰲ ﺑﻼدﻧﺎ
ﻫﺬه ،أﻻ ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ أن ﺗﺘﺼﻞ ﺑ ُﻜ ﱠﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻐﻠﻮﻃﺔ ﻋﻦ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء؟! وﻻ ﺟﺮم أﻧﻪ
ﻛﻠﻤﺎ ﺑﻌﺪت املﺴﺎﻓﺔ ﻛﺜﺮ اﻟﻮﻫﻢ وزاد اﻟﻐﻠﻂ.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺨﺪر :املﺴﻤﻮع ﻋﻨﺪﻧﺎ أن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﱰﻛﻴﺎت ﻛﻠﻬﻦ ﺳﻤﻴﻨﺎت ﻳﻨﺪر ﺑﻴﻨﻬﻦ
وﺟﻮد اﻟﻬﺰﻳﻼت؛ ﻓﻬﻞ ذﻟﻚ ﺻﺤﻴﺢ؟!
ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻋﺠﺒًﺎ! ﻓﻤﺎ املﻮﺟﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺎ ﺗﺮى؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﻘﺎل :إن ذﻟﻚ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ اﺣﺘﺠﺎﺑﻬﻦ وﻋﺪم ﺧﺮوﺟﻬﻦ إﱃ اﻷﺳﻮاق إﻻ ﻧﺎد ًرا ،ﻋﲆ
أﻧﻨﻲ ﻣﺬ وﺻﻠﺖ إﱃ ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ دﻗﻘﺖ ﻛﺜريًا ﺑﻨﺴﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﺮأﻳﺖ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ؛ أي إن
اﻟﺴﻤﻴﻨﺎت ﺑﻴﻨﻜﻦ ﻗﻠﻴﻼت ﺟﺪٍّا ،ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ رأﻳﺖ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ »ﺑﻚ أوﻏﲇ« ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ
أﻳﻀﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻧﺴﺎء ﻣﺴﺘﱰات ﻣﺘﺤﺠﺒﺎت. إﱃ اﻟﻮاﺑﻮر ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﺴﺘﱰات ،وﰲ اﻟﻮاﺑﻮر ً
ﻓﻘﻠﺖ :إن اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﻳﻨﺤﺒﺴﻦ ﰲ اﻟﺒﻴﻮت ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻦ أن ﻳﺨﺮﺟﻦ إﱃ
اﻷﺳﻮاق ﰲ أي وﻗﺖ ﺷﱧ ،وأن ﺗﺸﱰي ﻣﺎ ﺗﺮﻏﺐ.
679
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :إن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﱰﻛﻴﺎت ﻫﻦ أﺳريات ﺑﺄﻳﺪي أزواﺟﻬﻦ؛ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ
أﻧﻬﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻌﻦ أن ﻳﻌﻤﻠﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﺪون إذن رﺟﺎﻟﻬﻦ.
ﻌﻦ أزواﺟﻬﻦ ،ﻋﲆ أن ﻛﺎﻧﺖ أن ﻳ ُِﻄ َ
ْ ﻗﻠﺖ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻪ ﻣﻦ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﰲ أﻳﺔ ﻣﻠﺔ
ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻫﻲ ﻋﻨﺪ املﺴﻴﺤﻴني أﺷﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني؛ ﻷن ﺻﻚ اﻟﻨﻜﺎح ﻋﻨﺪﻛﻦ
ﻃﺎ ﻓﻴﻪ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺰوﺟﺔ ﰲ ﻛﻞ ﺣﺎل ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺰوﺟﻬﺎ وﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻪ؛ ﻓﻔﻲ إﻧﻤﺎ ﻳﺤﺮر ﻣﴩو ً
ﻣﺜﻞ ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎل ﻳﺤﻖ ﻟﻠﺮﺟﻞ أن ﻳﺬﻫﺐ ﺑﺰوﺟﺘﻪ ﺟﱪًا إﱃ أي ﻣﺤﻞ ﺷﺎء.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺷﻚ وﻻ رﻳﺐ ﰲ وﺟﻮب ذﻟﻚ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺤﺴﻨﺔ أن ﻳﻜﻮﻧﺎ داﺋﻤً ﺎ
ﻣﺠﺘﻤﻌني!
ﻗﻠﺖ :ﻓﻤﺎ ﻗﻮﻟﻚ إذن ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺰوج ﻣﻦ ﻋﺸﺎق اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ وأراد اﻟﺼﻌﻮد ﺗﻮٍّا إﱃ
اﻟﻘﻄﺐ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎف؟! أو ﻛﺎن ﻣﻤﻦ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ وأﺣﺐ اﻟﺘﻮﻏﻞ ﰲ أﻋﻤﺎق
اﻟﺒﺤﺮ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ ﺟﺎرﻳﺔ ﺗﻤﻴﻞ ﻣﻊ اﻷرﻳﺎح؟! أو ﻛﺎن ﻣﻦ املﻨﻄﺎدﻳني »اﻟﺒﺎﻟﻮﻧﺠﻴني« ورﻏﺐ
ﰲ اﻟﺼﻌﻮد ﻋﲆ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻬﻮاء؟
ﻗﺎﻟﺖ :أﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻠﺮﺟﺎل ﻋﻨﺪﻛﻢ إﺟﺒﺎر اﻟﻨﺴﺎء ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺎب ﻣﻌﻬﻢ؟!
ﻗﻠﺖ :ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﻢ أﺧﺬﻫﻦ إﱃ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ،ﻏري أﻧﻬﻢ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺎﺻﺪﻳﻦ اﻷﺳﻔﺎر
اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ،ﻓﺎملﺮأة ذات اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ إﻧﻤﺎ ﺗﺬﻫﺐ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ﻃﻮﻋً ﺎ وﻣﺮوءة ﻻ ﻏري ،وإذا
ﻟﻢ ﺗﺬﻫﺐ ﻓﻼ ﺗُﺠﱪ ،وﻋﻨﺪﻛﻢ ﻻ ﻳﺠﻮز ﻟﻠﻤﺮأة أن ﺗﺒﻴﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻬﺎ إﻻ ﺑﺈذن ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ،
أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺈن املﺮأة ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺣﺮة ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﰲ ﺑﻴﻊ واﺳﺘﻬﻼك ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺨﺎﻟﺔ :ﻛﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ أن اﻟﺴﻴﺪات اﻟﱰﻛﻴﺎت ﻳﻠﺒﺴﻦ اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ
اﻷﻟﺒﺴﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﺪاﻧﺎ إﱃ اﻟﺮﺟﺎء ﺑﺄن ﺗﻘﺒﻠﻨﻨﺎ وأﻧﺘﻦ ﺑﺎﻷﻛﺴﺎم اﻟﱰﻛﻴﺔ؛ أﺣﻘﻴﻖ
ذﻟﻚ؟
ﻗﻠﺖ :أﺟﻞ ،إن أﻛﺜﺮﻫﻦ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ وﺻﻔﺖ.
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ إﱃ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﻗﺎﺋﻠﺔ :أﺗﻌﺰﻓني ﺑﺎﻟﺒﻴﺎﻧﻮ )آﻟﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ(؟!
ﻓﺄﺟﺒﺖ ﻣﺸرية إﱃ اﻟﺴﻴﺪة »ص« :إن ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة ﺗﺤﺴﻦ اﻟﻌﺰف أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻲ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ
درﺳﺘﻪ ﻧﺤﻮ ﻋﴩ ﺳﻨﻮات.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺟﺮم أن اﻟﴬب ﻋﲆ ﻫﺬه اﻵﻟﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﴩ ﺳﻨﻮات.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻳﻤﻜﻦ اﻟﴬب ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﺑﻌﴩ ﺳﻨﻮات ﻋﲆ ﴍﻳﻄﺔ اﻻﺳﺘﻤﺮار واﻟﺘﻌﻮد
ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ،وﻟﻜﻦ ﰲ ﻛﻢ ﺳﻨﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻔﻈﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ اﺑﺘﺪأت ﺑﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ،وﻫﺎ أﻧﺎ ذا ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ
ﻛﻨﺖ إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ — أي ﻣﺪة ﺳﺖ ﻋﴩة واﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻗﺪ ﻣﺮ ﻋﲆ زواﺟﻲ ﺳﺖ ﺳﻨﻮاتُ ،
680
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﺳﻨﺔ — أﻋﺰف ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﺑﻬﺬه اﻵﻟﺔ أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﻫﻠﺖ ﴏت أﻋﺰف ﺑﻪ ﻳﻮﻣني ﰲ
اﻷﺳﺒﻮع ،وﺣﺘﻰ اﻵن ﻟﻢ أﺗﻌﻠﻢ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ! أﺗﻌﻠﻤني ﻣﺎ املﺮاد وﻣﺎ املﻌﻨﻰ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ؟
ﻗﻠﺖ :ﻧﻌﻢ ،إن ﻋﻠﻤﻲ ﺑﻪ ﻗﺪ ﺣﺪاﻧﻲ إﱃ ﴏف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺗﻌ ﱡﻠﻤﻪ ،ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﺎزﻓني
ﻋﺪٍّا وأﻗﻠﻬﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﺑﻪ! ﻷن ﻋﻠﻢ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﻳﺮاد ﺑﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﻧﻐﺎم ﻣﻦ أول
ﻣﺮة ﺑﺤﺴﺐ أﻳﺔ ﻧﻮﻃﺔ ﻛﺎﻧﺖ ،وﴎﻋﺔ ﻋﺰﻓﻬﺎ ،واﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﻣﻦ املﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ
ﺑﻤﺪى ﻋﴩ ﺳﻨﻮات ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻤﺎدﻳﺔ ،وﻫﺎ ﻧﺤﻦ اﻵن ﻧﻜﻠﻒ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة أن ﺗﴬب ﻋﲆ
اﻵﻟﺔ ﻓﺘﻨﻈﺮﻳﻦ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﴬب ﺟﻴﺪًا ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﻜﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﻚ أن اﻷﻧﻐﺎم اﻟﺘﻲ ﺳﺘُﻄﺮﺑُﻨﺎ
ﺑﻬﺎ ﻗﺪ ﻛﺮرﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﻮﻃﺔ ﻋﺪة ﻣﺮات ﺣﺘﻰ أﻣﻜﻦ ﻟﻬﺎ اﻹﺟﺎدة ﺑﻬﺎ ،ﻋﲆ أن املﻘﺼﺪ ﻣﻦ
اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﻫﻮ ﻏري ذﻟﻚ ،وﻣﺎ دام أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﻌﺰف اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﰲ ﻫﺬا املﺠﻠﺲ؛ ﻓﺎﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﻣﻮﺟﻮد
أﻳﻀﺎ ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺎل ﻳﺠﺐ ﴐب اﻟﻨﻐﻢ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ واﻟﻨﻮﻃﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ً
اﻟﻨﻮﻃﺔ؛ ﻷن ﻣﺮاﺟﻌﺔ اﻷﻧﻐﺎم ﻋﲆ اﻟﻨﻮﻃﺔ ﻋﺪة ﻣﺮات وﺗﻜﺮﻳﺮ اﻟﻌﺰف ﺑﻬﺎ ﻻ ﻳﺴﻤﻰ ً
ﻋﺰﻓﺎ،
ﻣﻴﻼ ﻟﺴﻤﺎﻋﻬﺎ.وﻻ ﻳﱰك ﰲ املﺮء ً
أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأت ﰲ درس اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ اﺷﺘﻐﻠﺖ ﺑﻪ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ ﺑﻤﺰﻳﺪ
اﻟﺮﻏﺒﺔ واﻻﺟﺘﻬﺎد ،وﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻨﻮﻃﺔ ﺑﴪﻋﺔ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ أﺧﱪﻧﻲ اﻟﻌﺎرﻓﻮن ﺑﺎﻟﺒﻴﺎﻧﻮ
أن ﻋﺰﰲ ﺑﻪ ﻛﺎن ﺣﺴﻨًﺎ وﻣﻠﺬٍّا ،ﻏري أن وﺻﻮﱄ إﱃ اﻟﺪرﺟﺔ املﻘﺼﻮدة ﺣﻘﻖ ﻋﻨﺪي ﻣﺎ ﻳﺠﺐ
ﻣﻦ املﺪة ﻟﺒﻠﻮغ املﻄﻠﻮب؛ ﻓﺈن ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ أرﺗﻨﻲ أن أﺳﺘﺎذي ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻓﻖ إﱃ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،ﻓﺤﻤﻠﺖ
ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻋﺪم ﻛﻔﺎءﺗﻪ ،واﺳﺘﺒﺪﻟﺘﻪ ﺑﺄﺳﺘﺎذ ﻃﺎﺋﺮ اﻟﺸﻬﺮة ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ،وأول ﻋﻤﻞ ﺑﺪأت ﺑﻪ
ُﺤﺴﻦ ﻧﻐﻤﻬﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺮرﻫﺎ أﻧﻨﻲ ﻓﺘﺤﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﻧﻮﻃﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ﻋﻬﺪ ﺳﺎﺑﻖ ﻓﻠﻢ ﻳ ِ
ﺛﻼث ﻣﺮات ،ﻓﻌﺪﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺮي ﻋﲆ أﺳﺘﺎذ آﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ أﺧﺬوا ﻳﺴﺘﻐﺮﺑﻮن ﻋﻤﲇ وﻳﻘﻮﻟﻮن:
إﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﺳﺘﺎذ أﻋﺮف ﻣﻨﻪ! ﻓﺄﺧﱪﺗﻬﻢ ﺑﻤﻄﻠﻮﺑﻲ ،ﻓﺄﻧﺒﺌﻮﻧﻲ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ
أن ﻳﻮﺟﺪ ﰲ دار اﻟﺴﻌﺎدة ﺷﺨﺺ أو ﺷﺨﺼﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﺮز املﻄﻠﻮب ،وﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ ﻧﺘﻴﺠﺔ
ﺗﺤﻘﻴﻘﺎﺗﻲ أن ﻣﻊ اﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺘﺎم ،واﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﲆ اﻟﻌﺰف ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ أرﺑﻊ أو ﺧﻤﺲ ﺳﺎﻋﺎت،
ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﰲ ﺧﻼل ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻋﲆ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬه اﻵﻟﺔ ،ﺗﺄﺳﻔﺖ
ﺻ ْﻔﺤً ﺎ ﻋﻦ درس اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ،ﻓﺎﻵن ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺐ اﻟﺬي ﻧﺎﻟﻨﻲ ﰲ ﻣﺪة أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،وﴐﺑﺖ َ
ﴏت إذا رأﻳﺖ ﻧﻐﻤً ﺎ أﻋﺠﺒﻨﻲ أﻓﺘﺢ اﻟﻨﻮﻃﺔ ،وﻻ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﺗﻘﺎﻧﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ أن أﻛﺮره ﻻ أﻗﻞ
ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﻣﺮة ،ﻓﻬﻞ ذات اﻟﺨﺪر ﺗﺤﺴﻦ اﻟﻌﺰف ﺑﺎﻟﺒﻴﺎﻧﻮ؟
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :ﻧﻌﻢ ،ﺗﻌﺮف أن ﺗﻌﺰف ﺑﻪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ﺑﻌﺪ إﱃ درﺟﺘﻲ ،ﺑﻞ
ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ وﻗﺖ ً
أﻳﻀﺎ.
681
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
682
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ً
إﴍاﻗﺎ ،وﻛﻤﺎ أن اﻟﺤﻜﻤﺎء املﺴﻠﻤني أﺧﺬوا اﻟﻌﻠﻮم ﺛﻢ وردت ﻋﲆ أوروﺑﺎ ﻓﺄﴍﻗﺖ ﻓﻴﻬﺎ
اﻟﺤﻜﻤﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،وأﺿﺎﻓﻮا ﻣﺤﺼﻮل أﻓﻜﺎر اﻟﺤﻜﻤﺎء اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني ﻋﲆ اﺧﱰاﻋﺎﺗﻬﻢ،
ﻋﺎل ،ﻫﻜﺬا ﻓﻌﻞ اﻷوروﺑﻴﻮن؛ ﻓﻮﺻﻠﻮا ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم إﱃ درﺟﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﻌﺔ واﻟﺘﻘﺪم ﺑﻤﻜﺎن ٍ
ﻓﺈﻧﻬﻢ رأوا ﻣﺤﺼﻮل ﻣﺴﺎﻋﻲ اﻟﻌﺮب ﺣﺎﴐً ا ﻣﻬﻴﺌًﺎ؛ ﻓﴫﻓﻮا إﻟﻴﻪ أﻓﻜﺎرﻫﻢ وﻏﺎﻳﺎﺗﻬﻢ،
ورﻓﻌﻮا ﺑﺠﺪﻫﻢ ﺷﺄن اﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف إﱃ درﺟﺔ ﺗﺤري اﻟﻌﻘﻮل وﺗﺴﺤﺮ اﻷﻟﺒﺎب .وﰲ اﻟﻮﻗﺖ
اﻟﺤﺎﴐ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻣﺤﺼﻮل ﻣﺴﺎﻋﻲ اﻷوروﺑﻴني املﺸﺎﻫﺪة ﻋﻴﺎﻧًﺎ
ﻷﺟﻞ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻌﻠﻮم واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻋﻨﺪﻧﺎ.
ﻗﺎﻟﺖ :إذا ﻛﺎن اﻟﻮاﻗﻊ ﻫﻜﺬا؛ ﻳﻠﺰم اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺄﺻﺪﻗﺎﺋﻜﻢ اﻟﻘﺪﻣﺎء.
ﻗﻠﺖ :ﻻ ﺷﻚ أﻧﻨﺎ راﻏﺒﻮن ﻓﻴﻬﻢ ﰲ ﺣﴬة ﺳﻠﻄﺎﻧﻨﺎ اﻟﺤﺎﱄ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻨﺬ ﺟﻠﻮﺳﻪ اﻟﻬﻤﺎﻳﻮﻧﻲ
ﺧﺎرﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎدة ،وﻻ ﻧﺮﺗﺎب أﻧﻪ ﰲ وﻗﺖ ﻗﺮﻳﺐ ً ﻗﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ املﻌﺎرف واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﰲ ﺑﻠﺪﻧﺎ ﺗﻘﺪﻣً ﺎ
إﺟﻤﺎﻻ ﺑﺤﺎﻟﺘﻲ اﻟﻜﻤﺎل واﻹﺗﻘﺎن ،وﻻ ﺟﺮم أن ﻣﺠﻲء اﻟﺴﻮاح ﻣﻦ ً ﻧﺮى املﻌﺎرف واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ
أﺻﺤﺎب املﻌﺎرف ﻧﻈريﻛﻦ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻼﻣﺔ ﺑﻴﻨﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺨﺪر :إذا ﺣﺴﻦ ﻟﺪﻳﻚ أﻋﻄﻨﺎ ﻧﻮﻃﺔ ﻳﺮوق ﻟﺪﻳﻚ ﻧﻐﻤﻬﺎ ،وﺷﻘﻴﻘﺘﻲ ﺗﻌﺰف
ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ.
ﻓﻠﺒﻴﺖ اﻟﻄﻠﺐ وأﺗﻴﺘﻬﺎ ﺑﻨﻮﻃﺔ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺎﻷوﺑﺮا ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﺎ ذات اﻟﺒﻌﻞ وﻟﺤﻨﺘﻬﺎ ﻋﲆ
ُ
ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﺗﻠﺤني أﻃﺮﺑﻨﺎ وأدﻫﺸﻨﺎ .وﻟﻌﻤﺮ اﻟﺤﻖ ،إﻧﻨﻲ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻣﺎ ُ
ﻛﻨﺖ
ﺑﻤﺜﻞ ﻋﺰﻓﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺌﻨﺎﻫﺎ ﺑﻨﻮﻃﺔ ﺗﺒﺎدر إﱃ ﺗﻠﺤﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺎل ،ﻓﺘﺤﻘﻘﺖ ﻣﻦ
ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﺪرﺟﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ أﻃﺮﺑﺘﻨﺎ ﺑﺈﻳﻘﺎع ﺑﻌﺾ اﻷﻟﺤﺎن املﺤﻔﻮﻇﺔ
ﰲ ذاﻛﺮﺗﻬﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﺘﻨﺎ ﺣﻴﺎرى ﻣﻦ ﻣﻬﺎرﺗﻬﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺬت اﻟﺸﻘﻴﻘﺘﺎن ﺗﻌﺰﻓﺎن ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﺑﻮﻗﺖ
واﺣﺪ؛ أي ﺑﺄرﺑﻊ أﻳﺪٍ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ» :ﻛﺎﺗﺮﻣﻦ« ،ﻓﺄﻃﺮﺑﺘﻨﺎ أﻳﻤﺎ إﻃﺮاب ،وﺷﻬﺪﻧﺎ
ﻟﺬات اﻟﺨﺪر أﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺎرﻋﺎت ﺟﺪٍّا ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﻤﺎ :ﻧﺎﺷﺪﺗﻜﻤﺎ ﷲ أن ﺗُﻌﻔﻴﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻹﻳﻘﺎع ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻤﻌﻨﺎه.
ﻗﺎﻟﺖ ذات اﻟﺒﻌﻞ :إذا ﺣﺴﻦ أﻃﺮﺑﻴﻨﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻷﻧﻐﺎم اﻟﱰﻛﻴﺔ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻻ ﺑﺄس ،إﻧﻨﺎ ﻧﻠﺤﻦ ﺑﻌﺾ اﻷﻟﺤﺎن اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وإذا ﺷﺌﺖ ﺑﺂﻟﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ :أﻛﻮن ﻣﻤﺘﻨﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ.
وﻗﻌﺖ واﻟﺴﻴﺪﺗني »ص« و»ن« ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻳﻔﺼﻞ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﻣﻦ اﻷﻧﻐﺎم اﻟﱰﻛﻴﺔ وﺑﻌﺪ أن ﱠ
ﻧﻬﻀﺖ إﺣﺪاﻧﺎ إﱃ اﻟﻌﻮد ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﻟﻠﻜﻤﻨﺠﺔ ،واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن ،ﻓﻮﻗﻊ ﻋﲆ ﻫﺎﺗﻪ اﻵﻻت،
ﻓﺤﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺳﺄﻟﺘﻨﺎ ذات اﻟﺒﻌﻞ وﺷﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ إﻳﻘﺎع اﻷﻟﺤﺎن اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﻋﲆ
683
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻌﻮد واﻟﻘﺎﻧﻮن ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻤﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺤﻦ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻟﺤﺎن ،ﻓﺄﺟﺒﺘﻬﻤﺎ :إن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻦ ﻋﲆ
أن ﻋﻨﺪ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻧﻐﻤﺔ ﴎﻳﻌﺔ ﺗﻨﻔﺮد اﻟﻜﻤﻨﺠﺔ ﰲ اﻹﻳﻘﺎع ،وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ذﻟﻚ أﺧﺬﻧﺎ ﻧﻠﺤﻦ
ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻄﻊ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ املﻤﻜﻦ ﺗﻠﺤﻴﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻧﻬﻀﺖ إﱃ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ووﻗﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻻﺷﱰاك
ﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻟﻜﻤﻨﺠﺔ ﻗﻄﻌً ﺎ إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ،ﻓﻘﻄﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪة »ن« ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُ ﱢ
ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ،وﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎوﻟﺔ اﻟﻄﻌﺎم أﺣﴬﻧﺎ ﻟﻠﻀﻴﻔﺎت أﺛﻤﺎ ًرا ﻣﺤﻠﻴﺔ ،وﺟﺒﻨﺎ ﻣﺤﻠﻴٍّﺎ
وزﻳﺘﻮﻧًﺎ وﻣﻘﺪدات ،وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء املﺴﻤﺎة ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻗﻬﻮة أﻟﺘﻲ ،ﻓﺎﺳﺘَﺤْ َﺴ ﱠﻦ ﺟﺒﻨﻨﺎ ﻛﻞ
اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن ،وأﻧﺒﺄﻧﻨﺎ أن ﻣﺮﺑﻴﺎﺗﻨﺎ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻖ اﻷوروﺑﻲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ.
ٍ
ﻣﻤﺘﻨﺎت ﻣﻨﻬﻦ وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل أﻧﻬﻦ ﺗﻨﺎوﻟﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻜﻤﺎل اﻟﺸﻜﺮ واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ،ﻓﺠﻌﻠﻨﻨﺎ
اﻣﺘﻨﺎﻧًﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻃﻔﻨﺎ ﺑﻬﻦ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ،وﺧﻀﻨﺎ ﻋﺒﺎب اﻟﺤﺪﻳﺚ املﻌﻘﻮد ﺑﺄﻫﺪاب
اﻟﻮﻻء ،ﻓﻠﻤﺎ أزﻓﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﴩة ﻣﻮﻋﺪ ﻣﺠﻲء اﻟﻮاﺑﻮر؛ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻦ ﻗﺒﻌﺘﻬﺎ
وﺳﱰﺗﻬﺎ — وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻘﻴﻘﺘﺎن ﰲ ﺧﻼل اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﺘﻜﻠﻤﺎن ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﻛﺎن
ﻛﻼﻣﻬﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﺑﻴﺎن اﻣﺘﻨﺎﻧﻬﻤﺎ ﻣﻨﺎ ،ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ هلل أن ﻛﻼﻣﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ؛
ﻷن ﺳﻤﺎع املﺬﻣﺔ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﻤﺎ ﻻ ﺗﺼﱪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﻔﻮس اﻷﺑﻴﺔ!
وملﺎ ﻛﺎن اﺣﱰام اﻟﻀﻴﻒ دﻳﻨًﺎ واﺟﺒًﺎ ﻛﺎن ﻋﺪم ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﺣﱰاﻣﻬﺎ ﺑﺎملﺜﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺛﺮ
ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻛﻞ اﻟﺘﺄﺛري ،وﻗﺪ ﺗﺼﻮرت اﻟﺴﻴﺪة »ص« أن ﺗﺒﺪي اﻣﺘﻨﺎﻧﻬﺎ ﻟﻠﻀﻴﻔﺎت ﺑﻠﻬﺠﺔ
إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻓﺼﺤﻰ ،ﻏري أن ﺗﺴﱰﻫﺎ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﻨﻌﻬﺎ ﻋﻦ إﻳﻔﺎء ﻫﺬا اﻟﻮاﺟﺐ؛ ﻟﻌﻠﻤﻬﺎ
أن اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺠﺎﻫﻞ ﺑﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺸﻜﻮ ًرا.
وﻗﺪ ﴏﻓﻨﺎ ذاك اﻟﻨﻬﺎر ﺑﺎﻟﴪور واﻻﻧﴩاح؛ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻗﻄﻌﻨﺎ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻨﻪ؛ أي ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح
إﱃ اﻟﻈﻬﺮ ،ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮر ،ﺣﺘﻰ إذا ﺟﺎءت اﻟﺴﺎﺋﺤﺎت اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺎت ﴏﻓﻨﺎ
اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻋﲆ ﻧﻐﻤﺎت اﻷﻟﺤﺎن؛ ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻟﻄﻒ اﻟﺼﺪف.
أﻣﺎ اﻟﺴﻴﺪﺗﺎن »ص« و»ن« ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﺑﻘﻴﺘﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ؛ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻟﻢ ﻳﺮﻳﺪا
ﺗﺮك ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻟﻢ ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻬﻤﺎ واﺑﻮر ﺑﻌﺪ ذﻫﺎب اﻟﻀﻴﻔﺎت ،ﻓﴫﻓﻨﺎ
ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﴏﻓﻨﺎ ذاك اﻟﻨﻬﺎر ﺑﻐﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﻣﺮار اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﴪور ،وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ﰲ
ﻟﻬﻦ أن ﺳﻨﴫف ﻟﻴﻠﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﻊ رﻓﻴﻘﺎﺗﻨﺎ أﺛﻨﺎء ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻀﻴﻔﺎت املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻬﻦ ﺑﻴﱠﻨﱠﺎ ﱠ
املﺬﻛﻮرات.
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ن« :إن ﻃﺎﻟﻌﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺘﺢ ﺑﺎﻟﺰﻫﻮ واملﴪات ،ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ أﴍف
ﻣﻨﻬﺎ؟!
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻻ ﺟﺮم أﻧﻨﺎ ﻟﻮ ﻗﺼﺼﻨﺎ ﺣﻮادث ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺎر ﻋﲆ أﺣﺪ املﻨﺠﻤني ﻷﻧﺒﺄﻧﺎ أن
ﻃﺎﻟﻌﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﰲ ﺑﺮج اﻟﺪﻟﻮ ﻣﻦ اﻟﱪوج اﻟﻬﻮاﺋﻴﺔ ،وﻟﻜﺎن أﻓﺎض ﰲ ﺑﻴﺎن أن اﻟﺴﻌﺪ ﻳﺘﻨﺎﻇﺮ
684
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﰲ ﺑﻴﺖ ﴍﻓﻪ ﻣﻊ ﻋﻄﺎرد ،وأن اﻟﺴﻌﺪ اﻷﻛﱪ ﻧﺎﻇﺮ إﻟﻴﻪ ﺑﻌني املﻮدة واﻟﻮﻻء ،وإﱃ ﻏري ذﻟﻚ
ﻣﻦ اﻻﺻﻄﻼﺣﺎت اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ .ﻻ ﺟﺮم أن ﻫﺎﺗﻪ اﻷﺷﻴﺎء إﻧﻤﺎ ﻫﻲ اﺗﻔﺎق ﺣﺴﻦ؛ ﻓﻨﺴﺄل ﷲ أن
ﻳﺤﻔﻈﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺪف املﻌﻜﻮﺳﺔ واملﻨﻜﻮﺳﺔ.
وﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل أﺧريًا :إﻧﻨﺎ ﴏﻓﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺎر — واﻟﺤﻤﺪ هلل — ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﺣﺎل ﻣﻦ
اﻟﺰﻫﻮ واﻟﴪور .اﻧﺘﻬﻰ.
685
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺠﻴﺶ وﻗﺘﻠﻜﻢ ،ﻓﻌﺎدوا وأﴏوا ﻋﲆ اﻻﻣﺘﻨﺎع ،وﻗﺎﺗﻠﻮا ﻗﺘﺎل ﻣَ ﻦ ﻳﺤﻤﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻛﺎن املﻠﻚ
اﻟﻌﺎدل ﻗﺪ ﻛﺎﺗﺐ أﺧﺎه املﻠﻚ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻤﴫ ﻓﺴﺎر ﻣﺠﺪٍّا ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﱃ ﻋﺴﻘﻼن.
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ اﻹﻓﺮﻧﺞ ذﻟﻚ ،وأن ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻣﻠﻚ أرﺳﻠﻮا إﱃ ﻣﻠﻚ ﻗﱪص وزوﱠﺟﻮه ﻣﻠﻜﺘﻬﻢ،
وﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﺤﺒٍّﺎ ﻟﻠﺴﻠﻢ ،ﻓﻜﻒ ﻋﻦ ﺣﺼﺎر »ﺗﺒﻨني« ،ﺛﻢ اﺻﻄﻠﺤﻮا ﻣﻊ املﻠﻚ اﻟﻌﺎدل وﺗﻌﺎﻗﺒﺖ
املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء ﻋﲆ ﺗﻤﻠﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻣﺪة ﻣﺪﻳﺪة ،ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻠﻜﻬﺎ أﻣﺮاء ﺑﻴﺖ ﻋﲇ ﺻﻐري
املﺬﻛﻮرﻳﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ اﻷﻣري ﻋﲇ ﺑﻚ اﻷﺳﻌﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ.
وإﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ذاك اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﲆ ﻧﺴﺒﻬﻢ اﻟﴩﻳﻒ ﻣﻦ أن ﻳﺨﻠﻄﻮا ﺑﻪ ﻧﺴﺒًﺎ آﺧﺮ
ﻣﻦ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ،وﻻ ﻳﺰوﺟﻮن إﻻ ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ.
وﻛﺎن اﻷﻣري ﻋﲇ ﺑﻚ اﻷﺳﻌﺪ إذ ذاك ﻛﺒري ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻘﺎﻣً ﺎ ورﻓﻌﺔ ،وﻫﻮ اﻟﺤﺎﻛﻢ
اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻋﲆ ﺑﻼد ﺑﺸﺎرة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﺑﺎﻟﻜﺮم وﺣﺴﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ،
ً
وﻣﺘﺼﻔﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪل ﰲ أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ ،وملﺎ زﻓﺖ إﻟﻴﻪ اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻣﻦ »اﻟﻄﻴﺒﺔ« — اﻟﺘﻲ
ﻫﻲ ﺑﻠﺪ واﻟﺪﻫﺎ ،وﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻬﺎ ،وﻣﻨﺒﺖ ﺻﺒﺎﻫﺎ ،وﻣﻬﺪ ﻃﻔﻮﻟﺘﻬﺎ — إﱃ »ﺗﺒﻨني« ،ﻓﺸﻖ ذﻟﻚ
ﻋﲆ ﺷﻘﻴﻘﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻚ اﻷﺳﻌﺪ وﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ وأﻫﻞ ﺑﻠﺪﺗﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺴﻨﺔ إﱃ اﻟﻔﻘري ﻣﻦ
أﻫﻞ اﻟﺒﻠﺪ ،وﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻠﻤﺴﻜني ،وﻋﺎﺋﺪة ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ ،وﻛﺎن ﻳﺤﺒﻬﺎ ﻛ ﱡﻞ ﻣَ ﻦ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة ،وﻛﺎن
ﺷﻘﻴﻘﻬﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻵراء اﻹدارﻳﺔ وﻏريﻫﺎ ﻋﲆ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻬﺎ.
وملﺎ ﻧﻘﻠﺖ إﱃ »ﺗﺒﻨني« ﻧﺎﻟﺖ ﺑﺤﺴﻦ آداﺑﻬﺎ ،وﻛﻤﺎل ﻋﻘﻠﻬﺎ ،ورﻗﺔ ﻟﻄﻔﻬﺎ ،وﻧﻀﺎرة
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﻤ ﱡﻠﻜﻬﺎ ﻓﺆاد
ً ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﺣﻈﻮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪ زوﺟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻜﺖ زﻣﺎم اﻷﻣﻮر،
زوﺟﻬﺎ ،وﺗﻘﻠﺪت إدارة اﻷﺷﻐﺎل املﻨﺰﻟﻴﺔ ،وﻓﺎزت ﻋﲆ ﻛﻞ ﻧﺴﺎﺋﻪ وأﻫﻞ ذاك اﻟﻨﺎدي ،ﻓﻠﻤﺎ
رأى ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲇ ﺑﻚ ذﻟﻚ اﻟﺤﺰم واﻟﻌﺰم ،اﻟﺬي ﻳﻔﻮق ﺣﺰم أﻋﺎﻇﻢ اﻟﺮﺟﺎل ،أﺣﺐﱠ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﺎ
ﰲ اﻷﺣﻜﺎم ،واﻋﺘﻤﺪ ﻋﲆ آراﺋﻬﺎ اﻟﺴﺪﻳﺪة ،ﻓﺘﻌﺎﻃﺖ اﻷﺣﻜﺎم ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،وﺷﺎرﻛﺘﻪ ﺑﺎﻟﺮأي،
وﺣﻜﻤﺖ وﻋﺪﻟﺖ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس ،ﺣﺘﻰ أﺣﺒﻬﺎ اﻟﻜﺒري واﻟﺼﻐري ،واﻟﻐﻨﻲ واﻟﻔﻘري ،وﻟﻢ
ﻳﻐريﻫﺎ ﰲ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻣﺎ ﺻﺎرت إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﺴﻠﻄﺔ ﻋﻦ ﺣﺒﻬﺎ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨري
ً
ﻣﺨﺼﻮﺻﺎ واﻹﺣﺴﺎن إﱃ اﻟﻔﻘﺮاء ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ ﰲ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺟﻌﻠﺖ ﰲ دارﻫﺎ ٍّ
ﻣﺤﻼ
ﻟﱰﺑﻴﺔ اﻷوﻻد اﻟﻴﺘﺎﻣﻰ وأوﻻد اﻟﺴﺒﻴﻞ ،وﺷﻬﺮت ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺨري ،وﻗﺼﺪﻫﺎ املﻀﻄﺮون ،وﻟﺠﺄ
إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺨﺎﺋﻔﻮن.
وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺒﺬل ﻟﻬﺎ ﺣﺠﺎب ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺎﻃﻰ اﻷﺣﻜﺎم ﻣﻦ وراء اﻟﺤﺠﺎب ،وﺗﻨﻈﺮ
ﰲ اﻟﺪﻋﺎوى داﺧﻞ اﻟﺤﺠﺎب ،وﻛﺎن ﻛ ﱡﻞ ﻣَ ﻦ ﰲ دﻳﻮان اﻷﻣري ﻋﲇ ﺑﻚ ﻳﻌﺠﺒﻮن ﺑﺂراﺋﻬﺎ ،وﺳﻤﻮ
أﻓﻜﺎرﻫﺎ ﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﴩﻋﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﻛﺬﻟﻚ إﱃ ﺳﻨﺔ ١٢٨١
686
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﳾء ﻣﻦ اﻷﻣﻮال اﻷﻣريﻳﺔ؛ ﻷن ﻛﺮﻣﻪ اﻟﺤﺎﺗﻤﻲ ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﻛﺎن اﻟﺒﻚ املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻪ ﻗﺪ ﱠ
ﻛﺎن ﻳﻀﻄﺮه إﱃ ذﻟﻚ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻛﺎن ﰲ دوﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻛﺎن إذا رﻛﺐ ﻳﺮﻛﺐ ﻣﻌﻪ ﻓﻮق
واﻟﺴﻴﱠﺎس واﻟﻌﻤﺎل واﻟﻄﺒﺎﺧني واﻟﻔﺮاﺷني،املﺎﺋﺘﻲ ﻓﺎرس ﻣﻦ ﺣﺸﻤﻪ ،وذﻟﻚ ﺧﻼف اﻟﺨﺪم ﱡ
وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻊ داﺋﺮة اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻣﻦ وﻛﻼء وﺧﺪم وﻃﺒﺎﺧني وﻏري ذﻟﻚ.
وﻛﺎن ﰲ ﻗﻠﻌﺔ »ﺗﺒﻨني« ﻣﺤ ﱞﻞ ﻟﻠﻀﻴﻮف ﻳﺴﻊ أﻟﻔﻲ ﺷﺨﺺ ،وﻓﻴﻪ ﻣﻦ املﻔﺮوﺷﺎت
واﻷﺛﺎث ﻣﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻘﴫ اﻟﻔﺎﺧﺮ ،ﻛﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻬﺎ ﻟﺮاﺣﺔ اﻟﻀﻴﻮف ،وﻟﻪ ﻓﺮاﺷﻮن
ﻣﺨﺘﺼﻮن ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻀﻴﻮف ﻓﻘﻂ ،واﻟﻄﺒﺎﺧﻮن ﻛﺬﻟﻚ ،ﻏري اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺪﻣﻮن املﻘﻴﻤني ﻣﻦ
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وﻛﻞ ﻫﺆﻻء اﻷﺗﺒﺎع ﻟﻬﻢ اﻟﺮواﺗﺐ ﻣﻦ داﺋﺮة اﻷﻣري املﻮﻣﻰ إﻟﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺸﻌﺮاء
واﻟﻄﺎﻟﺒﻮن ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﻮب ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺮد أﺣﺪًا ﺑﺪون ﺟﺎﺋﺰة ،وﻳﻔﺪ إﻟﻴﻪ اﻟﺰاﺋﺮون ﻣﻦ ﻛﻞ
املﺪن اﻟﺸﻬرية ﻣﻦ ﻛﺒﺎر املﺘﻮﻇﻔني وﻏريﻫﻢ ﻳﻤﻀﻮن ﻋﻨﺪه ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ﰲ اﻟﻘﻠﻌﺔ؛ ﻟﺤﺴﻦ
ﻫﻮاﺋﻬﺎ ،وﻃﻴﺐ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ،وﺧﺼﺐ ﺗﺮﺑﺔ ﺗﻠﻚ اﻷراﴈ واﻟﺠﺒﺎل اﻟﻨﴬة.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻪ ﺣﺴﺎد وأﻋﺪاء ﻣﻦ أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ ﻗﺪ أﺿﻤﺮوا ﻟﻪ اﻟﻀﻐﻴﻨﺔ ،وأﻟﻘﻮا
اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ؛ ﺣﺴﺪًا ﻣﻨﻬﻢ ملﺎ ﻧﺎﻟﻪ ﻣﻦ املﺠﺪ واﻟﺮﻓﻌﺔ ،وﻋﻤﻠﻮا ﻋﲆ إﻟﻘﺎء اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ وﻣﺤﺎﺳﺒﺘﻪ
ﻋﲆ اﻷﻣﻮال اﻷﻣريﻳﺔ ،ﻓﺤﻮﺳﺐ ﰲ ﻣﺪة ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺷﻬﻮر وﻫﻮ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﺠﺰ ،وﻇﻬﺮ ﻃﺮﻓﻪ ﻣﺒﺎﻟﻎ
ﺟﺴﻴﻤﺔ.
ﻓﻘﺎﻣﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﺑﺄﻋﺒﺎء ﻫﺬا اﻟﺤﻤﻞ اﻟﺜﻘﻴﻞ ،وﺗﺪﺑﺮت اﻷﻣﻮال
املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺟﻤﻌﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻬﺎ وأﻣﻮال ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ،وﺑﺎﻋﺖ ﺣُ ﻠﻴﻬﺎ وﺣُ ﲇ ﻛﻞ اﻣﺮأة
ﰲ داﺋﺮﺗﻬﺎ؛ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﺳﺪاد ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮال املﻄﻠﻮﺑﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﻜﻞ ﺣﺰم
ﻳﻔﻮق ﺷﻬﺎﻣﺔ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺻﺪر اﻷﻣﺮ ﺑﺨﻼﺻﻪ ﰲ أواﺧﺮ ﺳﻨﺔ ١٢٨١ﻫﺠﺮﻳﺔ.
وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أراد اﻟﺮﺟﻮع إﱃ وﻃﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺤﺠﻮ ًرا ﻋﻠﻴﻪ ،وﻫﻲ ﻗﻠﻌﺔ دﻣﺸﻖ
اﻟﺸﺎم ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﺳﻨﺔ ١٢٨٢ﻫﺠﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮﺑﺎء اﻟﻌﺎم املﺸﻬﻮر ﺑﺎﻟﻜﻮﻟريا ،وﻫﻨﺎﻟﻚ
ﱠ
وﺗﻮﻓﺎه ﷲ ﺗﻌﺎﱃ. ﻗﺒﻞ اﻧﺘﻘﺎﻟﻪ إﱃ وﻃﻨﻪ أﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﻜﻮﻟريا ﺑﺪﻣﺸﻖ اﻟﺸﺎم ،وﻣﻜﺚ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم،
وﻛﺎن ﺑﺮﻓﻘﺘﻪ أﺧﻮﻫﺎ اﻷﻣري ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻚ اﻷﺳﻌﺪ ،ﻓﺄﺻﻴﺐ اﻷﻣري ً
أﻳﻀﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺪاء وﻟﺤﻖ
ﺑﺎﺑﻦ ﻋﻤﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﻤﺎ ﰲ أﺳﺒﻮع واﺣﺪ ،ﺗﺎرﻛني ﻵﻟﻬﻤﺎ اﻟﺤﺰن اﻟﻄﻮﻳﻞ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﻜﺒﺔ
أﻳﻀﺎ ﺑﻮﻓﺎة أﻣريﻫﺎ ،ﻓﻼزﻣﺖ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ املﺬﻛﻮرة ،وﻧﻜﺒﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ً
ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ اﻷﺣﺰان واﻷﻛﺪار ﺑﺴﺒﺐ ﻓﻘﺪ ﺑﻄﻠﻴﻬﺎ :اﻟﺰوج واﻷخ ﰲ آن واﺣﺪ ،واﻧﻘﻄﻌﺖ إﱃ
»اﻟﺰرﻳﺮﻳﺔ« — وﻫﻲ ﻣﺰرﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺰارع زوﺟﻬﺎ — ﻓﺎﻗﺘﺴﻤﺖ ﻣﺎ ﻳﺨﺼﻬﺎ وﻳﺨﺺ ﺑﻨﺎﺗﻬﺎ
اﻟﺜﻼﺛﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ وﻟﺪت ﻟﻪ ﺟﻤﻠﺔ أوﻻد ﻣﻦ ذﻛﻮر وإﻧﺎث ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺶ ﻟﻬﺎ إﻻ ﻫﺆﻻء اﻟﺜﻼث
ﺑﻨﺎت.
687
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﺣﺘﻰ دﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ وﻫﻮ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﲆ ﺧﺮاﺑﻬﺎ ،وﻗﻄﻊ ﻧﺨﻠﻬﺎ ،واﺳﺘﺌﺼﺎل أﻫﻠﻬﺎ،
وﺳﺒﻲ اﻟﺬرﻳﺔ ،ﻓﻨﺰل ﺑﺴﻔﺢ أُﺣﺪ ﻓﺎﺣﺘﻔﺮ ﺑﻬﺎ ﺑﱤًا — وﻫﻲ اﻟﺒﱤ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ إﱃ اﻟﻴﻮم:
ﺑﱤ املﻠﻚ — ﺛﻢ أرﺳﻞ إﱃ أﴍاف أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﺄﺗﻮا ،ﻓﻜﺎن ﻓﻴﻤﻦ أرﺳﻞ إﻟﻴﻪ زﻳﺪ ﺑﻦ أﻣﻴﺔ
ﺑﻦ زﻳﺪ ،واﺑﻦ ﻋﻤﻪ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺿﺒﻴﻌﺔ ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﻮف ،واﺑﻦ ﻋﻤﻪ زﻳﺪ ﺑﻦ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ
زﻳﺪ ،واﺑﻦ ﻋﻤﻪ زﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ زﻳﺪ — وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﻤﻮن اﻷزﻳﺎد — وأﺣﻴﺤﺔ ﺑﻦ اﻟﺠﻼح،
ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء رﺳﻮﻟﻪ ﻗﺎل اﻷزﻳﺎد :إﻧﻤﺎ أرﺳﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﻟﻴﻤﻠﻜﻨﺎ ﻋﲆ أﻫﻞ ﻳﺜﺮب.
688
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﻘﺎل أﺣﻴﺤﺔ :وﷲ ﻣﺎ دﻋﺎﻛﻢ ﻟﺨري ،وﻗﺎل :ﻟﻴﺖ ﺣﻈﻲ ﻣﻦ أﺑﻲ ﻛﺮب أن ﻳﺮد ﺧﱪه
ﻣﺜﻼ ،ﻓﺨﺮﺟﻮا إﻟﻴﻪ ،وﺧﺮج أﺣﻴﺤﺔ وﻣﻌﻪ ﻓﻜﻴﻬﺔ ﺟﺎرﻳﺘﻪ وﺧﺒﺎء وﺧﻤﺮ، ﺟﺒﻠﻪ .ﻓﺬﻫﺒﺖ ً
ﻓﴬب اﻟﺨﺒﺎء وﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﺎرﻳﺔ واﻟﺨﻤﺮ.
ﺛﻢ ﺧﺮج ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺄذن ﻋﲆ ﺗُﺒﱠﻊ ﻓﺄذن ﻟﻪ وأﺟﻠﺴﻪ ﻣﻌﻪ ﻋﲆ ُز ْرﺑﻴﱠﺔ ﺗﺤﺘﻪ ،وﺗﺤﺪث
ﻣﻌﻪ وﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ أﻣﻮاﻟﻪ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺨﱪه ﻋﻨﻬﺎ ،وﺟﻌﻞ ﺗُﺒﱠﻊ ﻛﻠﻤﺎ أﺧﱪه ﻋﻦ ﳾء ﻣﻨﻬﺎ
ﻳﻘﻮل :ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟ ﱡﺰ ْرﺑﻴﱠﺔ .ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﺗُﺒﱠﻊ َﻗﺘ َﻞ أﺣﻴﺤﺔ ،ﻓﻔﻄﻦ أﺣﻴﺤﺔ أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﻗﺘﻠﻪ
ﻓﺨﺮج ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ،ﻓﺪﺧﻞ ﺧﺒﺎءه ﻓﴩب اﻟﺨﻤﺮ وﻗﺮض أﺑﻴﺎﺗًﺎ وأﻣﺮ ﻓﻜﻴﻬﺔ أن ﺗﻐﻨﻴﻪ ﺑﻬﺎ،
ﺣﺮﺳﺎ .واﻷﺑﻴﺎت ﻫﻲ: ً وﺟﻌﻞ ﺗﺒﻊ ﻋﻠﻴﻪ
ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﻓﻜﻴﻬﺔ ﺗﻐﻨﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻮﻣﻪ وﻋﺎﻣﺔ ﻟﻴﻠﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺎم اﻟﺤﺮس ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إﻧﻲ ذاﻫﺐ
إﱃ أﻫﲇ ﻓﺴﺪﱢي ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺨﺒﺎء ،ﻓﺈذا ﺟﺎء رﺳﻮل املﻠﻚ ﻓﻘﻮﱄ :ﻫﻮ ﻧﺎﺋﻢ ،ﻓﺈذا أﺑﻮا إﻻ أن
ﻳﻮﻗﻈﻮﻧﻲ ﻓﻘﻮﱄ :ﻗﺪ رﺟﻊ إﱃ أﻫﻠﻪ وأرﺳﻠﻨﻲ إﱃ املﻠﻚ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻓﺈن ذﻫﺒﻮا ﺑﻚ إﻟﻴﻪ ﻓﻘﻮﱄ
ﻟﻪ :ﻳﻘﻮل ﻟﻚ أﺣﻴﺤﺔ :اﻏﺪر ﺑﻘﻴﻨﺔ أو دع! ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻖ ﻓﺘﺤﺼﻦ ﰲ أﻃﻤﺔ اﻟﻀﺤﻴﺎن ،وأرﺳﻞ
ﺗﺒﻊ ﻣﻦ ﺟﻮف اﻟﻠﻴﻞ إﱃ اﻷزﻳﺎد ﻓﻘﺘﻠﻬﻢ ﻋﲆ ﻗﻔﺎرة ﻣﻦ ﻗﻔﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮة ،وأرﺳﻞ إﱃ أﺣﻴﺤﺔ
ﻟﻴﻘﺘﻠﻪ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﻓﻜﻴﻬﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻮ راﻗﺪ .ﻓﺎﻧﴫﻓﻮا وﺗﺮددوا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮا ًرا ،ﻛﻞ ذﻟﻚ
ﺗﻘﻮل :ﻫﻮ راﻗﺪ ،ﺛﻢ ﻋﺎدوا ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻟﺘﻮﻗﻈﻨﻪ أو ﻟﻨﺪﺧﻠﻦ ﻋﻠﻴﻚ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ رﺟﻊ إﱃ أﻫﻠﻪ وأرﺳﻠﻨﻲ إﱃ املﻠﻚ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ املﻠﻚ ،ﻓﻠﻤﺎ
دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﻨﻪ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺧﱪه وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﻘﻮل ﻟﻚ :اﻏﺪر ﺑﻘﻴﻨﺔ أو دع .ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻛﻠﻤﺔ
ﻣﺜﻼ ،ﻓﺠﺮد ﻟﻪ ﻛﺘﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﻠﻪ ،ﺛﻢ أرﺳﻠﻬﻢ ﰲ ﻃﻠﺒﻪ ،ﻓﻮﺟﺪوه ﻗﺪ ﺗﺤﺼﻦ أﺣﻴﺤﺔ ﻫﺬه ً
ﰲ أﻃﻤﺔ ،ﻓﺤﺎﴏوه ﺛﻼﺛًﺎ ﻳﻘﺎﺗﻠﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر ،وﻳﺮﻣﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺒﻞ واﻟﺤﺠﺎرة ،وﻳﺮﻣﻲ إﻟﻴﻬﻢ
ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﺘﻤﺮ! ﻓﻠﻤﺎ ﻣﻀﺖ اﻟﺜﻼث رﺟﻌﻮا إﱃ ﺗﺒﻊ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﺗﺒﻌﺜﻨﺎ إﱃ رﺟﻞ ﻳﻘﺎﺗﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر،
وﻳﻀﻴﻔﻨﺎ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ؟! ﻓﱰﻛﻪ واﻧﴫف.
689
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻣﻦ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
690
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻛﻨﺖ أدﺧﻞ ﻓﻤُﻨﻌﺖ ،وأﺧﺬ ﺑﻴﺪي اﻟﺨﺪم ﻓﺄدﺧﻠﻮﻧﻲ وﻋﺪﻟﻮا ﺑﻲ إﱃ ﻃﺮق ﻻ أﻋﺮﻓﻬﺎ ،ﻓﺰاد
ذﻟﻚ ﰲ ﺟﺰﻋﻲ وﻏﻤﻲ!
ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺰل اﻟﺨﺪم ﻳﺴﻠﻤﻮﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺧﺪم إﱃ ﺧﺪم ﺣﺘﻰ أﻓﻀﻴﺖ إﱃ دار ﻣﻔﺮوﺷﺔ
رواق أرﺿﻪ وﺣﻴﻄﺎﻧﻪ ٍ اﻟﺼﺤﻦ ،ﻣﻠﺒﺴﺔ اﻟﺤﻴﻄﺎن ﺑﺎﻟﻮﳾ املﻨﺴﻮج ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،ﺛﻢ أﻓﻀﻴﺖ إﱃ
ﻣﻠﺒﺴﺔ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ،وإذا ﺑﺎﻟﻮاﺛﻖ ﰲ ﺻﺪره ﻋﲆ ﴎﻳﺮ ﻣﺮﺻﻊ ﺑﺎﻟﺠﻮاﻫﺮ ،وﻋﻠﻴﻪ ﺛﻴﺎب
ﻣﻨﺴﻮﺟﺔ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،وإﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﺮﻳﺪة ﺟﺎرﻳﺘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺛﻴﺎﺑﻪ ،وﰲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ﻋﻮدٌ ،ﻓﻠﻤﺎ
رآﻧﻲ ﻗﺎل :ﺟﻮدت وﷲ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ،إﻟﻴﻨﺎ إﻟﻴﻨﺎ .ﻓﻘﺒ ُ
ﱠﻠﺖ اﻷرض ﺛﻢ ﻗﻠﺖ :ﺧريًا ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني؟!
أﺣﻖ ﻣﻨﻚ،ﻃﻠﺒﺖ وﷲ ﺛﺎﻟﺜًﺎ ﻳﺆاﻧﺴﻨﺎ ﻓﻠﻢ أ َر ﱠ
ُ ﻗﺎل :ﺧريًا أرى؛ أﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ؟! أﻧﺎ
َ
وﴍﺑﺖ َ
أﻛﻠﺖ ﻓﺒﺤﻴﺎﺗﻲ ﺑﺎدِ ْر ﻓ ُﻜ ْﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ،وﺑﺎد ْر إﻟﻴﻨﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻗﺪ وﷲ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي،
ً
أﻳﻀﺎ.
ُ
رﻃﻼ ﰲ ﻗﺪح ،ﻓﺄﺣﴬ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ً ﻗﺎل :ﻓﺎﺟﻠﺲ ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ،وﻗﺎل :ﻫﺎﺗﻮا ملﺤﻤﺪ
ﻟﻔﺮﻳﺪة :ﻏﻨﱢﻲ ،ﻓﻐﻨﱠﺖ:
ﻓﺠﺎءت وﷲ ﺑﺎﻟﺴﺤﺮ ،وﺟﻌﻞ اﻟﻮاﺛﻖ ﻳﺠﺎذﺑﻬﺎ ،وﰲ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﺗﻐﻨﻲ اﻟﺼﻮت ﺑﻌﺪ
اﻟﺼﻮت ،وأﻏﻨﻲ أﻧﺎ ﰲ ﺧﻼل ﻏﻨﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻤﺮ ﻟﻨﱠﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻣ ﱠﺮ ﻷﺣﺪ ،ﻓﺈﻧﱠﺎ ﻟﻜﺬﻟﻚ إذ رﻓﻊ رﺟﻠﻪ
ﻓﴬب ﺻﺪر ﻓﺮﻳﺪة ﺑﻬﺎ ﴐﺑﺔ ﺗﺪﺣﺮﺟﺖ ﻣﻦ أﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ إﱃ اﻷرض ،وﺗﻔﺘﺖ ﻋﻮدﻫﺎ!
ُ
ﻧﻈﺮت وﻣﺮت ﺗﻌﺪو وﺗﺼﻴﺢ ،وﺑﻘﻴﺖ أﻧﺎ ﻛﺎملﻨﺰوع اﻟﺮوح ،وﻟﻢ أﺷﻚ أن ﻋﻴﻨﻪ وﻗﻌﺖ إﱄ ﱠ وﻗﺪ
وﻧﻈﺮت إﱄ ﱠ ،ﻓﺄﻃﺮق ﺳﺎﻋﺔ إﱃ اﻷرض ﻣﺘﺤريًا ،وأﻃﺮﻗﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﴐب اﻟﻌﻨﻖ؛ ﻓﺈﻧﻲ ْ إﻟﻴﻬﺎ
ﻟﻜﺬﻟﻚ إذ ﻗﺎل :ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻓﻮﺛﺒﺖ.
ﻓﻘﺎل :وﻳﺤﻚ! أرأﻳﺖ أﻏﺮب ﻣﻤﺎ ﺗﻬﻴﱠﺄ ﻋﻠﻴﻨﺎ! ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،اﻟﺴﺎﻋﺔ وﷲ ﺗﺨﺮج
روﺣﻲ ،ﻓﻌﲆ ﻣﻦ أﺻﺎﺑﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌني ﻟﻌﻨﺔ ﷲ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺐ اﻟﺬﻧﺐ؟!
ﻗﺎل :ﻻ وﷲ ،وﻟﻜﻦ ﻓﻜﺮت أن ﺟﻌﻔ ًﺮا ﻳﻘﻌﺪ ﻫﺬا املﻘﻌﺪ ،وﻳﻘﻌﺪ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪة
ﻓﴪي ﻋﻨﻲ وﻗﻠﺖ :ﺑﻞ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﻌﻲ ،ﻓﻠﻢ أُﻃﻖ اﻟﺼﱪ ،وﺧﺎﻣﺮﻧﻲ ﻣﺎ أﺧﺮﺟﻨﻲ إﱃ ﻣﺎ رأﻳﺖ! ُ ﱢ
ﷲ ﺟﻌﻔ ًﺮا وﻳﺤﻴﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني أﺑﺪًا! وﻗﺒﱠﻠﺖ اﻷرض وﻗﻠﺖ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﷲ ﷲ ،ارﺣﻤﻬﺎ و ُﻣ ْﺮ
ﺑﺮدﱢﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺨﺪم اﻟﻮﻗﻮف :ﻣَ ﻦ ﻳﺠﻲء ﺑﻬﺎ؟ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺄﴎع ﻣﻦ أن ﺧﺮﺟﺖ وﰲ
691
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﺪﻫﺎ ﻋﻮدﻫﺎ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏري اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺒ ُﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﺟﺬﺑﻬﺎ وﻋﺎﻧﻘﻬﺎ ،ﻓﺒ َﻜ ْﺖ
وﺟﻌَ ﻞ ﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ،واﻧﺪﻓﻌﺖ أﻧﺎ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء!
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ذﻧﺒﻲ ﻳﺎ ﻣﻮﻻي؟! وﺑﺄي ﳾء اﺳﺘﻮﺟﺒﺖ ﻫﺬا؟! ﻓﺄﻋﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﱄ
وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ وﻫﻲ ﺗﺒﻜﻲ ً
أﻳﻀﺎ!
ﴐﺑﺖ ﻋﻨﻘﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وأرﺣﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا ْ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﺎهلل ،ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،إﻻ
ْ
وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺒﻜﻲ وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ! اﻟﻔﻜﺮ ،وأرﺣﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ اﻟﻬ ﱢﻢ ﺑﻲ،
ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺎ أﻋﻴﻨﻬﻤﺎ ،ورﺟﻌﺖ إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ،وأوﻣﺄ إﱃ اﻟﺨﺪم اﻟﻮﻗﻮف ﺑﴚء ﻻ أﻋﺮﻓﻪ،
أﻛﻴﺎﺳﺎ ﻓﻴﻬﺎ دراﻫﻢ ودﻧﺎﻧري ورزﻣً ﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻴﺎب ﻛﺜرية ،وﺟﺎء ﺧﺎدم ﺑﺪرج ً ﻓﻤﻀﻮا وأﺣﴬوا
ﻓﻔﺘﺤﻪ وأﺧﺮج ﻣﻨﻪ ﻋﻘﺪًا ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻗﻂ ﻣﺜﻞ ﺟﻮﻫﺮه ،ﻓﺄﻟﺒﺴﻬﺎ إﻳﺎه ،وأُﺣﴬت ﺑﺪرة ﻓﻴﻬﺎ
ﻌﻠﺖ ﺑني ﻳﺪي ،وﺧﻤﺴﺔ ﺗﺨﻮت ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻴﺎب ،وﻋﺪﻧﺎ إﱃ أﻣﺮﻧﺎ وإﱃ ﻋﴩة آﻻف درﻫﻢ ﻓﺠُ ْ
أﺣﺴﻦ ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻧﺰل ﻛﺬﻟﻚ إﱃ اﻟﻠﻴﻠﺔ.
ﺛﻢ ﺗﻔﺮﻗﻨﺎ وﴐَ ب اﻟﺪﻫﺮ ﴐْ ﺑﻪ وﺗﻘ ﱠﻠﺪ املﺘﻮﻛﻞ ،ﻓﻮﷲ إﻧﻨﻲ ﻟﻔﻲ ﻣﻨﺰﱄ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﺑﺘﻲ
دﺧﻠﺖ وﷲ ُ وﴏت إﱃ اﻟﺪار ﻓﺄ ُ
ُ ُ
رﻛﺒﺖ! إذ ﻫﺠﻢ ﻋﲇ رﺳﻮل اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﻤﺎ أﻣﻬﻠﻮﻧﻲ ﺣﺘﻰ
اﻟﺤﺠﺮة ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،وإذا املﺘﻮﻛﻞ ﰲ املﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻴﻪ اﻟﻮاﺛﻖ ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وإﱃ
ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﺮﻳﺪة ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻧﻲ ﻗﺎل :وﻳﺤﻚ! أﻣﺎ ﺗﺮى ﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻴﻪ ِﻣﻦ ﻫﺬه؟! أﻧﺎ ﻣﻨﺬ ﻏﺪوة أﻃﺎﻟﺒﻬﺎ
ﺑﺄن ﺗﻐﻨﻴﻨﻲ ﻓﺘﺄﺑﻰ ذﻟﻚ؟! ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﺳﺒﺤﺎن ﷲ! أﺗﺨﺎﻟﻔني ﺳﻴﺪك وﺳﻴﺪﻧﺎ وﺳﻴﺪ
اﻟﺒﴩ؟! ﺑﺤﻴﺎﺗﻲ ﻏﻨﻲ! ﻓﻌﺮﻓﺖ وﷲ أﻧﻪ ﺗﻢ اﻟﺘﻔﺎؤل ،ﺛﻢ اﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻐﻨﻲ:
ﺛﻢ ﴐﺑﺖ ﺑﺎﻟﻌﻮد اﻷرض ورﻣﺖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﴪﻳﺮ ،وﻣﺮت ﺗﻌﺪو وﻫﻲ ﺗﺼﻴﺢ :وا
ﺳﻴﺪاه!
ﻓﻘﺎل ﱄ :وﻳﺤﻚ! ﻣﺎ ﻫﺬا؟! ﻓﻘﻠﺖ :ﻻ أدري وﷲ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﻓﻘﺎل :ﻓﻤﺎ ﺗﺮى؟ ﻓﻘﻠﺖ:
أرى أن أﻧﴫف أﻧﺎ وﺗﺤﴬ ﻫﻲ وﻣﻌﻬﺎ ﻏريﻫﺎ؛ ﻓﺈن اﻷﻣﺮ ﻳﺌﻮل إﱃ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ أﻣري املﺆﻣﻨني،
ﻗﺎل :ﻓﺎﻧﴫف ﰲ ﺣﻔﻆ ﷲ ،ﻓﺎﻧﴫﻓﺖ وﻟﻢ أدر ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﺔ.
692
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﻛ ﻞ اﻣ ﺮئ ﻣ ﻤ ﺎ ﺑ ﺼ ﺎﺣ ﺒ ﻪ ﺧ ﻠ ﻮ أﺧ ﻼي ﺑ ﻲ ﺷ ﺠ ﻮ وﻟ ﻴ ﺲ ﺑ ﻜ ﻢ ﺷ ﺠ ﻮ
ﻓ ﻠ ﻢ ﻳ ﺒ ﻖ إﻻ اﻟ ﺮوح واﻟ ﺠ ﺴ ﺪ اﻟ ﻨ ﻀ ﻮ أذاب اﻟﻬﻮى ﻟﺤﻤﻲ وﺟﺴﻤﻲ وﻣﻔﺼﻠﻲ
ﺎدﻗ ﺎ إﻻ ﺳ ﻴ ﺪﺧ ﻠ ﻪ زﻫ ﻮ ﻫ ﻮًى ﺻ ً وﻣ ﺎ ﻣ ﻦ ﻣ ﺤ ﺐ ﻧ ﺎل ﻣ ﻤ ﻦ ﻳ ﺤ ﺒ ﻪ
ﻓ ﺄﺣ ﺒ ﺒ ﺖ ﺟ ﻬ ًﻼ واﻟ ﺒ ﻼﻳ ﺎ ﻟ ﻬ ﺎ ﺑ ﺪو ﺑ ﻠ ﻴ ﺖ وﻛ ﺎن اﻟ ﻤ ﺰح ﺑ ﺪء ﺑ ﻠ ﻴ ﺘ ﻲ
وإﻧ ﻲ ﻓ ﻲ ﻛ ﻞ اﻟ ﺨ ﺼ ﺎل ﻟ ﻪ ﻛ ﻔ ﻮ وﻋ ﻠ ﻘ ﺖ ﻣ ﻦ ﻳ ﺰﻫ ﻮ ﻋ ﻠ ﻲ ﺗ ﺠ ﺒ ًﺮا
ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﺒﻠﻪ وﻻ ﺑﻌﺪه ﻏﻨﺎء أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ .وﻗﺎل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﺑﺎﻧﺔ :ﻏﻨﻴﺖ أﻣﺎم
اﻟﻮاﺛﻖ ﻳﻮﻣً ﺎ:
ﻓﻘﺎل ﱄ :ﺗﻘﺪم إﱃ اﻟﺴﺘﺎرة ﻓﺄﻟﻘﻪ ﻋﲆ ﻓﺮﻳﺪة ،ﻓﺄﻟﻘﻴﺘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﻮ ﺧﲇ أو ﺧ ﱟﻞ؛
ﻛﻴﻒ ﻫﻮ؟ ﻓﻌﻠﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻟﻬﺎ اﺳﻤﻬﺎ ﺧﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ رﺑﻴﺔ ﻣﻌﻬﺎ ،وأﺧﻔﺖ
ذﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻮاﺛﻖ.
وﺑﻘﻴﺖ ﻣﺪة ﰲ دار ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻮاﺛﻖ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ ﻋﻨﺪه.
693
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﻣﻌﱰﻓﺎ ﺑﻬﺎ ،وأن ﺑﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﻏري أﻣﻬﺎ ﺗﻮاﻃﺌﻮا ﻋﲆ ﺑﻴﻌﻬﺎ وﺟﺤﺪﻫﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﺄدﱠﺑﻬﺎ وﺧ ﱠﺮﺟﻬﺎ
ﺗُﻌﺮف ﺑﻌﺪ أن أﻋﺘﻘﺖ إﻻ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻌﺒﻴﺪﻳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺴﻨﺔ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﺠﺴﻢ واﻟﻘﻮام ،أدﻳﺒﺔ،
ﻓﺼﻴﺤﺔ ،ﴎﻳﻌﺔ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ ،ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﰲ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ﻧﺴﺎء زﻣﺎﻧﻬﺎ أﺷﻌﺮ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻫﺮ :ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻣﻊ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺨﺎﺳني ﺑﺎﻟﻜﺮخ
ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﺣﺴﻨﻮﻳﻪ ،ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﺮج أﺧﻮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻔﺮج اﻟﺮاﺟﺤﻲ وأﻫﺪاﻫﺎ إﱃ
املﺘﻮﻛﻞ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺠﻠﺲ ﻟﻠﺮﺟﺎل ،وﻳﺄﺗﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ،ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ أﺑﻮ دﻟﻒ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ
ﻋﻴﴗ:
وملﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ املﺘﻮﻛﻞ ﻳﻮم أﻫﺪﻳﺖ إﻟﻴﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أﺷﺎﻋﺮة أﻧﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺬا زﻋﻢ ﻣَ ﻦ
ﺑﺎﻋﻨﻲ واﺷﱰاﻧﻲ ،ﻓﻀﺤﻚ وﻗﺎل :أﻧﺸﺪﻳﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮك ،ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ:
ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻦ اﻷﺑﻴﺎت وأﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف درﻫﻢ ،وأﻣﺮ ﻋﺮﻳﺐ ﻓﻐﻨﱠﺖ ﻓﻴﻬﺎ.
وﻛﺎن املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ املﺘﻮﻛﻞ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺎرﻳﺘﻪ وﻫﻮ ﺻﻐري ﰲ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻴﻪ ،ﻓﺎﺷﺘﻂ
ﻣﻮﻻﻫﺎ ﰲ اﻟﺴﻮم ﻓﻠﻢ ﻳﺸﱰﻫﺎ ،وﺧﺮج ﺑﻬﺎ ﻣﻮﻻﻫﺎ إﱃ اﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ ،ﻓﺒﻴﻌﺖ ﻫﻨﺎك.
694
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وملﺎ وﱄ املﻌﺘﻤﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﺄل ﻋﻦ ﺧﱪﻫﺎ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :إﻧﻬﺎ ﺑﻴﻌﺖ وأوﻟﺪﻫﺎ ﻣﻮﻻﻫﺎ اﻟﺬي
اﺷﱰاﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻔﻀﻞ :ﻗﻮﱄ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ:
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﻮى أﺣﺪ ﺟﻠﺴﺎﺋﻬﺎ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،واﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻬﺎ
ﺧﻠﻴﻠﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ رﻗﻌﺔ وﺳ ﱠﻠﻤﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ أﺣﺪ ﻳﺮاﻫﻤﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﱠ
ﻓﻀﺘﻬﺎ وﺟَ ﺪت ﻓﻴﻬﺎ:
695
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ:
ﻓ ﻬ ﻞ أﻧ ﺖ ﻳ ﺎ ﻣَ ﻦ ﻻ ﻋ ﺪﻣ ﺖ ﻣ ﺜ ﻴ ﺐ ﻧ ﻌ ﻢ وإﻟ ﻬ ﻲ إﻧ ﻨ ﻲ ﺑ ﻚ ﺻ ﺒ ﺔ
وﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻧﺼﺐ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﺗﻐﻴﺐ ﻟ ﻤ ﻦ أﻧ ﺖ ﻣ ﻨ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟ ﻔ ﺆاد ﻣ ﺼ ﻮر
ﻋ ﻠ ﻰ أن ﺑ ﻲ ﺳ ﻘ ﻤً ﺎ وأﻧ ﺖ ﻃ ﺒ ﻴ ﺐ ﻓ ﺜ ﻖ ﺑ ﻮداد أﻧ ﺖ ﻣ ﻈ ﻬ ﺮ ﻣ ﺜ ﻠ ﻪ
وﻣﺮة اﺗﻜﺄ املﺘﻮﻛﻞ ﻋﲆ ﻳﺪﻫﺎ وﻳﺪ ﺑﻨﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ وﺟﻌﻞ ﻳﻤﴚ ﰲ داره وﻗﺎل ﻟﻬﻤﺎ :أﺟﻴﺰا
إﱄ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ:
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻀﻞ:
ﻓﻘﺎل ﺑﻨﺎن:
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺑﺪﻳﻬﺔ:
ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ أو أﻫﻠﻜﺘﻪ وﻣﺎ ﻧﺪري ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺪرى أﻧﺪري ﺑﻤﺎ ﺟﻨﺖ
وﻛﺎن ﻋﲇ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﻠﺤﻈﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ اﺳﱰاﺑﺖ ﺑﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
696
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﺟﺎءﻫﺎ أﺑﻮ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ اﻟﺪﻗﺎق اﻟﴬﻳﺮ وأﺑﻮ ﻣﻨﺼﻮر اﻟﺒﺎﺧﺮزي زاﺋﺮﻳﻦ ،ﻓﺤﺠﺒﺎ ﻋﻦ
اﻟﺪﺧﻮل إﻟﻴﻬﺎ ،وملﺎ رﺟﻌﺎ وﻋﻠﻤﺖ ﺑﻤﺠﻴﺌﻬﻤﺎ واﻧﴫاﻓﻬﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﻏﻤﻬﺎ ذﻟﻚ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ
إﻟﻴﻬﻤﺎ ﺗﻌﺘﺬر:
697
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل املﺘﻮﻛﻞ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﻌﲇ ﺑﻦ املﻨﺠﻢ :ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻲ وﺑني ﻓﻀﻞ ﻣﻮﻋﺪ ،وﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻬﺎ ﻗﺪ
ﴍﺑﺖ وﺳﻜﺮت ﻓﻨﻤﺖ ،وﺟﺎءت ﻓﻀﻞ ﻟﻠﻤﻮﻋﺪ ﻓﺤﺮﻛﺘﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺋﻢ ﻓﻠﻢ أﻧﺘﺒﻪ،
ﻛﺘﺒﺖ رﻗﻌﺔ ووﺿﻌﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺨﺪﺗﻲ واﻧﴫﻓﺖ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﺒﻬﺖ ْ ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﰲ ﱠ
وﺟﺪﺗﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻣﻜﺘﻮب ﻓﻴﻬﺎ:
وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻀﻞ ﺗﻬﺎﺟﻲ ﺧﻨﺴﺎء ﺟﺎرﻳﺔ ﻫﺸﺎم املﻜﻔﻮف — وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة — ﻓﻜﺎن أﺑﻮ
ً
ﻓﻀﻼ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻳﻬﺠﻮﻫﺎ ﻣﻊ ﻓﻀﻞ ،وﻛﺎن اﻟﻘﺼﻴﺪي واﻟﺤﻔﴢ ﺷﺒﻞ ﻋﺎﺻﻢ ﺑﻦ وﻫﺐ ﻳﻌﺎون
ﻳﻌﻴﻨﺎن ﺧﻨﺴﺎء ﻋﲆ ﻓﻀﻞ وأﺑﻲ ﺷﺒﻞ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺷﺒﻞ ﻋﲆ ﻟﺴﺎن ﻓﻀﻞ:
أﺻ ﺒ ﺤ ﺖ ﻣ ﻌ ﺸ ﻮﻗ ﺔ ﻧ ﺬﻟ ﻴ ﻦ ﺧ ﻨ ﺴ ﺎء ﻃ ﻴ ﺮي ﺑ ﺠ ﻨ ﺎﺣ ﻴ ﻦ
ﻓ ﺄﻧ ﺖ ﺗ ﻬ ﻮﻳ ﻦ ﻋ ﺸ ﻴ ﻘ ﻴ ﻦ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻬﻮى ﻋﺎﺷ ًﻘﺎ واﺣﺪًا
ـ ﺤ ﺎﻓ ﺼ ﻲ ﻗ ﺪ زاراك ﻓ ﺮدﻳ ﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﻴﺪي وﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ اﻟـ
ﻳ ﻨ ﻌ ﻢ ﺧ ﻨ ﺰﻳ ﺮ ﺑ ﺤ ﺸ ﻴ ﻦ ﻓ ﻀ ﺤ ﺖ ﻣ ﻦ ﻫ ﺬا وﻫ ﺬا ﻛ ﻤ ﺎ
698
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وملﺎ وﺻﻠﺖ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت إﱃ أﺑﻲ ﺷﺒﻞ ﻏﻀﺐ ﻣﻨﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﺎل ﻳﻬﺠﻮ
ﻣﻮﻻﻫﺎ ﻫﺸﺎﻣً ﺎ:
ﺣﻴﻦ ﻳﺮﻣﻲ اﻟﻠﺜﺎم ﺑﺎﻏﻲ اﻟﻠﺜﺎم ﻧﻌﻢ ﻣﺄوى اﻟﻌﺬاب ﺑﻴﺖ ﻫﺸﺎم
ﻟ ﻴ ﻨ ﺎل اﻟ ﺴ ﺮور ﺗ ﺤ ﺖ اﻟ ﻈ ﻼم ﻣ ﻦ أراد اﻟ ﺴ ﺮور ﻋ ﻨ ﺪ ﺣ ﺒ ﻴ ﺐ
ـ ﻞ ﺳ ﻮاء ﻧ ﻔ ﺴ ﻲ ﻓ ﺪاء ﻫ ﺸ ﺎم ﻓ ﻬ ﺸ ﺎم ﻧ ﻬ ﺎره ودﺟ ﻰ اﻟ ﻠ ﻴ ـ
أﺑ ﺪًا ﻣ ﻦ ﺗ ﺨ ﺮق اﻷﻗ ﻼم ذاك ﺣ ﺮ دواﺗ ﻪ ﻟ ﻴ ﺲ ﺗ ﺨ ﻠ ﻮ
وزارت ﻓﻀﻞ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ ﻟﻴﻠﺔ ﻋﲆ ﻣﻮﻋﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻨﺪه ﺟﺎءﺗﻬﺎ
ﺟﺎرﻳﺘﻬﺎ ﻣﺒﺎدرة ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ أن رﺳﻮل اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻗﺪ ﺟﺎء ﻳﻄﻠﺒﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻣﺒﺎدرة ﻓﻤﻀﺖ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﻛﺎن ﻣﻦ ﻏﺪ ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ اﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ:
699
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﺒﻴﺤﺔ ﻗﺘﻞ املﻨﺘﴫ واملﻌﺘﺰ :ﻣﺎذا ﻧﺰل ﺑﻜﻢ اﻟﺒﺎرﺣﺔ؟
ﻓﻘﺎﻟﺖ:
وﺧﺮﺟﺖ ﻓﻴﺤﺔ ﺟﺎرﻳﺔ املﺘﻮﻛﻞ إﱃ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻳﻮم ﻧريوز وﺑﻴﺪﻫﺎ ﻛﺄس ﺑﻠﻮر ﺑﴩاب
ﺻﺎف ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻫﺬا ﻓﺪﻳﺘُﻚِ ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻫﺪﻳﺘﻲ ﻟﻚ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم — ﻋ ﱠﺮﻓﻚ ﷲ ﺑﺮﻛﺘﻪ —
ٍ
ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻦ ﻳﺪﻫﺎ وﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻣﻜﺘﻮب ﻋﲆ ﺧﺪﻫﺎ ﻧﻘﻄﺔ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﺎملﺴﻚ ،ﻓﴩب اﻟﻜﺄس
وﻗﺒﱠﻞ ﺧﺪﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮة واﻗﻔﺔ ﻋﲆ رأﺳﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻓ ﻲ ﻗ ﺪح ﻛ ﺎﻟ ﻜ ﻮﻛ ﺐ اﻟ ﺰاﻫ ﺮ ﺳ ﻼﻓ ﺔ ﻛ ﺎﻟ ﻘ ﻤ ﺮ اﻟ ﺒ ﺎﻫ ﺮ
ﻓ ﻮق ﻗ ﻀ ﻴ ﺐ أﻫ ﻴ ﻒ ﻧ ﺎﺿ ﺮ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﺧﺸﻒ ﻛﺒﺪر اﻟﺪﺟﻰ
ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺴﺎم اﻟﻤﺮﻫﻒ اﻟﺒﺎﺗﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻰ أروع ﻣﻦ ﻫﺎﺷﻢ
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ املﺘﻮﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻃﺮب ﻃﺮﺑًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وأﻣﺮ ﻓﻐﻨﻲ ﺑﻬﺎ ،وأﻧﻌﻢ ﻋﲆ ﻓﻀﻞ
إﻧﻌﺎﻣً ﺎ زاﺋﺪًا.
وﻛﺘﺒﺖ ﻓﻀﻞ إﱃ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ:
700
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﺎل اﺑﻦ أﺑﻲ املﺪور اﻟﻮراق :ﻛﻨﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ ،وﻛﺎن ﻗﺪ اﺑﺘﺪأ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻪ
وﺑني ﻓﻀﻞ ﻳﺘﺸﻌﺐ ،وﻗﺪ ﺑﻠﻐﻪ ﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ ﺑﻨﺎن املﻐﻨﻲ وﻫﻮ ﺑني املﺼﺪق واملﻜﺬب ﺑﺬﻟﻚ،
ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻋﲆ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻪ ﻓﻘﺎل :ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ وﷲ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻓﻀﻞ ﰲ ﻏﺮور؛ أﺧﺎدع ﻧﻔﴘ
ﺑﺘﻜﺬﻳﺐ اﻟﻌﻴﺎن ،وأُﻣﻨﱢﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺣﻴﻞ دوﻧﻪ ،وﷲ إن إرﺳﺎﱄ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺪ ﻻح ﻣﻦ ﺗﻐريﻫﺎ ﻟﺬُ ﱞل،
وإن ﻋﺪوﱄ ﰲ أﻣﺮﻫﺎ ﻣُﺸﺒ ٌﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ،وإن ﺗﺼﱪي ملﻦ دواﻋﻲ اﻟﺘﻠﻒ ،وهلل در ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ
أﻣﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
ﻗﺎل اﺑﻦ املﻨﺠﻢ :ﻏﻀﺐ ﺑﻨﺎن املﻐﻨﻰ ﻋﲆ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﰲ أﻣﺮ أﻧﻜﺮه ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﻋﺘﺬرت
إﻟﻴﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻌﺬرﺗﻬﺎ ،ﻓﺄﻧﺸﺪت ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺼﱪة ﻧﻔﺴﻬﺎ:
وﻗﺎل املﺘﻮﻛﻞ ﻟﻌﲇ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ :ﻗﻞ ﺑﻴﺘًﺎ وﻃﺎﻟِﺐْ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺑﺄن ﺗﺠﻴﺰه ،ﻓﻘﺎل ﻋﲇ:
أﺟﻴﺰي ﻳﺎ ﻓﻀﻞ:
701
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻄﺮب املﺘﻮﻛﻞ وﻗﺎل :أﺣﺴﻨﺖ وﺣﻴﺎﺗﻲ! وأﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺎﺋﺘﻲ دﻳﻨﺎر ،وأﻣﺮ ﻋﺮﻳﺐ ﻓﻐﻨﺖ
ﺑﻬﺎ.
وﻛﺘﺐ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ إﱃ ﻓﻀﻞ رﻗﻌﺔ ﻗﺎل ﰲ آﺧﺮﻫﺎ:
ﻗﺎل إﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﻣﺴﺎﻓﺮ :ﻛﻨﺖ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ إذ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻀﻞ ﻋﲆ
ﻏﻔﻠﺔ ،ﻓﻮﺛﺐ إﻟﻴﻬﺎ وﺳ ﱠﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺳﺄﻟﻬﺎ أن ﺗﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪه ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻗﺪ ﺟﺎءﻧﻲ — وﺣﻴﺎﺗﻚ —
رﺳﻮل ﻣﻦ اﻟﻘﴫ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﺠﻠﻮس ،وﻛﺮﻫﺖ أن أﻗﻴﻢ ﺑﺒﺎﺑﻚ وﻻ أراك ،ﻓﻘﺎل ﺳﻌﻴﺪ
ﻣﻦ وﻗﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ:
ﻟ ﻨ ﺎ ﺣ ﻴ ﻠ ﺔ ﻳ ﺪﻧ ﻴ ﻚ ﻣ ﻨ ﺎ اﺣ ﺘ ﻴ ﺎﻟ ﻬ ﺎ ﻗ ﺮﺑ ﺖ وﻻ ﻧ ﺮﺟ ﻮ اﻟ ﻠ ﻘ ﺎء وﻻ ﻧ ﺮى
ﻗ ﺮﻳ ﺐ وﻟ ﻜ ﻦ أﻳ ﻦ ﻣ ﻨ ﺎ ﻣ ﻨ ﺎﻟ ﻬ ﺎ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﻨﻴﺮة ﺿﻮؤﻫﺎ
ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ وﻟ ﻜ ﻦ ﻗ ﺪ ﻳ ﻠ ﺘ ﻢ ﺧ ﻴ ﺎﻟ ﻬ ﺎ وﻇ ﺎﻋ ﻨ ﺔ ﺿ ﻨ ﺖ ﺑ ﻬ ﺎ ﻏ ﺮﺑ ﺔ اﻟ ﻨ ﻮى
ﻣ ﻤ ﺎﻃ ﻠ ﺔ اﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ ﺑ ﻬ ﺎ واﻋ ﺘ ﻼﻟ ﻬ ﺎ ﺗُ ﻘ ﱢﺮﺑ ﻬ ﺎ اﻵﻣ ﺎل ﺛ ﻢ ﺗ ﻌ ﻮﻗ ﻬ ﺎ
ﻳﺠﻮد ﺑﻬﺎ ﺻﺮف اﻟﻨﻮى واﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ وﻟ ﻜ ﻨ ﻬ ﺎ أﻣ ﻨ ﻴ ﺔ ﻓ ﻠ ﻌ ﱠﻠ ﻬ ﺎ
702
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻛ ﺄﻧ ﻲ أﺑ ﻄ ﻨ ﺖ ﺟ ﻤ ﺮ اﻟ ﻐ ﻀ ﻰ ﻓ ﺈﻧ ﻲ ﻣ ﺬ ﻟ ﺞ ﻫ ﺬا اﻟ ﻌ ﺘ ﺎب
وﺣﴬ ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻣﻨﺰل ﺑﻌﺾ إﺧﻮاﻧﻪ ﻓﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﻀﻞ ،ﻓﺄﻗﺎم ﻣﻌﻬﻢ ﻋﺎﻣﺔ
ﻳﻮﻣﻬﻢ ،وآﺧﺮ اﻟﻨﻬﺎر ﻏﻀﺒﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻴﺬ ،ﺛﻢ اﻧﴫﻓﻮا وﻫﻢ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﺑﻌﺪ أﻳﺎم
اﺟﺘﻤﻊ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻊ إﺧﻮاﻧﻪ املﺬﻛﻮرﻳﻦ وﺗﺼﺎدف ﻣﺠﻲء ﻓﻀﻞ ﻋﲆ ﻏري ﻣﻮﻋﺪ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ
وﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﻮاه ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :أﺗﻬﺠﺮﻳﻦ أﺑﺎ ﻋﺜﻤﺎن؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺣﺐ أن ﺗﺴﺄﻟﻮه أن ﻻ
ﻳﻜﻠﻤﻨﻲ! ﻓﻘﺎل ﺳﻌﻴﺪ:
وأن ﺻ ﺎﺣ ﺒ ﻪ ﻣ ﻨ ﻪ ﻋ ﻠ ﻰ ﺧ ﻄ ﺮ اﻟ ﻴ ﻮم أﻳ ﻘ ﻨ ﺖ أن اﻟ ﻬ ﺠ ﺮ ﻣ ﺘ ﻠ ﻔ ﺔ
ﻣ ﻦ اﻟ ﻤ ﻨ ﻴ ﺔ ﺑ ﻴ ﻦ اﻟ ﺨ ﻮف واﻟ ﺤ ﺬر ﻛﺮب اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻤﻦ أﻣﺴﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﺮف
وﻳ ﺤ ﻤ ﻞ اﻟ ﺬﻧ ﺐ أﺣ ﻴ ﺎﻧ ًﺎ ﻋ ﻠ ﻰ اﻟ ﻘ ﺪر ﻳ ﻠ ﻮم ﻋ ﻴ ﻨ ﻴ ﻪ أﺣ ﻴ ﺎﻧ ً ﺎ ﺑ ﺬﻧ ﺒ ﻬ ﻤ ﺎ
ﻓ ﻘ ﻠ ﺒ ﻪ أﺑ ﺪًا ﻣ ﻨ ﻪ ﻋ ﻠ ﻰ ﺳ ﻔ ﺮ ﺗَ ﻨ ْ ﺌ ﻮن ﻋ ﻨ ﻪ وﻳ ﻨ ﺄى ﻗ ﻠ ﺒ ﻪ ﻣ ﻌ ﻜ ﻢ
703
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻮﺛﺒﺖ إﻟﻴﻪ وﻗﺒﱠﻠﺖ رأﺳﻪ وﻗﺎﻟﺖ :ﻻ أﻫﺠﺮك وﷲ أﺑﺪًا ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ! وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻤﺪة
ﻏﻀﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ:
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺠﻮاب ﻃﺎب ﻗﻠﺒﻬﺎ وﺳﺎرت إﻟﻴﻪ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﻋﻨﺪه ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﻬﺎر وﻛ ﱠﺮت
راﺟﻌﺔ ،وملﺎ ﺗﻌﺸﻘﺖ ﺑﻨﺎن ﺑﻦ ﻋﻤﺮ املﻐﻨﻲ وﻋﺪﻟﺖ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ أﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأﻇﻬﺮ ﺗﺠﻠﺪًا،
ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
ﺑ ﺎن اﻟ ﻌ ﺰاء ﻋ ﻠ ﻰ آﺛ ﺎر ﻣ ﻦ ﺑ ﺎﻧ ﺎ ﻗ ﺎﻟ ﻮا ﺗ ﻌ ﱠﺰ وﻗ ﺪ ﺑ ﺎﻧ ﻮا ﻓ ﻘ ﻠ ﺖ ﻟ ﻬ ﻢ
ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻄﻖ ﻟﻠﻬﻮى ﺳ ٍّﺮا وﻛﺘﻤﺎﻧﺎ وﻛ ﻴ ﻒ ﻳ ﻤ ﻠ ﻚ ﺳ ﻠ ﻮاﻧ ﺎ ﻟ ﺤ ﺒ ﻬ ﻢ
ﺻ ﺎرت ﻋ ﻠ ﻲ ﺑ ﺤ ﻤ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ أﻋ ﻮاﻧ ﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺰاﺋﻢ ﺻﺒﺮي أﺳﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬﺎ
وﻻ ﺗﺮى ﻣﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﻋﻨﻮاﻧﺎ ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ﻻ ﺗﺒﺪي ﺷﻮاﻛﻠﻪ
704
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻗﺎل ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﴪي :إﻧﻪ ﺗﻮﺟﻪ إﱃ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻮﺟﺪه ﰲ ﻣﻨﺰل
اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﺪ ﻓﻘﺼﺪه ،وإذا ﺑﺮﺳﻮل ﻓﻀﻞ ﻧﺎوﻟﻪ رﻗﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻓﻴﻬﺎ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺘﻲ
أرﺳﻠﺘﻬﺎ إﱃ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﻴﺰﻳﺪي وأوﻟﻬﺎ:
وﰲ آﺧﺮﻫﺎ :أﻧﺎ ﻳﺎ أﺑﺎ ﻋﺜﻤﺎن ﰲ ﺣﺎل اﻟﺘﻠﻒ وﻟﻢ ﺗَﻌُ ﺪﻧﻲ وﻻ ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻦ ﺧﱪي ،ﻓﺄﺧﺬ
ﺑﻴﺪ اﺑﻦ اﻟﴪي وﻣﻀﻴﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺧﱪﻫﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻮ ذا أﻣﻮت وﺗﺴﱰﻳﺢ ﻣﻨﻲ!
ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮل:
وﻻ أﻋ ﻴ ﺶ إﻟ ﻰ ﻳ ﻮم ﺗ ﻤ ﻮﺗ ﻴ ﻨ ﺎ ﻻ ﻣ ﺖ ﻗ ﺒ ﻠ ﻲ ﺑ ﻞ أﺣ ﻴ ﺎ وأﻧ ﺖ ﻣ ﻌً ﺎ
وﻳ ﺮﻏ ﻢ اﻟ ﻠ ﻪ ﻓ ﻴ ﻨ ﺎ أﻧ ﻒ واﺷ ﻴ ﻨ ﺎ ﻟ ﻜ ﻦ ﻧ ﻌ ﻴ ﺶ ﺑ ﻤ ﺎ ﻧ ﻬ ﻮى وﻧ ﺄﻣ ﻠ ﻪ
وﺣﺎن ﻣﻦ أﻣﺮﻧﺎ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻳﻌﺪوﻧﺎ ﺣ ﺘ ﻰ إذا ﻗ ﺪر اﻟ ﺮﺣ ﻤ ﻦ ﻣ ﻴ ﺘ ﺘ ﻨ ﺎ
ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻧﻀﺮا واﺳﺘﻮﺳﻘﺎ ﺣﻴﻨﺎ ﻣﺘﻨ ﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻛ ﻐﺼﻨ ﻲ ﺑﺎﻧ ﺔ ذﺑ ًﻼ
ﺣ ﺘ ﻰ ﻧ ﻌ ﻮد إﻟ ﻰ ﻣ ﻴ ﺰان ﻣ ﻨ ﺸ ﻴ ﻨ ﺎ ﺛ ﻢ اﻟ ﺴ ﻼم ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ ﻓ ﻲ ﻣ ﻀ ﺎﺟ ﻌ ﻨ ﺎ
وﺑﻠﻐﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﺋﻠﺔ إﱃ ﺑﻨﺎن أن ﺳﻌﻴﺪًا ﻋﺸﻖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻮاري اﻟﻘﻴﺎن ﻓﻜﺘﺒﺖ
إﻟﻴﻪ:
واﻓﺘﺼﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻀﻞ ﻟﻌﺮﻳﺐ :وﻫﻞ ﻟﻚ أن ﻧﺬﻫﺐ ﻓﻨﺰور
ﺳﻌﻴﺪًا؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وأرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻗﺒﻞ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ﻫﺪاﻳﺎ ﻣﻨﻬﺎ أﻟﻒ ﺟﺪي
وﺟﻤﻞ وأﻟﻒ دﺟﺎﺟﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،وأﻟﻒ ﻃﺒﻖ رﻳﺤﺎن وﻓﺎﻛﻬﺔ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻃﻴﺐ ﻛﺜري وﴍاب
وﺗﺤﻒ ﺣﺴﺎن! ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻌﻴﺪ :وإن ﴎوري ﻻ ﻳﺘﻢ إﻻ ﺑﺤﻀﻮرك! ﻓﺠﺎءﺗﻪ ﰲ آﺧﺮ
اﻟﻨﻬﺎر وﺟﻠﺴﺖ ﻣﻌﻪ ﻋﲆ اﻟﴩاب وﻏﻨﱠﺘﻬﻢ ﻋﺮﻳﺐ ﺑﻤﺎ ﻟﺰم.
705
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻛﺬﻟﻚ وإذا ﺑﺎﻟﻐﻼم ﻳﺴﺘﺄذن ﻟﺒﻨﺎن ،ﻓﺄذن ﻟﻪ ﻓﺪﺧﻞ إﻟﻴﻬﻢ ،وإذا ﻫﻮ ﺷﺎب
ﻃﺮﻳﺮ ﺣﺴﻦ اﻟﻮﺟﻪ ،ﺣﺴﻦ اﻟﻐﻨﺎء ،ﻧﻈﻴﻒ اﻟﺜﻴﺎب ،ﺷﻜﻞ ،ﻓﺬﻫﺐ ﺑﻔﻀﻞ ﻛﻞ ﻣﺬﻫﺐ ،ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ
ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺤﺪﻳﺜﻬﺎ وﻧﻈﺮﻫﺎ ،ﻓﺘﻨﻤﺮ ﺳﻌﻴﺪ واﺳﺘﻄري ﻏﻀﺒًﺎ ،وﺗﺒني ﺑﻨﺎن اﻟﻘﺼﺔ ﻓﺎﻧﴫف ،وأﻗﺒﻞ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻌﺬﻟﻬﺎ وﻳﺆﻧﺒﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ أﻣﺴﻚ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻨﺸﺪة:
ﻓ ﻲ وﺟ ﻬ ﻪ وﺗ ﻨ ﻔ ﺴ ﻲ ﻳ ﺎ ﻣَ ﻦ أﻃ ﻠ ﺖ ﺗ ﻔ ﺮﺳ ﻲ
ﻳ ﺰﻫ ﻮ ﺑ ﻘ ﺘ ﻞ اﻷﻧ ﻔ ﺲ أﻓ ﺪﻳ ﻚ ﻣ ﻦ ﻣ ﺘ ﺪﻟ ﻞ
ت ﺑﻠﻰ أﻗﻮل أﻧﺎ اﻟﻤﺴﻲ ﻫ ﺒ ﻨ ﻲ أﺳ ﺄت وﻣ ﺎ أﺳ ﺄ
رق ﻧﻈﺮة ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻲ أﺣ ﻠ ﻔ ﺘ ﻨ ﻲ أن ﻻ أﺳ ﺎ
أﺗ ﺒ ﻌ ﺘ ﻬ ﺎ ﺑ ﺘ ﻔ ﺮس ﻓﻨﻈﺮت ﻧﻈﺮة ﻣﺨﻄﺊ
ﻓ ﻤ ﺎ ﻋ ﻘ ﻮﺑ ﺔ ﻣ ﻦ ﻧ ﺴ ﻲ وﻧﺴﻴﺖ أﻧﻲ ﻗﺪ ﺣﻠﻔﺖ
ﻓﻘﺎم ﺳﻌﻴﺪ وﻗﺒﻞ رأﺳﻬﺎ وﻗﺎل :ﻻ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﻞ ﻧﺤﺘﻤﻞ ﻫﻔﻮﺗﻪ ،وﻧﺘﺠﺎﰱ ﻋﻦ
إﺳﺎءﺗﻪ .وﻏﻨﺖ ﻋﺮﻳﺐ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ ،وﴍﺑﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻬﻢ ،ﺛﻢ اﻓﱰﻗﻮا وأﺛﺮ ﺑﻨﺎن ﰲ
ﻗﻠﺒﻬﺎ ،وﻋﻠﻘﺖ ﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﺰل ﺣﺘﻰ واﺻﻠﺘﻪ وﻗﻄﻌﺖ ﺳﻌﻴﺪًا!
ﻄﺎ ،وأﻓﺼﺤﻬﻢ وﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻬﺪي ﻳﻘﻮل :إن ﻓﻀﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ ﺧﻠﻖ ﷲ ﺧ ٍّ
ﻛﻼﻣً ﺎ ،وأﺑﻠﻐﻬﻢ ﰲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ،وأﺛﺒﺘﻬﻢ ﰲ ﻣﺤﺎورة ،ﻓﻘﺎل ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﺴﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ :أﻇﻨﻚ ﻳﺎ
أﺑﺎ ﻋﺜﻤﺎن ﺗﻜﺘﺐ ﻟﻔﻀﻞ رﻗﺎﻋﻬﺎ وﺗﺠﻴﺪﻫﺎ وﺗﺨﺮﺟﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ أﺧﺬت ﻧﺤﻮك ﰲ اﻟﻜﻼم ،وﺳﻠﻜﺖ
ﺳﺒﻴﻠﻚ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ وﻫﻮ ﻳﻀﺤﻚ :ﻣﺎ أﺧﻴﺐ ﻇﻨﻚ! ﻟﻴﺘﻬﺎ ﺗﺴﻠﻢ ﻣﻨﻲ ﻵﺧﺬ ﻛﻼﻣﻬﺎ ورﺳﺎﺋﻠﻬﺎ،
وﷲ ﻳﺎ أﺧﻲ ﻟﻮ أﺧﺬ أﻓﺎﺿﻞ اﻟﻜﺘﺎب وﻣﺎ ﻣﺎﺛﻠﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ ملﺎ اﺳﺘﻐﻨﻮا ﻋﻦ ذﻟﻚ .اﻧﺘﻬﻰ.
706
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﻠﺒﺲ اﻟﻐﻼﻣﺎن اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪ آل ﻣﺤﻤﺪ ﻗﻠﻴﻞ وﻻ ﻛﺜري ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﻋﲇ إﱃ ﺷﻤﻌﻮن
اﻟﺨﻴﱪي ﻓﺎﺳﺘﻘﺮض ﻣﻨﻪ ﺛﻼﺛﺔ آﺻﻊ ﻣﻦ ﺷﻌري ﻓﺠﺎء ﺑﻬﺎ ﻓﻮﺿﻌﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ إﱃ
ﺻﺎع ﻓﻄﺤﻨﺘﻪ واﺧﺘﺒﺰﺗﻪ ،وﺻﲆ ﻣﻊ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﺛﻢ أﺗﻰ املﻨﺰل ،ﻓﻮُﺿﻊ اﻟﻄﻌﺎم ﺑني
ﻳﺪﻳﻪ إذ أﺗﺎﻫﻢ ﻣﺴﻜني ﻓﻮﻗﻒ ﻋﲆ اﻟﺒﺎب ﻓﻘﺎل :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻜﻢ أﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻣﺴﻜني
ﻣﻦ أوﻻد املﺴﻠﻤني ،أﻃﻌﻤﻮﻧﻲ أﻃﻌﻤﻜﻢ ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﻋﲆ ﻣﻮاﺋﺪ اﻟﺠﻨﺔ .ﻓﺴﻤﻌﻪ ﻋﲇﱞ،
ﻓﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻪ اﻟﻄﻌﺎم ،وﻣﻜﺜﻮا ﻳﻮﻣﻬﻢ وﻟﻴﻠﺘﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺬوﻗﻮا إﻻ املﺎء.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ إﱃ اﻟﺼﺎع وﺧﺒﺰﺗﻪ ،وﺻﲆ ﻋﲇ ﱞ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ
ووﺿﻊ اﻟﻄﻌﺎم ﺑني ﻳﺪﻳﻪ إذ أﺗﺎﻫﻢ ﻳﺘﻴﻢ ،ﻓﻮﻗﻒ ﺑﺎﻟﺒﺎب وﻗﺎل :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻜﻢ أﻫﻞ ﺑﻴﺖ
ﻣﺤﻤﺪ ،ﻳﺘﻴﻢ ﺑﺎﻟﺒﺎب ﻣﻦ أوﻻد املﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﺳﺘﺸﻬﺪ واﻟﺪي؛ أﻃﻌﻤﻮﻧﻲ .ﻓﺄﻋﻄﻮه اﻟﻄﻌﺎم،
ﻓﻤﻜﺜﻮا ﻳﻮﻣني وﻟﻢ ﻳﺬوﻗﻮا إﻻ املﺎء.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ إﱃ اﻟﺼﺎع اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻓﻄﺤﻨﺘﻪ واﺧﺘﺒﺰﺗﻪ ،وﺻﲆ
ﻋﲇ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ووﺿﻊ اﻟﻄﻌﺎم ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،إذ أﺗﺎﻫﻢ أﺳري ﻓﻮﻗﻒ ﺑﺎﻟﺒﺎب وﻗﺎل :اﻟﺴﻼم
ﻋﻠﻴﻜﻢ أﻫﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻮة ،ﺗﺄﴎوﻧﻨﺎ وﺗﺸﺪوﻧﻨﺎ وﻻ ﺗﻄﻌﻤﻮﻧﻨﺎ؛ أﻃﻌﻤﻮﻧﻲ ﻓﺈﻧﻲ أﺳري .ﻓﺄﻋﻄﻮه
اﻟﻄﻌﺎم وﻣﻜﺜﻮا ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم وﻟﻴﺎﻟﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺬوﻗﻮا إﻻ املﺎء ،ﻓﺄﺗﺎﻫﻢ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﺮأى ﻣﺎ
ني ﻣﱢ َﻦ اﻟﺪ ْﱠﻫ ِﺮ َﻟ ْﻢ ﻳَ ُﻜﻦ َﺷﻴْﺌًﺎ
ﺎن ﺣِ ٌ ﴿ﻫ ْﻞ أَﺗَ ٰﻰ ﻋَ َﲆ ْ ِ
اﻹ َ
ﻧﺴ ِ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻮع ،ﻓﺄﻧﺰل ﷲ ﺗﻌﺎﱃَ :
﴿ﻻ ﻧ ُ ِﺮﻳ ُﺪ ِﻣﻨ ُﻜ ْﻢ ﺟَ َﺰاءً و ََﻻ ُﺷ ُﻜﻮ ًرا﴾ )اﻹﻧﺴﺎن.(٩–١ :
ﻣﱠ ﺬْ ُﻛﻮ ًرا﴾ إﱃ ﻗﻮﻟﻪَ :
وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﻌﻠﻢ أن ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ ﺳﺎوت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺴﻴﺪﺗﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺰﻫﺮاء ،ﻓﻨﺎﻟﺖ ﺑﺬﻟﻚ
ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ — رﴈ ﻓﺨ ًﺮا ﻟﻢ ﻳﻨﻠﻪ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب ،وﺑﻘﻴﺖ ﺑﺨﺪﻣﺔ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﺣﺘﻰ ﱠ
ﷲ ﻋﻨﻬﺎ.
707
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
إﻟﻴﻬﺎ ،وآن أوان زواﺟﻬﺎ؛ زوﱠﺟﻬﺎ واﻟﺪﻫﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻷدﺑﺎء اﻷﻓﺎﺿﻞ ،ﻓﻌﺎﺷﺖ ﻣﻌﻪ ﻋﻴﺸﺔ
وﺑﻨﺎت ،وﺗﻮﰲ ﻋﻨﻬﺎ وﻫﻲ ﰲ زﻫﺮة ﺷﺒﺎﺑﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﺑﻤﺪةٍ ﺣﺴﻨﺔ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ أوﻻدًا
ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﲇ ﺑﻚ أﻓﻨﺪي ،ﻛﺎﺗﺐ أول ﻧﻈﺎرة اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﰲ اﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻌﻪ ﻟﻐﺎﻳﺔ
اﻵن ﰲ ﻋﻴﺸﺔ راﺿﻴﺔ .وﻟﻬﺎ ﻣﺆﻟﻔﺎت ﻋﻘﻠﻴﺔ وﺣﻜﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ ،وأﺷﻌﺎر ﻏﺰﻟﻴﺔ وﻏريﻫﺎ؛
ﻣﻨﻬﺎ:
ﺳ ﺮﻧ ﻜ ﻮن اﻳ ﺘ ﺪى ﻓ ﻠ ﻚ اﺳ ﺎﺑ ﻨ ﻲ ﺑ ﻴ ﻤ ﺎﻧ ﻪ ﺳ ﻦ
ﭼ ﻮﻧ ﻜ ﻪ دﻟ ﺸ ﺎدا ﻳ ﻠ ﻤ ﺰﻧ ﺎ ﺷ ﺎدا وﻻن ﻣ ﺴ ﺘ ﺎﻧ ﻪ ﺳ ﻦ
ﻋ ﺰم ﺳ ﻮى ﻣ ﻜ ﻴ ﺪه اﻟ ﻮﻳ ﺮ ﻣ ﺪى ﺟ ﻜ ﺪم اﻳ ﺎق
ﺑ ﺎﺷ ﻨ ﻪ ﺟ ﺎﻟ ﺴ ﻮن ﻫ ﻤ ﺎن أول ﺑ ﻴ ﻮﻓ ﺎد ﻣ ﺨ ﺎﻧ ﻪ ﺳ ﻦ
ﻋ ﻴ ﺶ وﻧ ﻮش وﺻ ﺤ ﺒ ﺘ ﻲ ذﻛ ﻤ ﺰاﻧ ﻚ ﻫ ﻴ ﺞ ﺑ ﺮﭘ ﻮﻟ ﻪ
ﻧ ﻴ ﻠ ﺮم ﻇ ﻞ ﺳ ﺮاب آﺳ ﺎﺑ ﻮ ﻣ ﻬ ﻤ ﺎ ﻧ ﺨ ﺎﻧ ﻪ ﺳ ﻦ
ﺟ ﺮﻋ ﻪ ﻧ ﻮش ﺑ ﺎده أﻟ ﻄ ﺎﻓ ﻲ أو ﻟ ﻤ ﻘ ﺪر ﻣ ﺤ ﺎل
ﺑﻨﺪ ﻛﺎن ﺗﺮك اﻳﺘﻤﺴﻮﻧﻤﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺷﺎﻫﺎﻧﻪ ﺳﻦ
وادئ اﻻم وﻏ ﻤ ﺪه ﻗ ﺎﻟ ﺪم أي ﺳ ﺎﻗ ﺊ دﻫ ﺮ
ﻣ ﺤ ﺮم اﻳ ﺘ ﺪي ﻳ ﺎ رزﻳ ﺮا ﻣ ﺠ ﻠ ﺴ ﻪ ﺑ ﻴ ﻜ ﺎﻧ ﻪ ﺳ ﻦ
ﺷ ﻤ ﻌ ﻪ ﺳ ﻮزاﻧ ﻪ ﺣ ﺎﺟ ﺖ ﻗ ﺎﻟ ﻤ ﺪى ﭼ ﻮﻧ ﻜ ﻪ ﻳ ﺘ ﺮ
آﺗ ﺶ ﻛ ﻮرﻧ ﺪه ﻳ ﺎ ﻗ ﺪى ﻋ ﺎﻗ ﺒ ﺖ ﺑ ﺮواﻧ ﻪ ﺳ ﻦ
ﺑ ﺮﺗ ﻮﺟ ﺎم ﺟ ﻤ ﻢ دارا اﻳ ﻠ ﻪ ﻓ ﺨ ﺮ اﻳ ﻠ ﺴ ﻮن
ﺑﻌﺪ ازﻳﻦ ﻳﺎدا ﻳﺘﻤﺴﻮن »ﻓﻄﻨﺖ« ﻛﺒﻰ دﻳﻮاﻧﻪ ﺳﻦ
وﻣﻨﻬﺎ:
اﻳ ﻠ ﺴ ﻮن ﺗ ﺄﺛ ﻴ ﺮ دردك ﺟ ﺎﻧ ﻪ اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﻛﻴﺮﻣﺴﻮن ﻏﻤﻨﺨﺎﻧﻤ ﻪ ﺑﻴﻜﺎﻧ ﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﺸﻘﻨﻪ
ﻛﻴﻢ ﺑﻴﻠﻮر دراداﻫﻠﻨﻚ ﺣﺎﻟﻦ ﻳﻨﻪ ﻳﺎرى ﺑﻴﻠﻮر
ﻗ ﻴ ﻞ ﺗ ﺮﺣ ﻢ دﻳ ﺪه ﻛ ﺮﻳ ﺎﻧ ﻪ اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﺑ ﺰم ﺟ ﺎﻧ ﺎﻧ ﻢ اوزاق ﺑ ﻮﺳ ﻮزش ﺣ ﺴ ﺖ اﻳ ﻠ ﻪ
ﻛ ﻞ ﺳ ﻨ ﻜ ﻠ ﻪ ﻳ ﺎﻧ ﻪ ﻳ ﻢ ﺑ ﺮواﻧ ﻪ اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
708
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﻣﻨﻬﺎ:
اﻳ ﺘ ﻤ ﻪ رﻏ ﺒ ﺖ دﺷ ﻤ ﻦ ﺑ ﺪﻛ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
وﻳ ﺮﻣ ﻪ ﻓ ﺮﺻ ﺖ أو ﻳ ﻠ ﻪ ﻫ ﺮﻣ ﻜ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
أوﻟ ﻤ ﺴ ﻮن ﻣ ﺤ ﺮم رﻗ ﻴ ﺐ أﺳ ﺮاره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﺳ ﻦ إﻳ ﺪرﺳ ﻚ راﺿ ﻴ ﻢ ازاره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﻗ ﻴ ﻞ ﻣ ﺮوت وﻳ ﺮﻣ ﻪ ﻳ ﻮزاﻏ ﻴ ﺎره
ﻗ ﺎﺑ ﻼدي ﻣ ﺮآت ﻗ ﻠ ﺒ ﻢ ﻏ ﻢ ورﻧ ﺞ ﻣ ﻼل
ﺑﺴﺘﺮ ﻏﻤﺪه ﻳﺎﺗﻮب درد ﻛﻠﻪ أوﻟﺪم ﺑﻲ ﻣﮕﺠﺎل
ﺣ ﺴ ﺮت دﻳ ﺪارك اﻳ ﻤ ﻪ اﻳ ﻠ ﺪى ﺑ ﻚ ﺧ ﺴ ﺘ ﻪ ﺣ ﺎل
أوﻳﻠﻪ زارا وﻟﺪى ﺗﺌﻢ ﻛﻠﺴﻪ أﺟﻞ ﺑﻮﻟﻤﻖ ﻣﺤﺎل
ﺑ ﻦ ﺷ ﻬ ﻴ ﺪ ﻏ ﻤ ﺰه ﻛ ﻢ ﺑ ﺮﺟ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
أي ﻃ ﺒ ﻴ ﺐ ﺟ ﺎن ودل رﺣ ﻢ اﻳ ﻠ ﻪ ﺑ ﻮﺑ ﻴ ﻤ ﺎرﻛ ﻪ
ﻣ ﻨ ﺘ ﻈ ﺮ درﻛ ﻮز ﻛ ﻮز اوﻟ ﻤ ﺶ زﺧ ﻤ ﻠ ﻪ ﻳ ﺘ ﻤ ﺎرﻛ ﻪ
ﺑ ﺎرى ﺑ ﺮﻛ ﻮن ﻣ ﻈ ﻬ ﺮ اﻳ ﻠ ﻪ ﻣ ﻬ ﺮ ﻟ ﻄ ﻒ اﺷ ﺎرﻛ ﻪ
دﺳ ﺖ ﻟ ﻄ ﻔ ﻜ ﻠ ﻪ دواﻗ ﻴ ﻞ ﺧ ﺴ ﺘ ﻪ ﻧ ﺎﭼ ﺎرﻛ ﻪ
ﻣ ﺮﻫ ﻢ ﻛ ﺎﻓ ﻮر اﺳ ﺘ ﺮﻳ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﻫﻲ ﻧﻪ ﺳﺤﺮا ﻳﺘﺪك ﺑﻜﺎ أول ﺟﺸﻢ ﺟﺎدوﻟﺮاﻳﻠﻪ
اﻳ ﻠ ﺪك ﻋ ﻘ ﻠ ﻢ ﺑ ﺮ ﻳ ﺸ ﺄن زﻟ ﻒ ﺷ ﺒ ﻮﻟ ﺮ اﻳ ﻠ ﻪ
ﺷﺄﻧﻪ وش ﺻﺪ ﺟﺎك ﺳﻴﻨﻪ م ﻓﻜﺮﻛﻴﺴﻮﻟﺮاﻳﻠﻪ
ﺗ ﺎزه ﻳ ﺎره اﻳ ﻠ ﻤ ﻪ ﻣ ﺞ ﻛ ﺎن واﺑ ﺮ وﻟ ﺮاﻳ ﻠ ﻪ
ﺑ ﻨ ﺪ زﺧ ﻤ ﻰ اﺟ ﻤ ﺪك ﺑ ﻴ ﻤ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﻗ ﺎﻟ ﻤ ﺪى دﻟ ﺪه ﺗ ﺤ ﻤ ﻞ ﻏ ﻴ ﺮى درد ﻓ ﺮﻗ ﺘ ﻪ
اﻳ ﻠ ﻪ ﻣ ﺤ ﺮم ﺳ ﻮدﻳ ﻜ ﻢ ﺑ ﺮﻛ ﺮه ﺑ ﺰم وﺻ ﻠ ﺘ ﻪ
709
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺻ ﻮن ﻟ ﺐ ﺟ ﺎﻧ ﺒ ﺨ ﺸ ﻜ ﻰ ﺑ ﻮﻣ ﺒ ﺘ ﻼي ﻣ ﺤ ﻨ ﺘ ﻪ
ﻟ ﻌ ﻞ ﻧ ﺎﺑ ﻚ اﻳ ﻠ ﻪ ﺟ ﺎن وﻳ ﺮﺗ ﺎ أﻣ ﻴ ﺪ ﺻ ﺤ ﺘ ﻪ
ﺻ ﻮك ﻧ ﻔ ﺴ ﺪه ﺑ ﺮﻣ ﺪدﻧ ﺎ ﺟ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﺳ ﺮوﻗ ﺪك ﺻ ﻮرﺗ ﻰ آﻳ ﺮﻟ ﻤ ﺰ أﺻ ﻼ دﻳ ﺪه دن
رﺧ ﻠ ﺮك ﻛ ﻴ ﺘ ﻤ ﺰ ﺧ ﻴ ﺎﻟ ﻰ ﺧ ﺎﻃ ﺮ رﻧ ﺠ ﻴ ﺪه دن
ﻧﻮﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﻗﺎﺟﻤﻪ ﻟﻄﻒ اﻳﺖ ﻋﺎﺷﻖ ﻏﻢ دﻳﺪه دن
ﺻ ﺎﻗ ﻼﻣ ﻪ ﻛ ﻞ روﻳ ﻨ ﻲ ﺑ ﻮﺑ ﻠ ﺒ ﻞ ﺷ ﻮرﻳ ﺪه دن
ﻋ ﺮض دﻳ ﺪاراﻳ ﻠ ﻪ أي ﻣ ﻬ ﺒ ﺎره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
ﻏ ﻤ ﺰه دﻧ ﻜ ﻢ ﺗ ﺎب ﻣ ﻴ ﺪن ﻛ ﺎه ﺧ ﻮن اﻟ ﻮد أوﻟ ﻮر
ﻟ ﺤ ﻈ ﻪ ده ﺑ ﻴ ﻚ ﻋ ﺎﺷ ﻖ اﺷ ﻔ ﺘ ﻪ دل ﻧ ﺎﺑ ﻮد اوﻟ ﻮر
ﻧ ﻈ ﺮه ﺧ ﺸ ﻤ ﻚ دﺧ ﻰ اﺣ ﺴ ﺎﻧ ﺪن ﻣ ﻌ ﺪوداوﻟ ﻮر
ﻫ ﺮﻧ ﻜ ﺎﻫ ﻚ آﻓ ﺖ ﺟ ﺎن دل ﻳ ﻨ ﻪ ﺧ ﺸ ﻨ ﻮداوﻟ ﻮر
ﻧ ﻪ ﺑ ﻼﻳ ﻪ دوﺷ ﻤ ﺶ اول آواره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
زﻧ ﻚ ﻏ ﻤ ﺪن ﺻ ﺎف اﻳ ﻠ ﻪ ﺳ ﻮدﻳ ﻜ ﻢ اﻳ ﻴ ﻨ ﻪ ﻛ ﻰ
ﻗ ﻴ ﻞ ﺟ ﺮاغ ﺑ ﺰم وﺻ ﻠ ﻚ ﻋ ﺎﺟ ﺰﺑ ﻲ ﻛ ﻴ ﻨ ﻪ ﻛ ﻰ
ﺷ ﻮﻳ ﻠ ﻪ دﻟ ﺴ ﻮزا ﻳ ﻠ ﺪى ﺑ ﻮﻧ ﺒ ﺪه دﻳ ﺮﻳ ﻨ ﻪ ﻛ ﻰ
ﺳﻴﻨﻪ ﺳﻴﻨﻪ ﻳﺎ ﻧﺪى ﺳﻴﻨﻪ م ﻛﻮرﻣﻴﻠﺪن ﺳﻴﻨﻪ ﻛﻰ
ﻣ ﺮﺣ ﻤ ﺖ ﻗ ﻴ ﻞ »ﻓ ﻄ ﻨ ﺖ« ﻏ ﻤ ﺨ ﻮاره اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺸ ﻘ ﻨ ﻪ
وﻣﻨﻬﺎ:
710
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
711
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﰲ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﺣﺰﻳﺮان )ﻳﻮﻧﻴﻮ( ،ﻓﺠﺎءﻫﺎ رؤﺳﺎء املﻤﻠﻜﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎﺋﻤﺔ ﻓﺄﻳﻘﻈﻮﻫﺎ
ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻬﺎ ،وأﺧﱪوﻫﺎ ﺑﻮﻓﺎة ﻋﻤﻬﺎ ،وﺑﺄن املﻠﻚ ﺻﺎر إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﺑﺪت ﻣﻦ اﻟﺤﺰم واﻟﻨﺒﺎﻫﺔ ﻣﺎ
أدﻫﺸﻬﻢ.
وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،ﻧﻮدي ﺑﻬﺎ ﻣﻠﻜﺔ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ وأﻳﺮﻟﻨﺪا ﰲ ﻗﴫ ﺳﻨﺖ ﺟﻤﺲ،
وﻟﻠﺤﺎل ﴍﻋﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻬﺎم ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،وﺗﻬﺘﻢ ﰲ ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺧﻴﻒ ﻋﲆ ﺻﺤﺘﻬﺎ
ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻼل ،وأﺷﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻃﺒﺎء أن ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻣﺪة ﻋﻦ اﻷﺷﻐﺎل.
وﰲ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻧﻮﻓﻤﱪ( ،ﻓﺘﺤﺖ اﻟﱪملﻨﺖ أول ﻣﺮة ،وﻋني راﺗﺒﻬﺎ
ً
ﺟﻠﻴﻼ ً
رﺟﻼ اﻟﺴﻨﻮي ﻓﻴﻪ ٣٨٥أﻟﻒ ﻟرية ،وﻛﺎن وزﻳﺮﻫﺎ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﻠﻮرد »ﻣﻠﱪن« ،وﻛﺎن
ﻣﺤﻨ ًﻜﺎ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺪوم ﻟﻬﺎ ،وأﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ أن ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ
ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﴩح ﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻟﻢ
ﺗﻜﻦ ﺗﻤﴤ ورﻗﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﺆداﻫﺎ ﺟﻴﺪًا.
وﰲ اﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﺰﻳﺮان )ﻳﻮﻧﻴﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨٣٨م ،ﺗﻮﺟﺖ ﰲ دﻳﺮ وﺳﺘﻤﻨﺴﱰ،
ً
أوراﻗﺎ ﻋﲆ املﺪﻋﻮﻳﻦ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺴﻊ املﻜﺎن ،وﻟﻜﻦ أﺗﻰ ﺟﻢ ﻏﻔري ﻣﻦ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ووزﻋﺖ
ملﺸﺎﻫﺪة ﺗﺘﻮﻳﺠﻬﺎ ،ﻓﺼﺎرت ورﻗﺔ اﻟﺪﺧﻮل ﺗﺒﺎع ﺑﺨﻤﺴني ﺟﻨﻴﻪ؛ ﻟﺸﺪة ﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﻮس رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ
ﻣﻦ اﻟﺘﺸﻮق إﱃ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن اﻟﺘﺎج اﻟﺬي ﺗﻮﺟﺖ ﺑﻪ ﻣﺮﺻﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،وﺛﻤﻨﻪ
١١٢٧٦٠ﻟرية إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺑﻠﻐﺖ ﻧﻔﻘﺎت ﺗﺘﻮﻳﺠﻬﺎ ٦٩٤٢١ﻟرية .وﻫﺬا املﺒﻠﻎ ﻗﻠﻴﻞ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ
املﺒﻠﻎ اﻟﺬي أُﻧﻔﻖ ﻋﲆ ﺗﺘﻮﻳﺞ ﻋﻤﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻠﻎ ٢٣٨أﻟﻒ ﻟرية ،وأﻣﺎ ﺗﺎﺟﻬﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﺻﺎﻏﻪ ﻟﻬﺎ
أﺑﺮع اﻟﺼﻨﺎع املﻮﺟﻮدﻳﻦ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ.
وﻫﻮ ﻣﻌﺠﺰة ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﻓﻴﻪ ﻳﻘﺎل :ﻟﻴﺲ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن أﺑﺪع ﻣﻤﺎ ﻛﺎن .ﻗﺪ ﺻﻴﻎ
ﺻﻊ ﺑﺄﻟﻔني وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ وﺛﻼﺛﺔ وﺛﻤﺎﻧني ﺣﺠ ًﺮا ﻣﻦ املﺎس ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﺑﺪﻳﻊ ،و ُر ﱢ
ﺑﺄﻟﻄﻒ ﺗﺮﺻﻴﻊ ،وﰲ ﻣﻘﺪﻣﻪ ﻳﺎﻗﻮﺗﻪ ﻛﺒرية ﺣﻤﺮاء ﺗﴤء ﻛﺎملﺸﻜﺎة ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﻠﻴﻼء ،ﻗﻴﻞ:
إﻧﻬﺎ أﻫﺪﻳﺖ ﻣﻦ املﻠﻚ ﻗﺸﺘﻴﻠﺔ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ إﱃ اﻷﻣري اﻷﺳﻮد ،أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﺳﻨﺔ ١٣٦٧
ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،وﰲ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎج ﻳﺎﻗﻮﺗﺔ زرﻗﺎء ﻋﲆ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺮوﻧﻖ واﻟﺒﻬﺎء.
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ رأت أﻣريًا ﺟﺮﻣﺎﻧﻴٍّﺎ ﰲ ﺻﻐﺮﻫﺎ اﺳﻤﻪ اﻟﱪﻧﺲ »أﻟﱪت« اﺑﻦ دوق »ﻛﻮﻳﺮج«،
واﻟﻈﺎﻫﺮ أﻧﻬﺎ أﺣﺒﺘﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤني ،ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻮت ﻋﲆ ﻋﺮش املﻤﻠﻜﺔ أرادات أن ﺗﺘﺒﻊ ﺳﻨﺔ
ﷲ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ ،ﻓﻜﺎﺷﻔﺖ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮرى ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺎزﻣﺔ أن ﺗﺘﺰوج ﺑﻬﺬا اﻷﻣري ،ﻓﺼﻮﱠب املﺠﻠﺲ
رأﻳﻬﺎ ،ﱠ
وﻋني ﻟﻪ ﺛﻼﺛني أﻟﻒ ﻟرية راﺗﺒًﺎ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ اﺧﺘﻠﻒ ﰲ ﻧﺴﺒﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻓﻴﻤﻦ ﻣﻨﻬﻤﺎ
ﻓﻔﻀﺖ املﻠﻜﺔ ﻫﺬا املﺸﻜﻞ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :إن ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻳﻜﻮن ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻳﻜﻮن ﻟﻪ اﻟﺘﻘﺪﱡم؛ ﱠ
712
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
إﱃ املﻤﻠﻜﺔ ،ﻓﺎﻗﱰﻧﺖ ﺑﻪ ﰲ اﻟﻌﺎﴍ ﻣﻦ ﺷﺒﺎط )ﻓﱪاﻳﺮ( ﺳﻨﺔ ١٨٤٠م ،وﻛﺎن ﻻﻗﱰاﻧﻬﻤﺎ
اﺣﺘﻔﺎل ﻋﻈﻴﻢ ﰲ اﻟﺒﻼد ﻛﻠﻬﺎ.
وﰲ اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻧﻮﻓﻤﱪ( ﺳﻨﺔ ١٨٤٠م ،وﻟﺪت اﺑﻨﺘﻪ ،وﻫﻲ
اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت زوﺟﺔ وﱄ ﻋﻬﺪ ﺟﺮﻣﺎﻧﻴﺎ ،وﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ وﻟﺪت وﱄ ﻋﻬﺪﻫﺎ ﺑﺮﻧﺲ »أوف
ً
اﺣﺘﻔﺎﻻ ﺑﻌﻤﺎده وﻳﻠﺲ« ،ﻓﻌﻢ اﻟﻔﺮح واﻟﺤﺒﻮر ﰲ اﻟﺒﻼد ﻛﻠﻬﺎ ،وﻗﺪروا اﻟﻨﻔﻘﺎت اﻟﺘﻲ أﻧﻔﻘﺖ
ﺑﻤﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ ﻟرية ،وﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ؛ أي ﺳﻨﺔ ١٨٤٢م ،زارت إﺳﻜﺘﻠﻨﺪا ،ﻓﺎﺣﺘﻔﻞ اﻟﺸﻌﺐ
ً
اﺣﺘﻔﺎﻻ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،ﺛﻢ زارﺗﻬﺎ ﻣﺮا ًرا ﻛﺜرية ،وﻛﺎﻧﺖ أﺣﻮال املﻤﻠﻜﺔ ﰲ اﻹﺳﻜﺘﻠﻨﺪي ﺑﻬﺎ وﺑﺰوﺟﻬﺎ
اﺿﻄﺮاب ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺮض اﻟﺒﻄﺎﻃﺎ ،وﻣﺎ رﺗﱠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻖ ﰲ أﻳﺮﻟﻨﺪا ،ﻓﴫﻓﺖ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﺎ
وﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ إﱃ ﺗﺨﻠﻴﺺ رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﻴﻖ ،واﻻﻗﺘﺼﺎص ﻣﻦ املﺠﺮﻣني اﻟﺬﻳﻦ
ﻳﻜﺜﺮ ﻋﺪدﻫﻢ ﰲ ﻛﻞ ﺑﻼد اﺷﺘﺪ اﻟﻀﻴﻖ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﰲ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﻛﺜرية ﺑﺴﺒﺐ ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ
ﺳﻴﺠﻲء.
وﺳﻨﺔ ١٨٥٢م ،ﺗﻮﰲ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻌﻈﻴﻢ دوق »وﻟﻨﺘﻨﻮن« ،اﻟﺬي ﻗﻬﺮ ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت ﰲ واﻗﻌﺔ
وﻛﺘﺒﺖ ﺗﻘﻮل :إﻧﻬﺎ ﻓﻘﺪت ﻓﺨﺮ إﻧﻜﻠﱰا وﻣﺠﺪﻫﺎ ْ »وﻃﺮﻟﻮ« ،ﻓﺤﺰﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ املﻠﻜﺔ ﺣﺰﻧًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا
ورأﺳﻬﺎ وأﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻗﺎم ﻓﻴﻬﺎ .وﻫﺬا ﺷﺄن ﻛﻞ ﻣﻠﻚ ﻋﻈﻴﻢ ﻳُﻘﺪﱢر رﺟﺎﻟﻪ ﻗﺪرﻫﻢ ،وﻻ ﻳﺒﺨﺲ
اﻟﻨﺎس أﺷﻴﺎءﻫﻢ.
ﺛﻢ اﻧﺘﺸﺒﺖ ﺣﺮب اﻟﻘﺮم ،وﻛﺎن اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻳﺮى ﻣﻦ واﺟﺒﺎﺗﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻌﻠﻴﺔ ﺿﺪ ﻫﺠﻤﺎت اﻟﺮوس ،ﻓﻈﻦ أن رأي اﻟﱪﻧﺲ »أﻟﱪت« — زوج املﻠﻜﺔ — ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﺮأﻳﻪ
ﰲ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﺗﻬﻤﻪ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﺸﻴﻊ ﻟﻠﺮوس ،وﻛﺜﺮت اﻟﻘﻼﻗﻞ واﻹﺷﺎﻋﺎت ،ﻓﺄﺷﺎع ﺑﻌﻀﻬﻢ
أﻳﻀﺎ؛ ﻟﺘﺸﻴﻌﻬﺎ ﻟﻪ ،وﻟﻜﻦ أﻧﻪ أﻟﻘﻲ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ وأُودع اﻟﺴﺠﻦ ،وأﻟﻘﻲ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ املﻠﻜﺔ ً
اﻟﱪﻧﺲ أﻋﺮب ﻋﻦ آراﺋﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﱪملﻨﺖ؛ ﻓﻬﺪأت أﻓﻜﺎر اﻟﻨﺎس وزال اﺿﻄﺮاﺑﻬﻢ.
وﰲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺘﺎﱄ ،اﺳﺘﻌﺮﺿﺖ املﻠﻜﺔ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺬاﻫﺒﺔ إﱃ اﻟﻘﺮم ،وزارت اﻟﻌﻤﺎرة
اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻗﺒﻞ ﺳﻔﺮﻫﺎ إﱃ اﻟﺒﻠﻄﻴﻚ ،واﻫﺘﻤﺖ ﺑﺤﻮادث ﻫﺬه اﻟﺤﺮب أﺷﺪ اﻫﺘﻤﺎم ،وﰲ ﻧﻴﺴﺎن
)أﺑﺮﻳﻞ( ﺳﻨﺔ ١٨٥٥م ،زارﻫﻤﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن وزوﺟﺘﻪ ،ﻓﺮدت ﻟﻬﻤﺎ اﻟﺰﻳﺎرة ﰲ ﺷﻬﺮ
آب )أﻏﺴﻄﺲ( ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ.
ﺛﻢ ﺟﺎءﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٦١م ﺑﺄﺷﺪ املﺼﺎﺋﺐ ،ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ أﻣﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻣﻦ آذار
)ﻣﺎرس( ،وﺗﻮﰲ زوﺟﻬﺎ ﰲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﻣﻦ )دﻳﺴﻤﱪ( ،وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﺛﻨﺘﺎن وأرﺑﻌﻮن
ﻃﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗُﺮى ﰲ املﺤﺎﻓﻞ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ إﻻ ﻧﺎد ًرا ،ﺣﺘﻰ ملﺎ ﺳﻨﺔ ،ﻓﺤﺰﻧﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺣﺰﻧًﺎ ﻣﻔﺮ ً
ﺗﻤﺾ إﻻ إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. اﺣﺘﻔﻞ ﺑﺰواج اﺑﻨﻬﺎ وﱄ اﻟﻌﻬﺪ ﻟﻢ ِ
713
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﺳﻨﺔ ١٨٦٧م ،زارﻫﺎ ﺟﻼﻟﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺧﺎن ،وﻣﻠﻜﺔ ﺑﺮوﺳﻴﺎ ،وإﻣﱪاﻃﻮرة
ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وداﻫﻤﺘﻬﺎ ﻣﺼﻴﺒﺘﺎن أُﺧﺮﻳﺎن؛ اﻷوﱃ :وﻓﺎة اﺑﻨﺘﻬﺎ اﻷﻣرية »ﻟﻴﺲ« ﺳﻨﺔ ١٨٦٨م،
واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﻓﺎة اﺑﻨﻬﺎ دوق »اﻟﻨﻲ« ﺳﻨﺔ ١٨٨٤م .وﻣﺎ املﻠﻮك ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ املﺼﺎﺋﺐ واﻟﻨﻮاﺋﺐ،
وﻻ ﻳُﻨﺠﻴﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺼﻦ وﻻ ﻣﻌﻘﻞ.
وﻗﺪ ﻣ ﱠﺮ اﻵن ﻋﲆ ﻫﺬه املﻠﻜﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة زﻳﺎدة ﻋﻦ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ وﻫﻲ ﻣﺴﺘﻮﻟﻴﺔ ﻋﲆ
ﺳﺪة املﻠﻚ ،وﻟﻢ ﻳﻤﻠﻚ أﺣﺪ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ﻓﺄﻛﺜﺮ إﻻ ﺛﻼﺛﺔ؛ وﻫﻢ:
املﻠﻚ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻟﺚ ،اﻟﺬي ﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٢١٦م إﱃ ﺳﻨﺔ ١٢٧٢م ،واملﻠﻚ إدوارد اﻟﺜﺎﻟﺚ،
اﻟﺬي ﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٣٢٧م إﱃ ﺳﻨﺔ ١٣٧٧م ،واملﻠﻚ ﺟﻮرج اﻟﺜﺎﻟﺚ ،اﻟﺬي ﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ
١٧٦٠م إﱃ ﺳﻨﺔ ١٨٢٠م.
وﻗﺪ ارﺗﻘﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻣﺪة ﻣﻠﻜﻬﺎ ارﺗﻘﺎء ﻻ ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻪ ،واﻣﺘﺪت اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ
اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ اﻷﻗﻄﺎر املﺴﻜﻮﻧﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎل :إن اﻟﺸﻤﺲ ﻻ ﺗﻐﺮب ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﰲ اﻷرﺑﻊ
واﻟﻌﴩﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ.
وﺣﺪث ﰲ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﺣﻮادث ﻛﺜرية ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺬﻛﺮ ﻏري ﻣﺎ ذﻛﺮ؛ ﻣﻨﻬﺎ:
ﺗﺨﻔﻴﺾ أﺟﺮة اﻟﺒﻮﺳﻄﺔ ،وﺗﻌﺪﻳﻞ ﴍﻳﻌﺔ املﺴﺎﻛﻦ واﺳﻜﺘﻠﻨﺪا وأﻳﺮﻟﻨﺪا ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎروا
ﻳﻨﺘﻔﻌﻮن ﻧﻔﻌً ﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﺻﺎرت املﺴﺎﻋﺪة ﺗﺼﻞ إﱃ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻧﻬﺎ
ﺣﻘﻴﻘﺔ.
وﻣﻨﻬﺎ :إﻟﻐﺎء ﴍاﺋﻊ اﻟﺤﺒﻮب ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﴩاﺋﻊ ﺗﻤﻨﻊ إدﺧﺎل اﻟﺤﺒﻮب إﱃ إﻧﻜﻠﱰا
إﻻ ﻋﻨﺪ اﻟﻐﻼء اﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﺑﻤﺎ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﻜﺲ اﻟﻔﺎﺣﺶ ﰲ أوﻗﺎت اﻟﺮﺧﺺ ،ﻓﺈذا
ﻛﺎن ﺛﻤﻦ اﻟﻜﻮارﺗﺮ — ﻧﺤﻮ ٢٠٠أﻗﺔ — ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ٦٢ﺷﻠﻨًﺎ ،أﺧﺬت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ً
ﻣﻜﺴﺎ ﻋﻠﻴﻪ
٢٤ﺷﻠﻨًﺎ ،وﺛﻠﺜﻲ اﻟﺸﻠﻦ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻗﻞ اﻟﺜﻤﻦ ﺷﻠﻨًﺎ زاد املﻜﺲ ﺷﻠﻨًﺎ ،وإذا زاد اﻟﺜﻤﻦ ﻋﻦ ذﻟﻚ
ﻗ ﱠﻞ املﻜﺲ ﻛﺜريًا ،ﻓﺈذا ﺑﻠﻎ اﻟﺜﻤﻦ ٦٩ﺷﻠﻨًﺎ؛ ﺻﺎر املﻜﺲ ١٥ﺷﻠﻨًﺎ وﺛﻠﺜني ،وإذا ﺑﻠﻎ اﻟﺜﻤﻦ
٧٣ﺷﻠﻨًﺎ ﺻﺎر املﻜﺲ ﺷﻠﻨًﺎ ،ﻓﺈذا اﺷﱰى أﺣ ٌﺪ ﻗﻤﺤً ﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺛﻤﻦ اﻟﻜﻮارﺗﺮ ١٨ﺷﻠﻨًﺎ،
ﺛﻢ رﺧﺺ اﻟﻘﻤﺢ ،ﻓﺼﺎر ﺛﻤﻦ اﻟﻜﻮارﺗﺮ ٦٩ﺷﻠﻨًﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺧﺴﺎرﺗﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻛﻮارﺗﺮ ١٨ﺷﻠﻨًﺎ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ دﻓﻊ ﺷﻠﻦ ﻣﻜﺴﺎ ١٥ﺷﻠﻨًﺎ وﺛﻠﺜني ًً وﺛﻠﺜﻲ اﻟﺸﻠﻦ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻠﺘﺰم ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أن ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻠﻴﻪ
واﺣﺪ.
وﻣﻨﻬﺎ :اﻧﺘﻘﺎل أﻣﻼك ﺗﺮﻛﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﴩﻗﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ اﺳﺘﻴﻼء
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ ،وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻣﻊ أن أﻫﺎﻟﻴﻬﺎ ﻳﺒﻠﻐﻮن
ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻣﻠﻴﻮن ،وأﻫﺎﱄ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وأﻳﺮﻟﻨﺪا ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻮن اﻵن ٣٥ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ!
714
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﻣﻨﻬﺎ :إﺑﺎﺣﺔ دﺧﻮل اﻟﱪملﻨﺖ ﻟﻠﻴﻬﻮد ،ووﺿﻊ ﻧﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ
ﺑﻼد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻧﻈﺎم ﻋﺎم ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ١٨٧٠م وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ،ﻓﺄﻗﺮت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺮﺗﻴﺐ
املﺪارس ﻋﲆ ﻧﻈﺎم ﺛﺎﺑﺖ ،وﺳﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﻮال اﻟﻮﻓرية ،ﻓﻔﺘﺤﺖ أﺑﻮاب املﻌﺮﻓﺔ ﻟﻜﻞ وﻟﺪ ﻣﻦ
أوﻻد اﻷﻣﺔ.
وﻣﻨﻬﺎ :اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬﻫﺐ ﰲ أﺳﱰاﻟﻴﺎ وﻛﻮملﺒﻴﺎ ،وﻣ ﱡﺪ اﻟﺘﻠﻐﺮاف ﺑني إﻧﻜﻠﱰا وأﻣﺮﻳﻜﺎ،
وﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻛﻞ وﻻﻳﺘﻬﺎ ،واﺗﺴﺎع ﻧﻄﺎق اﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺘﺠﺎرة ﺑﺎﺗﺴﺎع ﻧﻄﺎق املﻌﺎرف
واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﺗﻜﺎﺛﺮ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ،واﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ.
وﰲ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻧﻘﻮل :إن اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﺑﻠﻎ أوج ﻣﺠﺪه ﰲ ﻣﺪة ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ،وﺗﻤﺘﻊ
ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺒﻌﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺘﻲ ﻃ َﻠﺒﻬﺎ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف »ﺟﻮن
داع؛ ﻷن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﻤﺘﻌﻮا ﺑﻬﺎ وﺑﺄﻛﺜ َﺮ ﻣﻨﻬﺎ. ﺳﺘﻮرت« ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ املﻌﻨﻮن ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﻢ َ
ﻳﺒﻖ ﻟﻬﺎ ٍ
وﻧﻮدي ﺑﺎملﻠﻜﺔ »ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ« إﻣﱪاﻃﻮرة اﻟﻬﻨﺪ ﺳﻨﺔ ١٨٧٦م ،وﻗﺪ وﻟﺪ ﻟﻬﺎ ﺗﺴﻌﺔ أوﻻد:
أرﺑﻌﺔ ﺑﻨني ،وﺧﻤﺲ ﺑﻨﺎت .وﻫﺬه أﺳﻤﺎؤﻫﻢ ﻣﻊ ذﻛﺮ رواﺗﺒﻬﻢ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ:
715
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
واملﻠﻜﺔ »ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ« ﻣﺸﻬﻮرة ﰲ ﺣﺴﻦ ﺗﺪﻳﻨﻬﺎ وﺷﺪة اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﱰﺑﻴﺔ أوﻻدﻫﺎ ﻋﲆ
ﻣﺒﺎدئ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ واﻟﺘﻘﻮى ،وﰲ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮاء واملﺴﺎﻛني واملﺤﺘﺎﺟني ﻣﻦ رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ،ﻓﺘﻨﻔﻖ
أﻳﻀﺎ ﰲ ﺷﺄن اﻟﻌﻠﻮمﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻬﺎ ،وﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﻴﺪﻫﺎ أﺣﺰﻣﺔ وأﻛﻴﺴﺔ وﺗﺮﺳﻠﻬﺎ ﻟﻬﻢ ،وﺗﻬﺘﻢ ً
واملﻌﺎرف ﺷﺪﻳﺪ اﻻﻫﺘﻤﺎم ،وﺗﺜﻴﺐ املﺸﺘﻐﻠني ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗﻘﻄﻊ ﻟﻬﻢ اﻟﺮواﺗﺐ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ؛ ﺟﺰاء
ﻣﺜﻼ ﻟﻪ راﺗﺐ ﺳﻨﻮي ﻗﺪره ٣٠٠ﻟرية ،واﻟﺪﻛﺘﻮر »ﻣﺮي« ﻟﻪ ﻟﺨﺪﻣﺘﻬﻢ ،ﻓﺎﻷﺳﺘﺎذ »ﻫﻜﺴﲇ« ً
٢٧٠ﻟرية ﰲ اﻟﺴﻨﺔ» ،وﻣﺘﺒﻮ أرﺗﻠﺪ« ﻟﻪ ٢٥٠ﻟرية ،و»أﻟﻔﺮد وﻟﺲ« ٢٠٠ﻟرية.
ُ
ﻳﺼﻒ وﻣﻊ ﻓﻀﻞ ﻫﺬه املﻠﻜﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،وﺷﺪة ﺗﻌﻠﻖ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺑﻬﺎ ،وﺣﺒﻬﻢ ﻟﻬﺎ ،ﻟﻢ
ﻟﻬﺎ ﻛﺄس اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ املﻌﺘﺪﻳﻦ اﻟﻄﺎﻟﺒني ﻗﺘﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺻﺪق ﻣﻦ ﻗﺎل :إن املﻨﺎﺻﺐ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ
ﺑﺎملﺘﺎﻋﺐ ،ﻓﺒﻌﺪ زواﺟﻬﺎ ﺑﺄرﺑﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻛﺎﻧﺖ ذاﻫﺒﺔ ﰲ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺪﻧﺎ
ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺎب اﺳﻤﻪ »أﻛﺴﻔﺮد« وأﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺒﻨﺠﺔ ﻣﺮﺗني ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳ ُِﺼﺒْﻬﺎ ﺑﻤﻜﺮوه ،ﻓﺤُ ﻜﻢ
ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎملﻮت ،ﺛﻢ وﺟﺪ ﻓﻴﻪ اﺧﺘﻼل ﰲ ﻋﻘﻠﻪ؛ ﻓﺄﺑﺪل اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﰲ ﺑﻴﻤﺎرﺳﺘﺎن املﺠﺎﻧني
ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة.
وﺳﻨﺔ ١٨٤٢م ،ﺣﺎول واﺣﺪ آﺧﺮ ﻗﺘﻠﻬﺎ ،وأﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺒﻨﺠﺔ ،ﻓﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎملﻮت،
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺧﻔﻔﺖ اﻟﺤﻜﻢ وﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ املﺆﺑﺪ ،وﺑﻌﺪ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺣﺎول واﺣﺪ آﺧﺮ
أن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺒﻨﺠﺔ ،ﻓﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ.
وﺳﻨﺔ ١٨٤٩م ،ﺣﺎول رﺟﻞ أﻳﺮﻟﻨﺪي ﻗﺘﻠﻬﺎ ،ورﻣﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص ،ﻓﻠﻢ ﻳُﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﴐ ًرا،
ﻓﺤُ ﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات.
وﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ،ﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﺪ اﻟﺠﻨﻮد وﴐﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ،ﻓﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ
ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات.
ﻣﺤﺎوﻻ ﻗﺘﻠﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳُﺼﺒﻬﺎ ،وﻟﺪى اﻟﻨﻈﺮ ﰲً وﺳﻨﺔ ١٨٧٢م ،أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﺎب ﻃﺒﻨﺠﺔ
أﻣﺮه وﺟﺪ ﻣﺠﻨﻮﻧًﺎ ،ﻓﺄودع اﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎن .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ،أرﺳﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ رﺳﺎﻟﺔ إﱃ اﻟﺴري
»ﻫﻨﺮي ﺑﻮﻟﺴﻮﻧﺒﻲ« ﻳﺘﻬﺪد ﺑﻪ املﻠﻜﺔ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ .ﻓﻬﺬه ﺣﻴﺎة املﻠﻮك ،وﻫﺬا ﻫﻮ ﺧﻠﻬﺎ وﺧﻤﺮﻫﺎ.
وﻟﻠﻤﻠﻜﺔ ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ ﻣﺆﻟﻔﺎن ﺷﻬريان؛ اﻷول :ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﻴﺎة زوﺟﻬﺎ ،أﻟﻔﻪ اﻟﺠﻨﺮال
»ﻏﺮاي« ﺑﺈرﺷﺎدﻫﺎ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٨٤١م إﱃ ﺳﻨﺔ ١٨٦١م،
وأﺗﺒﻌﺘﻪ ﺑﻜﺘﺎب آﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ﻧﴩﺗﻪ ﰲ أواﺧﺮ ﺳﻨﺔ ١٨٨٣م ،وﻫﻮ ﻳﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٨٦٢م
إﱃ ﺳﻨﺔ ١٨٨٢م.
أﻣﺎ زوﺟﻬﺎ اﻟﱪﻧﺲ »أﻟﱪت« ،ﻓﻬﻮ اﺑﻦ دوق »ﺳﻜﺲ ﻛﻮﻳﺮج ﻛﻮﺛﺎ« ،وﻫﻲ وﻻﻳﺔ ﰲ
ﺳﻜﺴﻮﻧﻴﺎ .وﻟﺪ ﰲ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ آب )أﻏﺴﻄﺲ( ﺳﻨﺔ ١٨١٩م ،ودرس
716
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ ﺑﻮن اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﺨﺮج ﰲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻌﻠﻖ
ﻈﻢ رواﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع ﺑﺎﻟﻜﻴﻤﻴﺎء واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واملﻮﺳﻴﻘﻰ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﻧ َ
اﻷوﺑﺮا ُﻣﺜﱢﻠﺖ ﰲ ﻟﻨﺪن ﺑﻌﺪﺋﺬٍ ،وﻛﺎن ﺑﺪﻳﻊ املﻨﻈﺮ ﻣﺎﻫ ًﺮا ﺑﺎﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ.
وملﺎ اﻗﱰﻧﺖ ﺑﻪ املﻠﻜﺔ »ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ« ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﱠم ،ﻛﺎن ﰲ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه،
ﻓﻤﻨﺢ اﻹﻋﺎﻧﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وأﻋﻄﻴﺖ ﻟﻪ ﻗﻴﺎدة أﻻي ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن ،ورﻗﻲ إﱃ رﺗﺒﺔ ﻓﻴﻠﺪ ﻣﺮﺷﺎل،
ﺛﻢ وﺟﻬﺖ إﻟﻴﻪ أﻟﻘﺎب ورﺗﺐ ﻛﺜرية؛ ﻷن اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي رأي ﻣﻨﻪ ً
رﺟﻼ ﺣﺎزﻣً ﺎ ﺳﺎﻋﻴًﺎ ﰲ
ﺧري اﻷﻣﺔ ،ﻣﻦ ﻏري أن ﻳُﻌ ﱢﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮض ملﻘﺎوﻣﺔ ﺣﺰب ﻣﻦ
ﺣﺰﺑﻲ املﻤﻠﻜﺔ ،واملﻠﻜﺔ وﺟﺪﺗﻪ زوﺟً ﺎ أﻣﻴﻨًﺎ ﻣﺤﺒٍّﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي اﺧﺘﺎره ﻟﻠﺴﻌﻲ ﰲ ﺧري اﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻏري أن ﻳﻌﺮض ﻧﻔﺴﻪ ملﻘﺎوﻣﺔ أﻫﻞ
رﺋﻴﺴﺎ ملﺪرﺳﺔ ﻛﻤﱪج اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻜﺜري ﻣﻦ ً اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،ﻓﻬﻮ ﺗﻨﺸﻴﻂ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن ،ﻓﺠﻌﻞ
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻠﻤﺠﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٩م؛ أﻋﺮب ﻋﻦ ً املﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وملﺎ ﻛﺎن
رأﻳﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﺟﻮب اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺸﺄن اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻘﺎل :ﺳﻴﺰﻳﺪ اﻟﺘﻔﺎت اﻟﺪوﻟﺔ إﱃ اﻟﻌﻠﻢ
ﻛﻤﺎ ﻧﺮﺟﻮ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻌﺘﻤﺪًا ﻋﲆ إﺣﺴﺎن املﺤﺴﻨني ،ﺑﻞ ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻤﺎ
واﺛﻘﺎ ﺑﺤﻨﻮﻫﺎ ورﻏﺒﺘﻬﺎ ﰲ ﻧﺠﺎﺣﻪ ،وﺳﺘﺠﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﴫًا ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻻﺑﻦ أﻣﻪ ً
ﻋﻨﺎﴏ ﻗﻮﺗﻬﺎ وﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ،وﺑﺴﻌﻴﻪ ﻓﺘﺢ املﻌﺮض اﻟﻌﺎم ﺑﺒﻼد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﺳﻨﺔ ١٨٥١م ،وﻟﻜﻦ
ﻟﻢ ﻳﻔﺴﺢ ﷲ ﻟﻪ ﰲ اﻷﺟﻞ ،ﻓﻮاﻓﺘﻪ املﻨﻴﺔ وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﺛﻨﺘﺎن وأرﺑﻌﻮن ﺳﻨﺔ.
717
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺪ رﺳﻢ ﺑﻌﺾ املﺼﻮرﻳﻦ ﻫﺎﺗني اﻟﺒﻨﺘني وﻋﲆ رأس ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﺎج رﻣ ًﺰا ﻋﲆ اﻟﻘﻮة
واﻟﺘﺴﻠﻂ ،وأﻃﻠﻘﺖ اﻟﺠﺮاﺋﺪ أﻟﺴﻨﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء اﻟﺠﻤﻴﻞ واﻟﺸﻜﺮ اﻟﺠﺰﻳﻞ ﻋﲆ ﻣﻬﺎرﺗﻬﻤﺎ ،وﺗﻐﺎﻟﺖ
ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ إن ﺟﺮﻳﺪة ﺗﻠﻐﺮاف ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻧﴩت ﰲ ﺻﺪر أﺣﺪ أﻋﺪادﻫﺎ ﺻﻮرة ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺒﻨﺘني
راﻛﺒﺘني ﻋﲆ ﻋﺠﻠﺔ ﻳﺠﺮﻫﺎ رؤﺳﺎء أﻛﱪ اﻟﺒﻴﻮت املﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺟﺮﻳﺪة ﻧﻴﻮﻳﻮرك »ﻫﺮاﻟﺪ«
ﺗﺼﻮﱢب ﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ﺳﻬﺎم اﻻﻧﺘﻘﺎد واﻟﺘﻌﺰﻳﺮ ،وﻗﺎﻟﺖ :إن اﻟﴩاﺋﻊ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻋﺎداﺗﻬﺎ اﻷﻫﻠﻴﺔ
ﺗﻤﻨﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﺴري ﰲ املﻨﺎﻫﺞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،واﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻬﻤﺎ
ﺑﻠﻐﺖ ﺑﻬﻦ درﺟﺔ اﻟﻌﻠﻢ واملﻌﺮﻓﺔ .وملﺎ اﺗﺼﻞ ﺑﻬﻤﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﻢ ﺗﻌﺒﺂ ﺑﻪ ،ﺑﻞ أﺧﺬﺗﺎ ﰲ
اﺗﺒﺎع ﻃﺮﻳﻘﻬﻤﺎ اﻷول ،وﺣﺜﱠﺘﺎ اﻟﺴري ﻓﻴﻪ ،واﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻬﻤﺎ إﱃ أن أﺳﺴﺘﺎ ﺟﺮﻳﺪة أﺳﺒﻮﻋﻴﺔ
ﺑﻠﻎ ﻋﺪد ﻣﺸﱰﻛﻴﻬﺎ ﰲ زﻣﻦ ﻳﺴري ٥٠٠٠٠ﻧﻔﺲ.
وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮاﻧني اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﺨﻮل ﻟﺠﻤﻴﻊ أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﻮا رﺷﺪﻫﻢ اﻟﺤﻖ
ﰲ إﻋﻄﺎء أﺻﻮاﺗﻬﻢ ،ﺑﴩط أن ﻳﺪﻓﻌﻮا ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺋﺪ واﻟﺮﺳﻮم اﻟﺘﻲ اﻗﺘﻀﺘﻬﺎ
ﻧﻈﺎﻣﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ودﻫﻮل« ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻼﺗﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﻦ ﴍوط
ﺑﻠﻮغ اﻟﺮﺷﺪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺪﻓﻊ ﻣﺎ اﺳﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺋﺪ واﻟﺮﺳﻮم ،ﻓﻘﺪ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﲆ
وﺷﻔﺖ ﻋﻦﱠ ﱢ
ﻣﺼﺎف اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻬﺎ اﻹذن ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﰲ
اﺳﺘﻌﺪادﻫﺎ ﻟﺪﻓﻊ اﻟﺮﺳﻮم املﻄﻠﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﺗُﱪﻫﻦ ﺑﻌﺒﺎرات ﻓﺼﻴﺤﺔ ،وﻗﻴﺎﺳﺎت ﺻﺤﻴﺤﺔ
ﻋﲆ وﺟﻮب ﻣﺴﺎواة اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل ﰲ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،وﺗﺤ ﱠﺰب ملﺬﻫﺒﻬﺎ ﺟ ﱞﻢ ﻏﻔري ﻣﻦ
اﻟﻨﺎس ،وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب ﻧﺎﺋﺒني ﻋﻦ ﺳﺖ وﻋﴩﻳﻦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ.
وﻗﺪ أﺧﺬ ﻧﺠﺎح اﻷﺧﺘني ﻳﺘﺪرج ﰲ ﻣﺪارك اﻟﺰﻳﺎدة واﻟﻨﻤﻮ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﻤﺎ ﻋﻮﱠﻟﺘﺎ ﻋﲆ ﻧﴩ
ﻣﺒﺪﺋﻬﻤﺎ اﻟﺤﻤﻴﺪ ،أﻻ وﻫﻮ ﺗﺤﺴني أﺣﻮال املﺮأة ﰲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺘﺎ ﰲ ﻛﻞ أﻗﻮاﻟﻬﻤﺎ وﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻤﺎ
ﺗﻮﺟﻬﺎن ﺳﻬﺎم اﻻﻧﺘﻘﺎد واﻟﺘﺒﻜﻴﺖ ﻋﲆ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻔﺘﻴﺎت ،وﻗﺎﻟﺘﺎ :إﻧﻬﺎ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﻘﻮاﻋﺪ
ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻤﻠﺔ ،وﻣﺒﺎدئ ﺗﻤﻴﻞ ﺑﻬﻦ إﱃ اﺗﺨﺎذ اﻟﺘﻤﻠﻖ واﻟﺨﻠﻖ اﻟﺬﻣﻴﻢ آﻟﺔ ﻟﻨﻮال ﻣﺂرﺑﻬﻦ،
وذﻛﺮﺗﺎ ﻏري ﻣﺮة أن اﻟﺒﻨﺖ ﺗﺘﻌﻠﻢ ﻟﺘﻜﻮن ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ اﻣﺮأة ﺻﺎﻟﺤﺔ ،وواﻟﺪة ﻣﺮﺑﻴﺔ ،ﻻ
ﻟﺘﺰوﻳﻘﻬﺎ وﺗﻬﻴﺌﺘﻬﺎ ﻷن ﺗﻜﻮن داﻋﻴﺔ ﻻﺳﺘﻠﻔﺎت أﻧﻈﺎر اﻟﺸﺒﺎن ،وأن أﻫﻠﻬﺎ وذوي ﻗﺮاﺑﺘﻬﺎ
وﻣﻌﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﻳﺨﻔﻮن ﻋﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﰲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم رﺑﺔ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﻣﺪﻳﺮة ﺷﺌﻮن ﻋﺎﺋﻠﺔ،
ﺳﺘﻜﻮن ﻫﻲ ﻗﻮام ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ،ورﻛﻦ ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ ،ودﻋﺎﻣﺔ ﻋﺰﻫﺎ وﺷﻮﻛﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻬﻢ ﻓﻮق ذﻟﻚ ﻻ
ﻳُﺬ ﱢﻛﺮوﻧﻬﺎ ﺑﻮاﺟﺒﻬﺎ إذا ﺻﺎر ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻟﺰواج زﻣﻦ ﻳﺴري.
718
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﻗﻮال ﺑﺎﻋﺜﺔ ﻋﲆ ﻗﻴﺎم اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺿﺪ ﻫﺎﺗني اﻷﺧﺘني،
ﻓﺎﺗﻬﻤﻮﻫﻤﺎ ﺑﻨﴩ املﺒﺎدئ اﻟﻔﺎﺳﺪة ،واﻟﻌﺒﺚ ﺑﺼﻔﺔ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻄﺎﻫﺮات اﻟﺬﻳﻞ ،وﻗﺪ ﺗﻐﺎﻟﻮا
ﰲ اﺗﻬﺎﻣﻬﻤﺎ ،ﻓﻨﺴﺒﻮﻫﻤﺎ إﱃ ﺑﺚ املﺒﺎدئ اﻟﻌﺎﻃﻠﺔ ﰲ اﻟﻌﺎدات اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ واﻷﺧﻼق اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ.
وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺎروا ﻳﻐ ﱡﻠﻮﻧﻬﻤﺎ ﰲ ﻏﻴﺎﻫﺐ اﻟﺴﺠﻦ ،ورﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ ﻛﻮن املﺤﻜﻤﺔ ﻗﺪ ﺑﺮأﺗﻬﻤﺎ
وأﻃﻠﻘﺖ ﴎاﺣﻬﻤﺎ؛ ﻓﺈن اﻟﻨﺎس اﺳﺘﻤﺮوا ﻳﺴﻮﻣﻮﻧﻬﻤﺎ اﻟﺤﻴﻒ واﻟﺨﺴﻒ ،وﻗﺎﻟﺖ إﺣﺪى
اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ:
ﻛﺎﻧﺖ إذا اﺣﺘﺎﺟﺖ »ﻓﻜﺘﻮرﻳﺎ ودﻫﻮل« أن ﺗﺴﺘﺄﺟﺮ ﺣﺠﺮة ﻟﺘﺒﻴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
أﺟﺮة ﻫﺬه اﻟﺤﺠﺮة ٢٠٠٠رﻳﺎل ،ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺴﻜﻨﺎﻫﺎ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ٣٠٠٠رﻳﺎل،
وإذا ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺄﺣﺪ اﻟﻔﻨﺎدق ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻊ ﻋﴩة أﻣﺜﺎل ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻏريﻫﺎ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ
ﻗﻀﺖ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﺧﺎرج املﻨﺎزل ﻟﻌﺪم ﻗﺒﻮل أﺣﺪ أن ﻳﻀﻴﻔﻬﺎ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻪ.
وملﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﺣﺎﻟﺘﻬﻤﺎ ،ورأﺗﺎ ﻋﺪم ﻃﻴﺐ املﻘﺎم ﺑﺎرﺣﺘﺎ أﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻗﺎﺻﺪﺗني ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻟﻮﻧﺪره«؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺮﻣﺖ ﻣﺜﻮاﻫﻤﺎ إﺣﺪى اﻟﻨﺴﺎء اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺎت ،وﻟﻢ
ﻳﺬﻫﺐ ﺳﻌﻴﻬﻤﺎ ﰲ ﺑﻼد أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻫﺒﺎء ﻣﻨﺜﻮ ًرا؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى اﻹﻧﺴﺎن ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت
ﻣﺤﻼ ﻣﻦ املﺤﻼت إﻻ وﺟﺪت املﺮأة ﻓﻴﻪ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺮﺟﻞٍّ املﺘﺤﺪة ﺑﺎﻟﻘﺎرة املﺬﻛﻮرة
ﺗﺆدي اﻷﻋﻤﺎل ﻛﻤﺎ ﻳﺆدﻳﻬﺎ ﻫﻮ ،وﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ أن ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﺻﺎرت ﻣﺮﻋﻴﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﻻ
ﺗُﻤﻨﻊ ﻣﻦ اﻛﺘﺴﺎب ﻣﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻤﻌﺎﺷﻬﺎ وﻣﻌﺎش آوﻳﻬﺎ ﻣﻦ أي ﻋﻤﻞ رﺿﻴﺖ ﺑﻪ،
ﻓﻬﺬه ﻫﻲ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﺨﺮ؛ إذ إن اﻣﺮأة ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل ﰲ
ﺑﻼد ﻣﺜﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ.
719
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻤﺎه أﻫﻞ اﻟﻬﻮى وﺟﺪا أرى ﻓﻲ ﻓﺆادي ﻟﻮﻋﺔ اﻟﺤﺐ ﻻ ﺗﻬﺪا
ﻗﺎل »أدﻳﺴﻴﺎ« ﻋﻘﺪي وداد ووﻻء ،ورﻣﻰ »ﻓﻴﺪر« ﺑﺴﻬﻤﻲ ﻧﻔﺮة وﺟﻔﺎء ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ إﻻ
ﻣﺜﻞ ﺣﺴﻮة ﻃﺎﺋﺮ ،أو ﻟﻬﻨﺔ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ :ﻋﺎد »ﺛﻴﺰي« ﺣﻴٍّﺎ؛ ﻓﺴﻘﻂ ﰲ ﻳﺪي »ﻓﻴﺪر«
ﻋﻀﺖ ﺑﻨﺎﻧﻬﺎ اﻟﺨﻀﻴﺐ ﺑﺜﻨﺎﻳﺎ اﻟﻨﺪاﻣﺔ ،وﻓﻮﻗﺖ ﺟﺌﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺮﻳٍّﺎ ،ﺛﻢ ﱠ
ُ وﻗﺎﻟﺖ :وﻳﻼه! ﻟﻘﺪ
إﱃ ﻗﻴﱢﻤﺘﻬﺎ »أوﺗﻮن« ﻧﺒﺎل اﻟﺘﻘﺮﻳﻊ واملﻼﻣﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺳﺒﻖ اﻟﺴﻴﻒ اﻟﻌﺬَل ،ﻓﻠﺠﺄت إﱃ
اﻟﻐﺪر واﻟﺨﺘﻞ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺣ ﱠﻞ زوﺟﻬﺎ اﻟﴫح ﻗﺎﺑﻠﺘﻪ ﺑﻮﺟﻪ ﺑﺎﴎ ،ودﻣﻊ ﻣﺎﻃﺮ ،وﺧﺮﻃﻮم
ﻛﻤﺨﻠﺐ ﻛﺎﴎ ،وﻗﺎﻟﺖ ﺑﺼﻮت ﻳﻘﺼﻒ ﻛﺎﻟﻬﺰﻳﻢ :ﻣﺎ ﺟﺰاء ﻣﻦ أراد ﺑﺄﻫﻠﻚ ﺳﻮءًا إﻻ أن
ﻳﺴﺠﻦ أو ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ؟! إن »أﺑﻴﻮﻟﻴﺖ« رﻣﺎﻧﻲ ﻻﻗﺘﻨﺎص ﻋﻦ ﻗﻮس اﺣﺘﻴﺎﻟﻪ ﺑﺤﺮﺑﺎت ﻧﺎﻓﺬات
ً
ﻋﺮﺿﺎ وﻓﺮ ،وﺗﺜﻠﻢ ﺳﺪ املﺄرب. ﻛﺎدت ﺗﻔﺮي
وﰲ رواﻳﺔ أن ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺑﻠﺴﺎن »أوﺗﻮن«؛ ﻟﻴﺘﻢ اﻟﺪﺳﺖ ﻋﲆ »ﺛﻴﺰى« املﻐﺒﻮن ،ﻓﺎﻧﻄﻠﺖ
ﻋﻠﻴﻪ زﺧﺎرﻓﻬﺎ ،وﺟﻬﺮ ﰲ ﻣﺠﺎﻫﻞ ﻣﺨﺎرﻓﻬﺎ ،ﻓﻨﺸﺒﺖ ﺑﺮﺟﻠﻪ اﻟﺤﺒﺎﻟﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺪر أن ﻋﺮﺳﻪ
ﻈﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻮر املﺮﺟﻞ ،وﻟﻌﻨﻪ وﻫﻮ ﻳﺤﺮق ﻋﻠﻴﻪ اﻷرم أروغ ﻣﻦ ﺛﻌﺎﻟﺔ ،ﻓﻔﺎر ﻋﲆ اﺑﻨﻪ ﻏﻴ ً
ﻗﺎﺋﻼ :اﻣﺾ إﱃ ﺣﻴﺚ أﻟﻘﺖ رﺣﻠﻬﺎ أم ﻗﺸﻌﻢ ،ﺛﻢ ﺗﻮﺳﻞ إﱃ ﻣﺒﻌﻮد اﻟﺒﺤﺮ ﻧﻴﺘﻮن أن ﻳﻬﻠﻚ ً
ً
أﺳﻴﻔﺎ ﺣﺰﻳﻨًﺎ ﻗﺎﺻﺪًا ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻣﺴﻴﻨﺔ«. اﺑﻨﻪ اﻟﺨﺌﻮن ،ﻓﻤﴣ »أﺑﻴﻮﻟﻴﺖ« ﰲ رﻫﻂ ﻣﻦ ﺣﺎﺷﻴﺘﻪ
وﻛﺎن أوﻋﺰ إﱃ »أدﻳﺴﻴﺎ« أن ﺗﻠﺤﻖ ﺑﻪ ﻟﻴُﺸﻬﺪ املﻌﺒﻮدات ﻋﲆ اﻗﱰاﻧﻬﻤﺎ ،وﻟﻴﻘﻄﻌﺎ ﻏﺎﺑﺮ
اﻟﻌﻤﺮ ﰲ ﺣﺠﺮ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﺳﺎﺋﺮ ﻋﲆ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ إذا ﺑﺎﻷﻣﻮاج ﻋﻠﺖ ﻛﺎﻟﺸﻮاﻫﻖ،
ﺛﻢ ﻫﻮت ﻣﺘﻜﴪة ﻛﺄﻧﻤﺎ رﻣﻴﺖ ﺑﺠﻼﻫﻖ ،ﻓﺒﺎن ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺗﻨني أﻗﴩ ﻫﺎﺋﻞ املﻨﻈﺮ ،أﺟﺶ
اﻟﺼﻮت ،ﺗﻨﻮب أﻧﻴﺎﺑﻪ ﻋﻦ ﻣﻠﻚ املﻮت ،ﻓﻔﺮ اﻟﻘﻮم ﻫﻠﻌً ﺎ ﻣﺘﻮارﻳﻦ ﻋﻦ اﻷﺑﺼﺎر إﻻ »أﺑﻴﻮﻟﻴﺖ«؛
720
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺎﺑَﻠﻪ ﺑﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﻓﻮﻻذ ،وﺻﺪر ﻛﺄﻧﻪ ﺗﻴﺎر ،ورﻣﻰ ﻓﺆاده ﺑﺤﺮﺑﺔ ﻫﻲ ﻟﻸرواح أﺣﺮق
ﻄﺎ ﺑﺪﻣﻪ،أﺧﺒﺎر ،وﻟﻸﻋﻤﺎر أﻗﻄﻊ ﺑﺘﺎر ،ﻓﺎﻧﻬﺎر ﻋﻨﺪ أرﺟﻞ اﻟﺨﻴﻞ ﻛﺎﻟﻨﺨﻠﺔ اﻟﺴﺤﻮق ﻣﺘﺸﺤ ً
ﻛﺎدﻣً ﺎ اﻟﺼﺨﺮ ﺑﻔﻤﻪ ،ﻓﻨﻔﺮت اﻟﺨﻴﻞ وأي ﻧﻔﺎر ،وﴍدت املﺮﻛﺒﺔ ﻣﺘﺴﻠﻘﺔ ﺑني اﻟﺼﺨﻮر ﰲ
اﻟﻘﻔﺎر ،ﺣﺘﻰ ﺗﻜﴪت اﻟﻌﻮاﺟﻞ ،وﺳﻘﻂ »أﺑﻴﻮﻟﻴﺖ« ﻋﲆ اﻟﺼﺤﺼﺤﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻋﻠﻘﺖ
رﺟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻌﻨﺎن ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﺠﺮه اﻟﺨﻴﻞ ﻣﺬﻋﻮرة ،ﺗﺘﻼﻃﻢ ﻣﺪﻫﻮﺷﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻤ ﱠﺰﻗﺖ ﻟﺤﻤﺎﻧﻪ
ﺑﻔﻌﻞ اﻷﺷﻮاك واﻟﺼﺨﻮر ،وﺗﻔﺠﺮت ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ دﻣﻪ ﻣﻨﺴﺎﺑﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺎب واﻟﻮﻋﻮر ،وﻟﻢ
ﻳﺪرﻛﻪ أﺻﺤﺎﺑﻪ إﻻ واﻟﺠﺮﻳﺾ ﰲ ﺛﻐﺮه ،واﻟﺤﴩﺟﺔ ﰲ ﺻﺪره.
ﻓﺄوﺻﺎﻫﻢ أن ﻳﺒﻠﻐﻮا أﺑﺎه ﻣﺎ ﻛﺎن ،وأﻧﻪ ﺑﺮيء ﻣﻦ اﻓﱰاء دﻟﻴﻠﺔ املﻜﺮ واﻟﺒﻬﺘﺎن ،وأن
ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻪ ﻋﺰاءً ملﺼﺎﺑﻪ ،وﺷﻬﺪًا ﻳﺤﲆ ﺟﺎم ﻳﺘﻮﺳﻠﻮا إﻟﻴﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﺄن ﻳﺘﺨﺬ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ »أدﻳﺴﻴﺎ« ً
ﺻﺎﺑﻪ ،وﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ أﻗﺒﻠﺖ »أدﻳﺴﻴﺎ« ﺑﺨﻄﻮ دوﻧﻪ إﻫﻤﺎج اﻟﺴﻮاﺑﻖ ،واﻧﻘﻀﺎض
اﻟﺼﻮاﻋﻖ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ﻣﺤﺒﻮﺑﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺻﻌﻘﺖ ﺑﺼﻮت دوى ﻟﻪ اﻟﺠﻮ ،واﻧﻄﺮﺣﺖ إﱃ
ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻻ ﺗﻔﺮق وﻻ ﺗﻌﻲ ،وملﺎ ﺛﺎب إﻟﻴﻬﺎ ﺣﻠﻤﻬﺎ ﻋﺎد اﻟﺠﻤﻴﻊ أدراﺟً ﺎ ،واﺗﺨﺬوا ﺗﻮٍّا إﱃ املﻠﻴﻚ
ﻣﻨﻬﺎﺟً ﺎ ،ﻓﻘﺼﻮا ﻋﻠﻴﻪ ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﺄ اﻟﻔﺎﺟﻊ.
وﻛﺎن ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ أن »أوﺗﻮن« — أم اﻟﺒﺪاﺋﻊ — أﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻤﺪًا؛ ملﺎ ﺟﺮى
ﻋﻦ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻈﺎﺋﻊ .و ﱠملﺎ ﻛﺎد ﺻﺒﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻳﻠﻮح ﴍﺑﺖ »ﻓﻴﺪر« ﺳﻤٍّ ﺎ ﻧﺎﻗﻌً ﺎ ،وﻗﺎﺑﻠﺖ
ﻃﺮﻓﺎ داﻣﻌً ﺎ ،وأﻧﺒﺄﺗﻪ ﺛﻤﺖ ﺑﻮﺻﻤﺘﻬﺎ ،ﺑﻤﺎ ﺻريﺗﻪ ﻋﲆ ﻫﺎﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﻳﻞ ً »ﺛﻴﺰي« ﻛﺎﴎة
ﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺗﻠﺒﻴﺘﻬﺎ ﻧﺪاء ﺷﻬﻮﺗﻬﺎ ،وﻛﺎن اﻟﺴﻢ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﻜﻢ ﰲ دورة دﻣﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﺘﺤﺮﻗﺖ ﻣﻔﺮدات
أﺣﺸﺎﺋﻬﺎ ،وﺳﻘﻄﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﺟﺜﺔ ﺑﻼ روح ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ،وﻋﺎد ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﻴﺦ
ﻨﻐﺼﻪ ذﻛﺮى ﻣَ ﻦ ﻳﺰرع ﻋﻴﺸﺎ ﺗُ ﱢ
واملﻼﻣﺔ ،وﻗﻄﻊ ﻣﻊ »أدﻳﺴﻴﺎ« اﻟﺘﻲ اﺻﻄﻔﺎﻫﺎ اﺑﻨﺔ وﺧﻠﻴﻠﺔ ً
اﻟﻌﺠﻠﺔ ﻳﺤﺼﺪ اﻟﻨﺪاﻣﺔ.
721
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وزوﺟﻬﺎ ﻟﺸﺨﺺ ﻏﺮﻳﺐ اﺳﻤﻪ اﻷﻣري »ﻏﺪا« ،اﺑﻦ اﻷﻣري ﻫﺒﺔ ﷲ ﺑﻦ ﻣﻬﻨﻲ ،أﻣري ﻋﺮب
اﻟﺸﺎم؛ ﺑﻘﺼﺪ أن ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪه ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ ﰲ »رﺣﻠﺘﻪ«:
إﻧﻪ ملﺎ ﺟﺎء اﻷﻣري »ﻏﺪا« اﺑﻦ اﻷﻣري ﻫﺒﺔ ﷲ ﺳﺎﺋﺤً ﺎ ﰲ ﺑﻼد اﻟﻬﻨﺪ ﻣ ﱠﺮ ﻋﲆ »دﻫﲇ«،
ﻓﺄﻛﺮﻣﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ إﻛﺮاﻣً ﺎ زاﺋﺪًا ،وأﺣﺐ أن ﻳﺄﺧﺬه ﺿﻴﻔﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﻠﻌﺮب،
ﻓﺰوﱠﺟﻪ أﺧﺘﻪ املﺬﻛﻮرة ،وﻋﻤﻞ ﻟﻪ ﻓﺮﺣً ﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻛﻴﻔﻴﺘﻪ أن ﻋني ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺸﺄن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ
وﻧﻔﻘﺎﺗﻬﺎ املﻠﻚ ﻓﺘﺢ ﷲ املﻌﺮوف »ﺑﺸﻮﻧﻮﻳﺲ« ،وﻋني اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ ملﻼزﻣﺔ اﻷﻣري »ﻏﺪا«
واﻟﻜﻮن ﻣﻌﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،ﻓﺄﺗﻰ املﻠﻚ ﻓﺘﺢ ﷲ ﺑﺎﻟﺼﻴﻮاﻧﺎت ﻓﻈﻠﻞ ﺑﻬﺎ ﻓﺴﺤﺎت اﻟﻘﴫ
اﻷﺣﻤﺮ ،وﴐب ﰲ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻗﺒﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺟﺪٍّا ،وﻓﺮش ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻔﺮش اﻟﺤﺴﺎن ،وأﺗﻰ
ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺘﱪﻳﺰي ،أﻣري املﻄﺮﺑني ،وﻣﻌﻪ اﻟﺮﺟﺎل املﻐﻨﻮن واﻟﻨﺴﺎء املﻐﻨﻴﺎت واﻟﺮواﻗﺺ،
وﻛﻠﻬﻦ ﻣﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وأﺣﴬ اﻟﻄﺒﺎﺧني واﻟﺨﺒﺎزﻳﻦ واﻟﺸﻮاﻳني واﻟﺤﻠﻮاﻧﻴني واﻟﺜﺮﻳﺪارﻳﺔ
واﻟﺘﺒﻮل ،وذﺑﺤﺖ اﻷﻧﻌﺎم واﻟﻄﻴﻮر ،وأﻗﺎﻣﻮا ﻳﻄﻌﻤﻮن اﻟﻨﺎس ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وﻳﺤﴬ
اﻷﻣﺮاء اﻟﻜﺒﺎر واﻷﻋﺰاء ً
ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا.
ﻟﻴﻼ إﱃ ﻫﺬا ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻞ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺰﻓﺎف ﺑﻠﻴﻠﺘني ،ﺟﺎء اﻟﺨﻮاﺗني ﻣﻦ دار اﻟﺴﻠﻄﺎن ً
اﻟﻘﴫ ،ﻓﺰﻳﱠﻨﱠﻪ وﻓﺮﺷﻨَﻪ ﺑﺄﺣﺴﻦ اﻟﻔﺮش ،واﺳﺘﺤﴬ اﻷﻣري ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ ﻏﺮﻳﺒًﺎ
ﻻ أﻗﺮان ﻟﻪ ،وﺣﻔﻔﻦ ﺑﻪ وأﺟﻠﺴﻨﻪ ﻋﲆ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻪ ،وﻛﺎن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺪ أﻣﺮ أن ﺗﻜﻮن
رﺑﻴﺒﺔ أم أﺧﻴﻪ ﻣﺒﺎرك ﺧﺎن ﻣﻘﺎم أم اﻷﻣري »ﻏﺪا« ،وأن ﺗﻜﻮن اﻣﺮأة أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺨﻮاﺗني
ﻣﻘﺎم أﺧﺘﻪ ،وأﺧﺮى ﻣﻘﺎم ﻋﻤﺘﻪ ،وأﺧﺮى ﻣﻘﺎم ﺧﺎﻟﺘﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻛﺄﻧﻪ ﺑني أﻫﻠﻪ.
وملﺎ أﺟﻠﺴﻨﻪ ﻋﲆ املﺮﺗﺒﺔ ﺟﻌﻠﻦ ﻟﻪ اﻟﺤﻨﺎء ﰲ ﻳﺪﻳﻪ ورﺟﻠﻴﻪ ،وأﻗﺎم ﺑﺎﻗﻴﻬﻦ ﻋﲆ رأﺳﻪ
ﻳﻐﻨني وﻳﺮﻗﺼﻦ ،واﻧﴫﻓﻦ إﱃ ﻗﴫ اﻟﺰﻓﺎف ،وأﻗﺎم ﻫﻮ ﻣﻊ ﺧﻮاص أﺻﺤﺎﺑﻪ ،وﻋني
اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ ،وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺰوﺟﺔ،
وﻋﺎدﺗﻬﻢ أن ﺗﻘﻒ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺰوﺟﺔ ﻋﲆ ﺑﺎب املﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﺗﻜﻮن ﺑﻪ ﺟﻠﻮﺗﻬﺎ ﻋﲆ
زوﺟﻬﺎ ،وﻳﺄﺗﻲ اﻟﺰوج ﺑﺠﻤﺎﻋﺘﻪ ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻠﻮن إﻻ إن ﻏﻠﺒﻮا أﺻﺤﺎب اﻟﺰوﺟﺔ ،أو ﻳﻌﻄﻮﻧﻬﻢ
اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺎﻧري إن ﻟﻢ ﻳﻘﺪروا ﻋﻠﻴﻬﻢ.
وملﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ املﻐﺮب أﺗﻲ إﻟﻴﻪ ﺑﺨﻠﻌﺔ ﺣﺮﻳﺮ زرﻗﺎء ﻣﺰرﻛﺸﺔ ﻣﺮﺻﻌﺔ ﻗﺪ ﻏﻠﺒﺖ
اﻟﺠﻮاﻫﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻮﻧﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮ ،وﺑﺸﺎﺷﻴﺔ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ رﻛﺐ
ﻋﺼﺎ ﻗﺪ أﻋﺪﻫﺎ ،وﺻﻨﻌﻮا اﻷﻣري ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ ﰲ أﺻﺤﺎﺑﻪ وﻋﺒﻴﺪه ،وﰲ ﻳﺪ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ً
ﺷﺒﻴﻪ إﻛﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻴﺎﺳﻤني واﻟﻨﴪﻳﻦ واﻟﺰﻳﺘﻮن ،وﻟﻪ زﺧﺮف ﻳﻐﻄﻲ وﺟﻪ املﺘﻜﻠﻞ ﺑﻪ وﺻﺪره
وأﺛﻮاﺑﻪ ،وأﻋﻄﻮه إﱃ اﻷﻣري ﻟﻴﺠﻌﻠﻪ ﻋﲆ رأﺳﻪ ،ﻓﺄﺑﻰ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﺮب اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻻ
722
ﺣﺮف اﻟﻔﺎء
ﻋﻬﺪ ﻟﻪ ﺑﺄﻣﻮر املﻠﻚ واﻟﺤﴬ ،ﻓﺤﺎوﻟﻪ اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ وﺣﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﻪ ﻋﲆ رأﺳﻪ،
وأﺗﻰ ﺑﺎب اﻟﺤﺮم وﻋﻠﻴﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﺰوﺟﺔ ،ﻓﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ ﺣﻤﻠﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،وﴏﻋﻮا
ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﺎرﺿﻬﻢ ،ﻓﻐﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺰوﺟﺔ ﻣﻦ ﺛﺒﺎت ،وﺑﻠﻎ ذﻟﻚ اﻟﺴﻠﻄﺎن
ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ ﻓﻌﻠﻪ ودﺧﻞ إﱃ اﻟﻘﴫ.
ﻋﺎل ﻣﺰﻳﱠﻦ ﺑﺎﻟﺪﻳﺒﺎج ،ﻣﺮﺻﻊ ﺑﺎﻟﺠﻮﻫﺮ ،ﻣﻶن ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء وﻗﺪ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻌﺮوس ﻓﻮق ﻣﻨﱪ ٍ
ً
إﺟﻼﻻ ﻟﻪ وﺗﻌﻈﻴﻤً ﺎ، واملﻄﺮﺑﺎت ،ﻗﺪ أﺣﴬن أﻧﻮاع اﻵﻻت املﻄﺮﺑﺔ ،وﻛﻠﻬﻦ وﻗﻮف ﻋﲆ ﻗﺪم؛
ﻓﺪﺧﻞ ﺑﻔﺮﺳﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺮب ﻣﻦ املﻨﱪ ،ﻓﻨﺰل وﺧﺪم ﻋﻨﺪ أول درﺟﺔ ﻣﻨﻪ ،وﻗﺎﻣﺖ اﻟﻌﺮوس
ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﻌﺪ؛ ﻓﺄﻋﻄﺘﻪ اﻟﺘﻨﺒﻮل ﺑﻴﺪﻫﺎ ،ﻓﺄﺧﺬه وﺟﻠﺲ ﺗﺤﺖ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ ﺑﻬﺎ،
وﻧﺜﺮت دﻧﺎﻧري اﻟﺬﻫﺐ ﻋﲆ رءوس اﻟﺤﺎﴐﻳﻦ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ ،وﻧﻘﻄﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء ،واملﻐﻨﻴﺎت
ﺗﻐﻨني ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ واﻷﻃﺒﺎل واﻷﺑﻮاق ،واﻷﻧﻔﺎر ﺗﴬب ﺧﺎرج اﻟﺒﺎب.
ﺛﻢ ﻗﺎم اﻷﻣري وأﺧﺬ ﺑﻴﺪ زوﺟﺘﻪ وﻧﺰل — وﻫﻲ ﺗﺘﺒﻌﻪ — ﻓﺮﻛﺐ ﻓﺮﺳﻪ ﻳﻄﺄ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﺮش
واﻟﺒﺴﻂ ،وﻧﺜﺮت اﻟﺪﻧﺎﻧري ﻋﻠﻴﻪ وﻋﲆ أﺻﺤﺎﺑﻪ ،وﺟُ ﻌﻠﺖ اﻟﻌﺮوس ﰲ ﻣﺤﻔﺔ ،وﺣﻤﻠﻬﺎ اﻟﻌﺒﻴﺪ
ﻋﲆ أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ إﱃ ﻗﴫه ،واﻟﺨﻮاﺗني ﺑني ﻳﺪﻳﻬﺎ راﻛﺒﺎت ،وﻏريﻫﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺎﺷﻴﺎت ،وإذا
ﻣﺮوا ﺑﺪار أﻣري أو ﻛﺒري ﺧﺮج إﻟﻴﻬﻢ ،وﻧﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺪﻧﺎﻧري واﻟﺪراﻫﻢ ﻋﲆ ﻗﺪر ﻫﻤﱠ ﺘﻪ ﺣﺘﻰ
أوﺻﻠﻮﻫﺎ إﱃ ﻗﴫه .وملﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻐﺪ ﺑﻌﺜﺖ اﻟﻌﺮوس إﱃ ﺟﻤﻴﻊ أﺻﺤﺎب زوﺟﻬﺎ اﻟﺜﻴﺎب
ﻓﺮﺳﺎ ﻣﴪﺟً ﺎ ﻣﻠﺠﻤً ﺎ ،وﺑﺪرة دراﻫﻢواﻟﺪﻧﺎﻧري واﻟﺪراﻫﻢ ،وأﻋﻄﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻜﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ً
ﻣﻦ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر إﱃ ﻣﺎﺋﺘﻲ دﻳﻨﺎر ،وأﻋﻄﻰ املﻠﻚ ﻓﺘﺢ ﷲ ﻟﻠﺨﻮاﺗني ﺛﻴﺎب اﻟﺤﺮﻳﺮ املﻨﻮﻋﺔ
واﻟﺒﺪر ،وﻛﺬﻟﻚ ﻷﻫﻞ اﻟﻄﺮب ،وﻋﺎدﺗﻬﻢ ﺑﺒﻼد اﻟﻬﻨﺪ أن ﻻ ﻳﻌﻄﻲ أﺣﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻷﻫﻞ اﻟﻄﺮب
إﻧﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻬﻢ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺮوس ،وأﻃﻌﻢ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،واﻧﻘﴣ اﻟﻌﺮس ،وأﻣﺮ
اﻟﺴﻠﻄﺎن أن ﻳُﻌﻄﻰ اﻷﻣري »ﻏﺪا« ﺑﻼد املﺎﻟﻮة واﻟﺠﺰأت وﻛﻴﻨﺎﻳﺔ وﺳﻬﺮ واﻟﺔ.
ﻈﻤﻪ ﺗﻌﻈﻴﻤً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻛﺎن اﻷﻣري ﺟﺎﻓﻴًﺎ وﺟﻌﻞ ﻓﺘﺢ ﷲ املﺬﻛﻮر ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻋ ﱠ
ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺪر ذﻟﻚ ﺣﻖ ﻗﺪره ،وﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻔﺎء اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻓﺄدﱠاه ذﻟﻚ إﱃ اﻟﻨﻜﺒﺔ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﻋﴩﻳﻦ
ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ زﻓﺎﻓﻪ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﻳﻪ ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ واﺣﺘﻘﺎره ﻟﻬﺎ وﻷﻫﻠﻬﺎ ورﺟﺎل ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ،
ﻓﺤﻘﺪوا ﻋﻠﻴﻪ وأﺧﺮﺟﻮه ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻃﺮﻳﺪًا ﻓﺮﻳﺪًا ﺑﺪون زاد وﻻ راﺣﻠﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ
ﰲ ﻣﻨﺰل أﺧﻴﻬﺎ ﻣﻌﺰزة ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻻ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﳾء ﺳﻮى ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ زوﺟﻬﺎ ،وﻫﻜﺬا
اﻟﺰﻣﺎن ﻻ ﻳﺼﻔﻮ ﻷﺣﺪ.
723
ﺣﺮف اﻟﻘﺎف
ﻗﺘﻴﻠﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻨﴬ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﺑﻦ ﻛﻠﺪة ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎف ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺪار ﺑﻦ ﻗﴢ
اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﻌﺒﺪرﻳﺔ.
ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻃﺒﻴﺐ اﻟﻌﺮب ،وﺣﺎرب اﻟﻨﴬ ﰲ ﻳﻮم ﺑﺪر ﻣﻊ ﻗﺮﻳﺶ ﻓﺄُﴎ ،ﺛﻢ أﻣﺮ
اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﻘﺘﻠﻪ ُ
ﻓﻘﺘﻞ.
ﻗﺎل اﻟﺘﱪﻳﺰي :ﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺗﺄذﱠى ﺑﻪ ﻓﻘﺘﻠﻪ ﺻﱪًا! وﻛﺎن ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ أذاه أﻧﻪ ﻛﺎن
ﻳﻘﺮأ اﻟﻜﺘﺐ ﰲ أﺧﺒﺎر اﻟﻌﺠﻢ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب وﻳﻘﻮل :إن ﻣﺤﻤﺪًا ﻳﺄﺗﻴﻜﻢ ﺑﺄﺧﺒﺎر ﺛﻤﻮد وﻋﺎد ،وأﻧﺎ
ﻣﻨﺒﺌﻜﻢ ﺑﺄﺧﺒﺎر اﻷﻛﺎﴎة واﻟﻘﻴﺎﴏة! ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻘﺪح ﺑﻨﺒﻮﺗﻪ.
ﺎس ﻣَ ﻦ ﻳ َْﺸ َ ِﱰي َﻟﻬْ َﻮ ا ْﻟﺤَ ﺪ ِ
ِﻳﺚ ِﻟﻴ ُِﻀ ﱠﻞ وﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﰲ ﻗﻮل ﷲ ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وﻣ َِﻦ اﻟﻨ ﱠ ِ
ري ﻋِ ْﻠ ٍﻢ َوﻳَﺘﱠﺨِ ﺬَ َﻫﺎ ُﻫ ُﺰوًا﴾ )ﻟﻘﻤﺎن :(٦ :إﻧﻬﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﰲ اﻟﻨﴬ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث، ﷲ ِﺑ َﻐ ْ ِ
ﻴﻞ ِ
ﻋَ ﻦ َﺳ ِﺒ ِ
وﻛﺎن ﻳﺸﱰي ﻛﺘﺐ اﻷﻋﺠﺎم ﻣﻦ ﻓﺎرس واﻟﺮوم وﻛﺘﺐ أﻫﻞ اﻟﺤرية؛ ﻓﻴُﺤﺪﱢث ﺑﻬﺎ أﻫﻞ ﻣﻜﺔ،
اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴٍّﺎ أن ﻳﴬب ﱡ وإذا ﺳﻤﻊ اﻟﻘﺮآن أﻋﺮض ﻋﻨﻪ واﺳﺘﻬﺰأ ﺑﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أ ُ ِﴎ ﻳﻮم ﺑﺪر أﻣَ ﺮ
ﻓﻘﺘﻼ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻗﺘﻴﻠﺔ ﺗﺮﺛﻲ أﺑﺎﻫﺎ. ﻋﻨﻘﻪ وﻋﻨﻖ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ ﺻﱪًا ُ
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻨﺒﻲ وﺑﻜﻰ
ﱡ ﻓﺄﻧﺸﺪت اﻷﺑﻴﺎت اﻵﺗﻴﺔ ،ﱠ
ﻓﺮق ﻟﻬﺎ ُ وﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺮواﻳﺎت أﻧﻬﺎ أﺗﺖ ﻣﺤﻤﺪًا
ُ
ﻟﻌﻔﻮت ﻋﻨﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻻ ﺗﻘﺘﻞ ﻗﺮﻳﺶ ﺻﱪًا ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ،واﻷﺑﻴﺎت وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻟﻮ ﺟﺌﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ
رواﻫﺎ ﻛﺜريون ،وﴍﺣﻬﺎ ﺷﺎرح اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ،وﻫﻲ:
وﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﺖ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺎ ﻗﺎل ،ﻗﺎﻟﺖ ﺗﻤﺪﺣﻪ ﺑﻘﺼﻴﺪة ﻣﻄﻮﻟﺔ
— ﻋﺜﺮﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ:
وﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة — ﻟﻌﻤﺮي — إﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻖ اﻻﻓﺘﺨﺎر ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺻﺎدرة
ﻣﻦ ذات ﻗﻨﺎع ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻗﻮة ﻗﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻧﺴﺠﺎم ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ذﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﻏﺎﻳﺔ
اﻟﺮﻗﺔ واﻻﻧﺴﺠﺎم.
وﺗﺰوﺟﺖ ﻗﺘﻴﻠﺔ ﺑﻌﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ أﻣﻴﺔ اﻷﺻﻐﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻋﻠﻴٍّﺎ
واﻟﻮﻟﻴﺪ وﻣﺤﻤﺪًا وأم اﻟﺤﻜﻢ ،وﻗﺪ أﺳﻠﻤﺖ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ أﺑﻴﻬﺎ وﺻﺎرت ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﻴﺎت املﺮوي
ﻋﻨﻬﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ .ﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب.
726
ﺣﺮف اﻟﻘﺎف
ﻓﺴﺄل :ملﻦ اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻴﻪ؟ ﻓﻘﻴﻞ :ﻟﻘﻠﻢ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ ﺟﺎرﻳﺔ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ،ﻓﺒﻌﺚ
إﱃ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ اﻟﺰﻳﺎت ﻓﺄﺣﴬه ﻓﻘﺎل :وﻳﻠﻚ! ﻣﻦ ﻫﻮ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب
ﻫﺬا؟ ﻓﺄﺧﱪه ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎل :اﺑﻌﺚ ﻟﻪ ْ
ﻓﺄﺷﺨِ ﺼﻪ ﻫﻮ وﺟﺎرﻳﺘﻪ ،ﻓﻘﺪﻣﺎ ﻋﲆ اﻟﻮاﺛﻖ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻗﻠﻢ
ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس واﻟﻐﻨﺎء ﻓﻐﻨﱠﺖ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻦ ﻏﻨﺎءﻫﺎ وأﻣﺮ ﺑﺎﺑﺘﻴﺎﻋﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﺻﺎﻟﺢ :أﺑﻴﻌﻬﺎ
ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ووﻻﻳﺔ ﻣﴫ! ﻓﻐﻀﺐ اﻟﻮاﺛﻖ ﻣﻦ ذﻟﻚ وردﱠﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻏﻨﱠﻰ ﺑﻌﺪه زرﻧﺐ
اﻟﻜﺒري ﰲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻮاﺛﻖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻟﻘﻠﻢ؛ وﻫﻮ:
ﻓﺴﺄل ملﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﻓﻘﻴﻞ :ﻟﻘﻠﻢ ﺟﺎرﻳﺔ ﺻﺎﻟﺢ ،ﻓﺒﻌﺚ إﱃ اﺑﻦ اﻟﺰﻳﺎت أن أﺷﺨﺺ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ
وﻣﻌﻪ ﻗﻠﻢ! ﻓﻠﻤﺎ أﺷﺨﺼﻬﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﻮاﺛﻖ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ أن ﺗﻐﻨﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻓﻐﻨﱠﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﺎ :اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻴﻪ ﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻗﺎل :ﺑﺎرك ﷲ ﻓﻴﻚ ،وﺑﻌﺚ إﱃ ﺻﺎﻟﺢ
ﻓﺄُﺣﴬ ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ إذا وﻗﻌﺖ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻣري املﺆﻣﻨني؛ ﻓﻤﺎ ﻳﺠﻮز أن أﻣﻠﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻪ
ﻓﻴﻪ رﻏﺒﺔ ،وﻗﺪ أﻫﺪﻳﺘﻬﺎ إﱃ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﺣﻘﻬﺎ ﻋﲇ ﱠ إذا ﺗﻨﺎﻫﻴﺖ ﰲ ﻗﻀﺎﺋﻪ أن
أﺻريﻫﺎ ﻣﻠﻜﻪ ،ﻓﺒﺎرك ﷲ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻮاﺛﻖ :ﻗﺪ ﻗﺒﻠﺘﻬﺎ.
وأﻣﺮ اﺑﻦ اﻟﺰﻳﺎت أن ﻳﺪﻓﻊ ﻟﻪ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف دﻳﻨﺎر ،وﺳﻤﺎﻫﺎ اﺣﺘﻴﺎط ،ﻓﻠﻢ ﻳُﻌﻄﻪ اﺑ ُﻦ
ﻄﻠﻪ ﺑﻪ ،ﻓﻮﺟﱠ ﻪ ﺻﺎﻟﺢ إﱃ ﻗﻠﻢ ﻣﻦ أﻋﻠﻤﻬﺎ ذﻟﻚ ﻓﻐﻨﱠﺖ اﻟﻮاﺛﻖ ،وﻗﺪ اﺻﻄﺒﺢ اﻟﺰﻳﺎت املﺎل وﻣ َ
ﺻﻮﺗًﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﺑﺎرك ﷲ ﻓﻴﻚ وﻓﻴﻤﻦ رﺑﺎك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،وﻣﺎ ﻧﻔﻊ ﻣَ ﻦ رﺑﱠﺎﻧﻲ ﻣﻨﻲ
إﻻ اﻟﺘﻌﺐ واﻟﻐﺮم ﻋﲇ ،واﻟﺨﺮوج ﻣﻨﻲ ﺻﻔ ًﺮا! ﻗﺎل :أ َو َﻟﻢ آﻣﺮ ﻟﻪ ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف دﻳﻨﺎر؟!
727
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﲆ ،وﻟﻜﻦ اﺑﻦ اﻟﺰﻳﺎت ﻟﻢ ﻳُﻌﻄﻪ ﺷﻴﺌًﺎ .ﻓﺪﻋﺎ ﺑﺨﺎدم ﻣﻦ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺨﺪم ﱠ
ووﻗﻊ إﱃ اﺑﻦ
ُ
ﻓﴫت ﻣﻊ اﻟﺰﻳﺎت ﺑﺤﻤﻞ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف دﻳﻨﺎر إﻟﻴﻪ ،وﺧﻤﺴﺔ آﻻف أﺧﺮى ﻣﻌﻬﺎ ،ﻗﺎل ﺻﺎﻟﺢ:
اﻟﺨﺎدم إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﻓﻘ ﱠﺮﺑﻨﻲ.
وﻗﺎل :أﻣﺎ اﻟﺨﻤﺴﺔ آﻻف اﻷول ﻓﺨﺬﻫﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺣﴬت ،واﻟﺨﻤﺴﺔ اﻵﻻف اﻷﺧﺮى أﻧﺎ
ُ
وﻛﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑًﺎ أﻗﺘﻀﻴﻪ، أدﻓﻌﻬﺎ إﻟﻴﻚ ﺑﻌﺪ ﺟﻤﻌﺔ ،ﻓﻘﻤﺖ ﺛﻢ ﺗﻨﺎﺳﺎﻧﻲ ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻨﻲ،
ﻓﻜﺮﻫﺖ أن أﻛﺘﺐ ً
ﻗﺒﻀﺎ ُ وﺻﻼ — ُ
وﺧﺬﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﺟﻤﻌﺔ، ً ﻗﺒﻀﺎ ﺑﻬﺎ — أيﻓﺒﻌﺚ إﱄ اﻛﺘﺐ ﱄ ً
ﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺤﺼﻞ ﱄ ﳾء ،ﻓﺎﺳﺘﱰت ﻣﻨﻪ ﰲ ﻣﻨﺰل ﺻﺪﻳﻖ ﱄ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑ َﻠﻐﻪ اﺳﺘﺘﺎري ﺧﺎف أن
أﺷﻜﻮه إﱃ اﻟﻮاﺛﻖ ،ﻓﺒﻌﺚ إﱄ ﺑﺎملﺎل وأﺧﺬ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺑﺎﻟﻘﺒﺾ ،واﺑﺘﻌﺖ ﺑﺎملﺎل ﺿﻴﻌﺔ ،وﺗﻌﻠﻘﺖ
ﺑﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﻣﻌﺎﳾ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺒﻴﺎن واملﻌﺮﻓﺔ ﺑﺼﻨﻌﺔ اﻷﻟﺤﺎن ،وﺟﻠﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد ،وﺟﻤﻌﺖ
ﻈﺎ ﻣﻊ ﻓﻬﻢ ﺑﺎرع ،وﺟﻤﺎل راﺋﻊ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﺑﻔﻀﻞ ً
وﻇﺮﻓﺎ ورواﻳﺔ وﺣﻔ ً أدﺑًﺎ
أدﺑﻬﺎ ،وﻟﻬﺎ ﰲ ﻣﻮﻻﻫﺎ ﺗﻤﺪﺣﻪ:
ً
ﺗﺸﻮﻗﺎ إﱃ ﺑﻐﺪاد: وﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ
وﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺻﻮﺗﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وﺗﻬﺬﻳﺒﻬﺎ ﺣﻈﻴﺖ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﻻﻫﺎ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﻨﺪه ﰲ ﻋ ﱟﺰ
ﻓﺄﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ً
أﺳﻔﺎ ﺷﺪﻳﺪًا. وإﻗﺒﺎل إﱃ أن ﻣﺎﺗﺖِ ،
728
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻏري أن ﺗﻤﻨﱡﻌﻬﺎ أوﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻫﻨﺮي ﺧﺼﺎﻣً ﺎ ،ﻓﻄ َﻠﺒﺖ إﻟﻴﻪ أن ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺬﻫﺎب
إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﻊ أوﻻدﻫﺎ ،ﻓﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﴩط أن ﺗﺮد ﻋﻠﻴﻪ املﻌﺎﻫﺪة ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﻠﻤﻬﺎ إﻻ
ﺑﻌﺪ أن ﻗﺒﻀﺖ ١٠٠أﻟﻒ ﻓﺮﻧﻚ ،وﻋﺪﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺴﻔﺮ إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وواﻃﺄت
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻋﲆ ﺧﻠﻊ املﻠﻚ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ أﺑﻮﻫﺎ ،واﻟﻜﻮﻧﺖ »دواوﻓﺮن« أﺧﻮﻫﺎ ﻷﻣﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺸﻔﺖ املﺆاﻣﺮة ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎملﻮت ،وذﻟﻚ ﰲ ﺷﺒﺎط ﺳﻨﺔ ١٦٠٥م ،ﻏري أﻧﻪ ﻛﺎن
ﻟﻢ ﻳﺰل ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﺳﻄﻮة ﻋﲆ املﻠﻚ ،ﻓﺎﺳﱰﺿﺘﻪ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺒﺪﱠل ﻗﺼﺎﺻﻬﺎ ﻫﺬا ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ،وأﻃﻠﻖ
أﻳﻀﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻗ ﱠﺮﺑﻬﺎ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺼﺎر ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ املﻨﺰل واﻟﺤﺐ واﻹﻛﺮام ﻣﺎ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ً
ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ً
أوﻻ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﻫﺬه ﺣﺎﻟﻬﺎ إﱃ أن ﻗ ﱠﺮب املﻠﻚ ﻏريﻫﺎ ﻓﻬﺠَ ﺮﻫﺎ ،ﻓﱰﻛﺖ اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ
وﴏﻓﺖ أﻳﺎﻣﻬﺎ اﻷﺧرية ﰲ ﻓﺮﻧﻞ وﺑﺎرﻳﺲ .و ﱠملﺎ اﺳﺘﻨﻄﻘﺖ اﺑﻨﺔ »ﻛﻮﻣﺎن« رﻓﻴﻘﺔ املﻠﻜﺔ
»ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ،ﺑﻌﺪ أن ُﻗﺘﻞ ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ ،اﺗﱠﻬﻤﺖ »ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ« ﺑﺎﻻﺷﱰاك ﰲ ﻗﺘﻠﻪ ،ﻏري أﻧﻪ ملﺎ
ﻛﺎن ﻗﺪ ﺣُ ﻜﻢ ﻋﲆ اﻻﺑﻨﺔ املﺬﻛﻮرة ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻣﺪة ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺷﻬﺪت ﺷﻬﺎدة زور
ﰲ ﻏري ﺗﻠﻚ املﺴﺄﻟﺔ ،ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ املﺆرﺧﻮن ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻨﺎد إﱃ ﻣﺎ اﺗﱠﻬﻤﺖ ﺑﻪ املﺮﻛﻴﺰة.
وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻷوﻻد اﻟﺬﻳﻦ وﻟﺪﺗﻬﻢ »ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ« »ﻟﻬﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ«» :ﻏﱪﻳﺎﻟﻪ أﻧﺠﻠﻴﻚ« اﻟﺘﻲ
ﺗﺰوﺟﺖ دوق »أﺑﺮﺗﻮن« ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٦٢٧م.
ً
أﺳﻘﻔﺎ ملِ ﺘﺲ ،ﻗﻴﻞ :ﻟﺒﺲ ﺛﻮب »وﻏﺴﺘﻮن ﻫﻨﺮي دوﻓﺮﻧﻞ« ،وﻟﺪ ﺳﻨﺔ ١٦٠١م ،وﺳﻤﻲ
دوﻗﺎ ،ﺛﻢ ﺑريام ،وﺗﺰوج ﺑﻨﺖ اﻟﻜﺎﻧﺸﻴﻠﻴﺎ زﺳﻔري،اﻟﻐﺴﻴﺴﻴﺔ ﻏري أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻟﺒﺴﻪ ،ﺑﻞ ﺟﻌﻞ ً
وﺗﻮﰲ ﺳﻨﺔ ١٦٨٢م .وﻣَ ﻦ أراد اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﻮادث ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻜﺘﺎب
اﻟﺬي أ ﱠﻟﻔﻪ »دوﻟﺴﺒﻜﻮر« ،وﺗﺮﺟﻤﺘﻪ :ﻋﻨﻮان ﻋﺸﻖ ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ ،وﻗﺪ ﻃﺒﻊ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺳﻨﺔ
١٨٦٣م.
أﻣرية روﺳﻴﺎ ،وﻟﺪت ﰲ ﺳﻨﺔ ١٧٦٤م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑ »ﻓﺮر« ﻣﻮﺳﻜﻮ ﺳﻨﺔ ١٨١٠م .ﻛﺎﻧﺖ ﺛﺎﻟﺚ
ﺑﻨﺖ ﻟﻠﻜﻮﻧﺖ »روﻣﺎن ﻗﻮدوﻧﺜﺮوق« ،ﺗﺮﺑﺖ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﱢ ﻬﺎ اﻟﻮزﻳﺮ اﻷول ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻨﺬ ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻇﻔﺎرﻫﺎ ﻣﻴﱠﺎﻟﺔ إﱃ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺤﺮة وﺣﺐ اﻻﺳﺘﻘﻼل .دﺧﻠﺖ اﻟﺒﻼط وﻫﻲ ﺻﻐرية
أﺧﺖ وﻟﻴﺔ اﻟﻌﻬﺪ ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﺰوﺟﺖ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٧٦٢م ﺑﺎﻟﱪﻧﺲ »وﺳﻜﻮف« ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ
ﻣﻌﻪ ﻣﺪة ﰲ ﻣﻮﺳﻜﻮ ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ إﱃ اﻟﺒﻼط ،وﻛﺎﻧﺖ أﺧﺘﻬﺎ أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت ﻗﺪ ﺻﺎرت ﻧﺪﻳﻤﺔ
اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺑﻄﺮس اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻓﺤﻤﻠﺘﻬﺎ اﻟﻐرية ﻣﻦ أﺧﺘﻬﺎ وﻛﺮﻫﺘﻬﺎ — ﻻرﺗﺒﺎك اﻟﺒﻼط
730
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
وأﻋﻤﺎل رﺟﺎﻟﻪ — ﻋﲆ اﻻﺷﱰاك ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ اﻟﺴﻦ ،ﰲ ﻣﺆاﻣﺮة أدارﺗﻬﺎ
وﺧﻠﻌﺖ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﺑﻄﺮس اﻟﺜﺎﻟﺚ« وﻗﺘﻠﺘﻪ ،ووﻟﺖ اﻣﺮأﺗﻪ اﻷملﺎﻧﻴﺔ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة.
وﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﺤﻘﻖ أن ﻣﺎ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺗﻠﻚ املﺆاﻣﺮة ﻛﺎن ﻣﻮاﻓﻘﺎً
ﻟﻠﻨﺎﻣﻮس ،ﻓﻌﻨﺪ ﻗﺘﻠﻪ ﻟﺒﺴﺖ ﺛﻮب رﺟﻞ واﻣﺘﻄﺖ ﺟﻮادًا وﻗﺎدت ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ
املﻜﺎﻓﺄة اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻛﺎﻓﻴﺔ ،ورﻓﻀﺖ أن ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻗﺎﺋﺪة ﻟﻠﺤﺮس
اﻹﻣﱪاﻃﻮري ،وآل ﻣﻴﻠﻬﺎ إﱃ اﻻﺳﺘﻘﻼل وﺧﺸﻮﻧﺔ ﻃﺒﻌﻬﺎ إﱃ ﺣﺮﻣﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ رﺿﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة،
ﻓﺎﻋﺘﺰﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺒﻼط وأﻛﺒﱠﺖ ﻋﲆ اﻟﺪرس واملﻄﺎﻟﻌﺔ وﻣﻌﺎﴍة اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ
ﺳﺎﺣﺖ ﰲ ﻏﺮﺑﻲ أوروﺑﺎ.
وﺳﻨﺔ ١٧٨٢م ،ﻋﻬﺪت إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة رﻳﺎﺳﺔ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﺳﻨﺔ ١٧٨٤م
ﻋﻴﱠﻨﺘﻬﺎ ﻟﺮﻳﺎﺳﺔ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻨﺜﺮﻳﺔ واﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﳾء
ﻛﺜري ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ ﺳﻨﺔ ١٧٩٦م ،أﻣﺮﻫﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﺑﻮﻟﺲ« أن ﺗﻨﺰل
ﰲ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐرية ﻣﻦ وﻻﻳﺔ ﻧﻔﻀﻮدود ،ﻓﺘﻮﺳﻄﻮا أﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﻌﻔﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ املﻨﻔﻰ،
وﴏﻓﺖ ﺑﺎﻗﻲ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﰲ أﻣﻼك ﻟﻬﺎ ﺑﻘﺮب ﻣﻮﺳﻜﻮ.
731
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺘﺢ اﻟﺤﺮب ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٧١١م ،رأى أﻧﻪ ﻻ ﺻﱪ ﻟﻪ ﻋﲆ ﻓﺮاﻗﻬﺎ؛ ﻟﺤﺒﱢﻪ ﻟﻬﺎ،
وملﺸﺎرﻛﺘﻬﺎ ﻟﻪ ﰲ اﻟﺮأي واﺟﺘﻬﺎدﻫﺎ ﰲ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ ،وإﻋﺠﺎﺑﻬﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ وﻣﺂﺛﺮه ،ﻓﺴﺎﻓﺮ ﺑﻬﺎ
ﻋﻠﻨًﺎ إﱃ ﻣﻴﺪان اﻟﻘﺘﺎل ﻛﻤﻠﻜﺔ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎملﺠﺪ واﻟﺠﻼل ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻛﺐ ﻣﻌﻪ وﺗُﻌ ﱢﺮض ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﻟﻠﻤﺘﺎﻋﺐ واﻷﺧﻄﺎر ،وﺗﺘﻠﻄﻒ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮد ،وﺗﺰور املﺮﴇ ﻣﻨﻬﻢ ،وﺗُﻄﻴﱢﺐ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،ﺛﻢ اﺷﺘﺪت
اﻷزﻣﺔ ﻋﲆ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،وﺿﻴﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ أﻳﻘﻦ ﺑﺎﻟﻮﺑﺎل ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ
دﺧﻞ ﺧﻴﻤﺘﻪ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ وأﻣﺮ ﺣﺮﺳﻪ أن ﻻ أﺣﺪ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺠﺎءت ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ ودﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻋﻦ أﻣﺮه.
ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﴬر ﻣﻦ دﺧﻮﻟﻬﺎ؛ ﻻﺣﺘﻴﺎﺟﻪ إﱃ ﺳﺪﻳﺪ رأﻳﻬﺎ ،ﻓﺄﺷﺎرت ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻪ ﻳﺼﺎﻟﺢ
اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني وﻳﺮد ﻟﻬﻢ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ أﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻬﺎ ﺗﺘﻜﻔﻞ ﺑﺈرﺿﺎء ﺑﻠﻄﺠﻲ ﻣﺤﻤﺪ،
ﻓﴪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻓﻮﱠض إﻟﻴﻬﺎ ﺗﺪﺑري اﻷﻣﺮ ،ﻓﺎﺧﺘﺎرت ﺿﺎﺑ ً
ﻄﺎ ﺣﻜﻴﻤً ﺎ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ُ ،ﱠ
وأرﺳﻠﺘﻪ إﱃ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني ﺑﻬﺪﻳﺔ ﺳﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻫﺮ اﻟﻐﺮاء واﻟﻨﻘﻮد ،ﻓﻌﻘﺪت ﴍوط
اﻟﺼﻠﺢ وأﻣﻀﺎﻫﺎ اﻟﻔﺮﻳﻘﺎن .وﻗﺪ ارﺗﺎب ﻛﺜريون ﻣﻦ املﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﰲ ﺻﺤﺔ ﻫﺬا اﻟﺨﱪ وﻗﺎﻟﻮا:
إﻧﻪ ﻻ ﺻﺤﺔ ملﺎ ﻳﺮوى ﻣﻦ ﻣﺪاﺧﻠﺔ ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ ﰲ ﻋﻘﺪ اﻟﺼﻠﺢ .وﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻼ
ﻓﻀﻼ ﰲ ﻧﺠﺎﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻫﻮ ً ﺷﺒﻬﺔ ﰲ أن اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎن ﻳﺤﺴﺐ ﻟﻬﺎ
وﺟﻨﻮده.
وﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ،وﻟﺪت ﻟﻪ اﺑﻨﺔ ﻓﻔﺮح ﺑﻬﺎ ﻓﺮﺣً ﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﺻﻨﻊ رﺗﺒﺔ ﺳﻤﺎﻫﺎ رﺗﺒﺔ
اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ؛ إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﺰوﺟﺘﻪ ،وﺟﻌﻞ ﻟﻬﺎ ﻋﻴﺪًا ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﺗﺬﻛﺎ ًرا ﻟﻬﺎ ،واﺗﻔﻖ أﻧﻪ ﺗﻐﻠﺐ
ﻗﺒﻴﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻷﺳﻄﻮل اﻷﺳﻮﺟﻲ ،وأﴎ أﻣريه ،ﻓﺄﺗﻲ ﺑﺎﻷﴎى ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻴﺪ ودﺧﻞ ﺑﻬﻢ
ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻄﺮس ﺑﺮج ﺑﺎﺣﺘﻔﺎل ﻋﻈﻴﻢ.
ﺛﻢ ﺳﺎﻓﺮ ﰲ ﻣﻤﺎﻟﻚ أوروﺑﺎ ﻟﻴﻨﻈﺮ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ،وﻳﺴﱪ ﻏﻮر رﺟﺎﻟﻬﺎ ،وأﺧﺬ زوﺟﺘﻪ
ﻣﻌﻪ ،ﻓﻮﻟﺪت ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻟﺪًا ﻟﻢ ﻳﻌﺶ إﻻ ﻳﻮﻣً ﺎ واﺣﺪًا ،وﻛﺎن ﻫﻮ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻬﺎ ً
ﻗﻠﻴﻼ،
ﻓﺄﴎﻋﺖ إﻟﻴﻪ وﻫﻲ ﻧﻔﺴﺎء؛ ﻟﻜﻲ ﻻ ﻳﻤﻞ ﻣﻦ اﻧﺘﻈﺎرﻫﺎ .وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﲆ أن رﻓﺎﻫﻴﺔ اﻟﺒﻼط
املﻠﻮﻛﻲ ﻟﻢ ﺗﻐري ﻣﻦ ﻃﺒﺎﻋﻬﺎ ،وﻻ أﺿﻌﻔﺖ ﻣﻦ ﻫﻤﺘﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻔﻘﺪ ﻣﻌﻪ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ
زارﻫﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺣﺘﻪ اﻷوﱃ ﺣﻴﻨﻤﺎ زار أوروﺑﺎ ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﺻﻨﺎﺋﻊ أﻫﺎﻟﻴﻬﺎ وﻓﻨﻮﻧﻬﻢ.
وﺳﻨﺔ ١٧٢٤م ،أﻟﺒﺴﻬﺎ اﻟﺘﺎج ،وأوﴅ ﻟﻬﺎ ﺑﺎملﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﺳﺎر ﻣﻌﻬﺎ إﱃ
اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺎﺷﻴًﺎ ،ﺑﺼﻔﺔ ﻗﺎﺋﺪ ﻟﻔﺮﻗﺔ ﺟﺪدﻫﺎ ﺳﻤﺎﻫﺎ »ﺷﻔﺎﻟﻴﻴﺔ« اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ،ووﺿﻊ اﻟﺘﺎج
ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ﺑﻴﺪه ،وأﻣﺮ ﺑﺄن ﻳُﻘﺮأ اﻹﻋﻼن اﻵﺗﻲ اﻟﺬي أﻧﺸﺄه ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ؛ وﻫﻮ :ﻣﻦ ﺣﴬة
اﻹﻣﱪاﻃﻮر املﺘﻮﱃ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ،إﱃ ﺟﻤﻴﻊ ﻓﺌﺎت اﻟﻘِ ﱢﺴﻴﺴني واﻟﻀﺒﺎط املﻠﻜﻴني
732
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
واﻟﻌﺴﻜﺮﻳني واﻷﻫﻠني ﻋﻤﻮﻣً ﺎ املﻮﺻﻮﻓني ﺑﺎﻷﻣﺎﻧﺔ :ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﻌﺎدة املﺴﺘﻤﺮة
اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﰲ املﻤﺎﻟﻚ املﺴﻴﺤﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻫﺎ ﻳﺘﻮج املﻠﻮك زوﺟﺎﺗﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺎر اﻵن.
وﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ املﻠﻮك املﺴﻴﺤﻴﻮن اﻟﴩﻗﻴﻮن ﰲ اﻷزﻣﺎن اﻟﻐﺎﺑﺮة ﻛﺎﻟﻘﻴﴫ »ﺑﺎزﻟﻨﺪ« ،اﻟﺬي
ﺗﻮج زوﺟﺘﻪ »زﻧﻮﺑﻴﺎ« ،واﻟﻘﻴﴫ »ﺑﻮﺳﺘﻨﻴﺎﺗﻮس« ،اﻟﺬي ﺗﻮج زوﺟﺘﻪ »ﻟﻮﻳﺴﻴﻨﺎ« ،واﻟﻘﻴﴫ
»ﻫﺮﻗﻞ« ،اﻟﺬي ﺗﻮﱠج زوﺟﺘﻪ »ﻣﺮﺗﻴﻨﺎ« ،واﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﻟﻴﻮن« ،اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﺬي ﺗﻮﱠج زوﺟﺘﻪ
»ﻣﺎرﻳﺎ« ،وﻛﺬا ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎﴏة ﻗﺪ وﺿﻌﻮا اﻟﺘﺎج اﻹﻣﱪاﻃﻮري ﻋﲆ رءوس
ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ ،وﻻ ﻣﺤﻞ ﻟﺬﻛﺮﻫﻢ ﻫﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ.
وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أﻧﻨﺎ ﻃﺎملﺎ ﺧﺎﻃﺮﻧﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ ،واﻗﺘﺤﻤﻨﺎ اﻟﺸﺪاﺋﺪ واﻷﻫﻮال ﻣﺪة اﻟﺤﺮب
اﻷﺧرية ،اﻟﺘﻲ ﻣﻜﺜﺖ إﺣﺪى وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ؛ ﻟﺤﻔﻆ وﻃﻨﻨﺎ ،وﻗﺪ أﻧﻬﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب
ﺑﻌﻮن ﷲ ﺑﺎﻟﴩف اﻟﻜﺎﻣﻞ ،وﺑﺎﻟﺼﻠﺢ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ أﻧﻪ وﻗﻊ ﻣﺜﻠﻪ ﻟﺪوﻟﺔ روﺳﻴﺎ ،وﻟﻢ
ﺗﺤﺰ ﻗﻂ ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎر ﻣﺎ ﺣﺎزﺗﻪ ﺑﻬﺬه اﻟﺤﺮوب ،وﺣﻴﺚ إن زوﺟﺘﻨﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻛﺎﺗﺮﻳﻨﺎ ﻗﺪ
ﺳﺎﻋﺪﺗﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﻼص ﻣﻦ رﺑﻘﺔ ﻫﺬه اﻷﺧﻄﺎر ﰲ ﻋﺪة وﻗﺎﺋﻊ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﺑﻴﻨﺎ
وﺑني اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﻬﺮ ﺑﺮوت؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻀﻌﻀﻊ ﺣﺎل ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ ،وآل أﻣﺮﻫﺎ إﱃ ٢٢
أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ٢٧٠أﻟﻒ ،وأﻇﻬﺮت ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﻨﺔ ﻏرية ﻋﻈﻴﻤﺔ،
وﺷﺠﺎﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮم ﻋﻨﺪ ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ؛ ﻓﺒﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ ذﻟﻚ ،وﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﺘﴫف
واﻟﻨﻔﻮذ املﻮﻫﻮب ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ،ﻳﺘﻢ ﺗﺘﻮﻳﺠﻬﺎ ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ
ﻗﺒﻼ ﻟﺮﻋﺎﻳﺎﻧﺎ املﺤﺒني اﻷﻣﻨﺎء ،وﻣﺤﺒﺘﻨﺎ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻻ ﺗﺰال ﻟﻬﻢ ﻣﻮﺳﻜﻮ .وﻗﺪ أﻋﻠﻨﱠﺎ ذﻟﻚ ً
ﺑﺪون ﻧﻘﺺ وﻻ ﺗﻐﻴري.
ﺛﻢ ﺳﺎء ﻇﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺑﻬﺎ ﰲ أواﺧﺮ ﺳﻨﺔ ١٧٢٤م ،وﻫﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﱠﺟﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ،
وأﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي اﺗﱠﻬﻤﻬﺎ ﺑﻪ ،واﻷرﺟﺢ أن ﺗﻬﻤﺘﻪ ﻟﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻃﻠﺔ .وﻟﻢ ﺗﻄﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؛ ﻷﻧﻪ ﺗﻮﰲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺳﻨﺔ ١٧٢٥م ،ﻓﺄﺧﻔﺖ ﻫﻲ ورﺟﺎل ﺑﻼﻃﻬﺎ ﺧﱪ ﻣﻮﺗﻪ إﱃ أن
اﻟﺴﻢ ،وﻫﺬا ً
أﻳﻀﺎ ﻻ دﻟﻴﻞ دﺳﺖ ﻟﻪ ﱡ ﻳﺴﺘﺘﺐ ﻟﻬﺎ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه .وﻗﺪ اﺗﻬﻤﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﱠ
ﻋﲆ ﺻﺤﺘﻪ؛ وﻻ ﺳﻴﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﲆ ﻳﻘني ﻣﻦ وﺻﻮل اﻷﻣﺮ إﻟﻴﻬﺎ .وﺗﻀﺎرﺑﺖ اﻵراء
ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﺨﻠﻔﻪ ،وﻟﻜﻦ ﺗﺤﺰب ﻟﻬﺎ اﻷﻣري »ﺗﺸﻜﻮف« وﻏريه ﻣﻦ أﻫﺎﱄ املﻨﺎﺻﺐ
اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ واﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻨﺎﻓﺬة ،وﺗﻘﺪم رﺋﻴﺲ أﺳﺎﻗﻔﺔ »ﺑﻠﻮﺳﻜﻮ« وأﻗ ﱠﺮ أﻣﺎم اﻟﺠﻨﻮد واﻟﺸﻌﺐ أن
اﻹﻣﱪاﻃﻮر أوﴅ ﻟﻬﺎ ﺑﺎملﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه؛ إذ ﻗﺎل :إﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى ُﻛ ْﻔﺌًﺎ ﻟﻴﺨﻠﻔﻪ ﻏريﻫﺎ! وملﺎ ﻗﺎل
ذﻟﻚ اﻧﻜﴪت ﺷﻮﻛﺔ أﺿﺪادﻫﺎ ،وأﻗﺮ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﲆ ﻣﺒﺎﻳﻌﺘﻬﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺮت ﻋﲆ ﻋﺮش روﺳﻴﺎ
ﰲ ﺧﻄﺔ زوﺟﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺳﻠﻤﺖ ﺗﺪﺑري أﻣﻮر املﻤﻠﻜﺔ إﱃ »ﻓﺸﻜﻮف« اﻟﺤﻜﻴﻢ.
733
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ أﻧﻬﺎ أﺑﻄﻠﺖ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻋﻴﺎن ،وأﻟﻐﺖ أﻟﻘﺎب املﺠﻤﻊ
املﻘﺪس ،وﻗﻴﺪت ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﺿﻤﻦ داﺋﺮة اﻟﻜﺘﺐ املﻘﺪﺳﺔ ،وﻋﻀﺪت ﻣﺠﻠﺲ املﻌﺎرف،
وﻋﻴﻨﺖ ﻷﻋﻀﺎﺋﻪ املﺮﺗﺒﺎت اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ،وأﻧﺎﻃﺖ أﺷﻐﺎل اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻤﺠﻠﺲ ﺷﻮراﻫﺎ اﻟﴪي ،وﻟﻜﻨﻬﺎ
ﻟﻢ ﺗﺨﺘﻢ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨري ﻛﻤﺎ ﺑﺪأﺗﻬﺎ؛ إذ ﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﻣﺎﻟﺖ إﱃ املﻜﺮ ﰲ أواﺧﺮ أﻳﺎﻣﻬﺎ ،وﻋﺎﺷﺖ
ﻋﻴﺸﺔ أﴎﻋﺖ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﱪ ،ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ أﻳﺎر )ﻣﺎﻳﻮ( ﺳﻨﺔ ١٧٢٧م،
وﻻ ﻣﺸﺎﺣﺔ ﰲ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﻋﻈﻴﻤﺔ و ََﻗ ْﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺬ ﱢل ،وﺗﺴ ﱠﻠﻄﺖ ﻋﲆ ﻗﻠﺐ ﻣﻠﻚ
ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﻣﻠﻮك ﻋﴫﻫﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻘﻨﻊ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﻜﺒرية ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﺎرت زوﺟﺔ ﴍﻋﻴﺔ ﻟﻬﺬا املﻠﻚ
اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﺑﻞ رﻓﻌﺘﻬﺎ ﻫﻤﺘﻬﺎ إﱃ ﻋﺮش روﺳﻴﺎ ،ﻓﺼﺎرت ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻋﲆ أﴍاف اﻟﺮوس اﻟﻌﺮﻳﻘني
ﰲ اﻟﻨﺴﺐ ،وأﺣﺴﻨﺖ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻴﻬﻢ ،وأﺑﻘﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ذﻛ ًﺮا ﻣﺠﻴﺪًا.
734
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
ﻗﻮاﻫﻦ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،وإﻋﻼء درﺟﺘﻬﻦ ﰲ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﻤﻠﺘﻬﺎ:
إﻧﺸﺎؤﻫﺎ ﻣﺪرﺳﺔ إﻛﻠريﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﺒﻨﺎت ﰲ ﺑﻄﺮس ﺑﺮج ،ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ أن اﻻﺑﻨﺔ ﻣﺘﻰ دﺧﻠﺘﻬﺎ
ﻻ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻬﺎ إﻻ ملﴤ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات؛ ﻻﻋﺘﻘﺎدﻫﺎ أن ﻫﺬه املﺪة ﺗﻌﺘﱪ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻜﻤﺎل
اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ .وﻛﺎﻧﺖ املﺪرﺳﺔ املﺬﻛﻮرة ﻣﻘﺴﻮﻣﺔ إﱃ ﻗﺴﻤني؛ اﻟﻘﺴﻢ اﻷول :ﻷﺟﻞ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺑﻨﺎت
اﻟﴩﻓﺎء ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻟﻠﺪرﺟﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ .وﻛﺎن ﻋﺪد اﻟﺒﻨﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﺗﻠﻘني اﻟﱰﺑﻴﺔ
ﻓﻴﻬﺎ .٥٠٠
وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤني ﺳﻨﺔ ١٧٦٤م ،أﺧﺬت ﻣﺪارس اﻹﻧﺎث ﺑﺎﻻزدﻳﺎد ﰲ ﻛﻞ روﺳﻴﺎ،
وأﻧﺸﺄت ﻟﻬﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻣﺤﻼت ﻟﻠﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﰲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء املﻤﻠﻜﺔ ،وﺑﻠﻎ ﻋﺪدﻫﺎ
ﺳﻨﺔ ١٨٧٣م ،٢٠٠ :وﻋﺪد اﻟﺘﻠﻤﻴﺬات .٢٣٠٠٠وﺗُﺠﻤﻊ دراﻫﻢ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪﻳﺎت
ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻤﺼﺎرﻳﻒ املﺪارس املﺬﻛﻮرة ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻨﺤﴫ ﻧﻔﻌﻬﺎ ﰲ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺮوﺳﻴﺎت
ﻓﻘﻂ ،واﻵن آل ﺗﻘﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﻮر واﻟﺒﻐﻀﺎء اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎوت ﰲ ﺣﻘﻮق اﻟﻮﻻدة واملﺮﻛﺰ
واﻟﺜﺮوة ،ﻓﺘﺬﻫﺐ اﻟﺘﻠﻤﻴﺬات إﱃ ﻣﺤﻞ اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﺑﺪون ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﻨﺴﺐ واﻟﻘﺮاﺑﺔ،
ﻣﻼﺑﺲ واﺣﺪة ،وﰲ املﺪﻳﻨﺔ املﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ أﺟﻨﺎس ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ َ وﻳﻠﺒﺴﻦ ﰲ ﻇﺮوف ﻛﺜرية
اﻷﻫﺎﱄ ﻻ ﻳﺮاﻋﻮن اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ،ﻓﱰى اﻟﺒﻨﺎت اﻟﺘﱰﻳﺎت واﻟﺒﺸﻜريﻳﺎت ﻣﺨﺘﻠﻄﺎت ﻣﻊ اﻟﺮوﺳﻴﺎت
ﰲ اﻟﴩق ﻛﺎﺧﺘﻼط اﻟﺮوﺳﻴﺎت واﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴﺎت ﰲ اﻟﻐﺮب .وإذا اﻋﺘﱪﻧﺎ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺬي اﺑﺘﺪئ ﻓﻴﻪ
ﺑﺎﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﱰﺑﻴﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﻜﻢ ﺑﺄﻧﻬﻦ ﻗﺪ أﻇﻬﺮن ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء واملﻴﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﺘﻠﻘﻲ
اﻟﻌﻠﻮم واﻟﱰﺑﻴﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺜريًا.
وﺳﻨﺔ ١٨٧٢م ،ﻛﺎن ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ »زورﻳﺦ« اﻟﻜﻠﻴﺔ ٦٣ﺗﻠﻤﻴﺬًا ،و ٥٤ﻣﻨﻬﻦ ﻣﻦ
اﻟﺮوﺳﻴﺎت ،وﻻ ﻳﺮاﻋﻮن اﺧﺘﻼف اﻷدﻳﺎن ﰲ إدﺧﺎل اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ إﱃ املﺪارس ،ﻓﺤﻘﻮق اﻟﻄﻮاﺋﻒ
ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ،وﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺪرﺳﺔ ﻛﻬﻨﺔ ﻣﺨﺼﻮﺻﻮن ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺄﻣﻮر اﻟﺘﻼﻣﺬة
اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮن ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني واﻟﻴﻬﻮد ﰲ ﳾء ﻣﻦ أﻣﻮرﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وإذا ﻓﺮﺿﻨﺎ أن
ً
ﻣﺪرﺳﺎ دﻳﻨﻴٍّﺎ ،ﻓﻴﱰك ﻋﺪد اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻣﻦ ﻣﺬﻫﺐ واﺣﺪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻟﺘُ ﱢ
ﻌني املﺪرﺳﺔ ﻟﻬﻢ
اﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﺄﻣﺮ دﻳﻨﻬﻢ إﱃ واﻟﺪﻳﻬﻢ أو أﻗﺎرﺑﻬﻢ.
وﻗﺪ أﺑﻄﻠﺖ اﻹﻣﱪاﻃﻮرة ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺼﺎﺻﺎت ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ أو اﻟﴬب ،وﻻ ﻳﺤﻜﻤﻮن ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ
اﻵن إﻻ ﻋﲆ ﻣﺮﺗﻜﺒﻲ أﻛﱪ اﻟﺠﻨﺎﻳﺎت ،وﻻ ﺗﻘﻮى املﺠﺎﻟﺲ اﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻪ ،وﻟﻜﻦ
ﺗﺤﺎل اﻟﺪﻋﻮى إﱃ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف ،وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﰲ ﺳﻴﺒريﻳﺎ ﻳﻘﺎﺻﻮن
املﺠﺮﻣني ﺑﺎﻟﴬب؛ وذﻟﻚ ﻷﺟﻞ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﱰﺗﻴﺐ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وذﻛﺮ ﰲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺳﻨﺔ ١٨٦٠م
و١٨٦٨م ،أن ﻣﻌﺪل ﻋﺪد املﺬﻧﺒني ﻓﻴﻬﺎ ٥٣٤٠٠٠ﻣﻦ ذﻧﻮب ﻣﺪﻧﻴﺔ وﺟﻨﺎﺋﻴﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ،
735
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﴎ ْت ﴎو ًرا ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وأﻛﺮﻣﺘﻪ إﻛﺮاﻣً ﺎ زاﺋﺪًا،وملﺎ وﺻﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻬﺪﻳﺔ ُ ﱠ
وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈن ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻮ ﱠل ﺗﺨﺖ روﺳﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻠﻬﺎ.
ﻛﺒﺸﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﻌﺪي ﻛﺮب اﻟﺰﺑﻴﺪي أﺧﺖ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻣﻌﺪي ﻛﺮب املﺸﻬﻮر ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺼﻤﺼﺎﻣﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻬﻮرة ﺑني ﻧﺴﺎء زﻣﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل ،واﻟﺬﻛﺎء واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻹﻗﺪام.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ،وﻳﻐﻠﺐ ﻋﲆ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ،وﻃﺎملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮض ﻋﲆ أﺧﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮو
ً
اﺋﺘﻼﻓﺎ ﺷﺪﻳﺪًا، وﺗﻔﺎﺧﺮه ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰوﺟﺖ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ اﻟﻬﻼﱄ ،وﻗﺪ اﺋﺘﻠﻔﺖ ﻣﻌﻪ
وأﺣﺒﺘﻪ ﺣﺒٍّﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻣﻌﻪ ﻣﺪة وﻫﻤﺎ ﻋﲆ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﺮام ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ،
736
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ذات ﻳﻮم ﻏﺰا ﻏﺰوة ﰲ اﻟﻌﺮب ،ﻓﻜﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻪ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺨﱪ ﻛﺒﺸﺔ ،ﻓﺸﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ٍ
ﺑﻤﺮاث ﻛﺜرية؛ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ: اﻟﺠﻴﻮب ،وﻟﻄﻤﺖ اﻟﺨﺪود ،ورﺛﺘﻪ
إﻟ ﻰ ﻗ ﻮﻣ ﻪ ﻻ ﺗ ﻌ ﻘ ﻠ ﻮا ﻟ ﻬ ﻢ دﻣ ﻲ وأرﺳ ﻞ ﻋ ﺒ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ إذ ﺣ ﺎن ﻳ ﻮﻣ ﻪ
وأﺗ ﺮك ﻓ ﻲ ﺑ ﻴ ﺖ ﺑ ﺼ ﻌ ﺪة ﻣ ﻈ ﻠ ﻢ وﻻ ﺗ ﺄﺧ ﺬوا ﻣ ﻨ ﻬ ﻢ إﻓ ًﺎﻻ وأﺑ ﻜ ﺮا
وﻫﻞ ﺑﻄﻦ ﻋﻤﺮو ﻏﻴﺮ ﺷﺒﺮ ﻟﻤﻄﻌﻢ ودع ﻋ ﻨ ﻚ ﻋ ﻤ ًﺮا إن ﻋ ﻤ ًﺮا ﻣ ﺴ ﺎﻟ ﻢ
ﻓ ﻤ ﱡﺸ ﻮا ﺑ ﺂذان اﻟ ﻨ ﻌ ﺎم اﻟ ﻤ ﺼ ﻠ ﻢ ﻓ ﺈن أﻧ ﺘ ﻢ ﻟ ﻢ ﺗ ﺜ ﺄروا واﺗ ﺪﻳ ﺘ ﻢ
إذا ارﺗ ﻤ ﻠ ﺖ أﻋ ﻘ ﺎﺑ ﻬ ﻦ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪم وﻻ ﺗ ﺸ ﺮﺑ ﻮا إﻻ ﻓ ﻀ ﻮل ﻧ ﺴ ﺎﺋ ﻜ ﻢ
737
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﻠﻐﺖ ﻓﻴﻪ ﺣﺪٍّا ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﻏريﻫﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺘﺰوج ﻗﻂ ،وﺑﻠﻎ ﻋﻤﺮﻫﺎ ١٠٠ﺳﻨﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻤﻜﺔ
املﻜﺮﻣﺔ.
ﻫﻲ ﻣﻦ املﻠﻮك اﻟﺒﻄﺎﻟﺴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻐﻠﺒﻮا ﻋﲆ ﻣﴫ ﻋﻘﻴﺐ دوﻟﺔ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،اﻗﱰﻧﺖ ﺑﺄﺧﻴﻬﺎ
»ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس دﻳﻮﻳﻨﺴﻴﻮس« ﺳﻨﺔ ٥٢ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،وﻛﺎن ﰲ ﺳﻦ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﴩة ،وﻫﻲ ﰲ ﺳﻦ
اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﴩة ،ﻓﺮاودﺗﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺌﺜﺎر ﺑﺎﻟﻌﺮش دوﻧﻪ ،ﻓﻘﺎوﻣﻬﺎ رﺟﺎل اﻟﺒﻼط
وأوﺻﻴﺎء زوﺟﻬﺎ اﻟﻘﺎﴏ ،ﺣﺘﻰ إذا أﻋﻴﺘﻬﺎ اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻋﻤﺪت ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻨﺼﺎر ﺑﺄﻏﺴﻄﻮس
ﻗﻴﴫ اﻟﺮوﻣﺎن ،ﻓﺄ ﱠﻟﻒ ذات ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﺄﺧﻴﻬﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ
أﺗﻰ ﻋﻠﻴﻪ إﺣﺪى ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،ﻓﻨﻮدي ﺑﻪ ﺑﺄﻣﺮ ﻗﻴﴫ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻋﲆ ﻣﴫ.
ﺛﻢ ﻣﺎت ﻫﺬا ﻣﺴﻤﻮﻣً ﺎ ﺑﻌﺪ زواﺟﻪ ﺑﺄرﺑﻌﺔ أﻋﻮام ،وملﺎ ﺧﻼ اﻟﻌﺮش ﻣﻦ ﻣَ ﻠِﻚٍ ﺑﻌﺚ
أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس ،أﺣﺪ ﻣﺸﱰﻛﻲ دوﻟﺔ اﻟﺮوﻣﺎن اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﻰ ﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮا إﱃ ﻃﺮﺳﻮس ﺣﻴﺜﻤﺎ
ﻛﺎن ذاﻫﺒًﺎ إﱃ ﻣﺤﺎرﺑﺔ ﺑﺮوﺗﻮس اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،ﻓﻠﺒﱠﺖ اﻟﺪﻋﻮة وﺳﺎرت ﻋﲆ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺮﻳﺎح ﺣﺘﻰ
ﺑﻠﻐﺖ ﻧﻬﺮ ﻃﺮﺳﻮس ،وﻫﻨﺎﻟﻚ اﺗﺨﺬت ﻟﻬﺎ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻓﺎﺧﺮة اﻷﺛﺎث أرﺟﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺴﺠﻒ واﻟﻘﻼع،
ﻣﺰداﻧﺔ ﺑﺒﺪﻳﻊ اﻷواﻧﻲ وﻧﻔﺎﺋﺲ اﻟﺠﻮﻫﺮ ،وأﻓﺮﻏﺖ ﻋﲆ ﻗﺪﱢﻫﺎ اﻟﻔﺘﺎن ﺣﻠﺔ ﻛﴪوﻳﺔ ﻣﺪﺑﺠﺔ
وﻫﺎج ،وأﻟﺒﺴﺖ وﺻﺎﺋﻔﻬﺎ اﻟﺤﻮر ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﺧﴬً ا ﻣﻦ ﺑﺘﺎج ﱠ
ٍ ﺑﺎﻟﺪر ،وﻛﻠﻠﺖ ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ اﻟﻮﺿﺎح
ﺳﻨﺪس وإﺳﺘﱪق ،وﺗﺼﺪرت ﺑﻴﻨﻬﻦ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺸﻤﺲ وﻛﺄﻧﻬﻦ اﻟﺒﺪور ،وﻫﻦ ﻳﴬﺑﻦ ﺑﺎﻟﻌﻴﺪان
واﻟﻘﻴﺎﺛري ،وﻳُﻄﻠﻘﻦ اﻟﺒﺨﻮر واﻟﻨﺪ ﺣﺘﻰ ﻋﺒﻖ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﺑﺮﻳﺎﺣﻬﺎ ،وﻣﺎج اﻟﻨﻬﺮ ﻃﺮﺑًﺎ ﺑﻨﻐﻤﺎت
وﻷ ْ َﻷ ﻣﺤﻴﺎﻫﻦ.
أﻋﻮادﻫﻦَ ،
ً
وﻛﻠﻔﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻋﺘﱠﻢ أن ً
ﺷﻐﻔﺎ ،وذﻫﺐ رﺷﺪه ﻫﻴﺎﻣً ﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻘﻴﻬﺎ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس اﺳﺘﻄﺎر ﻓﺆاده
ﻋﺎد ﻣﻌﻬﺎ إﱃ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وﻫﻨﺎﻟﻚ زﻓﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺑﻌ ُﺪ ﻋﲆ ﻓﺮاﻗﻬﺎ ﺻﱪًا،
ﻓﻐﺎدر واﺟﺒﺎﺗﻪ وﻣﻬﺎﻣﻪ إﱃ اﻟﺘﻘﺎدﻳﺮ ،وأﺻﺒﺢ ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﻖ ﻣﻦ ﺧﻤﺮة ﺣﺒﻬﺎ ﺳﻜ ًﺮا.
وملﺎ ﻃﺎر اﻟﺨﱪ إﱃ زوﺟﺘﻪ اﻷوﱃ »أوﻛﺘﺎﻓﻴﺎ« ﻧﺰﻏﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻴﻄﺎن اﻟﻐرية ﻧﺎزغ ،ﻓﺄﻏﺮت
ً
ﺟﻴﺸﺎ أﺧﺎﻫﺎ »أوﻛﺘﺎﻓﻴﻮس« ،أﺣﺪ اﻟﴩﻛﺎء اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻋﲆ ﻣﺨﺎﺻﻤﺘﻪ واﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﻨﻪ؛ ﻓﺤﺸﺪ
ﺧﻤﻴﺴﺎ وﻗﺼﺪ ﺑﻪ اﻟﺪﻳﺎر املﴫﻳﺔ ،ﻓﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﺰال ﻳﺸﻴﺐ ﻟﻬﻮﻟﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ،وملﺎ ﺣﻤﻲ ً
اﻟﻮﻃﻴﺲ ،وأﺣﺲ »أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس« ﺑﺴﻮء املﻨﻘﻠﺐ؛ ﺳﻘﻂ ﰲ ﻳﺪه وﻻت ﺣني ﻧﺪاﻣﺔ ،ﻓﺘﻨﺎول
ﻣﺪﻳﺔ وﻃﻌﻦ ﺑﻬﺎ ﺛﺪﻳﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ.
738
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
739
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﺪر ﻣﺎ ﺳﺒﺐ ﻓﻤ ﱠﺪ ﻳﺪه إﱃ ﻛﻞ ﻧﻮع ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻠﻤﺴﻪ وﻳﺘﺒﻴﻨﻪ ،وﻳَﻌﺠﺐُ ﺧﻮاص ﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﺑﻪ ،وﻟﻢ ِ
ﻣﻮﺗﻬﺎ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻨﺎول ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻳﺎﺣني وﺷﻤﱢ ﻬﺎ إذ ﻗﻔﺰت ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺔ ﻓ َﺮﻣَ ﺘﻪْ
وﻗﺘْﻠﻬﺎ ﺷﻘﻪ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻪ ،وذﻫﺐ ﺑﴫه اﻷﻳﻤﻦ وﺳﻤﻌﻪ ،ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻓﻌﻠﻬﺎَ ، ﺑﺴﻤﱢ ﻬﺎ ،ﻓﻴﺒﺲ ﱡ
ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ،واﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ ﻟﻠﻤﻮت ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻊ اﻟﺬل.
ﺛﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ إﻟﻘﺎء اﻟﺤﻴﺔ ﺑني اﻟﺮﻳﺎﺣني ،ﻓﻘﺎل ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻌ ًﺮا ﺑﺎﻟﺮوﻣﻴﺔ ﻳﺬﻛﺮ ﺣﺎﻟﻪ
وﻣﺎ ﻧﺰل ﺑﻪ وﻗﺼﺘﻬﺎ ،وأﻗﺎم ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻧ َﺰل ﺑﻪ ﻣﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻫﻠﻚ ،وﻟﻮﻻ اﻟﺤﻴﺔ ﻗﺪ أﻓﺮﻏﺖ
ﺳﻤﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺛﻢ ﻋﲆ املﻠﻜﺔ؛ ﻟﻜﺎن »أﻏﺴﻄﻮس أوﻛﺘﺎﻓﻴﻮس« ﻗﺪ ﻫﻠﻚ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮا داﺋﻤً ﺎ ﺗﺤﺐ اﻟﻘﺼﻒ واﻟﺨﻼﻋﺔ ،وﺗﺄﻟﻒ املﻼﻫﻲ ،وﻃﺎملﺎ ﺗﻤﻨﺖ أن
وﻟﻴﺎل ﻇﺮﻳﻔﺔ، ٍ ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﺣﺒﻴﺐ ﺗﺮﻛﻦ إﻟﻴﻪ وﺗﻌﻮل ﰲ أﻣﻮرﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻬﺎ أﻳﺎم ﻟﻄﻴﻔﺔ،
ووﻗﺎﺋﻊ ﺣﺴﻨﺔ ،وﻧﻮادر ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮات اﻟﻌﺮب املﺘﻘﺪﻣﺎت ﰲ اﻷدب .اﺷﱰاﻫﺎ ﺑﺮد املﻨﻘﺮي وﺗﺰوﺟﻬﺎ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ
ﺷﻤﻠﺔ ﺑﻦ ﺑﺮد ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ،وﻃﺎملﺎ اﻗﺘﺤﻢ اﻟﺤﺮوب وأﺑﺎد اﻷﻗﺮان.
ﻓﻤﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻫﺠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﺮب ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺎث وﻟﺪﻫﺎ ﺷﻤﻠﺔ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻗﺪ ﺻﺪق ﻗﻮﻟﻬﺎ ،وﺑﻠﻎ اﻟﺸﻌﺮ وﻟﺪﻫﺎ ﻓﻘﺎل :وﷲ ﻷﺻﺪﻗﻨﱠﻬﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ ،وﻗﺼﺪ اﻟﻘﻮم
ﻓﻘﺎﺑﻠﻬﻢ ،وأﺑﲆ ﺑﻬﻢ ﺑﻼء ﺣﺴﻨًﺎ ،واﺳﱰد ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﺳﻠﺒﻮه ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ.
740
ﺣﺮف اﻟﻜﺎف
إذا ذﻛ ﺮت ﻓ ﻲ ﻓ ﻼ ﺣ ﺒ ﺬا ﻫ ﻴ ﺎ أﻻ ﺣ ﺒ ﺬا أﻫ ﻞ اﻟ ﻤ ﻼ ﻏ ﻴ ﺮ أﻧ ﻪ
وﺗﺤﺖ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺨﺰي ﻟﻮ ﻛﺎن ﺑﺎدﻳﺎ ﻋ ﻠ ﻰ وﺟ ﻪ ﻣ ﻲ ﻣ ﺴ ﺤ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣﻼﺣ ﺔ
وإن ﻛﺎن ﻟﻮن اﻟﻤﺎء أﺑﻴﺾ ﺻﺎﻓﻴﺎ أﻟ ﻢ ﺗ ﺮ أن اﻟ ﻤ ﺎء ﻳ ﺨ ﻠ ﻒ ﻃ ﻌ ﻤ ﻪ
ﺗﻮﻟﻰ ﺑﺄﺿﻌﺎف اﻟﺬي ﺟﺎء ﻃﺎﻣﻴﺎ إذا ﻣ ﺎ أﺗ ﺎه وارد ﻣ ﻦ ﺿ ﺮورة
وأﺛ ﻮاﺑ ﻬ ﺎ ﻳ ﺨ ﻔ ﻴ ﻦ ﻣ ﻨ ﻬ ﺎ اﻟ ﻤ ﺨ ﺎزﻳ ﺎ ﻛ ﺬﻟ ﻚ ﻣ ﻲ ﻓ ﻲ اﻟ ﺜ ﻴ ﺎب إذا ﺑ ﺪت
ﻣ ﺠ ﺮدة ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻟ ﻤ ﺎ ﻗ ﺎل ذا ﻟ ﻴ ﺎ ﻓ ﻠ ﻮ أن ﻏ ﻴ ﻼن اﻟ ﺸ ﻘ ﻲ ﺑ ﺪت ﻟ ﻪ
إﻟ ﻰ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﻲ أوﻻ ﻷﺻ ﺒ ﺢ ﺳ ﺎﻟ ﻴ ﺎ ﻛ ﻘ ﻮل ﻣ ﻀ ﻰ ﻣ ﻨ ﻪ وﻟ ﻜ ﻦ ﻟ ﺮده
741
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺪ أﻋﻄﺎه اﻟﻌﺮﺟﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ املﻐﻨني وﺳﺄﻟﻬﻢ أن ﻳﻐﻨﻮا ﻓﻴﻪ ،ﻓﺼﻨﻌﻮا ﰲ أﺑﻴﺎت ﻣﻨﻪ
ﻋﺪة أﻟﺤﺎن ،وﻗﺎل :ﻻ أﺟﺪ ﻟﻬﺬه اﻷَﻣَ ﺔ ﺷﻴﺌًﺎ أﺑﻠﻎ ﻣﻦ إﻳﻘﺎﻋﻬﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻬﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ؛
ﻟﻴﻘﻄﻊ راﺗﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻌﺒﲇ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻳُﻐﻨﱠﻰ ﺑﻪ أﺧﺮج ﻛﻼﺑﺔ واﺗﱠﻬﻤﻬﺎ ،ﺛﻢ أرﺳﻞ
زﻣﺎن ﻋﲆ ﺑﻌري إﱃ ﻣﻜﺔ ،ﻓﺄﺣﻠﻔﻬﺎ ﺑني اﻟﺮﻛﻦ واملﻘﺎم أن اﻟﻌﺮﺟﻲ ﻛﺬب ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ، ٍ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ
ﻓﺤﻠﻔﺖ ﺳﺒﻌني ﻳﻤﻴﻨًﺎ ،ﻓﺮﴈ ﻋﻨﻬﺎ وردﱠﻫﺎ ،ﻓﻜﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إذا ﺳﻤﻊ ﻗﻮل اﻟﻌﺮﺟﻲ:
742
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﻓﺸﻜﺮه وﻣﴣ إﱃ أﺑﻲ ﻗﻴﺲ ﺣﺎﻓﻴًﺎ ﻋﲆ ﺣﺮ اﻟﺮﻣﻞ ،ﻓﻘﺎم ذرﻳﺢ وﻣﺮغ وﺟﻬﻪ ﻋﲆ
ﻗﻴﺴﺎ ﺑﻠﺒﻨﻰ ،وأدى اﻟﺤﺴني املﻬﺮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ،وملﺎ أﻗﺪاﻣﻪ ،وﻣﴙ ﻣﻊ اﻟﺤﺴني ﺣﺘﻰ زوﱠج ً
ﺗﺰوﺟﻬﺎ أﻗﺎﻣﺎ ﻣﺪة ﻣﺪﻳﺪة ﻋﲆ أرﻓﻊ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻷﺣﻮال ،وﻣﺮاﺗﺐ اﻹﻗﺒﺎل ،وﻓﻨﻮن
املﺤﺒﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻠﺪ ﻟُﺒﻨَﻰ ،ﻓﺴﺎء ذﻟﻚ أﺑﻮﻳﻪ ،ﻓﻌﺮﺿﺎ ﻋﲆ ﻗﻴﺲ أﻧﻪ ﻳﺘﺰوج ﺑﻤﻦ ﺗﺠﻲء
ﺑﻮﻟﺪ؛ وذﻟﻚ أﺣﻔﻆ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،وأﺑﻘﻰ ملﺎﻟﻪ ،ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ اﻣﺘﻨﺎﻋً ﺎ ﻳُﺆذن ﺑﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ذﻟﻚ وﻗﺎل :ﻻ
أﺳﻮ ُؤﻫﺎ ﻗﻂ! وﻗﺎم ﻳﺪاﻓﻌﻬﻤﺎ ﻋﴩ ﺳﻨني إﱃ أن أﻗﺴﻢ أﺑﻮه أن ﻻ ﻳﻜﻨﻪ ﺳﻘﻒ إﻻ أن ﻳﻄﻠﻖ ُ
ﻗﻴﺲ ﻟﺒﻨﻰ ،ﻓﻜﺎن إذا اﺷﺘﺪ اﻟﺤﺮ ﻳﺠﻴﺌﻪ ﻓﻴُﻈ ﱡﻠﻪ ﺑﺮداﺋﻪ ،وﻳﺼﲇ ﻫﻮ ﺑﺤ ﱢﺮ اﻟﺸﻤﺲ ،ﺣﺘﻰ
ﻳﺠﻲء اﻟﻔﻲء ﻓﻴﺪﺧﻞ إﱃ ﻟﺒﻨﻰ ﻓﻴﺘﻌﺎﻧﻘﺎن وﻳﺘﺒﺎﻛﻴﺎن ،وﻫﻲ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ :ﻻ ﺗﻔﻌﻞ ﻓﺘﻬﻠﻚ ،إﱃ
أن ﻗﺪﱠر ﷲ وﻃ ﱠﻠﻘﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ أزﻣﻌﺖ اﻟﺮﺣﻴﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﺟﺎء وﻗﺪ ﺳﺄل اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻋﻦ أﻣﺮﻫﻢ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺳ ْﻞ ﻟُﺒﻨﻰ،
ﻓﺄﺗﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻤﻨﻌﻪ أﻫﻠﻬﺎ وأﺧﱪوه أﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﺤﻞ اﻟﻠﻴﻠﺔ أو ﻏﺪًا ،ﻓﺴﻘﻂ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق
أﻧﺸﺪ:
ﻓﻠﻤﺎ ﺣُ ﻤﻠﺖ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﺌﺲ ﻗﻴﺲ واﺷﺘﺪ ﺷﻮﻗﻪ ،وزاد ﻋﺰﻣﻪ ،وأﻓﴣ ﺑﻪ اﻟﺤﺎل إﱃ
ﻣﺮض أﻟﺰﻣﻪ اﻟﻮﺳﺎد ،واﺧﺘﻼل اﻟﻌﻘﻞ ،واﺷﺘﻐﺎل اﻟﺒﺎل ،ﻓﻼم اﻟﻨﺎس أﺑﺎه ﻋﲆ ﺳﻮء ﻓﻌﻠﻪ،
ﻓﺠﺰع وﻧﺪم وﺟﻌﻞ ﻳﺘﻠﻄﻒ ﺑﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻳﺲ ﻣﻨﻪ اﺳﺘﺸﺎر ﻗﻮﻣﻪ ﰲ داﺋﻪ ،ﻓﺎﺗﻔﻘﺖ آراؤﻫﻢ ﻋﲆ
أن ﻳﺄﻣﺮوه ﻳﺘﺼﻔﺢ أﺣﻴﺎء اﻟﻌﺮب ،ﻓﻠﻌﻞ أن ﺗﻘﻊ ﻋﻴﻨﻪ ﻋﲆ ﻣَ ﻦ ﺗﺴﻠﻴﻪ ﻋﻦ ﺣﺐ ﻟﺒﻨﻰ ،ﻓﻔﻌﻞ
ﺑﺤﻲ ﻣﻦ ﻓﺰارة ،ﻓﺮأى ﺟﺎرﻳﺔ ﻗﺪ ﺣﴪت ﻋﻦ وﺟﻬﻬﺎ ﺑﺮﻗﻊ ﺧ ﱟﺰ وﻫﻲ ﻛﺎﻟﺒﺪر ﱟ ﺣﺘﻰ ﻧﺰل
ﺣﺴﻨًﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﺳﻤﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﺒﻨﻰ! ﻓﺴﻘﻂ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺎرﺗﺎﻋﺖ وﻗﺎﻟﺖ :إن ﻟﻢ
ﺗﻜﻦ ً
ﻗﻴﺴﺎ ﻓﻤﺠﻨﻮن ،وﻧﻀﺤﺖ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ املﺎء.
ﻓﻠﻤﺎ أﻓﺎق اﺳﺘﻨﺴﺒﺘﻪ ﻓﺈذا ﻫﻮ ﻗﻴﺲ ﻟﺒﻨﻰ — وﻛﺎن أﻣﺮﻫﻤﺎ اﺷﺘﻬﺮ ﰲ اﻟﻌﺮب — وﺟﺎء
أﺧﻮﻫﺎ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ،ﻓﺮﻛﺐ ﺣﺘﻰ اﺳﱰدﱠه وأﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪه ﺷﻬ ًﺮا ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻟﻘﺪ
ﺷﻘﻘﺖ ﻋﲇﱠ ،وأﺟﺎب .ﻓﻜﺎن اﻟﻔﺰاري ﻳﻌﺠﺐ ﺑﻪ وﻳﻌﺮض ﻋﻠﻴﻪ املﺼﺎﻫﺮة ،ﺣﺘﻰ ﻻﻣﺘﻪ اﻟﻌﺮب
وﻗﺎﻟﻮا :ﻧﺨﴙ أن ﻳﺼري ﻓﻌﻠﻚ ﻫﺬا ﺳﻨﺔ ﰲ اﻟﻌﺮب! ﻓﻘﺎل :دﻋﻮﻧﻲ؛ ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻓﻠريﻏﺐ
744
ﺣﺮف اﻟﻼم
اﻟﻜﺮام! وأﻟﺢ ﻋﻠﻴﻪ وزوﱠﺟﻪ ﺑﺄُﺧﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻟﺒﻨﻰ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻪ ﻟﻐﺪﱠار ،وإﻧﻲ ﻃﺎملﺎ ﺧﻄﺒﺖ
ﻓﺄﺑﻴﺖ واﻵن أﺟﻴﺐ.
وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻗﺪ اﺷﺘﻜﻰ ً
ﻗﻴﺴﺎ إﱃ ﻣﻌﺎوﻳﺔ وﻗﺎل :إﻧﻪ ﻳﺸﺒﺐ ﺑﺎﺑﻨﺘﻪ ،ﻓﻜﺘﺐ إﱃ ﻣﺮوان
ﻳﻬﺪر دﻣﻪ ،وأﻣﺮه أن ﻳﺰوج اﺑﻨﺘﻪ ﺑﺨﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﺪة اﻟﻐﻄﻔﺎﻧﻲ ،ﻓﻔﻌﻞ ،وأﺟﺎﺑﺖ ﺣني ﻋﻠﻤﺖ
ﺑﺰواج ﻗﻴﺲ ،ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﻳُﻐﻨﱢﻴﻨﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺰﻓﺎف:
ً
ﻣﺮﺿﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻓﺄﻧﻬﻜﻪ ،ﻓﺄﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻋﻴﺎدﺗﻪ ،ﻓﺠﻌﻞ وﺣني اﻧﻘﴣ اﻟﺤﺞ ﻣﺮض
ﻳﺘﻔﻜﺮ ﻟﺒﻨﻰ وﻋﺪم رؤﻳﺘﻪ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄﻧﺸﺪ:
745
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻨﻔﺴﻲ ﺷ ً
ﻮﻗ ﺎ ﻛ ﻞ ﻳ ﻮم ﺗ ﻘ ﻄ ﻊ ﺗُ ﻤ ﻨ ﻴ ﻨ ﻨ ﻲ ﻧ ﻴ ًﻼ وﺗ ﻠ ﻮﻳ ﻨ ﻨ ﻲ ﺑ ﻪ
ﻟ ﻌ ﻤ ﺮي وأﺟ ﻔ ﻰ ﻟ ﻠ ﻤ ﺤ ﺐ وأﻗ ﻄ ﻊ أﻟ ﻮﻣ ﻚ ﻓ ﻲ ﺷ ﺄﻧ ﻲ وأﻧ ﺖ ﻣ ﻠ ﻴ ﻤ ﺔ
ﻓﻤﺎ ﻓﺎض ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻟﻠﻮﺟﺪ ﻣﺪﻣﻊ وأﺧ ﺒ ﺮت أﻧ ﻲ ﻓ ﻴ ﻚ ﻣ ﺖ ﺑ ﺤ ﺴ ﺮة
ﻟ ﺪﻳ ﻚ ﻓ ﻼ ﺗ ﺒ ﻜ ﻲ ﻏ ﺪًا ﺣ ﻴ ﻦ أرﻓ ﻊ إذا أﻧ ﺖ ﻟ ﻢ ﺗ ﺒ ﻜ ﻲ ﻋ ﻠ ﱠﻲ ﺟ ﻨ ﺎزة
ﻓﺤني ﺑﻠﻐﺘﻬﺎ اﻷﺑﻴﺎت ﺟﺰﻋﺖ ﺟﺰﻋً ﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﺧﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﺧﻔﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﻴﻌﺎد ،ﻓﺎﻋﺘﺬرت
ﻋﻦ اﻻﻧﻘﻄﺎع ،وأﻋﻠﻤﺘﻪ أﻧﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﺗﱰك زﻳﺎرﺗﻪ؛ ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻬﻠﻚ ،وإﻻ ﻓﻌﻨﺪﻫﺎ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه،
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺟﻠﺪة.
وﺟﺎء ﻗﻴﺲ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﺎﻗﺔ ﻣﻦ إﺑﻠﻪ ﻟﻴﺒﻴﻌﻬﺎ؛ ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ زوج ﻟﺒﻨﻰ وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ،
ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻪ :اﺋﺘﻨﻲ ﻏﺪًا ﰲ دار ﻛﺜري ﺑﻦ اﻟﺼﻠﺖ أﻗﺒﻀﻚ اﻟﺜﻤﻦ ،ﻓﺠﺎء وﻃﺮق اﻟﺒﺎب ،ﻓﺄدﺧﻠﻪ
وﻗﺪ ﺻﻨﻊ ﻟﻪ ﻃﻌﺎﻣً ﺎ ،وﻗﺎم ﻟﺒﻌﺾ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﺒﻨﻰ ﻟﺨﺎدﻣﺘﻬﺎ :ﺳﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﺑﺎل وﺟﻬﻪ
ﻣﺘﻐريًا ﺷﺎﺣﺒًﺎ؟! ﻓﺘﻨﻔﺲ اﻟﺼﻌﺪاء ﺛﻢ ﻗﺎل :ﻫﻜﺬا ﺣﺎل ﻣﻦ ﻓﺎرق اﻷﺣﺒﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﺳﺘﺨﱪﻳﻪ
ﻋﻦ ﻗﺼﺘﻪ؟ ﻓﺎﺳﺘﺨﱪﺗﻪ ،ﻓﴩع ﻳﺤﻜﻲ أﻣﺮه ،ﻓﺮﻓﻌﺖ اﻟﺤﺠﺎب وﻗﺎﻟﺖ :ﺣﺴﺒُﻚ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻨﺎ
ﺣﺎﻟﻚ ،ﻓﺒُﻬﺖ ﺣني ﻋﺮﻓﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻠﻔﻆ!
ﺛﻢ ﺧﺮج ﻟﻮﺟﻬﻪ ﻓﺎﻋﱰﺿﻪ اﻟﺮﺟﻞ وﻗﺎل :ﻣﺎ ﻟﻚ؟! ﻋُ ْﺪ ﻟﺘﻘﺒﺾ ﻣﺎﻟﻚ! وإن ِﺷ َ
ﺌﺖ زدﻧﺎك!
ﻓﻠﻢ ﻳُﻜ ﱢﻠﻤﻪ وﻣﴣ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﲆ ﻟﺒﻨﻰ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﺎ ﻫﺬا؟! إﻧﻪ ﻟﻘﻴﺲ! ﻓﺤﻠﻒ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ.
وأﻧﺸﺪ ﻗﻴﺲ ﻣﻌﺎﺗﺒًﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ:
ﻓﺮق ﻟﻪ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﻫﺪر دﻣﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :إن ﺷﺌﺖ ﻛﺘﺒﺖ َ
ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻓﻤﺪَﺣﻪ ﱠ وﻗﺼﺪ ٌ
ﻗﻴﺲ
إﱃ زوﺟﻬﺎ ﺑﻄﻼﻗﻬﺎ! ﻓﻘﺎل :ﻻ ،وﻟﻜﻦ اﺋﺬن ﱄ أن أﻗﻴﻢ ﺑﺒﻠﺪﻫﺎ! ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﻨﺰل ﺣني زال ﻫﺪر
دﻣﻪ ﺑﺤﻴﻬﺎ ،وﺗﻀﺎﻓﺮت ﻣﺪاﺋﺤﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻏﻨﱠﻰ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﺒﺪ واﻟﻐﺮﻳﺾ وأﴐاﺑﻬﻤﺎ ،وﻗﺪ
اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ — وﻛﺎن أﻛﺜﺮ أﻫﻞ زﻣﺎﻧﻪ ﻣﺮوءة — ﻓﺠﺎء اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ إﱃ ﻗﻴﺲ َﻗﺼﺪ ٌ
اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴني وأﻋﻠﻤﻬﻤﺎ أن ﻟﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﻋﻨﺪ زوج ﻟﺒﻨﻰ ،وﻃﻠﺐ أن ﻳُﻨﺠﺪاه ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻤﻀﻴﺎ
ﻣﻌﻪ ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺑﻪ وﻛ ﱠﻠﻤﻮه ﰲ ﻃﻠﺐ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖ — وﻫﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮا اﻟﻐﺮض — ﻗﺎل:
ﻣﺎﻻ؟! ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻓﻘﺎل :أرﻳﺪ أن ﺗُﻄ ﱢﻠﻖ
أﻫﻼ ﻛﺎن أو ً
ﺳﻠﻮا ﻣﺎ ﺷﺌﺘﻢ ،ﻓﻘﺎل اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺘﻴﻖً :
746
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﺷﺌﺖ ﻋﻨﺪي ،ﻓﻘﺎل :أﺷﻬﺪﻛﻢ أﻧﻬﺎ ﻃﺎﻟﻖ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﻴﻮا ﻣﻨﻪ ،وﻋﻮﱠﺿﻪ اﻟﺤﺴﻦ َ ﻟُﺒﻨﻰ وﻟﻚ ﻣﺎ
ﺟﺌﺖ .وﻧﻘﻠﺖ إﱃ اﻟﻌﺪة ،وﻋﺎﺗﺒﺖ ﻟُﺒﻨﻰ ً
ﻗﻴﺴﺎ ُ ُ
ﻋﻠﻤﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ وﻗﺎل ﻟﻪ :ﻟﻮ
ﻋﲆ ﺗﺰوﻳﺠﻪ اﻟﻔﺰارﻳﺔ ،ﻓﺤﻠﻒ ﻟﻬﺎ أن ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺤﻞ ﺑﺮؤﻳﺘﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻠﻤﻬﺎ ﻟﻔﻈﺔ واﺣﺪة،
ً
رﻏﺒﺔ وأﻧﻪ ﻟﻮ رآﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ! وأﺧﱪﺗﻪ أﻧﻬﺎ ﻛﺎرﻫﺔ زوﺟﻬﺎ ،وأﻋﻠﻤﺘﻪ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﺰوج ﺑﻪ
ﻓﻴﻪ ،ﺑﻞ ﺷﻔﻘﺔ ﻋﲆ ﻗﻴﺲ ﺣني أُﻫﺪر دﻣﻪ؛ ﻟﻴﺨﲆ ﻋﻨﻬﺎ .وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻟﺒﻨﻰ ﰲ اﻟﻌﺪة ﺳﻨﺔ ٣٣ﻫ!
ﻗﻴﺴﺎ ﺣني ﺑﻠﻐﻪ ذﻟﻚ ﺧﺮج ﺣﺘﻰ وﻗﻒ ﻋﲆ ﻗﱪﻫﺎ وأﻧﺸﺪ: وإن ً
ﺛﻢ ﺑﻜﻰ ﺣﺘﻰ أﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺤﻤﻞ وﻣﺎت ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ،ودﻓﻦ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،وﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻌﺎر
ﻛﺜرية؛ ﻣﻨﻬﺎ:
وﻗﺎل ً
أﻳﻀﺎ:
747
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل وﻗﺪ ﺳﺄﻟﻪ اﻟﻄﺒﻴﺐُ :ﻣﺬْ ﻛﻢ وﺟﺪت ﺑﻬﺬه املﺮأة ﻣﺎ وﺟﺪت؟! ﻓﺄﻧﺸﺪ:
وملﺎ ﻗﺘﻞ اﻷﻣري رﺟﻌﺖ إﱃ ﻣﻨﺰل واﻟﺪﻫﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ أن ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪة زﺑﻴﺪة ﺑﻨﺖ
ﺟﻌﻔﺮ أم اﻷﻣني؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﺎءﻣﺖ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺨﺸﻴﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ اﻹﻫﺎﻧﺔ واﻻﺣﺘﻘﺎر.
وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺘﺐ اﻷﻣﺮ إﱃ املﺄﻣﻮن ﺟﻌﻞ ﻟﻬﺎ إدرارات ورواﺗﺐ ﺗﻨﻔﻖ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﱰﻛﻬﺎ
ﺗﺬﻫﺐ إﱃ ﺣﻴﺚ ﺷﺎءت ،ﺑﻞ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮم دار اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ إﱃ أن
ﻣﺎﺗﺖ ﺑﺂﺧﺮ ﺧﻼﻓﺘﻪ.
748
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﻟﻄﻴﻔﺔ اﻟﺤﺪاﻧﻴﺔ
ﻓﻜﻔﻠﻬﺎ ﻋﻤﱡ ﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ أرﻓﻊ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻣﺮاﺗﺐ اﻟﺠﻤﺎل،ﺗﻮﰲ أﺑﻮﻫﺎ وﺗﺮﻛﻬﺎ ﺻﻐريةَ ،
وﻣﺤﺎﺳﻦ اﻷﺧﻼق واﻟﺨﺼﺎل ،ﻓ ُﺮﺑﱢﻴﺖ ﰲ ﺑﻴﺖ ﻋﻤﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ .وﻛﺎن ﻟﻌﻤﻬﺎ وﻟ ٌﺪ ﺷﺎب
واﺻﻔﺎ ،وﻛﺎن ﻛﺎﻣﻞ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﻈﺮف واﻟﻠﻄﻒ واﻟﻌﻔﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ً ﻳﺪﻋﻰ
ﻓﻴﻌﺠﺒﻬﺎ إﱃ أن ﺗﻤﻜﻦ ﺣﺒﱡﻪ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻓﻤﺮﺿﺖ وﻫﻲ ﺗﻜﺘﻢ أﻣﺮﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﻋﻤﻬﺎ ﻓﻄﻨﺔ ﻣﺠﺮﺑﺔ ﻟﻸﻣﻮر ،ﻓﺎﻣﺘﺤﻨﺘﻬﺎ،
ﻓﻮﺟﺪﺗﻬﺎ ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﺣﺴﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﻓﺈذا دﺧﻞ اﻟﻐﻼم أﻓﺎﻗﺖ واﻟﺘﻤﺴﺖ ﺗﺄﻛﻞ ،ﻓﺄﺧﱪت أﺑﺎه،
ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔ! ﺛﻢ زوﱠﺟﻪ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄوﻗﻊ ﷲ ﺣﺒﻬﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺎ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﺣﺎل ﻣﺪة
وﻫﻮ ﻳﺄﻣﺮﻫﺎ أن ﺗﻜﻮن داﺋﻤً ﺎ ﻣﺘﺰﻳﻨﺔ ﻣﻄﻴﺒﺔ ،وﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :ﻻ أﺣﺐ أن أراك إﻻ ﻛﺬا ،ﻓﻠﻢ ﻳﺰاﻻ
ﻋﲆ ذﻟﻚ ،ﻓﻀﻌﻒ اﻟﺸﺎب ﻓﻤﺎت ،ﻓﻮﺟﺪت ﺑﻪ وﺟﺪًا ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﺰﻳﻦ ﺑﺄﻧﻮاع زﻳﻨﺘﻬﺎ
ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ وﺗﻤﴤ ،ﻓﺘﻤﻜﺚ ﻋﲆ ﻗﱪه ﺑﺎﻛﻴﺔ إﱃ اﻟﻐﺮوب! ﻗﺎل اﻷﺻﻤﻌﻲ :ﻣﺮرت أﻧﺎ وﺻﺎﺣﺐ
ﱄ ﺑﺎﻟﺠﺒﺎﻧﺔ ،ﻓﺮأﻳﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻬﺎ :ﻋﻼم ذا اﻟﺤﺰن اﻟﻄﻮﻳﻞ؟! ﻓﺄﻧﺸﺄت:
ﻓﻌﺠﺒﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ اﻧﺤﺰﻧﺎ ﻓﺠﻠﺴﻨﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﺮاﻧﺎ؛ ﻟﻨﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ،ﻓﺄﻧﺸﺄت:
ﺛﻢ اﻧﴫﻓﺖ ﻓﺘﺒﻌﻨﺎﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺌﻨﺎ إﱃ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻗﺎل :ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺑﺄﻋﺠﺐ
ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ،ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺑﺄﻣﺮ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﻓﻜﺘﺐ إﱃ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺒﴫة أن ﻳﻤﻬﺮﻫﺎ ﻋﴩة آﻻف درﻫﻢ،
ﻓﻔﻌﻞ ووﺟﻪ ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻪ وﻗﺪ أﻧﻬﻜﻬﺎ اﻟﺴﻘﻢ ،ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ ﺑﺎملﺪاﺋﻦ.
ﻗﺎل اﻷﺻﻤﻌﻲ :ﻓﻠﻢ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻣﺮة إﻻ ذرﻓﺖ ﻋﻴﻨﺎه.
749
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
»ﻟﻮﻳﺰا« ﻛﻮﻧﺘﺔ »أﻟﻴﻨﻲ« زوﺟﺔ آﺧﺮ رﺟﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ »ﺳﺘﻮرت« .وﻟﺪت ﰲ »ﻣﻨﺲ« ﻣﻦ
ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﺳﻨﺔ ١٧٥٣م ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٢٤م ،وﻫﻲ اﺑﻨﺔ اﻟﱪﻧﺲ »ﻏﺴﺘﺎﻗﻮس
أدوﻟﻐﻮس« .ﺗﺰوﺟﺖ ﺳﻨﺔ ١٧٧٢م ﺑ »ﺷﺎرل إدوارد ﺳﺘﻮرت« ﺣﻔﻴﺪ »ﺟﻤﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ«،
وﻛﺎن ﻳﺪﱠﻋﻲ ﺑﺤﻖ اﻟﺠﻠﻮس ﻋﲆ ﺗﺨﺖ ﻣﻠﻚ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،وﻳﻌﺮف ﺑﻜﻮﻧﺖ »أﻟﻴﻨﻲ«.
أﻣﻼ أن ﻳﻮﻟﺪ ﻟﻪ ﻣﻨﻬﺎ وارثوﻛﺎن أﻛﱪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺜﻼث وﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ً
ﴍﻋﻲ ﻟﺒﻴﺖ »ﺳﺘﻮرت« ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻨﺎﻇ ًﺮا ملﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰا ،إﻻ أﻧﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻔﻘﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﻓﺘﻴﻨﺔ ،ﻣﻬﺬﺑﺔ ،ﻋﺎﻗﻠﺔ ،وﻛﺎن ﻫﻮ ﻫﺮﻣً ﺎ ،ﺧﺸﻦ اﻟﻄﺒﺎع ،ﺳﻴﺊ اﻟﺨﻠﻖ 1 […] ،ﻓﻌﺎش
ﰲ »ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ« ،وﻫﻨﺎك ﺗﻌﺮﻓﺖ ﺑ »اﻟﻐﻴﺎري« اﻟﺸﺎﻋﺮ ،ﻓﺤﺼﻞ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪه اﻋﺘﺒﺎر ﻋﻈﻴﻢ،
ﻃﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺣﺮﻛﺘﻪ إﱃ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺗﺮاﺟﻴﺪﻳﺎﺗﻪ ،وﻟﻢ ﺗُﺘﱠﻬﻢ ً
ﻋﺸﻘﺎ ﻣﻔﺮ ً وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﻋﺸﻘﻬﺎ
ﻗﻂ ﺑﺨﻴﺎﻧﺔ زوﺟﻬﺎ ،إﻻ أن ﺷﺪة ﻓﻈﺎﻇﺘﻪ ﺣﻤﻠﺘﻬﺎ أﺧريًا ﻋﲆ ﺗﺮﻛﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﺠﺄت إﱃ دﻳﺮ ﰲ
ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ دﻳﺮ ﰲ روﻣﻴﺔ.
وﺳﻨﺔ ١٧٨٣م ،ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﻓﺴﺦ زواﺟﻬﺎ ﺑﺘﻮﺳﻂ »ﻏﺴﺘﺎﻗﻮس اﻟﺜﺎﻟﺚ« ،ﻣﻠﻚ أﺳﻮج،
وﺳﻌﻰ ﻟﻬﺎ »ﻏﺴﺘﺎﻗﻮس« املﺬﻛﻮر ﺑﻤُﺮﺗﱠﺐ ﻋﻴﻨﺘﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ،ﻏري أﻧﻪ ُﻗﻄﻊ
ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺣﺪوث اﻟﺜﻮرة ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺘني ﻣﻦ وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٧٨٨م،
ﴎا ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﰲ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﺳﻄﻮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﰲ املﺼﺎﻟﺢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺗﺰوﺟﺖ »اﻟﻐﻴﺎري« ٍّ
وﻧﻔﻮذ ﺑني أﻛﺎﺑﺮ رﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﻜﺎن »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن« ﻳﺨﺎﻓﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎة »اﻟﻐﻴﺎري« املﺬﻛﻮر
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﴫف ﻣﻌﻈﻢ وﻗﺘﻬﺎ ﰲ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ،وﻳﻘﺎل :إﻧﻪ ﺟﺮى ﻟﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻊ »ﻓﺮﻧﺴﻮا ﻛﺮاﻓﻴﻪ
ﻓﺎﻗﺮ« — وﻫﻮ ﻣﺼﻮر ﻓﺮﻧﺴﺎوي — ﻋﻼﺋﻖ ودادﻳﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ .وملﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ دﻓﻨﺖ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ
»ﺳﻨﺘﺎ ﻛﺮوﺗﺸﺎ« ﰲ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ،ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﱪ اﻟﺬي دﻓﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﻐﻴﺎري ،وأﻗﺎم ﻟﻬﺎ »ﻛﺎﻧﻮﻗﺎ«
ﻓﻮﻗﻪ ﻗﺒﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ.
750
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ
ﻫﻲ ﻟﻴﲆ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻨﺖ اﻟﺮﺣﺎل ﺑﻦ ﺷﺪاد ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،وﻫﻮ اﻷﺧﻴﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ
ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﺻﻌﺼﻌﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء املﺘﻘﺪﻣﺎت ﰲ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء اﻹﺳﻼم ،وﻛﺎن ﺗﻮﺑﺔ
ﺑﻦ اﻟﺤﻤري ﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ اﻟﺨﻔﺎﺟﻲ ﻳﻬﻮاﻫﺎ ،وﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﺨﻄﺒﻬﺎ إﱃ أﺑﻴﻬﺎ ،ﻓﺄﺑﻰ أن
ﻳﺰوﺟﻪ إﻳﺎﻫﺎ ،وزوﺟﻬﺎ ﰲ ﺑﻨﻲ اﻷدﻟﻊ ،ﻓﺠﺎء ﻳﻮﻣً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺠﻲء ﻟﺰﻳﺎرﺗﻬﺎ ﻓﺈذا ﻫﻲ ﺳﺎﻓﺮة،
وﻟﻢ ﻳﺮ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﺸﺎﺷﺔ ،ﻓﻌﻠﻢ أن ذﻟﻚ ﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﻛﺎن ،ﻓﺮﺟﻊ إﱃ راﺣﻠﺘﻪ ﻓﺮﻛﺒﻬﺎ وﻣﴣ،
وﺑﻠﻎ ﺑﻨﻲ اﻷدﻟﻊ أﻧﻪ أﺗﺎﻫﺎ ﻓﺘﺒﻌﻮه ،ﻓﻘﺎل ﺗﻮﺑﺔ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ املﺸﻬﻮرة؛ ﻫﻲ:
751
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
752
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﻗﻴﻞ :وﻛﺎن ﺗﻮﺑﺔ إذا أﺗﻰ ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﰲ ﺑﺮﻗﻊ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺷﻬﺮ أﻣﺮه ﺷﻜﻮه
إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﺄﺑﺎﺣﻬﻢ دﻣﻪ إن أﺗﺎﻫﻢ ،ﻓﻜﻤﻨﻮا ﻟﻪ ﰲ املﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻠﺘﻘﻴﻬﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﻋﻠﻤﺖ ﺑﻪ ﺧﺮﺟﺖ ﺳﺎﻓﺮة ﺣﺘﻰ ﺟﻠﺴﺖ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﺳﺎﻓﺮة ﻓﻄﻦ ملﺎ أرادت ،وﻋﻠﻢ
أﻧﻪ ﻗﺪ رﺻﺪ ،وأﻧﻬﺎ أﺳﻔﺮت ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺤﺬره ،ﻓﺮﻛﺾ ﻓﺮﺳﻪ ﻓﻨﺠﺎ؛ وذﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ:
أﻳﻀﺎ :إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻜﺜﺮ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ،ﻓﻌﺎﺗﺒﻪ أﺧﻮﻫﺎ اﻟﺒﻴﺖ املﺘﻘﺪم ﺿﻤﻦ اﻟﻘﺼﻴﺪة .وﻗﻴﻞ ً
وﻗﻮﻣﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺘﺐ ،وﺷﻜﻮه إﱃ ﻗﻮﻣﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻠﻊ ،ﻓﺘﻈﻠﻤﻮا ﻣﻨﻪ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﺄﻫﺪر دﻣﻪ إن
أﺗﺎﻫﻢ ،وﻋﻠﻤﺖ ﻟﻴﲆ ﺑﺬﻟﻚ ،وﺟﺎءﻫﺎ زوﺟﻬﺎ — وﻛﺎن ﻏﻴﻮ ًرا — ﻓﺤﻠﻒ ﻟﱧ ﻟﻢ ﺗُﻌﻠِﻤْ ﻪ ﺑﻤﺠﻴﺌﻪ
ﻟﻴَﻘﺘﻠﻨﱠﻬﺎ ،وﻟﱧ أﻧﺬرﺗﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻴﻘﺘﻠﻨﻬﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻴﲆ :وﻛﻨﺖ أﻋﺮف اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺬي ﻳﺠﻴﺌﻨﻲ ﻣﻨﻪ،
ﻓﺮﺻﺪوه ﺑﻤﻮﺿﻊ ،ورﺻﺪﺗﻪ ﺑﺂﺧﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻗﺒﻞ ﻟﻢ أﻗﺪر ﻋﲆ ﻛﻼﻣﻪ ﻟﻠﻴﻤني؛ ﻓﺴﻔﺮت وأﻟﻘﻴﺖ
اﻟﱪﻗﻊ ﻋﻦ رأﳼ ،ﻓﻠﻤﺎ رأى ذﻟﻚ أﻧﻜﺮه ،ﻓﺮﻛﺐ راﺣﻠﺘﻪ وﻣﴣ ،ﻓﻔﺎﺗﻬﻢ.
إﺑﻼ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ أوﺣﺶ وﺧﺮج ﻳﻮﻣً ﺎ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻛﻼب ﺛﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻟﺼﺤﻤﺔ ﻳﺒﺘﻐﻲ ً
وأرﻣﻞ ،ﺛﻢ أﻣﴗ ﺑﺄرض ﻓﻨﻈﺮ إﱃ ﺑﻴﺖ ﺑﺮاز ﻓﺄﻗﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﻧﺰل ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺰل اﻟﻀﻴﻒ ،ﻓﺄﺑﴫ
اﻣﺮأة وﺻﺒﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺪورون ﺑﺎﻟﺨﺒﺎء ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻠﻤﻪ أﺣﺪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ ﻫﺪأة ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﺳﻤﻊ
ﺟﺮﺟﺮة إﺑﻞ راﺋﺤﺔ ،وﺳﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮت رﺟﻞ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ ﻓﺄﻧﺎﺧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺖ ،ﺛﻢ ﺗﻘﺪم
ﻓﺴﻤﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻨﺎﺟﻲ املﺮأة وﻳﻘﻮل :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﻮاد ﺣﺬاءك؟ ﻗﺎﻟﺖ :راﻛﺐ أﻧﺎخ ﺑﻨﺎ ﺣني
ﻏﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ وﻟﻢ أﻛﻠﻤﻪ.
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻛﺬﺑﺖ ،ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ ﺑﻌﺾ ﺧﻼﻧﻚ! وﻧﻬﺾ ﻳﴬﺑﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﻨﺎﺷﺪه ،ﻗﺎل
ﻳﺄﺗﻲ ﺿﻴﻔﻚ ﻫﺬا ﻓﻴُﻐﻴﺜَﻚِ ! ﻓﻠﻤﺎ ﻋِ ﻴ َﻞ
َ اﻟﺮﺟﻞ :ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮل :وﷲ ﻻ أﺗﺮك ﴐﺑﻚ ﺣﺘﻰ
ﺻﱪُﻫﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻌري ،ﻳﺎ رﺟﻞ! وأﺧﺬ اﻟﺼﺤﻤﻲ ﻫﺮاوﺗﻪ ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻳﺤﴬ ﺣﺘﻰ
أﺗﺎﻫﺎ وﻫﻮ ﻳﴬﺑﻬﺎ ،ﻓﴬﺑﻪ ﺛﻼث ﴐﺑﺎت أو أرﺑﻌً ﺎ ،ﺛﻢ أدرﻛﺘﻪ املﺮأة ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ،
ﻣﺎ ﻟﻚ وﻟﻨﺎ؟! ﻧَﺢﱢ ﻋﻨﺎ َ
ﻧﻔﺴ َﻚ!
ﻓﺎﻧﴫف ﻓﺠﻠﺲ ﻋﲆ راﺣﻠﺘﻪ وأدﻟﺞ ﻟﻴﻠﺘﻪ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻇﻦ أﻧﻪ ﻗﺘﻞ اﻟﺮﺟﻞ وﻫﻮ ﻻ
ﻳﺪري ﻣﻦ اﻟﺤﻲ ﺑﻌ ُﺪ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﰲ أﺧﺒﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ورأى ﻏﻨﻤً ﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﺔ ﻣﻮﻟﺪة ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ
ﻋﻦ أﺷﻴﺎء ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺑﻬﺎ اﻟﺬﻛﺮ ،ﻓﻘﺎل :أﺧﱪﻳﻨﻲ ﻋﻦ أﻧﺎس وﺟﺪﺗﻬﻢ ﺑﺸﻌﺐ ﻛﺬا وﻛﺬا.
753
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻀﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻚ ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﳾء وأﻧﺖ ﺑﻪ ﻋﺎﻟﻢ! ﻓﻘﺎل :وﻣﺎ ذاك — هلل ﺑﻼدك؟!
ﻓﻮﷲ ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﻪ ﻋﺎﻟﻢ! ﻗﺎﻟﺖ :ذاك ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ،وﻫﻲ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺎس وﺟﻬً ﺎ ،وزوﺟﻬﺎ رﺟﻞ
ﻏﻴﻮر ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺰب ﺑﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻼ ﻳﺤﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻬﻢ ،وﷲ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺑﻬﺎ أﺣﺪ وﻻ ﻳﻀﻴﻔﻬﺎ؛
ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺰﻟﺖ أﻧﺖ ﺑﻬﺎ؟! ﻗﺎل :إﻧﻤﺎ ﻣﺮرت ﻓﻨﻈﺮت إﱃ اﻟﺨﺒﺎء وﻟﻢ أﻗﺮﺑﻪ ،وﻛﺘﻤﻬﺎ اﻷﻣﺮ،
ﻳﺪر ﻣﻦ ﻫﻮ ،ﻓﻠﻤﺎ
وﺗﺤﺪث اﻟﻨﺎس ﻋﻦ رﺟﻞ ﻧﺰل ﺑﻬﺎ ﻓﴬﺑﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﴬﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ وﻟﻢ ِ
أُ ِ
ﺧﱪ ﺑﺎﺳﻢ املﺮأة وأﻗ ﱠﺮ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻐﻨﱠﻰ ﺑﺸﻌﺮ د ﱠل ﻓﻴﻪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻘﺎل:
وﻛﺎن اﻟﺤﺠﺎج ﻳﻘﻮل ﻟﻠﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ :إن ﺷﺒﺎﺑﻚ ﻗﺪ ذﻫﺐ واﺿﻤﺤﻞ أﻣﺮك وأﻣﺮ ﺗﻮﺑﺔ،
ﻓﺄﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻚ إﻻ ﺻﺪﻗﺘﻨﻲ :ﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ رﻳﺒﺔ ﻗﻂ ،أو ﺧﺎﻃﺒﻚ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﻂ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
ﻻ وﷲ أﻳﻬﺎ اﻷﻣري ،إﻻ أﻧﻪ ﻗﺎل ﱄ ﻟﻴﻠﺔ وﻗﺪ ﺧﻠﻮﻧﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﻇﻨﻨﺖ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺧﻀﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺒﻌﺾ
اﻷﻣﺮ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ:
ﻓﻼ وﷲ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻨﻪ رﻳﺒﺔ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻓ ﱠﺮق ﺑﻴﻨﻨﺎ املﻮت ،ﻗﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎج :ﻓﻤﺎ
ﻛﺎن ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﺟﻪ ﺻﺎﺣﺒًﺎ ﻟﻪ إﱃ ﺣﴬﻧﺎ ﻓﻘﺎل :إذا أﺗﻴﺖ اﻟﺤﺎﴐ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ
ﻋﺒﺎدة ﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ؛ َﻓﺎﻋ ُﻞ ً
ﴍﻓﺎ ﺛﻢ اﻫﺘﻒ ﺑﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ:
ُ
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ُ
ﻋﺮﻓﺖ املﻌﻨﻰ ﻓﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﺮﺟﻞ ذﻟﻚ
754
ﺣﺮف اﻟﻼم
وﻟﻢ ﻳﺰل ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻓﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ املﻮت ،وﻣﺎت ﺗﻮﺑﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﺰوات؛ ﻗﺘﻠﻪ ﺑﻨﻮ
ﻋﻮف ﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ ،ﰲ ﺧﱪ ﻳﻄﻮل ﴍﺣﻪ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ٨٥ﻫﺠﺮﻳﺔ ،و ٦٩٥ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ
ٍ
ﺑﻤﺮاث ﻛﺜرية؛ ﻣﻨﻬﺎ: ﺑﻠﻎ ﺧﱪُ ﻗﺘﻠِﻪ ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ رﺛﺘﻪ
755
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻟ ﻄ ﻴ ﻒ ﻛ ﻄ ﻲ اﻟ ﺴ ﺐ ﻟ ﻴ ﺲ ﺑ ﺤ ﺎذر وﻟ ﻢ ﻳ ﺘ ﺠ ﻞ اﻟ ﺼ ﺒ ﺢ ﻋ ﻨ ﻪ وﺑ ﻄ ﻨ ﻪ
وﻟ ﻠ ﻄ ﺎرق اﻟ ﺴ ﺎري ﻗ ﺮى ﻏ ﻴ ﺮ ﻳ ﺎﺳ ﺮ ﻓ ﺘ ﻰ ﻛ ﺎن ﻟ ﻠ ﻤ ﻮﻟ ﻰ ﺳ ﻨ ﺎء ورﻓ ﻌ ﺔ
وﻟ ﻠ ﺤ ﺮب ﺗ ﺮﻣ ﻲ ﻧ ﺎرﻫ ﺎ ﺑ ﺎﻟ ﺸ ﺮاﺋ ﺮ وﻟ ﻢ ﻳ ﺪع ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻟ ﻠ ﺤ ﻔ ﺎظ وﻟ ﻠ ﻌ ﺪا
وﻟ ﻠ ﺨ ﻴ ﻞ ﺗ ﻌ ﺪو ﺑ ﺎﻟ ﻜ ﻤ ﺎة اﻟ ﻤ ﺴ ﺎﻋ ﺮ وﻟ ﻠ ﺒ ﺎزل اﻟ ﻜ ﻮﻣ ﺎء ﻳ ﺮﻏ ﻮ ﺧ ﻮارﻫ ﺎ
ﻗ ﻼص ﻟ ﺬي ﺑ ٍﺄو ﻣ ﻦ اﻷرض ﻏ ﺎﺑ ﺮ ﻛ ﺄن ﻟ ﻢ ﺗ ﻜ ﻦ ﺗ ﻘ ﻄ ﻊ ﻓ ﻼة وﻟ ﻢ ﺗ ﻨ ﺦ
ﺻﺮﻳﻒ ﺧﻄﺎﻃﻴﻒ اﻟﻤﺪى ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﺮ وﻳ ﺼ ﺒ ﺢ ﺑ ﻤ ﻮﻣ ﺎة ﻛ ﺄن ﺻ ﺮﻳ ﻔ ﻬ ﺎ
ﺑ ﻨ ﺎ أﺟ ﻬ ﻠ ﻮﻫ ﺎ ﺑ ﻴ ﻦ ﻏ ٍﺎو وﺷ ﺎﻋ ﺮ ﻃ ﻮت ﻧ ﻔ ﻌ ﻬ ﺎ ﻋ ﻨ ﺎ ﻛ ﻼب وأﺛ ﺮت
ﻟ ﻤ ﺎ ﻷﺧ ﻴ ﻨ ﺎ ﻋ ﺎﺋ ًﺸ ﺎ ﻏ ﻴ ﺮ ﻋ ﺎﺛ ﺮ وﻗ ﺪ ﻛ ﺎن ﺣ ٍّﻘ ﺎ أن ﺗ ﻘ ﻮل ﺳ ﺮاﺗ ﻬ ﻢ
ﺗ ﺨ ﻄ ﻴ ﺘ ﻬ ﺎ ﺑ ﺎﻟ ﻨ ﺎﻋ ﺠ ﺎت اﻟ ﻀ ﻮاﻣ ﺮ ودوﻳ ﺔ ﻗ ﻔ ﺮ ﻳ ﺤ ﺎرﺑ ﻬ ﺎ اﻟ ﻘ ﻄ ﺎ
ﻋ ﻠ ﻰ ﻣ ﺜ ﻠ ﻪ إﺣ ﺪى اﻟ ﻠ ﻴ ﺎﻟ ﻲ اﻟ ﻐ ﻮاﺑ ﺮ ﻓ ﺘ ﺎﻟ ﻠ ﻪ ﺗ ﺒ ﻨ ﻲ ﺑ ﻴ ﺘ ﻬ ﺎ أم ﻋ ﺎﺻ ﻢ
ﺑ ﻐ ﺎز وﻻ ﻏ ﺎدٍ ﺑ ﺮﻛ ﺐ ﻣ ﻤ ﺎﻗ ﺮ ﻓ ﻠ ﻴ ﺲ ﺷ ﻬ ﺎب اﻟ ﺤ ﺮب ﺗ ﻮﺑ ﺔ ﺑ ﻌ ﺪﻫ ﺎ
اﻟ ﻠ ﺴ ﺎن وﻣ ﺪﻻج اﻟ ﺴ ﺮى ﻏ ﻴ ﺮ ﻓ ﺎﺗ ﺮ وﻗ ﺪ ﻛ ﺎن ﻃ ﻼع اﻟ ﻨ ﺠ ﺎد وﺑ ﻴ ﻦ
وﺳ ﺎﺋ ﻖ أو ﻣ ﻐ ﺒ ﻮﻃ ﺔ ﻟ ﻢ ﻳ ﻐ ﺎدر وﻗ ﺪ ﻛ ﺎن ﻗ ﺒ ﻞ اﻟ ﺤ ﺎدﺛ ﺎت إذا اﻧ ﺘ ﺤ ﻰ
دﻋ ﺎك وﻟ ﻢ ﻳ ﻌ ﺪل ﺳ ﻮاك ﺑ ﻨ ﺎﺻ ﺮ وﻛ ﻨ ﺖ إذا ﻣ ﻮﻻك ﺧ ﺎف ﻇ ﻼﻣ ﺔ
وآب ﺑ ﺄﺳ ﻼب اﻟ ﻜ ﻤ ﱢﻲ اﻟ ﻤ ﻐ ﺎور ﻓ ﺈن ﻳ ﻚ ﻋ ﺒ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ آﺳ ﻰ اﺑ ﻦ أﻣ ﻪ
ﺳ ﺒ ﺎﻋً ﺎ وﻗ ﺪ أﻟ ﻘ ﻴ ﺘ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟ ﺤ ﻮاﺟ ﺮ ﻓ ﻜ ﺎن ﻛ ﺬات اﻟ ﺒ ﱢﻮ ﺗ ﻀ ﺮب ﻋ ﻨ ﺪه
وأﻧ ﱠ ﻰ ﻟ ﺤ ﻲ ﻏ ﺪر ﻣَ ﻦ ﻓ ﻲ اﻟ ﻤ ﻘ ﺎﺑ ﺮ ﻓ ﺈن ﺗ ﻚ ﻗ ﺪ ﻓ ﺎرﻗ ﺘ ﻪ ﻟ ﻚ ﻏ ﺎد ًرا
وأﺣ ﻔ ﻞ ﻣ ﻦ ﻧ ﺎﻟ ﺖ ﺻ ﺮوف اﻟ ﻤ ﻘ ﺎدر ﻓ ﺄﻗ ﺴ ﻤ ﺖ أﺑ ﻜ ﻲ ﺑ ﻌ ﺪ ﺗ ﻮﺑ ﺔ ﻫ ﺎﻟ ًﻜ ﺎ
ﻟ ﺘ ﺒ ﻜ ﻲ اﻟ ﺒ ﻮاﻛ ﻲ أو ﻟ ﺒ ﺸ ﺮ ﺑ ﻦ ﻋ ﺎﻣ ﺮ ﻋ ﻠ ﻰ ﻣ ﺜ ﻞ ﻫ ﻤ ﺎم وﻻﺑ ﻦ ﻣ ﻄ ﺮف
ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺪ ﺛﻢ اﺳﺘﻮﺛﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر ﻏ ﻼﻣ ﺎن ﻛ ﺎن اﺳ ﺘ ﻮردا ﻛ ﻞ ﺳ ﻮرة
ﻋ ﻠ ﻰ ﻛ ﻞ ﻣ ﻐ ﻤ ﻮر ﺗ ﺮاه وﻏ ﺎﻣ ﺮ رﺑ ﻴ ﻌ ﻲ ﺣ ﻴ ﺎ ﻛ ﺎﻧ ﺎ ﻳ ﻔ ﻴ ﺾ ﻧ ﺪاﻫ ﻤ ﺎ
ﺳ ﻨ ﺎ اﻟ ﺒ ﺮق ﻳ ﺒ ﺪو ﻟ ﻠ ﻌ ﻴ ﻮن اﻟ ﻨ ﻮاﻇ ﺮ ﻛ ﺄن ﺳ ﻨ ﺎ ﺑ ﺎرﻳ ﻬ ﻤ ﺎ ﻛ ﻞ ﺷ ﺘ ﻮة
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
ﺑ ﺴ ﺢﱟ ﻛ ﻔ ﻴ ﺾ اﻟ ﺠ ﺪول اﻟ ﻤ ﺘ ﻔ ﺠ ﺮ أﻳ ﺎ ﻋ ﻴ ﻦ ﺑ ﻜ ﻲ ﺗ ﻮﺑ ﺔ ﺑ ﻦ اﻟ ﺤ ﻤ ﻴ ﺮ
ﺑ ﻤ ﺎء ﺷ ﺌ ﻮن اﻟ ﻌ ﺒ ﺮة اﻟ ﻤ ﺘ ﺤ ﺪر ﻟ ﺘ ﺒ ﻚ ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺧ ﻔ ﺎﺟ ﺔ ﻧ ﺴ ﻮة
وﻻ ﻳ ﺒ ﻌ ﺚ اﻷﺣ ﺰان ﻣ ﺜ ﻞ اﻟ ﺘ ﺬﻛ ﺮ ﺳ ﻤ ﻌ ﺖ ﺑ ﻬ ﻴ ﺠً ﺎ أرﻫ ﻘ ﺖ ﻓ ﺬﻛ ﺮﻧ ﻪ
756
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﺑ ﻨ ﺠ ﺪ وﻟ ﻢ ﻳ ﻄ ﻠ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟ ﻤ ﺘ ﻐ ﻮر ﻛ ﺄن ﻓ ﺘ ﻰ اﻟ ﻔ ﺘ ﻴ ﺎن ﺗ ﻮﺑ ﺔ ﻟ ﻢ ﻳ ﺴ ﺮ
ﺳﻨﺎ اﻟﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺑﺎدي اﻟﺤﻮاﺷﻲ ﻣﻨﻮر وﻟ ﻢ ﻳ ﺮد اﻟ ﻤ ﺎء اﻟ ﺴ ﺪام إذا ﺑ ﺪا
ـ ﺠ ﻔ ﺎن ﺳ ﺪﻳ ًﻔ ﺎ ﻳ ﻮم ﻧ ﻜ ﺒ ﺎء ﺻ ﺮﺻ ﺮ وﻟﻢ ﻳﻐﻠﺐ اﻟﺨﺼﻢ اﻟﻀﺤﺎح وﻳﻤﻸ اﻟـ
ﺑ ﺴ ﺒ ﺮة ﺑ ﻴ ﻦ اﻷﺷ ﻤ ﺴ ﺎت ﻗ ﻴ ﺎﺻ ﺮ وﻟ ﻢ ﻳ ﻌ ﻞ ﺑ ﺎﻟ ﺠ ﺮد اﻟ ﺠ ﻴ ﺎد ﻳ ﻘ ﻮدﻫ ﺎ
ﻗ ﻄ ﻌ ﺖ ﻋ ﻠ ﻰ ﻫ ﻮل اﻟ ﺠ ﻨ ﺎن ﺑ ﻤ ﻨ ﺴ ﺮ وﺻ ﺤ ﺮاء ﻣ ﻮﻣ ﺎة ﻳ ﺤ ﺎرﺑ ﻬ ﺎ اﻟ ﻘ ﻄ ﺎ
ﺳ ﺮاﻫ ﻢ وﺳ ﻴ ًﺮا ﻟ ﺮاﻛ ﺐ اﻟ ﻤ ﺘ ﻬ ﺠ ﺮ ﻳ ﻘ ﻮدون ﻗ ﺒٍّ ﺎ ﻛ ﺎﻟ ﺴ ﺮاﺣ ﻴ ﻦ ﻻﺣ ﻬ ﺎ
ﻣ ﺠ ﺎج ﺑ ﻘ ﻴ ﺎت اﻟ ﻤ ﺰاد اﻟ ﻤ ﻘ ﺒ ﺮ ﻓ ﻠ ﻤ ﺎ ﺑ ﺪت أرض اﻟ ﻌ ﺪو ﺳ ﻘ ﻴ ﺘ ﻬ ﺎ
ﺑ ﺨ ﺎﻃ ﻲ اﻟ ﺒ ﻀ ﻴ ﻊ ﻛ ﺮة ﻏ ﻴ ﺮ أﻋ ﺴ ﺮ وﻟ ﻤ ﺎ أﻫ ﺎﺑ ﻮا ﺑ ﺎﻟ ﻨ ﻬ ﺎب ﺣ ﻮﻳ ﺘ ﻬ ﺎ
إذا ﻣ ﺎ وﻧ ﻴ ﻦ ﻣ ﻬ ﻠ ﺐ اﻟ ﺸ ﺪ ﻣ ﺤ ﻀ ﺮ ﻳ ﻤ ﺮ ﻛ ﻜ ﺮ اﻷﻧ ﺪري ﻣ ﺜ ﺎﺑ ﺮ
ﺻ ﻼﺻ ﻞ ﺑ ﻴ ﺾ ﺳ ﺎﺑ ﻎ وﺳ ﻨ ﻮر ﻓ ﺄﻟ ﻮت ﻋ ﻨ ﺎق ﻃ ﻮال وراﻋ ﻬ ﺎ
ﻓ ﻴ ﻈ ﻬ ﺮ ﺟ ﺪ اﻟ ﻌ ﺒ ﺪ ﻣ ﻦ ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﻈ ﻬ ﺮ أﻟ ﻢ ﺗ ﺮ أن اﻟ ﻌ ﺒ ﺪ ﻳ ﻘ ﺘ ﻞ رﺑ ﻪ
إذا اﻟ ﺨ ﻴ ﻞ ﺟ ﺎﻟ ﺖ ﻓ ﻲ ﻗ ﻨ ﺎ ﻣ ﺘ ﻜ ﺴ ﺮ ﻗ ﺘ ﻠ ﺘ ﻢ ﻓ ﺘ ﻰ ﻻ ﻳ ﺴ ﻘ ﻂ اﻟ ﺮوع رﻣ ﺤ ﻪ
وﻳ ﺎ ﺗ ﻮب ﻟ ﻠ ﻤ ﺴ ﺘ ﻨ ﺞ اﻟ ﻤ ﺘ ﻨ ﻮر ﻓ ﻴ ﺎ ﺗ ﻮب ﻟ ﻠ ﻬ ﻴ ﺠ ﺎ وﻳ ﺎ ﺗ ﻮب ﻟ ﻠ ﻨ ﺪا
ﺑ ﺬﻟ ﺖ وﻣ ﻌ ﺮوف ﻟ ﺪﻳ ﻚ وﻣ ﻨ ﻜ ﺮ أﻻ رب ﻣ ﻜ ﺮوب أﺟ ﺒ ﺖ وﻧ ﺎﺋ ﻞ
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ:
757
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻳﺮوى:
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ:
ﻳ ﺎ ﺗ ﻮب ﻟ ﻠ ﻀ ﻴ ﻒ إذ ﺗ ﺪﻋ ﻰ وﻟ ﻠ ﺠ ﺎر ﻛ ﻢ ﻫ ﺎﺗ ﻒ ﺑ ﻚ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎكٍ وﺑ ﺎﻛ ﻴ ﺔ
وﺑ ﺪﻟ ﻮا اﻷﻣ ﺮ ﻧ ﻘ ًﻀ ﺎ ﺑ ﻌ ﺪ إﻣ ﺮار وﺗﻮب ﻟﻠﺨﺼﻢ إن ﺟﺎروا وإن ﻋﻨﺪوا
أو ﻳ ﻮردوا اﻷﻣ ﺮ ﺗ ﺤ ﻠ ﻠ ﻪ ﺑ ﺈﺻ ﺪار إن ﻳ ﺼ ﺪروا اﻷﻣ ﺮ ﺗ ﻄ ﻠ ﻌ ﻪ ﻣ ﻮارده
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ:
وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺮﺛﻴﻪ:
وﻣﺎ ﻗﺎﺑﺾ إذا ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﺑﻨﺠﻴﺐ دﻋﺎ ﻗﺎﺑ ًﻀﺎ واﻟﻤﻮت ﻳﺨﻔﻖ ﻇﻠﻪ
وﻟﻮ ﺷﺎء ﻧﺠﱠ ﻰ ﻳﻮم ذاك ﺣﺒﻴﺒﻲ وآﺳ ﻰ ﻋ ﺒ ﻴ ﺪ اﻟ ﻠ ﻪ ﺛ ﻢ اﺑ ﻦ أﻣ ﻪ
758
ﺣﺮف اﻟﻼم
وﺳﺄل ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﻮﺑﺔ ﺑﻦ اﻟﺤﻤري ﻓﻘﺎل :وﻳﺤﻚ
ﻳﺎ ﻟﻴﲆ! أﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺎس ﻛﺎن ﺗﻮﺑﺔ؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺎس
ﺣﻘﺎ ،واﻟﻨﺎس ﺷﺠﺮة ﺑﻐﻲ ﻳﺤﺴﺪون أﻫﻞ اﻟﻨﻌﻢ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ،وﻋﲆ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ٍّ
ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ﺳﺒﻂ اﻟﺒﻨﺎن ،ﺣﺪﻳﺪ اﻟﻠﺴﺎن ،ﺷﺠً ﺎ ﻟﻸﻗﺮان ،ﻛﺮﻳﻢ املﺨﺘﱪ ،ﻋﻔﻴﻒ املﺌﺰر،
ﻗﻠﺖ — وﻟﻢﺟﻤﻴﻞ املﻨﻈﺮ ،وﻫﻮ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ،ﻗﺎل :وﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖُ :
أﺗﻌ ﱠﺪ اﻟﺤﻖ وﻋﻠﻤﻲ ﻓﻴﻪ:
أﻟ ﺪ ﻣ ﻠ ﺪ ﻳ ﻐ ﻠ ﺐ اﻟ ﺤ ﻖ ﺑ ﺎﻃ ﻠ ﻪ ﺑ ﻌ ﻴ ﺪ اﻟ ﺜ ﺮى ﻻ ﻳ ﺒ ﻠ ﻎ اﻟ ﻘ ﻮم ﻗ ﻔ ﺮه
ﻟ ﻴ ﻤ ﻨ ﻌ ﻬ ﻢ ﻣ ﻤ ﺎ ﺗ ﺨ ﺎف ﻧ ﻮازﻟ ﻪ إذا ﺣ ﱠﻞ ر ْﻛ ﺐٌ ﻓ ﻲ ذراه وﻇ ﻠ ﻪ
ﻳ ﺨ ﺎﻓ ﻮن ﺣ ﺘ ﻰ ﺗ ﻤ ﻮت ﺧ ﺼ ﺎﺋ ﻠ ﻪ ﺣﻤﺎﻫﻢ ﺑﻨﺼﻞ اﻟﺴﻴﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺎدح
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ :وﻳﺤﻚ ،ﻳﺰﻋﻢ اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺎﻫ ًﺮا ﺧﺎرﺑًﺎ؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ
ً
ارﺗﺠﺎﻻ:
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ :وﻳﺤﻚ ﻳﺎ ﻟﻴﲆ ،ﻟﻘﺪ ﺟﺰت ﺑﺘﻮﺑﺔ ﻗﺪره! ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني
ﻟﻮ رأﻳﺘﻪ وﺧﱪﺗﻪ ﻟﻌﺮﻓﺖ أﻧﻲ ﻣﻘﴫة ﰲ ﻧﻌﺘﻪ ،وأﻧﻲ ﻻ أﺑﻠﻎ ﻛﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻫﻠﻪ! ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ
ﻣﻌﺎوﻳﺔ :ﻣﻦ أي اﻟﺮﺟﺎل ﻛﺎن؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
759
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻋﻈﻴﻤﺔ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﺧﱪﻳﻨﻲ ﺑﺄﺟﻮد ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ
أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ واﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﺼﺎل اﻟﺨري أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻘﺪ أﺟﺪت
ﺣني ﻗﻠﺖ:
ﺟﺎﻟﺴﺎ؛ إذ اﺳﺘﺆذن ﻟﻠﻴﲆ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺠﺎج :وأي ﻟﻴﲆ؟! ﻗﻴﻞ:ً ﻗﻴﻞ :وﻛﺎن اﻟﺤﺠﺎج
اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ،ﻗﺎل :أدﺧﻠﻮﻫﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻣﺮأة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،دﻋﺠﺎء اﻟﻌﻴﻨني ،ﺣﺴﻨﺔ املﺸﻴﺔ ،ﻓﺴﻠﻤﺖ،
ﻓﺮد اﻟﺤﺠﺎج ﻋﻠﻴﻬﺎ ورﺣﺐ ﺑﻬﺎ ،وأﻣﺮ اﻟﻐﻼم ﻓﻮﺿﻊ ﻟﻬﺎ وﺳﺎدة ﻓﺠﻠﺴﺖ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ أﻗﺪﻣﻚ؟!
ﻟﺤﻘﻪ ،واﻟﺘﻌﺮض ملﻌﺮوﻓﻪ ،ﻗﺎل :وﻛﻴﻒ ﺧﻠﻔﺖ ﻗﻮﻣﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :اﻟﺴﻼم ﻋﲆ اﻷﻣري ،واﻟﻘﻀﺎء ﱢ
ﻗﺎﻟﺖ :ﺗﺮﻛﺘﻬﻢ ﰲ ﺣﺎل ﺧﺼﺐ وأﻣﻦ ودﻋﺔ .أﻣﺎ اﻟﺨﺼﺐ ﻓﻔﻲ اﻷﻣﻮال ،وأﻣﺎ اﻷﻣﻦ ﻓﻘﺪ أﻣﻨﻬﻢ
ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﺑﻚ ،وأﻣﺎ اﻟﺪﻋﺔ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻣﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺧﻮﻓﻚ ﻣﺎ أﺻﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﻢ! ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :أﻻ
أﻧﺸﺪك؟ ﻗﺎل :إن ﺷﺌﺖ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
760
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﻟﻴﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ :هلل ﺑﻼدﻫﺎ! ﻣﺎ أﺷﻌﺮﻫﺎ! ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﻢ :أﺗﺪرون ﻣﻦ ﻫﺬه؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻻ ،وﷲ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ اﻣﺮأة أﻓﺼﺢ وﻻ أﺑﻠﻎ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻻ أﺣﺴﻦ
إﻧﺸﺎدًا ،ﻗﺎل :ﻫﺬه ﻟﻴﲆ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺗﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أي اﻟﻨﺴﺎء ﺗﺨﺘﺎرﻳﻦ أن ﺗﻨﺰﱄ ﻋﻨﺪﻫﺎ؟
ﻬﻦ ﱄ ،ﻓﺴﻤﱠ ﺎﻫﻦ ،ﻓﺎﺧﺘﺎرت ﻫﻨﺪ ﺑﻨﺖ أﺳﻤﺎء ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺼﺒﱠﺖ ﻫﻨﺪ ﺣﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﺳﻤﱢ ﱠ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﺛﻘﻠﺘﻬﺎ ﻻﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ إﻳﺎﻫﺎ ،ودﺧﻮﻟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ دون ﺳﻮاﻫﺎ ،وملﺎ ﻛﺎن اﻟﺼﺒﺎح ﻗﺎل
اﻟﺤﺠﺎج ﻟﻌﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﻣﻮﻫﺐ — ﺣﺎﺟﺒﻪُ :ﻣ ْﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺨﻤﺴﻤﺎﺋﺔ درﻫﻢ ،واﻛﺴﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ أﺛﻮاب؛
أﺣﺪﻫﺎ ﺧ ﱞﺰ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :أﺻﻠﺢ ﷲ اﻷﻣري ،ﻗﺪ أﴐﱠ ﺑﻨﺎ اﻟﻌﺮﻳﻒ ﰲ اﻟﺼﺪﻗﺔ ،وﻗﺪ ﺧﺮﺑﺖ
ﺑﻼدﻧﺎ ،واﻧﻜﴪت ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،ﻓﺄﺧﺬ ﺧﻴﺎر املﺎل ،ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺠﺎج :اﻛﺘﺒﻮا إﱃ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ
ﺑﻌﺰل اﻟﻌﺮﻳﻒ اﻟﺬي ﺷﻜﺘﻪ.
وﻗﻴﻞ :إن ﻟﻴﲆ ملﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺎج ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﻏﻼم إذا ﻫﺰ اﻟﻘﻨﺎة ﺳﻘﺎﻫﺎ ،ﻗﺎل ﻟﻬﺎ:
ﻻ ﺗﻘﻮﱄ »ﻏﻼم« وﻗﻮﱄ »ﻫﻤﺎم« ،ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺎﺋﺘني ﻓﻘﺎﻟﺖ :زدﻧﻲ! ﻓﻘﺎل :اﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ،
ﻓﻘﺎل ﺑﻌﺾ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ :إﻧﻬﺎ ﻏﻨﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :اﻷﻣري أﻛﺮم ﻣﻦ ذﻟﻚ وأﻋﻈﻢ ﻗﺪ ًرا ﻣﻦ أن ﻳﺄﻣﺮ ﱄ إﻻ
ﺑﺎﻹﺑﻞ! ﻗﺎل :ﻓﺎﺳﺘﺤﻰ وأﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺑﻌري ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن أﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﻐﻨﻢ ﻻ إﺑﻞ!
وﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺟﺎﻟﺲ ﻳﻮﻣً ﺎ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻵذن ﻓﻘﺎل :أﺻﻠﺢ ﷲ اﻷﻣري،
ﺑﺎﻟﺒﺎب اﻣﺮأة ﺗﻬﺪر ﻛﻤﺎ ﻳﻬﺪر اﻟﺒﻌري ،ﻗﺎل :أدﺧﻠﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ اﺳﺘﻨﺴﺒﻬﺎ ﻓﺎﻧﺘﺴﺒﺖ ﻟﻪ،
ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ أﺗﻰ ﺑﻚ ﻳﺎ ﻟﻴﲆ؟ ﻗﺎﻟﺖ :إﺧﻼف اﻟﻨﺠﻮم ،وﻛﻠﺐ اﻟﱪد ،وﺷﺪة اﻟﺠﻬﺪ ،وﻛﻨﺖ ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪ
ﷲ املﺮدﱠ! ﻗﺎل :ﻓﺄﺧﱪﻳﻨﻲ ﻋﻦ اﻷرض ،ﻗﺎﻟﺖ :اﻷرض ﻣﻘﺸﻌﺮة ،واﻟﻔﺠﺎج ﻣﻐﱪة ،وذو اﻟﻐﻨﻰ
ﻣﺨﺘﻞ ،وذو اﻟﺤﺪ ﻣﻨﻔﻞ! ﻗﺎل :وﻣﺎ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ؟! ﻗﺎﻟﺖ :أﺻﺎﺑﺘﻨﺎ ﺳﻨﻮن ﻣﺠﺤﻔﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻟﻢ
ﺗﺒﻖ ﻋﺎﻓﻄﺔ وﻻ ﻧﺎﻓﻄﺔ ،ﻓﻘﺪ أﻫﻠﻜﺖ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻣ ﱠﺰﻗﺖ اﻟﻌﻴﺎل، ً
ﻓﺼﻴﻼ وﻻ رﺑﻌً ﺎ ،وﻟﻢ ِ ﺗﺪع ﻟﻨﺎ
وأﻓﺴﺪت اﻷﻣﻮال! ﺛﻢ أﻧﺸﺪﺗﻪ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﻣﺘﻘﺪﻣً ﺎ ،وﻗﺎل ﰲ اﻟﺨﱪ :ﻗﺎل اﻟﺤﺠﺎج:
ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
761
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﻟﻴﲆ ،أﻧﺸﺪﻳﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮك ﰲ ﺗﻮﺑﺔ ،ﻓﺄﻧﺸﺪﺗﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ :ﻟﻌﻤﺮك ﻣﺎ
ﺑﺎملﻮت ﻋﺎ ٌر ﻋﲆ اﻟﻔﺘﻰ — اﻟﻘﺼﻴﺪة — ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺠﺎج ﻟﺤﺎﺟﺒﻪ :اذﻫﺐ ﻓﺎﻗﻄﻊ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ! ﻓﺪﻋﺎ
ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎم ﻟﻴﻘﻄﻊ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ! ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﻳﻠﻚ! إﻧﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﻚ اﻷﻣري :اﻗﻄﻊ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻠﺔ
واﻟﻌﻄﺎء! ﻓﺎرﺟﻊ إﻟﻴﻪ واﺳﺘﺄذﻧﻪ ،ﻓﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ ﻓﺎﺳﺘﺄﻣﺮه ،ﻓﺎﺳﺘﺸﺎط ﻋﻠﻴﻪ وﻫ ﱠﻢ ﺑﻘﻄﻊ ﻟﺴﺎﻧﻪ،
ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻛﺎد — وﻋﻬﺪ ﷲ — ﻳﻘﻄﻊ ﻣﻘﻮﱄ ،وأﻧﺸﺪﺗﻪ:
إﻻ اﻟ ﺨ ﻠ ﻴ ﻔ ُﺔ واﻟ ُﻤ ﺴ ﺘ ْﻐ َﻔ ﺮ اﻟ ﺼ ﻤ ﺪ ﺣ ﺠ ﺎج أﻧ ﺖ اﻟ ﺬي ﻻ ﻓ ﻮﻗ ﻪ أﺣ ﺪ
وأﻧ ﺖ ﻟ ﻠ ﻨ ﺎس ﻓ ﻲ اﻟ ﺪاﺟ ﻲ ﻟ ﻨ ﺎ ﻧ ﻘ ﺪ ﺣﺠﺎج أﻧﺖ ﺳﻨﺎن اﻟﺤﺮب إن ﺑﻬﺠﺖ
ودﺧﻞ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻋﲆ زوﺟﺘﻪ ﻋﺎﺗﻜﺔ ﺑﻨﺖ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،ﻓﺮأى ﻋﻨﺪﻫﺎ
اﻣﺮأة ﺑﺪوﻳﺔ أﻧﻜﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣَ ﻦ أﻧﺖ؟! ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻧﺎ اﻟﻮاﻟﻬﺔ اﻟﺤﺮي ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ،ﻗﺎل:
أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻟني:
ﺣ ﻴ ﺎض اﻟ ﻨ ﺪى زﻟ ﺖ ﺑ ﻬ ﻦ اﻟ ﻤ ﺮاﺗ ﺐ أرﻳ ﻘ ﺖ ﺟ ﻔ ﺎن اﺑ ﻦ اﻟ ﺨ ﻠ ﻴ ﻊ ﻓ ﺄﺻ ﺒ ﺤ ﺖ
ﻛﻤﺎ اﻧﻘﺾ ﻋﺮش اﻟﺒﺌﺮ واﻟﻮرد ﻋﺎﺻﺐ ﻓ ﻠ ﻬ ﻰ وﻋ ﻔ ﻰ ﺑ ﻄ ﻦ ﻗ ﻮدي وﺣ ﻮﻟ ﻪ
ﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺎ اﻟﺘﻲ أﻗﻮل ذﻟﻚ ،ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ أﺑﻘﻴﺖ ﻟﻨﺎ؟! ﻗﺎﻟﺖ :اﻟﺬي أﺑﻘﺎه ﷲ ﻟﻚ! ﻗﺎل:
ً
وﻋﻴﺸﺎ رﺧﻴٍّﺎ ،واﻣﺮأة ﻣﻄﺎﻋﺔ! ﻗﺎل :أﻓﺮدﺗﻪ ﺑﺎﻟﻜﺮم! ﻗﺎﻟﺖ: وﻣﺎ ذاك؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﺴﺒًﺎ ﻗﺮﺷﻴٍّﺎ،
أﻓﺮدﺗﻪ ﺑﻤﺎ أﻓﺮده ﷲ ﺑﻪ.
ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺗﻜﺔ :إﻧﻤﺎ ﺟﺎءت ﺗﺴﺘﻌني ﺑﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﰲ ﻋني ﺗﺴﻘﻴﻬﺎ وﺗﺤﻤﻴﻬﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻟﺴﺖ
ﻟﻴﺰﻳﺪ إن ﺷﻔﻌﺘﻬﺎ ﰲ ﺷﺘﻰ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ؛ ﻟﺘﻘﺪﻳﻤﻬﺎ أﻋﺮاﺑﻴٍّﺎ ً
ﺟﻠﻔﺎ ﻋﲆ أﻣري املﺆﻣﻨني! ﻓﻮﺛﺒﺖ
ﻟﻴﲆ ﻋﲆ رﺟﻠﻬﺎ واﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻘﻮل:
762
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﺗَ ُﻐ ﱡﺬ اﻟ ﺴ ﻴ ﺮ ﻟ ﻠ ﺒ ﻠ ﺪ اﻟ ﺘ ﻬ ﺎﻣ ﻲ ﻣ ﻌ ﺎذ اﻟ ﻠ ﻪ ﻣ ﺎ ﻋ ﺴ ﻔ ﺖ ﺑ ﺮﺣ ﻠ ﻲ
ﺑ ﺈﻣ ﺮﺗ ﻪ وأوﻟ ﻰ ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﺜ ﺎم أﻗ ﻠ ﺖ ﺧ ﻠ ﻴ ﻔ ﺔ ﻓ ﺴ ﻮاه أﺣ ﺠ ﻰ
ذوو اﻷﺧﻄﺎر واﻟﺨﻄﻂ اﻟﺠﺴﺎم ﻟ ﺜ ﺎم اﻟ ﻤ ﻠ ﻚ ﺣ ﻴ ﻦ ﺗ ﻌ ﱡﺪ ﺑ ْﻜ ٌﺮ
ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ :أي اﻟﻜﻌﺒني ﻋﻨﻴﺖ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ إﺧﺎل ﻛﻌﺒًﺎ ﻛﻜﻌﺒﻲ.
وﻗﻴﻞ :إن ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان وﻗﺪ أﺳﻨﱠﺖ وﻋﺠﺰت ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ:
ﻣﺎ رأى ﺗﻮﺑﺔ ﻓﻴﻚ ﺣني ﻫﻮﻳﻚ؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ رآه اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻚ ﺣني و ﱡﻟﻮك ،ﻓﻀﺤﻚ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ
ﺣﺘﻰ ﺑﺪت ﻟﻪ ﺳﻦ ﺳﻮداء ﻛﺎن ﻳﺨﻔﻴﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﻘﺎل
ﻗﻠﺖ إﻻ ٍّ
ﺣﻘﺎ، ﻟﻬﺎ :وﻳﺤﻚ ﻳﺎ ﻟﻴﲆ! ﺑﺎﻟﻐﺖ ﰲ ﻧﻌﺖ ﺗﻮﺑﺔ! ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺻﻠﺢ ﷲ اﻷﻣري ،وﷲ ﻣﺎ ُ
ً رﺟﻼ ﻗﻂ ﻛﺎن أرﺑﻂ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ املﻮت ً
ﺟﺄﺷﺎ ،وﻻ أﻗ ﱠﻞ إﻳﺤﺎﺷﺎ ﻳﺤﺘﺪم ﻗﴫت وﻣﺎ رأﻳﺖ ً وﻟﻘﺪ ﱠ
ﺣني ﻳﺮى اﻟﺤﺮب ،وﻳﺤﻤﻰ اﻟﻮﻃﻴﺲ ﺑﺎﻟﴬب ،ﻓﻜﺎن وﻋﻬﺪ ﷲ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ:
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﺮوان :ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﺗﻮﺑﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟني وﻗﺪ ﻛﺎن ﺧﺎرﺑًﺎ — واﻟﺨﺎرب ﺳﺎرق
اﻹﺑﻞ ﺧﺎﺻﺔ؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺧﺎرﺑًﺎ ،وﻻ ﻟﻠﻤﻮت ﻫﺎﺋﺒًﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻓﺘﻰ ﻟﻪ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ! وﻟﻮ
ﻃﺎل ﻋﻤﺮه وأﻧﺴﺄه ﻻرﻋﻮى ﻗﻠﺒﻪ ،وﻟﻘﴣ ﰲ ﺣﺐ ﷲ ﻧﺤﺒﻪ ،وأﻗﴫ ﻋﻦ ﻟﻬﻮه ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﻤﺎ
ﻗﺎل ﻋﻤﻪ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ:
ﻗ ﺘ ﻴ ًﻼ ﺻ ﺮﻳ ﻌً ﺎ ﻟ ﻠ ﺴ ﻴ ﻮف اﻟ ﺒ ﻮاﺗ ﺮ ﻓ ﻠ ﻠ ﻪ ﻗ ﻮم ﻏ ﺎدروا اﺑ ﻦ ﺣ ﻤ ﻴ ﺮ
وﺻﺒ ًﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺒﻮس اﻟﻘﻤﺎﻃﺮ ﻟ ﻘ ﺪ ﻏ ﺎدروا ﺟ ﺰﻣً ﺎ وﻋ ﺰﻣً ﺎ وﻧ ﺎﺋ ًﻼ
ﻋ ﻈ ﻴ ﻢ اﻟ ﺤ ﻮاﻳ ﺎ ﻟ ﻴ ﺘ ﻪ ﻏ ﻴ ﺮ ﺣ ﺎﺿ ﺮ إذا ﻫ ﺎب ورد اﻟ ﻤ ﻮت ﻛ ﻞ ﻏ ﻀ ﻨ ﻔ ﺮ
وﺟﺎد ﺑﺴﻴﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﻘﻮاﺷﺮ ﻣ ﻀ ﻰ ﻗ ﺪﻣً ﺎ ﺣ ﺘ ﻰ ﺗ ﻼﻗ ﻰ ﺑ ﻮرده
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﺮوان :ﻳﺎ ﻟﻴﲆ ،أﻋﻮذ ﺑﺎهلل ﻣﻦ درك اﻟﺸﻘﺎء ،وﺳﻮء اﻟﻘﻀﺎء ،وﺷﻤﺎﺗﺔ اﻷﻋﺪاء،
ﻓﻮﷲ ﻟﻘﺪ ﻣﺎت ﺗﻮﺑﺔ وإن ﻛﺎن ملﻦ ﻓﺘﻴﺎن اﻟﻌﺮب وأﺷﺪاﺋﻬﻢ ،وﻟﻜﻨﻪ أدرﻛﻪ اﻟﺸﻘﺎء ،ﻓﻬﻠﻚ
ﻋﲆ أﺣﻮال اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ.
763
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
رﺟﻼ ﻣﻦ ﻗﺸري ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :اﺑﻦ اﻟﺤﻴﺎ —وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻟﺠﻌﺪي ﻣﻬﺎﺟﺎة؛ وذﻟﻚ أن ً
وﻫﻲ أﻣﻪ — واﺳﻤﻪ ﺳﻮار ﺑﻦ أوﰱ ﺑﻦ ﺳﱪة ،ﻫﺠﺎه وﺳﺐ أﺧﻮاﻟﻪ ﻣﻦ أزد ،ﰲ أﻣﺮ ﻛﺎن ﺑني
ﻗﺸري وﺑني ﺑﻨﻲ ﺟﻌﺪة وﻫﻢ ﺑﺄﺻﺒﻬﺎن ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﺑﻘﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :اﻟﻔﺎﺿﺤﺔ
— ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﻷﻧﻪ ذﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺎوئ ﻗﺸري وﻋﻘﻴﻞ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳُﺴﺒﻮن ﺑﻪ ،وﻓﺨﺮ ﺑﻤﺂﺛﺮ
ﻗﻮﻣﻪ ،وﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﻄﻮن ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﺳﻮى ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺤﻴني ﻣﻦ ﻗﺸري وﻋﻘﻴﻞ — ﻓﻘﺎل:
وﻗﺎل ً
أﻳﻀﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ أوﻟﻬﺎ:
ً
رﺟﻼ ﻣﻦ ﺟﻌﺪة أدرﻛﻮه ﰲ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ أن اﺑﻦ اﻟﺤﻴﺎ ﻓﺨﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺳﻘﻮا
ﱠ
وﻏﺾ ً
ﻋﻄﺸﺎ — ﻟﺒﻨًﺎ وﻣﺎءً ﻓﻌﺎش ،ﻓﻠﻤﺎ ذﻛﺮ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ذﻟﻚ وﻓﺨﺮ ﺑﻤﺎ ﻟﻪ، ﺳﻔﺮ — وﻗﺪ ﺟﻬﺪ
ﻣﻤﺎ ﻟﻬﻢ ،دﺧﻠﺖ ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
764
ﺣﺮف اﻟﻼم
ﻓ ﻘ ﺪ رﻛ ﺒ ﺖ أﻣ ًﺮا أﻏ ﱠﺮ ﻣ ﺤ ﺠ ﻼ أﻻ ﺣ ﻴ ﻴ ﺎ ﻟ ﻴ ﻠ ﻰ وﻗ ﻮﻻ ﻟ ﻬ ﺎ ﻫ ﻼ
وﻗﺪ ﺷﺮﺑﺖ ﻣﻦ آﺧﺮ اﻟﺼﻴﻒ إﺑﻼ وﻗ ﺪ أﻛ ﻠ ﺖ ﺑ ﻘ ًﻼ وﺧ ﻴ ﻤً ﺎ ﻧ ﺒ ﺎﺗ ﻪ
ﻋ ﻠ ﻰ أدﻟ ﻌ ﻲ ﻳ ﻤ ﻸ اﺳ ﺘ ﻚ ﻓ ﻴ ﺸ ﻼ دﻋﻲ ﻋﻨﻚ ﺗﻬﺠﺎء اﻟﺮﺟﺎل وأﻗﺒﻠﻲ
ﺧ ﻀ ﻴ ﺐ اﻟ ﺒ ﻨ ﺎن ﻻ ﻳ ﺰال ﻣ ﻜ ﺤ ﻼ وﻛﻴﻒ أﻫﺎﺟﻲ ﺷﺎﻋ ًﺮا رﻣﺤﻪ اﺳﺘﻪ
ﻓﻐﻠﺒﺘﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻰ ﺑﻨﻲ ﺟﻌﺪة ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻫﺬا اﺟﺘﻤﻊ ﻧﺎس ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻘﺎﻟﻮا :وﷲ ﻟﻨﺄﺗني ﺻﺎﺣﺐ
املﺪﻳﻨﺔ وأﻣري املﺆﻣﻨني ﻓﻠﻴﺄﺧﺬن ﻟﻨﺎ ﺑﺤﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺷﺘﻤﺖ أﻋﺮاﺿﻨﺎ
واﻓﱰت ﻋﻠﻴﻨﺎ! ﻓﺘﻬﻴﺌﻮا ﻟﺬﻟﻚ ،وﺑﻠﻐﻬﺎ أﻧﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺴﺘﻌﺪوا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ:
وأﺧﱪ ﺑﻌﺾ اﻟﺮواة ﻗﺎل :ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻳﺴري ﻳﻮﻣً ﺎ إذ رأى راﻛﺒًﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﺒﻌﺾ ﴍﻃﻪ:
ُ
أردت ،ﻓﻠﻤﺎ دﻧﺎ اﺋﺘﻨﻲ ﺑﻪ وإﻳﺎك أن ﺗﺮوﻋﻪ ،ﻓﺄﺗﺎه ﻓﻘﺎل :أﺟﺐ أﻣري املﺆﻣﻨني ،ﻓﻘﺎل :إﻳﱠﺎه
اﻟﺮاﻛﺐ ﺣﺪر ﻟﺜﺎﻣﻪ؛ ﻓﺈذا ﻫﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺄت ﺗﻘﻮل:
765
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻴﺲ ملﺜﲇ أن ﻳﻄﻠﺐ إﱃ ﻣﺜﻠﻚ ﺣﺎﺟﺔ! ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﺎ ﺧﻤﺴني
ﻣﻦ اﻹﺑﻞ ﺛﻢ ﻗﺎل :أﺧﱪﻳﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﴬ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻓﺎﺧﺮ ﺑﻤﴬ ،وﺣﺎرب ﺑﻘﻴﺲ ،وﻛﺎﺛﺮ ﺑﺘﻤﻴﻢ،
وﻧﺎﻇﺮ ﺑﺄﺳﺪ .وﻣﻦ ﺟﻴﺪ أﺷﻌﺎرﻫﺎ ﻣﺎ ﻣﺪﺣﺖ ﺑﻪ آل ﻣﻄﺮف ﻗﻮﻟﻬﺎ:
ﻟ ﻴ ﻘ ﻮد ﻣ ﻦ أﻫ ﻞ اﻟ ﺤ ﺠ ﺎز ﺑ ﺮﻳ ﻤ ﺎ ﻳ ﺎ أﻳ ﻬ ﺎ اﻟ ﺴ ﺪم اﻟ ﻤ ﻠ ﻮي رأﺳ ﻪ
ﻛ ﻌ ﺐ إذن ﻟ ﻮﺟ ﺪﺗ ﻪ ﻣ ﺮءوﻣ ﺎ أﺗﺮﻳﺪ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺨﻠﻴﻊ ودوﻧﻪ
ﻛﺎﻟﻘﻠﺐ أﻟﺒﺲ ﺟﺆﺟ ًﺆا وﺣﺰﻳﻤﺎ إن اﻟ ﺨ ﻠ ﻴ ﻊ ورﻫ ﻄ ﻪ ﻓ ﻲ ﻋ ﺎﻣ ﺮ
ﻻ ﻇ ﺎﻟ ﻤً ﺎ أﺑ ﺪًا وﻻ ﻣ ﻈ ﻠ ﻮﻣ ﺎ ﺰون اﻟ ﺪﻫ ﺮ آل ﻣ ﻄ ﺮف ﻻ ﺗﻐ ﱠ
وأﺳ ﻨ ﺔ زرق ﺗ ﺨ ﺎل ﻧ ﺠ ﻮﻣ ﺎ ﻗﻮم رﺑﺎط اﻟﺨﻴﻞ وﺳﻂ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ
وﺳﻂ اﻟﺒﻴﻮت ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎء ﺳﻘﻴﻤﺎ وﻣ ﺨ ﺮق ﻋ ﻨ ﻪ اﻟ ﻘ ﻤ ﻴ ﺺ ﺗ ﺨ ﺎﻟ ﻪ
ﺗﺤﺖ اﻟﻠﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻤﻴﺲ زﻋﻴﻤﺎ ﺣ ﺘ ﻰ إذا رﻓ ﻊ اﻟ ﻠ ﻮاء رأﻳ ﺘ ﻪ
وذﻛﺮ اﻷﺻﻤﻌﻲ أن ﻟﻴﲆ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺠﺎج أﻣﺮ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﴩة آﻻف درﻫﻢ وﻗﺎل
ﻟﻬﺎ :ﻫﻞ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ أﺻﻠﺢ ﷲ اﻷﻣري؛ ﺗﺤﻤﻠﻨﻲ إﱃ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ
— وﻫﻮ ﻋﲆ ﺧﺮاﺳﺎن ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ — ﻓﺤﻤَ ﻠﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﻓﺄﺟﺎزﻫﺎ ،وأﻗﺒﻠﺖ راﺟﻌﺔ ﺗﺮﻳﺪ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﺮي ﻣﺎﺗﺖ ،ﻓﻘﱪت ﻫﻨﺎك .ﻫﻜﺬا ذﻛﺮ اﻷﺻﻤﻌﻲ.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺠﺎج ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻫﻞ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ،
ﺗﺪﻓﻊ إﱄ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ أﺣﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﺑﻤﺎ أرى! ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻫﺮب إﱃ اﻟﺸﺄم ﻓﺘﺒﻌﺘﻪ ،ﺛﻢ
اﺳﺘﺄذﻧﺖ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻓﻴﻪ ﻓﺄذن ﻟﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﰲ ﻃﻠﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻘﻮﻣﺲ — ﺑﻠﺪة ﻣﻦ
أﻋﻤﺎل ﺑﻐﺪاد ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻔﺮات ،وﻗﻴﻞ :ﺑﺤﻠﻮان ،واملﺪى ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ.
وﰲ رواﻳﺔ أﺧﺮى أن ﻟﻴﲆ اﻷﺧﻴﻠﻴﺔ أﻗﺒﻠﺖ ﻣﻦ ﺳﻔﺮة ،ﻓﻤﺮت ﺑﻘﱪ ﺗﻮﺑﺔ — وﻣﻌﻬﺎ
زوﺟﻬﺎ — وﻫﻲ ﰲ ﻫﻮدج ﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :وﷲ ﻻ أﺑﺮح ﺣﺘﻰ أﺳﻠﻢ ﻋﲆ ﺗﻮﺑﺔ! ﻓﺠﻌﻞ زوﺟﻬﺎ
ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﺗﺄﺑﻰ إﻻ أن ﺗُﻠ ﱠﻢ ﺑﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮ ذﻟﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﺗ َﺮﻛﻬﺎ ،ﻓﺼﻌﺪت أﻛﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﱪ
ﺗﻮﺑﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺗﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ ﺣﻮﱠﻟﺖ وﺟﻬﻬﺎ إﱃ اﻟﻘﻮم ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻋ َﺮﻓﺖ ﻟﻪ ﻛﺬﺑًﺎ
ﻗﻂ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا ،ﻗﺎﻟﻮا :ﻛﻴﻒ؟! ﻗﺎﻟﺖ :أﻟﻴﺲ اﻟﻘﺎﺋﻞ:
766
ﺣﺮف اﻟﻼم
أﻻ ﻛ ﻞ ﻣ ﺎ ﻗ ﺮت ﺑ ﻪ اﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﺻ ﺎﻟ ﺢ وأﻏ ﺒ ﻂ ﻣ ﻦ ﻟ ﻴ ﻠ ﻰ ﺑ ﻤ ﺎ ﻻ أﻧ ﺎﻟ ﻪ
ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﻢ ﻋﲇ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل؟! وﻛﺎﻧﺖ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻘﱪ ﺑﻮﻣﺔ ﻛﺎﻣﻨﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت
اﻟﻬﻮدج واﺿﻄﺮاﺑﻪ ﻓﺰﻋﺖ وﻃﺎرت ﰲ وﺟﻪ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻨﻔﺮ ،ﻓﺮﻣﻰ ﻟﻴﲆ ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻣﻦ
وﻗﺘﻬﺎ ودُﻓﻨﺖ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ! وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺧﱪ وﻓﺎﺗﻬﺎ!
وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻬﺎ أﻧﻪ ﻣ ﱠﺮ ﻋﲆ ﻧﺎﻗﺔ وﻋﻠﻴﻪ ﺣﻠﺘﺎن ﻣﻦ ﺣﻠﻞ املﻠﻮك ﺑﺰﻣﺮة ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ
وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻧﺴﻮة ﻳﺘﺤﺪﺛﻦ ﻓﺄﻋﺠﺒﻬﻦ ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺰﻟﻨﻪ ﻟﻠﻤﻨﺎدﻣﺔ ،ﻓﻨﺰل وﻋﻘﺮ ﻟﻬﻦ ﻧﺎﻗﺘﻪ! وأﻗﺎم
ﻣﻌﻬﻦ ﺑﻴﺎض اﻟﻴﻮم .وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﲆ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺣﴬ ،وﺣني وﻗﻌﺖ ﻋﻴﻨﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﴫف ﻋﻨﻬﺎ
ً
ﻃﺮﻓﺎ ،وﺷﺎﻏﻠﺘﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺸﺘﻐﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺤَ ﺮ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺟﺎءت ﻟﺘُﻤﺴﻚ ﻣﻌﻪ اﻟﻠﺤﻢ ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺠ ﱡﺰ ﺑﺎملﺪﻳﺔ
ﻳﺪر! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ:ﻛﻔﻪ ،ﻓﺠﺬﺑﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺪه وﻟﻢ ِﻛﻔﻪ وﻫﻮ ﺷﺎﺧﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﺮق ﱠ ﰲ ﱢ
أﺗﺄﻛﻠني اﻟﺸﻮاء؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻓﻄﺮح ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﲆ اﻟﻐﴣ وأﻗﺒﻞ ﻳُﺤﺎدﺛﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ
ﻟﻪ :اﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﻠﺤﻢ ﻫﻞ اﺳﺘﻮى أم ﻻ؟ ﻓﻤ ﱠﺪ ﻳﺪه إﱃ اﻟﺠﻤﺮ وﺟﻌﻞ ﻳﻘﻠﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺤﻢ ﻓﺎﺣﱰﻗﺖ
وﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ! ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﺎ داﺧﻠﻪ ﴏﻓﺖ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﺷﺪت ﻳﺪه ﺑﻬﺪب ﻗﻨﺎﻋﻬﺎ ،ﺛﻢ ذﻫﺐ
وﻗﺪ ﺗﺤ ﱠﻜﻢ ﻋﺸﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ.
وﻗﺪ اﺳﺘﺪﻋﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا املﺠﻠﺲ ﻟﻠﻤﺤﺎدﺛﺔ وﻗﺪ داﺧﻠﻬﺎ اﻟﺤﺐ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻫﻞ ﻟﻚ ﰲ
ﻣﺤﺎدﺛﺔ ﻣَ ﻦ ﻻ ﻳﴫﻓﻪ ﻋﻨﻚ ﺻﺎرف؟ ﻗﺎل :وﻣَ ﻦ ﱄ ﺑﺬﻟﻚ؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :اﺟﻠﺲ ،ﻓﺠﻠﺲ،
وﺟﻌﻼ ﻳﺘﺤﺎدﺛﺎن ﺣﺘﻰ ﻣﴣ اﻟﻮﻗﺖ ،وﻟﻢ ﻳﺰاﻻ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺣﺠﺒﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ ﻋﻨﻪ وزوﱠﺟﻬﺎ
ﻣﻦ ﻏريه — ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﻬﻮر ﰲ ﻗﺼﺘﻬﺎ — وﻣﻦ رﻗﻴﻖ ﺷﻌﺮ ﻟﻴﲆ:
767
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ :ﻓﻤﻀﻴﺖ ﺣﺘﻰ وﻗﻔﺖ ﺑﺨﻴﺎﻣﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻣﻜﻨﺘﻨﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ أﻧﺸﺪت ﺑﺤﻴﺚ
ﺗﺴﻤﻊ اﻷﺑﻴﺎت ،ﻓﺒﻜﺖ ﺣﺘﻰ ﻏﴚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :أﺑﻠﻐﻪ ﻋﻨﻲ اﻟﺴﻼم ،وأﻧﺸﺪت:
ﻣﺎ ﻛﺎن ﻏﻴﺮك ﻳﺠﺰﻳﻬﺎ وﻳﺮﺿﻴﻬﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺪاؤك ﻟﻮ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻠﻜﺖ إذا
ﻣﺮارة ﻓﻲ اﺻﻄﺒﺎري ﻋﻨﻚ أﺧﻔﻴﻬﺎ ﺻﺒ ًﺮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﻀﺎه اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﻋﻠﻰ
وﻗﺎل رﺑﺎح ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ :دﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﻧﺠﺪ أرﻳﺪ اﻟﺸﺎم ﻓﺄﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣﻄﺮ ﻋﻈﻴﻢ ،ﻓﻘﺼﺪت
ُ
ﻓﺪﺧﻠﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﺧﻴﻤﺔ رﻓﻌﺖ ﱄ؛ ﻓﺈذا ﺑﺎﻣﺮأة ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ اﻟﺘﻈﻠﻴﻞ ،ﻓﺄﺷﺎرت إﱃ ﻧﺎﺣﻴﺔ
ﻟﻠﻌﺒﻴﺪَ :ﺳﻠُﻮه ِﻣﻦ أﻳﻦ اﻟﺮﺟﻞ؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﻦ ﻧﺠﺪ ،ﻓﺘﻨﻔﺴﺖ اﻟﺼﻌﺪاء ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﺰﻟﺖ ﺑﻤﻦ
ﻓﻴﻬﺎ؟ ﻗﻠﺖ :ﺑﺒﻨﻲ اﻟﺤﺮﻳﺶ ،ﻓﺮﻓﻌﺖ ﺳﺘﺎرة ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻨﺎ ،وإذا ﺑﺎﻣﺮأة ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
ﴎت ﻣﻊ أﺑﻴﻪ ﺣﺘﻰُ رﺟﻼ ﻓﻴﻬﻢ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻗﻴﺲ ،وﻳﻠﻘﺐ ﺑﺎملﺠﻨﻮن؟ ﻗﻠﺖ :إي وﷲ أﺗﻌﺮف ً
أوﻗﻔﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﻣﻊ اﻟﻮﺣﺶ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ إﻻ إن ذﻛﺮت ﻟﻪ ﻟﻴﲆ! ﻓﺒﻜﺖ ﺣﺘﻰ أﻏﻤﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ،
ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﻤﺎ ﺗﺒﻜني وﻟﻢ أﻗﻞ إﻻ ﺧريًا؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻧﺎ وﷲ ﻟﻴﲆ املﺸﺌﻮﻣﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻏري املﺴﺎﻋﺪة
ﻟﻪ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪت:
ﻣﺘﻰ رﺣﻞ ﻗﻴﺲ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻓﺮاﺟﻊ أﻻ ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي واﻟﺨﻄﻮب ﻛﺜﻴﺮة
وﻣﻦ ﻫﻮ إن ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻆ اﻟﻠﻪ ﺿﺎﺋﻊ ﺑ ﻨ ﻔ ﺴ ﻲ ﻣ ﻦ ﻻ ﻳ ﺴ ﺘ ﻘ ﻞ ﺑ ﺮﺣ ﻠ ﻪ
768
ﺣﺮف اﻟﻼم
وﻛﺎن آﺧﺮ ﻣﺠﻠﺲ ﻟﻠﻤﺠﻨﻮن ﻣﻦ ﻟﻴﲆ أﻧﻪ ملﺎ اﺧﺘﻠﻂ ﻋﻘﻠﻪ وﺗﻮﺣﺶ؛ ﺟﺎءت أﻣﻪ إﻟﻴﻬﺎ
ﻓﺄﺧﱪﺗﻬﺎ وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ أن ﺗﺰوره؛ ﻓﻌﺴﺎﻫﺎ أن ﺗﺨﻔﻒ ﻣﺎ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻣﺎ ﻧﻬﺎ ًرا ﻓﻼ؛ ﺧﻴﻔﺔ ﻣﻦ
أﻫﲇ ،وﺳﺂﺗﻴﻪ ً
ﻟﻴﻼ ،ﻓﻠﻤﺎ ﱠ
ﺟﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﺟﺎءت ﻓﺴﻠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
ﻓﺎرﻗﺖ أﻫﻠﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﻘﻞ وﻟﻢ ﺗﻔﻖ أُﺧﺒﺮت أﻧﻚ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ ﺟﻨﻨﺖ وﻗﺪ
ً
ﺷﺨﺼﺎ ﺑﺤﴬﺗﻪ ﻓﺴﺎ ﱠرﺗﻪ، وﻗﺪ اﻣﺘﺤﻨﺘﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﺘﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ املﺤﺒﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺪﻋﺖ
ﺗﻐري ﺣﺘﻰ ﻛﺎد ﻳﻨﻔﻄﺮ ،ﻓﺄﻧﺸﺪت: ﺛﻢ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻗﺪ ﱠ
وﻛ ﻞ ﻋ ﻨ ﺪ ﺻ ﺎﺣ ﺒ ﻪ ﻣ ﻜ ﻴ ﻦ ﻛ ﻼﻧ ﺎ ﻣ ﻈ ﻬ ﺮ ﻟ ﻠ ﻨ ﺎس ﺑ ﻐ ًﻀ ﺎ
وﻓ ﻲ اﻟ ﻘ ﻠ ﺒ ﻴ ﻦ ﺛ ﱠﻢ ﻫ ﻮًى دﻓ ﻴ ﻦ ﺗُ ﺒ ﱢﻠ ﻐ ﻨ ﺎ اﻟ ﻌ ﻴ ﻮن ﺑ ﻤ ﺎ أردﻧ ﺎ
وﻗﺪ ﺗﻐﺮي ﺑﺬي اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻈﻨﻮن وأﺳﺮار اﻟﻠﻮاﺣﻆ ﻟﻴﺲ ﺗﺨﻔﻰ
وﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﺗﻈﻬﺮه اﻟﻌﻴﻮن وﻛﻴﻒ ﻳﻔﻮت ﻫﺬا اﻟﻨﺎس ﺷﻲء
769
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻋ ﻠ ﻰ ﺟ ﺒ ﻞ ﻓ ﻮق اﻟ ﺠ ﺒ ﺎل ﻣ ﻨ ﻴ ﻒ ﺑ ﺘ ﻞ ﻧ ﺒ ﺎﺗ ﻲ رﺳ ﻢ ﻗ ﺒ ﺮ ﻛ ﺄﻧ ﻪ
وﻫ ﻤ ﺔ ﻣ ﻘ ﺪام ورأي ﺣ ﺼ ﻴ ﻒ ﺗ ﻀ ﻤ ﻦ ﻣ ﺠ ﺪًا ﻋ ﺪ ﻣ ﻠ ﻴٍّ ﺎ وﺳ ﻮددا
ﻛ ﺄﻧ ﻚ ﻟ ﻢ ﺗ ﺠ ﺰع ﻋ ﻠ ﻰ اﺑ ﻦ ﻃ ﺮﻳ ﻒ أﻳ ﺎ ﺷ ﺠ ﺮ اﻟ ﺨ ﺎﺑ ﻮر ﻣ ﺎ ﻟ ﻚ ﻣ ً
ﻮرﻗ ﺎ
وﻻ اﻟ ﻤ ﺎل إﻻ ﻣ ﻦ ﻗ ﻨ ﺎ وﺳ ﻴ ﻮف ﻓ ﺘ ﻰ ﻻ ﻳ ﺮﻳ ﺪ اﻟ ﻌ ﺰ إﻻ ﻣ ﻦ اﻟ ﺘ ﻘ ﻰ
ﻣ ﻌ ﺎودة ﻟ ﻠ ﻜ ﺮ ﺑ ﻴ ﻦ ﺻ ﻔ ﻮف وﻻ اﻟ ﺬﺧ ﺮ إﻻ ﻛ ﻞ ﺟ ﺮداء ﺻ ﻠ ﺪم
ﻓ ﺪﻳ ﻨ ﺎه ﻣ ﻦ ﺳ ﺎداﺗ ﻨ ﺎ ﺑ ﺄﻟ ﻮف ﻓ ﻘ ﺪﻧ ﺎه ﻓ ﻘ ﺪان اﻟ ﺮﺑ ﻴ ﻊ ﻓ ﻠ ﻴ ﺘ ﻨ ﺎ
ﻣ ﻘ ﺎﻣً ﺎ ﻋ ﻠ ﻰ اﻷﻋ ﺪاء ﻏ ﻴ ﺮ ﻣ ﺨ ﻴ ﻒ ﻛ ﺄﻧ ﻚ ﻟ ﻢ ﺗ ﺸ ﻬ ﺪ ﻫ ﻨ ﺎك وﻟ ﻢ ﺗ ﻜ ﻦ
ﻣ ﻦ اﻟ ﺸ ﺮد ﻓ ﻲ ﻏ ﻀ ﺮاء ذات رﻓ ﻴ ﻒ وﻟ ﻢ ﺗ ﺴ ﺘ ﻠ ﻢ ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻟ ﻮرد ﻛ ﺮﻳ ﻬ ﺔ
وﺳ ﻤ ﺮ اﻟ ﻘ ﻨ ﺎ ﻳ ﻨ ﻜ ﺮﻧ ﻬ ﺎ ﺑ ﺄﻧ ﻮف وﻟ ﻢ ﺗ ﺴ ﻊ ﻳ ﻮم اﻟ ﺤ ﺮب واﻟ ﺤ ﺮب ﻻﻗ ﺢ
ﻓ ﺈن ﻣ ﺎت ﻻ ﻳ ﺮﺿ ﻰ اﻟ ﻨ ﺪى ﺑ ﺤ ﻠ ﻴ ﻒ ﺣﻠﻴﻒ اﻟﻨﺪى ﻣﺎ ﻋﺎش ﻳﺮﺿﻰ ﺑﻪ اﻟﻨﺪى
وﻟ ﻴ ﺲ ﻋ ﻠ ﻰ أﻋ ﺪاﺋ ﻪ ﺑ ﺨ ﻔ ﻴ ﻒ ﺧ ﻔ ﻴ ﻒ ﻋ ﻠ ﻰ ﻇ ﻬ ﺮ اﻟ ﺠ ﻮاد إذا ﻋ ﺪا
ﺷ ﺠً ﺎ ﻟ ﻌ ﺪو وﻧ ﺠً ﺎ ﻟ ﻀ ﻌ ﻴ ﻒ وﻣ ﺎ زال ﺣ ﺘ ﻰ أزﻫ ﻖ اﻟ ﻤ ﻮت ﻧ ﻔ ﺴ ﻪ
وﻟ ﻸرض ﻫ ﻤ ﺖ ﺑ ﻌ ﺪه ﺑ ﺮﺟ ﻮف أﻻ ﻳ ﺎ ﻟ ﻘ ﻮﻣ ﻲ ﻟ ﻠ ﺤ ﻤ ﺎم وﻟ ﻠ ﺒ ﻠ ﻰ
ودﻫ ﺮ ﻣ ﻠ ﺢ ﺑ ﺎﻟ ﻜ ﺮام ﻋ ﻨ ﻴ ﻒ أﻻ ﻳ ﺎ ﻟ ﻘ ﻮﻣ ﻲ ﻟ ﻠ ﻨ ﻮاﺋ ﺐ واﻟ ﺮدى
770
ﺣﺮف اﻟﻼم
وﻗﻮﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
771
ﺣﺮف اﳌﻴﻢ
ﻣﺎء اﻟﺴﻤﺎء
ﻫﻲ ﻣﺎوﻳﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﻮف ﺑﻦ ﺟﺸﻢ ،وﻗﻴﻞ :ﺑﻨﺖ رﺑﻴﻌﺔ اﻟﺘﻐﻠﺒﻲ .ﻣﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮاق اﻟﺘﻲ ﻣﻦ
ﺳﻼﻟﺘﻬﺎ اﻟﻨﻌﻤﺎن وﺑﺎﻗﻲ املﻠﻮك املﻨﺎذرة .ﻟُﻘﺒﺖ ﺑﻤﺎء اﻟﺴﻤﺎء ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻋﴫﻫﺎ آﻳﺔ
اﻟﺠﻤﺎل ،وﻋﻨﻮان املﺠﺪ واﻟﺠﻼل ،وﻛﺎﻧﺖ املﻨﺎذرة ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﺎ ،وﺟﻤﻴﻊ ﻋﺮب اﻟﻌﺮاق ﺗﺤﻠﻒ
ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ وﻣﻔﺎﺧﺮﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ﻻ ﻳﻮﺻﻒ ﻟﻬﺎ ﺣﺪ ،وﻻ ﻳُﺪرك ﻟﻬﺎ ﻋﺪﱞ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ اﻷﻛﺎﴎة وﻧﺴﺎﺋﻬﻢ ،وﻃﺎملﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻬﺎ ﻧﺴﺎء اﻷﻛﺎﴎة اﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ،
واﻷﻛﺎﻟﻴﻞ واﻟﺠﻮاﻫﺮ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ .ﱠ
وﺣﻖ ملﺜﻠﻬﺎ أن ﺗﻔﺘﺨﺮ ﻋﲆ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب واﻟﻌﺠﻢ ﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﻟﻬﺎ
ﻣﻦ اﻷوﻻد اﻟﻨﺠﺒﺎء ،اﻟﺬﻳﻦ داﻧﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﺒﻼد ،وﺧﺪﻣﺘﻬﻢ اﻟﻌﺒﺎد ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،ﺣﺘﻰ أذﻟﻮا
ﺟﺒﺎﺑﺮة اﻟﻌﺮب واﻟﻌﺠﻢ ،ﻓﺴﺒﺤﺎن اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻮت.
ﻣﺎﺟﺪة اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ
ذﻛﺮ ﰲ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﺸﻌﺮاﻧﻲ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ املﺘﻌﺒﺪات اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت اﻟﺰاﻫﺪات ،اﻟﻘﺎﺋﻤﺎت اﻟﻠﻴﻞ
اﻟﺼﺎﺋﻤﺎت اﻟﻨﻬﺎر .وﻛﺎﻧﺖ رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻘﻮل :ﻣﺎ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺴﻤﻊ ،وﻻ ﻗﺪم ﺗﻮﺿﻊ إﻻ ﻇﻨﻨﺖ
أﻧﻲ أﻣﻮت ﰲ أﺛﺮﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :ﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻘﻮل! ﻣﺎ أﻧﻘﺼﻬﺎ! ﺳﻜﺎن دار أوذﻧﻮا ﺑﺎﻟﻨﻘﻠﺔ
وﻫﻢ ﺣﻴﺎرى ﻳﺮﻛﻀﻮن ﰲ املﻬﻠﺔ ،ﻛﺄن املﺮاد ﻏريﻫﻢ! واﻟﺘﺄذﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ! وﻻ ﻋﻨﻲ ﺑﺎﻷﻣﺮ
ﺳﻮاﻫﻢ! وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :ﻟﻢ ﻳﻨﻞ املﻄﻴﻌﻮن ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻦ ﺣﻠﻮل اﻟﺠﻨﺔ ورﺿﺎ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﻻ ﺑﺘﻌﺐ
اﻷﺑﺪان.
774
ﺣﺮف املﻴﻢ
زوﺟﻬﺎ ووزﻳﺮﻫﺎ »ﻛﻮﻧﺘﺰ« املﺸﻬﻮر ،ﺛﻢ ﺗﺠﺪدت اﻟﺤﺮب ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني »ﻓﺮﻳﺪرﻳﻚ اﻟﻜﺒري«،
ﻣﻠﻚ »ﺑﺮوﺳﻴﺎ« ،وداﻣﺖ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ،ﻓﻀﻌﻔﺖ اﻟﺒﻼد وﺧﴪت ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻛﺴﺒﺘﻪ ﰲ زﻣﻦ
اﻟﺴﻠﻢ ،ﺛﻢ ﻋﻘﺐ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﺳﻠﻢ ﻃﻮﻳﻞ ،ﻓﻌﺎدت إﱃ ﺗﺮﻗﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ،وأدﺧﻠﺖ إﱃ
ﺑﻼدﻫﺎ إﺻﻼﺣﺎت ﺷﺘﻰ.
وﺳﻨﺔ ١٧٦٣م ،ﺗﻮﰲ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺄﴍﻛﺖ اﺑﻨﻬﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ املﻠﻚ ،واﺷﱰك ﻣﻊ
روﺳﻴﺎ وﺑﺮوﺳﻴﺎ ﰲ اﻗﺘﺴﺎم ﺑﻮﻻﻧﺪا ،ﻓﻨﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺜﻠﺚ ،وأﺿﺎﻓﺖ إﱃ ذﻟﻚ »ﻏﺎﻟﻴﻨﺴﻴﺎ«
و»ﻟﻮدوﻣريﻳﺎ« ،وأﺧﺬت ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺑﻮﻛﻮﻧﻴﺎ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٧٨٠م ،ﺑﻌﺪ أن ﻣﻠﻜﺖ
أرﺑﻌني ﺳﻨﺔ أﻇﻬﺮت ﰲ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺤﺰم واﻟﻌﺰم واﻟﺤﻜﻤﺔ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وﺗﺪﺑري
اﻟﺮﻋﻴﺔ ،وﺗﺮﻗﻴﺔ املﻌﺎرف واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻣﺎ ﻓﺎﻗﺖ ﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﺎل ،ووﺻﻠﺖ ﺑﻪ اﻟﻨﻤﺴﺎ ﰲ أﻳﺎﻣﻬﺎ
إﱃ أوج ﻣﺠﺪﻫﺎ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺑﻨني وﺳﺖ ﺑﻨﺎت ،وﺧﻠﻔﻬﺎ ﰲ املﻠﻚ اﺑﻨﻬﺎ املﺬﻛﻮر ً
آﻧﻔﺎ
ﺑﺎﺳﻢ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ.
775
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻳﻤﺾ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف إﻻ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻬﺮ اﺳﻤﻬﺎ ﰲ ﻣﺤﺎﻓﻞ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻠﻢ ِ
ً
اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وأذاﻋﺘﻪ اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﻣﻨﺤﻬﺎ ﻣﻠﻚ اﻟﺪاﻧﻤﺎرك ﻧﻴﺸﺎﻧﺎ ذﻫﺒﻴٍّﺎ.
وملﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻔﻠﻜﻲ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﰲ املﻜﺘﺒﺔ ﻋﴩ ﺳﻨﻮات ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ
ﻋﴩ ﺳﻨﻮات أﺧﺮى ﻋﺎﻛﻔﺔ ﻋﲆ اﻟﺪرس ورﺻﺪ اﻷﻓﻼك ،واملﺴﺎﻋﺪة ﰲ ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﺰﻳﺞ »اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ
أو اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ« اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻟﺴﻨﻮي ،وﻣﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ.
وﺳﻨﺔ ١٨٥٧م أﺗﺖ أوروﺑﺎ ﻗﺼﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﺮاﺻﺪﻫﺎ اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ،واﻟﺘﻌ ﱡﺮف ﺑﻌﻠﻤﺎﺋﻬﺎ
املﺸﻬﻮرﻳﻦ ،ﻓﺮﺣﱠ ﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء وأﻛﺮﻣﻮا ﻣﺜﻮاﻫﺎ؛ ﻷن ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻘﺪﻣﻬﺎ ﺣﻴﺜﻤﺎ ذﻫﺒﺖ،
وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ ﰲ أوروﺑﺎ إﻻ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة ،ﺛﻢ ﻋﺎدت إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،واﺳﺘﻤﺮت ﻋﲆ ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﺰﻳﺞ
ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ إﱃ أن أﻧﺸﺄ ﻣﺴﻴﻮ »ﻗﺎﺳﺎر« ﻣﺪرﺳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻠﺒﻨﺎت ،وﻣﺮﺻﺪًا ﻓﻠﻜﻴٍّﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ
ﻣﺪﻳﺮة ﻟﻬﺬا املﺮﺻﺪ ،وأﺳﺘﺎذة ﻟﻌﻠﻢ اﻟﻬﻴﺌﺔ ﰲ املﺪرﺳﺔ املﺬﻛﻮرة ،وﻫﻲ اﻵن ﻋﻀﻮ ﰲ ﻣﺠﻤﻊ
اﻟﻌﻠﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،وﰲ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن واﻟﻌﻠﻮم ،وﻟﻬﺎ ﺗﺄﻟﻴﻔﺎن؛ اﻟﻮاﺣﺪ :ﰲ أﻗﻤﺎر زﺣﻞ،
واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﰲ أﻗﻤﺎر املﺸﱰي ،ورﺻﻮد ﻣﻌﺘﱪة ﰲ اﻟﻨﻴﺎزك وﻋﺒﻮر اﻟﺰﻫﺮة.
وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻓﻮق اﻟﺴﺒﻌني ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ،وﻛﻠﻞ اﻟﺸﻴﺐ رأﺳﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﺮاﻗﺐ
اﻷﻓﻼك ،وﺗﻌﻠﻢ ﺑﻨﺎت ﻧﻮﻋﻬﺎ ﻣﺮاﻗﺒﺘﻬﺎ ،وﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﰲ أﺳﻤﻰ املﻄﺎﻟﺐ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ.
776
ﺣﺮف املﻴﻢ
آﺧﺮ ﻟﺘﺒﺘﺎع ﻟﻪ اﻟﺠﻴﺎد ،وأﻫﺪاﻫﺎ ﻧﺠﻤً ﺎ ﻣﻦ املﺎس وﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻤﻪ ﺑﺤﺠﺎرة
املﺎس؛ ملﺎ رآه ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻤﺔ واﻻﺟﺘﻬﺎد.
وﺳﻨﺔ ١٨٦٩م ،ﻗﺼﺪت اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻣﻌﻬﺎ ﻣﻜﺎﺗﻴﺐ اﻟﺘﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ
ﺳﻔري اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ إﱃ رﺟﻞ ﻣﻦ أﺧﺼﺎﺋﻪ ،ﻓﻮﺟﺪت أن اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎت ﻓﺠﺄة ﻗﺒﻞ
وﺻﻮﻟﻬﺎ ،ﻓﺴﻘﻂ ﰲ ﻳﺪﻫﺎ وﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎذا ﺗﻌﻤﻞ! وﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺪﻳﺮ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺘﻴﻤﺲ —
اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻊ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك — أن ﺗﻨﺸﺊ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﰲ ﺟﺮﻳﺪﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﺨﻴﻮل وأﺧﺒﺎرﻫﺎ،
ﻋﻤﻼ آﺧﺮ ﻳﻘﻮم ﺑﻤﻌﻴﺸﺘﻬﺎ ﻗﺒﻠﺘﻪ ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﱰدد ﻋﲆ ﻓﱰددت ﰲ ﻗﺒﻮل ذﻟﻚ ،وملﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ً
أﺳﻮاق اﻟﺨﻴﻞ وﻣﻴﺎدﻳﻨﻬﺎ ،وﺗﻜﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﺼﻮل اﻟﻀﺎﻓﻴﺔ ،وﺗﺼﺪت ﻟﻬﺎ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﰲ
أول اﻷﻣﺮ وﺳﻠﻘﺘﻬﺎ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﺣﺪاد ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﺎدت ﻓﺄﺛﻨﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ أﻫﻠﻪ؛ ملﺎ رأت ﻣﻦ
ﺑﻼﻏﺔ إﻧﺸﺎﺋﻬﺎ ،وﺳﻤﻮ ﻣﺪارﻛﻬﺎ ،وﻟني ﻋﺮﻳﻜﺘﻬﺎ ،وواﺳﻊ ﺧﱪﺗﻬﺎ.
وأﻗﺎﻣﺖ ﰲ ﻫﺬا املﻨﺼﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺎﺗﺐ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺋﺪ
اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑﺒﻼﻏﺔ اﻹﻧﺸﺎء ،وﻗﻮة اﻟﺤﺠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺛﻘﺔ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ
اﻟﺨﻴﻮل ،وزارت أوروﺑﺎ ﻣﺮا ًرا ﻋﺪﻳﺪة وأﺧﺘﻬﺎ املﺼﻮرة ﺑﺮﻓﻘﺘﻬﺎ .وﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ ﻏري ﺑﻌﻴﺪ أﺧﺬت
ﺗﺒﻨﻲ دا ًرا ﻛﺒرية ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻊ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﺒﻨﺎء ﻣﻦ املﺎل اﻟﺬي أﺣﺮزﺗﻪ ﺑﻘﻠﻤﻬﺎ ،وأﺧﺘﻬﺎ ﺗﻌﺘﻨﻲ
ﺑﻨﻘﺶ اﻟﺪار وﺗﺰوﻳﻘﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻋﺎﺟﻠﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ ،وﻫﻲ ﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺴﺘني
ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﲆ ﺟﺒني اﻟﺪﻫﺮ» :ﻟﻴﺲ دون اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻨﺴﺎءُ«.
777
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﺠﺎﻧﺐ آﺧﺮ ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء؛ ﻛﻔﺎرة ﻋﻦ إﺛﻤﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﰲ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪوﻟﺔ، ٍ وﺗﺼﺪﻗﺖ
ﻓﺤﺼﻞ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﱪى ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ املﻠﻚ ﻋﲆ ﻧﻔﻲ دوق »ﺳﻮازول« ﻛﺒري وزراﺋﻪ؛
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ ﻓﺾ املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ اﻟﺬي اﻟﺘﺄم ﺳﻨﺔ ١٧٧١م، ﻷﻧﻪ ﻛﺎن أﺷﺪ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ،وﺑﻌﺜﺘﻪ ً
وإﺑﻌﺎد أﻋﻀﺎﺋﻪ ،ﻏري أن ﻟﻠﺰﻣﺎن ﻧﻜﺒﺎت ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻠﻚ ﻣﺴﻠﻚ اﻟﻐﺮور.
ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﰲ املﻠﻚ ﻧﻔﺎﻫﺎ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ« ﻣﻦ ﺑﻼﻃﻪ ،ﻏري أﻧﻪ ﺳﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع
إﱃ ﺟﻨﺎح اﻟﻘﴫ املﻠﻜﻲ اﻟﺬي ﺑﻨﻲ ﻟﻬﺎ ﰲ »ﻟﻮﺳﻴﺎﻧﺔ« ﻗﺮب »ﻓﺮﺳﺎﻟﻴﺎ« ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ
دوق ﺑﺮﺗﻴﺎﻟﻪ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻴﺸﺘﻬﻤﺎ ﻋﻴﺸﺔ ﺗَﻨَﻌﱡ ﻢ.
وﺳﻨﺔ ١٧٩٢م ،ﺳﺎﻓﺮت إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ،وملﺎ رﺟﻌﺖ ﻣﻨﻪ أﻟﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺒﺾ ﺳﻨﺔ ١٧٩٣م،
ﺑﺪﻋﻮى اﺧﺘﻼﺳﻬﺎ اﻷﻣﻮال وﻣﺆاﻣﺮﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ،وﻟﺒﺴﻬﺎ ﺛﻮب اﻟﺤﺪاد ﰲ »ﻟﻮﻧﺪرا« ﻋﲆ
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﻠﻜﻴﺔ ،ﻓﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺗﺸﺪدت ﻣﺪة املﺤﺎﻛﻤﺔ ،ﻏري أن ﻋﺰﻳﻤﺘﻬﺎ
ﺧﺎرت ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ إﱃ دﻛﺔ اﻟﺪم ،واﺳﺘﻤﺮت إﱃ آﺧﺮ دﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺗﺴﺄل اﻟﻌﻔﻮ ﺑﻜﻼم
ﻳﻐﻦ ﻋﻨﻬﺎ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺪت ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء وﻗﺮﺑﺘﻬﻢ، ﻳﺪﻋﻮ إﱃ اﻟﺸﻔﻘﺔ ،ﻓﻠﻢ ِ
واﻗﺘﺒﺴﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎرف ،واﺳﺘﻌﺎﻧﺖ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎ ﱠرة
ﺑﺎﻟﻔﻘﺮاء واملﺴﺎﻛني.
778
ﺣﺮف املﻴﻢ
وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺐ ﻧﺠﺎﺗﻬﺎ ،ﺛﻢ أرادت ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ اﻷﻣﺔ ،ﻓﺰارت ﺑﻌﺾ املﻌﺎﻣﻞ ،وأﻇﻬﺮت
ﴎورﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﱡم اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺑﻴﱠﻨﺖ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﺄﺣﻮال اﻟﺸﻌﺐ ،ﻏري أن اﻟﺨﺮق ﻛﺎن
وﻛﺮﻫﺎ ﻟﻬﺎ ،و ﱠملﺎ رأت ﻣﻨﻬﻢ ذﻟﻚ ﺻﻤﱠ ﻤﺖ ﻋﲆ
ً اﺗﱠﺴﻊ ﻋﲆ اﻟﺮاﻗﻊ ،ﻓﺎزداد اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﻮن ً
ﺑﻐﻀﺎ
اﻟﻬﺮب ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ﻫﻲ وزوﺟﻬﺎ ،ﻓﻤﺎﻧﻌﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﺣﺎﺳﺒًﺎ أن ﻫﺮﺑﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻮال ﴐب ﻣﻦ
اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻟﺒﻼده.
وﻛﺎن ﴍﻳﻒ اﻟﻨﻔﺲ أﺑﻴﱠﻬﺎ ،ﻣﺤﺒٍّﺎ ﻟﻸﻣﺔ ﻻ ﻳﺸﻮﺑﻪ إﻻ ﺿﻌﻒ اﻟﻬﻤﺔ ،وﰲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم
ﻫﺠﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻴﻪ ،وأوﻗﻔﻮا ﻣﺮﻛﺒﺘﻪ ،ﻓﺴﺎءه ذﻟﻚ وﺣﺴﺒﻪ ﺗﻌﺪﻳًﺎ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ،ﻓﻬﺮب ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ
ﻈﻪ أُﻣﺴﻚ ﰲ ﻓﺎران ،وأُرﺟﻊ أﺳريًا إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ،وزاد ﰲ ٢٠ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٧٩١م .وﻟﺴﻮء ﺣ ﱢ
ﻫﻴﺎج اﻟﺸﻌﺐ ﺿﺪ املﻠﻜﺔ ،واﺗﻬﻤﻮﻫﺎ ﺑﺪﺳﻴﺴﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﻤﺴﺎ ،وﻗﻮﻳﺖ ﺣﺠﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﺑﻌﺪ ﻋﺮاك
ﻃﻮﻳﻞ وﻣﻌﺎﻧﺎة أﺧﻄﺎر ﺷﺘﻰ أﻇﻬﺮت أﺛﻨﺎءﻫﺎ ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،وﻗﻮة ﻧﺎدرة ،وﻋﺰﻣً ﺎ وﺣﺰﻣً ﺎ
ﺗﻘﴫ ﻋﻨﻬﻤﺎ اﻟﺮﺟﺎل.
ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﺠﻠﺲ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﰲ ١٥أﻛﺘﻮﺑﺮ ﺳﻨﺔ ١٧٩٣م ،وأﻧﻔﺬ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ،
وذﻟﻚ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺘﻞ زوﺟﻬﺎ ﺑﺜﻤﺎﻧﻴﺔ أﺷﻬﺮ ،وﻫﻜﺬا اﻧﺘﻬﺖ ﺣﻴﺎة ﻫﺬه املﻠﻜﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻓﺎﻗﺖ
اﻟﺮﺟﺎل ﻋﺰﻳﻤﺔ وﺛﺒﺎﺗًﺎ ،وﻗﺎﺳﻤﺘﻬﻢ اﻷﺗﻌﺎب واملﺸﺎق.
وداﻋً ﺎ ﻳﺎ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻷﻧﻴﻘﺔ ،ﻳﺎ ﺑﻼدي اﻟﺘﻲ رﺷﺤﺖ ﺻﺒﺎي ،واﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ أﻗﴡ
ﻣﺸﺘﻬﺎي ،وداﻋً ﺎ ﻳﺎ أﻳﺎﻣﻲ اﻟﻐﺮاء ﰲ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺰ واﻟﺼﻔﺎء .إن اﻟﻔﻠﻚ اﻟﺬي ﻓﺼﻠﻨﻲ
ﻋﻨﻚ ﻟﻢ ﻳﻔﺼﻞ ﺳﻮى ﺷﻄﺮي ،وأﻣﺎ اﻟﺸﻄﺮ اﻵﺧﺮ؛ وﻫﻮ ﻣﻠﻜﻚ ،ﻓﺴﺄﺗﺮﻛﻪ ﰲ
ﻣﻐﻨﺎك ذرﻳﻌﺔ ﻟﺬﻛﺮاك.
779
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎن ﺗﻐﺎﻟﻴﻬﺎ ﰲ اﻻﺳﺘﻤﺴﺎك ﺑﺎملﺬﻫﺐ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن اﺳﺘﺒﺪﻟﻪ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﺑﻤﺬﻫﺐ
ﻟﻮﺛري ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﻐﻴﻀﺔ ﻟﺪى اﻷﻫﻠني ،ﻓﺮأت أن ﺗﺘﺰﻟﻒ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﺰواﺟﻬﺎ ﺑﺎﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ »ﻫﻨﺮي«،
اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺰﻳﺔ ﺳﻮى ﺑﺴﻄﺔ ﰲ ﺟﺴﻤﻪ ،وﻣﺴﺤﺔ ﰲ ﺟﻤﺎل وﺟﻬﻪ ،ﻓ ُﺰ ﱠﻓﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ﺳﻨﺔ ١٥٦٥م ،وﻛﺎن ﻟﺌﻴﻤً ﺎ ﻏﻴﻮ ًرا ،ﻓﺎﺗﻬﻤﻬﺎ ﺑﺤﺐ ﻛﺎﺗﻢ أﴎارﻫﺎ »داود ﺑﻴﺰ ﻳﻮاﻻ ﻳﺘﺎﱄ«،
ﺟﻤﻴﻼ ﻓﺘﺎﻧًﺎ وﻣﻮﺳﻴﻘﻴٍّﺎ ﺷﻬريًا ،ﻓﻬﺠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﺎب ﺧﻔﻲ ﰲ ﻗﴫﻫﺎ ،وملﺎً اﻟﺬي ﻛﺎن
رآه ﻳﻌﺰف أﻣﺎﻣﻬﺎ اﺷﺘﻌﻞ ﺣﺴﺪًا وﻏرية ،ﻓﻘﺘﻠﻪ ﻏﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺎرﺟﻲ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٥٦٧م ،ﻫﻠﻚ »ﻫﻨﺮي« ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﺸﻚ ﰲ أﻣﺮ ﻣﻮﺗﻪ ،ﻓﺎﺗﱡﻬﻤﺖ ﺑﻪ،
وﻋﻘﻴﺐ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻼ ﺗﺪﺑﺮ ﰲ اﻟﻌﻮاﻗﺐ ﺑﺎﻟﻜﻮﻧﺖ ﺑﻮﺗﻮﻳﻞ ،اﻟﺬي ﻗﻴﻞ ﻋﻨﻪ:
إﻧﻪ ا ُملﺠْ ِﻬﺰ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ ﻋﲆ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﻬﺎج ﻓﻌﻠُﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻘﻮمَ ،ﻓﺎﺗﻬﻤﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ واﻟﻔﺎﺣﺸﺔ،
ْ
وﻟﺒﺜﺖ ﺳﺠﻴﻨﺔ ﺣﻴﺜﻤﺎ ْ
ﻓﺄﺑﺖ وزﺟﻮﻫﺎ ﰲ ﻣﻌﻘﻞ »ﻟﻮس ﻟﻴﻔﺎن« ،وﺳﺎﻣﻮﻫﺎ ﺟﺤﺪ ﻣﺬﻫﺒﻬﺎ ﻋﻠﻨًﺎ،
ﺗﻤﺨﻀﺖ ﻋﻦ وﻟﺪﻫﺎ »ﺟﻤﺲ اﻷول« ،اﻟﺬي وﺣﺪ ﻣﻤﻠﻜﺘﻲ »ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا« واﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،ﺛﻢ ﺣﺎوﻟﺖ ﱠ
اﻟﻔﺮار ﻓﺘﺪ ﱠﻟﺖ ﻣﻦ ﴍﻓﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻧﺠﺖ ﺑﻨﻮع ﻋﺠﻴﺐ ،وﻛﺘﺒﺖ إذ ﻳﺌﺴﺖ ﻣﻦ املﻠﻚ ﻣﺴﺘﺠري ًة
ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻋﻤﻬﺎ املﻠﻜﺔ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٥٦٨م ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺪﻣﺘﻬﺎ ﺑﺄﻣﺎن.
ْ
أﺿﻤﺮت ﻟﻬﺎ ﴍٍّا وﺣﺴﺪًا ،ﺛﻢ اﻓﱰت وﺗﻴﺖ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺳﻦ اﻟﺬات واﻟﺼﻔﺎترأت ﻣﺎ أ ُ ْوملﺎ ْ
ﺿﻴﻘﺎ ﻣﻜﺜﺖ ﻓﻴﻪ ١٨ﻋﺎﻣً ﺎ ،اﺗﺨﺬت ً ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻣﻮ ًرا؛ ﻣﻨﻬﺎ :أﻧﻬﺎ ﻗﺘﻠﺖ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺄودﻋﺘﻬﺎ ﺳﺠﻨًﺎ
ﰲ ﺧﻼﻟﻬﺎ وﺳﺎﺋﻞ ﺟﻤﺔ ﻟﻠﺨﻼص ﻓﻠﻢ ﺗﻔﻠﺢ ،وﻣﻦ ﺗﻼ ﻧﺒﺄ ﺳﺠﻨﻬﺎ وﻣﺎ ﻟﻘﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
اﻟﴬ واﻟﻨﻜﺪ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻤﻠﻚ ﻋﱪاﺗﻪ ﺣﺰﻧًﺎ ووﺟﺪًا ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﺆاده ﺣﺠ ًﺮا ﺻﻠﺪًا ،وﻟﻢ ﻳﻜﻒ
ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻣﺬﻫﺒﻬﺎ ﻋﲆ ً »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ اﺗﻬﻤﺘﻬﺎ ﻇﻠﻤً ﺎ وﻟﺆﻣً ﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺎوﻧﺖ
إﻫﻼﻛﻬﺎ ،ﻓﺨﻔﺮت ذﻣﺘﻬﺎ وﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎملﻮت.
ﺛﻢ أﻣﺮت اﻷﻣري »ﺑﻴﻞ« — وﻛﺎن ﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﺪاوة ملﺎري — ﺑﺄن ﻳﺰورﻫﺎ ﰲ
اﻟﺴﺠﻦ ،وﻳﻨﺬرﻫﺎ ﺑﻮﺷﻚ اﻟﻘﺘﻞ ،ﻓﺴﺎر ﻣﻊ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء وأﺑﻠﻐﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﻠﺴﺎن أﻣ ﱠﺮ
ﻣﻦ اﻟﺼﱪ ،وﻓﺆاد أﻗﴗ ﻣﻦ اﻟﺼﺨﺮ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻣﺘﺠﻠﺪة :إﻧﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ رﻋﻴﺔ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻲ؛
ﻧﻔﺴﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﺠﺴﻢ ﻓﺄﻫﻼ ﺑﻪ .أﻻ إن ً ً ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﲇ؟! وإذا ﻛﺎن رﺿﺎﻫﺎ ﺑﻤﻮﺗﻲ
ﺑﺄن ﻳﺘﺤﻤﻞ ﴐﺑﺔ ﺟﻼد؛ ﻓﻬﻮ إذن ﻏري ﺟﺪﻳﺮ ﺑﻨﻌﻴﻢ املﻠﻚ اﻟﺠﻮاد ،ﺛﻢ دﻋﺖ ﻗﺴﻴﺴﻬﺎ —
ً
أﺳﻘﻔﺎ ﻟﻮﺗريﻳٍّﺎ ﻟﻜﺎن أﻗﺮب وﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺣﺎﻟﻮا ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ — ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺒﻼء :ﻟﻮ ﻓﺎوﺿﺖ
ﻣﺘﺤﻤﺴﺎ ﰲ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻓﻘﺎل :إن ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻮت، ً ْ
ﻓﺄﺑﺖ ،وﻛﺎن أﻣري »ﻛﻨﺖ« ﻟﻠﺘﻘﻮى،
وﻣﻮﺗﻚ ﺣﻴﺎة ﻟﻨﺎ.
780
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﻋﺎدﺗﻬﺎ ،وﺣﺎﻧﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻔﺘﺔ ﻓﺮأتوملﺎ اﻧﴫﻓﻮا أﻣﺮت ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم وﺗﻨﺎوﻟﺖ ً
ُﺧﺪﱠاﻣﻬﺎ ﻳﺒﻜﻮن ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ :ﻛﻔﻮا ﻳﺎ إﺧﻮﺗﻲ ،واﻓﺮﺣﻮا ﺑﺎﻧﻄﻼﻗﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎ َﻟ ِﻢ؛ ﻋﺎﻟﻢ
ً
رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎء ،ﻓﴩﺑﻮا ﻣﻌﻬﺎ رﻛﻌً ﺎ وﻗﺪ ﻣﺰﺟﻮا اﻟﺸﻘﺎء ،ﺛﻢ ﴍﺑﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺸﺎء ﻋﲆ أﺳﻤﺎﺋﻬﻢ
ﴍاﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ﺑﻤﺎء ،واﻟﺘﻤﺴﻮا ﻋﻔﻮﻫﺎ ،ﻓﻌﻔﺖ ﻋﻨﻬﻢ ،واﺳﺘﻌﻔﺘﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻛﺘﺒﺖ
وﺻﻴﺘﻬﺎ ،ووزﻋﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺣﻼﻫﺎ وأﻟﺒﺴﺘﻬﺎ ،وﻛﺘﺒﺖ إﱃ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ رﺳﺎﺋﻞ وﺻﺎة ﰲ ﺣﻖ
ﺟﻤﻴﻊ ﺣﺎﺷﻴﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻮدﱠﻋﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم ﺑﺎﻟﻐﺮار ،وأﺣﻴﺖ ﺳﺎﺋﺮ ﻟﻴﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻬﺠﺪ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر.
وملﺎ أﻟﻘﺖ اﻟﻐﺰاﻟﺔ ﻟﻌﺎﺑﻬﺎ ﺟﺎء أﻣﺮ ﰲ ﻃﻼﺑﻬﺎ ،وﻛﺎن اﻟﻨﻬﺎر ﺻﺎﺣﻴًﺎ ،ووﺟﻪ اﻟﺴﻤﺎء
ﺿﺎﺣ ًﻜﺎ ﺿﺎﺣﻴًﺎ ،ﻓﻠﺒﺴﺖ أﺑﻬﻰ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ،وأﺳﺪﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ رداء ﻣﻦ ﻛﺘﺎن ،وﺧﺮﺟﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر
وﺳﺠﺘﻬﺎ ﰲ ﺑﻨﺎﻧﻬﺎ ،وﻋﲆ ﻣُﺤﻴﱠﺎﻫﺎ اﻟﺼﺒﻴﺢ اﻟﻮﻗﻮر ﺳﻤﺎت اﻟﺨﻔﺮ واﻟﺘﺠﻠﺪ ،وﻛﺎن املﺠﺪ
واﻹﺟﻼل ﻳﺴريان ﰲ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ.
وملﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻘﺘﻠﻬﺎ اﺳﺘﻘﺒﻠﻬﺎ اﻷﻋﻴﺎن واﻷﻣﺮاء ،وﺑﻴﻨﻬﻢ ﺧﺎدﻣﻬﺎ »ﻣﻠﻔﻦ« ﻳﴩق ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء،
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :روﻳﺪك ﻳﺎ »ﻣﻠﻔﻦ« ،وﻛﻔﺎك ﻧﺤﻴﺒًﺎ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺗﺮى ﻣﺎري ﻣﻌﺘﻮﻗﺔ ﻣﻦ ﻗﻴﺪ
أﺣﺰاﻧﻬﺎ ،ﻓﻘﻞ ﻷﻫﻞ ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا :إﻧﻲ أﻣﻮت ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﺣﺎﻓﻈﺔ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ وﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ﻋﻬﺪي.
إﻟﻬﻲ اﻏﻔﺮ ملﻦ ﻇﻤﺊ إﱃ دﻣﻲ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻤﺄ اﻹﺑﻞ إﱃ املﺎء .إﻟﻬﻲ إﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﴎاﺋﺮي وﺧﻔﺎﻳﺎ
ﺿﻤﺎﺋﺮي؛ ﻓﱪﱢﺋﻨﻲ ﻋﻨﺪ اﺑﻨﻲ اﻟﻴﺘﻴﻢ ،أو أﻟﻬﻤﻪ أن ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻟﻢ ﺗﺪﻧﺲ ﺣﺮﻣﺘﻪ ،وﻟﻢ ﺗﺸﻦ
وﻓﻘﻪ إﱃ أن ﻳﻨﻬﺞ ﻣﻊ ﻣﻠﻜﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻣﻨﻬﺞ ﺻﺪق ووداد .إﻧﻚ ﻟﻐﻔﻮر ﺳﻤﻴﻊ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ .إﻟﻬﻲ ﱢ
ﺟﻮاد.
ﺛﻢ ذرﻓﺖ ﻣﺪاﻣﻌﻬﺎ ﻛﻜﺮﻳﺎت ﻣﻦ املﺎس ﺗﻘﺬف ﻣﻦ ﻟﺠني ،وﺗﺪﺣﺮج ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺘﻲ
ﺗﻮﻻه اﻹﻏﻤﺎء ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ ﻟﺠني ،وودﻋﺖ ﺧﺎدﻣﻬﺎ اﻟﻮداع اﻷﺧري ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻊ ﰲ اﻟﺒﻜﺎء ﺣﺘﻰ ﱠ
ﺑﺠﻼﻟﻬﺎ إﱃ اﻷﻣﺮاء ،ورﻏﺒﺖ إﻟﻴﻬﻢ أن ﻳُﺴﺎﻋﺪوا ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﻋﲆ إﺣﺮاز ﻣﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ وﺻﻴﺘﻬﺎ،
وأن ﻳﻤﻜﻨﻮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻗﺘﻠﻬﺎ ،ﻓﺘﺠﺎﰱ أﻣري »ﻛﻨﺖ« ﻋﻦ ﻣﻄﻠﺒﻬﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ؛
ﻟﻮﺳﺎوس ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻻ ﺗﺨﻒ در ًﻛﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﻌﺎج اﻟﻮدﻳﻌﺔ اﻟﻮرﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ
ﻣﺄرب ﻟﻬﺎ إﻻ اﻟﺘﻤﲇ ﻣﻨﻲ ﺑﻬﺬا اﻟﻮداع اﻷﻟﻴﻢ ،وﻋﻨﺪي أن ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻨﻌﻨﻲ ذﻟﻚ ،ﻛﻴﻒ
أﻳﻀﺎ واﺑﻨﺔ ﻣﻠﻚ ،وزوﺟﺔ ﻣﻠﻚ ،وأﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻬﺎ ،وﷲ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻨﻲ أﻗﻮل ﻻ وأﻧﺎ ﻣﻠﻜﺔ ً
ري ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ؟ ﻓﻠﺒﱡﻮﻫﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ،وﺳﺎر أﻣﺎﻣﻬﺎ اﻷﻣﺮاء وﺧﺎدﻣﻬﺎ اﻟﺨﺎصﺑﻘﻠﺐ ﺳﻠﻴﻢ ،وﺿﻤ ٍ
ٍ ذﻟﻚ
وراءﻫﺎ راﻓﻊ رداءﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺑﻠﻐﻮا املﺬﺑﺢ اﺳﺘﻮت ﻋﲆ أرﻳﻜﺔ ﺳﻮداء ،ﻓﺘﲆ أﻣﺮ ﻗﺘﻠﻬﺎ،
ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﺑﺈﺻﻐﺎء.
781
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﺣﺎول اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ أن ﻳﻤﻴﻠﻮا ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺬﻫﺒﻬﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﻢ :إﻧﻲ أﻣﻮت ﻋﲆ ﻣﺎ وﻟﺪت،
ﻓﻄﻠﺐ اﻷﻣﺮاء أن ﻳﺸﱰﻛﻮا ﻣﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﻼة واﻟﺪﻋﺎء ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻟﻜﻢ دﻳﻨﻜﻢ وﱄ دﻳﻦ!
ﺛﻢ ﺟﺜﺖ وأﺧﺬت ﺗﺼﲇ ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﻬﺎ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ،وملﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻛﺮرت اﻻﺳﺘﻐﻔﺎر ﻋﻦ
املﻠﻜﺔ واﻟﺪﻋﺎء ﻻﺑﻨﻬﺎ ،ﻓﺘﻘﺪم اﻟﺠﻼد ﻣﺴﺘﺴﻤﺤً ﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻣﺴﺎﻣﺤﺔ ،ﺛﻢ ﻧﺰع ﻋﻨﻬﺎ ُﺧﺪﱠاﻣﻬﺎ
ﺑﻘﻨﺎع
ٍ ﻄﺖ وﺟﻬﻬﺎ وﻛﻒ اﻟﻌﱪات ،ﺛﻢ ﻏ ﱠ
ﱢ رداءﻫﺎ اﻷﻋﲆ ﺑﺎﻛﻴﺎت ﻧﺎﺋﺤﺎت ،ﻓﻘﺎﺑﻠﺘﻬﻦ ﺑﺎﻟﺼﱪ
أﺳﻮدَ ،واﺳﺘﻮت ﻋﲆ اﻟﺨﺸﺒﺔ ﻗﺎﺋﻠﺔ :إﻟﻬﻲ اﺳﺘﻮدﻋﺘﻚ روﺣﻲ ،واﺳﺘﻘﺒَ َﻠﺖ املﻮت.
ﻓﺘﻘﺪم اﻟﺠﻼد ،وﻗﻄﻊ ﻫﺎﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﻬﺘﻒ اﻷﺳﻘﻒ :ﻫﻜﺬا ﻟﺘﻬﻠﻚ أﻋﺪاؤﻧﺎ! ﺛﻢ ﺣﻨﻄﺖ ﺟﺜﺘﻬﺎ
ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﺣﺘﻔﺎل ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﺑﻴﺘري ﺑﻮرغ« ،وﺻﻨﻊ ﻟﻬﺎ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻣﺄﺗﻢ ﺣﺎﻓﻞ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ
ﻇﺎ ﻓﻮق ﴎﻳﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﻌﻤﺮ ﻳﻮم ﻗﺘﻠﻬﺎ أرﺑﻊ وأرﺑﻌﻮن ﺳﻨﺔ وﺷﻬﺮان ،وﻣﺎ زال رﺳﻤﻬﺎ ﻣﺤﻔﻮ ً
»أﻳﺪﻧﺒﻮرغ« ﻗﺎﻋﺪة ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا ،وﻟﻬﺎ رﺳﻢ آﺧﺮ ﰲ ﻣﺤﺒﺴﻬﺎ اﻷول ﻣﺤﻔﻮ ً
ﻇﺎ ﻣﻊ ﺗﺎج املﻠﻚ
ﻓﺼﻪ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﺒُﻨﺪﻗﺔ ،وﻗﺪ أ ﱠﻟﻒ ﻣﺸﺎﻫري واﻟﺴﻴﻒ واﻟﺼﻮﻟﺠﺎن ،ووﺳﺎم وﺧﺎﺗﻢ ﻳﺎﻗﻮﺗﻲ ﱡ
اﻟﻜﺘﺒﺔ ﺑﺤﻴﺎة »ﻣﺎري« وﺑﺮاءﺗﻬﺎ رواﻳﺎت ﻛﺜرية ،ﺷﻌ ًﺮا وﻧﺜ ًﺮا ،ﺗﺮﻛﻮﻫﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻠﻨﺎس أﻣﺜﻮﻟﺔ
وذﻛﺮى.
782
ﺣﺮف املﻴﻢ
ُ
وﻗﻠﺖ :ﺧﺬوﻫﺎ أﺟﻠﻪ ﻣﻨﺘﻘﻤﺔ ﻣﺘﺸﻔﻴﺔ ،ﻋﲆ ﺣني ﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﻧﻔﴘ إﻟﻴﻚ ،وأﻟﻘﻴﺖ أﻣﺮي ﺑني ﻳﺪﻳﻚ
ﻓﻐ ﱡﻠﻮﻫﺎ؟! آه ﻟﻘﺪ ﻗﴣ أﻫﻞ املﺮوءة! ﻓﻮا ﺣ ﱠﺮ ﻗﻠﺒﺎه!
وآﺧﺮ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة :إﻧﻚ إذا ﻛﻨﺖ ﻻ ﺗﻨﻈﺮﻳﻦ ﰲ ﺳﻮء ﺣﺎﱄ وﺷﺪة ﻣﺼﺎﺑﻲ؛
ﺧﻠﻔﺎ — وأي ﻓﺘﻨﺎزﱄ واﻧﻈﺮي ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﻣﻘﺎﻣﻲ ،واﻋﻠﻤﻲ أن ﰲ »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارث« ً
ﺧﻠﻒ — ﻟﻌﺮش »ﺳﻜﻮﺗﻼﻧﺪا«؟ إﻧﻤﺎ أﻧﺎ ﻋﺎملﺔ أﻧﻚ ﺗﻘﺼﺪﻳﻦ اﻟﺘﻨﻜﻴﻞ ﺑﻲ ،وأﻋﻠﻢ اﻟﺴﺒﺐ ٍ
ﺗﻨﻜﻴﻼ ،وﻻ أرﻫﺐ وﻋﻴﺪًا؛ ﻓﺈن »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ﻟﻢ ﺗﻌﺮف ً اﻟﺪاﻋﻲ إﱃ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أﺧﺎف
ﺑﻨﻔﺲ راﺿﻴﺔ دون أن ٍ ﺑﻌ ُﺪ أي ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺿﻤﱠ ﻬﺎ ﺻﺪر »ﻣﺎري ﺳﺘﻮارث« ،ﻓﺴﺄﺗﺤﻤﱠ ﻞ اﻟﻈﻠﻢ
أﻓﻮه ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ ،ﻣﻜﺘﻔﻴﺔ ﺑﺄن ﱄ رﺑٍّﺎ ﻳُﻨﺼﻒ املﻈﻠﻮم ﻣﻦ اﻟﻈﺎﻟﻢ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳُﺸﻴﺪ املﻤﺎﻟﻚ
وﻳُﻘﻮﱢﺿﻬﺎ ،وﻳﺮﻓﻊ املﻠﻮك وﻳﺨﻔﻀﻬﺎ ،ﻓﻠﻴﻬﻨﺄ ﻟﻚ املﻠﻚ ﻳﺎ »أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت« ،وﻟﺘﻘﺮ ﻋﻴﻨﻚ ﺑﻪ ،وﻗﺪ
ﺧﻼ ﻟﻚ اﻟﺠﻮ؛ ﻓﺎﻣﻠﻜﻲ واﴎﺣﻲ واﻣﺮﺣﻲ! وﻟﻜﻨﻨﻲ أذﻛﺮك ﰲ اﻟﺨﺘﺎم أن ﻻ ﺗﺤﻜﻤﻲ ﺑﻐري
اﻟﻌﺪل واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،واﻟﺴﻼم.
َﺒﻴﺾ ﻓﻮداك، ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﺎ أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ :إﻧﻨﻲ ﻻ أﻗﺎﺑﻠﻚ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﺣﺘﻰ ﻳ ﱠ
وﺗﺼﻔﺮ ﺧﺪاك ﻣﻦ ﺳﺠﻮن إﻧﻜﻠﱰا! وأﻧﺖ ﻻ ﺗﱰﻛﻴﻨﻬﺎ ﺳﺎﻋﺘﺌ ٍﺬ إﻻ ﻟﺘُﻤﺜﲇ رواﻳﺔ ﻣﺤﺰﻧﺔ ﻳﻜﻮن
ﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪور اﻷول! واﻟﺴﻼم.
ﻣﺎري دوارﻟﻴﺎن
وﻫﻲ اﺑﻨﺔ املﻠﻚ »ﻟﻮﻳﺲ ﻓﻴﻠﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ« .وﻟﺪت ﰲ ﺑﺎﻟﺮﻣﻮ ﺳﻨﺔ ١٨١٣م ،وﺗﺰوﺟﺖ ﺳﻨﺔ
١٨٣٧م ﺑﺄﻟﻜﺴﻨﺪر دوق دوود ﺗﻤﱪغ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ١٨٣٩م .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻐﺮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن
املﺴﺘﻈﺮﻓﺔ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻔﺮ ،وﻣﻦ ﻣﺤﻔﻮراﺗﻬﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﺟﺎن دارك؛ ﺣﻔﺮﺗﻪ وﻟﻬﺎ
ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ٢٠ﺳﻨﺔ ،وﻫﻮ اﻵن ﰲ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺘﺤﻒ ﰲ »ﻓﺮﺳﺎﻟﻴﺎ« ،وﻗﺪ ﺣﻔﺮت ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ أﺧﺮى
وﺻﻮرت ﺻﻮ ًرا ﻛﺜرية ﻇﺮﻳﻔﺔ ﺟﺪٍّا.
ﻣﺪام ﺑﻼﻧﺸﺎر
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻠﻮاﺗﻲ اﺷﺘﻬﺮن ﺑﻔﻦ اﻟﺒﺎﻟﻮن؛ أي املﺮﻛﺒﺔ اﻟﻬﻮاﺋﻴﺔ ،وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ »ﺑﻼﻧﺸﺎر« ﻗﺪ
ﺳﻘﻄﺖ ﺛﺮوﺗﻪ وﺧﴪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻪ ،ﻓﺄﻣﴗ ﻓﻘريًا ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ وﻫﻮ ﻋﲆ
ﺷﻨﻘﺎ أو ً
ﻏﺮﻗﺎ. ﻓﺮاش املﻮت :إﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى ﻟﻬﺎ ﻓﺮﺟً ﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ إﻻ ﺑﺄن ﺗﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ً
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺻﻤﻤﺖ ﻋﲆ املﺴري ﰲ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻳﺴري ﻓﻴﻪ ،وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ذﻟﻚ
ﴍﻋﺖ ﰲ اﻟﺼﻌﻮد ﰲ اﻟﻬﻮاء وﻏري ذﻟﻚ ،ﻓﺼﻌﺪت ﻣﺮا ًرا ﻛﺜرية ،وﻧﺠﺤﺖ ﻛ ﱠﻞ اﻟﻨﺠﺎح ،وأﺗﻘﻨﺖ
783
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
784
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﺟﻤﺎﻻ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ أﺧﺬﻫﺎ وﻟﺪه اﻟﻨﻌﻤﺎن ،ﻓﻜﺎن ﻳُﺠﻠﺴﻬﺎ ً ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺮب
ﻣﻊ ﻧﺪﻳﻤﻴﻪ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ واملﻨﺨﻞ ،ﻓﺸﻐﻔﺖ ﺑﺎملﻨﺨﻞ واﻣﺘﺰﺟﺎ ﺣﺒٍّﺎ ،ﻓﺄﻣﺮ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﻳﻮﻣً ﺎ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ أن
ﻳﺼﻔﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل:
ﻓﻘﺎل املﻨﺨﻞ :إن ﻫﺬا وﺻﻒ ﻣُﻌﺎﻳﻦ ،وﺣ ﱠﺮض اﻟﻨﻌﻤﺎن ﻋﲆ ﻗﺘﻠﻪ ،ﻓﻬﺮب — وﻛﺎن
ً
ﻋﻔﻴﻔﺎ — ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج اﻟﻨﻌﻤﺎن إﱃ اﻟﺼﻴﺪ رﺟﻊ ﺑﻐﺘﺔ ،ﻓﻮﺟﺪ املﺘﺠﺮدة ﻣﻊ املﻨﺨﻞ وﻗﺪ أﻟﺒﺴﺘﻪ
أﺣﺪ ﺧﻠﺨﺎﻟﻴﻬﺎ ،وﺷﺪت رﺟﻠﻪ إﱃ رﺟﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺘﻠﻪ .وﻟﻠﻤﻨﺨﻞ ﻓﻴﻬﺎ أﺑﻴﺎت؛ ﻣﻨﻬﺎ:
785
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﺘﻴﱠﻢ اﻟﻬﺸﺎﻣﻴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻴﻢ ﺻﻔﺮاء ﻣﻮﻟﺪة ﻣﻦ ﻣﻮﻟﺪات اﻟﺒﴫة ،وﺑﻬﺎ ﻧﺸﺄت وﺗﺄدﺑﺖ وﻏﻨﺖ ،وأﺧﺬت ﻋﻦ
إﺳﺤﺎق وﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ،وﻋﻦ ﻃﺒﻘﺘﻬﻤﺎ ﻣﻦ املﻐﻨني ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﺑﺬل املﻐﻨﻴﺔ
وﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻋﲆ ﻣﺎ أﺧﺬت ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻤﺪ؛ ﻓﺎﺷﱰاﻫﺎ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﺎ
ازدرت أﺣﺪًا ﻣﻤﻦ ﻛﺎن ﻳﻐﺸﺎه ﻣﻦ املﻐﻨني .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺎس وﺟﻬً ﺎ وﻏﻨﺎءَ وأدﺑًﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل ﺷﻌ ًﺮا ﻣﺴﺘﺤﺴﻨًﺎ ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ،وﺣﻈﻴﺖ ﻋﻨﺪ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺣﻈﻮة ﺷﺪﻳﺪة،
وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻋﻨﺪه ﻋﲆ ﺟﻮارﻳﻪ أﺟﻤﻊ ،وﻫﻲ أم أوﻻده ﻛﻠﻬﻢ ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﺻﻔﻴﺔ — وﺗﻜﻨﻰ أم
اﻟﻌﺒﺎس — ﺛﻢ وﻟﺪت ﻣﺤﻤﺪًا ،وﻳﻌﺮف ﺑﺄﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ ،ﺛﻢ وﻟﺪت ﺑﻌﺪه اﺑﻨًﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻫﺎرون،
وﻳﻌﺮف ﺑﺄﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ ،ﺳﻤﱠ ﺎه املﺄﻣﻮن وﻛﻨﱠﺎه ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ واﻟﻜﻨﻴﺔ ،ﻗﺎل :وملﺎ ﺗﻮﰲ ﻋﲇ ﺑﻦ
ﻫﺸﺎم ﻋﺘﻘﺖ.
َ
»ﴎ ﻣَ ْﻦ َرأى«
وﻛﺎن املﺄﻣﻮن ﻳﺒﻌﺚ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺘﺠﻴﺒﻪ ﻓﺘﻐﻨﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج املﻌﺘﺼﻢ إﱃ ُ ﱠ
أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺎﺳﺘﺨﻠﺼﻬﺎ ،وأﻧﺰﻟﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﺠﻮﺳﻖ ﰲ دار ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ ،وأﻗﻄﻌﻬﺎ
ﻏريﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺄذن املﻌﺘﺼﻢ ﰲ اﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﺑﻐﺪاد إﱃ وﻟﺪﻫﺎ ﻓﺘﺰورﻫﻢ ،ﺛﻢ ﺿ ﱠﻢ إﻟﻴﻬﺎ
ﻗﻠﻢ ،وﻫﻲ ﺟﺎرﻳﺔ ﻟﻌﲇ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم.
ﻗﺎل اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ رﻳﺎح :ﺳﺄﻟﺖ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺮﺑﻴﻌﻲ :ﻣﻦ أﺣﺴﻦ
ﻣﻦ أدرﻛﺖ ﺻﻨﻌﺔ؟ ﻗﺎل :إﺳﺤﺎق ،ﻗﻠﺖ :ﺛﻢ ﻣﻦ؟ ﻗﺎل :ﻋﻠﻮﻳﺔ ،ﻗﻠﺖ :ﺛﻢ ﻣﻦ؟ ﻗﺎل :ﻣﺘﻴﻢ،
أﺣﻖ أن ﻳﺘﺒﻊ. ﻗﻠﺖ :ﺛﻢ ﻣﻦ؟ ﻗﺎل :أﻧﺎ ،ﻓﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻣﺘﻴﻢ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ! ﻓﻘﺎل :اﻟﺤﻖ ﱡ
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻴﻢ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﺑني ﻳﺪي املﻌﺘﺼﻢ ذات ﻳﻮم ﺑﺒﻐﺪاد ،وإﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ املﻬﺪي ﺣﺎﴐ،
ﻓﻐﻨﱠﺖ ﻣﺘﻴﻢ:
ﻓﺄﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أن ﺗﻌﻴﺪه ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺘﻴﻢ ﻟﻠﻤﻌﺘﺼﻢ :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪﻧﻲ
اﻟﺼﻮت ،وﻛﺄﻧﻲ أراه ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺄﺧﺬه! ﻓﻘﺎل :ﻻ ﺗﻌﻴﺪﻳﻪ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ،ﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺣﺎﴐً ا ﻣﺠﻠﺲ املﻌﺘﺼﻢ وﻣﺘﻴﻢ ﻏﺎﺋﺒﺔ ،ﻓﺎﻧﴫف
إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻌﺪ ﺣني إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ ،وﻣﺘﻴﻢ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ﺑﺎملﻴﺪان وﻃﺮﻳﻘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﰲ ﻣﻨﻈﺮة ﻟﻬﺎ
ﻣﴩﻓﺔ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻓﺴﻤﻌﻬﺎ ﺗﻐﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ،ﻓﴬب ﺑﺎب املﻨﻈﺮة ﺑﻤﻘﺮﻋﺔ وﻗﺎل :ﻗﺪ
أﺧﺬﻧﺎه ﺑﻼ ﺣﻤﺪك!
786
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻓﺎﺳﺘﻌﺎده إﺳﺤﺎق واﺳﺘﺤﺴﻨﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻪ :ﺑﻜﻢ ﺗﺸﱰي ﻣﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت؟! ﻓﻘﺎل ﻋﲇ
ﺑﻦ ﻫﺸﺎم :ﺟﺎرﻳﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت وأﺷﱰﻳﻪ ﻣﻨﻚ؟! ﻗﺎل :ﻗﺪ أﺧﺬﺗﻪ اﻟﺴﺎﻋﺔ وأدﱠﻋﻴﻪ،
ﻓﻘﻮل ﻣَ ﻦ ﻳُﺼﺪﱠق :ﻗﻮﱄ أو ﻗﻮﻟﻚ؟! ﻓﺎﺧﱰ اﻵن ﻣﻨﻲ ﺧﻠﺔ ﻣﻦ اﺛﻨﺘني :إﻣﺎ أن ﺗﻬﺒﻨﻲ اﻟﱪذون
وﺗﺤﻤﻠﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ،وإﻣﺎ أن أﺑﻴﺖ ﻓﺄدﻋﻲ وﷲ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﱄ وﻗﺪ أﺧﺬﺗﻪ ،ﻗﺎل ﻋﲇ :ﻳُﺆﺧﺬ
ﻗﻮﻟﻚ وﻳُﱰك ﻗﻮﱄ! ﻻ وﷲ ﻣﺎ أﻇﻦ ﻫﺬا ،وﻻ أراه! ﻳﺎ ﻏﻼم ،ﻗﺪﱢم ﻫﺬا اﻟﱪذون إﱃ ﻣﻨﺰل أﺑﻲ
ﻣﺤﻤﺪ َ ْ
ﺑﴪﺟﻪ وﻟﺠﺎﻣﻪ ،ﻻ ﺑﺎرك ﷲ ﻟﻚ ﻓﻴﻪ!
وﻛﻠﻢ اﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﻣﺘﻴﻢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ ﻛﻼم ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺟﻮاﺑًﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﺿﻪ ،ﻓﺪﻓﻊ ﻳﺪه ﰲ ﺻﺪرﻫﺎ،
ﻓﻐﻀﺒﺖ وﻧﻬﻀﺖ ﻓﺘﺜﺎﻗﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﺨﺮوج إﻟﻴﻪ ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ:
ْ
وﻋﺘﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮة ﻓﺘﻤﺎدى ﻓﺼﻨﻌﺖ ﻟﻪ ﻟﺤﻨًﺎ وﺧﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ وﺻﺎﻟﺤﺘﻪ وﻏﻨﱠﺘﻪ اﻟﺼﻮت،
ﻋﺘﺒﻬﺎ ،وﺗﺮﺿﺎﻫﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺮض ،ﻓﻘﺎل اﻟﺪﻻل ﻳﺪﻋﻮ إﱃ املﻼل ،ورب ﻫﺠﺮ دﻋﺎ إﱃ ﺻﱪ ،وإﻧﻤﺎ
ﺳﻤﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻗﻠﺒًﺎ ﻟﺘﻘ ﱡﻠﺒﻪ ،وﻟﻘﺪ ﺻﺪَق اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ اﻷﺣﻨﻒ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل:
787
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ،وﻗﺎل اﻟﻬﺸﺎﻣﻲ :ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻴﻢ ﺗﺤﺒﻨﻲ ﺣﺒٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻣﺤﺒﺔ اﻷﺧﺖ
ﻷﺧﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف أﻧﻲ أﺣﺐ اﻟﻨﺒﻖ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ أﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ ﰲ داري ﰲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﰲ
وﻗﺖ اﻟﺴﺤﺮ إذا أﻧﺎ ﺑﺒﺎﺑﻲ ﻳﺪق ،ﻓﻘﻴﻞ :ﻣﻦ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﺧﺎدم ﻣﺘﻴﻢ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺪﺧﻞ إﻟﻴﻚ،
ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺪﺧﻞ ،ﻓﺪﺧﻞ وﻣﻌﻪ ﺻﻴﻨﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺒﻖ ،ﻓﻘﺎل ﱄ :إن ﻣﺘﻴﻢ ﺗُﻘﺮﺋُﻚ اﻟﺴﻼم وﺗﻘﻮل ﻟﻚ:
ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪ أﻣري املﺆﻣﻨني املﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎهلل ،ﻓﺠﺎءه ﻧﺒﻖ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ،ﻓﺄﻣﺮ أن ﻳﻮﺿﻊ
ﰲ ﺻﻴﻨﻴﺔ وﻳُﻘﺪﱢﻣﻮﻫﺎ إﱃ ﻣﺘﻴﻢ ،ﻓﻔﻌﻠﻮا ،ﻓﺄﻣﺮﺗﻨﻲ أن آﺗﻲ ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻚ ،ودﻓﻌﺖ إﱄ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ
اﻟﻨﻘﻮد ﺣﺘﻰ أدﻓﻌﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﺮاس ﻟﻴﺨﺮﺟﻮﻧﻲ ﺑﻬﺎ ،وﻫﺎ ﻫﻲ ﻋﻨﺪ املﻌﺘﺼﻢ.
ووﻓﺪت ﻋﲆ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺟﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﺮاﺳﺎن ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ :اﻋﺮض ﻋﲇ ﱠ ﺟﻮارﻳﻚ،
ﻓﻌﺮﺿﻬﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﲆ اﻟﴩاب ،وﻏﻨﱠﺖ ﻣﺘﻴﻢ وأﻃﺎﻟﺖ ﺟﺪﺗﻪ اﻟﺠﻠﻮس ،ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺒﺴﻂ
اﺑﻦ ﻫﺸﺎم إﻟﻴﻬﻦ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺎل ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني:
وﻗﺪ ﻣﻨﻊ اﻟﺰوار ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻜﻠﻢ أﻳﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا وأﻧﺖ ﻗﺮﻳﺒﺔ
وﻟﻜﻦ ﺳﻼم ﻣﻦ ﺣﺒﻴﺐ ﻣﺘﻴﻢ ﺳ ﻼم ﻋ ﻠ ﻴ ﻜ ﻢ ﻻ ﺳ ﻼم ﻣ ﻮدع
وﻛﺘﺒﻬﺎ ﰲ رﻗﻌﺔ ورﻣﻰ ﺑﻬﺎ إﱃ ﻣﺘﻴﻢ ،ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﺎ وﻧﻬﻀﺖ إﱃ اﻟﺼﻼة ،ﺛﻢ ﻋﺎدت وﻗﺪ
ﺻﻨﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻟﺤﻨًﺎ ،ﻓﻐﻨﺖ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺷﺎﻫﻚ — وﻫﻲ ﺟﺪة اﺑﻦ ﻫﺸﺎم :ﻣﺎ أراﻧﺎ إﻻ ﻗﺪ ﺛﻘﻠﻨﺎ
ﻣﺤﻔﺘﻬﺎ ،وأﻣﺮت ﺑﺠﻮاﺋﺰ ﻟﻠﺠﻮاري وﺳﺎوت ﺑﻴﻨﻬﻦ،ﱠ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻴﻮم .وأﻣﺮت اﻟﺠﻮاري ﻓﺤﻤَ ﻠﻦ
وأﻣﺮت ملﺘﻴﻢ ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ.
وﻣ ﱠﺮت ﻣﺘﻴﻢ ﰲ ﻧﺴﻮة وﻫﻲ ﻣﺴﺘﺨﻔﻴﺔ ﺑﻘﴫ ﻋﲇ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻠﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ﺑﺎﺑﻪ
ً
ﻣﻐﻠﻘﺎ ﻻ أﻧﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺪ ﻋﻼه اﻟﱰاب واﻟﻐﱪة ،وﻃﺮﺣﺖ ﰲ أﻓﻨﻴﺘﻪ املﺰاﺑﻞ؛ وﻗﻔﺖ وﻗﺎﻟﺖ:
ﺣ ﺎﺷ ﺎ ﻷﻃ ﻼﻟ ﻚ أن ﺗ ﺒ ﻠ ﻰ ﺰﻻ ﻟ ﻢ ﺗ ﺒ ﻞ أﻃ ﻼﻟ ﻪ ﻳﺎ ﻣﻨ ً
أﺑ ﻜ ﻴ ﺖ ﻋ ﻴ ﻨ ﻲ ﻓ ﻴ ﻚ إذ وﻟ ﻰ ﻟ ﻢ أﺑ ﻚ أﻃ ﻼﻟ ﻚ ﻟ ﻜ ﻨ ﻨ ﻲ
ﻏ ﻴ ﺒ ﻪ اﻟ ﺘ ﺮب وﻣ ﺎ ﻫ ﻼ ﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻲ ﻓﻴﻚ ﻫﻮى ﻣﺪة
ﻋ ﻨ ﺪ ادﱢﻛ ﺎري ﺣ ﻴ ﺜ ﻤ ﺎ ﺣ ﻼ ﻓ ﺼ ﺮت أﺑ ﻜ ﻲ ﺟ ﺎﻫ ﺪًا ﻓ ﻘ ﺪه
ﻻ ﺑ ﺪ ﻟ ﻠ ﻤ ﺤ ﺰون أن ﻳ ﺴ ﻠ ﻰ ﻓﺎﻟﻌﻴﺶ أوﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻜﺎه اﻟﻔﺘﻰ
ﺛﻢ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻦ ﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ،وﺟﻌﻞ اﻟﻨﺴﻮة ﻳﻨﺎﺷﺪﻧﻬﺎ وﻳﻘﻠﻦ :ﷲ ﷲ ﰲ ﻧﻔﺴﻚ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﻻ
ﺗﺆاﺧﺬﻳﻦ اﻵن .ﻓﺒﻌﺪ ﻛﻞ ﺟﻬﺪ ﺣُ ِﻤﻠﺖ ﺗﺘﻬﺎدى ﺑني اﻣﺮأﺗني ﺣﺘﻰ ﺗﺠﺎوزت املﻮﺿﻊ.
788
ﺣﺮف املﻴﻢ
وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻴﻢ :ﺑﻌﺚ إﱄ ﱠ املﻌﺘﺼ ُﻢ ﺑﻌﺪ ﻗﺪوﻣﻪ ﺑﻐﺪاد ،ﻓﺬﻫﺒﺖ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺄﻣﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء
ﻓﻐﻨﻴﺖ:
ﻓﻘﺎل :اﻋﺪﱄ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ إﱃ ﻏريه ،ﻓﻐﻨﱠﻴﺘﻪ ﻏريه ﻋﻦ ﻣﻌﻨﺎه ،ﻓﺪﻣﻌﺖ ﻋﻴﻨﺎه وﻗﺎل:
ﻏﻨﻲ ﻏري ﻫﺬا ﻓﻐﻨﻴﺘﻪ:
789
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
790
ﺣﺮف املﻴﻢ
»ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« اﻧﻜﺴﺎ ًرا ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،وﺛﺒﺖ املﻠﻚ »ﻹدوارد اﻟﺮاﺑﻊ« ،ﻓﺴﺎﻓﺮت »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ،
وﻃﻠﺒﺖ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻣﻠﻚ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٤٦٤م ،رﺟﻌﺖ إﱃ »اﺳﻜﻮﺗﺴﻴﺎ« ﺑﺨﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻣﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳني،
واﺟﺘﻤﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﻮم ﻣﻦ اﻻﺳﻜﻮﺗﺴﻴني ،ﻓﺄﴐﻣﺖ ﻧﺎر اﻟﺤﺮب ،وﺟﺮى ﻟﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻠﻮرد »ﻣﻮﻧﺘﺎ
ﻛﻴﻮت« ،اﻟﺠﻨﺮال اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ،ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ »ﻫﻜﺴﺎم« ،ﻓﺪارت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺪاﺋﺮة ،وأﴎ
املﻠﻚ ﻫﻨﺮي زوﺟﻬﺎ وﻛﺜريون ﻣﻦ اﻟﺮؤﺳﺎء واﻟﻘﻮاد .وأﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻬﺮﺑﺖ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ً
أﻳﻀﺎ ،وذﺑَﺢ
إدوارد أﻋﺪاءه ذﺑﺤً ﺎ ذرﻳﻌً ﺎ ﰲ أواﺋﻞ اﻻﻧﺘﺼﺎر.
ﺛﻢ ﻋﻤﺪ إﱃ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﺮﻓﻖ ﺑﺎﻟﺮﻋﻴﺔ ،واﻧﺘﻬﺰ ﻓﺮﺻﺔ ﻏﻴﺎب »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ،ﻓﺄﻃﻠﻖ ﻟﻨﻔﺴﻪ
ﴎا ﺑﺎﻣﺮأة اﺳﻤﻬﺎ »إﻟﻴﺰاﺑﻴﺚ« — أرﻣﻠﺔ اﻟﺴﺎرﺟﻮن »ﻏﺮاي« ،واﺑﻨﺔ »رﺗﴩد اﻟﻌﻨﺎن ،وﺗﺰوج ٍّ
دوﻓﻴﻞ« ،وﻫﻮ اﻟﺒﺎرون »رﻳﻔﺮس« — وﻛﺎن ﻗﺪ ﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ وﻫﻮ ﰲ اﻟﻌﻴﺪ ﰲ ﻏﺎﺑﺔ
ﻏﺮﻓﺘﻮن ،وﰲ ﺷﻬﺮ أﻳﻠﻮل )ﺳﺒﺘﻤﱪ( أﻋﻠﻦ ﺟﻬﺎ ًرا أﻧﻬﺎ زوﺟﺘﻪ وﻣﻠﻜﺔ إﻧﻜﻠﱰا ،ووﺟﱠ ﻪ إﱃ
أﺑﻴﻬﺎ ﻟﻘﺐ أرل ،ﻓﺴﺎء ﻫﺬا اﻻﻗﱰان أرل »وروﻳﻚ« اﻟﻌﺎﺗﻲ املﺘﻜﱪ؛ ﻷن »إدوارد« ﻛﺎن ﻳﻮد
أن ﻳﻘﱰن ﺑﺎﻟﱪﻧﺴﻴﺲ ﺑﻮﻧﺔ دوﺳﺎﻗﻮا ،وﻋﻬﺪ إﻟﻴﻪ ﻣﺨﺎﺑﺮﺗﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ واﺳﺘﻤﺎﻟﺘﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻨﺠﺢ
ﰲ ﻣﺨﺎﺑﺮﺗﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ »إدوارد« ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ،ﻓ َﻜﱪ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ اﻷرل واﺳﺘﻌﻈﻤﻪ ،واﺗﺤﺪ ﻣﻊ
ﺷﻘﻴﻖ »إدوارد« — وﻫﻮ دوق ﻛﻼرﻧﺲ — وﺟﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻌﺼﻴﺎن ﺳﻨﺔ ١٤٦٩م.
ﻓﻈﻬﺮت ﰲ اﻟﺤﺎل ﻧﺘﻴﺠﺔ اﺗﺤﺎده ﻣﻊ أﴍاف اﻟﺒﻼد وأﻛﺎﺑﺮﻫﺎ ﻏري املﺮﺗﻀني ﺑﺘﴫﻓﺎت
»إدوارد« ،واﻣﺘﺪت اﻟﺜﻮرات ﰲ ﻛﻞ ﺟﻬﺎت اﻟﺒﻼد ،وﺟﻨﱠﺪ »روﺑني« ﻣﻦ ردﺳﺬال ﰲ ﻛﻮﻧﻴﺘﺔ
ﺑﻮرك ٦٠أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ وﺷﻬﺮ اﻟﺤﺮب ،ﻓﺴﺎر إﻟﻴﻪ »إدوارد« .وﻛﺎن »وروﻳﻚ« ﻗﺪ ذﻫﺐ إﱃ
ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﺎﺳﺘﻤﺎل إﻟﻴﻪ ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ ،وﺻﺎﻟﺢ »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ﻋﺪوﺗﻪ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ورﺟﻊ إﱃ
إﻧﻜﻠﱰا ﺑﻌﺴﺎﻛﺮ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻨﺰل ﰲ »درﺗﻤﻮت« وﻟﻢ ﻳﻤﺾ إﻻ أﻳﺎم ﻗﻼﺋﻞ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻋﻨﺪه ٦٠
أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ وﻧﻴﻒ؛ ﻷن اﻟﺸﻌﺐ ﻛﺎن ﻳﺤﺒﱡﻪ ﻛﺜريًا ،ﻓﺘﻘﺪﱠم إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ،وﻛﺎن ﺗﻘﺪﱡﻣﻪ ﺳﺒﺒًﺎ
ﻻﻧﺤﻼل ﻋﺰاﺋﻢ اﻟﺠﻨﻮد املﻠﻜﻴﺔ ،ﻓﻬﺮب إدوارد إﱃ ﻫﻮﻻﻧﺪا ﺳﻨﺔ ١٤٧٠م ،وأُﺧﺮج ﺧﺼﻤﻪ
ﻣﺤﺒﻮﺳﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺴﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﰲ أزﻗﺔ ﻟﻨﺪن وﺷﻮارﻋﻬﺎ ﺗﻀﺞ ﻣﺮة ً ﻣﻦ اﻟﻘﴫ اﻟﺬي ﻛﺎن
أﺧﺮى ﺑﺬﻛﺮ اﺳﻤﻪ ،واﻟﺘﺄم املﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﱄ ﺑﺄﻣﺮ املﻠﻚ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻓﺤﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ »إدوارد« ﺑﺄﻧﻪ
ﻏﺎﺻﺐ ،وﺻﺎدف املﺘﺤﺰﺑﻮن ﻟﻪ إﻫﺎﻧﺔ واﺣﺘﻘﺎ ًرا ﻧﻘﻀﺖ ﻛﻞ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﰲ أﻳﺎﻣﻪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻄﻮة »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ﰲ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻧﺎﻓﺬة ،وأﺣﺰاﺑﻬﺎ ﻛﺜريون ،وﻛﻠﻤﺎ أرادت
اﻟﺜﻮرة ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ،وآﻟﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ أن ﻻ ﺗﺪع إﻧﻜﻠﱰا ﰲ راﺣﺔ ﻣﺎ داﻣﺖ ﻋﲆ ﻗﻴﺪ
اﻟﺤﻴﺎة؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺻﺎرت ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ واﻟﻔﺘﻦ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺜﻮرة ﻛﺎﻧﺖ أول ﻣَ ﻦ ﺑﺎدر
791
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺟﻴﺸﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﻤﻨﻚﴎا؛ ﻓﺠﻤﻊ »إدوارد« ً إﻟﻴﻬﺎ ،إﻻ أن دوق ﺑﺮﻏﻨﺪﻳﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺎﻋﺪ »إدوارد« ٍّ
ﰲ ﻣﺪة ﻗﺼرية ،وﺳﺎر ﺑﻬﻢ إﱃ »راﻓﻨﺴﺒﻮر« ،وﺗﻘﺪم إﱃ داﺧﻠﻴﺔ اﻟﺒﻼد ﻣﺘﻈﺎﻫ ًﺮا أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺄت
إﻧﻜﻠﱰا إﻻ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻷﻣﻼك اﻟﺘﻲ ورﺛﻬﺎ ﻣﻦ آﺑﺎﺋﻪ.
وﻛﺎن ﻳﻮﴆ رﺟﺎﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﴫﺧﻮا ﻗﺎﺋﻠني :ﻓﻠﻴﻌﺶ املﻠﻚ ﻫﻨﺮي! إﱃ أن وردت إﻟﻴﻪ
ﻧﺠﺪات ﻛﺎﻓﻴﺔ ملﻘﺎﺗﻠﺔ أﻋﺪاﺋﻪ ،ﻓﺠﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪوان ،واﻟﺘﻘﺖ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﰲ ﺑﺮﻧﺖ ﰲ ١٤ﻧﻴﺴﺎن
)أﺑﺮﻳﻞ( ﺳﻨﺔ ١٤٧١م ،ﻓﺪارت اﻟﺪاﺋﺮة ﻋﲆ اﻟﻠﻨﻜﺴﱰﻳني ،وﻗﺘﻞ »وروﻳﻚ« ﻓﺎﺳﺘﻮﱃ »إدوارد«
أﻳﻀﺎ ،وأرﺟﻌﻪ إﱃ اﻟﺤﺒﺲ .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ﻋﲆ ﻟﻨﺪن ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ،وﻗﺒﺾ ﻋﲆ »ﻫﻨﺮي« ً
ﺧﺮﺟﺖ »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وأﺗﺖ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﻊ وﻟﺪﻫﺎ »إدوارد« ،وﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ
١٨ﺳﻨﺔ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ ﰲ »وﻳﻤﻮت« ﺑﺠﻴﺶ ﻓﺮﻧﺴﺎوي ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻬﺎر اﻟﺬي ﺟﺮت ﻓﻴﻪ ﻣﻮﻗﻌﺔ
ﺑﺮﻧﺖ ،وﺣﺪث ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني دوق »ﴎ ﻣﺮﻧﺖ« ﻗﺘﺎل ﰲ »ﺗﻴﻮﻛﺴﱪي« ﰲ ٤أﻳﺎر )ﻣﺎرس(
ﺳﻨﺔ ١٤٧١م ،ﻓﺎﻧﻜﴪت ﺟﻨﻮدﻫﺎ ،وﻗﺘﻞ اﺑﻨﻬﺎ ،وأﴎت ﻫﻲ ،ﻓﺒﻘﻴﺖ ﰲ اﻷﴎ ﺧﻤﺲ ﺳﻨني
إﱃ أن اﻓﺘﺪاﻫﺎ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ .أﻣﺎ زوﺟﻬﺎ املﻠﻚ »ﻫﻨﺮي« ﻓﻤﺎت ﰲ اﻟﺤﺒﺲ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ املﻌﺮﻛﺔ
ٍ
ﻗﻠﻴﻠﺔ. ﺑﺄﺳﺎﺑﻴ َﻊ
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٤٧٤م ،ﺗﻮاﻃﺄ ﻛﻞ ﻣﻦ »إدوارد« ودوق »ﺑﺮﻏﻨﺪﻳﺎ« ﻋﲆ ﻗﺴﻤﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ إﱃ
ﻗﺴﻤني :أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﴩﻗﻴﺔ ،ﺗﺴﺘﻮﱄ ﻋﻠﻴﻪ »ﺑﺮﻏﻨﺪﻳﺎ« ،واﻵﺧﺮ
ﺗﺴﺘﻮﱄ ﻋﻠﻴﻪ إﻧﻜﻠﱰا ،ﻓﻌﱪ »إدوارد« ﰲ ﻣﻀﻴﻖ »ﻛﺎﻧﻲ« ﺑﺠﻴﺶ إﻧﻜﻠﻴﺰي ،إﻻ أن دوق
ﻳﻒ ﺑﻌﻬﺪه ،ﻓﺄرﺳﻞ ﻹدورد ﺗﺤﺮﻳ ًﺮا ﻳﻌﺘﺬر ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻗﺼﻮره. ﺑﺮﻏﻨﺪﻳﺎ ﻟﻢ ِ
وملﺎ ﻋﻠﻤﺖ »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ﺑﺬﻟﻚ ﺳﻌﺖ ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﻋﻘﺪت ﻣﻌﺎﻫﺪة ﻣﺎ ﺑني »إدوارد« و»ﻟﻮﻳﺲ«،
ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،آﻟﺖ إﱃ ﻧﻔﻊ »إدوارد« ،ﻓﺈﻧﻪ ﺗﻘﺮر ﻓﻴﻬﺎ أن ﻟﻮﻳﺲ ﻳﺪﻓﻊ ﻹدوارد وﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر
رﺟﺎﻟﻪ ﻣﺮﺗﺒﺎت ﺳﻨﻮﻳﺔ واﻓﺮة ،وﺟﺮت ﻫﺬه املﻌﺎﻫﺪة ﻣﻦ دون ﻗﺘﺎل ،ﺛﻢ إن »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« أوﻗﻌﺖ
ﺧﻼﻓﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﺑني »إدوارد« وأﺧﻴﻪ »ﻛﻼرﻧﺲ«؛ ﻷن »إدوارد« ﻣﻨﻊ »ﻛﻼرﻧﺲ« ﺑﻤﺪاﺧﻠﺘﻪ ﻣﻦ ً
اﻟﺘﺰوج ﺑﺎﺑﻨﺔ دوق »ﺑﺮﻏﻨﺪﻳﺎ« ،وﻛﺎﻧﺖ وارﺛﺔ املﻠﻚ ﺑﻌﺪ أﺑﻴﻬﺎ ،وذات ﺛﺮوة واﻓﺮة ،وﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﺑﻤﺪ ٍة وﺟﻴﺰة ﻗﺘﻞ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ أﺻﺤﺎب »ﻛﻼرﻧﺲ«؛ ﻟﺘﻬﻤﺎت ﻛﺎذﺑﺔ ﻛﺎن ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ أﻧﻬﻤﺎ
ﴎا ﰲ ﺷﻬﺮ ﺷﺒﺎط )ﻓﱪاﻳﺮ( ﺳﻨﺔ ١٤٧٨م، ﺳﺎﺣﺮان! ﻓﺄﺧﺬ ﻛﻼرﻧﺲ ﰲ ﺗﱪﺋﺘﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺘﻠﻪ ٍّ
ﺑﺪﻋﻮى أﻧﻪ ﻃﻌﻦ ﰲ ﻋﺪاﻟﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ! واﻧﻬﻤﻚ »إدوارد« ﰲ آﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﰲ اﻟﻠﺬات واملﻼﻫﻲ،
وأﻫﻤﻞ ﻣﺼﺎﻟﺢ املﻤﻠﻜﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ ﺑﻌﺪه »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ
وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺮة اﻟﻌني ﺑﺄﺧﺬ ﺛﺄرﻫﺎ ﻣﻦ »إدوارد«؛ ﺣﻴﺚ ﻧ ﱠﻜﺪت ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻌﺪه
ﺑﻤﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ.
792
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ دي ﻓﺎﻟﻮا
ﻫﻲ ﺷﻘﻴﻘﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ اﻷول ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻜﺎﺗﺒﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻧﺒﻐﻦ ﰲ
ﻋﻬﺪه ،وﻟﺪت ﰲ »أﻧﻜﻮﻟﺒﻢ« ﺳﻨﺔ ١٤٩٢م ،وﺗﺰوﺟﺖ »ﺑﴩل دي ﻓﺎﻟﻮا« دوق اﻷﻧﺴﻮن ﺳﻨﺔ
١٥٠٩م ،ﺛﻢ ﺗﻮﰲ زوﺟﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٥٢٧م ،ﻓﺤﺰﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺰﻧًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وزاد ﺣﺰﻧﻬﺎ ﺑﻤﺎ
ﻛﺎن وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻣﻦ أﴎ أﺧﻴﻬﺎ ،وﻣﺎ أﻟ ﱠﻢ ﺑﺼﺤﺘﻪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻼل ،ﻓﺴﺎرت إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ وﺧﺎﻃﺒﺖ
اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﴍﻟﻜﺎن« ووزراءه ﰲ أﻣﺮه ،ﻓﺎﺿﻄﺮوا إﱃ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ ﺑﺎﻹﻛﺮام؛ ملﺎ رأوه ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ً
ﺟﻤﻴﻼ ،وﻋﻘﺪ زواﺟﻬﺎ ﻈﺎ ﻷﺧﺘﻪ ذﻛ ًﺮا اﻟﺤﺰم ،وﻋﻨﺪ رﺟﻮع ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ اﻷول ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﻘﻲ ﺣﺎﻓ ً
ﺳﻨﺔ ١٥٢٧م ﻋﲆ »ﻫﻨﺮي داﻟﱪﻳﺖ« ﻣﻠﻚ ﻧﺎﻓﺎر ،ﻓﺮزﻗﺖ ﻣﻨﻪ داﻟﱪﻳﺖ واﻟﺪة »ﻫﻨﺮي اﻟﺮاﺑﻊ«.
وﻛﺎﻧﺖ »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ دي ﻓﺎﻟﻮا« ﻣﺠﺎﻫﺮة ﺑﺎملﺤﺎﻣﺎة ﻋﻦ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ،ﻓ ُﺮﻓﻌﺖ اﻟﺸﻜﻮى
ﻋﻠﻴﻬﺎ إﱃ أﺧﻴﻬﺎ ،وﺣﺮﺿﺖ إﺣﺪى اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ أن ﻳﺒﺘﺪئ ﺑﻌﻘﻮﺑﺘﻬﺎ إذا رﻏﺐ ﰲ
اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻬﺮﺗﻘﺎت ﻣﻦ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ،ﻓﺘﺼﺎﻣﻢ املﻠﻚ ﻋﻦ اﺳﺘﻤﺎع ذﻟﻚ وﻗﺎل :إن أﺧﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﻘﺪ
إﻻ ﻣﺎ أﻋﺘﻘﺪه ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺪﻳﻦ ﺑﺪﻳﻦ ﻳﴬﱡ ﺑﻤﻤﻠﻜﺘﻲ .وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮت ﻫﺬه اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺑﻄﻴﺒﺔ
اﻟﻘﻠﺐ ،وﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ،وﺣﺐ اﻟﻔﻘﺮاء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗُﺤﺴﻦ ﺑﺎﻷﻣﻮال اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ﻋﲆ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ﰲ
»ﻻﻧﺴﻮن وﻣﻮرﺗﺎﻧﻲ« ،وﺑﻨ َ ْﺖ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ِﻟ ﱡﻠﻘﻄﺎء أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ اﻷوﻻد اﻟﺤُ ﻤﺮ ،واﺗﺼﻔﺖ ﺑﺠﻤﻴﻊ
املﻨﺎﻗﺐ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﱠ ﺎﻫﺎ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮاء ﻋﴫﻫﺎ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ وﻋﺮوس اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺎﴍة.
وﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﻘﺮرة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ اﺛﻨﺎن إﺷﻐﺎل ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ﺑﺎملﺮﻛﺰ اﻷﻋﲆ
ﰲ ﻣﺮاﺗﺐ اﻵداب ﺑني ﺑﻨﺎت ﻋﴫﻫﺎ ،وإﺣﺮازﻫﺎ ﻗﺼﺐ اﻟﺴﺒﻖ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺮن
اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ،وﺟﻤﻌﻬﺎ ﺑني ﺣﺪة اﻟﺬﻛﺎء ،وﻗﻮة اﻟﺘﺼﻮر ،ودﻗﺔ اﻟﻨﻘﺪ ،وﺷﺪة اﻻﻃﻼع،
ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻫﻲ روض زاﻫﺮ ﺑﺎملﻌﺎرف ﻻ ﻳﻔﻮﺗﻬﺎ ﳾء ﻣﻦ ﻣﺘﻔﺮﻗﺎت اﻟﻔﻮاﺋﺪ .وﻗﺪ ﻧﺒﻐﺖ ﰲ
اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﺜﺮ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﻼﻫﻮت ،واﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ ،ودرﺳﺖ املﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ
وأﺗﻘﻨﺘﻬﻤﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﻮرة ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ ﺗﺠﻞ ﺷﺄن اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﺗﺤﺐ ﻣﻌﺎﴍﺗﻬﻢ ،ﻓﻼ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻮ
اﺟﺘﻤﺎع ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻗﺪ اﻣﺘﺎزت ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻧﺜ ًﺮا وﻧﻈﻤً ﺎ.
وﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﺎ ﻛﺘﺎب اﺳﻤﻪ »اﻟﻬﺘﺒﺎﺗريون« ،وﻫﻮ ﻣﺠﻤﻮع ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻋﲆ
ﻧﺴﻖ »ﻛﻠﻴﻠﺔ ودﻣﻨﺔ« ،اﺗﺨﺬه »ﻻﻓﻮﻧﺘني« ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﺟﺮى ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻪ اﻟﺸﻬرية،
واﻧﺘﻘﻰ ﻣﻨﻪ املﻮاﺿﻴﻊ اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ،وﻳﻘﺎل :إن »ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ« ﻛﺘﺒﺖ اﻟﻘﺴﻢ
اﻷﻛﱪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﰲ ﻫﻮدﺟﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﺗﺠﻮاﻟﻬﺎ وأﺳﻔﺎرﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺘﺐ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ وﺑﻼ
ُﻤﲆ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﺟﺎء ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب أﻧﻪ ﺣﺪﺛﺖ أﻣﻄﺎر ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻜﺘﺐ إﻧﺸﺎءً ﻳ َ
وزواﺑﻊ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﰲ ﺟﺒﺎل »أﻟﺒريﺗﻴﺒﺲ« ،وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻘﺎﻃﺮون ﰲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ إﱃ ﺟﻬﺔ ﻫﻨﺎﻟﻚ
793
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ذات ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﻣﻔﻴﺪة ﻟﻼﺳﺘﺤﻤﺎم ﺑﻬﺎ واﻟﴩب ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻠﺼﺤﺔ واﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ،ﻓﺎﺿﻄﺮوا أن
ﻳﻬﺠﺮوﻫﺎ ﻋﲆ إﺛﺮ ﻫﺬه اﻟﺰواﺑﻊ ،وﺗﺮاﻛﻀﻮا أﻓﻮاﺟً ﺎ ﻫﺮﺑًﺎ ﻣﻦ املﻮت املﻔﺎﺟﺊ ،ﻓﺴﻘﻂ ﺑﻌﻀﻬﻢ
ﰲ اﻟﻨﻬﺮ ،ﻓﺤﻤﻠﺘﻬﻢ املﻴﺎه اﻟﻄﺎﻏﻴﺔ وأﻏﺮﻗﺘﻬﻢ ،وﻫﺮب آﺧﺮون إﱃ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،ﻓﺎﻓﱰﺳﺘﻬﻢ
اﻟﻮﺣﻮش اﻟﻜﺎﴎة ،واﻧﻬﺰم ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺜﻮا إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻠﺼﻮص وﻗﻄﺎع
ﻄﺮق ،ﻓﺴﻠﺒﻮﻫﻢ أﺷﻴﺎءﻫﻢ ،وأوﻗﻌﻮا ﺑﻬﻢ!اﻟ ﱡ
أﻣﺎ اﻟﻌﻘﻼء ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻠﺠﺌﻮا إﱃ »دﻳﺮ ﺳﻴﺪة ﺳرياس« ،وﻣﻜﺜﻮا ﻫﻨﺎك ﻳﻨﺘﻈﺮون اﻟﻔﺮج،
وﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﻮﴍ ﺑﺒﻨﺎء ﺟﴪ ﻳﻘﻄﻌﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﻬﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻃﺎل أﻣﺮ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻋﻘﺪوا اﻟﻌﺰم ﻋﲆ أن
ﻳﻘﺺ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺼﺘﻪ ﻋﲆ رﻓﻘﺎﺋﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺸﻌﺮوا ﺑﻄﻮل املﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻀﻮﻧﻬﺎ
ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎر .وﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻘﺼﺺ املﺬﻛﻮرة ،وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻷدﺑﻴﺔ ،واﻟﻨﻜﺎت
اﻟﻠﺬﻳﺬة املﻔﻴﺪة ﻣﺎ ﺗﺮﺗﺎح إﻟﻴﻪ اﻟﺨﻮاﻃﺮ .وﻗﺪ أﻟﺤﻘﺖ ﻛﻞ ﻗﺼﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺺ ﺑﺘﺄﻣﻼت
ﻻ ﺗﻘﻞ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ املﺆﻟﻒ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﺻﺎﺑﺔ املﺮﻣﻰ وﺣﺴﻦ اﻟﻮﺿﻊ.
أﻣﺎ ﻣﻨﻈﻮﻣﺎت ﻫﺬه املﻠﻜﺔ ،ﻓﻨﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ املﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺖ ﺳﻨﺔ ١٥٤٧م ،وﻫﻲ
ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ رواﻳﺎت وأﴎار وﻫﺰﻟﻴﺎت ،ﺛﻢ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ أﺧﺮى اﺳﻤﻬﺎ اﻧﺘﺼﺎر اﻟﺤَ ﻤَ ﻞ ورﺛﺎء
ﺳﺠني ،وﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻴﺎر اﻷﺷﻌﺎر اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻟﻌﺔ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﺋﻊ واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ،
ﻓﺸﻴﺪت ﻗﴫ »ﻟﻴﻮ« ،وﺿﻤﱠ ﺖ إﻟﻴﻪ اﻟﺠﻨﺎت اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ »ﻗﴫ أودوس« ﰲ
»اﻟﺘﺎرب« ﺳﻨﺔ ١٥٤٩م.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٥٥٠م ،ﻛﺘﺒﺖ »ﻣﻠﻮت ﺳﻨﺖ ﻣﺎرت« ﺳرية ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﺻﺪﱠرﺗﻬﺎ ﺑﺼﻮرة
ﻣﻮاﻋﻆ ﰲ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﺑﻌﺒﺎرة ﻓﺼﻴﺤﺔ ﺟﺪٍّا ،ﻓﺎﻧﺘﴩت ﺑني اﻟﻨﺎس وأﺣﺮزت
ﺷﻬﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻻ ﺗﺰال إﱃ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﻣﻮﺿﻮع أﺣﺎدﻳﺚ اﻷدﺑﺎء .وﻗﺪ ﻧُﺼﺐ ﻟﻬﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﰲ
ﺟﻨﺔ ﻟﻴﻜﺴﻴﻤﱪج؛ إﻇﻬﺎ ًرا ﻟﻔﻀﻠﻬﺎ ،وإﻗﺮا ًرا ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺸﺄن ﺑني آل اﻷدب
واﻟﻌﺮﻓﺎن.
794
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﺑﻤﻜﺎن ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ٍ ﻣﺮﻳﻢ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﻣﺴﻚ ﻋﻦ ﺣﻨﺔ اﻟﻮﻟﺪ ﺣﺘﻰ أﻳﺴﺖ وﻋﺠﺰت ،وﻛﺎﻧﻮا أﻫﻞ ﺑﻴﺖ
ﻓﺮﺧﺎ ،ﻓﺘﺤﺮﻛﺖ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺷﻬﻮﺗﻬﺎ ﻟﻠﻮﻟﺪ ،ودﻋَ ﺖ ﻫﻲ ﰲ ﻇﻞ ﺷﺠﺮة؛ إذ ﻧﻈﺮت ﻃﺎﺋ ًﺮا ﻳﻄﻌﻢ ً
ﷲ ﺗﻌﺎﱃ أن ﻳﻬﺐ ﻟﻬﺎ وﻟﺪًا ،وﻗﺪ ﻧﺬرت ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ إن رزﻗﻬﺎ ﷲ ﺑﻮﻟﺪ ﺗﺘﺼﺪق ﺑﻪ ﻋﲆ
اﻟﺒﻴﺖ املﻘﺪس ،ﻓﻴﻜﻮن ﻣﻦ َﺧﺪَﻣﺘﻪ و ُر ْﻫﺒﺎﻧﻪ ،ﻓﺘﻘﺒﻞ ﷲ دﻋﺎءﻫﺎ وﺣﻤﻠﺖ ﺑﻤﺮﻳﻢ ،ﻓﺤﺮرت ﻣﺎ
ﰲ ﺑﻄﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻘﺎﻟﺖ :رب إﻧﻲ ﻧﺬرت ﻟﻚ ﻣﺎ ﰲ ﺑﻄﻨﻲ ﻣﺤﺮ ًرا ﻋﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ
ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻟﻚ وﺧﺎدﻣً ﺎ ﻟﺒﻴﺘﻚ املﻘﺪس.
ً وأﺷﻐﺎﻟﻬﺎ،
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ زوﺟﻬﺎ :وﻳﺤﻚ! ﻣﺎذا ﺻﻨﻌﺖ؟! إن ﻛﺎن ﰲ ﺑﻄﻨﻚ أﻧﺜﻰ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺬﻟﻚ،
ﻮﰲ زوﺟﻬﺎ ﻋﻤﺮان. ﻓﻮﻗﻌﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ وﻫﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﺗُ ﱢ
َﺿﻌْ ﺘُﻬَ ﺎ أُﻧﺜ َ ٰﻰ َوﷲ ُ أَﻋْ َﻠ ُﻢ ِﺑﻤَ ﺎ
ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻤﱠ ﺖ ﻣﺪة ﺣﻤﻠﻬﺎ وﺿﻌﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖَ ﴿ :ربﱢ إِﻧﱢﻲ و َ
َﺿﻌَ ْﺖ َو َﻟﻴ َْﺲ اﻟﺬﱠ َﻛ ُﺮ َﻛ ْﺎﻷُﻧﺜ َ ٰﻰ﴾ )آل ﻋﻤﺮان ،(٣٦ :ﰲ ﺧﺪﻣﺔ ﺑﻴﺘﻚ املﻘﺪس ﴿ َوإِﻧﱢﻲ َﺳﻤﱠ ﻴْﺘُﻬَ ﺎ و َ
ﻣَ ْﺮﻳَﻢَ﴾ )آل ﻋﻤﺮان ،(٣٦ :وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﻳﻢ أﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء وأﻓﻀﻠﻬﻦ وأﺣﺴﻨﻬﻦ ،وأﻧﺒﺘﻬﺎ ﷲ
ﻧﺒﺎﺗًﺎ ﺣﺴﻨًﺎ .وﻛﺎﻧﺖ أﺧﺬﺗﻬﺎ أﻣﻬﺎ وﻟﻔﺘﻬﺎ ﰲ ﺧﺮﻗﺔ وﺣﻤﻠﺘﻬﺎ إﱃ املﺴﺠﺪ ،ووﺿﻌﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ
اﻷﺣﺒﺎر ،ﻛﻤﺎ ﻧﺬرت ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻢ :دوﻧﻜﻢ ﻫﺬه اﻟﻨﺬﻳﺮة ،ﻓﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺣﺒﺎر،
وﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ أراد أﺧﺬﻫﺎ ،وﻗﺎل ﻟﻬﻢ زﻛﺮﻳﺎ — وﻛﺎن أﻛﱪﻫﻢ :أﻧﺎ أﺣﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﻜﻢ؛ ﻷن ﻋﻨﺪي
ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ اﻷﺣﺒﺎر :ﻻ ﻧﻔﻌﻞ ذﻟﻚ وﻻ ﻧُﺴﻠﻤﻬﺎ إﻟﻴﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻧﻘﱰع ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻣَ ﻦ ﺧﺮج
وﻛﻔﻠﻬﺎ وﺿﻤﱠ ﻬﺎ إﱃ ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ أم ﺳﻬﻤﻪ أﺧﺬﻫﺎ ،ﻓﺎﻗﱰﻋﻮا ﻓﻄﻠﻌﺖ ﻣﻦ ﺳﻬﻢ زﻛﺮﻳﺎ ،ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ َ
ﻳﺤﻴﻰ ،واﺳﱰﺿﻌﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺒﺎﻟﻎ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺑﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﻣﺤﺮاﺑًﺎ ﰲ املﺴﺠﺪ ،وﺟﻌﻞ
ﺑﺎﺑﻪ ﻣﺮﺗﻔﻌً ﺎ ﻻ ﻳﺮﺗﻘﻰ إﻟﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﺴﻠﻢ ،ﻓﻼ ﻳﺼﻌﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﻏريه ،وﻛﺎن ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺑﻄﻌﺎﻣﻬﺎ
وﴍاﺑﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻛﺎن إذا ﺧﺮج ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ أﻏﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﺈذا دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺟﺪ
رزﻗﺎ — أي ﻓﺎﻛﻬﺔ — ﻓﻴﻘﻮل ﻟﻬﺎ :ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﻰ ﻟﻚ ﻫﺬا؟! ﻓﺘﻘﻮل :ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ. ﻋﻨﺪﻫﺎ ً
ﻓﻠﻤﺎ ﺿﻌﻒ زﻛﺮﻳﺎ ﻋﻦ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﺧﺮج إﱃ ﻗﻮﻣﻪ وﻗﺎل ﻟﻬﻢ :إﻧﻲ ﻛﱪت وﺿﻌﻔﺖ ﻋﻦ
ﺣﻤﻞ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﺮان ،ﻓﺄﻳﻜﻢ ﻳﻜﻔﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪي وﻳﻘﻮم ﺑﺄداء ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ ﺑﻬﺎ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا:
ﻟﻘﺪ ﺟﻬﺪﻧﺎ ،وأﺻﺎﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ ﻣﺎ ﺗﺮى .ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ،ﻓﺘﻘﺎرﻋﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻬﺎم،
ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺳﻬﻢ رﺟﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﻧﺠﺎر ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮب ﺑﻦ ﻣﺎﺛﺎن ،وﻛﺎن اﺑﻦ
ﻋﻤﻬﺎ ،ﻓﺘﻜﻔﻞ ﺑﻬﺎ وﺣﻤﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻣﺮﻳﻢ :ﻳﺎ ﻳﻮﺳﻒ ،أﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺎهلل ،ﺳريزﻗﻨﺎ ﻣﻦ
ﺣﻴﺚ ﻻ ﻧﺤﺘﺴﺐ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﺮزﻗﻪ ﷲ ﺑﺮزق ﺣﺴﻦ ،وﻳﺄﺗﻲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻠﺤﻬﺎ
ﻓﻀﻼ ﻣﻦ اﻟﺮزق ﻓﺘﻘﻮل ﻟﻪ :ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ، ً ﻣﻦ ﻛﺴﺒﻪ ،ﻓﻴﺪﺧﻞ إﻟﻴﻬﺎ زﻛﺮﻳﺎ ﻓريى ﻋﻨﺪﻫﺎ
إن ﷲ ﻳﺮزق ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﺑﻐري ﺣﺴﺎب.
795
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،وﻫﻲ إذ ذاك ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺒﻴﺖ املﻘﺪس ،وﻛﺎن
اﻋﱰاﻫﻢ ﻳﻮم ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﺮ ﻧﻔﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺎؤﻫﺎ ،ﻓﺄﺧﺬت ﻗ ﱠﻠﺘﻬﺎ واﻧﻄﻠﻘﺖ إﱃ اﻟﻌني اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ املﺎء
ﻟﺘﻤﻸﻫﺎ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ أن أﺗﺖ إﱃ اﻟﻌني وﺟﺪت ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺟﱪﻳﻞ ﻗﺪ ﻣﺜﱠﻠﻪ ﷲ ﺑﴩًا ﺳﻮﻳٍّﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ
ﻣﺮﻳﻢ ،إن ﷲ ﺑﻌﺜﻨﻲ إﻟﻴﻚ ﻷﻫﺐ ﻟﻚ ﻏﻼﻣً ﺎ زﻛﻴٍّﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ﴿ :أَﻋُ ﻮذُ ِﺑﺎﻟ ﱠﺮﺣْ ﻤَ ِﻦ ِﻣﻨ ْ َﻚ إ ِ ْن ُﻛﻨ ْ َﺖ
ﺗَﻘِ ﻴٍّﺎ﴾ ،ﻗﺎل ﻟﻬﺎ﴿ :إِﻧﱠﻤَ ﺎ أَﻧَﺎ َر ُﺳﻮ ُل َرﺑﱢﻚِ ِﻷ َ َﻫﺐَ َﻟﻚِ ُﻏ َﻼﻣً ﺎ َز ِﻛﻴٍّﺎ﴾ ،ﻗﺎﻟﺖ﴿ :أَﻧﱠﻰ ﻳَ ُﻜﻮ ُن ِﱄ ُﻏ َﻼ ٌم
ني﴾ َﴩ َو َﻟ ْﻢ أ َ ُك ﺑَﻐِ ﻴٍّﺎ﴾ )ﻣﺮﻳﻢ ،(٢٠ :ﻗﺎلَ ﴿ :ﻛﺬَﻟِﻚِ َﻗﺎ َل َرﺑﱡﻚِ ُﻫ َﻮ ﻋَ َﲇ ﱠ َﻫ ﱢ ٌ َو َﻟ ْﻢ ﻳَﻤْ َﺴ ْﺴﻨِﻲ ﺑ َ ٌ
)ﻣﺮﻳﻢ ،(٢١ :ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ذﻟﻚ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻘﻀﺎء ﷲ ،ﻓﻨﻔﺦ ﰲ ﺟﻴﺐ درﻋﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
وﺿﻌﺘﻪ إﻟﻴﻪ.
ﻓﻠﻤﺎ اﻧﴫف ﻋﻨﻬﺎ ﻟﺒﺴﺖ درﻋﻬﺎ ﻓﺤﻤﻠﺖ ﺑﻌﻴﴗ ﺑﺈذن ﷲ ،ﺛﻢ ﻣﻸت ﻗﻠﺘﻬﺎ واﻧﴫﻓﺖ
ُ
ﻳﻮﺳﻒ إﱃ ﻣﺴﺠﺪﻫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻛﺎن أول ﻣﻦ أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻟﻚ اﺑ ُﻦ ﻋﻤﱢ ﻬﺎ
اﻟﻨﺠﺎر ،واﺳﺘﻌﻈﻢ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ،وﻟﻢ ﻳﺪر ﻣﺎذا ﻳﺼﻨﻊ ،وﻛﻠﻤﺎ أراد أن ﻳﺘﻬﻤﻬﺎ ذﻛﺮ ﺻﻼﺣﻬﺎ
وﻋﺒﺎدﺗﻬﺎ وﺑﺮاءﺗﻬﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻐﺐ ﻋﻨﻪ ﺳﺎﻋﺔ واﺣﺪة ،وإذا أراد أن ﻳﱪﺋﻬﺎ رأى اﻟﺬي ﻇﻬﺮ
ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻞ.
ﱠ
ﻓﻠﻤﺎ اﺷﺘﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ وأﻋﻴﺎه اﻷﻣﺮ ﻛﻠﻤﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إﻧﻪ ﻗﺪ وﻗﻊ ﰲ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ أﻣﺮك
ﳾء ،وﻗﺪ ﺣﺮﺻﺖ ﻋﲆ أن أﻛﺘﻤﻪ ،ﻓﻐﻠﺒﻨﻲ ذﻟﻚ ،ورأﻳﺖ أن اﻟﻜﻼم ﻓﻴﻪ أﺷﻔﻰ ﻟﺼﺪري،
ً
ﺟﻤﻴﻼ. ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻗﻞ ً
ﻗﻮﻻ
ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أﺧﱪﻳﻨﻲ ﻳﺎ ﻣﺮﻳﻢ :ﻫﻞ ﻧﺒﺖ زرع ﻣﻦ ﻏري ﺑﺬر؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :ﻫﻞ ﻧﺒﺘﺖ
ﺷﺠﺮة ﻣﻦ ﻏري ﻏﻴﺚ؟! ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :ﻓﻬﻞ ﻳﻜﻮن وﻟﺪ ﻣﻦ ﻏري ذﻛﺮ؟!
ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،أﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ أن ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — أﻧﺒﺖ اﻟﺰرع ﻳﻮم ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﻏري ﺑﺬر،
واﻟﺒﺬر ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺰرع اﻟﺬي أﻧﺒﺘﻪ ﻣﻦ ﻏري ﺑﺬر؟! أﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ أن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ أﻧﺒﺖ اﻟﺸﺠﺮ ﻣﻦ
ﻏري ﻏﻴﺚ ،وﺑﺎﻟﻘﺪرة ﺟﻌﻞ اﻟﻐﻴﺚ ﺣﻴﺎة اﻟﺸﺠﺮ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺧﻠﻖ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﺣﺪﺗﻪ؟!
أوَﺗﻘﻮل :إن ﷲ ﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳﻨﺒﺖ ﺷﺠ ًﺮا ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺎن ﺑﺎملﺎء ،وﻟﻮﻻ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ
إﻧﺒﺎﺗﻪ؟! ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻳﻮﺳﻒ :ﻧﻌﻢ ،إن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﲆ ﻛﻞ ﳾء ،وﻗﺎدر ﻋﲆ أن ﻳﻘﻮل ﻟﻠﴚء ﻛﻦ
ﻓﻴﻜﻮن ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻣﺮﻳﻢ :أﻟﻢ ﺗﻌﻠﻢ أن ﷲ ﺧﻠﻖ آدم واﻣﺮأﺗﻪ ﻣﻦ ﻏري ذﻛﺮ وﻻ أﻧﺜﻰ؟ ﻗﺎل:
ﺑﲆ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ذﻟﻚ وﻗﻊ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ أن اﻟﺬي ﺑﻬﺎ ِﻣﻦ أﻣﺮ ﷲ ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻌﻪ أن ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ
ﻋﻨﻪ ،وذﻟﻚ ملﺎ رأى ﻣﻦ ﻛﺘﻤﺎﻧﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ ،ﺛﻢ ﺗﻮﱃ ﺧﺪﻣﺔ املﺴﺠﺪ وﻛﻔﺎﻫﺎ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻤﻞ
796
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻓﻴﻪ؛ ملﺎ رأى ﻣﻦ رﻗﺔ ﺟﺴﻤﻬﺎ ،واﺻﻔﺮار ﻟﻮﻧﻬﺎ ،وﺿﻌﻒ ﻗﻮﺗﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺛﻘﻠﺖ ﻣﺮﻳﻢ ودﻧﺎ
ﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ املﺴﺠﺪ إﱃ ﺑﻴﺖ ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ ﻟﺘﻠﺪ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ أم ﻳﺤﻴﻰ
أﻳﻀﺎ ﺣﺎﻣﻠﺔ واﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻬﺎ وأدﺧﻠﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻳﺎ ﻣﺮﻳﻢ ،ﺷﻌﺮت أﻧﻲ ﺣﺎﻣﻠﺔ وأﻧﻚ أﻧﺖ ً
ﻣﺜﲇ ،ﻓﺈﻧﻲ أرى ﻣﺎ ﰲ ﺑﻄﻨﻲ ﻳﺴﺠﺪ ملﺎ ﰲ ﺑﻄﻨﻚ.
وملﺎ أﻗﺎﻣﺖ ﰲ ﺑﻴﺖ ﺧﺎﻟﺘﻬﺎ أوﺣﻰ ﷲ إﻟﻴﻬﺎ :إﻧﱠﻚ إن وﻟﺪت ﺑﺠﻬﺔ ﻗﻮﻣﻚ ﻗﺘﻠﻮك أﻧﺖ
ووﻟﺪك؛ ﻓﺎﺧﺮﺟﻲ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،ﻓﺄﺧﺬﻫﺎ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ وﺧﺮج ﺑﻬﺎ ﻫﺎرﺑًﺎ ،وﻗﺪ
ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﻤﺎر ﻟﻪ ،ﺣﺘﻰ أﺗﻰ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ أرض ﻣﴫ أدرﻛﻬﺎ اﻟﻨﻔﺎس ،ﻓﺄﻟﺠﺄﻫﺎ إﱃ أﺻﻞ
ﻧﺨﻠﺔ — وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ زﻣﻦ اﻟﺸﺘﺎء — وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻳﺎﺑﺴﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺳﻌﻒ وﻻ
ﻛﺮاﺳﻴﻒ ،وﻫﻲ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ ،ﻗﺎل :ﻓﻠﻤﺎ اﺷﺘﺪ اﻷﻣﺮ ﺑﻤﺮﻳﻢ ﺗﴬﻋﺖ إﱃ
ﻨﺴﻴٍّﺎ﴾ )ﻣﺮﻳﻢ ،(٢٣ :ﻓﻨﻮدﻳﺖ أن ﻻ ﻨﺖ ﻧ َ ْﺴﻴًﺎ ﻣﱠ ِ و﴿ﻗﺎ َﻟ ْﺖ ﻳَﺎ َﻟﻴْﺘَﻨِﻲ ِﻣ ﱡﺖ َﻗﺒْ َﻞ َﻫﺬَا َو ُﻛ ُ َ رﺑﻬﺎ
ﻃﺒًﺎ ﺟَ ِﻨﻴٍّﺎ﴾ ْ ْ
ﺗﺤﺰﻧﻲ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ رﺑﻚ ﺗﺤﺖ ﴎﻳٍّﺎ ﴿و َُﻫ ﱢﺰي إ ِ َﻟﻴْﻚِ ِﺑ ِﺠﺬ ِع اﻟﻨﱠﺨ َﻠ ِﺔ ﺗُ َﺴﺎﻗِ ْ
ﻂ ﻋَ َﻠﻴْﻚِ ُر َ
)ﻣﺮﻳﻢ.(٢٥ :
ﻓﻠﻤﺎ وﻟﺪت وﻧﺰل اﻟﻐﻼم ﻣﻦ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﻧﺎداﻫﺎ وﻛ ﱠﻠﻤﻬﺎ — ﺑﺈذن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ — وﻗﺪ أﺟﺮى
ﷲ ﻟﻬﺎ ﻧﻬ ًﺮا ﻣﻦ ﻣﺎء ﻋﺬب ﺑﺎرد ،وملﺎ ﻳﴪ ﷲ ﻟﻬﺎ أﺳﺒﺎب وﻻدﺗﻬﺎ رﺟﻌﺖ ﺑﻪ إﱃ ﻗﻮﻣﻬﺎ،
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﻬﻢ أرﺑﻌني ﻳﻮﻣً ﺎ ،ﻓﻜﻠﻤﻬﺎ ﻋﻴﴗ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﻣﺎه ،أﺑﴩي؛
ﻓﺈﻧﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ وﻣﻌﻬﺎ اﻟﺼﺒﻲ ﺑﻜﻮا وﺣﺰﻧﻮا وﻗﺎﻟﻮا﴿ :ﻳَﺎ ﻣَ ْﺮﻳَ ُﻢ َﻟ َﻘ ْﺪ
ﺎن أَﺑُﻮكِ اﻣْ َﺮأ َ َﺳ ْﻮءٍ وَﻣَ ﺎ َﻛﺎﻧ َ ْﺖ أُﻣﱡ ﻚِ ﺑَﻐِ ﻴٍّﺎ﴾ )ﻣﺮﻳﻢ: ون ﻣَ ﺎ َﻛ َ ِﺟﺌْ ِﺖ َﺷﻴْﺌًﺎ َﻓ ِﺮﻳٍّﺎ * ﻳَﺎ أ ُ ْﺧ َﺖ َﻫﺎ ُر َ
،(٢٨-٢٧ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ﻟﻚ ﻫﺬا اﻟﻮﻟﺪ؟ ﻓﺄﺷﺎرت ﻟﻬﻢ ﻣﺮﻳﻢ إﱃ اﻟﺼﺒﻲ أن ﻛﻠﻤﻮه ،ﻓﻐﻀﺒﻮا
ﺻ ِﺒﻴٍّﺎ﴾ )ﻣﺮﻳﻢ ،(٢٩ :ﻓﻘﺎل ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﻲ — ﺎن ِﰲ ا ْﻟﻤَ ﻬْ ِﺪ َْﻒ ﻧ ُ َﻜ ﱢﻠ ُﻢ ﻣَ ﻦ َﻛ َ وﻗﺎﻟﻮاَ ﴿ :ﻛﻴ َ
ﷲ آﺗَﺎﻧ َِﻲ ا ْﻟ ِﻜﺘَﺎبَ وَﺟَ ﻌَ َﻠﻨِﻲ ﻧ َ ِﺒﻴٍّﺎ * وَﺟَ ﻌَ َﻠﻨِﻲ ُﻣﺒَﺎ َر ًﻛﺎ أَﻳ َْﻦ وﻫﻮ اﺑﻦ أرﺑﻌني ﻳﻮﻣً ﺎ﴿ :إِﻧﱢﻲ ﻋَ ﺒْ ُﺪ ِ
ﺎﻟﺼ َﻼ ِة وَاﻟ ﱠﺰ َﻛﺎ ِة ﻣَ ﺎ دُﻣْ ُﺖ ﺣَ ﻴٍّﺎ * َوﺑَ ٍّﺮا ِﺑﻮَا ِﻟ َﺪﺗِﻲ َو َﻟ ْﻢ ﻳَﺠْ ﻌَ ْﻠﻨِﻲ ﺟَ ﺒﱠﺎ ًرا ْﺻﺎﻧِﻲ ِﺑ ﱠ ﻨﺖ وَأَو َ
ﻣَ ﺎ ُﻛ ُ
ُﻮت َوﻳَ ْﻮ َم أُﺑْﻌَ ُﺚ ﺣَ ﻴٍّﺎ﴾ )ﻣﺮﻳﻢ.(٣٣–٣٠ : ﺪت َوﻳَ ْﻮ َم أَﻣ ُ َﺷﻘِ ﻴٍّﺎ * و ﱠ
َاﻟﺴ َﻼ ُم ﻋَ َﲇ ﱠ ﻳَ ْﻮ َم ُوﻟِ ﱡ
ﻓﻠﻤﺎ ﺷﺎع ﺧﱪه ﺑني ﻗﻮﻣﻪ أراد »ﻫريدوس« ﻣﻠﻜﻬﻢ أن ﻳﻬ ﱠﻢ ﺑﻘﺘﻠﻪ ،ﻓﺄﺧﺬﻫﻤﺎ ﻳﻮﺳﻒ
اﻟﻨﺠﺎر وﻫﺮب إﱃ ﻣﴫ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﺑﻤﴫ اﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ﺗﻐﺰل اﻟﻜﺘﺎن ،وﺗﻠﺘﻘﻂ
اﻟﺴﻨﺒﻞ ﰲ أﺛﺮ اﻟﺤﺼﺎدﻳﻦ إﱃ أن ﺑﻠﻐﻬﺎ أن »ﻫريدوس« املﻠﻚ ﻗﺪ ﻣﺎت ،ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻫﻲ واﺑﻦ
ﻋﻤﻬﺎ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر إﱃ أن أﺗﻮا إﱃ ﺟﺒﻞ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :اﻟﻨﺎﴏة ،ﻓﺴﻜﻨﻮا ﻓﻴﻪ إﱃ أن ﺑ َﻠﻎ وﻟﺪﻫﺎ
ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﻮا إﱃ ﻗﻮﻣﻬﻢ ،وﻗﻴﻞ :إن وﻓﺎﺗﻬﺎ ﻗﺒﻞ رﻓﻊ وﻟﺪﻫﺎ ﻋﻴﴗ —
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺑﺴﺖ ﺳﻨني.
797
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﺪام ﻧﻜﺮ
ﻫﻲ اﺑﻨﺔ رﺟﻞ ﻓﻘري اﻟﺤﺎل ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ .اﺷﺘﻬﺮت ﰲ ﺣﺪاﺛﺘﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ وآداﺑﻬﺎ ،ورآﻫﺎ
املﺆرخ »ﻛني« اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي اﻟﺸﻬري — وﻛﺎن ﺳﺎﺋﺤً ﺎ ﰲ أوروﺑﺎ — ﻓﺮاﻋﻪ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وذﻛﺎؤﻫﺎ،
ووﻗﻌﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﻗﻌً ﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﻋﺰم ﻋﲆ اﻻﻗﱰان ﺑﻬﺎ ،ﺛﻢ رﺟﻊ إﱃ ﺑﻼده وﻛﺎﺷﻒ أﺑﺎه ﺑﺬﻟﻚ،
ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻠﻢ ﻟﻪ ،ﺑﻞ ﺗﻬﺪده ﺑﻄﺮده ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ وﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻣرياﺛﻪ إن ﻓﻌﻞ! ﻓﻮﻗﻊ »ﻛني« ﺑني
ﻋﺼﻴﺎن اﻟﻬﻮى وﻋﻘﻮق اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﺎﺧﺘﺎر أﺻﻐﺮﻫﻤﺎ — وﻫﻮ اﻷول — وﺑﻘﻴﺖ ﻣﺤﺒﺔ ﻫﺬه
اﻟﻔﺘﺎة ﰲ ﻓﺆاده ،ﺛﻢ اﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﻣﻊ اﻷﻳﺎم إﱃ اﻹﻛﺮام واﻻﻋﺘﺒﺎر ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﺎت أﺑﻮﻫﺎ وﻟﻢ
ﻣﺎﻻ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻪ ،ﻓﺄﻗﻠﻌﺖ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺟﻨﻴﻔﺎ« ﺗﻌﻠﻢ وﺗﻌﻴﺶ ﻣﻦ أﺟﺮة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻫﻨﺎك ﻳﺨﻠﻒ ً
رآﻫﺎ املﺴﻴﻮ »ﻧﻜﺮ« ،وﻛﺎن ﻛﺎﺗﺒًﺎ ﰲ أﺣﺪ اﻟﺒﻨﻮك ،ﻓﺄﺣﺒﱠﻬﺎ وﻋﺰم ﻋﲆ أن ﻳﻘﱰن ﺑﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ
ﺗﻨﺼﻠﺢ أﻣﻮره.
وﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻨﻮن ﻛﺜرية ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﻓﺘﺰوج ﺑﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٧٦٤م،
ﻃﺎ ،وﻫﻲ ﻛﺎﻧﺖ ً
أﻫﻼ ملﺤﺒﺘﻪ واﻋﺘﺒﺎره؛ ﻷﻧﻬﺎ واﺗﺨﺬﻫﺎ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻪ وﻣﺸرية ،وأﺣﺒﻬﺎ ﺣﺒٍّﺎ ﻣﻔﺮ ً
ﺟﻌﻠﺖ ﻏﺮﺿﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة إرﺿﺎءه ،ودﺧﻠﺖ ﺑﺎرﻳﺲ وﻋﻤﺮﻫﺎ ٢٥ﺳﻨﺔ ،وﻫﻲ ﻏري ﻣﻌﺘﺎدة
ﻋﲆ املﻌﻴﺸﺔ ﰲ املﺪن اﻟﻜﺒرية ،وﻻ ﻣﱰﺑﻴﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺗﺆﻫﻠﻬﺎ ﻟﻠﺪﺧﻮل ﺑني أﻫﻞ اﻟﺠﺎه واملﺠﺪ!
وﻛﺎن ﺑﺒﺎرﻳﺲ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺷﻬﺮ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ و ُﻛﺘﱠﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﺴﻮﱠﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ أن ﺗﺠﻌﻞ ﻟﺰوﺟﻬﺎ
ﻣﻘﺎﻣً ﺎ ﺑني ﻋﻠﻤﺎﺋﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﺑني أﻏﻨﻴﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻔﺘﺤﺖ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﺟﻌﻠﺘﻪ ﻧﺎدﻳًﺎ
ﻟﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺣﺐ ﺑﻬﻢ وﺗﺠﻮل ﻣﻌﻢ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﺗﺤﺎول أن ﺗﻘﺘﺎدﻫﻢ إﱃ اﻟﺘﺪﻳﻦ واﻟﺘﻘﻮى.
وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ زواره وﺿﻴﻮﻓﻪ ،وﻛﺎن إذا دﻋﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﱃ
ﺑﻴﺘﻪ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﻢ :ﻫﻠﻢ ﻧﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻣﺪام »ﻧﻜﺮ«! واﻋﺘﺰل اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،وأﻧﺎط
ﺑﺰوﺟﺘﻪ ﺗﺪﺑري ﻣﻨﺰﻟﻪ وأﻣﻮاﻟﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺤﻞ وﺗﺮﺑﻂ وﺗﺒﻴﻊ وﺗﺸﱰي.
وﻗﺪ ﺑﻴﻨﺖ اﺑﻨﺘﻬﺎ ﻣﺪام »دوﺳﺘﺎﻳﻞ« اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﺸﻬرية ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :ملﺎ رأى أﺑﻲ
أن أﻣﻲ ﻓﻘرية ﻻ ﻣﺎل ﻣﻌﻬﺎ ،ورآﻫﺎ ﺷﺎﻋﺮة ﺑﺬﻟﻚ ،ﺧﺎف أن ﺗﺴﺘﺼﻐﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺴ ﱠﻠﻤﻬﺎ
ﻛﻞ أﻣﻮاﻟﻪ ،وﺧﻮﱠل ﻟﻬﺎ اﻟﺘﴫف ا ُملﻄﻠﻖ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻟﻜﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ أن املﺎل ﻟﻬﺎ؛ ﻓﺘﻨﻔﺬ
وﺗَﺨﻠُﺺ ﻣﻦ ﺻﻐﺮ اﻟﻨﻔﺲ.
وذﻫﺐ »ﻛني« — املﺆرخ املﺘﻘﺪم ذﻛﺮه — إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻓﺪﻋﺎه زوﺟﻬﺎ إﱃ ﺑﻴﺘﻪ ،وأﺣﺴﻦ
ﺿﻴﺎﻓﺘﻪ ،ورﺣﺒﺖ ﻫﻲ ﺑﻪ ،وأﺧﱪﺗﻪ أن دﺧﻞ زوﺟﻬﺎ اﻟﺴﻨﻮي ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ﻋﴩﻳﻦ أﻟﻒ
دﻳﻨﺎر .ﺛﻢ ﻋُ ني املﺴﻴﻮ »ﻧﻜﺮ« وزﻳ ًﺮا ملﺎﻟﻴﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻣﺪﻳ ًﺮا ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄﺻﻠﺢ ﺷﺌﻮن املﺎﻟﻴﺔ،
واﻫﺘﻢ ﺑﺈﺻﻼح اﻟﺴﺠﻮن واملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ،وﻛﺎن اﻟﻔﻀﻞ اﻷول ﰲ ذﻟﻚ ﻟﺰوﺟﺘﻪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
798
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﺗﺘﻌﻬﺪ اﻟﺴﺠﻮن ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﺘﻔﻘﺪ ﻛﻞ أﺣﻮاﻟﻬﺎ ،وﺗﺪﺑﺮ اﻟﻄﺮق املﻨﺎﺳﺒﺔ ﻹﺻﻼﺣﻬﺎ ،وأﻧﺸﺄت
ﻓﺴﻤﻲ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم. ﺑﻴﻤﺎرﺳﺘﺎﻧًﺎ ﺑﺒﺎرﻳﺲُ ،
وأﻗﺎم زوﺟﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا املﻨﺼﺐ اﻟﺮﻓﻴﻊ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ املﺪﺑﺮة ﻷﻣﻮره؛
ﻟﺼﻌﻮﺑﺘﻬﺎ ،وأﻗ ﱠﺮ زوﺟﻬﺎ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ .وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﺎ وﻳُﻌﺪﱢد ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ ،ﻓﻼﻣﻪ
اﻟﺒﻌﺾ ﻋﲆ ذﻟﻚ! ﻟﻜﻨﻬﻢ أﺧﻄﺌﻮا ﰲ ﻟﻮﻣﻬﻢ ﺧﻄﺄ ً ﺑﻴﻨًﺎ؛ ﻷﻧﻪ إذا ﺣﻖ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻔﺘﺨﺮ
ﺑﺂﺑﺎﺋﻪ وﺟﺪوده وﺑﻌﻠﻤﻪ وآداﺑﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻛﻠﺜﻮم ،واﻟﺴﻤﻮءل ﺑﻦ ﻋﺎدﻳﺎء ،وأﺑﻮ
أﻳﻀﺎ أن ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﺂل ﺑﻴﺘﻪ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﺰوﺟﺘﻪ ﺣﻖ ﻟﻪ ً اﻟﻌﻼء املﻌﺮي ﰲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ اﻟﻔﺨﺮﻳﺔ ،ﱠ
إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻦ ﻳُﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺪام »ﻧﻜﺮ«؛ ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺷﺪة ﻟﺰوﺟﻬﺎ ،وﻣﺪﺑﺮة ﻷﻣﻮره،
وزﻫﺮة ﻓﻀﻞ ﻋﺮﻓﻬﺎ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ.
وﻟﻜﻦ املﻨﺎﺻﺐ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎملﺘﺎﻋﺐ ،وﻣﻦ رﻗﻲ اﻟﻌﻼ اﺳﺘﻬﺪف ﻟﻮﻗﻊ أﺳﻬﻢ اﻟﺮدى ،ﻓﻠﻢ
ﻳﻤﺾ ﻋﲆ املﺴﻴﻮ »ﻧﻜﺮ« ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﰲ ﻫﺬا املﻨﺼﺐ ﺣﺘﻰ ﻛﺜﺮ ﺣﺴﺎده ،وﺧﻴﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ِ
ﻋﺪواﻧﻬﻢ ،ﻓﻌﺰم ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻌﻔﺎء ،وﺣﺜﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ زوﺟﺘﻪ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻌﻔﻲ وﺗﻨﺤﻰ ﻋﻦ اﻷﺷﻐﺎل
اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺄﺳﻒ ﻣﺤﺒﻮ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﲆ اﺳﺘﻌﻔﺎﺋﻪ ،وﻻﻣﻪ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺣﺜﱠﺘﻪ ﻋﲆ
اﻻﺳﺘﻌﻔﺎء ،وﻟﻜﻦ ﻋﺬرﻫﺎ واﺿﺢ ،وﺣﺠﺘﻬﺎ داﻣﻐﺔ؛ أﻻ وﻫﻲ أﻧﻬﺎ ﺧﺎﻓﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺪوان،
وﻣﺎ ﺗﻨﻔﻊ املﻨﺎﺻﺐ واﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﺧﻄﺮ؟!
وإﱃ ذﻟﻚ أﺷﺎرت ﰲ ﻛﺘﺎب ﻛﺘﺒﺘﻪ إﱃ »ﻛني« املﺆرخ؛ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻨﻲ راﻏﺒﺔ ﰲ ﻫﺬا
رﻏﺒﻪ ﰲ ﺗﺮﻛﻪ ،وﻗﺪ أﺳﻔﺖاملﻨﺼﺐ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺗﺄﻣﻞ ﰲ ﻋﻮاﻗﺒﻪ ،ﻓﺎﺿﻄﺮرت ﰲ اﻵﺧﺮ أن أ ُ ﱢ
أﻳﻀﺎ آﺳﻔﻮن ﺟﺪٍّا ﻻﺿﻄﺮارﻧﺎ إﱃ ﺗﺮك ﻫﺬا املﻨﺼﺐ، ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﲆ اﺳﺘﻌﻔﺎﺋﻪ ،وﻧﺤﻦ ً
وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺨﺎف أن ﻻ ﺗﺠﺮي أﻣﻮره ﰲ ﻣﺠﺮاﻫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﻛﻨﺎه .أﻣﺎ ﻣﺴﻴﻮ »ﻧﻜﺮ«
ﻓﻠﻢ ﻳﱰك اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﻌﺪ ﺗﺮﻛﻪ ﻟﻠﻤﻨﺼﺐ املﺬﻛﻮر ،ﺑﻞ أﻛﺐﱠ ﻋﲆ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻛﺘﺎب ﺟﺎء ﻣﻦ أﺑﺪع
اﻟﻜﺘﺐ ،ﻓﺒﻴﻊ ﻣﻨﻪ ﰲ أﺳﺒﻮع واﺣﺪ ﺛﻤﺎﻧﻮن أﻟﻒ ﻧﺴﺨﺔ ،وأ ﱠﻟﻔﺖ ﻣﺪام »ﻧﻜﺮ« ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﰲ اﻟﻄﻼق
أودﻋﺘﻪ آﻳﺎت اﻟﺒﻼﻏﺔ ،وﻃﺒﻌﺘﻪ ﺳﻨﺔ ١٧٩٤م.
ﻋﺼﺒﻲ ﻣﺆﻟﻢ ،ﻓﺤﺰن ﻋﻠﻴﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﱞ وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﺑﻌﺪ أن أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻣﺮض
وﺣﻖ ﻟﻪ اﻟﺤﺰن واﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ رﻓﻌﺖ ﻟﻮاءﱠ ﻃﺎ ،وأروى ﴐﻳﺤﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﱪات، ﺣﺰﻧًﺎ ﻣﻔﺮ ً
ﻋ ﱢﺰه ،وأﻧﺎرت ﺳﺒﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺬﻛﺎء ﻋﻘﻠﻬﺎ وﺳﻤﻮ آداﺑﻬﺎ.
799
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﺮﻳﻢ ﻣﻜﺎرﻳﻮس
وﻟﺪت ﻣﺮﻳﻢ ﻧﻤﺮ ﻣﻜﺎرﻳﻮس ﰲ رﺑﻴﻊ ﺳﻨﺔ ١٨٦٠م ﰲ ﺣﺎﺻﺒﻴﺎ ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﺪن ﺳﻮرﻳﺎ،
ﻗﺒﻞ ﺣﺪوث املﺬﺑﺤﺔ اﻟﺸﻬرية ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺒﻀﻌﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وﺗﻴﺘﻤﺖ ﻣﻦ أﺑﻴﻬﺎ ﺑﺘﻠﻚ املﺬﺑﺤﺔ
اﻟﺘﻲ ﺷﺎﺑﺖ ﻟﻬﻮﻟﻬﺎ اﻟﻮﻟﺪان ،ﻓﺤﻤﻠﺘﻬﺎ أﻣﻬﺎ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻴﺪا ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻓﺮت ﺑﻬﻢ
إﱃ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﺠﺪل ﺷﻤﺲ ﺑﻘﺮب ﺟﺒﻞ اﻟﺸﻴﺦ ،ﺛﻢ أﺗﺖ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑريوت وﻫﻲ ﺗﻐﺬﻳﻬﺎ ﺑﺄﻟﺒﺎن
اﻟﺤﺰن ،وﺗﻐﺴﻞ وﺟﻨﺘﻴﻬﺎ ﺑﺪﻣﻮع اﻟﺤﴪات ،وﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﲆ أﺧﻮﻳﻬﺎ ﺗُﺮﺑﱢﻴﻬﻢ ﺑﻤﺎ اﺷﺘﻬﺮ
ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺬﻛﺎء ،إﱃ أن ﺑﻠﻐﻮا ﺳﻦ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ،ﻓﺄدﺧﻠﺘﻬﻢ ﰲ إﺣﺪى ﻣﺪارس اﻟﻘﺪس
اﻟﴩﻳﻔﺔ؛ ﻟﻴﺘﻌﻠﻤﻮا ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻷﻣﻬﻢ ﺣﻆ ﻣﻨﻪ؛ ﻷﻧﻬﺎ وﻟﺪت و ُرﺑﱢﻴﺖ ﰲ ﻋﴫ
ﻛﺎن ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت ﻣﺤﻈﻮ ًرا ﻓﻴﻪ؛ ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻪ ﻏري ﻻزم ﻟﻬﻦ ،وﻳﺨﴙ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻴﻬﻦ! — ﻛﺬا ﻇﻦ
أﻫﻞ اﻟﻌﴫ ،وﻫﻮ ﻇﻦ أﻗﺒﺢ ﻣﻦ إﺛﻢ — ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺒﺚ املﱰﺟَ ﻤﺔ ﰲ اﻟﻘﺪس إﻻ زﻣﺎﻧًﺎ ﻳﺴريًا ﺣﺘﻰ
اﺧﺘﺎرت ﻟﻬﺎ أﻣﻬﺎ ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ ﻣﺪارس ﺑريوت ،أدﺧﻠﺘﻬﺎ وﻟﻢ ﺗﺮض أن ﺗﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ
ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﻢ دروﺳﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ وﺗﺄﺧﺬ ﺷﻬﺎدﺗﻬﺎ ،ﻓﺪرﺳﺖ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻓﻨﻮﻧﻬﺎ :اﻟﴫف،
واﻟﻨﺤﻮ ،واﻟﺒﻴﺎن ،وﻣﻦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ واﻟﺤﺴﺎب
واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﻬﻴﺌﺔ وﻏري ذﻟﻚ ،وﺗﻤﺮﻧﺖ ﻋﲆ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻃﺔ وﺗﻄﺮﻳﺰ
وﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ،وﻧﺎﻟﺖ اﻟﺸﻬﺎدة املﺪرﺳﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٨٧٧م ،وﻛﺎﻧﺖ وﻫﻲ ﰲ املﺪرﺳﺔ ﻣﺸﻬﻮرة
ﺑﺈﺧﻼص اﻟﻨﻴﺔ ،وﺳﻼﻣﺔ اﻟﻄﻮﻳﺔ ،وذﻛﺎء اﻟﻌﻘﻞ ،وﺷﺪة اﻟﺤﻴﺎء.
وﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ املﺪرﺳﺔ ﺑﻘﻠﻴﻞ اﻗﱰن ﺑﻬﺎ ﺷﺎﻫني ﻣﻜﺎرﻳﻮس ،ﻓﺄﻧﺸﺄت ﻟﻪ ﺑﻴﺘﺎً
زﻳﻨﺘﻪ ﺑﻠﻄﻔﻬﺎ ،ودﺑﺮﺗﻪ ﺑﺤﻜﻤﺘﻬﺎ ،وﻓﺘﺤﺖ أﺑﻮاﺑﻪ ﻟﻸﺻﺪﻗﺎء اﻷدﺑﺎء ﻣﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ،ﻓﻜﺎﻧﻮا
ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﰲ ﻧﺎدٍ ﻣﻦ اﻟﻨﻮادي اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،واملﺤﺎﻓﻞ اﻷدﺑﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺗﻄﺮﺑﻬﻢ ﺑﻌﺬب
ﻛﻼﻣﻬﺎ ،وﺗﻜﺮﻣﻬﻢ ﺑﺨﻤﺮة ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ،ورزﻗﻬﺎ ﷲ ﺛﻼﺛﺔ أوﻻد :ذﻛﺮﻳﻦ وأﻧﺜﻰ ،ﻓﺮﺑﱠﺘﻬﻢ أﺣﺴﻦ
ﺗﺮﺑﻴﺔ ،وﻋ ﱠﻠﻤﺖ ﻛﺒريﻫﻢ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎزﻣﺔ أن ﺗُﻌ ﱢﻠﻢ أﺧﺎه وأﺧﺘﻪ
ﻣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻮا ﺳﻦ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ،وﻟﻜﻦ أدرﻛﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ املﻨﻰ ،ﻓﺨﴪ أﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﺧﺴﺎرة ﻻ
ﺗﻌﻮض.
وﰲ ﻏﺮة ﺳﻨﺔ ١٨٨٠م ،اﺗﻔﻘﺖ ﻣﻊ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ ،وﻋﻘﺪت ﺟﻤﻌﻴﺔ أدﺑﻴﺔ
ﺳﻤﱠ ﺘﻬﺎ »ﺑﺎﻛﻮرة ﺳﻮرﻳﺔ« ،واﻧﻀﻢ إﻟﻴﻬﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات املﻬﺬﺑﺎت ،ﻓ ُﻜ ﱠﻦ ﻳﺘﻨﺎوﺑﻦ اﻟﺨﻄﺐ
واملﻨﺎﻇﺮات.
وﻣِﻦ ُﺧﻄﺒﻬﺎ ﺧﻄﺒﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻧﺘﻘﺎدﻳﺔ ﰲ اﻟﺨﻨﺴﺎء اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﻬرية ،ﺟﻤﻌﺖ
ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻔ ﱠﺮق ﰲ ﻛﺘﺐ اﻷدب ،وﺷﻔﻌﺘﻪ ﺑﺎﻧﺘﻘﺎد ﻣﻜني ﻳﺪ ﱡل ﻋﲆ ﺗﻮﻗﺪ ذﻫﻨﻬﺎ ،ودﻗﺔ ﻧﻈﺮﻫﺎ،
وﻗﺪ أدرﺟﻬﺎ »املﻘﺘﻄﻒ« ﰲ ﺳﻨﺘﻪ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ.
800
ﺣﺮف املﻴﻢ
أﻳﻀﺎ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ :ﺣﺮارة املﺎء ،أدرﺟﺖ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻪ ،وﻧﺒﺬ أﺧﺮى وﻟﻬﺎ ً
ورﺳﺎﺋﻞ ،وﻣﻨﺎﻇﺮة ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »ﺑﻨﺎت ﺳﻮرﻳﺎ« ﻣﻊ اﻟﺒﻴﻜﺒﺎﳾ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻠﻴﻢ املﻮﺻﲇ ،وﻣﻨﺎﻇﺮة
ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »دﻓﺎع اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻦ اﻟﻨﺴﺎء« ﻣﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﻠﺒﻲ أﻓﻨﺪي ﺷﻤﻴﻞ ﻣُﺆ ﱢﻟﻒ اﻟﺸﻔﺎء —
ﺳﻨﺬﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻟﱰﺟﻤﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﺰال ﺻﺪاﻫﺎ ﻳﺪوي ﰲ اﻵذان ﺣﺘﻰ اﻵن — وﻗﺪ ﻛﺎن
ﻫﺬان اﻟﺪﻛﺘﻮران ﻃﺒﻴﺒﻴﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻني ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻮﺗﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺑﺬﻻ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺪ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺣﻔ ً
ﻈﺎ
ﻟﺤﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ،ﻓﺄﻋﻴﺎﻫﻤﺎ اﻟﺪاء اﻟﻌﻴﺎء.
وﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻣﻘﺎرﻧﺔ رﻧﺎﻧﺔ ﰲ ﺣﻴﺎت زﻧﻮﺑﺔ ﻣﻠﻜﺔ ﺗﺪﻣﺮ ،ورﺳﺎﺋﻞ ﺷﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﻄﺒﻊ،
وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺮة ﰲ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻠﻘﺼﺺ واﻟﻜﺘﺐ اﻟﻔﻜﺎﻫﻴﺔ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ:
ﻧﺤﻦ ﻧﻤﻴﻞ ﻃﺒﻌً ﺎ إﱃ ﻗﺮاءة ﺳري اﻟﻨﺎس؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮى أﻛﺜﺮ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﻘﺘﺒﺲ
ﻣﻌﺎرﻓﻬﻦ وﻓﻮاﺋﺪﻫﻦ ﻣﻦ ﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻜﻦ أن
املﺮأة اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﻻ ﺗﻘﺼﺪ ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﺮواﻳﺎت وﺳري اﻟﻨﺎس ﻣﺠﺮد ﺗﺴﻠﻴﺔ اﻟﺨﺎﻃﺮ،
وإﺷﻐﺎل املﺨﻴﻠﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻬﻴﺞ اﻷﻃﻔﺎل ،وﻳﺴﲇ اﻷوﻻد اﻟﺼﻐﺎر ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻘﺼﺪ ً
أوﻻ
ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ؛ ﻣﺜﻞ :ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺧﻼق واﺧﺘﻼف اﻷﺣﻮال،
وﴏوف اﻟﺰﻣﺎن ،واﻟﺘﴫف ﰲ اﻟﻨﻮاﺋﺐ ،وﻓﻀﻞ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،ووﺧﺎﻣﺔ
ﻣﺮﺗﻊ اﻟﺮذﻳﻠﺔ ،واﻋﺘﺒﺎر اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﴩﻳﻔﺔ ،واﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺎﻟﺬﻳﻦ ﻓﺎﻗﻮا ﰲ ﺣﺴﻦ
ﺻﻔﺎﺗﻬﻢ ،وﻛﺮم أﺧﻼﻗﻬﻢ ،وﻓﺎزوا ﺑﺠﻤﻴﻞ ﺻﱪﻫﻢ ،وأﻓﺎدوا ﺑﺤﺴﻦ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ
واﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﺠﱪ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻜﺴرية ،وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺼﻐرية ،وإﺻﻼح ﺷﺌﻮن
ﻫﺬه اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ وأﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﺗﻘﺼﺪﻫﺎ املﺮأة اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ً
أوﻻ ﰲ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﺮواﻳﺎت واﻟﺴري،
وﺗﻘﺼﺪ اﻟﻔﻜﺎﻫﺔ واﻟﺘﺴﻠﻴﺔ ﺛﺎﻧﻴًﺎ.
وإﻧﻲ ﻃﺎملﺎ وددت ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻨﺎ — ﻧﺤﻦ ﺑﻨﺎت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ — ﻣﺎ ﻟﻐريﻧﺎ
ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﻲ إذا ﻗﺮأﻧﺎﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻌ ُﻞ وﺟﻮﻫﻨﺎ ﺣﻤﺮة اﻟﺨﺠﻞ ،وﻣﻦ ﱢ
اﻟﺴ َري اﻟﺘﻲ
ﻄﻒ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،وﻳُﻜﻤﱢ ﻞ اﻷدب،ُﻮﺳﻊ اﻟﻌﻘﻮل ،وﻳُﻬﺬﱢب اﻷﺧﻼق ،وﻳُﻠ ﱢ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳ ﱢ
وﻳﻌﻠﻢ أﺣﻮال اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺧﺒﺎﻳﺎ اﻟﻄﺒﻊ اﻟﺒﴩي ،ﻓﻠﻢ أﻧﻞ ا ُملﻨﻰ إﻻ ﰲ
ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻤﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻢ أزل أﺿﻄﺮ إﱃ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﻛﺘﺐ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﻣﺎ
أﺷﺘﻬﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،ﻣﻊ أﻧﻨﺎ ﰲ زﻣﺎن ﺗﺘﺒﺎرى ﻓﻴﻪ أﻗﻼم اﻟﻜﺘﺎب ،وﻳﺘﺒﺎﻫﻰ
ﻓﻴﻪ أوﻟﻮ اﻟﻨﺒﺎﻫﺔ واﻟﺬﻛﺎء.
801
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ ﻣﻨﺘﻘﺪة إﻏﻔﺎل ذﻛﺮ اﻷﻣﻬﺎت ﻣﻦ ﺗﺮاﺟﻢ اﻟﺒﻨني واﻟﺒﻨﺎت ﻣﺎ ﻧﺼﻪ:
وﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﻟﻨﺎ املﺆرﺧﻮن ﻋﻦ اﺳﻢ أم اﻟﺨﻨﺴﺎء ،وﻟﻢ ﻳﻜﻠﻔﻮا اﻟﻨﻔﺲ أي ﻛﻠﻤﺔ ﻋﻦ
ً
ﺣﺮﺻﺎ ﻋﲆ ﺣﻴﺎة ﺑﻨﺘﻬﺎ ،وﺣﺒٍّﺎ ﻟﱰﺑﻴﺘﻬﺎ ،ﻓﺄﻳﻦ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﺳﺖ اﻷﻫﻮال وأﺣﻴﺖ اﻟﻠﻴﺎﱄ
اﻹﻧﺼﺎف ﻣﻦ ذﻟﻚ؟! وﻓﻀﻞ اﻟﺒﻨﺖ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ أﻣﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﻔﻠﻴﺴﻮف :إن
ﻓﻴﻼ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﺧﻠﻖ ﻓﻴﻠﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻠﺪه .وﻣﺎ اﻟﺒﺎري إذا ﺷﺎء أن ﻳﺨﻠﻖ ﰲ أرض ً
أدراﻧﺎ أن اﻟﺨﻨﺴﺎء ﻟﻮﻻ ﻓﻀﻞ أﻣﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀﻞ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻪ ،وﻟﻮﻻ ﺣﺴﻦ
ﺗﺮﺑﻴﺔ أﻣﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻧﺒﻐﺖ ﺑﻤﺎ ﻧﺒﻐﺖ .ﻧﻌﻢ ،إﻧﻬﺎ وﻟﺪت ﻣﻦ ﻧﺴﻞ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ أﺷﻌﺮ
ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺮب ،واﻷﻗﺮب إﱃ اﻟﻌﻘﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺮﻳﺤﺘﻪ ﻗﺪ اﺗﺼﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺤﻜﻢ
أﻳﻀﺎ ﺑﺼﻔﺎت أدﺑﻴﺔ أﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ .وﻣﻦ اﻟﻮراﺛﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﺗﺼﻔﺖ ً
املﻌﻠﻮم أن اﻣﺮأ اﻟﻘﻴﺲ ﻟﻢ ﻳ َُﻔﻖ ﰲ آداﺑﻪ وﻟﻮ ﻓﺎق اﻟﺸﻌﺮاء ﰲ ﺷﻌﺮه؛ ﻓﺎملﺘﺄﻣﻞ
ﰲ ﺳرية اﻟﺨﻨﺴﺎء ﻳﺠﺪ ﻣﻨﺪوﺣﺔ ﻹﺳﻨﺎد اﻟﻔﻀﻞ إﱃ أﻣﻬﺎ ،وإن ﻳﻜﻦ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ
اﻟﺰﻋﻢ واﻟﺘﺨﻤني ،وﻟﻮ ﺗﻨﺎزل املﺆرﺧﻮن إﱃ ذﻛﺮ أم اﻟﺨﻨﺴﺎء وﺻﻔﺎﺗﻬﺎ؛ ﻟﻈﻬﺮ
اﻟﺤﻖ ،واﻧﺘﻔﺖ اﻟﻈﻨﻮن ،وﻛﻔﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺎﺋﺪة إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ذﻛﺮ اﻷم ﻏريﻫﺎ.
أﻳﻀﺎ ﻣﻨﺘﻘﺪة ﺳﻜﻮت اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب ﰲ اﻟﺴري واﻟﱰاﺟﻢ ﻋﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻺﻧﺴﺎن ﰲ ﺻﺒﺎه
وﻗﺎﻟﺖ ً
ﻣﻦ اﻟﺤﻮادث واﻟﻨﻮادر وﻧﺤﻮﻫﺎ:
أﻳﻀﺎ ﻋﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﻠﺨﻨﺴﺎء ﰲ ﺻﺒﺎﻫﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺸريوا إﱃ أﻳﺎم وﻗﺪ ﴐﺑﻮا ﺻﻔﺤً ﺎ ً
ﺣﺪاﺛﺘﻬﺎ ،واﻟﺤﺎل أن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺘﻜﻤﻞ اﻟﻔﺎﺋﺪة وﻻ اﻟﻠﺬة ﰲ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺳري ﻏريه إﻻ
ﻣﺘﻰ اﻃﻠﻊ ﻋﲆ أﺣﻮاﻟﻬﻢ ،ﻓﻌﺮف ﻧﻘﺎﺋﺼﻬﻢ وﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ ،وﺣﺴﻨﺎﺗﻬﻢ وﺳﻴﺌﺎﺗﻬﻢ،
وﻣﺎ ﻓﺎﻗﻮا ﻓﻴﻪ وﻗﴫوا ﻋﻨﻪ ،وﻛﻴﻒ ﻃﺮأت ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرب واملﺼﺎﻋﺐ ﻓﺘﺨﻠﺼﻮا
ﺗﻮﺳﻌﺖ ﻗﻮاﻫﻢ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،واﺳﺘﻘﺎﻣﺖ ﻗﻮاﻫﻢ اﻷدﺑﻴﺔ،ﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﻐﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﻴﻒ ﱠ
وﻧﻤَ ْﺖ أﺑﺪاﻧﻬﻢ ،واﺷﺘﺪت ﻗﻮاﻫﻢ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻮادرﻫﻢ وﻣﺰاﻳﺎﻫﻢ وﺳﺎﺋﺮ
ﺧﺼﺎﺋﺼﻬﻢ .وﻫﺬه اﻷﻣﻮر ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ زﻣﺎن اﻟﻄﻔﻮﻟﻴﺔ واﻟﺼﺒﺎ أﺣﺴﻦ ﻇﻬﻮر؛
وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺪ اﻟﻘﺎرئ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻠﺬة واﻟﻄﻼوة ،إن ﻟﻢ ﻧﻘﻞ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻔﺎﺋﺪة ً
أﻳﻀﺎ ،ﰲ
ﻣﻌﺮﻓﺔ أﺣﻮال اﻟﺸﺨﺺ ﰲ ﻃﻔﻮﻟﻴﺘﻪ وﺣﺪاﺛﺘﻪ.
802
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻓﺖ ا ُملﱰﺟَ ﻤﺔ ﰲ ردﱢﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﻠﺒﻲ ﺷﻤﻴﻞ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ» :إن اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ
وﻗﺪ ﻋ َﺮ ُ
ﻫﻲ املﻌﺰﻳﺔ اﻟﺤﺰﻳﻦ ،املﻔﺮﺟﺔ اﻟﻜﺮوب ،اﻟﺼﺎﺑﺮة ﻋﲆ ﻣﻀﺾ اﻟﻌﻴﺶ وﻧﻐﺺ اﻟﺤﻴﺎة،
اﻟﺮاﺿﻴﺔ ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﴎاﺋﻪ وﴐاﺋﻪ ،املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ وﻻﺋﻪ ،اﻟﻄﺎﻟﺒﺔ ﺳﱰه ،اﻟﻨﺎﺳﻴﺔ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﺧﺪﻣﺘﻪ ،اﻟﺒﺎذﻟﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﻣﴪﺗﻪ وﺗﺮﺑﻴﺔ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ،املﻤﺘﺎزة ﺑﺎﻟﻮراﻋﺔ واﻟﻌﻔﺎف
واﻟﻄﻬﺎرة «.وﻫﺬه اﻷوﺻﺎف ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ دأﺑُﻬﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻜﻤﻠﺘﻬﺎ واﺣﺪة ﻓﻮاﺣﺪة
ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ذﻟﻚ أﺻﺪﻗﺎؤﻫﺎ وﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ،وأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻌﺪﻧﻲ اﻟﺤﻆ ﺑﺮؤﻳﺘﻬﺎ ،وﺑﺎﻻﻗﺘﺒﺎس ﻣﻦ
أﻧﻮار ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ.
وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٨١م ،أﻧﺸﺄ ﺑﻌﺾ املﺤﺴﻨﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﺎﻧﻴﺎت واﻟﻮﻃﻨﻴﺎت ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ
اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺒﺎﺋﺴﺎت واﻟﺘﺼﺪق ﻋﻠﻴﻬﻦ ،ﻓﺸﺎرﻛﺘﻬﻦ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ املﱪور ،وﺟﻌﻠﺖ ﺑﻴﺘﻬﺎ دا ًرا
ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ،ﻓﻜﻦ ﻳﺠﺘﻤﻌﻦ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ﻳﺘﻌﻠﻤﻦ وﻳﺄﺧﺬن ﻣﺎ ﻳُﺘﺼﺪﱠق ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻣﻦ
ﻛﺴﺎء وﻧﻘﻮد.
وﰲ أواﺧﺮ ﺳﻨﺔ ١٨٨٥م ،اﻧﺘﻘﻠﺖ املﱰﺟﻤﺔ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ إﱃ اﻟﺪﻳﺎر املﴫﻳﺔ ،وملﺎ اﺳﺘﻘﺮ
ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺮار ﻋﻜﻔﺖ ﻋﲆ املﻄﺎﻟﻌﺔ واﻟﺪرس؛ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻌﻤﻞ ﺣﻤﻴﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎوﻳﺔ أن ﺗﴩع
ﻓﻴﻪ؛ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﺒﻨﺎت ﻋﴫﻫﺎ ﻟﻮ ﻓﺴﺢ ﰲ أﺟﻠﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺎﻏﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻏ ﱠﺮة ﻣﺮض ﻟﻪ »ﺑﺎﺷﻠﺲ«
ﻳﺪﺧﻞ اﻷﺑﺪان ﻣﻊ اﻟﻬﻮاء ،وﻳﻨﺸﺐ ﰲ اﻟﺮﺋﺘني أﻇﻔﺎره ،وﻫﻮ املﻨﻴﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،وﻻ داﻓﻊ ﻟﻪ ﻣﻦ
دواء وﻻ رﻗﻴﺔ:
ﻓﺄرﺟﻌﺖ ﻣﺮﻳﻀﺔ إﱃ ﺑﺮ اﻟﺸﺎم ﰲ ﺻﻴﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻧﺰﻟﺖ ﰲ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﻦ أﻃﻴﺐ ﻗﺮى
ﻟﺒﻨﺎن ﻫﻮاءً وﻣﺎءً ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻫﻨﺎك ﻋﲆ ُرﺑﻰ ﻟﺒﻨﺎن ﺗﺼﺎرع اﻟﺪاء ﺑﺠﻮدة اﻟﻬﻮاء ،إﱃ أن دﺧﻞ
ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻓﻘﺎل اﻷﻃﺒﺎء :ﻗﺪ أزف اﻟﺮﺣﻴﻞ ،وﻣﴫ ملﻦ ﻛﺎن ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺧري دواء .ﻓﺮﺟﻌﺖ إﱃ
ﻣﴫ وﻣﻀﺖ إﱃ ﺣﻠﻮان ،وﻋﺎدت إﱃ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،واﻣﺘﺤﻨﺖ ﻛﻞ ﻋﻼج ﻗﺪﻳﻢ وﺣﺪﻳﺚ أﺷﺎر ﺑﻪ
اﻷﻃﺒﺎء ،وﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺻﻔﻮة املﻌﺎرف وأﺧﻠﺺ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻳﻨﻔﻊ اﻟﺪواء واﻟﺪاء
ﻋﻴﺎء؟
وﻟﻢ ﻳﺬﻫﺐ املﺮض اﻟﻄﻮﻳﻞ واﻷﻟﻢ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﴚء ﻣﻦ ﺑﺸﺎﺷﺔ وﺟﻬﻬﺎ ،وﻻ ﻣﻦ ﻃﻼوة
ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ،وﻻ ﻣﻦ ﺣﺼﺎﻓﺔ رأﻳﻬﺎ؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺒﺶ ﺑﻮﺟﻪ اﻟﻌﻮﱠاد ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ آﻻﻣﻬﺎ ﻗﻮﻳﺔ،
وﺗﺴﺎﻣﺮﻫﻢ وﺗﻄﺎﻳﺒﻬﻢ وﺗﺮﺗﺌﻲ اﻵراء اﻟﺴﺪﻳﺪة ،وﺗﻘﺺ اﻷﺣﺎدﻳﺚ املﻔﻴﺪة ،وﻫﻲ ﻋﺎرﻓﺔ ﺑﺴري
ﻣﺮﺿﻬﺎ ،وﺑﺄن اﻟﺸﻔﺎء ﻓﻴﻪ ﻧﺎدر ،وملﺎ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺮﺟﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎﺷﻔﺖ ذوﻳﻬﺎ ،ﻓﺄرادوا
803
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أن ﻳﻘﻮوا آﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻟﻴﻜﻢ ﻋﻦ ا ُملﺤﺎل؛ ﻓﻘﺪ أزف اﻟﺮﺣﻴﻞ ،وﺳﺘﺤﴬﻧﻲ اﻟﻮﻓﺎة ﻫﺬه
اﻟﻠﻴﻠﺔ! وﻧﺎدت زوﺟﻬﺎ وأﺧﺎﻫﺎ وﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﺗﻜﻠﻤﺖ ﻣﻌﻬﻢ ﻛﻼﻣً ﺎ ﻳﻠني
ﻟﻪ اﻟﺠﻤﺎد ،وﻳﻔﺘﺖ اﻷﻛﺒﺎد ،ﺛﻢ أﻏﻤﻀﺖ ﺟﻔﻨﻴﻬﺎ ،وأﺳﻠﻤﺖ اﻟﺮوح ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ ﻳﻮم
٢٢آذار )ﻣﺎرس( ﺳﻨﺔ ١٣٠٦ﻫ ،ﰲ ﻏﺮة ﻓﺼﻞ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،وﻫﻲ ﰲ ﻏﺮة رﺑﻴﻊ اﻟﺤﻴﺎة.
وﻣﻦ آﺛﺎرﻫﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﺜﺖ ﺑﻬﺎ إﱃ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻧﻠﻦ اﻟﺸﻬﺎدة املﺪرﺳﻴﺔ ﰲ
ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺒﻨﺎت اﻟﺴﻮرﻳﺔ ﰲ ﺑريوت؛ وذﻟﻚ ﰲ ﺷﻬﺮ ﻧﻴﺴﺎن )أﺑﺮﻳﻞ( ﺳﻨﺔ ١٨٨٧م؛ وﻫﻲ:
إﱃ ﺣﴬة اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ املﺤﱰﻣﺔ واﻷﻋﻀﺎء املﻜﺮﻣﺎت ،ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺤﻴﺔ أﻗﻮل :إﻧﻲ ﻟﻮ
ﺧريت ﻻﺧﱰت اﻟﺤﻀﻮر ﺑﻴﻨﻜﻦ واﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺠﺎﻟﺴﺘﻜﻦ ،واﺟﺘﻨﺎء ﻟﺬﻳﺬ أﺣﺎدﻳﺜﻜﻦ
ﻋﲆ املﻜﺎﺗﺒﺔ وﺗﺒﺎدل اﻷﺷﻮاق ﺑﺎﻟﺤﱪ واﻟﻘﺮﻃﺎس ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻧﺼﻴﺒﻨﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺴﻢ
ﻟﻨﺎ أن ﻧﱰك اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺰﻳﺰ ،وأن ﻧﻔﺎرق ﺻﺎﺣﺒﺎت ﺣﺒﻴﺒﺎت ،ودا ًرا ﺿﻤﺘﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ
أﻧﺲ ﻣﻦ أﻇﺮف اﻷوﻗﺎت ،وﺗﻌ ﱠﻠﻘﺖ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺼﺎرت ﻓﻘﻀﻴﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ أوﻗﺎت ٍ
ﺗﺤﻦ إﻟﻴﻬﺎ ،وﺗﺘﺤﴪ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ أﻻ وﻫﻲ املﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺘﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻓﻴﻬﺎ اﻵن،
واﻟﺘﻲ ﺗﻐﺬﻳﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﻟﺒﺎن املﻌﺎرف واﻟﻌﻠﻮم.
ﻛﻼ ﻣﻨﻜﻦ ﺗﺬﻛﺮ اﻵن ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌً ﺎ ﻻ رﻳﺐ ﻋﻨﺪي أن ٍّ
ﻛﺎﻷﺧﻮات ،ﺑﻨﺎت اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ،ﻣﺸﻤﻮﻻت ﺑﻨﻈﺮ اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻛﻦ ﻳﺴﻬﺮن ﻋﻠﻴﻨﺎ
ﺳﻬﺮ اﻷﻣﻬﺎت ﻋﲆ اﻟﺒﻨﺎت ،وﻧﺤﻦ ﻧﺮﺗﻊ ﰲ ﻧﻌﻴﻢ اﻟﻄﻬﺮ واﻟﺼﺒﺎ ،ﻧﻤﻸ ﻣﻨﻪ ﺻﺎﰲ
ﻛﺄس اﻟﺤﻴﺎة ،ﻻ ﻫ ﱠﻢ ﻟﻨﺎ إﻻ اﻟﻌﻠﻮم ،وﻻ ﻏ ﱠﻢ إﻻ ﻋﺪم ﺣﻔﻆ اﻟﺪروس .أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ
ﺗﺒﺪﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻮال ،وﺗﺸﺘﺖ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﰲ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺎت ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ
اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﻣﺤﻞ واﺣﺪ وﻣﻜﺎن ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﴣ ﺟﻤﻌﻴﺘﻨﺎ ﻫﺬه ،وﻗﺪ
وﺻﻠﺖ دﻋﻮﺗﻜﻦ إﱄ وأﻧﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻨﻜﻦ ﻏري ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﻌﻜﻦ ،وﻗﺪ ﻗﻴﻞ:
إن اﻟﻄﺎﻋﺔ ﺧري ﻣﻦ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ؛ ﻓﻠﺬﻟﻚ رأﻳﺖ أن أﻛﺘﺐ إﻟﻴﻜﻦ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﺗﻪ
ﺑﻌﺪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻨﺎ اﻷﺧري؛ إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻄﻠﺒﻜﻦ ﰲ اﻟﺪﻋﻮة ،راﺟﻴﺔ ﻣﻨﻜﻦ املﻌﺬرة ﻋﲆ إﺷﻐﺎل
وﻗﺘﻜﻦ ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺘﻪ؛ ﻟﻘﻠﺔ ﻣﺎ ﺗﻀﻤﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ.
ﻓﺄﻗﻮل :ﻓﺎرﻗﺖ ﺑريوت ﰲ ٤ﺗﴩﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻧﻮﻓﻤﱪ( ﺳﻨﺔ ١٨٨٥م ﻣﻊ
رﻓﻴﻘﺘﻲ اﻟﺼﺎدﻗﺔ اﻟﻮداد ،اﻟﺴﻴﺪة ﻳﺎﻗﻮت ﴏوف ،ﻗﺎﺻﺪﻳﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﺤﻞ
إﻗﺎﻣﺘﻨﺎ اﻵن ،ﻓﻤﺮرﻧﺎ ﺑﻤﺪن رأﻳﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت ﻣﺪرﺳﺘﻨﺎ اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﺳﺒﻘﻨﻨﺎ
إﱃ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ،ﺛﻢ رﻛﺒﻨﺎ اﻟﻘﻄﺎر وﴎﻧﺎ أﴎع ﻣﻦ اﻟﻄري ﰲ ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت
اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ أزاﻟﺖ ﻋﻨﺎء اﻷﺳﻔﺎر ،وﻗﺮﺑﺖ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎر ،ﻓﻘﻄﻌﻨﺎ ﰲ ﻧﺤﻮ
804
ﺣﺮف املﻴﻢ
805
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺑﺴﻮر ﻻ ﺗﺰال آﺛﺎره ﻇﺎﻫﺮة ﰲ ﺑﻌﺾ ٍ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﻣﺤﺎﻃﺔ
اﻟﺠﻬﺎت إﱃ اﻵن ،وﻳﻘﺎل :إن اﻟﺮﻳﺎح ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء ﻗﺪﻳﻤً ﺎ
ﺣﺘﻰ ﺗﻐﺸﻴﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳُﻐﴚ اﻟﻀﺒﺎب ﺟﻮاﻧﺐ اﻷﻧﻬﺎر؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺜﺮ رﻣﺪ اﻟﻌﻴﻨني
ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗﻠﻔﺖ ﻋﻴﻮن اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻜﺒري ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﺣﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﲇ ﺑﺎﺷﺎ
وإﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﺎﺷﺎ — اﻟﺬي ﺗﻐﻠﺐ ﻋﲆ ﺳﻮرﻳﺔ وﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ زﻣﺎﻧًﺎ ،وﻻ ﻳﺰال اﺳﻤﻪ
درﺟﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﰲٍ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﻧﺎر ﻋﲆ ﻋﻠﻢ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ ﺑﻼد ﻣﴫ — ﻋﻤﱠ ﺮﻫﺎ إﱃ
اﻟﺘﻤﺪن ،ﻓﺄﻧﺸﺄ املﺪارس واملﻌﺎﻣﻞ ،وﺑﻨﻰ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ،وﻓﺘﺢ اﻟﻄﺮﻗﺎت ،وﻏﺮس
اﻷﺷﺠﺎر ،وﺟﻌﻞ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﰲ اﻻﺗﺴﺎع ،وﺑﻨﻰ ﺟﺎﻣﻌﻪ املﻌﺪود
ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﺟﻮاﻣﻌﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪة ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ ،وﻛﻠﻪ ﻣﺒﻨﻲ ﻣﻦ املﺮﻣﺮ
اﻟﻼﻣﻊ اﻟﺬي ﻳﻜﺎد ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻤﺎ ﺗﺤﺘﻪ ،وﻣﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،وﻓﻴﻪ
اﻟﺜﺮﻳﺎت اﻟﻜﺒرية واﻟﻄﻨﺎﻓﺲ اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺮ ﻋﻴﻨﻲ أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ وﻻ أﺑﺪع
ﺻﻔﺔ.
وملﺎ ﺗﻮﰲ إﱃ رﺣﻤﺔ رﺑﻪ دﻓﻦ ﻓﻴﻪ ،وأﺣﻴﻄﺖ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺘﻲ دﻓﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺸﺒﻚ
ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ املﺘﻘﻦ اﻟﺼﻨﻌﺔ ،اﻟﺒﺪﻳﻊ اﻟﺸﻜﻞ ،واﻟﺠﺎﻣﻊ ﻳﻄ ﱡﻞ ﻋﲆ املﺪﻳﻨﺔ.
وﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﻓﺮأﻳﺖ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﻘﻄﻌﺔ ﺑﺎﻟﺸﻮارع ﺗﻘﻄﻌً ﺎ
ﻫﻨﺪﺳﻴٍّﺎ ،وﻗﺪ ُرﻓﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻗﺒﺎب اﻟﺠﻮاﻣﻊ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺳﻮاﻫﺎ ﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ ،وﻋﻠﺖ املﺂذن
ﻣﺌﺎت ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺷﺠﺮ ﻏﺎب ﰲ ﺳﻬﻞ ،أو ﺳﻮاري اﻟﺴﻔﻦ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ. ٍ
وﻳﲇ املﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﺑًﺎ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﺟﺎرﻳًﺎ ﺑني ﺣﻘﻮل اﻟﺰرع وﻏﻴﺎض اﻟﺸﺠﺮ
ري ،وﻳﲇ ٍ
ﺑﺴﺎط أﺧﴬَ وﺛ ٍ وﻏﺎﺑﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ ،ﻛﺄﻧﻪ ﺳﻴﻒ ﺻﻘﻴﻞ ﻣﺴﻠﻮل ﻋﲆ
ﺣﻮاﺷﻴﻪ اﻟﺨﴬاء رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء ،واﻷﻫﺮام اﻟﻨﺎﻃﺤﺔ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء .وﻫﺬا املﻨﻈﺮ
ﻣﻦ املﻨﺎﻇﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺤﻖ أﻳﺪي أﺑﺪع املﺼﻮرات ،وﺗﻌﺮﺿﻬﺎ ﻗﺮة ﻟﻠﻌﻴﻮن ،وﻧﺰﻫﺔ
ﻟﻠﻨﻔﻮس .وﺑﺠﺎﻧﺐ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻗﻠﻌﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴ ﱡﻚ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻳﻌﺮف
ﻣﻜﺎن ﺳ ﱢﻜﻬﺎ ﺑﺎﻟﴬﺑﺨﺎﻧﺔ .واﻟﻘﻠﻌﺔ اﻟﻴﻮم ﰲ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺠﻨﻮد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ
ﺑﻼد ﻣﴫ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺎزﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.
وﰲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻮاﻣ ُﻊ ﻋﺪﻳﺪ ٌة ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻮﺻﻮف ﺑﺠﻤﺎل داﺧﻠﻪ روﻧﻖ ،وﻟﻜﻦ
أﺷﻬﺮﻫﺎ ﰲ اﻻﺳﻢ ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن أدﻧﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﺒﻨﺎء! أرﻳﺪ ﺑﻪ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷزﻫﺮ اﻟﺬي
ﺳﻤﻌﺘﻦ ﺑﻪ ﻛﺜريًا؛ ﻓﻬﻮ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ،وﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﺎ ﻳﻨﻴﻒ ﻋﻦ ﻋﴩة
آﻻف ﻃﺎﻟﺐ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل؛ ﻓﻬﻮ أﻛﺜﺮ ﻣﺪارس اﻷرض ﻃﻠﺒﺔ ،وأﻗﺪﻣﻬﺎ ﻋﻬﺪًا —
806
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻈﻦ — وﻣﻨﻪ ﻳﺨﺮج أﺷﻬﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻔﻘﻪ واﻷدب ﻣﻦ املﺴﻠﻤني.
واﻟﺬي اﻋﺘﻨﻰ ﻛﺜريًا ﺑﺘﺤﺴني اﻟﻘﺎﻫﺮة وﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ وﺗﺮﺗﻴﺒﻬﺎ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﺎﺷﺎ ،واﻟﺪ
ﺳﻤﻮ اﻟﺨﺪﻳﻮي اﻟﺤﺎﱄ.
ﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻛﺎن ﻣُﻌ ﱢﻠ ًﻘﺎ ﺧﺎرﻃﺔ ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻊ ﻋﻴﻨﻪ
ﺑﺎذﻻ ﺟﻬﺪه ﰲ ﺗﺨﻄﻴﻂ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺑﺤﺴﺒﻬﺎ؛ ﻓﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ دﺧﻮﻟﻪ وﺧﺮوﺟﻪ ،وﻛﺎن ً
اﻟﻄﺮق اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮف إﱃ ﻃﺮف ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت املﺮﻛﺒﺎت ﺗﺨﱰﻗﻬﺎ ﰲ
أﻛﺜﺮ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ،وﻏﺮس اﻟﺸﺠﺮ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒﻴﻬﺎ ،وﻧﻮﱠر أﺷﻬﺮ ﺷﻮارﻋﻬﺎ ﺑﻨﻮر اﻟﻐﺎز،
وﺷﻴﺪ ﻓﻴﻬﺎ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر وﻧﺤﻮﻫﺎ ،وأﺷﻬﺮﻫﺎ ﻣﺮﺳﺢ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ
ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ »اﻷوﺑﺮا« ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ،ﻗﺪ أﻧﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ أﻣﻮال ﻛﺜرية ﺟﺪٍّا ﺣﺘﻰ
ﺻﺎر اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺴﺘﻜﺜﺮون ﻓﻴﻬﺎ أﻋﻈﻢ املﺒﺎﻟﻐﺎت.
وددت ﻟﻮ أن ﻗﻠﻤﻲ اﻟﻌﺎﺟﺰ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ وﺻﻒ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻫﺬه »اﻷوﺑﺮا« ،ﻓﻜﻨﺖ
أوﻓﻴﻬﺎ ﺣﻘﻬﺎ! أﻣﺎ اﻵن — وأﻧﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ أﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺰ واﻟﻘﺼﻮر — ﻓﺄﻛﺘﻔﻲ
ﺑﻮﺻﻒ وﺟﻴﺰ ﻟﻬﺎ؛ ﻓﻔﻲ وﺳﻂ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺛﺮﻳﺎ — أي ﻧﺠﻔﺔ — ﺗﻨﺎر ﺑﺎﻟﻐﺎز،
ﻟﻬﺎ أﻧﺎﺑﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻨﻲ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺸﻤﻊ ،ﻓﻴﺘﻮﻫﻢ اﻟﻨﺎﻇﺮ إﻟﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺷﻤﻊ ،وﻗﺪ
ً
ﻣﺸﺘﻌﻼ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﺸﻤﻊ ﺻﻨﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ أﻛﱪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ذاب
اﻟﺬاﺋﺐ ﻳﻘﻄﺮ ﻋﻦ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ،وﻗﺪ ﻋﺒﺚ اﻟﻨﺴﻴﻢ ﺑﺎﻟﻠﻬﻴﺐ ،ﻓﺄﺻﺎب ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺸﻤﻌﺔ،
ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻤﻊ ﺗﻤﺎم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ،وﺣﺠﻢ ﻫﺬه اﻟﺜﺮﻳﺎ
ﻣﻌﺘﺪل اﻻﺗﺴﺎع.
وﰲ وﺳﻂ اﻟﻘﺎﻋﺔ أﻣﺎم ﻣﺮﺳﺢ املﻠﻌﺐ ﻧﺤﻮ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻛﺮﳼ ﻣﺸﺪودة ﺑﺎملﺨﻤﻞ
اﻟﻌﻨﺎﺑﻲ ،وﺣﻮﻟﻬﺎ أرﺑﻊ ﻃﺒﻘﺎت ﻣﺴﺘﺪﻳﺮة ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،وﻗﺪ ﻗﺴﻤﺖ ﻛﻞ
ﻛﺮاﳼ وﻣﻘﻌﺪ ﻣﺸﺪود ﺑﺎملﺨﻤﻞﱟ ﻃﺒﻘﺔ إﱃ أرﺑﻌني ﻏﺮﻓﺔ ،ﰲ ﻛﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﺧﻤﺴﺔ
اﻟﻌﻨﺎﺑﻲ اﻟﻠﻮن ،وﺟﺪراﻧﻬﺎ ﻣﺪﻫﻮﻧﺔ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﻠﻮن ،وﻋﲆ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﺳﺘﺎر ﻣﻦ ﻟﻮﻧﻬﺎ،
وﻗﺪ ﻋﻠﻘﺖ ﻣﺮآة ﻛﺒرية ﻋﲆ ﺟﺪار ﻣﻨﻬﺎ ،وﻓﺮﺷﺖ أرﺿﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﻨﺎﻓﺲ ،وﻛﻞ ﻏﺮﻓﺔ
ﻣﻌﺪة ﻟﺨﻤﺴﺔ أﺷﺨﺎص ،وأﻣﺎ ﺳﻘﻒ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻓﻤﺮﺳﻮم ﻓﻴﻪ ﺻﻮر أﺷﻬﺮ املﻤﺜﻠني
واملﻮﺳﻴﻘﻴني ،وﻟﻠﺨﺪﻳﻮي ﻏﺮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﻟﺤﺮﻣﻪ ﻏﺮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ،وﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ
ﻋﲆ ﻏﺎﻳﺔ اﻹﺣﻜﺎم واﻟﻬﻨﺪام ،وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮش واﻟﻮﳾ واﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻣﺎ ﻳُﺪﻫﺶ
اﻷﻧﻈﺎر!
ﻫﺬا ﻋﺪا ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺎت اﻟﺠﻠﻮس ،وﻣﺨﺎزن املﻼﺑﺲ واﻵﻻت ،وﺳﺎﺋﺮ
املﻌﺎدن ،وﻣﻼﺑﺲ ﻟﻠﻤﻤﺜﻠني ﻣﻦ املﻨﺴﻮﺟﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻟﻮان واﻷﺷﻜﺎل؛ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ
807
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﻄﻦ وﻛﺘﺎن .وﻣﻦ ﻳﺠﻮل ﰲ ﻣﺨﺎزن اﻷوﺑﺮا ﻳﺤﺴﺐ أﻧﻪ ﻳﺠﻮل ﰲ أﺳﻮاق ﻣﺪﻳﻨﺔ
ﻗﺪ ﺣﻮت ﻣﺨﺎزﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش واﻟﺤﲇ واملﻼﺑﺲ واﻷﺣﺬﻳﺔ واﻷﺳﻠﺤﺔ واﻵﻻت
واﻟﺪواﻟﻴﺐ واﻷﻣﺮاس ﻣﺎ ﻻ ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺨﻂ اﻟﻘﻠﻢ ﻋﲆ اﻟﻘﺮﻃﺎس!
أﻳﻀﺎ اﻟﺠﴪ اﻟﻜﺒري ﻋﲆ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ املﺮﻛﺒﺎت؛ وﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻘﺎﻫﺮة ً
ﻻﺗﺴﺎﻋﻪ ،وﻳُﻤﴙ ﻋﲆ رﺻﻴﻔني ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻃﺮﻳﻖ املﺮﻛﺒﺎت ،وﻟﻄﻮﻟﻪ ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻪ
املﺮﻛﺒﺎت ﰲ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺛﻼث دﻗﺎﺋﻖ أو أرﺑﻊ ،وﻛﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ املﻔﺮوش ﺑﺎﻟﺒﻼط،
وﻫﻮ ﻳﻔﺘﺢ وﻳﻘﻔﻞ ﰲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻮم ملﺮور اﻟﺴﻔﻦ ﺑﺎﻟﺠﺴﻮر اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺮأ
وﺻﻔﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻹﻓﺮﻧﺞ.
وﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﺪارﺳﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ وأﺷﻬﺮﻫﺎ ﻣﺪرﺳﺔ ﻗﴫ اﻟﻌﻴﻨﻲ؛
ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﺐ واﻟﺠﺮاﺣﺔ ،وﻫﻨﺎك ﺻﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺘﻤﺮن ﻋﲆ اﻟﺘﻤﺮﻳﺾ،
وﻳﺪرﺳﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﻮﻻدة وﺑﻌﺾ ﻓﺮوع اﻟﻄﺐ ،وﻳﻤﺘﺤﻦ ﺟﻬﺎ ًرا ﻛﺒﻘﻴﺔ اﻟﺘﻼﻣﺬة
ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎن وﻣﺪرﺳﺔ املﻬﻨﺪﺳﺨﺎﻧﺔ ،وﺗﺪرس ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ
اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،واملﺪارس ﰲ ﻣﴫ ﻛﺜرية؛ أﻋﻈﻤﻬﺎ وأﺷﻬﺮﻫﺎ
ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﻟﻜﻦ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺎﻷﺟﺮة.
أﻳﻀﺎ :املﺮﺻﺪ اﻟﻔﻠﻜﻲ ،واملﻌﻤﻞ اﻟﻜﻴﻤﺎوي ،واملﻜﺘﺒﺔ وﻣﻦ املﺸﺎﻫﺪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ً
ً
وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻛﺘﺒﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ ،وﻟﻌﻠﻬﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﰲ اﻟﴩق،
وأﻋﻈﻢ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻋﺘﺒﺎ ًرا :ﻣﻌﺮض اﻵﺛﺎر املﴫﻳﺔ املﻌﺮوف ﻫﻨﺎ
ﺑﺎﻷﻧﺘﻴﻜﺨﺎﻧﺔ؛ ﻓﻔﻴﻪ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر املﴫﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻌ ﱡﺰ وﺟﻮده ﰲ ﻏريه ﻣﻦ ﻣﻌﺎرض
اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻣﻦ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ وﺻﻮر وﻧﻘﻮش ،وﻛﺘﺎﺑﺎت وآﻧﻴﺔ وأﺟﺴﺎم ﻣﺤﻨﻄﺔ ﻗﺪ ﺣﻨﻂ
ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺎم ﻣﻮﳻ اﻟﻜﻠﻴﻢ ،وﻻ ﻳﺰال ﻋﲆ روﻧﻘﻪ اﻷﺻﲇ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﻜﻔﻦ
ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان؛ ﻛﺎﻟﺰﻧﺠﺎري واﻷﺻﻔﺮ واﻷﺣﻤﺮ ،ﻻ ﺗﺰال ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ﻣﻦ اﻟﺒﻬﺎء ﻣﻨﺬ آﻻف ﻣﻦ اﻟﺴﻨني ،ﻣﻊ أن أﻟﻮان ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﻻ ﺗﻘﻴﻢ ،ﺑﻞ ﺗَﺤُ ﻮ ُل
وﺑﻬﺎ ُؤﻫﺎ ﻳﺰول.
وﻫﺬه اﻵﺛﺎر ﻳﻤﺘﺪ زﻣﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﻳﺎم أﻗﺪم اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ إﱃ اﻹﺳﻜﻨﺪر ﻓﺎﻟﺒﻄﺎﻟﺴﺔ
ﻓﺎﻟﺮوﻣﺎﻧﻴني ﻓﺎﻷﻗﺒﺎط ﺑﻌﺪﻫﻢ ،وﺑﻴﻨﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ ﺟﺜﺚ ﻣﻠﻮك املﴫﻳني وﻋﻴﺎﻟﻬﻢ
ﻣُﺤﻨﱠﻄﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺎم اﻟﺨﻠﻴﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،وﻻ ﺗﺰال ﺷﻌﻮرﻫﺎ ﻋﲆ رءوﺳﻬﺎ ،وﻟﻔﺎﺋﻔﻬﺎ
وأﻛﻔﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏري ﺑﺎﻟﻴﺔ ،وﺷﺎﻫﺪت ﻫﻨﺎك ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻫﺮ واﻟﺤﲇ
اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻛﺤﲇ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم؛ ﻣﻦ أﻗﺮاط وﺧﻮاﺗﻢ وأﺳﺎور وﻋﻘﻮد ﻣﺮﺻﻌﺔ
ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺮﺻﻴﻌً ﺎ ﻣﺘﻘﻨًﺎ.
808
ﺣﺮف املﻴﻢ
809
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﻳﻀﻌﻮﻧﻬﺎ داﺧﻞ ﺗﺎﺑﻮت ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺻﻢ ،وﻗﺪ رأﻳﺖ ﺗﺎﺑﻮﺗًﺎ ﻹﺣﺪى
املﻠﻜﺎت ﻗﺪ ﺻﻨﻊ ﻛﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن املﺮﺻﻮص ً
ﻃﺎﻗﺎ ﻋﲆ ﻃﺎق.
ﺛﻢ ﻋﻮﻟﺞ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻄﻼء ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻛﺎﻟﺨﺸﺐ ﺳﻤ ًﻜﺎ وﺻﻼﺑﺔ ،واﻟﻐﺎﻟﺐ
أن ﻛﻞ أﺛﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻵﺛﺎر ﻳﻜﻮن ﻣﻘﺮوﻧًﺎ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫريوﻏﻠﻴﻔﻴﺔ ﺗﺒني ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ وﻣﺎ
ﺣﺎﻟﺘﻪ .وﻗﺪ راﻓﻘﻨﺎ داﺧﻞ املﻌﺮض رﺟﻞ ﻣﴫي ﻳﻘﺮأ ﻫﺬا اﻟﺨﻂ ،وﻳﱰﺟﻤﻪ ﻟﻨﺎ،
ﻛﻤﺎ ﻧﻘﺮأ ﻧﺤﻦ ﻛﺘﺐ اﻹﻓﺮﻧﺞ وﻧﱰﺟﻤﻬﺎ.
وﰲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﻨﺘﺰﻫﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻹﺗﻘﺎن ،ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺼﺪع املﻮﺳﻴﻘﻰ،
وﺗﺴﻤﻊ آﻻت اﻟﻄﺮب ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﰲ وﺳﻂ املﺪﻳﻨﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ
ﺧﺎرﺟﻬﺎ؛ ﻛﻤﻨﺘﺰه ﺷﱪا — وﻫﻮ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﻌﻬﺪ — واﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،واﻷزﺑﻜﻴﺔ ،واﻟﺠﺰﻳﺮة.
وﻗﺪ ﻓﻀﻠﺖ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻋﲆ ﻣﺎ ﺳﻮاﻫﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺮﻳﺒﺔ اﻟﺸﺒﻪ ﻣﻦ ﺑﻘﺎع ﻛﺜرية ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ
وﻟﺒﻨﺎن واملﻔﺎوز ﺑﻨﻈﺮة واﺣﺪة .وﻫﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﻧﺤﻮ ﻣﻴﻞ ﻋﻦ وﺳﻂ املﺪﻳﻨﺔ ،واﻟﻄﺮﻳﻖ
إﻟﻴﻬﺎ واﺳﻌﺔ ﻧﻈﻴﻔﺔ ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺎﻷﺷﺠﺎر املﻠﺘﻔﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺒني ،ﺗﺮش ﺑﺎملﺎء ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ
ﺟﻤﻴﻊ ﻃﺮق املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻴﺘﻠﺒﺪ ﺗﺮاﺑﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺜﻮر ﻏﺒﺎرﻫﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻮاﻓﺮ واﻟﻌﺠﻼت
واﻷﻗﺪام ،وﺗﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ املﺮوج املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻟﻮان ،واﻟﻨﻴﻞ ﻳﻨﺴﺎب ﰲ وﺳﻄﻬﺎ
اﻧﺴﻴﺎب اﻷﻓﻌﻮان ،وﻫﻲ ﺗﺆدي إﱃ ﻗﴫ ﻓﺨﻴﻢ ﺑﻨﺎه إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﺎﺷﺎ — اﻟﺨﺪﻳﻮي
اﻟﺴﺎﺑﻖ — ﰲ وﺳﻂ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻏﻨﺎء ،ﻛﺜرية اﻷﺷﺠﺎر ،ﻟﻄﻴﻔﺔ اﻷزﻫﺎر ،واﺳﻌﺔ
اﻟﻄﺮق ،ﻋﺪﻳﺪة اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ،وﺟﻠﺐ إﻟﻴﻬﺎ اﻷﻧﻮاع اﻟﻌﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺶ واﻟﻄري ﺣﺘﻰ
أﺷﺒﻬﺖ ﻣﻌﺎرض اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﰲ أوروﺑﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺑﻬﺎ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم.
واملﻨﺘﺰه اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻗﺮب ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ﻣﺮﻛﺰه ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟﺠﺒﻼﻳﺔ ،وﻟﻌﻞ املﺮاد
ﺑﻬﺎ ﺗﺼﻐري اﻟﺠﺒﻞ ،وﻫﻲ ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ ﺣﺠﺎرﺗﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﺤﴡ واﻟﺮﻣﻞ ،ﻳﻤﺮ اﻟﺼﺎﻋﺪ إﱃ ﻗﻤﺘﻬﺎ ﰲ ﻣﻐﺎرة واﺳﻌﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ اﻟﻈﻞ ،رﻃﺒﺔ
اﻟﻬﻮاء ،ﻳﺘﺴﻠﺴﻞ املﺎء ﻣﻦ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ،وﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻘﻮب اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ،
وﻳﻘﻄﺮ ﻣﻦ ﺳﻘﻔﻬﺎ ﺧﻴﻮط ﻣﺪﻻة ﻗﺪ رﺳﺐ اﻟﻜﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﺴﺘﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ،
ﻓﺄﺷﺒﻬﺖ اﻟﺮواﺳﺐ اﻟﻜﻠﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﱃ ﻣﻦ ﺳﻘﻮف ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻬﻮف اﻟﺴﻮرﻳﺔ،
وﰲ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﺣﻴﺎض ﻛﺎﻟﻨﱡﻘﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر ﻗﺪ ﺳﺪت ﺑﺎﻟﺰﺟﺎج اﻟﺴﻤﻴﻚ ﻛﺄﻧﻪ
ﻣﺎء ﻗﺪ ﺟﻤﺪ ﻓﻜﻮن ﺟﺪا ًرا ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻴﺪ ،وﰲ أرﺿﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎرة ﻛﺄﻧﻬﺎ أﻧﻔﺬت ﻣﻦ
ﺳﻘﻒ املﻐﺎرة وﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ،وﺗﺪﺣﺮﺟﺖ ﰲ أرﺿﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻤﺮ اﻟﺴﻨني وﺗﻮاﱄ اﻟﺤﻮادث
واﻷﻳﺎم ،ﺛﻢ ﻳﺮﻗﻰ ﻋﲆ درج ﻣﻠﺘﻒ وﻛﺄﻧﻪ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺴﻪ ﻳﺪ اﻟﺒﴩ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ
810
ﺣﺮف املﻴﻢ
إﱃ ﻗﻤﺘﻬﺎ ،ﻓﻴﺠﺪ ﻫﻨﺎك ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺑﻘﻌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺰروﻋﺔ ﺑﺎﻷﻋﺸﺎب واﻷزﻫﺎر
واﻷﺷﺠﺎر ،وﻳﺮى ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻨﻈ ًﺮا ﻓﺴﻴﺤً ﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺎض اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ — ﻣﻦ ﺷﺠﺮ
اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وﻟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺘﺒﺖ اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﺳﻬﻮًا — واﻟﺴﻨﻂ وﺳﻬﻮل اﻟﻘﻤﺢ واﻟﺤﺒﻮب،
واﻟﻨﻴﻞ ﻳﻨﺴﺤﺐ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻛﺄﺳﻼك اﻟﻔﻀﺔ وﺻﺤﺎرى اﻟﺮﻣﺎل ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ
ﻳﴩح اﻟﺼﺪر وﻳﻄﻴﻞ اﻟﻌﻤﺮ.
وأﺧﱪت أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻫﻮ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺒﻼﻳﺔ ﰲ ﻗﴫ ﻳﺴﻤﻰ ﻗﴫ
اﻟﺠﻴﺰة ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أره ،وﻳﻮﺟﺪ ﺟﺒﻼﻳﺔ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ املﺘﻨﺰه اﻟﻜﺒري ﰲ وﺳﻂ
املﺪﻳﻨﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺠﻨﻴﻨﺔ اﻷزﺑﻜﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺟﻨﻴﻨﺔ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ
إﺣﺪى ﻗﺮى ﻟﺒﻨﺎن املﺘﻮﺳﻄﺔ ﰲ اﻻﺗﺴﺎع ،ﰲ وﺳﻄﻬﺎ ﺑﺤرية ﻣﺘﺴﻌﺔ ﺗﺴري ﻓﻴﻬﺎ
اﻟﻘﻮارب اﻟﺼﻐﺎر واﻟﻜﺒﺎر ،وداﺋﺮ اﻟﺒﺤرية اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻜﺒرية ،واﻷزﻫﺎر اﻟﻨﻀرية،
وﻣﺒﺎن ﻟﻠﻄﻌﺎم،
ٍ واﻷراﴈ اﻟﺨﴬاء ،واﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻐﻨﺎء ،وﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﺳﺢ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ،
وﻗﺒﺎب ﺗﴬب املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ،وأﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻟﻌﻤﻮم اﻟﻨﺎس،
وﻣﺨﺎزن اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﻜﱪى ﺑﻴﺪ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ.
وأﻛﺜﺮ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ املﻄﺮوﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻣﺰدﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﻘﻬﺎوي واﻟﺤﺎﻧﺎت
واﻟﺨﻤﺎرات ،وﻟﻢ ﻳﱰك اﻷوروﺑﻴﻮن املﺘﻌﺎﻃﻮن اﻷﺳﺒﺎب ﰲ اﻟﻘﺎﻫﺮة واﺳﻄﺔ إﻻ
أﺟﺮوﻫﺎ ﻻﺟﺘﺬاب اﻷﻫﺎﱄ إﱃ اﻹﴎاف واﻟﻠﻬﻮ واﻟﻄﺮب؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮى اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ
اﻷﻫﻠﻴﺔ ﻳﺘﻬﺎﻓﺘﻮن ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻪ ﺧﺮاﺑﻬﻢ وﺑﻮارﻫﻢ ﺗﻬﺎﻓﺖ اﻟﻔﺮاش ﻋﲆ ﻟﻬﺐ اﻟﻨﺎر،
وﻟﻢ ﻧﺴﻤﻊ ﺣﺘﻰ اﻵن ﺑﺠﻤﻌﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ أو أدﺑﻴﺔ ﻟﻸﻫﺎﱄ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺟﻤﻌﻴﺎت ﺑريوت ،أو
اﺟﺘﻤﺎﻋﺎت ﻣﻔﻴﺪة ﻟﻠﺸﺒﺎن واﻟﺸﺎﺑﺎت ﻛﺎﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة
ﺣﴬﻧﺎ اﻓﺘﺘﺎح ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ أدﺑﻴﺔ ﰲ دار املﺮﺳﻠني اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ،ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺤﻮ
ﻧﻔﺴﺎ ﺣﺎﴐﻳﻦ ،واﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺗﻬﺎ أﺳﺒﻮﻋﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺰاﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﺤﻀﻮر ﻣﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ً
ﺟﻠﺴﺔ ﻓﺠﻠﺴﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻳﺒﻠﻎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ،وﻗﺪ ﺿﺎﻗﺖ اﻟﻘﺎﻋﺔ
دوﻧﻬﻢ؛ ﻓﺎﻷﻣﻞ أن ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺗﺜﺒﺖ وﺗﻨﻤﻮ وﺗﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻘﻴﺎم ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ
اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻷدﺑﻴﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﴩ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺑني اﻟﺸﺒﺎن واﻷﻫﺎﱄ
ﻈﺎ واﻓ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻠﻄﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻟني اﻟﻌﺮﻳﻜﺔ ،وﺳﻬﻮﻟﺔ اﻻﻧﻘﻴﺎد.اﻟﺬﻳﻦ أوﺗﻮا ﺣ ٍّ
وﷲ أﺳﺄل أن ﻳُﻘﺪﱢرﻧﺎ ﻋﲆ ﻗﻀﺎء ﺧﺪﻣﺔ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻟﺒﻨﺎت ﻫﺬه اﻟﺒﻼد .اﻧﺘﻬﻰ.
وﻣﻦ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻣﻘﺎﻟﺔ أدرﺟﺖ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ ﺟﺮﻧﺎل »اﻟﻠﻄﺎﺋﻒ« ﺗﺤﺖ
ﻋﻨﻮان ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻷوﻻد ،وﻫﻲ ﺧﻄﺒﺔ أﻟﻘﺘﻬﺎ ﰲ أﺣﺪ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ،ﻗﺎﻟﺖ» :ﻗﺎل اﻟﺤﻜﻴﻢ:
811
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ربﱢ
اﻟﻮﻟﺪ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ أدب؛ ﻓﻤﺘﻰ ﺷﺎب ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻗﺎل ﻋﻠﻤﺎء اﻷﺧﻼق:
ﴎ ﺑﻪ ﻛﺒريًا .وﻫﻤﺎ ﻗﻮﻻن ﺟﺪﻳﺮان ﺑﺎملﺮاﻋﺎة ،وﺣﺮﻳﺎن ﻣَ ﻦ أدب وﻟﺪه ﺻﻐريًا ُ ﱠ
ﺑﻜﻞ اﻋﺘﺒﺎر؛ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺻﺎدران ﻣﻦ أﻋﻘﻞ اﻟﻨﺎس وأﺣﻜﻤﻬﻢ ،ﻣﺘﻌﻠﻘﺎن ﺑﺄﻫﻢ ﻣﺎ
ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ اﻷﻋﻄﻴﺔ واﻟﻜﻨﻮز؛ ﻓﺈن اﻷوﻻد ﻫﻢ ﻋﻤﺎد اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﻢ
ﻳﻘﻮم اﻷﻓﺎﺿﻞ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻮم اﻟﻌﻠﻤﺎء ووﻻة اﻷﻣﻮر ،وﻣﻨﻬﻢ ﺗﺘﺄﻟﻒ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ
واﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب؛ ﻓﻬﻢ أﺳﺎس اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﺑﻬﻢ ﻳﺘﻢ اﻧﺘﻈﺎﻣﻬﺎ وﺗﻤﺪﱡﻧﻬﺎ
وارﺗﻘﺎؤﻫﺎ ﰲ ﻣﺮاﺗﺐ اﻟﻜﻤﺎل.
ﺜﻘﻔﺔ ﻟﻌﻘﻮﻟﻬﻢ ،ا ُملﻬﺬﱢﺑﺔ ﻷﺧﻼﻗﻬﻢ، وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ أﻗﻮى اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ا ُمل ﱢ
ﺧﺼﻮﺻﺎ ،وﻏريﻫﻢ ً ا ُملﻘﻮﱢﻣﺔ ﻻﻋﻮﺟﺎﺟﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﱰﺑﻴﺔ ﻣﺘﻮﻗﻔﺔ ﻋﲆ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ
ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ واﺟﺒﺎت اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻧﺤﻮ أوﻻدﻫﻢ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻮاﺟﺒﺎت ،واﻟﻮدﻳﻌﺔ
اﻟﺘﻲ أﻣﱠ ﻨﻬﻢ اﻟﺒﺎري — ﺗﻌﺎﱃ — ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺟ ﱠﻞ اﻟﻮداﺋﻊ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﻊ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ
اﻟﺤﻨﻮﻧني إﻻ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﱰﺑﻴﺔ أوﻻدﻫﻢ ،واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻗﻮﻳﻤﺔ املﻨﻬﺎج،
ﺷﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﻼج.
وﻫﺬا ﻣﺎ ﻗﺼﺪت اﻟﻜﻼم ﻓﻴﻪ ﺑﻮﺟﻪ اﻻﺧﺘﺼﺎر ،ﻓﺄﻗﻮل :إن اﻟﱰﺑﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻠﻤً ﺎ
ﺑﻘﻮاﻋﺪ وأﺻﻮل ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﻌﻠﻮم ﻳﺘﻌﻠﻤﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺑﻄﻮن اﻟﺼﺤﻒ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻧﻮع
ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﺮاﻋﻲ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎ ُن أﺣﻮا َل اﻷوﻻد واﻟﺰﻣﺎن واملﻜﺎن ،ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﻳﺼﺢ اﻟﺠﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﺣﺎل ،ﻟﻜﻦ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻳﺘﻮﻗﻒ
ﻋﲆ ﺣﻜﻤﺔ املﺮﺑﻲ وﻓﻄﻨﺘﻪ وﻏريﺗﻪ وﺣﺴﻦ أﺧﻼﻗﻪ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﻗﻮل ﺑﺎﻹﺟﻤﺎل:
إن اﻟﱰﺑﻴﺔ ﻳﻠﺰم ﻟﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﴍوط ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎ ُملﺮﺑﱢﻲ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎ ُملﺮﺑﱠﻰ.
َ
ﺣﺴﻦ ﻓﻤﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﴩوط اﻟﻼزﻣﺔ ﰲ ا ُملﺮﺑﱢﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻣُﺮﺑﱢﻴًﺎ
ﻄ ِﻮﻳﱠﺔ ،ﻣﻬﺬبَ اﻷﺧﻼق واﻷﻗﻮال ،ﺣﻤﻴﺪ اﻟﺴرية ،ﺻﺎﰲ اﻟﴪﻳﺮة وإﻻ ذﻫﺒﺖ اﻟ ﱠ
ﻣﺴﺎﻋﻴﻪ ﻋﺒﺜًﺎ ،ورﺑﻤﺎ زادت أﴐارﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ؛ ﻷن ا ُملﺮﺑﱠﻰ ﻳﻤﻴﻞ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ إﱃ
وﻓﻌﻼ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﺻﻮرة ﺧﻠﻘﺘﻪ، ً اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻤﺮﺑﻴﻪ ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،وﺗﻘﻠﻴﺪه ً
ﻗﻮﻻ
ﺣﺴ ِﺐ ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﻟﻠﻤُﺮﺑﱠﻰ ُﻛﺬﺑﺖ أﻗﻮاﻟﻪ ﻳﺠﺮ ا ُملﺮﺑﱢﻲ ﻋﲆ َ
أو ﺻﺪَى ﺻﻮﺗﻪ ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ِ
وأﻓﻌﺎﻟﻪ ،وأ ُ ْ
ﺑﻄﻠﺖ أﻣﻴﺎﻟﻪ وﻣﺴﺎﻋﻴﻪ.
ﻳﺤﻜﻰ أن اﻟﴪﻃﺎن أراد ﻳﻮﻣً ﺎ أن ﻳُﻘﻮﱢم ﺧﻄﻮات اﺑﻨﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻣﺎ ﻟﻚ ﻳﺎ
ﺑﻨﻲ ﺗﻤﴚ ﻣﺠﺎﻧﺒًﺎ وﻻ ﺗﻘﻮﱢم ﺧﻄﻮاﺗﻚ؟ ﻗﺎل :رأﻳﺘﻚ ﻳﺎ أﺑﻲ ﺗﻤﴚ ﻛﺬﻟﻚ ﻗﺒﲇ
812
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻓﺎﻗﺘﺪﻳﺖ ﺑﻚ ،وﺣﺴﺒﻲ أن أﺷﺒﻬﻚ ،وﻟﻘﺪ أﺻﺎب ﻗﻮل ﻣﻦ ﻗﺎل» :وﻣﻦ ﻳﺸﺎﺑﻪ
أﻳﻀﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ أن ﻳﻜﻮن ﺣﻜﻴﻤً ﺎ ﻣﺘﺄﻧﱢﻴًﺎ ،ﻣﺎﻟ ًﻜﺎ أﺑﻪ ﻓﻤﺎ ﻇﻠﻢ «.وﻳﻠﺰم ا ُملﺮﺑﱢﻲ ً
ﻃﺒﻌﻪ ،ﺧﺒريًا ﺑﻤﻮاﻗﻊ اﻷﻗﻮال ،وﻧﺘﺎﺋﺞ اﻷﻓﻌﺎل؛ ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻛﻼﻣﻪ ﻣﻊ ا ُملﺮﺑﱠﻰ ﻋﲆ ﻗﺪر
ُﻘﴫ أﻓﻌﺎﻟﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳُﺆﺛﱢﺮ ﰲ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﻘﻮﻳﻢ أوَده ،وﺗﻬﺬﻳﺐ أﺧﻼﻗﻪ ،وﻳ ِ
ﻧﻔﺲ اﻟﻄﻔﻞ أﺣﺴﻦ ﺗﺄﺛري ﻳﺤﺜﻪ ﻋﲆ اﻟﺨري ،وﻳﻨﻬﺎه ﻋﻦ املﻨﻜﺮ .وأﻣﺎ اﻟﴩوط
اﻟﻼزﻣﺔ ﰲ ا ُملﺮﺑﱠﻰ ﻓﺴﺄﺗﻜﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ أواﺧﺮ ﻫﺬه املﻘﺎﻟﺔ.
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﲆ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ،وﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻏريﻫﻢ، ً ﻗﻠﺖ :إن اﻟﱰﺑﻴﺔ ﺗﺘﻮﻗﻒ
وﻣﻌﻠﻮم أن ﻣﻌﻈﻢ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ اﻷﻣﻬﺎت ﻻ ﻋﲆ اﻵﺑﺎء؛ ﻟﻮﺟﻮدﻫﻦ
ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻣﻊ أوﻻدﻫﻦ أﻳﺎم اﻟﻄﻔﻮﻟﻴﺔ ،وﻟﻜﻮن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻬﻢ ﻣﻦ أﺧﺺ
واﺟﺒﺎﺗﻬﻦ ،وﺑﻤﺎ أن ﻛﺜريات ﻣﻨﺎ — ﻧﺤﻦ اﻟﺤﺎﴐات ﻫﺎ ﻫﻨﺎ — أﻣﻬﺎت أوﻻد
ﻘﺪن ﻏرية ﻋﲆ ﺗﺤﺴني ﻃﺒﺎﻋﻬﻢ ﻳﻘﺼﺪن ﺗﺮﺑﻴﺔ أوﻻدﻫﻦ أﺣﺴﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ،وﻳﺘﱠ َ
وﺗﻬﺬﻳﺐ أﺧﻼﻗﻬﻢ؛ ﻓﻘﺪ رأﻳﺖ أن أُﺑﺪي ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻋﻨﺪي ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن؛ ﻟﻌﻠﻪ
ﻳﻘﻊ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻘﺒﻮل ﻋﻨﺪ إﺣﺪى اﻟﺴﺎﻣﻌﺎت؛ ﻓﻴﻔﻴﺪ ،أو أﺳﻤﻊ ﻋﻨﻪ ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻣﻦ
إﺣﺪاﻫﻦ ﻓﺄﺳﺘﻔﻴﺪ؛ ﻓﺄﺗﻘﺪم ﰲ اﻟﻜﻼم ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أن اﻟﴩوط اﻟﻼزﻣﺔ ﻣﺘﻜﻤﻠﺔ ﰲ
املﺮﺑﻴﺎت اﻟﺴﺎﻣﻌﺎت؛ ﻟﻌﻠﻤﻲ أﻧﻬﻦ ﻣﻦ اﻟﻠﻮاﺗﻲ رﺑني أﺣﺴﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻳﻌﻮزﻧﺎ
اﻻﺧﺘﺒﺎر واﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﺄﺛﻤﺎر اﻟﺘﺠﺎرب.
أرى أن اﻟﻮاﻟﺪة ﻻ ﺗﻘﺪر أن ﺗﺮﺑﻲ وﻟﺪﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ إﻻ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﻮﱄ
ﻋﲆ ﻋﻘﻠﻪ وﻋﻮاﻃﻔﻪ ،وﺗﻌﺮف ﻃﺒﺎﻋﻪ ،واﻟﺬي ﻳﺪﻟﻨﻲ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻫﻮ أن اﻟﱰﺑﻴﺔ ﻻ
ﺗُﻨﻤﱢ ﻲ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻄﻔﻞ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ أﺛﺮ وﻻ وﺟﻮد ﻓﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮد ﻗﺪ
أودﻋﻪ اﻟﺒﺎري — ﺗﻌﺎﱃ — ﻓﻴﻬﺎ ،وﻻ ﺗﻘﺘﴫ ﻋﲆ إﻧﻤﺎء ﻫﺬا املﻮﺟﻮد ،ﺑﻞ ﺗُﻘﺪﱢم
اﻟﻨﺎﻣﻲ وﺗُﻬﺬﱢﺑﻪ وﺗﻘﻮﱢﻳﻪ وﺗُﺸﺪﱢده؛ ﻓﻤﺜﻞ اﻟﻮاﻟﺪة ﰲ ﺗﺮﺑﻴﺔ وﻟﺪﻫﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻐﺎرس
ﰲ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻏﺮﺳﻪ؛ أﻻ ﺗﺮﻳﻦ ﻛﻴﻒ ﻳُﻤﻬﱢ ﺪ ﻟﻪ اﻷرض وﻳُﺴﻮﱢﻳﻬﺎ وﻳُﺴﻤﱢ ﺪﻫﺎ وﻳﺮوﻳﻬﺎ
ﻳﺘﺄﺻﻞ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻛ ﱠﻠﻤﺎ ﻧﻤﺎ وﻃﺎل ﻳﻘﻮﱢﻣﻪ إذا رآه ﻣُﻌﻮﺟٍّ ﺎ ،وﻳﻘﻀﺒﻪ وﻳﻬﺬﺑﻪ ﱠ ﺣﺘﻰ
ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮى وﻳﻌﻠﻮ وﻳﺘﺤﺴﻦ ﻣﻨﻈﺮه ،ﻫﻜﺬا ﺗﻔﻌﻞ اﻷم ﰲ وﻟﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﱰﺑﻴﺔ؛ ﺗﻨﻈﺮ
إﱃ ﺟﺴﺪه وﺗﻘﻮﻳﻪ وﺗﻨﻤﻴﻪ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم واﻟﺮﻳﺎﺿﺔ واﻹﺗﻘﺎء ﻣﻦ اﻵﻓﺎت ،وﺗﻨﻈﺮ إﱃ
ﻓﺘﻮﺳﻌﻬﺎ وﺗُﻘﻮﱢﻳﻬﺎ ،وﺗُﻘﻮﱢم اﻋﻮﺟﺎﺟﻬﺎ وﺗُﻬﺬﱢﺑﻬﺎ،
ﱢ ﻋﻮاﻃﻔﻪ وﻗﻮاه اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ
ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه ﺑﻴﺪﻫﺎ وﻃﻮع أﻣﺮﻫﺎ؛ ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ؟! وﻟﻜﻦ ﺗﻜﻮن
ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻬﺎ ،وﻃﻮع إرادﺗﻬﺎ.
813
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
814
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﻓﻴﻬﻢ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﻮف واﻟﺨﻴﺎﻧﺔ واﻟﺒﻐﺾ واﻟﻜﺮاﻫﺔ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،وﻳﺘﻠﻮ ذﻟﻚ املﻜ ُﺮ
واﻟﺮﻳﺎء ،أو اﻟﻌﺼﻴﺎن واﻟﺘﻤﺮد ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ؛ إذ اﻟﻘﺴﻮة واﻟﻌﻨﻒ ﰲ املﺘﺴﻠﻂ
ً
ﻣﺴﺘﺜﻘﻼ ،واﻟﻨﻔﻮس اﻷﺑﻴﺔ ﻻ ﺗﺬل ً
ﻣﻜﺮوﻫﺎ ،وﻣﻄﺎﻋً ﺎ وﻟﻜﻦ ﻳﺠﻌﻼﻧﻪ ﻣﻬﻴﺒًﺎ ،وﻟﻜﻦ
ﱠإﻻ إﱃ ﺣني ،وﻻ ﺗﺼﱪ ﻋﲆ اﻟﻀﻴﻢ إﻻ رﻳﺜﻤﺎ ﺗﺠﺪ ﺑﺎﺑًﺎ ﻟﺪﻓﻌﻪ.
ﺧﺼﻮﺻﺎ — أن ﻳﻌﺎﻣﻠﻮا أوﻻدﻫﻢ ﰲ ً ﻓﻴﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ — واﻟﻮاﻟﺪات
ﺑﺎﺷﺔ إﻻ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗُﻘﺒﻞ اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ ،وأن اﻟﱰﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺮﻓﻖ ،وأن ﻳﻘﺎﺑﻠﻮﻫﻢ ﺑﻮﺟﻮ ٍه ﱠ
ﻳﻜﻮن ﻛﻼﻣﻬﻢ ﰲ اﻹﻧﺬار واﻟﺘﻮﺑﻴﺦ ﻣﻘﺮوﻧًﺎ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧﻲ واﻟﻬﺪوﱢ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﻬﻢ اﻟﻮﻟﺪ
ﻣﺆداه وﻳﻘﺒﻠﻪ ﻋﻦ اﻗﺘﻨﺎع؛ ﻻ ﻋﻦ ﺧﻮف ورﻋﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻳﻜﻮن إذا أدﺑﺘﻪ أﻣﱡ ﻪ ﻋﻦ
ﻏﻀﺐ وﺣﻨﻖ؛ إﻃﻔﺎء ﻟﻨﺎر ﻏﻴﻈﻬﺎ .واﻟﺤﺰم واﻟﻬﺪ ﱡو واﻟﺘﺄﻧﻲ ﰲ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻄﻔﻞ ٍ
وﺗﺄدﻳﺒﻪ ﺗُﻠﻘﻲ ملﺮﺑﻴﺘﻪ ﻫﻴﺒﺔ ﰲ ﻓﺆاده ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻫﻴﺒﺔ ،ﻓﺘﺒﻘﻰ ﻣﻘﺮوﻧﺔ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ
ﻟﻪ ﻃﻮل أﻳﺎﻣﻪ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﻤﺰوﺟﺔ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺤﺐ واملﻮدة.
واﻟﺨﻼﺻﺔ أﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻷم أن ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ وﻟﺪﻫﺎ ﻃﺎﻋﺔ ﻣﺆﺳﺴﺔ
ﻋﲆ اﻟﺤﺐ ﺗﺪوم إﱃ ﻃﻮﻳﻞ ،ﻻ ﻃﺎﻋﺔ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻋﲆ اﻟﺨﻮف ﺗﺪوم إﱃ ﻗﺼري ،وﻛﻤﺎ
ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻮاﻟﺪة أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎﻛﻤﺔ ﻣﺘﺴﻠﻄﺔ ﻋﲆ ﻋﻘﻞ وﻟﺪﻫﺎ وﻋﻮاﻃﻔﻪ ،ﻳﻄﻠﺐ
ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺼﺪﻳﻖ واﻟﺮﻓﻴﻖ ﻟﻪ؛ ﺗﺨﺼﺺ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ملﻼﻋﺒﺘﻪ
ﺑﻘﺺ اﻟﻘﺼﺺ املﻔﻴﺪة ﻋﻠﻴﻪ ،وﻃﻮ ًرا ﺑﺘﻌﻠﻴﻤﻪ ﱢ ﺑﺎملﻼﻋﺐ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺗﺴﻠﻴﻪ ﺗﺎر ًة
ﻣﺎ ﻳﻨري ذﻫﻨﻪ ،وﺣﺜﱢﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻃﺒﻌﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺎ ً
ﺗﻌﻠﻘﺎ
ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻳﻔﻀﻞ ﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻬﺎ واﺳﺘﻤﺎع أﻗﻮاﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺠﺎﻟﺴﺔ ﻛﻞ واﺣﺪ ﺳﻮاﻫﺎ،
ﻓﻴﻜﺘﺴﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻠﻘﻴﻪ ﰲ ذﻫﻨﻪ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر واملﺒﺎدئ،
وﻳﻨﻤﻮ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﺤﺐ أن ﻳﻨﻤﻮ ﻋﻠﻴﻪ.
وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻨﺪوﺣﺔ واﺳﻌﺔ ﻟﻠﻜﻼم ﻋﲆ اﻷﺗﻌﺎب اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﻮاﻟﺪة أن
ﺗﻬﺒﻬﺎ ﻷوﻻدﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﻢ املﻠﻞ واﻟﻀﺠﺮ ،وﻣﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ املﺴﺎوئ
اﻟﻜﺜرية اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴﺪ اﻟﱰﺑﻴﺔ واﻷﺧﻼق ،وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﺤﻞ اﻟﻜﻼم ﻋﲆ ﺗﺪﺑري ﻣﺎ ﻳﻠﺰم
ﻟﺘﺤﺴني ذوق اﻟﻮﻟﺪ وﺗﻌﻮﻳﺪه ﻋﲆ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ ،واﻋﺘﺒﺎر ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﻓﻊ
وﻣﻔﻴﺪ ،وﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﻋﲆ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻷﻣﻮر ،وﻣﻼﺣﻈﺔ ﻣﺎ ﺣﻮاﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت وﻋﺠﺎﺋﺐ
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ ﺗﺮوﻳﻀﻪ وﺗﻘﻮﻳﺔ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﺎ ،وﻏﺮاﺋﺐ أﻓﻌﺎﻟﻬﺎ ،وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﺤﻞ اﻟﻜﻼم ً
ﺟﺴﺪه ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺗﻌﺮض ﻟﴚء ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻟﺌﻼ ﻳﻀﻴﻖ املﻘﺎم ،واﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ
ﻣﺎ ﻫﻮ ﺷﺎﺋﻊ ﻣﻨﻪ ﰲ ﻛﺘﺒﻨﺎ وﺟﺮاﺋﺪﻧﺎ.
815
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
816
ﺣﺮف املﻴﻢ
إن ﺣﴬة اﻟﻔﺎﺿﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﺒﲇ ﺷﻤﻴﻞ ﻳﻌﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ إذا أﻃﻌﻤﻮا أﺷﺒﻌﻮا،
وإذا ﴐﺑﻮا أوﺟﻌﻮا ،ﻓﻤﻘﺎﻟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة وﻫﻞ ﻳﺘﺴﺎوﻳﺎن؟«
— املﻨﺪرﺟﺔ ﰲ اﻟﺠﺰءﻳﻦ اﻟﺴﺎدس واﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻄﻒ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ — ﻗﺪ
ﺣﻮت ﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻊ ﻋﻘﻮل اﻟﻘﺎرﺋني ،وﻣﻦ اﻟﺘﺤﺎﻣﻞ ﻋﲆ املﺮأةْ
واﻹﺟﺤﺎف ﺑﺤﻘﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﻊ ﻧﻔﻮس اﻟﻘﺎرﺋﺎت ،وﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ وﺟﻪ ﻟﺪﻓﻊ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﺄﻧﻪ
ﺼﻢ ذو ﻏﺮض ،أو رﺟﻞ ﻗﻠﻴﻞ املﻌﺎرف ﻻ ﻳُﻌﺒَﺄ ﺑﻘﻮﻟﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺎل وأﻋﺎد اﻟﻘﻮل َﺧ ْ
ﻣﺮا ًرا :إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻗﺼﺪه ﺣﻂ ﺷﺄن املﺮأة؛ ﺑﻞ ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻟﺤﻖ اﻟﻮاﻗﻊ.
واﻟﺬي ﻧﻌﻬﺪه ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﺪق ﰲ اﻟﻘﻮل ،واﻹﺧﻼص ﰲ اﻟﻘﺼﺪ ،ﻳﻜﺬﺑﻨﺎ إن
ﺳﻤﻴﻨﺎه ﺧﺼﻤً ﺎ ،أو ﻧﺴﺒﻨﺎ إﻟﻴﻪ اﻟﻐﺮض ،وأﻗﻮاﻟﻪ وﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻪ ﺑﺴﻌﺔ اﻻﻃﻼع
817
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻏﺰارة املﻌﺎرف ،ﻓﻼ ﻧُﺼﺪﱠق إذا ﺣﻄﻄﻨﺎ ﰲ ﻋﻠﻤﻪ وﻣﻌﺎرﻓﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻼ رﻳﺐ
أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﺼﻒ ﰲ ﺣﻜﻤﻪ ﻋﲆ املﺮأة ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪل ﰲ ذﻛﺮ ﻣﻨﺎﻗﺒﻬﺎ وأﺧﻼﻗﻬﺎ ،وﻣﺎ
ذﻟﻚ ﰲ ﺣﻜﻤﻲ إﻻ ﻋﻦ ﺳﻬﻮ؛ إذ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺴﻬﻮ واﻟﻨﺴﻴﺎن .واﻟﻈﺎﻫﺮ أن
أﺻﻼ ﻋﻦ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺤﺮك ﰲ أﻗﻮال اﻟﻌﻠﻤﺎء ً اﻋﺘﻘﺎده ﰲ املﺮأة ﻣﻨﻘﻮل
ً
وﻏﺎص ﻋﲆ أداﺗﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻘﻂ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﻣﺎ أﻳﺪ ذﻟﻚ اﻻﻋﺘﻘﺎد املﺘﺪاول ﺧﻠﻔﺎ ﻋﻦ
ﺳﻠﻒ ،وأﻏﻔﻞ ﻣﺎ ﻳﺆﻳﺪ ﺧﻼﻓﻪ! وﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺮ ٍة ز ﱠل اﻟﻌﻠﻤﺎء وﺿ ﱠﻞ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣﻦ
ﺗﺄﺛري اﻷوﻫﺎم املﺘﻮارﺛﺔ ،واﻷﻏﻼط اﻟﺴﺎﺋﺮة ،وﻟﻮﻻ ذﻟﻚ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ املﺤﺎل أن ﻳﺮﴇ
ﺣﴬة اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻔﺎﺿﻞ ﺑﻤﺎ ﰲ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف واﻹﺟﺤﺎف ﻛﻤﺎ ﺳﱰى:
أوﻻ :إن اﻟﻘﺴﻢ اﻷول ﻣﻦ املﻘﺎﻟﺔ املﺬﻛﻮرة ﻣﻘﺼﻮر ﻋﲆ إﺛﺒﺎت أن اﻟﺬﻛﻮر ﻣﻦ ً
ﺟﺜﺔ ،وأﻛﱪ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ أﺷﺪ ﻣﻦ اﻹﻧﺎث ،وأن اﻟﺮﺟﻞ أﺿﺨﻢ ﻣﻦ املﺮأة ً
ﻋﻀﻼ ،وأﻧﴬ ﺳﺤﻨﺔ ،ودﻣﻪ أﺛﻘﻞ ﻧﺒﻀﺎﻧًﺎ، ً ً
ﺟﻤﺠﻤﺔ ،وأﺛﺨﻦ ﻋﻈﻤً ﺎ ،وأﻗﴗ
واﻧﺤﻼﻻ؛ إذ ﻳﻔﺮز ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻣﺾ اﻟﻜﺮﺑﻮﻧﻴﻚ ً وأﻏﻠﻆ ﻗﻮاﻣً ﺎ ،وﺟﺴﺪه أﻛﺜﺮ ﻓﺴﺎدًا
أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻔﺮز ﻫﻲ ،وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ أن اﻟﺮﺟﻞ أﺷﺪ ﻣﻦ املﺮأة .وﻣﺎ ﻟﺒﺚ
دﻟﻴﻼ ﻋﲆ اﻟﺸﺪة ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﺟﻌﻠﻬﺎ اﻣﺘﻴﺎ ًزا ﻳﻤﺘﺎز أن ﺟﻌﻞ ﻫﺬه اﻷوﺻﺎف ً
ﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ ،وﻟﻢ ﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬا اﻻﻣﺘﻴﺎز ﺑﺄن ﺣﴬة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻳﺬﻛﺮ ﻣﻘﺎﺑﻠﻪ اﻣﺘﻴﺎز
املﺮأة ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل ،واﻋﺘﺪال اﻟﻘﻮام ،وﻟﻄﻒ اﻟﱰﻛﻴﺐ ،واﻟﻐﻀﺎﺿﺔ
واﻟﺒﻀﺎﺿﺔ وﻧﺤﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷوﺻﺎف اﻟﺘﻲ ﺗُﻤﻴﱢﺰﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣُﺴ ﱠﻠﻢ ﺑﻪ
أﻳﻀﺎ؛ ﻷﻧﻪ إن ﻛﺎﻧﺖ ﺿﺨﺎﻣﺔ اﻟﺠﺴﻢ واﻟﻘﻮة اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﺗﻌﺪان اﻣﺘﻴﺎ ًزا إﺟﻤﺎﻋً ﺎ ً
ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻣﻦ وﺟﻪ؛ ﻓﻠﻄﻒ اﻟﻘﺪ وﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﻳﻌﺪان اﻣﺘﻴﺎ ًزا ﻟﻠﻤﺮأة ﻣﻦ أَوْﺟُ ٍﻪ،
واﻹﻧﺼﺎف ﻳﻘﺘﴤ ذﻛﺮﻫﻤﺎ ﻋﻨﺪ ذﻛﺮ ﻏريﻫﻤﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺣﴬة اﻟﺪﻛﺘﻮر أﻏﻔﻠﻬﻤﺎ
ﺗﻤﺎم اﻹﻏﻔﺎل.
دﻟﻴﻼ ﻋﲆ ارﺗﻘﺎﺋﻪ ﺛﻢ إﻧﻪ ذﻛﺮ ﺗﻘﻮس اﻟﻘﺪم ﰲ اﻟﺮﺟﻞ واﻧﺒﺴﺎﻃﻬﺎ ﰲ املﺮأة ً
ﰲ اﻟﺨﻠﻖ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻳﺰرر ﺛﻴﺎﺑﻪ ﻋﻦ اﻟﻴﻤني وﻫﻲ ﺗﺰررﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﻴﺴﺎر!
وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻂء ﻧﻤﻮه وﴎﻋﺔ ﻧﻤﻮﻫﺎ ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷدﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳُﺴ ﱢﻠﻢ ﺑﺼﺤﺔ
ﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ واﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻔﻴﻬﺎ آﺣﺎد ،وﺗﺮك اﻷﻣﺮ واﻹﻧﺼﺎف ﻳﻘﺘﴤ ذﻛﺮ اﻷﻣﺮ
املﻘﺮر ﻗﺒﻞ اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺜﺒﺖ ﺻﺤﺘﻬﺎ وﻻ ﺻﺤﺔ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺎ.
ﺛﺎﻧﻴًﺎ :إن ﻓﺤﻮى اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺣﴬة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻫﻲ إﺛﺒﺎت أن اﻟﺮﺟﻞ
أﻋﻈﻢ ً
ﻋﻘﻼ وإدرا ًﻛﺎ ﻣﻦ املﺮأة ،وﻗﺪ ﻋﺪد ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻮى اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ زﻋﻢ أن
818
ﺣﺮف املﻴﻢ
819
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
املﻘﺮي ﻣﺎ ﻳﻌﱰف ﺑﺤﻘﻬﺎ ،وﻳُﻌﺮف ﺑﻪ ﻣﻘﺪار ﺳﺒﻘﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻨﺴﺎء اﻷدب ،وﺗﺤﺘﺸﻢ
ﻃﻮﻳﻼ ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻷرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ،وذﻛﺮﻫﺎ ً ﻟﺪﻳﻨﻬﺎ وﻓﻀﻠﻬﺎ ،وﻋﻤﺮت ﻋﻤ ًﺮا
اﻟﺤﻤﻴﺪي ،وأﻧﺸﺪ ﻟﻬﺎ ﺟﻮاﺑﻬﺎ ملﺎ ﺑﻌﺚ املﻬﺪي ﻟﻬﺎ ﺑﺪﻧﺎﻧريَ وﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ:
820
ﺣﺮف املﻴﻢ
ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﻠﻄﻒ واﻟﺮﻗﺔ ،ودﻣﺎﺛﺔ اﻷﺧﻼق ،وﻟني اﻟﻌﺮﻳﻜﺔ، ٍ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻋﲆ
ﺟﺎﻧﺐ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻏﺰارة اﻟﻌﻘﻞ ،وﺣﺪة اﻟﺬﻫﻦ ،وﺻﺪق اﻟﺘﺼﻮر ،وﺣﺴﻦ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ. ٍ وﻋﲆ
وﻗﺪ اﺳﺘﻮدع ﷲ ﰲ ﻫﻴﻜﻠﻬﺎ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻳﻌ ﱡﺰ وﺟﻮده ﰲ ﺧري أﺷﺪاء
اﻟﺮﺟﺎل.
ﻓﺖ املﱰﺟَ ﻤﺔ ﰲ ردﱢﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﻠﺒﻲ ﺷﻤﻴﻠﻮﻣﻦ ﴍﻳﻒ ﻃﺒﺎﻋﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪةُ وﻗﺪ ﻋ َﺮ ُ
اﻟﺤﺐ ﻟﺠﻼﻟﺔ اﻹﻣﱪاﻃﻮر — ﻗﺮﻳﻨﻬﺎ — ﻣﻴﺎﻟﺔ إﱃ ﻋﻤﻞ اﻟﺤﺴﻨﺎت ،ﻣﻨﺸﻄﺔ ﻟﻠﻤﻌﺎرف ،ﻻ
ﺗﺤﺐ اﻟﺘﺪاﺧﻞ ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﺜريًا ،ﻧﺰوﻋﺔ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ ،ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻜﺮه ﻟﻠﻜﺴﻞ واﻟﻜﺴﺎﱃ،
ﻣﻮﻟﻌﺔ ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻜﺘﺐ املﻔﻴﺪة ،ﺗﺨﻴﻂ أﻛﺜﺮ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ — اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ
ﺿﻌﺔ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ — ﻻ ﺗﺤﺐ اﻹﴎاف واﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ،ﺗﻘﻮم ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﺴﺎﻋﺪة إﺣﺪى
اﻟﻔﺎﺿﻼت ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﻨﻴﻬﺎ اﻟﺜﻼﺛﺔ واﺑﻨﺘﻴﻬﺎ .وﻟﺸﺪة ﻣﻴﻠﻬﺎ ﻟﻠﺪروس واملﻄﺎﻟﻌﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺘﻜﻠﻢ
ﺑﻌﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت ،وﺑﺎﻹﺟﻤﺎل :إن ﴍﻳﻒ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳﻘﻮم واﻋ ً
ﻈﺎ وﻧﺬﻳ ًﺮا ﰲ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺎﻃﺒﺔ؛
اﻟﻘﻮى إﱃ اﻟﻨﺸﺎط واﻹﻗﺪام ،واملﴪﻓﺎت إﱃ ﻳﺮد املﺘﻜﱪات إﱃ اﻟﻀﻌﺔ واﻟﻠني ،واﻟﻮاﻫﻨﺎت ُ
اﻻﻗﺘﺼﺎد ،وا ُملﺒﺘﻌﺪات ﻋﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﱪ واﻹﺣﺴﺎن إﱃ ﺣﺒﻪ واﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ وملﻦ ﻣﻌﻬﺎ ﺳﻠﻴﻤﻰ ﺑﻨﺖ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻧﻔﻴﻞ — وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻦ اﻟﺰاﻫﺪات اﻟﻌﺎﺑﺪات :أﺑﻬﺬا أﻣﺮﻛﻦ ﷲ؟! أﻣ َﺮ ﱠ
ﻛﻦ ﺑﺎﻟﺼﱪ ،ووﻋﺪﻛﻦ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻷﺟﺮ .أﻣﺎ
821
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺻﺎﺑَﺘْﻬُ ﻢ ﻣﱡ ِﺼﻴﺒ ٌَﺔ َﻗﺎﻟُﻮا إِﻧﱠﺎ ِهلل ِ َوإِﻧﱠﺎ ِﻳﻦ إِذَا أ َ َ ﺳﻤﻌﺘﻦ ﻣﺎ ﻗﺎل ﷲ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ﴿ :ا ﱠﻟﺬ َ
ُون﴾ )اﻟﺒﻘﺮة: َات ﻣﱢ ﻦ ﱠرﺑ ِﱢﻬ ْﻢ َو َرﺣْ ﻤَ ٌﺔ ۖ وَأُو ٰﻟَ ِﺌ َﻚ ُﻫ ُﻢ ا ْﻟﻤُﻬْ ﺘَﺪ َ ﻮن * أُو ٰﻟَ ِﺌ َﻚ ﻋَ َﻠﻴ ِْﻬ ْﻢ َ
ﺻ َﻠﻮ ٌ إ ِ َﻟﻴْ ِﻪ َر ِ
اﺟﻌُ َ
وأﺗﻴﺖ ﺑﺎﻟﺼﺪق، ِ ﻓﺎﺻ ِﱪ َْن ﺗُ ْﺆﺟ ْﺮ َن ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﺰروﻋﺔ :إن ﻛﻼﻣﻚ ﻫﻮ اﻟﺤﻖ، (١٥٧-١٥٦؛ ْ
ﺘﻦ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء. ﺛﻢ ﺳ َﻜ َ
ﻗﺪ ﻧﺸﺄت ﰲ داره ،وﺻﺎرت ﻗﻬﺮﻣﺎﻧﺔ ﻣﻨﺰﻟﻪ ،ﻳُﻘﺘﺪى ﺑﺮأﻳﻬﺎ ﰲ ﻋﻤﻞ اﻷﻋﺮاس اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ
واملﻬﻤﺎت اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﰲ اﻷﻋﻴﺎد واملﻮاﺳﻢ ،وﺗﺮﺗﻴﺐ ﺷﺌﻮن اﻟﺤﺮﻳﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻲ،
وﺗﺮﺑﻴﺔ أوﻻد اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻃﺎل ﻋﻤﺮﻫﺎ وﺻﺎر ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال اﻟﻜﺜرية واﻟﺴﻌﺎدات اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ
ً
وﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻛﺒريًا ،واﺷﺘﻬﺮت وﺑَﻌُ َﺪ ﺻﻴﺘُﻬﺎ واﻧﺘﴩ ،وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻣﺎ ﻳﺠ ﱡﻞ وﺻﻔﻪ ،وﺻﻨﻌﺖ ﺑ ٍّﺮا
ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻨﺪه وﻋﻨﺪ ﺣﺮﻣﻪ؛ وذﻟﻚ ﻟﺤﺴﻦ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ وﺻﻨﻴﻌﻬﺎ
وﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ملﻨﺰﻟﻪ ،وﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﻛﺜرية؛ ﻣﺜﻞ :ﻣﺴﺎﺟﺪ ،وﺗﻜﺎﻳﺎ ،وﻣﺪارس ،وﻏري ذﻟﻚ.
ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﻬﺪﱠم.
وﻣﻦ ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺬي أﻧﺸﺄﺗﻪ ﺑﺨﻂ اﻟﺤﻨﻔﻲ ﺑﻤﴫ ،ﻗﺎل ﻓﻴﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﺧﻄﻂ ﻣﴫ
اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻮﻓﻴﻘﻴﺔ :إن ﺳﻮق ﻣﺴﻜﺔ ﻗﺮب ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ ﺻﺎﻟﺢ أﺑﻲ ﺣﺪﻳﺪ ﺑﺨﻂ اﻟﺤﻨﻔﻲ ﻟﻪ
ﺑﺎﺑﺎن ﻣﻨﻘﻮش ﺑﺄﻋﲆ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﺮﺧﺎم:
وﻣﻨﻘﻮش ﺑﺪاﺋﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﺳﻮرة ﻳﺲ ،وﺑﻪ ﻣﻨﱪ ﻣﻜﺘﻮب ﻋﻠﻴﻪ﴿ :إِﻧﱠﻤَ ﺎ
ﻳَﻌْ ُﻤ ُﺮ ﻣَ َﺴ ِ
ﺎﺟ َﺪ ﷲِ﴾ اﻵﻳﺔ )اﻟﺘﻮﺑﺔ.(١٨ :
وﻛﺎن اﻟﻔﺮاغ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ املﺒﺎرك ﰲ ﺷﻬﻮر ﺳﻨﺔ ﺳﺖ وأرﺑﻌني وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ،إﱃ ﻏري
ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷوﺻﺎف اﻟﺤﻤﻴﺪة.
وملﺎ ﺗﻮﻓﻴﺖ اﻟﺴﺖ »ﻣﺴﻜﺔ« دﻓﻨﺖ ﻓﻴﻪ ،وﻗﱪﻫﺎ ﻇﺎﻫﺮ ﻟﻶن ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻌﻄﻞ وﻏري
ﻣﻘﺎم اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻟﺘﺨ ﱡﺮﺑﻪ ﺣﺎﻟﺔ وﺟﻮد أﺣﻜﺎر ﻟﻪ ﰲ دﻳﻮان اﻷوﻗﺎف املﴫﻳﺔ.
822
ﺣﺮف املﻴﻢ
823
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻗﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻼء ﻣﻠﻮك اﻟﻌﺮب وأﻓﺎﺿﻠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﴐﺑﺖ ﺑﻪ اﻷﻣﺜﺎل؛ ﻟﺠﻼﻟﻪ ﻛﺎن ﺟﺪﱡﻫﺎ ٌ
وﺳﻤﺎﺣﺘﻪ ،وﺣﺴﻦ ﺟﻮاره ودﻣﺎﺛﺘﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻲ ﻗﺼرية ،ﻋﺬﺑﺔ اﻟﻜﻼم ،ﺑﻠﻴﻐﺔ ،ﻏﺰاﻟﺔ
اﻟﻌﻴﻨني ،زﺟﱠ ﺎء اﻟﺤﺎﺟﺒني .ﻣ ﱠﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﻴﻼن ﺑﻦ ﻣﻌﺪي اﻟﻜﻨﺎﻧﻲ ،املﻌﺮوف ﺑﺬي اﻟﺮﻣﺔ ،وﻛﺎن
ﻏﻴﺴﺎﻧﻴٍّﺎ ﻣﻠﻴﺤً ﺎ ،وﺷﺎﻋ ًﺮا ﻓﺼﻴﺤً ﺎ ،ﻓﺄدرﻛﻪ اﻟﻈﻤﺄ ،ﻓﻤﺎل إﱃ ﴎادق ﻋﻼ ﻋﺮوﺿﻪ وأﻃﻨﺎﺑﻪ،
ﻤﺸﻂ رأﺳﻬﺎ وﻗﺪ أﺳﺒﻠﺖ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻋﺜﺎﻛﻴﻞ اﻟﻨﺨﻞ،واﻣﺘﺪت أوﺗﺎده وأﺳﺒﺎﺑﻪ ،وإذا ﺑﻤﻲ ﺗُ ﱢ
ووﺟﻬﻬﺎ ﻳﺸﻒ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻏﻴﻼن :ﻫﻞ ﻣﻦ إداوة ﺗﻨﻔﻲ اﻷوام ،وﺗﺸﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﺎم،
ﻓﺄﴎﻋﺖ إﱃ ﻣﺎء ِﺷﻴﺐ ﺑﺎﻟﻠﺒﻦ وﺳﻘﺘﻪ ،ﺛﻢ رﺣﱠ ﺒﺖ ﺑﻪ وأﻧﺰﻟﺘﻪ ،ﻓﺠﻠﺲ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻤﺎ ﻫﻴﱠﺄت،
وﻋﻴﻮﻧﻬﺎ ﺗﺮوي ﻟﻪ ﻋﻦ اﻷﻳﺎم ﻣﺎ ﺧﺒﺄت ،ﻓﻤﺎ اﻧﴫف آﺧﺮ اﻟﻨﻬﺎر إﻻ وﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﻻﻋﺞ وأوار،
ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻣﺎرج ﻣﻦ ﻧﺎر ،ﻓﻌﻄﻒ ﻳﻌﺎودﻫﺎ ﻋﲆ ﻃﻮل اﻟﺸﻘﺔ وﻓﺮط املﺸﻘﺔ ،وﻳﻨﺸﺪ:
وﺣﺪث ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻘﺒﺔ اﻟﻔﺰاري ﻓﻘﺎل ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه :أﺗﺎﻧﻲ ﻳﻮﻣً ﺎ ذو اﻟﺮﻣﺔ ﻓﻘﺎل :إن ﰲ ﻣﻴﺔ
ً
ﺧﻠﻮﻓﺎ ،ﻓﻬﻞ ﻟﻚ أن ﺗﺴﻌﺪﻧﻲ ﰲ اﻟﺰﻳﺎرة؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻟﺒﻴﻚ ،ﺛﻢ ﴎﻧﺎ ﺣﺘﻰ إذا أﺗﻴﻨﺎ اﻟﺮﺑﻊ ﻧﻈﺮت
اﻟﻨﺴﺎء إﱃ ﻏﻴﻼن ﻓﻌﺮﻓﻨﻪ ،ﻓﺠﱧ ﻳﺘﻬﺎدﻳﻦ — وﺑﻴﻨﻬﻦ ﻣﻲ — ﺣﺘﻰ ﺟﻠﺴﻦ ﻻﺋﺬات ﺑﻪ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺣﺴﻨﺎء ﻣﻨﻬﻦ :أﺳﻤﻌﻨﺎ ﻳﺎ ذا اﻟﺮﻣﺔ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ :ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﱄ ﱠ وﻗﺎل ﱄ :أﻧﺸﺪﻫﺎ ﻣﺎ روﻳﺖ
ﻋﻨﻲ ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ أﻗﻮل ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ أوﻟﻬﺎ:
ﻓﻤﺎ زﻟﺖ أﺑﻜﻲ ﻋﻨﺪه وأﺧﺎﻃﺒﻪ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ رﺑﻊ ﻟﻤﻴﺔ ﻧﺎﻗﺘﻲ
824
ﺣﺮف املﻴﻢ
ذرى اﻟ ﻨ ﺨ ﻞ أو أﺛ ﻞ ﺗ ﻤ ﻴ ﻞ ذواﺋ ﺒ ﻪ ﻧ ﻈ ﺮت إﻟ ﻰ أﻇ ﻌ ﺎن ﻣ ﻲ ﻛ ﺄﻧ ﻬ ﺎ
ﺑ ﻤ ﻐ ﺮورق ﻧ ﻤﱠ ﺖ ﻋ ﻠ ﻴ ﻪ ﺳ ﻮاﻛ ﺒ ﻪ ﻓ ﺄﺳ ﺒ ﻠ ﺖ اﻟ ﻌ ﻴ ﻨ ﺎن واﻟ ﻘ ﻠ ﺐ ﻛ ﺎﺗ ﻢ
ﺣ ﻮاﺋ ﻠ ﻬ ﺎ أﺳ ﺮاره وﻣ ﻌ ﺎﺗ ﺒ ﻪ ﺑ ﻜ ﻰ واﻣ ﻖ ﺣ ﺎل اﻟ ﻔ ﺮاق وﻟ ﻢ ﺗ ﺤ ﻞ
ﻣ ﺤ ﺎوﻟ ﻬ ﺎ أﺳ ﺮاره وﻣ ﻘ ﺎﻧ ﺒ ﻪ ﻫﻮ اﻹﻟﻒ ﻗﺪ ﺣﺎن اﻟﻔﺮاق وﻟﻢ ﺗﺤﻞ
ُ
ﻣﻀﻴﺖ ﰲ اﻹﻧﺸﺎد ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻴﺖ إﱃ ﻗﻮﻟﻪ: ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺤﺴﻨﺎء :ﻟﻜﻦ اﻟﻴﻮم ﻓﻠﺘﺤﻞ .ﺛﻢ
ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻲ :وﻳﺤﻚ ﻳﺎ ذا اﻟﺮﻣﺔ ،ﺧﻒ ﻋﻮاﻗﺐ ﷲ! ﺛﻢ ﻣﺎ زﻟﺖ ﰲ اﻹﻧﺸﺎد ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ
ﻗﻮﻟﻪ:
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺤﺴﻨﺎء :ﻗﺘﻠﺘﻪ ﻳﺎ ﻣﻲ — ﻗﺘﻠﻚ ﷲ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻲ :ﻣﺎ أﺻﺤﻪ وﻫﻨﻴﺌًﺎ ﻟﻪ! ﻓﺄﺻﻌﺪ
ذو اﻟﺮﻣﺔ زﻓﺮة ﻛﺎد ﺣ ﱡﺮﻫﺎ ﻳﺤﺮق ﻋﺎرﺿﻴﻪ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺪاوﻣﺖ إﻧﺸﺎدي ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻴﺖ إﱃ ﻗﻮﻟﻪ:
825
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺤﺴﻨﺎء ﺑﺎﺳﻤﺔ :ﻗﺪ روﺟﻊ اﻵن اﻟﻘﻮ ُل وﺑﺪا اﻟﻮﺟﻪُ ،ﻓﻤﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﺄن ﻳُﻨﴤ اﻟﺪرع
ﺳﺎﻟﺒﻪ؟ ﻓﻀﺤﻜﺖ ﻣﻲ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺤﺴﻨﺎء :إن ﻟﻬﺬﻳﻦ ﺷﺄﻧًﺎ؛ ﻓﻔﺮﺟﻮا ﻋﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻊ ﻣﻦ
ﻃﻮﻳﻼ وﻟﻢ ﻳﱪح ﻏﻴﻼن ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻦ ً ﻗﺎم وﺟﻠﺴﺖ ﺑﺤﻴﺚ أراﻫﻤﺎ ،ﻓﺘﻌﺎﺗﺒﺎ
ﺣﺪﻳﺜﻬﻤﺎ ﺳﻮى ﻗﻮﻟﻬﺎ :ﻛﺬﺑﺖ وﷲ .وﻻ أدري ِﺑ َﻢ ﻛﺬﱠﺑﺘﻪ ،ﺛﻢ ﺟﺎءﻧﻲ وﻣﻌﻪ ﻧﺎﻓﺠﺔ ﻃﻴﺐ
أﻫﺪﺗﻪ إﻳﺎﻫﺎ ﻓﻘﺎل :ﺷﺄﻧﻚ وﻫﺬه ،ﺛﻢ ﻗﺎل :وﻫﺬي ﻗﻼدة أﻋﻄﺘﻨﻴﻬﺎ ،ﻓﻮﷲ ﻷﻗﻠﺪﻧﻬﺎ ﺑﻌريًا ،ﺛﻢ
ﻋﻘﺪﻫﺎ ﰲ ﺳﻴﻔﻪ ﻛﺎﻟﺤﻤﺎﺋﻞ واﻧﴫﻓﻨﺎ ،ﺛﻢ وﻗﻔﻨﺎ ﻋﲆ أﻃﻼل ﻣﻲ ﻓﺄﻧﺸﺪ:
واﻧﻀﻤﺖ ﻋﻴﻨﺎه ﺑﺎﻟﻌﱪة وﻗﺎل :إﻧﻲ ﺟﻠﺪ ﺻﺒﻮر ،وإن ﻛﺎن ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﺗﺮى ،ﺛﻢ اﻧﴫﻓﻨﺎ،
وﻛﺎن آﺧﺮ اﻟﻌﻬﺪ ﺑﻪ ،ﻓﻮﷲ ﻣﺎ رأﻳﺖ أﺷﺪ ﻣﻨﻪ ﺻﺒﺎﺑﺔ ،وﻻ أﺣﺴﻦ ﺻﱪًا! وﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ
أﺷﻌﺎره ﻗﻮﻟﻪ:
ﻛﺎﻧﺖ ذات أدب وﻓﺼﺎﺣﺔ وﺣﻤﺎﺳﺔ ،وﻟﻬﺎ ﺷﻌﺮ ﻣﻮزون ورﺛﺎء ﻣﺴﺘﺤﺴﻦ ﰲ أﺧﻴﻬﺎ ﻗﺒﻴﺼﺔ
— وﻛﺎن ﻗﺘﻞ ﰲ إﺣﺪى اﻟﻐﺰوات — وﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
826
ﺣﺮف املﻴﻢ
827
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﻘﺒﻮل ﻣﺎ ﺣﻤﻞ ﻣُﻘﺪﱢﻣﺘﻪ إﱃ ﻧﴩ ﺟﻤﻴﻞ اﻟﺸﻜﺮ واﻻﻣﺘﻨﺎن ﰲ ﺟﺮﻳﺪة اﻷﻫﺮام اﻟﻐﺮاء ،ذاﻛﺮة
ﻣﺎ وﻋﺪت ﺑﻪ اﻷﻣرية ﻣﻦ املﻜﺎرم واﻹﺣﺴﺎن.
وﰲ ﺣﺰﻳﺮان )ﻳﻮﻟﻴﻮ( ﺳﻨﺔ ١٨٧٩م ،ﻃﺒﻊ ﺑﺄﻣﺮ دوﻟﺘﻬﺎ ﻣﺜﺎل ﻟﻠﻜﺘﺎب ﻳﺘﻀﻤﻦ املﻘﺪﻣﺔ،
وﺗﺮﺟﻤﺔ ﺣﻴﺎة اﻷﻣرية املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ،وﺗﺮاﺟﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺸﻬريات .وﻗﺪ و ﱢزع ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ
اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻏري أن ﺳﻔﺮ اﻟﺠﻨﺎب اﻟﺨﺪﻳﻮي اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﻊ آل ﺑﻴﺘﻪ اﻟﻜﺮام إﱃ ﻧﺎﺑﻮﱄ ﰲ
ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ أوﻗﻒ اﻟﺴﻌﻲ ﺑﺈﺗﻤﺎم اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﺮاﺟﻢ اﻷﺣﻴﺎء ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن اﻟﺤﻮادث
اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﺿﺎﻋﺖ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ املﻌﺪات واﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺣﴬت ﻟﺘﺰﻳني اﻟﻜﺘﺎب اﺿﻄﺮت
املﺆﻟﻔﺔ أن ﺗﺼﱪ ﻋﲆ ﻣﻀﺾ اﻷﻳﺎم ،وﰲ ﺻﺪرﻫﺎ ﺣﺰازات ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺰﻣﺎن ،وﻣﻦ ﻛﺴﺎد
ﺑﻀﺎﺋﻊ اﻵداب ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﴩﻗﻴﺔ.
وﻫﺬه اﻷﺳﺒﺎب واملﺴﺒﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺖ ﺑﺘﺄﺧري ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب إﱃ ﺣني ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻣﺎ
ﺑﺮﺣﺖ ﺗﱰدد ﻣﻊ اﻷﻳﺎم ﰲ ﻓﻜﺮ املﺆﻟﻔﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﷲ ﰲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم اﻻﺛﻨني ﻣﻦ ﺷﻬﺮ
ﻧﻴﺴﺎن )أﺑﺮﻳﻞ( ﺳﻨﺔ ١٨٨٨م ،ﺑﻌﺪ أن أوﺻﺖ ﻗﺮﻳﻨﻬﺎ ﺑﺈﺗﻤﺎم ﻣﴩوﻋﻬﺎ اﻟﺬي ﻗﻀﺖ ﺑني
ﻣﺤﺎﺑﺮه ودﻓﺎﺗﺮه ﻣﺪة اﻟﻌﻤﺮ.
وﻗﺪ رﺛﺎﻫﺎ ﺣﴬة اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷدﻳﺐ إﻟﻴﺎس أﻓﻨﺪي ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻘﺼﻴﺪة رﻧﺎﻧﺔ ،ﻓﻤﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ
ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ وﺻﻒ اﻟﻔﻘﻴﺪة:
وﺻ ﻨ ﻴ ﻊ أﻳ ﺪﻳ ﻬ ﺎ أﺟ ﻞ ﺧ ﻀ ﺎﺑ ﻬ ﺎ ﻛ ﺎﻧ ﺖ ﻟ ﻬ ﺎ اﻟ ﺘ ﻘﻮى ﻛ ﺄﺑ ﻬ ﻰ ﺣ ﻠ ﺔ
وﺑ ﻴ ﺎض ﺑ ﺎﻃ ﻨ ﻬ ﺎ ﻛ ﻠ ﻮن ﺛ ﻴ ﺎﺑ ﻬ ﺎ وﺟ ﻤ ﺎل ﻋ ﻨ ﻮان أﺳ ﺮ ﺟ ﻤ ﺎﻟ ﻬ ﺎ
وﺑ ﺪت ﻣ ﻌ ﺎرﻓ ﻬ ﺎ ﺑ ﻄ ﱢﻲ ﻛ ﺘ ﺎﺑ ﻬ ﺎ وردت ﺳﻤﺎﺣﺔ وﺟﻬﻬﺎ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ
828
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
اﺑﻦ ﻋﻤﺮو ،وﻗﻴﻞ :اﺑﻦ ﻋﻔﺮ ﺑﻦ ﺛﻌﻠﺒﺔ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺣﺼﻦ ﺑﻦ ﺿﻤﻀﻢ ﺑﻦ ﻋﲇ ﺑﻦ ﺟﻨﺎب
اﻟﻜﻠﺒﻴﺔ ،زوﺟﺔ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن .وﻛﺎن ﺳﺒﺐ زواﺟﻪ ﺑﻬﺎ أن ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺗﺰوج ﻫﻨﺪ
ﺑﻨﺖ اﻟﻔﺮاﻓﺼﺔ ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ ﻋﺜﻤﺎن ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ:
أﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﻲ أﻧﻚ ﺗﺰوﺟﺖ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻛﻠﺐ؛ ﻓﺎﻛﺘﺐ إﱄ ﺑﻨﺴﺒﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ.
ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ:
أﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺈن ﻧﺴﺒﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺑﻨﺖ اﻟﻔﺮاﻓﺼﺔ ﺑﻦ اﻷﺧﻮص ،وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺑﻴﻀﺎء
ﻣﺪﻳﺪة.
ﻓﻜﺘﺐ:
ﻓﺒﻌﺚ ﺳﻌﻴﺪ إﱃ اﻟﻔﺮاﻓﺼﺔ ﻳﺨﻄﺐ اﺑﻨﺘﻪ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎن ،ﻓﺄﻣﺮ اﺑﻨﻪ ﺿﺒٍّﺎ أن ﻳُﺰوﱢﺟﻬﺎ إﻳﺎه،
وﻛﺎن ﺿﺐ ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ،وﻛﺎن اﻟﻔﺮاﻓﺺ ﻧﴫاﻧﻴٍّﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ أرادوا ﺣﻤﻠﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ :ﻳﺎ
ﺑﻨﻴﺔ ،إﻧﻚ ﺗﻘﺪﻣني ﻋﲆ ﻧﺴﺎء ﻗﺮﻳﺶ :ﻫﻦ أﻗﺪر ﻋﲆ اﻟﻄﻴﺐ ﻣﻨﻚ؛ ﻓﺎﺣﻔﻈﻲ ﻋﻨﻲ ﺧﺼﻠﺘني:
ﻓﺘﻜﺤﲇ وﺗَﻄﻴﱢﺒﻲ ﺑﺎملﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن رﻳﺤﻚ ﺷﻦ رﻳﺢ أﺻﺎﺑﻪ ﻣﻄﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣُ ﻤﻠﺖ ﻛﺮﻫﺖ
اﻟﻐﺮﺑﺔ وﺣﺰﻧﺖ ﻟﻔﺮاق أﻫﻠﻬﺎ؛ ﻓﺄﻧﺸﺪت ﺗﻘﻮل:
ﻣ ﺼ ﺎﺣ ﺒ ﺔ ﻧ ﺤ ﻮ اﻟ ﻤ ﺪﻳ ﻨ ﺔ أرﻛ ﺒ ﺎ أﻟ ﺴ ﺖ ﺗ ﺮى ﻳ ﺎ ﺿ ﺐ ﺑ ﺎﻟ ﻠ ﻪ إﻧ ﻨ ﻲ
ﻛ ﻤ ﺎ زﻋ ﺰﻋ ﺖ رﻳ ﺢ ﻳ ﺮاﻋً ﺎ ﻣ ﺜ ﻘ ﺒ ﺎ إذا ﻗ ﻄ ﻌ ﻮا ﺣ ﺰﻧ ً ﺎ ﺗ ﺨ ﺐ رﻛ ﺎﺑ ﻬ ﻢ
ﻟ ﻚ اﻟ ﻮﻳ ﻞ ﻣ ﺎ ﻳ ﻐ ﻨ ﻲ اﻟ ﺨ ﺒ ﺎء اﻟ ﻤ ﻄ ﻨ ﺒ ﺎ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ أﺑﻨﺎء ﺣﺼﻦ ﺑﻦ ﺿﻤﻀﻢ
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎن ﻗﻌﺪ ﻋﲆ ﴎﻳﺮه ووﺿﻊ ﻟﻬﺎ ﴎﻳ ًﺮا ﺣﻴﺎﻟﻪ ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﻠﻴﻪ،
ﻓﻮﺿﻊ ﻋﺜﻤﺎن ﻗﻠﻨﺴﻮﺗﻪ ﻓﺒﺪا اﻟﺼﻠﻊ ،ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﻔﺮاﻓﺼﺔ ،ﻻ ﻳﻬﻮﻟﻨﻚ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﻦ ﻣﻦ
ﺻﻠﻌﻲ؛ ﻓﺈن وراءه ﻣﺎ ﺗﺤﺒني ،ﻓﺴﻜﺘﺖ ،ﻓﻘﺎل :إﻣﺎ أن ﺗﻘﻮﻣﻲ إﱄ ،وإﻣﺎ أن أﻗﻮم إﻟﻴﻚ،
ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻣﺎ ﻣﺎ ذﻛﺮت ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻊ؛ ﻓﺈﻧﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء أﺣﺐﱡ ﺑﻌﻮﻟﺘﻬﻦ إﻟﻴﻬﻦ اﻟﺴﺎدة اﻟﺼﻠﻊ،
وأﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ :إﻣﺎ أن ﺗﻘﻮﻣﻲ إﱄ وإﻣﺎ أن أﻗﻮم إﻟﻴﻚ؛ ﻓﻮﷲ ﻣﺎ ﺗﺠﺸﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﺴﻤﺎوة
أﺑﻌﺪ ﻣﻤﺎ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻨﻚ ،ﺑﻞ أﻗﻮم إﻟﻴﻚ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻓﺠﻠﺴﺖ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﻓﻤﺴﺢ رأﺳﻬﺎ ودﻋﺎ
ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﱪﻛﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :اﻃﺮﺣﻲ ﻋﻨﻚ رداءك ،ﻓﻄﺮﺣﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :اﻃﺮﺣﻲ ﺧﻤﺎرك،
ﻓﻄﺮﺣﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :اﻧﺰﻋﻲ درﻋﻚ ،ﻓﻨﺰﻋﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﱢ
ﺣﲇ إزارك ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ذاك إﻟﻴﻚ،
ﻓﺤ ﱠﻞ إزارﻫﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﻈﻰ ﻧﺴﺎﺋﻪ ﻋﻨﺪه.
وروي ﻋﻦ أﺑﻲ اﻟﺠﺮاح ﻣﻮﱃ أم ﺣﺒﻴﺒﺔ أﻧﻪ ﻗﺎل :ﻛﻨﺖ ﻣﻊ ﻋﺜﻤﺎن ﰲ اﻟﺪار ،ﻓﻤﺎ ﺷﻌﺮت
إﻻ وﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ وﻧﺎﺋﻠﺔ ﺗﻘﻮل :ﻫﻢ ﰲ اﻟﺼﻠﺢ .وإذا ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻗﺪ دﺧﻠﻮا ﻣﻦ
اﻟﺨﻮﺧﺔ ،وﻧﺰﻟﻮا ﺑﺮأس اﻟﺤﺒﺎل ﻣﻦ ﺳﻮر اﻟﺪار وﻣﻌﻬﻢ اﻟﺴﻴﻮف ،ﻓﺮﻣﻴﺖ ﺑﻨﻔﴘ وﺟﻠﺴﺖ
ﻋﻠﻴﻪ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺻﻴﺎﺣﻬﻢ ،ﻓﻨﴩت ﻧﺎﺋﻠﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﻔﺮاﻓﺼﺔ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻋﺜﻤﺎن :ﺧﺬي
ﺧﻤﺎرك؛ ﻓﻠﻌﻤﺮي ﻟﺪﺧﻮﻟﻬﻢ ﻋﲇ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺣﺮﻣﺔ ﺷﻌﺮك ،وأﻫﻮى رﺟﻞ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻓﺎﺗﻘﺘﻪ
ﺑﻴﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﻄﻊ إﺻﺒﻌني ﻣﻦ أﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻮه وﺧﺮﺟﻮا ﻳﻜﱪون ،وملﺎ ﻗﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎن ﻗﺎﻟﺖ
ﻧﺎﺋﻠﺔ:
830
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
وﻛﺘﺒﺖ ﻧﺎﺋﻠﺔ إﱃ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ،وﺑﻌﺜﺖ ﺑﻘﻤﻴﺺ ﻋﺜﻤﺎن ﻣﻊ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ
ﺑﺸري ،وﻫﺬه ﺻﻮرة ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺖ:
831
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﻓﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ ﺳﺎﻋﺔ وأﺳﻠﺤﺔ اﻟﻘﻮم ﻣﻈﻠﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﻣﺎ
أرى أﺣﺪًا ﻳﻌﺎدل ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺪار ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﻋﲆ ﻋﺎﻣﺘﻬﻢ اﻟﺴﻼح،
ﻓﻠﺒﺲ درﻋﻪ وﻗﺎل ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ :ﻟﻮﻻ أﻧﺘﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺴﺖ درﻋً ﺎ ،ﻓﻮﺛَﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻮم،
ﻣﻴﺜﺎﻗﺎ ﰲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ،وﺑﻌﺚ ﺑﻬﺎ إﱃ ﻋﺜﻤﺎن :إن ﻋﻠﻴﻜﻢ ً ﻓﻜ ﱠﻠﻤﻬﻢ اﻟﺰﺑريُ وأﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﻋﻬﺪ ﷲ وﻣﻴﺜﺎﻗﻪ أن ﻻ ﺗﴬﱡ وه ﺑﴚء ،ﻓﻜﻠﻤﻮا وﺗﺤﺮﺟﻮا ،ﻓﻮﺿﻊ اﻟﺴﻼح ،ﻓﻠﻢ
ﻳﻜﻦ إﻻ وﺿﻌﻪ ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻮم ﻳﻘﺪﻣﻬﻢ اﺑ ُﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،ﺣﺘﻰ أﺧﺬوا
ﺑﻠﺤﻴﺘﻪ وذﺑﺤﻮه ،ودﻋﻮه ﺑﺎﻟﻠﻘﺐ ،ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺧﻠﻴﻔﺘﻪ ،ﻓﴬﺑﻮه ﻋﲆ رأﺳﻪ
ﺛﻼث ﴐﺑﺎت ،وﻃﻌﻨﻮه ﰲ ﺻﺪره ﺛﻼث ﻃﻌﻨﺎت ،وﴐﺑﻮه ﻋﲆ ﻣﻘﺪم اﻟﺠﺒني
ﻓﻮق اﻷﻧﻒ ﴐﺑﺔ أﴎﻋﺖ ﰲ اﻟﻌﻈﻢَ ،
ﻓﺴﻘ ُ
ﻄﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺪ أﺛﺨﻨﻮه وﺑﻪ ﺣﻴﺎة ،وﻫﻢ
ﺑﻨﺖ ﺷﻴﺒﺔ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ ﻓﺄﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﺮﻳﺪون ﻗﻄﻊ رأﺳﻪ ﻟﻴﺬﻫﺒﻮا ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﺗﺘﻨﻲ ُ
ﻣﻌﻲ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺘَﻮَاﻃﺌﻮﻧﺎ وﻃﺄ ً ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻋ ﱢﺮﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻨﺎ — وﺣﺮﻣﺔ أﻣري املﺆﻣﻨني
أﻋﻈﻢ — ﻓﻘﺘﻠﻮه رﺣﻤﺔ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ وﻋﲆ ﻓﺮاﺷﻪ.
وﻗﺪ أرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻜﻢ ﺑﺜﻮﺑﻪ وﻋﻠﻴﻪ دﻣﻪ ،وإﻧﻪ وﷲ ﻟﱧ ﻛﺎن ﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻪ ﻟﻢ
ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﺬﻟﻪ؛ ﻓﺎﻧﻈﺮوا أﻳﻦ أﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺸﺘﻜﻲ ﻣﺎ ﻣﺴﻨﺎ
إﻟﻴﻪ ،وﻧﺴﺘﻨﴫ وﻟﻴﱠﻪ وﺻﺎﻟﺢَ ﻋﺒﺎده ،ورﺣﻤﺔ ﷲ ﻋﲆ ﻋﺜﻤﺎن ،وﻟﻌﻦ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻪ،
وﴏﻋﻬﻢ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺼﺎرع اﻟﺨﺰي واملﺬﻟﺔ ،وﺷﻔﻲ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺼﺪور.
ﻫﻲ أﺧﺖ ﻫﺮم ﺑﻦ ﺿﻤﻀﻢ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮات اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﴬون اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ،وﻳُﺤ ﱢﺮﺿﻮن
ﻋﲆ اﻟﻘﺘﺎل ،وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﻗﺎﻟﺘﻬﺎ ﰲ أﺧﻴﻬﺎ ﻫﺮم املﺬﻛﻮر ﺣني ﻗﺘﻠﻪ ورد ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ اﻟﻌﺒﴘ
ﰲ ﺣﺮب داﺣﺲ:
أن ﻻ أرى ﻫﺮﻣً ﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻮدوع ﻳﺎ ﻟﻬﻒ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻬﻔﺔ اﻟﻤﻔﺠﻮع
ﻋ ﻠ ﻖ اﻟ ﻔ ﺆاد ﺑ ﺤ ﻨ ﻈ ﻞ ﻣ ﺠ ﺪوع ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﻴﺪﻧﺎ وﻣﺼﺮع ﺟﻨﺒﻪ
832
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻟﻬﺎ ً
أﻳﻀﺎ:
د ﻟ ﻨ ﺎ وﻳ ﻜ ﻔ ﻴ ﻨ ﺎ اﻟ ﻌ ﻈ ﻴ ﻤ ﺔ اﻟ ﻮاﻫ ﺐ اﻟ ﻤ ﺎﺋ ﺔ اﻟ ﺘ ﻼ
إذا ﺗﻔﻮﺿﺢ ﻓﻲ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ واﻟ ﺪاﻓ ﻊ اﻟ ﺨ ﺼ ﻢ اﻷﻟ ﺪ
دٍ وﻓﺼﻞ ﺧﻄﺒﺘﻪ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﺑ ﻠ ﺴ ﺎن ﻟ ﻘ ﻤ ﺎن ﺑ ﻦ ﻋ ﺎ
ذب واﻟﺘﺪاﻓﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أﻟ ﺠ ﻤ ﺘ ﻬ ﻢ ﺑ ﻌ ﺪ اﻟ ﺘ ﺠ ﺎ
ﻧﺰﻫﻮن اﻟﻐﺮﻧﺎﻃﻴﺔ
ﺟﻮﻫﺮة ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ ،وﻓﺮﻳﺪة ﻓﺎﻗﺖ ﻋﲆ ﻧﺴﺎء اﻟﻌﴫ ،ﻓﻤﺎ اﻵداب إﻻ ﻧﻘﻄﺔ
ﻣﻦ ﺑﺤﺮﻫﺎ اﻟﺮاﺋﻖ ،وﻣﺎ اﻟﺠﻤﺎل إﻻ ﻣﻦ ﻧﻮر وﺟﻬﻬﺎ اﻟﺸﺎرق ،ﻟﻬﺎ ﻧﺎدٍ ﻟﻢ ﻳَﺆﻣﱡ ﻪ إﻻ اﻷﻓﺎﺿﻞ،
وﻣﺠﻠﺲ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ إﻻ ﻛﻞ ﻋﺎﻗﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﻴﻔﺔ املﺴﺎﻣﺮة ،ﺣﺴﻨﺔ املﺤﺎﴐة ،ﺣﺎﻓﻈﺔ
ﻷﺷﻌﺎر اﻟﻌﺮب وأﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻐﺮﻧﺎﻃﺔ إذ ذاك أﺣﺪ ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻞ
املﺎﺋﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ .ذﻛﺮﻫﺎ اﻟﺤﺠﺎزي ﰲ »املﺴﻬﺐ« ،ووﺻﻔﻬﺎ ﺑﺨﻔﺔ اﻟﺮوح ،واﻻﻧﻄﺒﺎع اﻟﺰاﺋﺪ،
واﻟﺤﻼوة ،وﺣﻔﻆ اﻟﺸﻌﺮ ،واملﻌﺮﻓﺔ ﺑﴬب اﻷﻣﺜﺎل ،ﻣﻊ ﺟﻤﺎل ﻓﺎﺋﻖ ،وﺣﺴﻦ راﺋﻖ .وﻛﺎن
اﻟﻮزﻳﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ أوﻟﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺤﺎﴐﺗﻬﺎ وﻣﺬاﻛﺮﺗﻬﺎ وﻣﺮاﺳﻠﺘﻬﺎ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻬﺎ
ﻣﺮة:
ﻣ ﻦ ﻋ ﺎﺷ ﻖ وﺻ ﺪﻳ ﻖ ﻳ ﺎ ﻣ ﻦ ﻟ ﻪ أﻟ ﻒ ﺧ ﻞ
س ﻣﻨ ً
ﺰﻻ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ أراك ﺧ ﻠ ﻴ ﺖ ﻟ ﻠ ﻨ ﺎ
833
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ:
ﻗﺎﻟﺖ:
وﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻘﻼء :ﻣﺎ ﻋﲆ ﻣﻦ أﻛﻞ ﻣﻌﻚ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺳﻮط! ﻓﻘﺎﻟﺖ:
وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻣﺮة ﻣﻊ اﺑﻦ ﻗﺰﻣﺎن ﰲ دار اﻟﻮزﻳﺮ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻋﻘﺐ ارﺗﺠﺎل
ﺑﺪﻳﻊ — وﻛﺎن ﻳﻠﺒﺲ ﺟﺒﺔ ﺻﻔﺮاء :أﺣﺴﻨﺖ ﻳﺎ ﺑﻘﺮة ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،إﻻ أﻧﻚ ﻻ ﺗﴪ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ!
أﴎ اﻟﺴﺎﻣﻌني ،وإﻧﻤﺎ ﻳُﻄﻠﺐ ﴎور اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﻣﻨﻚ أﴎ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﻓﺄﻧﺎ ﱡ
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إن ﻟﻢ ﱠ
ﻳﺎ ﻓﺎﻋﻠﺔ ،ﻳﺎ ﺻﺎﻧﻌﺔ! وﺗﻤ ﱠﻜﻦ اﻟﺴﻜﺮ ﻣﻦ اﺑﻦ ﻗﺰﻣﺎن ،وآل اﻷﻣﺮ إﱃ أن ﺗﺪاﻓﻌﻮا ﻣﻌﻪ ﺣﺘﻰ
رﻣﻮه ﰲ اﻟﱪﻛﺔ ،ﻓﻤﺎ ﺧﺮج إﻻ وﻫﻮ ﻗﺪ ﴍب ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﺎء ﺛﻴﺎﺑﻪ ﺗﻬﻄﻞ.
834
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
ﻓﻘﺎل :اﺳﻤﻊ ﻳﺎ وزﻳﺮ ،وﻗﺎل ﻟﻪ أﺑﻴﺎﺗًﺎ — أﴐﺑﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻌﺪم اﻟﻠﺰوم ،وﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻋﲆ
ﺣﺪ اﻵداب — ﻓﺄﻣﺮ ﻟﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب ،وأﺟﺰل ﻟﻪ اﻟﺼﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺮأ ﻋﲆ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ
املﺨﺰوﻣﻲ اﻷﻋﻤﻰ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﻜﻨﺪي ﻓﻘﺎل ﻳﺨﺎﻃﺐ املﺨﺰوﻣﻲ:
وﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ:
ﻛﺎﻧﺖ أدﻳﺒﺔ ﻇﺮﻳﻔﺔ ذات ﺟﻤﺎل زاﻫﺮ ،وﻟﻄﻒ ﺑﺎﻫﺮ ،وﻛﺎن ﺳﻴﺪﻫﺎ ﺷﻐﻒ ﺑﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﻠﻤﺎ
ﻛﺎن ﻳﻮم وﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ ﰲ داره إذا ﺑﴩﻃﺔ اﻟﺤﺠﺎج دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄﺧﺬوه ﺣﺘﻰ أدﺧﻠﻮه ﻋﻠﻴﻪ
ﻓﻘﺎل :ﻋﲇ ﺑﺎﻟﺠﺎرﻳﺔ ،ﻓﻘﺎل :أﺻﻠﺢ ﷲ اﻷﻣري ،إﻧﻬﺎ روﺣﻲ ،ﻓﻼ ﺗﻜﻦ ﺳﺒﺐَ ﻫﻼﻛﻲ! ﻓﺄﻣﺮ
ﺑﺎﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ،وأرﺳﻞ ﻣَ ﻦ ﺟﺎء ﺑﺎﻟﺠﺎرﻳﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﻪ إن ﻋﺮف اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ
ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ ،ﻓﻮﺟﱠ ﻪ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﺸﺎم ِﻣﻦ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ إﱃ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ وﺣﺒﺲ اﻟﺸﺎب ،ﻓﻠﻤﺎ زال ﻋﻘﻠﻪ أﻃﻠﻘﻪ،
وأﺧﺬ ﻣﺎﻟﻪ ،وﺗﻮﺟﱠ ﻪ اﻟﺸﺎب إﱃ دﻣﺸﻖ ﻓﺄﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻣﺪة ﻣﺘﻨﻐﺺ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺄراد أن ﻳﺤﺘﺎل
ﻋﲆ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﺎﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻤﻜﻦ ،ﱠ
ﻓﻮﻗﻊ ﰲ رﻗﻌﺔ :إن رأى أﻣري املﺆﻣﻨني أن ﻳﺄﻣﺮ ﺟﺎرﻳﺘﻪ
ﻧﻌﻤﻰ أن ﺗﻐﻨﻲ ﱄ ﺛﻼﺛﺔ أﺻﻮات اﻗﱰﺣﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء أن ﻳﻔﻌﻞ.
835
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ اﻟﻘﺼﺔ اﺷﺘﺪ ﻏﻀﺒﻪ ،ﺛﻢ ﻋﺎوده اﻟﺤﻠﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﴫف أﺣﴬ اﻟﺸﺎب واﻟﺠﺎرﻳﺔ
ﺷﺌﺖ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻏﻨﱢﻲ ﻗﻮل ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ذرﻳﺢ:
َ وﻗﺎلُ :ﻣ ْﺮﻫﺎ ﺑﻤﺎ
ﻓﻐﻨﱠﺖ ُ
ﻓﻐﴚ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ أﻓﺎق ﻓﻘﺎل :ﻏﻨﱢﻲ ﻗﻮل املﺠﻨﻮن:
ﻓﻠﻤﺎ ﻏﻨﱠﺖ ﻗﺎم ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺷﺎﻫﻖ ﻓﻤﺎت! ﻓﻘﺎل ﻋﺒﺪ املﻠﻚ :ﻟﻘﺪ ﻋﺠﻞ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ،
أﻳﻈﻦ أﻧﻲ أﺧﺮﺟﺖ ﺟﺎرﻳﺔ وأﻋﻮد ﻓﻴﻬﺎ؟! ﺧﺬﻫﺎ ﻳﺎ ﻏﻼم ﻓﺄﻋْ ِﻄﻬﺎ ﻟﻮرﺛﺘﻪ ،أو ﻓﺘﺼﺪﻗﻮا ﺑﻬﺎ
ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺰﻟﻮا ﺑﻬﺎ ﻧﻈﺮت إﱃ ﺣﻔرية ﻣُﻌﺪﱠة ﻟﻠﺴﻴﻞ ،ﻓﺠﺬﺑﺖ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻼم وﻫﻲ ﺗﻘﻮل:
836
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
إن اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ — وﻟﺪت ﺑﻤﻜﺔ ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ وأرﺑﻌني وﻣﺎﺋﺔ،
وﻧﺸﺄت ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ﰲ اﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺰﻫﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ذات ﻣﺎل ،وملﺎ ورد اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ إﱃ
ﻣﴫ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤﺴﻦ إﻟﻴﻪ ،ورﺑﻤﺎ ﺻﲆ ﺑﻬﺎ ﰲ رﻣﻀﺎن .وملﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻣﴫ ﻛﺎﻧﺖ
ﺑﻬﺎ ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪة ﺳﻜﻴﻨﺔ ،وﻟﻬﺎ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻬﺮة اﻟﺘﺎﻣﺔ ،ﻓﺨﻠﻌﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﻬﺮة،
837
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺼﺎر ﻟﻠﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ اﻟﻘﺒﻮل اﻟﺘﺎم ﺑني اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم ،وﻣﺎﺗﺖ وﻫﻲ ﺻﺎﺋﻤﺔ
ﻓﺄﻟﺰﻣﻮﻫﺎ اﻟﻔﻄﺮ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :وا ﻋﺠﺒﺎه! ﱄ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛني ﺳﻨﺔ أﺳﺄل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ أن أﻟﻘﺎه
وأﻧﺎ ﺻﺎﺋﻤﺔ ،أأﻓﻄﺮ اﻵن؟! ﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن! ﺛﻢ ﻗﺮأت ﺳﻮرة اﻷﻧﻌﺎم ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ
اﻟﺴ َﻼ ِم ﻋِ ﻨ َﺪ َرﺑ ِﱢﻬﻢْ﴾ )اﻷﻧﻌﺎم (١٢٧ :ﻣﺎﺗﺖ ودﻓﻨﺖ
إﱃ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :ﻟﻬُ ْﻢ دَا ُر ﱠ
ﺑﻤﺪﻓﻨﻬﺎ املﺸﻬﻮر اﻵن.
وﻗﺎل اﻟﺴﺨﺎوي ﰲ ﻛﺘﺎب »املﺰارات«:
إن ﺳﺒﺐ ﻗﺪوم اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ إﱃ ﻣﴫ أﻧﻬﺎ ﺣﺠﺖ ﺛﻼﺛني ﺣﺠﺔ ،وﰲ اﻟﺤﺠﺔ
اﻷﺧرية ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ إﱃ ﺑﻴﺖ املﻘﺪس ،ﻓﺰارت ﻗﱪ اﻟﺨﻠﻴﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،وأﺗﺖ
ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ﻣﴫ ﰲ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ ﺛﻼث وﺗﺴﻌني وﻣﺎﺋﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻘﺪوﻣﻬﺎ إﱃ ﻣﴫ
أﻣﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﺗ ﱠﻠﻘﺎﻫﺎ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﻬﻮادج ﻣﻦ اﻟﻌﺮﻳﺶ ،وﻧﺰﻟﺖ ً
أوﻻ ﻋﻨﺪ ﻛﺒري
اﻟﺘﺠﺎر ﺑﻤﴫ ،وﻫﻮ ﺟﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺠﺼﺎص ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺻﺤﺎب
املﻌﺮوف واﻟﱪ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻋﻨﺪه ﺷﻬﻮ ًرا ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻵﻓﺎق ﻟﻠﺘﱪﱡك،
ﺛﻢ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ املﺪﻓﻮﻧﺔ ﺑﻪ — وﻫﺒﻪ ﻟﻬﺎ أﻣري ﻣﴫ اﻟﴪي ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ.
وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ أن ﺑﻨﺘًﺎ ﻳﻬﻮدﻳﺔ َزﻣِﻨﺔ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ أﻣﻬﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ وذﻫﺒﺖ إﱃ اﻟﺤﻤﺎم ،ﻓﻘﺪﱠر ﷲ
ﺷﻔﺎءﻫﺎ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﺴﻴﺪة — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ — وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ أﺳﻠﻤﺖ اﻟﺒﻨﺖ وأﺑﻮاﻫﺎ وﺟﻤﺎﻋﺔ
ﻣﻦ اﻟﺠريان ﻳﺒﻠﻎ ﻋﺪدﻫﻢ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﺒﻌني ﻧﻔ ًﺮا ،وملﺎ ﺷﺎع ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ أﺣﺪ ﰲ ﻣﴫ إﻻ ﻗﺼﺪ
زﻳﺎرﺗﻬﺎ ،وﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﺑﺎﺑﻬﺎ ،ﻓﻄﻠﺒﺖ اﻟﺮﺣﻴﻞ إﱃ ﺑﻼد اﻟﺤﺠﺎز ،ﻓﺸﻖ ﻋﲆ أﻫﻞ ﻣﴫ
ذﻟﻚ وﺳﺄﻟﻮﻫﺎ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﺄﺑ َْﺖ ،ﻓﺮﻛﺐ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﴪي ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ وﺳﺄﻟﻬﺎ اﻹﻗﺎﻣﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﻧﻲ
اﻣﺮأة ﺿﻌﻴﻔﺔ ،وﻗﺪ ﺷﻐﻠﻮﻧﻲ ﻋﻦ ﻋﺒﺎدة رﺑﻲ ،وﻣﻜﺎﻧﻲ ﻗﺪ ﺿﺎق ﺑﻬﺬا اﻟﺠﻤﻊ اﻟﻜﺜﻴﻒ ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﺎ اﻟﴪي :أﻣﺎ ﺿﻴﻖ املﻜﺎن ﻓﺈن ﱄ دا ًرا واﺳﻌﺔ ﺑﺪرب اﻟﺴﺒﺎع ،ﻓﺄﺷﻬﺪ ﷲ أﻧﻲ ﻗﺪ وﻫﺒﺘﻬﺎ
ﻟﻚ ،وأﺳﺄﻟﻚ أن ﺗﻘﺒﻠﻴﻬﺎ ﻣﻨﻲ ،وأﻣﺎ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻮاﻓﺮة ﻓﻘﺮري ﻣﻌﻬﻢ أن ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻳﻮﻣني
ﰲ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ،وﺑﺎﻗﻲ أﻳﺎﻣﻚ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﻮﻻك .ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﺴﺒﺖ وﻳﻮم اﻷرﺑﻌﺎء إﱃ أن
ﺗﻮﻓﻴﺖ.
وﻗﺪ أﻗﺒﻞ ﻋﲆ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة وﺑﻌﺪ املﻤﺎت ﺧﻠﻖ ﻛﺜري ﻻ ﻳﺤﺼﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء
واﻟﺨﻠﻔﺎء واﻷوﻟﻴﺎء وﻏريﻫﻢ ،وﻗﻴﻞ :إن اﻟﺤﻨﻔﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل ﻋﻨﺪ زﻳﺎرﺗﻬﺎ :اﻟﺴﻼم واﻟﺘﺤﻴﺔ
واﻹﻛﺮام ﻣﻦ اﻟﻌﲇ ﱢ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﲆ ﻧﻔﻴﺴﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮة املﻄﻬﺮة ﺳﻼﻟﺔ اﻟﱪرة ،واﺑﻨﺔ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﴩة؛
اﻹﻣﺎم ﺣﻴﺪرة .اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﺤﺴﻦ املﺴﻤﻮم ،أﺧﻲ اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴني ،ﺳﻴﺪ اﻟﺸﻬﺪاء
838
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
املﻈﻠﻮم .اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ اﺑﻨﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺰﻫﺮاء ،وﺳﻼﻟﺔ ﺧﺪﻳﺠﺔ اﻟﻜﱪى .رﴈ ﷲ — ﺗﺒﺎرك
وﺗﻌﺎﱃ — ﻋﻨﻚ وﻋﻦ ﺟﺪﱢك وأﺑﻴﻚ ،وﺣﴩﻧﺎ ﰲ زﻣﺮة واﻟﺪﻳﻚ وزاﺋﺮﻳﻚ .اﻟﻠﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻚ
وﺑني ﺟﺪﱢﻫﺎ ﻟﻴﻠﺔ املﻌﺮاج؛ اﺟﻌﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﻤﱢ ﻨﺎ اﻟﺬي ﻧﺰل ﺑﻨﺎ اﻧﻔﺮاﺟً ﺎ ،واﻗﺾ ﺣﻮاﺋﺠﻨﺎ ﰲ
اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ﻳﺎ رب اﻟﻌﺎملني.
وﻛﺎن ﺑﻌﺾ زاﺋﺮﻳﻬﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﻨﺪ ﻣﺸﻬﺪﻫﺎ:
وﺑ ﺂل ﺑ ﻴ ﺖ ﻣ ﺤ ﻤ ﺪ ﺑ ﺘ ﻮال ﻳ ﺎ رب إﻧ ﻲ ﻣ ﺆﻣ ﻦ ﺑ ﻤ ﺤ ﻤ ﺪ
ﻣ ﻦ ﻓ ﺘ ﻨ ﺔ اﻟ ﺪﻧ ﻴ ﺎ وﺷ ﺮ ﻣ ﺂل ﻓﺒﺤ ﱢﻘﻬﻢ ﻛﻦ ﺷﺎﻓﻌً ﺎ ﻟﻲ ﻣﻨﻘﺬًا
وﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺻﺎرت أرﺑﺎب اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺒﻨﻲ ﴐﻳﺤﻬﺎ اﻟﴩﻳﻒ ﺗﱪ ًﻛﺎ ﺑﻤﻘﺎﻣﻬﺎ املﻨﻴﻒ،
ﻓﻤﻨﻬﻢ ُ
ذات اﻟﺤﺠﺎب املﻨﻴﻊ واﻟﻘﺪر اﻟﺮﻓﻴﻊ؛ واﻟﺪة اﻟﺴﻠﻄﺎن املﻠﻚ اﻟﻌﺎدل ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻲ
ﻃﺎ ﺑﺠﻮارﻫﺎ ،واملﻠﻚ اﻟﻨﺎﴏ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون أﻣﺮ ﺑﺈﻧﺸﺎء ﺟﺎﻣﻊ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ أﻳﻮب .أﻧﺸﺄت رﺑﺎ ً
ﺑﺨﻄﺒﺔ ،وﺷﻴﱠﺪ ﺑﻨﺎءه .وملﺎ ﺗﻮﰲ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﻣري املﺆﻣﻨني أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس،
املﻌﺮوف ﺑﺎﻷﺳﻤﺮ ،ﰲ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ،أﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﴏ أن ﻳُﺪﻓﻦ ﺑﺎملﺸﻬﺪ
اﻟﻨﻔﻴﴘ؛ ﻓﺪﻓﻦ ﻫﻨﺎك وأﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﺔ.
وﻣﻦ اﻟﻨﻮادر اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﰲ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ — ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺠﱪﺗﻲ ﰲ »ﺗﺎرﻳﺨﻪ«،
واﻷﻣري ﻋﲇ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺒﺎرك ﰲ »ﺧﻄﻄﻪ« — أﻧﻪ ﰲ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث وﺳﺒﻌني وﻣﺎﺋﺔ وأﻟﻒ ،اﺟﺘﻤﻊ
اﻟﺨﺪام ﰲ املﺸﻬﺪ اﻟﻨﻔﻴﴘ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻛﺒريﻫﻢ اﻟﺸﻴﺦ ،وأﻇﻬﺮوا ﻋﻨ ًﺰا ﺻﻐريًا ،وزﻋﻤﻮا أن
ﺟﻤﺎﻋﺔ أﴎى ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻨﺼﺎرى ﺗﻮﺳﻠﻮا ﺑﺎﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ ،وأﺣﴬوا ذﻟﻚ اﻟﻌﻨﺰ ﻟﺬﺑﺤﻪ ﰲ
اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻠﺬﻛﺮ واﻟﺪﻋﺎء ،وﻳﺘﻮﺳﻠﻮن ﰲ ﺧﻼﺻﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﴎ! ﻓﺎﻃﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ
اﻟﻜﺎﻓﺮ ،ﻓﺰﺟﺮﻫﻢ وﺳﺒﻬﻢ وﻣﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ ذﺑﺢ اﻟﻌﻨﺰ ،ﻓﺮأى ﰲ املﻨﺎم رؤﻳﺎ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﻢ
وأﻋﻄﺎﻫﻢ دراﻫﻢ وﴏﻓﻬﻢ ﻣﻜﺮﻣني ،ﻓﺤﴬوا إﱃ ﻣﴫ وﻣﻌﻬﻢ اﻟﻌﻨﺰ ،ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ
املﺸﻬﺪ اﻟﻨﻔﻴﴘ ،وﻛﺜﺮت ﻓﻴﻪ اﻟﺨﺮاﻓﺎت وﺗﻘﺎوﻳﻞ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻤﻦ ﻗﺎﺋﻞ :إﻧﻬﻢ أﺻﺒﺤﻮا وﺟﺪوﻫﺎ
ﻋﻨﺪ املﻘﺎم ،وﻣﻦ ﻗﺎﺋﻞ :ﻓﻮق املﻨﺎرة ،وﻣﻦ ﻗﺎﺋﻞ :ﺳﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﺗﺘﻜﻠﻢ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻳﻘﻮل :اﻟﺴﻴﺪة
أوﺻﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأن اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﱪ!
839
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﻫﺬه اﻟﺸﻬﺮة أﺑﺮزﻫﺎ ﻟﻠﻨﺎس وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ،وﺟﻌﻞ ﻳﻘﻮل ﻣﻦ اﻟﺨﺮاﻓﺎت اﻟﺘﻲ
ﻳﺴﺘﺠﻠﺐ ﺑﻬﺎ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس وﻳﺠﻤﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ! وﺗﺴﺎﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻟﻚ ،وأﻗﺒﻠﻮا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺞﱟ
ً
رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎء ﻟﺰﻳﺎرﺗﻬﺎ ،وأﺗﻮا ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺑﺎﻟﻨﺬور واﻟﻬﺪاﻳﺎ ،وﻋﺮﻓﻬﻢ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺄﻛﻞ إﻻ ﻗﻠﺐ اﻟﻠﻮز
واﻟﻔﺴﺘﻖ! وﻻ ﺗﴩب إﻻ ﻣﺎء اﻟﻮرد واﻟﺴﻜﺮ املﻜﺮر! ﻓﺄﺗﻮه ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﻃري ﻣﻦ
ذﻟﻚ! وﻋﻤﻠﻮا ﻟﻠﻌﻨﺰ اﻟﻘﻼﺋﺪ واﻷﻃﻮاق اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،واﻓﺘﺘﻨﻮا ﺑﻬﺎ ،وﺷﺎع ذﻟﻚ اﻟﺨﱪ ﻋﻨﺪ اﻟﻮزراء
واﻷﻣﺮاء وأﻛﺎﺑﺮ اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﺠﻌﻠﻦ ﻳﺮﺳﻠﻦ ﻛ ﱞﻞ ﻋﲆ ﻗﺪر ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺬور ،وازدﺣﻤﻦ ﻋﲆ
زﻳﺎرﺗﻬﺎ ،ﻓﺄرﺳﻞ اﻷﻣري ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﺘﺨﺪا إﱃ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻳﻠﺘﻤﺲ ﻣﻨﻪ اﻟﺤﻀﻮر
إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻌﻨﺰ؛ ﻟﻴﺘﱪك ﺑﻬﺎ ﻫﻮ وﺣﺮﻳﻤﻪ! ﻓﺮﻛﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻐﻠﺘﻪ واﻟﻌﻨﺰ ﰲ ﺣﺠﺮه ،وﺻﺤﺒﺘﻪ
اﻟﻄﺒﻮل واﻟﺒﻴﺎرق واﻟﺠﻢ اﻟﻐﻔري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﺣﺘﻰ دﺧﻠﻮا إﱃ ﺑﻴﺖ ذﻟﻚ اﻷﻣري ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ،
وﺻﻌﺪ ﺑﻬﺎ إﱃ املﺠﻠﺲ وﻋﻨﺪه ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء ،ﻓﺘﻤ ﱠﻠﺲ ﺑﻬﺎ.
وأﻣﺮ ﺑﺈدﺧﺎﻟﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻟﻠﱪﻛﺔ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أوﴅ ﺑﺬﺑﺤﻬﺎ وﻃﺒْﺨﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ذﺑﺤﻮﻫﺎ
وﻃﺒﺨﻮﻫﺎ أﺧﺮﺟﻮﻫﺎ ﻣﻊ اﻟﻐﺪاء ،ﻓﺄﻛﻠﻮا ﻣﻨﻬﺎ ،وﺻﺎر اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺄﻛﻞ واﻷﻣري ﻳﻘﻮل :ﻛﻞ ﻳﺎ
ﺷﻴﺦ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻴﺲ اﻟﺴﻤني ،ﻓﻴﻘﻮل :وﷲ إﻧﻪ ﻃﻴﺐ وﻧﻔﻴﺲ! وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻋﻨﺰه،
وﻫﻢ ﻳﺘﻐﺎﻣﺰون وﻳﻀﺤﻜﻮن ،ﻓﻠﻤﺎ أﻛﻠﻮا وﴍﺑﻮا اﻟﻘﻬﻮة ﻃﻠﺐ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻌﻨﺰ ،ﻓﻌ ﱠﺮﻓﻪ اﻷﻣري
أن اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑني ﻳﺪﻳﻪ وأﻛﻞ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ اﻟﻌﻨﺰ ،ﻓﺒﻬﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺛﻢ ﺑ ﱠﻜﺘﻪ اﻷﻣري ووﺑﱠﺨﻪ،
وأﻣﺮ أن ﻳﻮﺿﻊ ﺟﻠﺪ اﻟﻌﻨﺰ ﻋﲆ ﻋﻤﺎﻣﺘﻪ ،وأن ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻤﻮﻛﺒﻪ وﺑني ﻳﺪﻳﻪ اﻟﻄﺒﻮل
واﻷﺷﺎﺋﺮ ،ووﻛﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ أوﺻﻠﻪ إﱃ ﻣﺤﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺼﻮرة املﺬﻛﻮرة ،وﰲ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﻷدﻳﺐ
اﻟﻜﺎﻣﻞ واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﺎﺛﺮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﺳﻼﻣﺔ اﻷدﻛﺎوي:
840
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
وﻟﺪت ﻧﴫة ﻏﺮﻳﺐ ﺑﻄﺮاﺑﻠﺲ اﻟﺸﺎم ﻋﺎم ١٨٦٢م ،ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻏﺮﻳﺐ ،وأﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺎﺿﻼت
اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﻮرﺛﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻃﻴﺐ اﻷﺧﻼق ،وﺻﻔﺎء اﻟﻨﻴﺔ ،ورﻗﺔ اﻟﺠﺎﻧﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ وﺣﻴﺪﺗﻬﺎ ،ﻓﺎﻋﺘﻨﺖ
ﺑﱰﺑﻴﺘﻬﺎ وأرﺿﻌﺘﻬﺎ ﻟﺒﺎن اﻟﻌﻠﻮم ﰲ أﺣﺴﻦ ﻣﺪارس ﻃﺮاﺑﻠﺲ ،ﻓﺘﻤﻜﻨﺖ ﻣﻨﻬﺎ املﻨﺎﻗﺐ اﻟﺤﺴﻨﺔ
ﺑﺎﻟﻘﺪوة واﻟﱰﺑﻴﺔ .وﻫﺬه اﻟﻘﻮى اﻟﺜﻼث — أي اﻟﻮراﺛﺔ واﻟﻘﺪوة واﻟﱰﺑﻴﺔ — ﻣﺼﺪر اﻷﺧﻼق
ودﻋﺎﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﻠﻤﺎ ﻳﻄﻴﺐ ﻓﺮع أﺻﻠﻪ ﺧﺒﻴﺚ ،وﻗﻠﻤﺎ ﻳﺨﺒﺚ ﻓﺮع أﺻﻠﻪ ﻃﻴﺐ.
وملﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﴩة ،اﻗﱰﻧﺖ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻮﺟﻴﻪ »ﻋﺰﺗﻠﻮ إدوار ﺑﻴﻚ إﻳﻠﻴﺎس« ،وﺳﻜﻨﺎ
ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻣﺪ ًة ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻼ إﱃ ﻣﴫ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑني ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ وﺳﻴﺪاﺗﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺬﻛﺎء وﺻﻔﺎء اﻟﻨﻴﺔ ،وﻋﺰة اﻟﻨﻔﺲ ،وﺣﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺼﺪق ﻋﲆ اﻷراﻣﻞ
واملﺤﺘﺎﺟني واﻟﺼﺪﻗﺎت اﻟﻜﺜرية ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﰲ اﻟﻨﻔﻘﺎت ،واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ
اﻹﴎاف ﰲ املﻌﻴﺸﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌني زوﺟﻬﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﺷﻐﺎﻟﻪ ،وﰲ ﺗﺪﺑري ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﻟﻬﺎ اﻟﺮأي اﻟﺼﺎﺋﺐ ،واﻟﻘﻮل
اﻟﺴﺪﻳﺪ ،ﻛﻤﺎ ﺷﻬﺪ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ،وملﺎ ﺟﺎءت إﱃ اﻟﻘﺎﻫﺮة ورأت أن ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ
اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺧريﻳﺔ ،أﺧﺬت ﺗﺤﺚ وﺟﻬﺎء ﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻋﲆ إﻧﺸﺎء ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻣﺜﻞ
ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ملﺴﺎﻋﺪة املﺴﺎﻛني.
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ ﺟﺮﻳﺪة املﻘﺘﻄﻒ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﺗﻄﺎﻟﻌﻬﺎ وﺗﺬاﻛﺮ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﻮاﺿﻴﻌﻬﺎ ،وﺗﻠﺘﺬ
ﺑﺎملﺬاﻛﺮة اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﻓﺘﺼﻐﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻜﻠﻴﺘﻬﺎ ﻛﻤﻦ ﻳﻔﻬﻢ دﻗﺎﺋﻖ اﻷﻣﻮر ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜرية املﻄﺎﻟﻌﺔ
دﻗﻴﻘﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎد ،وإذا أﻋﺠﺒﻬﺎ ﻛﺘﺎبٌ أﺷﺎرت ﻋﲆ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺘﻪ ،وإذا رأت ﰲ ﻛﺘﺎب
ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ ذﻣﱠ ﺘﻪ ،وﻻﻣﺖ واﺿﻌﻴﻪ.
وﻛﺎﻧﺖ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻣﻊ ﻣﺮﻳﻢ ﻣﻜﺎرﻳﻮس وأﺧﺮﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺿﻼت ﻳﺘﺬاﻛﺮن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ
املﺮأة اﻟﴩﻗﻴﺔ ،ووددن أن ﻳﻌﻢ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت وﺗﻬﺬﻳﺒﻬﻦ ﻋﲆ أﺳﻠﻮب ﻳﴫﻓﻬﻦ ﻋﻦ اﻻﻛﺘﻔﺎء
ﺑﻘﺸﻮر اﻟﺘﻤﺪن اﻷوروﺑﻲ ،وﻳﺮﻏﺒﻬﻦ ﺑﺎﻗﺘﺒﺎس اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﺷﺄن املﺮأة
وﺗﺆﻫﻠﻬﺎ ﻟﱰﺑﻴﺔ اﻟﻨﻮع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ.
وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺤﺴﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻟﻌﻤﺮ ﻣﺪﻳﺪة اﻟﺤﻴﺎة ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ
ً
ﻣﺄﺳﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻨﻔﻊ ﺑﻨﺎت ﺟﻨﺴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ اﺧﺘﻄﻔﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ وﻫﻲ ﰲ رﻳﻌﺎن اﻟﺸﺒﺎب؛ ﻓﺘﻮﻓﻴﺖ
ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ.
841
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻗﺎل ﻓﻴﻬﻢ ً
أﻳﻀﺎ:
842
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
ﻓﺄدرﻛﻬﺎ وﻗﺪ ﻗﺪﻣﺖ ﻣﻜﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﺠﺎرت ﺑﺨﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﻨﻈﻮر ﺑﻦ زﺑﺎن اﻟﻔﺰاري —
ُ
اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ ،وﻧﺰل ﻋﲆ وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري — ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪم اﻟﻔﺮزدق إﱃ ﻣﻜﺔ اﴍَأَبﱠ
ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑري ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺸﺪوه واﺳﺘﺤﺪﺛﻮه ،ﻓﻜﺎن ﻣﻤﺎ أﻧﺸﺪﻫﻢ ﻗﻮﻟﻪ:
وﻗﺎل ً
أﻳﻀﺎ:
ﺛﻢ ﺷﻔﻌﻮه إﱃ أﺑﻴﻬﻢ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺟﺎء إﱃ ﺧﻮﻟﺔ ﻗﻠﺒﺘﻪ
ﻋﻦ رأﻳﻪ ،ﻓﻤﺎل إﱃ اﻟﻨﻮار ،ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق ﰲ ذﻟﻚ:
ﺷﺌﺖ ﻓ ﱠﺮ ُ
ﻗﺖ ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ؛ أﻗﺘﻠﻪ ﻓﻼ ﻳﻬﺠﻮﻧﺎ ِ ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ اﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﻓﺪﻋﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮار ﻓﻘﺎل :إن
ﺳريﺗُﻪ إﱃ ﺑﻼد اﻟﻌﺪو ﻓﻴﻘﺘﻞ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻻ أرﻳﺪ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إﻧﻪ
ﺷﺌﺖ ﱢ
ِ أﺑﺪًا ،وإن
ﻓﻀﻠﺖ ﻋﺬاﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﻫﻼﻛﻪ :ﻧﻌﻢ ﻗﺪ اﺑ ُﻦ ﻋﻤﱢ ﻚ ،وﻫﻮ ﻓﻴﻚ راﻏﺐ ،ﻓﺄزوﱢﺟﻚ إﻳﱠﺎه ،ﻓﻘﺎﻟﺖ — وﻗﺪ ﱠ
رﺿﻴﺖ ،ﻓﺪﻋﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮزدق وﻗﺎل ﻟﻪ :ﺟﺌﻨﻲ ﺑﺼﺪاق اﻟﻨﻮار وإﻻ ﻓ ﱠﺮﻗﺖ ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق:
أﻧﺎ ﰲ ﺑﻼد ﻏﺮﺑﺔ ﻓﻜﻴﻒ أﺻﻨﻊ وأﻧﻚ ﺗﺤﻜﻢ ﻋﲇ ﱠ ﻟﺘﺜﺐَ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﺼﻄﻔﻴﻬﺎ ﻟﻨﻔﺴﻚ؟! وﻛﺎن
اﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﺣﺪﻳﺪًا ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻫﻞ أﻧﺖ وﻗﻮﻣُﻚ إﻻ ﺟﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺮب ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﻓﺄﻗﻴﻢ اﻟﻔﺮزدق
843
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ،وأﻗﺒﻞ ﻋﲆ ﻣﻦ ﺣﴬ ﻓﻘﺎل :إن ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ﻛﺎﻧﻮا وﺛﺒﻮا ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺖ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم
ﺑﻤﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ﻓﺎﺳﺘﻠﺒﻮه ،ﻓﺄﺟﻤﻌﺖ اﻟﻌﺮب ﺑﻤﺎ اﻧﺘﻬﻜﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻬﻜﻪ أﺣﺪ ﻗﻂ
ﻓﺄﺟﻠﺘﻬﺎ ﻣﻦ أرض ﺗﻬﺎﻣﺔ ،ﺛﻢ ﺣﺘﻢ ﻋﲆ اﻟﻔﺮزدق إن ﻟﻢ ﻳﺤﴬ ﺻﺪاﻗﻬﺎ ﻟﻴﻘﺘﻠﻨﻪ ﴍﱠ ﻗﺘﻠﺔ،
ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ اﻟﻔﺮزدق ﻓﻘﺎل :إن اﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﻳ ﱢ
ُﻌريﻧﺎ ﺑﺎﻟﺠﻼء ،ﺛﻢ ﻗﺎل:
ﻓﺄﴎه ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺧ َﺮج ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﻠﺼﻼة ﻓﺮأى اﻟﻔﺮزدقﻓﺒﻠﻎ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ اﺑﻦ اﻟﺰﺑري َ ،ﱠ
َﺪﻗﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻪ :ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻨﻔﺬ ﺣﻜﻤﻲ ،ﻓﱰَﻛﻪ ﻻ ﻳﻌﻲ ﻣﺎﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ،ﻓﻌﻤﺪ إﱃ ﻋﻨﻘﻪ ﻓﻜﺎد ﻳ ﱡ
ﻳﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺴﻠﻢ ﺑﻦ زﻳﺎد؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺤﺒﻮس ﰲ اﻟﺴﺠﻦ ﻳﻄﺎﻟﺒﻪ اﺑﻦ اﻟﺰﺑري ﺑﻤﺎل،
ﻓﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ وﻗﺺ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺼﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻛﻢ ﺻﺪاﻗﻬﺎ؟ ﻗﺎل :أرﺑﻌﺔ آﻻف دﻳﻨﺎر ،ﻓﺄﻣَ ﺮ ﻟﻪ
ﺑﻬﺎ ،وﺑﺄﻟﻔني ﻟﻠﻨﻔﻘﺔ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق ﰲ ذﻟﻚ:
وملﺎ ذﻫﺐ إﱃ اﺑﻦ اﻟﺰﺑري وﻧﻘﺪه املﺎل؛ ﺳ ﱠﻠﻤﻬﺎ ﻟﻪ وﻣﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق :ﺧﺮﺟﻨﺎ
وﻧﺤﻦ ﻣﺘﺒﺎﻏﻀﺎن ،ﻓﻌﺪﻧﺎ وﻧﺤﻦ ﻣﺘﺤﺎﺑﺎن! وأﻧﺸﺪ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ:
844
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
ﻓﻠﻮ رﺿﻴﺖ رﻣﺢ اﺳﺘﻪ ﻻﺳﺘﻘﺮت أﻻ ﻻ ﺗﻠﻢ ﻋﺮس اﻟﻔﺮزدق ﺟﺎﻣﺤً ﺎ
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ملﺎ ﻛﺮﻫﺖ اﻟﻔﺮزدق ﺣني زوﱠﺟﻬﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺠﺄت إﱃ ﺑﻨﻲ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﻋﺎﺻﻢ،
ﻓﻘﺎل ﻓﻴﻬﺎ:
ﻓﺒﻠﻐﻬﻢ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮ وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ :وﷲ ﻟﱧ زدت ﻋﲆ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني ﻟﻨﻘﺘﻠﻨﻚ ﻏﻴﻠﺔ!
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻮار داﺋﻤً ﺎ ﺗﺘﺨﺎﺻﻢ ﻣﻌﻪ ،وﺗﻐﻀﺐ ﻣﻨﻪ ،وﺗﻨﻔﺮ ﻋﻨﻪ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻣﻌﻪ زﻣﺎﻧًﺎ
ﻃﻮﻳﻼ وﻫﻲ ﰲ ﻧﻜﺪ وﻋﺪم راﺣﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻐﻀﺐ ﻣﻨﻪ ﺗﻘﻮل :وﻳﺤﻚ! أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻚ ً
إﻧﻤﺎ ﺗﺰوﺟﺘﻨﻲ ﺿﻐﻄﺔ وﺧﺪﻋﺔ ﻋﲇﱠ .وﻟﻢ ﺗﺰل ﰲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻣﻀﺾ ﺣﺘﻰ ﺣﻠﻔﺖ اﻟﻴﻤني
املﻮﺛﻖ ،ﺛﻢ ﺣﻨﺜﺖ ﺑﻬﺎ وﺗﺠﻨﺒﺖ ﻓﺮاﺷﻪ ،ﻓﺘﺰوج ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻣﺮأة ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﺟﻬﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻤﺮ
ﺑﻦ ﻗﺎﺳﻂ — ﺣﻠﻔﺎء ﻟﺠﺮﻳﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﺑﻦ ﺿﺒﻴﻌﺔ — ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻨﻮار وﺑﻪ ردغ وﻋﻠﻴﻪ
اﻷﺛﺮ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ اﻟﻨﻮار :ﻫﻞ ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ إﻻ ﻫﺪادﻳﺔ؟ — ﺗﻌﻨﻲ ﺣﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أزد ﺑﻦ ﻋﻤﺎن —
ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق:
845
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻟﻢ ﺗﺰل اﻟﻨﻮار ﺑﺎﻟﻔﺮزدق ﺗﺮﻓﻖ ﺑﻪ وﺗﺴﺘﻌﻄﻔﻪ ﺣﺘﻰ أﺟﺎﺑﻬﺎ إﱃ ﻃﻼﻗﻬﺎ ،وأﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﺎ
أن ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻪ وﻻ ﺗﱪح ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻪ ،وﻻ ﺗﺘﺰوج ﺑﺮﺟﻞ ﻏريه ﺑﻌﺪه ،وﻻ ﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻬﺎ ﻣﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺬﻟﻪ ﻟﻪ!
وأﺧﺬت ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳُﺸﻬﺪ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي ﻋﲆ ﻃﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ ،واﺳﺘﺼﺤﺐ ﻣﻌﻪ
ً
رﺟﺎﻻ ﻛﺜرية ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻠﻮذون ﺑﺎﻟﺴﻮاري راوﻳﺔ أﺑﻲ ﺷﻔﻘﻞ وراوﻳﺔ أﺧﺮى ،وﺻﺤﺒﺖ اﻟﻨﻮار
ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮزدق أن ﻳﺮاﻫﻢ ،ﻓﺴﺎروا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺣﺘﻰ أﺗﻮا اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي ،ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق:
ﻳﺎ أﺑﺎ ﺳﻌﻴﺪ ،اﺷﻬﺪ أن اﻟﻨﻮار ﻃﺎﻟﻖ ﺛﻼﺛًﺎ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺴﻦ :ﻗﺪ ﺷﻬﺪﻧﺎ .ﻓﻠﻤﺎ اﻧﴫﻓﻮا ﻗﺎل
اﻟﻔﺮزدق ﻷﺑﻲ ﺷﻔﻘﻞ :ﻗﺪ ﻧﺪﻣﺖ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :وﷲ إﻧﻲ ﻷﻇﻦ أن دﻣﻚ ﻳﱰﻗﺮق ،أﺗﺪري ﻣَ ﻦ
ﺟﻤﻦ ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر .وﻣﴣﻟﱰ ﱠ ﻌﺖ ُ
ﱧ رﺟَ َأﺷﻬﺪت؟! — ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي — وﷲ ﻟ َْ
وﻫﻮ ﻳﻘﻮل:
ﻏ ﺪت ﻣ ﻨ ﻲ ﻣ ﻄ ﻠ ﻘ ﺔ ﻧ ﻮار ﻧ ﺪﻣ ﺖ ﻧ ﺪاﻣ ﺔ اﻟ ﻜ ﺴ ﻌ ﻲ ﻟ ﻤ ﺎ
ﻟ ﻜ ﺎن ﻋ ﻠ ﻲ ﻟ ﻠ ﻘ ﺪر اﻟ ﺨ ﻴ ﺎر وﻟﻮ أﻧﻲ ﻣﻠﻜﺖ ﻳﺪي وﻗﻠﺒﻲ
ﻛﺂدم ﺣﻴﻦ أﺧﺮﺟﻪ اﻟﻀﺮار وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺘﻲ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻨﻬﺎ
ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﻀﻲء ﻟﻪ اﻟﻨﻬﺎر وﻛ ﻨ ﺖ ﻛ ﻔ ﺎﻗ ﺊ ﻋ ﻴ ﻨ ﻴ ﻪ ﻋ ﻤ ﺪًا
وﻗﻴﻞ :إن اﻟﻨﻮار أوﺻﺖ اﻟﻔﺮزدق ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻬﺎ أن ﻳﺼﲇ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي ،ﻓﺄﺧﱪه
اﻟﻔﺮزدق ﰲ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :إن ﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ َﻗﺒْ َﻠﻨﺎ ﻓﺄﺧﱪﻧﻲ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻛﺬﻟﻚ .وﻗﺪ ﺗُ ْ
ﻮﻓﻴﺖ
وأُﺧﺮﺟﺖ وﺟﺎء اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﴫي وﺳﺒﻘﻬﻤﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺎﻧﺘﻈﺮوﻫﻤﺎ ،ﻓﺄﻗﺒﻼ واﻟﻨﺎس ﻣﻨﺘﻈﺮون،
ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺴﻦ :ﻣﺎ ﻟﻠﻨﺎس؟!
ﻓﻘﺎل اﻟﻔﺮزدق :ﻳﻨﺘﻈﺮون ﺧري اﻟﻨﺎس وﴍ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻘﺎل اﻟﺤﺴﻦ :ﻟﺴﺖ ﺑﺨري اﻟﻨﺎس
وﻻ ﴍﻫﺎ ،ﺛﻢ ﺻﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ودﻓﻨﻮﻫﺎ.
َ
أﻋﺪدت ﻟﻬﺬا املﻀﺠﻊ؟ ﻗﺎل :ﺷﻬﺎدة أن ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﷲ ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌني وﻗﺎل ﻟﻪ اﻟﺤﺴﻦ :ﻣﺎ
ﺳﻨﺔ .ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﱃ ﻗﱪ اﻟﻨﻮار وأﻧﺸﺪ:
846
ﺣﺮف اﻟﻨﻮن
ﻧﻴﻜﺘﻮرﺳﻴﺲ
ﻫﻲ ﻣﻠﻜﺔ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك ﻣﴫ ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ املﴫﻳﺔ .ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ
وﻛﻤﺎﻻ ،وأﻏﺰر ﻋﻠﻤﺎء زﻣﺎﻧﻬﺎ ً
ﻋﻘﻼ ً ً
ﻓﻀﻼ وﺟﻤﺎﻻ ،وأﺷﻬﺮ ﺑﻨﺎت ﻣﴫﻫﺎ ً ﻧﺴﺎء ﻋﴫﻫﺎ ً
ﻟﻄﻔﺎ
ودﻫﺎء ،وأوﻓﺮ اﻟﻨﺎس ﺣﺰﻣً ﺎ وذﻛﺎء ،ﻗﻴﻞ :إن املﴫﻳني أ ُ ْﴍﺑﻮا ﺣﺒﱠﻬﺎ وﻓﺘﻨﻮا ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄدﺧﻠﻮﻫﺎ
ﺑﻌﺪ املﻤﺎت ﰲ ﻣﺼﺎف املﻌﺒﻮدات.
ً
وﻣﻤﺎ ذﻛﺮ ﻋﻦ دﻫﺎﺋﻬﺎ أن ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ وﺛﺒﻮا ﻋﲆ أﺧﻴﻬﺎ وﻗﺘﻠﻮه؛ إذ ﻛﺎن
ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻗﺒﻠﻬﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻐﻴًﺎ وﻇﻠﻤً ﺎ ،وملﺎ ﺧﻠﻔﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﺮش دﻋﺖ اﻟﺒﺎﻏني ملﺄدﺑﺔ
أﻋﺪﺗﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﰲ ﻗﴫ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﻤﻴﻞ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﲆ أﺧﺪود ﺑﺠﻮار ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ .و ﱠملﺎ ُﻣﺪﱠت اﻷﺳﻤﻄﺔ
واﺑﺘﺪءوا ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ،وآﻻت اﻟﻄﺮب ﻋﺎزﻓﺔ ﺗﺒﺪد ﺑﺄﻟﺤﺎﻧﻬﺎ ﻛﺘﺎﺋﺐ اﻷﺷﺠﺎن ،وﺗﻐﻨﻴﻬﻢ ﺑﺄﻏﺎرﻳﺪ
ﺗُﻐﻨﻴﻬﻢ ﻋﻦ ارﺗﺸﺎف ﺳﻼﻓﺔ أﻟﺤﺎن ،أﻣَ َﺮ ْت إذ ذاك ﺑﻤﺎء ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﺎﻧﺴﺎب ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺘﻰ
أﻏﺮﻗﻬﻢ ﻋﻦ آﺧﺮﻫﻢ — وﻛﺎﻧﻮا زﻫﺎء اﻟﺨﻤﺴني — ﻓﻠﻘﻮا ﻛﻨﻮدﻫﻢ اﻟﺬﻣﻴﻢ ،وأﻣﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ :إن
ﻛﻴﺪي ﻋﻈﻴﻢ.
847
ﺣﺮف اﳍﺎء
ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﴫﻳﺔ ذات ﻫﻴﺌﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﻗﺪ وﻫﺒﻬﺎ ﻓﺮﻋﻮن ،ﻣﻠﻚ ﻣﴫ ،ﻟﺴﺎرة زوﺟﺔ
إﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪه ،وﻗﺪ وﻫﺒﺘﻬﺎ ﺳﺎر ُة ﻹﺑﺮاﻫﻴﻢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم
— وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :إﻧﻲ أراﻫﺎ اﻣﺮأة وﺿﻴﺌﺔ؛ ﻓﺨﺬﻫﺎ ﻟﻌﻞ ﷲ ﻳﺮزﻗﻚ ﻣﻨﻬﺎ وﻟﺪًا ،ﻓﺘﺰوﺟﻬﺎ إﺑﺮاﻫﻴﻢ.
وﻗﺪ زرﻗﻪ ﷲ ﻣﻨﻬﺎ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — وذﻫﺐ ﺑﻬﻤﺎ إﱃ ﻣﻜﺔ؛ ﻟﺴﺒﺐ أن إﺳﺤﺎق
اﺑﻦ ﺳﺎرة اﻗﺘﺘﻞ ﻣﻊ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ذات ﻳﻮم ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﺼﺒﻴﺎن! ﻓﻐﻀﺒﺖ ﺳﺎرة ﻋﲆ ﻫﺎﺟﺮ
وﻗﺎﻟﺖ :ﻻ ﺗﺴﺎﻛﻨﻴﻨﻲ ﰲ ﺑﻠﺪ! وأﻣﺮت إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻌﺰﻟﻬﻤﺎ ﻋﻨﻬﺎ! وﻗﺪ أوﺣﻰ ﷲ إﻟﻴﻪ أن ﻳﺄﺗﻲ
ﻋﺮﻳﺸﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل ﴿ :ﱠرﺑﱠﻨَﺎ إِﻧﱢﻲً ﺑﻬﻤﺎ ﻣﻜﺔ ،ﻓﻔﻌﻞ وأﻧﺰﻟﻬﻤﺎ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺤﺠﺮ ،وأﻣﺮﻫﺎ أن ﺗﺘﺨﺬ
اﻟﺼ َﻼ َة َﻓﺎﺟْ ﻌَ ْﻞ
ري ذِي َز ْر ٍع ﻋِ ﻨ َﺪ ﺑَﻴْﺘِ َﻚ ا ْﻟﻤُﺤَ ﱠﺮ ِم َرﺑﱠﻨَﺎ ِﻟﻴُﻘِﻴﻤُﻮا ﱠ ﻨﺖ ِﻣﻦ ذُ ﱢرﻳﱠﺘِﻲ ِﺑﻮَادٍ َﻏ ْ ِ أ َ ْﺳ َﻜ ُ
ون﴾ )إﺑﺮاﻫﻴﻢ،(٣٧ : ات َﻟﻌَ ﱠﻠﻬُ ْﻢ ﻳ َْﺸ ُﻜ ُﺮ َ أ َ ْﻓ ِﺌ َﺪ ًة ﻣﱢ َﻦ اﻟﻨ ﱠ ِ
ﺎس ﺗَﻬْ ِﻮي إ ِ َﻟﻴ ِْﻬ ْﻢ وَا ْر ُز ْﻗﻬُ ﻢ ﻣﱢ َﻦ اﻟﺜﱠﻤَ َﺮ ِ
ﺛﻢ اﻧﴫف ،ﻓﺎﺗﺒﻌﺘﻪ ﻫﺎﺟﺮ ﻓﻘﺎﻟﺖ :إﱃ ﻣَ ﻦ ﺗﻜﻠﻨﺎ؟! ﻓﺠﻌﻞ ﻻ ﻳﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :آهلل
أﻣﺮك ﺑﻬﺬا؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﻟﺖ :إذن ﻻ ﻳﻀﻴﻌﻨﺎ.
ﺛﻢ اﻧﴫف راﺟﻌً ﺎ إﱃ اﻟﺸﺎم ،وﻛﺎن ﻣﻊ ﻫﺎﺟﺮ ﻗﺮﺑﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎء ،ﻓﻨﻔﺪ املﺎء ﻓﻌﻄﺸﺖ
وﻋﻄﺶ اﻟﺼﺒﻲ ،ﻓﻨﻈﺮت إﱃ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺘﻲ أدﻧﻰ ﻣﻦ اﻷرض ،ﻓﺼﻌﺪت إﱃ اﻟﺼﻔﺎ وﺗﺴﻤﱠ ﻌﺖ
أﻧﻴﺴﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ وﻟﻢ ﺗ َﺮ أﺣﺪًا ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﺳﻤﻌﺖ أﺻﻮات ﻟﻌ ﱠﻠﻬﺎ ﺗﺴﻤﻊ ﺻﻮﺗًﺎ أو ﺗﺮى ً
ﺳﺒﺎع اﻟﻮادي ﻧﺤﻮ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ،ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﺑﴪﻋﺔ ﻟﺘُ ْﺆﻧﺴﻪ ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻧﺤﻮ
املﺮوة ﻓﺴﻌﺖ — وﻣﺎ ﺗﺪري اﻟﺴﻌﻲ — ﻛﺎﻹﻧﺴﺎن املﺠﻬﺪ ،ﻓﻬﻲ أو ُل ﻣَ ﻦ ﺳﻌﻰ ﺑني اﻟﺼﻔﺎ
واملﺮوة.
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺛﻢ ﺻﻌﺪت املﺮوة ﻓﺴﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻛﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﻜﺬب ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻴﻘﻨﺖ،
وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺪﻋﻮ :اﺳﻤﻊ اﻳﻴﻞ — ﻳﻌﻨﻲ ﻳﺎ ﷲ — ﻗﺪ أﺳﻤﻌﺘﻨﻲ ﺻﻮﺗًﺎ؛ ﻓﺄﻏﺜﻨﻲ ﻓﻘﺪ ﻫﻠﻜﺖ وﻣﻦ
ﻣﻌﻲ .ﻓﺈذا ﻫﻲ ﺑﺠﱪﻳﻞ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣَ ﻦ أﻧﺖ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﴎﻳﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ —
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﺗﺮﻛﻨﻲ واﺑﻨﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،ﻗﺎل :وإﱃ ﻣَ ﻦ َو َﻛﻠﻜﻤﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖَ :و َﻛﻠﻨﺎ إﱃ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ،
ﻛﺎف .ﺛﻢ ﺟﺎء ﺑﻬﻤﺎ وﻗﺪ ﻧﻔﺪ ﻃﻌﺎﻣﻬﻤﺎ وﴍاﺑﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﻬﻤﺎ ﻗﺎل :ﻓﻘﺪ َو َﻛﻠﻜﻤﺎ إﱃ ٍ
إﱃ ﻣﻮﺿﻊ »زﻣﺰم« ،ﻓﴬب ﺑﻘﺪﻣﻪ ﻓﻔﺎرت ﻋني — ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻳﻘﺎل ﻟﺰﻣﺰم :رﻛﻀﺔ ﺟﱪﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ
اﻟﺴﻼم.
ﻓﻠﻤﱠ ﺎ ﻧﺒﻊ املﺎء أﺧﺬت ﻫﺎﺟﺮ ﻗﺮﺑﺔ ﻟﻬﺎ وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺴﺘﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺪﱠﺧﺮه ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺟﱪﻳﻞ
— ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم :إﻧﻬﺎ رويﱞ .وﺟﻌﻠﺖ أم إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺑﱤًا ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ املﺎء
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺎدﻫﺎ! ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺟﱪﻳﻞ :ﻻ ﺗﺨﺎﰲ اﻟﻈﻤﺄ ﻋﲆ أﻫﻞ ﻫﺬه اﻟﺒﻠﺪة؛ ً إﱃ ﺧﺎرﺟﻬﺎ؛
ﻓﻴﺒﻨﻴﺎن هلل
ِ إن أﺑﺎ ﻫﺬا اﻟﻐﻼم ﺳﻴﺠﻲء ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻋني ﻟﴩب ﺿﻴﻔﺎن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ،وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :أﻣﱠ ﺎ ﱠ
— ﺗﻌﺎﱃ — ﺑﻴﺘًﺎ ﻫﺬا ﻣﻮﺿﻌﻪ .ﻗﺎﻟﻮا :وﻣ ﱠﺮت رﻓﻘﺔ ﻣﻦ »ﺟﺮﻫﻢ« ﺗﺮﻳﺪ اﻟﺸﺎم ﻓ َﺮأَوا اﻟﻄري
ﻋﲆ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻘﺎﻟﻮا :إن ﻫﺬا اﻟﻄري ﻟﺤﺎﺋﻢ ﻋﲆ ﻣﺎء ،ﻓﺄ َ ْﴍَﻓﻮا ﻓﺈذا ﻫﻢ ﺑﺎملﺎء ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ :إن
ﺷﺌﺖ ﻛﻨﱠﺎ ﻣﻌﻚ ﻓﺂﻧﺴﻨﺎك واملﺎء ﻣﺎؤك ،ﻓﺄذِ ﻧ َ ْﺖ ﻟﻬﻢ ﻓﻨﺰﻟﻮا ﺑﻬﺎ وﻫﻢ ﺳﻜﺎن ﻣﻜﺔ ﺣﺘﻰ ﺷﺐﱠ ِ
إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ،وﻣﺎﺗﺖ ﻫﺎﺟﺮ ﻗﺒﻞ ﺳﻴﺪﺗﻬﺎ ﺳﺎرة ،ود ْ
ُﻓﻨﺖ ﰲ اﻟﺤِ ﺠْ ﺮ.
ﻫﺠﻴﻤﺔ أم اﻟﺪرداء
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻘﻴﻬﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ،وﻫﻲ أم ﺑﻼل ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﺪرداء ،ﻗﻴﻞ :ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﰲ
زوﺟﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗُ ِﺠﺐْ .وروى ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌني اﻟﻜﺒﺎر ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻴﻢ ﺑﺒﻴﺖ املﻘﺪس
ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ.
وﺑﺪﻣﺸﻖ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻠﺲ ﻟﻠﺼﻼة ﰲ ﺻﻔﻮف اﻟﺮﺟﺎل! وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤﺐﱡ
ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل» :أﻓﻀﻞ اﻟﻌﻠﻢ املﻌﺮﻓﺔ «.وﺗﻘﻮل» :ﺗﻌﻠﻤﻮا اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺻﻐﺎ ًرا
ﺗﻌﻤﻠﻮا ﺑﻬﺎ ﻛﺒﺎ ًرا«.
ً
ُﻼزﻣﺔ ﻟﻠﻌﺒﺎدة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻈﻤﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻔﱰ ﻋﻦ اﻟﺼﻼة ﻣ ِ
ﺑﻌﺪ أﺑﻲ اﻟﺪرداء ﺑﺪﻣﺸﻖ ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺒﺎب اﻟﺼﻐري.
850
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
ﻫﺰﻳﻠﺔ اﻟﺠﺪﻳﺴﻴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻮ ﻃﺴﻢ ﺑﻦ ﻟﻮز ﺑﻦ أزﻫﺮ ﺑﻦ ﺳﺎم ﺑﻦ ﻧﻮح وﺑﻨﻮ ﺟﺪﻳﺲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ أزﻫﺮ ﺑﻦ
ﺳﺎم ﺑﻦ ﻧﻮح ﺳﺎﻛﻨني ﰲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ،وﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬ »ﺟﻮا« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺧﺼﺐ
ً
ﻋﻤﻠﻴﻘﺎ ،وﻛﺎن ﻇﺎ ًملﺎ ،وﻗﺪ ﺗﻤﺎدى اﻟﺒﻼد وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺧريًا ،وﻛﺎن ﻣﻠﻜﻬﻢ أﻳﺎم ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ
ﰲ اﻟﻈﻠﻢ .وإن ﻫﺰﻳﻠﺔ ﻫﺬه ﻃﻠﻘﻬﺎ زوﺟﻬﺎ وأراد أﺧﺬ وﻟﺪﻫﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺨﺎﺻﻤﺘﻪ إﱃ ﻋﻤﻠﻴﻖ
وﻗﺎﻟﺖ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،ﺣﻤَ ﻠﺘُﻪ ﺗﺴﻌً ﺎ ،ووﺿﻌﺘﻪ دﻓﻌً ﺎ ،وأرﺿﻌﺘﻪ ﺷﻔﻌً ﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻤﺖ أوﺻﺎﻟﻪ،
ﻛﺮﻫﺎ ،وﻳﱰﻛﻨﻲ ﺑﻌﺪه ً
ورﻫﺎ. ودﻧﺎ ﻓﺼﺎﻟﻪ أراد أن ﻳﺄﺧﺬه ﻣﻨﻲ ً
ً
ﺧﺎﻣﻼ؛ ً
ﻃﺎﺋﻼ إﻻ وﻟﻴﺪًا ً
ﻛﺎﻣﻼ ،وﻟﻢ أﺻﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﺎل زوﺟﻬﺎ :أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،أﻋﻄﻴﺖ ﻣﻬﺮﻫﺎ
ﻓﺎﻓﻌﻞ ﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﺎﻋﻞ ،ﻓﺄﻣﺮ املﻠﻚ ﺑﺎﻟﻐﻼم ﻓﺼﺎر ﰲ ﻏﻠﻤﺎﻧﻪ ،وأن ﺗﺒﺎع املﺮأة ﻓﻴُﻌﻄﻰ زوﺟﻬﺎ
ﺧﻤﺲ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،وﻳﺒﺎع اﻟﺮﺟﻞ ،وﺗﻌﻄﻰ املﺮأة ﻋُ ْﴩ ﺛَﻤَ ﻦ زوﺟﻬﺎ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻫﺰﻳﻠﺔ:
ﻓ ﺄﻧ ﻔ ﺬ ﺣ ﻜ ﻤً ﺎ ﻓ ﻲ ﻫ ﺰﻳ ﻠ ﺔ ﻇ ﺎﻟ ﻤ ﺎ أﺗ ﻴ ﻨ ﺎ أﺧ ﺎ ﻃ ﺴ ﻢ ﻟ ﻴ ﺤ ﻜ ﻢ ﺑ ﻴ ﻨ ﻨ ﺎ
وﻻ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻤﻦ ﻳُﺒﺮم اﻟﺤﻜﻢ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻟ ﻌ ﻤ ﺮي ﻟ ﻘ ﺪ ﺣ ﻜ ﻤ ﺖ ﻻ ﻣ ﺘ ﻮرﻋً ﺎ
وأﺻﺒﺢ ﺑَﻌْ ﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻧﺎدﻣﺎ ﻧ ﺪﻣ ﺖ وﻟ ﻢ أﻧ ﺪم وأﻧ ﻲ ﺑ ﻌ ﺘ ﺮﺗ ﻲ
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻋﻤﻠﻴﻖ ﻗﻮﻟﻬﺎ أﻣﺮ أن ﻻ ﺗﺰوﱠج ِﺑ ْﻜ ٌﺮ ِﻣﻦ ﺟﺪﻳﺲ وﺗُﻬﺪَى إﱃ زوﺟﻬﺎ ﺣﺘﻰ
وذﻻ ،وﻟﻢ ﻳﺰل ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﺰوﱠﺟﺖ اﻟﺸﻤﻮس؛ ﻳ َِ
َﻔﱰﻋَ ﻬﺎ! ﻓﻠﻘﻮا ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻼءً وﺟﻬﺪًا ٍّ
وﻫﻲ ﻋﻔرية ﺑﻨﺖ ﻋﻔﺎر ،وﻗﻴﻞ :ﻳﻌﻔﺮ ،وﻗﻴﻞ :ﻋﺒﺎر أﺧﺖ اﻷﺳﻮد ،ﻓﻠﻤﺎ أراد ﺣﻤْ َﻠﻬﺎ إﱃ
زوﺟﻬﺎ؛ اﻧﻄﻠﻘﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ ﻋﻤﻠﻴﻖ ﻟﻴﻨﺎﻟﻬﺎ ﻗﺒﻠﻪ! وﻣﻌﻬﺎ اﻟﻔﺘﻴﺎن ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻓﱰﻋﻬﺎ
ﺷﻘﺖ درﻋﻬﺎ ﻣﻦ ُﻗﺒُﻞ وﻣﻦ ُدﺑُﺮ،
وﺧﲆ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ إﱃ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﺗﻌﺜﺮ ﰲ دﻣﺎﺋﻬﺎ وﻗﺪ ﱠ ﱠ
واﻟﺪم ﻳﺒ ُ
ني ،وﻫﻲ ﰲ أﻗﺒﺢ ﻣﻨﻈﺮ ﺗﻘﻮل:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ ﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻗﻮﻣﻬﺎ:
وأﻧ ﺘ ﻢ رﺟ ﺎل ﻓ ﻴ ﻜ ﻢ ﻋ ﺪد اﻟ ﻨ ﻤ ﻞ أﻳ ﺠ ﻤ ﻞ ﻣ ﺎ ﻳ ﺆﺗ ﻰ إﻟ ﻰ ﻓ ﺘ ﻴ ﺎﻧ ﻜ ﻢ
851
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ أﺧﻮﻫﺎ اﻷﺳﻮد ﻗﻮﻟﻬﺎ — وﻛﺎن ﺳﻴﺪًا ﻣﻄﺎﻋً ﺎ — ﻗﺎل ﻟﻘﻮﻣﻪ :ﻳﺎ ﻣﻌﴩ
ﺟﺪﻳﺲ ،إن ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻟﻴﺴﻮا ﺑﺄﻋ ﱠﺰ ﻣﻨﻜﻢ ﰲ دارﻛﻢ ،ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺻﺎﺣﺒﻬﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻟﻮﻻ
ﻋﺠﺰﻧﺎ ملﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﻟﻮ اﻣﺘﻨﻌﻨﺎ ﻻﻧﺘﺼﻔﻨﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄﻃﻴﻌﻮﻧﻲ ﻓﻴﻤﺎ آﻣﺮﻛﻢ؛ ﻓﺈﻧﻪ
ﻋ ﱡﺰ اﻟﺪﻫﺮ .وﻗﺪ ﺣﻤَ ﻰ ﺟﺪﻳﺲ ملﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻧُﻄﻴﻌ َﻚ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻘﻮم أﻛﺜﺮ ﻣﻨﺎ!
ﻗﺎل :ﻓﺈﻧﻲ أﺻﻨﻊ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻃﻌﺎﻣً ﺎ وأدﻋﻮه وأﻫﻠﻪ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺈذا ﺟﺎءوا ﻳﺮﻓﻠﻮن ﰲ اﻟﺤﻠﻞ أﺧﺬﻧﺎ
ﺳﻴﻮﻓﻨﺎ وﻗﺘﻠﻨﺎﻫﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :اﻓﻌﻞ ،ﻓﺼﻨﻊ وﺟﻌﻠﻪ اﻟﺘﻠﺪ ،ودﻓﻦ ﻫﻮ وﻗﻮﻣﻪ ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ ﰲ اﻟﺮﻣﻞ،
ودﻋﺎ املﻠﻚ وﻗﻮﻣﻪ ﻓﺠﺎءوا ﻳﺮﻓﻠﻮن ﰲ ﺣﻠﻠﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺧﺬوا ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﻢ وﻣﺪوا أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻳﺄﻛﻠﻮن
أﺧﺬت ﺟﺪﻳﺲ ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ وﻗﺘﻠﻮﻫﻢ ،وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻠﻜﻬﻢ ،وﻗﺘﻠﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺴﻔﻠﺔ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻧﺠﱠ ﻰ
ﷲ ﻫﺬه اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة.
ﻫﻨﺪ أم ﺳﻠﻤﺔ
ﺑﻨﺖ أﺑﻲ أﻣﻴﺔ ﺑﻦ املﻐرية ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻣﺨﺰوم املﺨﺰوﻣﻴﺔ ،وأﻣﻬﺎ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺑﻨﺖ
ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ رﺑﻴﻌﺔ .ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﻷﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻷﺳﺪ ،وﻫﺎﺟﺮ ﺑﻬﺎ إﱃ أرض
اﻟﺤﺒﺸﺔ ﰲ اﻟﻬﺠﺮﺗني ،ﻓﻮﻟﺪت ﻟﻪ ﻫﻨﺎك زﻳﻨﺐ ،ﺛﻢ وﻟﺪت ﺳﻠﻤﺔ ودرة وﻋﻤﺮ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ملﺎ
ﻫﺎﺟﺮت إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺎﻟﺖ :ﺣﻴﻨﻤﺎ أﺟﻤﻊ أﺑﻮ ﺳﻠﻤﺔ اﻟﺨﺮوج رﺣﻞ ﺑﻌريًا ﻟﻪ وﺣﻤﻠﻨﻲ وﺣﻤﻞ
ﻣﻌﻲ اﺑﻨﻲ ﺳﻠﻤﺔ ،ﺛﻢ ﺧﺮج ﻳﻘﻮد ﺑﻌريه ،ﻓﻠﻤﺎ رآه رﺟﺎل ﺑﻨﻲ املﻐرية ﻗﺎﻣﻮا إﻟﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮا:
ﻧﻔﺴﻚ ﻏﻠﺒﺘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،أرأﻳﺖ ﺻﺎﺣﺒﺘﻨﺎ ﻫﺬه :ﻋﻼ َم ﺗُﱰك ﺗﺴري ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد ،وﻧﺰﻋﻮاﻫﺬه ُ
ﺧﻄﺎم اﻟﺒﻌري ﻣﻦ ﻳﺪه ،وأﺧﺬوﻧﻲ ،وﻏﻀﺒﺖ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺪ اﻷﺳﺪ — رﻫﻂ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ —
وأﻫﻮوا إﱃ ﺳﻠﻤﺔ ،وﻗﺎﻟﻮا :وﷲ ﻻ ﻧﱰك اﺑﻨﻨﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ إذ ﻧﺰﻋﺘﻤﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ ،ﻓﺘﺠﺎذﺑﻮا
اﺑْﻨِﻲ ﺳﻠﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺧﻠﻌﻮا ﻳﺪه!
852
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
واﻧﻄﻠﻖ ﺑﻪ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺪ اﻷﺳﺪ ،وﺣﺒﺴﻨﻲ ﺑﻨﻮ املﻐرية ﻋﻨﺪﻫﻢ ،واﻧﻄﻠﻖ زوﺟﻲ أﺑﻮ ﺳﻠﻤﺔ
ﺣﺘﻰ ﻟﺤﻖ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻓ ﱠﺮﻗﻮا ﺑﻴﻨﻲ وﺑني زوﺟﻲ ووﻟﺪي ،ﻓﻜﻨﺖ أﺧﺮج ﻛﻞ ﻏﺪاة ﻓﺄﺟﻠﺲ
ﺑﺎﻷﺑﻄﺢ ،ﻓﻤﺎ أزال أﺑﻜﻲ ﺣﺘﻰ أُﻣﴘ؛ ً
ﺳﻨﺔ أو ﻗﺮﻳﺒﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻣ ﱠﺮ ﺑﻲ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻲ
ﻣﻦ ﺑﻨﻲ املﻐرية ،ﻓﺮأى ﻣﺎ ﺑﻲ ﻓﺮﺣﻤﻨﻲ ،ﻓﻘﺎل ﻟﺒﻨﻲ املﻐرية :أﻻ ﺗﺨﺮﺟﻮن ﻫﺬه املﺴﻜﻴﻨﺔ
ﻟﺰوﺟﻬﺎ؟! ﻓ ﱠﺮﻗﺘﻢ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻨﻪ وﺑني اﺑﻨﻬﺎ! ﻓﻘﺎﻟﻮا ﱄ :اﻟﺤﻘﻲ ﺑﺰوﺟﻚ إن ﺷﺌﺖ.
وملﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺪ اﻷﺳﺪ ﺑﺬﻟﻚ ردﱡوا ﻋﲇ ﱠ اﺑﻨﻲ ،ﻓﺮﺣﻠﺖ ﺑﻌريي ،ووﺿﻌﺖ اﺑﻨﻲ ﰲ
ﺣﺠﺮي ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ أرﻳﺪ زوﺟﻲ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ وﻣﺎ ﻣﻌﻲ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ،ﻓﻘﻠﺖ :أﺗﺒﻠﻎ
ﺑﻤﻦ ﻟﻘﻴﺖ ﺣﺘﻰ أﻗﺪم ﻋﲆ زوﺟﻲ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻛﻨﺖ ﺑﺎﻟﺘﻨﻌﻴﻢ ﻟﻘﻴﺖ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ أﺧﺎ ﺑﻨﻲ
ﻋﺒﺪ اﻟﺪار ،ﻓﻘﺎل :أﻳﻦ اﺑﻨﺔ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ؟ ﻓﻘﻠﺖ :أرﻳﺪ زوﺟﻲ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻘﺎل :ﻫﻞ ﻣﻌﻚ أﺣﺪ؟
ﻓﻘﻠﺖ :ﻻ وﷲ ،واﺑﻨﻲ ﻫﺬا ،ﻓﻘﺎل :وﷲ ﻣﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻨﺰل.
رﺟﻼ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻛﺎن ﻓﺄﺧﺬ ﺑﺨﻄﺎم اﻟﺒﻌري ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﻣﻌﻲ ﻳﻘﻮدﻧﻲ ،ﻓﻮﷲ ﻣﺎ ﺻﺤﺒﺖ ً
أﻛﺮم ﻣﻨﻪ؛ إذا ﺑﻠﻎ املﻨﺰل أﻧﺎخ ﺑﻲ ﺛﻢ ﺗﻨﺤﻰ إﱃ ﺷﺠﺮة ﻓﺎﺿﻄﺠﻊ ﺗﺤﺘﻬﺎ ،ﻓﺈذا دﻧﺎ اﻟﺮواح
ﻗﺎم إﱃ ﺑﻌريي ﻓﻘﺪﻣﻪ ﻓﺮﺣﻠﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻨﻲ وﻗﺎل :ارﻛﺒﻲ ،ﻓﺈذا رﻛﺒﺖ واﺳﺘﻮﻳﺖ ﻋﲆ
ﺑﻌريي أﺗﻰ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﺨﻄﺎﻣﻪ ﻓﻘﺎدﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻧﻨﺰل ،ﻓﻠﻢ ﻳﺰل ﻳﺼﻨﻊ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻗﺪم ﺑﻲ إﱃ
املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﱃ ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﻮف ﺑﻘﺒﺎء ﻗﺎل :زوﺟﻚ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ — وﻛﺎن
ﻧﺎزﻻ ﺑﻬﺎ — ﻓﺪﺧﻠﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺑﺮﻛﺔ ﷲ — ﺗﻌﺎﱃ — ﺛﻢ اﻧﴫف راﺟﻌً ﺎ إﱃ ﻣﻜﺔ. أﺑﻮ ﺳﻠﻤﺔ ً
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :ﻣﺎ أﻋﻠﻢ أﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﰲ اﻹﺳﻼم أﺻﺎﺑﻬﻢ ﻣﺎ أﺻﺎب ﺑﻴﺖ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ ،وﻣﺎ
رأﻳﺖ ﺻﺎﺣﺒًﺎ ﻗﻂ ﻛﺎن أﻛﺮم ﻣﻦ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ .وﻫﻲ أول ﻇﻌﻴﻨﺔ ﻫﺎﺟﺮت إﱃ املﺪﻳﻨﺔ،
وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ملﺎ اﻧﻘﻀﺖ ﻋﺪﺗﻬﺎ ﺑﻌﺚ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻳَﺨﻄﺒُﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺰوﺟﻪ ،ﻓﺒﻌﺚ إﻟﻴﻬﺎ
اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻳﺨﻄﺒﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺧﱪ رﺳﻮل ﷲ ﷺ أﻧﻲ اﻣﺮأة ﻏريَى،
ُﺼﺒﻴﺔ ،وﻟﻴﺲ أﺣﺪ ﻣﻦ أوﻟﻴﺎﺋﻲ ﺷﺎﻫﺪًا ،ﻓﺄﺗﻰ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻓﺬﻛﺮ ذﻟﻚ ﻟﻪ، وأﻧﻲ اﻣﺮأة ﻣ ْ
ﻓﻘﺎل» :ارﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﻞ ﻟﻬﺎ :أﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ :إﻧﻲ اﻣﺮأة ﻣﺼﺒﻴﺔ؛ ﻓﺴﺘﻜﻔني ﺻﺒﻴﺎﻧﻚ ،وأﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ:
ﻟﻴﺲ أﺣﺪ ﻣﻦ أوﻟﻴﺎﺋﻲ ﺷﺎﻫﺪًا ،ﻓﻠﻴﺲ أﺣﺪ ﻣﻦ أوﻟﻴﺎﺋﻚ ﺷﺎﻫﺪًا أو ﻏﺎﺋﺒًﺎ ﻳﻜﺮه ذﻟﻚ ،وﻗﻮﻟﻚ:
إﻧﻚ اﻣﺮأة ﻏريى ،ﻓﺴﻨﺪﻋﻮ ﷲ ﻳﴫف ﻋﻨﻚ اﻟﻐرية «.ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻬﺎ ذﻟﻚ ﻗﺎﻟﺖ ﻻﺑﻨﻬﺎ ﻋﻤﺮ :ﻗ ْﻢ
ﻓ َﺰوﱢج رﺳﻮل ﷲ ﷺ ،ﻓﺰوﱠﺟﻪ.
وﺣُ ﻜﻲ ﻋﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﰲ ﺑﻴﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ﴿ :إِﻧﱠﻤَ ﺎ ﻳ ُِﺮﻳ ُﺪ ﷲ ُ ِﻟﻴُﺬْﻫِ ﺐَ ﻋَ ﻨ ُﻜ ُﻢ اﻟ ﱢﺮﺟْ َﺲ أ َ ْﻫ َﻞ
ﻄ ِﻬريًا﴾ )اﻷﺣﺰاب .(٣٣ :وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺷﻬﺪت ﻏﺰوة ﺧﻴﱪ، ﻄﻬﱢ َﺮ ُﻛ ْﻢ ﺗَ ْ
ا ْﻟﺒَﻴ ِْﺖ َوﻳُ َ
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ اﻟﺤﺴني؛ أي ﺳﻨﺔ ٦١ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﻗﻴﻞ :ﺑﻞ ﺗﻮﻓﻴﺖ ﺳﻨﺔ ٥٩ﻫ ،وﺳﻨﺪ
853
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
اﻟﺮأي اﻷول ﻣﺎ ﻳﺮوى ﻣﻦ أن اﻟﻨﺒﻲ ﷺ أﻋﻄﻰ أم ﺳﻠﻤﺔ ﺗﺮاﺑًﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﺔ اﻟﺤﺴني ﺣﻤﻠﻪ إﻟﻴﻪ
ﺟﱪﻳﻞ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إذا ﺻﺎر ﻫﺬا اﻟﱰاب دﻣً ﺎ ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻞ اﻟﺤﺴني ،ﻓﺤﻔﻈﺘﻪ ﰲ ﻗﺎرورة ﻋﻨﺪﻫﺎ،
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺘﻞ اﻟﺤﺴني ﺻﺎر اﻟﱰاب دﻣً ﺎ ،ﻓﺄﻋﻠﻤﺖ اﻟﻨﺎس ﺑﻘﺘﻠﻪ.
ﺣﺪﻳﺚ وﺛﻤﺎﻧﻴﺔ وﻋﴩﻳﻦ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ،وﻗﺪ ﻋﺎﺷﺖ أرﺑﻌً ﺎ
ٍ وﻗﺪ روت ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ
وﺛﻤﺎﻧني ﺳﻨﺔ ،وﺻﲆ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة ،ودﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﺒﻘﻴﻊ ﻣﻦ أرض اﻟﺤﺠﺎز.
ﺳ ﻼﻟ ﺔ أﻓ ﺮاس ﺗ ﺠ ﻠ ﻠ ﻬ ﺎ ﺑ ﻐ ﻞ وﻣ ﺎ ﻫ ﻨ ﺪ إﻻ ﻣ ﻬ ﺮة ﻋ ﺮﺑ ﻴ ﺔ
وإن وﻟﺪت ﺑﻐ ًﻼ ﻓﺠﺎء ﺑﻪ اﻟﺒﻐﻞ ﻓ ﺈن وﻟ ﺪت أﻧ ﺜ ﻰ ﻓ ﻠ ﻠ ﻪ درﻫ ﺎ
ﻓﺎﻧﴫف راﺟﻌً ﺎ وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﻪ ،وأراد ﻃﻼﻗﻬﺎ ﻓﺄﻧﻔﺬ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ،
وأﻧﻔﺬ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﻪ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ درﻫﻢ — وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ — وﻗﺎل :ﻳﺎ اﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ،
ﻃ ﱢﻠﻘﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺘني وﻻ ﺗﺰد ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻳﻘﻮل ﻟﻚ أﺑﻮ
ﻓﺒﻨﺖ ،وﻫﺬه املﺎﺋﺘﺎ أﻟﻒ درﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﻗﺒﻠﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﻋﻠﻢ — ِ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﺠﺎجِ :
ﻛﻨﺖ
ﻳﺎ اﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ — أﻧﱠﺎ ُﻛﻨﱠﺎ ﻓﻤﺎ ﺣﻤﺪﻧﺎ ،و ِﺑﻨﱠﺎ ﻓﻤﺎ ﻧَﺪﻣﻨﺎ ،وﻫﺬه املﺎﺋﺘﺎ أﻟﻒ درﻫﻢ ﻫﻲ ﻟﻚ ﺑﺸﺎرة
ﺑﺨﻼﴆ ﻣﻦ ﻛﻠﺐ ﺛﻘﻴﻒ.
ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻠﻎ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﺧﱪﻫﺎ ،ووُﺻﻒ ﻟﻪ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ
ﻳﺨﻄﺒﻬﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﺗﻘﻮل ﺑﻌﺪ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ :اﻋﻠﻢ — ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني — أﻧﻲ ﻻ
أﺟﺮي اﻟﻌﻘﺪ إﻻ ﺑﴩط ،ﻓﺈن ﻗﻠﺖ :ﻣﺎ اﻟﴩط؟ أﻗﻮل :أن ﻳﻘﻮد اﻟﺤﺠﺎج ﻣﺤﻤﲇ ﻣﻦ املﻌﺮة
إﱃ ﺑﻠﺪك اﻟﺬي أﻧﺖ ﻓﻴﻪ ،وﻳﻜﻮن ﻣﺎﺷﻴًﺎ ﺣﺎﻓﻴًﺎ ﺑﺤﻠﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ً
أوﻻ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ
ﺿﺤﻚ ﺿﺤ ًﻜﺎ ﺷﺪﻳﺪًا.
854
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
وأرﺳﻞ إﱃ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﺟﺎب وﻟﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ،واﻣﺘﺜﻞ اﻷﻣﺮ ،وأرﺳﻞ إﱃ ﻫﻨﺪ ﻳﺄﻣﺮﻫﺎ
ﺑﺎﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ،وﺳﺎر اﻟﺤﺠﺎج ﰲ ﻣﻮﻛﺒﻪ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ املﻌﺮة ﺑﻠﺪ ﻫﻨﺪ ،ﻓﺮﻛﺒﺖ ﻫﻨﺪ ﰲ ﻣﺤﻤﻞ
ورﻛﺐ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺟﻮارﻳﻬﺎ وﺧﺪﻣﻬﺎ ،ﻓﱰﺟﻞ اﻟﺤﺠﺎج وﻣﴙ ﺣﺎﻓﻴًﺎ ،وأﺧﺬ ﺑﺰﻣﺎم اﻟﺒﻌري ﻳﻘﻮده
وﻳﺴري ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﺬت ﻫﻨﺪ ﺗﻬﺰأ ﻋﻠﻴﻪ وﺗﻀﺤﻚ ﻣﻊ اﻟﻬﻴﻔﺎء داﻳﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﺪاﻳﺘﻬﺎ:
اﻛﺸﻔﻲ ﱄ ﺳﺘﺎرة املﺤﻤﻞ ﻟﻨﺸﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﻨﺴﻴﻢ ،ﻓﻜﺸﻔﺘﻬﺎ ،ﻓﻮﻗﻊ وﺟﻬﻬﺎ ﰲ وﺟﻬﻪ ،ﻓﻀﺤﻜﺖ
ﻋﻠﻴﻪ وأﻧﺸﺪت:
وﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﻠﻌﺐ وﺗﻀﺤﻚ إﱃ أن ﻗﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺮﻣﺖ ﻣﻦ ﻳﺪﻫﺎ دﻳﻨﺎ ًرا ﻋﲆ
اﻷرض وﻗﺎﻟﺖ :ﻳﺎ ﺟَ ﻤﱠ ﺎل ،ﺳﻘﻂ ﻣﻨﺎ درﻫﻢ؛ ﻓﺮده إﻟﻴﻨﺎ ،ﻓﻨﻈﺮ اﻟﺤﺠﺎج إﱃ اﻷرض ﻓﻠﻢ ﻳﺮ
إﻻ دﻳﻨﺎ ًرا ،ﻓﻘﺎل :إﻧﻤﺎ ﻫﻮ دﻳﻨﺎر ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﺑﻞ درﻫﻢ ،ﻓﻘﺎل :ﺑﻞ دﻳﻨﺎر ،ﻓﻘﺎﻟﺖ :اﻟﺤﻤﺪ هلل؛ إذ
ﺳﻘﻂ ﻣﻨﺎ درﻫﻢ ﻓﻌﻮﺿﻨﺎ ﷲ دﻳﻨﺎ ًرا! ﻓﺨﺠﻞ وﺳﻜﺖ وﻟﻢ ﻳﺮ ﱠد ﺟﻮاﺑًﺎ ،ودﺧﻠﺖ ﻋﲆ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ
وﺳﻔﻪ رأي اﻟﺤﺠﺎج ﺑﺘﺨﻠﻴﻪ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻧﺎﻟﺖ ﻋﻨﺪه ﺣﻈﻮة ﱠ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻓﺄﻋﺠﺐ ﺑﻬﺎ وﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ،
زاﺋﺪة.
ﻛﺎﻧﺖ أدﻳﺒﺔ ﺷﺎﻋﺮة .ﻛﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ أﺑﻮ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻳﺪﻋﻮﻫﺎ ﻟﻠﺤﻀﻮر ﻋﻨﺪه ﺑﻌﻮدﻫﺎ —
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺴﻦ ﴐب اﻟﻌﻮد — ﺑﻬﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني:
855
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﺳﺎرت إﻟﻴﻪ ﻛﻤﺎ وﻋﺪﺗﻪ ،وأﺗﻤﻮا ﻟﻴﻠﺔ ﻗﻠﻤﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻋﺎﺟﻠﻬﻢ ﻧﻮر
اﻟﻔﺠﺮ ،ﻓﺘﻔﺮﻗﻮا وﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺴﺨﻂ ﻋﲆ ﻳﻮم اﻟﻔﺮاق ،وﻳﺘﻤﻨﻰ أن ﻳﻜﻮن ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﺘﻼﻗﻲ.
اﺑﻦ املﻨﺬر ﺑﻦ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺪي ﺑﻦ ﻧﴫ ﺑﻦ
رﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻏﻨﻢ ﺑﻦ ﻧﻤﺎرة ﺑﻦ ﻟﺨﻢ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺪ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﻧﺴﺎء أﻫﻠﻬﺎ وزﻣﺎﻧﻬﺎ ،وأﻣﻬﺎ ﻣﺎرﻳﺔ اﻟﻜﻨﺪﻳﺔ ،وﻛﺎن ﻳﻬﻮاﻫﺎ ﻋﺪي
ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﺎد ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ أﻳﻮب اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺒﺎدي ،وﻟﻬﺎ ﻳﻘﻮل:
وﻫﻲ ﻃﻮﻳﻠﺔ ً
أﻳﻀﺎ ،وﻓﻴﻬﺎ ﻳﻘﻮل:
وﻗﺪ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﰲ ﺧﻤﻴﺲ اﻟﻔﺼﺢ ﺗﺘﻘﺮب ﰲ اﻟﺒﻴﻌﺔ،
وﻟﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ إﺣﺪى ﻋﴩة ﺳﻨﺔ — وذﻟﻚ ﰲ ﻣﻠﻚ املﻨﺬر — وﻗﺪ ﻗﺪم ﻋﺪي ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺑﻬﺪﻳﺘﻪ
ﻣﻦ ﻛﴪى إﱃ املﻨﺬر ،واﻟﻨﻌﻤﺎن ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻓﺘﻰ ﺷﺎب ،ﻓﺎﺗﻔﻖ دﺧﻮﻟﻬﺎ اﻟﺒﻴﻌﺔ وﻗﺪ دﺧﻠﻬﺎ ﻋﺪي
ﻟﻴﺘﻘ ﱠﺮب.
856
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﺪة اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﻋﺒﻠﺔ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ اﻟﻘﻮام ،ﻓﺮآﻫﺎ ﻋﺪي وﻫﻲ ﻏﺎﻓﻠﺔ ،ﻓﻠﻢ
ﺗﻨﺘﺒﻪ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﻣﻠﻬﺎ — وﻗﺪ ﻛﺎن ﺟﻮارﻳﻬﺎ رأﻳﻦ ﻋﺪﻳٍّﺎ وﻫﻮ ﻣﻘﺒﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻠﻦ ﻟﻬﺎ؛ وذﻟﻚ ﻛﻲ
ﻳﺮاﻫﺎ ﻋﺪي ،وإﻧﻤﺎ ﻓﻌﻠﻦ ﻫﺬا ﻣﻦ أﺟﻞ أَﻣَ ٍﺔ ﻟﻬﻨﺪ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎرﻳﺔ ،ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﺒﱠﺖ ﻋﺪﻳٍّﺎ ﻓﻠﻢ
ﺷﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻟﻚ ،وﺳﺒﱠﺖ ﺟﻮارﻳﻬﺎ، ﺗﺪر ﻛﻴﻒ ﺗﺄﺗﻲ ﻟﻪ — ﻓﻠﻤﺎ رأت ﻫﻨﺪ ﻋﺪﻳٍّﺎ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﱠ
وﻧﺎﻟﺖ ﺑﻌﻀﻬﻦ ﺑﴬب ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻫﻨﺪ ﰲ ﻧﻔﺲ ﻋﺪي؛ ﻓﻠﺒﺚ ً
ﺣﻮﻻ ﻻ ﻳﺨﱪ ﺑﺬﻟﻚ أﺣﺪًا.
ً
ﺑﻴﻌﺔ وﺻ َﻔ ْﺖ ﻟﻬﺎ
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ ﺣﻮل ،وﻇﻨﺖ ﻣﺎرﻳﺔ أن ﻫﻨﺪًا ﻗﺪ أﴐﺑﺖ ﻋﻤﺎ ﺟﺮىَ ،
روﻣﻴﺔ ،ووﺻﻔﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮواﻫﺐ ،وﻣﻦ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮاري اﻟﺤرية ،وﺣﺴﻦ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ
وﴎﺟﻬﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﺳﲇ أﻣﻚ اﻹذن ﻟﻚ ﰲ إﺗﻴﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ ذﻟﻚ ،ﻓﺄذﻧﺖ ﻟﻬﺎ ،وﺑﺎدرت
ﻓﻠﺒﺲ ﻗﺒﺎء ﻛﺎن أﻫﺪاه ﻟﻪ ﻓﺮﺧﺎن »ﺷﺎه ﻣﺮد« ،وﻛﺎن َ ﻣﺎرﻳﺔ إﱃ ﻋﺪي ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ اﻟﺨﱪ ،ﻓﺒﺎ َد َر
ُﻣﺬَ ﱠﻫﺒًﺎ ﻟﻢ ﻳُﺮ ﻣﺜﻠُﻪ ﺣُ ﺴﻨًﺎ.
وﻛﺎن ﻋﺪي ﺣﺴﻦ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻣﺪﻳﺪ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﺣﻠﻮ اﻟﻌﻴﻨني ،ﺣﺴﻦ املﺒﺴﻢ ،ﻧﻘﻲ اﻟﺜﻐﺮ ،وأﺧﺬ
ﻣﻌﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻓﺘﻴﺎن اﻟﺤرية ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﻌﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رأﺗﻪ ﻣﺎرﻳﺔ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﻨﺪ :اﻧﻈﺮي إﱃ ﻫﺬا
اﻟﻔﺘﻰ؛ ﻓﻬﻮ وﷲ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﱪج وﻏريﻫﺎ .ﻗﺎﻟﺖ :وﻣﻦ ﻫﻮ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻋﺪي
دﻧﻮت ﻣﻨﻪ ﻷراه ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﻌﺮﻓﻚ ُ ﺑﻦ زﻳﺪ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﺗﺨﺎﻓني أن ﻳﻌﺮﻓﻨﻲ إن
وﻣﺎ رآك ﻗﻂ؟ ﻓﻼ ﺗﺨﺎﰲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺮﻓﻚ ،ﻓ َﺪﻧ َ ْﺖ ﻫﻨﺪ ﻣﻨﻪ وﻫﻮ ﻳﻤﺎزح اﻟﻔﺘﻴﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻌﻪ،
وﻗﺪ ﺑﺮع ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ ،وﺣﺴﻦ ﻛﻼﻣﻪ وﻓﺼﺎﺣﺘﻪ ،وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب ،ﻓﺬﻫﻠﺖ ملﺎ رأﺗﻪ،
وﺻﺎرت ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ،وﻋﺮﻓﺖ ﻣﺎرﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ وﺗﺒﻴﻨﺘﻪ ﰲ وﺟﻬﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :ﻛ ﱢﻠﻤﻴﻪ ،ﻓﻜ ﱠﻠﻤﺘﻪ
واﻧﴫﻓﺖ وﻗﺪ ﺗﺒﻌﺘﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻫﻮﻳﺘﻪ ،واﻧﴫف ﻫﻮ ﺑﻤﺜﻞ ﺣﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻐﺪ ﺗﻌ ﱠﺮﺿﺖ ْ
ﻟﻪ ﻣﺎرﻳﺔ.
ﻓﻠﻤﺎ رآﻫﺎ ﻫﺶ ﻟﻬﺎ — وﻛﺎن ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻠﻤﻬﺎ — وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻏﺪا ﺑﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ: ﱠ
ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻚ ،ﻗﺎل :اذﻛﺮﻳﻬﺎ؛ ﻓﻮﷲ ﻻ ﺗﺴﺄﻟﻴﻨﻲ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ أﻋﻄﻴﺘﻚ إﻳﺎه ،ﻓﻌ ﱠﺮﻓﺘﻪ أﻧﻬﺎ ﺗﻬﻮاه،
وأن ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ اﻟﺨﻠﻮة ﺑﻪ ﻋﲆ أن ﺗﺤﺘﺎل ﻟﻪ ﰲ ﻫﻨﺪ ،وﻋﺎﻫﺪﺗﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﺟﺎب ﻃﻠﺒﻬﺎ ،ﺛﻢ
أﺗﺖ ﻫﻨﺪًا ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﻣﺎ ﺗﺸﺘﻬني أن ﺗﺮي ﻋﺪﻳٍّﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :وﻛﻴﻒ ﱄ ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻋﺪه ﻣﻜﺎن ﻛﺬا
وﻛﺬا ﰲ ﻇﻬﺮ اﻟﻘﴫ وﺗﴩﻓني ﻋﻠﻴﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻓﻌﻞ ،ﻓﻮاﻋﺪﺗﻪ إﱃ ذﻟﻚ املﻜﺎن ،ﻓﺄﺗﺎه ،وأﴍﻓﺖ
ﻫﻠﻜﺖ ،ﻓﺒﺎدرت ﻣﺎرﻳﺔ إﱃ اﻟﻨﻌﻤﺎن ُ ﻫﻨﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﺎدت أن ﺗﻤﻮت وﻗﺎﻟﺖ :إن ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻠﻴﻪ إﱄ ﱠ
ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺧﱪﻫﺎ ،وﺻﺪﻗﺘﻪ اﻟﺨﱪ ،وذﻛﺮت أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺷﻐﻔﺖ ﺑﻪ ،وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ رؤﻳﺘﻬﺎ إﻳﺎه ﰲ
ﻳﻮم اﻟﻔﺼﺢ ،وأﻧﻪ إن ﻟﻢ ﻳُﺰوﱢﺟﻬﺎ ﺑﻪ اﻓﺘﻀﺤﺖ ﰲ أﻣﺮه وﻣﺎﺗﺖ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :وﻳﻠﻚ! وﻛﻴﻒ
857
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أﺑﺪؤه ﺑﺬﻟﻚ؟! ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻫﻮ أرﻏﺐ ﻣﻦ أن ﺗﺒﺪأه أﻧﺖ ،وأﻧﺎ أﺣﺘﺎل ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ
أﻧﻚ ﻋﺮﻓﺖ أﻣﺮه ،وأﺗﺖ ﻋﺪﻳٍّﺎ ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ اﻟﺨﱪ وﻗﺎﻟﺖ :ادﻋُ ﻪ ،ﻓﺈذا أﺧﺬ اﻟﴩاب ﻣﻨﻪ ﻓﺎﺧﻄﺐ
إﻟﻴﻪ ﻫﻨﺪًا؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻏري رادﱢك.
ﻗﺎل :أﺧﴙ أن ﻳﻐﻀﺒﻪ ذﻟﻚ؛ ﻓﻴﻜﻮن ﺳﺒﺐ اﻟﻌﺪاوة ﺑﻴﻨﻨﺎ! ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻫﺬا ﺣﺘﻰ
ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﻪ ،ﻓﺼﻨَﻊ ﻋﺪي ﻃﻌﺎﻣً ﺎ واﺣﺘﻔﻞ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ أﺗﻰ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺼﺢ ﺑﺜﻼﺛﺔ
أﻳﺎم ،وذﻟﻚ ﰲ ﻳﻮم اﻻﺛﻨني ،ﻓﺴﺄﻟﻪ أن ﻳﺘﻐﺪﱠى ﻋﻨﺪه ﻫﻮ وأﺻﺤﺎﺑﻪ ،ﻓﻔﻌﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺧﺬ ﻣﻨﻪ
اﻟﴩاب ﺧﻄﺒﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﻌﻤﺎن ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ وزوﱠﺟﻪ ،وﺿﻤﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻌﻪ
ﻓﱰﻫﺒﺖ وﺣﺒﺴﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﺮ املﻌﺮوف ﺑﺪﻳﺮ ﻫﻨﺪ ﰲ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﺤرية ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻪ اﻟﻨﻌﻤﺎن ،ﱠ
ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ.
وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻹﺳﻼم ﺑﺰﻣﺎن ﻃﻮﻳﻞ ﰲ وﻻﻳﺔ املﻐرية ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻓﺔ،
وﺧﻄﺒﻬﺎ املﻐرية وﻗﺪ ﻣ ﱠﺮ ﺑﺪﻳﺮ ﻫﻨﺪ ﻓﻨﺰل ودﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺄذن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺄذﻧﺖ ﻟﻪ،
وﺑﺴﻄﺖ ﻟﻪ ﻣﺴﺤً ﺎ ،ﻓﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻚ؟ ﻗﺎل :ﺟﺌﺘﻚ ﺧﺎﻃﺒًﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ:
َ
أردت واﻟﺼﻠﻴﺐ ﻟﻮ ﻋﻠﻤﺖ أن ﰲ ﱠ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل أو ﺷﺒﺎب ﱠ
رﻏﺒﺘﻚ ﰲ ﱠ ﻷﺟﺒﺘُﻚ ،وﻟﻜﻨﻚ
أن ﺗﻘﻮل ﰲ املﻮاﺳﻢ :ﻣﻠﻜﺖ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ املﻨﺬر ،وﻧﻜﺤﺖ اﺑﻨﺘﻪ؛ ﻓﺒﺤﻖ ﻣﻌﺒﻮدك أﻣﺎ
ﻫﺬا أردت؟! ﻗﺎل :إي وﷲ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻴﻪ ،ﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إذا ﺳﺄﻟﺘﻚ ﻋﻦ أﻣﻮر ﻫﻞ أﻧﺖ
ﻣﺠﻴﺒﺔ ﱄ ﻋﻨﻬﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻧﻌﻢ ،ﻗﻞ ،ﻓﻘﺎل :أﺧﱪﻳﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن أﺑﻮك ﻳﻘﻮل ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ ﻣﻦ
ﺛﻘﻴﻒ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻳﻨﺴﺒﻬﻢ ﻣﻦ إﻳﺎد ،وﻗﺪ اﻓﺘﺨﺮ ﻋﻨﺪه رﺟﻼن ﻣﻦ ﺛﻘﻴﻒ :أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺳﺎﻟﻢ،
واﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻳﺴﺎر ،ﻓﺴﺄﻟﻬﻤﺎ ﻋﻦ أﻧﺴﺎﺑﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﻧﺘﺴﺐ أﺣﺪﻫﻤﺎ إﱃ ﻫﻮازن ،واﻵﺧﺮ إﱃ
ﻟﺤﻲ ﻣﻌﻪ ﻋﲆ إﻳﺎد ﻓﻀﻞ ،ﻓﺨﺮﺟﺎ وأﺑﻲ ﻳﻘﻮل:
إﻳﺎد ،ﻓﻘﺎل أﺑﻲ :ﻣﺎ ﱟ
إن ﺛﻘﻴ ًﻔﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻮازﻧﺎ وﻟﻢ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻋﺎﻣ ًﺮا وﻣﺎزﻧﺎ
إﻻ ﺣﺪﻳﺜ ًﺎ أﺛﺒﺖ اﻟﻤﺤﺎﺳﻨﺎ
ﻓﻘﺎل املﻐرية :أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ،ﻓﻤﻦ ﻫﻮازن وأﺑﻮك أﻋﻠﻢ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :أﺧﱪﻳﻨﻲ أي اﻟﻌﺮب ﻛﺎن
أﺣﺐ إﱃ أﺑﻴﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :أﻃﻮﻋﻬﻢ ﻟﻪ ،ﻗﺎل :وﻣَ ﻦ أوﻟﺌﻚ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﺑﻜﺮ ﺑﻦ واﺋﻞ ،ﻗﺎل :ﻓﺄﻳﻦ ﺑﻨﻮ
ﺗﻤﻴﻢ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ اﺳﺘﻌﺎﻧﻬﻢ ﰲ ﻃﺎﻋﺔ ،ﻗﺎل :ﻓﻘﻴﺲ؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ اﻗﱰﺑﻮا إﻟﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺐ إﻻ
اﺳﺘﻌﻘﺒﻮه ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺮه ،ﻗﺎل :ﻓﻜﻴﻒ أﻃﺎع ﻓﺎرس؟ ﻗﺎﻟﺖ :ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ إﻳﺎه ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻬﻮى.
858
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
ﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ أﺛﺎﺛﺔ ﻣﻦ أﻣﺮاء اﻟﻌﺮب املﺸﻬﻮرﻳﻦ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﻜﺮم ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ
ﻣﻦ ذوات اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ واملﺮوءة واﻟﺤﻜﻢ ،أدﻳﺒﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ ،ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ ،ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ
واﻟﻌﺮوض ،وﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ رﺛﺎءً ﰲ أﺑﻴﻬﺎ ﺣني ُﻗﺘﻞ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت:
859
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ُ
ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺣﺠ َﺮ ﺑﻦ ﻋﺪي ﺑﻦ ﺣﺎﺗﻢ اﻟﻄﺎﺋﻲ أﻗﺎﻣﺖ ﻟﻪ ﻣﺄﺗﻤً ﺎ ،ورﺛﺘﻪ ﺑﻘﺼﺎﺋﺪ وملﺎ ﻗﺘﻞ
ﻃﻮﻳﻠﺔ وأﺷﻌﺎر ﻏﺰﻳﺮة؛ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
وﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ:
860
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
وﺗﻘﻮل ً
أﻳﻀﺎ:
ﺳﻴﻔﺎ ﻣﻦ رﺳﻮل ﷲ ﷺ وﻫﺠﻢ ﻋﲆ املﴩﻛني، ً وﻛﺎن أﺑﻮ دﺟﺎﻧﺔ اﻷﻧﺼﺎري أﺧﺬ
وأﺑﲆ ﺑﻼءً ﺣﺴﻨًﺎ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﱃ ﻫﻨﺪ وﻫﻲ ﺗﺮﺗﺠﺰ وﺧﻠﻔﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﴬﺑﻦ اﻟﺪﻓﻮف ﺧﻠﻒ
اﻟﺮﺟﺎل ،ﻓﺄراد أن ﻳﻌﻠﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﺛﻢ اﻣﺘﻨﻊ ﺧﺸﻴﺔ اﻟﻌﺎر.
وﺷﻘﺖ ﺑﻄﻨﻪ ،واﺳﺘﺨﺮﺟﺖ ﻛﺒﺪه ﻓﻼﻛﺘﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻄﻖ ﱠ ﺛﻢ إﻧﻪ ملﺎ ﻗﺘﻞ ﺣﻤﺰة ﻣﺜﱠﻠﺖ ﺑﻪ
إﺳﺎﻏﺘﻬﺎ ،ﻓﺒﻠﻎ ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ،ﻓﺪﻋﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأﺻﺎﺑﻪ ﺣﺰن ﺷﺪﻳﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ.
وملﺎ ﺑﻮﻳﻊ رﺳﻮل ﷲ ﷺ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﻟﻠﻨﺴﺎء — وﻫﻨﺪ ﻣﻌﻬﻦ» :ﺗﺒﺎﻳﻌﻨﻨﻲ
ﻋﲆ أن ﻻ ﺗﴩﻛﻦ ﺑﺎهلل ﺷﻴﺌًﺎ«.
ﻗﺎﻟﺖ ﻫﻨﺪ :إﻧﻚ وﷲ ﻟﺘﺄﺧﺬ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺄﺧﺬه ﻋﲆ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﺴﻨﺆﺗﻴﻜﻪ ،وﻗﺎل» :وﻻ
ﺗﴪﻗﻦ«.
ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ إﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻷﺻﻴﺐ ﻣﻦ ﻣﺎل أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن اﻟﻬﻨﺔ واﻟﻬﻨﺔ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن
ﻓﺄﻧﺖ ﻣﻨﻪ ﰲ ﺣ ﱟﻞ ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :أﻫﻨﺪ؟« ﻗﺎﻟﺖ: ِ — وﻛﺎن ﺣﺎﴐً ا :أﻣﺎ ﻣﺎ ﻣﴣ
ﻓﺎﻋﻒ ﻋﻤﺎ ﺳ َﻠﻒ ﻋﻔﺎ ﷲ ﻋﻨﻚ ،ﻗﺎل» :وﻻ ﺗﺰﻧني «.ﻗﺎﻟﺖ :وﻫﻞ ﺗﺰﻧﻲ اﻟﺤﺮة؟! ُ أﻧﺎ ﻫﻨﺪ،
ﻗﺎل» :وﻻ ﺗﻘﺘﻠﻦ أوﻻدﻛﻦ «.ﻗﺎﻟﺖ :رﺑﻴﻨﺎﻫﻢ ﺻﻐﺎ ًرا وﻗﺘﻠﺘﻬﻢ ﻳﻮم ﺑﺪر ﻛﺒﺎ ًرا ،ﻓﺄﻧﺖ وﻫﻢ
أﻋﻠﻢ ،ﻓﻀﺤﻚ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ،ﻓﻘﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﷺ» :وﻻ ﺗﺄﺗني ﺑﺒﻬﺘﺎن ﺗﻔﱰﻳﻨﻪ ﺑني أﻳﺪﻳﻜﻦ
861
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وأرﺟﻠﻜﻦ «.ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ إن إﺗﻴﺎن اﻟﺒﻬﺘﺎن ﻟﻘﺒﻴﺢ ،وﻣﺎ ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺮﺷﺪ وﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق،
ﻗﺎل» :وﻻ ﺗﻌﺼﻴﻨﻨﻲ ﰲ ﻣﻌﺮوف «.ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﺟﻠﺴﻨﺎ ﻫﺬا املﺠﻠﺲ وﻧﺤﻦ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﺼﻴﻚ!
ﻓﻘﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻌﻤﺮ» :ﺑﺎﻳﻌﻬﻦ واﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻬﻦ «.ﻓﺒﺎﻳﻌﻬﻦ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻫﻨﺪ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﷺ :إن أﺑﺎ
ﺳﻔﻴﺎن ﻻ ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻬﺎ ووﻟﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل» :ﺧﺬي ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﺑﺎملﻌﺮوف ﻣﺎ
ﻳﻜﻔﻴﻚ ووﻟﺪك «.وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺷﻬﺪت اﻟريﻣﻮك ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ،وﺗﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺳﻨﺔ ﺛﻼث
ﻋﴩة ﻟﻠﻬﺠﺮة.
وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻋﺮة أدﻳﺒﺔ ﻓﺼﻴﺤﺔ ،وﻟﻬﺎ أﺷﻌﺎر ﻛﺜرية؛ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﰲ أﺑﻴﻬﺎ ﻋﺘﺒﺔ ﺣني
ﻗﺘﻞ ﻳﻮم ﺑﺪر:
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻳ ﺄﺑ ﻰ ﻓ ﻤ ﺎ ﻧ ﺄﺗ ﻲ ﺑ ﺸ ﻲء ﻧ ﻐ ﺎﻟ ﺒ ﻪ ﻳ ﺮﻳ ﺐ ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ دﻫ ﺮﻧ ﺎ ﻓ ﻴ ﺴ ﻮءﻧ ﺎ
ﻳﺮاع اﻣﺮؤ إن ﻣﺎت أو ﻣﺎت ﺻﺎﺣﺒﻪ أﺑ ﻌ ﺪ ﻗ ﺘ ﻴ ﻞ ﻣ ﻦ ﻟ ﺆي ﺑ ﻦ ﻏ ﺎﻟ ﺐ
ﺗ ﺮوح وﺗ ﻐ ﺪو ﺑ ﺎﻟ ﺠ ﺰﻳ ﻞ ﻣ ﻮاﻫ ﺒ ﻪ أﻻ رب ﻳ ﻮم ﻗ ﺪ رزﺋ ﺖ ﻣ ﺮزأ
ﻓ ﺈن أﻟ ﻘ ﻪ ﻳ ﻮﻣً ﺎ ﻓ ﺴ ﻮف أﻋ ﺎﺗ ﺒ ﻪ ﻓ ﺄﺑ ﻠ ﻎ أﺑ ﺎ ﺳ ﻔ ﻴ ﺎن ﻋ ﻨ ﻲ ﻣ ﺄﻟ ًﻜ ﺎ
ﻟﻜﻞ اﻣﺮئ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻣﻮﻟﻰ ﻳﻄﺎﻟﺒﻪ ﻓ ﻘ ﺪ ﻛ ﺎن ﺣ ﺮب ﻳ ﺴ ﻌ ﺮ اﻟ ﺤ ﺮب إﻧ ﻪ
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
ﻫ ﻠ ًﻜ ﺎ ﻛ ﻬ ﻠ ﻚ رﺟ ﺎﻟ ﻴ ﻪ ﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﻴ ﻨ ﺎ ﻣ ﻦ رأى
ﻓ ﻲ اﻟ ﻨ ﺎﺋ ﺒ ﺎت وﺑ ﺎﻛ ﻴ ﻪ ﻳ ﺎ ُربﱠ ﺑ ﺎكٍ ﻟ ﻲ ﻏ ﺪا
ـ ﺐ ﻏ ﺪاة ﺗ ﻠ ﻚ اﻟ ﺪاﻋ ﻴ ﻪ وﻛﻢ ﻏﺎدروا ﻳﻮم اﻟﻘﻠﻴـ
862
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ:
863
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ً
ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل :اﻛﺘﻢ ﻣﺎ ﺑﻚ ،واﺧﻄﺒﻬﺎ إﱃ ﺛﻢ ﻋﺎد وﻗﺪ ﺗﻤﻜﻦ اﻟﻬﻮى ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄﺧﱪ
ﻋﺸ َﻘﻬﺎ ﺣُ ﺮﻣﺘﻬﺎ!
أﺷﻬﺮت ْ
َ أﺑﻴﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺰوﺟﻜﻬﺎ ،وإن
ﻓﻔﻌﻞ وﺧﻄﺒﻬﺎ ﻓﺄﺟﻴﺐ وﺗﺰوج ﺑﻬﺎ ،وأﻗﺎﻣﺎ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﺣﺎل ،وأﻧﻌﻢ ﺑﺎل ،ﻻ ﻳﺰداد
ﻓﻴﻬﺎ إﻻ ﻏﺮاﻣً ﺎ ،ﻓﻤﴣ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺛﻤﺎن ﺳﻨني وﻟﻢ ﺗﺤﻤﻞ — وﻛﺎن أﺑﻮه ذا ﺛﺮوة وﻟﻴﺲ ﻟﻪ
ﻏريه — ﻓﺄﻗﺴﻢ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﺰوج ﻏريﻫﺎ ﻟﻴُﻮﻟﺪ ﻟﻪ وﻟﺪ؛ ﻟﺤﻔﻆ اﻟﻨﺴﺐ واملﺎل.
ﻓﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﺑﺖ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻊ أﺧﺮى ،ﻓﻌﺎود أﺑﺎه ،ﻓﺄﻣﺮه ﺑﻄﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﺄﺑﻰ،
اﻟﺴﻜﺮ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻌﺪﱠﻫﺎ ﻓﺮﺻﺔﻓﺄﻟﺢ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺠﺐْ ،إﱃ أن ﺑﻠﻐﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ أن ﻋﺒﺪ ﷲ ﻗﺪ ﺗﻤ ﱠﻜﻦ ﱡ
وأرﺳﻞ إﻟﻴﻪ ﻳﺪﻋﻮه وﻗﺪ ﺟﻠﺲ ﻣﻊ أﻛﺎﺑﺮ اﻟﺤﻲ ،ﻓﻤﻨﻌﺘﻪ ﻫﻨ ٌﺪ وﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻻ ﻳﺪﻋﻮك ﻟﺨري،
وﻣﺎ أﻇﻨﻪ إﻻ ﻋﺮف أﻧﻚ ﺳﻜﺮان ،ﻓريﻳﺪ أن ﻳﻌﺮض ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻄﻼق ،وﻟﱧ ﻓﻌﻠﺖ ﻟﺘﻤﻮﺗﻦ ،وأﻇﻦ
864
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
أﻧﻚ ﻓﺎﻋﻞ! ﻓﺄﺑﻰ ﻋﺒﺪ ﷲ إﻻ اﻟﺨﺮوج ،ﻓﺠﺎذﺑﺘﻪ وﻳﺪﻫﺎ ﻣﺨﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺰﻋﻔﺮان ،ﻓﺄﺛﱠﺮت ﰲ ﺛﻮﺑﻪ،
ﻓﻠﻤﺎ ﺟﻠﺲ ﻣﻊ أﺑﻴﻪ وﻗﺪ ﻋﺮف أﻛﺎﺑﺮ اﻟﻌﺮب ﺣﺎﻟﻪ ،ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﻳﻌﻨﻔﻮﻧﻪ وﻳﺘﻨﺎوﺷﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﻣﻜﺎن ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﻰ ﻓﻄﻠﻘﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﺣﺘﺠﺒﺖ ﻋﻨﻪ ،ﻓﻮﺟﺪ وﺟﺪًا ﻛﺎد أن ﻳﻘﴤ
ﻣﻌﻪ ،وأﻧﺸﺪ:
ﻓ ﻨ ﺪﻣ ﺖ ﺑ ﻌ ﺪ ﻓ ﺮاﻗ ﻬ ﺎ ﻃ ﻠ ﻘ ﺖ ﻫ ﻨ ﺪًا ﻃ ﺎﺋ ﻌً ﺎ
ﻛ ﺎﻟ ﺪر ﻣ ﻦ آﻣ ﺎﻗ ﻬ ﺎ ﻓ ﺎﻟ ﻌ ﻴ ﻦ ﺗ ﺬرف دﻣ ﻌ ﻬ ﺎ
ﻓ ﺘ ﺠ ﻮل ﻓ ﻲ رﻗ ﺮاﻗ ﻬ ﺎ ﻣ ﺘ ﺤ ﻠ ﺒً ﺎ ﻓ ﻮق اﻟ ﺮدا
ﻣﺎ اﻟﻔﺤﺶ ﻣﻦ أﺧﻼﻗﻬﺎ ﺧ ﻮد رداح ﻃ ﻔ ﻠ ﺔ
ﻓ ﺄﺳ ﺮ ﻋ ﻨ ﺪ ﻋ ﻨ ﺎﻗ ﻬ ﺎ وﻟ ﻘ ﺪ أﻟ ﺬ ﺣ ﺪﻳ ﺜ ﻬ ﺎ
ل اﻷدم أو ﺑ ﺤ ﻘ ﺎﻗ ﻬ ﺎ إن ﻛ ﻨ ﺖ ﺳ ﺎﻗ ﻴ ﺔ ﺑ ﺒ ﺰ
ﺷ ﺮﺑ ﻮا ﺧ ﻴ ﺎر زﻗ ﺎﻗ ﻬ ﺎ ﻓ ﺎﺳ ﻘ ﻲ ﺑ ﻨ ﻲ ﻧ ﻬ ﺪ إذا
ـ ﺤ ﻘ ﻬ ﺎ ﻏ ﺪاة ﻟ ﺤ ﺎﻗ ﻬ ﺎ ﻓﺎﻟﺨﻴﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﺗﻠـ
ـ ﻨ ﺎ اﻟ ﻘ ﻮم ﺣ ﺪ رﻗ ﺎﻗ ﻬ ﺎ ﺑ ﺄﺳ ﻨ ﺔ زرق ﺻ ﺒ ﺤ ـ
واﻟ ﺒ ﻴ ﺾ ﻓ ﻲ أﻋ ﻨ ﺎﻗ ﻬ ﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺮى ﻗﺼﺪ اﻟﻘﻨﺎ
ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻌﺖ ﻫﻨﺪ إﱃ أﺑﻴﻬﺎ ﺧﻄﺒﻬﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻧﻤري ﻓﺰوﱠﺟﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺒﻨﻰ ﺑﻬﺎ
ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وأﺧﺮﺟﻬﺎ إﱃ ﺑﻠﺪه ،ﻓﻠﻢ ﻳﺰل ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺠﻼن ً
دﻧﻔﺎ ﺳﻘﻴﻤً ﺎ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮ
وﻳﺒﻜﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ً
أﺳﻔﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ! وﻋﺮﺿﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻨﺎت اﻟﺤﻲ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ.
وﻗﻴﻞ :إن ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺰوﺟﺖ ﻫﻨﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني ﻧﻬﺪ ﻣﻐﺎورات،
ﻓﺠﻤﻌﺖ ﺑﻨﻮ ﻋﺎﻣﺮ ﻟﺒﻨﻲ ﻧﻬﺪ ﺟﻤﻌً ﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻫﻨﺪ ﻟﻐﻼم ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺘﻴﻢ ﻓﻘري ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ:
ﻟﻚ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﻧﺎﻗﺔ ﻓﺘﻨﺬرﻫﻢ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﺑﻨﻮ ﻋﺎﻣﺮ ،ﻓﻘﺎل :أﻓﻌﻞ ،ﻓﺤﻤﻠﺘﻪ ﻋﲆ ﻧﺎﻗﺔ
ﻟﺰوﺟﻬﺎ ﻧﺎﺟﻴﺔ ،وزوﱠدﺗﻪ ﺗﻤ ًﺮا ورﻃﺒًﺎ ﻣﻦ ﻟﺒﻦ ،ﻓﺮﻛﺐ وﺟ ﱠﺪ ﰲ اﻟﺴري ﻓﻔﻨﻲ اﻟﻠﺒﻦ ،ﻓﺄﺗﺎﻫﻢ
واﻟﺤﻲ ﺧﻠﻮف ﻣﻦ ﻏﺰو دﻣرية ،ﻓﻨﺰل ﺑﻬﻢ وﻗﺪ ﻳﺒﺲ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛ ﱠﻠﻤﻮه وﻟﻢ ﻳﻘﺪر أن
ﻳﺠﻴﺒﻬﻢ أوﻣﺄ إﱃ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺧﺮاش ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻠﺒﻦ وﺳﻤﻦ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﴗ وﺳﻘﺎه إﻳﺎه،
ﻓﺎﺑﺘﻞ ﻟﺴﺎﻧﻪ وﺗﻜﻠﻢ وﻗﺎل ﻟﻬﻢ :أﺗﻴﺘﻜﻢ وأﻧﺎ رﺳﻮل ﻫﻨﺪ إﻟﻴﻜﻢ ﺗﻨﺬرﻛﻢ.
865
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺑﻨﻮ ﻧﻬﺪ واﺳﺘﻌﺪوا ،وواﻓﺘﻬﻢ ﺑﻨﻮ ﻋﺎﻣﺮ ،ﻟﺤﻘﻮﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﺨﻴﻞ ،ﻓﺎﻗﺘﺘﻠﻮا ً
ﻗﺘﺎﻻ
ﺷﺪﻳﺪًا ،ﻓﺎﻧﻬﺰﻣﺖ ﺑﻨﻮ ﻋﺎﻣﺮ ،ﻓﻘﺎل ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻋﺠﻼن ﰲ ذﻟﻚ:
866
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
ﺛﻢ ﻣﺪ ﺑﻬﺎ ﺻﻮﺗﻪ ﻓﻤﺎت ،واﻟﻘﻮل اﻷول ﻋﲆ ﻫﺬا أﺻﺢ! وﻟﻪ أﺷﻌﺎر ﻛﺜرية ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻣﻨﻬﺎ
ﻗﻮﻟﻪ:
وﻗﺎل ً
أﻳﻀﺎ:
وﻻ ﺗﺄﻣﻨﺎ ﻣﻦ دار ذي ﻟﻄﻒ ﺑﻌﺪا ﺧﻠﻴﻠﻲ زورا ﻗﺒﻞ ﺷﻂ اﻟﻨﻮى ﻫﻨﺪًا
أﻏﻴٍّﺎ ﻳﻼﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺠﻞ أم رﺷﺪا وﻻ ﺗﻌﺠﻼ ﻟﻢ ﻳﺪر ﺻﺎﺣﺐ ﺣﺎﺟﺔ
وإن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺪ ﻟﻮﺟﻬﻜﻤﺎ ﻗﺼﺪا وﻣ ﱠﺮا ﻋ ﻠ ﻴ ﻬ ﺎ ﺑ ﺎرك اﻟ ﻠ ﻪ ﻓ ﻴ ﻜ ﻤ ﺎ
وﻟ ﻜ ﻨ ﻨ ﺎ ﺟ ﺰﻧ ﺎ ﻟ ﻨ ﻠ ﻘ ﺎﻛ ﻢ ﻋ ﻤ ﺪا وﻗ ﻮﻻ ﻟ ﻬ ﺎ ﻟ ﻴ ﺲ اﻟ ﻀ ﻼل أﺟ ﺎزﻧ ﺎ
867
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
أوﺗﻴﻞ »رﻳﺰاﻧﻘﺎﻟﻴﺪ« ،ﺛﻢ ﻫﺮﺑﺖ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻨﺎك إﱃ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ،وأﻗﺎﻣﺖ ﰲ »إﻳﺴﻨﺎخ« ﻋﻨﺪ ﺧﺎﻟﻬﺎ
»ﻏﺮاﻧﺪوق وﻳﻤﺎر« ،وملﺎ ﺧﺎب أﻣﻠﻬﺎ ﺑﻨﺠﺎح »ﻧﺎﺑﻮﻟﻴﻮن اﻟﺜﺎﻟﺚ« ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻴﺔ اﺑﻨﻬﺎ ﺗﺨﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ؛
أﺧﺬ اﻟﻴﺄس ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺄﺧﺬ ،واﻋْ ﺘ ﱠﻠﺖ ﺻﺤﺘﻬﺎ ،وذﻫﺒﺖ إﱃ إﻧﻜﻠﱰا ﻟﺰﻳﺎرة ﻋﺎﺋﻠﺔ زوﺟﻬﺎ،
وﺗﻮﻓﻴﺖ ﻫﻨﺎك.
868
ﺣﺮف اﻟﻬﺎء
ﺛﻢ دﻋﺎ ﺑﺎﻟﺜﺎﻟﺜﺔ — وﻛﺎﻧﺖ أﺻﻐﺮﻫﻦ ﺳﻨٍّﺎ — ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻗﺎل ﻷﺧﺘﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ:
أﻧﺖ وذﻟﻚ! ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :إﻧﻲ ﻋﺮﺿﺖ ذﻟﻚ ﻋﲆ أﺧﺘﻴﻚ ﻓﺄﺑﻴﺎه — وﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺎﻟﺘﻬﻤﺎ —
ﺧﻠﻘﺎ ،اﻟﺤﺴﻨﺔ رأﻳًﺎ؛ ﻓﺈن ﻃﻠﻘﻨﻲ ﻓﻼ أﺧﻠﻒ ﷲ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :وﷲ أﻧﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ وﺟﻬً ﺎ ،اﻟﺮﻓﻴﻘﺔ ً
ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﺑﺎرك ﷲ ﻓﻴﻚ ،ﺛﻢ ﺧﺮج إﻟﻴﻪ ﻓﻘﺎل :زوﺟﺘﻚ ﻳﺎ ﺣﺎرث ﺑﺎﺑﻨﺘﻲ ﻫﻨﻴﺌﺔ ،ﻓﻘﺎل:
ﻗﺒﻠﺖ ﻧﻜﺎﺣﻬﺎ .وأﻣَ ﺮ أﻣﻬﺎ أن ﺗُﻬﻴﺌﻬﺎ ﻟﻪ ،وﺗُﺼﻠﺢ ﺷﺄﻧﻬﺎ.
ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﺒﻴﺖ ﻓﴬﺑﻪ ﻟﻪ وأﻧﺰﻟﻪ إﻳﺎه ،ﺛﻢ ﺑﻌﺜﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ودﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ:
أﻋﻨﺪ أﺑﻲ وإﺧﻮﺗﻲ؟! ﻫﺬا وﷲ ﻻ ﻳﻜﻮن! ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ﻓﺮﺣﻞ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻖ
ﻗﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺗﻔﻌﻞ ﺑﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻟﺴﺒﻴﺔ اﻷﺧﻴﺬة؟! ﻻ وﷲ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺤﺮ اﻟﺠﺰر
وﺗﻔﺨﺮ ،وﺗﺪﻋﻮ اﻟﻌﺮب ،وﺗﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺜﻠﻚ ملﺜﲇ ،ﻗﺎل :ﺻﺪﻗﺖ وﷲ .إﻧﻲ ﻷرى ﻫﻤﺔ
ً
وﻋﻘﻼ.
ﻓﻠﻤﺎ ورد إﱃ ﺑﻼده أﺣﴬ اﻹﺑﻞ واﻟﻐﻨﻢ ،وﻧﺤﺮ وأوﻟﻢ ،ﺛﻢ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل
ﻟﻬﺎ :ﻗﺪ أﺣﴬت ﻣﻦ املﺎل ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ،ﻗﺎﻟﺖ :وﷲ ﻟﻘﺪ ذﻛﺮت ﻣﻦ اﻟﴩف ﺑﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻚ!
ﺑﻌﻀﺎ؟! وﻛﺎن ذﻟﻚﻗﺎل :وﻟﻢ ذاك؟! ﻗﺎﻟﺖ :أﺗﺴﺘﻔﺮغ ﻟﻨﻜﺎح اﻟﻨﺴﺎء واﻟﻌﺮب ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ً
ﰲ أﻳﺎم ﺣﺮب ﻗﻴﺲ وذﺑﻴﺎن ،ﻗﺎل :ﻓﻤﺎذا ﺗﻘﻮﻟني؟! ﻗﺎﻟﺖ :اﺧ ُﺮج إﱃ اﻟﻘﻮم ﻓﺄﺻﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﻢ،
ﺛﻢ ارﺟﻊ إﱃ أﻫﻠﻚ؛ ﻓﻠﻦ ﻳﻔﻮﺗﻚ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ،ﻓﻘﺎل :وﷲ إﻧﻲ ﻷرى ً
ﻋﻘﻼ ورأﻳًﺎ ﺳﺪﻳﺪًا.
ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻨﺎن :ﻓﺨﺮج إﻟﻴﻨﺎ اﻟﺤﺎرث ،ﻓﻘﺎل :اﺧﺮج ﺑﻨﺎ ،ﺑﻌﺪ أن أﺧﱪﻧﺎ ﺑﻮاﻗﻌﺔ اﻟﺤﺎل،
ﻓﺨﺮﺟﻨﺎ ﺣﺘﻰ أﺗﻴﻨﺎ اﻟﻘﻮم ﻓﻤﺸﻴﻨﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ ،ﻓﺎﺻﻄﻠﺤﻮا ﻋﲆ أن ﻳﺤﺴﺒﻮا اﻟﻘﺘﲆ ،ﺛﻢ
ﺗﺆﺧﺬ اﻟﺪﻳﺔ ،ﻓﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺪﻳﺎت ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﺑﻌري ،ﻓﺎﻧﴫﻓﻨﺎ ﺑﺄﺟﻤﻞ ذﻛﺮ ،ﺛﻢ
دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :أﻣﱠ ﺎ اﻵن ﻓﻨﻌﻢ .ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﻣﻌﻪ ﰲ أﻟﺬ ﻋﻴﺶ وأﻃﻴﺒﻪ ،ووﻟﺪت ﻟﻪ ﺑﻨني
وﺑﻨﺎت .ﻫﻜﺬا ﻓﻠﺘﻜﻦ اﻟﻨﺴﺎء؛ ﻓﻘﺪ أﺻﻠﺤﺖ ﺑني ﻗﺒﻴﻠﺘني ﻋﺠﺰ ﻋﻦ إﺻﻼﺣﻬﻤﺎ ﻓﺤﻮل اﻟﺮﺟﺎل.
ﺑﻨﺖ ﺑﻌﺾ ﻣﻠﻮك »»إﺳﺒﺎرﺗﺎ« .ﻛﺎﻧﺖ أﺷﻬﺮ ﻫﻲ ﻋﲆ ﻣﺎ ذﻛﺮ »أوﻣريوس« ،اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲُ ،
وﻇﺮﻓﺎ ،ﻓﺰوﱠﺟﻬﺎ أﺑﻮﻫﺎ »ﺑﻤﻨﻴﻼس« ،ﻣﻠﻚ »ﻻﻛﻮﻧﻴﺎ« ً ﻧﺴﺎء ﻋﴫﻫﺎ ﺣُ ﺴﻨًﺎ ،وأﻛﺜﺮﻫﻦ رﻗﺔ
و»ﻣﺴﻴﻨﻴﺎ« ،ﻓﺄﺗﻰ إﺳﺒﺎرﺗﺎ ﻋﻘﺐ ذﻟﻚ »ﺑﺎرﻳﺲ ﺑﻦ ﺑﺮﻳﺎم« ،ﻣﻠﻚ »ﺗﺮوادة« — وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ
اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﻓﺄﻛﺮم »ﻣﻨﻴﻼس« وﻓﺎدﺗﻪ ،وأﻧﺰﻟﻪ ﰲ ﺑﻼﻃﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ
»ﺑﺎرﻳﺲ« إﻻ أن اﺳﺘﻬﻮى ﻫﻴﻼﻧﺔ وﻓ ﱠﺮ ﻫﺎرﺑًﺎ ﺑﻬﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﺳ َﻠﺐ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ ﻣﺎل ﺑﻌﻠﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن
869
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ذﻟﻚ ﺳﺒﺐ ﺣﺮب »ﺗﺮوادة« اﻟﺸﻬرية ،اﻟﺘﻲ داﻣﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻋﴩ ﺳﻨني ،واﻧﺘﻬﺖ ﺑﺨﺮاب
»ﺗﺮوادة« وﻗﺘﻞ »ﺑﺎرﻳﺲ«.
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺼﻴﺤﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،ﺛﺒﺘﺔ اﻟﺠﻨﺎن ،ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ وﻋﺮوﺿﻪ ،وﺗﺰوﺟﺖ ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ
ﺳﻤري ﺑﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﺘﻐﻠﺒﻲ ،وﻣﻜﺜﺖ ﻋﻨﺪه ﺣﺘﻰ ُﻗﺘﻞ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﺰوات ،وﻗﺪ ﺷﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ٍ
أﺑﻴﺎت وﻗﺼﺎﺋﺪَ؛ ﻣﻨﻬﺎ: اﻟﺠﻴﻮب ،وﺧﻤﺸﺖ اﻟﺨﺪود ،ورﺛﺘﻪ ﺑﺠﻤﻠﺔ
وﻗﺎﻟﺖ ً
أﻳﻀﺎ ﰲ أﺑﻴﻬﺎ:
870
ﺣﺮف اﻟﻮاو
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﺰﺑﺮﻗﺎن ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻠﻒ ﻟﻴﻘﺘﻠﻨﻪ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻌﺖ اﻟﻌﺮب ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ
ﺻﻠﺤً ﺎ ﻓﺎﺻﻄﻠﺤﺎ ،وﻓﺪى اﺑﻦ ﻣﻴﺔ ﺑﻤﺎل وﺗﺰوج ﻫﺰال ﺑﺨﻠﻴﺪة أﺧﺖ اﻟﺰﺑﺮﻗﺎن واﻧﴫف
اﻷﻣﺮ.
وﻻدة ﺑﻨﺖ املﺴﺘﻜﻔﻲ ﺑﺎهلل ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻟﻨﺎﴏ ﻟﺪﻳﻦ ﷲ اﻷﻣﻮي.
ﻛﺎﻧﺖ واﺣﺪة زﻣﺎﻧﻬﺎ املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﰲ أواﻧﻬﺎ ،ﺣﺴﻨﺔ املﺤﺎورة ،ﻣﺸﻜﻮرة املﺬاﻛﺮة ،ﻣﺸﻬﻮرة
ﺑﺎﻟﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﻌﻔﺎف ،أدﻳﺒﺔ ﺷﺎﻋﺮة ،ﺟﺰﻟﺔ اﻟﻘﻮل ،ﺣﺴﻨﺔ اﻟﺸﻌﺮ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺎﺿﻞ اﻟﺸﻌﺮاء،
ً
ﻃﻮﻳﻼ ،وﻟﻢ ﺗﺘﺰوج ﻗﻂ. وﺗﺠﺎدل اﻷدﺑﺎء ،وﺗﻔﻮق اﻟﱪﻋﺎء ،وﻋﻤﺮت ﻋﻤ ًﺮا
وﻛﺎﻧﺖ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﰲ اﻷدب واﻟﻈﺮف ﺣﻀﻮر ﺷﺎﻫﺪ ،وﺣﺮارة آﺑﺪ ،وﺣﻜﻢ ﻣﻨﻈﺮ وﻣﺨﱪ،
وﺣﻼوة ﻣﻮرد وﻣﺼﺪر ،وﻛﺎن ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ ﻣﻨﺘﺪى ﻷﺣﺮار املﴫ ،وﻓﻨﺎؤﻫﺎ ﻣﻠﻌﺒًﺎ ﻟﺠﻴﺎد
اﻟﻨﻈﻢ واﻟﻨﺜﺮ ،ﻳﻌﺸﻮ أﻫﻞ اﻷدب إﱃ ﺿﻮء ﻏﺮﺗﻬﺎ ،وﻳﺘﻬﺎﻟﻚ أﻓﺮاد اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻜﺘﺎب ﻋﲆ
ﺣﻼوة ﻋﴩﺗﻬﺎ ،وﻋﲆ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﺣﺠﺎﺑﻬﺎ ،وﻛﺜﺮة ﻣﻨﺘﺎﺑﻬﺎ ،ﺗﺨﻠﻂ ذﻟﻚ ﺑﻌﻠﻮ ﻧﺼﺎب ،وﻛﺮم
أﻧﺴﺎب ،وﻃﻬﺎرة أﺛﻮاب ،ﻋﲆ أﻧﻬﺎ أوﺟﺪت ﻟﻠﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺑﻘﻠﺔ ﻣﺒﺎﻻﺗﻬﺎ ،وﻣﺠﺎﻫﺮﺗﻬﺎ
ﺑﻠﺬاﺗﻬﺎ.
وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﺮب ﻛﻌُ َﻠﻴﱠﺔ اﺑﻨﺔ املﻬﺪي اﻟﻌﺒﺎﳼ ﺑﺎﻟﴩق ،إﻻ أن وﻻدة ﺗﺰﻳﺪ ﺑﻤﺰﻳﺪ
اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻔﺎﺋﻖ ،وأﻣﺎ اﻷدب واﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﻮادر وﺧﻔﺔ اﻟﺮوح ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﴫ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻛﺎن
ﻟﻬﺎ ﺻﻨﻌﺔ ﰲ اﻟﻐﻨﺎء ،وﻟﻬﺎ ﻧﻮادر ﻛﺜرية ﻣﻊ اﻷدﺑﺎء واﻟﺸﻌﺮاء.
وﻣﻦ أﺧﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻊ أﺑﻲ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ زﻳﺪون — ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻔﺘﺢ ﺑﻦ ﺧﺎﻗﺎن ﰲ »اﻟﻘﻼﺋﺪ« —
أن اﺑﻦ زﻳﺪون ﻛﺎن ﻳﻜﻠﻒ ﺑﻮﻻدة وﻳﻬﻴﻢ ،وﻳﺴﺘﴤء ﺑﻨﻮر ﻣﺤﻴﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﻠﻴﻞ اﻟﺒﻬﻴﻢ! وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻦ اﻷدب واﻟﻈﺮف وﺗﺘﻤﻴﻢ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺮف ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺨﺘﻠﺲ اﻟﻘﻠﻮب واﻷﻟﺒﺎب ،وﺗﻌﻴﺪ اﻟﺸﻴﺐ
إﱃ أﺧﻼق اﻟﺸﺒﺎب.
872
ﺣﺮف اﻟﻮاو
ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻞ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﴬب ،واﻧﺤﻠﺖ ﻋﻘﺪة ﺻﱪه ﺑﻴﺪ اﻟﻜﺮب؛ ﻓﺮ إﱃ اﻟﺰﻫﺮاء؛ ﻟﻴﺘﻮارى
ﰲ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ،وﻳﺘﺴﲆ ﺑﺮؤﻳﺔ ﻣﻮاﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻮاﻓﺎﻫﺎ واﻟﺮﺑﻴﻊ ﻗﺪ ﺧﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺮده ،وﻧﴩ ﺳﻮﺳﻨﻪ
وورده ،وأﺗﺮع ﺟﺪاوﻟﻬﺎ ،وأﻧﻄﻖ ﺑﻼﺑﻠﻬﺎ ،ﻓﺎرﺗﺎح ارﺗﻴﺎح ﺣﻤﻴﺪ ﻟﻮادي اﻟﻘﺮى ،وزاح ﻣﻦ
ﱠ
وﺣﻦ ،وﺧﺎف ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﺋﺐ واملﺤﻦ، روﺿﺘﻬﺎ ﻳﺎﻧﻊ ورﻳﺢ ﻃﻴﺒﺔ اﻟﺜﺮى ،ﻓﺘﺸﻮق إﱃ ﻟﻘﺎء وﻻدة
ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺼﻒ ﻓﺮط ﻗﻠﻘﻪ ،وﺿﻴﻖ أﻣﺪه وﻃﻠﻘﻪ ،وﻳﻌﻠﻤﻬﺎ أﻧﻪ ﻣﺎ ﺳﻼ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺨﻤﺮ ،وﻻ
ﺧﺒﺎ ﻣﺎ ﰲ ﺿﻠﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﻠﺘﻬﺐ اﻟﺠﻤﺮ ،وﻳﻌﺎﺗﺒﻬﺎ ﻋﲆ إﻏﻔﺎل ﺗﻌﻬﺪه ،وﻳﺼﻒ ﺣﺴﻦ ﻣﺤﴬه
ﺑﻬﺎ وﻣﺸﻬﺪه:
وﻛﺎﻧﺖ وﻻدة ﻣﻌﺠﺒﺔ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻣﻔﺘﺨﺮة ﻋﲆ ﺑﻨﺎت ﺟﻨﺴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻣﻦ زﻳﺎدة إﻋﺠﺎﺑﻬﺎ
ﻛﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻋﲆ اﻟﻄﺮاز اﻷﻳﻤﻦ ﻣﻦ ﻋﺼﺎﺑﺘﻬﺎ:
873
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﺪة ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﺑﻦ زﻳﺪون ،ﻓﻬﺎج ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻮق واﻟﻐﺮام ،وﺗﻀﺎﻋﻒ
ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﻮﺟﺪ واﻟﻬﻴﺎم ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪﻣﺎ د ﱠﻟﺖ ﻋﻠﻴﻪ إدﻻﻟﻬﺎ ،وﺗﴪﺑﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻨﻊ أﻋﻈﻢ ﴎﺑﺎﻟﻬﺎ،
ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ رﻗﻌﺘﻬﺎ إﱃ اﺑﻦ زﻳﺪون أﻋﻠﻤﻬﺎ أﻧﻪ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎر ،وﰲ ﻓﺆاده ﻳﺘﺄﺟﺞ
ً
ﻣﺠﻠﺴﺎ ﻧﴬً ا أوﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻷزﻫﺎر ﻟﻬﻴﺐ ﻧﺎر ،وﻻ ﻳﻄﻔﺌﻬﺎ إﻻ اﻟﻠﻘﺎء ،وأﻋﺪ ﻟﻬﺎ
واﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ،وﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺎﻛﻬﺔ زوﺟني ،وملﺎ آن اﻟﻮﻗﺖ املﻌني ﻟﻠﺤﻀﻮر ،أﻗﺒﻠﺖ ﺗﺮﻓﻞ ﺑﺎﻟﺪﻣﻘﺲ
وﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺮ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻮر اﻟﻌني ،ﻓﺘﻘﺎﺑﻼ وﺗﺼﺎﻓﺤﺎ ،ودار ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ اﻟﻌﺘﺎب ،وﻗﻀﻴﺎ
ﻣﺠﻠﺴﻬﻤﺎ ﻳﺘﻌﺎﻃﻴﺎن أﻛﺆس اﻵداب ،إﱃ أن آن أوان اﻻﻧﴫاف ﻣﺎﻟﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻮدﻋﺔ ﺑﺎﻧﻌﻄﺎف:
ﻟﺪواع ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﱠ
أﺧﺮت ٍ واﻧﴫﻓﺖ ﻋﲆ أﻣﻞ اﻟﻠﻘﺎء ،وﻣﻜﺜﺖ زﻣﺎﻧًﺎ ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻬﻤﺎ
اﺑﻦ زﻳﺪون ﻋﻦ اﻟﺘﻤ ﱡﻜﻦ ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻪ ،ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ:
874
ﺣﺮف اﻟﻮاو
وﻛﺘﺒﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ :وﻛﻨﺖ رﺑﻤﺎ ﺣﺜﺜﺘﻨﻲ ﻋﲆ أن أﻧﺒﻬﻚ ﻋﲆ ﻣﺎ أﺟﺪ
ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻧﻘﺪًا ،وإﻧﻲ اﻧﺘﻘﺪت ﻋﻠﻴﻚ ﻗﻮﻟﻚ:
أرﺿﺎ ﻗﺪ ﻏﺪت ﻟﻚ ﻣﻨ ً
ﺰﻻ ﺳﻘﻰ اﻟﻠﻪ ً
إذ ﻫﻮ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻋﲆ املﺤﺒﻮب ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻪ ،وأﻣﺎ املﺴﺘﺤﺴﻦ ﻓﻘﻮل اﻵﺧﺮ:
ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ ﻣﺘﺸﻜ ًﺮا ﻟﻬﺎ ﻋﲆ اﻧﺘﻘﺎدﻫﺎ ،وﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺑﻬﺬا اﻻﻧﺘﻘﺎد ،وﰲ آﺧﺮ رﻗﻌﺘﻪ
ﻗﺎل:
ﻣﺤﻴﺎك ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻨﻮى اﻟﻤﺘﻔﺮق ﻟﺤﻰ اﻟﻠﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﺴﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﻤﻠﺘ ٍﻖ
وأي ﺳ ﺮور ﻟ ﻠ ﻜ ﺌ ﻴ ﺐ اﻟ ﻤ ﺆرق؟ وﻛﻴﻒ ﻳﻄﻴﺐ اﻟﻌﻴﺶ دون ﻣﺴﺮة
وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﺳﻮداء ﺑﺪﻳﻌﺔ املﻌﻨﻰ ،ﻓﻈﻬﺮ ﻟﻮﻻدة أن اﺑﻦ زﻳﺪون ﻣﺎل إﻟﻴﻬﺎ،
ﻓﻜﺘﺒﺖ إﻟﻴﻪ:
875
اﻟﺪر املﻨﺜﻮر ﰲ ﻃﺒﻘﺎت رﺑﺎت اﻟﺨﺪور
ﱠ
ﻳﺘﻨﺼﻞ وﻳﺴﺘﺴﻤﺤﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺎﻣﺤﻪ! واﺳﺘﺤﻜﻤﺖ ﻓﺨﺠﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وأرﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ
اﻟﻨﻔﺮة ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﱠ
ﻟﻘﺒﺘﻪ ﺑﺎملﺴﺪس ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺮة:
وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ ً
أﻳﻀﺎ:
وﻛﺎن اﺑﻦ ﻋﺒﺪوس اﻟﻮزﻳﺮ ﻳﻬﻮاﻫﺎ وﻫﻲ ﺗﺄﺑﻰ ﻣﺴﺎﻣﺮﺗﻪ ،وداﺋﻤً ﺎ ﺗﺘﻬﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻣﻦ
ﺗﻬﻜﻤﺎﺗﻬﺎ ﻣﺮت ﻳﻮﻣً ﺎ ﺑﻪ وﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ أﻣﺎم داره وﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﺑﺮﻛﺔ ﺗﺘﻮﻟﺪ ﻋﻦ ﻛﺜﺮة اﻷﻣﻄﺎر،
ورﺑﻤﺎ اﺗﺤﺪت ﺑﴚء ﻣﻦ اﻷﻗﺬار ،وﻗﺪ ﻧﴩ أﺑﻮ ﻋﺎﻣﺮ اﻟﻮزﻳﺮ ﻛﻤﱠ ﻴﻪ ،وﻧﻈﺮ ﰲ ﻋﻄﻔﻴﻪ ،وﺣﺸﺪ
أﻋﻮاﻧﻪ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ:
ﺣﺮﻓﺎ وﻻ ﻳﺮد ً
ﻃﺮﻓﺎ. ﻓﱰﻛﺘﻪ ﻻ ﻳﺤري ً
وﺑﺴﺒﺐ ﺗﻌ ﱡﻠﻖ اﺑﻦ ﻋﺒﺪوس ﺑﻮﻻدة أرﺳﻞ اﺑﻦ زﻳﺪون إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ املﺸﻬﻮرة — اﻟﺘﻲ
ﴍﺣﻬﺎ ﻏري واﺣﺪ ﻣﻦ أدﺑﺎء اﻟﴩق؛ ﻛﺎﻟﺠﻤﺎل ﺑﻦ ﻧﺒﺎﺗﺔ واﻟﺼﻔﺪي وﻏريﻫﻤﺎ — وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﺘﻠﻤﻴﺤﺎت واﻟﺘﺤﺬﻳﺮات ﻣﺎ ﻻ ﻣﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وأرﺳﻞ اﺑﻦ زﻳﺪون ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺪوس ً
أﻳﻀﺎ رﺳﺎﻟﺔ
ﻻﺷﱰاﻛﻪ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻫﻮاﻫﺎ ﻳﻘﻮل ﰲ آﺧﺮﻫﺎ:
وﻧ ﺒ ﻬ ﺘ ﻪ إذ ﻫ ﺪا ﻓ ﺎﻏ ﺘ ﻤ ﺾ أﺛ ﺮت ﻫ ﺰﺑ ﺮ اﻟ ﺜ ﺮى إذ رﺑ ﺾ
إﻟ ﻴ ﻪ ﻳ ﺪ اﻟ ﺒ ﻐ ﻲ ﻟ ﻤ ﺎ اﻧ ﻘ ﺒ ﺾ وﻣ ﺎ زﻟ ﺖ ﺗ ﺒ ﺴ ﻂ ﻣ ﺴ ﺘ ﺮﺳ ًﻼ
ش ﻟ ﻴ ﺲ ﺑ ﻤ ﺎﻧ ﻌ ﻪ أن ﻳ ﻌ ﺾ وإن ﺳ ﻜ ﻮن اﻟ ﺸ ﺠ ﺎع اﻟ ﻨ ﻬ ﻮ
ﺗ ﻌ ﺎرض ﺟ ﻮﻫ ﺮه ﺑ ﺎﻟ ﻌ ﺮض ﻋ ﻤ ﺪت ﻟ ﺸ ﻌ ﺮي وﻟ ﻢ ﺗ ﺘ ﺌ ﺪ
ـﺾ أم ﻗﺪ ﻋﻔﺎ رﺳﻤﻪ ﻓﺎﻧﻘﺮض أﺿ ﺎﻗ ﺖ أﺳ ﺎﻟ ﻴ ﺐ ﻫ ﺬا اﻟ ﻘ ﺮﻳ ـ
876
ﺣﺮف اﻟﻮاو
وﻣﻨﻬﺎ:
ﺷ ً
ﻮﻗ ﺎ إﻟ ﻴ ﻜ ﻢ وﻻ ﺟ ﱠﻔ ﺖ ﻣ ﺂﻗ ﻴ ﻨ ﺎ ِﺑﻨ ْﺘُﻢ و ِﺑﻨ ﱠﺎ ﻓﻤﺎ اﺑﺘ ﱠﻠﺖ ﺟﻮاﻧﺠﻨﺎ
ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻷﺳﻰ ﻟﻮﻻ ﺗﺄﺳﻴﻨﺎ ﺗﻜﺎد ﺣﻴ َﻦ ﺗُﻨﺎﺟﻴﻜﻢ ﺿﻤﺎﺋ ُﺮﻧﺎ
وأﺧﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻊ اﺑﻦ زﻳﺪون ﻛﺜرية .وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﺪاﻋﺒﺎت ﻣﻊ اﻷدﺑﺎء ،وﻣﻨﻬﻢ اﻷﺻﺒﺤﻲ
املﺸﻬﻮر ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺗﻬﺠﻮه ﻳﻮﻣً ﺎ:
وﺣﻜﺎﻳﺔ ﺑﻮران ﻣﻔﺼﻠﺔ ﺑﱰﺟﻤﺘﻬﺎ .وﻟﻮﻻدة ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻏري ﻣﺎ ذُﻛﺮ ﰲ ﺟﻤﻠﺔ ﻛﺘﺐ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ
— ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻟﻌﺰة وﺟﻮدﻫﺎ — وﻣﺎﺗﺖ ﻟﻠﻴﻠﺘني ﺧﻠﺘﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎﻧني،
وﻗﻴﻞ :أرﺑﻌﺔ وﺛﻤﺎﻧني وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ .رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ.
877
ﺣﺮف اﻟﻼم أﻟﻒ
ﻳﻌﻠﻢ أن اﻟﺴﻌﻲ ﰲ ذﻟﻚ ﻳﺬﻫﺐ ﺳﺪى ،وﻟﻜﻨﻪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺗﺴﻌﻰ؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺎل ﰲ ﻧﻔﺴﻪ :ﻟﻮ ﺗﺮﻛﺘﻨﻲ
إﱃ اﻟﺘﻘﺎدﻳﺮ ﺑﺪون أن ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ املﻤﻜﻨﺔ ﻟﻨﺠﺎﺗﻲ ملﺎ وﺟﺪت إﱃ اﻟﺼﱪ ﻋﻨﻲ
ﺳﺒﻴﻼ ،ﻓﺎﻧﺘﺠﻌﺖ ﻛﻞ روض ،وأﻟﻘﺖ دﻟﻮﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﺣﻮض ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﺎدت ُ
»ﺑﺨﻔﻲ ﺣُ ﻨني«؛ ً
ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻣﺮدٍّا ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺸﺪد ﻋﺰاﺋﻢ زوﺟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻳﻘﻮل:
ﺛﻢ ودﻋﺘﻪ اﻟﻮداع اﻷﺧري ﻓﻮدﱠﻋﻬﺎ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل :إﻧﻨﻲ أودع اﻟﺤﻴﺎة ﻃﻴﺐ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻗﺮﻳﺮ
اﻟﻌني؛ ﻷﻧﻨﻲ ﺗﺮﻛﺖ وراﺋﻲ أوﻻدًا ﻻ ﻳﻔﻘﺪون ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﻔﻘﺪي ،وزوﺟﺔ ﻋﻔﻴﻔﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ
اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻷن ﺗﺪﺑﺮ أﻣﻮرﻫﺎ وأﻣﻮر أوﻻدﻫﺎ ﻋﲆ أﺗﻢ املﺮاد ،وﻗﺪ وﻋﺘﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻘﻴﻨﻲ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ
أﺟﻞ أوﻻدﻫﺎ ،وﻫﺬا ﺣﺴﺒﻲ .وملﺎ ُﻗﴤ ﻋﻠﻴﻪ أرﺳﻞ املﻠﻚ ﻳﺨﱪﻫﺎ أﻧﻪ ﻏري ﻗﺎﺻﺪ أن ﻳﻨﺘﻔﻊ
ﺑﻤﻮت زوﺟﻬﺎ ،ﻓﻴُﺒﻘﻰ ﻟﻬﺎ وﻷوﻻدﻫﺎ ﻛﻞ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﺮأت أن ﺣﺒﱠﻬﺎ ﻷوﻻدﻫﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﱃ ﺷﻜﺮه
وﻟﻮ ﻣُﻜﺮﻫﺔ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﺗﺸﻜﺮه ﺑﻪ — وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻓﺮﻳﺪات ﻋﴫﻫﺎ ﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
واﻹﻧﺸﺎء.
ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﺑﺄوﻻدﻫﺎ إﱃ اﻟﺮﻳﻒ ،وأﻃﻠﻘﺖ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﻠﺰﻓﺮات واﻟﻌﱪات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ
ﺣﺠﺒﺘﻬﺎ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺷﻤﺎﺗﺔ اﻷﻋﺪاء ،وﻛﺘﺒﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤني إﱃ أﺣﺪ اﻟﻘﺴﻮس اﻟﻔﻀﻼء ﺗﻘﻮل ﻟﻪ:
ﺻﺒﻦ ﺑﻤﺎ أ ُ ُ
ﺻﺒﺖ، أﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﻨﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ؛ ﻓﻼ ﺗﻠﻤﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﺤﺰن وﻟﻮ أﻓﺮط .ﻧﻌﻢ؛ إن ﻛﺜريات أ ُ َ
وﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻓﻘﻴﺪﻫﻦ ﻣﻦ ﻓﻘﻴﺪي ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺠﺪد ﺣﺰﻧﻬﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺠﺪد ﺣﺰﻧﻲ؟! وﻛﺘﺒﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ
ﺗﻘﻮل :اﻟﻠﻬﻢ أرﻧﻲ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻋﻨﺎﻳﺘﻚ ﻓﻴﻤﺎ اﺑﺘﻠﻴﺘﻨﻲ ﺑﻪ؛ ﻟﻜﻲ ﻻ أﺳﻘﻂ ﺗﺤﺖ ﻗﺘﻞ ﻛﺂﺑﺘﻲ .إﻧﻲ
أﺳﺘﺤﻖ ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺎص ،وﻻ أﺷﻜﻮ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺰﻳﻦ ،وﻗﺪ ﻋ ﱠﺰت اﻟﺴﻠﻮى؛ ﻷن رﻓﻴﻖ
اﻟﺤﻴﺎة وﻗﺴﻴﻢ أﻓﺮاﺣﻲ وأﺣﺰاﻧﻲ ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻲ .أوﱠاه! إن ﻧﻔﴘ ﺗﺘﻮق إﱃ ﻣﺴﺎﻣﺮﺗﻪ وﻣﺴﺎﻛﻨﺘﻪ
ﺛﻘﻴﻼ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﱪ ﻋﲆ ﻣﻀﺾ اﻷﻳﺎم، ً ً
ﺣﻤﻼ وﻣﻮاﻛﻠﺘﻪ ،ﻗﺪ ﺻﺎرت اﻟﺤﻴﺎة ﻋﲇ
واﻟﱰﻓﻊ ﻓﻮق أﻓﺮاح اﻟﺪﻫﺮ وأﺣﺰاﻧﻪ.
ﺛﻢ داﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺻﺎر ا ُملﻠﻚ إﱃ ا َملﻠﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺰﺑﻪ ،ﻓﻐﻤَ ﺮ ﺣﻤﺎﻫﺎ
ً
ﻃﻮﻳﻼ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮﻳﻀﺎ ﻟﻬﻤﺎ ﻋﻤﺎ ﻓﻘﺪاه ﺑﻔﻘﺪ زوﺟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ اﺑﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺶً واﺑﻨﻬﺎ ﺑﺎﻷﻧﻌﺎم؛
ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺬا اﻹﻧﻌﺎم؛ ﻷن اﻟﺠﺪري واﻓﺎه وﻫﻮ ﰲ اﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﻗﺼﻒ ﻏﺼﻦ ﺷﺒﺎﺑﻪ،
وﻋﺎﺷﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻨني ﻛﺜرية ،وﻣﺎﺗﺖ ﻋﻦ ﺳﺒﻊ وﺛﻤﺎﻧني ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ.
880
ﺣﺮف اﻟﻼم أﻟﻒ
ُ
وﻫﻤﺔ اﻟﺮﺟﺎل ُﻫﻦ وﻓﻄﻨﺘُ ﱠ
ﻬﻦ، ُ
ﻟﻄﻒ اﻟﻨﺴﺎءِ وﺻﱪ ﱠ ِ
اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ وﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ ﰲ ﻫﺬه املﺮأ ِة
وﺣﻜﻤﺘﻬﻢ وإﻗﺪاﻣﻬﻢ ،وﻋﺎﺷﺖ وﻣﺎﺗﺖ ﻃﺎﻫﺮة اﻟﺴرية واﻟﴪﻳﺮة .وﻟﻬﺎ رﺳﺎﺋﻞ ﻛﺜرية ﺗﺤﻠﻬﺎ
ٍّ
ﻣﺤﻼ رﻓﻴﻌً ﺎ ﺑني ﻣﺸﺎﻫري اﻟﻜﺘﺒﺔ .اﻧﺘﻬﻰ.
881