Professional Documents
Culture Documents
ﺗﺄﻟﻴﻒ
ﺟﱪان ﺧﻠﻴﻞ ﺟﱪان
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺟﱪان ﺧﻠﻴﻞ ﺟﱪان
ﱠ
إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره ،وإﻧﻤﺎ ﱢ
ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ.
ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﴩ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ُﻣ َﺮ ﱠﺧﺼﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ رﺧﺼﺔ
املﺸﺎع اﻹﺑﺪاﻋﻲ :ﻧ َ ْﺴﺐُ ا ُملﺼﻨﱠﻒ ،اﻹﺻﺪار .٤٫٠ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﴩ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻨﺺ اﻟﻌﻤﻞ
اﻷﺻﲇ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
9 إﻫﺪاء
11 َ
ﻣﻘﺪّﻣـﺔ
13 دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
15 ﺣﻴﺎة اﻟﺤﺐ
17 ﺣﻜﺎﻳﺔ
21 ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﻣﻮات
23 ﻣﻮت اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ
25 ﺑﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮ
27 اﻟﻨﻔﺲ
29 اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ودﻣﻌﺔ
31 رؤﻳﺎ
33 اﻟﺠﻤﺎل
35 اﻟﺤﺮوف اﻟﻨﺎرﻳﺔ
37 ﺑني اﻟﺨﺮاﺋﺐ
39 رؤﻳﺎ
43 اﻷﻣﺲ واﻟﻴﻮم
47 رﺣﻤﺎك ﻳﺎ ﻧﻔﺲ رﺣﻤﺎك
49 اﻷرﻣﻠﺔ واﺑﻨُﻬﺎ
51 اﻟﺪﻫﺮ واﻷﻣﺔ
53 أﻣﺎم ﻋﺮش اﻟﺠﻤﺎل
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
6
املﺤﺘﻮﻳﺎت
7
إﻫﺪاء
إﱃ M.E.H.
أﻗﺪم ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،وﻫﻮ أول ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،إﱃ اﻟﺮوح اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﺤﺐ اﻟﻨﺴﻤﺎت وﺗﺴري ﻣﻊ اﻟﻌﻮاﺻﻒ.
ﺟﱪان
َ
ﻣﻘ ّﺪﻣـﺔ
ﺑﻘﻠﻢ ﻧﺴﻴﺐ ﻋﺮﻳﻀﺔ
ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ ﺟﱪان ﺧﻠﻴﻞ ﺟﱪان ﰲ اﻷﻋﻮام اﻟﻌﴩة اﻷﺧرية ﻣﻦ رﺑﻴﻊ اﻟﺤﻴﺎة إﱃ ﺻﻴﻔﻬﺎ ،ﻓﻨﻤﺖ
أﻣﻴﺎﻟﻪ وﻧﻀﺠﺖ أﻓﻜﺎره ،وﺗﺪ ﱠرﺟﺖ روﺣﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺮي إﱃ ﻋﺎﻟﻢ أﺳﻤﻰ وأوﺳﻊ
ﻳﺘﻌﺎﻧﻖ ﻓﻴﻪ اﻟﺨﻴﺎل املﻄﻠﻖ واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ املﺠﺮدة ،وﺗﻠﺘﻘﻲ ﰲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻪ أﺷﺒﺎح اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ
ﺑﺠﺒﺎﺑﺮة املﺒﺎدئ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
ﺟﱪان اﻟﻴﻮم ﻟﻴﺲ ﺑﺠﱪان اﻷﻣﺲ ،ﻓﺎﻟﺸﺒﺎب اﻟﺤﺴﺎس اﻟﺬي ﻛﺘﺐ »دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ«
ﺑﻘﻠﻢ ﻣُﺤَ ﱠ ٍﱪ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ﻗﺪ ﺗﺤﻮﱠل إﱃ رﺟﻞ ﻗﻮي ﻳﻜﺘﺐ ﺑﺮءوس اﻟﺤﺮاب املﻐﻤﻮﺳﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء،
واﻟﻔﺮق ﺑني ﻣﻘﺎﻟﺔ »ﺟﻤﺎل املﻮت« وﺣﻜﺎﻳﺔ »ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺒﻮر« ﻫﻮ اﻟﻔﺮق ﺑني ﺟﱪان اﻷﻣﺲ
وﺟﱪان اﻟﻴﻮم ،ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﻌﺶ ﻟﻬﺒﻮب ﻧﺴﻴﻤﺎت اﻟﺴﺤﺮ ﻗﺪ ﺗﺸﺪﱠدت
اﻟﻴﻮم ﺑﺎﻟﻌﺰم ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻬﺘﺰ إﻻ ﻟﻠﻌﻮاﺻﻒ ،ﻓﺎﻟﻌﻮاﺻﻒ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﴐ ﺟﱪان ﺑﻤﻘﺎم اﻟﻨﺴﻴﻢ
ﻣﻦ ﻣﺎﺿﻴﻪ.
وﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺗَﻤَ ﻌﱠ ﻨﱠﺎ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﺑﻤﺠﻤﻮع ﻛﺘﺎﺑﺎت ﺟﱪان وﺗﺂﻟﻴﻔﻪ ،وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷدﺑﻴﺔ
ٍّ
ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أول ﻧﻐﻤﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ً
ﻣﻘﺎﻻ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أن »ﻟﺪﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ«
ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻟﻔﺖ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﱰاﻛﻴﺐ ودﻗﺔ اﻟﺒﻴﺎن ﻛﻞ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻣﻦ
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت؛ ﻷﻧﻬﺎ أﺗﺖ ﻛﺘﻮﻃﺌﺔ ﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ وﻳﺘﺄﺛﺮ ﻟﻬﺎ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﰲ ﻣﺪرﺳﺘﻪ
واملﺘﺄدب ﰲ ﻣﻜﺘﺒﺘﻪ واﻟﺼﺤﺎﰲ ﰲ إدارﺗﻪ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮت »دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ« ﻛﺎن اﻟﻜﺘﱠﺎب واﻟﺸﻌﺮاء ﰲ ﻣﴫ وﺳﻮرﻳﺎ واملﻬﺠﺮ
ﻳﻤﻸون اﻟﺼﺤﻒ واملﺠﻼت ﺑﻤﻘﺎﻻت ورﺳﺎﺋﻞ وﻗﺼﺎﺋﺪ ﻋﻘﻴﻤﺔ ﺑﻠﻴﺪة ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮر
ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻘﻠﺐ ،وﻛﺎن أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻳﺤﺴﺒﻮن ﻛﻞ ﻣﻦ وزن اﻟﻜﻼم ﺷﺎﻋ ًﺮا وﻛﻞ ﻣﻦ رﺗﱠﺐ
اﻟﻔﻘﺮات ﻛﺎﺗﺒًﺎ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ اﺑﺘﺪأ ﺟﱪان ﺑﻨﴩ »دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ« ﱠ
ﻏري اﻟﻨﺎس أﻓﻜﺎرﻫﻢ وﻋﻠﻤﻮا
ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﱄ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﴬب ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻪ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ﻋﲆ أوﺗﺎر ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ،
وﻳﻌﻴﺪ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻌﻬﻢ ﰲ اﻟﻴﻘﻈﺔ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻌﻪ أرواﺣﻬﻢ ﰲ املﻨﺎم ،وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤني اﺑﺘﺪأ ﻓﺘﻴﺎن
اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺸﻌﺮاء ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ »دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ« واﻟﻨﺴﺞ ﻋﲆ ﻣﻨﻮاﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻤﺮ ﻋﺎﻣﺎن أو ﺛﻼﺛﺔ
ﻋﲆ ﻇﻬﻮرﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻟﺠﱪان ﺗﻼﻣﻴﺬ وأﺗﺒﺎع ﻣﻨﺘﴩون ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻃﻠﺒﻨﺎ إﱃ ﺟﱪان ﺟﻤﻊ »دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ« وﻧﴩﻫﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب ،أﺟﺎﺑﻨﺎ ﺑﺒﻴﺖ ﻣﻦ
أﺣﺪ ﻣﻮﺷﺤﺎﺗﻪ ً
ﻗﺎﺋﻼ:
ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻪ »ذاك ﻋﻬﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻗﺪ ﻣﴣ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺰل ﺣﺎﴐً ا ﰲ ﺣﻴﺎة ﻣﺤﺒﻴﻚ
وﻣﺮﻳﺪﻳﻚ«.
ﱠ
ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﺎ »إن اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﻗﺪ ﺗﺮﻧﻢ ﺑﺄﻏﻨﻴﺔ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻤﻮت«.
ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻪ» :وﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺤﻔﻆ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﻨﻴﺔ ﻛﻲ ﻻ ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﺎ أﻳﺪي اﻟﻀﻴﺎع«.
ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﺎ »اﻓﻌﻠﻮا ﻣﺎ ﺷﺌﺘﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻨﺴﻮا أن روح ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب ﻗﺪ ﺗﻘﻤﺼﺖ ﰲ ﺟﺴﺪ
رﺟﻞ ﻳﺤﺐ اﻟﻌﺰم واﻟﻘﻮة ﻣَ ﺤَ ﺒﱠﺘَ ُﻪ ﻟﻠﻈﺮف واﻟﺠﻤﺎل ،وﻳﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﻬﺪم ﻣﻴﻠﻪ إﱃ اﻟﺒﻨﺎء ،ﻓﻬﻮ
ﺻﺪﻳﻖ اﻟﻨﺎس وﻋﺪوﻫﻢ ﰲ وﻗﺖ واﺣﺪ«.
ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻪ »ﺳﻮف ﻻ ﻧﻨﴗ وإن ﺣﺎوﻟﻨﺎ اﻟﺘﻨﺎﳼ ﻓﻔﻲ »ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺒﻮر« ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻬﻨﺎ
وﻳﺬﻛﺮﻧﺎ«.
12
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺗﻮﻃﺌﺔ
أﻧﺎ ﻻ أﺑﺪﱢل أﺣﺰان ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺄﻓﺮاح اﻟﻨﺎس ،وﻻ أرﴇ أن ﺗﻨﻘﻠﺐ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺪرﻫﺎ
اﻟﻜﺂﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﻮارﺣﻲ وﺗﺼري ﺿﺤ ًﻜﺎ ،أﺗﻤﻨﱠﻰ أن ﺗﺒﻘﻰ ﺣﻴﺎﺗﻲ دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ،دﻣﻌﺔ ﺗﻄﻬﺮ
ﻗﻠﺒﻲ وﺗﻔﻬﻤﻨﻲ أﴎار اﻟﺤﻴﺎة وﻏﻮاﻣﻀﻬﺎ ،واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﺪﻧﻴﻨﻲ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺑﺠﺪﺗﻲ وﺗﻜﻮن
رﻣﺰ ﺗﻤﺠﻴﺪي اﻵﻟﻬﺔ ،دﻣﻌﺔ أﺷﺎرك ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺴﺤﻘﻲ اﻟﻘﻠﺐ ،واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﻜﻮن ﻋﻨﻮان ﻓﺮﺣﻲ
ﺑﻮﺟﻮدي.
ﻣﻠﻼ ،أرﻳﺪ أن ﺗﻜﻮن ﰲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﴘ ﻣﺠﺎﻋﺔ ﻟﻠﺤﺐ ﺷﻮﻗﺎ وﻻ أﺣﻴﺎ ًً أرﻳﺪ أن أﻣﻮت
واﻟﺠﻤﺎل؛ ﻷﻧﻲ ﻧﻈﺮت ﻓﺮأﻳﺖ املﺴﺘﻜﻔﺌني أﺷﻘﻰ اﻟﻨﺎس وأﻗﺮﺑﻬﻢ ﻣﻦ املﺎدة ،وأﺻﻐﻴﺖ
ﻓﺴﻤﻌﺖ ﺗﻨﻬﺪات املﺸﺘﺎق املﺘﻤﻨﻲ أﻋﺬب ﻣﻦ رﻧﺎت املﺜﺎﻧﻲ واملﺜﺎﻟﺚ.
ﻳﺄﺗﻲ املﺴﺎء ﻓﺘﻀﻢ اﻟﺰﻫﺮة أوراﻗﻬﺎ وﺗﻨﺎم ﻣﻌﺎﻧﻘﺔ ﺷﻮﻗﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺗﻔﺘﺢ
ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ ﻻﻗﺘﺒﺎل ﻗﺒﻠﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺤﻴﺎة اﻷزﻫﺎر ﺷﻮق ووﺻﺎل ،دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ.
ﺗﺘﺒﺨﺮ ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺤﺮ وﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﺛﻢ ﺗﺠﺘﻤﻊ وﺗﺼري ﻏﻴﻤﺔ ،وﺗﺴري ﻓﻮق اﻟﻄﻠﻮل واﻷودﻳﺔ
ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ﻻﻗﺖ ﻧﺴﻤﺎت ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﺑﺎﻛﻴﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻘﻮل ،واﻧﻀﻤﺖ إﱃ اﻟﺠﺪاول
ورﺟﻌﺖ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ .ﺣﻴﺎة اﻟﻐﻴﻮم ﻓﺮاق وﻟﻘﺎء ،دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ.
ﻛﺬا اﻟﻨﻔﺲ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﺮوح اﻟﻌﺎم وﺗﺴري ﰲ ﻋﺎﻟﻢ املﺎدة ،وﺗﻤﺮ ﻛﻐﻴﻤﺔ ﻓﻮق ﺟﺒﺎل
اﻷﺣﺰان وﺳﻬﻮل اﻷﻓﺮاح ﻓﺘﻠﺘﻘﻲ ﺑﻨﺴﻴﻤﺎت املﻮت ﻓﱰﺟﻊ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ،إﱃ ﺑﺤﺮ املﺤﺒﺔ
واﻟﺠﻤﺎل ،إﱃ ﷲ.
ﺣﻴﺎة اﳊﺐ
اﻟﺮﺑﻴﻊ :ﻫﻠﻤﻲ ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ ﻧﻤﴚ ﺑني اﻟﻄﻠﻮل ،ﻓﻘﺪ ذاﺑﺖ اﻟﺜﻠﻮج وﻫﺒﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ
ﻣﺮاﻗﺪﻫﺎ وﺗﻤﺎﻳﻠﺖ ﰲ اﻷودﻳﺔ واملﻨﺤﺪراتِ ،ﺳريي ﻣﻌﻲ ﻟﻨﺘﺘﺒﻊ آﺛﺎر أﻗﺪام اﻟﺮﺑﻴﻊ ﰲ اﻟﺤﻘﻞ
اﻟﺒﻌﻴﺪ ،ﺗﻌﺎﱄ ﻟﻨﺼﻌﺪ إﱃ أﻋﺎﱄ اﻟ ﱡﺮﺑﻰ وﻧﺘﺄﻣﻞ ﰲ ﺗﻤﻮﱡﺟﺎت ِ َ
اﺧﴬ ِار اﻟﺴﻬﻮل ﺣﻮﻟﻬﺎ.
ﻫﺎ ﻗﺪ ﻧﴩ ﻓﺠﺮ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺛﻮﺑًﺎ ﻃﻮاه ﻟﻴﻞ اﻟﺸﺘﺎء ،ﻓﺎﻛﺘﺴﺖ ﺑﻪ أﺷﺠﺎر اﻟﺨﻮخ واﻟﺘﻔﺎح
ﻓﻈﻬﺮت ﻛﺎﻟﻌﺮاﺋﺲ ﰲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪر ،واﺳﺘﻴﻘﻈﺖ اﻟﻜﺮوم وﺗﻌﺎﻧﻘﺖ ﻗﻀﺒﺎﻧﻬﺎ ﻛﻤﻌﺎﴍ
اﻟﻌﺸﺎق ،وﺟﺮت اﻟﺠﺪاول راﻗﺼﺔ ﺑني اﻟﺼﺨﻮر ﻣﺮدﱢدة أﻏﻨﻴﺔ اﻟﻔﺮح ،واﻧﺒﺜﻘﺖ اﻷزﻫﺎر
ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻧﺒﺜﺎق اﻟ ﱠﺰﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ.
ﺗﻌﺎﱄ ﻟﻨﴩب ﺑﻘﺎﻳﺎ دﻣﻮع املﻄﺮ ﻣﻦ ﻛﺌﻮس اﻟﻨﺮﺟﺲ ،وﻧﻤﻸ َ
ﻧﻔﺴﻴْﻨﺎ ﺑﺄﻏﺎﻧﻲ
اﻟﻌﺼﺎﻓري املﴪورة ،وﻧﻐﺘﻨﻢ اﺳﺘﻨﺸﺎق ﻋﻄﺮ اﻟﻨﺴﻴﻤﺎت.
ﻟﻨﺠﻠﺲ ﺑﻘﺮب ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﺮة ﺣﻴﺚ ﻳﺨﺘﺒﺊ اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ ،وﻧﺘﺒﺎدل ﻗﺒﻼت املﺤﺒﺔ.
اﻟﺼﻴﻒ :ﻫﻴﺎ ﺑﻨﺎ إﱃ اﻟﺤﻘﻞ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻓﻘﺪ ﺟﺎءت أﻳﺎم اﻟﺤﺼﺎد ،وﺑﻠﻎ اﻟﺰرع ﻣﺒﻠﻐﻪ
وأﻧﻀﺠﺘﻪ ﺣﺮارة ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺗﻌﺎﱄ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﺒﻘﻨﺎ اﻟﻄﻴﻮر ﻓﺘﺴﺘﻐﻞ
ﻧﺠﻦ ﺛﻤﺎر اﻷرض ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﻨﺖ اﻟﻨﻔﺲ ِ أﺗﻌﺎﺑﻨﺎ ،وﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻨﻤﻞ ﻓﺘﺄﺧﺬ أرﺿﻨﺎ ،ﻫﻠُﻤﱢ ﻲ
ﺣﺒﻮب اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ ﺑﺬور اﻟﻮﻓﺎء اﻟﺘﻲ زرﻋﺘﻬﺎ املﺤﺒﺔ ﰲ أﻋﻤﺎق ﻗﻠﺒﻴﻨﺎ ،وﻧﻤﻸ املﺨﺎزن
ﻣﻦ ﻧﺘﺎج اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻛﻤﺎ ﻣﻸت اﻟﺤﻴﺎة أﻫﺮاء ﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ.
ﻫﻠﻤﻲ ﻳﺎ رﻓﻴﻘﺘﻲ ﻧﻔﱰش اﻷﻋﺸﺎب وﻧﻠﺘﺤﻒ اﻟﺴﻤﺎء وﻧﻮﺳﺪ رأﺳﻴﻨﺎ ﺑﻀﻐﺚ ﻣﻦ
اﻟﻘﺶ اﻟﻨﺎﻋﻢ ،ﻓﻨﺮﺗﺎح ﻣﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﻨﻬﺎر وﻧﺴﻤﻊ ﻣﺴﺎﻣﺮة ﻏﺪﻳﺮ اﻟﻮادي.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
اﻟﺨﺮﻳﻒ :ﻟﻨﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﻜﺮﻣﺔ ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ وﻧﻌﴫ اﻟﻌﻨﺐ وﻧﻮﻋﻴﻪ ﰲ اﻷﺟﺮان ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻮﻋﻲ
اﻟﻨﻔﺲ ﺣﻜﻤﺔ اﻷﺟﻴﺎل ،وﻧﺠﻤﻊ اﻷﺛﻤﺎر اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ وﻧﺴﺘﻘﻄﺮ اﻷزﻫﺎر وﻧﺴﺘﻌﻴﺾ ﻋﻦ اﻟﻌني
ﺑﺎﻷﺛﺮ.
ﻟﻨﺮﺟﻊ ﻧﺤﻮ املﺴﺎﻛﻦ ،ﻓﻘﺪ اﺻﻔ ﱠﺮت أوراق اﻷﺷﺠﺎر وﻧﺜﺮﻫﺎ اﻟﻬﻮاء ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن
ِ
رﺣﻠﺖ اﻟﻄﻴﻮر ﻧﺤﻮ َ
ﺗﻌﺎﱄ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻔﻦ ﺑﻬﺎ أزﻫﺎ ًرا ﻗﻀﺖ ﻟﻮﻋﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ودﱠﻋﻬﺎ اﻟﺼﻴﻒ،
اﻟﺴﺎﺣﻞ وﺣﻤﻠﺖ ﻣﻌﻬﺎ أﻧﺲ اﻟﺮﻳﺎض ،وﺧﻠﻔﺖ اﻟﻮﺣﺸﺔ ﻟﻠﻴﺎﺳﻤني واﻟﺴﻴﺴﺒﺎن ﻓﺒﻜﻰ
ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺪﻣﻮع ﻋﲆ أدﻳﻢ اﻟﱰاب.
ﻟﻨﺮﺟﻊ! ﻓﺎﻟﺠﺪاول ﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﻋﻦ ﻣﺴريﻫﺎ ،واﻟﻌﻴﻮن ﻧﺸﻔﺖ دﻣﻮع ﻓﺮﺣﻬﺎ ،واﻟﻄﻠﻮل
ﺎس ﻓﺄﻣﺴﺖ ﺗﻮدﱢع ﺧﻠﻌﺖ ﺑﺎﻫﻲ أﺛﻮاﺑﻬﺎ .ﺗﻌﺎﱄ ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ ،ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻗﺪ راودﻫﺎ اﻟﻨﱡﻌَ ُ
اﻟﻴﻘﻈﺔ ﺑﺄﻏﻨﻴﺔ ﻧﻬﺎوﻧﺪﻳﺔ ﻣﺆﺛﱢﺮة.
اﻟﺸﺘﺎء :اﻗﱰﺑﻲ ﻳﺎ ﴍﻳﻜﺔ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،اﻗﱰﺑﻲ ﻣﻨﻲ وﻻ ﺗﺪﻋﻲ أﻧﻔﺎس اﻟﺜﻠﻮج ﺗﻔﺼﻞ ﺟﺴﻤﻴﻨﺎ،
اﺟﻠﴘ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ أﻣﺎم ﻫﺬا املﻮﻗﺪ ،ﻓﺎﻟﻨﺎر ﻓﺎﻛﻬﺔ اﻟﺸﺘﺎء اﻟﺸﻬﻴﺔ ،ﺣﺪﺛﻴﻨﻲ ﺑﻤﺂﺗﻲ اﻷﺟﻴﺎل،
ﻓﺂذاﻧﻲ ﻗﺪ ﺗﻌﺒﺖ ﻣﻦ ﺗﺄوﱡه اﻷرﻳﺎح وﻧﺪب اﻟﻌﻨﺎﴏ ،أوﺻﺪي اﻷﺑﻮاب واﻟﻨﻮاﻓﺬ ،ﻓﻤﺮأى
وﺟﻪ اﻟﺠﻮ اﻟﻐﻀﻮب ﻳُﺤﺰن ﻧﻔﴘ ،واﻟﻨﻈﺮ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ ﻛﺎﻟﺜﻜﲆ ﺗﺤﺖ أﻃﺒﺎق
اﻟﺜﻠﻮج ﻳﺪﻣﻲ ﻗﻠﺒﻲ ،اﺳﻘﻲ اﻟﴪاج زﻳﺘًﺎ ﻳﺎ رﻓﻴﻘﺔ ﻋﻤﺮي ،ﻓﻘﺪ أوﺷﻚ أن ﻳﻨﻄﻔﺊ ،وﺿﻌﻴﻪ
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻚ ﻷرى ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺘﻪ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﻋﲆ وﺟﻬﻚ ،إﻳﺘﻲ ﺑﺠﺮة اﻟﺨﻤﺮ ﻟﻨﴩب وﻧﺬﻛﺮ أﻳﺎم
اﻟﻌﴫ.
اﻗﱰﺑﻲ! اﻗﱰﺑﻲ ﻣﻨﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺔ ﻧﻔﴘ ﻓﻘﺪ ﺧﻤﺪت اﻟﻨﺎر وﻛﺎد اﻟﺮﻣﺎد ﻳﺨﻔﻴﻬﺎ،
ﺿﻤﻴﻨﻲ ﻓﻘﺪ اﻧﻄﻔﺄ اﻟﴪاج وﺗﻐﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻈﻠﻤﺔ ،ﻫﺎ ﻗﺪ أﺛﻘﻠﺖ أﻋﻴﻨﻨﺎ ﺧﻤﺮ ُة اﻟﺴﻨني،
ارﻣﻘﻴﻨﻲ ﺑﻌني ﻛﺤﻠﻬﺎ اﻟﻨﻌﺎس ،ﻋﺎﻧﻘﻴﻨﻲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﺎﻧﻘﻨﺎ اﻟﻜﺮى ،ﻗﺒﻠﻴﻨﻲ ﻓﺎﻟﺜﻠﺞ ﻗﺪ
ﺗﻐﻠﺐ ﻋﲆ ﻛﻞ ﳾء إﻻ ﻗﺒﻠﺘﻚ ،آه ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻣﺎ أﻋﻤﻖ ﺑﺤﺮ اﻟﻨﻮم! آه ﻣﺎ أﺑﻌﺪ اﻟﺼﺒﺎح ﰲ
ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ!
16
ﺣﻜﺎﻳﺔ
ﻋﲆ ﺿﻔﺔ ذﻟﻚ اﻟﻨﻬﺮ ،ﰲ ﻇﻞ أﺷﺠﺎر اﻟﺠﻮز واﻟﺼﻔﺼﺎف ﺟﻠﺲ اﺑﻦ زراع ﻳﺘﺄﻣﻞ ﰲ املﻴﺎه
اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ وﻫﺪوء ،ﻓﺘﻰ ُرﺑﱢﻲ ﺑني اﻟﺤﻘﻮل ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻛﻞ ﳾء ﻋﻦ اﻟﺤﺐ ،ﺣﻴﺚ
اﻷﻏﺼﺎن ﺗﺘﻌﺎﻧﻖ واﻷزﻫﺎر ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ واﻟﻄﻴﻮر ﺗﺘﺸﺒﺐ ،ﺣﻴﺚ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ﺗﻜﺮز ﺑﺎﻟﺮوح،
ﺻ ِﺒﻴ ًﱠﺔ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﺑني اﻟﺼﺒﺎﻳﺎ ﻓﺄﺣﺒﱠﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ اﺑﻨﺔ
اﺑﻦ ﻋﴩﻳﻦ رأى ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻋﲆ اﻟﻴﻨﺒﻮع َ
اﻷﻣري ﻓﻼم ﻗﻠﺒﻪ وﺷﻜﺎ ﻧﻔﺴﻪ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻟﻜﻦ املﻼﻣﺔ ﻻ ﺗﻤﻴﻞ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ اﻟﺤﺐ ،واﻟﻌﺬل ﻻ
ﻳﴫف اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،واﻹﻧﺴﺎن ﺑني ﻗﻠﺒﻪ وﻧﻔﺴﻪ ﻛﻐﺼﻦ ﻟني ﰲ ﻣﻬﺐﱢ رﻳﺢ اﻟﺠﻨﻮب
ورﻳﺢ اﻟﺸﻤﺎل.
ﻧﻈﺮ اﻟﻔﺘﻰ ﻓﺮأى زﻫﺮة اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ ﻗﺪ ﻧﺒﺘﺖ ﺑﻘﺮب زﻫﺮة اﻷﻗﺤﻮان ،ﺛﻢ ﺳﻤﻊ اﻟﻬﺰاز
ﻳﻨﺎﺟﻲ اﻟﺸﺤﺮور ﻓﺒﻜﻰ ﻟﻮﺣﺪﺗﻪ واﻧﻔﺮاده ،ﺛﻢ ﻣﺮت ﺳﺎﻋﺎت ﺣُ ﺒﱢ ِﻪ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻣﺮور اﻷﺷﺒﺎح،
ﻓﻘﺎل وﻋﻮاﻃﻔﻪ ﺗﺴﻴﻞ ﻣﻊ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ودﻣﻮﻋﻪ:
»ﻫﻮ ذا اﻟﺤﺐ ﻳﺴﺘﻬﺰئ ﺑﻲ ،ﻫﺎ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻨﻲ ﺳﺨﺮﻳﺔ وﻗﺎدﻧﻲ إﱃ ﺣﻴﺚ اﻵﻣﺎل
ﻣﺬﻟﺔ ،اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻋﺒﺪﺗﻪ ﻗﺪ رﻓﻊ ﻗﻠﺒﻲ إﱃ ﻗﴫ اﻷﻣري ً ﺗﻌﺪ ﻋﻴﻮﺑًﺎ واﻷﻣﺎﻧﻲ
وﺧﻔﺾ ﻣﻨﺰﻟﺘﻲ إﱃ ﻛﻮخ اﻟﺰراع ،وﺳﺎر ﺑﻨﻔﴘ إﱃ ﺟﻤﺎل ﺣﻮرﻳﺔ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ
اﻟﺮﺟﺎل وﻳﺤﻤﻴﻬﺎ اﻟﴩف اﻟﺮﻓﻴﻊ ،أﻧﺎ ﻃﺎﺋﻊ أﻳﻬﺎ اﻟﺤﺐ ﻓﻤﺎذا ﺗﺮﻳﺪ؟ ﻗﺪ اﺗﺒﻌﺘﻚ
ﻋﲆ ﺳﺒﻞ ﻧﺎرﻳﺔ ﻓﻠﺬﻋﻨﻲ اﻟﻠﻬﻴﺐ ،ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ ﻋﻴﻨﻲ ﻓﻠﻢ أر ﻏري اﻟﻈﻠﻤﺔ ،وأﻃﻠﻘﺖ
ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻓﻠﻢ أﺗﻜﻠﻢ ﺑﻐري اﻷﳻ ،ﻗﺪ ﻋﺎﻧﻘﻨﻲ اﻟﺸﻮق أﻳﻬﺎ اﻟﺤﺐ ﺑﻤﺠﺎﻋﺔ ُروﺣﻴﺔ ﻟﻦ
ﺗﺰول ﺑﻐري ُﻗﺒ َِﻞ اﻟﺤﺒﻴﺐ ،أﻧﺎ ﺿﻌﻴﻒ أﻳﻬﺎ اﻟﺤﺐ ﻓﻠ َﻢ ﺗﺨﺎﺻﻤﻨﻲ وأﻧﺖ اﻟﻘﻮي؟
ملﺎذا ﺗﻈﻠﻤﻨﻲ وأﻧﺖ اﻟﻌﺎدل وأﻧﺎ اﻟﱪيء؟ ملﺎذا ﺗﺬﻟﻨﻲ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏريك ﻧﺎﴏي؟
ﺗﺘﺨﲆ ﻋﻨﻲ وأﻧﺖ ﻣﻮﺟﺪي؟ إن ﺟﺮى دﻣﻲ ﺑﻐري ﻣﺸﻴﺌﺘﻚ ﻓﺄﻫﺮﻗﻪ ،وإن ﱠ ملﺎذا
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺗﺤ ﱠﺮﻛﺖ ﻗﺪﻣﺎي ﻋﲆ ﻏري ﻃﺮﻗﻚ ﻓﺸﻠﻬﺎ .اﻓﻌﻞ ﻣﺸﻴﺌﺘﻚ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﺴﺪ وﺧ ﱢﻞ ﻧﻔﴘ
ﺗﻔﺮح ﺑﻬﺬه اﻟﺤﻘﻮل املﺴﺘﺄﻣﻨﺔ ﺑﻈﻞ ﺟﻨﺎﺣﻴﻚ ،اﻟﺠﺪاول ﺗﺴري إﱃ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ اﻟﺒﺤﺮ،
واﻷزﻫﺎر ﺗﺘﻨﺴﻢ ﻟﻌﺸﻴﻘﻬﺎ اﻟﻨﻮر ،واﻟﻐﻴﻮم ﺗﻬﺒﻂ ﻧﺤﻮ ﻣﺮﻳﺪﻫﺎ اﻟﻮادي ،وأﻧﺎ —
وﺑﻲ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ اﻟﺠﺪاول وﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻪ اﻷزﻫﺎر وﻻ ﺗﺪرﻛﻪ اﻟﻐﻴﻮم — ﻗﺪ رأﻳﺘﻨﻲ
وﺣﻴﺪًا ﰲ ﻣﺤﻨﺘﻲ ،ﻣﻨﻔﺮدًا ﰲ ﻏﺮاﻣﻲ ،ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﻳﺪﻧﻲ ﺟﻨﺪﻳٍّﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺋﺐ
أﺑﻴﻬﺎ وﻻ ﺗﺮﺿﺎﻧﻲ ﺧﺎدﻣً ﺎ ﰲ ﻗﴫﻫﺎ«.
وﺳﻜﺖ اﻟﻔﺘﻰ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻢ اﻟﻜﻼم ﻣﻦ ﺧﺮﻳﺮ اﻟﻨﻬﺮ وﺣﻔﻴﻒ أوراق اﻟﻐﺼﻮن،
ﺛﻢ ﻋﺎد ﻓﻘﺎل:
ِ
»وأﻧﺖ ﻳﺎ ﻣﻦ أﺧﺎف ﻣﻦ أﻣﻬﺎ أن أدﻋﻮﻫﺎ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،أﻳﺘﻬﺎ املﺤﺒﻮﺑﺔ ﻋﻨﻲ ﺑﺴﺘﺎﺋﺮ
اﻟﻌﻈﻤﺔ وﺟﺪران اﻟﺠﻼل ،أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﻮرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ أﻃﻤﻊ ﺑﻠﻘﺎﺋﻬﺎ إﻻ ﰲ اﻷﺑﺪﻳﺔ
ﺣﻴﺚ املﺴﺎواة ،ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﻄﻴﻌﻬﺎ اﻟﺼﻮارم وﺗﻨﺤﻨﻲ أﻣﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮﻗﺎب وﺗﺘﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ
ﻧﻔﺴﺎ ﴍﱠﻓﻬﺎ ﷲ، اﻟﺨﺰاﺋﻢ واملﺴﺎﺟﺪ! ﻗﺪ ﻣﻠﻜﺖ ﻗﻠﺒًﺎ ﻗﺪﱠﺳﻪ اﻟﺤﺐ ،واﺳﺘﻌﺒﺪت ً
وﺧﻠﺒﺖ ً
ﻋﻘﻼ ﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣﺲ ﺣ ٍّﺮا ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻮل ،ﻓﺼﺎر اﻟﻴﻮم أﺳريًا ﺑﻘﻴﻮد
ﻫﺬا اﻟﻐﺮام ،رأﻳﺘﻚ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻌﺮﻓﺖ ﺳﺒﺐ ﻣﺠﻴﺌﻲ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وملﺎ
ﻋﺮﻓﺖ رﻓﻌﺔ ﻣﻨﺰﻟﺘﻚ وﻧﻈﺮت إﱃ ﺣﻘﺎرﺗﻲ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻟﻶﻟﻬﺔ أﴎا ًرا ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ
وﺳﺒﻼ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﺎﻷرواح إﱃ ﺣﻴﺚ املﺤﺒﺔ ﺗﻘﴤ ﺑﻐري اﻟﴩاﺋﻊ اﻟﺒﴩﻳﺔ، ً اﻹﻧﺴﺎن،
أﻳﻘﻨﺖ ﱠملﺎ ﻧﻈﺮت إﱃ ﻋﻴﻨﻴﻚ أن ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺮدوس ﺑﺎﺑﻪ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ،وملﺎ
رأﻳﺖ ﴍﻓﻚ وذﱄ ﻳﺘﺼﺎرﻋﺎن ﴏاح ﻣﺎرد ورﺋﺒﺎل ،ﻋﻠﻤﺖ أن ﻫﺬه اﻷرض ﻟﻢ
ﺗﻌﺪ وﻃﻨًﺎ ﱄ ،ﻇﻨﻨﺖ ملﺎ وﺟﺪﺗُﻚ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﺑني ﻧﺴﺎﺋﻚ ﻛﺎﻟﻮردة ﺑني اﻟﺮﻳﺎﺣني ،ﱠ
أن
ﺗﺨﱪ ُْت ﻣﺠﺪ أﺑﻴﻚ وﺟﺪتَت وﺻﺎرت ﺑﴩًا ﻣﺜﲇ ،وملﺎ ﱠ ﺗﺠﺴﺪ ْ
ﻋﺮوس أﺣﻼﻣﻲ ﻗﺪ ﱠ
أن دون اﺟﺘﻨﺎء اﻟﻮرد أﺷﻮا ًﻛﺎ ﺗﺪﻣﻲ اﻷﺻﺎﺑﻊ ،وأن ﻣﺎ ﺗﺠﻤﻌﻪ اﻷﺣﻼم ﺗﻔﺮﻗﻪ
اﻟﻴﻘﻈﺔ …«.
وﻗﺎم إذ ذاك وﻣﴙ ﻧﺤﻮ اﻟﻴﻨﺒﻮع ﻣﻨﺨﻔﺾ اﻟﺠﻨﺎح ،ﻛﺴري اﻟﻘﻠﺐ ،ﻣﺠﺴﻤً ﺎ اﻷﳼ واﻟﻘﻨﻮت
ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت:
18
ﺣﻜﺎﻳﺔ
اﻟﻌﺎﱄ ﻣﻜﺎﻧﻪ ،ﺧﻠﺼﻨﻲ ﻳﺎ ﻣﻮت ﻓﺎﻷﺑﺪﻳﺔ أﺟﺪر ﺑﺒﻘﺎء املﺤﺒﱢني ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ،
ﻫﻨﺎك أﻧﺘﻈﺮ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،وﻫﻨﺎك أﺟﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ«.
ﺑﻠﻎ اﻟﻴﻨﺒﻮع وﻗﺪ ﺟﺎء املﺴﺎء وأﺧﺬت اﻟﺸﻤﺲ ﺗﻠﻢ وﺷﺎﺣﻬﺎ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻞ ،ﻓﺠﻠﺲ
ﻳﺬرف اﻟﺪﻣﻮع ﻋﲆ ﺣﻀﻴﺾ و َِﻃﺌَﺘْ ُﻪ أﻗﺪام اﺑﻨﺔ اﻷﻣري وﻗﺪ ﺣﻨﻰ رأﺳﻪ ﻋﲆ ﺻﺪره ﻛﺄﻧﻪ
ﻳﻤﻨﻊ ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﺨﺮوج.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻇﻬﺮت ﻣﻦ وراء أﺷﺠﺎر اﻟﺼﻔﺼﺎف ﺻﺒﻴﱠﺔ ﺗﺠﺮ أذﻳﺎﻟﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﻋﺸﺎب،
ووﻗﻔﺖ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻔﺘﻰ ووﺿﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ ﻋﲆ رأﺳﻪ ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﻧﺎﺋﻢ أﻳﻘﻈﻪ
ﺷﻌﺎع اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺮأى اﺑﻨﺔ اﻷﻣري واﻗﻔﺔ ﺣﺬاءه ﻓﺠﺜﺎ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻴﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﻮﳻ ﻋﻨﺪﻣﺎ
رأى اﻟﻌﻠﻴﻘﺔ ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ أﻣﺎﻣﻪ ،وملﺎ أراد اﻟﻜﻼم أ ُ ْرﺗِﺞَ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻨﺎﺑﺖ ﻋﻴﻨﺎه اﻟﻄﺎﻓﺤﺘﺎن ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ
ﻋﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ.
ﺛﻢ ﻋﺎﻧﻘﺘﻪ اﻟﺼﺒﻴﱠﺔ وﻗﺒﱠﻠﺖ ﺷﻔﺘﻴﻪ ،وﻗﺒﱠﻠﺖ ﻋﻴﻨﻴﻪ راﺷﻘﺔ املﺪاﻣﻊ اﻟﺴﺨﻴﻨﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ
ﺑﺼﻮت أﻟﻄﻒ ﻣﻦ ﻧﻐﻤﺔ اﻟﻨﺎي:
وﻣﴙ اﻟﺤﺒﻴﺒﺎن ﺑني اﻷﺷﺠﺎر ﺗﺨﻔﻴﻬﻤﺎ ﺳﺘﺎﺋﺮ اﻟﻠﻴﻞ وﻻ ﻳﺨﻴﻔﻬﻤﺎ ﺑﻄﺶ اﻷﻣري وﻻ أﺷﺒﺎح
اﻟﻈﻠﻤﺔ.
ﻫﻨﺎك ﰲ أﻃﺮاف اﻟﺒﻼد ﻋﺜﺮ رواد اﻷﻣري ﻋﲆ ﻫﻴﻜﻠني ﺑﴩﻳني ﰲ ﻋﻨﻖ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻗﻼدة
ذﻫﺒﻴﺔ ،وﺑﻘﺮﺑﻬﻤﺎ ﺣﺠﺮ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت:
»ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻨﺎ اﻟﺤﺐ ﻓﻤﻦ ﻳﻔﺮﻗﻨﺎ ،وأﺧﺬﻧﺎ املﻮت ﻓﻤﻦ ﻳﺮﺟﻌﻨﺎ؟«.
19
ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﻣﻮات
ﺼ ُﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﻦ ﻏﻮﻏﺎء املﺪﻳﻨﺔ ،وﺧﺮﺟﺖ أﻣﴚ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ أﻛﻤﺔ ﺗَﻤَ ﱠﻠ ْ
ﻋﺎﻟﻴﺔ أﻟﺒﺴﺘْﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ أﺟﻤﻞ ﺣﻼﻫﺎ ،ﻓﻮﻗﻔﺖ وﻗﺪ ﺑﺎﻧﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎﻳﺎت
اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ واﻟﻘﺼﻮر اﻟﻔﺨﻤﺔ ﺗﺤﺖ ﻏﻴﻤﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻣﻦ دﺧﺎن املﻌﺎﻣﻞ.
ﺟﻠﺴﺖ أﺗﺄﻣﱠ ﻞ ﻋﻦ ﺑُﻌﺪ ﰲ أﻋﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻮﺟﺪت أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻋﻨﺎءً ،ﻓﺤﺎوﻟﺖ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ أﻻﱠ
أﻓﺘﻜﺮ ﺑﻤﺎ ﺻﻨﻌﻪ اﺑﻦ آدم ،وﺣﻮﱠﻟﺖ ﻋﻴﻨﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻘﻞ ،ﻛﺮﳼ ﻣﺠﺪ ﷲ ،ﻓﺮأﻳﺖ ﰲ وﺳﻄﻪ
ُ
اﻷﺟﺪاث اﻟﺮﺧﺎﻣﻴﺔ املﺤﺎﻃﺔ ﺑﺄﺷﺠﺎر اﻟﴪو. ﻣﻘﱪة ﻇﻬﺮت ﻓﻴﻬﺎ
ﻫﻨﺎك ﺑني ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﺣﻴﺎء وﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﻣﻮات ﺟﻠﺴﺖ أﻓﻜﺮ ،أﻓﻜﺮ ﰲ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﻌﺮاك املﺴﺘﻤﺮ
واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﰲ ﻫﺬه ،وﰲ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة واﻟﻬﺪوء املﺴﺘﻘﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ ،ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻮاﺣﺪة
آﻣﺎل وﻗﻨﻮط ،وﻣﺤﺒﺔ وﺑﻐﻀﺔ ،وﻏﻨًﻰ وﻓﻘﺮ ،واﻋﺘﻘﺎد وﺟﺤﻮد ،وﻣﻦ اﻷﺧﺮى ﺗﺮاب ﰲ ﺗﺮاب
ﺗﻘﻠﺐ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻄﻨﻪ ﻇﺎﻫ ًﺮا وﺗﺒﺪع ﻣﻨﻪ ﻧﺒﺎﺗًﺎ ﺛﻢ ﺣﻴﻮاﻧًﺎ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺘﻢ ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ.
ﺑﻴﻨﺎ أﻧﺎ ﻣﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻌﻮاﻣﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﺄﻣﻼت ،اﺳﺘﻠﻔﺖ ﻧﺎﻇﺮي ﺟﻤ ٌﻊ ﻏﻔريٌ ﻳﺴري اﻟﻬﻮﻳﻨﺎء
ﺗﺘﻘﺪﱠﻣﻪ املﻮﺳﻴﻘﻰ وﺗﻤﻸ اﻟﺠﻮ أﻟﺤﺎﻧًﺎ ﻣﺤﺰﻧﺔ ،ﻣﻮﻛﺐ ﺟﻤﻊ ﺑني اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ واﻟﻌﻈﻤﺔ وآﻟﻒ
ﻮنﺑني أﺷﻜﺎل اﻟﻨﺎس ،ﺟﻨﺎزة ﻏﻨﻲ ﻗﻮي ،رﻓﺎت ﻣﻴﺖ ﺗﺘﺒﻌﻬﺎ اﻷﺣﻴﺎء وﻫﻢ ﻳﺒﻜﻮن وﻳُ َﻮ ْﻟ ِﻮﻟُ َ
وﻳﺒﺜﻮن ﺑﺎﻟﻬﻮاء اﻟﴫاخ واﻟﻌﻮﻳﻞ.
ﺑﻠﻐﻮا اﻟﺠﺒﱠﺎﻧﺔ ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻜﻬﺎن ﻳﺼ ﱡﻠﻮن وﻳﺒﺨﺮون ،واﻧﻔﺮد املﻮﺳﻴﻘﻴﻮن ﻳﻨﻔﺨﻮن
اﻷﺑﻮاق ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ اﻧﱪى اﻟﺨﻄﺒﺎء ﻓﺄﺑﱠﻨُﻮا اﻟﺮاﺣﻞ ﺑﻤﻨﺘﻘﻴﺎت اﻟﻜﻼم ،ﺛﻢ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓ َﺮﺛ َ ْﻮ ُه
ﺑﻤﻨﺘﺨﺒﺎت املﻌﺎﻧﻲ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺑﺘﻄﻮﻳﻞ ﻣﻤﻞ ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ اﻧﻘﺸﻊ اﻟﺠﻤﻊ ﻋﻦ ﺟﺪث
ﺗﺴﺎﺑﻖ ﰲ ﺻﻨﻌﻪ اﻟﺤﻔﺎرون واملﻬﻨﺪﺳﻮن وﺣﻮﻟﻪ أﻛﺎﻟﻴﻞ اﻷزﻫﺎر املﻨﻤﻘﺔ ﺑﺄﻳﺪي املﺘﻘﻨني.
رﺟﻊ املﻮﻛﺐ ﻧﺤﻮ املﺪﻳﻨﺔ وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ وأﻓﺘﻜﺮ ،وﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮوب،
واﺳﺘﻄﺎﻟﺖ ﺧﻴﺎﻻت اﻟﺼﺨﻮر واﻷﺷﺠﺎر ،وأﺧﺬت اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﺨﻠﻊ أﺛﻮاب اﻟﻨﻮر.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻧﻈﺮت ﻓﺮأﻳﺖ رﺟﻠني ﻳﻘﻼن ﺗﺎﺑﻮﺗًﺎ ﺧﺸﺒﻴٍّﺎ ،وراءﻫﻤﺎ اﻣﺮأة ﺗﺮﺗﺪي
ﻃﻔﻼ رﺿﻴﻌً ﺎ ،وﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ﻛﻠﺐ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺗﺎرة وإﱃأﻃﻤﺎ ًرا ﺑﺎﻟﻴﺔ وﻫﻲ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻋﲆ ﻣﻨﻜﺒﻴﻬﺎ ً
اﻟﺘﺎﺑﻮت أﺧﺮى ،ﺟﻨﺎزة ﻓﻘري ﺣﻘري وراءﻫﺎ زوﺟﺔ ﺗﺬرف دﻣﻮع اﻷﳻ ،وﻃﻔﻞ ﻳﺒﻜﻲ ﻟﺒﻜﺎء
أﻣﻪ ،وﻛﻠﺐ أﻣني ﻳﺴري وﰲ ﻣﺴريه ﺣﺰن وﻛﺂﺑﺔ.
وﺻﻞ ﻫﺆﻻء إﱃ املﻘﱪة وأودﻋﻮا اﻟﺘﺎﺑﻮت ﺣﻔﺮة ﰲ زاوﻳﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻷﺟﺪاث اﻟﺮﺧﺎﻣﻴﺔ،
ﻂ رﺣﺎل رﻓﻴﻘﻪ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﻮا ﻋﻦ ﺑﴫي ﺛﻢ رﺟﻌﻮا ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﻣﺆﺛﱢﺮة واﻟﻜﻠﺐ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮ ﻣﺤ ﱢ
وراء اﻻﺷﺠﺎر.
ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إذ ذاك ﻧﺤﻮ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﺣﻴﺎء وﻗﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ :ﺗﻠﻚ ﻟﻸﻏﻨﻴﺎء اﻷﻗﻮﻳﺎء .ﺛﻢ ﻧﺤﻮ ﱡ
ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﻣﻮات وﻗﻠﺖ :ﻫﺬه ﻟﻸﻏﻨﻴﺎء اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻓﺄﻳﻦ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻔﻘري اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻳﺎ رب؟
ﻗﻠﺖ ﻫﺬا وﻧﻈﺮت ﻧﺤﻮ اﻟﻐﻴﻮم املﺘﻠﺒﱢﺪة املﺘﻠﻮﻧﺔ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ﺑﺬﻫﺐ ﻣﻦ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ
اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻣﻦ داﺧﲇ ﻳﻘﻮل :ﻫﻨﺎك.
22
ﻣﻮت اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ
ﺧﻴﱠﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﺑﺠﻨﺤﻪ ﻓﻮق املﺪﻳﻨﺔ وأﻟﺒﺴﻬﺎ اﻟﺜﻠﺞ ﺛﻮﺑًﺎ ،وﻫﺰم اﻟﱪد اﺑﻦ آدم ﻣﻦ اﻷﺳﻮاق
ﻓﺎﺧﺘﺒﺄ ﰲ أوﻛﺎره ،وﻗﺎﻣﺖ اﻷرﻳﺎح ﺗﺘﺄ ﱠو ُه ﺑني املﺴﺎﻛﻦ ﻛﻤﺆﺑﱢﻦ وﻗﻒ ﺑني اﻟﻘﺒﻮر اﻟﺮﺧﺎﻣﻴﺔ
ﻳﺮﺛﻲ ﻓﺮﻳﺴﺔ املﻮت.
وﻛﺎن ﰲ أﻃﺮاف اﻷﺣﻴﺎء ﺑﻴﺖ ﺣﻘري ﺗﺪاﻋﺖ أرﻛﺎﻧﻪ وأﺛﻘﻠﺘﻪ اﻟﺜﻠﻮج ﺣﺘﻰ أوﺷﻚ أن
ﻳﺴﻘﻂ ،وﰲ إﺣﺪى زواﻳﺎ ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ ﻓﺮاش ﺑﺎ َل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺤﺘﴬ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﴎاج ﺿﻌﻴﻒ
ﻳﻐﺎﻟﺐ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻓﺘﻐﻠﺒﻪ ،ﻓﺘﻰ ﰲ رﺑﻴﻊ اﻟﻌﻤﺮ ﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﺑﻘﺮب أﺟﻞ اﻧﻌﺘﺎﻗﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﺤﻴﺎة
ﻓﺼﺎر ﻳﻨﺘﻈﺮ املﻨﻴﺔ وﻋﲆ وﺟﻬﻪ املﺼﻔ ﱢﺮ ﻧﻮر اﻷﻣﻞ ،وﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﺤﺰﻧﺔ ،ﺷﺎﻋﺮ
ﺟﺎء ﻟﻴﻔﺮح ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄﻗﻮاﻟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻳﻤﻮت ﺟﻮﻋً ﺎ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﺣﻴﺎء اﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﻧﻔﺲ
ﴍﻳﻔﺔ ﻫﺒﻄﺖ ﻣﻊ ﻧﻌﻢ اﻵﻟﻬﺔ ﻟﺘﺠﻌﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﻋﺬﺑﺔ ،ﺗﻮدع دﻧﻴﺎﻧﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﻬﺎ
اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻣﻨﺎزع ﻳﻠﻔﻆ أﻧﻔﺎﺳﻪ اﻷﺧرية وﻟﻴﺲ ﺑﻘﺮﺑﻪ ﺳﻮى ﴎاج ﻛﺎن رﻓﻴﻖ وﺣﺪﺗﻪ،
وأوراق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻴﺎﻻت روﺣﻪ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ.
ﺟﻤﻊ ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﻰ املﻨﺎزع ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻗﻮة ﻗﺎرﺑﺖ اﻟﻔﻨﺎء ،ورﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻼء وﺣ ﱠﺮك
أﺟﻔﺎﻧﻪ اﻟﺬاﺑﻠﺔ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﺮق ﺑﻨﻈﺮاﺗﻪ اﻷﺧرية ﺳﻘﻒ ذﻟﻚ اﻟﻜﻮخ اﻟﺒﺎﱄ ﻟريى اﻟﻨﺠﻮم
ﻣﻦ وراء اﻟﻐﻴﻮم ﺛﻢ ﻗﺎل:
ُ
ﺗﻌﺒﺖ ﺗﻌﺎﱄ أﻳﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻘﺪ اﺷﺘﺎﻗﺘﻚ ﻧﻔﴘ ،اﻗﱰﺑﻲ وﺣﲇ ﻗﻴﻮد املﺎدة ﻓﻘﺪ
ﺗﻌﺎﱄ إﱄ ﻳﺎ أﻳﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ اﻟﺤﺎرة وأﻧﻘﺬﻳﻨﻲ ﻣﻦ ﺑني اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺴﺒﻮﻧﻨﻲ َ ﻣﻦ ﺟَ ﱢﺮ َﻫﺎ،
ﺗﺨﲆﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻋﻨﻬﻢ ﻷﻧﻲ أﺗﺮﺟﻢ ﻣﺎ أﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ املﻼﺋﻜﺔ إﱃ ﻟﻐﺔ اﻟﺒﴩ ،أﴎﻋﻲ ﻧﺤﻮي ﻓﻘﺪ ﱠ
ﻋﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن وﻃﺮﺣﻨﻲ ﰲ زواﻳﺎ اﻟﻨﺴﻴﺎن ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻃﺎﻣﻌً ﺎ ﺑﺎملﺎل ﻧﻈريه ،وﻻ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام
َ
ﺗﻌﺎﱄ إﱄ أﻳﺘﻬﺎ املﻨﻴﺔ اﻟﻌﺬﺑﺔ وﺧﺬﻳﻨﻲ ﻓﺄوﻻد ﺑَﺠْ َﺪﺗِﻲ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻧﻲ، ﻣﻦ ﻫﻮ أﺿﻌﻒ ﻣﻨﻲ،
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺿﻤﻴﻨﻲ إﱃ ﺻﺪرك املﻤﻠﻮء ﻣﺤﺒﺔ ،ﻗﺒﱢﲇ ﺷﻔﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺬق ﻃﻌﻢ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻮاﻟﺪة وﻻ ملﺴﺖ
وﺟﻨﺔ اﻷﺧﺖ وﻻ ﻟﺜﻤﺖ ﺛﻐﺮ املﺤﺒﻮﺑﺔ ،أﴎﻋﻲ وﻋﺎﻧﻘﻴﻨﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ املﻨﻴﺔ.
اﻧﺘﺼﺐ إذ ذاك ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻓﺮاش املﻨﺎزع ﻃﻴﻒ اﻣﺮأة ذات ﺟﻤﺎل ﻏري ﺑﴩي ،ﺗﺮﺗﺪي
ﺛﻮﺑًﺎ ﻧﺎﺻﻌً ﺎ ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ ،وﺗﺤﻤﻞ ﺑﻴﺪﻫﺎ إﻛﻠﻴﻞ زﻧﺎﺑﻖ ﻣﻦ ﻧﺒﺖ اﻟﺤﻘﻮل اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ،ﺛﻢ دﻧﺖ ﻣﻨﻪ
وﻋﺎﻧﻘﺘﻪ وأﻏﻤﻀﺖ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻛﻲ ﻳﺮاﻫﺎ ﺑﻌني ﻧﻔﺴﻪ ،وﻗﺒﱠ َﻠ ْﺖ ﺷﻔﺘﻴﻪ ﻗﺒﻠﺔ ﻣﺤﺒﺔ ،ﻗﺒﻠﺔ ﺗﺮﻛﺖ
ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻛﺘﻔﺎء.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ أﺻﺒﺢ ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ ﺧﺎﻟﻴًﺎ إﻻ ﻣﻦ اﻟﱰاب وﺑﻌﺾ أوراق ﻣﻨﺜﻮرة ﰲ زواﻳﺎ
اﻟﻈﻠﻤﺔ.
ﻣ ﱠﺮت اﻷﺟﻴﺎل وﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﻗﻰ ﰲ ﺳﺒﺎت اﻟﺠﺤﻮد واﻹﻫﻤﺎل ،وملﺎ اﺳﺘﻔﺎﻗﻮا
ً
ﺗﻤﺜﺎﻻ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﰲ وﺳﻂ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، ورأت ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ﻓﺠ َﺮ املﻌﺮﻓﺔ أﻗﺎﻣﻮا ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ
وﻋﻴﱠﺪوا ﻟﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻋﻴﺪًا ،آه ﻣﺎ أﺟﻬﻞ اﻹﻧﺴﺎن!
24
ﺑﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮ
ﰲ أﻋﻤﺎق اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻫﻨﺎﻟﻚ ﰲ اﻷﻋﻤﺎق ﺣﻴﺚ
اﻟ ﱡﺪ ﱢر اﻟﻜﺜري ،ﺟﺜﺔ ﻓﺘﻰ ﻫﺎﻣﺪة ﺑﻘﺮﺑﻬﺎ ﺑﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮ ذوات اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،ﻗﺪ ﺟَ َﻠ ْﺴ َﻦ ﺑني
ﺑﻨﺎت املﺮﺟﺎن ﻳﻨﻈﺮن إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﻴﻮﻧﻬﻦ اﻟﺰرﻗﺎء اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وﻳﺘﺤﺪﺛﻦ ﺑﺄﺻﻮات ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﱠﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ
ﺳﻤﻌﺘﻪ اﻟ ﱡﻠﺠﱠ ُﺔ ﻓﺤﻤﻠﺘﻪ اﻷﻣﻮاج إﱃ اﻟﺸﻮاﻃﺊ ﻓﺠﺎء ﺑﻪ اﻟﻨﺴﻴﻢ إﱃ ﻧﻔﴘ.
ً
ﺣﺎﻧﻘﺎ«. َﴩي ﻫﺒﻂ ﺑﺎﻷﻣﺲ إذ ﻛﺎن اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺎﻟﺖ واﺣﺪة» :ﻫﺬا ﺑ َ ِ
ﺣﺎﻧﻘﺎ وﻟﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن — وﻫﻮ اﻟﺬى ﻳﺪﻋﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ ً ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ» :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺒﺤﺮ
ﺳﻼﻟﺔ اﻵﻟﻬﺔ — ﻛﺎن ﰲ ﺣﺮب ﺣﺎﻣﻴﺔ أ ُ ْﻫ ِﺮ َﻗ ْﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻣﺎء ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻟﻮن املﺎء ﻗﺮﻣﺰﻳٍّﺎ،
وﻫﺬا اﻟﺒﴩي ﻫﻮ ﻗﺘﻴﻞ اﻟﺤﺮب«.
ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ» :ﻻ أدري ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻨﻲ أﻋﻠﻢ أن اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ أن ﺗﻐﻠﺐ ﻋﲆ
اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﻃﻤﻊ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎدة ﻋﲆ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﺎﺑﺘﺪع اﻵﻻت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻣَ َﺨ َﺮ اﻟﻌﺒﺎب ﻓﺪرى ﻧﺒﺘﻮن إﻟﻪ
اﻟﺒﺤﺎر وﻏﻀﺐ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺪي ،ﻓﻠﻢ ﻳَ َﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺪٍّا إذ ذاك ﻣﻦ إرﺿﺎء ﻣﻠﻴﻜﻨﺎ ﺑﺎﻟﺬﺑﺎﺋﺢ
واﻟﻬﺪاﻳﺎ ،ﻓﺎﻷﺷﻼء اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻫﺎﺑﻄﺔ ﻫﻲ آﺧﺮ ﺗﻘﺪِﻣﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن إﱃ ﻧﺒﺘﻮن
اﻟﻌﻈﻴﻢ«.
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺮاﺑﻌﺔ» :ﻣﺎ أﻋﻈﻢ ﻧﺒﺘﻮن وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أﻗﴗ ﻗﻠﺒﻪ! ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ اﻟﺒﺤﺎر
ﺗﻌﺎﱄ ﻟﻨﺮى ﺟﺜﺔ ﻫﺬا اﻟﺸﺎب ﻓﺮﺑﻤﺎ أﻓﺎدﺗﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ َ ملﺎ رﺿﻴﺖ ﺑﺎﻟﺬﺑﺎﺋﺢ اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ،
اﻟﺒﴩ«.
اﻗﱰﺑﺖ ﺑﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ ﺟﺜﻤﺎن اﻟﺸﺎب وﺑﺤﺜﻦ ﰲ ﺟﻴﻮب أﺛﻮاﺑﻪ ﻓﻌﺜﺮن ﻋﲆ رﺳﺎﻟﺔ ﰲ
اﻟﺜﻮب املﻼﺻﻖ ﻗﻠﺒﻪ ،ﻓﺄﺧﺬت اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ وﻗﺮأت:
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ! ﻫﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ وأﻧﺎ ﺳﺎﻫﺮة وﻟﻴﺲ ﱄ ﻣﺴ ﱟﻞ ﻏري دﻣﻮﻋﻲ ،وﻻ ﻣُﻌَ ﱟﺰ
ﺳﻮى أﻣﲇ ﺑﺮﺟﻮﻋﻚ إﱄ ﻣﻦ ﺑني ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﺤﺮب ،وﻻ أﻗﺪر أن أﻓﺘﻜﺮ إﻻ ﺑﻤﺎ ﻗﻠﺘَﻪ
ﱄ ﻋﻨﺪ اﻟﻮداع ﺑﺄن ﻋﻨﺪ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن أﻣﺎﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﺪم ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ َرد َﱢﻫﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ … ﻻ أدري
ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻣﺎذا أﻛﺘﺐ ،ﺑﻞ أﺗﺮك ﻧﻔﴘ ﺗﺴﻴﻞ ﻋﲆ اﻟﻮرق ،ﻧﻔﺲ ﻳﻌﺬﺑﻬﺎ اﻟﺸﻘﺎء
وﻳﻌﺰﻳﻬﺎ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ اﻷﻟﻢ ﻟﺬة واﻷﺣﺰان ﻣﴪة ،ﱠملﺎ وﺣﱠ ﺪ اﻟﺤﺐ ﻗﻠﺒﻴﻨﺎ
وﴏﻧﺎ ﻧﺘﻮﻗﻊ ﺿﻢ ﺟﺴﻤني ﺗﺠﻮل ﻓﻴﻬﻤﺎ روح واﺣﺪة ،ﻧﺎدﺗﻚ اﻟﺤﺮب ﻓﺎﺗﺒﻌﺘﻬﺎ
ﻣﺪﻓﻮﻋً ﺎ ﺑﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻮاﺟﺐ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺬي ﻳﻔﺮق املﺤﺒني وﻳﺮﻣﻞ
اﻟﻨﺴﺎء وﻳﻴﺘﻢ اﻷﻃﻔﺎل؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ أﺳﺒﺎب ﺻﻐرية ﺗﺪﻋﻮ
اﻟﺤﺮب ﻟﺘﺨﺮﻳﺐ اﻟﺒﻼد؟ ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻮاﺟﺐ املﺤﺘﻮم ﻋﲆ اﻟﻘﺮوي املﺴﻜني واﻟﺬي ﻻ
ﻳﺤﻔﻞ ﺑﻪ اﻟﻘﻮي واﺑﻦ اﻟﴩف املﻮروث؟ إذا ﻛﺎن اﻟﻮاﺟﺐ ﻳﻨﻔﻲ اﻟﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺑني
اﻷﻣﻢ ،واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺗﺰﻋﺞ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺴﻼم ﻋﲆ اﻟﻮاﺟﺐ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ .ﻻ
ﻻ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻻ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻜﻼﻣﻲ ﺑﻞ ﻛﻦ ﺷﺠﺎﻋً ﺎ وﻣﺤﺒٍّﺎ ﻟﻮﻃﻨﻚ ،وﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﻛﻼم
اﺑﻨﺔ أﻋﻤﺎﻫﺎ اﻟﺤﺐ وأﺿﺎع ﺑﺼريﺗﻬﺎ اﻟﻔﺮاق ،إذا ﻛﺎن اﻟﺤﺐ ﻻ ﻳﺮﺟﻌﻚ إﱃ ﻫﺬه
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺎﻟﺤﺐ ﻳﻀﻤﻨﻲ إﻟﻴﻚ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻵﺗﻴﺔ«.
وﺿﻌﺖ ﺑﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺗﺤﺖ أﺛﻮاب اﻟﺸﺎب وﺳﺒﺤﻦ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﻣﺤﺰﻧﺔ ،وملﺎ ﺑﻌﺪن
ﻗﺎﻟﺖ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ:
»إن ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن أﻗﴗ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻧﺒﺘﻮن«
26
اﻟﻨﻔﺲ
ﱠملﺖ اﻟﺸﻤﺲ أذﻳﺎﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻨﺎﴐة ،وﻃﻠﻊ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻦ وراء اﻷﻓﻖ وﺳﻜﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ
اﻧﻘﻼب اﻟﺠﻮ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ إﱃ ﺣﺎﻟﺔ،
ِ ً
ﻟﻄﻴﻔﺎ ،وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺗﺤﺖ اﻷﺷﺠﺎر أﺗﺄﻣﻞ ﰲ ﻧﻮ ًرا
وأﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻳَﺎ اﻷﻏﺼﺎن إﱃ اﻟﻨﺠﻮم املﻨﺸﻮرة ﻛﺎﻟﺪراﻫﻢ ﻋﲆ ﺑﺴﺎط أزرق ،وأﺳﻤﻊ ﻣﻦ
ﺑﻌﻴﺪ ﺧﺮﻳﺮ ﺟﺪاول اﻟﻮادي.
وملﺎ اﺳﺘﺄﻣﻨﺖ اﻟﻄﻴﻮر ﺑني اﻟﻘﻀﺒﺎن املﻮ ﱢرﻗﺔ ،وأﻏﻤﻀﺖ اﻷزﻫﺎر ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ وﺳﺎدت
اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،ﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ أﻗﺪام ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻋﲆ اﻷﻋﺸﺎب ﻓﺤﻮﻟﺖ ﻧﻈﺮي ،وإذا ﺑﻔﺘﻰ وﻓﺘﺎة
ﻳﻘﱰﺑﺎن ﻣﻨﱢﻲ ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺎ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة ﻏﻀﺔ وأﻧﺎ أراﻫﻤﺎ وﻻ أُرى.
وﺑﻌﺪ أن ﺗَ َﻠ ﱠﻔ َﺖ اﻟﻔﺘﻰ إﱃ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺳﻤﻌﺘُﻪ ﻳﻘﻮل» :اﺟﻠﴘ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ
واﺳﻤﻌﻴﻨﻲ ،اﺑﺘﺴﻤﻲ ﻷن اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ ﻫﻲ رﻣﺰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ،واﻓﺮﺣﻲ ﻷن اﻷﻳﺎم ﻗﺪ ﻓﺮﺣﺖ ﻣﻦ
أﺟﻠﻨﺎ ،ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻧﻔﴘ ﺑﺎﻟﺸﻚ اﻟﺬي ﻳﺨﺎﻣﺮ ﻗﻠﺒﻚ ،واﻟﺸﻚ ﰲ اﻟﺤﺐ إﺛﻢ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐ
ﺗﺼريﻳﻦ ﺳﻴﺪة ﻫﺬه اﻷﻣﻼك اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨريﻫﺎ ذﻟﻚ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﻔﴤ ،ورﺑﺔ ﻫﺬ اﻟﻘﴫ
املﻀﺎﻫﻲ ﻗﺼﻮر املﻠﻮك ،ﺗﺠ ﱡﺮك ﺧﻴﻮﱄ املﻄﻬﻤﺔ ﰲ املﺘﻨﺰﻫﺎت وﺗﺬﻫﺐ ﺑﻚ ﻣﺮﻛﺒﺎﺗﻲ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ
إﱃ املﺮاﻗﺺ واملﻼﻫﻲ ،اﺑﺘﺴﻤﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺘﺴﻢ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﺧﺰاﺋﻨﻲ ،وارﻣﻘﻴﻨﻲ ﻛﻤﺎ
ﺗﺮﻣﻘﻨﻲ ﺟﻮاﻫﺮ واﻟﺪي ،اﺳﻤﻌﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻓﻘﺪ أﺑﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﱠأﻻ ﻳﺴﻜﺐ أﻣﺎﻣﻚ ﻣﺨﺒﺂﺗﻪ ،أﻣﺎﻣﻨﺎ
ﺳﻨﺔ اﻟﻌﺴﻞ ،ﺳﻨﺔ ﻧﴫﻓﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻜﺜري ﻋﲆ ﺷﻮاﻃﺊ ﺑﺤريات ﺳﻮﻳﴪا ،وﰲ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت
إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وﻗﺮب ﻗﺼﻮر اﻟﻨﻴﻞ ،وﺗﺤﺖ أﻏﺼﺎن أرز ﻟﺒﻨﺎن ،ﺳﻮف ﺗﻠﺘﻘني ﺑﺎﻷﻣريات واﻟﺴﻴﺪات
ﻓﻬﻼ رﺿﻴﺖ! آه ﻣﺎ أﺣﲆ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ ﻓﻴﺤﺴﺪﻧﻚ ﻋﲆ ﺣﻼك وﻣﻼﺑﺴﻚ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟﻚ ﻣﻨﻲ ،ﱠ
ﺗﺤﺎﻛﻲ اﺑﺘﺴﺎم دﻫﺮي!«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ رأﻳﺘﻬﻤﺎ ﻳﻤﺸﻴﺎن ﻋﲆ ﻣﻬﻞ وﻳﺪوﺳﺎن اﻷزﻫﺎر ﺑﺄﻗﺪاﻣﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺪوس ﻗﺪم
اﻟﻐﻨﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻔﻘري.
ﻏﺎﺑﺎ ﻋﻦ ﺑﴫي وأﻧﺎ أﻓﻜﺮ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ املﺎل ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺐ ،أﻓﻜﺮ ﺑﺎملﺎل ﻣﺼﺪر ﴍور اﻹﻧﺴﺎن
وﺑﺎﻟﺤﺐ ﻣﻨﺒﻊ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻨﻮر.
ﻇﻠﻠﺖ ﺗﺎﺋﻬً ﺎ ﰲ ﻣﺴﺎرح ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﺣﺘﻰ ملﺤﺖ ﺷﺒﺤني ﻣ ﱠﺮا ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻲ وﺟﻠﺴﺎ ﻋﲆ
اﻷﻋﺸﺎب ،ﻓﺘﻰ وﻓﺘﺎة أَﺗَﻴَﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺤﻘﻮل ﺣﻴﺚ أﻛﻮاخ اﻟﻔﻼﺣني ﰲ املﺰارع ،وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﺔ
ﻣﻦ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻣﺆﺛﱢﺮة ﺳﻤﻌﺖ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﺻﺎد ًرا ﻣﻊ ﺗﻨﻬﺪات ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻓﻢ ﻣﺼﺪور» :ﻛﻔﻜﻔﻲ
اﻟﺪﻣﻊ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،إن املﺤﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺎءت ﻓﻔﺘﺤﺖ أﻋﻴﻨﻨﺎ وﺟﻌﻠﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدﻫﺎ ﺗﻬﺒﻨﺎ ﻧﻌﻤﺔ
اﻟﺼﱪ واﻟﺘﺠﻠﺪ ،ﻛﻔﻜﻔﻲ اﻟﺪﻣﻊ وﺗَﻌَ ﱠﺰي ﻷﻧﻨﺎ ﺗﺤﺎﻟﻔﻨﺎ ﻋﲆ دﻳﻦ اﻟﺤﺐ ،وﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﺐ
اﻟﻌﺬب ﻧﺤﺘﻤﻞ ﻋﺬاب اﻟﻔﻘﺮ وﻣﺮارة اﻟﺸﻘﺎء وﺗﺒﺎرﻳﺢ اﻟﻔﺮاق ،وﻻ ﺑﺪ ﱄ ﻣﻦ ﻣﺼﺎرﻋﺔ اﻷﻳﺎم
ﺣﺘﻰ أﻇﻔﺮ ﺑﻐﻨﻴﻤﺔ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﺄن أﺿﻌﻬﺎ ﺑني ﻳﺪﻳﻚ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ ﻗﻄﻊ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﻌﻤﺮ ،إن
املﺤﺒﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ — وﻫﻲ ﷲ — ﺗﻘﺘﺒﻞ ﻣﻨﱠﺎ ﻫﺬه اﻟﺘﻨﻬﺪات وﻫﺬه اﻟﺪﻣﻮع ﻛﺒﺨﻮر ﻋﺎﻃﺮ،
وﻫﻲ ﺗﻜﺎﻓﺌﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻧﺴﺘﺤﻖ ،أودﻋﻚ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻓﺄﻧﺎ راﺣﻞ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻐﻴﺐ اﻟﻘﻤﺮ«.
رﻗﻴﻘﺎ ﺗﻘﺎﻃﻌﻪ زﻓﺮات أﻧﻔﺎس ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ ،ﺻﻮت ﻋﺬراء ﻟﻄﻴﻔﺔ أودﻋﺘﻪ ً ﺛﻢ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ
ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ ﺟﻮارﺣﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮارة اﻟﺤﺐ وﻣﺮارة اﻟﺘﻔﺮق وﺣﻼوة اﻟﺘﺠﻠﺪ ﺗﻘﻮل» :اﻟﻮادع ﻳﺎ
ﺣﺒﻴﺒﻲ«.
ﺛﻢ اﻓﱰﻗﺎ وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ ﺗﺤﺖ أﻏﺼﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮة ﺗﺘﺠﺎذﺑﻨﻲ أﻳﺪي اﻟﺸﻔﻘﺔ وﺗﺘﺴﺎﻫﻤﻨﻲ
أﴎار ﻫﺬا اﻟﻜﻮن اﻟﻐﺮﻳﺐ.
وﻧﻈﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﺮاﻗﺪة ،وﺗﺄﻣﻠﺖ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﻓﻮﺟﺪت ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻪ
وﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ،ﺷﻴﺌًﺎ ﻻ ﻳﺸﱰى ﺑﺎملﺎل ،وﺟﺪت ﺷﻴﺌًﺎ ﻻ ﺗﻤﺤﻮه دﻣﻮع اﻟﺨﺮﻳﻒ وﻻ ﻳﻤﻴﺘﻪ ﺣﺰن
اﻟﺸﺘﺎء ،ﺷﻴﺌًﺎ ﻻ ﺗﻮﺟﺪه ﺑﺤريات ﺳﻮﻳﴪا وﻻ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎت إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وﺟﺪت ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺘﺠ ﱠﻠﺪ ﻓﻴﺤﻴﺎ
ﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ وﻳﺜﻤﺮ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺟﺪت ﻓﻴﻬﺎ املﺤﺒﺔ.
30
رؤﻳﺎ
ﻗﻔﺼﺎ ﺣﺒﻜﺖ ﺿﻠﻮﻋﻪ ﻳ ٌﺪ ﻣﺎﻫﺮة، ً ﻫﻨﺎك ﰲ وﺳﻂ اﻟﺤﻘﻞ ﻋﲆ ﺿﻔﺔ ﺟﺪول ﺑﻠﻮري رأﻳﺖ
ﻒ ﻣﺎؤه وﺟﺮن ﻧﻔﺪت وﰲ إﺣﺪى زواﻳﺎ اﻟﻘﻔﺺ ﻋﺼﻔﻮ ٌر ﻣﻴﺖ ،وﰲ زاوﻳﺔ أﺧﺮى ﺟﺮن ﺟَ ﱠ
ﺑﺬوره.
ﻛﺄن ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮ املﻴﺖ وﺻﻮت ﻓﻮﻗﻔﺖ وﻗﺪ اﻣﺘﻠﻜﺘﻨﻲ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،وأﺻﻐﻴﺖ ﺻﺎﻏ ًﺮا ﱠ
اﻟﺠﺪول ﻋﻈﺔ ﺗﺴﺘﻨﻄﻖ اﻟﻀﻤري وﺗﺴﺘﻔﴪ اﻟﻘﻠﺐ ،وﺗﺄﻣﻠﺖ ﻓﻌﻠﻤﺖ أن ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﻔﻮر
ﻋﻄﺸﺎ وﻫﻮ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﺠﺎري املﻴﺎه وﻏﺎﻟﺒﻪ ﺟﻮﻋً ﺎ وﻫﻮ ﰲ وﺳﻂ ً اﻟﺤﻘري ﻗﺪ ﺻﺎرع املﻮت
اﻟﺤﻘﻮل اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻬﺪ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻛﻐﻨﻲ أﻗﻔﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ أﺑﻮاب ﺧﺰاﺋﻨﻪ ﻓﻤﺎت ﺟﻮﻋً ﺎ ﺑني اﻟﺬﻫﺐ.
ً
ﺷﻔﺎﻓﺎ ،وﺗﺤﻮﱠل وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﻬﺔ رأﻳﺖ اﻟﻘﻔﺺ ﻗﺪ اﻧﻘﻠﺐ ﻓﺠﺄة وﺻﺎر ﻫﻴﻜﻞ إﻧﺴﺎن
اﻟﻄﺎﺋﺮ املﻴﺖ إﱃ ﻗﻠﺐ ﺑﴩي ﻓﻴﻪ ﺟﺮح ﻋﻤﻴﻖ ﻳﻘﻄﺮ دﻣً ﺎ ﻗﺮﻣﺰﻳٍّﺎ ،وﻗﺪ ﺣﺎﻛﺖ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺠﺮح
ﺷﻔﺘﻲ اﻣﺮأة ﺣﺰﻳﻨﺔ.
ﺛﻢ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﺧﺎرﺟً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺮح ﻣﻊ ﻗﻄﺮات اﻟﺪﻣﺎء ً
ﻗﺎﺋﻼ:
»أﻧﺎ ﻫﻮ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي أﺳري املﺎدة ،وﻗﺘﻴﻞ ﴍاﺋﻊ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﱰاﺑﻲ ﰲ وﺳﻂ ﺣﻘﻞ
ﴎ ُت ﰲ ﻗﻔﺺ اﻟﴩاﺋﻊ اﻟﺘﻲ َﺳﻨﱠﻬَ ﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺸﻮاﻋﺮ، اﻟﺠﻤﺎل ،ﻋﲆ ﺿﻔﺔ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ اﻟﺤﻴﺎة أ ُ ِ ْ
ﻣﻬﻤﻼ؛ ﻷن ﺛﻤﺎر ﺗﻠﻚ املﺤﺎﺳﻦ وﻧﺘﺎج ً ﻋﲆ ﻣﻬﺪ ﻣﺤﺎﺳﻦ املﺨﻠﻮﻗﺎت ﺑني أﻳﺪي املﺤﺒﺔ ﱡ
ﻣﺖ
ﻫﺬه املﺤﺒﺔ ﻗﺪ ﺣ ﱠﺮﻣَ ﺎ ﻋﲇ ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻗﻨﻲ ،ﺻﺎر ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻗﻨﻲ ﺑﻌﺮف اﻹﻧﺴﺎن ﻋﺎ ًرا،
وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أﺷﺘﻬﻴﻪ أﺻﺒﺢ ﰲ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻣﺬﻟﺔ.
ْت ﺑﺴﻼﺳﻞ ُ
أﻧﺎ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ﻗﺪ ﺣُ ِﺒ ْﺴ ُﺖ ﰲ ﻇﻠﻤﺔ ﺳﻨﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻓﻀﻌﻔﺖ ،وﻗﻴﱢﺪ ُ
اﻷوﻫﺎم ﻓﺎﺣﺘﴬت ،وأ ُ ْﻫ ِﻤ ْﻠ ُﺖ ﰲ زواﻳﺎ ﻏﻲ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﻀﻴﺖ ،وﻟﺴﺎن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻌﻘﺪ وﻋﻴﻮﻧﻬﺎ
ﻧﺎﺷﻔﺔ وﻫﻲ ﺗﺒﺘﺴﻢ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺳﻤﻌﺖ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ورأﻳﺘﻬﺎ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻊ ﻗﻄﺮات اﻟﺪم ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺠﺮﻳﺢ ،وﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ ﻟﻢ أﻋﺪ أرى ﺷﻴﺌًﺎ وﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗًﺎ ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻟﺤﻘﻴﻘﺘﻲ.
32
اﳉﲈل
ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎروا ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻷدﻳﺎن املﺘﺸﻌﺒﺔ ،وﻫﺎﻣﻮا ﰲ أودﻳﺔ اﻻﻋﺘﻘﺎدات املﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ،ﻓﺮأوا
ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺠﺤﻮد أوﰱ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ،وﻣﺴﺎرج اﻟﻨﻜﺮان أﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻗﻞ اﻷﺗﺒﺎع ،اﺗﺨﺬوا
اﻟﺠﻤﺎل دﻳﻨًﺎ واﺗﻘﻮه رﺑٍّﺎ ،ﻓﻬﻮ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﰲ ﻛﻤﺎل املﺨﻠﻮﻗﺎت ،اﻟﺒﺎدي ﰲ ﻧﺘﺎﺋﺞ املﻌﻘﻮﻻت،
اﻧﺒﺬوا اﻷ ُ َﱃ ﻣﺜﻠﻮا اﻟﺘﺪﻳﻦ ﻟﻬﻮًا وآﻟﻔﻮا ﺑني ﻃﻤﻌﻬﻢ ﺑﺎملﺎل وﺷﻐﻔﻬﻢ ﺑﺤﺴﻦ املﺂل ،وآﻣﻨﻮا
ﺑﺄﻟﻮﻫﻴﺔ ﺟﻤﺎل ﻛﺎن ﺑﺪء اﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻜﻢ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻣﻨﺒﻊ ﻣﺤﺒﺘﻜﻢ واﻟﺴﻌﺎدة ،ﺛﻢ ﺗﻮﺑﻮا إﻟﻴﻪ ﻓﻬﻮ
املﻘﺮب ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻣﻦ ﻋﺮش املﺮأة ﻣﺮآة ﺷﻌﺎﺋﺮﻛﻢ ،واملﺪرب أﻧﻔﺴﻜﻢ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻮﻃﻦ
ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ.
وﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺿﺎﻋﻮا ﰲ ﻟﻴﻞ اﻟﺘﻘﻮﱡﻻت ،وﻏﺮﻗﻮا ﰲ ﻟﺠﺞ اﻷوﻫﺎم ،إن ﰲ اﻟﺠﻤﺎل ﺣﻘﻴﻘﺔ
ﻧﺎﻓﻴﺔ اﻟﺮﻳﺐ ،ﻣﺎﻧﻌﺔ اﻟﺸﻚ ،وﻧﻮ ًرا ﺑﺎﻫ ًﺮا ﻳﻘﻴﻜﻢ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺒﻄﻞ ،ﺗﺄﻣﻠﻮا ﰲ ﻳﻘﻈﺔ اﻟﺮﺑﻴﻊ وﻣﺠﻲء
اﻟﺼﺒﺢ ،إن اﻟﺠﻤﺎل ﻧﺼﻴﺐ املﺘﺄﻣﻠني.
أﺻﻐﻮا ﻷﻧﻐﺎم اﻟﻄﻴﻮر ،وﺣﻔﻴﻒ اﻷﻏﺼﺎن ،وﺧﺮﻳﺮ اﻟﺠﺪول ،إن اﻟﺠﻤﺎل ﻗﺴﻤﺔ
وﻗ ﱠﻮ َة اﻟﻜﻬﻞ ،وﺣﻜﻤﺔ اﻟﺸﻴﺦ ،إن ف اﻟﺸﺎبُ ، اﻟﺴﺎﻣﻌني ،اﻧﻈﺮوا وداﻋﺔ اﻟﻄﻔﻞ ،و ُ
ﻇ ْﺮ َ
اﻟﺠﻤﺎل ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ.
ﺗﺸﺒﺒﻮا ﺑﻨﺮﺟﺲ اﻟﻌﻴﻮن ،وورد اﻟﺨﺪود ،وﺷﻘﻴﻖ اﻟﻔﻢ؛ إن اﻟﺠﻤﺎل ﻳﺘﻤﺠﺪ ﺑﺎملﺘﺸﺒﺒني،
ُﴪ ﺑﺎملﺴﺒﺤنيَ .ﻛ ﱢﺮ ُﺳﻮا اﻟﺠﺴﺪ
ﺳﺒﱢﺤُ ﻮا ﻟﻐﺼﻦ اﻟﻘﺪ ،وﻟﻴﻞ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻋﺎج اﻟﻌﻨﻖ؛ إن اﻟﺠﻤﺎل ﻳ َ ﱡ
ﻫﻴﻜﻼ ﻟﻠﺤﺴﻦ ،وﻗﺪﺳﻮا اﻟﻘﻠﺐ ﻣﺬﺑﺤً ﺎ ﻟﻠﺤﺐ؛ إن اﻟﺠﻤﺎل ﻳﺠﺎزي املﺘﻌﺒﺪﻳﻦ. ً
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺗﻬﻠﻠﻮا ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ أُﻧ ْ ِﺰ َﻟ ْﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ آﻳﺎت اﻟﺠﻤﺎل ،واﻓﺮﺣﻮا إذ ﻻ ﺧﻮف ﻋﻠﻴﻜﻢ وﻻ أﻧﺘﻢ
ﺗﺤﺰﻧﻮن.
34
اﳊﺮوف اﻟﻨﺎرﻳﺔ
ﺟﺎن ﻛﻴﺘﺲ
أﻫﻜﺬا ﺗﻤﺮ ﺑﻨﺎ اﻟﻠﻴﺎﱄ؟ أﻫﻜﺬا ﻧﻨﺪﺛﺮ ﺗﺤﺖ أﻗﺪام اﻟﺪﻫﺮ؟ أﻫﻜﺬا ﺗﻄﻮﻳﻨﺎ اﻷﺟﻴﺎل وﻻ ﺗﺤﻔﻆ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ املﺪاد؟ أﻳﻨﻄﻔﺊ ﻫﺬا اﻟﻨﻮر وﺗﺰول ﻫﺬهﻄﻪ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﻬﺎ ﺑﻤﺎء ً ﻟﻨﺎ ﺳﻮي اﺳﻢ ﻧﺨ ﱡ
املﺤﺒﺔ وﺗﻀﻤﺤﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻧﻲ؟
أﻳﻬﺪم املﻮت ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺒﻨﻴﻪ وﻳﺬري اﻟﻬﻮاء ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ وﻳُﺨﻔﻲ اﻟﻈﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻔﻌﻠﻪ؟
ﻣﺎض ﻗﺪ زال واﺧﺘﻔﺖ آﺛﺎ ُره ،وﺣﺎﴐ ﻳﺮﻛﺾ ً
ﻻﺣﻘﺎ ﺑﺎملﺎﴈ، أﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺤﻴﺎة؟ ﻫﻞ ﻫﻲ ٍ
وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ إﻻ إذا ﻣﺎ ﻣﺮ وﺻﺎر ﺣﺎﴐً ا أو ﻣﺎﺿﻴًﺎ؟ أﺗﺰول ﺟﻤﻴﻊ ﻣﴪات ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ
وأﺣﺰان أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺪون أن ﻧﻌﻠﻢ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ؟
أﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺜﻞ زﺑﺪ اﻟﺒﺤﺮ ﻳﻄﻔﻮ دﻗﻴﻘﺔ ﻋﲆ وﺟﻪ املﺎء ﺛﻢ ﺗﻤﺮ ﻧﺴﻴﻤﺎت
اﻟﻬﻮاء ﻓﺘﻄﻔﺌﻪ وﻳﺼﺒﺢ ﻛﺄﻧﱠﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ!
ﻻ ﻟﻌﻤﺮي ﻓﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﺣﻴﺎة ،ﺣﻴﺎة ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺑﺘﺪاؤﻫﺎ ﰲ اﻟﺮﺣﻢ وﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﺘﻬﺎﻫﺎ
ﰲ اﻟﻠﺤﺪ ،وﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﻮات إﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة أزﻟﻴﺔ أﺑﺪﻳﺔ ،ﻫﺬا اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺪﻧﻴﻮي ﻣﻊ ﻛﻞ
ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ﺣﻠﻢ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻴﻘﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺪﻋﻮﻫﺎ املﻮت املﺨﻴﻒ ،ﺣﻠﻢ وﻟﻜﻦ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎه وﻓﻌﻠﻨﺎه
ﻓﻴﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﺒﻘﺎء ﷲ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻓﺎﻷﺛري ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻞ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ وﻛﻞ ﺗﻨﻬﺪة ﺗﺼﻌﺪ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ وﻳﺤﻔﻆ ﺻﺪى ﻛﻞ ﻗﺒﻠﺔ
ﻣﺼﺪرﻫﺎ املﺤﺒﺔ ،واملﻼﺋﻜﺔ ﺗﺤﴢ ﻛﻞ دﻣﻌﺔ ﻳﻘﻄﺮﻫﺎ اﻟﺤﺰن ﻣﻦ ﻣﺂﻗﻴﻨﺎ وﺗﻌﻴﺪ ﻋﲆ ﻣﺴﻤﻊ
اﻷرواح اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ﰲ ﻓﻀﺎء اﻟﻼﻧﻬﺎﻳﺔ ﻛﻞ أﻧﺸﻮدة اﺑﺘﺪﻋﻬﺎ اﻟﻔﺮح ﻣﻦ ﺷﻮاﻋﺮﻧﺎ.
ﻫﻨﺎك ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺗﻲ ﺳﻨﺮى ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻤﻮﺟﺎت ﺷﻮاﻋﺮﻧﺎ واﻫﺘﺰازات ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،وﻫﻨﺎك
ﻧﺪرك ُﻛﻨ ْ َﻪ أﻟﻮﻫﻴﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﻘﺮﻫﺎ اﻵن ﻣﺪﻓﻮﻋني ﺑﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻘﻨﻮط ،اﻟﻀﻼل اﻟﺬي ﻧﺪﻋﻮه
ﺿﻌﻔﺎ ﺳﻴﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻐﺪ ﻛﺤﻠﻘﺔ ﻛﻴﺎﻧﻬﺎ واﺟﺐ ﻟﺘﻜﻤﻠﺔ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺣﻴﺎة اﺑﻦ آدم. ً اﻟﻴﻮم
اﻷﺗﻌﺎب ﻻ ﻧﻜﺎﻓﺄ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻵن ﺳﺘﺤﻴﺎ ﻣﻌﻨﺎ وﺗﺬﻳﻊ ﻣﺠﺪﻧﺎ.
ً
إﻛﻠﻴﻼ ﻟﻔﺨﺮﻧﺎ. اﻷرزاء اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﻤﻠﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن
ﻫﺬا وﻟﻮ ﻋﻠﻢ »ﻛﻴﺘﺲ« ذﻟﻚ اﻟﺒﻠﺒﻞ اﻟﺼﺪاح أﻧﺎﺷﻴﺪه ﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﺒﺚ روح ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺠﻤﺎل
ﰲ ﻗﻠﻮب اﻟﺒﴩ ﻟﻘﺎل» :اﺣﻔﺮوا ﻋﲆ ﻟﻮح ﻗﱪي :ﻫﻨﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻦ ُﻛﺘِﺐَ اﺳﻤﻪ ﻋﲆ أدﻳﻢ اﻟﺴﻤﺎء
ﺑﺄﺣﺮف ﻣﻦ ﻧﺎر«.
36
ﺑﲔ اﳋﺮاﺋﺐ
ً
ﻟﻄﻴﻔﺎ ،وﻇﻔﺮ اﻟﻬﺪوء ﺑﺄﻋِ ﻨ ﱠ ِﺔ و ﱠَﺷﺢَ اﻟﻘﻤﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻤﺎﺋﻞ املﺤﺎﻃﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺮﻗﻌً ﺎ
اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ،وﺑﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺮاﺋﺐ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺟﺒﺎ ٌر ﻳﻬﺰأ ﺑﻌﺎدﻳﺎت اﻟﻠﻴﺎﱄ.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻧﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻻ ﳾء ﺧﻴﺎﻻن ﻳﺸﺒﻬﺎن أﺑﺨﺮة ﻣﺘﺼﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﺑﺤرية زرﻗﺎء،
وﺟﻠﺴﺎ ﻋﲆ ﻋﻤﻮد رﺧﺎﻣﻲ اﺳﺘﺄﺻﻠﻪ اﻟﺪﻫﺮ ﻣﻦ ذاك اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻳﺘﺄﻣﱠ ﻼن ﺑﻤﺤﻴﻂ ﻳﺤﺎﻛﻲ
ﻣﺴﺎرح اﻟﺴﺤﺮ ،وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﻬﺔ رﻓﻊ أﺣﺪﻫﻤﺎ رأﺳﻪ وﺑﺼﻮت ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺼﺪى اﻟﺬي ﺗﺮدﱢده ﺧﻼﻳﺎ
اﻷودﻳﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻗﺎل» :ﻫﺬه ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻫﻴﺎﻛﻞ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ ،وﺗﻠﻚ رﻣﻢ ﻗﴫ
ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮى أﺛﺮ ﻳﺤﺪث اﻷﻣﻢ ﺑﻤﺠﺪ ﴏﻓﺖ اﻟﺤﻴﺎة رﻓﻌﺘﻪ ﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻚ ،وﻗﺪ ُد ﱠﻛ ْﺖ وﻟﻢ َ
ﻟﺘﻌﻤﻴﻤﻪ ،و ِﻋ ﱟﺰ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﻀﻌﻔﺎء ﻟﺘﻌﻈﻴﻤﻪ .ﺗﺄﻣﲇ ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻠﺒﺖ اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻋﲆ
ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺷﻴﱠﺪﺗﻬﺎ ،واﺳﺘﺼﻐﺮت اﻷﺟﻴﺎل ﺣﻜﻤﺔ رأﻳﺘﻬﺎ ،وأﺿﺎع اﻟﻨﺴﻴﺎن ﻣﻠ ًﻜﺎ رﻓﻌﺘﻪ ،وﻟﻢ َ
ﻳﺒﻖ
ً
ﻫﻴﻜﻼ ﱄ ﺳﻮى دﻗﺎﺋﻖ املﺤﺒﺔ اﻟﺘﻲ أوﻟﺪﻫﺎ ﺟﻤﺎﻟﻚ ،وﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي أﺣﻴﺎه ﺣﺒﱡﻚ ،ﺑﻨﻴﺖ
ﻣﺴﺘﻔﴪا ﻇﻮاﻫﺮ ً ﱠات ،ﴏﻓﺖ اﻟﻌﻤﺮ ﺑني أﺿﻠﻌﻲ ﻟﻠﻤﺤﺒﺔ ﻓﻘﺪﺳﻪ ﷲ وﻟﻦ ﺗﻘﻮى ﻋﻠﻴﻪ ُ
اﻟﻘﻮ ُ
ﻣﺴﺘﻨﻄﻘﺎ أﻋﻤﺎل املﺎدة ،ﻓﻘﺎل اﻹﻧﺴﺎن» :ﻣﺎ أﺣﻜﻤﻪ ﻣﻠﻜﺎ!« وﻗﺎﻟﺖ املﻼﺋﻜﺔ» :ﻣﺎ ً اﻷﺷﻴﺎء
أﺻﻐﺮه ﺣﻜﻴﻤﺎ!« ﺛﻢ رأﻳﺘﻚ ﻳﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ وﻏﻨﻴﺖ ﻓﻴﻚ ﻧﺸﻴﺪ ﻣﺤﺒﺔ وﺷﻮق ،ﻓﻔﺮﺣﺖ املﻼﺋﻜﺔ
أﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺘﺒﻪ .ﻛﺎﻧﺖ أﻳﺎم ﻣﻠﻜﻲ ﻛﺎﻟﺤﻮاﺟﺰ ﺑني ﻧﻔﴘ اﻟﻈﻤﺂﻧﺔ واﻟﺮوح اﻟﺠﻤﻴﻞ
املﺴﺘﻘﺮ ﰲ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ،وملﺎ رأﻳﺘﻚ اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ املﺤﺒﺔ وﻫﺪﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻮاﺟﺰ ﻓﺄﺳﻔﺖ ﻋﲆ ﻋﻤﺮ
ﺑﺎﻃﻼ ،ﺣﺒﻜﺖ اﻟﺪروع ً ﴏﻓﺘﻪ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤً ﺎ ﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻘﻨﻮط ،ﺣﺎﺳﺒًﺎ ﻛﻞ ﳾء ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ
وﻃﺮﻗﺖ اﻟﱰوس ،ﻓﺨﺎﻓﺘﻨﻲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،وملﺎ أﻧﺎرﺗﻨﻲ املﺤﺒﺔ اﺣﺘُﻘِ ْﺮ ُت ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﻲ ،وﻟﻜﻦ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء املﻮت أودع ﺗﻠﻚ اﻟﺪروع واﻟﱰوس اﻟﱰاب وﺣﻤﻞ ﻣﺤﺒﺘﻲ إﱃ ﷲ«.
وﺑﻌﺪ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻗﺎل اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺜﺎﻧﻲ» :ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻜﺘﺴﺐ اﻟﺰﻫﺮة ﻋﻄﺮﻫﺎ وﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﱰاب،
ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺴﺘﺨﻠﺺ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ املﺎدة وﺧﻄﺎﻫﺎ ﻗﻮة وﺣﻜﻤﺔ«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ً
ﺧﻴﺎﻻ واﺣﺪًا وﺳﺎرا ،وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﺔ أذاع اﻟﻬﻮاء ﻫﺬه ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﻤﺎزج اﻟﺨﻴﺎﻻن وﺻﺎ َرا
اﻟﻜﻠﻤﺎت ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺤﺎء» :ﻻ ﺗﺤﻔﻆ اﻷﺑﺪﻳﺔ إﻻ املﺤﺒﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺜﻠﻬﺎ«.
38
رؤﻳﺎ
1ﻛﺎن ﻟﻠﻔﻨﻮن ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﺎء اﻟﻴﻮﻧﺎن ﺗﺴﻊ ﻣﻌﺒﻮدات »ﻣﻴﻮز« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻦ ﺗﻮﺣﻲ إﱃ ﻣﺮﻳﺪﻫﺎ ﺑﺤﺴﺐ
ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﻬﺎ وأﻫﻠﻴﺘﻪ ﻟﻌﻄﺎﻳﺎﻫﺎ ،وﻫﺬه أﺳﻤﺎؤﻫﻦ» :ﻣﻴﻠﻴﻮﻣني« رﺑﺔ اﻟﺮواﻳﺎت املﺤﺰﻧﺔ» ،ﺑﻮملﻴﻨﺎ« رﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮ
واﻟﻐﻨﺎء» ،ﺛﺎﻟﻴﺎ« رﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻬﺰﱄ» ،ﻛﺎﻟﻴﻮب« رﺑﺔ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺸﻌﺮ اﻟﺤﻤﺎﳼ» ،أراﺗﻮ« رﺑﺔ املﻮﺷﺤﺎت
واﻟﻐﺰل» ،ﺗﺮﺳﻜﻮري« رﺑﺔ اﻟﺮﻗﺺ» ،أوراﻧﻴﺎ« رﺑﺔ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ» ،ﻛﻠﻴﻮ« رﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ» ،أوﺗﺮﺑﻲ« رﺑﺔ ﻓﻦ
املﻮﺳﻴﻘﻰ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻋﺎل ،ﻓﺮأﻳﺖ اﻷرض وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ أﻣﺎﻣﻲ ﻛﺎﻟﺼﻔﺤﺔ ،وأﴎار ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮة ﻟﻌﻴﻨﻲ ٍ
ﻣﺴﺘﻔﴪا رﻣﻮز اﻟﺤﻴﺎة،
ً ً
ﻛﺎﻟﺨﻄﻮط ،ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻣﺘﻬﻴﱢﺒًﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺤﻮرﻳﺔ ﻣﺘﺄﻣﻼ ﺧﻔﺎﻳﺎ اﻹﻧﺴﺎن،
رأﻳﺖ وﻟﻴﺘﻨﻲ ﻟﻢ أ َ َر ،رأﻳﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﺴﻌﺎدة ﺗﺤﺎرب أﺑﺎﻟﺴﺔ اﻟﺸﻘﺎء ،واﻹﻧﺴﺎن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﰲ
ﺣرية ﺗﻤﻴﻞ ﺑﻪ ﻧﺤﻮ اﻵﻣﺎل ﺗﺎرة واﻟﻘﻨﻮط أﺧﺮى ،رأﻳﺖ اﻟﺤﺐ واﻟﺒﻐﺾ ﻳﻠﻌﺒﺎن ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ
اﻟﺒﴩي ،ﻫﺬا ﻳﺴﱰ ذﻧﻮﺑﻪ وﻳﺴﻜﺮه ﺑﺨﻤﺮة اﻻﺳﺘﺴﻼم وﻳﻄﻠﻖ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﺑﺎملﺪح واﻹﻃﺮاء ،وذاك
ﻳﻬﻴﺞ ﺧﺼﻮﻣﺎﺗﻪ وﻳﻌﻤﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻳﻐﻠﻖ ﺳﺎﻣﻌﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻘﻮل اﻟﺼﺤﻴﺢ ،رأﻳﺖ املﺪﻳﻨﺔ
ﱪﻳ َﱠﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ واﻗﻔﺔ ﻋﻦ ﺑُﻌﺪ ﺗﺒﻜﻲ
ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻛﺎﺑﻨﺔ اﻷزﻗﺔ ﻣﺘﺸﺒﺜﺔ ﺑﺄذﻳﺎل اﺑﻦ آدم ،ﺛﻢ رأﻳﺖ ا ْﻟ َ ﱢ
ﻣﻦ أﺟﻠﻪ.
رأﻳﺖ اﻟﻜﻬﺎن ﻳﺮوﻏﻮن ﻛﺎﻟﺜﻌﺎﻟﺐ ،واملﺴﺤﺎء اﻟﻜﺬﺑﺔ ﻳﺤﺘﺎﻟﻮن ﻋﲆ ﻣﻴﻮل اﻟﻨﻔﺲ،
واﻹﻧﺴﺎن ﻳﴫخ ﻣﺴﺘﻨﺠﺪًا ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ وﻫﻲ ﻧﺎﻓﺮة ﻋﻨﻪ ﻏﻀﺒﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻧﺎدﺗﻪ ﰲ اﻟﺸﻮارع ﻋﲆ رءوس اﻷﺷﻬﺎد.
رأﻳﺖ اﻟﻘﺴﻮس ﻳﻜﺜﺮون رﻓﻊ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء وﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻄﻤﻮرة ﰲ ﻗﺒﻮر املﻄﺎﻣﻊ،
رأﻳﺖ اﻟﻔﺘﻴﺎن ﻳﺘﺤﺒﱠﺒﻮن ﺑﺄﻟﺴﻨﺘﻬﻢ وﻳﻘﱰﺑﻮن ﺑﺂﻣﺎل ﻧﺰﻗﻬﻢ ،وأﻟﻮﻫﻴﺘﻬﻢ ﺑﻌﻴﺪة وﻋﻮاﻃﻔﻬﻢ
ﻧﺎﺋﻤﺔ.
ون ﺑﺜﺮﺛﺮة اﻟﻜﻼم ﺑﺴﻮق اﻟﺨﺪاع واﻟﺮﻳﺎء ،واﻷﻃﺒﺎء ﻳﻠﻌﺒﻮن رأﻳﺖ املﺘﴩﻋني ﻳُﺘَ ِ
ﺎﺟ ُﺮ َ
ﺑﺄرواح اﻟﺒﺴﻄﺎء اﻟﻮاﺛﻘني.
رأﻳﺖ اﻟﺠﺎﻫﻞ ﻳﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﺎﻗﻞ ﻓريﻓﻊ ﻣﺎﺿﻴﻪ ﻋﲆ ﻋﺮش املﺠﺪ ،وﻳﻮﺳﺪ ﺣﺎﴐه ﺑﺴﺎط
اﻟﺴﻌﺔ ،وﻳﻤﺪ ملﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻓﺮاش اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ.
رأﻳﺖ اﻟﻔﻘﺮاء واملﺴﺎﻛني ﻳﺰرﻋﻮن ،واﻷﻏﻨﻴﺎء اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻳﺤﺼﺪون وﻳﺄﻛﻠﻮن ،واﻟﻈﻠﻢ
واﻗﻒ ﻫﻨﺎك واﻟﻨﺎس ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ اﻟﴩﻳﻌﺔ.
رأﻳﺖ ﻟﺼﻮص اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻳﴪﻗﻮن ﻛﻨﻮز اﻟﻌﻘﻞ ،وﺣﺮاس اﻟﻨﻮر ﻏﺮﻗﻰ ﰲ ﻛﺮى اﻟﺘﻮاﻧﻲ.
رأﻳﺖ املﺮأة ﻛﺎﻟﻘﻴﺜﺎرة ﰲ ﻳﺪ رﺟﻞ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﴬب ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺘﺴﻤﻌﻪ أﻧﻐﺎﻣً ﺎ ﻻ ﺗﺮﺿﻴﻪ.
رأﻳﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺎﺋﺐ املﻌﺮوﻓﺔ ﺗﺤﺎﴏ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﴩف املﻮروث ،ﻟﻜﻨﻲ رأﻳﺖ ﻛﺘﺎﺋﺐ ﻗﺪ
اﻧﺤﺪرت ﻷﻧﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻏري ﻣﺘﺤﺪة.
رأﻳﺖ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺴري وﺣﺪﻫﺎ ﰲ اﻟﺸﻮارع وأﻣﺎم اﻷﺑﻮاب ﺗﻄﻠﺐ ﻣﺄوى واﻟﻘﻮم
ﻳﻤﻨﻌﻮﻧﻬﺎ ،ﺛﻢ رأﻳﺖ اﻻﺑﺘﺬال ﻳﺴري ﺑﻤﻮﻛﺐ ﻋﻈﻴﻢ واﻟﻨﺎس ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ اﻟﺤﺮﻳﺔ.
رأﻳﺖ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺪﻓﻮﻧًﺎ ﻃﻲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﻮﻫﻢ ﻗﺎﺋﻤً ﺎ ﻣﻘﺎﻣﻪ.
رأﻳﺖ اﻟﻨﺎس ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺼﱪ ﺛﻮب اﻟﺠﺒﺎﻧﺔ ،وﺗﻌﻄﺮ اﻟﺘﺠﻠﺪ ﻟﻘﺐ اﻟﺘﻮاﻧﻲ ،وﻳﺪﻋﻮ اﻟﻠﻄﻒ
ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺨﻮف.
40
رؤﻳﺎ
41
اﻷﻣﺲ واﻟﻴﻮم
ﻣﴙ املﻮﴎ ﰲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﴏﺣﻪ وﻣﴙ اﻟﻬَ ﱡﻢ ﻣﺘﺒﻌً ﺎ ﺧﻄﻮاﺗﻪ ،وﺣﺎم اﻟﻘﻠﻖ ﻓﻮق رأﺳﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ
ﺗﺤﻮم اﻟﻨﺴﻮر ﻋﲆ ﺟﺜﺔ ﺻﻔﻌﻬﺎ املﻮت ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺑﺤرية ﺗﺴﺎﺑﻘﺖ ﰲ ﺻﻨﻌﻬﺎ أﻳﺪي اﻹﻧﺴﺎن،
وﺟﻤﻌﺖ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺎم املﻨﺤﻮت ،ﻓﺠﻠﺲ ﻫﻨﺎك ﻳﻨﻈﺮ آﻧًﺎ إﱃ املﻴﺎه املﺘﺪﻓﻘﺔ ﻣﻦ
ﺗﺪﻓﻖ اﻷﻓﻜﺎر ﻣﻦ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻟﻌﺎﺷﻖ ،وآوﻧﺔ إﱃ ﻗﴫه اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﲆ أﻓﻮاه اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﱡ
ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺑﻴﺔ ﺟﻠﻮس اﻟﺨﺎل ﻋﲆ وﺟﻨﺔ اﻟﻔﺘﺎة.
ﺟﻠﺲ ﻓﺠﺎﻟﺴﺘﻪ اﻟﺬﻛﺮى وﻧﴩت أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺻﻔﺤﺎت ﻛﺘﺒﻬﺎ املﺎﴈ ﰲ رواﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ،
ﻄﺎ ﺻﻨﻌﻪ اﻹﻧﺴﺎن ،واﻟﻠﻬﻔﺔ ﺗﻌﻴﺪ إﱃ ﻗﻠﺒﻪ رﺳﻮم ﻓﺄﺧﺬ ﻳﺘﻠﻮﻫﺎ واﻟﺪﻣﻮع ﺗﺤﺠﺐ ﻋﻨﻪ ﻣﺤﻴ ً
أﻳﺎم ﻧﺴﺠﺘﻬﺎ اﻵﻟﻬﺔ ﺣﺘﻰ أَﺑ َْﺖ ﻟﻮﻋﺘﻪ ﱠإﻻ اﻟﻜﻼم ،ﻓﻘﺎل:
»ﻛﻨﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ أرﻋﻰ اﻟﻐﻨﻢ ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﺑﻲ املﺨﴬﱠ ة ،وأﻓﺮح ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وأﻧﻔﺦ ﰲ
ﺷﺒﺎﺑﺘﻲ ﻣﻌﻠﻨًﺎ ﻏﺒﻄﺘﻲ ،وﻫﺎ أﻧﺎ اﻟﻴﻮم أﺳري املﻄﺎﻣﻊ ﻳﻘﻮدﻧﻲ املﺎل إﱃ املﺎل ،واملﺎل
ً
ﻣﺘﻨﻘﻼ، إﱃ اﻻﻧﻬﻤﺎك ،واﻻﻧﻬﻤﺎك إﱃ اﻟﺸﻘﺎء ،ﻛﻨﺖ ﻛﺎﻟﻌﺼﻔﻮر ﻣﻐﺮدًا وﻛﺎﻟﻔﺮاش
أﺧﻒ وﻃﺄة ﻋﲆ رءوس اﻷﻋﺸﺎب ﻣﻦ ﺧﻄﻮات أﻗﺪاﻣﻲ ﰲ ﺗﻠﻚ ﱠ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻨﺴﻴﻢ
ﺼﻨ ﱠ ُﻊ ﺑﻤﻼﺑﺲ وﻋﲆ ﻣﺎﺋﺪﺗﻲ اﻟﺤﻘﻮل ،وﻫﺎ أﻧﺎ اﻵن ﺳﺠني ﻋﺎدات اﻻﺟﺘﻤﺎع أَﺗَ َ
وﺑﻜﻞ أﻋﻤﺎﱄ ﻣﻦ أﺟﻞ إرﺿﺎء اﻟﺒﴩ وﴍاﺋﻌﻬﻢ ،ﻛﻨﺖ أود ﻟﻮ أﻧﻲ ُﺧﻠ ِْﻘ ُﺖ ﻷﺗﻤﺘﻊ
ﺑﻤﴪات اﻟﻮﺟﻮد ،وﻟﻜﻨﻲ أراﻧﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﺘﻌﺒًﺎ ﺑﺤﻜﻢ املﺎل ﺳﺒﻞ اﻟﻐﻢ ،ﻗﴫت
ﻛﺎﻟﻨﺎﻗﺔ املﺜﻘﻠﺔ ﺑﺤﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﺬﻫﺐ ﻳﻤﻴﺘﻬﺎ ،أﻳﻦ اﻟﺴﻬﻮل اﻟﻮاﺳﻌﺔ؟ أﻳﻦ
اﻟﺴﻮاﻗﻲ املﱰﻧﻤﺔ؟ أﻳﻦ اﻟﻬﻮاء اﻟﻨﻘﻲ؟ أﻳﻦ ﻣﺠﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؟ أﻳﻦ أﻟﻮﻫﻴﺘﻲ؟ ﻗﺪ
ﻳﺒﻖ ﱄ ﻏري ذﻫﺐ أﺣﺒﻪ ﻓﻴﺴﺘﻬﺰئ ﺑﻲ ،وﻋﺒﻴﺪ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﺿﻴﻌﺖ ﻛﻞ ذﻟﻚ وﻟﻢ َ
ﻓﻘﻞ ﴎوري ،وﴏح رﻓﻌﺘﻪ ﻟﻴﻬﺪم ﻏﺒﻄﺘﻲ .ﻛﻨﺖ واﺑﻨﺔ اﻟﺒﺪو ﻧﺴري واﻟﻌﻔﺎف
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺛﺎﻟﺜﻨﺎ ،واﻟﺤﺐ ﻧﺪﻳﻤﻨﺎ ،واﻟﻘﻤﺮ رﻗﻴﺒﻨﺎ ،واﻟﻴﻮم أﺻﺒﺤﺖ ﺑني اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳﻤﺸني
ﻣﻤﺪودات اﻷﻋﻨﺎق ﻏﺎﻣﺰات اﻟﻌﻴﻮن ،اﻟﺸﺎرﻳﺎت اﻟﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﺴﻼﺳﻞ واملﻨﺎﻃﻖ،
اﻟﺒﺎﺋﻌﺎت اﻟﻮﺻﻞ ﺑﺎﻷﺳﺎور واﻟﺨﻮاﺗﻢ .ﻛﻨﺖ واﻟﻔﺘﻴﺎن ﻧﺨﻄﺮ ﺑني اﻷﺷﺠﺎر ﻛﴪب
اﻟﻐﺰﻻن ﻧﺸﱰك ﺑﺈﻧﺸﺎد اﻷﻏﺎﻧﻲ ،ﻧﻘﺘﺴﻢ ﻣﻠﺬات اﻟﺤﻘﻮل ،واﻟﻴﻮم ﴏت ﺑني اﻟﻘﻮم
ﻛﺎﻟﻨﻌﺠﺔ ﺑني اﻟﻜﻮاﴎ ،أﻣﴚ ﰲ اﻟﺸﻮارع ﻓﺘﻨﻔﺘﺢ ﻋﲆ ﻋﻴﻮن اﻟﺒﻐﺾ وﻳﺸﺎر إﱄ
ﺑﺄﺻﺎﺑﻊ اﻟﺤﺴﺪ ،وإن ذﻫﺒﺖ إﱃ املﺘﻨﺰﻫﺎت ﻻ أرى ﻏري وﺟﻮه ﻛﺎﻟﺤﺔ ورءوس
ﺷﺎﻣﺨﺔ.
ﻴﺖ اﻟﺤﻴﺎة وﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﻴﻮم ُﺳ ِﻠﺒْﺘُﻬُ ﻤَ ﺎ ،ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﻨﺖ ُ
ﺑﺎﻷﻣﺲ أﻋْ ِﻄ ُ
ﻏﻨﻴٍّﺎ ﺑﺴﻌﺎدﺗﻲ واﻟﻴﻮم أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻘريًا ﺑﻤﺎﱄ ،وﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﻨﺖ وﻧﻌﺎﺟﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﻠﻚ
رءوف ورﻋﻴﺔ ،واﻟﻴﻮم ﴏت ﻟﺪى اﻟﺬﻫﺐ ﻛﺎﻟﻌﺒﺪ املﺘﺼﺎﻏﺮ أﻣﺎم اﻟﺴﻴﺪ املﻈﻠﻮم،
أدر
ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺐ أن املﺎل ﻳﻄﻤﺲ ﻋني ﻧﻔﴘ وﻳﻘﻮدﻫﺎ إﱃ ﻣﻐﺎﺋﺮ اﻟﺠﻬﻞ ،وﻟﻢ ِ
ﻣﺎ ﻳﺤﺴﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﺠﺪًا ﻛﺎن وا ﺣَ ﱠﺮ ﻗﻠﺒﺎه ﺟﺤﻴﻤً ﺎ«.
وﻗﺎم املﻮﴎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ وﻣﴙ ﺑﺒﻂء ﻧﺤﻮ ﻗﴫه ﻣﺘﺄو ًﱢﻫﺎ ﻣﺮددًا» :أﻫﺬا ﻫﻮ املﺎل؟ أﻫﺬا
ﺟﻤﻴﻼ ﺑﻘﻨﻄﺎر ﻣﻦ ً اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﴏت ﻛﺎﻫﻨﻪ؟ أﻫﺬا ﻣﺎ ﻧﺒﺘﺎع ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة؟ ﻣﻦ ﻳﺒﻴﻌﻨﻲ ﻓﻜ ًﺮا
اﻟﺬﻫﺐ؟ ﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬ ﻗﺒﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻫﺮ ﺑﺪﻗﻴﻘﺔ ﻣﺤﺒﺔ؟ ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻨﻲ ﻋﻴﻨًﺎ ﺗﺮى اﻟﺠﻤﺎل وﻳﺄﺧﺬ
ﺧﺰاﺋﻨﻲ؟«.
وملﺎ وﺻﻞ إﱃ ﺑﺎب اﻟﻘﴫ ﻧﻈﺮ ﻧﺤﻮ املﺪﻳﻨﺔ ﻧﻈﺮة أرﻣﻴﺎ إﱃ أورﺷﻠﻴﻢ ،وأوﻣﺄ ﺑﻴﺪه
ﻋﺎل» :أﻳﻬﺎ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺴﺎﻟﻚ ﰲ اﻟﻈﻠﻤﺔ ،اﻟﺠﺎﻟﺲ ﰲ ﻇﻞ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﺛﻴﻬﺎ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ٍ
املﻮت ،اﻟﺮاﻛﺾ وراء اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ،اﻟﻘﺎﴈ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ،املﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ،إﱃ ﻣﺘﻰ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﺸﻮك
وا ْﻟﺤَ َﺴ َﻚ وﺗﺮﻣﻲ اﻟﺜﻤﺎر واﻟﺰﻫﺮ إﱃ اﻟﻬﺎوﻳﺔ؟ ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻰ ﺗﺴﻜﻦ اﻟﻮﻋﺮ واﻟﺨﺮاﺋﺐ ﺗﺎر ًﻛﺎ
ﺑﺴﺘﺎن اﻟﺤﻴﺎة؟ ملﺎذا ﺗﺮﺗﺪي اﻷﻃﻤﺎر اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ ﺗﺎر ًﻛﺎ ﺛﻮب اﻟﺪﻣﻘﺲ؟ ﻗﺪ اﻧﻄﻔﺄ ﴎاج اﻟﺤﻜﻤﺔ
ﻓﺎﺳﻘِ ِﻪ زﻳﺘًﺎ ،وﺧ ﱠﺮب اﺑﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ َﻛ ْﺮ َم اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﺎﺣﺮﺳﻪ ،وﴎق اﻟﻠﺺ ﺧﺰاﺋﻦ راﺣﺘﻚ
ﻣﺘﺴﻮﻻ ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ وﻗﺪ اﻧﻀﻤﺖ ً ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ!« ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ وﻗﻒ أﻣﺎم اﻟﻐﻨﻲ ﻓﻘري وﻣﺪ ﻳﺪه
ﺷﻔﺘﺎه املﺮﺗﺠﻔﺘﺎن ،واﻧﺒﺴﻄﺖ ﺳﺤﻨﺘﻪ املﻨﻘﺒﻀﺔ ،واﻧﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻧﻮر ﻟﻄﻴﻒ ،ﻛﺎن
ﺑﺎﻷﻣﺲ اﻟﺬي رﺛﺎه ﺑﻘﺮب اﻟﺒﺤرية ﻗﺪ ﻣَ ﱠﺮ ﻣﺴ ﱢﻠﻤً ﺎ ﻓﺎﻗﱰب ﻣﻦ املﺴﺘﻌﻄﻲ وﻗﺒﱠﻠﻪ ُﻗﺒﻠﺔ املﺤﺒﺔ
واملﺴﺎواة ،وﻣﻸ ﻳﺪه ذﻫﺒًﺎ ،وﻗﺎل واﻟﺮأﻓﺔ ﺗﺴﻴﻞ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ» :ﺧﺬ ﻳﺎ أﺧﻲ اﻵن ،وﻋﺪ ﻏﺪًا
ﻣﻊ أﺗﺮاﺑﻚ واﺳﱰﺟﻌﻮا أﻣﻮاﻟﻜﻢ« .ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ اﻟﻔﻘري اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺰﻫﺮة اﻟﺬاﺑﻠﺔ ﺑُﻌَ ﻴْ َﺪ املﻄﺮ وراح
ﻗﺎﺋﻼ :ﻛﻞ ﳾء ﺣﺴﻦ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﺣﺘﻰ املﺎل ﻷﻧﻪ ﻳُﻌَ ﱢﻠ ُﻢ ﻣﴪﻋً ﺎ ،ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ دﺧﻞ املﻮﴎ إﱃ ﻗﴫه ً
44
اﻷﻣﺲ واﻟﻴﻮم
اﻹﻧﺴﺎن أﻣﺜﻮﻟﺔ ،إﻧﻤﺎ املﺎل ﻛﺎﻷرﻏﻦ ﻳُﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤُ ﺴﻦ اﻟﴬب ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻐﺎﻣً ﺎ ﻻ ﺗﺮﺿﻴﻪ.
املﺎل ﻛﺎﻟﺤﺐ ﻳﻤﻴﺖ ﻣﻦ ﻳﻀﻦ ﺑﻪ وﻳﺤﻴﻲ واﻫﺒﻪ.
45
رﲪﺎك ﻳﺎ ﻧﻔﺲ رﲪﺎك
ﺣﺘﻰ َم ﺗﻨﻮﺣني ﻳﺎ ﻧﻔﴘ وأﻧﺖ ﻋﺎملﺔ ﺑﻀﻌﻔﻲ؟ إﱃ ﻣﺘﻰ ﺗﻀﺠﱢ ني وﻟﻴﺲ ﻟﺪي ﺳﻮى ﻛﻼم
ﺑﴩي أﺻﻮﱢر ﺑﻪ أﺣﻼﻣﻚ؟
أﻧﻔﻘﺖ ﻋﻤﺮي ﻣﺼﻐﻴًﺎ ﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻚ ،ﺗﺄﻣﲇ ﻳﺎ ﻣﻌﺬﺑﺘﻲ ﻓﻘﺪ أﺗﻠﻔﺖ ُ اﻧﻈﺮي ﻳﺎ ﻧﻔﴘ ،ﻓﻘﺪ
ﺟﺴﻤﻲ ﻣﺘﺒﻌً ﺎ ﺧﻄﻮاﺗﻚ.
ﻛﺎن ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻠﻴﻜﻲ ﻓﺼﺎر اﻵن ﻋﺒﺪك ،وﻛﺎن ﺻﱪي ﻣﺆﻧﴘ ﻓﻐﺪا ﺑﻚ ﻋﺬوﱄ ،ﻛﺎن
ﻓﻤ ﱠﻢ ﺗﺴﺘﺰﻳﺪﻳﻦ و ِﺑ َﻢ اﻟﺸﺎب ﻧﺪﻳﻤﻲ ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﻴﻮم ﻻﺋﻤﻲ ،وﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ أوﺗﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ ِ
ﺗﻄﻤﻌني؟
ﻳﺒﻖ ﱄ ﺳﻮاك، ﱠ
ﻗﺪ أﻧﻜﺮت ذاﺗﻲ ،وﺗﺮﻛﺖ ﻣﻼذ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،وﻏﺎدرت ﻣﺠﺪ ﻋﻤﺮي وﻟﻢ َ
ﻓﺎﻗﴤ ﻋﲇ ﺑﺎﻟﻌﺪل ﻓﺎﻟﻌﺪل ﻣﺠﺪك ،أو اﺳﺘﺪﻋﻲ املﻮت واﻋﺘﻘﻲ ﻣﻦ اﻷﴎ ﻣُﻌَ ﻨﱠﺎكِ .
رﺣﻤﺎك ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ﻓﻘﺪ ﺣﻤﱠ ْﻠ ِﺘﻨِﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ﻣﺎ ﻻ أﻃﻴﻘﻪ ،أﻧﺖ واﻟﺤﺐ ﻗﻮة ﻣﺘﺤﺪة ،وأﻧﺎ
ﻒ ﻣﺘﻔ ﱢﺮق ،وﻫﻞ ﻳﻄﻮل ﻋﺮاك ﺑني ﻗﻮي وﺿﻌﻴﻒ؟ رﺣﻤﺎك ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ﻓﻘﺪ أرﻳﺘﻨﻲ ﺿﻌْ ٌواملﺎدة َ
ﻋﺎل ،وأﻧﺎ واﻟﺸﻘﺎء ﰲ أﻋﻤﺎق اﻟﻮادي، اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺷﺎﺳﻊ … أﻧﺖ واﻟﺴﻌﺎدة ﻋﲆ ﺟﺒﻞ ٍ
وﻫﻞ ﻳﺘﻢ ﻟﻘﺎء ﻋﻠ ﱟﻮ ووﻃﻮءة؟
رﺣﻤﺎك ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ،ﻓﻘﺪ أَﺑَﻨ ْ ِﺖ ﱄ اﻟﺠﻤﺎل وأﺧﻔﻴﺘِﻪ ،أﻧﺖ واﻟﺠﻤﺎل ﰲ اﻟﻨﻮر وأﻧﺎ واﻟﺠﻬﻞ
ﰲ ﻇﻠﻤﺔ ،وﻫﻞ ﻳﻤﺘﺰج اﻟﻨﻮر ﺑﺎﻟﻈﻠﻤﺔ؟
أﻧﺖ ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ﺗﻔﺮﺣني ﺑﺎﻵﺧﺮة ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻲء اﻵﺧﺮة ،وﻫﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﻳﺸﻘﻰ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﻫﻮ
ﰲ اﻟﺤﻴﺎة.
أﻧﺖ ﺗﺴريﻳﻦ ﻧﺤﻮ اﻷﺑﺪﻳﺔ ﻣﴪﻋﺔ وﻫﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﻳﺨﻄﻮ ﻧﺤﻮ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺒﻂء ،ﻓﻼ أﻧﺖ
ﺗﺘﻤﻬﱠ ﻠني وﻻ ﻫﻮ ﻳﴪع ،وﻫﺬا ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
أﻧﺖ ﺗﺮﺗﻔﻌني ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻠﻮ ﺑﺠﺎذب اﻟﺴﻤﺎء ،وﻫﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﻳﺴﻘﻂ إﱃ ﺗﺤﺖ ﺑﺠﺎذﺑﻴﺔ
اﻷرض ،ﻓﻼ أﻧﺖ ﺗﻌ ﱢﺰﻳﻨ َ ُﻪ وﻻ ﻫﻮ ﻳﻬﻨﺌﻚ ،وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺒﻐﻀﺎء.
أﻧﺖ ﻳﺎ ﻧﻔﺲ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺤﻜﻤﺘﻚ وﻫﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻘري ﺑﺴﻠﻴﻘﺘﻪ ،ﻓﻼ أﻧﺖ ﺗﺘﺴﺎﻫﻠني وﻻ ﻫﻮ
ﻳﺘﺒﻊ ،وﻫﺬا أﻗﴡ اﻟﺸﻘﺎء.
أﻧﺖ ﺗﺬﻫﺒني ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺒﻴﺐ وﺗﺘﻤﺘﱠﻌني ﻣﻨﻪ ﺑﻀﻤﱠ ﺔ وﻋﻨﺎق ،وﻫﺬا اﻟﺠﺴﺪ
ﻳﺒﻘﻰ أﺑﺪًا ﻗﺘﻴﻞ اﻟﺸﻮق واﻟﺘﻔﺮﻳﻖ.
رﺣﻤﺎك ﻳﺎ ﻧﻔﺲ رﺣﻤﺎك.
48
اﻷرﻣﻠﺔ واﺑ ُﻨﻬﺎ
ﻫﺠﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﻣﴪﻋً ﺎ ﻋﲆ ﺷﻤﺎل ،ﻣﺴﺘﻈﻬ ًﺮا ﻋﲆ ﻧﻬﺎر ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺜﻠﻮج ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮى
املﺤﻴﻄﺔ ﺑﻮادي ﻗﺎدﻳﺸﺎ 1 ،ﺟﺎﻋﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻮل واﻟﻬﻀﺎب ﺻﻔﺤﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﺗﺮﺳﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻃﺎ ﺗﻤﺤﻮﻫﺎ اﻷرﻳﺎح وﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻮاﺻﻒ ،ﻣﺎزﺟﺔ اﻟﺠﻮ اﻟﻐﻀﻮب ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻷرﻳﺎح ﺧﻄﻮ ً
اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ.
اﺧﺘﺒﺄ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﻣﻨﺎزﻟﻪ ،واﻟﺤﻴﻮان ﰲ ﻣﺮاﺑﻀﻪ ،وﺳﻜﻨﺖ ﺣﺮﻛﺔ ﻛﻞ ذي ﻧﺴﻤﺔ ﺣﻴﱠﺔ،
ﻳﺒﻖ ﻏري ﺑﺮد ﻗﺎرس ،وزﻣﻬﺮﻳﺮ ﻫﺎﺋﺞ ،وﻟﻴﻞ أﺳﻮد ﻣﺨﻴﻒ ،وﻣﻮت ﻗﻮي ﻣﺮﻳﻊ. وﻟﻢ َ
وﻛﺎن ﰲ ﻣﻨﺰل ﻣﻨﻔﺮد ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮى اﻣﺮأ ٌة ﺟﺎﻟﺴﺔ أﻣﺎم ﻣﻮﻗﺪ ﺗﻨﺴﺞ اﻟﺼﻮف رداءً،
وﺑﻘﺮﺑﻬﺎ وﺣﻴﺪﻫﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺗﺎرة إﱃ أﺷﻌﺔ اﻟﻨﺎر وﻃﻮ ًرا إﱃ وﺟﻪ أﻣﻪ اﻟﻬﺎدئ ،ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ
ﻋﺼﻔﺖ اﻷرﻳﺎح ﺑﺸﺪة وﻫ ﱠﺰت أرﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﺬﻋﺮ اﻟﺼﺒﻲ وأﻗﱰب ﻣﻦ أﻣﻪ ﻣﺤﺘﻤﻴًﺎ
ﺑﺤﻨﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻀﺐ اﻟﻌﻨﺎﴏ ،ﻓﻀﻤﺘﻪ إﱃ ﺻﺪرﻫﺎ وﻗﺒﻌﺘﻪ ،ﺛﻢ أﺟﻠﺴﺘﻪ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻴﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ:
ﻈ ِﻬ َﺮ ًة ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ﺗﺠﺎه ﺻﻐﺮه،
ﻆ اﻹﻧﺴﺎن ُﻣ ْ
»ﻻ ﺗﺠﺰع ﻳﺎ اﺑﻨﻲ ،ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗَﻌِ َ
وﻗﻮﺗﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺿﻌﻔﻪ ،ﻻ ﺗﺨﻒ ﻳﺎ وﻟﺪي ﻓﻤﻦ وراء اﻟﺜﻠﻮج املﺘﺴﺎﻗﻄﺔ واﻟﻐﻴﻮم املﺘﻠﺒﺪة
واﻷرﻳﺎح اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ روح ﻗﺪﱡوس ﻛﲇ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ اﻟﺤﻘﻮل واﻵﻛﺎم ،ﻣﻦ وراء ﻛﻞ ﳾء
ﻛﻮة ﻧﺎﻇﺮة إﱃ ﺣﻘﺎرة اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌني اﻟﺸﻔﻘﺔ واﻟﺮﺣﻤﺔ ،ﻻ ﺗﺠﺰع ﻳﺎ ﻓﻠﺬة ﻛﺒﺪي ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
1وادى ﻗﺎدﻳﺸﺎ أي وادى اﻟﻘﺪﻳﺴني ،ﺳﻤﻲ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ إذ ﻛﺎن ﻣﻠﺠﺄ اﻟﺰاﻫﺪﻳﻦ وﻣﺄوى اﻟﻨ ﱡ ﱠﺴﺎكِ اﻟﻬﺎرﺑني ﻣﻦ
ﺷﻘﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺿﺠﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺠﺪون اﻟﻜﻬﻮف املﺨﺮوﻗﺔ ﺑﻴﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،واﻟﺴﻜﻴﻨﺔ املﺎﻟﻜﺔ ﺗﻠﻚ
اﻷﻣﺎﻛﻦ ،وﻫﻮ وادٍ ﻋﻤﻴﻖ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺮﻏﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﰲ أن ﺗﻔﻮز ﺑﻨﻈﺮة ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻌﻪ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻌﻤﻘﻪ واﺗﺴﺎﻋﻪ ،وإذ
ً
ﺻﺪوﻗﺎ. ً
ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﺟُ ﺮح ﺑﻠﻴﻎ ﰲ ﺻﺪر ﻟﺒﻨﺎن ﺧﺮﻗﻪ ﻧﺎب اﻟﺪﻫﺮ ﻏﺪ ًرا ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
اﻟﺘﻲ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ وﺿﺤﻜﺖ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ وﺗﺄوﱠﻫﺖ ﰲ اﻟﺨﺮﻳﻒ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺒﻜﻴﻨﻲ اﻵن،
وﻣﻦ دﻣﻮﻋﻬﺎ اﻟﺒﺎردة ﺗﺴﺘﻘﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮاﺑﻀﺔ ﺗﺤﺖ أﻃﺒﺎق اﻟﺜﺮى.
ﻧﻢ ﻳﺎ وﻟﺪي ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺪ ﺗﺴﺘﻴﻘﻆ وﺗﺮى اﻟﺴﻤﺎء ﺻﺎﻓﻴﺔ اﻷدﻳﻢ ،واﻟﺤﻘﻮل ﻻﺑﺴﺔ رداء
اﻟﺜﻠﺞ اﻟﻨﺎﺻﻊ ﻣﺜﻠﻤً ﺎ ﺗﺮﺗﺪي اﻟﻨﻔﺲ ﺛﻮب اﻟﻄﻬﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﺼﺎرﻋﺔ املﻮت .ﻧﻢ ﻳﺎ وﺣﻴﺪي ﻓﻮاﻟﺪك
ﻧﺎﻇﺮ اﻵن إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎرح اﻷﺑﺪﻳﺔ ،وﺣﺒﱠﺬا ﻋﺎﺻﻔﺔ وﺛﻠﻮج ﺗﻘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ذﻛﺮ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺨﺎﻟﺪة.
ﻧﻢ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻓﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﴏ املﺘﺤﺎرﺑﺔ ﺑﻌﻨﻒ ﺳﻮف ﻧﺠﻨﻲ اﻷزﻫﺎر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻳﺠﻲء ﻧﻴﺴﺎن ،ﻛﺬا ﻳﺎ اﺑﻨﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﺜﻤﺮ املﺤﺒﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ ﺑﻌﺎد أﻟﻴﻢ ،وﺻﱪ ُﻣ ﱟﺮ وﻗﻨﻮط ﻣﺘﻠﻒ.
ﻧﻢ ﻳﺎ ﺻﻐريي ﻓﺴﻮف ﺗﺄﺗﻲ اﻷﺣﻼم اﻟﻌﺬﺑﺔ إﱃ ﻧﻔﺴﻚ ﻏري ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﻴﺒﺔ اﻟﻠﻴﻞ وﺑﻄﺶ
اﻟﱪد«.
وﻧﻈﺮ اﻟﺼﺒﻲ إﱃ أﻣﻪ وﻗﺪ ﻛﺤﻞ اﻟﻨﻌﺎس ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻗﺎل» :ﻟﻘﺪ أﺛﻘﻞ أﺟﻔﺎﻧﻲ اﻟﻜﺮى ﻳﺎ
أﻣﺎه وأﺧﺎف أن أﻧﺎم ﻗﺒﻞ ﺗﻼوة اﻟﺼﻼة ،ﻓﻌﺎﻧﻘﺘﻪ اﻷم اﻟﺤﻨﻮﻧﺔ وﻧﻈﺮت ﻣﻦ وراء اﻟﺪﻣﻮع
إﱃ وﺟﻬﻪ املﻼﺋﻜﻲ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ:
»ﻗﻞ ﻣﻌﻲ ﻳﺎ وﻟﺪي :أﺷﻔﻖ ﻳﺎ رب ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮاء وارﺣﻤﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺴﺎوة اﻟﱪد اﻟﻘﺎرس
واﺳﱰ ﺟﺴﻮﻣﻬﻢ اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﺑﺄﻳﺪﻳﻚ ،اﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﻴﺘﺎﻣﻰ اﻟﻨﺎﺋﻤني ﰲ اﻷﻛﻮاخ وأﻧﻔﺎس اﻟﺜﻠﺞ ﺗﻜﻠﻢ
أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ ،اﺳﻤﻊ ﻳﺎ رب ﻧﺪاء اﻷراﻣﻞ اﻟﻘﺎﺋﻤﺎت ﰲ اﻟﺸﻮارع ﺑني ﻣﺨﺎﻟﺐ املﻮت وأﻇﻔﺎر
اﻟﱪد ،اﻣﺪد ﻳﺪك ﻳﺎ رب إﱃ ﻗﻠﺐ اﻟﻐﻨﻲ واﻓﺘﺢ ﺑﺼريﺗﻪ ﻟريى ﻓﺎﻗﺔ اﻟﻀﻌﻔﺎء املﻈﻠﻮﻣني.
ارﻓﻖ ﻳﺎ رب ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﻌني اﻟﻮاﻗﻔني أﻣﺎم اﻷﺑﻮاب ﰲ ﻫﺬا اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻈﻠﻮم ،واﻫ ِﺪ اﻟﻐﺮﺑﺎء إﱃ املﺂوي
اﻟﺪاﻓﺌﺔ وارﺣﻢ ﻏﺮﺑﺘﻬﻢ ،اﻧﻈﺮ ﻳﺎ رب إﱃ اﻟﻌﺼﺎﻓري اﻟﺼﻐرية ،واﺣﻔﻆ ﺑﻴﻤﻴﻨﻚ اﻷﺷﺠﺎر
اﻟﺨﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﻗﺴﺎوة اﻟﺮﻳﺎح ،ﻟﻴﻜﻦ ﻫﺬا ﻳﺎ رب«.
وملﺎ ﻋﺎﻧﻖ اﻟﻜﺮى ﻧﻔﺲ اﻟﺼﺒﻲ ﻣﺪدﺗﻪ واﻟﺪﺗﻪ ﻋﲆ ﻓﺮاﺷﻪ وﻗﺒﻠﺖ ﺟﺒﻬﺘﻪ ﺑﺸﻔﺘني
ﻣﺮﺗﺠﻔﺘني ،ﺛﻢ رﺟﻌﺖ وﺟﻠﺴﺖ أﻣﺎم املﻮﻗﺪ ﺗﻨﺴﺞ ﻟﻪ اﻟﺼﻮف رداء.
50
اﻟﺪﻫﺮ واﻷﻣﺔ
ﻋﲆ ﺳﻔﺢ ﻟﺒﻨﺎن ﺑﻘﺮب ﺟﺪول ﻳﻨﺴﻞ ﺑني اﻟﺼﺨﻮر ﻛﺄﺳﻼك ﻓﻀﻴﺔ ،ﺟﻠﺴﺖ راﻋﻴﺔ ﻳﺤﻴﻂ
ﺑﻬﺎ ﻗﻄﻴﻊ ﻏﻨﻢ ﻣﻬﺰول ﻳﺮﺗﻌﻲ اﻷﻋﺸﺎب اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﺑني اﻷﺷﻮاك اﻟﻐﻀﺔ ،ﺻﺒﻴﺔ ﺗﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮ
اﻟﺸﻔﻖ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘﺮأ ﻣﺂﺗﻲ اﻵﺗﻲ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺠﻮ ،وﻗﺪ ﻧﻤﻖ اﻟﺪﻣﻊ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ
ﻳﻨﻤﻖ اﻟﻨﺪى أزﻫﺎر اﻟﻨﺮﺟﺲ ،وﻓﺘﺢ اﻷﳻ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺳﻠﺐ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺗﻨﻬﺪًا.
وملﺎ ﺟﺎء املﺴﺎء وأﺧﺬت ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﺑﻲ ﺗﻠﺘﻒ ﺑﺮداء اﻟﻈﻞ ،وﻗﻒ أﻣﺎم اﻟﺼﺒﻴﺔ ﻓﺠﺄة
ﺣﺎﻣﻼ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ ﻣﻨﺠﻼ ﺳﻨﻴﻨًﺎ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ً ﻳﺘﺪﱃ ﺷﻌﺮه اﻷﺑﻴﺾ ﻋﲆ ﺻﺪره وﻛﺘﻔﻴﻪ، ﱠ ﺷﻴﺦ
ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻫﺪﻳﺮ اﻷﻣﻮاج» :ﺳﻼم ﻋﲆ ﺳﻮرﻳﺎ«.
ﻓﻮﻗﻔﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﻣﺬﻋﻮرة ،وأﺟﺎﺑﺘﻪ ﺑﺼﻮت ﻳﻘﻄﻌﻪ اﻟﻮﺟﻞ وﻳﺼﻠﻪ اﻟﺤﺰن ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻣﺎذا
ﺗﺒﺘﻐﻲ اﻵن ﻣﻨﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ!«.
ﺛﻢ أوﻣﺄت ﻧﺤﻮ أﻏﻨﺎﻣﻬﺎ وزادت» :ﻫﺬا ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻗﻄﻴﻊ ﻛﺎن ﻳﻤﻸ اﻷودﻳﺔ.
ﻫﺬه ﻓﻀﻠﺔ ﻣﻄﺎﻣﻌﻚ ﻓﻬﻞ ﺟﺌﺖ ﻟﺘﺴﺘﺰﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ؟
ﻫﺬه ﻫﻲ املﺴﺎرح اﻟﺘﻲ أﺟﺪ ﺑﻬﺎ دوس ﻗﺪﻣﻴﻚ وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺒﺖ اﻟﺨﺼﺐ واﻟﺮزق،
َ
ﺗﻘﻀﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻌﺎﺟﻲ ﺗﺮﺗﻌﻲ رءوس اﻷزﻫﺎر ﻟﺒﻨًﺎ ذﻛﻴٍّﺎ ،ﻓﻬﺎ ﻫﻲ اﻵن ُﺧﻤﺺ اﻟﺒﻄﻮن
اﻷﺷﻮاك وأﺻﻮل اﻷﺷﺠﺎر ﻣﺨﺎﻓﺔ اﻟﻔﻨﺎء.
اﺗﱠ ِﻖ ﷲ ﻳﺎ دﻫﺮ واﻧﴫف ﻋﻨﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺮﻫﺘﻨﻲ اﻟﺤﻴﺎة ذﻛﺮى ﻣﻈﺎملﻚ ،وﺣﺒﺒﺖ إﱄ املﻮت
ﻗﺴﺎوة ﻣﻨﺠﻠﻚ.
ْ
اﺗﺮﻛﻨﻲ ووﺣﺪﺗﻲ أرﺷﻒ اﻟﺪﻣﻊ ﴍاﺑًﺎ ،وأﺗﻨﺸﻖ اﻟﺤﺰن ﻧﺴﻴﻤً ﺎ ،واذ َﻫﺐْ ﻳﺎ دﻫﺮ إﱃ
اﻟﻐﺮب ﺣﻴﺚ اﻟﻘﻮم ﰲ ﻋﺮس اﻟﺤﻴﺎة وﻋﻴﺪﻫﺎ ،ودﻋﻨﻲ أﻧﺘﺤﺐ ﰲ ﻣﺂﺗﻢ أﻧﺖ ﻋﺎﻗﺪﺗﻬﺎ«.
ﻓﻨﻈﺮ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮة اﻷب وﻗﺪ أﺧﻔﻰ ﻣﻨﺠﻠﻪ ﻋﲆ أﺛﻮاﺑﻪ ،وﻗﺎل» :ﻣﺎ أﺧﺬت ﻣﻨﻚ ﻳﺎ
ﺳﻮرﻳﺎ إﻻ ﺑﻌﺾ ﻋﻄﺎﻳﺎي ،وﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻧﺎﻫﺒًﺎ ﻗﻂ ﺑﻞ ﻣﺴﺘﻌريًا أرد ،ووﻓﻴٍّﺎ أرﺟﻊ ،واﻋﻠﻤﻲ أن
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
وﺣﻘﺎ ﺑﻠﺒﺲ رداء ﻛﺎن ﻟﻚ ،أﻧﺎ واﻟﻌﺪل ٍّ ﻷﺧﻮاﺗﻚ اﻷﻣﻢ ﻧﺼﻴﺒًﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﺠ ٍﺪ ﻛﺎن ﻋﺒﺪك،
أﻗﻨﻮﻣﺎن ﻟﺬات واﺣﺪة ،ﻓﻼ ﻳﺠﻤﻞ ﺑﻲ ﺳﻮى إﻋﻄﺎء أﺧﻮاﺗﻚ ﻣﺎ أﻋﻄﻴﺘﻚ ،وﻟﺴﺖ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ
ﺗﺴﻮﻳﺘﻜﻦ ﰲ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻷن املﺤﺒﺔ ﻻ ﺗﻨﻘﺴﻢ إﻻ ﻋﲆ اﻟﺴﻮاء ،ﻟﻚ ﻳﺎ ﺳﻮرﻳﺎ أﺳﻮة ﺑﺠﺎراﺗﻚ
ﻣﴫ وﻓﺎرس واﻟﻴﻮﻧﺎن إذ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻦ ﻗﻄﻴﻊ ﻳﺸﺎﺑﻪ ﻗﻄﻴﻌﻚ ،وﻣﺮﻋﻰ ﻧﻈري ﻣﺮﻋﺎك .إن ﻣﺎ
ﻃﺎ ﻳﺎ ﺳﻮرﻳﺎ أدﻋﻮه ﻧﻮﻣً ﺎ واﺟﺒًﺎ ﻳﻌﻘﺒﻪ اﻟﻨﺸﺎط واﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﺎﻟﺰﻫﺮة ﻻ ﺗﻌﻮد إﱃ ﺗﺪﻋﻴﻨﻪ اﻧﺤﻄﺎ ً
اﻟﺤﻴﺎة ﱠإﻻ ﺑﺎملﻮت ،واملﺤﺒﺔ ﻻ ﺗﺼري ﻋﻈﻴﻤﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺮاق«.
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻫﺬي ﻳﺪي ﻳﺎ اﺑﻨﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء« .ﻓﺄﺧﺬت ﻳﺪه واﻗﱰب اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺎة وﻣ ﱠﺪ ﻳﺪه ً
وﻫﻲ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ وراء اﻟﺪﻣﻊ وﻗﺎﻟﺖ» :اﻟﻮداع أﻳﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ اﻟﻮداع« ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ» :إﱃ اﻟﻠﻘﺎء ﻳﺎ
ﺳﻮرﻳﺎ إﱃ اﻟﻠﻘﺎء«.
ﺣﻴﻨﺌﺬ اﺧﺘﻔﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﺘﻔﻲ اﻟﱪق ،ﻓﻨﺎدت اﻟﺼﺒﻴﺔ أﻏﻨﺎﻣﻬﺎ وﻣﺸﺖ ﻣﺮددة» :ﻫﻞ
ﻣﻦ ﻟﻘﺎء ﻳﺎ ﺗﺮى ﻫﻞ ﻣﻦ ﻟﻘﺎء؟«
52
أﻣﺎم ﻋﺮش اﳉﲈل
ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع وﻫِ ﻤْ ُﺖ ﰲ ذاك اﻟﻮادي اﻟﻮﺳﻴﻊ ﻣﺘﺒﻌً ﺎ ﻣﺠﺎري اﻟﺠﺪول ﺗﺎرة وﻣﺼﻐﻴًﺎ
إﱃ ﻣﺤﺎورات اﻟﻌﺼﺎﻓري ﻃﻮ ًرا ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﺣﻤﺘﻪ اﻷﻏﺼﺎن ﻣﻦ ﻧﻈﺮات اﻟﺸﻤﺲ
ﻓﺠﻠﺴﺖ أﺳﺎﻣﺮ وﺣﺪﺗﻲ وأﻧﺎﺟﻲ ﻧﻔﴘ ،ﻧﻔﺲ ﻇﺎﻣﺌﺔ رأت ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮى ﴎاﺑًﺎ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻻ
ﻳﺮى ﴍاﺑًﺎ.
ﱡ
اﻟﺘﻔﺖ ﻓﺈذا ﺑﻔﺘﺎة واﻗﻔﺔ ﻋﲆ ﻣﻘﺮﺑﺔ وملﺎ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻋﺎﻗﻠﺘﻲ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺲ املﺎدة إﱃ ﻓﻀﺎء،
ﻣﻨﻲ ،ﺣﻮرﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﺤﲇ واﻟﺤﻠﻞ ﺳﻮى ﻏﺼﻦ ﻣﻦ اﻟﻜﺮﻣﺔ ﺗﺴﱰ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ ﻗﺎﻣﺘﻬﺎ،
وإﻛﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻘﻴﻖ ﻳﺠﻤﻊ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﺬﻫﺒﻲ؛ إذ ﻋَ ﻠِﻤَ ْﺖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮاﺗﻲ أﻧﻨﻲ ﴏت ﻣﺴﻠﻮب
ﱠت ﺣﻼوة ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺠﺄة واﻟﺤرية ،ﻗﺎﻟﺖ» :أﻧﺎ اﺑﻨﺔ اﻷﺣﺮاج ﻓﻼ ﺗﺠﺰع« ،ﻗﻠﺖ وﻗﺪ َرد ْ
رﻣﻘﻲ» :وﻫﻞ ﻳﻘﻄﻦ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﺜﻠﻚ ﺑَ ﱢﺮﻳ ًﱠﺔ ﺳﻜﻨﺘﻬﺎ اﻟﻮﺣﺸﺔ واﻟﻮﺣﻮش؟ ﻗﻮﱄ ﱄ ﺑﻌﻴﺸﻚ
ﻣﻦ أﻧﺖ وﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﻴﺖ؟« ﻓﻘﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ اﻷﻋﺸﺎب» :أﻧﺎ رﻣﺰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،أﻧﺎ اﻟﻌﺬراء
اﻟﺘﻲ ﻋﺒﺪﻫﺎ آﺑﺎؤك ﻓﺒﻨﻮا ﻣﺬاﺑﺢ وﻫﻴﺎﻛﻞ ﰲ ﺑﻌﻠﺒﻚ وأﻓﻘﺎ وﺟﺒﻴﻞ ،ﻗﻠﺖ» :ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻴﺎﻛﻞ ﻗﺪ
ﻳﺒﻖ ﻣﻦ آﺛﺎر أﻟﻬﺘﻬﻢ وأدﻳﺎﻧﻬﻢ ﺳﻮى اﻧﻬﺪﻣﺖ وﻋﻈﺎم أﺟﺪادي ﺳﺎوت أدﻳﻢ اﻷرض وﻟﻢ َ
ﺻﻔﺤﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﰲ ﺑﻄﻮن اﻟﻜﺘﺐ« ﻗﺎﻟﺖ» :ﺑﻌﺾ اﻵﻟﻬﺔ ﻳﺤﻴﻮن ﺑﺤﻴﺎة ﻋﺒﺎدﻫﻢ وﻳﻤﻮﺗﻮن
ﺟﻤﺎل ﺗﺮاه
ٍ ﺑﻤﻮﺗﻬﻢ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺤﻴﻮن ﺑﺄﻟﻮﻫﻴﺔ أزﻟﻴﺔ أﺑﺪﻳﺔ ،أﻣﺎ أﻟﻮﻫﻴﺘﻲ ﻓﻬﻲ ﻣﺴﺘﻤﺪﱠة ﻣﻦ
ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺣﻮﱠﻟﺖ ﻋﻴﻨﻴﻚ ،ﺟﻤﺎل ﻫﻮ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،ﺟﻤﺎل ﻛﺎن ﺑﺪء ﺳﻌﺎدة اﻟﺮاﻋﻲ ﺑني اﻟ ﱡﺮﺑﻰ
واﻟﻘﺮوي ﺑني اﻟﺤﻘﻮل واﻟﻌﺸﺎﺋﺮ اﻟ ﱡﺮﺣﱠ ِﻞ ﺑني اﻟﺠﺒﻞ واﻟﺴﺎﺣﻞ ،ﺟﻤﺎل ﻛﺎن ﻟﻠﺤﻜﻴﻢ ﻣﺮﻗﺎ ًة
إﱃ ﻋﺮش ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺗﺠﺮح«.
ﻗﻠﺖ ودﻗﺎت ﻗﻠﺒﻲ ﺗﻘﻮل ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻟﻠﺴﺎن» :إن اﻟﺠﻤﺎل ﻗﻮة ﻣﺨﻴﻔﺔ رﻫﻴﺒﺔ« .ﻓﻘﺎﻟﺖ
وﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻷزﻫﺎر وﰲ ﻧﻈﺮﻫﺎ أﴎار اﻟﺤﻴﺎة» :أﻧﺘﻢ اﻟﺒﴩ ﺗﺨﺎﻓﻮن ﻛﻞ ﳾء
ﺣﺘﻰ ذواﺗﻜﻢ ،ﺗﺨﺎﻓﻮن اﻟﺴﻤﺎء وﻫﻲ ﻣﻨﺒﻊ اﻷﻣﻦ ،ﺗﺨﺎﻓﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻫﻲ ﻣﺮﻗﺪ اﻟﺮاﺣﺔ،
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
وﺗﺨﺎﻓﻮن إﻟﻪ اﻵﻟﻬﺔ وﺗﻌﺰون إﻟﻴﻪ اﻟﺤﻘﺪ واﻟﻐﻀﺐ وﻫﻮ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺤﺒﺔ ورﺣﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﺷﻴﺌًﺎ«.
وﺑﻌﺪ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻣﺎزﺟﺘﻬﺎ اﻷﺣﻼم اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ» :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل؟ ﻓﻘﺪ ﺗﺒﺎﻳﻦ اﻟﻨﺎس
ﺑﺘﻌﺮﻳﻔﻪ وﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﺑﺘﻤﺠﻴﺪه وﻣﺤﺒﺘﻪ« .ﻗﺎﻟﺖ» :ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻨﻔﺴﻚ ﺟﺎذب
إﻟﻴﻪ ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺮاه وﺗﻮد أن ﺗﻌﻄﻲ ﻻ أن ﺗﺄﺧﺬ ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻘﺎه ﺑﺄﻳﺎدٍ ﻣﻤﺪودة ﻣﻦ
أﻋﻤﺎﻗﻚ ﻟﻀﻤﻪ إﱃ أﻋﻤﺎﻗﻚ ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺤﺴﺒﻪ اﻷﺟﺴﺎم ﻣﺤﻨﺔ واﻷرواح ﻣﻨﺤﺔ ،ﻫﻮ أﻟﻔﺔ ﺑني
ﻣﺠﻬﻮﻻ وﺗﺴﻤﻌﻪ ﺻﺎﻣﺘًﺎ ،ﻫﻮ ﻗﻮة ﺗﺒﺘﺪئ ﰲ
ً اﻟﺤﺰن واﻟﻔﺮح ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻣﺤﺠﻮﺑًﺎ وﺗﻌﺮﻓﻪ
ﻗﺪس أﻗﺪاس ذاﺗﻚ وﺗﻨﺘﻬﻲ ﰲ ﻣﺎ وراء ﺗﺨﻴﻼﺗﻚ«.
واﻗﱰﺑﺖ اﺑﻨﺔ اﻷﺣﺮاج ﻣﻨﻲ ووﺿﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ املﻌﻄﺮة ﻋﲆ ﻋﻴﻨﻲ ،وملﺎ رﻓﻌﺘﻬﺎ رأﻳﺘﻨﻲ
وﺣﻴﺪًا ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮادي ،ﻓﺮﺟﻌﺖ وﻧﻔﴘ ﻣﺮددة» :إن اﻟﺠﻤﺎل ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺮاه وﺗﻮد أن ﺗﻌﻄﻲ ﻻ
أن ﺗﺄﺧﺬ«.
54
زﻳﺎرة اﳊﻜﻤﺔ
ﰲ ﻫﺪوء اﻟﻠﻴﻞ ﺟﺎءت اﻟﺤﻜﻤﺔ ووﻗﻔﺖ ﺑﻘﺮب ﻣﻀﺠﻌﻲ ،وﻧﻈﺮت إﱄ ﻧﻈﺮة اﻷم اﻟﺤﻨﻮن
وﻣﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﻲ وﻗﺎﻟﺖ» :ﺳﻤﻌﺖ ﴏاخ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﺄﺗﻴﺖ ِﻷُﻋَ ﱢﺰﻳَﻬَ ﺎ ،اﺑﺴﻂ ﻗﻠﺒﻚ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﺄﻣﻸه
ﻧﻮ ًرا ،ﺳﻠﻨﻲ ﻓﺄرﻳﻚ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﻖ« ﻓﻘﻠﺖ» :ﻣﻦ أﻧﺎ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﻛﻴﻒ ﴎت إﱃ ﻫﺬا املﻜﺎن
املﺨﻴﻒ؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ واﻟﻜﺘﺐ اﻟﻜﺜرية واﻟﺮﺳﻮم اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر
اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﻛﴪب اﻟﺤﻤﺎم؟ ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم املﻨﻈﻮم ﺑﺎملﻴﻞ ،املﻨﺜﻮر ﺑﺎﻟﻠﺬة؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ
املﺴﺎورة ﻗﻠﺒﻲ؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﻴﻮن املﺤﺪﻗﺔ ﺑﻲ ،اﻟﻨﺎﻇﺮة ِ املﺤﺰﻧﺔ املﻔﺮﺣﺔ ،املﻌﺎﻧﻘﺔ روﺣﻲ،
أﻋﻤﺎﻗﻲ املﻨﴫﻓﺔ ﻋﻦ آﻻﻣﻲ؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻷﺻﻮات اﻟﻨﺎﺋﺤﺔ ﻋﲆ أﻳﺎﻣﻲ ،املﱰﻧﻤﺔ ﺑﺼﻐﺮي؟ ﻣﺎ
ﻫﺬا اﻟﺸﺒﺎب املﺘﻼﻋﺐ ﺑﺄﻣﻴﺎﱄ ،املﺴﺘﻬﺰئ ﺑﻌﻮاﻃﻔﻲ ،اﻟﻨﺎﳼ أﻋﻤﺎل اﻷﻣﺲ ،اﻟﻔﺎرح ﺑﺘﻔﺎﻫﺔ
اﻟﺤﺎل ،املﺴﺘﻨﻜﻒ ﻣﻦ ﺑﻂء اﻟﻐﺪ؟ ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺴﺎﺋﺮ ﺑﻲ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻻ أدري ،اﻟﻮاﻗﻒ ﻣﻌﻲ
ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻬﻮان؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻷرض اﻟﻔﺎﻏﺮة ﻓﺎﻫﺎ ﻻﺑﺘﻼع اﻷﺟﺴﺎم املﻘ ﱢﺮﺣﺔ ﺻﺪرﻫﺎ ﻟﺴﻜﻨﻰ
املﻄﺎﻣﻊ؟ ﻣﺎ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺮاﴈ ﺑﻤﺤﺒﺔ اﻟﺴﻌﺎدة ودون وﺻﺎﻟﻬﺎ اﻟﻬﺎوﻳﺔ ،اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻗﺒﻠﺔ
اﻟﺤﻴﺎة واملﻮت ﻳﺼﻔﻌﻪ ،اﻟﺸﺎري دﻗﻴﻘﺔ اﻟﻠﺬة ﺑﻌﺎم اﻟﻨﺪاﻣﺔ ،املﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﻜﺮى واﻷﺣﻼم
ﺗﻨﺎدﻳﻪ ،اﻟﺴﺎﺋﺮ ﻣﻊ ﺳﻮاﻗﻲ اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ إﱃ ﺧﻠﻴﺞ اﻟﻈﻠﻤﺔ؟ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ؟!
َﴩي أن ﺗﺮى ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻌني إﻟﻪ ،وﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻔﻘﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ» :أﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أﻳﻬﺎ ا ْﻟﺒ َ ِ
ﻣﻜﻨﻮﻧﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺗﻲ ﺑﻔﻜﺮة ﺑﴩﻳﺔ وﻫﺬا ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ،اذﻫﺐ إﱃ ا ْﻟ َ ﱢ
ﱪﻳﱠ ِﺔ ﺗﺠﺪ اﻟﻨﺤﻠﺔ
ﻳﻨﻘﺾ ﻋﲆ اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ ،ادﺧﻞ إﱃ ﺑﻴﺖ ﺟﺎرك ﺗﺮى اﻟﻄﻔﻞ ﱡ ﺣﺎﺋﻤﺔ ﺣﻮل اﻟﺰﻫﻮر ،واﻟﻨﴪ
ﺗﴫفِ ﻣﺪﻫﻮﺷﺎ ﺑﺄﺷﻌﺔ اﻟﻨﺎر ،واﻟﻮاﻟﺪة ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ،ﻛﻦ أﻧﺖ ﻛﺎﻟﻨﺤﻠﺔ ،وﻻ ً
أﻳﺎم اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻧﺎﻇ ًﺮا أﻋﻤﺎل اﻟﻨﴪ ،ﻛﻦ ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ واﻓﺮح ﺑﺄﺷﻌﺔ اﻟﻨﺎر ودع واﻟﺪﺗﻚ وﺷﺄﻧﻬﺎ،
ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻛﺎن وﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ،اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻜﺜرية واﻟﺮﺳﻮم اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ واﻷﻓﻜﺎر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻫﻲ
أﺷﺒﺎح ﻧﻔﻮس اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻘ ﱠﺪﻣُﻮك ،اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﺗﺤﻮﻛﻪ ﻫﻮ اﻟﻮاﺻﻞ ﺑﻴﻨﻚ وﺑني إﺧﻮاﻧﻚ اﻟﺒﴩ،
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ املﺤﺰﻧﺔ املﻔﺮﺣﺔ ﻫﻲ اﻟﺒﺬور اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺎﻫﺎ املﺎﴈ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﻨﻔﺲ وﺳﻮف ﻳﺴﺘﻐﻠﻬﺎ
املﺴﺘﻘﺒﻞ.
إن ﻫﺬا اﻟﺸﺒﺎب املﺘﻼﻋﺐ ﺑﺄﻣﻴﺎﻟﻚ ﻫﻮ ﻫﻮ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﺑﺎب ﻗﻠﺒﻚ ﻟﺪﺧﻮل اﻟﻨﻮر ،إن ﻫﺬه
اﻷرض اﻟﻔﺎﻏﺮة ﻓﺎﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﺺ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳﺔ ﺟﺴﺪك ،إن ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺴﺎﺋﺮ
ً
ﺟﺎﻫﻼ وﺻﻐريًا ﻫﻮ ﺑﻚ ﻫﻮ ﻗﻠﺒﻚ ،ﻓﻘﻠﺒﻚ ﻫﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻈﻨﻪ ﻋﺎ ًملﺎ ،إن ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﺗﺮاه
اﻟﺬي ﺟﺎء ﻣﻦ ﻟﺪن ﷲ ﻟﻴﺘﻌﻠﻢ اﻟﻔﺮح ﺑﺎﻟﺤﺰن ،واملﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺔ«.
ووﺿﻌﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﺪﻫﺎ ﻋﲆ ﺟﺒﻬﺘﻲ املﻠﺘﻬﺒﺔ وﻗﺎﻟﺖ:
ﺗﺨﺶ أﺷﻮاك اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻓﻬﻲ َ ﴎ وﻻﻂ ﻓﺎﻷﻣﺎم ﻫﻮ اﻟﻜﻤﺎلْ ِ ، »ﴎ إﱃ اﻷﻣﺎم وﻻ ﺗﻘﻒ َﻗ ﱡ
ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ إﻻ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﻔﺎﺳﺪة«.
56
ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺻﺪﻳﻖ
١
ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻓﺘﻰ ﺿﺎﺋﻌً ﺎ ﰲ ﻣﺴﺎﻟﻚ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ﺑﻤﻔﺎﻋﻴﻞ ﺷﺒﻴﺒﺘﻪ ،ﻣﺴﺘﻤﻴﺘًﺎ ﰲ إدراك ﻏﺮض
أﻣﻴﺎﻟﻪ ،ﻋﺮﻓﺘﻪ زﻫﺮة ﻟﻴﻨﻪ ﺣﻤﻠﺘﻬﺎ رﻳﺎح اﻟﻨﺰق إﱃ ﻟُﺠﱠ ِﺔ اﻟﺸﻬﻮات ،ﻋﺮﻓﺘﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺻﺒﻴٍّﺎ
ﴍﺳﺎ ﻳﻤﺰق ﺑﻴﺪﻳﻪ أﻋﺸﺎش اﻟﻌﺼﺎﻓري وﻳﻤﻴﺖ أﻓﺮاﺧﻬﺎ ،وﻳﺴﺤﻖ ﺑﺮﺟﻠﻴﻪ ﺗﻴﺠﺎن اﻷزﻫﺎر ً
وﻳﺒﻴﺪ ﻣﺤﺎﺳﻨﻬﺎ ،وﻋﺮﻓﺘﻪ ﰲ املﺪرﺳﺔ ﻳﺎﻓﻌً ﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻻﻗﺘﺒﺎس ،ﻗﺮﺑﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻄﺮﺳﺔ ،ﻋﺪوٍّا
ﻟﻠﺴﻜﻴﻨﺔ ،وﻋﺮﻓﺘﻪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﴩف أﺑﻴﻪ ﰲ ﺳﻮق اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ،وﻳﺒﺬل أﻣﻮاﻟﻪ ﰲ
ﻧﻮادي اﻟﺘﻬﺘﱡﻚ ،وﻳﻌﻄﻲ ﻋﺎﻗﻠﺘﻪ إﱃ اﺑﻨﺔ اﻟﻜﺮﻣﺔ.
وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﻪ ،أﺣﺒﻪ ﻣﺤﺒﺔ ﻳﺴﺎورﻫﺎ اﻷﺳﻒ وﻳﻤﺎزﺟﻬﺎ اﻹﺷﻔﺎق ،أﺣﺒﻪ ﻷن
ﻣﻨﻜﺮاﺗﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻧﻔﺲ ﺻﻐرية ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺂﺗﻲ ﻧﻔﺲ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻗﺎﻧﻄﺔ ،اﻟﻨﻔﺲ أﻳﻬﺎ
اﻟﻨﺎس ﺗﻤﻴﻞ ﻋﻦ ﺳﺒﻞ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻜﺮﻫﺔ وﺗﻌﻮد إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺮﻳﺪة ،وﻟﻠﺸﺒﻴﺒﺔ أﻋﺎﺻري ﺗﻬﺐ ﺣﺎﻣﻠﺔ
ورﻣﺎﻻ ﺗﻤﻸ اﻷﺟﻔﺎن ﻓﺘﻐﻤﻀﻬﺎ وﺗﻌﻤﻴﻬﺎ ،ﺗﻌﻤﻴﻬﺎ إﱃ أﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﰲ أﻛﺜﺮ املﻮاﻃﻦ. ً ﻏﺒﺎ ًرا
ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﻪ؛ ﻷﻧﻨﻲ رأﻳﺖ ﺣﻤﺎﻣﺔ ﺿﻤريه ﺗﻐﺎﻟﺐ ﻧﴩ ﺳﻴﺌﺎﺗﻪ، ً أﺣﺒﺒﺖ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ وﻛﻨﺖ
ﻗﺎض ﻋﺎدل ﺿﻌﻴﻒ واﻟﻀﻌﻒ ﻓﺘﻐﻠﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ ﺑﻘﻮة ﻋﺪوﱢﻫﺎ ﻻ ﺑﺨﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ،اﻟﻀﻤري ٍ
واﻗﻒ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﻨﻔﻴﺬ أﺣﻜﺎﻣﻪ.
ً
ﻗﻠﺖ أﺣﺒﺒﺘﻪ واملﺤﺒﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺄﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﻜﻤﺔ آﻧﺎ واﻟﻌﺪل آوﻧﺔ ،واﻷﻣﻞ
أﺣﺮى ﻓﻤﺤﺒﺘﻲ ﻟﻪ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﲇ ﺑﺎﺳﺘﻈﻬﺎر ﻧﻮر ﺷﻤﺴﻪ اﻟﻮﺿﻌﻲ ﻋﲆ ﻇﻠﻤﺔ ﻣﺘﺎﻋﺒﻬﺎ اﻟﻌﺮﺿﻴﺔ،
ﺟﺎﻫﻼ أﻧﱠﻰ وأﻳﻦ ﺗﺘﺒﺪل اﻷدرا ُن ﺑﻨﻘﺎوة واﻟﴩاﺳﺔ ﺑﻮداﻋﺔ ،واﻟﻄﻴﺶ ﺑﺤﻜﻤﺔ، ً ﻋﲆ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ
واﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺪري ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻧﻌﺘﺎق اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳﺔ املﺎدة إﻻ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﻌﺘﺎق ،وﻻ ﻳﻌﺮف
ﻛﻴﻒ ﺗﺒﺘﺴﻢ اﻷزﻫﺎر إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﺠﻲء اﻟﺼﺒﺎح.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
٢
ﺑﻐﺼﺎت ﻣﺆملﺔ ،وأردف ﻟﻔﻆ اﺳﻤﻪ ﱠ ﻣﺮت اﻵﻳﺎت آﺧﺬة ﺑﺄﻋﻨﺎق اﻟﻠﻴﺎﱄ ،وأﻧﺎ أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﻰ
ﺑﺘﻨﻬﺪات ﺗﺠﺮح اﻟﻘﻠﺐ وﺗﺪﻣﻲ ،ﺣﺘﻰ واﻓﺎﻧﻲ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﺘﺎب ﻣﻨﻪ ﻗﺎل ﻓﻴﻪ:
َﴪ ﻗﻠﺒَﻚ ﻟﻘﺎؤه ،وﺗﻄﻴﺐ ﺗﻌﺎل إﱄ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﺄﻧﺎ أرﻳﺪ أن أﺟﻤﻊ ﺑﻴﻨﻚ وﺑني ﻓﺘﻰ ﻳ ُ ﱡ
ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻪ.
ﻗﻠﺖ :وﻳﺤﻲ! أﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺸﻔﻊ ﺻﺪاﻗﺘﻪ املﺤﺰﻧﺔ ﺑﺼﺪاﻗﺔ آﺧﺮ ﻋﲆ ﺷﺎﻛﻠﺘﻪ ،أوَﻟﻢ ﻳﻜﻦ
وﺣﺪه أﻣﺜﻮﻟﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ آﻳﺎت اﻟﻀﻼل؟ وﻫﻞ ﻳﺮوم اﻵن ﺗﺬﻟﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺜﻮﻟﺔ ﺑﺂﻳﺎت
رﻓﺎﻗﻪ ﻛﻲ ﻻ ﻳﻔﻮﺗﻨﻲ ﺣﺮف ﻣﻦ ﻛﺘﺎب املﺎدة؟ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ» :أذﻫﺐ ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ ﺗﺠﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻮﺳﺞ
ﺗﻴﻨًﺎ ﺑﺤﻜﻤﺘﻬﺎ ،واﻟﻘﻠﺐ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻧﻮ ًرا ﺑﻤﺤﺒﺘﻪ«.
وملﺎ ﺟﺎء اﻟﻠﻴﻞ ذﻫﺒﺖ ﻓﻮﺟﺪت ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﻰ ﻣﻨﻔﺮدًا ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﻳﻘﺮأ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﺷﻌﺮﻳٍّﺎ ،ﻓﺤﻴﻴﺘﻪ
ﻣﺴﺘﻐﺮﺑًﺎ وﺟﻮد اﻟﻜﺘﺎب ﺑني ﻳﺪﻳﻪ وﻗﻠﺖ» :أﻳﻦ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺠﺪﻳﺪ؟ ﻗﺎل ﻫﻮ أﻧﺎ ﻳﺎ ﺧﻠﻴﻞ
ﻫﻮ أﻧﺎ« ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﺑﻬﺪوء ﻣﺎ ﻋﻬﺪﺗﻪ ﻓﻴﻪ ،وﻧﻈﺮ إﱄ وﰲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻧﻮر ﻏﺮﻳﺐ ﻳﺨﺮق اﻟﺼﺪر
وﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﺠﻮارح ،ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻴﻮن اﻟﺘﻲ ﻃﺎملﺎ ﺗﺄﻣﻠﺘﻬﺎ وﻟﻢ أ َ َر ﻓﻴﻬﺎ ﻏري اﻟﻌﻨﻒ واﻟﻘﺴﺎوة
اﻧﻌﻄﺎﻓﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﺣﺴﺒﺘﻪ ﺻﺎد ًرا ﻣﻦ ﻏريه» :إن ً ْ
أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺒﻌﺚ ﻧﻮ ًرا ﻳﻤﻸ اﻟﻘﻠﺐ
وﻣﺎﺷﻴْﺘﻪ ﰲ اﻟﺸﺒﻴﺒﺔ ﻗﺪ ﻣﺎت ،وﺑﻤﻮﺗﻪ َ ذاك اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺘﻪ ﰲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ وراﻓﻘﺘﻪ أﻳﺎم املﺪرﺳﺔ
ْت أﻧﺎ ،أﻧﺎ ﺻﺪﻳﻘﻚ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﺨﺬ ﺑﻴﺪي« .أﺧﺬت ﻳﺪه ﻓﺸﻌﺮت ﻋﻨﺪ املﻼﻣﺴﺔ أن ﰲ ﺗﻠﻚ ُوﻟِﺪ ُ
ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻳﴪي ﻣﻊ دﻣﺎء ،ﺗﻠﻚ اﻟﻴﺪ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻗﺪ ﺻﺎرت ﻟﻴﻨﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻷﺻﺎﺑﻊ اﻟﺘﻲ ً اﻟﻴﺪ روﺣً ﺎ
ﺷﺎﺑﻬﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﻨﻤﺮ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻼﻣﺲ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺮﻗﺘﻬﺎ.
ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ،وﻟﻴﺘﻨﻲ أذﻛﺮ ﻏﺮاﺑﺔ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ» :ﻣﻦ أﻧﺖ وﻛﻴﻒ ﴎت وأﻳﻦ ﴏت؟ ﻫﻞ اﺗﺨﺬك
ﻫﻴﻜﻼ ﻓﻘﺪﱠﺳﻚ ،أم أﻧﺖ ﺗﻤﺜﻞ أﻣﺎﻣﻲ دو ًرا ﺷﻌﺮﻳٍّﺎ؟« ﻗﺎل» :أي ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ إن اﻟﺮوح ً اﻟﺮوح
ﻗﺪ ﺣﻞ ﻋﲇ وﻗﺪﺳﻨﻲ ،اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﺬﺑﺤً ﺎ ﻃﺎﻫ ًﺮا ،ﻫﻲ املﺮأة ﻳﺎ ﺧﻠﻴﲇ،
املﺮأة اﻟﺘﻲ ﻇﻨﻨﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ أﻟﻌﻮﺑﺔ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻗﺪ أﻧﻘﺬﺗﻨﻲ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺠﺤﻴﻢ وﻓﺘﺤﺖ أﻣﺎﻣﻲ
أﺑﻮاب اﻟﻔﺮدوس ﻓﺪﺧﻠﺖ ،املﺮأة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻗﺪ ذﻫﺒﺖ ﺑﻲ إﱃ أردن ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ وﻋﻤﱠ ﺪﺗﻨﻲ ،ﺗﻠﻚ
اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻘﺮت أﺧﺘﻬﺎ ﺑﻐﺒﺎوﺗﻲ ﻗﺪ رﻓﻌﺘﻨﻲ إﱃ ﻋﺮش املﺠﺪ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ دﻧﱠﺴﺖ رﻓﻴﻘﺘﻬﺎ ﺑﺠﻬﲇ
ﻗﺪ ﻃﻬﺮﺗﻨﻲ ﺑﻌﻮاﻃﻔﻬﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺒﻌﺪت ﺑﻨﺎت ﺟﻨﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻗﺪ ﺣﺮرﺗﻨﻲ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ،
ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أﺧﺮﺟﺖ آدم اﻷول ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﻘﻮة إرادﺗﻬﺎ وﺿﻌﻔﻪ ﻗﺪ أﻋﺎدﺗﻨﻲ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻨﺔ
ﺑﺤﻨﻮﱢﻫﺎ واﻧﻘﻴﺎدي«.
58
ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺻﺪﻳﻖ
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻪ ﻓﻮﺟﺪت املﺪاﻣﻊ ﺗﺘﻸﻷ ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ،واﻻﺑﺘﺴﺎم ﻳﺮاود ﺷﻔﺘﻴﻪ،
وﺷﻌﺎع اﻟﺤﺐ ﻳﻜﻠﻞ رأﺳﻪ ،ﻓﺎﻗﱰﺑﺖ ﻣﻨﻪ وﻗﺒﱠﻠﺖ ﺟﺒﻬﺘﻪ ﻣﺘﱪ ًﻛﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻜﺎﻫﻦ املﺬﺑﺢ،
ﺛﻢ ودﻋﺘﻪ ورﺟﻌﺖ ﻣﺮ ﱢددًا ﻗﻮﻟﻪ» :ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أﺧﺮﺟﺖ آدم ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﻘﻮة إرادﺗﻬﺎ وﺿﻌﻔﻪ،
ﻗﺪ أﻋﺎدﺗﻨﻲ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﺤﻨﻮﱢﻫﺎ واﻧﻘﻴﺎدي«.
59
ﺑﲔ اﳊﻘﻴﻘﺔ واﳋﻴﺎل
ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﱃ ﻣﻜﺎن وﺗﻨﺘﻘﻞ ﺑﻨﺎ اﻟﺘﻘﺎدﻳﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﻴﻂ إﱃ آﺧﺮ ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺮى
ﱠ
ﻳﺘﺠﲆ ﻟﻨﺎ اﻟﺠﻤﺎل ﻋﲆ إﻻ ﻣﺎ وﻗﻒ ﻋﺜﺮة ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺳريﻧﺎ وﻻ ﻧﺴﻤﻊ ﺳﻮى ﺻﻮت ﻳﺨﻴﻔﻨﺎ،
ﻛﺮﳼ ﻣﺠﺪه ﻓﻨﻘﱰب ﻣﻨﻪ ،وﺑﺎﺳﻢ اﻟﺸﻮق ﻧﺪﻧﺲ أذﻳﺎﻟﻪ وﻧﺨﻠﻊ ﻋﻨﻪ ﺗﺎج ﻃﻬﺮه ،ﻳﻤ ﱡﺮ ﺑﻨﺎ
اﻟﺤﺐ ﻣﻜﺘﺴﻴًﺎ ﺛﻮب اﻟﻮداﻋﺔ ﻓﻨﺨﺎﻓﻪ وﻧﺨﺘﺒﺊ ﰲ ﻣﻐﺎﺋﺮ اﻟﻈﻠﻤﺔ ،أو ﻧﺘﺒﻌﻪ وﻧﻔﻌﻞ ﺑﺎﺳﻤﻪ
ﺛﻘﻴﻼ وﻫﻮ أﻟﻄﻒ ﻣﻦ أﻧﻔﺎس اﻷزﻫﺎر وأرق ﻣﻦ ﻧﺴﻴﻤﺎت اﻟﴩور ،واﻟﺤﻜﻴﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻧريًا ً
ﻟﺒﻨﺎن ،ﺗﻘﻒ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﰲ ﻣﻨﻌﻄﻔﺎت اﻟﺸﻮارع وﺗﻨﺎدﻳﻨﺎ ﻋﲆ رءوس اﻷﺷﻬﺎد ﻓﻨﺤﺴﺒﻬﺎ ً
ﺑﻄﻼ
وﻧﺤﺘﻘﺮ ﻣﺘﺒﻌﻴﻬﺎ ،ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ إﱃ ﻣﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻟﻨﻠﺘﺬﱠ ﺑﺨﻤﺮﻫﺎ وأﻃﻌﻤﺘﻬﺎ ﻓﻨﺬﻫﺐ وﻧﴩه
ً
وﻣﺠﺎﻻ ﻻﺣﺘﻘﺎر اﻟﺬات ،ﺗﻤﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻧﺤﻮﻧﺎ ﻳﺪ اﻟﻮﻻء ﻓﺘﺼري ﺗﻠﻚ املﺎﺋﺪة ﻣﺮﺳﺤً ﺎ ﻟﻼﺑﺘﺬال
وﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ أن ﻧﺘﻤﺘﻊ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻨﺨﴙ ﺳﻜﻴﻨﺘﻬﺎ وﻧﻠﺘﺠﺊ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻨﺎك ﻧﺘﻜﺎﺛﺮ ﻋﲆ
ﺧﺎﻃﻔﺎ ،ﺗﺰورﻧﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻨﻘﺎدة ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻃﻔﻞ أو ﻗﺒﻠﺔ ً ﻛﻘﻄﻴﻊ رأى ذﺋﺒًﺎ
ٍ ً
ﺑﻌﻀﺎ ﺑﻌﻀﻨﺎ
ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ﻓﻨﻮﺻﺪ دوﻧﻬﺎ أﺑﻮاب ﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ وﻧﻐﺎدرﻫﺎ ﻛﻤﺠﺮم دﻧﺲ ،اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ﻳﺴﺘﻨﺠﺪ
ﺑﻨﺎ واﻟﻨﻔﺲ ﺗﻨﺎدﻳﻨﺎ وﻧﺤﻦ أﺷﺪ ﺻﻤﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﻻ ﻧﻌﻲ وﻻ ﻧﻔﻬﻢ ،وإذا ﻣﺎ ﺳﻤﻊ أﺣﺪ
ﴏاخ ﻗﻠﺒﻪ وﻧﺪاء ﻧﻔﺴﻪ ﻗﻠﻨﺎ ﻫﺬا ذو ِﺟﻨ ﱠ ٍﺔ وﺗﱪأﻧﺎ ﻣﻨﻪ.
ﻫﻜﺬا ﺗﻤﺮ اﻟﻠﻴﺎﱄ وﻧﺤﻦ ﻏﺎﻓﻠﻮن ،وﺗﺼﺎﻓﺤﻨﺎ اﻷﻳﺎم وﻧﺤﻦ ﺧﺎﺋﻔﻮن ﻣﻦ اﻟﻠﻴﺎﱄ واﻷﻳﺎم،
ﻧﻘﱰب ﻣﻦ اﻟﱰاب واﻵﻟﻬﺔ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻨﺎ ،وﻧﻤﺮ ﻋﲆ ﺧﺒﺰ اﻟﺤﻴﺎة واملﺠﺎﻋﺔ ﺗﺘﻐﺬى ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﺎ،
ﻓﻤﺎ أﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة إﻟﻴﻨﺎ وﻣﺎ أﺑﻌﺪﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة.
ﻳﺎ ﺧﻠﻴﲇ اﻟﻔﻘﲑ
ﱢﻴﺖ ﰲ أﺣﻀﺎن اﻟﺬل ،وﺷﺒﺒﺖ ﰲ ﻣﻨﺎزل اﻻﺳﺘﺒﺪاد ،أﻧﺖ ْت ﻋﲆ ﻣﻬﺪ اﻟﺸﻘﺎء ،و ُرﺑ َ
ﻳﺎ ﻣﻦ ُوﻟِﺪ َ
اﻟﺬي ﺗﺄﻛﻞ ﺧﺒﺰك اﻟﻴﺎﺑﺲ ﺑﺎﻟﺘﻨﻬﺪ ،وﺗﴩب ﻣﺎءك اﻟﻌﻜﺮ ﻣﻤﺰوﺟً ﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع واﻟﻌﱪات.
ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺠﻨﺪي املﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﴍاﺋﻊ اﻟﺒﴩ اﻟﻈﺎملﺔ ﺑﺄن ﻳﱰك رﻓﻴﻘﺘﻪ وﺻﻐﺎره
وﻣﺤﺒﻴﻪ ،وﻳﺬﻫﺐ إﱃ ﺳﺎﺣﺔ املﻮت ﻣﻦ أﺟﻞ ﻃﻤﻊ ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ اﻟﻮاﺟﺐ.
وﻣﺠﻬﻮﻻ ﺑني ﻣﻌﺎرﻓﻪ ،وﻳﺮﴇ ﻣﻦ ً وﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﰲ وﻃﻨﻪ
اﻟﻌﻴﺶ ﺑﻤﻀﻐﺔ وﻣﻦ اﻟﺤﻄﺎم ﺑﺎﻟﺤﱪ واﻟﻮرق.
ﺟﺴﻤﻪ ﻏﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎﺑﻠﻮن وﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺴﺠني املﻄﺮوح ﰲ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻧﺐ ﺻﻐري ﱠ
اﻟﴩ ﺑﺎﻟﴩ ،واﺳﺘﻐﺮﺑﺘﻪ ﻋﺎﻗﻠﺔ اﻷﱃ ﻳﺮوﻣﻮن اﻹﺻﻼح ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻔﺴﺎد.
ﺟﻤﺎﻻ رآه ﻓﺘﻰ اﻟﻌﴫ ﻓﺎﺗﺒﻌﻚ وﻏﺮك وﺗﻐﻠﺐ ً ِ
وأﻧﺖ أﻳﺘﻬﺎ املﺴﻜﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ وﻫﺒﻬﺎ ﷲ
ِ
ﻓﺎﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻪ وﻏﺎدرك ﻓﺮﻳﺴﺔ ﺗﺮﺗﻌﺪ ﺑني ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﺬل واﻟﺘﻌﺎﺳﺔ. ﻋﲆ ﻓﻘﺮك ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ،
أﻧﺘﻢ ﻳﺎ أﺣﺒﺎﺑﻲ اﻟﻀﻌﻔﺎء ﺷﻬﺪاء ﴍاﺋﻊ اﻹﻧﺴﺎن ،أﻧﺘﻢ ﺗﻌﺴﺎء وﺗﻌﺎﺳﺘﻜﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺑﻐﻲ
اﻟﻘﻮي وﺟﻮر اﻟﺤﺎﻛﻢ وﻇﻠﻢ اﻟﻐﻨﻲ وأﻧﺎﻧﻴﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺸﻬﻮات.
ﻻ ﺗﻘﻨﻄﻮا ،ﻓﻤﻦ ﻣﻈﺎﻟﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻣﻦ وراء املﺎدة ﻣﻦ وراء اﻟﻐﻴﻮم ،ﻣﻦ وراء اﻷﺛري،
ﻣﻦ وراء ﻛﻞ ﳾء ،ﻗﻮة ﻫﻲ ﻛﻞ ﻋﺪل وﻛﻞ ﺷﻔﻘﺔ وﻛﻞ ﺣﻨﻮ وﻛﻞ ﻣﺤﺒﺔ.
أﻧﺘﻢ ﻣﺜﻞ أزﻫﺎر ﻧﺒﺘﺖ ﰲ اﻟﻈﻞ ،ﺳﻮف ﺗﻤﺮ ﻧﺴﻴﻤﺎت ﻟﻄﻴﻔﺔ وﺗﺤﻤﻞ ﺑﺬورﻛﻢ إﱃ ﻧﻮر
اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺘﺤﻴﻮن ﻫﻨﺎك ﺣﻴﺎة ﺟﻤﻴﻠﺔ.
أﻧﺘﻢ ﻧﻈري أﺷﺠﺎر ﻋﺎرﻳﺔ ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺜﻠﻮج اﻟﺸﺘﺎء ،ﺳﻮف ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺮﺑﻴﻊ وﻳﻜﺴﻮﻛﻢ أوراﻗﺎً
ﺧﴬاء ﻏﻀﺔ.
ﺳﻮف ﺗﻤﺰق اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻏﺸﺎء اﻟﺪﻣﻊ اﻟﺤﺎﺟﺐ اﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺗﻜﻢ.
أﻧﺎ أﻗﺒﻠﻜﻢ ﻳﺎ إﺧﻮﺗﻲ وأﺣﺘﻘﺮ ﻣﻀﻄﻬﺪﻳﻜﻢ.
ﻣﻨﺎﺣﺔ ﰲ اﳊﻘﻞ
اﻟﺸ َﻔ ِﻖ ،ﺟﻠﺴﺖ ﰲ وﺳﻂ اﻟﺤﻘﻞ أﻧﺎﺟﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ ُﻗﺒَﻴْ َﻞ ﺑﺰوغ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ وراء ﱠ
وﺟﻤﺎﻻ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺴﺘﱰًا ﻃﻲ ﻟﺤﻒ اﻟﻜﺮى ﺗﻨﺘﺎﺑﻪ ً ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ املﻤﻠﻮءة ﻃﻬ ًﺮا
اﻷﺣﻼم ﺗﺎرة واﻟﻴﻘﻈﺔ أﺧﺮى ،ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻮﺳﺪًا اﻷﻋﺸﺎب أﺳﺘﻔﴪ ﻛﻞ ﻣﺎ أرى ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ
اﻟﺠﻤﺎل ،وأﺳﺘﺤﻜﻲ ﻣﺎ ﻳﺮى ﻋﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﺼ ْﻠ ُﺖ ﺗﺼﻮراﺗﻲ ﺑﻴﻨﻲ وﺑني اﻟﺒﴩﻳﺎت ،وأراﺣﺖ ﺗﺨﻴﻼﺗﻲ ﺑﺮﻗﻊ املﺎدة ﻋﻦ ذاﺗﻲ وملﺎ َﻓ َ
املﻌﻨﻮﻳﺔ ،ﺷﻌﺮت ﺑﻨﻮر روﺣﻲ ﻳﻘﺮﺑﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻳﺒني ﱄ ﻏﻮاﻣﺾ أﴎارﻫﺎ وﻳﻔﻬﻤﻨﻲ
ﻟﻐﺔ ﻣﺒﺘﺪﻋﺎﺗﻬﺎ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﺮ اﻟﻨﺴﻴﻢ ﺑني اﻷﻏﺼﺎن ﻣﺘﻨﻬﺪًا ﺗﻨﻬﺪ ﻳﺘﻴﻢ ﻳﺎﺋﺲ،
ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻣﺴﺘﻔﻬﻤﺎ» :ملﺎذا ﺗﺘﻨﻬﺪ ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺴﻴﻢ اﻟﻠﻄﻴﻒ؟« ﻓﺄﺟﺎب» :ﻷﻧﻨﻲ ذاﻫﺐ ﻧﺤﻮ
املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺪﺣﻮ ًرا ﻣﻦ ﺣﺮارة اﻟﺸﻤﺲ ،إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄذﻳﺎﱄ اﻟﻨﻘﻴﺔ ﻣﻜﺮوﺑﺎت
اﻷرض ،وﺗﺘﺸﺒﺖ ﺑﻲ أﻧﻔﺎس اﻟﺒﴩ اﻟﺴﺎﻣﺔ ،ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺗﺮاﻧﻲ ﺣﺰﻳﻨًﺎ«.
اﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮ اﻷزﻫﺎر ﻓﺮأﻳﺘﻬﺎ ﺗﺬرف ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ ﻗﻄﺮات اﻟﻨﺪى دﻣﻌً ﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﺖ» :ملﺎذاﱡ ﺛﻢ
اﻟﺒﻜﺎء ﻳﺎ أﻳﺘﻬﺎ اﻷزﻫﺎر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ؟« ﻓﺮﻓﻌﺖ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ رأﺳﻬﺎ اﻟﻠﻄﻴﻒ وﻗﺎﻟﺖ» :ﻧﺒﻜﻲ
ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﺳﻮف ﻳﺄﺗﻲ وﻳﻘﻄﻊ أﻋﻨﺎﻗﻨﺎ وﻳﺬﻫﺐ ﺑﻨﺎ ﻧﺤﻮ املﺪﻳﻨﺔ وﻳﺒﻴﻌﻨﺎ ﻛﺎﻟﻌﺒﻴﺪ وﻧﺤﻦ
ﺣﺮاﺋﺮ ،وإذا ﻣﺎ ﺟﺎء املﺴﺎء وذﺑﻠﻨﺎ رﻣﻰ ﺑﻨﺎ إﱃ اﻷﻗﺬار ،ﻛﻴﻒ ﻻ ﻧﺒﻜﻲ وﻳﺪ اﻷﻧﺴﺎن اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ
ﺳﻮف ﺗﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻦ وﻃﻨﻨﺎ اﻟﺤﻘﻞ؟!«.
وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺠﺪول ﻳﻨﻮح ﻛﺎﻟﺜﱠﻜﲆ ﻓﺴﺄﻟﺖ» :ملﺎذا ﺗﻨﻮح ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺠﺪول
ﻛﺮﻫﺎ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،ﺣﻴﺚ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺤﺘﻘﺮﻧﻲ وﻳﺴﺘﻌﻴﺾ اﻟﻌﺬب؟« ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ» :ﻷﻧﻨﻲ ﺳﺎﺋﺮ ً
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻋﻨﻲ ﺑﻌﺼري اﻟﻜﺮﻣﺔ وﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻨﻲ ﻟﺤﻤﻞ أدراﻧﻪ ،ﻛﻴﻒ ﻻ أﻧﻮح وﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﺗﺼﺒﺢ ﻧﻘﺎوﺗﻲ
وز ًرا ،وﻃﻬﺎرﺗﻲ ﻗﺬ ًرا؟!«.
ﺛﻢ أﺻﻐﻴﺖ ﻓﺴﻤﻌﺖ اﻟﻄﻴﻮر ﺗﻐﻨﱢﻲ ﻧﺸﻴﺪًا ﻣﺤﺰﻧًﺎ ﻳﺤﺎﻛﻲ اﻟﻨﺪب ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ» :ملﺎذا
ﺗﻨﺪﺑني ﻳﺎ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ؟« ﻓﺎﻗﱰب ﻣﻨﻲ ﻋﺼﻔﻮر ووﻗﻒ ﻋﲆ ﻃﺮف اﻟﻐﺼﻦ وﻗﺎل:
ﺣﺎﻣﻼ آﻟﺔ ﺟﻬﻨﻤﻴﺔ ﺗﻔﺘﻚ ﺑﻨﺎ ﻓﺘﻚ املﻨﺠﻞ ﺑﺎﻟﺰرع ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧ ُ َﻮ ﱢد ُع ﺑﻌﻀﻨﺎ
ً »ﺳﻮف ﻳﺄﺗﻲ اﺑﻦ آدم
ﺑﻌﻀﺎ ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺪري ﻣﻦ ِﻣﻨﱠﺎ ﻳﺘﻤ ﱠﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻘﺪر املﺤﺘﻮم ،ﻛﻴﻒ ﻻ ﻧﻨﺪب واملﻮت ﻳﺘﺒﻌﻨﺎ أﻳﻨﻤﺎ ً
ﴎﻧﺎ؟!«.
ﻃﻠﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ وراء اﻟﺠﺒﻞ وﺗﻮﱠﺟﺖ رءوس اﻷﺷﺠﺎر ﺑﺄﻛﺎﻟﻴﻞ ذﻫﺒﻴﺔ ،وأﻧﺎ أﺳﺄل
ذاﺗﻲ ملﺎذا ﻳﻬﺪم اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﻨﻴﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؟!
66
ﺑﲔ اﻟﻜﻮخ واﻟﻘﴫ
١
ﺟﺎء املﺴﺎء وﺷﻌﺸﻌﺖ أﻧﻮار اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﰲ ﴏح اﻟﻐﻨﻲ ،ﻓﻮﻗﻒ اﻟﺨﺪام ﻋﲆ اﻷﺑﻮاب ﺑﻤﻼﺑﺲ
ﻣﺨﻤﻠﻴﺔ وﻋﲆ ﺻﺪورﻫﻢ اﻷزرار اﻟﻼﻣﻌﺔ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻣﺠﻲء املﺪﻋﻮﻳﻦ ،ﺻﺪﺣﺖ املﻮﺳﻴﻘﻰ
املﻄﺮﺑﺔ ،وﺗﻘﺎﻃﺮ اﻷﴍاف واﻟﴩﻳﻔﺎت ﺗﺠﺮﻫﻢ اﻟﺨﻴﻮل املﻄﻬﻤﺔ ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ اﻟﻘﴫ ِ ﺑﺄﻧﻐﺎﻣﻬﺎ
ﻓﺪﺧﻠﻮا ﻳﺮﻓﻠﻮن ﺑﺎملﻼﺑﺲ املﺰرﻛﺸﺔ ،وﻳﺠﺮون أذﻳﺎل اﻟﻌﺰة واﻟﻔﺨﺮ.
ﻗﺎم اﻟﺮﺟﺎل ودَﻋَ ﻮُا اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻠﺮﻗﺺ ﻓﻮﻗﻔﻦ واﺧﱰن اﻷﻋﺰاء.
وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ املﻘﺼﻮرة روﺿﺔ ﺗﻤﺮ ﺑﻬﺎ ﻧﺴﻴﻤﺎت املﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﺘﺘﻤﺎﻳﻞ أزاﻫﺮﻫﺎ ﺗﻴﻬً ﺎ
وإﻋﺠﺎﺑًﺎ.
اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻤﺪت ﺳﻔﺮة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋَ ﱠﺰ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ وﻃﺎب ﻣﻦ اﻷﻟﻮان ،ودارت
اﻟﻜﺌﻮس ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻠﻌﺒﺖ ﺑﻨﺖ اﻟﻜﺮﻣﺔ ﰲ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺣﺘﻰ أﻟﻌﺒﺘﻬﻢ.
ﺟﺎء اﻟﺼﺒﺎح وﻓﺮق ﺷﻤﻞ أوﻟﺌﻚ اﻷﴍاف اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺑﻌﺪ أن أﺿﻨﺎﻫﻢ اﻟﺴﻬﺮ ،وﴎﻗﺖ
ﻋﺎﻗﻠﺘﻬﻢ اﻟﺨﻤﺮة ،وأﺗﻌﺒﻬﻢ اﻟﺮﻗﺺ ،وأذﺑﻠﻬﻢ اﻟﻘﺼﻒ ،وذﻫﺐ ﻛ ﱞﻞ إﱃ ﻓﺮاﺷﻪ اﻟﻨﺎﻋﻢ.
٢
ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ وﻗﻒ رﺟﻞ ﻳﺮﺗﺪي أﺛﻮاب اﻟﺸﻐﻞ أﻣﺎم ﺑﺎب ﻛﻮخ ﺣﻘريَ ،
وﻗ َﺮ َع ُ
ﻓﻔﺘﺢ
ﻟﻪ ودﺧﻞ وﺣﻴﱠﻰ ﻣﺒﺘﺴﻤً ﺎ ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﺑني ﺻﺒﻴﺔ ﻳﺼﻄﻠﻮن ﺑﻘﺮب اﻟﻨﺎر ،وﺑﻌﺪ ردﻫﺔ ﻫﻴﱠﺄت
زوﺟﺘﻪ اﻟﻌﺸﺎء ﻓﺠﻠﺴﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺣﻮل ﻣﺎﺋﺪة ﺧﺸﺒﻴﺔ ﻳﻠﺘﻬﻤﻮن اﻟﻄﻌﺎم ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﻮا وﺟﻠﺴﻮا
ﺑﻘﺮب ﻣﴪﺟﺔ ﺗﺮﺳﻞ ﺳﻬﺎم أﺷﻌﺘﻬﺎ اﻟﺼﻔﺮاء اﻟﻀﻌﻴﻔﺔ إﱃ ﻛﺒﺪ اﻟﻈﻠﻤﺔ.
وﺑﻌﺪ ﻣﺮور اﻟﻬﺰﻳﻊ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﻛﻠﻴﺔ ،واﺳﺘﺴﻠﻤﻮا ملﻠﻚ اﻟﺮﻗﺎد.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
68
ﻃﻔﻼن
وﻗﻒ اﻷﻣري ﻋﲆ ﴍﻓﺔ اﻟﻘﴫ وﻧﺎدى اﻟﺠﻤﻮع املﺰدﺣﻤﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ،وﻗﺎل» :أﺑﴩﻛﻢ
وأﻫﻨﺊ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺎﻷﻣرية ﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻏﻼﻣً ﺎ ﻳﺤﻴﻲ ﴍف ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ املﺠﻴﺪة ،وﻳﻜﻮن ﻟﻜﻢ ﻓﺨ ًﺮا
ﻃﺎ ﺑﺴﻠﻴﻞ وﻣﻼذًا وورﻳﺜًﺎ ملﺎ أﺑﻘﺘﻪ أﺟﺪادي اﻟﻌﻈﺎم ،،اﻓﺮﺣﻮا وﺗﻬﻠﻠﻮا ﻓﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻜﻢ ﺻﺎر ﻣﻨﺎ ً
املﻌﺎﱄ«.
ﻣﺘﺄﻫﻠﺔ ﺑﻤﻦ ﺳﻮف ﻳُ َﺮﺑﱠﻰ ﻋﲆ ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻮع وﻣﻸت اﻟﻔﻀﺎء ﺑﺄﻫﺎزﻳﺞ اﻟﻔﺮح ،ﱢ
ً
ﻣﻬﺪ اﻟﱰف ،وﻳﺸﺐ ﻋﲆ ﻣﻨﺼﺔ اﻹﻋﺰاز ،وﻳﺼري ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺣﺎﻛﻤﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺑﺮﻗﺎب اﻟﻌﺒﺎد،
ﻄﺎ ﺑﻘﻮﺗﻪ أَﻋِ ﻨ ﱠ َﺔ اﻟﻀﻌﻔﺎء ،ﺣﺮﻳٍّﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أﺟﺴﺎدﻫﻢ وإﺗﻼف أرواﺣﻬﻢ ،ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺿﺎﺑ ً
ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻔﺮﺣﻮن وﻳﻐﻨﻮن اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ وﻳﻌﺎﻗﺮون ﻛﺎﺳﺎت اﻟﴪور.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﻤﺠﺪون اﻟﻘﻮي وﻳﺤﺘﻘﺮون ذواﺗﻬﻢ وﻳﺘﻐﻨﻮن ﺑﺎﺳﻢ املﺴﺘﺒﺪ،
واملﻼﺋﻜﺔ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﲆ ﺻﻐﺮﻫﻢ ،ﻛﺎن ﰲ ﺑﻴﺖ ﺣﻘري ﻣﻬﺠﻮر اﻣﺮأة ﻣﻄﺮوﺣﺔ ﻋﲆ ﴎﻳﺮ اﻟﺴﻘﺎم
ﻃﻔﻼ ٍّ
ﻣﻠﺘﻔﺎ ﺑﺄﻗﻤﻄﺔ ﺑﺎﻟﻴﺔ. ﺗﻀﻢ إﱃ ﺻﺪرﻫﺎ املﻠﺘﻬﺐ ً
ﺻﺒﻴﺔ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻬﺎ اﻷﻳﺎم ﻓﻘ ًﺮا ،واﻟﻔﻘﺮ ﺷﻘﺎء ﻓﺄﻫﻤﻠﺖ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،زوﺟﺔ أﻣﺎت
ً
رﻓﻴﻘﺎ ﺻﻐريًا رﻓﻴﻘﻬﺎ اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻇﻠ ُﻢ اﻷﻣري اﻟﻘﻮي ،وﺣﻴﺪة ﺑﻌﺜﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻵﻟﻬﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ
ﻳﻜﺒﻞ ﻳﺪﻳﻬﺎ دون اﻟﻌﻤﻞ واﻻرﺗﺰاق.
وملﺎ ﺳﻜﻨﺖ ﺟﻠﺒﺔ اﻟﻨﺎس ﰲ اﻟﺸﻮارع ،وﺿﻌﺖ ﺗﻠﻚ املﺴﻜﻴﻨﺔ ﻃﻔﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﻀﻨﻬﺎ،
وﻧﻈﺮت ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻪ اﻟﻼﻣﻌﺘني وﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﻣ ٍّﺮا ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗُﻌَ ﻤﱢ َﺪ ُه ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع اﻟﺴﺨﻴﻨﺔ،
وﻗﺎﻟﺖ ﺑﺼﻮت ﺗﺘﺼﺪع ﻟﻪ اﻟﺼﺨﻮر» :ملﺎذا ﺟﺌﺖ ﻳﺎ ﻓﻠﺬة ﻛﺒﺪي ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻷرواح؟ أﻃﻤﻌً ﺎ
ﺑﻤﺸﺎﻃﺮﺗﻲ اﻟﺤﻴﺎة املﺮة؟ أرﺣﻤﺔ ﺑﻀﻌﻔﻲ؟ ملﺎذا ﺗﺮﻛﺖ املﻼﺋﻜﺔ واﻟﻔﻀﺎء اﻟﻮﺳﻴﻊ وأﺗﻴﺖ
إﱃ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻀﻴﻘﺔ املﻤﻠﻮءة ﺷﻘﺎءً وﻣﺬ ﱠﻟﺔ؟ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪي ﻳﺎ وﺣﻴﺪي إﻻ اﻟﺪﻣﻮع ،ﻓﻬﻞ
ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺴﻴﺞ؟ ﺻﻐﺎر ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻴﺐ؟ وﻫﻞ ﺗﻠﺒﺲ ذراﻋﻲ اﻟﻌﺎرﻳﺘني ﺗﺘﻐﺬى ﺑﻬﺎ ً
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
اﻟﺤﻴﻮان ﺗﺮﻋﻰ اﻷﻋﺸﺎب وﺗﺒﻴﺖ ﰲ أوﻛﺎرﻫﺎ آﻣﻨﺔ ،وﺻﻐﺎر اﻟﻄري ﺗﻠﺘﻘﻂ اﻟﺒﺬور وﺗﻨﺎم ﺑني
اﻷﻏﺼﺎن ﻣﻐﺒﻮﻃﺔ ،وأﻧﺖ ﻳﺎ وﻟﺪي ﻟﻴﺲ ﻟﻚ إﻻ ﺗﻨﻬﺪاﺗﻲ وﺿﻌﻔﻲ«.
ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ َ
ﺿﻤﱠ ِﺖ اﻟﻄﻔﻞ إﱃ ﺻﺪرﻫﺎ ﺑﺸﺪة ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺠﺴﺪﻳﻦ ﺟﺴﺪًا واﺣﺪًا،
ورﻓﻌﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻼء وﴏﺧﺖ» :ارﻓﻖ ﺑﻨﺎ ﻳﺎ رب«.
وملﺎ اﻧﻘﺸﻌﺖ اﻟﻐﻴﻮم ﻋﻦ وﺟﻪ اﻟﻘﻤﺮ ،دﺧﻠﺖ أﺷﻌﺘﻪ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ
اﻟﺤﻘري ،واﻧﺴﻜﺒﺖ ﻋﲆ ﺟﺴﺪﻳﻦ ﻫﺎﻣﺪﻳﻦ.
70
ﺷﻌﺮاء اﳌﻬﺠﺮ
ً
ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﻟﻔﻀﻼت ﻟﻮ ﺗﺨﻴﱠﻞ اﻟﺨﻠﻴﻞ أن اﻷوزان اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻢ ﻋﻘﻮدﻫﺎ وأﺣﻜﻢ أوﺻﺎﻟﻬﺎ ﺳﺘﺼري
ﻃﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺻﺪاف اﻷﻓﻜﺎر ،ﻟﻨﺜﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﻮد وﻓﺼﻢ ﻋُ َﺮى ﺗﻠﻚ اﻷوﺻﺎل. اﻟﻘﺮاﺋﺢ ،وﺧﻴﻮ ً
وﻟﻮ ﺗﻨﺒﱠﺄ املﺘﻨﺒﻲ واﻓﱰض اﻟﻔﺎرض أن ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎه ﺳﻴﺼﺒﺢ ﻣﻮردًا ﻷﻓﻜﺎر ﻋﻤﻴﻘﺔ،
ﻄﻤﺎ اﻷﻗﻼم ﺑﺄﻳﺪيوﻣﻘﻮدًا ﻟﺮءوس ﻣﺸﺎﻋري ﻳﻮﻣﻨﺎ؛ ﻟﻬﺮاﻗﺎ املﺤﺎﺑﺮ ﰲ ﻣﺤﺎﺟﺮ اﻟﻨﺴﻴﺎن ،وﺣ ﱠ
اﻹﻫﻤﺎل.
وﻟﻮ َد َر ْت أرواح ﻫﻮﻣريوس وﻓﺮﺟﻴﻞ وأﻋﻤﻰ ا ْﻟﻤَ ﻌَ ﱠﺮ ِة وﻣﻠﺘﻮن أن اﻟﺸﻌﺮ املﺘﺠﺴﻢ ﻣﻦ
اﻟﻨﻔﺲ املﺸﺎﺑﻬﺔ ﷲ ،ﺳﻴﺤﻂ رﺣﺎﻟﻪ ﰲ ﻣﻨﺎزل اﻷﻏﻨﻴﺎء؛ ﻟﺒﻌﺪت ﺗﻠﻚ اﻷرواح ﻋﻦ أرﺿﻨﺎ
واﺧﺘﻔﺖ وراء اﻟﺴﻴﺎرات.
ﻣﺎ أﻧﺎ ﻣﻦ املﺘﻌﻨﺘني ،ﻟﻜﻦ ﻳﻌ ﱡﺰ ﻋﲇ أن أرى ﻟﻐﺔ اﻷرواح ﺗﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ أﻟﺴﻨﺔ اﻷﻏﺒﻴﺎء ،وﻛﻮﺛﺮ
ني ،وﻟﺴﺖ ﻣﻨﻔﺮدًا ﰲ وﻫﺪة اﻻﺳﺘﻴﺎء ﺑﻞ رأﻳﺘﻨﻲ واﺣﺪًا ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ ﻳﺴﻴﻞ ﻋﲆ أﻗﻼم ا ُملﺪﱠﻋِ َ
ﻛﺜريﻳﻦ ﻧﻈﺮوا اﻟﻀﻔﺪع ﻳﻨﺘﻔﺦ ً
ﺗﻤﺜﻼ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻮس.
اﻟﺸﻌﺮ ﻳﺎ ﻗﻮم روح ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻣﺘﺠﺴﻤﺔ ﻣﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﺤﻴﻲ اﻟﻘﻠﺐ أو ﺗﻨﻬﺪة ﺗﴪق
ﻣﻦ اﻟﻌني ﻣﺪاﻣﻌﻬﺎ ،أﺷﺒﺎح ﻣﺴﻜﻨﻬﺎ اﻟﻨﻔﺲ وﻏﺬاؤﻫﺎ اﻟﻘﻠﺐ وﻣﴩﺑﻬﺎ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،وإن ﺟﺎء
اب ﻧَﺒْﺬُ ُه أَو َْﻗﻰ.
اﻟﺸﻌﺮ ﻋﲆ ﻏري ﻫﺬه اﻟﺼﻮر ﻓﻬﻮ ﻛﻤﺴﻴﺢ َﻛﺬﱠ ٍ
ﻓﻴﺎ إﻟﻬﺔ اﻟﺸﻌﺮ — ﻳﺎ إداﻧﻮ — اﻏﺘﻔﺮي ذﻧﻮب اﻷﱃ ﻳﻘﱰﺑﻮن ﻣﻨﻚ ﺑﺜﺮﺛﺮة ﻛﻼﻣﻬﻢ ،وﻻ
ﻳﻌﺒﺪوﻧﻚ ﺑﴩف أﻧﻔﺴﻬﻢ وﺗﺨﻴﻼت أﻓﻜﺎرﻫﻢ.
وﻳﺎ أرواح اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻨﺎﻇﺮة إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ أﻋﺎﱄ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻠﻮد ،ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﻋﺬر ﻟﺘﻘﺪﻣﻨﺎ ﻣﻦ
ﻣﺬاﺑﺢ زﻳﱠﻨﺘﻤﻮﻫﺎ ﺑﻶﻟﺊ أﻓﻜﺎرﻛﻢ وﺟﻮاﻫﺮ أﻧﻔﺴﻜﻢ ،ﺳﻮى أن ﻋﴫﻧﺎ ﻫﺬا ﻗﺪ ﻛﺜﺮت ﻓﻴﻪ
ﺛﻘﻴﻼ ﺿﺨﻤً ﺎ ﻛﺎﻟﻘﻄﺎرات ،وﻣﺰﻋﺠً ﺎ ﻛﺼﻔري ً ﻗﻠﻘﻠﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ وﺿﺠﻴﺞ املﻌﺎﻣﻞ ،ﻓﺠﺎء ﺷﻌﺮﻧﺎ
اﻟﺒﺨﺎر.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
وأﻧﺘﻢ أﻳﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻮن ﺳﺎﻣﺤﻮﻧﺎ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻧﺮﻛﺾ وراء
املﺎدﻳﺎت ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺻﺎر ﻣﺎدة ﺗﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ اﻷﻳﺪي وﻻ ﺗﺪري ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻔﻮس.
72
ﲢﺖ اﻟﺸﻤﺲ
»رأﻳﺖ ﻛﻞ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺈذا اﻟﻜﻞ ﺑﺎﻃﻞ وﻗﺒﺾ اﻟﺮﻳﺢ«
)اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ(
ﻳﺎ روح ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ﰲ ﻓﻀﺎء ﻋﺎﻟﻢ اﻷرواح ،ﻳﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻌﺖ ﺛﻮب املﺎدة اﻟﺬي ﻧﺤﻦ
ً
ﺿﻌﻔﺎ ﻧﺮﺗﺪﻳﻪ اﻵن ،ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﺖ وراءك ﻫﺬا اﻟﻜﻼم املﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﻘﻨﻮط ،ﻓﻮﻟﺪ
ﻃﺎ ﰲ ﴎى اﻷﺟﺴﺎم. وﻗﻨﻮ ً
أن ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻌﻨﻰ ﻻ ﻳﺨﻔﻴﻪ املﻮت ،وﻟﻜﻦ أﻧﱠﻰ ﻟﻠﺒﴩ ﺗﻠﻚ أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني اﻵن ﱠ
املﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُ ْﺪ َر ُك إﻻ ﺑﻌﺪ اﻧﻌﺘﺎق اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ رﺑﻘﺔ اﻟﱰاب؟
أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني اﻵن أن اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻘﺒﺾ اﻟﺮﻳﺢ ،وأن ﻟﻴﺲ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﳾء ﺑﺎﻃﻞ،
ﺑﻞ ﻛﻞ ﳾء ﻛﺎن وﺳﻴﺒﻘﻰ ﺳﺎﺋ ًﺮا ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ املﺴﺎﻛني ﻗﺪ ﺗَ َﺸﺒﱠﺜْﻨَﺎ ﺑﺄﻗﻮاﻟﻚ
وﺗﺪﺑﺮﻧﺎﻫﺎ ،وﻣﺎ ﺑﺮﺣﻨﺎ ﻧﻈﻨﱡﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﺑﺎﻫﺮة وﻫﻲ — أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني — ﻇﻠﻤﺔ ﺗﻀﻴﻊ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ
وﺗﺨﻔﻲ اﻷﻣﻞ.
ً
ﺟﻤﺎﻻ إﻻ أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني اﻵن أن ﻟﻠﺤﻤﺎﻗﺔ واﻟﴩ واﻟﻈﻠﻢ أﺳﺒﺎﺑًﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺮى
ﺑﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺤﻜﻤﺔ وﻧﺘﺎج اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ وﺛﻤﺎر اﻟﻌﺪل.
أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني أن اﻟﺤﺰن واﻟﻔﻘﺮ ﻳﻄﻬﺮان اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ،وﻋﺎﻗﻠﺘﻨﺎ اﻟﻘﺎﴏة ﻻ ﺗﺮى
ﺷﻴﺌًﺎ ﺣَ ِﺮﻳٍّﺎ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد إﻻ اﻟﻴﴪ واﻟﻔﺮج.
أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني اﻵن أن اﻟﻨﻔﺲ ﺳﺎﺋﺮة ﻧﺤﻮ اﻟﻨﻮر ﻗﻬ ًﺮا ﻣﻦ ﻋﻘﺒﺎت اﻟﻌﻤﺮ ،وﻧﺤﻦ ﻣﺎ
ﺑﺮﺣﻨﺎ ﻧﺮدد ﻛﻼﻣﻚ اﻟﺬي ﻳﺪل ﻋﲆ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ إﻻ أﻟﻌﻮﺑﺔ ﰲ ﻳﺪ اﻟﻘﻮة ﻏري املﻌﺮوﻓﺔ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
روح ﻳﻀﻌﻒ ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺎﴐة ،وﻳﻤﻴﺖ اﻟﺸﻐﻒ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ٍ أﻧﺖ ﻧﺪﻣﺖ ﻋﲆ ﺑﺚ
ﻳﻦ ﻋﲆ ﺣﻔﻆ أﻗﻮاﻟﻚ.ُﴫ َ
اﻵﺗﻴﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻟﻢ ﻧﺰل ﻣ ِ ﱢ
ﻳﺎ روح ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻠﻮد ،أوﺣﻲ إﱃ ﻣﺤﺒﻲ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﱠأﻻ ﻳﺴﻠﻜﻮا ﺳﺒﻞ
اﻟﻘﻨﻮط واﻟﺠﺤﻮد ،ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻛﻔﺎرة ﻋﻦ ﺧ ً
ﻄﺎ ﻏري ﻣﻘﺼﻮد.
74
ﻧﻈﺮة إﱃ اﻵﰐ
ﻣﻦ وراء ﺟﺪران اﻟﺤﺎﴐ ﺳﻤﻌﺖ ﺗﺴﺎﺑﻴﺢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؟ ﺳﻤﻌﺖ أﺻﻮات اﻷﺟﺮاس ﺗﻬﺰ دﻗﺎﺋﻖ
أﺟﺮاس َﺳﺒَ َﻜﺘْﻬَ ﺎ اﻟﻘﻮة ﻣﻦ ﻣﻌﺪن اﻟﺸﻮاﻋﺮ
ٌ اﻷﺛري ﻣﻌﻠﻨﺔ ﺑﺪء اﻟﺼﻼة ﰲ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﺠﻤﺎل،
اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي.
ِ املﻘﺪس:
ِ ورﻓﻌﺘﻬﺎ ﻓﻮق ﻫﻴﻜﻠﻬﺎ
ﻣﻦ وراء املﺴﺘﻘﺒﻞ رأﻳﺖ اﻟﺠﻤﻮع ﺳﺎﺟﺪة ﻋﲆ ﺻﺪر اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺘﺠﻬﺔ ﻧﺤﻮ املﴩق،
ﻣﻨﺘﻈﺮة ﻓﻴﺾ ﻧﻮر اﻟﺼﺒﺎح :ﺻﺒﺎح اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﺑﺎل ،ﺗﺨﱪ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻧﺪﺣﺎر رأﻳﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ اﻧﺪﺛﺮت وﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻣﻦ آﺛﺎرﻫﺎ ﻏري ٍ
ﻃﻠﻞ ٍ
اﻟﻈﻠﻤﺔ أﻣﺎم اﻟﻨﻮر.
رأﻳﺖ اﻟﺸﻴﻮخ ﺟﺎﻟﺴني ﺑﻈﻞ أﺷﺠﺎر اﻟﺤﻮر واﻟﺼﻔﺼﺎف ،وﻗﺪ ﺟﻠﺲ اﻟﺼﺒﻴﺎن ﺣﻮﻟﻬﻢ
ﻳﺴﻤﻌﻮن أﺧﺒﺎر اﻟﻴﻮم.
رأﻳﺖ اﻟﻔﺘﻴﺎن ﻳﻮﻗﻌﻮن ﻋﲆ اﻟﻘﻴﺜﺎرة وﻳﻨﻔﺨﻮن ﰲ اﻟﻨﺎي ،واﻟﺼﺒﺎﻳﺎ ﻣﺴﺪوﻻت اﻟﺸﻌﺮ
ﻳﺮﻗﺼﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﺗﺤﺖ أﻏﺼﺎن اﻟﻴﺎﺳﻤني واﻟﻔﻞ.
ﱠ
رأﻳﺖ اﻟﻜﻬﻮل ﻳﺤﺼﺪون اﻟﺰرع ،واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺤﻤﻠﻦ اﻷﻏﻤﺎر وﻳﱰﻧﻤﻦ ﺑﺄﻧﺎﺷﻴﺪ أوﺣﺘﻬﺎ
اﻟﻐﺒﻄﺔ واملﴪة.
رأﻳﺖ املﺮأة ﻣﺴﺘﻌﻴﻀﺔ ﻋﻦ املﻼﺑﺲ املﺸﻮﱠﻫﺔ ﺑﺈﻛﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺒﻖ ،وﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ أوراق
اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻐﻀﺔ.
رأﻳﺖ اﻷﻟﻔﺔ ﻣﺴﺘﺤﻜﻤﺔ ﺑني اﻹﻧﺴﺎن واملﺨﻠﻮﻗﺎت ،ﻓﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻄري َ
واﻟﻔﺮاش ﺗﻘﱰب
ﻣﻨﻪ آﻣﻨﺔ ،وﴎب اﻟﻐﺰﻻن ﺗﻨﺜﻨﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺪﻳﺮ واﺛﻘﺔ ،ﻧﻈﺮت ﻓﻠﻢ أ َ َر ﻓﻘريًا وﻻ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ
اﻟﻜﻔﺎف ،ﺑﻞ أﻟﻔﻴﺖ اﻹﺧﺎء واملﺴﺎواة ،وﻟﻢ أ َ َر ﻃﺒﻴﺒﺎ إذ ﻛ ﱞﻞ َﻏﺪَا ﻃﺒﻴﺐ ذاﺗﻪ ﺑﺤﻜﻢ املﻌﺮﻓﺔ
واﻻﺧﺘﺒﺎر ،وﻟﻢ أ َ َر ﻛﺎﻫﻨًﺎ ﻷن اﻟﻀﻤري أﺻﺒﺢ اﻟﻜﺎﻫﻦ اﻷﻋﻈﻢ ،وﻟﻢ أر ﻣﺤﺎﻣﻴًﺎ ﻷن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻘﺎم ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﺴﺠﻞ ﻣﻌﺎﻫﺪات اﻷﻟﻔﺔ واﻟﻮﺋﺎم.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
رأﻳﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﺣﺠﺮ زاوﻳﺔ املﺨﻠﻮﻗﺎتَ ،ﻓ َﱰ ﱠَﻓ َﻊ ﻋﻦ اﻟﺼﻐﺎﺋﺮ ،وﺗﻌﺎﱃ ﻋﻦ
اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ ،وﻛﺸﻒ ﻋﻦ ﺑﺼرية اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻨﺎدﻳﻞ اﻻﻟﺘﺒﺎس ،ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺗﻘﺮأ ﻣﺎ ﺗﻜﺘﺒﻪ اﻟﻐﻴﻮم ﻋﲆ
وﺟﻪ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻣﺎ ﻳﻨﻤﻘﻪ اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت املﺎء ،وﺗﻔﻘﻪ ُﻛﻨ ْ َﻪ أﻧﻔﺎس اﻷزﻫﺎر ،وﺗﻌﺮف
ﻣﻌﻨﻰ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﺤﺎرﻳﺮ واﻟﺒﻼﺑﻞ.
ً
ﻋﺮوﺳﺎ واﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ وراء ﺟﺪران اﻟﺤﺎﴐ ،ﻋﲆ ﻣﺮﺳﺢ اﻷﺟﻴﺎل اﻵﺗﻴﺔ رأﻳﺖ اﻟﺠﻤﺎل
ﻋﺮوﺳﺔ ،واﻟﺤﻴﺎة ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪر.
76
ﻣﻠﻜﺔ اﳉﲈل
ﺑﻠﻐﺖ ﺧﺮاﺋﺐ ﺗﺪﻣﺮ وﻗﺪ أﻧﻬﻜﻨﻲ املﺴري ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﺖ ﻋﲆ أﻋﺸﺎب ﻧﺒﺘﺖ ﺑني أﻋﻤﺪة ﺳ ﱠﻠﻬﺎ ُ
اﻟﺪﻫﺮ وأﻧﺎﺧﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﻀﻴﺾ ﻓﺒﺎﻧﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺷﻼء ﺣﺮب ﻫﺎﺋﻠﺔ ،وﴏت أَﺗَﺄَﻣﱠ ُﻞ ﺑﻌﻈﺎﺋﻢ
أﺟﻠﻬﺎ وﻫﻲ ﻣﻬﺪوﻣﺔ ﻣﻨﻘﻮﺿﺔ ﻋﻦ ﺻﻐﺎﺋﺮ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﺎﻣﺮة.
ملﺎ ﺟﺎء اﻟﻠﻴﻞ وﺗﺸﺎرﻛﺖ املﺨﻠﻮﻗﺎت املﺘﻨﺎﺑﺬة ﺑﺎرﺗﺪاء ﺛﻮب اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻷﺛري
ﻓﻌﻼ ،ﻓﴫت أﺟﺮﻋﻪ ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ﺳﻴﺎﻻ ﻳﻀﺎرع اﻟﺒﺨﻮر ﻋﻄ ًﺮا وﻳﻌﺎدل اﻟﺨﻤﺮ ً ً املﺤﻴﻂ ﺑﻲ
وأﺣﺲ ﺑﺄﻳﺎدٍ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﺗﺘﺴﺎﻫﻢ ﻋﺎﻗﻠﺘﻲ وﺗﺜﻘﻒ ﺟﺴﻤﻲ وﺗﺤﻞ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ ﺳﻼﺳﻠﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻣﺎدت
ﻓﻮﺛﺒﺖ ﻣﺪﻓﻮﻋً ﺎ ﺑﻘﻮة ﺳﺤﺮﻳﺔ ،ﻓﻮﺟﺪﺗُﻨﻲ ﰲ رﻳﺎض ﻟﻢ ﻳﺘﺨﻴﻠﻬﺎ ﺑﴩ ُ اﻷرض واﻫﺘﺰ اﻟﻔﻀﺎء
ﻂ ،ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﺠﻮق ﻣﻦ اﻟﻌﺬارى ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺪﻳﻦ ﺑﻐري اﻟﺠﻤﺎل ،ﻳﻤﺸني ﺣﻮﱄ وﻻ ﺗﻠﻤﺲ َﻗ ﱡ
أرﺟﻠﻬﻦ اﻷﻋﺸﺎب ،وﻳﻨﺸﺪن ﺗﺴﺒﻴﺤﺔ ﻣﻨﺴﻮﺟﺔ ﻣﻦ أﺣﻼم اﻟﺤﺐ ،وﻳﴬﺑﻦ ﻋﲆ ﻗﻴﺜﺎرات
ﺻ ٌﻊ ﺑﺎﻟﺠﻮاﻫﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎج ذات أوﺗﺎر ذﻫﺒﻴﺔ ،ملﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ ﻣﻨﻔﺮج ﻗﺎم ﰲ وﺳﻄﻪ ﻋﺮش ُﻣ َﺮ ﱠ
ﺑني ﻣﺴﺎرح ﺗﻨﺴﻜﺐ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻮار ﺑﻠﻮن ﻗﻮس اﻟﻘﺰح ،وﻗﻔﺖ اﻟﻌﺬارى ﻋﲆ اﻟﻴﻤني واﻟﻴﺴﺎر
ورﻓﻌﻦ أﺻﻮاﺗﻬﻦ ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ،وﻧﻈﺮن إﱃ ﺟﻬﺔ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﻬﺎ راﺋﺤﺔ املﺮ واﻟﻠﺒﺎن ،ﻓﺈذا
ﺑﻤﻠﻴﻜﺔ ﻇﻬﺮت ﻣﻦ ﺑني اﻷﻏﺼﺎن اﻟﺰاﻫﺮة وﻣﺸﺖ ﺑﺒﻂء ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺮش واﺳﺘﻮت ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻬﺒﻂ
ﺑﻴﺎﺿﺎ واﺳﺘﻘﺮ ﺣﻮل أﻗﺪاﻣﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻫﻼل. ً إذ ذاك ﴎب ﺣﻤﺎم ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ
ﺻﺎر ﻫﺬا واﻟﻌﺬارى ﻳﻐﻨني ﻣﺠﺪ املﻠﻴﻜﺔ ﺳﻮ ًرا ،واﻟﺒﺨﻮر ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ ﻟﺘﻜﺮﻳﻤﻬﺎ أﻋﻤﺪة،
وأﻧﺎ واﻗﻒ أرى ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺮه ﻋني إﻧﺴﺎن ،وأﺳﻤﻊ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗَﻌِ ِﻪ أذن ﺑﴩي.
ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺷﺎرت املﻠﻴﻜﺔ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻓﺴﻜﻨﺖ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وﺻﻮﺗﻬﺎ ﻳﻬﺰ ﻧﻔﴘ ﻣﺜﻠﻤﺎ
ﺗﻔﻌﻞ ﻳﺪ املﻮﻗﻊ ﺑﺄوﺗﺎر ﻋﻮد ،وﻳﺆﺛﺮ ﺑﻤﺠﻤﻮع ذاك املﺤﻴﻂ اﻟﺴﺤﺮي ﻛﺄن ﻟﻸﺷﻴﺎء آذاﻧًﺎ
وأﻓﺌﺪة» :دﻋﻮﺗﻚ أﻳﻬﺎ اﻹﻧﴘ وأﻧﺎ رﺑﺔ ﻣﺴﺎرح اﻟﺨﻴﺎل ،وﺣﺒﻮﺗﻚ املﺜﻮل أﻣﺎﻣﻲ وأﻧﺎ ﻣﻠﻴﻜﺔ
ﻏﺎﺑﺔ اﻷﺣﻼم ،ﻓﺎﺳﻤﻊ وﺻﺎﻳﺎي وﻧﺎد ﺑﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﺒﴩ ،ﻗﻞ إن ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﻴﺎل ﻋﺮس ﻳﺨﻔﺮ
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺑﺎﺑﻪ ﻣﺎرد ﺟﺒﱠﺎر ﻓﻠﻦ ﻳﺪﺧﻠﻪ إﻻ ﻣﻦ ﻟﺒﺲ ﺛﻴﺎب اﻟﻌﺮس ،ﻗﻞ ﻫﻲ ﺟﻨﺔ ﻳﺤﺮﺳﻬﺎ أﻣﻼك املﺤﺒﺔ
ﻓﻼ ﻳﻨﻈﺮﻫﺎ ﺳﻮى ﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﲆ ﺟﺒﻬﺘﻪ وﺳﻢ اﻟﺤﺐ ،ﻫﻲ ﺣﻘﻞ ﺗﺼﻮرات أﻧﻬﺎره ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ
ﻛﺎﻟﺨﻤﺮ ،وأﻃﻴﺎره ﺗﺴﺒﺢ ﻛﺎملﻼﺋﻜﺔ ،وأزاﻫﺮه ﻓﺎﺋﺤﺔ اﻟﻌﺒري ﻓﻼ ﻳﺪوﺳﻪ ﻏري اﺑﻦ اﻷﺣﻼم،
ﻛﺄﺳﺎ ﻳﻔﻌﻤﻪ اﻟﴪور ﻓﻬﺮﻗﻮه ﺑﺠﻬﻠﻬﻢ ،ﻓﺠﺎء ﻣﻼك اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻓﻤﻸه ﺧﱪ اﻹﻧﺲ ﺑﺄﻧﻲ وﻫﺒﺘﻬﻢ ً ﱢ
ً
ﻣﻦ ﻋﺼري اﻟﺤﺰن ﻓﺠﺮﻋﻮه ﴏﻓﺎ وﺳﻜﺮوا ،ﻗﻞ ملﻦ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﴬب ﻋﲆ ﻗﻴﺜﺎرة اﻟﺤﻴﺎة ﻏري
اﻟﺬﻳﻦ ملﺴﺖ أﻧﺎﻣﻠﻬﻢ وﺷﺎﺣﻲ ،وﻧﻈﺮت أﻋﻴﻨﻬﻢ ﻋﺮﳼ ،ﻓﺄﺷﻌﻴﺎ ﻧﻈﻢ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻋﻘﻮدًا ﺑﺄﺳﻼك
ﻣﺤﺒﺘﻲ ،وﻳﻮﺣﻨﺎ روى رؤﻳﺎه ﺑﻠﺴﺎﻧﻲ ،وﻟﻢ ﻳﺴﻠﻚ داﻧﺘﻲ ﻣﺮاﺗﻊ اﻷرواح ﺑﻐري أدﻟﺘﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ
ﻣﺠﺎز ﻳﻌﺎﻧﻖ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﺒني وﺣﺪاﻧﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ ،وﺷﺎﻫﺪ ﻳﺰﻛﻲ أﻋﻤﺎل اﻵﻟﻬﺔ ،ﻗﻞ
إن ﻟﻠﻔﻜﺮة وﻃﻨًﺎ أﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ املﺮﺋﻴﺎت ﻻ ﺗﻜﺪر ﺳﻤﺎءه ﻏﻴﻮم اﻟﴪور ،وإن ﻟﻠﺘﺨﻴﻼت
رﺳﻮﻣً ﺎ ﻛﺎﺋﻨﺔ ﰲ ﺳﻤﺎء اﻵﻟﻬﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﲆ ﻣﺮآة اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻴﻌﻢ رﺟﺎؤﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﺑﻌﺪ
اﻧﻌﺘﺎﻗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ«.
وﺟﺬﺑﺘﻨﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ اﻟﺨﻴﺎل ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺑﻨﻈﺮة ﺳﺤﺮﻳﺔ ،وﻗﺒﱠﻠﺖ ﺷﻔﺘﻲ املﻠﺘﻬﺒﺘني وﻗﺎﻟﺖ» :ﻗﻞ:
وﻣﻦ ﻻ ﻳﴫف اﻷﻳﺎم ﻋﲆ ﻣﺮﺳﺢ اﻷﺣﻼم ﻛﺎن ﻋﺒﺪ اﻷﻳﺎم«.
ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺗﺼﺎﻋﺪت أﺻﻮات اﻟﻌﺬارى وارﺗﻔﻌﺖ أﻋﻤﺪة اﻟﺒﺨﻮر وﺣﺠﺒﺖ اﻟﺮؤﻳﺎ ،ﺛﻢ ﻣﺎدت
اﻷرض واﻫﺘ ﱠﺰ اﻟﻔﻀﺎء ﻓﻮﺟﺪﺗﻨﻲ ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺮاﺋﺐ املﺤﺰﻧﺔ وﻗﺪ اﺑﺘﺴﻢ اﻟﻔﺠﺮ وﺑني ﻟﺴﺎﻧﻲ
وﺷﻔﺘﻲ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت» :ﻣﻦ ﻻ ﻳﴫف اﻷﻳﺎم ﻋﲆ ﻣﺮﺳﺢ اﻷﺣﻼم ﻛﺎن ﻋﺒﺪ اﻷﻳﺎم«.
78
ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ
دﻋﻨﻲ ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ ووﺣﺪﺗﻲ ،أﺳﺘﺤﻠﻔﻚ ﺑﺤﺐ ﻳﻀﻢ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺠﻤﺎل اﻟﺮﻓﻴﻘﺔ ،وﻳﻮﺛﻖ ﻗﻠﺒﻚ ﺑﺤﻨﻮ
اﻷم ،وﻳﺮﺑﻂ ﻓﺆادك ﺑﻌﻮاﻃﻒ اﻻﺑﻦ ،أن ﺗﱰﻛﻨﻲ وﺣﺎﱄ.
ﺧ ﱢﻠﻨِﻲ وﺷﺄﻧﻲ وأﺣﻼﻣﻲ واﺻﱪ إﱃ اﻟﻐﺪ ،ﻓﺎﻟﻐﺪ ﻳﻘﴤ ﻋﲇ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺎء.
ﻣﺤﻀﺘﻨﻲ اﻟﻨﺼﺢ واﻟﻨﺼﺢ ﻃﻴﻒ ﻳﺴري ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ إﱃ ﻣﺮﺗﻊ اﻟﺤرية ،وﻳﻘﻮدﻫﺎ إﱃ ﺣﻴﺚ
اﻟﺤﻴﺎة ﺟﺎﻣﺪة ﻛﺎﻟﱰاب.
ً
ﻣﺘﻔﺤﺼﺎ أﻋﻤﺎﻗﻪ، ﱄ ﻗﻠﺐ ﺻﻐري أرﻳﺪ أن أﺧﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺔ ﺻﺪري وأﺣﻤﻠﻪ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻲ
وﻣﺴﺘﺤﻜﻴًﺎ أﴎاره ،ﻓﻼ ﺗﱰﺻﺪه ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ ﺑﻨﺒﺎل ﻣﺬاﻫﺒﻚ ﻣﺴﺒﺒًﺎ ﺧﻮﻓﻪ واﺧﺘﻔﺎءه ﺿﻤﻦ
ﻗﻔﺺ اﻟﻀﻠﻮع ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﻜﺐ دﻣﺎء ﺧﻔﺎﻳﺎه وﻳﻘﻮم ﺑﻔﺮض ﻋَ َﻘ َﺪﺗْ ُﻪ اﻵﻟﻬﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺑﺘﺪﻋﺘﻪ
ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺤﺐ.
ﻫﻨﺎ ﻗﺪ ﻃﻠﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ وﻏ ﱠﺮ َد اﻟﻬﺰار واﻟﺒﻠﺒﻞ ،وﺗﺼﺎﻋﺪت أرواح اﻵس واملﻨﺜﻮر ،وأﻧﺎ
أرﻳﺪ اﻻﻧﻌﺘﺎق ﻣﻦ ﻟﺤﻒ اﻟﻜﺮى ﻷﺳري ﻣﻊ اﻟﺤﻤﻼن اﻟﺒﻴﻀﺎء ،ﻓﻼ ﺗﻌﺘﻘﻨﻲ ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ وﻻ
ﺗﺨﻔﻨﻲ ﺑﺄﺳﺪ اﻟﻐﺎب ،وﺻﻞ اﻟﻮادي ﻷن ﻧﻔﴘ ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﺠﺰع ،وﻻ ﺗﻨﺬر ﺑﺎﻟﺴﻮء ﻗﺒﻞ
ﻣﺠﻴﺌﻪ.
دﻋﻨﻲ ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ وﻻ ﺗﻌﻈﻨﻲ؛ ﻷن املﺼﺎﺋﺐ ﻓﺘﺤﺖ ﺑﺼريﺗﻲ ،واﻟﺪﻣﻮع ﺟﻠﺖ ﺑﴫي،
واﻟﺤﺰن ﻋﻠﻤﻨﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﻘﻠﻮب.
اﻋﺘﺰل ذﻛﺮ املﺤﺮﻣﺎت ،ﻓﲇ ﻣﻦ ﺿﻤريي ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻘﴤ ﺑﺎﻟﻌﺪل ﻋﲇ ،وﺗﻘﻴﻨﻲ اﻟﻌﻘﺎب
إن ﻛﻨﺖ ذا ﺑﺮارة ،وﺗﺤﺮﻣﻨﻲ اﻟﺜﻮاب إن ﻛﻨﺖ ﻣﻦ املﺠﺮﻣني.
ﻫﺎ ﻗﺪ ﺳﺎر ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺤﺐ ﻓﻤﴙ اﻟﺠﻤﺎل راﻓﻌً ﺎ أﻋﻼﻣﻪ ،وﺳﺎرت اﻟﺸﺒﻴﺒﺔ ﻧﺎﻓﺨﺔ أﺑﻮاق
اﻟﻔﺮح ،ﻓﻼ ﺗﺮدﻋﻨﻲ ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ ،ﺑﻞ دﻋﻨﻲ أﺳري ،ﻓﺎﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻔﺮوﺷﺔ ﺑﺎﻟﻮرد واﻟﺮﻳﺎﺣني،
واﻟﻬﻮاء ﻗﺪ ﻋﻄﺮﺗﻪ ﻣﺠﺎﻣﺮ املﺴﻚ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
أﻋﺘﻘﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ املﺎل وﻗﺼﺺ املﺠﺪ؛ ﻷن ﻧﻔﴘ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺎﻛﺘﻔﺎﺋﻬﺎ وﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﻤﺠﺪ
اﻵﻟﻬﺔ.
أﻋﺘﻘﻨﻲ ﻣﻦ ﻣﺂﺗﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وأﺧﺒﺎر اﻟﺴﻠﻄﺔ؛ ﻷن اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ وﻃﻨﻲ ،وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﴩ
ﻣﻮاﻃﻨﻲ.
80
ﻣﻨﺎﺟﺎة
اﻳﻦ أﻧﺖ اﻵن ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻠﺘﻲ؟ أﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻨﺔ اﻟﺼﻐرية ﺗﺴﻘني اﻷزﻫﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺒﻚ ﻣﺤﺒﺔ اﻷﻃﻔﺎل
ﺛﺪي أﻣﻬﺎ ،أم ﰲ ﺧﺪرك ﺣﻴﺚ أﻗﻤﺖ ﻟﻠﻄﻬﺮ ﻣﺬﺑﺤً ﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ روﺣﻲ وﺣﺸﺎﺷﺘﻲ ،أم ﺑني
ﻛﺘﺒﻚ ﺗﺴﺘﺰﻳﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﺒﴩ وأﻧﺖ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺤﻜﻤﺔ اﻵﻟﻬﺔ؟
أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ رﻓﻴﻘﺔ ﻧﻔﴘ؟ أﰲ اﻟﻬﻴﻜﻞ ﺗﺼﻠني ﻣﻦ أﺟﲇ ،أم ﰲ اﻟﺤﻘﻞ ﺗﻨﺎﺟني اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
ﻣﺮﺗﻊ إﻋﺠﺎﺑﻚ وأﺣﻼﻣﻚ ،أم ﺑني أﻛﻮاخ املﺴﺎﻛني ﺗﻌﺰﻳﻦ ﻣﻨﻜﴪات اﻟﻘﻠﻮب ﺑﺤﻼوة ﻧﻔﺴﻚ،
وﺗﻤﻸﻳﻦ أﻳﺎدﻳﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻧﻚ؟
أﻧﺖ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻷﻧﻚ ﻣﻦ روح ﷲ ،وﰲ ﻛﻞ زﻣﺎن ﻷﻧﻚ أﻗﻮى ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ،ﻫﻞ
ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻟﻴﺎﱄ ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ وﺷﻌﺎع ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ ﻛﺎﻟﻬﺎﻟﺔ ،وﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﺤﺐ ﺗﻄﻮف ﺣﻮﻟﻨﺎ
ﻣﱰﻧﻤﺔ ﺑﺄﻋﻤﺎل اﻟﺮوح ،وﺗﺬﻛﺮﻳﻦ أﻳﺎم ﺟﻠﺴﻨﺎ ﺑﻈﻞ اﻷﻏﺼﺎن وﻫﻲ ﻣﺨﻴﻤﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ
أن ﺗﺤﺠﺒﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺒﴩ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺤﺠﺐ اﻟﻀﻠﻮع أﴎار اﻟﻘﻠﺐ املﻘﺪﺳﺔ ،ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻣﻤ ﱠﺮات
وﻣﻨﺤﺪرات ﻣﺸﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأﺻﺎﺑﻌﻚ ﻣﺤﺒﻮﻛﺔ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻲ اﺣﺘﺒﺎك ﺿﻔﺎﺋﺮك ،وﻗﺪ أﺳﻨﺪﻧﺎ
رأﺳﻴﻨﺎ ﺑﺮأﺳﻴﻨﺎ ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺤﺘﻤﻲ ﻣﻨﺎ ﺑﻨﺎ؟ وﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺟﺌﺘﻚ ﻣﻮدﻋً ﺎ ﻓﻌﺎﻧﻘﺘِﻨﻲ ﺛﻢ
ﻗﺒﻠﺘِﻨﻲ ﻗﺒﻠﺔ ﻣﺮﻳﻤﻴﺔ ،ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄن اﻟﺸﻔﺎه إذا اﻧﻀﻤﺖ ﺟﺎءت ﺑﺄﴎار ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ
ﻧﻔ ًﺴﺎ ﻧﻔﺨﻪ »ﷲ« ﰲ اﻟﻄني ﻓﺼﺎر اﻟﻠﺴﺎن ،ﻗﺒﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﻃﺌﺔ ﻟﺘﻨﻬﻴﺪة ﻣﺰدوﺟﺔ ﺣﺎﻛﺖ َ
إﻧﺴﺎﻧًﺎ ،ﺗﻠﻚ ﺗﻨﻬﻴﺪة ﺳﺒﻘﺘﻨﺎ إﱃ ﻋﺎﻟﻢ اﻷرواح ﻣﻌﻠﻨﺔ ﻣﺠﺪ ﻧﻔﺴﻴﻨﺎ ،وﻫﻨﺎك ﺳﺘﺒﻘﻰ ﺣﺘﻰ
وﻗﻠﺖ واﻟﺪﻣﻊ ﻳﺴﺎﻋﺪك» :إن ﻟﻸﺟﺴﺎم ِ ﻧﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻷﺑﺪ ،ﺛﻢ ﻗﺒﻠﺘِﻨﻲ وﻗﺒﻠﺘِﻨﻲ وﻗﺒﻠﺘِﻨﻲ،
أﻏﺮاﺿﺎ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻔﱰق ﻟﺸﺌﻮن ﻋﺎملﻴﺔ وﺗﺘﺒﺎﻋﺪ ملﺂرب دﻧﻴﻮﻳﺔ ،أﻣﺎ اﻷرواح ﻓﺘﻈﻞ ﰲ ً
ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺤﺐ ﻣﺴﺘﺄﻣﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻲء املﻮت وﻳﺴري ﺑﻬﺎ إﱃ ﷲ ،اذﻫﺐ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ،ﻟﻘﺪ اﻧﺘﺪﺑﺘﻚ
ً
ﻛﺌﻮﺳﺎ ﻣﻔﻌﻤﺔ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﲇ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺄﻃﻌﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺣﺴﻨﺎء ﺗﺴﻘﻲ ﻣﻄﻴﻌﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻮﺛﺮ اﻟﻠﺬة
ﻣﻦ ﺣﺒﻚ ﻋﺮﻳﺲ ﻣﻼزم ،وﻣﻦ ذﻛﺮاك ﻋﺮس ﻃﻮﻳﻞ ﻣﺒﺎرك«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
أﻳﻦ أﻧﺖ اﻵن ﻳﺎ رﻓﻴﻘﺘﻲ؟ ﻫﻞ أﻧﺖ ﺳﺎﻫﺮة ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻧﺴﻴﻤً ﺎ أﺣﻤﱢ ﻠﻪ دﻗﺎت ﻗﻠﺒﻲ
وﺧﻔﺎﻳﺎ ﺟﻮارﺣﻲ ﻛﻠﻤﺎ َﻫﺐﱠ ﻧﺤﻮك؟ وأﻧﺖ ﻧﺎﻇﺮة رﺳﻢ ﻓﺘﺎك؟ ذاك رﺳﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻨﻄﺒﻖ
ﻋﲆ ﻣﺮﺳﻮﻣِﻪ ،ﻓﺎﻟﺤﺰن ﻗﺪ أﻟﻘﻰ ﺧﻴﺎﻟﻪ ﻋﲆ ﺟﺒﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﺘﻔﺮﺣﺔ ﺑﻘﺮﺑﻚ ،واﻟﻨﻮاح
أذﺑﻞ أﺟﻔﺎﻧًﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺤﻮﻟﺔ ﺑﺠﻤﺎﻟﻚ ،واﻟﻮﺟﺪ ﱠ
ﺟﻔﻒ ﺛﻐ ًﺮا ﻛﺎن ﻣﺮﻃﺒًﺎ ﺑﻘﺒﻼﺗﻚ.
أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ؟ ﻫﻞ أﻧﺖ ﺳﺎﻣﻌﺔ ﻣﻦ وراء اﻟﺒﺤﺎر ﻧﺪاﺋﻲ واﻧﺘﺤﺎﺑﻲ ،وﻧﺎﻇﺮة
َ
ﻣﺤﺘﴬ ﺿﻌﻔﻲ وﻣﺬﻟﺘﻲ ،وﻋﺎملﺔ ﺑﺼﱪي وﺗﺠﻠﺪي؟ أوَﻟﻴﺴﺖ ﰲ اﻟﻬﻮاء أرواح ﺗﻨﻘﻞ أﻧﻔﺎس
ﻣﺘﻮﺟﱢ ﻊ؟ أوَﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑني اﻟﻨﻔﻮس أﺳﻼك ﺧﻔﻴﱠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻜﻮى ﻣﺤﺐ دﻧﻒ؟
أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺣﻴﺎﺗﻲ وﻟﻘﺪ اﺣﺘﻀﻨﺘﻨﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ وﻏﻠﺒﻨﻲ اﻷﳻ ،اﺑﺘﺴﻤﻲ ﰲ اﻟﻬﻮاء ﻓﺄﻧﺘﻌﺶ،
ﺗﻨﻔﴘ ﰲ اﻷﺛري ﻓﺄﺣﻴﻰ.
أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،أﻳﻦ أﻧﺖ؟
آه ﻣﺎ أﻋﻈﻢ اﻟﺤﺐ ،وﻣﺎ أﺻﻐﺮﻧﻲ!
82
اﳌﺠﺮم
ﻋﲆ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﻌﺪ ﺷﺎب ﻣﺴﺘﻌﻄﻴًﺎ ،ﻓﺘﻰ ﻗﻮي اﻟﺠﺴﻢ أﺿﻌﻔﻪ اﻟﺠﻮع ﻓﺠﻠﺲ
ﻣﺘﺴﻮﻻ ﻣﺴﺘﻐﻴﺜًﺎ ﺑﺎملﺤﺴﻨني ،ﻣﺮددًا آﻳﺎت
ً ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺸﺎرع ﻣﺎدٍّا ﻳﺪه ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ
اﻧﻜﺴﺎره ﺷﺎﻛﻴًﺎ آﻻم ﺟﻮﻋﻪ.
َﺧﻴﱠ َﻢ اﻟﻠﻴﻞ وﻗﺪ ﻳﺒﺴﺖ ﺷﻔﺘﺎه و َﻛ ﱠﻞ ﻟﺴﺎﻧﻪ وﻟﻢ ﺗﺰل ﻳﺪه ﻓﺎرﻏﺔ ﻣﺜﻞ ﺟﻮﻓﻪ ،ﻓﻘﺎم إذ
ذاك وذﻫﺐ إﱃ ﺧﺎرج املﺪﻳﻨﺔ وﺟﻠﺲ ﺑني اﻷﺷﺠﺎر وﺑﻜﻰ ﺑﻜﺎء ﻣ ٍّﺮا ،ﺛﻢ رﻓﻊ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻤﺎء
ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻳﻐﺸﺎﻫﻤﺎ اﻟﺪﻣﻊ وﻗﺎل واﻟﺠﻮع ﻳﻠﻘﻨﻪ:
ْت ﻟﺮﺛﺎﺛﺔ أﺛﻮاﺑﻲ ،وﻃﺮﻗﺖ ﺑﺎب املﺪرﺳﺔ ﻋﻤﻼ ﻓ ُ
ﻄ ِﺮد ُ »ﻳﺎ رب ﻗﺪ ذﻫﺒﺖ إﱃ املﻮﴎ أﻃﻠﺐ ً
ْت ﻟﺴﻮء ﻃﺎﻟﻌﻲ ،وأﺧريًا ﻓ ُﻤﻨِﻌْ ُﺖ ﻟﻔﺮاغ ﻳﺪي ،و ُرﻣْ ُﺖ اﻻﺳﺘﺨﺪام وﻟﻮ ﺑﻜﻔﺎف ﻳﻮﻣﻲ ﻓﺄُﺑْﻌِ ﺪ ُ
ﻣﺘﺴﻮﻻ ﻓﺮآﻧﻲ ﻋﺒﺎدك ﻳﺎ رب وﻗﺎﻟﻮا ﻫﺬا ﻗﻮي ﻧﺸﻴﻂ واﻹﺣﺴﺎن ﻻ ﻳﺠﻮز ﻋﲆ اﺑﻦ ً ﺳﻌﻴﺖ
اﻟﺘﻮاﻧﻲ واﻟﻜﺴﻞ .ﻗﺪ وﻟﺪﺗﻨﻲ أﻣﻲ ﺑﺈرادﺗﻚ ﻳﺎ رب وأﻧﺎ ﻛﺎﺋﻦ اﻵن ﺑﻜﻴﺎﻧﻚ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﻤﻨﻊ
اﻟﻨﺎس اﻟﺨﺒﺰ ﻋﻨﻲ وأﻧﺎ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﺎﺳﻤﻚ؟ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺗﻐريت ﺳﺤﻨﺔ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻴﺎﺋﺲ،
ﻓﺎﻧﺘﺼﺐ وﻗﺪ ملﻌﺖ ﻋﻴﻨﺎه ﻛﺎﻟﺸﻬﺐ ،ﺛﻢ اﻗﺘﻀﺐ ﻣﻦ اﻷﻏﺼﺎن اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﻧﺒﻮﺗًﺎ ﺿﺨﻤً ﺎ وأﺷﺎر
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻃﻠﺒﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻌﺮق اﻟﺠﺒني ﻓﻠﻢ أﺟﺪﻫﺎ ،ﻓﺴﻮف أﺣﺼﻞ ﺑﻪ ﻧﺤﻮ املﺪﻳﻨﺔ وﴏخ ً
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻘﻮة ﺳﺎﻋﺪي ،وﺳﺄﻟﺖ اﻟﺨﺒﺰ ﺑﺎﺳﻢ املﺤﺒﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻤﻌﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﺴﺄﻃﻠﺒﻪ ﺑﺎﺳﻢ
اﻟﴩ وأﺳﺘﺰﻳﺪ ﻣﻨﻪ«.
ﻣﺮت اﻷﻋﻮام واﻟﺸﺎب ﻳﻘﻄﻊ اﻷﻋﻨﺎق ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻳﻬﺪم ﻫﻴﺎﻛﻞ
اﻷرواح إن ﺗﺼﺪت ملﻄﺎﻣﻌﻪ ،ﻓﻨﻤﺖ ﺛﺮوﺗﻪ وﻋَ ﱠﻢ ﺑﻄﺸﻪ وﺻﺎر ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ ﻣﻦ ﻟﺼﻮص اﻟﻘﻮم
وﻛﻴﻼ ﻋﻨﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ ﺷﺄن اﻷﻣﺮاء ﺑﺎﻧﺘﻘﺎء ﻣﻤﺜﻠﻴﻬﻢ. ً ً
وﻣﺨﻴﻔﺎ ﻟﻌﻘﻼﺋﻬﻢ ،ﺛﻢ اﻧﺘﺪﺑﻪ اﻷﻣري
ﻛﺬا ﻳﺒﺘﺪع اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ املﺴﻜني ﺳﻔﺎﺣً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺴﺎﻛﻪ ،وﻣﻦ اﺑﻦ اﻟﺴﻼم ً
ﻗﺎﺗﻼ ﺑﻘﺴﺎوﺗﻪ.
اﻟﺮﻓﻴﻘﺔ
أول ﻧﻈﺮة
ﻫﻲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑني ﻧﺸﻮة اﻟﺤﻴﺎة وﻳﻘﻈﺘﻬﺎ ،ﻫﻲ اﻟﺸﻌﻠﺔ اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ﺗﻨري ﺧﻼﻳﺎ
اﻟﻨﻔﺲ ،ﻫﻲ أول رﻧﱠﺔ ﺳﺤﺮﻳﺔ ﻋﲆ أول وﺗﺮ ﻣﻦ ﻗﻴﺜﺎرة اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ،ﻫﻲ آوﻧﺔ ﻗﺼرية
ﺗﻌﻴﺪ ﻋﲆ ﻣﺴﻤﻊ اﻟﻨﻔﺲ أﺧﺒﺎر اﻷﻳﺎم اﻟﻐﺎﺑﺮة ،وﺗﻜﺸﻒ ﻟﺒﴫﻫﺎ أﻋﻤﺎل اﻟﻠﻴﺎﱄ ،وﺗﺒني
ﻟﺒﺼريﺗﻬﺎ أﻋﻤﺎل اﻟﻮﺟﺪان ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﺘﻴﺢ ﴎ اﻟﺨﻠﻮد ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺗﻲ ،ﻫﻲ ﻧﻮاه
ﺗﻄﺮﺣﻬﺎ ﻋﺸﱰوت 1ﻣﻦ اﻟﻌﻼء ،ﻓﺘﻠﻘﻴﻬﺎ اﻟﻌﻴﻮن ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﺘﺴﺘﻨﺒﺘﻬﺎ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ﺛﻢ
ﺗﺴﺘﺜﻤﺮﻫﺎ اﻟﻨﻔﺲ ،أول ﻧﻈﺮة ﻣﻦ اﻟﺮﻓﻴﻘﺔ ﺗﺸﺎﺑﻪ اﻟﺮوح اﻟﺬي ﻳﺮف ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﻘﻤﺮ وﻣﻨﻪ
اﻧﺒﺜﻘﺖ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ،أول ﻧﻈﺮة ﻣﻦ ﴍﻳﻜﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺤﺎﻛﻲ ﻗﻮل ﷲ »ﻛﻦ«.
أول ﻗﺒﻠﺔ
ﻫﻲ اﻟﺮﺷﻔﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ ﻛﺄس ﻣﻸﺗﻬﺎ اﻵﻟﻬﺔ ﻣﻦ ﻛﻮﺛﺮ اﻟﺤﺐ ،ﻫﻲ اﻟﺤﺪ ﺑني ﺷﻚ ﻳﺮاود اﻟﻘﻠﺐ
ﻓﻴﺤﺰﻧﻪ وﻳﻘني ﻓﻴﻐﺒﻄﻪ ،ﻫﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻣﻦ رواﻳﺔ
اﻹﻧﺴﺎن املﻌﻨﻮي ،ﻫﻲ ﻋﺮوة ﺗﻮﺛﻖ ﻏﺮاﺑﺔ املﺎﴈ ﺑﺒﻬﺎء اﻵﺗﻲ وﺗﺠﻤﻊ ﺑني ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﺸﻮاﻋﺮ
ً
ﻋﺮﺷﺎ ،واﻟﺤﺐ ﻣﻠﻴ ًﻜﺎ، وأﻏﺎﻧﻴﻬﺎ ،ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻘﻮﻟﻬﺎ اﻟﺸﻔﺎه اﻷرﺑﻊ ﻣﻌﻠﻨﺔ ﺻريورة اﻟﻘﻠﺐ
واﻟﻮﻓﺎء ﺗﺎﺟً ﺎ ،ﻫﻲ ﻣﻼﻣﺴﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺗﺤﺎﻛﻲ ﻣﺮور أﻧﺎﻣﻞ اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻋﲆ ﺛﻐﺮ زﻫﺮة اﻟﻮرد ﺣﺎﻣﻠﺔ
1ﻋﺸﱰوت إﻟﻬﺔ اﻟﺤﺐ واﻟﺠﻤﺎل ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﺎء ﺳﻜﺎن ﻓﻴﻨﻴﻘﻴﺎ وﻟﺒﻨﺎن ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮﻫﺎ اﻟﻴﻮﻧﺎن أﻓﺮودﻳﺖ
واﻟﺮوﻣﺎن ﻓﻴﻨﻮس.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻣﺴﺘﻄﻴﻼ ﻟﺬﻳﺬًا وأﻧﱠﺔ ﺧﻔﻴﺔ ﻋﺬﺑﺔ ،ﻫﻲ ﺑﺪء اﻫﺘﺰازات ﺳﺤﺮﻳﺔ ﺗﻔﺼﻞ املﺤﺒني
ً ﻣﻌﻬﺎ ﺗﻨﻬﺪًا
ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ املﻘﺎﻳﻴﺲ واﻟﻜﻤﻴﺔ إﱃ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻮﺣﻲ واﻷﺣﻼم ،ﻫﻲ ﺿﻢ زﻫﺮة اﻟﺸﻘﻴﻖ إﱃ زﻫﺮة
اﻟﺠُ ﱠﻠﻨ َ ِﺎر وﻣﺰج أﻧﻔﺎﺳﻬﻤﺎ ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﻧﻔﺲ ﺛﺎﻟﺚ ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻈﺮة اﻷوﱃ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﻧﻮاة أﻟﻘﺘﻬﺎ
إﻟﻬﺔ اﻟﺤﺐ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ﻓﺎﻟﻘﺒﻠﺔ اﻷوﱃ ﺗﺤﺎﻛﻲ أول زﻫﺮة ﰲ أﻃﺮاف أول ﻏﺼﻦ
ﰲ ﺷﺠﺮة اﻟﺤﻴﺎة.
اﻟﻘﺮان
ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﺒﺘﺪئ اﻟﺤﺐ أن ﻳﻨﻈﻢ ﻧﺜﺮ اﻟﺤﻴﺎة وﻳﻨﺸﺊ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻰ اﻟﻌﻤﺮ ُﺳ َﻮ ًرا ﺗﺮﺗﻠﻬﺎ اﻷﻳﺎم
وﺗﻨﻐﻤﻬﺎ اﻟﻠﻴﺎﱄ ،ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﺰﻳﺢ اﻟﺸﻮق ﺳﺘﺎﺋﺮ اﻷﺷﻜﺎل ﻋﻦ ﻣﻌﻤﻴﺎت اﻟﺴﻨني املﺎﺿﻴﺔ ،وﻳﺆ ﱢﻟﻒ
ﻣﻦ ﻧﺘﻒ اﻟﻠﺬات ﺳﻌﺎدة ﻻ ﻳﻔﻮﻗﻬﺎ ﻏري ﺳﻌﺎدة اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﻖ رﺑﻬﺎ ،اﻟﻘﺮان ﻫﻮ اﺗﺤﺎد
أﻟﻮﻫﻴﺘني ﻋﲆ إﻳﺠﺎد أﻟﻮﻫﻴﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻋﲆ اﻷرض ،ﻫﻮ ﺗﻜﺎﺗﻒ اﺛﻨني ﻗﻮﻳني ﺑﺤﺒﻬﻤﺎ ملﻘﺎوﻣﺔ
دﻫﺮ ﺿﻌﻴﻒ ﺑﺒﻐﻀﻪ ،ﻫﻮ ﺗﻤﺎزج ﺧﻤﺮة ﺻﻔﺮاء ﺑﺮﺣﻴﻖ ﻗﺮﻣﺰي ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﴍاب ﺑﺮﺗﻘﺎﱄ 2
ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻟﻮن اﻟﺸﻔﻖ ﻋﻨﺪ ﻣﺠﻲء اﻟﻔﺠﺮ ،ﻫﻮ ﺗﻨﺎﻓﺮ روﺣني ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ،واﺗﺤﺎد ﻧﻔﺴني ﻣﻊ
ﺳﻠﺴﻠﺔ أوﻟُﻬﺎ ﻧﻈﺮة وآﺧﺮﻫﺎ اﻟﻼﻧﻬﺎﻳﺔ ،ﻫﻮ اﻧﻬﻤﺎل ﻏﻴﺚ ﻧﻘﻲ
ٍ اﻻﺗﺤﺎد ،ﻫﻮ ﺣﻠﻘﺔ ذﻫﺒﻴﺔ ﻣﻦ
ﻣﻦ ﺳﻤﺎء ﻃﺎﻫﺮة ﻧﺤﻮ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻻﺳﺘﺨﺮاج ﻗﻮي ﺣﻘﻮل ﻣﺒﺎرﻛﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻈﺮة
اﻷوﱃ ﻣﻦ وﺟﻪ املﺤﺒﻮﺑﺔ ﻣﺜﻞ ﻧﻮاة أﻟﻘﺘﻬﺎ املﺤﺒﺔ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﻘﻠﺐ ،واﻟﻘﺒﻠﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ
ﺗﺸﺎﺑﻪ أول زﻫﺮة ﰲ ﻏﺼﻦ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺎﻟﻘﺮان ﺑﻬﺎ ﻳﺤﺎﻛﻲ أول ﺛﻤﺮة ﻣﻦ أول زﻫﺮة ﻣﻦ أول
ﻧﻮاة.
86
ﺑﻴﺖ اﻟﺴﻌﺎدة
ﺗَﻌِ ﺐَ ﻗﻠﺒﻲ ﰲ داﺧﲇ ﻓﻮدﱠﻋﻨﻲ وذﻫﺐ إﱃ ﺑﻴﺖ اﻟﺴﻌﺎدة ،و ﱠملﺎ ﺑﻠﻎ ذﻟﻚ اﻟﺤﺮم اﻟﺬي ﻗﺪﺳﺘْﻪ
ﻣﺎﻻ ﻻ وﻻ ﺳﻠﻄﺔ ،ﻟﻢ اﻟﻨﻔﺲ وﻗﻒ ﺣﺎﺋ ًﺮا ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳَ َﺮ ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﻃﺎملﺎ ﺗَﻮ ﱠَﻫﻤَ ﻪُ ،ﻟﻢ ﻳﺮ ﻗﻮة وﻻ ً
ﻳَ َﺮ ﻏري ﻓﺘﻰ اﻟﺠﻤﺎل ورﻓﻴﻘﺘﻪ اﺑﻨﺔ املﺤﺒﺔ وﻃﻔﻠﺘﻬﻤﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ.
ﻗﺎﺋﻼ» :أﻳﻦ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ أﻳﺘﻬﺎ املﺤﺒﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ أﻧﻬﺎ ً وﺧﺎﻃﺐ ﻗﻠﺒﻲ اﺑﻨﺔ املﺤﺒﺔ
ﺗﺸﺎﻃﺮﻛﻢ ﺳﻜﻨﻰ ﻫﺬا املﻜﺎن؟« ﻗﺎﻟﺖ» :ذﻫﺒﺖ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺗﻜﺮز ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ املﻄﺎﻣﻊ،
ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﺘﺎﺟﻬﺎ ،اﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﺗﺒﺘﻐﻲ ﻗﻨﺎﻋﺔ ،إﻧﻤﺎ اﻟﺴﻌﺎدة ﺷﻮق ﻳﻌﺎﻧﻘﻪ اﻟﻮﺻﺎل،
واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ُﺳﻠُ ﱞﻮ ﻳﺴﺎوره اﻟﻨﺴﻴﺎن ،اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺨﺎﻟﺪة ﻻ ﺗﻘﻨﻊ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺮوم اﻟﻜﻤﺎل ،واﻟﻜﻤﺎل ﻫﻮ
اﻟﻼﻧﻬﺎﻳﺔ«.
ﻗﺎﺋﻼ» :أرﻧﻲ ﴎ املﺮأة أﻳﻬﺎ اﻟﺠﻤﺎل ،وأﻧﺮﻧﻲ ﻷﻧﻚ ﻣﻌﺮﻓﺔ«. وﺧﺎﻃﺐ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﺘﻰ اﻟﺠﻤﺎل ً
ﻓﻘﺎل» :ﻫﻲ أﻧﺖ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ،وﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﻨﺖ وﻛﺎﻧﺖ ،ﻫﻲ أﻧﺎ وأﻳﻨﻤﺎ ﺣﻠﻠﺖ ﺣﻠﺖ ،ﻫﻲ
ﻛﺎﻟﺪﻳﻦ إذا ﻟﻢ ﻳﺤ ﱢﺮﻓﻪ اﻟﺠﺎﻫﻠﻮن ،وﻛﺎﻟﺒﺪر إذا ﻟﻢ ﺗﺤﺠﺒﻪ اﻟﻐﻴﻮم ،وﻛﺎﻟﻨﺴﻴﻢ إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ
ﺑﺄذﻳﺎﻟﻪ أﻧﻔﺎس اﻟﻔﺴﺎد«.
واﻗﱰب ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﺑﻨﺔ املﺤﺒﺔ واﻟﺠﻤﺎل وﻗﺎل» :أﻋﻄﻨﻲ ﺣﻜﻤﺔ أﺣﻤﻠﻬﺎ إﱃ
اﻟﺒﴩ« ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ» :ﻗﻞ ﻫﻲ اﻟﺴﻌﺎة ﺗﺒﺘﺪئ ﰲ ﻗﺪس أﻗﺪاس اﻟﻨﻔﺲ وﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج«.
ﻣﺪﻳﻨﺔ اﳌﺎﴈ
وﻗﻔﺖ ﺑﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻋﲆ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ اﻟﺸﺒﺎب وأوﻣﺄت إﱃ اﻟﻮراء ،ﻓﻨﻈﺮت ﻓﺈذا ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ
اﻟﺸﻜﻞ واﻟﺮﺳﻮم ﻣﱰﺑﻌﺔ ﰲ ﺻﺪر ﺳﻬﻮل ﺗﺘﻤﻮج ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﻴﺎﻻت واﻷﺑﺨﺮة املﺘﻠﻮﻧﺔ ﻣﺘﻮﺷﺤﺔ
ﺑﻘﻨﺎع ﺿﺒﺎب ﻟﻄﻴﻒ ﻳﻜﺎد ﻳﺤﺠﺒﻬﺎ.
ﻗﻠﺖ» :ﻣﺎ ﻫﺬه أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة؟« ﻗﺎﻟﺖ» :ﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﺎﴈ ﻓﺘﺄﻣﻞ؟« ﻓﺘﺄﻣﻠﺖ ورأﻳﺖ،
ﻣﻌﺎﻫﺪ أﻋﻤﺎل ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎﺑﺮة ﺗﺤﺖ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻨﻮم ،ﻣﺴﺎﺟﺪ أﻗﻮال ﺗﺤﻮم ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺻﺎرﺧﺔ
ﴏاخ اﻟﻘﻨﻮط ،ﻣﱰﻧﻤﺔ ﺗﺮﻧﻴﻤﺔ اﻷﻣﻞ .ﻫﻴﺎﻛﻞ أدﻳﺎن أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﻴﻘني ﺛﻢ ﻫﺪﻣﻬﺎ اﻟﺸﻚ ،ﻣﺂذن
أﻓﻜﺎر ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻠﻮ ﻛﺄﻧﻬﺎ أﻳﺪي املﺘﺴﻮﻟني ،ﺷﻮارع أﻣﻴﺎل ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ اﻧﺒﺴﺎط اﻟﻨﻬﺮ
ﺑني اﻟ ﱡﺮﺑﻰ ،ﻣﺨﺎزن أﴎار ﺣﺮﺳﻬﺎ اﻟﻜﺘﻤﺎن ﻓﴪﻗﺘﻬﺎ ﻟﺼﻮص اﻻﺳﺘﻌﻼم ،أﺑﺮاج أﻗﺪام ﺑَﻨَﺘْﻬَ ﺎ
اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﺜﻠﺘﻬﺎ املﺨﺎوف ،ﴏوح أﺣﻼم زﻳﱠﻨﺘﻬﺎ اﻟﻠﻴﺎﱄ وﺧﺮﺑﺘﻬﺎ اﻟﻴﻘﻈﺔ ،أﻛﻮاخ ﺻﻐﺎر
ﺳﻜﻨﻬﺎ اﻟﻀﻌﻒ ،وﺟﻮاﻣﻊ وﺣﺪة ﻗﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻜﺮان اﻟﺬات ،ﻧﻮادي ﻣﻌﺎرف أﻧﺎرﻫﺎ اﻟﻌﻘﻞ
ﻓﺄﻇﻠﻤﻬﺎ اﻟﺠﻬﻞ ،ﺣﺎﻧﺎت ﻣﺤﺒﺔ ﺳﻜﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺸﺎق ﻓﺎﺳﺘﻬﺰأ ﺑﻬﻢ اﻟﺨﻠﻮ ،ﻣﺮاﺳﺢ أﻋﻤﺎر ﻣﺜ ﱠ َﻠﺖ
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة رواﻳﺘﻬﺎ ﺛﻢ ﺟﺎء املﻮت وﺧﺘﻢ ﻣﺄﺳﺎﺗﻪ.
ﺗﻠﻚ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﺎﴈ ﰲ ﺑﻌﻴﺪة ﻗﺮﻳﺒﺔ ،ﻣﻨﻈﻮرة ﻣﺤﺠﻮﺑﺔ.
وﻣﺸﺖ أﻣﺎﻣﻲ اﻟﺤﻴﺎة وﻗﺎﻟﺖ» :اﺗﺒﻌﻨﻲ ﻓﻘﺪ ﻃﺎل ﺑﻨﺎ اﻟﻮﻗﻮف« ﻗﻠﺖ» :إﱃ أﻳﻦ أﻳﺘﻬﺎ
ً
»رﻓﻘﺎ ﻓﻘﺪ أﻧﻬﻜﻨﻲ املﺴري و َﻛ َﻠﻤَ ْﺖ أﻗﺪاﻣﻲ اﻟﺤﻴﺎة؟« ﻗﺎﻟﺖ» :إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﺴﺘﻘﺒﻞ« .ﻗﻠﺖ:
اﻟﺼﺨﻮ ُر وﻫﺪﱠت ﻗﻮاي اﻟﻌﻘﺒﺎت« ﻗﺎﻟﺖ» :ﴎ! اﻟﻮﻗﻮف ﺟﺒﺎﻧﺔ ،واﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ املﺎﴈ
ﺟﻬﺎﻟﺔ«.
اﻟﻠﻘﺎء
ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻤﻞ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﻨﻤﻴﻖ ﺛﻮب اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺠﻮاﻫﺮ اﻟﻨﺠﻮم ،ﺗﺼﺎﻋﺪت ﻣﻦ وادي اﻟﻨﻴﻞ ﺣﻮرﻳﺔ
ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺄﺟﻨﺤﺔ ﻏري ﻣﻨﻈﻮرة وﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ ﻋﺮش ﻣﻦ اﻟﻐﻴﻮم ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻓﻮق ﺑﺤﺮ اﻟﺮوم
أرواح ﺳﺎﺑﺤﺔ ﰲ اﻟﻔﻀﺎء ﺻﺎرﺧﺔ: ٍ ﻣﻔﻀﺾ ﻣﻦ أﺷﻌﺔ اﻟﻘﻤﺮ ،ﻓﻤَ ﱠﺮ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺟﻮق
»ﻗﺪوس ﻗﺪوس ﻗﺪوس! اﺑﻨﺔ ﻣﴫ ﻣﺠﺪﻫﺎ ﻣﻞء ﻛﻞ اﻷرض«.
ً
وﺗﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ أﻋﺎﱄ ﻓﻢ ﻣﻴﺰاب املﺤﻴﻂ ﺑﻐﺎﺑﺔ اﻷرز ﻃﻴﻒ ﻓﺘًﻰ ﻣﻜﺘﻨﻔﺎ ﺑﺄﻳﺎدي
اﻟﺴﺎروﻓﻴﻢ ،وﺟﻠﺲ ﻋﲆ اﻟﻌﺮش ﺑﻘﺮب اﻟﺤﻮرﻳﺔ ﻓﻌﺎدت اﻷرواح وﻣ ﱠﺮت ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻫﺎﺗﻔﺔ:
»ﻗﺪوس ﻗﺪوس ﻗﺪوس! ﻓﺘﻰ ﻟﺒﻨﺎن ﻣﺠﺪه ﻣﻞء ﻛﻞ اﻟﺪﻫﻮر«.
ملﺎ أﺧﺬ املﺤﺐ ﻳﺪ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ وﻧﻈﺮ إﱃ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،ﺣﻤﻠﺖ اﻷرواح واﻷﻣﻮاج ﻫﺬه املﻨﺎﺟﺎة إﱃ
ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻗﻄﺎر:
»ﻣﺎ أﻛﻤﻞ ﺑﻬﺎءك ﻳﺎ اﺑﻨﺔ إﻳﺰﻳﺲ ،وﻣﺎ أﻋﻈﻢ ﺣﺒﻲ ﻟﻚ!«.
»ﻣﺎ أﺟﻤﻠﻚ ﺑني اﻟﻔﺘﻴﺎن ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﺸﱰوت ،وﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﺷﻮﻗﻲ إﻟﻴﻚ!«.
»ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻧﻈري أﻫﺮاﻣﻚ ،ﻓﻼ ﺗﻬﺪﻣﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»ﻣﺤﺒﺘﻲ ﺗﺤﺎﻛﻲ أرزك ،ﻓﻠﻦ ﺗﻐﻠﺒﻬﺎ اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»ﺣﻜﻤﺎء اﻷﻣﻢ ﻳﺄﺗﻮن ﻣﻦ املﴩق واملﻐﺮب ﻟﻴﺴﺘﺤﻜﻤﻮا ﺣﻜﻤﺘﻚ ،وﻳﺴﺘﻔﴪوا رﻣﻮزك
ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»ﻋﻈﻤﺎء اﻷرض ﻳﺠﻴﺌﻮن ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ ﻟﻴﺴﻜﺮوا ﻣﻦ رﺣﻴﻖ ﺟﻤﺎﻟﻚ وﺳﺤﺮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻚ ﻳﺎ
ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»إن راﺣﺘﻚ ﻣﻨﺒﺖ ﺧريات ﻏﺰﻳﺮة ،ﺗﻤﻸ اﻷﻫﺮاء ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»إن ذراﻋﻴﻚ ﻣﻨﺒﻊ املﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ،وأﻧﻔﺎﺳﻚ ﻧﺴﻴﻤﺎت ﻣﻨﻌﺸﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»ﻗﺼﻮر اﻟﻨﻴﻞ وﻫﻴﺎﻛﻠﻪ ﺗﺬﻳﻊ ﻣﺠﺪك ،وأﺑﻮ اﻟﻬﻮل ﻳﺤﺪث ﺑﻌﻈﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
»اﻷرز ﻋﲆ ﺻﺪرك وﺳﺎم ﴍف أﺛﻴﻞ ،واﻷﺑﺮاج ﺣﻮﻟﻚ ﺗﺮوي ﺑﻄﺸﻚ واﻗﺘﺪارك ﻳﺎ
ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
»آه ﻣﺎ أﻣﻴﻠﺢ ﻣﺤﺒﺘﻚ ،وﻣﺎ أﺣﻴﲆ اﻷﻣﻞ املﻨﺎط ﺑﺎرﺗﻘﺎﺋﻚ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ!«.
ﺑﻌﺜﺖ إﱄ ﱠ ِ ﺣﻠﻴﻼ ،وﻣﺎ أﺟﻤﻞ ﻫﺪاﻳﺎك وأﻧﻔﺲ ﻋﻄﺎﻳﺎك، ً ً
ﺧﻠﻴﻼ ،وأوﻓﺎك »آه ﻣﺎ أﻛﺮﻣﻚ
ﺑﺎﻟﻔﺘﻴﺎن ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻘﻈﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﻮم ﻋﻤﻴﻖ ،أﺗﺤﻔﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﻔﺎرس ﻓﻐﻠﺐ ﺿﻌﻒ ﻗﻮﻣﻲ وﺣﺒﻮﺗﻨﻲ
)ﺑﺎﻷدب( ﻓﺄﻧﻬﻀﻬﻢ وﺑﺎﻟﻨﺠﻴﺐ ﻓﺄﺛﻤﻠﻬﻢ …«.
»ﺑﻌﺜﺖ إﻟﻴﻚ ﺑﺎﻟﺒﺬور ﻓﺼريﺗﻬﺎ أزﻫﺎ ًرا ،وﺑﺎﻷﻧﺼﺎب ﻓﺠﻌﻠﺘﻬﺎ أﺷﺠﺎ ًرا .ﻓﺄﻧﺖ ﺣﻘﻞ ِﺑ ْﻜ ٌﺮ
ﻳﺤﻴﻲ اﻟﻮرد واﻟﺴﻮﺳﻦ ،وﻳﺮﻓﻊ اﻟﴪو واﻷرز …«.
أرى ﺑﻌﻴﻨﻴﻚ ﺣﺰﻧًﺎ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،أﺗﺤﺰﻧﻲ وأﻧﺖ ﺑﻘﺮﺑﻲ؟!«.
»ﱄ أﺑﻨﺎء رﺣﻠﻮا إﱃ ﻣﺎ وراء اﻟﺒﺤﺎر ،وﺧﻠﻔﻮﻧﻲ ﺣﻠﻴﻒ ﺑﻜﺎء وأﻟﻴﻒ ﺷﻮق«.
»ﻟﻴﺖ ﱄ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﺑﻪ ﺣﺰﻧﻚ ،وﺗﻨﴫف ﻋﻨﻲ ﻣﺨﺎوﰲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ«.
أﺗﺨﺎﻓني ﻳﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﻨﻴﻞ وأﻧﺖ ﻋﺰﻳﺰة اﻷﻣﻢ؟«.
َ
»أﺧﺎف ﻣﻦ ﻃﺎﻏﻴﺔ ﺗﻘﱰب ﻣﻨﻲ ﺑﺤﻼوة روﻏﻬﺎ ،وﺗﻤﺘﻠﻚ أﻋِ ﻨﱠﺘِﻲ ﺑﻘﻮة ﺳﺎﻋﺪﻳﻬﺎ«.
»إن ﺣﻴﺎة اﻷﻣﻢ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻣﺜﻞ ﺣﻴﺎة اﻷﻓﺮاد ،ﺣﻴﺎة ﻳﺆاﺧﻴﻬﺎ اﻷﻣﻞ ،وﻳﻘﺎرﻧﻬﺎ اﻟﺨﻮف،
وﺗﺤﻒ ﺑﻬﺎ اﻷﻣﺎﻧﻲ ،وﻳﺮﻣﻘﻬﺎ اﻟﻘﻨﻮط«.
رﺣﻴﻘﺎ ﻋﻄ ًﺮا ،ﻓﻤﺮت أﺟﻮاق اﻷرواح ﻣﻨﺸﺪة: ً وﺗﻌﺎﻧﻖ اﻟﺤﺒﻴﺒﺎن وﴍﺑﺎ ﻣﻦ ﻛﺌﻮس ا ْﻟ ُﻘﺒ َِﻞ
ﻗﺪوس ﻗﺪوس ﻗﺪوس! املﺤﺒﺔ ﻣﺠﺪﻫﺎ ﻣﻞء اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض.
92
ﳐﺒﺂت اﻟﺼﺪور
ﺻ ِﺒﻴ ٌﱠﺔ
ﰲ ﴏح ﻓﺨﻴﻢ واﻗﻒ ﺗﺤﺖ ﺟﻨﺢ اﻟﻠﻴﻞ وﻗﻮف اﻟﺤﻴﺎة ﺑني ﺳﺘﺎﺋﺮ املﻮت ،ﺟﻠﺴﺖ َ
ﺑﻘﺮب ﻣﻨﻀﺪة ﻋﺎﺟﻴﺔ ﺗﺴﻨﺪ رأﺳﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﺑﻴﺪﻫﺎ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺘﻜﺊ زﻧﺒﻘﺔ ذاﺑﻠﺔ ﻋﲆ أوراﻗﻬﺎ،
وﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻧﻈﺮات ﺳﺠني ﻳﺎﺋﺲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﺮق ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ﺟﺪران ﺣﺒﺴﻪ ﻟريى
اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﺎﺋﺮة ﰲ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺤﺮﻳﺔ.
ﻣَ ﱠﺮ ِت اﻟﺴﺎﻋﺎت ﻣﺮور أﺷﺒﺎح اﻟﻈﻠﻤﺔ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻴﺔ ﻣﺴﺘﺄﻧﺴﺔ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ ،ﻣﺴﺘﺄﻣﻨﺔ
ﺑﺎﻧﻔﺮادﻫﺎ وﻟﻮﻋﺘﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ اﺷﺘﺪت ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻬﺎ وﻃﺄ ُة ﻋﻮاﻃﻔﻬﺎ واﻣﺘﻠﻜﺖ ﺷﻮاﻋﺮﻫﺎ
ﺧﺰاﺋﻦ أﴎارﻫﺎ ،ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻗﻠﻤً ﺎ وأﺧﺬت ﺗﻤﺰج ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻮرق ﻗﻄﺮات اﻟﺤﱪ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ،
وﺗﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﻜﻼم وﻣﻜﻨﻮﻧﺎت ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻫﺎك ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺖ:
أﻳﺘﻬﺎ اﻷﺧﺖ املﺤﺒﻮﺑﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻀﻴﻖ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺄﴎاره وﺗﺘﻘﺮح اﻷﺟﻔﺎن ﻣﻦ ﺣﺮارة دﻣﻮﻋﻬﺎ ،وﺗﻜﺎد
اﻟﻀﻠﻮع ﺗﺘﻤﺰق ﻣﻦ ﻧﻤﻮ ﻣﺨﺒﺂت اﻟﺼﺪور ،ﻻ ﻳﺠﺪ املﺮء ﻏري اﻟﻜﻼم واﻟﺸﻜﻮى.
ﻓﺎﻟﺤﺰﻳﻦ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﺬب اﻟﺸﻜﻮى ﻳﺠﺪ املﺤﺐ ﺗﻌﺰﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﺐ ،واملﻈﻠﻮم
َﻟﺬﱠ ًة ﺑﺎﻻﺳﱰﺣﺎم ،ﻓﺄﻧﺎ أﻛﺘﺐ إﻟﻴﻚِ اﻵن ﻷﻧﻨﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻛﺸﺎﻋﺮ ﻳﺮى ﺟﻤﺎل اﻷﺷﻴﺎء
ﻓﻴﻨﻈﻢ ﺗﺄﺛريات ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ﺑﻘﻮة أﻟﻮﻫﻴﺘﻪ ،أو ﻛﻄﻔﻞ اﻟﻔﻘري اﻟﺠﺎﺋﻊ
ﻳﺴﺘﻐﻴﺚ ﻣﺪﻓﻮﻋً ﺎ ﺑﻤﺮارة ﺟﻮﻋﻪ ﻏري راﺣﻢ ﻓﺎﻗﺔ أﻣﻪ واﻧﻜﺴﺎرﻫﺎ.
اﺳﻤﻌﻲ ﻗﺼﺘﻲ املﻮﺟﻌﺔ ﻳﺎ أﺧﺘﻲ واﺑﻜﻲ ﻣﻦ أﺟﲇ؛ ﻷن اﻟﺒﻜﺎء ﻛﺎﻟﺼﻼة،
ودﻣﻮع اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻛﺎﻹﺣﺴﺎن ﻻ ﺗﺬﻫﺐ ﺳﺪى ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺘﺼﺎﻋﺪة ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺲ
ﺣﻴﺔ ﺷﺎﻋﺮة ،ﺷﺎء واﻟﺪي وﺟﻤﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮان ﺑﻴﻨﻲ وﺑني رﺟﻞ ﴍﻳﻒ ﻏﻨﻲ ﺷﺄن
ﻛﻞ واﻟﺪ ﻏﻨﻲ ﴍﻳﻒ ﻳﺮوم ﺗﻌﺰﻳﺰ املﺎل ﺑﺎملﺎل ﻣﺨﺎﻓﺔ اﻟﻔﻘﺮ ،وﺿﻢ اﻟﴩف إﱃ
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
94
ﻣﺨﺒﺂت اﻟﺼﺪور
ْ
وﻗﻔﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻴﱠﺔ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﺣﺠﺒﺖ وﺟﻬﺎ ﺑﻴﺪﻳﻬﺎ ،وﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎء ﻣ ٍّﺮا ﻛﺄن ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻨﺎ
اﻟﻜﺒرية أﺑﺖ أن ﺗﺴﻠﻢ أﻗﺪس أﴎارﻫﺎ إﱃ اﻟﻮرق ،ﻓﺄﻋﻄﺘﻬﺎ إﱃ دﻣﻮع ﺳﺨﻴﻨﺔ ﺗﺠﻒ ﺑﴪﻋﺔ
وﺗﻤﺘﺰج ﺑﺄﺛري اﻟﻄﻴﻒ وﻣﻮﻃﻦ أﻧﻔﺎس املﺤﺒني وأرواح اﻷزﻫﺎر ،وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﻬﺔ أﺧﺬت اﻟﻘﻠﻢ
وﻛﺘﺒﺖ» :ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﻰ؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻌﺔ املﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ
ﻋﻴﻨﻴﻪ ،وﺗﻠﻚ اﻷﺣﺰان املﺮﺳﻮﻣﺔ ﻋﲆ ﺟﺒﻴﻨﻪ؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣَ ُﻪ ا ُملﺸﺎﺑﻪ دﻣﻮع اﻟﺜﻜﲆ؟
ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﺻﻮﺗﻪ املﺤﺎﻛﻲ ﺻﺪى اﻟﻮادي اﻟﺒﻌﻴﺪ؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻨﻪ إذ ﻛﺎن ﻳﺘﺄﻣﻞ ﰲ اﻷﺷﻴﺎء
ﺑﻨﻈﺮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻫﺎدﺋﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻐﺮاﺑﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺤﻨﻲ رأﺳﻪ وﻳﺘﻨﻬﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺨﺎف أن
ﻳﺸﻒ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺧﻔﺎﻳﺎ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﻜﺒري؟ وﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ أﺣﻼﻣﻪ وﻋﻘﺎﺋﺪه؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا
اﻷﺷﻴﺎء ﰲ ﻓﺘﻰ ﻳﺤﺴﺒﻪ اﻟﺒﴩ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ،وﻳﺤﺘﻘﺮه واﻟﺪي ﻷﻧﻪ أﺳﻤﻲ ﻣﻦ املﻄﺎﻣﻊ اﻟﱰاﺑﻴﺔ
وأﴍف ﻣﻦ أن ﻳﺮث اﻟﴩف ﻋﻦ اﻟﺠﺪود؟ إي ﻳﺎ أﺧﺘﻲ أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻤني أﻧﻨﻲ ﺷﻬﻴﺪة ﺻﻐﺎﺋﺮ
ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺿﺤﻴﺔ اﻟﻐﺒﺎوة وﺗﺮﺣﻤني أﺧﺘًﺎ ﺳﺎﻫﺮة ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ املﺨﻴﻒ ﻟﺘﻜﺸﻒ ﻟﻚ
ﺳﺘﺎﺋﺮ ﺻﺪرﻫﺎ ﻋﻦ أﴎار ﻗﻠﺒﻬﺎ ،أﻧﺖ ﺗﺮﺣﻤني ﻷن اﻟﺤﺐ ﻗﺪ زار ﻗﻠﺒﻚ«.
ﺟﺎء اﻟﺼﺒﺎح ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻴﺔ واﺳﺘﺴﻤﻠﺖ ﻟﻠﻜﺮى ،ﻋ ﱠﻠﻬﺎ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻪ أﺣﻼﻣً ﺎ أﻟﻄﻒ
ﻣﻦ أﺣﻼم اﻟﻴﻘﻈﺔ.
95
اﻟﻘﻮة اﻟﻌﻤﻴﺎء
ﺟﺎء اﻟﺮﺑﻴﻊ وﺗﻜﻠﻤﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﻮاﻗﻲ َﻓ َﻔ ﱠﺮﺣَ ِﺖ اﻟﻘﻠﺐ ،واﺑﺘﺴﻤﺖ ﺑﺸﻔﺎه اﻷزﻫﺎر
ور ﱠﻗ َﺔ
ﻓﺄﺳﻌﺪت اﻟﻨﻔﺲ ،ﺛﻢ ﻏﻀﺒﺖ ودﻛﺖ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﺄﻧﺴﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﺬوﺑﺔ ﻛﻠﻴﻤﺎﺗﻬﺎ ِ
اﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺗﻬﺎ ،ﻗﻮة ﻋﻤﻴﺎء ﻣﺨﻴﻔﺔ ﻧﻘﻀﺖ ﺑﺴﺎﻋﺔ ﻣﺎ أﻗﺎﻣﺘﻪ اﻷﺟﻴﺎل ،ﻣﻮت ﻇﻠﻮم ﺑﺄﻇﺎﻓﺮه
املﺤﺪودة ﻋﲆ اﻷﻋﻨﺎق ﻓﺴﺤﻘﻬﺎ ﺑﻘﺴﺎوة ،ﻧﺎر آﻛﻠﺔ اﻟﺘﻬﻤﺖ اﻷرزاق واﻷﻋﻤﺎر ،ﻟﻴﻞ ﻗﺎﺗﻢ
أﺧﻔﻰ ﺟﻤﺎل اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺤﺖ ﻟﺤﻒ اﻟﺮﻣﺎد ،ﻋﻨﺎﴏ ﻫﺎﺋﻠﺔ َﻫﺒ ْﱠﺖ ﻣﻦ ﻣﺮاﺑﻀﻬﺎ وﻗﺎﺗﻠﺖ اﻹﻧﺴﺎن
اﻟﻀﻌﻴﻒ وﺧﺮﺑﺖ ﻣﺴﺎﻛﻨﻪ وذرت ﺑﴪﻋﺔ ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧﻲ ،زﻟﺰال ﻋﻨﻴﻒ ﺣﺒﻠﺖ ﺑﻪ اﻷرض
ﻓﺘﻤﺨﻀﺖ ﻣﺘﻮﺟﻌﺔ وﻟﻢ ﺗَ ِﻠ ْﺪ ﻏري اﻟﺨﺮاب واﻟﺸﻘﺎء.
ﺟﺮى ﻛﻞ ذﻟﻚ واﻟﻨﻔﺲ اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﻧﺎﻇﺮة ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﺗﺘﺄﻣﱠ ﻞ وﺗﺘﺄﻟﻢ ،ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺑﻤﻘﺪرة اﻹﻧﺴﺎن
املﺤﺪودة ﺗﺠﺎه اﻟﻘﻮى ﻏري اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ وﺗﺘﺄ ﱠﻟﻢ ﻣﻊ املﺼﺎﺑني اﻟﻬﺎرﺑني ﻣﻦ اﻟﻨﺎر واﻟﺪﻣﺎر ،ﺗﺘﺄﻣﻞ
ﺑﺄﻋﺪاء اﺑﻦ آدم اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻟﻪ ﺗﺤﺖ أﻃﺒﺎق اﻟﺜﺮى وﺑني دﻗﺎﺋﻖ اﻷﺛري ،وﺗﺘﺄ ﱠﻟﻢ ﻣﻊ اﻟﻮاﻟﺪات
اﻟﻨﺎﺋﺤﺎت واﻷﻃﻔﺎل اﻟﺠﺎﺋﻌني ،ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺑﻘﺴﺎوة املﺎدة واﺳﺘﺼﻐﺎرﻫﺎ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺰﻳﺰة ،وﺗﺘﺄﻟﻢ
ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ رﻗﺪوا ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﺴﺘﺄﻣﻨني ﰲ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا اﻟﻴﻮم واﻗﻔني ﻋﻦ ﺑُﻌﺪ ﻳﺮﺛﻮن
ﻳﺄﺳﺎ ،واﻟﻔﺮح املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺑﻐﺼﺎت ﻣﺆملﺔ وﻋﱪات ﻣﺮة ،ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ اﻧﻘﻼب اﻷﻣﻞ ً
ﺣﺰﻧًﺎ ،واﻟﺮاﺣﺔ ﻋﺬاﺑًﺎ ،وﺗﺘﺄ ﱠﻟﻢ ﻣﻊ ﻗﻠﻮب ﺗﺮﺗﻌﺪ ﺑني ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﻴﺄس واﻟﺤﺰن واﻟﻌﺬاب.
ﻛﺬا وﻗﻔﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﺑني اﻟﺘﺄﻣﱡ ﻞ واﻟﺘﺄ ﱡﻟﻢ ﺗﻨﻘﺎد ﺗﺎرة إﱃ اﻟﺸﻚ ﺑﻌﺪاﻟﺔ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﺮاﺑﻄﺔ
اﻟﻘﻮات ﺑﻌﻀﻬﺎ دون اﻵﺧﺮ ،وﺗﻌﻮد ﻃﻮ ًرا ﻓﺘﻬﻤﺲ ﰲ آذان اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻗﺎﺋﻠﺔ :إن وراء اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت
ﺣﻜﻤﺔ ﴎﻣﺪﻳﺔ ﺗﺒﺘﺪع ﻣﻦ ﻛﻮارث وﻧﻮازل ﻧﺮاﻫﺎ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻻ ﻧﺮاﻫﺎ ،ﻓﺎﻟﻨﺎر واﻟﺰﻻزل
واﻟﻌﻮاﺻﻒ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ اﻷرض ﺑﻤﻜﺎن اﻟﺒﻐﺾ واﻟﺤﻘﺪ واﻟﴩ ﰲ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ﺗﺜﻮر وﺗﻀﺞ
ﺛﻢ ﺗﺨﻤﺪ ،وﻣﻦ ﺛﻮرﺗﻬﺎ وﺿﺠﻴﺠﻬﺎ وﺧﻤﻮدﻫﺎ ﺗﺒﺘﺪع اﻵﻟﻬﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻳﺒﺘﺎﻋﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن
ﺑﺪﻣﻌﻪ ودﻣﻪ وأرزاﻗﻪ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
وﻋﻮﻳﻼ ،وﺻﻮرت أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻲ ﻛﻞ ً أوﻗﻔﺘﻨﻲ اﻟﺬﻛﺮى وﻧﻜﺒﺔ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ ﺗﻤﻸ اﻷﺳﻤﺎع أَﻧ ﱠ ًﺔ
ﻣﺎ ﻣَ ﱠﺮ ﻋﲆ ﻣﺮﺳﺢ اﻷﻳﺎم اﻟﻐﺎﺑﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﱪ واﻟﺨﻄﻮب ،ﻓﺮأﻳﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﻛﻞ أدواره ﻳﻘﻴﻢ
ﻋﲆ ﺻﺪر اﻷرض اﻟﱪوج واﻟﻘﺼﻮر واﻟﻬﻴﺎﻛﻞ ،واﻷرض ﺗﺮﺟﻌﻬﺎ إﱃ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،رأﻳﺖ اﻷﺷﺪاء
ﻳﺸﻴﺪون املﺒﺎﻧﻲ اﻟﻘﻮﻳﺔ ،واﻟﻨﺤﺎﺗني ﻳﺨﺘﻠﻘﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر ﺻﻮ ًرا وأﺷﺒﺎﺣً ﺎ ،واﻟﺮﺳﺎﻣني
ﻳﺰﻳﻨﻮن اﻟﺠﺪران واملﺪاﺧﻞ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش واﻟﻨﺴﻴﺞ ،ﺛﻢ رأﻳﺖ ﻫﺬه اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ُ
ﺗﻔﻐﺮ ﻓﺎﻫﺎ وﺗﺒﺘﻠﻊ
ﺑﺨﺸﻮﻧﺔ ﻣﺎ أﻟﻔﺘﻪ اﻷﻳﺎدي املﺘﻔﻨﻨﺔ واﻟﻌﻘﻮل اﻟﺮاﺟﺤﺔ ،ﻣﺎﺣﻴﺔ ﺑﻘﺴﺎوﺗﻬﺎ ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﺼﻮر
واﻷﺷﺒﺎح ،ﻣﺪﻣﺮة ﺑﺴﺨﻄﻬﺎ ﺧﻄﻮط اﻟﺮﺳﻮم واﻟﻨﻘﻮش ،داﻓﺌﺔ ﺑﻌﻨﻔﻬﺎ ﻓﺨﺎﻣﺔ اﻟﺪﻋﺎﺋﻢ
واﻟﺠﺪران ،ﻣﻤﺜﻠﺔ دور ﺣﺴﻨﺎء ﻣﺴﺘﻐﻨﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﲇ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻴﻐﻬﺎ اﺑﻦ آدم ،ﻣﺴﺘﻜﻔﻴﺔ ﺑﺤﻠﻞ
املﺮوج اﻟﺨﴬاء املﺰرﻛﺸﺔ ﺑﺬﻫﺐ اﻟﺮﻣﺎل وﺟﻮاﻫﺮ اﻟﺤﴡ.
ﻋﲆ أﻧﻨﻲ وﺟﺪت ﺑني ﻫﺬه اﻟﻨﻜﺒﺎت املﺨﻴﻔﺔ واﻟﺮزاﻳﺎ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،أﻟﻮﻫﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎن واﻗﻔﺔ
ﻛﺎﻟﺠﺒﺎر ﺗﺴﺨﺮ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ اﻷرض وﻏﻀﺐ اﻟﻌﻨﺎﴏ ،وﻣﺜﻞ ﻋﻤﻮد ﻧﻮر ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ ﺑني ﺧﺮاﺋﺐ
ﺑﺎﺑﻞ وﻧﻴﻨﻮى وﺗﺪﻣﺮ وﺑﻤﺒﺎي وﺳﺎن ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ،ﺗﺮﺗﻞ أﻧﺸﻮدة اﻟﺨﻠﻮد ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻟﺘﺄﺧﺬ اﻷرض
ﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﻼ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﱄ.
98
ﻣﻨ ﱠﻴﺘﺎن
ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻫﺒﻂ املﻮت ﻣﻦ ﻟﺪن ﷲ ﻧﺤﻮ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻨﺎﺋﻤﺔ ،واﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﻋﲆ أﻋﲆ ﻣﺌﺬﻧﺔ
ﻓﻴﻬﺎ ،وﺧﺮق ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ اﻟﻨريﺗني ﺟﺪران املﺴﺎﻛﻦ ،ورأى اﻷرواح املﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﲆ أﺟﻨﺤﺔ اﻷﺣﻼم،
واﻷﺟﺴﺎد املﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻤﻔﺎﻋﻴﻞ اﻟﻜﺮى.
وﺗﻮﺷﺤَ ِﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﻘﺎب اﻟﺨﻴﺎل ،ﺳﺎر املﻮت ﺑﻘﺪم ﱠ وملﺎ ﺗﻮارى اﻟﻘﻤﺮ وراء اﻟﺸﻔﻖ،
ﻫﺎدﺋﺔ ﺑني املﺴﺎﻛﻦ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﴏح اﻟﻘﻮي اﻟﻐﻨﻲ ﻓﺪﺧﻞ وﻟﻢ ﺗﺼﺪه اﻟﺤﻮاﺟﺰ ،ووﻗﻒ
ﺟﻨﺐ ﴎﻳﺮه ﺛﻢ ملﺲ ﺟﺒﻴﻨﻪ ﻓﺎﻧﺬﻋﺮ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﻪ ،وملﺎ رأى ﺧﻴﺎل املﻮت أﻣﺎﻣﻪ ﴏخ ﺑﺼﻮت
ﺗﺠﺴﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺤﻨﻖ واﻟﺨﻮف وﻗﺎل» :اﺑﻌﺪ ﻋﻨﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﺤﻠﻢ املﺨﻴﻒ ،اذﻫﺐ أﻳﻬﺎ ﱠ
اﻟﺨﻴﺎل اﻟﴩﻳﺮ ،ﻛﻴﻒ دﺧﻠﺖ أﻳﻬﺎ اﻟﺴﺎرق؟ وﻣﺎذا ﺗﺮوم أﻳﻬﺎ اﻟﺨﺎﻃﻒ؟ أذﻫﺐ ﻓﺄﻧﺎ رب
اﻟﺒﻴﺖ ،اذﻫﺐ ﱠ
وإﻻ ﻧﺎدﻳﺖ اﻟﻌﺒﻴﺪ واﻟﺤﺮاس ﻓﻴﻤﺰﻗﻮﻧﻚ إ ِ ْرﺑًﺎ«.
ﺣﻴﻨﺌﺬ اﻗﱰب املﻮت وﺑﺼﻮت ﻳﺤﺎﻛﻲ اﻟﺮﻋﺪ ﻗﺎل» :أﻧﺎ ﻫﻮ املﻮت ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ واﻋﺘﱪ!« ﻓﺄﺟﺎب
اﻟﻘﻮي املﻮﴎ» :ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ ﻣﻨﻲ اﻵن وﻣﺎذا ﺗﻄﻠﺐ؟ ملﺎذا ﺟﺌﺖ وأﻧﺎ ﻟﻢ أُﻧ ْ ِﻪ أﻋﻤﺎﱄ ﺑﻌﺪُ! ﻣﺎذا
ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻧﻈريي؟ اذﻫﺐ إﱃ اﻟﺴﻘﻤﺎء ،اﻏﺮب ﻋﻨﻲ وﻻ ﺗﺮﻧﻲ أﻇﺎﻓﺮك اﻟﺠﺎرﺣﺔ
وﺷﻌﺮك املﺴﺪول ﻛﺎﻷﻓﺎﻋﻲُ ،رحْ ﻓﻘﺪ ﺳﺌﻤﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ ﺟﻨﺎﺣﻴﻚ اﻟﻬﺎﺋﻠني وﺟﺴﺪك اﻟﺒﺎﱄ«
وﺑﻌﺪ ﺳﻜﻴﺒﺔ ﻣﺰﻋﺠﺔ زاد» :ﻻ ﻻ أﻳﻬﺎ املﻮت اﻟﺮءوف ،ﻻ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻤﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻓﺎﻟﺨﻮف ﻳﻮﺣﻲ
ﻣﻜﻴﺎﻻ ﻣﻦ ذﻫﺒﻲ أو ﻗﺒﻀﺔ ﻣﻦ أرواح ﻋﺒﻴﺪي واﺗﺮﻛﻨﻲ وﺷﺄﻧﻲ … ً ﻣﺎ ﻳﺤﺮﻣﻪ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺧﺬ
ﱄ ﻳﺎ ﻣﻮت ﻣﻊ اﻟﺤﻴﺎة ﺣﺴﺎب ﻟﻢ أُﻧ ْ ِﻬﻪْ ،وﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ٌل ﻟﻢ أﺳﺘﻮﻓﻪ ،ﱄ ﺑني أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ
ﻣﺮاﻛﺐ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﱃ اﻟﺴﺎﺣﻞ ،وﰲ ﻗﻠﺐ اﻷرض ﻏﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺒﺖ ،ﺧﺬ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء
ﺟﻤﺎﻻ ﻓﺎﺧﱰ ﻣﻨﻬﻦ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ،اﺳﻤﻊ أﻳﻬﺎ املﻮت ﱄ وﺣﻴ ٌﺪ أﺣﺒﻪ ً ﺟﻮار ﻛﺎﻟﺼﺒﺎح
ٍ واﺗﺮﻛﻨﻲ ،ﱄ
وﻫﻮ ﻋﻘﺪة آﻣﺎﱄ ،ﺧﺬه واﺗﺮﻛﻨﻲ ،ﺧﺬ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء ،ﺧﺬ ﻛﻞ ﳾء واﺗﺮﻛﻨﻲ«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ وﺿﻊ املﻮت ﻳﺪه ﻋﲆ ﻓﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﱰاﺑﻴﺔ ،وأﺧﺬ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ وأﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﻠﻬﻮاء.
ﺳﺎر املﻮت ﺑني أﺣﻴﺎء اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﻀﻌﻔﺎء ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺑﻴﺘًﺎ ﺣﻘريًا ﻓﺪﺧﻠﻪ واﻗﱰب ﻣﻦ
ﴎﻳﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺘﻰ ﰲ رﺑﻴﻊ اﻟﻌﻤﺮ ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﺄﻣﱠ ﻞ ﰲ وﺟﻬﻪ اﻟﻬﺎدئ ملﺲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻓﺎﺳﺘﻴﻘﻆ،
واﻗﻔﺎ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﺟﺜﺎ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻴﻪ ورﻓﻊ ذراﻋﻴﻪ ﻧﺤﻮه وﻗﺎل ﺑﺼﻮت أودﻋﻪ ً وملﺎ رأى املﻮت
ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ املﺤﺒﺔ واﻟﺸﻮق» :ﻫﺄﻧﺬا أﻳﻬﺎ املﻮت اﻟﺠﻤﻴﻞ ،اﻗﺘﺒﻞ ﻧﻔﴘ ﻳﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ
ﺿﻤﱠ ﻨِﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺐ ﻧﻔﴘ ،ﻓﺄﻧﺖ رﺣﻮم ﻻ ﺗﱰﻛﻨﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،أﻧﺖ أﺣﻼﻣﻲ وﻣﻮﺿﻮع آﻣﺎﱄُ ،
رﺳﻮل اﻵﻟﻬﺔ ،أﻧﺖ ﻳﻤني اﻟﺤﻖ ﻓﻼ ﺗَﺘَ َﺨ ﱠﻞ ﻋﻨﻲ ،ﻛﻢ ﻃﻠﺒﺘﻚ وﻟﻢ أﺟﺪك ،وﻛﻢ ﻧﺎدﻳﺘﻚ وﻟﻢ
ﺗﺴﻤﻊ! ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻨﻲ اﻵن ﻓﻼ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺷﻐﻔﻲ ﺑﺎﻟﺼﺪود ،ﻋﺎﻧﻖ ﻧﻔﴘ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ املﻮت«.
وﺿﻊ املﻮت إذ ذاك أﻧﺎﻣﻠﻪ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻲ اﻟﻔﺘﻰ وأﺧﺬ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ووﺿﻌﻬﺎ ﺗﺤﺖ
ﺟﻨﺤﻴﻪ.
وملﺎ ﺣ ﱠﻠﻖ املﻮت ﰲ اﻟﺠﻮ ﻧﻈﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻧﻔﺦ ﰲ اﻟﻬﻮاء ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت» :وﻟﻦ ﻳﺮﺟﻊ
إﱃ اﻷﺑﺪﻳﺔ إﻻ ﻣﻦ ﺟﺎء ﻣﻦ اﻷﺑﺪﻳﺔ«.
100
ﻋﲆ ﻣﻠﻌﺐ اﻟﺪﻫﺮ
ودﻗﻴﻘﺔ ﺗﱰاوح ﺑني ﺗﺄﺛريات اﻟﺠﻤﺎل وأﺣﻼم اﻟﺤﺐ ﻟﻬﻲ أﺳﻤﻰ وأﺛﻤﻦ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﻣﻸه املﺠﺪ
اﻟﺬي ﻳﻤﻨﺤﻪ اﻟﻀﻌﻴﻒ املﺴﻜني ﻟﻠﻘﻮي اﻟﻄﺎﻣﻊ.
ً
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺗﻨﺒﺜﻖ أﻟﻮﻫﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎن ،وﰲ ذاك اﻟﺠﺒﻞ ﺗﻨﺎم ﻧﻮﻣً ﺎ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻣﻜﺘﻨﻔﺔ
ﺑﱪاﻗﻊ أﺣﻼم ﻣﺰﻋﺠﺔ ،ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺗﺘﺤﺮر اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ أﻋﺒﺎء ﴍاﺋﻊ اﻹﻧﺴﺎن املﺘﺒﺎﻳﻨﺔ،
وﰲ ذاك اﻟﺠﺒﻞ ﺗﺤﺒﺲ وراء ﺟﺪران اﻹﻫﻤﺎل ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﻘﻴﻮد اﻟﻈﻠﻢ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺪ
ﻧﺸﻴﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن وﻣﻮﻋﻈﺔ اﻟﺠﺒﻞ وﺗﺎﺋﻴﺔ اﺑﻦ اﻟﻔﺎرض ،وذاك اﻟﺠﺒﻞ ﻛﺎن اﻟﻘﻮة اﻟﻌﻤﻴﺎء اﻟﺘﻲ
ﻫﺪﻣﺖ ﻫﻴﺎﻛﻞ ﺑﻌﻠﺒﻚ ودﻛﺖ ﻣﺒﺎﻧﻲ ﺗﺪﻣُﺮ وﺳﺤﻘﺖ ﺑﺮوج ﺑﺎﺑﻞ.
وﻳﻮم ﴏﻓﺘﻪ اﻟﻨﻔﺲ آﺳﻔﺔ ﻋﲆ ﻣﻮت ﺣﻘﻮق اﻟﻔﻘري ،ﻣﺘﺄوﻫﺔ ﻋﲆ ﻓﻘﺪان اﻟﻌﺪل ﻟﻬﻮ
أﺟﻞ وأﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻀﻴﻌﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﴪو ًرا ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﺸﻬﻮات ،ﻣﺴﺘﺴﻠﻤً ﺎ ﻟﻘﻀﺎء
اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ،ذاك ﻳﻮم ﻳﻄﻬﺮ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﻨﺎره وﻳﻔﻌﻤﻪ ﺑﻨﻮره ،وذا ﻋﻤﺮ ﻳﺨﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺠﻨﺤﺔ اﻟﻘﺘﻢ
وﻳﻠﺤﺪه ﻃﻲ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﱰاب ،ذاك ﻳﻮم ﻛﺎن ﻳﻮم اﻟﻌﱪ ،وﻳﻮم اﻟﺠﻠﺠﻠﺔ ،وﻳﻮم اﻟﻬﺠﺮة ،وذا
ﻋﻤﺮ أﻧﻔﻘﻪ ﻧريون ﰲ ﺳﻮق املﻈﺎﻟﻢ ،ووﻗﻔﻪ ﻗﺎرون ﻋﲆ ﻣﺬﺑﺢ املﻄﺎﻣﻊ ،وﻃﻤﺮه دون ﺟﻮان
ﰲ ﻗﱪ اﻟﺠﺴﺪﻳﺎت.
وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﻋﲆ ﻣﻠﻌﺐ اﻟﺪﻫﺮ ﻧﻈري ﻣﺄﺳﺎة ،وﺗﻨﺸﺪﻫﺎ اﻷﻳﺎم
ﻛﺄﻏﻨﻴﺔ ،وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺗﺤﻔﻈﻬﺎ اﻷﺑﺪﻳﺔ ﻛﺠﻮﻫﺮة.
ﺧﻠﻴﲇ
ﻟﻮ ﻋﻠﻤﺖ ﻳﺎ ﺧﻠﻴﲇ اﻟﻔﻘري أن اﻟﻔﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴤ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎء ﻫﻲ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﻲ
إﻟﻴﻚ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﺪل وﺗﺒﺜﻚ إدراك ُﻛﻨ ْ ِﻪ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻟﺮﺿﻴﺖ ﺑﻘﺴﻤﺔ ﷲ ،ﻗﻠﺖ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﺪل ﻷن
اﻟﻐﻨﻲ ﻣﺸﻐﻮل ﻋﻦ ﺗﻠﻚ املﻌﺮﻓﺔ ﺑﺨﺰاﺋﻨﻪ ،وﻗﻠﺖ ﻛﻨﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻷن اﻟﻘﻮي ﻣﻨﴫف ﻋﻨﻬﺎ إﱃ
املﺠﺪ .ﻓﺎﻓﺮح إذن ﺑﺎﻟﻌﺪل ﻷﻧﻚ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،وﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ﻷﻧﻚ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ،واﺑﺘﻬﺞ ﻓﺄﻧﺖ ﻣﺼﺪر ﻓﻀﻴﻠﺔ
ﻋﺎﺿﺪﻳﻚ ،وﻋﺎﺿﺪ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻴﺪك.
وﻟﻮ درﻳﺖ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ اﻟﺤﺰﻳﻦ أن اﻷرزاء اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻐﻠﻮﺑﻬﺎ ،ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ
ﺗﻨري اﻟﻘﻠﺐ وﺗﺮﻓﻊ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ درﻛﺎت اﻻﺳﺘﻬﺰاء إﱃ درﺟﺎت اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﻨﻌﺖ ﺑﻬﺎ إرﺛًﺎ،
وﺑﺘﺄﺛرياﺗﻬﺎ ﻣﻬﺬﺑًﺎ ،وﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﺤﻴﺎة ﺳﻠﺴﻠﺔ ذات ﺣﻠﻘﺎت آﺧﺬة ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺮﻗﺎب اﻟﺒﻌﺾ،
وأن اﻟﺤﺰن ﺣﻠﻘﺔ ذﻫﺒﻴﺔ ﺗﻔﺼﻞ ﺑني اﻻﺳﺘﺴﻼم ملﺂﺗﻲ اﻟﺤﺎﴐ واﻟﺘﻌ ﱡﻠﻞ ﺑﺒﻬﺠﺔ اﻵﺗﻲ ،ﻛﻤﺎ
ﻳﻔﺼﻞ اﻟﺼﺒﺢ ﺑني اﻟﻨﻮم واﻟﻴﻘﻈﺔ.
ﺧﻠﻴﲇ ،إن اﻟﻔﻘﺮ ﻳﻄﻬﺮ ﴍف اﻟﻨﻔﺲ واﻟﻐﻨﻲ ﻳﺒني ﻟﺆﻣﻬﺎ ،واﻟﺤﺰن ﻳﻠﻄﻒ اﻟﻌﻮاﻃﻒ
ً
ﺗﻮﺻﻼ ﻟﻼزدﻳﺎد ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ واﻟﴪور ﻳﺪﻣﻠﻬﺎ؛ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﺑﺮح ﻳﺴﺘﺨﺪم املﺎل واﻟﴪور
ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﴍٍّا ﻳﻨﺰه ﻋﻨﻪ اﻟﻜﺘﺎب ،وﺑﺎﺳﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺎ ﺗﺄﺑﺎه اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.
ﻟﻮ ﺑﺎد اﻟﻔﻘﺮ وﻧﺄى اﻟﺤﺰن ﻷﺻﺒﺤﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ إﻻ ﻣﻦ أرﻗﺎم ﺗﺪل ﻋﲆ
اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ وﻣﺤﺒﺔ اﻹﻛﺜﺎر ،وأﻟﻔﺎظ ﻣﻔﺎدﻫﺎ اﻟﺸﻬﻮات اﻟﱰاﺑﻴﺔ؛ ﻷﻧﻲ ﻧﻈﺮت ﻓﻮﺟﺪت اﻷﻟﻮﻫﻴﺔ،
وﻫﻲ اﻟﺬات املﻌﻨﻮﻳﺔ ﰲ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻻ ﺗُﺒﺎع ﺑﺎملﺎل وﻻ ﺗﻨﻤﻮ ﺑﻤﴪات ﻓﺘﻴﺎن اﻟﻌﴫ ،وﺗﺄﻣﻠﺖ
ﻓﺮأﻳﺖ اﻟﻐﻨﻲ ﻳﻨﺒﺬ أﻟﻮﻫﻴﺘﻪ وﻳﺤﺮص ﻋﲆ أﻣﻮاﻟﻪ ،وﻓﺘﻰ اﻟﻌﴫ ﻳﻐﺎدرﻫﺎ وﻳﺘﺒﻊ ﻣﻠﺬاﺗﻪ.
إن اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﴫﻓﻬﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻔﻘري ،ﻣﻊ رﻓﻴﻘﺘﻚ وﺻﻐﺎرك ﺑﻌﺪ ﻣﺠﻴﺌﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻞ،
ﻟﻬﻲ رﻣﺰ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ املﺴﺘﻘﺒﻠﺔ ،ﻫﻲ ﻋﻨﻮان ﺳﻌﺎدة اﻷﺟﻴﺎل اﻵﺗﻴﺔ ،واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻳﴫﻓﻬﺎ املﺜﺮي ﺑني اﻟﺨﺰاﺋﻦ ﻟﻬﻲ ﺣﻴﺎة دﻧﻴﺔ ﺗﺤﺎﻛﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﺪود ﰲ اﻟﻘﺒﻮر ،ﻫﻲ رﻣﺰ
اﻟﺨﻮف.
واﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ ﺗﺬرﻳﻬﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺤﺰﻳﻦ ،ﻫﻲ أﻋﺬب ﻣﻦ ﺿﺤﻚ املﺘﻨﺎﳼ ،وأﺣﲆ ﻣﻦ
ﻗﻬﻘﻬﺔ املﺴﺘﻬﺰئ ،ﺗﻠﻚ دﻣﻮع ﺗﻐﺴﻞ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ أدران اﻟﺒﻐﺾ ،وﺗﻌﻠﻢ ذارﻓﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎرك
ﻣﻨﻜﴪي اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺸﻮاﻋﺮة ،ﻫﻲ دﻣﻮع اﻟﻨﺎﴏي.
إن اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ زرﻋﺘﻬﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻔﻘري ،واﺳﺘﻐﻠﻬﺎ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻘﻮي ﺳﻮف ﺗﻌﻮد إﻟﻴﻚ؛ ﻷن
اﻷﺷﻴﺎء ﺗﺮﺟﻊ إﱃ ﻣﺼﺎدرﻫﺎ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،واﻷﳼ اﻟﺬي ﻋﺎﻧﻴﺘﻪ أﻳﻬﺎ اﻟﺤﺰﻳﻦ ،ﻳﻨﻘﻠﺐ
ﻓﺮﺣً ﺎ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺴﻤﺎء.
ﺳﻮف ﺗﺘﻌﻠﻢ اﻷﺟﻴﺎل اﻵﺗﻴﺔ املﺴﺎواة ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ ،واملﺤﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺰان.
104
ﺣﺪﻳﺚ اﳊﺐ
ﰲ ﺑﻴﺖ ﻣﻨﻔﺮد ﺟﻠﺲ ﻓﺘﻰ ﰲ ﺻﺒﺢ اﻟﺤﻴﺎة ﻳﻨﻈﺮ آﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة إﱃ اﻟﺴﻤﺎء املﺰداﻧﺔ
وآوﻧﺔ إﱃ رﺳﻢ ﺻﺒﻴﺔ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،رﺳﻢ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﺧﻄﻮﻃﻪ وأﻟﻮاﻧﻪ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ً ﺑﺎﻟﻜﻮاﻛﺐ،
ﻓﺘﻈﻬﺮ ﻋﻠﺘﻪ أﴎار ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺧﻔﺎﻳﺎ اﻷﺑﺪﻳﺔ ،ﺻﻮرة ﻣﻼﻣﺢ اﻣﺮأة ﺗﻨﺎﺟﻴﻪ ﺟﺎﻋﻠﺔ ﻋﻴﻨﻴﻪ
آذاﻧًﺎ ﺗﻔﻘﻪ ﻟﻐﺔ اﻷرواح اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ﰲ ﻓﻀﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،وﻣﺒﺘﺪﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﻠﻮﺑًﺎ أﻧﺎرﻫﺎ
اﻟﺤﺐ وأﻓﻌﻤﻬﺎ اﻟﺸﻮق.
ﻛﺬا ﻣﺮت ﺳﺎﻋﺔ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ دﻗﻴﻘﺔ أﺣﻼم ﻣﺴﺘﺤﺒﱠﺔ أو ﻋﺎم ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﻘﺎء ،ﺛﻢ وﺿﻊ
اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺮﺳﻢ أﻣﺎﻣﻪ وأﺧﺬ ﻗﻠﻤً ﺎ وورﻗﺔ وﻛﺘﺐ:
ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺔ ﻧﻔﴘ!
إن اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺑﴩي إﱃ آﺧﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ
ﺳﺒﻴﻼ ﺑني اﻟﻨﻔﻮس .وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ً اﻟﻜﻼم اﻟﺒﴩي املﺘﻌﺎرف ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺨﺘﺎر اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ
ﱠ َ
ﺑﺄن ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻫﺬا اﻟﻠﻴﻞ ﺗﺴﻌﻰ ﺑني ﻧﻔﺴﻴﻨﺎ ﺣﺎﻣﻠﺔ رﺳﺎﺋﻞ أ َرق ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ
ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻋﲆ وﺟﻪ املﺎء ﺗﺎﻟﻴﺔ ﻛﺘﺎب ﻗﻠﺒﻴﻨﺎ ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻴﻨﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺷﺎء ﷲ
وﺟﻌﻞ اﻟﻨﻔﻮس ﰲ أﴎ اﻷﺟﺴﺎم ﺷﺎء اﻟﺤﺐ وﺟﻌﻠﻨﻲ أﺳري اﻟﻜﻼم.
ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ إن اﻟﺤﺐ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎد ﻧﺎ ًرا آﻛﻠﺔ ،وأﻧﺎ وﺟﺪت أن ﺳﺎﻋﺔ
اﻟﻔﺮاق ﻟﻢ ﺗَ ْﻘ َﻮ ﻋﲆ ﻓﺼﻞ ذاﺗﻴﻨﺎ املﻌﻨﻮﻳﺘني ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻋﻨﺪ أول ﻟﻘﺎء أن ﻧﻔﴘ
ﺗﻌﺮﻓﻚ ﻣﻨﺬ دﻫﻮر ،وأن أول ﻧﻈﺮة إﻟﻴﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أول ﻧﻈﺮة.
ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ إن ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ ﻗﻠﺒﻴﻨﺎ املﻨﻔﻴني ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻠﻮي،
ﻫﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺗﺪﻋﻢ اﻋﺘﻘﺎدي ﺑﺄزﻟﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ وﺧﻠﻮدﻫﺎ ،ﰲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ
ﺗﻜﺸﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻘﻨﺎع ﻋﻦ وﺟﻪ ﻋﺪﻟﻬﺎ املﺘﻨﺎﻫﻲ واملﻈﻨﻮن ﺑﻪ ﻇﻠﻤً ﺎ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ْض ،ﺣﻴﺚ وﻗﻔﻨﺎ وﻛﻼﻧﺎ ﻧﺎﻇﺮ وﺟﻪ ﺣﺒﻴﺒﻪ؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ذاك اﻟ ﱠﺮو َ
وﻫﻞ ﺗﻌﻠﻤني أن ﻧﻈﺮاﺗﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل ﱄ إن ﻣﺤﺒﺘﻚ ﱄ ﻟﻢ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ اﻟﺸﻔﻘﺔ
ﻋﲇ؟ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮات اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ أن أﻗﻮل ﻟﺬاﺗﻲ وﻟﻠﻌﺎملني :إن اﻟﻌﻄﺎء اﻟﺬي
ﻳﻜﻮن ﻣﺼﺪره اﻟﻌﺪل ﻟﻬﻮ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺒﺘﺪئ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻨﺔ ،وإن املﺤﺒﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﺒﺘﺪﻋﻬﺎ اﻟﻈﺮوف ﺗﺸﺎﺑﻪ ﻣﻴﺎه املﺴﺘﻨﻘﻌﺎت.
أﻣﺎﻣﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﺣﻴﺎة أرﻳﺪﻫﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻈﻴﻤﺔ وﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﺣﻴﺎة ﺗﺆاﺧﻲ
ذﻛﺮى اﻹﻧﺴﺎن اﻵﺗﻲ وﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻋﺘﺒﺎره وﻣﺤﺒﺘﻪ ،ﺣﻴﺎة ﻗﺪ اﺑﺘﺪأت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻘﻴﺘﻚ
وأﻧﺎ واﺛﻖ ﺑﺨﻠﻮدﻫﺎ؛ ﻷﻧﻲ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﻜﻮﻧﻚ ﻗﺎدرة ﻋﲆ إﻇﻬﺎر اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ أودﻋﻨﻲ
ﻣﺘﺠﺴﻤﺔ ﺑﺄﻗﻮال وأﻋﻤﺎل ﻛﺒرية ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺴﺘﻨﺒﺖ اﻟﺸﻤﺲ أزﻫﺎر اﻟﺤﻘﻞ ﱢ ﷲ إﻳﺎﻫﺎ،
ﻄﻴ ِﱢﺐ ،وﻛﺬا ﺗﻈﻞ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﱄ وﻟﻸﺟﻴﺎل ،وﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﺰﻫﺔ ﻋﻦ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ف اﻟ ﱠ
ذات اﻟﻌَ ْﺮ ِ
ﻟﺘﻌﻤﻴﻤﻬﺎ ،وﻣﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﻋﻦ اﻻﺑﺘﺬال ﻟﺘﺨﺼﻴﺼﻬﺎ ﺑﻚ«.
وﻗﺎم اﻟﻔﺘﻰ وﻣﴙ ﺑﺘﻤﻬﻞ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ورأى اﻟﻘﻤﺮ ﻗﺪ ﻃﻠﻊ ﻣﻦ
وراء اﻷﻓﻖ وﻣﻸ اﻟﻔﻀﺎء أﺷﻌﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﻓﺮﺟﻊ وﻛﺘﺐ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ:
106
اﳊﻴﻮان اﻷﺑﻜﻢ
ﰲ ﻋﺸﻴﺔ ﻳﻮم ﺗﻐﻠﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﺗﺨﻴﻼﺗﻲ ﻋﲆ ﻋﺎﻗﻠﺘﻲ ﻣﺮرت ﺑﺄﻃﺮاف أﺣﻴﺎء املﺪﻳﻨﺔ ،ووﻗﻔﺖ
ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻪ ﺳﻮى أﺛﺮ ﻳﺨﱪ ﻋﻦ أﻣﺎم ﻣﻨﺰل ﻣﻬﺠﻮر ﺗﺪاﻋﺖ أرﻛﺎﻧﻪ وﺣﻄﻤﺖ دﻋﺎﺋﻤﻪ وﻟﻢ َ
ﻳﺘﻮﺳ ُﺪ اﻟﺮﻣﺎد وﻗﺪ ﻣﻸت اﻟﻘﺮوح ﺟﺴﻤﻪ
ﱠ ﻫﺠﺮ ﻃﻮﻳﻞ ،وﻳﺪل ﻋﲆ زوال ﻣﺤﺰن ،ﻓﺮأﻳﺖ ﻛﻠﺒًﺎ
اﻟﻀﻌﻴﻒ ،واﺳﺘﺤﻜﻤﺖ اﻟﻌﻠﻞ ﺑﻬﻴﻜﻠﻪ املﻬﺰول ،ﻓﺼﺎر ﻳﺮﻣﻖ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺠﺎﻧﺤﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮوب
ﺑﻌني وﺳﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺷﺒﺎح اﻟﺬل ،وﺑﺪت ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻘﻨﻮط واﻟﻴﺄس ،ﻓﻜﺄﻧﻪ درى أن
اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ أﺧﺬت ﺗﺴﱰﺟﻊ ﺣﺮارة أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ املﻬﺠﻮرة ،اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻷوﻻد
ﻣﻀﻄﻬﺪي اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻀﻌﻴﻒ ،ﻓﺼﺎر ﻳﺮﻣﻘﻬﺎ ﺑﻌني آﺳﻔﺔ ﻣﻮدﻋﺔ ،ﻓﺎﻗﱰﺑﺖ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﻣﻬﻞ،
ﻋﺮﻓﺖ اﻟﻨﻄﻖ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﻓﺄﻋﺰﻳﻪ ﰲ ﺷﺪاﺋﺪه ،وأﺑﺪي ﻟﻪ ﺷﻔﻘﺔ ﰲ ﺑﺆﺳﻪ ،وملﺎ دﻧﻮت ُ وادٍّا ﻟﻮ
ﱠ
ﻣﻨﻪ ﺧﺎﻓﻨﻲ وﺗﺤﺮك ﺑﺒﻘﺎﻳﺎ ﺣﻴﺎة ﻗﺎرﺑﺖ اﻻﻧﺤﻼل ،ﻣﺴﺘﻨﺠﺪًا ﺑﻘﻮاﺋﻢ ﺷﻠﺘﻬﺎ اﻟﻌﻠﺔ وراﻗﺒﻬﺎ
اﻟﻔﻨﺎء ،وإذ ﻟﻢ ﻳﻘ َﻮ ﻋﲆ اﻟﻨﻬﻮض ﻧﻈﺮ إﱄ ﱠ ﻧﻈﺮة ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮارة اﺳﱰﺣﺎم وﺣﻼوة اﺳﺘﻌﻄﺎف،
ﻧﻈﺮة ﻓﻴﻬﺎ اﻧﻌﻄﺎف وﻣﻼﻣﺔ ،ﻧﻈﺮة ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻘﺎم اﻟﻨﻄﻖ ﻓﻜﺎﻧﺖ أﻓﺼﺢ ﻣﻦ ﻟﺴﺎن اﻹﻧﺴﺎن،
وأﺑﻠﻎ ﻣﻦ دﻣﻮع املﺮأة.
وملﺎ ﺗﻼﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎي ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ اﻟﺤﺰﻳﻨﺘني ﺗﺤﺮﻛﺖ ﻋﻮاﻃﻔﻲ وﺗﻤﺎﻳﻠﺖ ﺗﺄﺛرياﺗﻲ ،ﻓﺠﺴﻤﺖ
ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮات واﺑﺘﺪﻋﺖ ﻟﻬﺎ أﺟﺴﺎدًا ﻣﻦ ﻛﻼم ﻣﺘﻌﺎرف ﺑني اﻟﺒﴩ ،ﻧﻈﺮات ﻣﻔﺎدﻫﺎ» :ﻛﻔﻰ
ﻣﺎ ﺑﻲ ﻳﺎ ﻫﺬا ،وﻛﻔﻰ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻴﺖ ﻣﻦ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﻨﺎس ،وﻣﺎ ﻗﺎﺳﻴﺖ ﻣﻦ أﻟﻢ اﻷﻣﺮاض ،اﻣﺾ
واﺗﺮﻛﻨﻲ وﺳﻜﻴﻨﺘﻲ أﺳﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺣﺮارة اﻟﺸﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﻘﺪ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻟﻢ اﺑﻦ
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
آدم وﻗﺴﻮﺗﻪ ،واﻟﺘﺠﺄت إﱃ رﻣﺎد أﻛﺜﺮ ﻧﻌﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ،واﺧﺘﺒﺄت ﺑني ﺧﺮاﺋﺐ أﻗﻞ وﺣﺸﺔ
ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،اذﻫﺐ ﻋﻨﻲ ﻓﻤﺎ أﻧﺖ إﻻ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن أرض ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﻧﺎﻗﺼﺔ اﻷﺣﻜﺎم ،ﺧﺎﻟﻴﺔ
ً
ﻣﺨﻠﺼﺎ ووﻓﻴٍّﺎ ،وﰲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل ،أﻧﺎ ﺣﻴﻮان ﺣﻘري ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺧﺪﻣﺖ اﺑﻦ آدم وﻛﻨﺖ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻪ
وﺟﺎﺳﻮﺳﺎ ،ﻛﻨﺖ ﴍﻳ ًﻜﺎ ﰲ أﺣﺰاﻧﻪ ،وﻣﻐﺒﻮ ً
ﻃﺎ ﰲ أﻓﺮاﺣﻪ ،ﻣﺘﺬﻛ ًﺮا أﻳﺎم ﺑﻌﺪه، ً ً
ﻣﱰﺑﺼﺎ رﻓﻘﺘﻪ
ﻣﱰﺣﺒًﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﺠﻴﺌﻪ ،وﻛﻨﺖ أﻛﺘﻔﻲ ﺑﻔﺘﺎت ﻣﺎﺋﺪﺗﻪ ،وأﺳﻌﺪ ﺑﻌﻈﻢ ﺣﺮده ﺑﺄﴐاﺳﻪ ،وﻟﻜﻦ
ملﺎ ﺷﺨﺖ وﻫﺮﻣﺖ وأﻧﺸﺒﺖ اﻷﻣﺮاض ﰲ ﺟﺴﻤﻲ أﻇﺎﻓﺮﻫﺎ ،ﻧﺒﺬﻧﻲ ،وأﺑﻌﺪﻧﻲ ﻋﻦ داره،
ﻄﺎ ﻟﺮﺣﺎل اﻷﻗﺪار ،أﻧﺎ ً
وﻫﺪﻓﺎ ﻟﻨﺒﺎل اﻟﻌﻠﻞ ،وﻣﺤ ٍّ ﱠ
وﺻريﻧﻲ ﻣﻠﻌﺒﺔ ﻟﺼﺒﻴﺎن اﻷزﻗﺔ اﻟﻘﺴﺎة،
ﻳﺎ اﺑﻦ آدم ﺣﻴﻮان ﺿﻌﻴﻒ ،وﻟﻜﻨﻲ وﺟﺪت ﻧﺴﺒﺔ ﻛﺎﺋﻨﺔ ﺑﻴﻨﻲ وﺑني اﻟﻜﺜريﻳﻦ ﻣﻦ إﺧﻮاﻧﻚ
اﻟﺒﴩ ،اﻟﺬﻳﻦ إذا ﻣﺎ ﺿﻌﻔﺖ ﻗﻮاﻫﻢ َﻗ ﱠﻞ رزﻗﻬﻢ وﺳﺎء ﺣﺎﻟﻬﻢ ،أﻧﺎ ﻣﺜﻞ ﺟﻨﻮد ﻳﺤﺎرﺑﻮن ﻋﻦ
اﻟﻮﻃﻦ ﰲ ﺷﺒﻴﺒﺘﻬﻢ ،وﻳﺴﺘﺜﻤﺮون اﻷرض ﰲ ﻛﻬﻮﻟﺘﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ﺟﺎء ﺷﺘﺎء اﻟﺤﻴﺎة َ
وﻗ ﱠﻞ
ﻧﻔﻌﻬﻢ ،أﺑﻌﺪوﻫﻢ وﻧﺴﻮﻫﻢ .أﻧﺎ ﻣﺜﻞ اﻣﺮأة ﺗﺠﻤﻠﺖ ﺻﺒﻴﱠﺔ ﻟﺘﻔﺮﻳﺞ ﻗﻠﺐ اﻟﺸﺒﻴﺒﺔ ،وﺳﻬﺮت
زوﺟﺔ ﰲ اﻟﻠﻴﺎﱄ ﻟﱰﺑﻴﺔ اﻷﻃﻔﺎل ،وﺗﻌﺒﺖ اﻣﺮأة ﻹﻳﺠﺎد رﺟﺎل املﺴﺘﻘﺒﻞ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﺷﺎﺧﺖ
وﻋﺠﺰت أﺻﺒﺤﺖ ﻧﺴﻴًﺎ ﻣﻨﺴﻴٍّﺎ ،وأﻣ ًﺮا ﻣﻜﺮوﻫﺎ ،آه ﻣﺎ أﻇﻠﻤﻚ ﻳﺎ اﺑﻦ آدم وﻣﺎ أﻗﺴﺎك!«.
ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮات ذﻟﻚ اﻟﺤﻴﻮان ﺗﺘﻜﻠﻢ ،وﻗﻠﺒﻲ ﻳﻔﻬﻢ ،وﻧﻔﴘ ﺗﱰاوح ﺑني ﺷﻔﻘﺘﻲ ﻋﻠﻴﻪ
وﺗﺼﻮراﺗﻲ ﺑﺄﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﺗﻲ ،وملﺎ أﻏﻤﺾ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﻢ أﺷﺄ إزﻋﺎﺟﻪ ﻓﺬﻫﺒﺖ.
108
اﻟﺴﻠﻢ
ﺳﻜﻨﺖ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻟﻮت اﻷﻏﺼﺎن وأﺣﻨﺖ اﻟﺰروع ،وﺑﺎﻧﺖ اﻟﻨﺠﻮم ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﱪق
املﺘﻜﴪة ﻋﲆ أدﻳﻢ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺳﻜﻨﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻮل ﻛﺄن ﺣﺮب اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ دﺧﻠﺖ اﻟﺼﺒﻴﺔ ﻣﺮﻗﺪﻫﺎ ،وﺟﺜﺖ ﻋﲆ ﴎﻳﺮﻫﺎ وﺑﻜﺖ ﺑﻜﺎءً ﻣ ٍّﺮا ،ﺛﻢ
ﺗﺼﺎﻋﺪت زﻓﺮاﺗﻬﺎ وﺗﺠﺴﻤﺖ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ اﻟﺤﺎرة ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎتُ » :ر ﱠد ُه إﱄ ﱠ ﻳﺎ رب ،ﻓﻘﺪ ﺟﻔﺖ
دﻣﻮﻋﻲ وذاﺑﺖ ﺣﺸﺎﺷﺘﻲ ،أرﺟﻌﻪ أﻳﻬﺎ اﻟﺮوح اﻟﻘﺎﴈ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺴﻤﻮ ﻋﻦ ﻧُﻬﻰ اﻹﻧﺴﺎن،
ﺼ ُﻪ ﻣﻦ ﺑني ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﺤﺮب املﺤﺪدة ،أﻧﻘﺬه ﻣﻦ ﻓﻘﺪ ﺟﻔﺎﻧﻲ اﻟﺘﺠﻠﺪ وﺗﺤ ﱠﻜﻢ ﺑﻲ اﻷﳻ ،ﺧ ﱢﻠ ْ
ﺿﻌﻴﻔﺎ ﺟﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻮة اﻟﻘﻮي ﻓﺴﻠﺒﻨﻲ إﻳﺎه ،ﺗﻐﻠﺒﻲ أﻳﺘﻬﺎ ً املﻮت اﻟﻘﺎﳼ ،وارﺣﻤﻪ ﻓﺘًﻰ
املﺤﺒﺔ ﻋﲆ ﻋﺪوﺗﻚ اﻟﺤﺮب ،أو ﺧﻠﴢ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻚ ،اﺑﺘﻌﺪ ﻋﻨﻪ أﻳﻬﺎ املﻮت ودﻋﻪ
ﻳﺮﻧﻲ أو ﺗﻌﺎ َل وﺧﺬﻧﻲ إﻟﻴﻪ«.
ً
أﺣﺮﻓﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ دﺧﻞ ﻓﺘﻰ ﺗﻀﻢ رأﺳﻪ ﻋﺼﺎﺋﺐ ﺑﻴﻀﺎء ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻬﻴﺠﺎء
ﻗﺮﻣﺰﻳﺔ ،واﻗﱰب ﻣﻦ اﻟﺼﺒﻴﺔ وﺣﻴﱠﺎﻫﺎ ﺑﺪﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ،ﺛﻢ أﺧﺬ ﻳﺪﻫﺎ ووﺿﻌﻬﺎ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻪ
املﻠﺘﻬﺒﺘني ،وﺑﺼﻮت ﺗﺄﻟﻔﺖ ﻓﻴﻪ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺤﺐ اﻟﺨﺎرج وﻣﻔﺎﻋﻴﻞ اﻟﻠﻘﺎء املﻔﺮح ﻗﺎل» :ﻻ
ﺗﺠﻔﲇ ﻓﻘﺪ أﺗﻰ ﻣﻦ ﺗﺒﻜني ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ،اﻓﺮﺣﻲ ﻓﻘﺪ أﻋﺎد إﻟﻴﻚ اﻟﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﴎﻗﻪ اﻟﺤﺮب،
وأرﺟﻊ إﻟﻴﻚ ﻓﺘﻰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺎ ﺳﻠﺒﻪ اﺑﻦ املﻄﺎﻣﻊ ،ﻛﻔﻜﻔﻲ اﻟﺪﻣﻊ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ واﺑﺘﺴﻤﻲ؛ ﻷن
ﻟﻠﺸﻌﻮب أﻳﻤﺔ ﺗﺮﺣﻢ ﻣﺘﻰ ﻋﻤﺖ ﻗﺴﺎوة أﻳﻤﺔ اﻟﺸﻌﻮب ،ﻻ ﺗﻌﺠﺒﻲ ﻣﻦ إﻳﺎﺑﻲ ﺣﻴٍّﺎ ،ﻓﻠﻠﺤﺐ
ﺧﻴﺎﻻ ﺟﺎء ﻣﻦ ً وﺳﻢ ﻳﺮاه املﻮت ﻓﻴﻨﴫف ،وﻳﺘﻮﺳﻤﻪ اﻟﻌﺪو ﻓﻴﻘﻬﻘﺮ .أﻧﺎ ﻫﻮ ،ﻓﻼ ﺗﺤﺴﺒﻴﻨﻲ
ﻣﺮﺗﻊ املﻨﺎﻳﺎ ﻟﻴﺰور ﻣﺮﺑﻌً ﺎ ﻳﺴﻜﻨﻪ ﺟﻤﺎﻟﻚ واﻟﺴﻜﻮن :ﻻ ﺗﺨﺎﰲ ﻓﺄﻧﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺳﻠﻤﺖ ﻣﻦ ﺑني
اﻷﺳﻨﺔ واﻟﻨﺎر ﻟﺘﺨﱪ اﻟﻨﺎس ﺑﻠﻐﺔ اﻟﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺤﺮب ،أﻧﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﻟﻔﻈﻬﺎ رﺟﻞ اﻟﺴﻠﻢ ﻟﺘﻜﻮن
ﺗﻮﻃﺌﺔ ﻟﺮواﻳﺔ ﺳﻌﺎدﺗﻚ«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
اﻧﻌﻘﺪ اﻟﻠﺴﺎن إذ ذاك وﻧﺎب اﻟﺪﻣﻊ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ،وﺣﺎﻣﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﴪور ﺣﻮل ذﻟﻚ
اﻟﻜﻮخ اﻟﺤﻘري واﺳﱰﺟﻊ اﻟﻘﻠﺒﺎن ﻣﺎ ﻓﻘﺪاه ﻋﻨﺪ اﻟﻮداع.
وملﺎ ﺟﺎء اﻟﺼﺒﺎح وﻗﻒ اﻻﺛﻨﺎن ﰲ وﺳﻂ اﻟﺤﻘﻞ ﻳﺘﺄﻣﻼن ﰲ ﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﺑﻌﺪ
ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻧﻈﺮ اﻟﺠﻨﺪي ﻧﺤﻮ املﴩق اﻷﻗﴡ وﻗﺎل ﻟﺤﺒﻴﺒﺘﻪ:
»اﻧﻈﺮي اﻟﺸﻤﺲ ﻃﺎﻟﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺔ«.
110
اﻟﺸﺎﻋﺮ
ﺣﻠﻘﺔ ﺗﻮﺻﻞ ﺑني ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻵﺗﻲ ،ﻣﻨﻬﻞ ﻋﺬب ﺗﺴﺘﻘﻲ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻌﺎﻃﺸﺔ ،ﺷﺠﺮة
ﻣﻐﺮوﺳﺔ ﻋﲆ ﺿﻔﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﺠﻤﺎل ذات ﺛﻤﺎر ﻳﺎﻧﻌﺔ ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺠﺎﺋﻌﺔ ،ﺑﻠﺒﻞ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﻋﲆ
ﻟﻄﻔﺎ ورﻗﺔ ،ﻏﻴﻤﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﺗﻈﻬﺮ ﺧﻂ أﻏﺼﺎن اﻟﻜﻼم وﻳﻨﺸﺪ أﻧﻐﺎﻣً ﺎ ﺗﻤﻸ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﺠﻮارح ً
اﻟﺸﻔﻖ ﺛﻢ ﺗﺘﻌﺎﻇﻢ وﺗﺘﺼﺎﻋﺪ وﺗﻤﻸ وﺟﻪ اﻟﺴﻤﺎء وﺗﻨﺴﻜﺐ ﻟﱰوي أزﻫﺎر ﺣﻘﻞ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻣﻠﻚ
ﺑﻌﺜﺘﻪ اﻵﻟﻬﺔ ﻟﻴﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس اﻹﻟﻬﻴﺎت ،ﻧﻮر ﺳﺎﻃﻊ ﻻ ﺗﻐﻠﺒﻪ ﻇﻠﻤﺔ وﻻ ﻳﺨﻔﻴﻪ ﻣﻜﻴﺎل ﻣﻸﺗﻪ
زﻳﺘًﺎ ﻋﺸﱰوت إﻟﻬﺔ اﻟﺤﺐ ،وأﺷﻌﻠﻪ أﺑﻮﻟﻮن إﻟﻪ املﻮﺳﻴﻘﻰ.
وﺣﻴﺪ ﻳﺮﺗﺪي اﻟﺒﺴﺎط وﻳﺘﻐﺬى اﻟﻠﻄﻒ ،وﻳﺠﻠﺲ ﻋﲆ أﺣﻀﺎن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻟﻴﺘﻌﻠﻢ اﻹﺑﺪاع،
وﻳﺴﻬﺮ ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻣﻨﺘﻈ ًﺮا ﻫﺒﻮط اﻟﺮوح ،ز ﱠراع ﻳﺒﺬر ﺣﺒﺎت ﻗﻠﺒﻪ ﰲ رﻳﺎض اﻟﺸﻮاﻋﺮ
ﻓﺘﻨﺒﺖ زرﻋً ﺎ ﺧﺼﻴﺒًﺎ ،ﺗﺴﺘﻐﻠﻪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﺗﺘﻐﺬى ﺑﻪ.
ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﺗﺠﻬﻠﻪ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﺗﻌﺮﻓﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻮدع ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻳﻌﻮد
إﱃ ﻣﻮﻃﻨﻪ اﻟﻌﻠﻮي ،ﻫﺬا اﻟﺬي ﻻ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ إﻻ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺻﻐرية ،واﻟﺬي ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ
أﻧﻔﺎﺳﻪ وﺗﻤﻸ اﻟﻔﻀﺎء أﺷﺒﺎﺣً ﺎ ﺣﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،واﻟﻨﺎس ﺗﺒﺨﻞ ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ واملﺄوى.
ﻓﺈﱃ ﻣﺘﻰ أﻳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ،إﱃ ﻣﺘﻰ أﻳﻬﺎ اﻟﻜﻮن ﺗﻘﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺮ ﺑﻴﻮﺗًﺎ ﻟﻸﱃ ﺟﺒﻠﻮا أدﻳﻢ
ض ِﺑﺘَﻬَ ﺎﻣ ٍُﻞ ﻋﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﺒﻮﻧﻚ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺳﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺳﻼﻣً ﺎ ووداﻋﺔ؟ اﻟﱰاب ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء وﺗُﻌْ ِﺮ ُ
رﺟﺎﻻ ﻳﺴﻜﺒﻮن ﻧﻮرً وﺣﺘﻰ َم ﺗﻌﻈﻢ اﻟﻘﺘﻠﺔ واﻟﺬﻳﻦ أﺣﻨﻮا اﻟﺮﻗﺎب ﺑﻨري اﻻﺳﺘﻌﺒﺎد ،وﺗﺘﻨﺎﳻ
اﻷﺣﺪاق ﰲ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﻴﻌﻠﻤﻮك أن ﺗﺮى ﺑﻬﺎء اﻟﻨﻬﺎر ،وﻳﴫﻓﻮن اﻟﻌﻤﺮ ﺑني ﻣﺨﺎﻟﺐ اﻟﺸﻘﺎء
ﻛﻲ ﻻ ﺗﻔﻮﺗﻚ ﻟﺬة اﻟﺴﻌﺎدة.
ﻗﴪا ﻋﻦ ﻗﺴﺎوة وأﻧﺘﻢ ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ﻳﺎ ﺣﻴﺎة ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة ،ﻗﺪ ﺗﻐﻠﺒﺘﻢ ﻋﲆ اﻷﺟﻴﺎل ً
اﻷﺟﻴﺎل ،وﻓﺰﺗﻢ ﺑﺈﻛﻠﻴﻞ اﻟﻐﺎر ﻏﺼﺒًﺎ ﻋﻦ أﺷﻮاق اﻟﻐﺮور ،وﻣﻠﻜﺘﻢ ﰲ اﻟﻘﻠﻮب وﻟﻴﺲ ملﻠﻜﻜﻢ
ﻧﻬﺎﻳﺔ واﻧﻘﻀﺎء ،ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء.
ﻳﻮم ﻣﻮﻟﺪي
ﻛﻨﺖ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ ٦ﻛﺎﻧﻮن اﻷول »دﻳﺴﻤﱪ« ﺳﻨﺔ ،١٩٠٨ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم وﻟﺪﺗﻨﻲ أﻣﻲ.
ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ،ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،وﺿﻌﺘﻨﻲ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﺑني أﻳﺪي ﻫﺬا
اﻟﻮﺟﻮد املﻤﻠﻮء ﺑﺎﻟﴫاخ واﻟﻨﺰاع واﻟﻌﺮاك.
ﺧﻤﺴﺎ وﻋﴩﻳﻦ ﻣﺮة ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ ،وﻻ أدري ﻛﻢ ﻣﺮة ﺳﺎر اﻟﻘﻤﺮ ﺣﻮﱄ، ً ﻫﺎ ﻗﺪ ﴎت
ﺧﻤﺴﺎ وﻋﴩﻳﻦ ﻣﺮة ً ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أدرك ﺑﻌﺪ أﴎار اﻟﻨﻮر ،وﻻ ﻋﺮﻓﺖ ﺧﻔﺎﻳﺎ اﻟﻈﻼم ،ﻗﺪ ﴎت
ﻣﻊ اﻷرض واﻟﻘﻤﺮ واﻟﺸﻤﺲ واﻟﻜﻮاﻛﺐ ﺣﻮل اﻟﻨﺎﻣﻮس اﻟﻜﲇ اﻷﻋﲆ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻮ ذا ﻧﻔﴘ
ﺗﻬﻤﺲ اﻵن أﺳﻤﺎء ذﻟﻚ اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺮﺟﻊ اﻟﻜﻬﻮف ﺻﺪى أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻬﻲ ﻛﺎﺋﻨﺔ
ﺑﻜﻴﺎﻧﻪ ،وﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ،وﺗﱰﻧﻢ ﺑﺄﻏﺎﻧﻲ ﻣَ ﱢﺪ ِه وﺟﺰره ،وﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ إدراﻛﻪ.
ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﺧﻄﺘﻨﻲ ﻳﺪ اﻟﺰﻣﺎن ﻛﻠﻤﺔ ﰲ ﻛﺘﺎب ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﺮﻳﺐ
اﻟﻬﺎﺋﻞ ،وﻫﺄﻧﺬا ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺒﻬﻤﺔ ،ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ املﻌﺎﻧﻲ ،ﺗﺮﻣﺰ ﺗﺎرة إﱃ ﻻ ﳾء ،و َ
ﻃ ْﻮ ًرا إﱃ أﺷﻴﺎء
ﻛﺜرية.
إن اﻟﺘﺄﻣﻼت واﻷﻓﻜﺎر واﻟﺘﺬﻛﺎرات ﺗﺘﺰاﺣﻢ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ،
وﺗﺘﻮﻗﻒ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻷﻳﺎم اﻟﻐﺎﺑﺮة ،وﺗﺮﻳﻨﻲ أﺷﺒﺎح اﻟﻠﻴﺎﱄ املﺎﺿﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺒﺪدﻫﺎ ﻛﻤﺎ
ﺗﺒﺪد اﻟﺮﻳﺎح ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻐﻴﻮم ﻓﻮق ﺧﻂ اﻟﺸﻔﻖ ،ﻓﺘﻀﻤﺤﻞ ﰲ زواﻳﺎ ﻏﺮﻓﺘﻲ اﺿﻤﺤﻼل أﻧﺎﺷﻴﺪ
اﻟﺴﻮاﻗﻲ ﰲ اﻷودﻳﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ.
ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ،ﺗﺠﻲء اﻷرواح اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺖ روﺣﻲ ﻣﱰاﻛﻀﺔ ﻧﺤﻮي
ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻃﺮاف اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﺤﻴﻂ ﺑﻲ ﻣﺮﺗﻠﺔ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺬﻛﺮى املﺤﺰﻧﺔ ،ﺛﻢ ﺗﱰاﺟﻊ ﻋﲆ ﻣﻬﻞ
وﺗﺨﺘﻔﻲ وراء املﺮﺋﻴﺎت ﻛﺄﻧﻬﺎ أﴎاب ﻣﻦ اﻟﻄري ﻫﺒﻄﺖ ﻋﲆ ﺑﻴﺪر ﻣﻬﺠﻮر ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪ ﺑﺬو ًرا
ﺗﻠﺘﻘﻄﻬﺎ ،ﻓﺮﻓﺮﻓﺖ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﺛﻢ ﻃﺎرت ﺳﺎﺑﺤﺔ إﱃ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﰲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﺗﻨﺘﺼﺐ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ اﻟﻌﺎﺑﺮة ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺮآة ﺿﺌﻴﻠﺔ ،أﻧﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ
ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻼ أرى ﺳﻮى أوﺟُ ﻪ اﻟﺴﻨني اﻟﺸﺎﺣﺒﺔ ﻛﺄوﺟﻪ اﻷﻣﻮات ،وﻣﻼﻣﺢ اﻵﻣﺎل واﻷﺣﻼم ً
واﻷﻣﺎﻧﻲ املﺘﺠﻌﺪة ﻛﻤﻼﻣﺢ اﻟﺸﻴﻮخ ،ﺛﻢ أﻏﻤﺾ ﻋﻴﻨﻲ وأﻧﻈﺮ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺮآة ﻓﻼ أرى
ﻏري وﺟﻬﻲ ،ﺛﻢ أﺣﺪق ﺑﻮﺟﻬﻲ ﻓﻼ أرى ﻓﻴﻪ ﻏري اﻟﻜﺂﺑﺔ ،ﺛﻢ أﺳﺘﻨﻄﻖ اﻟﻜﺂﺑﺔ ﻓﺄﺟﺪﻫﺎ ﺧﺮﺳﺎء
ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ ،وﻟﻮ ﺗﻜ ﱠﻠﻤﺖ اﻟﻜﺂﺑﺔ ﻟﻜﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ ﺣﻼوة ﻣﻦ اﻟﻐﺒﻄﺔ.
ﰲ اﻟﺨﻤﺲ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ اﻟﻐﺎﺑﺮة ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ ﻛﺜريًا ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ أﺣﺒﺒﺖ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻫﻪ
اﻟﻨﺎس وﻛﺮﻫﺖ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﺴﻨﻮﻧﻪ ،واﻟﺬي أﺣﺒﺒﺘﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺻﺒﻴٍّﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ أﺣﺒﻪ اﻵن ،واﻟﺬي
أﺣﺒﻪ اﻵن ﺳﺄﺣﺒﻪ إﱃ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺎملﺤﺒﺔ ﻫﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﻳﻘﺪر
أﺣﺪ أن ﻳﻔﻘﺪﻧﻲ إﻳﺎﻫﺎ.
ﴎا وﻋﻠﻨًﺎ ،وﻟﱧ
ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ املﻮت ﻣﺮات ﻋﺪﻳﺪة ،ﻓﺪﻋﻮﺗﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻋﺬﺑﺔ أﺗﺸﺒﱠﺐ ﺑﻪ ٍّ
ﻟﻢ أرﺳﻞ املﻮت وﻻ ﻧﻘﻀﺖ ﻟﻪ ﻋﻬﺪًا ﻓﺈﻧﻨﻲ ﴏت أﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة ً
أﻳﻀﺎ ،ﻓﺎملﻮت واﻟﺤﻴﺎة
ﻗﺪ ﺗﺴﺎوﻳﺎ ﻋﻨﺪي ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل ،وﺗﻀﺎرﻋً ﺎ ﺑﺎﻟﻠﺬة ،وﺗﺸﺎرﻛﺎ ﺑﺈﻧﻤﺎء ﺷﻮﻗﻲ وﺣﻨﻴﻨﻲ ،وﺗﺴﺎﻫﻤﺎ
ﻣﺤﺒﺘﻲ واﻧﻌﻄﺎﰲ.
وﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﺗﻨﻤﻮ ﺑﻨﻤﻮ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺠﻮر
واﻟﻬﻮان ،وﺗﺘﺴﻊ ﺑﺎﺗﺴﺎع إدراﻛﻲ ﺧﻀﻮﻋﻬﻢ ﻟﻸﺻﻨﺎم املﺨﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﺘﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل املﻈﻠﻤﺔ،
وﻧﺼﺒﺘﻬﺎ اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ املﺴﺘﻤﺮة ،وﻧﻌﻤﺖ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﻣﻼﻣﺲ ﺷﻔﺎه اﻟﻌﺒﻴﺪ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﺐ
ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺒﻴﺪ ﺑﻤﺤﺒﺘﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،وأﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ ﻋﻤﻴﺎن ﻳﻘﺒﻠﻮن أﺣﻨﺎك اﻟﻀﻮاري
اﻟﺪاﻣﻴﺔ وﻻ ﻳﺒﴫون ،وﻳﻤﺘﺼﻮن ﻟﻬﺎث اﻷﻓﺎﻋﻲ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ وﻻ ﻳﺸﻌﺮون ،وﻳﺤﻔﺮون ﻗﺒﻮرﻫﻢ
ﺑﺄﻇﺎﻓﺮﻫﻢ وﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ،ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ اﻟﺤﺮﻳﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﳾء ﻷﻧﻨﻲ وﺟﺪﺗﻬﺎ ﻓﺘﺎة ﻗﺪ
ً
ﺷﻔﺎﻓﺎ ﻳﻤﺮ ﺑني املﻨﺎزل ،وﻳﻘﻒ ﰲ ً
ﺧﻴﺎﻻ أﺿﻨﺎﻫﺎ اﻻﻧﻔﺮاد ،وأﻧﺤﻠﻬﺎ اﻻﻋﺘﺰال ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت
ﻣﻨﻌﻄﻔﺎت اﻟﺸﻮارع ،وﻳﻨﺎدي ﻋﺎﺑﺮي اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻌﻮن وﻻ ﻳﻠﺘﻔﺘﻮن.
وﰲ اﻟﺨﻤﺲ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﴩ ،ﻓﻜﻨﺖ أﺳﺘﻴﻘﻆ
ﻛﻞ ﻳﻮم وأﻃﻠﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﺒﻮﻧﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪﻫﺎ ﻗﻂ ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻬﻢ ،وﻻ رأﻳﺖ أﺛﺮ أﻗﺪاﻣﻬﺎ
ﻋﲆ اﻟﺮﻣﺎل املﺤﻴﻂ ﺑﻘﺼﻮرﻫﻢ ،وﻻ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﺪى ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺧﺎرﺟً ﺎ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ ﻫﻴﺎﻛﻠﻬﻢ،
وملﺎ اﻧﻔﺮدت ﺑﻄﻠﺒﻬﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻧﻔﴘ ﺗﻬﻤﺲ ﰲ أذﻧﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ» :اﻟﺴﻌﺎدة ﺻﺒﻴﺔ ﺗﻮﻟﺪ وﺗﺤﻴﺎ ﰲ
أﻋﻤﺎق اﻟﻘﻠﺐ ،وﻟﻦ ﺗﺠﻲء إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﻴﻄﻪ« ،وملﺎ ﻓﺘﺤﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻜﻲ أرى اﻟﺴﻌﺎدة وﺟﺪت
ﻫﻨﺎك ﻣﺮآﺗﻬﺎ وﴎﻳﺮﻫﺎ وﻣﻼﺑﺴﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪﻫﺎ.
114
ﻳﻮم ﻣﻮﻟﺪي
وﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ اﻟﻨﺎس — أﺣﺒﺒﺘﻬﻢ ﻛﺜريًا — واﻟﻨﺎس ﰲ ﴍﻋﻲ ﺛﻼﺛﺔ :واﺣﺪ ﻳﻠﻌﻦ اﻟﺤﻴﺎة،
وواﺣﺪ ﻳﺒﺎرﻛﻬﺎ ،وواﺣﺪ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ أﺣﺒﺒﺖ اﻷول ﻟﺘﻌﺎﺳﺘﻪ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﺴﻤﺎﺣﺘﻪ ،واﻟﺜﺎﻟﺚ
ملﺪارﻛﻪ.
ﻫﻜﺬا اﻧﻘﻀﺖ اﻟﺨﻤﺲ واﻟﻌﴩون ﺳﻨﺔ ،وﻫﻜﺬا ذﻫﺒﺖ أﻳﺎﻣﻲ وﻟﻴﺎﱄ ﱠ ﻣﺘﺴﺎرﻋﺔ،
ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ،ﻣﺘﺴﺎﻗﻄﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎﺛﺮ أوراق اﻟﺸﺠﺮ أﻣﺎم رﻳﺎح اﻟﺨﺮﻳﻒ.
واﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﻣﺘﺬﻛ ًﺮا وﻗﻮف ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺘﻌﺐ ﺑﻠﻎ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻌﻘﺒﺔ ،أﻧﻈﺮ إﱃ ﻛﻞ
ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻓﻼ أرى ملﺎﴈ ﺣﻴﺎﺗﻲ أﺛ ًﺮا أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أوﻣﺊ إﻟﻴﻪ أﻣﺎم وﺟﻪ اﻟﺸﻤﺲ ً
ﻗﺎﺋﻼ :ﻫﺬا ﱄ.
وﻻ أﺟﺪ ﻟﻔﺼﻮل أﻋﻮاﻣﻲ ﻏﻠﺔ ﺳﻮى أوراق ﻣﺨﻀﺒﺔ ﺑﻘﻄﺮات اﻟﺤﱪ اﻟﺴﻮداء ،ورﺳﻮم ﻏﺮﻳﺒﺔ
ﻃﺎ وأﻟﻮاﻧًﺎ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ،ﰲ ﻫﺬه اﻷوراق املﻨﺜﻮرة ،واﻟﺮﺳﻮم ﻣﺒﻌﺜﺮة ﻣﻤﻠﻮءة ﺧﻄﻮ ً
املﺒﻌﺜﺮة ،ﻗﺪ ﻛﻔﻨﺖ ودﻓﻨﺖ ﻋﻮاﻃﻔﻲ وأﻓﻜﺎري وأﺣﻼﻣﻲ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺪﻓﻦ اﻟ ﱠﺰ ﱠرا ُع اﻟﺒﺬور ﰲ ﺑﻄﻦ
اﻷرض ،وﻟﻜﻦ اﻟﺰارع اﻟﺬي ﻳﺨﺮج إﱃ اﻟﺤﻘﻞ وﻳﻠﻘﻲ اﻟﺒﺬور ﺑني ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﱰاب ،ﻳﻌﻮد إﱃ
آﻣﻼ راﺟﻴًﺎ ﻣﻨﺘﻈ ًﺮا أﻳﺎم اﻟﺤﺼﺎد واﻻﺳﺘﻐﻼل ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻃﺮﺣﺖ ﺣﺒﺎت ﺑﻴﺘﻪ ﰲ املﺴﺎء ً
ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻼ أﻣﻞ ،وﻻ رﺟﺎء ،وﻻ اﻧﺘﻈﺎر.
واﻵن وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻫﺬه املﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،ﻓﱰاءى ﱄ املﺎﴈ ﻣﻦ وراء ﺿﺒﺎب اﻟﺘﻨﻬﻴﺪ
واﻷﳻ ،وﺑﺎن ﻟﻨﺎﻇﺮي املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ وراء ﻧﻘﺎب املﺎﴈ ،أﻗﻒ وأﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﻮﺟﻮد ﻣﻦ
ﺧﻼل ﺑﻠﻮر ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ،وأرى وﺟﻮه اﻟﻨﺎس وأﺳﻤﻊ أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﻣﺘﺼﺎﻋﺪة إﱃ اﻟﻔﻀﺎء ،وأﻋﻲ
وﻗﻊ أﻗﺪاﻣﻬﻢ ﺑني املﻨﺎزل ،وأﺷﻌﺮ ﺑﻤﻼﻣﺲ أرواﺣﻬﻢ وﺗﻤﻮﱡﺟﺎت أﻣﻴﺎﻟﻬﻢ وﻧﺒﻀﺎت ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ،
أﻧﻈﺮ ﻓﺄرى اﻷﻃﻔﺎل ﻳﻠﻌﺒﻮن وﻳﺬرون اﻟﱰاب ﺑﻌﻀﻬﻢ ﰲ وﺟﻮه ﺑﻌﺾ ﺿﺎﺣﻜني ﻣﻘﻬﻘﻬني،
وأرى اﻟﻔﺘﻴﺎن ﻳﺴريون ﺑﻌﺰم راﻓﻌني رءوﺳﻬﻢ ،ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﻘﺮأون ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ
ﺑني ﺣﻮاﳾ اﻟﻐﻴﻮم املﺒﻄﻨﺔ ﺑﺄﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،وأرى اﻟﺼﺒﺎﻳﺎ ﻳﺨﻄﺮن وﻳﻨﺜﻨني ﻛﺎﻷﻏﺼﺎن،
وﻳﺒﺘﺴﻤﻦ ﻛﺎﻷزﻫﺎر ،وﻳﻨﻈﺮن إﱃ اﻟﻔﺘﻴﺎن ﻣﻦ وراء ﺟﻔﻮن ﺗﺮﺗﻌﺶ ﺑﺎملﻴﻞ واﻻﻧﻌﻄﺎف ،وأرى
اﻟﺸﻴﻮخ ﻳﻤﺸﻮن ﻋﲆ ﻣﻬﻞ ﻣﺤﺪودﺑﻲ اﻟﻈﻬﻮر ،ﻣﺘﻮﻛﺌني ﻋﲆ اﻟﻌﴢ ،ﻣﺤﺪﻗني ﺑﺎﻷرض،
ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﺒﺤﺜﻮن ﺑني دﻗﺎﺋﻖ اﻟﱰاب ﻋﻦ ﺟﻮاﻫﺮ أﺿﺎﻋﻮﻫﺎ ،أﻗﻒ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ وأﻧﻈﺮ
ﻣﺘﺄﻣﻼ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﺼﻮر واﻷﺷﺒﺎح اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﺑﻤﺴريﻫﺎ ،املﺘﻄﺎﻳﺮة ﺑﺪﺑﻴﺒﻬﺎ ﰲ ﺷﻮارع ً
ﻣﺘﺄﻣﻼ ﺑﻤﺎ وراء املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄرى ا ْﻟ َﱪﱢﻳ َﱠﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل
ً املﺪﻳﻨﺔ وأزﻗﺘﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻧﻈﺮ
اﻟﺮﻫﻴﺐ ،واﻟﺴﻜﻴﻨﺔ املﺘﻜﻠﻤﺔ ،واﻟﺘﻠﻮل اﻟﺒﺎﺳﻘﺔ ،واﻷودﻳﺔ املﻨﺨﻔﻀﺔ ،واﻷﺷﺠﺎر اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ،
واﻷﻋﺸﺎب املﺘﻤﺎﻳﻠﺔ ،واﻷزﻫﺎر املﻌﻄﺮة ،واﻷﻧﻬﺎر املﱰﻧﻤﺔ ،واﻷﻃﻴﺎر املﻐﺮدة ،ﺛﻢ أﻧﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ
وراء اﻟﱪﻳﺔ ﻓﺄرى اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﰲ أﻋﻤﺎﻗﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺐ واﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ،واملﺪاﻓﻦ واﻷﴎار،
115
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
116
اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺴﻮع واﳊﺐ اﻟﻄﻔﻞ
ﻛﻨﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ وﺣﻴﺪًا ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺣﺪة ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻛﺎملﻮت ،وﻛﻨﺖ ﻣﻨﻔﺮدًا
ﻛﺎﻟﺰﻫﺮة اﻟﻨﺎﺑﺘﺔ ﰲ ﻇﻞ اﻟﺼﺨﻮر املﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﺸﻌﺮ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻮﺟﻮدي ،وﻻ أﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﻜﻴﺎن
اﻟﺤﻴﺎة ،واﻟﻴﻮم ﻗﺪ اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻧﻔﴘ ورأﺗﻚ ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ ﺑﻘﺮﺑﻬﺎ ،ﻓﺘﻬﻴﺒﺖ وﺗﻬﻠﻠﺖ ،ﺛﻢ ﺳﺠﺪت
أﻣﺎﻣﻚ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ اﻟﺮاﻋﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ رأى اﻟﻌﻠﻴﻘﺔ ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﻼﻣﺲ اﻟﻬﻮاء ﺧﺸﻨﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،وأﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺿﻌﻴﻔﺔ ،وﻛﺎن
اﻟﻀﺒﺎب ﻳﺴﱰ وﺟﻪ اﻷرض ،وﺿﺠﻴﺞ أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ ﻳﺸﺎﺑﻪ اﻟﺮﻋﻮد اﻟﻘﺎﺻﻔﺔ ،وﻛﻨﺖ ﱠ
أﺗﻠﻔﺖ
إﱃ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻓﻼ أرى ﻏري ذاﺗﻲ املﺘﻮﺟﻌﺔ واﻗﻔﺔ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ،وﺧﻴﺎﻻت اﻟﻈﻠﻤﺔ ﺗﻬﺒﻂ وﺗﺘﺼﺎﻋﺪ
ﻒ اﻟﻬﻮاء ،وﻏﻤﺮ اﻟﻨﻮر اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺳﻜﻨﺖ اﻷﻣﻮاج، ﺣﻮﱄ ﻛﺎﻟﻐﺮﺑﺎن اﻟﺠﺎﺋﻌﺔ ،واﻟﻴﻮم ﻗﺪ َﺧ ﱠ
واﻧﻘﺸﻌﺖ اﻟﻐﻴﻮم ،ﻓﻜﻴﻔﻤﺎ ﻧﻈﺮت أراك وأرى أﴎار اﻟﺤﻴﺎة ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻚ ﻛﺎﻟﻬﺎﻻت اﻟﺘﻲ
ﻳﺤﺪﺛﻬﺎ ﺟﺴﻢ اﻟﻌﺼﻔﻮر ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺒﺤرية اﻟﻬﺎدﺋﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﻤﱠ ﻢ ﺑﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﻬﺎدئ.
ﻛﻨﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﻠﻤﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﰲ ﺧﺎﻃﺮ اﻟﻠﻴﺎﱄ ،ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ أﻏﻨﻴﺔ ﻣﻔﺮﺣﺔ ﻋﲆ أﻟﺴﻦ اﻷﻳﺎم،
وﻗﺪ ﺗَ ﱠﻢ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﰲ دﻗﻴﻘﺔ واﺣﺪة ﻣﺆ ﱠﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﻧﻈﺮة وﻛﻠﻤﺔ ،وﺗﻨﻬﺪة وﻗﺒﻠﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻳﺎ
ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ ﺑني اﺳﺘﻌﺪادات ﻧﻔﴘ اﻟﻐﺎﺑﺮة وأﻣﺎﻧﻴﱢﻬﺎ اﻵﺗﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﺎﻟﻮردة اﻟﺒﻴﻀﺎء
اﻟﺨﺎرﺟﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻷرض املﻈﻠﻢ إﱃ ﻧﻮر اﻟﻨﻬﺎر ،ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ
ﻣﻴﻼد ﻳﺴﻮع ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﺟﻴﺎل؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻠﻮءة روﺣً ﺎ وﻃﻬ ًﺮا وﻣﺤﺒﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻈﻠﻤﺔ
ﰲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﺷﻌﺎﻋً ﺎ ،واﻟﻜﺂﺑﺔ ﻣﺮﺣً ﺎ ،واﻟﺸﻘﺎء ﺳﻌﺎدة.
إن ﺷﻌﻼت املﺤﺒﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﺗﻬﺒﻂ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﺘﻤﻮﺟﺔ ﺑﺼﻮر ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ،وأﺷﻜﺎل
ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻓﻌﻠﻬﺎ وﺗﺄﺛريﻫﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ واﺣﺪ! ﻓﺎﻟﺸﻌﻠﺔ اﻟﺼﻐرية ﺗﻨري ﺧﻼﻳﺎ ﻗﻠﺐ
اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻔﺮد ،ﻫﻲ ﻛﺎﻟﺸﻌﻠﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ املﺸﻌﺸﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ اﻷﻋﺎﱄ وﺗﻨري ﻇﻠﻤﺎت
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
118
اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺴﻮع واﻟﺤﺐ اﻟﻄﻔﻞ
أوَﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻮاﻃﻔﻲ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﺄﺳﺒﺎط إﴎاﺋﻴﻞ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ؟ أﻣﺎ ﺗﺮﻗﺒﺖ ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ
ُﺨ ﱢﻠ ٍﺺ ﻳﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻷﻳﺎم وﻣﺘﺎﻋﺒﻬﺎ؟ أﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﻛﺎﻷﻣﻢ اﻟﻐﺎﺑﺮة ﺑﺎملﺠﺎﻋﺔ ﻣﺠﻲء ﻣ َ
اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ؟ أﻣﺎ ﴎت ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﺜﻞ ﺻﺒﻲ ﺿﺎﺋﻊ ﺑني اﻷﺣﻴﺎء املﻬﺠﻮرة؟
أوَﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻧﻔﴘ ﻛﺎﻟﻨﻮاة املﻄﺮوﺣﺔ ﻋﲆ اﻟﺼﺨﺮ ﻻ اﻟﻄري ﻳﻠﺘﻘﻄﻬﺎ ﻓﻴﻤﻴﺘﻬﺎ ،وﻻ اﻟﻌﻨﺎﴏ
ﺗﺸﻘﻬﺎ ﻓﺘﺤﻴﻴﻬﺎ.
ﻗﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﻼﻣﻲ ﺗﺪب ﰲ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻈﻠﻤﺔ
وﺗﺨﺎف اﻻﻗﱰاب ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻴﺄس ﻳﻠﻮي أﺿﻠﻌﻲ واﻟﻀﺠﺮ ﻳﻘﻮﱢﻣﻬﺎ.
ﻓﻔﻲ ﻟﻴﻠﺔ واﺣﺪة ،ﺑﻞ ﰲ ﺳﺎﻋﺔ واﺣﺪة ،ﺑﻞ ﰲ ملﺤﺔ واﺣﺪة ﺗﺘﻨﺤﻰ ﻋﻦ ِﺳﻨِﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ
ﻷﻧﻬﺎ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ِﺳﻨِﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ،ﻫﺒﻂ اﻟﺮوح ﻣﻦ وﺳﻂ داﺋﺮة اﻟﻨﻮر اﻷﻋﲆ ،وﻧﻈﺮ إﱄ ﱠ ﻣﻦ وراء
ﻋﻴﻨﻴﻚ ،وﺗﻜﻠﻢ ﻣﻌﻲ ﺑﻠﺴﺎﻧﻚ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮة وﻫﺎﺗﻴﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻧﺒﺜﻖ اﻟﺤﺐ وﺣ ﱠﻞ ﰲ أﻋﺸﺎر
ﻒﻗﻠﺒﻲ ،ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﰲ ﻫﺬا املﺬود املﻨﺰوي ﰲ ﺻﺪري ،ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﺠﻤﻴﻞ ا ْﻟ ُﻤ ْﻠﺘَ ﱡ
ﺑﺄﻗﻤﻄﺔ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،ﻫﺬا اﻟﺮﺿﻴﻊ اﻟﻠﻄﻴﻒ املﺘﻜﺊ ﻋﲆ ﺻﺪر اﻟﻨﻔﺲ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﻷﺣﺰان ﰲ ِ
ﺑﺎﻃﻨﻲ ﻣﴪة ،واﻟﻴﺄس ﻣﺠﺪًا ،واﻟﻮﺣﺪة ﻧﻌﻴﻤً ﺎ ،ﻫﺬا املﻠﻚ املﺘﻌﺎﱄ ﻓﻮق ﻋﺮش اﻟﺬات املﻌﻨﻮﻳﺔ،
ﻗﺪ أﻋﺎد ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻷﻳﱠﺎﻣﻲ املﻴﺘﺔ ،وأرﺟﻊ ﺑﻤﻼﻣﺴﻪ اﻟﻨﻮر إﱃ أﺟﻔﺎﻧﻲ املﻘﺮﺣﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع،
واﻧﺘﺸﻞ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ آﻣﺎﱄ ﻣﻦ ﻟُﺠﱠ ِﺔ اﻟﻘﻨﻮط.
ﻟﻴﻼ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻓﺼﺎر ﻓﺠ ًﺮا ،وﺳﻴﺼري ﻧﻬﺎ ًرا ﻷن أﻧﻔﺎس اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺴﻮع ﻛﺎن ﻛﻞ اﻟﺰﻣﻦ ً
ﻗﺪ ﺗﺨ ﱠﻠﻠﺖ دﻗﺎﺋﻖ اﻟﻔﻀﺎء وﻣﺎزﺟﺖ ﺛﺎﻧﻮﻳﺎت اﻷﺛري ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺣﺰﻧًﺎ ﻓﺼﺎرت ﻓﺮﺣً ﺎ
ﺿﻤﱠ ﺘَﺎ ﻗﻠﺒﻲ وﻋﺎﻧﻘﺘﺎ ﻧﻔﴘ.
وﺳﺘﺼري ﻏﺒﻄﺔ؛ ﻷن ذراﻋﻲ اﻟﻄﻔﻞ ﻗﺪ َ
119
ﻣﻨﺎﺟﺎة أرواح
اﺳﺘﻴﻘﻈﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،اﺳﺘﻴﻘﻈﻲ ﻷن روﺣﻲ ﺗﻨﺎدﻳﻚ ﻣﻦ وراء اﻟﺒﺤﺎر اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،وﻧﻔﴘ ﺗﻤﺪ
ﺟﻨﺤﻴﻬﺎ ﻧﺤﻮك ﻓﻮق اﻷﻣﻮاج املﺰﺑﺪة اﻟﻐﻀﻮﺑﺔ ،اﺳﺘﻴﻘﻈﻲ ﻓﻘﺪ ﺳﻜﻨﺖ اﻟﺤﺮﻳﺔ ،وأوﻗﻒ
اﻟﻬﺪوء ﺿﺠﺔ ﺳﻨﺎﺑﻚ اﻟﺨﻴﻞ ووﻗﻊ أﻗﺪام اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ،وﻋﺎﻧﻖ اﻟﻨﻮم أرواح اﻟﺒﴩ ﻓﺒﻘﻴﺖ
وﺣﺪي ﻣﺴﺘﻴﻘ ً
ﻈﺎ ﻷن اﻟﺸﻮق ﻳﻨﺘﺸﻠﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎ أﻏﺮﻗﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ،واملﺤﺒﺔ ﺗﺪﻧﻴﻨﻲ إﻟﻴﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ
اﻟﺴﻠُ ﱢﻮ املﺨﺘﺒﺌﺔ ﺑني ﺗﻘﺼﻴﻨﻲ اﻟﻬﻮاﺟﺲ ،ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻣﻀﺠﻌﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻻت ﱡ
ﻃﻴﺎت اﻟﻠﺤﻒ ،ورﻣﻴﺖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﻷن ﺗَﺄَوﱡﻫِ ﻲ ﻗﺪ أﺑﺎد اﻟﺴﻄﻮر ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎﺗﻪ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺧﺎﻟﻴﺔ
ﺑﻴﻀﺎء أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻲ ،اﺳﺘﻴﻘﻈﻲ! اﺳﺘﻴﻘﻈﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ واﺳﻤﻌﻴﻨﻲ!
ﻫﺄﻧﺬا ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻧﺪاءك ﻣﻦ وراء اﻟﺒﺤﺎر ،وﺷﻌﺮت ﺑﻤﻼﻣﺲ ﺟﻨﺎﺣﻴﻚ
ﻓﺎﻧﺘﺒﻬﺖ وﺗﺮﻛﺖ ﻣﺨﺪﻋﻲ وﴎت ﻋﲆ اﻷﻋﺸﺎب ﻓﺘﺒﻠﻠﺖ ﻗﺪﻣﺎي وأﻃﺮاف ﺛﻮﺑﻲ ﻣﻦ ﻧﺪى
اﻟﻠﻴﻞ ،ﻫﺎ أﻧﺎ واﻗﻔﺔ ﺗﺤﺖ أﻏﺼﺎن اﻟﻠﻮز املﺰﻫﺮة أﺳﻤﻊ ﻧﺪاء ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ!
ﺗﻜﻠﻤﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ،ودﻋﻲ أﻧﻔﺎﺳﻚ ﺗﺴﻴﻞ ﻣﻊ اﻟﻬﻮاء اﻟﻘﺎدم ﻧﺤﻮي ﻣﻦ أودﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎن،
ﺗﻜﻠﻤﻲ ﻓﻼ ﺳﺎﻣﻊ ﻏريي؛ ﻷن اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻗﺪ دﺣﺮت ﺟﻤﻴﻊ املﺨﻠﻮﻗﺎت إﱃ أوﻛﺎرﻫﺎ ،واﻟﻨﻌﺎس
أﺳﻜﺮ ﺳﻜﺎن املﺪﻳﻨﺔ ،وﺑﻘﻴﺖ وﺣﺪي ﺻﺎﺣﻴًﺎ.
ﻗﺪ ﻧﺴﺠﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﻧﻘﺎﺑًﺎ ﻣﻦ أﺷﻌﺔ اﻟﻘﻤﺮ وأﻟﻘﺘﻪ ﻋﲆ ﺟﺴﺪ ﻟﺒﻨﺎن ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ!
ً
ﻛﺜﻴﻔﺎ ﻣﺒﻄﻨًﺎ ﺑﺪﺧﺎن املﻌﺎﻣﻞ وأﻧﻔﺎس املﻮت، ﻗﺪ ﺣﺎﻛﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﻠﻴﻞ رداء
وﺳﱰت ﺑﻪ أﺿﻠﻊ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ!
ﻗﺪ رﻗﺪ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮى ﰲ أﻛﻮاﺧﻬﻢ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑني أﺷﺠﺎر اﻟﺠﻮز واﻟﺼﻔﺼﺎف ،وﺗﺴﺎﺑﻘﺖ
ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﻣﺮاﺳﺢ اﻷﺣﻼم ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻗﺪ أﻧﺎﺧﺖ أﺣﻤﺎل اﻟﺬﻫﺐ ﻗﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩ ،وأوﻫﻨﺖ ﻋﻘﺒﺎت املﻄﺎﻣﻊ رﻛﺒﻬﻢ ،وأﺛﻘﻠﺖ
املﺘﺎﻋﺐ أﺟﻔﺎﻧﻬﻢ ﻓﺎرﺗﻤﻮا ﻋﲆ اﻟﻔﺮش ،وأﺷﺒﺎح اﻟﺨﻮف واﻟﻘﻨﻮط ﺗﻌﺬب ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ!
ﻗﺪ ﴎت ﰲ اﻷودﻳﺔ ﺧﻴﺎﻻت اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻐﺎﺑﺮة ،وﺣﺎﻣﺖ ﻋﲆ اﻟﺮواﺑﻲ أرواح املﻠﻮك واﻷﻧﺒﻴﺎء،
ﻓﺎﻧﺜﻨﺖ ﻓﻜﺮﺗﻲ ﻧﺤﻮ ﻣﺴﺎرح اﻟﺬﻛﺮى وأرﺗﻨﻲ ﻋﻈﺎﺋﻢ اﻟﻜﻠﺪاﻧﻴني وﻓﺨﺎﻣﺔ اﻵﺷﻮرﻳني وﻧﺒﺎﻟﺔ
اﻟﻌﺮب.
ﻗﺪ ﴎت ﰲ اﻷزﻗﺔ أرواح اﻟﻠﺼﻮص اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ،وﻇﻬﺮت ﻣﻦ ﺑني ﺷﻘﻮق اﻟﻨﻮاﻓﺬ رءوس
أﻓﺎﻋﻲ اﻟﺸﻬﻮات ،وﺟﺮت ﰲ ﻣﻨﻌﻄﻔﺎت اﻟﺸﻮارع أﻧﻔﺎس اﻷﻣﺮاض ﻣﻤﺰوﺟﺔ ﺑﻠﻬﺎث املﻨﺎﻳﺎ،
ﻓﺄزاﺣﺖ اﻟﺬﻛﺮى ﺳﺘﺎﺋﺮ اﻟﻨﺴﻴﺎن ،وأرﺗﻨﻲ ﻣﻜﺎره ﺻﺎدوم وآﺛﺎم ﻋﺎﻣﻮرة.
ﻗﺪ ﺗﻤﺎﻳﻠﺖ اﻷﻏﺼﺎن ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ،وﺗﺤﺎﻟﻒ ﺣﻔﻴﻔﻬﺎ ﻣﻊ ﺧﺮﻳﺮ ﺳﺎﻗﻴﺔ اﻟﻮادي ،ورددت ﻋﲆ
ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ ﻧﺸﻴﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ورﻧﺎت ﻗﻴﺜﺎرة داود وأﻏﺎﻧﻲ املﻮﺻﲇ.
ﻗﺪ ارﺗﻌﺸﺖ ﻧﻔﻮس أﻃﻔﺎل اﻟﺤﻲ وأﻗﻠﻘﻬﻢ اﻟﺠﻮع ،وﺗﺴﺎرﻋﺖ ﺗﻨﻬﺪات اﻷﻣﻬﺎت
ﴎ ِة اﻟﻬﻢ واﻟﻴﺄس ،وأراﻋﺖ أﺣﻼم اﻟﻌﻮز ﻗﻠﻮب اﻟﺮﺟﺎل ا ُمل ْﻘﻌَ ﺪ َ
ِﻳﻦ، املﻀﻄﺠﻌﺎت ﻋﲆ أ َ ِ ﱠ
ﻓﺴﻤﻌﺖ ﻧﻮاﺣً ﺎ ﻣ ٍّﺮا وزﻓريًا ﻣﺘﻘﻄﻌً ﺎ ﻳﻤﻸ اﻟﻀﻠﻮع ﻧﺪﺑًﺎ ورﺛﺎء.
ﻗﺪ ﻓﺎﺣﺖ رواﺋﺢ اﻟﻨﺮﺟﺲ واﻟﺰﻧﺒﻖ ،وﻋﺎﻧﻘﺖ ﻋﻄﺮ اﻟﻴﺎﺳﻤني واﻟﺒﻴﻠﺴﺎن ،ﺛﻢ ﺗﻤﺎزﺟﺖ
ﺑﺄﻧﻔﺎس اﻷرز اﻟﻄﻴﺒﺔ ،وﴎت ﻣﻊ ﺗﻤﻮﱡﺟﺎت اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻓﻮق اﻟﻄﻠﻮل املﺘﺸﻌﺒﺔ واملﻤﺮات املﻠﺘﻮﻳﺔ،
اﻧﻌﻄﺎﻓﺎ وﻣﻨﺤﺘﻬﺎ ﺣﻨﻴﻨًﺎ إﱃ اﻟﻄريان ،ﻗﺪ ﺗﺼﺎﻋﺪت رواﺋﺢ اﻷزﻗﺔ اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ ً ﻓﻤﻸت اﻟﻨﻔﺲ
واﺧﺘﻤﺮت ﺑﺠﺮاﺛﻴﻢ اﻟﻌﻠﻞ ،وﻣﺜﻞ أﺳﻬﻢ دﻗﻴﻘﺔ ﺧﺎﻓﻴﺔ ﻗﺪ ﺧﺪﺷﺖ اﻟﺤﺲ وﺳﻤﻤﺖ اﻟﻬﻮاء.
ﻫﺎ ﻗﺪ ﺟﺎء اﻟﺼﺒﺎح ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ،وداﻋﺒﺖ أﺻﺎﺑﻊ اﻟﻴﻘﻈﺔ أﺟﻔﺎن اﻟﻨﻴﺎم ،وﻓﺎﺿﺖ اﻷﺷﻌﺔ
اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻴﺔ ﻣﻦ وراء اﻟﺠﺒﻞ ،وأزاﻟﺖ ﻏﺸﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻋﺰم اﻟﺤﻴﺎة وﻣﺠﺪﻫﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻔﺎﻗﺖ اﻟﻘﺮى
املﺘﻜﺌﺔ ﺑﻬﺪوء وﺳﻜﻴﻨﺔ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻲ اﻟﻮادي ،وﺗﺮﻧﻤﺖ أﺟﺮاس اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ وﻣﻸت اﻷﺛري ﻧﺪاء
ﻣﺴﺘﺤﺒٍّﺎ ﻣﻌﺎﻧﺔ ﺑﺪء ﺻﻼة اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﺄرﺟﻌﺖ اﻟﻜﻬﻮف ﺻﺪى رﻧﻴﻨﻬﺎ ﻛﺄن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ
ﻗﺎﻣﺖ ﻣﺼﻠﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻏﺎدرت اﻟﻌﺠﻮل ﻣﺮاﺑﻀﻬﺎ ،وﺗﺮﻛﺖ ﻗﻄﻌﺎن اﻟﻐﻨﻢ واملﺎﻋﺰ ﺣﻈﺎﺋﺮﻫﺎ،
واﻧﺜﻨﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻘﻮل ﺗﺮﺗﻌﻲ رءوس اﻷﻋﺸﺎب املﺘﻠﻤﻌﺔ ﺑﻘﻄﺮ اﻟﻨﺪى ،وﻣﴙ أﻣﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮﻋﺎة
ﻳﻨﻔﺨﻮن اﻟﺸﺒﺎﺑﺎت ،ووراءﻫﺎ اﻟﺼﺒﺎﻳﺎ املﺘﺄﻫﻼت ﻣﻊ اﻟﻌﺼﺎﻓري ﺑﻘﺪوم اﻟﺼﺒﺎح.
ﻒ اﻟﻨﻬﺎر اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ، ﻗﺪ ﺟﺎء اﻟﺼﺒﺎح ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ واﻧﺒﺴﻄﺖ ﻓﻮق املﻨﺎزل املﻜﺮدﺳﺔ أ َ ُﻛ ﱡ
ﻓﺄزﻳﺤﺖ اﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﻮاﻓﺬ واﻧﻔﺘﺤﺖ ﻣﺼﺎرﻳﻊ اﻷﺑﻮاب ،ﻓﺒﺎﻧﺖ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻜﺎﻟﺤﺔ واﻟﻌﻴﻮن
122
ﻣﻨﺎﺟﺎة أرواح
املﻌﺮوﻛﺔ ،وذﻫﺐ اﻟﺘﻌﺴﺎء إﱃ املﻌﺎﻣﻞ وداﺧﻞ أﺟﺴﺎدﻫﻢ ﻳﻘﻄﻦ املﻮت ﰲ ﺟﻮار اﻟﺤﻴﺎة ،وﻋﲆ
ﻣﻼﻣﺤﻬﻢ املﻨﻘﺒﻀﺔ ﻗﺪ ﺑﺎن اﻟﻘﻨﻮط واﻟﺨﻮف ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻣﻨﻘﺎدون ﻗﻬ ًﺮا إﱃ ﻋﺮاك ﻣﻬﻠﻚ ،ﻫﺎ ﻗﺪ
ﻏﺼﺖ اﻟﺸﻮارع ﺑﺎملﴪﻋني اﻟﻄﺎﻣﻌني ،واﻣﺘﻸ اﻟﻔﻀﺎء ﻣﻦ ﻗﻠﻘﻠﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ودوي اﻟﺪواﻟﻴﺐ
وﻋﻮﻳﻞ اﻟﺒﺨﺎر ،وأﺻﺒﺤﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﺳﺎﺣﺔ ﻗﺘﺎل ﻳﴫع ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮي اﻟﻀﻌﻴﻒ ،وﻳﺴﺘﺄﺛﺮ
اﻟﻐﻨﻲ املﻈﻠﻮم ﺑﺄﺗﻌﺎب اﻟﻔﻘري املﺴﻜني.
ور ﱠﻗ ًﺔ.
ﻣﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ،ﻓﻬﻲ ﻣﺜﻞ ﻗﻠﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮ املﻤﻠﻮء ﻧﻮ ًرا ِ
ﻣﺎ أﻗﴗ اﻟﺤﻴﺎة ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ ،ﻓﻬﻲ ﻣﺜﻞ ﻗﻠﺐ املﺠﺮم املﻔﻌﻢ ﺑﺎﻹﺛﻢ واملﺨﺎوف.
123
أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺮﻳﺢ
وآوﻧﺔ ﻣﺘﺄوﻫﺔ ﻧﺎدﺑﺔ ،ﻓﻨﺴﻤﻌﻚ وﻻ ﻧﺸﺎﻫﺪك ،وﻧﺸﻌﺮ ﺑﻚ وﻻ ً ﻳﻦ آﻧًﺎ ﻓﺮﺣﺔ ﻣﱰﻧﺤﺔ،ﺗَ ُﻤ ﱢﺮ َ
ﻧﺮاك ،ﻓﺈﻧﻚ ﺑﺤﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ﻳﻐﻤﺮ أرواﺣﻨﺎ وﻻ ﻳﻐﺮﻗﻬﺎ ،وﻳﺘﻼﻋﺐ ﺑﺄﻓﺌﺪﺗﻬﺎ وﻫﻲ ﺳﺎﻛﻨﺔ.
ﺗﺘﺼﺎﻋﺪﻳﻦ ﻣﻊ اﻟﺮواﺑﻲ وﺗﻨﺨﻔﻀني ﻣﻊ اﻷودﻳﺔ وﺗﻨﺒﺴﻄني ﻣﻊ اﻟﺴﻬﻮل واملﺮوج ،ﻓﻔﻲ
ﺗﺼﺎﻋﺪك ﻋﺰم ،وﰲ اﻧﺨﻔﺎﺿﻚ رﻗﺔ ،وﰲ اﻧﺒﺴﺎﻃﻚ رﺷﺎﻗﺔ ،ﻓﻜﺄﻧﻚ ﻣﻠﻴﻚ رءوف ﻳﺘﺴﺎﻫﻞ
ﻣﻊ اﻟﻀﻌﻔﺎء اﻟﺴﺎﻗﻄني ،وﻳﱰﻓﻊ ﻣﻊ اﻷﻗﻮﻳﺎء املﺘﺸﺎﻣﺨني.
ﰲ اﻟﺨﺮﻳﻒ ﺗﻨﻮﺣني ﰲ اﻷودﻳﺔ ﻓﺘﺒﻜﻲ ﻟﻨﻮاﺣﻚ اﻷﺷﺠﺎر ،وﰲ اﻟﺸﺘﺎء ﺗﺜﻮرﻳﻦ ﺑﺸﺪة
ﻓﺘﺜﻮر ﻣﻌﻚ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،وﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺗﻌﺘ ﱢﻠني وﺗﻀﻌﻔني وﻟﻀﻌﻔﻚ ﺗﺴﺘﻔﻴﻖ اﻟﺤﻘﻮل،
وﰲ اﻟﺼﻴﻒ ﺗﺘﻮارﻳﻦ وراء ﻧﻘﺎب اﻟﺴﻜﻮن ﻓﻨﺨﺎﻟﻚ ﻣﻴﺘًﺎ ﻗﺘﻠﺘﻪ ﺳﻬﺎم اﻟﺸﻤﺲ ﺛﻢ ﻛﻔﻨﺘﻪ
ﺑﺤﺮارﺗﻬﺎ.
ﻟﻜﻦ ،أﻧﺎدﺑﺔ ﻛﻨﺖ أﻳﺎم اﻟﺨﺮﻳﻒ ،أم ﺿﺎﺣﻜﺔ ﻣﻦ ﺧﺠﻞ اﻷﺷﺠﺎر ﺑﻌﺪ ﻋﺮﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ
ﻣﻼﺑﺴﻬﺎ؟ أﻏﺎﺿﺒﺔ ﻛﻨﺖ أﻳﺎم اﻟﺸﺘﺎء ،أم راﻗﺼﺔ ﺣﻮل ﻗﺒﻮر اﻟﻠﻴﺎﱄ املﻜﻠﺴﺔ ﺑﺎﻟﺜﻠﻮج؟ أﻋﻠﻴﻠﺔ
ﻛﻨﺖ أﻳﺎم اﻟﺮﺑﻴﻊ ،أم ﺣﺒﻴﺒﺔ أﺿﻨﺎﻫﺎ اﻟﺒﻌﺎد ﻓﺠﺎءت ﺗﺴﻌﺪ ﺑﺎﻟﺘﻨﻬﺪ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﻋﲆ وﺟﻪ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎِ
ﺷﺎب اﻟﻔﺼﻮل ﻟﺘﻨﺒﻬﻪ ﻣﻦ رﻗﺎده؟ أﻣﻴﺘﺔ ﻛﻨﺖ أﻳﺎم اﻟﺼﻴﻒ أم ﻫﺎﺟﻌﺔ ﰲ ﻗﻠﻮب اﻷﺛﻤﺎر،
وﺑني ﺟﻔﻨﺎت اﻟﻜﺮوم ،وﻋﲆ ﺑﻴﺎدر اﻟﻘﺶ؟
أﻧﺖ ﺗﺤﻤﻠني ﻣﻦ أزﻓﺔ املﺪﻳﻨﺔ أﻧﻔﺎس اﻟﻌﻠﻞ ،وﻣﻦ اﻟﺮواﺑﻲ أرواح اﻷزﻫﺎر ،وﻫﻜﺬا ﺗﻔﻌﻞ
اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ أوﺟﺎع اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ،وﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺑﺄﻓﺮاﺣﻬﺎ.
أﻧﺖ ﺗﻬﻤﺴني ﰲ أذن اﻟﻮردة أﴎا ًرا ﻏﺮﻳﺒﺔ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻔﺎدﻫﺎ ،ﻓﺘﻀﻄﺮب ﺗﺎرة ،وﻃﻮ ًرا
ﺗﺒﺘﺴﻢ ،وﻫﻜﺬا ﺗﻔﻌﻞ اﻵﻟﻬﺔ ﺑﺄرواح اﻟﺒﴩ.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
أﻧﺖ ﺗﺒﻄﺌني ﻫﻨﺎ وﺗﺴﺎرﻋني ﻫﻨﺎك وﺗﺮاﻛﻀني ﻫﻨﺎﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﻘﻔني ﻗﻂ ،وﻫﻜﺬا
ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻜﺮة اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ وﺗﻤﻮت ﺑﺎﻟﺴﺒﺎت.
أﻧﺖ ﺗﻜﺘﺒني ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺒﺤرية أﺷﻌﺎ ًرا ﺛﻢ ﺗﻤﺤﻴﻨﻬﺎ ،وﻫﻜﺬا ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺸﻌﺮاء املﱰددون،
ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ﺗﺠﻴﺌني ﺣﺎرة ﻛﺎملﺤﺒﺔ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل ﺗﺄﺗني ﺑﺎردة ﻛﺎملﻮت ،وﻣﻦ املﴩق ﻟﻄﻴﻔﺔ
أﻧﺖأﻧﺖ ﻛﺎﻟﺪﻫﺮ ،أم ِ
ﻛﻤﻼﻣﺲ اﻷرواح ،وﻣﻦ املﻐﺮب ﺗﺘﺪﻓﻘني ﺷﺪﻳﺪة ﻛﺎﻟﺒﻐﻀﺎء ،أﻣﺘﻘﻠﺒﺔ ِ
رﺳﻮل اﻟﺠﻬﺎت ﺗﺒﻠﻐني إﻟﻴﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﺄﺗﻤﻨﻚ ﻋﻠﻴﻪ؟
ﺗﻤﺮﻳﻦ ﻏﺎﺿﺒﺔ ﰲ اﻟﺼﺤﺎري ﻓﺘﺪوﺳني اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﺑﻘﺴﺎوة ،ﺛﻢ ﺗﻠﺤﱢ ﺪﻳﻨﻬﺎ ﺑﻠﺤﻒ اﻟﺮﻣﺎل،
أﻧﺖ ذاك اﻟﺴﻴﺎل اﻟﺨﻔﻲ املﺘﻤﻮج ﻣﻊ أﺷﻌﺔ اﻟﻔﺠﺮ ﺑني أوراق اﻟﻐﺼﻮن ،املﻨﺴﻞ أﻧﺖ ِﻓﻬﻞ ِ
ﺷﻐﻔﺎ ﺑﻚ ،وﺗﺘﺨﺎﴏ اﻷﻋﺸﺎب ﺳﻜ ًﺮا ً ﻛﺎﻷﺣﻼم ﰲ ﻣﻨﻌﻄﻔﺎت اﻷودﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ اﻷزﻫﺎر
ﻣﻦ أﻧﻔﺎﺳﻚ؟
ﺣﻨﻘﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﺘﺤﺖﺗﺜﻮرﻳﻦ ﻇﻠﻤً ﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺎر ﻓﺘﺤﺮﻛني ﺳﺎﻛﻦ أﻋﻤﺎﻗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا أزﺑﺪت ً
ﻓﺎﻫﺎ ﻟﺠﺔ وﻟﻘﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﻦ واﻷرواح ﻟﻘﻤً ﺎ ﻣﺮة ،ﻓﻬﻞ أﻧﺖ أﻧﺖ ذﻟﻚ املﺤﺐ املﺘﻼﻋﺐ ﺣﻨﻮٍّا
ﺑﻐﺪاﺋﺮ اﻷﻃﻔﺎل املﱰاﻛﻀني ﺣﻮل املﻨﺎزل؟ إﱃ أﻳﻦ ﺗﺘﺴﺎرﻋني ﺑﺄرواﺣﻨﺎ وﺗﻨﻬﺪاﺗﻨﺎ وأﻧﻔﺎﺳﻨﺎ؟
إﱃ أﻳﻦ ﺗﺤﻤﻠني رﺳﻮم اﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺗﻨﺎ؟ وﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻠني ﺑﺸﻌﻼت ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ املﺘﻄﺎﻳﺮة؟ ﻫﻞ ﺗﺬﻫﺒني
ﺑﻬﺎ إﱃ ﻣﺎ وراء اﻟﺸﻔﻖ ،إﱃ ﻣﺎ وراء ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة؟ أم ﺗﺠﺮﻳﻨﻬﺎ ﻓﺮﻳﺴﺔ إﱃ املﻐﺎور اﻟﺒﻌﻴﺪة
وﺷﻤﺎﻻ ﺣﺘﻰ ﺗﻀﻤﺤﻞ وﺗﺨﺘﻔﻲ؟ً واﻟﻜﻬﻮف املﺨﻴﻔﺔ ،وﻫﻨﺎك ﺗﻘﺬﻓﻴﻨﻬﺎ ﻳﻤﻴﻨًﺎ
ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﺗﺒﻴﺢ ﻟﻚ اﻟﻘﻠﻮب أﴎارﻫﺎ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ ﺗﺤﻠﻚ اﻟﻌﻴﻮن اﻫﺘﺰازات
أﺟﻔﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻬﻞ أﻧﺖ ذاﻛﺮة ﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﻪ اﻟﻘﻠﻮب وﻣﺎ رأﺗﻪ اﻟﻌﻴﻮن؟
ﺑني ﺟﻨﺤﻴﻚ ﻳﺴﺘﻮدع اﻟﻔﻘري ﺻﺪى اﻧﺴﺤﺎﻗﻪ ،واﻟﻴﺘﻴﻢ ﺣﺮﻗﺘﻪ ،واﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﺗﺄوﻫﺎﺗﻬﺎ،
وﻃﻲ أﺛﻮاﺑﻚ ﻳﻀﻊ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﺣﻨﻴﻨﻪ ،واملﱰوك ﻟﻬﻔﺘﻪ ،واﻟﺴﺎﻗﻄﺔ ﻋﻮﻳﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﻬﻞ أﻧﺖ
ﺣﺎﻓﻈﺔ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺼﻐﺎر وداﺋﻌﻬﻢ؟ أم أﻧﺖ ﻛﻬﺬه اﻷرض ﻻ ﻧﻮدﻋﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ وﺗﺤﻮﻟﻪ إﱃ
ﺟﺴﻤﻬﺎ؟
أﺳﺎﻣﻌﺔ أﻧﺖ ﻫﺬا اﻟﻨﺪاء ،وﻫﺬا اﻟﻌﻮﻳﻞ وﻫﺬا اﻟﻀﺠﻴﺞ وﻫﺬا اﻟﺒﻜﺎء ،أم أﻧﺖ ﻛﺎﻷﻗﻮﻳﺎء
ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻴﻬﻢ اﻷﻛﻒ ﻓﻼ ﻳﻠﺘﻔﺘﻮن ،وﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻧﺤﻮﻫﻢ اﻷﺻﻮات ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻌﻮن؟
أﺳﺎﻣﻌﺔ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺣﻴﺎة ﻟﻠﺴﺎﻣﻊ؟
126
رﺟﻮع اﳊﺒﻴﺐ
ﻣﺎ ﺟﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ اﻧﻬﺰم اﻷﻋﺪاء ،وﰲ ﻇﻬﻮرﻫﻢ ﺗﺨﺪﻳﺶ اﻟﺴﻴﻮف ووﺧﺰ اﻟﺮﻣﺎح ،ﻓﻌﺎد
اﻟﻈﺎﻓﺮون ﺣﺎﻣﻠني أﻟﻮﻳﺔ اﻟﻔﺨﺮ ،ﻣﻨﺸﺪﻳﻦ أﻫﺎزﻳﺞ اﻟﻨﴫ ،ﻋﲆ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺣﻮاﻓﺮ ﺧﻴﻮﻟﻬﻢ
املﺘﺴﺎﻗﻄﺔ ﻛﺎملﻄﺎرق ﻋﲆ ﺣﺼﺒﺎء اﻟﻮادي.
أﴍﻓﻮا ﻋﲆ اﻟﺠﺒﻬﺔ وﻗﺪ ﻃﻠﻊ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻦ وراء ﻓﻢ املﻴﺰاب ،ﻓﻈﻬﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﻮر
اﻟﺒﺎﺳﻘﺔ ﻣﺘﺸﺎﻣﺨﺔ ﻣﻊ ﻧﻔﻮس اﻟﻘﻮم ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻼء ،وﺑﺎﺗﺖ ﻏﺎﺑﺔ اﻷرز ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎح ﻛﺄﻧﻬﺎ
وﺳﺎم ﻣﺠﺪ أﺛﻴﻞ ﻋﻠﻘﺘﻪ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻐﺎﺑﺮة ﻋﲆ ﺻﺪر ﻟﺒﻨﺎن.
ﻇﻠﻮا ﺳﺎﺋﺮﻳﻦ وأﺷﻌﺔ اﻟﻘﻤﺮ ﺗﺘﻠﻤﻊ ﻋﲆ أﺳﻠﺤﺘﻬﻢ ،واﻟﻜﻬﻮف اﻟﺒﻌﻴﺪة ﺗﺘﻘﻠﺪ ﺗﻬﺎﻟﻴﻠﻬﻢ،
ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻮا ﺟﺒﻬﺔ اﻟﻌﻘﺒﺔ أوﻗﻔﻬﻢ ﺻﻬﻴﻞ ﻓﺮس واﻗﻒ ﺑني اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺮﻣﺎدﻳﺔ ﻛﺄﻧﻪ
ُﻗ ﱠﺪ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺎﻗﱰﺑﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﺴﺘﻄﻠﻌني ،وإذا ﺑﺠﺜﺔ ﻫﺎﻣﺪة ﻣﺮﺗﻤﻴﺔ ﻋﲆ أدﻳﻢ اﻟﱰاب املﺠﺒﻮل
ﻗﺎﺋﻼ» :أروﻧﻲ ﺳﻴﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺄﻋﺮف ﺻﺎﺣﺒﻪ« ،ﻓﱰﺟﻞ ﺑﻨﺠﻴﻊ اﻟﺪﻣﺎء ،ﻓﴫخ زﻋﻴﻢ اﻟﻘﻮم ً
ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻓﺄﺣﺎﻃﻮا ﺑﺎملﴫوع ﻣﺴﺘﻔﴪﻳﻦ ،وﺑﻌﺪ ﻫﻨﻴﻬﺔ اﻟﺘﻔﺖ أﺣﺪﻫﻢ ﻧﺤﻮ اﻟﺰﻋﻴﻢ
وﻗﺎل ﺑﺼﻮت أﺟﺶ» :وﻗﺪ ﻋﺎﻧﻘﺖ أﺻﺎﺑﻌﻪ اﻟﺒﺎردة ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺴﻴﻒ ﺑﺸﺪة ،ﻓﻤﻦ اﻟﻌﺎر أن
ﻧﻨﺰﻋﻪ«.
وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﻗﺪ ﻟﺒﺲ اﻟﺴﻴﻒ ﻏﻤﺪًا ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ،ﻓﺎﺧﺘﻔﻰ ﻓﻮﻻذه«
وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﻗﺪ ﺗﺠﻤﺪت اﻟﺪﻣﺎء ﻋﲆ اﻟﻜﻒ واﻟﻘﺒﻀﺔ ،وأوﺛﻘﺖ اﻟﺸﻔﺮة ﺑﺎﻟﺰﻧﺪ وﺻريﺗﻬﻤﺎ
واﺣﺪًا«.
ً
ﻓﱰﺟﻞ اﻟﺰﻋﻴﻢ واﻗﱰب ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻴﻞ ﻗﺎﺋﻼ» :أﺳﻨﺪوا رأﺳﻪ ودﻋﻮا أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺮﻳﻨﺎ
وﺟﻬﻪ« ﻓﻔﻌﻠﻮا ﻣﴪﻋني ،وﺑﺎن وﺟﻪ اﻟﻘﺘﻴﻞ ﻣﻦ وراء ﻧﻘﺎب املﻮت ﻇﺎﻫﺮة ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻼﻣﺢ
اﻟﺒﻄﺶ واﻟﺒﺄس واﻟﺘﺠﻠﺪ ،وﺟﻪ ﻓﺎرس ﻗﻮي ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻼ ﻧﻄﻖ ﻋﻦ ﺷﺪة رﺟﻮﻟﺘﻪ ،وﺟﻪ
ﻋﺎﺑﺴﺎ وﻗﺎﺑﻞ املﻮت ﻣﺒﺘﺴﻤً ﺎ ،وﺟﻪ ﺑﻄﻞ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﺣﴬ
ً ﻣﺘﺄﺳﻒ ﻓﺎرح ،وﺟﻪ ﻣﻦ ﻻﻗﻰ اﻟﻌﺪو
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
ﻳﺒﻖ ﻟﻴﻨﺸﺪ ﻣﻊ رﻓﻘﺎﺋﻪ أﻫﺎزﻳﺞ ﻣﻮﻗﻌﺔ ذﻟﻚ اﻟﻨﻬﺎر ورأى ﻃﻼﺋﻊ اﻻﺳﺘﻈﻬﺎر ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ َ
اﻟﻨﴫ.
وملﺎ أزاﺣﻮا ﻛﻮﻓﻴﺘﻪ وﻣﺴﺤﻮا ﻏﺒﺎر املﻌﻤﻌﺔ ﻋﻦ وﺟﻬﻪ املﺼﻔﺮ ،ذﻋﺮ اﻟﺰﻋﻴﻢ وﴏخ
ﻣﺘﻮﺟﻬً ﺎ» :ﻫﺬا اﺑﻦ اﻟﺼﻌﺒﻲ! ﻓﻴﺎ ﻟﻠﺨﺴﺎرة!« ﻓﺮدد اﻟﻘﻮم ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ﻣﺘﺄوﱢﻫني ،ﺛﻢ ﺳﻜﺘﻮا
ﻛﺄن ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ اﻟﺴﻜﺮى ﺑﺨﻤﺮ اﻟﻨﴫ ﻗﺪ ﻓﺎﺟﺄﻫﺎ اﻟﺼﺤﻮ ،ﻓﺮأت ﺧﺴﺎرة ﻫﺬا اﻟﺒﻄﻞ ﻫﻲ
أﺟﺴﻢ ﻣﻦ ﻣﺠﺪ اﻟﺘﻐﻠﺐ وﻋﺰ اﻻﻧﺘﺼﺎر ،وﻣﺜﻞ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺮﺧﺎم أوﻗﻔﻬﻢ ﻫﻮل املﺸﻬﺪ وأﻳﺒﺲ
أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﻓﺴﻜﺘﻮا ،وﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ املﻮت ﰲ ﻧﻔﻮس اﻷﺑﻄﺎل ،ﻓﺎﻟﺒﻜﺎء واﻟﻨﺤﻴﺐ ﺣَ ِﺮﻳ ِ
ﱠﺎن
ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ،واﻟﻌﻮﻳﻞ واﻟﴫاخ ﺧﻠﻴﻘﺎن ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل ،وﻻ ﻳﺠﻤﻞ ﺑﺮﺟﺎل اﻟﺴﻴﻒ ﻏري اﻟﺴﻜﻮت
املﻤﻠﻮء ﻫﻴﺒﺔ ووﻗﺎ ًرا ،ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻮت اﻟﺬي ﻳﻘﺒﺾ ﻋﲆ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻘﺒﺾ ﻣﺨﺎﻟﺐ
اﻟﻨﴪ ﻋﲆ ﻋﻨﻖ اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ ،ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻮت اﻟﺬي ﻳﱰﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺪﻣﻮع واﻟﻌﻮﻳﻞ ،ﻓﻴﺰﻳﺪ ﺑﱰﻓﻌﻪ
ﻫﻮﻻ وﻗﺴﺎوة ،ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻮت اﻟﺬي ﻳﻬﺒﻂ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ اﻟﻜﺒرية ﻣﻦ ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل إﱃ أﻋﻤﺎق اﻟﺒﻠﻴﺔ ً
ﻓﻌﻼ ﻣﻨﻬﺎ.اﻟﻠﺠﺞ ،ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻮت اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻦ ﻣﺠﻲء اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،وإن ﻟﻢ ﺗﺠﺊ ﻛﺎن ﻫﻮ أﺷﺪ ً
ﺧﻠﻌﻮا أﺛﻮاب اﻟﻔﺘﻰ املﴫوع ﻟريوا أﻳﻦ وﺿﻊ املﻮت ﻳﺪه ،ﻓﺒﺎﻧﺖ ﻛﻠﻮم اﻟﺸﻔﺎر ﰲ
ﺻﺪره ﻛﺄﻧﻬﺎ أﻓﻮاه ﻣﺰﺑﺪة ﺗﺘﻜﻠﻢ ﰲ ﻫﺪوء ذﻟﻚ اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻦ ﻫﻤﻢ اﻟﺮﺟﺎل ،ﻓﺎﻗﱰب اﻟﺰﻋﻴﻢ
ﻃﺎ ﺣﻮل زﻧﺪه، ﻣﻨﺪﻳﻼ ﻣﻄﺮ ًزا ﺑﺨﻴﻮط اﻟﺬﻫﺐ ﻣﺮﺑﻮ ً
ً ً
ﻣﺴﺘﻔﺤﺼﺎ ﻓﻮﺟﺪ دون ﺳﻮاه وﺟﺜﺎ
ﴎا وﻋﺮف اﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﻏﺰﻟﺖ ﺣﺮﻳﺮه ،واﻷﺻﺎﺑﻊ اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻛﺖ ﺧﻴﻮﻃﻪ ،ﻓﺴﱰه ﺑﺎﻷﺛﻮاب ﻓﺘﺄﻣﻠﻪ ٍّ
وﺗﺮاﺟﻊ ً
ﻗﻠﻴﻼ إﱃ اﻟﻮراء ﺣﺎﺟﺒًﺎ وﺟﻬﻪ املﻨﻘﺒﺾ ﺑﻴﺪه املﺮﺗﻌﺸﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﻳﺢ
ﺑﻌﺰﻣﻬﺎ رءوس اﻷﻋﺪاء ﻗﺪ ﺿﻌﻔﺖ وارﺗﺠﻔﺖ وﺻﺎرت ﺗﻤﺴﺢ اﻟﺪﻣﻮع؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻﻣﺴﺖ ﺣﻮاﳾ
ﻣﻨﺪﻳﻞ ﻋﻘﺪت أﻃﺮاﻓﻪ أﺻﺎﺑﻊ ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ﺣﻮل زﻧﺪ ﻓﺘﻲ ﺟﺎء ﻟﻴﺸﻬﺪ ﻳﻮم اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ ﻣﺪﻓﻮﻋً ﺎ
ً
ﻣﺤﻤﻮﻻ ﻋﲆ أﻛﻒ رﻓﺎﻗﻪ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺲ اﻟﺰﻋﻴﻢ ﺑﺒﺴﺎﻟﺘﻪ ،ﻓﴫع وﺳﻮف ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ
ﺗﱰاوح ﺑني ﻣﻈﺎﻟﻢ املﻮت وﺧﻔﺎﻳﺎ اﻟﺤﺐ ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﻮاﻗﻔني» :ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺤﻔﺮ ﻟﻪ ﻗﱪًا ﺗﺤﺖ
ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺪﻳﺎﻧﺔ ﻓﺘﴩب أﺻﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ دﻣﻪ ،وﺗﺘﻐﺬى ﻓﺮوﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎه ﻓﺘﺰداد ﻗﻮة ،وﺗﺼري
ﺧﺎﻟﺪة وﺗﻜﻮن ﻟﻪ رﻣ ًﺰا ﻳﻤﺜﻞ ﻟﻬﺬه اﻟﻄﻠﻮل ﺑﻄﺸﻪ وﺑﺄﺳﻪ«.
ﻓﻘﺎل آﺧﺮ» :ﻟﻨﺤﻤﻠﻪ إﱃ ﻏﺎﺑﺔ اﻷرز وﻧﻘﱪه ﺑﻘﺮب اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﺘﻈﻞ ﻋﻈﺎﻣﻪ ﻣﺤﻔﻮرة
ﺑﻈﻞ اﻟﺼﻠﻴﺐ إﱃ آﺧﺮ اﻟﺪﻫﺮ«.
وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﻫﻨﺎ اﻗﱪوه ﻫﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﺟﺒﻞ اﻟﱰاب ﺑﺪﻣﺎﺋﻪ ،واﺗﺮﻛﻮا ﺳﻴﻔﻪ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ ،واﻏﺮﺳﻮا
رﻣﺤﻪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ،واﻧﺤﺮوا ﺣﺼﺎﻧﻪ ﻋﲆ ﻗﱪه ،ودﻋﻮا أﺳﻠﺤﺘﻪ ﺗﺆﻧﺴﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻮﺣﺪة« ،وﻗﺎل
آﺧﺮ :ﻻ ﺗﻠﺤﺪوا ً
ﺳﻴﻔﺎ ﻣﴬﺟً ﺎ ﺑﺪم اﻷﻋﺪاء ،وﻻ ﺗﻨﺤﺮوا ﻣﻬ ًﺮا ﻳﺨﻮض املﻨﺎﻳﺎ ،وﻻ ﺗﱰﻛﻮا ﰲ
128
رﺟﻮع اﻟﺤﺒﻴﺐ
اﻟﻮﻋﺮ ﺳﻼﺣً ﺎ ﺗﻌﻮﱠد ﻫﺰ اﻷﻛﻒ وﻋﺰم اﻟﺴﻮاﻋﺪ ،ﺑﻞ اﺣﻤﻠﻮﻫﺎ إﱃ ذوﻳﻪ ﻷﻧﻬﺎ ﺧري ﻣرياث«.
وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺠﺜﻮ ﻣﺼﻠني ﺣﻮاﻟﻴﻪ ﺻﻼة اﻟﻨﺎﴏي ،ﻓﺘﻐﻔﺮ ﻟﻪ اﻟﺴﻤﺎء وﺗﺒﺎرك
ﻧﻌﺸﺎ ،ﻓﻨﻄﻮف ﺑﻪ ﰲاﻧﺘﺼﺎرﻧﺎ« ،وﻗﺎل» :ﻟﻨﺮﻓﻌﻪ ﻋﲆ اﻷﻛﺘﺎف ﺟﺎﻋﻠني ﻟﻪ اﻟﺮﻣﺎح واﻟﱰوس ً
ﻫﺬا اﻟﻮادي ﻣﻨﺸﺪﻳﻦ أﻫﺎزﻳﺞ اﻟﻨﴫ ﻓﻴﺸﺎﻫﺪ أﺷﻼء اﻷﻋﺪاء ،وﺗﺒﺘﺴﻢ ﺷﻔﺎه ﺟﺮاﺣﺔ ﻗﺒﻞ أن
ﻳﺨﺮﺳﻬﺎ ﺗﺮاب اﻟﻘﱪ« ،وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﻌﻠﻴﻪ ﴎج ﺟﻮاده ،وﻧﺴﻨﺪه ﺑﺠﻤﺎﺟﻢ اﻟﻘﺘﲆ،
وﻧﻘﻠﺪه رﻣﺤﻪ ،وﻧﺪﺧﻠﻪ اﻷﺣﻴﺎء ﻇﺎﻓ ًﺮا ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﻤﻨﻴﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺣﻤﱠ ﻠﻬﺎ ﻣﻦ أرواح
ﺛﻘﻴﻼ« ،وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﻮدﻋﻪ ﻟﺤﻒ ﻫﺬا اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻴﻜﻮن ﻟﻪ ﺻﺪى اﻟﻜﻬﻮف ﺣﻤﻼ ً اﻷﻋﺪاء ً
ﻣﺆﻧﺴﺎ ،ﻓﱰﺗﺎح ﻋﻈﺎﻣﻪ ﰲ ﺑﺮﻳﺔ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ وﻗﻊ أﻗﺪام اﻟﻠﻴﺎﱄ ً ﻧﺪﻳﻤً ﺎ ،وﺧﺮﻳﺮ اﻟﺴﻮاﻗﻲ
ﺧﻔﻴﻒ اﻟﻮﻃﺄة« ،وﻗﺎل آﺧﺮ» :ﻻ ﺗﻐﺎدروه ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﻔﻲ اﻟﱪﻳﺔ وﺣﺸﺔ ﻣﻤﻠﺔ ووﺣﺪة ﻗﺎﺳﻴﺔ،
ﺑﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﻨﻘﻠﻪ إﱃ ﺟﺒﺎﻧﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﻴﻜﻮن ﻟﻪ ﻣﻦ أرواح ﺟﺪودﻧﺎ رﻓﺎق ﺗﻨﺎﺟﻴﻪ ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ
اﻟﻠﻴﻞ ،وﺗﻘﺺ ﻋﻠﻴﻪ أﺧﺒﺎر ﺣﺮوﺑﻬﻢ وأﺣﺎدﻳﺚ أﻣﺠﺎدﻫﻢ« ،ﻓﺘﻘﺪم اﻟﺰﻋﻴﻢ إذ ذاك إﱃ وﺳﻂ
رﺟﺎﻟﻪ وأﺳﻜﺘﻬﻢ ﺑﺈﺷﺎرة ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﻨﻬﺪًا» :ﻻ ﺗﺰﻋﺠﻮه ﺑﺬﻛﺮى اﻟﺤﺮوب ،وﻻ ﺗﻌﻴﺪوا ﻋﲆ
ﻣﺴﺎﻣﻊ روﺣﻪ اﻟﺤﺎﺋﻤﺔ ﻓﻮق رءوﺳﻨﺎ أﺧﺒﺎر اﻟﺴﻴﻮف واﻟﺮﻣﺎح ،ﺑﻞ ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻧﺤﻤﻠﻪ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ
وﻫﺪوء إﱃ ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ،ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﻲ ﻧﻔﺲ ﺳﺎﻫﺮة ﺗﱰﻗﺐ ﻗﺪوﻣﻪ ،ﻧﻔﺲ ﺻﺒﻴﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ
رﺟﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﺑني اﻷﺳﻨﺔ ،ﻓﻠﻨﻌِ ﺪه إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻲ ﻻ ﺗُﺤﺮم ﻧﻈﺮة ﻣﻦ وﺟﻬﻪ وﻗﺒﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﺒﻴﻨﻪ«.
ﺣﻤﻠﻮه ﻋﲆ املﻨﺎﻛﺐ ﻣﻄﺄﻃﺌﻲ اﻟﺮءوس ﺧﺎﺷﻌﻲ اﻟﻌﻴﻮن ،ﻣﺸﻮا ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﻣﺤﺰﻧﺔ
ﻳﺘﺒﻌﻬﻢ ﻓﺮﺳﻪ اﻟﻜﺌﻴﺐ ﻳﺠﺮ ﻣﻘﻮده ﻋﲆ اﻷرض وﻳﺼﻬﻞ ﻣﻦ وﻗﺖ إﱃ آﺧﺮ ،ﻓﺘﺠﻴﺒﻪ اﻟﻜﻬﻮف
ﻛﺄن ﻟﻠﻜﻬﻮف أﻓﺌﺪة ﺗﺸﻌﺮ ﻣﻊ اﻟﺒﻬﻴﻢ ﺑﺸﺪة اﻟﻀﻴﻢ واﻷﳻ. ﺑﺼﺪاﻫﺎ ،ﱠ
ﺑني أﺿﻠﻊ ذﻟﻚ اﻟﻮادي ﺣﻴﺚ أﺷﻌﺔ اﻟﻘﻤﺮ ﺗﺴﱰق ﺧﻄﻮاﺗﻬﺎ ،ﺳﺎر ﻣﻮﻛﺐ اﻟﻨﴫ وراء
ﻣﻮﻛﺐ املﻮت ،وﻗﺪ ﻣﴚ أﻣﺎﻣﻬﻤﺎ ﻃﻴﻒ اﻟﺤﺐ ﺳﺎﺣﺒًﺎ أﺟﻨﺤﺘﻪ املﻜﺴﻮرة.
129
ﲨﺎل اﳌﻮت
M.E.H ﻣﺮﻓﻮﻋﺔ إﱃ
دﻋﻮﻧﻲ أﻧﻢ ﻓﻘﺪ ﺳﻜﺮت ﻧﻔﴘ ﺑﺎملﺤﺒﺔ ،دﻋﻮﻧﻲ أرﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﺷﺒﻌﺖ روﺣﻲ ﻣﻦ اﻷﻳﺎم واﻟﻠﻴﺎﱄ،
أﺷﻌﻠﻮا اﻟﺸﻤﻮع وأوﻗﺪوا املﺒﺎﺧﺮ ﺣﻮل ﻣﻀﺠﻌﻲ ،واﻧﺜﺮوا أوراق اﻟﻮرد واﻟﻨﺮﺟﺲ ﻋﲆ
ﺟﺴﺪي ،ﱢ
وﻋﻔ ُﺮوا ﺑﺎملﺴﻚ املﺴﺤﻮق ﺷﻌﺮي ،وأﻫﺮﻗﻮا اﻟﻄﻴﻮب ﻋﲆ ﻗﺪﻣﻲ ،ﺛﻢ اﻧﻈﺮوا واﻗﺮأوا
ً
ﻏﺎرﻗﺎ ﺑني ذراﻋﻲ اﻟﻜﺮى ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺒﺖ أﺟﻔﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﺎ ﺗﺨﻄﻪ ﻳﺪ املﻮت ﻋﲆ ﺟﺒﻬﺘﻲ ،ﺧﻠﻮﻧﻲ
ﻫﺬه اﻟﻴﻘﻈﺔ ،اﴐﺑﻮا ﻋﲆ اﻟﻘﻴﺜﺎرات ودﻋﻮا رﻧﺎت أوﺗﺎرﻫﺎ اﻟﻔﻀﻴﺔ ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ ﰲ ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ،
اﻧﻔﺨﻮا اﻟﺸﺒﺎﺑﺎت واﻟﻨﺎﻳﺎت وﺣﻴﻜﻮا ﻣﻦ أﻧﻐﺎﻣﻬﺎ اﻟﻌﺬﺑﺔ ﻧﻘﺎﺑًﺎ ﺣﻮل ﻗﻠﺒﻲ املﺘﺴﺎرع ﻧﺤﻮ
ً
ﻓﺮاﺷﺎ ﻟﻌﻮاﻃﻔﻲ، اﻟﻮﻗﻮف ،ﺗﺮﻧﻤﻮا ﺑﺎﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺮﻫﺎوﻳﺔ واﺑﺴﻄﻮا ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ
ﺗﺄﻣﻠﻮا واﻧﻈﺮوا ﺷﻌﺎع اﻷﻣﻞ ﰲ ﻋﻴﻨﻲ.
اﻣﺴﺤﻮا اﻟﺪﻣﻮع ﻳﺎ رﻓﺎﻗﻲ ،ﺛﻢ ارﻓﻌﻮا رءوﺳﻜﻢ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺮﻓﻊ اﻷزﻫﺎر ﺗﻴﺠﺎﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺪوم
اﻟﻔﺠﺮ ،واﻧﻈﺮوا ﻋﺮوﺳﺔ املﻮت ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ ﻛﻌﻤﻮد اﻟﻨﻮر ﺑني ﻣﻀﺠﻌﻲ واﻟﻔﻀﺎء ،أﻣﺴﻜﻮا
أﻧﻔﺎﺳﻜﻢ وأﺻﻐﻮا ﻫﻨﻴﻬﺔ واﺳﻤﻌﻮا ﻣﻌﻲ ﺣﻔﻴﻒ أﺟﻨﺤﺘﻬﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،ﺗﻌﺎﻟﻮا ودﻋﻮﻧﻲ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ
أﻣﻲ! ﻗﺒﻠﻮا ﺟﺒﻬﺘﻲ ﺑﺸﻔﺎه ﻣﺒﺘﺴﻤﺔ ،ﻗﺒﻠﻮا ﺷﻔﺘﻲ ﺑﺄﺟﻔﺎﻧﻜﻢ وﻗﺒﻠﻮا أﺟﻔﺎﻧﻲ ﺑﺸﻔﺎﻫﻜﻢ ،ﻗﺮﺑﻮا
اﻷﻃﻔﺎل إﱃ ﻓﺮاﳾ ودﻋﻮﻫﻢ ﻳﻼﻣﺴﻮا ﻋﻨﻘﻲ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻬﻢ اﻟﻮردﻳﺔ اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ،ﻗﺮﺑﻮا اﻟﺸﻴﻮخ
ﻟﻴﺒﺎرﻛﻮا ﺟﺒﻬﺘﻲ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ اﻟﺬاﺑﻠﺔ املﺘﺠﻤﺪة ،دﻋﻮا ﺑﻨﺎت اﻟﺤﻲ ﻳﻘﱰﺑﻦ وﻳﻨﻈﺮن ﺧﻴﺎل ﷲ ﰲ
ﻋﻴﻨﻲ ،وﻳﺴﻤﻌﻦ ﺻﺪى اﻷﺑﺪﻳﺔ ﻣﺘﺴﺎرﻋﺔ ﻣﻊ أﻧﻔﺎﳼ.
اﻻﻧﻔﺼﺎل :ﻫﺎ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﺴﺒﺤﺖ روﺣﻲ ﰲ ﻓﻀﺎء اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻻﻧﻌﺘﺎق ،ﻗﺪ
ﴏت ﺑﻌﻴﺪًا ﺑﻌﻴﺪًا ﻳﺎ ﺑﻨﻲ أﻣﻲ ﻓﺎﻧﺤﺠﺒﺖ ﻋﻦ ﺑﺼريﺗﻲ ﺟﺒﻬﺎت اﻟﻄﻠﻮل وراء اﻟﻀﺒﺎب،
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
وﻏﻤﺮت ﺧﻼﻳﺎ اﻷودﻳﺔ ﺑﺒﺤﺮ اﻟﺴﻜﻮن ،واﻣﱠ ﺤﺖ اﻟﺴﺒﻞ واملﻤﺮات ﺑﺄﻛﻒ اﻟﻨﺴﻴﺎن ،وﺗﻮارت
املﺮوج واﻟﻐﺎﺑﺎت واﻟﻌﻘﺒﺎت وراء أﺷﺒﺎح ﺑﻴﻀﺎء ﻛﻐﻴﻮم اﻟﺮﺑﻴﻊ ،وﺻﻔﺮاء ﻛﺸﻌﺎع اﻟﺸﻤﺲ،
وﺣﻤﺮاء ﻛﻮﺷﺎح املﺴﺎء ،ﻗﺪ ﺗﻀﻌﻀﻌﺖ أﻏﺎﻧﻲ أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ ،واﺿﻤﺤ ﱠﻠﺖ ﺗﺮﻧﻴﻤﺔ اﻟﺴﻮاﻗﻲ ﰲ
اﻟﺤﻘﻮل ،وﺳﻜﻨﺖ اﻷﺻﻮات املﺘﺼﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﻠﻢ أﻋُ ﺪ أﺳﻤﻊ ﺳﻮى أﻧﺸﻮدة
اﻟﺨﻠﻮد ﻣﺘﺄﻟﻔﺔ ﻣﻊ أﻣﻴﺎل اﻟﺮوح.
اﻟﺮاﺣﺔ :اﺧﻠﻌﻮا ﻧﺴﻴﺞ اﻟﻜﺘﺎن ﻋﻦ ﺟﺴﺪي وﻛﻔﻨﻮﻧﻲ ﺑﺄوراق اﻟﻔﻞ واﻟﺰﻧﺒﻖ ،اﻧﺘﺸﻠﻮا
ﺑﻘﺎﻳﺎي ﻣﻦ ﺗﺎﺑﻮﺗﻲ اﻟﻌﺎج وﻣﺪدوﻫﺎ ﻋﲆ وﺳﺎﺋﺪ ﻣﻦ زﻫﺮ اﻟﱪﺗﻘﺎل واﻟﻠﻴﻤﻮن ،ﻻ ﺗﻨﺪﺑﻮﻧﻲ
ﻳﺎ ﺑﻨﻲ أﻣﻲ ﺑﻞ أﻧﺸﺪوا أﻏﻨﻴﺔ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﻐﺒﻄﺔ ،ﻻ ﺗﺬرﰲ اﻟﺪﻣﻮع ﻳﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﺤﻘﻮل ﺑﻞ
ﺗﺮﻧﻤﻲ ﺑﻤﻮﺷﺤﺎت أﻳﺎم اﻟﺤﺼﺎد واﻟﻌﺼري ،ﻻ ﺗﻐﻤﺮوا ﺻﺪري ﺑﺎﻟﺘﺄوﱡه واﻟﺘﻨﻬﻴﺪ ﺑﻞ ارﺳﻤﻮا
ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻜﻢ رﻣﺰ املﺤﺒﺔ ووﺳﻢ اﻟﻔﺮح ،ﻻ ﺗﺰﻋﺠﻮا راﺣﺔ اﻷﺛري ﺑﺎﻟﺘﻌﺰﻳﻢ واﻟﺘﻜﻬني ﺑﻞ
دﻋﻮا ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺗﺘﻬﻠﻞ ﻣﻌﻲ ﺑﺘﺴﺒﻴﺤﺔ اﻟﺒﻘﺎء واﻟﺨﻠﻮد ،ﻻ ﺗﻠﺒﺴﻮا اﻟﺴﻮاد ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﲇ ﱠ ﺑﻞ ﺗﺮدﱡوا
ﺑﺎﻟﺒﻴﺎض ﻓﺮﺣً ﺎ ﻣﻌﻲ ،وﻻ ﺗﺘﻜﻠﻤﻮا ﻋﻦ ذﻫﺎﺑﻲ ﺑﺎﻟﻐﺼﺎت ﺑﻞ أﻏﻤﻀﻮا ﻋﻴﻮﻧﻜﻢ ﺗﺮوﻧﻲ ﺑﻴﻨﻜﻢ
اﻵن وﻏﺪًا وﺑﻌﺪه ،ﻣﺪدوﻧﻲ ﻋﲆ أﻏﺼﺎن ﻣﻮرﻗﺔ ،وارﻓﻌﻮﻧﻲ ﻋﲆ اﻷﻛﺘﺎف وﺳريوا ﺑﻲ ﺑﺒﻂء
ﱪﻳﱠ ِﺔ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ،ﻻ ﺗﺤﻤﻠﻮﻧﻲ إﱃ اﻟﺠﺒﺎﻧﺔ ﻷن اﻟﺰﺣﺎم ﻳﺰﻋﺞ راﺣﺘﻲ ،وﻗﻀﻘﻀﺔ اﻟﻌﻈﺎم إﱃ ا ْﻟ َ ﱢ
واﻟﺠﻤﺎﺟﻢ ﺗﺴﻠﺐ ﺳﻜﻴﻨﺔ رﻗﺎدي ،اﺣﻤﻠﻮﻧﻲ إﱃ ﻏﺎﺑﺔ اﻟﴪو واﺣﻔﺮوا ﱄ ﻗﱪًا ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ
ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻛﻲ ﻻ ﺗﺠﺮف اﻟﺴﻴﻮل ﻋﻈﺎﻣﻲ إﱃ ً ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺒﺖ اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ ﺑﺠﻮار اﻟﺸﻘﻴﻖ ،اﺣﻔﺮوا ﻗﱪًا
اﻟﻮادي ،اﺣﻔﺮوا ﻗﱪًا وﺳﻴﻌً ﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﺠﻲء أﺷﺒﺎح اﻟﻠﻴﻞ وﺗﺠﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ،اﺧﻠﻌﻮا ﻫﺬه اﻟﺜﻮاب
ودﻟﻮﻧﻲ ﻋﺎرﻳًﺎ إﱃ ﻗﻠﺐ اﻷرض .ﻣﺪدوﻧﻲ ﺑﺒﻂء وﻫﺪوء ﻋﲆ ﺻﺪر أﻣﻲ .اﻏﻤﺮوﻧﻲ ﺑﺎﻟﱰاب
اﻟﻨﺎﻋﻢ وأﻟﻘﻮا ﻣﻊ ﻛﻞ ﺣﻔﻨﺔ ﻗﺒﻀﺔ ﻣﻦ ﺑﺬور اﻟﺴﻮﺳﺎن واﻟﻴﺎﺳﻤني واﻟﻨﴪﻳﻦ ﻓﺘﻨﺒﺖ ﻋﲆ
ﻗﱪي ﻣﻤﺘﺼﺔ ﻋﻨﺎﴏ ﺟﺴﺪي ،وﺗﻨﻤﻮ ﻧﺎﴍة ﰲ اﻟﻬﻮاء راﺋﺤﺔ ﻗﻠﺒﻲ ،وﺗﺘﻌﺎﱃ راﻓﻌﺔ ﰲ وﺟﻪ
اﻟﺸﻤﺲ ﴎاﺋﺮ راﺣﺘﻲ ،وﺗﺘﻤﺎﻳﻞ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻣﺬﻛﺮة ﻋﺎﺑﺮ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻤﺎﴈ أﻣﻴﺎﱄ وأﺣﻼﻣﻲ،
اﺗﺮﻛﻮﻧﻲ اﻵن ﻳﺎ ﺑﻨﻲ أﻣﻲ ،اﺗﺮﻛﻮﻧﻲ وﺣﺪي أﺳري ﺑﺄﻗﺪام ﺧﺮﺳﺎء ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺴري اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﰲ
اﻷودﻳﺔ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ،دﻋﻮﻧﻲ وﺣﺪي وﺗﻔﺮﻗﻮا ﻋﻨﻲ ﺑﻬﺪوء ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺘﻔﺮق أزاﻫﺮ اﻟﻠﻮز واﻟﺘﻔﺎح
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺜﺮﻫﺎ أﻧﻔﺎس ﻧﻴﺴﺎن ،ارﺟﻌﻮا إﱃ ﻣﻨﺎزﻟﻜﻢ ﻓﺘﺠﺪوا ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ املﻮت أن
ﻳﺄﺧﺬه ﻣﻨﻲ وﻣﻨﻜﻢ ،اﺗﺮﻛﻮا ﻫﺬا املﻜﺎن ،ﻓﺎﻟﺬي ﺗﻄﻠﺒﻮﻧﻪ ﺻﺎر ﺑﻌﻴﺪًا ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ.
132
أﻏﺎﲏ — أﻏﻨﻴﺔ
ﰲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﴘ أﻏﻨﻴﺔ ﻻ ﺗﺮﺗﺪي اﻷﻟﻔﺎظ ﺛﻮﺑًﺎ ،أﻏﻨﻴﺔ ﺗﻘﻄﻦ ﺣﺒﺔ ﻗﻠﺒﻲ ،ﻓﻼ ﺗﺮﻳﺪ أن
ﺗﺴﻴﻞ ﻣﻊ اﻟﺤﱪ ﻋﲆ اﻟﻮرق ،وﺗﺤﻴﻂ ﺑﻌﻮاﻃﻔﻲ ﻛﻐﻼف ﺷﻔﺎف ،ﻓﻠﻦ ﺗﻨﺴﻜﺐ ﻋﲆ ﻟﺴﺎﻧﻲ
ﻛﺎﻟﺮﺿﺎب ،ﻛﻴﻒ أﺗﻨﻬﺪﻫﺎ وأﻧﺎ أﺧﺎف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ دﻗﺎﺋﻖ اﻷﺛري؟ وملﻦ أﻧﺸﺪﻫﺎ وﻗﺪ ﺗﻌﻮ ُ
ﱠدت
ُﺳﻜﻨﻰ ﺑﻴﺖ ﻧﻔﴘ ﻓﺄﺧﴙ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﻮﻧﺔ اﻵذان؟ إن ﻧﻈﺮت إﱃ ﻋﻴﻨﻲ رأﻳﺖ ﺧﻴﺎل
ﺧﻴﺎﻟﻬﺎ ،وإن ملﺴﺖ أﻃﺮاف أﺻﺎﺑﻌﻲ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻫﺘﺰازاﺗﻬﺎ ،أﻋﻤﺎل ﻳﺪي ﺗﺒﻴﻨﻬﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻌﻜﺲ
اﻟﺒﺤرية ملﻌﺎن اﻟﻨﺠﻢ ودﻣﻮﻋﻲ ﺗﺒﻴﺤﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺒﻴﺢ ﻗﻄﺮات اﻟﻨﺪى ﴎ زﻫﺮة اﻟﻮرد ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﺗﺒﻌﺜﺮﻫﺎ اﻟﺤﺮارة اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ وﻳﻄﻮﻳﻬﺎ اﻟﻀﺠﻴﺞ ،وﺗﺮددﻫﺎ اﻟﺤﻼم وﺗﺨﻔﻴﻬﺎ اﻟﻴﻘﻈﺔ ،ﻫﻲ
أﻏﻨﻴﺔ اﻟﺤﺐ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺄي إﺳﺤﺎق ﻳُﻨﺸﺪﻫﺎ ﺑﻞ أي داود ﻳﺮﺗﻠﻬﺎ؟ ﻫﻲ أﻋﺒﻖ ﻣﻦ أﻧﻔﺎس
زﻫﺮة اﻟﻴﺎﺳﻤني ،ﻓﺄﻳﺔ ﺣﻨﺠﺮة ﺗﺴﺘﻌﻴﺪﻫﺎ ،وأﺻﻮن ﻣﻦ ﴎ اﻟﻌﺬارى ﻓﺄﻳﺔ أوﺗﺎر ﺗﺴﺘﺒﻴﺤﻬﺎ؟
ﻣﻦ ﻳﺠﻤﻊ ﺑني ﻗﻮاﺻﻒ اﻟﺒﺤﺮ وﺗﻐﺮﻳﺪة اﻟﺒﻠﺒﻞ ،وﻳﻘﺮن اﻟﻌﻮاﺻﻒ ﺑﺘﻨﻬﺪة اﻟﻄﻔﻞ ،أي
ﺑَ ِ
َﴩيﱟ ﻳﻨﺸﺪ أﻏﻨﻴﺔ اﻵﻟﻬﺔ؟
أﻏﻨﻴﺔ اﳌﻮج
أﻧﺎ واﻟﺸﺎﻃﺊ ﻋﺎﺷﻘﺎن ،ﻳﺮﻗﺒﻬﻤﺎ اﻟﻬﻮى وﻳﻔﺼﻠﻬﻤﺎ اﻟﻬﻮاء ،أﺟﻲء ﻣﻦ وراء اﻟﺸﻔﻖ اﻷزرق
ﻛﻴﻤﺎ أﻣﺰج ﻓﻀﺔ زﺑﺪي ﺑﺬﻫﺐ ﻣﺎﻟﻪ ،وأﺑﺮد ﺣﺮارة ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺮﺿﺎﺑﻲ ،ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ أﺗﻠﻮ ﴍع
اﻟﻐﺮام ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻊ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻓﻴﻀﻤﻨﻲ إﱃ ﺻﺪره ،وﰲ املﺴﺎء أﺗﺮﻧﻢ ﺑﺼﻼة اﻟﺸﻮق ﻓﻴﻘﺒﻠﻨﻲ،
أﻧﺎ َﻟﺠُ ﻮجٌ ﺟَ ُﺰو ٌع وﺣﺒﻴﺒﻲ ﺣﻠﻴﻒ ﺻﱪ وأﻟﻴﻒ ﺗﺠ ﱡﻠﺪ ،ﻳﺄﺗﻲ املﺪ ﻓﺄﻋﺎﻧﻖ ﺣﺒﻴﺒﻲ ،وﻳﻌﻘﺒﻪ
اﻟﺠﺰر ﻓﺄﺗﺮاﻣﻰ ﻋﲆ أﻗﺪاﻣﻪ ،ﻛﻢ رﻗﺼﺖ ﺣﻮﱄ ﺑﻨﺎت اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ُﻛ ﱠﻦ ﻳﻄﻠﻌﻦ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎق
وﻳﺠﻠﺴﻦ ﻋﲆ اﻟﺼﺨﻮر ﻟﻴﺘﻔﺮﺟﻦ ﻋﲆ اﻟﻨﺠﻮم ،وﻛﻢ ﺳﻤﻌﺖ املﺤﺐ ﻳﺸﻜﻮ اﻟﻐﺮام ﻟﺬات
ﺣﺴﻦ ﻓﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﺄوﱡه واﻟﺘﻨﻬﱡ ﺪ ،وﻛﻢ ﻧﺎدﻣﺖ اﻟﺼﺨﻮر وﻫﻲ ﺟﺎﻣﺪة وداﻋﺒﺘﻬﺎ ﺿﺎﺣ ًﻜﺎ
وﻟﻢ ﺗﺒﺘﺴﻢ ،وﻛﻢ ﺧﻠﺼﺖ ﻣﻦ اﻟﻠﺠﺔ أﺟﺴﺎدًا وﺟﺌﺖ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻷﺣﻴﺎء ،وﻛﻢ ﴎﻗﺖ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎق
د ٍّرا أﻫﺪﻳﺘﻪ إﱃ رﺑﺎت اﻟﺠﻤﺎل!
ﰲ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﻖ املﺨﻠﻮﻗﺎت ﻃﻴﻒ اﻟﻜﺮى ،أﺳﻬﺮ ﻣﱰﻧﻤً ﺎ ﺗﺎرة ﻣﺘﻨﻬﺪًا
أﺧﺮى ،وﻳﺤﻲ ﻟﻘﺪ أﺗﻠﻔﻨﻲ اﻟﺴﻬﺮ ،وﻟﻜﻦ أﻧﺎ ﻣﺤﺐ وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺤﺐ ﻳﻘﻈﺔ ،ﻫﺬه ﺣﻴﺎﺗﻲ وذا
ﻣﺎ ﻋﺸﺖ أﺻﻨﻌﻪ.
أﻏﻨﻴﺔ اﳌﻄﺮ
أﻧﺎ ﺧﻴﻮط ﻓﻀﻴﺔ ﺗﻄﺮﺣﻨﻲ اﻵﻟﻬﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﺎﱄ ﻓﺘﺄﺧﺬﻧﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺗﻨﻤﻖ ﺑﻲ اﻷودﻳﺔ ،أﻧﺎ ﻵﻟﺊ
ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻧﺜﺮت ﻣﻦ ﺗﺎج ﻋﺸﱰوت ﻓﴪﻗﺘﻨﻲ اﺑﻨﺔ اﻟﺼﺒﺎح ورﺻﻌﺖ ﺑﻲ اﻟﺤﻘﻮل ،أﻧﺎ أﺑﻜﻲ
ﻓﺘﺒﺘﺴﻢ اﻟﻄﻠﻮل ،وأﺗﻀﻊ ﻓﱰﺗﻔﻊ اﻷزﻫﺎر ،اﻟﻐﻴﻤﺔ واﻟﺤﻘﻞ ﻋﺎﺷﻘﺎن وأﻧﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ رﺳﻮل
ﻣﺴﻌﻒ أﻧﻬﻤﻞ ﻓﺄﺑﺮد ﻏﻠﻴﻞ ﻫﺬا وأﺷﻔﻲ ﻋﻠﺔ ﺗﻠﻚ ،ﺻﻮت اﻟﺮﻋﺪ وأﺳﻴﺎف اﻟﱪق ﺗﺒﴩ
ﺑﻘﺪوﻣﻲ ،وﻗﻮس اﻟﻘﺰح ﻳﻌﻠﻦ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﻔﺮﺗﻲ ،ﻛﺬا اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺒﺘﺪئ ﺑني أﻗﺪام املﺎدة
ﻒ املﻮت اﻟﻬﺎدئ ،أﺻﻌﺪ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﺒﺤرية وأﺳري ﻋﲆ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻐﻀﺒﻰ وﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﲆ أ ُﻛ ﱢ
اﻷﺛري ،ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ رأﻳﺖ روﺿﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺳﻘﻄﺖ وﻗﻠﺒﺖ ﺛﻐﻮر أزاﻫﺮﻫﺎ وﻋﺎﻧﻘﺖ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ،ﰲ
اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ أﻃﺮق ﺑﺄﻧﺎﻣﲇ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺑﻠﻮر اﻟﻨﻮاﻓﺬ ﻓﺘﺆﻟﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﻧﻐﻤﺔ ﺗﻔﻘﻬﻬﺎ اﻟﻨﻔﻮس
اﻟﺤﺴﺎﺳﺔ ،ﺣﺮارة اﻟﻬﻮاء ﺗﻠﺪﻧﻲ وأﻧﺎ أﻗﺘﻞ ﺣﺮارة اﻟﻬﻮاء ،ﻛﺬا املﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻞ
ﺑﻘﻮة اﺳﺘﻤﺪﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ ،أﻧﺎ ﺗﻨﻬﺪة اﻟﺒﺤﺮ ،أﻧﺎ دﻣﻌﺔ اﻟﺴﻤﺎء ،أﻧﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺤﻘﻞ ،ﻛﺬا
اﻟﺤﺐ ﺗﻨﻬﺪة ﻣﻦ ﺑﺤﺮ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،ودﻣﻌﺔ ﻣﻦ ﺳﻤﺎء اﻟﺘﻔﻜﺮ ،واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﻞ اﻟﻨﻔﺲ.
أﻏﻨﻴﺔ اﳉﲈل
أﻧﺎ دﻟﻴﻞ اﻟﺤﺐ ،أﻧﺎ ﺧﻤﺮة اﻟﻨﻔﺲ ،أﻧﺎ ﻣﺄﻛﻞ اﻟﻘﻠﺐ ،أﻧﺎ وردة أﻓﺘﺢ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻨﺪ ﻓﺘﻮة اﻟﻨﻬﺎر،
ﻓﺘﺄﺧﺬﻧﻲ اﻟﺼﺒﻴﺔ وﺗﻘﻠﺒﻨﻲ وﺗﻀﻌﻨﻲ ﻋﲆ ﺻﺪرﻫﺎ ،أﻧﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﺴﻌﺎدة ،أﻧﺎ ﻣﺼﺪر اﻟﻔﺮح ،أﻧﺎ
ﻣﺒﺪأ اﻟﺮاﺣﺔ ،أﻧﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻲ ﻏﺎدة ،ﻳﺮاﻧﻲ اﻟﺸﺎب ﻓﻴﻨﴗ أﺗﻌﺎﺑﻪ ،وﺗﺼري
ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﴪح أﺣﻼم ﻟﺬﻳﺬة ،أﻧﺎ ﻣﻮﺣﻲ اﻟﺸﻌﺮاء وﻫﺎدي املﺼﻮﱢرﻳﻦ وﻣﻌﻠﻢ املﻮﺳﻴﻘﻴني ،أﻧﺎ
ﻧﻈﺮة ﰲ ﻋني ﻃﻔﻞ ﺗﺮاﻫﺎ اﻷم اﻟﺤﻨﻮﻧﺔ ﻓﺘﺴﺠﺪ وﺗﺼﲇ وﺗﻤﺠﺪ ﷲ ،ﺗﺠﻠﻴﺖ ﻵدم ﺑﺠﺴﻢ ﺣﻮاء
ﻓﺎﺳﺘﻌﺒﺪﺗﻪ ،وﻇﻬﺮت ﻟﺴﻠﻴﻤﺎن ﰲ َﻗ ﱢﺪ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﻓﺼريﺗﻪ ﺣﻜﻴﻤً ﺎ وﺷﺎﻋ ًﺮا ،اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻬﻴﻼﻧﺔ
ﻓﺨﺮﺑﺖ ﺗﺮوادة ،وﺗﻮﱠﺟﺖ ﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮا ﻓﻌﻢ اﻷﻧﺲ ﰲ وادي اﻟﻨﻴﻞ ،أﻧﺎ ﻛﺎﻟﺪﻫﺮ أﺑﻨﻲ اﻟﻴﻮم
وأﻫﺪم ﻏﺪًا ،أﻧﺎ ﷲ أﺣﻴﻲ وأﻣﻴﺖ ،أﻧﺎ أرق ﻣﻦ ﺗﻨﻬﺪة زﻫﺮة اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ ،أﻧﺎ أﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ،
أﻧﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،أﻧﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ وﻫﺬا ﺧري ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮﻧﻪ.
أﻏﻨﻴﺔ اﻟﺴﻌﺎدة
اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺒﻴﺒﻲ وأﻧﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ،أﺷﺘﺎق إﻟﻴﻪ وﻳﻬﻴﻢ ﺑﻲ ،وﻟﻜﻦ أوﱠاه! ﱄ ﰲ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﴍﻳﻜﺔ
ﺗﺸﻘﻴﻨﻲ وﺗﻌﺬﺑﻪ ،وﴐة ﻃﺎﻏﻴﺔ ﺗﺪﻋﻰ املﺎدة ﺗﺘﺒﻌﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﻧﺬﻫﺐ ،وﺗﻔﺮﻗﻨﺎ ﻛﺎﻟﺮﻗﻴﺐ ،أﻃﻠﺐ
ﱪﻳﱠ ِﺔ ﺗﺤﺖ اﻷﺷﺠﺎر وﺑﻘﺮب اﻟﺒﺤريات ﻓﻼ أﺟﺪه؛ ﻷن املﺎدة ﻗﺪ ﻏ ﱠﺮﺗْ ُﻪ وذﻫﺒﺖ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﰲ ا ْﻟ َ ﱢ
ﺑﻪ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﻔﺴﺎد واﻟﺸﻘﺎء ،أﻃﻠﺒﻪ ﰲ ﻣﻌﺎﻫﺪ املﻌﺮﻓﺔ وﰲ ﻫﻴﺎﻛﻞ اﻟﺤﻜﻤﺔ
ﻓﻼ أﺟﺪه؛ ﻷن املﺎدة … ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺪي اﻟﱰاب ﻗﺪ ﻗﺎدﺗﻪ إﱃ ﻣﻌﺎﻗﻞ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ﺣﻴﺚ
ﻳﻘﻄﻦ اﻻﻧﻬﻤﺎك ،أﻃﻠﺒﻪ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻓﻼ أﺟﺪه؛ ﻷن ﻋﻮدﺗﻲ ﻗﺪ ﻗﻴﱠﺪﺗﻪ ﰲ ﻣﻐﺎﺋﺮ اﻟﻄﻤﻊ
واﻟﴩاﻫﺔ ،أﻧﺎدﻳﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺒﺘﺴﻢ املﴩق ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻌﻨﻲ؛ ﻷن ﻛﺮى اﻻﺳﺘﻤﺴﺎك ﻗﺪ
أﺛﻘﻞ ﻋﻴﻨﻴﻪ ،أداﻋﺒﻪ ﰲ املﺴﺎء إذ ﺗﺴﻮد اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ وﺗﻨﺎم اﻷزﻫﺎر ﻓﻼ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﻲ؛ ﻷن اﻧﺸﻐﺎﻓﻪ
ﺑﻤﺂﺗﻲ اﻟﻐﺪ ﻳﺸﻐﻞ ﺿﻤريه ،ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻳﺤﺒﻨﻲ ،ﻳﻄﻠﺒﻨﻲ ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﻫﻮ ﻟﻦ ﻳﺠﺪﻧﻲ إﻻ ﰲ
أﻋﻤﺎل ﷲ ،ﻳﺮوم وﺻﺎﱄ ﰲ ﴏح املﺠﺪ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه ﻋﲆ ﺟﻤﺎﺟﻢ اﻟﻀﻌﻔﺎء وﺑني اﻟﺬﻫﺐ
واﻟﻔﻀﺔ ،وأﻧﺎ ﻻ أواﻓﻴﻪ إﻻ ﰲ ﺑﻴﺖ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ اﻟﺬي ﺑَﻨَﺘْ ُﻪ اﻵﻟﻬﺔ ﻋﲆ ﺿﻔﺔ ﺟﺪول اﻟﻌﻮاﻃﻒ،
ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻘﺒﻴﲇ أﻣﺎم اﻟﻄﻐﺎة واﻟﻘﺘﻠﺔ ،وأﻧﺎ ﻻ أدﻋﻪ ﻳﻠﺜﻢ ﺛﻐﺮي إﻻ ﰲ اﻟﻮﺣﺪة ﺑني أزﻫﺎر اﻟﻄﻬﺮ،
ﻄﺎ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ املﻨﺰه ،اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻄﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ وﻻ أﻃﻠﺐ وﺳﻴ ًﻳﺒﺘﻐﻲ اﻟﺤﻴﻠﺔ وﺳﻴ ً
ﺣﺒﻴﺒﻲ اﻟﴫاخ واﻟﻀﺠﻴﺞ ﻣﻦ ﻋﺪوﺗﻲ املﺎدة ،وأﻧﺎ ﺳﻮف أﻋ ﱢﻠﻤﻪ أن ﻳﺬرف دﻣﻌﺔ اﺳﺘﻌﻄﺎف
ﻣﻦ ﻋني ﻧﻔﺴﻪ ،وﻳﺘﻨﻬﺪ ﺗﻨﻬﺪة اﺳﺘﻜﻔﺎء ،ﺣﺒﻴﺒﻲ ﱄ وأﻧﺎ ﻟﻪ.
أﻧﺸﻮدة اﻟﺰﻫﺮة
أﻧﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻘﻮﻟﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺛﻢ ﺗﺴﱰدﻫﺎ وﺗﺨﻔﻴﻬﺎ ﻃﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻟﻬﺎ ،أﻧﺎ ﻧﺠﻢ ﻫﺒﻂ ﻣﻦ
ﱠ
وﺗﻤﺨﺾ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻴﻤﺔ اﻟﺰرﻗﺎء ﻋﲆ ﺑﺴﺎط أﺧﴬ ،أﻧﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺘﻲ ﺣﺒﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﺘﺎء
اﻟﺮﺑﻴﻊ ورﺑﺎﻫﺎ اﻟﺼﻴﻒ وﻧﻮﻣﻬﺎ اﻟﺨﺮﻳﻒ ،أﻧﺎ ﻫﺪﻳﺔ املﺤﺒني ،أﻧﺎ إﻛﻠﻴﻞ اﻟﻌﺮس ،أﻧﺎ آﺧﺮ
ﻋﻄﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻲ إﱃ ﻣﻴﺖ ،ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح أﺗﻌﺎون واﻟﻨﺴﻴﻢ ﻋﲆ إﻋﻼن ﻣﺠﻲء اﻟﻨﻮر ،وﰲ املﺴﺎء
أﺷﱰك ﻣﻊ اﻟﻄﻴﻮر ﺑﻮادﻋﺔ ،أﺗﻤﺎﻳﻞ ﰲ اﻟﺴﻬﻮل ﻓﺄزﻳﻨﻬﺎ ،وأﺗﻨﻔﺲ ﰲ اﻟﻬﻮاء ﻓﺄﻋﻄﺮه ،أﺿﻢ
اﻟﻜﺮى ﻓﱰﻣﻘﻨﻲ ﻋﻴﻮن اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪة ،وأﻃﻠﺐ اﻟﻴﻘﻈﺔ ﻷﺣﺪق ﺑﻌني اﻟﻨﻬﺎر اﻟﻮﺣﻴﺪة ،أﻧﺎ
أﴍب ﺧﻤﺮة اﻟﻨﺪى ،وأﺳﻤﻊ أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﺤﺎرﻳﺮ ،وأرﻗﺺ ﻋﲆ ﺗﺼﻔﻴﻖ اﻷﻋﺸﺎب ،أﻧﺎ أﻧﻈﺮ
إﱃ اﻟﻌﻠﻮ داﺋﻤً ﺎ ﻛﻲ أرى اﻟﻨﻮر وﻻ أرى ﺧﻴﺎﱄ ،وﻫﺬه ﺣﻜﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻤﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ.
ﻧﺸﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن
﴿ َو ُﻛﻨﺘُ ْﻢ أَﻣْ ﻮَاﺗًﺎ َﻓﺄَﺣْ ﻴَﺎ ُﻛ ْﻢ ﺛ ُ ﱠﻢ ﻳُﻤِ ﻴﺘُ ُﻜ ْﻢ ﺛ ُ ﱠﻢ ﻳُﺤْ ِﻴﻴ ُﻜ ْﻢ ﺛ ُ ﱠﻢ إ ِ َﻟﻴْ ِﻪ ﺗُ ْﺮﺟَ ﻌُ َ
ﻮن﴾
)اﻟﻘﺮآن اﻟﴩﻳﻒ(
أﻧﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺬ اﻷزل ،وﻫﺄﻧﺬا ،وﺳﺄﻛﻮن إﱃ آﺧﺮ اﻟﺪﻫﺮ وﻟﻴﺲ ﻟﻜﻴﺎﻧﻲ اﻧﻘﻀﺎء ،ﺳﺒﺤﺖ ﰲ
ﻓﻀﺎء اﻟﻼﻧﻬﺎﻳﺔ وﻃﺮت ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻴﺎل واﻗﱰﺑﺖ ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﻨﻮر اﻷﻋﲆ ،وﻫﺎ أﻧﺎ اﻵن ﺳﺠني
املﺎدة ،ﺳﻤﻌﺖ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ﻛﻨﻔﻮﺷﻴﻮس وأﺻﻐﻴﺖ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﺮﻫﻤﺎ وﺟﻠﺴﺖ ﺑﻘﺮب ﺑﻮذا ﺗﺤﺖ
ﺷﺠﺮة املﻌﺮﻓﺔ ،وﻫﺎ أﻧﺎ اﻵن أﻏﺎﻟﺐ اﻟﺠﻬﻞ واﻟﺠﺤﻮد ،ﻛﻨﺖ ﻋﲆ اﻟﻄﻮر إذ ﺗﺠﲆ »ﻳﻬﻮه«
ملﻮﳻ ،وﰲ ﻋﱪ اﻷردن ﻓﺮأﻳﺖ ﻣﻌﺠﺰات اﻟﻨﺎﴏي ،وﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﺴﻤﻌﺖ أﻗﻮال رﺳﻮل اﻟﻌﺮب،
وﻫﺎ أﻧﺎ اﻵن أﺳري اﻟﺤرية ،ﺷﺎﻫﺪت ﻗﻮات ﺑﺎﺑﻞ وﻣﺠﺪ ﻣﴫ وﻋﻈﻤﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎن ،وﻟﻢ أزل أرى
اﻟﻀﻌﻒ واﻟﺬل واﻟﺼﻐﺮ ﺑﺎدﻳﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ،ﺟﺎﻟﺴﺖ ﺳﺤﺮة ﻋني دور وﻛﻬﻨﺔ
أﺷﻮر وأﻧﺒﻴﺎء ﻓﻠﺴﻄني وﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ أﻧﺸﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺣﻔﻈﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﲆ اﻟﻬﻨﺪ،
واﺳﺘﻈﻬﺮت اﻟﺸﻌﺮ املﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻗﻠﻮب ﺳﻜﺎن ﺟﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب ،ووﻋﻴﺖ املﻮﺳﻴﻘﻰ املﺘﺠﺴﻤﺔ
ﻣﻦ ﻋﻮاﻃﻒ أﻫﻞ املﻐﺮب ،وﻣﺎ زﻟﺖ أﻋﻤﻰ ﻻ أرى ،وأﺻﻢ ﻻ أﺳﻤﻊ ،اﺣﺘﻤﻠﺖ ﻗﺴﺎوة اﻟﻔﺎﺗﺤني
اﻟﻄﺎﻣﻌني ،وﻗﺎﺳﻴﺖ ﻇﻠﻢ اﻟﺤﻜﺎم املﺴﺘﺒﺪﻳﻦ ،وﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻷﻗﻮﻳﺎء اﻟﺒﺎﻏني ،وﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ذا ﻗﻮة
أﻛﺎﻓﺢ ﺑﻬﺎ اﻷﻳﺎم ،ﺷﺎﻫﺪت وﺳﻤﻌﺖ ﻛﻞ ذﻟﻚ وأﻧﺎ ﻃﻔﻞ ،وﻟﺴﻮف أﺷﺎﻫﺪ وأﺳﻤﻊ أﻋﻤﺎل
اﻟﺸﺒﻴﺒﺔ وﻣﺂﺗﻴﻬﺎ ،وﻟﺴﻮف أﺷﻴﺦ وأﺑﻠﻎ اﻟﻜﻤﺎل وأرﺟﻊ إﱃ ﷲ ،أﻧﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺬ اﻷزل ،وﻫﺄﻧﺬا،
وﺳﺄﻛﻮن إﱃ آﺧﺮ اﻟﺪﻫﺮ وﻟﻴﺲ ﻟﻜﻴﺎﻧﻲ اﻧﻘﻀﺎء.
ﺻﻮت اﻟﺸﺎﻋﺮ
١
اﻟﻘﻮة ﺗﺰرع ﰲ أﻋﻤﺎق ﻗﻠﺒﻲ ،وأﻧﺎ أﺣﺼﺪ وأﺟﻤﻊ اﻟﺴﻨﺎﺑﻞ وأﻋﻄﻴﻬﺎ أﻏﻤﺎ ًرا ﻟﻠﺠﺎﺋﻌني ،اﻟﺮوح
ﻳﺤﻴﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﻔﻨﺔ وأﻧﺎ أﻋﴫ ﻋﻨﺎﻗﻴﺪﻫﺎ وأﺳﻘﻴﻬﺎ ﻟﻠﻈﺎﻣﺌني ،اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻤﻸ ﻫﺬا اﻟﴪاج زﻳﺘًﺎ
وأﻧﺎ أﻧريه وأﺿﻌﻪ ﰲ ﻧﺎﻓﺬة ﺑﻴﺘﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﰲ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﻠﻴﻞ ،أﻧﺎ ﻓﺎﻋﻞ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء
ﺑﻨﺒﻲ
ﱟ ﻷﻧﻨﻲ أﺣﻴﺎ ﺑﻬﺎ ،وإذا ﻣﻨﻌﺘﻨﻲ اﻷﻳﺎم وﻏﻠﺖ ﻳﺪي اﻟﻠﻴﺎﱄ ﻃﻠﺒﺖ املﻮت ،ﻓﺎملﻮت أﺧﻠﻖ
ﻣﻨﺒﻮذ ﰲ أﻣﺘﻪ ،وﺷﺎﻋﺮ ﻏﺮﻳﺐ ﺑني أﻫﻠﻪ ،اﻟﺒﴩ ﻳﻀﺠﻮن ﻛﺎﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،وأﻧﺎ أﺗﻨﻬﺪ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ
ﻷﻧﻲ وﺟﺪت ﻋﻨﻒ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻳﺰول وﺗﺒﺘﻠﻌﻪ ﻟُﺠﱠ ُﺔ اﻟﺪﻫﺮ ،أﻣﺎ اﻟﺘﻨﻬﺪة ﻓﺘﺒﻘﻰ ﺑﺒﻘﺎء ﷲ،
اﻟﺒﴩ ﻳﻠﺘﺼﻘﻮن ﺑﺎملﺎدة اﻟﺒﺎردة ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ ،وأﻧﺎ أﻃﻠﺐ ﺷﻌﻠﺔ املﺤﺒﺔ ﻷﺿﻤﻬﺎ إﱃ ﺻﺪري ﻓﺘﺄﻛﻞ
ﺿﻠﻮﻋﻲ وﺗﱪي أﺣﺸﺎﺋﻲ؛ ﻷﻧﻲ أﻟﻔﻴﺖ املﺎدة ﺗﻤﻴﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻼ أﻟﻢ ،واملﺤﺒﺔ ﺗﺤﻴﻴﻪ ﺑﺎﻷوﺟﺎع،
اﻟﺒﴩ ﻳﻨﻘﺴﻤﻮن إﱃ ﻃﻮاﺋﻒ وﻋﺸﺎﺋﺮ وﻳﻨﺘﻤﻮن إﱃ ﺑﻼد وأﺻﻘﺎع ،وأﻧﺎ أرى ذاﺗﻲ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﰲ
ﺑﻠﺪ واﺣﺪ وﺧﺎرﺟً ﺎ ﻋﻦ أﻣﺔ واﺣﺪة ،ﻓﺎﻷرض ﻛﻠﻬﺎ وﻃﻨﻲ ،واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻋﺸريﺗﻲ؛ ﻷﻧﻲ
ﺿﻌﻴﻔﺎ وﻣﻦ اﻟﺼﻐﺮ أن ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻋﲆ ذاﺗﻪ ،واﻷرض ﺿﻴﻘﺔ وﻣﻦ اﻟﺠﻬﻞ أن ً وﺟﺪت اﻹﻧﺴﺎن
ﺗﺘﺠ ﱠﺰأ إﱃ ﻣﻤﺎﻟﻚ وإﻣﺎرات ،اﻟﺒﴩ ﻳﺘﻜﺎﺗﻔﻮن ﻋﲆ ﻫﺪم ﻫﻴﺎﻛﻞ اﻟﺮوح وﻳﺘﻌﺎوﻧﻮن ﻋﲆ ﺑﻨﺎء
ﻣﻌﺎﻫﺪ اﻟﺠﺴﺪ ،وأﻧﺎ وﺣﺪي واﻗﻒ ﰲ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺮﺛﺎء ،ﻋﲆ أﻧﻨﻲ أﺻﻐﻲ ﻓﺄﺳﻤﻊ ﻣﻦ داﺧﲇ
ﺻﻮت اﻷﻣﻞ ً
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺤﻴﻲ املﺤﺒﺔ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺒﴩي ﺑﺎﻷوﺟﺎع ،ﻛﺬا ﺗﻌﻠﻤﻪ اﻟﻐﺒﺎوة ﺳﺒﻞ
املﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﺎﻷوﺟﺎع واﻟﻐﺒﺎوة ﺗﺆول إﱃ ﻟﺬة ﻋﻈﻴﻤﺔ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﻷن اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﴪﻣﺪﻳﺔ ﻟﻢ
ﺗﺨﻠﻖ ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﺎﻃﻼ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ«.
دﻣﻌﺔ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
٢
أﺣﻦ إﱃ ﺑﻼدي ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ،وأﺣﺐ ﺳﻜﺎن ﺑﻼدي ﻟﺘﻌﺎﺳﺘﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ إذا ﻣﺎ ﻫﺐ ﻗﻮﻣﻲ ﻣﺪﻓﻮﻋني
ﺑﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ وﻃﻨﻴﺔ ،وزﺣﻔﻮا ﻋﲆ وﻃﻦ ﻗﺮﻳﺒﻲ وﺳﻠﺒﻮا أﻣﻮاﻟﻪ وﻗﺘﻠﻮا رﺟﺎﻟﻪ وﻳﺘﱠﻤﻮا أﻃﻔﺎﻟﻪ
ورﻣﻠﻮا ﻧﺴﺎءه ،وﺳﻘﻮا أرﺿﻪ دﻣﺎء ﺑﻨﻴﻪ وأﺷﺒﻌﻮا ﺿﻮارﻳﻪ ﻟﺤﻮم ﻓﺘﻴﺎﻧﻪ ،ﻛﺮﻫﺖ إذ ذاك
ﺑﻼدي وﺳﻜﺎن ﺑﻼدي.
ﱢﻴﺖ ﻓﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ إذا ﻣَ ﱠﺮ ﻋﺎﺑﺮ ﻃﺮﻳﻖ أﺗﺸﺒﺐ ﺑﺬﻛﺮ ﻣﺴﻘﻂ رأﳼ ،وأﺷﺘﺎق إﱃ ﺑﻴﺖ ُرﺑ ُ
وﻃﻠﺐ ﻣﺄوى ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ وﻗﻮﺗًﺎ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻧﻪ وﻣﻨﻊ ﻣﻄﺮودًا ،اﺳﺘﺒﺪﻟﺖ ﺗﺸﺒﻴﺒﻲ ﺑﺎﻟﺮﺛﺎء
ﺑﺎﻟﺴﻠُ ﱢﻮ وﻗﻠﺖ ﺑﺬاﺗﻲ :إن اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﻳﻀﻦ ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ ﻋﲆ ﻣﺤﺘﺎﺟﻪ وﺑﺎﻟﻔﺮاش ﻋﲆ وﺷﻮﻗﻲ ﱡ
ﻃﺎﻟﺒﻪ ،ﻟﻬﻮ أﺣﻖ اﻟﺒﻴﻮت ﺑﺎﻟﻬﺪم واﻟﺨﺮاب ،أﺣﺐ ﻣﺴﻘﻂ رأﳼ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻟﺒﻼدي،
وأﺣﺐ ﺑﻼدي ﺑﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻷرض وﻃﻨﻲ ،وأﺣﺐ اﻷرض ﺑﻜﻠﻴﺘﻲ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
روح اﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ﻋﲆ اﻷرض ،ﺗﻠﻚ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻗﻔﺔ ﺑني اﻟﺨﺮاﺋﺐ ،اﻟﺴﺎﺗﺮة ﻗﺎﻣﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎرﻳﺔ
ﺑﺎﻷﻃﻤﺎر اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ اﻟﺬارﻓﺔ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺴﺨﻴﻨﺔ ﻋﲆ وﺟﻨﺘﻴﻬﺎ اﻟﺬاﺑﻠﺘني ،املﻨﺎدﻳﺔ أﺑﻨﺎءﻫﺎ ﺑﺼﻮت
وﻋﻮﻳﻼ ،وأﺑﻨﺎؤﻫﺎ املﺸﻐﻮﻟني ﻋﻦ ﻧﺪاﺋﻬﺎ ﺑﺄﻏﺎﻧﻲ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،ﻣﻨﴫﻓﻮن ﻋﻦ ً ﻳﻤﻸ اﻷﺛري أﻧ ﱠ ًﺔ
دﻣﻮﻋﻬﺎ ﺑﺼﻘﻞ اﻟﺴﻴﻮف ،ﺗﻠﻚ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﺗﺴﺘﻐﻴﺚ ﺑﺎﻟﻘﻮم وﻫﻢ ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻮن،
وإن ﺳﻤﻌﻬﺎ ﻓﺮد واﻗﱰب ﻣﻨﻬﺎ وﻣﺴﺢ دﻣﻮﻋﻬﺎ وﻋﺰاﻫﺎ ﰲ ﺷﺪاﺋﺪﻫﺎ ﻗﺎل اﻟﻘﻮم :اﺗﺮﻛﻮه
ﻓﺎﻟﺪﻣﻮع ﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﺑﻐري اﻟﻀﻌﻴﻒ .اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ روح اﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ﻋﲆ اﻷرض ،ﺗﻠﻚ اﻷﻟﻮﻫﻴﺔ
اﻟﺴﺎﺋﺮة ﺑني اﻷﻣﻢ ،املﺘﻜﻠﻤﺔ ﺑﺎملﺤﺒﺔ ،املﺸرية إﱃ ﺳﺒﻞ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻨﺎس ﻳﻀﺤﻜﻮن ﻣﺴﺘﻬﺰﺋني
ﺑﺄﻗﻮاﻟﻬﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ اﻟﻨﺎﴏي ﻓﺼﻠﺒﻮه ،وﺳﻘﺮاط ﻓﺴﻤﻮه ،واﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻬﺎ
اﻟﻴﻮم اﻟﻘﺎﺋﻠﻮن ﺑﺎﻟﻨﺎﴏي وﺳﻘﺮاط وﺟﺎﻫﺮوا ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس ،واﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻘﺪرون ﻋﲆ
ﻗﺘﻠﻬﻢ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺴﺨﺮون ﺑﻬﻢ ﻗﺎﺋﻠني :اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ أﻗﴗ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ وأَﻣَ ﱡﺮ ،وﻟﻢ ﺗﻘ َﻮ أورﺷﻠﻴﻢ
ﻋﲆ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺎﴏي ﻓﻬﻮ ﺣﻲ إﱃ اﻷﺑﺪ ،وﻻ أﺛﻴﻨﺎ ﻋﲆ إﻋﺪام ﺳﻘﺮاط ﻓﻬﻮ ﺣﻲ إﱃ اﻷﺑﺪ ،وﻟﻦ
ﺗﻘﻮى اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﺗﺎﺑﻌﻲ أﻗﺪام اﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ،ﻓﺴﻴﺤﻴﻮن إﱃ اﻷﺑﺪ … إﱃ
اﻷﺑﺪ.
148
ﺻﻮت اﻟﺸﺎﻋﺮ
٣
أﻧﺖ أﺧﻲ وﻛﻼﻧﺎ اﺑﻦ روح واﺣﺪ ﻗﺪوس ﻛﲇ ،وأﻧﺖ ﻣﻤﺎﺛﲇ ﻷﻧﻨﺎ ﺳﺠﻴﻨﺎ ﺟﺴﺪﻳﻦ ﺟُ ِﺒ َﻼ ﻣﻦ
ﻃﻴﻨﺔ واﺣﺪة ،وأﻧﺖ رﻓﻴﻘﻲ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻴﺎة وﻣﺴﻌﻔﻲ ﰲ إدراك ُﻛﻨ ْ ِﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ املﺴﺘﱰة
وراء اﻟﻐﻴﻮم ،أﻧﺖ إﻧﺴﺎن وﻗﺪ أﺣﺒﺒﺘﻚ ﻳﺎ أﺧﻲ ،ﻗﻞ ﻋﻨﻲ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﻟﻐﺪ ﻳﻘﴤ ﻋﻠﻴﻚ،
وﻳﻜﻮن ﻗﻮﻟﻚ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﻇﺎﻫﺮة أﻣﺎم ﺣﻜﻤﻪ ،وﺑﻴﱢﻨﺔ ﺻﺎﺋﺒﺔ ﻟﺪى ﻋﺪﻟﻪ ،ﺧﺬ ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻓﻠﺴﺖ
ﺑﺴﺎﻟﺐ ﻏري ﻣﺎل ﻟﻚ اﻟﺤﻖ ﺑﻘﺴﻢ ﻣﻨﻪ ،وﻋﻘﺎر اﺳﺘﺄﺛﺮت ﺑﻪ ملﻄﺎﻣﻌﻲ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺧﻠﻴﻖ ﺑﺒﻌﻀﻪ
إن ﻛﺎن ﻳﺮﺿﻴﻚ ﺑﻌﻀﻪ.
149